الكتاب: رسائل فقهية
المؤلف: الشيخ الأنصاري
الجزء:
الوفاة: ١٢٨١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ربيع الأول ١٤١٤
المطبعة: باقري - قم
الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري
ردمك:
ملاحظات: هذا المجلد يشتمل على عدة كتب

رسائل فقهية
تعريف الكتاب 1

المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية
لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
رسائل فقهية
للشيخ الأعظم أستاذ الفقهاء والمجتهدين
الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره)
اعداد
لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
تعريف الكتاب 3

الكتاب: رسائل فقهية
المؤلف: الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري " قدس سره "
تحقيق: لجنة التحقيق
الطبعة: الأولى - ربيع الأول 1414
صف الحروف: مؤسسة الكلام - قم
الليتوغراف: تيزهوش - قم
المطبعة: باقري - قم
الكمية المطبوعة: 2000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة
للأمانة العامة للمؤتمر المئوي للشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره
تعريف الكتاب 4

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة 5

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله
الطيبين الطاهرين.
لم تكن الثورة الاسلامية بقيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه حدثا سياسيا
تتحدد آثاره التغييرية بحدود الأوضاع السياسية إقليمية أو عالمية، بل
كانت وبدليل التغييرات الجذرية التي أعقبتها في القيم والبنى الحضارية
التي شيد عليها صرح الحياة الانسانية في عصرها الجديد حدثا حضاريا
إنسانيا شاملا حمل إلى الأسنان المعاصر رسالة الحياة الحرة الكريمة التي
بشر بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على مدى التأريخ وفتح أمام تطلعات
الانسان الحاضر أفقا باسما بالنور والحياة، والخير والعطاء.
وكان من أولى نتائج هذا التحول الحضاري الثورة الثقافية الشاملة التي
شهدها مهد الثورة الاسلامية إيران والتي دفعت بالمسلم الإيراني إلى
اقتحام ميادين الثقافة والعلوم بشتى فروعها، وجعلت من إيران، ومن قم
المقدسة بوجه خاص عاصمة للفكر الاسلامي وقلبا نابضا بثقافة القرآن
المقدمة 7

وعلوم الاسلام.
ولقد كانت تعاليم الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه ووصاياه وكذا
توجيهات قائد الثورة الاسلامية وولي أمر المسلمين آية الله الخامنئي
المصدر الأول الذي تستلهم الثورة الثقافية منه دستورها ومنهجها ولقد
كانت الثقافة الاسلامية بالذات على رأس اهتمامات الإمام الراحل رضوان الله
عليه وقد أولاها سماحة آية الله الخامنئي حفظه الله تعالى رعايته الخاصة، فكان
من نتائج ذاك التوجيه وهذه الرعاية ظهور آفاق جديدة من التطور في
مناهج الدراسات الاسلامية بل ومضامينها، وانبثاق مشاريع وطروح
تغييرية تتجه إلى تنمية وتطوير العلوم الاسلامية ومناهجها بما يتناسب
مرحلة الثورة الاسلامية وحاجات الانسان الحاضر وتطلعاته.
وبما أن العلوم الاسلامية حصيلة الجهود التي بذلها عباقرة الفكر
الاسلامي في مجال فهم القرآن الكريم والسنة الشريفة فقد كان من أهم ما
تتطلبه عملية التطوير العلمي في الدراسات الاسلامية تسليط الأضواء على
حصائل آراء العباقرة والنوابغ الأولين الذين تصدروا حركة البناء العلمي
لصرح الثقافة الاسلامية، والقيام بمحاولة جادة وجديدة لعرض آرائهم
وأفكارهم على طاولة البحث العلمي والنقد الموضوعي، ودعوة أصحاب
الرأي والفكر المعاصرين إلى دراسة جديدة وشاملة لتراث السلف الصالح
من بناة الصرح الشامخ للعلوم والدراسات الاسلامية ورواد الفكر الاسلامي
وعباقرته.
وبما أن الإمام المجدد الشيخ الأعظم الأنصاري قدس الله نفسه يعتبر الرائد
الأول للتجديد العلمي في القرآن الأخير في مجالي الفقه والأصول - وهما
من أهم فروع الدراسات الاسلامية - فقد قرر سماحة قائد الثورة الاسلامية
المقدمة 8

آية الله الخامنئي أن تقوم منظمة الاعلام الاسلامي بمشروع إحياء الذكرى
المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره وليتم من خلال هذا
المشروع عرض مدرسة الشيخ الأنصاري الفكرية في شتى أبعادها وعلى
الخصوص إبداعات هذه المدرسة وإنتاجاتها المتميزة التي جعلت منها
المدرسة الأم لما تلتها من مدارس فكرية كمدرسة الميرزا الشيرازي
والآخوند الخراساني والمحقق النائيني والمحقق العراقي والمحقق
الأصفهاني وغيرهم منم زعماء المدارس الفكرية الحديثة على صعيد الفقه
الاسلامي وأصوله.
وتمهيدا لهذا المشروع فقد ارتأت الأمانة العامة لمؤتمر الذكرى المئوية
الثانية لميلاد الشيخ الأعظم الأنصاري أن تقوم لجنة مختصة من فضلاء
الحوزة العلمية بقم المقدسة بمهمة إحياء تراث الشيخ الأنصاري وتحقيق
تركته العلمية وإخراجها بالأسلوب العلمي اللائق وعرضها لرواد الفكر
الاسلامي والمكتبة الاسلامية بالطريقة التي تسهل للباحثين الاطلاع على
فكر الشيخ الأنصاري ونتاجه العلمي العظيم.
والأمانة العامة لمؤتمر الشيخ الأنصاري إذ تشكر الله سبحانه وتعالى على
هذا التوفيق تبتهل إليه في أن يديم ظل قائد الثورة الاسلامية ويحفظه
للاسلام ناصرا وللمسلمين رائدا وقائدا وأن يتقبل من العاملين في لجنة
التحقيق جهدهم العظيم في سبيل إحياء تراث الشيخ الأعظم الأنصاري
وأن يمن عليهم بأضعاف من الأجر والثواب.
منظمة الاعلام الاسلامي
الأمانة العامة لمؤتمر الشيخ الأنصاري
المقدمة 9

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله
الطاهرين.
أما بعد:
فعلى كثرة ما كتب ويكتب في الفقه - بجميع مجالاته ونطاقاته وعلى مر
الزمن - لا زالت مؤلفات الشيخ الأعظم قدس سره تتصدر سائر المؤلفات، لما
تضمنته من التحقيقات الراقية، والنكات الدقيقة، فلا يخلو ما كتبه قدس سره من
ذلك مهما كانت الكتابة، ومتى كان زمن كتابتها.
ومما كتبه قدس سره مجموعة رسائل فقهية في مواضيع شتى، وقد جمعنا
سبعا منها في الكتاب الحاضر وسميناه ب‍ (رسائل فقهية). وهناك رسائل
أخرى رأينا من المناسب أن نفرد لها حلا آخر، كما جعلنا رسالة الميراث
ومنجزات المريض مع الوصايا، والمصاهرة والرضاع مع النكاح.
ونحن إذ نقدم هذه المجموعة نشكر الله سبحانه أن وفقنا لانجاز هذه
الحلقة من تراث الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره الذي حملتنا الأمانة
المقدمة 11

العامة لمؤتمر الشيخ الأنصاري قدس سره مسؤولية القيام به.
خصوصيات النسخ المعتمد عليها:
والنسخ المعتمدة في تصحيح هذه الرسائل هي كالآتي:
أولا - نسخة (ع):
وهي نسخة من المكاسب (أو المتاجر) مطبوعة بالطبعة الحجرية
استنسخت بيد ال‍ (مولى زين العابدين الخوانساري) عام (1304 ه‍ ق)
ويبدو أنها مصححة وهي تشتمل - إضافة على كتاب المكاسب - على
الرسائل التالية:
1 - التقية. 2 - العدالة. 3 - القضاء عن الميت. 4 - المواسعة والمضايقة.
5 - قاعدة من ملك. 6 - قاعدة نفي الضرر. 7 - الوصايا. 8 - النكاح.
9 - الرضاع. 10 - المواريث. 11 - صلاة الجماعة.
ثانيا - نسخة (ن):
وهي نسخة من المكاسب أيضا مطبوعة بالطبعة الحجرية عام (1286 ه‍
ق) أي خمس سنوات بعد وفاة الشيخ قدس سره. وقد امتازت النسخة التي
بأيدينا من هذه الطبعة بأنها صححت على يد أحد العلماء المبرزين قدس سره،
وقد تفضل بمصورتها سماحة العلامة الأستاذ السيد عزيز الطباطبائي فله
جزيل الشكر.
والرسائل المطبوعة ضمن هذه النسخة - إضافة على المكاسب - هي:
1 - التقية. 2 - العدالة. 3 - القضاء عن الميت. 4 - المواسعة والمضايقة.
5 - قاعدة نفي الضرر.
ثالثا - نسخة صلى الله عليه وآله:
وهي نسخة من المكاسب أيضا مطبوعة بالطبعة الحجرية ببلدة إصفهان
المقدمة 12

عام (1326 ه‍ ق) وتمتاز هذه الطبعة باشتمالها على حواشي الفقهاء العظام
كالكاظمين الخراساني واليزدي وغيرهما من الفقهاء قدس سرهم ويبدو أنها
مصححة على يد بعض العلماء. وهي تشتمل - مضافا على المكاسب - على
الرسائل والكتب التالية:
1 - التقية. 2 - العدالة. 3 - الصلاة عن الميت. 4 - المواسعة والمضايقة.
5 - قاعدة من ملك. 6 - قاعدة لا ضرر. 7 - كتاب الوصايا. 8 - كتاب
النكاح. 9 - الرضاع. 10 - المصاهرة. 11 - المواريث. 12 - صلاة الجماعة.
رابعا - نسخة (ش):
وهي نسخة من المكاسب مطبوعة بالطبعة الحجرية أيضا عام (1375
ه‍ ق) وكانت مقترنة في بعض طبعاتها بشرح الشهيدي ولذلك عرفت بطبعة
الشهيدي، وهي أكثر تداولا من غيرها فعلا. وقد اشتملت - مضافا إلى
المكاسب - على الرسائل التالية:
1 - التقية. 2 - العدالة. 3 - القضاء عن الميت. 4 - المواسعة والمضايقة.
5 - قاعدة من ملك. 6 - قاعدة لا ضرر. 7 - الرضاع. 8 - المصاهرة.
9 - الإرث.
خامسا - نسخة (ج):
وهي نسخة من كتاب الطهارة مطبوعة بالطبعة الحجرية عام (1298
ه‍ ق) وهي أكثر خطأ من غيرها. وتحتوي - مضافا إلى كتاب الطهارة -
على الكتب والرسائل التالية:
1 - التقية. 2 - العدالة. 3 - القضاء عن الميت. 4 - المواسعة والمضايقة.
5 - قاعدة من ملك. 6 - قاعدة نفي الضرر. 7 - كتاب الزكاة. 8 - كتاب
الخمس. 9 - كتاب الصوم.
المقدمة 13

سادسا - نسخة (د):
وهي مجموعة خطية موجودة في مكتبة جامعة طهران برقم (6596)
تحتوي على الرسائل التالية:
1 - المواسعة والمضايقة. 2 - العدالة. 3 - منجزات المريض. 4 - القضاء
عن الميت. 5 - التقية.
وقد تقدمت بمصورتها المكتبة مشكورة.
والذي تجدر الإشارة إليه - هنا - هو: أن رسالة منجزات المريض
الموجودة ضمن هذه الرسائل لم يثبت لنا صحة انتسابها للشيخ فعلا، ولعله
يمكننا إثبات ذلك أو نفيه في فرصة مناسبة إن شاء الله. ولكن هناك رسالة
أخرى في منجزات المريض بخط الشيخ قدس سره سوف تطبع مع الوصايا إن
شاء الله تعالى.
كانت هذه مجموعة النسخ التي اعتمد عليها المحققون في تصحيح
الرسائل المطبوعة في هذا الكتاب.
والآن نشير إلى كل رسالة ومن قام بتحقيقها بحسب ترتيب طبعها في
الكتاب.
أولا - رسالة العدالة:
قام بتحقيق الرسالة صاحب الفضيلة سماحة حجة الاسلام والمسلمين
الشيخ صادق الكاشاني
والنسخ التي اعتمد عليها في التحقيق هي نسخ (ع) وصلى الله عليه وآله و (ش)
و (ج) و (د).
ثانيا - رسالة التقية:
حققها سماحة الأخ الفاضل حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد رضا
المقدمة 14

الأنصاري.
وقد اعتمد في التحقيق على نسختي صلى الله عليه وآله و (ش) وراجع نسخة (د)
ولكن لم يعتمد عليها لكثرة الأخطاء فيها، وأما النسخ الأخرى فلم ير
ضرورة لضبط اختلافاتها.
ثالثا - رسالة (لا ضرر):
قام بتحقيقها سماحة صاحب الفضيلة حجة الاسلام والمسلمين السيد
منذر الحكيم.
وقد اعتمد في تحقيق الرسالة على النسخ التالية: (ن) و (ش) وصلى الله عليه وآله
و (م).
والمقصود من نسخة (م) نسخة مخطوطة في مكتبة (ملك) في طهران
برقم (1 - 6479) وقد قام المحقق بمقابلة النسخة في المكتبة المذكورة.
رابعا - رسالة (التسامح في أدلة السنن):
وحققت بيد المحقق البارع سماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ
رحمة الله الرحمتي.
وقد اعتمد في تحقيق الرسالة على النسخ التالية:
1 - نسخة خطية موجودة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام، بخراسان
برقم (8843) ورمز لها ب‍ (ق).
2 - نسخة مطبوعة (ضمن مجموعة رسائل أصولية) موجودة في مكتبة
مدرسة الفيضية برقم (164). ورمز لها ب‍ (ط).
وامتازت هذه النسخة على المخطوطة - في رأي المحقق - بكونها أصح
منها.
3 - وفي أثناء الطبع عثرنا على نسخة خطية في مكتبة مجلس الشورى
المقدمة 15

الاسلامي برقم (2801) ويبدو منها أنها كانت بيد آية الله الشيخ فضل الله
النوري قدس سره. وقد قوبلت أيضا ولكن من دون الإشارة إليها.
خامسا - رسالة (من ملك):
حققها سماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد رضا الأنصاري
أيضا واعتمد في تحقيقها على نسخ (ع) وصلى الله عليه وآله و (ش) و (ن).
سادسا - رسالة (القضاء عن الميت):
وحققها سماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد الحسون، وقد
اعتمد في تحقيقها على نسخ: (ع) و (ش) و (د).
سابعا - رسالة (المواسعة والمضايقة):
قام بتحقيقها السيدان الجليلان الفاضلان: سماحة حجة الاسلام
والمسلمين السيد محمد الكاهاني، وسماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد
علي أصغر الموسوي القوجاني.
وقد اعتمد في تحقيق الرسالة على نسخ (ش) و (ع) وصلى الله عليه وآله و (ن)
و (د).
هذا ونشكر جميع من ساهموا في إنجاز هذا العمل بنحو أو بآخر خاصة
حجة الاسلام السيد هادي العظيمي الذي قام بتنظيم الفهارس الفنية للكتاب
فله ولهم جزيل الشكر، ووفقهم وإيانا لاحياء فقه أهل البيت عليهم السلام، إنه
مجيب الدعاء.
مسؤول لجنة التحقيق
محمد علي الأنصاري
المقدمة 16

رسالة في العدالة
1

صورة الصفحة الأولى من رسالة العدالة من نسخة (د)
3

صورة الصفحة الأخيرة من رسالة العدالة من نسخة (د)
4

بسم الله الرحمن الرحيم
العدالة لغة: (الاستواء) كما يظهر من محكي المبسوط (1) والسرائر (2) أو: العدالة لغة
(الاستقامة) كما عن جامع المقاصد (3) ومجمع الفائدة (4) أو هما معا كما عن
الروض (5) والمدارك (6) وكشف اللثام (7).
الأقوال في العدالة شرعا
وقد اختلف الأصحاب في بيان ما هو المراد من لفظها الوارد في كلام
المتشرعة، بل الشارع على أقوال:
القول الأول في العدالة
أحدها: - وهو المشهور بين العلامة ومن تأخر عنه - أنها كيفية نفسانية القول الأول
باعثة على ملازمة التقوى، أو: عليها مع المروة، وإن اختلفوا في التعبير عنها بلفظ

(1) حكاه العلامة في المختلف 717 عن الشيخ في المبسوط 8: 217 وعبارته هكذا: والعدالة
في اللغة: أن يكون الانسان متعادل الأحوال متساويا.
(2) السرائر 2: 117.
(3) جامع المقاصد 2: 372.
(4) مجمع الفائدة (الطبعة الحجرية) كتاب الشهادات في مبحث شرائط الشاهد، ذيل قوله: الرابع.
(5) روض الجنان: 289.
(6) المدارك 4: 67.
(7) كشف اللثام 2: 370.
5

(الكيفية) أو (الحالة) أو (الهيئة) أو (الملكة)، ونسب الأخير في محكي النجيبية
إلى العلماء، وفي محكي كنز العرفان (2) إلى الفقهاء، وفي مجمع الفائدة إلى الموافق
والمخالف (3)، وفي المدارك: (الهيئة الراسخة) إلى المتأخرين (4)، وفي كلام بعض
نسب (الحالة النفسانية) إلى المشهور (5).
وكيف كان، فهي عنده كيفية من الكيفيات باعثة على ملازمة التقوى
كما في الإرشاد (6)، أو عليها وعلى ملازمة المروة كما في كلام الأكثر. بل نسبه بعض
إلى المشهور (7)، وآخر إلى الفقهاء، وثالث إلى الموافق والمخالف (9).
القول الثاني في العدالة
الثاني: أنها عبارة عن مجرد ترك المعاصي أو خصوص الكبائر، وهو
الظاهر من محكي السرائر حيث قال: حد العدل هو الذي لا يخل بواجب ولا
يرتكب قبيحا (10)
وعن محكي الوسيلة (11) حيث ذكر في موضع منه: أن العدالة في الدين
الاجتناب عن الكبائر وعن الاصرار على الصغائر.
ومن محكي أبي الصلاح (12) حيث حكي عنه أنه قال: إن العدالة شرط

(1) مخطوط، وحكاه العاملي في مفتاح الكرامة 3: 80.
(2) كنز العرفان 2: 384، وحكاه الطباطبائي قدس سره في رياض المسائل 2: 391.
(3) مجمع الفائدة (الطبعة الحجرية): كتاب القضاء، ذيل قوله: وإذا عرف الحاكم.. الخ.
(4) المدارك 4: 67.
(5) مجمع الفائدة 2: 351.
(6) الإرشاد 2: 156.
(7) مجمع الفائدة 2: 351.
(8) كنز العرفان 2: 384.
(9) مجمع الفائدة 2: 351.
(10) السرائر 1: 280، والحاكي هو الفاضل النراقي قدس سره في المستند 2: 618.
(11) الوسيلة: 230، وحكاه مفتاح الكرامة 3: 81.
(12) الكافي في الفقه: 435، والحاكي هو الفاضل النراقي قدس سره في المستند 2: 618.
6

في قبول الشهادة، وتثبت حكمها بالبلوغ وكمال العقل والايمان واجتناب القبائح
أجمع.
وعن المحدث المجلسي (1) والمحقق السبزواري (2): أن الأشهر في معناها
أن لا يكون مرتكبا للكبائر ولا مصرا على الصغائر وظاهر هذا القول أنها عبارة
عن الاستقامة الفعلية في أفعاله وتروكه من دون اعتبار لكون ذلك عن ملكة.
القول الثالث في العدالة
الثالث: أنها عبارة عن الاستقامة الفعلية لكن عن ملكة، فلا يصدق
العدل على من لم يتفق له فعل كبيرة مع عدم الملكة، وهذا المعنى أخص من
الأولين، لأن ملكة الاجتناب لا يستلزم الاجتناب، وكذا ترك الكبيرة لا يستلزم
الملكة.
وهذا المعنى هو الظاهر من كلام والد الصدوق حيث ذكر في رسالته إلى
ولده أنه (3): لا تصل إلا خلف رجلين: أحدهما من تثق بدينه وورعه، والآخر من
تتقي سيفه وسوطه (4).
وهو ظاهر ولده (5) وظاهر المفيد في المقنعة، حيث قال: إن العدل من كان
معروفا بالدين والورع والكف عن محارم الله، (انتهى) (6). فإن الورع والكف لا
يكونان إلا عن كيفية نفسانية، لظهور الفرق بينه وبين مجرد الترك: فتأمل.
وهو الظاهر من محكي النهاية (7)، حيث أنه ذكر بمضمون (8) صحيحة ابن

(1) البحار 88: 25.
(2) ذخيرة المعاد: 304.
(3) ليس في " ع " و " ص " و " ش " و " ج ": إنه.
(4) الفقيه 1: 380 ذيل الحديث 1117 وفيه: وسطوته.
(5) الهداية (الجوامع الفقهية): 52.
(6) المقنعة: 725.
(7) النهاية: 325.
(8) كذا في النسخ ما عدا " د " ففيها: بمضمونه، والظاهر: مضمون.
7

أبي يعفور، وكذلك الوسيلة، حيث قال: العدالة تحصل بأربعة أشياء، الورع
والأمانة والوثوق والتقوى (1)، ونحوه المحكي عن القاضي، حيث اعتبر فيها
الستر والعفاف واجتناب القبائح (2)، فإن الاجتناب خصوصا مع ضم العفاف إليه
لا يكون بمجرد الترك. وبمعناه المحكي عن الجامع، حيث أخذ في تعريف العدل
الكف والتجنب للكبائر (3).
قولان آخران في معنى العدالة
ثم إنه ربما يذكر في معنى العدالة قولان آخران:
أحدهما: الاسلام وعدم ظهور الفسق، وهو المحكي عن ابن الجنيد (4)،
والمفيد في كتاب الأشراف (5)، والشيخ في الخلاف مدعيا عليه الاجماع (6).
والثاني: حسن الظاهر، نسب إلى جماعة بل أكثر القدماء.
ولا ريب أنهما ليسا قولين في العدالة، وإنما هما طريقان للعدالة، ذهب إلى
كل منهما جماعة ولذا ذكر جماعة من الأصحاب - كالشهيد في الذكرى (7)
والدروس (8)، والمحقق الثاني في الجعفرية (9)، وغيرهما (10) - هذين القولين في عنوان
ما به تعرف العدالة. مع أن عبارة ابن الجنيد المحكي عنه (أن كل المسلمين على
العدالة إلا أن يظهر خلافها) (11) لا يدل إلا على وجوب الحكم بعد التهم. وأوضح

(1) الوسيلة: 208.
(2) المهذب 2: 556 وحكاه مفتاح الكرامة 3: 81.
(3) الجامع للشرائع: 538.
(4) المختلف: 717.
(5) لم نقف على الكتاب.
(6) الخلاف: كتاب آداب القضاء، المسألة 10.
(7) الذكرى: 267.
(8) الدروس: 54.
(9) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 126.
(10) كصاحب الجواهر قدس سره حيث اعتبرهما طريقين إليها، انظر الجواهر 13: 281 و 299.
(11) ذخيرة المعاد: 305 حيث نقل عن ابن الجنيد قوله: كل المسلمين على العدالة إلى أن يظهر
خلافها.
8

منه كلام الشيخ في الخلاف، حيث أنه لم يذكر إلا عدم وجوب البحث عن عدالة
الشهود إذا عرف إسلامهم (1)، ثم احتج بإجماع الفرقة وأخبارهم، وأن الأصل في
المسلم العدالة، والفسق طار عليه، يحتاج إلى دليل (2).
نعم: عبارة الشيخ في المبسوط ظاهرة في هذا المعنى، فإنه قال: إن العدالة
في اللغة: أن يكون الانسان متعادل الأحوال متساويا، وأما في الشريعة: فهو من
كان عدلا في دينه عدلا في مروته، عدلا في أحكامه، فالعدل في الدين: أن يكون
مسلما لا يعرف منه شئ من أسباب الفسق، وفي المروة: أن يكون مجتنبا للأمور
التي تسقط المروة،.. إلى آخر ما ذكر. (انتهى موضع الحاجة) (3).
لكن الظاهر أنه أراد كفاية عدم معرفة الفسق منه في ثبوت العدالة، لا
أنه نفسها، ولذا فسر العدالة في المروة بنفس الاجتناب، لا بعدم العلم
بالارتكاب.
هذا كله، مع أنه لا يعقل كون عدم ظهور الفسق أو حسن الظاهر نفس
العدالة، لأن ذلك يقتضي كون العدالة ن الأمور التي يكون وجودها الواقعي
عين وجودها الذهني، وهذا لا يجامع كون ضده - أعني الفسق - أمرا واقعيا لا
دخل للذهن فيه. وحينئذ فمن كان في علم الله تعالى مرتكبا للكبائر مع عدم
ظهور ذلك لأحد، يلزم أن يكون عادلا في الواقع وفاسقا في الواقع [وكذا لو
فرض أنه لا ذهن ولا ذاهن (4) يلزم أن لا يتحقق العدالة في الواقع] (5) لأن المفروض أن وجودها الواقعي عين وجودها الذهني. وأما بطلان اللازم (6) فغني

(1) كذا في هامش " ص "، وفي " ع ": اسلامهما، وفي " ش " و " ج " و " د ": اسلامها.
(2) الخلاف: كتاب آداب القضاء، المسألة 10.
(3) المبسوط 8: 217.
(4) كذا في " د ".
(5) ما بين المعقوفتين من " د "
(6) في " د ": اللازمين ولكن في سائر النسخ: اللازم.
9

عن البيان. وكذا لو اطلع على أن شخصا كان في الزمان السابق مع اتصافه
بحسن الظاهر لكل أحد مصرا على الكبائر يقال: كان فاسقا ولم يطلع، ولا يقال:
كان عادلا فصار فاسقا عند اطلاعنا.
فتبين - من جميع ما ذكرنا - أن هذين القولين لا يعقل أن يراد بهما بيان
العدالة الواقعية، ولا دليل للقائل بهما يفي بذلك، ولا دلالة في عبارتهما المحكية
عنها، ولا فهم ذلك من كلامهما من يعتنى به مثل الشهيد والمحقق الثاني وابن
فهد وغيرهم.
رجوع القول الأول إلى الثالث
ثم الظاهر رجوع القول الأولى إلى الثالث، أعني اعتبار الاجتناب مع
الملكة، لاتفاقهم وصراحة مستندهم كالنصوص والفتاوى على أنه تزول بارتكاب
الكبيرة العدالة بنفسها ويحدث الفسق الذي هو ضدها، وحينئذ فإما أن يبقى
الملكة أم لا، فإن بقيت ثبت اعتبار الاجتناب الفعلي في العدالة، فإن ارتفعت
ثبت ملازمة الملكة للاجتناب الفعلي.
فمراد الأولين من (الملكة الباعثة على الاجتناب) الباعثة فعلا، لا ما
من شأنها أن تبعث ولو تخلف عنها البعث لغلبه الهوى وتسويل الشيطان،
ويوضحه توصيف (الملكة) في كلام بعضهم بل في مقعد الاتفاق ب‍ (المانعة عن
ارتكاب الكبيرة) فإن المتبادر: المنع الفعلي بغير اشكال.
تعريف الشهيد (ره) للعدالة
وأوضح منه تعريفها - الشهيد في باب الزكاة من نكت الإرشاد -: بأنها
هيئة راسخة تبعث على ملازمة التقوى بحيث لا يقع منها الكبيرة ولا الاصرار
على الصغيرة (1) بناء على أن الحيثية بيان لقوله: (تبعث) لا قيد توضيحي
للملازمة.
نعم: يبقى الكلام في أن العدالة هل هي الملكة الموجبة للاجتناب أو

(1) نكتب الإرشاد، كتاب الزكاة ذيل قوله: ويشترط في المستحقين.. الخ.
10

الاجتناب عن ملكة، أو كلاهما حتى يكون عبارة عن الاستقامة الظاهرة في
الأفعال، والباطنة في الأحوال؟ وهذا لا يترتب عليه كثير فائدة، إنما المهم بيان
مستند هذا القول، وعدم كون العدالة هي مجرد الاستقامة الظاهرية ولو من دون
ملكة - كما هو ظاهر من عرفت - (1) حتى يكون من علم منه هذه الصفة عادلا
وإن لم يكن فيه ملكتها.
ويدل عليه - مضافا إلى الأصل (2) والاتفاق المنقول المعتضد بالشهرة
المحققة، بل عدم الخلاف، بناء على أنه لا يبعد إرجاع كلام الحلي (3) إلى المشهور
كما لا يخفى، وإلى ما دل على اعتبار الوثوق بدين إمام الجماعة وورعه، مع أن
الوثوق لا يحصل بمجرد تركه المعاصي في جميع ما مضى من عمره، ما لم يعلم أو
يظن فيه ملكة الترك، واعتبار المأمونية والعفة والصيانة والصلاح وغيرها مما اعتبر
في الأخبار من الصفات النفسانية في الشاهد، مع الاجماع على عدم اعتبارها
زيادة على العدالة فيه وفي الإمام - صحيحة ابن أبي يعفور، حيث سأل أبا
عبد الله عليه السلام وقال: (بم يعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته
لهم وعليهم؟ فقال: أن يعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد
واللسان، وتعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار.. إلى آخر
الحديث) (4).

(1) راجع الصفحة 7.
(2) في النسخ هنا زيادة: فتأمل، إلا أنها مشطوب عليها في " ص ".
(3) هو ابن إدريس قدس سره وقد مر كلامه في صفحة 6 فراجع.
(4) الوسائل 18: 288 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث الأول وتمامه: ". من شرب الخمر
والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك، والدلالة على ذلك كله أن يكون
ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش
ما وراء ذلك ويجب عليهم تزكيته واظهار عدالته في الناس ويكون منه التعاهد للصلوات
الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلف عن
جماعتهم في مصلاهم إلا من علة، فإذا كما كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس،
فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه إلا خيرا مواظبا علي الصلوات متعاهدا لأوقاتها
في مصلاه فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين، وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب،
وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين،
وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلي ممن لا يصلي، ومن يحفظ مواقيت
الصلاة ممن يضيع ولولا ذلك لم يكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأن من لا يصلي لا صلاح
له بين المسلمين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم
الحضور لجماعة المسلمين، وقد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك، وكيف يقبل شهادة
أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز وجل ومن رسوله صلى الله عليه وآله فيه الحرق
في جوف بيته بالنار، وقد كان يقول: لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة.
11

ما يستفاد من صحيحة ابن أبي يعفور
فإن الستر والعفاف والكف قد وقع مجموعها المشتمل على الصفة
النفسانية معرفا للعدالة، فلا يجوز أن يكون أخص منها، بل لا بد من مساواته،
وقد يكون أعم إذا كان من المعرفات الجعلية، كما جعل عليه السلام في هذه الصحيحة
الدليل على هذه الأمور كون الشخص ساترا لعيوبه.
ودعوى أن ظاهر السؤال وقوعه عن الأمارة المعرفة للعدالة بعد معرفة
مفهومها تفصيلا، والصفات المذكورة ليست أمارة بل - هي على هذا القول -
عينها، فيدور الأمر بين حمل السؤال على وقوعه عن المعرف المنطقي لمفهومها
بعد العلم إجمالا - وهو خلاف ظاهر السؤال -، وبين خلاف ظاهر آخر، وهو حمل
الصفات المذكورة على مجرد ملكاتها، فتكون ملكاتها معرفة وطريقا للعدالة،
وحينئذ فلا تصح أن يراد بها إلا نفس اجتناب الكبائر المسبب عن ملكة العفاف
والكف، وهو القول الثاني مدفوعة،
أولا: ببعد إرادة مجرد الملكة من الصفات المذكورة، بخلاف إرادة
المعرف المنطقي الشارح لمفهوم العدالة، فإنه غير بعيد، خصوصا بملاحظة أن
طريقية ملكة ترك المعاصي لتركها ليست أمرا مجهولا عند العقلاء محتاجا إلى
السؤال، وخصوصا بملاحظة قوله فيما بعد: (والدليل على ذلك كله أن يكون
12

ساترا لعيوبه.. الخ) فإنه على ما ذكر يكون أمارة على أمارة، فيكون ذكر
الأمارة الأولى - أعني الملكة - خالية عن الفائدة مستغنى عنها بذكر أمارتها، إذ
لا حاجة غالبا إلى ذكر أمارة تذكر لها أمارة أخرى، بخلاف ما لو جعل الصفات
المذكورة عين العدالة، فإن المناسب بل اللازم أن يذكر لها طريق أظهر وأوضح
للناظر في أحوال الناس.
الاحتمالات الثلاث في قوله عليه السلام (تعرف)
ويؤيد ما ذكرنا أنه لا معنى محصل حينئذ لقوله عليه السلام - بعد الصفات
المذكورة -: (وتعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار) لأن الضمير
في (تعرف) إما راجع إلى العدالة بأن يكون معرفا مستقلا، وإما راجع إلى
الشخص بأن يكون من تتمة المعرف الأول، وإما أن يكون راجعا إلى الستر وما
عطف عليه، ليكون معرفا للمعرف، وقوله عليه السلام: (والدليل على ذلك..
الخ) (1) معرفا ثالثا، وهو أبعد الاحتمالات.
وعلى أي تقدير فلا يجوز أن يكون أمارة على العدالة، لأنه على هذا
القول نفس العدالة.
والحاصل: أن الأمور الثلاثة المذكورة من قبيل المعرف المنطقي للعدالة،
لا المعرف الشرعي في اصطلاح الأصوليين.
بيان المراد من الستر الوارد في الصحيحة
ثم إن المراد بالستر هنا غير المراد به في قوله عليه السلام فيما بعد: (والدلالة
على ذلك كله أن يكون ساترا لعيوبه)، وإلا لم يعقل أن يكون أحدهما طريقا
للآخر، بل المراد بالستر هنا ما يرادف الحياء والعفاف، قال في الصحاح: رجل
ستير، أي عفيف، وجارية ستيرة (2) فكأن المراد بالستر هنا -: الاستحياء من
الله، وبالستر - فيما بعد -: الاستحياء من الناس. ولذا ذكر القاضي: أن العدالة

(1) في المصدر: الدلالة.
(2) الصحاح 2: 677 مادة (ستر).
13

تثبت بالستر والعفاف واجتناب القبائح أجمع (1).
أظهر الاحتمالات في كلمة (تعرف)
بقي الكلام في بيان الأظهر من الاحتمالات الثلاث المتقدمة في قوله
عليه السلام: (وتعرف باجتناب الكبائر.. الخ) وأن الاجتناب هل هي تتمة للمعرف
أو معرف له، أو للمعرف - بالفتح -؟ لكن الثاني في غاية البعد سواء حمل
المعرف على المنطقي أو على الشرعي.
[أما على الأول] (2) فلعدم كون الأمور المذكورة أمورا عرفية متساوية في
البيان لمفهوم الاجتناب، فلا يحسن جعله طريقا إليها، أو شارحا لمفاهيمها.
والثالث أيضا بعيد، بناء على المعرف المنطقي والشرعي، لأنه إن أريد
ب‍ (اجتناب الكبائر) الاجتناب عن ملكة، فليس أمرا مغايرا للمعرف الأول،
فذكره كالتكرار، وإن أريد نفس الاجتناب، ولولا عن ملكة، فلا معنى لجعله
معرفا منطقيا بعد شرح مفهوم العدالة أولا بما يتضمن اعتبار الملكة في
الاجتناب.
والحاصل: إن جعله معرفا منطقيا فاسد، لأنه إما أن يراد من المعرفين
كليهما معنى واحد وإما أن يراد من كل منهما معنى، وعلى الأول يلزم التكرار،
وعلى الثاني يلزم تغاير الشارحين لمفهوم واحد.
وكذا لا يجوز جعله معرفا شرعيا، لأن حاصله يرجع إلى جعل نفس
الاجتناب طريقا إلى كونه على ملكة، وهذا بعيد لوجهين:
أحدهما: أن معرفة الاجتناب عن جميع الكبائر ليس بأسهل من معرفة
الملكة، بل معرفة الملكة أسهل من معرفة الاجتناب، فلا يناسب جعله معرفا لها.

(1) المهذب 2: 556.
(2) ما بين المعقوفتين ليس في " ش ".
14

الثاني: أنه جعل الدليل على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى
يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته، فستر العيوب عن الناس قد
جعل طريقا ظاهريا، ومن المعلوم أن جعل الاجتناب الواقعي طريقا مستدرك
بعد جعل عدم العلم بالارتكاب طريقا، بل اللازم جعله طريقا من أول الأمر،
لأن جعل الأخص طريقا بعد جعل الأعم مستدرك، وهذا كما يقال: إن أمارة
العدالة عند الجهل بها الايمان الواقعي، وعلامة الايمان الواقعي عند الجهل به:
الاسلام، فإن جعل الايمان الواقعي (1) طريقا، مستغنى عنه، بل لازم قوله
عليه السلام: (حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك) أنه لا يجوز التوصل
بالأمارة الأولى وهو الاجتناب الواقعي، لأنه يتوقف على الفحص عن أحواله.
فثبت من جميع ذلك أن أظهر الاحتمالات المتقدمة هو كونه تتمة
للمعرف، بأن يجعل المراد بكف البطن والفرج واليد واللسان، كفها عن المعاصي
المتبادر من معصية البطن: أكل الحرام، ومن معصية الفرج: الزنا، ومن معصية
اليد: ظلم الناس، ومن اللسان: الغيبة والكذب، فيكون ذكره بعد ذكر الكف من
قبيل التعميم بعد التخصيص، وعقيب الستر والعفاف من قبيل ذكر الأفعال بعد
الصفات النفسانية الموجبة لها.
ويحتمل أيضا أن يراد بالستر: الاستحياء المطلق، وبالعفاف: التعفف عن
مطلق المعاصي، وبالكف (الكف) (2) عن مطلق الذنوب، ويكون ذكر الجوارح
الأربع لكونها أغلب ما تعصي من بين الجوارح] (3).

(1) ليس في " ع " و " ص " و " ش " و " ج ": الواقعي.
(2) الزيادة اقتضاها السياق.
(3) ما بين المعقوفتين من " د ".
15

وحينئذ فيكون قوله: (وتعرف باجتناب الكبائر) من قبيل التخصيص
بعد التعميم والتقييد بعد الاطلاق، تنبيها على أن ترك مطلق المعاصي غير معتبر
في العدالة.
16

[اعتبار المروة في مفهوم العدالة]
ثم المشهور بين من تأخر عن العلامة: اعتبار المروة في مفهوم العدالة،
حيث عرفوها بأنها هيئة راسخة تبعث على ملازمة التقوى والمروة، وهو الذي
يلوح من عبارة المبسوط، حيث ذكر أن العدالة في اللغة: أن يكون الانسان
متعادل الأحوال متساويا، وفي الشريعة: من كان عدلا في دينه، عدلا في مروته،
عدلا في أحكامه (1) (انتهى)، بناء على أن المراد بالعدالة في الدين والمروة
والأحكام: الاستقامة فيها.
من يعتبر المروة في العدالة
وأما كلام غير الشيخ ممن تقدم على العلامة، فلا دلالة فيه، بل ولا إشعار
على ذلك.
نعم: ذكره ابن الجنيد في شرائط قبول الشهادة (2)، وكذا ابن حمزة في
موضع من الوسيلة (3)، بل كلامه الأخير المتقدم في صدر المسألة (4)، - ككلامي

(1) المبسوط 8: 217.
(2) المختلف 717.
(3) الوسيلة: 230.
(4) في الصفحة 8.
17

المفيد والحلي المتقدم ذكرهما (1) - دال على عدم اعتبارها.
وأما الصدوقان فهما وإن لم يفسرا العدالة، إلا أن كلامهما المتقدم (2) من
أنه (لا يصلى إلا خلف رجلين [أحدهما من تثق بدينه وورعه وأمانته، والآخر
من تتقي سيفه وسوطه] (3)) ظاهر في عدم اعتبار المروة في العدالة، بناء على أن
اعتبار العدالة في الإمام متفق عليه.
نعم، قد أخذ القاضي (الستر) و (العفاف) في العدالة (4) بناء على ما
سيأتي (5) من أنه لا يبعد استظهار اعتبار المروة من هذين اللفظين. وذكر في الجامع
أن العدل الذي يقبل شهادته، هو البالغ العاقل المسلم العفيف الفعلي
المجتنب عن القبائح الساتر لنفسه (6) فإن جعلنا الموصول (7) صفة تقييدية كانت
العفة - التي عرفت إمكان استظهار المروة منها - مأخوذة في عدالة الشاهد دون
عدالة الإمام ومستحق الزكاة، وإلا كانت مأخوذة في مطلق العدالة.
وممن لا يعتبر المروة في العدالة المحقق في الشرائع (9)، وتبعه
العلامة في الإرشاد (10) وولده في موضع من الإيضاح (11).

(1) في الصفحة 6 و 7.
(2) في الصفحة 7.
(3) ما بين المعقوفتين من المخطوطة.
(4) المهذب 2: 556.
(5) في الصفحة 22.
(6) الجامع للشرائع: 538 وفيه: العدل الذي يقبل شهادته هو: البالغ، العاقل، المسلم، العفيف،
المصلي الفرض، الساتر نفسه.. الخ.
(7) كذا في " ش "، وفي سائر النسخ: الفصول.
(8) الشرائع 4: 127.
(9) المختصر النافع: 287.
(10) الإرشاد 2: 156.
(11) إيضاح الفوائد 1: 149. حيث قال: " ولاشتراط العدالة وهي غير متحققة في الصبي لأنها كيفية
قائمة بالنفس تبعث على ملازمة الطاعات والانتهاء عن المحرمات ".
18

وعرف الشهيد - في نكت الإرشاد - العدالة في كلام من اعتبرها في
مستحق الزكاة بأنها (هيئة تبعث على ملازمة التقوى) (1) وظاهره أن العدالة تطلق
في الاصطلاح على ما لا يؤخذ فيه المروة.
دعوى الشهرة على عدم اعتبار المروة
والحاصل: أنه لو ادعى المتتبع أن المشهور بين من تقدم على العلامة عدم
اعتبار المروة في العدالة - خصوصا المعتبرة في غير الشاهد - لم يستبعد ذلك منه.
لما عرفت من كلمات من عدا الشيخ، وأما الشيخ فالعدالة المذكورة في كلامه
لا ينطبق على ما ذكره المتأخرون، لأنه أخذ في الاسلام والبلوغ والعقل، وهذا
ليس معتبرا عند المتأخرين، وإن كان العادل عندهم من أفراد البالغ العاقل
المسلم، لكن الاسلام والكمال ليسا جزءا للعدالة عندهم، ولذا يذكرون البلوغ
والعقل والاسلام على حدة. فالظاهر أنه أراد بالعدالة صفة جامعة للشرائط
العامة لقبول الشهادة، وكيف كان: فالمتبع هو الدليل.
وينبغي الجزم بعدم اعتبارها (2) في العدالة المعتبرة في الإمام، وأن المعتبر
فيه العدالة و (3) الاستقامة في الدين، لأن الدليل على اعتبار العدالة في الإمام،
إما الاجماعات المنقولة وإما الروايات:
عدم دلالة الاجماعات - على العدالة - على اعتبار المروة
أما الاجماعات المنقولة (4) فلا ريب في أنها ظاهرة في العدالة في الدين
المقابلة للفسق الذي هو الخروج عن طاعة الله، مع أن الخلاف في أخذ المروة في
العدالة يوجب حمل العدالة في كلام مدعي الاجماع على العدالة في الدين،

(1) الظاهر أن هذا سهو من قلمه الشريف فإن الشهيد قدس سره اعتبر المروة في تعريف العدالة
حيث قال: " العدالة وهي هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروة " راجع: نكت
الإرشاد، كتاب الزكاة ذيل قوله: ويشترط في المستحقين.
(2) أي: المروة.
(3) في (ش): أو.
(4) ليس في " د " و " ج ": المنقولة.
19

ويؤيده أنه لو كان المراد العدالة المطلقة التي تقدم تفسيرها من المبسوط (1) لم
يحتج إلى اعتبار البلوغ والعقل في الإمام مستقلا.
ودعوى: أن دعوى الاجماع إنما وقعت من المتأخرين الذين أخذوا المروة
في العدالة، وكلام مدعي الاجماع يحمل على ما اللفظ ظاهر فيه عنده.
مدفوعة - بعد تسليم ما ذكر كلية - بأن الاجماع إذا فرض دعواه على
العدالة المأخوذة فيها المروة فهي موهونة بمصير جل القدماء - كما عرفت - على
خلافه.
عدم دلالة الروايات على اعتبار المروة
وإن كان المستند الروايات فنقول: إنها بين ما دل على اعتبار العدالة،
والظاهر منها هي الاستقامة في الدين، لأنها الاستقامة المطلقة في نظر الشارع،
فإن التحقيق أن العدالة في كلام الشارع وأهل الشرع يراد بها: الاستقامة، لكن
الاستقامة المطلقة في نظر الشارع هو الاستقامة على جادة الشرع وعدم الميل
عنها، وإن قلنا بأنها منقولة من الأعم إلى الأخص، لكن نقول: إن المتبادر منها
الاستقامة من جهة الدين، لا من جهة العادات الملحوظة عند الناس حسنا أو
قبيحا.
التمسك بصحيحة ابن أبي يعفور لاعتبار المروة
وغاية ما يمكن أن يستدل لاعتبارها في الدالة المستعملة في كلام
الشارع: صحيحة ابن أبي يعفور، ومحل الدلالة يمكن أن يكون فقرات منها:
الأولى: قوله: (بأن يعرفوه بالستر) على أن يكون المراد منه ستر العيوب
الشرعية والعرفية.
الثانية: قوله عليه السلام: (وكف البطن والفرج واليد واللسان) بناء على أن
منافيات المروة غالبا من شهوات الجوارح.
الثالثة: قوله عليه السلام: (والدال على ذلك كله أن يكون ساترا

(1) في الصفحة 17.
20

لعيوبه... الخ).
وقد تمسك بكل واحد من هذه الفقرات بعض ممن (1) عاصرناهم.
الجواب عن صحيحة ابن أبي يعفور
وفي الكل نظر، أما الفقرة الأولى: فلما عرفت سابقا من المراد بالستر
ليس هو الستر الفعلي، وإنما يراد به صفة مرادفة للعفاف - كما سمعت من
الصحاح (2) -، كيف وقد جعل ستر العيوب بعد ذلك دليلا على العدالة، فليزم
اتحاد الدليل والمدلول. مضافا إلى أن المتبادر من الستر: تعلقه بالعيوب الشرعية
دون العرفية، فلا يفيد حذف المعلق العموم.
وبهذا يجاب عن الفقرة الثانية، فإن الظاهر من كف الجوارح الأربع:
كفها عن معاصيها، لا مطلق ما تشتهيها.
وأما الفقرة الثالثة، ففيها أولا: أن المتبادر من (العيوب) هي ما تقدم في الفقرة
السابقة مما أخذ تركها في مفهوم العدالة، لا مطلق النقائص في الكبائر
والصغائر والمكروهات المنافية للمروة، وإلا لزم تخصيص الأكثر، إذ الكبائر
ومنافيات المروة في جنب غيرهما - الذي لا يعتبر في العدالة تركها ولا في طريقها
سترها - كالقطرة في جنب البحر. فلا بعد من حمله على المعهود المتقدم في الفقرات
السابقة، فكأن الإمام عليه السلام لما عرف العدالة بملكة الكف والتعفف عن
الكبائر جعل سترها عند المعاشرة والمخالطة طريقا إليها.
وثانيا أن غاية ما يدل عليه هذه الفقرة كون ستر منافيات المروة من
تتمة طريق العدالة، لا مأخوذة في نفسها. فيكون فيه دلالة على أن عدم ستر
منافيات المروة وظهورها عند المعاشرة والمخالطة لا يوجب الحكم ظاهرا بعدالة
الرجل التي تقدم معناها في الفقرات السابقة. ولا يلزم من هذا أنا لو اطلعنا على

(1) كذا في " د " وفي سائر النسخ: من وراجع المستند 2: 621.
(2) في الصفحة 13.
21

ذلك المعنى بحيث لا يحتاج إلى الطريق الشرعي وعلمنا منه صدور منافيات
المروة لم نحكم بعدالته، لأن الوصول إلى ذي الطريق يغني عن الطريق.
ففي الرواية دلالة على التفصيل الذي ذكره بعض متأخري المتأخرين،
من أنه لو كشف فعل منافي المروة عن قلة المبالاة في الدين، بحيث لا يوثق معه
بالتحرز عن الكبائر والاصرار على الصغائر كان معتبرا وإلا فلا.
وهذا التفصيل غير بعيد، لكنه في الحقيقة ليس تفصيلا في مسألة اعتبار
المروة في نفس العدالة - بل قول بنفيه مطلقا -، إلا أنه يوجب الوهن في حسن
الظاهر الذي هو طريق إليها.
توجيه دلالة الرواية على اعتبار المروة
ثم إن الذي يخطر بالبال أنه إن كان ولا بد من فهم اعتبار المروة من
الصحيحة - بناء على أن المذكور فيه حد لها، لا بد من أن يكون مطردا، فترك
التعرض لاعتبار ما يعتبر مخل بطردها - فالأنسب أن يقال: إن ذلك إنما يستفاد
من لفظي (الستر) و (العفاف) الراجعين إلى معنى واحد، كما عرفت من قول
الصحاح: (رجل.. الخ) (1) فيكون المراد بالستر ما عد - في الحديث المشهور
المذكور في أصول الكافي في باب جنود العقل والجهل - مقابلا للتبرج (2) المفسر
في كلام بعض محققي شراح أصول الكافي بالتظاهر بما يقبح ويستهجن في
الشرع أو العرف (3).
ولا ريب أن منافيات المروة مما يستهجن في العرف، فهي منافية للستر
والعفاف بذلك المعنى.
وقد ذكر بعضهم في عدالة القوة الشهوية - المسماة بالعفة - أن ما يحصل

(1) ما تقدم في الصفحة 13.
(2) الكافي 1: 22 كتاب العقل والجهل، الحديث الأول.
(3) شرح أصول الكافي لصدر المتألهين رحمه الله: 97. ذيل الحديث الرابع عشر.
22

من عد تعديلها: عدم المروة وظاهره أن المروة لازمة للعفاف.
حكم تكرار منافيات المروة
ثم إن المروة - على القول باعتبارها في الدالة - مثل التقوى المراد بها
عندهم: اجتناب الكبائر والاصرار على الصغائر، ففعل منافيها يوجب زوال
العدالة بمجرده من غير حاجة إلى تكراره (1) كارتكاب الكبيرة لأنه لازم
تفسيرهم للعدالة بالملكة المانعة عن (2) مجانبة (3) الكبائر ومنافيات المروة والباعثة
على ملازمة التقوى والمروة، وقد عرفت أن المراد بالبعث أو المنع: الفعلي، لا
الشأني.
نعم: ربما يكون بعض الأفعال لا ينافي المروة بمجرده، ولذا قيدوا
منافيات (4) الأكل في الأسواق بصورة غلبة وقوع ذلك منه، وأنه لا يقدح وقوعه
نادرا، أو لضرورة، أو من السوقي. فمعناه - بقرينة عطف الضرورة والسوقي -
أنه لا ينافي المروة، لا أنه مع منافاته المروة لا يوجب زوال العدالة بمجرده.
مخالفة المروة لا توجب الفسق
نعم: فرق بين التقوى والمروة، وهو أن مخالفة التقوى يوجب الفسق،
بخلاف مخالفة المروة، فإنها توجب زوال العدالة دون الفسق. ففاقد المروة إذا
كانت فيه ملكة اجتناب الكبائر، واسطة بين العادل والفاسق.
ومن جميع ما ذكرنا يظهر ما في كلام بعض سادة مشايخنا (5)، حيث إنه
بعد ما أثبت اعتبار المروة بالفقرة الثالثة المتقدمة من الصحيحة، قال: بقي الكلام
في أن منافيات المروة هل توجب الفسق بمجردها كالكبائر؟ أو بشرط الاصرار
أو الاكثار كالصغائر. أو تفصيل بين مثل تقبيل الزوجة في المحاضر وبين مثل

(1) كدا في " ش " ولكن في " د " والنسخ الأخرى: تكرره.
(2) كذا في " ص " و " ع " و " ش "، وفي غيرهما: من.
(3) كذا في النسخ.
(4) كذا في جميع النسخ سوى نسخة " ص " فإن فيها " منافياتها مثل الأكل " والظاهر أنه الصحيح.
(5) لم نقف عليه.
23

الأكل في الأسواق؟ وهذا هو المختار. ثم استشهد بكلام جماعة ممن قيد الأكل
في السوق بالغلبة أو الدوام.
ويمكن تأويل أول كلامه بأن المراد من الفسق: مجرد عدم العدالة، دون
الفسق المتكرر في كلام الشارع والمتشرعة، لكنه بعيد.
وأبعد منه: توجيه كلامه فيما ذكره من الوجوه الثلاثة في زوال العدالة
بمنافيات المروة، بأن المراد ما ينافيها بحسب الأعم من المرة (1) والاكثار، ومعناه
أن ما ينافي المروة بجنسه هل يزيل العدالة بمجرده أو بشرط الاكثار؟ وهو كما
ترى!.
التعريف المختار للعدالة
ثم إنه قد تلخص مما ذكرنا من أول المسألة إلى هنا أن الأقوى - الذي
عليه معظم القدماء والمتأخرين -: هو كون العدالة عبارة عن صفة نفسانية
توجب التقوى والمروة أو التقوى فقط - على ما قويناه -.
وعرفت (2) أيضا أن القول بأنها عبارة عن (الاسلام وعدم ظهور الفسق)
غير ظاهر من كلام أحد من علمائنا وإن كان ربما نسب إلى بعضهم (3)، كما عرفت،
وعرفت ما فيه (4).
ليست العدالة بمعنى (عدم ظهور الفسق) أو (حسن الظاهر) قولا لأحد
وكذلك القول بأنها عبارة عن (حسن الظاهر) غير مصرح به في كلام
أحد من علمائنا، وإن نسبه بعض متأخري المتأخرين إلى كثير، بل إلى الكل (5).
وكيف كان: فالمتبع هو الدليل وإن لم يذهب إليه إلا قليل، وقد عرفت
الأدلة.

(1) في " د " وسائر النسخ المطبوعة سوى " ش " و " ج ": المروة وهو تصحيف.
(2) في الصفحة 8.
(3) هو ابن الجنيد راجع الصفحة 8.
(4) راجع الصفحة 8.
(5) لم نقف عليه.
24

[ما أورد على القول بالملكة]
بقي الكلام فيما أورد على القول بالملكة وهي وجوه:
ما أورد على القول بالملكة أولا
منها: ما ذكره المولى الأعظم وحيد عصره في شرح المفاتيح - على ما
حكاه عنه بعض الأجلة (1) - من أن حصول الملكة بالنسبة إلى كل المعاصي
بمعنى صعوبة الصدور لا استحالته، فربما يكون نادرا بالنسبة إلى نادر من الناس
- إن فرض تحققه - ويعلم أن العدالة مما تعم به البلوى وتكثر إليه الحاجات في
العبادات والمعاملات والايقاعات، فلو كان الأمر كما يقولون لزم الحرج واختل
النظام، مع أن القطع حاصل بأنه في زمان الرسول صلى الله عليه وآله
والأئمة عليهم السلام ما كان الأمر على هذا النهج، بل من تتبع الأخبار الكثيرة
يحصل القطع بأن الأمر لم يكن كما ذكروه في الشاهد، ولا في إمام الجماعة.
ويؤيده ما ورد (2) في أن إما الصلاة إذا أحدث، أو حدث له مانع آخر.
أخذ بيد آخر وأقامه مقامه (إنتهى).

(1) لم نقف عليه.
(2) انظر المسائل 5: 474 الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
25

كلام السيد الصدر في القول بالملكة
وقال السيد الصدر في شرح الوافية - بعد ما حكى عن المتأخرين أن
العدالة (هي الملكة الباعثة على التقوى والمروة) - ما لفظه: أما كون هذه الملكة
عدالة فلا ريب فيه، لأن الوسط بين البلادة والجربزة تسمى: حكمة، وبين إفراط
الشهوة وتفريطها هي: العفة، وبين الظلم والانظلام هي: الشجاعة، فإذا اعتدلت
هذه القوى حصلت كيفية وحدانية شبيهة بالمزاج، كأنه تحصل من الفعل
والانفعال بين طرفي هذه القوى، وانكسار سورة كل واحدة منها، وبعد حصولها
يلزمها التقوى والمروة.
وأما اشتراط تحقق هذا] المبنى بهذا] (1) المعنى، حيث اعتبر الشارع
العدالة، فلم أطلع على دليل ظني لهم، فضلا عن القطعي، وصحيحة ابن أبي
يعفور (2) عليهم لا لهم - كما قيل -، نعم: لا يحصل لنا الاطمئنان التام في اجتناب
الذنب في الواقع إلا فيمن يعلم أو يظن حصول تلك الملكة فيه، وهذا يقرب
اعتبارها، ولكن يبعده أن هذه الصفة الحميدة تكون في الأوحدي الذي لا
يسمح (3) الدهر بمثله إلا نادرا، لأن التعديل المذكور يحتاج إلى مجاهدات شاقة
مع تأييد رباني، والاحتياج إلى العدالة عام لازم في كل طائفة من كل فرقة من
سكان البر والبحر حفظا لنظام الشرع.
ثم قال: لا يقال إن الشارع وإن اعتبر الملكة، ولكنه جعل حسن الظاهر
مع عدم عثور الحاكم أو المأموم على فعل الكبيرة والاصرار على الصغيرة علامة
لها، وهذا يحصل في أكثر الناس.
لأنا نقول: إن اعتبر القائل بالملكة فيما يعرف به العدالة هذا الذي قلت،

(1) ما بين المعقوفتين ليس في " د " و " ج ".
(2) الوسائل 18: 288 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث الأول.
(3) أثبتناه من المصدر، في المخطوطة وسائر النسخ: " لا يسمع ".
26

فلا ثمرة للنزاع في أن العدالة ماذا؟ (انتهى موضع الحاجة) (1).
الجواب عن الايراد الأول
والجواب عن ذلك كله: أنا لا نعني بقولنا: (العدالة هيئة راسخة) أو
(ملكة) أو (هيئة نفسانية) إلا الصفة النفسانية الحاصلة من خشية الله بحيث
يردعه عن المعصية.
توضيح ذلك: أن ترك المعاصي قد يكون لعدم الابتلاء بها، وقد يكون مع
الابتلاء بالمعصية للدواعي النفسانية لا لخوف الله، وقد يكون لحالة خوف حاصلة
فيه على سبيل الاتفاق تمنعه عن الاقدام على المعصية، حتى أنه إذا ترك في زمان
طويل معاصي كثيرة ابتلي بها، كان الترك في كل مرة مستندا إلى حالة اتفقت
له في ذلك الزمان، وقد يكون ترك المعاصي لحالة واحدة مستمرة في الزمان الذي
يبتلى فيه بالمعاصي.
المراد من الهيئة الراسخة
وهذا الرابع هو المقصود من (الصفة النفسانية) أو (الصفة الراسخة) في
مقابل (الغير الراسخة) - الموجودة في الثالث -.
قال العلامة في نهاية الأصول (2) - على ما حكي عنه - في بيان طرق
معرفة العدالة: الأول: الاختبار بالصحبة المتأكدة والملازمة، بحيث يظهر له
أحواله ويطلع على سريرة أمره بتكرار المعاشرة، حتى يظهر له من القرائن ما
يستدل به على خوف في قلبه مانع عن الكذب والاقدام على المعصية (انتهى).
العبرة بالحالة هي المتعارفة
ثم إن العبرة بكون تلك الحالة باعثة هو الحال المتعارف للانسان، دون
حالة كماله، فقد تعرض للشخص حالة كأنه لا يملك من نفسه مخالفة الشهوة
أو الغضب، لقوة قهر القوة الشهوية أو الغضبية وغلبتهما، وعليه يحمل ما حكي
عن المقدس الأردبيلي (3): من أنه سئل عن نفسه إذا ابتليت بامرأة مع استجماع

(1) الكتاب مخطوط، وقد طابقه المنقول مع اختلاف يسير.
(2) مخطوط.
(3) حكاه صاحب الجواهر 13: 296.
27

جميع ما له دخل في رغبة النفس إلى الزنا؟ فلم يجب قدس سره بعدم الفعل، بل قال:
(أسأل الله أن لا يبتليني بذلك) فإن عدم الوثوق بالنفس في مثل هذه الفروض
الخارجة عن المتعارف لا يوجب عدم الملكة فيه، إذا مراتب الملكة في القوة
والضعف متفاوتة، يتلو آخرها: العصمة، والمعتبر في العدالة أدنى المراتب، وهي
الحالة التي يجد الانسان بها مدافعة الهوى في أول الأمر وإن صارت مغلوبة بعد
ذلك، ومن هنا تصدر الكبيرة عن ذي الملكة كثيرا.
تواجد الهيئة الراسخة عند كثير من الناس
وكيف كان: فالحالة المذكورة غير عزيزة في الناس [و] ليس في الندرة على
ما ذكره الوحيد البهبهاني (1) بحيث يلزم من اشتراطه وإلغاء ما عداه، اختلال
النظام.
وكيف يخفى على هؤلاء ذلك حتى يعتبروا في العدالة شيئا، يلزم منه
- بحكم الوجدان - ما هو بديهي البطلان؟ إذ المفروض أنه لا خفاء في الملازمة
ولا في بطلان اللازم - وهو الاختلال - بل الانصاف أن الاقتصار على ما دون
هذه المرتبة يوجب تضييع حقوق الله وحقوق الناس وكيف يحصل الوثوق في
الاقدام على ما أناطه الشارع بالعدالة لمن لا يظن فيه ملكة ترك الكذب
والخيانة، فيمضي قوله في دين الخلق ودنياهم من الأنفس والأموال والأعراض،
ويمضي فعله على الأيتام والغيب (2) والفقراء والسادة (3).
قال بعض السادة: إن الشريعة المنيعة التي منعت من إجراء الحد على
من أقر على نفسه بالزنا مرة بل ثلاثا كيف يحك بقتل النفوس واهراقهم (4) وقطع
أياديهم وحبسهم وأخذ أموالهم، وأرواحهم بمجرد شهادة من يجهل حاله من دون

(1) راجع الصفحة 25.
(2) الغيب: جمع غائب (المعجم الوسيط: 2 مادة: غيب).
(3) المراد ظاهرا: السذج من الناس.
(4) كذا في النسخ، إلا أنها في " د ": احراقهم،.
28

اختبار.
نقد كلام السيد الصدر (ره)
وأما ما ذكره السيد الصدر (1): - من كون الملكة عبارة عن تعديل القوى
الثلاث: قوة الادراك، وقوة الغضب، وقوة الشهوة، وأن العدالة تتوقف على
الحكمة والعفة والشجاعة - فلا أظن أن الفقهاء يلتزمون ذلك في العدالة، كيف!
وظاهر تعريفهم لها بالحالة النفسانية ينطبق على الحالة التي ذكرناها وهي
الموجودة في كثير من الناس.
ودعوى: أن إدخالهم المروة في مدخول (2) الملكة وجعلهم العدالة هي
الملكة الجامعة بين البعث على التقوى والبعث على المروة ظاهر في اعتبار أزيد
من الحالة النفسانية المذكورة التي ذكرنا أنها تنشأ من خشية الله تعالى، فإن هذه
الحالة لا تبعث إلا على مجانبة الكبائر والاصرار على الصغائر، ولا تبعث على
مراعاة المروة مدفوعة:
أولا: بما عرفت (3) من أن الأقوى خروج المروة عن مفهوم
العدالة.
وثانيا: أن اعتبار الملكة الجامعة بين البعث على التقوى والمروة غير ما
ذكره السيد أيضا، لأن المراد منها: الاستحياء والتعفف فيما بينه وبين الله وبين
الناس، وهذا أيضا كثير الوجود في الناس، بل الاستحياء عن الخلق موجود في
أكثر الخلق، فكما أن علماء الأخلاق عبروا عن تعديل القوى الثلاث بالعدالة
فكذلك الفقهاء عبروا عن الاستحياء عن الخالق والمخلوق بالعدالة، لأنها
استقامة على جادتي الشرع والعرف، وخلافه خروج عن إحدى الجادتين.

(1) راجع الصفحة 26.
(2) كذا في النسخ، والظاهر: مدلول.
(3) راجع الصفحة 19.
29

هذا مع أن جعل حسن الظاهر، بل مطلق الظن طريقا إلى هذه الصفة،
أوجب تسهيل الأمر في الغاية حتى كاد لا يرى ثمرة لجعل العدالة هي الملكة،
كما تقدم من السيد الصدر (1)، فكيف يتفاوت الأمر في اختلال النظام واستقامته
بين جعلها (حسن الظاهر) وبين جعلها (الملكة) وجعل حسن الظاهر طريقا
إليها؟.
ما أورد على القول بالملكة ثانيا
ومنها (2): أن الحكم بزوال العدالة عند عروض ما ينافيها من معصية أو
خلاف مروة ورجوعها بمجرد التوبة، ينافي كون العدالة هي الملكة.
وما يقال في الجواب: من أن الملكة لا تزول بمخالفة مقتضاها في بعض
الأحيان، إلا أن الشارع جعل الأثر المخالف لمقتضاها مزيلا لحكمها بالاجماع،
وجعل التوبة رافعة لهذا المزيل، فالأمر تعبدي.
ففيه: أنه مخالف لتصريحهم بالزوال والعود.
والجواب: ما تقدم من أن العدالة ليست عندهم هي الملكة المقتضية
للتقوى والمروة، المجامعة لما يمنع عن مقتضاها، لأن قولهم: (ملكة تبعث) أو
(تمنع) يراد بها البعث والمنع الفعلي. ويدل عليه ما مر عن نكت الإرشاد (3) على
أظهر احتماليه، فالملكة إذا لم يكن معها المنع الفعلي ليست عدالة.
ولو أبيت إلا عن المعارض والمانع، فيكفي في إرادة الملكة المقتضية الخالية عن المانع
تصريح نفس أرباب الملكة - كغيرهم - بأن نفس العدالة تزول بمواقعة الكبائر،
ولذا ذكرنا أنه لا قائل بكون العدالة مجرد الملكة من غير اعتبار للمنع الفعلي.
وأما التوبة فهي إنما ترفع حكم المعصية وتجعلها كغير الواقع في الحكم،

(1) راجع الصفحة 26.
(2) أي مما ورد على القول بالملكة.
(3) راجع الصفحة 19.
30

فزوال العدالة بالكبيرة حقيقي، وعودها بالتوبة تعبدي، بل سيجئ (1) أن الندم
على المعصية عقيب صدورها، يعيد الحالة السابقة وهي الملكة المتصفة بالمنع، إذ
لا فرق حقيقة بين من تمنعه ملكته عن ارتكاب المعصية وبين من توجب عليه
تلك الملكة الندم على ما مضى منه، فحالة الندم بعينها هي الحالة المانعة فعلا،
لأن الشخص حين الندم على المعصية، من حيث إنها معصية - كما هو معنى
التوبة - يمتنع صدور المعصية منه، فالشخص النادم متصف بالملكة المانعة فعلا،
بخلاف من لم يندم، فتأمل.
ما أورد على القول بالملكة ثالثا
ومنها: أن ما اشتهر بينهم أن تقديم الجارح على المعدل - عند التعارض
- لا يتأتى إلا على القول بأن العدالة هي (حسن الظاهر) وأما على القول بأنه
(الملكة) فلا يتجه، لأن المعدل إنما ينطق عن علم حصل له بعد طول المعاشرة
والاختبار، أو بعد الجهد في تتبع الآثار، فيبعد صدور الخطأ منه، ويرشد إلى ذلك
تعليلهم تقديم الجرح بأنا إذا؟ أخذنا بقول الجارح فقد صدقناه وصدقنا المعدل،
لأنه لا مانع من وقوع ما يوجب الجرح والتعديل بأن يكون كل منهما اطلع على
ما يوجب أحدهما، وأنت خبير بأن المعدل - على القول بالملكة - إنما يخبر عن
علم بالملكة وما هو عليه في نفس الأمر والواقع، ففي تقديم الجرح حينئذ
وتصديقهما معا جمع بين النقيضين، فتأمل.
والجواب أن عدم الكبيرة مأخوذ في العدالة إجماعا على ما تقدم (2) إما
لكونه قيدا للملكة على ما اخترناه، وإما لأخذه في العدالة بدليل الاجماع
والنص، كيف! ولو لم يكن مأخوذة لم يكن الجارح معارضا له أصلا.
وكيف كان: فاعتماد المعدل على هذا الأمر العدمي المأخوذ في تحقق

(1) في الصفحة 50 و 51.
(2) في الصفحة 10.
31

العدالة ليس إلا على أصالة العدم، أو أصالة الصحة، أو قيام الاجماع على أن
العلم بالملكة المجردة طريق ظاهري للحكم بتحقق ذلك الأمر العدمي.
والحاصل: أن الاجماع منعقد - بل النص (1) - على أنه يكفي في الشهادة
على العدالة بعد العلم بالملكة أو حسن الظاهر - على الخلاف في معناها - عدم
العلم بصدور الكبيرة عنه، ولا يعتبر علمه أو ظنه بأنه لم يصدر عنه كبيرة إلى
زمان أداء الشهادة.
وعلى هذا فأحد جزأي الشهادة - وهو تحقق ذلك الأمر العدمي - ثابت
بالطريق الظاهري، وهو مستند شهادته، ومن المعلوم أن شهادة الجارح حاكمة
على هذا الطريق الظاهري، فإن تعارضهما إنما هو باعتبار تحقق هذا الأمر
العدمي وعدم تحققه، وإلا فلعل الجارح أيضا لا ينكر الملكة، بل يعترف بها في
متن الشهادة.
فالمقام على ما اخترناه - من أخذ الاجتناب عن الكبيرة قيدا للملكة -
نظير شهادة إحدى البينتين على أنه ملكه قد اشتراه من المدعي، تعويلا على
أصالة صحة الشراء، وشهادة البينة الأخرى أنه ملك للآخر مستندا إلى فساد
ذلك الشراء لوجود مانع من موانع الصحة، وعلى القول بكونه مزيلا للعدالة
بالدليل الخارجي يكون نظير شهادة إحداهما بملكه لأحدهما، وشهادة الأخرى
بانتقاله عنه إلى الآخر.
وكيف كان: فالمعدل يقول: (إنه ذو ملكة لم أطلع على صدور كبيرة منه)
والجارح يقول: (قد اطلعت على صدور المعصية الفلانية [منه] (2)) فشهادة المعدل
مركبة من أمر وجودي وعدمي، وشهادة الجارح (3) يدل على انتفاء ذلك الأمر

(1) انظر الوسائل 18: 292 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 13.
(2) الزيادة اقتضاها السياق.
(3) كذا في " ص " وفي سائر النسخ: الجرح.
32

العدمي، فالتعارض إنما هو في الجزء الأخير، ومن المعلوم كونهما من قبيل النافي
والمثبت.
نعم: لو اعتبرنا في التعديل الظن بعدم صدور الكبيرة، كان التعارض
على وجه لا يمكن الجمع، فلا بد إما من ترجيح الجارح لاستناده إلى القطع
الحسي بخلاف المعدل فإنه مستند إلى الظن الحدسي، وإما من التوقف عن
الحكم بالعدالة والفسق والرجوع إلى الأصل.
كما أنه لو اعتبر في التعديل العلم أو الظن بكون الشخص بحيث لو
فرض صدور كبيرة عنه بادر إلى التوبة - البتة -، كان المناسب تقديم المعدل
لأن غاية الجرح صدور المعصية لكن المعدل يظن أو يعلم بصدور التوبة عقيب
المعصية على فرض صدورها، فكأن الجارح مستند في تفسيقه إلى صدور الكبيرة
وعدم العلم بالمزيل وهي التوبة، والمعدل وإن لم يشهد بعدم صدور المعصية إلا
أنه يشهد بالتوبة على فرض صدور المعصية.
ما أورد على القول بالملكة رابعا
ومنها: ما ذكره في مفتاح الكرامة: من اطباق الأصحاب - إلا السيد
والإسكافي - على صحة صلاة من صلى خلف من تبين كفره أو فسقه (1)، وبه
نطقت الأخبار (2).
أقول: لم أفهم وجه منافاة هذا الحكم لكون العدالة هي (الملكة) دون
(حسن الظاهر). ولم لا يجوز أن يكون العدالة كالاسلام أمرا واقعيا يستدل عليه
بالآثار الظاهرة ويعتمد فيه عليها، فإذا تبين الخطأ بعد ترتيب الأثر يحكم
الشارع بمضي تلك الآثار وعدم انتقاضها؟.
فإن قلت: مقتضى ظهور الأدلة في كون العدالة شرطا واقعيا بانضمام ما

(1) مفتاح الكرامة 3: 482.
(2) انظر الوسائل 5: 435 الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1 و 2.
33

دل على صحة الصلاة مع ثبوت الفسق، أن يكون العدالة أمرا ظاهريا غير قابل
لانكشاف الخلاف لا الملكة الواقعية، وإلا وجب إما صرف أدلة اشتراط تحققها
في الواقع عن ظاهرها وجعلها من الشروط العلمية، وإما إبقاؤها على ظاهرها
من كونها شرطا واقعيا، وصرف أدلة كون العدالة الواقعية شرطا في صحة الصلاة
الخالية عن الفاتحة وغيرها - من خواص المنفرد - إلى كونها شرطا علميا،
وكلاهما مخالفان للأصل.
قلت: أولا: إنه قد تقدم (1) أنه لا يمكن أن يكون العدالة أمرا ظاهريا
- مثل حسن الظاهر ونحوه - مع كون الفسق أمرا واقعيا، وإلا خرجا عن
التضاد، لاجتماعهما حينئذ في من حسن ظاهره وفرض فاسقا في الواقع، مع أن
تضادهما من بديهيات العرف، فإنه لا يحكمون بحدوث الفسق من حين
الاطلاع على قبح الإمام، بل يقولون: (إنه تبين فسقه) ولذا عبروا في المسألة
المتقدمة بقولهم: إذا تبين فسق الإمام.
وثانيا: أنه لو سلمنا إمكان تعلقه من كون نفس العدالة الواقعية حسن
الظاهر وإن فرض فسقه واقعا، لكن نقول: إن الحكم بالصحة لا يدل على عدم
كونها هي الملكة ولم بضميمة ظهور أدلة اشتراطها في كونها شرطا واقعيا، لأن
الدليل على اشتراط العدالة إما الاجماع وإما الأخبار المتقدمة:
أما الاجماع: فهو إنما حصل بانضمام فتوى القائلين بالملكة، ومعلوم أنهم
يجعلونها شرطا علميا، نعم: أرباب حسن الظاهر، يجعلونه شرطا واقعيا. هذا كله
مع أن معقد اجماع المعتبر هو اعتبار ظهور العدالة لا اعتبار نفسها، قال: (ظهور
العدالة معتبر عند علمائنا) (2) وظاهره كونه شرطا علميا عند الكل، وهذا الكلام

(1) في الصفحة 8 و 9.
(2) المعتبر 2: 307، وفيه: ولنا أن ظهور العدالة شرط فلا تصح مع الشرك.
34

من المحقق يدل أن العدالة عنده أمر واقعي، قد يظهر وقد لا يظهر، ولا ينطبق
إلا على (الملكة) وحينئذ فيصير عنده وعند غيره شرطا واقعيا.
وأما الأخبار: فما دل منها [على اعتبار الوثوق بالدين، فدلالته على كون
العدالة شرطا علميا واضحة، والدال منها] (1) على اعتبار مفهوم العدالة ظاهر في
صورة العلم، إذ ليس فيها إلا أنه إذا كان الإمام عادلا فافعل (2) كذا، فلاحظ
وتأمل.
[من أن صحة صلاة المأموم ليست اجماعية، فقد خالف السيد المرتضى
في المسألة بناء على أن العدالة شرط واقعي تبين انتفاؤها (3) واحتج القائل
بالصحة، بأنها صلاة مشروعة في ظاهر الحكم، فهي مجزية] (4).
ثم إنك قد عرفت غير مرة أن القول بأن العدالة (نفس ظهور الاسلام
وعدم ظهور الفسق) مع كونه غير معقول - كما عرفت -، غير مصرح في، كلام
أحد، بل ولا ظاهر ولا مومى إليه، نعم، يظهر من المحكي عن بعض كلمات
جماعة: الاكتفاء في ثبوتها بالاسلام، وعدم ظهور الفسق.
هل العدالة هي حسن الظاهر؟
وكذلك كون العدالة (نفس حسن الظاهر) غير معقول، لما عرفت من
بداهة مضادتها مع الفسق المجامع لحسن الظاهر، والشئ يمتنع أن يفسر بما
يجامع ضده، ومع ذلك فهو غير مصرح به في كلام أحد من المتقدمين وإن دارت
حكايته عنهم في ألسنة بعض المتأخرين (5).

(1) ما بين المعقوفتين من " د ".
(2) كذا في " د "، ولكن في سائر النسخ: فعل.
(3) لم نقف عليه.
(4) ما بين المعقوفتين من المخطوطة.
(5) منهم صاحب مفتاح الكرامة في كتاب الصلاة 3: 82 وصاحب الذخيرة: 305.
35

وحيث إنه حكي هذا القول عن خصوص بعض القدماء بأسمائهم، فلا
بأس أن نشير إلى عدم مطابقة هذه الحكاية للواقع بالنسبة إلى من وصل إلينا
كلماتهم.
كلام الشيخ المفيد في هذا المقام
فممن حكي عنه هذا القول: المفيد - في المقنعة -، حيث ذكر أن العدل
(من كان معروفا بالدين والورع عن محارم الله) (1).
ولا يخفى أن ظاهر هذا الكلام وإن كان تفسير العدل الواقعي بمن عرف
بالدين والورع، لا من اتصف بهما في نفس الأمر، لكن لا يخفى أن تحقق الدين
في نفس الأمر معتبر في العدالة اتفاقا حتى ممن قال بأن العدالة هي (الاسلام
مع عدم ظهور الفسق) والكلام إنما هو في الورع عن المحارم وأنه معتبر في الواقع
أو في الظاهر، أي: فيما يظهر للناس في أحواله، فلا بد من أن يراد من العبارة:
تفسير العدل المعلوم عدالته، لأنه الذي يترتب عليه الأحكام، دون العدل النفس
الأمري مع قطع النظر عن كونه معلوما، فكأنه قال: (العدل المعروف عدالته من
كان معروفا بالدين والورع) فالعدل الواقعي من له دين وورع في الواقع،
والعدل المعروف بهذه الصفة من كان معروفا بالدين والورع.
نعم: لو التزم أحد أن الاسلام الواقعي أيضا غير معتبر في العدالة
الواقعية، كان العدالة عنده: حسن الظاهر من حيث الدين والورع، لكن
الظاهر من حكاية هذا القول هو إلغاء الواقع ونفس الأمر بالنسبة إلى الورع
لا الدين.
كلام الشيخ الطوسي في هذا المقام
وممن حكي عنه هذا القول الشيخ في النهاية (2)، حيث ذكر (أن العدل
الذي يقبل شهادته: من كان ظاهره ظاهر الايمان، ثم يعرف بالستر والعفاف).

(1) المقنعة: 725.
(2) النهاية: 325.
36

فظاهره إرادة معلوم العدالة، كما لا يخفى.
ومما ذكر يعلم حال حكاية هذا القول عن القاضي (1) حيث اعتبر في
العدالة (الستر والعفاف) وحال حكايته عن التقي (2) حيث اعتبر فيها (اجتناب
القبائح) الذي هو أمر واقعي، وحال عبارة الجامع (3) حيث اعتبر فيها (التعفف
واجتناب القبائح) ولا يحضرني كلام غيرهم.
وبالجملة: فالقول المذكور بظاهره غير ظاهر من كلام أحد من القدماء،
وسيأتي غاية ما يمكن أن يوجه به هذا القول (4).
الأخبار التي استدل بها على كون العدالة حسن الظاهر
هذا كله، مضافا إلى أن مجرد وجود القائل لا يثبت القول، بل لا بد له
من الدليل، ولم نجد في الأدلة ما يدل على كون العدالة التي هي ضد الفسق
(مجرد حسن الظاهر) وإن استدل له بعض متأخري المتأخرين (5) بأخبار، هي
بين ظاهر في اشتراط قبول الشهادة بالصفة الواقعية التي لا دخل لظهورها في
تحققها وإن كان لظهورها دخل في ترتيب أحكامها - كما هو شأن كل صفة
باطنية واقعية من الشجاعة والكرم، بل العصمة والنبوة ونحوهما - مثل قوله
عليه السلام: (لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا) (6).
و: (لا بأس بشهادة المكاري والجمال والملاح إذا كانوا صلحاء) (7).
وما ورد في تفسير العسكري عليه السلام (8) من أنه: (إذا كان الرجل (9) صالحا

(1) المهذب 2: 556.
(2) الكافي في الفقه: 435.
(3) الجامع للشرائع: 538.
(4) في الصفحة 39 و 40.
(5) لم نقف عليه.
(6) الوسائل 18: 274 الباب 29 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
(7) الوسائل 18: 280 الباب 34 من أبواب الشهادات، الحديث الأول مع اختلاف يسير.
(8) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام: 672.
(9) ليس في المصدر: الرجل.
37

عفيفا، مميزا، محصلا، مجانبا للمعصية والهوى، والميل والمخائل (1)، فذلك (2) الرجل
الفاضل).
وصحيحة ابن أبي يعفور التي قد عرفت دلالتها (3).
وبين ظاهر في أن حسن الظاهر يوجب الحكم على الشخص بالعدالة
وقبول الشهادة، فهو طريق إليها لا نفسها، مثل قوله عليه السلام: (من عامل الناس
فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن حرمت غيبته
وكملت مروته وظهرت عدالته ووجبت أخوته) (4).
وقوله: (من صلى الخمس في الجماعة، فظنوا به كل خير) (5).
وما ورد في قبول شهادة القابلة في استهلال الصبي - إذا سئل عنها
فعدلت (6) -.
وما ورد: (أن الشاهد إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا
يسأل عن باطنه) (7).
وفي قبول شهادة المسلم (إذا كان يعرف منه خير) (8).
وأنه (لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته) (9) وغير ذلك مما دل على ترتب أثر العدالة على حسن الظاهر.
وهذا شئ لا ينكره أهل الملكة، فإنهم يجعلونه طريقا، كما هو ظاهر قوله

(1) في المصدر: التحامل.
(2) في المصدر: فذلكم.
(3) في الصفحة 11 و 12.
(4) الوسائل 18: 293 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 15.
(5) الفقيه 1: 376 الحديث 1093 وفيه: الصلوات الخمس.
(6) الوسائل 18: 293 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 17.
(7) الوسائل 18: 290 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 3 وفيه: فإذا كان ظاهر
الرجل ظاهرا.. (8) الوسائل 18: 291 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 8.
(9) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 144.
38

عليه السلام في صحيحة ابن أبي يعفور - بعد تفسير العدالة بما هو ظاهر في اعتبار
الصفة النفسانية -: (والدلالة على ذلك كله أين يكون ساترا لعيوبه) (1).
ومن هذه الصحيحة ونحوها - مثل قوله: (ظهرت عدالته) - يظهر
اندفاع ما يقال: من أن ظاهر اشتراط قبول الشهادة بحسن الظاهر - كما دلت
عليه تلك الأخبار بضميمة ما دل على اشتراطه بالعدالة - هو اتحاد العدالة
وحسن الظاهر، للاجماع على عدم كونهما شرطين متغايرين، فكون حسن الظاهر
طريقا إلى العدالة خلاف ظاهر الاتحاد، كما إذا ورد أنه (يشترط في الشاهد
العدالة) وورد أيضا (يشترط فيه حسن الظاهر) فحينئذ يجعل العدالة عبارة عن
الاستقامة الظاهرية التي عليها الانسان في ظاهر حاله.
فإن قلت: إن أراد أهل الملكة من كون حسن الظاهر طريقا، كونه طريقا
يعتبر فيها إفادة الظن بالملكة أو عدم الظن بعدمها، فهو مخالف لظاهر الأخبار المتقدمة بل صريح بعضها، مثل قوله: (إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت
شهادته ولا يسأل عن باطنه) (2) فإنه في قوة قوله: (ولا يلتفت إلى باطنه) نظير
قوله عليه السلام - في لحوم أسواق المسلمين -: (كل ولا تسأل) (3) ومثل قوله: (فظنوا
به كل خير) (4) حيث إن الأمر بالظن - مع أنه غير مقدور - راجع إلى ترتيب آثار
الظن وإن لم يحصل هو. قوله عليه السلام: (ظهرت عدالته) (5) الظاهر في وجوب
التعبد بعدالة ذلك الشخص. وقوله عليه السلام: (من لم تره بعينك يرتكب معصية

(1) الوسائل 18: 288 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث الأول.
(2) الوسائل 18: 290 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
(3) الوسائل 16: 294 الباب 29 من كتاب الصيد والذبائح، الحديث الأول.
(4) الفقيه 1: 376، الحديث 1093.
(5) الوسائل 18: 293 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 15.
39

[ولم يشهد عليه شاهدان] (1) فهو من أهل العدالة والستر) (2) وغير ذلك.
وإن أرادوا أنه طريق تعبدي بمعنى أنه يحكم بجميع أحكام العدالة عند
الاطلاع على حسن الظاهر، فيكون حسن الظاهر عدلا شرعا - كما أن
مستصحب العدالة عدل شرعا - انتفت الثمرة بين القولين، بل التحقيق أنه لا
تغاير بينهما، بناء على أن يراد من جعل العدالة (حسن الظاهر) كون حسن
الظاهر عدالة شرعا، كما أن الحالة المسبوقة بالعدالة المشكوك في زوالها عدالة
شرعا، فقولهم: (العدل من كان معروفا بكذا) نظير قولهم: (المسلم من أظهر
الشهادتين) فالمراد بالعدالة المفسرة عندهم بحسن الظاهر هي العدالة الظاهرية،
لأنها هي التي يترتب عليها الآثار دون الواقعية مع قطع النظر عن تعلق العلم
بها، لأنها لا تفيد شيئا، بل يعامل معها معاملة عدمها.
والحاصل: أن أرباب القول بحسن الظاهر لا ينكرون كون العدالة هي
الاستقامة الواقعية المسببة عن الملكة، أو مجرد الاستقامة على طريق الحق من
فعل الواجبات وترك المحرمات ولو من دون الملكة - على الاختلاف المتقدم،
المستفاد من كلمات الأصحاب - إلا أنهم جعلوا استقامة الظاهر طريقا تعبديا
إلى ذلك المعنى الواقعي بحيث كأنها صارت موضوعا مستقلا لا يلاحظ فيها
الطريقية، ولا يلتفت إلى ذي الطريق، فيستحق إطلاق اسم ذي الطريق عليه،
كما يظهر (3) [من ملاحظة إطلاق] (4) أسامي جميع الموضوعات الواقعية - كالملكية
والزوجية والطهارة والنجاسة والقبلة والوقت وغيرها - على مؤديات الطرق
الظاهرية، كالاستصحاب وأصالة الصحة.

(1) الزيادة من المصدر وسيأتي نقل الشيخ قدس سره لهذا الحديث مع هذه الزيادة في صفحة 66.
(2) الوسائل 18: 292 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 13 مع اختلاف يسير.
(3) في " ج " و " د ": يطلق.
(4) ما بين المعقوفتين من " ش ".
40

قلت، أولا: إنه سيجئ (1) في بيان طرق العدالة أنه يعتبر في حسن
الظاهر إفادته الظن بالملكة، وأن ما ذكر من الأخبار لا ينهض على اثبات كونه
من الطرق التعبدية التي لا يلاحظ فيها الظن بذي الطريق.
وثانيا: لو (2) سلمنا كونه طريقا تعبديا كذلك، لكن هذا لا يوجب تفسير
(العدالة) بحسن الظاهر - كما هو ظاهر هذا القول - لأن مقتضى هذا التفسير
عدم ملاحظة الملكة رأسا حتى مع العلم بعدمها، فضلا عن صورة الظن به، وأين
هذا مع الطريقية؟.
وبالجملة: فهذا القائل إن أراد أن (حسن الظاهر) هي العدالة الواقعية
ولا واقع لها غيره، فهو غير معقول، لما عرفت (3) من اجتماعه مع الفسق الواقعي
الذي هو ضد العدالة.
وإن أراد أن (حسن الظاهر) مع عدم الفسق الواقعي هي العدالة، وإن
انتفت الملكة في الواقع، فهو وإن كان معقولا، إلا أنه خلاف ظاهر ما دل على
كون العدالة صفة نفسانية باطنية.
وإن أراد أنه طريق إليها، فإن كونه طريقا تعبديا ولو مع الظن بعدم
الملكة، فلا يساعد عليه ما أدعي من الاطلاقات، فلا يتعدى لأجلها عن مقتضى
الأصل.
وإن أراد أنه طريق إليها مع إفادة الظن، فمرحبا بالوفاق.
وإن تعدى عن ذلك إلى صورة الشك، فللتأمل فيه مجال، والأقوى العدم.
ثم إنه يشكل جعل (حسن الظاهر) ضابطا للعدالة مع عدم إناطته بإفادة
الظن بالملكة، من جهة أن مراتب الظهور مختلفة، لأن الظاهر والباطن إضافيان.

(1) في الصفحة 64.
(2) أثبتناه من " د ".
(3) في الصفحة 38.
41

فالظاهر لأهل البلد باطن بالنسبة إلى غيرهم، والظاهر لأهل المحلة باطن
بالنسبة إلى باقي أهل البلد، والظاهر للجيران باطن لباقي أهل المحلة، والظاهر
لأهل البيت باطن للجيران، والظاهر لزوجة الشخص باطن لغيرها، وقد يكون
السلسلة بالعكس، فلا يظهر لزوجته ما يظهر لغيرها، ولا يظهر لأهل بلده ما
يظهر لغيرهم.
والجواب عنها - بعد تسليم دلالتها وعدم ورودها مورد الغالب من حسن
الظن (1) بالملكة - معارضتها بما هو أخص منها مما دل على اعتبار الوثاقة بالأمانة
والورع في الإمام والشاهد، مثل قول الإمام عليه السلام - المحكي عنه في الفقه
الرضوي -: (لا تصل إلا خلف رجلين: أحدهما من تثق بدينه وورعه والآخر من
تتقي سيفه وسوطه) (2)، ورواية أبي علي ابن راشد: (لا تصل إلا خلف من تثق
بدينه وأمانته) (3) وقوله عليه السلام في تفسير (4) قوله تعالى: (ممن ترضون من
الشهداء) (5) (6).
فإن قلت: ما دل على كون (حسن الظاهر) طريقا تعبديا إلى العدالة
حاكم على أمثال هذه، نظير أدلة كون البينة طريقا تعبديا إليها، مع أنهم لا
يقولون بتقييد أدلة البينة بصورة إفادة الوثوق بالواقع.
قلت: التحقيق في ذلك: أن ما دل من أخبار (حسن الظاهر) على كونه.

(1) كذا في النسخ، والظاهر: حصول الظن.
(2) الفقه الرضوي: 144.
(3) الوسائل 5: 389 الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(4) ليس في " ج " و " ع " و " ص " و " ش ": تفسير.
(5) البقرة: 2، 282.
(6) الوسائل 18: 295 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 23، وفيه: عن أمير المؤمنين
عليه السلام: في قوله: (ممن ترضون من الشهداء) قال: ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته
تيقظه فيما يشهد به وتحصيله وتمييزه... إلى آخر الحديث.
42

مجوزا لقبول الشهادة - كرواية يونس (1) - فهو معارض بأدلة اعتبار الوثوق.
وليس من قبيل الحاكم عليها.
وما دل على أن العدالة تتحقق به ظاهرا: ذيل صحيحة ابن أبي يعفور (2)
ورواية علقمة (3) وقوله عليه السلام: (من عامل الناس... الخبر) (4) وقوله عليه السلام:
(من صلى الخمس في جماعة فظنوا به كل خير) (5). فهو وإن كان حاكما عليها.
لكن يرد على الكل - بعد الاغماض عما تقدم في سدها ودلالتها -: أن هذه كلها
منصرفة إلى الغالب، وهي صورة إفادة الوثوق بالدين والأمانة والورع.
مع أن هنا كلاما آخر، وهو أنه يمكن أن يقال: إن ظاهر أدلة اعتبار
الوثوق والورع اعتباره من باب الموضوعية لا من باب الطريقية والكاشفية،
فإذا كان كذلك فلا ينفع الطريق الغير المفيد للوثوق، ويخصص به عموم كل ما
دل على اعتبار طريق العدالة ولو كانت بينة شرعية، فلا يعمل بها إلا مع
اعتبار الوثوق.
لكن الانصاف أن الوثوق إنما اعتبر في المقام من باب الطريقية، نظير
اعتبار العلم في كثير من الموضوعات.

(1) الوسائل 18: 290 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
(2) الوسائل 18: 288 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث الأول.
(3) الوسائل 18: 292 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 13.
(4) الوسائل 18: 293 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 15.
(5) الفقيه 1: 376 الحديث 1093 وفيه: الصلوات الخمس.
43

[طريق إثبات كون المعصية كبيرة]
ثم كون المعصية كبيرة يثبت بأمور:
الطريق الأول
الأول: النص المعتبر على أنها كبيرة، كما ورد في بعض المعاصي، وقد عد
منها - في الحسن كالصحيح المروي عن الرضا عليه السلام - من نيف (1) وثلاثين، فإنه
كتب إلى المأمون: (من محض الايمان: اجتناب الكبائر، وهي: قتل النفس التي
حرم الله، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف،
وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به من
غير ضرورة، وأكل الربا بعد البينة، والسحت، والميسر وهو القمار (2) والبخس في
المكيال والميزان، وقذف المحصنات، واللواط، وشهادة الزور، واليأس من روح
الله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، ومعونة الظالمين والركون إليهم،
واليمين الغموس، وحبس الحقوق من غير عسرة، والكذب، والكبر، والاسراف
والتبذير، والخيانة، والاستخفاف بالحج، والمحاربة لأولياء الله، والاشتغال

(1) كذا في النسخ.
(2) في المصدر: والقمار.
44

بالملاهي، والاصرار على الذنوب) (1).
الطريق الثاني
الثاني: النص المعتبر على أنها مما أوجب الله عليها النار - سواء أوعد
في الكتاب، أو أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام بأنه مما يوجب
النار - لدلالة الصحاح المروية في الكافي (2) وغيرها على أنها: ما أوجب الله عليه
النار ولا ينافيه ما دل على أنها مما (3) أوعد الله عليه النار (4) بناء على أن إيعاد الله
إنما هو في كلامه المجيد، فهو مقيد لاطلاق ما أوجب الله.
الطريق الثالث
الثالث: النص في الكتاب الكريم على ثبوت العقاب عليه بالخصوص،
لا من حيث عموم المعصية، ليشمله قوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله فإن
له نار جهنم) (5).
ونحو ذلك ما إذا كشف السنة عن ايعاد الله تعالى، مثل قوله عليه السلام:
(من قال في مؤمن ما رأت عيناه أو سمعت أذناه، فهو من الذين قال الله تعالى:
(الذين يحبون أن تشيع الفاحشة... الخ) (6) (7).
والدليل على ثبوت الكبيرة بما ذكر في هذا الوجه صحيحة عبد العظيم
ابن عبد الله الحسني - المروية في الكافي - عن أبي جعفر الثاني، عن أبيه، عن جده
عليهم السلام يقول: دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله عليه السلام فلما سلم وجلس
تلا هذه الآية (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) (8) ثم أمسك، فقال له
أبو عبد الله عليه السلام: ما أمسكك؟ قال: أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 127.
(2) الكافي 2: 276 كتاب الايمان والكفر، الحديث الأول.
(3) في المخطوطة: ما.
(4) الكافي 2: 276 كتاب الايمان والكفر، الحديث 2.
(5) الجن: 23.
(6) الوسائل 8: 598 الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 6 مع اختلاف يسير.
(7) النور: 24، 19.
(8) النجم: 53، 32.
45

عز وجل فقال عليه السلام: نعم يا عمرو، أكبر الكبائر: الاشراك بالله، يقول الله:
(من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) (1) وبعده اليأس من روح الله، لأن الله
تعالى يقول: (لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرين) (2) ثم الأمن من مكر
الله، لأن الله عز وجل يقول: (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) (3) ومنها
عقوق الوالدين، لأن الله تعالى جعل العاق جبارا شقيا في قوله تعالى: (وبرا
بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا) (4) وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، لأن الله
تعالى يقول: (فجزاؤه جهنم خالدا فيها...) (5) (الآية) وقذف المحصنة، لأن الله
تعالى يقول: (لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) (6) وأكل مال اليتيم،
لأن الله تعالى يقول: (الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم
نارا وسيصلون سعيرا) (7) والفرار من الزحف، لأن الله تعالى يقول: (ومن يولهم
يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه
جهنم وبئس المصير) (8)، وأكل الربا، لأن الله تعالى يقول: (الذين يأكلون
الربوا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) (9) والسحر،
لأن الله تعالى يقول: (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) (10)

(1) المائدة: 5، 72.
(2) يوسف: 12، 87.
(3) الأعراف: 7، 99.
(4) مريم: 19، 32.
(5) النساء: 4، 93.
(6) النور 24، 23.
(7) النساء: 4، 10.
(8) الأنفال: 8، 16.
(9) البقرة: 2، 275.
(10) البقرة: 2، 102.
46

والزنا لأن الله تعالى يقول: (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم
القيامة ويخلد فيه مهانا) (1) واليمين الغموس الفاجرة، لأن الله تعالى يقول:
(الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) (2)
والغلول، لأن الله عز وجل يقول: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) (3) ومنع
الزكاة المفروضة، لأن الله عز وجل يقول: (فتكوى بها جباههم وجنوبهم
وظهورهم) (4) وشهادة الزور وكتمان الشهادة، لأن الله عز وجل يقول: [ومن
يكتمها فإنه آثم قلبه] (5) وشرب الخمر، لأن الله عز وجل نهى عنه كما نهى عن
عبادة الأوثان، وترك الصلاة متعمدا وشيئا مما فرضه الله، لأن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسول
الله صلى الله عليه وآله) ونقض العهد وقطعية الرحم، لأن الله تعالى يقول: (أولئك
لهم اللعنة ولهم سوء الدار) (6).
قال: فخرج عمرو وله صراخ من بكائه، وهو يقول: هلك من قال برأيه
ونازعكم في الفضل والعلم (7).
الطريق الرابع
الرابع: دلالة العقل والنقل على أشدية معصيته مما ثبت كونها من الكبيرة
أو مساواتها، كما في قوله تعالى: (والفتنة أكبر من القتل) (8)، وفي الكذب: (شر

(1) الفرقان: 25، 68 و 69.
(2) آل عمران: 3، 77.
(3) آل عمران: 3، 161.
(4) التوبة: 9، 35.
(5) البقرة: 2، 283.
(6) الرعد: 13، 25.
(7) الكافي: 2، 285 الحديث 24.
(8) البقرة: 2، 217.
47

من الشراب) (1) وكما ورد أن: (الغيبة أشد من الزنا) (2) ومثل حبس المحصنة للزنا،
فإنه أشد من القذف بحكم العقل، ومثل إعلام الكفار بما يوجب غلبتهم على
المسلمين، فإنه أشد من الفرار من الزحف.
الطريق الخامس
الخامس: أن يرد النص بعدم قبول شهادة عليه، كما ورد النهي عن
الصلاة خلف العاق لوالديه (3).
كون الاصرار على الصغيرة من الكبائر
ثم لا إشكال في أن الاصرار على الصغيرة من الكبائر، ويدل عليه - قبل
الاجماع المحكي عن التحرير (4) وغيره - (5) النصوص الواردة:
منها: أنه (لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار) (6) فإن النفي
في الصغيرة راجع إلى خصوص وصف الصغرية وإن كان في الكبيرة راجعا إلى
نفي ذاتها حكما.
ومنها: ما عن البحار عن تحف العقول عن أبي جعفر عليه السلام في حديث
(أن الاصرار على الذنب أمن من مكر الله، ولا يأمن مكر الله إلا القوم
الخاسرون) (7) (8) بضميمة ما ورد من أن الأمن من مكر الله من الكبائر (9).

(1) الكافي 2: 338 - 339 الحديث 3.
(2) الوسائل 8: 598 الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 9.
(3) روى الصدوق رحمه الله في هذا المقام ما لفظه: " سأل عمر بن يزيد أبا عبد الله عليه السلام عن إمام
لا بأس به في جميع أموره عارف غير أنه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما، أقرأ خلفه؟.
قال: لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا " راجع الفقيه 1: 379 الحديث 1113.
(4) التحرير 2: 208.
(5) كفاية الأحكام: 279.
(6) الكافي 2: 288 الحديث الأول.
(7) لم نعثر على هذا الحديث بهذا السند، إلا أنه نقل في البحار 78: 209 عن الصادق عليه السلام
ما هذا لفظه: " الاصرار أمن، ولا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون ".
(8) الأعراف: 7، 99.
(9) الكافي 2: 280 كتاب الايمان والكفر، الحديث 10.
48

ومنها: ما رواه في العيون (1) بسنده الحسن - كالصحيح - إلى الفضل بن
شاذان حيث عد الكبائر، وعد منها: الاصرار على صغار الذنوب.
[وفي رواية الأعمش - المحكية عن الخصال - عد منها: الاصرار على
صغائر الذنوب (2)] (3)
معنى الاصرار على الصغيرة
إنما الاشكال في معنى (الاصرار) والظاهر بقاؤه على معناه اللغوي العرفي،
أعني الإقامة والمداومة عليه وملازمته، ولا إشكال في أن العاصي إذا تاب عن
معصيته السابقة ثم أوقع معصية أخرى لم يصدق عليه (الاصرار) ولو فعل ذلك
مرارا، وإليه ينظر قوله عليه السلام: (ما أصر من استغفر) (4) وكذا فحوى: (لا كبيرة
مع الاستغفار) (5) فيشترط في صدق (الاصرار) عدم التوبة عن المعصية السابقة.
ثم إنه إما أن يعزم على غيره مع فعله أولا معه، وإما أن لا يعزم عليه،
وعلى الثاني إما أن يفعل الغير، وإما أن لا يفعله وحكم الجميع أنه إن كان عازما
على العود، فالظاهر صدق (الاصرار) عرفا وإن لم يعد إليها.
ويؤيده مفهوم قوله: (ما أصر من استغفر) (6) وقوله عليه السلام في تفسير قوله
تعالى: (ولم يصروا) (7): (الاصرار أن يحدث الذنب فلا يستغفر الله) (8).
وقد عد عليه السلام في حديث جنود العقل والجهل منها: (التوبة) وجعل
ضدها: (الاصرار) (9) بناء على أن ظاهر السياق كونهما مما لا ثالث [لهما]، فتأمل.

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 127.
(2) الخصال 2: 610.
(3) ما بين المعقوفتين من " د ".
(4) البحار 93: 282.
(5) الكافي 2: 288 الحديث الأول.
(6) البحار 93: 282.
(7) آل عمران: 3، 135.
(8) أصول الكافي 2: 288 الحديث 2 مع اختلاف يسير.
(9) الكافي 1: 22 كتاب العقل والجهل الحديث 14.
49

وفي حسنة ابن أبي عمير، عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام: (قال: لا يخلد
الله في النار إلا أهل الكفر والجحود والضلال والشرك، ومن اجتنب الكبائر من
المؤمنين لم يسأل عن الصغائر، قال الله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه
نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) (1) قلت: يا ابن رسول الله
صلى الله عليه وآله فالشفاعة لمن تجب من المؤمنين؟ قال: حدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما شفاعتي لأهل الكبائر،
وأما المحسنون فما عليهم من سبيل.
قال ابن أبي عمير: قلت يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله فيكف يكون (2)
الشفاعة لأهل الكبائر والله تعالى يقول: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) (3). ومن
ارتكب الكبائر فليس بمرتضى؟!
قال: يا أبا أحمد ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلا ساءه ذلك وندم عليه، وقد
قال النبي صلى الله عليه وآله: (كفى بالندم توبة) وقال عليه السلام: (من سرته حسنة
وساءته سيئة (4) فهو مؤمن) فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن، فلم يجب
له الشفاعة وكان ظالما، والله تعالى يقول: (ما للظالمين من حميم ولا شفيع
يطاع) (5).
قلت: فكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه؟ فقال: يا
أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنه سيعاقب عليها، إلا
أنه ندم على ما ارتكب، ومتى ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة، ومن لم يندم عليها
كان مصرا، والمصر لا يغفر له، لأنه غير مؤمن لعقوبة ما ارتكب، ولو كان مؤمنا
بالعقوبة لندم، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: (لا كبيرة مع الاستغفار، ولا

(1) النساء: 4، 31.
(2) في المصدر: تكون.
(3) الأنبياء: 21، 28.
(4) في المصدر: من سرته حسنته وساءته سيئته.
(5) غافر: 40، 18.
50

صغيرة مع الاصرار) وأما قوله: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) [فإنهم لا يشفعون
إلا لمن ارتضى] (1) الله دينه، والدين: الاقرار بالحسنات والسيئات، فمن ارتضى
دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة... الخبر) (2).
ومورده وإن كان في الكبائر، إلا أن ظاهره أنه لا فرق بينها وبين غيرها
في تحقق (الاصرار) بعدم الندم.
ثم إن عدم الندم وإن جامع عدم العزم على المعصية - كما لو تردد فيها
أو لم يلتفت إليها - إلا أن هذه الصورة خارجة عما ذكر سابقا من قوله: (من
اجتنب الكبائر لم يسأل عن الصغائر) يعني إذا لم يكفرها بتوبة أو عمل صالح
آخر غير اجتناب الكبائر.
ثم الظاهر أنه لا فرق فيما ذكر بين أن يكون العزم على العود حال
ارتكاب المعصية الأولى، أو بعدها قبل التوبة.
وإن كان عازما على غيره، فإن كان العزم على الغير من زمان ارتكاب
الأولى، فالظاهر أيضا صدق (الاصرار) وإن كان بعده قبل التوبة، فمقتضى
الأخبار المتقدمة صدقه لكن العرف يأباه.
وإن لم يكن عازما على الغير، فإن لم يحصل العود فلا إشكال، وإن حصل
العود، فإن لم يبلغ حد الاكثار فلا إشكال في العدم، وإن حصل الاكثار على وجه
يصدق الاصرار عرفا فلا إشكال أيضا.
فالحاصل: أن الاصرار يصدق العزم على العود إلى مطلق المعصية إذا
كان العزم مستمرا من زمان الفعل السابق، وإذا حدث بعد الفعل اعتبر اتحاد
المعصية. وقد لا يصدق إلا بالفعل، وهو ما إذا تحقق الاكثار على وجه يوجب

(1) ما بين المعقوفتين من " د " والمصدر.
(2) التوحيد: 407 - 408، الحديث 6.
51

الصدق عرفا، وما يدل (1) على عدم العدالة مع عموم قوله: (عن الرجل تقارف (2)
الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أصلي خلفه أم لا؟ قال: لا) (3) ونحوه.
وأما العزم المجرد، فالظاهر عدم تحقق (الاصرار) بمجرده وإن أصر عليه،
لأن هذا إصرار على العزم لا على المعصية، إلا إذا قلنا إن العزم على المعصية
معصية، وللكلام فيه محل آخر.
ثم أنه قد يشكل الأمر بناء على القول بوجوب التوبة مطلقا من جهة
أن المعصية لا تنفك عن الاصرار، لأنه إذا ترك التوبة عن الصغيرة فقد أخل
بواجب آخر وهي التوبة، وحيث إنها فورية ففي أدنى زمان (4) يتحقق الاصرار
- كما لا يخفى -، فيكون الثمرة بين القول بثبوت الصغائر والقول بكون
المعاصي كلها كبائر منتفية أو في غاية القلة، مثل ما إذا فعل صغيرة فنسيها أن
يتوب عنها، ونحو ذلك.
وقد أجاب بعض السادة المعاصرين بمنع وجوب التوبة عن المعاصي
مطلقا، بل هو مختص بالكبائر، وأما الصغائر فمكفرة (5) باجتناب الكبائر
وبالأعمال الصالحة، وهو لا يخلو عن نظر، لعموم أدلة وجوب التوبة، كما
سيجيئ (6) وأدلة تكفير الأعمال الصالحة لو صلحت، دالة على عدم وجوب التوبة،
و (7) لم يفرق بين الصغائر والكبائر، لعموم كثير من أدلة التكفير بل صراحة
بعضها في الكبائر، كما لا يخفى، مع أن تكفيرها بالأعمال الصالحة لا ينافي وجوب

(1) كذا في النسخ، والظاهر أن الصواب: ولما يدل.
(2) أثبتناه من " ص " وفي المصدر: يقارف وفي " د " و " ش " و " ج ": تعارف.
(3) الوسائل 5: 393 الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10.
(4) كذا في " د "، وفي سائر النسخ: أول زمان.
(5) كذا في " د " وفي سائر النسخ: فهي مكفرة.
(6) في صفحة 58.
(7) ليس في " ش " واو.
52

التوبة عنها.
وبه يظهر الجواب عن دعوى تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، غاية
الأمر تسليم سقوط وجوب التوبة إذا اجتنب الكبائر قربة إلى الله تعالى بعد
ارتكاب الصغائر أو عمل بعض الطاعات المكفرة: لكن التوبة أسبق من الكل،
لأنها تحقق في زمان متصل بالمعصية لا يمكن فيه تحقق غيرها غالبا، والمفروض
أن القائلين بانقسام المعاصي لم يقولوا بتحقق الاصرار الموجب للفسق بصدور
الصغيرة وإن لم يتب عنها، ولم يمتثل اجتناب الكبائر - بل تركها، لعدم التمكن
عنها - ولم يعمل طاعة مكفرة.
والحاصل: أن عدم وجوب التوبة إما لعدم الدليل عليه وعدم المقتضي لها
- وإن بقي الذنب غير مكفر - وإما غيرها قد يقوم مقامها في التفكير. والأول
مردود بعموم الأدلة، كما سيجئ (1) والثاني - مع أنه خلاف إطلاق الشارع من
عدم كون الصغيرة مفضية إلى الكبيرة وإن لم يتب عنها ولم يعمل مكفرا آخر -
لا ينافي وجوب التوبة ما لم يكفر الذنب بمكفر آخر غيرها، ولا يجوز أن يكون
الوجوب تخييريا بين التوبة واجتناب الكبائر والأعمال المفكرة، كما لا يخفى.
فالتحقيق في الجواب: دعوى كون وجوب التوبة وجوبا عقليا محضا،
بمعنى كونه للارشاد، وإن أمر بها الشارع أيضا في الكتاب والسنة، لكن أوامرها
إرشادية لرفع مفسدة المعصية السابقة، ولا يترتب على تركها عقاب آخر.
وبعبارة أخرى: إنما وجبت التوبة للتخلص عن المعصية السابقة،
ووجوب التخلص عن المعصية ليس واجبا شرعيا يترتب على تركه (1) عقاب
آخر غير العقاب الذي لم يتخلص منه، فهي من قبيل معالجة المريض التي أمر

(1) في الصفحة 58.
53

بها الطبيب، فلا يترتب على مخالفتها أمر سوى ما يقتضيه نفس ترك المأمور به
مع قطع النظر عن الأمر، فإنا لا نعني بالأمر الارشادي إلا ما لا يترتب على
مخالفته سوى ما يقتضيه نفس ترك المأمور به مع قطع النظر عن تعلق الأمر، ولا
على موافقته إلا ما يقتضيه فعله كذلك وليس من قبيل الأوامر التعبدية التي أمر
بها السيد عبده في مقام الاستعلاء والتعبد، ليترتب على موافقته ثواب الإطاعة
زائدا [عما يقتضيه نفس المأمور به مع قطع النظر عن الأمر، وعلى مخالفته
عقاب زائدا] (1) عما يقتضيه نفس ترك المأمور به كذلك، وسيجئ في مقام
التعرض لحكم التوبة ما يوضح ذلك.
فترك التوبة ليس من المعاصي التي توجب العقاب، ولا يدخل في
المعاصي الشرعية المنقسمة إلى صغيرة وكبيرة، وإن كان قبح تركها - من حيث إنه
إقامة على العقاب وبقاء عليه - يصل إلى حد قبح الكبيرة، وقد لا يصل إليه
بحسب قبح المعصية التي بقي عليها.

(1) ما بين المعقوفتين من " د "
54

خاتمة
في التوبة
والكلام تارة في حقيقتها، وأخرى في حكم إيجادها، وثالثة في حكمها بعد
الوجود.
حقيقة التوبة
أما حقيقتها: فهي الرجوع إلى الله بعد الاعراض عنه، أو الرجوع إلى
صراط الله المستقيم بعد الانحراف عنه، وهو يتوقف على اليقين بكون البعد عن
الله تعالى والانحراف عن سبيل التوجه إليه خسرانا لا يعد ما عداه خسرانا،
فبعد ذلك يحدث للنفس بحسب مرتبة ذلك اليقين تألم نفساني يناسب تلك المرتبة
في الشدة والضعف، ويعبر عنه ب‍ " الندم ".
هل يعتبر في التوبة العزم على عدم العود؟
وهل يعتبر فيها العزم على عدم العود؟ ظاهر الأكثر: نعم، وقيل: لا.
والأقوى: أنه إن كان المراد بالعزم: " القصد الذي لا يتحقق إلا بعد
الوثوق بحصول ما عزم عليه) فاعتباره مما لا دليل عليه، وأنه يستلزم امتناع
التوبة ممن لا يثق من نفسه بترك المعصية عند الابتلاء بها، كسئ الخلق الذي
لا يثق من نفسه ولا يأمن من وقوعه مكررا في شتم من يتعرض له [بما لا يوجب
جواز شتمه] (1) وكالجبان الذي لا يأمن وقوعه في الفرار عن الزحف، ونحو ذلك.

(1) ما بين المعقوفتين من " د ".
55

فبقي إطلاق مثل قوله صلى الله عليه وآله: (كفى بالندم توبة) (1) وقوله عليه السلام: (إن
كان الندم من الذنب توبة فأنا أندم النادمين) (2) سليما عن المقيد.
وإن أريد: (تحقق إرادته بعدم عوده إلى المعصية وإن لم يثق بحصول
مراده) فهو مما لا ينفك عن الندم.
هل يعتبر في التوبة الاستغفار؟
وهل يعتبر فيها الاستغفار أم لا؟
التحقيق: أنه إن أريد به: (حب المغفرة وشوق النفس إلى أن يغفر له
الله) فالظاهر أنه لا ينفك عن الندم.
وإن أريد به (الدعاء للمغفرة) الذي هو نوع من الطلب الانشائي، ففي
اعتباره وجهان:
من اطلاقات الندم (3).
ومن مثل قوله صلى الله عليه وآله: (لا كبيرة مع الاستغفار) (4) وقوله: (دواء
الذنوب الاستغفار) (5) وقوله: (ما أصر من استغفر) (6) ونحو ذلك.
ثم إن ظاهر بعض الآيات والروايات مغايرة التوبة للاستغفار، ففي غير
موضع من سورة هود: (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه) وعدهما جندين من
جنود العقل في الحديث المشهور في تعداد جنود العقل والجهل المروي في أول
أصول الكافي، حيث قال عليه السلام: (التوبة وضدها الاصرار والاستغفار وضدها

(1) التوحيد: 408، الحديث 6. وقد روى الصدوق رحمه الله مرسلا من ألفاظ رسول الله
صلى الله عليه وآله الموجزة: الندم توبة. راجع الفقيه 4: 380، الحديث 5811.
(2) الصحيفة السجادية: 164 الدعاء رقم: 31.
(3) الكافي 2: 426.
(4) التوحيد: 407 الحديث 6.
(5) البحار 93: 279.
(6) البحار 93: 282.
(7) هود: 11، 90.
56

الاغترار) (1) وقوله عليه السلام في المناجاة الأولى من الأدعية الخمسة عشر: (إلهي
إن كان الندم توبة إليك فأنا أندم النادمين وإن يكن الاستغفار حطة للذنوب
فإني لك من المستغفرين) (2).
ويؤيد ذلك ظاهر العطف في الاستغفار المشهور المكرر في الأدعية
والألسنة: (أستغفر الله ربي وأتوب إليه).
ومما يظهر منه الاتحاد: الجمع بين ما دل على أن (دواء الذنوب
الاستغفار) (3) وأن (التائب من الذنب يغفر له وأنه كمن لا ذنب له) (4) ويؤيده
غير ذلك من الأخبار التي يظهر للمتبع.
ويمكن حمل التوبة المعطوفة على الاستغفار في الآيات والأخبار على
الإنابة، أعني التوجه إلى الله بعد طلب العفو عما سلف، وهذا متأخر من التوجه
إليه لطلب العفو الذي هو متأخر عن الندم الذي هو توجه أيضا إلى الله، لكونه
رجوعا من طريق البطلان وعودة إلى سلوك الطريق المستقيم الموصل إلى جناب
الحق، فهي كلها توجهات وإقبالات إلى الحق يمكن إطلاق التوبة التي هي لغة
(الرجوع) على كل منها.
وقد يطلق على المجموع اسم (الاستغفار) كما في الخبر المشهور المروي
في نهج البلاغة [عن مولانا سيد الوصيين] (5) في تفسير الاستغفار في إرشاد من
قال (أستغفر الله ربي وأتوب إليه) بقوله عليه السلام في مقام التأديب: (ثكلتك أمك

(1) أصول الكافي 1: 22 و 23 كتاب العقل والجهل.
(2) الصحيفة السجادية: 164 و 165 الدعاء رقم: 31.
(3) البحار 93: 282.
(4) البحار 93: 281 باب الاستغفار وفضله وأنواعه مع اختلاف يسير.
(5) ما بين المعقوفتين من المخطوطة.
57

أتدري ما الاستغفار؟) ثم فسره بما يجمع أمورا ستة:
الندم على ما مضى، والعزم على الترك في المستقبل، وقضاء الحقوق
الفوتية (1)، وتحليل القوى الحاصلة من الخوض في الشبهات (2) المحرمة، وإذاقة
النفس مرارة الطاعة كما أذاقها حلاوة المعصية) (3).
حكم التوبة
وأما حكم إيجادها: فهو الوجوب مطلقا عن الصغائر والكبائر، ويدل
عليه من الكتاب قوله تعالى: (توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر
عنكم سيئاتكم) (4) وقوله جل ذكره: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم
تفلحون) (5).
ومن السنة ما لا يحصى كثرة (6).
وأما الاجماع: فقد ادعاه غير واحد، كصاحب الذخيرة (7)، وشارح أصول
الكافي، بل ادعى هو إجماع الأمة عليه (8).
وأما العقل: فالظاهر أنه حكم بوجوبه عقلا كل من قال بالحسن والقبح
العقليين، واستدل عليه أفضل المحققين في تجريده بأنه دافع للضرر فيجب (9)،
واعترف به شارح التجريد بناء على مذهب العدلية (10).

(1) كذا في " د " وفي سائر النسخ: الفورية.
(2) كذا في النسخ.
(3) نهج البلاغة: باب الحكم، الحكمة 417.
(4) التحريم: 66، 8.
(5) النور: 24، 31.
(6) أصول الكافي 2: 431 كتاب الايمان والكفر.
(7) ذخيرة المعاد: 303.
(8) شرح أصول الكافي لصدر المتألهين قدس سره: 101 في ذيل الحديث الرابع عشر.
(9) تجريد الاعتقاد: 305.
(10) كشف المراد: 331 المسألة الحادية عشر.
58

[اثبات العدالة بالشهادة]
ثم إن الكلام في إثبات العدالة بشهادة بعد القطع بأنها تثبت بها في
الجملة، يقع في مقامات:
ثبوت العدالة بالشهادة الفعلية
الأول: أنها هل تثبت بالشهادة الفعلية - بمعنى أن يفعل العدلان فعلا
يدل ويشهد على عدالته، كأن يصليا وراءه مع انتفاء احتمال الضرورة - أم لا؟
وجهان:
جزم بالأول في الدروس (1)، ولعله لعموم ما دل على وجوب تصديق العادل
بل المؤمن، الشامل لتصديق قوله وفعله، فإن الفعل كالقول منبئ ومخبر عما في
ضمير الفاعل فيتصف بالصدق والكذب، مثل قوله تعالى: (يؤمن بالله ويؤمن
للمؤمنين) (2).
وما دل على وجوب تصديق المؤمن (3) وإن انصرف كل ذلك إلى القول،
إلا أن إرادة تصديقه في مطلق ما يدلك وينبئك عليه ويرشدك إليه واضح،

(1) الدروس: 54.
(2) التوبة: 9، 61.
(3) الكافي 8: 147 الحديث 125.
59

فاحتمال تدليسه في فعله كاحتمال خطائه في اعتقاده أو صدور الفعل عنه لداع،
مندفع بما يندفع به هذه الاحتمالات المتطرقة في خبره، نعم لو كان فاسقا لم يقبل
منه، لورود الأمر بالتثبت في خبره.
وحمل نفس فعل الفاسق على الصحة إنما هو من حيث نفس فعله، لا
من حيث إنه فعل له، فإن الفاسق إذا صلى خلف شخص صلاة الاستيجار
استحق الأجرة، ولا يلتفت إلى احتمال فسق إمامه، وأما من حيث مدلول فعله
فهو كمدلول قوله في عدم العمل به، مع أن نفس القول الصادر منه من حيث
إنه فعل يحمل على الصحة، ولا يلتفت إلى احتمال كونها معصية من جهة كونها
شهادة زور.
وإلى ما ذكرنا - من أن الفعل في دلالته كالقول، وأنه يقبل مع العدالة
ويرد مع الفسق - ينظر كلام غير واحد من فقهائنا، منهم العلامة رحمه الله - فيما
حكي عنه في نهج الحق - حيث قال في مقام الرد على العامة القائلين بجواز
الاقتداء بالفاسق، ما هذا لفظه: وقال الله تعالى: (إن جاءكم فاسق... الخ) (1)
أوجب التثبت عند خبر الفاسق، ومن جملة الطهارة التي هي من شروط الصلاة
(انتهى) (2).
وظاهره أن تصديه للصلاة إخبار منه باستجماعه للشرائط التي منها
الطهارة، وحيث فرض فاسقا فلا تعويل على ما يظهر لنا ويدل عليه بأفعاله.
ولا ينافي ذلك الحكم بصحة صلاته من حيث إنه فعله، حتى يستحق ما يستحقه
بالصلاة الصحيحة من الأجرة لو كانت بإجارة، وحصول (3) القبض بها إذا

(1) وتمام الآية " بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " سورة الحجرات:
49، 6.
(2) نهج الحق وكشف الصدق: 440.
(3) كذا في " د " وفي سائر النسخ: بحصول.
60

وقعت (1) في أرض موقوفة جعلت مسجدا ونحو ذلك.
ويؤيد ما ذكرنا أنه لم يتأمل أحد في العمل بتعديلات أهل الرجال
المكتوبة في كتبهم، من أجل أن الخبر والنبأ لا يصدق على الكتابة، مع ذهاب
أكثرهم إلى أن التعديلات من باب الشهادة، ولا في العمل بالأخبار المودعة في
كتب الحديث من دون سماعها مشافهة عن المحدث، وقد شاع منهم الاستدلال
على ذلك بأدلة حجية الخبر والنبأ، ويعتبرون العدالة في من جمع الروايات في
كتابه من جهة آية النبأ ونحوه.
ودعوى: أن العمل بها باعتبار تلفظ المؤلف بها ونقلها مشافهة لمن كان
أخذ منه الحديث، تكلف ضعيف.
ومنا هنا يعلم أن اعتبار التلفظ وعدم كفاية الكتابة في البينة على
الدعاوي إنما هو لدليل خارج، لا لأن أدلة النبأ لا تشمل ذلك، فهو كاعتبار
عدم الواسطة في الشهادة إلا مع تعذر شهادة الأصل، فيكتفى بشهادة الفرع في
بعض المقامات بشرط وحدة الواسطة.
هذا، ولكن الاعتماد على ذلك إذا لم يفد الوثوق بالعدالة في غاية
الاشكال، لفقد ما يطمئن به النفس من الدليل عليه تعبدا.
وما ذكر في عبارة العلامة والشهيد لا يدل على أن فعل العادل معتبر في
دلالته نظير اعتبار قوله، فلعل مرادهما أن الفاسق لا يقبل خبره إذا صرح به،
فكيف يقبل إذا ظهر مطلبه من فعله؟ فإن فعله ليس بأقوى من قوله في الحجية،
فالمراد أن فعل الفاسق كقوله الصريح غير مقبول، لا أن فعل العادل مقبول
كقوله.
ثم إن هذا كله بعد فرض ثبوت قاعدة أخرى، وهي أن كل طريق يجوز

(1) كذا في " د " وفي سائر النسخ: حصلت.
61

للانسان أن يعمل عليه كالاستصحاب، والبينة، وقول العدل، وغيرها يجوز له
أن يستند إليه في الشهادة ويشهد بمؤداه، كما يظهر هذه الكلية من رواية حفص
ابن غياث - الواردة في جواز الشهادة بالملك استنادا إلى اليد (1) - أما لو لم تثبت
هذه الكلية - كما هو ظاهر المشهور - فلا إشكال في أن صلاة عدلين لا توجب
الحكم بالعدالة ما لم يفد الوثوق.
ثبوت العدالة بالشهادة القولية
وأما الشهادة القولية: وهي شهادة عدلين بعدالته، فالظاهر أنه لا
إشكال، بل لا خلاف في اعتبارها، ويدل عليه - مضافا إلى ما يظهر من عموم
حجية شهادة العدلين - ما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وآله حيث كان يبعث
رجلين من أصحابه لتزكية الشهود المجهولين فيعمل بقولهما جرحا وتعديلا (2)، وما
دل على قبول شهادة القابلة إذا سئل عنها فعدلت (3)، وفحوى ما دل على
اعتبارها في الجرح، مثل قوله عليه السلام: (من لم تره بعينك يرتكب معصية ولم يشهد
عليه شاهدان، فهو من أهل الستر والعدالة) (4).
وهل هي معتبرة تعبدا حتى لو كان الظن على خلافها؟ أو يشترط عدم
الظن على خلافها؟ أو يشترط إفادتها الظن؟ وجوه مبنية على ملاحظة إطلاق
أدلة اعتبارها، وانصرافها إلى صورة إفادة الظن، أو صورة عدم الظن على
الخلاف.
ويمكن أن يفصل بين ما إذا كان احتمال كذبه مستندا إلى تعمد كذبه فلا
اعتبار به ولو كان مظنونا، لأن الظاهر من أدلة تصديق العادل بل المؤمن، نفي
تعمد الكذب عنه مطلقا حتى مع الظن، كما يدل عليه قوله عليه السلام: (كذب

(1) الوسائل 18: 215 الباب 25 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 2.
(2) الوسائل 18: 174 الباب 6 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، الحديث الأول.
(3) الوسائل 18: 266 الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 38.
(4) تقدم الاستدلال به في الصفحتين 39 و 40، وانظر الهامش 1 هناك.
62

سمعك وبصرك عن أخيك) (1) وبين ما إذا كان مستندا إلى خطائه واشتباهه،
فالظاهر اعتبار كونه موهوما (2)، لأن ظاهر أدلة حجية الخبر - خصوصا آية
النبأ (3) المفصل بين العادل والفاسق - عد الاعتناء باحتمال تعمد كذبه، وأما
عدم الاعتناء باحتمال خطئه واشتباهه، فهو مما ينفيه ظاهر حال المخبر المعتبر
عند كافة العقلاء إذا كان المخبر به من المحسوسات، أو من غيرها، النازل في ندرة
الخطأ والاشتباه منزلة المحسوسات ولو عند المخبر، لكونه من أهل الخبرة
والاطلاع بالنسبة إلى مضمون الخبر.
لكن مقتضى هذا التفصيل وجوب قبول خبر الفاسق إذا علمنا عدم
تعمد كذبه، وكان احتمال المخالفة للواقع من جهة احتمال خطائه في الحس سهوا
أو اشتباها. ولعل ظاهر كلماتهم يأباه، إلا أن القول به متعين، بناء على كون
مستند اعتبار خبر العادل ورد الفاسق آية النبأ مفهوما ومنطوقا، إلا أن يقوم
الاجماع في بعض المقامات، كما بيناه في مسألة حجية الاجماع المنقول.
اعتبار مطلق الظن بالعدالة وعدمه
بقي الكلام في أن مطلق الظن بالعدالة هل هو معتبر أم لا؟ وجهان، بل
قولان، ظاهر من حصر طريقهما بالمعاشرة والشياع والشهادة هو الثاني، وصريح
بعض المعاصرين هو الأول. ويمكن التفصيل بين الظن القوي الموجب
للوثوق، وبين غيره، وهو الأقوى.
ويشهد للأول انسداد باب العلم بالعدالة وعدم جواز الرجوع في جميع
موارد الجهل بها إلى أصالة عدمها، وإلا لبطل أكثر الحقوق، بل ما قام للمسلمين
سوق، فتعين الرجوع فيها إلى الظن، كما في نظائره من الموضوعات بل أكثر

(1) الكافي 8: 147، الحديث 125.
(2) في " د ": " موهونا ".
(3) تقدمت في الصفحة 60، وانظر الهامش 1 هناك.
63

الأحكام الشرعية عند القائل بعدم وفاء الظنون المعتبرة بالخصوص بأكثر
الأحكام.
ويمكن الايراد عليه أولا: بإمكان الاقتصار فيها على خصوص الظن
الذي دل النص والاجماع على اعتباره، كالمعاشرة وشهادة العدلين والشياع، كما
اقتصر عليه كل من حصر الطريق في هذه الثلاثة، أو أضاف إليها (اقتداء
العدلين) أو (شهادة العدل) في تزكية الإمام والراوي.
وثانيا: أن الانسداد إنما يوجب العمل بالظن في الجملة، فيجب الاقتصار
على الظن القوي المعبر عنه عرفا ب‍ (الوثوق) و (الأمن) مع إمكان استفادة
حجية هذه المرتبة من النصوص، مثل قوله عليه السلام: (لا تصل إلا خلف من تثق
بدينه وورعه) (1) وقوله عليه السلام: (إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت (2)
شهادته) (3) وقوله عليه السلام: (من عامل الناس فلم يظلمهم...) (4) وهو المتيقن من
جميع الاطلاقات الدالة على حسن الظاهر، بل كفاية عدم العلم بالفسق.
فإن قلت: إن هذه الاطلاقات تدل على اعتبار مطلق الظن، بناء على أن
المتيقن من الخروج عن إطلاقها هي صورة عدم حصول الظن، فيبقى الباقي،
هذا مضافا إلى قوله عليه السلام - فيما حكي عن الفقيه -: (من صلى الخمس في
جماعة فظنوا به كل خير) (5) وفي رواية: (فظنوا به خيرا وأجيزوا شهادته) (6) حيث
إن الأمر بالظن لا يعقل، لعدم كونه اختياريا، فيدل - بدلالة الاقتصاد - على الأمر

(1) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 144.
(2) كذا في المخطوطة والمصدر، وفي سائر النسخ: جاز:
(3) الوسائل 18: 290 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 3 مع اختلاف يسير.
(4) الوسائل 18: 293 الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 15.
(5) الفقيه 1: 376 الحديث 1093، وفيه: الصلوات الخمس.
(6) أمالي الصدوق: 278 المجلس الرابع والخمسون، الحديث 23.
64

بترتيب أحكام (ظن الخير) ومنها إجازة شهادته، فيدل على أن هذه الأحكام ثابتة
لمطلق الظن.
قلت: هذه الاطلاقات - مع الاغماض عن دعوى انصرافها إلى صورة
الوثوق - لا بد من تقييدها بما دل على اعتبار الوثوق.
فظهر من جميع ما ذكرنا: أن الأقوى اعتبار مطلق الوثوق بالملكة، وهو
الأوسط بين القولين.
ثم إن الوثوق بالملكة كما يجوز أن يعمل الشخص في أعمال نفسه، كذلك
يجوز الشهادة بالملكة استنادا إليه، ويدل عليه قوله عليه السلام - في صحيحة ابن
أبي يعفور -: (ويجب اظهار عدالته وتزكيته بين الناس) (1) وما تقدم من استناد
الشاهدين - اللذين بعثهما النبي صلى الله عليه وآله لتزكية الشهود المجهولين - إلى
الظن الحاصل من السؤال عن قبيلة الشهود (2).
مع أنه لو انحصر مستند الشهادة في العلم لبطل أمر التعديل، وبه تبطل
الحقوق، كما لا يخفى. والحمد لله أولا وآخرا.

(1) الوسائل 18: 288 الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث الأول.
(2) في الصفحة 62.
65

رسالة في التقية
67

صورة الصفحة الأولى من رسالة التقية من نسخة (ن)
69

صورة الصفحة الأخيرة من رسالة التقية من نسخة (ن)
70

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. ولعنة الله على
أعدائهم أجمعين.
معناها
التقية: اسم ل‍ (إتقى يتقي) والتاء بدل عن الواو كما في التهمة والتخمة،
والمراد هنا: التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق.
مباحثها
والكلام تارة يقع في حكمها التكليفي، وأخرى في حكمها الوضعي.
والكلام في الثاني:
تارة من جهة الآثار الوضعية المترتبة على الفعل المخالف للحق، وأنها
تترتب على الصادر تقية كما تترتب على الصادر اختيارا، أم وقوعها تقية يوجب
رفع (1) تلك الآثار؟.

(1) في " ص ": دفع.
71

وأخرى في أن الفعل المخالف للحق هل يترتب عليه آثار الحق بمجرد
الإذن فيها من قبل الشارع أم لا؟.
ثم الكلام في آثار الحق الواقعي:
قد يقع في خصوص الإعادة والقضاء إذا كان الفعل الصادر تقية من
العبادات.
وقد يقع الآثار الأخر، كرفع الوضوء - الصادر تقية - للحدث بالنسبة
إلى جميع الصلوات، وإفادة المعاملة الواقعة تقية الآثار المترتبة على المعاملة
الصحيحة، فالكلام في مقامات أربعة:
72

[المقام الأول]
أما الكلام في حكمها التكليفي فهو أن التقية تنقسم إلى الأحكام الخمسة:
فالواجب منها: ما كان لدفع الضرر الواجب فعلا، وأمثلته كثيرة.
والمستحب: ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر، بأن يكون تركه
مفضيا تدريجا إلى حصول الضرر، كترك المداراة مع العامة وهجرهم في المعاشرة
في بلادهم بأنه ينجر غالبا إلى حصول المباينة الموجب لتضرره منهم.
والمباح: ما كان التحرز عن الضرر وفعله (1) مساويا في نظر الشارع،
كالتقية في إظهار كلمه الكفر على ما ذكره جمع من الأصحاب، ويدل عليه الخبر
الوارد في رجلين أخذا بالكوفة وأمرا بسب أمير المؤمنين عليه السلام (2).
والمكروه: ما كان تركها وتحمل الضرر أولى من فعله، كما ذكر ذلك بعضهم

(1) في " ش " في نسخة: تحمله.
(2) الوسائل 11: 476 الباب 29 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 4 وسيأتي نص الحديث في
الصفحة 102.
73

في إظهار كلمة الكفر، وأن الأولى تركها ممن يقتدي به الناس إعلاء لكلمة
الاسلام. والمراد بالمكروه حينئذ ما يكون ضده أفضل (1).
والمحرم منه: ما كان في الدماء.
وذكر الشهيد رحمه الله في قواعده: أن المستحب إذا كان لا يخاف ضررا
عاجلا، ويتوهم ضررا آجلا، أو ضررا سهلا، أو كان تقية في المستحب، كالترتيب
في تسبيح الزهراء صلوات الله عليها وترك بعض فصول الأذان.
والمكروه: التقية في المستحب حيث لا ضرر عاجلا ولا آجلا، ويخاف منه
الالتباس على عوام المذهب.
والحرام: التقية حيث يؤمن الضرر عاجلا وآجلا، أو في قتل مسلم.
والمباح: التقية في بعض المباحات التي يرجحها العامة ولا يصل بتركها
ضرر (2). (انتهى).
وفي بعض ما ذكره رحمه الله تأمل.
التقية الواجبة تبيح المحظورات
ثم الواجب منها يبيح كل محظور من فعل الحرام وترك الواجب (3).
والأصل في ذلك: أدلة نفي الضرر وحديث: (رفع عن أمتي تسعة أشياء... ومنها:
ما اضطروا إليه) (4)، مضافا إلى عمومات التقية مثل قوله في الخبر: (إن التقية
واسعة ليس شئ من التقية إلا وصاحبها مأجور) (5) وغير ذلك من الأخبار
المتفرقة في خصوص الموارد، وجميع هذه الأدلة حاكمة على أدلة الواجبات
والمحرمات، فلا يعارض بها شئ منها حتى يلتمس الترجيح ويرجع إلى الأصول

(1) في " ص ": أفضل منه.
(2) القواعد والفوائد 2: 158.
(3) في " ص ": من فعل الواجب وترك المحرم.
(4) الوسائل 11: 295 الباب 56 من أبواب جهاد النفس، والخصال: 417.
(5) الوسائل 5: 458 الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.
74

بعد فقده - كما زعمه بعض في بعض موارد هذه المسألة -.
وأما المستحب من التقية فالظاهر وجوب الاقتصار فيه على مورد النص،
وقد ورد النص بالحث على المعاشرة مع العامة (1) وعيادة مرضاهم (2)، وتشييع
جنائزهم (3)، والصلاة في مساجدهم (4)، والأذان (5)، فلا يجوز التعدي عن ذلك
إلى ما لم يرد النص من الأفعال المخالفة للحق، كذم بعض رؤساء الشيعة للتحبب
إليهم، وكذلك المحرم والمباح والمكروه، فإن هذه الأحكام على خلاف عمومات
التقية، فيحتاج إلى الدليل الخاص.

(1) الوسائل 8: 398 الباب 1 من أبواب أحكام العشرة، والجزء 11: 471 الباب
26 من أبواب الأمر والنهي.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) الوسائل 5: 477 الباب 75 من أبواب صلاة الجماعة.
75

وأما المقام الثاني
[ترتيب الآثار على العمل الصادر تقية وعدمه (1).]
فنقول: إن الظاهر ترتيب آثار العمل الباطل على الواقع تقية، وعدم
ارتفاع الآثار بسبب التقية إذا كان دليل تلك الآثار عاما لصورتي الاختيار
والاضطرار، فإن من احتاج لأجل التقية إلى التكتف في الصلاة، أو السجود على
ما لا يصح السجود عليه، أو الأكل في نهار رمضان، أو فعل بعض ما يحرم على
المحرم، فلا يوجب ذلك ارتفاع أحكام تلك الأمور بسبب وقوعها تقية.
نعم، لو قلنا بدلالة حديث رفع التسعة على رفع جميع الآثار تم ذلك في
الجملة، لكن الانصاف ظهور الرواية في رفع المؤاخذة، فمن اضطر إلى الأكل
والشرب تقية، أو التكتف في الصلاة فقد اضطر إلى الافطار، وإبطال الصلاة،
لأنه مقتضى عموم الأدلة، فتأمل.

(1) انظر تفصيل هذا الموضوع في المقام الرابع.
76

المقام الثالث
في حكم الإعادة والقضاء
في حكم الإعادة والقضاء إذا كان المأتي به تقية من العبادات.
فنقول: إن الشارع إذا أذن في إتيان واجب موسع على وجه التقية، إما
بالخصوص كما لو أذن في الصلاة متكتفا حال التقية، وإما بالعموم كأن يأذن
بامتثاله أوامر الصلاة، أو مطلق العبادات على وجه التقية، كما هو الظاهر من
أمثال قوله عليه السلام: (التقية في كل شئ إلا في النبيذ والمسح على الخفين) (1)
ونحوه، ثم ارتفعت التقية قبل خروج الوقت، فلا ينبغي الاشكال في إجزاء
المأتي به وإسقاطه للأمر، لما تقرر في محله، من أن الأمر بالكلي كما يسقط بفرده
الاختياري، كذلك يسقط بفرده الاضطراري إذا تحقق الاضطرار الموجب للأمر
به، فكما أن الأمر بالصلاة يسقط بالصلاة مع الطهارة المائية، كذلك يسقط مع
الطهارة الترابية إذا وقعت على الوجه المأمور به.
أما لو لم يأذن في امتثال الواجب الموسع في حال التقية خصوصا أو عموما
على الوجه المتقدم، فيقع الكلام في أن الوجوب في الواجب الموسع، هل يتعلق

(1) الوسائل 11: 468 الباب 25 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 3.
77

بإتيان هذا الفرد المخالف للواقع بمجرد تحقق التقية في جزء من الوقت بل في
مجموعه؟.
وبعبارة أخرى: الكلام في أنه هل يحصل من الأوامر المطلقة بضميمة
أوامر التقية، أمر بامتثال الواجبات على وجه التقية، أو لا، بل غاية الأمر سقوط
الأمر عن المكلف في حال التقية ولو استوعب الوقت؟.
والتحقيق: أنه يجب الرجوع في ذلك إلى أدلة تلك الأجزاء والشروط
المتعذرة لأجل التقية، فإن اقتضت مدخليتها في العبادة من دون فرق بين
الاختيار والاضطرار، فاللازم الحكم بسقوط الأمر عن المكلف حين تعذرها لأجل
التقية، ولو في تمام الوقت، كما لو تعذرت الصلاة في تمام الوقت إلا مع الوضوء
بالنبيذ، فإن غاية ذلك سقوط الأمر بالصلاة رأسا، لاشتراطها بالطهارة بالماء
المطلق المتعذرة في الفرض، فحاله كحال فاقد الطهورين. وإن اقتضت
مدخليتها في العبادة بشرط التمكن منها، دخلت المسألة في مسألة أولي الأعذار
في أنه إذا استوعب العذر الوقت لم يسقط الأمر رأسا، وإن كان في جزء من
الوقت مع رجاء زواله في الجزء الآخر، أو مع عدمه، جاء فيه الخلاف المعروف في
أولي الأعذار، وأنه هل يجوز لهم البدار، أم يجب عليهم الانتظار؟.
صور الإذن في التقية
فثبت من جميع ما ذكرنا: أن صحة العبادة المأتي بها على وجه التقية، يتبع
إذن الشارع في امتثالها حال التقية. فالأذان (1) متصور بأحد أمرين:
أحدهما: الدليل الخارجي الدال على ذلك، سواء كان خاصا بعبادة أو
كان عاما لجميع العبادات.
والثاني: فرض شمول الأوامر العامة بتلك العبادة لحال التقية.
لكن يشترط في كل منهما بعض ما لا يشترط في الآخر. فيشترط في الثاني

(1) في " ص ": والأذن.
78

كون الشرط أو الجزء المتعذر للتقية من الأجزاء والشرائط الاختيارية، وأن
لا يكون للمكلف مندوحة، بأن لا يتمكن من الاتيان بالعمل الواقعي في مجموع
الوقت، أو في الجزء الذي يوقعه مع اليأس من التمكن منه فيما بعده، أو مطلقا
- على التفصيل والخلاف في أولي الأعذار -.
وهذان الأمران غير معتبرين في الأول، بل يرجع فيه إلى ملاحظة ذلك
الدليل الخارجي، وسيأتي أن الدليل الخارجي الدال على الإذن في التقية في
الأعمال، لا يعتبر فيه شئ منهما.
التقية من المخالفين
ويشترط في الأول أن يكون التقية من مذهب المخالفين، لأنه المتيقن من
الأدلة الواردة في الإذن في العبادات على وجه التقية، لأن المتبادر، التقية من
مذهب المخالفين، لا يجري في التقية عن الكفار أو ظلمة الشيعة.
لكن في رواية مسعدة بن صدقة الآتية (1)، ما يظهر منه عموم الحكم لغير
المخالفين، مع كفاية عمومات التقية في ذلك، بعد ملاحظة عدم اختصاص التقية
في لسان الأئمة صلوات الله عليهم لما يظهر بالتتبع في أخبار التقية التي جمعها في
الوسائل (2).
التقية من غير المخالفين
وكذا لا إشكال في التقية عن غير مذهب المخالفين، مثل التقية في العمل
على طبق عمل عوام المخالفين الذين لا يوافق مذهب مجتهدهم، بل وكذا التقية
في العمل على طبق عوام الموضوع الخارجي الذي اعتقدوا تحققه في الخارج مع عدم
تحققه في الواقع، كالوقوف بعرفات يوم الثامن، والإفاضة منها ومن المشعر يوم
التاسع، موافقا للعامة - إذا اعتقدوا رؤية هلال ذي الحجة في الليلة الأخيرة من

(1) الوسائل 11: 476 الباب 29 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 2.
(2) ذكرها صاحب الوسائل في أبواب متعددة انظر ج 5: 370 - 477 أبواب صلاة الجماعة، الباب
5 و 6 و 10 و 33 و 34 و 75 و ج 8: 398 الباب الأول من أبواب العشرة و ج 11: 471 الباب
26 من أبواب الأمر والنهي. وغيرها.
79

ذي القعدة - فإن الظاهر خروج هذا عن منصرف أدلة الإذن في إيقاع الأعمال
على وجه التقية، لو فرضنا هنا إطلاقا، فإن هذا لا دخل له في المذهب، وإنما هو
اعتقاد خطأ في موضوع خارجي.
التقية في الموضوعات
نعم، العمل على طبق الموضوعات العامة الثابتة على مذهب المخالفين
داخل في التقية عن المذهب، فيدخل في الاطلاق - لو فرض هناك إطلاق -،
كالصلاة عند اختفاء الشمس لذهابهم إلى أنه هو المغرب. ويمكن إرجاع
الموضوع الخارجي أيضا في بعض الموارد إلى الحكم، مثل ما إذا حكم الحاكم
بثبوت الهلال من جهة خبر شهادة من لا يقبل شهادته، إذا كان مذهب الحاكم:
القبول، فإن ترك العمل بهذا الحكم قدح في المذهب، فيدخل في أدلة التقية.
وكيف كان ففي هذا الوجه لا بد من ملاحظة إطلاق دليل الترخيص
لإتيان العبادة على وجه التقية وتقييده، والعمل على ما يقتضيه الدليل.
وأما في الوجه الثاني: فهذا الشرط غير معتبر قطعا، لأن مبناه على العمل
المخالف للواقع من جهة تعذر الواقع، سواء كان تعذره للتقية من مخالف أو كافر
أو موافق، وسواء كان في الموضوع أم في الحكم، كل ذلك لأن المناط في مسألة
أولي الأعذار: العذرية، من غير فرق بين الأعذار.
80

[اعتبار عدم المندوحة]
اعتبار عدم المندوحة
بقي الكلام في اعتبار عدم المندوحة الذي اعتبرناه في الوجه الثاني، فإن
الأصحاب فيه بين غير معتبر له كالشهيدين والمحقق الثاني في البيان (1)
والروض (2) وجامع المقاصد (3)، وبين معتبر له كصاحب المدارك (4)، وبين مفصل
كما عن المحقق الثاني بأنه: إذا كان متعلق التقية مأذونا فيه بخصوصه، كغسل
الرجلين في الوضوء، والتكتف في الصلاة، فإنه إذا فعل على الوجه المأذون فيه
كان صحيحا مجزيا - وإن كان للمكلف مندوحة -، التفاتا إلى أن الشارع أقام
ذلك مقام المأمور به حين التقية فكان الاتيان به امتثالا، وعلى هذا فلا يجب
الإعادة وإن تمكن من فعله على غير وجه التقية قبل خروج الوقت - قال: ولا
أعلم خلافا في ذلك بين الأصحاب.
وأما إذا كان متعلقها مما لم (5) يرد فيه نص بالخصوص، كفعل الصلاة إلى

(1) البيان: 48.
(2) روض الجنان: 37.
(3) جامع المقاصد 1: 222.
(4) مدارك الأحكام 1: 223.
(5) في المصدر بدل هذه العبارة: وما لم.
81

غير القبلة، والوضوء بالنبيذ ومع الاخلال بالموالاة، فيجف الوضوء كما يراه
بعض العامة، فإن المكلف يجب عليه - إذا اقتضت الضرورة - موافقة (1) أهل الخلاف فيه وإظهار الموافقة لهم.
ثم إن أمكن له الإعادة في الوقت وجب، ولو خرج الوقت ينظر في
دليل يدل على القضاء، فإن حصل الظفر به أوجبناه وإلا فلا، لأن القضاء إنما
يجب بفرض جديد (2) (انتهى).
ثم نقل عن بعض أصحابنا القول بعدم وجب الإعادة، لكون المأتي به
شرعيا، ثم رده بأن الإذن في التقية من جهة الاطلاق لا يقتضي أزيد من إظهار
الموافقة مع الحاجة (3) (انتهى).
توضيح كلام المحقق
أقول: ظاهر قوله في المأذون بالخصوص: (لا يجب فيه الإعادة وإن تمكن
من فعله قبل خروج الوقت) إن عدم التمكن من فعله على غير وجه التقية حين
العمل معتبر، وإن من كان في سوق وأراد الصلاة وجب عليه مع التمكن الذهاب
إلى مكان مأمون فيه، وحينئذ فمعنى قوله - قبل ذلك - (وإن كان للمكلف
مندوحة عن فعله) (4): ثبوت المندوحة بالتأخير إلى زمان ارتفاع التقية، لا وجودها
بالنسبة إلى زمان العمل، وحينئذ يكون هذا قولا باعتبار عدم المندوحة على
الاطلاق، ك‍ (صاحب المدارك) (5)، إذا ليس مراد صاحب المدارك بعدم المندوحة:
عدم المندوحة في مجموع الوقت، إذا الظاهر أنه مما لم يعتبره أحد - لما سيجئ من
مخالفته لظواهر الأخبار، بل لصريح بعضها - ومراد القائل بعدم اعتباره: عدم
اعتباره في الجزء الذي يقع الفعل فيه، فمن تمكن من الصلاة في بيته مغلقا عليه

(1) في " ش ": موافقته.
(2) رسائل المحقق الكركي 2: 52.
(3) رسائل المحقق الكركي 2: 52.
(4) نفس المصدر.
(5) مدارك الأحكام 1: 223.
82

الباب، لا يجب عليه ذلك بل يجوز له الصلاة تقية في مكانه ودكانه بمحضر
المخالفين.
نعم لو كان الخلاف في اعتبار عدم المندوحة في تمام الوقت وعدمه (1)، كان
ما ذكره المحقق تفصيلا في المسألة.
نقد كلام المحقق
وعلى أي تقدير فيرد على ما ذكره المحقق في القسم الثاني (2) أنه: إن أراد
من عدم ورود نص بالخصوص في الإذن في متعلق التقية: عدم النص الموجب
للإذن في امتثال العمل على وجه التقية، ففيه: أنه لا دليل حينئذ على مشروعية
الدخول في العمل المفروض امتثالا للأوامر المطلقة المتعلقة بالعمل الواقعي، لأن
الأمر بالتقية لا يسلتزم الإذن في امتثال تلك الأوامر، لأن التحفظ عن الضرر
إن تأدى إلى ترك (3) ذلك العمل رأسا، بأن يترك الصلاة في تلك الحال وجب، ولا
يشرع الدخول في العمل المخالف للواقع بعد تأدي التقية بترك الصلاة رأسا.
وإن فرضنا أن التقية ألجأته إلى الصلاة، ولا تتأدى بترك الصلاة، كانت الصلاة
المذكورة واجبة عينا، لانحصار التقية فيها، فهي امتثال لوجوب التقية عينا لا
للوجوب (4) الموسع المتعلق بالصلاة الواقعية.
وإن أراد به عدم النص الدال على الإذن في هذه العبادة بالخصوص، وإن
كان هناك نص عام دال على الإذن في امتثال أوامر مطلق العبادات على وجه
التقية، ففيه: أن هذا النص كما يكفي للدخول في العبادة امتثالا للأمر المتعلق
بها، كذلك يوجب موافقته الاجزاء وعدم وجوب الإعادة في الزمان الثاني إذا

(1) في " ش ": في اعتبار عدم المندوحة وعدمه في تمام الوقت.
(2) راجع الصفحة 81 قوله: وأما إذا كان متعلقها... الخ.
(3) في " ش ": بترك.
(4) في " ش ": لوجوب.
83

ارتفعت التقية.
والحاصل: أن الفرق بين كون متعلق التقية مأذونا فيه بالخصوص أو
بالعموم، لا نفهم له وجها (1) كما اعترف به بعض (2) - بل كلما يوجب الإذن في
الدخول في العبادة امتثالا لأوامرها، كان امتثاله موجبا للاجزاء وسقوط
الإعادة، سواء كان نصا خاصا أو دليلا عاما، وكلما لا يدل على الإذن في الدخول
على الوجه المذكور، لم يشرع بمجرده الدخول في العبادة على وجه التقية امتثالا
لأمرها، بل إن انحصرت التقية في الاتيان بها كانت امتثالا لأوامر وجوب التقية،
لا لأوامر وجوب تلك العبادة.
اللهم إلا أن يكون مراده من الأمر العام، أوامر التقية، ومن وجوب
العمل على وجه التقية إذا اقتضت الضرورة، هو هذا الوجوب العيني لا الوجوب
التخييري الحاصل من الوجوب الموسع. فيكون حاصل كلامه: الفرق بين الإذن
في العمل امتثالا لأوامر المتعلقة بالعبادة، وبين الإذن في العمل امتثالا لأوامر
التقية، لكن ينبغي - حينئذ - تقييده بغير ما إذا كانت التقية في الاجزاء
والشروط الاختيارية، وإلا فتدخل المسألة في مسألة أولي الأعذار، ويصح
الاتيان بالعمل المذكور امتثالا للأوامر المتعلقة بذلك العمل مع تعذر تلك
الأجزاء والشرائط لأجل التقية، على الخلاف والتفصيل المذكور في مسألة أولي
الأعذار.
ومما ذكرنا يظهر: أن ما أجاب به بعض عن هذا التفصيل بأن المسألة،
مسألة ذوي الأعذار، وأن الحق فيها: سقوط الإعادة بعد التمكن من الشرط

(1) في " ص ": لا يفهم له وجه.
(2) انظر الجواهر 2: 238.
(3) في " ش ": أو سقوط.
84

المتعذر لا وجه له على إطلاقه.
المندوحة العمل
ثم إن الذي يقوى في النظر في أصل مسألة اعتبار عدم المندوحة: أنه إن أريد
عدم المندوحة بمعنى عدم التمكن حين العمل من الاتيان به موافقا للواقع، مثل
أنه يمكنه عند إرادة التكفير للتقية من الفصل بين يديه، بأن لا يضع بطن
إحداهما على ظهر الأخرى بل يقارب بينهما، كما (1) إذا تمكن من صبه الماء من
الكف إلى المرفق لكنه ينوي الغسل عند رجوعه من المرفق إلى الكف، وجب
ذلك، ولم يجز العمل على وجه التقية، بل التقية على هذا الوجه غير جائزة في غير
العبادات أيضا، وكأنه مما لا خلاف فيه.
المندوحة في تمام الوقت
وإن أريد به عدم التمكن من العمل على طبق الواقع في مجموع الوقت
المضروب لذلك العمل، حتى لا يصح العمل تقية إلا لمن يتمكن في مجموع
المندوحة بتبديل موضوع التقية
الوقت من الذهاب إلى موضع مأمون، فالظاهر عدم اعتباره، لأن حمل أخبار
الإذن في التقية في الوضوء والصلاة على صورة عدم التمكن من اتيان الحق في
مجموع الوقت مما يأباه ظاهر أكثرها، بل صريح بعضها، ولا يبعد - أيضا - كونه
وفاقيا.
وإن أريد عدم المندوحة حين العمل من تبديل موضوع التقية بموضوع
الأمن، كأن يكون في سوقهم ومساجدهم، ولا يمكن في ذلك الحين من العمل
على طبق الواقع إلا بالخروج إلى مكان خال، أو التحيل في إزعاج من يتقى منه
عن مكانه، لئلا يراه، فالأظهر في أخبار التقية عدم اعتباره، إذا الظاهر منها
الإذن بالعمل على التقية في أفعالهم المتعارفة من دون إلزامهم بترك ما يريدون
فعله بحسب مقاصدهم العرفية، أو فعل ما يجب تركه كذلك، مع لزوم الحرج
العظيم في ترك مقاصدهم ومشاغلهم لأجل فعل الحق بقدر الامكان، مع أن التقية

(1) في " ص ": وكما.
85

إنما شرعت تسهيلا للأمر على الشيعة ورفعا للحرج عنهم، مع أن التخفي عن
المخالفين في الأعمال ربما يؤدي إلى اطلاعهم على ذلك، فيصير سببا لتفقدهم
ومراقبتهم للشيعة وقت العمل فيوجب نقض غرض التقية.
الأخبار الدالة على اعتبار عدم المندوحة في وقت العمل
نعم في بعض الأخبار ما يدل على اعتبار عدم المندوحة في ذلك الجزء من
الوقت، وعدم التمكن من دفع موضوع التقية، مثل:
رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن إبراهيم بن شيبة قال: كتبت إلى
أبي جعفر الثاني عليه السلام أسأله عن الصلاة خلف من يتولى أمير المؤمنين وهو
يرى المسح على الخفين، أو خلف من يحرم المسح على الخفين وهو يمسح، فكتب
عليه السلام: إن جامعك وإياهم موضع لا تجد بدا من الصلاة معهم، فأذن لنفسك وأقم،
فإن سبقك إلى القراءة فسبح) (1).
فإن ظاهرها اعتبار تعذر ترك الصلاة معهم.
ونحوها ما عن الفقه الرضوي من المرسل، عن العالم عليه السلام قال: (ولا
تصل خلف أحد إلا خلف رجلين: أحدهما من تثق به وبدينه (2) وورعه، وآخر
من تتقي سيفه وسوطه وشره وبوائقه وشيعته (3)، فصل خلفه على سبيل التقية
والمداراة، وأذن لنفسك وأقم واقرأ فيها، فإنه (4) غير مؤتمن به... الخ) (5).
وفي رواية معمر بن يحيى - الواردة في تخليص الأموال * عن أيدي
العشار -: (إنه كلما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقية) (6).

(1) الوسائل 5: 427 الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(2) في المصدر: وتدينه.
(3) في المصدر: وشنعه وفي " ع " وشنيعته.
(4) في المصدر: لأنه.
(5) الفقه الرضوي: 144 - 145 وعنه المستدرك 6: 481 وفيه وشنعته.
(6) الوسائل 16: 136 الباب 12 من كتاب الايمان، الحديث 16.
86

عن دعائم الاسلام، عن أبي جعفر الثاني صلوات الله عليه: (لا تصلوا خلف
ناصب ولا كرامة (1)، إلا أن تخافوا على أنفسكم أن تشهروا ويشار إليكم، فصلوا
في بيوتكم ثم صلوا معهم، واجعلوا صلاتكم معهم تطوعا) (2).
ويؤيده العمومات الدالة على أن التقية في كل شئ يضطر إليه ابن
آدم (3)، فإن ظاهرها حصر التقية في حال الاضطرار، ولا يصدق الاضطرار مع
التمكن من تبديل موضوع التقية بالذهاب إلى موضع الأمن، مع التمكن وعدم
الحرج.
نعم، لو لزم من التزام ذلك حرج أو ضيق من تفقد المخالفين، وظهور
حاله في مخالفتهم سرا - فهذا - أيضا - داخل في الاضطرار.
وبالجملة: فمراعاة عدم المندوحة في الجزء من الزمان الذي يوقع فيه
الفعل أقوى مع أنه أحوط.
نعم، تأخير الفعل عن أول وقته لتحقيق الأمن وارتفاع الخوف مما لا دليل
عليه، بل الأخبار بين ظاهر وصريح في خلافه كما تقدم.

(1) في " ش " و " ع ": كرامية. وهم فرقة من المشبهة، أصحاب أبي عبد الله، محمد بن كرام، انظر الملل
والنحل 2: 99.
(2) دعائم الاسلام 1: 151.
(3) راجع الوسائل 11: 468 الباب 25 من أبواب الأمر والنهي.
87

بقي هنا أمور:
الأول
صحة العبادة متوقفة على مشروعية الدخول فيها
إنك قد عرفت أن صحة العبادة وإسقاطها للفعل ثانيا تابع لمشروعية
الدخول فيها والإذن فيها من الشارع. وعرفت - أيضا - أن نفس أوامر التقية
- الدالة على كونها واجبة من جهة حفظ ما يجب حفظه - لا يوجب الإذن في
الدخول في العبادة على وجه التقية (1) من باب امتثال الأوامر المتعلقة بتلك
العبادة، إلا فيما كان متعلق التقية من الأجزاء والشروط الاختيارية، كنجاسة
الثوب والبدن ونحوها، أما ما اقتضى الدليل - ولو بإطلاقه - مدخليته في العبادة
من دون اختصاص بحال الاختيار، فمجرد الأمر بالتقية لا يوجب الإذن في
امتثال العبادة في ضمن الفعل الفاقد لذلك الجزء أو الشرط تقية كما هو واضح.
ثم إن الإذن المذكور قد ورد في بعض العبادات، كالوضوء مع المسح على
الخفين، أو غسل الرجلين، والصلاة مع المخالف حيث يترك فيها بعض ما له

(1) في " ص ": على وجه.
88

مدخلية فيها، ويوجد بعض الموانع مثل التكفير ونحوه.
والغرض هنا بيان أنه هل يوجد في عمومات الأمر بالتقية ما يوجب
الإذن في امتثال العبادات عموما على وجه التقية، بحيث لا يحتاج في الدخول في
كل عبادة على وجه التقية - امتثالا للأمر المتعلق بتلك العبادة - إلى النص الخاص،
لتفيد قاعدة كلية في كون التقية عذرا رافعا لاعتبار ما هو معتبر في العبادات
وإن لم يختص اعتباره بحال الاختيار، مثل الدخول في الصلاة مع الوضوء
بالنبيذ، أو مع التيمم في السفر بمجرد عزة الماء ولو كان موجودا، أم لا؟.
الذي يمكن الاستدلال به على ذلك أخبار:
الاستدلال على عموم التقية
منها: قوله عليه السلام: (التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله
الله) (1).
بناء على أن المراد ترخيص الله سبحانه في كل فعل أو ترك يضطر إليه
الانسان في عمله، فنقول - مثلا -: إن الانسان يضطر إلى استعمال النبيذ والمسح
على الخفين أو غسل الرجلين في وضوئه وإلى استعمال التراب للتيمم في صلاته
وإلى التكفير (2) وترك البسملة وغير ذلك من الأفعال والتروك الممنوعة شرعا في
صلاته، فكل ذلك مرخص فيه في العمل، بمعنى ارتفاع المنع الثابت فيها لولا
التقية، وإن كان منعا غيريا من جهة التوصل بتركها إلى صحة العمل، وأداء
فعله إلى فساد العمل.
والحاصل: أن المراد بالاحلال رفع المنع الثابت في كل ممنوع بحسب حاله
من التحريم النفسي، كشرب الخمر، والتحريم الغيري، كالتكفير في الصلاة
والمسح على حائل أو استعمال ماء نجس أو مضاف في الوضوء.

(1) الوسائل 11: 468 الباب 25 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 2.
(2) في " ص ": أو.
89

فإن قلت: الاضطرار إلى هذه الأمور الممنوعة تابع للاضطرار إلى الصلاة
التي تقع هذه فيها، وحينئذ فإن فرض عدم اضطرار المكلف إلى الصلاة مع أحد
هذه الأمور الممنوعة فهي غير مضطر إليها، فلا يرخصها التقية. وإن فرض
اضطراره إلى الصلاة معها فهي مرخص فيها، لكن مرجع الترخيص فيها
- بملاحظة ما دل على كونها مبطلة - إلى الترخيص في صلاة باطلة، ولا بأس به إذا
اقتضاه الضرورة، فإن الصلاة الباطلة ليست أولى من شرب الخمر الذي سوغه
التقية.
في صدق الاضطرار
قلت: لا نسلم توقف الاضطرار إلى هذه الأمور على الاضطرار إلى
الصلاة التي يقع فيها، بل الظاهر أنه يكفي في صدق الاضطرار إليه كونه لا بد
من فعله مع وصف إرادة الصلاة في ذلك الوقت لا مطلقا، نظير ذلك أنهم
يعدون من أولي الأعذار من لا يتمكن من شرط الصلاة في أول الوقت، مع العلم
أو الظن بتمكنه منه فيما بعده، فإن تحقق الاضطرار ثبت الجواز الذي هو رفع
المنع الثابت فيه حال عدم التقية، وهو المنع الغيري.
الرواية الثانية
ومنها ما رواه في أصول الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:
(التقية في كل شئ إلا في شرب المسكر والمسح على الخفين) (1).
دلت الرواية على ثبوت التقية ومشروعيتها في كل شئ ممنوع لولا
التقية، إلا في الفعلين المذكورين، فاستثناء المسح على الخفين مع كون المنع فيه
عند عدم التقية منعا غيريا، دليل على عموم الشئ لكل ما يشبهه من الممنوعات
لأجل التوصل بتركها إلى صحة العمل، فدل على رفع التقية لمثل هذا المنع
الغيري، وتأثيرها في ارتفاع أثر ذلك الممنوع منه، فيدل على أن التقية ثابتة في

(1) الكافي 2: 217، وعنه: الوسائل 11: 486 الباب 25 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 3.
إلا أن الرواية منقولة عن أبي عبد الله عليه السلام.
90

التكفير في الصلاة مثلا، بمعنى عدم كونه ممنوعا عليه فيها عند التقية، وكذا في
غسل الرجلين، واستعمال النبيذ في الوضوء ونحوهما.
الرواية الثالثة
وفي معنى هذه الروايات روايات أخر واردة في هذا الباب، مثل قوله عليه
السلام: (ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا: المسح على الخفين، وشرب النبيذ، ومتعة
الحج) (1).
فإن معناه ثبوت التقية فيما عدا الثلاث من الأمور الممنوعة في الشريعة،
ورفعها للمنع الثابت فيها بحالها من المنع النفسي والغيري كما تقدم.
ثم إن مخالفة ظاهر المستثنى في هذه الروايات لما أجمع عليه من ثبوت
التقية في المسح على الخفين وشرب النبيذ، لا يقدح فيما نحن بصدده، لأن ما
ذكرناه في تقريب دلالتها على المطلوب لا يتفاوت الحال فيه بين إبقاء الاستثناء
على ظاهره أو حمله على بعض المحامل، مثل اختصاص الاستثناء بنفس الإمام
عليه السلام، كما يظهر من الرواية المذكورة، وتفسير الراوي في بعضها الآخر
والتنبيه (2) على عدم تحقق التقية فيها لوجود المندوحة، أو لموافقة بعض الصحابة
أو التابعين على المنع من هذه الأمور، إلى غير ذلك من المحامل الغير القادحة
في استدلالنا المتقدم (3).
الرواية الرابعة
ومنها موثقة سماعة: (عن الرجل يصلي فدخل الإمام (4) وقد صلى الرجل
ركعة من صلاة فريضة؟ قال: إن كان إماما عادلا (5) فليصل أخرى وينصرف،
ويجعلها تطوعا، وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو. وإن لم يكن إمام عدل فليبن

(1) الوسائل 11: 469 الباب 25 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 5.
(2) في " ص ": أو التنبيه.
(3) في " ش ": المتقدمة.
(4) في " ص ": عن رجل كان يصلي فخرج الإمام...
(5) في " ص ": عدلا.
91

على صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى، ويجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يتم صلاته معه
على ما استطاع، فإن التقية واسعة وليس شئ من التقية إلا وصاحبها مأجور
عليها إن شاء الله) (1).
فإن الأمر بإتمام الصلاة على ما استطاع مع عدم الاضطرار إلى فعل
الفريضة في ذلك الوقت، معللا بأن التقية واسعة، يدل على جواز أداء الصلاة في
سعة الوقت على جميع وجوه التقية، بل على جواز كل عمل على وجه التقية وإن
لم يضطر إلى ذلك العمل لتمكنه من تأخره إلى وقت الأمن.
الرواية الخامسة
ومنها: قوله عليه السلام - في موثقة مسعدة بن صدقة -: (وتفسير ما يتقى فيه:
أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على خلاف حكم الحق وفعله، فكل
شئ يعمله المؤمن منهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى فساد الدين فهو جائز) (2).
بناء على أن المراد بالجواز في كل شئ بالقياس إلى المنع المتحقق فيه
لولا التقية، فيصدق على التكفير في الصلاة الذي يفعله المصلي في محل التقية أنه
جائز وغير ممنوع عنه بالمنع الثابت فيه لولا التقية.
ودعوى: أن الداعي على التكفير ليس التقية، لامكان التحرز عن
الخوف بترك الصلاة في هذا الجزء من الوقت، فلا يكون عمل التكفير لمكان
التقية.
مدفوعة: بنظير ما عرفت في الرواية الأولى (3) من أنه يصدق على المصلي

(1) الوسائل 5: 458 الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(2) الوسائل 11: 469 الباب 25 من أبواب الأمر والنهي الحديث 6، وفيه " وتفسير ما يتقى مثل
أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله فكل شئ يعمل المؤمن
بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فإنه جائز ".
(3) راجع الصفحة: 91.
92

أنه يكفر لمكان التقية وإن قدر على ترك الصلاة.
الرواية السادسة
ومنها: قوله عليه السلام في رواية أبي الصباح: (ما صنعتم من شئ أو حلفتم
عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة) (1).
فيدل على أن المتقي في سعة من الجزء والشرط المتروكين تقية، ولا يترتب
عليه من جهتهما تكليف بالإعادة والقضاء، نظير قوله عليه السلام: (الناس في سعة
ما لم يعلموا) (2) بناء على شموله لما لم يعلم جزئيته أو شرطيته كما هو الحق.

(1) الوسائل 16: 134 الباب 12 من أبواب كتاب الايمان الحديث 2.
(2) الوسائل 17: 373 الباب 23 من أبواب اللقطة الحديث الأول.
93

الثاني
الخوف المعتبر في التقية شخصي أم نوعي
إنه لا ريب في تحقق التقية مع الخوف الشخصي، بأن يخاف على نفسه أو
غيره مع ترك التقية في خصوص ذلك العمل، ولا يبعد أن يكتفي بالخوف من
بنائه على ترك التقية في سائر أعماله، أو بناء سائر الشيعة على تركها في العمل
الخاص أو مطلق النوعي في بلاد المخالفين، وإن لم يحصل للشخص
بالخصوص خوف. وهو الذي يفهم من اطلاق أوامر التقية وما ورد من الاهتمام
فيها.
ويؤيده - بل يدل عليه -: إطلاق قوله عليه السلام: (ليس منا (1) من لم يجعل
التقية (2) شعاره ودثاره (3) مع من يأمنه لتكون سجيته (4) مع من يحذره) (5).

(1) في الوسائل: عليكم بالتقية فإنه ليس منا.
(2) في الوسائل: يجعلها.
(3) الشعار: ما ولي الجسد من الثياب. والدثار: ما كان من الثياب فوق الشعار - كما في مختار
الصحاح -، والمراد: شدة الالتزام بها.
(4) في الوسائل: لتكون سجية. وفي " ش ": ليكون سجيته له.
(5) الوسائل 11: 466 الباب 24 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 28.
94

نعم، في حديث أبي الحسن الرضا صلوات الله عليه معاتبا لبعض أصحابه الذين
حجبهم: (إنكم تتقون (1) حيث لا تجب (2) التقية، وتتركون التقية (3) حيث لا بد من
التقية) (4).
وليحمل على بعض ما لا ينافي القواعد.

(1) في الوسائل: وتتقون.
(2) في " ش ": لا يجب.
(3) ليس في " ش ": التقية.
(4) الوسائل 11: 470 الباب 25 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 9.
95

الثالث
هل تبطل العبادة بمخالفة التقية
إنه لو خالف التقية في محل وجوبها، فقد أطلق بعض بطلان العمل
المتروك فيه.
والتحقيق: أن نفس ترك التقية في جزء العمل أو في شرطه أو في مانعه
لا يوجب بنفسه إلا استحقاق العقاب على تركها، فإن لزم من ذلك ما يوجب
بمقتضى القواعد - بطلان الفعل، بطل، وإلا فلا.
فمن مواقع البطلان: السجود على التربة الحسينية مع اقتضاء التقية
تركه، فإن السجود يقع منهيا عنه فيفسد، فيفسد الصلاة.
ومن مواضع عدم البطلان: ترك التكفير في الصلاة، فإنه - وإن حرم - لا
يوجب البطلان، لأن وجوبه من جهة التقية لا يوجب معتبرا في الصلاة
لتبطل بتركه.
وتوهم: أن الشارع أمر بالعمل على وجه التقية، مدفوع: بأن تعلق الأمر
بذلك العمل المقيد ليس من حيث كونه مقيدا بتلك الوجه، بل من حيث نفس
الفعل الخارجي الذي هو قيد اعتباري للعمل لا قيد شرعي.
96

وتوضيحه: أن المأمور به ليس هو الوضوء المشتمل على غسل الرجلين،
بل نفس غسل الرجلين الواقع في الوضوء، وتقييد الوضوء باشتماله على غسل
الرجلين مما لم يعتبره الشارع في مقام الأمر، فهو نظير تحريم الصلاة المشتملة
على محرم خارجي لا دخل له في الصلاة.
فإن قلت: إذا كان إيجاب الشئ للتقية لا يجعله معتبرا في العبادة حال
التقية، لزم الحكم بصحة وضوء من ترك المسح على الخفين، لأن المفروض أن
الأمر بمسح الخفين للتقية لا يجعله جزءا، فتركه لا يقدح في صحة الوضوء، مع أن
الظاهر عدم الخلاف في بطلان الوضوء.
انحلال المسح إلى إيصال الماء وقيد المماسية
قلت: ليس الحكم بالبطلان من جهة ترك ما وجب بالتقية، بل لأن المسح
على الخفين متضمن لأصل المسح الواجب في الوضوء، مع إلغاء قيد مماسية
الماسح للممسوح - كما في المسح على الجبيرة الكائنة في موضع الغسل أو المسح،
وكما في المسح على الخفين لأجل البرد المانع من نزعها -، فالتقية إنما أوجبت
إلغاء قيد المباشرة. وأما صورة المسح ولو مع الحائل فواجبة واقعا لا من حيث
التقية، فالاخلال بها يوجب بطلان الوضوء بنقص جزء منه.
ومما يدل على انحلال المسح إلى ما ذكرنا من الصورة وقيد المباشرة قول الإمام لعبد الأعلى مولى آل سام - [لما] (1) سأله عن كيفية مسح من جعل على
إصبعه مرارة -: (إن هذا وشبهه يعرف من كتاب الله، وهو قوله تعالى: (ما جعل
عليكم في الدين من حرج). ثم قال: إمسح عليه) (2).
فإن معرفة وجوب المسح على المرارة الحائلة بين الماسح والممسوح من
آية نفي الحرج، لا يستقيم إلا بأن يقال: إن المسح الواجب في الوضوء ينحل

(1) الزيادة اقتضاها السياق.
(2) الوسائل 1: 327 الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5 والآية 78 من سورة الحج.
97

إلى صورة المسح ومباشرة الماسح للمسوح، ولما سقط قيد المباشرة لنفي الحرج،
تعين المسح من دون مباشرة، وهو المسح على الحائل، وكذلك فيما نحن فيه سقط
قيد المباشرة ولا يسقط صورة المسح عن الوجوب.
وكذلك الكلام في غسل الرجلين للتقية، فإن التقية إنما أوجبت سقوط
الخصوصية المائزة بين الغسل والمسح، وأما إيصال الرطوبة إلى الممسوح فهو
واجب لا من حيث التقية، فإذا أخل به المكلف فقد ترك جزءا من الوضوء
فبطلان الوضوء من حيث ترك ما وجب لا لأجل التقية، لا ترك ما وجب للتقية.
دوران الأمر بين الغسل والمسح على الخفين
ومما يؤيد ما ذكرنا ما ذكره غير واحد من الأصحاب: من أنه لو دار الأمر
بين المسح على الخفين وغسل الرجلين، قدم الثاني (1)، لأنه فيه إيصال الماء،
بخلاف الأول، فلو كان نفس الفعل المشتمل على القيد والمقيد إنما وجب تقية،
لم يعقل ترجيح شرعي بين فعلين ثبت وجوبهما بأمر واحد وهو الأمر بالتقية، لأن
نسبة هذا الأمر إلى الفردين نسبة واحدة، إلا أن يكون ما ذكروه فرقا اعتباريا
منشأه ملاحظة الأسباب العقلية.
لكن يبقى على ما ذكرنا في غسل الرجلين: أنه لو لم يتمكن المكلف من
المسح تعين عليه الغسل الخفيف، ولا يحضرني من أفتى به، لكن لا بأس باعتباره
كما في عكسه المجمع عليه، وهو تعين المسح عند تعذر الغسل، ويمكن استنباطه
من رواية عبد الأعلى المتقدمة (2). ولو قلنا بعدم الحكم المذكور فلا بأس بالتزام
عدم بطلان الوضوء فيما إذا ترك غسل الرجلين الواجب للتقية، لما عرفت من
أن أوامر التقية لم يجعله جزءا، بل الظاهر أنه لو نوى به الجزئية بطل الوضوء،
لأن التقية لم يوجب نية الجزئية وإنما أوجب العمل الخارجي بصورة الجزء (3).

(1) البيان 48 والتذكرة 1: 18.
(2) في الصفحة 97.
(3) ليس في " ش ": بصورة الجزء.
98

المقام الرابع
في ترتيب آثار الصحة على العمل الصادر تقية - لا من
حيث الإعادة والقضاء - سواء كان العمل من العبادات،
كالوضوء من جهة رفع الحدث، أم من المعاملات، كالعقود
والايقاعات الواقعة على وجه التقية.
مقتضى القاعدة عدم ترتب الآثار
فنقول: إن مقتضى القاعدة: عدم ترتيب الآثار، لما عرفت غير مرة من
أن أوامر التقية لا تدل على أزيد من وجوب التحرز عن الضرر، وأما الآثار
المترتبة على العمل الواقعي فلا.
نعم، لو دل دليل في العبادات على الإذن في امتثالها على وجه التقية، فقد
عرفت أنه يستلزم سقوط الاتيان به ثانيا بذلك العمل. وأما الآثار الأخر، كرفع
الحدث في الوضوء، بحيث لا يحتاج المتوضئ تقية إلى وضوء آخر بعد رفع التقية
بالنسبة إلى ذلك العمل الذي توضأ له، فإن كان ترتبه متفرعا على ترتب
الامتثال بذلك العمل، حكم بترتبه، وهو واضح. أما لو لم يتفرع عليه احتاج إلى
دليل آخر.
ويتفرع على ذلك ما يمكن أن يدعى،: أن رفع الوضوء للحدث السابق
عليه من آثار امتثال الأمر به بناء على أن الأمر بالوضوء ليس إلا لرفع الحدث،
99

وأما في صورة دائم الحدث فكونه مبيحا لا رافعا، من جهة دوام الحدث لا من
جهة قصور الوضوء عن التأثير.
وربما يتوهم: أن ما تقدم من الأخبار - الواردة في أن كل ما يعمل للتقية
فهو جائز، وأن كل شئ يضطر إليه التقية فهو جائز - يدل على ترتيب الآثار
مطلقا، بناء على أن معنى الجواز والمنع في كل شئ بحسبه، فكما أن الجواز والمنع
في الأفعال المستقلة في الحكم، كشرب النبيذ ونحوه يراد به الإثم والعدم، وفي
الأمور الداخلة في العبادات فعلا أو تركا يراد به الإذن والمنع من جهة تحقق
الامتثال بتلك العبادات، فكذلك الكلام في المعاملات، بمعنى عدم البأس وثبوته
من جهة ترتب الآثار المقصودة من تلك المعاملة - كما في قول الشارع بجواز
المعاملة الفلانية (1) -، وهذا توهم مدفوع بما لا يخفى على المتأمل.
أخبار التقية
ثم لا بأس بذكر بعض الأخبار الواردة مما اشتمل على بعض الفوائد:
منها: ما عن الاحتجاج بسنده عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في بعض
احتجاجه على بعض، وفيه: (وآمرك أن تستعمل التقية في دينك فإن الله عز وجل
يقول: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك
فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة) (2) وقد أذنت لك في تفضيل أعدائنا
إن ألجأك الخوف إليه، وفي إظهار البراءة منا إن حملك الوجل عليه، وفي ترك
المكتوبات (3) إن خشيت على حشاشتك الآفات والعاهات، وتفضيلك أعداءنا (4)
عند خوفك، لا ينفعهم ولا يضرنا، وإن إظهار (5) براءتك عند تقيتك لا يقدح فينا (6)،

(1) في " ش ": قول الشارع يجوز المعاملة الفلانية أو لا يجوز.
(2) آل عمران: 3، 28.
(3) في المصدر: الصلاة المكنونات.
(4) في المصدر: فإن تفضيلك أعداءنا علينا.
(5) في المصدر: اظهارك.
(6) في المصدر: لا يقدح فينا ولا ينقصنا.
100

ولئن تبرأت (1) منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك، لتبقي على نفسك روحها
التي بها قوامها، ومالها الذي به قيامها، وجاهلها الذي به تمكنها (2)، وتصون بذلك
من عرف من أوليائنا (3) وإخواننا، فإن ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك،
وتنقطع به عن عمل في الدين، وصلاح إخوانك المؤمنين، وإياك ثم إياك أن تترك
التقية التي أمرتك بها، فإنك شاحط (4) بدمك ودماء إخوانك، معرض لنفسك
ولنفسهم للزوال (5)، مذل لهم (6) في أيدي أعداء الدين (7) وقد أمرك الله بإعزازهم،
فإنك إن خالفت وصيتي كان ضررك على إخوانك (8) ونفسك أشد من ضرر
الناصب (9) لنا الكافر بنا) (10).
وفيها دلالة على أرجحية اختيار البراءة على العمل، بل تأكد وجوبه.
لكن في أخبار كثيرة بل عن المفيد في الإرشاد: أنه قد استفاض عن
أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (ستعرضون من بعدي على سبي، فسبوني، ومن
عرض عليه البراءة فليمدد عنقه، فإن برئ مني فلا دنيا له ولا آخرة) (11). وظاهرها

(1) كذا في المصدر وفي النسخ: ولا تبرء منا.
(2) في المصدر: تماسكها.
(3) العبارة في المصدر: وتصون من عرف بذلك وعرفت به من أوليائنا وإخواننا من عبد ذلك بشهور
وسنين إلى أن يفرج الله تلك الكربة وتزول به تلك الغمة.
(4) في المصدر: شائط.
(5) في المصدر: معرض لنعمتك ونعمهم على الزوال.
(6) في المصدر: مذل لك ولهم.
(7) في المصدر: دين الله.
(8) في المصدر: على نفسك وإخوانك.
(9) في المصدر: المناصب.
(10) الإحتجاج 1: 354، (احتجاجه عليه السلام على من قال بزوال الأدواء بمداواة الأطباء).
(11) الإرشاد: 169 والوسائل 11: 481 الباب 29 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 21.
101

حرمة التقية فيها كالدماء.
ويمكن حملها على أن المراد الاستمالة والترغيب إلى الرجوع حقيقة عن
التشيع إلى النصب.
مضافا إلى أن المروي في بعض الروايات أن النهي من التبري مكذوب
على أمير المؤمنين عليه السلام وأنه لم ينه عنه، ففي موثقة مسعدة بن صدقة: (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام الناس يروون أن عليا عليه السلام قال: - على منبر الكوفة -:
أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم تدعون إلى البراءة مني فلا
تبرؤا مني.
جواز البراءة الصورية من علي (ع)
فقال عليه السلام: ما أكثر ما يكذب الناس على علي، ثم قال: إنما قال:
ستدعون إلى سبي فسبوني ثم تدعون إلى البراءة مني وإني لعلى دين محمد صلى
الله عليه وآله وسلم، ولم يقل: لا تبرؤا مني.
فقال له السائل: أرأيت إن اختار القتل دون البراءة؟ فقال: والله ما ذاك
عليه، ولا له إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن
بالايمان، فأنزل الله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) (1) فقال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم عندها: يا عمار إن عادوا فعد) (2).
الرواية الثالثة
وفي رواية محمد بن مروان: (قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ما منع ميثم رحمه
الله عن التقية، فوالله لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار وأصحابه: (إلا من
أكره وقلبه مطمئن... الآية) (3)
الرواية الرابعة
وفي رواية عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر عليه السلام - في رجلين من أهل
الكوفة أخذا وأمرا بالبراءة عن أمير المؤمنين عليه السلام فتبرأ واحد منهما وأبى

(1) النحل: 16، 104.
(2) الوسائل 11: 476 الباب 29 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 2.
(3) نفس المصدر، الحديث 3.
102

الآخر، فخلي سبيل الذي تبرأ وقتل الآخر -: (فقال عليه السلام: أما الذي برئ
فرجل فقيه في دينه، وأما الذي لم يتبرأ، فرجل تعجل إلى الجنة) (1).
الرواية الخامسة
وعن كتاب الكشي بسنده إلى يوسف بن عمران الميثمي قال: سمعت
ميثم الهرواني (2) يقول: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: يا ميثم كيف أنت إذا
دعاك دعي بني أمية - عبيد الله بن زياد - إلى البراءة مني؟ فقلت: يا أمير المؤمنين
أنا والله لا أبرأ منك. قال: إذا والله يقتلك ويصلبك! قال: قلت: أصبر، فإن ذلك
في الله قليل. قال عليه السلام: يا ميثم فإذن تكون معي في روضتي) (3).
وبه ثقتي.

(1) نفس المصدر، الحديث 4.
(2) في المصدر: النهرواني.
(3) الوسائل 11: 477 الباب 29 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 7. وفيه: في درجتي.
103

رسالة
في
قاعدة لا ضرر
105

صورة الصفحة الأولى من نسخة (ن) لرسالة اللا ضرر
107

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة (ن) لرسالة اللا ضرر
108

بسم الله الرحمن الرحيم
[وبه ثقتي واعتمادي] (1).
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد، وآله الطاهرين (2).
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
والكلام يقع تارة في معناها.
وأخرى في مدركها وبيان حالها مع الأدلة المعارضة لها في الظاهر (3).
وثالثة في بعض ما يتفرج عليها مما عنونه الفقهاء مستدلين عليها بها.
ولا بد أولا من ذكر الأخبار التي عثرنا عليها في حكم الضرر، فنقول
وبالله التوفيق:
الأخبار الواردة في حكم الضرر
منها ما اشتهر عنه صلى الله عليه وسلم في قصة سمرة بن جندب، وقد روي
بألفاظ مختلفة:
ففي موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (إن سمره بن جندب كان له

(1) ما بين المعقوفتين من " م ".
(2) في " ن ": وآله أجمعين.
(3) في " م ": المتعارضة في الظاهر.
109

عذق (1) في حائط (2) رجل (3) من الأنصار، وكان منزل الأنصاري بباب البستان،
وكان يمر إلى نخلته ولا يستأذن، فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء. فأبى
سمرة.
فجاء الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فشكى إليه، فأخبره
الخبر، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وخبره بقول الأنصاري وما شكاه
وقال: إذا أردت الدخول فاستأذن. فأبى.
فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن له ما شاء الله، فأبى أن يبيعه. فقال:
لك بها عذق في الجنة فأبى أن يقبل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للأنصاري: اذهب فاقلعها وارم بها إليه،
فإنه لا ضرر ولا ضرار) (4).
وفي رواية الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام نحو ذلك، إلا أنه قال لسمرة
بعد الامتناع: (ما أراك يا سمرة إلا مضارا، اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها
وجهه) (5).
وفي رواية ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام نحو ذلك
بزيادة لا تغير المطلب، وفي آخرها: (إنك يا سمرة رجل مضار. لا ضرر
ولا ضرار على المؤمن.
ثم أمر بها فقلعت، فرمى بها وجهه، وقال: انطلق فاغرسها حيث
شئت) (6).

(1) العذق - بالفتح -: النخلة بحملها - عند أهل الحجاز -.
(2) بستان من نخيل إذا كان عليه حائط.
(3) في " ن ": لرجل.
(4) الوسائل 17: 341 الباب 12 من أبواب إحياء الموات، الحديث (3)، مع اختلاف يسير.
(5) الوسائل 17: 340 الباب 12 من أبواب إحياء الموات، الحديث الأول.
(6) الوسائل 17: 341 الباب 12 من أبواب إحياء الموات، الحديث 4.
110

وفي هذه القصة إشكال من حيث حكم النبي صلى الله على وآله وسلم بقلع
العذق، مع أن القواعد لا تقتضيه، ونفي الضرر لا يوجب ذلك، لكن لا يخل
بالاستدلال.
ومنها: رواية عقبة بن خالد عن الصادق عليه السلام: (قضى رسول الله
صلى الله عليه وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن. وقال: لا ضرر
ولا ضرار) (1).
ومنها: ما عن التذكرة ونهاية ابن الأثير، مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله:
(لا ضرر ولا ضرار في الاسلام) (2).
ومنها: رواية هارون بن حمزة الغنوي، عن أبي عبد الله عليه السلام: (رجل
شهد بعيرا مريضا يباع، فاشتراه رجل بعشرة دراهم، فجاء وأشرك فيه رجلا
بدرهمين بالرأس والجلد. فقضي أن البعير برئ، فبلغ ثمنه دنانير. قال: فقال:
لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ، فإن قال: أريد الرأس والجلد فليس له ذلك. هذا
الضرار. قد أعطي حقه إذا أعطي الخمس) (3).
ومنها: رواية أخرى لعقبة بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قضى
رسول الله صلى الله عليه وآله بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه: لا يمنع نقع
البئر، وقضى بين أهل البادية أنه: لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء فقال:
لا ضرر ولا ضرار) (4).
هذه جملة ما عثرنا عليها من الروايات العامة (5). وكثرتها تغني عن

(1) الوسائل 17: 319 الباب 5 من أبواب الشفعة.
(2) تذكرة الفقهاء 1: 522 النهاية: باب الضاد مع الراء.
(3) الكافي 5: 293 باب الضرار، الحديث 4، مع اختلاف يسير.
(4) الكافي 5: 293 باب الضرار، الحديث 6، وفيه: " لا يمنع نفع الشئ " بدل " لا يمنع نقع البئر ".
(5) قال المامقاني قدس سره في تعليقته على هذه الرسالة: هناك أخبار أخر مرادفة أو مقاربة للأخبار
المذكور لم يسطرها قدس سره. ثم ذكره - مسندا - ما يلي:
ألف: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن الجار كالنفس غير مضار ولا أثم ".
ب: عن محمد بن الحسن، قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام: " رجل كانت له رحى على نهر
قرية، والقرية لرجل، فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ويعطل
هذه الرحى، أله ذلك أم لا؟ فوقع عليه السلام: يتق الله عز وجل ويعمل في ذلك بالمعروف، ولا يضر
أخاه المؤمن ".
ج " عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: سألته عن الشئ يوضع على الطريق فتمر الدابة فتنفر
بصاحبها فتعقره، قال: كل شئ يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه ".
د: قال أبو عبد الله عليه السلام: " من أضر بشئ من طريق المسلمين فهو له ضامن ".
ه‍: عنه عليه السلام قال: " من أضر بطريق المسلمين شيئا فهو له ضامن ".
111

ملاحظة سندها.
مضافا إلى حكاية تواتر نفي الضرر والضرار عن فخر الدين في الإيضاح
في باب الرهن. ولم أعثر عليه (1).
معنى الضرر
فالمهم بيان معنى الضرر والضرار. أما معنى الضرر فهو معلوم عرفا. ففي
المصباح: الضر - بفتح الضاد - مصدر ضره يضره. من باب قتل، إذا فعل به

(1) قال المؤلف في فرائد الأصول - في خاتمة مبحث البراءة - عند تعرضه لقاعدة نفي الضرر: " قد
ادعى فخر الدين في الإيضاح في باب الرهن تواتر الأخبار على نفي الضرر والضرار ".
ومنه يمكن استفادة أمرين: أحدهما عثوره على دعوى فخر الدين في الإيضاح.
وثانيهما: أن تأليفه لهذه الرسالة سابق على ما كتبه في فرائد الأصول. في قاعدة نفي الضرر.
ولعل المقارنة بين ما جاء في هذه الرسالة وما جاء في الفرائد يؤيد ذلك.
وقال المامقاني قدس سره في التعليقة: قد عثرنا على ذلك فوجدنا صدق النسبة فإنه رحمه الله
قال في أواخر كتاب الرهن في مسألة ما لو أقر الراهن بعتق عبده المرهون ما لفظه: وثالثها:
العتق، فنقول: يجب عليه فك الرهن وأداء الدين، فإذا تعذر وبيع في الدين وجب فكاكه فإن
بذله المشتري بقيمته أو أقل وجب فكه. ولو بذله بالأزيد ولو بأضعاف قيمته فالأصح وجوب
فكه عليه لوجوب تخليص الحر، فإنه لا عوض له إلا التخليص ولا يمكن إلا بالأزيد من قيمته
وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، واحتمال عدمه - لامكان استلزامه الضرر بأن يحيط بمال
الراهن والضرر منفي بالحديث المتواتر - ضعيف ولا وجه له عندي وانظر الإيضاح 2: 48.
112

مكروها وأضر به. يتعدى بنفسه ثلاثيا وبالباء رباعيا، والاسم: الضرر، وقد يطلق
على نقص في الأعيان. وضاره يضاره مضارة وضررا بمعنى ضره. (1) (انتهى).
معنى الضرار
وفي النهاية: معنى قوله عليه السلام (لا ضرر): لا يضر الرجل أخاه بأن ينقصه
شيئا من حقوقه. والضرار فعال من الضر. أي: لا يجازيه على إضراره بإدخال
الضرر عليه. والضرر فعل الواحد، والضرار فعل الاثنين، والضرر ابتداء الفعل،
والضرار الجزاء عليه.
وقيل: الضرر أن تضر صاحبك وتنتفع أنت به، والضرار أن تضره من غير
أن تنتفع به.
وقيل: هما بمعنى واحد. والضرار للتأكيد (2) (انتهى).
وكيف كان فالتباس الفرق بين الضرر والضرار لا يخل بما هو المقصود من
الاستدلال بنفي الضرر في المسائل الفرعية.
معنى نفي الضرر
فالأهم في ذلك بيان معنى النفي. فنقول: إن نفي الضرر ليس محمولا
على حقيقته، لوجود الحقيقة في الخارج بداهة، فلا بد من حمله على محامل قال
بكل منها (3) قائل:
حمل النفي على النهي
أحدها: حمله على النهي. فالمعنى تحريم الفعل (4).

(1) المصباح المنير للفيومي، مادة " ضرر " بتصرف.
(2) النهاية لابن الأثير، مادة " ضرر " بتصرف.
(3) في " ش ": " هنا " بدل " منها ".
(4) قال المامقاني قدس سره في التعليقة: حكي هذا الوجه عن البدخشي. وغرضه أن الجملة الخبرية
بمنزلة الانشاء، والنفي بمعنى النهي. والمعنى: يحرم الضرر والضرار، فتكون الأخبار على هذا
مسوقة لبيان حكم تكليفي. ثم قال: ويقرب من هذا القول ما احتمله الفاضل النراقي قدس سره
في العوائد من بقاء النفي على حيقته وورود الخبر لبيان الحكم التكليفي أيضا بتقدير لفظ:
فالتقدير: لا ضرر ولا ضرار مشروعا أو مجوزا أو مأذونا فيه في دين الاسلام.
113

الضرر المجرد عن التدارك
الثاني: الضرر المجرد عن التدارك (1).
فكما أن ما يحصل بإزائه نفع لا يسمى ضررا، كدفع مال بإزاء عوض مساو
له أو زائد عليه، كذلك الضرر المقرون بحكم الشارع بلزوم تداركه نازل منزلة
عدم الضرر، وإن لم يسلب عنه مفهوم الضرر بمجرد حكم الشارع بالتدارك.
فالمراد نفي وجود الضرر المجرد عن التدارك، فإتلاف المال بلا تدارك ضرر على
صاحبه منفي، فإذا وجد في الخارج فلا بد أن يكون مقرونا بلزوم التدارك.
وكذلك تمليك الجاهل بالغبن ماله بإزاء ما دون قيمته من الثمن ضرر عليه
فلا يوجد في الخارج إلا مقرونا بالخيار. وهكذا...
نفي الحكم الشرعي
الثالث: أن يراد به نفي الحكم الشرعي الذي هو ضرر على العباد، وأنه
ليس في الاسلام مجعول ضرري (2).
وبعبارة أخرى: حكم يلزم من العمل به الضرر على العباد، مثلا يقال:
إن حكم الشرع بلزوم البيع مع الغبن ضرر على المغبون، فهو منفي في الشريعة،
وكذلك وجوب الوضوء مع اضرار المكلف حكم ضرري منفي في الشريعة.
ثم إن أردأ الاحتمالات هو الثاني، وإن قال به بعض الفحول (3)، لأن
الضرر الخارجي لا ينزل منزلة العدم بمجرد حكم الشارع بلزوم تداركه، وإنما

(1) قال الفاضل التوني قدس سره في الوافية: 149: " إذ نفي الضرر غير محمول على نفي حقيقته لأنه
غير منفي، بل الظاهر أن المراد به نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع (انتهى). وراجع
أيضا: فرائد الأصول: 532.
(2) ذهب الفاضل النراقي قدس سره إلى تعين هذا الوجه. راجع: عوائد الأيام: 18 العائدة الرابعة،
البحث الثالث.
(3) قيل هو الفاضل النراقي قدس سره ولكن لم نعثر على ما يدل على هذه النسبة، بل قد عرفت
أنه ممن ذهب إلى تعين الوجه الثالث. والظاهر أن مراد المؤلف هو الفاضل التوني قدس سره بقرينة
ما جاء في فرائد الأصول: 532 في خاتمة مبحث البراءة، وراجع أيضا الوافية للفاضل التوني
قدس سره: 149.
114

المنزل منزلته، الضرر المتدارك فعلا.
والحاصل: إن إيصال الضرر إن كان لداعي النفع لا نضايق عن سلب
الضرر عنه حقيقة، وإن كان قد يناقش فيه.
وأما الضرر لا لداعي النفع وإن تعقبه تدارك فهو ضرر حقيقي، لكن بعد
أن اتفق تداركه يمكن تنزيله منزلة ما لم يوجد، كما هو معنى التدارك. وأما ما لم
يتعقبه تدارك فعال فلا وجه لتنزيله منزلة ما لم يوجد في الخارج بمجرد حكم الشارع
بوجوب تداركه.
فمنشأ هذا الاحتمال، الخلط بين الضرر المتدارك فعلا والضرر المحكوم
بلزوم تداركه.
والمناسب للمعنى الحقيقي - أعني نفي الماهية - هو الأول.
نعم لو كان حكم الشارع في واقعة بنفسه حكم ضروريا يكون تداركه
بحكم آخر، كحكمه بجواز قتل مجموع العشرة المشتركين في قتل واحد، المتدارك
بوجوب دفع تسعة أعشار الدية إلى كل واحد، وأما الضرر الواقع من المكلف
فلا يتدارك بحكم الشرع بلزوم التدارك لينزل منزلة العدم.
هذا مضافا إلى أن ظاهر قوله عليه السلام: (لا ضرر في الاسلام) كون
الاسلام ظرفا للضرر، فلا يناسب أن يراد به الفعل المضر. وأنما المناسب الحكم
الشرعي الملقي للعباد في الضرر في نظير قوله: (لا حرج في الدين (1)).
هذا، مع أن اللازم من ذلك عدم جواز التمسك بالقاعدة لنفي الحكم
الضرري المتعلق بنفس المكلف (2)، كوجوب الوضوء مع التضرر به، فإن فعل
الوضوء المضر حرام، والواقع منه في الخارج لم يجعل له الشرع تداركا، مع أن
العلماء لم يفرقوا في الاستدلال بالقاعدة بين الاضرار بالنفس والاضرار بالغير.

(1) الوسائل 10: 140 الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 4، وفيه: " لا حرج " والحديث 6، وفيه:
" لا حرج ولا حرج " (2) في " ص " و " ن ": بنفس التكليف.
115

وأما المعنى الأول فهو مناف لذكرها (1) في النص والفتوى لنفي الحكم
الوضعي، لا مجرد تحريم الاضرار.
نعم يمكن أن يستفاد منه تحريم الاضرار بالغير من حيث إن الحكم
بإباحته حكم ضرري فيكون منفيا في الشرع، بخلاف الاضرار بالنفس فإن
إباحته - بل طلبه على وجه الاستحباب - ليس حكما ضرريا، ولا يلزم من جعله
ضرر على المكلفين.
المتعين في معنى نفي الضرر
نعم قد استفيد من الأدلة العقلية (2) والنقلية (3) تحريم الاضرار بالنفس.
فتبين مما ذكرناه: أن الأرجح في معنى الرواية بل المتعين هو المعنى
الثالث، لكن في قوله: (لا ضرر ولا ضرار) من دون تقييد، أو مع التقييد بقوله: (في
الاسلام).
وأما قوله: (لا ضرر ولا ضرار على مؤمن) فهو مختص بالحكم الضرري
بالنسبة إلى الغير، فلا يشمل نفي وجوب الوضوء والحج مع الضرر.
وينبغي التنبيه على أمور:
حكومة (لا ضرر) على أدلة الأحكام
[التنبيه] الأول
إن دليل هذه القاعدة حاكم على عموم أدلة إثبات الأحكام الشامل
لصورة التضرر بموافقتها، وليس معها من قبيل المتعارضين، فيلتمس الترجيح
لأحدهما ثم يرجع إلى الأصول.

(1) يعني: قاعدة نفي الضرر.
(2) حتى أنه قد اشتهر: وجوب دفع الضرر المحتمل عقلا، فضلا عن الضرر المعلوم.
(3) كقوله عليه السلام: " كلما أضر به الصوم فالافطار له واجب ". راجع: الوسائل 7: 156 الباب
20 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 2 و 9.
116

خلافا لما يظهر من بعض من عدهما من المتعارضين (1)، حيث إنه ذكر في
مسألة (تصرف الانسان في ملكه مع تضرر جاره)) إن عموم: (نفي الضرر)
معارض بعموم: (الناس مسلطون على أموالهم) (2).
وذكر نحو ذلك في مسألة جواز الترافع إلى حكام الجور مع انحصار انقاذ
الحق في ذلك (3).
وفيه ما تقرر في محله من أن الدليل الناظر بدلالته اللفظية إلى اختصاص
دليل عام ببعض أفراده حاكم عليه، ولا يلاحظ فيه النسبة الملحوظة بين
المتعارضين، نظير حكومة أدلة الحرج على ما يثبت بعمومه التكليف في موارد
الحرج (4)، وعليه جرت سيرة الفقهاء في مقام الاستدلال في مقامات لا تخفى، منها:
استدلالهم على ثبوت خيار الغبن (5) وبعض الخيارات الأخر بقاعدة (نفي
الضرر) مع وجود عموم: (الناس مسلطون على أموالهم) (6) الدال على لزوم العقد
وعدم سلطنة المغبون على إخراج ملك الغابن بالخيار عن ملكه (7).
ثم إن اللازم مما ذكرنا، الاقتصار في رفع مقتضى الأدلة الواقعية المثبتة

(1) قيل هو المحقق القمي قدس سره. راجع قوانين الأصول 2: 50 الأدلة العقلية، الباب السادس.
وقد نسبه المصنف في الفرائد إلى غير واحد من العلماء.
(2) راجع جامع الشتات: 529 والحديث في غوالي اللئالي 1: 457.
(3) المصدر المتقدم: 682.
(4) قال المؤلف في الفرائد: مع أن وقوعها في مقام الامتنان يكفي في تقديمها على العمومات.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 522 خيار الغبن، المسألة الأولى.
(6) عوالي اللآلي 1: 222 الفصل التاسع، الحديث 99.
(7) ذكر المصنف في الفرائد جملة من موارد الاستدلال بقاعدة نفي الضرر، وقال: فلزوم البيع مع
الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون فينتفي بالخبر، وكذلك لزوم البيع من غير شفعة
للشريك، وكذلك وجوب الوضوء على من لا يجد الماء إلا بثمن كثير، وكذلك سلطنة المالك على
الدخول إلى عذقه وإباحته له من دون استئذان من الأنصاري، وكذلك حرمة الترافع إلى حكام
الجور إذا توقف أخذ الحق عليه، ومنه براءة ذمة الضار عن تدارك ما أدخله من الضرر.
117

للتكاليف، على مقدار حكومة القاعدة عليها، فلو فرض المكلف معتقدا لعدم
تضرره بالوضوء أو الصوم مثلا، فتوضأ ثم انكشف أنه تضرر به، فدليل نفي
الضرر لا ينفي الوجوب الواقعي المتحقق في حق هذا المتضرر. لأن هذا الحكم
الواقعي لم يوقع المكلف في الضرر، ولذا لو فرضنا انتفاء هذا الوجوب واقعا على
هذا المتضرر - كأن يتوضأ هذا الوضوء لاعتقاد عدم تضرره وعدم دخوله في
المتضررين - فلم يستند تضرره إلى جعل هذا الحكم، فنفيه ليس امتنانا على
المكلف وتخليصا له من الضرر، بل لا يثمر إلا تكليفا له بالإعادة بعد العمل
والتضرر.
فتحصل: أن القاعدة لا تنفي إلا الوجوب الفعلي على المتضرر العالم
بتضرره، لأن الموقع المكلف في الضرر هو هذا الحكم الفعلي، دون الوجوب
الواقعي الذي لا يتفاوت وجوده وعدمه في إقدام المكلف على الضرر. بل نفيه
مستلزم لالقاء المكلف في مشقة الإعادة، فالتمسك بهذه القاعدة على فساد
العبادة للمتضرر بها في دوران الفساد مدار اعتقاد الضرر الموجب للتكليف
الفعلي بالتضرر بالعمل، كالتمسك على فسادها بتحريم الاضرار بالنفس في
دورانه مدار الاعتقاد بالضرر الموجب للتحريم الفعلي، لأنه الذي يمتنع
اجتماعه مع الأمر، فلا يجري مع الضرر الواقعي وإن سلم اجتماعه مع التحريم
الشأني، كما تسالموا عليه في باب اجتماع الأمر والنهي من عدم الفساد مع الجهل
بالموضوع أو نسيانه، وأن المفسد هو التحريم الفعلي المنجز.
شمول القاعدة للأحكام العدمية الضررية
[التنبيه] الثاني
إنه لا إشكال - كما عرفت - في أن القاعدة المذكورة تنفي الأحكام
الوجودية الضررية، تكليفية كانت أو وضعية، وأما الأحكام العدمية الضررية
- مثل عدم ضمان ما يفوت على الحر من عمله بسبب حبسه - ففي نفيها بهذه
118

القاعدة، فيجب أن يحكم بالضمان، إشكال:
وجه عدم شمول القاعدة
من أن القاعدة ناظرة إلى نفي ما ثبت بالعمومات من الأحكام الشرعية،
فمعنى نفي الضرر في الاسلام أن الأحكام المجعولة في الاسلام ليس فيها حكم
ضرري.
ومن المعلوم أن حكم الشرع في نظائر المسألة المذكورة ليس من الأحكام
المجعولة في الاسلام، وحكمه بالعدم ليس من قبيل الحكم المجعول، بل هو إخبار
بعدم حكمه بالضمان، إذ لا يحتاج العدم إلى حكم به، نظير حكمه بعدم الوجوب
أو الحرمة أو غيرهما، فإنه ليس انشاء منه بل هو إخبار حقيقة.
وجه شمول القاعدة
ومن أن المنفي ليس خصوص المجعولات بل مطلق ما يتدين به ويعامل
عليه في شريعة الاسلام، وجوديا كان أو عدميا، فكما أنه يجب في حكمة الشارع
نفي الأحكام الضررية، كذلك يجب جعل الأحكام التي يلزم من عدمها الضرر.
مع أن الحكم العدمي يستلزم أحكاما وجودية، فإن عدم ضمان ما يفوته من المنافع
يستلزم حرمة مطالبته ومقاصته والتعرض له، وجواز دفعه عند التعرض له.
فتأمل.
هذا كله مضافا إلى امكان استفادة ذلك من مورد رواية سمرة بن
جندب، حيث إنه صلى الله عليه وآله سلط الأنصاري على قلع نخل سمرة معللا
بنفي الضرر، حيث إن عدم تسلطه عليه ضرر، كما أن سلطنة سمرة على ماله
والمرور عليه بغير الإذن ضرر. فتأمل.
ويمكن تأييد دلالته بما استدلوا به على جواز المقاصة مثل قوله
تعالى: (جزاء سيئة سيئة مثلها... ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من
سبيل) (1).

(1) الشورى: 42، 40 - 41.
119

وقوله تعالى: (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (1) فيقال: إن من
فوت على غيره منفعة - كأن حبسه عن عمله - جاز له أخذ ما يساوي تلك
المنفعة منه.
إلا أن دلالة هذه الآيات على نفس ما استدلوا بها عليه فضلا عن نظيره
قاصرة جدا.
الضرر الذي يقابله نفع
[التنبيه] الثالث
ذكر بعض المعاصرين (2) جوابا عن ايراد أورده على الاستدلال بنفي
الضرر لرفع التكاليف الثابتة بعموم أدلتها في مورد الضرر، مثل وجوب الحج
والصلاة والوضوء والصوم على من تضرر، وهو: أنا قد حققنا أن الضرر
ما لا يحصل في مقابله نفع، وأما ما يحصل في مقابله نفع دنيوي أو أخروي فلا
يكون ضررا، فإذا ورد - مثلا -: حجوا إذا استطعتم، أو صلوا إذا دخل الوقت،
أو صوموا إذا دخل شهر رمضان، دل على عمومه على وجوب هذه الأفعال وإن
تضمن ضررا كليا. والأمر يدل على العوض فلا يكون ضررا.
فأجاب بما لفظه: (إن الأمر إنما (3) يتعلق بالصلاة والحج، ولازمه تحقق
الأجر المقابل لماهية الحج والصلاة المتحققة في حال عدم الضرر أيضا، وأما
حصول عوض في مقابل الضرر وأجر له، فلا دليل عليه.
نعم لو كان نفس الضرر مما أمر به فيحكم بعدم التعارض وبعدم كونه
ضررا. كما في قوله: إذا ملكتم النصاب فزكوا، وأمثاله) (انتهى).
أقول: لا يخفى ما في كل من السؤال والجواب:

(1) البقرة: 2، 194.
(2) هو الفاضل النراقي قدس سره في عوائد الأيام: 20 و 21 العائدة الرابعة البحث السادس.
(3) ليس في " ش " و " ص " و " ن ": إنما.
120

أما في السؤال فلأن المراد بالضرر هو خصوص الضرر الدنيوي لا غير.
وأما النفع الحاصل في مقابل الضرر الدنيوي فهو إنما يوجب الأمر بالتضرر،
لا خروجه عن كونه ضررا. فدليل وجوب شراء ماء الوضوء بأضعاف قيمته
الموجب للنفع الأخروي مخصص لعموم نفي الضرر، لا رافع (1) لموضوعه.
فجميع ما أثبت التكاليف الضررية مخصص لهذه القاعدة، كيف! ولو كان
الأمر كذلك لغت القاعدة. لأن كل حكم شرعي ضرري لا بد أن يترتب على
موافقته الأجر، فإذا فرض تدارك الضرر وخروجه بذلك عن الضرر فلا وجه
لنفيه في الاسلام، إذا يكون حينئذ وجود الدليل العام على التكليف - الكاشف
بعمومه عن وجود النفع الأخروي في مورد الضرر - مخرجا للمورد عن موضوع
الضرر.
وأما في الجواب (2): فلأنه لو سلم وجود النفع في ماهية الفعل أو في مقدماته
- كأن تضرر بنفس الصوم أو بالحج أو بمقدماته - يكون الأمر بذلك الفعل
نفسيا أو مقدمة أمرا بالتضرر، فلا يبقى فرق بين الأمر بالزكاة والأمر بالصوم
المضر أو الحج المضر بنفسه أو بمقدماته.
فالتحقيق: أن المراد بالضرر خصوص الدنيوي، وقد رفع الشارع الحكم
في مورده امتنانا. فتكون القاعدة حاكمة (3) على جميع العمومات المثبتة للتكليف.
نعم، لو قام دليل خاص على وجوب خصوص تكليف ضرري خصص
به عموم القاعدة.

(1) في " ن ": دافع.
(2) في " م ": ما في الجواب.
(3) في " ص ": محكمة.
121

إضرار الغير لدفع الضرر عن النفس وبالعكس
[التنبيه] الرابع
إن مقتضى هذه القاعدة أن لا يجوز لأحد إضرار إنسان لدفع الضرر
المتوجه إليه، وأنه لا يجب على أحد دفع الضرر عن الغير باضرار نفسه، لأن
الجواز في الأول، والوجوب في الثاني، حكمان ضرريان.
ويترتب على الأول ما ذهب إليه المشهور من عدم جواز إسناد (1) الحائط
المخوف وقوعه إلى جذع الجار، خلافا للشيخ رحمه الله مدعيا عدم الخلاف فيه (2).
وقد حمل على ما إذا خاف من وقوعه إهلاك نفس محترمة، إذ يجب حفظ النفس
المحترمة (3) غاية الأمر لزوم أجرة المثل للاستناد، كأخذ الطعام قهرا لسد الرمق.
ويمكن حمله على ما لم يتضرر أصلا بحيث يكون كالاستظلال بحائط الغير.
فتأمل.
ويترتب على الثاني جواز إضرار الغير (4). إكراها أو تقية. بمعنى أنه إذا
أمر الظالم بإضرار أحد وأوعد على تركه الاضرار بالمأمور - إذا تركه - جاز
للمأمور إضرار الغير، ولا يجب تحمل الضرر لرفع الضرر عن الغير.
ولا يتوهم أن هذا من قبيل الأول - لأن المأمور يدفع الضرر عن نفسه
بإضرار الغير - لأن المفروض أن الضرر يتوجه إلى الغير أولا، لأن المكره مريد
ابتداء تضرر الغير فيأمره وإنما يضره لأجل ترك ما أراده أولا وبالذات.

(1) في " م ": استناد.
(2) المبسوط 3: 86.
(3) راجع مسالك الأفهام 2: 215.
(4) في " ص ": " البيع " بدل " الغير ".
122

الضرر الاختياري وغير الاختياري
[التنبيه] الخامس
لا فرق في هذه القاعدة بين أن يكون المحقق لموضوع الحكم الضرري
من اختيار المكلف (1) أو لا باختياره، ولا في اختياره بين أن يكون جائزا شرعا أو
محرما، فإذا صار المكلف باختياره سببا لمرض أو عدو يتضرر به سقط وجوب
الصوم والحج، لكونه حكما ضرريا. وكذا إذا أجنب نفسه مع العلم بتضرره
بالغسل، أو قصر (2) في الفحص عن قيمة ما باعه فصار مغبونا.
نعم لو أقدم على أصل التضرر - كالإقدام على البيع بدون ثمن المثل
عالما - فمثل هذا خارج عن القاعدة، لأن الضرر حصل بفعل الشخص لا من
حكم الشارع.
فما ذكره بعض - في وجه وجوب رد المغصوب إلى مالكه وإن تضرر
الغاصب بذلك - من أنه هو الذي أدخل الضرر على نفسه بسبب الغصب (3)، لا
يخلو عن نظر.
ويمكن أن يوجه ذلك بملاحظة ما ذكرنا في الأمر السابق من أن
مقتضى القاعدة عدم جواز الاضرار بالغير لئلا يتضرر الشخص، وعدم وجوب
التضرر لأجل دفع الضرر عن الغير. فكما أن إحداث الغصب - لئلا يتضرر
بتركه - حرام، وجوازه منفي بقاعدة [نفي] (4) الضرر، كذلك إبقاؤه حرام غير

(1) في " م ": من اختيار المكلف باختياره.
(2) في " م ": " تضرره " بدل " قصر ".
(3) قال الشهيد قدس سره في الدروس: 308، في كتاب الغصب: " يجب رد المغصوب إلى مالكه إجماعا
... إلى أن قال: وإن أدى إلى خراب ملكه لأن البناء على المغصوب لا حرمة له ".
(4) الزيادة اقتضاها السياق.
123

جائز، لأن دليل حرمة الابقاء هو دليل حرمة الأحداث، لأن كلا منهما غصب.
فإن قلت: حرمة الابقاء سبب لوجوب التضرر فيجب تحمل الضرر عن
الغير، وهو منفي.
قلت: لا ريب أن ملاحظة ضرر المالك ونفي الحكم بجواز (1) الاضرار به
- وإن استضر الغاصب - أولى من تجويز الشرع الاضرار بالغير ونفي وجوب تضرر
الغاصب لرفع إضراره بالغير بامساك ما غصبه، لأنه غير مناف للامتنان، بخلاف
الأول، فكل من جواز الاضرار بالغير وجوب تحمل الضرر لرفع إضراره بالغير
حكم ضرري.
لكن ثبوت الأول في الشريعة مراعاة لنفي الثاني - بأن يجوز للمضر
الابقاء على إضراره لأنه يتضرر برفعه هو بنفسه - مناف للامتنان، وبناء
الشريعة على التسهيل ورفع الضرر عن العباد.
هذا كله، مع إمكان أن يقال: إنه إذا تعارض الحكمان الضرريان، وفرض
عدم الأولوية لاثبات أحدهما ونفي الآخر، كان المرجع أدلة حرمة الاضرار
بالغير، لأن حرمته كحرمة الاضرار بالنفس ثابتة بأدلة أخر غير قاعدة نفي
الحكم الضرري، وإن كانت هي من أدلتها أيضا.
فإذا تعارض فردان من القاعدة يرجع إلى عمومات حرمة الاضرار بالغير
والنفس.
هذا كله مضافا إلى الرواية المشهورة: (ليس لعرق ظالم حق) (2).
فإن هذه الفقرة كناية عن كل موضوع بغير حق. فكل موضوع بغير
حق لا احترام له، فإذا كان المغصوب لوحا في سفينة كان ما ألصق باللوح وما

(1) في " م ": لجواز.
(2) صحيح البخاري 3: 140.
124

ركب عليه من الأخشاب موضوعا بغير حق، فلا احترام له، وكذا ما بني على
الخشبة المغصوبة.
نعم هذه الرواية لا تفي بجميع المراد لو فرضنا أن الرد يتوقف على تضرر
الغاصب بغير ما وضع على المغصوب أو معه من الأمور الخارجة.
دوران الأمر بين حكمين ضرريين
[التنبيه] السادس
لو دار الأمر بين حكمين ضرريين بحيث يكون الحكم بعدم أحدهما
مستلزما للحكم بثبوت الآخر، فإن كان ذلك بالنسبة إلى شخص واحد فلا
إشكال في تقديم الحكم الذي يستلزم ضررا أقل مما يستلزمه الحكم الآخر، لأن
هذا هو مقتضى نفي الحكم الضرري عن العباد، فإن من لا يرضى بتضرر عبده
لا يختار له إلا أقل الضررين عند عدم المناص عنهما.
وإن كان بالنسبة إلى شخصين فيمكن أن يقال أيضا بترجيح الأقل
ضررا، إذ مقتضى نفي الضرر عن العباد في مقام الامتنان عدم الرضا بحكم
يكون ضرره أكثر من ضرر الحكم الآخر، لأن العباد كلهم متساوون في نظر
الشارع، بل بمنزلة عبد واحد، فإلقاء الشارع أحد الشخصين في الضرر
- بتشريع الحكم الضرري، فيما نحن فيه - نظير لزوم الاضرار بأحد الشخصين
لمصلحته، فكما يؤخذ فيه بالأقل كذلك في ما نحن فيه. ومع التساوي فالرجوع
إلى العمومات الأخر، ومع عدمها فالقرعة.
لكن مقتضى هذا، ملاحظة الضررين الشخصين المختلفين باختلاف
الخصوصيات الموجودة في كل منهما من حيث المقدار ومن حيث الشخص، فقد
يدور الأمر بين ضرر درهم وضرر دينار مع كون ضرر الدرهم أعظم بالنسبة إلى
صاحبه من ضرر الدينار بالنسبة إلى صاحبه، وقد يعكس حال الشخصين في
وقت آخر.
125

وما عثرنا عليه في كلمات الفقهاء في هذا المقام لا يخلو عن اضطراب.
قال في التذكرة: لو غصب دينارا فوقع في محبرة الغير - بفعل الغاصب أو
بغير فعله - كسرت لرده، وعلى الغاصب ضمان المحبرة، لأنه السبب في كسرها. وإن
كان كسرها أكثر ضررا من تبقيته الواقع [فيها]، ضمنه الغاصب ولم تكسر. (1)
(انتهى). وظاهره أنه يكسر المحبرة مع تساوي الضررين، إلا أن يحمل على
الغالب من كثرة ضرر الدينار لو ضمنه.
وفي الدروس: لو أدخل دينارا في محبرته وكانت قيمتها أكثر ولم يمكن
كسره، لم يكسر المحبرة وضمن صاحبها الدينار مع عدم تفريط مالكه
(انتهى) (2).
ولا بد أن يقيد إدخال الدينار بكونه بإذن المالك على وجه يكون مضمونا،
إذ لو كان بغير إذنه تعين كسر المحبرة وإن زادت قيمتها. وإن كان بإذنه على
وجه (3) لا يضمن لم يتجه تضمين صاحبها الدينار.
تصرف المالك الضار بالجار
[التنبيه] السابع
إن تصرف المالك في ملكه إذا استلزم تضرر جاره، يجوز أم لا؟ الظاهر (4)
أن المشهور على الجواز.
قال في المبسوط في باب إحياء الموات: إن حفر رجل بئرا في داره، وأراد
جاره أن يحفر بالوعة أو بئر كنيف بقرب هذه البئر لم يمنع منه وإن أدى ذلك

(1) التذكرة 2: 391، والظاهر أن ما في المتن تلخيص لما في المصدر.
(2) الدروس: 308.
(3) في " م ": على غير وجه.
(4) كذا في " م " وفي غيره: المشهور.
126

إلى تغير ماء البئر، أو كان صاحب البئر يستقذر ماء بئره لقربه الكنيف
والبالوعة، لأن له أن يتصرف في ملكه بلا خلاف (1).
وقال في السرائر في باب حريم الحقوق: وإن أراد الانسان أن يحفر في
ملكه أو داره بئرا، وأراد جاره أن يحفر لنفسه بئرا بقرب تلك البئر لم يمنع من
ذلك بلا خلاف وإن نقص ماء البئر الأولى، لأن (الناس مسلطون على
أموالهم) (2).
وقال (3) في مسألة (أن لا حريم في الأملاك): إن كل واحد يتصرف في ملكه
على العادة كيف شاء، ولا ضمان إن أفضى إلى تلف، إلا أن يتعدى.
وقد اختلف كلام الشافعي في أنه لو أعد داره المحفوفة بالمساكن خانا أو
اصطبلا أو طاحونة، أو حانوتا في صف العطارين، حانوت حداد أو قصار - على
خلاف العادة - على قولين:
أحدهما: أنه يمنع. وبه قال أحمد، لما فيه من الضرر.
وأظهرهما عنده: الجواز: وهو المعتمد، لأنه مالك للتصرف في ملكه.
وفي منعه من تعميم التصرفات إضرار به. هذا إذا احتاط وأحكم الجدران
بحيث يليق بما يقصده، فإن فعل ما يغلب على الظن أنه يؤدي إلى خلل حيطان
الجار فأظهر الوجهين عند الشافعية ذلك، وذلك: أن يدق في داره الشئ دقا
عنيفا يزعج به حيطان الجار، أو حبس الماء في ملكه بحيث ينشر النداوة إلى
حيطان الجار. فإن قلنا لا يمنع في الصورة الأولى (4) فهنا أولى.. إلى أن قال:
والأقوى أن لأرباب الأملاك أن يتصرفوا في أملاكهم كيف شاؤوا، فلو حفر في

(1) المبسوط 3: 273.
(2) السرائر 2: 382 وفيه " أملاكهم " بدل " أموالهم ".
(3) القائل هو العلامة في التذكرة 2: 414 وليس هو ابن إدريس كما يوهمه تعبير المصنف.
(4) في " ش " و " ن ": السابقة.
127

ملكه بالوعة وفسد بها ماء بئر الجار لم يمنع منه، ولا ضمان بسببه، ولكن يكون قد
فعل مكروها (1) (انتهى).
وقريب من ذلك ما في القواعد (2) والتحرير (3).
وقال في الدروس في إحياء الموات: ولا حريم في الأملاك، لتعارضها. فلكل
أحد أن يتصرف في ملكه بما جرت العادة به وإن تضرر صاحبه ولا ضمان (4)
(انتهى).
وفي جامع المقاصد في شرح مسألة تأجيج النار وإرسال الماء في ملكه:
إنه لما كان الناس مسلطين على أموالهم كان للمالك الانتفاع بملكه كيف شاء.
فإن دعت الحاجة إلى إضرام نار في ملكه أو إرسال ماء، جاز فعله وإن غلب على
ظنه التعدي إلى الاضرار بالغير (5). (انتهى موضع الحاجة). تصرف المالك لدفع الضرر
أقول: تصرف المالك في ملكه إما أن يكون لدفع ضرر يتوجه إليه، وإما
أن يكون لجلب منفعة، وإما أن يكون لغوا غير معتد به عند العقلاء.
فإن كان لدفع الضرر فلا إشكال، بل لا خلاف في جوازه، لأن إلزامه
بتحمل الضرر، وحبسه على ملكه لئلا يتضرر الغير، حكم ضرري منفي، مضافا
إلى عموم: (الناس مسلطون [على أموالهم] (6)).
والظاهر عدم الضمان أيضا عندهم، كما صرح به جماعة، منهم الشهيد (7)

(1) تذكرة الفقهاء 2: 414 كتاب إحياء الموات.
(2) قواعد الأحكام 1: 202 وفيه: ولو أرسل ماء في ملكه فأغرق مال غيره أو أجج نارا فاحترق
لم يضمن ما لم يتجاوز قدر الحاجة اختيارا مع علمه أو غلبة ظنه بالتعدي إلى الاضرار فيضمن.
(3) تحرير الأحكام 2: 136 وفيه: للرجل أن يتصرف في ملكه وإن استضر جاره.
(4) الدروس: 294.
(5) جامع المقاصد 6: 218.
(6) ما بين المعقوفتين غير موجود في النسخ.
(7) قال الشهيد قدس سره في اللمعة الدمشقية: كتاب الغصب: " لا ضمان إذا لم يزد عن قدر الحاجة
ولم تكن الريح عاصفة وإلا ضمن " انظر اللمعة الدمشقية: 235.
128

رحمه الله. لكنه صرح بالضمان في تأجيج النار على قدر الحاجة مع ظن التعدي. وهو
مناف لتصريحه المتقدم (1).
فإن قلت: إذا فرض أنه يتضرر بالترك، فالضرر ابتداء يتوجه إليه ويريد
دفعه بالتصرف. وحيث فرض أنه إضرار بالغير رجع إلى دفع (2) الضرر الموجه
على الشخص عن نفسه بإضرار الغير. وقد تقدم عدم جوازه، ولذا لو فرضنا
كون التصرف المذكور لغوا كان محرما لأجل الاضرار بالغير.
قلت: ما تقدم من عدم جواز إضرار الغير لدفع الضرر عن النفس إنما
هو في تضرر الغير الحاصل لغير المتصرف في مال نفسه، وأما إذا كان دفع الضرر
عن نفسه بالتصرف في ماله المستلزم لتضرر الغير (3) فلا نسلم منعه، لأن دليل
المنع هو دليل نفي الضرر، ومن المعلوم أنه قاض في المقام بالجواز، لأن منع
الانسان عن التصرف في ماله لدفع الضرر المتوجه إليه بالترك ضرر عظيم، بل
سيجئ أن منعه عن التصرف لجلب النفع أيضا ضرر وحرج منفي، كما تقدم في
كلام العلامة (4) رحمه الله.
ثم إنه يظهر من بعض من عاصرناه (5) وجوب ملاحظة ضرر (6) المالك
وضرر الغير، وهو ضعيف مخالف لكلمات الأصحاب.
نعم لو كان تضرر الغير من حيث النفس أو ما يقرب منه مما يجب على
كل أحد دفعه ولو بضرر لا يكون حرج في تحمله، فهذا خارج عن محل الكلام،

(1) الدروس: 294.
(2) في " ص ": رفع الضرر.
(3) في " م ": دفع الضرر عن نفسه المستلزم لضرر الغير.
(4) تذكرة الفقهاء 2: 414.
(5) راجع مفتاح الكرامة 7: 22.
(6) في " ص " و " ن ": مراتب ضرر المالك.
129

لأن ما يجب تحمل الضرر لدفعه لا يجوز إحداثه لدفع الضرر عن النفس.
تصرف المالك لغوا
وإن كان لغوا محصا، فالظاهر أنه لا يجوز مع ظن تضرر الغير، لأن تجويز
ذلك حكم ضرري، ولا ضرر على المالك في منعه عن هذا التصرف، وعموم
(الناس مسلطون على أموالهم) محكوم عليه بقاعدة (نفي الضرر).
وهو الذي يظهر من جماعة كالعلامة في التذكرة (1) والشهيد في
الدروس (2)، حيث قيدا (3) التصرف في كلامهما بما جرت به العادة، والمحقق
الثاني (4) حيث قيد الجواز مع ظن تضرر الغير بصورة دعاء الحاجة، بل العلامة
في التذكرة حيث استدل على الجواز في كلامه المتقدم - بأن منعه عن عموم
التصرف ضرر منفي، إذ لا شك أن منعه عن هذا التصرف ليس ضررا (5) وقد قطع
الأصحاب بضمان من أجج نارا زائدا على مقدار الحاجة مع ظن التعدي (6).
اللهم إلا أن يقال: إن الضمان لا يدل على تحريم الفعل. فربما كان مبنى
الضمان على التعدي العرفي وإن لم يكن محرما، كما يظهر من كثير من كلماتهم.
تصرف المالك لجلب النفع
وأما ما كان لجلب المنفعة، فظاهر المشهور - كما عرفت من كلمات
الجماعة - الجواز.
ويدل عليه أن حبس المالك عن الانتفاع بملكه وجعل الجواز تابعا
لتضرر الجار حرج عظيم لا يخفى على من تصور ذلك. ولا يعارضه تضرر الجار، لما
تقدم من أنه لا يجب تحمل الحرج والضرر لدفع الضرر عن الغير، كما يدل عليه

(1) التذكرة 2: 376 كتاب الغصب، الفصل الثاني، البحث الثاني، المسألة 11.
(2) الدروس: 294.
(3) في " ش ": قيد.
(4) جامع المقاصد 6: 218.
(5) تذكرة الفقهاء 2: 414 كتاب إحياء الموات، بعد ذكره لقولي الشافعي وأحمد.
(6) انظر تحريم الأحكام 2: 138 كتاب الغصب.
130

تجويز الاضرار مع الاكراه.
وأما الاستدلال بعموم (الناس مسلطون على أموالهم) بزعم أن النسبة
بينه وبين نفي الاضرار عموم من وجه، والترجيح مع الأول بالشهرة مع أن
المرجع بعد التكافؤ أصالة الإباحة، فقد عرفت ضعفه، من حيث حكومة أدلة
نفي الضرر على عموم (الناس مسلطون على أموالهم).
والحمد لله أولا وأخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله عليه النبي محمد وآله
أجمعين.
وجاء في آخر النسخة المخطوطة ما يلي: هذا آخر كلام المصنف دام ظله
العالي وقد فرغ من تحريره تراب الأقدام محمد بن محمد تقي الدرزابي في يوم
النوروز الواقع في أوائل العشر الثاني من شهر شوال المكرم من سنة 1280.
131

رسالة
في
التسامح في أدلة السنن
133

صورة الصفحة الأولى من رسالة التسامح من نسخة " ق ".
135

صورة الصفحة الأخيرة من رسالة التسامح من نسخة (ق).
136

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة
الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
معنى التسامح في أدلة السنن
المشهور بين أصحابنا والعامة التسامح في أدلة السنن، بمعنى عدم اعتبار
ما ذكروه من الشروط للعمل بأخبار الآحاد: من الاسلام والعدالة والضبط في
الروايات الدالة على السنن فعلا أو تركا.
نقل كلمات الأعلام
وعن الذكرى: أن أخبار الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم (1).
وفي عدة الداعي - بعد نقل الروايات الآتية - قال: فصار هذا المعنى
مجمعا عليه بين الفريقين (2).
وعن الأربعين لشيخنا البهائي رحمه الله نسبته إلى فقهائنا (3).
وعن الوسائل نسبته إلى الأصحاب، مصرحا بشمول المسألة لأدلة

(1) ذكرى الشيعة: 68 أحكام الميت، في التلقين.
(2) عدة الداعي: آخر المقدمة: 13.
(3) الأربعين: الحديث الحادي والثلاثون: 195.
137

المكروهات أيضا (1).
وعن بعض الأجلة نسبته إلى العلماء المحققين (2).
خلافا للمحكي عن موضعين من المنتهى (3). وصاحب المدارك في أوائل
كتابه قال - بعد ذكر جملة من الوضوءات المستحبة وذكر ضعف مستندها - ما
لفظه: وما يقال: من أن أدلة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها منظور
فيه، لأن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على دليل شرعي، انتهى (4).
وحاصل هذا يرجع إلى التمسك بأصالة العدم إلى أن يثبت الدليل المعتبر
شرعا. ويؤكدها ما دل على حرمة العمل بما وراء العلم (5).
وجوه القول بالتسامح
وأنت خبير بأنه يخرج عن الأصل والعمومات بأدلة القول الأول، وهي
وجوه:
الوجه الأول الاجماع
الأول: الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة، بل الاتفاق
المحقق، فإن الظاهر من صاحب المدارك في باب الصلاة (6) الرجوع عما ذكره في
أول الطهارة. وهو المحكي أيضا عن ظاهر (7) العلامة أعلى الله مقامه (8).

(1) لم أعثر عليه في الوسائل بعد التتبع في مظانه، لكن صرح بذلك السيد المجاهد قدس سره في
مفاتيح الأصول: 346.
(2) كما في المفاتيح الأصول: 346، لكنه أيضا لم يعين البعض.
(3) حكاه السيد المجاهد قدس سره في مفاتيح الأصول: 346.
(4) مدارك الأحكام 1: 13.
(5) كقوله تعالى: " ولا تقف ما ليس لك به علم " الإسراء: 17، 36.
(6) مدارك الأحكام 3: 238 في مسألة كراهة الصلاة وبين يدي المصلي مصحف مفتوح.
(7) في " ق " عن العلامة.
(8) حكاه السيد المجاهد قدس سره في مفاتيح الأصول: 346.
138

الوجه الثاني: حسن الاحتياط
الثاني: ما ذكره جماعة (1) تبعا للوحيد البهبهاني رحمه الله (2) من حسن
الاحتياط الثابت بالسنة والاجماع والعقل.
والاعتراض عليه بمنع صدق الاحتياط في المقام - بناء على اختصاصه
بالتجنب عن محتمل الضرر - مدفوع أولا: بظهور صدق الاحتياط بناء على ما
فسروه بأنه: الأخذ بالأوثق (3). وثانيا: بأن الاقدام على محتمل المنفعة ومأمون
المضرة عنوان لا ريب في حسنه. ولا فرق عند العقل بينه وبين الاحتراز عن
محتمل الضرر، فلا يتوقف حسنه على صدق الاحتياط عليه.
وأضعف من هذا، الاعتراض بأنه مستلزم للتشريع المحرم وأن ترك السنة
أولى من فعل البدعة.
توضيح الضعف - مع وضوحه - أن التشريع هو: أن ينسب إلى الشرع
شيئا علم أنه ليس منه أو لم يعلم كونه منه، لا أن يفعل شيئا لاحتمال أن يكون
فعله مطلوبا في الشرع، أو يتركه لاحتمال أن يكون تركه كذلك، فإنه أمر
مطلوب يشهد به العقل والنقل، مع أن التشريع حرام بالأدلة الأربعة، وقد
يوجب الكفر.
ما يرد على الوجه الثاني
نعم، يرد على هذا الوجه أن الاقدام على الفعل المذكور إنما يحسنه العقل
إذا كان الداعي عليه احتمال المحبوبية وقصد المكلف إحراز محبوبات المولى
إخلاصا أو رجاء الثواب طمعا، ولا كلام لأحد في ذلك، فإنه مما يستقل به العقل
ضرورة، إنما الكلام في استحباب نفس الفعل المذكور على حد سائر المستحبات

(1) كصاحب الفصول قدس سره: 305 وأخيه المحقق رحمه الله في هدايه المسترشدين: 426، والسيد
المجاهد رحمه الله في مفاتيح الأصول: 347.
(2) مصابيح الظلام (شرح المفاتيح) 1: 127 في شرح قوله: ويكره السفر بعد طلوع الفجر قبل
الزوال (يعني يوم الجمعة).
(3) كما في مفاتيح الأصول: 347.
139

حتى يكون الداعي للمكلف على فعله هو هذا الاستحباب القطعي الذي ثبت
من أدلة التسامح.
فالقائل بالتسامح يقول: إذا ورد رواية ضعيفة في استحباب وضوء
الحائض - مثلا - فلها أن تتوضأ بقصد القربة المحققة المجزوم بها، لا أن لها أن
تتوضأ لاحتمال كون الوضوء مقربا في حقها ومطلوبا منها. ولا يخفى أن نية
القربة على وجه الجزم يتوقف على تحقق الأمر، والمفروض عدم تحققه.
وأما الأمر العقلي بحسن الاحتياط وحكمه باستحقاق فاعله الثواب وإن
لم يصادف فعله المحبوبية، بل التسوية في الثواب بينه وبين من صادف - بناء على
أن الفرق بينهما مخالف لقواعد العدلية - فهو إنما يرد على موضوع الاحتياط
الذي لا يتحقق إلا بعد كون الداعي على الاقدام هو احتمال المحبوبية والثواب.
لا مجرد فعل محتمل المحبوبية، فلا يمكن أن يكون نفس هذا الأمر العقلي
القطعي داعيا على الاقدام المذكور.
ومنه يظهر أنه لو فرض ورود الأمر الشرعي على هذا الفعل مطابقا
لحكم العقل ومؤكدا له، فلا يعقل أن يصير داعيا [إلى الفعل، بل الداعي هو
الاحتمال المذكور، وهو الذي يدعو إلى الفعل لو أغمض الفاعل عن ثبوت
حسنه والأمر به واستحقاق الثواب المنجز عليه عقلا وشرعا. وأيضا فإن حكم العقل
باستحقاق هذا الفاعل الثواب ثابت ولو في صورة فرض عدم التفات الفاعل
إلى ورود الأمر الشرعي.
حكم العقل بحسن الاحتياط منشأ لاستحقاق الثواب
فتبين أن الأمر الشرعي الوارد على فعل الاحتياط من حيث هو احتياط
ليس داعيا] (1) للفاعل إلى الاحتياط ولا منشأ لاستحقاق الثواب.
والسر فيه: أن الاحتياط في الحقيقة راجع إلى ضرب من الإطاعة، فهي

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من " ط ".
140

إطاعة احتمالية، فكما أن الإطاعة العلمية المتحققة بإتيان الشئ لأنه مأمور به
هي بنفسها حسنة موجبة لاستحقاق الثواب من غير التفات واحتياج إلى قول
الشارع: (أطعني في أوامري) ولو فرض أنه قال كذلك فالثواب ليس بإزاء هذا
الأمر ومن جهته، فكذلك الإطاعة الاحتمالية المتحققة بإتيان الشئ لاحتمال
كونه مأمورا به هي بنفسها موجبة لاستحقاق الثواب، ولا يحتاج إلى ورود الأمر
من الشارع، ولو ورد فليس الثواب من جهة هذا الأمر (1).
نعم، لو فرض ورود أمر شرعي لا على الموضوع الذي حسنه العقل
وحكم باستحقاق الثواب عليه وهو (الاحتياط من حيث هو احتياط) بل على
مجرد فعل ما يحتمل استحبابه مطلقا أو من جهة بلوغه إليه بخبر محتمل الصدق
بحيث يكون إدراك المطلوبات الواقعية وإحرازها داعيا للآمر إلى أمره لا
للمأمور إلى فعله، فهو المثبت لما راموه من التسامح.
وهذا المعنى مستفاد من بعض الأخبار الآتية، مع احتمال كون مساق
جميعها مساق الاحتياط.
حاصل الفرق بين التسامح والاحتياط
فحاصل الفرق بين قاعدة التسامح وقاعدة الاحتياط: أن إدراك المطلوب
الواقعي والوصول إليه في الأولى داع إلى للآمر إلى أمره وفي الثانية داع للمأمور
إلى فعله.
وأيضا فالموجب للثواب في الأولى هو الأمر القطعي الوارد بالتسامح،
بخلاف الثانية، فإن الموجب للثواب هو نفس الاحتياط دون الأمر الوارد به.
وأيضا فاحتمال الحرمة يمنع جريان القاعدة الثانية، لعدم تحقق عنوان
(الاحتياط) معه، بخلاف الأولى.
وسيأتي ثمرات أخر للقاعدتين في فروع المسألة، إن شاء الله تعالى.

(1) في " ق " بموافقة هذا الأمر.
141

الوجه الثالث: أخبار من بلغ
الثالث: الأخبار المستفيضة التي لا يبعد دعوى تواترها معنى:
فمنها: مصححة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من بلغه
عن النبي صلى الله عليه وآله شئ من الثواب فعمله، كان أجر ذلك له، وإن كان
رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله (1).
ومنها: حسنة أخرى - كالصحيحة - له، عن أبي عبد الله إليه السلام أيضا،
قال: (من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه كان له أجره وإن لم يكن كما
بلغه) (2).
ومنها: المروي عن صفوان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من بلغه شئ
من الثواب على شئ من الخير فعمل به، كان له أجر ذلك وإن كان رسول الله
صلى الله عليه وآله لم يقله) (3).
ومنها: خبر محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من بلغه عن
النبي صلى الله عليه وآله شئ من الثواب، ففعل ذلك طلب قول النبي صلى الله عليه وآله
كان له ذلك، وإن كان النبي صلى الله عليه وآله لم يقله) (4).
ومنها: خبر آخر لمحمد بن مروان، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
(من بلغه ثواب من الله على عمل ففعله التماس ذلك الثواب، أؤتيه وإن لم يكن
الحديث كما بلغه) (5).

(1) الوسائل 1: 60 الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 3.
(2) الوسائل 1: 60 الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 6 وفيه: " فصنعه كان له وإن
لم يكن على ما بلغه ".
(3) الوسائل 1: 59 الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1.
(4) الوسائل 1: 60 الباب 18 من أبواب العبادات الحديث 4 وفيه: " كان له ذلك الثواب
الخ ".
(5) الوسائل 1: 60 الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 7 وفيه: " فعمل ذلك العمل
التماس.. الخ.
142

ومنها: (1) المحكي عن ابن طاووس رحمه الله في الإقبال أنه روى عن الصادق
عليه السلام قال: (من بلغه شئ من الخير فعمل به كان ذلك له، وإن لم يكن الأمر
كما بلغه) (2).
ومن طريق العامة ما عن عبد الرحمن الحلواني أنه رفع إلى جابر بن
عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله (من بلغه من الله فضيلة
فأخذ بها وعمل بها إيمانا بالله ورجاء ثوابه أعطاه الله ذلك، وإن لم يكن
كذلك) (3).
وجوه الاعتراض على الاستدلال بالأخبار
وهذه الأخبار مع صحة بضعها غنية عن ملاحظة سندها، لتعاضدها
وتلقيها بالقبول بين الفحول.
نعم، ربما اعترض عليها من غير جهة السند بوجوه:
الاعتراض الأول
منها: أن هذه الأخبار لا تخرج عن الآحاد، فلا تكون حجة في المسألة.
والجواب عنه: تارة بمنع كونا آحادا، بل هي إما متواترة أو محفوفة
بالقرينة، لما عرفت من تحقق الاتفاق واستفاضة نقلها على مضمونها.
وأخرى بمنع عدم جواز العمل بالآحاد في الأصول العملية، وإنما هي
ممنوعة في أصول الدين.
جواب جماعة من المشايخ
وقد أجاب عنه جماعة من مشايخنا المعاصرين قدس سرهم (4) بمنع كون
المسألة أصولية، لأن الكلام ليس في حجية الخبر الضعيف في المستحبات، بل هو
غير حجة وغير مفتى به (5) مطلقا، ولا يجوز الركون إليه في حكم من الأحكام،

(1) هذه الرواية ساقطة من " ط ".
(2) إقبال الأعمال: في ما يختص بشهر رجب صفحة 277.
(3) تاريخ بغداد 8: 296. ورواه عن طريقهم في عدة الداعي آخر المقدمة صفحة 13.
(4) منهم العلامة المجاهد السيد محمد الطباطبائي قدس سره في مفاتيح الأصول: 438.
(5) في " ق " وغير معتبر فيه.
143

وإنما الكلام في مسألة فرعية، وهي استحباب كل فعل بلغ الثواب عليه، فالخبر
الضعيف ليس دليلا على الحكم وإنما هو محقق لموضوعه، نظير يد المسلم واحتمال
طهارة مجهول النجاسة، فكما أن الدليل في ملكية كل ما في يد مسلم وطهارة
مجهول النجاسة الفعل هذه الأخبار الصحيحة لا الخبر الضعيف، فتكون هذه الأخبار أدلة حجية الخبر الضعيف.
مناقشة المؤلف فيما أفادوه
أقول: وهذا الكلام لا يخلو عن مناقشة، بل منع.
أما أولا: فلأنه مخالف لعنوان المسألة في معقد الشهرة والاجماعات
المحكية بقولهم: يتسامح في أدلة السنن، فإن الظاهر منه العمل بالخبر الضعيف
في السنن، وهكذا قولهم: يستحب كذا للرواية الفلانية، فيريدون الاستحباب
الواقعي الذي هو مدلول الرواية الضعيفة، وقد تراهم يجمعون بين مستحبات
كثيرة كالوضوءات والأغسال المستحبة مع أن استحباب بعضها ثابت بالرواية
الضعيفة.
والحاصل: أن التأمل في كلماتهم في الأصول والفقه يوجب القطع بإرادة
حجية الخبر الضعيف في المستحبات.
وأما ثانيا: فإن ما ذكر من التعبير عن المسألة باستحباب كل فعل دل
على استحبابه خبر ضعيف عبارة أخرى عن حجية الخبر الضعيف في
المستحبات. ويجوز مثل هذا التعبير في حجية الخبر الصحيح، بأن يقال: الكلام
فيه في وجوب كل فعل دل الخبر الصحيح على وجوبه واستحباب كل ما دل الخبر
على استحبابه، وكذا الحرمة والكراهة والإباحة، وكذا الأحكام الوضعية بناء على
كونها أحكاما مستقلة، كما استدلوا على حجية الخبر الواحد بأن في ترك فعل
أخبر بوجوبه مظنة للضرر، ويجب دفع الضرر المظنون، وحاصل هذا يرجع إلى
أنه يجب عقلا كل فعل أخبر بوجوبه ويحرم كل ما أخبر بحرمته. بل إذا تأملت
144

في سائر أدلة وجوب العمل بالخبر لا تجدها إلا دالة على إنشاء الأحكام الظاهرية
المطابقة لمدلول الخبر لموضوعاتها، ولا محصل لجعل الخبر حجة ومتبعا إلا هذا،
فإن المراد من تصديق العادل فيما يخبره أو العمل بخبره ليس عقد القلب على
صدقه وكونه متبعا، بل تطبيق المكلف عمله - أعني حركاته وسكناته - على مدلول
الخبر، وهذا المعنى بعينه مجعول في الخبر الضعيف بالنسبة إلى الاستحباب. أترى
أن المانع عن التمسك بالآحاد في المسألة الأصولية يتمسك بالخبر الواحد على
أنه يجب كل فعل ذهب المشهور إلى وجوبه ويستحب كل ما ذهبوا إلى
استحبابه، ويحرم كل ما ذهبوا إلى تحريمه ويكره كذلك ويباح كذلك؟ أو يقول:
إنه تمسك (1) بالخبر الواحد في مسألة الشهرة؟ هذا، مع أنك تأملت لا تكاد
تجد ثمرة في فرع من فروع المسألة بين التعبيرين المذكورين، فتأمل.
وأما ثالثا: فلأنا لو سلمنا أن الكلام ليس في حجية الخبر الضعيف - بناء
على أن الحجة من الأمور الغير العلمية عبارة عما أمر الشارع باتباعه وتصديقه
والبناء على مطابقة مضمونه للواقع، وأخبار التسامح لم يستفد منها ثبوت هذا
الاعتناء للخبر الضعيف، بل استفيد منها استحباب فعل قام على استحبابه خبر
ضعيف، نظير أدلة وجوب الاحتياط على القول بوجوبه مطلقا أو في الجملة، حيث
إنها تدل على وجوب كل فعل قام فيه احتمال الحرمة (2) أو احتمال كونه هو
المكلف، وأدلة الاستصحاب حيث إنها تدل على ثبوت الحكم السابق لكل
موضوع احتمل فيه بقاء ذلك الحكم، فنظير الخبر الضعيف نظير مجرد الاحتمال
في مسألتي الاحتياط والاستصحاب [في كونه محققا لموضوع الحكم الظاهري،
لا علامة ودليلا على الحكم الواقعي - لكن نقول: إن هذا لا ينفع في إخراج

(1) في " ق " يتمسك.
(2) كذا، والصحيح: " احتمال الوجوب ".
145

المسألة عن الأصول، غاية الأمر أن يكون نظير مسألتي الاحتياط
والاستصحاب] (1).
تصريح الحلي والخوانساري بعدم ثبوت المسألة الأصولية بالخبر الواحد
وقد صرح المحقق في المعارج في جواب من استدل على وجوب الاحتياط
بقوله صلى الله عليه وآله: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) (2) بكون مسألة الاحتياط
أصولية لا تثبت بالخبر الواحد (3). وكذا صرح المحقق الخوانساري (4) بكون
مسألة الاستصحاب أصولية لا يجوز التمسك فيها بالآحاد (5)، أترى أن هذين
المحققين لم يميزا بين المسألة الأصولية والفروعية؟.
نعم، قد خلط بينهما من قاس مسألتنا بمسألة اعتبار اليد وأصالة الطهارة
في الأعيان المشكوكة.
الفرق بين المسألة الأصولية والقاعدة الفقهية
فالتحقيق في الفرق بينهما هو: أن المسألة الأصولية عبارة عن كل قاعدة
يبتنى عليها الفقه، أعني معرفة الأحكام الكلية الصادرة من الشارع، ومهدت
لذلك، فهي بعد إتقانها وفهمها عموما أو خصوصا مرجع للفقيه في الأحكام
الفرعية الكلية، سواء بحث فيها عن حجية شئ أم لا. وكل قاعدة متعلقة
بالعمل ليست كذلك فهي فرعية سواء بحث فيها عن حجية شئ أم لا. ومن
خواص المسألة الأصولية أنها لا تنفع في العمل ما لم تنضم إليه صرف قوة
الاجتهاد واستعمال ملكته، فلا تفيد المقلد، بخلاف المسائل الفروعية، فإنها إذا
أتقنها المجتهد على الوجه الذي استنبطها من الأدلة جاز إلقائها إلى المقلد
ليعمل بها.

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في " ط ".
(2) عوالي اللئالي 3: 330، الحديث 214.
(3) معارج الأصول: الفصل الخامس من الباب السابع: 157 والفصل الثالث من الباب العاشر:
216.
(4) في " ق " المحقق السبزواري. وفي هامش المطبوعة: بخطه الشريف " السبزواري ".
(5) مشارق الشموس: 76 في مسألة الاستنجاء بثلاثة أحجار.
146

وحينئذ فالبحث عن حجة الخبر الواحد ووجوب الاحتياط
والاستصحاب في الأحكام الصادرة عن الشارع مسائل أصولية، لأن المجتهد
بعدما أتقنها عموما أو خصوصا يرجع إليها في المسائل الفرعية ولا تنفع المقلد،
لأن العمل بها موقوف على ملكة الاجتهاد، فكيف يمكن للمقلد أن يعمل بالخبر.
الواحد حيثما وجده مع عدم قوة له يقتدر بها على فهم مدلول الخبر والفحص
عن معارضه وكيفية علاج المعارضة بعد العثور على المعارض؟ وكيف يمكن
للمقلد إيجاب الاحتياط على نفسه أو الأخذ بالبراءة في المسائل المشكوكة أو
الالتزام بالحالة السابقة فيها؟ مع أن جميع ذلك موقوف على صرف ملكة الاجتهاد
واستعمال القوة القدسية في الفحص عن الأدلة وفهم ما يمكن منها أن يرد على
الأصول المذكورة ويرفع اليد به عنها، وذلك واضح.
والحاصل: أنه لا فرق بين الأصول وبين العمومات اللفظية التي هي أدلة
الأحكام في أنه لا يعمل بها (1) إلا بعد الفحص.
وأما البحث عن اعتبار اليد وأصالة الطهارة في الأعيان المشكوكة وحجية
قول الشاهدين فهي مسائل فرعية، لأنها بعد إتقانها لا يرجع إليها المجتهد عند
الشك في الأحكام الكلية، إذ الثابت بهذه القواعد الأحكام الجزئية الثابتة
للجزئيات الحقيقية التي ليس وظيفة الفقيه البحث عنها، بل هو والمقلد فيها
سواء، فهي ليست متعلقة للاجتهاد ولا التقليد.
وأما ما يرى من رجوع الفقهاء في الموارد إلى القواعد - مثل قاعدة اللزوم
وقاعدة الصحة ونحوهما - فلا يعنون بها الأحكام الفرعية المرادة من هذه
العمومات، بل المراد بها نفس العمومات التي هي القابلة للرجوع إليها عند
الشك.

(1) في " ط " بهما.
147

وأما مدلول هذه العمومات والمستنبط منها بعد الاجتهاد والنظر في تلك
العمومات ومعارضها وما يصلح أن يخصصها ونحو ذلك، فهي قاعدة لا تنفع إلا
في العمل وينبغي أن تلقى إلى المقلد وتكتب في رسائل التقليد. مثلا إذا لاحظ
الفقيه قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (1) واستنبط قاعدة وجوب الوفاء بكل العقود
أو ببعضها - على حسب ما يكشف له بعد ملاحظة المعارضات والمخصصات أنه
مراد الله سبحانه وتعالى من هذا العموم - فلا ريب أن هذه القاعدة قاعدة عملية
تلقى إلى المقلد ولا يصح أن يكون مرجعا في مسألة، وإنما المرجع في المسألة
المشكوك فيها هو العموم الدال على هذه القاعدة. وهذا بخلاف الرجوع إلى
قاعدة اليقين أو الاحتياط في مقام الشك أو التمسك بالخبر الواحد، فإن شيئا
من ذلك ليس رجوعا إلى عموم قوله عليه السلام: (لا تنقض) ولا إلى عموم قوله عليه
السلام: (إحتط لدينك) (2) ولا إلى عموم أدلة حجية الخبر الواحد، إذ لم يقع شك في
تخصيص هذه العمومات حتى يرجع إلى عمومها.
فتبين أن حال قوله عليه السلام: (لا تنقض اليقين) (3) مثلا حال أدلة حجية
الخبر الواحد في أن المجتهد (4) بعد ما فهم مراد الله سبحانه منها عموما أو
خصوصا فيصير المراد منها مرجعا للأحكام الشرعية عند الشك، بخلاف
(أوفوا بالعقود) فإن المرجع في الحقيقة أصالة الحقيقة وعدم التخصيص الثابتة
في نفس الآية، لا في المعنى المراد منها.
وأن أبيت إلا عن أن المرجع في موارد الاستصحاب ليس إلا نفس قوله
عليه السلام: (لا تنقض اليقين) فهو نفس المرجع لا دليله، منعنا على هذا الوجه
كون المرجع في إثبات حكم العقد المشكوك وجوب الوفاء به هي الآية، لأن

(1) المائدة: 5، 1.
(2) الوسائل 18: 123 الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 41.
(3) الوسائل 16: 175 الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث الأول.
(4) في " ط " في أن بعد فهم المجتهد مراد الله سبحانه عموما أو خصوصا.
148

الشك في وجوب الوفاء بهذا العقد الخاص راجع (1) إلى الشك في شمول الآية،
فالدليل في الحقيقة على وجوب الوفاء بما شك في شمول الآية هو ما دل على
وجوب الحكم بالشمول في العمومات اللفظية عند الشك في خروج بعض
الأفراد، وهذا غير جار في الرجوع إلى (لا تنقض) في موارد الاستصحاب.
والحاصل: أن (لا تنقض) في مرتبة فوق مرتبة (أوفوا بالعقود) فإن
اعتبرت الآية مرجعا كان (لا تنقض) دليل المرجع، وإن كان (لا تنقض) مرجعا
كان دليل اعتبار ظاهر الآية مرجعا في مقام الشك، لا نفسها. والسر في ذلك: أن
الشك الموجب للرجوع إلى (لا تنقض) غير الشك الموجب للرجوع إلى عموم
الآية، فافهم واغتنم.
قاعدة التسامح مسألة أصولية
إذا عرفت ما ذكرنا ظهر لك أن قاعدة التسامح مسألة أصولية، لأنها
بعد إتقانها واستنباط ما هو مراد الشارع منها من غالب الأخبار المتقدمة، فهي
شئ يرجع إليه المجتهد في استحباب الأفعال وليس ما ينفع المقلد في شئ، لأن
العمل بها يحتاج إلى إعمال ملكة الاجتهاد وصرف القوة القدسية في استنباط
مدلول الخبر، والفحص عن معارضه الراجح عليه أو المساوي له ونحو ذلك مما
يحتاج إليه العمل بالخبر الصحيح، فهو نظير مسألة حجية الخبر الواحد ومسألتي
الاستصحاب والبراءة والاحتياط في أنها يرجع إليها المجتهد ولا ينفع المقلد، وإن
كانت نفس القاعدة قطعية المراد من حيث العموم أو الخصوص.
ومما ذكرنا ظهر أن إطلاق الرخصة للمقلدين في قاعدة التسامح غير
جائز، كيف ودلالة الأخبار الضعيفة غير ضرورية، فقد يظهر منها ما يجب طرحها،
لمنافاته لدليل معتبر عقلي أو نقلي، وقد يعارض الاستحباب احتمال الحرمة الذي
لا يتفطن له المقلد، وقد يخطأ في فهم كيفية العمل، إلى غير ذلك من الاختلال.

(1) في " ق " العقد الخارجي يرجع إلى.
149

نعم، يمكن أن يرخص له ذلك على وجه خاص يؤمن معه الخطأ،
كترخيص أدعية كتاب (زاد المعاد) مثلا للعامي الذي لا يقطع باستحبابها، وهو
في الحقيقة إفتاء باستحبابها، لا إفتاء بالتسامح.
الاعتراض الثاني
ومن جملة ما أورد على تلك الأخبار ما حكي عن جماعة (1) من أن (2) تلك
الأخبار الدالة على أن مقدار الثواب الذي أخبر به في العمل الثابت استحبابه
- كزيارة عاشوراء مثلا - يعطى العامل وإن لم يكن ثواب هذا العمل على ذلك
المروي، فهي ساكتة عن ثبوت الثواب على الفعل الذي أخبر بأصل الثواب
عليه.
ويجاب عن ذلك باطلاق الأخبار. نعم، قوله عليه السلام في رواية صفوان
المتقدمة: (من بلغه شئ من الثواب على شئ من الخير فعمل... الخ) (3) ظاهر
فيما ذكره المورد، بل لا يبعد استظهار ذلك من بعض آخر، مثل الرواية الثانية
لمحمد بن مروان عن أبي جعفر عليه السلام (4) كما لا يخفى.
لكنه ظهور ضعيف، مع أن في إطلاق البواقي كفاية. والمقيد هنا لا يعارض
المطلق حتى يحمل المطلق عليه، مع أن صريح بعضها الاختصاص بورود الرواية
في أصل الرجحان والخيرية، مثل قوله عليه السلام في رواية الإقبال المتقدمة: (من
بلغه شئ من الخير فعمل به) (5) وقوله عليه السلام في الرواية الأولى لهشام: (من

(1) منهم المحقق الخوانساري قدس سره في مشارق الشموس في مسألة استحباب الوضوء لحمل
المصحف: 34.
(2) في " ط ": من أن مفاد تلك الروايات أنه إذا ورد في أن في العمل الفلاني ثواب كذا، فهي دالة
على أن مقدار الثواب الذي... الخ.
(3) تقدم في الصفحة 142.
(4) تقدم في الصفحة 142.
(5) تقدم في الصفحة 143.
150

بلغه شئ من الثواب فعمله) فإن الظاهر من (شئ من الثواب) بقرينة فعله
هو نفس الفعل المستحب، وكذا الرواية الأولى لمحمد بن مروان (1) والنبوي
العامي (2).
الاعتراض الثالث
ومنها: ما قيل: من أن الروايات مختصة بما ورد فيه الثواب، فلا يشمل
ما دل على أصل الرجحان ولو استلزمه الثواب.
وأجيب عنه بأن الرجحان يستلزم الثواب، فقد ورد الثواب، ولو بدلالة ما
ورد عليه التزاما.
وفيه: أن المخبر بأن الله تعالى قال: (افعلوا كذا) ليس مخبرا بأن الله يثيب
عليه، إذ الأمر لا يدل على ترتب الثواب على فعل المأمور به بإحدى الدلالات.
نعم، العقل يحكم باستحقاق الثواب عليه، إلا أن يقال: إن الأخبار بالطلب
يستلزم عرفا الأخبار بالثواب.
والأحسن في الجواب أن يقال: كثيرا من الأخبار المتقدمة خال عن
اعتبار بلوغ الثواب على العمل، مثل رواية ابن طاووس والنبوي، وقد عرفت أن
المراد بالثواب في أوليي روايات هشام وابن مروان كالمراد بالفضيلة في النبوي هو
نفس العمل بعلاقة السببية، كما في قوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من
ربكم) (3).
الاعتراض الرابع
ومنها: أن هذه الأخبار معارضة بما دل على لزوم طرح خبر الفاسق وجعل
احتمال صدقه كالعدم.
وأجيب عنه بأنه لا تعارض، نظرا إلى أن هذه الأخبار لا تدل على جواز
الركون إلى خبر الفاسق وتصديقه، وإنما تدل على استحباب ما روى الفاسق
استحبابه.

(1) تقدم في الصفحة 142.
(2) تقدم في الصفحة 143.
(3) آل عمران: 3، 133.
151

وفيه: أن هذا وإن لم يكن تصديقا له، إلا أن معنى طرح خبر الفاسق
جعل احتمال صدقه كالعدم، وظاهر هذه الأخبار الاعتناء باحتمال صدقه وعدم
جعله كالعدم، ولهذا لو وقع نظير هذا في خبر الفاسق الدال على الوجوب لكانت
أدلة طرح خبر الفاسق معارضة له قطعا. بل قد عرفت مما ذكرنا أن هذا في
الحقيقة عمل بخبر الفاسق.
وربما يجاب أيضا بأن النسبة بينهما عموم من وجه، والترجيح مع هذه الأخبار.
والتحقيق في الجواب: أن دليل طرح خبر الفاسق إن كان هو الاجماع
فهو في المقام غير ثابت، وإن كان آية النبأ فهي مختصة - بشهادة تعليها -
بالوجوب والتحريم، فلا بد في التعدي عنهما من دليل مفقود في المقام.
الاعتراض الخامس
ومنها: أن الأخبار بترتب الثواب على العمل المذكور لا يستلزم
الاستحباب.
وأجيب: بأن الثواب لا يكون إلا فيما يرجح فعله على تركه، وليس
المستحب إلا ما كان كذلك [وجاز تركه] (1).
الايراد على الجواب
وفيه: أن الثواب قد يكون على إتيان الشئ لاحتمال كونه مطلوبا
راجحا، وهذا لا يحتاج في ترتب الثواب إلى رجحان آخر غير الرجحان المحتمل.
وقد ذكرنا سابقا أن هناك شيئين: أحدهما: فعل محتمل المطلوبية لداعي احتمال
كونه مطلوبا، وهو معنى الاحتياط، وهذا لا يحتاج في ترتب الثواب عليه إلى
صدور طلبه في الشارع، بل يكفي احتمال كون الفعل مطلوبا مع كون داعي
الفعل هو هذا الاحتمال. والثاني: مجرد إتيان محتمل المطلوبية من دون ملاحظة
كون الداعي هو الاحتمال، وهذا لا يترتب الثواب عليه إلا إذا ورد الأمر به

(1) ما بين المعقوفتين غير موجود في " ق ".
152

شرعا، لأن ترتب الثواب لا يكون في فعل إلا إذا كان الداعي عليه طلبا محققا
أو محتملا، واحتمال الأمر موجود لكنه لم يصر داعيا بالفرض، فإذا كان الأمر
المحقق غير موجود، فلا ثواب.
حاصل الايراد
فحاصل الايراد: أنه كما يمكن أن تكون الأخبار محمولة على الوجه
الثاني - بأن يكون الشارع قد طلب بهذه الأخبار مجرد فعل محتمل المطلوبية،
فيكون إخباره بالثواب عليه كاشفا عن أمره به ليكون هذا الثواب المخبر به
بإزاء موافقة الاستحباب الذي كشف عنه بيان الثواب - كذلك يحتمل أن
يكون إخباره هذا بالثواب على الوجه الأول، ويكون بيانا لما يحكم به العقل من
استحقاق العامل لداعي احتمال المطلوبية الثواب المرجو ولو على فرض مخالفته
للواقع، فيكون الأخبار مختصة بما إذا فعل الفعل لداعي احتمال المطلوبية.
بل وربما يدعى أن هذا هو الظاهر من هذه الأخبار مع تفاوتها في مراتب
الظهور، فإن قوله عليه السلام في غير واحد منها: (ففعله رجاء ذلك الثواب)
كالصريح في ذلك، وما خلا عن هذا القيد فإنما يستفاد منه كون الداعي إلى
الفعل احتمال المحبوبية، من جهة تفريع إتيان الفعل على البلوغ بالفاء الذي
هو ظاهر في الترتيب، فإن العمل لا يترتب على البلوغ ولا تأثير للبلوغ فيه على
وجه سوى كون ما يورثه البلوغ من القطع أو الظن أو الاحتمال داعيا إلى
العمل.
اللهم إلا أن يمنع من دلالة الفاء على ما ذكر من السببية والتأثير، بل
هي عاطفة على نحو قوله: (من سمع الأذان فبادر إلى المسجد كان له كذا)
فالأخبار الخالية عن تعليل الفعل برجاء الثواب غير ظاهرة في مضمون الأخبار
المشتملة على التعليل، بل هي ظاهرة في ترتب الثواب على نفس الفعل، واللازم
من ذلك كونها مسوقة لبيان استحبابه، لما عرفت من أن إتيان محتمل المطلوبية
بما هو لا يوجب الثواب، فالأخبار بثبوت الثواب عليه بيان لاستحبابه، ومؤيد
153

ما ذكرنا فهم الأصحاب القائلين بالتسامح.
الاعتراض السادس
ومنها: أن هذه الأخبار لو نهضت للدلالة على استحباب الشئ بمجرد
ورود الرواية الضعيفة لنهضت للدلالة على وجوب الشئ بذلك، لأن الرواية إذا
دلت على الوجوب فيؤخذ بها ويحكم بكون الفعل طاعة، والمفروض أن المستفاد
من الرواية كون طلبه على وجه يمنع من نقيضه فيثبت الوجوب.
وقد يجاب بأنا لم نعمل بالرواية الضعيفة حتى يلزمنا الأخذ بمضمونها،
وهو الطلب البالغ حد الالزام والمنع من النقيض، وإنما عملنا بالأخبار الدالة
على استحباب ما ورد الرواية بأن فيه الثواب، وهذا منه، فيستحب وإن كان
واجبا على تقدير صدق الرواية في الواقع، ولا تنافي بين وجوب الشئ واقعا
واستحبابه ظاهرا.
والأولى في الجواب هو: أنا لو قلنا أيضا بحجية الخبر الضعيف بهذه
الأخبار فإنما نقول بحجيته في أصل رجحان الفعل دون خصوصياته من الندب
أو الوجوب، فإن الواجب فيها التوقف والرجوع إلى الأصول العملية، كأصالة
البراءة، وكم من حجة شرعية يبعض في مضمونها من حيث الأخذ والطرح.
وهناك أيضا بعض الاحتمالات التي ذكروها في معنى هذه الأخبار، لم نتعرض لها
لبعدها وعدم فائدة مهمة في ردها.
154

وينبغي التنبيه على أمور
الأول
احتمال التحريم في مورد التسامح
إنه إذا احتمل الفعل المذكور التحريم احتمالا مستندا إلى رواية أو فتوى
فقيه، فإن قلنا بالتسامح من باب الاحتياط فهو غير متحقق، لأن احتمال الحرمة
أولى بالمراعاة، ولا أقل من مساواته مع احتمال الرجحان في الفعل.
اللهم إلا أن يقال: الذي لا يتأتى مع احتمال الحرمة هو الاحتياط بمعنى
الأخذ بالأوثق، وأما قاعدة جلب المنفعة المحتملة فتوقفها على عدم احتمال
الحرمة محل نظر، إذ الغرض قد يتعلق بخصوص المنفعة المحتملة في الفعل.
إلا أن يقال: إن الكلام في الحسن العقلي وحكم العقل باستحقاق من
أتى بمحتمل المطلوبية رجاء محبوبيته الثواب، والعقل هنا غير حاكم.
نعم، لو فرض كون المحبوبية المحتملة على تقدير ثبوتها واقعا أقوى من
محبوبية الترك المحتملة، فالظاهر ترجيح الفعل، ومن هنا ربما يحكم برجحان
فعل ما احتمل وجوبه وكراهته وترك ما احتمل حرمته واستحبابه، هذا من حيث
قوة المحبوبية.
وأما من حيث إن دفع الضرر أولى من جلب النفع، فلا إشكال في ترجيح
155

احتمال (1) الفعل أو الترك.
وأما بناء على أخبار التسامح، فالظاهر إطلاقها وعدم تقييدها بعدم
احتمال الحرمة، نعم، ما اشتمل منها على التعليل برجاء الثواب ظاهر في صورة
عدم احتمال الحرمة؟ لكنك قد عرفت أن المعتمد في الاستدلال هو إطلاق غيرها،
والمطلق هنا لا يحمل على المقيد، كما لا يخفى. اللهم إلا أن يدعى انصراف تلك
الاطلاقات أيضا إلى غير صورة احتمال التحريم، وعلى الاطلاق ففي صورة
احتمال الحرمة فيما وردت الرواية الضعيفة باستحبابه يتعارض استحباب الفعل
لأجل الأخبار واستحباب الترك لأجل قاعدة الاحتياط.
والظاهر عدم التعارض، بل نحكم بكون كل من الفعل والترك مستحبا،
ولا ضير في ذلك، كما إذا دل على استحباب شئ دليل معتبر ودل على تحريمه
أمارة غير معتبرة - كالشهرة مثلا - فإن فعله من حيث هو مستحب، وتركه
لداعي احتمال مبغوضيته للمولى أيضا محبوب، فلم يتوجه الاستحبابان إلى
الفعل المطلق والترك المطلق (2) ثم لو فرض حكم العقل بأن دفع مضرة التحريم
المحتملة أولى من جلب منفعة الاستحباب المقطوع به، حكم الشارع بطلب
محتمل التحريم واستحبابه، فلا بد من تقييد الأخبار بما عدا صورة احتمال
التحريم.

(1) في " ق " احتمال لزوم الفعل أو الترك.
(2) في " ق " والترك المطلق بشئ لو فرض حكم العقل بأن دفع ضرر التحريم المحتمل أولى من
جلب الاستحباب المقطوع به، فحينئذ حكم الشارع بطلب... الخ وفي كلا العبارتين
اضطراب، كما لا يخفى.
156

الثاني
يعتبر في مورد التسامح أن لا يكون موهوما
هل يعتبر في الرواية الضعيفة أن تفيد الظن؟ أو يكفي فيها أن لا تكون
موهونة؟ أو لا يعتبر ذلك أيضا؟ وجوه، منشأها إطلاقات النصوص والفتاوى،
وإمكان دعوى انصراف النصوص التي هي مستند الفتاوى إلى صورة عدم كون
مضمون الرواية موهوما، أو إلى صورة كونه مظنونا، والاحتمال الأوسط أوسط.
الثالث
التسامح في ما بلغ عن طريق العامة
هل يعتبر فيها أن تكون مدونة في كتب الخاصة أم لا؟ الأقوى هو الثاني،
لاطلاق الأخبار.
وقد حكي عن بعض منكري التسامح (1) إلزام القائلين به بأنه يلزمهم أن
يعملوا بذلك، مع ما ورد من النهي عن الرجوع إليهم وإلى كتبهم (2).
وفيه: أنه ليس رجوعا إليهم، ومجرد الرجوع إلى كتبهم لأخذ روايات
الآداب والأخلاق والسنن مما لم يثبت تحريمه.
الرابع
الخبر الضعيف في القصص والمواعظ
حكي عن الشهيد الثاني قدس سره في الدراية أنه قال: جوز الأكثر العمل
بالخبر الضعيف في نحو القصص والمواعظ وفضائل الأعمال، لا في صفات الله

(1) حكاه صاحب الحدائق قدس سره عن بعض مشايخه، الحدائق الناضرة 4: 203 في الأغسال
المسنونة.
(2) مثل ما رواه في الوسائل 18: 109 الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 42، وما
رواه في العيون 1: 304 الباب 28 الحديث 63.
157

وأحكام الحلال والحرام، وهو حسن حيث لم يبلغ الضعيف حد الوضع والاختلاق،
(انتهى) (1).
أقول: المراد بالخبر الضعيف في القصص والمواعظ هو نقلها واستماعها
وضبطها في القلب وترتيب الآثار عليها، عدا ما يتعلق بالواجب والحرام.
والحاصل: أن العمل بكل شئ على حسب ذلك الشئ، وهذا أمر
وجداني لا ينكر، ويدخل حكاية فضائل أهل البيت عليهم السلام ومصائبهم، ويدخل
في العمل الأخبار بوقوعها من دون نسبة إلى الحكاية على حد الأخبار (2) بالأمور
الواردة بالطرق المعتبرة، بأن يقال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يصلي كذا ويبكي
كذا، ونزل على مولانا سيد الشهداء عليه السلام كذا وكذا، ولا يجوز ذلك في الأخبار
الكاذبة، وإن كان يجوز حكايتها، فإن حكاية الخبر الكاذب ليس كذبا، مع أنه
لا يبعد عدم الجواز إلا مع بيان كونها كاذبة.
تأييد جواز نقل
الضعيف بما
دل على
رجحان الإعانة على البر
ورجحان الابكاء
ثم إن الدليل على جواز ما ذكرنا من طريق العقل: حسن العمل بهذه
مع أمن المضرة فيها على تقدير الكذب. وأما من طريق النقل: فرواية ابن
طاووس رضي الله عنه والنبوي (3) مضافا إلى إجماع الذكرى (4) المعتضد بحكاية ذلك
عن الأكثر.
وربما يؤيد جواز نقل هذه الأخبار بما دل على رجحان الإعانة على البر
والتقوى (5) وما دل على رجحان الابكاء على سيد الشهداء عليه السلام ما دامت

(1) الدراية: 29.
(2) في " ط ": على حد الاجتهاد بالأمور الواردة بالطرق المعتمدة، كأن يقال: كان أمير المؤمنين
عليه السلام يقول كذا ويفعل كذا ويبكي كذا...
(3) تقدمتا في الصفحة 143.
(4) تقدم في الصفحة 137.
(5) المائدة. 5، 2.
158

الغبراء والسماء وأن (من أبكى وجبت له الجنة) (1).
وفيه: أن الإعانة والابكاء قد قيد رجحانهما - بالاجماع - بالسبب المباح،
فلا بد من ثبوت إباحة السبب من الخارج حتى يثبت له الاستحباب بواسطة دخوله
في أحد العنوانين، فلا يمكن إثبات إباحة شئ وعدم تحريمه بأنه يصير مما يعان
به على البر، ولو كان كذلك لكان لأدلة الإعانة والابكاء قوة المعارضة لما دل على
تحريم بعض الأشياء، كالغناء بالملاهي لإجابة المؤمن ونحو
ذلك.
الخامس
هل يلحق فتوى الفقيه بالرواية؟
أنه هل يلحق بالرواية - في صيرورته منشأ للتسامح - فتوى الفقيه
يرجحان عمل أم لا؟ لا إشكال في الالحاق بناء على الاستناد إلى قاعدة
الاحتياط.
وأما على الاستناد إلى الأخبار: فالتحقيق أن يقال: إن كان يحتمل
استناده في ذلك إلى صدور ذلك من الشارع أخذ به، لصدق (البلوغ) بإخباره.
وأما إن علم خطاؤه في المستند بأن اطلعنا أنه استند في ذلك إلى رواية لا دلالة
فيها فلا يؤخذ به وإن احتمل مطابقته للواقع، لأن مجرد احتمال الثواب غير كاف
بمقتضى الأخبار، بل لا بد من صدق (البلوغ) من الله تعالى أو النبي
صلى الله عليه وآله وأقل ذلك احتمال صدقه في حكايته، والمفروض أنا نعلم بأن هذا
الرجل مخطئ في حكايته، فهو نظير ما إذا قال الرجل: سمعت عن النبي
صلى الله عليه وآله أن في كذا ثواب كذا، مع أنا لم نشك في أنه سمع من رجل اشتبه
عليه برسول الله (2) صلى الله عليه وآله وأما الاكتفاء بمجرد احتمال أن يكون

(1) راجع بحار الأنوار 44: 278 - 296.
(2) في " ط " سمع رجلا اشتبه برسول الله.
159

رسول الله صلى الله عليه وآله قال كذا، فهو اكتفاء بمجرد الاحتمال ولا يحتاج إلى
قيد (البلوغ). وكذا لو علمنا أنه استند في ذلك إلى قاعدة عقلية، فإن
(البلوغ) منصرف إلى غير ذلك.
استحقاق الثواب على مقدمة الواجب
ومن ذلك يظهر أن ما حكي من حكم الغزالي باستحقاق الثواب على
فعل مقدمة الواجب (1) لا يصير منشأ للتسامح، لأن الظاهر عدم استناده في ذلك
إلا إلى قاعدة عقلية، مثل تحسين العقل للاقدام على تهيئة مقدمات الواجب
ونحو ذلك.
ومنه يظهر ما فيما ذكره المحقق القمي قدس سره في القوانين: من إمكان كون
ذلك منشأ للتسامح (2). وأضعف من ذلك ما ذكره في حاشية منه على هذا الكلام:
من أن القول بالاستحباب في مثل المقام يستلزم تسديس الأحكام (3).
السادس
إلحاق الكراهة بالاستحباب في التسامح
أن المشهور إلحاق الكراهة بالاستحباب في التسامح في دليله، ولا إشكال
فيه بناء على الاستناد إلى قاعدة الاحتياط. وأما بناء على الاستناد إلى الأخبار:
فلا بد من تنقيح المناط بين الاستحباب والكراهة، وإلا فموارد الأخبار ظاهر
الاختصاص بالفعل المستحب، فلا يشمل ترك المكروه، إلا أن يدعي عموم لفظ
(الفضيلة) في النبوي، بل عموم لفظ (الشئ) في غيره للفعل والترك، فتأمل،
مضافا إلى ظاهر إجماع الذكرى.

(1) قال المحقق القمي قدس سره في القوانين 1: 104: " وأما المدح والثواب على فعلها فالتزمه بعض
المحققين ونقله عن الغزالي ".
(2) قوانين الأصول 1: 104 - 105.
(3) قوانين الأصول 1: 104 - 105.
160

السابع
هل يجوز الافتاء باستحباب مورد التسامح؟
قيل: إن المستفاد من الأخبار هو إعطاء الثواب لمن بلغه الرواية، فليزم
الاقتصار على مدلولها، فإفتاء المجتهد باستحبابه مطلقا مشكل. نعم، للمجتهد
أن يروي الحديث ثم يفتي بأن من عمل بمقتضاه كان الأجر له، انتهى
محصوله (1).
وفيه أولا: ما عرفت من أن الأخبار المتقدمة إنما دلت على جواز
العمل بالأخبار الضعيفة في السنن، فالأخبار الضعيفة في مقام الاستحباب
بمنزلة الصحاح، وحينئذ فلا بأس بنقل المجتهد لمضمونها وهو الاستحباب
المطلق، فيكون بلوغ الرواية إلى المجتهد عثورا على مدرك الحكم، لا قيدا
لموضوعه.
وثانيا: أنه لو سلمنا عدم دلالة تلك الأخبار إلا على استحباب الفعل في
حق من بلغه لا على حجية ما بلغ لمن بلغ، لكن نقول: قد عرفت أن أمثال هذه
المسائل مسائل أصولية ومرجع المجتهد في الأحكام الشرعية دون المقلد، فالقيود
المأخوذة في موضوعها إنما يعتبر اتصاف المجتهد بها دون المقلد، ألا ترى أن
المعتبر في استصحاب الحكم الشرعي كون المجتهد شاكا في بقاء الحكم وارتفاعه
والمعتبر في الاحتياط كون المجتهد شاكا في المكلف به؟ وكذا الكلام في البراءة
والتخيير، والسر في ذلك أو هذه القيود يتوقف تحققها إثباتا ونفيا في مراجعة
الأدلة وبذل الجهد واستفراغ الوسع فيها، وكل ذلك وظيفة المجتهد، فكأنه يفعل
ذلك من طرف المقلد، ويسقط الاجتهاد عنه بفعله.

(1) مناهج الأصول: الفائدة الأولى.
161

وهذا بخلاف القواعد الفرعية الظاهرية، فإن القيود المأخوذة في
موضوعاتها نظير القيود المأخوذة في الأحكام الواقعية - كالسفر والحضر والصحة
والمرض - يشترك فيها المجتهد والمقلد، من دخل في الموضوع ثبت له الحكم،
ومن خرج فلا، كالاستصحاب والاحتياط والبراءة والتخيير في الشبهة
الموضوعية في الأمور الخارجية، وقد عرفت سابقا وستعرف أن إثبات بلوغ
الثواب على وجه لا يعارضه بلوغ العقاب أو ثبوته ليس من وظيفة المقلد.
وأما ثالثا: فلانا لو سلمنا كون بلوغ الثواب قيدا لموضوع الحكم
الفرعي - بأن يناط الاستحباب به وجودا وعدما بالنسبة إلى المجتهد والمقلد -
لكن نقول: إن إفتاء المجتهد بالاستحباب وإن كان إفتاء بما لم يدل عليه دليل
الاستحباب - لأن الفرض اختصاصه بمن بلغه الثواب - إلا أن هذا مما لا
يترتب عليه مفسدة عملية ولا يوجب وقوع المقلد في خلاف الواقع، إذ المقلد
حين العمل يعتمد على فتوى المجتهد، فهذه الفتوى محققة لموضوع حكم العقل
[بقاعدة التسامح إذا أخذها من المجتهد، أو حكم عقله بها] (1) والنقل فيه
باستحقاق الثواب، حيث إن المقلد إنما يأتي بالفعل رجاء للثواب، وفي هذا
الجواب نظر لا يخفى.
الثامن
هل يجوز للمقلد أن يعمل بالتسامح.
هل يجوز للمقلد أن يعمل بقاعدة التسامح إذا أخذها تقليدا من المجتهد
أو حكم عقله بها - بناء على الاستناد فيه إلى الاحتياط - أم لا؟ الظاهر من
بعض هو الأول (2).

(1) ما بين المعقوفتين غير موجود في " ط ".
(2) راجع مفاتيح الأصول: 351 التنبيه الحادي عشر، وعوائد الأيام: 269 الأمر الرابع.
162

والتحقيق: أن قاعدة التسامح - كما عرفت سابقا - مسألة أصولية يرجع
إليها المجتهد في إثبات الاستحباب. ودعوى جواز رجوع المقلد إليها إذا أمكنه
تشخيص الموضوع - بأن يفهم دلالة الرواية الضعيفة وسلامتها عن المعارضة
ببلوغ الحرمة، أو ثبوتها بدليل معتبر، ويفهم على تقدير المعارضة ترجيح مدلول
أحدهما على الآخر من حيث قوة الدلالة أو وجود الجابر، إلى غير ذلك - معارضة
بجواز ذلك في سائر القواعد الأصولية، مثل العمل بالأصول في الأحكام الشرعية، بل العمل بالأدلة الشرعية مثل الكتاب، بأن يفهم دلالتهما وسلامتهما
عن المعارض، كما لا يخفى.
فالأقوى عدم جواز رجوع المقلد إليها إلا في طائفة من الموارد التي يعلم
المجتهد بعدم ثبوت الحرمة فيها وثبوت الأخبار الضعيفة الواضحة الدلالة بحيث
يأمن المجتهد وقوع المقلد في خلاف الواقع، لكن العمل بقاعدة حينئذ أيضا
جائز بعد تقليد المجتهد في تحقيق شروطها وانتفاء موانعها.
التاسع
حمل الخبر الضعيف الظاهر في الوجوب على الاستحباب
إذا وردت رواية ضعيفة بالوجوب أو الحرمة، فقد عرفت في أصل المسألة
جواز الحكم بالاستحباب والكراهة، للأخبار - وإن قلنا بدلالتها على العمل
بالرواية الضعيفة في السنن - لأن التبعيض في مدلولات الحجج الظاهرية أخذا
وطرحا ليس ببديع، فيحكم في الفعل المذكور بأن فيه - أو في تركه - الثواب
للأخبار، ولا يحكم بثبوت العقاب على خلافه، لأصالة البراءة وعدم حجية
الضعاف في الوجوب والحرمة.
وكأن هذا مقصود الفقهاء - وإن أبت عنه عباراتهم - حيث يقولون بعد
ذكر الرواية الضعيفة الدالة على الوجوب: (إن الرواية ضعيفة فتحمل على
163

الاستحباب) [وحيث إن هذا الكلام تصريح في الحمل على الاستحباب على
ضعف الرواية، طعن عليهم بأن ضعف الرواية كيف يصير قرينة للحمل على
الاستحباب]؟ (1) وأنت خبير بأن هذا شئ غير معقول لا يصدر عن عاقل
فضلا عن الفحول، فمرادهم - كما عن صريح شارح الدروس رحمه الله - هو أن
الحكم بالنسبة إليها (2) الاستحباب (3)، وأما معنى حمل الرواية على الاستحباب
فهو أن يؤخذ بمضمونها من حيث الثواب دون العقاب، فكأنه قد ألغيت دلالتها
على اللزوم وعدم جواز الترك، تنزيلا لغير المعتبر منزلة المعدوم.
العاشر
إذا ورد دليل معتبر على عدم استحباب التسامح
إذا وردت رواية ضعيفة بالاستحباب وورد دليل معتبر على عدم
استحبابه، ففي جواز الحكم بالاستحباب من جهة الرواية الضعيفة وجهان، بل
قولان، صرح بعض مشايخنا (4) بالثاني لأن الدليل المعتبر بمنزلة الدليل القطعي،
فلا بد من التزام عدم استحبابه وترتيب الآثار عدم الاستحباب عليه، كما لو قطع
بعدم الاستحباب.
وفيه: أن الالتزام بعدم استحبابه ليس إلا من جهة ما دل على حجية ذلك
الدليل المعتبر، وهو معارض بالأخبار المتقدمة، وإن سلمنا أنها لا تثبت حجية
الخبر الضعيف، بل مجرد استحباب فعل ما بلغ عليه الثواب، إذ لا مدخل لهذا
التعبير في المعارضة، فإن معنى حجية الخبر الصحيح تنزيله منزلة الواقع، ولا معنى
لذلك إلا جعل مضمونه - أعني عدم الاستحباب - حكما للمكلف في مرحلة

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من " ط ".
(2) كذا في النسختين، وفي المصدر: " إلينا ".
(3) مشارق الشموس: 34 في مسألة استحباب الوضوء لحمل المصحف.
(4) هو السيد المجاهد قدس سره في مفاتيح الأصول: 350 التنبيه السابع.
164

الظاهر، ومضمون تلك الأخبار جعل الاستحباب حكما له في الظاهر. وأما تنزيل
هذا الدليل المعتبر منزلة القطع في عدم جواز العمل بتلك الأخبار في مقابله فهو
ضعيف جدا، لأن الأخبار المتقدمة من جهة اختصاصها - كالفتاوى - بغير
صورة القطع لا تجري في صورة القطع، فكأن الشارع قال: (إن من بلغه الثواب
على عمل أو لم يقطع بكذبه فيستحب له ذلك العمل) والدليل المعتبر إنما هو
بمنزلة القطع بالنسبة إلى الأحكام المترتبة على صفة القطع، كيف، ولو كان كذلك
لا يحسن الاحتياط مع وجود الدليل المعتبر، لأنه بمنزلة القطع الذي لا احتياط
معه. وكذا ولو نذر أحد أن يصوم ما دام قاطعا بحياة زيد، فزال قطعه بها مع دلالة
الدليل المعتبر - كالاستصحاب أو البينة - عليها، فإنه لا ينبغي التأمل في عدم
وجوب الصوم.
والسر في ذلك كله: أن الشارع نزل المظنون بالأدلة المعتبرة منزلة الواقع
المقطوع به، فيترتب عليه آثار الواقع، ونزل المحتمل بالمقابل للمظنون بمنزلة
غير الواقع المقطوع بعدمه، لا أنه نزل صفة الظن منزلة صفة القطع ونزل نفس
الاحتمال المرجوح منزلة القطع بالعدم، فالتنزيلات الشرعية في الأدلة الغير
العلمية بالنسبة إلى المدرك، لا الادراك، فالتسامح والاحتياط وعدم وجوب
الصوم في الأمثلة المذكورة تابعة لنفس الاحتمال، وعدم القطع لا يرتفع بما دل
على اعتبار الأدلة الظنية، ولذا لا ينكر الاحتياط مع قيام الأدلة المعتبرة.
والعجب ممن أنكر التسامح في المقام مع أنه تمسك لاثباته بقاعدة الاحتياط!
فالتحقيق: أنه لا إشكال في التسامح في المقام من باب الاحتياط، بل هو
إجماعي ظاهرا. وأما من باب الأخبار: فمقتضى إطلاقها ذلك أيضا، إلا أن يدعى
انصرافها إلى غير ذلك، ولا شاهد عليه، فيقع التعارض بين هذه الأخبار وأدلة
حجية ذلك الدليل المعتبر، لا نفسه، لاختلاف الموضوع، ومقتضى القاعدة وإن
كان هو التساقط، إلا أن الأمر لما دار بين الاستحباب وغيره وصدق بلوغ
165

الثواب - ولو من جهة أخبار بلوغ الثواب - حكم بالاستحباب تسامحا.
فإن قلت: أخبار بلوغ الثواب لا تعم نفسها.
قلنا: هو غير معقول، إلا أن المناط منقح، فلا يقدح عدم العموم اللفظي
لعدم تعلقه، فافهم. فالقول بالتسامح قوي جدا.
الحادي عشر
تعارض الخبرين الضعيفين
لو ورد رواية ضعيفة بالاستحباب وأخرى بعدمه، فلا إشكال في
التسامح، لأن الخبر الضعيف ليس حجة في عدم الاستحباب، فوجوده كعدمه.
ومنه يعلم أنه لو كان الدال على عدم الاستحباب أخص مطلقا من الدال
على الاستحباب، فلا يحمل هنا المطلق على المقيد ولا العام على الخاص، لأن
دلالة الخبر الضعيف على عدم الاستحباب مطلقا أو في بعض الأفراد كالعدم.
الثاني عشر
لو ورد رواية ضعيفة بالوجوب أو بالاستحباب وأخرى بالحرمة أو
الكراهة، فلا إشكال في عدم جريان التسامح من باب الاحتياط، كما لا يخفى،
إلا إذا بنينا على ترجيح احتمال الحظر كراهة أو تحريما على احتمال المحبوبية
وجوبا أو استحبابا، وتقديم احتمال اللزوم فعلا أو تركا على غيره.
وأما من جهة الأخبار: وظاهر الروايات استحباب كل من الفعل والترك.
وهو غير ممكن، لأن طلب الفعل والترك قبيح، لعدم القدرة على الامتثال. وصرف
الأخبار إلى استحباب أحدهما على وجه التخيير موجب لاستعمال الكلام في
الاستحباب العيني والتخييري، مع أن التخيير بين الفعل والترك في الاستحباب
لا محصل له. فتعين خروج هذا الفرض عن عموم الأخبار، مضافا إلى انصرافها
166

بشهادة العرف إلى غير هذه الصورة.
الثالث عشر
ورود رواية ضعيفة في خصوصيات ما علم استحبابه
لو علم استحباب شئ وتردد بين شيئين، فلا إشكال في استحباب
المتيقن إذا كان بينهما قدر متيقن، ولا فيما إذا كانا متباينين ولم يكن
قدر متيقن، وإنما الكلام في استحباب غير المتيقن إذا ورد رواية ضعيفة أو فتوى
فقيه، وفي استحباب أحد المتباينين.
مثال الأول: ما إذا ورد رواية أو فتوى باستحباب الزيارة الجامعة ولو مع
عدم الغسل وباستحباب النافلة ولو إلى غير القبلة، وزيارة عاشوراء مع فقد
بعض الخصوصيات.
ومثال الثاني: ما إذا تردد المسح المستحب بثلاث أصابع بين أن يكون
طولا وأن يكون عرضا وكان على كل منهما رواية أو فتوى، فهل في الاقتصار على
أحدهما ثواب من باب التسامح؟ والكلام قد يقع من باب الاحتياط، وقد يقع
من باب الأخبار.
أما من باب الاحتياط: فالظاهر أن الاتيان بالفرد المشكوك في الأول
وبأحد المتبائنين في الثاني لاحتمال مصادفته لرضا المولى لا يخلو عن رجحان، وإن
كان دون رجحان الاتيان بالمتيقن في الأول والجمع بين المحتملين في الثاني،
لاستقلال العقل بالفرق بين من لم يتعرض للامتثال رأسا وبين من تعرض له
بإتيان المحتمل، كما أن الاقدام على محتمل المبغوضية لا يخلو عن مرجوحية، وإن
لم يجمع بين محتملاته.
نعم، لا يسمى هذا احتياطا، لأن الاحتياط لغة وعرفا هو إحراز المقصود
الواقعي سواء كان دفع ضرر أو جلب نفع، ويعبر عنه: الأخذ بالأوثق، وهو لا
يتحقق إلا إذا انحصر المحتمل في المأتي به بأن لا يكون في الواقع محتمل سواه
167

كما في محتمل المطلوبية أو المبغوضية مع عدم العلم الاجمالي ويسمى بالشك في
التكليف، أو إذا جمع بين المحتملات كما في الشك في المكلف به مع العلم
بالتكليف. وهذان القسمان مشتركان في استحقاق الفاعل ثواب الامتثال
القطعي، أما الثاني فلأنه حصل القطع بالامتثال، وأما الأول فلأنه أيضا حصل
القطع به على فرض ثبوته واقعا.
وأما [دعوى كون] (1) الاقتصار في القسم الثاني على أحد [المحتملات
فهو دون القسمين في الرجحان. ومنع رجحانه لكون اقتصاره على هذه] (2)
المحتملات كاشفا عن عدم كون الداعي له هو تحصيل رضا المولى - إذ لو كان
هو الداعي ادعاه (3) إلى تحصيل اليقين بالجمع بين المحتملات - مكابرة للوجدان
الحاكم بحسن التعرض للامتثال، عكس التعرض للمخالفة.
وأما الكلام في استحباب هذا المحتمل من جهة الأخبار، فالتحقيق فيه:
التفصيل بين ما كان من القسم الأول - وهو الفرد المشكوك - وبين ما كان من القسم
الثاني - أعني المتبائنين - فيشمل الأخبار الأول دون الثاني، لأنه إذا وردت رواية
بأن مطلق الزيارة الجامعة فيها كذا، فيصدق بلوغ الثواب على هذا المطلق،
ومجرد ورود رواية أخرى على التقييد لا يمنع استحباب المطلق، لما عرفت في
الأمر الحادي عشر من أن المطلق في الأخبار الضعيفة لا يحمل على المقيد فيها،
لعدم حجية الخبر الضعيف في نفي الاستحباب، بل لو فرض رواية معتبرة على
التقييد المستلزم للدلالة على عدم استحباب ما عدا محل القيد، فقد عرفت في
الأمر العاشر قوة جريان التسامح فيه أيضا.

(1) ما بين المعقوفتين غير موجود في " ق ".
(2) ما بين المعقوفتين غير موجود في " ط ".
(3) كذا في النسختين، والصحيح: " لدعاه ".
168

وأما أحد محتملي المتبائنين فهو وإن صدق عليه بعد ورود رواية باستحبابه
أنه مما بلغ عليه الثواب، إلا أن المحتمل الآخر أيضا كذلك، فإن حكم بثبوت
استحبابهما معا فهو خلاف الاجماع، وإن حكم باستحباب أحدهما دون ا لآخر
فهو ترجيح بلا مرجح، والتخيير مما لا يدل عليه الكلام. هذا، مع وضوح أن
الأخبار منصرفة بشهادة فهم العرف إلى الشبهة الابتدائية دون الناشئة من
العلم الاجمالي.
وأما في القسم الأول: فالمعلوم الاجمالي حيث دار بين المطلق والمقيد.
فيكون استحباب المقيد قطعيا ويشك في استحباب المطلق بما هو هو، فيتسامح
فيما ورد في استحبابه، فتأمل.
بقي هنا شئ، وهو أنا (1) إنما حكمنا في القسم الأول بمجرد استحباب
الفرد المشكوك، وأما إثبات كونه امتثالا للكلي المأمور به المردد بين المطلق والمقيد
بحيث يترتب عليه أحكام ذلك الكلي، فلا. مثلا إذا ورد الأمر بنوافل الظهر أو
صلاة جعفر فشككنا في أنه يشترط فيهما القبلة أم لا؟ وورد رواية ضعيفة أو
فتوى فقيه في عدم اشتراطهما بالقبلة، فالفرد المأتي بها على خلاف القبلة لا يحكم
عليها بأنها صلاة جعفر، ولا أن الذمة برئت من نوافل الظهر، بل ولا (2) من
الأوامر القطعية المتعلقة بمطلق الصلاة، فإن استحباب مطلق فعل تلك الأجزاء
ولو على خلاف القبلة لا يستلزم الخروج عن عمومات الصلاة أو خصوصاتها.
سر عدم التسامح في شروط المستحبات
وأجزائها
ومنه يظهر أن نية امتثال تلك الأوامر القطعية بهذا الفرد المشكوك تشريع
محرم. وهذا هو السر في أنهم لا يتسامحون في شروط الماهيات المستحبة وأجزائها،
بل يلتزمون فيها بالمتيقن متمسكين بأن العبادات توقيفية، كما ذكروا ذلك في

(1) في " ق " وهو أنه إنما.
(2) في " ق " بل ولا بد.
169

جواز النافلة إلى غير القبلة، وفي جواز النافلة مضطجعا ومستلقيا في حال
الاختيار ونحو ذلك.
فحاصل معنى التسامح الذي ذكرناه في هذا المقام: أنه إذا ورد استحباب
مطلق وورد استحباب مقيد بحيث يلزم منه نفي استحباب المطلق، فيحكم
باستحباب المطلق ولو في ضمن غير المقيد، لكن لا يحكم بكونه امتثالا لأمر
قطعي ثبت في المقام مرددا بين المطلق والمقيد، فافهم واغتنم.
الرابع عشر
التسامح في الدلالة
قد يجري (1) في لسان بعض المعاصرين (2) من التسامح في الدلالة نظير
التسامح في السند، بأن يكون في الدليل المعتبر من حيث السند دلالة ضعيفة،
فيثبت بها الاستحباب تسامحا.
وفيه نظر، فإن الأخبار مختصة بصورة بلوغ الثواب وسماعه، فلا بد أن
يكون البلوغ والسماع، ومع ضعف الدلالة لا بلوغ ولا سماع. نعم، قاعدة
الاحتياط جارية، لكنها لا تختص بالدلالة الضعيفة، بل تجري في صورة إجمال
الدليل واحتماله للمطلوبية.
الخامس عشر
هل الاستحباب الثابت بالتسامح كسائر المستحبات؟
إذا ثبت استحباب شئ بهذه الأخبار فيصير مستحبا كالمستحبات
الواقعية، يترتب عليه ما يترتب عليها من الأحكام التكليفية والوضعية.
والمحكي عن الذخيرة: أنه بعد ذكر أنه يمكن أن يتسامح في أدلة السنن

(1) في " ق " قد جرى.
(2) لم أظفر على قائله.
170

بالأخبار المذكورة قال: لكن لا يخفى أن هذا الوجه إنما يفيد مجرد ترتب الثواب
على ذلك الفعل، لا أنه أمر شرعي يترتب عليه الأحكام الوضعية المترتبة على
الأحكام الواقعية، انتهى كلامه (1).
أقول: وكأنه حمل الأخبار على عنوان الاحتياط حتى لا يكون الفعل
المحتمل في ذاته محبوبا، بل المحبوب هو الفعل مع كون الداعي عليه هو احتمال
المحبوبية، لا الاستحباب القطعي الحاصل من تلك الأخبار، وحينئذ فالحق ما
ذكره، لأن الفعل مع قطع النظر عن كون الداعي عليه هو رجاء الثواب وإدراك
مطلوب المولى ليس مستحبا لا عقلا ولا شرعا، ومع القيد المذكور لم يتعلق به
طلب شرعي يكون إتيانه امتثالا لذلك الطلب الشرعي، لما عرفت مفصلا من
أن الفعل بهذا القيد بذاته موجب لاستحقاق الثواب، لا باعتبار صدور أمر فيه،
فحينئذ فالأحكام الوضعية المترتبة في المستحبات لا يترتب عليه. لكن قد عرفت
أن الأخبار في مقام إثبات الاستحباب الشرعي لمحتمل المحبوبية من حيث هو
هو. وحينئذ فهو كالمستحبات الواقعية (2).
السادس عشر
التسامح في أفضلية مستحب من مستحب آخر
يجوز العمل بالروايات الضعيفة في أفضيلة مستحب من مستحب آخر.
أما على قاعدة الاحتياط: فواضح، لأن طلب المزية المحتملة في أحدهما محبوب
عقلا. وأما على الأخبار: فلأن مرجع أفضيلة أحدهما إلى استحباب تقديم
الفاضل على المفضول في الاختيار عند التعارض، فيشمله الأخبار، مضافا إلى

(1) ذخيرة المعاد للسبزواري: 4 الوضوءات المستحبة. وفيه " لا أنه فرد شرعي تترتب... على
الأفراد الواقعية ".
(2) في " ط " فهو كأحد استحباب الواقعية. والصحيح: فهو كأحد المستحبات الواقعية.
171

عموم ما تقدم عن الذكرى: من أن أخبار الفضائل يتسامح فيها عند أهل
العلم (1).
ومن هنا يظهر وجه المسامحة في كراهة العبادات بمعنى قلة الثواب. وأما
لو حملنا الكراهة فيها على مجرد المرجوحية من دون نقص الثواب بناء على أن
المكروه من العبادات كالمعيوب الذي لا ينقص قيمته عن الصحيح - كما حكي
عن بعض - ففيه إشكال. ولو حملنا الكراهة على المعنى الاصطلاحي فلا إشكال
أيضا في التسامح.
السابع عشر
التسامح في تعيين مصداق المستحب
هل يجوز التسامح في الرواية الغير المعتبرة الدالة على تشخيص مصداق
المستحب أو فتوى الفقيه بذلك؟ فإذا ذكر بعض الأصحاب أن هودا وصالحا
على نبينا وآله وعليهم السلام مدفونان في هذا المقام - المتعارف الآن في وادي السلام - فهل
يحكم باستحباب إتيان ذلك المقام لزيارتهما والحضور عندهما أم لا؟ وكذا لو ورد
رواية بدفن رأس مولانا سيد الشهداء عند أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما فهل
يستحب زيارته بالخصوص أم لا؟ وكذا لو أخبر عدل واحد بكون هذا المكان
مسجدا أو مدفنا لنبي أو ولي.
والتحقيق أن يقال - بعد عدم الاشكال في الاستحباب العقلي من باب
الاحتياط وجلب المنفعة المحتملة -: إن الأخبار وإن كانت ظاهرة في الشبهة
الحكمية - أعني ما إذا كانت الرواية مثبتة لنفس الاستحباب لا لموضوعه - إلا
أن الظاهر جريان الحكم في محل الكلام بتنقيح المناط، إذ من المعلوم أن لا فرق
بين أن يعتمد على خبر الشخص في استحباب العمل الفلاني في هذا المكان

(1) ذكرى الشيعة: 68 أحكام الميت، في التلقين.
172

- كبعض أماكن مسجد الكوفة - وبين أن يعتمد عليه في أن هذا المكان هو
المكان الفلاني الذي علم أنه يستحب فيه العمل الفلاني. مضافا إلى إمكان أن
يقال: إن الاخبار بالموضوع مستلزم للاخبار بالحكم، بل قد يكون الغرض منه
هو الاخبار بثبوت الحكم في هذا الموضوع الخاص.
استلزام الاخبار بالموضوع الاخبار بالحكم
والحاصل: أن التسامح أقوى.
نعم، لو ترتب على الخبر المذكور حكم آخر غير الاستحباب لا يترتب
عليه، لما عرفت، لو ثبت كيفية خاصة للزيارة من القريب بحيث لا يجوز من
البعيد فلا يجوز، لأن الثابت من الرواية استحباب حضور هذا المكان، لا كون
الشخص مدفونا فيه، وكذا يستحب الصلاة في المكان الذي يقال له: المسجد،
ولا يجب إزالة النجاسة عنه، ولا يجوز الاعتكاف فيه، إلى غير ذلك مما هو واضح
من المطالب المتقدمة.
الثامن عشر
عدم مزاحمة حرمة التشريع الاستحباب التسامحي
قد عرفت أن حرمة التشريع لا يزاحم هذا الاستحباب، سواء قلنا به
من باب الاحتياط أم قلنا به من باب الأخبار، لأن موضوع التشريع منتف على
التقديرين.
لكن هذا في التشريع العام، وأما التشريع الخاص بأن يحكم الشارع بعدم
مشروعية عنوان بالخصوص، كأن ينفي الصوم في السفر بقوله عليه السلام: (لا صيام
في السفر) (1) وقوله عليه السلام: (ليس من البر الصيام في السفر) (2) ونحو ما دل على

(1) الوسائل 7: 142 الباب 11 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
(2) الوسائل 7: 126 الباب 1 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 11.
173

نفي الوتر في النوافل (1) بمعنى صلاة ركعة واحدة، وقوله عليه السلام: (لا تطوع في
وقت فريضة) (2) أو (لا صلاة لمن عليه صلاة) (3) وقوله عليه السلام: (لا صلاة إلا إلى
القبلة) (4)
والظاهر عدم جريان التسامح فيها، لا لورود الدليل المعتبر على عدم
استحباب الفعل، لما عرفت من أن هذا لا يمنع التسامح - سيما على قاعدة
الاحتياط وجلب المنفعة المحتملة - بل لأن المستفاد من هذه الأدلة الخاصة هو
أن امتثال مطلقات أوامر هذه العبادات لا يتحقق بدون ذلك الشرط أو مع ذلك
المانع، لما عرفت من أن الأخبار الضعيفة لا تبين الماهيات التوقيفية، فالصائم في
السفر لا يجوز له أن ينوي الصوم لداعي امتثال أوامره، وكذا النافلة في وقت
الفريضة، أو ممن عليه القضاء.
التاسع عشر
ظاهر الأصحاب عدم التفصيل في مسألة التسامح بين أن يكون الفعل
من ماهيات العبادات المركبة المخترعة وبين أن يكون من غيرها، إلا أن الأستاذ
الشريف قدس سره فصل ومنع التسامح في الأولى، والذي بالبال مما ذكره لسانا في
وجه التفصيل هو أن...
إلى هنا جف قلمه الشريف (5).

(1) قال المحقق قدس سره: " وهل يجوز الاقتصار على الواحدة؟ الأشبه: لا، إلا في الوتر " واستدل
لذلك بأنه مخالفة للتقدير الشرعي فيكون منفيا، ولما رووه عن ابن مسعود: " إن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم نهى عن البتيراء " يعني الركعة الواحدة. المعتبر 2: 18 - 19.
(2) وردت بمضمونها روايات، راجع الوسائل 3: 164 الباب 35 من أبواب المواقيت.
(3) مستدرك الوسائل 3: 160 الباب 46 من أبواب المواقيت، الحديث 2.
(4) الوسائل 3: 227 الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث 2.
(5) في " ق " وليته جرى ما جرى الماء في الأنهار والفلك في الليل والنهار.
174

رسالة
في
قاعدة من ملك
175

صورة الصفحة الأولى من رسالة (قاعدة من ملك) من نسخة (ن)
177

صورة الصفحة الأخيرة من رسالة (قاعدة من ملك) من نسخة (ن)
178

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله
على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
وبعد، قد اشتهر في ألسنة الفقهاء من زمان الشيخ قدس سره إلى زماننا،
قضية كلية يذكرونها في مقام الاستدلال بها على ما يتفرع عليها، كأنها بنفسها
دليل معتبر أو مضمون دليل معتبر، وهي: (إن من ملك شيئا ملك الاقرار به).
فأحببت أن أتكلم في مؤداها، ومقدار عمومها، وفيما يمكن أن يكون وجها لثبوتها.
مورد القاعدة
والمقصود الأصلي الانتفاع بها في غير مقام إقرار البالغ الكامل على
نفسه، إذ يكفي في ذلك المقام ما أجمع عليه نصا وفتوى من نفوذ إقرار العقلاء
على أنفسهم (1)، لكن لا ينفع ذلك في إقرار الصبي فيما له أن يفعله، وإقرار
الوكيل والولي على الأصيل.
فلا وجه لما تخيله بعض من استناد هذه القاعدة إلى قاعدة إقرار العقلاء.

(1) الوسائل 16: 111 الباب 2 من كتاب الاقرار، الحديث 2.
179

[كلمات الفقهاء في القاعدة]
وينبغي أولا ذكر كلمات من ذكرها بعينها أو بما يرادفها، ثم نتبعه بذكر
مرادهم منها بمقتضى ظاهرها، أو بمعونة قرينة استدلالهم بها في الموارد الخاصة،
فنقول - مستعينا بالله -:
كلام الشيخ الطوسي
قال شيخ الطائفة قدس سره في مسألة إقرار العبد المأذون في التجارة (1): وإن
كان - يعني المال المقر به - يتعلق بالتجارة، مثل ثمن البيع وأرش المعيب وما
أشبه ذلك، فإنه يقبل إقراره، لأنه من ملك شيئا ملك الاقرار به، إلا أنه ينظر
فيه، فإن كان الاقرار بقدر ما في يده من مال التجارة قبل، وقضي (2) منه، وإن
كان أكثر الفاضل في ذمته يتبع به إذا أعتق (3) (انتهى).
تقرير ابن إدريس لكلام الشيخ
وحكى هذا عنه الحلي في السرائر ساكتا عليه (4) مع أن دأب الحلي بعدم
المسامحة فيما لا يرتضيه.
كلام القاضي
وعن القاضي في المهذب: أنه إذا أقر المريض المكاتب لعبده في حال

(1) في " ص " و " ع " زيادة: قال.
(2) في " ع ": قبض.
(3) المبسوط 3: 19.
(4) كتاب السرائر 2: 57 - 58.
180

الصحة بأنه قبض مال الكتابة، صح اقراره وعتق العبد، لأن المريض يملك
القبض فيملك الاقرار به، مثل الصحيح (1).
كلام المحقق
وقال المحقق في الشرائع: لو كان - يعني العبد - مأذونا في التجارة فأقر
بما يتعلق بها صح (2)، لأنه يملك التصرف فيملك الاقرار ويؤخذ ما أقر [به] (3).
مما في يده (4) (انتهى).
وقد استدل على تقديم قول الوكيل في التصرف: بأنه أقر بما له أن
يفعله (5).
تمسك العلامة بالقاعدة في كتبه
ونحوه العلامة في القواعد في تلك المسألة (6)، وصرح بهذه القضية في باب
الاقرار (7) أيضا، وصرح في جهاد التذكرة: بسماع دعوى المسلم أنه أمن الحربي
في زمان يملك أمانه، وهو ما قبل الأسر، مدعيا عليه الاجماع (8).
ونحوه المحقق في الشرائع (9) تبعا للمبسوط (10) من دون دعوى الاجماع.
كلام فخر الدين
وذكر فخر الدين في الإيضاح - في مسألة اختلاف الولي (11) والمولى
عليه - أن الأقوى أن كل من يلزم فعله أو (12) إنشاؤه غيره، كان إقراره بذلك

(1) المهذب 2: 393.
(2) في المصدر: قبل.
(3) الزيادة من المصدر.
(4) شرائع الاسلام 3: 152.
(5) شرائع الاسلام 2: 205.
(6) قواعد الأحكام 1: 261.
(7) قواعد الأحكام 1: 278.
(8) تذكرة الفقهاء 1: 416.
(9) شرائع الاسلام 1: 315.
(10) المبسوط 2: 15.
(11) في " ص ": الوصي.
(12) في " ص ": و.
181

ماضيا عليه (1).
وهذه الكلية وإن كانت أخص من القضية المشهورة إلا أن الغرض من
ذكرها الاستشهاد بتصريحهم على إرادة نفوذ إقرار المالك للتصرف على غيره،
وإلا فقد صرح بتلك القضية في غير هذا المقام.
كلام الشهيد
وذكر الشهيد في قواعده: أن (2) كل من قدر على إنشاء شئ قدر على
الاقرار به إلا في مسائل أشكلت، منها: أن ولي المرأة الاختياري لا يقبل قوله،
وكذا قيل في الوكيل إذا أقر بالبيع أو قبض الثمن أو الشراء أو الطلاق أو الثمن
أو الأجل، وإذا أقر بالرجعة في العدة لا يقبل منه، مع أنه قادر على إنشائها،
وقيل يقبل (3) (انتهى).
وفي تقييد الولي بالاختياري احتراز عن الولي الاجباري، فإنه لا إشكال
في قبول إقراره عليها، ولا خلاف بين العامة والخاصة، على ما يظهر من
التذكرة (4)، ويلوح من الشيخ في مسألة دعوى الوكيل فعل ما وكل فيه (5).
نعم تأمل فيه جامع المقاصد (6) على ما سيأتي.
كلام العلامة
قال في التذكرة: لو أقر الولي بالنكاح فإن كانت بالغة رشيدة لم يعتد
بإقراره عندنا، لانتفاء الولاية. وأما عند العامة فينظر إن كان له إنشاء النكاح
المقر به عند الاقرار من غير رضاها قبل إقراره، لقدرته على الانشاء. وللشافعية

(1) إيضاح الفوائد 2: 55 وفيه: والأقوى إن كل من يلزم فعله أو انشاؤه غيره يمضي اقراره بذلك
عليه.
(2) ليس في " ش " و " ص ": أن.
(3) القواعد والفوائد 2: 279 مع اختلاف يسير.
(4) تذكرة الفقهاء 2: 599.
(5) المبسوط 2: 373.
(6) جامع المقاصد 8: 314.
182

وجه آخر: أنه لا يقبل حتى تساعده (1) المرأة كالوكيل إذا ادعى أنه أتى بما هو
وكيل فيه، ولو لم يكن له إنشاء النكاح المقر به عند الاقرار من غير رضاها لم
يقبل (2) (انتهى).
ويظهر منه الجزم بالتفصيل بين الولي الاختياري وغيره في مسألة ادعاء (3)
كل من العاقدين على الولي سبق عقده على المرأة، فيبطل اللاحق (4).
هذا ما حضرني من موارد تعبير الفقهاء بهذه العبارة أو ما يرادفها أو ما
هو أخص منها، ولا أظنك ترتاب بعد ذلك في فساد ما يتخيل من مساواة هذه
القاعدة لحديث الاقرار، حتى يستدل عليها به.

(1) في " ش ": يساعد وفي " ص " و " ع ": يساعدها.
(2) تذكرة الفقهاء 2: 586.
(3) في " ش ": ادعاه.
(4) تذكرة الفقهاء 2: 599.
183

[مفردات القاعدة وموارد جريانها]
تفسير القاعدة
فلنرجع إلى تفسير العبارة فنقول: إن المراد بملك الشئ، السلطنة عليه
فعلا، فلا يشمل ملك الصغير لأمواله، لعدم السلطنة الفعلية (1)، نعم يملك بعض
التصرفات المالية، مثل الوصية والوقف والصدقة وهي داخلة في عموم القضية،
ولهذا أطبقوا على الاستناد إليها في صحة إقرار الصغير بالأمور المذكورة.
والدليل على إرادة السلطنة الفعلية مضافا إلى اقتضاء اللغة - كما لا
يخفى - هو عموم لفظ الشئ للأعيان والأفعال، مثل التصرفات، فلا يمكن حمل
الملك على ملك الأعيان ليشمل ملك الصغير لأمواله، بل الظاهر أن لفظ الشئ
يراد به خصوص الأفعال، أعني التصرفات - على ما يقتضيه ظاهر (الاقرار به)
لأن المقر به حقيقة لا يجوز أن يكون من الأعيان، وقولهم: الاقرار إخبار بحق
لازم، معناه: الاخبار بثبوته، لا الاخبار بنفسه، إذ المخبر به لا يكون عينا.
معنى (ملك الاقرار)
ثم التسلط على التصرف أعم من أن يكون أصالة أو وكالة أو ولاية.
والمراد من (ملك الاقرار بذلك): التسلط عليه.

(1) ليس في " ع ": الفعلية.
184

والمراد من (الاقرار به):
إما معناه اللغوي، وهو ثبات الشئ وجعله قارا، سواء أثبته على نفسه
أو على غيره.
وإما معناه الظاهر عند الفقهاء، وهو الاخبار بحق لازم على المخبر،
فيختص بما أثبته على نفسه. ويخرج منه دعوى الوكيل (1) أو الولي حقا على موكله
والمولى عليه، أو شهادته لغيره عليهما، وعلى هذا المعنى فيساوي حديث الاقرار.
وهذا المعنى وإن كان أوفق بظاهر الاقرار في كلمات المتكلمين بالقضية
المذكورة، إلا أنه خلاف صريح استنادهم إليها في موارد دعوى الوكيل والولي
والعبد المأذون على غيرهم كما سمعت مفصلا، فلا بد من إرادة المعنى اللغوي.
مع أن الظهور المذكور قابل للمنع، كما يشهد به استعمالهم الاقرار في
الاقرار على الغير.
لزوم تقارن الاقرار للملكية
ثم الظاهر من القضية: وقوع الاقرار بالشئ الملوك حين كونه مملوكا،
وأن ملك الاقرار بالشئ تابع لملك ذلك الشئ حدوثا وبقاء على ما يقتضيه
الجملة الشرطية الدالة - عند التجرد عن القرينة - على كون العلة في الجزاء هو
نفس الشرط لا حدوثه وإن زال.
استفادة لزوم التقارن من كلمات الفقهاء
وما ذكرنا صريح جماعة، منهم: المحقق، حيث اختار في الشرائع عدم
قبول إقرار المريض بالطلاق في حال الصحة بالنسبة إلى الزوجة ليمنعها من
الإرث (2).
ونص في التحرير على عدم سماع إقرار العبد المأذون في التجارة بعد
الحجر عليه بدين يسنده إلى حال الإذن (3). وقال - أيضا -: وكل من لا يتمكن

(1) في " ش " و " ص ": واو.
(2) شرائع الاسلام 3: 27.
(3) تحرير الأحكام 2: 114.
185

من إنشاء شئ لا ينفذ إقراره في، فلو أقر المريض بأنه وهب وأقبض حال
الصحة لم ينفذ من الأصل (1) (انتهى).
وقد تقدم منه في التذكرة التصريح بذلك في مسألة إقرار الولي النكاح
في زمان ليس له إنشاؤه (2).
وقد نص الشهيد رحمة الله عليه على ذلك أيضا في المسالك (3) كما عن نهاية
المرام، تقييد قبول إقرار العبد المأذون بما إذا كان حال الإذن (4)، وهو ظاهر
الشيخ ومن عبر بعبارته في العبد المأذون من أنه يقبل إقراره ويؤخذ الدين مما
في يده (5) فإن ظاهره عدم زوال الإذن بل هو صريحة في مسألة الجهاد المتقدمة.
وعلى هذا، فالحكم في مثل إقرار المريض بالهبة أو الطلاق البائن حال
الصحة (6) هو نفوذ إقراره بالنسبة إلى أصل الهبة والطلاق، لأنه المملوك له حال
المرض، لا خصوص الهبة والطلاق المعيدين بحال الصحة المؤثرين في نفوذ الهبة
من الأصل، وعدم إرث الزوجة منه.
استفادة عدم لزوم التقارن من المبسوط
نعم، صرح في المبسوط بعدم إرث الزوجة في مسألة الطلاق (7). وظاهره
تعميم قبول إقرار المالك لما بعد زوال الملك. ويمكن حمله على أن إقراره إذا قبل
في أصل الطلاق قبل في قيوده، لأن الطلاق في حال المرض لم يقع باعترافه، فلا
معنى للقبول (8) إلا الحكم بوقوعه في زمان يحتمله.

(1) تحرير الأحكام 2: 114 مع اختلاف يسير في العبارة.
(2) تذكرة الفقهاء 2: 586.
(3) مسالك الأفهام 2: 212.
(4) انظر مفتاح الكرامة 9: 239.
(5) المبسوط 3: 19.
(6) في " ص ": وهو.
(7) المبسوط 5: 69.
(8) في " ع ": لقبول، وفي " ص ": لقبوله.
186

رد كلام الشيخ
ويرده: أن معنى ما ذكرنا نفوذ الاقرار بالطلاق المقيد بالصحة بالنسبة
إلى بعض أحكامه وهي البينونة، دون بعض آخر مثل الإرث، لا الحكم بوقوع
الطلاق في حال المرض.
فالظاهر أن مستند الشيخ قدس سره عموم نفوذ إقرار المقر على ما (1) ملكه ولو
في الزمان الماضي، لا عدم جواز التفكيك في الاقرار بين القيد والمقيد.
وممن يظهر منه عموم القاعدة لما بعد زوال ملك التصرف فخر الدين في
الإيضاح - في مسألة اختلاف الولي والمولى عليه بعد الكمال - حيث رجح قول
الولي وقال: إن الأقوى أن كل من يلزم فعله غيره يمضي (2) إقراره بذلك
[الفعل] عليه (3).
الاحتمالات في معنى (ملك الشئ)
وما أبعد ما بين هذا، وما سيأتي منه من عدم نفوذ إقرار الزوج بالرجعة
في العدة، وأن اعتباره من حيث كونه إنشاء لها لا إخبارا عنها (4).
ثم معنى (ملك الشئ) يحتمل أن يكون هي السلطنة المطلقة بأن يكون
مستقلا فيه، لا يزاحمه فيه أحد، فيختص بالمالك الأصيل والولي الاجباري.
ويحتمل أن يراد به مجرد القدرة على التصرف، فيشمل الوكيل والعبد المأذون،
الاحتمالات في (ملك الاقرار به)
وهذا هو الظاهر من موارد ذكر هذه القضية في كلماتهم.
والمراد ب‍ (ملك الاقرار) إذا كان أصيلا واضح، وإن كان غير أصيل

(1) في " ص ": على ملكه.
(2) في " ن ": مضى.
(3) إيضاح الفوائد 2: 55، وليس فيه: " الفعل " وتقدم في صفحة 3 - 4.
(4) قال فخر المحققين في الإيضاح ما ملخصه: الرجعة تحصل بكل ما يدل عليها وإقامة الدعوى
والاقرار كافية في تحقق الرجعة، فلا مجال - حينئذ - للبحث في أن اقرار الزوج بالرجعة نافذ
أو غير نافذ لأن باقراره يحصل الرجوع - انظر: إيضاح الفوائد 3: 331.
187

- كالولي والوكيل - فيحتمل أمورا:
الأول: السلطنة على الاقرار به بمعنى أن إقراره ماض مطلقا، ويكون
كإقرار ذلك الغير الذي يتصرف المقر عنه أو له، حتى أنه لا يسمع منه بينة على
خلافه فضلا عن حلفه على عدمه، وهذا المعنى وإن كان بحسب الظاهر أنسب
بلفظ الاقرار إلا أنه يكاد يقطع بعدم إرادته.
الثاني: إن إقراره به نافذ بالنسبة إلى الأصيل - كنفوذ إقراره، وإن لم
يترتب عليه جميع آثار إقراره، فالتعبير بالاقرار من حيث إنه لما كان في التصرف
نائبا عنه وكان كالتصرف الصادر عن نفسه، فالاخبار به كأنه - أيضا (1) - صادر
عن نفسه، ففعله كفعله ولسانه كلسانه، ولا فرق - حينئذ - بين أن يقع هناك
دعوى وبين أن لا يكون، ولا بين أن يكون الدعوى مع ذلك الأصيل أو مع
ثالث.
وحينئذ فلو أخبرنا الوكيل بقبض الدين من الغريم، فإخباره يكون بمنزلة
البينة للغريم على الأصيل لو ادعى عليه بقاء الدين.
وكذا إخبار الولي بالتزويج إذا أنكرت المرأة على الزوج التزويج.
وكذا لو ادعى البائع على الأصيل شراء وكيله المتاع بأزيد مما يقر به
الأصيل، فشهد له الوكيل.
وجه الجمع بين حكم المحقق والعلامة
الثالث: أن يراد قبول قوله بالنسبة إلى الأصيل لو أنكره، فيختص
بالتداعي الواقع بينهما، فلا تعرض فيه لقبول قوله بالنسبة إلى الأصيل لو كانت
الدعوى ترجع على ثالث، حتى يكون كالشاهد للثالث على الأصيل.
وبهذا يجمع بين حكم المحقق والعلامة بتقديم قول الوكيل فيما إذا ادعى

(1) ليس في " ش ": أيضا.
188

على الموكل إتيان ما وكل فيه، معللين بأنه أقر بما له أن يفعله (1)، وتقديم قول
الموكل فيما إذا ادعى الوكيل شراء العبد بمائة وادعى الموكل شراءه بثمانين،
معللين بأن الموكل غارم... (2) (انتهى). ومعنى ذلك أن الوكيل لا يريد أن يدفع
عن نفسه شيئا وإنما يريد أن يثبت لغيره حقا على موكله، فهو بمنزلة الشاهد
على الموكل.
وبعبارة أخرى: إنما يعتبر إقراره بما له أن يفعله فيما يتعلق بنفسه لا فيما
يتعلق بغيره.
قال في المبسوط: إذا وكل رجلا على قبض دين له من غريمه، فادعى (3)
أنه قبضه منه وسلمه إليه أو (4) تلف في يده، وصدقة من عليه الدين، وقال الموكل:
لم يقبضه منه. قال قوم: إن القول قول الموكل مع يمينه ولا يقبل قول الوكيل ولا
المدين إلا ببينة، لأن الموكل مدع للمال على المدين، دون الوكيل، لأنه يقول:
أنا لا استحق عليك شيئا، لأنك لم تقبض المال وإن مالي باق على المدين. ولذا
إذا حلف المدعي طالب المدين، ولا يثبت بيمينه على الوكيل شئ. فإذا كان
كذلك كان بمنزلة أن يدعي من عليه الدين دفع المال إليه وهو ينكره، فيكون
القول قوله، فكذلك هنا، وهذا أقوى.
وإذا وكله بالبيع والتسليم وقبض الثمن فباعه وسلم المبيع وادعى قبض
الثمن وتلفه في يده أو دفعه إليه فأنكر الموكل أن يكون قبضه من المشتري،
كان القول قول الوكيل مع يمينه، لأن الوكيل مدعى عليه لأنه يدعي عليه أنه

(1) شرائع الاسلام 2: 205 وقواعد الأحكام 1: 261 واستقرب في التذكرة 2: 137 قبول قول
الموكل.
(2) شرائع الاسلام 2: 206 وقواعد الأحكام 1: 261.
(3) في المصدر: فادعى الوكيل.
(4) في المصدر: أو قال.
189

سلم المبيع ولم يقبض الثمن، وصار ضامنا، فالقول قوله (1) لأن الأصل أنه أمين
وأنه لا ضمان عليه. ويخالف المسألة الأولى لأن المدعى عليه فيها هو الذي عليه
الدين وهو الخصم (2) فإذا جعلنا القول قول الموكل لم نوجب على الوكيل
غرامة، وفي المسألة الثانية نوجب غرامة، فكان القول قول الوكيل (انتهى) (3).
والمسألة الأولى نظير ما ذكره المحقق (4) والعلامة (5) - في اختلاف الوكيل
والموكل في الثمن - من أن الوكيل ما يدعى عليه بشئ، بل يريد تغريم الموكل.
هذا، لكن المحقق في الشرائع تنظر في الفرق بين المسألتين الذي ذكره في
المبسوط (6).
قال في المبسوط: إذا أذن له في شراء عبد وصفه فاشتراه بمائة، ثم اختلف
هو والموكل، فقال الموكل، اشتريته بثمانين. وقال الوكيل: اشتريته بمائة والعبد
يساوي مائة، قيل: فيه قولان.
أحدهما: أنه يقبل قول الوكيل كما يقبل قوله في التسليم والتلف.
والثاني: لا يقبل قوله عليه لأنه يتعلق بغيره.
وكذلك كل ما اختلفا فيه مما يتعلق بحق غيرهما من بائع أو مشتر، أو
صاحب حق، فإنه على قولين، والأول أصح... (7) (انتهى).
معنى الملكية في موضوع القاعدة
ثم إن معنى الملك - في الموضوع (8) - إما أن يكون هي السلطنة المستقلة،

(1) في المصدر: قول الوكيل مع يمينه.
(2) العبارة في المصدر هكذا: وهو الخصم فيه، وفي المسألة الأولى إذا جعلنا... إلى آخر العبارة.
(3) المبسوط 2: 403.
(4) شرائع الاسلام 2: 206.
(5) انظر قواعد الأحكام 1: 261.
(6) شرائع الاسلام 2: 207
(7) المبسوط 2: 392.
(8) أي: موضوع القضية وهو " من ملك شيئا.... ".
190

أو مجرد أن له ذلك.
فعلى الأول: يختص بالمالك الأصيل والولي الاجباري.
وعلى الثاني: يشمل الوكيل والعبد المأذون أيضا.
ولا يخفى أن مراد جل الفقهاء بل كلهم هو الثاني. ويؤيده تعبيرهم بأن
له أن يفعل كذا فله الاقرار به وقولهم: من يقدر على إنشاء شئ يقدر على
الاقرار به، ومن يلزم فعله غيره يلزم إقراره به عليه.
معنى الملكية في محمول القضية
وأما ملك الاقرار، فيحتمل أن يراد به السلطنة المستقلة المطلقة بمعنى
أنه لا يزاحمه أحد في إقراره، وأنه نافذ على كل أحد، وأن يراد به مجرد أن له
الاقرار به فلا سلطنة مطلقة له، فيمكن أن يزاحمه من يكون له - أيضا - سلطنة
على الفعل، فيكون ملك الاقرار بالشئ على نحو السلطنة على ذلك الشئ.
فليس للبنت البالغة الرشيدة - بناء على ولاية الأب عليها - مزاحمة الولي في
إقراره، كما ليس لها مزاحمته في أصل الفعل. وكذا إذا قامت البينة على إقرار
الأب حين صغر الطفل بتصرف فيه أو في ماله، فليس له بعد البلوغ مزاحمته.
وهذا بخلاف الموكل فإنه يزاحم الوكيل في إقراره كما يزاحمه في أصل التصرف.
إذا عرفت ما ذكرنا في معنى القضية، فاعلم أن حديث الاقرار لا يمكن
أن يكون منشأ لهذه القاعدة:
عدم كون مستند القاعدة حديث الاقرار
أما أولا - فلأن حديث الاقرار لا يدل إلا على ترتيب الآثار التي يلزم
على المقر دون غيرها مما يلزم (1) غيره، فإذا قال للكبير البالغ العاقل: إنه ابني، فلا
يترتب عليه إلا ما يلزم على المقر من أحكام الأبوة، ولا يلزم على الولد شئ من
أحكام البنوة.
نعم لو ترتب على الآثار اللازمة على المقر آثار لازمة على غيره ثبت

(1) في " ش ": على غيره.
191

على غيره، فلو كان الابن المذكور ممن ظاهره الرقية للمقر، فيسقط عنه حق (1).
الغير المتعلق بأمواله، مثل نفقة واجب النفقة ودين الغريم، لأن مثل ذلك تابع
للمال حدوثا وبقاء، فهو من قبيل الوجوب المشروط بشئ يكون المكلف مختارا
في إيجاده وإعدامه، لا من قبيل الحق المانع من الاعدام، كحق المرتهن والمفلس
ونحو ذلك، فإنه حق لصاحبه، نظير الملكية للمالك، فذو الحق كالشريك.
والحاصل: أن دليل الاقرار لا ينفع في إقرار الوكيل والعبد والولي على
غيرهم.
وأما ثانيا: فلأن جل الأصحاب قد ذكروا هذه القضية مستندا لصحة
إقرار الصبي بما يصح منه، كالوصية بالمعروف والصدقة، ولو كان المستند فيها
حديث الاقرار لم يجز ذلك، لبنائهم على خروج الصبي من حديث الاقرار، لكونه
مسلوب العبارة بحديث (رفع القلم) (2).
دعوى الاجماع على القاعدة
وكيف كان فلا ريب في عدم استنادهم في هذه القضية إلى حديث الاقرار.
وربما يدعى الاجماع على القضية المذكورة، بمعنى أن استدلال
الأصحاب بها يكشف عن وجود دليل معتبر لو عثرنا به لم نعدل عنه، وإن لم
يكشف عن الحكم الواقعي.
وهذه الدعوى إنما تصح مع عدم ظهور خلاف أو
تردد منهم فيها (3)، لكنا نرى من أساطينهم في بعض المقامات عدم الالتزام بها أو
التردد فيها، فهذا العلامة في التذكرة رجح تقديم قول الموكل عند دعوى
الوكيل - قبل العزل - التصرف (4). وتردد في ذلك في التحرير (5)، وتبع المحقق في
تقديم دعواه نقصان الثمن عما يدعيه الوكيل (6).

(1) في " ش ": الحق.
(2) الخصال 1: 94 - 93.
(3) في " ص " و " ن " و " ع ": فيه.
(4) تذكرة الفقهاء 2: 137.
(5) تحرير الأحكام 1: 236.
(6) شرائع الاسلام 2: 206 وقواعد الأحكام 1: 261.
192

ويظهر من فخر الدين في الإيضاح عدم قبول دعوى الزوج في العدة
الرجوع، وجعل نفس الدعوى رجوعا (1). وتردد في ذلك في موضع من
القواعد (2) وتقدم عن الشهيد في القواعد: الاستشكال في دعوى الزوج
الرجعة (3).
وأنكر المحقق (4) هذه القاعدة رأسا، حيث تردد في قبول إقرار العبد
المأذون (5) وفي قبول قول الولي في تزويج بنته لو أنكرت، بل ولو لم تنكر لجهلها
بالحال.
قال في جامع المقاصد في شرح قول العلامة رحمه الله: لو قيل للولي زوجت
بنتك من فلان؟ فقال: نعم. فقال الزوج: قبلت... الخ بعد شرح العبارة
ما لفظه: ولو صرح بإرادة الاقرار فلا زوجية في نفس الأمر إذا لم يكن مطابقا
للواقع، وهل يحكم به ظاهرا بالنسبة إلى النبت؟ فيه احتمال، وينبغي أن يكون
القول قولها بيمينها ظاهرا إذا ادعت كذب الولي في إقراره. وهل لها ذلك فيما
بينها وبين الله إذا لم تعلم بالحال؟ فيه نظر، ينشأ:
من أصالة العدم، وأن الاقرار لا ينفذ في حق الغير، ولولا ذلك لنفذ دعوى
الاستدانة وإنشاء بيع أمواله.
ومن أن إنشاء النكاح في وقت ثبوت الولاية فعله وهو مسلط عليه، فينفذ
فيه إقراره، وينبغي التأمل لذلك... (6) (انتهى).
وقال في شرح قول العلامة: (إن المقر قسمان مطلق ومحجور، فالمطلق ينفذ

(1) إيضاح الفوائد 3: 331.
(2) قواعد الأحكام 2: 67.
(3) القواعد والفوائد 2: 279.
(4) هو المحقق الثاني - صاحب جامع المقاصد - كما في مصححة " ن " و " ش " وشهادة السياق.
(5) جامع المقاصد 5: 210.
(6) جامع المقاصد 12: 73.
193

إقراره في كل ما ينفذ تصرفه) ما حاصله: إن هذه القضية لا تنقض بعدم سماع
دعوى الوكيل فيما وكل فيه، لأنها شهادة وليست بإقرار، إذ الاقرار إخبار بحق
لازم للمخبر (1) (2).
وظاهر هذا الكلام: أن هذه الكلية المرادفة لقضية (من ملك) مختصة
بإقرار المالك بما يتعلق بنفسه لا غيره.
تقوية الاجماع
هذا ولكن الانصاف: أن القضية المذكورة في الجملة إجماعية، بمعنى أنه
ما من أحد من الأصحاب - ممن وصل إلينا كلامهم - إلا وقد عمل بهذه القضية
في بعض الموارد، بحيث نعلم أن لا مستند له سواها،
فإن من ذكرنا خلافهم إنما
خالفوا في بعض موارد القضية، وعلموا بها في مورد (3) آخر، فإن المحقق الثاني
وإن ظهر منه الخلاف فيما ذكرنا من الموارد إلا أنه وافق الأصحاب في إقرار
الصبي بما له أن يفعله، مستندا في جامع المقاصد إلى هذه الكلية (4)، مع أنه لا
يمكن الاستناد إلى غيرها، لأن حديث الاقرار مخصص بالصبي والمجنون لعدم
العبرة بكلامهما في الانشاء والاخبار.
والعلامة وإن ظهر منه المخالفة في بعض الموارد، حتى في مسألة إقرار

(1) في " ش ": على المخبر.
(2) جامع المقاصد 9: 200.
(3) في " ش ": موارد.
(4) قال المحقق الثاني قدس سره بعد نقل كلام العلامة " الصبي لا يقبل اقراره وإن أذن له الولي ".
نقل المصنف في التذكرة على ذلك الاجماع منا.
وقال في توضيح قول العلامة " لو جوزنا وصيته في المعروف جوزنا اقراره بها ": لأن كل من
ملك شيئا ملك الاقرار به وقد سبق أنا لا نجوز ذلك وهذا - كما ترى - صريح في عدم قبول
إقرار الصبي حتى بالنسبة إلى الوصية بالمعروف، انظر جامع المقاصد 9: 201.
نعم ظاهر عبارته أن مستند القول بجواز اقرار الصبي - بناء على جواز وصيته - هي قاعدة
" من ملك... ".
194

الصبي بماله أن يفعله (1) وإقرار العبد فيما يتعلق بالتجارة - على ما في
التذكرة (2) - إلا أن صريحة في كثير من الموارد الاستناد إلى القاعدة، كما في إقرار
الولي الاجباري بالعقد على المولى عليه، وجزم بسماع الدعوى عليه معللا بأنه
لو أقر لنفع المدعي لأن إقراره ماض (3). بل تقدم منه دعوى الاجماع على قبول
دعوى المسلم أمان الحربي في زمان ملك الأمان (4). وكذا فخر الدين حيث أكثر
العمل بهذه القاعدة (5)، فظهور المخالفة منه في مسألة الاقرار غير مضر، مع
إمكان أن يكون مراده عدم الحاجة في تلك المسألة إلى تلك القاعدة، لأن مجرد
الاخبار بالرجعة رجوع، من غير حاجة إلى الحكم بمضي إقراره، فإن الشئ
مستند إلى أسبق سببيه، فإذا كان أصل الأخبار بالشئ إنشاء له في الحال، لم
يحتج إلى إثبات صدق المخبر به بدليل خارج (6).
وكيف كان: فلم نجد فقيها أسقطه عن استقلال التمسك، لكن الاجماع
على الاستناد إليه في الجملة إنما ينفع لو علمنا أن إهمالهم له في الموارد من حيث
وجود المعارض. أما إذا ظهر - أو احتمل - كون الاهمال من جهة تفسير القضية
بما لا يشمل تلك الموارد أو (7) اختلفوا في التفسير على وجه لا يكون مورد متفق
عليه يتمسك فيه بهذه القضية، لم ينفع الاتفاق المذكور. فإن ظاهر العلامة في
التذكرة في مسألة إقرار الصبي عدم نفوذه وعدم العبرة بكلامه، حتى

(1) التذكرة 2: 145.
(2) التذكرة 2: 147.
(3) التذكرة 2: 599.
(4) التذكرة 1: 416.
(5) منها إيضاح الفوائد: 2: 428 و 431 و 362 و 626.
(6) راجع الهامش 4 الصفحة 187.
(7) ما أثبتناه من " ن " وفي سائر النسخ: و.
195

فيما له أن يفعله (1). فالمراد بالموصول عنده في قضية (من ملك) هو البالغ العاقل.
وكذا ظاهر فتواه في القواعد بأن المريض لو أقر بعتق أخيه وله عم فإنه ينفذ
إقراره من الثلث (2) فإن الظاهر أن مراده: حجب الأخ العم في مقدار الثلث من
التركة، لا مثل العتق.
وهذا المحقق الثاني يسلم شمول القضية للصبي، لكن ينكر شمولها
للاقرار على الغير كما تقدم من عبارته (3)، حتى في الولي الاجباري الذي يظهر
من العلامة في التذكرة عدم المخالف فيه من العامة والخاصة (4). فإذا لم يكن إقرار
الصبي أو الاقرار على الغير مما اتفق على شمول القضية وكان (5) إقرار البالغ
العاقل على نفسه داخلا (6) في حديث الاقرار، لم ينفع القضية المجمع عليها في
الجملة في مورد من موارد الحاجة، إلا أن يبنى على عدم العبرة بمخالفة العلامة
في التذكرة في شمول القضية للصبي. مع أن عبارتها لا تخلو عن الحاجة إلى
التأمل، مع رجوعه عن هذا في سائر كتبه (7)، وظاهر أن ليس مستند له إلا
القضية المذكورة، ولذا يظهر من بعضهم دعوى الاتفاق على أن من صحح
صدقة الصبي ووصيته حكم بمضي إقراره فيهما. وعلى عدم العبرة بمخالفة
المحقق الثاني في شمول القضية للاقرار على الغير، لأن الظاهر ثبوت الاتفاق

(1) تذكرة الفقهاء 2: 145.
(2) قواعد الأحكام 1: 278.
(3) راجع الهامش 4 الصفحة 194.
(4) التذكرة. 2: 145.
(5) ليس في " ع " و " ص ": كان.
(6) في " ع " و " ص ": داخل.
(7) لم نعثر على رجوعه عن هذه الفتوى نعم قال في الإرشاد - بعد عده البلوغ من شروط المقر -:
ولو أقر الصبي بالوصية صح على رأي.
(8) تذكرة الفقهاء 1: 416.
196

من (1) غيره على سماع إقرار من ملك على غيره تصرفا عليه، خصوصا إذا كان وليا
إجباريا عليه بحيث لا يملك المولى عليه التصرف. وقد سمعت أن الظاهر من
التذكرة اتفاق العامة والخاصة على سماع إقرار الولي الاجباري تزويج (2) المولى
عليه.
ويؤيده استقرار السيرة على معاملة الأولياء - بل مطلق الوكلاء - معاملة
الأصيل في إقرارهم كتصرفاتهم.
حاجة الاجماع إلى ما يؤيده
هذا غاية التوجيه لتصحيح دعوى الاجماع في المسألة، ولا يخلو بعد عن
الشبهة، فاللازم تتبع مدرك آخر لها، حتى يكون استظهار الاجماع عليها مؤيدا
له وجابرا لضعفه أو وهنه ببعض الموهنات، ولا بد أن يعلم أن المدرك لها لا بد
أن يكون جامعا لوجه اعتبار قول الصبي فيما له أن يفعل حتى يحكم على أدلة
عدم اعتبار كلام الصبي في الانشاء والاخبار الحاكمة على حديث الاقرار،
واعتبار إقرار الوكيل والولي على الأصيل حتى يحكم على أدلة عدم سماع إقرار
المقر على غيره، لكونها دعوى محتاجة إلى البينة، لا إقرارا على النفس.
عدم صحة الاستناد إلى قاعدة الائتمان
ومن هنا يظهر أن التمسك بأدلة قبول قول من ائتمنه المالك بالإذن أو
الشارع بالأمر وعدم جواز اتهامه غير صحيح، لأنها لا ينفع في إقرار الصبي،
والرجوع فيه إلى دليل آخر - لا يجري في الوكيل والولي - يخرج القضية عن
كونها قاعدة واحدة، على ما يظهر من القضية: من أن العلة في قبول الاقرار
كونه مالكا للتصرف المقر به. هذا مع أنه لو كان مدرك القضية قاعدة الائتمان
لم يتجه الفرق بين وقوع الاقرار في زمان الائتمان أو بعده، مع أن جماعة صرحوا
بالفرق، فإن قولهم (إن من لا يتمكن من إنشاء شئ لا ينفذ إقراره فيه) ليس
المراد منه عدم نفوذ إقراره بفعل ذلك في زمان عدم التمكن، إذ لا معنى لعدم

(1) في " ن " و " ص ": عن.
(2) في " ع ": بتزويج.
197

النفوذ هنا لعدم ترتب أثر على المقر به، بل المراد: عدم نفوذ الاقرار بفعله حين
يتمكن من الفعل، ولذا فرع في التحرير على القضية المذكورة: أنه لو أقر
المريض بأنه وهب وأقبض حال الصحة، نفذ من الثلث (1) وصرح فيه أيضا وفي
غيره بعدم نفوذ إقرار العبد المأذون - بعد الحجر عليه - بدين أسنده إلى حال
الإذن (2) وقد عرفت ما في جهاد التذكرة (3).
والحاصل: أن بين هذه القاعدة وقاعدة الائتمان عموما من وجه.
قاعدة أخرى ومناقشة الاستناد إليها
وهنا قاعدة أخرى، أشار إليها فخر الدين - على ما تقدم من
الإيضاح - بأن كل ما يلزم فعله غيره يمضي إقراره بذلك الفعل على ذلك
الغير (4) (5) وظاهره (ولو بقرينة الاستناد إليها في قبول قول الوصي وأمين الحاكم
إذا اختلفا مع المولى عليه - إرادة مضي الاقرار على الغير ولو بعد زوال الولاية.
فإن أريد من لزوم فعل المقر على الغير: مجرد مضيه ولو من جهة نصب
المالك أو الشارع له كانت أعم مطلقا من القاعدتين، لشموله (6) لولي النكاح
الاجباري النافذ إقراره على المرأة. وإن (7) أريد منه لزومه عليه ابتداء لسلطنة عليه
كأولياء القاصرين في المال والنكاح كانت أعم من وجه من كل من القاعدتين،
لاجتماع الكل في إقرار ولي الصغير ببيع ماله، وافتراق (قاعدة الائتمان) عنهما (8)
في إقرار الوكيل بعد العزل، وافتراق قضية (من ملك) في اقرار الصبي بما له أن
يفعل، وافتراق ما في الإيضاح بإقرار الولي الاجباري بعد زوال الولاية بالنكاح
في حالها.

(1) تحرير الأحكام 2: 114 - 115.
(2) تحرير الأحكام 2: 114.
(3) التذكرة 1: 416.
(4) ليس في " ع ": الغير.
(5) تقدم في الصفحة 181 - 182.
(6) في " ش ": لشمولها.
(7) ليس في " ع ": إن.
(8) في " ش " و " ع ": عنها.
198

مستند القاعدة
ثم إنه يمكن أن يكون الوجه في القضية المذكورة، ظهور اعتبره الشارع،
وبيانه: أن من يملك إحداث تصرف فهو غير متهم في الاخبار عنه حين القدرة
عليه، والظاهر صدقه ووقوع المقر به، وإن كان هذا الظهور متفاوت الأفراد قوة
وضعفا بحسب قدرة المقر فعلا على إنشاء المقر به من دون توقف على مقدمات
غير حاصلة وقت الاقرار، كما في قول الزوج: رجعت، قاصدا به الاخبار مع
قدرته عليه بقصد الانشاء، وعدم قدرته لفوات بعض المقدمات، لكنه قادر على
تحصيل المقدمات وفعلها (1) في الزمان المتأخر، كما إذا أقر العبد بالدين في زمان له
الاستدانة شرعا لكنه موقوف على مقدمات غير حاصلة، فإن الظاهر ها هنا
- أيضا - صدقه، وإن أمكن كذبه باعتبار بعض الدواعي. لكن دواعي الكذب
فيه أقل بمراتب من دواعي الكذب المحتملة في إقرار العبد المعزول عن التجارة
الممنوع عن الاستدانة. ولو تأملت هذا الظهور - ولو في أضعف أفراده - وجدته
أقوى من ظهور حال المسلم في صحة فعله، بمعنى مطابقته للواقع. بل يمكن
أن يدعى أن حكمة اعتبار الشارع والعرف لاقرار البالغ العاقل على نفسه: أن
الظاهر أن الانسان غير متهم فيما يخبره مما يكون عليه لا له، وفي النبوي " (إقرار
العقلاء) (2) إشارة إليه، حيث أضاف الاقرار إلى العقلاء تنبيها على أن العاقل
لا يكذب على نفسه غالبا، وإلا فلم يعهد من الشارع إضافة الأسباب إلى البالغ
العاقل، وإن اختص السبب به، إلا أنه اكتفى عن ذلك في جميع الأسباب القولية
والفعلية بحديث (رفع القلم) (3) فالصبي لما جاز له بعض التصرفات مثل الوقف

(1) في " ش " و " ص ": فعله:.
(2) الوسائل 16: 111، الباب 3 من كتاب الاقرار، الحديث 2.
(3) الخصال 1: 93 - 94 وفيه: عن أبي ظبيان قال: " أتي عمر بامرأة مجنونة قد فجرت فأمر برجمها
فمروا بها على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: ما هذه؟. قالوا: مجنونة فجرت، فأمر بها أن
ترجم، فقال: لا تعجلوا، فأتى عمر فقال له: أما علمت أن القلم رفع عن ثلاثة: عن الصبي
حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ ". وعنه الوسائل 1: 32 مع
اختلاف يسير.
199

ونحوه ولم يكن إقراره مظنة للكذب كان مقبولا، ولما كان بعض الأقارير
- بحسب نوعه - لا ظهور له في الصدق لم يعتبره الشارع. كما في الاقرار
المتعارف لإقامة رسم القبالة، وكما في إقرار المريض مطلقا أو إذا كان متهما.
ويؤيده: أن بعض الفقهاء قد يحكم بسماع الاقرار وإن تضمن دفع دعوى
الغير مستندا إلى عدم كونه متهما، كما في إقرار مالك اللقيط [بعتقه] (1) بعد انفاق
الحاكم عليه بإعتاقه قبل ذلك، فإن الشيخ رحمة الله عليه حكم في المبسوط بسماعه،
لكونه غير متهم، لأنه لا يريد العبد ولا يريد الثمن (2) فيستمع دعواه وإن تضمنت
دفع النفقة عن نفسه.
وليس الغرض ترجيح هذا القول في هذه المسألة، بل الغرض تقريب أن
عدم اتهام المخبر في خبره يوجب تقديم قوله، ومرجعه إلى تقديم هذا الظاهر على
الأصل، كما في نظائره من ظهور الصحة في فعل المسلم ونحوه من الظواهر.
هذا ولكن الظهور المذكور لا حجية فيه بنفسه حتى يقدم على مقابله من
الأصول والقواعد المقررة، بل يحتاج إلى قيام دليل عليه أو استنباطه من أدلة
بعض القواعد الأخر.

(1) شطب عليها في " ن ".
(2) المبسوط 3: 328.
200

رسالة
في
القضاء عن الميت
201

صورة الصفحة الأولى من رسالة القضاء عن الميت من نسخة (د).
203

صورة الصفحة الأخيرة من رسالة القضاء عن الميت من نسخة ().
204

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على
أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين (1).
مسألة (2)
في قضاء الصلاة عن الميت
والكلام فيه تارة في نفس القضاء، وأخرى في القاضي، وثالثة في المقضي،
ورابعة في المقضي عنه، وخامسة في أحكام القضاء.
حقيقة النيابة
أما القضاء عن الميت (3)
فهو عبارة عن فعل العبادة نيابة عن الميت.
وحقيقة النيابة: تنزيل الفاعل نفسه منزلة شخص آخر فيما يفعله.
ما يظهر من السيد
ويظهر من السيد المرتضى أن القضاء عن الميت ليس نيابة حقيقة،

(1) ليس في " ع " و " ش ": وبه نستعين... إلى يوم الدين.
(2) ليس في " د ": مسألة.
(3) ليس في " د ": عن الميت.
205

وإنما هو واجب المصلي خوطب به القاضي، نعم سببه فوات الفعل عن الميت،
وزاد على ذلك: أن الميت لا يثاب على ذلك، فعن الانتصار - بعد اختيار أن الولي
يقضي الصوم عن الميت إذا لم يكن للميت مال يتصدق به عنه لكل يوم بمد،
مدعيا عليه الاجماع، وانفراد الإمامية به، ومخالفة الفقهاء في ذلك إلا أبا ثور - (1)
قال: وقد طعن فيما نقوله بقوله تعالى: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) (2) وبما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: (إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من
ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يترحم عليه، أو علم ينتفع به) (3) ولم يذكر
الصوم عنه.
الجواب عن السيد
والجواب عن ذلك: أن الآية إنما تقتضي أن الانسان لا يثاب إلا بسعيه،
ونحن لا نقول: إن الميت يثاب بصوم الحي عنه.
وتحقيق القول في هذا الموضع: أن من مات وعليه صوم فقد جعل الله هذه
الحالة سببا في وجوب صوم الولي، وسماه قضاء، لأن سببه التفريط المتقدم،
والثواب في هذا الفعل لفاعله دون الميت.
فإن قيل: فما معنى قولهم: (صام عنه) إذا كان لا يلحقه وهو ميت ثواب،
ولا حكم لأجل هذا الفعل؟ قلنا: معنى ذلك أنه صام، وسبب صومه تفريط
الميت، وقيل: (صام عنه) من حيث كون التفريط المتقدم سببا في لزوم هذا
الصوم.
وأما الخبر الذي رووه، فمحمول على هذا المعنى أيضا، وأن المؤمن ينقطع

(1) راجع المجموع 6: 367.
(2) النجم: 53، 39.
(3) رواه العامة بألفاظ مختلفة قريبة من هذا المعنى راجع: الجامع الصحيح 3: 660 الحديث
1376، وسنن النسائي 6: 251. وفي عوالي اللآلي 3: 283 الحديث 17: إذا مات ابن آدم...،
هذا وقد ورد في معناه عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بطرق عديدة، انظر الوسائل 13: 292
الباب الأول من أبواب الوقوف والصدقات.
206

بعد موته عمله، فلا يلحقه ثواب ولا غيره، والذي ذهبنا إليه لا يخالف ذلك
وخبرهم هذا يعارض ما رووه عن عائشة (1). ثم ساق أخبارا نبوية تدل
على النيابة (2) (3) (انتهى).
وتبعه في جميع ذلك السيد أبو المكارم ابن زهرة في الغنية (4) ثم من بعده
الفاضل في المختلف (5) في الجواب عن الآية المتقدمة (6).
مع أن الشهيد في الذكرى حكى عنه أنه قال - فيما يلحق الميت بعد
موته -: أما الدعاء والاستغفار والصدقة وأداء الواجبات التي تدخلها النيابة
فبالاجماع، وأما ما عداها فعندنا أنه يصل إليه (7).
توجيه كلام السيد
أقول: كأن السيد ومن تبعه أراد بما ذكر من الجواب عن الآية والرواية
رد استدلال العامة بهما على نفي وجوب القضاء الذي هو المطلوب، لأن القضاء لا
يستلزم الثواب حتى يستكشف انتفاء الملزوم عن انتفاء اللازم، وإلا فشأن السيد
أجل من أن تخفى عليه الأخبار الكثيرة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله
والأئمة عليهم السلام في انتفاع الميت بما يفعله الأحياء على طريق النيابة أو الهدية.

(1) روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " انظر
صحيح البخاري 3: 46، صحيح مسلم 2: 803 الحديث 153.
(2) منها ما رواه ابن عباس: " إن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت إن على أمي
صوم شهر فاقضيه عنها؟ فقال صلى الله عليه وآله: أرأيت إن كان على أمك دين كنت تقضيه؟
قالت: نعم يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وآله: فدين الله أحق أن يقضى ". انظر صحيح
البخاري 3: 46.
(3) الإنتصار: 70 - 71.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 501.
(5) المختلف: 242.
(6) النجم: 53، 39. وقد تقدمت في الصفحة 206.
(7) الذكرى: 73 وفيه: فإجماع.
207

وقد حكى أكثرها في الذكرى عن كتاب غياث سلطان الورى للسيد
الأجل ابن طاووس، (1) ولنذكر بعضها تبركا:
ما ورد في انتفاع الميت بما يفعل عنه
فمنها: قضية الخثعمية التي أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: إن أبي
أدركه الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال
لها: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته، أكان ينفعه دلك؟! قالت: نعم، قال:
فدين الله أحق بالقضاء (2).
ومنها: ما عن كتاب حماد بن عثمان: (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من
عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميت أضعف الله أجره ونفع به ذلك الميت) (3).
ورواه الصدوق أيضا في الفقيه مرسلا (4).
ومنها: ما عن كتاب المسائل لعلي بن جعفر عليه السلام: (عن الرجل هل
يصلح له أن يصلي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال: نعم فيصلي ما أحب ويجعل
تلك للميت، فهو للميت إذا جعل ذلك له) (5).
وقريبة منها رواية أخرى له (6).
ومنها: ما حكاه عنه، عن أصل علي بن أبي حمزة - الذي هو من رجال
الصادق والكاظم عليهما السلام -: (قال: وسألته عن الرجل يحج ويعتمر ويصلي

(1) غياث سلطان الورى لسكان الثرى، في قضاء ما فات من الصلوات عن الأموات (مخطوط).
(2) الذكرى: 75.
(3) الذكرى: 75، الحديث العاشر، وفيه: " من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا أضعف الله
أجره وينعم له بذلك الميت " وعنه الوسائل 5: 369 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات،
الحديث 24.
(4) الفقيه 1: 185، الحديث 556.
(5) الذكرى: 73، الحديث الثاني ومسائل علي بن جعفر: 199، الحديث 429 والوسائل 5: 366
الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 2.
(6) الذكرى: 73، الحديث الثالث. وعنه الوسائل 5: 366 الباب 12، الحديث 3.
208

ويصوم ويتصدق عن والديه وذوي قرابته؟ قال: لا بأس به، ويؤجر فيما يصنع، وله
أجر آخر بصلة قرابته، قلت: وإن كان لا يرى ما أرى، وهو ناصب؟! قال: يخفف
عنه بعض ما هو فيه) (1).
ومنها: ما عن أصل هشام بن سالم: (قال: قلت: يصل إلى الميت الصلاة
والدعاء ونحو هذا؟ قال: نعم، قلت: أو يعلم من يصنع ذلك؟ قال: نعم، ثم قال:
يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه) (2).
قال في الذكرى: وظاهره أنه من الصلوات الواجبة التي تركها سبب
للسخط (3).
أقول: وفي هذا الظهور تأمل.
ومنها: ما عن ابن محبوب - في كتاب المشيخة - عن الصادق عليه السلام أنه
قال: (تدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والدعاء، قال:
ويكتب أجره للذي يفعله وللميت) (4).
ونحوها: روايتا إسحاق بن عمار (5) وابن أبي عمير (6).
ومنها: روايات ابن مسلم وابن أبي يعفور والبزنطي وصفوان بن يحيى،
عن الصادق والرضا عليهما السلام أنه: (يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله

(1) الذكرى: 74، الحديث العاشر. والوسائل 5: 367 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات،
الحديث 8.
(2) الذكرى: 74، الحديث التاسع. وفيه: الدعاء والصدقة والصلاة والوسائل 5: 366 الباب
12 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 7.
(3) الذكرى: 74 ذيل الحديث التاسع.
(4) الذكرى: 74، الحديث الثاني عشر. وفيه: الصدقة والبر والدعاء والوسائل 5: 367 الباب 12
من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 10.
(5) الذكرى: 74، الحديث الرابع عشر.
(6) الذكرى: 74، الحديث الثالث عشر.
209

الحسن) (1).
وعن كتاب الفاخر (2): أن مما أجمع عليه وصح من قول الأئمة عليهم السلام
أنه يقضى أعماله الحسنة كلها (3).
ومنها: ما عن كتاب حماد بن عثمان: (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن
الصلاة والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت، حتى أن الميت
ليكون في ضيق فيوسع عليه، ويقال: هذا بعمل ابنك فلان، وهذا بعمل أخيك
فلان - أخوه في الدين -) (4).
ومثلها رواية عمرو بن محمد بن يزيد (5).
ومنها: ما عن عبد الله بن جندب: (قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام:
الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة والبر والخير أثلاثا، ثلثا له وثلثين
لأبويه، أو يفردهما بشئ مما يتطوع به، وإن كان أحدهما حيا والآخر ميتا؟
فكتب إلي: أما الميت فحسن جائز، وأما الحي فلا، إلا البر والصلة) (6).
ومثلها ما عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، أنه كتب إلى الكاظم
عليه السلام مثله، وأجاب بمثله (7).

(1) انظر الذكرى: 74 و 75، الحديث الثالث والأول والخامس وصفحة 74 الحديث الثاني،
والوسائل 5: 369 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات، الأحاديث 23 و 19 و 21.
(2) الفاخر في الفقه لأبي الفضل الصابوني محمد بن إبراهيم بن سليم الجعفي (راجع الملحق).
(3) راجع الذكرى: 75.
(4) الذكرى: 74، الحديث التاسع عشر. وفيه: " إن الصلاة والصوم والصدقة... ". وفي الوسائل 5:
368 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 15: أخوك في الدين.
(5) الذكرى: 74، الحديث السادس عشر. والوسائل 5: 366 الباب 12، الحديث 4.
(6) الذكرى: 74، الحديث العشرون، وفيه: " أو يفردهما من أعماله بشئ... ". والوسائل 5: 368
الباب 12، الحديث 16.
(7) الذكرى: 74، الحديث الحادي والعشرون وقرب الإسناد: 129. والوسائل 5: 368 الباب
12 ذيل الحديث 16.
210

قال في الذكرى: قال السيد: لا يراد بهذه: الصلاة المندوبة، لأن الظاهر
جوازها عن الأحياء في الزيارات والحج وغيرهما (1).
أقول: لعل ما ذكره من التوجيه للجمع بينها وبين ما دل على جواز ذلك
عن الحي أيضا، مثل ما عن الكليني باسناده إلى محمد بن مروان: (قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام: (ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين، يصلي
عنهما ويتصدق عنهما ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلك،
فيزيده (2) الله ببره وصلته خيرا كثيرا) (3).
نعم احتمال هذه الرواية إرادة عدم قطع البر عنهما بعد الموت بفعل هذه
الأفعال عنهما، فيكون قد برهما حيين وميتين، بعيد.
وحكي عن الحسين بن الحسن الطوسي الكوكبي - في كتابه المنسك - (4)
باسناده إلى علي بن أبي حمزة: (قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: أحج وأصلي
وأتصدق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال: نعم، تصدق عنه
وصل عنه، وذلك أجر آخر بصلتك إياه) (5).
النيابة عن الحي
وظاهر الصلاة عن الغير: النيابة عنه، لا فعلها وإهداء الثوب إليه، فيذل
على جواز النيابة عن الحي في الصلاة، وإطلاق الصلاة (6) والبر على ذلك يشعر

(1) الذكرى: 74
(2) في " د ": فرزقه، وفي " ش " و " ع ": " فيرزقه الله بره " وما أثبتناه من الكافي والذكرى.
(3) الكافي 2: 159، الحديث 7 باب البر بالوالدين، الذكرى: 74، الحديث الثالث والعشرون،
وفيها بعض الاختلافات والوسائل 5: 365 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات،
الحديث الأول.
(4) كتاب المنسك للحسين بن الحسن العلوي الكوكبي (مخطوط). (راجع الملحق).
(5) الذكرى: 74. الحديث الحادي عشر والوسائل 5: 367 الباب 12 من أبواب قضاء
الصلوات، الحديث 9.
(6) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: الصلة.
211

بعموم رجحان النيابة عن الحي في كل فعل حسن.
ثم أنه (1) إذا جاز الصلاة عنه جاز غيرها، لعدم القول بالفصل ظاهرا
بينها وبين غيرها، بل قد روي جواز الاستنابة في الصوم الواجب بالنذر على
الحي، فقد روي في الفقيه، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار (2).
بل يمكن استفادة عموم النيابة في كل الأعمال الواجبة - عدا ما دل
الاجماع على عدمه - من الأخبار الدالة على مشروعية قضاء دين الله عمن هو
عليه تبرعا (3)، ثم إثبات مشروعية النيابة في المستحبات بعدم القول بالفصل،
فتأمل.
اتفاق النصوص والفتاوى على انتفاع الميت بما يفعل عنه
وكيف كان: فانتفاع الميت بالأعمال التي يفعل عنه أو يهدى إليه ثوابها،
مما أجمع عليه النصوص، بل الفتاوى، على ما عرفت من كلام الفاضل (4)
وصاحب الفاخر (5)، المعتضد بقضية تعاقد صفوان بن يحيى وعبد الله بن جندب
وعلي بن نعمان، على أن من مات منهم يصلي من بقي صلاته ويصوم عنه ويحج
عنه، فبقي صفوان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة) (6).
فإن دعوى كفاية اتفاق هذه الثلاثة في الكشف عن رضا الإمام عليه السلام
غير بعيدة، فكيف إذا ضم إلى ذلك دعوى الفاضل وصاحب الفاخر الاجماع
على ذلك.
توجيه الآية
وأما الآية (7) فيمكن توجيهها بعد مخالفة ظاهرها للاجماع والأخبار

(1) ليس في " ش " و " ع ": أنه.
(2) الفقيه 3: 374، الحديث 4314.
(3) انظر: صحيح البخاري 3: 46 وصحيح مسلم 2: 804 الأحاديث 154، 155، 156.
(4) المختلف: 242.
(5) نقله عنه الشهيد في الذكرى: 75.
(6) الإختصاص: 88 والفهرست للشيخ الطوسي: 83 رقم 346 ورجال النجاشي: 197 رقم 524.
(7) النجم. 53، 39.
212

المتواترة بأن الثواب على سعيه حال الحياة، فإن تحصيل الإخوة للمؤمنين
تعريض للنفس في هذه المثوبات.
توجيه الرواية
وأما الرواية النبوية (1): فهي مسوقة لذكر ما يعد عملا للميت بعد موته
من الأفعال المتولدة من فعله تولد الغاية، دون التي يترتب على عمله اتفاقا من
دون قصد لترتبها، فالحصر في الرواية بالنسبة إلى أعمال الميت المقصود منها
الاستمرار بعد الموت، كإعانة الناس بحفر البئر وغرس الشجر ووقف مال
عليهم أو إظهار سنة حسنة، أو ولادة من يستغفر له مما يقصد منه البقاء، فهي
بمنزلة الأفعال التوليدية للميت يعد عملا له، والكلام - في المقام - في ما يعمل
الغير عنه، كما أن ما ورد من أن: (من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من
عمل بها إلى يوم القيامة) (2) لا تنافي قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
وإنما ينافيه ما يكذب على النبي صلى الله عليه وآله من أن: (الميت ليعذب ببكاء
أهله عليه (4)) ولذا ردت عائشة بتلك الآية (5).
وقد خرجنا بإيراد الأخبار المذكورة عما هو المقصود في هذه الرسالة من
وجوب القضاء عن الميت مع قطع النظر عن انتفاع الميت بذلك، وقد عرفت أنه
مجمع عليه فتوى (6) ونصا (7)، وسيجئ ما يدل عليه من النصوص بالخصوص (8).

(1) وهي قوله صلى الله عليه وآله: " إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث... "، راجع صفحة 206.
(2) صحيح مسلم 2: 705 الحديث 69.
(3) الأنعام: 164.
(4) صحيح البخاري 2: 101، صحيح مسلم 2: 638 - 640 الحديث 927 و 928 وكنز العمال
15: 620 الحديث 42470.
(5) صحيح البخاري 2: 100 - 101 وصحيح مسلم 2: 641، الحديث 929.
(6) انظر: الإنتصار: 70 والغنية (الجوامع الفقهية): 501 والتذكرة 1: 58 والذكرى: 73.
(7) انظر الذكرى: 73.
(8) الوسائل 7: 241 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5، 6. وسيأتي في الصفحة
216.
213

تعين القضاء على الولي
ثم المشهور أن القضاء معين على الولي، لا أنه مخير [بينه] (1) وبين
الصدقة كما عن الإسكافي (2) والسيد المرتضى (3) والسيد ابن زهرة مدعيا عليه
الاجماع (4)، لعدم الدليل على إجزاء الصدقة نعم ورد ذلك في النافلة مضافا إلى
ظهور الأدلة (5) في تعيين الصلاة.
والاجماع المدعى كما ترى.
وأضعف منه الاستدلال عليه بالاحتياط.

(1) في " د ": بينها. وفي " ش " و " ع ": بينهما. ما أثبتناه هو الصحيح.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف: 148.
(3) الإنتصار: 70، ونقله عنه العلامة في المختلف: 148.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 501.
(5) في " د ": الأدلة الآتية.
214

وأما القاضي
أولى الناس بالقضاء
فالمحكي عن المفيد: النص على أنه إن لم يكن له ولد من الرجال قضى
عنه أكبر أوليائه من أهله، وإن لم يكن فمن النساء (1).
وعن الإسكافي: أولى الناس بالقضاء عن الميت أكبر ولده الذكور،
وأقرب أوليائه إليه إن لم يكن له ولد (2).
وفي كلام الصدوقين والرضوي: (إنه يقضي الولي، فإن لم يكن له ولي من
الذكور قضى عنه وليه من النساء (3)) ونسب قول المفيد في الدروس إلى ظاهر
القدماء والأخبار، واختاره (4)
ولعله لاطلاق صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام:
(في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال: يقضي عنه أولى الناس بميراثه.

(1) المقنعة: 353.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف: 242.
(3) المقنع (الجوامع الفقيهة): 17 والفقيه 2: 153، ذيل الحديث 2008، والفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 212.
(4) الدروس: 77.
215

قلت: فإن كان أولى الناس به امرأته؟ قال: لا، إلا الرجال) (1).
ومرسلة حماد: (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام في الرجل يموت وعليه
دين من شهر رمضان من يقضيه عنه؟ قال: أولى الناس به، قلت: فإن كان أولى
الناس به امرأته؟ قال: لا، إلا الرجال) (2).
ورواية ابن سنان، عن الصادق عليه السلام - المحكية في الذكرى عن كتاب
السيد الأجل ابن طاووس -: (قال: الصلاة التي حصل وقتها قبل أن يموت
الميت يقضيه عنه أولى الناس به) (3).
إلى غير ذلك.
فما أطلق فيه (الولي) المراد منه الأولى من غيره، وهو يختلف باختلاف
الموجودين من الناس المنتسبين إلى الميت، فإن ولده أولى به من أخيه، وأخوه
أولى به من عمه... وهكذا.
بل قد يدعى شموله للمولى المعتق وضامن الجريرة، لأنهما أولى الناس
بالميت مع فقد الأقارب النسبية، ولذا قيل بوجوب القضاء عليهما مع فقد
القريب (4).
هذا، مضافا إلى أن الحكم في صحيحة حفص معلق على (الأولى
بالإرث) (5)، ولا إشكال في صدقه على ما عدا الأولاد مع عدمهم، بل وعلى المولى
وضامن الجريرة.
وجه تقديم الولد على الأب
وأما وجه تقديم الولد على الأب: فلعله لأن أكثرية نصيبه يدل عرفا على

(1) الوسائل 7: 241 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5. وفيه: امرأة.
(2) الوسائل 7: 241 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 6. وفيه: امرأة.
(3) الذكرى: 74 الحديث الرابع والعشرون.
(4) قاله الشهيد الثاني في الروضة 2: 123.
(5) الوسائل 7: 241 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5.
216

كونه أولى بالميت عن الأب (1) مع أن النص ورد بأن الأكثر نصيبا أولى بالميت
من الأقل، كما في صحيحة الكناسي: (وأخوك لأبيك وأمك أولى بك من أخيك
لأبيك (2)) (3) مع أن حكم المشهور باستحقاق الولد خصوصا مجانا الحبوة - التي
هي عبارة عن خصائص الأب، التي يعز على أولياء الميت أن يروها عند غير
الميت - يدل على أولويته بأبيه من غيره حتى جده.
نعم ينافي ذلك كله حكم المشهور في باب الجنائز بأن الأب أولى من الولد
في تجهيز الميت، ولذا تنظر فيه هناك مائلا إلى مراعاة الاطلاق (4) - هنا وهناك -
من يقدم الأب على الولد (5).
ويمكن أن يكون مستند المشهور هناك أن الأولى بالميت من حيث
أحكامه وأموره - التي لا بد أن تصدر باستصواب الأولياء - هو الأب دون غيره،
ويمكن استشعار ذلك من قوله عليه السلام: (يصلي على الجنازة أولى الناس بها) (6)
فإن الأولى بالجنازة - من حيث أنها جنازة لا بد من التصرف فيها وتقلبها في
الغسل والصلاة والدفن - هو الأب عرفا.
والحاصل: أن الموضوع للحكم في باب القضاء هو الميت من حيث
شخصه ونفسه الانساني، وفي الجنائز هو جسده وجنازته التي يتصرف فيها
ويتقلب، فالأولوية هنا عليه، وفي القضاء له، فتأمل.
المراد من أكثر النصيب
وعلى حال: فالمراد من (أكثرية النصيب) أكثرية نصيب النوع، لأنها

(1) في " د ": عن الأقل.
(2) في " د " و " ع ": لأمك. وما أثبتناه من المصدر.
(3) الوسائل 17: 415 الباب الأول من أبواب موجبات الإرث، الحديث 2.
(4) في " ش " و " ع ": الاطلاقات، ولعل الصحيح: الاحتياط.
(5) في " ش " و " د ": الولد على الأب.
(6) الوسائل 2: 801 باب 23 من أبواب صلاة الجنازة، الحديث 1 و 2.
217

الكاشفة عرفا وشرعا عن أولوية ذلك النوع، فلو عرض لشخص الولي قلة
النصيب لتعدد أشخاص نوعه - كما لو اجتمع له أب مع عشرة أولاد - فلا
يسقط أكبرهم عن الأولوية، لكونه أقل سهما من الأب، لأن نوع الولد أكثر
سهما فهو أولى. فما يظهر من بعض المعاصرين من اعتبار أكثرية نصيب
الشخص - حتى أنه فصل في المسألة بين ما دون الخمسة من الأولاد إذا
اجتمعوا مع الأب وبين الخمسة والأزيد (1) - لم أجد له وجها ظاهرا.
شمول إطلاق الأولى بالإرث المولى المعتق وضامن الجريرة
ثم إطلاق (الأولى بالإرث) في الصحيحة المتقدمة (2) ويشمل المولى المعتق
وضامن الجريرة على الترتيب عند عدم غيرهما من الورثة.
إلا أن العبارة المحكية عن المفيد (3) وجماعة من القدماء (4) خالية عن
التصريح به، لأن المحكي عن المفيد - المنسوب في الدروس إلى ظاهر القدماء -
(أنه لو فقد أكبر الذكور فأكبر أوليائه من أهله) (5) ولفظ (الأهل) ظاهر في من
عدا العتق وضامن الجريرة.
وما أبعد من بين هذا القول وبين ما اختاره الشيخ (6) وأكثر من تأخر عنه
من اختصاص التكليف بأكبر أولاده الذكور (7)، وكأنهم فهموا من صحيحة

(1) لم نقف عليه.
(2) الوسائل 7: 241 باب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5. وقد تقدمت في الصفحة
215.
(3) المقنعة: 353.
(4) منهم الإسكافي كما حكى عنه العلامة في المختلف: 242 والصدوقان في الفقيه 2: 153 والمقنع
(الجوامع الفقهية): 17.
(5) الدروس: 77.
(6) المبسوط 1: 286.
(7) منهم ابن إدريس الحلي في السرائر 1: 398 وابن حمزة في الوسيلة: 150 والمحقق الحلي في
المعتبر 2: 701 والعلامة في المختلف: 242.
218

حفص ومرسلة حماد - المتقدمتين (1) - أن المراد (الأولى بالميت) أولى الناس
به علي الاطلاق.
وبعبارة أخرى: الأولى من كل أحد يفرض وجوده من الناس، لا أولى
الموجودين فعلا حين موت الميت، ولا شك أن الأولى على الاطلاق بذلك المعنى
هو الولد الذكر، وأما أولوية غيره من طبقات الورثة فأولوية إضافية يلاحظ فيها
الموجودون عند الموت. وهذا غير بعيد.
مع أنه لو فرض احتمال الرواية لما ذكرنا احتمالا مساويا وجب الرجوع
إلى أصالة البراءة.
ومما يؤيد إرادة ما ذكرنا - بل يدل عليه - صحيحة حفص ومرسله حماد
الصريحتان في نفي التكليف عن النساء وكل من نفاه عنهن نفاه عمن عدا الولد
من الذكور، وكل من أثبته على من عدا الولد من الذكور أثبته على النساء،
فحمل الرواية على ما يعم الولد يوجب شذوذ الرواية وترك العمل بظاهرها بين
الأصحاب من التفصيل بين من عدا الولد وبين النساء، فيجب لأجل ذلك حمل
(الأولى) على الأولوية على الاطلاق دون الإضافية.
نعم يظهر من المدارك العمل بظاهرها من التفصيل (2).
المراد من الأكبر
ثم المراد في كلامهم من (الأكبر): من لا أكبر منه، فيعم المنحصر، كما هو
مقتضى إطلاق النص (3) وصريح الفتاوى (4).
تعدد الأولاد
ولو تعدد الأولاد يقدم الأكبر مع استوائهم في البلوغ، للاجماع ولمكاتبة
الصفار (5) وفي دلالتها تأمل يأتي وجهه.

(1) تقدمتا في الصفحة 215 و 216.
(2) المدارك 6: 225.
(3) الوسائل 7: 241 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5، 6.
(4) انظر: المقنعة: 353 والمختلف: 242 والدروس: 77.
(5) الوسائل 7: 240 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 3.
219

ولو استووا في السن فالبالغ مقدم على غيره، إما لأنه أكبر عرفا وأقرب
إلى حد الرجال، وإما لأن التكليف يتعلق به عند بلوغه، لصدق (أولى الناس
به) عليه بحسب النوع، إذ لو اعتبرت الأولوية الشخصية من كل أحد لم يجب
عليه بعد بلوغ أخيه أيضا، فإذا تعلق التكليف به فارتفاعه عند بلوغ أخيه يحتاج
إلى دليل، فتأمل.
ولو اختلفوا في البلوغ وكبر السن، ففي اعتبار البلوغ أو كبر السن
وجهان: مما ذكرنا في تقديم البالغ على غيره مع المساواة، ومن إطلاق تقديم
الأكبر في النص (1) والفتاوى (2)، والأول لا يخلو عن قوة.
ولو استووا في السن والبلوغ، ففي سقوط القضاء عنهم - كما عن
الحلي (3) - لعدم وجود الأكبر، أو ثبوته عليهم على طريق الكفاية وتخييرهم، فإن
اختلفوا فالقرعة - كما عن القاضي (4) - أو على طريق التوزيع - كما عن المشهور
وفاقا للشيخ (5) -، أقوال: أقواها الأخير، لأن الحكم معلق بجنس أولى الناس
الصادق على الواحد والاثنين، لما عرفت من أن المراد بأولى الناس: الأولى
بالنوع، وهو جنس الأولاد، فكأنه قال: يقضي عنه ولده.
وأما وجوبه على الكل كفاية فلم يثبت، لأن الوجوب على الجنس أعم
من التوزيع ومن الوجوب الكفائي، فالأصل عدم تكليف كل منهم بأزيد من
حصته ولو على طريق الكفاية.
وبعبارة أخرى: يعلم باستحقاقه العقاب إذا ترك حصته ولم يأت بها

(1) الوسائل 7: 241 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5، 6.
(2) انظر: المقنعة: 353 والمختلف: 242 والدروس: 77.
(3) السرائر 1: 399.
(4) المهذب 1: 196.
(5) المبسوط 1: 286.
220

صاحبه على أي تقدير، ولا يعلم بأنه بعد قضاء حصته يعاقب على ترك الباقي
إذا تركه مع ترك صاحبه.
ثم إن حكم القاضي بالقرعة عند اختلافهما (1) لا وجه له، لعدم جواز
الاختلاف بعد وجوب قيامهما (2) بالواجب الكفائي، لأنه لا يسقط عنهما إلا بعد
حصوله في الخارج، فينوي كل منهما الوجوب كما في صلاة الميت.
ودعوى وجوب فعل واحد عنه - على أن تكون الوحدة شرطا لصحة
الفعل مع تعددهما - ممنوعة.
حكم الواجب غير المتبعض
ومما ذكرنا يعلم حكم ما إذا كان الواجب مما لا يتبعض كصلاة واحدة أو
صوم يوم واحد وفي ثبوت الكفارة عليهما مع إفطار الصوم بعد الزوال - على
القول بوجوبه في القضاء عن الغير - وجهان، أقواهما: الوجوب عليهما مع
إفطارهما معا، وعلى المتأخر إفطارا مع التراخي، فتأمل.
ثم إن هنا وجوبا كفائيا في الصلاة من جهة أخرى، وهي أن الترتيب لما
كان شرطا في صحة الصلاة فبعد الحكم بتوزيعها يكون الواجب كفائيا منهما
الشروع في القضاء فإذا فرغ من صلاة واحدة كان الشروع في الأخرى أيضا
واجبا كفائيا، وهكذا إلى أن يصلي أحدهما قدر نصيبه، فيتعين الباقي على الآخر،
فإن اختلفا في السبق بأن أراد كل منهما السبق واللحوق، فلا يبعد القرعة.
عدم اشتراط الحرية في القاضي
ولا يشترط في القاضي الحرية، لأن الأولوية بالميت - هو مناط
الحكم - لا يتوقف على استحقاقه الإرث، بل يقتضيه مع عدم المانع، ولهذا لا
يفرق في الحر بين الوارث بالفعل والممنوع عن الإرث للقتل. وتعلق الحكم في
صحيحة حفص (3) على (الأولى بالإرث) يراد به الأولى بالإرث من حيث القرابة

(1) المهذب 1: 196.
(2) في " د " و " ع ": لعدم اختلاف بعد جواز قيامهما.
(3) الوسائل 7: 241 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5.
221

لو خليت ونفسها.
عدم اشتراط خلو ذمة القاضي
ولا يشترط أيضا خلو ذمته من صلاة فائتة، نعم سيأتي حكم الترتيب بين
الفائتة والمتحملة في أحكام القضاء.
222

وأما المقضي
كلمات العلماء في المقضي
فالمحكي عن المشهور أنه جميع ما فات عن الميت، وعن الشهيد الثاني:
نسبته إلى ظاهر النص وإطلاق الفتوى (1) وظاهر عبارة الغنية: الاجماع عليه (2)
وعن الحلي (3) وسبطه - ابن سعيد -: أنه لا يقضى إلا ما فاته في مرض موته (4)
والمحكي عن [المحقق] (5) في بعض رسائله أنه يقضى ما فاته لعذر كالمرض
والسفر والحيض بالنسبة إلى الصوم، لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه (6) وعن
الذكرى نسبته إلى السيد عميد الدين ثم اختياره (7) كما عن الشهيد الثاني (8).

(1) المسالك 2: 263 وحكاه الغنائم: 467.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 501.
(3) السرائر 1: 399.
(4) الجامع للشرائع: 89.
(5) في " ش ": لف، وفي " ع " و " د ": المختلف. وهو خطأ، ولعل منشأه تصحيف كلمة " المحقق " إلى
كلمة " المختلف ".
(6) وهي الرسالة البغدادية، حكاه عنه الشهيد في الذكرى: 138.
(7) الذكرى: 138.
(8) انظر الروضة البهية 1: 747 و 2: 124.
223

الأقوى في الأقوال
والأقوى الأول، لاطلاق ما تقدم من النصوص، خصوصا رواية ابن
سنان المتقدمة (1) ودعوى انصرافها إلى ما فات لعذر - إن سلم - فهو تبادر
ابتدائي، كتبادر بعض أفراد الماء من إطلاق لفظه، مع أن بعض فروض الترك
عمدا مما لا اشكال في عدم خروجه عن منصرف الاطلاق، مثل ما إذا وجب
عليه الصلاة في حال المرض مع النجاسة أو مع العقود أو الاضطجاع، أو وجب
عليه الصلاة حال المطاردة مع العدو، فقصر في فعلها كذلك - على ما هو الغالب
في أحوال المرضى والغازين من ترك الصلوات إذا لم يتمكنوا من فعلها إلا
كذلك - ثم مات في هذه الحال أو بعد ذلك، فإن دعوى خروج مثل هذا عن
منصرف اطلاق الأخبار المتقدمة (2) بعيدة عن الانصاف، وإذا شمل هذا شمل
غيره من الصلوات المتروكة عمدا أو المفعولة فاسدة، لعدم القول بالفصل، بل
يمكن دعوى شمول الروايات للمفعولة فاسدة، فيشمل المتروكة عمدا لعدم
الفصل، فتأمل.
وكيف كان: فدعوى اختصاص الرواية بمن فاته الصلاة لعذر يسقط
شرعا معه الصلاة - كالاغماء وفقد الطهورين ونحو ذلك - في غاية البعد،
خصوصا لو أريد من عدم تعمد الفوت عدم التمكن من قضائه أيضا، بحيث لا
يعم ما تسامح في قضائه حتى مات.
ثم الظاهر أن النسبة بين قول الحلي (3) ومختار المحقق (4) عموم من وجه،

(1) رواها الشهيد في الذكرى: 74، الحديث الرابع والعشرون، وقد تقدمت في الصفحة 216.
(2) الوسائل 7: 241 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5، 6، الذكرى: 74.
الحديث الرابع والعشرون. وقد تقدمت في الصفحة 216.
(3) السرائر 1: 399.
(4) حكاه عنه الشهيد في الذكرى: 138.
224

لأن الفوات في مرض الموت يعم الترك عمدا.
انصراف الاطلاق إلى ما وجوب عليه أصالة
وعلى أي حال: فالظاهر انصراف الاطلاق في النص والفتوى إلى ما
وجب عليه أصالة، فلا يعم ما تحمله بالولاية أو الاستئجار وإن كان العمل
بالاطلاق أحوط، بناء على احتمال كون الانصراف هنا نظير الانصراف السابق.
225

وأما المقضي عنه
فهو الوالدان لا غير، بناء على المشهور من اختصاص القاضي بالولد
الأكبر.
القضاء عن الأم
نعم اختلفوا في دخول الأم من جهة اختصاص رواية حماد بالرجل (1)
وانصراف رواية ابن سنان إليه (2) فإلحاق المرأة بالرجل قياس - كما صرح
الحلي (3) والمحقق والشهيد الثانيان في حاشيتي الشرائع (4) بل حكي عن
جماعة (5).
والأقوى الدخول، وفاقا لصريح المحكي عن صوم المبسوط (6)
والنهاية (7) والغنية (8) والمنتهى (9) والتذكرة (10) بناء على عدم الفرق بين الصوم

(1) الوسائل 7: 241 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 6.
(2) رواها الشهيد في الذكرى: 74، الحديث الرابع والعشرون.
(3) السرائر 1: 399.
(4) المحقق الثاني في حاشية الشرائع: 59 (مخطوط) وأما حاشية الشهيد الثاني فلا توجد لدينا.
(5) انظر المستند 1: 517.
(6) المبسوط 1: 286.
(7) النهاية: 158.
(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 501.
(9) المنتهى 2: 605.
(10) التذكرة 1: 276.
226

والصلاة.
وحكي في خصوص الصلاة عن الرسالة المحكية سابقا عن المحقق في
جواب سؤال جمال الدين المشغري (1) وعن الذكرى (2) والموجز (3) بل حكي
نسبته إلى ظاهر اطلاق الأكثر، إلا أن الموجود في الروضة: أن اختصاص الحكم
بالأب وعدم التعدي إلى الأم وغيرها من الأقارب (4) هو المشهور (5).
وكيف كان فالأقوى اللحوق، ودعوى الانصراف في رواية ابن سنان (6)
ممنوعة، مضافا إلى مصححة أبي حمزة: (عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو
طمثت أو سافرت، فماتت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضى عنها؟ قال: أما
الطمث والمرض فلا، وأما السفر فنعم) (9).
ويمكن أن يكون طرح الحلي (10) لهذه الأخبار لكونها آحادا عنده.
وهل يشترط في المقضي عنه الحرية؟ قولان، أقواهما: العدم، لاطلاق

(1) في " ش " و " ع ": الأشعري. انظر الذكرى: 138.
(2) الذكرى: 139.
(3) الموجز الحاوي (الرسائل العشر - للحلي قدس سره -): 110.
(4) ليس في " ش " و " ع ": وغيرها من الأقارب.
(5) الروضة البهية 1: 747. مع اختلاف في العبارة.
(6) رواها الشهيد في الذكرى: 74، الحديث الرابع والعشرون.
(7) الوسائل 7: 241 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.
(8) انظر الذكرى: 138.
(9) انظر المنتهى 2: 603 و 605.
(10) السرائر 1: 399.
227

الروايات (1) ودعوى انصرافها إلى الحرية في غاية البعد.
وتوهم كون الأولى بالعبد مولاه، ولا يجب عليه القضاء إجماعا، مدفوع
بأن المراد بالأولوية: الأقربية في النسب والأشدية في علاقة القرابة التي هي
المقتضية للأولوية بالإرث ولو اجتمع سائر شروط الإرث، ولذا يجب على القاتل
لأبيه وإن لم يرثه.
وحكي عن فخر الدين عدم الوجوب، قال: ومنشأ الإشكال عموم قولهم
عليهم السلام: (فعلى وليه أن يتصدق عنه من تركته) (2) دل بالمفهوم على الحرية، فهذه
المسألة ترجع إلى أن الضمير إذا رجع إلى البعض هل يقتضي التخصيص أم لا؟
وقد حقق ذلك في الأصول. والحق عندي عدم القضاء لما تقدم (3) (انتهى).
واعترضه شارح الروضة - بعد نقل هذا الكلام - بأنا لم نظفر بخبر فيه
ذلك، وإنما الخبر الذي تعرض فيه للتصدق خبر أبي مريم، وليس فيه ذكر الصوم
إلا بعد التصدق في إحدى طريقيه ولفظه: (وإن صح ثم مرض حتى يموت وكان
له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد، وإن لم يكن له مال صام عنه وليه) (4)
(5) (انتهى).
ولا يخفى ضعف ما ذكره فخر الدين، إذ لو سلم وجود خبر مشتمل على
المتمم المذكور، فمقتضى التبادر وإن كان تقييد المطلق به - وليس هذا من قبيل

(1) الوسائل 7: 240 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان.
(2) في " د ": " يقضي عنه من تركته " وفي الإيضاح: " فعلى وليه أن يقضي عنه " واعترض بقولهم
عليهم السلام في تمام الخبر " فإن لم يكن له ولي تصدق عنه من تركته ". انظر إيضاح الفوائد 1:
241.
(3) إيضاح الفوائد 1: 241.
(4) الوسائل 7: 241 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 7.
(5) هذا هو طريق الكافي والفقيه وطريقه الآخر هو طريق التهذيب وليس فيه ذكر الصوم.
شرح الروضة: 180 (مخطوط).
228

العام المتعقب بالضمير الراجع إلى بعض أفراده كما لا يخفى - إلا أن تخصيص
الخبر المشتمل على المتمم (1) لا يقتضي تخصيص باقي (2) المطلقات، لعدم التنافي
بينهما.
ثم إن حكم الجارية حكم العبد الميت.

(1) ليس في " ش " و " ع ": المتمم، بل وردت مكانها كلمة: هذا.
(2) في " ش " و " ع ": بعض.
229

وأما أحكام القضاء
فيحصل توضيح المهم منها في ضمن مسائل:
الأولى: أن الظاهر من النص والفتوى بأنه (يقضي عن الميت)، أن القضاء
عن الميت نيابة عنه في الفعل، لا أنه تكليف أصلي على الولي.
لزوم نية النيابة
فلا بد فيه من نية النيابة كما في الحج والزيارة عن الغير، ولا تبرأ ذمته
بإهداء ثواب العبادة إلى الميت من دون قصد النيابة، بل لا يشرع هذا الفعل
بمجرد هذه الغاية مع عدم اشتغال ذمته به أصالة، كمن أراد أن يصلي ظهرا في
غير وقته ويهديه إلى الميت، لأن إهداء الثواب فرع وجوده المتوقف على تحقق
الأمر، المفروض عدمه.
ويعتبر في القضاء جميع ما كان معتبرا في فعل الميت، مع قطع النظر عما
يعرض باعتبار خصوص مباشرة الفاعل له، فيقصر ما فاته سفرا، ويتم ما فاته
حضرا، ولا يجب عليه الاخفات في أوليي الجهرية لو كان النائب رجلا والميت
امرأة، ويجب الاخفات لو انعكس الفرض، وكذا الكلام في ستر تمام (1) البدن.
والفرق بينهما وبين القصر والاتمام: أن القصر والاتمام مأخوذان في ماهية

(1) في " د ": جميع.
230

الصلاة، وأما الجهر والاخفات فإنما هو باعتبار كون المباشر للفعل امرأة يطلب
خفض صوتها وستر بدنها عند الصلاة، فهما أحكام خصوص الفاعل لا الفعل.
ومثلهما الأحكام الثابتة للفاعل باعتبار العجز والقدرة، فإن المعيار فيها
حال المباشرة للفعل، فيصلي القادر قائما عمن فات عنه قاعدا، ويصلي العاجز
قاعدا عمن فاته قائما.
عدم وجوب الاستنابة على الولي مع عجزه
ولا يجب على الولي الاستنابة مع عجزه، للأصل. وربما يحتمل ذلك بناء
على أن الواجب على الولي تحصيل الصلاة بالأجزاء والشرائط التي كانت على
الميت وإبراء ذمته بصلاة نفسه أو بالاستنابة، فإذا لم يتمكن من الصلاة
الاختيارية بنفسه تعين عليه الاستنابة.
ويضعفه أن الاستنابة مع جوازها مسقطة للواجب المعين على الولي، لا
أحد فردي الواجب المخير، فلا يتعين عند تعذر الصلاة الاختيارية، بل ينتقل
إلى بدلها الاضطراري كالصلاة قاعدا أو قائما إذا كان غير راج لزوال العذر،
بل وإن كان راجيا، بناء على عدم وجوب تأخير أولي الأعذار، وعلى وجوب
المبادرة إلى براءة ذمة الميت.
ولكن الأقوى وجوب الانتظار مع رجاء زوال الأعذار، والأحوط
الاستنابة مع عدمه.
عدم وجوب الاستنابة على الولي مع الجهل
وفي حكم العجز والقدرة: العلم والجهل المعذور فيه موضوعا أو حكما
كمن جهل القبلة فصلى إلى الجهة المظنونة أو إلى أربع جهات مع عدم الظن، أو
صلى في طاهر كان يعتقده الميت نجسا، فإن هذه الأمور وأشباهها تلحق الفعل
باعتبار مباشرته، لا باعتبار ذاته.
ومن هذا القبيل اختلاف الميت والنائب في مسائل الصلاة، فإن العبرة
فيها بمعتقد الفاعل تقليدا أو اجتهادا دون الميت، حتى لو فاته صلاة يعتقدها
قصرا، كما إذا سافر إلى أربعة فراسخ من دون الرجوع ليومه واعتقدها الولي
231

تماما - لاعتقاده اعتبار الرجوع ليومه في الأربعة - وجب القضاء عنه تماما.
حكم قضاء الصلاة التي اعتقد الولي فسادها
نعم لا يجب قضاء ما صلاه (1) الميت صحيحا إذا اعتقد الولي فسادها،
وهو واضح.
والفرق: إن فعل الميت بدل على الواقع إذا كان مخالفا له، أما إذا لم يفعل
فالفعل يصير تكليفا للولي يوقعه بحسب اعتقاده، حتى لو اعتقد عدم وجوبه
على الميت رأسا لم يجب على الولي وإن كان الميت قد اعتقد وجوبه، كقضاء صلاة
الخسوف الذي لم يعلم به الميت حتى انجلى، فلا يجب على الولي قضاؤها إذا
اعتقد عدم وجوبه، وإن كان الميت قد اعتقد وجوب القضاء.
ويحتمل وجوب القضاء هنا على الولي إذا اعتقد استحبابه على تقدير
عدم الوجوب، لصيرورة الميت مشغول الذمة به في اعتقاده ويمكن إبراء ذمته
فيجب.
أما إذا لم يعتقد الولي استحبابه على تقدير عدم الوجوب فلا يجوز له
الاتيان لعدم تأتي قصد القربة لكن فرض المسألة خلافية لا ينفك عن رجحان
الاتيان من باب الاحتياط.
هل ما يفعله الولي أداء؟
الثانية: هل ما يفعله الولي أداء لما فات عن الميت باعتبار الأمر الأدائي،
فيكون فعله تداركا للأداء؟ كما لو فرض موته قبل خروج وقت الصلاة التي
فاتته، كما إذا مات بعد مضي مقدار الصلاة والطهارة، أو في غير الفرض المذكور
أداء ما فات عن الميت باعتبار الأمر القضائي فيكون تداركا لقضاء الميت الذي
هو تدارك لفعله الأدائي، لا تداركا أوليا لفعله الأدائي؟.
وبعبارة أخرى: لا شك أن الصلاة عن الميت كأداء الدين عنه،
فهل الملحوظ - كونه دينا - الأمر الأدائي، أو الأمر القضائي به فيما إذا مات بعد

(1) في " ش " و " ع ": قضاء صلاة.
232

تكليفه بالقضاء؟ وجهان، أظهرهما من أدلة العبادة عن الميت وأنها كأداء الدين
عنه، الأول، لأن ظاهر إطلاق الدين على العبادة إنما هو باعتبار مطلوبيتها
الأولية، والأمر بقضائها أمر بأداء ذلك الدين، فإذا لم يؤده بنفسه أداه عنه الولي،
ففعل الولي بدل الأداء، لا القضاء.
ثمرة المسألة
وتظهر الثمرة في اعتبار الأمور المعتبرة في القضاء في فعل الولي.
توضيح ذلك: أن ما كان من الشروط معتبرة في الأداء، فلا
إشكال في اعتبارها في القضاء، سواء كان القاضي نفسه حيا أو وليه (1) بعد موته،
لأن تدارك الفائتة لا يحصل إلا بمراعاتها، لأن المفروض كونها مأخوذة في
الفائت.
وأما الشروط المعتبرة في قضاء الصلاة التي دل عليها الدليل الخاص من
دون كونها معتبرة في الأداء فلا بد، من الاقتصار في اعتبارها على مقدار دلالة
الدليل، فإذا دل الدليل على اعتبارها في قضاء الشخص عن نفسه فلا يتسرى
إلى قضائه عن غيره.
نعم لو قلنا: إن الغير إنما يفعل ذلك القضاء الذي كان واجبا على الميت
وامتثالا لأمر القضائي، فلا مناص من مراعاة هذه الشروط.
الترتيب بين الفوائت
وهذا مثل الترتيب بين الفوائت - بناء على اعتباره في القضاء باعتبار
دليل خارج، وليس باعتبار كونه شرطا في الأداء -، إذ ليس تأخير المغرب عن
عصره المتقدم شرعا شرطا له، وإنما هو عارض اتفاقي له حصل من تدريج
الزمان، بل تأخير العصر عن الظهر أيضا ليس إلا باعتبار الأمر الأدائي
بالظهر، فإذا فات الظهر والعصر فقد ارتفع الأمر الأدائي بالظهر وبرئت الذمة
منه، ووجوب وقوع العصر بعد (2) براءة الذمة من مطلق الأمر بالظهر - ولو كان

(1) في " ش " و " ع ": كان القاضي بنفسه حيا أو وليا.
(2) في " د ": عقيب.
233

أمرا - قضائيا - غير معلوم، فتأمل حتى لا يتوهم أنه رجوع عن لزوم (1) اتحاد
القضاء والأداء في الشروط، لأنا نلتزم أيضا أن كلما هو شرط في العصر الأدائي
شرط في العصر القضائي، لكن ندعي أن الشرط في العصر الأدائي وقوعها بعد
براءة الذمة عن الأمر الأدائي [بالظهر، دون مطلق الأمر بها، ولازم اعتبار
شروط الأداء في القضاء أن العصر القضائي أيضا لا بد من وقوعها بعد البراءة
عن الأمر الأدائي] (2)، وهذا شئ حاصل دائما.
فالعمدة في وجوب الترتيب بين الفوائت الاجماع المنقول وبعض
الأخبار (3) وهي مختصة بقضاء الشخص عن نفسه، والمفروض أن الولي نائب عن
الميت في تدارك الأداء، لا في تدارك القضاء حتى يقتضي ذلك وجوب مراعاة
ما وجب على الميت في قضائه عن نفسه، نعم لا يستبعد أن يستظهر من أدلة
الترتيب في قضائه عن نفسه كون مطلق كذلك، سواء كان عن نفسه أو عن
الغير.
سقوط القضاء عن الولي بفعل الغير
الثالثة - هل يسقط القضاء عن الولي بفعل الغير - كما عن الشيخ (4)
وجماعة (5) - أم لا - كما عن الحلي (6) وآخرين (7) -؟.
الأقوى: الأول، العموم ما دل على أن الصلاة والصوم عن الميت يكتب

(1) في " د ": التزام.
(2) ما بين المعقوفتين من " د ".
(3) منها ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام. انظر الوسائل 5: 351 الباب 2 من
أبواب قضاء الصلوات، الحديث 5.
(4) المبسوط 1: 286.
(5) منهم المحقق الحلي في الشرائع 1: 204 والشهيد رحمه الله في الدروس: 77 وانظر الغنائم 471.
(6) السرائر 1: 399.
(7) منهم العلامة في المنتهى 2: 604.
234

له (1) وما دل على أن العبادة في ذمة الميت كالدين، فكما تبرأ ذمته بأداء كل أحد
الدين عنه فكذلك العبادة (2): وقد تقدم (3) في رواية الخثعمية قوله صلى الله عليه وآله:
(أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك؟ قالت: نعم قال صلى الله عليه
وآله وسلم: فدين الله أحق بالقضاء) (4).
فإذا برئت ذمة الميت بفعل كان من فعل عنه، فلا يبقى في ذمته شئ حتى
يجب على الولي قضاؤه، ففعل الغير مسقط للوجوب عن الولي بسقوط موضوعه
- أعني اشتغال ذمة الميت - لا أن الغير نائب عن الولي أو متحمل عنه، حتى
يقال: إن الصلاة والصوم لا يتحملان عن الحي، أو يقال: إن المخاطب هو الولي
فيجب عليه المباشرة، فإنا لم نحكم بامتثال الولي إذا استناب غيره، وإنما نحكم
ببراءة ذمة الميت، فلا يكون عليه صلاة أو صيام حتى يقضيه الولي.
فيظهر من ذلك كله أن الاستدلال على المنع بظهور الأدلة في وجوب
المباشرة، أو أن الصلاة والصوم لا تدخلهما النيابة عن الحي، في غير محله، فإذن
ما ذكرنا ينافي التصريح عن المشهور بوجوب مباشرة الولي له.
ويدل على السقوط - مضافا إلى ما ذكرنا - الموثقة: (في الرجل يكون
عليه صلاة أو صوم هل يجوز أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال: لا يقضيه إلا
مسلم عارف) (5).
دل على عدم إجزاء قضاء غير العارف بالأئمة عليهم السلام وإن كان وليا،
وجواز قضاء العارف وإن لم يكن وليا.

(1) رواها الشهيد في الذكرى: 74 عن كتاب غياث سلطان الورى للسيد ابن طاووس.
(2) صحيح البخاري 3: 46 وصحيح مسلم 2: 804.
(3) تقدم في صفحة 208.
(4) الذكرى: 75.
(5) الوسائل 5: 366 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 5.
235

ولا يجوز أن يكون المراد بغير العارف في السؤال، وبالعارف في الجواب
خصوص الولي، كما لا يخفى.
ومرسلة الفقيه عن الصادق عليه السلام: (إذا مات الرجل وعليه صوم شهر
رمضان فليقض عنه من شاء من أهله) (1).
فإنه بعد قيام القرينة على عدم إرادة ظاهر الخبر - وهو الوجوب
الكفائي - ظاهر في أن كل أحد من أهله مرخص في إبراء ذمة الميت، وتخصيص
(الأهل) مع أن غيرهم أيضا مرخص، لأجل حصول مشيئة القضاء فيهم غالبا،
دون غيرهم.
والموثق - كالصحيح - المحكي عن زيادات التهذيب، عن أبي بصير:
(قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل
أن يقضيه قال: يقضيه أفضل أهل بيته) (2).
دل - بعد قيام الدليل على عدم وجوب القضاء على أفضل أهل البيت -
على استحباب تفويض الولي القضاء إليه إن لم يكن هو وليا، وعلى عدم تفويضه
إلى غيره إن كان هو الولي.
استدلال الحلي على عدم السقوط
واستدل الحلي (3) ومن تبعه (4) على عدم سقوطه بفعل الغير بما يرجع
حاصله إلى أصالة عدم السقوط بعد كون الولي هو المخاطب، وزاد في الذكرى:
أن الصلاة لا تقبل التحمل عن الحي (5).

(1) الفقيه 2: 153، الحديث 2009.
(2) التهذيب 4: 325، الحديث 1007. وقد ورد الحديث في النسخ الخطية ناقصا ومضطرب
الكلمات، وما أثبتناه من المصدر.
(3) السرائر 1: 399.
(4) منهم العلامة في المنتهي 2: 604.
(5) الذكرى: 139.
236

الجواب على استدلال الحلي
ويعرف الجواب عن ذلك كله بما ذكرنا من أن الغير ليس متحملا عن
الولي، وإنما يبرئ ذمة الميت فيرتفع الوجوب عن الولي.
نعم يمكن أن يستدل لهم بمكاتبة الصفار إلى أبي محمد العسكري
عليه السلام: (رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام، وله وليان، هل
يجوز أن يقضيا عنه جميعا عشرة أيام، خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟
فوقع عليه السلام: يقضي عنه أكبر ولييه (1) عشرة أيام ولاء إن شاء الله تعالى) (2).
فإن المنع عن إقدام الوليين على القضاء بالتوزيع مع كون أحدهما أكبر،
يدل على عدم جواز تبرع الأصغر بقضاء خمسة أيام.
وحمل الأمر بالقضاء على الاستحباب ينافيه - مع كون السؤال عن أصل
الجواز - أن المستحب هو تعجيل إبراء ذمة الميت الحاصل بقضاء كل منهم خمسة
دون صوم الأكبر عشرة ولاء، فالظاهر أن الأمر بالولاء لوجوب المبادرة إلى إبراء
الذمة، ففيه دلالة على عدم جواز تبرع غير الولي، مضافا إلى اقتضاء تطابق
الجواب والسؤال لذلك.
وعلى أي تقدير: فقوله عليه السلام: (يقضي عنه) ليس مستعملا في الوجوب
بقرينة تقييده بالولاء، فليت شعري كيف استدل به المشهور على وجوب تقديم
الأكبر عند تعدد الأولى بالإرث. إلا أن يقال: إن الاستحباب مناف لوجوب
المبادرة إلى إبراء ذمة الميت، فلو جاز لغير الولي القضاء لم يرجح انفراد الولي به
على المشاركة.

(1) في " ش " و " ع " والأصول التي كانت عند صاحب الجواهر: " وليه " وفي " د " ونسخة الوسائل التي
رآها صاحب الجواهر: " ولديه "، الجواهر 17: وما أثبتناه من الوسائل بطبعتيه والفقيه 2: 153
الحديث 2010 والتهذيب 4: 247 الحديث 732 والاستبصار 2: 108، الحديث 355.
(2) الوسائل 7: 240 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 3. وفيه بعض
الاختلافات.
237

فظاهر الرواية لو حمل على الوجوب نافى مذهبهم في جواز تبرع الغير،
ولو حمل على الاستحباب لم يدل على مذهبهم بتعين القضاء على الأكبر.
سقوط القضاء عن الولي بفعل المتبرع
ثم إن ما ذكرنا من سقوط القضاء عن الميت بفعل الغير يعم المتبرع،
والموصى إليه، والمستأجر.
أما المتبرع: فلا فرق فيه بين أن يقع بإذن الولي أو بدون إذنه، إذ
المفروض عدم تحمله شيئا عن الولي حتى يحتاج إلى إذنه.
وجوب القضاء بالوصية
وأما الموصى إليه: فإن قبل الوصية وجب عليه الفعل ولو كان تبرعا أو
أوصى بالاستئجار من مال الموصى إليه على ما يظهر من الذكر (1) والمحكي
عن ابن طاووس (2) وغير واحد من المعاصرين (3)، بل في المناهل دعوى ظهور
الاتفاق عليه (4) وعن التذكرة: أنه إذا أوصى الانسان بوصية فإن وصيته تنفذ
ويجب العمل بها إجماعا (5). وفي دلالته على المدعى نظر.
نعم استدل عليه بعموم حرمة تبديل الوصية المستفاد من الآية (6) ومن
الأخبار (7) المستشهدة بالآية.
ويظهر من العبارة المحكية عن التذكرة أن هذا النحو من قبول الوصية
بمنزلة الوعد لا يجب الوفاء به، قال - في مقام الاستدلال على وجوب قضاء
الصوم عن المرأة برواية أبي بصير: (عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في
شوال، فأوصتني أن أقضي عنها، قال: هل برئت من مرضها قلت: لا، قال:

(1) الذكرى: 75.
(2) حكاه عنه الشهيد في الذكرى: 75.
(3) انظر الذخيرة: 387 و 388 والغنائم: 473.
(4) المناهل (مصابيح الفقه - مخطوط).
(5) لم نقف عليه.
(6) البقرة: 2، 181.
(7) الوسائل 13: 411 الباب 32 من أبواب أحكام الوصايا.
238

لا تقضي عنها فإن الله تعالى لم يجعله عليها، قلت: فإني أشتهي أن أقضي عنها
وقد أوصتني بذلك، قال: كيف تقضي شيئا لم يجعله الله عليها، فإن اشتهيت أن
تصوم فصوم لنفسك) (1): -: استفسر عليه السلام عن حصول البرء أولا، ولو لم يجب
القضاء مع البرء لم يكن للسؤال معنى.
ثم قال: لا يقال: قد حصلت الوصية فجاز أن يكون الوجوب بسببها.
لأنا نقول: الوصية لا تقتضي الوجوب، أما مع عدم القبول فظاهر، وأما
مع القبول فلأنه راجع إلى الوعد (2) (انتهى).
هل يسقط الوجوب عن الولي بالوصية؟
وكيف كان: فهل الوصية النافذة تسقط الوجوب عن الولي، أم لا؟
صريح الشهيدين (3) وصاحب الموجز (4) وشارحه (5) وصاحب الذخيرة (6) ذلك،
ولعله (7) لأن بعد فرض وجوب العمل الكفائي مخالفة لظاهر التكليفين، والحكم
بالوجوب على الولي مناف لفرض نفوذ الوصية، فإن التحقيق أن دليل وجوب
العمل بالوصية حاكم على أدلة مثل هذا الحكم، أعني الوجوب على الولي، وإلا
فكل واقعة قبل تعلق الوصية بها لها حكم غير ما تقتضيه الوصية، ولذا لم يستدل
الشهيد رحمه الله (8) ومن تبعه (9) على السقوط بأزيد من أن العمل بما رسمه الموصي

(1) الوسائل 7: 242 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 12.
(2) التذكرة 1: 276.
(3) الذكرى: 139، المسالك 1: 61.
(4) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 110.
(5) وهو الصيمري في كشف الالتباس عن موجز أبي العباس (مخطوط).
(6) الذخيرة: 388.
(7) ليس في " ش " و " ع ": ولعله.
(8) الذكرى: 139.
(9) انظر الذخيرة: 388.
239

واجب.
نعم زاد صاحب الذخيرة: أن المتيقن من موارد الوجوب على الولي ما
إذا لم يوص الميت (1). ولا بأس به، لأن الظاهر من قول السائل: (يموت الرجل
وعليه صلاة أو صيام من يقضيه؟) (1) فرض عدم وجود من أقدم على إبرائه
ووجب عليه ذلك.
وربما يقال أيضا: إن النسبة بين أدلة الوجوب على الولي وأدلة وجوب
العمل بالوصية عموم من وجه، والترجيح مع أدلة الوصية.
وفيه نظر، بل التحقيق الحكم بحكومة أدلة الوصية كما يحكم في سائر
الموارد، لما عرفت من أن كل وصية فهي ترد على واقعة له حكم ودليل لولا
الوصية، فلا يعارض بدليلها أدله الوصية، فلاحظ، فأدلة العمل بالوصية شبيهة
بأدلة النذر وشبهه.
استظهار عدم السقوط من البهبهاني
ويظهر من شرح الوحيد البهبهاني: عدم السقوط عن الولي بالوصية،
بل يكون الوجوب عليهما نظير الكفائي (3).
فإن أراد به كون الوجوب كذلك من أول الأمر وحين موت المقضي عنه،
ففيه نظر عرفت وجهه.
وإن أراد السقوط مراعى بفعل الوصي، فلا تبرأ ذمته مطلقا إلا بعد
فعله، ولو تركاه استحقا العقاب، فلا بأس به، لكن لا يجب تحصيل العلم أو
الظن على الولي بقيام الوصي به، بل لو ظهر له فواته من الوصي بحيث لا يمكن
له الاتيان بموته أو نحوه، تعين على الولي، للعمومات السليمة عن المعارض.
إلا أن يقال - بعد تسليم ما ذكر سابقا من كون مورد الحكم في الأخبار

(1) الذخيرة: 388.
(2) الوسائل 7: 241 الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5.
(3) شرح المفاتيح " مخطوط ".
240

غير صورة إيصاء الميت - لا دليل على عود الوجوب بعد تحقق السقوط.
براءة ذمة الميت بفعل الأجير
وأما الاستئجار: فلا كلام فيه من حيث براءة ذمة الميت بفعل الأجير إذا
فعلها على الوجه الصحيح، سواء كان له ولي فكان المستأجر هو أو غيره، أم لم
يكن له ولي. وإنما الكلام في صحة الاستئجار وعدمها.
والثمرة بعد الاتفاق على الصحة، لو وقع من الأجير صحيحا كما لو وقع
من غيره في أمرين:
أحدهما: انتقال مال الأجرة إلى الأجير.
والثاني: أن كون الداعي للعمل هو تحصيل استحقاق الأجرة غير قادح
في نية القربة المعتبرة في جميع العبادات.
وجوه صحة الاستئجار
فنقول: أما صحة الاستئجار: فالحق صحته وفاقا للمعظم، لوجوه:
الوجه الأول:
الاجماعات المستفيضة
الأول: الاجماعات المستفيضة عن جماعة كالشهيد قدس سره حيث قال في
الذكرى: إن هذا النوع مما انعقد عليه إجماع الإمامية الخلف والسلف، وقد تقرر
أن إجماعهم حجة قطعية (1) (انتهى).
وحكي الاجماع أيضا عن الإيضاح (2) وجامع المقاصد (3) وإرشاد
الجعفرية (4). بل عن ظاهر مجمع الفائدة أيضا (5)، وعن بعض الأجلة - كأنه
صاحب الحدائق - عدم الخلاف في المسألة (6).

(1) الذكرى: 75.
(2) إيضاح الفوائد 2: 257.
(3) جامع المقاصد 7: 152.
(4) نقله عنه في مفتاح الكرامة 2: 61.
(5) لم نقف عليه في مجمع الفائدة ولكن نقله في الغنائم: 472.
(6) الحدائق: 11: 44.
241

ويؤيد ذلك - مضافا إلى الشهرة العظيمة، إذ لم يخدش في ذلك إلا صاحبا
الكفاية (1) والمفاتيح (2) - استقرار سيرة الشيعة في هذه الأعصار وما قاربها من
المجتهدين والعوام والمحتاطين على الاستئجار والايصاء به.
الوجه الثاني: وجود المقتضي وفقدان المانع
ويدل على المسألة - مضافا إلى ما عرفت - أن المقتضي لصحة الاستئجار
موجود والمانع مفقود، لاتفاق المسلمين على أن كل عمل مباح (3) مقصود للعقلاء
لا يرجع نفعه إلى خصوص العامل ولم يجب عليه يجوز استئجاره عليه، ومنع (4)
تحقق الاجماع في خصوص كل مقام ضروري الفساد عند أدنى محصل، إذ لم
تسمع المناقشة في هذه القاعدة ومطالبة الدليل على الصحة في كل مورد من
الأعمال المستأجر عليها كما في الأعيان المستأجرة.
الوجه الثالث: العمومات الدالة على صحة إجارة الانسان نفسه
هذا كله مضافا إلى العمومات الدالة، على صحة إجارة الانسان نفسه،
كما في رواية تحف العقول (5) وغيرها (6) وعمومات الوفاء بالعقود (7) وحل أكل المال
بالتجارة عن تراض (8) وعمومات الصلح إذا وقعت المعاوضة على جهة
المصالحة (9).
وبالجملة: فالأمر أظهر من أن يحتاج إلى الاثبات.
ثم إن ما ذكره المخالف في المقام لا يوجب التزلزل فيما ذكرناه من الدليل،
إذ المحكي عن المحدث الكاشاني في المفاتيح ما هذا لفظه: (أما العبادات الواجبة

(1) الذخيرة: 387.
(2) مفاتيح الشرائع 2: 176.
(3) في " د ": محلل.
(4) في " ش ": ودعوى.
(5) تحف العقول: 248.
(6) الوسائل 13: 243 الباب 2 من أبواب أحكام الإجارة.
(7) المائدة: 5، 1، تفسير العياشي 1: 289.
(8) النساء: 4، 29، تفسير العياشي 1: 236.
(9) الوسائل 13: 164 الباب 3 من أبواب الصلح، وغيره.
242

كلام المحدث الكاشاني في المسألة
عليه التي فاتته، فما شاب منها المال كالحج يجوز الاستئجار له كما يجوز التبرع
به عنه بالنص والاجماع، وأما البدني المحض - كالصلاة والصيام - ففي
النصوص أنه (يقضيها عنه أولى الناس به) (1)، وظاهرها التعين عليه، والأظهر
جواز التبرع بهما عنه من غيره أيضا.
وهل يجوز الاستئجار لهما عن؟ المشهور نعم، وفيه تردد، لفقد نص فيه،
وعدم حجية القياس حتى يقاس على الحج أو على التبرع، وعدم ثبوت الاجماع
بسيطا ولا مركبا، إذ لم يثبت أن كل من قال بجواز التبرع (2) قال بجواز
الاستئجار لهما.
وكيف كان: فلا يجب القيام بالعبادات البدنية المحضة بتبرع ولا
استئجار، إلا مع الوصية) (3) (انتهى).
الايراد على الكاشاني
والظاهر أن استثناء الوصية من نفي الوجوب رأسا، فيجب مع الوصية في
الجملة، لا مطلقا حتى يشمل الوصية بالاستئجار، كما زعمه بعض فأورد عليه
بأنه لا تأثير للوصية في صحة الاستئجار.
وكيف كان: فحاصل ما ذكره - كما حصله بعض - يرجع إلى التمسك
بالأصل.
فإن أراد أصالة الفساد بمعنى عدم سقوطه عن الولي وعدم براءة ذمة
الميت، ففيه أنه لا يعقل الفرق بين فعل الأجير إذا وقع جامعا لشرائط الصحة
وفعل المتبرع في براءة ذمة الميت والولي في الثاني دون الأول وإن قلنا بفساد
أصل الإجارة.

(1) الوسائل 5: 366 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 6، وفيه: يقضي.
(2) في المصدر: بجواز العبادة للغير.
(3) مفاتيح الشرائع 2: 176.
243

ودعوى عدم وقوع فعل الأجير صحيحا، لعدم الاخلاص - مع أنه كلام
آخر يأتي الإشارة إليه - مدفوعة بأنه قد لا يفعله الأجير إلا بنية القربة، إذ
الاستئجار لا يوجب امتناع قصد القربة.
وإن أراد به أصالة فساد الإجارة، بمعنى عدم تملك الأجير للأجرة المسماة
وعدم تملك المستأجر العمل على الأجير ليترتب عليه آثاره، ففيه ما عرفت سابقا
من أنه لا معنى لمطالبة النص الخاص على صحة الاستئجار لهذا العمل الخاص
من بين جميع الأعمال التي يعترف بصحة الاستئجار عليها من غير توقف على
نص خاص، فهل تجد من نفسك التوقف في الاستئجار لزيارة الأئمة عليهم السلام
من جهة عدم النص الخاص، وكون إلحاقه قياسا محرما؟.
والحاصل: أن التوقف في صحة الاستئجار في هذا المورد الخاص من جهة
عدم الدليل في غاية الفساد، مضافا إلى ما عرفت سابقا من وجود النص على
صحة الاستئجار على الصوم، أو على ما هو بمنزلة الاستئجار - كالجعالة
والمصالحة - مثل ما عن الصدوق في الفقيه، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق
ابن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل جعل عليه صياما في نذر فلا يقوى.
قال: يعطي من يصوم عنه كل يوم مدين) (1) فإن غاية الأمر حملها على
الاستحباب على فرض انعقاد الاجماع على عدم وجوب الاستنابة عند العجز،
لكنه كاف في إثبات المشروعية.
دعوى صاحب المفاتيح منافاة الأجرة لقصد التقرب
ثم إن لصاحب المفاتيح دعوى أخرى في هذا المقام من جهة عدم قصد
التقرب فيما يفعله الأجير، تبع فيه بعض من تقدمه، قال في المفاتيح - على
ما حكي عنه - ما هذا لفظه: (والذي يظهر لي أن ما يعتبر فيه التقرب لا يجوز
أخذ الأجرة عليه مطلقا، لمنافاته الاخلاص، فإن النية - كما مضى - ما يبعث على

(1) الفقيه 3: 374، الحديث 4314.
244

الفعل، دون ما يخطر بالبال. نعم يجوز فيه الأخذ إن أعطي على وجه الاسترضاء
أو الهدية أو الارتزاق من بيت المال من غير تشارط.
وأما ما لا يعتبر فيه ذلك، بل يكون الغرض منه مجرد صدور الفعل على
أي وجه اتفق، فيجوز أخذ الأجرة عليه مع عدم الشرط فيما له صورة العبادة
فيكون مسقطا للعقاب عمن وجب عليه وإن لم يوجب الثواب له.
وأما جواز الاستئجار للحج - مع كونه من القسم الأول - فلأنه إنما يجب
بعد الاستئجار وفيه تغليب لجهة المالية، فإنه إنما يأخذ المال ليصرفه في الطريق
حتى يتمكن من الحج، ولا فرق في صرف المال في الطريق بين أن يصدر من
صاحب المال أو نائبه.
ثم إن النائب إذا وصل إلى مكة وتمكن من الحج أمكنه التقرب به، كما
إذا لم يكن أخذ أجرة فهو كالمتطوع.
أو نقول: إن ذلك أيضا على سبيل الاسترضاء للتبرع، أما الصلاة
والصوم فلم يثبت جواز الاستئجار لهما كما مر) (1).
وربما يستفاد هذا من كلام بعض من سبقه كما سيجئ.
الجواب عن صاحب المفاتيح
والجواب عنه، أولا: بالنقض ببعض الواجبات والمستحبات المعتبر فيها
التقرب، كالحج وصلاة الطواف والزيارات المندوبات إذا وقعت الإجارة على
نفس الأفعال فقط أو مع المقدمات. ودعوى خروجها بالنص والاجماع إن
رجعت إلى دعوى عدم اعتبار القربة فيها كانت فاسدة بالبداهة، وإن رجعت
إلى دعوى الفرق بينها وبين الصلاة والصوم في منافاة الأجرة لقصد القربة فيهما
دونها، فأظهر فسادا من الأول، ضرورة اتحاد القربة المعتبرة في جميع العبادات.
وأما ثانيا: فبالحل، وقد تقرر بما حاصله: جعل التقرب صفة العمل

(1) مفاتيح الشرائع 3: 12.
245

واستحقاق الأجرة غاية، فيقال: إن النية مشتملة على قيود: منها كون الفعل
خالصا لله سبحانه، ومنها كونه أداء أو قضاء، عن نفسه أو عن الغير، بأجرة أو
بغيرها، وكل من هذه القيود غير مناف لقصد الاخلاص، والأجرة فيما نحن فيه
إنما وقعت أولا وبالذات بإزاء القيد الثاني - أعني النيابة عن زيد - بمعنى أنه
مستأجر على النيابة عن زيد بالاتيان بهذه الفريضة المتقرب بها، وقيد القربة في
محله على حالة لا تعلق للإجارة إلا من حيث كونه قيدا للفعل المستأجر عليه.
نعم لو اشترط في النيابة عن الغير التقرب زيادة على التقرب المشروط
في صحة العبادة، اتجه منافاة الأجر لذلك، إلا أنه ليس بشرط إجماعا.
وبالجملة: فإن أصل الصلاة مقصود بها وجهه سبحانه، لكن الداعي
عليها والباعث عليها مع التقرب هو هذا المبلغ الذي قرر له. ولذلك نظائر في
الشرع يوجب رفع الاستبعاد، مثل صلاة الاستسقاء والاستخارة وطلب الحاجة
والولد والرزق، ونحوها مما كان الباعث عليها أحد الأغراض، فإن أصل الصلاة
مقصود بها وجهه سبحانه ويتقرب بها إليه جل ذكره، ولكن الحامل عليها أخذ
الأمور المذكورة، بمعنى أنه يأتي بالصلاة الخالصة لوجه الله لأجل هذا الغرض
الحامل عليها (1) (انتهى).
الايراد على الجواب الثاني
ولا يخفى ما فيه، لابتناء ما ذكره المحدث المتقدم على اعتبار كون القربة
والاخلاص داعيا وحاملا على الفعل بحيث لا يشركه بغيره وهو الحق الذي
لا محيص عنه، فجعل الغرض والداعي أمرا آخر مخالف لذلك.
مع أن كون القربة والاخلاص من قبيل الأداء والقضاء من قيود الفعل
لا محصل له، بناء على أن قصد القربة عبارة عن قصد امتثال أمر الله وطلب رضا
الله بذلك الفعل.

(1) لم نعثر على المقرر.
246

تحقيق المؤلف في الجواب
فالتحقيق في الجواب أن يقال: قد عرفت سابقا أن معنى النيابة هو
تنزيل الشخص منزلة الغير في إتيان العمل الخاص، وقد عرفت أيضا مشروعيته
ورجحانه، ومقتضى هذا التنزيل كون الفعل المقصود به حصول التقرب والثواب
موجبا لتقرب ذلك الغير، لا العامل، لأنه لم يتقرب بذلك الفعل إلا بعد تنزيل
نفسه منزلة المنوب عنه، فصار المنوب عنه هو المتقرب، ولذا يعود النفع إليه.
ثم إن هذا التنزيل هو بنفسه فعل يمكن أن يقع للدواعي المختلفة، فقد
يكون الداعي ما حكم العقل والنقل به من حسن هذا التنزيل وأنه محبوب لله
تعالى وأن الفاعل يثاب عليه، فلا يوقع هذا التنزيل إلا لله تعالى. وقد يكون
الداعي عليه حب ذلك الغير لأمر دنيوي - كقرابة أو صداقة أو إحسان يريد
مكافأته أو غير ذلك - من غير التفات إلى كون هذا التنزيل مما أمر به استحبابا
وأراده الشارع، وهذا هو الأكثر في العوام حيث لا يكون الداعي والحامل لهم
على العمل إلا ما يسمع من وصول النفع إلى الميت بهذه العبادة أو هذه الصدقة،
ولا يلتفتون إلى وصول نفع وثواب إليهم، بل لا يعتقدونه، بل قد لا يصدقون
من يخبرهم بذلك قائلين: إنا نفعل هذا وثوابه لميتنا، ولا شك أن النيابة بهذا
القصد لا يوجب عدم صحة العمل، لأن التقرب على وجه النيابة حاصل. نعم
النيابة على وجه التقرب غير حاصل، والموجب لصحة الفعل على وجه النيابة
هو الأول، والثاني يعتبر في صحة نفس النيابة التي هي عبادة باعتبار تعلق الأمر
الاستحبابي به عقلا ونقلا.
إذا عرفت هذا فنقول: كون الداعي على النيابة وتنزيل نفسه منزلة الغير
في إتيان الفعل تقربا إلى الله هو مجرد استحقاق الأجرة، إنما يوجب عدم
الخلوص والتقرب في موافقة أوامر النيابة وعدم حصول ثواب النائب، لعدم
امتثاله أوامر النيابة وعدم إخلاصه فيها، وهذا لا يوجب عدم صحة العمل الذي
جعل نفسه فيه بمنزلة الغير وأتى به عنه تقربا إلى الله، فالنيابة عن الميت
247

لمجرد استحقاق الأجرة كالنيابة عنه لمجرد محبة الميت لكونها زوجة النائب قد
شغفته حبا لحسنها، بحيث لا يريد من صدقاته وعباداته عنها إلا مجرد إيصال
الثواب إليها، أو كالنيابة عنه لكونه محسنا إليه في أيام حياته ومعينا له في أمر
دنياه أو دينه.
نعم لو نرى الأجير النيابة عن الميت لأجل إيصال النفع إلى أخيه المؤمن
ولأجل امتثاله للوجوب الحاصل من جهة وجوب الوفاء بالعقود، كان مثابا في
عمله مأجورا في الدنيا والآخرة. وعليه يحمل ما ورد من قول الصادق عليه السلام
لم استأجره للحج عن إسماعيل - بعد ما شرط آدابا كثيرة -: (أنه إذا فعلت
كذلك كان لإسماعيل واحد بما أنفق من ماله، ولك تسعة بما أنعمت من ربك) (1).
كلمات الفقهاء في منافاة الأجرة لقصد التقرب
ثم إن هنا كلمات للفقهاء لا بأس بايرادها ليعلم حالها بمقايسة ما ذكرنا
من التوجيه في نية التقرب، وأن ما ذكره المحدث الكاشاني (2) موافق لبعضها،
فنقول - تعويلا على ما حكي عنهم -:
قال في القواعد: وكذا لو آجر نفسه للصلاة الواجبة عليه، فإنها لا تقع
عن المستأجر، وهل تقع عن الأجير؟ الأقوى العدم (3). (انتهى).
وحكي اختيار عدم وقوعها عن الأجير عن الإيضاح (4) وجامع
المقاصد (5) معللا بأن الفعل الواحد لا يكون له غايتان متنافيتان، إذ غاية الصلاة
التقرب والاخلاص خاصة، وغاية العبادة في الفرض حصول الأجرة، ولأنه لم

(1) الوسائل 8: 115 الباب الأول من أبواب النيابة في الحج، الحديث الأول. وفيه: بما أتعبت من
بدنك.
(2) مفاتيح الشرائع 3: 12.
(3) القواعد: 228.
(4) إيضاح الفوائد 2: 257.
(5) جامع المقاصد 7: 152.
248

يفعلها عن نفسه لوجوبها عليه بالأصالة [بل لوجوبها عليه بالإجارة لمكان أخذ
العوض في مقابلها، فلا يكون هي التي في ذمته، لأن التي في ذمته هي الواجبة
عليه بالأصالة] (1).
ووجه غير الأقوى أن ذلك علة وباعث في حصول الداعي إلى الصلاة
الجامعة لما يعتبر في صحتها، فكان كالأمر بالصلاة ونحوها ممن يطاع، وكما في
الاستئجار للصلاة عن الميت والحج وغيرها من العبادات، وعليته للداعي لا
تبطل الفعل.
وأجاب في جامع المقاصد بأن العلة متى نافت الاخلاص وكانت غاية
اقتضت الفساد، والعلة والغاية هنا حصول الأجرة (3).
وعن جامع المقاصد: أنه متى لحظ في الصلاة عن الميت فعلها لحصول
الأجرة كانت فاسدة (4).
(انتهى ما حكي عن هؤلاء في هذا المقام) وعليك بالتأمل فيها وفيما ذكرناه
قبل ذلك.
هل يعتبر قصد التقرب باعتبار الوجوب الحاصل بالإجارة
ثم إن بما ذكرنا يعلم أنه لا حاجة في صلاة الاستئجار إلى قصد التقرب
باعتبار الوجوب الحاصل بالإجارة - كما زعمه بعض (5) - لأن ذلك الوجوب
توصلي لا يحتاج سقوطه إلى قصده، وجعله غاية والتقرب المحتاج إليه في صحة

(1) ما بين القوسين ليس في " ع " و " ش ".
(2) جامع المقاصد 7: 152.
(3) إيضاح الفوائد 2: 257.
(4) جامع المقاصد 7: 152.
(5) انظر إيضاح الفوائد 2: 257، وجامع المقاصد 7: 152.
249

الصلاة لتبري ذمة المنوب عنه لا يعقل أن يكون باعتبار ذلك الوجوب التوصلي،
وإلا للزم الدور، فإن صحة الاستئجار التي يتوقف عليها حصول الوجوب
موقوفة على فعل الصلاة عن النائب متقربا إلى الله، فكيف يكون فعله بقصد
التقرب موقوفا على حصول الوجوب؟!
اللهم إلا أن يقال: فعله عن الميت متقربا إلى الله شئ ممكن قبل
الإجارة باعتبار رجحان النيابة عن الغير في العبادات عقلا ونقلا، فإذا وقع في
حيز الإجارة تبدلت صفة ندبه بصفة الوجوب، كما في صلاة التحية التي تقع في
حيز النذر.
وفيه نظر، مع أن ما ذكر من قصد التقرب باعتبار الوجوب الحاصل
بالإجارة إنما يصحح الفعل المستأجر عليه، أما إذا وقعت المعاوضة على وجه
الجعالة، أو أمره بالعمل على الميت، فعمل رجاء للعوض من دون سبق معاملة،
فلا يجري ما ذكره، لعدم الوجوب، فينبغي أن لا يصح فعله له لداعي استحقاق
العوض، مع أن الظاهر عدم القول بالفصل بين الإجارة والجعالة وفعل العمل
عقيب أمر الآمر به غير ناو للتبرع.
كلام المحقق القمي في المسألة
ثم إن المحقق القمي رحمه الله في بعض أجوبة مسائله ذكر أن الاعتماد في
صحة الاستئجار للعبادة على الاجماعات المنقولة، دون ما ذكره الشهيد في
الذكرى من الاستدلال عليه بمقدمتين إجماعيتين الراجع إلى ما ذكرنا في الوجه
الثاني من وجود المقتضي وانتفاء المانع.
إحداهما: إن العبادة عن الغير يقع عنه ويصل إليه نفعه، وهذه المقدمة
ثابتة بإجماع الإمامية والنصوص المتواترة.
والثانية: إن كل أمر مباح يمكن أن يقع للمستأجر يجوز الاستئجار له،
وهذه أيضا إجماعية، وعلل عدم الاعتماد على هذا الاستدلال بأنه مستلزم للدور،
250

ولم يبين وجهه في ذلك الموضع، بل أحاله إلى بعض مؤلفاته (1). وكأنه أراد بالدور
ما ذكرنا، بناء على أن قصد التقرب المعتبر في المقدمة الأولى من دليله - وهي
وقوع العمل عن الغير ووصول نفعه إليه - موقوف على النتيجة، وهي صحة
استئجاره للعمل على الغير ليحصل الأمر فيقصد التقرب بامتثال هذا الأمر، إذ
مع قطع النظر عن الإجارة لم يتعلق أمر بإيقاع العمل عن الغير في مقابل
العوض حتى يتصور فيه قصد التقرب.
نعم تعلق الأمر في الأخبار الكثيرة بإيقاع العمل عن الميت تبرعا (2) وهذا
ليس منه (3).
وقد عرفت مما ذكرنا في بيان قصد التقرب أن التقرب إنما يقصد في الفعل
الذي يتعلق به النيابة لا في نفسها.
والحاصل أن النائب ينزل نفسه لأجل العوض أو غرض دنيوي آخر
منزلة الغير في إيقاع الفعل تقربا إلى الله، لا أنه ينزل نفسه قربة إلى الله وامتثالا
لأمره منزلة الغير في إيقاع الفعل، حتى يقال: إنه موقوف على وجوب النيابة أو
استحبابها ولم يثبت إلا تبرعا، ووجوبها فرع صحة الإجارة المتوقفة على إحراز
القربة المصححة قبل الإجارة حتى يصح تعلق الإجارة.
ثم إن ما ذكرنا من الاتفاق على صحة الاستئجار لا ينافي ما تقدم من
الخلاف في جواز استئجار الولي، لأن الكلام هناك في سقوطه عن الولي
بالاستئجار لا في صحته، فالقائل بالاستئجار وبعدم جوازه من الولي لا يمنع من
الاستئجار إذا لم يكن ولي أو أوصي الميت بالاستئجار أو استأجر متبرع من
ماله، كما أن المانع من الاستئجار لا يمنع تبرع غير الولي بالعمل كما عرفت من

(1) جامع الشتات 1: 57.
(2) انظر الوسائل 5: 365 الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات وغيره من الأبواب.
(3) في " ع ": وهذا ليس متعلقا وفي " د ": وهذا ليس معلقا للعقد.
251

المحدث الكاشاني (1).
فالنسبة بين القول بصحة الاستئجار وصحة قيام غير الولي بالعمل بإذنه
أو بدون إذنه، عموم من وجه.
إستئجار العاجز عن الأفعال الواجبة
فرع
الظاهر أنه لا يجوز استئجار العاجز عن الأفعال الواجبة كالقيام ولو
كان الفائت من الميت كذلك، لانصراف أمر القضاء أو الاستئجار إلى الفعل التام.
فلو آجر نفسه للعمل فطرأ عليه العجز عن أفعال الصلاة الاختيارية
- كالقيام - فاحتمل في الجعفرية انفساخ العقد، وتسلط المستأجر على الفسخ،
والرجوع بالتفاوت، والآتيان بمقدوره، قال: وهذا أضعفها (2) (انتهى).
والظاهر أن هذه الاحتمالات مع تعين المباشرة عليه، وإلا وجب الاستنابة
كما لو مات.
ثم إن الأوفق بالأصول الانفساخ، لعدم تمكنه من العمل المستأجر
عليه (3).

(1) مفاتيح الشرائع 2: 176.
(2) رسائل المحقق الكركي (المجموعة الأولى): 135.
(3) جاء في آخر " ش " ما يلي: تمت الرسالة والحمد لله أولا وآخرا.
252

رسالة
في
المواسعة والمضايقة
253

صورة الصفحة الأولى من رسالة المواسعة والمضايقة من نسخة (د)
255

صورة الصفحة الأخيرة من رسالة المواسعة والمضايقة من نسخة (د)
256

بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة
اختلفوا في وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة على أقول:
القول الأول عدم وجوب تقديم الفائتة
أحدها: عدم الوجوب مطلقا، وهو المحكي عن الحلبي في كتابه (1) - الذي
استحسنه أبو عبد الله صلوات الله عليه بعد عرضه عليه - (2) وعن الحسين بن سعيد (3)،
بل عن أخيه الحسن أيضا - بناء على أن ماله من الكتب كان لأخيه أيضا - (4)،
وعن أبي جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي (5) ومحمد بن علي بن
محبوب (6)، وعن الصدوقين (7)، وعن الجعفي صاحب الفاخر - المعروف في كتب

(1) حكاه السيد ابن طاووس في رسالته: 340 ومفتاح الكرامة 3: 386 والجواهر 13: 33.
(2) انظر رسالة ابن طاووس: 340 ورجال النجاشي: 230 ومعجم رجال الحديث 11: 77.
(3) حكاه السيد ابن طاووس في رسالته: 341 وكشف الرموز 1: 208.
(4) انظر معجم رجال الحديث 4: 342.
(5) حكاه في مفتاح الكرامة 3: 386 والجواهر 13: 34.
(6) حكاه السيد ابن طاووس في رسالته: 341 والبحار 88: 328.
(7) المقنع (الجوامع الفقهية): 9 والفقيه 1: 355 ذيل ح 1029، وحكاه في المختلف: 144 والذكرى:
132 وكشف الرموز 1: 208 والبحار 88: 322 ومفتاح الكرامة: 3: 389 والجواهر 13: 34.
257

الرجال - بأبي الفضل الصابوني (1) الذي يروي عنه الشيخ والنجاشي
بواسطتين - وعن الشيخ أبي عبد الله الواسطي - من مشايخ الكراجكي -
والمعاصر للمفيد قدس سره حيث قال - في مسألة (من ذكر صلاة وهو في أخرى) -:
إنه قال أهل البيت عليهم السلام: (يتم التي هو فيها، ويقضي ما فاته) وبه قال
الشافعي، ثم ذكر خلاف باقي الفقهاء (2).
وفي المحكي عن موضع آخر من كتابه أنه قال: دليلنا على ذلك ما روي
عن الصادق عليه السلام: أنه قال: (من كان في صلاة ثم ذكر صلاة أخرى فائتة أتم
التي هو فيها، ثم قضى ما فاته) (3).
وعن الشيخ قطب الدين الراوندي - من مشايخ ابن شهرآشوب - (4)
وعن الشيخ سديد الدين محمود الحمصي (5) والشيخ الإمام أبي طالب عبد الله بن
حمزة الطوسي (6) والشيخ أبي علي الحسن بن طاهر الصوري (7) وعن الشيخ

(1) حكاه السيد ابن طاووس في رسالته: 339 والبحار 88: 327 ومفتاح الكرامة 3: 388
والجواهر 13: 34.
(2) انظر مفتاح الكرامة 3: 388 والجواهر 13: 34، وفي رسالة ابن طاووس: 343 " يتمم " بدل:
" يتم ".
(3) حكى ذلك ابن طاووس في رسالته: 344 والجواهر 13: 36 والمستدرك 3: 164 مع اختلاف
يسير.
(4) حكاه في مفتاح الكرامة 3: 386 والجواهر 13: 34.
(5) حكاه في مفتاح الكرامة 3: 386 والجواهر 13: 34.
(6) حكاه في مفتاح الكرامة 3: 386 والجواهر 13: 34.
(7) وفي نسخة: الشيخ أبو علي بن الحسن بن ظاهر الصوري، وحكى ذلك عنه مفتاح الكرامة
3: 386 والجواهر 13: 34.
258

يحيى بن حسن بن سعيد - جد المحقق (1) - وعن ولد ولده ابن سعيد - ابن عم
المحقق - في الجامع (2) وعن السيد الأجل علي بن طاووس (3) وعن العلامة في
كثر من كتبه (4) وعن والده (5) وولده (6) وابن أخته السيد عميد الدين (7) وأكثر
من عاصره (8) والشهيد (9) والمحقق الثاني (10) وولده (11) والسيوري (12) وابن
القطان (13) وابن فهد (14) والصيمري (15) والشهيد الثاني (16) وولده (17) وتلميذه (18)

(1) حكاه مفتاح الكرامة 3: 386 والجواهر 13: 35.
(2) الجامع للشرائع: 88.
(3) حكاه في الحدائق 6: 359 والجواهر 13: 35.
(4) تذكرة الفقهاء 1: 82 ونهاية الإحكام 1: 323 والمنتهى 1: 421 والتحرير 1: 50 والارشاد
1: 244 والقواعد 1: 24 والتبصرة: 37 وانظر مفتاح الكرامة 3: 387.
(5) حكاه عنه العلامة في المختلف: 144.
(6) إيضاح الفوائد 1: 147.
(7) (11) (13) حكاه في الجواهر 13: 35.
(8) راجع المختلف: 144.
(9) انظر الذكرى: 132 والدروس: 24 والبيان: 257 واللمعة (الروضة البهية 1: 733).
(10) جامع المقاصد 2: 494 ورسائل المحقق الكركي (المجموعة الأولى): 120 وفي فوائد
الشرائع وتعليق النافع وحاشية الإرشاد انظر مفتاح الكرامة 3: 387).
(12) التنقيح الرائع 1: 268.
(14) انظر الموجز والحرر المطبوعان ضمن الرسائل العشر للحلي: 110 و 166 والمقتصر من شرح
المختصر: 89 وفيه: والمعتمد مذهب الصدوقين، وفي تلخيص الخلاف 1: 132: وهو اختيار أبي
العباس في موجزه.
(15) تلخيص الخلاف 1: 132 وفيه: والمعتمد القول بالمواسعة.
(16) روض الجنان: 188 - 189 والروضة البهية 1: 733 والمسالك 1: 33، وتمهيد القواعد
والفوائد الملية - كما في مفتاح الكرامة 3: 387 -.
(17) وهو صاحب المعالم قدس سره في الاثني عشرية - كما في مفتاح الكرامة 3: 387 والجواهر 13:
35 -.
(18) لعله الشيخ عز الدين الحسين بن عبد الصمد - والد الشيخ البهائي -، فقد عده في الجواهر 13: 35 من القائلين بالمواسعة.
259

وولد ولده (1) والشيخ البهائي (2) والمحقق الأردبيلي (3) والمحقق الجواد
الكاظمي (4) والفاضل الهندي (5) والسيد المحدث نعمة الله الجزائري (6) وولد
ولده السيد عبد الله (7) - في شرح النخبة - (8) والمحقق الوحيد البهبهاني (9)
وأكثر تلامذته، منهم السيد محمد مهدي الطباطبائي (10) والشيخ الوحيد الفقيه
الشيخ جعفر (11) وجماعة من علماء البحرين (12) وأكثر المعاصرين، بل كلهم (13) وقد

(1) وهو الشيخ محمد بن الحسن بن زين الدين - الشهيد الثاني - العاملي في شرحه على
الاستبصار - كما في مفتاح الكرامة 3: 387 -، وفي شرحه على رسالة " الاثنا عشرية " كما في
الجواهر 13: 35.
(2) نسبه صاحب مفتاح الكرامة 3: 387 إلى كتاب حبل المتين وإليك نص ما في المصدر متنا
وهامشا: " وكيف كان فلا ريب أن المسارعة إلى القضاء والمبادرة إلى تفريغ الذمة هي جادة
الاحتياط للدين والله الموفق والمعين ".
وفي الهامش: " استدل العلامة رحمه الله في المختلف على القول بالتوسعة بدلائل عديدة نقلية
وعقلية، ولكن أكثرها سيما العقلية مما يتطرق الخدش إليها بأدنى تأمل، وبالجملة فالمسألة محل
اشكال، فإن دلائل الطرفين كالمتكافئة، والله الموفق لإصابة الثواب " حبل المتين: 151.
(3) مجمع الفائدة 2: 42.
(4) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 248.
(5) كشف اللثام 1: 162 و 267.
(6) في شرح التهذيب وشرح الغوالي - كما في مفتاح الكرامة 3: 387 -.
(7) هو السيد عبد الله بن نور الدين بن المحدث السيد نعمة الله الجزائري، راجع ترجمته في
الملحق.
(8) شرح النخبة: 84 - 85 (مخطوط) وفيه: إلا أن الراجح التأخير على وجوده... القاضي
للفرائض تؤخر صاحبة الوقت إلى آخره، وفيه قول بالوجوب.
(9) حكاه في الجواهر 13: 35.
(10) في المصابيح - كما في مفتاح الكرامة 3: 387 -.
(11) كشف الغطاء: 224 و 271.
(12) منهم السيد ماجد والشيخ سليمان والفاضل الماحوزي - كما في الجواهر 13: 35 -.
(13) منهم المحقق صاحب الجواهر 13: 34 و 47 و، 99 و 101 و 102. ومنهم المحقق النراقي
في المستند 1: 504 والشيخ أسد الله التستري الكاظمي - كما في الجواهر 13: 35 -، هذا
وللشيخ التستري قدس سره رسالة في الموضوع سماها: منهج التحقيق في التوسعة والتضييق.
260

صرح جماعة بدعوى الشهرة عليه مطلقا (1) أو بين المتأخرين (2).
وهؤلاء - مع اتفاقهم على جواز تقديم الحاضرة - بين من يظهر منه وجوبه
- كما عن ظاهر جماعة من القدماء - (3) فيكون الفائتة بالنسبة إلى الحاضرة
كالكسوفين بالنسبة إليها - عند جماعة - (4) وبين من يظهر من استحبابه كما عن
ظاهر بعظهم، وصريح أبي علي الصوري - المتقدم إليه الإشارة (5) - وبين من
نص على استحباب تقديم الفائتة (6) ومن نص على استحباب تأخير الحاضرة
استنادا إلى الاحتياط لأجلها، ومن يظهر منه التخير المحض بالنسبة إلى ما
عدا الفائتة الواحدة وفائتة اليوم كما عن رسالة الملاذ للمحقق المجلسي (7) حيث

(1) قال في الجواهر 13: 33: بل في الذخيرة أنه مشهور بين المتقدمين أيضا... بل في المصابيح
- أيضا -: " إن هذا القول مشهور بين أصحابنا ظاهر فاش في كل طبقة من طبقات فقهائنا
المتقدمين منهم والمتأخرين " وهو كذلك، يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب وجادة وحكاية في
الرسائل الموضوعة في هذا الباب.
(2) كما في الحدائق 6: 336. ومفتاح الكرامة 3: 387.
(3) انظر مفتاح الكرامة 3: 388 والجواهر 13: 37.
(4) انظر مفتاح الكرامة 3: 231.
(5) في الصفحة 258، انظر مفتاح الكرامة 3: 388 والجواهر 13: 37.
(6) نسب ذلك العلامة في المختلف 1: 144 إلى والده وأكثر من عاصره من المشايخ، وانظر الحدائق
6: 336.
(7) ملاذ الأخيار 4: 93 والحاكي هو المحقق التستري في رسالته، والتعبير عن " الملاذ " بالرسالة
من سهو القلم.
261

حكم بأن الأحوط تقديم الفائتة الواحدة، وفائتة اليوم، وأما مطلق الفوائت
فالظاهر عدم وجوب تقديمها، بل ولا أفضليته (إنتهى).
لكن الانصاف أن هذا ليس قولا بالتخيير، لأن عدم أفضلية تقديم
الفائتة يلزمه القول برجحان تقديم الحاضرة، لعمومات (1) رجحان تقديمها (2) فإن
من يقول برجحان تقديمها لا يقول إلا لأجل العمومات والنصوص الدالة على
رجحان تقديمها على الفائتة، لأجل إدراك فضيلة وقت الحاضرة، فتأمل.
وعلى كل حال فيمكن القول باستحباب تأخير الحاضرة لمراعاة
الاحتياط الغير اللازم، مع استحباب تقديم الحاضرة، إما لعموم فضيلة أول
الوقت (3) وإما للنصوص الخاصة (4)، ولا منافاة بين الاستحبابين، كما نقول: إن
الاتمام في الأماكن الأربعة أفضل، والقصر أحوط.
وجوه استحباب تقديم الحاضرة على الفائتة وبالعكس
بل يمكن القول باستحباب تقديم الحاضرة من جهة عمومات فضيلة
أول الوقت واستحباب تقديم الفائتة إما بالخصوص (5) أو لأدلة المسارعة إلى
الخير (6)، فتأمل.
والحاصل: أن لكل من استحباب تقديم الحاضرة واستحباب تقديم
الفائتة وجوها ثلاثة: النص الخاص المحمول على الاستحباب، وعمومات

(1) في " ش ": لعموم.
(2) الوسائل 3: 86، الباب 3 من أبواب المواقيت وغيره من الأبواب
(3) الوسائل 3: 86، الباب 3 من أبواب المواقيت.
(4) الوسائل 3: 209، الباب 62 من أبواب المواقيت، الحديث 3، والوسائل 5: 351، الباب 2 من
أبواب قضاء الصلوات، الحديث 5.
(5) الوسائل 3: 209، الباب 62 من أبواب المواقيت، الحديث 2. و 3: 211، الباب 63 من أبواب
المواقيت، الحديث الأول. و 3: 212، الباب 63 من أبواب المواقيت، الحديث 2 و 3: 228، الباب
9 من أبواب القبلة، الحديث 5.
(6) مثل قوله تعالى: (فاستبقوا الخيرات) البقرة: 2، 148 والمائدة: 5، 48.
262

وجه رابع في استحباب تقديم الحاضرة
المبادرة إلى الطاعات، والاحتياط بناء على وجود القول بوجوب تقديم
الحاضرة كالقول بوجوب تقديم الفائتة، ويزيد استحباب تقديم الحاضرة بوجه
رابع وهو ما دل على فضيلة أول الوقت لها، حيث إن لخصوصية الجزء الأول من
الوقت مدخلا في الفضيلة، لا أن ذلك لمجرد رجحان المبادرة إلى إبراء الذمة،
على ما يومي إليه بعضها (1).
فعليك بالتأمل فيما يمكن اجتماعه من وجوه استحباب تقديم الفائتة، مع
وجوه استحباب تقديم الحاضرة، وسيجئ لهذا مزيد بيان عند ذكر الأخبار
الواردة في الطرفين إن شاء الله.
وكيف كان ففي صور الاجتماع نحكم باستحباب كل من الأمرين على
سبيل التخيير، فإن علم من دليل خارج أهمية أحدهما حكم بمقتضاه من دون
سقوط الآخر عن الاستحباب.
افتراق هذه المسألة عن الواجبين المتزاحمين
وهذا بخلاف الواجبين المتزاحمين إذا علم من الخارج أهمية أحدهما، فإنه
يحكم بسقوط وجوب الآخر،
خلافا لمن أنكر الترجيح بالأهمية كالفاضل التوني
في الوافية (2)، ولمن اعترف به (3) مع حكمه ببقاء الآخر على صفة الوجوب على
تقدير اختيار المكلف ترك الأهم. وضعف كلا القولين، وبيان الفرق بين
المستحبين المتزاحمين مع أهمية أحدهما، والواجبين كذلك، موكول إلى محله؟
والثاني (4): القول بعدم وجوب الترتيب مع تعدد الفائتة، وبوجوبه مع
وحدتها.

(1) الوسائل 3: 86، الباب 3 من أبواب المواقيت الأحاديث 1 و 4 و 5... وغيرها.
(2) الوافية: 223.
(3) ككاشف الغطاء في كتابه: 27.
(4) أي القول الثاني من الأقوال في المواسعة والمضايقة.
263

القول الثاني: التفصيل بين تعدد الطائفة ووحدتها
ذهب إليه المحقق في كتبه (1) وسبقه إليه الديلمي فيما حكي عنه (2) وتبعه
إليه صحاب المدارك (3) وقواه الشهيد في نكت الإرشاد (4) وإن عدل عنه في باقي
كتبه (5). وحكي عن صاحب هدية المؤمنين (6) وعن المختلف (7) نسبة القول
بالمضايقة إلى الديلمي، لكن المحكي (8) من بعض كلماته التفصيل المذكور حيث
قال: إن الصلاة المتروكة على ثلاثة أضرب: فرض معين، وفرض غير معين،
ونفل، فالأول يجب قضاؤه على ما فات، والثاني على ضربين:
أحدهما: أن يتعين له أن كل الخمس فاتت في أيام لا يدري عددها.
والثاني: أن يتعين له أنها صلاة واحدة، ولا يتعين أي صلاة هي.
فالأول: يجب عليه فيه أن يصلي مع كل صلاة صلاة حتى يغلب على ظنه
أنه وفى.
والثاني: يجب عليه أن يصلي اثنين، وثلاثا، وأربعا (9) (انتهى). وظاهره كما
ترى التوسعة في الفوائت المتعددة.
وممن يظهر منه اختيار هذا - المحقق الآبي - تلميذ المحقق - فيما حكي
عنه (10) من كشف الرموز حيث قال - بعد ما اختار القول بالمضايقة والترتيب

(1) الشرائع 1: 121 والمعتبر 2: 405 والمختصر النافع 1: 46.
(2) حكاه صاحب الجواهر 13: 42.
(3) المدارك 4: 298.
(4) غاية المراد: 20.
(5) كالبيان: 257 والدروس: 24 والذكرى: 132، واللمعة - انظر متن الروضة البهية 1: 733 -.
(6) وهو للسيد نعمة الله الجزائري، طبع ببغداد، وفي بعض النسخ: هداية المؤمنين.
(7) المختلف: 144.
(8) انظر الجواهر 13: 42.
(9) المراسم (الجوامع الفقهية): 575 مع اختلاف في التعبير.
(10) حكاه المحقق التستري في رسالته: 30.
264

مطلقا (1) وذكر تفصيل شيخه المحقق ومستنده -: (وهو حسن اذهب إليه جزما،
وعلى التقديرات لا يجوز لصاحب الفوائت الاخلال بأدائها إلا لضرورة، وعند
أصحاب المضايقة إلا لأكل أو شرب ما يسد الرمق أو تحصيل ما يتقوت به هو
وعياله ومع الاخلال بها يستحق المقت في كل جزء من الوقت (2) (انتهى).
وجوب المبادرة وعدمها
ثم إن هؤلاء إنما صرحوا بالتفصيل في الترتيب، وأما وجوب المبادرة
فظاهر صاحب المدارك (3) عدمه مطلقا، كما أن صريح المحكي عن هدية
المؤمنين (4) ثبوته مطلقا، حيث قال: يجب المبادرة إلى القضاء فورا لاحتمال
اخترام المنية (5) في كل ساعة، بل لم يرخص المرتضى (6) إلا أكل ما يسد الرمق،
والنوم الحافظ للبدن، وأن لا يسافر سفرا ينافيه، وبالغ في التضيق كل
مبلغ، ثم قال: وأما الترتيب بين الحاضرة والفائتة فإن كانت واحدة قدمها على
الحاضرة، وإن كانت أكثر قدم الحاضرة عليها، وإن أراد تقديم الفوائت المتعددة
عليها مع سعة الوقت فجائز أيضا (7) (انتهى).
وظاهره جواز فعل الفريضة الحاضرة مع فورية الفوائت المتعددة، بل
استحبابها قبله، بل المحكي (8) عنه التصريح بجواز فعل النافلة على كراهية

(1) انظر كشف الرموز 1: 209.
(2) كشف الرموز 1: 210 وفيه: ومع الاخلال بها يستحق العقوبة...
(3) مدارك الأحكام 4: 301.
(4) الحاكي هو المحقق التستري في رسالته: 39 (المقام الثاني، ذيل القول الثاني).
(5) في نسخة " ع " لاحتمال اخرام المنية، وفي الحديث: " لا يأمن الانسان أن يخترم " أي يهلك
بأن يموت أو يقتل واخترمهم الدهر وتخرمهم، أي: اقتطعهم واستأصلهم وفيه من مات دون
الأربعين فقد اخترم من قولهم اخترمته المنية أي أخذته. المنية: الموت. مجمع البحرين 6: 65،
1: 402.
(6) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثانية): 365.
(7) هدية المؤمنين: 28 كتاب الصلاة، المواقيت، المسألة: 5.
(8) لم نقف على الحاكي.
265

لم كانت ذمته مشغولة بصلاة واجبة.
والظاهر أنه لا يحكم بفساد العبادة مع فورية ضدها الواجب، فيبقى
الحاضرة على حكم استحباب المبادرة إليها، لا أن الحاضرة والنافلة مستثنيان
من فورية فعل الفائتة، لأنه لم يتعرض لحرمة ما ينافيها حتى يقبل الاستثناء، بل
نسب حرمة الأضداد إلى السيد المرتضى.
نظرية المحقق في كتبه
وأما المحقق فالمحكي عنه (1) فيما عدا الشرائع: التصريح باستحباب
تقديم الفائتة المتعددة (2) بل عن المعتبر (3) والعزية (4): التصريح بعدم فوريتها، وأما
في الواحدة فليس في كلماته الموجودة، والمحكية عنه، إلا وجوب تقديمها على
الحاضرة، من غير تعرض للفورية، بل استظهر (5) من كلامه في المعتبر والعزية:
نفي الفورية فيها أيضا. وأما الشرائع فقد قال فيها - بعد ذكر أصل وجوب
قضاء ما فات من الصلوات المفروضة -: ويجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم
يتضيق وقت حاضرة (6) وتترتب (7) السابقة على اللاحقة، كالظهر على العصر،
والعصر على المغرب، والمغرب على العشاء (8) وإن فاتته صلوات لم تترتب على
الحاضرة، وقيل تترتب والأول أشبه (9) (انتهى).

(1) الحاكي هو المحقق التستري في رسالته: 39 - 40.
(2) المعتبر 2: 405 وفيه: وفي ترتيب الفوائت على الحاضرة تردد، أشبهه الاستحباب، وفي المختصر
النافع 1: 46 وفي وجوب ترتيب الفوائت على الحاضرة تردد، أشبهه الاستحباب.
(3) المعتبر 2: 405، وانظر رسالة المحقق التستري: 39 - 40.
(4) الرسائل التسع: 119.
(5) أي المحقق التستري في رسالته: 40.
(6) في بعض النسخ: الحاضرة.
(7) في بعض النسخ: ترتب.
(8) في المصدر زيادة: سواء كان ذلك اليوم حاضر أو صلوات يوم فائت.
(9) شرائع الاسلام 1: 121.
266

فقوله: (ويجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيق وقت الحاضرة)
يحتمل وجوها: لأن المراد بالفائتة إما أن يكون خصوص الواحدة، كما قيده به
في المسالك (1) والمدارك (2) وإما أن يكون المراد مطلق الفائتة، وعلى التقديرين:
أما أن يراد وجوب المبادرة إلى القضاء وقت الذكر، وإما أن يراد بيان وقت
القضاء بعد بيان أصل وجوبه، فيكون المراد: أن الأوقات كلها صالحة لقضاء
الفوائت إلا وقت ضيق الحاضرة، فهذه أربعة احتمالات:
فعلى التقدير الأول منها تدل العبارة على فورية الفائتة الواحدة مطابقة، ويدل
بالالتزام على وجوب الترتيب، بناء على أن الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده
الخاص، أو على أن الترتيب واجب مستقل يرجع إلى وجوب تقديم الفائتة، لا
أنه (3) شرط يرجع إلى اعتبار تأخير الحاضرة، واشتراط براءة الذمة عن الفائتة
في صحتها.
استظهار المصنف من كلام المحقق
لكن الانصاف: أن هذا الاحتمال خلاف ظاهر العبارة، من جهة عدم
مساعدة السياق له من وجهين:
أحدهما: أنه قد فصل شقي التفصيل بين الواحدة والمتعددة بمسألة، وهي
ترتب الفوائت بعضها على بعض. واحتمال أن يكون قد فرغ من حكم الواحدة،
ثم تعرض للمتعددة فذكر - أولا - عدم الترتيب بينها (4)، ثم عدم الترتيب بينها
وبين الحاضرة، ينافيه عنوان المسألة الثانية بقوله: (وإن فاتته صلوات لم تترتب

(1) المسالك 1: 33.
(2) المدارك 4: 295.
(3) في نسخة: لأنه.
(4) كذا في النسخ، ولكن في الشرائع: تترتب السابقة على اللاحقة فلاحظ.
267

على الحاضرة).
وهذا بخلاف ما إذا أريد بالفائتة مطلقها، فيكون في مقام بيان فورية
القضاء مطلقا، أو بيان وقته كذلك، فيكون قد تعرض - بعد بيان وجوب أصل
القضاء - لوقته، ثم لاعتبار الترتيب فيه مع التعدد، ثم لعدم ترتب الفائتة المتعددة
على الحاضرة، فيكون حكم الفائتة الواحدة مسكوتا عنه، أو مستفادا من مفهوم
العبارة، أو مما سيجئ في كلامه في مسألة العدول.
والثاني: أنه إن كان الترتيب لازما لوجوب المبادرة، فالأحسن التعبير
عن عدم وجوب الترتيب في المتعددة بعدم وجوب المبادرة إليها، وإلا فلأحسن
في التعبير عن وجوبه في الواحدة بوجوب المبادرة إليها.
ثم إنه قد فرع على هذا القول: أن من عليه فوائت إذا قضاها حتى
بقيت واحدة لم يجز له - حينئذ - الاشتغال بالحاضرة، وإن جاز له قبل ذلك، كما
أن من عليه فائتة واحدة إذا صار عليه أخرى سقط عنه وجوب الترتيب.
والفرغ الأخير ظاهر، وأما الأول فلا يخلو عن شئ، لامكان دعوى
ظهور كلمات أصحاب هذا القول - كأدلتهم - فيما إذا اتحدت الفائتة بالأصل،
فلا يعم لما إذا بقيت من المتعددة واحدة.
وكيف كان فلا ينبغي (1) الاشكال في أنه إذا كانت الفائتة واحدة بالذات،
وعرض لها التعدد لعدم تعيينها أو لاشتباه القبلة أو اشتباه الثوب الطاهر
بالنجس، أن حكمه في وجوب الترتيب حكم الواحدة، إذ لم يفت من المكلف إلا
واحدة، إلا أن البراءة منها، بل العلم بها يتوقف على متعدد.
القول الثالث التفصيل بين فائتة اليوم وغيرها
الثالث: القول بالمواسعة في غير فائتة اليوم. وبالمضايقة في فائتة اليوم،
واحدة كانت أو متعددة، وهو المحكي عن المختلف حيث قال: الأقرب أنه

(1) في أكثر النسخ: ينتفي، والظاهر أنه سهو.
268

إذا ذكر الفائتة في يوم الفوات، وجب تقديمها على الحاضرة إذا لم يتضيق وقت
الحاضرة، سواء اتحدت أم تعددت، ويجب تقديم سابقتها على لاحقتها، وإن لم
يذكرها حتى يمضي ذلك اليوم، جاز له فعل الحاضرة في أول وقتها، ثم اشتغل
بالقضاء - سواء اتحدت الفائتة، أو تعددت - ويجب الابتداء بسابقتها على
لاحقتها، والأولى تقديم الفائتة ما لم يتضيق وقت الحاضرة (1) (انتهى).
وحكي هذا القول عن بعض شراح الإرشاد (2) أيضا.
والظاهر أن المراد بيوم الفوات في كلامه: هو ما يشمل الليل، إذ النهار
فقط لا يمكن أن يكون ظرفا لفوات الصلوات المتعددة ولذكرها، فقوله: (إذا
ذكر الفائتة في يوم الفوات)، لا يستقيم إلا على أن يكون الذكر في الليل،
والفوات في النهار، أو بالعكس، فالظرف الواحد للذكر والفوات كليهما ليس إلا
اليوم بالمعنى الشامل لليل.
وهل المراد: الليلة الماضية أو المستقبلة؟ الظاهر، بل المتعين هو الثاني، كما
يظهر بالتدبر في كلامه.
استظهار المصنف من كلام المختلف
واعلم أنه قدس سره ذكر في المختلف في مسألة العدول عن الحاضرة إلى
الفائتة: أنه لو اشتغل بالحاضرة في أول وقتها ناسيا، ثم ذكر الفائتة بعد الاتمام
صحت صلاته إجماعا، وإن ذكرها في الاثنان، فإن أمكنه العدول إلى الفائتة عدل
بنيته استحبابا عندنا، ووجوبا عند القائلين بالمضايقة (3) (انتهى).
وظاهر هذه العبارة يوهم العدول عن التفصيل المذكور إلى القول
بالمواسعة مطلقا، إلا أن الذي يعطيه التدبر في كلامه، أن مراده الفريضة

(1) المختلف: 144 مع اختلاف يسير.
(2) حكاه صاحب الجواهر 13: 41 عن ابن الصائغ في شرح الإرشاد.
(3) مختلف الشيعة: 147.
269

الحاضرة، المختلف فيها بينه وبين أرباب المضايقة المطلقة لا بينهم وبين أرباب
المواسعة المطلقة.
ويحتمل قويا ابتناء ذلك على خروج فوائت اليوم - عنده - عن محل
النزاع بين أرباب المواسعة والمضايقة، تبعا لما سيأتي (1) عن شيخه المحقق في
العزية، فلا يكون هذا القول تفصيلا بين القولين.
نعم ربما يحكى عدول عن هذا القول إلى المواسعة في المسائل المدنية
المتأخرة تأليفها عن كتاب المختلف.
ثم إن ظاهر العبارة السابقة: أنها تفصيل فيما إذا فات الأداء للنسيان،
وأما إذا فات لغيره من الأعذار، أو عمدا، فلا تعرض فيها لحكمه، كما لا تعرض
فيها لحكم ما إذا اجتمع فوائت اليوم مع ما قبله، ووسع الوقت للجميع.
وهل يقدم الجميع على الحاضرة، لثبوت الترتيب بين الحاضرة وفوائت
اليوم، وثبوت الترتيب بين فوائت اليوم وما قبلها، بناء على القول بترتيب
الفوائت بعضها على بعض.
أو لا يجب الاشتغال بشئ حينئذ، لعدم التمكن من فعلها إلا بعد ما
أذن في تأخيره، مع إمكان إدخاله في إطلاق كلامه، الراجع إلى عدم وجوب
الترتيب إذا كان عليه أكثر من يوم فتأمل.
أو يجب الاقتصار على فائتة اليوم، لدعوى اختصاص وجوب الترتيب
بين الفوائت بما إذا كانت متساوية في وجوب تداركها، فلا يعم ما إذا كان بعضها
واجب التقديم لأمر الشارع بالخصوص، خصوصا لو قال بوجوب الفورية في
فائتة اليوم، دون غيرها؟
وجوه، لا يبعد أولها، ثم ثالثها على القول بالفورية مع الترتيب.

(1) في القول الرابع.
270

القول الرابع ما عن العزية
الرابع: ما حكي عن المحقق في العزية حيث قال في عنوان هذه المسألة
ما هذا لفظه: وتحرير موضع النزاع أن نقول: صلاة كل يوم مترتبة بعضها على
بعض، حاضرة كانت أو فائتة، فلا يقدم صلاة الظهر من يوم، على صبحه،
ولا عصره على ظهره، ولا مغربه على عصره، ولا عشاؤه على مغربه، إلا مع تضيق
الحاضرة.
وأما إذا فاته صلوات من يوم، ثم ذكرها في وقت حاضرة من آخر، فهل
يجب البدأة بالفوائت ما لم يتضيق الحاضرة؟ قال أكثر الأصحاب: نعم، وقال
آخرون: ترتب الفوائت في الوقت الاختياري، ثم تقدم الحاضرة. والذي يظهر لي
وجوب تقديم الفائتة الواحدة، واستحباب تقديم الفوائت، فلو أتى بالحاضرة
قبل تضيق وقتها والحال هذه جاز (1) (انتهى).
وظاهره عدم الخلاف في وجوب الترتيب في فوائت اليوم، وهو خلاف
إطلاق كلمات أرباب القولين، بل صريح بعضها.
القول الخامس ما عن ابن أبي جمهور
الخامس: ما عن ابن [أبي] جمهور الأحسائي (2) من التفصيل بين الفائتة
الواحدة، إذا ذكرها يوم الفوات، دون المتعددة والواحدة المذكورة في غير يوم
الفوات.
القول السادس التفصيل بين العمد والنسيان
السادس: القول بالمواسعة إذا فاتت عمدا، وبالمضايقة إذا فاتت نسيانا،
وهو المحكي عن الشيخ عماد الدين بن حمزة في الوسيلة حيث قال: أما قضاء
الفرائض فلم يمنعه وقت، إلا تضيق وقت الحاضرة، وهو ضربان، إما فاتته
نسيانا، أو تركها قصدا اعتمادا، فإن فاتته نسيانا وذكرها، فوقتها حين ذكرها إلا
عند تضييق وقت الفريضة، فإن ذكرها وهو في فريضة حاضرة، عدل بنيته إليها

(1) الرسائل التسع: 112 وحكاه المحقق التستري في رسالته: 45 وانظر مفتاح الكرامة: 389.
(2) في المسالك الجامعية - راجع الجواهر 13: 41.
271

ما لم يتضيق الوقت، وإن تركها جاز له الاشتغال بالقضاء إلى آخر الوقت،
والأفضل تقديم الحاضرة عليه، وإن لم يشتغل بالقضاء، وأخر الأداء إلى آخر
الوقت كان مخطئا (1) (انتهى).
وظاهره وجوب العدول عن الحاضرة إلى الفائتة المنسية، وهو إما لاعتبار
الترتيب، أو لايجاب المبادرة إلى المنسية، وإن ذكرها في أثناء الواجب وإن قلنا
بعدم اعتبار الترتيب - بناء على القول بالفورية دون الترتيب - كما سبق (2) عن
صاحب رسالة هدية المؤمنين، وإما للدليل الخاص على وجوب العدول، وإن لم
نقل بالترتيب ولا بالفورية، وهذا أردأ الاحتمالات، كما أن الأول أقواها.
هذا كله في المنسية، وأما المتروكة قصدا، فظاهره عدم وجوب الترتيب مع
استحباب تقديم الحاضرة، ولازمه عدم وجوب الفور إلا أن يجعل مقدار زمان
يسع الحاضرة مستثنى من وجوب المبادرة، وكون المكلف مخيرا فيه مع استحباب
تقديم الحاضرة، كما ينبئ عنه قوله: (وإن لم يشتغل بالقضاء، وأخر الأداء إلى
آخر الوقت كان مخطئا) بناء على أن المراد بالخطأ: الإثم كما فهمه الشهيد (3).
هذا على تقدير إرجاع الخطأ إلى عدم الاشتغال بالقضاء، وأما إذا رجع
إلى تأخير الأداء إلى آخر الوقت بناء على أن المراد بآخر الوقت مجموع الوقت
الاضطراري الذي لا يجوز التأخير إليه إلا لصاحب العذر - على ما ذهب إليه
صاحب هذا القول -، ويكون إطلاق آخر الوقت على مجموع ذلك الوقت تبعا
للروايات الواردة في أن (أول الوقت رضوان الله وآخره غفران الله) (4) أمكن

(1) الوسيلة: 84 مع اختلاف في العبارة.
(2) في القول الثاني المتقدم في الصفحة 265.
(3) غاية المراد: 15 وفيه: ويأثم لو أخر القضاء والحاضرة إلى آخر الوقت وهو قول ابن حمزة.
(4) مستدرك الوسائل 3: 100، الباب 3 من أبواب المواقيت، ذيل الحديث الأول.
272

أيضا استظهار فورية القضاء منه من جهة دلالة كلامه بالمفهوم على أنه لو
اشتغل بالقضاء، وأخر الأداء إلى آخر الوقت لم يكن مخطئا، ولا يكون ذلك إلا
إذا كان القضاء من الأعذار، والعذر - على ما ذكره صاحب هذا القول، قبل
العبارة المتقدمة بأربعة أسطر -: السفر والمرض والشغل الذي يضر تركه بدينه
أو دنياه، فلو لم يكن القضاء فوريا خرج عن الأعذار الأربعة.
إلا أن يقال: ظاهر العذر في كلامه، ما عدا الصلاة، فتأمل.
وأما المراد بالوقت في قوله: (ما لم يتضيق وقت الحاضرة) فيحتمل أن
يكون وقت الاختيار، ويؤيده ما تقدم (1) عن المحقق في العزية من ذهاب جماعة.
إلا أن الفوائت تترتب في الوقت الاختياري، ثم تتقدم الحاضرة. وأن يكون
مطلق الوقت بناء على جعل القضاء من الأعذار المسوغة للتأخير.
ثم إنه ليس في كلامه تعرض لحكم المتروكة لعذر آخر غير النسيان. ولا
لحكم اجتماع المتروكة نسيانا مع المتروكة عمدا، بناء على وجوب الترتيب بين
الفوائت عند هذا القائل، فإنه يجئ فيه - مع فرض تأخير المنسية - الاحتمالات
الثلاثة المتقدمة في فروع القول المتقدم (2) عن المختلف.
القول السابع التفصيل بين الاختياري وغيره
السابع: ما تقدم بالمضايقة عن العزية من الترتيب في الوقت الاختياري، دون
غيره.
الثامن: القول بالمضايقة المطلقة، وهو المحكي (3) عن ظاهر كلام

(1) في الصفحة 271.
(2) في ذيل القول الثالث المتقدم في الصفحة 269.
(3) حكاه غاية المراد: 15 والمختلف 144 ومفتاح الكرامة 3: 392 - 395 والجواهر 13: 38.
273

القول الثامن المضايقة المطلقة
القديمين (1) والشيخين (2) والسيدين (3) والقاضي (4) والحلبي (5) والحلي (6)، وعن
المعتبر (7) نسبته إلى الديلمي (8) وهو المحكي أيضا عن الشيخ ورام بن أبي فراس (9)
وعن الشيخ الجليل الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي - تلميذ المحقق - (10)
وحكاية (11) هذا القول عن أكثر القدماء مستفيضة، وحكي عن غير واحد
أنه المشهور (12).
الأقوال السبعة عند القائلين بالمضايقة المطلقة
فهذه أصول أقوال المسألة، وإذا لوحظ الأقوال المختلفة بين أهل
المواسعة التي تقدمت إليها الإشارة، زادت الأقوال على الثمانية.
وذكر بعض المحققين: أن جملة المطالب التي يدور عليها هذا القول
الأخير، ويدل عليها كلام القائلين - كلا أو بعضا، نصا، أو ظاهرا - سبعة:
القول الأول
الأول: ترتيب الأداء على القضاء وهو المحكي عمن عدا الديلمي
والشيخ ورام ممن تقدم ذكره من الفقهاء.

(1) انظر المختلف: 144.
(2) المقنعة: 143 و 211 والمبسوط 1: 126 والنهاية: 125.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 500، ورسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثانية): 364
و (المجموعة الثالثة): 38.
(4) المهذب 1: 126.
(5) الكافي في الفقه: 149.
(6) السرائر 1: 272.
(7) لم نقف على العبارة بعينها في المعتبر، ولعله قدس سره استظهر ذلك من قول العلامة التستري
في رسالته ذيل كلام المعتبر: " واتباعهم " يغني بهم الديلمي والحلبي والقاضي.
(8) المراسم (الجوامع الفقهية): 575.
(9) حكاه مفتاح الكرامة 3: 392 والجواهر 13: 38.
(10) كشف الرموز 1: 209.
(11) راجع الحدائق 6: 336 ومفتاح الكرامة 3: 391.
(12) حكاه غاية المراد: 15 وروض الجنان: 188 ومفتاح الكرامة 3: 391.
274

القول الثاني
الثاني: التسوية بين أقسام الفوائت وأسباب الفوات في مقابل التفاصيل
المتقدمة.
القول الثالث
الثالث: فورية القضاء، المحكية (1) عن صريح المفيد (2) والسيدين (3)
والحلبي (4) وظاهر الشيخ (6) والقديمين (7) والآبي (8)، بل عن المفيد
والقاضي وأبي المكارم والحلي: الاجماع على ذلك (9).
القول الرابع
الرابع: بطلان الحاضرة إذا قدمت على الفائتة في السعة، وهو المحكي (10)
عن صريح الشيخ (11) والسيدين (12) والقاضي (13) والحلبي (14) والحلي (15) وعن

(1) حكاه الجواهر 13: 38.
(2) المقنعة: 211.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 500 ورسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثانية): 364
و (المجموعة الثالثة): 38.
(4) الكافي في الفقه: 150.
(5) السرائر 1: 272 و 273.
(6) المبسوط 1: 126 والنهاية: 125.
(7) انظر المختلف: 144.
(8) كشف الرموز 1: 210.
(9) لم نقف على هذا الاجماع في المقنعة والمهذب وجواهر الفقه نعم هو في الغنية (الجوامع
الفقهية): 500 والسرائر 1: 203. وفي الجواهر 13: 38 بل حكى المفيد والقاضي وأبو المكارم
والحلي الاجماع على ذلك.
(10) حكاه الجواهر 13: 39.
(11) المبسوط 1: 127.
(12) الغنية (الجوامع الفقهية): 500 ورسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثانية): 364.
(13) المهذب 1: 126.
(14) الكافي في الفقه: 150.
(15) السرائر: 1: 272.
275

الغنية (1): الاجماع عليه.
القول الخامس
الخامس: العدول عن الحاضرة إلى الفائتة إذا ذكرها في الأثناء، وهو
المحكي (2) عن المرتضى (3) والشيخ (4) والقاضي (5) والحلبيين (6) والحلي (7)
وعن المسائل الرسية للسيد (8) والخلاف للشيخ (9) وخلاصة الاستدلال للحلي
وشرح الجمل: الاجماع عليه (10)
القول السادس
السادس: وجوب التشاغل بالقضاء إلا عند ضيق الأداء والاشتغال بما
لا بد منه ضروريات المعاش من الكسب والأكل والشرب والنوم، وهو
المحكي (11) عن صريح المرتضى (12) والشيخ (13) والقاضي (14) والحلبي (15) والحلي (16)، بل
هو لازم كل من قال بالفورية، ولذا ذكر الآبي - فيما حكي عنه (17) -: أن عند

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 500
(2) حكاه الجواهر 13: 39.
(3) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة): 38.
(4) المبسوط 1: 126 والنهاية: 125.
(5) المهذب 1: 126.
(6) الكافي في الفقه: 150 والغنية (الجوامع الفقهية): 500.
(7) السرائر 1: 239.
(8) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثانية) 345.
(9) الخلاف 1: 310 - المسألة: 59 -.
(10) حكاه عنهما، الجواهر 13: 39.
(11) حكاه غاية المراد: 15 والجواهر 13: 39.
(12) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثانية): 365.
(13) لم نقف عليه.
(14) المهذب 1: 125.
(15) الكافي في الفقه: 150.
(16) السرائر 1: 274.
(17) حكاه الجواهر 13: 40.
276

أصحاب المضايقة لا يجوز الاخلال بالقضاء إلا لأكل أو شرب ما يسد به الرمق
أو تحصيل ما يتقوت به هو وعياله، ومع الاخلال بها يستحق العقوبة في كل جزء
من الوقت (1) (انتهى).
القول السابع
السابع: تحريم الأفعال المنافية للقضاء عدا الصلاة الحاضرة في آخر
وقتها، وضروريات الحياة، وهو المحكي (2) عن صريح المرتضى (3) والحلي (4) وظاهر
المفيد (5) والحلبيين (6) حيث رتبوا تحريم الحاضرة في السعة على تضيق الفائتة،
وبنى المفيد (7) تحريم النافلة لمن عليه فائتة على تحريم الحاضرة، ومقتضاه: اسناد
التحريم إلى التضاد، فيطرد في جميع الأضداد، وقد ذكر المحقق والعلامة في
المعتبر (8) والمنتهى (9) إن لازم هؤلاء تحريم جميع المباحات المضادة للقضاء.
نسبة تحريم الأضداد لا تختص بالمرتضى والحلي
وحينئذ فتخصيص جماعة (10) نسبة القول بتحريم الأضداد إلى المرتضى
والحلي فقد، محمول على إرادتها اختصاصهما بالتصريح بذلك، ولذلك نسبه في
محكي (11) التذكرة (12) إلى السيد وجماعة.

(1) كشف الرموز 1: 210.
(2) حكاه الجواهر 13: 40.
(3) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثانية): 365.
(4) السرائر 1: 273.
(5) كما في الجواهر 13: 40 وانظر المقنعة: 211.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 500 والكافي في الفقه: 150.
(7) ذكره في الرسالة السهوية كما في مفتاح الكرامة 3: 392.
(8) المعتبر 2: 408.
(9) المنتهى 1: 422.
(10) منهم العلامة والشهيدان والسبزواري - كما في المختلف: 144 وغاية المراد: 15 وروض الجنان:
188. وذخيرة المعاد 210 -.
(11) حكاه مفتاح الكرامة 3: 390 والجواهر 13: 40.
(12) التذكرة 1: 82.
277

كيفية عنوان المسألة
ثم اعلم أن هذه المسألة معنونة في كلام بعضهم بوجوب ترتيب
الحاضرة على الفائتة وعدمه، وفي كلام آخرين بالمضايقة والمواسعة.
ولا ريب أن الترتيب والتضيق غير متلازمين بأنفسهما، لجواز القول
بالترتيب من دون المضايقة من جهة النصوص، وإن أفضى إلى التضيق أحيانا،
كما إذا كان الفوائت كثيرة لا تقضى إلا إذا بقي من الوقت مقدار فعل
الحاضرة، ويجوز القول بالفورية من دون الترتيب كما تقدم عن صاحب هدية
المؤمنين (2)، وإن أفضى إلى التزام الترتيب بناء على القول بأن الأمر بالشئ
يقتضي النهي عن ضده.
عدم التلازم بين الترتيب والتضيق
فالقول بأن الفورية والترتيب متلازمان (3) لا يخلو عن نظر، سواء أريد
تلازمهما في أنفسهما، أو أريد تلازمهما بحسب القائل، بمعنى أن كل من قال
بأحدهما قال بالآخر، لما عرفت من وجود القائل بأحدهما دون الآخر.
لكن الانصاف أن معظم القائلين بالترتيب إنما قالوا به من جهة الفورية،
فما ذكره الصيمري (4) - فيما حكي عنه -: أن منشأ القول بالترتيب وعدمه:
القول بالمضايقة وعدمها، محل تأمل، إلا أن يريد به الأكثر، أو يريد جميع القائلين
بالترتيب بالنسبة إلى زمانه.
وأولى بالتأمل ما يظهر من بعض (5) أن القول بالترتيب أصل مسألة
المضايقة، بل الحق أن القول بالترتيب والقول بالفورية ليس أحدهما متفرعا
على الآخر في كلمات جميع الأصحاب، نعم القول بالترتيب متفرع على الفورية

(1) منهم صاحب الشرائع 1: 121 والمعتبر 2: 405 والمختلف: 144 والارشاد 1: 244 و
كشف الرموز 1: 207.
(2) في الصفحة 9.
(3) كما في الجواهر 13: 38.
(4) تلخيص الخلاف 1: 132، وفيه: واعلم أن هذه المسألة مبنية على القول بالمضايقة والمواسعة.
(5) انظر مهذب البارع 1: 460.
278

في كلمات أكثر أهل المضايقة.
وأما وجوب العدول، فهو من فروع الترتيب ويحتمل - ضعيفا - كونه
غير متفرع على شئ، ويكون المدرك فيه مجرد النص، وأضعف منه كونه من
فروع الفورية، وإن لم نقل بالترتيب، ووجهه - مع ضعفه - يظهر بالتأمل.
وأما بطلان الحاضرة وصحتها في سعة الوقت، فيحتمل تفرعه على
الفورية بناء على اقتضاء الأمر المضيق النهي عن ضده الموسع وعدم (1) الأمر به،
ويحتمل تفرعه على الترتيب وإن لم نقل بالفورية.
وأما حرمة التشاغل بالأضداد، فلا إشكال في أنه من فروع الفورية.
هذا خلاصة الكلام في الأقوال، فلنشرع في ذكر أدلتها مقدما لأدلة
القول بالمواسعة المطلقة، متبعا إياه بأدلة المضايقة المطلقة، ثم نتكلم في أدلة باقي
الأقوال حسب ما يقتضيه الحال، فنقول:

(1) في بعض النسخ: أو عدم.
279

[أدلة القول بالمواسعة]
[الأول: الأصل]
احتج للقول بالمواسعة المطلقة بوجوه:
أحدها: الأصل.
وتقريره من وجوه خمسة، أو ستة:
الأول من وجوه تقرير الأصل (البراءة)
الأول: أصالة البراءة عن التعجيل، فإن وجوب التعجيل وإن لم يكن
تكليفا مستقلا، بل هو من أنحاء وجوب الفعل الثابت في الجملة، إلا أن الوجوب
الثابت على نحو التضيق ضيق، لم يعلم من قبل الشارع، و (الناس في سعة ما لم
يعلموا) (1)، فالتضيق الذي حجب الله علمه عن العباد موضوع عنهم (2)، وتوهم
أن أصالة البراءة مختصة بصورة الشك في تكليف مستقل، مدفوع في محله (3).
بل التحقيق: أن مقتضى أدلة البراءة أن كل ضيق يلحق الانسان شرعا
في العاجل، وكل عقاب يرد عليه في الآجل لا بد أن يكون معلوما تفصيلا أو
إجمالا، ولا يرد شئ من الضيق والعقاب مع عدم العلم.
فإن قلت: إن الاحتياط على خلافه، وتقريره - على ما ذكره بعض

(1) المحاسن: 452.
(2) راجع الوسائل 18: 119، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 28.
(3) راجع فرائد الأصول: 465.
280

المحققين من المعاصرين (1) -: أن الوجوب لما اقتضى تحتم الفعل وحرمة الترك،
فثبوته يقتضي لزوم الامتثال والخروج عن صنف المخالفين للأمر، وحيث ثبت في
أول أوقات التمكن، فترك الامتثال - حينئذ - بقصد التأخير عنه أو بدونه إنما
يجوز بأحد أمرين:
الإذن في الترك بلا بدل
أحدهما: إذن الشارع، فيسوغ الترك وإن أدى إلى تركه لا إلى بدل.
الثاني: الانتفاء إلى بدل ثبت بدليته عنه أو عن تعجيله، معلوم تمكنه منه،
فيسوغ الترك أيضا وإن لم يأذن الشارع صريحا، وكلا الأمرين غير معلوم.
الانتقال إلى بدل
أما الإذن (2) فلأنه المفروض فإنه إنما يثبت في الموسع لمكان وجوبه من
جهة حرمة تركه عند ظن ضيق الوقت المضروب أو ضيق وقت التمكن، وإن
كان هذا خلاف مقتضى إطلاق الوجوب، لأن انتفاء الظن المذكور يقتضي انتفاء
خاصية الوجوب ومصلحته الفعلية، فإن من جرى في علم الله أنه يموت فجأة
في سعة الوقت، إن فعل أدى راجحا، وإن ترك، ترك ما جاز له تركه، وهو من
خواص الندب.
نعم قد يترتب أثر الوجوب باعتبار وجوب القضاء أو ما في حكمه، ونية
الوجوب ظاهرا واستحقاق ثواب الواجب وحرمة إزالة التمكن من نفسه، وكل
ذلك خارج عن المطلوب.
أو باعتبار إيجار العزم على الفعل بدلا عنه، ولم يثبت فيما نحن فيه كما
يأتي، وكأن ما ذكر هو الداعي لتخصيص بعضهم الوجوب بأول الوقت أو آخره
- إن أرادوا تخصيص حقيقة الوجوب بأول أوقات التمكن أو آخرها المعلوم أو

(1) هو الشيخ أسد الله التستري قدس سره في رسالة (منهج التحقيق في حكمي التوسعة والتضييق)
المقام الثالث ذيل أدلة القائلين بالمواسعة. (مخطوط).
(2) في " ش ": الأول.
281

المظنون -.
وكيف كان، فحيث ثبت الإذن في التأخير، فلا محيص عن القول بجوازه
وبعدم الإثم في الفوات المترتب عليه، وإن كان منافيا لما هو الظاهر من إطلاق
الوجوب واشتراكه بين الجميع، ولما لم يثبت هنا وجب العمل بمقتضى ظاهر
الوجوب - كما ذكر -، ولم يصح قياسه على الموقت الموسع ولا سيما مع ما بينهما
من الفرق، لأن تجويز التأخير في الموقت لا يفضي إلى تفويته غالبا، بخلاف
المطلق.
وأما الثاني - وهو الانتقال إلى البدل -، فموقف على إثباته هنا على نحو
ما تقدم، وهو إما العزم على الفعل في وقت آخر، أو نفس ذلك الفعل، والأول لم
يثبت بدليته هنا، وإنما قيل بها في الموقت المأذون في تأخيره، تحقيقا لحقيقة
الوجوب المشترك بين الجميع، وتأدية لمقتضى الامتثال الواجب عليهم.
وحيث تعلق الأمر هنا بالقضاء بعينه ولم يثبت الإذن في تأخيره وكان
مقتضى الايجاب ظاهرا هو المنع من التأخير، لم يتجه هنا دعوى بدلية العزم عنه،
أو عن تعجيل فعله، مع أن كثيرا من العلماء وأرباب المواسعة ينكرون بدلية العزم
في الموسع، فلا يستقيم الالتزام بذلك هنا عن قبلهم.
وأما نفس الفعل في وقت آخر فلم يثبت بدليته عما كلف به بتمامه، ولا
يعلم التمكن منه، فضلا عن وقوعه.
أما الأول: فلأن إرادة الشارع ابتداء للفعل في أول أوقات التمكن
معلومة، وأما في سائر الأوقات فلا، غاية الأمر أنه لو تركه أولا وجب عليه الفعل
ثانيا، وكان مجزيا عما كلف به في ذلك الوقت، لا عن تمام التكليف الثابت أولا،
فلا يلزم التخيير ابتداء بين جميع الأوقات.
وأما الثاني: فظاهر، لعدم إحاطة العلم عادة بالعواقب، فلو قطع النظر عن
عدم ثبوت بدليته، لكان في عدم العلم بإدراكه كفاية في وجوب المبادرة، إذ بها
282

يتقين فراغ الذمة عما اشتغل به الذمة يقينا، فإن المبادر ممتثل قطعا على أي
حال، وإن عرضه ما يمنع الاكمال، وربما يموت تاركا فيبقى ذمته مشغولة بما
وجب عليه، فيصير مستحقا للعقاب على تركه الواقع باختياره، إذ لا يعتبر في
الترك الموجب لذلك أن يكون بحسب جميع الأحوال الممكنة في حقه، بل بما هو
الثابت واقعا في شأنه، ولما كان الواقع غير معلوم قبل وقوعه لم يمكن إحالة
التكليف بالامتثال عليه، حتى يختلف باختلافه، فيكون مضيقا لجماعة وموسعا
لآخرين بحسب تزايد الآنات والساعات والشهور والأعوام، فتعين أن يكون
منوطا بالتضيق الذي يعلم به حصول الامتثال بالنسبة إلى الجميع، فمن أدخل
نفسه في صنف التاركين، ثم تداركه فضل الله سبحانه بأن أبقاه إلى أن أدى
المأمور به، دخل في صنف العاملين، ولكن لا يمكن البناء على ذلك ابتداء أولا
فأولا، وإن أدت إلى فوات الحاضرة المأذون في تأخيرها.
وأما البناء على ظن ضيق وقت التمكن وعدمه، كما في الموسع، فموقوف
على الدليل، وهو منتف هنا، فوجب البناء على ما ذكر (انتهى تقرير الاحتياط
ملخصا).
الجواب عن تقرير الاحتياط
والجواب: إن الأمر المطلق إنما يقتضي وجوب الفعل المشترك بين الواقع
في أول أزمنة التمكن، والواقع فيما بعده من أجزاء الزمان التي يمكن إيقاع
المأمور به فيها، وحينئذ فالتأخير عن الجزء الأول ترك لبعض أفراد الواجب،
وهو لا يحتاج إلى إذن من الشارع، لأن العقل حاكم بالتخيير في الامتثال بين
مصاديق المأمور به.
ومن هنا ظهر فساد ما ذكره من أن الوجوب في الواجب الموسع باعتبار
حرمة تركه عند ظن الضيق، بل وجوبه باعتبار حرمة تركه المطلق المتحقق بتركه
في جميع الأجزاء. وأما عدم مؤاخذة من فاجأه العجز في أثناء الوقت، فليس لعدم
اتصاف الفعل حقيقة بالوجوب فيما قبل الجزء الأخير من الوقت، بل لأجل أن
283

الواجب لا يعاقب على تركه إلا إذا وقع الترك على جهة العصيان، لاستقلال
العقل ودلالة النقل على أنه لا عقاب إلا مع العصيان، ولا عصيان في الفرض
المذكور.
فتحقق بما ذكرنا: أن الفعل المأتي في كل جزء من الزمان من أفراد المأمور به
وامتثال لتمامه، فلا يقال إنه بدل من الواجب نظير بدلية العزم، بل هو نفسه،
وأما احتمال طرو العجز عن الفرد الآخر فهو إنما يوجب رجحان المبادرة بحكم
العقل المستقل الحاكم بحسن إحراز مصلحة الوجوب ومرجوحية التأخير
المفضي أحيانا إلى فواتها وإن لم يوجب عقابا على المكلف.
ويؤيده النقل، مثل قوله عليه السلام: (إذا دخل الوقت فصل. فإنك لا تدري
ما يكون) (1).
وأما وجوب هذا الاحتياط فلم يثبت بعد حكم العرف والشرع بأصالة
بقاء التمكن وعدم طرو العجز، وإجماع العلماء والعقلاء على عدم وجوب المبادرة
في الموسع الموقت، وجعل الشارع - في الرواية المذكورة وأمثالها - احتمال طرو
العجز علة لاستحباب المبادرة دون وجوبها، إلى غير ذلك مما يقطع معه بعدم كون
الاحتمال المذكور سببا لوجوب الاحتياط.
نعم ربما قيل باستحقاق العقاب لو اتفق ترك الواجب الموسع الغير
الموقت، ولازمه وجوب المبادرة عقلا - من باب الاحتياط، تحرز عن الوقوع في
عقاب الترك - وإن لم يجب شرعا، ليكون من قبيل المضيق الذي يعاقب على
تأخيره، وإن لم يتفق العجز.
لكن هذا القول مع ضعفه لا ينفع فيما نحن فيه، لأن الكلام في التوسعة
والتضيق المستلزم لوجوب المبادرة شرعا، وإن علم المكلف بالتمكن في ثاني

(1) التهذيب 2: 272 الحديث 1082 والوسائل 3: 87، الباب 3 من أبواب المواقيت، الحديث 3.
284

الحال، وتمكن وأتى بالفعل.
وبالجملة: فلا إشكال في أن الأصل هو عدم وجوب المبادرة شرعا.
الثاني من وجوه تقرير الأصل (الاستصحاب)
الثاني من وجوه تقرير الأصل: استصحاب صحة صلاته الحاضرة على
أنها حاضرة، إذا ذكر الفائتة في أثنائها.
فإن القائل بالمضايقة يدعي فساد الصلاة، إذا استمر على نيتها الأولى
عند تذكر الفائتة، والأصل عدمه.
الجواب عن الاستصحاب
ويرد عليه: أنه قد حققنا في الأصول (1) عدم جريان استصحاب الصحة،
إذا شك في أثناء العمل في شرطية أمر فقد، أو مانعية أمر وجد، كالترتيب بين
الحاضرة والفائتة فيما نحن فيه.
هذا كله بناء على كون صحة الأجزاء السابقة على الذكر واقعية وأما إذا
قلنا بأن وجوب القضاء واقعا، موجب لفساد الحاضرة واقعا، غاية الأمر أن
المكلف ما لم يتذكر القضاء معذور، فالتذكر كاشف من وجوب القضاء وعدم
صحة الأداء في متن الواقع، فصحة الأجزاء السابقة على التذكر صحة ظاهرية
عذرية من جهة النسيان، ترتفع بارتفاع العذر، فلا يقبل الاستصحاب.
ولا ينافي ذلك الاجماع (2) على صحة الحاضرة إذا لم يتذكر الفائتة إلا بعد
الفراغ عنها، لأن هذا لا يكشف إلا عن كون الترتيب شرطا علميا، لا واقعيا
بالنسبة إلى الجهل المستمر إلى تمام الحاضرة، فلا ينافي كونه شرطا واقعيا بالنسبة
إلى الجهل المرتفع في أثناء الصلاة، فإن كون الشروط علمية أو واقعية يختلف
بحسب الموارد حسب ما يقتضيه الأدلة، ألا ترى أن النجاسة مانع علمي للصلاة
بالنسبة إلى الجهل المستمر، فلا يعيد من صلى جاهلا إلى آخر الصلاة، وأما

(1) راجع فوائد الأصول: 485 و 490.
(2) راجع المختلف: 147.
285

الجاهل الذي علم في الأثناء فلا يستمر على ما فعل - على ما ذهب إليه
بعض - (1).
الثالث من وجوه تقرير من الأصل
الثالث من وجوه تقرير الأصل: أصالة عدم وجوب العدول من الحاضرة
إلى الفائتة.
الجواب عن هذا الأصل
وفيه: أنه إن أريد أصالة البراءة عن التكليف بالعدول، فلا ريب في أن
الشك في المكلف به، لأن إتمام الصلاة واجب إما بنية الحاضرة أو بنية الفائتة، مع
أن إتمامها بنية الفائتة مجمع على جوازه، بل رجحانه إما وجوبا وإما استحبابا،
فالأمر (2) مردد بين تعيين إتمامها بهذه النية، وبين التخيير بينه وبين إتمامها بنية
الحاضرة، فمقتضى وجوب تحصيل اليقين بالبراءة، نقل النية إلى الفائتة.
وإن أريد استصحاب عدم وجوب العدول قبل التذكر. ففيه: أنه كان
معذورا عقلا لأجل النسيان، وقد زال العذر. والحكم المنوط بالأعذار العقلية
- كالعجز والنسيان، ونحوهما - لا يجوز استصحابه بعد رفع العذر.
فإن قلت: إن المعلوم عدم وجوب العدول حال النسيان، وأما كون لأجل
النسيان فغير معلوم.
قلت: لا ريب أن النسيان علة مستقلة لعدم وجوب العدول، فإذا شك في
كون عدم الوجوب السابق مستندا إلى هذه العلة أو إلى علة أخرى، وهي
مشروعية فعل الحاضرة مع اشتغال الذمة بالفريضة الفائتة، فمقتضى الأصل
عدم مشروعيتها حينئذ.
والحاصل: أن الكلام إما أن يقع في حكم الناسي بوصف أنه ناس، ولا
شك أنه حكم عذري يدور مدار النسيان وجودا وعدما، فلا معنى لاستصحابه

(1) نسبه في المدارك 2: 351 إلى التحقيق، وانظر المعتبر 1: 443.
(2) في بعض النسخ: لأمر.
286

بعد ارتفاع العذر.
وإما أن يقع في حكم المكلف واقعا من حيث إنه مكلف فاتت عنه فريضة
ودخل عليه وقت أخرى، ولا عذر له من نسيان أو غيره، ولا ريب أن الشك
- حينئذ - في مشروعية الحاضرة وعدمها. ومن المعلوم أن الأصل عدم المشروعية،
فإذا ثبت بحكم الأصل عدم مشروعية الحاضرة مع عدم العذر وهو النسيان،
ترتب عليه وجوب العدول إذا نسي فيها، فافهم فإنه لا يخلو عن دقة.
الرابع من وجوه تقرير الأصل (أصالة الإباحة)
الرابع: أصالة إباحة فعل الحاضرة وعدم حرمتها، إذا شك في فسادها
وصحتها من جهة الشك في حرمتها وإباحتها، المسبب عن الشك في فورية
القضاء وعدمها، بناء على القول باقتضاء الأمر المضيق النهي عن ضده، وأصالة
عدم اشتراطها بخلو الذمة عن الفائتة (1) إذا كان الشك في اعتبار الترتيب بينها
وبين الفائتة.
الجواب عن أصالة الإباحة
ويرد على الأصل الأول: أن فساد الحاضرة إن كان من جهة القول بأن
الأمر الضيق يقتضي عدم الأمر بضده فيفسد الضد من هذه الجهة إذا كان من
العبادات، فأصالة الإباحة وعدم التحريم لا ينفع في شئ، بل الأصل هو عدم
تعلق الأمر بذلك الضد في هذا الزمان.
نعم هذا الأصل مدفوع بأصالة عدم التضيق المتقدمة، لكنه أصل
مستقل قد عرفت جريانه واعتباره، والكلام هنا في غيره.
وإن كان من جهة أن الأمر المضيق يقتضي حرمة ضده، فمرجع الكلام
إلى الشك في حرمة الحاضرة وإباحتها، والأصل الإباحة وعدم التحريم. ففيه:
أنه إن أريد أصالة البراءة فيرد عليه:
أولا: إن حرمة الضد لو ثبت في الواجب المضيق فإنما يثبت - عند

(1) ما أثبتناه من مصححة " ع " وفي سائر النسخ: " الحاضرة ".
287

المشهور - من باب كون ترك الضد مقدمة لفعل المضيق، فيجب. والظاهر عدم
جريان الأصل في مقدمة الواجب إذا كان الشك فيها مسببا عن الشك في
وجوب ذيها، أو عن الشك في أصل وجوب المقدمة في المسألة الأصولية.
نعم يجري الأصل في صورة ثالثة، وهي ما إذا كان الشك في وجوب
الشئ مسببا عن الشك في كونه مقدمة، كما إذا شك في شرطية شئ للواجب
أو جزئيته له.
والسر في ذلك أن أصل البراءة إنما ينفي المؤاخذة على ما لم يعلم كونه
منشأ للمؤاخذة، ويوجب التوسعة والرخصة فيما يحتمل المنع. وهذا إنما يتحقق في
الصورة الثالثة، وأما في الصورتين الأوليين فلا يلزم من الحكم بوجوب المقدمة
مؤاخذة عليها ولا منع ولا ضيق، حتى ينفي بأدلة البراءة الدالة على نفي
المؤاخذة عما لم يعلم، وتوجب الرخصة فيه.
وثانيا: أن أصالة عدم حرمة الحاضرة معارضة بأصالة البراءة وعدم
اشتغال الذمة بها.
وإن شئت فقل: إن الأمر دائر بين حرمة الحاضرة ووجوبها، فلا أصل،
فتأمل.
وبمثله يجاب لو أريد بأصالة عدم الحرمة: استصحابه، بأن يقال: إنه
يشك في أن الوجوب الحادث للقضاء كان على الفور حتى يوجب حرمة
الحاضرة، أو على التوسعة حتى يبقى الحاضرة على حالها من عدم الحرمة،
فالأصل بقاؤها.
فإن قلت: إنا نفرض ثبوت الوجوب للحاضرة في أول وقتها قبل تذكر
الفائتة، فحينئذ نقول: الأصل بقاء وجوبها بعد التذكر.
قلت: قد عرفت أن تذكر الفائتة ليس محدثا لوجوبها، بل السبب له واقعا
هو فوت الأداء، وإنما يرتفع بالتذكر، العذر المسقط للتكليف، وهو النسيان،
288

وحينئذ فالوجوب الثابت للحاضرة قبل التذكر وجوب ظاهري يرتفع بارتفاع
مناطه، وهو النسيان.
لكن الانصاف أن ما ذكرنا من معارضة استصحاب عدم الحرمة
باستصحاب عدم الوجوب غير مستقيم، لأن الشك في مجرى الأصل الثاني
مسبب عن الشك في مجرى الأصل الأول، فالأول حاكم على الثاني، لما تقرر في
الأصول (1) فالصواب: الجواب عن الاستصحاب المذكور بما سيجئ في الوجه
الخامس من تقرير الأصل (2).
هذا كله في إجراء الأصل في الحكم التكليفي، وهي حرمة الحاضرة. وأما
أصالة عدم اشتراطها بخلو الذمة عن الفائتة، فإن أريد بها أصالة البراءة بناء
على القول بجريانها عند الشك في شرطية شئ للعبادة، فهو حسن على هذا
القول، إلا أن ظاهر كلام المستدل به إرادة أصالة إطلاق الأمر بالحاضرة، وسيأتي
الكلام في الاطلاقات.
الخامس من وجوه تقرير الأصل (استصحاب الحكم)
الخامس: أن الحاضرة كانت يجوز فعلها في السعة قبل اشتغال الذمة
بالفائتة، فكذا بعده، للاستصحاب.
وهذا الاستدلال حكاه بعض المعاصرين عن المختلف، وقال: إنه فاسد
لتعدد الحاضرة في الحالتين، وعدم ثبوت الحكم لكل حاضرة، وإلا استغنى عن
التمسك بالاستصحاب، وهو لا يجري مع تعدد المحل.. ثم قال: وأما الاستدلال
بأنه لو لم يكن عليه قضاء لجاز له فعل الحاضرة في السعة، فكذلك مع ثبوته،
ففاسد أيضا، لأن مرجعه إلى القياس أو استصحاب الحكم الغير الثابت من
أصله إلا على سبيل الفرض في نفس زمانه، وكلاهما باطل (3) (انتهى).
الجواب عن هذا الاستصحاب
أقول: استصحاب الحكم الشرعي على قسمين:
أحدهما: استصحاب

(1) فرائد الأصول: 737.
(2) الآتي بعد قليل.
(3) راجع رسالة منهج التحقيق للتستري (المخطوط) ذيل: المقام الثالث في حجج الأقوال.
289

الحكم الجزئي الثابت بالفعل، كما إذا مضى من الوقت مقدار الفعل مع الشرائط،
ثم سافر إلى أربعة فراسخ وشككنا في حدوث وجوب القصر عليه بعد وجوب
الاتمام عليه بالفعل، بناء على أن العبرة بحال الأداء دون الوجوب، أو مات
مجتهده - الذي أفتى بوجوب الجمعة عليه - فشك في حدوث وجوب الظهر عليه
بعد وجوب الجمعة فعلا، أو رأى دما مشتبها بالحيض فشك في ارتفاع وجوب
الصلاة الثابت عليه بالفعل.. إلى غير ذلك من الأمثلة.
والثاني: استصحاب الحكم الكلي الثابت عليه بطريق القضية الشرطية،
مثل حكم الشارع بأن التمام يجب بشروطها على الحاضر، والجمعة تجب بشروطها
على المقلد لمن قال بوجوبها، والصلاة تجب بشروطها على الطاهر من الحيض
والنفاس، وهذه الأحكام شرطيات لا يتوقف صدقها على صدق شروطها، بل
تصدق مع فقد الشرائط، كدخول الوقت ووجدان (1) الطهور، فلا يعتبر في
استصحاب ما كان من هذا القبيل تنجز الحكم الشخصي وتحققه، فإذا فرضنا
أن الشخص كان في بلده فاقدا للطهورين، أو لم يدخل (2) عليه الوقت، ثم سافر
إلى محل يشك في بلوغه المسافة، لشبهة في الحكم أو الموضوع، فلا يخدش في
استصحاب حكم التمام في حقه: أنه لم تنجز عليه وجوب التمام في السابق من
جهة عدم دخول الوقت أو فقد الطهور، بل يكفي كونه في السابق ممن يجب
عليه التمام إذا وجد في حقه شرائط الصلاة، وكذا استصحاب وجوب الجمعة إن
مات مقلده، واستصحاب وجوب الصلاة على من رأت دما شك في كونه حيضا
لشبهة في الحكم أو الموضوع، فإنه يحكم باستصحاب وجوب الصلاة عليه، وإن
كان في الزمان السابق غير واجد للشروط، ولا يضر عدم ثبوت الحكم بالفعل في
استصحاب الحكم الكلي.

(1) في " ش ": وفقدان.
(2) في " ش " و " ص " و " ن ": ولم يدخل.
290

حكومة استصحاب الحكم الكلي على استصحاب الحكم الفعلي
بل لو عورض استصحاب الحكم الكلي باستصحاب عدم الحكم الفعلي
كان الأول حاكما، لأن الشك مسبب عن الشك فيه.
إذا عرفت هذا فنقول: إن وجوب الفعل موسعا في أول وقتها حكم
شرعي كلي وخطاب إلهي تعلق بالمكلف وإن توقف تنجزه وثبوته فعلا على
شروط، لكن فقد تلك الشروط لا يقدح في صدق الحاكم الكلي على وجه القضية
الشرطية بأن يقال: إن هذا المكلف ممن يجب عليه الصلاة وتصح منه بمجرد
دخول وقتها واجتماع باقي شرائط الصلاة، فإذا حدث وجوب القضاء عليه
لفوات بعض الفرائض يقع الشك في ارتفاع الحكم الكلي المذكور، فيقال:
الأصل بقاؤه، فالمستصحب هو الحكم على كلي الحاضرة بالصحة والوجوب في
أول الوقت، لا على خصوص الحاضرة المتنجزة عليه حين فراغ الذمة عن الفائتة
حتى يمنع انسحابه إلى الحاضرة التي يدخل وقتها حين اشتغال الذمة بالفائتة
إلا بالقياس أو بدلالة الدليل العام المغني عن الاستصحاب.
وما ذكره أخيرا من تقرير الاستصحاب فهو أيضا راجع إلى ما ذكرنا،
وتوهم كونه من القياس أو من استصحاب الحكم الفرضي مدفوع بما ذكرنا، فإن
استصحاب الحكم المعلق على شروطه قبل تحقق شروطه راجع إلى استصحاب
أمر محقق منجز، كما يظهر بالتأمل.
ولا يخفى أن وجود مثله في المسائل الشرعية والمطالب العرفية أكثر من
أن تحصى، واعتماد أرباب الشرع والعرف عليه أمر لا يكاد يخفى، وهذا الأصل
بعينه هو استصحاب عدم حرمة الحاضرة - الذي تمسك به المعترض في التقرير
الرابع من تقرير الأصل -، إلا أن ذلك عدمي وهذا وجودي، لكن جريان كليهما
على الوجه الذي ذكرنا هنا وما ذكره من الاعتراض جار في ذلك أيضا، فتسليم
أحدهما ومنع الآخر تحكم، إلا أن يريد من الأصل - هناك - أصالة البراءة
لا الاستصحاب وقد عرفت ضعف التمسك بالبراءة.
291

الشك في بقاء الموضوع في استصحاب الحكم الكلي
وكيف كان، فالاستصحاب على الوجه الذي ذكرنا لا غبار عليه، وقد
عرفت سابقا ضعف معارضته باستصحاب عدم وجوب الحاضرة، لأنه حاكم
عليه. نعم من لا يجري الاستصحاب في الحكم الشرعي إما مطلقا - كما هو
مذهب بعض (1) - أو فيما يحتمل مدخلية وصف في الموضوع، مفقود في الحال
اللاحق - كما هو المختار - لم يكن له التمسك به فيما (2) نحن فيه، لاحتمال
كون الحكم الكلي المستصحب - وهو وجوب الصلاة في الجزء الأول من الوقت -
في الحال السابق، أعني قبل الاشتغال بالقضاء منوطا بخلو الذمة عن القضاء،
فيكون المكلف الفارغ في الذمة من القضاء، يجوز له فعل الحاضرة في أول وقتها،
والشك في المدخلية يرجع إلى الشك في بقاء الموضوع، فلا يجري الاستصحاب،
لاشتراطه ببقاء الموضوع يقينا، لكن الاستدلال المذكور مبني على المشهور بين
العلامة رحمه الله ومن تأخر عنه من إجراء الاستصحاب في أمثال المقام.
السادس من وجوه تقرير الأصل
السادس: أصالة عدم حرمة المنافيات لفعل الفائتة من المباحات الذاتية،
وهذا الأصل حسن بمعنى الاستصحاب دون البراءة، لما عرفته في التقرير الرابع
والخامس.
الجواب على هذا الوجه
وعلى أي تقدير فهذا الأصل إنما يثمر في رد من قال بوجوب الترتيب
من جهة اقتضاء فورية القضاء تحريم الحاضرة والقول بأن الحرمة المقدمية توجب
الفساد، لو كان المنافي - المحرم من باب المقدمة - من العبادات.
وأما لو لم نقل - كما هو مذهب جماعة، منهم: المحقق ألقاني في شرح
القواعد في باب الدين (3)، بل ربما نسبه بعضهم ككاشف الغطاء قدس سره إلى كافة

(1) نسبه المصنف قدس سره إلى الأخباريين، راجع فرائد الأصول: 553 (الوجه الثاني من الأمر
السادس).
(2) في " ش " و " ع ": " مما " بدل في ما.
(3) جامع المقاصد 5: 13، ذيل قول الماتن: (ولا تصح صلاته في أول وقتها).
292

الأصحاب (1) - فلا ثمرة لهذا الأصل، لأن إثبات الترتيب حينئذ من باب الأخبار
الدالة على تقديم الفائتة، لا من وجوب المبادرة إليها، من باب أن الأمر بالشئ
يقتضي عدم الأمر بضده فيفسد، والحكم بالفساد من هذين الوجهين يجامع عدم
حرمة الحاضرة، فلا يترتب على أصالة عدم الحرمة (2) الحكم بصحة الحاضرة.
فساد التمسك بالاجماع المركب
ومن هنا يظهر فساد ما قيل: من (3) أنه إذا ثبت عدم حرمة المنافيات
بالأصل، ثبت صحة فعل الحاضرة في السعة، لعدم القول بالفصل.
مع أن التمسك بالاجماع المركب وعدم القول بالفصل فيما إذا ثبت أحد
شطري المسألة بالأصول الظاهرية محل إشكال، فقد أنكره غير واحد ولا يخلو
عن قوة.
وكيف كان، فالأصل المعتمد في المسألة هو الأصل الأول، وهو أصالة عدم
الفورية. وقد يعارض باقتضاء أصالة الاشتغال بالترتيب، وسيأتي الكلام عليها
في أدلة القائلين بالمضايقة إن شاء الله.

(1) كشف الغطاء: 27، البحث الثامن عشر وفيه: أن القول بالفساد ظاهر الفساد... مع الخلو عن
التعرض لمثل ذلك في الكتاب وكلام النبي والأئمة عليهم السلام وأكثر الأصحاب.
(2) في " ش ": عدم حرمة.
(3) ليس في " ش ": من.
293

[الدليل الثاني: الاطلاقات]
الثاني من حجج القائلين بالمواسعة: الاطلاقات، وقد ضبطها بعض
المعاصرين (1) في طوائف من الكتاب والسنة.
الطائفة الأولى: ما دل على وجوب الحواضر
الأولى: ما دل على وجوب الحواضر على كل مكلف حين دخول وقتها (2)،
ووجوب قضائها على كل من فاتته مع مضي ما يسعها عن أوقاتها (3)، وعلى وليه
بعد موته - إن لم يقضها بنفسه -، فلو وجب تأخيرها عن الفوائت لزم أن لا يجب
على من عليه فائتة معلومة إلا عند ضيق وقت الحاضرة أو مضي زمان يسع
الفائتة.
وأيضا يلزم أن لا يجب عليه قضاء الحاضرة إلا إذا أدرك وقت ضيقها، أو
مضى زمان يسع الجميع، فلو مات قبل ذلك أو عرض حيض أو شبهه لم يكن
مشغول الذمة بالقضاء، ولم يجب على وليه تداركه بعد موته، وكل هذه مخالفة

(1) هو المحقق التستري في رسالته: المقام الثالث.
(2) الوسائل 3: 114، الباب 10 من أبواب المواقيت.
(3) الوسائل 5: 354، الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 17، والوسائل 2: 596 الباب
48 - 49 من أبواب الحيض.
294

للاطلاقات المذكورة.
الايراد عليها
ويرد عليه: أن القائل بالترتيب ووجوب تأخير الحاضرة عن الفائتة، إما
أن يقول به من جهة فورية القضاء عنده، نظرا إلى أن الأمر بالشئ يقتضي
عنده النهي عن الضد الخاص، وإما أن يقول به من جهة وجود الدليل على
اشتراط الترتيب في الحاضرة، وإن لم يقل بفورية القضاء، وعلى كل تقدير فلا
يرده الاطلاقات المذكورة، ولا يلزم تقييد لتلك الاطلاقات من جهة قوله
بالترتيب.
أما إذا قال به من الجهة الأولى، فلأنه يدعي أن الصلاة التي هي واجبة
في أول الوقت من حيث هي - لو خلي وطبعها - قد عرض لها عدم الوجوب
لأجل عروض الحرمة لها من باب المقدمة لواجب فوري.
وإن شئت فقل: إن وجوبها في أول الوقت مقيد عقلا بعدم الامتناع
العقلي أو الشرعي (1) فإذا فرض طرو الحرمة لها من باب المقدمة صار ممتنعا شرعيا
لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي، فهو نظير ما إذا عرض واجب فوري آخر في
أول الوقت كأداء دين فوري أو إنقاذ نفس محترمة ونحوهما، فإنه لا يلزم التقييد
في تلك الاطلاقات بعدد هذه العوارض، بل إما أن نقول: إن تلك الاطلاقات
مسوقة لبيان حكم الصلاة في أول الوقت لو خليت ونفسها، فلا ينافي عدم
الوجوب لها لعارض يعرضها، كما أن قول الشارع: (لحم الغنم حلال - أو
طاهر -) لا ينافي حرمة اللحم المسروق ونجاسة اللحم الملاقي للنجس، لأن
الحلية والطهارة الذاتيتين لا تنافيان الحرمة والنجاسة العرضيتين.
وإما أن نقول: إنها مقيدة بالتمكن وعدم الامتناع عقلا وشرعا، فإذا

(1) في " ش ": والشرعي.
295

ادعى مدع الامتناع الشرعي فيما نحن فيه لأجل الحرمة المقدمية، فلا ينفى ادعاؤه
بالاطلاقات، نعم ليطالب (1) في دعواه الحرمة المقدمية - الموجبة لعروض عدم
الوجوب والامتناع الشرعي - بالاستدلال عليه، وهذا غير الاستدلال على نفي
قوله بالاطلاقات، بل وجود الاطلاقات كعدمها، لانعقاد الاجماع والضرورة على
أن الحاضرة - لو لم يمنع عن فعلها في أول الوقت مانع عقلي أو شرعي - متصفة
بالوجوب والصحة، وهذا القدر كاف في صحة الحاضرة بعد ثبوت عدم المانع، ولو
بحكم الأصل المتقدم، الدال على عدم الفورية الموجبة لطرو الحرمة على فعل
الحاضرة.
نعم لو أنكر أحد سوق تلك الاطلاقات لمجرد بيان حكم الصلاة في
نفسها على حد قول الشارع: الغنم حلال أو طاهر، في مقابل قوله: الكلب حرام
أو نجس، وادعى سوقها لبيان التكليف وحمل المكلف في أول الوقت على الفعل،
بحيث يظهر من إطلاق بعث المكلف على الفعل عدم كونه ممنوعا من طرف
الأمر، صح التمسك (2) في كل مورد شك في فورية ما يزاحمها وانتفت الفورية عنه
بحكم تلك الاطلاقات، وحكم من أجلها بعدم المانع الشرعي، وكان كلما ورد من
الدليل على فورية شئ يتوقف على تأخر الحاضرة مقيدا لتلك الأدلة معارضا لها.
لكن المتأمل في تلك الاطلاقات - إذا أنصف - لا يجد من نفسه إلا
ما ذكرنا أولا.
هذا كله إذا قيل بالترتيب من جهة الفورية، وأما إذا قيل به من جهة
ورود الدليل على اشتراطه في الحاضرة، فيصير حاله كحال سائر الشروط
المعتبرة في الصلاة، في أن وجوب الصلاة في أول الوقت إنما هو مع التمكن من
فعلها جامعة للشروط، فإذا شك في شرطية شئ للصلاة كطهارة ما عدا موضع

(1) في " د ": يطالب.
(2) في " ع ": التمسك بها.
296

الجبهة من مكان المصلي، وأنه هل يجب تحصيله إذا كان مفقودا عند دخول الوقت
أم لا؟ فلا يجوز التمسك بالاطلاقات المذكورة لنفي شرطية المشكوك، لأجل
إطلاق الحكم فيها بثبوت الوجوب في أول الوقت وعدم وجوب التأخير.
وكذا لو شك في جزئية شئ يجب معرفته كالسورة بعد الحمد، فإنه
لا يجوز أن يتمسك بالاطلاقات المذكورة، لعدم وجوب تأخير الصلاة حتى يتعلم
السورة.
وبعبارة أخرى: تلك الاطلاقات دالة على وجوب الصلاة في أول الوقت،
ومسألتنا أن الصلاة هل يعتبر فيها الشرط الفلاني، كتأخرها عن الفائتة، وطهارة
ما عدا موضع الجبهة - مثلا - وقراءة السورة بعد الحمد أم لا؟
نعم ثبوت شرط أو جزء للصلاة يوجب تقييد لفظ الصلاة بناء على
وضعها للأعم لا تقييد إطلاق وجوبها عند دخول الوقت، فيكون هذه
الاطلاقات كإطلاق (أقيموا الصلاة).
بل التحقيق: عدم جواز التمسك بها وإن جوزنا التمسك بإطلاق:
(أقيموا الصلاة) لنفي الشرطية والجزئية عند الشك، لأن إطلاق الصلاة في
هذه الاطلاقات مسوقة لبيان حكمها من حيث وقت وجوبها فلا تفيد مطلوبية
كل ما يسمى صلاة، فحالها كسائر الاطلاقات المسوقة لبيان أحكام الصلاة بعد
الفراغ من بيان جهتها، كأحكام الجماعة والخلل والقضاء ونحو ذلك.
وأما إطلاقات وجوب القضاء على من مضى عليه من الوقت مقدار
الفعل، فإن كان المراد مقدار الصلاة والطهارة دون غيرها من الشروط فلا دلالة
فيها على المقام. وإن كان المراد مقدار الصلاة وتحصيل جميع الشروط فهي ساكتة
عن بيان الشروط فإذا ادعي شرطية شئ للصلاة فلا دلالة فيها على نفيها،
كما لا يخفى.
الطائفة الثانية ما دل على صلاحية أوقات الحواضر لأدائها
الثانية: ما دل بعمومه أو إطلاقه على صلاحية جميع أوقات الحواضر
297

لأدائها بالنسبة إلى جميع المكلفين (1) فيتناول من عليه فائتة أيضا فيصح له فعل
الحاضرة في السعة.
الايراد عليها
ويرد عليه: ما في سابقه، من عدم فائدة في إطلاقها سواء جعلنا اعتبار
الترتيب من جهة الفورية أم من جهة ثبوت اشتراط الحاضرة بتأخرها عن
الفائتة، إذ مدلولها صلاحية كل جزء من الوقت للحاضرة، وهذا غير منكر عند
أهل المضايقة، فإنهم لا يقولون بعدم الصلاحية (2) للحاضرة، وإنما يقولون
بعروض ما أوجب تأخرها، أو بكونها مشروطة بشرط مفقود يحتاج إلى تحصيله
وهو فراغ الذمة عن الفائتة.
نعم ربما يظهر من بعض العبارات المحكية عن السيد المرتضى (3) ما يوهم
عدم صلاحية زمان الاشتغال بالفائتة لأداء الحاضرة، وحينئذ فيصلح هذه
الاطلاقات للرد عليه ولكن من المقطوع أن مراده من عدم صلاحية ذلك الوقت
للفعل: عدم صلاحية الفعل في ذلك الوقت.
الطائفة الثالثة ما دل على أن الفريضة إذا دخل وقتها لا يمنع منها شئ
الثالثة: ما دل على أنه إذا دخل وقت الفريضة لا يمنع من فعلها شئ
إلا أداء نافلتها الراتبة (4) مثل قولهم عليهم السلام: (إذا زالت الشمس فما يمنعك إلا
سبحتك) (5).
وقولهم عليهم السلام: (إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلا أن بين يديها
سبحة، وذلك إليك، طولت أو قصرت) (6).

(1) الوسائل 3: 91، الباب 4 من أبواب المواقيت.
(2) في " د ": صلاحية الوقت.
(3) حكاه العلامة في المختلف 1: 144، وانظر رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثانية): 364.
(4) الوسائل 3: 96، الباب 5 من أبواب المواقيت.
(5) الوسائل 3: 97، الباب 5 من أبواب المواقيت، الحديث 6 باختلاف يسير.
(6) الوسائل 3: 108، الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 30 مع اختلاف يسير.
298

الايراد عليها
ويرد عليه: أن هذه الروايات في مقام دفع (1) توهم رجحان تأخير الظهر إلى
حد محدود، كالقدمين والذراع والقامة - على ما يتراءى من بعض الأخبار الدالة
على هذه التحديدات - (2) فبين الإمام بذلك أنه ليس بعد دخول الوقت مانع عن
فعل الفريضة إلا النافلة، فلا ينتظر القدمين ولا الذراع ولا القامة ولا غيرها.
والذي يكشف عما ذكرنا ما عن محمد بن أحمد بن يحيى، قال: (كتب
بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام: أنه روي عن آبائك: القدمين والذراع
والقامة والقامتين وظل مثلك والذراعين؟
فكتب عليه السلام: لا القدم ولا القدمين، إذا زال الشمس فقد دخل وقت
الصلاة وبين يديها سبحة، فإن شئت طولت وإن شئت قصرت... الحديث) (3).
والحاصل: أن من لاحظ الأخبار المذكورة يظهر له ما ذكرنا في معنى
الرواية غاية الظهور.
ثم إنه كيف يمكن الاستدلال بهذه الأخبار مع أن المراد بالمنع في قوله
عليه السلام: (لا يمنعك): المنع الكمالي، لا منع الصحة والاجزاء، بقرينة استثناء
النافلة، والمطلوب في مسألة المضايقة منع الفائتة عن صحة الحاضرة قبلها،
فافهم.
الطائفة الرابعة ما دل على استحباب الجماعة والمبادرة إليها
الرابعة: ما دل على تأكد استحباب فعل الصلاة جماعة (4) مع استمرار
السيرة في الجماعات على المبادرة إليها في أوائل الأوقات، وما دل على تأكد
استحباب فعل الصلاة في المساجد (5)، وعلى استحباب الأذان والإقامة (6) وتأكدهما

(1) لم ترد " دفع " في " ع " و " ن " و " ص ".
(2) انظر الوسائل 3: 103، الباب 8 من أبواب المواقيت.
(3) الوسائل 3: 98، الباب 5 من أبواب المواقيت، الحديث 13 باختلاف يسير.
(4) الوسائل 5: 370، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة.
(5) الوسائل 3: 477، الباب الأول من أبواب أحكام المساجد.
(6) الوسائل 4: 612، الباب الأول من أبواب الأذان والإقامة.
299

في بعض الصلوات، واستحباب السور الطوال في بعضها (1) والآتيان
بسائر سننها (2)، فإن امتثال هذه المستحبات في الحاضرة يقتضي عدم تأخيرها
إلى الضيق، وفي الفوائت يقتضي عدم المبادرة إلى كل منهما.
والجواب عن هذه كلها مما ذكرنا، من أن هذه الاطلاقات لا تنفي
فورية القضاء ولا اشتراط الأداء بخلو الذمة عن القضاء، والمتأمل يجد بعد
الانصاف أن هذه كلها أجنبية عن المطلب.
الطائفة الخامسة ما دل على استحباب المستحبات
الخامسة: ما دل على استحباب المستحبات.
ويرد عليها ما ورد في السابق وهي نظير أدلة المباحات (3).
السادسة ما دل على أن الصلاة لا تعاد إلا من خمس
السادسة: ما دل على أنه: (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة) (4) وعلى أن
فروض الصلاة سبعة (5) أو عشرة (6).
ويرد عليه: أن المراد عدم الإعادة من الاخلال سهوا بشئ غير الخمسة،
وأن الفروض الشرعية بحسب أصل الشرع في الصلاة سبعة، وأكثر أهل
المضايقة يدعون أن فورية القضاء يمنع عقلا عن صحة الأداء.
وكيف كان، فالتمسك بهذه وأمثالها مما لم نذكره - وإن ذكره بعض - تضييع
للقرطاس فضلا عن العمر.
السابعة ما دل على تأكد استحباب المبادرة مطلقا
السابعة: ما دل على تأكد استحباب المبادرة مطلقا إلى الصلاة في أوائل

(1) الوسائل 4: 787، الباب 48 من أبواب القراءة في الصلاة.
(2) الوسائل 4: 673، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة.
(3) في " ع ": " إباحة المباحات " وفي " د ": " إباحة المنافيات ".
(4) الوسائل 4: 683، الباب الأول من أفعال الصلاة الحديث 14، و 4: 770، الباب 29 من القراءة
الحديث 5، و 4: 995، الباب 7 من التشهد، الحديث الأول.
(5) الوسائل 4: 683، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 15.
(6) مستدرك الوسائل 4: 89، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 4209.
300

أوقاتها (1) فيشمل من عليه فائتة.
الايراد عليها
ويرد عليه ما تقدم في إطلاقات الوجوب في أول الوقت وصلاحية كل جزء
من الوقت للحاضرة، من أنها لا تنفي وجوب تقديم الفائتة، سواء أخذناه عن
فورية القضاء - بناء على اقتضائها النهي عن الحاضرة - أو من دليل اعتبار
الترتيب في الحاضرة وإن لم يحكم بفورية الفائتة.
مضافا إلى أن الاستحباب المذكور إنما يتوجه إلى فعل الحاضرة في أول
الوقت بعد الفراغ عن وجوبها وصحتها، لأن استحباب بعض أفراد الواجب (2)
فرع وجوبه في الواقع وفي لحاظ الحاكم بالاستحباب، والكلام في هذه المسألة في
ثبوت أصل وجوب الحاضرة في الجزء الأول من الوقت لمن عليه فائتة، فالحكم
بالاستحباب مقصور على من لا مانع في حقه عن وجوب الحاضرة عليه في أول
الوقت.
الايراد على الاطلاقات بشكل عام
وقد يرد هذه الاطلاقات بوجوب رفع اليد عنها من جهة تسليم أهل
المواسعة لاستحباب تقديم الفائتة، فلا يجامع استحباب الحاضرة في أول وقتها.
النظر في هذا الايراد
وفيه نظر، أما أولا: فلذهاب بعض أهل المواسعة - كالصدوقين وعبيد الله
الحلبي وغيرهم - إلى استحباب تقديم الحاضرة (3) وذهاب بعض إلى التخيير بين
تقديم الحاضرة وتقديم الفائتة (4) ولازم هذا القول - كما قدمنا في أول المسألة -:
القول بأفضلية فعل الحاضرة في وقت فضيلتها.
وأما ثانيا: فلأن القول باستحباب تقديم الفائتة إما أن يكون من جهة
الاحتياط فلا ينافي أفضلية الحاضرة من حيث القوى التي هي مقتضى الأدلة

(1) الوسائل 3: 86، الباب 3 من أبواب المواقيت.
(2) في " ش " و " ص ": لأن الاستحباب بعمل أفراد الواجب.
(3) راجع مفتاح الكرامة 3: 388.
(4) راجع الصفحة 261
301

الاجتهادية، فيكون المسألة نظير الحكم بأفضلية الاتمام في المواطن الأربعة
لظاهر الأدلة وأن القصر أحوط، وكذا الحكم بأفضلية صلاة الجمعة، وكون الظهر
أحوط وإما أن يكون من جهة الأخبار الدالة على رجحان تقديم الفائتة بحملها
على الاستحباب بعد فرض اختيار المواسعة.
لكن نقول: لا تنافي بين استحباب تقديم الفائتة وبين استحباب فعل
الحاضرة في وقت فضيلتها، فإن أمكن الجمع بين المستحبين بأن يقضي الفائتة
ويعقبها بالحاضرة قبل خروج وقت فضيلتها فقد فاز بالمصلحتين، وإن لم يمكنه
إلا إحداهما بعينها تعينت، أو لا بعينها تخير، أو قدم الحاضرة لكثر ما دل من
الأخبار على الحث عليها في ذلك الوقت (1) وتوعيد من أخرها عنه (2) وأن ما بقي
من الوقت وقت رخصة لأهل الأعذار (3) أو الصلاة الصبيان (4) ونحو ذلك.
وكيف كان فكون كل من فعل الحاضرة في وقت الفضيلة وتقديم الفائتة
عليه مستحبا مما لم يمنعه مانع، وقد ذكرنا أيضا في أوائل المسألة أن جهات
استحباب تقديم الفائتة ثلاث، وجهات تقديم استحباب الحاضرة أربع، فعليك
بملاحظة ما يمكن اجتماعه من جهات تقديم إحداهما مع جهات تقديم
الأخرى، فتدبر.

(1) الوسائل 3: 78، الباب الأول من أبواب المواقيت، الحديث 1 و 10.
(2) انظر الوسائل 3: 81، الباب الأول من أبواب المواقيت، الحديث 13 و 14 و 21.
(3) الوسائل 3: 102، الباب 7 من أبواب المواقيت، الحديث 7.
(4) الوسائل 3: 155، الباب 28 من أبواب المواقيت، الحديث 2.
302

[الدليل الثالث: الأخبار الخاصة]
الثالث من وجوه الاحتجاج لأهل المواسعة: الأخبار الخاصة - يعني
المختص بحكم قضاء الفوائت - وهي طوائف:
الطائفة الأولى: ما دل على توسعة القضاء
الأولى: ما دل على توسعة القضاء في نفسها:
إطلاق الأخبار المشتملة على الأمر بالقضاء
فمن جملة ذلك: إطلاق الأخبار الكثيرة المشتملة على الأمر بالقضاء (1)
ولا سيما ما ورد في الحائض والنفساء (2).
الايراد عليه
ويرد عليه: أن الاستدلال بالأوامر المطلقة - خصوصا الأوامر الواردة في
الحائض والنفساء - في مقام بيان أصل الوجوب من غير تعرض لوجوب المبادرة
وعدمها فإن الأمر بناء على عدم دلالته بالوضع على الفور لا يدل على عدمه،
بل غاية الأمر سكوته عنه، فلا ينافي إرادة الأمر، المبادرة إليه بأمر آخر، وليس
يلزم حينئذ تصرف في تلك الأوامر.
فالمدعي للفور وإن كان عليه إقامة الدليل إلا أن الاطلاقات لا تدل على
خلافه، نعم ظاهر الأمر - حيث إنه موضوع لطلب الفعل الغير المقيد بزمان -.
حصول الامتثال بالاتيان به في الزمان الثاني والثالث، وإن قلنا بدلالته على
الفور، فتأمل جدا.

(1) الوسائل 5: 347 - 350، الباب، 1 و 2 من أبواب قضاء الصلوات.
(2) الوسائل 2: 596 - 598، الباب 48 و 49 من أبواب الحيض.
303

ما ورد عن أصل الحلبي
ومنها: ما عن أصل الحلبي - الذي عرض على الإمام الصادق صلوات الله عليه
واستحسنه - (1): (خمس صلوات يصلين على كل حال ومتى أحب، صلاة فريضة
نسيها يقضيها مع طلوع الشمس وغروبها، وصلاة ركعتي الاحرام، وركعتي
الطواف الفريضة، وكسوف الشمس عند طلوعها وغروبها) (2).
الايراد عليه
ويرد عليه أن قوله: (يصلين على كال حال) يدل على مشروعيتها في مقام
دفع توهم المنع عنها عند طلوع الشمس وغروبها، لما استفاض من الأخبار
الظاهرة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها وأنها طلع بين قرني
الشيطان (3)، وليس المراد سعة وقتها واختيار المكلف في تعجيلها وتأخيرها، لأن
هذا غير ممكن في الكسوف والطواف وصلاة الميت المذكورة في بعض الأخبار
معها (4)، فلا ينافي هذا وجوب تعجيل القضاء متى ذكرها، ولذا جمع في بعض
الأخبار بين الفقرة المذكورة وبين وجوب القضاء متى ذكرها، مثل رواية زرارة
- المحكية عن الخصال - عن أبي جعفر عليه السلام: (قال: أربع صلوات يصليها
الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها: وركعتي طواف الفريضة
وصلاة الكسوف والصلاة على الميت) (5).
وأما قوله: (متى أحب) فليس دليلا على جواز التأخير، لعدم جريانها في
باقي الصلوات المذكورة في الرواية، فلا بد من تأويلها على وجه لا ينافي
التعجيل، ولا يحضرني الآن تأويل حسن له ولا يهمنا أيضا.
هذا، مع أن العبارة المذكورة ليس برواية، لأن الحلبي لم يسندها إلى

(1) انظر الصفحة 257، والهامش 2 هناك.
(2) رسالة السيد ابن طاووس: 341 ورواه عنه البحار 88: 299، الحديث 6، وفي الأخير: والطواف
والفريضة.
(3) الوسائل 3: 170، الباب 38 من أبواب المواقيت.
(4) الوسائل 3: 174، الباب 39 من أبواب المواقيت، الحديث 1 و 5.
(5) الوسائل 3: 174، الباب 39 من أبواب المواقيت، الحديث 1، الخصال 1: 247، رقم 107.
304

إمام فلعلها فتوى استنبطها من ظاهر بعض الروايات الدالة على التوسعة.
ما عن الجعفي
ومنها: ما عن الجعفي في كتاب الفاخر - الذي ذكر في أوله أنه لم يرو
فيه إلا ما أجمع عليه وصح عنده عن قول الأئمة عليهم السلام - من قوله قدس سره
(والصلوات الفائتات تقضى (1) ما لم يدخل عليه وقت صلاة، فإذا دخل وقت
صلاة بدأ بالتي دخل وقتها وقضى الفائتة متى أحب) (2).
الايراد عليه
ويرد عليه: أن الظاهر عدم كون القول المذكور متنا لرواية وإنما هو
معنى مستنبط من الروايات الظاهرة في المواسعة، فليس دليلا مستقلا.
رواية عمار
ومنها: رواية عمار المشتملة على مسائل متفرقة، منها ما: (عن الرجل
يكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها وهو مسافر؟ قال: نعم، يقضيها بالليل
على الأرض، فأما على الظهر فلا، ويصلي كما يصلي في الحضر) (3).
فإن الظاهر - بقرينة المنع عن القضاء على ظهر الراحلة والأمر بفعلها
كما في الحضر - أن المراد قضاء الفريضة، فلو كان القضاء مضيقا لجاز فعله على
الراحلة كما في الفريضة المضيقة لضيق وقتها أو وقت التمكن منها.
الايراد عليها
وفيه، أولا: إنه لا دلالة لها إلا على عدم جواز فعل الفريضة على الراحلة،
وأما وجوب النزول عنها لأجل القضاء إن تمكن، وعدمه إن لم يتمكن، فلا تعرض
لها في الرواية، نعم ربما كان في قوله: (يقضيها بالليل) دلالة على أنه يؤخرها إلى
الليل ليقع على الأرض، فلا يقضيها بالنهار ليقع على الراحلة على ما هو الغالب
من أن دأب المسافرين - خصوصا العرب - المشي بالنهار، فيكون وجه الدلالة
ظهورها في ترخيص تأخير القضاء إلى الليل وعدم وجوب المبادرة إليها بالنهار.

(1) في " د " و " ع " و " ن " و " ش ": " يقضي " وفي رسالة عدم المضايقة، والبحار: " يقضين ".
(2) رسالة السيد ابن طاووس: 340 والبحار 88: 327.
(3) الوسائل 5: 359، الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 2. والتهذيب 2: 273.
الحديث 1086.
305

نعم يمكن للقائلين بالمضايقة أن يقولوا: إن المبادرة إنما يجب إذا أمكن
فعل القضاء مستجمعا لجميع الشروط الاختيارية لا مطلقا، لأن التضيق إنما جاء
من دلالة الأمر على الفور أو من ورود الدليل على وجوب التعجيل.
وعلى كل تقدير، فالفعل المشروط في نفسه بشروط إذا أخره المكلف
لتحصيل شرط من شروطه، لا يعد متوانيا فيه غير مستعجل، إذا لم يكن التأخير
إلا بمقدار تحصيل الشرط، ولهذا لم يلتزم أهل المضايقة بسقوط السورة وطهارة
الثوب والبدن، بل مقدار الطهارة المائية إذا أوجب التأخير، وكان التعجيل
يحصل بالتيمم.
والسر في ذلك: أن ترخيص الفعل بدون الشرائط الاختيارية إنما يكون
عند الاضطرار، والاضطرار إنما يحصل إذا دار الأمر بين فوت أصل الواجب إما
ليضيق الوقت أو لطرو المانع - ولو بحسب ظن المكلف -، وفوات شروطه وأجزائه
الاختيارية، وأما إذا دار الأمر بين فوات التعجيل إلى الفعل وفوات تلك
الشروط والأجزاء الاختيارية فلا يهمل جانب الشروط ويراعي التعجيل.
والسر فيه: أن التعجيل المطلوب إنما عرض للفعل بعد اعتبار الشروط
والأجزاء، فالمطلوب تعجيل الفعل المستجمع لها، فمتى لم يمكن تعجيل الفعل
المستجمع لها وارتقب زمان الاستجماع فلا يعد عاصيا في التعجيل، وهذا هو السر
في التزام العقلاء في مقام الإطاعة مراعاة جانب الشروط والأجزاء وإن تأخر
زمان الفعل، بل لا يعد هذا تأخيرا، لأن التأخير والتعجيل إنما يعتبران بالنسبة
إلى أزمنة الامكان، فافهم.
وأما توهم الإمام عليه السلام لم يستفصل بين السفر الضروري وغيره
فيأمره بترك غير الضروري المستلزم لتأخير القضاء إلى الليالي، فمدفوع بأن
مقام السؤال لا يقتضي ذلك - كما لا يخفى - فترك الاستفصال لا يجدي.
رواية أخرى لعمار
ومنها: رواية أخرى عن عمار: (قال: سألته عن الرجل ينام عن الفجر
306

حتى يطلع الشمس وهو في سفر، كيف يصنع، أيجوز أن يقضيها بالنهار؟ قال:
لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار، ولا يثبت له، ولكن يؤخرها
ويقضيها بالليل) (1).
الايراد عليها
ويرد عليه: أن المنع التحريمي عن قضاء الفريضة بالنهار مما أجمع على
خلافه الفتاوى والأخبار، فإما يحمل على التقية فلا يجدي، وإما على الكراهة.
وهي بعيدة عن مساقها ومخالفة لظاهر الأخبار، بل صريح كثير منها، فإن لم يكن
هذا كله موجبا لطرحها جاز الاقتصار على موردها، ولا داعي إلى صرفها عن
الحرمة إلى الكراهة، إذ كما أن الحرمة منافية للفتاوي والأخبار، فكذلك الكراهة،
كما لا يخفى.
ما في البحار عن ابن طاووس
ومنها: ما رواه في البحار عن السيد ابن طاووس - في رسالة غياث سلطان
الورى لسكان الثرى - عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (قال:
قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح ولم يصل
صلاة ليلته تلك، قال: يؤخر القضاء ويصلي صلاة ليلته تلك) (2).
والتقريب: أن الظاهر من الدين إما خصوص الفريضة الفائتة أو الأعم،
ولا وجه للتخصيص بالنافلة، فيدل على جواز تأخير القضاء لنافلة الليل، ثم
عدم الأمر بفعلها قبل الصبح يدل على الترتيب.
الايراد عليه
ويرد عليه: أن ظهور لفظ الدين في الفريضة محل نظر، بل لا يبعد - عند
من له ذوق سليم - أن يراد من الدين - في مقابل صلاة ليلته تلك - صلوات
سائر الليالي، فيكون حاصل الجواب: ترجيح أداء نافلة الليلة على قضاء
نافلة سائر الليالي.

(1) الوسائل 5: 351، الباب 2 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 6، التهذيب 2: 272، باب
المواقيت 1081.
(2) البحار 88: 327 الحديث 6.
307

ولو أغمض عن ذلك، فنقول: إن التمسك بعمومه حسن لنفي الفورية،
وأما نفي الترتيب فلا يستفاد منه خصوصا على تفصيلي المحقق (1) والعلامة (2).
ما عن ابن طاووس في رسالة المواسعة
ومنها: ما عن السيد - أيضا - في رسالة المواسعة، عن أمالي السيد أبي
طالب الحسيني بإسناده إلى جابر بن عبد الله: (قال: قال رجل: يا رسول الله
كيف أقضي؟ قال صلى الله عليه وآله: صل مع كل صلاة مثلها. قال: يا رسول الله
قبل أم بعد؟ قال: قبل) (3).
الايراد عليه
وفيه: أن الأمر بالصلاة ليس للوجوب قطعا. فيمكن أن يكون إرشادا
لكيفية قضاء ذلك الشخص، فلعله كان ا لقضاء مستحبا في حقه فيستحب له
قبل كل صلاة أن يقضي صلاة.
رواية إسماعيل بن جابر في الذكرى
ومنها ما عن الذكرى، عن إسماعيل بن جابر: (قال: سقطت عن بعيري
فانقلبت على أمر رأسي، فمكثت سبعة عشر ليلة مغمى علي، فسألته عن ذلك،
قال: اقض مع كل صلاة صلاة) (4).
الايراد عليها
وفيه: أن الاستدلال به مبني على وجوب القضاء على المغمى عليه - كما
اعترف به في الذكرى - (5) وهو مخالف للأخبار الكثيرة (6). مع أن الرواية غير
مذكورة - على ما قيل - (7) في كتب الحديث، فلعل الشهيد أخذها من كتاب
إسماعيل بن جابر أو من كتاب آخر أسندت فيه إلى إسماعيل، وهذا مما يوهن

(1) وقد فصل في الترتيب بين الوقت الاختياري دون غيره، تقدم المصدر: 271.
(2) المختلف 1: 144.
(3) رسالة السيد ابن طاووس: 344 والمستدرك 6: 429، الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات
الحديث 7153، 9 والبحار 88: 330.
(4) الذكرى: 134 والوسائل 5: 358، الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 15.
(5) الذكرى: 134، قال: " وفيه تصريح بالتوسعة، لو أوجبنا القضاء على المغمى عليه ".
(6) الوسائل 5: 352 - 356، الباب 3 و 4 من أبواب قضاء الصلوات.
(7) قاله العلامة التستري في رسالته منهج التحقيق (مخطوط).
308

التمسك به الأخبار الدالة على مرجوحية الصلاة عند طلوع الشمس
ومنها: الأخبار المستفيضة الدالة على مرجوحية قضاء الفريضة، أو مطلق
الصلاة عند طلوع الشمس حتى يذهب شعاعها (1).
الايراد عليها
ويرد عليه: أنها مخالفة للأخبار الكثيرة الواردة على خلافها، وأن ما يقوله
الناس: (إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان) كاذب، وأنه لو صح فما أرغم أنف
الشيطان بشئ مثل الصلاة (فصلها وأرغم أنف الشيطان) (2)، والأخبار الدالة
صريحا على عدم المنع عن قضاء الفريضة متى ما ذكرها، بل مطلق الصلاة، بل
فعل ذات السبب مطلقا (3).
فالأولى حملها على التقية - وإن اشتمل بعضها على ما يخالف العامة (4)،
فإنه غير مناف للحمل عليها، خصوصا إذا لم يكن محمل غيرها - من جهة ورود
الأخبار المعتبرة على خلافها.
الأخبار المرخصة لقضاء صلاة الليل في النهار وبالعكس
ومنها: الأخبار المرخصة لقضاء صلاة الليل في النهار وقضاء صلاة النهار
بالليل، إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء (5) مثل مصححة ابن مسلم:
(عن الرجل يفوته صلاة النهار. قال: يقضيها، إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد
العشاء) (6)، ونحوها مصححة الحلبي (7) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على
الرخصة المزبورة، فإن الصلاة المقضية فيها أعم من الفريضة والنافلة، بل يتعين

(1) الوسائل 3: 158 الباب 30 من أبواب المواقيت الحديث 3 و 211 الباب 63 من أبواب
المواقيت، الحديث 1 والبحار 88: 330.
(2) الوسائل 3: 172، الباب 38 من أبواب المواقيت، الحديث 8.
(3) الوسائل 3: 174، الباب 39 من أبواب المواقيت.
(4) الوسائل 3: 211، الباب 63 من أبواب المواقيت، الحديث 1 الحكم فيها بقضاء صلاة العشاء
مخالف لقول العامة.
(5) الوسائل 3: 175 الباب 39 من أبواب المواقيت، الحديث 6 و 7 و 12 و 13.
(6) (7) الوسائل 3: 175، الباب 39 من أبواب المواقيت، الحديث 6 و 7.
309

حملها في الصحيحتين على الفريضة بناء على القول بحرمة النافلة - ولو قضاء -
في وقت الفريضة، بل وعلى القول بالكراهة أيضا، لظهورها في التساوي وعدم
مزية في فعلها بعد العشاء.
الايراد عليها
ويرد عليها: أن الظاهر من صلاة الليل والنهار - في هذه الروايات -
نافلتهما، إذ الغالب التعبير عن الفرائض بأسمائها، كالظهرين أو المغرب
والعشاء، مع أن الظاهر من فوت صلاة النهار فوتها في النهار وفوت صلاة الليل
في الليل، وحينئذ لا إشكال في أن الحكم قضاء الأول في الليل (1)، والثاني في النهار.
نعم هذا لا يتمشى في بعضها، مثل قوله: (إقض صلاة النهار أي ساعة
شئت من ليل أو نهار) (2) ونحوها، إلا أنه يمكن حملها على دفع توهم المنع
الحاصل عن مثل رواية عمار المتقدمة المانعة عن قضاء فائتة النهار إلا في الليل (3).
مع إمكان حمل النهار فيها على النهار الآخر، لا يوم الفوات.
الطائفة الثانية ما دل على جواز إتيان الحاضرة في السعة
الطائفة الثانية من الأخبار: ما دل على أنه يجوز لمن عليه فائتة أن
يصلي الحاضرة في السعة، وأن يتمها بنيتها إذا ذكر الفائتة في أثنائها، فمن جملة
ما ورد عن أصل الحلبي
ذلك ما عن أصل الحلبي المتقدم (4) من قوله: (ومن نام أو نسي أن يصلي المغرب
والعشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر مقدار ما يصليهما،، فليصلهما، وإن
استيقظ بعد الفجر فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء) (5).
ودلالته على المطلوب واضحة بناء على أن وقت العشاءين يمتد للمضطر

(1) كلمة " في الليل " ساقطة من " ن " و " ع ".
(2) الوسائل 3: 176، الباب 39 من أبواب المواقيت الحديث 12، 13.
(3) صفحة 304 و 306.
(4) صفحة 304.
(5) رسالة السيد ابن طاووس: 340، البحار 88: 299، الحديث 6 و 328، الحديث 6، المستدرك
6: 428، الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات 7149.
310

إلى طلوع الفجر. وحمل قوله: (بعد الفجر) على القريب من طلوع الشمس بعيد
جدا، فحمل الأمر بتقديم الفجر على الاستحباب أولى من ذلك التقييد، فيتم
المطلوب، لكنها لا تنفي التفصيل المتقدم عن المختلف (1).
رواية الجعفي في الفاخر
ومنها ما تقدم عن كتاب الفاخر (2) - الذي ذكر في أوله: (أنه لا يروي فيه
إلا ما أجمع عليه وصح من قول الأئمة) - من قوله: (والصلوات الفائتات تقضى
ما لم يدخل عليه وقت صلاة، فإذا دخل وقت صلاة بدأ بالتي دخل وقتها وقضى
الفائتة متى أحب).
وظاهره وجوب التقديم، إلا أن يحمل على الاستحباب، فيتم المطلوب
وهي المواسعة المطلقة من دون تفصيل.
لكن الانصاف: أن عد هذين الكلامين من الرواية مشكل، فالظاهر
كون الحكم المذكور من هذين الجليلين فتوى مستنبطة من ظاهر الروايات.
مرسلة الواسطي
ومنها: ما أرسله الواسطي في كتابه عن الصادق عليه السلام: (إن من كان في
صلاة ثم ذكر صلاة أخرى فائتة أتم التي هو فيها ثم قضى ما فاته) (3).
وحكي (4) عنه نسبة هذا إلى أهل البيت عليهم السلام في موضع آخر من كتابه،
ودلالته على المطلوب ظاهرة، فلا كلام إلا في سنده.
مصححة أبي بصير
ومنها: رواية أبي بصير المصححة: (إن نام رجل ولم يصل صلاة المغرب
والعشاء الآخرة أو نسي، فإن استيقظ قبل الفجر مقدار ما يصليهما جميعا
فليصلهما، وإن خشي أن يفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة. وإن استيقظ
بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس، فإن

(1) تقدم في الصفحة 268.
(2) تقدم في الصفحة 305.
(3) راجع رسالة السيد ابن طاووس: 344 والبحار 88: 330.
(4) رسالة ابن طاووس: 343 ومفتاح الكرامة 3: 388 والجواهر 13: 50.
311

خاف أن يطلع الشمس فيفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب ثم ليدع العشاء
الآخرة حتى يطلق الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصل العشاء) (1).
وحكي نحوها عن رسالة السيد ابن طاووس عن كتاب الحسين بن
سعيد (2).
ما عن الفقه الرضوي
ونحوها ما عن الفقه الرضوي مسندا إلى العام بزيادة قوله: (وإن
خاف أن تعجله طلوع الشمس ويذهب عنهما جميعا فليؤخرهما حتى يطلع
الشمس ويذهب شعاعها) (3).
والدلالة فيها ظاهرة على ما سبق في تقريب دلالة عبارة الحلبي (4).
وأما الحكم فيهما بتأخير القضاء إلى ذهاب شعاع الشمس فهو غير
موهن للرواية - كما أن صحيحة زرارة (5) التي هي العمدة في أدلة الترتيب مشتملة
على هذا الحكم أيضا - لأن غاية الأمر حمل هذه الفقرة على التقية ولا يوجب
حمل ما في الخبر عليها، خصوصا مع احتمال حدوث سبب التقية بعد ذكر
الفقرات السابقة.
مع أن الرواية المروية عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن ابن مسكان
- أو ابن سنان - (6) خالية عن الفقرة المذكورة.

(1) الوسائل 3: 209، الباب 62 من أبواب المواقيت، الحديث 3 والمستدرك 6: 429، الباب
الأول من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 7152، 8.
(2) رسالة السيد ابن طاووس: 343، البحار 88: 330.
(3) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 123.
(4) في الصفحة 310.
(5) الوسائل 3: 211، الباب 63 من أبواب المواقيت، الحديث الأول.
(6) الوسائل 3: 209، الباب 62 من أبواب المواقيت، الحديث 4. وسند الحديث هكذا: وعنه عن
فضالة عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام، وعنه عن فضالة بن أيوب عن ابن سنان
يعني عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام.
312

فالانصاف ظهورها في المدعى، نعم لا ينهض لرد تفصيل المختلف، كما
عرفت (1).
ثم إنه حكي عن المحقق في العزية (2) أنه أورد على هذين الخبرين
فقال: إن خبري أبي بصير وابن سنان يدلان على أن وقت العشاء يمتد إلى
الفجر، وهو قول متروك، وإذا تضمن الخبر ما لا نعمل به دل على ضعفه. ثم.
قال: وأيضا فهما شاذان، لقلة ورودهما (3) بعد العمل بهما.
ثم أجاب عن الأول: بأنا لا نسلم أن القول بذلك متروك، بل هو قول
جماعة من فقهائنا المتقدمين والمتأخرين، منهم أبو جعفر بن بابويه (4) - وهو أحد
الأعيان - وقد ذكر ذلك الشيخ أبو جعفر الطوسي في مسائل من بعض
أصحابنا (5)، فكأنه مشهور، وقالوا: هو وقت لمن نام أو نسي.
ولو سلمنا أن الوقت ليس بممتد، فما المانع أن يكون ذلك للتقية في
القضاء، فإن رواية زرارة (6) - التي هي حجة في ترتيب القضاء - تضمنت تأخير
المغرب والعشاء حتى يذهب الشعاع، ومن المعلوم أن الحاضرة لا يتربص بها
ذلك، فكيف ما يدعى أنه يقدم على الحاضرة؟
ثم أجاب عن الثاني بأنه لا نسلم شذوذهما وقد ذكرهما الحسين بن
سعيد (7) والكليني (8) والطوسي في التهذيب (9) والاستبصار (10) وذكره أبو جعفر بن

(1) راجع الصفحة 311.
(2) الرسائل التسع: 120.
(3) ليس في بعض النسخ: " و ".
(4) الفقيه 1: 355.
(5) المبسوط 1: 75.
(6) تقدم في الصفحة 312.
(7) رسالة السيد ابن طاووس: 342 و 343 والبحار 88: 330.
(8) لم نقف عليهما في الكافي نعم نقل ما يدل على المطلب انظر الكافي 3: 292.
(9) التهذيب 2: 270، الباب 13 من أبواب المواقيت، الحديث 1076 و 1077.
(10) الإستبصار 1: 288، الباب 157، الحديث 1053 و 1054.
313

بابويه في الفقيه (1) وقد أودع فيه ما يعتقد أنه حجة فيما بينه وبين ربه (2) (انتهى).
مرسلة الوشاء
ومنها: مرسلة الوشاء عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام: (قال
قلت: الرجل يفوته الأولى والعصر والمغرب وذكرها عند العشاء الآخرة. قال:
يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنه لا يأمن الموت، فيكون قد ترك صلاة فريضة في
وقت قد دخلت، ثم يقضي ما فاته، الأولى فالأولى) (3).
وعن المحقق في المعبر (4) روايته عن جميل (5)، فلعله أخذه من كتابه.
ووجه الدلالة أن المراد من تذكرة المنسي عند العشاء، إما تذكرة عند دخول
مطلق وقته، وإما بذهاب الحمرة المغربية - بناء على القول بأنه آخر وقت المغرب
كما هو مذهب جماعة (6) - وإما زمان تمحض الوقت له، وهو ما بعد ثلث الليل أو
ربعه - بناء على انتهاء المغرب بذلك وبقاء العشاء إلى نصف الليل - وعلى أي
حال فقد دلت الرواية على رجحان تقديم الحاضرة على الفائتة، والتعليل المذكور
أمارة الاستحباب.
ولو أبيت إلا عن كون وقت العشاء قبل تضيقه وقتا للمغرب أيضا - على
ما هو المشهور بين المتأخرين - أمكن حمل قوله: (بدأ (7) بالوقت الذي هو فيه)
على المغرب والعشاء، فيكون المراد نسيان المغرب في أول وقته لا مطلقا، ويحتمل
أيضا إرادة مغرب الليلة السابقة.

(1) الفقيه 1: 355 وقد أفتى بمضمون الروايتين.
(2) انظر الفقيه 1: 3.
(3) الوسائل 5: 351، الباب 2 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 5.
(4) المعتبر 2: 407.
(5) في " ش ": " ابن جميل ".
(6) راجع الجواهر 7: 151 والحدائق 6: 175.
(7) كذا في النسخ، وفي المصدر: " يبدأ ".
314

ويحتمل أيضا أن يكون قد وقع ذكره على سبيل السهو من السائل في
مقام ذكر المثال للفوائت، كما جمع في السؤال عن تداخل الأغسال بين غسل
العيد وعرفة والجمعة (1).
وإن أبيت إلا عن كون الكل مخالفا للظاهر، قلنا: إن عدم مناسبة ذكر
المغرب لظاهر السؤال لا يوجب سقوط الجواب عن قابلية الاستدلال، فإن
ظهور الرواية في تقديم العشاء الحاضرة على قضاء الظهرين مما لا ينبغي إنكاره،
وهو كافي في إثبات المواسعة المطلقة خصوصا بملاحظة التعليل المذكور فيها.
موثقة عمار
ومنها: موثقة عمار: (قال: سألته عن رجل يفوته المغرب حتى يحضر
العتمة؟ فقال: إذا حضر العتمة وذكر أن عليه صلاة المغرب، فإن أحب أن
يبتدئ بالمغرب بدأ، وإن أحب بدأ بالعتمة ثم صلى المغرب بعد... الخبر) (2).
بناء على أن المراد: مغرب الليلة السابقة، أو على القول المتقدم من انتهاء
وقت المغرب بدخول وقت العشاء، ودلالته حينئذ على جواز تقديم الحاضرة
واضحة.
ولا ينافيه الحكم باستحباب تقديم الحاضرة، ولا استحباب تقديم الفائتة.
لامكان حمل التخيير فيه على إرادة دفع توهم تعين أحد الأمرين.
رواية العيص
ومنها: ما عن السيد ابن طاووس في رسالة المواسعة عن كتاب الحسين
ابن سعيد، عن صفوان، عن العيص ابن القاسم: (قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى؟ فقال: إن كانت

(1) لم نقف على ما يشتمل على الجمع في كلام السائل ولعل نظره قدس سره ما رواه في الوسائل 2:
962، الباب 31 من أبواب الأغسال المسنونة، وحملها المفيد رحمه الله على قضاء غسل عرفه كما
في الجواهر 5: 66.
(3) الوسائل 3: 210، الباب 62 من أبواب المواقيت، الحديث 5.
315

صلاة الأولى فليبدأ بها، وإن كانت صلاة العصر صلى العشاء ثم صلى العصر) (1).
بناء على أن المراد بصلاة الأولى هي مطلق الصلاة التي بعدها صلاة،
فتعم المغرب، ويكون المراد بوقت الصلاة الأخرى: وقتها الذي هو وقت
اضطراري للأولى، فيكون حاصل الجواب: أن الصلاة الأولى مع بقاء وقتها
الاضطراري يقدم على الصلاة الأخرى، وأما مع فوات وقتها مطلقا فيقدم عليها
الحاضرة.
الاحتمالات في رواية العيص
ويمكن أن يراد من الصلاة الأولى صلاة الظهر، لشيوع إطلاقها
عليها في الأخبار، وكونها أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكن
تخصيصه بالذكر من باب المثال، فيعم الحكم المغرب أيضا.
ويحتمل أن يراد ب‍ (الأولى) خصوص الظهر، فيكون وجه تقديم الظهر
المنسية على العصر أنه: (لا صلاة بعد العصر) (2).
وفي الرواية احتمالات أخر باعتبار رجوع كل من الضمير في قوله: (وإن
كانت) وقوله: (فليبدأ بها) إلى كل من الحاضرة والمنسية، إلا أن الأظهر ما ذكرنا،
مع أن دلالتها على تقديم العشاء الحاضرة على العصر المنسي واضحة على كل
حال.
رواية علي بن جعفر في قرب الإسناد
ومنها: المروية عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام:
(قال: وسألته عن رجل نسي المغرب حتى دخل وقت العشاء الآخرة؟ قال:
يصلي العشاء ثم يصلي المغرب. وسأله عن رجل نسي العشاء فذكر بعد طلوع
الفجر؟ قال: يصلي العشاء ثم يصلي الفجر. وسأله عن رجل نسي الفجر حتى
حضرت الظهر. قال: يبدأ بالظهر ثم يصلي الفجر، كذلك كل صلاة بعدها

(1) رسالة السيد ابن طاووس: 342 والبحار 88: 329 والمستدرك 6: 428، 7150.
(2)
الوسائل 3: 213 الباب 63 من أبواب المواقيت الحديث 5.
316

صلاة) (1).
فإن صدرها وذيلها كالصريح في جواز تقديم الحاضرة على الفائتة. وأما
الحكم فيها بتقديم العشاء المنسية على الفجر فعلى وجه الأولوية، كالحكم بتقديم
الحاضرة في الصورتين، لما ذكر من الضابط في ذيلها.
الايراد عليها
لكن يرد عليها: أن ظاهرها فوات وقت المغرب للناسي مع سعة وقت
العشاء، وهو خلاف المشهور والأدلة (2)، وإرادة آخر وقت العشاء يوجب الحكم
بوجوب تقديم العشاء.
هذا مع أن الضابط المذكور لا يخلو من إجمال، لأن المشبه به المشار إليه
بقوله: (كذلك كل صلاة بعدها صلاة) يحتمل أن يكون الفائتة، ويحتمل أن يكون
الحاضرة، ووجه الشبه إما الحكم بالتقديم وإما الحكم بالتأخير، والمراد من ثبوت
صلاة بعدها إما مشروعية صلاة بعدها - ولو نفلا - (3) وإما وجوب فريضة بعدها.
رواية الصيقل
نعم في بعض الأخبار ما يبين المراد منها، وهو ما عن الشيخ بإسناده عن
الحسن الصيقل: (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي الأولى حتى
صلى ركعتين من العصر؟ قال: فليجعلهما (4) الأولى وليستأنف العصر. قلت: فإنه
نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثم ذكر؟ قال: فليتم صلاته ثم ليقض
بعد المغرب. قال: قلت له: جعلت فداك، قلت حين نسي الظهر ثم ذكر وهو في

(1) قرب الإسناد: 91 والوسائل 5: 349، الباب الأول من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 7 و 8
و 9.
(2) راجع الوسائل 3: 115، الباب 10 من أبواب المواقيت، الحديث 4 و: 132، الباب 16، من
أبواب المواقيت، الحديث 24.
(3) في " ن " و " ع " و " د ": ولو نفلا لها.
(4) في " ع " و " ن " و " ص " و " ش ": فليجمعهما، وفي التهذيب والوسائل: فليجعلها.
317

العصر يجعلها الأولى ثم يستأنف. وقلت: هذا يتم صلاته ثم ليقض بعد المغرب؟!
قال: هذا ليس مثل ذلك إن العصر ليس بعدها صلاة، والعشاء بعدها صلاة) (1).
رواية دعائم الاسلام
وفي معناها ما عن دعائم الاسلام بزيادة قوله: (إن العصر ليس بعدها
صلاة، يعني لا يتنفل بعدها، والعشاء الآخرة يصلي بعدها ما يشاء) (2).
وهذا التفصيل محمول على الأولوية بشهادة التعليل - فإن قضاء الصلاة
بعد العصر جائز إجماعا - أو على التقية، ففيه دلالة على المواسعة وتفسير لما سبق
من التفصيل في رواية علي بن جعفر المتقدمة (3)، إلا أن ظاهره متروك عندنا
- معاشر القائلين بعدم خروج وقت الظهر، خصوصا للناسي، إلا إذا بقي مقدار
صلاة العصر من وقتها -، وحينئذ ففي غير ذلك الوقت يجب العدول، وفيه يحرم،
فلا مورد للاستحباب، وهكذا الحكم المذكور للمغرب، فافهم.
رواية إسماعيل بن هشام
ومنها: ما عن الشيخ، عن إسماعيل بن هشام، عن أبي الحسن عليه السلام:
(عن الرجل يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر، إنه يبدأ بالعصر ثم يصلي
الظهر) (4).
وفيه ما تقدم من أنه لا يناسب ما هو المعروف من عدم خروج وقت
الظهر إلا إذا بقي مقدار الصلاة العصر.
رواية إسحاق بن عمار
ومنها: منها ما عن الصدوق والشيخ باسنادهما عن إسحاق بن عمار (قال:

(1) التهذيب 2: 270 أبواب المواقيت، الحديث: 1075 والوسائل 3: 213، الباب 63 من أبواب
المواقيت، الحديث 5.
(2) دعائم الاسلام 1: 141.
(3) صفحة 316.
(4) التهذيب 2: 271 أبواب المواقيت، الحديث 1080 والاستبصار 1: 289 الحديث 1056
والوسائل 3: 94، الباب 4 من أبواب المواقيت، الحديث 17 وفي جميع النسخ " إسماعيل ابن
هشام "، لكن في التهذيب والاستبصار والوسائل: إسماعيل بن همام، والظاهر أنه الصحيح.
318

قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (تقام الصلاة وقد صليت؟ قال: صلها واجعلها لما
فات) (1).
ودعوى اختصاص الصلاة التي صلاها أولا بصورة نسيان وجوب
القضاء، بعيدة، نعم ظاهر الرواية الاستحباب، فيمكن حملها على محتمل
الفوات.
الطائفة الثالثة من الأخبار ما دل على جواز النفل أداء وقضاء
الطائفة الثالثة: ما دل على الأخبار على جواز النفل أداء وقضاء، لمن
عليه فائتة.
ما استفاض من قصة نوم النبي صلى الله عليه وآله
فمن جملة ذلك: ما استفاض من قصة نوم النبي صلى الله عليه وآله عن
صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فقام فصلى هو وأصحابه أولا نافلة الفجر ثم
صلى الصبح (2).
ولا إشكال في سندها ودلالتها إلا من جهة تضمنها نوم النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، بل في بعضها ما يدل على صدور السهو أيضا منه عليه السلام على ما يقوله
الصدوق (3) تبعا لشيخه ابن الوليد، بل عن ظاهر الطبرسي في تفسير قوله تعالى:
(وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) (4) نسبة ذلك إلى الإمامية في غير ما
يؤدونه عن الله (5).
لكن الظاهر شذوذ هذا القول ومهجوريته، خصوصا فيما يتعلق بفعل
المحرمات وترك الواجبات.

(1) التهذيب 3: 51 أحكام الجماعة، الحديث 178، والوسائل 5: 457، الباب 55 من أبواب
صلاة الجماعة، الحديث الأول. وانظر الفقيه 1: 407، الحديث 1215.
(2) الوسائل 3: 206، الباب 61 من أبواب المواقيت، الحديث 1، 6، و 5: 350 الباب 2 من
أبواب قضاء الصلوات، الحديث 2.
(3) الفقيه 1: 358 - 360 أحكام السهو، الحديث 1031.
(4) الأنعام: 6، 68.
(5) مجمع البيان 2: 317.
319

نعم قال في الذكرى - بعد ذكر رواية زرارة الدالة على نوم النبي صلى الله
عليه وآله وسلم -: إنه لم نقف على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح بالعصمة
فيه (1).
وظاهره أن قدح مضمونها في العصمة توهم مخالف لما عليه الأصحاب ممن
تعرض لذكر هذه الروايات.
كلام المفيد في نوم النبي صلى الله عليه وآله
ويؤيده ما ذكره ما عن رسالة نفي السهو للمفيد قدس سره أنه قال: لسنا ننكر
أن يغلب النوم على الأنبياء صلى الله عليهم في أوقات الصلاة حتى يخرج الوقت
فيقضوها بعد ذلك، وليس عليهم في ذلك غيب ولا نقص (2)، لأنه ليس ينفك بشر
من غلبة النوم، ولأن النائم لا عيب عليه، وليس كذلك السهو، لأن نقص عن
الكمال في الانسان، وهو عيب يخص به من اعتراه، وقد يكون من فعل الساهي
تارة كما يكون من فعل غيره، والنوم لا يكون إلا من فعل الله وليس من مقدور
العباد على حال، ولو كان من مقدورهم لم يتعلق عيب ولا نقص لصاحبه،
لعمومه (3) جميع البشر، وليس كذلك السهو، لأنه يمكن التحرز منه، ولأنا وجدنا
الحكماء يجتنبون أن يودعوا أموالهم وأسرارهم من ذوي السهو والنسيان ولا
يمنعون من إيداعها ممن يغلبه النوم أحيانا، كما لا يمنعون من إيداعها ممن
يعرضه (4) الأمراض والأسقام (5) (انتهى موضع الحاجة).
كلام الشيخ البهائي في نوم النبي صلى الله عليه وآله
وعن شيخنا البهائي - في بعض أجوبة المسائل - ما لفظه: (الرواية
المتضمنة لنوم النبي صلى الله عليه وآله صحيحة السند، وقد تلقاه الأصحاب
بالقبول، حتى قال شيخنا في الذكرى: إنه لم يجد لها رادا، فقبول من عدا

(1) الذكرى: 134.
(2) في " ش " و " د ": نقض.
(3) في النسخ: لعموم، وصححناه على المصدر.
(4) في المصدر: تعتريه.
(5) أدرج العلامة المجلسي قدس سره هذه الرسالة بتمامها في البحار 17: 122 - 129 (باب سهوه
ونومه صلى الله عليه وآله عن الصلاة).
320

الصدوق من الأصحاب لها، شاهد صدق على أنهم لا يعدون فوات الصلاة بالنوم
سهوا، وإلا لردوها كما ردوا غيرها مما هو صريح في نسبة السهو، ومن شدة
وثوقهم بها استنبطوا منها أحكاما كثيرة ذكرتها في حبل المتين. منها: قضاء النافلة،
ومنها: جواز النافلة لمن عليه فريضة (1) (انتهى).
كلام والد الشيخ البهائي
وعن والده في رسالة مفردة منسوبة إليه: إن الأصحاب تلقوا أخبار نوم
النبي صلى الله عليه وآله بالقبول (2) (انتهى).
وحينئذ نقول: إنه لو لم نقل من جهة كثرة هذه الأخبار بجواز صدور
ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله - وفاقا لظاهر من عرفت - لم يثبت بالعقل ولا
بالنقل امتناع ذلك عليه، فلا يجوز رد الاستدلال بالأخبار بما لم يثبت امتناعه
عقلا ولا نقلا ولا ادعى أحد امتناعه.
كلام العلامة
نعم حكي عن العلامة أنه قال: - بعد ذكر بعض الأخبار في ذلك -: إن
حديثهم باطل، لاستحالة صدور ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله (3).
وعن رسالة نفي السهو المتقدمة (4) - بعد الاعتراف بعدم امتناعه عقلا
على ما عرفت - ذكر أن الخبر في هذا المعنى من جنس الخبر في السهو وأنه من
الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.
كلام ابن طاووس
وعن السيد ابن طاووس أنه - بعد ما ذكر عن بعض طرق العامة أن
رسول الله صلى الله عليه وآله نام هو وأصحابه آخر الليل إلى أن طلعت الشمس،
فأول من استيقظ أبو بكر ثم عمر، فكبر عمر تكبيرا عاليا فأيقظ رسول الله
صلى الله عليه وآله فأمرهم بالارتحال، وسار غير بعيد، فنزل فصلى الصبح - قال:
(انظر أيها العاقل في وصفهم لعناية الله سبحانه نبيهم، وأنه سبحانه لا يصح أن

(1) حبل المتين: 151.
(2) لم نقف عليها.
(3) المنتهى 1: 419.
(4) في الصفحة 320.
321

ينام، وأن جبرئيل عليه السلام ما كان شفقته على نبيهم دون عناية عمر حتى كان
يوقظه الله أو جبرئيل، فإذا نظرت إلى روايتهم عن محمد صلى الله عليه وآله أنه تنام
عينه ولا ينام قلبه (1)، وتفسيرهم لذلك بأن نومه لا يمنعه عن معرفة الأحوال (2)، ونظرت
في رواياتهم لوجوب قضاء ما فات عقيب ذكره، ثم يذكرون في هذه الرواية أنه
أخر القضاء إلى بعد الارتحال، فإنه قد نام قلبه حتى لا يحس بخروج الوقت،
فكل ذلك يشهد بالمناقضة في رواياتهم ومقالاتهم وتكذيب أنفسهم (3) (انتهى).
والانصاف أن نوم النبي صلى الله عليه وآله أو أحد المعصومين صلوات الله عليهم
عن الواجب - سيما آكد الفرائض - نقص عليهم ينفيه ما دل من أخبارهم (4)
على كمالهم وكمال عناية الله تعالى بهم في تبعيدهم من الزلل، بل الظاهر بعد
التأمل أن هذا أنقص من سهو النبي صلى الله عليه وآله عن الركعتين في الصلاة.
وما تقدم (5) من صاحب رسالة نفي السهو ممنوع، بل العقل والعقلاء
يشهدون بكون السهو عن الركعتين في الصلاة أهون من النوم عن فريضة
الصبح، وأن هذا النائم أحق بالتعيير من ذلك الساهي، بل ذاك لا يستحق
تعييرا. وكون نفس السهو نقصا دون نفس النوم، لا ينافي كون هذا الفرد من
النوم أنقص، لكشفه عن تقصير صاحبه ولو في المقدمات.
وبالجملة، فصدور هذا مخالف لما يحصل القطع به من تتبع متفرقات ما

(1) البخاري 4: 231 (باب كان النبي صلى الله عليه وآله تنام عينه ولا ينام قلبه) رواه سعيد بن
ميناء عن جابر عن النبي. عن عائشة - في حديث -: " فقلت: يا رسول الله تنام قبل أن توتر
قال صلى الله عليه وآله: تنام عيني، ولا ينام قلبي. وعن أنس بن مالك - في حديث - والنبي
صلى الله عليه وآله نائمة عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم.
(2) كذا في المصدر، وفي النسخ: معرفة الله.
(3) الطرائف: 367 مع اختلاف في الألفاظ، ونقله التستري في رسالته.
(4) راجع الكافي 1: 198 كتاب الحجة باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته وغيره من الأبواب.
(5) في الصفحة 320.
322

ورد في كمالاتهم وعدم صدور القبائح منهم فعلا وتركا في الصغر والكبر عمدا أو
خطأ.
ولعله لذا تنظر في الأخبار (1) بعض المتأخرين - على ما حكي عنهم - منهم:
شيخنا البهائي (2) بعد اعترافه بأن المستفاد من كلام الشهيد المتقدم عن
الذكرى: تجويز الأصحاب لذلك (3) وعرفت أيضا ما عن المنتهى وغيره (4).
اللهم إلا أن يقال بإمكان سقوط أداء الصلاة عنه صلى الله عليه وآله في ذلك
الوقت لمصلحة علمها الله سبحانه، فإن اشتراكه صلى الله عليه وآله مع غيره في هذا
التكليف الخاص ليس الدليل عليه أوضح من الأخبار المذكورة حتى يوجب
طرحها، خصوصا بملاحظة بعض القرائن الواردة في تلك الأخبار، منها: قوله
عليه السلام - في رواية سعيد الأعرج -: (إن الله تعالى أنام رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى أن قال: وأسهاه في صلاته فسلم في الركعتين.... إلى أن قال: وإنما فعل ذلك
رحمة لهذه الأمة، لئلا يعير الرجل المسلم إذا هو نام على صلاته أو سها
... الخبر) (5) فتأمل.
وقوله صلى الله عليه وآله لأصحابه مخاطبا لهم: (نمتم بوادي الشيطان) (6).
ولم يقل نمنا، فعلم أن النوم كان زللا منهم لا منه صلى الله عليه وآله.
ثم إن دلالة الأخبار المذكورة - بعد تسليمها - كغيرها من الأخبار
المتضمنة لجواز النفل لمن عليه قضاء، على نفي المضايقة وفورية القضاء.
وأما دلالتها على نفي الترتيب فهي مبنية على عدم المدرك له إلا الفورية
أو انعقاد الاجماع المركب على أن كل من قال بالمواسعة لم يقل بالترتيب،
وكلاهما ممنوعات.

(1) في " د ": في هذه الأخبار.
(2) نقله في البحار 17. 108.
(3) (4) في الصفحة 320 و 321.
(5) الفقيه 1: 233 أحكام السهو، الحديث 1031 والبحار 17: 106، الحديث 17.
(6) الوسائل 3: 206، الباب 61 من أبواب المواقيت، الحديث الأول.
323

[الدليل الرابع: الاجماعات المنقولة]
الرابع من حجج القول بالمواسعة: الاجماعات المنقولة.
إجماع الجعفي
منها: ما تقدم عن الجعفي من نسبة ما يذكره في كتابه الفاخر إلى المجمع
عليه (1).
إجماع المعتبر
ومنها: ما عن المعتبر من أن القول بالمضايقة يلزم منه منع من عليه
صلوات كثيرة أن يأكل وأن ينام زائدا على الضرورة، ولا يشتغل إلا لاكتساب
قوت يومه له ولعياله، وأنه كان له درهم حرم عليه الاكتساب حتى يخلو يده،
والتزام ذلك مكابرة صرفة والتزام سوفسطائي. ثم قال: ولو قيل: قد أشار
أبو الصلاح الحلبي إلى ذلك، قلنا (2): نعلم من المسلمين كافة خلاف ما ذكرنا، فإن
أكثر الناس يكون عليهم صلوات كثيرة فإذا صلى الانسان منهم شهرين في يومه
استكثره الناس (3) (انتهى).
إجماع المختلف
وعن المختلف ما محصله: أن القول بتحريم الحاضرة في أول وقتها مع
القول بجواز غيرها من الأفعال مما لا يجتمعان، والثاني ثابت بالاجماع على عدم
إفتاء أحد من فقهاء الأمصار في جميع الأعصار بتحريم زياد لقمة أو شرب

(1) رسالة السيد ابن طاووس: 340 ومفتاح الكرامة 3: 388 والجواهر 13: 36.
(2) في غير " د ": بدل " قلنا " " فإنا ".
(3) المعتبر 2: 408 - 409.
324

جرعة، أو طلب الاستراحة من غير نصب شديد، أو المنع من فعل العبادات
الواجبة، والمندوبة لمن عليه قضاء، فيلزم انتفاء الأول (1) (انتهى).
الجواب عن هذه الاجماعات
والجواب عن هذه الحجة: أنه إن أريد دعوى إجماع العلماء فهو واضح
المنع، مع ما عرفت من كثرة القائلين بالمضايقة من القدماء ودعواهم الاجماع.
وعبارة الجعفي يمكن حملها على أن ما ذكر في كتابه مضمون الروايات
المجمع عليها، بل يمكن دعوى ظهور قوله: (لا نذكر فيه إلا ما أجمع عليه وصح
من قول الأئمة عليهم السلام) فيما ذكرنا، فإن كلمة (من) بيان للموصول.
وأما كلام المحقق فمرجعها (2) إلى دعوى (3) سيرة المسلمين، وهي غير
معلومة على وجه يجدي في المقام، مع احتمال كونها ناشئة عن قلة مبالاتهم في
الدين، ولذا تراهم يشتغلون بما ذكر من المباحات مع اشتغال ذممهم بحقوق من
يطالبهم مستعجلا - ولو بشاهد الحال، كمستحقي الصدقات الواجبة - ومع
اشتغال ذممهم بحقوق الله الفورية، كتعلم العلم واكتساب الأخلاق الجميلة ودفع
الأخلاق الرذيلة، وتراهم يعاملون - بيعا وشراء - مع الأطفال الغير المميزة
والمجانين، ولا يجتنبون عن النظر إلى غير المحارم زائدا على الوجه والكفين،
كالشعر والزند والرجل إلى غير ذلك مما يطول الكلام بذكره.
هذا مع أن استلزام المضايقة لتحريم الأمور المذكورة محل كلام في
الأصول بين أعاظم الفحول، فلعل السيرة المذكورة دليل على عدم الاستلزام،
كما تمسك بها بعض الأعلام في هذا المقام.
ومنه يظهر ما في دعوى العلامة في المختلف.

(1) المختلف 1: 146.
(2) كذا في النسخ، والصحيح: مرجعه.
(3) في " ش " و " ص ": دعواه.
325

مضافا إلى أن نفي القول من فقهاء الأمصار بحرمة ما ذكر مع اعترافه
قدس سره (1) بذهاب السيد وجماعة إلى الحرمة كما ترى.
وبالجملة فالتمسك بالاجماع والسيرة في هذا المقام ليس إلا لتكثير
الأدلة، مع أنه لا ينفي الترتيب إلا إذا كان منوطا بالفورية ومبنيا عليها.

(1) انظر المختلف: 144.
326

[الدليل الخامس: لزوم الحرج]
الخامس من حجج القائلين بالمواسعة: لزوم الحرج العظيم، الذي يشهد
بنفيه الأدلة الثلاثة، بل الأربعة.
الايراد عليه
ويرد عليه أن الحرج لا يلزم إلا مع كثرة الفوائت، وحينئذ فإن كان لزومه
على وجه يرتفع به التكليف حكم بمقتضاه، كما يحكم القائل بالمواسعة عند ظن
طرو العجز، وكما يحكم بسقوط القيام في الصلاة عند تعسره فلا يتعدى إلى صورة
عدم لزوم الحرج، لقلة الفوائت.
وليس المقام مما يقضي لزوم الحرج بتشريع المواسعة في جميع الأفراد حتى
مع عدم الحرج، بأن يكون لزوم الحرج مؤسسا للحكم، لأن ذلك إنما هو فيما كان
العسر في أغلب الموارد فيتبعها النادر، كما في تشريع القصر في السفر للحرج،
وتشريع طهارة الحديد، وغير ذلك، وليس كذلك ما نحن فيه قطعا (1).
فاندفع ما يقال: إن غرض المستدل أن المشقة النوعية الثابتة في فورية
القضاء يقتضي - بحسب الحكمة المرعية في الشريعة السمحة السهلة - نفيها
مطلقا، وإن انتفت المشقة الشخصية في ثبوتها في بعض الأحيان.
هذا مع إمكان معارضته بأن حكمة عدم وقوع المكلف في تهلكة (2) بقائه

(1) في " ص " و " ش " و " ع " و " ن ": وغير ذلك مما نحن فيه قطعا.
(2) كذا في أكثر النسخ وفي " ش ": هلكة.
327

مشغول الذمة بالفوائت بعد الموت، اقتضت ايجاب المبادرة إليها إذ قلما اتفق
للمكلف أن يكون عليه فوائت كثيرة لم يبادر إليها في السعة إلا وقد مات مشغول
الذمة بها أو بأكثرها.
وكيف كان، فهذا الدليل - في الضعف - كسابقه، إلا أنه ينفي الترتيب
أيضا ولو لم ينشأ من المضايقة، لأن مقتضاه وجوب الاشتغال بالفوائت تحصيلا
للترتيب بين الحاضرة وبين ما يمكن تقديمه عليها من الفوائت، بل لو لم يشتغل
بها أيضا كان في نفس تأخير الحاضرة حرج من جهة ضبط أواخر الأوقات
بالساعات والعلامات إلا إذا قلنا بأن الواجب تأخير الحاضرة عن مجموع
الفوائت، لا عن كل فائتة حتى يجب الاشتغال بها مهما أمكن، فافهم.
والحاصل: أن لزوم العسر على من كثر عليه الفوائت مسلم، سواء قلنا
بالمضايقة أم قلنا بلزوم الترتيب من دون المضايقة، لكن الحكم بنفيهما (1) عموما
حتى في مورد عدم الحرج يحتاج إلى دليل آخر. والتمسك بالاجماع المركب في
غير موضعه، لأن الفصل في الأحكام التكليفية بين موارد الحرج وغيرها، لكثرة
وقوعه في الشريعة لا يعلم مخالفته في هذه المسألة لقول الإمام عليه السلام، وإن كان
القطع به في بعض الموارد ممكنا (2)، إلا أن غلبة الفصل بين الموردين في المسائل مما
يمنع القطع غالبا، فافهم، فإنه نافع في كثير من الموارد.
وهذا خلاصة أدلة القول بالمواسعة، وقد عرفت ضعف أكثرها، مع عدم
الدلالة على الترتيب خصوصا فيما عدا فوائت اليوم.

(1) في " ش ": بنفيها.
(2) في " د ": بدل " ممكنا " " منها ".
328

[أدلة القول بالمضايقة]
وأما ما يمكن أن يستدل به للقول بالمضايقة فوجوه:
الأول أصالة الاحتياط
الأول: الأصل.
والمراد به: أصالة الاحتياط، إما من حيث الفورية، لتيقن عدم المؤاخذة
- على تقدير التعجيل - وعدم الأمن منه - على تقدير التأخير، مطلقا أو مع
اتفاق طرو العجز -.
وإما من حيث تيقن امتثال الحاضرة على تقدير تأخيرها عن الفائتة أو
إيقاعها في ضيق الوقت والشك في الامتثال لو قدمها على الفائتة.
الجواب عليها
والجواب عنه: عدم وجوب الاحتياط لا من جهة الفورية ولا من جهة
الترتيب، لما تقرر في محله من دلالة العقل والنقل على عدم المؤاخذة عما لم يعلم
كونه منشأ لها، سواء كان الشك في التكليف الأصلي أم كان في التكليف المقدمي،
كالجزء، والشرط.
ثم إنه لو قلنا بأصالة الاحتياط في الوجوب المقدمي من قبيل الجزء،
والشرط - على ما هو مذهب جماعة (1)، وقد كنا نقويه سابقا بدعوى اختصاص

(1) قال المصنف قدس سره في فرائد الأصول: 460 - المسألة الأولى في الأقل والأكثر -: بل الانصاف
أنه لم أعثر في كلمات من تقدم على المحقق السبزواري على من يلتزم بوجوب الاحتياط في
الأجزاء والشرائط، وإن كان فيهم من يختلف كلامه في ذلك كالسيد والشيخ... الخ.
329

أدلة البراءة - عقلا ونقلا - بالشك في التكليف المستقل، كوجوب الدعاء عند
رؤية الهلال أو غسل الجمعة، لكن وجوب الاحتياط في التكليف الوجوبي
المستقل مما لم يقل به أحد من المجتهدين والأخباريين على ما ادعاه بعض
الأخباريين من اختصاص الخلاف بين الأخباريين والمجتهدين في وجوب
الاحتياط وعدم بغير هذه الصورة من صور الشبهة في الحكم الشرعي.
وعلى هذا فوجوب الاحتياط من جهة الفورية ووجوب المبادرة إلى
القضاء لمجرد احتمال العقاب على التأخير مما لم يقل به أحد.
وأما أصالة الاحتياط من جهة الشك في اعتبار الترتيب - على ما هو
مذهب جماعة في الشك في الشرطية والجزئية - فهي أيضا غير جارية في المقام وإن
قلنا بجريانها في غيره، لأن الترتيب مسبب عن الشك لزوم المبادرة، وإذا كان المرجع
عند الشك في لزوم المبادرة أصالة البراءة عنه بالاتفاق على ما ذكر لم يجب
الاحتياط عند الشك في اعتبار الترتيب.
حكومة أصالة البراءة على أصالة الاشتغال
بل المرجع إلى أصالة البراءة التي هي الأصل في الشك، الذي صار منشأ
لهذا الشك، لما تقرر في محله من أن أحد الأصلين إذا كان الشك في مجراه سببا
للشك في مجرى الآخر، فهو حاكم على صاحبه، ولا يلتفت إلى صاحبه، ولذا لو
شككنا في وجوب تقديم إخراج النجاسة الغير الملوثة منه لم يكن هناك موضع إجراء
أصالة الاشتغال باتفاق من القائلين بجريانها عند الشك في اعتبار الشئ في
العبادة المأمور بها.
والحاصل أن أصالة البراءة حاكمة على أصالة الاشتغال، مع كون الشك
في مجرى الثانية مسببا عن الشك في مجرى الأولى، وهذا هو الضابط في كل
أصلين متعارضين، سواء كانا من جنس واحد، كاستصحابين أو من جنسين، كما
330

فيما نحن فيه.
والظاهر أن تقديم البراءة على الاحتياط - في مثل ما نحن فيه - مما اتفق
عليه الموجبون للاحتياط، وإن اختلفوا في الاستصحابين المتعارضين إذا كانا من
هذا القبيل.
ثم إن ما نحن فيه ليس من الشك في شرطية شئ لعبادة أو جزئيته لها،
بل الشك في صحة العبادة لأجل الشك في ثبوت تكليف آخر أهم منه، فإذا انتفى
بأصالة البراءة فلا مسرح للاحتياط الواجب، فافهم واغتنم.
واعلم أن جميع ما ذكرنا إنما هو على تقدير تسليم الصغرى، وهي أن
الاحتياط في تقديم الفائتة، وأما لو أخذنا بظواهر العبائر المحكية عن جماعة من
القدماء (1) كظاهر بعض الأخبار من وجوب تقديم الحاضرة وإن كانت موسعة (2).
أو لا حظنا قول جماعة كثيرة بثبوت الوقت الاضطراري (3) فلا احتياط في المقام.
الثاني إطلاق أوامر القضاء
الثاني: إطلاق أوامر القضاء، بناء على كونها للفور إما لغة - كما عن
الشيخ وجماعة (4) -، وإما شرعا - كما عن السيد، مدعيا إجماع الصحابة
والتابعين عليه (5)، وإما عرفا - كما يظهر عن بعض أدلة بعض المتأخرين -.
والجواب: منع كونه للفور، لا لغة ولا شرعا ولا عرفا.
الثالث ما دل على وجوب المبادرة إلى القضاء
الثالث: ما دل على وجوب المبادرة إلى القضاء، فمن ذلك قوله تعالى:
(أقم الصلاة لذكري) (6) فعن الطبرسي - بعد ذكر جملة من معانيه - وقيل:

(1) تقدم 261.
(2) الوسائل 3: 209، الباب 62 من أبواب المواقيت، الحديث 3، 4، 6.
(3) راجع مفتاح الكرامة 2: 14.
(4) راجع الفصول الغروية: 75 ومفاتيح الأصول: 121 ونسبه العلامة التستري في رسالته إلى
الشيخ وجماعة.
(5) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 53، وقال في مفاتيح الأصول 122: ومنها دعوى السيدين
المرتضى وابن زهرة: الاجماع على أن الأمر للفور.
(6) طه: 20، 14.
331

معناه أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة، كنت في وقتها أم لم تكن - عن
أكثر المفسرين - وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام (1). وعن القمي: إذا نسيت
صلاة ثم ذكرتها، فصلها (2).
كلام المؤلف
وفي الذكرى: (قال كثر من المفسرين: إنه في الفائتة، لقول النبي
صلى الله عليه وآله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، إن الله تعالى
يقول: (أقم الصلاة لذكري). وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:
(إذا فاتتك صلاة ذكرتها في وقت أخرى، فإن كنت تعلم أنك صليت التي فاتتك،
كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي إن فاتتك إن الله عز وجل يقول: (وأقم الصلاة
لذكري) (3). (انتهى).
ومثلها - في تفسير الآية -: صحيحة أخرى لزرارة الواردة في حكاية نوم
النبي صلى الله عليه وآله، وفيها قوله عليه السلام: (من نسي شيئا من الصلاة فليصلها
إذا ذكرها، إن الله تعالى يقول: (وأقم الصلاة لذكري)) (4).
الأخبار الدالة على الأمر بالقضاء عند ذكره
ومنها: الأخبار الدالة على الأمر بالقضاء عند ذكره، مثل ما تقدم في
تفسير الآية، ومثل ما عن السرائر (5) في الخبر المجمع عليه بين جميع الأمة: (من
نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها)) (6).

(1) مجمع البيان 4: 6 والرواية المذكورة ستأتي في ذيل كلام الشهيد رحمه الله في الذكرى.
(2) تفسير القمي 2: 60.
(3) الذكرى: 132، وانظر المستدرك 6: 430، الحديث 7156 والوسائل 3: 209، الباب 62
من أبواب المواقيت، الحديث 2. والآية في سورة طه: 20، 14.
(4) الوسائل 3: 207، الباب 61 من أبواب المواقيت، الحديث 6.
(5) السرائر 1: 321.
(6) عوالي اللآلي 1: 201، وانظر صحيح البخاري 1: 154، باب من نسي صلاة فليصل إذا
ذكرها وسنن الترمذي 1: 334 - 335 وصحيح مسلم بشرح النووي 5:
181، باب قضاء الفائتة، واستحباب تعجيله، وسنن البيهقي 2: 219.
332

ومثل رواية حماد، عن نعمان الرازي: (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل فاته شئ من الصلوات فذكرها عند طلوع الشمس وعند غروبها؟ قال:
فليصلها عند ذكرها)) (1).
ورواية يعقوب بن شعيب: (عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ
الشمس، أيصلي حين يستيقظ، أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ قال: يصلي حين
يستيقظ) (2)، إلى غير ذلك مما هو بهذا المضمون (3).
ومثل ما دل من الأخبار (4) على أن عدة صلوات يصلين على كل حال، منها:
صلاة فاتتك تقضى حين تذكر.
وتقريب الاستدلال بالآية والروايات: أن توقيت فعل الصلاة بوقت
الذكر ظاهر في وجوب إيقاعها في ذلك الوقت، فهو وقت للواجب، لا لمجرد
الوجوب، كما في قول القائل: ادخل السوق عند طلوع ا لشمس أو الزوال، أو
إفعل كذا حين قدوم زيد، ونحو ذلك.
وحملها على الاستحباب مخالف لظاهرها خصوصا ظاهر الآية، حيث
إن قوله تعالى: (أقم الصلاة) (5) عطف على قوله: (فاعبدني) الصريح في
الوجوب، وكذا حملها على مجرد الإذن في المبادرة في مقام رفع توهم الحظر عنها في
بعض الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها تنزيها أو تحريما.

(1) التهذيب 2: 171، الحديث 680، 138، الوسائل 3: 177، الباب 39 من أبواب المواقيت،
الحديث 16. وفيهما: فليصل حين ذكره.
(2) الوسائل 3: 206، الباب 61 من أبواب المواقيت، الحديث 4.
(3) كرواية حماد عن أبي عبد الله عليه السلام (الوسائل 3: 174 الباب 39 من المواقيت، الحديث 2).
(4) الوسائل 3: 174، الباب 39 من المواقيت.
(5) طه: 20، 14.
333

ما دل على عدم جواز الاشتغال بغير القضاء
ومنها: ما دل على عدم جواز الاشتغال بغير القضاء، مثل صحيحة أبي
ولاد - الواردة في حكم المسافر القاصد للمسافة، الرجع عن قصده قبل تمامها -
وفي آخرها: (فإن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريدا، فإن عليك أن
تقضي كل صلاة صليتها بالقصر بتمام، من قبل أن تبرح من مكانك) (1).
صحيحة زرارة
وصحيحة زرارة: (عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة أو نام عنها،
قال: يقضيها إذا ذكرها، في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت
صلاة ولم يتم ما فاته فليقض، ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد
حضرت، وهذه أحق بوقتها، فإذا قضاها فليصل ما قد فاته مما قد مضى، ولا
يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها) (2).
الجواب عن الآية
والجواب: أما عن الآية (3) فبأنه إن أريد إثبات دلالتها بنفسها على فورية
القضاء، فدونه خرط القتاد، إذ لا ظهور فيها إلا في خطاب موسى عليه السلام بإقامة
الصلاة، فإن قوله تعالى: (لذكري) يحتمل أن يكون قيدا لكلا الأمرين، أعني
قوله: (فاعبدني) (وأقم الصلاة) خصوصا بعد ملاحظة أن في نسيان مثل
موسى لصلاة الفريضة بل نومه عنها كلاما تقدم شطر منه في نوم النبي صلى الله عليه
وآله وسلم (4) و (اللام) فيه يحتمل وجوها، وكذا (الذكر).
وبالجملة، فعدم دلالة الآية بنفسها على المدعى بحسب فهمنا مما لا
يحتاج إلى بيان وجوه إجمال الآية أو بعضها، ولذا لم يحك عن أحد من المفسرين
من تفسيرها (5) بخصوص الفائتة، حتى يمكن حمل الأمر فيها على الفور.

(1) التهذيب 3: 298، 909، 17، الوسائل 5: 504، الباب 5 من أبواب صلاة المسافر، الحديث
1، إلا أن في التهذيب: تريم من مكانك ذلك، وفي الوسائل: تؤم من مكانك ذلك.
(2) الوسائل 5: 350، الباب 2 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 3.
(3) طه: 20، 14.
(4) راجع الصفحة 319 وبعدها.
(5) في " ع " و " ن " و " ص ": من يفسرها.
334

وإن أريد دلالتها بضميمة ما ورد في تفسيرها - من الروايات المتقدمة المستشهد
بها فيها على وجوب القضاء عند الذكر - منعنا دلالتها، لأن الرواية الأولى
عامية (1) والصحيحة الآخرة (2) لزرارة (3) مع اشتمالها على نوم النبي صلى الله عليه وآله
وأصحابه عن منامهم بعد الاستيقاظ، وتقديم نافلة الفجر، بل الأذان والإقامة.
بل قد تدل مراعاة النبي صلى الله عليه وآله للتجنب عن وادي الشيطان
وعدم تأخيره نافلة الفجر عن فريضتها وعدم ترك الأذان والإقامة على عدم
استحباب المبادرة إلى القضاء على وجه يكون له مزية على المستحبات المذكورة.
الجواب عن الرواية الأولى لزرارة
وأما الرواية الأولى لزرارة (4)، فلا دلالة فيها إلا على تقدير كون الأمر
للفور وقد عرفت منعه سابقا (5)، فهي لا تدل إلا على الأمر بتقديم الفائتة
الواحدة على الحاضرة، وأين هذا من القول بالمضايقة ووجوب المبادرة، وبطلان
الحاضرة لو قدمها على الفائتة وإن تعددت.
الجواب عن سائر الأخبار
وأما الأخبار - غير صحيحي أبي ولاد (7) وزرارة (8) - فهي بين مسوق
لبيان أصل وجوب قضاء المتروك لعذر، ومسوق لبيان عدم اختصاص القضاء
بوقت دون وقت في مقام رفع توهم مرجوحيته في بعض الأوقات.
مع أنه لو سلم دلالتها على الفور، فهي بنفسها لا يستلزم (9) الترتيب، إلا

(1) تقدم في الصفحة 332.
(2) كذا في النسخ، والظاهر أن الصحيح: الأخرى.
(3) الوسائل 3: 207، الباب 61 من أبواب المواقيت، الحديث 6.
(4) الوسائل 3: 209، الباب 62 من أبواب المواقيت، الحديث 2.
(5) في الصفحة 331.
(6) التي تقدمت في ذيل الثالث من الوجوه، راجع الصفحة 331 - 334.
(7) الوسائل 5: 504، الباب 5 من أبواب صلاة المسافر، الحديث الأول.
(8) الوسائل 5: 350، الباب 2 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 3.
(9) كذا في النسخ.
335

إذا قلنا باستلزام الأمر بالشئ النهي عن ضده، أو عدم الأمر به، كما أن ما دل
بظاهره على الترتيب لا يستلزم وجوب المبادرة، كما عرفت سابقا (1).
نعم لو ثبت إجماع مركب أمكن الاستدلال بما دل على أحدهما على
الآخر بضميمة الاجماع، وهو غير ثابت.
وبهذا يمكن دفع الاستدلال بالصحيحتين الأخيرتين، أعني صحيحي أبي
ولاد وزرارة. مع أن دلالة صحيحة أبي ولاد على المطلب موقوفة على القول
بوجوب قضاء الصلوات المقصورة إذا بدا له عن السفر قبل إتمام المسافة، وهو
- مع أنه مما لم يقل به أحد - مخالف لصحيحة زرارة الأخرى (2) الصريحة في نفي
الإعادة على من رجع عن قصد السفر بعد الصلاة قصرا، فالمتجه حمل الرواية
على الاستحباب فلا تدل على وجوب المبادرة.
الجواب عن صحيحة زرارة
وأما صحيحة زرارة (3) فهي - كبعض الأخبار الآتية (4) عمدة أدلة هذا
القول.
وربما يجاب عنها بأن إطلاق السؤال منها، فيها، يقتضي حمل القضاء - في
الجواب - على مطلق الأداء، كما استعمل فيه في آخر الخبر، فلا يكون الغرض
إلا إيجاب الفعل وقت الذكر.
وهو ضعيف لمخالفته ظاهر السؤال، فضلا عن ظواهر فقرات الجواب،
لأن النوم عن الصلاة، ونسيانها لا يصدق عرفا، بل ولا لغة، إلا إذا نام أو نسي
في مجموع الوقت.

(1) في الصفحة 278.
(2) الوسائل 5: 541 الباب 23 من أبواب صلاة المسافر، الحديث الأول.
(3) الوسائل 5: 350، الباب 2 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 3،
(4) كصحيحة زرارة الطويلة الآتية في صفحة 338.
336

ويتلوه في الضعف حمل السؤال على كونه عن وقت القضاء مع العلم
بأصل وجوبه، فيكون الجواب لبيان الرخصة في القضاء في أي ساعة ذكر ولو
في أوقات يكون فعل الصلاة فيها مطلقا أو في الجملة مرجوحة، كما إذا دخل
وقت الفريضة، وكما بعد صلاة العصر والفجر.
ويؤيده قوله عليه السلام في صحيحة أخرى لزرارة: (في أي ساعة ذكرتها ولو
بعد صلاة العصر) (1).
ووجه الضعف: أن دعوى كون السؤال عن وقت القضاء مع الفراغ عن
أصل وجوبه ممنوعة، ومخالفة لظاهر السؤال، كما لا يخفى.
فالأحسن تسليم ظهور الرواية - بنفسها - في وجوب المبادرة، وحملها
على ما ذكرنا: من بيان تعميم وقت الرخصة، أو على الاستحباب بمعونة ظهور
بعض ما تقدم من أخبار المواسعة.
وربما يشهد للأول كثرة الأخبار الواردة في أوقات قضاء النوافل
والفرائض في مقام السؤال عن تعيين وقت القضاء، ويظهر ذلك لمن لاحظ كتاب
الوسائل في باب عدم كراهة القضاء في وقت من الأوقات (2).
ثم لو سلم دلالتها على المبادرة لم يكن فيه دلالة على الترتيب، إلا إذا
قلنا بكون الأمر بالشئ مستلزما للنهي عن ضده الخاص، أو لعدم الأمر به، أو
قام إجماع مركب في البين وكلاهما ممنوعان.
الرابع ما دل على الترتيب وتقديم الفائتة والعدول إليها
الرابع: من أدلة هذا القول: ما دل على الترتيب وتقديم الفائتة في الابتداء
والعدول من الحاضرة إليها في الأثناء
مثل صحيحة زرارة، عن أبي جعفر
عليه السلام: (إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء أو (3) كان عليك قضاء صلوات،

(1) الوسائل 3: 211، الباب 63، من أبواب المواقيت، الحديث الأول.
(2) الوسائل 3: 174، الباب 39 من أبواب المواقيت.
(3) كذا في النسخ كما في التهذيب، ولكن في الكافي والوسائل: وكان.
337

فابدأ بأولهن وأذن لها وأقم. ثم صلها، وثم صل ما بعدها بإقامة، إقامة لكل
صلاة (2).
وقال: قال أبو جعفر عليه السلام: فإن كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك
الغداة فذكرتها، فصل الغداة في (2) أي ساعة ذكرتها ولو بعد العصر، ومتى ما
ذكرت صلاة فاتتك صليتها (3).
وقال: إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة، أو بعد
فراغك فانوها الأولى، ثم صلى العصر، فإنما هي أربع مكان أربع.
وإن ذكرت أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليتها (4)
ركعتين، فانوها الأولى، ثم صل الركعتين الباقيتين وقم وصل العصر.
وإن كنت قد ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخلت (5) المغرب ولم تخف
فوتها. فصل العصر، ثم صل المغرب.
وإن كنت قد صليت من المغرب وركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر،
ثم قم فأتمها بركعتين، ثم تسلم، ثم تصلي المغرب.
وإن كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم وصل المغرب.
وإن كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين، أو قمت في
الثالثة، فانوها المغرب ثم سلم، ثم قم فصل العشاء الآخرة.
وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء

(1) وفي أكثر النسخ " لكل إقامة ".
(2) كذا في النسخ وكلمة " في " غير موجودة في المصادر.
(3) في غير " د ": صلها.
(4) كذا في النسخ، وفي الكافي والتهذيب والوسائل " صليت منها ".
(5) كذا في النسخ وفي المصادر " دخل وقت المغرب ".
338

الآخرة.
وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الأولى، أو الركعة الثانية من الغداة،
فانوها العشاء، ثم قم فصل الغداة وأذن وأقم.
وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا، فابدأ بهما قبل أن تصلي (1)
الغداة، ابدأ بالمغرب ثم العشاء.
فإن خشيت أن يفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب، ثم صل
الغداة. ثم صل العشاء، فإن خشيت أن يفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل
الغداة، ثم صل المغرب والعشاء، ابدأ بأولهما، لأنهما ميعا قضاء أيهما ذكرت، فلا
تصلهما (2) إلا بعد ذهاب شعاع الشمس.
قلت: لم ذاك (3)؟ قال: " لأنك لست تخاف فوتها " (4).
ورواية صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن عليه السلام: " قال: سألته عن رجل
نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلى العصر. قال: قال (5) أبو جعفر
عليه السلام: و (6) كان أبي يقول: إن أمكنه أن يصليها قبل أن يفوته المغرب بدأ بها،
وإلا صلى المغرب، ثم صلاها " (7).
ورواية أبي بصير: " عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر قال:

(1) وفي أكثر النسخ " يصلى ".
(2) في " ص " و " ش " و " ن " و " ع ": تصلها.
(3) في أكثر النسخ: ذلك،
(4) الكافي: 3: 291، الحديث الأول والتهذيب: 3: 158، الحديث 340، والوسائل 3: 211، الباب
63 من أبواب المواقيت، الحديث الأول.
(5) كذا في أكثر النسخ، وفي نسخة " د ": " كان " بدل " قال ".
(6) كذا في أكثر النسخ، وفي نسخة " د ": " أو " بدل " و ".
(7) الكافي 3: 293، الحديث 6 (باب من نام عن الصلاة أو سها عنها)، التهذيب 2: 269،
الحديث 1073، الوسائل 3: 210، الباب 62 من أبواب المواقيت، الحديث 7.
339

يبدأ بالظهر، وكذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلا أن تخاف أن يخرج وقت
الصلاة فيبدأ بالتي أنت في وقتها ثم تصلي (1) التي نسيت " (2).
ورواية زرارة - المتقدمة في تفسير الآية - (3).
ورواية البصري: قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي صلاة
حتى دخل وقت صلاة أخرى؟ فقال: إذا نسي صلاة أو نام عنها، صلاها حين
يذكرها، فإذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي، وإن ذكرها مع إمام في صلاة
المغرب أتمها بركعة. ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها... الخبر " (4).
ورواية معمر بن يحيى: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى
على غير القبلة، ثم تبين له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى؟ قال: يصليها
قبل أن يصلي هذه التي دخل وقتها، إلا أن يخاف فوت التي دخل وقتها ". (5)
والمحكي (6) عن دعائم الاسلام: " قال: روينا عن جعفر بن محمد عليهما السلام
أنه قال: من فاتته صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى، فإن كان في الوقت سعة
بدأ بالتي فاتت، وصلى التي هو منها في وقت، وإن لم يكن من الوقت إلا مقدار ما
يصلي التي هو في وقتها بدأ بها، وقضى بعدها التي فاتت " (7)
والمحكي عن كتاب الأصحاب (8) - مرسلا - عن النبي صلى الله عليه وآله أنه

(1) في المصدر: تقضي.
(2) الوسائل 3: 211، الباب 62، من أبواب المواقيت، الحديث 8 مع اختلاف يسير،
(3) راجع الصفحة: 332.
(4) الوسائل: 3: 212، الباب 63، من أبواب المواقيت، الحديث 2،
(5) التهذيب 2: 46، الحديث 150، الإستبصار 1: 298، الحديث 1099.
(6) في غير " د " فالمحكي.
(7) دعائم الاسلام 1: 141، (ذكر مواقيت الصلاة) والمستدرك 6: 428، الحديث 7147.
(8) راجع الخلاف 1: 386، المسألة 139 والمبسوط 1: 127 (حكم قضاء الصلوات) والمختلف 1:
147 (قضاء الفوائت) وجامع المقاصد 2: 24، والجواهر 13: 88.
340

قال: " لا صلاة لمن عليه صلاة " (1) ولا ريب في أنه يصدق على المكلف - قبل تنجز
الحاضرة عليه ومشروعيتها له - أنه عليه صلاة، فينفي مشروعية الحاضرة
تعلقها في ذمته بمقتضى الرواية، ولا يجوز قلب الاستدلال بها فيما إذا فرض
تذكر الفائتة بعد تنجز الحاضرة عليه كما لا يخفى بأدنى التفات.
والجواب: أما عن صحيحة زرارة الطويلة (2) فبأن مواضع الدلالة فيها
فقرات:
إحداها: قوله عليه السلام: " وإن كنت قد ذكرت أنك لم تصل العصر حتى
دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب... الخبر ".
ولا يخفى - على المتأمل فيها - ظهورها في تضيق وقت المغرب وفواتها
بزوال الحمرة، وإلا لم يناسب التفصيل - في فرض نسيان العصر إلى دخول
المغرب - بين خوف فوات المغرب وعدمه، وحينئذ فلا ينهض الرواية دليلا على
المضايقة، بناء على ما هو المشهور بين المتأخرين من كون زوال الحمرة آخر وقت
الفضيلة دون الاجزاء، فتعين حمل الأمر على الاستصحاب، وكون إدراك فضيلة
المغرب أولى من المبادرة إلى الفائتة بحكم مفهوم في قوله: " ولم تخف ".
الثانية: قوله عليه السلام: وإن كنت قد صليت من المغرب ركعتين " والظاهر
أن الحكم بالعدول في هذه الفقرة مقيد - كالحكم السابق - بعد خوف فوات
وقت المغرب.
وحاصل الحكمين: أنه إذا لم يخف فوت المغرب قدم العصر ابتداء وعدل
إليها في أثناء المغرب، فيكون مفهوم القيد في قوله عليه السلام: " ولم يخف فوتها "

(1) المستدرك 3: 160 الحديث 3265 (نقلا عن رسالة السهوية للمفيد رحمه الله والبحار 17:
127.
(2) المتقدمة في الصفحة 338.
341

مفيدا (1) لانتفاء الحكمين عند خوف وقت فضيلة المغرب، فيكون الراجح - عند
خوف فوت وقت الفضيلة - تقديم الحاضرة، وهذا مخالف للقول بالمضايقة، فلا
محيص عن حمل الأمر بالعدول على الاستحباب.
الثالثة: قوله عليه السلام: " وإن كنت قد ذكرتها - يعني: العشاء الآخرة -
وأنت في الركعة الأولى أو الثانية من الغداة... الخ ".
والانصاف ظهور دلالة هذه الفقرة - بنفسها - على وجوب العدول، لكنه
لا ينفع بعد وجوب حمل الأمر بالعدول عن المغرب إلى العصر على الاستحباب،
إذ يتعين حينئذ - من جهة عدم القول بالفصل - حمل الأمر بالعدول من الفجر
إلى العشاء أيضا على الاستحباب.
اللهم إلا أن يقال: إن الاستحباب (2) بعيد عن السياق من جهة أن الأمر
في الصحيحة بالعدول من العصر إلى الظهر، ومن العشاء إلى المغرب للوجوب
قطعا، فرفع اليد عن الظهور المتقدم في وقت المغرب أولى.
الرابعة: قوله عليه السلام: " وإن كانت المغرب والعشاء فاتتاك... إلى قوله:
فابدأ بالمغرب " وحاله كحال الأمر بالعدول عن الغداة إلى العشاء في حمله على
الاستحباب بقرينة ما سبق، لعدم القول بالفصل بين تذكر فوات العصر في آخر
وقت فضيلة المغرب وبين تذكر العشاء فقط، أو مع المغرب في وقت صلاة الفجر.
وحاصل الجواب عن عن هذه الصحيحة: أن الاستدلال بها مبنية على القول
بكون آخر وقت إجزاء المغرب: زوال الحمرة، فإذا لم نقل بهذا سقط الاستدلال
بجميع الفقرات الأربع، فتأمل.
هذا مع أن قوله عليه السلام في آخر الرواية (3) تعليلا لتأخير القضاء إلى

(1) في " ش " و " ع " " ن ": مقيدا.
(2) في " ن " وع " و " د " اللهم إلا أن الاستحباب.
(3) في " ش ": الروايات.
342

ذهاب الشعاع ب‍ " أنك لست تخاف فوتها " ظاهر في عدم فورية القضاء، فلو تمت
دلالة الفقرات على الترتيب، فلا يستلزم الفورية، لمنع الاجماع المركب.
بل الظاهر أن جمع الإمام عليه السلام في الحكم بالترتيب بين الحاضرتين وبين
حاضرة وفائتة أمارة على أن مناط الترتيب في الكل أمر واحد، فليس لفورية
القضاء - لو قلنا بها - دخل في الترتيب، كما يزعمه أهل المضايقة.
ثم لو سلم الاجماع المركب كان التعليل المذكور قرينة أخرى على
استحباب الترتيب، فافهم.
هذا مع أن الخبر مشتمل على بعض الأحكام المخالفة للاجماع، مثل
العدول عن اللاحقة إلى السابقة بعد الفراغ عنها، ومثل النهي عن القضاء إلا
بعد ذهاب شعاع الشمس.
وبما ذكرنا في الجواب عن هذه الصحيحة - من ابتناء الاستدلال على
ضيق وقت المغرب - يجاب عن رواية صفوان بن يحيى (1)، بنظيره يجاب عن
رواية أبي بصير (2) فإن الظاهر من قوله: " نسي الظهر حتى دخل وقت العصر "
ابتناء الجواب على تعدد أوقات الظهرين والعشاءين وحينئذ فقوله: " يبدأ بالتي
نسيت إلا أن يخاف أن يخرج وقت الصلاة " خروج الوقت المختص بها، فلو
نسي العصر عند خوف وقت المغرب المغاير لوقت العشاء وجب البدأة بالمغرب
ثم بالعصر، وهذا مما لا نقول به، وحمل وقت العصر على المقدار الذي يسع الفعل
عن آخر الوقت مخالف للظاهر قطعا.
وأما رواية معمر بن يحيى (3) فالأمر يدور بين تقييدها بصورة الاستدبار

(1) المتقدمة في صفحة 339.
(2) المتقدمة في صفحة 339.
(3) المتقدمة في صفحة 340.
343

وحملها على الاستحباب أو حمل الوقت على ما تقدم في رواية أبي بصير.
فلم يبق إلا رواية زرارة (1) الضعيفة بالقاسم بن عروة ورواية البصري (2)
الضعيفة بمعلى بن محمد. ورواية الدعائم (3) المجهولة السند، والنبوي المرسل (4).
والجواب عنها - بعد الاغماض عن سندها وعن سوابقها بعد تسليم
ظهور دلالتها (أنها معارضة بما تقدم من الأخبار الظاهرة في عدم اعتبار
الترتيب، بل في الأمر بتقديم الحاضرة، وهي أكثر عددا وأصح سندا وأظهر
دلالة، لامكان حمل هذه على الاستحباب، وليس في تلك الأخبار مثل هذا الحمل
في القرب.
ثم لو سلمنا التكافؤ، فالمرجع إلى الاطلاقات والأصول الدالة على عدم
اعتبار الترتيب وعدم وجوب المبادرة.
وربما رجح القول بعدم، الترتيب بمخالفته لأكثر الجمهور - على ما عن
التذكرة (5) وحكى أنه مذهب الأربعة عدا الشافعي، بل له أيضا - بناء على أن
المحكي عنه - أولوية الترتيب (6) إن لم نقل بوجوبه.
فالأخبار الدالة على رجحان تقديم الحاضرة مخالف لفتوى الأربعة.
الخامس من الأدلة: الاجماعات المنقولة من أساطين القدماء، كالشيخ
المفيد قدس سره حيث حكي عنه أنه قال في رسالة نفي السهو: إن الخبر المروي
- في نومه صلى الله عليه وآله عن صلاة الصبح - (7) متضمن خلاف ما عليه عصابة

(1) المتقدمة في الصفحة 332 الرقم 3.
(2) المتقدمة في الصفحة: 340.
(3) المتقدمة في الصفحة 340.
(4) المتقدمة في الصفحة 340.
(5) التذكرة 1: 82 (البحث الخامس في القضاء).
(6) التذكرة 1: 81 (قال الشافعي: الأولى الترتيب فإن قضاها بغير ترتيب أجزأه)
(7) المتقدمة في الصفحة 319.
344

الحق، لأنهم لا يختلفون في أن من فاتته صلاة فريضة، فعليه أن يقضيها في أي
ساعة ذكرها من ليل أو نهار، ما لم يكن ألقت مضيقا لفريضة حاضرة، وإذا كان
يحرم فريضة قد دخل وقتها ليقضي فرضا فإنه كان حظر النوافل عليه أولى، مع
الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله أنه " لا صلاة لمن عليه صلاة " مريدا به: لا
نافلة لمن عليه فريضة (1) (انتهى).
وكالشريف أبي الحسين الحسن (2) بن محمد بن ناصر الرسي في المسألة التاسعة
عشرة من الرسيات التي سئل عنها السيد المرتضى قال: (3) إذا كان إجماعنا مستقرا
على وجوب تقديم الفائت من فرائض الصلاة على الحاضر منها إلى آخر ما
ذكره وقد أقره السيد على هذه الدعوى، والشيخ في الخلاف (4) والسيد في
الغنية (5) والحلي في السرائر في بحث المواقيت (6).
وحكى عنه (7) الشهيد في غاية المراد أنه قال في رسالته المعمولة في هذه
المسألة المسماة - (خلاصة الاستدلال): إن ذلك مما أطبقت الإمامية عليه خلفا
بعد سلف وعصرا بعد عصر وأجمعت عليه، ولا يعتد بخلاف نفر يسير من
الخراسانيين، فإن ابني بابويه الأشعريين كسعد بن سعد وسعد بن عبد الله
صاحب كتاب الرحمة، ومحمد بن علي بن محبوب صاحب كتاب نوادر الحكمة،
القميين أمع ما عاملون بالأخبار المتضمنة للمضايقة، لأنهم ذكروا أنه لا يحل رد
الخبر الموثوق برواته وحفظهم (8) الصدوق ذكر ذلك في كتاب من لا يحضره

(1) راجع البحار 17: 126
(2) ما أثبتناه من " د " وفي الذريعة: أبي الحسين المحسن.
(3) رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثانية: 363
(4) الخلاف 1: 382 كتاب الصلاة، المسألة 139.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 500.
(6) السرائر 1: 203.
(7) في غير " د ": حكي عن الشهيد.
(8) في أكثر النسخ: حفظتهم ولعل في الأصل: وأحفظهم الصدوق.
345

الفقيه، وخريت هذه الصناعة ورئيس الأعاجم أبو جعفر الطوسي مودع
أحاديث المضايقة في كتبه مفت بها. والمخالف إذا عرف باسمه ونسبه لا يضر
خلافه (1) (انتهى).
وهذه الاجماعات المحكية - مع كون كل منها بمنزلة خبر صحيح عالي
السند - معتضدة بالشهرة المطلقة كما عن كشف الالتباس (2) خصوصا بين
القدماء كما عن الروض (3) وغيره (4) وعن التذكرة (5) والدروس (6) غيرهما (7)
نسبته إلى الأكثر، وعن كشف الرموز (8) وغيره (9) نسبته إلى الثلاثة وأتباعهم.
والجواب: أن حكاية الاجماع - مع وجود القول بالخلاف ممن عرفت من
القدماء والمتأخرين - لا تنهض حجة إلا على مدعيها، لو هن احتمال صدقة حينئذ
وقوة احتمال استناد قطعه إلى ما ينبغي أو يوجب القطع. أو احتمال إرادته من
الاجماع على الحكم: الاجماع على المبنى الذي يستنبط منه هذا الحكم بزعم
المدعي، كأن يكون دعوى السيدين الاجماع على المضايقة باعتبار كون دلالة
الأمر على الفور عندهم إجماعيا، أو باعتبار الاجماع على العمل بأخبار وجوب

(1) غاية المراد: 15.
(2) راجع مفتاح الكرامة 3: 391.
(3) روض الجنان: 188.
(4) كتخليص التلخيص، وغاية المراد، والفوائد الملية. راجع غاية المراد: 15، ومفتاح الكرامة 3:
391.
(5) التذكرة 1: 82،
(6) الدروس: 24.
(7) كجامع المقاصد، والعزية، والهلالية - كما في مفتاح الكرامة 3: 391 -
(8) كشف الرموز 1: 207.
(9) كالمحقق في المعتبر 2: 406، والفاضل المقداد في التنقيح 1: 267.
346

قضاء المنسي إذا ذكرها، الدالة بزعمهم على أن وقت الذكر متعين لوقت القضاء،
فلا يجوز التأخير عنه، ولا يجوز فعل الحاضرة فيه، وقد اطلعنا على موارد من هذا
القبيل إلا بتنصيص مدعي الاجماع، وإما بانفهام ذلك من مطاوي كلامه.
ومن الموارد التي علم استناد المدعي إلى ما لا ينبغي أن يوجب (1) القطع:
ما تقدم (2) من كلام الحلي - في هذا المقام - من دعواه إجماع القميين والأشعريين
على الحكم لأجل مقدمتين: إحداهما: ذكر الثقات روايات المضايقة.
الثانية: بناؤهم على وجوب العمل بما يروونه من أخبار الثقات.
ويكفي في رده - بعد النقض بأن الثقات رووا أخبار المواسعة أيضا، بل
ظاهر المحكي عن غاية المراد (3) أن هؤلاء المجمعين رووا أخبار المواسعة أيضا
الحل بما عن المفيد: في جوابه عمن سأله عن عمل من سد عليه طرق العلم
بالأخبار المسندة (4) في كتب الصدوق - من (5) أنه إنما روى ما سمع ونقل ما حفظ
ولم يضمن العهدة في ذلك، وأصحاب الحديث ينقلون الغث والسمين، وليسوا
بأصحاب نظر وتفتيش (6) (انتهى).
السادس: ما عن المحقق في المعتبر في مقام الاستدلال لهذا القول: من
أن الفوائت تترتب، فتترتب على الحاضرة (7).
وحكي في توجيهه وجهان:

(1) في " ع " يفيد.
(2) في الصفحة 150.
(3) غاية المراد: 19،
(4) في " ش " و " ص " ون ": المستندة.
(5) في أكثر النسخ: ومن.
(6) أجوبة المسائل السروية المطبوع ضمن رسائل المفيد: 222.
(7) المعتبر 2: 407.
347

أحدهما: أن الفوائت تترتب في القضاء، لترتب أزمنتها، وحيث تقدم أزمنتها
على أزمنة الحاضرة فيتقدم (1) عليها أيضا.
ثانيهما: أن الحاضرة لو كانت فائتة وجب تأخيرها عما فاتت قبلها، فكذا
إذا كانت حاضرة.
وقد يرد الوجهان بأنه قد يكون لمساواتها في الفوات وعدم مزية بعضها
على بعض من جهة الوقت مدخلية في وجوب الترتيب، ولذلك يجب الحاضرة عند
ضيقها، ثم يجب تأخيرها بعد فوتها المتأخر عن ضيقها، فلا يكون ترتب الأزمنة
في اليومية سببا مستقلا في وجوب رعاية الترتيب مطلقا، ومجرد احتمال ذلك لا
يكفي في الاستدلال.
أقول: لا ريب في ضعف الوجهين لما ذكر ولغيره.
نعم يمكن توجيهه بأن المراد: أن الترتيب بين الفوائت يكشف عن أن
ذلك لأجل تقدم كل فريضة على لاحقتها (2) قبل تحقق فوت تلك اللاحقة،
فحيث كانت اللاحقة حال حضور وقتها متأخرة عن الفائتة انسحب هذا
الاشتراط بعد فواتها، فمنشأ الترتيب بين الفوائت الترتيب بين الفائتة
والحاضرة. ولا ينافي ذلك تقديم الحاضرة عند ضيق وقتها، لأنه تقديم عارضي لما
هو مؤخر بالذات.
ويمكن الاستدلال لما ذكر بإطلاق أدلة وجوب قضاء ما فات (3)، فإنها
تدل بإطلاقها على الاكتفاء بفعل الفائت، فلو اعتبر في الفائتة اللاحقة تأخرها
عن السابقة كان ذلك تقييدا لتلك الاطلاق، بخلاف ما لو كان اعتبار تأخرها

(1) (كذا في النسخ والصحيح تتقدم.
(2) في " د " و " ش " لاحقها.
(3) الوسائل 5: 347 الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات وغيره من الأبواب.
348

لأجل اعتبار تأخرها (1) حين كونها حاضرة، فإنه لا يلزم من ذلك تقييد في تلك
الاطلاقات، لأن فعل ما فات بجميع شروطه وأجزائه المعتبرة قبل الفوات لا
يتحقق إلا بتأخيرها عن السابقة.
هذا ولكن يندفع بأن التقييد لازم، إما في إطلاق الحاضرة فلا يحتاج إلى
تقييد إطلاق أدلة القضاء، إذ لم يعتبر فيها حينئذ أمر زائد على ما اعتبر فيها
حال الأداء، وإما تقييد أدلة القضاء باشتراط تأخر لا حقها عن سابقها من غير
اعتبار هذا الشرط في القضاء.
وحيث لم يثبت التقييد في أحدهما بالخصوص، وعلم من الخارج وجوب
الترتيب بين الفوائت بأنفسها اقتصر عليه، ويرجع في حكم الحاضرة إلى
الأصول.
نعم لو ثبت وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة أمكن الاستدلال في مسألة
الترتيب بين الفوائت بأنفسها، بناء على ما ذكر من دلالة أدلة وجوب قضاء ما
فات على اعتبار جمع ما اعتبر في الأداء في القضاء.
هذا خلاصة الكلام في أدلة القولين المشهورين: المواسعة المطلقة،
والمضايقة المطلقة.
وقد عرفت أن القول بالمواسعة وعدم وجوب الترتيب لا يخلو عن قوة،
خصوصا فيما زاد على الفائتة الواحدة. إذ لم يكن فيما تقدم من أخبار المضايقة
ما يتضمن لزوم ترتيب الحاضرة على الفائتة المتعددة، إلا ذيل صحيحة زرارة
الطويلة الآمرة بتقديم المغرب والعشاء الفائتين على الفجر.

(1) ليس في غير " د " لأجل اعتبار تأخرها.
349

بقي هنا أمور:
الأول: أنه على القول بعدم وجوب الترتيب، هل يستحب تقديم الفائتة أو
تقديم الحاضر؟ وجهان، بل قولان، والأقوى: التفصيل بين صورة ضيق (1) وقت
الفضيلة للحاضرة الذي قبل بكونه هو الوقت للمختار، فالمستحب حينئذ تقديم
الحاضرة وبين غيرها. فيستحب تقديم الفائتة.
أما استحباب تقديم الحاضرة في صورة ضيق وقت فضيلتها، فلعموم أدلة
تأكد (2) عدم تأخير الحاضرة عن ذلك الوقت إلا من عذر أو علة، حتى قيل (3)
بتعينه للمختار من جهة ظاهر الروايات الدالة على ذلك (4) وخصوص الصحيحة
الطويلة المتقدمة في مسألة تقديم المغرب الحاضرة على العصر الفائتة (5) بعد حمل
ألقت فيها على وقت الفضيلة، وكذا رواية صفوان - المتقدمة - فيمن نسي

(1) في " ع " و " د ": - هنا - زيادة: رجحان.
(2) الوسائل 3: 100. الباب 7 من أبواب المواقيت.
(3) انظر المدارك: 3: 32 و 111.
(4) الوسائل 3: 86. الباب 3 من أبواب المواقيت.
(5) تقدمت في الصفحة 338.
350

الظهر إلى أن غربت الشمس وأنه يقدم الظهر إن لم يخف فوت المغرب (1) وكذا
رواية أبي بصير المتقدمة فيمن نسي الظهر حتى دخل قت العصر (2)، فراجع
ولاحظ.
ولأجل هذه الأخبار الخاصة يحمل ما دل (3) بإطلاقه على الأمر بتقديم
الفائتة في السعة، المحمول على الاستحباب - بناء على القول بالمواسعة - على
إرادة سعة قت الفضيلة، دون مطلق الوقت، فلا يوجد في المقام خبر يدل على
الأمر بتقديم الفائتة مع ضيق وقت الفضيلة.
ودعوى موافقته للاحتياط، للخروج به عن خلاف من أوجب التقديم.
معارضة بموافقة تقديم الحاضرة في هذه الاحتياط، للخروج به عن خلاف من
جعل وقت الفضيلة وقتا اختيارا.
مع أن أهل المضايقة (4) قائلون بهذا القول كالشيخين (5) والعماني (6)
والحلبي (7) فهم قائلون بوجوب تقديم الحاضرة في هذه الصورة: مضافا إلى ما
عرفت في نقل الأقوال من ظهور عبارة بعض القدماء بوجوب تقديم
الحاضرة (8).
وأما استحباب تقديم الفائتة مع سعة وقت الفضيلة أو بعد فواته، فلما
تقدم من الأخبار التي استدل بها أهل المضايقة (9) من الأمر بتقديم الفائتة، أو

(1) (2) تقدمتا في الصفحة 339.
(3) الوسائل 3: 208، الباب 62، من المواقيت، الوسائل 5: 350، الباب 2 من قضاء الصلوات.
(4) في " د " مع أنا نرى كثيرا من أهل المضايقة
(5) انظر المبسوط 1: 72 والنهاية: 58، والمقنعة: 94،
(6) راجع المختلف 1: 66.
(7) الكافي: 137.
(8) راجع الصفحة 261.
(9) تقدمت في الصفحة 337 و 344.
351

العدول من الحاضرة إليها، المحمول على الاستحباب.
وأما ما تقدم في بعض أخبار المواسعة من إطلاق تقديم الحضارة (1)
فمحمول على صورة ضيق وقت الفضيلة وخوف فواته.
ثم إنه لا ينافي ما ذكرنا - من استحباب تقديم الفائتة - الأخبار الدالة
على استحباب المبادرة أول ألقت. لأنها بين دالة على استحباب إتيان الفريضة
في الوقت الأول، وهذا يجامع تقديم الفائتة، وبين دالة على استحباب المبادرة في
أول الوقت، الأول فالأول التي ينافي تقديم الفائتة، إلا أنه لا بأس بالحكم
باستحباب الأمرين المتنافيين، فإن جل المستحبات كثيرا ما يتفق تنافيها.
ثم إن المحكي (2) عن الصدوق عن استحباب تقديم الحاضرة بقول
مطلق (3) ينافي أخبار (4) العدول عنها إلى الفائتة، إذ الظاهر منها أن العدول راجح،
ومعناه رجحان تقديم الفائتة، إلا أن يكون رجحانه مختصا بالتذكر في الأثناء أو
يكون الأمر لمجرد بيان الجواز.
وكيف كان فلا بد من حمله على التعبد لا لادراك رجحان تقديم الفائتة،
وهو بعيد.
وهذا مما يضعف القول باستحباب تقديم الحاضرة مطلقا، فإن حمل الأمر
بتقديم الفائتة على مجرد بيان جواز الاشتغال بالقضاء في وقت الفريضة دفعا
لتوهم عدم جوازه الناشئ عن بعض الأخبار المانعة للنافلة (5) أو مطلق
الصلاة (6) أو خصوص بعض الفرائض كالكسوفين في وقت اليومية (7) إلا أن حمل

(1) تقدمت في الصفحة 310 و 350.
(2) حكاه الجواهر 13: 37.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): 9.
(4) الوسائل 3: 211، الباب 63، من أبواب المواقيت.
(5) الوسائل 3: الباب 35، ومن أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول وغيره 206،
الباب 61 من أبواب المواقيت.
(6) المستدرك: 3: 160، الحديث 3265. والبحار 17: 127.
(7) الوسائل 5: 147، الباب 5.
352

أخبار العدول على الجواز بعيد جدا.
الثاني: إذا قلنا بالفورية والترتيب، فلا إشكال في وجوب الاشتغال
بالحاضرة عند ضيق وقتها، وكذا بما هو ضروري التعيش.
والظاهر أنه لو كان للانسان ضروريات يمكن الاشتغال بها بعد
الحاضرة وقبلها لم يجب تأخير الصلاة عنها، لأن تأخيرها إلى وقت ضيقها ليس
للتعبد، وإنما هو لئلا يزاحم الفائتة، والمفروض سقوط التكليف بها حينئذ، لأن
ألقت بقدر الفعل الضروري والحاضرة، وكذا لو سقط عنه الفائتة بعذر آخر.
كما إذا بقي من وقت الظهر مقدار عشر ركعات وعليه رباعية، فإنه لو اشتغل
فها فات عنه ركعات من العصر.
نعم لو أخذ باطلاق قوله عليه السلام: " لا صلاة لمن عليه صلاة " (1) كان
مقتضاه الاقتصار على المتيقن من وقت الاشتغال.
الثالث: أنه لا إشكال في ترجيح الحاضرة على الفائتة في آخر وقتها
المضروب لأدائها بالذات أو بالعرض، كطرو حيض أو فقد طهور، وهل يرجح
عليها إذا ضاق وقت أصل الفعل بحيث إنه يظن أنه لا يتمكن منها أصلا ولو
قضاء كما إذا ظن دنو الوفاة أم لا؟ صرح بعض محققي من عاصرناهم بالترجيح،
وبأنه مما لا كلام فيه، فجعله كضيق قت الأداء.
وفيه نظر. لأن الحاضرة إنما رجحت على الفائتة عند ضيق وقتها.
للنص (2) المعتضد بما علم من أهميته الحاضرة بالنسبة إلى المبادرة إلى الواجبات
الأخر، تعين ترك المبادرة إليها.
وأما ترجيح فعل الحاضرة على أصل فعل الفائتة، بأن يدر الأمر بين

(1) المستدرك 3: 160، الحديث 3265 (نقلا عن الرسالة السهوية للمفيد) وانظر البحار 17:
127.
(2) الوسائل 3: 208. الباب 62. الحديث، 1، 2.
353

ترك الحاضرة أداء وقضاء، أو ترك الفائتة رأسا، فلم يعلم له وجه عدا إطلاق
النص (1) الدال على أن الحاضرة أحق بوقتها، لكنه منصرف إلى صورة التمكن
بعد ذلك من القضاء.
وأما إذا علم أن عمره لا يفي إلا بفعل أحدهما، فدعوى دخوله في
الاطلاق قابلة للمنع.
نعم لا يبعد أن يستفاد من الأدلة أهمية فعل الفرائض في وقتها من جميع
ما عداها من حقوق الله، مع أن الاحتياط يقتضيه، لدوران الأمر بين التعيين
والتخيير، إذ ينبغي القطع بعدم وجوب ترجيح الفائتة في هذه الصورة.
الرابع: صرح بعض بأنه لا كلام في أن ضيق الفائتة - على القول به -
ليس كتضيق الحاضرة في وجوب الاقتصار على أقل ما يحصل به الامتثال.
والتحقيق: أن أدلة فورية القضاء إن استفيد منها جوب الاشتغال
بالقضاء عن غيره في مقابل الاشتغال بغيره عنه، فهو كما ذكر، فيجوز له الاتيان
في الفائتة مطلقا بجميع المستحبات الصلاتية كالقنوت والأذان الإقامة وغيرها
مما يستحب في أثناء الصلاة، أو في أولها.
وإن استفيد منها وجوب الاشتغال به مع التمكن - عقلا وشرعا - فيجوز
حينئذ الاتيان بجميع المستحبات الصلاتية إذا لم يجب بعد هذه الصلاة فائتة
أخرى، وإلا يم يجز لتفويتها المبادرة إلى الاشتغال بالفائتة المتأخرة.
وإن استفيد منها وجوب المبادرة إلى تحصيل المأمور به في أول أوقات
إمكانه لم يجز الاشتغال بشئ من المستحبات، ووجب الاقتصار على أقل
الواجب في الفائتة مطلقا.
وحيث إن عمدة أدلة المضايقة عند أهلها دلالة الأمر على الفور، فهو

(1) الوسائل 3: 208 الباب 62. الحديث 1 و 2.
354

يقتضي الوجه الثالث، لأن فعل المستحبات والآداب في الفائتة السابقة يوجب
التأخير في لا حقتها.
مضافا إلى أن مقتضى فورية أصل الواجب: وجوب تحصيله في أول
أوقات إمكان حصوله.
إلا أن يقال بعد ثبوت التخيير بين أفراد المأمور به (1) المختلفة في الطول
والقصر، يكون المراد المسارعة إلى التلبس بالفعل من غير التفات إلى زمان
الفراغ عنه، الذي هو زمان حصول المأمور به في الخارج، كما إذا وجبت الكفارة
المخيرة بين الخصال فورا، فإن ذلك لا يوجب وجوب اختيار العتق على صوم
شهرين إذا كان يحصل في زمان أقل من الصوم.
وفيه: أنه مسلم إذا كان المأمور به هي الأمور المخيرة شرعا، أما إذا كان
التخيير عقليا. فمنشأ حكم العقل به ملاظة كون كل من الأفراد مما يتحقق
به إتيان المأمور به على الوجه الذي أمر به. فإذا لم يتحقق إتيانه على النحو
الذي أريد في ضمن بعض الأفراد، فلا يحكم العقل بجواز اختيار ذلك البعض،
ولذا لا يجوز إذا أمر المولى بإحضار شئ فورا الاشتغال بمقدمات الفرد الذي
لا يحصل إلا بعد زمان طويل، وكذا التلبس بفرد لا يحصل تمام وجوده في الخارج
إلا بعد زمان طويل.
نعم لو قامت القرينة على أن الفورية راجعة إلى التلبس بالمأمور به - لا
إلى تحصيله في الخارج - صح الاكتفاء بالمبادرة إلى التلبس وإن لم يفرغ إلا بعد
زمان يمكن الفراغ عن فرد آخر بأقل منه، لكنه خلاف ظاهر الصيغة المفيدة
للفور.

(1) في " ع " و " ن " و ش " بين أفراد المأمور.
355

نعم لو ادعي ظهور هذا المعنى من الأخبار (1) الدالة على وجوب
الاشتغال بالفريضة الفائتة عند ذكرها. وأنه إذا دخل وقت الحاضرة ولم يتمها
فليشتغل بها، بناء على تمامية دلالتها على الفور لم يكن بعيدا. خصوصا بعد
ملاحظة تصريح الشارع بعدم سقوط الأذان والإقامة (2) وعدم التعرض لوجوب
الاقتصار على أقل الواجب ردعا للقاضي عن اعتقاد اتحاد الأداء والقضاء حتى
في الآداب الخارجة والمستحبات الداخلة، فافهم.
وأولى من ذلك لو كان المستند في الفورية الاجماع المحق أو المحكي
المنصرف إلى فورية الاشتغال فإنه يسهل حينئذ دعوى عدم إخلال المستحبات
بالفورية المنعقد عليها الاجماع، هذا كله بالنسبة إلى المستحبات.
وأما الأجزاء والشرط الاختيارية فليست منافية للفرية حتى يجب
تركها مراعاة للتعجيل، لأن الواجب الفعل بعد ملاحظة تقييده بها، فلا يجوز ترك
السورة - مثلا - مراعاة للفورية كما تترك عند ضيق الوقت، وكذا تطهير الثوب
والبدن، بل التطهير بالماء، فلا يجوز التيمم كما يجوز عند ضيق الوقت، وهكذا.
هذا مع التمكن منها.
وأما لو لم يتمكن منها، فإن لم يرج التمكن، فلا إشكال في وجوب
التعجيل. أما مع ظن التمكن فهل يراعى الفورية فيجب البدار أو يراعى تلك الأجزاء والشروط فيجب الانتظار؟ وجهان. بل قولان:
من أن الفورية لا صارف عنها، غاية الأمر عدم التمكن في هذا الزمان

(1) الوسائل 3: 206، الباب 61، من أبواب المواقيت، الحديث 3 و 6، والباب 62 من أبواب
المواقيت، و 5: 347، الباب 1 و 2 من أبواب قضاء الصلوات.
(2) الوسائل 3: 211، الباب 63. من أبواب المواقيت، الحديث 1، الوسائل 5: 348، الباب 1
من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 4.
356

من تلك الأجزاء والشروط، فيسقط، لاطلاق ما دل على سقوطها عند العجز
عنها (1) بل لو قيل بعدم فورية القضاء كان مجرد الأمر كافيا في صحة الفعل حين
تعذر الشروط، إذ لا صارف عنه بعد اختصاص أدلة اعتبار تلك الشروط بحال
التمكن، ولذا صرح في نهاية الإحكام (2)، وكشف الالتباس (3)، والجعفرية (4)،
وشرحها (5)، وإرشادها (6) مع قولهم بعدم فورية القضاء - بجواز المبادرة حال
التعذر.
نعم عن الثلاثة الأخيرة: استثناء ما لو فقد الطهارة، فأوجبوا التأخير
حينئذ، بل عن الأولين والأخير عدم استحباب التأخير لما في المبادرة من
المسارعة إلى فعل الطاعة (7).
ومن أن الواجب هو الفعل المستجمع للأجزاء والشروط، والعجز المسقط
لاعتبار الأجزاء والشروط الاختيارية هو العجز عن امتثال الأمر الكلي وعدم
التمكن رأسا من إتيانه بتلك الشروط، وهذا هو الذي يحكم العقل بخروجه عن
الخطاب بإتيان الفعل المستجمع، فيحكم بكفاية الفعل الفاقد للشرط المتعذر في
حق هذا الفرد العاجز: وأما من يتمكن من الاتيان بالفعل المستجمع في الزمان
المستقبل، فهو داخل تحت القادرين، لا دليل على كفاية الفعل الفاقد لبعض
الشرائط في حقه، فيكون هذا الشخص - العاجز عن الشرط في الحال القادر
عليه في الاستقبال - عاجزا عن المأمور به في الحال قادرا عليه في الاستقبال
فيجب عليه ترقيب زمان القدرة على المأمور به.

(1) راجع الوسائل 4: 732 الباب 1 و 2 من أبواب القراءة و 689، الباب 1 من أباب القيام.
(2) نهاية الإحكام 1: 327.
(3) راجع مفتاح الكرامة 3: 397، الجواهر 13: 115.
(4) رسائل المحقق الكركي 1: 121 (الرسالة الجعفرية) ومفتاح الكرامة 3: 397 والجواهر 13:
115.
(5) راجع مفتاح الكرامة 3: 397، الجواهر 13: 115.
(6) راجع مفتاح الكرامة 3: 397، الجواهر 13: 115.
(7) انظر مفتاح الكرامة 3: 397، الصفحة 327.
357

ودعوى أنه يستكشف من إطلاق، الأمر الشامل لهذا الشخص كونه
مكلفا بالفعل في هذا الزمان، فيكشف عن سقوط الشرط بالنسبة إليه.
مدفوعة بأن الأمر إذا تعلق بالفعل المستجمع للشرائط، فإطلاقه نافع
عند تمكن المكلف عن المأمور به، فإذا فرض عجزه في زمان خرج عن الاطلاق.
نعم لو فرض دليل دال - ولو بالاطلاق - على أن مجرد العجز عن الشرط
- في جزء من أجزاء وقت الواجب - مسقط لاعتباره في ذلك الجزء، تعين بقاء
التكليف بالفعل في ذلك الجزء من الزمان، فيأتي به بحسب الامكان، لكن هذا
لا ضابط له فقد يوجد في بعض الشروط ولا يوجد في الآخر، والكلام في أن مجرد
العجز في جزء ن الزمان يوجب سقوط اعتباره ليبقى إطلاق الأمر الشامل
لذلك الجزء سليما عن التقييد بذلك الشرط.
الخامس: أنه لو كان عليه فوائت ولم يتسع الوقت إلا لمقدار الحاضرة
بعض تلك الفوائت، فقد عرفت أن يجب تقديم ذلك البعض على الحاضرة عند
أهل المضايقة، بناء على أن اشتراط الترتيب ينحل إلى شروط متعددة، عند تعدد
الفوائت، فالممكن منها لا يسقط بالمتعذر، لا أن الشرط تقديم المجموع من حيث
المجموع حتى يسقط اعتباره عند تعذر الجميع مع احتمال هذا أيضا وقد تقدم
ذلك في الجواب عن دليل العسر والحرج (1) وحينئذ فهل يجب تقديم ما أمكن
تقديمه وإن أفضى إلى اختلال الترتيب بين الفوائت، مثلا إذا كان عليه ظهر
وصبح وذكرهما في وقت لا يسع إلا للحاضرة وصلاة الصبح، فهل يجب تقديم
صلاة الصبح على الظهر وإن لزم اختلال الترتيب بينهما وبين الظهر الفائتة، أو
يجب تقديم الحاضرة، ليوقع الفوائت على ترتيبها. فيدور الأمر بين إهمال

(1) تقدم في الصفحة 327.
358

الترتيب بين الحاضرة وبين الفوائت، وبين إهمال الترتيب بين نفس الفوائت.
مقتضى القاعدة: الأول، لأن الترتيب إنما يعتبر بين الحاضرة وبين الفائتة
المستجمعة لجميع شرائطها التي منها ترتبها على سابقتها، فالمقدم على الحاضرة
هي صلاة الصبح المتأخرة شرعا عن سابقتها، فافهم.
السادس: لو كانت الفائتة مرددة بين اثنين أو أزيد بحيث يجب تكرارها
من باب المقدمة، ولم يتسع الوقت إلا للحاضرة وفعل بعضها، فهل يجب تقديم
ما أمكن من المحتملات أم لا؟ وجهان، لا يخفى الترجيح بينهما على الخبير
بالقواعد.
هذا آخر ما تيسر تحريره على وجه الاستعجال مع تشويش البال.
والحمد لله أولا وآخرا على كل حال، والسلام على محمد وآله خير آل.
359

ملحق الاعلام
لرسالة المواسعة
361

ابن أبي جمهور
شمس الدين محمد بن علي بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن أبي جمهور
الأحسائي.
هو من علماء الإمامية في القرن العاشر الهجري ومن معاصري المحقق الكركي،
وتلامذة الشيخ زين الدين علي بن هلال الجزائري والحسن بن عبد الكريم الفتال.
من مؤلفاته: الأقطاب الفقهية والوظائف الدينية على مذهب الإمامية، والأنوار
المشهدية في شرح الرسالة البرمكية في فقه الصلاة اليومية، والتحفة الحسينية في
شرح الألفية، والمسالك الجامعية وهو شرح آخر لألفية الشهيد وتحفة القاصدين ف
معرفة اصطلاح المحدثين، وعالي اللآلي، والمناظرات المجلي في المنازل
العرفانية وسيرها، فرغ من تأليفه سنة 895 ه‍.
توفي بعد سنة 901 ه‍.
راجع: ريحانة الأدب 6: 332 أعيان الشيعة 2: 263 وهدية الأحباب: 53.
363

ابن فهد الحلي
الشيخ جمال الدين أبو العباس أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الحلي
الأسدي.
وهو عالم فاضل ثقة صالح زاهد عابد ورع جليل القدر. ولد سنة 757 ه‍.
روى عن الشيخ الأجل علي بن هلال الجزائري وهو يروي عن جماعة من أجلاء
تلامذة الشهيد الأول وفخر المحققين كالفاضل المقداد الشيخ علي بن الخازن
الفقيه.
له من المؤلفات: المهذب البارع في شرح المختصر النافع، وعدة الداعي،
والمقتصر، شرح على إرشاد الأذهان، والموجز، وشرح الألفية للشهيد والمحرر
والتحصين، الدر الفريد في التوحيد. ورسالة في معاني أفعال الصلاة وترجمة
أذكارها رسالة اللمعة الجلية في معرفة النية، ورسالة نبذة الباغي فيما لا بد منه من
آداب الداعي، وهو تلخيص كتاب عدة الداعي، ورسالة مصباح المبتدي وهداية
المقتدي، ورسائل أخرى عديدة.
توفي سنة 841 ه‍.
انظر البحار 1: 17 ورياض العلماء 1: 64، والمقابيس: 14 وروضات الجنات 1:
71 والمستدرك 3: 434 والكنى الألقاب 1: 380.
364

الجعفي
هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليم أبو الفضل الجعفي الكوفي، المعروف
بالصابوني.
قال العلامة الطباطبائي رحمة الله عليه: إنه من قدماء أصحابنا وأعلام فقهائنا، من
أصحاب كتب الفتوى ومن كبار الطبقة السابعة ممن أدرك الغيبتين الصغرى
والكبرى، عالم. فاضل، فقيه، عالم بالسير والأخبار النجوم.
يروي عن الشيخ والنجاشي بواسطتين وعن ابن قولويه بلا واسطة، وعده السيد
ابن طاووس من أصحابنا العارفين بعلم النجوم.
له كتاب الفاخر، وفيه سبعة وستون كتابا يبدأ بكتاب التوحيد والايمان ثم كتاب
مبتدأ الخلق ثم كتاب الطهارة، وينتهي بكتاب الأشربة وكتاب الخطب وكتاب تعبير
الرؤيا.
راجع: رجال السيد بحر العلوم 3: 199 - 205 هدية الأحباب: 136 - 135 -
136 أعيان الشيعة 2: 399 مجمع الرجال 5: 125، رجال النجاشي 2: 287، معجم
رجال الحديث 14: 311 - 312 رياض العلماء 5: 490.
365

الحلبي
عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي الكوفي.
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام وإنما لقب
بالحلبي لأن متجره كان إلى حلب فغلب عليه هذا اللقب.
له كتاب يعتبر من الأصول، وهو أول ما صنفته الشيعة، وفي الفهرست: إن الكتاب
عرض على الإمام الصادق فاستحسنه وقال: ليس لهؤلاء مثله.
وآل أبي شعبة بيت مذكور من أصحابنا وروى جدهم أبو شعبة عن الإمامين
الحسن الحسين عليهما السلام وكانوا جميعا تقات مرجعا إلى ما يقولون وكان عبيد الله
كبيرهم ووجههم.
راجع: رجال النجاشي: 230، والفهرست للشيخ الطوسي: 106، وتنقيح المقال
2: 240.
366

الحلي (ابن سعيد)
أبو زكريا نجيب الدين يحيى الأكبر بن الحسن بن سعيد (الحلي).
كان من أكابر الفقهاء في عصره، وقد نقل الشهيد في شرح الإرشاد [غاية المراد:
15] في بحث قضاء الصلاة الفائتة عنه: القل بالتوسعة، قال: ومن المتأخرين
القائلين بالتوسعة...
والشيخ يحيى بن سعيد جد الشيخين نجم الدين ونجيب الدين، نقله عنه ولده
يحيى في مسألته في هذا المقام.
وفي الأمل: كان عالما محققا وهو جد المحقق نجم الدين جعفر بن الحسن بن
يحيى يروي عنه ولده وعن ولده ولده.
راجع: أمل الآمل 2: 345 ورياض العلماء 5: 242 وأعيان الشيعة 1: 288.
367

الرازي
سديد الدين محمود بن علي بن الحسن الحمصي الرازي.
قال في أمل الآمل نقلا عن منتجب الدين: علامة زمانة في الأصولين، ورع ثقة له
تصانيف... حضرت مجلس درسه سنتين وسمعت أكثر هذه الكتب بقراءة من قرأ
عليه.
وفي الرياض: وقد قرأ عليه الشيخ ورام بن أبي فراس، صاحب تنبيه الخاطر ونزهة
الناظر المعروف بمجموعة ورام.
من مؤلفاته: التعليق الكبير، التعليق الصغير، المنقذ من التقليد المرشد إلى
التوحيد المسمى بالتعليق العراقي. المصادر في أصول الفقه التبيين والتنقيح في
التحسين والتقبيح، بداية الهداية. نقض الموجز للنجيب أبي المكارم.
وأضاف في الرياض: وله رسالة الجسد بعد الموت ثم رجوعها إما
للعذاب أو الثواب - نسبه إليه بعض أصحابنا في الرسالة الحشرية - ورسالة مشكاة
اليقين في أصول الدين، رأيتها في " بار فروش ده " لكن كتب على ظهرها أنه من
تأليفات جمال الدين علي بن محمود الحمصي، ولعله ولده.
انظر: أمل الآمل 2: 316، ورياض العلماء 5: 202، ومستدرك الوسائل 3: 477
الكنى والألقاب 2: 192.
368

سلار
الشيخ الجليل أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي المعروف بسلار قدس الله روحه
ذكره العلامة في الخلاصة فقال: شيخنا المقدم في الفقه والأدب وغيرهما، كان
ثقة وجها، وهو من علماء حلب، ومن تلامذة المفيد المرتضى ويروي عنه الشيخ
أبو علي الطبرسي.
له من المؤلفات: المقنع في المذهب، والتقريب في أصول الفقه، والمراسم في
الفقه، والرد على أبي الحسن البصري في نقض الشافي، والتذكرة في حقيقة الجوهر.
راجع: الخلاصة: 86، ورجال أبي داود: 104، رقم 711، والأمل 2: 124، رقم
350، 357 ورياض العلماء 2: 438 ومقابس الأنوار: 8 وأعيان الشيعة 7: 170.
والفائدة الثالثة من خاتمة مستدرك الوسائل 3: 496.
369

السيد الجزائري
السيد عبد الله بن السيد نور الدين علي بن السيد نعمة الله الجزائري الموسوي.
ولد في 17 شبان سنة 1114 ه‍ وكان من أجلاء الطائفة وعينها ووجهها وممن
اجتمع فيه جودة الفهم وحسن السليقة وكثرة الاطلاق كما يظهر من مؤلفاته كشرح
النخبة المحسنية المسماة بالتحفة السنية، والذخيرة الباقية، وشرح مفاتيح الأحكام،
والذخيرة الأحمدية، وأجوبة مسائل السيد علي النهاوندي، وذيل سلافة العصر،
والتذكرة.
مشايخه: ذكر في أحواله أسماء جملة من مشايخه وأفاضل عصره مثل المرحوم
السيد صدر الدين الرضوي القمي والسيد نصر الله الحائري والمولى أبي الحسن
العاملي.
وفاته: توفي سنة 1173 ه‍.
راجع: معارف الرجال 2: 8 بالرقم 198 والذريعة 2: 442 بالرقم 1606 - والكنى
والألقاب 2: 332 والمقابس: 17 والمستدرك 3: 403 والفوائد الرضوية: 256
وروضات الجنات 4: 257 بالرقم 392.
370

السيد العميدي
السيد عميد الدين عبد المطلب بن محمد بن علي الأعرجي الحسيني ابن أخت
العلامة الحلي المعروف بالسيد العميدي.
ولد في ليلة النصف من شعبان سنة 681 قرأ على خاله العلامة، وروى عنه روى
عن والده وعن جده السيد فخر الدين علي، وكان من مشايخ الشهيد الأول. ويروي
عنه جماعة: منهم السيد حسن بن أيوب الشهير بابن نجم. ومنهم ابن معية.
له من المؤلفات: كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد، والشرح على شرح
الياقوت لابن نوبخت في الكلام، وشرح على مبادئ الأصل لخاله العلامة، وكتاب
تبصرة الطالبين في شرح نهج المسترشدين.
توفي يوم الاثنين العاشر من شعبان سنة " 754 " ببغداد وحمل إلى المشهد الغروي
بعد أن صلي عليه بالحلة.
راجع البحار 1: 40 و 107: 194، 204، 109: 9 و 10 أمل الآمل 2: 64 ورياض
العلماء 3: 258 ولؤلؤة البحرين: 199، والمقابس: 13 وروضات الجنات 4: 264
وخامة المستدرك: 459، والكنى والألقاب 2: 487 والفوائد الرضوية: 257 وأعيان
الشيعة 8: 100 والحقائق الراهنة: 127.
371

السيد نعمة الله الجزائري
السيد نعمة الله بن عبد الله الحسيني الجزائري.
ولد بالصباغية - قرى من قرى الجزائر من أعمال البصرة - سنة 1050 ه‍
وفي الأمل: فاضل عالم محقق علامة جليل القدر مرس من المعاصرين تتلمذ
للشيخ حسين بن سبتي الحويزي والحكيم الصالح الشاه أبو الولي ابن الشاة تقي
الدين محمد الشيرازي، والفاضل الصدوق إبراهيم بن صدر الدين الشيرازي.
والمحدث الشيخ صالح بن عبد الكريم البحريني والميرزا رفيع الدين محمد النائيني.
والفقيه المحدث المولى محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري ولمولى محمد باقر
المجلسي واختص بالأخير.
مؤلفاته: عدله ست وعشرون كتابه. منها: شرح التهذيب، وشرح الاستبصار،
وشرح الصحيفة، وكتاب في الحديث اسمه الفوائد النعمانية، وغرائب الأخبار ونوادر
الآثار، والأنوار النعمانية، في معرفة النشأة الانسانية، وكتاب في الفقه اسمه هدية
المؤمنين وغير ذلك.
توفي سنة 1112 ه‍ ودفن في " جايدر " من أعمال الفيلية وله قبة هو مزور معمور.
راجع: أعيان الشيعة 10: 226 وأمل الآمل 2: 336 والذريعة 25: 314.
372

السيوري
الشيخ جمال الدين المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري
الحلي الأسدي.
و " سيور " قرية من توابع الحلة نواحيها.
كان رحمه الله عالما فاضلا متكلما محققا مدققا، روى عن الشهيد محمد بن مكي
العاملي.
له من الكتب والمؤلفات شرح نهج المسترشدين في أصول الدين وكنز العرفان
في فقه القرآن، والتنقيح الرائع في شرح مختصر الشرائع. وشرح الباب الحادي عشر،
وشرح الفصول للخواجة نصير الدين، ورسالة في وجوب مراعاة العدالة في من يأخذ
حجة النيابة. ورسالة أربعين حديثا، ورسالة في آداب الحج، وتجويد البراعة في
أصول البلاغة، وله فتاوى متفرقة.
توفي ضحى نهار الأحد السادس والعشرين من جمادى الآخرة سنة 826، ودفن
بمقابر النجف - كما في هامش الروضات 7: 157.
راجع: مقدمة كنز العرفان ومقدمة التنقيح الرائع ورياض العلماء 5: 216 والكنى
والألقاب 3: 10 والبحار 1: 41 وتنقيح المقال 3: 245 والمستدرك 3: 431 و 435
ومقابس الأنوار: 14 والذريعة 4: 463 وروضات الجنات 7: 171.
373

الشيخ محمد بن حسن
الشيخ محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني العاملي.
ولد قدس سره ضحى يوم الاثنين 10 شعبان سنة 980 ه‍
وكان اشتغاله أولا عند والده وصاحب المدارك، ولما انتقلا إلى رحمة الله، سافر إلى
مكة المشرفة، واجتمع فيها بالميرزا محمد الاسترآبادي صاحب كتاب الرجال، فقرأ
عليه الحديث ثم رجع إلى بلاده وبعد مدة قليلة سافر إلى العراق، وبي مدة في
كربلاء مشتغلا بالتدريس.
له كتب كثيرة منها: شرح الاستبصار، وحاشية على أصول معالم الدين لوالده.
وشرح اثني عشرية والده، وغير ذلك.
توفي بمكة المشرفة ليلة الاثنين 10 ذي القعدة سنة 1030 من الهجرة.
راجع: أمل الآمل 1: 138 ورياض العلماء 5: 58 وروضات الجنات 7: 39، رقم
597 ولؤلؤة صاحب الحدائق: 82 رقم 30 وأعيان الشيعة 9: 171 المستدرك 3:
386 - 390 - 410 - 412 - 321.
374

الشيخ ورام
الأمير الزاهد أبو الحسن ورام بن عيسى من أحفاد مالك الأشتر النخعي صاحب
أمير المؤمنين عليه السلام وجد السيد رضي الدين علي بن طاووس لأمه.
كان بالحلة، وقرأ على الإمام سديد الدين محمود الحمصي.
يروي عنه الشيخ منتجب الدين ومحمد بن جعفر المشهدي صاحب المزار الكبير
والسيد ابن طاووس والشهيد بواسطة محمد بن جعفر المشهدي.
له كتاب تنبيه الخاطر ونزهة الناظر المعروف بمجموعة ورام.
توفي سنة 605 هجرية.
راجع: بحار الأنوار 1: 117 و 105: 290 وروضات الجنات 8: 177 بالرقم 732
وجامع الرواة 2: 299 والمستدرك 3: 477 وتنقيح المقال 3: 278 بالرقم 12641
ولسان الميزان 6: 218 بالرقم 763
375

الصوري
الشيخ أب علي الحسن بن طاهر الصوري.
قال في الرياض: فاضل عالم فقيه، ذكره الشهيد رحمه الله في بحث قضاء الصلاة
الفائتة من شرح الإرشاد ونسب إليه القول بالتوسعة في القضاء بل نصل على استحباب
تقديم الحاضرة وقال: إنه قد رد على الشيخ أبو الحسن علي بن منصور بن تقي
الحلبي... فعلى هذا يكون إما معاصرا للشيخ أبي الحسن سبط أبي الصلاح الحلبي
المذكور أو متقد ما عليه.
راجع: رياض العلماء 1: 198 وأعيان الشيعة 5: 125.
376

الصيمري
الشيخ مفلح بن الحسن بن راشد - أو رشيد - بن صلاح الصيمري البحراني.
قال في الأمل: فاضل علامة فقيه، ووصفه الشيخ سليمان البحراني.
قال في الأمل: فاضل علامة فقيه. ووصفه الشيخ سليمان البحراني بالفقيه
العلامة.
من مؤلفاته: غاية المرام في شرح شرائع الاسلام، وشرح الموجز لابن فهد الحلي
وهو المسمى بكشف الالتباس في شرح موجز أبي العباس، ومختصر الصحاح
ومنتخب الخلاف أو تلخيص الخلاف، وله رسالة سماها جواهر الكلمات في العقود
والايقاعات، قال في الأمل وهي دالة على علمه وفضله واحتياطه.
وفي أعيان الشيعة 10: 133 توفي حدود سنة 900 ه‍ وقبره في سنهاباد من قرى
البحرين،
راجع: روضات الجنات 7: 168 وأنوار البدرين: 14 وتنقيح المقال: 3: 244
والمقابس: 14 ومقدمة تلخيص الخلاف 1: 2 - 13.
377

الطوسي
الشيخ نصير الدين عبد الله بن حمزة بن عبد الله بن جعفر بن حسن بن علي بن
النصير الطوسي
قال في الأمل: فاضل فقيه صالح له مؤلفات يرويها العلامة عن أبيه عن الحسين
بن رده عنه... وقال منتجب الدين: الشيخ الإمام نصير الدين أبو طالب عبد الله
الطوسي الشارحي المشهدي فقيه ثقة وجه.
روى عن الشيخ أبي الفتوح الرازي، وروي عنه: الشيخ قطب الدين الكيدري
وكما الدين بهاء الاسلام المنتهى بن السيد شهاب الدين محمد بن تاج الدين
الكبكي.
من مؤلفاته: كتاب الوافي بكلام المثبت والنافي، تاريخ كتابته 679 ه‍ في بعض
المواضع من نسخة: " كتاب الشافعي للمثبت والنافي " والواسطة بينهما. والظاهر أنه
متحد، وهو تحقيق في مسألة مشهورة من الحكمة... ومن مؤلفاته إيجاز المطالب في
ابراز المذاهب.
وفي الرياض: اعلم أن هذا الشيخ كثيرا ما يشتبه - لأجل الاشتراك في اللقب -
بخواجه نصير الدين الطوسي المشهور، وكذا يشتبه حاله بحال الشيخ نصير الدين
علي بن حمزة بن الحسن الطوسي.
راجع رياض العلماء 3: 214 - 216 والفهرست لمنتجب الدين: 86 ومستدرك
الوسائل 3: 472 وجامع الرواة 1: 527 (عبيد الله بن حمزة).
378

القطان
الشيخ شمس الدين محمد بن شجاع الأنصاري الحلي القطان.
وهو شيخ فاضل محقق وقد تكرر ذكره في الإجازات.
له كتاب معالم الدين في فقه آل ياسين، وفي رجال بحر العلوم (3: 280):
وجدت في ظهر نسخة لهذا الكتاب مقابلة من أوله إلى آخره مع النسخة التي قرأت
على مصنفه وفيه خطه طاب ثراه وهو محمد بن شجاع الأنصاري الحلي ويظهر من
تتبع الكتاب فضيلة المصنف، وهو على طريقة الفاضلين (العلامة والمحقق الحليين)
في أصول المسائل لكنه يغرب في التفاريع والذي أرى صحة النقل عنه.
ورد ذكره في مقابس الأنوار: 14 ومستدرك الوسائل 3: 431 ورياض العلماء 5:
108 وتنقيح المقال 3: 131 وأمل الآمل 2: 275 برقم 811 ورجال السيد بحر العلوم
3: 278.
379

القطب الراوندي
قطب الدين أبو الحسين سعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن
الراوندي.
قال في الأعيان: فاضل عالم متبحر فقيه محدث متكلم بصير بالأخبار، ويقال إنه
تلميذ تلامذة الشيخ المفيد، وأثنى عليه السيد رضي الدين علي بن طاوس في كشف
المحجة، ووصفه المجلسي في البحار بالإمام.
مشايخه: في الرياض: إن لو شيوخا عديدة تقرب من عشرين، منهم الشيخ أبو
علي الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان، ووالد الخواجة نصير الدين
الطوسي، والشيخ الإمام عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبري، والأديب أبو عبد
الله الحسين المؤدب القمي وأبو السعادات هبة الله بن علي الشجري... وغيرهم.
تلامذته: روى عنه جماعة كثيرة جدا كما يظهر من الإجازات وغيرها، وفي
الروضات: له تلاميذ فضلاء يروون عنه، منهم ابن شهرآشوب والشريف عز الدين
أبو الحارث محمد بن الحسن العلوي البغدادي، وأحمد بن علي بن عبد الجبار
الطبرسي القاضي - الذي يروي عنه العلامة - بواسطة الحسين بن رده - وغيرهم.
مؤلفاته: ذكر بعض من ترجم له مؤلفاته بما يقرب من ست وخمسين مؤلفا، منها
شرح آيات الأحكام المعروف بفقه القرآن، والناسخ والمنسوخ من الآيات في جميع
القرآن، وتهافت الفلاسفة، والنيات في جميع العبادات والخرائج والجرائح، وعيون
المعجزات ومسألة في من حضره الأداء وعليه القضاء.
380

وفاته: توفى ضحوة الأربعاء 14 شوال سنة 573 ه‍ ودفن في مقبرة السيدة
المعصومة بقم، وقبره الآن في الصحن الكبير لمرقد السيدة بقم، قبال باب القبلة. راجع: مقدمة منهاج البراعة: 50: 65.
ومعالم العلماء: 55، وأمل الآمل 2: 125 وأعيان الشيعة 7: 239 و 260 والكنى
والألقاب: 3: 72.
381

الكاظمي
الشيخ أبو عبد الله محمد جواد شمس الدين بن سعد الله بن العلامة الشيخ محمد
جواد بن الحاج علي الأسدي الكوفي الشاعر الكاظمي.
ولد في الكاظمية وارتحل إلى أصفهان واختص بالشيخ البهائي وصنف بأمره
كتاب غاية المأمول في شرح زبدة الأصول، وشرح رسالة خلاصة الحساب، ومسالك
الأفهام في شرح آيات الأحكام، وله شرح لكتاب الدروس والجعفرية.
وهو يروي عن أستاذه وشيخ قرائته الشيخ البهائي.
ويروي عنه جماعة منهم السيد الفاضل محمود بن فتح الله الكاظمي.
توفي في أواسط القرن الحادي عشر ودفن بأصفهان وقيل إنه نقل إلى الكاظمية.
راجع: روضات الجنات 2: 215 الرقم 178، والكنى الألقاب 3: 9.
382

المحقق الكاظمي.
المحقق الشيخ أسد الله بن إسماعيل الدزفولي الكاظمي.
لد سنة 1185 وكان من مشاهير العلماء المحققين ونابغة أهل عصره المجتهدين
فقيه الإمامية والمرجع العام للأحكام والفتيا بعد وفاة أستاذه وأبي زوجته الشيخ
جعفر كاشف الغطاء.
أساتذته: حضر على الوحيد البهبهاني وصاحب الرياض والميرزا مهدي الشهر
ستاني في كربلاء وعلى الشيخ جعفر كاشف الغطاء في النجف وأجازه جميع أساتذته
بإجازة اجتهاد ورواية.
تلامذته: تتلمذ له الأكابر كالشيخ موسى كاشف الغطاء أخيه الشيخ علي والسيد
عبد الله شبر وغيرهم.
مؤلفاته: مقابس الأنوار ونفائس الأسرار في أحكام النبي والمختار وعترته الأطهار
ومنهج التحقيق في التوسعة والتضييق، وكشف القناع في حجية الاجماع، واللؤلؤ
المسجور في لفظ الطهور، ومناهج الأعمال، ورسائل في: الأدعية، وتكليف الكفار
بالفروع، وفي قاعدة من ملك. وفي الظن الطريقي، وحاشية على بغية الطالب، ونظم
" زبدة الأصول " وحاشية على كتاب الروضة.
فاته: توفي سنة 1234 ه‍ وفن في النجف في مقبرته المجاورة لمقبرة أستاذه
كاشف الغطاء وأولاده وأحفاده اليوم في الكاظمية والنجف يعرفون ببيت أسد الله.
راجع: معارف الرجال 1: 93 - 94.
383

ولد المحقق الكركي
الشيخ عبد العالي بن الشيخ نور الدين علي بن عبد العالي العاملي الكركي.
ولد ليلة الجمعة 19 ذي القعدة سنة 936 ه‍.
كان فاضلا فقيها. محققا، محدثا، متكلما، عابدا، من المشايخ الأجلاء روي عن
أبيه وغيره من المعاصرين له. له رسالة لطيفة في القبلة عموما، وفي قبلة خراسان
خصوصا.
ذكره التفريشي في نقد الرجال: 188 - 189 وقال: جليل القدر عظيم المنزلة رفيع
الشأن، نقي الكلام، كثير الحفظ، كان من تلامذة أبيه، تشرفت بخدمته.
له من الكتب سوى ما ذكر: شرح الألفية. وشرح الإرشاد، وله مناظرات في الإمامة
وغيرها مع ال‍ " ميرزا مخدوم " صاحب نواقض الروافض.
توفي سنة 993 بأصفهان، ودفن في الزاوية المنسوبة إلى سيد الساجدين وبعد
ثلاثين سنة تقريبا نقل هو والشيخ الفقيه علي بن هلال الكركي إلى المشهد المقدس
الرضوي.
راجع: رياض العلماء 3: 131 ومستدرك الوسائل 3: 425 والكنى والألقاب 3:
162.
384

الواسطي
أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن علي الواسطي.
قال فيه السيد الأمين: نقلا عن الرياض: فاضل عالم فقيه معروف، وقال بعض
العلماء بعد نقل اسمه: إن له تصانيف، قد قرأ على الشيوخ المعتمدة ومات قبل سنة
420 وهو بعينه الحسين بن عبيد الله الواسطي الذي كان أستاذه القاضي أبي الفتح
الكراجكي وفي لسان الميزان (2: 298 الرقم 1232): من رؤوس الشيعة يشارك
المفيد في شيوخه ومات قبل العشرين وأربع مائة. يروي عن أبي محمد هارون بن
موسى.
مؤلفاته: النقض على من أظهر الخلاف لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ومؤلفات
أخرى كثيرة.
راجع: أعيان الشيعة 6: 88 ورياض العلماء 2: 136 ريحانة الأدب 6: 288.
385

والد الشيخ البهائي
الشيخ عز الدين الحسين بن عبد الصمد بن محمد الحارثي الهمداني العاملي
الجبعي.
ولد أول محرم سنة 918 - كما في هامش تنقيح المقال: 332 - كان عالما، ماهرا،
محققا، مدققا، متبحرا، جامعا، أديبا شاعرا، من فضلاء تلامذة الشهيد الثاني.
له من المؤلفات: كتاب الأربعين حديثا ورسالة في الرد على أهل الوسواس سماها
العقد الحسيني، وحاشية الإرشاد ورسالة الحلية، وما اتفق في سفره، وديوان شعر،
ورسالة سماها: تحفة أهل الايمان في قبلة عراق العجم وخراسان، وله رسائل أخر.
سافر إلى خراسان وأقام بهرات، وكان شيخ الاسلام بها ثم انتقل إلى البحرين
حيث أدركه المنون في سنة 984 وقيل 998 ه‍ ودفن هناك ورثاه ولده الشيخ البهائي
بقوله:
أقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت ثلاثة كن أمثالا وأشباها
راجع تنقيح المقال: 1: 332، ومقدمة نور الحقيقة ونور الحديقة.
386