الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٤٣
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تصحيح وتحقيق وتعليق : رضا الأستادي / تصحيح : السيد إبراهيم الميانجي
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٣٦٧ ش
المطبعة: گيتي
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: طبعة أفست عن الطبعة السادسة ١٤٠٤

جواهر الكلام
في شرح شرايع الاسلام
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266 من الهجرة
تصحيح وتحقيق وتعليق
رضا الاستادي
عنى بتصحيحه: العالم الفاضل السيد إبراهيم الميانجي
بنفقة
الطبعة السادسة المكتبة الاسلامية
الجزء الثاني والأربعون
حاج سيد محمدكتابچى
تهران، خيابان پامنار - أول كوچه حاجيها، تلفن 395205
جميع حقوق الطبع محفوظة للناشر
الاسلامية - 1404 هجري
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب الديات)
جمع دية بالكسر وبتخفيف الياء، بل التشديد لحن، والهاء فيها عوض
عن فاء الكلمة إذ الأصل ودية كوعدة، لأنها مأخوذة من الودي وهو دفع الدية،
يقال: (وديت القتيل أديه دية) وقد تسمى لغة عقلا لمنعها من الجرأة على الدم،
فإن من معاني العقل المنع، وربما تسمى دما تسمية للمسبب باسم سببه،
والمراد بها هنا المال الواجب بالجناية على الحر في النفس أو ما دونها سواء كان له مقدر
أولا وإن كان ربما اختصت بالأول والثاني بالأرش والحكومة (1) فهي حينئذ
تسمية بالمصدر.
والأصل في مشروعيتها الكتاب العزيز (2) والاجماع والسنة القطعية.
(و) كيف كان ف‍ (- النظر) في هذا الكتاب يتم (في أمور أربعة).

(1) الحكومة تستعمل في قبال المقدر.
(2) سورة النساء 4 - الآية 92.
2

(الأول)
(في أقسام القتل ومقادير الديات)
فنقول: (القتل) إما (عمد وقد سلف مثاله) في أول كتاب القصاص،
بل تقدم هناك أيضا ما يستفاد منه غيره (و) إما (شبيه العمد، مثل أن يضرب
للتأديب فيموت و) إما (خطأ محض، مثل أن يرمي طائرا فيصيب إنسانا)
أولم يقصد الفعل أصلا، كمن تزلق رجله فيقع على غيره فيقتله، أو ينقلب في
النوم على غيره كذلك.
(و) حينئذ ف‍ (- ضابط العمد أن يكون عامدا في فعله وقصده) بمعنى
أن يقصد الفعل والقتل، أو يقصد الفعل الذي يقتل مثله غالبا وإن لم يقصد القتل،
كما مر تحقيقه في كتاب القصاص مع زيادة قيد العدوان فيما ترتب عليه منه،
ضرورة عدم وجوب القصاص بالضابط المزبور الشامل للقتل بحق وغيره مما لا
قصاص فيه.
(و) ضابط (شبيه العمد أن يكون عامدا في فعله) وهو الضرب
للتأديب أو المزح أو نحوهما مما لم يرد به القتل، ومنه علاج الطبيب فيتفق
الموت به، بل ومنه الضرب بما لا يقتل غالبا بقصد العدوان فيتفق الموت به، على
الكلام السابق في القصاص فيه وفيما لو قصد القتل بما لا يقتل غالبا، والغرض هنا
بيان كون المراد بشبيه العمد أن يكون عامدا في فعله (مخطئا في قصده) الذي
هو القتل بمعنى عدم قصده القتل.
(و) أما ضابط (الخطأ المحض) المعبر عنه في النصوص بالخطأ الذي
3

لا شبهة فيه هو (أن يكون مخطئا فيهما) أي الفعل والقصد، كالمثال الذي
سمعته الذي لم يقصد به رمي الانسان ولا قتله، سواء كان بما يقتل غالبا أو لا.
ويلحق به تعمد الطفل والمجنون شرعا كما يلحق بشبه العمد قصد الفعل
والقتل لمن ظنه مستحقا لذلك بكفر أو قصاص فبان خلافه، بل ومن ظنه
صيدا مباحا فبان إنسانا، وربما يتكلف لادراجهما بأنه قصد الفعل وأخطأ في
قصد القتل المخصوص.
وعلى كل حال فلا خلاف عندنا في أن الأقسام ثلاثة، لكل منها حكم
يخصه خلافا لمالك فجعلها قسمين بإدراج شبيه العمد في العمد، وأوجب به القود،
وهو وإن كان يوهمه بعض نصوصنا المحتمل كونها تقية منه، لكن الاجماع والسنة
بل والكتاب على خلافه، ضرورة عدم صدق القتل المؤمن متعمدا عليه كما هو
واضح.
وقد تقدم في أول القصاص جملة من النصوص المشتملة على تقسيم القتل
والجمع بينها جميعا يقتضي التثليث الذي ذكره الأصحاب فلاحظ وتأمل.
(وكذا) الكلام في (الجناية على الأطراف) فإنها (تنقسم) أيضا
(هذه الأقسام) الثلاثة بلا خلاف أجده بيننا، بل الاجماع محصل عليه، بل
يمكن استفادته من النصوص أيضا.
هذا كله في أقسام القتل (و) أما مقادير الديات، فمقدار (دية العمد مائة
بعير من مسان الإبل أو مأتا بقرة أو مأتا حلة كل حلة ثوبان من برود اليمن
أو ألف دينار أو ألف شاة أو عشرة آلاف درهم) بلا خلاف أجده في شئ من الستة
المزبورة، كما عن بعض الاعتراف به، بل عن الغنية الاجماع عليه أيضا وعلى التخيير
بينها، بل يمكن استفادتها من النصوص كما ستعرفه في أثناء البحث إن شاء الله.
إنما الكلام في كل واحد واحد منها، أما الأول فقد سمعت ما في المتن
الذي هو معنى ما في القواعد مائة من مسان الإبل، بل في الغنية وظاهر المبسوط
والسرائر والمفاتيح وكشف اللثام الاجماع عليه على ما حكي عن بعضها.
4

والمراد بالمسان الكبار كما في القاموس، وعن الأزهري والزمخشري " إذا
أثنت فقد أسنت "، قالا: " أول الأسنان الأثناء وهو أن تنبت ثنيتاها وأقصاه
في الإبل البزول، وفي البقر والغنم الصلوغ " وعن المغرب: " الثني من الإبل
الذي أثنى أي نبتت ثنيته (1) وهو ما استكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة "
وعن حواشي الشهيد: " المسنة من الثنية إلى بازل عامها " وفي النبوي المروي
عن زكاة المبسوط: " المسنة هي الثنية فصاعدا " (2) وعن المهذب البارع وغيره:
" المسان جمع مسنة وهي من الإبل ما دخل في السادسة وتسمى الثنية أيضا،
فإن دخلت في السابعة فهي الرباع والرباعية، فإن دخلت في الثامنة فهي
السديس بكسر الدال، فإن دخلت في التاسعة فهي بازل (3) أي طلع نابه،
فإن دخلت في العاشرة فهي بازل عام ثم بازل عامين " (4) إلى غير ذلك من كلماتهم
المتفقة على ما ذكرنا.
فمن الغريب ما تسمعه في خبر الحكم بن عتيبة (5).
وكيف كان فعن الجامع مائة من فحولة مسان الإبل وكأن وجهه ما
في خبر معاوية بن وهب (6) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دية العمد، فقال: مائة
من فحولة الإبل المسان، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة
الغنم ".

(1) كذا في الأصل، ولكن في " المغرب في ترتيب المعرب " هكذا: " أثنى أي
ألقى ثنيته... " فراجع.
(2) المبسوط ج 1 ص 198.
(3) بازغ (ن ل).
(4) مفتاح الكرامة ج 10 ص 353.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس، الحديث 8.
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس، الحديث 2.
5

ونحوه مضمر أبي بصير. (1) وخبر الحكم بن عتيبة (2) عن أبي جعفر
عليه السلام " قلت له: فما أسنان المائة بعير؟ فقال: ما حال عليه الحول، ذكران
كلها ".
بل وظاهر خبر زيد الشحام (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في العبد يقتل
حرا عمدا قال: مائة من الإبل
المسان، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل
عشرون من فحولة الغنم ".
فإن الجمل اسم للفحل.
إلا أن الأكثر كما في الرياض الاطلاق، بل لم أجد من حكى عنه اعتبار
الفحولة غيره، إذ المصنف وإن عبر بالبعير إلا أنه - كما في الصحاح - من الإبل
بمنزلة الانسان من الناس، يقال للجمل بعير وللناقة بعير. ومن هنا يشكل تقييد
إطلاق غيرها من النصوص (4) بها، وإن كان فيها الصحيح والموثق وغيرهما،
خصوصا بعد ما قيل من موافقتها للعامة - ولذا حكى عن الشيخ حملها على
التقية - واشتمالها على ما لا يقول به من الترتيب، وكون الأخير منها في العبد،
واشتمال سابقه على حول الحول في أسنان المائة بعير الذي لا يكون به البعير
مسنا، وغير ذلك. ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.
كما أنه لا ينبغي تركه في اعتبار المسنة في البقر خروجا عن خلاف محكي
النهاية والمهذب والجامع وإن لم أجد ما يشهد له فضلا عن كونه صالحا لتقييد
إطلاق غيره الشامل للفحل وغيره من النصوص، ومعقد المحكي من إجماع الغنية
وظاهر المبسوط والسرائر والتحرير وغيرها، ولذا لم أجد من اعتبر الفحولة هنا

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 8 وله صدر.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 5.
(4) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس.
6

ولا الأنوثة. إذ التاء في البقرة للوحدة الجنسية لا التأنيث كتمر وتمرة كما هو
واضح.
وأما الثالث أي مأتا حلة فلا أجد فيه خلافا معتدا به، بل عن بعض
الأصحاب نفيه عنه، بل عن الغنية وظاهر المبسوط والسرائر والتحرير وغيرها
الاجماع عليه، إلا أني لم أجد في النصوص ما يدل عليه سوى صحيح
عبد الرحمان (1) " سمعت ابن أبي ليلى يقول: كانت الدية في الجاهلية مائة من
الإبل، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم إنه فرض على أهل البقرة مأتي بقرة وعلى
أهل الشياة ألف شاة ثنية، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة
آلاف درهم، وعلى أهل (2) الحلل مأتا حلة، قال العجلي (3): فسألت
أبا عبد الله عليه السلام عما روى ابن أبي ليلي، فقال: كان علي عليه السلام يقول: الدية ألف
دينار، وقيمة الدينار عشرة دراهم، وعشرة آلاف لأهل الأمصار، وعلى أهل البوادي الدية مائة من الإبل، ولأهل السواد مأتا بقرة أو ألف شاة ".
إلا أنه مع كون الراوي ابن أبي ليلي المعلوم حاله، وترك الصادق عليه السلام
ذكر الحلل لما سأله عما رواه الموجود فيه - على ما عن الكافي والفقيه
والاستبصار (4) - مائة حلة، ومن هنا يحكى عن الصدوق في المقنع (5)
الفتوى بها، وإن كان هو شاذا لم نعرف من وافقه عليه، مضافا إلى ضعف مستنده،
نعم عن التهذيب (6) روايتها مأتا حلة، ولا بأس بالعمل بها بعد الانجبار بما

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
(2) كذا في الفقيه ولكن في الكافي والتهذيب والاستبصار والوسائل هكذا: " وعلى
أهل اليمن الحلل ".
(3) البجلي (خ ل).
(4) الفقيه ج 4 ص 107 والكافي ج 7 ص 280 والاستبصار ج 4 ص 259.
(5) المقنع ص 182.
(6) التهذيب ج 10 ص 160.
7

عرفت وإن كان الراوي من عرفت. وخلو كلام الصادق عليه السلام عن ذلك لا يدل
على كذبه.
وأما ما في صحيح جميل بن دراج (1) " في الدية قال: ألف دينار، أو
عشرة آلاف درهم، ويؤخذ من أصحاب الحلل الحلل، ومن أصحاب الإبل الإبل،
ومن أصحاب الغنم الغنم، ومن أصحاب البقر البقر ".
فليس فيه سوى الدلالة على ثبوت أصل الحلة دون عددها، مع أن عن
بعض نسخ التهذيب (2) " الخيل " بدل " الحلل " وإن كانت نسخة الكافي (3)
أرجح سيما بعد ما في نسخة أخرى للتهذيب الموافقة لها. فحينئذ تحمل على إرادة
المأتين بقرينة ما عرفت، والمناسبة في القيمة لغيرها.
بل قد يشعر صحيح ابن عتيبة (4) عن الباقر عليه السلام في حديث. بكون مدار
الدية في كل أرض على ما يوجد فيها غالبا " قال: قلت له: إن الديات إنما
كانت تؤخذ قبل اليوم من الإبل والبقر والغنم، قال: فقال: إنما كان ذلك في
البوادي قبل الاسلام فلما ظهر الاسلام وكثرت الورق في الناس قسمها أمير المؤمنين
عليه السلام على الورق، قال: قلت: أرأيت من كان اليوم من أهل البوادي ما الذي
يؤخذ منهم في الدية اليوم؟ إبل أو ورق؟ فقال: الإبل اليوم مثل الورق، بل هي
أفضل من الورق في الدية " الحديث.
وفي صحيح عبد الله بن سنان (5) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من قتل

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 4.
(2) التهذيب ج 10 ص 159، وفيه " الحلل " وعندنا نسخة مخطوطة مصححة
منه وفيه لفظة " الخيل " بعنوان (خ ل).
(3) الكافي ج 7 ص 281.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 8.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 9.
8

مؤمنا متعمدا قيد منه (1) إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن
رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية اثنا عشر ألفا، أو ألف دينار، أو مائة
من الإبل وإن كان في أرض فيها الدنانير ففيها ألف دينار، وإن كان في أرض فيها
الإبل فمائة من الإبل، وإن كان في أرض فيها الدراهم فدراهم بحساب اثني عشر
ألفا).
وعلى كل حال فالحكم مفروغ منه، كالمفروغية عن كون كل حلة
ثوبين، على ما نص عليه أكثر الأصحاب وأهل اللغة، بل في المتن كالقواعد
وغيرها من برود اليمن، نعم في محكي السرائر: " أو نجران ".
قال أبو عبيد كما في الصحاح وغيره: " الحلل برود اليمن، والحلة إزار
ورداء لا تسمى حلة حتى يكون ثوبين " وعن النهاية الأثيرية " الحلة واحدة
الحلل، وهي برود اليمن، ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد "
وعن المصباح المنير " الحلة بالضم لا تكون إلا ثوبين من جنس واحد ".
ولكن عن العين " الحلة إزار ورداء بردا أو غيره لا يقال لها حلة حتى
تكون ثوبين " وعن القاموس " لا تكون حلة إلا أن تكون ثوبين أو ثوب له
بطانة ".
بل عن الأزهري في التهذيب: " قال شمر: وقال خالد بن جنبة: الحلة
رداء وقميص تمامها العمامة، قال: ولا يزال الثوب الجيد يقال له في الثياب حلة،
فإذا وقع على الانسان ذهبت حلته حتى يجمعن له إما اثنان وإما ثلاثة،
وأنكر أن تكون الحلة إزار ورداء وحدة، قال: والحلل الوشي والحبرة والخز
والقز والقوهي والمردي والحرير، قال: وسمعت اليمامي يقول: الحلة كل
ثوب جيد جديد تلبسه غليظ أو رقيق، ولا يكون إلا ذا ثوبين، وقال ابن شميل:
الحلة القميص والأزار والرداء لا أقل من هذه الثلاثة، وقال شمر: الحلة عند
الأعراب ثلاثة أثواب، قال: وقال ابن الأعرابي: يقال للإزار والرداء حلة

(1) في الأصل: " أقيد به ".
9

ولكل واحد منهما على انفراده حلة، قلت: وأما أبو عبيد فإنه جعل الحلة
ثوبين، وروى شمر عن القعنبي عن هشام بن سعد، عن حاتم بن أبي نضرة، عن عبادة
ابن نسئ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الكفن الحلة وخير الضحية
الكبش الأقرن، وقال أبو عبيد: الحلل برود اليمن من مواضع مختلفة منها، قال:
والحلة إزار ورداء، ولا تسمى حلة حتى تكون ثوبين، قال: ومما يبين ذلك
حديث عمر، إنه رأى رجلا عليه حلة قد ائتزر بإحداهما وارتدى بالأخرى فهذان
ثوبان، وبعث عمر إلى معاذ بن عفراء بحلة فباعها واشتري بها أرؤس من الرقيق
فأعتقهم، ثم قال: إن رجلا آثر قشرتين يلبسهما على عتق هؤلاء لغبين الرأي،
أراد بالقشرتين الثوبين، قلت: والصحيح في تفسير الحلة ما قال أبو عبيد لأن أحاديث
السلف تدل على ما قال " (1).
مضافا إلى شهادة ما سمعته من الأصحاب له، بل ينبغي الاقتصار فيها على
برود اليمن، لأنه المتيقن، ونص عليه الفاضلان والشهيدان وأبو العباس وغيرهم،
على ما حكى عن بعضهم، وإن كان بعض كلمات أهل اللغة تقتضي الأعم من ذلك،
وأما إلحاق خصوص نجران باليمن، فلم أجد له شاهدا، نعم الظاهر اعتبار ما يسمى
ثوبا عرفا لا مجرد ما يستر العورة.
وأما الرابع فلا أجد فيه خلافا بل عن الغنية وظاهر المبسوط والسرائر
والتحرير وغيرها الاجماع عليه، والنصوص (2) مستفيضة فيه حد الاستفاضة
وهو معروف.
ولكن في الرياض: " أي مثقال من الذهب خالص كما في صريح الخبر "
أي موثق أبي بصير (3) قال: " دية المسلم عشرة آلاف درهم من الفضة، أو ألف

(1) تهذيب اللغة للأزهري ج 3 ص 441 - 442، وكانت عبارة الأصل كعبارة كشف
اللثام - المنقولة عنه ظاهرا - مغلوطة وصححناها على طبق المصدر.
(2) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 2 وله ذيل.
10

مثقال من الذهب، أو ألف شاة على أسنانها ".
وفيه أن الظاهر إرادته الإشارة إلى ما في غيره من النصوص (1) من
الدينار المعروف ووزنه أنه مثقال، لا أن المراد كفاية ألف مثقال وإن لم تكن
مسكوكة، إلا بناء على إجزاء ذلك عنها.
وكذا الكلام في الدراهم التي لا خلاف أجده في عددها للمعتبرة المستفيضة (2)
نعم في خبري عبد الله بن سنان (3) وعبيد بن زرارة (4) " أنها اثنا عشر ألف
درهم " إلا أني لم أجد عاملا بهما وعن الغنية وظاهر المبسوط والسرائر ولتحرير
وغيرها الاجماع على خلافه، فينبغي حملهما على التقية، أو على ما ذكره
الشيخ (5) عن الحسين بن سعيد وأحمد بن محمد بن عيسى " أنه روى أصحابنا،
أن ذلك من وزن ستة " قال: وإذا كان كذلك فهن يرجع إلى عشرة آلاف.
وأما الألف شاة فلا خلاف أجده في عددها أيضا نصا وفتوى، بل عن
الغنية وظاهر الكتب السالفة الاجماع عليه كما لا خلاف أجده في أجزاء مسماها
من غير فرق بين الذكر والأنثى. نعم قد سمعت ما في النصوص السابقة من أن
مكان كل جمل عشرين من فحولة الغنم، إلا أني لم أجد عاملا به بل عن الغنية
الاجماع على خلافه، فالمتجه حمله على التقية.
وعن الشيخ حمله على أحد وجهين: الأول: أن الإبل تلزم أهل الإبل
فمن امتنع من بذلها ألزمه الولي قيمتها وقد كانت قيمة كل جمل عشرين من
فحولة الغنم، كما قال الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (6) " ومن الغنم قيمة

(1) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس.
(2) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 9 و 10.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 9 و 10.
(5) ذكره في التهذيب ج 10 ص 162.
(6) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 3.
11

كل ناب من الإبل عشرون شاة. والثاني: اختصاص ذلك بالعبد إذا قتل حرا
كما في خبر زيد الشحام (1) عن الصادق عليه السلام.
والأول لا يرجع إلى قول، والثاني يمكن أن يكون ذكره جمعا وإلا
فلا فرق في دية العمد بين كون القاتل حرا أو عبدا كما هو واضح.
وبذلك كله ظهر لك الدليل على الستة أجمع من النصوص والفتاوى
ومعقد الاجماعات وإن لم تكن مجموعة جميعها في خبر واحد، بل ليس في شئ
منها التعرض لعدد الحلل إلا ما سمعته من صحيح عبد الرحمان (2) عن ابن
أبي ليلى. ولكن ضم بعضها إلى بعض بعد حمل " الواو " في بعضها على " أو " بقرينة
غيره من الأخبار ومعاقد الاجماعات يقتضي ما ذكره الأصحاب.
فوسوسة بعض متأخري المتأخرين في ذلك في غير محلها، وكأنه لم يحط
بالنصوص وكلمات الأصحاب الظاهرة أيضا في أنها على التخيير الموافق للأصل - لا التنويع -
كما هو المعروف بين الأصحاب، بل المجمع عليه من المتأخرين، بل عن صريح
الغنية وظاهر السرائر والمفاتيح الاجماع على ذلك، فليس حينئذ للولي الامتناع
من قبول أحدها مع بذله، وإن لم يكن الباذل من أهل المبذول.
نعم عن ظاهر المقنع والمقنعة والنهاية والخلاف والمبسوط والمراسم
والوسيلة والقاضي أنها على التنويع، بل في كشف اللثام نسبته إلى عبارات كثير من
الأصحاب، لما في عدة من الأخبار (3) من أن الإبل على أهلها والبقر على
أهلها وهكذا، ولكن بقرينة غيرها من النصوص (4) والفتاوى يمكن حملها على
إرادة التسهيل على القاتل، كما أومى إليه ما سمعته من قول الباقر عليه السلام في
صحيح ابن عتيبة (5)، وحينئذ تتفق النصوص جميعا، بل عدم تحرير هذا الخلاف

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
(3) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس.
(4) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 8.
12

ممن عادته ذلك، كابن إدريس والفاضل في المختلف وغيره يشعر بعدم فهم الخلاف
منهم في ذلك، والأمر سهل إذ على تقديره واضح الضعف.
(و) على كل حال فهي (تستأدى في سنة واحدة) عندنا كما في كشف
اللثام ومحكي المبسوط وصحيح أبي ولاد (1) وحسنه (2)، بل عن غير واحد
نفي الخلاف فيه، بل عن الغنية الاجماع عليه، وهو كذلك على معنى عدم التأجيل
زائدا على السنة كما تسمعه في غيرها، خلافا لأبي حنيفة فأجلها ثلاث سنين،
بل لعله كذلك أيضا على معنى عدم وجوب المبادرة عليه إلى أدائها قبل تمام
السنة، وإن حكى عن الشيخ في الخلاف حلولها مدعيا عليه إجماع الفرقة
وأخبارها، إلا أنا لم نجد من وافقه عليه ولا خبرا صريحا يقتضيه، بل ظاهر
الصحيح المزبور ومعقد صريح الاجماع وظاهره ونفي الخلاف، خلافه، وبه يخرج
عما يقتضي الحلول من إطلاق النصوص، نعم لا يجوز له تأخيرها عنها إلا مع
التراضي بعقد صلح أو غيره.
ومبدء السنة مع إطلاق ثبوتها من حين التراضي لا من حين الجناية، وإن
قيل إنه مقتضي قول أبي على بالتخيير، لكنك عرفت ضعفه في محله.
وكيف كان فهي حيث تجب ابتداء كما في قتل الوالد الولد ونحوه (من
مال الجاني) لا العاقلة ولا بيت المال (مع التراضي بالدية) على الاطلاق
بلا خلاف، كما عن الخلاف والغنية الاعتراف به، بل ظاهرها كونه بين المسلمين
كما أن ظاهر المحكي عن المبسوط الاجماع عليه عندنا، مؤيدا بشهادة التتبع
له، مضافا إلى ما في الخبرين (3) " لا يضمن العاقلة عمدا ولا إقرارا ولا صلحا "
وفي المضمر (4) " فإن لم يكن له مال يؤدى سأل المسلمين حتى يؤدي ديته

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات النفس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات النفس الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب العاقلة الحديث 1 و 2.
(4) الوسائل الباب - 10 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 5.
13

على أهله " على أن ضمان العاقلة على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن الذي
هو الخطأ المحض.
وقيد التراضي في العبارة وغيرها محمول على صورة الاطلاق وإلا ففي غيرها
على حسب ما يقع من الصلح مقدارا وأجلا ومستحقا عليه وغير ذلك مما هو جائز
بعد التراضي عليه منهما، كما أنه في صورة وجوبها ابتداءا في قتل الوالد الولد
والعاقل المجنون وفوات المحل لا اعتبار بالتراضي، وبذلك ونحوه صح تقديرها
بما عرفت، وإن كان المختار أن الواجب في العمد القصاص كما هو واضح، والله
العالم.
(وهي) أي دية العمد (مغلظة) بالنسبة إلى دية شبه العمد والخطأ،
وإن اتحدت معها في مقدار السنة (في السن) في الإبل (والاستيفاء) إذ
قد عرفت اعتبار كونها مسانا فيها وتستأدى في سنة واحدة دونهما كما ستعرف
(وله أن يبذل من إبل البلد أو من غيرها وأن يعطي من إبله أو إبل أدون أو
أعلى إذا لم تكن مراضا) لا تندرج في إطلاق الأدلة (وكانت بالصفة المشترطة)
التي هي كونها مسنة بلا خلاف أجده إلا ما يحكى عن المبسوط من عدم إجزاء
ما يشتريها إن كانت دون إبله، قال: " وهكذا لو طلب الولي غير إبله وهي أعلى
من إبله لم يكن له " ولم أجد من وافقه عليه، بل ولا ما يصلح دليلا له يخرج به
عن الأصل، واطلاق الأدلة ومعاقد الاجماعات الصريحة والظاهرة التي مقتضاها
الاجتزاء بأي فرد منها كغيرها من أفراد الخمسة. وما في الوسيلة " من اعتبار
كونها سمانا جاعلا له من التغليظ فيها " لا أعرف له دليلا.
(وهل) يتعين على الولي أن (يقبل القيمة السوقية) عن الأصناف
لو بذلها الجاني (مع وجود الإبل) مثلا (فيه تردد) من أنها واجبة
أصالة فلا ينتقل إلى القيمة إلا بالتراضي، ومن قيام القيمة مقامها، (والأشبه)
بأصول المذهب وقواعده أنه (لا) يتعين عليه القبول كما صرح به الفاضل
وولده وثاني الشهيدين وأبو العباس وغيرهم على ما حكى عن بعضهم للأصل بعد
14

ظهور الأدلة في وجوب أعيانها، كما لا يجب على الجاني ذلك لو اقترحها الولي.
نعم ربما احتمل وجوب القبول مع فقد القاتل لها لما عرفت مع أصالة
البراءة، وهو أيضا ضعيف، ضرورة الانتقال حينئذ إلى غيرها من أفراد الميسورة له.
فما عن المبسوط - من أن " الذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا كان من أهل الإبل
وبذل القيمة قيمة مثله كان له ذلك، وإن قلنا ليس له ذلك كان أحوط. فأما إن
كان من أهلها فطلب الولي القيمة لم يكن له ذلك " - واضح الضعف بعد ما عرفت
من أن مقتضي المذهب وجوبها أجمع على التخيير، من غير فرق بين أهل الإبل
وغيرهم، وعلى تقديره فلا دليل على إجزاء القيمة حتى مع التعذر، والله العالم.
(و) كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا من النصوص والفتاوى ومعاقد
الاجماعات الصريحة والظاهرة على التخيير المزبور أن (هذه الستة) مقادير
(أصول في نفسها وليس) بعضها بدلا عن آخر فلا يعتبر التساوي في القيمة ولا
التراضي ولا (بعضها مشروطا بعدم بعض و) حينئذ ف‍ (- الجاني مخير في بذل
أيها شاء) كما صرح بذلك كله غير واحد، بل في ظاهر كشف اللثام ومحكي
المبسوط الاجماع عليه.
نعم قد سمعت ما في خبري معاوية بن وهب (1)، والشحام (2) وغيرهما
من أنه " إن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم " بل في خبر أبي بصير (3) " دية الرجل مائة من الإبل، فإن لم يكن فمن البقر بقيمة ذلك
وإن لم يكن فألف كبش " إلا أن ذلك مع احتماله التقية ورجحان غيره عليه
من وجوه، ليس نصا في البدلية، لاحتمال أن يراد فإن لم تؤد الإبل فكذا،
كما أنك سمعت الكلام فيها في النصوص الأخر (4) من أن " الإبل على أهلها

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 2 و 5.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 2 و 5.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 12.
(4) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس.
15

والبقر على أهلها وهكذا " الذي عبر به واحد من قدماء الأصحاب وأن المراد
منه التسهيل على القاتل لئلا يكلف تحصيل غيره.
وأما ما في صحيح ابن سنان (1) عن الصادق عليه السلام من قوله عليه السلام:
" قيمة كل بعير مائة وعشرون درهما أو عشرة دنانير، ومن الغنم قيمة كل ناب
من الإبل عشرون شاة " وصحيح ابن الحجاج (2) من قول أمير المؤمنين عليه السلام:
" وقيمة الدنانير عشرة آلاف درهم " فهو بيان للواقع في تلك الأزمان، أو إشارة
إلى الحكمة في شروع التقادير أول مرة.
ولكن عن القاضي: " فدية العمد المحض إذا كان القاتل من أصحاب الذهب ألف
دينار جياد، وإن كان من أصحاب الفضة فعشرة آلاف درهم جياد، وإن كان من
أصحاب الإبل فمائة مسنة، قيمة كل واحد منها عشرة دنانير، أو مأتا مسنة من
البقر إن كان من أصحاب البقر، قيمة كل واحدة منها خمسة دنانير، أو ألف شاة
إن كان من أصحاب الغنم، قيمة كل واحدة منها دينار واحد، أو مأتا حلة إن كان
من أصحاب الحلل، قيمة كل حلة خمسة دنانير " وظاهره اعتبار التساوي في القيم،
إلا أن النصوص عدا ما سمعت والفتاوى ومعقد الاجماع المحكي صريحه وظاهره
على خلافه، بل إن كان الضابط اعتبار القيمة فلا مشاحة في العدد مع حفظ قدر
القيمة وهي عشرة آلاف درهم أو ألف دينار، ضرورة كون المدار عليها لا عليه،
وهو مما يمكن القطع بعدمه. ومن هنا يتجه حمله على إرادة بيان الحكمة في
شرعها ابتداءا وإلا كان واضح الفساد.
بل الظاهر عدم إجزاء التلفيق منها كما عن جماعة التصريح به ضرورة
خروج الملفق عن اسم كل واحد منها، لكن في القواعد الاشكال فيه، مما
عرفت، ومن ثبوت الاختيار في كل جزء فيثبت في الكل، إذ لا فارق بن افتراقها

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
16

واجتماعها، ولكن الأخير كما ترى واضح المنع، لظهور كون التخيير بين المجموع
كخصال الكفارة لا الملفق من الستة فما دون، والله العالم.
هذا كله في دية العمد بغير الصلح الذي هو على حسب ما يقع عليه.
(و) أما (دية شبيه العمد) فهي أيضا الأصناف الستة، كدية الخطأ كما صرح
به غير واحد من غير نقل خلاف فيه، بل قيل قد يظهر من السرائر الاجماع،
ولعله لفحوى الاجتزاء بها في العمد، إذ لا ريب في أولوية غيره منه بالاجتزاء
بذلك، ولكون موضوع التخيير في جملة من النصوص الدية من غير تقييد بأحد
الثلاثة.
قال الصادق عليه السلام في خبر زرارة (1): " الدية ألف دينار، أو اثنا عشر
ألف درهم، أو مائة من الإبل ".
وفي مرسل يونس: (2) " قالوا الدية عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار،
أو مائة من الإبل ". وقد سمعت ما في صحيح عبد الرحمان (3) المشتمل على قضية ابن أبي ليلى
وصحيح جميل (4) وغيرهما.
وفي خبر أبي بصير (5) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: " دية الخطأ إذا لم يرد
الرجل القتل، مائة من الإبل أو عشرة آلاف من الورق، أو ألف من الشياة " وقال:
" دية المغلظة التي تشبه العمد وليس بعمد أفضل من دية الخطأ بأسنان الإبل " (ثلاث
وثلاثون حقة) وثلاث وثلاثون جذعة (وأربع وثلاثون ثنية) كلها (طروقة

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 10، وفيه وفي
التهذيب ج 10 ص 160 عبيد الله بن زرارة عن أبي عبد الله...
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 7.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 4.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 4.
17

الفحل) (1).
قال: وسألته (2) عن الدية، فقال: " دية المسلم عشرة آلاف من الفضة أو ألف
مثقال من الذهب أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثا ومن الإبل مائة على أسنانها،
ومن بقر مائتان ".
وهو ظاهر في الاتحاد في مقدار الدية وأن الاختلاف إنما هو في مقادير
الأسنان في الإبل، وبالجملة فالأمر مفروغ منه.
وأما قول أحدهما عليهما السلام في صحيح محمد وزرارة وغيرهما (3) في الدية،
قال: " هي مائة من الإبل وليس فيها دنانير ولا دراهم ولا غير ذلك، قال ابن
أبي عمير: فقلت لجميل: هل للإبل أسنان معروفة؟ فقال: نعم ثلاث وثلاثون
حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها، كلها خلفة
إلى بازل عامها، قال: روى ذلك بعض أصحابنا عنهما، وزاد علي بن حديد في
حديثه: إن ذلك في الخطأ " فالمراد منه عدم زيادة دراهم أو دنانير على الإبل، لأن
الدية لا تكون دراهم ولا دنانير.
وعلى كل حال فقد عرفت أن الإبل في دية العمد المسان، وأما فيها ففي
القواعد والتبصرة واللمعة والنافع والروضة " أنها ثلاث وثلاثون بنت لبون، وثلاث
وثلاثون حقة، وأربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل ". بل ربما نسب إلى النهاية
وإن كنا لم نتحققه، وإنما المحكي عنها وعن الخلاف والوسيلة والمهذب أن

(1) هنا تمت رواية أبي بصير وقد جعل الشارح جملا منها من المتن.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث السابع، وهذا
سنده " محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد
وابن أبي عمير جميعا، عن جميل بن دراج، عن محمد بن مسلم وزرارة وغيرهما عن
أحدهما... "
18

الأربع والثلاثين خلفة أي حامل كما هو المشهور والتي يتبعها ولدها كما عن
المبسوط، ولا ريب في أنها غير الثنية التي هي طروقة الفحل، بمعنى البالغة
ضرب الفحل، واحتمال إرادة ما طرقها الفحل فحملت، بقرينة أن الحقة ما بلغت
أن يضربها الفحل، فيتوافق الجميع كما ترى.
وعلى كل حال لم نظفر له بمستند مما وصل إلينا من النصوص، وإن نسبه
في محكي الخلاف إلى إجماع الفرقة وأخبارها، وفي النافع " أنه أشهر الروايتين "
وفي المفاتيح " أنه المشهور وبه روايتان " بل في المسالك والروضة " أن به رواية
أبي بصير والعلاء بن الفضيل، لكن لم نقف على شئ من ذلك، كما اعترف به
الآبي وأبو العباس والإصبهاني والمقدس الأردبيلي وفاضل الرياض وغيرهم على
ما حكي عن بعضهم، والموجود في خبر أبي بصير (1) " ثلاث وثلاثون حقة وثلاث
وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية كلها طروقة الفحل " كما عن المقنعة
والمراسم والغنية والاصباح، والجذعة هي التي دخلت في الخامسة، وبنت اللبون
هي التي كمل بها سنتان ودخلت في الثالثة، فلا يمكن إرادتها من الجذعة، وكذا
في خبر العلاء بن الفضيل (2)، إلا أن في آخره: " وأربع وثلاثون ثنية كلها
خلفة طروقة الفحل " كذا عن الكافي والاستبصار والفقيه، وفي التهذيب، " أربع
وثلاثون خلفة كلها طروقة الفحل ".
وفي كشف اللثام (3) " وقوله: " كلها طروقة الفحل " أو " كلها خلفة طروقة

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث 13 والكافي ج 7
ص 282 والاستبصار ج 4 ص 258 وفي التهذيب ج 10 ص 247 أيضا هكذا: " أربع
وثلاثون ثنية كلها خلفة طروقة الفحل " ولكن في ج 10 ص 158 منه هكذا: " وأربع وثلاثون
خلفة كلها طروقة الفحل " ولم نجده في الفقيه مسندا إلى العلاء، نعم في كلام من الصدوق
هكذا: " وفي شبه العمد المغلظة... وثلاث وثلاثون ثنية خلفة طروقة الفحل " الفقيه ج 4
ص 108.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 315.
19

الفحل " يحتمل أن يراد به كل من الأربع والثلاثين وأن يراد كل منهما ومما
قبلها، ولعله المتعين فيما في التهذيب. وظاهر طروقة الفحل فيه المعنى المعروف
من بلوغها ذلك لا الحمل، وفي النهاية والغنية والاصباح، أنه روى ثلاثون
بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وأربعون خلفة، قال في النهاية: كلها طروقة
الفحل ".
قلت: إلا أنه لم نجده فيما وصل إلينا من النصوص كما لم نجد عاملا به،
بل خبر أبي بصير والعلاء غير جامعين لشرائط الحجية، والفتوى بمضمونهما مشكل،
بعد عدم الجابر، وإجماع الشيخ كأنه متبين الخلاف. وأشكل من ذلك القول
الذي قد عرفت أنه لا دليل عليه من النصوص التي وصلت إلينا، ودليل مثل ذلك
منحصر فيها، ضرورة عدم صلاحية غيره.
(و) حينئذ فالمتجه العمل بما (في رواية) عبد الله بن سنان عن
الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام التي رواها المحمدون الثلاثة (1) صحيحا
في بعض الطرق من أنها (ثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة، وأربعون خلفة وهي
الحامل) وفاقا للمحكي عن أبي علي والمقنع والجامع والمقتصر وظاهر الغنية
والتحرير، بل قيل إنه عمل بها في المبسوط أيضا، غير أنه أثبت مكان ثلاثون بنت
لبون، ثلاثون جذعة، وإن كان ذلك كافيا في الخلاف والخروج عن الصحيح المزبور
المتعين للعمل، كما جزم به في المسالك وغيرها، والله العالم.
(و) كيف كان فلا خلاف معتد به في أنه (يضمن هذه الدية الجاني دون
العاقلة) بل عن الخلاف والتحرير وظاهر المبسوط والسرائر أو صريحها الاجماع
عليه للأصل وغيره، فما عن الحلبي من أنها على العاقلة واضح الفساد.
نعم إن لم يكن عنده مال فعن النهاية والمهذب والغنية، بل في الأخير الاجماع
عليه، " استسعى أو أمهل إلى السنة وإن مات أو هرب أخذ بها أولى الناس به،

(1) الفقيه ج 4 ص 105 والكافي ج 7 ص 281 والتهذيب ج 10 ص 159
والاستبصار ج 4 ص 259.
20

وإن لم يكن له أحد أخذت من بيت المال " مع أنه لا يخلو من منع خصوصا بالنسبة
إلى أخذ أولى الناس به بها، ولذا أنكرهما ابن إدريس، بل قال: " إنه خلاف
الاجماع، فإنه لا ضمان عليهما في الخطأ المحض " وهو كذلك للأصل وغيره،
اللهم إلا أن يقال باستفادته مما سمعته في المضمر السابق (1) الوارد في العمد، بناء
على أولوية المفروض منه، مؤيدا بعدم بطلان دم المسلم وغيره مما يفهم منه الرجوع
في مثله إلى بيت المال، مع معارضة إجماع ابن إدريس باجماع ابن زهرة، ولعله
لذا لم يستبعده في الرياض.
لكن ذلك كله محل بحث، خصوصا بعد عدم ظهور الخبر المزبور في بيت
المال، وإنما هو سأل من المسلمين ليؤدي هو ديته كما هو المتعارف في زماننا.
نعم قد سمعت سابقا خبر أبي بصير (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل، فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال
أخذت الدية من ماله وإلا فمن الأقرب فالأقرب... فإنه لا يبطل (يطل) دم امرؤ
مسلم " ونحوه خبر أبي بصير (3) عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل قتل رجلا ثم
فر فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذ منه وإلا أخذ من
الأقرب فالأقرب " ولعله تأتي للمسألة تتمة إن شاء الله في آخر الكتاب،
والله الموفق.
(و) كيف كان فقد (قال المفيد ره تستأدى في سنتين فهي إذن مخففة
عن العمد في السن) في الإبل خاصة كما عرفت (وفي الاستيفاء) كما هو
المحكي عن المبسوط والمراسم والغنية والسرائر والتقي والفاضل في جملة من كتبه
والشهيد وأبي العباس وغيرهم. بل نسبه غير واحد إلى الشهرة، بل ظاهر المبسوط
الاجماع عليه، بل في الغنية نفي الخلاف فيه، مؤيدا بأنه المناسب لكون شبيه العمد

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب العاقلة، الحديث 1 و 3
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب العاقلة، الحديث 1 و 3
21

الذي قد عرفت أنها فيه سنة والخطأ الذي ستعرف إن شاء الله أنها فيه ثلاث سنين.
وأما احتمال أنها أقل من سنة فمقطوع بعدمه، ولو بملاحظة أغلظية العمد منه،
كما أنها لا تزيد على الثلاثة قطعا لمعلومية سهولة الخطأ بالنسبة إليه، فهي ما بين
السنة إلى الثلاث، وربما يشهد للثاني، ما في خبر أبي بصير (1) السابق الظاهر في
اختصاص غلظتها بالنسبة إلى الخطأ بأسنان الإبل دون غيرها.
ولكن الشهرة المزبورة المعتضدة بنفي الخلاف وظهور الاجماع المزبور عينته
في السنين ولا بأس به، وأما ما عن ابن حمزة من أنها تؤدى في سنة إن كان موسرا،
وإلا في سنتين، فلم نعرف له موافقا ولا دليلا، والله العالم.
(ولو اختلف) (2) أي الولي ومن عليه الدية (في الحوامل) بناء
على المختار، أو حيث نعتبر حوامل (ملا) (رجع إلى أهل المعرفة) والأولى اعتبار
العدالة والتعدد، (ولو تبين الغلط) بعد ذلك (لزم الاستدراك) لظهور عدم
وصول الحق، (و) كذا أيضا (لو أزلقت بعد الاحضار قبل التسليم لزم
الابدال و) هو واضح.
نعم لو كان الازلاق (بعد القبض لا يلزم) الابدال، لأن الواجب إقباض
الحوامل وقد حصل، لا الولادة.
ولو اختلف الولي والدافع بعد القبض، فقال: لم تكن حوامل وقد أضمت
أجوافها، فقال الغريم: بل ولدت عندك، فعن التحرير " إن قبضها بقول أهل الخبرة
فالقول قول الغريم، عملا بظاهر إصابتهم، وإن قبضها بغير قولهم، فالقول قول
الولي عملا بأصل عدم الحمل ".
وفيه أن المتجه العمل بالأخير على كل حال لعدم ثبوت حجية الظاهر
المزبور.
هذا كله في أسنان الإبل، أما غيرها فهي متساوية في دية العمد والخطأ، لكن

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 4.
(2) كذا في الشرائع ولكن في الأصل " ولو اختلفا "
22

قد سمعت ما في خبر أبي بصير (1) عن الصادق عليه السلام: " أو ألف من الشاة على أسنانها
أثلاثا ومن الإبل مائة على أسنانها) إلا أني لم أجد عاملا به، فيمكن حمله على
إرادة أي شئ كان. وربما احتمل رجوع ضمير أسنانها إلى الإبل، أي الألف من
الشاة يوافق أسنان الإبل أثلاثا في القيمة غالبا. وفيما حضرني من نسخة للتهذيب
معتبرة: " أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثا من الإبل قيمة على أسنانها " والظاهر
أنه تصحيف وإلا فالموجود في أكثر النسخ " مائة على أسنانها " وعلى كل حال فهو
غير واضح الوجه.
(و) أما (دية الخطأ المحض) فالأكثر كما في كشف اللثام، وعن
غيره، بل المشهور، بل عليه عامة المتأخرين، على أنها (عشرون بنت مخاض
وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة) لخبر عبد الله بن سنان (2)
الذي رواه المحمدون الثلاثة صحيحا في بعض الطرق عن الصادق عليه السلام عن أمير
المؤمنين عليه السلام الذي تقدم بعضه في دية شبيه العمد، قال: " والخطأ يكون فيه ثلاثون
حقة، وثلاثون ابنة لبون، وعشرون بنت مخاض، وعشرون ابن لبون ذكر " الحديث.
(و) لكن (في رواية) العلاء بن الفضيل عنه عليه السلام التي في طريقها العبيدي عن
يونس عن محمد بن سنان (3) (خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون
بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة) إلا أنا لم نجد
عاملا بها عدا ما يحكى عن ابن حمزة، نعم عن الخلاف إجماع الفرقة على العمل
بالروايتين، وإن كنا لم نتحققه بالنسبة إلى هذه الرواية، فهو حينئذ شاذ قاصر عن
إثبات التخيير به بينه وبين ما في الصحيح السابق من وجوه.
وأما ما عن المبسوط والسرائر - عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن لبون

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات النفس الحديث الثاني والتهذيب
ج 10 ص 158 وفيه " ومن الإبل مائة فإنها على أسنانها ".
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
(3) التهذيب ج 10 ص 158.
23

وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة - فلم نجد له شاهدا فيما وصل
إلينا من النصوص.
كما لم نجد عاملا بما سمعته في ذيل صحيح زرارة ومحمد بن مسلم، من خبر علي
ابن حديد (1) في الخطأ، فتعين العمل حينئذ بما سمعته من المشهور هنا، وإن
أعرضوا عن الصحيح المزبور في دية العمد، والله العالم.
(وتستأدى) دية الخطأ (في ثلاث سنين) في كل سنة ثلثها بلا خلاف
أجده فيه بل عن المهذب وغيره الاجماع عليه بل عن الخلاف " اتفاقا منا بل من الأمة،
وخلاف ربيعة لا يعتد به " (2) وعن الغنية " بلا خلاف إلا من ربيعة فإنه قال في
خمس " وقال الصادق عليه السلام في صحيح أبي ولاد، (3) " كان علي عليه السلام يقول:
تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين وتستأدى دية العمد في سنة " فالحكم حينئذ مفروغ
منه (سواء كانت الدية تامة) كدية المسلم الحر (أو ناقصة) كدية المرأة
وغيرها مما ستعرف إن شاء الله، لصدق الدية على الجميع، بل في المتن والقواعد
ومحكي المبسوط والمهذب (أو دية طرف) بل في كشف اللثام " لعموم الدليل
والفتاوى "، قلت: ولكن حكي عن الفاضل الخلاف فيه ولعله لأصالة الحلول بعد
دعوى انسياق الصحيح المزبور وغيره إلى دية النفس وإن كان فيه منع خصوصا بعد
تصريح من عرفت وظهور غيره، إلا أن الظاهر كون الأجل المزبور متمما لها
فيلحقه التوزيع أيضا بتوزيعها.
وحينئذ فالطرف إن كانت ديته قدر الثلث أخذ في سنة واحدة في الخطأ وإن
كان أزيد حل الثلث بانسلاخ الحول، وحل الزائد عند انسلاخ الثاني إن كان
ثلثا آخر فما دون، وإن كان أكثر، حل الثلث عند انسلاخ الثاني والزائد عند
انسلاخ الثالث.

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث 7.
(2) الخلاف ج 2 ص 400.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
24

وإن تعدد الجاني والمجني عليه حل عند كل حول ثلث.
وإن قلع عينيه وقطع يديه ورجليه حل له ثلث لكل جناية.
وكذا الكلام في الطرف، لو قطع عمدا أو شبه عمد بالنسبة إلى أجلهما،
نعم قد يقال بالحلول فيما ليس له مقدر من الجراح مع احتمال إلحاقه بالدية المقدرة
بعد ملاحظة النسبة.
وأما الجناية على العبد فيحتمل أيضا جريان حكم الدية عليها وإن كانت هي
قيمة، ويحتمل كونه كالأموال. وأما العكس فالظاهر الحلول فيما يتعلق منها
برقبته، نعم لو أراد المولى فداءه أمكن ملاحظة التأجيل، والله العالم.
وكيف كان (فهي مخففة في السن) في الإبل خاصة (و) في (الصفة)
بالنسبة إلى شبه العمد فلا يعتبر في شئ منها أن تكون خلفة كما صرح به في الوسيلة،
إلا أن المصنف لم يعتبر فيها ذلك كما عرفت، وإنما ذكره رواية. (و) يمكن
أن يكون ذلك بناء عليها كما ذكر مسألة الاختلاف (في الاستيفاء) بالنسبة
إليهما معا.
(و) على كل حال ف‍ (هي على العاقلة) بلا خلاف أجده بيننا بل وبين
غيرنا فيه كما اعترف به بعضهم إلا من الأصم منهم الذي لا يعتد بخلافه، وكذا
الخوارج، بل عن الخلاف دعوى إجماع الأمة عليه، قال: " وخلاف الأصم
لا يعتد به " (1) كل ذلك مضافا إلى النصوص (2) التي إن لم تكن متواترة فلا
ريب في القطع بذلك منها، ولا ترجع العاقلة بذلك على القاتل، لأنه (لا يضمن
الجاني منها شيئا) للأصل وغيره، خلافا للمحكي عن المفيد وسلار، فحكما
بالرجوع ولا نجد لهما دليلا، بل في السرائر إجماع الأمة على خلافهما، وإن
أنكر عليه الفاضل في المختلف وادعى أنه جهل منه في تخطئة الشيخ الأعظم الذي

(1) الخلاف ج 2 ص 400.
(2) راجع الوسائل أبواب العاقلة من كتاب الديات.
25

هو الأصل في إفشاء المذهب وتقريره، لكن ذلك كما ترى لا يصلح دليلا، نعم يأتي
إن شاء الله، إن العاقلة إذا فقدت أو كانوا فقراء كانت في مال القاتل كما نص عليه
هنا في كشف اللثام.
(ولو قتل في الشهر الحرام) رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرم،
(ألزم دية وثلثا من أي الأجناس كان تغليظا) بلا خلاف أجده بل الاجماع
بقسميه عليه، بل المحكي منهما صريحا فضلا عن الظاهر مستفيض أو متواتر، بل
في المسالك " أن به نصوصا كثيرة "، وفي محكي الخلاف نسبته إلى إجماع الفرقة
وأخبارها، وإن كنا لم نعثر إلا على خبر كليب الأسدي (1) " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يقتل في الشهر الحرام ما ديته؟ قال: دية وثلث " وخبره
الآخر (2) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من قتل في شهر حرام فعليه دية وثلث "
الحديث، اللهم إلا أن يكون قرء (3) ما تسمعه من النصوص (4) الآتية " في
الحرم " بلفظ الجمع على إرادة الأشهر الحرم، بل ربما كان ذلك عذرا للمصنف
وغيره ممن أنكر وجود دليل على إلحاق الحرم بالشهر الحرام، فإنه من المستبعد
عدم رؤيتهم للنصوص المزبورة مع وجودها في المجامع العظام، وعلى كل حال ففيهما
الكفاية لاثبات مثله بعد ما عرفت، والله العالم.
(وهل يلزم مثل ذلك في حرم مكة) زاده الله شرفا؟ ففي المتن (قال
الشيخان) أي في المقنعة والمبسوط والخلاف والنهاية على ما حكي عن بعضها:
(نعم) يلزم مثل ذلك، وظاهره التوقف بل هو صريحه في النكت، قال: " ونحن
نطالب الشيخين بدليل ذلك " وكذا النافع وتبعه على ذلك الفاضل في التحرير وأبو
العباس والمقداد والشهيدان والكاشاني على ما حكي عن بعضهم، مع اعتراف أكثرهم

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
(2) التهذيب ج 10 ص 215.
(3) قرءا بالتثنية. (ن ل)
(4) راجع الوسائل الباب - 3 - من أبواب ديات النفس.
26

بعدم النص عليه.
نعم قال الكركي في حاشية الكتاب بعد حكاية ذلك عن الشيخين والاعتراف
بعدم النص: " وكفى بهما متبعا " إلا أن ذلك كله في غير محله إذ هو - مع أنه
مذهب بني حمزة وزهرة وإدريس والفاضل في القواعد والإرشاد والشهيد في اللمعة
أيضا، بل مذهب الأكثر كما في كشف اللثام، بل المشهور كما في مجمع البرهان،
بل في ظاهر المحكي عن موضعين من المبسوط والسرائر وغاية المراد، وكذا الغنية،
الاجماع عليه، بل في محكي الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارها - يدل عليه
صحيح زرارة (1) المروي في الكافي والفقيه " قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل قتل
رجلا في الحرم، قال: عليه دية وثلث " وخبره الآخر (2) المروي في التهذيب
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل قتل رجلا في الحرم، قال عليه: دية وثلث ".
فلا وجه حينئذ للتوقف في المسألة خصوصا بعد التأييد بالاشتراك في الحرمة
وتغليظ قتل الصيد فيه، المناسب لتغليظ غيره، بعد الاعتضاد بما عرفت، سيما الأخبار
المرسلة في الخلاف.
نعم قد عرفت احتمال قراءة الخبرين الحرم بلفظ الجمع على أن يكون صفة
للأشهر الحرم، وقد حضرني نسخة من الكافي معتبرة جدا وقد أعرب فيها " الحرم "
بضمتين. وربما يؤكد ذلك تتمة الخبر المزبور " قال ويصوم شهرين متتابعين من
أشهر الحرم، ويعتق رقبة ويطعم ستين مسكينا، قال: قلت: يدخل في هذا شئ؟
قال: وما يدخل؟ قلت: العيدان وأيام التشريق، قال: يصومه فإنه حق لزمه "
ومن المعلوم أن ذلك كفارة القاتل في الشهر الحرام بناء على القول به لا الحرم،

(1) الكافي ج 4 ص 140 والفقيه ج 4 ص 110 ولكن فيه عن أبي عبد الله
عليه السلام، الوسائل الباب - 8 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2.
(2) التهذيب ج 10 ص 216، الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات النفس
الحديث 3.
27

وإن كان الخبر المزبور فيه إشكال بدخول العيدين مع أنه ليس إلا عيد واحد في
الأشهر الحرم كما أوضح عنه صحيح زرارة الآخر (1) " قال: سألته عن رجل
قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام، قال: تغلظ عليه الدية وعليه عتق رقبة أو صيام
شهرين من أشهر الحرم، قلت: فإنه يدخل في هذا شئ؟ فقال: وما هو؟ قلت:
يوم العيد وأيام التشريق، قال: يصومه فإنه حق لزمه " والله العالم.
نعم قال في كشف اللثام: " الظاهر اختصاص ذلك بالعمد كما تشعر به
عبارة النهاية وتعليل الأصحاب بالانتهاك، ويدل عليه الأصل فيقتصر في
خلافه على اليقين ".
قلت: هو وإن كان صريح الوسيلة أيضا لكن المحكي عن صريح المبسوط
والسرائر العموم، بل هو ظاهر الغنية، بل قيل هو ظاهر المقنعة وما تأخر عنها،
بل ظاهر السرائر وكذا المبسوط والغنية الاجماع عليه. بل قيل: إن العموم
اللغوي في بعض النصوص السابقة يقطع الأصل، والتعليل يدفعه التصريح والاطلاق
الذي هو كالتصريح بمعونة السياق، مع احتمال كونه لبعض الأفراد خصوصا بعد
كون العنوان بمن قتل ونحوه، بل لعل القاتل خطأ منتهك أيضا وإن لم يكن
آثما، ولذا وجبت عليه الكفارة، ولعله لذا مال في الرياض إليه، بل حكي فيه
عن بعض متأخري المتأخرين ذلك، مدعيا عليه النص والاجماع.
قلت: لعل مراده من النص ما سمعته في صحيح زرارة (2) المصرح فيه
بالخطأ، وإلا فلا صراحة في غيره من النصوص، ضرورة ظهور ذكر كفارة العمد
فيه، مضافا إلى ظهور " قتل " في قصد القتل الذي لا يشمل الخطأ كما في كل فعل
جعل عنوانا للحكم الشرعي، وحينئذ فعموم " من " لا يجدي بعد ظهور مدخولها في
ذلك، إذ هو على حسبه، فالأصل حينئذ بحاله.
نعم الظاهر عدم الاختصاص بقتل المسلم، لعموم النص والفتوى ومعاقد

(1) الكافي ج 4 ص 139، الوسائل الباب - 8 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث الأول.
(2) الكافي ج 4 ص 139، الوسائل الباب - 8 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث الأول.
28

الاجماعات، وإن احتمله بعض الناس. ولا بقتل الكبير والعاقل ولا غيرهم، فتغلظ
الدية بقتل الجميع، وإن لم يكن قصاص بقتل العاقل المجنون، وكذا لو قتل الوالد
الولد، بل لا فرق أيضا بين سليم الأعضاء ومفقودها كما صرح به في القواعد وغيرها
للعمومات، نعم قد سمعت خبر سورة بن كليب (1) عن الصادق عليه السلام في أقطع
اليد إذا قتل فلاحظ وتأمل.
هذا ولا يبعد إلحاق المراقد المنورة بذلك في التغليظ كما هو محتمل النهاية،
بل فهمه منها غير واحد، وإن أنكره ابن إدريس حاملا لعبارة الشيخ على غيره لعدم
الدليل على ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع. لكن فيه أن من المعلوم كون التغليظ
المزبور لانتهاك الحرمة التي هي فيها أشد في الحرم قطعا، ولذا حكي عن المقداد
ذلك مستدلا له بالتنقيح، وأن المنقح له العقل والأولوية العرفية، لأن مراقدهم
أفضل من مكة، فيكون أفضل من الحرم. قلت: وهو كذلك كما لا يخفى على من لاحظ
ما ورد في ذلك (2) وخصوصا مرقد النبي صلى الله عليه وآله ومشهد أمير المؤمنين عليه السلام والحائر.
وعلى كل حال فالزائد لولي المقتول كما هو الظاهر من إطلاق النص والفتوى،
بل هو كصريح الأخير، نحو قوله في الخبر الأول، وإن كان السبب في ذلك انتهاك
حرمة الزمان والمكان.
ولو اجتمع سببا التغليظ فالوجه تعدد الثلث لقاعدة عدم التداخل القاطعة
لأصل البراءة، خلافا لبعض، منهم الشهيد الثاني، ترجيحا لأصل البراءة عليها وهو
في غير محله.
نعم ظاهر النص والفتوى وغيرهما، أن الزيادة المزبورة حيث تؤخذ الدية
دون ما إذا اقتص، فما عن ثاني الشهيدين من وجوبها معه أيضا للتغليظ غير

(1) يعني في كتاب القصاص راجع الوسائل الباب - 50 - من أبواب القصاص
في النفس الحديث الأول.
(2) راجع الوسائل أبواب المزار.
29

واضح الوجه.
كما أن ظاهرهما اختصاص ذلك في القتل، ولذا قال المصنف: (ولا نعرف (1)
التغليظ في الأطراف) لأنه لم يذكره أصحابنا كما عن المبسوط والسرائر، بل
عن الأخير زيادة " دون قطع الأطراف عندنا " بل في المسالك " لا قائل به
من أصحابنا " ولا في قتل الأقارب للأصل وعدم الدليل، وبه صرح
الفاضل وغيره.
نعم هو مناسب لمذاق العامة القائلين بالقياس والاستحسان، كما يحكى عن
بعضهم القول به فيها، كما عن آخر التغليظ للقرابة أيضا، (2) وفي اشتراط
المحرمية لهم وجهان، وعن الشافعي منهم اختصاص التغليظ بأسنان الإبل، والجميع
كما ترى.
(فرع:)
(لو رمي) وهو (في الحل) بسهم مثلا (إلى) من هو في (الحرم
فقتل فيه لزمه التغليظ) كما صرح به الفاضل وغيره لصدق القتل فيه وإن
خرج السبب (وهل يغلظ مع العكس فيه تردد) من الأصل وعدم صدق القتل
في الحرم، ومن حصول سببه في الحرم فهو كمن قتل فيه، ولذا تلزم الكفارة من
رمى فيه صيدا في الحل، بل هو المناسب للتغليظ في الحرم وخصوصا في الانسان
الذي هو أعظم حرمة من الصيد المحلل قتله بالأصل. ولكن لا ريب في أن الأقوى
الأول بعد عدم هذه الاعتبارات في قطع الأصل الشرعي، بل قد يحتمل ذلك في

(1) في الشرائع: ولا يعرف.
(2) قال في بداية المجتهد ج 2 ص 455: " واختلفوا في تغليظ الدية في
الشهر الحرام والبلد الحرام.. وقال الشافعي: تغلظ فيهما في النفس وفي الجراح. وكذلك
عند الشافعي من قتل ذا رحم محرم... "
30

الأول أيضا، وإن كان ظاهر المصنف والفاضل وغيرهما اختصاص التردد في الثاني،
لامكان دعوى انسياق الظرفية من النص، والله العالم.
(ولا يقتص من الملتجي إلى الحرم فيه) بعد أن قتل خارجه ثم استجار
به (و) لكن (يضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج) منه بلا خلاف أجده
في أصل الحكم كما اعترف به في المسالك، بل في التنقيح ومحكي الخلاف وظاهر المبسوط
الاجماع عليه، لعموم آيات الأمن (1) ولفحوى قول الصادق عليه السلام في صحيح
هشام (2) " في الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم، قال: لا يقام عليه
الحد ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع، فإذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيقام
عليه الحد وإن جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد فإنه لم ير للحرم حرمة "
ولو للاجماع المزبور على عدم الفرق بين الحد والقصاص.
(و) منه يعلم الوجه فيما ذكره المصنف وغيره من أنه (لو جنى في
الحرم اقتص منه) فيه (لانتهاكه الحرمة) بل لا خلاف أجده فيه كما اعترف
به في الرياض، فيبقى حينئذ عموم أدلة القصاص والحدود بحالها سليمة عن
المعارض.
(وهل يلزم مثل ذلك في مشاهد الأئمة عليهم السلام) فضلا عن النبي صلى الله عليه وآله
(قال به في) المقنعة والمهذب و (النهاية) والسرائر وحدود التحرير وغيرها،
واستحسنه المصنف في النكت، ولعله لمعلومية زيادة شرفها على الحرم. ولذا قال
في التنقيح بعد أن حكي عن الشيخين ذلك: " وهو قريب أما أولا فلما ورد عنهم عليهم السلام
أن بيوتنا مساجد، (3) وأما ثانيا فلما تواتر من رفع العذاب الأخروي عمن

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية 97 وغيرها.
(2) الوسائل الباب - 34 - من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة الحديث
الأول.
(3) راجع الوسائل الباب - 16 - من أبواب الجنابة.
31

يدفن بها (1) والعذاب الدنيوي أولى، وأما ثالثا فلأن ذلك مناسب لوجوب
تعظيمها واستحباب المجاورة بها والقصد إليها " (2) بل عن ظاهر التحرير أن المشهد
البلد، فضلا عن الصحن الشريف والروضة المنورة، بل لا يخفى على من أحاط خبرا
بما ورد (3) في الحائر وحرمه وأنه أربعة فراسخ بل أزيد وغير ذلك مما جاء في
قبر النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وغيره من الأئمة عليهم السلام زيادة تعظيمها،
ولكن مع ذلك قد تشعر عبارة المصنف بل صريح غيره بالتوقف بل المنع، وهو لا يخلو
من جرأة، والله العالم.
(و) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى في أن (دية المرأة)
الحرة المسلمة صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، سليمة الأعضاء أو غير
سليمتها، (على النصف من جميع الأجناس) المذكورة في العمد وشبهه والخطأ،
بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص (4)،
بل هو كذلك من المسلمين كافة إلا من ابن علية والأصم، فقالا هي كالرجل، وقد
سبقهما الاجماع ولحقهما، بل لم يعتد بخلافهما من حكي إجماع الأمة غير مشير
إليهما، ولا بأس به. وحينئذ فمن الإبل خمسون، ومن الدينار خمسمائة وهكذا
كما هو واضح.
وكذا الجراحات والأطراف منها على النصف من الرجل ما لم تقصر ديتها
عن ثلث دية الرجل، فإن قصرت دية الجناية جراحة أو طرفا عن الثلث تساويا قصاصا

(1) راجع الوسائل الباب - 13 - من أبواب الدفن ومستدرك الوسائل
ج 1 ص 121.
(2) التنقيح للفاضل المقداد، كتاب القصاص ص 815 من نسخة مخلوطة منه
عندنا.
(3) راجع الوسائل أبواب المزار وكامل الزيارات.
(4) راجع الوسائل الباب - 5 - من أبواب ديات النفس.
32

ودية كما مر الكلام فيه مفصلا.
ولا تلحق بها الخنثى المشكل في ذلك، للأصل وغيره، وإن احتمل، وديتها
ثلاثة أرباع دية الرجل على ما صرح به بعضهم.
وجميع فرق الاسلام المحقة والمبطلة متساوية في الدية، وإن لم تكن غير
المحقة منهم كفارا في الآخرة (1) إجراء لهم مجري المسلمين كاجراء حكم
الاسلام على المنافقين استدراجا لهم ومصلحة للمؤمنين ما لم يجحدوا ما هو معلوم
الثبوت من دين النبي صلى الله عليه وآله كالغلاة والنواصب ومن أنكر ما اعترف بثبوته في
دينه صلى الله عليه وآله، فإنهم كفار، كل ذلك لعموم الأدلة، بل في كشف اللثام الاتفاق
على التساوي في الدية، وإن كان قد يشكل بأن المتجه سقوطها على القول بكفرهم
في الدنيا حتى دية الذمي ضرورة عدم كونهم منهم، والله العالم.
(ودية ولد الزنا إذا أظهر الاسلام دية المسلم) بلا خلاف أجده بين من
تأخر عن المصنف، بل عن بعض نسبته إلى الأكثر على الاطلاق، وآخر إلى
المشهور، وثالث إلى جمهور الأصحاب، لثبوت إسلامه باظهاره الاسلام الذي
من ضرورة المذهب، بل الدين، وجوب قبوله ممن يحصل منه ما لم يعلم خلافه،
فيندرج حينئذ بذلك في المسلمين والمؤمنين في الديات وغيرها إلا ما ثبت خروجه من
أحكامهم.
نعم إذا لم يصف الاسلام أو كان غير بالغ ولم يسبه مسلم أو لم نقل بتبعيته
له فيه، يتجه عدم الدية له، للأصل بعد عدم الاسلام فعلا ولا شرعا حتى دية
الذمي، ضرورة عدم كونه منه.
ودعوى - كونه بحكم المسلم لقوله عليه السلام: " كل مولود يولد على

(1) قال في كشف اللثام: " وجميع فرق الاسلام المحقة والمبطلة متساوية في
الدية اتفاقا وإن لم يكن غير المحقة منهم كفارا في الحقيقة.. فإنهم كفار... "
أقول: الظاهر زيادة الواو في قوله وقول شارحنا: " وإن لم يكن " فراجع.
33

الفطرة " (1) كما في كشف اللثام - يدفعها عدم ثبوت العمل به على الوجه المزبور
من الأصحاب وإلا لاقتضى إسلام ولد الزنا من الكافرين، وهو معلوم العدم، ولا
يبعد كون المراد أنه خلق على اختيار الاسلام لو ترك ونفسه، لا أن المراد
أنه مسلم فعلا، بل يمكن دعوى القطع بذلك خصوصا بعد ملاحظة قوله
" حتى " وغيره.
كدعوى ثبوت الدية المزبورة لكل نفس ما لم تكن كافرة، ضرورة اتفاق
النص والفتوى على أنها دية المسلم، ولعله لذا قيد المصنف وغيره بما إذا أظهر
الاسلام ولعل من أطلق يريد ذلك أيضا، ومن هنا يظهر لك النظر فيما في كشف
اللثام من " أنه لا فرق على القولين أي قول المشهور وقول المرتضى بين البالغ منه
وغيره، فإن الطفل لا يتبع والده إلا أن يسبيه مسلم وقلنا بتبعيته له. وعلى المختار
الوجه أيضا ذلك فإنه وإن لم يتبع أحدا إلا أن كل مولود يولد على الفطرة "
وإن وافقه عليه بعض من تأخر عنه.
بل وما في المحكي من حواشي الشهيد " من أن المنقول أنه إن أظهر الاسلام
فديته دية مسلم وإلا فدية ذمي، قال: وهو جمع بين القولين " وأشار إليه المصنف
بقوله: " إن أظهر الاسلام "، والله العالم.
(و) كيف كان فقد (قيل) والقائل الصدوق والمرتضى ديته: (دية
الذمي) ثمانمائة درهم.
بل قال السيد: " والحجة بعد الاجماع المتردد، أنا قد بينا أن مذهب
الطائفة أن ولد الزنا لا يكون قط طاهرا ولا مؤمنا بايثاره واختياره وإن أظهر
الايمان وهم على ذلك قاطعون وبه عاملون، فإذا كانت هذه صورته عندهم فيجب

(1) قال في سفينة البحار ج 2 ص 373: " قال النبي صلى الله عليه وآله: كل
مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه " ولكن في الوسائل ج 11
ص 96 هكذا: " عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه
اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه... "
34

أن تكون ديته دية الكفار من أهل الذمة للحوقه في الباطن بهم. قال: فإن قيل:
كيف يجوز أن يقطع على مكلف أنه من أهل النار وفي ذلك منافاة للتكليف،
وولد الزنا إذا علم أنه مخلوق من نطفة الزاني فقد قطع على أنه من أهل النار،
فكيف يصح تكليفه؟ قلنا: لا سبيل لأحد في القطع على أنه مخلوق من نطفة الزنا
لأنه يجوز أن يكون هناك عقد، أو شبهة عقد، أو أمر يخرج به عن أن يكون زانيا
فلا يقطع أحد على أنه على الحقيقة ولد زنا، فأما غيره فإنه إذا علم أن أمه
وقع عليها هذا الوطي (1) من غير عقد ولا ملك يمين ولا شبهة فالظاهر في الولد أنه
ولد الزنا والدية معمول فيها على ظاهر الأمور دون باطنها " (2).
وقال ابن إدريس: " ولم أجد لباقي أصحابنا فيه قولا فأحكيه،
والذي تقتضيه الأدلة التوقف في ذلك، وأن لا دية له لأن الأصل براءة
الذمة " (3).
قلت: هو كذلك على ما اعترف به غيره عدا ما سمعته من الصدوق، ومنه يعلم
حينئذ ما في إجماع السيد المزبور بعد الاغضاء عما ذكره من تفريع وجوب دية
الذمي على كونه كافرا، ضرورة عدم اقتضاء ذلك كونه ذميا كما اعترف به ابن
إدريس وغيره، بل وبعد الاغضاء عما في جوابه عما سأله به نفسه، فإنه لا يرجع
إلى حاصل، فتأمل.
نعم قد يستدل له بمرسل جعفر بن بشير (4) " قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن دية ولد الزنا قال ثمانمائة درهم مثل دية اليهودي والنصراني والمجوسي " ومرسل

(1) الواطي (ن ل).
(2) الإنتصار، كتاب الحدود والديات وما يتصل بذلك.
(3) السرائر كتاب الحدود ص 8 قال فيه: " ودية ولد الزنا مثل دية اليهودي
على ما ذهب إليه السيد المرتضى رضي الله عنه ولم أجد لباقي.. " فما في بعض النسخ " ولم
أجد لنا في... " تصحيف.
(4) الوسائل الباب - 15 - من أبواب ديات النفس الحديث 2.
35

عبد الرحمن بن عبد الحميد (1) " قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: دية ولد الزنا
دية اليهودي ثمانمائة درهم " وخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن جعفر عليه السلام
(2) " قال: قال: دية ولد الزنا دية الذمي ثمانمائة درهم ".
مؤيدة بما ورد من النصوص (3) في المنع من غسالة الحمام، معللة
" بأنه يغتسل فيه اليهودي والنصراني وولد الزنا " حيث ساقه مساق
أهل النار.
إلا أنها جميعها ضعيفة، كما أشار إليه المصنف بقوله: (وفي مستند ذلك
ضعف) ولا جابر لها بعد تبين حال الاجماع المحكي بما عرفت، كي تصلح للخروج
بها عما دل على دية المسلم، بناء على إسلامه بما يظهره. والتأييد بما في النصوص
المزبورة مبني على كفره وإن أظهر الاسلام، وهو ممنوع.
وأطرف شئ ما في الرياض، من أن " قول السيد ليس بذلك البعيد للأصل مع
عدم معلومية دخول ولد الزنا في إطلاق أخبار الديات، حتى ما ذكر فيه لفظ المؤمن
والمسلم، لاطلاقهما الغير المعلوم الانصراف إلى نحوه من حيث عدم تبادره منه مع
انسياق سياقه إلى بيان مقدار الديات وغيره مما لا يتعلق بما نحن فيه فيصير بالنسبة
إليه كالمجمل لذي لا يمكن التمسك به، وكذا شمول ما دل على جريان أحكام الاسلام
على مظهره لنحو ما نحن فيه ليس بمقطوع به، فلا يخرج عن مقضى الأصل بمثله،
وإنما خرج عنه بالنسبة إلى دية الذمي لفحوى ما دل على ثبوتها به مع شرفه
بإسلامه الظاهري وليس وجوده كعدمه بالقطع حتى يلحق بالحربي، ويمكن أن
يجعل ما ذكرناه جابرا للنصوص والاجماع المحكي مع تأيد الأخير بعدم ظهور
مخالف فيه من القدماء عدا الحلي المتأخر عن حاكيه، وأما الشهرة، فإنما هي
من زمن المحقق ومن بعده ". (4)

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب ديات النفس الحديث 1 و 3.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب ديات النفس الحديث 1 و 3.
(3) راجع الوسائل الباب - 11 - أبواب الماء المضاف.
(4) رياض المسائل ج 2 ص 594.
36

إذ هو كما ترى من غرائب الكلام، إن أراد ذلك بعد تسليم كونه مسلما
وجريان أحكام الاسلام والايمان في غير الدية عليه، ضرورة أن المرتضى لا يرضى
بذلك إذ ما ذكره مبني على كفره، وإن أراد بما ذكره موافقة المرتضى
على كونه كافرا فهو مع منافاته لجملة ما سمعت من كلماته واضح
الفساد أيضا.
وكذا ما ذكره فيه " من اعتبار سند الخبر الأول (1) بأنه صحيح إلى
جعفر وهو ثقة والارسال بعده لعله غير ضائر لقول النجاشي (2): " يروي عن
الثقات ورووا عنه " قاله في مدحه ولا يكون ذلك إلا بتقدير عدم روايته
عن الضعفاء وإلا فالرواية عن الثقة وغيره ليس بمدح كما لا يخفى 2 (3) إذ هو
كما ترى.
وأغرب من ذلك كله استدلاله بصحيح ابن سنان (4) عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال سألته فقلت له: جعلت فداك كم دية ولد الزنا؟ قال: يعطى الذي أنفق عليه
ما أنفق عليه ".
قال في الرياض: " وهو ظاهر في ثبوت الدية لا كما ذكره الحلي، وأنها ما أنفق
عليه، وهو يشتمل ما قصر عن دية الحر المسلم بل والذمي أيضا بل لعله ظاهر فيه،
إلا أن الأمر الخارج بالاجماع كخروج ما زاد عنه أيضا فتعين الثمانمائة جدا
مع أن الدول بذلك الجواب عن لزوم دية الحر المسلم كالصريح، بل لعله
صريح في عدم لزومها، فيضعف ما عليه المشهور جدا ويتعين قول السيد

(1) يعني مرسل جعفر بن بشير المتقدم آنفا.
(2) رجال النجاشي ص 92.
(3) رياض المسائل ج 2 ص 595.
(4) الوسائل الباب - 15 - من أبواب ديات النفس الحديث 4 وأيضا الباب
- 8 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه الحديث 3.
37

ظاهرا " (1).
إذ حمله على ولد الزنا قبل البلوغ خير من ذلك كله، والله العالم.
(ودية الذمي) الحر (ثمانمأة درهم) بلا خلاف معتد به أجده بيننا،
بل في الخلاف والانتصار والغنية وكنز العرفان الاجماع عليه على ما حكي عن
بعضها، مضافا إلى النصوص (2) المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة، وفيها الصحيح
وغيره، منها صحيح ليث المرادي (3)، مضافا إلى ما تقدم " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن دية اليهودي والنصراني والمجوسي، قال: ديتهم سواء، ثمانمأة درهم " ومنها
موثق سماعة (4) عنه أيضا " قال: بعث النبي صلى الله عليه وآله خالد بن وليد إلى البحرين،
فأصاب به دماء قوم من اليهود والنصارى والمجوس فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إني
أصبت دماء قوم من اليهود والنصارى، فوديتهم ثمانمأة درهم ثمانمأة، وأصبت دماء
قوم من المجوس ولم تكن عهدت إلي فيهم عهدا، قال: فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وآله،
إن ديتهم مثل دية اليهود والنصارى، وقال: إنهم أهل كتاب " إلى غير ذلك من
النصوص.
(يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا) خلافا للعامة أجمع في الأولين،
وإن اختلفوا على أربعة أقوال، فمن قائل بأن ديته ثلث دية المسلم، وقائل نصفها،
وقائل تمامها، وقائل كذلك إن كان عمدا وإن كان خطأ نصفها. نعم عن الشافعي
ومالك موافقتنا في المجوس، بل عن الشيخ في الخلاف أن الصحابة مجمعون
على أن دية المجوسي ثمانمأة درهم، وعن المبسوط وكنز العرفان نفي الخلاف
في ذلك.

(1) رياض المسائل ج 2 ص 595.
(2) راجع الوسائل الباب - 13 - من أبواب ديات النفس.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ديات النفس الحديث 5 وفيه: ديتهم
جميعا سواء ثمانمأة درهم، ثمانمأة درهم
(4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ديات النفس الحديث 7.
38

(ودية نسائهم على النصف) منهم كما صرح به الشيخ والفاضلان والكركي
وثاني الشهيدين وغيرهم، بل ظاهرهم المفروغية منه، بل قيل قد يظهر من المبسوط
والغنية الاجماع عليه، ولعله لعموم ما دل من نص (1) أو معقد إجماع على
أن دية المرأة نصف الرجل، بل ظاهر أن دية أعضائهما وجراحاتهما من ديتهما
كدية أعضاء المسلم وجراحاته من ديته حتى على مساواة المرأة منهم للرجل حتى
تبلغ الثلث أو تجاوزه فنصف كالمسلم كما صرح بذلك كله بعضهم، بل لا يبعد
جريان حكم التغليظ بما يغلظ به على المسلم لعموم الأخبار، وقاعدة الاشتراك في
التكليف، وإن توقف فيه الفاضل في المحكي من تحريره، ولعله من ذلك ومن كونه
على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع الوفاق منه.
(و) كيف كان ف‍ (- في بعض الروايات) من طرقنا أن (دية اليهودي
والنصراني والمجوسي دية المسلم) قال الصادق عليه السلام في صحيح أبان بن تغلب (2)
" دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم " وقال أيضا في خبر زرارة (3): (من
أعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله ذمة فديته كاملة).
(وفي بعضها) أيضا (دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم)
وهي رواية أبي بصير عنه (4) أيضا " دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية
المجوسي ثمانمأة درهم " وقد عرفت موافقة الأول لبعض أقوال العامة، بل والثاني
بناء على أنها اثنا عشر ألف من جهة اختلاف الوزن، فتكون حينئذ الأربعة ثلث
الدية، كما عرفته عن آخر منهم، فلا بأس بحملهما على التقية (و) لكن
(الشيخ رحمه الله نزلهما) في كتابي الأخبار (5) (على من يعتاد قتلهم
فيغلظ الإمام) عليه (الدية بما يراه) مصلحة (من (6) ذلك حسما

(1) راجع الوسائل الباب - 5 - من أبواب ديات النفس.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ديات النفس الحديث 2 و 3 و 4.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ديات النفس الحديث 2 و 3 و 4.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ديات النفس الحديث 2 و 3 و 4.
(5) التهذيب ج 10 ص 187 - الاستبصار ج 4 ص 269.
(6) في (ن ل).
39

للجرأة) قال: " فإنه إذا كان كذلك فللإمام أن يلزمه دية المسلم كاملة تارة،
وأربعة آلاف درهم أخرى، بحسب ما يراه أصلح وأردع، فأما من كان ذلك منه
نادرا لم يكن عليه أكثر من ثمانمأة درهم ".
واستدل عليه بموثق سماعة (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مسلم قتل
ذميا فقال: هذا شئ شديد لا يحتمله الناس فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل
عن قتل أهل السواد، وعن قتل الذمي، ثم قال: لو أن مسلما غضب على ذمي فأراد
أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم، إذن يكثر القتل في الذميين،
ومن قتل ذميا ظلما فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميا حراما ما آمن بالجزية
وأداها ولم يجحدها ".
ثم قال: " وأما رواية أبي بصير (2) خاصة فقد روى أن ديتهم ثمانمأة درهم
مثل سائر الأخبار، وما تضمنه خبره (3) من الفرق بين اليهودي والنصراني
والمجوسي، فقد روى (4) هو أيضا أنه لا فرق، وأنهم سواء في الدية " (5).
ويمكن أن يكون مخالفا باعتبار كون ذلك ليس دية، وإنما هو تعزير من
الحاكم أو كالتعزير، ولعله لذا نفى عنه البأس في محكي المختلف، وإلا فمن
المعلوم عدم المكافئة من وجوه، وقد تقدم الكلام سابقا في ذلك في كتاب
القصاص.
نعم ما في الفقيه (6) خلاف في المسألة، قال: " إن كان اليهودي والنصراني
والمجوسي على ما عوهدوا عليه، من ترك إظهار شرب الخمور وإتيان الزنا وأكل

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ديات النفس الحديث 5 و 10.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ديات النفس الحديث 4.
(4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ديات النفس الحديث 5 و 10.
(5) إلى هنا كلام الشيخ في الاستبصار والتهذيب.
(6) الفقيه ج 4 ص 122 - 124، وصححنا عبارة الأصل طبقا للمصدر.
40

الربا والميتة ولحم الخنزير ونكاح الأخوات، وإظهار الأكل والشرب بالنهار في
شهر رمضان، واجتناب صعود مسجد المسلمين، واستعملوا الخروج بالليل عن
ظهراني المسلمين والدخول بالنهار للتسوق وقضاء الحوائج، فعلى من قتل واحدا
منهم أربعة آلاف درهم ومر المخالفون على ظاهر الحديث، فأخذوا به ولم يعتبروا (1)
الحال، ومتى آمنهم الإمام وجعلهم في عهده وعقده وجعل لم ذمة ولم ينقضوا
ما عاهدهم عليه من الشرائط التي ذكرناها، وأقروا بالجزية فأدوها فعلى من قتل
واحدا منهم خطأ دية المسلم - إلى أن قال -: ومتى لم يكن اليهود والنصارى
والمجوس على ما عوهدوا عليه من الشرائط التي ذكرناها، فعلى من قتل واحدا منهم
ثمانمأة درهم ".
وهو - مع أنه مخالف لما عرفت - تفصيل لا يستفاد من النصوص. كالتفصيل
المحكي عن أبي علي، قال: " أما أهل الكتاب الذين كانت لهم ذمة من رسول
الله صلى الله عليه وآله، ولم يغيروا ما شرط عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله، فدية الرجل منهم أربعمأة
دينار أو أربعة آلاف درهم، وأما الذين ملكهم المسلمون عنوة ومنوا عليهم باستحيائهم
كمجوس السواد وغيرهم من أهل الكتاب والجبال وأرض الشام فدية الرجل منهم
ثمانمأة درهم " والله العالم.
(ولا دية لغير أهل الذمة من الكفار) بلا خلاف أجده للأصل (ذوي
عهد كانوا أو أهل حرب، بلغتهم الدعوة أولم تبلغ‍) - هم بل في محكي الخلاف (2)
" من قتل من لم تبلغه الدعوة لم يجب عليه القود بلا خلاف وعندنا أيضا لا يجب عليه
الدية " بل في الموثق (3) " عن دماء المجوس واليهود والنصارى، هل عليهم وعلى
من قتلهم شئ إن غشوا المسلمين وأظهروا العداوة لهم والغش؟ قال: لا إلا أن
يكون متعودا لقتلهم "، بل ربما كان في بعض نصوص دية أهل الذمة إشعار باختصاص

(1) " ولم يغيروا الحلال " كذا في الأصل.
(2) الخلاف ج 2 ص 395.
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
41

شرعية الدية بهم.
وكذا لا دية لمن لا يقر على ديته لارتداده وانتقاله من دين إلى آخر وإن كان
يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا.
(ودية العبد قيمته) نصا (و) فتوى نعم (لو تجاوزت دية الحر ردت
إليها) فإن كان مسلما ردت إلى ديته وإن كان ذميا فإلى ديته (1) والأمة كالحرة
في ذلك كله كما تقدم الكلام فيه مفصلا.
(وتؤخذ من مال الجاني الحر إن كانت الجناية عمدا أو شبه عمد ومن عاقلته
إن كانت خطأ) بلا خلاف معتد به بل ولا إشكال لاطلاق الأدلة، بل عن المبسوط
والخلاف الاجماع عليه، خلافا للمحكي عن أبي علي فجعلها في ماله في الخطأ أيضا
لأنه مال، واستحسنه في محكي المختلف، بل ربما حكي عن ظاهر الإيضاح أو
صريحه، ولكنه غير محقق.
(ودية أعضائه وجراحاته مقيسة على دية الحر فما فيه ديته ففي العبد قيمته
كاللسان والذكر) وما فيه نصف ديته كاليد ففي العبد نصف قيمته، (لكن لو جنى
عليه جان بما فيه قيمته لم يكن لمولاه المطالبة إلا مع دفعه) ولا بعضها مع العفو
عن الزائد على إشكال، وخصوصا مع تعدد الجناية كقطع اليدين، دون قطع الأنف،
كما تقدم الكلام في ذلك كله وفي دليله من النص وغيره، بل (و) في أن (كل
ما فيه مقدر في الحر من ديته (2) فهو في العبد كذلك من قيمته) من غير فرق
بين قطع الأعضاء وبين الشجاج.
(ولو جنى عليه جان بما لا يستوعب قيمته كان لمولاه المطالبة بدية الجناية
مع إمساك العبد) الذي هو باق على ملكه، (وليس له دفع العبد
والمطالبة بقيمته) للأصل وغيره كما ليس للمجني عليه إيقاف الدفع

(1) في الأصل " إلى ديته ديته " والظاهر زيادة الثانية.
(2) من دية (ن ل).
42

على ذلك.
(وما لا تقدير فيه من الحر ففيه الأرش و) حينئذ (يصير العبد أصلا
للحر فيه) كما صار أصلا له بماله مقدر.
(ولو جنى العبد على الحر خطأ لم يضمنه المولى، ودفعه إن شاء، أو فداه
بأرش الجناية،) أو بأقل الأمرين، (والخيار في ذلك إليه، ولا يتخير المجني
عليه) بخلاف العمد، (وكذا لو كانت جنايته لا تستوعب ديته) أو قيمته،
(تخير مولاه في دفع الأرش (1)، أو تسليم العبد ليسترق منه بقدر تلك الجناية،
ويستوي في ذلك كله القن والمدبر ذكرا كان أو أنثى، وفي أم الولد تردد)
على ما مضى (والأقرب أنها كالقن وإذا دفعها المالك في جنايتها استرقها المجني
عليه أو ورثته، وفي رواية (2) " جنايتها على مولاها ") كما تقدم الكلام في ذلك
مفصلا بل قد تكرر جملة من ذلك في كتاب الغصب، وفي كتاب الاستيلاد، وفي
كتاب القصاص، بل وفي بحث بيع أم الولد فلاحظ وتأمل.
(أما المباشرة)
(فضابطها) صدق نسبة (الاتلاف) إليه ولو بايجاد علته (لا مع القصد إليه)
وإلا لاقتضت القصاص كما عرفت الكلام فيه سابقا وإنما هي هنا (نحو أن يرمي غرضا

(1) في الأصل: " أرش الجناية ".
(2) الوسائل الباب - 43 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
43

فأصاب إنسانا أو كالضرب للتأديب فيتفق الموت منه) الذي عن المشهور نفي
الخلاف عن الضمان في ماله فيه للزوجة، لأنه مشروط بإسلامه، وإن توقف فيه
بعض، باعتبار كونه من التعزير السائغ فلا يستعقب ضمانا كما تقدم في
الحدود.
نعم لو كان من الأب أو الجد أو وصيهما للطفل، فظاهرهم الاتفاق على
الضمان به، بل عن بعض الاجماع صريحا، كما عن ظاهر إجارة المبسوط الاجماع
أيضا على ضمان المعلم للصبيان، بل عن غير واحد التصريح به، قيل لأنه أجير
والأجير يضمن بجنايته وإن لم يقصر، ولعل الأوفق بالعمومات الضمان في الجميع،
من غير فرق بين الزوجة والصبي وغيرهما مع حصول التلف بالفعل الذي لم يقصد به
القتل ولا هو مما يقتل غالبا، وكأن ذكر المصنف للمثالين لبيان عدم اختصاص
المباشرة الموجبة للدية بشبه العمد، بل هي تكون فيه وفي الخطأ المحض
الذي هو منه.
(و) كيف كان ف‍ (- تتبين هذه الجملة بمسائل).
(الأولى:)
(الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصرا أو عالج طفلا أو مجنونا
لا بإذن الولي أو بالغا لم يأذن) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل في التنقيح
" الطبيب القاصر المعرفة ضامن لما يتلفه بعلاجه إجماعا، وكذا العارف إذا عالج
صبيا أو مجنونا أو مملوكا من غير إذن من الولي والمالك، أو عالج عاقلا حرا
من غير إذن فيه " (1) وفي مجمع البرهان " الطبيب ضامن لما يتلف بعلاجه إن قصر
سواء كان حاذقا أم لا، بإذن المريض ووليه أم لا والظاهر عدم الخلاف في ذلك وكذا
يضمن لو عالج طفلا أو مجنونا مع عدم إذن الولي، " (2) وفي الرياض " هذا الحكم

(1) التنقيح ص 818 من مخطوط عندنا، وفيه " من غير إذن منه ".
(2) مجمع البرهان كتاب الديات، ص 1.
44

مما لم أجد خلافا فيه في صورة ما لو كان الطبيب قاصرا في المعرفة، أو عالج من غير
إذن من يعتبر إذنه، وبنفي الخلاف هنا صرح المولى المقدس الأردبيلي، بل في
التنقيح عليه الاجماع " (1).
قلت: قد سمعت ما وجدنا فيهما، وعلى كل حال فلا إشكال في شئ من ذلك
في صورة الإذن للقاصر المعلوم قصوره عند الإذن، فإنه قد يقال بسقوط الضمان
فيه بسبب الإذن، بناء على سقوطه بالإذن في الجناية أو في العلاج وإن ترتب التلف
عليه، وإن كان الأقوى الضمان في الفرض، لقاعدة الضمان على كل متلف، وخصوصا
في الدماء التي ورد فيها " أنه لا يبطل دم امرء مسلم " (2) والإذن كعدمها بعد
النهي عنه شرعا كما تقدم الكلام في نظيره سابقا، بل لو جوزنا المباشرة للحاذق
بلا إذن لقاعدة الاحسان أو أوجبناها عليه مقدمة لحفظ النفس المحترمة كما في
خبر أبان بن تغلب (3) عن الصادق عليه السلام، لا ينافي ذلك الضمان الذي هو من باب
الأسباب كما في تأديب الزوجة والصبي ونحوهما، فتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (- لو كان الطبيب) في العلم والعمل (عارفا وأذن له
المريض في العلاج) ولم يقصر هو فيه (ف‍) - عالج و (آل) علاجه (إلى
التلف) في النفس أو الطرف (قيل) والقائل ابن إدريس: (لا يضمن) للأصل
و (لأن الضمان يسقط بالإذن ولأنه فعل سائغ شرعا) فلا يستعقب
ضمانا.
قال في السرائر: " من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من ولي من يطببه
أو صاحب الدابة وإلا فهو ضامن إذا هلك بفعله شئ من ذلك. هذا إذا كان الذي
يجني عليه الطبيب غير بالغ أو مجنونا، وأما إذا كان عاقلا مكلفا وأمر الطبيب

(1) رياض المسائل ج 2 ص 596.
(2) الوسائل الباب - 46 - من أبواب القصاص الحديث 2 والباب - 10 -
من أبواب دعوى القتل وما يثبت به، الحديث 5.
(3) الكافي ج 8 ص 345.
45

بفعل شئ ففعله على ما أمر به فلا يضمن الطبيب، سواء أخذ البراءة من الولي أم لم
يأخذها، والدليل على ذلك أن الأصل براءة الذمة والولي لا يكون إلا لغير المكلف،
فأما إذا جنى على شئ لم يؤمر بقطعه ولا بفعله فهو ضامن سواء أخذ البراءة من
الولي أم لم يأخذها " (1).
(وقيل) والقائل الفاضل والشهيدان وغيرهم، بل والشيخان وابن البراج
وسلار وأبو الصلاح وابن زهرة والطبرسي والكيدري ونجيب الدين على ما في غاية
المراد: (يضمن لمباشرته الاتلاف) وإن لم يصرحوا أو أكثرهم بالإذن
(و) كيف كان ف‍ (- هو أشبه) بأصول المذهب وقواعده وفاقا لمن عرفت، بل
قال المصنف في النكت: " الأصحاب متفقون على أن الطبيب يضمن ما يتلفه بعلاجه "
وفي الغنية الاجماع على ذلك أيضا، وهو الحجة بعد قاعدة الضمان على المتلف، والإذن
في العلاج ليس إذنا في الاتلاف، والجواز الشرعي لا ينافي الضمان كما في الضرب
للتأديب، نعم لما لم يكن ذلك عمدا له لم يقتص منه مضافا إلى خبر السكوني (2)
الذي تسمعه إن شاء الله، بل قيل: وإلى ما حكي من تضمينه عليه السلام الختان القاطع
لحشفة الغلام، بل عن ابن إدريس نفى الخلاف عن صحة مضمونه، وإن كان فيه أنه
قضية في واقعة محتملة لتفريط الختان بقطع الحشفة الذي لم يؤمر به، وعدمه، ولكن
ما ذكرناه كاف في إثبات المطلوب.
وعلى كل حال (فإن قلنا لا يضمن فلا بحث وإن قلنا) إنه (يضمن فهو
يضمن في ماله) بلا خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال للأصل، وظاهر الخبر (3) الآتي،
ولأنه من شبه العمد بقصده الفعل دون القتل، وقد عرفت أن الدية فيه على الجاني
كما هو واضح.
(وهل يبرء) الطبيب (بالابراء قبل العلاج؟ قيل: نعم) يبرء، والقائل
الشيخان وأتباعهما وأبو الصلاح وابن البراج في ظاهر المهذب أو صريحه في كتاب

(1) السرائر كتاب الحدود باب النفوس وغيرها.
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 24 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.
46

الإجارة، والآبي وفخر المحققين والشهيد وأبو العباس والمقداد والمقدس الأردبيلي
وفاضل الرياض على ما حكي عن بعضهم، بل في المسالك أنه المشهور، وفي ظاهر
الغنية أو صريحها الاجماع عليه (لرواية السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: " من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلا
فهو ضامن " ولأن العلاج مما تمس الحاجة إليه، فلو لم يشرع الابراء
تعذر العلاج).
(وقيل) ولكن لم نتحقق القائل قبل المصنف وإن حكي عن ابن إدريس:
(لا يبرء لأنه اسقاط الحق قبل ثبوته) نعم يظهر من الفاضل التردد فيه كالمصنف
هنا حيث اقتصر على نقل القولين، ولعله مما عرفت، مضافا إلى احتمال الخبر
المزبور البراءة بعد الجناية مجانا أو على مال، احتمالا ظاهرا، وربما يرشد إليه
لفظ " وليه " على أنه ضعيف، والحاجة بمجردها لا تصلح دليلا لشرع الحكم
المخالف للأدلة، ومن هنا قال في المسالك: " وهو الوجه " بعد أن حكى ترجيحه
عن قواعد الفاضل والميل إليه عن تحريره.
ولكنه كما ترى بعد الاغضاء عما في نقله عن الفاضل ضرورة عدم منافاة
الاحتمال المزبور في الخبر الظاهر الذي هو الحجة في الأحكام الشرعية، كعدم
منافاة ضعفه، بعد انجباره بما عرفت، وتأييده بمسيس الحاجة. وذلك كله كاف
للخروج به عن قاعدة عدم اسقاط الحق قبل ثبوته، على أنه ينبغي الجزم به إذا
أخذ بعنوان الشرطية في عقد إجارة الطبيب مثلا إذ هو حينئذ يكون كاشتراط سقوط
خيار الحيوان والمجلس ونحوهما مما يندرج تحت قولهم عليهم السلام: (2) المؤمنون

(1) الوسائل الباب - 24 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 3 و 5 و 7، والباب - 20 -
من أبواب المهور الحديث 4 والباب - 32 - من أبواب المتعة الحديث 9 والباب - 6 -
من أبواب الخيار الحديث 1 و 2، ولفظ الرواية في غير الرابع هكذا: " المسلمون عند
شروطهم " راجع رسالة " الشرط وآثاره " للمرحوم الحاج الميرزا أبي الفضل القمي
الزاهدي طبع قم.
47

عند شروطهم " بل ربما ظهر من الأردبيلي الاكتفاء بالشرط مطلقا، وإن كان فيه أنه
إن لم يكن في ضمن عقد وعدا أو كالوعد لا يجب الوفاء به.
كل ذلك مضافا إلى إمكان القطع به في مثل الأموال التي منها ما هو محل
البيطرة ضرورة أنه إذن في الاتلاف على وجه يجري مجرى أفعال العقلاء نحو
غيره من الاتلافات.
ومنه يعلم الوجه في غير المال مما له الإذن فيه إذا كان جاريا مجرى أفعال
العقلاء كما في العلاج. وليس هذا من الابراء قبل ثبوت الحق، بل من الإذن في
الشئ المقتضية (1) لعدم ثبوته، نحو الإذن في أكل المال مثلا، والظاهر اعتبار
إذن المريض في ذلك مع فرض كونه كامل العقل، ولا يكفي إذن الولي، إذ لا ولي
له في هذا الحال، وإنما هو أولى بنفسه، وكون الولي هو المطالب بعد ذلك لا يرفع
سلطنته الآن على نفسه، وما في الخبر المزبور (2) محمول على إرادة الولي في
ذلك الشامل للمريض ورب المال.
وقول الشهيد في غاية المراد وغيره باعتبار إذن الولي أو المريض، محمول
على التفصيل الذي ذكرناه، لا أن المراد، الاكتفاء بإذن الولي مع كمال
عقل المريض.
وقال المصنف في النكت في الخبر: " وإنما عدل إلى الولي لأنه هو المطالب
على تقدير التلف، فلما شرع الابراء قبل الاستقراء لمكان الضرورة صرف إلى من
يتولى المطالبة بتقدير وقوع ما يبرء منه، ولا أستبعد الابراء من المريض فإنه
يكون فعلا مأذونا فيه والمجني عليه إذا أذن في الجناية سقط ضمانها، فكيف بإذنه
في المباح المأذون في فعله " (3) وهو إن لم يرد ما ذكرناه فمحل للنظر

(1) كذا في الأصل.
(2) أي خبر السكوني الذي مر آنفا.
(3) نكت النهاية كتاب الديات.
48

فتأمل جيدا.
هذا كله إذا تولى الطبيب العلاج بنفسه، أما إذا قال: " أظن أن هذا الدواء
نافع لهذا الداء، أو لو كنت أنا لفعلت كذا " ونحو ذلك مما لم تكن فيه مباشرة
منه وإن فعل المريض العاقل المختار أو وليه ذلك اعتمادا على القول المزبور، فإن
المتجه فيه عدم الضمان للأصل وغيره، كما أن المتجه عدم شئ عليه حيث لم يعلم
الحال لاحتمال الموت بغير العلاج.
ولعله على ذلك يحمل خبر أحمد بن إسحاق المروي في الكافي (1) في باب
النوادر في آخر كتاب العقيقة، " قال: كان لي ابن، وكان تصيبه الحصاة فقيل لي:
ليس له علاج إلا أن تبطه، فبططته فمات، فقالت الشيعة: شركت في دم ابنك،
قال: فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر فوقع: يا أحمد ليس عليك فيما فعلت
شئ إنما التمست الدواء وكان أجله فيما فعلت ".
ومنه يستفاد جواز العلاج بظن السلامة أو احتمالها.
كخبر إسماعيل بن الحسن المتطبب المروي في روضة الكافي (2) عن
الصادق عليه السلام " إني رجل من العرب، ولي بالطب بصر، وطبي طب عربي، ولست
آخذ عليه صفدا، فقال: لا بأس، قلت: إنا نبط الجرح ونكوي بالنار، قال:
لا بأس، قلت: ونسقي هذه السموم الاسمحيقون والغاريقون، قال: لا بأس قلت:
إنه ربما مات، قال: وإن مات " الحديث.
وخبر يونس بن يعقوب (3) فيها أيضا عن الصادق عليه السلام " الرجل يشرب
الدواء، ويقطع العرق، وربما انتفع به وربما قتله، قال يشرب ويقطع ".
وخبر أبان بن تغلب (4) فيها أيضا عن الصادق عليه السلام " كان المسيح عليه السلام

(1) الكافي ج 6 ص 53، وفيه حمدان بن إسحاق.
(2) الكافي ج 8 ص 193.
(3) الكافي ج 8 ص 194.
(4) الكافي ج 8 ص 345.
49

يقول: إن التارك شفاء المجروح من جرحه شريك لجارحه لا محالة، وذلك أن
الجارح أراد فساد المجروح والتارك لاشفائه لم يشأ صلاحه، فإذا لم يشأ صلاحه
فقد شاء فساده اضطرارا، فكذلك لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا، ولا
تمنعوها أهلها فتأثموا، وليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوي إن رأى موضعا
لدوائه وإلا أمسك ".
ولا يخفى عليك ما في هذه النصوص من الفوائد، منها: ما أشرنا إليه سابقا
من وجوب العلاج لمن كان له بصيرة فيه، ومنها: عدم اعتبار الاجتهاد في علم الطب،
بل يكفي للمداوي المداوي بالتجربيات العادية ونحوها مما جرت السيرة والطريقة به،
وخصوصا في العجائز للأطفال وغير ذلك.
وفي التنقيح " يجوز العلاج للأمراض، أما أولا فلوجوب دفع الضرر عن
النفس عقلا وشرعا، وأما ثانيا فلقوله (1): " تداووا فإن الذي أنزل الداء أنزل
الدواء " وقوله (2): " شفاء أمتي في ثلاث، آية من كتاب الله، ولعقة من عسل،
وشرطة من حجام، وأما ثالثا فللإجماع على ذلك " انتهى (3).
وفي المرسل (4) ما حاصله: " إن موسى عليه السلام مرض فعاده بنو إسرائيل
ووصفوا له دواء فامتنع منه، فأوحى الله إليه إن الله يأمره بذلك وإلا
لم يشفه ".
وقد ورد عنهم عليهم السلام في الطب نصوص كثيرة، ومنه المعروف بطب الأئمة عليهم السلام،

(1) المستدرك ج 3 ص 123 وراجع الوسائل الباب - 134 - من أبواب
الأطعمة المباحة.
(2) لم أجده بهذا اللفظ.
(3) التنقيح ص 818 من مخطوط عندنا، وفيه " شراط حجام " مكان " شرطة
من حجام ".
(4) روى قريبا منها في الوسائل الباب - 4 - من أبواب الاحتضار الحديث 7.
50

نعم لا بد من ملاحظة مناسبة الدواء للداء على حسب ما يكون عند العقلاء،
والله العالم.
المسألة (الثانية:)
(النائم) غير الظئر التي تسمع الكلام فيها إن شاء الله (إذا أتلف نفسا)
أو طرفا (بانقلابه أو بحركته) أو بغير ذلك من أحواله على وجه يستند الاتلاف
إليه، (قيل: يضمن الدية في ماله) كما في المقنعة والنهاية والجامع والتحرير
والإرشاد والتلخيص ومجمع البرهان، وكذا التبصرة، بل والنافع على ما حكي عن
بعضها، بل هو الذي استقر عليه رأيه في السرائر بعد أن نسبه إلى الرواية، قال:
" والذي يقتضيه مذهبنا أن الدية في جميع هذا - يعني النائم ومسألة الظئر - على
العاقلة، لأن النائم غير عامد في فعله ولا عامد في قصده وهذا أحد قتل الخطأ المحض،
ولا خلاف أن دية قتل الخطأ المحض على العاقلة، وإنما هذه أخبار آحاد لا يرجع
بها عن الأدلة، والذي ينبغي تحصيله في هذا أن الدية على النائم نفسه، لأن أصحابنا
جميعهم يوردون ذلك في باب ضمان النفوس وذلك لا تحتمله العاقلة بلا خلاف " (1)
(وقيل: في مال العاقلة) كما في السرائر في أول كلامه، والقواعد وكشف الرموز
والإيضاح واللمعة والتنقيح والروضة والمسالك، على ما حكي عن بعضها، بل نسبه
بعض إلى عامة المتأخرين (و) إن كان فيه ما فيه، نعم (هو أشبه) بأصول
المذهب وقواعده التي منها ضمان العاقلة الخطأ المحض الصادق على الفرض عرفا
باعتبار عدم القصد منه إلى الفعل ولا إلى القتل. والرواية التي (2) أرسلها ابن

(1) السرائر باب النفوس وغيرها من كتاب الحدود والديات والجنايات.
(2) وهي هكذا " وروى أن من نام فانقلب على غيره فقتله كان ذلك شبيه العمد،
يلزمه الدية في ماله خاصة، وليس عليه القود " السرائر، باب النفوس وغيرها من كتاب
الحدود والديات والجنايات.
51

إدريس غير حجة.
ومن هنا قال في كشف الرموز: " ينبغي للمحصل أن يتعجب من هذا
الكلام، ذكر أولا أنه من أخبار الآحاد ولا يرجع بها عن الأدلة، ثم رجع
عقيب كلامه مستدلا بأن الأصحاب يوردونه في ضمان النفوس. فأبصر الاستدلال
وأقضى العجب مما رأيت، على أن الدعوى غير مسلمة، فإيراد الاثنين والثلاثة
لا يكون حجة ".
وهو في محله وإيراد الأصحاب لذلك في ضمان النفوس لم يبلغ حد الاجماع
الكاشف. ودعوى - أن قتل النائم باعتبار ارتفاع الاختيار من باب الأسباب التي ضمانها
عليه دون العاقلة - كما ترى لا تستأهل جوابا. كدعوى أنه من شبيه العمد الذي
قد عرفت تفسيره.
وما في بعض النصوص - " إنما الخطأ أن تريد شيئا وتصيب غيره (1) " وفي
آخر " الخطأ من اعتمد شيئا وأصاب غيره " (2) - محمول على الحصر الإضافي،
ضرورة أولوية الفرض من ذلك في صدق الخطأ كما هو واضح.
وبذلك كله يظهر لك ما في الاستدلال بأصالة عدم ضمان العاقلة المقطوعة بما دل
على ذلك في الخطأ المحض من نص (3) وإجماع، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القصاص في النفس، الحديث 6.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.
(3) راجع أبواب العاقلة من كتاب الديات من الوسائل.
52

المسألة (الثالثة:)
(إذا أعنف) الرجل (بزوجته) مثلا (جماعا في قبل أو دبر أو
ضما فماتت ضمن الدية) في ماله (وكذا الزوجة) وفاقا للشيخين وسلار وابن
إدريس والقاضي والفاضل وولده والآبي والمقداد وأبي العباس وثاني الشهيدين
وغيرهم، على ما حكي عن بعضهم، بل في المقنعة " أن عليه الدية مغلظة " ولعله يريد
بها دية شبيه العمد، وإلا فلا دليل على التغليظ زائدا على ذلك.
نعم لا إشكال في أن عليه الدية للأصل، بعد تحقق ضابط شبه العمد الذي
هو القصد إلى الفعل دون القتل، مع عدم كون الفعل مما يقتل غالبا، وصحيح
سليمان بن خالد (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه سئل عن رجل أعنف على امرأته
فزعم أنها ماتت من عنفه، قال: الدية كاملة، ولا يقتل الرجل " بل قيل (2) إنه
رواه الصدوق عن هشام بن سالم وغير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام، وخبر زيد (3)
عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل نكح امرأة في دبرها فألح عليها حتى ماتت من
ذلك، قال: عليه الدية ".
وفي نكت النهاية " لا يقال: فعله سائغ، فلا يترتب عليه ضمان، لأنا نمنع
ولا نجيز له العنف، أما لو كان بينهما تهمة وادعى ورثة الميت منهما أن الآخر
قصد القتل أمكن أن يقال بالقسامة وإلزام القاتل القود " (4) وعن ابن إدريس
القطع به، واستحسنه في كشف الرموز.

(1) الوسائل الباب - 31 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(2) القائل صاحب الوسائل، قاله في ذيل الحديث.
(3) الوسائل الباب - 31 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2
(4) نكت النهاية، كتاب الديات.
53

ولا بأس به بعد فرض قيام التهمة المحققة للوث (1)، ولكن لا مدخلية
لعدم جواز العنف في الضمان الذي قد عرفت أنه من باب الأسباب التي لا فرق بين
الجائز منها وغير الجائز، ولعله لذا لم يفرق بين الفرض والأجنبية، وهو
كذلك، مع فرض عدم قصد القتل وعدم كون الفعل مما يقتل غالبا.
(و) لكن مع ذلك كله (في النهاية) ومحكي الجامع وظاهر المقنع،
(إن كانا مأمونين لم يكن عليهما شئ) لمرسلة يونس (2) عن بعض أصحابنا
عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل أعنف على امرأته وامرأة أعنفت على زوجها
فقتل أحدهما الآخر، فقال: لا شئ عليهما إذا كانا مأمونين، فإن اتهما ألزما
باليمين بالله أنهما لم يردا القتل " (و) لكن (الرواية ضعيفة) بالارسال
ولا جابر، محتملة لإرادة نفي القود، بل لعله متعين بملاحظة قاعدة الاطلاق
والتقييد، كما أنه يمكن حمل اليمين فيها على القسامة إثباتا للقود دون الدية،
فيكون حينئذ فيها دلالة على ما سمعته سابقا من المصنف، وعلى كل حال فهي
غير صالحة للخروج بها عن أدلة الضمان كما هو واضح.
المسألة (الرابعة:)
(من حمل على رأسه) مثلا (متاعا فكسره أو أصاب به إنسانا ضمن
جنايته) عليه وعلى المصاب (في ماله) كما صرح بالأول الشيخ والقاضي
وابن إدريس ويحيى بن سعيد والفاضل وغيرهم على ما حكى عن بعضهم، بل
لا أجد خلافا فيه، بل عن إجارة جامع المقاصد " يدل عليه النص والاجماع "
بل تكرر ذلك من الواحد منهم هنا وفي كتاب الإجارة.
نعم عن الشيخ والقاضي وابن إدريس، تقييد ذلك بما إذا لم يدفعه غيره،

(1) في الأصل " للموت " وهو غلط ظاهرا.
(2) الوسائل الباب - 31 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 4.
54

وإلا كان ضمان ذلك عليه، بل لا خلاف أجده في الثاني الذي صرح به الشيخ والحلي
والفاضلان والشهيدان وغيرهم على ما حكى عن بعضهم.
والأصل فيه الخبر الذي رواه المحمدون الثلاثة (1)، ففي الكافي
وموضع من التهذيب بطريق فيه " سهل "، وفي الفقيه وموضع آخر عن التهذيب
بطريق صحيح عن رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل حمل متاعا
على رأسه، فأصاب إنسانا فمات أو انكسر منه، قال: هو ضامن ".
لكن في المسالك " في طريق الرواية سهل بن زياد وهو ضعيف، وهي باطلاقها
مخالفة للقواعد، لأنه إنما يضمن المصدوم في ماله مع قصده إلى الفعل وخطأه
في القصد، فلو لم يقصد الفعل كان خطأ محضا، وأما المتاع المحمول فيعتبر في ضمانه
لو كان لغيره التفريط إذا كان أمينا عليه كغيره من الأموال " (2).
وتبعه في كشف اللثام قال: " والموافق للأصول أنه إنما يضمن المتاع
مع التفريط، أو كونه عارية مضمونة ونحو ذلك، وإنما يضمن المصدوم غير
الانسان في ماله، والانسان إذا تعمد الصدم دون الاتلاف ولم يكن متلفا غالبا
وإلا فهو إما متعمد، عليه القصاص، أو مخطئ محض، على عاقلته الضمان " (3).
قلت: لا إشكال في أن ذلك هو الموافق للقواعد، بل في الصحيح (4)

(1) الكافي ج 7 ص 350 التهذيب ج 10 ص 230 الفقيه ج 4 ص 111
وفيه: " هو مأمون " مكان " هو ضامن " والتهذيب ج 7 ص 222 وليس في سند الأخيرين
سهل.
(2) المسالك ج 2 ص 490.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 303.
(4) الوسائل الباب - 30 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 7 نقلا من
الكافي والتهذيب وفي الأول " الجمال " بالجيم وفي الثاني " الحمال " بالحاء، فراجع
الكافي ج 5 ص 244 والتهذيب ج 7 ص 216.
55

" في الحمال يكسر الذي يحمل عليه أو يهريقه، قال: إن كان مأمونا فليس عليه
شئ، وإن كان غير مأمون فهو ضامن " إلا أنه بعد أن كان الخبر جامعا لشرائط
الحجية، وقد عمل به من عرفت، بل ظاهره في الروضة نسبة الاطلاق إليهم أجمع،
فلا مانع من الخروج به عنها خصوصا بعد أن أيده بعض الناس " بامكان القول
بأنه من باب الأسباب، وأنه غير معلوم دخوله في الخطأ لما مر في تفسير الخطأ
في بعض الروايات، وتضمين شخص جناية شخص غيره خلاف القواعد العقلية والنقلية
فلا يصار إليه إلا في المنصوص والمجمع عليه " (1) وإن كان فيه ما لا يخفى.
والعمدة ما ذكرنا مؤيدا بالنسبة إلى ضمان المتاع بالخبر (2) " أنه أتي
بحمال كانت عليه قارورة عظيمة فيها دهن فكسرها وضمنها إياه، وكان عليه السلام
يقول: كل عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن، فسألته من المشترك؟ فقال: الذي
يعمل لي ولك ولذا " ونحوه خبر آخر (3).
بل عن المرتضى الاجماع على ضمان الأجير ما يتلف بيده ولو بغير سببه وإن،
كنا لم نتحققه، بل قيل إنه غلط عليه، والصحيح المزبور، قيل: (4) " لم نعلم به
عاملا عدا الشيخ في التهذيب، فإنه جمع به بين الأخبار " بل في الرياض " هو شاذ غير
معلوم العامل، والتفصيل بالتفريط وعدمه غير مذكور فيه، وحمل التفصيل عليه ليس
بأولى من حمله على ما إذا ادعى كسر الحمل من دون علم صاحبه به، ويكون المراد أنه
حينئذ يستحب أن لا يكلف البينة إذا كان مأمونا وإلا فهو ضامن، ويكون حينئذ سبيله
كسبيل كثير من الأخبار (5) الدالة على التفصيل " (6) وإن كان هو كما ترى، وقد

(1) مجمع البرهان للأردبيلي كتاب الديات ص 2.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 13.
(3) راجع الباب المذكور.
(4) قاله السيد جواد العاملي في مفتاح الكرامة ج 10 ص 277.
(5) راجع الوسائل الباب - 29 و 30 - من أبواب أحكام الإجارة.
(6) رياض المسائل ج 2 ص 597.
56

تقدم في كتاب الإجارة ماله نفع في المقام.
المسألة (الخامسة:)
(من صاح ببالغ) غير غافل (فمات) أو سقط فمات (فلا دية) كما
عن المبسوط والمهذب وغيرهما، وهو كذلك مع العلم بعدم استناد الموت إلى الصيحة،
بل ومع الشك للأصل، بعد فرض عدم الموت بمثله عادة. نعم لو قامت قرائن
على استناد الموت إلى ذلك على وجه تفيد العلم، اتجه حينئذ الضمان، كما هو
واضح. بل قد يتجه فيه القصاص مع قصد القتل به، وإن لم يكن مما يقتل
غالبا، بناء عليه في مثله، كما تقدم تحقيقه سابقا.
ولكن مع ذلك في القواعد إشكال، ولعله مما عرفت، ومن ظهور المقارنة
في موته منها، وقول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (1) " أي رجل فزع رجلا
على الجدار، أو نفر به عن دابته فخر فمات فهو ضامن لديته، فإن انكسر فهو
ضامن لدية ما ينكسر منه ".
ولكن ذلك كله كما ترى، ضرورة أعمية المقارنة من ذلك، بل لعلها
ظاهرة في خلافه مع فرض كون الشئ مما لا يقتل في العادة، والخبر إنما هو في
السبب المقتضي لذلك.
ومن الغريب ما في بعض شروحها من فرض الاشكال فيما لو علم موته بالصيحة،
إذ من الواضح فيه حينئذ الضمان ولا وجه للاشكال فيه.
هذا كله في العاقل غير الغافل الذي لا يموت مثله في العادة بمثلها (أما
لو كان مريضا أو مجنونا أو طفلا أو اغتفل) العاقل (البالغ الكامل وفاجأه
بالصيحة لزم الضمان) كما صرح به الفاضل وولده والشهيدان وغيرهم، بل
الظاهر القصاص مع إرادة القتل بها إذا كانت مما تقتل نادرا، بل ومع عدمها إذا

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
57

كانت مما يقتل مثله غالبا نعم تضمن الدية مع عدم ذلك وهو واضح، كوضوح الفرق
بين هؤلاء وبين العاقل.
لكن في المتن (ولو قيل بالتسوية في الضمان كان حسنا لأنه سبب الاتلاف
ظاهرا) وفيه منع الظهور فيه على وجه يترتب عليه قصاص، أو دية، بخلاف
الطفل ونحوه، اللهم إلا أن يفرض جبانا على وجه يكون كالطفل فيتجه حينئذ
فيه المساواة.
وبالجملة فالمدار على تحقق نسبة القتل إلى صيحته، ومطلق المقارنة لا
يقتضي ذلك فيما لا يقتل بالعادة. نعم لعلها كذلك فيما يقتل ولو نادرا، ولكنه
في الفرض مختلف بالنسبة إلى كيفية الصيحة وفي سامعها وفي زمانها ومكانها وغير
ذلك من أحوالها. وبالتأمل في ذلك يظهر لك عدم تنقيح للمسألة في كلامهم كما
لا يخفى على من لاحظه.
وعلى كل حال فحيث يجب الدية فهي في ماله للأصل، وكونه من شبيه
العمد الذي قد عرفت تفسيره، وظاهر الحسن المزبور (1) (و) لكن في المتن
وغيره (قال الشيخ: الدية على العاقلة) ونحوه عن المهذب وفي المسالك " جعلا
له من باب الأسباب " (2) (و) فيه أن ذلك يقتضي كون الضمان عليه لا العاقلة
كما سلف له سابقا نعم (فيه إشكال) كما في القواعد وغيرها (من حيث
قصد الصائح إلى الإخافة) نحو الضرب للتأديب (فهو) من (عمد الخطأ)
الذي ديته عليه دون العاقلة.
(وكذا البحث لو شهر سيفه في وجه انسان) أو غير ذلك مما يحصل به
الإخافة بلا خلاف، ولا إشكال في نظائر المقام، ومن هنا قال في كشف اللثام

(1) أي حسنة الحلبي وهي التي عبر عنها بالصحيحة آنفا.
(2) قال في المسالك: " وقال الشيخ في المبسوط: إن ديته على العاقلة جعلا
له من باب الأسباب وهو ضعيف.. " ج 2 ص 491.
58

" يمكن حمل كلامهما على من صاح لا بالمجني عليه بل اتفق كونه هناك وإن
عبرا بالصيحة بهما " (1) قلت: لم تحك لنا عبارة المهذب، وأما عبارة
المبسوط (2)، فقد قيل إنه ذكر أولا الصبي والمعتوه والغافل ولم يتعرض للمريض،
ثم قال في آخر كلامه: " ثم ينظر فإن كان فعله عمدا فالدية مغلظة في ماله
عندنا، وعندهم على العاقلة بلا خلاف وإن كان إنما صاح خطأ فالدية مخففة
على العاقلة بلا خلاف " وهو صريح في الموافقة مما ذكرنا فلا خلاف ولا إشكال.
هذا كله فيما إذا مات بفعل المخيف (أما لو فر فألقى نفسه في بئر أو)
من (أعلى سقف) وكان بصيرا (قال الشيخ: لا ضمان لأنه ألجأه إلى الهرب،
لا إلى الوقوع) في البئر الذي اختاره (فهو المباشر لاهلاك نفسه) وحينئذ
إن كان المخيف مسببا لذلك لكنه غير ملجئ إليه (فيسقط حكم التسبيب)
كالحافر والدافع (وكذا لو صادفه في هربه سبع فأكله) في ترجيح المباشرة
على التسبيب غير الملجئ، وقواه الشهيد، قال: " لأن الهارب إما مختار أو
مكره، فإن كان مختارا فلا ضمان، وإن كان مكرها فغايته أن يكون مثل مسألة
- اقتل نفسك وإلا قتلتك، فقتل نفسه - فإنه لا ضمان، إذ لا معنى للخلاص
عن الهلاك بالهلاك " (3) ولأن المباشر فيه أقوى من السبب، ورد " بأن
المكره هنا على تقديره من غير مباشر للقتل، فاعتبر السبب، بخلاف القاتل نفسه،
فإنه يترجح فيه المباشر على السبب فافترقا " (4) وفيه أن المفروض هنا إلقاء
نفسه بالبئر فهو حينئذ كالمباشر لقتل نفسه.

(1) قوله كلامهما أي كلام المبسوط والمهذب، وقوله بهما أي الصبي والمعتوه
ظاهرا، فراجع كشف اللثام ج 2 ص 303.
(2) راجع المبسوط ج 7 ص 158 - 159.
(3) غاية المراد للشهيد الأول كتاب الديات ص 34 من مخطوط عندنا.
(4) مفتاح الكرامة ج 10 ص 281.
59

ومنه يعلم ما عن التحرير، من أنه، " لو قيل بالضمان كان وجها " (1)
وربما كان أيضا ظاهر نسبته في المتن إلى الشيخ، إذ لعل وجهه، أنه لولا
الإخافة لم يكن الهرب، غايته اختياره طريقا سقط فيه لمرجح أولا له، وهو
كما تري.
واحتمل في غاية المراد (2) " إنه إن تساوى الطريقان في العطب ضمن
المخيف، إذ لا مندوحة، وإلا فلا، لأن له مندوحة في الطريق الآخر، وكذا
احتمل الضمان في أكل السبع " وفي كشف اللثام (3): " ويحتمل التفصيل ".
والجميع لا يخلو من نظر، ضرورة كون الفرض اختياره الوقوع في البئر
ونحوه بسبب الإخافة، نعم لو فرض زوال عقله واختياره بسبب الإخافة المفروضة،
اتجه حينئذ الضمان باعتبار قوة التسبيب فيه على المباشرة بلا خلاف ولا إشكال.
(و) كذا (لو كان المطلوب أعمى ضمن الطالب ديته) كما عن المبسوط
والمهذب (لأنه) ب‍ (سبب) العمى صار (ملجأ) على معنى عدم بقاء
حسن اختيار له، وإن كان له قصد وشعور، فيقوى حينئذ على المباشر، بل قالا:
(وكذا لو كان مبصرا فوقع في بئر لا يعلمها أو انخسف به السقف) لمساواته
بالجهل للأعمى في عدم اختيار الوقوع (أو اضطره إلى مضيق فافترسه الأسد
لأنه يفترس في المضيق غالبا) فيكون كما لو ربط يديه ورجليه وألقاه إليه فهو
حينئذ وإن كان مباشرا، إلا أنه فرق واضح بين الاضطرار إلى المضيق وعدمه.
نعم إن علم أن في الطريق سبعا وله طريق آخر فاختاره، توجه عدم
الضمان، بل هو ليس من الاضطرار إلى المضيق في شئ.
ولو خوف حاملا فأجهضت، ضمن دية الجنين، بلا خلاف أجده فيه،

(1) التحرير ج 2 ص 262.
(2) غاية المراد كتاب الديات ص 34 من مخطوط عندنا.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 304.
60

بل عن المبسوط الاجماع عليه، مضافا إلى صدق الاتلاف، وخبر يعقوب بن سالم
المروي (1) في الكافي والتهذيب، عن الصادق عليه السلام " كانت امرأة بالمدينة
تؤتي، فبلغ ذلك عمر، فبعث إليها فروعها وأمر أن يجاء بها، ففزعت المرأة
وأخذها الطلق، فانطلقت إلى بعض الدور، فولدت غلاما واستهل ثم مات، فدخل
عليه من روعة المرأة وموت الغلام ما شاء الله، فقال بعض جلسائه: ما عليك من
هذا شئ، وقال بعضهم: وما هذا؟ قال: سلوا أبا الحسن عليه السلام، فقال لهم
أبو الحسن: لئن كنتم اجتهدتم ما أصبتم، ولئن كنتم قلتم برأيكم لقد أخطأتم،
عليك دية الصبي " ومقتضاه كمعقد إجماع المبسوط، أنه بحكم شبه عمد، ولعله
لأن الإخافة سبب في اسقاط حملها فهو جناية عليه، كوضع شئ ثقيل على ظهرها
ونحوه مما يقتضي سقوط الحمل
ولا ينافيه ما روى (2) من " أن طلحة والزبير لما انهزما يوم الجمل
فمرا بامرأة حامل، فخافت وألقت جنينها وماتا فوداهما أمير المؤمنين عليه السلام من
بيت مال البصرة " إذ لعله كان ذلك من جهة خوفها من جيوش المسلمين.
نعم في رواية أخرى (3) في نحو ذلك " أنه وزع الدية على العاقلة "،
ولعله لأن المقصود تخويفها دون سقوط الحمل، خصوصا مع عدم العلم بحملها،
وربما يأتي إن شاء الله تحقيق ذلك في الجناية على الجنين.
وعلى كل حال فلا إشكال في ضمان الجنين في الفرض، بل ولا في ضمانها
أيضا لو ماتت في ماله مع تعمده الإخافة الغير المتلفة غالبا، وإلا كان عليه القصاص،
ولو لم يتعمدها كانت الدية على العاقلة، نعم لو كان تخويفها من الإمام بحق لم يضمن،
وقضية عمر في ضمان الجنين الذي لا سبيل له عليه، والله العالم.

(1) الكافي ج 7 ص 374، التهذيب ج 10 ص 312 وفيه " ما ساءه " مكان
" ما شاء الله ".
(2) البحار ج.
(3) البحار ج.
61

المسألة (السادسة)
(إذا صدمه فمات المصدوم فديته من مال الصادم) مع قصده الصدم دون
القتل، وإن قصده أو كان الصدم مما يقتل غالبا فالقصاص، (أما الصادم لو مات
فهدر إذا كان المصدوم في ملكه أو في موضع مباح أو في طريق واسع) أو نحو
ذلك مما لا تفريط فيه من المصدوم، سواء كان الصادم قاصدا أم لا بلا خلاف أجده
في شئ من ذلك بين من تعرض له، كالشيخ والفاضل والشهيدين وغيرهم، بل
ولا إشكال.
نعم في الإرشاد " والصادم هدر ويضمن دية المصدوم في ماله إذا لم يفرط بأن
يقف في المضيق على إشكال " وهي مجملة محتملة وجوها.
منها: كون الاشكال راجعا إلى كيفية الضمان لا إلى أصله، على معنى
أنه في ماله على إشكال، لاحتمال كونه على العاقلة باعتبار عدم العلم بقصده أو
القتل، كما إذا اشتبه الحال، فهو خطأ محض يجب فيه الدية على العاقلة، وإن
كان هو كما ترى، ضرورة كون الأصل ضمانة الجناية حتى يعلم عنوان
الخطأ.
ومنها: كونه عائدا إلى ضمان الصادم دية المصدوم إذا فرط التفريط المذكور،
بأن، وقف في المضيق، ومنشأه حينئذ أنه متلف لنفسه بوقوعه في موضع يحرم عليه
الوقوف فيه، فهو المعرض لا تلاف نفسه على وجه يكون أقوى من المباشر، ومن
أنه أزهق نفسا معصومة " ولا يبطل دم امرء مسلم " (1) وصدق أنه لم يقصد
إتلاف نفسه، وعدم قصد الصادم، لا يزيل الضمان المطلق وإن أزال القصاص عنه، بل
يجب على العاقلة، وهو المحكي عن ظاهر المبسوط.

(1) الوسائل الباب - 46 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 2. والباب
- 10 - من أبواب دعوى القتل وما يثبت به الحديث 5.
62

ومنها: عوده إلى ضمان المصدوم دية الصادم والحال كونه مفرطا
كما ستعرفه.
وعلى كل حال، فعلى تقدير رجوع الاشكال إلى شئ مما سمعته واضح
الضعف، ضرورة انطباقه على الضوابط السابقة كما هو واضح.
(ولو كان) واقفا (في طريق المسلمين ضيق) فصدمه بلا قصد (قيل)
كما عن المبسوط (يضمن المصدوم ديته لأنه فرط بوقوفه في موضع ليس له
الوقوف فيه، كما إذا جلس في الطريق الضيق فعثر به انسان) مما كان السبب فيه
أقوى من المباشر، وتبعه عليه الشهيدان.
وربما أشكل بعدم إتلاف الصادم مباشرة ولا تسبيبا، وإنما حصل بفعل
الصادم، والوقوف من مرافق المشي فلا يستعقب ضمانا. وفيه أن الكلام في الوقوف
غير السائغ الذي يكون كوضع الحجر في الطريق فيعثر به انسان، وعدم المباشرة
والتسبيب لا ينافي الضمان بالشرط.
(هذا) كله ما (إذا كان لا عن قصد و) أما (لو كان قاصدا) لذلك
(وله مندوحة فدمه هدر) قطعا (وعليه ضمان المصدوم) نفسا أو دية على
ما عرفت، والله العالم.
المسألة (السابعة)
(إذا اصطدم حران) بالغان عاقلان قاصدان لذلك دون القتل ولم يكن
مما يقتل غالبا (فماتا ف‍) - هو من شبه العمد، لكن يكون (لورثة كل واحد منهما
نصف ديته ويسقط النصف) الآخر (وهو قدر نصيبه، لأن كل واحد منهما تلف بفعله
وفعل غيره) فيهدر النصف مقابل فعله ويضمن شريكه النصف، بلا خلاف أجده،
بيننا، بل ولا إشكال، نعم عن بعض العامة وجوب الدية تامة لكل منهما على الآخر،
63

ولا ريب في ضعفه.
ولا فرق فيما ذكرنا بين المقبلين والمدبرين والمختلفين والبصيرين والأعميين
والمختلفين، ولا بين وقوعهما مستلقيين أو منكبين أو مختلفين، خلافا لأبي حنيفة
فأوجب الضمان عليهما في الأول، أما إذا وقعا منكبين فدمهما هدر، لأن
الانكباب يحصل بفعل المنكب لا بفعل الآخر، ولو وقع أحدهما منكبا والآخر
مستلقيا فالمنكب هدر (و) هو واضح الفساد بل (يستوي في ذلك) أيضا
(الفارسان والراجلان) بل (والفارس والراجل) إذا فرض طويلا مثلا. (و) إن
كان (على كل واحد منهما نصف قيمة فرس الآخر إن تلف بالتصادم) بل لا فرق
بين اتحاد جنس المركوب واختلافه وإن تفاوتا في الشدة والضعف، بل ولا في الراجلين
بين أن يتفق سيرهما قوة وضعفا أو يختلف، بأن كان أحدهما يعدو، والآخر يمشي،
لأن الاصطدام والحركة المؤثرة إذا وجدت منهما جميعا، اكتفى به ولم ينظر
إلى مقادير المؤثر وتفاوت الأثر كالجراحة الواحدة والجراحات، نعم لو كانت
إحدى الدابتين ضعيفة بحيث يقطع بأنه لا أثر لحركتها مع قوة الدابة
الأخرى فلا يناط بحركتها حكم، كغرز الإبرة في جلدة العقب مع الجراحات
العظيمة.
(و) على كل حال (يقع التقاص في الدية) والقيمة، ويرجع صاحب
الفضل إن كان فيهما أو في أحدهما على تركه الآخر.
نعم لو لم يعتمد الاصطدام بأن كان الطريق مظلما أو كانا أعميين أو غافلين،
فالدية على عاقلة كل منهما، ولا تقاص إلا أن تكون عاقلة كل منهما ترثه،
وإن تعمده أحدهما دون الآخر فلكل حكمه. وضمان المركوب لا مدخلية
للعاقلة فيه.
وفرق واضح بين المقام الذي اشتركا معا فيه في الجناية، - ولذا أهدر النصف -
وبين ما إذا عثر انسان بجالس فماتا معا، فإن الدية واجبة لا يهدر منها شئ،
64

وذلك لأن كلا منهما قد مات بسبب انفرد به صاحبه، إذ الجالس قتل العاثر
مباشرة، والعاثر مات بسبب كان من الجالس، فهو كما لو حفر بئرا في غير ملكه ثم
جاء رجل فجرح الحاضر وسقط الجارح في البئر، فإن الجارح قتل الحافر مباشرة،
والحافر قتل الجارح بالتسبيب، فتأمل جيدا.
هذا كله مع عدم قصد القتل بالاصطدام (وإن قصداه أي القتل) أو أحدهما
أو كان بحال يقتل مثله غالبا (فهو عمد) يجري عليه حكمه فيهما أو في العامد
منهما خلافا لأبي حنيفة فجعله خطأ محض أو عن بعض الشافعية أنه شبيه عمد
بناء على أن الاصطدام لا يقتل غالبا، وهو واضح الضعف.
وفي معنى التصادم ما لو تجاذبا حبلا فانقطع وسقطا وماتا، لكن عن أبي
حنيفة عكس الحكم السابق هنا، فقال " إن كان وقعا منكبين فعلى عاقلة كل واحد
منهما دية الآخر، وإن وقعا مستلقيين فهما هدر، لأن انكباب كل واحد منهما
يكون بفعل الآخر، والاستلقاء يكون بفعله لا بفعل الآخر، نقيض ما سبق " وهو
كما ترى، ضرورة عدم انضباط الأمر.
هذا إذا كان المتجاذبان مالكين للحبل أو غاصبين، أما لو كان أحدهما مالكا
والآخر غاصبا فدم الغاصب هدر كما هو واضح.
ولو قطعه ثالث عند تجاذبهما ضمنهما في ماله أو عاقلته، مالكين كانا أو
غاصبين أو مختلفين، وإن تعدى الغاصب بالإمساك والجذب، فإن المباشر
هو القاطع.
نعم لو كان هو المالك وهما الغاصبان، أمكن عدم الضمان.
ولو علت الدابتان وجرى الاصطدام والراكبان مقلوبان احتمل الهدر في
الجميع الراكب والمركوب، لكونه من جناية الدواب غير الصائلة فهو كالتلف
بالآفة السماوية، وكونهما كغير المقلوبين لأن الركوب كان بالاختيار وهو
لا يقصر عن حفر البئر في الضمان، خصوصا مع ملاحظة ضمان الراكب ما تتلفه الدابة،
والله العالم.
65

(أما لو كانا) أي المصطدمان (صبيين) أو مجنونين أو بالتفريق
(والركوب منهما فنصف دية كل واحد منهما على عاقلة الآخر) بلا خلاف،
لأن عمدهما خطأ، ولا تقصير من الولي، ولذا لا يضمن ما يقع منه، للأصل وغيره،
وضمان الدابتين عليهما كغيرهما مما يتلفانه من الأموال.
(ولو أركبهما وليهما) لمصلحتهما (فالضمان على عاقلة الصبيين)
أو المجنونين دون الولي (لأن له ذلك) فلا تقصير منه كما لو ركبا بأنفسهما،
(و) كما لو حفر بئرا في ملكه فتردى فيه آخر. نعم مع عدم المصلحة يضمن الولي
لعدوانه حينئذ كما (لو أركبهما أجنبي فإن ضمان دية كل منهما بتمامها على
المركب) بلا خلاف، وكذا دابتيهما، لعدم قصور إركاب الطفل عدوانا عن حفر
البئر كذلك، فيضمن ما يترتب عليه، وإن كان بعمد الصبي الذي جعله الشارع بحكم
الخطأ، وحينئذ فإن كان واحدا ثبت عليه دية الصبيين وقيمة الدابتين، وإن كان
اثنين مثلا ثبت على كل واحد نصف قيمة كل واحدة من الدابتين، لأن الذي
أركبه متعديا أتلف النصفين فيضمنه، ويجب على كل واحد نصف دية
الراكب.
لكن في كشف اللثام وعن المبسوط " أن دية الراكب على عاقلة المركب "
وفيه أنه سبب، فيتجه عليه كما هو ظاهر.
(ولو كانا) أي المصطدمان (عبدين بالغين) عاقلين (سقطت جنايتهما)
بلا خلاف، بل ولا إشكال (لأن نصيب كل واحد منهما هدر) باعتبار كونه
الجاني على نفسه (وما على صاحبه) من النصف الآخر (فات بتلفه) لأن
جناية العبد تتعلق برقبته (و) من هنا (لا يضمن المولى) سواء كانت
جنايته عمدا أو خطأ، ولو كان أحدهما عبدا والآخر حرا فلا شئ
لمولاه ولا عليه.
أما الثاني فلما عرفت من تعلق جنايته برقبته وقد فاتت، وأما الأول
66

فلأنه كما جنى عليه الحر جنى هو على الحر، فيتقاصان وإن زاد نصف قيمته على
نصف دية الحر، إذ لا عبرة بالزيادة عندنا، هذا.
ولكن وفي المسالك " فإن ماتا وجب نصف قيمة العبد في تركة الحر، ويتعلق
به نصف دية الحر، وما تعلق برقبة العبد إذا فات يتعلق ببدلها، كما أن الجاني
الذي تعلق الأرش برقبته إذا قتل انتقل إلى قيمته، ثم إن تساويا تقاصا بناء
على أن نقد البلد الذي تجب فيه القيمة أحد أفراد الدية، ولو كان نصف القيمة أكثر
وأوجبناها فللسيد أخذ الزيادة من تركة الآخر وإلا فلا، وإن كان نصف الدية
أكثر فالزيادة مهدرة (1) لأنه لا محل يتعلق به " (2).
وفيه ما لا يخفى عليك في قوله " بناء " أولا وقوله " وأوجبناها "
ثانيا.
نعم لو فرض كون الحر ذميا أو امرأة مثلا أمكن استحقاق الزيادة،
والله العالم.
ولو مات العبد خاصة فنصفه هدر وتجب نصف قيمته وتكون على الحر
كقيمة الفرس، وإن مات الحر خاصة وجب نصف ديته وتتعلق برقبة العبد
كما هو واضح.
(ولو اصطدم حران فمات أحدهما فعلى ما قلناه يضمن) الحر (الباقي
نصف دية التالف) والنصف الآخر هدر لأنه من جنايته (و) لكن (على
رواية عن أبي الحسن موسى عليه السلام يضمن الباقي) تمام (دية الميت) وهي رواية
موسى بن إبراهيم المروي (3) عنه، " قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في فارسين
اصطدما فمات أحدهما، فضمن الباقي دية الميت " (و) لكن (الرواية) -
مع أنها (شاذة) لم نجد بها عاملا، وضعيفة - محتملة لضعف صدمة الميت

(1) مهدور (ن ل).
(2) المسالك، ج 2 ص 492.
(3) الوسائل الباب - 25 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
67

بحيث علم عدم الأثر لها.
(ولو تصادم حاملان) فأسقطتا وماتتا (سقط نصف دية كل واحدة)
منهما بجنايتها على نفسها (وضمنت (1) نصف دية الأخرى) كما لو تصادم
الرجلان و (أما الجنين فيثبت في مال كل واحدة نصف دية جنين كامل (2)
مع القصد إلى الاصطدام وإلا فعلى العاقلة، وإن لم يعلم ذكورة الجنين وأنوثته
فربع دية الذكر وربع دية الأنثى.
ويجب أيضا في تركة كل واحدة أربع كفارات، كفارة لنفسها، وكفارة
لجنينها، وثالثة لصاحبتها، ورابعة لجنينها، لأنهما اشتركتا في هلاك الأربعة،
وسيأتي أن الكفارة تجب مع الاشتراك على كل واحد من الشريكين، كملا، كما
تجب على المنفرد، وكذلك تجب على قاتل نفسه، والله العالم.
المسألة (الثامنة)
(إذا مر بين الرماة) في مكان مباح له المرور فيه (فأصابه سهم)
أحدهم مثلا (فالدية على عاقلة الرامي) بلا خلاف أجده بين من تعرض له،
كالفاضلين والشهيدين وغيرهم، لكونه مخطئا في فعله وفي قصده (و) إلا كان عليه القود
أو الدية في ماله كما عرفته مكررا نعم (لو ثبت أنه قال: حذار) وسمع المار
وكان متمكنا من العدول (لم يضمن) العاقلة بلا خلاف أجده أيضا (لما روي أن
صبيا دق رباعية صاحبه بخطره، فرفع) إلى علي عليه السلام، فأقام بينه أنه قال:
حذار، فدرأ عنه القصاص، وقال: قد أعذر من حذر) وهو خبر محمد بن الفضيل (3)

(1) وثبت (ن ل).
(2) كذا في الشرائع ولكن في الأصل هكذا: (نصف دية الجنين).
(3) الوسائل الباب - 26 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 التهذيب
ج 10 ص 207 الفقيه ج 4 ص 102 الكافي ج 7 ص 202.
68

عن الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام الذي رواه المحمدون الثلاثة، بل هو في التهذيب
والكافي صحيح، أو حسن كالصحيح " قال كان صبيان في زمن علي بن أبي طالب يلعبون
بأخطار لهم، فرمى أحدهم بخطره فدق رباعية صاحبه، فرفع ذلك إلى
أمير المؤمنين عليه السلام، فأقام الرامي البينة بأنه قال: حذار، فدرأ عنه القصاص وقال:
قد أعذر من حذر ".
ولعلهم فهموا نفي الدية على العاقلة من قوله: " قد أعذر من حذر " بناء
على إرادته قبول عذر المحذر على وجه لا يترتب على فعله ضمان، لا عليه ولا على
عاقلته، أو أن المراد من درء القصاص درء الضمان ولو بمعلومية عدم كون المقام
محلا له، مضافا إلى كونه أقوى في التلف من الرامي في الفرض، ولذا قيد الفاضل
وغير قول " حذار " بسماع المقتول وتمكنه من العدول وإن أطلق المصنف وغيره،
بل والخبر، ضرورة عدم الاعذار مع عدمهما. ولعل الرامي في الخبر كان بالغا
بقرينة إقامة البينة ودرء القصاص، أو المراد وليه.
وعلى كل حال فالحكم المزبور لا إشكال فيه بعد أن لم يكن خلاف، للخبر
المزبور، أو لما أشرنا إليه، بل عن الوسيلة زيادة " وإن لم يحذره وكان في ملكه
وقد دخل عليه بغير إذنه لم يضمن " ولا يخلو من وجه، خصوصا بعد ملاحظة ما ورد
من قولهم: " من دخل دار غيره بغير إذنه فدمه هدر " (1) ونحوه، من عدم ضمان
المتردي في البئر المحفورة في ملكه مع الدخول بغير إذنه، وإن كان قد
يقال بصدق القتل خطأ في الفرض وإن أثم بالدخول بغير إذن فتأمل جيدا.
(ولو كان مع المار صبي) مثلا غير مميز (فقر به من طريق السهم
لا قصدا فأصابه، فالضمان على من قربه) كما عن القاضي والتحرير (لا على الرامي
لأنه عرضه للتلف) تعريضا قويا شبيها بالمباشرة، بل عن التحرير أنه مباشر
لأنه كالدافع في البئر والرامي كالحافر (و) لكن (فيه تردد) كما في القواعد،

(1) راجع الوسائل الباب - 17 - من أبواب موجبات الضمان.
69

ومحكي المبسوط، من أنه المباشر المقدم على السبب مع الاجتماع، ولذا كان خيرة
الفخر فيما حكى عنه، " الضمان على عاقلة الرامي "
قلت: الظاهر كون الفرض من جزئيات مسألة المباشرة والتسبيب، ولا ريب
في تقديم الأول مع فرض اتحادهما في الجهل والعلم لقوة المباشرة على غيرها،
واحتمال الشركة ضعيف، فترتب حينئذ القصاص والدية على عاقلة الرامي،
أو عليه في صورة يكون شبيه عمد كما أنه لا ريب في تقديم العالم منهما
على الجاهل.
ولعل ذكر المصنف الصبي كما في القواعد ومحكي المبسوط لكونه أظهر
الأفراد وإلا فلو فرض تقديم البالغ على وجه يكون كتقديم الصبي ترتب الحكم،
ولعله لذا قال في محكي التحرير: " لو قدم إنسانا إلى هدف " (1).
ولو تقدم الصبي لنفسه ولم يقر به أحد فالضمان على الرامي مع التعمد
قصاصا أو دية وعلى عاقلته بدونه، بل في كشف اللثام وغيره: " حذر أم لا " وهو
كذلك مع فرض كونه غير مميز، أما إذا كان مميزا يعقل التحذير فقد يقال
بكونه كالبالغ خصوصا بعد إطلاق الخبر المزبور.
وعلى كل حال فقد ذكر غير واحد أن المراد الضمان على عاقلة الرامي في
صورة خطائه، وقال بعض الناس " يأتي مثله في المقرب " وفيه أنه فرق بينه
وبين المباشرة، ولذا لم أجد من قال هنا الضمان على عاقلة المقرب فتأمل جيدا
والله العالم.

(1) التحرير ج 2 ص 262 البحث 12.
70

المسألة (التاسعة:)
قد سمعت سابقا في مسألة الطبيب ما (روا) ه (السكوني عن أبي عبد
الله عليه السلام إن عليا عليه السلام ضمن ختانا قطع حشفة غلام (1) والرواية) وإن
كانت ضعيفة إلا أنها مع أن المحكي عن ابن إدريس نفي الخلاف عن صحتها
(مناسبة للمذهب) لأصالة الضمان كما سمعته في الطبيب وإن كان حاذقا ومأذونا
لأن فعله شبيه عمد إلا أن يأخذ البراءة على ما سمعته سابقا، واحتمال حمل
الخبر المزبور على خصوص المفرط لا حاجة إليه كما هو واضح، والله العالم.
المسألة (العاشرة:)
(ولو وقع من علو على غيره فقتله فإن قصد) ذلك (وكان الوقوع مما
يقتل غالبا) أو قصد القتل به (فهو قاتل عمد) يترتب عليه حكمه (وإن كان
لا يقتل غالبا) وقصد الوقوع عليه دون قتله (فهو شبيه عمد يلزمه الدية في
ماله) كغيره من أفراده (وإن وقع مضطرا إلى الوقوع أو قصد الوقوع لغير
ذلك ف‍) - في الكتاب والقواعد ومحكي التحرير والإرشاد والتلخيص وغيرها (هو
خطأ محض والدية فيه على العاقلة) وهو واضح في الثاني، (أما) الأول ففي
كشف اللثام " إن كان المراد به ما يزول معه القصد إلى الوقوع، أو الوقوع على الغير
فهو كما (لو ألقاه الهواء) وسيذكر أنه لا ضمان، وإن أراد الالجاء لا إلى
زوال القصد فلا فرق بينه وبين غيره في عدم كونه خطأ إلا إذا لم يقصد الوقوع على
الغير فلا معنى للعطف بأو " (2).

(1) الوسائل الباب - 24 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 303 مع اختصار.
71

ونحوه عن الأردبيلي، بل أطنب في كشف اللثام حتى اعترف بالعجز عن
فهم كلامهم.
وقد يدفع بأن المراد وقع مضطرا على وجه يسند الفعل إليه وإن ليكن
مختارا، بل لو كان كالمجنون والنائم ممن يكون له قصد يسند الفعل به إليه عرفا
وإن لم يكن له اختيار قصد وهو من الخطأ المحض كما عرفته في النائم
أما لو ألقته الريح (أو زلق) أو نحوهما مما لا يسند إليه فعل (فلا
ضمان) عليه ولا على عاقلته، بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، وبذلك
افترق عن الأول، ضرورة عدم صدق نسبة القتل (1) إليه مضافا إلى صحيح محمد
ابن مسلم (2) عن أحدهما عليهما السلام " في الرجل يسقط على الرجل فيقتله فقال: لا شئ "
وصحيح عبيد بن زرارة (3) " سأل الصادق عليه السلام عن رجل وقع على رجل فقتله
قال: ليس عليه شئ " والخبر أو الحسن أو الموثق (4) " سأله عن رجل وقع على
رجل من فوق البيت فمات أحدهما فقال: ليس على الأعلى شئ ولا على الأسفل
شئ " بناء على كون المراد منها الوقوع على الوجه المزبور، ولو لظهورها في عدم
ضمان العاقلة أيضا باعتبار استلزام تركه تأخير البيان، ولامكان كون المراد من
قوله " ليس عليه شئ " أنه لا يترتب على ذلك شئ.
ولكن مع ذلك احتمل في كشف اللثام في الفرض، كونه كمن انقلب على غيره
في النوم فقتله في وجوب الدية عليه أو على عاقلته، وأن يكون كقتيل الزحام في
وجوبها في بيت المال كما في السرائر لئلا يبطل دم امرء مسلم. وثانيهما لا يخلو
من وجه، بل حكي عن التحرير، وإن كان الأصح خلافه، ضرورة عدم قتل أحد
له بناء على ما ذكرناه، بل هو شبه المقتول بصاعقة ونحوه. أما أولهما فلا وجه له

(1) الفعل (ن ل).
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب قصاص النفس الحديث 2 و 1 و 3.
(3) الوسائل الباب - 20 - من أبواب قصاص النفس الحديث 2 و 1 و 3.
(4) الوسائل الباب - 20 - من أبواب قصاص النفس الحديث 2 و 1 و 3.
72

بعد فرض عدم نسبة الفعل إليه ولو خطأ
(و) على كل حال ف‍ (- الواقع هدر على التقديرات) كلها بلا خلاف، بل
ولا إشكال لعدم نسبة قتله إلى أحد كي يرجع عليه أو على عاقلته إلا أن يفرض
موته بوقوعه على الأسفل وكان عاديا فيكون (1) كذلك، ضرورة كونه حينئذ
كحافر البئر في وجوب الضمان عليه، والله العالم.
هذا كله لو وقع على الوجه المزبور (و) أما (لو دفعه دافع فدية
المدفوع لو مات) أو القود (على الدافع) بلا خلاف نصا وفتوى بل ولا إشكال.
و (أما دية الأسفل فالأصل أنها على الدافع أيضا) كالقصاص له كما
هو المشهور بل لا خلاف فيه بين المتأخرين إلا من نادر، ضرورة كونه كمن
هدم عليه جدارا مثلا، (و) لكن (في النهاية) ومحكي التهذيب والاستبصار
(ديته على الواقع ويرجع بها على الدافع وهي رواية عبد الله بن سنان) (2)
التي رواها المحمدون الثلاثة في الصحيح (عن أبي عبد الله عليه السلام) " في رجل
دفع رجلا على رجل فقتله، قال: الدية على الذي وقع على الرجل لأولياء المقتول،
ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه قال: وإن أصاب المدفوع شئ فهو على
الدافع أيضا ".
وحملها في كشف اللثام على أن أولياء المقتول لم يعلموا دفع الغير له (3)،
أو تطرح للاجماع كما قيل على عدم العمل بظاهرها المقتضي للقصاص على الدافع
مع قصد القتل أو كون الشئ مما يقتل غالبا فتأمل جيدا، والله العالم.

(1) في الأصل: فيكونه.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2 الفقيه ج 4
ص 108 الكافي ج 7 ص 288 التهذيب ج 10 ص 211.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 261.
73

المسألة (الحادية عشر:)
(روى أبو جميلة (1) عن سعد الإسكاف عن الأصبغ قال: قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في جارية ركبت أخرى فنخستها ثالثة، فقمصت المركوبة
فصرعت الراكبة فماتت، أن ديتها نصفان على الناخسة والمنخوسة، وأبو جميلة
ضعيف) باتفاق من تعرض له على ما قيل (فلا استناد إلى نقله) بل في سندها
محمد بن عبد الله بن مهران، وعن النجاشي والخلاصة " أنه من أبناء الأعاجم، غال
كذاب فاسد المذهب والحديث مشهور بذلك " (2) بل عن النجاشي " أن سعد
الإسكاف يعرف وينكر، وكان قاضيا " (3) وإن حكى عن الشيخ: " أنه صحيح
الحديث بل روى أنه قال له أبو جعفر: وددت أن على كل ثلاثين ذراعا قاضيا
مثلك " (4) بل فيها أيضا أبو عبد الله الظاهر أنه كنية لمحمد بن خالد البرقي،
وعن النجاشي " أنه ضعيف في الحديث " (5) وإن كان الظاهر أن المراد به روايته
عن الضعفاء والمراسيل.
وبالجملة فالسند كما عرفت، وإن اقتصر المصنف وغيره على ضعف أبي جميلة
للاتفاق عليه ومعلوميته.
وأما المتن فهو - مع أنه قضية في واقعة - لا يطابق إطلاقه الأصول في صورة
إلجاء القامصة إلى القمص، ضرورة كون المتجه حينئذ الضمان على الناخسة التي
هي أقوى في التأثير من القامصة، وخصوصا مع كون الراكبة عادية في ركوبها
لعبث أو غيره، بل وفي صورة بقاء اختيارها، إذ المتجه كون الضمان عليها، لأنها

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(2) رجال النجاشي ص 270 خلاصة الأقوال ص 252.
(3) رجال النجاشي ص 135.
(4) مجمع الرجال ج 3 ص 100 - 101 المتن والهامش.
(5) رجال النجاشي ص 258.
74

أقرب في التأثير من الناخسة مع فرض بقاء الاختيار بل وغير ذلك، ولعله لذا وغيره
قال المصنف في النكت: " إن الرواية ساقطة عندي " (1) ودعوى - انجبار السند
والدلالة بالشهرة المحكية على لسان الفاضلين والشهيد، وفي المسالك " هذه الرواية
مشهورة في هذا الباب، بل فيها وفي غاية المراد والتنقيح أنه عمل بمضمونها الشيخ
وأتباعه - يدفعها ما حكاه غير واحد من عدم العمل بها إلا من الشيخ والقاضي، فلا
يبعد إرادة الشهرة في الرواية.
(وفي المقنعة) والغنية ومحكي الاصباح والكافي (على الناخسة والقامصة
ثلثا الدية) ناسبين له إلى قضاء علي عليه السلام بذلك وفي الأولى (ويسقط الثلث
لركوبها عبثا) بل في الغنية ومحكي الكافي ذلك أيضا مع زيادة أنها لو كانت
راكبة بأجرة كانت كمال ديتها على الناخسة. وعن المفيد في الإرشاد روايته
مرسلا (2) " قال: إن عليا عليه السلام رفع إليه خبر جارية حملت جارية على
عاتقها عبثا ولعبا، فجاءت جارية أخرى فقرصت الحاملة، فقمصت لقرصتها فوقعت
الراكبة، فاندق عنقها فهلكت، فقضى على القارصة بثلث الدية وعلى القامصة بثلثها
وأسقط الثلث الباقي لركوب الواقعة، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله فأمضاه ".
وعلى كل حال ففي المتن والنافع والنكت (و) محكي المختلف
(هذا وجه حسن) لقاعدة الاشتراك، وهو كذلك مع فرضه، بل ربما جمع
بين الخبرين بإمكان إرادة ما يضمن من دية الراكبة في الخبر الأول كمالها أو
ثلثيها (3).

(1) نكت النهاية، ستة صفحات قبل آخر الكتاب.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2 مع اختلاف
في بعض الألفاظ. فراجع.
(3) قال في مفتاح الكرامة: " ويمكن أن يراد في الخبر الأول بدية الراكبة ما
يضمن من ديتها سواء كان ثلثيها أو كلها فيوافق هذا الخبر " ج 10 ص 349.
75

(وخرج متأخر) وهو ابن إدريس (وجها ثالثا فأوجب الدية على
الناخسة إن كانت ملجأة للقامصة، وإن لم تكن ملجأة للقامصة فالدية على القامصة)
واختاره في الإرشاد والإيضاح والروضة، واستحسنه في التحرير وكشف الرموز،
(و) في المتن (هو وجه أيضا غير أن المشهور بين الأصحاب هو الأول)
وفيه ما عرفت إن أراد بالأول ما سمعته من مضمون خبر أبي جميلة (1)، بل
وإن أراد ما سمعته من المفيد (2)، ضرورة عدم شهرة عليهما، وخصوصا الثاني
منهما الذي لم يدعها عليه أحد.
فلا ريب أن المتجه العمل بما ذكره ابن إدريس، لأن فعل المكره الملجأ
الذي هو كالآلة مستند إلى المكره، ولذا يضمن الدافع المقتول بوقوع المدفوع،
بخلاف ما إذا لم تكن ملجأة فإنها مستقلة بالقتل حينئذ.
لكن أشكله الشهيد " بأن الاكراه على القتل لا يسقط الضمان، وبأن
القموص ربما كان يقتل غالبا فيوجب القصاص " وفيه منع عدم إسقاطه مع وصوله
إلى حد الالجاء كما هو الفرض. وبأن القمص الذي هو النفرة لا يستلزم الوقوع
بحسب ذاته فضلا عن كونه مما يقتل غالبا فيكون من باب الأسباب لا الجنايات.
نعم لو فرض على حال يكون كذلك أو قصد القتل به لو كان على حال يقتل
نادرا اتجه القصاص.
ومن هنا قال في الرياض: " هو قوي متين لولا مخالفته للروايات المشهورة
قطعا بين الأصحاب وإن اختلف بعضها مع بعض، إلا أنها متفقة في رد هذا الوجه
وغيره من الوجوه ".
وفيه ما عرفته من عدم العمل بالأولى إلا الشيخ والقاضي كما اعترف به
سابقا، بل قال: " إن الاعتماد على هذه الشهرة المحكية مع عدم وجدان العامل
غيرهما لعله ممنوع " وأما الثانية فقد عرفت أنها مرسلة ولا شهرة تجبر العمل
بها أيضا فالمتجه حينئذ العمل بما تقتضيه القواعد، وتنزيل النصوص المزبورة على

(1) نقلنا مصدره آنفا.
(2) نقلنا مصدره آنفا.
76

ما يوافقها، خصوصا بعد أن كانت قضايا في أعيان خاصة لا تنافي التنزيل المزبور.
نعم ما عن الراوندي - من التفصيل بين بلوغ الراكبة واختيارها فما عليه
المفيد، وصغرها وكرهها فما عليه الشيخ - وكذا ما في التنقيح - من التفصيل بين
ما إذا كان الركوب عبثا فالأول، أو لغرض صحيح فالثاني إن كانت القامصة غير
ملجئة وإلا فعلى الناخسة - واضح الضعف فيما خالف القواعد منه، ضرورة عدم
شاهد له لو أريد به الجمع بين النصوص المزبورة التي قد عرفت فقدها لشرائط
الحجية في نفسها، واحتمالها ما لا ينافي القواعد لكونها من قضايا الأعيان.
ومن هنا قال في الرياض بعد أن حكاهما مضعفا لهما بعد ما سمعت: " ولو
صح الجمع بدون الشاهد لكان ما عليه الحلبي وابن زهرة في غاية القوة عملا
بروايتهما المفصلة بين كون الركوب عبثا فما في المقنعة، وكونه بأجرة فما في
النهاية، وروايتها وإن كانت مطلقة بنصف الدية، إلا أنها محمولة على صورة
الثانية حمل المطلق على المقيد، فتأمل " (1).
وإن كان فيه أن ذلك فرع الحجة أولا، وعدم ظهور كون التفصيل من
المروي وإنما هو منهما ثانيا وإلا لم يحتج إلى شاهد بعد فرض الحجة، ولعله
إلى ذلك وغيره أشار بالأمر بالتأمل.
ثم قال: " هذا مع أن الوجوه المزبورة لا تفيد الحكم في شقوق المسألة
بكليته وإنما غايتها إفادته في صورة العلم بحال الناخسة والمنخوسة، وأما صورة
الجهل بهما فليست لحكمها مفيدة، فالمسألة محل تردد وشبهة، وإن كان مختار
الحلبي (2) في الصورة الأولى لا يخلو عن قوة لامكان الذب عن الروايات
المشهورة بأنها قضية في واقعة، فيحتمل اختصاصها بالصورة الثانية، والمختار فيها
خيرة المفيد ومن تبعه للأصول المتقدمة، مضافا إلى أصل البراءة " (3) وهو كما

(1) رياض المسائل ج 2 ص 599.
(2) في الأصل: " الحلي ".
(3) رياض المسائل ج 2 ص 599.
77

ترى بعد الاغضاء عما فيه، لا يرجع إلى محصل في المسألة، خصوصا بعد ما عرفت
من عدم حجية المرسل وغيره، فكيف يجعل مضمونه أصلا يرجع إليه في
مخالف الضوابط.
والتحقيق ملاحظة القواعد في جميع الصور بعد تنزيل النصوص المزبورة على
ما لا ينافيها لأنها قضايا في أعيان، وحال الجهل يرجع فيه إلى ما يرجع في
نظائره من القرعة وغيرها، لا إلى المرسل المزبور أو الضعيف الآخر، والله العالم.
(ومن اللواحق مسائل:)
(الأولى:)
(ومن دعى غيره فأخرجه من منزله ليلا فهو له ضامن حتى يرجع
إليه) وفاقا للمشهور، بل عن ظاهر غير واحد الاجماع عليه، بل في الغنية ونكت
النهاية وغاية المراد الاجماع عليه، ولعله كذلك، فإني لم أجد فيه مخالفا إلا
ابن إدريس، ففصل بين المتهم عليه وغيره، فأثبت القسامة في الأول مع دعوى
الأولياء القتل عمدا أو خطأ مقيما للعداوة والاخراج بالليل فيه مقام اللوث،
بخلاف الثاني فإنه لا شئ عليه.
نعم قد تجشم بعض الناس فادعى الخلاف في بعض العبارات، بعد ما وسوس
هو في الحكم.
وعلى كل حال فلا ريب في فساده، حتى لو قلنا بتحقق اللوث في مثله، إذ
يمكن اخراج الفرض عن حكمه بما عرفت، مضافا إلى قول الصادق عليه السلام في خبر
عبد الله بن ميمون (1) " إذا دعى الرجل أخاه بالليل فهو ضامن حتى يرجع إلى

(1) الوسائل الباب - 37 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.
78

بيته " وإلى حسن عمرو بن المقدام أو قويه (1) " قال: كنت شاهدا عند البيت
الحرام ورجل ينادي بأبي جعفر المنصور وهو يطوف ويقول: يا أمير المؤمنين (2)
إن هذين الرجلين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فلم يرجع إلي، ووالله
ما أدري ما صنعا به! فقال لهما أبو جعفر: وما صنعتما به؟ فقالا: يا أمير المؤمنين (3)
كلمناه ثم رجع إلى منزله، فقال لهما: وافياني غدا صلاة العصر في هذا المكان،
فوافياه من الغد وحضرته، فقال لجعفر بن محمد عليهما السلام وهو قابض على يده: يا جعفر
اقض بينهم، فقال: يا أمير المؤمنين (4) اقض بينهم أنت، فقال: بحقي عليك إلا
قضيت بينهم، قال: فخرج جعفر عليه السلام فطرح له مصلى من قصب فجلس عليه ثم جاء
الخصماء، فجلسوا قدامه، فقال: ما تقول؟ فقال: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله إن هذين
طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فوالله ما رجع إلي ووالله ما أدري ما صنعا به؟
فقال: ما تقولون؟ فقالا: يا ابن رسول الله كلمناه ثم رجع إلى منزله، فقال
جعفر عليه السلام: يا غلام اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " كل
من طرق رجلا بالليل فأخرجه من منزله فهو له ضامن إلا أن يقيم البينة أنه
قد رده إلى منزله " يا غلام نح هذا واضرب عنقه، فقال: يا ابن رسول الله والله
ما قتلته أنا ولكن أمسكته فجاء هذا فوجأه فقتله، فقال: أنا ابن رسول الله، يا غلام
نح هذا واضرب عنق الآخر، فقال: يا ابن رسول الله والله ما عذبته ولكن قتلته
بضربة واحدة فأمر أخاه فضرب عنقه، ثم أمر بالآخر فضرب جنبيه وحبسه في
السجن ووقع على رأسه يحبس عمره ويضرب في كل سنة خمسين جلدة " والضعف
في السند لو سلم في الثانية منجبرة بما عرفت، فوسوسة بعض الناس في الحكم من جهة
قاعدة عدم ضمان الحر في غير محلها بعد النص والاجماع. بل الظاهر كون الرجل
والأخ فيهما مثال لمطلق الغير، فتدخل المرأة إذ لا قائل بالفرق كما في غاية المراد.

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب قصاص النفس الحديث 1 والكافي ج 7
ص 287 والتهذيب ج 10 ص 221 والفقيه ج 4 ص 117.
(2) في الأصل: " يا أمير المفسدين " وهو من الناسخ أو الشارح.
(3) في الأصل: " يا أمير المفسدين " وهو من الناسخ أو الشارح.
(4) في الأصل: " يا أمير المفسدين " وهو من الناسخ أو الشارح.
79

بل الظاهر عدم الفرق بين الصغير والكبير، بل الحر والعبد. نعم يختص الحكم
بالليل لاختصاص النصوص وفتوى الأصحاب به اقتصارا فيما خالف الأصل على
المتيقن.
وكذا لو أخرجه بالتماسه كما عن غير واحد التصريح به للقاعدة المزبورة،
وإن كان ربما احتمل عموم النص له، وأولى من ذلك ما لو دعى غيره فخرج هو، بل
لعله كذلك أيضا لو أخرجه إلى متعين عليه، كما لو أوجب. أو خيره بين الخروج
وعدمه كما عن الشهيد في الحواشي التصريح به. بل لا يضمن المستأجر لغيره، ولا
المرسل كما صرح به في القواعد، وإن استأجره ليلا إذا اختار هو الخروج ليلا
بنفسه. كل ذلك للقاعدة المزبورة إذ لم يصحبه في الخروج ليتهم بقتله،
بل لعل المتبادر من دعائه وإخراجه ذلك، فلا يعمه الخبران ولا الفتاوى ولو
للقاعدة المزبورة.
لكن في كشف اللثام " أما لو استأجره ليلا ليقود أو يسوق دابته مثلا
فأخرجه لذلك من منزله فهو داخل في اخراجه ليلا " وفيه بحث.
نعم لو كان الداعي جماعة توزع الضمان، ولو كان المدعوون جماعة ضمن
الداعي كل واحد باستقلاله لعدم الفرق في ذلك.
وكيف كان (فإن عدم) ولم يعرف حاله (فهو ضامن لديته) بلا خلاف
أجده كما اعترف به في التنقيح وغيره، بل عن الغنية وغاية المرام الاجماع على ذلك،
ولعله لثبوت الضمان، والأصل البراءة من القود وبراءة العاقلة، بل ظاهر دليل
الضمان من النص وغيره ذلك أيضا، وقوله عليه السلام في خبر ابن أبي المقدام (1): " نح
هذا واضرب عنقه " وإن كان ظاهرا في إرادة القود في الضمان في النبوي (2)، إلا

(1) قد مر آنفا.
(2) المراد بالنبوي هو الذي نقل عن أبي عبد الله عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله
في خبر أبي المقدام المتقدم.
80

أنه - مع عدم الجابر له في ذلك بل الموهن متحقق - يمكن حمله على إرادة مصلحة
التقرير وإيضاح الأمر وغير ذلك (1).
ومن هنا كان الأصح عدم منعه من الإرث بذلك، وإن توقف فيه الفاضل
لعدم ثبوت كونه قاتلا كي يكون مانعا من ترتب أثر النسب المقتضي للإرث والضمان
إنما يقتضي كونه بحكم القاتل بالنسبة إلى ذلك
(وإن وجد مقتولا وادعى قتله على غيره وأقام بينه فقد برئ) بلا
خلاف ولا إشكال، بل الاجماع بقسميه عليه (وإن عدم البينة ففي القود تردد)
من ظاهر خبر ابن أبي المقدام، وكونه أقرب إلى استيفاء المضمون من الدية التي
هي بمنزلة القيمة، ونسبته في محكي السرائر إلى رواية، ومن أصالة البراءة والاحتياط
في خطر الدماء، وأعمية الضمان منه، بل ظهوره في غيره، وخبر ابن أبي المقدام
قد عرفت الحال فيه، وإلا لاقتضى القود حتى مع عدم العلم بالحال، وقد عرفت
عدم الجابر له في ذلك بل الموهن متحقق.
(و) من هنا كان (الأصح أن لا قود) عليه بل لا أجد فيه خلافا بين
من تعرض له سوى ما يحكى عن المفيد وتبعه الفاضل في الإرشاد من ثبوت القود
إذا لم تقم البينة مع أنه احتاط بإسقاطه أيضا، بل عن ظاهر الغنية وغيرها الاجماع
عليه، بل عن النهاية نسبته إلى رواية، بل عن السرائر نسبته إلى روايات، فالحكم
حينئذ مفروغ منه.
نعم عن السرائر والمختلف أنه يثبت اللوث مع العداوة بينهما، فلو حلف
أولياء الفقيد القسامة أنه قتله اقتصوا منه إن ادعوا قتله عمدا وهو أيضا مخالف
للنص والفتوى أيضا إلا إذا أثبت مقتضى اللوث بأمر آخر زائد على ذلك، إذ
لا دليل على أنه لوث شرعا ولا تشمله عموماته، إذ ليس هو مطلق الظن كما عرفته
في محله، بل قد يظهر من بعض اخراج الفرض من حكم القسامة للنص والفتوى
وإن شملته أدلة اللوث كما أخرجاه من قاعدة عدم ضمان الحر، وإن كان لا يخلو

(1) راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 285.
81

من بحث، بناء على اعتبار الأمارات المخصوصة في اللوث على وجه لا يشمل الفرض
كما عرفت البحث فيه في محله.
وعلى كل حال فلا قود (و) لكن (عليه الدية في ماله) لما
عرفته من اقتضاء الضمان عليه نصا وفتوى مضافا إلى أصالة براءة العاقلة.
ولو لم يقر بقتله ولا ادعاه على غيره فعن المفيد وسلار وابن حمزة أن عليه القود،
وعن المختلف اشتراطه بالقسامة أنه قتله عمدا، وفي كشف اللثام " والوجه أنهم
إن لم يحلفوا القسامة ألزم البيان فإن ادعى الخطأ قبل مع يمينه وألزم الدية،
وإن ادعى على الغير فما تقدم ".
قلت: لا يخفى عليك ما في الجميع، ضرورة عدم دليل على شئ من ذلك،
وخبر ابن أبي المقدام الذي قد عرفت عدم الجابر له لا يدل على التفصيل المزبور،
فالمتجه الضمان بالدية في ماله لما عرفت.
نعم لو فرض حصول أمارة زائدة على ذلك يتحقق بها اللوث أمكن حينئذ
جريان حكمه عليه حملا للنص والفتوى على خلاف حكمه (1) من
حيث الاستدعاء والاخراج ليلا لا مطلقا فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع،
والله العالم.
(وإن وجد ميتا ففي لزوم الدية تردد) كما في القواعد وغيرها من أصل
البراءة وقاعدة الاقتصار، ومن إطلاق الضمان نصا وفتوى الظاهر في كونه بذلك
يكون كضمان المال، بل عن ابن إدريس أن به رواية، مضافا إلى قاعدة عدم بطلان
دم المسلم، وهو المحكي عن المقنعة والنهاية والمراسم والوسيلة والنافع وكشف
الرموز وتعليق النافع. بل قيل إنه أشهر، بل هو مقتضى إطلاق معقد المحكي
من إجماع الغنية.
نعم قيده في الأربعة المتقدمة بما إذا ادعى الموت حتف أنفه وعجز عن

(1) كذا في الأصل، وفي بعض النسخ حملا على حكمه.
82

إثباته، بخلاف غيرها الذي أطلق فيه ذلك سواء ادعاه وعجز عن الاثبات أو سكت،
وهو قوي مع احتمال القتل بأثر غير ظاهر. أما مع العلم بموته حتف أنفه فالمتجه عدم
الضمان، إذ هو ليس كالمال المضمون، ضرورة كون المنساق من النص والفتوى أن
الضمان من احتمال القتل، ولذا لو أقام بينة على أن القاتل غيره لم يضمنه إجماعا
كما عرفت، بل قد يقال بعدم ضمانه لو علم موته بلذع حية أو عقرب أو نحوهما مما
هو كالموت حتف أنفه في عدم الضمان لعدم احتمال قتله. وفرق واضح بينه وبين الطفل
المغصوب الذي لا يدفع الآفات عن نفسه.
وعلى كل حال فقول المصنف: (ولعل الأشبه أنه لا يضمن) كما في
محكي التحرير والمختلف للأصل المزبور مع قاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل على
المتيقن، ولكن قد عرفت قوة الأول بإطلاق الضمان الذي به ينقطع الأصل
المزبور، بل وقاعدة الاقتصار، ضرورة حجية الظاهر كالمتيقن، والله العالم.
المسألة (الثانية:)
(إذا أعادت الظئر الولد فأنكره أهله صدقت) بلا خلاف أجده فيه لصحيح
الحلبي (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل استأجر ظئرا فدفع إليها ولده
فغابت بالولد سنين، ثم جاءت بالولد وزعمت أمه أنها لا تعرفه وزعم أهلها أنهم
لا يعرفونه، قال: ليس لهم ذلك، فليقبلوه فإنما الظئر مأمونة ".
نعم عن السرائر اعتبار اليمين، وربما كان أيضا ظاهر قول المصنف وغيره
" صدقت " ولكن إطلاق النص والفتوى يقتضي عدمه، ولعل قوله فيه: " مأمونة "
دون " مؤتمنة " كي يدل على استحقاق اليمين على الأمين إذا اتهم بعد تسليم شموله
لمثل ذلك وأنه غير مختص بالمال.
وعلى كل حال فهي مقبولة القول (ما لم يثبت كذبها) لصغر سن من

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2
83

أتت به أو كبره، على وجه يعلم كونه غيره أو نحو ذلك. (ف‍) - لا يقبل قولها
حينئذ بل (تلزمها الدية) التي هي عوضه بعد أصالة البراءة من القصاص
(أو إحضاره بعينه أو من يحتمل أنه هو) بلا خلاف أجده في شئ
من ذلك.
ولا ينافي قبول قولها فيه أخيرا أنه هو، كذبها السابق حتى لو قالت إنه مات
حتف أنفه وقد علم كذبها، نعم لو لم يعلم كذبها في ذلك كان القول قولها باليمين كما
في غيرها من الأمناء أو مطلقا.
وكان أصل الضمان هنا حيث يضمن للاتفاق ظاهرا عليه، وعن الشهيد في
حواشيه " إن من قواعد الفقهاء إن الحر لا يضمن باثبات اليد، إذ لا أثر لليد في
غير المال واستثنى من هذه القاعدة ثلاث مسائل: مسألة الظئر، ومسألة المنادي غيره
ليلا، ومسألة تلف الصبي المغصوب بتلف الغاصب كلذع الحية وأشباه ذلك ".
بل ويدل عليه أيضا فحوى صحيح سليمان بن خالد (1) الوارد فيما ذكره
المصنف (و) غيره بل لا أجد فيه خلافا من أنه (لو استأجرت أخرى ودفعته
بغير إذن أهله فجهل خبره ضمنت الدية) قال " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
استأجر ظئرا فدفع إليها ولده فانطلقت الظئر فدفعت ولده إلى ظئر أخرى فغابت
به حينا ثم إن الرجل طلب ولده من الظئر التي كان أعطاها إياه فأقرت أنها
استوجرت وأقرت بقبضها ولده وأنها كانت دفعته إلى ظئر أخرى فقال: عليها
الدية أو تأتي به (2).
وعن التهذيب (3) والفقيه (4) روايته بطرق أخر ومتن آخر قد وافق الأولى

(1) الذي يأتي قريبا.
(2) الوسائل الباب - 80 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
(3) التهذيب ج 10 ص 222.
(4) الفقيه ج 4 ص 106 و 161.
84

إلى قوله: فغابت الظئر بالولد " فلا يدري ما صنع به فقال: الدية كاملة ".
بل لعله كذلك إذا لم يأذنوا بالتسليم وإن أذنوا بالاستيجار كما صرح به
في كشف اللثام.
ولو علم موته حتف أنفه عند الثانية ففي الضمان كالمال للتفريط وجه، وهل
للولي الرجوع على الثانية وجه أيضا وإن رجعت هي مع فرض الغرور، لم أجد ذلك
محررا في كلامهم، وأصالة البراءة وقاعدة عدم ضمان الحر محكمة، وقد تقدم
في كتاب الغصب بعض الكلام في ذلك.
المسألة (الثالثة:)
(لو انقلبت الظئر فقتلته لزمتها الدية في مالها إن طلبت بالمظائرة الفخر ولو
كان للضرورة فديته على عاقلتها) وفاقا للصدوق في ظاهره أو صريحه: والشيخ
والفاضل في الإرشاد، والشهيد في اللمعة على ما حكي عن بعض لخبر محمد بن مسلم (1)
عن أبي جعفر عليه السلام " أيما ظئر قوم قتلت صبيا لهم وهي نائمة فانقلبت عليه فقتلته
فإن عليها الدية كاملة من مالها خاصة إن كانت إنما ظئرت طلبا للعز والفخر،
وإن كانت إنما ظئرت من الفقر فإن الضمان على عاقلتها ".
ونحوه خبر عبد الرحمن بن سالم عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام (2) وخبر
الحسين بن خالد عن الرضا عليه السلام (3).
وهي وإن كانت ضعيفة وقلنا بأن الضعيف في الكتب الأربعة لا يعمل به،
ولا يكفي تبين المحمدين له، أو لعدم ضمانهم صحته، لكنها متعاضدة مؤيدة بما
سمعته من ضمان الظئر، وخصوصا إذا كانت مستأجرة وقلنا بضمان الأجير

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول
بأسناد متعددة نقلا من الكافي ج 7 ص 370 والتهذيب ج 10 ص 222 - 223 والفقيه
ج 4 ص 161 والمحاسن للبرقي ج 2 ص 305.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
85

لمثل ذلك.
بل في نكت المصنف: " لا بأس أن يعمل الانسان بها لاشتهارها وانتشارها
بين الفضلاء من علمائنا، ويمكن الفرق بين الظئر وغيرها بأن الظئر بإضجاعها الصبي
إلى جانبها مساعدة بالقصد إلى فعل له شركة في التلف، فتضمن لا مع الضرورة " وإن
كان في قوله: " ويمكن الفرق إلى آخره " ما لا يخفى.
هذا ولكن خيرة الفاضل في بعض كتبه وولده وثاني الشهيدين الدية على
العاقلة مطلقا.
بل في المسالك نسبه إلى أكثر المتأخرين - وإن كنا لم نتحققه - لأنه
خطأ محض، وهو كذلك لولا النصوص المزبورة.
ومنه يعلم ضعف ما عن المفيد وسلار وابني زهرة وإدريس، من أن دية الولد
على الظئر مطلقا، وإن علل بأن إضجاعها الصبي إلى جنبها شبيه بالعامد، إلا
أنه كما ترى واضح الفساد، ضرورة كونه خطأ محضا كما عرفته في النائم، ولكن
خرجت خصوص الظئر بما عرفت.
ومن هنا كان المتجه عدم إلحاق الأم بها، وإن حكي عن الشهيد في الحواشي
الالحاق.
بل الظاهر ضمان العاقلة أيضا لها إذا كانت قد ظئرت للعز والفخر (1)
ضرورة خروجه عن النصوص المزبورة، فيبقى على قاعدة الخطأ المحض،
والله العالم.

(1) في الأصل: " الفقر ".
86

المسألة (الرابعة:)
(روى عبد الله بن طلحة) كما عن الكافي والتهذيب (عن أبي عبد الله عليه السلام
في لص دخل على امرأة فجمع الثياب فوطئها قهرا فثار ولدها فقتله اللص وحمل
الثياب ليخرج، فحملت هي عليه فقتلته، فقال: يضمن مواليه دية الغلام، وعليهم
فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها، وليس عليها في قتله شئ)
ولفظها: " سألته عن رجل سارق دخل على امرأة ليسرق متاعها فلما جمع الثياب
تابعته نفسه فكابرها على نفسها فواقعها فتحرك ابنها فقام فقتله بفاس كان معه فلما
فرغ حمل الثياب وذهب ليخرج حملت عليه بالفأس فقتلته فجاء أهله يطلبون بدمه
من الغد. فقال أبو عبد الله عليه السلام: اقض في هذا كما وصفت لك فقال: يضمن مواليه
الذين طلبوا بدمه دية الغلام، ويضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم بمكابرتها
على فرجها إنه زان وهو في ماله غرامة وليس عليها في قتلها إياه شئ لأنه سارق "
وزاد في الكافي قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من كابر امرأة ليفجر بها فقتلته فلا دية له
ولا قود " (1) ورواه في الفقيه عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام (2) وعن العلامة: " طريقه إلى يونس صحيح على ما ذكره الشيخ في
الفهرست وإن لم يذكره الصدوق في مشيخة الفقيه " (3) وحينئذ فالرواية صحيحة.
فما في المسالك " من أنها ليست من الصحيح فليس إلى تكلف ردها إلى الأصول

(1) الكافي ج 7 ص 293 التهذيب ج 10 ص 208 الوسائل الباب - 23 -
من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 22 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 5، نقلا من
الفقيه ج 4 ص 164.
(3) لم أجد هذه العبارة في الخلاصة ولكنها موجودة في جامع الرواة ج 2
ص 542.
87

ضرورة " في غير محله.
نعم لم نجد عاملا بها على مخالفتها للأصول التي منها ما عرفته من أن
قتل العمد لا تضمنه العاقلة والسارق المذكور قد قتل الولد عمدا فكيف يضمن العاقلة،
ومنها وجوب مهر المثل للوطي لا خصوص الأربعة آلاف درهم، ومنها أن
السارق عليه القطع لا القتل، ومنها أن قتله وقع بعد قتله لابنها فلم لا يقع
قصاصا.
ولذلك أو بعضه صرح ابن إدريس بأنها مخالفة للأصول.
(و) لكن قد يقال إن (وجه الدية فوات محل القصاص) بناء على
أن فواته مع عدم تركه له تؤخذ منها الدية، يقتضي ثبوتها على الأقرب فالأقرب،
كما سمعته سابقا من بعضهم، بل وبعض النصوص، وإن كان فيه البحث السابق،
وربما يشهد له في الجملة خبر أبي حمزة الثمالي (1) عن أبي جعفر عليه السلام " قلت له:
دخل رجل على امرأة حامل فوقع عليها فقتل ما في بطنها فوثبت عليه فقتلته،
قال: ذهب دم اللص هدرا وكانت دية ولدها على المعقلة ".
كما أن وجه عدم وقوعه قصاصا عن ولدها (لأنها قتلته دفعا عن المال
فلم يقع قصاصا) ومنه يعلم الوجه في قتله دون قطعه (وإيجاب المال دليل على
أن مهر المثل في هذا لا يتقدر بخمسين دينارا بل بمهر مثلها) بالغا (ما بلغ)
كما عرفته في محله (و) حينئذ (تنزل هذه الرواية على أن مهر أمثال هذه
القاتلة هذا القدر).
ثم إن المصنف ذكر في نكت النهاية وجوها لذكر الشيخ مضمونها
ونحوها بلفظ الرواية دون غيرها، لا فائدة في ذكرها وإن حكاها في المسالك
على طولها.
(وروى عنه) أي عبد الله بن طلحة (عن أبي عبد الله عليه السلام) أيضا في

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العاقلة الحديث 3.
88

الكافي والتهذيب بالسند الضعيف، وفي الفقيه بالسند الذي عرفته (في امرأة أدخلت
ليلة البناء بها صديقا إلى حجلتها فلما أراد الزوج مواقعتها ثار الصديق فاقتتلا فقتله
الزوج فقتلته هي قال: يضمن دية الصديق وتقتل (1) بالزوج) ولفظه " قلت له:
رجل تزوج امرأة فلما كان ليلة البناء عمدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته
الحجلة فلما دخل الرجل يباضع أهله ثار الصديق واقتتلا في البيت، فقتل الزوج
الصديق وقامت المرأة فضربت الزوج ضربة فقتلته بالصديق، فقال: تضمن المرأة
دية الصديق وتقتل بالزوج " (2).
ولكن لم أجد بها عاملا على ظاهرها، نعم ذكره الشيخ وغيره بعنوان الرواية
(و) من هنا قال المصنف: (في تضمين دية الصديق تردد أقربه أن دمه هدر)
كما عن الحلبي والفخر والكركي التصريح به.
نعم في النكت " لعل ضمانها لأنها غرته " وعن التحرير " لأنها أخرجته
من منزله ليلا " والثاني كما ترى بعد معلومية قاتله، بل والأول بعد استفاضة
النصوص أو تواترها المتقدمة سابقا على هدر دم مثله، منها خبر الجرجاني عن أبي
الحسن عليه السلام " (3) في رجل دخل دار رجل للتلصص أو الفجور فقتله صاحب
الدار، أيقتل أم لا؟ قال: إعلم أن من دخل دار غيره فقد أهدر دمه ولا يجب
عليه شئ ".
وما في المسالك - من أنه يشكل بأن دخوله أعم من قصد الزنا فلا يدل
عليه، ولو سلم منعنا الحكم بجواز قتل من يريده مطلقا - كما ترى، ضرورة
كونه محاربا أو كالمحارب وإلا لكان الزوج ضامنا لا هي، فالأولى حمل الخبر

(1) في الأصل: تقاد وفي الشرائع: تقتل.
(2) الكافي ج 7 ص 293، التهذيب ج 10 ص 209، الفقيه ج 4 ص 165،
الوسائل الباب - 23 - من أبواب قصاص النفس الحديث 3، والباب - 21 - من أبواب
موجبات الضمان الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 27 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
89

المزبور على أنه قضية في واقعه لم تحك بتمامها فلا يتعدى منها إلى غيرها،
والله العالم.
المسألة (الخامسة:)
(روى محمد بن قيس) الثقة بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه وكون المروي
عن الباقر عليه السلام، فالرواية صحيحة في الكافي والفقيه وموضع من التهذيب (1)
(عن أبي جعفر عن علي عليهما السلام في أربعة شربوا المسكر فجرح اثنان وقتل اثنان،
فقضى عليه السلام دية المقتولين على المجروحين بعد أن ترفع جراحة المجروحين من
الدية) ولفظه: " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة شربوا مسكرا فأخذ بعضهم
على بعض السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان فجرح اثنان، فأمر بالمجروحين فضرب كل
واحد منهما ثمانين جلدة، وقضى بدية المقتولين على المجروحين، وأمر أن تقاس
جراحة المجروحين فترفع من الديات فإن مات المجروحان فليس على أحد من
أولياء المقتولين شئ ".
بل رواه في موضع آخر من التهذيب بسند آخر متصل إلى عبد الله بن
الحكم (2) " قال: سألته عن أربعة نفر كانوا يشربون في بيت فقتل اثنان وجرح
اثنان قال: يضرب المجروحان حد الخمر ويغرمان قيمة المقتولين وتقوم جراحتهما
فيرد عليهما مما أديا من الدية ".
بل عن المقنعة والنهاية والقاضي وابني حمزة وزهرة إنهم غير قادحين فيها بشئ،
وإن كان ذلك ليس صريحا في الفتوى بها.

(1) الكافي ج 7 ص 284، التهذيب ج 10 ص 240 الوسائل الباب - 1 -
من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(2) التهذيب ج 10 ص 153 - 154 وللحديث ذيل.
90

لكن في المسالك " عمل بمضمونها كثير من الأصحاب " وفي التنقيح " إن أكثر
الأصحاب عملوا بها حتى أن أبا علي قال: لو تجارح اثنان فقتل أحدهما قضى
بالدية على الثاني ووضع منها أرش الجناية عليه " وفي كشف اللثام " إنه اشتهر
بين الأصحاب وأفتى بمضمونه القاضي ".
(و) الظاهر إرادة اشتهاره رواية لا عملا فإنه لم يحك العمل به إلا عن
أبي علي والقاضي، خصوصا بعد معارضته بما (في رواية السكوني) المروية في
التهذيب والفقيه (1) (عن أبي عبد الله عليه السلام إنه جعل دية المقتولين على قبائل
الأربعة وأخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين) " قال: كان قوم يشربون
فيسكرون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم فرفعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسجنهم
فمات منهم رجلان وبقي رجلان فقال أهل المقتولين: يا أمير المؤمنين أقدهما
بصاحبينا فقال علي عليه السلام للقوم: ما ترون؟ قالوا: نرى أن تقيدهما قال علي عليه السلام:
فلعل ذينك اللذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه قالوا: لا ندري فقال
علي عليه السلام: بل أجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة وآخذ دية جراحة الباقين
من دية المقتولين، وذكر إسماعيل بن الحجاج بن أرطاة عن سماك بن حرب عن
عبد الله بن أبي الجعد إنه قال: " كنت أنا رابعهم فقضى علي عليه السلام هذا القضية
فينا " (2) بل في كشف الرموز إن هذا الخبر أقرب إلى الصواب لأن القاتل
غير معين، واشتراكهم في القتل أيضا مجهول لجواز أن يكون حصل القتل من
أحدهم فرجع إلى الدية لأن لا يبطل دم امرء مسلم وجعل على قبائل الأربعة لأن
لكل منهم تأثيرا في القتل، وإن كان فيه أن تغريم العاقلة على خلاف الأصل
خصوصا بعد الاتفاق ظاهرا على أن عمد السكران موجب للقصاص أو شبه عمد
موجب للدية من ماله ولا قائل بكونه خطأ محضا، على أنه إن علم أن لكل
منهم أثرا في القتل كان لأولياء المقتولين قتل الباقين، وإن لم يعلم فلم جعلت الدية

(1) التهذيب ج 1 ص 240 - الفقيه ج 4 ص 118.
(2) التهذيب ج 10 ص 240.
91

على قبائلهم. وفي كشف اللثام " إنه يمكن تنزيل الخبر على أن ولي كل قتيل ادعى
على الباقين اشتراكهم وقد حصل اللوث ولم هو ولا الباقيان ولا أولياء
القتيلين (1) " وفيه نظر.
فلا محيص عن مخالفة الخبر المزبور للقواعد وأولى منه في ذلك الأول ضرورة
عدم اقتضاء الحال المزبور كون المجروحين القاتلين ولا كون المقتولين الجارحين
إذ ربما قتل أحد المقتولين الآخر أو قتلهما أحد المجروحين وكذا في المجروحين،
على أنه إذا حكم بأن المجروحين القاتلان فالمتجه ثبوت القود عليهما لا الدية
بناء على أن السكران بحكم الصاحي، بل هو كذلك في المجروحين أيضا، إلا
أنه لعله لفوات محله كما أنه لا وجه لاطلاق الحكم بأخذ دية الجرح وإهدار
الدية لو ماتا، وإن قال في كشف اللثام: " ويندفع الكل بحمله على أن الواقع
كان قتل الجارحين المقتولين أو لما كان اللوث وحلفهما القسامة فلم يحلفا وجرح
المقتولين الجارحين وإنما لم يقدهما إما لصلح أو لوقوعه عند السكر فيكون خطأ،
وأما قوله: فإن مات أحد المجروحين - إلى آخره - فيحتمل لفظ المقتولين صيغة
التثنية والجمع، فإن كان الأول جاز أن يراد بهما المجروح الذي مات مع من قتله
من المقتولين، وإن كان الثاني جاز أن يراد أنه ليس على أحد من أوليائهم شئ
للباقين وإن كان عليهم دية جراحة الباقي إلا أن ذلك كله كما ترى، وخصوصا
الأخير.
ونحوه ما في المسالك (2) خصوصا ما فيها من فرض الجرح في الرواية كونه
غير قاتل، بل ادعى ظهورها في ذلك مع أنك قد سمعت ذيلها الصريح بخلافه كما
هو واضح.

(1) كشف اللثام ج 2 ص 314.
(2) المسالك ج 2 ص 494.
92

فلا مناص حينئذ عن مخالفة الخبرين للقواعد ومن هنا قال المصنف في
النكت (1): (" ومن المحتمل أن يكون علي عليه السلام قد اطلع في هذه الواقعة على
ما يوجب هذا الحكم) فلا يتعدى حينئذ منها إلى غيرها ".
وفي السرائر: " إن الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن القاتلين يقتلان بالمقتولين
فإن اصطلح الجميع على أخذ الدية أخذت كملا من غير نقصان لأن في إبطال
القود إبطال القرآن وأما نقصان الدية فذلك على مذهب من تخير بين القصاص وأخذ
الدية وذلك مخالف لمذهب أهل البيت عليهم السلام لأن عندهم ليس يستحق غير القصاص
فحسب " (2).
وفيه أنه ليس شئ من الأصول يقتضي ذلك في القضية المفروضة التي لا يعلم
الحال فيها، نعم لو علم أن الباقين قتلا الهالكين عمدا اتجه القصاص حينئذ بناء
على أن السكران بحكم الصاحي ولا يسقط إلا بالصلح على الدية أو أكثر منها أو
أقل فلا يتعين نقص الدية جراحة المجروحين منها، على أن جراحتهما ربما وقعت
دفاعا فهي هدر، نعم الذي يقتضيه الأصول في مثله جريان حكم اللوث
فيها أو سقوط الدية والقصاص عن كل منهم لعدم العلم بالحال، والله العالم.
المسألة (السادسة:)
(روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام) كما في الكافي والتهذيب، (3)
(ومحمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام) كما في التهذيب (4) بل هي فيه صحيحة
(عن علي عليه السلام في ستة غلمان كانوا في الفرات فغرق واحد وشهد اثنان على الثلاثة

(1) نكت النهاية، كتاب الديات، خمسة صفحات قبل آخر الكتاب.
(2) السرائر باب الاشتراك في الجنايات من كتاب الحدود.
(3) الكافي ج 7 ص 284 التهذيب ج 10 ص 239.
(4) التهذيب ج 10 ص 240.
93

بأنهم غرقوه وشهد الثلاثة على الاثنين فقضى عليه السلام بالدية) أخماسا (ثلاثة أخماس
على الاثنين وخمسين على الثلاثة) ورواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير
المؤمنين عليه السلام (1)، ورواه المفيد في المحكي من إرشاده مرسلا (2)، وكذا في
المقنعة (3)، بل قيل والنهاية والغنية وغيرها مما تأخر عنها، وحكيت روايتها عن
التقي والصهرشتي، كما حكي العمل بها عن القاضي، لكن في التحرير ونكت النهاية
إنها قضية في واقعة عرف عليه السلام الحكم فيها بذلك لخصوصية لا تتعدى إلى غيرها،
بل قال المصنف هنا: (وهذه الرواية متروكة بين الأصحاب فإن صح نقلها كانت
حكما في واقعة فلا تتعدى لاحتمال ما يوجب الاختصاص) ونحوه من تلميذه الآبي
وغيره وعن السرائر " الغلمان إن كانوا صبيانا وهو الظاهر فلا تقبل شهادتهم هنا "
وفي المسالك تبعا للمحكي عن أبي العباس " والموافق للأصل من الحكم أن شهادة
السابقين بها إن كانت مع استدعاء الولي وعدالتهم قبلت ثم لا تقبل شهادة الآخرين
للتهمة، وإن كانت الدعوى على الجميع أو حصلت التهمة عليهم لم تقبل شهادة أحدهما
مطلقا ويكون ذلك لوثا يمكن إثباته بالقسامة " (4) ومقتضاه بلوغ الغلمان، مع
أنهم استدلوا بهذا الخبر في كتاب الشهادات على قبول شهادة الصبيان في الجراح
والقتل وفي الروضة " أن الدية أخماس على كل واحد منهم خمس بنسبة الشهادة "
وهو وإن ناسب توزيع الدية على الرؤوس، لكنه خلاف ما سمعته من الخبر،
فالأولى تنزيله على أنه قضية في واقعة هو أعلم منا بحالها، والله العالم.

(1) الفقيه ج 4 ص 116.
(2) الإرشاد ص 106.
(3) المقنعة باب الاشتراك في الجنايات ص 118.
(4) المسالك ج 2 ص 494.
94

(البحث الثاني)
(في الأسباب:)
(وضابطها) على ما في الكتاب هنا والقواعد وغيرها (ما لولاه لما حصل التلف
لكن علة التلف غيره كحفر البئر ونصب السكين وإلقاء الحجر فإن التلف عنده
بسبب العثار) ولكن قال في كتاب الغصب: " هو كل فعل يحصل التلف بسببه
كحفر البئر في غير الملك وكطرح المعاثر في المسالك " وفي كشف اللثام
" هو هنا أعم من فعل السبب بالمعنى المتقدم في أوائل الكتاب وفعل
الشرط " (1).
قلت: قد عرفت في أول كتاب القصاص أنه قد ذكر بعضهم في بيان أقسام
المزهق أنه العلة هي المباشرة وهي ما يسند إليها الموت، وأن الشرط ما يقف
عليه تأثير المؤثر ولا مدخل له في الموت كحفر البئر في الطريق بالنسبة إلى الوقوع
فيها إذ الوقوع مستند إلى علته وهو التخطي.
أو أن السبب ماله أثر ما في التوليد للموت كما للعلة لكنه يشبه الشرط
من جهة أنه لا يولد الموت بنفسه بل يولد المولد له ولو بوسائط وقد يتخلف
الموت عنه ولا يتخلف عن العلة كالا كراه فإنه يولد في المكره داعية القتل غالبا
توليدا قويا، وكشهادة الزور المولدة في القاضي داعية القتل غالبا من حيث
الشرع، وتقديم الطعام المسموم إلى الضيف فإنه يولد القتل توليدا عرفيا لا حسيا
ولا شرعيا، ومن هنا كان السبب هنا أعم من فعل السبب بالمعنى المذكور ومن

(1) كشف اللثام ج 2 ص 303.
95

فعل الشرط:
ولا يخلو من نظر فإن دعوى التوليد في الاكراه الذي يبقى معه الاختيار
وفي شهادة الزور واضحة المنع، ضرورة عدم توليد فيها يقتضي التلف كالاحراق
بالنار والاغراق بالماء كما هو واضح.
فالتحقيق أن الضمان بذلك شرعي بعد فرض عدم تحقق السببية فيه، فتأمل
جيدا.
هذا وفي المسالك " الواجب في إهلاك النفس وما دونها كما يجب بالمباشرة
يجب بالتسبيب إليه حيث لا يجامع المباشرة، وإلا قدمت كما مر وسيأتي تفصيله،
وقد تقدم في باب الغصب البحث عن السبب واختلاف تعريف المصنف إياه ثم
وهنا، وأن هذا التعريف أقرب إلى معناه لكن اختلف كلام المصنف في جعل
حفر البئر سببا وعدمه، ففي الغصب جعله من جملة السبب وسيأتي أيضا ما يفيده،
وهنا لم يجعله سببا والأظهر أن كل واحد من الحفر ووضع الحجر ونصب السكين
تصدق عليه السببية، لكن ما ينسب إليه التلف عرفا يختص بالعلة والباقي
بالسببية، ثم إن اتحد السبب مع فقد المباشر فالضمان منسوب إليه وإن تعدد
فالحوالة بالضمان على السبب المتقدم في التأثير لا في العدوان، كوضع الحجر بالنسبة
إلى التردي في البئر، وكالتردي مع وضع السكين في قعر البئر فإن العثار سابق
الوقوع والوقوع سابق على إصابة السكين وإن كان وضع الحجر متأخرا
عن حفر البئر، هذا كله مع تساويهما في العدوان وإلا فالضمان على
المتعدي " (1).
قلت: لا يبعد من إرادتهم السبب الموجب للدية هنا الشرط كالحفر الذي
ذكره المصنف هنا وفي كتاب الغصب سببا ولكن من المعلوم عدم إيجاب مطلق
الشرط وإن كان بعيدا بل كان مقتضي الأصل وغيره عدم الضمان به مطلقا بعد عدم

(1) المسالك ج 2 ص 494.
96

صدق نسبة التلف بل ولا الاتلاف، إلا أن الضمان جاء من النصوص التي تسمع
جملة منها، فالمتجه حينئذ الاقتصار علي ما فيها وما يلحق به ولو بمعونة الفتاوى،
وقد أشبعنا الكلام في المسألة في كتاب الغصب، بل ذكرنا بعض الكلام في كتاب
القصاص أيضا، وقلنا: إنه ليس في شئ من النصوص جعل لفظ السبب والعلة
والشرط عنوانا للحكم فالاختلاف في تعريفها وتطويل الكلام في ذلك خال عن
الفائدة وإنما المدار على صدق نسبة الفعل وهو " قتل " ونحوه أو نسبة المصدر وهو
" القتل " وإن لم تتحقق نسبة القتل كما في قتل النائم ونحوه، وعلى ما ثبت من الشرع به
الضمان به من هذه المسماة بالشرائط عندهم أو الأسباب، نعم ليس في النصوص استقصاء
لها ولكن ذكر جملة منها فيها، ومنه يظهر وجه إلحاق ما ماثلها به، وظاهرهم أن
السبب الموجب للدية الذي هو بمعنى الشرط الذي لا يوجب ضمانا إلا في مال المسبب
ولا يكون على العاقلة منه شئ، ولعله لاطلاق الضمان في النصوص على وجه ينسب
إليه ولعدم صدق القتل خطأ عليه مع أصالة براءة ذمة العاقلة فتأمل جيدا وربما
يأتي مزيد تحقيق للمسألة إن شاء الله.
(و) كيف كان ف‍ (- لنفرض لصورها) أي الأسباب الموجبة
للدية (مسائل:).
(الأولى:)
(لو وضع حجرا في ملكه أو مكان مباح) له التصرف فيه بما أراد (لم يضمن
دية العاثر) كما صرح به غير واحد للأصل وما تسمعه من النصوص، بل
والنبوي " البئر جبار والقحماء جبار والمعدن جبار " (1) بناء على كون المراد
منه هدر دية الواقع في مثل البئر المحفورة في الأراضي المباحة، وكذا من يتلف
بركوب دابة أو استخراج معدن.

(1) الوسائل الباب - 32 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
97

وعن نهاية الأثيرية " إن البئر هي العادية القديمة لا يعلم لها حافر ولا
مالك فيقع فيها الانسان وغيره فهو جبار أي هدر، وقيل هي الأجير الذي ينزل
في البئر ينقيها أو يخرج شيئا وقع فيها فيموت " (1).
وأما القحماء فهي الدابة، وأما المعدن فهو ما إذا أنهار على من يعمل فيه
فهلك لم يؤخذ به مستأجره.
قلت: لعل حمل البئر على الأعم مما ذكره أولى.
وعلى كل حال. فلا ضمان في الفرض وإن كان الحفر سببا بالمعنى الأعم
إلا أنك قد عرفت أصالة عدم الضمان حتى يثبت من الشرع والفرض عدمه. نعم
لو كان أدخل هو أعمى مثلا أو غيره في الظلمة ولم يعلم بالحال ضمن، كما تسمع نحوه
في حفر البئر في ملكه، كما عن جماعة التصريح به، عملا بأدلة الضرر بعد الشك
في تناول الاطلاق لمثل الفرض، بل قد يدعي انسياقه إلى غيره، بل قد يشعر الأمر
بالتغطية في بعضها بذلك هذا.
وربما يظهر من اقتصار بعضهم على الملك الضمان في المباح، ولعله
لاطلاقه في الاحداث بما لا يملكه، لكن قد يقال: " إن المنساق منه غير المباح
الملحق بالملك ولا أقل من الشك والأصل البراءة " (ولو كان في ملك غيره أو
طريق مسلوك ضمن في ماله) كما صرح به الفاضل وغيره، بل عن المبسوط
" عندنا " مشعرا بالا جماع عليه لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن
رجل ينفر برجل فيعقره وتعقر دابته رجلا آخر قال: هو ضامن لما كان من
شئ. وعن الشئ يوضع على الطريق فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره فقال: كل
شئ مضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه " (2) وصحيح الكناني " قال:

(1) نهاية اللغة ج 1 ص 89.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول والباب
- 9 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
98

قال أبو عبد الله عليه السلام: من أضر بشئ من طريق المسلمين فهو له ضامن " (1)
وغيرهما مما تسمعه في حفر البئر (2) ونحوه.
نعم قد يقال: بتقييد ذلك بما إذا لم يكن لمصلحة المسلمين كوضع حجر
ونحوه في الطين ليطأ على الناس (3) عليه أو لمرمة القنطرة وسقف الساقية ووضع
الحصى مثلا في حفيرة ليملأها، نحو ما تسمعه في الحفر في طريق المسلمين سواء
أذن الإمام بذلك أم لا ما لم يمنع منه، كما في كشف اللثام ومحكي التحرير،
ولعله للأصل بعد عدم الاندراج في النصوص المزبورة.
ولو وضع حجرا وآخران آخر فعثر بهما انسان فمات أو تلف منه عضو،
احتمل تقسيط الضمان أثلاثا بعدد الجناة، وأن يكون النصف على الأول والنصف على
الباقين، تقسيطا له على عدد السبب فإنه حجران أحدهما وضعه الأول فعليه
النصف والآخر وضعه اثنان فعليهما النصف، ولعل الأول أوفق بما تقدم سابقا
من التوزيع على عدد الجناة دون الجناية في الجروح ونحوها وإن اتحد من
أحدهم وتعدد من الآخر.
(وكذا) يجري جميع ما ذكرنا فيما (لو نصب سكينا فمات العاثر
بها) كما صرح به الفاضل وغيره حتى المبسوط فيما حكى عنه.
ولو جاء السيل بحجر فلا ضمان على أحد بلا خلاف ولا إشكال وإن تمكن
من إزالته.
نعم إن نقله إلى موضع آخر من الشارع ضمن ولو كان مثل الأول أو أقل
سلوكا منه كما في كشف اللثام ومحكي الإيضاح، واستجوده الكركي فيما
حكى عنه أيضا، بل عن حواشي الشهيد أنه المنقول، ولعله لاطلاق النصوص
المزبورة.

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
(2) راجع الوسائل الباب - 8 - من أبواب موجبات الضمان.
(3) كذا في الأصل، والظاهر زيادة " على ".
99

لكن في القواعد ذلك على إشكال في الأخير، وكأنه مما عرفت، ومن
قاعدة الاحسان، وفيه أن الاحسان في رفعه لا في وضعه في مكان آخر ولو كان
أقل سلوكا.
ولو وضع حجرا مع الحجر الذي جاء به السيل فعثر بهما انسان فمات
أو انكسر أمكن التقسيط فيضمن النصف حينئذ ويهدر النصف الآخر وأمكن ضمان
الجميع على الواضع، إلا أن الأول أوفق بالعدل وأصل البراءة وغيرهما.
نعم لو حفر بئرا إلى جانب هذا الحجر الذي جاء به السيل فتعثر انسان
بذلك الحجر وسقط في البئر فالضمان جميعه على الحافر كما في القواعد، لتعديه
بالحفر قرب الحجر المزبور مع تركه له، فكأنه هو الواضع له حينئذ، وإن
قلنا بضمان الواضع دون الحافر فيما لو حفر أحدهما ووضع الآخر عدوانا كما
عن المبسوط والمهذب والتحرير وغيرها لأنه حينئذ كالدافع والأسبق في الجناية
وإن تأخر وضعه عن الحفر، ضرورة الفرق بينهما لتحقق العدوان فيهما بخلاف
المقام الذي لا عدوان فيه إلا للحافر نحو الحجر المزبور، فدليل الضمان مختص
به كما لو لم يكن ثم حجر فعثر ووقع في البئر، على أنه يمكن القول بضمان
المتأخر منهما من العاديين فإن وضع الحجر قرب البئر بمنزلة الدفع لا مطلقا،
بل لم يستبعده في كشف اللثام وإن كان ستعرف أن المشهور خلافه.
ولو تعدى أحدهما خاصة فالضمان عليه دون الآخر وهو واضح إلا إذا
قلنا بالاشتراك فإن المتجه حينئذ ضمان النصف كما ستعرف تمام الكلام في
ذلك إن شاء الله.
(وكذا) الكلام جميعه يجري فيما (لو حفر بئرا أو) حفر حفيرة
ضرورة أنه كما لو (ألقي حجرا) فإن كان في ملكه أو في مكان مباح له
التصرف فيه بذلك، ونحوه غير الطريق، لم يضمن وإلا ضمن على حسب ما سمعته
سابقا في وضع الحجر بلا خلاف أجده فيه بينهم، بل عن ظاهر الغنية الاجماع
عليه.
100

وفي خبر السكوني (1) الذي رواه المحمدون الثلاثة عن الصادق عليه السلام
" قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة
أو حفر بئرا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن ".
وفي موثق سماعة (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحفر البئر في
داره أو ملكه فقال ما كان حفره في داره أو ملكه فليس عليه ضمان، وما حفر في
الطريق أو في غير ملكه فهو ضامن لما يسقط فيها " بل قيل: " إنه قد روى هذا
المتن بأدنى تفاوت في الكتب الثلاثة مضمرا بعدة طرق " (3).
وفي خبر زرارة (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قلت له: رجل حفر بئرا في
غير ملكه فمر عليها رجل فوقع فيها قال: عليه الضمان لأن من حفر بئرا في
غير ملكه كان عليه الضمان " وخبره الآخر (5) عنه أيضا " لو أن رجلا حفرا بئرا
في داره ثم دخل رجل فوقع فيها لم يكن عليه شئ ولكن ليغطها ".
وموثق أبي بصير (6) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن غلام دخل دار قوم
يلعب (7) فوقع في بئرهم هل يضمنون؟ قال: ليس يضمنون وإن كانوا متهمين
ضمنوا ".

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول، وفيه
" شيئا " مكان " بئرا " وهو غلط ظاهرا راجع الكافي ج 7 ص 350 والفقيه ج 4 ص 154
والتهذيب ج 10 ص 230.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 3 مع اختلاف
في بعض ألفاظه.
(3) قال في مفتاح الكرامة ج 10 ص 291: " وقد روى هذا المتن الخ ".
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول والرابع.
(5) الوسائل الباب - 8 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول والرابع.
(6) الوسائل الباب - 18 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(7) كان في الأصل " فتعثر " مكان " يلعب ".
101

ولعل المراد أن الضمان في الأخير ضمان القسامة لا مطلقا.
كل ذلك مضافا إلى النصوص السابقة.
بل ربما كان مقتضى إطلاق الضمان بالحفر عدوانا في ملك الغير نصا وفتوى
عدم الفرق بين كون البئر مغطاة أو مكشوفة، وبين تردي المالك أو غيره حتى
الداخل فيها بغير إذن منه، خلافا لما عن الفاضل في القواعد، فإنه صرح بعدم
الضمان لو كانت مكشوفة وقد دخل بغير إذن المالك، وربما احتمل تنزيل إطلاق
النص والفتوى عليه. ولكن فيه منع واضح ضرورة عدم داع إليه وتعديه بالدخول
لا يسقط احترامه بالنسبة إلى غير من تعدى إليه وإلا لم يكن فرق بين المكشوفة
والمستورة بعد فرض عدم تفريطه بالحفظ على وجه يكون أقوى من الحافر تأثيرا
فالمتجه حينئذ الضمان مطلقا إلا مع قوة غيره عليه في التأثير، نعم لو كان ذلك
بإذن المالك لم يكن عليه ضمان بلا خلاف ولا إشكال للأصل وغيره إذ هو كما
لو حفرها المالك بل لا يبعد إلحاق الإمام بالمالك في ذلك، بل هو أقوى من المالك
في ولايته (و) حينئذ فلا ضمان مع إذنه بل صرح المصنف والفاضل وغيرهما
هنا بأنه (لو حفر) بئرا (في ملك غيره) عدوانا (فرضي المالك سقط
الضمان عن الحافر) كما عن المبسوط لأن الابقاء كالاحداث، لكن قد تقدم
في كتاب الغصب الاشكال في ذلك كما في التحرير حتى لو صرح بالابراء فضلا
عما لو اقتصر على مجرد الرضا ببقاء الحفر للأصل وغيره فلا حظ وتأمل.
(ولو حفر في الطريق المسلوك لمصلحة المسلمين قيل) والقائل الشيخ في
محكي المبسوط والنهاية والفاضل وثاني الشهيدين وغيره: (لا يضمن لأن الحفر
لذلك سائغ) فلا يستعقب ضمانا ولقاعدة الاحسان (وهو حسن) مع إذن
الإمام الذي قد عرفت أنه أقوى في ولايته من المالك في ملكه أما مع عدمه
فالمتجه الضمان عملا بإطلاق النص وفتوى غير من عرفت، وكونه سائغا أو
محسنا لا ينافي الضمان، ولعله لذا جزم الفخر به، قال: " لأن فعل ما فيه
102

مصلحة إنما يجوز إذا لم يتضمن مفسدة والحفر يعرض المسلمين للتردي فكان
الحاصل أنه لا بد من خلو ما أساغه الشارع عن جميع المفاسد ووجوه القبح
فيكون سائغا بشرط عدم الوقوع لسبق استحقاق الاستطراق، فالوقوع كاشف عن
اشتماله على وجه قبح فيكون مضمونا " (1) وإن كان لا يخلو بعض ما ذكره
من نظر.
والعمدة إطلاق الأدلة إلا مع إذن الإمام، بل لا يبعد سقوط الضمان معها
لو حفر لغرض نفسه بل أو عبثا وفرض حصول الإذن له في ذلك لما أشرنا إليه غير
مرة من كونه كإذن المالك أو أقوى، والله العالم.
ولو كان الحفر في ملك مشترك ففي القواعد احتمل الضمان ونصفه إن كان
الشريك واحدا والثلثين إن كان اثنين وهكذا، والنصف مطلقا، ولكن لا يخفى عليك
أن المتجه الأول كما عن الفخر والكركي، بل والفاضل في التحرير، ضرورة
كونه متعديا بالحفر كله بعد الإشاعة واحتمال - عدم تعديه مطلقا بل بالنسبة إلى
حصة شريكه فيضمن ما قابل المتعدي فيه أو أن المتردي تلف بالحفر وبعضه غير متعد
فيه فيكون قد تلف بسببين، أحدهما مباح والآخر محرم فيكون عليه النصف إذ
لا عبرة بتعدد أحد السببين وكثرته - كما ترى، والله العالم
المسألة (الثانية:)
(لو بنى مسجدا في الطريق قيل) والقائل الشيخ في محكي المبسوط:
(إن كان) واسعا و (بإذن الإمام عليه السلام لم يضمن ما يتلف بسببه) وكذا
إن لم يأذن وبناه للمصلحة العامة، وإن بناه لنفسه ضمن وفي المتن (والأقرب
استبعاد الفرض).

(1) إيضاح الفوائد في شرح القواعد ج 4 ص 662 ولم ينقل المصنف عين
عبارته فراجع.
103

وفي كشف اللثام " هو يعطي الضمان مطلقا لكن يحتمل أن لا يصد الزائد
على ما يحتاج إليه المارة أو السبع أذرع من الطريق ".
وفيه أن الظاهر عكس ذلك ضرورة ظهوره في عدم الضمان مع الإذن مطلقا
إلا أن الفرض مستبعد باعتبار عدم تصور الإذن من الإمام في بناء المسجد
بالطريق على وجه يضر بالمارة لضيقه أو لغير ذلك ضرورة تعلق حق المسلمين
كافة به بإحيائه طريقا (1) بل لعله كذلك حتى لو زاد على السبع أذرع
ولم يضر بالمارة باعتبار سبق الاحياء طريقا فلا يصح جعله مسجدا وإن كان قد
يقال: " إن ولاية الإمام قوية وعامة فله جعله مسجدا وإن تعلق به حق المارة "
وحينئذ فالمتجه عدم الضمان لعدم العدوان ولا أصل بعد عدم شمول دليل الضمان
للفرض المزبور.
ولكن في قواعد الفاضل " ولو بنى مسجدا في الطريق ضمن ما يتلف
بسببه ".
وفي كشف اللثام في شرحها " ولو بنى مسجدا لنفسه أو لمصلحة المسلمين
في الطريق الضيق أو الواسع في موضع يضر بالمارة ضمن ما يتلف بسببه وإن بناه
فيما زاد على الواجب في الطريق وهو سبع أذرع أو ما تفتقر إليه المارة لنفسه أو
بناه للمصلحة العامة فيما لا يضر بالمارة كالزاوية فلا ضمان أذن الإمام فيه أو لا
ما لم يمنع " (2).
وكأنه أخذه مما في محكي التحرير قال: " وكذا أي يضمن لو بنى
في الطريق الواسع وإن كان مسجدا ثم قال: أما لو كان البناء فيما زاد على القدر
الواجب من الطريق وهو سبع أذرع فلا ضمان، وكذا لو بنى المسجد للمسلمين في

(1) في بعض النسخ هكذا: " باعتبار كونه حينئذ تعلق به حق المسلمين كافة
باحيائه طريقا " مكان " ضرورة... ".
(2) كشف اللثام ج 2 ص 307.
104

طريق واسع وموضع لا يضر كالزاوية فلا ضمان " (1).
قيل: ونحوه ما في الحواشي والروضة، لكن قال في الأخير: " هو حسن
مع عدم الحاجة إليه بحسب العادة في تلك الطريق وإلا فالمنع أحسن ".
وفي المسالك " حكم البناء في الطريق حكم الحفر في الضمان مطلقا لكن
لو كان المبني مسجدا بحيث لا يتضرر به المارة لكون الطريق واسعا بزيادة
عما يحتاج إليه المارة أو عن المقدر شرعا فعثر به انسان أو بهيمة أو سقط
جداره عليه أو على مال فأهلكه ففي ضمانه وجهان من الشك في كون ذلك عدوانا
وكون الفعل على تقدير جوازه مشروطا بالضمان وقيل إن كان بناؤه بإذن الإمام
لم يضمن ما يتلف بسببه وإلا ضمن، والمصنف استبعد الفرض وهو كون الإمام
يأذن في بناء المسجد في الطريق، وهذا الاستبعاد في محله إن فرض في موضع
يضر بالمارة، أما في المتسع كما ذكرناه فلا بعد فيه وقد جوز جماعة
منهم الشهيد في الدروس إحياء الزائد عن المقدر شرعا فجعله مسجدا
لمصلحة المسلمين عامة أولا (2) فإن اتفق إذن الإمام له في ذلك لم يضمن
كما قيل، وإلا فالضمان أقوى إن لم نجوز إحياء الزائد (3).
إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا تخلو من تشويش في الجملة، ضرورة كون
المدار في البحث على صحة إحياء الزائد على النصاب الشرعي أو على ما يحتاج
إليه المارة، وقد عرفت التحقيق فيه في كتاب إحياء الموات، وأنه لا يجوز،
أو على جواز (4) إذن الإمام في ذلك في الطريق، والحق أن له النظر في أمور
المسلمين، وتظهر الثمرة في نائب الغيبة، وحينئذ يتجه عدم الضمان مع إذنه دون
عدم الإذن كما أن المتجه عدمه أيضا بناء على جواز إحياء الزائد في غير

(1) التحرير ج 2 ص 264.
(2) أولى (ن ل).
(3) المسالك ج 2 ص 494 - 495.
(4) في الأصل: " وعلى جواز... ".
105

الاستطراق ضرورة كونه كغيره من أملاكه، ومما ذكرناه يظهر لك عدم الفرق بين
المسجد وغيره.
المسألة (الثالثة:)
(لو سلم ولده) مثلا (لمعلم السباحة فغرق بالتفريط ضمنه في ماله
لأنه تلف بسببه) وكذا لو علمه الولي بلا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك،
ضرورة كونه كتلف الصبي بتأديب من له تأديبه في الضمان من ماله لأنه حينئذ
من شبه العمد مضافا إلى فحوى ما ورد من ضمان الطبيب وإن كان حاذقا ومن
ضمان الصانع وإن اجتهد وكان حاذقا (1) بل ربما ظهر من إطلاق عبارتي
الإرشاد واللمعة ضمانه مطلقا، بل عن حواشي الشهيد أن المنقول الضمان سواء
فرط أو لم يفرط، ولعله لأنه بتلفه ينكشف تفريطه بناء على عدم غرقه بدونه،
وأولى من ذلك الضمان بدون إذن الولي لأنه حينئذ تفريط، هذا.
وفي القواعد " ويضمن معلم السباحة الصغير إذا غرق وإن كان وليه أو من
أذن له وليه على إشكال، لأنه إنما يتلف بتفريطه في حفظه وغفلته عنه "
وكأنه مبني على ما ذكرنا، وحينئذ يكون وجه الاشكال إمكان تلفه بدون
تفريطه، ويمكن أن يكون الاشكال في أصل الضمان باعتبار مسيس الحاجة إليه،
والأصل البراءة بعد مشروعية تعليمها فلا يستعقب ضمانا، لكنه كما ترى مع
فرض التفريط.
ومن هنا قال في كشف اللثام: " إلا إذا علم التفريط " فجعل الاشكال حينئذ
في الحكم بضمانه مطلقا.
والتحقيق الضمان مطلقا وإن لم يكن بتفريط أي تقصير ولكنه تلف بتعليمه.

(1) راجع الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة والباب - 24 - من
أبواب موجبات الضمان.
106

ولو للخطأ في طريق التعليم كالطبيب والبيطار والمؤدب والصانع ونحوهم إلا
أن ذلك يقتضي ضمانه (ولو كان بالغا رشيدا) عاقلا، لكن في المتن والقواعد
وغيرهما (لم يضمن لأن التفريط منه) باعتبار كونه عاقلا وهو في يد نفسه
والفرض أنه أقدم على التعليم الذي قد يتعقبه ذلك، بل ظاهرهم ما هو صريح
بعضهم من عدم الضمان حتى إذا فرط المعلم، نعم في كشف اللثام ومحكي التحرير
ومجمع البرهان تقييد ذلك بعدم التفريط وإلا كان كالطبيب إذا فرط، ومنه
علم اعتبار التفريط بمعنى التقصير في ضمان الطبيب، فالمتجه مع فرض مساواته له
ولغيره ممن عرفت الضمان مع التلف بتعليمه مطلقا وإن لم يفرط، وإقدامه
كإقدام المريض والولي مثلا الذي لا يسقط الضمان. نعم لو أخذ البراءة سابقا أمكن
فيه ذلك على البحث السابق في الطبيب، والله العالم.
المسألة (الرابعة:)
(لو رمى عشرة) مثلا (بالمنجنيق فقتل أحدهم) مثلا بمعاودة
(الحجر يسقط نصيبه من الدية لمشاركته) في قتل نفسه (وضمن الباقون)
أي عاقلتهم (تسعة أعشار الدية) ضرورة كونه من الخطأ المحض الذي لم
يقصد به الفعل بالنسبة إلى المقتول ولا قتله، وإن كانوا ثلاثة فعلى عاقلة كل
ثلث دية كل من الباقين والثلث هدر، وإن كانوا أربعة فربعها وهكذا. نعم إن
كانا اثنين فعلي عاقلة كل منهما نصف دية الباقي والنصف هدر، هذا.
ولكن في القواعد " ولو عاد الحجر عليهم فقتل واحدا منهم فهو شريك في
قتل نفسه فإن كانوا ثلاثة فعلى عاقلة كل واحد ثلث الدية ويسقط ما قابل فعله
ولو هلكوا جمع فعلي عاقلة كل واحد منهم نصف دية الباقين " ولعل المراد
أن على عاقلة كل منهم نصف المضمون للباقين من الدية تنزيلا للهدر منزلة
107

العدم، والأصل في ذلك ما في محكي المبسوط قال: " إذا كانوا عشرة فرموا
بالمنجنيق فقتل واحدا منهم فقد مات بجنايته على نفسه وجناية التسعة عليه فما
قابل جنايته على نفسه هدر وما قابل جناية التسعة مضمون، فعلى عاقلة كل واحد
من التسعة عشر ديته فيكون لوارثه تسعة أعشار الدية، ولو قتل الحجر اثنين منهم
فعلى عاقلة كل واحد من الباقين عشر دية كل واحد من الميتين (1) عشر دية صاحبه
لأن الممات من جنايته على نفسه وجناية التسعة عليه والميت أحد التسعة وعلى عاقلة
كل واحد من الباقين عشر دية كل واحد من الميتين فتكون عاقلة كل واحد من
الثمانية يعقل خمس الدية، العشر لوارث هذا الميت والعشر لوارث الميت الآخر،
فيحصل لورثة كل واحد من الميتين تسعة أعشار الدية، وهكذا على هذا الحساب
لو قتل الحجر ثلاثة أو أربعة أو تسعة، فأما إن رجع الحجر إلى العشرة فقتلهم
أجمعين فعلي عاقلة كل واحد منهم تسعة أعشار الدية، لورثة كل ميت العشر
لأن كل واحد منهم مات من جنايته على نفسه وجناية التسعة عليه فما قابل
جنايته هدر وما قابل جناية التسعة عليه مضمون، فيكون على عاقلة كل واحد
من الباقين عشر ديته فيكون لورثة كل واحد تسعة أعشار الدية على تسع
عواقل " (2).
(و) الأمر واضح كوضوح كونها (تتعلق) أي الجناية (بمن
يمد الحبال) لأنه المباشر دون صاحب المنجنيق و (دون من أمسك الخشب)
ودون واضع الحجر (أو) غيرهم ممن (ساعد بغير المد) والجذب إذ هم
شرائط، نحو من وضع السهم في القوس فنزعه آخر (ولو قصدوا) أي الجاذبون
أن يقتلوا (أجنبيا بالرمي) عمدا أو رميه القاتل غالبا (كان عمدا موجبا

(1) سقطت من العبارة هذه الجملة: " فيكون على عاقلة كل واحد من الميتين "
راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 341.
(2) المبسوط ج 7 ص 166 ومفتاح الكرامة ج 10 ص 341 نقلا عن المبسوط
وعبارة الكتاب موافق لما في مفتاح الكرامة لا المبسوط المطبوع حديثا فراجع.
108

للقصاص) من الجميع خلافا لأبي حنيفة فخطأ محض، والشافعي فعمد الخطأ،
بناء على أنه لا يمكن قصد رجل بعينه بالقتل به غالبا بل يتفق وقوعه عليه.
وفيه أنه يكفي في موجب القصاص قصد قتل واحد من الجماعة لا بعينه
لصدق عنوانه عليه، على أن الحكم المزبور مبني على فرضه وإن كنا لم نعرف
في هذا الزمان كيفية المنجنيق على التفصيل كما اعترف به الأردبيلي، وأظنه
يقرب من الذي يسمى في زماننا بدولاب الهواء، يستعملونه في الأعياد للأطفال
ونحوهم (و) حينئذ ف‍ (- لو لم يقصدوه) على الوجه الذي ذكرناه بل قصدوا شيئا
آخر (كان خطأ) محضا نحو غيره وإن قصدوا رميه خاصة الذي لا يقتل غالبا
كان من عمد الخطأ، هذا (و) لكن (في النهاية) على ما حضرني من نسخ
المتن (لو اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم ضمن الآخران ديته
لأن كل واحد ضامن لصاحبه) ولعله لخبر أبي بصير (1) عن الصادق عليه السلام
" قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر فوقع على
أحدهم فمات، فضمن الباقين ديته لأن كل واحد ضامن لصاحبه " (و) لكن
(في الرواية بعد) باعتبار مخالفتها للأصول، بل لم نجد عاملا بها. نعم في
النهاية (2) التعبير بلفظ روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام، كالصدوق في محكي
الفقيه والمقنع (3) وإن قال في الأخير عقيبها: " ليس في ذلك إلا التسليم "،
ولا يجدي قوة سندها في الفقيه باعتبار روايته لها في الصحيح إلى ابن أبي عمير
عن علي بن حمزة البطائني المحكي، عن العدة " الاجماع على العمل بروايته " (4)

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(2) النهاية كتاب الديات باب ضمان النفوس وغيرها. السطر الآخر.
(3) الفقيه ج 4 ص 159 والمختلف للعلامة الجزء الخامس ص 246 نقلا عن
المقنع. ولم نجده في المقنع المطبوع قديما وحديثا فراجع.
(4) عدة الأصول ج 1 ص 56.
109

إذ هي على كل حال شاذة (فالأشبه) بأصول المذهب وقواعده (الأول)
أي ضمان ثلثي الدية وهدر الثلث كغيره من أفراد الاشتراك، كما صرح به
المتأخرون من غير خلاف فيه، بل هو المستفاد مما سمعته من الشيخ في مسألة
المنجنيق، بل هو المحكي عن أبي على أيضا، بل يمكن حمل الرواية عليه أيضا،
إذ لا صراحة فيها، على أن عليهما كمال الدية، والله العالم.
المسألة (الخامسة:)
(لو اصطدمت سفينتان) فهلك ما فيهما من النفس والمال الشامل
للنفس التي تكون منه كالحيوان المملوك بل والانسان كذلك، فإن كان ذلك
بتعمد المالكين الكاملين للاصطدام وكان مما يتلف غالبا أو قصد الاتلاف به فهو
كاصطدام الراكبين كذلك ضرورة كون السفينة كالدابة والملاح كالراكب فلا ريب
في ترتب القصاص على فعلهما لورثة كل قبيل وعلى كل واحد منهما نصف قيمة سفينة
صاحبه ونصف ما فيها من المال ونصف دية صاحبه لو تلفا، لاستناد التلف إلى فعلهما
معا فيسقط ما قابل جنايته وهو النصف دون النصف الآخر، وإن لم يكن ذلك
بتعمدهما ولكن (بتفريط) - هما أي (القيمين و) الفرض أن‍ (- هما مالكان)
كاملان إلا أنهما فرطا، بأن كان يمكنهما الصرف عن السمت وهو الحبس، ولم يفعلا،
أو أجرياهما مع هبوب الرياح، أو طغيان الماء، أو نحو ذلك مما يعد تفريطا،
أو قصد التصادم خاصة، ولم يكن مما يؤدي إلى التلف غالبا، أو علما أدائه
إلى التلف بعد الارسال وتعذر عليهما الضبط لخلل في الآلات وقلة في الرجال
ونحو ذلك، فالحكم كما تقدم إلا في القصاص، وحينئذ (فلكل منهما على
صاحبه نصف قيمة ما أتلف صاحبه) من المال سفينة أو غيرها، كما أن على كل
منهما نصف الدية لو تلفا أو أتلفا نفسا إذ هو من شبيه العمد، أو هو من باب الأسباب
الموجبة للدية.
110

(وكذا لو اصطدم الحمالان فأتلفا) ما حملاه (أو أتلف أحدهما)
فعلي كل منهما نصف قيمة ما أتلف من صاحبه، ولو صدم أحدهما الآخر فتلف
ما حملاه ضمن الجميع، ومع تلفهما عمدا أو أحدهما فالقصاص بعد رد نصف
الدية أو ضمان نصف الدية إذا كان من شبيه العمد على حسب ما عرفته سابقا كما
هو واضح.
(ولو كانا) أي القيمان (غير مالكين) للسفينتين ولا لما فيهما بل
الغاصبين أو آجرين لمالكهما (ضمن كل منهما نصف السفينتين وما فيهما لأن
التلف منهما) والمالك بالخيار بين أن يأخذ جميع قيمة سفينته من أمينه ثم
هو يرجع بنصفها على أمين الآخر، وبين أن يأخذ نصفها منه والنصف الآخر
من أمين الآخر، (و) على كل حال ف‍ (- الضمان في أموالهما سواء كان التالف
مالا أو نفوسا) إن كان شبه عمد وإلا كان القصاص عليهما مع العمد على
الوجه الذي عرفت إذ لا فرق في ذلك بين المالكين وغيرهما بعد فرض كونهما
كاملين.
نعم لو كانا صغيرين أو مجنونين وفي كشف اللثام " إن أجريا السفينة بأنفسهما
لم يكن عليهما ضمان المال وعلى عاقلتهما ضمان النفوس وكذا إن أركبهما
الولي لمصلحتهما وإن أركبهما الأجنبي ووكل إليهما السفينتين فالضمان عليه
وعلى عاقلته كما مر " (1).
ولا يخلو إطلاقه من نظر ضرورة ضمانهما المال بإتلافهما حينئذ مال الغير
من دون تسليط منه لهما عليه على وجه يكون هو أقوى في التلف من مباشرتهما
كما تقدم نظيره فيمن أودع الطفل والمجنون ماله أو أعارهما إياه فأتلفاه، على
أن ذلك يقتضي عدم ضمانه لو أتلفه أحدهما، أما إذا أتلفه غيرهما في يدهما ضمنه
لصاحبه وإن كان المتلف طفلا أو مجنونا لم يعطه المالك إذ هو حينئذ كمن أتلف
ابتداء، وبذلك بل وبغيره يظهر لك النظر في إطلاقه المزبور، والله العالم.

(1) كشف اللثام ج 2 ص 312.
111

(و) كيف كان ف‍ (- لو لم يفرطا) أي القيمان مثلا (بأن غلبتهما
الرياح فلا ضمان) بلا خلاف أجده بين من تعرض له منا هنا، للأصل بعد أن لم
يكن فعل منهما، فهما كما لو غلبتهما دابتاهما، بل هو أقوى، لأن ضبط الدابة
أسهل من إمساك السفينة في البحر إذا هاج، فهو مثل من ألقاه الريح
على آخر ونحوه ممن لم يكن فعل منه ولا تسبيب، الذي صرحوا فيه
بعدم الضمان.
نعم عن الشافعي قولان هنا، وفي كشف اللثام " ويحتمل ضمان عاقلتهما ما تلف
من الأنفس لأنهما سببان لتلفها كما احتمل في راكبي دابتين " قيل: وربما يؤيده
ما عن جماعة " من أنه إذا وقع شخص في البئر أو نزل إليها ثم وقع آخر فوقه بزلق
أن على الزالق الضمان أو على عاقلته " وعن الشهيد الفرق، بأن المباشرة في الزالق
حاصلة بخلاف ما هنا إذ التقدير استناده إلى الريح، قال: " وقضيته أنه لو أسقطت
الريح شخصا أمكن مساواته للزالق في الضمان " ولكن لا يخفى عليك ما فيه، والتحقيق
عدم الضمان مع عدم فعل منه ولا تسبيب ولا شرطية استفيد من الأدلة الضمان بها،
للأصل وغيره، والله العالم.
ولو اختلف حالهما بأن كان أحدهما عامدا أو مفرطا بخلاف الآخر لم يتغير
حكم كل واحد منهما باختلاف صاحبه، بل لكل منهما حكمه، (ولا يضمن
صاحب السفينة الواقفة) والسائرة شيئا من السفينتين وما فيهما (إذا وقعت عليها
أخرى) مع عدم تفريط منه بلا خلاف ولا إشكال، للأصل وغيره، إلا مع اختصاصه
بالتفريط، بأن اتفق هيجان البحر فلم يتمكن صاحب الواقفة ضبطها وعلم صاحب
الأخرى وأمكنه دفعها والصرف عن جهتها ولم يفعل، كما لا خلاف (و) لا إشكال في أنه
(يضمن صاحب الواقفة لو فرط) وإن فرط صاحب الأخرى أيضا، والله العالم.
112

المسألة (السادسة:)
(لو أصلح سفينة وهي سائرة) مثلا (أو أبدل لوحا) منها (فغرقت
بفعله مثل أن سمر مسمارا فقلع لوحا أو أراد رمم موضع) أي سد فرجته
(فانهتك فهو ضامن في ماله ما يتلف من مال أو نفس) بلا خلاف أجده في الثاني (لأنه
شبيه عمد) باعتبار قصده الفعل دون القتل، بل والأول مع فرض التفريط، بل
ومع عدمه مع فرض استناد التلف إليه، وإن قال في المسالك: " هو مبني على ضمان
الصانع وإن اجتهد وقد تقدم " وربما فصل بين ما أوجب عليه أو كان لمصلحتهم خاصة
فلا ضمان وإلا ضمن، كان لمصلحة أو بأجرة ونحوها، وهو كما ترى.
ولو خرقها عمدا في لجة البحر فغرقت فعليه القصاص لما غرق من
الأنفس، لأنه تعمد إتلافها. وإن خرقها خطأ محضا كأن كان في
يده فأس أو حجر فسقط فيها فانخرقت فغرق من فيها كانت الدية على
العاقلة.
المسألة (السابعة:)
(لا يضمن صاحب الحائط ما يتلف بوقوعه) على أحد (إذا كان) قد
بناه أو مبنيا (في ملكه أو مكان مباح) على أساس يثبت مثله عادة فسقط من دون
ميل ولا استهدام على خلاف العادة بلا خلاف ولا إشكال للأصل بعد عدم التعدي
والتفريط لتسلطه على ماله وعدم ما يستفاد منه الضمان بمثله من النصوص.
(وكذا لو وقع إلى الطريق فمات انسان بغباره) لما عرفت من عدم مقتضى
الضمان فيه على وجه يقطع الأصل سواء وقع على ملك الغير أو الطريق، وسواء قتل
بسقوطه أو بغباره أو بتطائر شئ منه، بل في القواعد " لو بناه مائلا إلى ملكه فوقع
113

إلى غير ملكه أو إلى ملكه إلا أنه ظفر (1) شئ من الآجر والخشب وآلات البناء
إلى الشارع فأصاب إنسانا لم يضمن، لأنه ممكن من البناء في ملكه كيف شاء، وما
تطائر إلى الشارع لم يكن باختياره " (2) وهو الموافق لاطلاق المصنف، ومحكي
المبسوط وغيرهما، لكن قال متصلا بما سمعت: " ولو قيل بالضمان إن عرف حصول
التطائر كان موجها " (3) ولعله لأنه لعلمه صار متعديا كما لو بناه مائلا إلى
الشارع، وعن ولده أنه قواه، والكركي استجوده، بل عن ثاني الشهيدين الجزم
به، كما عن أولها أنه المنقول (4)، (و) لكن فيه منع واضح.
نعم (لو بناه مائلا إلى غير ملكه) ولو الشارع (ضمن) بلا خلاف
أجده فيه بيننا للتعدي وقاعدة نفي الضرر ولأنه (كما لو بناه في غير ملكه)
الذي قد عرفت اتفاق النص والفتوى على الضمان به، ضرورة كون العدوان في
الفرض بالميل كالعدوان بالبناء، وعن أبي حنيفة اعتبار منازعة الجار وإشهاده مع ذلك
في الضمان، (و) لا ريب في ضعفه، بل (لو بناه في ملكه مستويا فمال إلى الطريق
أو إلى غير ملكه ضمن إن تمكن من الإزالة و) لم يزله أما (لو وقع قبل التمكن
لم يضمن ما يتلف به لعدم التعدي) بخلاف الأول الذي فيه العدوان بشغل فضاء
الغير، كما لو بناه من أول الأمر كذلك، من غير فرق بين المطالبة بذلك من الحاكم
أو الجائر وعدمها، خلافا للمحكي عن موضع من المبسوط (5) فأطلق عدم الضمان
لأنه قد بناه في ملكه ومال بغير فعله، وعن آخر التفصيل بين المطالبة بنقضه
والاشهاد عليه فوقع بعد القدرة على نقضه فالضمان، وإن وقع قبل القدرة فلا ضمان،
ونحوه عن القاضي وهو كما ترى، وإن علل بأنه حق للغير فمع عدم المطالبة
يسقط للأصل، لكنه واضح الضعف، ضرورة عدم توقف الحق على المطالبة بعد
إطلاق ما يستفاد منه ذلك من النصوص ولو بمعونة الفتوى كالمحكي عن بعض العامة

(1) طفر، كذا في القواعد المطبوع حديثا
(2) مفتاح الكرامة ج 10 ص 297.
(3) مفتاح الكرامة ج 10 ص 297.
(4) مفتاح الكرامة ج 10 ص 297.
(5) مفتاح الكرامة ج 10 ص 297.
114

من عدم الضمان وإن تمكن من الإزالة.
ولو مال بعضه دون بعض ثم سقط جميعه قيل: ضمن ما تلف بما مال دون
غيره، ولو شك فلا ضمان. وفيه بحث مع فرض اقتضاء ميل البعض سقوط
الجميع عادة.
ولو كان الحائط لصبي كان الضمان على الولي مع التفريط كما عن التحرير،
بل قيل: وكذا الحاكم بالنسبة إلى جدار الغائب مع العلم بميله وتمكنه لأنه ولي
له، وفيه منع ثبوت ولايته عنه على وجه يقتضي ذلك، للأصل وغيره.
ولو مال الحائط إلى ملك الغير فأبرأه الغير سقط الضمان كما إذا باعه فإنه
حينئذ على المشتري. بخلاف ما إذا وهبه ولم يقبضه فإنه لم يزل الضمان عنه كما
عن التحرير التصريح بذلك كله (1).
بقي الكلام فيما في القواعد وبعض ما تأخر عنها من إلحاق بنائها على أساس
لا يثبت مثله عليه ببنائه مائلا في الضمان أيضا معللين بالتعدي والتفريط، وفيه
أنه لا تعدي فيه بعد فرض كونه في ملكه مثلا (2) بل هو كوضع إناء على ملكه
فسقط فأتلف الغير، الذي ستسمع تصريح المصنف وغيره بعدم الضمان فيه للأصل
وغيره. اللهم إلا أن يستفاد من فحوى النصوص السابقة (3)، وفيه بحث،
ضرورة الفرق بين البناء في ملك الغير والميل إليه المشغل فضائه، وبين الفرض الذي
لم يشغل غير ملكه فلا تعدي فيه، ولعله لذا أطلق غير واحد عدم الضمان بالبناء في
الملك، ويمكن أن يكون وجهه عدم وجوب إزالة الضرر عن الغير بما يحصل من
التصرف في الملك وإنما على الغير دفع الضرر عن نفسه فتأمل جيدا،
والله العالم.
ولعل نحو ذلك لو استهدم الحائط من غير ميل ففي القواعد " هو كالميل "

(1) التحرير ج 2 ص 265.
(2) كذا في الأصل ويحتمل كونه " ماثلا ".
(3) راجع الوسائل الباب - 8 - من أبواب موجبات الضمان وغيره
115

وفي المسالك " في مطالبته بنقضه وجهان من أنه لم يتجاوز ملكه، ومن لحوق الضرر
به كالميل " وهذا أظهر، وإلى ذلك يرجع ما عن التحرير " من أنه لو لم يمل الحائط
ولكنه تشقق، فإن لم يظن سقوطه لكون الشقوق بالطول لم يجب نقضه وكان حكمه
حكم الصحيح، وإن خيف سقوطه بأن تكون الشقوق بالعرض وجب الضمان كالمايل " (1)
نحو المحكي عن ابن أبي ليلى " من أنه إن تشقق بالطول فلا ضمان، وإن كان بالعرض
ففيه الضمان " (2) إذ مرجع الجميع إلى خوف السقوط، لكن في محكي المبسوط
" إذا كان حائطا بين دارين تشقق وتقطع وخيف عليه الوقوع غير أنه مستو لم
يمل إلى دار أحدهما لم يملك أحدهما مطالبة جاره بنقضه، لأنه ما حصل في ملك
واحد منهما في هواء ولا غيره، فإن مال إلى دار أحدهما كان لمن مال إلى داره مطالبة
شريكه بنقضه، لأن الحائط إذا مال إلى هواء الجار فقد حصل في ملكه وله
المطالبة بإزالته، كما لو عبر غصن من شجرته إلى دار جاره فإنه يطالب
بإزالته بتعريج أو قطع "، (3) ونحوه عن المهذب، وهو كالصريح في
كون المدار على التعدي بشغل فضاء الغير، وهو موافق لما ذكرنا سابقا،
والله العالم.

(1) التحرير ج 2 ص 265.
(2) مفتاح الكرامة ج 10 ص 298.
(3) المبسوط ج 7 ص 187 ومفتاح الكرامة ج 1 ص 298 نقلا عن المبسوط
وعبارة المبسوط المطبوع مغلوطة فلا تغفل.
116

المسألة (الثامنة:)
(نصب الميازيب إلى الطرق) النافذة (جائز وعليه عمل الناس) في جميع
الأعصار والأمصار، بل حكي الاجماع عليه جماعة منهم المصنف في النافع، بل
عن السرائر نفي الخلاف فيه بين المسلمين، وفي المروي مشهورا إنه كان للعباس
ميزاب إلى المسجد وكان رخص له النبي صلى الله عليه وآله فقلعه عمر يوما لما قطر عليه
منه فخرج العباس فقال له: أتقلع ميزابا نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله بيده؟ فقال عمر:
والله لا ينصبه إلا من رقى على ظهري فرقي العباس على ظهره فنصبه في الجدار (1)،
وعن الخلاف " وهذا إجماع فإن أحدا لم ينكره، قال: ولأن هذه الأجنحة
والساباطات والسقايف - سقيفة بني ساعدة وسقيفة بني النجار وغير ذلك - إلى يومنا
هذا لم ينقل أن أحدا اعترض فيها ولا أزيلت باعتراض معترض عليها ثبت إن
إقرارها جائز إجماعا " (2) وفي المروي من طرقنا أنه نصبه أمير المؤمنين عليه السلام
من دون رضا عمر (3)، وعلى كل حال فهو دال على المطلوب، مضافا إلى الأصل
وغيره، بعد فرض عدم الضرر فيه على المارة، لكن مع ذلك عن الوسيلة " أنه يجوز
للمسلمين المنع منه " وفي النهاية عده مما ليس له إحداثه، وفي كشف اللثام وتبعه
غيره " يمكن تخصيصه بالمضر منه "، ولا بأس به فإنه لا سيرة لنا به تقتضي جواز
نصبه على وجه يكون متهيئا للضرر.
نعم لو كان الطريق مرفوعا لم يجز إلا بإذن الشريك وإلا ضمن وإن لم
يكن مضرا، إلا القدر الداخل في ملكه لأنه سائغ. (و) كيف كان ف‍ (- هل

(1) الخلاف ج 2 ص 407، مفتاح الكرامة ج 10 ص 299.
(2) الخلاف ج 2 ص 407. وكانت عبارة الأصل مغلوطة فصححناها طبقا
للمصدر.
(3) مفتاح الكرامة ج 10 ص 300.
117

يضمن) أي الأول (لو وقعت وأتلفت) مثلا (قال المفيد) وسلار على ما حكي
عنهما: (لا يضمن) ما أحدثه في الطريق مما أباحه الله تعالى إياه وجعله وغيره
من الناس فيه سواء، لأنه لم يتعد واجبا بذلك، بل هو صريح الحلي والفاضل
في بعض كتبه، والشهيدين في اللمعة والروضة، والمقداد والأردبيلي على ما حكي عن
بعضهم، (وقال الشيخ) في المبسوط والخلاف: (يضمن لأن نصبها مشروط
بالسلامة) بل في الأخير إجماع الأمة عليه، بل قد قيل: يظهر ذلك من الغنية
أيضا، بل هو خيرة المهذب والجامع على ما حكي عنهما، والفاضل في بعض كتبه،
وولده، بل والوسيلة، إلا أن فيها " من نصب ميزابا جاز للمسلمين المنع فإن
نصب ووقع على شئ ضمن " (1) فيحتمل الضمان مع المنع الذي عرفت اختصاصه
بالمضر، بل والنهاية إلا أن فيها " ومن أحدث في طريق المسلمين حدثا ليس له
أو في ملك لغيره بغير إذنه من حفر بئر أو بناء حائط أو نصب خشبة أو إقامة جذع
أو اخراج ميزاب أو كنيف وما أشبه ذلك فوقع فيه شئ أو زلق به أو أصابه منه
شئ من هلاك أو تلف شئ من الأعضاء أو كسر شئ من الأمتعة كان ضامنا لما يصيبه
قليلا كان أو كثيرا، فإن أحدث في الطريق ماله إحداثه لم يكن عليه شئ " (2)
فعلق الضمان بحرمة الاحداث وعد من المحرمات الميزاب، فإما أن يريد مطلقه
أو المضر منه (و) لا ريب في أن (الأول أشبه) بأصول المذهب وقواعده
التي منها أصل البراءة بعد الإذن شرعا في النصب فهو كمن بنى في دار الغير بإذنه ثم
ترتب عليه ضرر، إذ قد عرفت مكررا أن الإذن الشرعية أقوى من الإذن المالكية
بالنسبة إلى ذلك وليس ذا من الإباحة الشرعية الصرفة، بل هو ذلك، مع الإذن
من الولي العام فيما للمسلمين فيه حق، كما أنك قد عرفت مكررا عدم الضمان

(1) الوسيلة فصل في بيان من يفعل فعلا يهلك بسببه انسان أو حيوان أو يتلف
بسبه شئ.
(2) النهاية ص 784.
118

بالشرائط إلا ما استفيد من النصوص، والمتيقن منها إن لم يكن المنساق غير المفروض،
كما سمعته سابقا في الحفر ووضع الحجر ونحوهما.
ولعله إلى هذا يرجع ما وقع من غير واحد من تعليل عدم الضمان بأنه مأذون
فيه فلا يستعقب ضمانا فلا وجه لرده بأنه لا منافاة بين الجواز شرعا والضمان كما
في الطبيب والمؤدب ونحوهما، إذ قد عرفت أن المراد اختصاص الضمان بغير المأذون
فيه باعتبار الأدلة، سيما مع إمكان تأييده بما عرفت من عدم الضمان في بناء الحائط
في ملكه مستويا ثم وقع على خلاف العادة، إذ الفرض هنا أن الوضع قد كان على
وجه لا يضر بالمارة فاتفق وقوعه، ومن المعلوم جواز كل ما لا يضر بالمارة في الطريق
الباقية على أصل الإباحة بالنسبة إلى ذلك فهو حينئذ كالبناء في مباح أو
في ملكه، ضرورة أن له التملك بالحيازة والاحياء لما لم يحيه المسلمون
بالاستطراق.
وإجماع الخلاف إن كان المراد به ما يشمل الفرض، واضح المنع، بل يمكن
دعواه بالعكس.
وصحيحة أبي الصباح (1) عن الصادق عليه السلام " من أضر بشئ من طريق
المسلمين فهو له ضامن " كقوله في صحيح الحلبي (2): " كل شئ يضر بطريق
المسلمين فصاحبه ضامن " إنما هو في المضر لا في محل البحث المفروض كونه غير مضر
ولكن اتفق ترتب الضرر عليه كالبناء المستوي إلى الشارع.
ودعوى الفرق بين الخبرين بإمكان ذلك في الأول دون الثاني المشتمل على
صيغة المضارعة الشاملة للحال والمال واضحة الفساد، ضرورة إرادة التهيؤ للضرر
فعلا منهما كما هو واضح.
وأما خبر السكوني أو قويه أو موثقه (3) عن الصادق عليه السلام " قال

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
119

رسول الله صلى الله عليه وآله: من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر بئرا في
طريق المسلمين فأصاب شيئا فهو له ضامن ".
فهو وإن قال جماعة إنه نص في الباب ومنجبر إن كان محتاجا إلى الانجبار
بما سمعته من إجماع الخلاف، لكنه ليس كذلك ضرورة احتماله التخصيص بالمضر
خصوصا مع ملاحظة قوله: " فأصاب " الظاهر في الضرر به وهو مثبت في الحائط، لا
أنه سقط فأضر، وخصوصا مع ملاحظة مفهوم الصحيحين (1) ولو بمعونة الاعتضاد
بما عرفت من فتوى المشهور القاضي بعدم الضمان في غير المضر، وقد عرفت أن إجماع
الخلاف إنما يتم في المضر لا في غيره الذي هو مظنة العكس، بل قد سمعت مخالفة
نفسه له في النهاية التي جعل مدار الضمان فيها على الجواز وعدمه.
(وكذا) الكلام (لو أخرج الرواشن) والأجنحة والسباطات ونحوها
(في الطريق المسلوكة إذا لم يضر بالمارة) فإنه لا فرق بين الميزاب وغيره
(و) لذا قال المصنف في المتن: (لو قتلت خشبة) مثلا (بسقوطها قال الشيخ:
يضمن نصف الدية لأنه هلك عن مباح) وهو ما كان منها في ملكه (ومحظور)
وهو ما كان منها في الهواء من غير فرق بين كثرة الداخل والخارج، كمن قتل بجرح
من شخص وجروح من آخر، بل قال الشيخ فيما حكي عنه: " لا فرق بين أن يقع
الطرف الخارج عليه وبين أن يقع ما كان في ملكه عليه لأن الخشبة إنما تقتل
بثقلها وإذا وقع أحد طرفيها عليه ناله ثقل الطرفين " (2).
نعم لو كان الساقط بأجمعه في الهواء بأن انكسر الميزاب أو الخشبة مثلا فوقع
منها ما هو في الهواء فأتلف، ضمن الجميع لتلفه حينئذ بسبب مضمون. وربما احتمل
ضمان الجميع على كل حال لاطلاق النصوص.
ولا بين سقوط ما في الملك بتبعية الخارج بل في المسالك احتمال التوزيع على

(1) أي صحيحة أبي الصباح الكتاني وصحيحة الحلبي.
(2) المبسوط ج 7 ص 188.
120

الداخل والخارج فبحسب قسط الخارج، ثم قال: " وعليه فهل يوزع باعتبار الوزن
أو المساحة وجهان " (1).
(و) لكن ذلك كله ساقط بناء على ما هو (الأقرب) وفاقا لمن عرفت
من (أنه لا يضمن مع (2) القول بالجواز) للأصل بعد عدم ما يدل على الضمان
به معه كما عرفت الكلام فيه مفصلا، ومنه يعلم النظر في كثير من الكلمات في المقام
المبنية على عدم تحرير المسألة كتعليل الضمان بصدق أنه سبب وقد عرفت غير مرة
أن ذلك ليس عنوانا للضمان كي يثبت بثبوته عرفا، وكتعليل عدم الضمان بالضرورة
إلى نصب الميازيب الذي رده غير واحد بأنه لا ضرورة إلى ذلك لامكان وضعه في
غير المفروض، ونحو ذلك من الكلمات التي لا دخل لها في المسألة بعد ما عرفت
فلاحظ وتأمل.
(و) حينئذ ف‍ (- ضابطه) أي الضمان في ذلك ونحوه (أن كلما للانسان
إحداثه في الطريق لا يضمن ما يتلف بسببه) لا لعدم استتباع الجواز الضمان، ضرورة
عدم المنافاة عقلا ولا شرعا، بل للأصل بعد عدم ما يدل على الضمان به مطلقا حتى
مع الإذن من المالك الحقيقي، وذلك لظهور ما عرفت من النص (و) الفتوى
في أنه (يضمن ما ليس له إحداثه كوضع الحجر وحفر البئر) ونحو ذلك مما هو
متأهل للضرر في الطريق على وجه لا يجوز له فعله فيه، ويلحق به فعل الساهي
والغافل وغير المكلف كما في غير المقام من الأسباب التي لا فرق فيها بين المكلف وغيره.
ومن هنا يتجه عدم اختصاص السبب بالعدواني، نعم يخرج منه المأذون فيه شرعا
ويمكن إرادة ذلك من العدواني فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فالمراد عدم الضمان فيما جاز له إحداثه في الطريق الذي هو
كالا حداث في الملك أو في المكان المباح وحينئذ (فلو أجج نارا) مثلا (في
ملكه) مع عدم احتمال التعدي (لم يضمن ولو) اتفق أنها (سرت إلى

(1) المسالك ج 2 ص 496.
(2) على (ن ل).
121

غيره) بطيران شراره مع سكون الهواء أو وجود حائل مانع من الريح ولم يتجاوز
قدر الحاجة بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه للأصل وغيره، بل
وإن تجاوزها (إلا أن تزيد على قدر الحاجة مع غلبة الظن بالتعدي كما في أيام
الأهوية) وعدم الحائل بلا خلاف ولا إشكال مع إرادة العلم من غلبة الظن لقاعدة
نفي الضرر والضرار وصدق الاتلاف عليه، بل الظاهر ذلك مع الفرض المزبور وإن
لم يزد على قدر حاجته. وإطلاق المقنعة والنهاية والسرائر عدم الضمان بالاشعال في
ملكه منزل على غير الفرض. بل الظاهر الضمان به مع قضاء العادة بالتعدي وإن
غفل هو عن ذلك.
إنما الكلام فيما يفهم من المصنف وغيره من عدم الضمان مع عدم الزيادة على
قدر الحاجة وإن غلب على ظنه التعدي بناء على إرادة العلم منه بل ومطلق الرجحان
بل ومع الشك لصدق الاتلاف عليه ولو بتوليد فعله وإن لم يصدق عليه " أتلف " فإنه
فرق بين نسبة الفعل وبين نسبة الاتلاف، نعم لعله كذلك مع عدم ظن التعدي وإن زاد
على حاجته للأصل بعد الإذن شرعا في فعل المالك في ملكه ما شاء في الحال المزبور
كما سمعته في الحفر ووضع الحجر والبناء ونحوها، مع أنه قد يتوقف فيه مما
عرفت ومن النسبة المزبورة التي مقتضاها الضمان مطلقا إلا أن النص والفتوى على
عدمه بما جرى منها مجرى أفعال العقلاء في العادة وإن اتفق تخلف ذلك وحصل
التلف به على نحو التلف بباقي الشرائط، بخلاف الاتلاف بها على جهة التوليد
بحيث يسند التلف إلى فعله عادة، نعم ليس الزيادة على قدر الحاجة مطلقا
كذلك. ولعل الأقوى الثاني مع فرض تحقق النسبة عرفا كما أن الأقوى الأول
مع عدمه.
وبذلك يظهر لك ما في كشف اللثام قال: " ولو لم يتجاوز قدر الحاجة
مع ظن التعدي أو تجاوزها مع عدم ظنه فتعدت فأتلفت ففي الضمان
قولان أقربهما العدم، كما يظهر من الكتاب والشرائع، والضمان فتوى
122

التحرير " (1).
والموجود عندنا في التحرير هنا " وإن أضرم النار في مكان له التصرف فيه
بحق الملك أو إجارة فإن تعدى في ذلك بأن زاد على قدر الحاجة مع غلبة ظنه
بالتعدي كما في أيام الأهوية ضمن، وإن لم يتعد بأن أضرم قدر الحاجة من غير
اتصال بملك الغير أو تخطيه (2) وكان على الوجه المعتاد فحملتها الريح أو سرت
إلى ملك غيره أو عصفت الأهوية بغتة فحملتها فأتلفت فلا ضمان، وكذا البحث في
فتح المياه " (3).
وظاهر اعتبار الأمرين معا في الضمان كالمصنف، نعم ظاهر الشهيد في ديات
اللمعة الاكتفاء بأحدهما، وقيل كما في الروضة: يكفي ظن التعدي إلى ملك الغير
مطلقا، وحينئذ فالا قوال ثلاثة، لكن لا يخفى تشويش كلماتهم في كتاب الغصب
وفي المقام، ولعل التحقيق ما أشرنا إليه من عدم الضمان بما يترتب على فعله إذا كان
جاريا على وفق المعتاد في مثل ذلك، ضرورة كونه حينئذ كالتلف بباقي الشرائط
بخلاف ما إذا كان التلف على جهة التوليد التابع للفعل بالنسبة إلى الفاعل عرفا فإن
الأقوى الضمان به حينئذ، وقد تقدم جملة من الكلام في كتاب الغصب
فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان فقد عرفت أنه (لو) أججها فاتفق أنها (عصفت
بغتة لم يضمن) بلا خلاف ولا إشكال للأصل بعد إطلاق الإذن له في ذلك (و) عدم
خروجه عن المعتاد فيه نعم (لو أججها في ملك غيره) بدون إذنه أو في الشارع
لا لمصلحة المارة (ضمن) ما يتلف بها من (الأموال والأنفس) وإن لم يقصد
ذلك بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالمفيد والفاضل والشهيدين وغيرهما
ما لم يعارض مباشر قوي كان ألقى فيها غيره نفسا أو مالا ولعل منه ترك التخلص

(1) كشف اللثام ج 2 ص 307.
(2) في التحرير: " أو بحطبه " وهو الصحيح كما لا يخفى.
(3) التحرير ج 2 ص 265.
123

مع إمكانه بل الظاهر كون الضمان (في ماله) كما عن المفيد وغيره التصريح به
(لأنه عدوان مقصود) كحفر البئر في ملك الغير عدوانا ونحوه مما عرفت من
كون الضمان فيه على الفاعل لظاهر الأدلة، ومن هنا اشتهر فيما بينهم أن الضمان
بالشرط على الفاعل دون العاقلة.
لكن في محكي السرائر: " إن قصد بالاشعال القتل فهو قتل عمد وإن لم
يقصد كان خطأ محضا والدية على العاقلة وحكم بضمانه الأموال " (1) وفي
التحرير: " وإن قصد بإضرام النار إحراق المنزل والمال الخاصة وتعدى
الاتلاف إلى النفس من غير قصد ضمن المال في ماله وكانت دية الأنفس على
عاقلته " (2).
ولا يخفى عليك ما في إطلاقه بعد الإحاطة بما ذكرناه ولعل التحقيق كون
الضمان في ماله مع فرض كون التلف بإشعال النار على نحو التلف بحفر البئر
وغيره من الشرائط بخلاف ماذا كان بتوليد فعله على وجه سبب إليه ما يترتب عليه
فإن ذلك تجري فيه حينئذ الأقسام الثلاثة العمد وشبهه والخطأ المحض، ضرورة
كونه كغيره من أفعال المباشرة، بل لعل ما في النهاية ومحكي المهذب
يرجع إليه.
قال في الأول: " ومن رمى في دار غيره متعمدا نارا فاحترقت وما فيها كان
ضامنا لجميع ما في الدار من النفوس والأثاث والأمتعة وغير ذلك ثم يجب عليه بعد
ذلك القتل " (3) ضرورة ظهور الضمان في كلامه فيما سمعته من الدية وأعواض
الأموال، وأما ما ذكره من القتل فيمكن أن يكون دليله خبر السكوني (4)

(1) السرائر كتاب الحدود، باب ضمان النفوس وغيرها، والمنقول هنا مضمون
كلامه لا عينه فراجع.
(2) التحرير ج 2 ص 265.
(3) النهاية ج 2 ص 785.
(4) الوسائل الباب - 41 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول الفقيه
ج 4 ص 162.
124

عن جعفر عن أبيه عليهما السلام " أن عليا عليه السلام قضى في رجل أقبل بنار أشعلها في دار
قوم فاحترقت الدار واحترق أهلها واحترق متاعهم، قال: يغرم قيمة الدار وما
فيها ثم يقتل ".
بل عن الفاضل في المختلف أنه استوجه ما في النهاية مستدلا عليه بالخبر،
بل عن حواشي الشهيد أن عليه أكثر الأصحاب، ويمكن أن يكون وجهه أنه
مفسد مع فرض اعتياده لذلك على وجه يكون به محاربا أو مطلقا.
وبذلك يظهر لك النظر فيما ذكره المصنف في النكت، قال: " يقتل قودا
لا حدا ولا يلزم من قوله: " ثم يجب عليه بعد ذلك القتل " أن يكون ضمان
النفوس شيئا غير ذلك " ثم ذكر الخبر المزبور وقال: " إنه ضعيف: فلا يمكن
التمسك بظاهره " (1) إذ لا يخفى عليك ظهور عبارة النهاية في خلاف ما ذكره
إن لم يكن صراحتها، والقتل المزبور قد عرفت وجهه، بل هو لم يستبعده فإنه
بعد أن ذكر ما سمعت قال: " والوجه أنه إن قصد إتلاف الأنفس ولم يكن
طريق إلى الفرار وجب في الأنفس القصاص وفي المال الضمان وأما الدار فيلزم
قيمة ما تلف من آلتها وأرش ما نقص من طولها وعرضها (2) وآلتها ولا يجب
مع سلامة الأنفس القتل لكن إن اعتاد ذلك قصدا للفساد ورأي الإمام قتله
حسما لفساده لم أستبعده ". (3)
قلت: فالمتجه حينئذ حمل كلام الشيخ على ذلك إذ محل البحث العدوان
في وضع النار من دون قصد لقتل الأنفس أو معه لكن على نحو القصد بباقي الشرائط
لا ما سمعته منه.
بل وكذا ما في كشف اللثام فإنه بعد أن ذكر ما سمعته من النهاية

(1) نكت النهاية، خمسة صفحات قبل تمام الكتاب.
(2) في التكت: (من طوبها وأرضها) وهو الصحيح.
(3) نكت النهاية، في تلك الصفحة أيضا.
125

والمهذب قال: " ولعلهما أرادا بالنفوس ما لا يكافيه من الحيوانات والأناسي
ويحتمل بعيدا أن يريدا بقولهما: " ثم يجب عليه بعد ذلك القتل " فردا (1)
من ضمان النفوس، صرح به دون الضمان بالدية أو القيمة لأنه أخفى وأخف
بالتنصيص " (2) إذ هما معا كما ترى.
وكذا ما في محكي السرائر قال: " من أحرق دار قوم فهلك فيها أنفس
وأموال كان عليه القود بمن قتله وغرم ما أهلكه بالاحراق من الأموال، هذا إذا
تعمد قتل الأنفس فأما إذا لم يتعمد قتل الأنفس لكن تعمد إحراق الأموال
والدار فحسب فإنه يجب عليه ضمان الأموال والأنفس فدياتها على عاقلته - إلى
أن قال - وذكر شيخنا في نهايته إلى آخر ما سمعته.
ثم قال: وهو غير واضح لأنه إن كان القتل عمدا فليس عليه إلا القود
فحسب، وإن كان شبه عمد أو الخطأ المحض فلا يجب عليه القود بحال " (3) فإنه
لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه (و) التحقيق ما عرفت.
نعم (لو قصد إتلاف الأنفس) بالاحراق على وجه يتحقق فيه عنوان
القصاص ولو بأن يكون بإضرامها فيها (مع تعذر الفرار) لمن أراد قتله (كان
عمدا) موجبا للقصاص بلا خلاف ولا إشكال كما عرفته فيها وفي الماء في كتاب
القصاص، والله أعلم.
(ولو بالت دابته في الطريق قال الشيخ: يضمن إن زلق فيه انسان)
مثلا سواء كان راكبها أو قائدها أو سائقها لأنها في جميع التقادير في يده فهو
كما لو رش أو بال هو، ونحوه عن ظاهر الوسيلة، بل هو صريح موضع من

(1) كشف اللثام: قودا.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 308.
(3) السرائر، كتاب الحدود، باب ضمان النفوس وغيرها، وكان في عبارة الأصل
سقطا فأصلحناه طبقا للمصدر.
126

القواعد، لكن قال بعد ذلك بفاصلة قليلة: " ولو بالت الدابة أو راثت فزلق انسان
فلا ضمان إلا مع الوقوف على إشكال " (1).
فإن كان الاشكال راجعا للوقوف خاصة فهو منه رجوع، وإن عاد إلى
أصل المسألة فهو توقف بعد جزم في الأمرين معا.
أما في الأول فمن السبب مع ضعف المباشرة فهو كما لو رش أو ألقى في
الطريق مزلقا، ومن الأصل وعدم الاختيار في ذلك مع كون السير بالدابة من
ضروريات الاستطراق وموضوعات الطرق.
وأما الثاني فلذلك، ويؤكد الضمان فيه خروج الوقوف بها عن وضع
الطرق، وعن المحقق في حواشيه على هامش القواعد " لا يضمن إلا مع الوقوف
لغير ضرورة وعدم علم الزالق بالروث والبول أو علم ولم يتمكن من التحرز " (2)
كما عن الشهيد والفاضل في التحرير ترجيح الضمان مع الوقوف (3).
قلت: لا يخفى عليك ما فيه بعد ما ذكرناه سابقا من أصالة عدم الضمان
بذلك بعد جعل الشارع عنوان الضمان صدق كونه سببا عرفا على أن ذلك ليس
من أفعاله وكونها في يده لا يقتضي نسبة ذلك إليه، ودعوى استفادته مما ورد في
حفر البئر في الطريق ونحوه مما يضر به كما ترى، مضافا إلى السيرة المستمرة
على عدم التحرز عن ذلك وعدم وجوب إزالته وعدم الضمان لما يترتب عليه من
غير فرق بين الماشية والواقفة إذ الوقوف جائز له أيضا مع عدم تضرر المارة به
وحينئذ فالأصل بحاله، ولعل اقتصار المصنف وغيره على نسبة ذلك للشيخ مشعر
بعدم الموافقة عليه.
(وكذا) قال الشيخ يضمن أيضا (لو ألقى قمامة المنزل المزلقة كقشور
البطيخ أو رش الدرب بالماء) فزلق به انسان مثلا، ووافقه على إطلاقه غيره ولكن
في المتن (والوجه اختصاص ذلك بمن لم ير الرش أو لم يشاهد القمامة) ولعله
إليه يرجع ما في القواعد، فإنه بعد أن أطلق الضمان بذلك قال: " ولو تعمد

(1) مفتاح الكرامة ج 10 ص 304.
(2) مفتاح الكرامة ج 10 ص 304.
(3) مفتاح الكرامة ج 10 ص 304.
127

المار وضع الرجل عليه وأمكنه العدول فلا ضمان " ولعله لقوة المباشر.
وعلى كل حال فقد استدلوا بالتسبيب وعموم صحيحي (1) الكناني
والحلبي، بل في كشف اللثام احتمال الضمان ببل الطين في الطريق ولو كان لمصلحة
المارة، وفيه ما عرفته سابقا من ظهور النصوص في اعتبار العدوان بذلك في الضمان
لا لأن الإذن الشرعية لا تستعقب ضمانا، بل لظهور نصوص الضمان بمثل ذلك
فيه، فإن الصحيحين المزبورين ظاهران في المضر بالطريق ولا ريب في حرمة المعد
لترتب الضرر منه وحينئذ فالمتجه في مثل الفرض تنقيح جواز ذلك في الطريق
وعدمه، ولعل السيرة في جميع الأعصار والأمصار مع الأصل تقتضي الجواز،
واتفاق الضرر نادرا لا ينافي ذلك، فيتجه حينئذ عدم الضمان للأصل بعد الإذن
الشرعية فيه التي قد عرفت غير مرة أنها أقوى من المالكية في دفع ذلك، بل
لعل المنساق من الإذن في نحو ذلك مما تعلق به حق الغير عدم الضمان، نعم
لو قلنا بعدم جوازه اتجه الضمان فيه وإن تعمد المشي فيه وكان له مندوحة
عنه، لاطلاق أدلة الضمان به إلا إذا صار على وجه يكون أقوى منه في حصول
التلف، فتأمل جيدا.
أما لو تلف به حيوان أو مجنون أو صبي غير مميز فلا إشكال في الضمان
مطلقا.
ولو بنى دكة على باب داره في الطريق المسلوك أو غرس شجرة فعثر به
انسان مثلا فمات ضمن لما تقدم من النصوص، وفيما كان منه للمصلحة العامة
البحث السابق.
وكذا الكلام في كل ما يصنعه في الطريق من حفر وبناء وغيرهما، والله
العالم.

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 1 - 2.
128

المسألة (التاسعة:)
(لو وضع إناء) مثلا (على حائطه) أو حائط يباح له التصرف فيه
أو شجرة كذلك (فتلف بسقوطه نفس أو مال لم يضمن) بلا خلاف ولا إشكال
(لأنه تصرف في ملكه من غير عدوان) كما سمعته فيما لو بنى في ملكه،
نعم لو وضعه مائلا إلى الطريق ضمن كما في القواعد وغيرها نحو الحائط المائل،
بل لو وضعه على وجه يسقط مثله، ففيه البحث السابق في الحائط المبني في ملكه
بغير أساس.
المسألة (العاشرة:)
(تجب حفظ دابته الصائلة كالبعير المغتلم والكلب العقور) الذي اقتناه
والفرس العضوض والبغل الرامح ونحو ذلك، بلا خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال،
لقاعدة الضرر (و) غيرها، بل (لو أهمل ضمن جنايتها) بلا خلاف ولا إشكال،
لصحيح الحلبي أو حسنه عن الصادق عليه السلام " إنه سئل عن بختي اغتلم فقتل رجلا
فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف فعقر فقال: صاحب البختي ضامن للدية ويقتص
ثمن بختيه " (1) وخبر علي بن جعفر " سأل أخاه عليه السلام عن بختي اغتلم فقتل
رجلا ما على صاحبه؟ قال: عليه الدية " (2).
ولا يعارض ذلك النبوي " القحماء جبار " (3) بعد قصوره من وجوه،
فيجب حمله على غير المفروض أو غير المملوك أو التي لم يفرط في حفظها أو التي
فرط التالف بالتعرض بها، كقول الصادق عليه السلام في مرسل يونس: " بهيمة الأنعام

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 1 و 3.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 1 و 3.
(3) الوسائل الباب - 32 - من أبواب موجبات الضمان.
129

لا يغرم أهلها شيئا ما دامت مرسلة " (1) بل لعل المراد من الارسال كونها
غير صائلة أو مجهولة الحال أو المراد ما دامت من شأنها الارسال بأن لا تكون
صائلة، بل قد يحتمل كون " لا يغرم " من باب الأفعال أو التفعيل أي يغرم
من جنى عليها للدفع شيئا.
(و) كذا لو جنت عليها دابة أخرى نعم (لو جهل حالها أو علم
ولم يفرط فلا ضمان) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالحلي والفاضلين
وغيرهم، ولعله للأصل والنبوي (2) " بل والمرسل (3) بعد الشك في تناول
الاطلاق المزبور له ولو للشهرة.
وخبر مسمع بن عبد الملك (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " إن أمير المؤمنين عليه السلام
كان إذا صال الفحل أول مرة لم يضمن صاحبه فإذا ثنى ضمن صاحبه " بناء
على أن المراد منه الإشارة إلى التفصيل المزبور باعتبار أنه أول مرة لا يعلمه
المالك بخلاف المرة الثانية بل والأولى مع طولها بحيث علم به واستمر كذلك
بعد العلم قادرا على حفظه.
(ولو جنى على صائلة جان للدفع) عن نفسه أو نفس محترمة أو مال
كذلك (لم يضمن) بلا خلاف ضرورة أولويته من هدر النفس له، نعم ينبغي
الاقتصار على مقدار ما يحصل به الدفع كما مر مفصلا في الدفاع (ولو كان) ما
جناه عليه (لغيره) أي الدفاع (ضمن) بلا خلاف أيضا حتى لو كان انتقاما،
بل ولا إشكال لعموم أدلة الضمان، وخصوص حسن الحلبي السابق أو صحيحه (5)

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 32 - من أبواب موجبات الضمان.
(3) أي مرسل يونس الذي مر آنفا.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 14 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
130

وهو مراد الشيخ من قوله في النهاية: " فإن كان الذي جنى عليه البعير ضرب البعير فقتله
أو جرحه كان عليه بمقدار ما جنى مما ينقص من ثمنه يطرح من ديته ما كان جنى
عليه البعير " (1) فلا وجه لما عن السرائر من مناقشته " بأنه غير واضح لأن الذي
يقتضيه أصول مذهبنا أن لا ضمان بضرب البعير لأنه بفعله محسن " إذ قد عرفت
أن المراد ضربه بعد الجناية عليه لا للدفع أو مع اندافعه بدونه، والله العالم.
(وفي ضمان جناية الهرة المملوكة تردد قال الشيخ: يضمن بالتفريط
مع الضراوة) وتبعه ابن حمزة وابن إدريس والفاضل وثاني الشهيدين وغيرهم
إلحاقا له بالبعير المغتلم والكلب العقور وغيرهما من الدواب التي قد عرفت الضمان
بها مع التفريط.
(و) لكن في المتن (هو بعيد إذ لم تجر العادة بربطها) وحفظها
بخلاف الدواب إلا أنه كما ترى ضرورة ندرة الضراوة في هرة مملوكة لمعين
فلا وجه للاستناد إلى العادة في ذلك، ومن هنا لم أجد قولا بعدم الضمان وإن
أرسله بعض الناس.
نعم للعامة في ضمانها أربعة أوجه: الضمان مطلقا، وعدم الضمان مطلقا (2)
والضمان بالليل دون النهار، لأن انتشارها غالبا فيه، والعكس، لقضاء العادة
بحفظ ما تقصده الهرة بالليل، بل ظاهرهم البحث في ضمان ما تتلفه الهرة مطلقا
ضارية أولا وهو مقام آخر يجري مثله في الدواب، نعم لم نجد هنا محررا في
كلامهم، بل ربما أشعر تقييدهم البعير هنا بالمغتلم ونحوه باختصاص الضمان فيه
إلا أن المتجه القول فيه بالضمان مع التفريط أيضا بما جرت العادة فيه من
حفظها، بل لعل قوله في المرسل السابق (3) " ما دامت مرسلة " مشعر بذلك في
الجملة، كما أن ما تسمعه من النص والفتوى في المسألة الحادية عشر دال عليه
أيضا، أما مع عدمه فلا ضمان قطعا للأصل وغيره والنبوي (4) والمرسل (5)

(1) النهاية ج 2 ص 785.
(2) كانت عبارة الأصل هنا ناقصة فأتممناء.
(3) أشرنا إلى مصدره آنفا فراجع.
(4) أشرنا إلى مصدره آنفا فراجع.
(5) أشرنا إلى مصدره آنفا فراجع.
131

وغير ذلك.
(نعم) في المتن والقواعد وغيرهما (يجوز قتلها) بل في المسالك
ظاهرهم الاتفاق عليه كغيره من المؤذيات.
وفي كشف اللثام " لعله لا شبهة في ذلك كغيره من المؤذيات " وظاهرهم
الهدرية مع ذلك، وهو كذلك في مقام الدفاع، أما مع عدمه فقد عرفت تصريح
النص والفتوى بضمانه، بل قد يشكل أصل جواز القتل، وإن جاز في الحيوان
المؤذي غير المملوك، وما سمعته من ابن إدريس إن كان المراد به ما نحن فيه ففي
اقتضاء قاعدة الاحسان جواز قتله منع واضح، لأن له مالكا يجب عليه حفظه
فلا إحسان في قتله، ومع التسليم فالمتجه الضمان جمعا بين الحقين، ولحسن
الحلبي المزبور (1) وغيره من أدلة الضمان.
المسألة (الحادية عشر:)
(لو هجمت دابة على أخرى فجنت) الدابة (الداخلة) فعن الشيخين
والديلمي والقاضي وابن حمزة (ضمن مالكها، وإن جنت المدخول عليها كان هدرا)
بلا خلاف ولا إشكال للأصل وغيره، أما الأول فلخبر معصب بن سلام التميمي
عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام " إن ثورا قتل حمارا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
فرفع إليه وهو في أناس من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر فقال: يا أبا بكر اقض
بينهم، فقال: يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ما عليها شئ، فقال: يا عمر اقض
بينهم، فقال مثل قول أبي بكر، فقال: يا علي اقض بينهم فقال: نعم، يا رسول الله،
إن كان الثور دخل الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور وإن كان الحمار دخل على الثور
في مستراحه فلا ضمان عليهم، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده إلى السماء وقال: الحمد لله
الذي جعل لي من يقضي بقضاء النبيين " (2) ونحوه خبر سعد بن طريف

(1) أشرنا إلى مصدرها آنفا فراجع.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.
132

الإسكاف (1) عن أبي جعفر عليه السلام مع اختلاف، إلا أن ضعف سندهما مع عدم الجابر
يمنع من العمل بهما على الاطلاق.
(و) لذا قال المصنف وغيره من المتأخرين: (ينبغي تقييد الأول بتفريط
المالك في الاحتفاظ) بل يمكن إرادة ذلك من الخبرين، بل ومن الشيخ ومن تبعه
خصوصا بعد ملاحظة ما ذكره في البعير المغتلم من اعتبار التفريط في الضمان أما
مع عدمه فلا ضمان للأصل والنبوي (2) ومرسل الحلبي " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله
عليا عليه السلام إلى اليمن فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن ومر يعدو فمر برجل
فنفحه (3) برجله فقتله فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى
علي عليه السلام فأقام صاحب الفرس البينة عند علي عليه السلام أن فرسه أفلت في داره ونفح (4)
الرجل فأبطل علي عليه السلام دم صاحبهم، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله إن عليا عليه السلام ظلمنا وأبطل دم
صاحبنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن عليا عليه السلام ليس
بظلام (5) ولم يخلق للظلم إن الولاية لعلي عليه السلام من بعدي والحكم حكمه
والقول قوله، ولا يرد ولايته وقوله وحكمه إلا كافر، ولا يرضى ولايته وقوله
وحكمه إلا مؤمن، فلما سمع اليمانيون قول رسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام،
قالوا: يا رسول الله رضينا بحكم علي عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هو توبتكم مما
قلتم " (6).

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2
(2) أي قوله صلى الله عليه وآله: العجماء جبار.
(3) في الأصل: " فبعجه " ولكن في التهذيب والكافي والأمالي والوسائل كما
أثبتناه فراجع.
(4) في الأصل: " بعج " ولكن في مصادر الحديث: " نفح ".
(5) في الأصل: " ليس مبطلا له " ولكن في مصادر الحديث كما أثبتناه.
(6) الكافي ج 7 ص 352 التهذيب ج 10 ص 228، الأمالي للصدوق ص 211
المجلس 55، الوسائل الباب - 20 - من أبواب الضمان الحديث الأول.
133

ومنه يستفاد الضمان مع التفريط الذي قد عرفت إجماع المتأخرين
عليه، بل قد يستفاد منه أيضا الحكم بالضمان بجناية الدابة ما لم يثبت المالك
عدم التفريط، ولعله لذا أطلق في الخبر المتضمن قضاء علي عليه السلام بل ومن أفتى
بمضمونه، وإن كان الذي يظهر من المصنف وغيره اعتبار ثبوت التفريط في الضمان
وإلا فلا ضمان، للأصل وإطلاق " جبار القحماء " وغير ذلك، والمسألة غير محررة
وإن كان الأخير لا يخلو من قوة لعدم جابر للحجية للخبرين بالنسبة إلى ذلك
كما أنه قد يشهد للأول إطلاق النص (1) في ضمان البختي المغتلم من دون
اعتبار للعلم بتفريطه، ولكن ظاهر الفتاوى خلافه. والله العالم.
المسألة (الثانية عشر:)
(من دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا إن دخل بإذنهم وإلا فلا ضمان)
بلا خلاف أجده بل قيل قد يظهر من المبسوط الاجماع عليه، لكونه كمن وقع
في البئر مع الإذن في الدخول، بخلاف ما إذا لم يأذن فإنه متعد كما لو وقع
في البئر، ولخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل
دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم فقال: لا ضمان عليهم فإن دخل بإذنهم
ضمنوا " (2).
وخبر زيد بن علي عن آبائه، عن علي عليه السلام " إنه كان يضمن صاحب
الكلب إذا عقر نهارا ولا يضمنه إذا عقر بالليل وإذا دخلت دار قوم بإذنهم فعقرك
كلبهم فهم ضامنون وإذا دخلت بغير إذنهم فلا ضمان عليهم ". (3)
ولعل التفصيل الأول فيما إذا عقر خارج الدار وقد فرطوا في حفظه
والثاني فيما إذا عقر داخلها، فلا منافاة.

(1) راجع الوسائل الباب - 14 - من أبواب موجبات الضمان.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2 و 3.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2 و 3.
134

والمرسل عن أبي عبد الله عليه السلام " قلت له: جعلت فداك رجل دخل دار قوم فوثب
كلبهم عليه في الدار فعقره فقال: إن كان دعي فعلى أهل الدار أرش الخدش وإن لم يدع
فلا شئ عليهم " (1).
بل إطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الكلب حاضرا
في الدار عند الدخول وعدمه، ولا بين علمهم بكونه يعقر الداخل وعدمه، ولو
أذن بعض من في الدار دون بعض فإن كان ممن يجوز الدخول بإذنه اختص
الضمان به وإلا فكما لو لم يأذن، ولو اختلفا في الإذن وعدمه فالقول قول
منكره للأصل.
ثم إن المنساق بل كاد يكون صريح قوله عليه السلام " دعي " اعتبار الإذن
الخاصة دون العامة، ويؤيده الأصل وغيره، والله العالم.
المسألة (الثالثة عشر:)
(راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف
به بعضهم، بل عن الخلاف والغنية وغاية المرام وظاهر المبسوط الاجماع عليه،
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، كخبر علاء بن الفضيل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
" إنه سأل عن رجل يسير على طريق من طرق المسلمين على دابته فتصيب برجلها
فقال: ليس عليه ما أصابت برجلها وعليه ما أصابت بيدها وإذا وقفت فعليه ما
أصابت بيدها ورجلها وإن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها ورجلها أيضا ".
وصحيح الحلبي (3) عنه عليه السلام أيضا " أنه سئل عن الرجل يمر على طريق
.

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
(3) الكافي ج 7 ص 351، الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان
الحديث 3
135

من طرق المسلمين فتصيب دابته إنسانا برجلها فقال: ليس عليه ما أصابت
برجلها ولكن عليه ما أصابت بيدها لأن رجلها خلفه إن ركب وإن كان قائدها
فإنه يملك بإذن الله يدها يضعها حيث يشاء ".
ونحوه صحيح سليمان بن خالد (1) عنه عليه السلام أيضا بأدنى تفاوت.
وخبر أبي مريم (2) عن أبي جعفر عليه السلام " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في
صاحب الدابة أنه يضمن ما وطأت بيدها ورجلها، وما بعجت برجلها فلا ضمان
عليه، إلا أن يضربها انسان ".
ونحوه خبر غياث (3) عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليه السلام
- المحمولين على الراكب جمعا بينهما وبين غيرهما -.
(و) خبر السكوني (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه ضمن القائد والسائق
والراكب، فقال: ما أصابت الرجل فعلى السائق وما أصابت اليد فعلى الراكب
والقائد " المحمول عليه ما في خبره أيضا (5) " إن عليا عليه السلام كان يضمن القائد
والسائق والراكب " إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بما عرفت، بل مقتضي إطلاق
الجميع الضمان وإن لم يكن عن تفريط.
نعم (فيما تجنيه برأسها) فيه (تردد) للأصل، وقاعدة الاقتصار على
المتيقن فيما خالفه من الضمان مع عدم التفريط، وإطلاق النبوي (6) ولكن

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 9.
(2) التهذيب ج 10 ص 227، الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات
الضمان الحديث 4 الكافي ج 7 ص 353 وفيه نفحت مكان بعجت.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 4 - الفقيه
ج 4 ص 156 - التهذيب ج 10 ص 224.
(4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 5.
(5) الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 11.
(6) الذي مر سابقا وهو: " العجماء جبار "
136

(أقربه الضمان لتمكنه من مراعاته) المستفاد من التعليل في صحيحي الحلبي
وسليمان (1) وفاقا للشيخين والحلي والفاضلين والشهيدين وغيرهم على ما حكى
عن بعضهم، بل ما في الرياض نسبته إلى الأكثر بل ظاهر محكي المبسوط
الاجماع عليه وإن اقتصر فيه كالمقنعة على ذكر الفم إلا أن الظاهر إرادته الأعم
من ذلك بل الظاهر ضمان بجميع مقاديم البدن للتعليل المزبور، بل لم أجد
قائلا صريحا بعدم الضمان وإن استطهر من اقتصار المراسم والغنية والخلاف والنافع
على ضمان اليدين، إلا أنه كما ترى ليس خلافا صريحا. والأصل مقطوع بما
عرفت والنبوي مقيد به.
بل عن ظاهر الوسيلة أو صريحها ضمان ما تجنيه برجلها أيضا وإن لم
نجد له موافقا، بل عن الخلاف الاجماع على خلافه، مضافا إلى ما سمعته من
النصوص وغيرها، بل ولا دليلا إلا خبر إسحاق بن عمار عن جعفر، عن أبيه
عليهما السلام " إن عليا عليه السلام كان يضمن الراكب ما وطئت الدابة بيدها ورجلها
إلا أن يعبث بها أحد فيكون الضمان على الذي عبث بها " (2) لكنه قاصر عن
معارضة ما سمعت من وجوه، فالمتجه حينئذ حمله على صورة التفريط، أو على
ما إذا كانت واقفة دون السائرة، على أن أقصاه الاطلاق المحمول على التقييد المستفاد
من خبر العلاء بن الفضيل (3).
هذا كله مع فرض الركوب على المعتاد أما مع فرضه على خلافه بأن
كان وجهه إلى خلف الدابة احتمل قويا العكس في الضمان، لمفهوم التعليل
المزبور، وكونه كالسائق في ضمان الجميع إن لم يضطر إلى الركوب كذلك،

(1) وهما المذكوران آنفا.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان، الحديث 10 - التهذيب
ج 10 ص 226 - الاستبصار ج 4 ص 284 وفي الأول: " بيدها أو رجلها " وفي
الأخيرين " بيدها ورجلها " فراجع.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
137

أما اليدان فلاطلاق النص والفتوى، وأما الرجلان فلأنه حينئذ يملكهما، إلا
أنه كما ترى بعد انسياق غير ذلك من الركوب.
نعم قد يقال باندراج الركوب وكلا رجليه إلى ناحية واحدة فيه، بل لعل
التعليل أيضا منطبق عليه، ويحتمل اعتبار التفريط وعدمه اقتصارا على المتيقن
فيما خالف الأصل.
ومن ذلك قد يقوى الاقتصار في الضمان المزبور على المباشرة دون التسبيب
بمعنى أنه لو أصاب شئ من موقع السنابك عين انسان مثلا فأبطل ضوءها، أو
أتلفت برشاش ماء خاضه لم يضمن وإن استشكل فيه في القواعد، مما عرفت ومن
تناول الاطلاق لمثله، بل لم يرجح أحد الطرفين في كشف اللثام ومحكي
الإيضاح، بل عن الشهيد أن الضمان قوى إلا أن الأقوى الأول، نعم قد يقال
بالضمان بمثل ذلك مع التفريط كما عن الكركي، فتأمل جيدا.
(وكذا) الكلام في (القائد) بمعنى ضمانه ما تجنيه بيدها ورأسها دون
رجليها ما لم يكن عن تفريط فإن البحث فيه على حسب ما سمعته في الراكب
دليلا وقائلا أو إجماعا (1) محكيا ونفي خلاف وغير ذلك مما عرفته حتى
الاجماع المحكي عن الخلاف على عدم ضمان ما تجنيه برجلها مع زيادة حكايته
عن الغنية أيضا، فلا حاجة إلى إعادة الكلام.
(ولو وقف بها ضمن ما تجنيه بيديها ورجليها) بلا خلاف أجده فيه لخبر
العلاء بن الفضيل السابق، بل الظاهر ضمان ما تجنيه مطلقا ولو برأسها وغيره،
وإن اقتصر المصنف كالمحكي عن المبسوط على اليدين والرجلين اعتمادا على
ما ذكره في الراكب، بل الظاهر أيضا عدم الفرق في ذلك بين الطريق الضيق
والواسع والمفرط وغيره والراكب والقائد والسائق عملا بإطلاق النص والفتوى
الذي لا ينافيه عدم العدوان في الوقوف مع الحاجة أو الضرورة وإن كان قد يناقش
في صورة عدم التفريط وعدم التعدي بالوقوف بالنسبة إلى ضمان جنايتها برجلها
.

(1) واجماعا (ظ)
138

بمنافاته للأصل وظهور التعليل بخلافه، بل لعل إطلاق عدم ضمان الراكب
والقائد جناية الرجل شامل للواقف وغيره، اللهم إلا أن يكون إجماعا أو شهرة
يرجح بها (1) ظاهر خبر العلاء المزبور عنه، والله العالم.
(وكذا) لا خلاف أجده في ضمانه (إذا ضربها فجنت) بيدها أو رجليها
بل أو غيرهما، سائقا كان أو راكبا، وقائدا لحاجة أو غيرها، مع التفريط وبدونه،
ولعله لتحقق نسبة الجناية إليه فتشمله العمومات، مضافا إلى فحوى ما تسمعه من
النصوص الآتية في ضرب الغير الذي أشار إليه المصنف بقوله: (وكذا لو ضربها
غيره ضمن الضارب) ما تجنيه مطلقا ولو على الراكب وغيره، بل لا أجد فيه خلافا،
بل عن الغنية الاجماع عليه، لما عرفت من تحقق النسبة إليه، وصحيح الحلبي أو
حسنه (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره ويعقر دابته
رجل آخر قال هو ضامن لما كان من شئ " وقوله عليه السلام أيضا في حسنه (3) " أي
رجل فزع رجلا على الجدار أو نفر به عن دابته فخر ومات فهو ضامن
لديته وإن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه " وخبر أبي مريم السابق (4)
وغيره.
نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يكن للدفع لها عن نفسه كما عن الوسيلة والغنية
والسرائر وغيرهما التصريح به للأصل بعد الشك في اندراجه في إطلاق الأدلة
خصوصا مع ملاحظة خبر أبي بصير (5) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كان

(1) في بعض النسخ: يرجع مكان يرجع.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(3) الكافي ج 7 ص 353، التهذيب ج 10 ص 227، الوسائل الباب - 15 -
من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 4.
(5) الوسائل الباب - 21 - من أبواب قصاص النفس الحديث 3.
139

راكبا على دابته فغشي رجلا ماشيا حتى كاد يوطئه فزجر الماشي الدابة عنه
فخر عنها فأصابه موت أو جرح قال: ليس الذي زجر بضامن إنما زجر عن
نفسه " ونحوه خبره الآخر (1) عنه عليه السلام أيضا على اختلاف في ألفاظه وزيادة " وهي
الجبار " كخبر معلى بن عثمان (2) عنه عليه السلام أيضا على اختلاف في ألفاظه مع الزيادة،
لكن قد يقال: " إن ذلك كذلك بالنسبة إلى الراكب المفرط في غشيانه ".
أما ما جنته على غيره ممن كان خلفه فقد يشكل عدم ضمانه باعتبار كون
التلف مستندا إليه ولو بالتوليد من فعله، فتأمل جيدا فإن التعليل قد يفهم منه
من العموم لغيره، والله العالم.
(وكذا السائق يضمن ما تجنيه) إجماعا عن الغنية ولعله كذلك إذ لا خلاف
أجده فيه بين من تعرض له منا كالشيخ وابن حمزة والفاضلين والشهيدين وغيرهم
بل عن الخلاف نفيه بين المسلمين عن ضمان ما تجنيه بيديها ورجليها مضافا إلى
ما سمعته في خبر العلاء بن الفضيل (3) وما يفهم من التعليل السابق باعتبار كون
جميعها قدامه، والتفصيل في خبر السكوني (4) السابق المشعر باختصاص الضمان
بالرجل محمول على إرادة بيان مجرد الفرق في الجملة بين السائق وغيره، خصوصا
بعد عدم القائل به، بل مقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين المفرط
وعدمه.
ولو كان لها سائق وقائد وراكب، فالظاهر الاشتراك فيما فيه الاشتراك
والانفراد فيما فيه الانفراد، (5) وكذا السائق والقائد أو الراكب، وهو مع
القائد، ولو كان المقود والمسوق قطارا ففي إلحاق الجميع بالواحد حكما وجهان،

(1) الوسائل الباب - 37 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 37 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 5.
(5) كانت عبارة بعض النسخ هكذا: الاشتراك فيما فيه الاشتراك والانفراد،
والانفراد فيما فيه...
140

من صدق القود والسوق كما عن الوسيلة، ومن فقد علة الضمان وهي القدرة على
حفظ ما ضمن جنايته، فإن القائد لا يقدر على حفظ يدي ما تأخر عن الأول،
وكذا السائق بالنسبة إلى غير المتأخر (1) ولعل هذا أقوى، نعم قد يقال بضمان
سائق المتعدد غير القطار لكن الأولى اعتبار التفريط في الضمان في غير المنساق
من النصوص، والظاهر الاشتراك في الضمان مع تعدد السائق والقائد، ومنه يعلم
الحال فيما لو ركب واحدا وقاد الباقي أو قطره فإنه يتعلق به حكم المركوب
وأول المقطور بخلاف الثالث الذي لا يتمكن من حفظه، ولو ساق واحدا أو أكثر
مع كونه راكبا قائدا للبعض تعلق به ضمان مركوبه ومقوده ومسوقه، وبالجملة
فالمدار على ما عرفت من ضمان كل ما هو منساق من النصوص وإن لم يكن بتفريط،
أما غيره فالظاهر اعتباره فيها.
(ولو ركبها رديفان تساويا في الضمان) كما صرح به غير واحد بل لا أجد
فيه خلافا، بل في كشف اللثام " الأصحاب قاطعون به " قلت: لعله لصدق الراكب
على كل منهما، ولخبر سلمة بن تمام (2) المنجبر بما عرفت " عن علي عليه السلام في
دابة عليها رديفان فقتلت الدابة رجلا أو جرحت فقضى في الغرامة بين الرديفين
بالسوية " لكن مع ذلك قال في كشف اللثام: " فيه تردد " وهو على إطلاقه في غير
محله نعم لو كان أحدهما ضعيفا لمرض أو غيره مكتوفا اختص الضمان بالآخر الذي
هو المالك لأمرها، وكذا المراد فإن على خلاف المعتاد.
وعلى كل حال فراكبا المحمل أولى بالضمان من المترادفين.
(ولو كان صاحب الدابة معها ضمن دون الراكب) كما في النافع والقواعد

(1) كانت عبارة الأصل مغلوطة فصححناه طبقا لعبارة مفتاح الكرامة ج 10 ص 216
فراجع.
(2) الوسائل الباب - 43 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
141

واللمعة وغيرها، ولعله لاطلاق خبر أبي مريم (1) السابق وغياث - الذين قد
عرفت حملهما على الراكب - ومن هنا قيده غير واحد بما إذا كانت المراعاة موكولة
إليه بأن لم يكن الراكب من أهلها كالطفل والمجنون والمريض ونحوهم ممن
لا إشكال في ضمانه حينئذ دونهم، بل عن الغنية الاجماع على ضمانه إذا كان حاملا
عليها من لا يعقل، بل في كشف اللثام " أو شرط عليه ذلك " ولكن ذلك لا يخص
المالك كما أنه لا يخص الراكب، بل لا ضمان على القائد مع فرض كون المراعاة
موكولة إلى المالك دونه، فالمتجه حينئذ كون المالك كغيره في الضمان باعتبار
كونه سائقا أو قائدا أو راكبا ولو رديفا أو موكولا إليه حفظ الجميع، فقد
ينفرد، وقد يشترك مع غيره كما عرفته في الصور السابقة. وضمان المالك مع التفريط
في حفظ دابته لا ينافي ضمان الراكب أيضا وإن لم يفرط لاطلاق الأدلة السابقة،
نعم يختص هو بضمان ما يتلفه من حيث التفريط بحفظها في غير حال الركوب دون
راكبها ولعل هذا مراد من أطلق فتأمل جيدا.
(و) على كل حال (لو ألقت الراكب لم يضمنه المالك) كما صرح به
الفاضل وغيره، للأصل وغيره (إلا أن يكون بتنفيره) فيضمن حينئذ لما عرفت أو
يكون الراكب صغيرا أو مريضا لا يتمكن من الاستقلال عليها فصحبه المالك لحفظه
فيضمن، كما لو فرط في حفظ متاع حمله عليها، وكذا لو كان من عادتها الالقاء وكان
المالك عالما ولم يخبر الراكب ضمن أيضا.
(ولو أركب مملوكه دابة ضمن المولى جناية الراكب) كما عن الشيخ
والقاضي لصحيح ابن رئاب (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل حمل عبده على دابته
فوطئت رجلا قال: الغرم على مولاه " (و) لكن (من الأصحاب) وهو ابن
إدريس (من شرط صغر المملوك) لتفريطه حينئذ بإركابه مع صغره (وهو

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 4 وخبر
غياث أشير إليه في ذيل خبر أبي مريم فراجع ص 136.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
142

حسن و) ذلك لأن الموافق للضوابط المتقدمة في غير المقام أنه (لو كان بالغا
كانت الجناية في رقبته إن كانت على نفس آدمي) أو طرفه (ولو كانت على مال لم
يضمن المولى، وهل يسعى فيه العبد؟ الأقرب أنه يتبع به إذا أعتق) كما في
القواعد وغيرها على حسب غير المقام لاطلاق الأدلة ومعلومية عدم ضمان المولى
شيئا من جناياته، لا في نفس ولا في مال، نصا وفتوى، بل يمكن حمل كلام الشيخ
والقاضي على الصغير خاصة باعتبار تعبيرهما بالاركاب الظاهر كالحمل الموجود
في الصحيح (1) في عدم كماله، على أن التعلق برقبته من الغرم على المولى،
وحينئذ فلا خلاف في المسألة وإن كان ظاهر المتن ذلك، بل في كشف الرموز نسبة
التفصيل المزبور إلى ابن إدريس، قال: وباقي الأصحاب أطلقوا، كما أنه في
المسالك نسب الاطلاق إلى الشيخ وأتباعه، وفي التنقيح إلى الأكثر. نعم ربما
استظهر من ابن إدريس اختصاص ضمان المولى للصغير في خصوص ما إذا كانت الجناية
على آدمي دون المال، ولعله اقتصار على ظاهر الصحيح المزبور، لكن قد عرفت
أنه مؤكد لما يقتضيه التفريط بإركابه وإهمال الدابة الواجب عليه حفظهما، وهذا
لا تفاوت فيه بين النفس والمال، ومن هنا أطلق المصنف وغيره ضمان المولى جنايته،
بل ظاهرهم أن القول بالتفصيل منزل على ذلك أيضا، ولعلهم حملوا ما في محكي
السرائر من عدم ضمان المال على خصوص الكبير بمعنى أن جنايته على نفس تتعلق
برقبته دون المال لا بالنسبة إلى الصغير الذي جنايته في المقام على مولاه من غير فرق
بين النفس والمال، والخبر (2) إنما ذكر فيه وطء الرجل فلا ينفى غيره المستفاد
من قاعدة التفريط.
ولو دخلت دابته زرعه المحفوف بزرع الغير لم يجز له اخراجها إليه مع
أدائه إلى إتلاف زرع الغير بل يصبر وإن أتلفت زرعه أجمع، فإن لم يصبر

(1) أي صحيح ابن رثاب الذي مر آنفا.
(2) أي خبر ابن رثاب.
143

وأخرجها أثم وضمن ما يتلف من زرع الغير، كما أنه يضمن ما يتلفه بالخروج
والدخول مع تفريطه، وكذا لو كانت الدابة لغيره، بل الظاهر عدم ضمان المالك لها
ما تتلفه من الزرع مع الصبر إذا لم يكن قد فرط، وإن توقف فيه الفاضل في
القواعد، قال: " ولو دخلت زرعه المحفوف بزرع الغير لم يكن له اخراجها إليه
مع الاتلاف بل يصبر ويضمن المالك مع التفريط، ومع عدمه إشكال " لكن لم يظهر
لنا وجه معتد به لاشكاله وإن ذكر ولده وغيره من شراحه أنه إن استند التلف
إلى دابته فيضمن كما لو أدخلت رأسها في قدر ولم يمكن التخلص إلا بالكسر، إلا
أنه كما ترى لا يرجع إلى حاصل معتد به.
نعم لو فرض الأمر على حال يكون كما لو دخلت الدابة دار الغير من غير
تفريط من المالك ولا من صاحب الدار وتوقف خروجها على هدم بعض الدار مثلا
ونحو ذلك، كان مما تزاحمت فيه الحقوق الذي تقدم بعض الكلام فيه في محله،
وليس الصبر على إتلافها لما في اخراجها من إتلاف مال الغير مع عدم تفريط المالك
من هذا القبيل، ضرورة كونه كالضرر بآفة سماوية ونحوها مما لا مدخلية للمالك
فيه، كما هو واضح.
144

(البحث الثالث)
(في تزاحم الموجبات)
وقد تكرر غير مرة في كتاب الغصب وكتاب القصاص وغيرهما.
أنه (إذا اتفق المباشر والسبب) وتساويا أو كان المباشر أقوى (ضمن
المباشر) بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه (كالدافع مع
الحافر، والممسك مع الذابح، وواضع الحجر في الكفة مع جاذب المنجنيق) إلا
مع ضعف المباشر بالغرور (و) نحوه كما (لو جهل المباشر حال السبب)
فإنه متى كان كذلك (ضمن المسبب كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه)
ونحوه مما يجوز له الحفر فيه (فدفع غيره ثالثا ولم يعلم) بالبئر، (ف‍) - إن
(الضمان) فيه (على الحافر) لكونه أقوى من المباشر، (وكالفار من
مخيفة إذا وقع في بئر) محفورة عدوانا (لا يعلمها) وإن لم يلجئه إلى سلوك
هذا الطريق بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب مشعرا
بالاجماع عليه وهو كذلك.
نعم تردد المصنف في ضمان الحافر في الأول (1) لعموم تقديم المباشر على
السبب مع أنه جزم به هنا كغيره من الأصحاب، والعموم المزبور لم نجده في خبر
كي يستند إليه وإنما الأصل فيه الاتفاق المفقود في المقام، فلا وجه للتردد المزبور
كما لا وجه للمناقشة في أصل القاعدة التي قد عرفت الاجماع عليها مضافا إلى
صدق نسبة التلف إليه دونه فقد تقدم البحث في ذلك كله في كتاب الغصب
فلاحظ وتأمل.

(1) في بعض النسخ بعد هذه الجملة هكذا: " فلا وجه للتردد " والظاهر زيادتها.
145

(ولو حفر في ملك نفسه بئرا وسترها ودعى غيره فالأقرب الضمان) كما
في القواعد وغيرها، بل في المسالك أنه المشهور (لأن المباشرة يسقط أثرها مع
الغرور) بعدم الاخبار عمدا أو نسيانا، ولأنه " لا يبطل دم امرء مسلم " (1)
ولفحوى ضمان الداخل بالإذن فعقره كلبهم.
ويحتمل عدم الضمان مع عدم تعمد الغرور للأصل وإطلاق عدم
الضمان في الحفر في الملك في النصوص السابقة، بل ربما قواه بعض الناس.
ولكن فيه عدم اعتبار قصد الغرور بما يترتب على فعل الغار الذي هو في
الوجدان أقوى في حصول التلف من المباشرة فتأمل جيدا فإنه تقدم فيمن ناول
إناء فيه سم لغيره ولم يعلم به ما له نفع في المقام، وإن كان المشابه له فرض وضعه
السم في الإناء وقد نساه فناوله للغير والظاهر الضمان فيه بخلاف ما لو كان الواضع
غيره والله العالم.
(ولو اجتمع سببان ضمن من سبقت الجناية بسببه)، وإن كان حدوثه
متأخرا أو مصاحبا (كما لو ألقى حجرا في غير ملكه وحفر الآخر بئرا فلو سقط
العاثر بالحجر في البئر فالضمان على الواضع) الذي سبقت الجناية بسببه المقتضي
لضمانه، فيستصحب حكم أثر السبب الأول وبه رجح على السبب الثاني الذي قد
صار بالنسبة إلى الأول كالشرط للمباشر.
وكذا لو حفر بئرا عدوانا ونصب آخر سكينا ووضع آخر حجرا فعثر
بالحجر ثم وقع في البئر فأصابته السكين فإن الواضع حينئذ كالدافع في البئر
المزبورة.
(هذا مع تساويهما في العدوان ولو كان أحدهما عاديا كان الضمان عليه)
خاصة كما لو حفر بئرا مثلا في ملكه ووضع المتعدي حجرا فتعثر به انسان أو

(1) هذه الجملة منقولة عن علي عليه السلام كما تقدم. راجع الوسائل الباب - 10 -
من أبواب دعوى القتل وما يثبت به، الحديث 5.
146

العكس فإن الضمان على المتعدي منهما في الصورتين، أما الأولى التي اجتمع فيها
السبق والعدوان، فواضح، وأما الثانية فلانتفاء الضمان عن المالك بانتفاء العدوان فيختص
بالسبب الآخر.
نعم يجئ على ضمان الاشتراك وجوب نصف الجناية على المتعدي وسقوط
النصف الآخر كما لو هلك بالتعدي والسبع مثلا، (وكذا لو نصب سكينا في
بئر محفورة في غير ملكه) عدوانا (فتردى انسان على تلك السكين) فإن
(الضمان على الحافر ترجيحا للأول) الذي سبقت الجناية بسببه وإن كان
لولا السكين ما قتل، (وربما خطر في البال التساوي في الضمان لأن التلف لم
يتمحض من أحدهما) والفرض أن كلا منهما متعد ولا دليل على الترجيح
بالسبق، أو الضمان على ذي السبب الأقوى وإن كان متأخرا في الجناية، كما لو
كان السكين قاطعا موجبا.
و (لكن الأول) مع أنه أشهر (أشبه) بأصول المذهب وقواعده التي
منها استصحاب ضمانه السابق جناية، بل لا حاصل للثاني منهما فإن السكين وإن
كان قاطعا لكن لا يضمن إلا أن يوقعه عليه، والفرض أنه لم يقع عليه
إلا بالتردي في البئر الذي كان سببه وضع الحجر مثلا فصار حينئذ كالدافع
في البئر.
ولو سقط الحجر بالسيل على طرف البئر المحفورة عدوانا فالمتجه بناء على
ما ذكرنا ضمان الحافر لاختصاصه بالعدوان، ولكن في القواعد الاشكال فيه من ذلك
ومن استناد التردي إلى الحجر، وفيه أنه لا استناد عرفي في الشرائط وإنما العمد
إطلاق أدلة الضمان والفرض عدمه في غير العدوان، والله العالم.
ولو حفر بئرا قريب العمق فعمقها غيره كان الضمان على الأول للسبق،
وفي القواعد احتمال الاشتراك لاستناد التلف إلى سبب واحد اشتركا فيه فإن
المتلف إنما هو التردي في البئر بمالها من العمق، بل عن الفخر والكركي اختياره،
وعن الشهيد أنه المنقول، وعن الأردبيلي احتمال اختصاص الضمان بالثاني لكنه
147

كما ترى، بل والأول لما عرفت من اختصاص الضمان بالسابق أثرا ضرورة عدم
الفرق بين الفرض وبين الأول فإن الحفر المتأخر أثرا كالسكين الموضوعة في البئر
مثلا والتسامح العرفي في اتحاد السبب غير مجد، نعم لو اشتركا في الحفر نفسه جميعه
اتجه ذلك، والله العالم.
ثم على الاشتراك فالظاهر التسوية، وفي كشف اللثام احتمال التوزيع على
القدر الذي أحدثه كل منهما، وهو مناف لقواعد الاشتراك، ثم قال: " والظاهر
أن احتمال الاشتراك إنما يجري إذا كان ما أحدثه الثاني مما يستند إليه التلف
عادة بأن لا يكون قليلا جدا وأما الأول فلا بد من حفره حتى يبلغ ما يسمى
بئرا فإنه المفروض " (1).
قلت المدار على حصول التلف بهما وإن تفاوتا كالجروح المتعددة من شخص
والجرح الواحد من آخر.
ولو تعثر بحجر في الطريق فالضمان على واضعه لضعف المباشرة بعدم العلم،
ولو تعثر به رجل فد حرجه ثم تعثر به آخر فالضمان على المدحرج لأنه هو
الذي وضعه موضعه هذا. نعم لو لم يشعر به ففي كشف اللثام " الدية على العاقلة
لأنه خطأ محض " وفيه بحث يعرف مما قدمناه من أن الشرائط جميعها
ضمانها على المسبب دون العاقلة لاطلاق الأدلة فتأمل.
ومنه حينئذ يتجه الضمان على الصبي والمجنون في مقام يفرض حصوله منهما
على وجه يقتضي الضمان كالحفر في ملك الغير دون عاقلتها، بل قد يقال بالضمان على
الحافر عدوانا مثلا ولو بعد موته فضلا عن جنونه المتأخر عن ذلك لاطلاق ما يدل
على التسبيب الذي لا تفاوت فيه بين المكلف وغيره كما في نظائر المقام فتأمل جيدا
فإني لم أجده منقحا في كلامهم، والله العالم.
(ولو سقط في حفرة) عدوانا (اثنان) مثلا (فهلك كل منهما
بوقوع الآخر) فإن (الضمان على الحافر) الذي هو أقوى (لأنه)

(1) كشف اللثام ج 2 ص 309.
148

بحفره العدواني الموجب للضمان صار (كالملقي) لهما فيها فيضمنهما وإن مات
كل منهما بوقوع الآخر كما هو واضح، لكن في القواعد: " ولو تردى في بئر
فسقط عليه آخر فضمانهما على الحافر وهل لورثة الأول الرجوع على عاقلة
الثاني بنصف الدية حتى يرجعوا به على الحافر، إشكال " (1) ولعله لاستناد
موت الأول إلى سببين، التردي، وسقوط الآخر عليه، فله الدية على الفاعلين
بالسوية، ولما كان السقوط خطأ محضا كان النصف على عاقلته ويرجعون به
على الحافر لأنه السبب للسقوط.
وفيه أن الوقوع المزبور لم يكن من فعله حتى يوصف بالخطأ، على أن
السبب إن كان أقوى لم يضمن المباشر أصلا لا أنه يضمن ويرجع به على السبب كما
هو واضح. ومن هنا لم يتوقف فيه في محكي التحرير كما أن المحكي عن
الفخر والكركي اختيار الضمان على الحافر ابتداءا، والله العالم.
(ولو قال ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة، فألقاه فلا ضمان) سلمت
أو لم تسلم، بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالشيخين والفاضلين وثاني
الشهيدين وغيرهم للأصل، كما لو قال أعتق عبدك فأعتقه أو طلق زوجتك
فطلقها، وخصوصا إذا كان النفع مختصا بالمأمور.
وفي المسالك: " والفرق بينه وبين قوله أد ديني فأداه حيث يرجع عليه
أن أداه دينه منفعة لا محالة وإلقاء المتاع قد يقضي إلى النجاة وقد لا يقضي فلا
يضمن إلا مع التصريح به " (2) وهو كما ترى. نعم قد يقال الفارق الاجماع
وأن المفهوم من الأمر بالأداء التوكيل في ذلك، فيكون حينئذ بالأداء كالقرض
عليه، كما أن المفهوم من الأمر بالضمان عنه الرجوع به عليه بخلاف المفروض
وقد تقدم في كتاب الضمان ما له نفع في المقام.
نعم (لو قال) مع ذلك (وعلي ضمانه ضمنه دفعا لضرورة الخوف)

(1) مفتاح الكرامة ج 10 ص 321.
(2) المسالك ج 2 ص 497.
149

التي شرع فيها ذلك بلا خلاف أجده فيه بيننا بل وبين غيرنا إلا من أبي ثور
وهو شاذ لا يعتد به كما في محكي الخلاف، بل فيه أن عليه إجماع الأمة
عداه، كما عن المبسوط نفي الخلاف فيه من غيره، وكفى بذلك دليلا للمسألة،
فلا وجه للتأمل فيه من حيث كونه ضمان ما لم يجب فهو وعد لا يجب الوفاء به
إذ هو كالاجتهاد في مقابلة الاجماع. على أن الفاضل في محكي التذكرة قال:
" لو قلنا: إنه جعالة خلصنا من الالزام " قلت: يمكن كونه توكيلا في استقراضه
أو شيئا مشروعا في نفسه مؤيدا بعموم المؤمنون عند شروطهم وقاعدة الغرور
وغيرهما.
وعلى كل حال فيعتبر حينئذ قيمته لو كان قيميا حين الالقاء لأنه وقت
الضمان، وربما احتمل اعتبارها قبل هيجان الأمواج لأن المال لا قيمة له في
تلك الحالة. وفيه أن المراد قيمته في نفسه.
(ولو لم يكن خوف) وإن كان فيه نفع من خفة السفينة ونحوها
(فقال: ألقه وعلي ضمانه، ففي الضمان تردد) من الأصل، وعدم دفع ضرورة
الخوف، ونفي الخلاف الآتي، ومن عموم المؤمنون عند شروطهم، وقاعدة الغرور،
وعموم الوفاء بالعقود، بناء على أن المفروض منه (أقربه أنه لا يضمن) وفاقا
للشيخ والقاضي والفاضل وولده والكركي وغيرهم، بل عن المبسوط نفي الخلاف
فيه، أو حكايته كما في كشف اللثام، بل في المسالك عنه الاجماع عليه.
(وكذا لو قال مزق ثوبك وعلي ضمانه أو اجرح نفسك) وعلي أرشه
(لأنه ضمان ما لم يجب ولا ضرورة فيه) يشرع الضمان لهما والمباشر أقوى
من السبب، بل المبسوط قيل لا خلاف فيه أو نفي الخلاف لاختلاف النسخ (1)،
كما عن الإيضاح وجامع المقاصد القطع بعدم الضمان مع الخلو عن النفع

(1) في المبسوط المطبوع حديثا: فأما إذا لم يخافوا الغرق وقال لغيره ألق
متاعك في البحر ففعل لا يلزمه بلا خلاف وكذلك إذا قال له حرق ثيابك وعلي ضمانه لا يلزمه
بلا خلاف المبسوط ج 7 ص 171.
150

بالكلية.
بل في القواعد وكشف اللثام ومحكي الإيضاح اعتبار عدم اختصاص فائدة
الالقاء بصاحب المتاع في الضمان على القول المزبور وإلا بطل لأنه فعل ما هو
واجب عليه لمصلحة نفسه فلا يستحق به عوضا، كما لو قال للمضطر: كل طعامك
وأنا ضامن.
ولكن احتمل غير واحد الضمان عملا بإطلاق الفتاوى ومعقد الاجماع أو
نفي الخلاف وغير ذلك مما عرفت وهو قوي جدا.
وفي التحرير بنى الاحتمالين عليهما فيما إذا اشترك الخوف بينه وبين
غيره فقال: " يحل له الأخذ إن لم نسقط الضمان هناك بالنسبة ولا يحل إن
أسقطناه ".
وفي كشف اللثام " قد يمكن الفرق والقول بالسقوط هنا وإن لم يسقط هناك
لشركة الغير في الخوف فتكون الشركة مصححة لعقد الضمان وإذا صح لزم مقتضاه "
وفيه أنه إن كان المانع من الصحة وجوب مثل ذلك عليه فهو في المقامين، وإن كان المقتضي
لها مشروعية ذلك فقد عرفت إطلاق دليل المشروعية، وحينئذ فيختص الضامن
بضمان الجميع وإن اشترك المالك مع الخوف، وربما احتمل التقسيط بنسبة
المالك إلى الخائفين فإن كانوا عشرة سقط العشر لأنه ساع في تخليص نفسه وإن
تضمن تخليص الغير، ولكنه واضح الضعف كما اعترف به غير واحد.
وحينئذ فلا فرق في الضمان على القول المزبور في الحال المذكور بين
اختصاص صاحب المتاع به أو اشتراك غيره عدا الآمر، وبين اختصاص الآمر به
أو مع اشتراكه مع غيره ولو المأمور أو غيره أو مع اختصاصه بغيرهما. وسواء كان
الخوف على النفس، آدمي أو حيوان أو على المال، لعموم مقتضى الصحة في
الجميع.
وأولى منه ما لو باشر الضامن إلقاء مال غيره بعد ضمانه له.
151

وبذلك ظهر لك الحال في الأقسام الخمسة التي ذكرها في المسالك (1)
وغيره.
نعم لو ألقى المالك بنفسه متاعه لخوف على نفسه أو غيره لم يضمنه أحد
للأصل وغيره.
قيل: (2) " والفرق بينه وبين إيجار المضطر في حلقه الذي يرجع عليه بقيمة
الطعام بأن ملقى المتاع إن شمله الخوف فهو ساع في تخليص نفسه مؤد واجبا
عليه وإن حصل بذلك تخليص غيره من الغرق فلا رجوع، بخلاف إيجار المضطر.
وإن لم يشمله الخوف بأن كان على شط أو في زورق ولا خوف عليه، فالفرق أن
المطعم مخلص لا محالة ودافع للتلف الذي يقضى إليه الجوع، وملقى المتاع
غير دافع لخطر الغرق، بل احتمال الغرق قائم على تقدير الالقاء وإن كان أضعف
منه بدونه.
وإن كان هو كما ترى لا يرجع إلى حاصل يعتد به، مع أنه يمكن
فرض احتمال عدم النجاة في المؤجر في حلقه كما يمكن فرض القطع بالنجاة حينئذ
في الالقاء، فالعمدة حينئذ الاجماع أو مباشرة الاتلاف في المضطر ولو بالايجار
ممن جعله الشارع وليا له في تلك الحال بخلاف من في السفينة.
ولو ألقى متاع غيره لخوفه عليه أو على نفسه أو غيرهما ضمن إذا لم يأذن له
المالك بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، لقاعدة من أتلف وغيرها، وإن
كان في حال وجوب الالقاء على صاحب المتاع، إذ ليس هو وليا له بل هو في
حال الدافع عن نفسه كالمضطر الآكل لطعام الغير الذي لا إشكال في ضمانه، لقاعدة
احترام مال المسلم الذي لم يلجأه إلى إتلافه وليس هو كدفع الدابة الصائلة
المفرط فيها صاحبها أو المنصوص عليه من حيث كونه من باب الدفاع المعلوم عدم
اندراج الفرض فيه.

(1) المسالك ج 2 ص 498.
(2) قاله في مفتاح الكرامة راجع ج 10 ص 343
152

وعلى كل حال فإذا قصر من لزمه الالقاء فلم يلق حتى غرقت السفينة
فعليه الإثم لا الضمان كما لو لم يطعم صاحب الطعام المضطر حتى هلك وإن
طلبه منه. وكذا كل من تمكن من خلاص انسان من مهلكة فلم يفعل أثم
ولا ضمان للأصل وغيره كما نص عليه في المسالك وغيرها.
لكن عن التحرير " أنه لو اضطر إلى طعام غيره أو شرابه فطلبه منه فمنعه
إياه مع غنائه عنه في تلك الحال فمات ضمن المطلوب منه لأنه باضطراره إليه
صار أحق من المالك وله أخذه قهرا، فمنعه إياه عند طلبه سبب هلاكه ".
ولم أجده فيما حضرني من نسخته في المقام (1) وفي كتاب الأطعمة، وهو
مشكل ضرورة عدم مقتض للضمان من مباشرة أو تسبيب أو غيرهما من الأفعال
التي رتب الشارع عليها الضمان، وليس ترك حفظه من الآفات منها وإن وجب
عليه ذلك، لكنه وجوب شرعي يترتب عليه الإثم دون الضمان.
ومنه ترك إنقاذ الغريق وإطفاء الحريق ونحوهما وإن كان مقدورا عليه،
بل التروك جميعها لا يترتب عليها ضمان إذا كان علة التلف غيرها وهي شرايط،
ومنه ما نحن فيه. بخلاف الحبس عن الطعام مثلا حتى مات جوعا ونحوه
من الأفعال كما تقدمت الإشارة إليه في كتاب الغصب، والمفروض في المقام
ليس إلا تركا لما وجب عليه من إلقاء المال الصامت أو الحيوان غير الانسان مقدمة
لحفظ الانسان فلا يترتب عليه ضمان فتأمل جيدا.
(و) كيف كان ف‍ (- لو قال عند الخوف ألق متاعك وعلي ضمانه مع
ركبان السفينة) على معنى ضمان كل مناله وهو المسمى بضمان الانفراد فهو ضامن
الجميع وكذا غيره إن إذن له أو رضي بذلك كما هو صريح جماعة، وظاهر

(1) حكاه في مفتاح الكرامة ج 10 ص 343 عن التحرير، وهو موجود في
كتاب الجنايات من التحرير المطبوع ج 2 ص 266 وهذه عبارته " ك لو أخذ طعام
انسان... ولو اضطر إلى طعام وشراب لغيره فطلبه منه... ".
153

آخرين، بل لا أجد فيه خلافا بينهم هنا، وإن لم يحك القول به في ضمان الدية
إلا عن ابن حمزة (1) وحينئذ فالاجماع إن تم هو الدليل له كأصل المسألة،
ويكون كرجوع المغصوب منه على ذي الأيدي المتعاقبة على المغصوب عدوانا،
فلا وجه للمناقشة بأنه لا يعقل اشتغال ذمم متعددة بمال واحد إذ هو كالاجتهاد
في مقابلة الاجماع بعد فرض تمامه.
وإن قال ذلك على معنى ضمان كل منا ما يخصه على حسب التقسيط،
ضمن قسطه وهو المسمى بضمان الاشتراك.
ولو أطلق (فامتنعوا) من الضمان قبل الالقاء أو بعده (فإن قال:
أردت التساوي) بيني وبينهم (قبل) منه لأنه أعرف بنيته بل لعل
ظاهر اللفظ المزبور ذلك وإن لم يقل، تظهر الثمرة بموته قبل قوله: (و) على
كل حال (لزمه) ألزم من الضمان (بحصته وأما الركبان فإذا رضوا
لزمهم الضمان) أيضا كذلك (وإلا فلا) للأصل بعد فرض قبول قوله في
عدم الجميع أو كون اللفظ ظاهرا فيه وبعد معلومية عدم الالتزام بشئ بالفضولية
فلا يلزم القائل ضمان الجميع كما عن بعض العامة للأصل واستناد التفريط إلى
المالك حيث اكتفى باللفظ المزبور.
نعم إن ألقاه هو وقال: إني والركبان ضمنا ضمن الكل مع امتناعهم عليه
للمباشرة، خلافا لبعض العامة فلم يضمنه إلا بالحصة.
ولو قال: إني وكل من الركبان ضامن، ففي كشف اللثام: " هو ضمان
اشتراك وانفراد فهو يضمن الكل " ولعل المراد بضمان الاشتراك صيرورة كل
منهم ضامنا مع الإذن أو الرضا لا الضمان بالحصة على وجه لا يستحق المضمون
له على الضامن غيرها، أن المراد استحقاق المضمون له المطالبة لهم أجمع
بالجميع ومطالبته لكل منهم بالكل، أو غير ذلك، والأمر سهل بعد وضوح

(1) راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 345.
154

المقصود، والله العالم.
(ولو قال) مع القول المزبور قد (أذنوا لي) في الضمان عنهم ضمان
اشتراك بالحصص (فأنكروا بعد الالقاء) ولا بينة (صدقوا مع اليمين)
كما في كل منكر (وضمن هو الجميع) كما في القواعد والتحرير وإن لم يكن
قد ضمن إلا ضمان التحاص لأنه غر المالك بكذبه عنهم.
وفيه أن التفريط من المالك في عدم استبانة الحال والأصل البراءة، ومن
هنا قيل لا يضمن إلا حصته كما عن كفالة الإيضاح وجامع المقاصد، بل في المسالك
" وهو متجه " بل عن المبسوط والمهذب " أنه يضمن دونهم "، وهو محتمل للضمان
بالحصة أيضا، ولو كان قبل الالقاء فلا إشكال في ضمان حصته خاصة إذ التقصير
من المالك حيث لم يستوثق، والله العالم.
هذا وفي المسالك " أن المتاع الملقى لا يخرج عن ملك مالكه حتى لو لفظه
البحر على الساحل أو اتفق الظفر به فهو لمالكه ويسترد الضامن المبذول إن لم
ينقص قيمة المتاع، وإن نقصت لزمه من المبذول بنسبة النقص، وهل للمالك
أن يمسك ما أخذ ويرد بدله؟ فيه وجهان تقدم مثلهما في المغصوب إذا رد
الغاصب بدله لتعذر العين ثم وجدت، وأولى بلزوم المعاوضة هنا " (1).
قلت: قد تقدم تحقيق الحال في ملك قيمته للحيلولة وأنه مراعي بوجود
العين فمتى حصلت انفسخ الملك وإلا فلا، لكن قد يقال: هنا يملك الضامن للعين
بناء على أنه من باب القرض، على معنى أن أمره بالالقاء مضمونا عليه ينحل
إلى توكيله في إدخاله في ملكه بقيمته في ذمة الموكل.
ثم لا يخفى عليك ما في دعوى بقاء العين على ملك المالك لو ظهرت مع
عدم وجوب رد عين العوض الذي قبضه بدلها وأن له رد مثله أو قيمته، ضرورة
عدم انطباقه على شئ من القواعد وقد تقدم في الغصب ما له نفع في المقام.

(1) المسالك ج 2 ص 498.
155

(ومن لواحق هذا الباب)
(مسائل الزبية)
بضم الزاء حفيرة تحفر للأسد وأصلها الأرض المرتفعة فوق الأكمه (1)
ومنه المثل السائر " بلغ السيل الزبا " وإنما سميت بذلك الحفيرة المزبورة لأنهم
كانوا يحفرون للأسد في موضع عال.
وكيف كان (فلو وقع أحد في زبية الأسد فتعلق بثان وتعلق الثاني
بثالث و) تعلق (الثالث برابع فافترسهم الأسد. ففيه روايتان إحديهما
رواية محمد بن قيس) الثقة بقرينة عاصم وروايته (عن أبي جعفر عليه السلام) التي
رواها المحمدون الثلاثة (2) صحيحا كما اعترف به غير واحد، فما في المسالك (3)
من كونها ضعيفة باشتراك محمد بن قيس بن الثقة وغيره في غير محله (قال قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في الأول فريسة الأسد، وغرم أهله ثلث الدية للثاني، وغرم
الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية، وغرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة).
ولفظه: " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة اطلعوا في زبية الأسد فخر
أحدهم فاستمسك بالثاني، فاستمسك الثاني بالثالث، فاستمسك الثالث بالرابع،

(1) كذا في النسخ الثلاثة التي عندنا.
(2) الكافي ج 7 ص 286 - التهذيب ج 10 ص 239 - الفقيه ج 4 ص 116 -
الوسائل، الباب - 4 - من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2. واللفظ مطابق لما في
الفقيه.
(3) المسالك ج 2 ص 498.
156

حتى أسقط بعضهم بعضا على الأسد فقضى بالأول أنه فريسة الأسد وغرم أهله
ثلث الدية لأهل الثاني، وغرم أهل الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية وغرم أهل
الثالث لأهل الرابع الدية كاملة ".
(و) أما (الثانية) فهي (رواية مسمع (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
" إن عليا عليه السلام قضى ") في قوم احتفروا زبية الأسد فوقع فيها الأسد فازدحم الناس
ينظرون، فوقع فيها رجل، فتعلق بآخر، فتعلق الآخر بآخر، والآخر بآخر،
فجرحهم الأسد، فمنهم من مات بجراحته، ومنهم من أخرج فمات (أن
للأول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية كاملة
وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا) وكان ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وآله
فأمضاه.
(و) لكن (الأخيرة ضعيفة الطريق إلى مسمع) بسهل بن زياد
ومحمد بن الحسن بن شمون الغالي الملعون وبعبد الله بن عبد الرحمان الأصم
الضعيف الغالي أيضا الذي هو من كذابة أهل البصرة (فهي إذن ساقطة).
وربما وجهت بفرض العدوان في حفر الزبية واستناد الافتراس إلى
الازدحام المانع من التخلص فحينئذ، الأول مات بسبب الوقوع في الزبية
ووقوع الثلاثة عليه، إلا أنه لما كان وقوعهم نتيجة فعله لم يتعلق به ضمان
تنزيلا لما يتولد من المباشرة منزلتها وهو ثلاثة أرباع السبب فيبقى الربع على
الحافر، ولكنه مبني أيضا على توزيع الضمان على عدد الجنايات دون الجناة فإن
الجاني حينئذ اثنان الحافر ونفسه، وعلى اعتبار السبب وإدخاله في الضمان مع
المباشرة الصورية (2). لكن لغير ما هو سبب له، وموت الثاني بسبب جذب

(1) الوسائل، الباب - 4 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(2) كذا في ثلاث نسخ عندنا ولكن في مفتاح الكرامة " القوية " مكان
" الصورية ".
157

الأول وهو ثلث السبب، ووقوع الاثنين فوقه وهو ثلثاه، إلا أن وقوعهما فوقه
من فعله، أحدهما مباشرة والآخر توليدا، فوجب ثلث الدية وسقط ثلثاها،
وموت الثالث من جذب الثاني له وهو نصف السبب، ووقوع الرابع عليه وهو
فعله فوجب نصف الدية، والرابع له كمال الدية، لأن سبب هلاكه جذب الثالث
له خاصة ولا فعل له يسقط بإزائه شئ.
ويحتمل قوله " وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا " وجعل ما عدا
الربع الذي هو على الحافر المتعمد للحفر، على عاقلة الثلاثة المزدحمين، فجعل
الثلث على عاقلة الأول والنصف على عاقلة الثاني والجميع على عاقلة الثالث لا
على أنفسهم لأن ما صدر منهم الجذب إنما صدر بغير شعور للدهشة فهو كانقلاب
النائم فليس هو عمد ولا شبيهه.
وعن بعض كتب (1) الإسماعيلية، " أنه جعل ذلك على جميع من حفر
الزبية ".
وعن مسند أحمد بن حنبل (2) عن سماك، عن حنش " أنه صلى الله عليه وآله قال:
أجمعوا من قبائل الذين حفروا الزبية ربع الدية وثلثها ونصفها والدية كاملة ".
والكل كما ترى، بل لعل إيكالها إليه مع فرض صحتها أولى من ذلك
كله لندرة العمل بها.
نعم (الأولى مشهورة كما اعترف به غير واحد بل في المسالك وغيرها من

(1) قال في الدعائم: " وروينا عنه عليه السلام من طريق أخرى... وجعل ذلك
على جميع من حضر (بالضاد) الزبية " إلى أن قال وأوجبها على من حضر لأنهم لما
ازدحموا اشتركوا كلهم في دفع من سقط. راجع ج 2 ص 416، ولكن في نسخ الكتاب
" حفر " بالفاء.
(2) مسند أحمد ج 1 ص 77 وفيه: " حضروا " بالضاد ولكن في الأصل " حفروا "
بالفاء كما أثبتناه. وراجع أيضا مسند أحمد ج 1 ص 128 وص 152.
158

كتب الخاصة والعامة، بل في الروضة " نسبة العمل بها إلى الأكثر "، بل في
النافع " عليها فتوى الأصحاب "، وفي نكت النهاية " هي أظهر بين الأصحاب
وعملهم عليها "، بل في التنقيح وغيره " لم يتأولها المتأخرون لشهرتها بين الأصحاب
وعملهم عليها " وهي مجبورة بذلك وظاهر ذلك كله العمل بها لو وقع موردها
ونحوه في زماننا هذا.
إلا أن المصنف هنا بعد أن اعترف بشهرتها قال: " لكنها حكم في
واقعة) مخصوصة يمكن اقترانها بما أوجب الحكم المزبور (1) والمخالف
لمقتضي الأصول، وتبعه عليه الفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما، مع أنه في النافع
والنكت قد اعترف بما سمعت.
بل قال في الأخير بعد الاعتراف بأن عمل الأصحاب عليها: " قال ابن
أبي عقيل في كتابه المستمسك: وغرم أهل الثالث لأهل الرابع الدية كاملة وكان
الثلاثة قتلوا الرابع بجرهم إياه فعلي كل واحد ثلث الدية، ولم يكن على
الرابع شئ، لأنه لم يجر أحدا هذا كلامه إذا عرفت هذا فأقول أن الثاني
والثالث قتلا وقتلا فلا دية لهما والرابع قتله الثلاثة فعلي كل واحد ثلث
الدية - إلى أن قال بعد أن جزم بأنه من شبيه العمد -: وإنما قسط الدية
للوجه الذي ذكرناه من النقل والتعليل النظري، وإنما لم يلزم الأول زيادة
عن ثلث الدية لأن المجذوب كما قتل قتل فسقطت الجنايتان ومن عداه لم يمسكه
الأول وإنما أمسكه من بعده وكما قتل قتل عدا الرابع وقد أيد هذا الاعتبار
الرواية عن أهل البيت " (2).
وإن كان هو كما ترى إن أراد تنزيل الخبر على ذلك، ضرورة مخالفته
لظاهره أو صريحه من وجوه، مع أنه لا يلزم من قتله شخصا آخر سقوط حقه
عن قاتله.

(1) الظاهر زيادة الواو.
(2) نكت النهاية، كتاب الديات، أربعة صفحات قبل آخر الكتاب.
159

والأضعف منه توجيهه بأن دية الرابع على الثلاثة بالسوية لاشتراكهم
في سببية قتله وإنما نسبها إلى الثالث لأنه استحق على من قتله ثلثي الدية
فيضيفا إليها ثلثا آخر ويدفعها إلى أولياء الرابع، كما أن الثاني استحق على
الأول ثلثا فأضاف إليه ثلثا آخر ودفعه إلى أولياء الثالث، بل هو واضح الفساد
ضرورة استلزامه كون دية الثالث على الأولين ودية الثاني على الأول، إذ
لا مدخل لقتله من بعده في اسقاط حقه كما عرفت.
وبالجملة لا إشكال في مخالفة الخبر المزبور للأصول لأنه لا يخلوا إما
أن لا يسند الضمان إلا إلى المباشرة أو يشترك معها السبب وعلى الأول فإما
أن يكون ما يتولد من المباشرة بحكمها أو لا وعلى كل حال فأما أن يكون
قد وقع بعضهم على بعض وكان ذلك سببا للافتراس فالحكم ما تسمعه في المسألة
الآتية وإلا فكل سابق يضمن دية اللاحق أو يشركه سابقه أو يضمن الأول
الجميع.
لكن لا بأس بالعمل بها على مخالفتها للأصول بعد صحة سندها واشتهارها
رواية وعملا، بل قد عرفت دعوى عمل الجميع بها، والمراد به الحكم بمضمونها
لو وقع موردها وما شابهه في هذا الزمان.
ومن الغريب ما في كشف اللثام " من أن الصواب أن يقال إن الثاني والثالث
كانا مملوكين وكانت قيمة الثاني بقدر ثلث دية الحر وقيمة الثالث بقدر ثلثيها
ولم يقع أحد منهم على أحد أو وقع ولم يكن لذلك مدخل في الافتراس، فعلي
كل جميع دية من باشر جذبه، بناءا على اختصاص المباشر بالضمان " (1).
ضرورة إمكان القطع بأنه خلاف مضمون الخبر المزبور المشتمل على ما
ينافي ذلك من وجوه خصوصا دفع الدية للرابع.
فليس حينئذ إلا العمل بالخبر المزبور على ظاهره أو طرحه والرجوع

(1) كشف اللثام ج 2 ص 311.
160

إلى ما تقتضيه الأصول وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله (ويمكن أن يقال
على الأول الدية للثاني لاستقلاله بإتلافه وعلى الثاني دية الثالث) لذلك أيضا
(وعلى الثالث دية الرابع لهذا المعنى) أيضا وهو كذلك مع فرض كون الوقوع
على الوجه المزبور ولم نقل بمشاركة الجاذب للممسك (وإن قلنا بالتشريك
بين مباشر الامساك والمشارك في الجذب) لأن لكل فعلا (كان على الأول)
تمام (دية) الثاني لاستقلاله بإتلافه (ونصف) دية الثالث الذي اشترك
فيه هو مع الأول (وثلث) دية الرابع (و) كان (على الثالث ثلث دية)
الرابع (لا غير) لأنه اشترك فيه هو مع الأولين.
إلا أنه واضح الضعف ضرورة قوة تأثير الممسك على وجه لا يشاركه
الجاذب، ضرورة كونه كالمباشر والسبب بعد عدم الالجاء له في الامساك على وجه
يكون متولدا من فعله، وإلا لكان الضمان عليه خاصة، فتعين العمل بالوجه
الأول مع فرض طرح الخبر المزبور، لكن قد عرفت عدم داع إلى طرحه بعد
صحة سنده واعتراف غير واحد بعمل الأصحاب به، فليس إلا المخالفة للأصول
التي لا تقتضي الطرح كما في نظائر ذلك، والله العالم.
(ولو جذب انسان غيره إلى بئر فوقع المجذوب فمات الجاذب بوقوعه
عليه، فالجاذب هدر) لاستناد موته إلى فعل نفسه، (ولو مات المجذوب ضمن
الجاذب لاستقلاله بإتلافه، ولو ماتا فالأول هدر وعليه دية الثاني في ماله)
بلا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك، سواء كانت البئر محفورة عدوانا أولا مع
فرض تعمد الجاذب ذلك، ضرورة تقديم المباشرة على السبب، بل الواجب عليه
القصاص حينئذ مع فرض بقاء الجاذب حيا إذا كان ذلك مما يقتل غالبا أو قصد
به القتل، ولو مات كان عليه الدية في ماله بناء على ثبوتها في مال الجاني بموته
المتعذر معه القصاص.
(ولو جذب الثاني ثالثا فماتوا بوقوع كل منهم على صاحبه فالأول
مات بفعله وفعل الثاني) الذي هو جذبه الثالث، وليس للحافر هنا فعل لأن
161

الفرض تعمد الوقوع، (فيسقط نصف ديته) بإزاء فعله (ويضمن الثاني
النصف) بإزاء فعله (والثاني مات بجذبه الثالث عليه وجذب الأول) إياه
(فيضمن الأول نصف ديته) (و) يسقط النصف الآخر بإزاء فعل نفسه،
إذ (لا ضمان على الثالث) الذي جذبه هو (وللثالث الدية) تامة لعدم
هلاكه إلا بفعل غيره، ولكن هل هي على الثاني، كما في كشف اللثام وعن
المفيد والقاضي والفخر والكركي، أو على الأول والثاني كل منهما نصف، كما
عن ابن إدريس لأنهما جذباه، بل قال: " هو الذي تطابق ما رواه أصحابنا "
- يعني خبر الزبية المتقدم - ومبناهما على أنه إذا قوى السبب بأن يكون ملجأ
إلى المباشرة فهل يشترك مع المباشرة في الضمان أو الرجحان للمباشرة القوية،
(فإن رجحنا المباشرة) كما هو الأقوى (فديته على الثاني) لأنه المباشر
للجذب (وإن شركنا بين القابض) وللجاذب الملجئ له إلى الجذب
(والجاذب) المباشر (فالدية على الأول والثاني نصفين).
وهو المراد مما سمعته من تعليل ابن إدريس، فإن قوة القابض على
الجاذب وإلجائه إليه ينزله منزلة المباشر. لكنه كما ترى، ضرورة عدم
الالجاء في شئ من ذلك على وجه يكون من توليد فعل الأول فهو حينئذ مستقل
في جذبه غير مضطر إليه فيختص بالدية.
نعم لو فرض إلجائه إلى ذلك على وجه يسند الفعل إلى الأول اتجه عدم
غرامته حينئذ شيئا.
وبذلك اتضح لك عدم اشتراك السبب مع المباشرة في الضمان بحال، بل الضمان
بها خاصة إلا مع قوة السبب فيختص حينئذ بالضمان لا أنه يشترك معها كما
لو اجتمع المباشران أو السببان.
(ولو جذب الثالث رابعا فمات بعض على بعض فللأول ثلثا الدية لأنه
مات بجذبه الثاني عليه) وهو فعله (وبجذب الثاني الثالث عليه وبجذب الثالث
162

الرابع، فيسقط ما قابل فعله) وهو الثلث (ويبقى الثلثان على الثاني والثالث)
نصفين (ولا ضمان على الرابع) الذي لم يفعل شيئا، وحفر الحافر سبب لا يعتبر
مع المباشرة القوية فلا ضمان عليه أيضا وكذلك جذب الأول سبب في جذب
الثاني الثالث، والثالث الرابع، وكل من جذب الثاني الثالث والثالث الرابع مباشرة،
فلا يعتبر معها السبب بالنسبة إلى تلف الأول، حتى يسقط لذلك من ديته شئ
سوى ما سقط لمباشرته جذب الثاني، إلا أن يكون على الوجه الذي سمعته
سابقا. فصار التلف حاصلا بفعل الأول نفسه وهو مباشرته جذب الثاني وبفعل
الثاني والثالث فيسقط ما قابل فعله ويثبت له الثلثان كما هو واضح.
(وللثاني ثلثا الدية أيضا لأنه مات بجذب الأول وبجذبه الثالث عليه،
وهو فعل نفسه، وبجذب الثالث الرابع عليه، فيسقط ما قابل فعله) وهو الثلث،
(ويجب) له (الثلثان على الأول والثالث) بالتنصيف.
(وللثالث ثلثا الدية أيضا لأنه مات بجذبه الرابع عليه وبجذب الثاني
والأول له) بناء على تشريك السبب مع المباشرة، وإلا فله نصف الدية
بجذبه الرابع وبجذب الثاني له كما عن المبسوط حكايته قولا، بل هو الموافق لما
أسلفناه، بل ولا وجه لجزم المصنف والفاضل هنا بالتشريك واحتماله في الرابع
كما اعترف به في كشف اللثام: قال:
" وكما لم يظهر لي الفرق بين الثالث والرابع في أن ضمان الأول مبني
على تشريك المسبب والمباشر، لم يظهر لي الفرق بين نسبة السبب إلى تلف نفس
المسبب ونسبته إلى الثالث أو الرابع حتى احتمل هنا الشركة مع المباشرة في
الضمان ولم يحتمل هناك " (1) وأراد بنسبته السبب إلى تلف المسبب ما تقدم
من أنه لا يعتبر السبب بالنسبة إلى تلف الأول حتى يسقط لذلك من ديته شئ
سوى ما سقط لمباشرته كما عرفت الكلام فيه سابقا، هذا كله في الثالث.
(أما الرابع فليس عليه شئ) قطعا لعدم فعل منه (وله الدية كاملة

(1) كشف اللثام ج 2 ص 310.
163

فإن رجحنا المباشرة فديته عليه) أي المباشر وهو الثالث (وإن شركنا)
المسبب والمباشر في الضمان (كانت ديته أثلاثا بين الأول والثاني والثالث)، وقد
عرفت أن المختار، الأول، وإن كان ظاهر المصنف والفاضل التوقف لكنه في
غير محله هذا.
وعن المختلف والإرشاد احتمال أن يكون الأول هدرا وعليه دية الثاني
وعلى الثاني دية الثالث وعلى الثالث دية الرابع، وكأنه بناء على عدم اعتبار السبب
والالجاء، فالأول إنما تلف بفعل نفسه الذي هو جذبه الثاني، وأما جذب
الثاني الثالث فقد الجئ إليه، وكذا الثالث في جذبه الرابع، وعليه دية الثاني
جميعها لأنه الذي باشر جذبه من غير إلجاء، وأما جذب الثاني والثالث فإنما
صدر عنهما عن إلجاء وعلى الثاني دية الثالث لأنه المباشر بجذبه، وأما الأول
فهو مسبب وأما جذب الثالث الرابع فعن إلجاء، وكذا الباقي.
ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.
ومنه يعلم أيضا عدم اعتبار صدمة البئر لأنه الفرض كون الفعل مباشرة
عمدا فلا أثر للسبب معه وإن كان عدوانا فما في المسالك - تبعا للقواعد من ذكره
وجها " فتكون الأسباب حينئذ أربعة ويهدر ربع دية الأول لجذبه الثاني ويجب
الربع على الحافر إن كان عاديا وإلا هدر أيضا والربع على الثاني بجذبه الثالث
والربع على الثالث لجذبه الرابع، وأما الثاني فلا أثر للحفر في حقه وقد مات
بجذب الأول إياه وبجذبه الثالث هو فعل نفسه وبجذب الثالث الرابع، فيهدر
ثلث ديته، ويجب ثلثها على الأول وثلثها على الثالث، وأما الثالث فقد مات
بجذب الثاني له وبجذبه الرابع، فتهدر نصف ديته، ويجب نصفها على الثاني " (1) -
في غير محله لما عرفت، وإلا لم يكن فيه مخالفة لما تقدم إلا في التالف
الأول.
كالوجه الثالث الذي ذكره أيضا (2) وهو وجوب الديات بحسب ما روي

(1) المسالك ج 2 ص 499.
(2) المسالك ج 2 ص 499.
164

في واقعة الزبية، ضرورة كون المفروض غيرها إذ لو قلنا بالتعدية فهي فيما كان مثل
موردها لا مطلقا.
وكذا ما في القواعد " من احتمال هدرية الأول بتمامها لأنه جذب الثاني
على نفسه وهو مباشرة وهو السبب أيضا في جذب الثاني الثالث والثالث الرابع فهما
تولدا من مباشرته التي لا ضمان لها إلا على المباشر، والحفر سبب لا ضمان فيه
مع المباشرة فكأنه أتلف نفسه بجذبه الثاني وما تولد منه، ودية الثاني نصفها
هدر ونصفها على الأول، لأنه مات بسبب جذبه الثالث على نفسه وجذب الثالث
الرابع إنما تولد منه وبسبب جذب الأول له، ودية الثالث كذلك لأنه مات
بجذبه الرابع وجذب الثاني له، ولا عبرة بتسبيب الأول، ودية الرابع على الثالث
لأنه إنما هلك بسبب فعله لأن من قبله سبب " (1).
إذ هو كما ترى لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما أسلفناه فيتعين
حينئذ الأول في مفروض المسألة، والله العالم.
ولو زلق انسان على طرف البئر مثلا المحفورة عدوانا فتعلق بآخر لإرادة
الاستمساك به وجذبه وتعلق الآخر بثالث كذلك ووقع بعضهم على بعض فماتوا
فالأول مات بثلاثة أسباب، صدمة البئر، وثقل الثاني والثالث، فيسقط ما قابل
فعله وهو جذبه الثاني المقابل بثلث الدية، ويبقى على الحافر ثلث، وعلى الثاني
ثلث، لأنه جذب الثالث.
وفي المسالك " احتمال هدر صدمة البئر لأن الحفر سبب وجذبه للثاني
مباشرة فصار كمن رمي نفسه في بئر محفورة عدوانا في عدم وجوب الضمان على
الحافر ". وفيه أن ابتداء السقوط لم يكن بفعله إذ الفرض أنه زلق والجذب وجد
بعد ذلك هذا كله في الأول.
أما الثاني فقد هلك بسببين أحدهما منه وهو جذبه الثالث والآخر جذب

(1) راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 329.
165

الأول له فهدر نصف ديته المقابل بفعله، ويبقى له النصف على الأول الذي
جذبه، ولا شئ على الحافر لقوة المباشر على وجه صار الجاذب كالدافع.
وأما الثالث فيجب تمام ديته على الثاني أو عليه وعلى الأول على البحث
السابق.
ولو فرض اتساع البئر فوقع كل واحد في زاوية لا بعضهم على بعض كانت
دية الأول على الحافر إن كان عدوانا وهدر لا معه (1) إلا أن يدفعه غيره، والثاني
على الأول، والثالث على الثاني إلا أن يشترك السبب مع المباشرة فتكون دية
الثالث على الأولين.
ولو وقع انسان في بئر ثم وقع الثاني عليه من غير جذب منه ثم مات
الأول فالضمان على الثاني كما في القواعد ومحكي المبسوط والسرائر والجامع،
قصاصا إن أوقع نفسه عليه متعمدا فقتله لو كان مما يقتله غالبا أو دية إن كان
شبيه عمد، فإن كان خطأ محضا فعلي عاقلته. وإن دفعه غيره فعليه الضمان وأن
الثاني (2) هدر إن لم يوقعه غيره ولم تكن البئر حفرت عدوانا. ويحتمل أن
لا يكون على الثاني إلا النصف لأن الوقوع في البئر سبب الهلاك فالتلف إنما
حصل بسبب الفعلين فإن كان الحافر متعديا بالحفر ولم يتعمد الأول الوقوع
ولا دفعه غيره ضمن الحافر النصف وإن لم يكن متعديا سقط لكون الوقوع فعل
نفسه. نعم لو فرض وقوعه فيه على وجه لا يقتل اختص الضمان بالثاني.
وإن مات الثاني فإن تعمد إلقاء نفسه أو لم يكن الحفر عدوانا فهو هدر،
وإن لم يتعمد إلقاء نفسه وكان حفر البئر عدوانا تعلق الضمان بالحافر.
وإن ماتا معا فالحكم في كل واحد على ما عرفت.
وإن وقع فوقهم ثالث فماتوا كلهم فإن كان الأول فقد نزل إليها ولم
يقع فيها على وجه يكون فعل نفسه مهلكا فديته على الثاني والثالث أو عاقلتهما

(1) في بعض النسخ هكذا: إن كان غير عدوان وهدر معه.
(2) كذا في الأصل ولعل الصحيح " ودية الثاني "
166

أو دافعهما نصفين، تعدى الحافر بالحفر أولا، لأنه إنما مات بوقوعهما عليه
وإن كان قد وقع فيها فكان فعله مهلكا فعلي الأول الضمان عليهما أيضا أو على
عاقلتهما أو دافعهما، وعلى الاحتمال عليهما ثلثان والثلث الآخر على الحافر.
إن كان متعديا بالحفر ولم يتعمد الأول الوقوع ولا دفعه غيره، وهدر إن تعمد
الوقوع لأنه مقابل فعل نفسه.
وجميع دية الثاني على الثالث أو عاقلته أو دافعه على الأول، وعلى الاحتمال
نصفه عليه والنصف الآخر إما على الحافر أو هدر.
والثالث حكمه حكم من وقع في البئر ابتداء ولم يقع عليه غيره، فهو إما
هدر أو ضمانه على الحافر.
ولو وقعوا من غير جذب لأحد منهم وقوعا مهلكا بدون وقوع بعضهم على
بعض لبعد القعر جدا أو وجود ماء مغرق أو أسد مفترس فلا ضمان لأحد منهم
على أحد لأن وقوعه مما لا أثر له، وكذا إن شككنا في ذلك للأصل، وأما
ضمان الحافر فعلي ما عرفت من العدوان وعدمه، والله العالم.
167

(النظر الثالث)
(في الجناية على الأطراف)
(والمقاصد ثلاثة: الأول في ديات الأعضاء)
(و) قد تقدم في كتاب القصاص أن (كل ما لا تقدير فيه ففيه
الأرش) المسمى بالحكومة وفيه يكون العبد أصلا للحر كما هو أصل له فيما
فيه مقدر بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه مضافا إلى إمكان استفادته
من النصوص بالخصوص فضلا عن استفادة عدم بطلان الجناية وكونها هدرا حتى
أرش الخدش من الكتاب والسنة، فليس مع عدم التقدير إلا الحكومة وإلا
كانت جناية لا استيفاء لها ولا قصاص ولا دية، وهو مناف لما يمكن القطع به من
الأدلة كتابا وسنة وإجماعا قال الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير: " إن عندنا الجامعة
قلت: وما الجامعة؟ قال: الجامعة صحيفة فيها كل حلال وكل حرام وكل
ما يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش وضرب بيده إلي فقال: تأذن يا
أبا محمد! فقلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت. فغمزني بيده وقال:
حتى أرش هذا " (1) بل مقتضاه أن لكل شئ مقدرا إلا أنه لم يصل إلينا،
فالمناسب الصلح حينئذ، ولعل المراد بالحكومة ما يشمله إذا كان المراد الصلح
القهري القاطع للخصومة.

(1) الكافي ج 1 ص 239 والحديث طويل أختصره المؤلف.
168

(و) على كل حال فالمشهور كما في كشف اللثام وغيره أن (التقدير
في ثمانية عشر) من الأعيان لا المنافع التي ستعرفها في المقصد الثاني إن شاء الله.
الشعر، والعينين، ومنها الأجفان، والأنف، والأذنين، والشفتين
واللسان، والأسنان، والعنق، واللحيين، واليدين، والرجلين، والأصابع، والظهر
والنخاع، والثديين، والذكر، والخصيتين، والشفرين (1).
(الأول الشعر)
(وفي شعر الرأس) من الذكر، صغيرا أو كبيرا، كثيفا أو خفيا
(الدية) إن لم ينبت كما هو المشهور نقلا وتحصيلا بل لم أجد فيه خلافا
يعتد به عدا ما تسمعه من المفيد، بل عن ظاهر المبسوط الاجماع عليه، بل في
الرياض نسبته أيضا إلى صريح الغنية وإن كنا لم نتحققه (2).
لصحيح سليمان بن خالد المروي في الفقيه (3) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

(1) لا يخفى أن الثمانية عشر التي قالها في الشرايع تخالف قليلا مع هذه فراجع
وراجع أيضا مفتاح الكرامة ج 10 ص 377.
(2) في مفتاح الكرامة ج 10 ص 377: " وفي شعر الرأس الدية إن لم ينبت،
هذا هو الأظهر الذي يقتضيه أصل مذهبنا لأنه شئ واحد في الانسان وقد أجمعنا على أن
كل ما يكون في بدن الانسان منه واحد ففيه الدية كاملة كما في السرائر، وظاهر المبسوط في
باب القصاص الاجماع عليه، ويحتمل أن يكون ظاهر الغنية على بعد، ونسبه في الرياض
إلى صريحها... " أقول: هذه عبارة الغنية فتأملها:
" واعلم أن في ذهاب العقل الدية الكاملة وفي شعر الرأس واللحية إذا لم ينبت
الدية الكاملة فإن نبت في شعر الرأس الرجل أو لحيته عشر الدية وفي شعر المرأة مهر مثلها
بدليل اجماع الطائفة ".
(3) الفقيه ج 4 ص 149.
169

رجل صب ماءا حارا على رأس رجل، فامتعط شعره فلا ينبت أبدا قال: عليه
الدية ".
المعتضدة بما تسمعه من النصوص (1) في المرأة، بناء على عدم الفرق،
وبمرسل علي بن حديد (2) الذي هو مثله، وبخبر سلمة بن تمام (3) " قال
اهراق رجل على رأس رجل قدرا فيها مرق فذهب شعره، فاختصما في ذلك إلى
علي عليه السلام فأجله سنة فلم ينبت شعره، فقضى عليه بالدية "، وبما قيل من أنه
شئ واحد في البدن فيشمله ما دل على الدية في مثله (4)، وإن كان لا يخلو
من نظر.
وعلى كل حال فما في المسالك (5) وبعض أتباعها - من التأمل في
الحكم المزبور مقتصرا على الاستدلال له بصحيح سليمان المزبور المروي في
التهذيب (6) المشتمل على السؤال " عن رجل دخل الحمام فصب عليه ماء حار
فأسقط شعر رأسه ولحيته فلا ينبت أبدا قال عليه الدية " ونظر فيه بدلالته على وجوب
الدية لهما معا لا لكل واحد الذي هو المدعى - في غير محله. إذ عرفت خلوه
في رواية الفقيه التي هي أضبط من التهذيب، مع النصوص المزبورة، عن اللحية،
فلا يبعد إرادة معنى " أو " من " الواو " فيه ولو بقرينة ما سمعت.
(وكذا) الكلام (في شعر اللحية) وفاقا للأكثر كما في كشف اللثام،
بل المشهور كما في المسالك وغيرها، بل عن ظاهر قصاص المبسوط الاجماع،
بل عن صريح قصاص الخلاف ذلك أيضا، بل حكى عن الغنية أيضا وإن كنا لم

(1) راجع الوسائل الباب - 30 - من أبواب ديات الأعضاء.
(2) الوسائل الباب - 37 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 و 3.
(3) الوسائل الباب - 37 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 و 3.
(4) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء.
(5) المسالك ج 2 ص 499.
(6) التهذيب ج 10 ص 250.
170

نتحققه (1).
لخبري (2) مسمع والسكوني عن أبي عبد الله عليه السلام " قضى أمير المؤمنين عليه السلام
في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة، فإذا نبتت فثلث الدية " بل وصحيح
سليمان (3) المتقدم بناء على إرادة " أو " من " الواو " فيه، والضعف منجبر
بما سمعت فاتجه العمل بها حينئذ. (فإن نبتا فقد قيل) والقائل أبو علي والصدوق والشيخ (في اللحية ثلث
الدية) بل عن ظاهر قصاص المبسوط الاجماع عليه، بل عن صريح الخلاف
ذلك، لروايتي (4) مسمع والسكوني السابقتين (و) لكن (الرواية
ضعيفة) ولا جابر لها بعد وهن الاجماع المزبور بمصير من تأخر عنه إلى خلافه،
وكذا ما عن الكافي (5) والغنية والاصباح من عشر الدية الذي لم نجد له أيضا
ما يدل عليه عدا ما يحكى من الاجماع عن الثاني الذي لم نتحقق ذلك منه (6)
مع أنه على فرضه موهون بمصير من تقدم وتأخر إلى خلافه.
(و) حينئذ ف‍ (- الأشبه) بأصول المذهب (فيه وفي شعر الرأس
الأرش إن نبت) وفاقا للشيخ في النهاية وبني حمزة وإدريس وسعيد والفاضل
والشهيدين وغيرهم في شعر الرأس، بل عليه عامة المتأخرين، وللفاضل ومن
تأخر عنه في شعر اللحية، لأنه الأصل في كل ما لا مقدر له.
نعم عن النهاية والوسيلة أنه على ما يراه الإمام.
وفي محكي السرائر " يقوم لو كان عبدا كم كانت قيمته قبل أن يذهب

(1) قد نقلنا عبارة الغنية آنفا فراجع.
(2) الوسائل الباب - 37 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأول وذيله.
(3) التهذيب ج 10 ص 250.
(4) مر مصدر هما آنفا.
(5) الكافي لأبي الصلاح الحلبي. لا تغفل.
(6) قد ثقلنا عبارة الغنية في التعليقة فراجع.
171

شعره، وكم تكون قيمته بعد ذهاب شعره، ويؤخذ من ذلك الحساب دية
الحر ".
قلت: قد عرفت الكلام في الأرش إذا عادت سن المثغر (1)، إذ المقام أحد
أفراده فلاحظ وتأمل.
وعن الوسيلة " إن نبت بعضه أو كله ففيه الأرش "، وفي كشف اللثام عن
الرضا عليه السلام (2) " إن نبت بعضه أخذ من الدية بالحساب " قال: " وهو أقرب
إن أمكنت معرفة قدر النابت وغيره ".
قلت: ستعرف اتفاقهم ظاهرا على اعتبار النسبة في أبعاض كل ما له مقدر،
وأما الأرش فهو بالنسبة إلى العائد من حيث زواله ثم عوده، ولا يعتبر نسبته
إلى أرش الجميع، وحينئذ فما في الوسيلة يمكن اتفاق الجميع عليه، وإن كان
ربما يتوهم من قولهم: " فإن نبت ففيه الأرش " الجميع، إلا أنه غير مراد
قطعا، ضرورة عدم التفاوت في الأرش على الوجه المزبور بين الكل والبعض.
وأما الذي لم ينبت فتعتبر مساحته كما ستعرف.
ثم إن الظاهر اعتبار عدم النبات بحكم أهل الخبرة، كما في نظائره لا إلى
خصوص سنة كما عن التحرير والجامع، للخبر المزبور (3) الذي يمكن حمله على
ما ذكرنا، ولذا قال في الأول: " ولو طلب الدية قبل انقضائها دفعت إليه إن حكم
أهل الخبرة بعدم النبات وإلا فلا، وإن طلب الأرش وإبقاء الباقي إلى استبانة الحال
دفع إليه ".
وقال أيضا: " ولو نبت بعد السنة فالأقرب رد ما فضل من الدية عن الأرش،
وكذا لو نبت بعد حكم أهل المعرفة بعدم رجوعه ".

(1) في كتاب القصاص في بحث قصاص سن المثغر.
(2) الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام ص 43.
(3) يعني رواية سلمة بن تمام، راجع الوسائل الباب - 37 - من أبواب
ديات الأعضاء، الحديث 3.
172

قلت: إن الظاهر ذلك، والمحتمل أنه هبة جديدة، اللهم إلا أن يفرض
العلم بذلك، والله العالم.
(و) كيف كان فقد (قال المفيد رحمه الله) وعن الصدوق في موضع
من المقنع، بل عن ظاهر المختلف أنه مذهب ابن البراج (في شعر الرأس)
واللحية (إن لم ينبت مئة دينار و) لكن (لا أعلم المستند) وإن حكى عن
المفيد والقاضي الديلمي وظاهر الصدوق أن به رواية (1).
وفي كشف اللثام: " قد روى في بعض الكتب عن الرضا عليه السلام من حلق
رأس رجل فلم ينبت فعليه مئة دينار، فإن حلق لحيته فلم تنبت فعليه الدية،
وإن نبتت فطالت بعد نباتها فلا شئ له " (2).
إلا أن ذلك كله غير صالح لذلك، مع اشتمال الأخير على الدية في
اللحية، وكذا محكي في المسالك عن النهاية " من أن في شعر الرأس إذ انبت مئة
دينار " مع أنا لم نتحققه عنها (3).

(1) راجع المقنعة للمفيد ص 120 والمراسم للسلار الديلمي باب ذكر أحكام
الجناية على ما هو دون النفس.
وهذه عبارته: " وأما ما في الانسان منه واحد وليس بعضو كاللحية وشعر الرأس ففي
اذهابه حتى لا ينبت الدية الكاملة وإذا ذهب بحاجبه فنبت ففيه ربع الدية وقد روي أيضا أن
فيهما إذا لم ينبت مئة دينار " وليس فيهما ما حكى عنه.
ولكن قال في المختلف في الفصل الخامس من كتاب القصاص والديات ص 249:
" قال سلار في شعر اللحية أو الرأس إذا لم ينبت الدية وروي أن فيهما إذا لم ينبتا مئة
دينار. ونحوه ذهب ابن البراج ".
وراجع المقنع للصدوق ص 190.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 318 - الفقه المنسوب إلى الرضا ص 43.
(3) المسالك ج 2 ص 499 وقال في النهاية ج 2 ص 792: وفي اللحية إذا
حلقت فلم تنبت الدية كاملة فإن نبتت كان فيها ثلث الدية.
173

هذا كله في شعر الرجل (أما شعر المرأة ففيه ديتها ولو نبت ففيه مهر)
نسائ‍ (ها) بلا خلاف أجده فيه إلا من الإسكافي في الثاني خاصة فجعل فيه
ثلث الدية، وهو مع شذوذه لا دليل له، بل على خلافه الاجماع عن الغنية
كالأول لا خلاف فيه أيضا حتى منه، التي لا ريب في أولويتها من الرجل
بذلك.
مضافا إلى خبر عبد الله بن سنان (1) الذي رواه المحمدون الثلاثة المنجبر
بما عرفت بناءا على أن في سنده محمد بن سليمان وهو مجهول، ولكن عن الوافي (2)
إبداله سليمان بن داود المنقري، فهو حسن أو صحيح، وعلى كل حال " قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟

(1) الكافي ج 7 ص 261 ولها. - الفقيه ج 4 ص 48 وفيه صدر الرواية
فقط. - التهذيب ج 10 ص 64 وفي سند هذه الثلاثة محمد بن سليمان وأيضا التهذيب ج 10
ص 262 وفي سندها سليمان المنقري فراجع.
(2) الوافي ج 9 ص 54 عن الكافي والتهذيب والفقيه وفي سندها أيضا محمد
ابن سليمان.
نعم نقلها في الجزء التاسع ص 103 من التهذيب وفي سندها المنقري وقال في
ذيله: " بيان قد مضى تمامه في أبواب الحدود باسناد آخر ".
أقول: وفي نسخة مصححة من التهذيب عندنا، " إبراهيم بن سليمان المنقري " مكان
" سليمان المنقري " وهو غلط ظاهرا راجع " معجم رجال الحديث " المجلد الأول.
وأيضا راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 379 فإنه قال: " في سند التهذيب في
كلا الموضعين محمد بن سليمان، على ما في النسخة منه عندنا ".
كما أن ما في الوسائل من وصف " محمد بن سليمان " بالمنقري تصحيف " البصري "
ظاهرا، راجع الوسائل، الباب - 30 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول والباب
- 5 - من أبواب حد السحق والقيادة، الحديث الأول.
174

قال: يضرب ضربا وجيعا ويحبس في سجن المسلمين حتى يستبرأ شعرها فإن
نبت أخذ منه مهر نسائها وإن لم ينبت أخذ منه الدية كاملة.
قلت: فكيف صار مهر نسائها إن نبت شعرها؟ فقال يا بن سنان إن شعر
المرأة وعذرتها شريكان في الجمال فإذا ذهب بأحدهما وجب له المهر كاملا ".
ولعل ما فيه من الحبس والضرب على الوجه المزبور محمول على ضرب من
التعزير الذي هو على حسب ما يراه الحاكم.
ولو زاد مهر نسائها على مهر السنة أخذته لاطلاق النص والفتوى، نعم
لو زاد على ديتها لم يكن لها إلا الدية للاجماع كما في كشف اللثام على أنه
لا يزيد دية عضو من انسان على دية نفسه. ولا تضر تساوى عود النبات وعدمه
حينئذ، والله العالم.
(وفي) شعر (الحاجبين) معا (خمسمأة دينار وفي كل واحد نصف
ذلك) وفاقا للأكثر، بل المشهور، بل عن ظاهر قصاص المبسوط وصريح
السرائر الاجماع عليه، لخبر أبي عمرو المتطبب (1) المنجبر بما عرفت، عن
أبي عبد الله عليه السلام من إفتاء أمير المؤمنين " وإن أصيب الحاجب فذهب شعره كله
فديته نصف دية العين مأتا دينار وخمسون دينارا وما أصيب منه فعلي حساب ذلك،
وفي كشف اللثام وروى عن الرضا عليه السلام " (2).
فما في المسالك من أن " مستنده غير معلوم والاجماع ممنوع " (3) في
غير محله، كالمحكي عن الغنية والاصباح من الدية تامة وفي كل واحد
نصفها، بل عن ظاهر الأول الاجماع عليه، بل في كشف اللثام حكايته عن المبسوط

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2. (2) كشف اللثام ج 2 ص 318 - فقه الرضا، ص 42 وهذه عبارته: إذا أصيب
الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين فإن نقص من شعره شئ حسب على هذا
القياس ".
(3) المسالك ج 2 ص 499.
175

وأن في ظاهره الاجماع عليه، ولعله غير ما سمعته عنه في القصاص، أو أن
النسخة فيها غلط (1)، وكيف كان فقد أيد بالنصوص (2) على أن فيما كان
في الجسد اثنان الدية.
إلا أن أقصاه - بناء على شمولها لمثل الفرض الذي ليس قطعا ولا جرحا -
العموم المخصص بما عرفت، وظاهر الاجماع المزبور موهون بما عرفت. فالأصح
حينئذ الأول.
بل في كشف اللثام " لم يظهر في الخبرين وكلام الشيخين وابني إدريس والبراج
وابني سعيد فرق بين عود نباتهما وعدمه " (3) لكن عن الغنية " أن ذلك إذا
لم ينبت شعرهما وإلا فالأرش "، وكذا عن الاصباح والتقي، بل عن المختلف
" أنه الوجه "، وفي المسالك " أنه الأصح " بل عن الغنية الاجماع عليه.
ولعله الأقوى للأصل بعد انسياق غير العامد من النص والفتوى ولو
بملاحظة غير الفرض من الفرق بينهما الموافق للعدل والاعتبار.
وعن السلار " إذا ذهب بحاجبه فنبت ففيه ربع الدية وقد روي أيضا أن

(1) قال في مفتاح الكرامة بعد نقل كلام الشيخ من قصاص المبسوط: " ولم أجده
تعرض لشعر الحاجبين في غير هذا الموضع.... ولعل (صاحب كشف اللثام) ظفر بما حكاه
عن المبسوط في موضع لم نظفر به فيكون لا شيخ فيه مذهبان ".
أقول: نعم إن الشيخ تعرض لهذه المسألة في الموضعين: أحدهما كتاب القصاص
وفيه قال: " وعندنا... وشعر الحاجبين بنصف الدية " ثانيهما كتاب الديات وفيه قال:
" فأما اللحية وشعر الرأس والحاجبين فإنه يجب فيه عندنا الدية... " راجع المبسوط ج 7
ص 83 و 153.
(2) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 318.
176

فيهما إذا لم ينبت مئة دينار " (1) ولكن لم تثبت الرواية، كما أنا لم نقف له
على دليل.
(و) كيف كان ف‍ (- ما أصيب منه فعلي) هذا (الحساب) بلا خلاف
ولا إشكال للخبر المزبور (2)، بل لعله المستفاد من الحكم الثابت للكل،
ومن هنا لم يخص ذلك المقام، بل هو ثابت في شعر الرأس واللحية كما صرح به
الفاضل وغيره.
قال في القواعد: " وفي الأبعاض بالنسبة إلى الجميع بالمساحة ".
وفي كشف اللثام " في الأبعاض من شعر الرأس أو اللحية بالنسبة لمحل
الفائت منها إلى الجميع بالمساحة فيؤخذ من الدية بالحساب كسائر ما فيه
تقدير من الأعضاء، وكذا إن وجب بالكل ثلث الدية أو عشرها أو المهر، وأما
على القول بالأرش ففي البعض أيضا إذا عاد الأرش من غير نسبة " (3).
وفي محكي التحرير " ولو ذهب بعض شعر الرأس أو بعض اللحية على
وجه لا ينبت، ففيه من الدية بحساب الباقي، ويعتبر بنسبة المحل المقلوع منه
إلى الجميع بالأجزاء، ولو نبت ففيه الأرش، ولا يعتبر نسبته إلى أرش الجميع
بالجزء " (4).
بل قيل: " يدل عليه الاجماع على الظاهر " (5) وبالجملة الحكم مفروغ
منه والله العالم.

(1) المراسم، باب ذكر أحكام الجناية على ما هو دون النفس.
(2) يعني خبر أبي عمر والمتطبب وخبر فقه الرضا.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 318، فقه الرضا ص 42 وهذه عبارته: " إذا أصيب
الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين فإن نقص من شعره شئ حسب على هذا القياس ".
(4) التحرير ج 2 ص 271.
(5) قال في مفتاح الكرامة: " ويدل على الحكم المذكور بعد الاجماع على
الظاهر، النص الوارد في الحا... ".
177

(وفي الأهداب) الأربعة وهي الشعور النابتة على الأجفان (تردد
قال في المبسوط والخلاف الدية إن لم ينبت، وفيها مع الأجفان ديتان " بل في
الثاني الاستدلال له بإجماع الفرقة وأخبارها، وفي الأول أنه الذي يقتضيه
مذهبنا، ولعله أراد ما مر من أن فيما كان من الأعضاء اثنان ففيهما الدية
وفيما كان أربعة ففيها الدية وهكذا، بل في الروضة نسبته إلى الأكثر.
وفي المسالك نسبته إلى ابن حمزة والفاضل في القواعد وإن كنا لم نتحقق
شيئا من ذلك (1)، نعم عن الوسيلة نسبته إلى رواية، بل لم يحك القول به
إلا ممن عرفت (2)، كما أن إرادة نحو ذلك من النصوص المزبورة لا يخلو من
نظر أو منع، خصوصا بعد عدم الجابر.
وفي المسالك وغيرهما (3) عن القاضي أن فيهما نصف الدية قيل (4)
" والمنقول في المختلف من عبارته أن ذلك في الأشفار، والشفر بالضم، أصل

(1) يعني شيئا مما في الروضة والمسالك.
قال في مفتاح الكرامة: " وفي الروضة إلى الأكثر ولو صحت هذه الشهرة لجبرت.
الخلاف... لكن التتبع يشهد بخلافها... "
وقال العلامة في القواعد: " وفي الأهداب الدية على رأي ".
وقال ابن حمزة في الوسيلة: " وتلزم دية النفس كاملة في أحد سبعة وثلاثين عضوا
العقل إذا ذهب به ولم يرجع وشعر رأس الرجل... وفي الأهداب جميعا إذا ذهب بها
ولم تنبت على رواية... "
(2) يعني الشيخ في الخلاف والمبسوط، وقال في مفتاح الكرامة: " بل لم يحك
القول بالدية أحد عن غير الخلاف والمبسوط... "
(3) كذا في الأصل، ولكن في مفتاح الكرمة هكذا: " وعن القاضي أن فيهما
نصف الدية؟ كما حكاه عنه الشهيدان وغيرهما " فراجع ج 10 ص 382.
(4) في مفتاح الكرامة ج 10 ص 382 ولكن لا يوافق ما في المختلف فراجع
كتاب القصاص منه ص 249.
178

منبت الشعر في الجفن، وهو غير الهدب بالضم والذال المعجمة أو المهملة، إذ هو
الشعر النابت في ذلك ".
قلت: هو على كل حال لا موافق له ولا دليل، لا من عموم ولا من
خصوص.
(و) من ذلك كله ظهر لك أن (الأقرب السقوط حال الاجتماع)
أي قطع الأجفان معها لكونها حينئذ تابعة كشعر اليدين للأصل وغيره (والأرش
حالة الانفراد) وفاقا للحلي ومن تأخر عنه، بل في غاية المراد إجماع
الأصحاب على أن في الأجفان الدية من غير تفصيل، كما عن السرائر " أنه الذي
تقتضيه الأدلة والاجماع لأن أصحابنا جميعهم لم يذكروا في الشعور مقدرا
سوى شعر الرأس واللحية والحاجبين، وإلحاق غير ذلك به قياس - إلى آخره - " (1)
بل قيل " (2) هو ظاهر كل من لم يذكر فيها دية، كالمقنعة والمراسم والغنية
وغيرهما " وهو الأقوى بعد عدم دليل معتبر على التقدير المزبور.
(و) كيف كان ف‍ (- ما عدا ذلك من الشعر) كالنابت على الساعدين
أو الساقين (لا تقدير فيه استنادا إلى البراءة الأصلية) لكن ثبت فيه الأرش إن
قلع منفردا، عاد أو لا، ولا شئ مع الانضمام إلى العضو إذا قطع، أو إلى
الجلد إذا كشط، بلا خلاف أجده فيه، بل عن المهذب البارع الاجماع، مضافا
إلى ما سمعته من السرائر، بل في المسالك وبعض أتباعها " أنه لو قيل بذلك في
جميع الشعور لضعف المستند فيها لكان حسنا " (3) وإن كان لا يخفى عليك ما فيه
بعد الإحاطة بما ذكرنا.
نعم لو كانت اللحية للمرأة فالواجب الأرش إن نقصت بها القيمة للأصل

(1) السرائر باب ديات الأعضاء والجوارح والقصاص فيها.
(2) قاله في مفتاح الكرامة ج 10 ص 382.
(3) المسالك ج 2 ص 500 والمراد ببعض أتباع المسالك مفاتيح الفيض الكاشاني
ظاهرا.
179

بعد انسياق التقدير منها في النصوص والفتاوى إلى لحية الرجل دونها، فتعتبر
حينئذ بأمة تنقص قيمتها بذلك إن كانت. وعن المبسوط اعتبارها بعبد تنقص قيمته
بذلك كالذي له خمسون سنة فصاعدا. وفيه نظر.
وكذا يثبت الأرش في لحية الخنثى المشكل، بل وفي لحية الأمة أيضا مع
فرض زيادة القيمة بها كما عن غير واحد التصريح به ومنه ما في القواعد " ولو
كانت للأمة فزادت قيمتها فالأقرب التعزير خاصة " إذ المراد فزادت بزوالها
لقوله: " وكذا لو حلق شعر العانة منها أو من الحرة أو قلعهما بحيث لا ينبت
فزادت القيمة فلا شئ " وذلك لأن الضمان إنما يكون للنقص والفرض
عدمه.
خلافا للمحكي عن المبسوط فالحكومة، والاعتبار بعبد إذا أزيلت لحيته
نقصت قيمته، وفيه ما لا يخفى.
نعم لو فرض التعيب بإفساد منبت العانة مثلا على وجه تنقص به القيمة اتجه
حينئذ مراعاة الأرش أما مع عدمه فلا، ولا ينافي ذلك ما ورد (1) " من أن
فقدان الأمة شعر العانة عيب ترد به، باعتبار كونه نقصا في الخلقة "، ضرورة كون
المراد هنا الحكومة التي مدارها على القيمة لا صدق التعيب، بل هو كذلك أيضا في حلق
الرأس الرجل المعتاد حلقه، وإطلاق الفتوى أن فيه الأرش أو التقدير المزبور، منزل
على ما إذا حصل النقص به كما في الشعر الطويل لبعض الشبان فتأمل جيدا.

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب أحكام العيوب، الحديث الأول.
180

(الثاني العينان)
(وفيهما) معا (الدية وفي كل واحدة نصف الدية) بلا خلاف
أجده فيه بيننا، بل وبين غيرنا كما عن الشيخ وابن زهرة الاعتراف به، بل في المسالك
إجماع المسلمين عليه، وهو كذلك فضلا عن إجماع المؤمنين المحكي مستفيضا
أو متواترا، كالنصوص عموما مثل " ما في الانسان منه اثنان ففيه نصف الدية " (1)
وخصوصا مثل حسن الحلبي (2) وصحيح ابن سنان (3).
بل مقتضى إطلاق النص والفتوى (و) معقد الاجماع أنها (تستوى
الصحيحة والعمشاء والحولاء والجاحظة) خارجة المقلة أو عظيمتها، خلافا لما عن
الوسيلة فجعل دية العمشاء ثلث دية النفس، ولم نعرف له دليلا صالحا لمعارضته
ما عرفت، المقتضي لكون الأخفش والأعشى والأرمد والأجهر كالصحيح.
أما من كان على سواد عينه أو بياضها أو عليهما بياض مثلا، فإن كان
الابصار باقيا بأن لا يكون ذلك على الناظر فالدية تامة لبقاء العضو وفائدته،
فتشمله الأدلة كاليد ذات الشلول، وإن لم يكن كذلك أسقط الحاكم من الدية
بمقدار الذاهب إن عرف، وإلا كانت فيه الحكومة.
(وفي الأجفان) الأربعة (الدية) بلا خلاف مطلقا أو في الجملة
كما ستعرف، بل الاجماع بقسميه عليه كذلك، بل المحكي منهما مستفيض،
(و) لكن (في تقدير كل جفن خلاف قال في المبسوط في كل واحد ربع
الدية) وتبعه الفاضل في جملة من كتبه، وولده والشهيدان وأبو العباس وغيرهم
على ما حكى عن بعضهم، بل هو المحكي عن العماني أيضا، لصحيح هشام المضمر

(1) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 و 4
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 و 4
181

في التهذيب (1)، المسند إلى الصادق عليه السلام في الفقيه، (2) " قال كل ما كان
في الانسان منه اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية " ونحوه حسن عبد الله
ابن سنان (3) عنه أيضا، بتقريب كون كل جفنين بمنزلة واحد فيكونان
كالعين، إلا أنه كما ترى، ولذا قال في المسالك " هو مجرد عناية "، وفي
كشف اللثام " لا دلالة فيه ".
نعم قد يقال: بإمكان استفادة توزيع الدية على المتعدد الذي تثبت فيه
الدية، والغرض الاجماع على ثبوتها للأربع فتتوزع عليها، لأن الأصل عدم
الزيادة، مضافا إلى دعوى انسياق التوزيع للتساوي في مثله، ولعله لذا قال في
المسالك: " هو الأظهر " بعد أن اعترف بضعف دلالة الخبرين عليه، والله العالم.
(و) قال (في الخلاف) ومحكي السرائر (في الأعلى ثلثا الدية
وفي الأسفل الثلث) من دية العين، بل عن الأول عليه إجماع الفرقة وأخبارهم،
بل في كشف اللثام حكايته عن المبسوط وإن كنا لم نتحققه، بل الذي حكاه عنه
المصنف وغيره الأول، نعم وقيل نسبه إلى رواية أصحابنا بعد أن اختار
الأول (4).
وعلى كل حال فلم نقف له على دليل سوى الدعوى المزبورة التي لم نقف
فيها على خبر، كما اعترف به غيرنا أيضا، بل ولا مفت غيره ممن تقدمه، بل
هو قد خالف نفسه فيما سمعته من المبسوط، بل وفي الخلاف أيضا ما حكى
المصنف عنه قال (وفي موضع آخر في الأعلى ثلث الدية وفي الأسفل النصف)

(1) التهذيب ج 10 ص 258.
(2) الفقيه ج 4 ص 133.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 - الكافي ج 7
ص 351، وفيه: " ففي الواحد نصف الدية " وفي الوسائل: " ففيه نصف الدية "
وكلاهما بمعنى.
(4) كشف اللثام ج 2 ص 319 - المبسوط ج 7 ص 130.
182

منها كما في المقنعة والنهاية والمراسم والوسيلة وعن الغنية وعن القاضي وأبي الصلاح
والطبرسي والصهرشتي والكيدري، بل وأبي علي (و) حينئذ ف‍ (- ينقص على هذا
التقدير سدس الدية) بل في المتن وغيره (والقول بهذا كثير).
بل في كشف اللثام وعن غيره هو المشهور، بل عن الغنية الاجماع عليه،
لما في كتاب ظريف بن ناصح عن الصادق عليه السلام المشهور في الديات كما في المسالك
عن إفتاء أمير المؤمنين عليه السلام الذي رواه المحمدون الثلاثة بطرق عديدة (1)
المنجبر مع ذلك في المقام بما عرفت " قال وإن أصيب شفر العين الأعلى فشتر
فديته ثلث دية العين مئة دينار وستة وستون دينارا وثلثا دينار، وإن أصيب
شفر العين الأسفل فشتر فديته نصف دية العين مأتا دينار وخمسون دينارا،...
فما أصيب منه فعلي حساب ذلك ".
وفي كشف اللثام وكذا روى عن الرضا عليه السلام (2) وفي المراسم نسبه
إلى رسم النبوي العلوي.
وفي المقنعة اختصاص هذا العضو من بين الأعضاء بذلك، ومن هنا كان العمل
به متعينا.
لكن فيه أنه مخالف لما سمعته من الاجماع ونفي الخلاف على وجوب
تمام الدية الأربع، اللهم إلا أن يقال بما عن المهذب البارع: إن هذا النقص
إنما هو على تقدير كون الجناية من اثنين أو من واحد بعد دفع أرش الجناية
الأولى وإلا وجب دية كاملة إجماعا، بل في الروضة " هذا هو الظاهر من الرواية،
لكن فتوى الأصحاب مطلقة ".
قلت: ولعله لذلك توقف غير واحد من الترجيح كالمصنف وغيره، لكن

(1) الكافي ج 7 ص 330 - التهذيب ج 10 ص 298 - الفقيه ج 4 ص 80 -
الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3 و 54.
(2) فقه الرضا عليه السلام ص 42.
183

يمكن منع الاجماع المزبور مطلقا كما لا يخفى على من لاحظ كلام المشهور.
نعم قد يقال: إن الشفر بالضم كما في الصحاح وغيره طرف الجفن، وبه
عبر في المقنعة والمراسم والغنية، كالخبر المزبور، لا بالجفن، فيمكن أن يقال:
إن ذلك في أشفار الأجفان لا فيها نفسها لأنها فيها أجمع الدية كاملة أرباعا
فتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (- في الجناية على بعضها بحساب ديتها) بلا خلاف
أجده فيه لما سمعته من الخبر المعتضد بما عرفته سابقا وحينئذ فإن قطع نصف الجفن
كان ديته الثمن بناء على أن فيه الربع (ولو قلعت) الأجفان (مع العينين
لم تتداخل ديتاهما) كما صرح به غير واحد للأصل بخلاف الأهداب التي
عرفت الحال فيها، ولا يعتبر وجودها في تمام الدية للأجفان قطعا كما صرح
به الفاضل وغيره بل لا يعتبر في ديتها أيضا الابصار، فالأعمى فضلا عن غيره بل
لا يعتبر في ديتها أيضا الابصار، فالأعمى فضلا عن غيره لو قطعت أجفانه الأربعة
وجبت الدية لاطلاق الأدلة.
نعم في القواعد وكشف اللثام الحكومة في الأجفان المستحشفة اليابسة
المقلية، لأنها لا تكن العين ولا تغطيها، ولعله (1) لانسياق غيرها من
الاطلاق، والله العالم.
(وفي العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة إذا كان العور خلفة أو
بآفة من الله تعالى) شأنه بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به في المسالك
بل في الخلاف والغنية والمختلف والغاية المراد والتنقيح والمهذب البارع الاجماع
عليه على ما حكى عن بعضها.
وفي خبر محمد بن قيس (2) " قال أبو جعفر عليه السلام قضى أمير المؤمنين عليه السلام
في رجل أعور أصيبت عينه الصحيحة ففقأت، أن تفقأ إحدى عيني صاحبه ويعقل

(1) كذا في الأصل، وفي بعض النسخ هكذا: " قلت ولانسياق غيرها ".
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
184

له نصف الدية وإن شاء أخذ دية كاملة ويعفو (1) عن عين صاحبه " وفي خبر
الحلبي (2) وأبي بصير (3) عن الصادق عليه السلام " في عين الأعور الدية " مع زيادة
" كاملة " في أولهما إلى غير ذلك من النصوص التي قدمناها في استحقاقه نصف
الدية لو جنى عمدا على الصحيح فاقتص منه فلاحظ وتذكر، مؤيدا ذلك كله
بأن العين الواحد له حينئذ بمنزلة عينين بالنسبة إلى الابصار بل هو مثل ما لم يكن
فيه إلا واحد كالأنف.
نعم (لو استحق ديتها) بجناية جان عليه وإن لم يكن قد أخذها (كان
في الصحيحة نصف الدية خمسمأة دينار) بلا خلاف أجده فيه، بل عن الغنية
والخلاف الاجماع عليه، بل هو كذلك على الظاهر، كما اعترف به في كشف اللثام،
وكذلك لو كان عورها قصاصا وإن لم يصرح به جماعة، بل في كشف اللثام الأكثر،
لكنه مندرج في معقد إجماعي الخلاف والغنية على ذهابها بغير الخلقة والآفة
السماوية، وعلى كل حال بذلك تقيد النصوص المزبورة، مضافا إلى النصوص
والاجماع على أن في إحدى العينين النصف المستثنى منهما ما عرفت خاصة،
بل قد يدعى أنه المراد من الأخبار المزبورة ولو بملاحظة أن أخذه العوض أو
استحقاقه أو الذهاب قصاصا لا ينزل عينه الموجودة منزلة العين الواحدة، بل
ينزلها منزلة أحد العينين، والله العالم.
(وأما العوراء ففي خسفها روايتان إحداهما ربع الدية) كما في رواية
عبد الله بن سليمان (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل فقأ عين رجل ذاهبة
وهي قائمة قال عليه ربع دية العين ".
ورواية عبد الله بن أبي جعفر عنه (5) أيضا " في العين العوراء تكون قائمة
فتخسف قال: قضى فيها علي بن أبي طالب عليه السلام بنصف الدية في العين الصحيحة "
(و) لكن (هي متروكة) وإن حكى العمل بها عن المفيد وسلار، إلا

(1) في الكافي: " يعفى ".
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 و 3.
(3) الوسائل الباب - 27 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 و 3.
(4) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 و 1.
(5) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 و 1.
185

أنها ضعيفة ولا جابر لها، بل في المسالك لم يعمل بمضمون الثانية أحد من
الأصحاب (و) الرواية (الأخرى ثلث الدية) وهي صحيحة بريد أو
حسنته (1) عن الباقر عليه السلام " في لسان الأخرس وعين الأعور وذكر الخصي
الحر وأنثييه ثلث الدية " وغيرها (وهي مشهورة) في العمل كما اعترف به
غير واحد، بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه.
(و) على كلا القولين فالحكم هنا كذلك (سواء كانت) عوراء (خلقة
أو بجناية جان) لكن في صحيح أبي بصير (2) عنه أيضا " وقد سأله بعض آل
زرارة عن رجل قطع لسان أخرس فقال: إن كان ولدته أمه وهو أخرس فعليه
ثلث الدية وإن كان ذهب بوجع أو آفة بعد ما كان يتكلم فإن على الذي قطع
لسانه ثلث دية لسانه، قال: وكذلك القضاء في العينين والجوارح، وقال: هكذا
وجدنا في كتاب علي عليه السلام " ولم نجد عاملا به كما اعترف به بعض الأساطين
مضافا إلى ما فيه من عدم الفرق المزبور في اللسان الذي فيه الدية كاملة - نعم
ربما يظهر الفرق في نحو العين وغيرها من الجوارح المتعددة - وإلى ما فيه من
الاضطراب فإن في الكافي والتهذيب (3) كما سمعت، وعن الفقيه (4) " إن
كان ولدته أمه وهو أخرس فعليه الدية " ولعله يوافق في الجملة ما تسمعه من
ابن إدريس من " أنه لا خلاف في أن العين إن كانت عوراء خلقة ففيها نصف الدية
خمسمأة دينار وثلث ديتها إنما يجب في التي جنى عليها " (5) لكن ليس في الفقيه

(1) الوسائل الباب - 31 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول نقلا عن
الكافي والتهذيب والفقيه وليس في الكافي والوسائل لفظة " الحر " راجع الفقيه ج 4
ص 131 والتهذيب ج 10 ص 270 والكافي ج 7 ص 318.
(2) الوسائل الباب - 31 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الثاني.
(3) الكافي ج 7 ص 318 والتهذيب ج 10 ص 270.
(4) الفقيه ج 4 ص 148.
(5) السرائر باب ديات الأعضاء والجوارح والقصاص فيها.
186

قوله: " وكذلك القضاء في العينين والجوارح ".
ثم إن المصنف والفاضل اقتصرا على الخسف كالمحكي عن الشيخ وابن سعيد
نحو ما سمعته في خبر عبد الله بن أبي جعفر (1)، وعن سلار، التعبير بالاذهاب،
وقال المفيد: " ومن كانت عينه ذاهبة وهي قائمة غير مخسوفة فلطمه انسان
فانخسفت بذلك أو كانت مفتوحة فانطبقت أو كان سوادها باقيا فذهب فعليه ربع
الدية العين الصحيحة لذهابه بجمالها " (2).
وفي خبر عبد الله بن سليمان (3) ما سمعته، وعن الحلبي " وفي خسف
العين الواقفة العميا ثلث ديتها وفي طبق المفتوحة أو ذهاب سوادهما مع تقدم العمي
ربع ديتها ".
وكذا عن الغنية والاصباح، بل عن أولهما الاجماع عليه، وإن كان هو
كما ترى ضرورة عدم مظنة الاجماع المزبور، بل لعل الأمر بالعكس، إذ
رواية الثلث المشهورة عملا لا فرق فيها بين الخسف والقلع وغيرهما، ومن ذلك
يعلم ما في التفصيل المزبور وغيره.
وعن ابن إدريس " وفي العين القائمة إذا خسف بها ثلث ديتها صحيحة وكذلك
في العين العوراء التي أخذت ديتها أو استحقها صاحبها ولم يأخذها ثلث ديتها
صحيحة على ما قلناه أولا وحررناه، وشيخنا أبو جعفر فرق في نهايته بينهما،
قال: إذا قلع العين العوراء التي أخذت ديتها أو استحقت الدية ولم يأخذها
فنصف الدية يعني ديتها فإن خسف بها ولم يقلعها ثلث ديتها، والأولى عندي أن
في القلع والخسف ثلث ديتها، فأما إذا كانت عوراء والعور من الله تعالى فلا خلاف
بين أصحابنا أن فيها ديتها كاملة خمسمأة دينار انتهى " (4).

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(2) المقنعة ص 120.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(4) السرائر باب ديات الأعضاء.
187

والظاهر سقوط لفظ القلع من قلمه أو أقلام النساخ في قوله " وكذلك في
العين العوراء " والصحيح " وكذلك في قلع العين العوراء إلى آخره ".
وعلى كل حال فهو كما ترى وإليه أشار المصنف بقوله: (ووهم هنا
وأهم فتوق وزلله) بل ما نسبه إلى النهاية وهم أيضا وإن كانت عبارتها موهمة
لذلك، قال: " وفي العين العوراء الدية كاملة إذا كانت خلقة أو قد ذهبت في آفة
من جهة الله تعالى فإن كانت قد ذهبت وأخذ ديتها أو استحق الدية وإن لم
يأخذها كان فيها نصف الدية، والأعور إذا فقأ عين صحيح قلعت عينه وإن عمي
فإن الحق أعماه فإن قلعت عينه كان مخيرا بين أن يأخذ الدية كاملة أو يقلع
إحدى عيني صاحبه ويأخذ نصف الدية، وفي العين القائمة إذا خسفت بها ثلث
ديتها صحيحة انتهت " (1) وهي صريحة أو كالصريحة في خلاف ما حكاه عنها
ولو بقرينة قوله أخيرا: و " في العين القائمة إلى آخره ".
لكن في كشف اللثام بعد أن حكى عبارة النهاية المزبورة قال: " ففهم من
العين العوراء، الذاهبة من عيني الأعور لا الصحيحة كما في نحو عبارة الكتاب
ويقويه قوله " ذهبت " مرتين " وأخذ ديتها " فحمل قوله: " الدية كاملة "
على دية العين الواحدة، أي نصف الدية خمسمأة دينار ونصف الدية على نصف
ديتها وهو ربع الدية.
ثم لما قال في آخر الكلام: " إن في خسف العين القائمة ثلث ديتها " حمل
ما قبله على القلع، وجعل في قوة أن قال: في العين الذاهبة في عيني الأعور
ديتها كاملة وهي خمسمأة دينار قلعت أو خسفت إذا كانت ذهبت خلقة أو في آفة
من الله فإن كانت ذهبت وأخذ ديتها أو استحق ديتها كان في قلعها نصف ديتها
مأتان وخمسون دينارا، وإذا فقأ الأعور عين صحيح قلعت عينه الصحيحة وإن
عمى فإن الحق أعماه، فإن قلع قالع عينه الصحيحة كان مخيرا بين أن يأخذ

(1) النهاية ج 2 ص 789.
188

الدية دية النفس كاملة ألف دينار أو يقلع إحدى عيني الجاني ويأخذ نصف الدية،
وفي عينه الذاهبة القائمة إذا خسف بها وكان ذهابها بالجناية عليها ففيها ثلث ديتها
صحيحة " (1).
قلت: ولكنه كما ترى، بل المراد (2) ما ذكره المصنف في النكت
- وتبعه عليه الفاضل والشهيد وغيرهما - العين الصحيحة من العوراء من عين الأعور،
قال: " ويوشك أن يكون سماها عوراء لأنه ليس لها أخت من صنفها وفي
الحديث إن أبا لهب اعترض على النبي صلى الله عليه وآله عند إظهاره الدعوة فقال له أبو طالب
يا أعور ما أنت وهذا، قال ابن الأعرابي: ولم يكن أبو لهب أعور، ولكن
العرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه وأمه أعور، وكأن الشيخ استعمل ذلك
اتساعا، وتبعا للفظ رواية رواها محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن سنان، عن العلا
ابن الفضيل (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال في أنف الرجل الدية تامة، وذكر
الرجل الدية تامة ولسانه الدية تامة، وأذناه الدية تامة، والرجلان بتلك المنزلة،
والعينان كذلك، والعين العوراء الدية تامة " ولم يرد بالعوراء هنا الفاسدة لأن ديتها
ليست تامة إذ هو يريد بالتامة دية النفس لأنه عدد ما فيه دية النفس ولم يرد
بالدية التامة خمسمأة على ما ظنه بعض المتأخرين، ثم لم يذهب أحد إلى أن
القائمة ولا المطبوقة فيها خمسمأة بحيث ينزل ذلك على هذا التأويل، وأما
قول الشيخ ره " إذا كانت خلقة أو ذهبت في آفة " يريد الذاهبة، أضمرها ولم
يجر لها ذكرا اتساعا ولدلالة اللفظ عليها انتهى " (4).
وحينئذ قوله فإن قلعت عينه مع جزائه تكرير لما قدمه من إذهاب عينه
الصحيحة وإنما كرره للتصريح بالتخيير.

(1) كشف اللثام ج 2 ص 318 - 319.
(2) كذا في الأصل، ولعل الصحيح: " كما ذكره المصنف ".
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 11.
(4) نكت النهاية كتاب الديات ورقيق قبل آخر الكتاب.
189

على أنه لو سلمنا دلالة عبارة النهاية على ذلك كيف يسوغ له موافقتها
بلا دليل بل ظاهر الأدلة خلافها، بل والاعتبار، فإن مساواة الصحيحة للعوراء
في الدية أمر منكر وكأن الذي أوقعه في هذا الوهم الشنيع استمراره على
الجرأة على العلماء وخصوصا الشيخ الذي هو أس هذا المذهب وقوامه نسأل الله
العصمة من الخطأ وغيره، والله العالم.
(الثالث الأنف)
(وفيه الدية كاملة إذا استوصل) كله (وكذا إذا قطع مارنه وهو
ما لان منه) وفاقا للشيخ في النهاية وابن إدريس ويحيى بن سعيد والفاضلين
والشهيد، بل والغنية والاصباح وغيرهم على ما حكى عن بعض، لأنه مما في
الانسان منه واحد وفيه الدية نصا وفتوى ولقول الصادق عليه السلام في صحيح ابن
سنان (1) " في الأنف إذا استوصل جدعه الدية ".
وفي الموثق " في الأنف إذا قطع الدية كاملة " وفي حسن الحلبي (2)
وموثق سماعة (3) وخبري زرارة (4) والعلا بن الفضيل (5) " في الأنف إذا
قطع المارن الدية " ومقتضاء وجوب الدية لا غير في قطعه أجمع وفي قطع
المارن منه.
لكن في المبسوط " وفي الأنف الدية بلا خلاف لقوله عليه السلام: وفي الأنف الدية
وفي الأنف إذا أوعى أي استوعب جدعا مئة من الإبل، وعن علي عليه السلام في الأنف

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7 و 6 و 8.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7 و 6 و 8.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7 و 6 و 8.
190

مئة من الإبل، فإذا ثبت أن فيه الدية فإنما الدية في المارن وهو ما لان منه
وهو دون قصبة الأنف وذلك المنخران والحاجز إلى القصبة. فإن كان قطع كل
المارن ففيه الدية كاملة فإن قطع بعضه ففيه بالحصة مساحة " (1).
وذكر " أنه إن قطع المارن مع القصبة كان في المارن الدية وفي القصبة
حكومة " (2) وهو خيرة المهذب والوسيلة والتحرير والروضة على ما حكي عن
بعضها، بل عن حواشي الشهيد أنه المنقول، ولعل وجهه بعد الاتفاق على
ثبوت الدية في المارن نصا وفتوى أنه لا بد للجناية على القصبة معه من
عوض.
وفيه أنه كذلك مع تعددها بأن قطع القصبة بعد قطع المارن لعدم تقدير
فيها بالخصوص فتجب الحكومة، أما لو كانت جناية واحدة قد استوعبت الأنف
كله أو المارن مع بعض القصبة فليس إلا الدية لما سمعته من النصوص صريحها
وظاهرها المذكورة لبيان تمام ما في ذلك، مضافا إلى الأصل، ولا استبعاد في التداخل
في الفرض المزبور.
ويمكن تنزيل كلام الشيخ ومن وافقه على ذلك فيرتفع الخلاف حينئذ الذي
قد بان لك ثمرته مما ذكرناه وإلا كان محجوبا بما عرفت.
(كذا) تجب الدية (لو كسر ففسد) كما صرح به الشيخان والحلبي
وابن حمزة والفاضلان والشهيدان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم بل لا أجد فيه
خلافا كما اعترف به في الرياض لأنه كالإبانة خصوصا على ما عن الروض من كون
المراد من فساده سقوطه لا صيرورته أشل الذي يأتي حكمه ودليله، وإن كان قد
يناقش بأعمية الفساد في كلام الأصحاب من ذلك. فالتحقيق أن يقال ولو بمعونة

(1) المبسوط ج 7 ص 131. وكانت عبارة الأصل ناقصة وأصلحناه طبعا للمصدر.
ولا يخفى أن عبارة مفتاح الكرامة هنا ناقصة أيضا.
(2) المبسوط ج 7 ص 131 وليست العبارة عين عبارة الشيخ فراجع.
191

فهم الأصحاب: إن قوله (1): " فيما كان فيه في البدن واحد الدية " كالأنف
شامل للقطع (و) للافساد المزبور.
نعم (لو جبر على غير عيب فمأة دينار) كما صرح به من عرفت وغيرهم،
بل في الرياض نفي الخلاف فيه، بل عن الغنية على الاجماع عليه، وهو الحجة بعد
تبينه مضافا إلى ما عساه يفهم مما في خبر ظريف (2) من ثبوت المئة في كسر
الظهر إذا جبر على غير عيب، من أن ذلك كذلك في كل ما كان في كسره
الدية، ومنه ما نحن فيه. فوسوسة بعض الأفاضل (3) في دليل الحكم
المزبور حينئذ في غير محله.
ولو نفذت فيه نافذة فخرقت المنخرين والوترة جميعا على وجه لا تنسد
فثلث الدية بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب،
بل قيل قد يظهر من الغنية الاجماع عليه، لما في كتاب ظريف (4) " فإن نفذت
فيه نافذة لا تنسد بسهم أو رمح فديته ثلاثمأة وثلاث وثلاثون دينارا وثلث دينار "
بل في كشف اللثام وروى عن الرضا عليه السلام (5) وإن كان المظنون إرادته ما في الفقه

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 12 وغيره.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(3) وهو المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(5) كشف اللثام ج 2 ص 319 - الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام
ص 42 وعبارته هكذا: " فإن نفذت منه نافذة فثلثا دية الأرنبة " وراجع المستدرك ج 3
ص 274.
192

المنسوب إلى الرضا عليه السلام الذي لم يثبت حجيته عندنا (1)، وخبر مسمع (2)
عن الصادق عليه السلام قضى أمير المؤمنين عليه السلام " في النافذة تكون في العضو بثلث الدية
دية ذلك العضو "، ونحو ذلك من الأخبار.
وكذا لو خرمه لقول الصادق عليه السلام في خبر مسمع (3) أيضا " قضى أمير
المؤمنين عليه السلام في خرم الأنف ثلث دية الأنف " نعم الظاهر إرادة شق وترة الأنف
التي بين المنخرين، من الخرم.
ولو جبرت وصلحت ففيه خمس الدية مأتا دينار كما صرح به الشيخان
والديلمي وابنا زهرة وإدريس والفاضلان والشهيدان والتقي والقاضي والكيدري على
ما حكي عن بعضهم، بل قيل قد يظهر من الغنية الاجماع عليه، إلا أني لم أجد له
دليلا، بل الموجود في كتاب ظريف (4) " وإن كانت نافذة فبرئت والتأمت فديتها
خمس دية روثة الأنف مئة دينار فما أصيب منه فعلى حساب ذلك " كالمحكي عن
أبي علي والشيخ في الخلاف، بل والسرائر وإن حكي عنها الأول أيضا، (5)
ولعله لا يخلوا من قوة فإن المشهور أيضا على ما قيل عشر، للأصل والخبر
المزبور، بل لعله متعين بعد فرض الاجماع على انحصار الأمر في القدرين ضرورة

(1) راجع رسالة " الفضل القضاء في الكتاب المشتهر بفقه الرضا " تأليف السيد
حسن الصدر الكاظمي ره المطبوع أخيرا بقم في مجموعة تسمى به " آشنائى با چند نسخه
خطى " ص 389 - 442.
(2) التهذيب ج 10 ص 293 - الكافي ج 7 ص 328 - الوسائل الباب - 2 -
من أبواب ديات الشجاج والجراح، الحديث 7. ولكن في غير الأول " الناقلة " مكان
" النافذة " فراجع.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(5) قال في السرائر في باب ديات الشجاج والجراح: " وفي الأنف... فإن
عولجت فصلحت وانسدت فديتها خمس دية الأنف مأتا دينار ".
193

كون المقام على هذا التقدير من جزئيات مسألة الترديد بين الأقل والأكثر
المعلوم كون الحكم فيه الاقتصار على الأول ونفي الزائد بالأصل بعد
فرض عدم دليل عليه غير الشهرة المزبورة، وهي مع تحققها غير حجة.
نعم يمكن منع الاجماع على الانحصار المزبور، والمتجه فيه بعد عدم
حجية الشهرة والخبر المزبور الذي لا جابر له، الحكومة التي هي مقتضى الأصل
أيضا بعد الاجماع على عدم خلو الجناية عن عوض هذا كله ولكن الاحتياط مع
إمكانه لا ينبغي تركه بل يمكن تصحيح الخبر المزبور فلا يحتاج إلى جابر ولكن
الشهرة هنا موهنة له.
وكذا الكلام فيما كانت النافذة نفذت في أحد المنخرين إلى الحاجز عشر
الدية، لكن مع تقييد كثير منهم ذلك بما إذا صلحت وبرئت، بل عن جماعة منهم
التصريح بأن فيها السدس إن لم تبرأ، بل قيل: قد يظهر من الغنية الاجماع
عليه، وعلى كل حال لم أجد له دليلا أيضا وإن نسبه في كشف اللثام إلى الرواية (1)
عن الرضا عليه السلام من دون نص إلى البرء، وعن أبي علي " أن فيه عشر دية الروثة
خمسون دينارا " ويوافقه ما في كتاب ظريف قال متصلا بما سمعته، " وإن كانت
النافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم وهو الحاجز بين المنخرين فديتها عشر
دية روثة الأنف خمسون دينارا " (2) ولكن البحث فيه كما تقدم ضرورة عدم
دليل للمشهور، وعدم جابر للخبر المزبور أو موهون بالشهرة، فالتحقيق الاقتصار
على الأقل مع فرض الاجماع على الانحصار وإلا فالحكومة ولكن الاحتياط
لا ينبغي تركه.
(و) كيف كان ف‍ (- في شلله ثلثا ديته) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف
به غير واحد، بل عن ظاهر المبسوط وصريح الخلاف الاجماع عليه، نحو شلل

(1) كشف اللثام ج 2 ص 319 - فقه الرضا عليه السلام ص 42.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
194

سائر الأعضاء التي وضع الأصحاب - كما في كشف اللثام - ضابطا لشللها وهو
ثلثا دية ذلك العضو المشلول، بل عن الخلاف والغنية إجماع الفرقة عليه مع زيادة
" وأخبارهم " في الأول ولعل منها صحيح الفضيل بن يسار (1) عن الصادق عليه السلام
" إن في شلل كل الأصابع ثلثي دية اليد أو القدم وفي شلل بعضها ثلثي ديتها "
مؤيدا ذلك بما ذكروه أيضا من غير خلاف يعرف فيه بينهم كما اعترف به غير واحد،
من أن في قطع الأشل أنف أو غيره ثلث الدية، لخبر الحكم (2) عن أبي جعفر عليه السلام
" كل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح " فتتم بذلك الدية حينئذ
وإن كان الظاهر الثلث أيضا في الأشل خلقة كما صرح به بعضهم لاطلاق النص
والفتوى إلا أنه لا ينافي ظهور ذلك في ثبوت ثلثي الدية بالجناية الموجبة للشلل.
والله العالم.
(وفي الروثة) إذا استوصلت كما هو صريح بعض وظاهر آخر (وهي
الحاجز بين المنخرين) كما في جملة من كتب الفاضل ومحكي النهاية والجامع
وغيرها (نصف الدية) وفاقا للشيخين والديلمي وابني حمزة وسعيد والفاضل وثاني
الشهيدين وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، ولذا نسبه في كشف اللثام إلى الأكثر،
بل في المسالك إلى المشهور لما في كتاب ظريف - الذي روى صحيحا - (3) " أنه
عرض على الرضا عليه السلام فقال: هو حق "، " فإن قطعت روث الأنف فديتها خمسمأة
دينار نصف الدية (4) ".
ولكن عن الكافي (5) زيادة " وهي طرفه " فإن كانت من الخبر نافت التفسير

(1) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5، وليس المنقول
عين ألفاظ الراوية.
(2) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(3) راجع الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الأعضاء.
(4) الفقيه ج 4 ص 81.
(5) الكافي ج 7 ص 331.
195

المزبور، بل وإن لم تكن منه، لأن الموجود فيما حضرني من كتب اللغة أنها
" الأرنبة " أي طرف الأنف أو طرفيها، بل في كشف اللثام بعد أن حكاه عن بعض
من عرفت قال: " ولم أعرف لهم موافقا من أهل اللغة فإن المعروف عندهم أنها
الأرنبة أو طرفها حيث يقطر الرعاف، والأرنبة عندهم طرف الأنف ويسمون
الحاجز بالوترة، وفي كتاب ظريف بالخيشوم، وكذا روى عن الرضا عليه السلام "، (1)
بل في المتن بعد أن ذكر ما سمعت (وقال ابن بابويه (2) هي مجمع المارن،
وقال أهل اللغة هي طرف المارن) وعن الكنز والإيضاح أنها مجمع المارن
والأنف، وفي كشف اللثام " ومراد الصدوق بمجمعه إما رأسه فيوافق كتب اللغة،
أو الحاجز فإنه موصل كما أنه مفصل ".
وقد تكلف بعض الناس (3) للجمع بين كلام أهل اللغة وبين ما سمعته من
الأصحاب بما لا يرجع إلى حاصل، بل ولا يرضى به الأصحاب الذين اعترفوا بأن
ما ذكروه غير ما عند أهل اللغة كما هو ظاهر المصنف وغيره.
ومن هنا يشكل الحكم بأن في قطعها بالمعنى المزبور النصف فإن خبر
ظريف ليس فيه إلا النصف فيها من دون تفسير لها، فيتجه حينئذ بناء على العمل
به ثبوت النصف بقطع الأرنبة كما عن الغنية والاصباح وأبي علي المفسرة بها في
أكثر كتب أهل اللغة، وفي بعضها بطرفيها، إلا أن الأول أشهر وأوفق بالأصل،
بل قيل إنه قد يظهر من الغنية الاجماع فتأمل جيدا، فإنه يمكن أن يقال
بحصول الظن بما ذكره الأصحاب دون أهل اللغة مع إمكان كون المراد منها هنا
ذلك وإن كان معناها لغة الأرنبة أو طرفها كما هو مقتضى اعترافهم بأنها لغة

(1) كشف اللثام ج 2 ص 319 - الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام ص 42.
(2) قال في الفقيه ج 4 ص 81: " قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: الروثة
من الأنف مجتمع مارنه ".
(3) راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 389 - 390.
196

كذلك مع تفسيرهم لها بما عرفت، وبذلك يظهر قوة للقول المشهور والاحتياط
لا ينبغي تركه.
وقيل - وإن قال في كشف اللثام لم نعرف القائل - بل هو كذلك قبل (1)
الشهيد في اللمعة: إن في الروثة بالمعنى المزبور الثلث، وتبعه بعض من تأخر عنه
ولعله بعد أصل البراءة من الزائد، لقاعدة تقسيط الدية على أجزاء العضو الذي ثبت
فيه الدية بالنسبة، لأن المارن الذي قد عرفت وجوبها بقطعه مشتمل عليها وعلى
المنخرين، بل في الرياض " يمكن أن يكون القائل به ابن إدريس فإنه قال بعد
حكمه بأن في الأنف الدية، وفي مارنه الدية، ما لفظه: " وما نقص منه بحساب
ذلك " وهو ظاهر في رجوعه إلى القاعدة " وإن كان قد يناقش بأن مقتضى ذلك ثبوت
الثلث في أحد المنخرين مع إن المحكي عن ابن إدريس وغيره النصف كما ستسمع،
بل مقتضى ذلك ثبوت الربع بناء على أنه أربعة: المنخران والحاجز والروثة،
كما ستسمعه من جماعة، بل ويمنعه القاعدة المزبورة ضرورة أعمية ثبوت الدية في
المارن من ذلك كما هو واضح.
(وفي أحد المنخرين نصف الدية لأنه إذهاب نصف) الجمال و (المنفعة
وهو اختياره في المبسوط) معللا له بما عرفت كالمحكي عن السرائر، بل قال فيه
" هو مذهبنا " مشعرا بالاجماع عليه وتبعه ابن إدريس والمصنف في النافع والفاضل
في بعض كتبه وقد أيد بأنهما اثنان فيعمهما ما مر من الحكم العام فيما كان اثنين
وإن كان قد يناقش بمنع شموله لمثل ذلك وإلا لاقتضى قطعهما من دون قطع الحاجز
وغيره من الأنف تمام الدية، كما أنه يقتضي ثبوتها أيضا بقطع إحداهما مع الحاجز
بناء على ما سمعته من أنه الروثة، وهو مناف لثبوتها بقطعه أجمع.
وقيل كما عن الكيدري والتقي وابن زهرة فيه ربع الدية، بل ربما استظهر
من الأخير الاجماع عليه، ولعله - كما عن الشهيد - لأن المارن الذي فيه الدية

(1) كان في الأصل " قيل " مكان " قبل " وصححناه بعد مراجعة مفتاح الكرامة
فراجع ج 10 ص 390
197

أربعة أجزاء المنخران والحاجز والروثة فتقسط الدية عليها، مضافا إلى أصالة
البراءة من الزائد، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه ولذا كان المشهور كما اعترف به
غير واحد على أن فيه الثلث.
(وفي رواية غياث (1)) المنجبرة بالشهرة المزبورة (عن أبي جعفر عليه السلام
عن أبيه عن علي عليه السلام) " أنه قضى في كل جانب من الأنف (ثلث الدية "
وكذا) ثلث الدية (في رواية عبد الرحمن (2) العزرمي عن جعفر عن
أبيه عليه السلام) " أنه جعل في خشاش الأنف ثلث الدية " والخشاش - بكسر الخاء
المعجمة - عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع (3) ولانقياده،
وكان المراد من الرواية محل الخشاش تسمية للمحل باسم الحال مجازا، وفي
كشف اللثام " الحشاش - باهمال الحاء وفتحها أو كسرها - الجانب "، وعلى كل
حال فهي ظاهرة في المطلوب (و) لكن (في) كل من (الروايت‍) - ين ضعف
غير أن العمل بمضمونها أشبه) بأصول المذهب وقواعده التي منها العمل بمثلها
بعد انجبارهما بالشهرة المزبورة واعتضادهما بالأصل.
ولكن في القواعد " فتقسط الدية على الحاجزة والمنخرين أثلاثا " وفيه
أنه مناف لما ذكرناه سابقا من النصف في الحاجز، ولا يرد مثله على المصنف وإن
كان مقتضى ما ذكره لزوم دية وسدس في الثلاثة لكن لا بأس بالتزام ذلك مع تعدد
الجناية أو الجاني.
نعم لو قطع المارن دفعة لم يكن فيه إلا الدية فتأمل جيدا،
والله العالم.

(1) التهذيب ج 10 ص 261 - الوسائل الباب - 43 - من أبواب ديات الأعضاء
الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 127.
(3) في مفتاح الكرامة هكذا: " ليكون أسرع لانقياده " بدون الواو.
198

ولو قطع مع المارن لحما تحته متصلا بالشفتين فعليه الدية مع زيادة حكومة
للحم إذ لا مقدر له.
ولو قطع أحد المنخرين والحاجز فثلثا الدية بناء على التوزيع
أثلاثا. ولو قطع أحدهما مع نصف حاجز أو بالعكس فنصف الدية بناء عليه أيضا.
وفي كشف اللثام " وعلى القول بأن في الحاجز نصف الدية كان في كل من
المنخرين ربعها، وعلى القول بأن في كل من المنخرين نصف الدية كان الحاجز
حكومة، وعلى قول الحلبيين والكيدري كان في كل منهما ومن الحاجز
والروثة ربع الدية، وقطع أحد المنخرين مع تمام الحاجز يوجب قطع
الروثة ".
وفيه أن مبنى ذلك عدم لزوم أزيد من الدية، وفيه منع، لما عرفت من
إمكان التزام ذلك في التفصيل بتعدد الجناية أو الجاني أو نحو ذلك، وإن لم يكن في
قطع الجملة دفعة إلا الدية.
وفي قطع بعض المنخر جزء من الثلث أو الربع أو النصف بنسبة
المقطوع إلى الجميع، وكذا في قطع بعض الحاجز وإن لم نقل إن فيه
حكومة.
ولو ضربه فعوجه أو تغير لونه فالحكومة صلح بعد ذلك أو لا إلا أن
الحكومة في الأخير أكثر.
فإن قطعه بعد الاعوجاج أو تغير اللون آخر أو الأول فالدية كاملة، إذ
لا تنقص بنقصانه شكلا أو لونا كما لو كان كذلك خلقة.
ولو شق ما بين المنخرين ففيه حكومة كما عن المبسوط والسرائر، بقي
منفرجا أو التأم، إلا إن الحكومة في الأول أكثر، وعن الوسيلة أن في شقه
خمسين دينارا فإن بقي منفرجا ففيه زيادة حكومة، ولم نقف له على
ما يدل عليه.
ولو قطعه إلا جلده وبقي معلقا بها فإن احتيج إلى الإبانة بأن لم يمكن
199

الرد والالزاق فعليه الدية كاملة، لأنه قطع الأنف بعضه بالمباشرة وبعضه بالتسبيب
أو كله به، ولو أبانه فرده هو أو المجني عليه فالتحم، احتمل الحكومة، لأنه
بمنزلة عدم الإبانة لبقائه الآن كما كان، واحتمل الدية كما عن المبسوط والتحرير
لصدق الإبانة، والالتحام ثانيا نعمة متجددة، قيل: ولأنه يجبر على الإبانة لأنه
نجس لا تصح الصلاة معه ولو لم يبنه فرده فالتحم فالحكومة قطعا لأنه يبنه ولا
اضطره إلى الإبانة للالتحام والطهارة. والله العالم.
(الرابع الأذنان)
(وفيهما الدية وفي كل واحدة نصف الدية) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك
بيننا نصا وفتوى، عموما كالضابط المزبور المحكي عليه الاتفاق والمروي عن
الصادق عليه السلام (1) " قال: كل ما كان في الانسان اثنين ففيهما الدية وفي أحدهما
نصف الدية وما كان واحدا ففيه الدية "، وخصوصا كصحيح الحلبي أو حسنته (2)
وحسنة العلاء بن الفضيل (3) وصحيحة عبد الله بن سنان (4) وخبري سماعة (5)
وخبر مسمع (6)، بل الاجماع بقسميه عليه، بل والمحكي منه مستفيض.

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 12.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4 و 8.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4 و 8.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5 و 7 و 9 و 10.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5 و 7 و 9 و 10.
(6) قال في كشف اللثام ج 2 ص 320: " وفي بعضها (أي الأذنان) بحساب
ديتها كما قال الصادق عليه السلام في خبر مسمع: " وما قطع منها فبحساب ذلك ".
أقول: لم أجده في كتاب الديات من الوسائل.
200

نعم عن مالك " أن فيها الحكومة لأنها جمال بلا منفعة " وهو اجتهاد في
مقابلة النص.
(وفي بعضها بحساب ديتها) بلا خلاف أجده فيه أيضا لقول الصادق عليه السلام
في خبر مسمع (1) " وما قطع منها غير الشحمة فبحساب ذلك " ونحوه في كتاب
ظريف (2) بل يرجع إليه ما في خبر سماعة (3) عن الصادق عليه السلام ومضمره (4)
" وإذا قطع طرفها ففيها قيمة عدل " على معنى إرادة اعتبار الحساب فيه بالمساحة
من قيمة العدل، فإن كان المقطوع نصفها فعليه نصف دية الأذن الواحدة، وإن
كان الثلث فالثلث (و) هكذا.
نعم (في) خصوص (شحمتيها) مقدر وهو (ثلث ديتها على رواية)
مسمع (5) عن الصادق عليه السلام " أن عليا عليه السلام قضى في شحمة الأذن بثلث دية
الأذن " وهي وإن كان (في) طريق‍ (- ها ضعف ولكن تؤيدها الشهرة)
العظيمة، بل لا أجد فيه خلافا، بل عن الخلاف والغنية إجماع الفرقة عليه، مع
زيادة " وأخبارها " في الأول، وحينئذ ففي قطع بعض الشحمة بحساب ديتها كأصل
الأذن، والله العالم.
و (قال بعض الأصحاب) وهو الشيخ في النهاية " وفي شحمة الأذن ثلث
دية الأذن (و) كذلك (في خرمها ثلث ديتها (6) ")، وفي محكي
الخلاف (7) في شحمة الأذن ثلث دية الأذن وكذلك في خرمها، بدليل إجماع

(1) راجع ص 200 چ 42.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7 و 10.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7 و 10.
(5) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(6) النهاية ج 2 ص 790.
(7) الخلاف ج 2 ص 381.
201

الفرقة وأخبارها، وظاهرهما خصوصا الثاني إرادة دية الأذن كما صرح به ابن
حمزة والفاضل في محكي الوسيلة والتبصرة، (و) لكن (فسره واحد) وهو
ابن إدريس (1) (بجزم الشحمة وبثلث دية الشحمة)، وفي النافع " في شحمتها
ثلث ديتها وفي خرم الشحمة ثلث ديتها " ونحوه عن الجامع، وفي محكي المختلف (2)
" هو تأويل بلا دليل ".
قلت كذلك إذ معقد الاجماع كما سمعت، وقول الصادق عليه السلام في خبر
معاوية بن عمار (3) " في كل فتق ثلث الدية " ظاهر في خلافه، كقول أمير
المؤمنين عليه السلام في كتاب ظريف (4) " وفي قرحة لا تبرأ ثلث دية ذلك العضو "
مؤيدا بما في الخبر (5) " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في خرم الأنف ثلث دية الأنف " بناء على عدم الفرق بينه وبين الأذن في ذلك لكن في الرياض " وهو أي
ما عليه الحلي الأجود لاجمال العبارات والنصوص المتقدمة وعدم ظهور يعتد به
في شئ منها فينبغي الأخذ بالأقل المتيقن منها ويدفع الزائد بأصل البراءة،
مضافا إلى التأييد بأن مع اعتباره لم يبق فرق بين قطع الشحمة وخرمها في مقدار
الدية أصلا وهو مستبعد جدا، وبهذا يقرب تنزيل العبارات عليه إلا ما صرح فيه
بثلث دية الأذن (6) ".
ولا يخفى عليك ما فيه من دعوى الاجمال والاستبعاد بعد الإحاطة بما ذكرناه
والله العالم.

(1) السرائر، باب ديات الأعضاء والجوارح وهذه عبارته: " وفي شحمة الأذن
ثلث دية الأذن وفي خرمها ثلث ديتها وفي خرم الشحمة ثلث دية الشحمة وهو ثلث الثلث
الذي هو دية الشحمة ".
(2) المختلف كتاب الحدود ص 250.
(3) الوسائل الباب - 32 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 3.
(5) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
(6) رياض المسائل ج 2 ص 608 مع اختلاف يسير.
202

وأذن الأصم كالصحيح بلا خلاف بل ولا إشكال، إذ الصمم ليس نقصا في الأذن
بل في السماع، ولو ضربها فاستحشفت فهو كشلل العضو الذي فيه ثلثا ديته بلا خلاف
أجده فيه أيضا، بل عن ظاهر المبسوط الاجماع عليه، بل عن الخلاف عليه إجماع
الفرقة وأخبارها، وإن لم نظفر بخبر خاص أو عام يدل عليه زائدا على ما عرفت
سابقا في الأنف من الضابط وغيره.
وحينئذ فإن قطعها قاطع بعد الشلل فثلث ديتها لما عرفته في الأنف، ولو
قطع الأذن فأوضح العظم وجب عليه مع دية الأذن دية الموضحة، وكذا إن سرى
إلى السمع فأفسده أو نقص منه، لم يتداخل ديتا العين والمنفعة للأصل وغيره
كما هو واضح.
(الخامس الشفتان)
(وفيها الدية) بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به غير واحد بل بين
المسلمين بل (إجماعا) بقسميه، بل المحكي منهما مستفيض، بل في كشف
اللثام منا ومن العامة، مضافا إلى ما سمعته من الضابط، فلا إشكال حينئذ في شئ
من ذلك.
(و) لكن (في تقدير دية كل واحدة) لو قطعها المتعدد مثلا
(خلاف قتل في المبسوط: في العليا الثلث وفي السفلى الثلثان وهو خيرة المفيد)
والديلمي وأبي الصلاح وابني زهرة وإدريس في أول كلامه والكيدري وابن سعيد
على ما حكي عن بعضهم، بل عن ظاهر المبسوط والغنية الاجماع عليه، بل عن
المفيد " لأنها تمسك الطعام والشراب وشينها أقبح من شين العليا وبهذا ثبتت الآثار
203

عن أئمة الهدى عليه السلام (1) ".
(و) قال (في الخلاف في العليا أربعمأة دينار وفي السفلى ستمأة) دينار
أي خمسان في الأولى وثلاثة في الثانية، وهو خيرة المقنع والهداية والنهاية والتهذيب
والاستبصار والوسيلة والمهذب والمختلف والطبرسي والصهرشتي على ما حكي عن
بعضهم، بل هو الذي استقر عليه رأيه أخيرا في السرائر، فإنه بعد أن قوى قول
ابن أبي عقيل قال: " إلا أن يكون إجماع على خلافه ولا شك، أن الاجماع
منعقد على تفضيل السفلى، والاتفاق حاصل على الستمأة دينار، والأصل براءة
الذمة مما زاد عليه قال وبهذا القول الأخير أعمل وأفتي وهو قول شيخنا في
الاستبصار " (2).
يعني القول بالأربعمأة والستمأة، وقد كان أولا اختار القول بالثلث
والثلثين، بل في محكي الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارهم (وهي رواية أبي
جميلة عن أبان) بن تغليب (3) (عن أبي عبد الله عليه السلام) " قال في السفلى ستة
آلاف وفي العليا أربعة آلاف لأن السفلى تمسك الماء " وفي المتن (و) محكي
التحرير، (ذكره الظريف (4) في كتابه أيضا) عن أمير المؤمنين عليه السلام، وفي
الوافي (5) بعد أن ذكر خبر أبي جميلة، قال: " وتأتي رواية أخرى في هذا
المعنى وأن أمير المؤمنين عليه السلام فضل السفلى لأنها تمسك الماء والطعام مع
الأسنان (6) " (و) لكن (في أبي الجميلة ضعف) فلا يصلح معارضا لغيره،

(1) قال في مفتاح الكرامة ج 10 ص 397: " وبهذا ثبتت الآثار عن أئمة الهدى
عليهم السلام كما في المقنعة وهذه شهادة منه على ثبوت ذلك وهو أبلغ وأثبت مما يرويه
ويسنده ".
(2) السرائر، باب ديات الأعضاء والجوارح.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2 و 1.
(4) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2 و 1.
(5) الوافي الجزء التاسع ص 101 و 115.
(6) الوافي الجزء التاسع ص 101 و 115.
204

اللهم إلا أن يجبر بما عرفت كما ستسمع.
(وقال ابن بابويه (1) وهو مأثور عن ظريف أيضا) في الكتب المشهورة
ومروي بعدة طرق (في العليا نصف الدية وفي السفلى الثلثان)، بل حكي عن
أبي علي (و) لكن (هو) قول (نادر) لم نعرفه لغيرها (وفيه مع
ندوره زيادة) على الدية (لا معنى لها) بل اتفاق النص والفتوى على أن فيهما
الدية، إلا أن يختص بما إذا جنى عليهما المتحد دفعة دون المتعدد نحو ما سمعته
من المصنف وغيره في المنخرين والروثة وغير ذلك مما فيه زيادة في التفصيل على
الجملة دفعة كما تقدم.
(وقال ابن أبي عقيل هما سواء في الدية استنادا إلى قولهم عليه السلام) في
الصحيح (2) والحسن (كلما في الجسد من اثنان ففيه نصف الدية) بل وإلى
قول الصادق عليه السلام في خبر سماعة كما في الاستبصار (3) وإن كان مضمرا في
التهذيب (4) " الشفتان العليا والسفلى سواء في الدية " فإن حمله على التساوي في
وجوب الدية لا قدرها بعيد، بل وخبر زرارة (5) عنه أيضا " في الشفتين الدية وفي
العينين الدية وفي أحدهما نصف الدية " بناء على إرادة كل منها لا العينين خاصة،
بل وإلى أصلي البراءة والتساوي، بل لعل الأصل لا يوافق تمام غيره من الأقوال
وإن استدل به له بعض، لكنه في غير محله (وهذا حسن) كما في القواعد،
وقوى كما في النافع، بل هو خيرة التحرير والإرشاد والتبصرة واللمعة والمقتصر

(1) قال في مفتاح الكرامة: " حكاه المحقق والعلامة عن ابن بابويه وقيل أنهما
أرادا عليا " أي الصدوق الأول.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول. (3) الاستبصار ج 4 ص 288.
(4) التهذيب ج 10 ص 246.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 6.
205

والتنقيح والمسالك ومجمع البرهان والمفاتيح، وكذا الروضة على ما حكي عن
بعضها، لكن قد يناقش بالخروج عن العام بما عرفت، وعدم صراحة خبر زرارة،
بل وظهوره، بل واحتمال خبر سماعة ما سمعت، مع أنه كغيره مما دل على التسوية
موافق للمحكي عن أبي بكر وابن مسعود وأبي حنيفة والشافعي ومالك، وبذلك
يظهر لك قوة الثاني.
(و) على كل حال ف‍ (- في قطع بعضها) أي الشفة بعض ديتها (بنسبة
مساحتها) إلى المقطوع منها، ففي النصف نصف ديتها وهكذا، لما عرفته في نظائرها،
والمساحة تعتبر طولا وعرضا، فلو قطع نصفها طولا وعرضا كان عليه النصف، أما
لو قطع نصفها طولا وربعها عرضا فليس عليه إلا مضروب طول المقطوع في عرضه
وهو الثمن، ولكن في القواعد " فعليه ثلاثة أثمان ديتها " هو غير متجة ظاهرا، ولذا
تكلف بعض شراحة وتوجيهه بأن المراد أنه قطع من إحدى الشفتين نصفها والقطع
من جهة الطول لأن (1) النصفية من جهة خاصة، بل من الجهتين، ومن الأخرى
ربعها، والقطع عرضا، فعليه للأول نصف دية كله وهو ربع دية الشفتين، وللثاني
ربع دية كله وهو ثمن ديتها، فتلك ثلاثة أثمان ديتهما، وهو مبني على تساويهما
في الدية. ولو فرض أنه قطع من نشفة واحدة قطعة يكون نصفا لها طولا وعرضا
أي طولها نصف طولها وعرضها نصف عرضها، وقطعة أخرى يكون طولها نصف
طولها وعرضها ربع عرضها أو بالعكس كانت عليه ثلاثة أثمان دية تلك الشفة، لكن
لا يمكن تنزيل العبارة عليه.
(وحد الشفة السفلى عرضا) كما في القواعد ومحكي المبسوط والمراسم
أي عرفا هو (ما تجافى عن اللثة مع طول الفم) وحد (العيا) كذلك هو
(ما تجافى عن اللثة متصلا بالمنخرين والحاجز مع طول الفم وليس حاشية الشدقين
منهما) قطعا وكأن المراد بذلك الرد على من قال من العامة بعدم القصاص فيهما
لعدم حد لهما، ومن قال منهم إن حدهما ما ينبوا عند طباق الفم، ومن قال منهم

(1) كذا في الأصل، ولكن في كشف اللثام: " لا أن النصفية... "
206

إنه ما إذا قطع لم ينطبق الباقي على الشفة الأخرى، ومن قال منهم إنه من حروف
الفم إلى ما يستر اللثة أو العمور - وهو ما بين الأسنان من اللحم - ضرورة منافاة
ذلك كله للعرف الذي هو المرجع في مثله.
(ولو) جنى عليها حتى (تقلصت) فلا تنطبق على الأسنان فلا ينتفع
بها بحال (قال الشيخ) في المبسوط (فيه ديتها) لأنه كالاتلاف (والأقرب
الحكومة) لأنه ليس إتلافا قطعا بل هو عيب لا مقدر له شرعا ففيه الحكومة،
وربما احتمل كونه كالاسترخاء الذي هو الشلل، وفيه منع كونه منه إما لأنه مقابل
للتقلص بإحداثه الاسترخاء أو لأن المراد به عدم الإحساس كما قال الجوهري
" إن الشلل فساد العضو ".
ولو لم تحصل التقلص واليبس كذلك بل تقلصت بعض التقلص، فعن الشيخ
الاعتراف هنا بأن فيه الحكومة، قال: " وقال بعضهم فيه الدية بالحصة " والأول
أقوى لأن هذا متعذر الوصول إليه.
(ولو استرختا) بالجناية على وجه لا ينفصلان عن الأسنان إذا كشر أو
ضحك (فثلثا الدية) لأنه شللهما وعن المبسوط الدية أيضا لأنه كالاتلاف أيضا
وفيه ما عرفت ولو قطعت بعد الشلل فثلث الدية لما عرفته في قطع المشلول غيرها،
وفي كشف اللثام " وعلى قول المبسوط ينبغي أن يكون فيه حكومة لأن
فيه شيئا ".
ولو شق الشفتين حتى بدت الأسنان ولم يبن شيئا منهما فعليه ثلث الدية
إن لم تبرأ ولم تلتأم، فإن برئت فخمس الدية. وفي أحدهما إذا شقت ثلث ديتها
إن لم تبرأ فإن برئت فخمس ديتها بلا خلاف أجده في شئ من ذلك. وفي كشف اللثام
نسبته إلى قطع الأصحاب، بل عن الغنية الاجماع عليه، وفي كتاب ظريف (1) " فإن

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأول. والتهذيب
ج 10 ص 299 والكافي ج 7 ص 331 والفقيه ج 4 ص 81. ولا يخفى أن في متن
الحديث في المصادر الثلاثة اختلافا يغير المعنى فراجع.
207

انشقت أي العليا فبدأ منها الأسنان ثم دوويت فبرئت والتأمت فدية جرحها
والحكومة فيه خمس دية الشفة مئة دينار وإن شترت وشينت شيئا قبيحا فديتها مئة
دينار وستة وستون دينارا وثلثا دينار - إلى أن قال - فإن انشقت أي السفلى
حتى تبدوا منه الأسنان ثم برئت والتأمت مئة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث
دينار، وإن أصيبت فشينت شيئا فاحشا فديتها ثلاثمأة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا
وثلث دينار وذلك [ثلث ن خ] ديتها.
ولا يخفى عليك أن ذلك لا يوافق ما ذكرنا بناء على إرادة عدم الالتيام من
الشين الفاحش، ضرورة كون ما فيه ثلث الدية لا ثلث دية الشفة بل هو نصفها كما هو
صرح الموافق للقول بأن فيها الثلثين، وعلى كل حال فعند العامة فيه الحكومة
إلا أنها إذا لم تبرأ كانت الحكومة أكثر، وربما يتوهم ذلك مما عن المبسوط (1)
لكن الظاهر إرادته حكاية ذلك عنهم، لأنه قال بعده: " وقد روى أصحابنا المقدر
في الحالين " وقال " إنه شرحه في التهذيب (2) ".

(1) المبسوط ج 7 ص 132 وهذه عبارته: " فإن شق الشفة فاندمل ملتاما أو غير
ملتام ففيه حكومة إلا أنه إذا لم يندمل ملتاما كانت الحكومة أكثر، وقد روى أصحابنا فيه
المقدر في حالين)
(2) التهذيب ج 10 ص 299.
208

(السادس اللسان)
(و) لا خلاف كما اعترف به غير واحد (في) اقتضاء (استيصال
الصحيح) جسما ونطقا (الدية) بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما
مستفيض، كالنصوص التي منها صحيح (1) العلا بن فضيل " في لسانه الدية كاملة "
وموثق (2) سماعة " في اللسان إذا قطع الدية كاملة " مضافا إلى ما دل على
وجوبها فيما كان في الانسان منه واحد، (و) لا خلاف أيضا في أن (في لسان
الأخرس ثلث الدية)، بل عن ظاهر المبسوط والسرائر الاجماع عليه، بل هو
المحكي عن الغنية، بل عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارها، وهو الحجة بعد
تبينه، وبعد صحيح بريد أو حسنه (3).
" في لسان الأخرس وعين الأعمى ثلث الدية "، بل مقتضى الاطلاق المزبور
نصا وفتوى عدم الفرق بين الأخرس خلقة أو عرضها، لكن في صحيح أبي بصير (4)
عن أبي جعفر عليه السلام " إن كان ولدته أمه وهو أخرس فعليه الدية (5) وإن كان
لسانه ذهب لوجع أو آفة بعد ما كان يتكلم فإن على الذي قطع لسانه ثلث دية
لسانه " إلا أني لم أجد عاملا به فهو شاذ قاصر عن تقييد غيره، فما عن بعض
متأخري المتأخرين من احتمال ذلك في غير محله.

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 11.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7.
(3) الوسائل الباب - 31 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول والثاني.
(4) الوسائل الباب - 31 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول والثاني.
(5) في الفقيه ج 4 ص 148: " فعليه الدية " وفي الكافي ج 7 ص 318 والتهذيب
ج 10 ص 270: " فعليه ثلث الدية ".
209

(و) حينئذ ف‍ (فيما قطع من لسانه) أي (الأخرس بحسابه مساحة)
لما عرفته في نظائره، بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال.
ولو ادعى الجاني البكم، في كشف اللثام " القول قوله لأصل البراءة وإمكان
قيام البينة على النطق لأنه من الأمور الظاهرة " ولكن قد يناقش بمنافاته لأصالة
السلامة ولاطلاق النصوص السابقة المقتصر في تقييدها على لسان الأخرس بناء على
ما حققناه في الأصول في نظائره فتأمل.
ولو ادعى حدوثه مع تسليمه النطق فالقول قول المجني عليه للأصل.
(أما الصحيح فيعتبر) قطعه (بحروف المعجم) مع فرض ذهابها بذلك
لا بالمساحة على ما نص عليه الشيخان في المقنعة والنهاية والديلمي وابن حمزة
والفاضلان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل نسبه بعض إلى الأكثر، بل في
المسالك إلى المشهور، بل عن المبسوط والسرائر ظاهر الاجماع عليه، بل عن
الخلاف إجماع الفرقة وأخبارها عليه، وفي موثق سماعة أو خبره (1) " قلت
للصادق عليه السلام: رجل ضرب غلامه ضربة (2) فقطع بعض لسانه فأفصح ببعض ولم
يفصح بآخر فقال: يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية وما لم يفصح به ألزم
الدية، قال: قلت كيف هو؟ قال: على حساب الجمل ألف ديته واحد والباء اثنان
والجيم ثلاثة والدال أربعة والهاء خمسة والواو ستة والزاء سبعة والحاء ثمانية
والطاء تسعة والياء عشرة والكاف عشرون واللام ثلاثون والميم أربعون والنون خمسون
والسين ستون والعين سبعون والفاء ثمانون والصاد تسعون والقاف مئة والراء مأتان
والشين ثلاثمأة والتاء أربعمأة وكل حرف يزيد بعدها من (ا ب ت ث " زدت له
مئة درهم " وهو كالصريح فيما ذكرناه مؤيدا ذلك بما في كشف اللثام من أن فيه

(1) الوسائل الباب - 31 - من أبواب ديات المنافع، الحديث 7 التهذيب ج 10
ص 263.
(2) كذا في التهذيب والوسائل، ولكن في الأصل طرف (طرق ن ل) (ضرب
ن ل) لغلامه طرفة (طرفة ن ل) (ضربة ن ل).
210

رواية عن الرضا عليه السلام (1).
نعم هو نادر بالنسبة إلى اعتبار الحروف بما فيه، بل إن أريد بالعدد المذكور
الدراهم كما صرح به في الخبر لا يبلغ المجموع الدية، وإن أريد الدنانير فهو مع
أنه خلاف مقتضى الخبر، يزيد على الدية أضعافا مضاعفة، مضافا إلى استبعاد
الفرق بين الألف مثلا وبين العين مع أن كلا منهما حرف، مضافا إلى ما عن
الشيخ " من أن ما فيه من تفصيل دية الحروف يجوز أن يكون من كلام الرواة
من حيث سمعوا أنه قال: يفرق ذلك على حساب الجمل ظنوا أنه على ما يتعارفه
الحساب من ذلك ولم يكن القصد ذلك، وإنما كان المراد أن يقسم على الحروف
كلها أجزاء متساوية ويجعل لكل حرف جزء من جملتها على ما فصل السكوني
في روايته وغيره، قال ولو كان الأمر على ما تضمنته هذه الرواية لما استكملت
الحروف كلها الدية على الكمال، لأن ذلك لا يبلغ الدية إن حسبناها
على الدراهم وإن حسبناها على الدنانير تضاعفت الدية وكل ذلك فاسد "
انتهى (2).
ولا ينافي ذلك أيضا ما عن كتاب فقه الرضا عليه السلام (3) يقرأ حروف المعجم
فما أفصح به طرح من الدية وما لم يفصح به ألزم الدية: وقيل: كيف ذلك؟ قال
بحساب الجمل وهو حروف أبي جاد من واحد إلى الألف، وعدد حروفه ثمانية
وعشرون حرفا، فيقسم لكل حرف جزء من الدية الكاملة ثم يحط من ذلك ما يبين
عنه ويلزم الباقي " إذ هو مع أنه غير ثابت النسبة إليه، لا تصرح فيه على أن
التقسيم عليه على وفق ما يتضمنه كل حرف من العدد، فيمكن أن يكون على
السوية كما هو المفتى به.

(1) كشف اللثام ج 2 ص 321 - الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام
ص 43.
(2) التهذيب ج 10 ص 264.
(3) فقه الرضا ص 43.
211

ومعنى سؤال السائل كيف ذلك سؤالا عن العلة في تقسيم الألف دينار على
الحروف، فأجاب عليه السلام بما أقنعه من أن الحروف أيضا تتضمن من الأعداد الواحد
إلى الألف، ثم نص عليه السلام على اعتبار عدد أنفسها وهو ثمانية وعشرون
حرفا.
وكيف كان فما عن الكافي والاصباح والغنية من أنه إذا قطع بعض اللسان
ففيه بحساب الواجب في جميعه، ويعتبر بالميل، إذا ذهب بعض اللسان - ويعنون
الكلام - اعتبر بحروف المعجم، يمكن حمله على ما إذا لم يذهب من الكلام شئ
وإلا اعتبر به فلا يكون مخالفا.
نعم إن ازادوا اعتبار مساحة اللسان مطلقا حتى أنه إذا ذهب مع ذلك الكلام
أو بعضه كان علي الجاني (1) دية أو بعضها لجسم اللسان وأخرى أو بعضها للكلام،
كان مخالفا لما عرفت ومحجوجا بما سمعت، وإن كان يؤيده أنه الموافق لوجوب
الدية بذهاب النطق وباستصال اللسان، إذ الأصل عدم التداخل، بل في
مجمع البرهان " أن الأخبار إنما دلت على كون المدار على المنفعة فيما إذا
ذهبت المنفعة فقط ولم يذهب من الجرم شئ، وليس في الأدلة ما يشتمل على قطع
بعض اللسان مع كون المدار على نقصان الحروف والحال أنه قد يسقط من اللسان
ولا يحصل قصوره في صدور الحروف فالمناسب أن يكون المدار على المنفعة إذا كان
النقص فيها فقط، وعلى المساحة والمقدار على تقدير النقص فيه فقط، وعلى تقدير
الاجتماع يحتمل جعل المدار على المساحة فإنها المدار فيما له مقدر وليس للنقص
مقدر ويبعد جعل المدار على المنفعة كما هو ظاهر المتن والأكثر، ويحتمل أكثر
الأمرين للاحتياط والعمل بدليل المساحة والمنفعة، ويحتمل عدم وجوب
ذلك لاختصاص دليل المنفعة بما إذا لم يسقط من الجرم شئ فلا دليل للأكثر
إلا القياس " (2)

(1) في الأصل " ديته ".
(2) شرح الإرشاد للأردبيلي كتاب الديات، المقصد الرابع مع اختلاف في
بعض الألفاظ.
212

وإن كان فيه أن الموثق (1) المزبور المؤيد بالمرسل عن الرضا عليه السلام
والمعتضد بما سمعت من محكي الاجماع الذي يشهد له التتبع كاف في إثبات ذلك،
اللهم إلا أن يناقش في دلالة الموثق باحتمال حمل قطع بعض اللسان فيه
على النطق والكلام لاطلاق اللسان عليه كثيرا وهو وإن كان مجازا إلا أن القرينة
قائمة عليه فيه وهو عطف " فقطع " على " طرف " والطرف في الأصل الضرب
على طرف العين، ثم نقل إلى الضرب على الرأس، كما عن النهاية
الأثيرية (2).
وظاهر أن الضرب على الرأس لا يوجب قطع اللسان الحقيقي بل المجاذي،
وحينئذ يكون الموثق كغيره من الأخبار في الاختصاص بجناية المنفعة
لا الجارحة، وفيه أن ذلك كان ينافي الظهور المستفاد منها، وخصوصا بعد
الاعتضاد بما عرفت، وسيما بعد إمكان قطع لسانه بالضرب على رأسه فيما لو كان لسانه
بين أسنانه.
فالمتجه حينئذ العمل به مع فرض مقارنته لقطع النطق أو بعضه من دون
اعتبار مساحة الجرم كما إذا لم يذهب إلا النطق خاصة الذي ستعرف اتفاق النص
والفتوى حينئذ على اعتبار الحروف فيه.
أما إذا قطع شئ منه ولم يذهب شئ من الحروف فالمتجه الحكومة كما
جزم به الفاضل في القواعد، بل هو ظاهر المحكي عن أول الشهيدين حاكيا له عن
السيد لعدم استفادة تقدير له من النصوص بعد ظهور ما دل منها على أن فيه الدية
كاملة في استيصاله المقتضي لذهاب النطق معه عادة، كظهور الموثق في المقطوع من
بعض الجرم مع بعض النطق أو جميعه.
أما ذهاب شئ منه مع بقاء النطق تاما فلا دلالة في شئ من النصوص عليه

(1) أي موثق سماعة وخبر فقه الرضا عليه السلام وقد تقدما آنفا.
(2) نهاية اللغة ج 3 ص 121.
213

فليس إلا الحكومة. ودعوى استفادة تقديره مما دل على الدية في الجميع الذي قد
عرفت ذهاب النطق معه عادة كما ترى.
وحينئذ فما عن المختلف والتحرير " من أنه إذا قطع نصفه ولم يذهب من
الحروف شئ فعليه نصف الدية " بل جزم به في كشف اللثام أيضا لا يخلو من نظر
أو منع بعد حرمة القياس عندنا على غيره، خصوصا بعد عدم اعتبار الشارع الجرم
حال ذهاب النطق معه، بل لولا الاجماع والضرورة لأمكن القول بعدم شئ فيه
في الفرض غير التعزير في حال العمد، بدعوى ظهور الموثق وغيره في دوران الغرامة
فيه على ذهاب النطق، وبذلك اتضح لك أن، المدار في صورة قطع بعض الجرم
وبعض الكلام أو كله على الحروف لا الجرم خاصة ولا أكثر الأمرين كما ستعرف
الحال فيه إن شاء الله.
(و) كيف كان ف‍ (- هي) أي حروف المعجم (ثمانية وعشرون حرفا)
على المشهور بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل المروي عن الخليل أيضا،
بل عن ظاهر المبسوط والخلاف والسرائر الاجماع عليه، بل قيل: إنه ظاهر
جماعة حتى المصنف هنا وفي النافع لقوله (وفي رواية تسعة وعشرون حرفا وهي
مطرحة) وحينئذ فالهمزة والألف حرف واحد لا اثنين كما هو مقتضى الرواية
المطرحة وينص عليه - مضافا إلى ما عرفت وإلى ما في كشف اللثام من أنه روى
عن الرضا عليه السلام (1).
خبر السكوني (2) عن الصادق عليه السلام " قال: أتي أمير المؤمنين عليه السلام
برجل ضرب فذهب بعض كلامه وبقي بعض كلامه فجعل ديته على حروف المعجم
كلها ثم قال: تكلم بالمعجم فما نقص من كلامه فبحساب ذلك والمعجم ثمانية وعشرون
حرفا فجعل ثمانية وعشرين جزا فما نقص من ذلك فبحساب ذلك " واحتمال
أن العدد المزبور من غير الإمام بعيد أو ممتنع، بل في كشف اللثام وينص

(1) كشف اللثام ج 2 ص 321.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات المنافع الحديث 6.
214

عليه صريح ابن سنان (1) عن الصادق عليه السلام " في رجل ضرب رجلا بعصا على
رأسه فثقل لسانه فقال يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح منها فلا شئ فيه وما لم
يفصح به كان عليه الدية وهي ثمانية وعشرون حرفا " وتبعه عليه غيره (2)، ولكن
الموجود عندنا في النسخ المعتبرة من الكافي (3) والتهذيب (4).
بل والمحكي منها لنا تسعة وعشرون حرفا " وهي الرواية التي أشار إليها
المصنف وغيره، وذكروا أنها مطرحة وإن كانت صحيحة، بل حكي العمل بها عن
يحيى بن سعيد، بل عن الأردبيلي " أنه مقتضى الوجدان "، بل في كشف اللثام
" أنه المشهور عند أهل العربية، ثم حكى منهم الاختلاف في اتحاد مخرج الهمزة
والألف وتعدده، فعلى الثاني لا مجال لاتحادهما وعلى الأول يحتمل الأمران "
ولكن ذلك لا يصلح معارضا لما عرفت، خصوصا بعد احتمال أنه من الراوي أيضا،
والتعدد في الوجدان لا يقتضي التقسيط في الدية.
وحينئذ فلا بأس بالقول بكونها تسعة وعشرين نطقا وثمانية وعشرون دية،
وبذلك يجمع بين كلام أهل العربية والفقهاء، وبما عن الكشاف " من أن حروف
المعجم تسعة وعشرون حرفا اسمها ثمانية وعشرون "، وفسروه " بأن اسم الألف
والهمزة إنما هو الألف يسقط ولا يكتب في بسم الله ولا في الابن إذا وقع
بين علمين ونحو ذلك " (5) ولا يخفى عليك عدم الحاصل لذلك فيما نحن فيه
من توزيع الدية.

(1) كشف اللثام ج 2 ص 321.
(2) كصاحب الرياض ره.
(3) الكافي ج 7 ص 322 وفيه (تسعة وعشرون).
(4) التهذيب ج 10 ص 263 وفيه تسعة وعشرون ولكن في الفقيه ج 4 ص 112
" ثمانية وعشرون " فراجع.
(5) راجع مفتاح الكرامة ج 10 ص 402.
215

نعم المتجه بناء على ما ذكرناه أن تقسم الدية على ثمانية وعشرين جزءا
مع فرض ذهابها أجمع، أما إذا بقي بين النطق بالهمزة منها دون الألف أو
بالعكس فيمكن أن يقال بالحكومة فيه أو بتوزيع ما يخص هذا الحرف بينهما
فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فلا يعد " لا " حرفا واحدا منها كما نص عليه غير واحد
ضرورة ذكر الألف واللام فيها وهو واضح.
(و) حينئذ ف‍ (تبسط الدية على الحروف) الثمانية والعشرين (بالسوية
ويأخذ) المجني عليه (نصيب ما يعدم منها) بالجناية بعد توزيع الدية عليها
بلا خلاف أجده فيه بل عن ظاهر الخلاف أو صريحه الاجماع عليه، وفي كشف
اللثام " هو فتوى الأصحاب " ويدل عليه خبر السكوني (1) وغيره من النصوص
على وجه لا يعارضه ما سمعته في خبر سماعة (2) من اعتبار حساب الجمل
الذي لم نجد به قائلا كما اعترف غير واحد، مضافا إلى ما مضى من
الكلام فيه.
(وتتساوى اللينة وغيرها ثقيلها وخفيفها) بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل
عن الخلاف نسبته إلى إجماع الفرقة وأخبارهم، بل قيل إن الاجماع ظاهر
المبسوط والسرائر، وفي كشف اللثام " عليه فتوى الأصحاب "، ويدل عليه مضافا
إلى ذلك ما سمعته من النصوص وغيرها.
نعم عن بعض العامة اعتبار اللينة خاصة بناء على إنه لاحظ للسان في
غيرها، وهو مع أنه اجتهاد في مقابلة النص قد أجيب عنه بأن غيرها وإن لم يكمن
من حروفه لكن لا ينتفع بها بدون اللسان والله العالم.
(و) حيث قد عرفت أن الاعتبار بها ف‍ (لو ذهبت أجمع وجبت الدية
كاملة) وإن كان المقطوع بعض اللسان (ولو صار) بالجناية (سريع

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات المنافع، الحديث 6 و 7.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات المنافع، الحديث 6 و 7.
216

المنطق) (1) سرعة يكون عيبا (أو ازداد سرعة، أو كان ثقيلا فزاد) بها
(ثقلا) أو صار ثقيلا بها (فلا تقدير فيه و) حينئذ ف‍ (فيه الحكومة)
كما في القواعد وغيرها من كتب الفاضل ومحكي المبسوط وغيره.
(وكذا لو نقص) بأن كان يأتي بالحرف صحيحا (فصار) يأتي ناقصا
أو صار (ينقل الحرف الفاسد إلى الصحيح) كما لو كان يأتي بالراء شبيهة بالغين
فصار يأتي بها غينا صحيحة أو ازداد فساده، وإن لم يبلغ الحد المزبور ضرورة اتحاد
الجميع في كونه نقصا غير مقدر، وربما احتمل لزوم دية الحرف في صورة بقائه
غير صحيح، وفيه أن الحكومة أعدل منه كما أنها كذلك لو صار بالجناية
ناقصا عن الاتيان بالمرتبة العليا منها هذا.
وفي كشف اللثام " ويحتمل قصر الحكم على ما إذا جنى بغير قطع اللسان فأما
إذا قطع منه فحصل النقص بأحد ما ذكر كان عليه أرش القطع باعتبار المساحة
خاصة أو أرشه والحكومة قصرا لاعتبار الحروف على اليقين، وخصوصا
في السرعة والثقل (2) " قلت: لعل الحكومة في كلامهم تشمل ذلك كله،
والله العالم.
(و) كيف كان فقد عرفت مما ذكرناه أنه (لا اعتبار بقدر المقطوع من)
اللسان (الصحيح بل الاعتبار بما يذهب من الحروف، فلو قطع نصفه فذهب ربع
الحروف فربع الدية وكذا لو قطع ربع لسانه فذهب نصف كلامه فنصف الدية)
وفاقا للمشهور نقلا وتحصيلا، بل عن الإيضاح نسبته إلى إطلاق الأصحاب،
مشعرا بالاجماع عليه لاطلاق النصوص السابقة المقتضي كما عرفت عدم اعتبار غير
الحروف في الفرض ونحوه حتى الحكومة في الجسم وإن اعتبرت في قطعة مع عدم ذهاب
شئ من الحروف أو الدية كما تقدم الكلام فيه.
خلافا للشيخ والفاضل وثاني الشهيدين وفاضل الرياض، فاعتبروا أكثر

(1) في الأصل: " النطق ".
(2) كشف اللثام ج 2 ص 322.
217

الأمرين مع الاختلاف، بل هو المحكي عن ابن فهد والكركي، وقد سمعت
احتماله في كلام الشيخ وابن زهرة والكيدري، بل عن الشيخ نفى الخلاف فيه وإن
كان الظاهر إرادته بين العامة، لقوله متصلا به: " واختلفوا في تعليه فمنهم من
قال: الجناية إذا كانت على عضو ذي منفعة أوجبت الدية في أغلظ الأمرين فإن
كانت دية المنفعة أكثر أوجبتها وإن كانت دية ما تلف أكثر أوجبتها، قال: وقال
بعضهم: إن قطع ربع لسانه وذهب نصف كلامه أوجبت نصف الدية اعتبار باللسان
وذلك أنه قطع الربع اللسان وشل الربع الآخر بعد قطعه لأنا اعتبرنا ذلك
بالحروف ووجدناها نصف الكلام فعلمنا أنه قطع الربع وشل الربع الآخر فأوجبنا
نصف الدية، ربعها بقطع ربعه، وربعها بشلل ربعه (1) ".
وزيد له في محكي التحرير والمختلف " أن الدية تجب باستيصال اللسان
وحده وإن لم يذهب شئ من الحروف، وكذا تجب الدية إذا ذهب الكلام كله وإن
لم يقطع شئ من اللسان، وتجب نصف الدية بذهاب نصف الكلام وحده
فلم لا يجب النصف لنصف اللسان أو لنصف الكلام مع انضمام ذهاب الربع
الآخر؟ " (2).
وزاد في الرياض الاستدلال بالأصل المقتضي للزوم ديتي الجارحة والمنفعة
وأبعاضهما بالنسبة، خرج منهما القدر المتداخل فيه بشبهه الاجماع والأولوية
المستفادة من ثبوت التداخل باستيصال الجارحة اتفاقا وفتوى ورواية ففي البعض أولى،
فتأمل جيدا. ويبقى الزائد عنه مندرجا تحته، مضافا إلى التأيد بعدم نقل (3)
الخلاف المتقدم إلى آخره (4).

(1) المبسوط ج 7 ص 134 - 135.
(2) التحرير ج 2 ص 270 في الهامش، المختلف الجزء السابع ص 252 - 253،
ولم ينقل المؤلف عين عبارتهما بل معناها.
(3) كذا في الأصل ولكن في الرياض: " بنقل عدم الخلاف المتقدم ".
(4) رياض المسائل، ج 2 ص 610.
218

ولكن الجميع كما ترى بعد ظهور الموثق ومحكي الاجماع وغير ذلك
مما عرفته سابقا، ضرورة عدم حاصل معتد به للأول والأخير، كظهور منع زيادة
التحرير، وذلك لأن المساحة إنما تعتبر حكومة أو دية إذا لم يذهب شئ من
الكلام، وأما إذ أذهب فلا عبرة بها مع أصل البراءة، ومن ذلك يعلم ما في الأصل
الذي سمعته من الرياض، مع أنه يكفي في قطعه ما عرفت. ونفي الخلاف
المحكي بعد الاغضاء عما في دعواه، قد عرفت ظهور كون المراد نفيه
من العامة.
وأغرب من ذلك كله ما عن أبي العباس من زيادة " أن في اللسان منفعة غير
النطق وهي جمع الطعام ودفعه من الثنايا إلى مطاحنه وهي الأضراس ثم جمعه بعد
طحنه من الأضراس وتلويثه بالرطوبة اللعابية اللزجة ليسهل دفعه وجريانه في
المرئ " (1) إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص، خصوصا بعد المفروغية من تداخل
الديتين في استيصاله، بل ومنه في المقام وإن اختلفوا في وجوب الأكثر أو اعتبار
النطق، وخصوصا بعد ملاحظتها في لسان الأخرس الذي قد عرفت وجوب ثلث
الدية فيه وستعرف أن المقطوع منه بحسابه أيضا المقتضي ذلك لوجوب سدس الدية
بفوات نصفه مع أن الفائت على ما ذكره نصف هذه المنافع، فالمدار حينئذ على
الكلام ففي صورة ذهاب ربع الحروف ونصف اللسان ينبغي الاقتصار على الربع لأنه
أكثر من السدس فكيف يجب النصف. وبذلك كله ظهر لك أن الأقوى اعتبار
الحروف في المفروض، والله العالم.
فحينئذ ف‍ (- لو) أذهب بعض كلامه فعل (2) جان (فجنى عليه آخر
اعتبر بما بقي) من الحروف (وأخذ بنسبته ما ذهب بعد جناية الأول) إلى
ما بقي بعدها، فلو أذهب الأول نصف الحروف مثلا والثاني نصف الباقي وجب عليه
الربع بناء على المختار. نعم القول الآخر يعتبر أكثر الأمرين من المقطوع والذاهب

(1) مفتاح الكرامة ج 10 ص 404 - 405 وليس عندي كتاب مهذب البارع.
(2) في الأصل " فعلا ".
219

من الكلام مع اختلافهما، فلو قطع الأول ربع اللسان فذهب نصف الكلام كان عليه
نصف الدية فإن قطع آخر بقيته فذهب ربع الكلام فعليه ثلاثة أرباعها
وهكذا.
(ولو أعدم واحد) مثلا (كلامه) كله من غير قطع (ثم قطعه
آخر كان على الأول الدية) تامة عوضا عن الكلام (وعلى الثاني الثلث) لأنه
قطع لسان أخرس يجب فيه ذلك كما عرفت بلا خلاف أجده في شئ منهما، ومن
هنا " قضى أمير المؤمنين عليه السلام بست ديات للمضروب بعصا فذهب سمعه وبصره ولسانه
وعقله وفرجه وانقطع جماعه " (1) مضافا إلى ما سمعته سابقا من بعض النصوص
الدالة على وجوب الدية بذهاب النطق وإن لم يقطع شئ من لسانه، بل في القواعد
وغيرها ذلك وإن بقيت في اللسان فائدة الذوق والحروف الشفوية والحلقية فإنها
ليست من منفعة اللسان وإن اعتبرت في قطعه للنص والاجماع كما عرفته
سابقا.
نعم لو نقص الكلام ولم يذهب رأسا وزعت الدية على ثمانية وعشرين حرفا
كما عرفته في قطع بعض اللسان وتدخل الشفوية والحلقية في التوزيع للنصوص،
قال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (2): " إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل
لسانه عرض عليه حروف المعجم فما لم يفصح به الكلام كانت الدية بالقصاص من
ذلك " وفي صحيح ابن سنان (3): " إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه
عرضت عليه حروف المعجم فما لم يفصح به منها يؤدي بقدر ذلك من المعجم يقام
أصل الدية على المعجم كله يعطي بحساب ما لم يفصح به منها " إلى غير ذلك من
النصوص الدالة على المطلوب.
لكن قد يشكل ذلك بأنه مناقض للحكم بالدية كاملة إذا ذهب النطق وإن

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ديات المنافع، الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات المنافع الحديث 3 و 5.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات المنافع الحديث 3 و 5.
220

بقيت الحروف الشفوية والحلقية، وربما دفع بأن بقائها مع ذهاب النطق إنما
معناه بقاء إمكان تأديتها أو تأدية بعضها مع تعذر تأدية كلام مفهوم، فذهاب النطق
بمعنى ذهاب الكلام.
ومحصل الكلامين أنه لو جنى على لسانه فلم يكن له كلام مفهوم فالدية
وإن أمكنه النطق ببعض الحروف بحيث لا يتألف كلام مفهوم. وإن نقص كلامه
فلا يقدر على بعضه وزعت الدية على جميع الحروف. فلو قدر على كلام مفهوم
مؤلف من الحلقية أو الشفوية أو منهما خاصة كان كالقادر على كلام مفهوم من
اللينة، لكن فيه لا اختصاص على هذا للشفوية والحلقية بالذكر فإنه ينبغي لزوم
الدية وإن أمكنه تأدية بعض السينة أيضا لا بحيث يتألف كلام مفهوم، وأيضا
لا إشارة في شئ من النصوص إلى اعتبار الكلام المفهوم بل ظاهرها أو صريحها
خلافه، وأن المدار على نفس الحروف، فالمتجه جعل المدار على ذلك وأنه لا تجب
الدية كاملة إلا مع ذهاب النطق بها من رأس.
بل الظاهر مراعاتها أيضا لو كان قبل الجناية لا ينطق ببعض الحروف فلما
جنى عليه ذهب نطقه رأسا فتنقص الدية حينئذ بالحساب، لظاهر النصوص المزبورة
وإن استشكل فيه الفاضل في القواعد، من ذلك ومن صدق ذهاب النطق بتمامه وهو
منفعة كسائر المنافع، ولأنه كضعف السمع والبصر واليد ونحوها، وفيه وضوح
الفرق ضرورة ورود النصوص هنا بالتوزيع على الحروف بخلافها، على أنه يمكن
منع صدق ذهاب النطق بالجناية مع فرض ذهاب بعضه سابقا، وربما احتمل الفرق
بين الذهاب بآفة سماوية وبين الذهاب بجناية جان فتجب الدية في الأول وتوزع
في الثاني.
وفيه أنه خلاف ظاهر النصوص أيضا، بل والفتاوى، وفي الإرشاد ما يشهد
بما ذكرنا في الجملة قال: " وفي النطق كمال الدية وإن بقي في اللسان فائدة الذوق،
ولو بقت الشفوية والحلقية يسقط من الدية بنسبتها وكذا لو بقي غيرها " (1) بل

(1) الإرشاد للعلامة باب ديات المنافع، صفحتان قبل آخر الكتاب من نسخة
مخطوطة عندنا.
221

في مجمع البرهان " إن دليل ذلك ظاهر لأنه ما أذهب إلا بعض النطق فلا يلزم
إلا ما ذهب بجنايته " (1).
ومن ذلك كله يظهر لك النظر في ما في القواعد وكشف اللثام،
فلاحظ وتأمل.
(ولو قطع لسان الطفل كان فيه الدية لأن الأصل السلامة) ولاطلاق
ما دل على وجوبها باستيصاله، ولفظ " الرجل " في بعض الأخبار مع عدم منافاته
لغيره لا يراد منه اخراج غير البالغ قطعا، ومن هنا لم أجد فيه خلافا بين من
تعرض له كالشيخ وابني حمزة وإدريس والفاضلين وغيرهم على ما حكى
عن بعضهم.
نعم عن الشيخ وابني حمزة وإدريس والفاضل في التحرير تقييد ذلك بما إذا
كان يحرك لسانه لبكاء أو غيره لأنه أمارة صحة اللسان. وفيه أنه لا حاجة إلى
الإمارة المزبورة بعد الأصل والاطلاق المزبورين، ولذا قال في محكي التحرير:
" ولو كان صغيرا جدا ولم يظهر عليه أثر القدرة ولا عدمها لطفوليته فالأقرب الدية
لأن الأصل السلامة، ويحتمل الثلث لأنه لسان لا كلام فيه فكان كالأخرس مع
عدم تيقن السلامة " (2) وفي كشف اللثام مع أصل البراءة.
وفيه أنه لا يعارض ما عرفت كما أن عدم الكلام فيه لا يقتضي اندراجه في
عنوان الأخرس، والقياس باطل عندنا.
ولو قطع بعضه فالظاهر اعتبار النسبة فيه كغيره وإن قلنا بالحكومة في لسان
الكبير مع فرض عدم ذهاب شئ من الحروف لما عرفته، ومنه يعلم الفرق
بين المقامين.

(1) شرح الإرشاد للأردبيلي، وهذه عبارته: " ولزوم دية ما ذهب على الجاني
ظاهر فإنه ما أذهب... ".
(2) التحرير ج 2 ص 269 - 270.
222

هذا كله في الطفل قبل بلوغه حد النطق (أما لو بلغ حدا ينطق مثله)
عادة (ولم ينطق ففيه ثلث الدية) بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر المبسوط
الاجماع عليه (لغلبة الظن) واطمئنان النفس الذي هو كالعلم (بالآفة)
التي تلحقه بالأخرس، مضافا إلى أصل البراءة (و) لكن (لو) اتفق تخلف
ذلك ف‍ (نطق بعد ذلك) فيما بقي من لسانه أو بالحروف التي لا تحتاج إلى
لسان (تبينا الصحيحة) حينئذ (واعتبر بعد ذلك بالحروف) لاندراجه في
دليله السابق (وألزوم الجاني دية ما نقص عن الجميع) منها (فإن كان)
ديته (بقدر ما أخذ) منه قولا فذاك (وإلا تمم له) ولو نقص ديته عنه
استعيد من المجني عليه الزائد منها على المأخوذ أولا، والله العالم.
(ولو ادعى الصحيح ذهاب نطقه) كلا أو بعضا (عند الجناية صدق
مع القسامة) بالإشارة مع فرض دعوى ذهاب الكل وإن أنكر الجاني، بلا خلاف
أجده بين من تعرض له من الشيخ والفاضلين والشهيدين بل هو الموجود في كتاب
ظريف (1) ولعله (لتعذر البينة) عليه وحصول اللوث بحصول الظن المستند
إلى السبب، وهو الجناية بصدقه، لكن إن ادعى الكل حلف خمسين، وإن ادعى
النصف فنصفها وهكذا، وعلى كل حال فلا شئ منها على قومه بعد فرض تعذر
اطلاعهم على ذلك، وربما احتمل الامهال والتأجيل وامتحانه وترصده وإغفاله
إلى سنة، وفيه تأخير الحق عن صاحبه الطالب له بلا دليل إلا القياس على ما تسمعه
في السمع والبصر (و) هو باطل عندنا.
نعم (في رواية) الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام التي رواها
المحمدون الثلاثة (2) (يضرب لسانه بإبرة فإن خرج الدم أسود صدق وإن
خرج أحمر كذب) إلا أنها ضعيفة جدا لأن في سندها محمد بن فرات، وهو

(1) راجع الفقيه ج 4 ص 78 - 79.
(2) التهذيب ج 10 ص 268 والفقه ج 3 ص 19 - 20 والكافي ج 7 ص 323.
223

غال لا يكتب حديثه، بل نقل أنه ادعى النبوة (1)، لكن مع رواية المحمدين
الثلاثة لها قد حكى العمل بها عن الشيخ في الخلاف وابن حمزة وأبي الصلاح،
بل عن الأول منهم نسبته إلى رواية أصحابنا، بل دعوى إجماع الفرقة وأخبارهم
عليه، فيمكن أن يكون ذلك جابرا لها، ولعله لذا قال في محكي المختلف:
" الوجه أن تقول إن أفادت العلامة للحاكم ما يوجب الحكم اعتبرها وإلا
فالأيمان " (2) وعلى كل حال فالاحتياط مع امكانه لا ينبغي أن يترك، والله
العالم.
(ولو جنى على لسانه) بغير قطع كما عن التحرير (فذهب كلامه ثم
عاد هل تستعاد الدية قال: في المبسوط: " نعم لأنه) لما نطق بعد أن لم ينطق
علمنا أن كلامه ما كان ذهب إذ (لو) كان (ذهب لما عاد) لأن انقطاعه
بالشلل، والشلل لا يزول، قال: ولا كذلك إذا نبت لسانه لأنا نعلم أنه هبة
مجددة من الله تعالى، فلهذا لم يرد الدية " (3).
وعن الفاضل في المختلف أنه قربه، (وقال في الخلاف " لا) تستعاد
لأن الأخذ كان بحق والاستعادة تفتقر إلى دليل " (4) (وهو أشبه) عند
المصنف، وعن التحرير أنه استحسنه، لكن فيه أن المنساق من النصوص كون
الدية على الذاهب دائما دون الذاهب مدة كما هو الفرض، ودعوى أن العائد
هبة جديدة لا شاهد لها خصوصا بعد حكم أهل الخبرة بعوده أو عدم علمهم بالحال،
بل لو حكموا بعدم عوده فعاد، تبين الخطأ في حكمهم لا أنه تبين بذلك كونه

(1) راجع قاموس الرجال ج 8 ص 334 فإن فيه احتمال تعدد محمد بن الفرات
وكون المذموم المتأخر، لا المتقدم وهو راوي هذا الخبر.
(2) المختلف، الجزء السابع ص 266.
(3) المبسوط ج 7 ص 136.
(4) الخلاف ج 2 ص 384.
224

هبة جديدة، ظهور النطق ثانيا بالعود كما سمعته من الشيخ (1)، بل قد عرفت
في كتاب القصاص ما يقتضي سقوط الدية في السن حتى لو كان العود على خلاف العادة
فلاحظ وتأمل فإن له نفعا في المقام.
هذا وفي القواعد ولو ذهب الكلام بقطع البعض ثم عاد، قيل: يستعاد
لأنه لو ذهب لما عاد وقيل لا والأقرب الاستعادة إن علم أن الذهاب أولا ليس
بدائم وإلا فلا وهو صريح في فرض المسألة في قطع البعض وهو خلاف ما سمعته من
المبسوط ومحكي التحرير، اللهم إلا أن يقال إن عود الكلام مع قطع البعض
بدون نبات للبعض المقطوع كعوده من دون قطع أصلا.
وفي كشف اللثام بعد أن حكى عن المبسوط تعليل الاستعادة بما سمعت
قال: " وهو إن تم في الجناية بغير القطع كما هو نص المبسوط والتحرير
يستعاد (2) جميع ما أخذ وعلى فرض الكتاب إنما يستعاد ما زاد على أرش القطع
من دية الكلام كما نص عليه في المختلف " (3) وفيه أن المتجه ذلك أيضا في
صورة عدم القطع لثبوت الأرش فيهما للجناية التي أورثت عدم الكلام مدة وإن
لم يكن معها قطع، فيرد من الدية حينئذ ما زاد على ذلك وإن لم يكن قطع.
وأما ما سمعته من خيرة الفاضل التي مرجعها إلى أنه إن علم بحكم أهل
الخبرة عدم الذهاب الدائم استعيد ما زاد من الدية على الأرش لأن الدية على
الذهاب الدائم والفرض عدمه، وإن لم يعلم أو علم الدوام عادة بحكمهم لم يستعد
بشئ منها لكون الأخذ بحق ولم يظهر قاطع ولاستعادة هبة مجددة

(1) هذه الجملة: " ظهور النطق ثانيا بالعود كما سمعته من الشيخ " ناقصة ظاهرا
وكذا كانت في ثلاث نسخ راجعناها.
(2) في الأصل " ليستعاد ".
(3) كشف اللثام ج 2 ص 322.
225

قطعا أو احتمالا (1)، ووافقه عليه في كشف اللثام لما عرفت ثم قال: " ويرشد
إلى هذا التفصيل ما سيأتي في ذهاب السمع والبصر من التأجيل سنة وأنه إن أبصر
بعدها كان نعمة متجددة " (2) فقد يشكل بعدم أثر لحكم أهل الخبرة بعد أن
وجد العود، ضرورة ظهور خطأهم في الحكم المزبور، على أن مبني الاستعادة في
الأول كون الدية على الذهاب الدائم كما أعترف به في كشف اللثام، فلا وجه
لعدم الاستعادة مع العود، وخصوصا في صورة الشك وخصوصا مع عدم عادة مستقرة
معلومة في نحو ذلك.
وأما ما ذكره في الكشف من التفصيل في السمع والبصر فإنما هو في خبر
سليمان (3) في البصر وقد قيل: إنه لا عامل به، وبذلك يتضح لك أن القول
باستعادة ما زاد عن الأرش من الدية أقوى من غير فرق بين صورتي قطع البعض
وعدمه لما سمعته من انسياق ثبوتها بالذهاب الدائم من النصوص.
نعم لو علم تجدد ذلك هبة من الله بأن نبت اللسان المقطوع كلا أو بعضا
فقد قطع هنا غير واحد بعدم الاستعادة فإن تم إجماعا وإلا كان فيه نظر يعلم
مما ذكرنا في القصاص، والله العالم.
هذا كله في الكلام الذي قد عرفت عدم عادة معلومة فيه (أما لو قلع سن
المثغر فأخذ ديتها وعادت) فقد وقع المصنف وغيره بأنه (لم تستعد ديتها
لأن الثانية غير الأولى) قطعا والفرض تحقق عادة عدم عود فيه، فيعلم من

(1) العبارة هكذا في ثلاث نسخ راجعناها ولكنها ناقصة على الظاهر، ونحن
ننقل عبارة كشف اللثام حتى يتضح المراد: " والأقرب الاستعادة إن علم أن الذهاب أولا
ليس بدائم عادة بحكم أهل الخبرة - إلى أن قال - وإلا يعلم ذلك بل عدم الدوام عادة
أو شك فيه فلا استعادة فإنه هبة مجددة قطعا أو احتمالا وقد أخذ ما أخذ بحق ولم يظهر
قاطع بالاستعادة... " كشف اللثام ج 2 ص 322.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 322.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات المنافع الحديث 5.
226

ذلك أن العائدة هبة من الله جديدة (وكذا لو اتفق أنه قطع لسانه فأنبته
الله تعالى لأن العادة لم تقض بعوده فيكون هبة) من الله تعالى شأنه لكن قد
عرفت في كتاب القصاص منافاة ذلك لما ذكروه في سن المثغر إذا عادت كما كانت
من عدم القصاص والدية، وقد قدمنا هناك تحقيق الحال فلاحظ وتأمل.
(ولو كان للسان طرفان فأذهب) الجاني (أحدهما اعتبر بالحروف فإن نطق
بالجميع فلا دية وفيه الأرش لأنه) حينئذ (زيادة) أو كالزيادة باعتبار ما
سمعته سابقا من كون المدار على الحروف كما صرح بذلك الفاضل وغيره هنا
لكن في المبسوط " إذا خلق للسان طرفان فإن قطع أحدهما فإن ذهب كل
الكلام ففيه كمال الدية وإن ذهب نصف الكلام ففيه نصف الدية لأن الظاهر
أن هذا هو اللسان فإن قطع أحدهما فلم يذهب من الكلام شئ نظرت فإن كان
مخرج الطرفين لا يرجح أحدهما على الآخر أوجبنا فيه ما يخصه من الدية من
كل اللسان لأن الكل لسان واحد، غير أنه مشقوق وإن كان مخرجهما مختلفا
كأن أحد الطرفين كان في جانب، ففيه حكومة كالإصبع الواحدة إلا أنه لا يبلغ
بهذه الحكومة بقدر قياس اللسان لأنها زيادة فلا يوجب فيها ما يوجب في الأصل
فإن كان قطع الطرفين معا فذهب الكلام فإن كان الطرفان سواء فلا كلام وإن كان
أحدهما في حكم الزائد وجبت الحكومة والدية معا كما لو قطع إصبعا عليها إصبع
زائدة " (1).
ولا عليك ما فيه بعد أن عرفت سابقا أن المدار في جناية اللسان على
الحروف فمع فرض عدم ذهاب شئ منها فليس إلا الحكومة وإن تساوى مخرج
الطرفين، والله العالم.
ولو تعذر بعض الحروف بقطع بعض اللسان أو جناية غير القطع ولم يتعذر
الباقي لكن لم يبق له كلام مفهوم لبقاء حرف أو حرفين خاصة مثلا لم يلزم
الجاني إلا قدر ما يخص الحروف الفائتة لاتمام الدية كما صرح به الفاضل وغيره

(1) المبسوط ج 7 ص 136.
227

بل هو المحكي عن المبسوط أيضا للأصل ولما عرفته سابقا من أن الدية مبسوطة
عليها، والفرض فوات البعض خاصة وإن كان قد تعطلت منفعة الثاني إلا أنه
غير ثابت.
قال الشيخ: " ألا ترى أنه لو قصم ظهره فشلت رجلاه فعليه ديتان دية في
الظهر ودية في الرجلين وعندنا ثلثاها، ولو ذهب مشيه مع سلامة الرجلين لم يكن
عليه إلا دية الظهر وحده " (1).
ولو صار يبدل حرفا بحرف لزمه ما يخص الحرف الفائت من الدية لأن
الواجب دية الفائت والحرف الذي صار عوضه كان موجودا، ولو أذهب آخر
الحرف الذي صار بدله لم يلزمه إلا ما يخص الحرف الواحد البدل، لكونه أصليا
ولا يثبت له بسبب قيامه مقام غيره زيادة، ولو كان الحرف البدل غير الحروف الثمانية
والعشرين أو التسعة والعشرين لم يخصه بشئ من الدية ففي تفويته الحكومة.
ولو كان في لسانه خلل وما كان يمكنه النطق بجميع الحروف أو بعضها
فصيحا إلا أنه كان له مع ذلك كلام مفهوم ونطق بالحروف كلها من غير إبدال،
فضرب لسانه فذهب نطقه فعليه دية كاملة لا حكومة، ضرورة كونه كالجناية على
العين العمشاء. نعم قد يقال باستثناء الحكومة إن كان ذلك قد حدث بجناية جان
استحقها به بخلاف ما إذا كان لخلقة أو آفة سماوية، بل في محكي التحرير
" ولو حصل في كلامه تمتمة أو فأفأة أو سرعة فعليه حكومة فإن جنى عليه آخر
فأذهب كلامه فعليه الدية كمن جنى على عين فعمشت ثم جنى آخر فذهب
ضوئها " (2) وظاهره استثناء الحكومة فتأمل.
ولو كان الخلل بإسقاط بعض الحروف أو إبداله فجنى عليه فذهب كلامه
رأسا فعليه ما يوازي الحروف التي كان ينطق بها إلا أن يكون الخلل مرجو

(1) المبسوط ج 7 ص 134.
(2) التحرير ج 2 ص 270.
228

الزوال لصغر ونحوه، فالدية كاملة، ولذا لو كان ألثغ من غير جناية فذهب انسان
بكلامه أجمع فتقسط الدية على ما ذهب من الحروف مع اليأس عن زوال لثغته
وإلا كالصبي ونحوه كان في الدية كاملة.
ولو ضرب شفته فأزال الحروف الشفوية أو ضرب رقبته فأزال الحروف
الحلقية ففي القواعد الحكومة، ولعله لأن توزيع الدية على الحروف بعض
الجناية على اللسان، ولكن فيه منع خصوصا بعد إطلاقه كغيره وفي غير المقام أن
في بعض الكلام بعض الدية.
ولذا قال في كشف اللثام: " والوجه ما في التحرير من أن فيه من الدية
بقدر ذلك فإن الأخبار إنما نطقت بالضرب أو الضرب على الرأس لا الجناية على
اللسان " (1) بل قد يحتمل إرادته الحكومة في الضربين زيادة على ما بإزاء الفائت
من الحروف من الدية فلا يكون مخالفا.
(السابع الأسنان
بفتح الهمزة (في إذهاب‍ (‍ها) أجمع (الدية كاملة) بلا خلاف أجده
فيه كما اعترف به في كشف اللثام ومحكي الخلاف والغنية، بل عن ظاهر المبسوط
الاجماع عليه، بل هو صريح محكي التحرير، مضافا إلى ما سمعته من النصوص
بل، في المسالك لا خلاف في ثبوت الدية بجملة الأسنان سواء زادت أو نقصت،
وإن كان فيه أنه مناف لما في المتن (و) غيره من أنها (تقسم على ثمانية
وعشرين سنا) بل عن الخلاف أن عليه إجماع الفرقة وأخبارها، ولعله كذلك
فإني لم أجد فيه خلافا بين من تعرض لذلك من الصدوق والشيخين والديلمي

(1) كشف اللثام ج 2 ص 323.
229

وابني زهرة وإدريس وغيرهم من المتأخرين.
بل في المسالك أنه المعروف من مذهب الأصحاب، فما عساه يشعر به
نسبته إلى المشهور في بعض كتب متأخري المتأخرين في غير محله، كما أن
ما في المسالك من التأمل فيه كذلك أيضا، فإنه بعد أن نسبه إلى المعروف من
مذهب الأصحاب قال:
" وبه رواية ضعيفة لكنها مشهورة مجبورة بذلك على قاعدتهم مع أنهم
رووا في الصحيح (1) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: الأسنان
كلها سواء في كل سن خمسمأة درهم ".
وفي كتاب ظريف بن ناصح (2) عن أمير المؤمنين عليه السلام " قال: وجعل
الأسنان سواء ".
ورواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كتبه لعمرو بن حزم (3) " وفي السن
خمس من الإبل ".
وروى أصحابنا مثل ذلك، وعلى التقسيم المشهور بين الأصحاب فما زاد
على الثمانية والعشرين يجعل بمنزلة السن الزائدة، فيها ثلث الدية الأصلية
بحسب محلها، لكن ذلك مع تميزها عن الأصلية، أما مع اشتباهها بها كما هو
الغالب من بلوغ الأسنان اثنين وثلاثين من غير أن يتميز بعضها عن بعض أشكل
الحكم " (4).
وفيه ما عرفت من كون التقسيم المزبور مجمعا عليه بيننا، نعم خالف
الشافعي فقسمها إلى اثنين وثلاثين سنا وهي أضراس العقل المسماة بالنواجد وهو
محجوج بما عرفت من الاجماع بقسميه على قسمتها ثمانية وعشرين سنا (اثنا

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 و 1.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 و 1.
(3) نيل الأوطار للشوكاني ج 7 ص 212 - 213 نقلا عن النسائي والبيهقي
وغيرهما.
(4) إلى هنا كلام المسالك ج 2 ص 502.
230

عشر في مقدم الفم وهي ثنيتان) من فوق وهما وسطها (ورباعيتان) خلفهما
(ونابان) وخلفهما (ومثلها من أسفل، وستة عشر في مؤخر وهي ضاحك
وثلاثة أضراس من كل جانب ومثلها من أسفل) فتكون اثني عشر رحى وأربع
ضواحك.
(ففي المقاديم ستمأة دينار حصة كل سن خمسون دينارا وفي المآخير
أربعمأة دينار حصة كل ضرس خمسة وعشرون دينار) وذلك تمام الدية
وهو مضمون الخبر الذي رواه الشيخ والصدوق عن ابن محبوب، عن هشام بن
سالم، عن زياد بن سوقة، عن الحكم بن عتيبة (1) " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:
أصلحك الله إن بعض الناس له في فيه اثنان وثلاثون سنا وبعضهم له ثمانية
وعشرون سنا فعلي كم تقسم دية الأسنان؟ فقال: الخلقة إنما هي ثمانية
وعشرون سنا اثنا عشر في مقاديم الفم وستة عشر في مآخيره فعلي هذا قسمت
دية الأسنان دية كل سن في المقاديم إذا كسر حتى يذهب خمسمأة درهم، وهي
اثنا عشر سنا فديتها ستة آلاف درهم، ودية كل سن من الأضراس إذا كسر
حتى يذهب مأتان وخمسون درهما، وهي ستة عشر ضرسا فديتها كلها أربعة
آلاف درهم، فجميع دية المقاديم والمآخير من الأسنان عشرة آلاف درهم، وإنما
وضعت الدية على هذا، فما زاد على ثمانية وعشرين فلا دية له وما نقص فلا دية له
هكذا وجدناه في كتاب علي عليه السلام " وضعفه منجبر بما سمعت ومعتضد بما في
الفقيه (2) " وقضى أمير المؤمنين عليه السلام في الأسنان التي تقسم عليها الدية أنها
ثمانية وعشرون سنا ستة عشر في مآخير الفم واثنا عشر في مقاديمه فدية كل
سن من المقاديم إذا كسر حتى يذهب خمسون دينارا فيكون ذلك ستمأة دينار

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2، نقلا عن الكافي
ج 7 ص 329 والتهذيب ج 10 ص 254 والفقيه ج 4 ص 137 والمنقول هنا مطابق لما في
الفقيه فراجع.
(2) الفقيه ج 4 ص 136.
231

ودية كل سن من المآخير إذا كسر حتى يذهب على النصف من دية المقاديم
خمسة وعشرون دينارا فيكون ذلك أربعمأة دينار فذلك ألف دينار فما نقص فلا
دية له وما زاد فلا دية له " بل أستظهر الأردبيلي أن قوله: " وقضى " من تتمة
ما رواه صحيحا سابقا عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في أصابع الرجلين
واليدين (1)، وعلى كل حال فهو مؤيد للخبر المزبور، مضافا إلى ما في
كشف اللثام عن الرضا عليه السلام " وأضراس العقل لا دية فيها إنما هو على من أصابها
الأرش كأرش الخدش " (2).
وأما ما ذكره من الصحيح المزبور الدال على التسوية بين الأسنان كلها
وأن دية كل سن خمسمأة درهم كغيره من النصوص أيضا، ففيه أولا أن ذلك
يزيد على الدية الكاملة - ولعله لذا حمله الشيخ على الثنايا والمقاديم التي هي
أقرب إلى التلف بالجناية - ويمكن حمله على التقية لاتفاق العامة كما قيل على
أن في كل سن خمسا من الإبل من غير فرق بين المقادم والماخر، والموجود
في كتاب ظريف (3) " وجعل في الأسنان في كل سن خمسين دينارا وجعل
الأسنان سواء وكان قبل ذلك يجعل في الثنية خمسين دينارا وفي ما سوى ذلك من
الأسنان في الرباعية أربعين دينارا وفي الناب ثلاثين دينارا وفي الضرس خمسة
وعشرون دينارا " لكنه كما ترى لا يصلح معارضا لما عرفت، وإن قال في الوافي (4):
" إن المستقاد منه أن التسوية هي الصواب وإن التفاوت محمول على التقية " إذ
هو أيضا كما ترى.
وأما القوى " الأسنان واحد وثلاثون ثغرة وفي كل ثغرة ثلاثة أبعرة وخمس

(1) الفقيه ج 4 ص 135.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 323 والفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام ص 43.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(4) الوافي الجزء التاسع ص 104.
232

بعير " (1) في حمله الشيخ على التقية لأنه موافق لمذهب بعض العامة ولسنا نعمل به.
(و) كيف كان ف‍ (تستوى) السن (البيضاء والسوداء خلقة)
نصا وفتوى بل (وكذا الصفراء) لذلك أيضا بل قال المصنف فيها (وإن جني
عليها) وظاهره الفرق بينها وبين السوداء، ونحوه ما في محكي التحرير " لا فرق
بين البيضاء والسوداء والصفراء وإن كانت الصفرة بجناية بخلاف السوداء "، بل والمبسوط
فإنه على ما حكى في كشف اللثام قيد السوداء بالخلقة وقال: " في الصفراء وإن
كانت الصفرة بجناية جان " ولعل الفرق بينهما ما ذكره في المبسوط أيضا " من
أنه إذا ضرب سنه فصارت صفراء ففيها الحكومة قال: فإن قلعها قالع بعد هذا
فعليه الدية لأنها سن بحالها وقد لحقها شين فهي كالإصبع إذا لحقها شين
فقطعت فإن فيها ديتها أيضا "، لكن ذلك كله كما ترى ضرورة أن جميع
ما يجري في الصفرة يجري في السوداء. نعم يمكن الفرق بينهن بما تسمعه من النص
والله العالم.
(وليس للزائدة إن قلعت منضمة إلى البواقي دية وفيها ثلث دية
الأصلية إن قطعت منفردة) أي التي يجنيها كما عن الوسيلة والتحرير
التصريح به، فإن كانت في المقاديم فثلث الخمسين وإن كانت في المآخير فثلث الخمسة
وعشرين وإن كانت بينهما فالأقل كما في كشف اللثام للأصل، وعلى كل حال
فالقول المزبور هو المحكي عن الغنية والنهاية والسرائر والجامع.
(وقيل) كما في المقنعة ونكت النهاية والغنية والكافي والاصباح
وكشف اللثام والرياض على ما حكى عن بعضها (فيها الحكومة والأول أظهر)
عند المصنف هنا وفي النافع، بل في المسالك أنه أشهر، بل في مجمع البرهان أنه
المشهور، بل عن ابن إدريس " أن هذا المذهب قوى وبه أخبار كثيرة معتمدة "،
بل قد ينزل عليه إطلاق الخلاف والوسيلة والمهذب " إن في الزائدة ثلث دية

(1) الوسائل الباب - 38 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5. وهو قوي
السكوني.
233

الأصلية " مدعيا في الأول منها الاجماع عليه كما نزل اطلاق القول بالحكومة
على التفصيل المزبور، بناء على المفروغية من عدم ثبوت شئ فيها لو تلفت منضمة،
وإن كان محل (1) نظر أو منع خصوصا بعد ما في المختلف " من أن ايجاب
الأرش في الحالين لا بأس به " مضافا إلى ما سمعته عن الرضا عليه السلام (2) مؤيدا
ذلك بالاعتبار لأنه إيلام ونقص، بل الظاهر أنه الأقوى ضرورة عدم ثبوت
ما يدل بإطلاقه على ثبوت ثلث دية الأصلي في كل زائد، نعم ورد في خصوص
الإصبع، والقياس باطل. اللهم إلا أن يدعي ظهور ذلك من كونه قاعدة كما
عساه يظهر من المسالك ومجمع البرهان، لكنه محل للنظر خصوصا بعد ما في
نكت النهاية للمصنف في الرد على ما سمعته عن ابن إدريس " لا ندري قوته من
أين عرفها ولا الأخبار التي أشار إليها أين وجدها ولا الكثرة من أين حصلها
ونحن مطالبوه بدعواه " (3) وهو كذلك بل هو قول نادر قبل ابن إدريس فإنه
لم يحك عن أحد ممن تقدمه غير الفقيه والنهاية إلا على التنزيل المزبور فيزيد
الخلاف والمهذب والوسيلة، بل يكون حينئذ إجماع الخلاف حجة له إلا أن،
ذلك جميعه كما ترى شك في شك، بل لا وثوق بالاجماع المزبور على وجه
يصلح دليلا.
كما أنه لا دليل يعتد به على التفصيل المزبور بعدم ثبوت إطلاق أن في
الأسنان الدية، وعلى فرضه فالمنساق منه الأصلية، فالمتجه حينئذ الحكومة
مطلقا، ولا ينافيه قوله في خبر الحكم (4) السابق: فما زاد على ثمانية وعشرين
فلا دية له " بعد ظهوره في إرادة نفي الدية المقدرة لا الأرش، ولعله على ذلك
يحمل ما عن المقنع (5) من إطلاق " لا شئ فيه " نعم لعله مناف للقول بثبوت ثلث

(1) زدنا كلمة " محل " لتتيم العبارة وليست في النسخ التي راجعناها.
(2) الفقه المنسوب إلى الرضا ص 43.
(3) نكت النهاية، كتاب الديات، أربع صفحات قبل تمام الكتاب.
(4) الوسائل الباب - 38 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(5) المقنع ص 190.
234

دية الأصلية فيه، ضرورة تحقق الدية المقدرة له على الفرض المزبور، وإن كان يمكن
القول بإرادة دية مشخصة مقدرة لا نحو ذلك.
فتلخص مما ذكرنا أن الأقوال في المسألة: التفصيل، والثلث مطلقا،
والحكومة كذلك، أو مع الانفراد، وعدم شئ مطلقا كما سمعته عن المقنع،
والأقوى منها الحكومة مطلقا لكن من المعلوم أن ذلك مع تميزها عن الأصلية
كالنواجد والخارج عن سمت الأسنان داخل أو خارج، أما مع الاشتباه فالمتجه
الاقتصار على المتيقن ونفي الزائد بالأصل، بل الظاهر أن ذلك حتى مع الاشتباه
لموت المقلوع منه مثلا بعد العلم بأن في أسنانه زائدة وأصلية أما إذا لم يعلم
فقد يقال: إن الأصل عدم الزيادة واستواء الخلقة وغير ذلك فتجري على
المقلوعة حكم الأصلية على حسب غيرها من الأعضاء، اللهم إلا أن يفرق
بكون المعتاد والغالب زيادة الأسنان على الثمانية والعشرين فتأمل،
والله العالم.
هذا كله فيما لو زادت على الثمانية والعشرين أما لو نقصت خلقة أو بجناية
جان أو بسقوط، نقص من الدية بإزائه بلا خلاف أجده فيه ولا ينافيه ما في الحكم
السابق (1) من عدم الدية لو نقصت المراد به عدم كما لها في الناقص، ومن ذلك
يعلم ما في نفي الخلاف في المسالك عن ثبوتها كاملة فيها، ضرورة اقتضائه كمال الدية
للثابت له سن واحد وهو معلوم الفساد، اللهم إلا أن يريد زادت على المعتاد من
كونها ثلاثين أو اثنين وثلاثين ونقصت عن ذلك، لا أن المراد نقصانها عن
الثمانية والعشرين.
(ولو اسودت بالجناية ولم تسقط فثلثاه ديتها) بلا خلاف محقق أجده،
كما اعترف به في الرياض، بل ربما ظهر من الغنية الاجماع عليه، بل في كشف
اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب.

(1) مر آنفا.
235

وفي المبسوط نسبته إلى رواية أصحابنا، بل عن الخلاف عليه إجماع الفرقة
وأخبارها، ولعل منها صحيح ابن سنان (1) عن الصادق عليه السلام " السن إذا
ضربت انتظر بها سنة فإن وقعت أغرم الضارب خمسمأة درهم، وإن لم تقع واسودت
أغرم ثلثي ديتها " مؤيدا بأنه في حكم الشلل الذي فيه ذلك، ولفحوى
ما سمعته (2) " من أن فيها الثلث إذا قلعت سوداء " لكن في مرسل أبان (3)
عنه عليه السلام أيضا " كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا اسودت الثنية جعل فيها الدية "
وربما حمل على دية الاسوداد.
وفي كتاب ظريف (4) " فإذا اسودت السن إلى الحول ولم تسقط فديتها
دية الساقطة خمسون دينارا ".
وفي كشف اللثام " ونحوه عن الرضا عليه السلام " (5) إلا أنه شاذ ضعيف
لا عامل به، وكذا ما في بعض الأخبار (6) " إذا تغير السن إلى السواد ديته ستة
دنانير، وإذا تغيرت إلى الحمرة فثلاثة دنانير، وإذا تغيرت إلى الخضرة فدينار
ونصف ".

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
(2) كخبر العزرمي، راجع الوسائل الباب - 43 - من أبواب ديات الأعضاء
الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3. وفيه كذا:
" جعل فيها [ثلث] الدية " ولكن في الكافي والتهذيب والاستبصار: " جعل فيها الدية "
نعم قال في الاستبصار: " فالوجه في هذه الرواية أن نحملها على التفصيل الذي ذكرناه في
الرواية الأولى من ايجاب ثلثي الدية فيها دون الدية الكاملة ".
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(5) كشف اللثام ج 2 ص 324 - الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام ص 43.
(6) راجع الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام ص 43 وكشف اللثام ج 2 ص 324
ومفتاح الكرامة ج 10 ص 417
236

نعم في المبسوط: " إذا ضرب سن الرجل فلم يتغير إلا لونها فإن كان
التغير سوادا مع بقاء منافعها وقوتها ففيها حكومة وقد روى أصحابنا فيها مقدرا
ذكرناه في النهاية يعني ثلثي ديتها، فإن كان خضرة دون السواد ففيها حكومة،
وإن صارت صفراء ففيها حكومة دون الخضرة، لأن السن يصفر من دون علة
فإن قلعها قالع بعد هذا فعليه الدية، لأنها سن بحالها وإنما لحقها شين فهي
كالإصبع إذا لحقها شين فقطعت فإن فيها ديتها، فإن ذهب مع هذا التغيير بعض
منافعها كان ضعفت عن القوة التي كانت عليها في عض المأكول ونحو ذلك ففيها
حكومة لأجل الشين والضعف معا، فإن ذهب مع هذا التغيير كل منافعها حتى
لا تقوى على أن يمضغ (1) بها شيئا فهذه بمنزلة اليد الشلاء فعليه ثلثا الدية
لأن كل ما كان في إتلافه الدية كان في الشلل منه ثلثا الدية، فإن قلعها قالع
بعد ذلك فعليه " (2).
وفي كشف اللثام " فكأنه عند بقاء المنافع شبه متردد في ثلثي ديتها
والحكومة " (3) قلت لعل ظاهره الحكومة مع بقاء المنافع، وإن نسب (4)
الثلثين إلى الرواية، نعم هو جازم بالثلثين مع ذهاب المنافع مدرجا له بالشلل،
وقد عرفت أن ظاهر الأصحاب بل والنص على عدم الفرق، كما أن ظاهرهم
اختصاص التقدير المزبور بالسواد دون غيره من الألوان التي فيها الحكومة
سواء بقيت منافعها أو ذهبت كلا أو بعضا لعدم اندراج مثله في مسمى الشلل

(1) في المبسوط: " يعض ".
(2) المبسوط ج 7 ص 141 - 142 وفيه هكذا: فهذه بمنزلة اليد الشلاء فعليه
الدية لأن كل ما كان في اتلافه الدية كان في الشلل منه الدية " وفيه سقط كما لا يخفى
فراجع.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 324.
(4) في الأصل: " نسبته ".
237

فتأمل جيدا.
(و) مما ذكرنا يظهر لك الوجه فيما ذكره المصنف وغيره من أن
(فيها بعد الاسوداد الثلث على الأشهر) بل عن الخلاف وظاهر الغنية الاجماع
عليه، مضافا إلى قول أبي جعفر في خبر العزرمي (1) المنجبر بما عرفت: " إن في السن
السوداء ثلث ديتها " بل وإلى خبر الحكم (2) " وكل ما كان من شلل فهو
على الثلث من دية الصحاح " بناء على أنه شلل، أو حيث يتحقق فيه الشلل، كما
سمعته من المبسوط.
خلافا لما عن النهاية والقاضي ويحيى بن سعيد، فربع ديتها، لخبر عجلان (3)
عن الصادق عليه السلام القاصر عن مقاومة ما عرفت بعد ضعفه وندرة القائل به واقتضائه
نقصان ديتها عن دية إتلافها بالجناية بادئ بدئ دفعة المستلزم لكونها دية جناية
واحدة في محل واحد أزيد من دية جنايتين، ولا ريب في بعده.
اللهم إلا أن يقال: إن النقص عن ذلك إنما حصل بذهابها في وقتين ولعله
لبقاء الانتفاع بها بعد الجناية الأولى مع أنه لا يتم في صورة قصر الزمان على
وجه لم ينتفع بها أصلا.
وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه كدعوى الحكومة التي سمعتها من
المبسوط، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة ما عرفت من إطلاق النص ومعقد الاجماع
والفتاوى، وإن مال إليه بعض الناس للاختلاف في الطريقة، وربما أيد بأن،
الثلثين فيه للشلل وهو لا يكون إلا مع ذهاب المنافع، وفيه أن ذلك
وإن علل به بعض الناس لكنه لا يصلح مقيدا لما عرفت، فلا ريب في ضعف
القول بالحكومة.

(1) الوسائل الباب - 43 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 40 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
238

وكذا في كتاب ظريف على ما في الكافي (1) والتهذيب " فإن سقطت بعد
وهي سوداء فديتها اثنا عشر دينارا ونصف " وعلى ما في الفقيه (2) " فإن سقطت
بعد وهي سوداء فديتها خمسة وعشرون دينارا فإن انصدعت وهي سوداء فديتها
اثنا عشر دينارا ونصف " لم نجد عاملا بشئ منهما.
(وفي انصداعها ولم تسقط ثلثا ديتها) كما قطع به الشيخان وابن حمزة
والفاضل، بل في الروضة وغيرها نسبته إلى المشهور ولعله لأولويته من الاسواد
وكونه شللا أو بحكمه، بل ذكره في المقنعة والنهاية والوسيلة كالظاهر في
وجود رواية به خصوصا بعد استقراء أحوالها في ذلك بل في المتن (وفي الرواية
ضعف) وهو صريح في عثوره عليها لكن قد اعترف غير واحد ممن تأخر عنه
بعدم العثور عليها، بل توقف بعد الناس في العمل بها لذلك ولعدم تحقق شهرة
جابرة وإن حكيت، ومع تسليمها فإنما هي تجبر الخبر بعد وضوح دلالة وهو
غير معلوم بعد عدم ظهور متن الرواية.
(و) من ذلك ونحوه قال المصنف (الأشبه الحكومة) (3) أي
أشبه بأصول المذهب بعد عدم ثبوت التقدير، وتبعه بعض من تأخر عنه وإن كان
قد يناقش بأن الأصح جبرها للسند وللدلالة على أنه لا يكفي (4) في ثبوت
وضوح متنها حكاية المحقق له وإن لم يعمل بها. لكن الانصاف مع ذلك عدم
ترك الاحتياط مع إمكانه.
وفي كتاب ظريف (5) " إن فيه نصف ديتها " وفي كشف اللثام

(1) الكافي ج 7 ص 333، والتهذيب ج 10 ص 300.
(2) الفقيه ج 4 ص 83.
(3) كذا في الأصل، ولكن في الشرائع هكذا: " المحكومة أشبه ".
(4) كذا في ثلاث نسخ راجعناها، ويحتمل زيادة كلمة " لا " كما لا يخفى.
(5) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
239

" وروى نحوه عن الرضا عليه السلام " (1) إلا أنا لم نجد عاملا به كما عن ابن فهد
الاعتراف به.
(و) كيف كان فثبوت (الدية في) السن (المقلوعة مع سنخها
وهو الثابت منها) الذي هو أصلها (في اللثة) لا خلاف فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه مضافا إلى إطلاق النص والفتوى، (ولو كسر ما برز عن اللثة)
خاصة (ففي) ثبوت الدية ل‍ (- ه) تردد من صدق السن لغة وعرفا وعن
المبسوط " السن ما شاهدته زائدا على اللثة والسنخ أصلها المدفون في اللثة " (2)
وقال أهل اللغة: " السنخ أصل السن " ومن أصل البراءة واتحاد العضو وشمول اللفظ للكل ولذا يقال قلع سنه وانكشفت اللثة عن سنه ونحو ذلك.
(و) لكن (الأقرب أن فيه دية السن) وفاقا للشيخ والحلي
والفاضل والشهيدين وغيرهم على ما حكى عن بعضهم، بل عن مجمع البرهان نسبته
إلى ظاهر الأكثر لأنه المنساق من النص والفتوى، بل لا يمكن فيه معرفة المساحة
كي تكون الدية بقدرها.
(و) حينئذ فل‍ (و كسر) شخص (الظاهر عن اللثة ثم قلع الآخر
السنخ فعلى الأول دية) للسن المكسور (وعلى الثاني حكومة) للسنخ الذي
لا مقدر له بخصوصه، وعلى الاحتمال المزبور تكون الدية على الجانبين (3)
بنسبة المساحة، إلا أن الأصح الأول، بل وكذا لو كان الجاني شخصا واحدا
دفعتين. نعم الظاهر الدية خاصة في الجناية المتحدة التي انقلع بها السن مع
سنخها كما عرفت، والله العالم.
(وينتظر بسن الصغير) لو قلع أو كسر (فإن نبت لزم الأرش وإن

(1) كشف اللثام ج 2 ص 324 والفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام.
(2) المبسوط ج 7 ص 136.
(3) في الأصل: " على الجانبين ".
240

لم ينبت فدية سن المثغر ومن الأصحاب من قال فيها بعير ولم يفصل) كما عن
المبسوط والمهذب والكافي والغنية والوسيلة والاصباح، للرواية، (و) لكن
(في الرواية ضعف) لا جابر كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا (1)، وفي
التقدير بسنة (2) الواقع من الفاضل، بل وفي المحكي عن أبي على من أنها إن لم تنبت
ففيها ديتها وإن نبتت ففيها بعير، فلاحظ وتأمل.
(ولو أثبت الانسان في موضع المقلوعة عظما) ظاهرا مثلا مما يؤكل
لحمه (فثبت فقلعه قالع قال الشيخ) في محكي الخلاف والمبسوط: (لا دية)
ولا شئ فيه للأصل، (و) لكن (يقوى أن فيه الأرش) وفاقا للفاضل
وثاني الشهيدين وغيرهما، (لأنه يستصحب ألما وشينا)، ولحصول منافع السن
به وإن لم يكن سنا، ولذا أوجبنا فيه الحكومة لا دية السن، بل مقتضى إطلاق
المصنف والفاضل في القواعد ذلك، وإن كان نجسا لما سمعته. نعم قيده بذلك في
محكي التحرير مصرحا بأنه لا شئ عليه في النجس، ونحوه عن حواشي
الشهيد، ولعله لوجوب الإزالة عليه، بل وكذا لو كان من طاهر غير مأكول
اللحم، بناء على وجوب إزالته للصلاة، ولكن فرضهما فيمن لا تجب عليه لطفولية
أو جنون مع حصول الألم والشين، فتأمل.
ولو أثبت السن المقلوعة بعينها فثبتت كما كانت فقلعها آخر فدية
كاملة، كما في القواعد ومحكي الخلاف، ولعله لاطلاق الأدلة، لكن عن
المبسوط والتحرير فيه الحكومة، ولعل الأولى ما عن المختلف من الحكومة
إن لم تثبت صحيحة وإلا فالدية، ولا شئ عليه عند الشافعي بناء على أنها
نجست بالانقلاع فتجب الإزالة، وعندنا لا ينجس العظم بالانقلاع، بل عن الخلاف
إجماع الفرقة وأخبارها على أن السن لا يحلقها حكم الميتة، والله العالم.

(1) يعني في كتاب القصاص.
(2) في جميع النسخ التي راجعناها " بنسبته " والصحيح ما أثبتناه كما لا يخفى على من
راجع هذا البحث من كتاب القصاص.
241

ولو كانت السن المقلوعة طويلة بالنسبة إلى أخواتها أو بالنسبة إلى النوع
أو جثة الشخص، أو عريضة كذلك لم تزد بذلك ديتها كسائر الأعضاء، لاطلاق
الأدلة، كما أنه لو كان بعضها أقصر من بعض ولكن ينتفع بها كالطويلة
فدية كاملة للعمومات، وإلا فالحكومة لعيب المخرج لها عن حكم السن
المنساق من النص والفتوى، من غير فرق بين كون الاختلاف في
صنف واحد منها كأن تكون ثنية أقصر من أخرى أو رباعية أقصر من أخرى،
أو في صنفين كأن تكون رباعية أقصر من الناب، وعن الشيخ إطلاق الحكم
بالدية مع القصر كإطلاق بعض العامة النقص من الدية بقدر القصر، والأقوى
ما عرفت.
ولو اضطربت لكبر أو مرض لكن يمكن المضغ بها وحفظ الطعام والريق،
وكان فيها الجمال، فعن المبسوط فيها الدية، سواء ربطها بالذهب أو الفضة أولا،
ولعله للعموم. ولكن المتجه بناء على ما ذكرنا الحكومة مع عدم بقاء منافعها،
وعن التحرير وجوب الدية مع بقاء بعض منافعها وإلا فثلث الدية كالأشل،
وعن الشهيد أنه المنقول ولا يخلو من نظر، فتأمل.
ولو ذهب بعض السن لعلة أو جناية أو لتطاول المدة ففيها بعض الدية
بحساب المساحة، وكذا لو كسر طرفا من سنه فتقسط الدية حينئذ على الظاهر
دون السنخ كما عرفته سابقا، حتى إن كان المكسور نصف الظاهر وجب نصف دية
السن.
ولو انكشفت اللثة عن بعض السنخ فظهر، فقال الجاني: المكسور ربع
الظاهر، وقال المجني عليه: نصفه، ففي كشف اللثام اعتبر بأخواتها، فإن فقدن
رجع إلى أهل الخبرة، فإن فقدوا قدم قول الجاني لأصل البراءة، وأطلق في
القواعد تقديم قول الجاني، ولعله أولى.
ولو كسر بعض السن وقلع آخر الباقي مع السنخ فإن كان الأول قد
242

كسر عرضا وبقي أصلها صحيحا مع تمام السنخ فالسنخ تابع لجناية الثاني، ولا شئ
فيه عندنا، ولو كسر بعضها طولا لكن دون شئ من السنخ فعلى الثاني دية الباقي
من السن ويتبعه ما تحته من السنخ فلا شئ فيه وعليه حكومة للسنخ الذي كسر
ظاهره الأول، فإن قال المجني عليه: الفائت بجناية الأول الربع، وقال الثاني:
بل النصف، ففي القواعد ومحكي المبسوط قدم قول المجني عليه لأصالة السلامة،
ويحتمل تقديم قول الجاني لأصل البراءة، والله سبحانه العالم.
(الثامن: العنق)
(وفيه إذا كسر فصار الانسان أصور (1)) مائل العنق أو جنى عليه
حتى صار كذلك وإن لم يكن كسر (الدية) كاملة، فلا خلاف أجده بيننا،
بل عن الخلاف الاجماع عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله في خبر مسمع في الصعر (2)
والصعر أن يثني عنقه في ناحية، والضعف منجبر بما عرفت. هذا ولكن في كتاب
ظريف (3) " إن فيه نصف الدية " وفيه أيضا " في صدع الرجل إذا أصيب فلم
يستطع أن يلتفت إلا ما انحرف الرجل نصف الدية خمسمأة دينار " إلا أني لم
أجد عاملا به منا، كالقول بالحكومة المحكي عن الشافعي، مضافا إلى الاجمال
في الثاني باعتبار احتمال إعجام عين الصدغ وضم جيم الرجل في الموضعين وإهمال
العين وتسكين الجيم مع كسر الراء، أي إذا صدعت الرجل فلم يستطع أن يلتفت

(1) في الأصل: أصغر، والصحيح أصعر أو الاصور بقرينة قوله: في خبر مسمع
في الصعر وقوله: ولو زال الصور.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ديات المنافع، الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
243

ما لم يحول رجله.
(وكذا) تجب الدية (لو جنى عليها بما يمنع الازدراد) رأسا، مات
بذلك أو عاش وإن بعد، لأن هذه المنفعة أعظم من الذوق الذي ستعرف وجوب
الدية في ذهابه، ولا شئ عند العامة إن عاش، وعن المبسوط وينبغي
أن نقول: إن عليه حكومة، وعن ابن حمزة موافقته وهو لا يخلو
من وجه.
(ولو زال) الصور أو بطلان الازدراد (فلا دية وفيه الأرش) وكذا إذا
صور لكن يمكنه الإقامة والالتفات بعسر أو أمكنه الازدراد.
(التاسع: اللحيان)
(وهما العظمان اللذان يقال لملتقاهما الذقن ويتصل طرف كل واحد منهما
بالأذن) من جانبي الوجه، وعليهما نبات الأسنان (وفيها الدية لو قلعا منفردين
عن الأسنان كلحيى الطفل) وإن منعه الانبات (أو من لا أسنان له) لكبر
أو آفة، وفي كل واحد منهما نصف الدية (ولو قلعا مع الأسنان فديتان) لهما
وللأسنان بالحساب، ولا يدخل شئ منهما تحت الآخر، للأصل وإن حكى عن
أحد وجهي العامة.
(وفي نقصان المضغ مع الجناية عليهما أو تصلبهما) على وجه يعسر
تحريكهما (الأرش) لعدم ثبوت تقدير في هذا الحال.
244

(العاشر: اليدان)
(وفيهما الدية وفي كل واحدة نصف الدية) بلا خلاف أجده في شئ من
ذلك بين المسلمين، فضلا عن المؤمنين، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى
النصوص العامة والخاصة (1)، ويتساوى اليمنى واليسرى وإن كانت اليمنى أقوى وأنفع،
كما يتساوى من له يدان ومن ليس له إلا يد واحدة خلقة أو بآفة أو بجناية أو في
سبيل الله، خلافا للأوزاعي في الأخيرة، فأوجب في الباقية دية اليدين، وهو اجتهاد
وقياس على العين في الجملة، في مقابلة ما سمعت.
(وحدهما المعصم) أي الكوع والمفصل الذي بين الكف والذراع، موضع
السوار، بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام عندنا، خلافا لبعض العامة،
مشعرا بل ظاهرا إن لم يكن صريحا في الاجماع الذي يشهد له التتبع، فلا يقدح
حينئذ إجمالها كما عن علم الهدى وانصرافها إلى العضو الذي هو من
المنكب إلى رؤوس الأصابع إن سلم، ضرورة احتمال الصدق على البعض
كالكل.
وعلى كل حال (فلو قطعت) منه (مع الأصابع ف‍) ليس
فيه إلا (دية اليد خمسمأة دينار) خاصة بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه
عليه، مضافا إلى إطلاق النصوص والفتاوى (و) أن في كل واحد نصف
الدية.
نعم (لو قطعت الأصابع منفردة فدية الأصابع خمسمأة دينار) بلا خلاف
أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض،

(1) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء.
245

كالنصوص (1).
ولو قطع آخر الكف ففيه الحكومة، بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، لعدم التقدير له حينئذ.
وكذا لو قطع كفا لا أصابع لها خلقة أو بآفة.
(ولو قطع معها) أي الكف (شئ من الزند) الذي هو موصل طرف
الذراع في الكف كما نص عليه غير واحد (ففي اليد خمسمأة دينار وفي الزائد
حكومة) وفاقا للشيخ والقاضي والفاضل والشهيدين على ما حكي عن بعضهم، بل
عن المختلف أنه الأشهر، وهو الموافق لما نص عليه الشيخ أيضا وابن حمزة
والفاضلان وغيرهم في كتاب القصاص من أنه لو قطع مع الكف بعض الذراع اقتص
في الكف وكان له في الزائد الحكومة، إذ بعض الزائد هو بعض الذراع، ومن هنا
نص في كشف اللثام على عدم الفرق بين بعض الزند وبعض الذراع، ولكن قد يشكل
أصل الحكومة بناء على أن في الذراع الدية بأن المتجه اعتبار المساحة
كما عرفته في كل ماله مقدر، ولذا كان المحكي عن ابن إدريس
اعتبارها.
نعم قد قلنا في كتاب القصاص: يمكن إرادة الأصحاب من الحكومة ما لا ينافي
اعتبار المساحة لأن الغرض بيان عدم الاجزاء بالقصاص في الكف أو الدية عن
الزائد، باعتبار صدق اسم اليد فيدخل الزائد قصاصا ودية في الكف، كما عن
الكاشاني اختياره هنا لاطلاق النصوص نصف الدية في اليد الصادقة على
المفروض.
(و) يؤيده ما ذكره غير واحد، بل في الروضة نسبه إلى المشهور أنه
(لو قطعت من المرفق أو المنكب) لم ين له إلا دية اليد، خمسمأة دينار،
ولعله المراد مما (قال في المبسوط): " اليد التي يجب هذا فيها هي الكف إلى
الكوع وهو أن يقطعها من المفصل الذي بينها وبين الذراع، فإن قطع أكثر من ذلك

(1) راجع الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء
246

كان فيه دية وحكومة بقدر ما يقطع، فإن كن في نصف الذراع أو المرفق أو العضد
أو المنكب ففي الزيادة حكومة وكلما كانت الزيادة أكثر كانت الحكومة
أكثر و (عندنا) أن جميع ذلك (فيه مقدر) ذكرناه في تهذيب الأحكام (1) ".
وإليه أشار المصنف بقوله (محيلا) له (على التهذيب) إذ ليس في
التهذيب حكم مخصوص للفرض، وإنما فيه أن ما في الانسان منه اثنان في كل
واحد نصف الدية.
اللهم إلا أن يفرق بوجود المفصل وعدمه، بمعنى أن اليد تتناول الكل
والأبعاض ذوات المفاصل، فإذا قطع بعض ذو مفصل كالكف مع بعض آخر، لا من
مفصله كبعض الزند أو الذراع، فكأنه قطع اليد وشيئا آخر لا مقدر فيه، ففيه
الحكومة، بخلاف ما لو قطعها من مفصل المرفق أو المنكب فإنها يد بلا
زيادة، إلا أن ذلك كما ترى، ولذا قال في كشف اللثام: " عليه منع
ظاهر ".
نعم قد يقال إن العمدة الاجماع على وجوب شئ زائد على الدية لنصف
الذراع مثلا حكومة أو قسطا، وما سمعته من الكاشاني غير قادح في الاجماع
المزبور، ولعل وجهه أنه حيث تكون الجناية عمدا لا ريب ولا خلاف معتد به في
كون القصاص من الكف كما عرفته في كتاب القصاص، فلو لم يكن للزيادة شئ
كانت جناية غير مستوفاة، ولم يصل تمام الحق إلى صاحبه، بخلاف ما إذا كانت من
المرفق أو المنكب، فإن محل القصاص حينئذ متحقق في العضو الواحد
عرفا، فليس له إلا القطع أو دية ذلك العضو، وهو دية اليد، فيدخل حينئذ الساعد
والعضد كما تدخل الأصابع في قطع الكف، لعدم دليل يدل على تقدير لهما في
الفرض زائد على دية اليد، فأصل البراءة بحاله حينئذ، ولا ينافي ذلك ثبوت دية

(1) المبسوط ج 7 ص 143.
247

لهما لو قطعا مستقلين كما لو كان له ساعد بلا كف وقطعه قاطع من المرفق مثلا،
فإن العموم الدال على وجوب الدية لكل ما كان في الانسان منه اثنان وفي الواحد
النصف شامل له، بل الظاهر اعتبار المساحة هنا، لو فرض قطع البعض لا الحكومة
بخلاف من لو قطع نصف الذراع مع الكف فإنه لا يستفاد من الأدلة هنا أن له
مقدرا في الفرض فليس إلا الحكومة، ولذا كان المشهور ذلك لا اعتبار المساحة.
وبذلك يظهر لك النظر فيما عن ابني حمزة والبراج من النص على أنه
لو قطع يده من المرفق أو المنكب كانت عليه دية اليد وحكومة في الساعد أو فيها
وفي العضد بناء على أن حد اليد كما عرفت من المعصم، ففيما زاد عليها الحكومة،
بل في كشف اللثام، وكذا الشيخ في جراح المبسوط، ضرورة عدم وجه للحكومة
بعد صدق اسم اليد، والتحديد المزبور إنما هو لمنتهاها الموجب للدية كما أفصح
عنه كلام المشهور، الذين لم يوجبوا الدية في الجميع، لا أن المراد منه اختصاص
اسم اليد بها الذي لا يوافقه شرع ولا لغة ولا عرف.
بل وكذا يظهر لك النظر فيما يعطيه كلام ابن إدريس، حيث اعتبر المساحة
وقسط الدية عليها في المقطوع من نصف ذراعه مع كفه وأوجب الدية في الكف
وأخرى في الساعد وثالثة في العضد لو كان القطع من المنكب مثلا، بل قيل هو
ظاهر أبي علي والمفيد وسلار والحلبيين حيث أطلقوا أن في الساعدين الدية وفي
أحدهما نصفها.
وكذا في العضدين وأحدهما، بل لعل ظاهر آخر العبارة التي سمعتها من
المبسوط، بناء على أن المراد بما أحاله على التهذيب هو النصوص المزبورة الدالة
على الدية في الاثنين ونصفها في الواحد، إذ قد عرفت عدم ظهور في الأدلة للتقدير
لهما في الفرض، بل ظاهر الأدلة دخولهما في اليد كدخول الأصابع فيها، ويمكن
حمل عبارة المبسوط على ذلك بإرادة المقدر في اليد فيوافق المشهور حينئذ.
فقد تلخص لك من ذلك كله أنه لو قطعت اليد من نصف الساعد كان فيها دية
الكف والحكومة من غير اعتبار المساحة خلافا لابن إدريس، وخلافا لما سمعته
248

من الكاشاني من عدم شئ زائد على الدية لو قطعت من المرفق مثلا، فلا شئ
فيها لا دية اليد ولا الحكومة مع ذلك ما سمعته من ابني حمزة والبراج ولا
ديتين أو ديات كما هو ظاهر من سمعت الذين يمكن حمل إطلاقهم المزبور على
قطع خصوص الساعد، كما إذا لم يكن له كف أو المنكب، كما إذا لم يكن له
غير العضد، فلا خلاف حينئذ، والله العالم.
(ولو كان له يدان على زند ففيهما الدية وحكومة) لو قطعا كما صرح
به الفاضل والشهيدان وغيرهم (لأن إحداهما زائدة) على المتعارف في خلقة
الانسان، فلا تندرج في إطلاق الأدلة المعتضد بالأصل، فتعين الحكومة حينئذ
بعد عدم التقدير شرعا، بل ربما يؤيده قول أبي جعفر عليه السلام للحكم بن عيينة (1)
" في الأصابع فما زادوا ونقص فلا دية له " وكذا في الأسنان " فما زاد على ثمانية
وعشرين سنا فلا دية له " وحينئذ فلو قطع إحداهما فإن كان الأصلية فالدية
والحكومة إن كانت الزائدة.
(ويتميز الأصلية بانفرادها بالبطش أو كونها أشد بطشا) وبالخروج
عن السمت ونقص أصابعها والمساواة لليد الأخرى قدرا ونحو ذلك مما يتشخص
فيه الموضوع المزبور عرفا ولو مع تعارض الأمارات، وعن الإرشاد " أن المدار
على البطش وقوته وإن كانت منحرفة ".
وكيف كان (فإن تساويا) على وجه لا يتميز الأصلية من الزائدة
(فإحداهما زائدة في الجملة) قطعا لما عرفت، وحينئذ فإن قطع إحداهما
كان عليه الحكومة للأصل، إلا أن تزيد على الأكثر من نصف الدية فترد إليها
كما في غيرها.
وعن المبسوط والتحرير والإرشاد أن عليه نصف دية ونصف حكومة أو

(1) الوسائل الباب - 38 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 والباب - 39 -
منها الحديث الأول.
249

نصف الثلث بناء على ما سمعته من المبسوط، لأنه قطع نصف يد وزيادة،
ولتكافؤ الاحتمالين، فيكون كجنين قتل بعد ولوج الروح فيه ولم يعلم كونه
ذكرا أو أنثى، ولأن الكفين لو قطعتا كان على الجاني دية كف وثلثها مثلا،
بناء على ما سمعته من المبسوط، فعند الاشتباه يقسط المجموع عليهما، ويؤخذ
النصف وهو ثلثا دية كف، لأن نصف الثلث سدس، فإذا أضيف إلى نصف
الكف صار المجموع ثلثي دية كف.
بل قال الشيخ أيضا فيما حكى عنه: " فإن قطع إصبعا من إحداهما ففيه
نصف دية إصبع خمس من الإبل وحكومة على ما فصلناه إذا قطع إحداهما،
وفي أناملهما كذلك نصف دية أنملة وحكومة " (1) وفيه أن ذلك لا يرجع إلى
قاعدة شرعية تنطبق على مذهب الإمامية إلا أن يفرض حصول القطع من النظائر
المنصوصة بكون الحكم في المقام ونحوه كذلك، هذا وفي محكي التحرير (2)
" أنهما كذلك لو تساويا في البطش والتمام والسمت فإن كانا غير باطشتين ففيهما
ثلث دية اليد وحكومة، ولا تجب فيهما دية اليد الكاملة لأنه لا نفع فيهما كاليد
الشلاء " ولا يخلو من نظر مع عدم صدق الشلل، والله العالم.
(ولو قطعهما) معا (ففي الأصلية) واقعا (دية، وفي الزائدة)
كذلك (حكومة) كما لو كانتا متميزتين من غير إشكال مع اتحاد القاطع والقطع،
أما مع تعددهما فقد يقال: إن المتجه الحكومة في كل منهما للأصل، بل وكذا
مع تعدد القطع وكان الثاني بعد دفع الحكومة للأول، إذ ذلك لا يشخص كون
الباقية أصلية لا بالنسبة إليه ولا بالنسبة إلى غيره فتأمل جيدا، إذ يمكن أن
يقال: إن براءة الأول من قطعه الأول إنما كانت في الظاهر دون الواقع الذي
تحقق شغل ذمته به بقطعه الثاني.
(و) كيف كان فقد (قال في المبسوط): " عندنا في الزائدة (ثلث

(1) المبسوط ج 7 ص 145.
(2) التحرير ج 2 ص 272.
250

دية الأصلية " (1) ولكن لم نجد ما يدل عليه صريحا (ولعله تشبيه بالسن
والإصبع) لما سمعته وتسمعه من أن في الزائدة منهما ثلث دية الأصلية، إلا
أن القياس باطل عندنا، والتنقيح بعد فرض شهرة الحكومة لا منقح له،
(و) لذا كان (الأقرب الأرش) وفاقا للمشهور، للضابط المزبور،
والله العالم.
(و) الذي (يظهر لي) ما ظهر لغيري من المفيد وسلار وابن إدريس
وأبي الصلاح والكيدري والفاضل وولده وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، إن
(في الذراعين) لو قطعا متميزتين عن قطع الكفين (الدية) كاملة (وكذا
في العضدين وفي كل واحدة نصف الدية)، لعموم الضابط ودليله.
لكن في محكي الخلاف " أن مع قطع ذراع رجل وكان قطع كفه آخر
وكان للقاطع ذراع بلا كف كان له القصاص، وإن أراد ديته كان له نصف الدية إلا
قدر حكومة ذراع لا كف له (2) " وفيه ما لا يخفى.
كاحتمال الحكومة في القواعد والمسالك وغيرهما، بناء على أنه لا نص فيهما
بخصوصهما مع أصل البراءة، ونقص المنفعة فيهما، وعدم استقلال شئ منهما،
وكونه عضوا برأسه، إذ الجميع كما ترى خصوصا بعد ما عرفته من اتفاق الأصحاب
ظاهرا على ثبوت الدية ونصفها فيهما.
نعم لو قطع كفا لا إصبع لها كان عليه الحكومة بلا خلاف أجده فيه، بل
في كشف اللثام الاتفاق ظاهرا عليه، بل يجوز أن يزاد بحكومتها على دية الإصبع
وأكثر مع قضاء أهل الخبرة به لو كان عبدا. نعم لا يجوز أن يبلغ بها دية الأصابع
أجمع وإلا لزم أن يكون في الواحدة من رؤوس الأصابع إلى المعصم دية
نفس كاملة.

(1) المبسوط ج 7 ص 145.
(2) الخلاف ج 2 ص 361.
251

ولو كان عليها إصبع واحدة فمنبت تلك الإصبع تابع لها في الضمان، لا
أنه يدخل في حكومة الكف، ولكن عليه في الباقي حكومة أربعة أخماس الكف
لأن الخمس الآخر منبع (1) الإصبع المفروضة، والله العالم.
(الحادي عشر: الأصابع)
(وفي أصابع اليدين) العشر (الدية وكذا في أصابع الرجلين) بلا خلاف
أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص،
(و) المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا، بل عليه المتأخرون كافة، أن
(في كل واحدة) منهما (عشر الدية) لأصالة التساوي، أو عدم التفاوت،
إن لم نقل بظهور ما دل على ثبوتها فيها في ذلك، ولقول الصادق عليها السلام في صحيح
ابن سنان (2):
" أصابع اليدين والرجلين سواء في الدية في كل إصبع عشر من الإبل " وفي
حسن الحلبي (3) " في الإصبع عشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شلت قال:
وسألته عن الأصابع أسواء هن في الدية؟ قال: نعم " وفي خبر أبي بصير (4) " في
كل إصبع عشر من الإبل " وقول أبي جعفر عليه السلام في خبر الحكم (5) " في

(1) منبت ظ.
(2) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
(4) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7 وفيه: " وفي
الإصبع عشر من الإبل ".
(5) الكافي ج 7 ص 330 والتهذيب ج 10 ص 254 والوسائل الباب - 39 -
من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأول وفي الأخير سقطت الجملة الأولى فراجع.
252

كل إصبع من أصابع اليدين ألف درهم وفي كل إصبع من أصابع الرجلين
ألف درهم ".
(وقيل) كما عن الخلاف والوسيلة (في الابهام ثلث دية) اليد الواحدة
(وفي الأربع البواقي الثلثان بالسوية) في كل منهما سدس، بل عن الخلاف
الاجماع عليه، كما عن المبسوط نسبته إلى رواية أكثر أصحابنا، عكس ما عن
السرائر من نسبته الرواية بذلك إلى الشذوذ، لما في كتاب ظريف (1) من
قوله عليه السلام " في الابهام إذا قطع ثلث دية اليد مئة دينار وستة وستون دينارا
وثلثا دينار. وفي الأصابع في كل إصبع سدس دية اليد ثلاثة وثمانون دينارا وثلث
دينار ودية الأصابع والقصب التي في القدم ثلث دية الرجلين ثلاثمأة وثلاثة وثلاثون
دينارا - إلى أن قال -: ودية كل إصبع منها سدس دية الرجل ثلاثة وثمانون وثلث
دينار ".
وفي كشف اللثام: " وروى نحو منه عن الرضا عليه السلام (2) " وعن التهذيب
والاستبصار (3) احتمال أخبار التساوي، تساوى الأربع غير الابهام، بل عن
الاستبصار (4) " وأما ما تضمن رواية أبي بصير وعبد الله بن سنان أن كل إصبع
عشرا من الإبل، يجوز أن يكون من كلام الراوي، وهو أنه لما سمع أن الأصابع
سواء في الدية ففسر هو لكل إصبع عشر من الإبل، ولم يعلم أن الحكم يختص
بالأصابع الأربعة ".
ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد معلومية الرجحان في الأول، ضرورة

(1) الفقيه ج 4 ص 85 - 90.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 235، وراجع الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام
ص 43 - 44.
(3) التهذيب ج 10 ص 259 والاستبصار ج 4 ص 292.
(4) الاستبصار ج 4 ص 292.
253

موهونية الاجماع المزبور بمصير معظم من تقدم وتأخر إلى خلافه، وكتاب
ظريف وإن أمكن تصحيح بعض طرقه، إلا أنه قاصر عن معارضة ما عرفت من
وجوه، ونحوه المرسل عن الرضا عليه السلام، مع احتمال إرادة الكتاب المنسوب إلى
الرضا عليه السلام الذي لم يثبت نسبته عندنا، فالقول المزبور حينئذ واضح الضعف،
كالمحكي عن الكافي من " أن في كل إصبع عشر الدية إلا الابهام فديتها ثلث دية
اليد وقال في الرجلين: في كل إصبع من أصابعهما عشر دية ".
ونحوه عن الغنية والاصباح إلا أنهما سويا بين أصابع اليدين والرجلين،
بل عن ظاهر الأول ومحتمل الثاني الاجماع عليه، بل هو أوضح ضعفا من الأول
ولذا قال في محكي المختلف: " وقول أبي الصلاح مشكل فإنه جعل في الابهام
ثلث دية اليد، وفي البواقي في كل واحدة عشر دية اليد، وهو يقتضي نقصا لا موجب
له، ثم إن كلامه يقتضي الفرق بين أصابع اليدين والرجلين مع أن أحدا من علمائنا
لم يفصل بينهما (1) ".
وفي كشف اللثام " قلت: بل هو موافق لما سمعته من الخلاف، وإنما أوجب
في كل من الأربع عشر دية النفس لا عشر دية اليد الواحدة أو الرجل الواحدة،
وأما في أصابع الرجلين فلعله لم يتعرض للاستثناء اكتفاء بما قدمه في
اليدين (2) ".
وفيه أنك قد عرفت وجوب سدس دية اليد في كل واحد من الأربع
وهو أنقص من عشر دية اليد، بل بناء على ما ذكره تزيد دية اليدين
حينئذ على دية النفس، فكلام أبي الصلاح لا يخلو من نقص أو زيادة كما هو
واضح، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (- دية كل إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية
عدا الابهام فإن ديتها مقسومة بالسوية على اثنين) بلا خلاف أجده فيه بل عن

(1) المختلف الجزء السابع ص 255.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 326.
254

محتمل الغنية وصريح الخلاف الاجماع عليه وهو الحجة بعد شهادة التتبع له
وبعد قوى السكوني (1) - المعتضد بما سمعت عن الصادق عليه السلام - " كان يقضي في
كل مفصل من الإصبع بثلث عقل تلك الإصبع إلا الابهام فإنه كان يقضي في
مفصلها بنصف عقل تلك الابهام لأن لها مفصلين ".
ولا يعارض ذلك ما في كتاب ظريف (2) على ما عن الكافي " ودية المفصل الأوسط
من الأصابع الأربع إذا قطع فديته خمسة وخمسون دينارا وثلث دينار، وفي
المفصل الأعلى من الأصابع الأربع إذا قطع سبعة وعشرون دينار ونصف وربع
ونصف عشر دينار ".
وعن الفقيه والتهذيب (3) والجامع " سبعة وعشرون دينارا ونصف دينار
وربع عشر دينار " وفي كشف اللثام " وكذا روى عن الرضا عليه السلام (4) " " وفي الرجل
في المفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قطع فديته خمسة وخمسون دينارا
وثلثا دينار، وفي المفصل الأعلى من الأصابع الأربع التي منها الظفر إذا قطع فديته
سبعة وعشرون دينارا أو أربعة أخماس دينار (5) " كذا في الكافي والتهذيب والفقيه
والجامع، ولكن لا عامل به، فهو غير صالح للمعارضة وإن أمكن تصحيح بعض
طرقه، بعد ما عرفت من الاجماع المحكي إن لم يكن المحصل على التفصيل
الذي تقدم.
لكن عن بعض العامة وجوب ثلث دية الابهام في كل أنملة بناء على أن

(1) الوسائل الباب - 42 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(2) الكافي ج 7 ص 337.
(3) الفقيه ج 4 ص 86 والتهذيب ج 10 ص 303.
(4) كشف اللثام ج 2 ص 326، الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام ص 43
وفيه " سبعة وعشرون دينارا ونصف ربع عشرون دينارا " وهو من غلط النسخة راجع
المستدرك ج 3 ص 276.
(5) الكافي ج 7 ص 341 والتهذيب ج 10 ص 307 والفقيه ج 4 ص 91.
255

لها أيضا ثلاث أنامل ظاهرتين وباطنة هي المتصلة بالكوع، وفيه أن ذلك من جملة
الكف لا من جملة الابهام، وإلا لزم اعتبار مثله في سائر الأصابع، فكان لكل
منها أربع أنامل ولم يقل به أحد.
نعم قد تقدم في كتاب القصاص أنه لو كان للإصبع أربع أنامل ففي كل أنملة
ربع دية الإصبع مع تساوي الأربع أو القرب منه وتساوي الأصابع في الطول مع
حكم باقي الصور فلاحظ وتأمل كي تعرف الفرق بين الأنامل وغيرها في الزيادة
والنقيصة وإن كان الغالب في خلقة الانسان ثلاث أنامل لكن على وجه تكون واحدة
من الأربع زائدة مع فرض التساوي كما سمعته في الكفين.
(وفي الإصبع الزائدة ثلث الأصلية) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به
في كشف اللثام، بل عن ظاهر الغنية أو صريحها الاجماع، ولعله كذلك بشهادة
التتبع له، لخبر غياث (1) بن إبراهيم الذي هو صحيح أو موثق وقد رواه المشايخ
الثلاثة عن أبي عبد الله عليه السلام " في الإصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية الصحيحة "
مضافا إلى اعتضاده بما سمعت، فما عن الأردبيلي من التأمل في الحكم المزبور في
غير محله.
ولا يعارضه ما في خبر الحكم (2) من " أن الخلقة التي قسمت عليها الدية
في عشر أصابع. في اليدين فما زاد أو نقص فلا دية له " بعد ضعف سنده، وإمكان حمله
على إرادة الدية المقدرة، أو غير ذلك، وإلا كان مرجوحا بالنسبة إلى ما عرفت
كما هو واضحة
وكذا الكلام في الأنملة المعلوم زيادتها بالخروج عن السمت ونحوه فإن
فيها ثلث دية الأنملة الأصلية كما صرح به في الإرشاد وعن غيره ولعله لفحوى
الخبر المزبور (3).

(1) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(3) يعني خير عياث.
256

(وفي شلل كل واحدة) منها (ثلثا ديتها) بلا خلاف أجده فيه، بل
عن الخلاف الاجماع عليه في خصوص اليد إذا شلت والأنف إذا شل والرجل وغيرها،
مضافا إلى إجماعه وإجماع محكي الغنية، وظاهر المبسوط على أن كل عضو فيه
مقدار إذا جنى عليه فصار أشل وجبت فيه ثلثا ديته، بل عن الأول إرسال أخبار
الفرقة عليه مضافا إلى الاجماع، كما عن المبسوط والسرائر إنهما ضبطا ضابطا
وهو كل ما كان في إتلافه الدية كان في الشلل منه ثلثا الدية.
وفي صحيح الفضيل (1) بن يسار " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذراع إذا
ضرب فانكسر من الزند فقال: إذا يبست منه (2) الكف فشلت أصابع الكف كلها
فإن فيها ثلثي الدية دية اليد، وإن شلت بعض الأصابع وبقي بعض فإن في كل
إصبع شلت ثلثي ديتها، وكذا الحكم في الساق والقدم إذا شلت أصابع القدم " بل
يرشد إلى ما ذكرناه سابقا من أن في قطع الأشل الثلث، ولا يعارض ذلك ما في
حسن (3) زرارة عن الصادق عليه السلام " في الإصبع عشر من الإبل إذا قطعت من أصلها
أو شلت ".
وما في حسن (4) الحلبي عنه أيضا " في الإصبع عشر الدية إذا قطعت من
أصلها أو شلت " وما في كتاب ظريف (5) من " إن في شلل اليدين ألف دينار وشلل
الرجلين ألف دينار " بعد عدم عامل به وموافقته للشافعي وبعده عن الاعتبار ضرورة
التفاوت الواضح بين القطع والشلل واحتمال إرادة شلها أولا ثم قطعها أو قرائتها

(1) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5.
(2) في الأصل: " معه ".
(3) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 8.
(4) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
(5) الفقيه ج 4 ص 78 وفيه الجملة الأولى فقط. والتهذيب ج 10 ص 297.
وفيه هكذا: " شلل اليدين ألف دينار والرجلين ألف دينار " وأيضا ج 10 ص 245 والكافي
ج 7 ص 311، والوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
257

سلت بالسين المهملة أو غير ذلك.
(وفي قطعها بعد الشلل الثلث) بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام
نسبته إلى قطع الأصحاب، وقال الباقر عليه السلام للحكم (1) بن عيينة " في كل أصبع
من أصابع اليدين ألف درهم وكل ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح "
كقول الصادق عليه السلام للحسن بن (2) صالح " فيمن قطع يد رجل ثلاث أصابع
من يده شلل وقيمة الثلاث أصابع الشلل مع الكف له ألف درهم فإنه على الثلث
من دية الصحاح " بل من خبر ابن عيينة يستفاد الضابط المزبور المفروغ منه عندهم
في كل عضو له مقدر جنى عليه فصار فيه شلل، وحينئذ فلا يختص الشلل باليد كما
عساه يتوهم مما في الصحاح " الشلل فساد في اليد " بل في القاموس " اليبس في اليد
أو ذهابها ".
(وكذا) يجب الثلث (لو كان الشلل خلقة) لاطلاق النص (3) والفتوى
ومعقد الاجماع وغيره.
(وفي الظفر إذا لم تنبت عشرة دنانير وكذا لو نبت أسود، ولو نبت أبيض كان
فيه خمسة دنانير) كما صرح بذلك كله الشيخ وابن حمزة والقاضي والفاضلان
والشهيدان والمقداد والكركي وغيرهم ما حكى عن بعضهم، ولذا نسبه غير واحد إلى
الشهرة لرواية مسمع (4) بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه " قضى أمير المؤمنين
عليه السلام في الظفر إذا قطع ولم ينبت أو خرج أسود فاسدا عشرة دنانير وإن خرج
أبيض فخمسة دنانير ".

(1) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول وسقطت
منه الجملة الأولى فراجع.
(2) الوسائل الباب - 28 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(3) يعني النصوص المذكورة آنفا.
(4) الوسائل الباب - 41 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
258

(و) لكن (في الرواية ضعف غير أنها مشهورة) عملا كما عرفت
بل عن التنقيح " إن عليها عمل الأصحاب " فتنجبر حينئذ بذلك (و) تكون
مقيدة لما (في رواية عبد الله بن سنان (1)) الصحيحة عن الصادق عليه السلام أيضا
(في الظفر خمسة دنانير) ولقول أمير المؤمنين عليه السلام المروي في كتاب ظريف (2)
" في كل ظفر من أظفار اليد خمسة دنانير ومن أظفار الرجل عشرة دنانير " خصوصا
بعد عدم عامل بالاطلاق المزبور كالتفصيل الذي سمعته في المروي عن كتاب
ظريف.
فمن الغريب استغرابه لذلك في الروضة، بل الغريب ما استحسنه من المحكي
عن ابن إدريس، وهو " إن لم تخرج فعشرة دنانير وإن خرج أسود فثلثا ديته " وإن
حكى عن المختلف نفى البأس عنه، بل عن أبي العباس أنه استحسنه أيضا، بل عن
الإيضاح أنه الأصح، لأن خروجه أسود في معنى الشلل، وللأصل واستبعاد
مساواة عوده لعدمه، إلا أن ذلك كله كما ترى.
بل هو كالاجتهاد في مقابلة النص الذي هو مستنده في العشر، المتجه مع ذلك
العمل بما فيه من الخمسة، وإلا فلا دليل له إلا أن يكون إجماعا وهو في محل المنع،
خصوصا على طريقة ثاني الشهيدين في تحصيله، وخصوصا بعد أن كان المحكي عن
أبي على " أن في ظفر إبهام اليد عشرة دنانير، وفي كل من الأظفار الباقية خمسة،
وفي ظفر إبهام الرجل ثلاثون، وفي كل من الباقية عشرة، كل ذلك إذا لم ينبت
أو نبت أسود معيبا وإلا فالنصف من ذلك " وإن كان هو واضح الضعف أيضا إذ لم نجد
ما يشهد له فضلا عن مخالفته لما عرفت، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الثاني.
(2) الكافي ج 7 ص 337 و 342.
259

(الثاني عشر: الظهر)
(وفيه إذا كسر) ولم يصلح (الدية كاملة وكذا لو أصيب فاحدودب)
كسر أو لم يكسر (أو صار بحيث لا يقدر على القعود) بلا خلاف أجده في شئ
من ذلك، بل عليه الاجماع عن الغنية في الأول، وعن الخلاف في الأخيرين،
مضافا إلى قول الصادق عليه السلام (1) " في الرجل يكسر ظهره فقال: فيه الدية كاملة "
وقول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر السكوني (2) " في الصلب الدية " وفي كتاب
يونس (3) الذي عرضه على الرضا عليه السلام " والظهر إذا أحدب ألف دينار "
وفي كتاب ظريف (4) " فإن أحدب منها الظهر فحينئذ تمت ديته ألف
دينار " وخبر بريد (5) العجلي عن أبي جعفر عليه السلام " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في
رجل كسر صلبه فلا يستطيع أن يجلس أن فيه الدية ".
بل وإلى ما دل على وجوبها فيما كان منه في البدن واحد، بناء على
شموله للقطع وغيره الذي منه محل الفرض.
ولعله لذا وغيره قال في كشف اللثام " وكذا إن صار بحيث لا يقدر على المشي
أصلا أو يقدر عليه راكعا أو بعكاز بيديه، أو بإحداهما أو ذهب بذلك جماعة أو

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(3) التهذيب ج 10 ص 297.
(4) أورده كشف اللثام ج 2 ص 326 ومفتاح الكرامة ج 10 ص 434.
(5) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
260

ماؤه أو إحباله أو حدث به سلس البول ونحوه (1) " لكن عن التحرير " الحكومة
إذا ذهب ماؤه دون جماعه، لأنه لم تذهب المنفعة " ولعله الأقوى، بل لا يخفى
عليك أن المدار على كل ما انساق من قوله عليه السلام: " في الصلب " " وفيما كان منه في
البدن واحد " من الجناية عليه نفسه، والله العالم.
(ولو صلح) بعد الكسر أو التحديب بحيث يقدر على المشي أو القعود كما
كان يقدر عليهما ولم يبق عليه من أثر الجناية شئ (كان فيه ثلث الدية) كما
عن النهاية والسرائر والجامع وغيرها، بل نسبه غير واحد إلى الشهرة، ولكن لم
أعرف مستنده بالخصوص، اللهم إلا أن يكون الحمل على اللحية إذا نبتت أو
الساعد إذا صلح.
ففي كتاب ظريف (2) " إن فيه إذا كسر وجبر على غير عثم ولا عيب ثلث
دية النفس " بناء على أن المراد به الساعدان معا كما أن ما عن الوسيلة من أن فيه
خمس الدية حمل على المرفق والعضد والرسغ، وفي كتاب ظريف (3) في كل منها
إذا كسر فجبر على غير عثم خمس دية اليد، بل فيه أيضا في قصبة الابهام إن
كسرت فجبرت كذلك خمس دية الابهام، بل فيه أيضا في الساق والركبة والورك
والفخذ، في كل منها إذا كسرت فجبرت كذلك ففيها خمس الدية، إلا أن ذلك
كما ترى بعد حرمة القياس عندنا، ولعله لذا كان المحكي عن المبسوط أن فيه
الحكومة بناء منه على عدم تقدير له شرعا.
(و) لكن فيه أن الموجود (في رواية ظريف (4) التي قد عرفت صحتها
في بعض الطرق (إن كسر الصلب فجبر على غير عيب فمأة دينار وإن عثم) إن لم

(1) كشف اللثام ج 2 ص 326.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول نقلا عن
التهذيب والفقيه
(3) راجع الوسائل الباب - 10 و 11 و 12 و 15 و 16 - من أبواب ديات
الأعضاء.
(4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
261

ينجبر على استواء (فألف دينار)، بل عن المقنعة والغنية والاصباح وموضع
من السرائر الفتوى به، بل عن الغنية الاجماع عليه، فالمتجه العمل به، لكن في
الإرشاد الفتوى بمضمونه متصلا بالحكم بالثلث لو صلح الظهر، ولعله للفرق بين
الصلب والظهر، كما عن التحرير إلا أنه خلاف ظاهر الأصحاب، بل صريح
بعضهم تفسير الصلب بالظهر كما عن مجمع البحرين وغيره، وفي الصحاح
" الصلب من الظهر وكل شئ من الظهر فيه فقار فذلك الصلب " وفي مختصر
النهاية " الصلب الظهر " وفي القاموس " عظم متصل من لدن الكاهل إلى العجب "،
والله العالم
(ولو كسر فشلت الرجلان فدية له) أي كسر الظهر (وثلثا دية ل‍)
شلل (الرجلين) بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارها
عليه، مضافا إلى أنهما جنايتان فتجب فيهما ما أوجبه النص لعمومه، نعم عن الشافعي
دية للشلل وحكومة لكسر الصلب ولا وجه له، هذا.
(وفي الخلاف لو كسر الصلب فذهب مشيه وجماعه فديتان) بإجماع الفرقة
وأخبارها لأنهما منفعتان يوجب الدية ذهاب كل منهما، وحينئذ فما عساه
يظهر من نسبة المصنف له إلى الخلاف من نوع تردد فيه في غير محله مع أني
لم أجده لغيره، والله العالم.
262

(الثالث عشر: النخاع)
(وفي قطعه الدية كاملة) وإن عاش الانسان، بلا خلاف أجده فيه، بل
ولا إشكال، لأنه عضو واحد في البدن فيعمه الضابط، وفي بعضه الحساب بنسبة
المساحة.
(الرابع عشر: الثديان)
(وفيهما من المرأة ديتها) كاملة، (وفي كل واحدة نصف ديتها) بلا
خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض، للضابط
المزبور، وخصوص قول أمير المؤمنين عليه السلام في صحيح أبي بصير (1) عن أبي جعفر
عليه السلام " في رجل قطع ثدي امرأته، إذا أغرمه لها نصف الدية " (ولو انقطع
لبنهما) الذي هو فيهما بالجناية مع بقائهما (ففيه الحكومة) كما صرح به الشيخ
في محكي المبسوط والفاضلان وغيرهما، لعدم مقدر له.
(وكذا لو كان اللبن فيهما وتعذر نزوله) بسبب الجناية، بل في كشف
اللثام مفسرا به عبارة القواعد " وكذا لو لم يكن فيهما لبن لكن تعذر بالجناية
نزوله في وقته بأن، قال أهل الخبرة: إن التعذر من الجناية فالحكومة أيضا،
ووقته إذا حملت فمضى للحمل أربعون ثم إذا وضعت فسقت اللبأ در اللبن

(1) الوسائل الباب - 46 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
263

لثلاث أو بعد مدة النفاس، وكذا إذا قل لبنها بالجناية فحكومة دون
ذلك " (1) ولا بأس به ضرورة اشتراك الجميع في أنها جناية لا مقدر لها فليس
إلا الحكومة.
(ولو قطعهما مع شئ من جلد الصدر ففيهما ديتها) لما عرفت (وفي
الزائد) من الجلد (حكومة فلو أجاف مع ذلك الصدر لزمه دية الثديين والحكومة)
للجلد (ودية الجائفة) كما في القواعد وغيرها.
(ولو قطع الحلمتين) من الثديين (قال في المبسوط: فيهما الدية) وتبعه
الفاضل وابنا حمزة وإدريس في محكي الوسيلة والسرائر للضابط المزبور (و)
لكن (فيه إشكال من حيث إن الدية في الثديين والحلمتان بعضهما) وهو مغاير
للكل المعلق عليه الحكم الذي يقتضي التوزيع على أجزائه، فلو وجب فيهما الدية
لزم مساواة الجزء للكل، والحمل على اليد والرجل والأنف والذكر قياس مع
الفارق بالنص والاجماع فيها دون الفرض، بل وبإطلاق اليد والرجل على الأبعاض
كثيرا كما في آية السرقة والوضوء (2) وكذا الأنف والذكر بخلافه، فإنه
لا يطلق الثدي على الحلمة. اللهم إلا أن يدعى دخول الفرض في الضابط المزبور
المخرج له عن القياس، لكن فيه شك أو منع، والأصل البراءة، والأولى الحكومة،
هذا كله في حلمتي ثديي المرأة.
و (أما حلمتا) ثديي (الرجل ففي المبسوط والخلاف) ومحكي
السرائر (فيهما الدية)، بل في الأخيرين أنه مذهبنا، واختاره الفاضل في جملة
من كتبه، للضابط المزبور الذي قيل لا يجري فيه الاشكال المذكور، لعدم ثديين
له يكونان بعضا منهما (وقال ابن بابويه (3) رحمه الله: " في حلمتي ثديي الرجل
ثمن الدية مئة وخمسة وعشرون دينارا) وفيهما معا ربع الدية ".

(1) كشف اللثام ج 2 ص 327.
(2) المائدة 5: 38 و 6.
(3) الفقيه ج 4 ص 91 في ضمن خبر ظريف لا قول الصدوق نفسه، فراجع.
264

ونحوه عن الوسيلة والجامع، بل (وكذا ذكره الشيخ في التهذيب (1)
عن) كتاب (ظريف) الذي قد عرفت صحته في بعض الطرق، (و) حينئذ
فالمتجه تخصيص العموم المزبور بل (في إيجاب الدية) كاملة (فيهما بعد)
خصوصا مع القول بعدم وجوبها في حلمتي ثديي المرأة لقلة منفعتهما فيه ومدخليتهما
في الجمال فيه بخلافها، بل قد يشك في شمول العموم لهما.
(و) من الغريب أن (الشيخ) رحمه الله (أضرب عن رواية ظريف)
التي عمل بها في غير المقام (وتمسك بالحديث الذي مر في فصل الشفتين) وهو
" ما كان في الانسان منه اثنان ففيهما الدية (2) " مع أنه بعد فرض شموله لمثل
الفرض مخصص برواية ظريف التي قد عرفت اعتبارها.
وأغرب منه ما في الرياض من الميل إلى الحكومة قال: " وفاقا لجماعة للشك
في شمول القاعدة لمفروض المسألة، مع عدم دليل معتد به على مقدر لتعارض كتاب
ظريف إن قلنا باعتبار سنده مع الاجماع المستظهر من عبارة الشيخ والحلي، ولا
مرجح تطمئن إليه، فيرجع إلى الضابط فيما لا مقدر له مضافا إلى أصل البراءة " (3)
نعم لو لم يكن رواية ظريف معتبرة السند كما هو مبني من حكى عنهم موافقته كثاني
الشهيدين وغيره كان ذلك متجها.

(1) التهذيب ج 10 ص 307.
(2) راجع الخلاف ج 2 ص 391 والمبسوط ج 7 ص 148.
(3) رياض المسائل ج 2 ص 613.
265

(الخامس عشر: الذكر)
(وفي الحشفة فما زاد الدية وإن استوصل) إجماعا بقسميه ونصوصا عامة
وخاصة ففي صحيح ابن سنان (1) عن الصادق عليه السلام " وفي الذكر إذا قطع من
موضع الحشفة الدية " وفي حسن الحلبي (2) عنه أيضا " وفي الذكر إذا قطعت الحشفة
وما فوق الدية " وفي الموثقين (3) والصحيح (4) " في الذكر إذا قطع الدية كاملة "
وفيما عرضه يونس (5) على الرضا عليه السلام من قوله: " والذكر إذا استوصل ألف
دينار " إلى غير ذلك من النصوص.
وحينئذ فالقضيب كالكف والحشفة كالإصبع لا يتفاوت الحال في وجوب كمال
الدية بقطع الحشفة خاصة أو مع القضيب أو بعضه من غير وجوب دية أخرى أو
حكومة لما زاد عليها، وفي كشف اللثام " كما قطع بذلك الأكثر (6) " قلت: لم
أجد فيه خلافا بل ولا إشكالا للنصوص السابقة.
(سواء كان لشاب أو شيخ أو صبي لم يبلغ أو من سلت خصيتاه) على وجه
لا يؤدي إلى شلل في ذكره، لاطلاق النصوص والفتاوى ومعقد الاجماع، بل في

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7 و 10.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 11.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(6) كشف اللثام ج 2 ص 328.
266

الصحيح (1) عن أبي جعفر عليه السلام " في ذكر الغلام الدية كاملة " وفي القوي (2)
عن أمير المؤمنين عليه السلام " في ذكر الصبي الدية " بل الظاهر الاتفاق عليه بيننا كما
اعترف به بعض الأفاضل. نعم عن أبي حنيفة الحكومة في ذكر الخصي.
وما في بعض النصوص من كون الدية بذكر الرجل، لا يراد منه اخراج
الصغير بعد ما عرفت، فيمكن أن لا يراد منه القيدية أو تراد لاخراج ذكر الخنثى
المشكل أو المعلوم كونها أنثى كما أن ما في صحيح (3) بريد العجلي عن أبي
جعفر عليه السلام " في ذكر الخصي الحر وأنثييه ثلث الدية " محمول على من شلل
ذكره بالاخصاء.
(ولو قطع بعض الحشفة كانت دية المقطوع بنسبة الدية من مساحة الكمرة (4)
حسب) لا جميع الذكر خلافا لبعض العامة ضرورة كون المقدر لها، وقد عرفت
سابقا اتفاق النص والفتوى على اعتبار المساحة في كل عضو له (5) مقدر له
إذا قطع بعضه، وحينئذ فإن كان المقطوع نصفها فنصف الدية أو ثلثها فثلث الدية
وهكذا.
هذا إذا لم ينخرم مجرى البول وإلا احتمل وجوب الجزء المقسط والحكومة
معا لأنهما جنايتان لا مقدر لأحدهما، ولأنه لو اقتصر الجاني على خرم المجرى
خاصة كانت فيه الحكومة، ولو اقتصر على قطع الجزء من الحشفة كان عليه الجزء

(1) الوسائل الباب - 35 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 35 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(3) التهذيب ج 10 ص 270 والفقيه ج 4 ص 131 والكافي ج 7 ص 318
والوسائل الباب - 31 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 وليس في الأخيرين لفظة
" الحر " فراجع.
(4) الكمرة بالتحريك حشفة الذكر، وربما أطلقت على جملة الذكر مجازا.
مجمع البحرين.
(5) كذا في الأصل والظاهر زيادة " له ".
267

من الدية، فمع اجتماعهما يجبان معا. ويحتمل وجوب أكثرهما كما سمعته في
اللسان والكلام إذا قطع نصفه (1) مثلا فذهب ربع الحروف أو بالعكس
كما عن المبسوط، لأنه جناية واحدة تضمنت ذهاب العين والمنفعة، ولعل
الأول أقوى.
(ولو قطع الحشفة وقطع آخر) أو هو (ما بقي كان الأول الدية
وعلى الثاني الأرش) كما لو قطع الأصابع ثم قطع هو أو غيره الكف إذ المقدر
المستفاد من النصوص السابقة إنما هو في قطع الحشفة فما فوق، والفرض تحققه
بالقطع الأول، فيبقى الثاني بلا مقدر فتجب فيه الحكومة.
(وفي ذكر العنين ثلث الدية) وفاقا للمشهور، بل كافة المتأخرين، بل
عن الخلاف (2) الاجماع عليه وإن حكى الخلاف فيه في محكي كتاب القصاص
منه (3)، إلحاقا - بعد انسياق النصوص السابقة إلى غيره - بالأشل الذي فيه
ثلث الدية. كما عرفته في كل عضو أشل، بل منه يعلم أنه لو جنى عليه حتى
صار أشل وجب ثلثا الدية كما تقدم سابقا، بل وكذا لو صار عنينا على ما صرح به
في كشف اللثام. والمراد بالأشل هنا الذي يكون منبسطا أبدا فلا ينقبض ولو في

(1) كانت عبارة الأصل مغلوطة فصححناها بمعونة عبارة كشف اللثام ج 2 ص 328
(2) قال في ديات الخلاف: " العين القائمة.. وذكر الأشل كل هذا وما في
معناه فيه ثلث دية صحيحه... دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم " ج 2 ص 393.
(3) قال في قصاص الخلاف: " في ذكر العنين ثلث دية الذكر الصحيح... دليلنا
اجماع الفرقة وأخبارهم " ج 2 ص 367. ولم أجد فيه ما يشعر بالخلاف نعم قال في
رياض المسائل: " وفي ذكر العنين ثلث الدية... ومر نقل الاجماع عليه عن الخلاف مع
نقل الخلاف فيه في كتاب القصاص في القسم الثاني منه في قصاص الأطراف " ج 2 ص 604
و 588 ولكن ضمير (منه) يرجع إلى قصاص رياض المسائل لا قصاص الخلاف فراجع فإنه
منشأ الاشتباه ظاهرا.
268

الماء البارد، أو يكون منقبضا أبدا فلا ينبسط ولو في الماء الحار، وإن التذ صاحبه
وأمنى بالمساحقة وأولد.
خلافا للمحكي عن القاضي وأبي علي فأوجبا في ذكر العنين الدية كالصحيح
لاطلاق بعض النصوص السابقة، وخصوص قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر
السكوني (1) " في ذكر العنين الدية " إلا أنه بعد إعراض المشهور عنه ومعارضته
بالاجماع المحكي الذي يشهد له التتبع، يمكن إرادة ديته منه.
(و) على كل حال (فيما قطع منه) أو من الأشل (بحسابه)
بالنسبة إلى مجموع الذكر لا الحشفة كما سمعته في الصحيح، للفرق بينهما
بأن الحشفة في الصحيح هي الركن الأعظم في لذة الجماع، وورد بخصوصها الدية،
بخلافهما لاستواء الجميع في عدم المنفعة وعدم ورود الدية منهما لخصوص الحشفة،
مع كونه عضوا ينسب بعضه إلى مجموعه بناء على الأصل السابق، لكن في كشف
اللثام بعد أن جزم بذلك في ذكر العنين، قال في الأشل " وهل يعتبر بالنسبة
إلى الحشفة أو الجميع وجهان (2) " ولا يخفى ما فيه بناءا على عدم تقدير للحشفة
فيه، بل وعليه أيضا، فإن المتجه حينئذ كونه كالصحيح في اعتبار الحشفة، لا
مجموع الذكر كما سمعته في الصحيح من دون احتماله آخر، والله العالم.
ولو قطع نصف الذكر طولا ولم يحصل في النصف الآخر خلل من شلل
ونحوه فنصف الدية، وإلا فإن ذهب بذلك الجماع فالدية كملا لما تعرفه في
الجناية على المنافع، وإن حدث شلل في الباقي فخمسة أسداس الدية التي هي نصف
الدية لما قطعه وثلثا دية النصف الآخر لأنه أشله.
وفي ذكر الخنثى إذا علم أنها امرأة أو استمر الاشتباه حكومة كما في غيره
من الزوائد، وعن أبي علي ثلث ديتها، ولم نجد له ما يدل عليه كالمحكي عن

(1) الوسائل الباب - 35 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 328
269

المقنع (1) " في ذكر الخنثى وأنثييه الدية " (2) لو علم أنها رجل ففي مفروضه
ديتان إحداهما للذكر والأخرى للأنثيين، وإلا فالحكومة كما هو واضح.
(وفي الخصيتين) معا (الدية) إجماعا بقسميه ونصوصا عموما
وخصوصا، منها ما في الصحيح (3) " في البيضتين الدية " (و) حينئذ ف‍ (في
كل واحدة نصف الدية) وفاقا للمشهور، بل في الرياض كافة المتأخرين، بل
عن ظاهر الغنية الاجماع عليه، لانسياق التوزيع بالسوية التي هي مقتضي
الأصل كما عرفته سابقا، ولعموم (4) ما دل على أن كل ما كان منه في الانسان
اثنان ففي كل واحد نصف الدية، بل في كتاب ظريف (5) " وفي خصيتي الرجل
خمسمأة دينار ".
(و) لكن (في رواية) صحيحة (6) عن الصادق عليه السلام وأخرى
مرفوعة (7) إليه (في اليسرى ثلثا الدية لأن الولد) يخلق (منها) قال
في الأول: " ما كان في الجسد منه اثنان ففيه الدية (8)، قلت: رجل فقأت
عينه، قال: نصف الدية، قلت: قطعت يده، قال: نصفها، قلت: فرجل ذهبت
إحدا بيضتيه، قال: إن كانت اليسار ففيها ثلثا الدية، قلت: أليس قلت: ما كان في

(1) المقنع ص 180.
(2) كأنه سقطت من العبارة هذه الجملة: " والوجه أنه " راجع كشف اللثام ج 2
ص 328.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 و 4.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(5) الوسائل الباب - 18 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(6) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(7) الوسائل الباب - 18 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(8) كذا في ثلاث نسخ راجعناها ولكن في الوسائل والكافي والتهذيب هكذا:
" فقيه نصف الدية مثل اليدين والعينين قلت... ".
270

الجسد منه إتنان ففيه نصف الدية؟! قال: لأن الولد من البيضة اليسرى " وقال
في الثاني: " الولد يكون من البيضة اليسرى فإذا قطعت ففيها ثلثا الدية وفي اليمنى
ثلث الدية ".
وعن الصدوق في الهداية والشيخ في الخلاف والقاضي في المهذب وسلار
وابني حمزة وسعيد العمل بها، بل هو خيرة الفاضل في محكي المختلف، مستدلا
عليه مضافا إلى الخبرين، بما يفهم منهما من تفاوتهما في المنفعة المقتضي للتفاوت في
الدية وإلا فهو بمجرده لا تقتضي التفاوت كما في تفاوت اليدين والعينين، وعلى
كل حال فهو الأقوى تحكيما للخاص الجامع لشرائط الحجية على العام.
(و) ما في المتن من أن (الرواية حسنة لكن تتضمن عدولا عن
عموم الروايات المشهورة) يدفعه أنه لا بأس بذلك خصوصا بعد تعرض الصحيح
للعام المزبور والحكم بتخصيصه، وكذا ما عن السرائر " من أنه لا دليل يعضد
هذه الرواية " (1)، ضرورة عدم اشتراط مثل ذلك في الحجية عندنا، على أنك
قد عرفت اعتبار التفاوت في المنفعة في النص، ونحوهما ما عن المقنعة (2) قال:
" وقد روي أن في اليسرى منهما ثلثي الدية وفي اليمنى ثلث الدية واعتل من
قال ذلك بأن اليسرى من الأنثيين يكون منها الولد وبفسادها يكون العقم ولم
أتحقق ذلك برواية صحت عندي " بل ظاهره أن عدم القول بذلك لعدم عثوره
على الصحيح المزبور لا إعراضا عنه، ولعل غيره كذلك. ومنه يظهر حينئذ
زيادة قوة القول المذكور. وما عن بعض الأطباء من إنكار انحصار التولد في
الخصية اليسرى، بل عن الجاحظ نسبته في حياة الحيوان (3) إلى العامة لا يلتفت

(1) السرائر باب ديات الأعضاء.
(2) المقنعة ص 119 وفيه: " وقد قيل " مكان " وقد روي ".
(3) الظاهر زيادة كلمة " حياة " كما في غاية المراد للشهيد الأول وهو على ما
علمناه أول من نقل هذا عن بعض الأطباء والجاحظ ثم قال: ولا عبرة بذلك مع صحة النقل
عن المعصومين عليهم السلام.
271

إليه في مقابلة قول الصادق عليه السلام.
وكيف كان فما عن الراوندي من التفصيل بين الشيخ الآيس من الجماع
فالنصف، وبين الشاب فالثلثين جمعا بين النصوص واضح الضعف، بعد عدم الشاهد
له. وأضعف منه ما عن أبي علي من أن فيهما الدية وفي اليسرى أيضا الدية، لأن
الولد منها وفي اليمنى نصفها، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص والفتوى، ولا فرق
في الحكم المزبور بين أن يكون الذكر سليمان أو مقطوعا أو أشل لأن النقص في
عضو آخر، بل وكذا العنين وغيره للعموم، ودعوى أن منشأ التعنن في الأنثيين
ممنوعة. والله العالم.
(وفي أدرة الخصيتين) أي انتفاخهما (أربعمأة دينار) بلا خلاف
أجده.
وفي كشف اللثام نسبه إلى قطع الأصحاب (فإن فحج) بسبب ذلك
وهو معروف في العرف، وفي كشف اللثام " أي تباعد رجلاه عقبا وتدانتا صدرا
أو تباعد فخذاه أو وسط ساقيه (فلم يقدر على المشي) أصلا أو ما لا ينتفع
به " (1) (فثمانمأة دينار) كما عن الأكثر القطع به (ومستنده كتاب
ظريف) قال فيه على ما في التهذيب (2) " وفي خصية الرجل خمسمأة دينار وقال:

(1) كذا في الأصل. وفي كشف اللثام هكذا: " أي تباعد رجلاه عقبا وتدانتا
صدرا أو تباعدا فخذاه أو وسط ساقيه فلم يقدر على المشي أو مشى مشيا لا ينتفع به ".
وفي مفتاح الكرامة: " والفحج بفتح الفاء فالحاء المهملة فالجيم ما إذا تباعدت
رجلا أعقابا مع تقارب صدور قدميه أو تباعد فخذاه عن أواسط ساقيه ".
وفي نهاية اللغة: " الفحج تباعد ما بين الفخذين ".
وفي مجمع البحرين: " الفحج تباعد ما بين الرجلين في الأعقاب مع تقارب
صدور القدمين ".
(2) التهذيب ج 10 ص 307 - 308.
272

وإن أصيب رجل فأدر خصيتاه كلتاهما فديته أربعمأة دينار فإن فحج فلم يقدر
على المشي إلا مشيا لا ينفعه فديته أربعة أخماس دية النفس ثمانمأة دينار " لكن
فيه على ما في الكافي (1) " ودية البجرة إذا كانت فوق العانة عشر دية النفس مئة
دينار فإن كانت في العانة فخرقت الصفاق فصارت أدرة في إحدى البيضتين فديتها
مأتا دينار خمس الدية " ويمكن حملها على أن دية البجرة مئة فإن تسببت
للأدرة أضيف إليها أخرى للأدرة خاصة فيتم لها مأتان، ولا يعارض ذلك
ما عن معاوية (2) " قال: تزوج جار لي امرأة فلما أراد مواقعتها رفسته برجلها
ففتقت بيضته فصار أدر فكان بعد ذلك ينكح ولا يولد له، فسألت أبا عبد الله عليه السلام
عن ذلك وعن رجل أصاب صرة (3) رجل ففتقها، فقال: في كل فتق ثلث الدية "
بعد قصور سنده وشذوذه وعدم عامل به فليطرح أو يحمل على إرادة أن في الفتق
ثلث الدية فإن استلزم الأدرة لزم خمساها.
كما لا يناقش في خبر ظريف (4) بضعف سنده كما وقع من بعض، بل هو
ظاهر قول المصنف: (غير أن الشهرة تؤيده) ضرورة تسليمه ضعفه إلا أن الشهرة
جابرة، لكن قد عرفت أنه مروي بعدة طرق فيها الصحيح وغيره، فلا محيص
حينئذ عن العمل به فما عساه يظهر من بعض من الوسوسة في الحكم المزبور والاشكال
فيه في غير محله، والله العالم.

(1) الكافي ج 7 ص 342.
(2) الوسائل الباب - 32 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(3) في الوسائل بالسين وفي الوافي بالضاد المعجمة وقال في مرآة العقول:
في بعض النسخ بالصاد المهملة.
(4) التهذيب ج 10 ص 307.
273

(السادس عشر: الشفران)
(وهما عرفا اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم) كما صرح به
غير واحد من الأصحاب، بل هو كذلك أيضا عن مجمع البحرين، بل عن المبسوط
أنهما والأسكتان شئ واحد، لكن قال: " وهما عند أهل اللغة عبارة عن شيئين،
قال بعضهم: الأسكتان هو اللحم المحيط بشق الفرج والشفران حاشيتا الأسكتين
كما أن للعينين جفنين ينطبقان عليهما وشفرهما هي الحاشية التي ينبت فيها
أهداب العينين، فالأسكتان كالأجفان والشفران كشفري العينين " (1) بل عن
السرائر وموضع آخر من المبسوط تفسيرهما بذلك، بل في كشف اللثام " الفرق
بين الأسكتين والشفرين بما سمعت هو المعروف عند اللغويين " قلت: إلا أن
العرف على ما ذكره الأصحاب وعليه المدار بعد أن لم يعلم حدوثه كما حقق
في محله.
على أن الموجود في النصوص قطع الفرج لا الشفرين، قال الصادق عليه السلام في
خبر عبد الرحمن بن سيابة (2) في كتاب علي عليه السلام: " لو أن رجلا قطع فرج امرأة
لأغرمنه لها ديتها فإن لم تؤد إليها الدية قطعت لها فرجه إن طلبت ذلك " وفي
آخر (3) " رجل قطع فرج امرأة فقال: أغرمه لها نصف ديتها " وهو محمول
على قطع أحدهما كما أن الأول محمول على قطعهما معا، وليس فيهما الشفر،
ولكن الأصحاب عبروا به لتبادره من الفرج عرفا بالمعنى الذي ذكرناه دونه

(1) المبسوط ج 7 ص 149.
(2) الكافي ج 7 ص 313 - الوسائل الباب - 36 - من أبواب ديات الأعضاء
الحديث الأول ولكن أورد صدره فقط.
(3) الوسائل الباب - 36 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
274

بالمعنى الآخر. وحينئذ فتجب الدية في الأسكتين لا في حرفيهما (1) الذين
فيهما من الدية بالحساب إن أمكنت النسبة بالمساحة وإلا فالحكومة كما في
كشف اللثام والرياض، وأولى منه الصلح وكذا في غيره.
واحتمال (2) ثبوت الدية لهما أيضا باعتبار كونهما عضوين في البدن
فيندرجان في العموم السابق واضح الضعف للأصل بعد ظهور العموم في غيره لعدم
تميزه عضوا مستقلا بل هو كطرف الشفتين.
(و) على كل حال ف‍ (- فيهما) معا (ديتها وفي كل واحدة نصف
ديتها) بلا خلاف أجده فيه للقاعدة التي سمعتها غير مرة (وتستوي في الدية)
ونصفها (السليمة والرتقاء) والقرناء والصغيرة والكبيرة والبكر والثيب للعموم
الذي لا مدخلية في تناوله للأمور الداخلة. نعم لو كان بهما استحشاف أو شلل
كان فيهما ثلث الدية بناء على إلحاق الاستحشاف بالشلل الذي قد عرفت الضابط
فيه.
(وفي الركب حكومة) لعدم المقدر له (وهو) في المرأة (مثل
موضع العانة من الرجل) الذي فيه الحكومة أيضا لعدم التقدير له سواء قطعه
منفردا أو منضما إلى الفرج منه أو منها لعدم الدليل على التبعية نحو تبعية الراحة
للأصابع فليس إلا الحكومة كما هو واضح.
(وفي إفضاء المرأة ديتها) بلا خلاف معتد به بل ولا إشكال (و) لكن
(تسقط) ذلك (في طرف الزوج إن كان بالوطي) لا بالأصبع ونحوه (بعد
بلوغها و) أما (لو كان قبل البلوغ ضمن الزوج مع مهرها ديتها والانفاق عليها
حتى يموت أحدهما، ولو لم يكن زوجا وكان مكرها فلها المهر والدية وإن
كانت) حرة (مطاوعة فلا مهر) لأنها بغي (و) لكن (لها الدية)
كما تقدم تحقيق ذلك وغيره موضوعا وحكما بما لا مزيد عليه في كتاب النكاح.

(1) في مفتاح الكرامة " جوفيهما ".
(2) في الأصل هكذا: " وكذا في غير احتمال.. " فصححناها.
275

والحمد لله فلاحظ وتأمل.
(ولو كانت المكرهة بكرا هل يجب لها أرش البكارة زائدا عن المهر فيه
تردد والأشبه) عند المصنف والفاضل (وجوبه)، بل عن المبسوط أنه
مذهبنا، لأصالة تعدد المسببات بتعدد الأسباب فتفرض حينئذ أمة وتقوم بكرا
تارة وثيبا أخرى فيأخذ التفاوت مع مهر المثل ودية الافضاء.
ولكن قد يقوى دخوله في المهر الذي اعتبر البكارة فيه، للأصل بعد خلو
النصوص الواردة في مقام البيان عنه، بل ظاهر اقتصارها على غيره عدمه، ولقول
الصادق عليه السلام لعبد الله بن سنان المتقدم (1) في دية الشعر (إن شعر المرأة وعذرتها
شريكان في الجمال فإذا ذهب بأحدهما وجب لها المهر كملا ".
أما المطاوعة فظاهر العبارة عدمه لها كالمهر لكنه لا يخلو من نظر بناء على
أن الإذن في الجناية من المجني عليه لا يسقط أرشها.
هذا كله في الحرة أما الأمة فقد قيل إن عليه أرش البكارة مطلقا مطاوعة
أو مكرهة، وقدر في الأخبار (2) بنصف عشر قيمتها. قلت: هو مبني على أن
مطاوعة الأمة لا يسقط حق عوض البضع الذي هو للسيد وإن كانت هي بغيا كما
تقدم تحقيق ذلك في محله.
(و) كيف كان ف‍ (يلزم ذلك في ماله) أما المهر والأرش إن قلنا به
فظاهر وأما الدية ف‍ (- لأن الجناية إما عمد أو شبيه العمد) بذلك غالبا
وكل منهما يقتضي التعلق بالمال، وعن المبسوط (3) " وإنما يكون عمدا
محضا إذا كانت صغيرة وبدنه كبير ويعلم أن مثلها لا يطيق ذلك فمتى فعل ذلك فقد
أفضاها عمدا محضا فالدية مغلظة حالة في ماله وإن وجبت عن عمد الخطأ فالدية

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأول.
(2) راجع الوسائل الباب - 5 - من أبواب أحكام العيوب من كتاب التجارة،
وقال في مفتاح الكرامة: وقدر في بعض الأخبار بعشر قيمتها ج 10 ص 452.
(3) المبسوط ج 7 ص 150 - 151.
276

مغلظة مؤجلة عندنا في ماله وعندهم على العاقلة قال: وعمد الخطأ أن تكون
كبيرة قد يفضي مثلها وقد لا يفضي، فإن وجد الافضاء علمنا أنه عامد في فعله
مخطئ في قصده فلهذا كان عمد الخطأ قال: وأحال بعضهم أن يتصور في الافضاء
خطأ محض " قلت: يتصور في الصغير والمجنون والنائم بل وفيما إذا كان له زوجة
قد وطأها ويعلم أن وطيها لا يفضيها فأصاب على فراشه امرأة فأفضاها ويعتقدها
زوجته فإنه أيضا خطأ محض، والله العالم.
(السابع عشر:)
(قال في المبسوط في الأليتين الدية وفي كل واحدة منهما نصف الدية
ومن المرأة ديتها وفي كل واحدة منهما نصف ديتها) ووافقه عليه غير واحد
ممن تأخر عنه (وهو حسن تعويلا على الرواية (1) التي مرت في فصل
الشفتين) التي هي " كلما كان في الانسان منه اثنان ففيها الدية وفي أحدهما
نصفها " ضرورة كونهما عضوين متميزين، فيهما الجمال والمنفعة، إذ المراد بهما
اللحم الناتي بين الظهر والفخذين، نعم الظاهر كما عن المبسوط والوسيلة والتحرير
وغيرها اعتبار الوصول إلى العظم في وجوبها لأنهما اسم لمجموع ذلك عرفا،
وإلا فبعض الدية بالحساب إن أمكن وإلا فالحكومة كما قيل، أو الصلح الممكن
إرادته من الحكومة هنا، فإن لم يمكن الصلح فليس إلا الأقل للأصل، لكن
في قواعد الفاضل بعد أن فسرهما بما سمعت قال: " فإذا قطع ما أشرف منهما
على البدن فالدية وإن لم يقرع العظم " (2) وظاهره الاكتفاء بقطع المشرف
منهما حتى ينتهي إلى مساواة الظهر والفخذ، بل لعل فيما زاد على ذلك الحكومة

(1) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء.
(2) مفتاح الكرامة ج 10 ص 455.
277

مع الدية، وهو مبني على خروج الباقي عن مسماها عرفا، وفيه منع إذ الظاهر
أنهما عرفا اسم لمجموع هذا اللحم إلى العظم، والله العالم.
(الثامن عشر: الرجلان)
(وفيهما الدية وفي كل واحدة نصف الدية) إجماعا بقسميه ونصوصا
عموما وخصوصا من غير فرق بين اليمنى واليسرى كما سمعته في اليدين (وحدهما
مفصل الساق) بلا خلاف أجده فيه، لأنه الذي يدل عليه العرف واللغة فإن
قطعتا معا من الأصابع فدية كاملة، وفي الرجل الواحدة نصفها والبحث في قطع
بعض الساق معها كالبحث في قطع بعض الساعد وكذا الكلام في القطع من مفصل
الركبة أو من أصل الفخذين على حسب ما سمعته في اليد.
(وفي الأصابع منفردة دية كاملة) بلا خلاف أجده فيه، بل ربما ظهر
من بعض نفيه بين المسلمين، بل الاجماع بقسميه عليه بل (و) على أنه
(في كل إصبع عشر الدية) نحو ما سمعته في أصابع اليدين نصا (و) فتوى
حتى في (الخلاف في الابهام هنا) بالسوية أو بالتفاوت (كما) سمعته
مفصلا (في اليدين) إذ الحكم فيهما متحد نصا وفتوى في ذلك كله (و) في
أن (دية كل إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية وفي الابهام على
اثنين)، بل وفي حكم الرجل الزائدة، إذ هي كاليد الزائدة التي قد عرفت الحال
فيها مفصلا.
ولكن عن المبسوط والتحرير هنا في الرجلين تفصيلا، وهو " أن إحدى
الرجلين إذا كانت أطول من الأخرى ولا يمكنه المشي على القصيرة لمنع الطويلة
من وصولها إلى الأرض، فإذا قطع قاطع الطويلة فإن لم يقدر على المشي على
القصيرة حينئذ فعليه القود أو الدية لظهور أنها أصلية، وإن قدر على المشي على
القصيرة فعليه دية الزائدة وهو ثلث الأصلية أو الحكومة على ما اخترناه، لظهور
278

أن القصيرة هي الأصلية وإنما تعذر المشي عليها لطول الزائدة، فإن قطعت
القصيرة بعد الطويلة ففيها القود أو دية الأصلية " (1) إلا أنه لا يخفى عليك
ما فيه ضرورة ظهور منع ذلك كله مع أنه ينبغي أن يأتي مثله في اليدين.
ثم قال: " ولو جنى على الطويلة فشلت ففيها ثلث الدية لأن الظاهر
أصالتها ولا يمكن الصبر لينظر هل يمشي على القصيرة أولا فإن قطعها آخر بعد
الشلل ففيه ثلث دية الرجل فإن لم يقدر على المشي على القصيرة استقر الحكم
وإن قدر ظهر زيادة الطويلة فيسترد من الدية الباقي " (2) وفيه المنع السابق أيضا
إذ إمكان المشي عليها لا يقتضي أصالتها التي يرجع فيها إلى مستوى الخلقة،
فربما يتمكن من ذلك مع أنها زائدة وربما لا يتمكن مع كونها أصلية كما هو
واضح، والله العالم.
(وفي الساقين الدية وكذا في الفخذين وفي كل واحدة نصف الدية)
نحو ما سمعته في الساعد والعضد بالنسبة إلى قطعهما مستقلين أو منضمين وحينئذ
ففي قطع الساق أو الفخذ أو بعضهما مع ما تحته ما تقدم في قطع الذراع أو العضد
أو بعضهما وما تحته، من الكلام وعبارة المبسوط المحكية عنه كعبارته هناك قال:
" وحد ما يجب فيه نصف الدية أن يقطع مفصل الساق والقدم وهو الذي يقطع
من السارق (3) عندهم وإن قطعها من نصف الساق ففيها دية وحكومة وإن قطعها
من الركبة فكذلك وإن قطعها من الفخذ فكذلك لأنه كل ما قطع معها أكثر كانت

(1) العبارة مطابقة لما في التحرير ج 2 ص 273 إلا أن فيه " الفاضل "
مكان " الباقي " ولكن في المبسوط ج 7 ص 145 هكذا: " فإن جنى على الطويلة فشلت
ففيها الدية في الحال كاملا عندهم وعندنا ثلثاها... " وأيضا بين عبارته وعبارة التحرير
اختلافات أخر فراجع.
(2) العبارة مطابقة لما في التحرير ج 2 ص 273 إلا أن فيه " الفاضل "
مكان " الباقي " ولكن في المبسوط ج 7 ص 145 هكذا: " فإن جنى على الطويلة فشلت
ففيها الدية في الحال كاملا عندهم وعندنا ثلثاها... " وأيضا بين عبارته وعبارة التحرير
اختلافات أخر فراجع.
(3) كذا في كشف اللثام ومفتاح الكرامة وبعض نسخ الجواهر ولكن في المبسوط
المطبوع حديثا وبعض نسخ الجواهر " الساق " وهو تصحيف ظاهرا.
279

الحكومة أكثر وعندنا في جميع ذلك مقدر كلما قلناه في اليد ذكرناه في الكتاب
المتقدم ذكره إلى آخره " (1) وحينئذ فيجري فيها ما سمعته في اليد، وبالجملة
الرجل كاليد وأصابعها، فلاحظ وتأمل.
(مسائل)
(الأولى:)
(في الأضلاع مما خالط القلب لكل ضلع إذا كسرت خمسة وعشرون
دينارا، وفيها مما يلي العضدين لكل ضلع إذا كسرت عشرة دنانير) كما صرح
به ابنا حمزة وإدريس والفاضل والشهيدان وغيرهم بل لا أجد فيه خلافا. نعم عن
ابن إدريس أنه أطلق المقدار الأول في مطلق الضلع ولم يفصل، وفيه على تقدير
خلافه أنه لا مستند للحكم المزبور إلا ما في كتاب الظريف (2) الذي قد عرفت
اعتباره في بعض طرقه، وهو صريح في التفصيل، قال: " وفي الأضلاع فيما خالط
القلب من الأضلاع إذا كسر منها الضلع فديته خمسة وعشرون دينارا، وفي صدعه
اثنا عشر دينارا ونصف، ودية نقل عظامه سبعة دنانير ونصف، وموضحته على
ربع كسره، ونقبه مثل ذلك، وفي الأضلاع مما يلي العضدين دية كل ضلع عشرة
دنانير إذا كسر، ودية صدعه سبعة دنانير، ودية نقل عظامه خمسة دنانير، وموضحة
كل ضلع منها ربع دية كسر ديناران ونصف، فإن نقب ضلع منها فديتها ديناران
ونصف ".

(1) المبسوط ج 7 ص 143.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ديات الصدر والأضلاع الحديث الأول.
280

وفي كشف اللثام (1) " ونحوه عن الرضا عليه السلام ". ثم إن ظاهره كظاهر
المتن وغيره، بل هو المحكي عن صريح التحرير، أن الأضلاع قسمان، منها
ما يخالط القلب ففيه خمسة وعشرون دينارا ومنها ما لا يخالطه ويلي العضدين وهي
الأعالي منها ففيه عشرة، لكن في التنقيح " يريد بالمخالطة الجانب الذي عند القلب
وبعدم المخالطة خلاف ذلك فالضلع الواحد إن كسر من الجهة الأولى ففيه أعلى
الديتين وإن كسر من الجهة الثانية ففيه أدناهما " (2) وتبعه ثاني الشهيدين،
وهو كما تري غير ظاهر الوجه.
المسألة (الثانية:)
(إذا كسر بعصوصه) وهو على ما في القاموس وكشف اللثام عظم الورك،
وقيل: هو العصعص بضم عينيه، وهو عجب الذنب بفتح عينه، أعني عظمه الذي
يجلس عليه، ويقال: إنه أول ما يخلق وآخر ما يبلى، وربما قيل: إنه تصحيف
ولذا لم يذكره أهل اللغة، ولكن قد سمعت ما في القاموس، وفي كشف اللثام قد
ذكره ابن عباد في المحيط بالمعنيين، وعن الرواندي البعصوص عظم رقيق حول
الدبر.
(و) على كل حال لو كسره كاسر على وجه (لا يملك غائطه كان
فيه الدية) كما في القواعد والنافع ومحكي الوسيلة والسرائر والجامع وغيرها
(وهي رواية سليمان بن خالد) (3) " سأل الصادق عليه السلام عن رجل كسر
بعصوصه فلم يملك أسته فما فيه من الدية؟ قال: الدية كاملة " الحديث.
(و) كذا (من ضرب عجانه) بكسر العين وهو ما بين الخصيتين والفقحة

(1) كشف اللثام ج 2 ص 328، الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام ص 44.
(2) التنقيح ص 835 من مخطوط عندنا.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ديات المنافع، الحديث الأول.
281

(فلم يملك بوله ولا غائطه ففيه الدية) كما في الكتب السابقة (وهي رواية
إسحاق بن عمار (1)) سمع الصادق عليه السلام يقول: " قضى أمير المؤمنين عليه السلام
بذلك ".
وفي المسالك " أن العمل بهما أي الروايتين مشهور وكثير من الأصحاب
لم يذكروا في ذلك خلافا " (2) قلت: وهو كذلك كما اعترف به في الرياض،
بل صرح به الصيمري وزاد " بل فتاوى الأصحاب مطابقة " وحينئذ فيجبر
الخبران المزبوران بذلك، فما عساه يشعر به ما في المتن من النسبة إلى الرواية
من التردد فيه في غير محله، والله العالم.
المسألة (الثالثة:)
(في كسر) كل (عظم من عضو) له مقدر (خمس دية ذلك العضو
فإن صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره) كما نص عليه الشيخان والديلمي
والحلي وأبو المكارم والكيدري والفاضلان وغيرهم على ما حكى عن بعضهم، بل
هو المشهور، بل عن الغنية الاجماع عليه، نعم عن الخلاف (3) " إذا كسرت
يده فجبرت فإن انجبرت على الاستقامة كان عليه خمس دية اليد وإن انجبرت
على عثم كان عليه دية كسره " مستدلا عليه بالاجماع والأخبار، وربما يوافقه
في الجملة ما في كتاب ظريف (4) على ما عن الكافي " إن في كسر كل من المنكب والعضد

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ديات المنافع الحديث 2.
(2) المسالك ج 2 ص 504.
(3) الخلاف ج 2 ص 388 وفيه هكذا: " وإن انجبرت على عثم كان عليه ثلاثة
أرباع دية كسره ".
(4) الكافي ج 7 ص 334 - 336 وليس فيه قيد " إذا جبرت على غير عثم "
للمنكب نعم هو موجود في غير المنكب فراجع.
282

والمرفق والكف إذا جبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية اليد، وكذا الساعد إذا
كسر قصبتاه جميعا، فإن كسرت إحدى الزندين فخمسون دينارا ".
وعن الفقيه والتهذيب والجامع (1) " أن فيه إذا كسر فجبر على غير عثم
ولا عيب ثلث دية النفس ثلاثمأة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار فإن كسر
إحدى القصبتين من الساعد فديته خمس دية اليد مئة دينار وفي أحدهما أيضا
في الكسر لأحد الزندين خمسون دينارا وفي كليهما مئة دينار " انتهى.
وفي الكتاب أيضا " إن في كسر قصبة الابهام من اليد أو الرجل قصبتها
التي تلي الكف أو القدم خمس دية الابهام إن جبرت من غير عثم ولا عيب وفي
كسر المفصل الأعلى منها ستة عشر دينارا وثلثي دينار إن انجبرت كذلك وفي كسر
المفصل الأسفل الذي يلي الكف من كل من الأصابع الأربع ستة عشر دينارا وثلثي
دينار وهو يزيد على خمس دية الإصبع بدينار وثلث، وفي كسر مثله من أصابع
الرجل الأربع ستة عشر دينارا وثلثا، وفي كسر المفصل الأوسط من الأصابع
الأربع للكف أحد عشر دينارا وثلثا ومن أصابع الرجل أحد عشر دينارا وثلثي
دينار، وفي كسر المفصل الأعلى في كل من أصابعهما خمسة دنانير وأربعة أخماس
دينار، ولم يقيد الكسر في الأصابع بالانجبار على غير عثم وعيب، وفي الكف إذا
كسرت فانجبرت على غير عثم ولا عيب أربعين دينارا، وفي كل من الورك والفخذ
والركبة والساق والقدم إذا كسر فانجبر على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجل
ولعل المراد في كل من الوركين والفخذين وكذا البواقي ونص فيه على أن
كلا من الفخذ والساق إن عثمت ففيها ثلث دية النفس، وقد ذكر في صدع أكثر
هذه الأعضاء أن فيه أربعة أخماس دية كسرها " (2) وفي الوسيلة " إن في

(1) الفقيه ج 4 ص 84 - التهذيب ج 10 ص 300 والجامع لابن سعيد مخطوط
ليس عندي.
(2) هذه عبارة كشف اللثام ج 2 ص 327 حكاها المصنف بطولها وهي من كتاب
ظريف ملخصا، راجع الفقيه ص 84.
283

كل كسر كل من العضد والمنكب والمرفق وقصبة الساعد وأحد الزندين أو الكفين
خمس دية اليد، وفي كسر الأنملة الأولى من الابهام ثلث دية كسر الكف وفي
الثانية نصف دية كسر الكف، وفي كسر المفصل الثاني من الأصابع سوى الابهام
أحد عشر دينارا وثلثا، وفي كسر الأول نصفه وفي صدع العضو أربعة أخماس دية
الكسر " (1) إلا أنه كما ترى لم نجد ما يدل على تمام ما ذكره.
(و) كيف كان المشهور أيضا (في موضحته ربع دية كسره)، بل عن
الشيخ في الخلاف الموافقة هنا مدعية عليه الاجماع، كالمحكي عن الغنية، وهما
الحجة حينئذ بعد ما في الذي عرضه (2) يونس وابن فضال على أبي الحسن عليه السلام
من قوله: " ودية موضحته ربع دية كسره " وبعد ما في كتاب ظريف (3) أيضا
في أكثر الأعضاء، (4) بل وفي نقبه أيضا.
لكن فيه " أن في كسر الكف أربعين دينارا وفي موضحتها خمسة وعشرين
دينارا وفي كسر قصبة إبهام الرجل ستة وستين دينارا وثلثي دينار وفي موضحتها
ونقبها خمس ذلك ثمانية دنانير وثلث دينار وإن في كسر المفصل الأوسط من
الأصابع الأربع للرجل أحد عشر دينارا وثلثي دينار وفي موضحته دينارين وفي
المفصل الأعلى منها خمسة دنانير وأربعة أخماس دينار وفي موضحته ونقبه دينارا
وثلثا ".
وفي خبر إسحاق (5) بن عمار عن الصادق عليه السلام " إن في الأصابع إذا

(1) الوسيلة كتاب الديات ص 3 من فصل في بيان أحكام الشجاج.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج والجراح الحديث 3.
(3) راجع كتاب ظريف في الفقيه ج 4 ص 75 - 92.
(4) كذا في الأصل وفي كشف اللثام وفي بعض النسخ: " في كسره " مكان " في
أكثر الأعضاء ".
(5) الكافي ج 7 ص 327 والفقيه ج 4 ص 137 والوسائل الباب - 13 - من
أبواب قصاص الطرف الحديث 2 وليست في أحد من هذه الثلاثة كلمة " نصف " نعم هي
موجودة في كشف اللثام ج 2 ص 328 فراجع.
284

وضح العظم نصف عشر دية الإصبع " إلا أن ذلك كله قاصر عن معارضة ما سمعته
مما يدل على المشهور.
(وفي رضه ثلث دية) ذلك (العضو) إن لم يبرأ أو عثم (فإن برأ
على غير عيب فأربعة أخماس دية رضه) كما نص عليه من عرفت أيضا، بل
عن الغنية الاجماع عليه، نعم عن المراسم إطلاق الثلث من غير تفصيل بين البرء
من غير عيب وعدمه، وفي نكت المصنف " إن هاتين المسألتين أي الكسر والرض
ذكرهما الشيخان وتبعهما المتأخرون ولم يشيروا إلى المستند " (1) وهو كذلك
إذا العمدة في هذه المقادير كتاب ظريف والموجود فيه في رض كل من المنكب
والمرفق والورك والركبة إذا انجبر على عثم ثلث دية النفس (2) ولعلهم حملوه
على رض المنكبين والمرفقين وكذا الباقيان وفيه أيضا " أن في رض الرسغ
إذا انجبر على غير عثم ولا عيب ثلث دية اليد مئة وستة وستون دينارا وثلثا دينار
وفي الكعب إذا رض فجبر على غير عثم ولا عيب ثلث دية الرجل ثلاثمأة وثلاثة
وثلاثون دينارا وثلث دينار (3) ".
وقال ابن حمزة: " فإن رض أحد خمسة أعضاء المنكب والعضد والمرفق
والرسغ والكف (4) وانجبر على عثم ففيه ثلث دية اليد فإن جبر على غير عثم
ففيه مئة دينار وقيل: مئة وثلاثون دينارا وثلث " (5) انتهى.
(وفي فكه من العضو بحيث يتعطل العضو ثلثا دية العضو فإن صلح على

(1) نكت النهاية كتاب الديات صفحتان قبل آخر الكتاب.
(2) الفقيه ج 4 ص 83 و 84 و 88 و 89.
(3) الفقيه ج 4 ص 84 و 89.
(4) كذا في الوسيلة وكشف اللثام وثلاث نسخ من الجواهر عندنا ولكن في مفتاح
الكرامة " الكتف ".
(5) الوسيلة كتاب الديات ص 4 من فصل في بيان أحكام الشجاج.
285

غير عيب فأربعة أخماس دية فكه) كما صرح به من عرفت عدا ابن زهرة
منهم، ولعل وجه الأول اندراجه في الشلل، ولكن في كتاب ظريف (1)
" في فك كل من المنكب والمرفق والورك والركبة ثلاثون دينارا ".
وفي كشف اللثام " ونحوه عن الرضا عليه السلام " (2) " وفي فك الكف
ثلث دية اليد مئة وستة وستون دينارا وثلثا دينار " قال: " وكذا روي عن
الرضا عليه السلام " (3) " وفي فك قصبة الابهام من اليد أو الرجل التي تلي الكف
أو القدم عشر دنانير، وفي فك المفصل الأعلى من إبهام الرجل خمسة دنانير، وكذا
في فك المفصل الثالث من سائر أصابع اليد أو الرجل، وفي فك المفصل الأوسط
والأعلى من سائر أصابع اليد ثلاثين دينارا وثلثا دينار وفي فك الأوسط من
أصابع الرجل ثلاثة دنانير، وفي فك الأعلى من سائر أصابع الرجل ديناران
وأربعة أخماس دينار " كذا عن الكافي (4).
وفي الفقيه والتهذيب والجامع " في فك أوسط سائر أصابع الرجل أيضا
ثلاث دنانير وثلثا دينار، وفي أعلى مفاصل سائر أصابع الرجل دينار وأربعة أخماس
دينار " (5) وقال ابن حمزة: " فإذا فك كفا وتعطلت ففيها ثلثا دية اليد،
فإن صلحت والتأمت ففيها أربعة أخماس دية الفك، وفي فك أنملة الابهام عشرة
دنانير، وفي فك المفصل الثاني منها نصف دية فك الكف، وفي فك كل مفصل
من غير الابهام ثلاثة دنانير وثلث، وفي فك العضد أو المرفق أو المنكب ثلاثون
دينارا، فإن تعطل العضو بالفك ففيه ثلثا دية اليد فإن انجبر والتأم ففيه أربعة

(1) الكافي ج 7 ص 334. 339.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 328 الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام ص 43 - 44.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 328 الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام ص 43 - 44.
(4) الكافي ج 7 ص 334 - 339.
(5) الفقيه ج 4 ص 86 والتهذيب ج 10 ص 303.
286

أخماس دية الفك " (1).
وعلى كل حال فمن ذلك كله يظهر ما في المسالك من " أن مستند
المشهور أي في الكسر والإيضاح والرض والفك كتاب ظريف، وطريقه ضعيف،
ولذا نسبه المصنف إلى الشيخين في النافع مشعرا بنوع تردد فيه " ضرورة أنك
قد عرفت إمكان تصحيح بعض طرق الكتاب المزبور، لكنه كما عرفت غير مشتمل
على جميع الأحكام المزبورة، فالعمدة الاجماع المزبور معتضدا بالشهرة وغيرها.
وأما الأخير فهو مع إمكان إدراج الجزء الأول منه في الشلل يمكن تحصيل
الاجماع عليه أيضا إذ لم أجد فيه خلافا ولا حكاه أحد من الناس كما اعترف به
بعض الأفاضل، مضافا إلى إمكان دعوى الاجماع المركب وإلى إمكان دلالة
ما في كتاب ظريف عليه ولو في الجملة ويتم بعدم القول بالفصل، ومع ذلك لا ينبغي
ترك الاحتياط بمراعاة الصلح ونحوه، والله العالم.
المسألة (الرابعة:)
(قال في المبسوط والخلاف: في الترقوتين) وهي العظمان اللذان بين ثغرة
النحر والعانق (الدية وفي كل واحدة منهما مقدر عند أصحابنا ولعله إشارة إلى
ما ذكره الجماعة عن ظريف (2) وهو في الترقوة إذا كسرت فجبرت على غير عيب
أربعون دينارا) ونحوه عن الرضا عليه السلام على ما في كشف اللثام (3)، بل في غاية
المرام للصيمري نسبه إلى الشهرة، بل عن الخلاف الاجماع على التقدير فيهما، وكفى
بذلك كله حجة لمثله، فما عساه يظهر من نحو العبارة من التردد فيه في غير محله
خصوصا بعد أن عرفت اعتبار بعض طرق الكتاب المزبور نعم ليس في شئ من النص

(1) الوسيلة ص 3 من فصل في بيان أحكام الشجاج.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(3) الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام ص 43.
287

حكمهما إذا لم يجبرا أو جبرا على عيب فيتجه فيه الحكومة حينئذ للضابط مراعيا
لوجوب أكثر الأمرين منها ومن المقدار المزبور لكن في الوسيلة وشرح الصيمري
وعن المهذب الدية فيها ونصفها في إحداهما للعموم السابق، إلا أن في شموله
لمثله نظرا هذا.
وفي كتاب ظريف والوسيلة في صدعها أربعة أخماس دية كسرها وفي الأول
منهما " فإن أوضحت فديتها خمسة وعشرون دينار وذلك خمسة أجزاء من ثمانية
من ديتها إذا انكسرت فإن نقل منها العظام فديتها نصف دية كسرها عشرون دينارا
فإن نقبت فديتها ربع دية كسرها عشرة دنانير (1) " ولكن المتجه الحكومة في
ذلك بعد إعراض الأصحاب، والله العالم.
المسألة (الخامسة:)
(من داس بطن انسان حتى أحدث) بالبول أو الغائط (ديس بطنه أو
يفتدى) من (ذلك بثلث الدية) كما عن الشيخين وابن حمزة (وهي رواية)
النوفلي (2) عن (السكوني) عن الصادق عليه السلام " قال: رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام
عن رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه فقضى عليه أن يداس بطنه حتى
يحدث أو يغرم ثلث الدية " (وفيها ضعف) مشهور يمنع من العمل به فيما خالف
الأصول التي منها عدم القصاص مع التغرير بالنفس، على أنها قضية في واقعة،
ولذا قال ابن إدريس فيما حكي عنه: " الذي يقتضيه مذهبنا خلاف هذه الرواية
لأن فيه تغريرا بالنفس فلا قصاص بذلك بحال " (3) وتبعه جماعة ممن تأخر

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب قصاص الطرف الحديث الأول.
(3) السرائر كتاب الديات باب ديات الأعضاء والجوارح ص 6.
288

عنه مختارين الحكومة، بل لعله ظاهر المصنف والفاضل وغيرهما ممن صرح
بضعف الرواية وإن لم يصرحوا بالحكومة.
لكن فيه يقال بانجبار الرواية بفتوى الأكثر المحكي في الروضة، بل
وبالإجماع المحكي عن الخلاف، مضافا إلى دعوى الشيخ الاجماع على قبول
رواية السكوني (1) الذي لا ينفك عنه غالبا النوفلي، الذي يشهد له ملاحظة عمل
الأصحاب بها في كثير من الأبواب، واعتناء المحمدين الثلاثة في كتبهم الأربعة بها،
ومن هنا عد حديثه قويا. وكون الخبر قضية في واقعة لا ينافي فهمهم التعدية منه
كما في نظائره. نعم ينبغي الاقتصار على البول والغائط الظاهرين من الاحداث في
الثياب دون الريح التي ألحقها بعضهم بهما، مع أن المتجه فيه الحكومة، بل قطع
بها بعض الأفاضل وهو كذلك لما عرفت، والله العالم.
المسألة (السادسة:)
(من افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها فعليه ثلث ديتها)
لخبر ظريف (2) بن ناصح المعتضد بما في خبر معاوية (3) بن عمار من قوله عليه السلام:
" في كل فتق ثلث الدية " (و) لكن (في رواية) هشام بن إبراهيم (4) عن
أبي الحسن عليه السلام أن في ذلك (ديتها)، بل عن الفقيه (5) " إن أكثر روايات
أصحابنا أن في ذلك الدية كاملة " وإن كنا لم نعثر على غير الرواية المزبورة، اللهم
إلا أن يريد ما تسمعه في سلس البول (6) (و) لعله لذا قال المصنف وغيره:

(1) عدة الأصول ج 1 ص 56.
(2) الفقيه ج 4 ص 92.
(3) الوسائل الباب - 32 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(4) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
(5) الفقيه ج 4 ص 92.
(6) راجع الباب - 9 - من أبواب ديات المنافع.
289

ف‍ (هي أولى) مضافا إلى أن استمساك البول منفعة واحدة فتجب في تفويتها الدية
كما ستعرفه في نظائره، وإلى عدم القائل بالرواية الأولى كما اعترف به بعضهم،
فلا تصلح معارضة للأخيرة المعتضدة بالشهرة الظاهرة والمحكية التي بها يجبر
ضعف الرواية.
(و) عليه أيضا (مثل مهر نسائها) لخبر أبي عمر الطبيب (1) أيضا
عن الصادق عليه السلام، وما مر من خبر عبد الله (2) بن سنان الوارد في الشعر ولعله
إليهما أشار في محكي السرائر بقوله: " وفي رواية أخرى مهر نسائها " ولخبر
السكوني (3) " أن عليا عليه السلام رفع إليه جاريتان دخلت الحمام فافتضت إحداهما
الأخرى بإصبعها فقضى على التي فعلت عقلها " بناء على أن المراد من ذلك
مهرها كما عن جماعة، ويحتمل إرادة ديتها، بل عن مجمع البحرين تفسير الخبر
المزبور به (4)، وحينئذ يكون معاضدا للرواية المزبورة، ولا يقدح خلوهما
عن المهر بعد تكفل غيرهما به وبعد الاتفاق - كما في الرياض - على ثبوته، بل
وإلى قاعدة عدم التداخل بعد أن كانا جنايتين، بل قد يحتمل مع ذلك أرش البكارة
المقدر في الأخبار بعشر القيمة إن كانت أمة فتفرض الحرة حينئذ أمة وتقوم، بل
قيل: إنه يشعر به القوية المتقدمة (5) في إفضاء المرأة، إلا أنك قد عرفت هناك
ما يقتضي قوة دخوله في المهر فلاحظ وتأمل.

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 45 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(4) مجمع البحرين مادة عقل.
(5) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
290

(المقصد الثاني)
(في الجناية على المنافع)
(وهي سبعة)
(الأول: العقل)
(وفيه الدية) كاملة بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد
منهم الشيخ وابن زهرة في محكي المبسوط والغنية، مضافا إلى النصوص التي منها
خبر إبراهيم (1) عن الصادق عليه السلام " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ضرب رجلا
بعصا فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه وانقطع جماعه وهو حي بست
ديات " بل وإلى ما دل (2) على وجوب الدية في كل ما كان في الانسان منه واحد،
بل ظاهر الفتوى ومعقد نفي الخلاف وغيرهما عدم الفرق في ذلك بين الضرب على الرأس
وغيره أو غيره مما ليس بجرح أو ضرب كما لو أفزعه حتى ذهب عقله وهو واضح
(وفي بعضه الأرش في نظر الحاكم إذ لا طريق إلى تقدير النقصان) كي توزع عليه
الدية فيرجع إلى الحكومة كما في غيره.
(و) لكن (في المبسوط) والوسيلة وقواعد الفاضل (يقدر بالزمان
فلو جن يوما وأفاق يوما كان الذاهب نصفه أو جن يوما وأفاق يومين كان الذاهب

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ديات المنافع الحديث 6.
(2) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء.
291

ثلثه) وهكذا، بل في مجمع البرهان " لا كلام إن علم نسبة الذاهب إلى الباقي،
ولكن العلم به مشكل، ولا سبيل إليه إلا نظر الحاكم ومن عاشره من الحذاق
فيمكن امتحانه باليوم (1) والأيام وبمعقولية كلامه وضبط أحواله، فإن علم
النسبة عمل بها وإلا فالحكومة (2) " قلت (و) لكن (هو) كما ترى مجرد
(تخمين) بل يمكن القول بعدم أجزاء للعقل على وجه توزع عليها الدية فليس
إلا الحكومة أو الصلح، بل يمكن القطع به فيما إذا لم يزل العقل ولا نقص نقصانا
مقدرا ولكن اختل فصار مدهوشا يستوحش مع الانفراد ويفزع من غير شئ يفزع
في العادة، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لا قصاص في ذهابه ولا في نقصانه) بلا خلاف أجده فيه
(لعدم العلم بمحله) المختلف فيه أنه القلب أو الدماغ أو غيرهما، بل ومع العلم به
لما فيه من التغرير ولو بسقي المجنن كما هو واضح (ولو شجه) مثلا
أو قطع يده (فذهب عقله لم تتداخل دية الجنايتين) للأصل والخبر
المزبور (3).
(و) لكن (في رواية) صحيحة (إن كان بضربة واحدة تداخلتا)
وهي صحيحة أبي عبيدة الحذاء " سأل أبا جعفر عليه السلام عن رجل ضرب رجلا بعمود
فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ وذهب عقله،
قال: فإن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة (4) أو لا يعقل ما قال ولا ما قيل
له، فإنه ينتظر به سنة، فإن مات فيما بينه وبين سنة أقيد به ضاربه، وإن لم يمت فيما بينه

(1) في مجمع البرهان هكذا: " باليوم فإن كان نصف يوم عاقلا ونصفه مجنونا
فنصف الدية أو بالأيام أو بمعقولية كلامه... "
(2) مجمع البرهان كتاب الديات المقصد الخامس.
(3) يعني خبر إبراهيم الذي مر آنفا.
(4) كذا في الأصل ولكن في الكافي والفقيه والتهذيب " و " بدل " أو ".
292

وبين سنة ولم يرجع إليه عقله أغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله، قال: فما
ترى في الشجة شيئا؟ قال: لا إنما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين
فألزمته أغلط الجنايتين وهي الدية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين
لألزمته جناية ما جنتا كائنة ما كانت إلا أن يكون فيهما الموت فيقاد به
ضاربه (1) ولو ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها
العشر ضربات كائنة ما كانت ما لم يكن فيها الموت (2) ".
بل عن الشيخ في النهاية وابن سعيد في الجامع العمل بمضمونها، كما عن ابن
إدريس إطلاق أن ليس في ذلك سوى الدية، على ما حكاه عنه في كشف اللثام (3)
وفي التنقيح (4) حكي عنه الموافقة لما في النهاية، وحكى غيرهما عنه أنه قال
بعد الحكم بعدم التداخل:
" وقد قلنا من قبل (5) فإن كان أصابه مع ذهاب العقل موضحة أو مأمومة
أو غيرهما من الجراحات لم يكن فيه أكثر من الدية كاملة إلا أن يكون ضربه
ضربتين أو ثلاثا فجنت كل ضربة جناية كان عليه حينئذ جنايتها، وأوردنا (6)

(1) كذا في اللثام ولكن في مصادر الحديث هكذا: " فيقاد به ضاربه بواحدة
وتطرح الأخرى قال: وإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات
ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه
قال: فإن ضربه عشر... "
(2) الكافي ج 7 ص 325 الفقيه ج 4 ص 131 التهذيب ج 10 ص 253
والوسائل الباب - 7 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول كشف اللثام ج 2 ص 330
مفتاح الكرامة ج 10 ص 457.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 330.
(4) التنقيح ص 836 من مخطوط عندنا.
(5) في السرائر هكذا: " وقد كنا قلنا من قبل قال شيخنا: فإن كان أصابه... "
(6) في السرائر: " وأوردناها على ما أورد شيخنا في نهايته ".
293

ما أورده شيخنا في نهايته إلا أن هذا أظهر من ذلك، وشيخنا قد رجع عما أورده في
نهايته، وقال بما اخترناه الآن في مسائل خلافه وهو الصحيح، لأن تداخل الديات
إذا لم يمت المجني عليه يحتاج إلى دليل (1) " وصريحه موافقة المشهور هنا كما
أن الشيخ رجع عما في النهاية إلى موافقته أيضا في محكي الخلاف والمبسوط،
بل قيل إن الشيخ لم يعمل بالخبر المزبور في مسألة تداخل جناية الطرف في النفس
في صورة الافتراق التي حكم هو فيها بعدم التداخل، فكيف يصح استناده إليها هنا؟
وعلى كل حال فالصحيحة المزبورة قاصرة عن معارضة ما سمعت من وجوه
(و) من هنا كان (الأول) مع كونه أشهر بل المشهور (أشبه) بأصول
المذهب وقواعده، بل عليه عامة المتأخرين، بل عن الخلاف وظاهر
المبسوط الاجماع عليه.
(و) كيف كان ف‍ (- في رواية لو ضرب على رأسه فذهب عقله انتظر به سنة
فإن مات فيها قيد به وإن بقي ولم يرجع عقله ففيه الدية وهي حسنة) بل صحيحة
إن كان المراد الرواية المزبورة (2) المتضمنة للحكم المزبور، ويمكن أن يريد
رواية أبي حمزة الثمالي (3) " قال لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في رجل ضرب رأس
رجل بعمود فسطاط فأمه - يعني ذهب عقله -؟ قال: عليه الدية، قال: فإنه
عاش عشرة أيام أو أقل أو أكثر فرجع إليه عقله، أله أن يأخذ الدية؟ قال: لا،
قد مضت الدية بما فيها، قال: فإنه مات بعد شهرين أو ثلاثة، قال أصحابه: نريد
أن نقتل الرجل الضارب، قال: إن أرادوا أن يقتلوه (4) ويردوا الدية ما بينهم

(1) السرائر كتاب الديات، باب ديات الشجاج والجراح ص 4. وأيضا راجع
باب ديات الأعضاء منه ص 5 فإنه تعرض للمسألة في موضعين.
(2) يعني رواية الحذاء.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ديات المنافع الحديث 2.
(4) كذا في الأصل وفي كشف اللثام ولكن في الوسائل والتهذيب " يردوا
الدية " بدون الواو.
294

وبين سنة فإذا مضت السنة فليس لهم أن يقتلوه ومضت الدية بما فيها ".
وعلى كل حال فقد حكي العمل بها عن الشيخ وابني إدريس والبراج وسعيد
والصهرشتي والطبرسي وغيرهم، بل في نكت الشهيد " ما علمت لها مخالفا "، وكذا
في كشف اللثام، قال: " إلا أن الصدوق والمصنف والمحقق اقتصروا على ذكره رواية
لأن الظاهر أن لا قود إلا مع تحقق الموت بالضربة وتحقق شروط العمد
وعدم التقدير بالسنة ونحوها (1) " وفيه أن في ذلك كالاجتهاد في مقابلة
النص المعمول به.
ومن هنا قال الشهيد: " هذا كلام على النص وفتاوى الأصحاب " والأصح
حينئذ العمل بهذه الرواية، لكن في كشف اللثام (2) " والتهجم على الدم مشكل
ويمكن تنزيل إطلاقهم وإطلاق الروايتين على تقدير تحقق شروط العمد، نعم
يقوى التقدير بالسنة وأنه إن مات فيها تحقق موته بالضربة " وفيه أن التهجم
على الدم بدليله، مع أن ذلك يأتي في مقابله، ضرورة أن القود بعد السنة تهجم
على الدم إذ مقتضى النص والفتوى عدم القود بعد السنة وإن مات بها وكانت الضربة
مما تقتل غالبا أو قصد بها القتل وثبوت القود بها قبل السنة مطلقا، لكن يمكن
تقييد الأخير بما لا ينافي شرط القصاص بقرينة كون الضربة بعمود الفسطاط فهي
مما تقتل غالبا أو مقصود بها ذلك حينئذ، فمخالفتها للأصول بسقوط
القود بعد السنة مع اجتماع شروطه، ولا بأس به بعد النص والفتوى، والاحتياط في
الدماء، فتأمل جيدا.
(وإن جنى) الجاني (فأذهب العقل ودفع الدية ثم عاد العقل لم يرتجع الدية
ل‍) - احتمال (أنه هبة مجددة) وللخبر المزبور (3)، واحتمال - أن المراد بقوله:
" أله أن يأخذ الدية " السؤال عن المجني عليه، بمعنى أله أن يأخذ الدية؟ فأجاب

(1) كشف اللثام ج 2 ص 331.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 331.
(3) يعني رواية أبي حمزة.
295

عليه السلام: لا قد مضت الدية مع ما يتعلق بها من الأحكام أو مع ما فيها الدية من الجناية
أي بطلت لظهور أن العقل لم يكن زال - في غاية البعد أو الفساد، ضرورة كونه سؤالا
عن ارتجاع الجاني ما أداه من الدية، فقال: لا قد مضت الدية وما يتعلق بها أو ما فيها
أو ما في الجناية، أي ثبتت واستقرت فلا تسترد أو أمضت (1) الدية أي أدائها ما في
الجناية أي حكم الجناية أدائها فلما أداها فقد مضى حكمها فلا تسترد، وما يرجع
إليه هبة مجددة.
نعم قد يقال بضعف الخبر المزبور عن ثبوت الحكم على الاطلاق الذي منه لو
حكم أهل الخبرة بأنه لم يكن قد ذهب وإنما عرض له شاغل، ومن هنا قال الفاضل
في القواعد: " هذا أي لزوم الدية إذا حكم أهل الخبرة بعد زوال العارض وإن
حكموا بزواله إلى مدة انتظر ظهور حاله فإن استمر فالدية وإن عاد قبل استيفاء
الدية فلا يطالب بالدية بل يطالب بالأرش وإن عاد بعده أمر بالرد ويحتمل عدم
الارتجاع لأنه هبة من الله تعالى مجددة ولو مات قبل اليأس من عوده ففي عدم وجوب
الدية إشكال " وإن كان لا يخلو بعض كلامه من نظر، والتحقيق ثبوت الدية ما لم يعلم
عدم زواله ولو بحكم أهل الخبرة لاطلاق الأدلة، والله العالم.
ولو أنكر الجاني فوات العقل وادعاه ولي المجني عليه اختبر في حال خلواته
وفي حال غفلته، فإن ظهر اختلاف حاله والاختلاف في أقواله وأفعاله ثبت جنونه بغير
يمين منه، لأن الفرض جنونه ولا يمين من وليه، وإن لم يظهر الاختلاف المزبور
فالقول قول الجاني مع اليمين، وكذا لو لم يمكن الاختبار لموت ونحوه، إلا أن
يثبت لوث، والله العالم.

(1) في مفتاح الكرامة هكذا: " أومضت الدية أي أدائها مع ما في الجناية أي
حكم الجناية إذ حكم الجناية أدائها... "
296

(الثاني: السمع)
(وفي) إذهاب‍ (- ه) كملا من الأذنين باختلاف أصنافه حدة وثقلا
(الدية إن) علم ذلك ولو بأن (شهد أهل المعرفة باليأس) من عوده بلا
خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص عموما وخصوصا
منها ما مر في خبر إبراهيم (1) بن عمرو (و) منها ما في (2) الذي عرضه
يونس على الرضا عليه السلام (في ذهاب السمع كله ألف دينار " نعم (إن أملوا)
أي أهل الخبرة (العود بعد مدة معينة توقعنا انقضائها فإن لم يعد) فيها
(فقد استقرت الدية) بل لعله كذلك أيضا لو قال أهل الخبرة يرجى عوده لا
إلى مدة معلومة، ضرورة اقتضاء اعتبار ذلك سقوط الدية - كما سيأتي إن شاء الله
في الابصار - ولو رجع في أثناء المدة المعلومة فالأرش، بل وكذا لو رجع
بعدها لظهور عدم ذهابه وإن أخطأ أهل الخبرة بالتحديد، بل وكذا بعد
الاستيفاء.
وفي صحيح سليمان بن خالد (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه قال في رجل ضرب
رجلا في أذنه بعظم فادعى أنه لا يسمع، قال: يترصد ويستغفل وينتظر به سنة،
فإن سمع أو شهد عليه رجلان أنه سمع وإلا أحلفه وأعطاه الدية، قال: فإن عثر
عليه بعد ذلك أنه يسمع، قال: إن كان الله تعالى رد عليه سمعه لم أر عليه شيئا " لكنه
لا يخلو من إجمال.
وعلى كل حال فلو مات قبل انتهاء المدة فالأقرب وجوب الدية كما في

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول. (2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
297

القواعد، ويحتمل العدم لعدم تحقق الذهاب الدائم خصوصا بعد إخبار أهل
الخبرة بعوده.
(ولو أكذب) أي (الجاني) المجني عليه (عند دعوى ذهابه، أو
قال: لا أعلم، اعتبرت حاله عند الصوت العظيم والرعد القوي وصيح به بعد استغفاله
فإن تحقق) بعد (ما ادعاه) أعطي الدية (وإلا أحلف القسامة) للوث
(وحكم له) ولعله على ذلك ينزل ما عن المبسوط من إطلاق تحليفه كصحيح
سليمان بن خالد، بل وما عن كافي أبي الصلاح من إطلاق أنه من ارتاع للصوت الرفيع
من حيث لا يعلم فهو سميع وإلا فهو أصم، والله العالم.
(ولو ذهب سمع إحدى الأذنين ففيه نصف الدية) من غير فرق بين كونها
أحد من الأخرى أو لا، بل وبين أن يكون له سواها أو لا، سواء كانت الذاهبة
بآفة من الله تعالى شأنه أو بجناية جان، لاطلاق النص والفتوى، خلافا لابن حمزة
فأوجب الدية كاملة إن كانت الأخرى ذهب بسبب من الله تعالى شأنه ولم أجد له دليلا
سوى القياس على العين وهو باطل عندنا.
(ولو) ادعى (نقص سمع أحدهما قيس إلى الأخرى بأن تسد الناقصة)
سدا جيدا (وتطلق الصحيحة ويصاح به) أو يضرب بجرس حيال وجهه ويتباعد
عنه (حتى يقول لا أسمع) فيعلم ذلك المكان (ثم يعاد عليه ذلك مرة ثانية)
من جهة أخرى يبعد المقايسة بينها وبين الجهة الأولى مسافة بالبصر (فإن تساوت
المسافتان صدق ثم تطلق الناقصة وتسد الصحيحة ويعتبر بالصوت) تباعدا عنه (1)
(حتى يقول لا أسمع ثم) و (يكرر عليه الاعتبار فإن تساوت المقادير في
سماعه فقد صدق وتمسح) حينئذ (مسافة الصحيحة والناقصة ويلزم من الدية
بحساب التفاوت) إن نصفا فنصف الدية وإن ثلثا فثلث (و) هكذا.
(في رواية) أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (يعتبر

(1) متباعدا عنه ظ.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ديات المنافع الحديث 2.
298

بالصوت من جوانبه الأربعة) وهي " في رجل وجئ في أذنه فادعى أن إحدى
أذنيه نقص من سمعها شيئا فقال تسد التي ضربت سدا شديدا ويفتح الصحيحة ويضرب
بها بالجرس حيال وجهه ويقال له: اسمع فإذا خفي عليه الصوت علم مكانه ثم يضرب
له من خلفه ويقال له: اسمع فإذا خفي عليه الصوت علم مكانه ثم يقاس ما بينهما
فإن كانا سواء علم أنه صدق، ثم يؤخذ به عن يمينه فيضرب به حتى يخفى عليه
الصوت ثم يعلم مكانه، ثم يؤخذ به عن يساره فيضرب به حتى يخفى عنه الصوت
ثم يعلم مكانه ثم يقاس فإن كان سواء علم أنه صدق، قال ثم يفتح أذنه المعتلة
ويسد الأخرى جيدا ثم يضرب بالجرس من قدامه ثم يعلم حيث يخفى عليه
الصوت يصنع به كما صنع به أول مرة بإذنه الصحيحة ثم يقاس فضل ما بين الصحيحة
والمعتلة (1) بحساب ذلك ".
ولا ريب في أن ذلك أشد في الاستظهار لكنه غير لازم بعد فرض علم صدقه
من أول مرة، ومن هنا كان فتوى المصنف وغيره بما تسمعه أولى (و) لا ريب
في ظهوره كالفتاوى في أنه (يصدق مع التساوي) في الاعتبار (ويكذب مع
الاختلاف) ضرورة أنه فائدة ذلك كما هو واضح، ويؤيده أيضا في كتاب ظريف (2)
قوله - بعد ذكر المناسبة بين العينين - وإن أصاب سمعه شئ فعلى نحو ذلك
يضرب له شئ كي يعلم منتهى سمعه ثم يقاس ذلك " ونحوه فيما عرضه يونس (3)
على الرضا عليه السلام، وغيرهما من الأخبار (4) الظاهرة جميعها كالفتاوى في استحقاق
ذلك بالاختبار المزبور من غير يمين.
لكن في كشف اللثام " ويضم إلى ذلك الاستظهار بالأيمان كما في النهاية،

(1) فيعطى الأرش بحساب ذلك، كذا في التهذيب، وفي الفقيه هكذا: فيقوم من
حساب ذلك.
(2) التهذيب ج 10 ص 298.
(3) الكافي ج 7 ص 324.
(4) راجع الوسائل الباب - 3 - من أبواب ديات المنافع.
299

إذ ربما كانت إحدى الأذنين أضعف من الأخرى قبل هذه الجناية (1) " ولا ريب
أنه أحوط مع بذله إياها وإلا ففي إلزامه بها لو امتنع من ذلك نظر،
والله العالم.
ولو كان يدعي النقصان من الأذنين معا اعتبرناه بالتجربة بأن يوقف بالقريب
منه انسان يصيح على غفلة منه فإن ظهر فيه تغير يعلم به سماعه، أو قال قد سمعت
تباعد عنه وصاح على غفلة إلى أن يصل إلى حد لا يظهر عليه تغير، فإن قال مع
ذلك لم أسمع حلف القسامة على قدر ما يدعيه من النقص وعلم على الموضع علامة، ثم
يزيد في البعد حتى ينتهي إلى آخر موضع من البعد يسمع فيه مثل ذلك من هو
سميع لا آفة به في مثل سن المجني عليه، فينظركم بين المسافتين ويقسط الدية
على المسافة الثانية فتوجب من الدية بقدر النقصان ويرشد إليه خبر القداح (2)
الذي تسمعه إن شاء الله تعالى في دعوى نقصان البصر، وفي الاستظهار بالأيمان ما
سمعته وتسمعه إن شاء الله في البصر. وكذا الكلام في الاعتبار بالصوت من جوانبه
الأربعة الذي قد عرفت أنه أحوط وأولى كما يرشد إليه خبر أبي بصير (3) السابق،
فإن تساوت الجوانب الأربع في انتهاء السمع أو الجانبان صدق وإلا كذب نحو
ما سمعته في نقص سمع إحدى الأذنين
(وفي ذهاب السمع بقطع الأذنين ديتان) بلا خلاف ولا إشكال للأصل،
ولو ذهب السمع كله بقطع أحد الأذنين فدية ونصف للأصل المزبور أيضا، ولو حكم
أهل المعرفة ببقاء القوة السابقة إلا أنه قد وقع في الطريق ارتتاق حجبها عن السماع،
احتمل الدية لمساواة تعطيل المنفعة زوالها في المعنى، بل لشمول الزوال
له لغة، واحتمل الحكومة لأصل البراءة وبقاء القوة وإن تعطلت فهو كشلل
العضو.

(1) كشف اللثام ج 2 ص 331.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات المنافع الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ديات المنافع الحديث 2.
300

وإذا ذهب سمع الصبي فتعطل نطقه فديتان، بناء على أن التعطيل كالزوال
وإلا فالحكومة في النطق.
(و) كيف كان ف‍ (- لا يقاس السمع في) يوم هبوب (الريح) ولا في المواضع
المختلفة ارتفاعا وانخفاضا لعدم الانضباط حينئذ (بل يتوخى سكون الهواء)
والمواضع المعتدلة. ولو اشتبه الأمر بعد ذلك كله استظهر بامتحانه مرارا بل عن
المفيد واستظهر عليه بالأيمان أيضا، والله العالم.
(الثالث في ضوء العينين)
(وفيه الدية كاملة) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه،
مضافا إلى النصوص عموما وخصوصا من غير فرق بين أفراده المختلفة شدة وضعفا،
حتى الأعشى، بل والذي على عينيه بياض لا يمنعه من الابصار، وإن استشكل به
الفاضل للنقص الموجب لنقصان العوض، وفيه أن الفرض عدم النقص به وإلا فلا إشكال
في مراعاته بمقداره من الدية إن علم، وإلا فالحكومة.
ولو قلع الحدقة فليس عليه إلا دية واحدة كما نص عليه في كشف اللثام من
غير نقل خلاف فيه وإن استلزم ذلك إزالة البصر أيضا، لأن المنفعة تابعة للعين فيه
كما هو ظاهر قولهم عليه السلام (1): " في العينين الدية " مثلا بخلاف قطع الأذنين
وإذهاب السمع فإنه ليس من منفعتهما.
وبالجملة ظاهر الأدلة وجوب الدية الواحدة للعينين بقلع حدقتهما المستلزم
لاذهاب البصر، أو بإذهاب ضوئهما دون الحدقة، ولا ينافي ذلك ثبوت مقدر لحدقة
عين الأعمى كما هو واضح. لكن في مجمع البرهان بعد أن ذكر ما قلناه قال:
" ويحتمل الدية والحكومة للحدقة، ويحتمل تعدد الدية لضوء العين والحدقة، وكذا

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4 و 6.
301

الأجفان فتأمل (1) وفيه ما لا يخفى.
وكيف كان (فإن ادعى) المجني عليه (ذهابه) بالجناية وأنكره
الجاني (وشهد له شاهدان) عدلان (من أهل الخبرة) ثبت القصاص مع العمد
إلا أن يصطلحا (أو رجل وامرأتان إن كانت خطأ أو شبيه عمد فقد ثبت المدعى
فإن قالا: لا يرجى عوده فقد استقرت الدية)، بل في محكي المبسوط والسرائر
(وكذا لو قالا: يرجى عوده لكن لا تقدير له) لأنه لو اعتبرناه أدى إلى سقوط
الضمان (أو قالا: بعد مدة معينة فانقضت ولم يعد) بلا خلاف ولا إشكال في الأخير،
وفي الصحيح (2) أن سليمان بن خالد سأل الصادق عليه السلام " عن العين يدعي صاحبها
أنه لا يبصر بها قال: يؤجل سنة ثم يستحلف بعد السنة أنه لا يبصر ثم يعطي الدية
قلت: فإن هو أبصر بعد قال هو شئ أعطاه الله إياه ".
نعم قد يشكل الأول بعدم تحقق الذهاب الدائم الذي هو المنساق من نصوص
إثبات الدية فيه فيستظهر حينئذ مدة أو سنة ثم تدفع إليه الدية تامة أو دية بصر
يرجى عوده، إلا أني لم أجد من احتمل ذلك، فتأمل.
(وكذا) تستقر الدية (لو مات) أو قلع آخر عينه (قبل) مضي
(المدة) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، لأن الأصل عدم عوده، فتثبت
الدية بموجبها، ولكن قد يحتمل العدم للأصل بعد حكم أهل الخبرة بعوده فلم
يتحقق الذهاب الدائم الذي هو مناط ثبوت الدية، فيعطى حينئذ دية بصر حكم
أهل الخبرة بعوده.
(أما لو عاد فيها ففيه الأرش) عوض الجناية الذي أذهبته مدة، واحتمال
العدم في مجمع البرهان لامكان كونه عطاء، لا وجه له بعد حكم أهل الخبرة بعوده،
نعم لو عاد بعدها قبل الاستيفاء للدية أو بعده فقد سمعت ما في الصحيح (3) السابق.

(1) مجمع البرهان كتاب الديات المقصد الخامس.
(2) الفقيه ج 4 ص 134 وفيه قلت فإنه أبصر بعد ذلك؟.
(3) يعني رواية سليمان بن خالد. التي مرت آنفا.
302

لكن قد تقدم الكلام في نحو ذلك، ولو عاد مرجو العود لا إلى مدة استعيد من الدية
إن استوفاها الفاضل من الحكومة كما عن التحرير النص عليه.
(ولو اختلفا في عوده فالقول قول المجني عليه مع يمينه) واحدة للأصل،
نعم إن شهد عدلان أو رجل وامرأتان من أهل الخبرة بالعود أو بعدمه قبل، وكذا
لو مات فاختلف وليه الجاني في العود قبل الموت فالقول قول الولي مع يمينه إن لم تكن
بينة كما هو واضح.
(وإذا ادعى ذهاب بصره وعينه قائمة) وليس من أهل الخبرة من يشهد
له (حلف القسامة وقضى له) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، وإن نسبه
بعض إلى الأشهر مشعرا بوجود خلاف فيه، ويدل عليه ما في كتاب ظريف (1)
وما عرضه يونس (2) على الرضا عليه السلام المروي في الصحيح وغيره.
ولكن فيهما " أن القسامة على ستة أجزاء فإن ادعى ذهاب البصر كله حلف ستا
أو حلف هو وخمسة رجال معه، وإن ادعى ذهاب سدس بصره حلف هو واحدة وإن ادعى
ذهاب ثلثه حلف هو يمينين أو هو وآخر معه وهكذا "، وهو خلاف ما سمعته في
القسامة للوث الذي منه ما نحن فيه، ضرورة كون الدعوى عقيب الضرب الذي يحصل
معه ذلك غالبا، كما قيده به الفاضل في القواعد وغيره، بل في مجمع البرهان " ينبغي
أن يكون أيضا بعد عدم القدرة على الاثبات وعدمه بالامتحان والتجربة " (3) ولعله
مناف لاطلاق النص (و) الفتوى.
نعم (في رواية) الأصبغ (4) بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام الضعيفة
سندا أنه (يقابل) بعينه (بالشمس فإن كان كما قال بقيتا مفتوحتين)
وإلا أكذب " قال سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن رجل ضرب رجلا عن هامته فادعى

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ديات المنافع الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ديات المنافع الحديث 1.
(3) مجمع البرهان كتاب الديات المقصد الخامس.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات المنافع، الحديث الأول.
303

المضروب أنه لا يبصر شيئا وأنه لا يشم الرائحة وأنه قد ذهب لسانه، فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: إن صدق فله ثلاث ديات، فقيل: يا أمير المؤمنين فكيف
يعلم أنه صادق؟ فقال: أما ما ادعاه أنه لا يشم رائحة فإنه يدنى له الحراق
فإن كان كما يقول وإلا نحى رأسه ودمعت عينه، وأما ما ادعاه في عينيه فإنه
يقابل بعينيه عين الشمس فإن كان كاذبا لم يتمالك حتى يغمض عينيه وإن كان
صادقا بقيتا مفتوحتين، وأما ما ادعاه في لسانه فإنه يضرب على لسانه بالأبرة
فإن خرج الدم أحمر فقد كذب وإن خرج أسود فقد صدق " بل عن الشيخ
وسلار العمل بها هنا، بل عن الأول منهما دعوى الاجماع عليه، ولكن زاد
الاستظهار بالأيمان، وذكر أنه لا يمكن إقامة البينة عليه، ونسب الحكم بشهادة
رجلين أو رجل وامرأة إلى الشافعي، بل عن المختلف نفي البأس عن العمل به
إن أفاد الحاكم ظنا، إلا أن ذلك كله لا يكفي جابرا للخبر الضعيف بعد إعراض
الأكثر الموهن للاجماع المزبور، كما أنه لا حاصل لما سمعته من المختلف،
ضرورة عدم حجية كل ظن حاصل للحاكم كما هو واضح، فلا ريب في أن المتجه
ما سمعته من المشهور، نعم لا بأس باعتبار الشق الأول من الخبر المزبور امتحانا
مع الأيمان لزيادة الاستظهار، والله العالم.
ولو زال الضوء وحكم العارفون بعوده إلى مدة معلومة فقلع آخر عينه
قبل مضي المدة فإن اتفق المجني عليه والجانيان على أن الضوء لم يكن قد عاد
فقد عرفت سابقا أن على الأول الدية للأصل وعلى الثاني دية العين الفاقدة
للضوء، وهي ثلث الدية الصحيحة، ويحتمل أن لا يكون على الأول إلا حكومة،
ويكون على الثاني دية العين الصحيحة أو الحكومة لحكم العارفين بعود الضوء كما
أشرنا إليه سابقا، وإن اتفقوا على عوده فعلى الثاني الدية وعلى الأول حكومة،
وإن اختلفوا فادعى الأول عود البصر لأن لا يكون عليه إلا الحكومة وأنكر
الثاني لأن لا يكون عليه إلا ثلث دية الصحيحة فإن صدق المجني عليه الأول
304

حكم عليه في حق الأول فلا يطالبه بأكثر من الحكومة مؤاخذة له بإقراره،
ولا يقبل قوله على الثاني لأن الأصل عدم عود الضوء، ولأنه إقرار في حق الغير،
وإن كذبه فالقول قوله مع اليمين، لأنه موافق للأصل، ويطالبه إذا حلف
بالدية، ويأخذ من الثاني الحكومة، بل قيل سواء صدق الثاني الأول أو كذبه،
لأنه مع التصديق وإن أقر على نفسه بالدية لكن لا يدعي المجني عليه إلا
الحكومة، فلا يجوز أخذ الزائد منه، نعم قد يقال بجوار دفعه للأول لأنه
مظلوم بزعمه فيأخذه منه مقاصة.
(ولو ادعى نقصان إحداهما قيست إلى الأخرى وفعل كما فعل في السمع،
ولو ادعى النقصان فيهما قيستا إلى عيني من هو من أبناء سنه وألزم الجاني التفاوت بعد
الاستظهار بالأيمان) (بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، كما اعترف به بعض
ناسبا له إلى صريح الغنية أيضا، للمعتبرة المستفيضة كحسن ابن فضال (1) وصحيح
يونس (2) قضى أمير المؤمنين عليه السلام " إذا أصيب الرجل في إحدى عينيه بأنها
تقاس ببيضة تربط على عينه المصابة، وينظر ما منتهى بصر عينه الصحيحة، ثم
تغطي عينه الصحيحة وينظر ما منتهى عينه المصابة، فيعطى ديته على حساب ذلك،
والقسامة مع ذلك من الستة الأجزاء على قدر ما أصيب من عينه، فإن كان
سدس بصره حلف هو وحده وأعطي، وإن كان ثلث بصره حلف هو ومعه رجل واحد،
وإن كان نصف بصره حلف هو وحلف معه رجلان، وإن كان ثلثي بصره حلف هو
وحلف معه ثلاثة نفر، وإن كان خمسة أسداس بصره (3) حلف هو وحلف معه أربعة
نفر، وإن كان بصره كله حلف هو وحلف معه خمسة نفر.
وكذلك القسامة كلها في الجروح، فإن لم يكن للمصاب بصره من حلف
معه ضوعف عليه الأيمان، إن كان سدس بصره حلف مرة واحدة، وإن كان ثلث

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
(3) في الكافي والفقيه والوسائل: " وإن كان أربعة أخماس بصره " وفي التهذيب
كما أثبتناه.
305

بصره حلف مرتين وإن كان أكثر على هذا الحساب، وإنما القسامة على مبلغ
منتهى بصره " الحديث.
وصحيح محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام " قضى أمير المؤمنين عليه السلام
في رجل أصيبت إحدى عينيه أن تؤخذ بيضة نعامة فيمشي بها وتوثق عينه الصحيحة
حتى لا يبصرها وينتهي بصره، ثم يحسب ما بين منتهى بصر عينه التي أصيبت
ومنتهى عينه الصحيحة فيؤدي بحساب ذلك ".
وصحيح معاوية (2) بن عمار " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يضرب (3) في أذنه فيذهب بعض بصره، فأي شئ يعطى؟ قال: يربط إحداهما
ثم توضع له بيضة ثم يقال له: انظر، ما دام يدعي أنه يبصر موضعها حتى إذا انتهى
إلى موضع إن جازه قال: لا أبصر قربها حتى يبصر ثم يعلم ذلك الموضع ثم يقاس
بذلك القياس من خلفه وعن يمينه وعن شماله، فإن جاء سواء وإلا قيل له: كذبت
حتى يصدق، قال: قلت: أليس يؤمن؟ قال لا ولا كرامة ويصنع بالعين الأخرى
مثل ذلك، ثم يقاس ذلك على دية العين ".
وخبر كثير (4) عن علي عليه السلام " قال أصيبت عين رجل وهي قائمة فأمر
علي عليه السلام فربطت عينه الصحيحة، وأقام رجلا بحذاه بيده بيضة، يقول هل تراها
فإذا قال: نعم، تأخر قليلا حتى إذا خفيت عليه علم المكان، قال: وعصبت
عينه المصابة فجعل الرجل يتباعد وهو ينظر بعينه الصحيحة إلى البيضة حتى إذا
خفيت عليه ثم قيس ما بينهما وأعطي الأرش على ذلك ".

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات المنافع الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
(3) كذا في التهذيب ولكن في الكافي والوسائل هكذا: 2 عن الرجل يصاب في
عينه فيذهب... "
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات المنافع الحديث 2.
306

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن أن يكون المحصل منها اعتبار الامتحان
في أصل دعوى حصول النقصان في العين مثلا، فإن حصل على وجه يعلم صدقه
أو كذبه عمل عليه من غير حاجة إلى يمين، وإن حصل ظن من ذلك أو من كون
الضربة مما تؤثر ذلك غالبا أو نحو ذلك مما يكون أمارة على صحة الدعوى
كان من اللوث الذي فيه القسامة، والظاهر أنها القسامة التي تقدمت في النفس
وهي الخمسون يمينا أو نصفها، لا ست أيمان كما سمعته في الخبر (1)، ولا يمين
واحدة كما احتمل، وأما مقدار النقصان بعد العلم بتحققه، فالظاهر اعتبار
الامتحان فيه حتى يصدق وإن اقتضى ذلك تكريره مرة بعد أخرى، فإن ظهور
كذبه في المقدار بالامتحان لا يقتضي سقوط دعواه بعد العلم بحصول النقص.
نعم لو فرض عدم إمكان ظهوره بالامتحان فهل يثبت ذلك بالقسامة أو يمين
واحدة أو يرجع إلى الصلح مع إمكانه وإن اقتصر على المتيقن؟ لا يبعد الأخير
فإن ثبوت حكم اللوث في مثله مع عدم أمارة تشهد بصدقه أو ثبوته بيمينه وإن
لم يكن لوث لا دليل عليه، بل قد يشكل إجراء حكم اللوث عليه مع فرض
الأمارة التي تشهد بصدقه في المقدار، وإن ظهر من بعضهم ذلك حتى أنه جعل
الامتحان مع ظهور صدقه فيه مقدمة لثبوت اللوث بأن المنساق من النص
والفتوى غير الفرض كما تسمعه في دعوى نقص الشم. وما في بعض النصوص (2)
السابقة من اعتبار الأيمان الستة فيه لم أجد عاملا به.
نعم قد يقال باعتبار يمين واحدة بعد ظهور حاله بالامتحان على ما يوافقه
مع فرض احتمال المخالفة، وإلا كما في صورة تكرار الامتحان ومراعاته في
الجهات الأربع على وجه ينفي الاحتمال المزبور وإن كان الظاهر عدم اعتبار الجهات
الأربع كما عرفته في السمع جمعا بين النصوص، إلا أنه أولى في الاستظهار،
كما أن الظاهر عدم اعتبار طريق مخصوص للامتحان وإن تضمنت النصوص بعض

(1) يعني خبر ابن فضال ويونس الذي مر آنفا.
(2) كخبر ابن فضال ويونس.
307

أفراده.
ولذا قال في المختلف (1) بعد أن حكى عن المفيد طريقا وعن غيره آخر
" ولا طائل تحت هذه المسألة والضابط فعل ما يحصل للحاكم معه صدق المدعي ".
وليس الامتحان خاصا بنقص إحدى العينين مثلا، بل يأتي أيضا في نقصهما
بمراعاة عيني رجل آخر في سنه ومكانه وأحواله كما أشار إليه في خبر القداح (2)
عن الصادق عن أبيه عليه السلام " قال: أتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد ضرب رجلا
حتى نقص من بصره فدعا برجل من أسنانه ثم أراهم شيئا فنظر ما انتقص من
بصره فأعطاه ما انتقص من بصره " ومن ذلك كله يظهر لك النظر في بعض الكلمات
فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (- لا تقاس عين في يوم غيم) لعدم ظهور القياس فيه،
ولخبر محمد بن (3) الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام (ولا في أرض مختلفة الجهات)
حزونة وسهولة وعلوا وهبوطا، ولا في نحو ذلك مما يمنع من معرفة الحال كما
هو واضح، ولو ضرب عينه فصار أعشى لا يبصر بالليل، أو أجهر لا يبصر نهارا
فالحكومة لأنه نقص لا يعرف قدره ولا مقدر له شرعا.
(ولو قلع عينا وقال كانت قائمة) لا تبصر (وقال المجني عليه: كانت
صحيحة، فالقول قول الجاني مع يمينه) إذا لم يعترف بالصحة زمانا بل أطلق
أو ادعى أنها خلقة كذلك، لأصالة البراءة، بعد عدم تعذر إقامة البينة على المدعي
الذي لا يخفى مثله على المعاشرين له من الجيران وغيرهم، بل ربما احتمل أن القول
قوله أيضا لو اعترف بأنها خلقت صحيحة وادعى الذهاب وإن كان فيه أن
الأصل مع المجني عليه، ولذا كان المحكي عن المبسوط (و) التحرير أن

(1) المختلف الجزء السابع ص 250.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات المنافع، الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ديات المنافع الحديث 2.
308

القول قوله بل (ربما خطر) بالبال (أن القول قول المجني عليه مع يمينه)
في الأول أيضا (لأن الأصل الصحة) والسلامة (و) لكن في المتن (هو
ضعيف لأن أصل الصحة معارض لأصل البراءة واستحقاق الدية أو القصاص منوط
بتيقن السبب ولا يقين هنا، لأن الأصل ظن لا قطع) وفيه أن أصل الصحة
مع فرض حجيته لا يعارضه أصل البراءة بعد كونه كالوارد عليه، والظن الشرعي
كاليقين بالحكم، والله العالم.
(الرابع الشم)
(وفي) إذهاب‍ (- ه) من المنخرين (الدية كاملة) ومن أحدهما
نصفها بلا خلاف أجده فيه، كما عن المبسوط والخلاف والغنية الاعتراف به، وفي
الرياض " وهو الحجة مضافا إلى ما مر في المسائل السابقة من القاعدة " (1) وفيه نظر
ضرورة كونها في الأعضاء لا في المنافع، نعم يدل عليه مضافا إلى ما سمعته فيما تقدم
خبر الأصبغ (2) بن نباتة (وإذ ادعى) المجني عليه (ذهابه عقيب الجناية)
التي يترتب عليها مثله غالبا (اعتبر بالأشياء الطيبة والمنتنة) من خلفه مثلا
وهو غافل (ثم) يعمل عليه إن تحقق حاله بذلك وإلا فال‍ (يستظهر عليه
بالقسامة) الخمسين لا الست ولا الواحد، وإن احتمل هنا، (ويقضى له لأنه
لا طريق إلى البينة) ولأنه من اللوث، وربما ظهر من المصنف وغيره اعتبار
القسامة مع الامتحان، ولا بأس به مع فرض عدم ظهور حاله به، وإلا فلا
وجه له.
(وفي رواية) الأصبغ (3) بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام المتقدمة

(1) رياض المسائل ج 2 ص 619.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
309

(يحرق له حراق) كخرقة ونحوها، (ويقرب منه فإن دمعت عيناه ونحى
أنفه فهو كاذب) وإلا فهو صادق، بل عن الخلاف الاجماع على ذلك، بل أفتى
به المصنف في النافع هنا، وإن طرحها في المسألة السابقة، ولا بأس بها مع فرض
تحقق حاله بذلك، بل لا يحتاج حينئذ معه إلى يمين، لكن في القواعد " فيحلف الجاني
في صورة كذبه " بل في كشف اللثام " ولا بد من الأيمان مع ذلك "، بل قد عرفت
أنه ظاهر المصنف وغيره، بل في المسالك " الأشهر القسامة " ويمكن حمل
الجميع على صورة عدم التحقق، ولكن ينبغي حينئذ ملاحظة حكم اللوث مع
فرض تحقق موضوعه في المدعي والمنكر كما هو واضح.
(لو ادعى نقص الشم قيل) كما المبسوط: (يحلف إذ لا طريق إلى
البينة) والامتحان " ويوجب له الحاكم بما يؤدي إليه اجتهاده) لعدم التقدير
له شرعا، وتبعه عليه الفاضل، بل ظاهره كما هو صريح شارحه الإصبهاني أنه
من اللوث، فيعتبر فيه حينئذ الأيمان، ولكنه لا يخلو من نظر أشرنا إليه
سابقا، ولذا نسبه المصنف إلى القيل، إذ الأصل براءة الذمة، وحلف المدعي
مخالف للأصل المقتصر فيه على المتيقن، وهو غير الفرض، ولكن في كشف اللثام
" حلف الجاني هنا أشكل إذ لا طريق إلى العلم بالحال فيتعين تقديم قول المجني
عليه " وفيه أن ذلك لا يقتضي شغل ذمة الجاني إذ أقصاه انحصار طريق قبوله
بالعلم.
ثم إنه قد يناقش في دعوى الحكم بما يؤدي إليه اجتهاده بأن المتجه
فيه الاقتصار على المتيقن إذ لم يحصل بينهما صلح، ولعل المراد من الحكم باجتهاده
ذلك أو دفع ما يحصل به يقين البراءة كما عساه يتوهم.
وقد يقال هنا بالامتحان نحو ما سمعته في البصر والسمع بأن يقرب إليه
ذو رائحة ثم يبعد عنه إلى أن يقول لا أدرك رائحته في جهتين أو جهات إلى آخر
ما مر، والله العالم.
310

(ولو أخذ دية الشم) لحكم أهل الخبرة باليأس من عوده (ثم عاد لم
تعد الدية) لأنه حينئذ هبة من الله تعالى شأنه، إلا أن يظهر خطأ أهل الخبرة
بالحكم المزبور، وأما لو حكموا بعوده في مدة معينة فعاد فيها فالحكومة، ولو
مات قبل انقضائها فالدية على حسب ما سمعته في نظائره، ولعل إطلاق المصنف
كالمحكي عن المبسوط اتكالا على ما تقدم.
(ولو قطع الأنف فذهب الشم فديتان) بلا خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال
لأن الأصل عدم التداخل بعد أن كانا جنايتين ذاتا ومحلا، والله العالم.
(الخامس الذوق:)
(ويمكن أن يقال فيه الدية لقولهم (1) عليه السلام: " كل ما في الانسان
منه واحد ففيه الدية ") بل جزم به الحلي وابن حمزة ويحيى بن سعيد والفاضل
على ما حكي عن بعضهم، لكن قد يشكل بما أسلفناه سابقا من تبادر العضو الواحد
منه لا المنفعة، والأصل البراءة، فيتجه حينئذ فيه الحكومة (و) على
كل حال ف‍ (يرجع فيه عقيب الجناية) التي يترتب عليها مثله غالبا (إلى
دعوى المجني عليه مع الاستظهار بالأيمان) كما صرح به الفاضل وغيره،
لأنه من اللوث فيجري عليه حكمه، نعم لو لم يكن ثمة لوث لعدم أمارة
تقتضيه، ولا أمكن امتحانه بالأشياء المرة جدا كان القول قول الجاني في إنكاره
للأصل، (ومع) تحقق (النقصان يقضي الحاكم بما يحسم المنازعة تقريبا)
لعدم تقدير له شرعا وعدم إمكان معرفة النسبة فيه، وفي الرجوع إليه في أصل
ثبوت النقصان ما عرفته سابقا في الشم، والله العالم.
وإذا أصيبت مغرس لحييه فلم يستطع المضغ فالحكومة على الأقوى،

(1) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء.
311

لعدم النقص، لكن في القواعد " عليه الدية على إشكال " ولعله من ذلك ومن
كونه منفعة واحدة، فيدخل في العموم كما سمعته في الذوق، وفيه ما عرفت.
(السادس:)
(لو أصيب) أحد بجناية (فتعذر عليه الانزال في حال الجماع،
كان فيه الدية) كما صرح به الشيخ ويحيى بن سعيد والفاضلان وغيرهم على
ما حكى عن الأولين، بل في الرياض نفي الخلاف فيه، للقاعدة التي قد عرفت
النظر في شمولها لغير الأعضاء، ولقول الصادق عليه السلام في خبر سماعة (1) " في الظهر
إذا كسر حتى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة " إلا أنه لا يقتضي وجوبها لعدم
الانزال وإن لم يكسر ظهره، اللهم إلا أن يكون المراد ذلك بقرينة نفي
الخلاف المزبور إن لم يتم إجماعا، وإلا كان حجة مستقلة، ولكن الاحتياط
لا ينبغي تركه فيه.
وأولى منه بذلك فيمن أصيب فتعذر عليه الاحبال وإن كان ينزل، الذي
أوجب الفاضل فيه الدية أيضا للقاعدة التي مر الكلام فيها.
ولخبر سليمان (2) بن خالد " سأل الصادق عليه السلام عن رجل وقع
بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد، قال: الدية كاملة " الذي
لا يخفى عليك ما في الاستدلال به، ضرورة كونه غير المفروض، مع أنه في الصحيح
" سأل أبو بصير (3) أبا جعفر عليه السلام ما ترى في رجل ضرب امرأة شابة على بطنها
فعقر رحمها فأفسد طمثها وذكرت أنها قد ارتفع طمثها عنها لذلك وقد كان طمثها
مستقيما، قال: ينظر بها سنة فإن رجع بها طمثها إلى ما كان وإلا استحلفت

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
312

وغرم ضاربها ثلث ديتها لفساد رحمها وانقطاع طمثها " كل ذلك مع أنه في
الحبل لا الاحبال، ومن هنا قلنا بأولويته في الاحتياط، خصوصا مع عدم تحقق
شهرة فيه.
وأما ذهاب قوة الرضاع فقد وافق الفاضل في القواعد على الحكومة فيها
لعدم التقدير مع أنها منفعة واحدة كقوة الامناء، اللهم إلا أن يفرق بأن
الأخيرة صفة لازمة للفحولة بخلاف الارضاع فإنه يطرأ في بعض الأوقات، إلا
أنه كما ترى.
ولو فرض بطلان الالتذاذ بالطعام أو بالجماع ففي القواعد الدية، بناء على
القاعدة المزبورة، بل في كشف اللثام " الالتذاذ بالطعام ملازم للذوق وإبطاله
ملازم لابطاله " وفيه أن الفرض إذهاب الالتذاذ خاصة والمتجه الحكومة.
ولو جنى على عنقه فتعذر إنزال الطعام لارتتاق منفذه وبقي معه حياة
مستقرة فقطع آخر رقبته، ففي القواعد " على الأول كمال الدية " لمثل ما مر
وفيه ما عرفت، وقد يستدل له بخبر مسمع (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال
أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: في القلب إذا أرعد فطار الدية، وقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: في الصعر الدية، والصعر أن يثني عنقه فيصير في ناحية " بل منه يستفاد
وجوبها في الارعاد المزبور، إلا أنه جابر له (2) في ذلك وفي سابقه، نعم على
الثاني القصاص أو الدية، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
(2) كذا في الأصل، والصحيح " لا جابر له... ".
313

(السابع:)
(قيل) والقائل المشهور على ما في المسالك: (في سلس البول الدية)
كاملة للقاعدة التي مضى البحث فيها و (لخبر غياث بن إبراهيم (1)) عن الصادق عن
أبيه عليه السلام " إن عليا عليه السلام قضى في رجل ضرب رجلا حتى سلس بوله بالدية كاملة "
ونحوه المروي عن قرب الإسناد (2) وهما (و) إن كان (فيهما ضعف) إلا أنه
منجبران بما سمعت ومؤيدان بما تقدم من النصوص المشتملة على الدية في كسر (3)
البعصوص فلا يملك استه، وضرب (4) العجان فلا يستمسك بوله وغائطه.
(وقيل) والقائل الشيخ وبنو حمزة وسعيد وإدريس على ما حكي (إن
دام إلى الليل ففيه الدية وإن كان إلى الزوال فثلثا الدية و) إن كان (إلى ارتفاع
النهار فثلث الدية)، وعن بعضهم ثم على هذا الحساب، بل في الرياض الظاهر ثبوت
الشهرة القديمة عليه، بل حكي عن الكركي حكايتها عليه، واختاره من المتأخرين
المقداد، ومن متأخريهم فاضل الرياض، لخبر الاسحاق المنجبر بما عرفت " سأل
رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر عن رجل ضرب رجلا فلم ينقطع بوله قال إن
كان البول يمر إلى الليل فعليه الدية وإن كان إلى نصف النهار فعليه ثلثا الدية
وإن كان إلى ارتفاع النهار فعليه ثلث الدية " كذا عن الفقيه والمقنع (5)،
وعن الكافي والتهذيب (6) " قال سأله رجل وأنا عنده عن رجل ضرب رجلا

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ديات المنافع الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ديات المنافع الحديث 5.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
(4) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ديات المنافع الحديث 2.
(5) الفقيه ج 4 ص 142 والمقنع ص 188.
(6) الكافي ج 7 ص 315 والتهذيب ج 10 ص 251.
314

فقطع بوله فقال: إن كان البول يمر إلى الليل فعليه الدية، لأنه قد منعه المعيشة،
وإن كان إلى آخر النهار فعليه الدية، وإن كان إلى نصف النهار فعليه ثلثا الدية
وإن كان إلى ارتفاع النهار فعليه ثلث الدية ".
وكأن قطع البول فيه بمعنى قطع مجراه أو شئ منه حتى لا يستمسك، أو
من التقطيع بمعنى التفريق الموجب للسلس ودوام الخروج شيئا فشيئا، والشرطيتان
الأولتان يحتملان الاتحاد معنى والتأكيد، والاختلاف بأن يراد بالثانية الاستمرار
إلى قريب من الليل لا إليه.
مؤيدا بالأصل، لأن لزوم الدية على الاطلاق مما ينفيه أصالة البراءة،
فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن الذي هو الصورة الأولى، وأما الصور الباقية
فالأصل عدم لزومها فيها أيضا، وإثبات الثلث والثلثين وإن كان خلاف الأصل حيث
يزيدان عن الحكومة، إلا أنه جاء من قبل الاجماع وعدم قائل بها مطلقا فإن
كل من نفى كمال الدية على الاطلاق قال بالقول الثاني المفصل على الاطلاق، وعليه
فليطرح الخبران (1) المطلقان للدية مع كونهما قضية في واقعة، أو يحملان على
الصورة الأولى خاصة التي هي أظهر الأفراد، بل لعل الأخيرتين نادرتان.
لكن قد يناقش بعدم إجماع محقق خصوصا بعد ما حكي الفاضل في القواعد
وغيرها القول بالدية إلى الليل ونصفها إلى الظهر وثلثها إلى الضحوة، وإن كنا
لم نعرف قائله كما اعترف به غير واحد، بل لا شهرة محققة غير الخبر المزبور في ذلك
خصوصا مع ضعف سنده بصالح بن عقبة الذي قيل فيه إنه غال كذاب لا يلتفت إلى
روايته (2)، مضافا إلى ما فيها من الاغتشاش في المتن على رواية التهذيب والكافي (3)

(1) يعني خبر غياث وقرب الإسناد.
(2) مجمع الرجال ج 3 ص 306 نقلا عن ابن الغضائري. ولكن قال في معجم
رجال الحديث: هو من رواة كامل الزيارات وتفسير القمي ولا يعارض التضعيف المنسوب إلى
ابن الغضائري توثيق ابن قولويه وعلي بن إبراهيم، لأن نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري
لم تثبت فالرجل من الثقات ج 9 ص 82 - 83.
(3) الكافي ج 7 ص 315 والتهذيب ج 10 ص 251.
315

فالمتجه الحكومة فيما لا يندرج في الاطلاق المزبور، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك
الاحتياط بالصلح ونحوه، والله العالم.
ثم من المعلوم إن المراد بالدوام إلى الليل أو الظهر أو الضحوة في كل يوم
لا في يوم أو أيام، لأن المعهود أن ثبوت الدية وبعضها المقدر إنما هو في ذهاب
العضو أو المنفعة رأسا، وإلا فالحكومة، لأصالة البراءة من التقدير.
ولو دام إلى الليل فزائدا أو إلى الظهر فزائدا بحيث لا يدوم إلى الظهر ففي
التنقيح " احتمل الحكومة، والأولى نسبة ذلك الزائد إلى ما تقدم عليه ووجوب
نسبته من دية ذلك " (1) قلت قد عرفت أن المختار دوران الحكم على صدق السلس
عندنا إلا ما كان من الأفراد النادرة، وأما على القول الآخر فيأتي ما ذكره من
احتمال عدم اعتبار الزيادة، والله العالم.
وكيف كان فبما ذكرنا ظهر لك الحال في حكم المنافع التي لم يذكروا حكمها
كالنوم واللمس والجوع والعطش وغيرها وإن كان المتجه بناء على القاعدة المزبورة
ثبوت الدية لو ذهب بالجناية، إلا أنك قد عرفت النظر فيها أو منعها، فتجب الحكومة
التي قد عرفت ثبوتها لكل ما لم يثبت له مقدر شرعي، والله العالم.
(وفي الصوت الدية كاملة) بلا خلاف أجده فيه كما في كتاب ظريف وفيما
عرضه يونس على الرضا عليه السلام وفيهما " أن في الغنن والبحح الدية (2) " بل الظاهر
ثبوت ديتين لو أدى ذلك إلى ذهاب نطقه، لأنهما منفعتان متباينتان ذاتا ومحلا،
فإن الصوت ينشأ من الهواء الخارج من الجوف لا مدخل فيه للسان، ولكل منهما
نص على حكمه.
لكن في القواعد الاشكال فيه من ذلك، ومن أن معظم منفعة الصوت النطق وإنما
يجب في ذهابه الدية لذهاب النطق، إلا أنه كما ترى بعد ما عرفت من أن لكل

(1) التنقيح ص 837 من مخطوط عندنا.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
316

منهما نصا بخصوصه.
وأضعف منه ما عن التحرير " من أن في الصوت الدية فإن أبطل مع حركة
اللسان فدية وثلثا دية اللسان إن لحقه حكم الشلل (1) " ضرورة عدم اندراج ذلك
في الشلل، بل هو مندرج في ذهاب النطق، فتكون الجناية في الفرض حينئذ كغيرها
من الجنايات التي يترتب عليه أثران لكل منهما مقدر، والله العالم.
(المقصد الثالث)
(في الشجاج والجراح)
(والشجاج) بكسر الشين جمع شجة بفتحها، وهي الجرح المختص
بالرأس والوجه ويسمى في غيرها جرحا، وهي على المشهور (ثمان: الحارصة
والدامية والمتلاحمة والسمحاق والموضحة والهاشمة والمنقلة والمأمومة).
نعم من الجامع نحو المحكي عن النهاية والغنية والاصباح، أن الحارصة هي
الدامية، ولكن ذكر بعدها الباضعة.
وعن المقنعة والناصريات والمراسم إبدال المتلاحمة بالباضعة، كما عن الفقيه
والتهذيب وأدب الكاتب إبدال الدامية بها، وعن الكافي (2) إبدال الحارصة بها.
وعن فقه (3) الثعالبي أنها تسعة والتاسعة الجائفة، مفسرا لها بالتي وصلت
إلى جوف الدماغ، والثامنة الدامية، ولم يتعرض للأمة ووسط الباضعة بين القاشرة

(1) التحرير ج 2 ص 275.
(2) للكليني كما في كشف اللثام لا الحلبي كما قد يتوهم.
(3) فقه اللغة للثعالبي.
317

التي هي الحارصة والدامية، وعن نظام الغريب، التسعة أيضا، إلا أنه لم يتعرض
للدامغة، وجعل التاسعة الآمة، والباضعة بين الدامية والمتلاحمة.
وفي الصحاح أنها عشرة تاسعها الأمة وعاشرها الدامغة (1)، وجعل الباضعة
بين الحارصة والدامية كالثعالبي، قال: وزاد أبو عبيد الدامعة بالعين المهملة بعد
الدامية، وفي القاموس أنه زادها قبلها (2).
وعن السامي " أنها ثلاثة عشر، فارقا بين القاشرة والحارصة بأن الأولى
هي التي تذهب بالجلد والثانية التي تقطعه، وبعدها الدامية ثم الباضعة ثم المتلاحمة
والعاشرة الأمة ثم الدامغة (3) وزاد المفرشة وهي الصادعة للعظم غير الهاشمة،
والجائفة التي تذهب بالجلد مع اللحم (4)، وعن الكامل (5) أنها سبعة بإسقاط
الموضحة وأن الحارصة هي الدامية ثم الباضعة ثم المتلاحمة ثم كما في الكتاب.
وعن أبي علي " أولاها الحارصة وثانيها الدامية والثالثة الباضعة والرابعة
المتلاحمة والخامسة السمحاق والسادسة الموضحة والسابعة الهاشمة والثامنة المنقلة،
ثم قال: والعود من الشجاج وهي التي تعود في العظم ولا تخرقه وفيها عشرون من
الإبل، والآمة وهي التي تخرق عظم الرأس وتصل إلى الدماغ، وفيها ثلث الدية،
وفي الجوف الجائفة، وهي التي تصل إلى جوف الرجل ولا تقتله، وفيها أيضا ثلث
الدية ومنه (6) النافذة وهي الجائفة إذا نفذت إلى الجانب الآخر من البدن وقال
أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه في الديات: إن فيها أربعمأة وثلاثة وثلاثين دينار

(1) بالمعجمة كما في مختار الصحاح.
(2) قال في القاموس: ووهم الجوهري فقال بعد الدامية.
(3) بالمعجمة كما في السامي.
(4) راجع السامي في السامي للميداني ص 68 وفيه " الجالفة " مكان " الجائفة "
وقال في مصباح المنير: الجالفة الشجة تقشر الجلد ولا تصل إلى الجوف.
(5) الكامل في الفقه للقاضي ابن براج، راجع مفتاح الكرامة والذريعة.
(6) في المختلف " فيه " مكان " منه ".
318

وثلث دينار (1) " وفي المختلف " وزاد ابن الجنيد على المشهور العود التي تعود في
العظم ولا تخرقه وجعل ديتها عشرين من الإبل ولم يصل إلينا في ذلك حديث يعتمد
عليه (2) "
قلت: ومن ذلك يظهر لك أنه لا طائل لهم في الاختلاف المزبور، ضرورة أن
المعتمد الدليل على اختلاف أحكامها، خصوصا في الألفاظ الأربعة التي هي الحارصة
والدامية والباضعة والمتلاحمة التي اتفق الفقهاء - كما في المسالك - على أنها موضوعة
لثلاث معان لا غير.
" وهي التي تقشر الجلد وتدخل في اللحم يسيرا وتدخل فيه كثيرا ولكن
اختلفوا في أي الألفاظ المترادف فقيل: إن الدامية ترادف الحارصة، فتكون
الباضعة غير المتلاحمة، فالباضعة هي التي تبضع اللحم بعد الجلد أي تقطعه، وهي
الداخلة في اللحم يسيرا، وهي الدامية على القول الآخر، والمتلاحمة هي الداخلة فيه
كثيرا بحيث لا تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم، وقيل: إن الدامية تغاير الحارصة
فتكون الباضعة مرادفة للمتلاحمة، ولا خلاف في مقادير الديات الثلاث، ولا في
انحصارها فيها فالنزاع حينئذ في مجرد اللفظ (3) ".
ولا يقال: إن تحت كل اسم منها أفراد مختلفة في العمق وغيره، فتناسبه الزيادة
في الدية إذ هو كالاجتهاد في مقابلة الدليل على ديتها بأفرادها المختلفة التي يجمعها
اسم واحد، والمدار عليه، وإلا فلا فائدة في زيادة الألفاظ، وهي الناشرة (4)
والعامغة بالعين المهملة والغين المعجمة والمفرشة والعود، كل ذلك مضافا إلى ذكر
مثل الجائفة والنافذة التي لا تخص الرأس الذي هو محل البحث المسمى جرحه
بالشجاج، وكيف كان فالكلام في تفاصيل أحكامها.

(1) المختلف الجزء السابع ص 259 ملخصا.
(2) المختلف الجزء السابع ص 259.
(3) إلى هنا من المسالك ج 2 ص 505 ملخصا.
(4) كذا في الأصل ولعل الصحيح " القاشرة " بالقاف.
319

فنقول:
(أما الحارصة)
بإهمال الحروف (فهي التي تقشر الجلد) وتخدشه كما في القواعد والنافع
ومحكي المحيط وأدب الكاتب ونظام الغريب (1)، وعن الأزهري " أصل الحرص
القشر وبه سميت الشجة حارصة وقيل للشره حريص، لأنه يقشر بحرصه وجوه
الناس بمسألتهم ".
وفي كشف اللثام " في أكثر الكتب أنها التي تشق الجلد من قولهم: حرص
القصار الثوب إذا شقه، وفي المحكم (2) هي التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا
يقال حرص رأسه بفتح الراء يحرصه بكسرها حرصا بإسكانها أي شق وقشر جلده،
ويظهر منه كون الشق والقشر بمعنى واحد، وقد عرفت أن الميداني في السامي فرق
بينهما وسمي التي تقشر، القاشرة، والتي تشق، الحارصة والثعالبي في فقه اللغة
لم يذكر الحارصة وإنما جعل أول الشجاج القاشرة (3) ".
الذي يظهر لي أن الحارصة هي التي تقشر الجلد من دون إدماء وإن كان
لها أفراد مختلفة (و) لكن (فيها) أجمع (بعير) كما عن المشهور، بل
عليه عامة المتأخرين بل لم أجد فيه خلافا، إلا ما يحكى عن الإسكافي، من
أن فيها نصف بعير، وهو مع شذوذه لم نعرف له مستندا، فضلا عن كونه صالحا
لمعارضة خبر منصور (4) بن حازم عن الصادق عليه السلام - الذي هو إن لم يكن صحيحا

(1) لعيسى بن إبراهيم الربعي اليمنى في اللغة وأفرد فيها ذكر لغات الاشعار
واقتصر عليها كما في معجم المطبوعات ج 1 ص 927.
(2) كذا في الأصل وفي كشف اللثام، وهو اسم كتاب ظاهرا ويحتمل تصحيفه.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 334.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 14.
320

فقريب منه، ومع ذلك منجبر بما عرفت - " في الحرصة شبه الخدش بعير ".
نعم في كشف اللثام وغيره، مقتضى إطلاقه كالفتاوى عدم الفرق في ذلك بين
الذكر والأنثى، لكن عن الغنية والاصباح والجامع، التعبير بأن فيه عشر عشر
الدية، قال: وهو يقتضي الفرق بينهما، وفيه أن الظاهر اتحاد الجميع كما تسمع
التصريح به في بعض النصوص (1) في المنقلة التي فيها خمسة عشر من الإبل،
قال: " عشر ونصف عشر " فحينئذ المراد من الدية في كلامهم دية الذكر التي هي
الأصل دون الأنثى التي هي نصفها، فيرتفع الخلاف حينئذ الموهون بعدم دليل
عليه يحكم على الاطلاق المزبور.
مضافا إلى عدم مفارقة الأنثى للذكر في الجروح ما لم تبلغ الثلث فصاعدا كما
عرفت الكلام فيه سابقا وتعرف إن شاء الله، ولعل إطلاق الأصحاب هنا اتكالا على
ما ذكروه سابقا ويأتي من القاعدة المزبورة، بل هو صريح خبر العلا بن الفضيل (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام " في الموضحة خمس من الإبل والسمحاق أربع من الإبل
والدامية صلح أو قصاص إذا كان عمدا كان دية أو قصاصا وإذا كان خطأ كان الدية
والمنقلة خمسة عشر والجائفة ثلث الدية والمأمومة ثلث الدية وجراحة المرأة
والرجل سواء إلى أن تبلغ ثلث الدية فإذا جاز ذلك فالرجل يضعف على المرأة
ضعفين ".
بل في كشف اللثام وغيره أيضا أن مقتضاهما أيضا عدم الفرق بين الحر والمملوك
خلافا لابن حمزة ففرق بينهما بجعل الأرش في المملوك، وفيه أن الظاهر اتفاق
الجميع على ما ذكره ابن حمزة وإن أطلقوا هنا لكنه اتكال أيضا على ما ذكروه
سابقا من كون الحر أصلا للعبد في كل ماله مقدر والعبد أصلا للحر فيما ليس
له مقدر وحينئذ يعتبر المقدر المزبور بالنسبة إلى الدية ويثبت في العبد مثله بالنسبة

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 18.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 16.
321

إلى قيمته التي هي ديته ما لم يتجاوز دية الحر، ومن هنا لم يستبعده في الرياض (1)
وستسمع ما في خبر حريز (2) عن الصادق عليه السلام " فيمن شج عبدا موضحة قال:
عليه نصف عشر قيمة العبد " وهو صريح في ما ذكرناه.
(و) على كل حال ف‍ (- هل هي الدامية قال الشيخ) في محكي النهاية
والمبسوط والخلاف وابنا زهرة وحمزة والكيدري والقاضي ويحيى بن سعيد على
ما حكى عنهم: (نعم) لقول الصادق عليه السلام في خبر السكوني (3) " أن رسول
الله صلى الله عليه وآله قضى في الدامية بعيرا " وقول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر مسمع (4) مثله،
مع ما عرفت من أن في الحارصة بعيرا، وهو وإن لم يدل إلا على التساوي حكما
لا الترادف إلا أن ذلك كاف في المطلوب، بل لعله المراد، (و) لكن (الرواية)
المزبورة " ضعيفة) ولا جابر لها على وجه تصلح معارضا لما سمعته.
(و) من هنا كان (الأكثرون)، بل المشهور كما حكاه جماعة،
(على أن الدامية غيرها وهي رواية منصور بن (5) حازم عن الصادق عليه السلام)
التي ذكر فيها " إن في الحارصة بعيرا - كما سمعت - وفي الدامية بعيرين " مضافا إلى
تغاير مبدأ اشتقاقهما، وإلى ما دل من النصوص (6) المعتبرة على أن في الباضعة
ثلاثا من الإبل بضميمة أن كل من قال بذلك قال بتغايرهما كما ستعرف.
وحينئذ (ففي الدامية إذن بعيران) كما عن المفيد والسيد والديلمي
والحلي وغيرهم (وهي التي تدخل (7) في اللحم يسيرا) وفي القواعد " تسمى

(1) رياض المسائل ج 2 ص 619.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 5.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 8.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 6.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 14.
(6) راجع الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج.
(7) في الشرائع " تأخذ " مكان " تدخل ".
322

بالدامعة باهمال العين لأنها تخرج منها نقطة من الدم كما يخرج الدمع " لكن
في كشف اللثام " المعروف المغايرة بينهما بسيلان الدم وعدمه، ففي العين (1)
" الدامعة سائلة والدامية التي تدمى ولم تدمع بعد " ونحوه في الصحاح عن أبي عبيد،
وعليه الأكثر، ومنهم ابن فارس في المجمل، وقال في المقاييس " الأصح أن التي تسيل دما هي الدامية فأما الدامعة فأمرها دون ذلك لأنها هي التي كأنها يخرج
منها ماء أحمر رقيق "، ويوافقه في اعتبار السيلان في الدامية كلام الكليني وأبي علي
والمفيد والسيد في الإنتصار والناصريات، وسلار، وكذا كلام الحلبيين، مع أنهما
جعلاها أول الأقسام (2) ".
قلت: ولكن المنساق المناسب لترتبها على الحارصة أنها التي تخرج الدم
مطلقا وإن كان الغالب حصول السيلان ولو في الجملة مع خروجه، إذ هي المرتبة التي
تزيد على قشر الجلد بدون إدماء، وحينئذ ففيها بعيران بجميع أفرادها حتى تصل
الشجة إلى المرتبة الثالثة التي أشار إليه المصنف بقوله:
(وأما المتلاحمة)
(وهي التي تدخل (3) في اللحم كثيرا و) لكن (لا تبلغ السمحاقة)
وتتلاحم أي تلتئم سريعا، وعن الأزهري " أن اللاحمة القاطعة إلا أنها سميت
بذلك على ما يؤل إليه وعلى التفأل " وعلى كل حال " ففيها ثلاثا أبعرة) كما
في محكي النهاية والخلاف والمبسوط والسرائر والكامل والوسيلة وغيرها، بل لا أجد
فيه خلافا، لقول الصادق عليه السلام في خبري المسمع (4) والسكوني (5) " في المتلاحمة

(1) العين في اللغة لخليل بن أحمد الشيعي وهو أول من صنف في اللغة.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 334.
(3) في الشرائع " تأخذ ".
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 6 و 8.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 6 و 8.
323

ثلاثة أبعرة " وهو المراد بما عن الكافي والغنية والاصباح والجامع " إن فيها عشر
عشر الدية وخمسه ".
(وهل هي غير الباضعة) كما هو ظاهر من جعل الحارصة من الأصحاب
الدامية، كالشيخ والقاضي وابني زهرة وحمزة أو اقتصر على إحداهما كالمفيد
والصدوق والحلبي، فإن الجميع يجعلون الباضعة مكان الدامية قبل المتلاحمة
ويفرقون بينهما، بقلة النفوذ في اللحم وبكثرته، بل قيل: نحوهم في الفرق الكليني
وأكثر كتب أهل اللغة مثل أدب الكاتب نظام الغريب والسامي، بل عن تهذيب
الأزهري أن أبا عبيد حكاه عن الأصمعي وغيره، بل والصحاح قال:
" الباضعة الشجة التي تقطع الجلد وتشق اللحم وتدمى إلا أنه لا يسيل الدم
فإن سال فهي الدامية، والمتلاحمة التي أخذت في اللحم ولم تبلغ السمحاق ثم رتب
الأقسام فقال: القاشرة وهي الحارصة ثم الباضعة ثم الدامية ثم المتلاحمة ثم السمحاق
ثم الموضحة ثم الهاشمة ثم المنقلة ثم الأمة ثم الدامغة ".
ونحوه عن فقه الثعالبي إلا في عدد الأقسام فقال: " إذا قشرت الشجة جلد
البشرة فهي القاشرة فإذا بضعت اللحم ولم تسل الدم فهي الباضعة فإذا بضعت اللحم
وسالت الدم فهي الدامية فإذا عملت في اللحم الذي يلي العظم فهي المتلاحمة فإذا بقي
بينها وبين العظم جلد رقيق فهي السمحاق فإذا أوضحت العظم فهي الموضحة فإذا
كسرت العظم فهي الهاشمة فإذا نقلت منها العظام فهي المنقلة فإذا بلغت أم
الرأس حتى يبقى بينها وبين الدماغ جلد رقيق فهي الدامغة فإذا وصلت إلى جوف
الدماغ فهي الجائفة " إلى غير ذلك من كلماتهم التي أطنب في كشف اللثام (1)
في نقلها.
أو هي هي كما هو ظاهر من اكتفى بأحدهما من الأصحاب ومن فسرهما
بالتي تبلغ اللحم كما عن المجمل أو التي تأخذ فيه كما عن النهاية الأثيرية.

(1) كشف اللثام ج 2 ص 334 - 335.
324

قولان منشأهما اختلاف النصوص، فإن المراد من كونها هي أو غيرها
اتحادها معها في الحكم وعدمه ففي صحيح ابن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
" في الباضعة ثلاث من الإبل " وكذا في صحيح الحلبي (2)، وخبر زرارة (3).
وفي خبر منصور (4) " في الباضعة وهي دون السمحاق ثلاث من الإبل " وفي خبر
مسمع (5) بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام: قضى رسول
الله صلى الله عليه وآله - إلى أن قال -: في الباضعة بعيرين وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة " ونحوه
في خبر السكوني (6)، ولعل الجمع بينهما بدعوى أن الباضعة فردين أحدهما
يساوي الدامية والآخر يساوي المتلاحمة وربما كان في خبر منصور إشارة إلى ذلك
فإنه فسر الباضعة التي توجب الثلاثة بما سمعته.
وكيف كان ففي المتن وغيره (فمن قال: الدامية غير الحارصة فالباضعة والمتلاحمة
واحدة ومن قال: الدامية والحارصة واحدة فالباضعة غير المتلاحمة) ولكن قد
يناقش بإمكان القول بالأول ومغايرة الباضعة للمتلاحمة، بأن يقال: الحارصة التي
لا تدمى والدامية التي تدمى من غير دخول في اللحم والباضعة التي مع ذلك تدخل في
اللحم قليلا والمتلاحمة التي تدخل في اللحم كثيرا، كما أنه يمكن القول باتحاد
الأولين مع اتحاد الباضعة المتلاحمة.
نعم الظاهر اتحاد حكم الباضعة مع الدامية في البعيرين إذا كان الدخول في
اللحم قليلا جدا، وفوق ذلك إلى أن تكون دون السمحاق تتحد مع المتلاحمة
في الثلاثة، كما أشرنا إلى ذلك في الجمع بين النصوص، وهو المهم في المقام دون
الاختلاف في اللفظ.

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 1 و 4 و 11.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 1 و 4 و 11.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 1 و 4 و 11.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 14 و 6 و 8.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 14 و 6 و 8.
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 14 و 6 و 8.
325

(وأما السمحاق)
(فهي التي تبلغ السمحاقة وهي جلدة مغشية للعظم) كما صرح به غير
واحد، فما عن الكليني من أنها التي تبلغ العظم مسامحة، لنصه على أن السمحاق
جلدة رقيقة على العظم (و) على كل حال ف‍ (- فيها أربعة أبعرة)، للاجماع
بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض كالنصوص، ففي خبر مسمع بن (1)
عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام " قال أمير المؤمنين عليه السلام: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله -
إلى أن قال -: وفي السمحاق أربع من الإبل " ونحوه قوى السكوني (2) عن أبي
عبد الله عليه السلام، وخبر أبي بصير (3)، وخبر زرارة (4) وخبر منصور بن (5)
حازم وخبر أبي حمزة (6) عنه أيضا إلى غير ذلك من النصوص التي لا يعارضها ما
أرسله أبو علي عن أمير المؤمنين عليه السلام (7) من أن " فيها حقه وجذعة وابنة مخاض "
كما لا ينافيه ما عن الكافي والغنية والاصباح والجامع من أن فيها خمس عشر الدية،
لأن المراد به خمس عشر دية الرجل وهي أربعة.
نعم عن المقنع (8) " أن فيها خمسمأة درهم " ويمكن أن يكون ذلك قيمة
الأربعة، لكن قال: " وإذا كانت في الوجه فالدية على قدر الشين " ونحوه ما عن
الكافي (9) من أن " في السمحاقة وهي من دون الموضحة خمسمأة درهم وفيها إذا كانت

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 6 و 8.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 6 و 8.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 10 و 11 و 14 و 18.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 10 و 11 و 14 و 18.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 10 و 11 و 14 و 18.
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 10 و 11 و 14 و 18.
(7) أورده في المختلف، الجزء السابع ص 259 عن أبي علي. وفيه " وابنة
لبون " بعد " وابنة مخاض " وكذا أيضا في كشف اللثام ج 2 ص 335 فراجع.
(8) المقنع للصدق ص 181.
(9) الكافي ج 7 ص 328.
326

في الوجه ضعف الدية على قدر الشين " ولعله للمرسل عن أبي بصير (1) عن أبي
عبد الله عليه السلام " في السمحاق التي هي دون الموضحة خمسمأة درهم وإذا كانت
في الوجه ضعف الدية على قدر الشين " ولكن ستعرف إن شاء الله أن حكم الشجاج
في الرأس وفي الوجه سواء.
(وأما الموضحة)
(وهي التي تكشف عن وجه العظم) بلا خلاف أجده في تفسيره (وفيها
خمسة أبعرة) بلا خلاف أجده فيه أيضا، كما عن الخلاف والغنية وغيرهما
الاعتراف به، والنصوص به مستفيضة كخبر مسمع (2) وخبر أبي بصير (3) وخبر
زرارة (4) وخبر معاوية (5) بن وهب وخبر أبي مريم (6) وخبر منصور (7)
ابن حازم وخبر العلا (8) بن الفضيل وخبر أبي حمزة (9)، وإليه يرجع ما في
كتاب ظريف (10) " في مواضح العظم خمسون دينارا " كما أن ما في خبر حريز (11)
عن الصادق عليه السلام " فيمن شج عبدا موضحة قال: عليه نصف عشر قيمة العبد " مؤيد
لما ذكرناه سابقا، وأما ما عن الخلاف والغنية والاصباح والكافي والجامع، من أن
فيها نصف عشر الدية فهو على ما ذكرناه سابقا.

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 9.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 6 و 10 و 11 و 12 و 13.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 6 و 10 و 11 و 12 و 13.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 6 و 10 و 11 و 12 و 13.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 6 و 10 و 11 و 12 و 13.
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 6 و 10 و 11 و 12 و 13.
(7) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 14 و 16 و 18.
(8) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 14 و 16 و 18.
(9) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 14 و 16 و 18.
(10) الفقيه ج 4 ص 82 وفيه " الرأس " مكان " العظم ".
(11) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 5.
327

(فروع)
لكن ينبغي أن يعلم أولا إنك قد عرفت في كتاب القصاص عدم اختلاف أرش
الجروح بصغره وكبره في الطول والعرض، لصدق الاسم والتعليق عليه في النص
والفتوى، بل إنما يختلف باختلافه في النزول إذا خرج به عن الاسم إلى اسم آخر،
كما إذا نزلت الحارصة إلى المتلاحمة والمتلاحمة إلى الموضحة، وأما إذا لم يخرج
إلى اسم آخر فاختلافه نزولا كاختلافه أيضا طولا وعرضا وحينئذ ف‍ (- لو أوضحه
اثنتين ففي كل واحدة خمس من الإبل) بلا خلاف ولا إشكال لأصالة تعدد
المسبب بتعدد السبب.
(ولو وصل الجاني بينهما) ففي المتن والإرشاد (صارتا واحدة كما لو
أوضحه ابتداء) لصدق الاسم، وأصالة البراءة وبناء فعل الواحد بعضه على بعض،
كما لو قطع يديه ورجليه ثم قتله فإن الدية واحدة لاتحاد الجاني (وكذا لو سرتا)
أو سرت إحداهما (فذهب ما بينهما) من الحاجز (لأن السراية من فعله)
فهي من تتمة الجنايتين الأولتين، ولا يستقر حكمهما ما لم تستقرا وإنما
استقرتا بعد السراية مع أصل البراءة.
ولكن قد يشكل ذلك كله بزيادة الجناية وتعددها وأصل بقاء الشغل بديتي
موضحتين والجناية والسراية زيادة مضمونة على ذيها فكيف تقلل الدية، بل الظاهر
ثبوت دية مستقلة لها لو كانت موضحة أو غيرها، كما جزم به في الإيضاح ومجمع
البرهان، وقد استشكل فيه الفاضل في القواعد في الاتحاد في الأولى ولم يستشكل في
السراية (و) الحق عدم الفرق بعد أن كانت السراية مضمونة أيضا فهي حينئذ
كما (لو وصل بينهما غيره) إذ لا إشكال ولا خلاف في أنه متى كان كذلك
(لزم الأول ديتان) بفعله (والواصل ثالثة لأن فعله لا يبنى على فعل غيره و)
328

هو واضح، نعم (لو وصلها المجني عليه فعلى الأول ديتان والواصلة هدر) لأنه
الجاني على نفسه.
(و) كيف كان فعلى الاتحاد (لو تخالفا) وتخاصما (فقال الجاني
أنا شققت بينهما) أو سرتا أو إحداهما بعد أن اعترف أو ثبت أنه أوضحه موضحتين
(وأنكر المجني عليه) فقال أنا أو ثالث وصل بينهما (فالقول قول المجني
عليه مع يمينه) كما في القواعد وغيرها ومحكي المبسوط (لأن الأصل) بل
الظاهر أيضا من حدوثهما (ثبوت الديتين ولم يثبت المسقط) وهو وصل الجاني
الأول بالسراية أو جناية ثالثة، بل الأصل عدم السراية أو جناية ثالثة من الجاني،
وقد يقال بتقديم قول الجاني لأن الأصل البراءة ولا يستقر مقدار الدية إلا
باستقرار الجناية، والأصل عدم تخلل جناية جان آخر وعدم استقرارها قبل
الاتصال، ولعل التحقيق اختلاف الحكم باختلاف الابراز للدعوى والانكار.
(وكذا لو قطع يديه ورجليه ثم مات بعد مدة يمكن فيها الاندمال
واختلفا) فادعى الجاني موته بالسراية، فتدخل دية الطرف في النفس، فلا يكون
عليه إلا دية واحدة، وأنكر المجني عليه (فالقول قول الولي مع يمينه) لمثل
ما عرفت، بل يضعف هذا الاحتمال المزبور لأن الأصل عدم السراية وعدم الدخول
في النفس إلا أن يفرض إبراز الدعوى على وجه يقتضي ذلك، فإن المدار على
ذلك كما أشرنا إليه سابقا.
ولو أوضحه موضحات متعددة زادت على عشرين وبينها حواجز، وجب عليه
في كل موضحة خمس من الإبل، ولو زادت على دية النفس.
ولو أوضحه ثم اندمل فجاء آخر أو الجاني الأول فأوضحه في ذلك الموضع،
كان عليه دية أخرى،
ولو أوضحه موضحة واسعة فاندمل جوانبه وبقي العظم ظاهرا دفع إليه دية
موضحة. ولو اندمل الكل والتحم وستر العظم لكن بقي الشين والأثر فكذلك،
329

لعموم النص والفتوى، بل مقتضاه ذلك وإن لم يبق الأثر، وإن كان ظاهر الفاضل
في القواعد خلافه، ولعله للحمل على الكسر الذي فرق بين انجباره على عيب ولا
عليه، لكن هو كما ترى قياس لا نقول به، أو لعدم صدق الموضحة بعد البرء الذي
هو محل استقرار الجناية وهو أيضا مخالف لاطلاق النص والفتوى.
ولو أوضحه في رأسه في موضعين فانخرق ما بينهما في الباطن خاصة إما
بفعله أو بسرايته وبقي ظاهر البشرة سليما، فالأقرب كما في القواعد لزوم الديتين
لبقاء التعدد اسما، فإن الإيضاح إنما تحقق بوضوح العظم وظهوره، ويحتمل
الاتحاد للاتصال باطنا وتفسير الإيضاح بوصول الجرح إلى العظم وقد وصل، بل
عن التحرير التردد في ذلك كما عن ظاهر المبسوط لكن الأقوى ما عرفت. ولو
وصل بينهما في الظاهر دون الباطن بأن قطع بعض اللحم الظاهر ولم يصل إلى
العظم فهما موضحتان وما بينهما متلاحمة أو دامية أو سمحاق، بل لعل الاتحاد
هنا غير محتمل.
نعم لو ضربه ضربة واحدة فجرحه جراحة واحدة طرفاها موضحتان دون
الوسط فالكل موضحة واحدة.
(ولو شجه واحدة واختلفت مقاديرها) فأوضح بعضها مثلا دون بعض
(أخذ) منه (دية الأبلغ) عمقا (لأنها لو كانت كلها كذلك لم تزد على
ديتها) لصدق الاسم مع ما عرفت من عدم الاختلاف بالصغر (و) الكبر بعد اتحاد
الجناية.
نعم (لو شجه في عضوين) اختلفت ديتاهما أو اتفقتا كاليدين مثلا
(كان لكل عضو دية على انفراده ولو كان بضربة واحدة) فإن اختص الأبلغ
كالموضحة بأحدهما كان فيه دية وفي الآخر دية ما دون، وإن عمهما الموضحة مثلا
كان له دية موضحتين لعضوية (ولو شجه في رأسه وجبهته) شجة واحدة متصلة
كذلك (فالأقرب أنها واحدة لأنهما عضو واحد) عرفا إذ الرأس يشملهما،
والأصل البراءة، وإن استشكل فيه في القواعد ومحكي المبسوط من ذلك ومن
330

تغايرهما عرفا ولانتفاء التكرار في قولهم له رأسه ووجهه، وفيه أن الأصل البراءة
ولو مع الشك.
(وأما الهاشمة)
(فهي التي تهشم العظم) وتكسره وإن لم يكن جرح، ومنه قيل للنبات
المنكسر هشيما (وديتها عشر من الإبل) عشر الدية، بلا خلاف أجده فيه كما
عن الغنية، بل الظاهر الاتفاق عليه كما اعترف به في كشف اللثام، لخبر
السكوني (1) المنجبر بذلك " قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في الهاشمة بعشر من
الإبل " إلا أنه كما ترى مطلق لكن في المتن والقواعد ومحكي المبسوط
(أرباعا) أي إن كان خطأ على حسبما توزع عليه الدية الكاملة فيكون في المقام
(إن كان خطأ) بنتا مخاض وابنا لبون وثلاث بنات لبون وثلاث حقق (وأثلاثا
إن كان شبيه العمد) ثلاث بنات لبون وثلاث حقق وأربع خلف على ما دلت عليه صحيحة
ابن سنان (2) في التوزيع، بل عن ظاهر المبسوط الاتفاق عليه، ولا ريب في
أنه أحوط وإن لم نقف على نص عليه هنا بالخصوص، ويمكن أن يكون حملوه
على النفس.
(و) على كل حال ف‍ (- لا قصاص فيها) للتغرير، وعدم إمكان استيفائه
كما عرفته سابقا في القصاص، وعرفت الخلاف فيه فلاحظ.
(ويتعلق الحكم بالكسر) الذي به يتحقق اسمها (وإن لم يكن جرح)
خلافا للعامة فجعلوا فيها الحكومة مع عدمه في وجه، وخمسا من الإبل في
آخر، وهما معا كما ترى.

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 15.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
331

(ولو أوضحه اثنتين وهشمه فيهما واتصل الهشم باطنا قال في المبسوط: وهما
هاشمتان) لأن الهاشمة تابعة للموضحة وإلا لم تتأخر عنها في مراتب الشجاج
فهي المشتملة على الإيضاح وانكسار العظم جميعا، ولا يكفي فيها الانكسار والموضحة
في الفرض متعددة (و) لكن (فيه تردد) لامكان منع التبعية المزبورة لعدم
الدخول في المفهوم لغة ولذا ثبت الحكم في الكسر وإن لم يكن جرح فهي حينئذ
هاشمة متحدة باعتبار إيصالها وإن تعددت الموضحة.
(وأما المنقلة)
(فهي) بصيغة اسم الفاعل مع تشديد القاف فهي كما في النهاية والقواعد
والنافع والنزهة ومحكي الجامع (التي تحوج إلى نقل العظم) من موضعه
إلى غيره باعتبار حصول الهشم فيه، وحينئذ فيرجع إليه ما في المقنعة والمراسم
والناصريات من أنها " التي تكسر العظم كسرا يفسده فيحتاج معه الانسان إلى
نقله من مكانه " بل وما في الوسيلة " ما تكسر العظم وتحوج إلى نقل العظم من
موضع إلى موضع " بل وما في الغنية ومحكي الاصباح " التي تحوج مع كسر العظم
إلى نقله من موضع إلى آخر "، بل وما في المقنع من أنها " هي التي قد صارت
قرحة تنقل منها العظام (1) " لكن عن التهذيب والفقيه (2) عن الأصمعي هي
التي يخرج منها فراش العظام وهو قشرة تكون على العظم دون اللحم، ومنه قول
النابغة:
" ويتبعها منهم فراش الحواجب "
ونحوه عن تهذيب الأزهري عن أبي عبيد عن الأصمعي، ولم يوافقه أحد
من أهل اللغة على ذلك، بل ظاهرهم كالفقهاء خلافه الذي هو المنساق

(1) المقنع ص 181.
(2) التهذيب ج 10 ص 289 الفقيه ج 4 ص 166.
332

أيضا (1).
نعم عن السرائر " أنها هي التي يخرج منها فراش العظام وفراش الرأس
بفتح الفاء والراء غير المعجمة المفتوحة والشين المعجمة وهي عظام رقاق تلي القحف
وتحوج إلى نقلها من موضع إلى موضع " (2) وعن العين والمحيط " أنها التي ينقل منها
فراش العظام أي صغارها " ونحوه عن المغرب (3) والمعرب والنهاية الأثيرية، وعن
المجمل والمقاييس وشمس العلوم " أنها التي ينقل منها فراش العظام وإن فراش الرأس
طرائق تلي القحف " وفي الصحاح " هي التي تنقل العظم أي تكسره حتى يخرج منها
فراش العظام " " وإن فراش الرأس عظام رقاق تلي القحف " وفي الكافي (4) " هي التي
تنقل العظم من الموضع الذي خلقه الله ".
والتحقيق ما عرفته من أن المتبادر منها ما عن أدب الكاتب من أنها " التي
يخرج منها العظام " وعن نظام الغريب " أنها التي خرجت منها عظام صغار " ولعله
المراد مما في خبر أبي بصير (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ما رواه في الكافي - إلى
أن قال -: " وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وهي التي قد صارت قرحة تنقل
منها العظام ".
(و) على كل حال ف‍ (- ديتها خمسة عشر بعيرا) بلا خلاف معتد به أجده
فيه نصا وفتوى، بل عن الخلاف والمبسوط والغنية الاعتراف به، نعم عن الحسن إيجاب
عشرين بعيرا فيها وهو مع ندرته لا مستند له، فضلا عن أن يعارض المعتبرة المستفيضة

(1) كذا في الأصل.
(2) السرائر، باب القصاص وديات الشجاج.
(3) المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي وفيه: فراش العظام وهو دقاقها
في الرأس.
(4) الكافي ج 7 ص 329.
(5) الكافي ج 7 ص 327.
333

المعتضدة بما سمعت، منها خبر أبي حمزة " في الموضحة خمس من الإبل - إلى
أن قال -: وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل عشر ونصف عشر " (1) ومنه يعلم
الوجه فيما ذكرناه سابقا من عدم الخلاف في عبارات الأصحاب.
(و) على كل حال (لا قصاص فيها) أيضا كالهاشمة لتعذره غالبا،
وللتغرير، ولما دل على عدم القصاص في كسر العظام كما تقدم الكلام في ذلك والخلاف
فيه مفصلا. بل (و) في أن (للمجني عليه أن يقتص في قدر الموضحة)
منها (2) فرض الايضاح (ويأخذ دية ما زاد وهو عشر من الإبل) كما في
القواعد ومحكي المبسوط لوجود المقتضي وانتفاء المانع، أوليس له ذلك لعدم صدق
القصاص عرفا كما عن الشيخ في محكي الخلاف (3) مدعيا عليه الاجماع والأخبار،
وقد عرفت التحقيق فيه سابقا، فلاحظ وتأمل.
(وأما المأمومة)
والآمة على معنى ذات أم الرأس (فهي التي تبلغ أم الرأس وهي الخريطة
التي تجمع الدماغ و) فيها ثلث الدية كما في أخبار (4) أبي بصير ومعاوية بن وهب
ومسمع والشحام وأبي الصباح والعلا بن الفضيل عن الصادق عليه السلام، ومحكي الخلاف
والمراسم والمقنع والغنية وغيرها، أي ثلاثمأة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 18.
(2) كذا في الأصل ولعل الصحيح " منها مع فرض الإيضاح " راجع مفتاح الكرامة
ج 10 ص 485.
(3) الخلاف ج 2 ص 363.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج، الحديث 9 و 10 و 12
و 6 و 5 و 16.
334

كما في كتاب ظريف (1)، أو ثلاثة وثلاثون بعيرا وثلث بعير كما عن صريح
المبسوط (2)، بل في الوسيلة ديتها على الثلث من دية النفس مغلظة في العمد ومخففة
في الخطأ وبين بين في عمد الخطأ.
ولكن في المقنعة كما في المتن (فيها ثلث الدية ثلاثة وثلاثون بعيرا) أو
ثلث الدية من العين كالورق على السواء، لأن ذلك يحدد فيه الثلث ولا يحدد في
الإبل والبقر الغنم على السلامة في العدد، ونحوه في الناصريات، وفي النهاية أيضا
فيها ثلث الدية ثلاثة وثلاثون بعيرا أو ثلث الدية من الغنم أو البقر أو الفضة أو الحلة،
وهؤلاء مع تصريحهم بالثلث لم يعتبروا ثلث البعير ولعله لحملهم أخبار الثلث على
التقريب في الإبل كما عساه يشهد له صحيح (3) الحلبي أو حسنه عن الصادق عليه السلام
" قال: في المأمومة ثلاث وثلاثون من الإبل ".
ونحوه خبر زرارة (4) عنه عليه السلام، بل وخبر أبي بصير (5) عنه أيضا " وفي
الجائفة ثلث الدية ثلاث وثلاثون من الإبل وفي المأمومة ثلث الدية " وعن ابن
إدريس (6) " في الثامنة ثلث الدية دية النفس وهي ثلاث وثلاثون بعيرا فحسب
بلا زيادة ونقصان إن كان من أصحاب الإبل، ولم يلزم أصحابنا ثلث البعير الذي
يكمل به ثلث المئة بعير التي هي دية النفس لأن رواياتهم هكذا مطلقة، وكذلك
مصنفاتهم وقول مشايخهم وفتاواهم، وإجماعهم منعقد على هذا الاطلاق، أو ثلث
الدية من العين أو الورق على السواء لأن ذلك يحدد (7) فيه الثلث ولا يحدد في الإبل

(1) الفقيه ج 4 ص 82.
(2) راجع المبسوط ج 7 ص 122.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 4.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 11.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 10.
(6) السرائر باب القصاص وديات الشجاج.
(7) في الأصل " يتحدد " في جميع الموارد، وفي السرائر يتجدد بالجيم.
335

والبقر والغنم ".
وقد يحتمل العكس بحمل ما دل على العدد من دون ذكر الثلث عليه تحقيقا
في اللفظ وتجوزا في العدد بالاقتصار على الأعداد الصحيحة والايماء إلى كمال
الثلث من إيجابه، بل هو خيرة الفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما، وفيه أنه لا مرجح
لهذا التجوز على الأول، والمناسبة لمراعاة النسبة إلى أصل الدية في المسائل
السابقة في المسألة أيضا بالإضافة إلى النقدين والحلة لا تصلح للترجيح، خصوصا مع
ملاحظة ما عرفت من إجماع الحلي وغيره، بل لو سلم تكافؤ المرجحين كان المتجه
عدم اعتبار ثلث البعير للأصل، وإن كان دفعه أو العدول إلى النقدين ونحوهما
أحوط، والله العالم.
(والدامغة)
(هي التي تفتق الخريطة) التي هي أم الدماغ فهي حينئذ بعد المأمومة
كما عن الصحاح والمغرب (1) والمعرب وغيرهما بل هو معنى قول أهل اللغة أنها
التي تبلغ الدماغ، بل لعل ذلك هو المنساق من مبدأ اشتقاقها عرفا، بل يرجع
إليه ما عن العين والمحيط من " أن الدمغ كسر الصاقورة من الدماغ، والصاقورة باطن
القحف المشرف على الدماغ " نعم ما عن الثعالبي من ذكرها مكان الأمة وتفسيره
بمعناها يقتضي الترادف معها.
(و) على كل حال فبناء على ما ذكرنا تكون (السلامة معها بعيدة)
فهي حينئذ توجب القصاص أو الدية، وعلى تقديرها فتزيد على المأمومة حكومة
لعدم التقدير لها شرعا (ولا قصاص) فيها لتعذر الاستيفاء وللتغرير، بل ولا

(1) كذا في الأصل والصحيح " المغرب في ترتيب المعرب " وضمير التثنية بعده
يشهد لكونه كتابا واحدا.
336

(في المأمومة لأن السلامة معها غير غالبة) فيتعذر القصاص للتغرير.
(و) لكن (لو أراد المجني عليه) بها أو بالدامغة أو بالمنقلة أو
بالهاشمة (أن يقتص في الموضحة) مع فرض حصولها معها (ويطالب بدية
الزائد جاز) كما في القواعد ومحكي المبسوط، لعموم الأدلة، خلافا للمحكي
عن الخلاف تمسكا بالأخبار والاجماع كما عرفت الكلام فيه سابقا.
(والزيادة) بعد اسقاط الخمسة للموضحة (ثمانية وعشرون بعيرا) لما
عرفت من أن فيها ثلاثة وثلاثين بعيرا (و) لكن (قال في المبسوط (1)) ثمانية
وعشرون (وثلث بعير وهو بناء على أن في المأمومة ثلاثة وثلاثين بعيرا وثلثا)
لاطلاق النصوص أن فيها ثلث الدية، وهو ذلك (ونحن) قد قدمنا الكلام فيه
وقلنا إن الأقوى أن (نقتصر على ثلاثة وثلاثين) بعيرا (تبعا للنقل) في
الصحيح وغيره المصرح بأن فيها ذلك، وحمله على مجاز الحذف ليس بأولى من
حمل الثلث على المجاز، بل هو أولى لما عرفت، بل مع فرض تعارض المرجحين
يتجه العمل بأصل البراءة من الزائد.
(ولو جنى عليه موضحة فأتمها آخر هاشمة وثالث منقلة ورابع مأمومة
فعلى الأول خمسة) للايضاح بلا خلاف ولا إشكال (وعلى الثاني ما بين الموضحة
والهاشمة خمسة أيضا) لا عشرة، فإنها إنما تجب بالهشم مع الايضاح إذ لو
أوضح ثم هشم لم يكن عليه إلا العشرة، فخمسة بإزاء الايضاح، وفيه أنه مناف
لما دل على أن في الهشم عشرة، الذي قد عرفت تعلق حكمه بالكسر وإن لم يكن
جرح (و) كذا الكلام في ما ذكره أيضا من أن (على الثالث ما بين الهاشمة
والمنقلة خمسة أيضا، وعلى الرابع تمام دية المأمومة ثمانية عشر بعيرا) الذي وجهه
ما سمعت وفيه ما عرفت اللهم إلا أن يدعي أن المنساق من نصوص التقدير غير الفرض
والأصل البراءة، والله العالم.

(1) المبسوط ج 7 ص 122.
337

(ومن لواحق هذا الباب مسائل)
(الأولى:)
قد تقدم الكلام في الأنف في أن (دية النافذة) فيه أي (في الأنف ثلث
الدية فإن صلحت فخمس الدية مأتا دينار، ولو كانت في أحد المنخرين إلى الحاجز
فعشر الدية) فلاحظ وتأمل، وكذا قد تقدم الكلام في:
المسألة (الثانية):
التي هي (في شق الشفتين حتى تبدو الأسنان ثلث ديتهما ولو برئتا
فخمس ديتهما ولو كان في إحداهما فثلث ديتها ومع البرء خمس ديتها) في بحث
الشفتين فلاحظ وتأمل.
المسألة (الثالثة):
(الجائفة) و (هي التي تصل إلى الجوف من أي الجهات كان) بطن
أو ظهر أو صدر أو جنب أو غير ذلك (ولو من ثغرة النحر) بإبرة، ولذا كانت
من الجراح لا الشجاج المختص بالرأس أو الوجه، نعم لو فرض حصولها في الرأس
كانت دامغة، قال في محكي الفقيه: " ومن الشجاج والجراحات الجائفة، وهي
التي تبلغ في الجسد الجوف وفي الرأس الدماغ (1) ".
ولكن في المقنع " أن المأمومة التي قد نفذت في العظم ولم تصل إلى الجوف

(1) الفقيه ج 4 ص 167.
338

فهي ما بينهما والجائفة هي التي قد بلغت جوف الدماغ (1) " وهو لفظ خبر أبي
بصير (2) عن الصادق عليه السلام " قال: وفي المأمومة ثلث الدية وهي التي قد نفذت
ولم تصل إلى الجوف فهي فيما بينهما وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي قد بلغت
جوف الدماغ " وقال الكليني: " والمأمومة وهي التي تبلغ أم الدماغ، ثم الجائفة
وهي التي تصير في جوف الدماغ (3) " وظاهرهما اختصاصها بالرأس كالمحكي
عن ظاهر الثعالبي، إلا أنه يمكن حمل الجميع على إرادة ما إذا كانت في الرأس،
فلا خلاف حينئذ، وستسمع المراد بالجوف.
(و) على كل حال ف‍ (- فيها ثلث الدية) بلا خلاف أجده فيه، كما عن
المبسوط والخلاف والغنية الاعتراف به، مضافا إلى النصوص، منها صحيح أبي
بصير (4) السابق، ومنها خبر ابن وهب (5) وخبر أبي مريم (6) وخبر العلا (7)
وخبر المفضل (8) بن صالح وزيد عنه عليه السلام أيضا، لكن في حسن الحلبي (9)
عن الصادق عليه السلام " فيها ثلاث وثلاثون من الإبل " وفي خبر أبي بصير (10)
عنه عليه السلام أيضا " وفي الجائفة ثلث الدية ثلاث وثلاثون من الإبل " بل في مقطوع
أبي حمزة (11) " وفي الجائفة ما وقعت في الجوف ليس فيها قصاص إلا الحكومة "
إلا أنه قاصر عن معارضة غيره من وجوه.
ويمكن حمله على إرادة ثلث الدية الحكومة، كما أنه يمكن حمل الأولين
على مجاز الحذف، وأما احتمال التجوز في الثلث هنا نحو ما سمعته في المأمومة

(1) المقنع ص 181.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 9.
(3) الكافي ج 7 ص 329.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 9 و 12 و 13 و 16 و 5.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 9 و 12 و 13 و 16 و 5.
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 9 و 12 و 13 و 16 و 5.
(7) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 9 و 12 و 13 و 16 و 5.
(8) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 9 و 12 و 13 و 16 و 5.
(9) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 4 و 10 و 18.
(10) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 4 و 10 و 18.
(11) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 4 و 10 و 18.
339

فكلام الأصحاب يأباه، بل لم أجد من احتمله هنا، بل صرح بعدمه بعضهم.
نعم ربما كان في تعليل بعضهم سقوطه في المأمومة لعدم التحديد وبالنص إيماء
إلى احتماله هنا فيتجوز حينئذ بالثلث، إلا أنه كما ترى بعد عدم نص أحد
منهم عليه مع إطلاقهم فيها الثلث، والله العالم.
وكذا لم أجد من احتمل اختصاص الثلث بما إذا كانت في الرأس إلا الأردبيلي،
وإن كان ربما يشهد له في الجملة ذكرها في النصوص مع الشجاج المختص بالرأس،
بل قد يستبعد ثبوت ثلث الدية في ثقب الخد مثلا بالأبرة، اللهم إلا أن يمنع كون
ذلك من الجائفة (1) كما صرح به في التحرير والقواعد وغيرهما ومحكي الخلاف، قال
في الأول: " وتتحقق الجائفة بالوصول إلى الجوف ولو بغرز إبرة، ولو خرق
شدقه فوصل إلى باطن الفم فليس بجائفة، لأن داخل الفم كالظاهر، وكذا لو
طعنه في وجنته فكسر العظم ووصل إلى فيه، ولو جرحه في ذكره فوصل إلى
مجرى البول من الذكر فليس بجائفة (2) " وهو صريح فيما ذكرناه، ولعله لأن
المنساق من نصوص الجائفة غير ذلك مع أن الأصل البراءة.
نعم قال في القواعد: لو جرح رقبته فأنفذها إلى حلقه فعليه دية الجائفة، وكذا
لو طعنه في عانته فوصل إلى المثانة " (3) ولكن لعله كما في كشف اللثام لصدق
الاسم عليهما، ولعله لا يخلو من نظر في الجملة، كل ذلك مضافا إلى ما تسمعه في
المسألة الرابعة في النافذة.
(و) كيف كان ف‍ (- لا قصاص فيها) بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف
اللثام اتفاقا، كما هو الظاهر للتغرير، وللمقطوع (4) المنجبر بما عرفت، فلا
يقدح إمكانه في بعض الأفراد، خصوصا في مثل الخد بناء على أنه من

(1) في بعض النسخ هكذا: " إلا أن يدعي كون ذلك في الجائفة ".
(2) التحرير ج 2 ص 277.
(3) مفتاح الكرامة ج 10 ص 502.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 18.
340

الجائفة.
(ولو جرح في عضو ثم أجاف لزمه دية الجرح ثم) دية (الجائفة)
وإن اتصلا (مثل أن يشق الكتف حتى يحاذي الجنب ثم يجيفه) من ذلك الشق
أو من غيره، لاطلاقه الأدلة، وأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب، وقد يحتمل
التداخل لو كان من الشق كما سمعته سابقا في نظيره، ولكن الأقوى خلافه، بل
ينبغي القطع به مع تعدد الجاني، والله العالم.
(فروع)
(لو أجافه واحد) مثلا (كان عليه دية الجائفة) لما عرفت (ولو أدخل
آخر سكينه) مثلا في ذلك الجرح (ولم يزد) على الأول بقطع شئ
(فعليه التعزير حسب) لأنه أذاه، ولا ضمان لعدم جرحه إياه (وإن وسعها
باطنا أو ظاهرا) بأن قطع جزءا من أحدهما (ففيه الحكومة) لعدم التقدير له
بعد أن لم يكن جائفة (و) لا غيرها نعم (لو وسعها فيهما فهي جائفة أخرى
كما لو انفردت) مع فرض اتصال الجزء على وجه يتحقق به اسمها.
أما لو قطع جزء من الظاهر في جانب وجزء من الباطن في جانب آخر بحيث
لم تتسع الجائفة بتمامها وإن اتسع ظاهرها من جانب وباطنها من آخر،
فالحكومة، بل في القواعد " وكذا لو زاد في غوره " وفي كشف اللثام " أي في غور
الجراح أو العضو المجروح فالحكومة لأنه ليس من الجائفة فإنها الجرح من
الظاهر بحيث يبلغ الجوف (1) " وفيه منع اعتبار ذلك في الجائفة كما عرفت
الحكم منه ومن غيره بتعدد الجائفة لو جرح في عضو ثم أجاف وإن اتصلا، بل
قال هو هناك:
" وكذا إذا فعل ذلك في موضع واحد كأن ضرب على جنبه فأوضحه ثم ضربه

(1) كشف اللثام ج 2 ص 338.
341

فأجافه فيلزمه مع دية الجائفة أرش الموضحة كما يقتضيه إطلاق الكتاب والمبسوط،
ويحتمل التداخل، أما إذا تعدد الجاني فعليهما الديتان قطعا (1) " وهو صريح
فيما قلناه، فالمتجه حمل عبارة الفاضل على إرادة (2) في غوره في الجوف نفسه
فإن الإجافة حاصلة قبله ولم يحصل من فعله إجافة، ويمكن إرادة الإصبهاني
ذلك أيضا، وإن اقتضى تأديته المعنى المزبور ما عرفت.
ولو ظهر عضو من الأعضاء الباطنة كالكبد والقلب والطحال، فغرز السكين
فيه، ففيه الحكومة، لعدم التقدير بعد أن لم يكن مثله جائفة، وإن لم يكن بارزا
فغرز من الظاهر مثلا حتى وصل إليه تحققت الجائفة.
ولو أجافه ثم عاد الجاني فوسع الجائفة أو زاد في غوره ففي القواعد " فدية
الجائفة الواحدة لا غير على إشكال " وفي كشف اللثام " من تعدد الجناية ومن كونها
جائفة واحدة في الاسم والأصل البراءة " وفيه إنه فرق واضح بين التوسعة والزيادة
في الغور، ضرورة تحقق الجائفة بالتوسعة ظاهرا وباطنا كما عرفته في تعدد
الجاني، بخلاف زيادة الغور التي قد عرفت فيها الحكومة، وإن كانت
من جان آخر، نعم قد يقال بالتداخل في الأول، وفيه منع واضح كما عرفته
في نظائره.
(ولو أبرز حشوته فالثاني قاتل) دون الأول لعدم السلامة معه غالبا
بخلاف مجرد الإجافة. وحينئذ فعلى الأول ثلث الدية وعلى الثاني
القود أو الدية.
(ولو خيطت ففتقها آخر فإن كانت) قبل الفتق (بحالها لم تلتئم ولم
تحصل بالفتق جناية، قال الشيخ رحمه الله في المبسوط: فلا أرش) لعدم جرح فيه

(1) كشف اللثام ج 2 ص 336.
(2) كذا في الأصل ويحتمل كون " إرادة " تصحيف " زيادة " أو كون " في "
زائدة.
342

(و) لكن (يعزر) للايذاء المحرم عليه (و) لكن في المتن والقواعد
والتحرير (الأقرب الأرش لأنه لا بد من أذى ولو) تكلف (في الخياطة
ثانيا) وفيه أن ذلك ما لم يوجب النقص لا يقتضي الأرش، نعم عليه أرش الخيوط
إن نقص منها وأجرة الخياطة مرة أخرى (ولو التحم البعض) ففتقه (ففيه
الحكومة) كما في القواعد لعدم صدق الجرح بجائفة، فليس إلا الحكومة بعد
عدم التقدير هذا.
وفي التحرير (1) بعد أن ذكر الحكم في الفتق قبل الالتئام قال: " ولو
فعل ذلك بعد التئامها فعليه أرش الجائفة وثمن الخيوط، وإن التحم بعضها ففتقه فعليه
أرش جنايته (2) ولو فتق غير الملتحمة فعليه أرشه لا دية الجائفة، ولو فتق بعض
ما التحم في الظاهر دون الباطن أو بالعكس فالحكومة " ولا يخلو من تشويش.
وفي كشف اللثام في تفسير نحو عبارة المتن " أي الظاهر أو الباطن من الكل
أو البعض كما يعطيه التحرير ففتقه فالحكومة (3) " وبالجملة فالمراد أن الفتق
بعد الالتحام (4) يوجب الأرش لا الدية لأنه ليس اندمالا فيقوم حينئذ ملتحما
وغير ملتحم (و) يغرم التفاوت.
نعم (لو كان) الفتق (بعد الاندمال فهي جائفة مبتكرة فعليه ثلث
الدية) لتحقق اسمها حينئذ (ولو أجافه اثنتين) في موضعين (فثلثا الدية)
ولو كن ثلاثة فتمام الدية لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب.
(ولو طعن في صدره) مثلا (فخرج من ظهره قال في المبسوط (5))
جائفة (واحدة) عرفا لاتحاد الجناية وأصل البراءة، وكون الجائفة ما نفذت

(1) التحرير ج 2 ص 277.
(2) في الأصل " جائفة " مكان " جنايته ".
(3) كشف اللثام ج 2 ص 388.
(4) كذا في الأصل وفي بعض النسخ " الالتئام ".
(5) المبسوط ج 7 ص 125.
343

إلى الجوف من ظاهر، أعم من أن تنفذ إلى الظاهر من جانب أخرى أولا (و)
قال (في الخلاف اثنتان و) في المتن (هو أشبه) لأنهما عضوان متباينان
تحقق في كل منهما جائفة وهي الجرح النافذ من الظاهر إلى الباطن، ولأنه
لو انفرد كل منهما لأوجب حكما فعند الاجتماع لا يزول ما كان ثابتا حالة
الانفراد، ولأنه لو طعنه من كل جانب طعنة فالتقتا كانتا جائفتين، فكذا هنا،
إذ لا فارق إلا اتحاد الضربة وتعددها وهو غير صالح للفرق، إلا أن ذلك كما
ترى مخالف للعرف، فالأشبه حينئذ الوحدة، وكذا الكلام لو أصابه من جنبه
وخرج من الجنب الآخر أو طعنه من مقدم الرأس فأخرجه من مؤخره، بل عن
الشهيد في ذلك أن الوحدة ظاهر فتوى علمائنا، والله العالم.
المسألة (الرابعة)
(قيل) كما عن الشيخ وأتباعه كما في المسالك، أو جماعة كما عن غيرها:
(إذا نفذت نافذة في شئ من أطراف الرجل ففيها مئة دينار) كما في كتاب
ظريف (1) الذي قد عرفت صحته في بعض طرقه.
قال فيه: " وفي النافذة إذا نفذت من رمح أو خنجر في شئ من الرجل من
أطرافه فديتها عشر دية الرجل مئة دينار ".
وفيه أيضا " في الخد إذا كانت فيه نافذة ويرى منها جوف الفم فديتها مئة
دينار فإن دووي فبرء والتأم وبه أثر بين وشين فاحش فديته خمسون دينارا،
فإن كانت نافذة في الخدين كلتيهما فديتها مئة دينار، وذلك نصف الدية التي يرى
منها الفم، وإن كانت رمية بنصل نشبت في العظم حتى تنفذ في الحنك فديتها مئة
وخمسون دينارا جعل منها خمسون دينارا لموضحتها، وإن كانت ثاقبة ولم ينفذ
فديتها مئة دينار ".

(1) الفقيه ج 4 ص 92 و 82 و 84 و 85.
344

وفيه أيضا " إن في نافذة الكف إن لم تنسد مئة دينار وإن في نافذة القدم
لا تنسد خمس دية الرجل وإن في نافذة الساعد خمسين دينارا ".
وقال الصادق عليه السلام في خبر مسمع (1): " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في النافذة
تكون في العضو ثلث دية ذلك العضو ".
إلا أنه لم أعثر على مفت بتمام ذلك، بل قد يشعر نسبة الأول في المتن وغيره
إلى القيل بنوع توقف فيه، ولعله لما قيل من ضعف المستند، أو عدم الوقوف عليه،
مع أنه يشكل بما لو كانت دية الطرف تقصر عن المئة كالأنملة، إذ يلزم زيادة دية
النافذة فيها على ديتها، بل على دية أنملتين حيث يشتمل الإصبع على
ثلاث.
وفيه أن المستند ما عرفت من كتاب ظريف (2)، ونحوه ما عرضه ابن فضال (3)
على أبي الحسن عليه السلام المروي في الصحيح أو الموثق، نعم عموم ذلك لا يلائم بما
سمعته في كتاب ظريف بل ولا خبر مسمع المزبور، بل ولا ما سمعته في نافذة الأنف،
اللهم إلا أن يقال إن خبر مسمع ضعيف، ولا جابر له، فلا يصلح معارضا للصحيح
المعتضد بعمل من عرفت، بل لم يوجد مخالف لهم صريح.
بل ربما أجيب عن الاشكال المذكور أولا بالتزامه أو الذب عنه بتخصيص
العموم بالمأة دينار مما فيه كمال الدية، كما حكاه قولا في الروضة وغيرها، أو ما كان
ديته زائدة على المئة كما احتمله بعض الأجلة، وعما ذكرناه بتخصيصه أيضا بغير
ما تضمنه من النوافذ المزبورة إذ التنافي بينها وبينه ليس تنافي تضاد بل عموم وخصوص
يجري فيه التخصيص المذكور.
وفيه أن ذلك يتوقف على وجود قائل به ولم نجده، مع أن النص عام

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 2 وفيه " الناقلة "
مكان " النافذة ".
(2) الفقيه ج 4 ص 75 - 92.
(3) التهذيب ج 10 ص 295 - 308.
345

كعبائر الجماعة، فالمتجه العمل به على عمومه والاقتصار في تخصيصه على ما يصلح
لذلك كما سمعته في نافذة الأنف، ولعل منه أيضا العضو الذي علم أن ديته أقل
من ذلك، فيختص الحكم حينئذ في النافذة في العضو الذي مقدره أزيد من ذلك وأما
فيه ففيه الحكومة، ولو بملاحظة نسبته إلى المقدر.
كما أن ظاهر تقييد الحكم المزبور نصا وفتوى بأطراف الرجل يقتضي
الحكومة أيضا في النافذة في أطراف المرأة، أو يقال: إنها على النصف من الرجل كالدية
كما عن بعضهم التصريح به.
بل قيل وفي المملوك بنسبة القيمة إلى دية الحر، ويؤيده قول أمير المؤمنين
عليه السلام في خبر السكوني (1) " جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار
في الثمن " وعن بعض فتاوى الشهيد " أن الأنثى كالذكر في ذلك ففي نافذتها
مئة دينار أيضا "، وهو مناسب للأصل المقرر الذي سمعته وتسمعه أيضا أن شاء الله
من مساواتها للرجل في دية الأعضاء ما لم تبلغ الثلث، أو تتجاوزه، لكن
التقييد بالرجل في النص والفتوى لا يناسبه، والاحتياط مهما أمكن لا ينبغي
تركه، والله العالم.
المسألة (الخامسة)
لو اشتملت الجناية على غير جرح ولا كسر كالضرب بالرجل أو بالكف
مفتوحة أو مضمومة بالسوط أو بالعصا ونحو ذلك فأحدثت انتفاخا فالحكومة،
لعدم التقدير وإن أحدثت تغييرا ف‍ (- في احمرار الوجه بالجناية) بذلك (دينار
ونصف وفي اخضراره ثلاثة دنانير) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه.

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 2.
346

بل المحكي منهما مستفيض، مضافا إلى الموثق كالصحيح (1) عن أبي عبد
الله عليه السلام " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللطمة يسود أثرها في الوجه إن أرشها ستة
دنانير، وإن لم تسود واخضرت فإن أرشها ثلاثة دنانير، فإن احمرت ولم تخضر
فإن أرشها دينار ونصف، وفي البدن نصف ذلك " بل (وكذا في الاسوداد) ثلاثة
دنانير (عند قوم) منهم السيدان مدعيين عليه الاجماع للأصل (و) لكن
(عند آخرين)، بل قيل الأكثر، بل عن الشيخ في الخلاف دعوى الاجماع
عليه (ستة دنانير وهو أولى لرواية إسحاق بن عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام)
المتقدمة المعتضد بما عرفت، (ولما فيه من زيادة النكاية)، هذا كله
في الوجه.
(و) أما في غيره فقد (قال جماعة) منا بل لا أجد فيه خلافا بينهم إن (دية
هذه الثلاث في البدن على النصف) مما في كل منها، ففي الاحمرار ثلاثة أرباع
الدينار، وفي الاخضرار دينار ونصف، وكذا في الاسوداد أو ثلاثة، على الخلاف
السابق، بل عن الإنتصار والخلاف والغنية دعوى الاجماع عليه، وهو الحجة بعد
ما سمعته في الموثق المزبور على ما رواه في الفقيه (3)، وإن خلى عنه في التهذيب
والكافي (4)، فما عساه يشعر به نسبة المصنف له إلى قول جماعة من التوقف فيه في
غير محله.
ثم إن مقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في الحكم المزبور بين أجزاء
البدن كلها، ماله دية مقدرة وما ليست له، فلا ينسب العضو الذي ديته أقل من
دية النفس كاليد الواحدة والرجل بل والإصبع كنسبة البدن ليكون في تغيير لون
كل منها نصف ما في الوجه، وربما احتمل اختصاص الحكم بما لا دية له مقدرة من
أجزاء البدن، أما غيره فتنسب الأعضاء التي دياتها أقل إلى دية الرأس وهي دية

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات الشجاج الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات الشجاج الحديث الأول.
(3) الفقيه ج 4 ص 158.
(4) الكافي ج 7 ص 333 التهذيب ج 10 ص 277.
347

النفس، فيكون في اسوداد أنملتي الابهام مثلا ثلاثة أعشار دينار، وفي اخضرارها
عشر وربعه، ولكنه كما ترى لا مستند له.
بل هو خلاف ظاهر ما ذكرنا من الاطلاق نصا وفتوى، الذي مقتضاه أيضا
ثبوت ذلك بوجود أثر اللطمة ونحوها في الوجه مثلا وإن لم يستوعبه، بل وإن لم
تدم فيه، وربما حكى قول باشتراط الدوام وإلا فالأرش، وهو مع عدم معروفية
قائله ضعيف لمخالفته الاطلاق المزبور، نعم قد يقال بانسياق الحر منهما كما عن
ظاهر الغنية، قيل فيرجع في العبد حينئذ إلى الحكومة، كما في كل لطمة أو وكزة
لم تتضمن التغيرات المزبورة، وفيه إنك قد عرفت سابقا أن الحر أصل للعبد في
كل ما له مقدر فيه، والعبد أصل للحر في كل ما لا مقدر له، فالمتجه حينئذ
مراعاة نسبة القيمة كما عن بعضهم هذا.
ولا يخفى عليك أن مورد النص والفتوى الوجه، لكن عن الخلاف والسرائر
أن الرأس كالوجه، ولعله لمساواته له في الشجاج كما ستعرف، ولكنه كما ترى
قياس لا نقول به، فالمتجه حينئذ الحكومة فيه لا إلحاقه بالبدن الذي لا يشمله،
والله العالم.
ثم إن الموثق المزبور مختص بالرجل، ولذا قيل إن كانت الجناية على
المرأة فنصف المذكورات، ولكن الفتاوى مطلقة، فلا يبعد مساواة المرأة للرجل في
ذلك إلحاقا لهذه بالجراح الذي لم يبلغ الثلث فيه، والله العالم.
المسألة (السادسة)
(كل عضو ديته مقدرة ففي شلله ثلثا ديته كاليدين والرجلين والأصابع،
وفي قطعه بعد شلله ثلث ديته) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك كما تقدم الكلام
فيه، بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه في الأول، بل الظاهر الاجماع -
كما اعترف به بعض الأفاضل - في الثاني أيضا، كل ذلك مضافا إلى النصوص
348

السابقة التي هي وإن كانت في أطراف مخصوصة إلا أنها متممة بعدم القول
بالفصل.
مع أن في الخبر (1) الوارد في الأصابع منها " وكل ما كان من شلل فهو
على الثلث من دية الصحاح " وأما ما في كتاب ظريف (2) وما عرضه يونس (3)
على الرضا عليه السلام " من أن في شلل اليدين ألف دينار وفي شلل الرجلين ألف دينار "
فهو شاذ لا قائل به كالقوي (4) الوارد في ذكر العنين، وإن حكى القول به عن
الصدوق والإسكافي، ونحوهما في الشذوذ الصحيح (5) " في الإصبع عشر الدية إذا
قطعت أو شلت " كما عرفت البحث في ذلك كله سابقا، فلاحظ فلو لم يكن له مقدر
فالحكومة بلا خلاف ولا إشكال.
المسألة (السابعة)
(دية الشجاج في الرأس والوجه سواء) بلا خلاف كما اعترف به بعض
الأفاضل، لشمول الرأس له، ولقول الصادق عليه السلام في خبر السكوني (6) " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الموضحة في الوجه والرأس سواء " المتمم بعدم القول بالفصل،
وفي خبر الحسن (7) بن صالح الثوري عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الموضحة
في الرأس كما هي في الوجه؟ فقال: الموضحة والشجاج في الوجه والرأس سواء في

(1) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ديات المنافع الحديث الأول.
(4) الوسائل الباب - 35 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
(6) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 2.
(7) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ديات الشجاج الحديث الأول.
349

الدية، لأن الوجه من الرأس وليست الجراحات في الجسد كما هي في الرأس "
وهو صريح في العموم، فما في خبر أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في
السمحاق وهي التي دون الموضحة خمسمأة درهم، وفيها إذا كانت في الوجه ضعف
الدية على قدر الشين " من الشواذ المطرحة.
(و) كذا لا خلاف أجده كما اعترف به بعض الأفاضل في أن (مثلها)
أي الشجاج المزبورة (في البدن بنسبة دية العضو الذي يتفق فيه من دية الرأس)
أي النفس، ففي حارصة اليد مثلا نصف بعير، أو خمسة دنانير، وفي حارصة أنملتي
الابهام نصف عشر بعير، أو نصف دينار، لأن ذلك مقتضى النسبة المزبورة، لما
سمعته في خبر الثوري (2) الذي يفسره ما في خبر إسحاق (3) بن عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام على ما في التهذيب " قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الجروح في
الأصابع إذا أوضح العظم نصف عشر دية الإصبع إذا لم يرد المجروح أن يقتص "
بعد إتمامه بعدم القول بالفصل، نعم هو في الكافي والفقيه (4) " عشر دية الإصبع "
بإسقاط لفظ النصف، وحينئذ يكون من الشواذ.
كما أن ما في كتاب ظريف (5) مما لا يوافق الضابط المزبور كذلك أيضا،
قال فيه: " ولكل عظم كسر معلوم فديته ونقل عظامه نصف دية كسره ودية موضحته
ربع دية كسره " وفيه في الترقوة " فإن أوضحت فديتها خمسة وعشرون دينارا،
وذلك خمسة أجزاء من ديتها إذا انكسرت، فإن نقل منها العظام فديتها نصف دية

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ديات الشجاج الحديث 9.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ديات الشجاج الحديث الأول.
(3) التهذيب ج 10 ص 290 الوسائل الباب - 6 - من أبواب ديات الشجاج
الحديث الأول. وليست فيه كلمة " نصف " كما في الكافي والفقيه.
(4) الكافي ج 7 ص 327 الفقيه ج 4 ص 137.
(5) الفقيه ج 4 ص 79 و 83 و 84 و 85.
350

كسرها عشرون دينارا ".
وفي المنكب " إذا أوضح فديته ربع دية كسره خمسة وعشرون دينارا فإن
نقلت منه العظام فديته مئة دينار وخمسة وسبعون دينارا منها مئة دينار دية كسره
وخمسون دينارا لنقل العظام وخمسة وعشرون دينارا للموضحة "، ونحوه في
المرفق، وهو موافق - كما في كشف اللثام - لما سمعته من الضابط.
وفي العضد، " دية موضحتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون دينارا ودية نقل
عظامها نصف دية كسرها خمسون دينارا ".
وفي الساعد، " دية موضحتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون دينارا ودية
نقل عظامها مئة دينار وذلك خمس دية اليد " وفي الكف، " في موضحتها ربع دية
كسرها خمسة وعشرون دينارا ودية نقل عظامها مئة دينار وثمانية وسبعون دينارا
نصف دية كسرها ".
ولعل المراد أن ذلك دية هذه الأمور حال اجتماعها على التوزيع
المزبور.
وفيه أيضا على ما رواه في الكافي (1) " في موضحة القصبة السفلى من إبهام اليد
ثمانية دنانير وثلث دينار ودية نقل عظامها ستة وعشرون دينارا وثلثا دينار وفي
موضحة المفصل الأعلى منها أربعة دنانير وسدس دينار وفي نقل عظامه خمسة دنانير
وفي موضحة كل قصبة عليا من قصبات سائر الأصابع أربعة دنانير وسدس دينار وفي
نقل العظام كل فيها ثمانية دنانير وثلث وفي موضحة القصبة الوسطى منها دينار وثلثا
دينار وفي نقل عظامها خمسة دنانير وثلث وفي موضحة الكف خمسة وعشرون دينارا وفي
نقل عظامها عشرون دينارا ونصف وفي موضحة كل من الصدر والظهر والكتفين خمسة
وعشرون دينارا " - إلى آخر ما ذكره فيه - مما بعضه موافق للضابط المزبور
وبعضه مخالف، إلا أنه يمكن الاستدلال بالموافق منه متمما بما عرفت، ولا ينافيه

(1) الكافي ج 7 ص 340 - 341 و 336 - 338 ولا يخفى أن الشارح أورد هنا
عبارة كشف اللثام بطولها راجع ج 2 ص 336 ولا يوافق ما أورده مع ما في الكافي كاملا فراجع.
351

البعض المخالف كما هو مقرر في محله.
هذا كله مع فرض وقوعها فيما له مقدر، أما ما لا مقدر له فالظاهر الحكومة،
بل في القواعد " وفي المقدر مما لا عظم له كالذكر واللسان والشفة والثدي (1) "
وإلا لزم تساوي الجراحات في الرأس وفي الذكر ونحوه مما ديته دية النفس،
وقد سمعت ما في الخبر (2) المزبور من " أن الجراحات في الجسد ليست كما هي
في الرأس " ولأن العظم مناط تمايز الجراحات، ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد
ما عرفت من الاطلاق، والله العالم.
المسألة (الثامنة)
قد تقدم الكلام في كتاب القصاص إن (المرأة تساوي الرجل في ديات
الأعضاء والجراح حتى تبلغ ثلث دية الرجل) أو تتجاوزه (ثم تصير على
النصف) بلا خلاف في شئ من ذلك، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص،
نعم في القواعد (سواء كان الجاني رجلا أو امرأة) على إشكال، ولعله من عموم
الفتاوى وكثير من النصوص، ومن أن الأصل في ديات أعضائها وجراحاتها أن تكون
على النصف مطلقا قبل بلوغ الثلث وبعده، وإنما علم استثناء ما قبله إذا كان
الجاني رجلا لاختصاص أكثر الأخبار به، بل في المسالك عن بعضهم اختياره،
ولعل الأول أقوى وحينئذ (ففي) قطع (الإصبع) منها وإن كان القاطع
امرأة (مئة وفي الاثنين مأتان وفي الثلاث ثلاثمأة وفي أربع مأتان) إن كان
قطعهن بضربة واحدة وإلا كان لكل ضربة حكمها (وكذا يقتص من الرجل)

(1) مفتاح الكرامة ج 10 ص 493 والأمثلة غير الذكر من كشف اللثام لا القواعد
فراجع.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ديات الشجاج الحديث الأول.
352

للمرأة (في الأعضاء والجراح من غير رد حتى تبلغ الثلث ثم تقتص مع الرد)
ولو جنت هي عليه وأراد القصاص منها اقتصر عليه من غير مطالبة بغيره كما تقدم
الكلام في ذلك كله، بل وفي:
المسألة (التاسعة)
وهي (كل ما فيه دية الرجل من الأعضاء) كالأنف واليدين والرجلين
والمنافع، بل (والجراح) كما عرفته سابقا ف‍ (- فيه من المرأة ديتها وكذا من
الذمي ديته) وهي ثمانمأة درهم ومن الذمية نصفه (ومن العبد قيمته وما فيه
مقدر من الحر فهو بنسبته من دية المرأة والذمي وقيمة العبد) إلا أن المرأة
تساوي الرجل فيما نقص عن الثلث كما عرفته ذلك كله سابقا مفصلا بأدلته وجميع
ما يتفرع عليه والحمد لله، فلاحظ.
المسألة (العاشرة)
(كل موضع قلنا فيه الأرش أو الحكومة فهما واحد) اصطلاحا
(والمعنى أنه يقوم) المجروح (صحيحا لو كان مملوكا) تارة (ويقوم
مع الجناية) أخرى (وينسب إلى القيمة) الأولى ويعرف التفاوت بينهما
(ويؤخذ من الدية) للنفس لا العضو (بحسابه) أي التفاوت بين القيمتين
خلافا لبعض العامة فيأخذ من دية العضو إن قدرت له دية، فالحكومة في إحدى
الشفتين مثلا أن يقوم لو كان عبدا بالقيمتين فإن نقص عشر القيمة مثلا كان للمجني
عليه عشر الدية عندنا لا عشر نصفها كما عن بعضهم.
وكيف كان فهذا في الحر الذي يكون العبد أصلا له في هذا الحال، ضرورة
توقف معرفة الفائت على ذلك بعد عدم التقدير من الشارع له والفرض كون الجملة
353

مضمونة بالدية فتضمن الأجزاء منها، فيستكشف بذلك كما يستكشف تفاوت
المعيب والصحيح، ثم يرجع بعد إلى الثمن الذي ضمن به المبيع، فكذلك هنا وهو
واضح (وإن كان المجني عليه مملوكا أخذ مولاه على قدر النقصان) إن لم تزد
قيمته على دية الحر وإلا رد إليها، لأن الحر أصل له في ذلك وفي كل ما فيه
مقدر من الأعضاء.
نعم لو لم تنقص قيمته بالجناية كقطع السلع احتمل السقوط للأصل،
ويحتمل - بل في القواعد أنه الأقرب - أخذ أرش نقصه حين الجناية، لأنها حينها
في معرض السراية، فإن كان مملوكا كان لمولاه الأرش وإلا فرض
مملوكا، وذلك لتحقق جناية أوجبت نقصا ولو حينا، وفيه أن دية الجناية
إنما يستقر عند الاندمال أو تحقق الموت بها، والمفروض عدم الموت وعدم
النقص بعده.
ثم إن مقتضى إطلاق المصنف وغيره ثبوت الأرش لو كانت الجناية على عضو
له مقدر وإن ساوى المقدر أو زاد عليه، ولكن في المسالك " ولو قيل ينقص منه
شيئا لئلا يساوي الجناية على العضو مع بقائه زواله رأسا كان وجها، لأن العضو
مضمون بالدية المقدرة لو فات، فلا يجوز أن يكون الجناية عليه مضمونة مع
بقائه (1) " وفيه أنه اجتهاد في مقابلة ما عرفت، وقد تقدم سابقا بعض الكلام في
المسألة، فلاحظ وتأمل.

(1) المسالك ج 2 ص 506.
354

المسألة (الحادية عشر)
(من لا ولي له فالإمام ولي دمه)
بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال ف‍ (- يقتص) حينئذ (إن قتل
عمدا) أو يأخذ الدية لأنه الوارث، وولي من لا ولي له، وأولى بالمؤمنين
من أنفسهم، ولقول الصادق عليه السلام في حسن أبي ولاد أو صحيحه (1): " في مسلم
قتل وليس له ولي مسلم، على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل الاسلام فمن
أسلم فهو وليه، يدفع إليه القاتل، فإن شاء قتل وإن شاء عفى وإن شاء أخذ الدية، فإن
لم يسلم أحد كان الإمام ولي أمره، فإن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية يجعلها في
بيت مال المسلمين لأن جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام
المسلمين " الحديث.
(وهل له العفو) مجانا؟ (الأصح لا) وفاقا للأكثر، بل كاد يكون
إجماعا كما اعترف به غير واحد، إذ لا أجد فيه مخالفا إلا الحلي، للأصل
المقطوع بما في الصحيح المزبور. قال فيه: " فإن عفى عنه الإمام قال: إنما هو حق
لجميع المسلمين، وإنما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، وليس له العفو "
كانقطاع عموم تسلط الانسان على ماله، بناء على أنه الوارث حقيقة كغيره من
الورثة، ولكن لا يخفى عليك قلة الفائدة في البحث عن ذلك، اللهم إلا أن يكون
جواز ذلك لنائب الغيبة وعدمه، ولا ريب في أن الأحوط العدم (وكذا لو قتل
خطأ) أو شبيه عمد (فله استيفاء الدية وليس له العفو عنها) لما عرفت وقد
تقدم سابقا بعض الكلام في هذه المسألة.

(1) الوسائل الباب - 60 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 و 2.
355

(النظر الرابع في اللواحق)
(وهي أربع)
(الأولى)
(في الجنين و) المشهور أن (دية الجنين) إذا كان بحكم (المسلم
الحر مئة دينار إذا تم) خلقه (ولم تلجه الروح)، بل في الإنتصار
والغنية ومحكي الخلاف والسرائر وظاهر المبسوط الاجماع عليه، بل لعله
كذلك لما تسمعه من ندرة المخالف، للمعتبرة المستفيضة كالصحيح (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن الرضا عليه السلام " إن أمير المؤمنين عليه السلام جعل دية
الجنين مئة دينار، وجعل مني الرجل إلى أن يكون جنينا خمسة أجزاء، فإذا
كان جنينا قبل أن تلجه الروح مئة دينار، وذلك إن الله تعالى خلق الانسان من
سلالة وهي النطفة فهذا جزء، ثم علقة فهو جزءان، ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء،
ثم عظما فهو أربعة أجزاء، ثم يكسى لحما فحينئذ تم جنينا فكملت له خمسة أجزاء
مئة دينار، والمأة دينار خمسة أجزاء: للنطفة خمس المئة عشرين دينارا، وللعلقة
خمسي المئة أربعين دينارا، وللمضغة ثلاثة أخماس المئة ستين دينارا، وللعظم
أربعة أخماس الدية ثمانين دينارا، فإذا كسى اللحم كانت له مئة دينار كاملة،
فإذا أنشأ فيه خلقا آخر وهو الروح فهو حينئذ نفس فيه ألف دينار دية كاملة
إن كان ذكرا، وإن كان أنثى فخمسمأة دينار ".
ومرسل ابن مسكان (2) عنه أيضا " دية الجنين خمسة أجزاء، خمس للنطفة

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 21 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
356

عشرون دينارا، وللعلقة خمسان أربعون دينارا، وللمضغة ثلاثة أخماس ستون
دينارا، فإذا تم الجنين كان له مئة دينار، فإذا أنشئ فيه الروح فديته ألف
دينار أو عشرة آلاف درهم إن كان ذكرا، وإن كان أنثى فخمسمأة دينار، وإن قتلت
المرأة وهي حبلي فلم يدر أذكرا كان ولدها أو أنثى فدية الولد نصفان، نصف دية
الذكر ونصف دية الأنثى، وديتها كاملة ".
وخبر سليمان بن صالح (1) عنه أيضا " في النطفة عشرون دينارا، وفي العلقة
أربعون دينارا، وفي المضغة ستون دينارا، وفي العظم ثمانون دينارا، فإذا كسي اللحم
فمأة دينار، ثم هي مئة حتى يستهل، فإذا استهل فالدية كاملة ".
وخبر أبي جرير القمي (2) " قال: سألت العبد الصالح عليه السلام عن النطفة ما
فيها من الدية؟ وما في العلقة؟ وما في المضغة؟ وما في المخلقة؟ وما يقر في الأرحام؟
قال: إنه يخلق في بطن أمه خلقا من بعد خلق يكون نطفة أربعين يوما، ثم
يكون علقة أربعين يوما، ثم يكون مضغة أربعين يوما، ففي النطفة أربعون دينارا،
وفي العلقة ستون دينارا، وفي المضغة ثمانون دينارا (3) فإذا كسى العظام لحما
ففيه مئة دينار، قال الله عز وجل: ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن
الخالقين (4)، فإن كان ذكرا ففيه الدية وإن كان أنثى ففيها ديتها ".
إذ المراد من قراءة الآية بيان ولوج الروح فيه.
خلافا للعماني فأوجب فيه الدية كاملة لصحيح أبي عبيدة (5) عن الصادق

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 9. والتهذيب
ج 10 ص 282 وبينهما اختلاف يسير فراجع.
(3) زدنا هذه الجملة من الوسائل.
(4) المؤمنون: 13.
(5) الوسائل الباب - 8 - من أبواب موانع الإرث الحديث الأول الكافي
ج 7 ص 141 التهذيب ج 9 ص 379 الفقيه ج 4 ص 319 و 145.
357

عليه السلام أو عن أبيه عليه السلام " في امرأة شربت دواء عمدا (1) وهي حامل لتطرح
ولدها (2) ولم يعلم بذلك زوجها فألقت ولدها، فقال: إن كان له عظم قد نبت
عليه اللحم وشق له السمع والبصر فإن عليها دية تسلمها إلى أبيه وإن كان جنينا
علقة أو مضغة فإن عليها أربعين دينارا أو غرة تسلمها إلى أبيه، قلت: فهي لا
ترث من ولدها من ديته؟ قال: لا لأنها قتلته ".
وقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (3) " إذا كان عظما شق له
السمع والبصر ورتبت جوارحه فإذا كان كذلك فإن فيه الدية كاملة ".
وهما مع قصورهما عن معارضة ما عرفت من وجوه يمكن حملهما على إرادة
الدية الكاملة للجنين التي هي المئة دينار أو تقييدهما بما إذا ولجته الروح لأنهما
مطلقان.
وللإسكافي فقال على ما حكى عنه: " إذا ألقى الجنين ميتا من غير أن تتبين
حياته بعد الجناية على الأم كان فيه غرة عبدا أو أمة إذا كانت الأم حرة مسلمة
وقدر قيمة الغرة قدر نصف عشر الدية " (4).
لقول الصادق عليه السلام في الصحيح (5): " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في جنين الهلالية
حيث رميت بالحجر فألقت ما في بطنها غرة عبد أو أمة ".
وفي خبر أبي بصير (6) " إن ضرب رجل بطن امرأة حبلي فألقت ما في
بطنها ميتا فإن عليه غرة عبد أو أمة يدفعها إليها ":

(1) ليست في المصادر المذكورة كلمة " عمدا ".
(2) ليست جملة: " لتطرح ولدها " إلا في الفقيه ج 4 ص 145.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
(4) كشف اللثام ج 2 ص 388.
(5) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
(6) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5.
358

وفي خبر داود بن فرقد (1) " جاءت امرأة فاستعدت على أعرابي قد
أفزعها فألقت جنينا، فقال الأعرابي: لم يهل ولم يصح ومثله يطل، فقال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اسكت سجاعة، عليك غرة عبد ووصيف عبد أو أمة ".
وفي خبر سليمان بن خالد (2) " إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وقد
ضرب امرأة حبلي فأسقطت سقطا ميتا فأتى زوج المرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله فاستعدى
عليه، فقال الضارب: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما أكل ولا شرب ولا استهل ولا صاح
ولا استبشر (3) فقال النبي صلى الله عليه وآله: إنك رجل سجاعة فقضى فيه برقبة ".
وسئل عليه السلام أيضا في صحيح أبي عبيدة والحلبي (4) " عن رجل
قتل امرأة خطأ وهي على رأس الولد تمخض قال: عليه خمسة آلاف درهم وعليه
دية الذي في بطنها، غرة وصيف أو وصيفة أو أربعون دينارا ".
وفي خبر أبي مريم (5) عن أبي جعفر عليه السلام " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله برجل
قد ضرب امرأة حاملا بعمود الفساط فقتلها فخير رسول الله صلى الله عليه وآله أوليائها أن
يأخذوا الدية خمسة آلاف وغرة وصيف أو وصيفة للذي في بطنها أو يدفعوا إلى
أولياء الرجل خمسة آلاف ويقتلوه " إلى غير ذلك من النصوص.
وأما التقدير المزبور للغرة فيدل عليه خبر عبيد بن زرارة (6) " قلت

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
(3) ولا استبش ن ل.
(4) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 6 التهذيب
ج 10 ص 286 الكافي ج 7 ص 299 الاستبصار ج 4 ص 301 وسقطت في الوسائل كلمة
" غرة " فراجع.
(5) الوسائل الباب - 33 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 التهذيب
ج 10 ص 181 الكافي ج 7 ص 300.
(6) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 7.
359

لأبي عبد الله عليه السلام: إن الغرة قد تكون بمئة دينار وتكون بعشرة دنانير فقال: بخمسين " وخبر السكوني (
1) عنه عليه السلام أيضا " الغرة تزيد وتنقص ولكن قيمتها
خمسمأة درهم ".
إلا أن ظاهر الصحيح (2) السابق كون قيمتها أربعين، بل هو صريح
موثق إسحاق (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " إن الغرة تزيد وتنقص ولكن قيمتها
أربعون دينارا " وهو مما يوهن القول المزبور في الجملة، ولو لما في المختلف
من تضمنها الحوالة على أمر غير منضبط لا تناط به الأحكام، مضافا إلى شذوذه
وقصور أخباره عن المعارضة من وجوه، خصوصا بعد ضعف سند بعضها ولا جابر،
وكون آخر قضية في واقعة لا عموم فيها، مع موافقتها أجمع لمذهب الجمهور
وما رووه في جنين الهلالية، ولذا حملها الشيخ على التقية تارة، وعلى ما إذا كان
علقة أو مضغة أخرى، وإن كان لا يقبل الثاني جملة منها.
وعلى كل حال فالأصح الأول (ذكرا كان أو أنثى) أو خنثى لاطلاق
النصوص التي كاد يكون صريحها اختصاص التفصيل بين الذكر والأنثى بما بعد
ولوج الروح، مضافا إلى إطلاق الاجماعات، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه،
ولعله كذلك، فإنه لم يحد إلا عن الشيخ في المبسوط فأوجب في الأنثى
(الخنثى ن ل) الخمسين نصف ما في الذكر، بل عن ظاهره الاتفاق عليه إلا
أنا لم نجد (4) دليلا صالحا لمعارضة لما عرفت (5) وخبر ابن مسكان (6)

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 9.
(2) يعني صحيح أبي عبيده والحلبي المذكور آنفا.
(3) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 8.
(4) في الأصل: أنه لم نجد له.
(5) كذا في النسخ الثلاثة التي راجعناها.
(6) الوسائل الباب - 21 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
360

السابق ظاهر في ما بعد ولوج الروح فلاحظ وتأمل.
هذا كله في الجنين المسلم
(و) أما (لو كان ذميا) حكما (ف‍) - ديته
(عشر دية أبيه) كجنين المسلم بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف الاجماع
عليه، بل الظاهر أنه كذلك كما اعترف به غير واحد، مؤيدا بما عساه يستفاد
من النصوص والفتوى من مساواة دية الذمي لدية المسلم في تعلق مثل هذه
الأحكام بها على حسب النسبة، (و) لكن (في روايت‍) - ي مسمع
و (السكوني (1) عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام) " أنه قضى في جنين
اليهودية والنصرانية والمجوسية (عشر دية أمه) " مؤيدين بمناسبته لجنين
المملوكة باعتبار ما ورد (2) من كونهم مماليك الإمام، وإن كان هو كما ترى،
ضرورة عدم إرادة الملك الذي يجوز (3) عليه مثل الحكم المزبور، فلا مؤيد للخبرين
المزبورين كما لا جابر لهما، كي يصلح معارضا لما عرفت من الاجماع المحكي الذي
يشهد له التتبع والمؤيد بما عرفت، بل في القواعد: والأقرب حمله على ما لو كانت
مسلمة أي كانت ذمية فأسلمت قبل الجناية والاسقاط، وإن كان فيه أن المتجه
حينئذ كون ديته تامة لكونه بحكم المسلم إلا على القول بأن دية الأنثى خمسون
وربما احتمل القول بالتفصيل هنا، والفرق في جنين الذمي بين ذكره وأنثاه
وحمل الخبر على الأنثى، وربما احتمل الحمل على حربية الأب، والأولى
إطراحها والأنثى خمسون (4) (والعمل على الأول) لما عرفته من ضعفهما
وإعراض الأصحاب عنهما أو حملهما على ما لا ينافي إطلاق الحكم المزبور،

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب ديات النفس الحديث 1 و 3.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد من كتاب النكاح
الحديث 2 وأيضا الباب - 8 - من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه من كتاب النكاح الحديث
الأول. وأيضا الباب - 45 - من أبواب العدد من كتاب الطلاق الحديث الأول.
(3) يجري ن ل.
(4) كذا في النسخ الثلاثة التي راجعناها والظاهر زيادتها.
361

والله العالم.
(أما) الجنين (المملوك فعشر قيمة أمه المملوكة) ذكرا كان أو
أنثى وفاقا للمشهور، بل عليه عامة المتأخرين، بل عن الخلاف والسرائر
الاجماع عليه، لقوي (1) السكوني عن الصادق عليه السلام " في جنين الأمة عشر
ثمنها ".
خلافا للمحكي عن المبسوط فعشر قيمة الأب إن كان ذكرا وعشر قيمة الأم
إن كان أنثى، وهو مع شذوذه لم نعرف مستنده، بل المحكي عن موضع منه " وأما
إن كان الجنين عبدا فعشر قيمته إن كان ذكرا وكذلك عشر قيمته إن كان أنثى
وعندهم نصف عشر قيمة أمه (2) " وعن موضع آخر " إذا ضرب بطن أمة فألقت
جنينا ميتا مملوكا ففيه عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى وعند قوم غرة تامة
مثل جنين الحرة وهو الذي رواه أصحابنا " (3) وعن ابن إدريس أنه حكاه
عنه كذلك، وقال: " ها هنا يحسن قول " اقلب تصب " بل ورواية أصحابنا
ما قدمه (4) ".
وفي المختلف حكاية عبارة المبسوط " وعند قوم اعتباره بأبيه مثل جنين الحرة
وهو الذي رواه أصحابنا "، ثم إنه حكي عن ابن إدريس ما سمعته وقال: هذا
تجاهل من ابن إدريس، وشيخنا أعرف بالروايات منه، وقد أورد طرفا منها صالحا
وتأولها على جاري عادته (5) ".

(1) الوسائل الباب - 21 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(2) حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 339 عن المبسوط. وراجع المبسوط
ج 7 ص 197 و 205 وفيه هكذا: ففيه عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى عند قوم أو غرة
تامة الخ.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) السرائر باب دية الجنين وفيه هكذا: وعند قوم غرة أمة مثل جنين
الحرة. الخ.
(5) المختلف ج 7 ص 261 وفيه هكذا: وعند قوم غرة تامة الخ وراجع مفتاح
الكرامة ج 10 ص 507 فإن السيد ره احتمل التصحيف في العبارة وهو غير بعيد.
362

ولا يخفى عليك عدم إنصافه لابن إدريس في ذلك إذ لم نعرف شيئا من النصوص
فيما ذكره، نعم قد روى هو روايات الغرة في مطلق الجنين كما سمعته سابقا وتأولها
بما عرفت.
وعلى كل حال فلو كانت أمه حرة بأن أعتقت بعد الحمل أو اشترط
الرقية وأجزناه، ففي القواعد " إن الأقرب عشر قيمة أبيه (1) " " لأن الأصل في
الولد أن يتبع الأب وحكم الجنين الحر ذلك خرج ما إذا كانت أمه أمة بالنص
والاجماع (2) " وفيه ما لا يخفى من عدم موقع للأصل المزبور فيما نحن فيه. ثم
قال: " ويحتمل عشر قيمة الأم على تقدير الرقية (3) " " ولعله لعموم النص
والفتوى باعتبار قيمتها (4) " ولكن فيه أنهما فيما إذا كانت الأم أمة
لا مطلقا.
وفي التحرير " الأقرب عشر دية أمه ما لم تزد على عشر قيمة أمه ولم أقف
في ذلك على نص (5) ".
وفي كشف اللثام " جمعا بين عموم النص والفتوى باعتبار قيمتها ورق الجنين
الموجب لعدم زيادة ديته على قيمة أبيه الرقيق " وهو كما ترى.
ولعل المتجه فيما خرج عن مورد النص ملاحظة قيمة جنين المملوك
غير الساقط بمعنى أنه يقوم جنينا قبل عروض الجناية ويغرم قيمته،
والله العالم.
(ولو كان الحمل زائدا عن واحد فلكل واحد دية) على حسب ما عرفته

(1) مفتاح الكرامة ج 10 ص 507.
(2) قوله: لأن الأصل الخ من عبارة كشف اللثام لا القواعد.
(3) مفتاح الكرامة ج 10 ص 507.
(4) قوله: ولعله الخ من عبارة كشف اللثام أيضا ج 2 ص 339.
(5) التحرير ج 2 ص 277.
363

في المسلم الحر والذمي والمملوك كما هو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (- لا كفارة على الجاني) عندنا، بل الاجماع بقسميه
عليه، لعدم صدق القتل بعد فرض عدم ولوج الروح، خلافا للمحكي عن الشافعي
فأوجبها فيما وجب فيه غرة ومنه الجنين التام خلقة قبل ولوج فيه عنده، وهو
واضح الضعف، وما عن أبي علي - من أنه إن حكم عليه بديات أجنة قتلهم كان
عليهم من الكفارة لكل جنين رقبة مؤمنة - غير مخالف، لعدم صدق القتل في الفرض
فالأصل حينئذ بحاله.
هذا كله في الجنين قبل ولوج الروح فيه
(و) أما (لو ولجت فيه الروح
فدية كاملة للذكر ونصف للأنثى) في الحر المسلم والذمي بلا خلاف ولا إشكال،
لما سمعته من النصوص (1) المعتضدة بالعمومات.
ولو كانت مملوكا فقيمته حين سقوطه، خلافا للعماني والإسكافي فقالا إن
مات الجنين في بطنها ففيه نصف عشر قيمة أمه وإن ألقته حيا ثم مات ففيه عشر
قيمة أمه لخبر أبي سيار (2) كما في الكافي، وعبد الله بن سنان كما في الفقيه، وفي
التهذيب ابن سنان عن الصادق عليه السلام " في رجل قتل جنين أمة لقوم في بطنها فقال: إن
كان مات في بطنها بعد ما ضربها فعليه نصف عشر قيمة أمه، وإن كان ضربها فألقته
حيا فمات فإن عليه عشر قيمة أمه " ولكن ضعفه مع عدم الجابر يمنع من العمل به،
مع احتماله التقويم بذلك.
فالأصح ما عرفته من غير فرق بين الموت في البطن وغيرها وبين المملوك وغيره،

(1) راجع الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء.
(2) الكافي ج 7 ص 344 الفقيه ج 4 ص 146 وفيه " الأمة " مكان " أمه "
في الموضعين التهذيب ج 10 ص 288 عن مسمع، وأما رواية التهذيب عن ابن سنان
فلم أجده في كتاب الديات منه، ولكن أشار إليها في الوسائل الباب - 21 - من أبواب
ديات الأعضاء ذيل الحديث الأول.
364

بل هو صريح بعض النصوص السابقة أو كصريحها. نعم ظاهر خبر سليمان (1)
ابن صالح اعتبار استهلاله في وجوب الدية، وهو محمول على المثال، فما عن ابن
زهرة والتقي من الفرق بينهما في غير المملوك بنصف الدية في الأول وتمامها في الثاني
واضح الضعف، وإن حكى هو عليه الاجماع، إلا أنه موهون بعدم موافقة
أحد لهما فيما أجد عليه إلا ما سمعته من القديمين في المملوك الخارج عن كلامه.
وربما احتمل ارجاع كلامهما إلى كلام المشهور، لكنه في غاية البعد.
(و) كيف كان ف‍ (- لا تجب) الدية الكاملة (إلا مع تيقن الحياة)
بالاستهلال ونحوه مما يعلم به ذلك للأصل (ولا اعتبار بالسكون بعد الحركة
لاحتمال كونها عن ريح) ونحوه مما يكون به الاختلاج كما يتفق للحم إذا عصر
شديدا، والمذبوح بعد زوال روحه، نعم لو فرض تحركه على وجه يمتاز عن ذلك
بحيث يعلم منها حياته اعتبر وكان كغيره مما يدل على حياته.
فما عن الزهري من الاكتفاء بمطلق الحركة لا وجه له، بل عن ظاهر الأصحاب
عدم اعتبار مضي الأربعة أشهر في الحكم بحياته على وجه يترتب عليه الدية،
وإن قال الصادق عليه السلام في خبر زرارة (2) " السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل "
وأفتى بمضمونه الأصحاب إلا أن ذلك لا يقتضي تحقق العنوان في المقام.
نعم ظاهر خبر أبي شبل (3) الاكتفاء بالخمسة " قال: حضرت يونس الشيباني
وأبو عبد الله عليه السلام يخبره بالديات قال: قلت: فإن النطفة خرجت متخضخضة (4)
بالدم، قال فقال لي: فقد علقت إن كان دما صافيا ففيها أربعون دينارا وإن كان

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب غسل الميت الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 6، وراجع الكافي
ج 7 ص 246 والفقيه ج 4 ص 144 والتهذيب ج 10 ص 284 وتفسير القمي ص 445.
(4) في هذه الكلمة احتمالات راجع المصادر المذكورة.
365

دما أسود فلا شئ عليه إلا التعزير، لأنه ما كان من دم صاف فذلك الولد، وما
كان من دم أسود فإن ذلك من الجوف.
قال أبو شبل: فإن العلقة صار فيها شبه العروق من اللحم، قال: فيها اثنان
وأربعون دينارا العشر، قال: قلت: فإن عشر أربعين أربعة قال: لا إنما هو عشر
المضغة، لأنه إنما ذهب عشرها فكلما زادت زيد حتى تبلغ الستين، قال: فإني
رأيت في المضغة شبه العقدة عظما يابسا، قال: فذاك عظم كذلك أول ما يبتدأ العظم فيبتدأ بخمسة أشهر ففيه أربعة دنانير فإن زاد فزد أربعة أربعة حتى يتم الثمانين،
قال: قلت وكذلك إذا كسى العظم لحما، قال: كذلك. قلت: فإذا وكزها فسقط
الصبي ولا يدري أحي كان أم لا؟ قال: هيهات يا أبا شبل إذا مضت الخمسة أشهر
فقد صارت فيه الحياة وقد استوجب الدية ".
إلا أني لم أجد عاملا به إلا ما يحكي عن الصدوق، ويمكن حمله على العلم
بحاله إذا مضت الخمسة، بالحركة الممتازة عن حركة الاختلاج.
(و) على كل حال ف‍ (- تجب الكفارة هنا مع مباشرة الجناية) بلا خلاف
ولا إشكال، لتحقق موجبها (و) هو واضح.
هذا كله في الجنين لو تم أما (لو لم يتم خلقته ففي ديته قولان أحدهما
غرة) عبد أو أمه (ذكره الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف وفي كتابي
الأخبار) جمعا بين نصوص (1) الغرة وبين غيرها المتقدمة جميعا سابقا، مستشهدا
له بصحيح أبي عبيدة (2) السابق أيضا.
ولكن هو - مع أنه في خصوص العلقة والمضغة - مشتمل على التخيير بين الغرة
وبين الأربعين دينارا، على أنك قد عرفت عدم مكافئة نصوص الغرة لغيرها بالموافقة
للعامة وكون بعضها قضية في واقعة وغيره مما عرفته سابقا حتى يجمع بينهما

(1) راجع الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
366

بالجمع المزبور المقتضي لطرح الأخبار المزبورة المصرحة بالتفصيل المنافي لاطلاق
الأخبار الغرة.
واحتمال إرادة غرة تساوي عشرين دينارا في النطفة وأربعين في العلقة وهكذا -
مع أنه خلاف إطلاق القائل -، لا يوافق تصريح الصحيح بالتخيير بين الأربعين دينارا
وبين الغرة في المضغة التي تجب فيها ستون دينارا في النصوص المزبورة. كل ذلك
مضافا إلى ما سمعته من النصوص (1) في تعيين قيمة الغرة على وجه لا يوافق الاحتمال
المزبور، بل الشيخ نفسه جعل قيمتها خمسين.
وبذلك كله ظهر لك ضعف القول المزبور الذي اختلف أهل اللغة في تفسير
الغرة فيه، فبين قائل بأنها العبد والأمة، وعن عمر (2) بن عبد العلا أن المراد
بها هنا الغلام الأبيض والجارية البيضاء إذ لو أراد رسول الله صلى الله عليه وآله غير ذلك لقال
عبد أو أمة، وبين مفسر لها بالنفيس المختار، وعن الشيخ اختياره. ولذا اشترط
أن لا يكون معيبا حتى سل الأنثيين وقطع الذكر وأن لا يكون شيخا كبيرا ولا له
أقل من سبع سنين أو ثمان فإنه حينئذ ليس من الخيار.
وأما على السن فإن كان جارية فما بين سبع إلى عشرين وإن كان غلاما
فما بين سبع إلى خمس عشرة، وقيمتها نصف عشر دية الحر خمسون دينارا، وقد
سمعت النصوص السابقة الدالة على ذلك وغيره.
(و) على كل حال فالقول (الآخر وهو الأشهر)، بل المشهور،
بل عن الغنية الاجماع عليه (توزيع الدية على مراتب النقل (التنقل ن ل) ففيه
عظما) قد اكتسى اللحم كما عن الإنتصار أو مطلقا كما في غيره (ثمانون ومضغة
ستون وعلقة أربعون) كما سمعته مفصلا في النصوص السابقة وغيرها.
كصحيح محمد بن مسلم (3) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يضرب المرأة

(1) راجع الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء.
(2) في كشف اللثام ومفتاح الكرامة: أبي عمرو بن العلا.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4.
367

فتطرح النطفة فقال: عليه عشرون دينارا، قلت: فيضربها فتطرح العلقة قال:
عليه أربعون دينارا، قال: فيضربها فتطرح المضغة، قال: عليه ستون دينارا، قلت:
يضربها فتطرح وقد صار له عظم فقال: عليه الدية كاملة وبهذا قضى أمير المؤمنين
عليه السلام، قلت: وما صفة النطفة التي تعرف بها؟ قال: النطفة تكون بيضاء مثل
النخامة الغليظة فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوما، ثم تصير إلى العلقة،
قلت: فما صفة خلقة العلقة التي تعرف بها؟ قال: هي علقة كعلقة الدم المحجمة
الجامدة تمكث في الرحم بعد تحويلها عن النطفة أربعين يوما، ثم تصير مضغة
قلت: فما صفة خلقة المضغة التي تعرف بها؟ قال: هي مضغة لحم حمراء فيها
عروق خضر مشبكة، ثم تصير إلى عظم، قلت: فما صفة خلقته إذا كان عظما؟ قال:
إذا كان عظما شق له السمع والبصر ورتبت جوارحه فإذا كان كذلك فإن فيه
الدية كاملة ".
وغيره من النصوص المعتضدة بما عرفت التي لا ريب في رجحانها على نصوص
الغرة من وجوه قد عرفت جملة منها، فلا ريب في أنه الأصح.
بقي الكلام في اعتبار هذه المراتب في جنين الأمة كما عساه يقتضيه تعقيبهم
الحكم المزبور لمطلق الجنين، لكن يبعده ثبوت المقدار المزبور في النطفة والعلقة
كالجنين الحر إذا فرض زيادة ذلك على قدر عشر الأم الذي هو ديته تاما، كما
أنه من المستبعد ثبوت عشر قيمة الأم فيه مطلقا في جميع المراتب. نعم قد يحتمل
التوزيع خمسة أجزاء حتى يكون في النطفة خمس عشر قيمة الأم وفي العلقة خمساه
وهكذا. ونحو ذلك القول في جنين الذمي.
(و) كيف كان ف‍ (- تتعلق بكل واحدة من هذه) المراتب عدا النطفة
(أمور ثلاثة: وجوب الدية وانقضاء العدة) للمطلقة، ضرورة صدق وضع الحمل
بسقوطه (وصيرورة الأمة أم ولد) بناء على أن المراد من الولد فيها ما يشمل
ذلك كما حققناه في محله (ولو قيل: ما الفائدة) في اتصافها بذلك (وهي)
368

بموت الولد (تخرج عن حكم المستولدة؟ قلنا: الفائدة هي التسلط على إبطال
التصرفات السابقة التي يمنع منها الاستيلاد) المراد منه ما يشمل الحمل كما
حررناه في مقامه.
(أما النطفة فلا يتعلق بها إلا الدية وهي عشرون دينارا بعد إلقائها في
الرحم) فجنى عليها الجاني وأسقطها دون العدة لعدم صدق وضع الحمل معها
ودون الاستيلاد أيضا (و) لكن (قال) الشيخ (في النهاية: تصير بذلك في
حكم المستولدة وهي بعيد) إن أراد مجرد وضعها في الرحم كما حققنا ذلك في
كتاب الاستيلاد وغيره فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان فقد (قال بعض الأصحاب) وهو الشيخ في النهاية:
(و) تجب الدية (فيما بين كل مرتبة بحساب ذلك) ولفظ عبارته: " الجنين
أول ما يكون نطفة وفيه عشرون دينارا ثم يصير علقة وفيه أربعون دينارا وفيما
بينهما بحساب ذلك، ثم يصير مضغة وفيها ستون دينارا وفيما بين ذلك بحسابه، ثم
يصير عظما وفيه ثمانون دينارا وفيما بين ذلك بحسابه، ثم يصير مكسوا عليه خلقا
سويا شق له العين والأذن والأنف قبل أن تلجه الروح وفيه مئة دينار، وفيما بين
ذلك بحسابه، ثم تلجه الروح وفيه الدية كاملة (1) ".
(وفسره واحد) هو ابن إدريس (ب‍) - ما حاصله (أن النطفة تمكث
عشرين يوما ثم تصير علقة) في عشرين يوما أخرى فابتداء تحولها إلى العلقة
من اليوم الحادي والعشرين (وكذا ما بين العلقة والمضغة) وكذا بين العظم والكمال
فإذا مكثت النطفة أحد (ا ظ) وعشرين يوما كان فيها أحد وعشرون دينارا، وإذا
مكثت اثنين وعشرين كان فيها اثنان وعشرون وإذا مكثت عشرة أيام بعد عشرين
كان فيها ثلاثون وعلى هذا القياس، (فيكون لكل يوم دينار).
قال في محكي السرائر: " الجنين ما دام في البطن فأول ما يكون نطفة وفيها
بعد وضعها في الرحم إلى عشرين يوما عشرون دينارا ثم بعد العشرين يوم لكل

(1) النهاية ج 2 ص 803.
369

يوم دينار إلى أربعين يوما أربعون دينارا وهي دية العلقة، فهذا معنى قولهم: وفيما
بينهما بحساب ذلك (1) ".
وأورد عليه المصنف فقال: (ونحن نطالبه بصحة ما ادعاه الأول) أي
الشيخ فإنه لا دليل على ما ذكره (ثم بالدلالة على أن تفسيره مراد) الشيخ،
إذ هو كما يحتمل ذلك يحتمل غيره مما ستعرف (على أن المروي في المكث
بين النطفة والعلقة أربعون يوما وكذا بين العلقة والمضغة. وروى ذلك سعيد بن (2)
المسيب عن علي بن الحسين عليه السلام ومحمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر عليه السلام، وأبو
جرير (4) القمي عن موسى عليه السلام وأما العشرون فلم نقف لها على رواية).
قال الأول: " سألت علي بن الحسين عليه السلام عن رجل ضرب امرأة حاملا
برجله فطرحت ما في بطنها ميتا، فقال: إن كان نطفة فإن عليه عشرين دينارا،
قلت: فما حد النطفة؟ قال: هي التي وقعت في الرحم فاستقرت فيه أربعين يوما،
قال: وإن طرحته علقة فإن عليه أربعين دينارا، قلت: فما حد العلقة؟ قال: هي
التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه ثمانين يوما، قال: فإن طرحت وهي مضغة
فإن عليه ستين دينارا، قلت: فما حد المضغة؟ قال: هي التي إذا وقعت في الرحم
فاستقرت فيه مئة وعشرين يوما، قال: فإن طرحته وهي نسمة مخلقة له عظم ولحم
مرتب الجوارح قد نفخ فيه روح العقل فإن عليه دية كاملة، قلت له: أرأيت تحوله في
بطنها من حال إلى حال أبروح كان ذلك أم بغير روح؟ قال: بروح غذاء الحياة
القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ولولا أنه كان فيه روح غذاء
الحياة ما تحول من حال بعد حال في الرحم، وما كان إذن على قتله دية

(1) السرائر باب دية الجنين.
(2) الكافي ج 7 ص 347 التهذيب ج 10 ص 281 الوسائل الباب - 19 -
من أبواب ديات الأعضاء الحديث 8 ولكن في الأخير لم يورد تماما.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4 و 9.
(4) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4 و 9.
370

وهو في تلك الحال ".
وقد سمعت صحيح محمد بن مسلم.
وأما خبر أبي جرير فقال: " سألت العبد الصالح عليه السلام عن النطفة ما فيها
من الدية وما في العلقة وما في المضغة وما يقر في الأرحام؟ قال: إنه يخلق في بطن
أمه خلقا بعد خلق يكون نطفة أربعين يوما، ثم يكون علقة أربعين يوما، ثم
مضغة أربعين يوما، ففي النطفة أربعون دينارا، وفي العلقة ستون دينارا، وفي
المضغة ثمانون دينارا، فإذا اكتسى العظام لحما ففيه مئة دينار، قال الله تعالى:
ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين " (1).
وفيه أنه يمكن موافقة كلام ابن إدريس بناء على ما سمعته في ذكر حاصله
للروايات المزبورة، في أن بين كل مرتبتين أربعين يوما. بل جزم به في كشف اللثام
حتى قال: فما في الشرائع ونكت النهاية والتحرير والمختلف من مخالفة الروايات
لا وجه له، وإن كان في جزمه بذلك ما لا يخفى.
نعم هو احتمال كما أشار إليه المصنف بقوله: (ولو سلمنا المكث الذي
ذكره فمن أين) استظهر أن الأخذ في المرتبة المتأخرة في اليوم الحادي والعشرين؟
بل ومن أين استظهر أيضا (أن التفاوت في الدية مقسوم على الأيام؟ غايته الاحتمال
وليس كل محتمل واقعا) وهو كذلك (مع أنه يحتمل أن يكون الإشارة
بذلك إلى ما رواه يونس الشيباني (2) عن الصادق عليه السلام " أن لكل قطرة تظهر في
النطفة دينارين وكذا كل ما صار في العلقة شبه العروق من اللحم يزاد دينارين ")،
بل في نكت النهاية للمصنف:
" الذي يغلب أنه لم يرد الأيام، بل يريد ما رواه يونس الشيباني، قال:

(1) المؤمنون: 13.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5.
371

قلت: لأبي عبد الله عليه السلام فإن خرجت في النطفة قطرة دم، قال: القطرة عشر
الدية (1) فيها اثنان وعشرون دينارا، وفي القطرتين أربعة وعشرون
دينارا، وفي الثلاث ست وعشرون دينارا، وفي الأربع ثمانية وعشرون
دينارا، وفي الخمس ثلاثون دينارا، وما زاد على النصف فبحساب ذلك، حتى يصير
علقة فإذا صار علقة ففيها أربعون دينارا، فقال له أبو شبل: فإن العلقة صار فيها
شبه العروق من لحم فقال: اثنين وأربعين دينارا العشر، قلت: إن عشر أربعين
أربعة، قال: إنما هو عشر المضغة، وكلما زادت زيد حتى يبلغ الستين، قلت:
فإن رأيت في المضغة شبه العقدة عظما يابسا قال: فذاك عظم أول ما يبتدئ فيه العظم
فيبتدأ بخمسة أشهر ففيه أربعة دنانير، فإن زاد فزد أربعة أربعة حتى تتم الثمانين،
قال: قلت: وكذلك إذا كسى العظم لحما؟ قال: كذلك.
وهذا القدر هو المنقول، وبعض المتأخرين قسم في كتابه ما لا يعلم أصله بأن
قسم التفاوت على الأيام وزعم أن بين النطفة والعلقة عشرين يوما، وبين العلقة
والمضغة عشرين يوما فتكلف ما لم تنطق به دلالة ولا أشار في دعواه إلى مستند، وقد
نقل عن علماء أهل البيت عليه السلام أن بين كل حالة من هذه الحال التي بعدها أربعين
يوما انتهى " (2).
وعن الصدوق في المقنع الفتوى بما ذكره، وتبعه الفاضل في ذلك كله، واستحسنه
في الرياض (و) لكن لا يخفى عليك أن الانصاف يقتضي كون ما ذكره ابن إدريس
أوفق بعبارة الشيخ من ذلك.
نعم (هذه الأخبار) وأن تعددت إلا أنه (قد يتوقف فيها لاضطراب‍) - ها
في (النقل) المزبور (أو لضعف الناقل) في بعضها، فالمتجه إيكال علمها

(1) في الوسائل: عشر النطفة.
(2) راجع نكت النهاية، آخر كتاب الديات. مفتاح الكرامة ج 10 ص 511 -
512، الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5 و 6.
372

إليهم عليهم السلام.
(وكذا) ينبغي أن (يتوقف عن التفسير الذي مر بخيال ذلك القائل)
بعد أن عدم الدليل عليه وإن كان محتملا، فتثبت الدية المزبورة حينئذ في مسمى
كل واحدة من غير ملاحظة للمراتب المزبورة كما هو مقتضى ما سمعته من النص
والفتوى، والله العالم.
(ولو قتلت المرأة فمات معها) أو قبلها أو بعدها ولدها الذي ولجه الروح
(فدية للمرأة) بلا خلاف ولا إشكال (ونصف الديتين) أي دية الذكر والأنثى
(للجنين إن جهل حاله وإن علم ذكرا فديته أو أنثى فديتها) على المشهور
بين الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا إلا من الحلي الذي أشار إليه المصنف بقوله:
(وقيل: مع الجهالة يستخرج بالقرعة لأنه مشكل و) فيه أنه (لا إشكال مع
وجود ما يصار إليه من النقل المشهور) من قضاء أمير المؤمنين عليه السلام بذلك الذي عرضه
يونس وابن فضال على أبي الحسن (1) عليه السلام، فهو من الصحيح معتضدا بالاجماع
السابق.
وبخبر عبد الله بن مسكان (2) عن الصادق عليه السلام المنجبر بالشهرة والاجماع
المزبورين. " قال: فإن قتلت المرأة وهي حبلى فلم يدر أذكرا كان ولدها أم أنثى
فديته للولد نصفين، نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى، وديتها كاملة " ومؤيدا
بالنصوص (3) الحاكمة بمثل ذلك في ميراث الخنثى المشكل، فلا إشكال حينئذ بناء
على العمل بمثل ذلك.
نعم قد يتجه الاشكال بناء على طريقته من عدم العمل بأخبار الآحاد وإن
صحت، مع أنه قد يشكل أولا بإمكان اخراج المكان المقام (4) منها باعتبار

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 21 - من أبواب ديات النفس، الحديث الأول.
(3) راجع الوسائل الباب - 2 - من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه.
(4) كذا في النسخ الثلاثة التي راجعناها والظاهر زيادة كلمة " مكان ".
373

الاجماع المزبور المعتضد بالتتبع وتعدد النصوص وغير ذلك، فيكون الخبر حينئذ
من المحفوف بالقرائن التي تعمل بمثلها، وثانيا بأن المتجه العمل بأصل البراءة،
فيقتصر على الأقل، وبذلك يظهر لك الحال فيما في المسالك (1) من انتصاره لابن
إدريس في مقابلة ما ذكره الفاضل من شدة النكير عليه، والله العالم.
(ولو ألقت المرأة حملها مباشرة أو تسبيبا فعليها دية ما ألقته ولا نصيب لها
من هذه الدية) بلا خلاف ولا إشكال في ثبوت الدية عليها، بل وفي عدم إرثها أيضا
مع العمد، وقد سمعت التصريح به في صحيح أبي عبيدة (2) عن الصادق عليه السلام فيمن
شربت ما أسقطت به ونحوه غيره، مضافا إلى العمومات.
وأما الخطأ فقد عرفت الكلام فيه في كتاب المواريث.
(ولو أفزعها مفزع فألقته) أي الجنين (فالدية على المفزع) بلا
خلاف ولا إشكال أيضا للعمومات وللنصوص المتقدمة المشتملة على غرامة الغرة،
ومنها خبر ابن فرقد (3) عن الصادق عليه السلام " جاءت امرأة فاستعدت على أعرابي
قد أفزعها فألقت جنينا، فقال الأعرابي: لم يهل ولم يصح ومثله يطل، فقال
النبي صلى الله عليه وآله: اسكت سجاعة، عليك غرة عبد أو أمة ".
وإن أخطأ فعلى العاقلة كما مر من الخبر (4) المشتمل على قضية امرأة
أفزعها عمر فأسقطت وغيره.
(ويرث دية الجنين من يرث المال) منه لو كان حيا مالكا ثم مات
(الأقرب فالأقرب) على حسب ما عرفت في كتاب المواريث من طبقات الإرث

(1) المسالك ج 2 ص 508.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2، وفيه: عليك
غرة وصيف عبد أو أمة.
(4) الوسائل الباب - 30 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الثاني.
374

بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر المبسوط وصريح الخلاف الاجماع عليه، مضافا
إلى النصوص التي مر بعضها، خلافا لليث بن سعيد فلا ترثه إلا الأم لأنه بمنزلة
عضو منها.
(ودية أعضائه وجراحاته بنسبة ديته) ففي يده خمسون، وفي يديه كمال
الدية، وفي خارصته مثلا دينار عشر العشر، وهكذا بلا خلاف أجده فيه، وفيما عرضه
يونس وابن فضال على أبي الحسن عليه السلام من كتاب ظريف المشتمل على قضاء أمير المؤمنين
عليه السلام " وقضى في دية جراح الجنين من حساب المئة على ما يكون من جراح الذكر
والأنثى الرجل والمرأة كاملة وجعل له في قصاص جراحته ومعقلته على قدر ديته وهي
مئة دينار " (1) لكن هذا إذا كان تام الخلقة وله أعضاء متمايزة.
أما إذا كان قبل تمامها فجنى عليه الجاني فنقص منه شئ حتى إذا تمت
خلقته كان ناقصا عضوا مع فرض العلم بتسبب الجناية لذلك فقد يقال: باعتبار
النسبة إلى ديته أيضا، ففي يده إذا كان له عظم أربعون دينارا، وإن كان فرض العلم
بذلك متعذرا أو متعسرا، مع أن الأصل البراءة، خصوصا بعد أن لم نجد
فيه نصا ولا فتوى، فيمكن أن يكون نحو ما يشبه الجرح فيه من أنه لا حكم فيه،
أو أن فيه الحكومة (2).
(ومن أفزع مجامعا فعزل فعلى المفزع عشرة دنانير) دية ضياع النطفة
بلا خلاف أجده، بل عن الإنتصار والخلاف والغنية الاجماع عليه، وفي كتاب ظريف
الذي عرضه يونس وابن فضال على أبي الحسن عليه السلام " أفتى - أي أمير المؤمنين عليه السلام -
في مني الرجل يفرغ عن عرسه فعزل عنها الماء ولم يرد ذلك نصف خمس المئة عشر
دنانير وإن أفرغ فيها عشرين دينارا إلى آخره (3) ".

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول. الكافي
ج 7 ص 343.
(2) راجع كشف اللثام ج 2 ص 340.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
375

(ولو عزل المجامع اختيارا) عن الزوجة الحرة (ولم تأذن قيل)
والقائل الشيخ والقاضي وأبو الصلاح وابنا حمزة وزهرة والكيدري على ما حكي
عنهم، بل والمصنف في كتاب النكاح والفاضل وغيره: (يلزمه عشرة دنانير)،
لكونه مفوتا كغيره، بل عن الغنية وظاهر الخلاف الاجماع عليه، بل عن الجامع
والسرائر نسبته إلى رواية وإن حكم الأخير بشذوذها وعدم الالتفات إليها للأصل
وكراهة العزل لا حرمته، (و) من هنا قال المصنف: (فيه تردد أشبهه أنه
لا يجب) وقد سمعت في كتاب النكاح البحث عن حرمة العزل وكراهته، وعن بناء
ثبوت الدية على ذلك وعدمه، فلاحظ وتأمل.
(وأما العزل عن الأمة فجائز ولا دية وإن كرهت) كالحرة الآذنة،
بلا خلاف، بل الظاهر الاجماع عليه كما اعترف به بعض الأفاضل، وقد تقدم
تحقيقه في كتاب النكاح أيضا.
(و) كيف كان ف‍ (- يعتبر قيمة الأمة المجهضة) إذا كانت أسقطت بالجناية
حتى يلاحظ غيرها (عند الجناية) كما صرح به الفاضل وغيره، بل
والشيخ في محكي الخلاف والمبسوط، لأنها حال إثبات دية الجنين
في الذمة (لا وقت الالقاء) لأنه وقت الاستقرار، وإن احتمل لكنه بعيد
جدا، والله العالم.
(فروع)
لو خفي على القوابل وأهل المعرفة كون الساقط مبدأ نشوء انسان، ففي القواعد
الأقرب أن للأم حكومة باعتبار الألم بالضرب، وهو جيد مع فرض حصول
نقص فيها بذلك يوجب نقصا في القيمة لو كانت أمة، وإلا فلا، للأصل الذي مقتضاه
أيضا عدم وجوب شئ في الملقي الذي لم يعلم كونه مبدأ انسان ولو بحكم أهل الخبرة
376

وحينئذ فلا يجب بضرب المرأة شئ غير القصاص على قول، ودية الجنين، إلا أن
تموت هي بالضرب، أو يخرج شيئا من جسدها، أو يؤثر أثرا يوجب أرشا، كإحالة
اللون، إذ قد عرفت أنه لا شئ في الايلام المجرد سوى التعزير، وخصوصا
الألم الحاصل عند الاسقاط إن حصل، فإنه لا يمكن اقتصاصه كما هو
واضح.
و (لو ضرب النصرانية حاملا) مثلا (فأسلمت وألقته) بعد إسلامها
(لزم الجاني دية جنين مسلم، لأن الجناية وقعت مضمونة والاعتبار بها حال
الاستقرار) لا وقت الضرب كما عرفت الكلام فيه في القصاص فيما إذا جرح النصراني
فأسلم ثم مات.
(ولو ضرب الحربية) مثلا (فأسلمت وألقته لم يضمن لأن الجناية لم
تقع مضمونة فلم تضمن سرايتها).
(ولو كانت أمة فأعتقت وألقته) قبل أن تلجه الروح وقلنا بتبعية الحمل
للعتق (قال الشيخ) في محكي المبسوط: (للمولى أقل الأمرين من عشر قيمتها
وقت الجناية أو الدية، لأن عشر القيمة إن كانت أقل فالزيادة بالحرية فلا يستحقها
المولى، فتكون لوارث الجنين، وإذا كانت دية الجنين أقل) من عشر قيمة الأم
(كان له الدية لأن حقه نقص بالعتق) الذي هو من فعله، نحو ما سمعته فيمن
جرح عبدا فأعتق فسرى فمات.
ولكن أورد عليه المصنف (و) تبعه الفاضل بأن (ما ذكره بناء على
القول ب‍) - أن الواجب (الغرة) مطلقا ليمكن كون قيمة الغرة أكثر من الدية
(أو على جواز أن تكون دية جنين الأمة أكثر من دية جنين الحرة وكلا
التقديرين ممنوع، فإذن له عشر قيمة أمه يوم الجناية على التقديرين) مطلقا
والزائد بالحرية إن كان لورثة الجنين.
قلت: قد عرفت سابقا البحث فيما إذا جرح عبدا ثم أعتق فسرت فمات،
وأن على القاتل دية الحر ويستحق منها السيد ما يساوي قيمة عبده حال الجناية،
377

فإن استوعبت أخذها وإن زادت ردت إلى دية الحر وإن كانت الدية زائدة
فالزائد لوارث العبد الحر الذي لا مدخلية للملك فيه، لأنه شئ جعل بسبب
الحرية، وما نحن فيه قريب من تلك المسألة، ومراد الشيخ بالأقل، ذلك خصوصا
بعد أن كان ظاهر المحكي عن الشيخ عدم القول بأحد الأمرين.
قال في المبسوط:
" إذا ضرب بطن نصرانية ثم أسلمت ثم ألقت جنينا ميتا فكان الضرب هي
نصرانية وهو نصراني، والاسقاط وهي وجنينها مسلمان، أو ضرب بطن أمة ثم
أعتقت ثم ألقت الجنين فكان الضرب وهما مملوكان، والاسقاط وهما حران فالواجب
فيه غرة عبد أو أمة قيمتها خمسون دينارا، وعندنا مئة دينار، لأن الجناية إذا
وقعت مضمونة ثم سرت إلى النفس كان اعتبار الدية بحال الاستقرار، ثم قال: فإذا
تقرر أن الواجب فيه غرة عبد أو أمة أو مئة دينار على مذهبنا كما يجب في المسلم
الأصلي والحر الأصلي فإن للسيد من ذلك أقل الأمرين من عشر قيمة أمه أو
الغرة فإن كان عشر قيمة أمه أقل من الدية فليس له إلا عشر قيمة أمه، لأن
الزيادة عليها بالعتق والحرية ولا حق له فيما زاد بالحرية لأنها زيادة في غير
ملكه، وإن كانت دية الجنين أقل من عشر القيمة كان له الدية كلها لأنه
نقص حقه بالعتق فكأنه قد جنى بالعتق على حقه فنقص فلهذا كان له
الدية (1) ".
وهو كالصريح في اتحاد كلامه هنا ومسألة العبد المجروح، وإنما ذكر الأقل
من العشر والغرة تفريعا على قول المخالف.
وكيف كان فالتحقيق ما عرفت من أن للمولي عشر قيمة أمه يوم الجناية ما لم
تزد على دية الحر وإلا ردت إليها والزائد بالحرية لوارث الجنين إن زادت
ديته بالحرية وإلا فلا شئ للوارث نحو ما سمعته في القصاص في نظير المسألة،

(1) المبسوط ج 7 ص 197 - 198. وصححنا العبارة طبقا للمصدر.
378

فلاحظ وتأمل.
ومنه يعلم أن الخلاف مع الشيخ هنا لفظي، ضرورة كون المراد من أقل
الأمرين المعنى المزبور، فلا ينافي كون دية الجنين مئة لا تزيد ولا تنقص فلا يناسب
التعبير عنها بأقل الأمرين، إذ المراد من أقليتها زيادة عشر قيمة الأم عليها إلا
أنها هي تنقص، وإلا فالظاهر اتفاق الجميع على أن دية جنين المملوك عشر
قيمة أمه ما لم تزد على دية الجنين الحر وإلا ردت إليها، لأن الحر أصل
للمملوك بالنسبة إلى ذلك. وقول المصنف عشر قيمة الأم على التقديرين لا يراد به
تقدير الزيادة على دية الحر وعدمه كما في بعض القيود، بل المراد أن له عشر قيمة
الأم التي لا تزيد على دية الحر مطلقا، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت، وعن بعض الشافعية عدم استحقاق المولى
من جهة الملك شيئا لأن الاجهاض وقع في حال الحرية، وما يجب إنما تجب
بالاجهاض، فأشبه ما إذا حفر بئرا فتردى فيه حر كان رقيقا حال الحفر فإنه لا يستحق
السيد من الضمان شيئا.
وفيه إن من الواضح الفرق بين الأمرين بأن الحفر لا تأثير له في البدن قبل
الوقوع بخلاف الضرب.
ولو لم تتم خلقة الجنين ففي كشف اللثام، " فإن كان فيه العشر أيضا كان
على الجاني ما في جنين الحر، وهو قد يزيد على العشر وقد ينقص وربما يتساويان،
فعلى الأولين للمولى أقل الأمرين من العشر أو عشرين دينارا مثلا، وإن وزعناه
على المراتب الخمس فللمولى في النطفة مثلا خمس عشر قيمة أمه الأمة،
وما زاد من تتمة العشرين دينارا إن زادت عليه لورثة الجنين، ولا يصح
القول بأقل الأمرين حينئذ إلا على القول بالغرة أو عدم رد القيمة إلى دية
الحرة (1) ".
قلت: قد عرفت إمكان القول بأقل الأمرين بدون ذلك، لكن على المعنى

(1) كشف اللثام ج 2 ص 341.
379

الذي ذكرناه والأمر سهل بعد وضوح الحال.
ولو كان أحد الأبوين ذميا والآخر وثنيا فإن كان الذمي هو الأب ففي
القواعد وشرحها للإصبهاني: " هو مضمون لما (1) مر قطعا، وإلا فإشكال من
أصل البراءة وانتساب الأولاد للآباء وكون الكفر ملة واحدة، ومن احتمال
تبعية الولد لأشرف الأبوين " (2) بل إن لم يكن الضمان في الأول قطعيا
أمكن الاشكال فيه من الأصل وغيره.
ولو ضرب بطن مرتدة فألقت جنينا فإن كان الأب مسلما وجب الضمان
كما يضمن الجنين المسلم حكما، لأنه كذلك، وكذا لو كان أحدهما مسلما حال
خلقة نطفته أو بعدها وإن تجدد الحمل بعد ارتدادهما فلا ضمان إن كان الجاني
مسلما، وإن كان حربيا أو ذميا ضمن لأنه محقون الدم بالنسبة إليه كما عرفت
البحث فيه في القصاص.
(ولو ضرب حاملا خطأ فألقت) الجنين (وقال الولي) للدم (كان
حيا فاعترف الجاني) بذلك (ضمن العاقلة دية الجنين غير الحي، وضمن المعترف
ما زاد لأن العاقلة لا تضمن إقرارا) لأنه إقرار في حق الغير، ولأن الأصل عدم
ولوج الروح فيه. (و) كذا (لو أنكر) الجاني ذلك كان القول قوله بيمينه.
(و) لو (أقام كل واحد) منهما (بينة) ففي القواعد وغيرها ومحكي
المبسوط (قدمنا بينة الولي) الوارث (لأنها تتضمن زيادة) الحياة التي
قد تخفى على بينة الضارب مع كونها بمنزلة بينة الخارج.
ولو اعترف الجاني بأنه انفصل حيا وادعى موته بسبب آخر، فإن كان
الزمان قصيرا قدم قول الوارث للظاهر وأصل عدم جناية جان آخر، وإلا فعليه
البينة بأنه بقي ضمنا حتى مات.
ولو اتفقا على انفصاله لدون ستة أشهر ولم يدع الجاني جناية جان آخر

(1) في كشف اللثام: هو مضمون بما مر قطعا.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 341.
380

فعليه الضمان قصر الزمان أو طال، من غير حاجة إلى بينة أو يمين، لأنه لا يعيش
مثله فيها.
(ولو ضربها فألقته فمات عند سقوطه فالضارب قاتل) على الظاهر نحو من
ضرب شخصا بشئ يقتل مثله فمات عقيب ذلك، فحينئذ (يقتل إن كان عمدا)
لتحقق موضوع القصاص فيه وهو إزهاق الروح المحترمة، سواء كانت مستقرة
أولا، خلافا لبعض العامة حيث حكم بأنه إذا لم يتوقع أن يعيش لا تكمل فيه
الدية عن آخر (1) فأوجب فيه الغرة، وهو كما ترى مناف لاطلاق الأدلة
التي مقتضاها القصاص مع تيقن حياته وإزهاقها بالجناية (ويضمن الدية في ماله
إن كان شبيها) بالعمد (ويضمنها العاقلة إن كان خطأ وكذا لو بقي ضامنا
ومات أو وقع صحيحا وكان ممن لا يعيش مثله) لدون الستة أشهر (وتلزمه
الكفارة في كل واحدة من هذه الحالات) التي يتحقق بها موضوعها، وهو قتل
الانسان الكامل.
(ولو ألقته حيا فقتله آخر فإن كانت حياته مستقرة فالثاني قاتل)
عمدا أو خطأ أو شبه عمد (ولا ضمان على الأول) لعدم إتلافه شيئا
(و) لكن (يعزر) لأنه آثم بالجناية التي ترتب عليها الالقاء (وإن
لم تكن) حياته (مستقرة) بسبب جناية الأول عليه (فالأول قاتل)
عرفا (والثاني آثم يعزر لخطائه)، بل لو قطع رأسه في الحال المزبور كان عليه
دية قطع الرأس الميت.
(ولو جهل حاله حال ولادته) فلم يعلم كونه مستقر الحياة أولا
(قال الشيخ: يسقط القود) عن كل منهما (للاحتمال) الموجب شبهة
يسقط القود بمثلها (و) لكن (عليه) أي الثاني (الدية) تامة لأصالة
بقاء الحياة، لا دية جنين ميت كما في المسالك، لأنه المتيقن، إذ ذلك لا يقتضي

(1) كذا في النسخ التي راجعناها ويحتمل زيادة " عن آخر " راجع كشف اللثام
ج 2 ص 342 الفرع الثالث عشر.
381

سقوط دية الجنين الحي الثابت بالأصل، وربما كان في نسبة المصنف ذلك إلى
الشيخ إشعار بالتردد فيه، ولعله في وجوب كمال الدية على الثاني لأصل البراءة
بعد أصالة عدم الحياة الدافعة للقود، مع فرض التعمد، فكذلك الدية، اللهم
إلا أن يقال بأن الشبهة تسقط القود الذي هو الحد، بخلاف الدية التي يكفي
في ثبوتها الأصل الذي لا يكفي في نحو الفرض بالنسبة إلى تحقق القصاص، ولعله
لذا جزم به الفاضل في القواعد من غير نسبة إلى الشيخ.
(ولو وطأها ذمي ومسلم لشبهة في طهر واحد) بحيث يمكن التولد
منهما (فسقط بالجناية، أقرع بين الواطئين) لأنها لكل أمر مشكل
(وألزم الجاني بنسبة دية من الحق به) الولد من الذمي والمسلم، بل أو
القود إن تحققت شروطه، بناء على ما عرفته سابقا من أن الأقوى إثبات القود
بها، وتجب عليه الكفارة أيضا مع الالحاق بالمسلم وكان حيا، والله العالم.
(ولو ضربها فألقت عضوا كاليد) ونحوها مما يعلم به تمام الخلقة الجنين
(فإن ماتت) بذلك ولم ينفصل الجنين بكماله (لزمه ديتها) أو القود
(ودية الحمل) التام خلقة، لأن موتها سبب لتلفه وإن لم ينفصل، (ولو
ألقت أربع أيد فدية جنين واحد، لاحتمال أن يكون ذلك لواحد) وإن بعد،
إلا أن الأصل البراءة، وكذا لو ألقت رأسين بل وبدنين، مع احتمال كونهما
على حقو واحد، نعم لو ألقت بعد العضو جنينا كامل الأطراف بحيث لا يحتمل
أن يكون الساقط منه بحيث لا يكون فيه أثر لانقطاع العضو منه ثم مات وجب
ديتان لجنينين مع ديتها إن ماتت بالجناية، لأنه ظهر بكمالية أطراف الساقط
من غير ظهور سقوط عضو منه أن في البطن جنينا آخر فتجب ديته مع احتمال
العدم، للأصل، بعد إمكان كون العضو من هذا الجنين وإن لم يظهر لنا الحال.
(ولو ألقت العضو ثم ألقت الجنين ميتا) من غير علم بسبق حياته،
ناقص اليد، قبل زوال الألم الحاصل لها بالضرب، حكم بأن اليد يده، وإن احتمل
غيره، لأصل البراءة، ولأن إلقاء الجنين بالجناية بشهادة الحال، فعليه حينئذ
382

دية جنين كامل الخلقة قبل ولوج الروح فيه، و (دخلت دية العضو في ديته)
كالانسان الكامل (وكذا لو ألقته حيا فمات) إلا أن عليه دية نفس كاملة
(ولو سقط وحياته مستقرة ضمن دية اليد) التي سقطت بجنايته (حسب)
كالانسان، مع فرض العلم بانتقال العضو منه حيا لتعقب سقوطه لسقوطها أو
لغير ذلك. (و) أما (لو تأخر سقوطه) عن سقوطها على وجه لم يعلم
سقوطها منه حال حياته أو طالب الولي بدية اليد قبل وقوعه، ففي القواعد وغيرها
(فإن شهد أهل المعرفة أنها يدحي، فنصف ديته وإلا فنصف المئة) دينار،
التي هي دية الجنين قبل ولوج الروح فيه، الذي قد عرفت أن دية أعضائه على
حسب نسبة ديته، وربما احتمل عدم اعتبار هذه الشهادة والعمل بأصل البراءة وعدم
الحياة، ولكنه كما ترى، والله العالم.
(مسألتان)
(الأولى)
(دية الجنين إن كان عمدا أو شبه العمد ففي مال الجاني، وإن كان
خطأ فعلى العاقلة، وتستأدى في ثلاث سنين) بلا خلاف أجده بيننا، بل في
كشف اللثام التصريح بعدم الفرق في ذلك بين دية الجنين قبل ولوج الروح بجميع
مراتبه، وبين ولوج الروح فيه، وكأنهم جعلوا الجناية على الجنين مطلقا بحكم
القتل بالنسبة إلى الأحكام المزبورة، وظاهرهم الاتفاق عليه، مضافا إلى النصوص في
بعض الأحكام المزبورة، ولولاه لأمكن الاشكال في ضمان العاقلة في صورة عدم
تحقق القتل كما في الجناية عليه قبل ولوج الروح فيه، خصوصا بعد إطلاق النصوص
الضمان على الجاني.
وعلى كل حال فما عن العامة من وجوب دية الجنين مطلقا على العاقلة بناء
383

منهم على عدم تحقق العمد منه واضح الفساد، كالمحكي عن الشافعي منهم من
استيدائها في السنة الأولى إن لم يكن ولجت الروح، بناء على قوله بأداء ثلث
الدية الكامل في السنة الأولى والباقي في الثانية.
المسألة (الثانية):
(في قطع رأس الميت المسلم الحر مئة دينار) على المشهور بين الأصحاب،
بل عن الخلاف والانتصار والغنية الاجماع عليه، مضافا إلى حسن حسين (1)
ابن خالد " سألت أبا الحسن عليه السلام فقال: إنا روينا عن أبي عبد الله عليه السلام حديثا
أحب أن أسمعه منك قال: وما هو؟ قلت: بلغني أنه قال: في رجل قطع رأس ميت
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله حرم من المسلم ميتا ما حرم منه حيا، فمن فعل
بميت ما يكون في ذلك احتياج نفس الحي فعليه الدية، فقال: صدق أبو عبد الله عليه السلام،
هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله قلت: من قطع رأس رجل ميت أو شق بطنه أو فعل به
ما يكون في ذلك الفعل احتياج النفس الحي، فعليه دية النفس كاملة؟ فقال:
لا، ثم أشار إلى بإصبعه الخنصر، فقال: أليس لهذه دية؟ قلت: بلى قال: فتراه
دية نفس؟ قلت: لا، قال: صدقت قلت: وما دية هذه إذا قطع رأسه وهو ميت؟
قال: ديته دية الجنين في بطن أمه قبل أن ينشأ فيه الروح وذلك مئة دينار، قال:
فسكت وسرني ما أجابني به، فقال: لم لا تستوف مسألتك؟ فقلت: ما عندي فيها
أكثر مما أجبتني به إلا أن يكون شئ لا أعرفه، فقال: دية الجنين إذا ضربت
أمه فسقط من بطنها قبل أن تنشأ فيه الروح مئة دينار وهي لورثته وأن دية هذا

(1) التهذيب 10 ص 273 - 274 وغيرنا بعض كلماتها طبقا للمصدر وأغمضنا
عن تغيير بعضها الآخر فراجع، وراوي الحديث حسين بن خالد لا سليمان بن الخالد كما في
بعض النسخ.
384

إذا قطع رأسه أو شق بطنه فليس هي لورثته، إنما هي له دون الورثة، قلت:
وما الفرق بينهما؟ فقال: إن الجنين مستقبل مرجو نفعه وإن هذا قد مضى
فذهبت منفعته فلما مثل به بعد موته صارت ديته بتلك المثلة له لا لغيره، يحج
بها عنه أو يفعل بها من أبواب الخير والبر من صدقة أو غيرها، قلت: فإن أراد
الرجل أن يحفر له بئرا ليغسله في الحفيرة فسدر الرجل فما يحفر بين يديه فمالت
مسحاته في يده، فأصابت بطنه فشقته فما عليه؟ فقال: إن كان هكذا فهو خطأ
فإنما عليك الكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو صدقة ستين مسكينا لكل
مسكين مد بمد النبي صلى الله عليه وآله ".
وإلى مرسل محمد بن الصباح (1) عن الصادق عليه السلام قال: " أتى الربيع أبا جعفر
المنصور - وهو خليفة - في الطواف فقال: يا أمير المؤمنين مات فلان مولاك البارحة،
فقطع فلان مولاك رأسه بعد موته فاستشاط وغضب قال فقال لابن شبرمة وابن أبي
ليلى وعدة من القضاة والفقهاء: ما تقولون في هذا؟ فكل قال: ما عندنا في هذا شئ،
فجعل يردد المسألة ويقول: أقتله أم لا؟ فقالوا: ما عندنا في هذا شئ قال: فقال له
بعضهم: قد قدم رجل الساعة فإن كان عند أحد شئ فعنده الجواب في هذا وهو جعفر بن
محمد عليه السلام وقد دخل المسعى، فقال للربيع: اذهب إليه وقل له: لولا معرفتنا بشغل ما
أنت فيه لسألناك أن تأتينا ولكن أجبنا في كذا وكذا، قال: فأتاه الربيع وهو على
المروة فأبلغه الرسالة.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: قد ترى شغل ما أنا فيه وقبلك الفقهاء والعلماء فأسألهم
قال له: قد سألهم فلم يكن عندهم فيه شئ، قال: فرده إليه فقال: أسألك إلا أجبتنا،
فليس عند القوم في هذا شئ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: حتى أفرغ مما أنا فيه،
فلما فرغ فجلس في جانب المسجد الحرام فقال للربيع: اذهب إليه فقل له: عليه
مئة دينار قال: فأبلغه ذلك فقالوا له: فاسأله كيف صار عليه مئة دينار؟ فقال أبو عبد الله
عليه السلام: في النطفة عشرون دينارا وفي العلقة عشرون دينارا وفي المضغة عشرون

(1) الكافي ج 7 ص 347 - 348، التهذيب ج 10 ص 270 - 271.
385

دينارا وفي العظم عشرون دينارا وفي اللحم عشرون دينارا ثم أنشأناه خلقا آخر وهذا
هو ميت بمنزلته قبل أن ينفخ فيه الروح في بطن أمه جنينا، قال: فرجع إليه
فأخبره بالجواب فأعجبهم ذلك، فقالوا: ارجع إليه وسله الدنانير لمن هي؟ لورثته
أو لا؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: ليس لورثته فيها شئ، إنما هذا شئ صار إليه في
بدنه بعد موته، يحج بها عنه أو يتصدق بها عنه أو يصير في سبيل من سبل الخير،
الحديث ".
ولكن مع ذلك كله قال في محكي المقنعة (1): " إن الجاني إن قطع رأس
ميت كان يريد قتله في حياته فعليه ديته حيا وإلا فمأة دينار " (2) ولعله للجمع
بين ما سمعت وبين قول الصادق عليه السلام كما حكاه عن نوادر ابن أبي عمير (3) " قطع
رأس الميت أشد من قطع رأس الحي "، وفي خبر ابن مسكان (4) " وعليه ديته (5)
لأن حرمته ميتا كحرمته وهو حي " وفي التهذيب (6) " عليه الدية " ونحوه
أخبار أخر إلا أن المتجه حملها كما عن الشيخ على إرادة مئة دينار من الدية
كما سمعت التصريح به في الخبر المزبور، والأشدية لا توجب التساوي
في الدية.
(و) حينئذ ف‍ (- في قطع جوارحه بحساب ديته) التي هي كدية الحي،
لتنزيله منزلة الجنين الذي قد عرفت الحكم فيه، بل لعل المراد من الأرش في خبر إسحاق
ابن عمار (7) عن الصادق عليه السلام " وإن قطعت يمينه أو شئ من جوارحه فعليه الأرش

(1) كذا في النسخ الثلاثة التي راجعناها ولكن الصحيح: الفقيه كما في
كشف اللثام.
(2) الفقيه ج 4 ص 158.
(3) الفقيه ج 4 ص 157.
(4) الفقيه ج 4 ص 157.
(5) في الفقيه هكذا: قال: عليه الدية.
(6) التهذيب ج 10 ص 273.
(7) الوسائل الباب - 24 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
386

للإمام ".
بل (وكذا) الكلام (في) نسبة (شجاجه وجراحه) إلى ديته
المزبورة على حسب ما سمعته في الحي، وما في خبر مسمع (1) المشتمل على سؤاله
للصادق عليه السلام عن رجل كسر عظم ميت فقال: " حرمته أعظم من حرمته وهو حي "
لا ينافي ذلك كما سمعته سابقا ولو لم يكن في الجناية مقدر أخذ الأرش لو كان
حيا ونسب إلى الدية فيؤخذ من ديته المئة دينار بتلك النسبة، بل لعل في خبر
إسحاق المزبور إشعارا بذلك.
بقي الكلام فيما سمعته في الحسن (2) الأول من عدم وجوب غير الكفارة
في قطع رأسه خطأ، ولم أجد عاملا به خصوصا بعد ما سمعته من كونه كالجنين قبل
أن تلجه الروح، الذي عرفت عدم الكفارة في إسقاطه، بل قد عرفت ثبوت الدية في
إسقاطه خطأ، ولعله لذا قال في الروضة: " وهل يفرق هنا بين العمد والخطأ
كغيره حتى الجنين؟ يحتمله لاطلاق التفصيل في الجناية على الآدمي وإن لم يكن
حيا كالجنين، وعدمه بل يجب على الجاني مطلقا وقوفا فيما خالف الأصل على
موضع اليقين، مؤيدا بإطلاق الأخبار والفتوى بأن الدية على الجاني مع ترك
الاستفصال في واقعة الحال السابقة الدالة على العموم " وظاهره المفروغية من ثبوت
الدية في الجملة فيه، وكأنه لم يلحظ الخبر المزبور فإن لم يكن إجماعا أمكن
القول بعدم ثبوت شئ فيه، والفرق بينه وبين الجنين النص على ثبوتها في الثاني
ولو خطأ وعدم ثبوتها في الأول الموافق لمقتضى الأصل.
(و) كيف كان ف‍ (- لا يرث وارثه منها شيئا بل تصرف في وجوه القرب
عنه عملا بالرواية) المزبورة المعتضدة بما في مرسل محمد بن الصباح (3) عن

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 5.
(2) يعني حسن حسين بن خالد.
(3) الوسائل الباب - 24 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول التهذيب
ج 10 ص 270.
387

الصادق عليه السلام " ليس لورثته فيها شئ إنما هذا شئ صار إليه في بدنه بعد موته،
يحج بها عنه أو يتصدق بها عنه أو يصير في سبيل من سبل الخير " وبالإجماع عن
الخلاف والغنية، بل لو كان الميت عبدا لم يكن لسيده شئ من الدية المزبور،
لما سمعته من النص والفتوى وزال (1) ملكه عنه.
نعم لو كان عليه دين قضى منها وجوبا إذا اقترحه الوارث، أو إذا لم يخلف
سواها، أو على التوزيع بينه وبين غيرها من تركته مع فرض امتناع الوارث، وجوه
لا يخلو أخيرها من قوة، لأنها بحكم ماله ولا أهم من قضاء الدين، مع أنه استشكل
فيه في القواعد من ذلك ومن أنه إنما يجب أداء الدين من التركة وهي ليست منها
ولذا لا تورث، وإن كان الأول أظهر كما في كشف اللثام، ومال إليه المصنف في
النكت بعض الميل بعد أن اختار عدم قضاء دينه منها وعدم أداء وصيته منها، وقال:
" إن ذلك مقتضى الأصل " وإن كان فيه ما لا يخفى.
وكيف كان فصرفها (2) ما عرفت (و) لكن (قال علم الهدى) والحلي
فيما حكي عنهما: (تكون لبيت المال) لأنها عقوبة جناية، ولا قاطع بوجوب
الصرف في وجوه الخير عنه، ولأن إسحاق (3) بن عمار قال للصادق عليه السلام: " فمن
يأخذ ديته؟ قال: الإمام، هذا لله ".
وفيه ما لا يخفى فإن ما عرفت من النص وغيره كاف في القاطع، وخبر إسحاق
يمكن إن يكون المراد منه إن الإمام ومن نصبه يقبضها ويتصدق بها عنه فإنه
الولي لمثل ذلك، كما أشار إليه المفيد، قال: " يقبضها إمام المسلمين أو من نصبه للحكم
في الرعية ويتصدق بها عن الميت بها (4) " كما هو واضح.

(1) وزوال ظ.
(2) فمصرفها ظ.
(3) الوسائل الباب - 24 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
(4) المقنعة ص 120.
388

ثم إنه على القول المزبور قال المصنف في النكت: " ينبغي أن يقضي الدين
منها لأن الإمام يأخذها بالولاء، والدين مقدم على الولاء " وفيه أنه يمكن عدم
قضائه أيضا منها بناء على اختصاص القضاء بالتركة التي هي ليست منها، واحتمال
عدم جعل القائل ذلك من باب الإرث، بل لعله الظاهر، ولذا لم يرثه من تقدم
على الإمام من الطبقات.
نعم التحقيق قضاء الدين منها على كل حال ضرورة بقاء خطاب الوضع في ديته
وإن سقط عنه خطاب التكليف كما أشرنا إليه سابقا.
ولو كان الميت عبدا أو ذميا ففي القواعد: " فيه عشر الدية الحر الذمي وعشر
قيمة العبد الحي " (1) وهو كذلك مع فرض وجوبها فيهما أيضا، فإن الأخبار
والفتاوى وإن كانت مطلقة لكن لو كان حكمها حكم الحر المسلم لزم زيادة الميت
فيها على الحي في الدية.
نعم قد يقال بعدم وجوبها فيهما اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن،
وخصوصا في الذمي، لاختصاص النص والفتوى في المسلم، بل والحر ولو بقرينة
ذكر المئة دينار دية، إلا أن يتساوى المرأة والرجل والصغير والكبير في ذلك، للعموم
المؤيد بالتعليل بأنه كالجنين التام الذي لم تلجه الروح، فيقتضي إلحاقهما به لكن
على الوجه الذي عرفته.
ولو لم يبن الرأس بل قطع ما لو كان حيا لم يعش مثله فمأة دينار
أيضا، لما سمعته من النص (2) على المئة في كل ما فعل به ما لو كان
حيا لقتله.

(1) إيضاح الفوائد في شرح القواعد ج 4 ص 729 وفيه: " الذمي الحي " مكان
" الحر الذمي ".
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
389

(الثانية)
من اللواحق
(في الجناية على الحيوان)
(وهي باعتبار المجني عليه تنقسم أقساما ثلاثة)
(الأول)
(ما يؤكل) في العادة (كالغنم والإبل والبقر، فمن أتلف شيئا
منها بالذكاة لزمه التفاوت بين كونه حيا وذكيا) إن كان، بلا خلاف أجده فيه
مع اختيار المالك، لقاعدة الاتلاف مع أصالة براءة الذمة مما زاد على ذلك (وهل
للمالك دفعه والمطالبة بقيمته؟ قيل: نعم وهو اختيار الشيخين رحمهما الله) في
المقنعة والنهاية وسلار والقاضي وابني حمزة وسعيد، على ما حكي عن بعضهم:
(نظرا إلى إتلاف أهم منافعه) فهو حينئذ بحكم التالف. (وقيل) والقائل
المتأخرون والشيخ في محكي المبسوط: (لا لأنه إتلاف بعض منافعه فيضمن
التلف وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده التي منها عدم خروج المال عن المالية
وملك مالكه بذلك.
نعم لا إشكال في الجواز مع التراضي بذلك مع مراعاة القواعد الشرعية، كما
لا إشكال أيضا في لزوم القيمة لو فرض عدم القيمة له أصلا مع الذبح ضرورة كونه
كالتالف.
(ولو أتلفه لا بالذكاة لزمه قيمته يوم إتلافه) كغيره من الأموال بلا خلاف
(و) لا إشكال. نعم (لو بقي فيه ما ينتفع به كالصوف والشعر والوبر والريش)
وغير ذلك مما ينتفع به من الميتة ولو قيمة (فهو) باق (للمالك) للأصل وغيره،
390

فينبغي أن (يوضع من قيمته) التي يغرمها المتلف.
(ولو قطع بعض أعضائه أو كسر شيئا من عظامه فللمالك الأرش)، وهو
تفاوت ما بين قيمتيه، لكن في صحيح ابن (1) أذينة " كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام
أسأله عن رواية الحسن البصري يرويها عن علي عليه السلام في عين ذات القوائم الأربع
إذا فقئت ربع ثمنها، فقال: صدق الحسن قد قال علي عليه السلام ذلك " وفي خبر أبي
العباس (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا " من فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها " وفي
صحيح محمد بن قيس (3) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في عين
فرس فقئت بربع ثمنها يوم فقئت عينها " وفي آخر (4) عنه عليه السلام أيضا " إن
عليا عليه السلام قضى في عين دابة بربع الثمن ".
إلى غير ذلك من النصوص، بل عن الشيخ وجماعة الفتوى بها في عين الدابة، بل
عن المبسوط والخلاف أنه حكى عن الأصحاب إن في عين الدابة نصف قيمتها، وكذا
كل ما كان في البدن منه اثنان، وإن كنا لم نعرف مستنده سوى القياس على الانسان
الباطل عندنا، كما أنا لم نعرف أحدا من المتأخرين عاملا بروايات الربع عدا
المصنف في النافع.
والمشهور إطلاق الأرش فيها وفي غيرها من الأعضاء والجراح والكسر ونحوه
مما فيه الأرش المزبور، بلا خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال، لما سمعته
من القاعدة.
نعم في قوى السكوني (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: في

(1) الوسائل الباب - 47 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 47 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 47 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 3.
(4) الوسائل الباب - 47 - من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.
(5) الوسائل الباب - 18 - من أبواب ديات النفس الحديث 2 وفيه: عشر
قيمتها. الكافي ج 7 ص 368.
391

جنين البهيمة إذا ضربت فأزلقت عشر ثمنها " ورواه في التهذيب (1) تارة أخرى
هكذا " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: في جنين البهيمة فألقت عشر ثمنها " بل في النافع
الفتوى بمضمونه، بل عن السرائر ذلك أيضا مدعيا عليه إجماع أصحابنا وتواتر
أخبارنا، وإن كنت لم أتحقق شيئا منهما، بل في التحرير أيضا أرش ما نقص من
الأم وتتقوم حاملا وحائلا ويلزم الجاني بالتفاوت، وهو حسن إن لم يثبت الاجماع
المزبور، ويمكن حمل النص في العشر والربع على ما ساوى الأرش بذلك.
(الثاني)
(ما لا يؤكل ويصح ذكاته كالنمر والأسد، بل والفهد) وإن جعله في
النهاية مثالا لما لا يقع عليه الذكاة، لكن يمكن أن يريد الذكاة التامة المحللة
للأكل والمطهرة، بناء على أنه لا يرى طهارة جلد غير مأكول اللحم ما لم يدبغ،
لما عرفت من قبوله كغيره للتذكية في كتاب الذباحة.
وحينئذ (فإن أتلفه بالذكاة ضمن الأرش لأن له) فيه (قيمة بعد
التذكية وكذا) يجب الأرش (في قطع جوارحه وكسر عظامه مع استقرار
حياته) كما سمعته في المأكول بلا خلاف أجده فيه، نعم فيه القول المزبور، بل
لعله لا يجري فيه ما تقدم في العين، بناء على عدم تناول الروايات المزبورة له،
لانسياق غيره فيها وإن كان فيه ما لا يخفى.
(وإن أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيا) بلا خلاف ولا إشكال بعد وضع
ما ينتفع به منه كعظم الفيل ونحوه.
ولعل من هذا القسم ما لا يؤكل عادة وإن حل أكله كالخيل والبغال والحمير
الأهلية، لكن عن المفيد أنه عد مما لا تقع عليه الذكاة ولا يحل أكله اختيارا
البغال والحمير الأهلية والهجين من الدواب والسباع والطير وغيره، وفيه ما لا يخفى.

(1) التهذيب ج 10 ص 288.
392

نعم الظاهر عدم اعتبار ما يحل منها بالتذكية وبدونها، وفي خبر أبي الجارود (1)
" قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كانت بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله لا يردونها عن شئ
وقعت فيه قال: فأتاها رجل من بني مدلج وقد وقعت في قصب له ففوق لها سهما
فقتلها، فقال له عليه السلام: والله لا تفارقني حتى تديها قال: فوديها ستمأة درهم " وهو
وإن كان في غير التذكية، لكن من المعلوم عدم الفرق بينهما مع فرض عدم
قيمة للمذكى من ذلك، اللهم إلا أن يفرض فيوضع من القيمة كما
سمعته سابقا.
(الثالث:)
(ما لا يقع عليه الذكاة ففي كلب الصيد أربعون درهما) كما في النافع وغيره،
ومحكي المقنع والسرائر والمراسم والجامع، بل هو الأشهر، بل لعله عليه عامة
من تأخر، نعم عن السرائر والمراسم اشتراط كونه معلما، ولعله الظاهر من نحو
عبارة المتن، وعلى كل حال فهو الأقوى.
لمرسل ابن فضال (2) عن بعض أصحابه المنجبر بما عرفت، عن أبي عبد الله عليه السلام
" دية كلب الصيد أربعون درهما، ودية الكلب الماشية عشرون درهما، ودية الكلب
الذي ليس للصيد (3) زنبيل من تراب على القاتل أن يعطي وعلى صاحبه
أن يقبل ".
وخبر عبد الأعلى (4) بن أعين المروي في الخصال بطريق حسن عنه عليه السلام

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 4.
(3) في المصدر: ليس للصيد ولا للماشية
(4) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 5 الخصال ص 539
393

أيضا " قال: في كتاب علي عليه السلام دية كلب الصيد أربعون درهما ".
بل وخبر الوليد (1) بن صبيح عنه عليه السلام أيضا " دية الكلب السلوقي أربعون
درهما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك أن يؤديه لبني خزيمة ".
وخبر أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " دية الكلب السلوقي أربعون درهما،
جعل ذلك له رسول الله صلى الله عليه وآله، ودية كلب الغنم كبش، ودية كلب الزرع جريب
من بر، ودية كلب الأهل قفيز من تراب لأهله " بناء على غلبة كون السلوقي
معلما للصيد كما اعترف به ابن إدريس، بل هو نسبة إلى سلوق قرية باليمن أكثر
كلابها معلمة على ما قيل. (و) على كل حال ف‍ (- من الناس) وهو المفيد والقاضي وابن حمزة
فيما حكي عنهم (من خصه بالسلوقي) مقيدا له الأول بالمعلم الذي هو مراد
غيره، بناءا على الغلبة المزبورة (وقوفا على صورة الرواية) التي سمعتها في
السلوقي.
ولكن فيه مع احتمال إرادة مطلق كلب الصيد منه أنه لا يصلح مقيدا لغيره،
ضرورة كونه - بعد إرادة الصيود منه كما هو الغالب - أحد أفراد كلب الصيد، فهو
موافق حينئذ في الحكم، لا مناف كي يكون مقيدا.
نعم في خبر الوليد (3) بن صبيح أو موثقه عن أبي عبد الله عليه السلام المروي عن
الخصال " دية كلب الصيد السلوقي أربعون درهما " ولعله الحجة للقول المزبور،
بناءا على حجية مثل هذا المفهوم، اللهم إلا أن يقال بقصوره عن المقاومة ولو
للشهرة المزبورة، لا يراد منه المفهوم المزبور، إلا أن ظاهر المصنف وغيره عدم
الوقوف على ما ذكرناه من النصوص، خصوصا الأخير كما لا يخفى على من لاحظ

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول وفيه: " يديه "
مكان " يؤديه ".
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 6 الخصال ص 539.
394

كلماتهم، ومنه يضعف توهين الخبر المزبور الذي لم يتحقق فيه الاعراض، فالمتجه
حينئذ اختصاص السلوقي من كلاب الصيد بالأربعين وأما غيره فيرجع فيه إلى
التقويم. نعم قد يقال بأنه لا يتجاوز بقيمته الأربعين نظرا إلى أن السلوقي أعلى
قيمة وأهم في نظر الشرع كما تسمعه من ابن الجنيد.
(و) كيف كان ف‍ (- في رواية السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في
كلب الصيد) " قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: فيمن قتل كلب الصيد قال (يقومه)
وكذلك البازي (وكذلك كلب الغنم و) كذلك (كلب الحائط " و) لكن
(الأول أشهر) رواية وأشهر عملا.
بل لم أجد من أفتى به سوى ما يحكى عن أبي علي، مع أنه قال: لا يتجاوز
بقيمته أربعين درهما، وكأنه جمع به بين الأخبار، واستحسنه في محكي المختلف،
ولكن فيه ما لا يخفى، ضرورة قصوره عن المعارضة من وجوه. فالمتجه حمله على
إرادة التقويم بالأربعين وإن بعد أو طرحه كالمرسل (2) وخبر ابن حصين (3) عن
الرضا عليه السلام المرويين عن تفسير العياشي في تفسير قوله تعالى: وشروه بثمن بخس (4)
" البخس النقص وهي قيمة كلب الصيد إذا قتل كانت ديته عشرين درهما " وإن قال
في الوسائل: " حمل على غير المعلم " وفيه أنه لا تقدير فيه أيضا. نعم يمكن حمله
على تفاوت الدراهم أو غير ذلك، والله العالم
(وفي كلب الغنم كبش) عند الفاضلين والشهيدين، بل نسبه ثانيهما إلى
الأكثر لخبر أبي بصير (5) السابق (وقيل) والقائل المشهور على ما في كشف
اللثام وغيره: (عشرون درهما وهي رواية ابن (6) فضال عن بعض أصحابه عن

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 7 و 8.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 7 و 8.
(4) يوسف: 20.
(5) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 2.
(6) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 4.
395

أبي عبد الله عليه السلام) المتقدمة أيضا، وفي المتن وهذه (مع شهرتها) و (لكن
الأولى أصح طريقا) لما في الثانية من الضعف والارسال، وإن كان قد يناقش
باشتراكهما في الضعف، وغايته أن تكون الثانية أضعف لا أصح (1)، خصوصا بعد
أن كان في سندها علي بن أبي حمزة البطائني المعلوم حاله، بل قد يقال بانجبار
السند الثانية بالشهرة المحققة بخلاف الأولى.
كما أنه يمكن الجمع بين الخبرين بإرادة ذكر القيمة له في ذلك الوقت،
بل ربما جمع بينهما بالتخيير بعد العلم بعدم إرادة الجمع، بل هو خيرة الفاضل في
الإرشاد، ولا بأس به مع اجتماع شرائط الحجية في الخبرين وعدم الترجيح،
ولا يحتاج إلى شاهد، بل هو مقتضى حجية كل منهما، ولعله أولى من القول بطرح
الخبرين المعمول بهما بين الأصحاب، والرجوع إلى القيمة لخبر السكوني (2)
السابق كما هو خيرة الفاضل في المختلف، والله العالم.
(و) كذا (قيل في كلب الحائط) أي البستان (عشرون درهما ولكن
لا أعرف المستند) وإن كان القول به مشهورا شهرة عظيمة، بل ربما احتمل بلوغها
الاجماع، كما أن ذكره في النهاية ونحوها يقتضي وجود النص فيه، بل قيل
كلام المفيد وسلار يعطي ذلك، إلا أن ذلك كله لا يصلح مدركا لحكم شرعي،
فالمتجه حينئذ ما في خبر السكوني (3) من التقويم الموافق للأصل، كما عن ابن
سعيد النص عليه، بل مال إليه جماعة من المتأخرين.
هذا وعن الصدوق في المقنع (4) بعد أن ذكر كلب الصيد والماشية قال:
" ودية الكلب الذي ليس للصيد ولا للماشية زنبيل من تراب، على القاتل أن يعطي

(1) لأن أن الأولى أصح ظ.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 3.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 3.
(4) المقنع ص 192.
396

وعلى صاحب الكلب أن يقبله " وهو عبارة المرسل (1) المزبور، وقريب منه ما عن
الإسكافي " من أن دية الكلب الأهلي زنبيل من تراب " بناءا على أن كلب الحائط
منه، خصوصا إذا قلنا بإرادة ما يشمل الدار من الحائط، إلا أنهما معا شاذان
والمعروف ما سمعت، والله العالم.
(وفي كلب الزرع قفيز من بر) عند المشهور على ما اعترف به غير واحد،
بل في التنقيح " لم أعرف قائلا بغيره " وإن كان فيه أنه خلاف ما سمعت من الصدوق،
بل وظاهر المفيد أيضا، بل في المسالك نسبة عدم وجوب شئ به إلى جماعة، وعلى
كل حال فلم نعرف مستنده، وإن قيل إنه خبر أبي بصير (2) السابق لكن قد
سمعت ما فيه من الجريب لا القفيز، وعن الأزهري " أن الجريب أربعة أقفزة، "
اللهم إلا أن يقال بدلالته على الأقل في ضمن الأكثر الذي لم نجد به عاملا،
والقفيز كما عن الصحاح ثمانية مكاكيك والمكوك ثلاث كيلجات والكيلجة من وسبعة
أثمان من، والمن رطلان، والله العالم.
(ولا قيمة لما عدا ذلك من الكلاب وغيرها) مما لا يملكه المسلم
(و) حينئذ ف‍ (- لا يضمن قاتلها شيئا) لعدم الضرر على من هي في يده، بعد
أن لم تكن مملوكة، مضافا إلى أصل عدم الضمان وغيره، والزنبيل من تراب في
الخبر المزبور (3) كناية عن عدم شئ فيه وإن كان ظاهر الصدوق والإسكافي
الغرامة.
والمراد بغيرها في المتن ونحوه ما لا يقع عليه الذكاة ولا يصح للمسلم تملكه
وهو الحشرات والخنزير، إلا أن يكون لذمي كما سيأتي. وفي المسالك:
" ويدخل في ذلك كلب الدار والجرو القابل للتعليم قال: ووجه عدم شئ للجميع عدم

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 2.
(3) يعني خبر ابن فضال
397

المقتضي له وعدم قيمة للكلب حيث لا يرد فيها مقدر (1) " وهو مشكل على القول
بأنها مملوكة، فإن لها قيمة في الجملة.
وفي كشف اللثام في شرح نحو عبارة المتن قال: " ولما انحصر عنده ما لا يقع
عليه الذكاة في الآدمي والكلب والخنزير والحشرات أطلق نفي القيمة عنه، ولما
انقسم عند الشيخين ومن تبعهما إلى ما لا يملك وما يملك فصلوا فضمنوا بتلف ما يملك
من مثل الفهد والبازي والصقر كما في النهاية والبغال والحمير الأهلية والهجن من
الدواب والسباع من الطير وغيره كما في المقنعة " (2).
قلت لا مدخلية لقبول التذكية وعدمها في التملك وعدمه والقيمة وعدمها،
وحينئذ فالمتجه تملك كل ما لم يثبت من الشرع عدم قابليته للتملك للمسلم أو
مطلقا، ولا أنه يعد مما لا يتمول في العرف، من غير فرق بين الحشرات والطيور
والجرو المتخذ للتعليم وغيرها، كما أن المتجه الرجوع إلى القيمة في إتلافه
كغيره من الأموال، بل يمكن القول بعدم اعتبار الملك في القيمة التي هي عوض الشئ
وبدله وإن لم يكن مملوكا خصوصا إذا كان فيه حق الاختصاص.
نعم لا يلحق الجرو المتخذ للتعليم بكلب الصيد وإن كان سلوقيا ضرورة ظهوره
في الصائد بالقوة القريبة من الفعل ولو بالتعليم، بل ربما ظهر من بعض اعتبار الثاني
وإن كان هو كما ترى وخبر السلوقي (3) وإن أطلقا إلا أنهما كما اعترف محمولان
على غلبة كونه صيودا كما عرفت. وحينئذ فما احتمل بعضهم - من عدم الاشتراط
والاكتفاء بكونه من ذلك الصنف وإن كان جروا لا يصيد لصدق كلب الصيد عليه عرفا -
واضح الضعف.
وكيف كان فالظاهر أن التقديرات المزبورة ديات شرعية، لا أنها القيم في
زمان الأخبار، وإن احتمل، لكنه ضعيف، نعم هي في حق الجاني الذي هو مورد

(1) المسالك ج 2 ص 510.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 344.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات النفس الحديث 1 و 2.
398

النصوص والفتاوى.
أما الغاصب إن تلف مغصوبه عنده (1) ففي القواعد " يضمن أكثر الأمرين
من المقدر والقيمة السوقية لأخذه بالأشق، ولذا يضمن الغاصب قيمة العبد وإن
زادت على دية الحر (2) " بخلاف المتلف غيره، ولكن ستسمع إطلاق المصنف
أن عليه القيمة كالمحكي عن ابن إدريس، وربما احتمل إرادته أكثر الأمرين
أيضا، وعن التحرير " الوجه الضمان بالمقدر " ولعله لاطلاق التقدير المزبور،
ولعل الأقوى وجوب أكثر الأمرين لو قتله الغاصب، لاجماع جهتي الضمان:
الغصب والاتلاف، والأولى تقتضي الضمان بالقيمة والأخرى بالمقدر فللمالك المطالبة
بأكثرهما اقتضاء.
أما لو مات من قبل نفسه عند الغاصب فليس للضمان إلا جهة واحدة وهي
الغصب المقتضي لكونه بالقيمة زادت عن المقدر أو نقصت بعد تنزيل نصوص التقدير
على المتلف.
ولو أتلفه أجنبي في يد الغاصب كان المالك مخيرا في الرجوع على كل منهما،
ولكن إذا رجع على المتلف بالمقدر كان له الرجوع على الغاصب بزيادة القيمة إن
كانت، كما أن له الرجوع على المتلف بزيادة المقدر لو فرض زيادته على القيمة التي
أخذها من الغاصب، بل قد يقال: إن له مطالبة الغاصب بها وإن لم يكن متلفا، إلا
أنها مضمونة عليه بما ضمنها المتلف وإن كان للغاصب الرجوع بها عليه، ويحتمل
عدم ضمان الغاصب غير القيمة، لأنها التي هي مقتضى جهة ضمانه أي الغصب،
فتأمل جيدا.
وكيف كان فلو نقص الكلب المغصوب فالأرش بالنسبة إلى أكثر الأمرين
بناءا عليه أو إلى القيمة على القول الآخر أو على المقدر بناءا على اعتباره
فتأمل جيدا.

(1) ليست في بعض النسخ كلمة " عنده ".
(2) كشف اللثام ج 2 ص 344.
399

هذا كله فيما يملكه المسلم و (أما ما يملكه الذمي كالخنزير فهو يضمن
بقيمته عند مستحليه) بلا خلاف أجده فيه إذا استجمع سائر شروط الذمة التي
يحقن بها ماله ودمه.
(وفي الجناية على أطرافه) وجراحاته (الأرش) عندهم أيضا، وفي
القواعد اعتبار التستر بذلك، قال: " وإن لم يكن متسترا به فلا شئ (1) "، بل
وفي كشف اللثام " وإن كان الجاني ذميا أو حربيا لاخلاله بشروط الذمة " (2)
وهو كذلك مع فرض اشتراط ذلك عليه في الذمة، إلا أن النصوص
مطلقة.
ففي أحدها (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " إن عليا أمير المؤمنين عليه السلام رفع
إليه رجل قتل خنزيرا فضمنه قيمته، ورفع إليه رجل كسر بربطا فأبطله " وفي
خبر غياث (4) عن أبي جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام " أن عليا عليه السلام ضمن رجلا
مسلما أصاب خنزير نصراني " ولعل الوجه في إطلاق ضمان خنزير النصراني أن
بنائه على عدم التستر به فلم يكن ذلك من شرائط الذمة عليه بخلاف غيره من
الخمر ونحوه.
كما أنه يمكن التزام بعضهم لبعض في الضمان وإن أخل بالاستتار الذي أقصاه
صيرورته بحكم الحربي الذي يمكن القول بالضمان فيه على مذهبهم، إلا أني لم
أجد ذلك محررا في كلامهم.

(1) كشف اللثام ج 2 ص 344.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 344.
(3) الوسائل الباب - 26 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول،
الكافي ج 7 ص 368.
(4) الوسائل الباب - 26 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
400

(مسائل)
(الأولى:)
قد ظهر لك مما ذكرنا أنه (لو أتلف على الذمي خمرا أو آلة لهو)
أو نحو ذلك مما يملكه في مذهبه (ضمنها المتلف ولو كان مسلما، ولكن يشترط
في الضمان) قيامه بشرائط الذمة التي منها (الاستتار) بذلك، (و) حينئذ
ف‍ (- لو أظهرها الذمي لم يضمن المتلف) المسلم لأنه حينئذ بحكم الحربي
الذي لا يضمن ماله. وفي ضمان غيره الكلام السابق. ولعل إطلاق المصنف الضمان
في الخنزير واشتراطه التستر في الخمر ونحوه مشعر بما ذكرناه من بناء استثناء (1)
الخنزير على عدم التستر به.
(و) كيف كان ف‍ (- لو كان) شئ من (ذلك لمسلم لم يضمن الجاني على
التقديرات) لعدم ملكه إياها سواء كان متسترا أو متظاهرا، وسواء كان المتلف
مسلما أو ذميا، لأنها ليست مالا بالنسبة إليه.
بل في كشف اللثام " وإن اقتنى الخمر للتخليل (2) " وإن كان فيه بحث
خصوصا بناءا على غلبة سبق الخمرية للخلية في أكثر أفراد العصير، وهي المسماة
بالخمر المحترمة، كما أن فيه أيضا " يملك المسلم جوهر آلة اللهو، فإن
أحرق الجاني عود آلة مثلا ضمن قيمة الخشب وسائر الأجزاء " (3) وفيه بحث
أيضا، مع توقف إتلاف الهيئة عليه، وقد سمعت إبطال علي عليه السلام كسر البربط

(1) كذا في الأصل ولكن في بعض النسخ " اقتناء " وهو الصحيح ظاهرا.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 344.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 344.
401

الذي هو من آلات اللهو على الظاهر، وإن كان يمكن إرادة الهيئة فيه بعد تنزيله
على كونه لمسلم أو ذمي تجاهر به أو خرق شرائط الذمة، والله العالم.
المسألة (الثانية:)
المشهور بين قدماء الأصحاب، بل لعل عليه إجماعهم كما اعترف به بعضهم،
بل عن ابن زهرة منهم دعواه عليه أنه (إذا جنت الماشية على الزرع ليلا ضمن
صاحبها ولو كان نهارا لم يضمن ومستند ذلك) مضمون (رواية) عبد الله بن المغيرة
الذي هو من أصحاب الاجماع عن السكوني (1)) عن جعفر عن أبيه عن
علي عليه السلام " قال: كان لا يضمن ما أفسدت البهائم نهارا، ويقول: على صاحب الزرع
حفظ زرعه، وكان يضمن ما أفسدت البهائم ليلا " (و) لكن المصنف وغيره من
المتأخرين قالوا: (فيه) أي الخبر المزبور (ضعف والأقرب اعتبار (2)
التفريط في موضع الضمان ليلا كان أو نهارا) وعدمه مع عدمه كذلك
أيضا.
وفيه أن ضعفه منجبر بما عرفت، وفي كشف الرموز " قد عمل به الشيخ
وأتباعه والمتأخرون ولا أعرف له رادا " على أن خبر السكوني من القوي في نفسه،
وفي خصوص المقام رواه عنه عبد الله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الاجماع، وقد
قال بعض الأصحاب: إنه لا يقدح في صحة الخبر ضعف من بعده، وإن كان لنا
فيه نظر قد ذكرناه غير مرة.
على أنه معتضد بخبر معاوية (3) بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث
" أن داود عليه السلام ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم فأوحى الله

(1) الوسائل الباب - 40 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
(2) في الشرائع: اشتراط.
(3) الوسائل الباب - 40 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 2.
402

تعالى إلى داود عليه السلام أن أجمع ولدك فمن قضى منهم بهذه القضية فأصاب فهو وصيك
من بعدك، فجمع ولده فلما أن قص الخصمان، قال سليمان عليه السلام: يا صاحب
الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل على كرمك؟ قال: دخلت ليلا، قال: قد
قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا، قال: كيف لم تقض
برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني إسرائيل؟ وكان ثمن الكرم قيمة الغنم فقال
سليمان، إن الكرم لم يجتث من أصله، وإنما أكل حمله وهو عائد في قابل،
فأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أن القضاء في هذه القضية ما قضى به سليمان
عليه السلام ".
وبخبر هارون (1) بن حمزة، " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البقر والغنم
والإبل تكون في المرعى فتفسد شيئا هل عليها ضمان؟ فقال: إن أفسدت نهارا
فليس عليها ضمان من أجل أن أصحابه يحفظونه، وإن أفسدت ليلا فإن عليها
ضمان ".
وبخبر أبي بصير (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل:
وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث (3) إلى آخرها قال: النفش لا يكون إلا
بالليل، وعلى صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار، وليس على صاحب الماشية
حفظها بالنهار، إنما رعيها بالنهار وأرزاقها، فما أفسدت فليس عليها، وعلى
أصحاب الماشية حفظ الماشية في الليل عن حرث الناس، فما أفسدت بالليل فقد
ضمنوا وهو النفش، وأن داود عليه السلام حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم فحكم سليمان
الحديث ".
وخبره الآخر عنه (4) أيضا " قلت له: إن قول الله عز وجل: وداود وسليمان

(1) الوسائل الباب - 40 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 40 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 4.
(3) الأنبياء 78.
(4) الوسائل الباب - 40 - من أبواب موجبات الضمان الحديث 5.
403

إلى آخرها قلت: حين حكما في الحرث كانت قضية واحدة، فقال: كان أوحى الله
عز وجل إلى النبيين قبل داود عليه السلام إلى أن بعث الله داود عليه السلام أي غنم نفشت
في الحرث فلصاحب الحرث رقاب الغنم ولا يكون النفش إلا بالليل، فإن على
صاحب الزرع أن يحفظه بالنهار، وعلى أهل الغنم حفظ الغنم بالليل، فحكم داود
بما حكمت به الأنبياء من قبله، وأوحى الله إلى سليمان أي غنم نفشت في زرع فليس
لصاحب الزرع إلا ما خرج من بطونها، وكذا جرت السنة بعد سليمان عليه السلام وهو
قول الله عز وجل: " وكلا آتينا حكما وعلما " (1) فحكم كل واحد منهما
بحكم الله عز وجل ".
وبالنبوي الذي (2) رواه جماعة ومنهم ابن زهرة " إن ناقة البراء بن عازب
دخلت حائطا فأفسدته فقضى صلى الله عليه وآله أن على أهل الأموال حفظها نهارا وعلى أهل
المواشي حفظها ليلا وأن على أهلها الضمان في الليل ".
بل وبالآخر (3) وهو " أن العجماء (4) جبار " بناءا على أن غالب
جنايتها وقوعها في النهار.
ولكن مع ذلك كله قال الشهيد في غاية المراد: " لما كان الغالب حفظ الدابة
ليلا وحفظ الزرع نهارا خرج الحكم عليه وليس في حمل المتأخرين رد لقول
القدماء، لأن القدماء اتبعوا عبارة النص والمراد هو التفريط، ولا ينبغي أن يكون
خلاف هنا إلا في مجرد العبارة عن الضابط، وأما المعنى فلا خلاف فيه " وتبعه على
ذلك في كشف اللثام، بل قال: أكثر عباراتهم تشعر بذلك.
وقد اعترضه غير واحد بأنه خلاف ظاهر عباراتهم التي لا يجب الجمع فيها

(1) الأنبياء: 79.
(2) الغنية، فصل في الجنايات، أواخر الفصل.
(3) راجع الوسائل الباب - 32 - من أبواب موجبات الضمان.
(4) في بعض النسخ: القحماء.
404

كالروايات والآيات والأدلة، خصوصا بعد أن علم أن عادة بعضهم اتباع
النصوص التي لا ريب في ظهورها بعدم الضمان في النهار ولو مع التفريط به، وجزم
في الرياض (1).
ولكن الانصاف عدم صلاحية النصوص المزبورة التي منها قضية في واقعة المعبر
عنها عن مضمونها بعبارات القدماء المعلوم عدم التحرير فيها، للخروج عن القواعد
المحكمة المعتضدة بالعقل والنقل، فالتحقيق حملها على ما عرفت من كون ذلك مثالا
للتفريط وعدمه. نعم ربما يقال: إن الأصل في إفسادها ليلا الضمان حتى
يعلم عدم التفريط وبالنهار بالعكس حتى يعلم التفريط، وإن كان هو أيضا
كما ترى.
المسألة (الثالثة:)
(روى) محمد بن قيس (2) في الصحيح عن أبي جعفر (عن أمير المؤمنين
عليه السلام إنه قضى في بعير بين الأربعة عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر، إن على
الشركاء حصته لأنه حفظ وضيع الباقون) ولفظه " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في
أربعة أنفس شركاء في بعير فعقله أحدهم فانطلق البعير فعبث بعقاله فتردى فانكسر
فقال أصحابه للذي عقله: أغرم لنا بعيرنا، قال: فقضى أمير المؤمنين عليه السلام بينهم
أن يغرموا له حظه من أجل أنه أوثق حظه فذهب حظهم بحظه " إلا أن
الأصحاب حكوه بلفظ الرواية مشعرين بعدم العمل به بل في نكت المصنف " إن

(1) قال في الرياض: اللازم المصير إلى رواية السكوني راجع ج 2 ص 627
- 628.
(2) الوسائل الباب - 39 - من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأول، التهذيب
ج 10 ص 231، الفقيه ج 4 ص 173، المقنعة ص 123 وفي الأخير نقل بمعناه لا بلفظه
فراجع.
405

صحت هذه الرواية فهي حكاية في واقعة ولا عموم للوقايع فلعله عليه السلام عرف فيها
ما يقتضي الحكم بذلك مثل أن يعقله ويسلمه إليهم فيفرطوا في الاحتفاظ به أو غير
ذلك من الوجوه المقتضية للضمان، أما أن يطرد الحكم على ظاهر الواقعة فلا (1) "
وهو كذلك.
بل ربما ظهر من بعض، أن الأصل يقتضي ضمانه من حيث إن عقله كان
سببا لترديه وتصرف في مال الغير بغير إذنه، بل ربما كان ذلك باعتبار استيلائه عليه
عدوانا مقتضيا لضمانه على كل حال، وإن كان قد يشكل بقاعدة الاحسان التي قد
سلف منا عدم اقتضائها ارتفاع الضمان. لكن قد يظهر من بعض النصوص هنا ذلك
مثل خبر السكوني (2) عن جعفر عن أبيه عليه السلام " أن رجلا شرد له بعيران
فأخذهما رجل فقرنهما في حبل فاختنق أحدهما ومات فرفع ذلك إلى علي عليه السلام
فلم يضمنه، وقال: إنما أراد الاصلاح ".
المسألة (الرابعة:)
قد عرفت أن (دية الكلاب الثلاثة مقدرة على القاتل) غير الغاصب (أما
لو غصب أحدها وتلف في يد الغاصب ضمن قيمته السوقية ولو زادت عن المقدر)
أو أكثر الأمرين على حسب ما سمعت الكلام فيه آنفا.

(1) نكت النهاية، وبهذه العبارة تم كتاب النكت وصححنا العبارة طبقا للمصدر.
(2) الوسائل الباب - 35 - من أبواب موجبات الضمان الحديث الأول.
406

(الثالثة)
من اللواحق
(في كفارة القتل)
(تجب كفارة الجمع بقتل العمد) بلا خلاف أجده في ذلك، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص التي منها صحيح (1) ابن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام " سئل عن المؤمن يقتل المؤمن عمدا له توبة؟ فقال: إن كان قتله لايمانه
فلا توبة له، وإن كان قتله لغضب أو سبب من أسباب الدنيا فإن توبته أن يقاد منه، وإن
لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه
ولم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة وصام شهرين متتابعين وأطعم ستين مسكينا
توبة إلى الله عز وجل " وغيره من النصوص.
(والمرتبة بقتل الخطأ) وشبه العمد الذي صرح به غير واحد، لاندراجه
في الخطأ الذي لا أجد فيه خلافا إلا من سلار وابن زهرة فخيرا، ويوهمه
كلام المفيد قال: " عليه عتق رقبة وإن أضاف إليه صيام شهرين متتابعين وإطعام
ستين مسكينا فهو أفضل وأحوط في كفارة ذنبه إن شاء الله " (2) وفيه أن الكتاب
والسنة متطابقان على الترتيب وإن كان لم يذكر خصوص الاطعام في الكتاب إلا
أن النص والفتوى على ثبوته مرتبا على انتفاء الأمرين.
نعم صرح الفاضل والشهيدان وغيرهم بأن وجوبها فيهما (مع) كون القتل

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب القصاص في النفس الحديث الأول مع
اختلاف في بعض الكلمات.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 350.
407

ب‍ (- المباشرة لا مع التسبيب) وحينئذ (فلو طرح حجرا أو حفر بئرا أو نصب سكينا
في غير ملكه فعثر عاثر فهلك بها ضمن الدية دون الكفارة) ولعله لما عرفته في
محله من عدم صدق نسبة القتل في قتل التسبيب المزبور الذي هو من الشرائط، وإنما
يثبت الضمان فيه للنصوص والاجماع كما حققنا الكلام فيه في محله، فما في
الرياض من المناقشة في ذلك في غير محله، خصوصا بعد أن كان ظاهر غير واحد
عدم الخلاف فيه بيننا، نعم حكاه في كشف اللثام عن الشافعي ولا ريب في فساده.
(و) كيف كان ف‍ (- تجب) كفارة الجمع عندنا (بقتل المسلم ذكرا
كان) المقتول (أو أنثى حرا أو عبدا) للعموم، خلافا للمحكي عن مالك فلم
يوجبها في العبد، (وكذا تجب في قتل الصبي والمجنون) المحكوم بإسلامهما،
بل في التحرير هنا " والجنين الذي لم تلجه الروح "، وإن كان فيه عدم صدق القتل
في حقه كما عرفته سابقا، نعم لو ولجته الروح وجبت لصدق عنوانها.
(و) كذا تجب أيضا (على المولي بقتل عبده) كما في القواعد ومحكي
النهاية والسرائر للعموم، وخصوص قول الصادق عليه السلام (1) " من قتل عبده متعمدا
فعليه أن يعتق رقبة ويطعم ستين مسكينا ويصوم شهرين متتابعين " ونحوه
الموثقان (2) والحسنان " عن رجل قتل مملوكه متعمدا قال: يعتق رقبة ويصوم
شهرين متتابعين " إلى غير ذلك من النصوص، خلافا للمحكي عن كفارات النهاية
والمهذب، من استحباب الجمع لقول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (3) " يعجبني
أن يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا ثم تكون التوبة بعد
ذلك ".

(1) الوسائل الباب - 37 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.
(2) راجع الوسائل الباب - 29 - من أبواب الكفارات والباب - 37 - من
أبواب القصاص في النفس.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب الكفارات الحديث الأول.
408

وقوله في خبر المعلى (1) وأبي بصير " من قتل عبده متعمدا فعليه أن يعتق
رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا " ولكن يمكن رجوع الفضل في
الأول إلى الترتيب بين الكفارة والتوبة بتقديم الأولى على الثانية لا إلى أصل
الكفارة، كما أنه يمكن حمل " أو " في الثاني على معنى الواو وإرادة التفصيل منهما
لا التخيير، كل ذلك لقصورهما عن معارضة النصوص المزبورة المعتضدة بإطلاق
غيرهما من السنة (و) معاقد الاجماعات.
نعم (لا تجب) الكفارة أصلا عندنا (بقتل الكافر ذميا كان أو معاهدا)
وغيرهما عمدا أو خطاءا بلا خلاف أجده فيه (استنادا إلى البراءة الأصلية)
خلافا للعامة.
(ولو قتل مسلما في دار الحرب عمدا مع العلم بإسلامه ولا ضرورة فعليه
القود والكفارة) عندنا إلا إذا أقيد منه على قول تسمعه إن شاء الله والدية
والكفارة إن كان خطاءا لاطلاق الأدلة، سواء أسلم فيها ولم يهاجر، أو هاجر
وعاد لحاجة، أو لغيرها، خلافا لمالك ففيه الكفارة والدية على كل حال، ولأبي
حنيفة إن كان أسلم فيها ولم يهاجر فالكفارة ولا قود ولا دية، ثم إن ظاهر اعتبار
المصنف عدم الضرورة، يقتضي عدم القود والدية مع الضرورة إلى قتله كما إذا
تترس به الكفار، وبه صرح بعضهم هنا وفي باب الجهاد، وهو إن تم إجماعا فلا
إشكال وإلا فللنظر فيه مجال كما سنشير إليه.
هذا كله مع العلم باسلامه.
(و) أما (لو ظنه كافرا ف‍) - لا قود اتفاقا وإن قتله عمدا بل
و (لا دية) عند الأكثر (و) لكن (عليه الكفارة) بلا خلاف أجده في
وجوبها، بل ولا إشكال لعموم الأدلة وخصوص قوله تعالى: " فإن كان من قوم
عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة " (2) بناء على أن المراد إذا كان

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب الكفارات الحديث 2.
(2) النساء: 92.
409

المقتول مؤمنا وهو في قوم بينكم وبينهم عداوة فعليكم الكفارة، بل ظاهر اقتصارها
على ذلك خصوصا بعد قوله سابقا: " ومن قتل مؤمنا خطأ فدية مسلمة إلى
أهله " (1) ولاحقا " وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى
أهله وتحرير رقبة مؤمنة " (2) عدم الدية أيضا وإلا لم يظهر وجه للتفصيل بين
المؤمن في قوم عدو، وفي قوم بينكم وبينهم ميثاق، وبين مطلق المؤمن، وحينئذ
فتكون الآية دالة على عدم وجوبها ولو بحسب السياق كما عن الأكثر بل في
ظاهر المبسوط وغيره الاتفاق عليه، وبه حينئذ يخص ويقيد إطلاق ما دل على
وجوب الدية للنفس المؤمنة بناءا على شموله لمثل الفرض.
خلافا لابن إدريس فأوجب الدية لأن لا يبطل دم المسلم، لاطلاق الأدلة
الذي يكفي في الثبوت وإن لم تذكر في الآية، ولاجماع أصحابنا على ذلك، إلا
أن الجميع كما ترى، ضرورة عدم صلاحية الأولين لمعارضة ما ذكرناه من دلالة
الآية، وليس تعرض فيها للدية بل دالة على العدم، فلا يصلح الاطلاق ونحوه
معارضا حتى الاجماع المزبور بعد أن لم نعرف من وافقه عليه، بل الأصحاب
صريحا وظاهرا على خلافه، ولعل وجهه أنه أوفق بحكمة استيصال المحاربين
بعد أن ظنه كافرا ولم تكن ضرورة تلجأه لمكثه في دار الحرب كما هو الفرض.
هذا. ولكن الانصاف مع ذلك كله عدم خلو الحكم عن إشكال إن لم يكن
إجماع، ضرورة معلومية أحكام قاعدة عدم بطلان دم المسلم.
(و) كيف كان ف‍ (- لو كان أسيرا قال الشيخ) في محكي الخلاف
والمبسوط والفاضل والصيمري وغيرهم: (ضمن الدية والكفارة) لأنه لا قدرة
للأسير على التخلص) فلم يكن مفرطا في هدر دمه كالسابق، مضافا إلى إطلاق
الأدلة وقاعدة عدم بطلان دم المسلم وغير ذلك، (و) لكن (فيه تردد) من

(1) النساء: 92.
(2) النساء: 92.
410

ذلك، ومن ظاهر الآية السابق المعتضد بإطلاق الفتوى وأصل البراءة، بل مال إليه
في الرياض إلا أن ذلك كله ترى لا يصلح للخروج عما عرفت، والله العالم.
(ولو اشترك جماعة في قتل واحد) عمدا أو خطأ (فعلى كل واحد
كفارة بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى عموم النص،
بناءا على صدق القتل بالنسبة إلى كل واحد منهم، خلافا للمحكي عن الشافعي
وغيره من عدم وجوب التعدد، ولا تسقط الكفارة بأمر المقتول بقتل نفسه
للأصل.
(وإذا قبل من العامد الدية) أو أقل أو أكثر صلحا أو عفى عنها (وجبت
الكفارة قطعا) وإجماعا بقسميه، ضرورة عدم كون ذلك مسقطا لها بعد تحققها،
خلافا للحنفية (1) والثوري
(ولو قتل القاتل قودا هل تجب في ماله قال في المبسوط) ومحكي السرائر
وظاهر المقنعة والمهذب والوسيلة (لا تجب) الكفارة في ماله للأصل، ولأنها
شرعت لتكفير الذنب، فمع فرض تسليم نفسه والاقتصاص منه فقد أعطى الحق
فيكفي كفارة، وفي النبوي " القتل كفارة "، بل قال الصادق عليه السلام في خبر
عبد الله (2) بن سنان: " كفارة الدم إذا قتل الرجل مؤمنا متعمدا فعليه أن
يمكن نفسه من أوليائه فإن قتلوه فقد أدى ما عليه إذا كان نادما على ما كان منه
عازما على ترك العود، وإن عفى عنه فعليه أن يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين
ويطعم ستين مسكينا وأن يندم على ما كان منه ويعزم على ترك العود ويستغفر الله
تعالى أبدا ما بقي ".
(و) لكن (فيه إشكال ينشأ من كون الجناية سببا) فيستصحب، ولأن
الأصل عدم السقط، ولأن حقوق الله المتعلقة بالمال لا تسقط بالموت، بل عن الفاضل

(1) للحنفية.
(2) الوسائل الباب - 28 - من أبواب الكفارات الحديث 2.
411

في المختلف والتحرير أنه قوي الوجوب، بل عن الشيخ في الخلاف الفتوى به مدعيا
عليه إجماع الفرقة وأخبارهم، ولعله الأقوى في النظر للأصل وإطلاق الأدلة،
والله العالم.
ولو قتل صبي أو مجنون مسلما ففي المسالك، أن إطلاق النص يقتضي عدم
الفرق في الثبوت فيخرج العتق والاطعام من مالهما كما يخرج غيرهما من الحقوق،
ولا يصام عنهما ولا يجزي صومهما قبل التكليف، فإذا كملا خوطبا به، ولو ماتا قبله
أخرجت الأجرة من مالهما، بل عن المبسوط التصريح بذلك أيضا لعموم النصوص
وعدم اشتراطها بالإثم، لوجوبها على المخطئ، ولكن لا يخفى عليك النظر في ذلك
كله كما اعترف به الفاضل، بل اختار العدم كالمحكي عن ابن إدريس ولعله
الأقوى للأصل.
ثم على تقدير الثبوت فالمتجه كونها كفارة خطأ لأن عمدهما خطأ،
بل ليس في مالهما إلا العتق والاطعام ولا يكلفان بالصوم حين الجناية، والأصل
البراءة بعد الكمال.
نعم تجب على الذمي والحربي لعموم النصوص مع تكليف الكافر عندنا
بالفروع، ولكن يسقط بإسلامه فإنه يجب ما قبله، بل في القواعد الأقرب وجوبها
على قاتل نفسه للعموم، ولكن فيه نظر، من عدم انسياق مثله من النصوص، ولأنها
لا تجب ما لم يتحقق الموت، وإذا تحقق لم يكن من أهل التكليف، ولعله لذا كان
خيرة التحرير العدم.
ولو قتل من أباح الشرع قتله كالزاني بعد الاحصان وقاطع الطريق، ففي
القواعد وشرحها لا كفارة بقتله وإن حكم بإيمانه ولم يكن القاتل ممن له
قتله، لانتفاء حرمته شرعا وخروجه عن النصوص قطعا، والإثم بتصديه
لما ليس له - لعدم إذن الإمام - لا يوجب الكفارة، ولكن للنظر فيه مجال
لاطلاق الأدلة.
ولو تصادمت الحاملان فماتتا مع جنينهما، ضمنت كل واحدة أربع
412

كفارات إن ولجت الروح الجنين وقلنا بوجوبها على القاتل نفسه، لاشتراك كل
منهما مع الأخرى في قتل أربع أنفس وإن لا تلجه الروح فلا كفارة فيه وإنما
عليهما كفارة قتل أنفسهما فعلى كل منهما كفارتان، وعلى ما سمعته من التحرير،
لا فرق بين الولوج وعدمه، والله العالم.
(الرابعة)
من اللواحق
(في العاقلة)
سميت بذلك لعقلها الإبل التي هي الدية بفناء ولي الدم، أو لعقلها أي
منعها القاتل من القتل، أو لعقلهم عنه أي تحملهم العقل وهو الدية عنه
(و) كيف كان ف‍ (- النظر يقع فيها في تعيين المحل وكيفية التقسيط
وبيان اللواحق).
(أما المحل)
(فهو العصبة) على المشهور كما ستعرف (والمعتق وضامن الجريرة
والإمام) مترتبين على حسب الترتيب في الإرث كما ستعرف إن شاء الله.
لكن ينبغي أن يعلم أولا أنك قد عرفت سابقا ثبوت دية القتل أو الجرح
مع تراضي الجاني والأولياء عليها وإذا لم يحصل بعض شروط القصاص في ذمة الجاني
413

إجماعا بقسميه ونصوصا، فإن مات أخذت من التركة إن كانت، كما في خبري (1)
البزنطي وأبي بصير، بل عن الغنية الاجماع عليه، خلافا للمحكي عن المبسوط فأسقطها
فهو واضح الضعف كما تقدم الكلام فيه، بل وفيما إذا هرب، الذي حكي عن النهاية
والغنية والوسيلة والاصباح والجامع أنه تؤخذ الدية حينئذ من عاقلته، فإن لم
يكن له عاقلة فمن بيت المال، إلا أنهم ذكروا ذلك في شبه العمد الذي لا فرق
بينه وبين العمد في ذلك، ولذا حكوا عنهم بالخلاف فيه.
وعن الفاضل في المختلف اختياره لأن لا يبطل دم المسلم، وللإجماع في الغنية،
إلا أنه كما ترى موهون بمصير غير من عرفت إلى خلافه، بل أجاد ابن إدريس
فيما حكي عنه في رده " بأنه خلاف الاجماع وضد ما تقتضيه أصول مذهبنا لأن
الأصل براءة الذمة (2) مضافا إلى الاجماع على أنه لا عقل للأولياء وبيت المال
إلا دية الخطأ المحض فأما الخطأ شبه العمد فلا تعقله العاقلة بغير خلاف فيه بيننا،
وإنما تجب على الجاني نفسه، ولا يرجع عن ذلك بأخبار آحاد لا توجب علما ولا
عملا " (3).
بل في كشف اللثام " لم نظفر بخبر يفيد الانتقال إلى العاقلة أو بيت المال بمجرد
الهرب (4) " وإن كان فيه أنه مضمون خبر أبي بصير (5) " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه قال: إن كان له مال
أخذت الدية من ماله وإلا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم يكن له قرابة أداه الإمام

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب العاقلة الحديث 3 و 1.
(2) في المصدر: فمن شغلها يحتاج إلى دليل.
(3) السرائر، كتاب الحدود، باب في أقسام القتل ولم ينقل لفظ عبارته بل
معناه فراجع.
(4) كشف اللثام ج 2 ص 346.
(5) الوسائل الباب - 4 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
414

فإنه لا يبطل دم امرء مسلم ".
وقد سمعت سابقا البحث فيما إذا هرب حتى مات في هربه وتعذر استيفائها
من التركة، وربما احتمل تأويل كلامهم بذلك، بل عن المصنف في النكت التوقف
في أخذها من العاقلة في الحال المزبور وجواز أخذها من بيت المال المجعول للمصالح
التي حسم المنازعة في الدماء من أهمها.
وأما شبه العمد فالدية من ماله عندنا، وعن العامة قول بأنها على العاقلة
وحكي عن الحلبي منا، ولكن النص والفتوى على خلافه، نعم هي على العاقلة
في الخطأ المحض نصا وإجماعا بقسميه، بل لعله من المسلمين إلا من الأصم
والخوارج، وقد سبقهم الاجماع ولحقهم.
إنما الكلام في تعيينها والمشهور بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد
أنها العصبة خاصة لصحيح محمد بن قيس (1) عن جعفر عليه السلام " أن أمير المؤمنين
عليه السلام قضى في امرأة أعتقت رجلا واشترطت ولائه ولها ابن فألحق ولائه
بعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها " وصحيحه (2) الآخر عنه أيضا " أنه
عليه السلام قضى في رجل حرر رجلا فاشترط ولائه فتوفي الذي أعتق وليس له
ولد إلا البنات ثم توفي المولى وترك مالا قال فقضى بميراثه للعصبة الذين
يعقلون عنه إذا أحدث حدثا يكون فيه عقل " والمرسل (3) " إن امرأة رمت
أخرى حاملا فأسقطت ثم ماتت الرامية فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله عليها بالغرة وقضى
بأن ميراثها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها ".
(وضابط العصبة) على ما صرح به غير واحد من الأصحاب كالشيخين
والقاضي والفاضلين والشهيدين وغيرهم على ما حكى عن بعضهم، بل هو المشهور

(1) الوسائل الباب - 39 - من كتاب العتق الحديث الأول.
(2) الوسائل الباب - 40 - من كتاب العتق الحديث الأول وفيه " إلا النساء "
مكان " إلا البنات ".
(3) كشف اللثام ج 2 ص 346.
415

أيضا، بل في المختلف الاستدلال بها عليه وربما استفيد من ذلك بلوغها حد
الاجماع بقرينة معلومية عدم حجيتها عنده، اللهم إلا أن يكون ذلك بالنسبة
إلى تفسير العصبة الذي يمكن أن تكون فيه حجة وإن لم تكن هي كذلك بالنسبة
إلى الحكم الشرعي، وعلى كل حال فهي عندهم (من يتقرب بالأب كالأخوة
وأولادهم) وإن نزلوا (والعمومة وأولادهم) كذلك (ولا يشترط كونه
من أهل الإرث في الحال).
بل في كشف اللثام أنه المعروف من معناها، وفي محكي السرائر
" فهم العصبات من الرجال سواء كان وارثا أو غير وارث الأقرب فالأقرب ويدخل
فيها الولد والوالد - إلى أن قال -: وإجماعنا منعقد على أن العاقلة جماعة الوارث
من الرجال دون من يتقرب بالأم " (1) وفي الرياض " وظاهره كما ترى دعوى
الاجماع عليه، وإن زعم مخالفة قوله لقولهم فعد قولا آخر، ولم أفهم الوجه
فيه إلا من حيث إطلاق الرجال في صدر العبارة بحيث يتوهم الشمول فيه لمثل
الإخوة من الأم والأخوال، لكن تصريحه أخيرا باستثناء من يتقرب بالأم
يدفع ذلك ويوجب اتحاد قوله مع قولهم، ولذا لم يجعله كثير مخالفا لهم،
وعبارته صريحة في دعوى الاجماع وهو الحجة " (2).
قلت: الانصاف أن عبارته غير نقية، خصوصا بعد إدراجه الولد والوالد
وفيهما ما تسمعه من الكلام، وقوله أخيرا الوارث مع تصريحه أولا بعدم الفرق
بين الوارث وغيره، إلا أن التدبر فيها يقتضي موافقة الجماعة، والله العالم.
وفي مختصر النهاية الأثيرية " العصبة الأقارب من جهة الأب " وفي الصحاح
" عصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه وإنما سمعوا عصبة لأنهم عصبوا به أي أحاطوا
فالأب طرف والابن طرف والعم جانب والأخ جانب " وعن مجمع البحرين

(1) السرائر كتاب الحدود، باب في أقسام القتل.
(2) الرياض ج 2 ص 629.
416

" أن عصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه " (و) لكن مع ذلك كله (قيل)
كما عن النهاية والغنية والاصباح (هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل) والذي
عثرنا عليه في النهاية " وأما دية قتل الخطأ فإنها تلزم العاقلة الذين يرثون
دية القاتل لو قتل ولا تلزم من لا يرث من ديته شيئا " (1) وهي مع أنها غير
صريحة لاحتمال كون الوصف للتعليل المصرح به في المقنعة دون التفسير، لا ذكر
فيها للعصبة وتفسيرها. نعم في الغنية ومحكي الاصباح " وعاقلة الحر المسلم
عصبته الذين يرثون ديته " مع احتمال أو ظهور التعليل فيهما، والاتكال في معنى
العصبة على وضوحه، وأن المفهوم منهم المتقربون بالأب من الرجال، أو التوضيح
والتنصيص على الاختصاص بالمتقربين بالأب.
(و) على كل حال فالمصنف والفاضل وغيرهما قالوا: (في هذا
الاطلاق وهم، فإن الدية يرثها الذكور والإناث والزوج الزوجة ومن يتقرب
بالأم على أحد القولين) بل أصحهما (ويختص بها الأقرب فالأقرب كما
تورث الأموال، وليس كذلك العقل فإنه يختص به الذكور من العصبة دون من
يتقرب بالأم) أو بالأب من الإناث (ودون الزوج والزوجة) كما عن
الشيخ الاعتراف به (و) لذا نسبه المصنف إلى وهم الاطلاق.
نعم (من الأصحاب من خص ب‍) - ه أي العقل (الأقرب) فالأقرب
(ممن يرث بالتسمية ومع عدمه يشترك في العقل بين من يتقرب بالأم مع من
يتقرب بالأب أثلاثا) وفي كشف اللثام " وبالجملة هم الورثة على ترتيب
الإرث " ثم استدل له بخبري أبي بصير (2) والبزنطي السابقين الذين هما في القاتل
عمدا ثم هرب وبما في مرسل يونس (3) " عن أحدهما عليهما السلام أنه قال في الرجل
إذا قتل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية أن الدية

(1) النهاية ج 2 ص 758.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب العاقلة الحديث 1 و 3.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
417

على ورثته فإن لم يكن له عاقلة فعلي الوالي من بيت المال " وفيه أن مقتضي
الاطلاق المزبور الشركة أثلاثا وإن كان المتقرب بالأم واحدا كالأخ الذي له
السدس، بل مقتضاه اختصاص العقل بالبنت والأخت، على أن الخبرين الأولين
في العامد ولا ذكر فيهما للعاقلة، والثالث محتمل لشبه العمد. وعلى كل حال فلم
نعرف هذا القول لأحد وإن نسب إلى أبي علي، لكن عبارته المحكية عنه " العاقلة
هم المستحقون لميراث القاتل من الرجال العقلاء سواء كانوا من قبل أبيه أو أمه
فإن تساوت القرابتان كالأخوة للأب والأخوة للأم كان على الإخوة للأب
الثلثان وعلى الإخوة للأم الثلث سواء كان المستحق للميراث واحدا أو جماعة
ولا يلزم ولد الأب شئ إلا بعد عدم الولد والأب، ولا يلزم ولد الجد شئ إلا
بعد عدم الولد للأبوين " (1) وهو كما ترى لا توافق القول المزبور بل هو
قول مستقل برأسه، كما أن ما ذكروه سندا له ومنهم المصنف حيث قال:
(وهو استناد إلى رواية سلمة (2) بن كهيل عن أمير المؤمنين عليه السلام) لا ينطبق
على ذلك أيضا " قال: أتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد قتل رجلا خطأ فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: من عشيرتك وقرابتك؟ فقال: مالي بهذه البلدة عشيرة ولا قرابة
قال: فمن أي أهل البلدان أنت؟ فقال: أنا رجل من أهل الموصل ولدت بها ولي بها
قرابة وأهل بيت، قال: فسأل عنه أمير المؤمنين عليه السلام فلم يجد له بالكوفة قرابة
ولا عشيرة، قال: فكتب إلى عامله على الموصل: أما بعد فإن فلان بن فلان
وحليته كذا وكذا، قتل رجلا من المسلمين خطأ فذكر أنه رجل من أهل
الموصل وأن له بها قرابة وأهل بيت وقد بعثت به إليك مع رسولي فلان بن فلان

(1) كشف اللثام ج 2 ص 347.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العاقلة الحديث الأول. ولا يخفى أن في
الوسائل هنا سقط سطرين فراجع الكافي ج 7 ص 364 والتهذيب ج 10 ص 171 والفقيه
ج 4 ص 139.
418

وحليته كذا وكذا فإذا ورد عليك إن شاء الله وقرأت كتابي فافحص عن أمره
واسأل عن قرابته من المسلمين، فإن كان من أهل الموصل ممن ولد بها وأصبت
له قرابة من المسلمين فاجمعهم إليك ثم انظر وإن كان منهم رجل يرثه له سهم
في الكتاب لا يحجبه من ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية وخذه بها نجوما في
ثلاث سنين وإن لم يكن من قرابته أحد له سهم في الكتاب وكان قرابته سواء في
النسب وكان له قرابة من قبل أبيه وأمه في النسب سواء ففض الدية على قرابته
من قبل أبيه وقرابته من قبل أمه من الرجال المدركين المسلمين، ثم اجعل على
قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية واجعل على قرابته من قبل أمه ثلث الدية
وإن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ففض الدية على قرابته من قبل أمه من الرجال
المدركين المسلمين ثم خذهم بها واستأدهم الدية في ثلاث سنين فإن لم يكن له
قرابة من قبل أمه ولا قرابه من قبل أبيه ففض الدية على أهل الموصل ممن
ولد بها ونشأ ولا تدخلن غيرهم فيهم من أهل البلد ثم استأد ذلك منهم في ثلاث
سنين في كل سنة نجما حتى تستوفيه إن شاء الله، وإن لم يكن لفلان بن فلان
قرابة من أهل الموصل ولا يكون من أهلها وكان مبطلا فرده إلى مع رسولي
فلان بن فلان إن شاء الله فأنا وليه والمؤدي عنه ولا يبطل دم امرء مسلم "
(و) أيضا ف‍ (- في سلمة ضعف) لأنه بتري مذموم (1)، ومشتمل على
غرامة أهل البلد، على أن الإخوة من الأبوين ممن يعقلون ولا سهم لهم مسمى
في كتاب الله تعالى، ومن هنا احتمل بعضهم إرادة كل من سمى الله في الكتاب
وإن لم يفرض له سهم، فيشمل الأبناء والأخوة للأب أو للأبوين، فيكون
عليه السلام أمر بأخذ الدية ممن يرثه بنص الكتاب إن كان، وإلا من يرثه
بالقرابة ولم يسم في الكتاب كأبناء الإخوة والأعمام وأبنائهم.
ثم لما كان أخذ الدية من العاقلة منوطا برأي الإمام عليه السلام رأى أن
لا يؤخذ من أقرباء الأب من هؤلاء الثلثان ويؤخذ الثلث من بيت المال الذي

(1) راجع معجم رجال الحديث ج 8 ص 210.
419

على أقرباء الأم، وإن لم يكن له قرابة أحال الدية على بيت المال الذي على أهل
الموصل، وإن كان هو كما ترى.
وعلى كل حال فالتحقيق ما عليه المشهور لما عرف (و) لكن (هل
يدخل الآباء) وإن علوا (والأبناء (1) وإن نزلوا (في العقل قال في
المبسوط والخلاف) والوسيلة ومحكي المهذب: (لا) يدخلون، بل نسبه
ثاني الشهيدين إلى المشهور، بل في الخلاف دعوى إجماعنا عليه للأصل المقطوع
بما تعرفه إن شاء الله، مضافا إلى اقتضاء التمسك به هنا شغل ذمة أخرى،
مقتضى الأصل عدمها، وللإجماع المزبور المعتضد بالشهرة المذكورة الموهونين
بما ستعرفه إن شاء الله، ولخروجهم عن مفهوم العصبة الذي فيه منع ظاهر بعد
الإحاطة بما سمعته من كلام أهل اللغة وغيرهم، ولصحيح محمد بن قيس (2)
المتقدم في أول البحث المحتمل لإرادة اخراج الولد من العصبة على نحو جهة
الاستثناء المقتضي لكونهم منها فيكون دالا على المطلوب، والنبوي (3) العامي
السابق الذي هو من غير طرقنا، كالآخر عنه (4) أيضا " لا يؤخذ الرجل بجريرة
أبيه ولا بجريرة ابنه " المحتمل لإرادة العمد، والثالث (5) عنه أيضا " في امرأتين
من هذيل قتلت إحداهما الأخرى وكان لكل منهما زوج وولد فبرأ النبي صلى الله عليه وآله
الزوج والولد، وجعل الدية على العاقلة " المحتملة لإرادة الأنثى من الولد فيه
(و) من هنا كان (الأقرب دخولهما) وفاقا للإسكافي والمفيد والشيخ في
النهاية والحائريات والحلي ويحيى بن سعيد وأبي العباس والفاضلين والصيمري
والشهيد في اللمعة وغيرهم، وظاهر التنقيح على ما حكي عن بعضهم، ولذا نسبه

(1) في الشرائع: والأولاد.
(2) الوسائل الباب - 39 - من كتاب العتق الحديث الأول.
(3) وهو الذي حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 346.
(4) حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 347 وفي المسالك ج 2 ص 512.
(5) حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 347 وفي المسالك ج 2 ص 512.
420

في الإيضاح إلى الشهرة، بل عن الحلي الاجماع عليه، ونسبه إلى روايتنا وأن الشيخ
تفرد بالعدم (لأنهما أدنى قومه) المفسر به العصبة، بل هو صريح من عرفت من
أهل اللغة وغيرهم، كما أنه صريح خبر سلمة بن كهيل المنجبر هنا بما عرفت،
وبذلك كله يظهر لك ضعف الشهرة (و) الاجماع المزبورين نعم (لا يشتركهم
القاتل في الضمان) بلا خلاف أجده، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى
معلومية كون الدية في الخطأ على العاقلة ضمانا أو أداء من المذهب أو الدين وإن
خالف أبو حنيفة.
(ولا تعقل المرأة ولا الصبي ولا المجنون وإن ورثوا من الدية) بلا خلاف
أجده فيه كما عن المبسوط الاعتراف به، لا لما قيل من خروجهم عن مفهوم العصبة
فإنه قد يمنع في الأخيرين وإن كان هو كذلك في الامرئة، ولا لأصل البراءة
الذي قد عرفت الاشكال في الاستدلال به هنا، بل للشك في إرادة الأخيرين من
إطلاقها هنا وإن كانا منها في الحقيقة، ولو لعدم الخلاف المزبور.
أما الشباب والضعفاء والزمنى والشيوخ الذين لا قوة لهم ولا نهضة فعن
الشيخ التصريح بأنهم من أهل العقل، لأنهم إن لم يكن لهم بصيرة (1) بالسيف
فلهم بصيرة (2) بالرأي والمشورة ولا بأس به، وإن كان العمدة دخولهم تحت
العصبة لغة (و) عرفا.
نعم (لا يتحمل الفقير شيئا) منها (و) لكن (يعتبر فقره عند المطالبة
وهو حول الحول) فمن استغنى عنده عقل وإن كان فقيرا قبله وبالعكس،
بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل في القواعد وشرحها للإصبهاني " ولا يعقل
فقير لا يملك ما يؤدى بالفعل وإن كان مكتسبا يمكنه الأداء بعد الكسب خلافا
للعامة في وجه فاكتفوا بالاكتساب (3) " بل يظهر من غير واحد المفروغية من
أصل الحكم، وهو إن تم إجماعا أو كان لهم نص عليه فذلك وإلا أمكن

(1) في كشف اللثام: " النصرة " مكان " البصيرة ".
(2) في كشف اللثام: " النصرة " مكان " البصيرة ".
(3) كشف اللثام ج 2 ص 347.
421

إشكاله بإطلاق الأدلة. وحينئذ فيصبر عليه حتى يجد كسائر ديونه، بل قد
يقال بناء على اعتبار الوجدان، باعتباره حين الجناية كالتكليف لا حين حول الحول
فتأمل جيدا فإنك ستسمع إن شاء الله ما يدفع ذلك، من احتمال عدم ضمان
العاقلة قبل الحول على وجه الدين، بل هو خطاب تكليف، بل يمكن الجزم بذلك
بعد التدبر في كلامهم هنا وفي كتاب الرهن، والله العالم.
(ولا يدخل في العقل عندنا أهل الديوان) الذين رتبهم الإمام عليه السلام
للجهاد وأدر لهم أرزاقا ودونت أسمائهم، بعضهم عن بعض، خلافا لأبي حنيفة
فقدم أهل الديوان على الأقارب لفعل عمر (1) المعلوم أنه لم يكن على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله، بل هو مخالف لما هو المعهود منه من جعلها على العصبة، مع
احتمال عقله خصوصي العصبة من أهل الديوان.
(و) كذا (لا) يدخل في العقل عندنا أيضا (أهل البلد إذا لم
يكونوا عصبة و) لكن (في رواية سلمة) السابقة (ما يدل على إلزام أهل بلد
القاتل مع فقد القرابة ولو قتل في غيره وهي) مع ضعفها (مطرحة) لم نجد
عاملا بها كما عرفت الكلام فيها.
(ويقدم من يتقرب بالأبوين على من انفرد بالأب) كما في القواعد
وغيرها ومحكي المبسوط، بل لا أجد فيها خلافا بينهم معللين له بأنه أقرب
فالأقرب أحق بالإرث، ولما مر من خبري (2) البزنطي وأبي بصير في قاتل
هرب فمات، ولكن إن لم يكن إجماع لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم مدخلية
الأحق في الميراث هنا، كعدم مدخلية الخبرين بعد أن كان موردهما العمد الذي
لم تعمل بهما فيه، فإطلاق العصبة حينئذ بحاله، ولعله لذا قال في التحرير:
" ولو قيل بعدم التقديم كان وجها لأن قرابة الأم لا مدخل لها في العقل " ثم

(1) راجع المسالك ج 2 ص 522.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب العاقلة الحديث 1 و 3.
422

إنك ستعرف الكلام فيما لو زاد التوزيع على المتقربين بالأبوين.
(ويعقل المولى) الذي هو أحد أفراد العاقلة مع عدم العصبة أو زيادة
التوزيع عليهم (من أعلى) إجماعا بقسميه عليه نصا (ولا يعقل من أسفل)
بمعنى المعتق بالفتح، خلافا للشافعي في أحد قوليه.
وكيفية عقله على حسب ترتب الولاء الذي عرفته في الميراث، فيعقل مولا
الجاني، فإن لم يكن فعصبات المعتق، ثم معتق المعتق، ثم عصباته، ثم معتق أبي
المعتق، ثم عصباته، وهكذا كترتب الميراث، ويدخل ابن المعتق وإن نزل وأبوه
وإن علا في العقل، كما يدخل في الولاء، وكما يدخل أبو القاتل وابنه في عصبة
القاتل على ما اخترناه. نعم بناء على عدم الدخول يحتمل الخروج هنا لخروجهما
عن مفهوم عصبة المولى حينئذ كما سمعته في ظاهر صحيح محمد بن قيس (1)
الذي تقدم الكلام فيه، ويحتمل الدخول لانتفاء العصبة بينهما وبين القاتل
وتحقق الولاء والإرث ولو كان المعتق امرأة كان لها الولاء ولكن لا عقل عليها
لما عرفت من عدم العقل على النساء، ويعقل حينئذ عصباتها ومنهم أبوها وبنوها بناء
على إرثهم الولاء.
والشركاء في عتق عبد واحد كشخص واحد في العقل، لأن الولاء لجميعهم
لا لكل واحد منهم، فهم حينئذ كمولى واحد فلا يلزمهم بأجمعهم أكثر من نصف
دينار إن كانوا أغنياء أو ربعه إن كانوا فقراء ولو كان فيهم الفقير والغني
فبالنسبة، بمعنى أن على الغني حصة من النصف لو كانوا أغنياء، وعلى الفقير
حصة من الربع لو كانوا فقراء، بخلاف ما لو مات المعتق الواحد المنفرد بعتق
العبد كله عن عصبات، فإنه يضرب على كل واحد منهم نصيب المعتق. فإما (2)
من النصف أو الربع، ولا يوزع نصيبه عليهم بأجمعهم لأنه يرث العتيق
بالولاء، لا أنه يرث الولاء من المعتق حتى يتوزع عليهم نصيبه خاصة، فعصبة

(1) الوسائل الباب - 39 - من كتاب العتق الحديث الأول.
(2) في الأصل: " تاما " وفي كشف اللثام: " فأما " وهو الصحيح ظاهرا.
423

المولى بعده موالي للعتيق بأنفسهم كالمتقربين بالنسب إلى المبيت المتأخرين في
الإرث عن طبقة إذا فقدت الطبقة المتقدمة فإنهم يرثون بالقرابة، فهؤلاء العصبة
إنما يرثون العتق ويعقلون عنه بولائهم لا بإرثهم الولاء عن المولى، فالولاء في
حقهم كالنسب، وإذا اجتمع المنتسبون فعلي كل واحد منهم نصف دينار أو
ربعه، نعم لو كانوا يرثون الولاء من المولى كانوا بمنزلة مولى واحد، نحو
الجماعة إذا اشتركوا في عتق عبد واحد، كما تقدم تحقيق ذلك في المواريث.
ولو مات أحد هؤلاء الشركاء في عتق العبد الواحد فكل واحد من عصباته
لا يحمل أكثر من حصة المعتق لو كان حيا، وهي جزء من نصف دينار أو ربعه،
ولا يحمل النصف أو الربع كاملا فإنه لا ينزل منزلة المنفرد بالعتق، بل غايته
أنه يمنزلة الشريك فيه، وعن بعض كتب العامة إنه ما دام المعتق حيا لا يرتقى
بالعقل إلى عصباته وإن فضل عنه شئ من الدية لعدم الولاء لهم في حياته، والتحقيق
ما عرفت (1).
ومعتق الأب أولى من معتق الأم لاختصاص الولاء به. نعم إن كان أبوه رقيقا
وأمه معتقة عقل عنه معتق الأم، فإن جنى الولد في حال رقية أبيه عقل عنه
معتق أمه، فإذا عتق الأب بعد ذلك انجر الولاء إلى معتقه، ولو حصلت
سراية للجناية بعد ذلك لم يضمنها معتق الأب لأنها حصلت بجناية قبل الجر فلا
يضمنها مولي الأب، بل ولا مولي الأم، وإن ضمن أصل الأرش، لأن الزيادة
حصلت بعد الجر وخروج الولاء عن مولي الأم، والضمان مشروط بتحقق العقل
في الحالين، وإنما يتحقق هنا بتحقق الولاء فهو كالذمي إذا رمى ثم أسلم الذي
ستعرف الكلام فيه إن شاء الله.
فالمتجه حينئذ كون الزيادة في مال الجاني دون بيت المال الذي يشترط الضمان
فيه بالخلو عن الموالي، للأصل وإن احتمل ذلك أيضا، تنزيلا لبرائة الموالي منزلة

(1) راجع كشف اللثام ج 2 ص 348.
424

عدمهم، ولو قطع يدين قبل الجر أو يدين ورجلين فسرى بعد الجر فعلى مولي
الأم دية كاملة لوجوبها عليه بالجناية ولا زيادة بالسراية، والسراية إنما ظهر بها
عدم الزيادة على الدية كما هو واضح.
(وتحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد قطعا)، بل إجماعا بقسميه لعموم
الأدلة (وهل تحمل ما نقص؟ قال في الخلاف) ومحكي المبسوط والسرائر
(نعم) تحمله لعموم الأخبار بل عن الأخير الاجماع عليه (ومنع في غيره)
كالنهاية، وتبعه في محكي الكافي والغنية والاصباح والوسيلة والكامل (وهو
المروي) عن الباقر عليه السلام " قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام أنه لا تحمل العاقلة إلا
الموضحة فصاعدا وما دون السمحاق أجر الطبيب سوى الدية (1) " (غير أن في
الرواية ضعفا) بابن فضال الذي هو فطحي، ونحوه في القواعد، وظاهرهما الميل
إلى الأول، ولكن فيه أن ذلك مع تقدير تسليمه يقتضي كونه موثقا، وهو حجة
عندنا أيضا، خصوصا في المقام المعتضد فيه بالأصل وبالشهرة وبغيرهما، ولعله لذا
اختاره الفاضل في جملة من كتبه وولده والمقداد والصيمري وثاني الشهيدين وغيرهم،
بل الظاهر أنه المشهور، كما اعترف به غير واحد منهم.
كل ذلك مضافا إلى ما روي (2) من رجوعه عن الفطحية عند موته، فيكون
حينئذ صحيحا، فما في الإيضاح " من أني قد سألت والدي عن الخبر المزبور ونحن
في الحجاز حين قرائتي عليه التهذيب المرة الثانية، فقلت: ضعفته في القواعد ووثقته
في المختلف فقال: هو ضعيف " (3) محمول على إرادة الضعف الذي يشمل الموثق
وإلا كان واضح المنع، فلا محيص حينئذ عن العمل به بعد أن لم يكن له معارض إلا
عمومات مخصصة به، والاجماع المزبور إنما المسلم منه ما يوافق العمومات دون
محل البحث الذي مقتضى الأصل أيضا كونه على الجاني، ضرورة اقتضاء قوله

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
(2) راجع معجم رجال الحديث ج 5 ص 46.
(3) إيضاح الفوائد ج 4 ص 747.
425

تعالى: " ولا تزر وازرة وزر أخرى " (1) وغيره كون جناية الجاني على نفسه
دون غيره، خرج ما خرج وبقي الباقي.
على أن الغالب حصول الجنايات الكثيرة خطأ من الناس، فلو وجب كل
جرح قل أو كثر على العاقلة لزم حصول المشقة لهم، بل ربما أدى ذلك إلى تساهل
الناس في الجنايات، لانتفاء الضمان عنهم، بل لعل سيرة المسلمين في كل عصر ومصر
على خلافه، بل ربما شك في تناول الاطلاقات للجراحات جميعها، وأنها في دية
النفس خاصة، وضمان الموضحة فصاعدا للاجماع والموثق المزبور، فيبقى غيره
على أصالة عدم الضمان.
وفي كشف اللثام عن التبصرة " أنها لا تعقل موضحة فما دون وهو غريب (2) "
والموجود فيما حضرنا من نسختها " أنها لا تعقل ما دون الموضحة (3) " نعم في
التحرير " أنها لا تعقل عن جراح المرأة إلا ما بلغ أرشه أرش الموضحة يعني الموضحة
في الرجال (4) " وفيه منع واضح.
ثم بناءا على المختار ففي اشتراط اتحاد الجرح الناقص عنها حتى لو تعدد
وكان أرش المجموع بقدر أرش موضحة أو أكثر حمل العاقلة، إشكال كما في القواعد،
من الأصل وعدم ضمانه شيئا منها، فكذا الكل، ومن التساوي في الأرش وندرة
الوقوع بالنسبة إلى واحد منها فلا مشقة ولا تساهل، والدخول في قوله في الخبر (5)
" فصاعدا " وإن كان ذلك كله كما ترى، ولذا قال في كشف اللثام: " والأول
أظهر ".

(1) فاطر: 18.
(2) كشف اللثام ج 2 ص 349.
(3) التبصرة ص 808 طبع الاسلامية وص 218 طبع قم.
(4) التحرير ج 2 ص 280 ولم ينقل لفظه بعينه فراجع.
(5) يعني خبر ابن فضال المذكورة آنفا.
426

وأما ما تضمنه الخبر المزبور (1) من أن " على الجاني أجر الطبيب فيما دون
السمحاق سوى الدية " فلا أجد عاملا به، ولا ريب في أن الأحوط
للجاني بذله.
(وتضمن العاقلة دية الخطأ) إلا أنها تستأدي (في ثلاث سنين)
كما في خبر أبي ولاد (2)، بل عليه إجماع الأمة إلا من ربيعة كما
عن الخلاف فأجلها خمسين، وعن بعض الناس أنها حالة غير مؤجلة،
والكل شاذ.
ومبدأها من حين الموت فيأخذ حينئذ ولي الدم (كل سنة عند انسلاخها
ثلثا تامة كانت الدية) كدية الرجل الحر المسلم (أو ناقصة كدية المرأة ودية
الذمي) وعن الشافعي في أحد وجهيه اعتبار الناقصة بالكاملة فما كان منها ثلثها كدية
اليهودي والنصراني عنده أو نقصت عنه كدية المجوسي تحل في السنة الأولى،
وما زاد كدية المرأة تحل في سنتين، وفي الأولى بقدر الثلث والباقي في الثانية. هذا
كله في دية القتل.
و (أما الأرش فقد قال في المبسوط) وتبعه الفاضل في القواعد (يستأدي
في سنة واحدة عند انسلاخها إذا كان ثلث الدية فما دون، لأن العاقلة لا تعقل حالا)
للأصل، وفحوى ما ورد في القتل (و) لكن (فيه إشكال ينشأ من احتمال
تخصيص التأجيل بالدية) للنفس (لا بالأرش) الباقي على مقتضى أصالة الحلول
في المستحق، اللهم إلا أن يقال إن خبر أبي ولاد (3) دال على تأجيل دية
الخطأ مطلقا " قال: إن دية الخطأ تستأدى في ثلاث سنين فما دون " بل، قال
أيضا (ولو كان دون الثلاثين حل الثلث الأول عند انسلاخ الحول، والباقي عند

(1) يعني خبر ابن فضال.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول وكلمة " فما دون "
ليست فيه.
427

انسلاخ الثاني، ولو كان أكثر من الدية كقطع اليدين وقلع عينين وكان لاثنين حل
لكل واحد عند انسلاخ الحول ثلث الدية وإن كان لواحد حل له ثلث لكل جناية
سدس الدية).
(وفي هذا كله) ما عرفت من (الاشكال الأول) ودعوى وفاء خبر أبي ولاد
في ذلك كله كما في ظاهر كشف اللثام كما ترى لا يتجشم (1)، خصوصا بعد
انسياق دية القتل منه، ولو سلم العدم كان مقتضاه ما سمعته من التحرير والإرشاد
وهو التأجيل ثلاث سنين في الأرش مطلقا.
ودعوى تأييد الأول، بأن القتل مع أنه أعظم من نقص الأطراف إذا كانت
ديته تؤجل فديات الأطراف وأروش الجنايات أولى به مع أصل البراءة، من
الاجتهاد الذي لا يجوز العمل به في الأحكام الشرعية، وكذا دعوى أن العاقلة
لا تعقل حالا بل لا بد من التأجيل وأنه على الوجه المزبور ولو من فحوى ما ورد
في القتل، في عدم الرجوع إلى حاصل معتد به، وخصوصا دعوى تأجيل مادن الثلث
إلى سنة كالثلث، ودعوى تأجيل ما زاد عليه ولو يسيرا إلى ما دون الثلثين إلى سنتين،
ودعوى ما زاد عليهما ولو يسيرا إلى الثلث.
فالانصاف اختصاص خبر أبي ولاد (2) بدية القتل، وبقاء دية الأرش على
أصالة الحلول قل أو كثر، ثم على التقدير المزبور فالغاية ما عرفت،
والله العالم.
وعلى كل حال لا رجوع للعاقلة بما تؤديه على الجاني على المشهور،
كما تقدم سابقا، خلافا للمفيد وسلار، ولم نعرف له وجها بل ولا موافقا لهما،
والله العالم.
(ولا تعقل العاقلة إقرارا ولا صلحا) عن عمد أو شبهه أو خطأ لم تثبت

(1) لا ينجسم ظ.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ديات النفس الحديث الأول.
428

(ولا جناية عمد مع وجود القاتل) أما مع موته أو هربه فقد مر الكلام فيه
(ولو كانت موجبة للدية كقتل الأب ولده أو المسلم الذمي أو الحر المملوك)
والهاشمة والمأمومة بلا خلاف معتد به أجده في شئ من ذلك، كما اعترف به بعضهم،
بل في كشف اللثام الاجماع عليه.
بل ولا إشكال بعد معلومية أصالة عدم ضمان أحد جناية غيره لقوله تعالى:
" ولا تزر وازرة وزر أخرى " (1) وغيره، خرج منه دية الخطأ المحض وبقي غيره،
وفي النبوي (2) " لا تحمل العاقلة عمدا ولا اعترافا "، وعن أمير المؤمنين عليه السلام (3)
" لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ".
وفي خبر السكوني (4) عنه أيضا " لا تضمن العاقلة عمدا ولا إقرارا ولا
صلحا "، وفي خبر زيد (5) بن علي عن آبائه عليهم السلام " لا تعقل العاقلة إلا ما قامت
عليه البينة، قال: وأتاه رجل فاعترف عنده فجعله في ماله خاصة ولم يجعل على
العاقلة شيئا "، ورواه في الفقيه (6) عن أمير المؤمنين عليه السلام، وفي خبر أبي بصير (7)
عن أبي جعفر عليه السلام " لا تضمن العاقلة عمدا ولا إقرارا ولا صلحا "،
إلى غير ذلك.
وحينئذ فلو ثبت أصل القتل بالبينة فادعي القاتل الخطأ وأنكرت العاقلة
فالقول قولهم مع اليمين ولو على عدم العلم بالخطأ، والاقرار المزبور إنما هو

(1) فاطر: 18.
(2) حكاه في المسالك ج 2 ص 512.
(3) حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 349 ورواه في المستدرك ج 3 ص 288
عن دعائم الاسلام وراجع دعائم الاسلام ج 2 ص 414.
(4) الوسائل الباب - 3 - من أبواب العاقلة الحديث الثاني.
(5) الوسائل الباب - 9 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
(6) الفقيه ج 4 ص 142.
(7) الوسائل الباب - 3 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
429

حجة على نفس المقر لا في حق غيره، وثبوت الدية في ماله حيث يقر لأن لا يبطل
دم المسلم، ولأن الأصل في الجناية أن تكون على الجاني، وقوله خطأ مجرد
دعوى للرفع عن نفسه، فما عن العامة من عدم شئ عليه ولا العاقلة بالاقرار واضح
الفساد.
(ولو جنى على نفسه خطأ قتلا أو جرحا طل ولم تضمنه العاقلة) بلا
خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به بعض، بل ظاهر آخر الاجماع عليه، ولعله
كذلك، للأصل المزبور، نعم عن الأوزاعي وأحمد وإسحاق ضمانها في النفس
لورثته وفي الطرف له، ولا ريب في فساده بعد الأصل المزبور والاتفاق،
بل والاعتبار، ضرورة كون الدية عوض الجناية على المجني عليه لا جنايته على
نفسه، والله العالم.
(وجناية الذمي في ماله وإن كانت خطأ دون عاقلته) عندنا (ومع عجزه
عن الدية فعاقلته الإمام لأنه يؤدي إليه ضريبته) بلا خلاف أجده في شئ من
ذلك، بل ظاهر بعض الاجماع عليه لصحيح (1) أبي ولاد عن أبي عبد الله عليه السلام
" ليس بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة إنما يؤخذ ذلك من
أموالهم فإن لم يكن له مال رجعت الجناية على إمام المسلمين لأنهم يؤدون إليه
الجزية كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده، قال: وهم مماليك للإمام فمن أسلم
منهم فهو حر " وكان ما وقع من المصنف وغيره من التعليل متابعة للصحيح، وإلا
فالمولى لا يعقل عن العبد فتأدية الجزية كما يؤدي العبد الضريبة، لا يقتضي العقل
عنه، ولعل الظاهر عدم إرادة الإشارة في الصحيح إلى شبهه بالعبد من هذه
الجهة، بل المراد بيان الواقع والتقريب بأن من كان له الجزية فعليه
العقل.
وعلى كل حال فما عن العامة من تضمين العاقلة وهم عصبة الذميون واضح

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
430

الفساد بعد ما عرفت.
وجناية الصبي والمجنون على العاقلة عندنا وإن تعمدا، لأن عمدهما خطأ
خلافا للشافعي في قول ففي مالهما.
(ولا يعقل مولى المملوك جنايته قنا كان أو مدبرا أو مكاتبا أو مستولدة
على الأشبه) بأصول المذهب وقواعده التي مرت الإشارة إلى بعضها، مضافا إلى
بعض النصوص المزبورة، بل لعله لا خلاف فيه فيما عدا الأخيرة، وإن قال في
الغنية (1): " وعاقلة الرقيق مالكه " وفي النهاية (2) " وإذا قتل عبدا حرا خطاءا
فأعتقه مولاه جاز عتقه وكان على مولاه دية المقتول، لأنه عاقلته " بل ربما يشهد
له مفهوم التعليل في صحيح أبي ولاد المتقدم، وإن قصر عن معارضة النصوص
الصريحة المستفاد منها أن جناية العبد عمدا أو خطاءا في رقبته المعتضدة بالشهرة
العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك لشذوذ قوليهما.
بل يمكن إرادة أن جنايته في ماله إما رقبة الرقيق أو غيره من العقل، أو
أن المولى عاقلته له لو جنى بعد العتق، أو مطلق الضمان الصادق على الأداء من رقبة
العبد أو غيره، لا العقل بالمعنى المتعارف الذي هو ضمان تمام الدية وإن زادت على
قيمة العبد، ونحو ذلك مما يرتفع به الخلاف، كما عساه يشهد له دعوى المقداد
الاجماع على أن المولى لا يعقل عبده، وفي الاستدلال على أنه لا يعقل أم الولد
باعتبار بقائها على الرقية.
ومنه يعلم الحال في أم الولد أيضا، وإن حكى عن الشيخ في المبسوط والقاضي
أن المولى يعقلها، لخبر مسمع (3) الدال على ذلك، الموافق للمحكي عن العامة
من عقل مولاها لها إلا أبا ثور منهم، فجعل جنايته عليها تتبع بها بعد العتق كما

(1) الغنية فصل في الديات.
(2) لم أجده في النهاية في كتاب الديات فراجع ولكن حكاه عنه في الرياض
ج 2 ص 632.
(3) الوسائل الباب - 43 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
431

مر الكلام فيه في المباحث السابقة.
بل وفي أن الحر إذا قتل عبدا عمدا ضمنه في ماله، وإن كان خطاءا فعلى
عاقلته، الموافق لاطلاق النص والفتوى، بل عن المبسوط والخلاف الاجماع عليه
خلافا لأبي علي فجعله في ماله، لأنه مال، وهو اجتهاد، وإن استحسنه في محكي
المختلف، والله العالم.
(وضامن الجريرة يعقل) إجماعا بقسميه ونصوصا (1) مستفيضة وفيها
الصحيح وغيره التي تقدمت في كتاب المواريث، منها (2) قوله: " إذا ولى الرجل
الرجل فله ميراثه وعليه معقلته " بل ربما ظهر منها تلازم الإرث والعقل وقد عرفت
في كتاب المواريث إرث المعتق والضامن والإمام مترتبين فيعقلون حينئذ كذلك،
وفي الصحيح (3) " من مات وليس له وارث من قرابته ولا مولى عتاقه (4) أو قد
ضمن جريرته فماله من الأنفال " وفي آخر (5) " السائبة التي لا ولاء لأحد عليها
إلا الله تعالى، فما كان ولاؤه لله سبحانه وتعالى فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله، وما كان
لرسول الله صلى الله عليه وآله فإن ولاءه للإمام عليه السلام، وجنايته على الإمام وميراثه
للإمام عليه السلام ".
وفي المرسل (6) " الرجل إذا قتل رجلا خطأ قبل أن يخرج إلى أولياء
المقتول من الدية إن الدية على ورثته فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت

(1) راجع الوسائل - 1 - من أبواب ضمان الجريرة والإمامة.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ضمان الجريرة الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ضمان الجريرة الحديث الأول.
(4) في الفقيه ج 4 ص 333 والتهذيب ج 9 ص 387 " عتاقة " وفي الكافي
ج 7 ص 169 والوسائل " عتاقه ".
(5) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ضمان الجريرة الحديث 6.
(6) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
432

المال " إلى غير ذلك من النصوص الدالة على عقل الضامن بل مطلق الوارث، بل لعل
منها قول الصادق عليه السلام في صحيح (1) ابن مسلم " من التجأ إلى قوم فأقروا بولايته
كان لهم ميراثه وعليهم معقلته ".
(ولا يعقل عنه المضمون) للأصل وغيره، إلا إذا دار الضمان فيعقل عنه
حينئذ من حيث إنه ضامن لا من حيث إنه مضمون.
(و) على كل حال ف‍ (- لا يجتمع) ضمان ضامن الجريرة (مع)
وجود (عصبة ولا معتق) بلا خلاف أجده فيه وإن اتسعت الدية (لأن عقده)
كما عرفته في كتاب المواريث (مشروط بجهالة النسب وعدم المولى) فلا يصح
عقد الضمان مع وجود أحدهم.
(نعم لا يضمن الإمام عليه السلام مع وجوده ويسره على الأشبه) بأصول المذهب
وقواعده التي منها اقتضاء صحة عقده - لاطلاق ما دل عليه - اختصاص الضمان به،
فإن لم يكن هناك ضامن أو كان فقيرا ضمن الإمام مطلقا أو إن لم يكن للجاني مال
على الخلاف الآتي، كما سمعته في خبر سلمة (2)، بل ومرسل يونس (3) عن
أحدهما عليهما السلام " فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال " والظاهر إرادة
بيت مال المسلمين.
كما عن الشيخين وجماعة التصريح به، بل يدل عليه أيضا قول الصادق عليه السلام
في خبر أبي ولاد (4) في من قتل ولا ولي له سوى الإمام عليه السلام " أنه ليس له
العفو بل إنما له القتل أو أخذ الدية وجعلها في بيت مال المسلمين لأن جنايته عليه
فكذا ديته " ونحوه خبر الآخر (5) وزاد " قلت: فإن عفى عنه الإمام قال: إنما

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب العاقلة الحديث الأول، وفيه " لجأ " مكان
" التجأ ".
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العاقلة الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
(4) الوسائل الباب - 60 - من أبواب القصاص في النفس الحديث الأول والثاني.
(5) الوسائل الباب - 60 - من أبواب القصاص في النفس الحديث الأول والثاني.
433

هو حق لجميع المسلمين وإنما على الإمام عليه السلام أن يقتل أو يأخذ الدية وليس له
أن يعفو " بل وأخبار (1) قتيل الزحام الذي لا يرى قاتله، مضافا إلى وضع بيت
المال للمصالح الذي هذه من أهلها، وإلى أصالة براءة ذمة الإمام عليه السلام، خلافا لابن
إدريس فأوجبها في ذمته في ماله مدعيا عليه الاجماع، وقال: إنه ضامن جريرته
ووارثه.
وعن المختلف أنه مال إليه، ولعله ظاهر خبر سلمة (2) السابق، وهو
لا يخلو من وجه مناسب لأرث الإمام له، كما سمعته في النصوص السابقة، وفي كتاب
المواريث، وفي كتاب الخمس في بحث تعداد الأنفال من أن الإمام عليه السلام هو الوارث
له، ومن تبعية العقل للإرث في مثله، بل يمكن إرادة بيت مال الإمام من بيت المال
في مرسل يونس (3)، كما أنه يمكن القول باتحاد بيت مال الإمامة مع بيت مال
المسلمين، كما أشرنا إليه في المباحث السابقة. هذا كله في المحل.
و (أما كيفية التقسيط)
فقد عرفت سابقا (أن الدية تجب ابتداءا على العاقلة) لظاهر النص
والفتوى (و) حينئذ ف‍ (- لا يرجع بها على الجاني على الأصح) الموافق
للأصل وظاهر النصوص والفتاوى، ودعوى - أن الأصل في الضمان كونه على
المتلف فيكون العدول عنه محتملا ويتفرع عليه إذا لم تف العاقلة بالدية فإنه
يرجع بها أو بباقيها على القاتل حينئذ - اجتهاد في مقابلة النص والفتوى.
وكذا كان الأصح عدم دخول القاتل في الضمان مطلقا على وجه يستحق

(1) راجع الوسائل الباب - 6 - من أبواب دعوى القتل وما يثبت به.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
434

عليه المطالبة وعدم الرجوع عليه كذلك كما تقدم الكلام فيه سابقا.
(و) على كل حال ف‍ (- في كمية (1) التقسيط قولان أحدهما) للشيخ
في موضع من محكي المبسوط والخلاف والقاضي، بل هو خيرة الفاضل في القواعد
والإرشاد وهو (على الغني عشرة قراريط) أي نصف دينار، (وعلى الفقير)
بالنسبة إليه المعبر عنه في محكي الخلاف والوسيلة بالمتوسط، الذي لا يعقل
(خمسة قراريط) أي ربع دينار.
إلا أن في عباراتهم نوع اختلاف في المراد من التقدير المزبور، فعن المهذب
المراد أن أكثر ما على الموسر نصف دينار وأكثر ما على المتوسط ربعه. وعن موضع
من الخلاف والمبسوط أن المراد لزومهما عليهما لا أقل، للاجماع، ولا أكثر،
للأصل مع عدم الدليل، والفاضل أطلق ولم يذكر شيئا من ذلك، كما أن المصنف
وغيره قالوا (اقتصارا على المتفق) في توجيه القول المزبور، وكأنه لا حاصل له
بعد إطلاق الأدلة الضمان على العاقلة المقتضي للتساوي، وليس دليله منحصرا
بالاجماع ونحوه حتى يقال إن ذلك هو المتيقن.
على أنه موقوف على اتفاق القائلين على القدر المزبور وأن الخلاف في القدر
الزائد عليه، (و) ليس كذلك، فإن القول (الآخر) كما في موضع آخر
من الخلاف والمبسوط والسرائر والنافع والجامع والمختلف والتحرير والتلخيص
والتبصرة على ما حكي عن البعض، بل لعله المشهور كما في الرياض (يقسطها
الإمام) أو نائبه الخاص أو العام (على ما يراه بحسب أحوال العاقلة)، بحيث
لا يجحف بأحد منهم، معللين بأنه لا دليل على التقدير المزبور، حتى القياس
الباطل عندنا، والاجماع المزبور ممنوع، خصوصا بعد مخالفة مدعيه له في موضع
آخر كما عرفت، وإن احتمل في كلامه الرجوع إلى نظر الإمام في الزائد على
القدر المزبور الذي ادعى الاجماع عليه، إلا أنه تهجس ومناف لما حكي من
ظاهر كلامه.

(1) في الشرائع: كيفية.
435

ولعله لذا وغيره قال المصنف (وهو) أي القول الثاني (أشبه) بأصول
المذهب وقواعده، بل في محكي المبسوط: " فمن قال يجب على الغني نصف دينار
وعلى المتوسط ربعه فهل يجب عليه ذلك في كل سنة حتى يتكامل في ثلاث سنين
دينار ونصف، أو يكون النصف عليه في ثلاث سنين في كل سنة دانق، وعلى المتوسط
نصف دانق؟ قال قوم: هذا النصف على كل واحد في ثلاث سنين، ومنهم من قال في
كل سنة وسواء قيل يلزمه النصف في كل سنة أو كل ثلاث سنين نظرت فإن
كانت الإبل موجودة فعليهم جميع ذلك ولا يقبل منهم سهم من حيوان، لأنه يشق
على الدافع ويضيع على المدفوع إليه، فإن أعوزت الإبل انتقل مضى القول فيه
من البدل على الخلاف فيه " (1).
قلت وكفى بالاجمال المزبور مع عدم دليل كاشف له مبطلا، ويشبه أن
يكون هذه التهجسات للعامة، ضرورة عدم موافقتها لمذهبنا كما هو واضح.
ولكن لا يخفى عليك أن فساد القول بالتقدير لا يقتضي صحة القول الثاني، ضرورة
أنه لا دليل أيضا على اعتبار توزيع الإمام أو نائبه أو عدول المؤمنين بعد إطلاق الأدلة
أن الضمان على العاقلة المقتضي كونه عليهم دينا شرعيا، والأصل عدم التفاوت
بينهم.
بل جميع ما ذكر في رد القول المزبور يأتي مثله في هذا القول حتى المناقشة
بالأصل بالمعارضة بالمثل، باعتبار اقتضائه شغل ذمة أخرى، والمناقشة أيضا بأن
إطلاق الأدلة ضمان العاقلة نصا وفتوى يقتضي وجوبها عليه أجمع، حتى لو كان
من العصبة واحدا تعين عليه الدية بتمامها مع قدرته عليها، ومع العدم يدفع
ما قدر عليه منها ويجب الزائد على من بعده من مراتب العاقلة ودرجاتها، لأن عجزه
يصيره كالعدم إجماعا فيكون الجاني بالنسبة إلى هذه الزيادة كمن لا عاقلة له من
القرابة، وهكذا الكلام بالنسبة إلى المرتبة الثانية ثم الثالثة.

(1) المبسوط ج 7 ص 178.
436

ومن الغريب ما في الرياض فإنه بعد أن اعترف بأن مقتضى الاطلاق ذلك
ردا على القول الأول قال: " فعلى هذا فالوجه وقوف التقسيط على رأي الإمام
عليه السلام أو من نصبه للحكومة " مع أنه يجري فيه الكلام المزبور بعينه، لا أنه
يكون دليلا على صحة القول الثاني، ودعوى الاجماع المركب بعد تسليمها،
لا تشخص صحة الثاني أيضا كما هو واضح.
فالتحقيق إن لم يكن إجماعا العمل على مقتضى الاطلاق المذكور على حسب
ما سمعت، وإن كان قد يرجع إلى الإمام أو نائبه في قطع الخصومة والتنازع مع
فرضهما من باب السياسات ورفع الخصومات والمناظرات، لا من حيث إنه حكم شرعي
بخصوصه، لعدم الدليل عليه كذلك
(و) كيف كان ف‍ (- هل يجمع بين القريب والبعيد) في العقل (فيه قولان)
أحدهما نعم، كما عن المبسوط والجامع، لتناول اسم العاقلة التي تعلق الضمان بها
نصا وفتوى للجميع و (أشبههما)، بل وأشهرهما، بل هو المشهور (الترتيب في
التوزيع) فيؤخذ من الأقرب فإن لم يكن أو عجز فمن الأبعد من غيره وهكذا
على حسب ترتب الإرث، فالطبقة الأولى الآباء والأولاد بناءا على دخولهم في
العصبة، ثم الأجداد والأخوة وأولادهم وإن نزلوا، ثم الأعمام وأولادهم وإن
نزلوا، وهكذا بالنسبة إلى أعمام الأب وغيرهم على نحو طبقات الإرث، حتى أنه
ينتقل إلى المولي إن كان مع عدمهم أجمع، ثم إلى عصبته ثم إلى مولي المولى ثم
إلى ما فوق.
ولعله لآية " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " (1) في بعض
المدعي متمما بعدم القول بالفصل، وللمرسل (2) السابق الدال على أن دية الخطأ
على الوارث، المراد به العاقلة ولو بقرينة قوله بعده: " فإن لم يكن له عاقلة فعلى

(1) الأنفال: 75.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
437

الوالي من بيت المال "، بل ولغيره من النصوص السابقة الدالة على تبعية العقل للإرث
وإن كان هو بالنسبة إلى وارث مخصوص، مع ملاحظة الانجبار بالشهرة
المزبورة.
بل في محكي المبسوط " لا يخلو إما أن يكون على الأقرب وحده، أو على
من قرب وبعد كما قالوا، أو على الأقرب فالأقرب كما قلنا، وبطل أن يكون كلها
على الأقرب لأنه لا خلاف في ذلك، وبطل أن يقال على الكل لما قلناه في الآية (1)،
فكان على الأقرب فالأقرب كالميراث والولاية في النكاح " (2) وإن كان فيه
ما لا يخفى.
وربما يؤيد بخبري (3) البزنطي وأبي بصير المتقدمين فيمن هرب فمات وإن
لم يكن موردهما الخطأ.
(وهل يؤخذ من الموالي مع وجود العصبة، الأشبه نعم مع زيادة الدية
عن العصبة) على وجه لا يمكن استيفائها منها على أحد الوجهين من النصف أو الربع
أو عدمه (و) حينئذ ف‍ (- لو اتسعت) على الموالي أيضا على الوجه المزبور
(أخذت من عصبة المولي، فلو زادت فعلى مولى المولي ثم عصبة مولى المولي)،
لما عرفت من أنه بناءا على ما ذكرناه من اعتبار الأقرب فالأقرب أنه مع عدمه
أو عجزه يكون العاقلة غيره.
وأما على القول بكون الجميع في درجة واحدة فالأخذ من الجميع من دون
اعتبار للقيد المزبور واضح، ضرورة كون الجميع عاقلة في الجملة.
(و) من هنا (لو زادت الدية على العاقلة أجمع) مع اعتبار التقدير
وعدمه (قال الشيخ) بل وجماعة على ما في المسالك (يؤخذ الزائد من الإمام)

(1) في الأصل: في الدية ولكن في كشف اللثام كما أثبتناه.
(2) حكاه في كشف اللثام ج 2 ص 349 عن الشيخ ولم أجده في باب العاقلة من
كتاب المبسوط طبع المرتضوي فراجع.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب العاقلة الحديث 1 و 3.
438

الذي هو العاقلة في هذا الحال (حتى لو كانت الدية دينارا وله أخ) وقلنا
يضمن بضمان العاقلة دية الأقل من الموضحة (أخذت منه عشرة قراريط) بناءا
على اعتبار التقدير، بمعنى عدم إلزامه بأزيد من ذلك (والباقي من بيت المال)
لإمام المسلمين على البحث السابق.
ولكن في المتن تبعا للمحكي عن الخلاف (والأشبه إلزام الأخ بالجميع
إن لم يكن له عاقلة سواه، لأن ضمان الإمام مشروط بعدم العاقلة أو عجزهم عن
الدية) كما في خبري (1) سلمة ويونس، مضافا إلى عموم أن الدية على
العاقلة في غيرهما من النصوص، فمن نقلها إلى بيت المال يحتاج إلى الدليل.
ولكن فيه أولا أن الشيخ بنى ذلك على اعتبار التقدير على الوجه المزبور
ولا ريب في كونه متجها عليه، ضرورة عدم عاقلة حينئذ غير الإمام، وثانيا يرد
عليه نحوه فيما صرح بجوازه من الأخذ من الموالي (2) مع وجود العصبة الذين
شرط في عقلهم أيضا عدم العصبة، وليس هو إلا لما ذكرناه، مع أنه مع عجزهم
يكون كعدم العاقلة، ونحوه يجري في الإمام عليه السلام، فما أدري ما الذي دعاه إلى
الاعتراض على الشيخ في خصوص ذلك الذي بناه على اعتبار التقدير بالنحو
الذي ذكرناه؟. وإن كان هو خلاف المختار الذي يتجه فيه كون الإمام
عليه السلام كغيره من أفراد العاقلة في أنه مع عدم الطبقة السابقة أو عجزها يكون
العقل عليه.
(ولو زادت العاقلة عن الدية لم يخص بها البعض) كما في القواعد ومحكي
الخلاف (وقال الشيخ) في محكي المبسوط: (يخص الإمام بالعقل من شاء)
منهم (لأن التوزيع بالحصص يشق و) لا ريب أن (الأول) أي التقسيط
(أنسب بالعدل) وأوفق بإطلاق تعلقها بالجميع بعد عدم الدليل إلى التخصيص،

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العاقلة الحديث الأول، والباب - 6 -
منها الحديث الأول.
(2) في الأصل: المولى.
439

والمشقة غير صالحة لذلك.
(و) هنا (لو غاب بعض العاقلة لم يخص بها الحاضر)، خلافا لبعض
العامة فخص بها الحاضر لاختصاصهم بقرب الدار كما يقدم المختصون بقرب
القرابة، ولأن التحمل نوع نصرة (1) وهي إنما تتأتى الحاضرين، وهو كما ترى
لا يستأهل أن يسطر، ضرورة الفرق بين قرب الدار وقرب القرابة وإلا لافترق
الحاضرون، ووجه التحمل النص والاجماع لا النصرة.
ومن هنا تحمل من لم يصلح لها منهم كما هو واضح. وخبر (2) الحكم بن
عتيبة عن أبي جعفر عليه السلام " إذا كان الخطأ من القاتل أو الخطأ من الجارح وكان
بدويا فدية ما جنى البدوي من الخطأ على أوليائه من البدويين وإذا كان القاتل أو
الجارح قرويا فإن دية ما جنى من الخطأ على أوليائه القرويين " مع ضعفه وعدم
تعرضه للحاضر والغائب لم أجد عاملا به.
(وابتداء زمان التأجيل) في دية الخطأ (من حين الموت وفي الطرف من
حين الجناية، لا من وقت الاندمال، وفي السراية من وقت الاندمال، لأن موجبها
لا يستقر بدونها، ولا يقف ضرب الأجل على حكم الحاكم) كما ذكر ذلك كله
في الإرشاد والقواعد وغيرهما.
بل لا خلاف ولا إشكال في الأول للانسياق سواء مات دفعة أو بالسراية،
ولأن الابتداء من حين وجوب الدية ولا وجوب قبل الموت، وإذا سرى الجرح
دخل في النفس ولم يعتبر إلا حال الدخول فيها.
وكذا الأخير عندنا لاطلاق الدليل المقتضي كونه دينا من الديون المؤجلة
شرعا من غير حاجة إلى حاكم، خلافا لبعض العامة فجعل ابتداء الأجل من حين

(1) في الأصل: مضرة.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب العاقلة الحديث الأول الفقيه ج 4 ص 109
التهذيب ج 10 ص 174
440

المرافعة إلى الحاكم، وآخر فجعله من وقت حكم الحاكم بالدية حتى لو قضت
ثلاث سنين ثم تحاكموا فسخ (1) الحاكم ضرب المدة محتجا بأن هذه مدة تناط
بالاجتهاد فلا تتقدر بدون الحكم، وهو كما ترى اجتهاد في مقابل ظاهر النصوص
والفتاوى.
بل ولا في الثاني مع العلم بعدم السراية لأن الوجوب تعلق حينها وبالاندمال
يتبين استقرارها، فلا يعتبر الاندمال وإن أوقفنا المطالبة بالدية عليه، لأن
التوقف بالمطالبة على تقديره ليتبين منتهى الجراحة، وابتداء المدة ليس وقت
الطلب فلا تلازمه المطالبة. فإذا انقضت السنة والجراحة باقية فالحكم في مطالبة
العاقلة كالجاني إذا كان عامدا ونحوه. على أن التحقيق عدم توقف المطالبة عليه
بعد العلم بعدم السراية لاطلاق الأدلة المقتضي للوجوب حين الجناية.
وأما مع السراية فقد يشكل اعتبار الاندمال - وإن قيل إنه المشهور - بعدم
دليل على اعتباره، ولذا قيل لو قطع إصبعا منه مثلا وسرى إلى الكف فالابتداء
من حين وقوع الكف، إذ لا فرق بين وقوعه بها أو ابتداء، وقد عرفت أنه في الثاني
من حين الوقوع فكذا الأول، بل يمكن أن يقال: إن علم انتهاء السراية أو عدمها
أصلا يكون هو ابتداء المدة حينئذ، وإلا حتى يعلم أنه يسري أو لا، أو يقال
يكون موقوفا ومراعي فإن لم يسر واندمل علم أن الابتداء من حين الوقوع، وإن
سرى كان من حين انتهاء السراية لا الاندمال.
بل لعل هذا هو الأوفق بظاهر الأدلة. ومنه يظهر لك ما في تعليل ذلك في
كشف اللثام باختلاف وقتي الوجوب والاستقرار حينئذ ولا يعلم الاستقرار إلا
بالاندمال بخلاف ما إذا لم يسر فإن وقت الوجوب فيه هو وقت الاستقرار، ولكن
مع ذلك كله الاحتياط مع إمكانه لا ينبغي تركه، والله العالم.
(وإذا حال الحول على موسر توجهت مطالبته) بما دل عليه (ولو مات
لم يسقط ما لزمه ويثبت في تركته) بلا خلاف أجده فيه بيننا، للأصل وظهور النص

(1) كذا في النسخ التي راجعناها وفي المسالك.
441

والفتوى في استقرار الوجوب عليه بحول الحول على وجه يكون ذلك كالدين، فلا
يسقط بالموت حينئذ، خلافا لبعض العامة حيث حكم بسقوطه عنه لو مات قبل الأداء
مطلقا، ولا ريب في ضعفه.
نعم لو مات في أثناء الحول ففي القواعد وغيرها سقط ما قسط عليه وأخذ من
غيره لعدم استقراره عليه قبل انقضائه، بل ظاهرهم المفروغية من ذلك، فإن كان
إجماعا أو منصوصا فذاك، وإلا كان للنظر مجال، اللهم إلا أن يكون بناء على
ما ستعرف من عدم ضمان العاقلة على النحو المعهود، بل هو كالتكليف بالأداء الذي
يسقط بالموت كغيره من التكاليف.
وربما يؤيده ما تقدم في الرهن من عدم الخلاف بينهم في عدم جواز الرهن
على القسط في دية الخطأ قبل حلول الحول، وليس إلا لذلك أو نحوه، وإلا فعدم
اللزوم لا ينافي الرهانة كما في ثمن ذي الخيار، وحينئذ فالتعبير بما يظهر منه أنه
دين أو كالدين محمول على ضرب من التوسع، والله العالم.
(ولو كانت العاقلة في بلد آخر) غير بلد الحاكم أو غير بلد القاتل (كوتب
حاكمه بصورة الواقعة ليوزعها كما لو كان القاتل هناك) نحو ما فعله أمير المؤمنين
عليه السلام في كتابته إلى عامله في الموصل، لما عرفت من تعلق الخطاب بهم وإن لم
يكونوا حاضرين على ما تقتضيه إطلاق النص والفتوى، والله العالم.
(ولو لم يكن) له (عاقلة أو عجزت من الدية أخذت من الجاني ولو لم
يكن له مال أخذت من الإمام) كما في النهاية والقواعد ومحكي المقنعة والاصباح
والغنية، بل عن الأخير الاجماع عليه وهو الحجة، مضافا إلى أصالة لزوم الجناية
الجاني، المقتصر في الخروج عنها على غير الفرض
وما يشعر به المرسل (1) " إذا قتل رجل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج
إلى أولياء المقتول من الدية، أن الدية على ورثته فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
442

من بيت المال ".
وصحيح (1) الحلبي " فيمن ضرب غيره فسالت عيناه وقام المضروب فقتل
ضاربه أنه لا قود على الضارب والدية على عاقلته، فإن لم تكن له عاقلة ففي ماله
إلى ثلاث سنين ".
وفي الموثق (2) " إن عمد الأعمى مثل الخطأ هذا فيه الدية في ماله فإن
لم يكن له مال فإن دية ذلك على الإمام ".
وفي خبر البقباق (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الخطأ الذي فيه الدية
والكفارة أهو أن يتعمد ضرب رجل ولا يتعمد قتله؟ قال: نعم قلت: رمى شاة
فأصاب إنسانا قال: ذلك الخطأ الذي لا شك فيه عليه الدية والكفارة ".
ونحوه خبره (4) الآخر.
(وقيل) كما عن المبسوط والسرائر والمهذب (مع فقر العاقلة أو عدمها
يؤخذ من الإمام دون القاتل والأول مروي) كما عرفت، ولكن في محكي
السرائر الاجماع على القول الثاني، وهو الحجة لهذا القول مضافا إلى ما في ذيل
خبر سلمة بن كهيل (5) المشتمل على إرسال أمير المؤمنين عليه السلام القاتل
خطأ إلى عامله في الموصل لاستعلام عاقلته - إلى أن قال -: " فإن لم يكن له
قرابة من أهل الموصل ولم يكن من أهلها وكان مبطلا فرده مع رسولي إلي فأنا وليه

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب العاقلة الحديث الأول ولم ينقل
لفظه بعينه
(2) الوسائل الباب - 35 - من أبواب القصاص في النفس الحديث الأول.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 9.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القصاص في النفس ذيل الحديث التاسع الفقيه
ج 4 ص 105 وراجع الفقيه ج 4 ص 435 لتوضيح سنده.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العاقلة الحديث الأول.
443

والمؤدي عنه ولا يبطل دم امرء مسلم " وإلى أن دية الخطأ تتعلق ابتداءا بالعاقلة
فالأصل براءة ذمة غيره حتى الجاني، ولأن الإمام عليه السلام من العاقلة اتفاقا نصا
وفتوى، مع الاتفاق على أن الجاني لا يدخل فيهم.
لكن في الرياض " يمكن تقييد ذلك بما مر إلا أن يجاب عنه بضعف المرسل
عن ذلك سندا ومتنا لاشتماله على تقدم ضمانه على ضمان مطلق العاقلة حتى غير
الإمام، وظاهر الأصحاب والروايتين (1) في الأعمى اللتين هما أحد تلك الأدلة
خلافه، والاجماع المنقول معارض بالمثل، وروايتا الأعمى بعد الاغماض عن احتياج
إطلاقهما إلى تقييد ما تضمنتا كون جنايته خطاءا مطلقا ولم يرتضه المتأخرون كما
مضى في محله، والأصل يخرج عنه بالاطلاقات " ثم قال: " وظاهر العبارة كغيرها
وصريح جماعة كون الدية على الإمام في ماله، خلافا لآخرين ففي بيت مال
المسلمين، ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، ففي جملة منها على الإمام وفي
أخرى على بيت المال، والمسألة كسابقتها محل نظر، وللتوقف فيهما
مجال " (2).
قلت: قد سمعت ما عن ابن إدريس من الاجماع على أنها في ذمته من ماله،
وقال: إنه ضامن جريرته ووارثه، وعن المختلف الميل إليه، بل قد سمعت ما يؤيده
واحتمال حمل المنافي على ما لا ينافيه، والأمر سهل بعد كون بيت ماله من حيث
الإمامة (3) بيت مال المسلمين كما حررناه في محله.
إنما الكلام في أصل المسألة، فنقول: إنه وإن كان المغروس في الذهن أن
دية الخطأ على العاقلة ابتداء إلا أن التدبر في النصوص وقاعدة اختصاص الجناية
بالجاني دون غيره، أنها عليه وإن أدت العاقلة عنه، إذ قد سمعت ما في خبري (4)

(1) يعني روايتي أبي العباس البقباق المذكورتان آنفا.
(2) رياض المسائل ج 2 ص 631.
(3) في الأصل: الأمانة.
(4) المذكوران آنفا.
444

البقباق وغيره، بل لعله المنساق من الآية (1) ولو بسبب جمع الكفارة التي
لا إشكال في كونها عليه مع الدية، فالجمع حينئذ بينها وبين ما دل على أنها على
العاقلة، أنها تؤدي عنه كما سمعت التصريح به من أمير المؤمنين (2) عليه السلام يقول:
" أنا وليه والمؤدي عنه " ولا فرق بينه وبين باقي أفراد العاقلة، وهو حينئذ يكون
شاهد جميع إن لم نقل إنه المنساق على وجه لا يحتاج إلى شاهد، ولعله لذا مع
فقر العاقلة أو عجزها يرجع إليه وإلا فلم نجد له في النصوص أثرا.
وبذلك يظهر لك النظر فيما في كشف اللثام من الاستدلال للقول الأول بأن
" دية الخطأ تتعلق ابتداء بالعاقلة والأصل براءة ذمة غيره وهو الجاني، ولأن
الإمام من العاقلة اتفاقا مع الاتفاق على أن الجاني لا يدخل فيهم (3) "
إذ لا يخفى عليك أن ذلك كله مصادرة محضة في محل البحث بعد ما
عرفت.
نعم يمكن أن يقال: إنه لا ثمرة لهذا الاختلاف بالنسبة إلى هذا الزمان
الذي لا يد فيه للإمام عليه السلام ولا بيت مال للمسلمين إذ الظاهر كون الخلاف المزبور
مع فرض بسط يد الإمام، وأن للمسلمين بيت مال معد لمصالحهم كما هو المنساق
من النصوص، بل يمكن دعوى كونه المقطوع به منها، أما مع عدمه فلا ريب في
أنه على الجاني، إذ القائل بكونه على الإمام عليه السلام لا يبطل دم المسلم بعدم التمكن
من الوصول إليه وبقصور يده، وتكليف نائب الغيبة بأداء ذلك مما يرجع إلى الإمام
أو المسلمين غير معلوم، والأصول ينفيه، بل معلوم عدمه.
ولعله لذا كان البحث في تقدم ضمان الجاني على ضمان الإمام عليه السلام
أو بالعكس كما هو صريح عبارة القواعد قال: " ولو فقدت العاقلة أو كانوا فقراء
أو عجزوا عن الدية أخذت من مال الجاني، فإن لم يكن له مال فعلى الإمام،

(1) النساء: 92.
(2) يعني في خبر سلمة بن كهيل.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 350.
445

وقيل: ضمان الإمام مقدم على ضمان الجاني " وأصرح منها عبارة الرياض في تحرير
الخلاف. وفي التحرير: " الدية تجب ابتداء على العاقلة فلا يرجع العاقلة بها على
الجاني على الأصح، بل ولا يشاركهم نعم لو لم يكن له عاقلة ولا شئ في بيت المال
أخذت الدية من ماله ".
إلى غير ذلك من كلماتهم التي يمكن للفقيه بعد التأمل والتدبر القطع بأن
مرادهم ذلك خصوصا بعد ما عرفت من كون العاقلة مؤدية عن الجاني لا مديونة في ذمتها
فيكون حينئذ شبه التكليف الذي يسقط بالعجز عنه، ولذا رتبوا الحكم في المسألة
على عدم العاقلة وعجزها وفقرها مع أنه لم نجد للأخيرين أثرا في النصوص،
فليس هو إلا لما ذكرناه.
وأما احتمال كونه على الإمام مطلقا حتى في مثل هذا الزمان على وجه
يبطل دم المسلم لعجز الإمام، أو أنه يقوم مقامه نائب الغيبة فيؤديه مما يتفق
قبضه منه من مال الخمس أو من غيره من الأنفال، أو يؤديه من غير ذلك مما يرجع
إلى المسلمين بناءا على أن الأداء من بيت مالهم لا ماله، فهو شبه الخرافة في الفقه
خصوصا على القول بكونها دينا في ذمة العاقلة المقتضي لكونها كذلك أيضا في
ذمة الإمام عليه السلام الذي له بيت ولله في عنقه حق.
ولم يذكر أحد من المتعلمين في الفقه فضلا عن أكابرهم أن من مصرف حق
الصاحب روحي له الفداء وغيره من الأنفال في زمن الغيبة ما يشتغل به ذمة الإمام
من ديات الخطأ نفسا وجرحا وإن نائب الغيبة يقوم مقامه في ذلك، بل إن ذكره
ذاكر كان من المضحكات فلا محيص حينئذ عن القول بكونه على الجاني وأن البحث
في تقدم ضمانه على ضمان الإمام أو بالعكس إنما هو مع بسط اليد وجريان العدل
لا مطلقا، مع أن القول بضمان الجاني على هذا التقدير أيضا لا يخلو من قوة،
إلا إذا لم يكن له مال فيؤديه عنه الإمام من بيت مال المسلمين أو من ماله على
القولين، خصوصا مع فقر العاقلة لا مع عدمها، والله العالم بحقيقة الحال.
446

(ودية) العمد و (الخطأ شبه العمد في مال الجاني) بلا خلاف ولا
إشكال (ف‍) - إن الأصل والنصوص والفتاوى متفقة عليه كما عرفت الكلام فيه
غير مرة.
نعم (إن مات أو هرب) مطلقا أو حتى مات أو قتل (قيل) كما عن
النهاية وغيرها بل في المسالك هنا نسبته إلى الأكثر (يؤخذ) الدية (من
الأقرب إليه ممن يرث ديته) إن لم يكن له مال (فإن لم يكن فمن بيت المال)
للإمام أو للمسلمين على القولين السابقين.
(ومن الأصحاب) وهو ابن إدريس (من قصرها على الجاني ويتوقع
مع فقره يسره) كما في غيره من الديون وقدومه مع غيبته، للأصل الذي لا تقطعه
أخبار الآحاد وإن صحت، على أصله.
(و) لكن (الأول أظهر) عندنا لصحيح (1) البزنطي المعتضد بغيره،
كما عرفت الكلام فيه مفصلا سابقا في كتاب القصاص فلاحظ وتأمل.
نعم لا بد من تقييده بما إذا لم يكن عند الجاني تركة كما ذكرناه وإلا
أخذت منها، وقد يتوهم مما سمعت من ابن إدريس في القول الأول أنه إن كان
فقيرا أخذت الدية من الأقرب إليه وإلا فمن بيت المال، ولم نظفر بهذا القول،
فإن المحكي عن الشيخ وغيره التصريح بأنه إن لم يكن للجاني مال استسعى فيها
أو تكون في ذمته إلى أن يوسع الله عليه، وهو الموافق لأصول المذهب وقواعده،
والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب العاقلة الحديث 3.
447

وأما اللواحق فمسائل)
(الأولى:)
(لا يعقل إلا من عرف كيفية انتسابه إلى القاتل) على وجه يتحقق أنه
من العصبة التي هي عنوان العقل كما عرفت (و) حينئذ ف‍ (- لا يكفي كونه من
القبيلة) التي منها القاتل (لأن العلم بانتسابه) مع القاتل (إلى الأب
لا يستلزم العلم بكيفية الانتساب) الذي يتحقق فيه العنوان (و) ذلك لأن
(العقل مبني على التعصيب) كما عرفت وليس كل انتساب (1) مع أحد إلى
أب من عصبته، وإلا فالناس كلهم منتسبون إلى آدم عليه السلام فلا عقل حينئذ مع عدم
معرفة كيفية الانتساب (خصوصا على القول بتقديم الأول) ممن يرث بالتسمية
فإنه لا يكفي في تحققه العلم المزبور كما هو واضح.
المسألة (الثانية):
(لو أقر بنسب) ولد صغير مثلا (مجهول) فقال هو ابني (ألحقناه
به) لما عرفت في محله من النصوص والفتوى عليه (فلو ادعاه آخر) وقال هو
ابني (وأقام البينة قضينا له بالنسب وأبطلنا الأول) تقديما للبينة على الاقرار
المزبور الذي هو في الحقيقة مثبت للنسب مع عدم البينة المعارضة له، وإلا قدمت
عليه (فلو ادعاه ثالث) وقال هو ابني (وأقام البينة أنه ولده على فراشه قضي

(1) منتسب ظ
448

له بالنسب لاختصاص) بينت‍ (- ه بالسبب) فتقدم على البينة المطلقة كما حررنا
ذلك في محله
وحينئذ فإذا قتله الثالث عمدا لم يقتل به للحكم بأبوته له وغرم الدية
لغيره من الوارث ولو الإمام، وإن كان خطأ الزمت العاقلة الدية، وإن أنكروا
نسبه فإن إنكارهم لا يجدي، ولكن لا يرث الأب منها شيئا بناءا على عدم إرث
القاتل ولو خطأ للمقتول، بل لو قلنا بإرثه أمكن عدم إرثه هنا لأنه الجاني ولا
يعقل ضمان الغير له جناية جناها، فإن العاقلة إنما تضمن جنايته للغير، بل عن
النهاية وجملة من كتب الفاضل حرمانه.
ويحتمل الإرث لاطلاق الأدلة الشامل لمثل الفرض مع منع عدم
تعقل ضمان الغير له جنايته بعد حصول السبب شرعا وانتفاء المانع، ولعله
الأقوى.
ولو لم يكن وارث إلا العاقلة، ففي القواعد ومحكي السرائر والجامع لا دية
إذ لا ضمان على الانسان لنفسه، ولكن قد يقال مع تعددها واختلافهم بالغنى والفقر
بضمان الغني حصة الفقير، وكذا إذا اختلفوا بالغني والتوسط، فيضمن الغني
حصة المتوسط لاختلاف ما عليهما قدرا بما يراه الحاكم أو بالنصف والربع، ولعل
ذلك كله يجري أيضا في ثبوت النسب بالاقرار أيضا كما عرفته في محله. وكيف
كان فمما ذكرنا يظهر لك الحال.
المسألة (الثالثة:)
التي هي (لو قتل الأب ولده عمدا) أو شبه عمد (دفعت الدية منه إلى
الوارث) لما عرفت سابقا من أن عمده موجب للدية نصا وفتوى دون القصاص
(ولا نصيب للأب) منها ولا من غيرها من تركته قطعا في العمد، بل ولا في شبهه
لما تقدم في كتاب المواريث من عدم إرث القاتل للمقتول (ولو لم يكن له وارث)
449

في جميع الطبقات (فهي للإمام) لاطلاق الأدلة (ولو قتله خطأ فالدية على
العاقلة ويرثها الوارث وفي توريث الأب هنا قولان) ينشئان مما عرفت، بل
لو قلنا بكون القاتل خطاءا يرث أمكن المنع هنا لما عرفت أيضا، وإن كان
الأصح خلافه.
وقد يظهر من المسالك هنا وجود قائل باستحقاقه الإرث من خصوص الدية
وإن قلنا بمنعه من غيره، ولكن لم أعرف قائله، بل ولا وجها له معتدا به (ولو
لم يكن له وارث سوى العاقلة ف‍) - قد عرفت البحث فيه أيضا، ومنه يعلم الوجه
فيما في المتن من أنه (إن قلنا الأب لا يرث فلا دية له وإن قلنا يرث ففي أخذه
من العاقلة تردد) ينشأ مما ذكرناه (وكذا البحث لو قتل الولد أباه
خطاءا) فإن المدرك في الجميع واحد كما هو واضح. وقد عرفت أن الأصح
الإرث، والله العالم.
المسألة (الرابعة)
قد عرفت فيما تقدم أنه (لا يضمن العاقلة عبدا) نصا وفتوى على معنى
أنه لو جني العبد جناية توجب الدية على العاقلة لو كانت من الحر تعلقت برقبته
دون العاقلة لما عرفته من النصوص والفتاوى (و) كذا (لا) يضمن (بهيمة)
لو جنت بتفريط من المالك أو بدونه، بل يتعلق الضمان بمالكها في الأول،
ولا ضمان في الثاني كما عرفته سابقا مفصلا.
(و) كذا (لا) تضمن (إتلاف مال) بل ضمانه متعلق بالمتلف
نصا وفتوى، كل ذلك مضافا إلى مخالفة ضمانها العمومات فيقتصر فيه على المتيقن
(و) من هنا (يختص بضمان الجناية على الآدمي) من الآدمي (حسب)
ولو حر على عبد خطأ كما عرفته سابقا، خلافا لبعضهم فجعله على الجاني لأن
450

العبد من الأموال، بل قال هو المراد مما في النص والفتوى من أن العاقلة لا تضمن
عبدا وإن كان هو كما ترى كما عرفته سابقا، والله العالم.
المسألة (الخامسة:)
(لو رمى) شخص (طائرا) مثلا (وهو ذمي ثم أسلم) بعد رميه
(فقتل السهم) رجلا مثلا حال كون الرامي (مسلما لم يعقل عنه عصبته من
أهل الذمة لما بيناه) ومن أنه لا عقل بينهم (ولأنه أصاب‍) - ه (وهو مسلم)
لا ذمي فلا جهة لعقلهم عنه (و) كذا (لا) يعقل عنه (عصبته المسلمون لأنه
رمى وهو ذمي) فلم يكونوا عاقلة له حال الرمي، ولا يجدي كونه عاقلة له
وقت القتل، لأن تحمل العاقلة على خلاف الأصل الذي ذكرناه، والمتيقن من
النص والفتوى اعتبار كونهم عاقلة له في الحالين.
(و) حينئذ ف‍ (- يضمن الدية في ماله) ولعله لذا كان المحكي عن
العامة الموافقة على الحكم المزبور مع قولهم بأن الكافر يعقل مثله وفرعوا على
ذلك ما لو رمي وهو يهودي صيدا ثم تنصر ثم أصاب السهم إنسانا فإن قلنا إنه
يقر على من انتقل إليه فالدية على عاقلته على أي دين كانوا لأن الكفر ملة
واحدة، وإن قلنا لا يقر عليه فهو مرتد لا عاقلة له فتكون الدية في ماله، وإن كان
التفريع المزبور لا يخلو من بحث في الجملة إلا أن الأمر فيه سهل بعد الاتفاق
على الحكم المذكور.
(وكذا) الكلام (لو رمي مسلم طائرا ثم ارتد فأصاب مسلما قال
الشيخ: لم يعقل عنه المسلمون من عصبته) لأنه قتل وهو كافر (ولا الكفار)
كما في القواعد ومحكي المبسوط وغيرهما، لعدم العقل بينهم، ولأنه رمى وهو
مسلم، ولعدم إرثهم إياه وأولويته من الذمي لعدم عقلهم له (و) لكن في المتن:
451

(لو قيل يعقل عنه عصبته المسلمون كان حسنا لأن ميراثه لهم على الأصح)
وقد عرفت ظهور بعض النصوص في تبعية العقل للإرث، وفيه ما عرفت من أن تحمل
العاقلة على خلاف الأصل الذي يجب فيه الاقتصار على المتيقن، وهو مراعاة الابتداء
والانتهاء في العقل.
نعم لو قلنا بعقل المسلم للمرتد اتجه حينئذ هنا العقل ضرورة أولوية
المفروض بذلك نظرا إلى ابتداء الجناية حال الاسلام إلا أن التحقيق عدم عقل
المسلم للكافر وبالعكس لانقطاع الموادة بينهم والانتصار، ولما تقدم (1) من أن
أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى عامله بالموصل أن يجمع قرابته المسلمين ويفض الدية
عليهم، ولقوله عليه السلام في خبر السكوني (2) " في رجل أسلم ثم قتل رجلا خطأ أقسم
الدية على نحوه من الناس ممن أسلم وليس له مال (3) " وإذا لم يعقل الكافر
المسلم فالعكس أولى، وإن أمكن المناقشة بمنع الأولوية لأن المسلم يرث الكافر
من غير عكس كما أنه لم نجد عاملا بمضمون الخبر المزبور من عقل من كان مثله
ممن أسلم مع عدم كونها من عصبته، والله العالم.
(وحيث) قد من الله تعالى شأنه علينا بقبول توسلنا بمحمد صلى الله عليه وآله وأهل
بيته خصوصا أسد الله الغالب، باب مدينة العلم منهم، الذي كان استمدادنا وإمدادنا
من أنواره بأن وفقنا لأن (أتينا بما قصدناه ووفينا بما وعدناه فلنحمد الله) تعالى
شأنه ونشكره على نعمه الوافرة وأياديه المتظافرة وآلائه المتكاثرة إذ هو (الذي)
وفقنا وهدانا و (جعلنا عند تبدد الأهواء وتعدد الآراء من المتمسكين ب‍) عروته
الوثقى وحبله المتين وركنه القويم وصراطه المستقيم والتابعين ل‍ (- مذهب أعظم العلماء

(1) في رواية سلمة بن كهيل الوسائل الباب - 2 - من أبواب العاقلة الحديث
الأول.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب العاقلة الحديث الثاني التهذيب ج 10
ص 174.
(3) في المصدر: وليس له موال وهو الصحيح.
452

استحقاقا للعلاء، وأكرم النجباء اغراقا (1) في شرف الأمهات والآباء، المنتزعين
من مشكاة الضياء، المتفرعين عن خاتم الأنبياء وسيد الأصفياء وأظهر عظماء الأنام
فهما وبيانا وأكثر علماء الاسلام علما وعرفانا المخصوصين بالنبوة من منصب
النبوة المختارين للإمامة من فروع صاحب الإخوة الذين أمر الله سبحانه بمودتهم
وحث رسول الله صلى الله عليه وآله على التمسك بهم والعمل بسنتهم حتى قرنهم بالكتاب المجيد
الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ونسأله أن
يقبضنا سالكين لمحجتهم متمسكين بحجتهم وأن يجعلنا من خلصاء شيعتهم الداخلين
في شفاعتهم إنه ولي ذلك والقادر عليه) والأمر كله إليه تعالى شأنه.
تم كتاب جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام في مسائل الحلال والحرام
في ليلة الثلاثاء ثلاثة وعشرين في شهر رمضان المبارك، ليلة القدر التي كان من تقدير
الله تعالى فيها أن يتفضل علينا بإتمام الكتاب المزبور ورجائنا منه قبوله والعفو
عما وقع منا من تقصير فيه، وأن انتفعنا به في الدنيا والآخرة، وأن يجعله خالصا
لوجهه الكريم، وأن يكتبه في حسناتنا، وأن يرفع به درجاتنا، من سنة الألف
والمأتين والأربع والخمسين (2) من الهجرة النبوية على مهاجرها ألف ألف صلاة

(1) كذا في الأصل وفي الشرائع (وفي بعض النسخ أعراقا).
(2) قال العلامة الطهراني رحمه الله في الذريعة ج 5 ص 276: (كتب رحمه الله
مقدارا منه في حياة الشيخ الأكبر كاشف الغطاء الذي توفي في سنة 1227 (أو 1228)
لأنه في المجلد الثاني من كتاب الطهارة في باب أحكام الاستنجاء عند شرح قول المحقق:
" ولا يستعمل الحجر المستعمل " ذكر الشيخ الأكبر ودعا له بقوله: سلمه الله (راجع ج 2
ص 48 من الجواهر من هذه الطبعة)...
وبذل وسعه في تأليفه فيما يزيد على ثلاثين سنة لأن آخر ما خرج من قلمه الشريف
من مجلداته هو كتاب الجهاد إلى آخر النهي عن المنكر، وقد فرغ منه في سنة 1257 على
ما في نسخة الأصل (وفرغ من كتاب الديات سنة 1254)...
ونسخة الأصل التي كتبت على نسخة خط المؤلف ونظر فيها المؤلف وصححها وكتب
عليها التصحيحات بخطه خرجت في أربعة وأربعين مجلدا صغيرا وهي اليوم موجودة (في
النجف) عند حفيده العالم الشيخ عبد الرسول... ".
453

وتحية، والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا. وكتب بيده مؤلفه العاثر
المقصر القاصر محمد حسن بن الشيخ باقر تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه مع أوليائه
بجنته، إنه ذو الفضل العظيم والمن الجسيم وصلى الله على محمد وآله (والحمد لله
رب العالمين).
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله أجمعين
العبد رضا استادي الطهراني
26 شوال 1398
إلى هنا انتهى كتاب الديات وهو الجزء الأخير من
مجلدات (جواهر الكلام) وبتمامه تم الكتاب بعون الله
الملك الوهاب، وتم تصحيحه وتهذيبه وترتيبه
بيد العبد:
السيد إبراهيم الميانجي
عفى عنه وعن والديه
10 / شهر صفر / 1399 / والحمد لله كما هو أهله
454