الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٣٠
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمود القوچاني / تصحيح : السيد إبراهيم الميانجي
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٦ ش
المطبعة: آيدا
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات:

جواهر الكلام
في شرائع الاسلام
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266 من الهجرة
حققه وعلق عليه: محمود القوچاني
عنى بتصحيحه: العالم الفاضل السيد إبراهيم الميانجي
الجزء الثلاثون
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه، وطبع
بنفقة
المكتبة الاسلامية
طهران شارع البوذر جمهري
تلفون 521966
جميع حقوق الطبع محفوظة للناشر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(السبب الرابع)
(استيفاء العدد، وهو قسمان)
(الأول)
(إذا استكمل الحر أربعا بالعقد الدائم حرم عليه) مع وجود الأربع
عنده نكاح (ما زاد غبطة) أي دواما إجماعا من المسلمين بل ضرورة من الدين،
وما عن طائفة من الزيدية من جواز نكاح تسع لم يثبت، بل المحكي عن مشائخهم
البراءة من ذلك، نعم قد اختص النبي صلى الله عليه وآله بنكاح الأزيد من ذلك، وهل كان
يجوز له أزيد من التسع الذي مات عنهن أو لا يجوز؟ فيه بحث، لكنه قليل
الجدوى، وعلى كل حال فالأصل فيه قوله تعالى (1): (وإن خفتم

(1) سورة النساء: 4 - الآية 3.
2

ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) بناء على
ما عرفته سابقا من أن الأمر فيها للإباحة، ومقتضى إباحة الأعداد المخصوصة
تحريم ما زاد عليها، إذ لو كان مباحا لما خص الجواز بها، لمنافاته الامتنان وقصد
التوسيع على العباد، ولأن مفهوم إباحة الأربع حصر ما دون الأربع أو ما زاد عليها،
والأول باطل بتجويز الثلاث فيها صريحا، فتعين الثاني.
بل يمكن أن يكون المراد منها إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى بالانفاق
من أموالهم التي في أيديكم التي جوز الله لوليهم الانفاق منها بالمعروف فاقتصروا
على نكاح ما طاب لكم، وحل وساغ من العدد أعني مثنى وثلاث ورباع إلى أن قال:
(ذلك أدنى ألا تعولوا) فيستفاد منها حينئذ انحصار الحل في العدد المزبور، ولذا
أمر رسول الله صلى الله عليه وآله قيس بن الحرث عند نزول الآية وكان تحته ثمانية أن يطلق
أربعا ويمسك أربعا قال: (فجعلت أقول للمرأة التي لم تلد: يا فلانة أدبري، والتي
قد ولدت: يا فلانة أقبلي) (1) فمن الغريب دعوى بعض الناس عدم دلالة الآية على
تحريم ما زاد، وإنما استفيد من دليل آخر.
ثم إن هذه الألفاظ ألفاظ معدولة عن أعداد مكررة هي ثنتين ثنتين، وثلاث
ثلاث، وأربع أربع، وهي غير منصرفة للعدل والصفة، فإنها بينت صفات وإن
كانت أصولها لم تبن لها، وقيل عدم انصرافها لتكرير العدل عدلها عن صيغها
وعدلها عن تكررها، أي أن الأصل كان اثنين اثنين مثلا فغير اللفظ إلى مثني،
وعدل بها عن التكرير، فصار بها عدلان لفظي ومعنوي، ونصبها على البدلية
من المفعول، أو على الحال من فاعل طاب، ومعنى الحالية فيها مثلها في قولك:
(جئت فارسا وراجلا وحافيا وناعلا) تريد أنك جئت في كل حال من هذه
الأحوال لا أنك جئت في حال ثبوت جميعها، وكذا الحال في الآية، فإن المراد
جواز النكاح في كل حال من الأحوال الثلاثة دون مجموعها، وإلا لزم نكاح
التسع.

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 183 مع اختلاف يسير، وفيه أنه أسلم وعنده ثمان نسوة
3

وإليه يرجع ما عن الكشاف من تقدير الحال المذكورة، فانكحوا الفتيات
معدودات، هذا العدد ثنتين ثنتين، وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا، وعلى كل حال
فمقتضى العطف بالواو جمع المتعاطفة في الجواز، لا جواز الجمع بينها فلا يلزم
نكاح التسع، بل قيل معنى الآية الإذن لكل ناكح يريد الجمع أن ينكح ما شاء
من العدد المذكور متفقين فيه ومختلفين، كقولك: (اقتسموا هذه البدرة درهمين
درهمين وثلاثة ثلاثة) ولو أفردت كان المعنى تجويز الجمع بين هذه الأعداد دون
التوزيع، ولو ذكرت بأو لذهب تجويز الاختلاف في العدد وإن كان لا يخلو من نظر،
لما عرفت من أن الجمع بالحكم لا يقتضي الحكم بالجمع، فلا يلزم من الأفراد
تجويز الجمع بين الأعداد، ولأن تجويز الأعداد لجماعة المخاطبين بمعنى تجويزه،
لكل واحد منهم لا للمجموع من حيث الاجماع، فالتخيير الذي يقتضيه العطف
بأو لو كأن يكون لكل ناكح يريد الجمع، فلو اختلفوا لم يفعلوا إلا ما هو الجائز
كما لو اتفقوا، فلا يلزم أن يذهب تجويز الاختلاف على تقديره.
نعم يمكن أن يقال: إن العطف بالواو للدلالة على جواز كل
من الأعداد لكل جامع أو مريد للجمع، فيجوز الأربع لواجد الثلاث بالتكميل،
وكذا الثنتان بالنقص، ولو عطف بأو لذهب التجويز في حق الجامع، لأنه قد استوفى
العدد المباح له، فلا يجوز له غيره على ما يقتضيه التخيير.
وكيف كان فالغرض دلالة الآية على المطلوب من دون حاجة إلى جعل الواو
فيها بمعنى أو كما في جامع المقاصد والمسالك، معللين ذلك بأنها لو بقيت على
معناها اقتضت الآية جواز نكاح الثمانية عشر.
وفيه أولا أن مثنى مثلا بمنزلة اثنين اثنين ذكرا، وهو أعم من كونه
اثنين واثنين على جهة التغاير، ولذا قال بعضهم إنه يلزم نكاح التسع لا الثمانية
عشر، وثانيا أن إباحة هذه المراتب من الأعداد من حيث كونها أعدادا لا يقتضي
جواز الجمع على الوجه المزبور، ضرورة عدم كون المراد من إباحة الثلاثة مثلا
أنها أفراد غير الاثنين والأربعة غير الثلاثة، بل قد عرفت أن الواو تقتضي الجمع
4

في الحكم الذي هو الإباحة لا الحكم بالجمع كما هو واضح، والأمر سهل بعد
ضرورية أصل الحكم الذي لا فرق فيه بين الابتداء والاستدامة، ولذا قال رسول الله
صلى الله عليه وآله لغيلان بن سلمة لما أسلم وتحته عشر نسوة: (أمسك أربعا وفارق
سائرهن) (1) بل هو مقتضى قول الصادق عليه السلام في صحيح زرارة (2): (لا يجمع
ماءه في خمس).
(و) كذا (لا يحل له) أي الحر (من الإماء بالعقد) الدائم (أكثر
من اثنتين) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، وقد يستفاد ذلك من
خبر أبي بصير (3) عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن
يتزوج عليها يهودية، فقال: إن أهل الكتاب مماليك الإمام، وذلك موسع منا
عليكم خاصة، فلا بأس أن يتزوج، قلت: فإنه يتزوج عليها أمة، قال: لا يصلح
أن يتزوج ثلاث إماء) الحديث بل في خبر عباد بن صهيب (4) عن الصادق عليه السلام
(ولا يحل له من الإماء إلا واحدة " بل قد عرفت فيما مضى أن المختار عدم جواز
نكاح الأمة إلا بالشرطين ومن هنا قال في المسالك: (هذا كله على القول
بجواز نكاح الأمة اختيارا، أما عند من يعتبر الشرطين فلا يجوز نكاح الثانية)
وإن كان قد عرفت ما فيه سابقا من إمكان فرض تحقق الشرطين مع نكاح
الأمة لعدم رفع العنت بها وغيره، بل لولا الاجماع لأمكن فرضهما مع الاثنتين
أيضا.
وعلى كل حال فحيث ينكح الاثنتين فهما محسوبان عليه (من جملة
الأربع) لا أنهما معا بمنزله حرة، لا طلاق الأدلة، فلا يجوز له حينئذ الجمع
بين ثلاث حرائر وأمتين فضلا عن حرتين وثلاث إماء أو أربع كما هو واضح.
(وإذا استكمل العبد أربعا من الإماء أو حرتين أو حرة وأمتين حرم عليه

(1) سنن البهيقي ج 7 ص 181.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب استيفاء العدد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب استيفاء العدد الحديث 1 - 2.
(4) المستدرك الباب - 41 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
5

ما زاد) إجماعا منا بقسميه، ونصوصا كادت تكون متواترة، ففي صحيح ابن
مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) (سألته عن العبد يتزوج أربع حرائر، قال: لا، ولكن
يتزوج حرتين، وإن شاء تزوج أربع إماء) وفي خبر الصيقل (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام (سألته عن المملوك ما يحل له من النساء، فقال: حرتان أو أربع
إماء) وفي خبر زرارة (3) عن أحدهما عليهما السلام (سألته عن المملوك كم يحل له
أن يتزوج؟ قال: حرتان أو أربع إماء) وفي خبره الآخر (4) عن أبي جعفر عليه السلام
(لا يجمع من النساء أكثر من الحرتين) ولا ينافي ذلك ما في خبر الكناني (5)
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المملوك كم يحل له من النساء؟ قال: امرأتان) وكذا
خبر سماعة (6) بل في خبر زرارة (7) عن أبي جعفر عليه السلام (لا يجمع المملوك
من النساء أكثر من امرأتين) وخبر الفضيل (8) (سألت أبا الحسن عليه السلام عن المملوك
كم تحل له من النساء، فقال: لا يحل إلا ثنتين) بعد موافقتها لما تسمعه
من العامة، وإمكان إرادة الحرائر من ذلك.
نعم قد يقال: إنه لا دلالة في شئ منها على جواز حرة وأمتين الذي ذكره
المصنف وغيره، ودعوى إمكان استفادة تنزيل الحرة بالنسبة إلى العبد منزلة
الأمتين وتنزيل الأمتين للحر منزلة الحرة يدفعها منع دلالة النصوص على
ذلك، وإن اشتملت على بعض ما ينطبق على ذلك لكنه لا يستفاد منها على وجه
التعميم بعد حرمة القياس واستنباط العلة والسير ونحو ذلك عندنا، على أنه إن
تم في العبد فلا يتم في الحر لما عرفته من عدم جواز ثلاث حرائر وأمتين للحر
وحرتين وثلاث إماء ونحو ذلك مما لا يطابق ما عرفت.

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب استيفاء العدد الحديث 1 - 2 - 4.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب استيفاء العدد الحديث 1 - 2 - 4.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب استيفاء العدد الحديث 1 - 2 - 4.
(3) الوسائل الباب - 22 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 4 - 6 - 5.
(5) الوسائل الباب - 22 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 4 - 6 - 5.
(6) الوسائل الباب - 22 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 4 - 6 - 5.
(7) الوسائل الباب - 22 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 4 - 6 - 5.
(8) الوسائل الباب - 22 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 عن محمد بن
الفضيل.
6

نعم قد يقال بامكان الاستدلال على جوازه بما دل على جواز الحرتين
للعبد (1) القاضي بجواز الحرة له قطعا وجواز الأربع (2) القاضي بجواز ما دون ذلك له،
وأن الأدلة أقصى ما دلت عليه المنع من الزيادة على الحرتين والزيادة على الأربع
إماء بمعنى إن تزوج حرائر فلا يزيد على حرتين، وإن تزوج إماء فلا يزيد
على أربع، وأما صور الخلط فليس في شئ من الأدلة التعرض إلى منعه، فيبقى
على أصل الجواز وعلى فحوى دليل كل من الصنفين، وفيه أن مقتضى
ذلك جواز الحرة وثلاث إماء، بل جواز الحرتين وأربع إماء، ودعوى استفادة
المنع فيه من دليل آخر كما ترى، فالأوجه أن يقال: إن دليله بعد الاجماع
بقسميه عليه وعدم صدق الزيادة على أربع منه ما في الفقيه، فإنه بعد أن روى
عن حماد بن عيسى (3) (أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام كم يتزوج العبد؟ قال: قال
أبي عليه السلام: قال علي عليه السلام: لا يزيد على امرأتين) قال: وفي حديث آخر (4) (يتزوج
العبد حرتين، أو أربع إماء، أو أمتين وحرة " مؤيدا بامكان دعوى ظهور نصوص
العبد خاصة في تنزيل الحرة بالنسبة إليه منزلة الأمتين، فالعدد الممنع منه
الزيادة على أربع إماء حقيقة أو حكما، والأمتان والحرة بمنزلة الأربع حكما،
فلا زيادة فيه، فلا منع، والأمر سهل بعد وضوح الحكم عندنا بخلاف غيرنا، فعن
الأكثر أنه لا يتجاوز اثنتين مطلقا على النصف من الحر وعن بعض أن له أربعا
مطلقا كالحر، وإجماع الفرقة المحقة ونصوصها على خلافهم.
وعلى كل حال فقد ذكر غير واحد من الأصحاب أن الأمة المبعضة كالأمة
في حق الحر، وكالحرة في حق العبد، والمبعض كالحر في حق الإماء، فلا يتجاوز
أمتين، وكالعبد في حق الحرائر، فلا يتجاوز حرتين تغليبا لجانب الحرية في الجامع
للوصفين، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان لا يخلو من بحث إن لم يكن إجماعا،

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل الباب - 22 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 3.
(4) الوسائل الباب - 22 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 10.
7

خصوصا في التبعيض اللاحق في التزويج الذي قد يتعارض فيه الاحتياط، فتأمل جيدا
والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لكل منهما أن ينكح بالعقد المنقطع ما شاء)
بلا خلاف معتد به فيه بيننا، لظهور الآية (1) في نكاح الدوام بقرائنه فيها،
واستفاضة النصوص (2) وتواترها في ذلك، نعم في خبر البزنطي (3) عن الرضا عليه السلام
قال: (قال أبو جعفر عليه السلام: اجعلوهن من الأربع، فقال له صفوان بن يحيى:
على الاحتياط، قال: نعم) وفي خبره الآخر (4) عن أبي الحسن عليه السلام أيضا (سألته
عن الرجل يكون عنده الامرأة أيحل له أن يتزوج بأختها متعة؟ قال: لا، قلت:
حكى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام إنما هي مثل الإماء يتزوج ما شاء، قال: لا هي
من الأربع) وخبر الساباطي (5) عن أبي عبد الله (عن المتعة، قال: هي أحد
الأربعة) ومن المعلوم إرادة جعلها من الأربع حذرا من اطلاع المخالفين، كما
أومأ إليه الخبر الأول بذكر الاحتياط الذي لا يتصور من الإمام عليه السلام الأمر به
بالنسبة إلى الحكم، على أنها في مقابلة ما جاء في الجواز كالعدم.
فمن الغريب ما عن ابن حمزة من أنها إحدى الأربع، وأغرب منه ميله
في المسالك إلى ذلك، مناقشا في أسانيد بعض روايات الجواز، حاكيا عن المختلف أنه
اقتصر في الحكم على مجرد الشهرة ولم يصرح بمختاره، قال: (وعذره واضح،
ودعوى الاجماع في ذلك غير سديد) قلت: لا بأس بدعوى ضرورة المذهب على ذلك
فضلا عن الاجماع، والنصوص - بعد استفاضتها وتعاضدها واشتمالها على ضروب
من الدلالة والتعليلات واعتضادها بمثل هذا العمل - لا ينظر إلى أسنادها، كما
لا يخفى على من له أدنى خبرة بأصول المذهب وقواعده، والله العالم.
(وكذا) لكل منهما أن ينكح (بملك اليمين) ما شاء بلا خلاف فيه
بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل لعله من ضروريات الدين، نعم قد تقدم

(1) سورة النساء: 4 - الآية 3.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 0 - 9 - 11 - 10.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 0 - 9 - 11 - 10.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 0 - 9 - 11 - 10.
(5) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 0 - 9 - 11 - 10.
8

سابقا البحث في ملك العبد وعدمه، لكن قد استفاضت النصوص (1) هنا بأنه لا بأس
في إذن المولى لعبده بأن يتسرى ما شاء ويشتري ما يشاء من الجواري ويطأهن، والمراد
منها التحليل له، ومنه يعلم أنه لا بأس بالوطئ بالتحليل لغيره ما شاء أيضا، مع أن
الظاهر عدم الخلاف فيه، سواء قلنا إنه إباحة أو تمليك، ضرورة عدم تناول ما دل
على النهي عن الأربع له بعد ظهوره في نكاح الدوام كما هو واضح، والله العالم.
(مسألتان):
(الأولى)
(إذا طلق واحدة من الأربع، حرم عليه العقد على غيرها حتى تنقضي
عدتها إن كان الطلاق رجعيا) بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الاجماع
عليه، لأنها بحكم الزوجة نصا (2) وفتوى الذي منه ذلك، بل ظاهرهما أنها كذلك
(و) إن التزم بعدم الرجوع بملزم شرعي، فإنه لا يخرجها عن حكم المطلقة
رجعيا التي هي بحكم الزوجة، نعم (لو كان الطلاق بائنا جاز له العقد على
الأخرى في الحال) لخروجها عن الزوجية بالطلاق، وعدم ما يدل على أنها بحكمها
في العدة، فلا جمع حينئذ بين خمس، فيشمله حينئذ دليل الإباحة (وكذا القول في نكاح
أخت الزوجة) مع البينونة إلا أنه (على كراهة مع البينونة) لبقاء عصمة النكاح
في الجملة، ولصحيح زرارة (3) المحمول على ذلك عن الصادق عليه السلام (إذا جمع الرجل

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب نكاح العبد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب أقسام الطلاق والباب - 13 - منها الحديث 6
والباب - 20 - منها الحديث 11 والباب - 18 و 20 و 21 - من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
(3 الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 1.
9

أربعا فطلق إحداهن فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلقت)
أو على الرجعي، وبمعناه غيره من النصوص (1) المستفيضة، لكن في كشف اللثام
عن ظاهر التهذيب الحرمة، قال: (وهو ظاهر الأخبار) وفي المسالك (في الحمل نظر
من حيث عدم المعارض، نعم ورد التفصيل في الأخت في روايات: منها حسنة الحلبي (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل طلق امرأته أو اختلعت منه أو بانت أله أن يتزوج
أختها؟ فقال: إذا برأ عصمتها فلم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها)
قلت: قد يستفاد ذلك من هذه الرواية، ضرورة ظهورها في أن المدار على الابراء
من العصمة بعدم ملك الرجعة، فهو حينئذ كالتعليل الذي لا يخص الأخت ولو بقرينة
فتوى الأصحاب مع ذلك.
بل يمكن أن يكون في النصوص إشارة إلى ذلك أيضا بجعل العدة له،
ففي الموثق (3) أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام (عن رجل جمع أربع نسوة فطلق واحدة
فهل يحل له أن يتزوج أخرى مكان التي طلق؟ قال: لا يحل له أن يتزوج
أخرى حتى يعتد مثل عدتها) بل في خبرهم الآخر (4) أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام
(عن الرجل يكون له أربع نسوة فتموت إحداهن هل يحل له أن يتزوج أخرى
مكانها؟ قال: لا حتى يأتي عليه أربعة أشهر وعشرا، سئل فإن طلق واحدة هل
يحل له أن يتزوج؟ قال: لا حتى يأتي عليها عدة المطلقة) وفي خبر أبي بصير (5) عنه عليه السلام أيضا، قال: (سألته عن رجل له أربع نسوة فطلق واحدة يضيف إليهن
أخرى، قال: لا حتى تنقضي العدة، فقلت من يعتد؟ فقال: هو، قلت: وإن كان
متعة، قال: وإن كان متعة) إلى غير ذلك من النصوص المشعرة بكون الحكم على

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد والباب - 47 - من أبواب
العدد من كتاب الطلاق.
(2) الوسائل - 48 - من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 47 - من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 5 - 4.
(5) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 5 - 4.
10

ضرب من الكراهة والندب، نعم لو لم يكن للمرأة عدة لعدم الدخول لم يكن بأس
أصلا، كما أومأ إليه خبر ابن طريف (1) قال: (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل كن له ثلاث نسوة ثم تزوج امرأة أخرى فلم يدخل بها ثم أراد أن يعتق أمة
ويتزوجها، فقال: إن هو طلق التي لم يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أخرى من
يومه ذلك، وإن هو طلق من الثلاث النسوة اللاتي دخل بهن واحدة لم يكن له أن
يتزوج امرأة أخرى حتى تنقضي عدة التي طلقها) وعلى كل حال فلا ريب
في الحكم المزبور، ولا ينافيه إمكان رجوع البائنة رجعيا في بعض الأحوال، ضرورة
عدم جريان هذا الحكم عليه مع فرض التزويج، والله العالم.
المسألة (الثانية)
(إذا طلق إحدى الأربع بائنا وتزوج اثنتين فإن سبقت إحداهما كان
العقد لها) بلا خلاف ولا إشكال (وإن اتفقتا في حالة بطل العقدان) وفاقا
للمشهور، لاستلزام صحة كل منهما بطلان الآخر ولا ترجيح، وصحة أحدهما
دون الآخر غير معقولة، والصحة في إحدى الامرأتين على جهة الاطلاق الذي
مرجعه إلى تخيير الزوج في تعيينها غير مفادهما، ولو فرض قصد ذلك فهو غير صحيح،
للاجماع على اعتبار تعيين الزوجة في عقد النكاح على وجه التشخيص. (و) لكن
في المتن (روى أنه يتخير) ثم قال: (وفي الرواية ضعف) قلت: بل لم نعثر عليها
في خصوص الفرض، كما اعترف به في المسالك وغيرها، نعم روى عنبسة بن مصعب (2)
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له ثلاث نسوة فتزوج عليهن امرأتين
في عقد، فدخل بواحدة منهما ثم مات، قال: إن كان دخل بالمرأة التي بدأ باسمها

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 6.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 1.
11

وذكرها عند عقدة النكاح فإن نكاحها جائز، ولها الميراث، وعليها العدة، وإن
كان دخل بالمرأة التي سميت وذكرت بعد ذكر المرأة الأولى فإن نكاحها
باطل) الحديث. وهو كما ترى لا تخيير فيه، مع احتمال أن يراد به وقوع النكاح
للأولى فيما لو قال الوكيل مثلا: (زوجتك فاطمة وزينب) فقال: (قبلت تزويج
فاطمة وزينب) فإن النكاح يقع للأولى حينئذ. وعلى كل حال هو خارج عما
نحن فيه.
ويمكن أن يريد المصنف صحيح جميل (1) المروي في الكافي والفقيه والتهذيب
الوارد عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل تزوج خمسا في عقدة، قال: يخلي سبيل أيتهن
شاء ويمسك الأربع) لعدم الفرق بين المسألتين، إلا أنه لا ضعف في سنده، اللهم إلا
أن يريد الضعف في دلالته باعتبار احتمال إرادة التزوج حال الكفر، واحتمال
الامساك بالعقد الجديد، خصوصا بعد أن عبر بمثله فيما علم إرادة ذلك منه فيمن
تزوج أختين على الترتيب، كما سمعته فيما تقدم إلا أنه كما ترى خلاف الظاهر
الذي هو الحجة، على أن الخبر غير مهجور، بل عمل به الشيخ وأتباعه، بل وتبعهم
يحيى بن سعيد في المحكي عنه والعلامة في المختلف، وليس متضمنا لممتنع كي
يتجه طرحه أو تأويله، إذ يمكن، كون التخيير فيه على حسب التخيير لمن أسلم
على أزيد من النصاب، وإن كان ذلك في الاستدامة وهذا في الابتداء لكنه لا يصلح
فارقا، فإن ما لا يؤثر في الابتداء لا يؤثر استدامة، بل ذلك غير فاقد للتعيين، وليس
هو بمنزلة (زوجتك إحدى الامرأتين) ضرورة كون الفرض تعيين كل منهما.
ولعله إلى ذلك أومأ في المختلف، حيث احتج له مضافا إلى الصحيح بوجود
المقضي وانتفاء المانع، إذ ليس إلا انضمام العقد على الأخرى، وهو لا يقتضي
تحريم المباح، كما لو جمع بين محرمة عينا ومحللة عينا في عقد، وكما لو جمع
بين المحلل والمحرم في البيع، ولا أثر للاطلاق والتعيين، إذ في التعيين تحرم
واحدة معينة، فيبطل العقد عليها، وتحل أخرى معينة، وفي الاطلاق تحل واحدة

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 1.
12

مطلقة وتحرم أخرى مطلقة، وقد عقد عليهما معا، فيدخلان في العقد، إذ لا وجود
للكلي في جزئياته، فما في المسالك - من مناقشته بأن العقد على المحرمة ثابت
بدون العقد وعلى المحللة كذلك، فلا يضر الانضمام، بخلاف غير المعينة، لأن كل
واحدة صالحة للصحة منفردة ومنهي عنها مع الانضمام، ولا أولوية، وتعلق العقد
بغير معينة غير كاف في الصحة، بل لا بد من تعينها قبل العقد، ولذا لا يجوز على
إحدى المرأتين إجماعا، وبهذا يحصل الفرق بين من يحرم نكاحها عينا ومطلقا -
مدفوعة بما عرفت من أن ذلك ليس من فاقد التعيين، بل هو كأثر العقد بعد الاسلام.
ومن ذلك يظهر لك قوة القول بالتخيير، بل لو قلنا بأن القواعد تقتضي
البطلان كان المتجه ذلك، للنص الحاكم عليها بعد جمعه شرائط الحجية،
والاحتياط مع أنه غير واجب هو ليس في البطلان مطلقا، ضرورة عدم موافقته لجواز
تزويجهما من غير طلاق، وتغليب جانب الحرمة إنما يسلم وجوبه في متحقق الحرمة،
ولا يخلص إلا بالاجتناب، وهو في المقام ممنوع، ولو تزوج الحر حرة في عقد
واثنتين في عقد وثلاثا في عقد واشتبه السابق صح نكاح الواحدة على القول
بالبطلان، للقطع بصحة نكاحها كيفما فرض، ويبقى الاشتباه في الآخرين، والوجه
استعمال القرعة كما سمعته سابقا في مسألة الأختين، وعن التذكرة الحكم بها هنا
ولعله أولى من المحكي عن الشافعية من الوجهين: أحدهما بطلان العقد، والآخر
الايقاف إلى البيان، فإن لم يعلم كان لهن الفسخ، وإن صبرن لم ينفسخ، وعليه
الانفاق عليهن في مدة التوقف، وأما على القول بالتخيير فلا يتعين الواحدة
للصحة، لاحتمال تأخر عقها عن الآخرين مع جواز صحتهما باختيار إحدى
الاثنتين أو اثنتين من الثلاث.
13

(القسم الثاني)
من قسمي استيفاء العدد (إذا استكملت الحرة ثلاث طلقات) لم ينكحها
بينها زوج آخر (حرمت على المطلق حتى تنكح) دواما (زوجا غيره)
وتذوق عسيلته ويذوق عسيلتها بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل الاجماع بقسميه
عليه، مضافا إلى الكتاب (1) والسنة (2) قال الله تعالى: (الطلاق مرتان فامساك
بمعروف أو تسريح باحسان - ثم قال -: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى
تنكح زوجا غيره، فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا) الآية فإنها صريحة
في حرمة المطلقة على زوجها بالطلاق، وأن حلها موقوف على أن تنكح زوجا
غيرة، وأما أن الطلاق المحرم هو الثالث فمستفاد منها بمعونة تعقيبها لقوله تعالى:
(الطلاق مرتان) فإنه يقتضي كون المعنى إن طلقها بعد المرتين أي التطليقتين
الأولتين، والطلاق الواقع بعدهما ليس إلا الثالث، إذ غيره لا يطلق عليه أنه
بعد المرتين عرفا، بل بعد الثلاث فما زاد، ولأن التحريم بالثالث يقتضي انتفاء
في غيره، إلا إذا انتهى الدور، فيحرم لكونه ثالثا أيضا، فلا يكون التحريم
إلا به.
ثم إن الظاهر إرادة الرجعي من الطلاق في قوله تعالى: (الطلاق مرتان)
بمعنى إن الطلاق الرجعي الذي يجوز للزوج الرجوع فيه مرتان، أي تطليقتان،
فالثالث بائن لا رجعي، ومعنى قوله تعالى (فإمساك بمعروف أو تسريح باحسان)
إن الزوج بعد التطليقتين الأولتين مخير بين إمساك المرأة بالرجوع وحسن المعاشرة
على الوجه المعروف شرعا وعرفا وتسريحها بالاحسان، بأن يطلقها التطليقة الثالثة

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 229 و 230.
(2) الوسائل الباب - 3 و 4 - من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.
14

ولا يراجعها حتى تنقضي عدتها وتبين عنه بانقضاء العدة، فإنه يجوز له كل
من الأمرين لكون الطلاق في المرتين رجعيا، ومقتضاه جواز الرجوع في العدة،
ويكون قوله تعالى: (فامساك) بيانا للازم الحكم الأول، وهو كون الطلاق
رجعيا.
وقيل: إن المعنى في الآية: الطلاق الشرعي مرتان، أي تطليقة بعد تطليقة،
على أن تكون التثنية لمطلق التكرير، كما في قوله تعالى (1): (ثم ارجع البصر كرتين)
أي كرة بعد أخرى، والفرض نفي شرعية الجمع والارسال كما ذهب إليه أكثر
العامة، ووجوب التفريق بين الطلاقين كما ذهب إليه أصحابنا، وعلى هذا يكون
قوله تعالى: (فامساك) تخييرا للأزواج بعد تعليمهم كيفية الطلاق الشرعي
بين الامساك بحسن المعاشرة والقيام بحقوق الزوجية والتسريح بالاحسان، أي التسريح
الجميل الذي علمهم، وهو الطلاق الذي لا إرسال فيه، أو يكون المعنى على قياس
ما سبق في الأول أنه بعد وقوع الطلاق المشتمل على التفريق ما يوجب أحد الأمرين
من إمساك الزوجة بالرجوع وتسريحها بالطلاق
الثالث، أو ترك الرجوع حتى تنقضي العدة، وذلك لأن تفريق الطلاق يستلزم تعدده، وأقل ما يصدق معه التعدد
المرتان، فيكون الطلاق الواقع بعده ثالثا، وحينئذ يكون قوله تعالى: (فامساك)
الخ بيانا لحكم الزوجة بعد تطليقها من غير ترتب على سابقه كما في الأول.
وكيف كان فالطلاق المشار إليه بقوله تعالى: (فإن طلقها) هو الثالث، أما
على الأول ظاهر، وأما على الثاني فلأن المعنى إن طلقها بعد التكرير، أي التطليقة
الواقعة بعد أخرى، ولا ريب في صدق المعنى المذكور في الطلاق الثالث، فإن أقل ما
يتحقق معه التكرير مرتان، والواقع بعدهما هو الثالث.
لكن لا يخفى أن الأصح ما قلناه أولا من أن المراد الطلاق الرجعي وأن
الثالث هو التسريح باحسان، أما الأول فلوضوح كون المرتين حقيقة في معنى التثنية،
واستعماله في مطلق التكرير مجاز قليل الاستعمال، ودعوى تبادر الشرعي في أمثال

(1) سورة الملك: 67 - الآية 4
15

ذلك ممنوعة هنا، فإن قوله تعالى: (فإن طلقها) قرينة على أن المراد مما قبله الرجعي
الذي تحل معه الزوجة، وكذا قوله تعالى: (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن
يتراجعا) كما هو واضح، مضافا إلى المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) (إنه قيل له:
الطلاق مرتان فأين الثالثة؟ قال: فامساك بمعروف أو تسريح باسحان " وإلى ما روى
في سبب نزولها (2) (أن امرأة أتت عائشة فشكت من زوجها يطلقها ويسترجعها
يضارها، وكان الرجل في الجاهلية إذا طلق امرأته له أن يراجعها ولو ألف مرة،
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله، فنزلت الطلاق مرتان) فجعل حد الطلاق ثلاثا.
وأما الثاني فللنبوي الذي سمعته، ولخبر أبي بصير المروي عن تفسير
العياشي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح
زوجا غيره التي تطلق ثم تراجع ثم تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة، فلا تحل
حتى - إلى آخرها إن الله يقول: الطلاق مرتان - إلى آخرها - و التسريح
هو التطليقة الثالثة) وعنه (4) عن أبي جعفر عليه السلام (إن الله تعالى يقول: الطلاق - إلى
آخرها - والتسريح باحسان هي التطليقة الثالثة) وعن سماعة بن مهران (5) (سألته
عن المرأة التي لا تحل حتى تنكح زوجا غيره وتذوق عسيلته ويذوق عسيلتها، وهو
قول الله عز وجل: الطلاق - إلى آخرها - قال: التسريح باحسان التطليقة الثالثة)
ولا ينافي ذلك ما روي (6) (من أن قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له هي التطليقة
الثالثة) لأن قوله تعالى: (فإن طلقها) على هذا التقدير بيان لحكم التسريح
في قوله تعالى: (أو تسريح باحسان) فيكون الطلاق الثالث مرادا منه أيضا، وإنما
سمي تسريحا لأن المرأة تطلق به من قيد الزواج، إذ هو مأخوذ من السرح،
وهو الاطلاق، يقال: سرح الماشية في المرعى سرحا: إذا أطلقها ترعى، وسرحت

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 340 - 333.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 340 - 333.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 10 - 12 - 13 - 11 من كتاب الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 10 - 12 - 13 - 11 من كتاب الطلاق.
(5) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 10 - 12 - 13 - 11 من كتاب الطلاق.
(6) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 10 - 12 - 13 - 11 من كتاب الطلاق.
16

الماشية: انطلقت في المرعى، ومنه المسرح للمسط، لانطلاق الشعر به، وإنما كان
باحسان لأنه لا يرجى معه الرجوع المضار للزوجة، لبينونتها به، وعلى كل حال
فدلالة الآية ظاهرة على المطلوب الذي هو نفي الحل له بجميع وجوهه، من غير
فرق بين الدوام والمتعة.
وأما النصوص (1) فهي متواترة فيه أيضا وفي أنها لا تحل له حتى ينكحها
دواما زوج آخر غيره، ولا تكفي المتعة منها، لخبر الصيقل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
(قلت: رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل
متعة أتحل للأول؟ قال: لا، لأن الله تعالى يقول: فإن طلقها فلا تحل له من بعد
حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها، والمتعة ليس فيها طلاق) وقد يشعر هذا الخبر
بالحكم في المسألة الأصولية، وهو تخصيص العام أو تقييد المطلق بذكر الحكم الخاص
لبعض أفرادهما في مساقهما، بل لعل من ذلك مسألة الضمير أيضا، هذا ويأتي
إن شاء الله باقي أحكام المسألة في كتاب الطلاق.
نعم الحكم المذكور ثابت للحرة (سواء كانت تحت حر أو عبد) عندنا،
لأن نصوصنا قد تواترت في أن العبرة بعدد الطلقات النساء لا الرجل. (و) حينئذ
ف‍ (إذا استكملت الأمة طلقتين) لم يتخلل بينهما نكاح رجل آخر (حرمت
عليه) أي المطلق (حتى تنكح زوجا غيره ولو كانت تحت حر) بلا خلاف أجده
بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، والنصوص (3) متواترة فيه أيضا كما تسمعها
إن شاء الله، خلافا للمحكي عن العامة، فجعلوا العبرة بالزوج، فإن كان عبدا حرمت
عليه بالطلقتين وإن كانت حرة، وإن كان حرا اعتبر الثلاث وإن كانت زوجته أمة،
والمراد حرمة وطئها عليه ولو بملك اليمين كما صرحت به النصوص (4) أيضا.

(1) الوسائل الباب - 3 و 4 و 9 - من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 من كتاب الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 24 - من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 26 - من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.
17

ولا فرق في الطلقات المحرمة على هذا الوجه بين كونها للعدة وغيرها، خلافا
لابن بكير وأصحابه فاعتبروا كونها للعدة، وإلا حلت لزوجها من دون محلل
ولو ألف مرة كما تسمعه إن شاء الله فيما يأتي، وتسمع أيضا أن النكاح المتخلل
بين الطلقات يهدم ما تقدمه من الطلاق، فإذا رجعت لزوجها مثلا بعده تكون عنده
على الثلاث كحالها السابق أولا، والله العالم.
(وإذا استكملت المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان حرمت
على المطلق أبدا) إجماعا بقسميه، والمراد بالطلاق للعدة أن يطلقها بالشرائط
ثم يراجع في العدة ويطأ، ثم يطلق في طهر آخر ثم يراجع في العدة ويطأ، ثم يطلق
الثالثة فينكحها بعد عدتها زوج آخر، ثم يفارقها بعد أن يطأها، فيتزوجها
الأول بعد العدة، ويفعل كما فعل أولا إلى أن يكمل لها تسعا كذلك يتخلل
بينهما نكاح رجلين، فتحرم في التاسعة مؤبدا لكن لا يخفى عليك أن إطلاق التسع
للعدة حينئذ مجاز، لأن الثالثة من كل ثلاثة ليست للعدة، بل للسنة، ووجه
التجوز إما باطلاق اسم الأكثر على الأقل أو باعتبار المجاورة، وتظهر فائدة
الاعتبارين فيما لو طلق الأول للعدة والثانية للسنة، فإن المعنيين ينتفيان
عن الثالثة، ويصدق على الثانية اسم العدية بالاعتبار الثاني دون الأول، وفيما لو كانت
الثانية للعدة والأولى للسنة، فعلى الأول يختص بها الاسم، وعلى الثاني يصدق
الاسم على الطرفين لمجاورتها.
وفي المسالك بعد أن ذكر ما عرفت قال: (ومع ذلك ففي اعتبار التحريم
بمثل هذا إشكال، من وجود العلاقة فيهما كما اعتبرت في الثالثة إجماعا، ومن أن
تعليق الحكم على المعنى المجازي على خلاف الأصل لا يصار إليه في موضع الاشتباه،
وهذا هو الأقوى، فيجب الاقتصار في التحريم المؤبد على موضع اليقين، وهو وقوع
التسع على الوجه الأول، أو إكمال التسع للعدة حقيقة مع التفرق، ولا تغتفر الثالثة
كما اغتفرت في الأولى لكونها على خلاف الأصل مما ذكرناه، فيقتصر بها على موردها
وهو وقوعها بعد عدتين، وعلى هذا إن وقع في كل ثلاث واحدة عدية احتسبت خاصة،
18

وإن وقع في بعض الأدوار عدتين احتمل إلحاق الثالثة بهما كما في مورد النص، لوجود
العلاقة بالمعنيين، وعدمه لخروج مجموع الواقع من مورده، وللتوقف في الحكم بالتحريم
مطلقا فيما خرج عن موضع النص والاجماع مجال - ثم قال - هذا كله في الحرة،
وأما الأمة فيحتمل تحريمها بالست لتنزيلها منزله التسع للحرة، ولأن نكاح
الرجلين يتحقق فيهما كتسع الحرة، وبالتسع كالحرة، لأنها إذا طلقت تسعا
ينكحها بعد كل طلقتين رجل صدق أنه نكحها بين التسع رجلان، فيجتمع الشرطان
المعتبران في التحريم المؤبد، وهما التسع ونكاح الرجلين، بخلاف الست، لتخلف
الأول، ويحتمل عدم تحريمها مؤبدا مطلقا، لأن ظاهر النص كون مورده
الحرة، فيتمسك في الأمة بأصالة بقاء الحل، ولأن شرط التحريم المؤبد وقوع
التسع للعدة ينكحها بينها رجلان، وذلك منتف في الأمة على كل حال، لتوقف
التسع فيها على نكاح أزيد من رجلين، وهو مغائر لظاهر اعتبار الرجلين خاصة،
وبالجملة فالحكم بالتحريم المؤبد بمثل هذه المناسبات مشكل، ووروده في كيفية
مخصوصة لا يوجب تعديته إلى غيرها، لجواز أن يكون للهيئة الاجتماعية، من كون
طلقتين متواليتين للعدة وثالثة بعدهما محرمة وهكذا ثلاث مرات يوجب حكما
لا يحصل بدونها، ومع ذلك ففيها إشكال آخر، وهو أن الحكم بالتحريم مع تمام
العدد يوجب تعلقه بغير ثالثة وثانية في الأمة لأنه يتم في الحرة بالخامسة والعشرين
إن كانت العدية هي أول الدور، والسابعة عشر في الأمة، وذلك غير معهود في حكم
التحريم المرتب على الطلاق).
قلت مضافا إلى أن المفهوم من النصوص (1) التي عثرنا عليها اعتبار توالي
التسع للعدة في التحريم المؤبد وهو لا يكون إلا في الصورة الأولى، فيبقى غيرها
على إطلاق ما دل على الحل بالمحلل في كل ثلاث، ومن ذلك يعلم أنه لا وجه للحكم
بالتحريم المؤبد في صور الشك تمسكا باطلاق ما دل (2) عليه بالتسع خرج ما خرج

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 و 8 من كتاب الطلاق.
19

مما لم يكن للعدة ويبقى غيره، ضرورة أنك قد عرفت ظهور النصوص في اعتبار توالي
التسع المحرمة، إذ هي ليست إلا الموثق (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الملاعنة
إذا لاعنها زوجها لم تحل له أبدا، والذي يتزوج امرأة في عدتها وهو يعلم
لا تحل له أبدا، والذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره
ثلاث مرات وتتزوج ثلاث مرات لا تحل له أبدا) وخبر أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
أيضا قال: (وسألته عن الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق ثم يراجع ثم يطلق، قال:
لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فيتزوجها رجل آخر فيطلقها على السنة، ثم ترجع
إلى زوجها الأول فيطلقها ثلاث تطليقات فتنكح زوجا غيره فيطلقها، ثم ترجع إلى
زوجها الأول فيطلقها ثلاث مرات على السنة، ثم تنكح، فتلك التي لا تحل له
أبدا) وصحيح إبراهيم بن عبد الحميد (3) عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام (إذا
طلق الرجل المرأة فتزوجت، ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول، ثم طلقها
فتزوجت رجلا، ثم طلقها فتزوجت الأول، ثم طلقها هكذا ثلاثا لم تحل له
أبدا).
وهي كما ترى ظاهرة أو صريحة في اعتبار التوالي، نعم لا ظهور فيها باعتبار
كونها للعدة في التحريم المؤبد، بل الصحيح الأخير منها صريح في عدم ذلك، كما
أن الثاني منها صريح أيضا في أن الثلاثة الأخيرة للسنة، ومطلق في الثلاثة الثانية،
بل ظاهر الأول منها أن موضوع المحرمة حتى تنكح وموضوع المحرمة أبدا
واحد إلا أن الأولى الثلاث والثانية التسع، فالمتجه حينئذ إما تخصيصهما معا

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 31 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1
ووسطه في الباب - 17 - منها الحديث 1 وذيله في الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4
من كتاب الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أقسام الطلاق الحديث 2.
(3) أشار إليه في الوسائل في الباب - 11 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد
الحديث 2 وذكره في الكافي ج 5 ص 428.
20

بالعدية كما هو صريح ابن بكير وأصحابه أو الاكتفاء فيهما جميعا بالسني، فالاكتفاء
حينئذ في الأولى بالسني وتخصيص الثانية بالعدي مناف لظاهرة، بل وظاهر
غيره، بل والاعتبار، ضرورة أن التحريم عليه بالثالث حتى تنكح نوع من العقاب
وضرب من التأديب، فإن لم يحصل بذلك حتى فعله ثلاث مرات كان أدبه الحرمة
أبدا بالتسع كما أومأ إليه الرضا عليه السلام في خبر ابن سنان (1) المروي في الفقيه في علة
تثليث الطلاق وعلة تحريم المرأة بعد التسع.
لكن ربما دفع ذلك كله بشذوذ الصحيح الأخير، وبإرادة المقابل للبدعة
من السنة في الثلاثة الأخيرة من الثاني، والمقيد من الثلاثة الثانية فيه على معنى
التطليقات المذكورة أولا، وبأن الأول وإن كان مطلقا إلا أنه مقيد بمفهوم
القيد المعتبر في المروي (2) عن الخصال في تعداد المحرمات بالسنة قال: (وتزويج
الرجل المرأة قد طلقها للعدة تسع تطليقات) وبمفهوم الشرط في الرضوي (3)
حيث قال: (أما طلاق العدة فهو أن يطلق الرجل امرأته على طهر من غير
جماع، ثم يراجعها من يوم واحد أدنى ما يريد من قبل أن تستوفي قرءها، وأدنى
المراجعة أن يقبلها أو ينكر الطلاق، فيكون إنكار الطلاق مراجعة، فإذا أراد
أن يطلقها ثانية لم يجز ذلك إلا بعد الدخول بها، وإذا أراد طلاقها تربص بها
حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها، فإذا أراد راجعها..... وإن طلقها الثالثة فقد
بانت منه ساعة طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فإذا انقضى عدتها منه
تزوجها رجل آخر وطلقها أو مات عنها، فإذا أراد أن يتزوجها فعل - إلى أن
قال: فإن طلقها ثلاث تطليقات على ما وصفته واحدة بعد واحدة فقد بانت منه،

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 8 من كتاب الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(3) ذكره صدره في المستدرك الباب - 2 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 وذيله
في الباب 4 منها الحديث 6 وتمامه في البحار ج 104 ص 142 و 143 مع اختلاف
في اللفظ فيهما.
21

ولا تحل له بعد تسع تطليقات أبدا، واعلم أن كل من طلق تسع تطليقات على ما
وصفت له لم تحل له أبدا) إذ هو ظاهر في اعتبار ذلك، خصوصا بعد ذكر طلاق
السنة فيه مع عدم الإشارة إلى التحريم به إذا كان تسعا.
بل قد يدل على ذلك أيضا خصوص المعتبرين (1) بوجود ابن أبي عمير
وعبد الله بن المغيرة اللذين هما مما أجمع العصابة على تصحيح ما يصح عنهما
في سنديهما، فلا يضر ضعف الراوي لو كان في وجه، ففي أحدهما (عن رجل
طلق امرأته ثم لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض، ثم تزوجها ثم طلقا
فتركها حتى حاضت ثلاث حيض، ثم تزوجها ثم طلقها فتركها حتى حاضت
ثلاث حيض، من غير أن يراجعها يعني يمسها، قال: له أن يتزوجها أبدا ما لم
يراجع ويمس) فإن لفظ التأييد صريح في العموم، كما لو طلقت كذلك ولو تجاوزت
التسع، وأنها لا تحرم بذلك إلى حصول الأمرين من الرجوع والوقاع، وليس
نصا في مختار ابن بكير، لقبوله التقييد بحصول المحلل بعد كل ثلاث، فيكون
مقتضاه حينئذ حل التزويج له أبدا بعد حصول المحلل لا مطلقا.
قيل: وأصرح منهما الموثق (2) عن الصادق عليه السلام (فإن فعل هذا - مشيرا
إلى المطلقة بالسنة - مئة مرة هدم ما قبله، وحلت بلا زوج، وإن راجعها قبل أن
تملك نفسها ثم طلقها ثلاث مرات يراجعها ويطلقها لم تحل له إلا بزوج)
بالتقريب السابق، وخروج الذيل عن الحجية بالاجماع والمعتبرة غير ملازم
لخروج الجميع عنها، فقد يكون من الحاق ابن بكير الذي في سنده، وكلامه

(1) ذكر أحدهما وأشاره إلى الثاني في الوسائل في الباب - 3 - من أقسام
الطلاق الحديث 13 وذكرهما في الكافي ج 6 ص 77.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 16 من كتاب الطلاق
عن أبي جعفر عليه السلام.
22

اجتهاد منه، ويؤيده تصريح ابن بكير على ما حكي عنه في عدة من الأخبار (1)
بعدم سماعه عدم اعتبار المحلل من أحد الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم، وأنه
من الرأي الذي رآه ورزقه الله إياه.
هذا ولكن الجميع كما ترى إذ خبر العلل مع أنه من المفهوم الضعيف يمكن
إرادة الطلاق في طهر لم يواقعها فيه الذي هو ابتداء العدة على نحو قوله تعالى (2):
(فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة) وحينئذ فيندرج فيه الطلاق السني المقابل
للبدعي الذي هو الطلاق في طهر المواقعة، وربما يؤيد ذلك أن التسع للعدة
لا يكون حقيقة إلا بهذا المعنى، ضرورة عدم كون التسع للعدة فيما فرضوه، لما عرفت
من خروج كل ثالث منه، فليس هو إلا مجازا (3) لا قرينة عليه، وما في النص (4)
والفتوى من تفسير الطلاق العدي بالمراجع فيه في العدة مواقعا فيها في مقابل
السني لا يقتضي أن التسع للعدة كذلك، بل لعله يقضي بخلافه، بل لعل ذكرهم
التسع مع نصهم على الحرمة بالمفروض قرينة على عدم ذلك، وإلا كان مقتضاه
تحريمها بالرابعة عشر، فإنها هي التي تكمل بها التسع للعدة حقيقة.
وأما الرضوي فهو - مع أنه لم يثبت نسبته إلى الرضا عليه السلام عندنا - يجري
فيه نحو ذلك.
وأما الأخبار الثلاث فلا يخفى تجشم ما سمعته فيها، بل يمكن القطع بعدم
إرادة ذلك منها وإن كان هو مقتضى صناعة الأصول، إذ ليس كل ما تقتضيه الصناعة
حجة يعمل عليه مع القطع أو الظن المعتد به بعدم إرادته، بل فتح الباب المزبور
في الخبر الثالث يسقط الأخبار عن الحجية، ضرورة قيام احتمال تصرف الراوي

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11 و 12 والكافي ج 6
ص 77 و 78 والاستبصار ج 3 ص 271 الرقم 963 و 964.
(2) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(3) في النسختين الأصليتين المبيضة والمسودة (إلا مجاز) والصحيح ما أثبتناه.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 من كتاب الطلاق.
23

في جميعها، فليس هي إلا أخبار موافقة لا بن بكير وأصحابه، فالمتجه إما طرحها
لمعارضتها بالأقوى منها، أو العمل بها كما تعرفه في محله إن شاء الله.
ومن ذلك كله توقف بعض متأخري الأصحاب في الحكم المزبور، وهو
في محله، نعم إن تم الاجماع المدعى على عدم اعتبار الطلاق العدي في الحرمة حتى
تنكح في مقابل ابن بكير، وتم الاجماع المدعى أيضا على اعتبار العدي في الحرمة
أبدا، وتم الاجماع المدعى أيضا على تحقق التسع للعدة بالمعنى المجازي ثبت
ما ذكروه، وإلا كان للنظر فيه مجال.
وعليه فالمتجه حينئذ الاقتصار عليه وقوفا على ما خالف الأصل على المتيقن
من النص والفتوى، فلا تكفي المتفرقة، ولا يجري الحكم في الأمة لما عرفت من عدم
إطلاق يرجع إليه حينئذ في صور الشك بعد فهم التوالي من النصوص المزبورة، والله
العالم وربما يأتي زيادة تحقيق للمسألة في باب الطلاق إن شاء الله.
(السبب الخامس)
(اللعان، وهو سبب لتحريم الملاعنة تحريما مؤبدا) نصا (1) وإجماعا،
ولكن شروطه (2) الآتية في محله كأن يرميها بالزنا ويدعي المشاهدة ولا بينة،
أو ينفي ولدها الجامع لشرائط الالحاق به وتنكر ذلك، فتلزمهما حينئذ الملاعنة،
ويأمرهما الحاكم بها، فإذا تلاعنا سقط عنه حد القذف وعنها حد الزنا، وانتفى
الولد عنه، وحرمت عليه مؤبدا، بلا إشكال في شئ من ذلك ولا خلاف، ولو لم يدع
المشاهدة أو أقام بينة فلا لعان إجماعا، لاشتراطه بعدم الشهداء بنص الآية (3).

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان.
(2) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، إلا أن الموجود في المسودة التي هي بخط
المصنف (قده) (بشروطه) وهو الصحيح.
(3) سورة النور: 24 - الآية 6.
24

(وكذا) في كونه سببا للحرمة أبدا (قذف الزوجة الصماء أو الخرساء بما يوجب
اللعان لو لم تكن كذلك) وإن لم يكن لعان بينهما، لانتفاء شرطه بلا خلاف أجده
فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى صحيح أبي بصير أو موثقه (1) قال: (سئل
أبو عبد الله عليه السلام عن رجل قذف امرأته بالزنا وهي خرساء صماء لا تسمع ما قال،
فقال: إن كان لها بينة تشهد لها عند الإمام جلده الحد وفرق بينهما، ثم لا تحل له
أبدا، وإن لم تكن لها بينة فهي حرام عليه ما أقام معها ولا إثم عليها) وحسن
الحلبي ومحمد بن مسلم (2) عنه عليه السلام (في رجل قذف امرأته وهي خرساء، قال: يفرق
بينهما) وخبر محمد بن مروان (3) عنه عليه السلام (في المرأة الخرساء كيف يلاعنها زوجها؟
قال: يفرق بينهما ولا تحل له أبدا) وظاهر الأخيرين الاكتفاء بالخرس وحده،
بل هو ظاهر الأول أيضا بناء على رواية الشيخ له هنا بأو، لكن رواه في باب اللعان
بدونها كالكليني الذي هو أضبط من الشيخ قطعا، لكن مع كون ذلك في كلام السائل
والاقتصار على الخرس في الروايتين والتعبير بأو في كلام الأكثر بل هو في معقد
إجماعي الغنية ومحكي السرائر يتجه الاكتفاء بأحدهما، نعم في محكي التحرير
الاشكال في الصماء، وفي المسالك هو مبني على اعتبار الأمرين.
وفيه أنه لو كان كذلك لم يخص الصماء بالاشكال، ضرورة كونهما حينئذ
من واد واحد، بل هو مبني على مفروغية سببية الخرس وحده للروايتين،
وإحدى النسختين ومعقد الاجماعين، أما الصمم فقد يتوقف فيه من حيث إنه
ليس إلا في سؤال خبر أبي بصير المحتمل كونه مذكورا فيه لبيان الواقع، لا لأن له
مدخلية في الحكم، كما أنه ليس في الجواب إلا الحكم المزبور الذي لا إشكال في ثبوته
على فرض تمامية الخرس في التسبيب، إذ الصمم إن لم يكن مؤكدا لم يكن مانعا،
فالعمومات حينئذ تقتضي عدم التحريم معه، ومن الاجماعين المزبورين وإحدى
النسختين وظهور السؤال في مدخليته في الحكم سيما مع قول السائل: (لا تسمع
ما قال) مع تقرير الإمام له، فإذا ثبت أن الخرس وحده سبب في الحكم استلزم ذلك

(1) الوسائل الباب - 8 - من كتاب اللعان الحديث 2 - 1 - 4.
(2) الوسائل الباب - 8 - من كتاب اللعان الحديث 2 - 1 - 4.
(3) الوسائل الباب - 8 - من كتاب اللعان الحديث 2 - 1 - 4.
25

ثبوت الصمم وحده أضا بعد فرض ظهور الخبر في مدخليته في الحكم، إذ احتمال
الاطلاق في سببية الخرس وتقييد سببية الصمم به لا يرجع إلى محصل.
نعم ربما يقوى في النفس أن الاختلاف المزبور في النصوص للتلازم بين
الخرس الخلقي والصمم، ومنه ينقدح تخصيص موضوع هذا الحكم المخالف للأصول
بذلك، أما الخرس العارضي بقطع لسان ونحوه وكذلك الصمم فلا يثبت له هذا
الحكم، وهو جيد جدا إن لم يكن إجماع على خلافه.
وعلى كل حال فقد سمعت في المتن وغيره اعتبار ما يوجب اللعان في القذف
المسبب لذلك، وقد يشكل ذلك بخلو الصحيح والحسن بل ومعقد إجماع الغنية
عن ذلك، ومن هنا قال بعضهم: (لولا الاجماع على القيد المزبور لأمكن جعل
السبب مطلقا قذف الزوج الصماء والخرساء) لكن قد يقال مضافا إلى ذلك: إن
الخبر الثالث - وإن لم يكن مقيدا لهما باعتبار عدم منافاته لهما - مشعر بأن
التفرقة المزبورة هي اللعان بينهما، بل لعل السؤال في الخبرين الأولين مبني
على ذلك، بمعنى أن الخرساء والصماء التي لا لعان معها باعتبار خرسها وصممها
إذا قذفها زوجها كيف الحكم في هذا القذف؟ فأجاب عليه السلام بما عرفت، أي أن حكم
اللعان يجري وإن لم يكن فيكون هذا هو اللعان بينهما، وهذا هو المناسب لقاعدة
الاقتصار على المتيقن فيما خالف الأصل والعمومات، ومن هنا قيد المصنف وغيره
القذف بما يوجبه، بل هو ظاهر غيره أيضا مما ذكره متصلا بحكم الملاعنة.
ومن ذلك يعلم أن الحكم ثابت على سببي اللعان، وهو القذف وإنكار الولد، وهذا
معنى قوله: (كيف يلاعنها؟) أي إذا حصل سبب اللعان في غيرها معها كيف
يلاعنها؟ فما وقع من بعضهم من التصريح باختصاص الحكم في القذف بالزنا دون
نفي الولد في غير محله، كاحتمال جريان اللعان منها بالإشارة فيه بخلاف الأول،
لما ستعرف من اشتراط اللعان في كل من سببيه بعدم الخرس والصمم، كما هو
واضح.
بل من ذلك يعلم أيضا سقوط ما عن الصدوق من ثبوت الحكم لو قذفت الزوجة
26

الزوج الأخرس أو الأصم وإن شهد له المرسل (1) الفاقد لشرائط الحجية وإن
كان المرسل ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه على ما رواه الكشي (2)
(في امرأة قذفت زوجها الأصم، قال: يفرق بينهما ولا يحل له أبدا) لكن قد
عرفت أن هذا الحكم من أحكام اللعان بين الزوجة وزوجها، وهو إنما في قذف
الزوج للزوجة لا العكس، نعم لو قلنا، إنه حكم للقذف من حيث كونه قذفا
- ترتب عليه لعان لولا الآفة أو لم يترتب - أمكن حينئذ تعميم الحكم ولو لقاعدة
الاشتراك في وجه، ويخرج المرسل حينئذ شاهدا، لكن قد عرفت أن الحكم مترتب
عليه من حيث كونه سبب لعان، فلا يتجه ذلك، ولذا لو قذفها على وجه لا يكون
لعان به لعدم دعوى المشاهدة أو لحصول البينة أو لغير ذلك لم يترتب عليه الحكم
المزبور، كما هو واضح، والله العالم.
(السبب السادس)
(الكفر، والنظر فيه يستدعي بيان مقاصد:)
(الأول)
(لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية اجماعا) من المسلمين فضلا عن
المؤمنين، وكتابا (3) وسنة (4) وما عساه يظهر من محكي الخلاف عن بعض
أصحاب الحديث من أصحابنا من القول بالجواز مع أنا لم نتحققه ولا نقله غيره مسبوق
بالاجماع (و) ملحوق به،
نعم (في تحريم الكتابية من اليهود والنصارى روايتان (5)

(1) الوسائل الباب - 8 - من كتاب اللعان الحديث 3.
(2) رجال الكشي ص 466 ط النجف.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 221.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالكفر.
(5) الوسائل الباب - 1 و 2 - من أبواب ما يحرم بالكفر.
27

أشهرهما) عملا بين المتأخرين (المنع في النكاح الدائم، والجواز في المؤجل وملك
اليمين) جمعا بين الدليلين، لكن لا ريب في دلالة قوله تعالى (1) (ولا تنكحوا
المشركات) الآية على منع النكاح مطلقا، لأن تعليق النهي على الغاية التي هي
الايمان يدل على اشتراطه في النكاح، بل تعقيب النهي بقوله تعالى، (أولئك يدعون
إلى النار، والله يدعو إلى الجنة " يقتضي كونه علة للمنع، فإن الزوجين ربما أخذ
أحدهما من دين صاحبه، فيدعو ذلك إلى دخول النار، وهذا المعنى مطرد في جميع
أقسام الكفر، ولا اختصاص له بالشرك، على أنه قيل: إن اليهود والنصارى منهم
أيضا، لقول النصارى بالأقانيم الثلاثة، وقد قال الله تعالى (2): (وقالت اليهود عزير
ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) وقال أيضا (3): (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابا من دون الله والمسيح - إلى أن قال: - سبحانه وتعالى عما يشركون) والاشراك
كما يتحقق باثبات إله آخر مع الله سبحانه كذا يتحقق باثبات إله غيره، فتكون الآية
حينئذ دالة على المطلوب.
بل لعل قوله تعالى (4): (ومن لم يستطع منكم طولا) الآية دال على المطلوب
أيضا، فإنه إنما جوز نكاح الأمة إن لم يقدر على الحرة المؤمنة، فلو جاز نكاح
الكافرة لزم جواز نكاح الأمة مع الحرة الكافرة، ولم يقل به أحد، ولأن
التوصيف بالمؤمنات في قوله تعالى (5): (من فتياتكم المؤمنات) يقتضي أن لا يجوز
- نكاح الكافرة من الفتيات مع انتفاء الطول، وليس إلا لامتناع نكاحها مطلقا،
للاجماع على انتفاء الخصوصية بهذا الوجه، ولأن المنع عنها مع انتفاء الطول
يقتضي المنع معه بطريق أولى، وفي المحكي عن نوادر الراوندي باسناده (6) عن
موسى بن جعفر عن آبائه عن علي عليه السلام (لا يجوز للمسلم التزويج بالأمة اليهودية

(1) سورة: 2 - الآية 221.
(2) سورة التوبة: 9 - الآية 30 - 31.
(3) سورة التوبة: 9 - الآية 30 - 31.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 25.
(5) سورة النساء: 4 - الآية 25.
(6) البحار ج 103 ص 380 ط الحديث.
28

ولا النصرانية، لأن الله تعالى يقول: من فتياتكم المؤمنات).
بل قوله تعالى (1): (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) دال على المطلوب أيضا
فإن العصم جمع عصمة، وهي ما يعتصم به من عقد أو ملك، لأن المرأة بالنكاح
تعصم من غير زوجها، والكوافر جمع كافرة، فالمراد نهي المؤمنين عن المقام على
نكاح الكافرات، لانقطاع العصمة بينهما بالاسلام، وقد روي (2) (إنها لما نزلت
أطلق المسلمون نساءهم اللاتي لم يهاجرن حتى تزوج بهن الكفار) وفي مرسل
علي بن إبراهيم (3) عن أبي جعفر عليه السلام في تفسيرها (من كانت عنده امرأة كافرة
على غير ملة الاسلام وهو على ملة الاسلام فليعرض عليها الاسلام، فإن قبلت فهي
امرأته، وإلا فهي بريئة منه، نهى الله أن يمسك بعصمهم) ومتى ثبت انقطاع العصمة
الثابتة بالنكاح السابق لزم منه عدم تأثير اللاحق، بل لعله أولى، بل يمكن إرادة
الأعم من السابق واللاحق من الامساك المنهي عنه فيها، فإن الاستدامة من لوازم
التحصيل عادة، والمنع من اللازم يقتضي المنع من الملزوم، وعلى كل حال فلا
ريب في دلالتها على ذلك من غير اختصاص بالمشركات وإن نزلت فيهن على ما قيل،
لأن العبرة بعموم اللفظ لا بحصول السبب.
مضافا إلى موثق ابن الجهم (4) قال: (قال لي أبو الحسن الرضا عليه السلام: يا أبا محمد
ما تقول في رجل يتزوج نصرانية على مسلمة؟ قلت: جعلت فداك وما قولي بين
يديك؟ قال: لتقولن، فإن ذلك تعلم به قولي، قلت: لا يجوز تزويج نصرانية
على مسلمة ولا على غير مسلمة، قال: ولم؟ قلت: لقول الله عز وجل (5): ولا

(1) سورة الممتحنة: 60 - الآية 10.
(2) مجمع البيان ذيل الآية 10 من سورة الممتحنة.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 7.
(4) الوسائل الباب - 1 - من بواب ما يحرم بالكفر الحديث 3.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 221
29

تنكحوا المشركات - إلى آخرها - قال: فما تقول في هذه الآية (1) والمحصنات
من الذين أوتوا الكتاب؟ قلت: قوله: ولا تنكحوا المشركات نسخت هذه الآية،
فتبسم ثم سكت).
وإلى خبر زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام: (لا ينبغي نكاح أهل الكتاب،
قلت: جعلت فداك وأين تحريمه؟ قال: قوله: ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (3)
وصحيحه الآخر (4) (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله سبحانه والمحصنات - إلى
آخرها - قال: هذه منسوخة بقوله: ولا تمسكوا بعصم الكوافر). وإلى خبر مسعدة بن صدقة المروي عن تفسير العياشي (5) قال: (سئل
أبو جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى: والمحصنات - إلى آخرها - قال: نسختها: ولا
تمسكوا بعصم الكوافر).
وإلى ما عن الطبرسي أنه روى عند قوله تعالى: (والمحصنات) عن أبي -
الجارود (6) عن أبي جعفر عليه السلام (أنه منسوخ بقوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات)
بل قيل إن المراد بالمحصنات اللاتي أسلمن منهن، وبالمحصنات من المؤمنات
اللاتي كن في الأصل مؤمنات بأن ولدن على الاسلام، لما حكي أن قوما كانوا
يتحرجون من العقد على من أسلمت عن كفر، فبين سبحانه أنه لا حرج في ذلك،
فلذا أفرده بالذكر.
وإلى قوله تعالى (7): (لا تجد قوما يؤمنون بالله) إلى آخرها، فإن

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 5.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
(3) سورة الممتحنة: 60 - الآية 10.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب يحرم بالكفر الحديث 1 - 7.
(5) المستدرك الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
(6) الوسائل الباب - 1 - من أبواب يحرم بالكفر الحديث 1 - 7.
(7) سورة المجادلة: 58 - الآية 22.
30

التزويج بهن مودة، خصوصا بعد قوله تعالى (1) (وجعل بينكم مودة ورحمة).
وإلى قوله (2) (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة) فإن نفي الاستواء يقتضي
نفيه من جميع الوجوه التي منها المناكحة، ومن ذلك كله ذهب المفيد والمرتضى
وابن إدريس فيما حكي عنه إلى المنع مطلقا حتى الوطئ بملك اليمين الذي هو أحد
العصم، بل ادعى المرتضى منهم الاجماع على ذلك.
إلا أن التحقيق الجواز مطلقا وفاقا للحسن والصدوقين على كراهية متفاوتة
في الشدة والضعف بالنسبة (3) إلى الدائم والمنقطع وملك اليمين، وبالنسبة (4) إلى
من يستطيع نكاح المسلمة وغيره، وبالنسبة (5) لمن يكون عنده المسلمة وغيره،
وبالنسبة (6) إلى البله منهن وغيرها، كما أومأت إلى ذلك كله النصوص التي
ستسمعها، لقوله تعالى: (7) (والمحصنات) إلى آخرها التي هي من سورة المائدة
المشهورة في أنها محكمة لا نسخ فيها.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (8): (إن سورة المائدة آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها
وحرموا حرامها).
والمروي (9) عن الطبرسي عن العياشي باسناده وعيسى بن عبد الله، عن أبيه

(1) سورة الروم: 30 - الآية 21.
(2) سورة الحشر: 59 - الآية 20.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالكفر والباب - 13 - من أبواب
المتعة والباب - 16 - من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 من كتاب التجارة.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالكفر.
(5) الوسائل الباب - 2 و 7 و 8 - من أبواب ما يحرم بالكفر.
(6) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالكفر.
(7) سورة المائدة: 5 - الآية 5.
(8) الدر المنثور ج 92 ص 252.
(9) البحار ج 92 ص 274.
31

عن جده، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (كان القرآن ينسخ بعضه بعضا، وإنما
يؤخذ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بآخره، وكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت
ما قبلها ولم ينسخها شئ، لقد نزلت عليه وهو على بغلة شهباء، وقد ثقل على الوحي
حتى وقفت وتدلى بطنها حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض وأعيى، وأغمي على
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى وضع يده على ذوابة شيبة بن وهب الجمحي، ثم رفع ذلك عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ة المائدة، فعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وعملنا).
والمروي مرسلا (1) عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: (2) (لا تحلوا
شعائر الله) الآية (إنه لم ينسخ من هذه السورة شئ ولا من هذه الآية لأنه لا يجوز
أن يبتدأ المشركون في أشهر الحرم بالقتال إلا إذا قاتلوا) وفيه رد على من زعم
أن قوله تعالى (3): (ولا الشهر الحرام) منسوخ بقوله (4): (فاقتلوا المشركين
حيث وجدتموهم).
وصحيح زرارة (5) عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سمعته يقول: جمع عمر بن
الخطاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم علي عليه السلام، فقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟
فقام المغيرة بن شعبة، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح على الخفين، فقال علي
عليه السلام: قبل المائدة أو بعدها، فقال: لا أدري، فقال علي عليه السلام: سبق الكتاب
الخفين، إنما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة).
والمروي عن العياشي، عن زرارة وأبي حنيفة عن أبي بكر بن حزم (6) قال:

(1) مجمع البيان ذيل الآية 2 من سورة المائدة.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 2.
(3) سورة المائدة: 5 - الآية 2.
(4) سورة التوبة: 9 - الآية 5.
(5) الوسائل الباب - 38 - من أبواب الوضوء - الحديث 6 من كتاب الطهارة.
(6) الوسائل الباب - 6 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 48 من كتاب القضاء.
32

(توضأ رجل فمسح على خفيه فدخل المسجد فصلى، فجاء علي عليه السلام فوطأ على رقبته،
فقال: ويلك تصلي على غير وضوء، فقال: أمرني عمر بن الخطاب، قال: فأخذ بيده
فانتهى به إليه، فقال: انظر ما يروى هذا عليك ورفع صوته، فقال: نعم أنا أمرته
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسح على الخفين، قال: قبل المائدة أو بعدها، قال: لا أدري،
قال: فلم تفتى وأنت لا تدري، سبق الكتاب الخفين).
بل يدل على انتفاء النسخ في خصوص الآية بل هي ناسخة لما ادعوا نسخها
به ما رواه السيد في المحكي من رسالة المحكم والمتشابه نقلا عن تفسير النعماني
باسناده (1) عن علي عليه السلام قال: (وأما الآيات التي نصفها منسوخ ونصفها متروك
بحاله لم ينسخ، وما جاء من الرخصة في العزيمة فقوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات
- إلى آخرها - وذلك أن المسلمين كانوا ينكحون في أهل الكتاب من اليهود
والنصارى وينكحونهم حتى نزلت هذه الآية نهيا أن ينكح المسلم في المشرك أو
ينكحونه، ثم قال الله تعالى في سورة المائدة ما نسخ هذه الآية، فقال: والمحصنات
- الآية - فأطلق الله تعالى مناكحتهن بعد أن كان نهى، وترك قوله: ولا تنكحوا
المشركين حتى يؤمنوا على حاله، لم ينسخه).
بل يشهد له أيضا ما ذكره الثقة الجليل علي بن إبراهيم (2) في تفسيره عند
قوله تعالى: (ولا تنكحوا) الآية (هي منسوخة بقوله تعالى في سورة المائدة:

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 6.
(2) الموجود في تفسير علي بن إبراهيم في ص 63 (طبع إيران عام 1313) ذيل
الآية 221 من سورة البقرة (فقوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن منسوخة بقوله:
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، وقوله: ولا تنكحوا المشركين حتى
يؤمن على حاله لم ينسخ) وفي ص 151 ذيل الآية 5 من سورة المائدة (فقد أحل الله نكاح
أهل الكتاب بعد تحريمه في قوله في سورة البقرة: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن،
وأنما يحل نكاح أهل الكتاب الذين يؤدون الجزية على ما يجب، فأما إذا كانوا في دار
الشرك ولم يؤدوا الجزية لم يحل مناكحتهم).
33

اليوم - الآية - ثم قال: نسخت هذه الآية قوله: ولا تنكحوا المشركات، وترك
قوله: ولا تنكحوا المشركين على حاله لم ينسخ، لأنه لا يحل للمسلم أن ينكح
المشرك، ويحل له أن يتزوج المشركة من اليهود والنصارى) فإنه وإن لم يسنده
إلى حجة إلا أن الظاهر كونه مأخوذا عنهم عليهم السلام، كما يشهد به طريقة المحدثين
وخصوصا فيما طريقه النقل من نقل متون الأخبار بحذف الاسناد كأنه من كلامهم.
ومن ذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن جماعة من منع كون سورة المائدة
محكمة، لاشتمالها على ما هو منسوخ، وعدوا منه قوله تعالى (1): (فاعف عنهم
واصفح) وقوله تعالى (2): (ما على الرسول إلا البلاغ) وقوله تعالى (3): (يا أيها الذين
آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) فإنها جميعا منسوخة بآية
السيف، وهي قوله تعالى (4): (واقتلوهم حيث وجدتموهم) على أن ذلك ليس من
النسخ قطعا.
وأيضا فإن الروايات السابقة الدالة على نسخ آية المائدة منها ما دل على أنها
منسوخة بقوله تعالى: (ولا تمسكوا) ومنها ما دل على أنها منسوخة بقوله تعالى:
(ولا تنكحوا) إلى آخرها، ومن المعلوم أن النسخ بأحدهما لا يجتمع مع النسخ
بالأخرى لاستحالة نسخ الشئ ورفعه بعد زواله وارتفاعه.
ومنه يعلم أن ما تضمنته رواية الطبرسي من اسناد النسخ إليهما معا خلاف
ما يقتضيه الاعتبار، إلا أن يقال: إن الناسخ هو إحدى الآيتين خاصة، وإنما أضيف
النسخ إلى الأخرى لكونها بمنزلة الناسخ من حيث الدلالة على ما يخالف حكم
المنسوخ وإن حصل الرفع بغيرها، أو ما من شأنه النسخ به، أو يقال بتكرر النسخ
وإن المنسوخ هو حل الكتابية لا من حيث استفادته من خصوص الآية بل حلها
مطلقا وإن كان لأجل السنة لكن الكل كما ترى.
وأيضا قد عرفت أن الظاهر من آية النهي عن الامساك المنع عن البقاء على

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 13 - 99 - 105.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 13 - 99 - 105.
(3) سورة المائدة: 5 - الآية 13 - 99 - 105.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 89.
34

نكاح الكوافر واستدامته كما نص عليه المفسرون، فيشكل الحكم بكونه ناسخا
لحل الكتابية، للاجماع على بقاء النكاح إذا أسلم زوج الذمية دونها وإن اختلفوا
في جواز نكاحها ابتداء وعدمه، ولا تجدي أولوية المنع عن الابتداء بعد انتفاء حكم
الأصل، نعم يصح جعل الآية ناسخة لو حمل الامساك على ما يعم الابتداء والاستدامة،
لكنه خلاف المتبادر من اللفظ، ولذا لم يذكره المفسرون.
وأما النسخ بقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات) فيتوجه عليه منع
دخول الكتابية في المشركة، لأن المتبادر من الشرك في إطلاق الشرع غير أهل الكتاب،
كما يؤيده عطف المشركين على أهل الكتاب وبالعكس في كثير من الآيات (1)
وهذا لا ينافي اعتقادهم ما يوجب الشرك، إذ ليس الغرض نفي الشرك عنهم، بل عدم
تبادره من إطلاق لفظ المشرك، وادعاء النسخ بالآية لفهم العموم منها بالقرائن
وإن كان ممكنا إلا أنه خلاف ظاهر الرواية الدالة على النسخ بها من غير التفات
إلى قرائن العموم، فوجب حينئذ طرح ما دل على ذلك، أو تأويله. على أن خبر ابن
الجهم ليس فيه إلا أنه تبسم وسكت، ويمكن أن يكون تبسمه على اشتباهه،
خصوصا والإمام عليه السلام سأله عن تزويج النصرانية على المسلمة الظاهر في المفروغية من
جواز نكاحها لا على مسلمة.
وأيضا صدر آية المائدة بقوله تعالى: (2) (اليوم أحل) إلى آخرها المراد
منه بحسب الظاهر ما تعلق بالكتابيين، فإنه ظاهر في تجدد الحل ورفع الحرمة
السابقة، فهو حينئذ كالصريح في أنه ناسخ لا منسوخ، على أنه لو أغضينا عن
ترجيح ما ذكرناه، وقلنا: إن خبر الواحد لا يثبت به النسخ ولا الناسخ فلا أقل من
التعارض، ولا ريب في أن التخصيص أولى من النسخ، وهو حاصل بتحكيم سورة
المائدة.
هذا كله مضافا إلى موافقة ذلك للنصوص المستفيضة أو المتواترة الدالة على

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 105 وسورة البينة: 98 - الآية 98 الآية 1 و 6.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 5.
35

جواز نكاح الكتابية منطوقا ومفهوما كصحيح ابن وهب (1) وغيره المروي في
الكافي والفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل المؤمن يتزوج النصرانية واليهودية،
قال: إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت: يكون له فيها
الهوى، فقال: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واعلم أن
عليه في دينه في تزويجه إياها غضاضة) ومنه يعلم الكراهة لمن يجد المسلمة في
خبر محمد (2) عن أبي جعفر عليه السلام (لا ينبغي للمسلم أن يتزوج يهودية ولا نصرانية
وهو يجد مسلمة حرة أو أمة) مضافا إلى إشعار لفظ (لا ينبغي) فيه، وإلى خبر
عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سأله أبي وأنا أسمع عن نكاح
اليهودية والنصرانية، فقال: نكاحهما أحب إلي من نكاح الناصبية، وما أحب للرجل
المسلم أن يتزوج اليهودية ولا النصرانية مخافة أن يتهود ولده أو يتنصروا).
فما عن أبي علي - من حرمة النكاح اختيارا والجواز اضطرارا للخبر المزبور
وخبر حفص بن غياث (4) قال: (كتب إلي بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام
عن مسائل، فسألته عن الأسير هل له أن يتزوج في دار الحرب؟ فقال: أكره ذلك
فإن فعل في بلاد الروم فليس هو بحرام، وهو نكاح، وأما في الترك والديلم والخزر
فلا يحل له ذلك " ونحوه، كخبر الخزاز (5) عنه عليه السلام - واضح الضعف، على أن
خبر حفص لا صراحة فيه، بل ولا ظهور في اشتراط الاضطرار المزبور في الجواز،
بل في الدلالة على عدمه أظهر، فيندرج حينئذ في أدلة المختار التي منها
ما عرفت.

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1 - 2.
(3) ذكر صدره في الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 10
وذيله في الباب - 1 - منها - الحديث 5.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
(5) أشار إليه في الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالكفر - الحديث 4 وذكر في التهذيب ج 7 ص 433 الرقم 1727.
36

و (منها) أيضا موثق سماعة (1) (سألته عن اليهودية والنصرانية أيتزوجها الرجل
على المسلمة؟ قال: لا وتزوج المسلمة على اليهودية والنصرانية) الذي منه تظهر
دلالة القيد في الصحيح أو الحسن (2) عن أبي جعفر عليه السلام (لا يتزوج اليهودية
والنصرانية على المسلمة) بل وخبر أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يتزوج
اليهودية ولا النصرانية على حرة متعة وغير متعة).
و (منها) خبر أبي بصير (4) أيضا عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن رجل له
امرأة نصرانية له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال إن أهل الكتاب مماليك للإمام،
وذلك موسع منا عليكم خاصة، فلا بأس أن يتزوج، قلت: فإنه يتزوج عليها أمة،
قال: لا يصلح له أن يتزوج ثلاث إماء، فإن تزوج عليها حرة مسلمة ولم تعلم أن له
امرأة نصرانية ويهودية ثم دخل بها فإن لها ما أخذت من المهر، فإن شاءت أن
تقيم بعد معه أقامت، وإن شاءت أن تذهب إلى أهلها ذهبت، وإذا حاضت ثلاث
حيض أو مرت ثلاثة أشهر حلت للأزواج، قلت: فإن طلق عليها اليهودية
والنصرانية قبل أن تنقضي عدة المسلمة له عليها سبيل أن يردها إلى منزله؟ قال:
نعم) وخبر منصور بن حازم (5) عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل تزوج ذمية
على مسلمة ولم يستأمرها، قال: يفرق بينهما، قلت: فعليه أدب؟ قال: نعم اثني
عشر سوطا ونصف ثمن حد الزاني وهو صاغر، قلت: فإن رضيت المرأة الحرة
المسلمة بفعله بعد ما كان فعل، قال: لا يضرب ولا يفرق بينهما، يبقيان على النكاح
الأول) وخبر هشام بن سالم (6) عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل تزوج ذمية على

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث - 2 - 1 - 5.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث - 2 - 1 - 5.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث - 2 - 1 - 5.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
(5) أشار إليه في الوسائل الباب - 7 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4 وذكره
في الباب - 49 - من أبواب حد الزنا - الحديث 1 من كتاب الحدود.
(6) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
37

مسلمة، قال: يفرق بينهما ويضرب ثمن الحد، اثني عشر سوطا ونصف، فإن رضيت
المسلمة ضرب ثمن الحد ولم يفرق بينهما، قلت: كيف يضرب النصف؟ قال: يؤخذ
السوط بالنصف فيضرب به) وخبر أبي مريم الأنصاري (1) عن أبي جعفر عليه السلام (سألته
عن طعام أهل الكتاب ونكاحهم حلال هو؟ فقال: نعم قد كانت تحت طلحة يهودية)
وصحيح محمد بن مسلم (2) عنه عليه السلام أيضا (سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية،
فقال: لا بأس به، أما علمت أنه كان تحت طلحة بن عبد الله يهودية على عهد النبي
صلى الله عليه وآله؟).
و (منها) خصوص ما جاء في المتعة كمرسل ابن فضال (3) عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية وعنده حرة)
وخبر زرارة (4) (سمعته عليه السلام يقول: لا بأس أن يتزوج اليهودية والنصرانية،
فقال: لا بأس به يعني متعة) وخبر الأشعري (5) (سألته عليه السلام عن الرجل
يتمتع من اليهودية والنصرانية، فقال: لا أرى بذلك بأسا) الحديث. وخبر الحسن
التغلبي (6) (سألت الرضا عليه السلام أنتمتع من اليهودية والنصرانية؟ فقال: تتمتع
من الحرة المؤمنة أحب إلي، وهي أعظم حرمة منها) إلى غير ذلك من

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3 و 4.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3 و 4.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2 والباب 13 من
أبواب المتعة - الحديث 2. وفي الموضعين قال: (سمعته يقول: لا بأس أن يتزوج
اليهودية والنصرانية متعة وعنده امرأة) وأما قوله: فقال: لا بأس به يعني متعة) فهو من
تتمة حديث محمد بن سنان الذي ذكره في الوسائل بعد خبر زرارة في الموضع الثاني بلا فصل،
والظاهر أنه سهو من قلمه وطفرة من نظره الشريف طاب ثراه.
(5) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(6) الوسائل الباب - 7 - من أبواب المتعة الحديث 3 والباب - 13 - منها الحديث 6
عن الحسن التفليسي كما في الاستبصار - ج 3 ص 145 - الرقم 524.
38

النصوص الدالة على ذلك، مضافا إلى ما عن المبسوط من أنه قد أجاز أصحابنا
كلهم التمتع بالكتابية ووطأها بملك اليمين.
إلا أن النصوص جميعها كما ترى لا تفصيل في شئ منها بالدائم والمؤجل
وملك اليمين الذي اختاره المصنف وغيره، بل قيل: إنه المشهور، بل ظاهر بعضها
أو صريحه التعميم زيادة على إطلاق النكاح والتزويج الذي إن لم يكن ظاهرا في
الدوام فلا ريب في تناوله لهما معا.
ودعوى ظهور الآية (1) في المتعة - باعتبار ذكر الأجر فيها الظاهر في
عوضها، دون الدائم، فإن عوضه يسمى بالمهر والصداق ونحوهما - يدفعها - مع
أنه لا دلالة فيها على التفصيل المنافي للاطلاق، بل هي حينئذ كأخبار المتعة - منع
اختصاص لفظ الأجر في ذلك، ومنع انصرافه إليه، بل أطلق في الكتاب والسنة
على المهر باعتبار كونه عوض ملك منفعة البضع، على أن الآية قد اشتملت على
المحصنات من المؤمنات والمحصنات من أهل الكتاب، والمراد أجور الجميع، ولا
ريب في عدم اختصاص الجواز في المؤمنات بالتمتع، واحتمال اختصاص القيد
بالكتابيات يدفعه ظهور الآية في خلافه، وخبر زرارة (2) المشتمل على التفسير
بالمتعة مع أنه منه لا من الإمام عليه السلام لا يقتضي التقييد، إذ أقصاه أن مراد الإمام عليه السلام
في خصوص الخبر المزبور من التزويج المتعة.
ودعوى حمل جميع ما دل على جواز الدوام على التقية يدفعها أن جملة
من رواة تلك النصوص ممن لا يعطون من جراب النورة، على أن فيها ما ينافي
التقية كالخبر المشتمل على كونهن ملكا للإمام، وغيره. كل ذلك مع عدم المعارض
الذي يحمل لأجله الخبر على التقية المسقطة لحجيته، وعدم الاشعار في شئ
منها بذلك، كما هو المتعارف في الأخبار الواردة مورد التقية والاستدلال بفعل
طلحة باعتبار تقرير النبي صلى الله عليه وآله له عليه فلا دلالة على ذلك، كما هو واضح.

(1) سورة النساء: 4 الآية 25.
(2) راجع التعليقة (4) من الصفحة (38).
39

وكذا المناقشة فيها - باشتمالها على اعتبار المنع من أكل لحم الخنزير
وشرب الخمر، وهو غير شرط في صحة النكاح، ولا واجب من حيث كونها زوجة
ووجوبه من حيث الأمر بالمعروف خارج عما نحن فيه، واشتمال الآخر على
اختصاص التوسعة بالشيعة، وعلى معاملتهن معاملة الأمة في عدم جواز الجمع بين
الثلاث منهن، وعدم نكاحهن على المسلمة، والخيار للمسلمة لو نكحت عليهن
وهي غير عالمة، وأن له الرجوع على المسلمة في عدة الفسخ لو طلق اليهودية، وغير
ذلك مما لا يلتزمه القائل بالجواز - يدفعها عدم سقوط الخبر عن الحجية بذلك،
على أن الصدوق وابنه قد أفتيا بمضمون الصحيح المشتمل على المنع من لحم الخنزير
وشرب الخمر، فلعلهما يعملان به بالنسبة إلى ذلك، وإن كان الأقوى خلافه،
لاطلاق النصوص، نعم لا يبعد الاستحباب المؤكد أو الوجوب مع التمكن ولو
بالاشتراط في عقد النكاح، كما أنه لا يبعد الكراهة في نكاحها على المسلمة
احتراما لها، بل لعل الرجوع إليها بعد الطلاق دليل على عدم كون النسخ حقيقة،
وأنها باقية على حباله، كل ذلك بعد فرض الاجماع على عدم هذه الأحكام فيهن،
كما هو واضح، ومن ذلك كله يظهر لك أن مختار المصنف وغيره من التفصيل في
غاية الضعف.
وأضعف منه اختصاص الجواز بملك اليمين كما هو ظاهر المفيد، وكذا
القول بالتفصيل بين الاضطرار وغيره في الدائم والجواز مطلقا متعة، فإن جميع ذلك
مناف للعمومات ولما سمعته من الكتاب والسنة السالمة عن معارضة ما عدا التعميم
والتخصيص إلا ما تقدم من النصوص (1) المتضمنة لنسخ آية المائدة (2) بآية
(ولا تمسكوا) (3) وبآية (ولا تنكحوا) (4) وقد عرفت الحال فيها وقصورها عن

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالكفر - الحديث 1 و 3 و 7 والمستدرك
الباب - 1 - منها الحديث.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 5.
(3) سورة الممتحنة: 60 - الآية 10.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 221.
40

المعارضة من وجوه.
وآية المحادة (1) - بعد منع كون التزويج موادة، فإنه ربما كان للحاجة
دون المحبة، وآية (وجعل بينكم مودة ورحمة) (2) محمولة على الغالب، لتحقق
النشوز والشقاق المنافيين للمودة قطعا - ظاهرة في أن المراد موادة المحاد من حيث
المحادة، لتعليقها على الوصف الظاهر في العلية، إذ الموادة لا من تلك الجهة لا تكون
داخلة تحت الاختيار، فلا يتوجه النهي إليها، ولا يصح الحمل على اللوازم، لجواز
صلة المحاد، لقوله تعالى (3): (وصاحبهما في الدنيا معروفا) وقوله صلى الله عليه وآله (4):
(لكل كبد حري أجر) ولا ريب في تحريم الموادة من حيث المحادة، بل منافاتها
للايمان، فإنه ومحبة الكفر مما لا يجتمعان، وحينئذ فالآية محمولة على ظاهرها،
ولا حاجة فيها إلى تأويل قوله تعالى: (لا تجد) بما قيل من أن المعنى لا ينبغي أن
تجدوا، فإنه إنما يحتاج إلى ذلك لو أريد بالموادة مطلق المحبة، وقد عرفت
فساده، بل لعل الغرض من هذا الحكم نفي الايمان عن الذين كانوا يدعون الايمان
ويضمرون الموادة للكفار المعلنين بالكفر، وهم المنافقون الذين كان يعرفهم
النبي صلى الله عليه وآله بلحن القول وإشارات الوحي، وإنما ترك التصريح، لأن الكناية أوفق
بالبلاغة وأدعى إلى الرجوع إلى الحق، ولما في التصريح من خشية تظاهرهم
بالأمر ولحوقهم بالكفار الداعي إلى تقوية الكفر وضعف الاسلام لكثرة المنافقين
في عصره صلى الله عليه وآله، ولا ريب في نقضه للغرض.
وأما آية الاستواء (5) فهي أجنبية عما نحن فيه، على أنها هي وغيرها من

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 22.
(2) سورة الروم: 30 - الآية 21.
(3) سورة لقمان: 31 - الآية 15.
(4) مسند أحمد ج 2 ص 222 وفيه (في كل ذات كبد حرا أجر).
(5) سورة الحشر: 59 الآية 20.
41

الآيات معارضة لآية المائدة بالعموم الذي لا يعارض الخاص، وأما احتمال إرادة
المسلمات من (المحصنات من الذين أوتوا الكتاب) (1) فتخرج عن أصل المعارضة
فيدفعه أنه مناف للظاهر خصوصا مع المقابلة بالمحصنات من المؤمنات واتصال هذا
الحكم بأحكام أهل الكتاب الثابتين على الكفر في قوله تعالى (2): (وطعام الذين أوتوا
الكتاب حل) إلى آخرها، فإنه لا ريب في أن المراد من أهل الكتاب من ثبت
منهم على الكفر دون من أسلم باتفاق المفسرين - على ما قيل - والنصوص الواردة
في تفسيرها، على أن العمدة للخصم النص الدال على أنها منسوخة، ولولاه لكان
الواجب التخصيص، وحينئذ فالأمر دائر بين النسخ والتخصيص. وعلى كل حال فالمراد
بالمحصنات من الذين اللاتي لم يسلمن من الكتابيات، وقد عرفت رجحان عدم
نسخها، بل قد عرفت ما يدل على أنها ناسخة.
وأما صحيح زرارة (3) (سألت أبا جعفر عليه السلام عن نكاح اليهودية والنصرانية
فقال: لا يصلح للمسلم أن ينكح يهودية ولا نصرانية، إنما يحل منهن نكاح البله)
فلم أجد عاملا به، نعم يحكى عن سلار أنه جوز نكاح المؤمنة والمستضعفة
دواما ومطلق الذمية متعة، لكنه على كل حال قاصر عن معارضة غيره مما عرفت، على
أن قوله عليه السلام فيه: (لا يصلح) مشعر بالكراهة، وإرادة الحرمة منه بقرينة قوله عليه السلام:
(إنما يحل) ليس بأولى من إرادة ضعف الكراهة من الثاني بقرينة قوله: (لا يصلح)
في الأول، فيكون عدم البلاهة مرتبة من مراتب الكراهة التي أشرنا إليها، وقلنا
بتنزيل النصوص عليها، للاشعار فيها بذلك من وجوه.
وقد ظهر لك من ذلك كله ضعف الأقوال الستة أو السبعة، وأن الأقوال
المفصلة منها مبنية على الجمع بلا شاهد ونحوه مما هو واضح البطلان، ومما
سمعته تعرف ما في دعوى المرتضى (ره) من الاجماع على عدم الجواز مطلقا المتبين
خلافه، خصوصا في المتعة وملك اليمين، فلم يبق بحمد الله سبحانه في المسألة بعد اليوم من

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 5.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 5.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
42

إشكال، والحمد لله المتعال، والله هو العالم بحقيقة الحال.
هذا وقد قال المصنف تبعا لجماعة: (وكذا حكم المجوس على أشبه
الروايتين) أي لا يجوز النكاح فيهم إلا مؤجلا أو ملك يمين، ففي صحيح ابن
مسلم (1) (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل المسلم أيتزوج المجوسية؟ قال: لا،
ولكن إن كانت له أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها، ولا يطلب ولدها)
وخبر منصور الصيقل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بالرجل أن يتمتع
بالمجوسية) ونحوه خبرا محمد بن سنان (3) وحماد بن عيسى (4) عن الرضا وأبي
عبد الله عليهما السلام، فالجمع بين الصحيح المزبور وبين ما دل على عدم جواز نكاح
المشركات والكوافر (5) وبينها قاض بذلك، مضافا إلى مشابهة المتعة لملك اليمين،
بل وإلى ما دل على أن المجوس كتابيون - بناء على أن حكمهم عند المصنف
ذلك من مرسل الواسطي (6) عن الصادق عليه السلام قال: (سئل عن المجوس أكان لهم
نبي؟ فقال: نعم أما بلغك كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أهل مكة أن أسلموا وإلا
فأذنوا بحرب، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان،
فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وآله إني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، فكتبوا
إليه يريدون تكذيبه: زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، ثم أخذت
الجزية من مجوس هجر؟ فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وآله: إن المجوس كان لهم نبي
فقتلوه، وكتاب أحرقوه أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور) ونحوه

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المتعة الحديث 5 - 4 - 5 والثالث مرسل حماد بن عيسى.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المتعة الحديث 5 - 4 - 5 والثالث مرسل حماد بن عيسى.
(4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المتعة الحديث 5 - 4 - 5 والثالث مرسل حماد بن عيسى.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1 و 3 و 7.
(6) الوسائل الباب - 49 - من أبواب جهاد العدو - الحديث 1 من كتاب
الجهاد.
43

المروي في محكي العلل عن أمير المؤمنين عليه السلام (1) والنبوي (2) (سنوا بهم سنة
أهل الكتاب).
لكن قد يناقش في ذلك كله بأن مقتضي الآية والصحيح الأول عدم جواز
النكاح مطلقا غبطة ومتعة، والأخبار الثلاثة ضعيفة لا جابر لها، ضرورة عدم
تحقق شهرة بذلك، بل لعل الشهرة على الخلاف، بل عن التبيان والسرائر الاجماع
على ذلك، والمرسلان فاقدان شرائط الحجية، بل زيد في الثاني منهما (غير ناكحي
نسائهم ولا آكلي ذبائحهم) فيراد منهما بالنسبة إلى غير ما نحن فيه، ففي المقنعة
عن أمير المؤمنين عليه السلام (3) أنه قال: (المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى في
الجزية والديات لأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب).
على أن المراد بأهل الكتاب من أظهر اتباعه والانقياد له، لا من أحرقه
وأعرض عنه، بل المنساق من أهل الكتاب في مثل آية المائدة التي في محل البحث
اليهود والنصارى كما لا يخفى على من تأمل موارد إطلاق هذا اللفظ، لعدم العبرة
عندنا بغير التوراة والإنجيل من باقي الكتب التي هي على ما قيل نقل من الأنبياء
بالمعنى، لا أن ألفاظها نزلت من رب العزة، أو أنها مواعظ ونحوها لا أحكام،
ولعله لذلك خص أهل الكتابين ببعض الأحكام دون غيرهم، فالذي يقوى في النظر
حرمة نكاحهم مطلقا إلا بملك اليمين.
نعم الظاهر أن السامرة - على ما قيل - قوم من اليهود يسكتون بيت المقدس
وقرايا من أعمال مصر يتقشفون في الطهارة أكثر من سائر اليهود، أثبتوا نبوة
موسى وهارون ويوشع وأنكروا نبوة من بعدهم رأسا إلا نبيا واحدا، وقالوا:

(1) لم نعثر على هذه الرواية في العلل بعد التتبع التام وإنما روى الصدوق قده
في الأمالي والتوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام ما يدل على أن المجوس كان لهم كتاب
وبعث إليهم النبي وقد ذكره في الوسائل في الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالنسب
الحديث 3. (2) الوسائل الباب - 49 - من أبواب جهاد العدو الحديث 5 و 9 من كتاب الجهاد.
(3) الوسائل الباب - 49 - من أبواب جهاد العدو الحديث 8 من كتاب الجهاد.
44

التوراة إنما بشرت بنبي واحد يأتي بعد موسى بصدق ما بين يديه من التوراة ويحكم
بحكمها، ولا يخالفها البتة، وقبلتهم الطور الذي كلم الله تعالى عليه وموسى، وقالوا:
إن الله تعالى أمر داود أن يبني عليه بيت المقدس، فخالف وظلم فبناه بايليا.
وأما الصابئون فعن أبي علي (أنهم قوم من النصارى) وعن المبسوط (أن
الصحيح خلافه، لأنهم يعبدون الكواكب) وعن التبيان ومجمع البيان (أنه لا يجوز
عندنا أخذ الجزية منهم، لأنهم ليسوا أهل الكتاب) وفي المحكي عن الخلاف
(نقل الاجماع على أنه لا يجري على الصابئة حكم أهل الكتاب) وعن العين أن دينهم
يشبه دين النصارى، إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب حيال نصف النهار، يزعمون
أنهم على دين نوح، وقيل: قوم من أهل الكتاب يقرؤون الزبور، وقيل: بين
اليهود والمجوس، وقيل: قوم يوحدون ولا يؤمنون برسول، وقيل: قوم يقرون بالله
عز وجل ويعبدون الملائكة ويقرؤون الزبور ويصلون إلى الكعبة، وقيل: قوم كانوا في زمن
إبراهيم عليه السلام يقولون بأنا نحتاج في معرفة الله ومعرفة طاعته إلى متوسط روحاني لا جسماني،
ثم لما لم يمكنهم الاقتصار على الروحانيات والتوسل بها فزعوا إلى الكواكب، فمنهم من
عبد السيارات السبع، ومنهم من عبد الثوابت، ثم إن منهم من اعتقد الإلهية في الكواكب
ومنهم من سماها ملائكة، ومنهم من تنزل عنها إلى الأصنام.
لكن في القواعد (الأصل في الباب أنهم، - أي السامرة والصابئين - إن كانوا إنما
يخالفون القبيلتين في فروع الدين فهم منهم، وإن خالفوهم في أصله فهم ملحدة لهم حكم
الحربيين) وفي كشف اللثام (بهذا يمكن الجمع بين القولين لجواز أن يعدوا منهم وإن
خالفوهم ببعض الأصول، كما يعد كثير من الفرق من المسلمين مع المخالفة في الأصول،
بل الأمر كذلك في غير الإمامية، وقد قيل: إنه لا كلام في عدهما من القبيلتين، وإنما
الكلام في الأحكام).
قلت: لا ينبغي الكلام في الأحكام بعد فرض أنهم من القبيلتين، أي اليهود والنصارى،
ضرورة تعليق الأحكام في النص والفتوى على المسمين بهذا الاسم الذي يشملهم
أهل الكتاب، فمع فرض انتحالهم ملة موسى وعيسى والتوراة والإنجيل وركونهم
إلى ما جاءا به جرت عليهم الأحكام، بل الظاهر عدم العبرة فيما بينهم من الاختلاف
45

في الأصول والفروع، ضرورة تناول الاسم لهم جميعا، وهو مدار الأحكام.
كما أن الظاهر الاكتفاء في اثبات يهوديته مثلا بإقراره من غير حاجة إلى
العلم بالتواتر، أو بالشياع المفيد له أو ما يقوم مقامه من شهادة العدلين وإن احتمله
في جامع المقاصد، لكن الذي يقوى خلافه، ضرورة كونهم في ذلك كالمسلمين في
أصل الاسلام وفي فرقة، وكغيره من الأشياء التي لا تعلم إلا من قبل أصحابها،
ضرورة كونها من الاعتقادات المقبول خبر أصحابها بالنسبة إلى جريان أحكامها
من غير فرق بين ما رجع منها إليهم وبين ما رجع منها إلى غيرهم التي منها
جواز نكاحهم.
نعم لا عبرة عندنا بمن تهود أو تنصر بعد البعثة، لأن كل من انتقل من الاسلام
أو من دين من أديان الكفر إلى دين أهل الكتاب بعد مبعث النبي صلى الله عليه وآله لم يقبل
منه عندنا من غير خلاف يعرف فيه إلا ما تسمعه من الشيخ (ره) بل عن بعضهم دعوى
الاجماع عليه، بل قيل لقوله تعالى (1): (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل
منه) وعموم قوله صلى الله عليه وآله (2): (ومن بدل دينه فاقتلوه) ولأن دينهم لنسخه لم تبق
له حرمة، خلافا للمحكي عن الشيخ من إقرار الكتابي المنتقل إلى غير ملته إذا
كان الثاني مما يقر عليه، ناقلا عليه الاجماع، والأول أقوى وحينئذ فليس
لأولادهم حرمة وإن نشؤوا على دين أهل الكتاب ولا يقرون عليه، إذ الأولاد
إنما يحترمون لاحترام آبائهم، وكذا أولاد الوثنيين إذا نشؤوا على اليهودية
أو النصرانية، فإنه في حكم الانتقال.
ولو كان التهود والتنصر قبل البعثة لم يبعد القبول مطلقا سواء كان انتقاله
إلى الدين المبدل بهم أو إلى القديم، لكن في القواعد (إن كان الانتقال قبله - أي
المبعث - وقبل التبديل قبل وأقر أولادهم عليه، وثبت لهم حرمة أهل الكتاب،
وهل التهود بعد مبعث عيسى كهو بعد مبعث النبي صلى الله عليه وآله؟ إشكال، وإن كان بينهما

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية 85.
(2) المستدرك الباب - 1 - من أبواب حد المرتد الحديث 2 من كتاب الحدود.
46

فإن انتقل إلى دين من بدل لم يقبل، وإلا قبل، ولو أشكل هل انتقلوا قبل التبديل،
أو بعده؟ أو علم وأشكل هل دخلوا في دين من بدل أولا؟ فالأقرب إجراؤهم
مجرى الكتابيين) قلت: لا إشكال في القبول لعموم الأدلة الشامل لهم، بل هو شامل
لمن انتقل بين المبعث والتبديل، خصوصا والمبدلون في زمن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة
عليهم السلام أكثر من غيرهم، بل لم يكن لهم إلا الدين المبدل، فإن الاقرار
بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله من دينهم، فإما أن يكونوا هم المبدلين أو الداخلين في دين
المبدل وآبائهم، بل هو شامل أيضا للمتهود بعد مبعث عيسى عليه السلام، فالأقوى
حينئذ إجراء حكم اليهود والنصارى على هؤلاء أجمع إلا من علم تهوده بعد البعثة
بناء على عدم قبول ذلك منه لما عرفت، كما هو واضح، والله العالم.
(ولو ارتد أحد الزوجين) عن الاسلام أو ارتدا معا دفعة (قبل الدخول
وقع الفسخ في الحال) مطلقا، سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملة، بلا خلاف أجده
فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، بل من أهل العلم كافة في الأول على ما عن
التذكرة، لعدم جواز نكاح المسلم والمسلمة كافرة وكافرا ابتداء واستدامة ولو
كتابيا، لعدم إقرارهم عليه إذا كان ارتدادا، وللمعتبرة (1) في المرتد الفطري
الشاملة لصورتي الدخول وعدمه كما تسمعها، والخبر (2) في الملي (المرتد تعزل
عنه امرأته، ولا تؤكل ذبيحته، ويستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل) وهو
وإن كان خاصا بارتداد الرجل لكن في الرياض إن ارتداد المرأة ملحق به، للاجماع
المركب، نعم قد يناقش بظهوره فيما بعد الدخول، اللهم إلا أن يقال: إن
ما قبل الدخول أولى فتأمل.
كما أنه قد يناقش في الفسخ بردتهما دفعة، ولعله لاطلاق ما دل على ذلك.

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب حد المرتد - الحديث 2 و 3 من كتاب الحدود
والباب - 6 - من موانع الإرث الحديث 4 و 5 من كتاب الإرث.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب حد المرتد الحديث 5 من كتاب الحدود.
47

من نص أو معقد إجماع، بل قد يقال: إن المرتد مطلقا وإن كان مليا لا يصح
نكاحه ابتداء ولا استدامة ولو لكافرة كتابية أو غيرها، وكذا المرتدة، لأنه
بعد أن كان حكمه القتل ولو بعد الاستتابة صار بحكم العدم الذي لا يصح نكاحه،
وكذا الامرأة، فإن حكمها السجن والضرب أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت،
ومن هنا قال في الدروس: (وتمنع الردة صحة النكاح لكافرة أو مسلمة) وقال
أيضا، (ولا يصح تزويج المرتد والمرتدة على الاطلاق، لأنه دون المسلمة وفوق
الكافرة، ولأنه لا يقر على دينه، والمرتدة فوقه، لأنها لا تقتل) قلت: ومن ذلك
يظهر لك الوجه في المرتدين دفعة ولو عن ملة، مضافا إلى دعوى الاجماع وإطلاق
ما دل على البينونة بالارتداد الشامل لحالي ارتداد الآخر وعدمه، بل يظهر لك
الوجه في الانفساخ حتى لو كانت الزوجة كتابية والزوج مرتدا مليا عن ذلك
الصنف من الكتابي، كما هو واضح.
(و) على كل حال ف‍ (يسقط المهر إن كان من المرأة) بلا خلاف أجده فيه
لأن الفسخ جاء من قبلها، ولأن المعاوضة انفسخت قبل التقابض (ونصفه إن كان
من الرجل) تنزيلا للفسخ بارتداده منزلة طلاقه المنصف للمهر قبل الدخول
سواء كان لمسمى أو لمهر مثل، وفيه أن الأصل يقتضي وجوب المهر للعقد المسبب
لذلك، وخروج الطلاق بدليل خاص لا يقتضي التعدية بعد حرمة القياس عندنا، ومن
هنا صرح غير واحد بوجوب الجميع عليه، خصوصا في الارتداد الفطري المنزل
المرتد (1) منزلة الميت، وستعرف أن الموت قبل الدخول يوجب الجميع، اللهم
إلا أن يقال: إن الأصل في الفسخ أو ما يقول مقامه رد كل عوض إلى صاحبه
كالإقالة في البيع، فمع فرض عدم الدخول لم يكن لها عليه شئ، لعدم التقابض،
لكن ثبت في الطلاق النصف للدليل، وألحق به كل فسخ جاء من قبله بوجوب

(1) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والصحيح (للمرتد) كما هو في المسودة
التي هي بخط المصنف طاب ثراه.
48

النصف، للاجماع عليه، كما قد أشرنا إلى ذلك في الرضاع، فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (لو وقع) الارتداد (بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء
العدة) من غير فرق في وقوعه (من أيهما كان) بل ومن غير فرق في ارتداد
الزوجة بين الفطري والملي، نعم يعتبر في الزوج أن يكون عن ملة لما ستعرف أنه
لا انتظار للفطري، وحينئذ فإن رجع أو رجعت قبل انقضاء العدة كانت زوجته
وإلا انكشف أنها بانت من أول الارتداد، كما أنه ينكشف بالاسلام منها أن مثل
هذه الردة غير مانعة وأن النكاح باق، لما ستعرفه من النصوص (1) الدالة على ذلك
في نكاح الكفار إذا أسلموا، بل هو ظاهر العزل في الخبر السابق (2) بل منها يعلم
أن الرجوع إلى الزوجية بالاسلام قهري لا حاجة فيه إلى قول: (رجعت) ونحوه
كالمطلقة، فما في خبر الحضرمي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا ارتد الرجل المسلم
عن الاسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثا، وتعتد منه كما تعتد المطلقة
فإن رجع إلى الاسلام وتاب قبل أن تتزوج فهو خاطب، ولا عدة عليها منه له، وإنما
عليها العدة لغيره، فإن قتل أو مات قبل انقضاء العدة اعتدت منه عدة المتوفى عنها
زوجها، وهي ترثه في العدة، ولا يرثها إن ماتت وهو مرتد عن الاسلام) محمول
على الرجوع بعد العدة، كما أنه يحمل ما فيه من التشبيه بالمطلقة ثلاثا على إرادة
عدم الرجوع له وهو كافر، بل تبين عنه في هذا الحال بينونة تامة.
(و) على كل حال ف‍ (لا يسقط شئ من المهر) قطعا (لاستقراره بالدخول)
هذا كله في المرتد عن ملة.
(و) إما (إن كان) أي (الزوج ولد على الفطرة فارتد انفسخ النكاح في
الحال وإن كان بعد الدخول، لأنه لا يقبل عوده) بالنسبة إلى ذلك بلا خلاف، بل

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالكفر.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب حديث المرتد الحديث 5 من كتاب الحدود.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب المواريث
بطريق الشيخ.
49

الاجماع بقسميه عليه، قال الساباطي (1): (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كل مسلم
بين مسلمين ارتد عن الاسلام وجحد رسول الله صلى الله عليه وآله نبوته وكذبه فإن دمه
مباح لمن سمع ذلك منه، وامرأته بائنة منه يوم ارتد، ويقسم ماله على ورثته،
وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه) وقال
ابن مسلم (2) (سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرتد، فقال: من رغب عن الاسلام وكفر
بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله بعد إسلامه فلا توبة له، وقد وجب قتله، وبانت منه
امرأته، ويقسم ما ترك على ولده) وقد تقدم في كتاب الطهارة (3) تمام البحث في
قبول توبته باطنا مفصلا، فلاحظ وتأمل، والله العالم.
(وإذا أسلم زوج الكتابية فهو على نكاحه سواء كان قبل الدخول أو بعده)
بلا خلاف أجده، بل في المسالك وغيرها الاجماع عليه، بل ولا إشكال على المختار
من جواز نكاح المسلم الكتابية ابتداء فضلا عن الاستدامة، بل وعلى غيره لضعف
الاستدامة عن الابتداء، ولما عرفت من الاجماع المعتضد بنفي الخلاف، وخبر العبيدي
عن يونس (4) قال: (الذمي تكون له المرأة الذمية فتسلم امرأته قال: هي امرأته
يكون عندها بالنهار ولا يكون عندها بالليل، قال: فإن أسلم الرجل ولم تسلم
المرأة يكون الرجل عندها بالليل والنهار (ولحسن ابن أبي عمير عن بعض
أصحابه عن ابن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام (إن أهل الكتاب وجميع من له ذمة

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب حد المرتد - الحديث 3 - 2 من كتاب الحدود.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب حد المرتد - الحديث 3 - 2 من كتاب الحدود.
(3) الجزء الأول ص 420.
(4) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 8 مع الاختلاف ورواه
بعينه في الكافي ج 5 ص 437.
(5) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالكفر - الحديث 5 ورواه عن الكليني
بإسناده عن إبراهيم بن هاشم، عن بعض أصحابه، عن محمد بن مسلم وفي الاستبصار ج: 3
ص 183 الرقم 663 عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن بن مسلم.
50

إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحها، وليس له أن يخرجها من دار الاسلام
إلى غيرها، ولا يبيت معها، ولكنه يأتيها بالنهار، وأما المشركون مثل مشركي
العرب وغيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدة فإن أسلمت المرأة ثم أسلم الرجل
قبل انقضاء عدتها فهي امرأته، وإن لم تسلم إلا بعد انقضاء العدة فقد بانت منه
ولا سبيل له عليها، وكذلك جميع من لا ذمة له) وما في صحيح ابن سنان (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل هاجر وترك امرأته في المشركين ثم
لحقت به بعد أيمسكها بالنكاح الأول أو تنقطع عصمتها منه؟ قال: يمسكها
وهي امرأته).
ولاطلاق هذين ألحق الشيخ المجوسية في الحكم، لكن ينافيه خبر
منصور بن حازم (2) (سأل الصادق عليه السلام عن رجل مجوسي كانت تحته امرأة على
دينه فأسلم أو أسلمت، قال: ينتظر بذلك انقضاء عدتها، وإن هو أسلم أو أسلمت
قبل أن تنقضي عدتها فهما على نكاحهما الأول، وإن هو لم يسلم حتى تنقضي فقد
بانت منه) ونحوه خبر آخر له عنه عليه السلام (3) ومن هنا جعلها في محكي الخلاف
والمبسوط كالوثنين، لكن يمكن حملهما على من لم يكن له ذمة بل كان في دار
الحرب، كما عن الشيخ في الكتابية وإن تختص البينونة بما إذا أسلمت دونه، فإنه
الذي نص عليه آخرا ولا ينافيه التعميم أولا، إلا أنهما معا كما ترى، فالأقوى
حينئذ عدم الالحاق.
(ولو أسلمت زوجته قبل الدخول انفسخ العقد) لحرمة تزويجها بالكافر
ولو استدامة، فإن الله لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا (4) (و) لصحيح

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
(2) الوسائل - 9 - من أبواب ما يحرم بالكفر - الحديث 3 والثاني
بطريق الكليني (قده).
(3) الوسائل - 9 - من أبواب ما يحرم بالكفر - الحديث 3 والثاني
بطريق الكليني (قده).
(4) سورة النساء: 4 - الآية 141.
51

ابن سنان (1) عن الصادق عليه السلام (إذا أسلمت امرأة وزوجها على غير الاسلام فرق
بينهما) الحديث.
نعم (لا مهر لها) لأن الفسخ جاء من قبلها، وفي صحيح ابن الحجاج (2)
عن أبي الحسن عليه السلام (في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها، قال:
قد انقطعت عصمتها منه، ولا مهر لها، ولا عدة عليها منه) لكن في الحسن
كالصحيح (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام في مجوسية
أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لزوجها: أسلم فأبى
زوجها أن يسلم، فقضى لها عليه نصف الصداق، وقال: لم يزدها الاسلام إلا عزا)
إلا أني لم أجد عاملا به.
(وإن كان) إسلامها (بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة)
فإن أسلم فهي امرأته وإلا بان أنها بانت منه باسلامها، وفاقا للأكثر، بل
المشهور، لنفي السبيل (4) وللنصوص السابقة (5) مضافا إلى صحيح البزنطي (6)
(سأل الرضا عليه السلام عن الرجل تكون له الزوجة النصرانية فتسلم، يحل لها أن تقيم
معه؟ قال: إذا أسلمت لم تحل له، قلت: جعلت فداك فإن الزوج أسلم بعد ذلك
أيكونان على النكاح؟ قال: لا إلا بتزويج جديد " خلافا للشيخ في نهايته والمحكي
من كتابي الأخبار له، لمرسل ابن أبي عمير (7) السابق، ومرسل جميل بن
دراج (8) عن أحدهما عليهما السلام قال: (في اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4 - 6 - 7.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4 - 6 - 7.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4 - 6 - 7.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 141.
(5) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2 و 3 و 5.
(6) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 5.
(7) راجع التعليقة (5) من صفحة (50).
(8) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
52

امرأته ولم يسلم، قال: هما على نكاحهما، ولا يفرق بينهما، ولا يترك يخرج بها
من دار الاسلام إلى الهجرة). وإليه أشار المصنف.
(وقيل: إن كان الزوج بشرائط الذمة كان نكاحه باقيا، غير أنه لا يمكن
من الدخول عليها ليلا ولا من الخلوة بها) وفي بعض النسخ زيادة (نهارا)
لكن الموجود في النهاية ما هذا لفظه " وإذا أسلمت زوجة الذمي ولم يسلم الرجل
وكان الرجل على شرائط الذمة فإنه يملك عقدها، غير أنه لا يمكن من الدخول إليها
ليلا، ولا من الخلوة بها، ولا من اخراجها من دار الهجرة إلى دار الحرب) إلى آخره، وفي
محكي السرائر (قول الشيخ مما يضحك الثكلى، إن كانت زوجته فلا يحل أن يمنع منها،
ثم إن منع منها ومن الدخول إليها كانت نفقتها ساقطة، لأنها في مقابلة الاستمتاع
وهو لا يتمكن منه، فتسقط عنه) قلت: قد سمعت خلو الخبرين المزبورين اللذين
هما مستند الشيخ عن جواز الوطئ وعدمه، وما في أولهما من عدم المبيت عندها
لا دلالة فيه على ذلك، خصوصا بعد قوله عليه السلام: (ويأتيها نهارا) وعلى تقدير أن
الشيخ (ره) فهم ذلك منه يتخرج له ما ذكره، ولا استبعاد بالعقوبة له بذلك، ولا
تسقط النفقة عنه، لأن الامتناع من الوطئ لتقصيره بعدم الاسلام الذي قد فرض
اشتراط جواز الوطئ به، كالخلو من الحيض مثلا.
والأمر سهل بعد ضعف القول في نفسه، وأن الشيخ (ره) إنما ذكره في الكتب
الثلاثة التي لم تعد للفتوى، ولذا رجع عنه في المحكي من خلافه ومبسوطه، على
أن الخبرين فاقدان لشرائط الحجية بالارسال والضعف بعلي بن حديد،
ومرسل (1) جميل فضلا عن أن يعارضا تلك الأدلة المعمول بها من خبري منصور
وغيرهما. (و) من ذلك كله بان لك أن (الأول أشبه) بقواعد الفن.
هذا وفي المسالك وغيرها (إنه لا فرق على قول الشيخ بين حالي الدخول

(1) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والصحيح (في مرسل...) كما هو كذلك في
المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.
53

وعدمه، لاطلاق دليله " قلت: قد يفرق الشيخ بينهما لصحيح ابن الحجاج (1)
المتقدم ولعله لذا ظهر من بعضهم أن محل خلافه (ره) فيما بعد الدخول، والله
العالم. هذا كله في إسلام زوج الكتابية وإن لم يكن هو كاتبيا، وفي إسلام زوجة
الكتابي وإن لم تكن هي كتابية.
(وأما غير الكتابيين) أي أن الزوج والزوجة غير كتابيين (ف‍) الحكم
فيهما أن (إسلام أحد الزوجين موجب لانفساخ العقد في الحال إن كان قبل الدخول،
وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة) بلا خلاف في شئ من ذلك ولا إشكال
نصا (2) وفتوى، بل لعل الاتفاق نقلا وتحصيلا عليه.
(ولو انتقلت زوجة الذمي إلى غير دينها من ملل الكفر وقع الفسخ في
الحال ولو عادت إلى دينها، وهو بناء على أنه لا يقبل منها) بعد البعثة (إلا
الاسلام) لقوله تعالى: (3) (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه)
والنبوي (4) (من بدل دينه فاقتلوه " من غير فرق بين المدخول بها وغيرها،
وفي المنتقلة منه وإليه بين كونه ممن يقر عليه أهله أولا، وحينئذ، فلو أسلمت
هي بعد ذلك أو أسلم هو أو أسلما معا لم يكن بينهما نكاح وإن كان ذلك قبل
انقضاء العدة، لحصول الفسخ قبل الاسلام.
لكن لا يخفى عليك ما في هذا الحكم من الاشكال، ضرورة عدم الاعتراض
لنا على نكاح أهل الذمة فيما بينهم، فمع فرض جواز ذلك عندهم لم يكن وجه
لفسخ النكاح، وعدم إقرارها على الدين الجديد لا ينافي بقاء النكاح، وكذا عدم
قبول رجوعها إلى دينها الأول، اللهم إلا أن يدعى أن الحكم بوجوب القتل
يستلزم انفساخ النكاح كما سمعته في المرتد، وهو كما ترى، على أن وجوب

(1) الوسائل الباب - 9 - أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 6.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2 و 3 و 5 و 6.
(3) سورة آل عمران: 3 - الآية 85.
(4) المستدرك الباب - 1 - من أبواب حد المرتد الحديث 2 من كتاب الحدود.
54

القتل إن لم تسلم، فلا أقل حينئذ من أن تكون كالمرتد الملي الذي لا ينفسخ
نكاحه للمسلمة مثلا بعد الدخول إلا بعد عدم إسلامه انقضاء العدة.
والذي يقوى في نفسي أن عبارة المتن كانت (زوجته الذمية) أي زوجة
المسلم الذمية، نحو ما فرضه العلامة في المحكي من تذكرته من انتقال الكتابية
زوجة المسلم إلى التوثن، وإنما التغيير من النساخ، والحكم فيه حينئذ كما ذكر
مع فرض بقائها على الكفر إلى انقضاء العدة وإلا فلو أسلمت فيها كانت زوجة
له مع الدخول بخلاف ما لو بقيت، ضرورة عدم جواز نكاح المسلم ابتداء واستدامة
غير الكتابية، والفرض خروجها عن ذلك إلى ما لا يقبل منها ولو ملة كتابية، كعدم
قبول دينها الأول منها، فيتعين الفسخ حينئذ.
لكن يبعده فرض هذه المسألة في محكي الخلاف على نحو ما هو موجود
هنا، بل وفي القواعد أيضا قال فيها (ولو انتقلت الذمية إلى ما لا يقر أهله عليه
فإن كان قبل الدخول فسد، وبعده يقف على الانقضاء، فإن خرجت ولو يسلم
الزوجان فسد العقد، وإن قلنا بقبول الرجوع كان العقد باقيا إن رجعت في العدة،
ولو انتقلت إلى ما يقر أهله عليه فكذلك إن لم نقرها عليه، وإلا كان النكاح
باقيا، ولو انتقلت الوثنية إلى الكتابية وأسلم الزوج فإن قبلنا منها غير الاسلام
فالنكاح باق، وإلا وقف على الانقضاء بعد الدخول، وقبله يبطل " فإن قوله
في القسم الأول: (ولم يسلم الزوجان) يقتضي أن الزوج غير مسلم، فيلزم منه أن
الذمية تحت الذمي إذا توثنت ينفسخ النكاح في الحال إن كان ذلك قبل
الدخول.
وفي كشف اللثام إنه أطلق في التحرير فساد العقد في الحال إذا انتقلت الذمية
زوجة الذمي إلى غير دينها من ملل الكفر بناء على أنه لا يقبل منها إلا الاسلام حتى
الرجوع إلى دينها، فيمكن تقييد ذلك منهم بما إذا لم يكن النكاح مع ذلك
صحيحا عندهم، أو يكون المراد انفساخ النكاح وإن لم يجب التفريق، بمعنى أن
الذمي حكمه حكم المسلم في الصحة والفساد، وإن أقر على ما عقده فحينئذ إذا كان
55

متزوجا ذمية مثلا كان نكاحه صحيحا في نفس الأمر بناء على جواز نكاح المسلم
لها، فإن انتقلت إلى غير دينها انفسخ نكاحه كالمسلم، وإن وجب إقراره عليه مع
فرض صحته في دينه، لكن ذلك لا ينافي حرمة الوطئ عليه مثلا، ومرجع ذلك إلى
أن الردة من الباطل إلى الباطل تفسخ النكاح مع استمرارها، كالردة من الحق
إلى الباطل، حتى في الكفار بعضهم مع بعض، للشركة معنا في الفروع وإن أقروا
عليه مع فرض الصحة عندهم، ومن ذلك كله ظهر لك الحكم في جميع أقسام المسألة
في الذمية إذا كانت زوجة لمسلم أو ذمي وقد انتقلت إلى غير دينها.
(وإذا أسلم الذمي) أو غيره (على أكثر من أربع من المنكوحات)
الكتابيات (بالعقد الدائم استدام أربعا من الحرائر أو أمتين وحرتين) أو ثلاث
حرائر وأمة إن جاز ابتداء نكاح الأمة مع الحرة وجاز نكاح أمتين، لأولوية
الاستدامة منه، بل عن المبسوط والتذكرة ظهور الاتفاق على جوازها وإن كان قد
يشكل إن لم يتم الاجماع باطلاق دليل المنع على حسب غيره من الممنوع الذي
يعتبر في الاقرار عليه بعد الاسلام جواز الابتداء، بمعنى ملاحظة الاستدامة ابتداء
فيعتبر فيها ما يعتبر فيه.
(ولو كان عبدا استدام حرتين أو حرة وأمتين) أو أربع إماء (وفارق
سائرهن) من غير فرق في ذلك كله بين ترتب عقدهن وعدمه، وبين اتحاده وتعدده،
وبين دخوله بهن وعدمه، وبين الأوائل والأواخر، لعموم أدلة الاختيار. وللعامة
قول بانفساخ نكاح الجميع مع اتحاد العقد، كالقول بانفساخ نكاح الأواخر، وفيه
أنه مناف لقاعدة الاقرار المقتضية لعدم وجوب الفحص والبحث عن كيفية وقوع
نكاحهم، لأن الأصل الصحة والبراءة من الفحص، ولأن كثيرا من الكفار أسلموا
على عهده صلى الله عليه وآله مع أزواجهم، فأقرهم على نكاحهم من غير استفصال.
نعم لو علم أن نكاحهم مشتمل على مقتضى الفساد استدامة أيضا كنكاح
إحدى المحرمات عينا أو جمعا أجرى عليه حكم الاسلام، ولذا روي (1) عن

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 184.
56

النبي صلى الله عليه وآله (أن فيروز الديلمي لما أسلم عن أختين قال له النبي صلى الله عليه وآله: اختر
إحداهما) إذا عنوان الحرمة في الجميع لا فرق فيه بين الابتداء والاستدامة، ولذا
يبطل النكاح بالأمومة الحادثة بالرضاع، والبنت كذلك، والجمع بالأختين
الحادثة به، وهكذا. ومن ذلك على الظاهر الجمع بين الأمة والحرة، اللهم إلا أن
يثبت ما سمعته من الاجماع إلا مع عدم بقاء المفسد، فالظاهر إقرارهم عليه مع
صحته عندهم وإن كان فاسدا عندنا، فضلا عن الصحيح عندنا وإن كان فاسدا عندهم،
كما لو اعتقدوا إباحة النكاح الموقت من غير مهر أو العقد في العدة وأسلما بعد
انقضائها أو جواز شرط الخيار مدة وأسلما بعد انقضائها بخلاف ما إذا أسلما
والعدة أو مدة الخيار باقية، فإن المانع حينئذ موجود، فيجري عليه حكم المسلمين
دون الأول الذي قد مضى فيه المفسد في زمن الكفر المقرين عليه ومنه نكاح الأزيد
من أربع، فإن المفسد كان في زمن الكفر المقر عليه، فشارك العقد السابق في استدامة
الصحة، ولذا كان له الخيار في إمساك الأوائل والأواخر، ضرورة كونهن بالنسبة إليه
كثمن الخمر الذي أسلم عليه، فإنه لا إشكال في ملكيته عليه وإن كان هو أثر العقد الفاسد،
إلا أن المفسد لم يكن موجودا حال الاستدامة، نعم الزيادة على الأربع ممنوعة ابتداء
واستدامة، فلذا كان له الخيار من غير فرق بين الجميع، فتأمل جيدا، وربما يأتي
له تتمة.
وكيف كان فلا يشترط إسلامهن لما عرفت من جواز ابتداء نكاح الكتابية،
نعم لو كن وثنيات انفسخ مع عدم الدخول، ومعه انتظر إسلامهن في العدة، ولو أسلم
معه أربع من ثمان كان له اختيار الكتابيات، لاطلاق دليل التخيير، ولأن الاسلام
لا يحرمهن عليه، ولا يوجب نكاح المسلمات، نعم الأولى له اختيار المسلمات،
لشرفهن، وليس للمرأة المتزوجة في الكفر بزوجين اختيار أحدهما إذا أسلما،
بل يبطل عقدهما معا مع الاقتران، والثاني خاصة مع الترتيب وإن اشتبه فالقرعة
أو البطلان أو الايقاف أو الالزام بالطلاق أو نحو ذلك مما تقدم في نظائره.
وعلى كل حال فلا مهر للزائد مع عدم الدخول، ومهر المثل معه إن قلنا بعدم
57

الصحة للعقد الزائد من أصله، وإن الاختيار لمن عداها كاشف عن ذلك، وأما إن قلنا
بصحته على الكل بناء على صحة نكاحهم، وإن الاختيار هو المبطل له عن غير المختار
فينبغي أن يثبت المسمى بالدخول، ونصفه أو كله مع عدم الدخول، كما هو
واضح.
(ولو لم يزد عددهن) بعد إسلامه (على القدر المحلل له) لو كان
مسلما (كان عقدهن ثابتا) بلا خلاف ولا إشكال (وليس للمسلم إجبار زوجته
الذمية) مثلا (على الغسل) من الحيض فضلا عن غيره (لأن الاستمتاع
ممكن من دونه) بناء على الأصح من عدم اشتراط الوطئ به، وذمتهم تمنع من
إجبارهم على ما ليس في دينهم، نعم قد ذكر غير واحد من الأصحاب إن له إجبارها
عليه بناء على اشتراط جواز الوطئ به وإن كان فاسدا، لعدم صحته منها، وفيه
منع حصول الشرط حينئذ بذلك، بل المتجه استمرار الحرمة عليه حتى تؤمن،
ضرورة عدم رفع حكم حدث الحيض المفروض منعه بالغسل الفاسد، ودعوى قيامه
مقام الصحيح في ذلك محتاجة إلى دليل يدل عليه.
(ولو اتصفت بما يمنع من الاستمتاع) ألزمت بالمنع منه كالمسلمة،
بل لا يبعد مع كونه مانعا لكماله باعتبار أنه ينفره (كالنتن الغالب، وطول
الأظفار المنفر) ونحو ذلك (كان له إلزامها بإزالته) أما إذا كان مانعا للكمال
لا للنفرة بل لعدم حصول داع إلى هيجان الشهوة معه ففي تسلطه على إلزامها
بإزالته إشكال (وله منعها من الخروج) من منزله (إلى الكنائس والبيع)
كالمسلمة إلى المساجد ونحوها، لمنافاته للاستمتاع (كما له منعها من) مطلق
(الخروج من منزله) ولو إلى دور أهلها وأرحامها).
(و) كذا (له منعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واستعمال
النجاسات) لقول الصادق عليه السلام في صحيح ابن وهب (1) الذي سأل فيه عن تزوج

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالكفر - الحديث 1.
58

النصرانية واليهودية: (إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير)
وفي كشف اللثام تعليله مع ذلك بالنفرة، كما أن فيه عن المبسوط إن قدر ما يسكر
له منعها، والقدر الذي لا يسكر قيل: فيه قولان، وإن أكلت لحم الخنزير قيل:
فيه قولان، أقواهما أنه ليس له ذلك، أي زوجة كانت، مسلمة كانت أو مشركة بل فيه
عنه أنه قوي عدم المنع له عما ينقص الاستمتاع من استعمال النجاسات التي هي كذلك،
ومن أكل الثوم والبصل والكراث ونحوها وإن كان هو كما ترى.
نعم قد يتجه الاشكال في غير المنفر، وغير المانع أو المنقص من الاستمتاع ولو
كان شرب خمر وأكل لحم خنزير واستعمال نجس، ضرورة عدم الدليل على ذلك من
حيث الزوجية والصحيح المزبور لأدلة فيه على ذلك، فإنه ليس له ذلك في المسلمة
فضلا عن الذمية التي لا تجبر على ما هو غير مناف لدينها، كما أن الظاهر منه أيضا
عدم شرطية حل النكاح بذلك وإن كان ربما يتوهم إلا أنه يجب حمله على ضرب
من الندب أو نحوه، لاطلاق النص والفتوى، والله العالم.
(المقصد الثاني)
(في كيفة الاختيار) الذي لم نعثر على التعبير عنه بلفظه في شئ من
نصوصنا، نعم في شرح الإرشاد لبعض فضلاء المخالفين إن النبي صلى الله عليه وآله قال لغيلان
ابن سلمة لما أسلم وتحته عشر نسوة (1): (اختر أربعا وفارق سائرهن) قال: رواه
ابن حيان بهذا اللفظ، ورواه الشافعي والترمذي وابن ماجة، وصححه الحاكم وغيره
في ألفاظهم خصوصا المخالفين (أمسك أربعا وفارق سائرهن) وهو أشهر في كتب
الفقه، قلت: وهو كذلك، وهو وإن كان بمعنى الاختيار إلا أنه لا يوجب البحث
عن كيفية الاختيار وعما يتحقق به مفهومه وغير ذلك مما أطالوا به في هذا المقام
الذي هو ليس أولى من غيره، بل لعل استقصاء البحث فيه في بحث الخيار أولى من

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 182.
59

ذلك، كما هو واضح.
(و) على كل حال ف‍ (هو) يتحقق (إما بالقول الدال على الامساك)
صريحا (كقوله: (اخترتك) أو (أمسكتك) أو ما أشبهه) أو (اخترت
نكاحك) أو (أمسكته) أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة عليه صريحا من أي لغة كانت
وعن بعض الشافعية إن ما لم يذكر فيه لفظ النكاح كناية، وحكى عن الرافعي بل
هو ظاهر الشهيد منافي المسالك، وضعفه واضح، نعم من الكناية ما يدل على فسخ
من عدا المختارات، فإنه يلزمه حينئذ نكاح المختارات، ونحو قوله: (أريدكن)
أو (لا أريدكن) والأمر سهل بعد فرض استواء الجميع في ترتب الحكم، فإن
احتمال اعتبار صراحة اللفظ هنا كالعقود والايقاعات بناء على ذلك فيها بعيد وإن
أمكن تقرير ما استدلوا به على ذلك هناك هنا، إلا أن الظاهر إمكان تحصيل
الاجماع على خلافه هنا، ولعله لصدق إمساك الأربع بذلك كله، بل ستعرف ثبوته،
بالفعل فضلا عن القول، بل إن لم يكن اجماعا أمكن دعوى ترتب الحكم عليه بالمعنى
النفساني الانشائي وإن لم يذكر ما يدل عليه من قول أو فعل، على حسب
ما احتمل في تحقق الرضا فيما اعتبر به فيه بذلك، وقوله عليه السلام (1): (إنما يحلل
الكلام ويحرم الكلام) إنما يراد به في العقود والايقاعات المعهودة، دون ما كان من
توابع العقود مثلا، كالرضا والخيار والاختيار ونحو ذلك (ولو رتب الاختيار
ثبت عقد الأربع الأول واندفع) عقد (البواقي) لاستيفائه العدد بما سبق من
اختياره كما هو المفروض، ولو حصر اختياره في ستة مثلا أو خمسة اندفع عقد
غيرهن، وكان بمنزلة ما اختار فراق إحداهن مثلا (ولو قال لما زاد على
الأربع: (اخترت فراقكن) اندفعن وثبت نكاح البواقي) وإن لم يحصل منه
إنشاء بقاء نكاحهن، ضرورة عدم الملازمة بين اختيار فراق ما زاد وبين ذلك، إلا
أن العقد الأول بعد فسخ الزائد مقتض تام في بقاء نكاحهن، ومنه يعلم عدم توقف
بقائه على إنشاء الاختيار النفساني، فلا حاجة إلا تكلف دلالة ذلك عليه بالكناية

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام العقود الحديث 4 من كتاب التجارة.
60

كي يناقش بفرض الغفلة ونحوها، بل وبعدم الملازمة بين القصدين، فإن اختيار
فراق ما زاد على الأربع يلزمه بقاء الأربع لا قصد بقاء الأربع الذي هو معنى
الاختيار كما هو واضح، ولو قصد بالفراق الكناية عن الطلاق وقلنا إن الكناية
عنه مثله في الدلالة على النكاح كما ستعرفه ثبت عقد المراد طلاقهن، ولن يقع
بهن طلاق، وانتفى نكاح غيرهن، فينعكس الحكم حينئذ، وإن لم نقل بذلك لم
يكن ثم اختيار.
(ولو قال لواحدة) مثلا ((طلقتك) صح نكاحها وطلقت، وكانت من
الأربع، ولو طلق أربعا اندفع البواقي) بالشرع (وثبت نكاح المطلقات ثم
طلقن بالطلاق، لأنه لا يواجه به إلا الزوجة، إذ موضوعه إزالة قيد النكاح)
فهو حينئذ جزء مفهومه، ولازمه لزوما بينا، فاثباته يستلزم اثباته، خلافا لما عن
بعض من عدم كونه معينا للنكاح في وجه، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لفيروز الديلمي (1) وقد
أسلم على أختين: (طلق أيتهما شئت) فلو كان الطلاق تعيينا للنكاح لكان ذلك
تعيينا لنكاحهما عليه، وفيه أن المراد من الطلاق فيه الفراق مجازا.
نعم قد يناقش ذلك بأن وقوع الطلاق صحيحا يستلزم ثبوت النكاح، لأن (2)
قصد الطلاق يستلزم قصد اختيار النكاح، ضرورة إمكان قصد معنى الطلاق في الأجنبية
وإن لم يقع صحيحا، فدعوى لزوم قصد الطلاق لقصد النكاح على وجه يتحقق به إنشاء
الاختيار محل منع، ومن ذلك يعلم أنه لو طلق جاهلا بعدم حاجة فراقهن إلى طلاق
فأوقعه بقصد إرادة المفارقة لهن وبقاء نكاح غيرهن كان في الحقيقة دالا على اختيار
ما عداهن، اللهم إلا أن يقال في الفرض: إنه لما أنشأ طلاقهن، دل ذلك على أنه قد
اختار نكاحهن ثم أنشأ طلاقهن باعتبار معلومية عدم طلاق غير الزوجة، فيحكم عليه
بحسب ما وقع منه من الطلاق المحمول على الوجه الصحيح المتوقف صحته على كونه قد

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 184.
(2) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، والصحيح (لا أن قصد الطلاق يستلزم...)
كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.
61

اختار نكاحهن، إلا أنه هو مع كونه غير ما سمعته من تقرير الدلالة - قد يناقش فيه
بامكان منع الظهور هنا، لامكان الاشتباه فيه بالاكتفاء فيه بعلاقة الزوجية، فلا ظهور
حينئذ على كونه اختار قصد النكاح ثم قصد الطلاق.
مضافا إلى إمكان منع تحقق الاختيار بمجرد الانشاء باطنا من دون دلالة
عليه ولو فعلا كما أومأنا إليه سابقا وفي الفضولي وإن الأقوى خلافه، وإلى
عدم اختصاص الدعوى بالطلاق الصحيح، بل ظاهرهم ثبوت الاختيار به وإن كان
الطلاق فاسدا بعدم الشاهدين أو الصيغة أو غير ذلك، بل ظاهر بعض وصريح آخر
ثبوته به وإن وقع معلقا، فإنه وإن لم يقع طلاق لكنه على كلامهم دال بالكناية
على الاختيار، وليس تعليقه تعليق له، بل لعل قول المصنف: (ولو قال لواحدة)
إلى آخره من ذلك أيضا بناء على عدم وقوع الطلاق بهذا اللفظ، فتأمل جيدا.
(و) ربما ألحق الفسخ بالعيب بالطلاق في الدلالة على الاختيار على الوجه
الذي عرفت نعم (الظهار والايلاء ليس لهما دلالة على الاختيار) كما صرح به
غير واحد من العامة والخاصة (لأنه قد يواجه به غير الزوجة) بل لعل الأجنبية
أليق بهما من الزوجة، وإن كان لكل منهما أحكام مخصوصة لو خوطب بهما الزوج (1)
إلا أن ذلك لا يقضي بالاختيار، وبه فرقوا بينهما وبين الطلاق الذي جزء مفهومه
النكاح أو لازمه لزوما بينا.
لكن قد يشكل ذلك بما سمعته سابقا من أن مفهومه إزالة قيد النكاح
لا اختياره، بل لا تلازم بين معنى اللفظ في نفسه وبين وقوعه، فالطلاق لو وقع
بالأجنبية كان له معنى، لكنه لا يؤثر أثرا، فوقوع النكاح حينئذ شرط تأثيره
لا أن أصل المعنى موقوف على حصول النكاح، وبأنه كما لا يتحقق معنى الطلاق
خارجا إلا في الزوجة كذلك الظهار والايلاء أيضا وإن كانا لو وقعا بالأجنبية كان

(1) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، والصحيح (الزوجة) كما هو كذلك في المسودة
التي هي بخط المصنف طاب ثراه.
62

لهما معنى صحيح، بل لو حلف على ترك وطئ (1) الأجنبية فتزوجها ووطأها كان
عليه الكفارة، لكن ذلك كله لا يسمى ظهارا ولا إيلاء.
ومنه لم يفرق الشيخ فيما حكى عن مبسوطه بين الجميع في كونهن اختيارا
وإن كان غير خفي عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، وأن جعل الجميع ليس
اختيارا إلا بالقرائن أولى وحينئذ فإن اختيار التي ظاهرها أو آلى عليها صحا، وكان
ابتداء مدة الايلاء من وقت الاختيار، وكان في الظهار عائدا إن لم يفارقها في الحال
من غير خلاف يعرف فيه منهم، لكن قد يشكل بأنه بالاختيار انكشف سبق الزوجية
فيكونان حينئذ قد بان أنهما وقعا على الزوجة من أول صدورهما، ومنه يعلم
حينئذ أنه لو طلق وقلنا إنه ليس اختيارا أو نصب قرينة على ذلك أمكن دعوى ظهور
وقوعه وصحته بالاختيار الواقع بعده الكاشف عن الزوجية حال وقوع الطلاق،
وليس ذا من التعليق في شئ، بل هو كطلاق الامرأة المعقودة فضولا قبل تحقق
إجازتها بناء على أن الإجازة للكشف خاصة ولا تأثير لها في النكاح، ودعوى
أن الاختيار ارتجاع لا استدامة والطلاق لا يقع إلا بالزوجة واضحة المنع.
ولو قذف واحدة واختار غيرها وجب الحد، وسقط بالبينة خاصة دون
اللعان، لأنها بحكم أجنبية وإن كان لها حكم الزوجة قبل الاختيار.
ولو طلق أو ظاهر أو آلى أو قذف بعد إسلامه حال كفرهن فإن خرجت
العدة على كفرهن فلا حكم للجميع حتى القذف بالنسبة إلى اللعان وبالنسبة
إلى الحد، لأنهن كافرات، وإنما عليه التعزير فيه، ويسقط بالبينة، وإن
أسلمن فيها فالأقرب وقوع الطلاق عليهن إن لم يزدن على النصاب أو لم يطلق
إلا النصاب فما دون، فإن بقاء الزوجية مراعي بالاسلام في العدة فكذا الطلاق،
ولا جهة لبطلانه، فإن الاسلام كاشف عن بقاء الزوجية، وإن زدن ووقع الطلاق
على النصاب أو ما دونه كان اختيارا عند من عرفت، ويحتمل العدم، لأنه حين

(1) في النسخة الأصلية المبيضة والمسودة (بل لو حلف على وطئ الأجنبية) والصحيح
ما أثبتناه.
63

طلق لم يكن له الاختيار، وإن اختار لم يصح، والإسلام مشترك بين الجميع، نعم
إن اختار المطلقات صح طلاقهن، فهو طلاق مراعي بالاسلام والاختيار جميعا،
وإن زدن على النصاب وطلق الكل كشف الاسلام عن صحته على النصاب وتتعين
بالاختيار أو القرعة وأما الظهار والايلاء فإن اختار من أوقع عليها ذلك صح وترتب
عليه أحكامه وإلا فلا، وأما القذف فإن اختار المقذوفة فعليه التعزير، لأنه قذفها
كافرة ويسقط باللعان أو البينة، وإن لم يخترها أسقطه بالبينة خاصة.
ثم على فرض كون الطلاق اختيارا فهل ينزل الكناية عنه منزلته؟ إشكال
أقربه عند الفاضل العدم، لأنها لا تفيد الطلاق، فلا تفيد الاختيار وإن قصد بما
تلفظ به الطلاق، لكن فيه أن الاختيار لا ينحصر في لفظ، بل العبرة فيه بما
في النفس، فمع فرض أنا علمنا قصده الطلاق بذلك يكون اختيارا وإن لم يقع
طلاق، لما عرفت من دلالة قصد معنى الطلاق عليه عندهم، ولذا يقع به عندهم وإن
كان فاسدا، بل قد يقال بكونه اختيارا لو أوقع طلاقا مشروطا بالاسلام، كما لو قال:
(كلما أسلمت منكن واحدة فهي طالق) بناء على تأثير الاختيار لو وقع حال
الكفر، ولكن يراعى بالاسلام في العدة، ولو قال: (إن دخلت الدار - مثلا - فقد
اخترتك للنكاح) مثلا لم يقع، لاشتراطه التنجيز فيه كغيره من أسباب المعاملات،
فإن الدليل فيها جميعا متحد، وليس ذا من قبيل تعليق الطلاق، كما لو قال:
(أنت طالق إن جاء زيد، أو إن طلعت الشمس، أو إن كانت الشمس طالعة) فإنه
يمكن أن يكون اختيارا، لأنه ليس تعليقا له، بل للطلاق الذي قد عرفت دلالة
قصده عندهم على الاختيار وإن لم يقع الطلاق بذلك، هذا كله في الاختيار بالقول
صريحا أو كناية.
(وإما بالفعل ف‍) لا خلاف أجده عندهم فيما دل عليه صريحا، لأولوية
اندراجه في قوله صلى الله عليه وآله (1): (أمسك أربعا وفارق سائرهن) من القول، بل ظاهر المصنف.

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 182.
64

وغيره ذلك أيضا في (مثل أن يطأها، ظاهره الاختيار) باعتبار دلالته
على الرغبة فيها، وحمل فعله على الوجه الصحيح السالم عن الزنا، ولذا عد رجوعا
في الطلاق وفسخا في خيار البائع. (و) حينئذ ف‍ (لو وطأ أربعا ثبت عقدهن
واندفع) عقد (البواقي) لكن قد يشكل ذلك بعد عدم الدليل شرعا على كونه
اختيارا، وإنما هو من حيث الدلالة بأنه لا بد من تقييد بالوطئ المتذكر المتنبه،
لا مطلق الوطئ، وبما إذا لم يكن ثم قرينة تدل على عدم قصده الاختيار، بل قد يشكل
أيضا مع ذلك فيما إذا ادعى عدم خطور الاختيار في الذهن حال الوطئ وعدم
قصده، فإن الحكم عليه بمجرد وقوع الوطئ منه خصوصا بعد الدعوى منه لا يخلو
من إشكال، خصوصا بعد إشكاله في التقبيل واللمس بشهوة.
قال: (ولو قبل أو لمس بشهوة يمكن أن يقال: هو اختيار كما هو رجعة
في حق المطلقة، وهو يشكل بما يتطرق إليه من الاحتمال)، ضرورة عدم ظهور
الفرق بينهما بناء على كون المدرك في ذلك حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح
الذي هو مشترك بينهما، بل مقتضى ذلك عدم التقييد بشهوة، فإن مطلق التقبيل
واللمس محرم لغير الزوجة، فمقتضى حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح كونه
اختيارا، لكن هو كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء صحة فعل المسلم الحكم بوجود
الشرط الذي عدمه مقتضى الأصل، حتى بالنسبة إلى غير ذلك الموضوع الذي
فعله المسلم، خصوصا بعد دعواه عدم القصد الذي هو أدرى به من غيره، وخصوصا
مع عدم معارضة الزوجة بالانكار، لعدم علمها أو لغيره، فالوجه التوقف فيه ما لم
تقم قرينة على قصد الاختيار قبله بعد عدم الدليل شرعا على عدم كونه اختيارا
فتأمل جيدا والله العالم.
ولو تزوج بأخت إحداهن قبل الفسخ أو الاختيار لم يصح، لبقاء علقة
الزوجية، وهل يكون اختيار الفسخ عقد أختها إذا كان تحته أكثر من النصاب سواء
كان دواما أو متعة؟ إشكال من التنافي، واختيار أحد المتنافيين يدل على كراهة
الآخر وإن كان فاسدا، ومن أن التنافي إنما يكون إذا صح وليس كما عرفت،
والعموم إذ ربما غفل أو جهل، قلت، يتجه كونه اختيارا بناء على ما ذكروه من
65

حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح، كما أنه يتجه حينئذ الحكم بحصة عقد الأخت
وفسخ عقد السابقة مع فرض عدم العلم بحاله، فيكون من الفعل الدال كناية، نعم فيه
ما قدمناه سابقا من الاشكال، ولو قال: (حصرت المختارات في ست) مثلا وعينهن
انحصرن فيهن، فتعتد الباقيات حينئذ، لدلالته على فسخ نكاحهن، ولو لحقه
أربع وتخلف أربع فعين الأوائل للنكاح صح، لاطلاق الأدلة، ولو عينهن
للفسخ ففي القواعد لم يصح إن كان الأواخر وثنيات وإلا صح، وكان وجهه إمكان
أن لا يسلمن، فيتعين الأوائل للزوجية بخلاف الكتابيات، فإن اختيارهن غير
موقوف على إسلامهن، ولو عين المتخلفات للفسخ فلا إشكال، لكن فيه أنه
يمكن أن يقال بالصحة في الأول على وجه المراعاة، فإن أسلمن الأواخر علم
أن الفسخ في محله وإلا كان باطلا، فيكون حينئذ شرط الفسخ تجويز إمكان بقاء
الزوجية لا العلم بامكان بقائها، لاطلاق الأدلة الذي لا يعارضه أصل عدم الانفساخ
وعدم تعين البواقي للزوجية، فتأمل جيدا.
وكيف كان فيجب الفور في الاختيار على وجه لا يستلزم الضرر والتعطيل
على الأزواج، فإن امتنع مع ذلك ألزمه الحاكم به، فإن أصر على الامتناع قيل
إنه يعزر حتى يختار، ولا يختار عنه الحاكم، لأنه منوط بالشهوة، قلت: يمكن
دعوى تولي الحاكم مع ذلك، لعموم ولايته على مثله، ومنه يعلم تولي ولاية
ولي المجنون له، بل والصغير للعموم، لكن في القواعد (ولو أسلم الكافر بعد أن
زوج ابنه الصغير بعشر تبعه ابنه في الاسلام، فإن أسلمن مع الأب اختار بعد البلوغ،
ويمنع أي وهو صغير من الاستمتاع بهن، وتجب النفقة عليهن، ولو أسلم المجنون
ففي التبعية إشكال، فإن قلنا به تخير الأب أو الحاكم) بل عن معطي كلام التذكرة
الايقاف فيه أيضا إلى البرء، لأن الاختيار بالتشهي، وفيه أن إطلاق الولاية يشمل
ذلك، خصوصا مع قاعدة نفي الضرار، والقياس على الطلاق غير جائز عندنا، فيقوى
حينئذ وقوعه عن الولي فضلا عن الوكيل، ولعل في ذلك كفاية عما يتصور من الفروع
في المقام، خصوصا بعد ملاحظة النظائر في الخيارات ونحوها، فلاحظ وتأمل، والله
66

المؤيد والعالم.
(المقصد الثالث)
(في مسائل مترتبة على اختلاف الدين):
(الأولى)
(إذا تزوج) الكافر (امرأة وبنتها) دفعة أو ترتيبا (ثم أسلم
بعد الدخول بهما) وكن كتابيتين مثلا (حرمتا) أبدا عليه، لصدق (أمهات
نسائكم) (1) وصدق (ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم
بهن) (2) (وكذا لو كان) قد (دخل بالأم) وحدها، لذلك أيضا، بخلاف
ما لو دخل بالبنت وحدها، فإنه يثبت نكاحه لها، وتختص الأم بالحرمة أبدا
بأمهات النساء، والوجه في ذلك كله ما عرفت من أن الكفار مخاطبون بالفروع
عندنا، إلا أنه يحكم بصحة ما في أيديهم من النكاح وغيره، بمعنى ترتب الآثار
عليه وإن كان فاسدا عندنا، بل يقرون عليه بعد الاسلام ما لم يكن المفسد مستمرا،
فإنه لا يقر عليه حينئذ بعد الاسلام، ضرورة كونه كالمسلم الذي يعرض لنكاحه
الصحيح ذلك، فيفسد به، فإن استدامة صحة نكاح الكافر المقر عليها لا تزيد
على استدامة نكاح المسلم الصحيح، ومن ذلك ما نحن فيه، فإنه لا ريب في بطلان
نكاح المسلم بعروض صدق أمهات النساء والربيبة المدخول بأمها بالرضا مثلا
فاستدامة نكاح الكافر كذلك، وكذا يبطل نكاح الأم خاصة لو فرض عروض
الاندارج في أمهات النساء دون الربيبة التي لم يدخل بأمها، كما لو أرضعت زوجته

(1) سورة النساء: 4 الآية 23.
(2) سورة النساء: 4 الآية 23.
67

الكبيرة التي لم يدخل بها زوجته الصغيرة فإنها تحرم الكبيرة دون الصغيرة،
فكذلك الكافر الذي أسلم، فإنه باسلامه يكون قد عرض لنكاحه المقر عليه صدق
الاندارج الذي قد سمعت حكمه، ورفع ذلك عنه في حال كفره لا يقتضي رفع حكمه
حال الاسلام بعد فرض كونه مفسدا في الابتداء وفي الاستدامة.
ومن ذلك يعلم الوجه في قول المصنف وغيره هنا (أما لو لم يكن) الكافر
(دخل بواحدة) منهما أي الأم والبنت وأسلم (بطل عقد الأم) وحرمت
عليه أبد بأمهات النساء (دون البنت) فإنه يثبت عقدها، لأنها ربيبة لم يدخل
بأمها، فهو حينئذ كالمسلم الذي أرضعت زوجته الكبيرة الصغيرة قبل الدخول
(و) حينئذ ف‍ (لا اختيار) له، ضرورة تعين المحللة له (و) هي البنت
خاصة.
لكن (قال الشيخ: له التخيير) فإن المحكي عنه في الخلاف (إذا جمع
بين العقد على الأم والبنت في حال الشرك بلفظ واحد ثم أسلم كان له إمساك أيتهما
شاء ويفارق الأخرى) وفي المبسوط (إن لم يدخل بهما قيل: يتخير في إمساك
أيتهما شاء، وقيل: يثبت نكاح البنت، ويقوى في نفسي الأول) وفي المختلف
(احتج الشيخ بأن المشرك إذا جمع بين من لا يجوز له الجمع بينهما في نكاح
فإنما يحكم بصحة نكاح من ينضم الاختيار إلى عقدها ألا ترى أنه إذا عقد على
عشر دفعة واحدة وأسلم اختار منهن أربعا، فإذا فعل حكمنا بأن نكاح الأربع
وقع صحيحا، ونكاح البواقي وقع باطلا، بدليل أن نكاح البواقي يزول، ولا يجب
عليه نصف المهر إذا كان قبل الدخول، فإذا كان كذلك فمتى اختار إحداهما
حكمنا بأنه هو الصحيح والآخر باطل، ولأنه إذا جمع بين من لا يجوز الجمع
بينهما واختار في حال الاسلام لكان اختياره بمنزلة ابتداء عقد، بدليل أنه لا يجوز
أن يختار إلا من يجوز له أن يستأنف نكاحها حين الاختيار، وإذا كان الاختيار
كابتداء العقد كان كأنه الآن تزوج بها وحدها، فوجب أن يكون له اختيار كل
واحدة منهما) ثم أجاب عنه في المختلف (بأن الذي ذكره إنما يتم في صورة
68

الاختيار في حال الاسلام، وهنا لا يمكن الاختيار في حال الاسلام، فإن الأم حرمت
بمجرد العقد على البنت).
وهذا الجواب منه - ره - مبني على ما استدل به للمطلوب من أن المقتضي للتحريم
موجود، والمانع لا يصلح للمانعية، أما وجود المقتضي فللأدلة المانعة من الجمع
بين الأم والبنت من الكتاب (1) والسنة (2) المتواترة والاجماع، وأما عدم صلاحية
المانع فلما تقرر في الأصول من أن الكفار مخاطبون بالفروع، وفيه هذه المسألة
غير مبنية على ذلك، وإلا كان المتجه ما ذكره الشيخ من عدم حرمة إحداهما
عليه، ضرورة أن المسلم لو عقد على الأم والبنت دفعة لم تحرم إحداهما عليه،
بل له استئناف العقد على كل منهما، فكذلك الكافر بناء على الشركة، بل لو عقد
على الأم أولا ثم عقد على البنت بعد ذلك لم تحرم بذلك الأم، إلى غير ذلك
من الأحكام التي تترتب على قاعدة الاشتراك المنافية لاطلاق الأصحاب هنا بل
ولصريحه، فالأولى الاستدلال بما عرفت.
(و) منه يعلم أن (الأول أشبه) لا ما ذكره الشيخ الذي يأتي مثله
في مسألة الدخول، ضرورة كونه حينئذ بمنزلة عدمه قبل الاختيار الذي هو ابتداء
نكاح، فإن (الاسلام يجب ما قبله) (3) (و) فيه أنه لا يمنع صدق الاندراج
في عنوان المحرم.
نعم قد يقال: إن الحكم فيما (لو أسلم عن أمه وبنتها) مبني على قاعدة الاشتراك
(ف‍) يقال حينئذ: (إن كان وطأهما حرمتا) عليه أبدا (وإن كان وطأ إحداهما
حرمت الأخرى) خاصة أبدا (وإن لم يكن وطأ واحدة منهما (تخير)

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(2) الوسائل الباب - 18 و 19 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(3) المستدرك الباب - 15 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 والخصائص
الكبرى ج 1 ص 249 وكنز العمال ج 1 ص 17 - الرقم 243 والجامع الصغير - ج 1
ص 123.
69

كالمسلم في ذلك كله في الصورة الأولى، بناء على أن وطئ الشبهة يحرم السابقة
أيضا، اللهم إلا أن يقال بالحرمة هنا وإن لم نقل به في وطئ الشبهة، فيختص
الكافر حينئذ بذلك، وينزل حينئذ وطؤه لكل منهما منزلة عقده على كل
منهما ودخوله المحكوم بصحته في حال الكفر، فيترتب حينئذ عليه بعد الاسلام
ما يترتب على الصحيح، فيفيد الحرمة على كل منهما أبدا.
(ولو أسلم عن أختين) تزوجهما دفعة أو مرتبا (تخير أيتهما شاء
ولو كان) قد (وطأهما) بعين ما عرفته سابقا، فهو حينئذ كالمسلم الذي
ارتضعت زوجته الصغيرة من لبن أم الكبيرة، فإنه يتخير واحدة منهما، نعم يفرق
بينهما بالاحتياج إلى عقد مستأنف في وجه في المسلم بخلاف الكافر.
(وكذا) يتخير (لو كان) أسلم و (عنده امرأة وعمتها أو خالتها ولم تجز العمة
ولا الخالة الجمع) لأنه بعد الحكم باستمرار صحة عقده المقر عليه - من غير فرق بين
سبق العمة وتأخرها والمقارنة - يكون حينئذ بعد الاسلام بمنزلة مسلم قد عقد على
العمة وبنت أخيها دفعة من غير رضا العمة، فيتخير إحداهما بعقد مستأنف أو بدونه
على الوجهين، كالأختين أو كمسلم عرض ذلك لنكاحه برضاع مثلا. (أما
لو رضيتا) أي العمة والخالة (صح الجمع) بلا إشكال، بل الظاهر كفاية
رضاهما في حال الكفر، لاطلاق الأدلة، فاحتمال أنه بعد الاسلام كابتداء نكاح
لا بد له من رضا مستأنف مدفوع بها.
(وكذا لو أسلم عن حرة وأمة) زوجتين يصح الجمع مع فرض رضا
الحرة ولو حال الكفر، وإلا انفسخ عقد الأمة، لأنه يكون بعد إسلامه بمنزلة
عقد المسلم عليهما دفعة الذي قد سمعت أن الحكم فيه انفساخ عقد الأمة مع عدم
رضا الحرة نصا (1) وفتوى أو بمنزلة عروض ذلك للمسلم بعد نكاحه، بأن أسرت
إحدى زوجتيه فصارت أمة.
ومن ذلك يعلم أن الحكم في الحرة والأمة غيره في العمة والخالة وإن اشتركا

(1) الوسائل الباب - 48 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
70

في صحة الجمع مع الرضا، مع أنه قد يشكل إن لم يكن إجماعا بأن المتجه
الانفساخ في الأمة وإن رضيت الحرة، بناء على عدم جواز نكاحها مع التمكن
من الحرة كما جزم به العامة، اللهم إلا أن يفرق بين الابتداء والاستدامة،
كما لو أسلم زوج الكتابية، فإنه يقر عليه حتى على القول بعدم جواز نكاحها
غبطة ابتداء، لكن لا يخفى عليك احتياجه إلى الدليل، وليس إلا الاجماع إن
ثبت، والله العالم.
المسألة (الثانية)
(إذا أسلم المشرك وعنده حرة وثلاث إماء) وثنيات (بالعقد فأسلمن
معه تخير مع الحرة اثنتين إذا رضيت الحرة) لعدم جواز نكاح الأزيد
منهما له. (و) كذا (لو أسلم الحر وعنده أربع إماء بالعقد تخير) منهن
(أمتين، ولو كن) أربع (حرائر) ذميات مثلا (ثبت عقده عليهن، وكذا)
الحكم (لو أسلمن قبل انقضاء العدة) يتخير أمتين من الأربع إن كن إماء، ويثبت
عقده عليهن إن كن حرائر وثنيات، لأن إسلامهن في العدة كاسلامهن معه.
(ولو كن أكثر من أربع فأسلم بعضهن كان بالخيار بين اختيارهن وبين
التربص، فإن لحقن به أو بعضهن ولم يزدن عن أربع) واختارهن (ثبت عقده
عليهن، وإن زدن عن أربع تخير أربعا، ولو اختار من سبق إسلامهن لم يكن له
خيار في الباقيات، ولو لحقن به قبل العدة) بلا خلاف في شئ من ذلك ولا إشكال
لاطلاق الأدلة، ولو اختار الأربع من الكافرات حال كفرهن واتفق لحوقهن به
في العدة أمكن الاكتفاء به وثبوت عقده حينئذ عليهن، وليس هو من التعليق بعد
انكشاف كونهن من محل الاختيار باسلامهن في العدة، نعم لو علق اختياره على من
سبق إسلامهن احتمل بطلانه للتعليق، أما لو اختار أربعا مخصوصات منهن فاتفق
71

إسلامهن لحقه حكم الاختيار، ولا يخفى عليك أن ما ذكرنا من الإماء مبني على
جواز نكاح الأمة للحر القادر على الحرة وإلا لم يجز له اختيار الأمة وإن رضيت
الحرة، كما هو واضح.
المسألة (الثالثة)
(لو أسلم العبد وعنده أربع حرائر وثنيات فأسلم معه اثنتان) فصاعدا
(ثم أعتق ولحق به من بقي لم يزد على اختيار اثنتين) وإن كان لحوقهن به
في العدة (لأنه كمال العدد المحلل له) حال إسلامه الذي هو ابتداء جريان
أحكام المسلمين عليه. (ولو أسلمن) جميعهن قبله (ثم أعتق ثم أسلم أو أسلمن
بعد عتقه وإسلامه في العدة ثبت نكاحه عليهن) بلا إشكال في الصورة الأولى
(لاتصافه بالحرية المبيحة للأربع) قبل إسلامه، وسبق إسلامهن بعد أن
كان زمان العدة لهن مراعى فيه حال الزوج غير مناف وإن انكشف حينئذ
باسلامه فيه حرا أنهن زوجات له من حين إسلامهن وإن كان عبدا فيه، لأن
العبودية حال الكفر المتعقبة للحرية والإسلام لا تنافي نصاب الأربع، كما لا ينافي
كفره المتعقب للاسلام في العدة كونهن زوجات له حال إسلامهن المفروض كفره
فيه، ودعوى أنه باسلامهن قبله تبين اثنتان منهن وتبقى اثنتان مراعى باسلامه
في العدة يدفعها منع ذلك، بل المتجه أن المراعاة زمان العدة لحال إسلامه، فإن
أسلم حرا لحقه حكم الحر المسلم، وإن كان عبدا لحقه حكم العبد المسلم،
ضرورة أنه إذا أعتق ثم أسلم قبلهن لحقه حكم الحر المسلم، ولا عبرة بنكاحه
الأربع حال كونه كافرا عبدا بعد أن أقر عليه، فكذا زمان العدة الذي أمهله
الشارع فيه (و) جعل الشارع إسلامه فيه مثل إسلامه معهن، فهو حينئذ حر قد
أسلم هو وهن دفعة واحدة، كما هو واضح.
72

نعم (في الفرق) بين الصورة الأولى والصورة الأخيرة (إشكال) ضرورة
اشتراكهما في مقتضى الأربع أو مقتضي الاثنتين، فلا وجه لقصر اختياره في الأولى
على اثنتين، ولبقاء نكاحه على الأربع في الأخيرة، بل لعل المتجه فيهما الاقتصار
على اثنتين، لأنه عبد حال إسلامه الذي هو ابتداء جريان الاحكام عليه، وليس
الاختيار ابتداء نكاح، حتى تلحظ رقيته وحريته حاله، على أن إسلام الاثنتين
في الصورة الأولى لا يعين عليه الاختيار، لأن له انتظار الأخيرتين في العدة، فلو
كان المدار على حاله عنده لاتجه حينئذ ثبوت نكاحه عليهن أجمع، مع فرض
لحوق الاثنتين في العدة وبعد عتقه، ضرورة كونه حرا حينئذ كالصورة المتأخرة.
ومن هنا يتجه أن يقال: إن الضابط في بقاء نكاحه عليهن أجمع واقتصاره
على الاثنتين سبق حريته على إسلامه وتأخرها عنه، ففي الأول يثبت نكاحه
عليهن، سواء أسلمن قبله أو بعده أو معه أو بعضهن قبله أو معه وبعضهن بعده لكونه
حال جريان حكم الاسلام عليه حرا، ولا عبر بعبوديته حال الكفر الذي قد أقر
على نكاحه فيه وإن كان فاسدا عندنا، وفي الثاني لا يزيد على اختيار اثنتين، لكونه
حال إسلامه عبدا، فيثبت له حكم العبد المسلم، من غير فرق بين إسلام اثنتين معه
وعدمه، لعدم مدخلية وجود محل الاختيار في ذلك بعد أن لم يكن متعينا عليه.
وبذلك ظهر لك حكم سائر الصور التي ذكرها في المسالك وغيرها،
وأطالوا الكلام فيها، ولعل ما ذكرناه هو ظاهر الفاضل في القواعد، حيث قال:
(ولو أسلم العبد عن أربع حرائر فصاعدا وثنيات ثم أعتق ولحقن به في العدة
تخير اثنتين، فإذا اختارهما انفسخ نكاح البواقي وكان له العقد على اثنتين
أخريين، ولو أعتق أولا ثم أسلم ولحقن به تخير أربعا).
لكن في كشف اللثام (هذا يشمل ما إذا تقدم العتق على إسلامهن أو تأخر
أو توسط، وعلى الأول الأقوى وفاقا للمبسوط والتذكرة والتحرير ثبوت النكاح
على الجميع، فإن استقرار الاختيار من حين إسلامهن، وهو حينئذ حر، وعلى
التوسط بأن أسلم ثم أسلمت اثنتان أو أسلمتا معه ثم أعتق ثم لحقت به الأخريان
73

في العدة يحتمل ثبوت النكاح على الجميع من أنه لا يتعين عليه اختيار من سبقت
إلى الاسلام، لجواز التربص إلى إسلام الباقيتين، وإذا أسلمتا كان حرا، والعدم كما
في المبسوط من تحقق الاختيار من حين إسلام الأولتين وإن جاز له التربص إلى
إسلام الأخيرتين، وهو حينئذ عبد، وقد تبع بذلك ثاني الشهيدين الذي قد جعل
وجه الفرق بين الصورة الأولى والمتأخرة وجود محل الاختيار حال العبودية، فيتعين
عليه اثنتان بخلافه في المتأخرة، وفيما لو أسلم معه واحدة غير ذلك مما لا يتحقق
معه خطاب الاختيار، لعدم وجود موضوعه أو عدم كماله، بخلاف ما لو أسلم معه
اثنتان أو ثلاث مثلا، فإن الاختيار قد يتحقق وإن كان له تأخيره إلى التمام، لكن
تشخص أن اختياره اثنتين وإن أخر ذلك إلا أنه لا يتغير اختياره، لأن الفرض
تحقق موضوعه، وهو عبد، فيكون له اختيار العبد وإن تعقبت الحرية، وقد
شبهوا ذلك بما إذا طلق العبد امرأته طلقتين ثم أعتق، فإنه لا يملك بالعتق طلقة
ثالثة ولم يجز نكاحها إلا بمحلل، ولو طلقها طلقة ثم أعتق ونكحها أو راجعها
ملك طلقتين، وبما إذا كانت تحته حرة وأمة فقسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة
ثم أعتقت الأمة، فإن أعتقت بعد تمام ليلتها لم تستحق زيادة، وإن أعتقت قبل تمامها
كمل لها ليلتين - ثم قال -: والعبارة الجامعة لهذه المسائل أن يقال: الرقية والحرية
إذا تبدل أحدهما بالآخر فإن بقي من العدد المعلق بكل واحد من الزائد والطارئ
شئ أثر الطارئ وكان الثابت على العدد المعلق به زائدا كان أم ناقصا، وإن لم يبق
منهما جميعا لم يؤثر الطارئ ولم يغير حكما، ففي مسألتنا إذا أسلم معه
حرتان ثم عتق لم يبق من العدد المعلق بالزائد شئ، فلم يثبت العدد المعلق
بالطارئ وإذا أسلمت معه واحدة بقي من العدد المعلق بالزائد شئ، ومن العدد
المعلق بالطارئ شئ، فأثر العتق وثبت حكمه، وعلى هذا قياس باقي المسائل،
ومما يتفرع على هذا الأصل ما لو طلق الذمي زوجته طلقتين ثم التحق بدار الحرب
ناقضا للعهد فسبي واسترق ونكح تلك المرأة بإذن مالكه يملك عليها طلقة، لأنه
بقي من عدد الزائد شئ، ولم يبق من عدد الطارئ شئ، فلم يؤثر الطارئ،
ولو كان قد طلقها طلقة فإذا نكحها لا يملك عليها إلا طلقة، لأنه بقي من عدد
الزائد طلقتان ومن عدد الطارئ طلقة، وكان الثابت حكم الطارئ، وهو الرق).
74

ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا ما في جميع ذلك حتى الفرق بين
المشبه والمشبه به، ضرورة أن العبد إذا طلق طلقتين وقع الحكم بالتحريم المحتاج
إلى محلل، فحصول العتق بعده لا يؤثر في رفعه، وإذا مضى قرءان وقع الحكم
ببراءة الذمة وبتحليلها للأزواج وكذا باقي النظائر بخلاف المقام، فإنه لا يصير
مستوفيا لحقه باسلام اثنتين معه، وإنما يصير متمكنا من الاستيفاء، والتمكين
من الشئ لا يحل محل الشئ، وأما ما ذكره من العبارة الجامعة لم نعرف مدركه،
بل هي محض دعوى بلا دليل، والمتجه ما عرفت من كون العبرة بالعتق قبل إسلامه
وبعده، ففي الأول يجري عليه حكم المسلمين الأحرار، وفي الثاني يجري عليه
حكم المسلمين العبيد، لأن حال إسلامه هو حال جريان الأحكام عليه، والاختيار
وعدمه لا مدخل له في ذلك، كما لا مدخل له في صدق تناول الأدلة التي هي حر
أسلم عن أربع وعبد أسلم عن ذلك، كما هو واضح بأدنى تأمل، والله العالم.
المسألة (الرابعة)
(اختلاف الدين فسخ) قطعا (لا طلاق) فلا يلحقه حكمه إلا بدليل
(فإن كان من المرأة قبل الدخول سقط به المهر) الذي هو بمنزلة العوض، فإذا
انفسخ العقد الذي كان قد أوجبه قبل استيفاء المعوض رجع استحقاق العوض إلى
مالكه، سيما مع كون الفسخ من قبلها وإن كان بأمر واجب عليها، من غير فرق
بين كونه عينا أو دينا، تصرفت به أولا وتقصيره بعدم إسلامه لا يرفع مقتضى قاعدة
الفسخ وثبوته في ذمته لو ماتت أو مات على القول به، لعدم ثبوت كون الموت فسخا،
ولذا جاز النظر واللمس والتغسيل ونحو ذلك، وفي صحيح ابن الحجاج (1) عن أبي
الحسن عليه السلام (في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها، قال:

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 6.
75

قد انقطعت عصمتها منه، ولا مهر لها، ولا عدة عليها منه).
(وإن كان من الرجل فنصفه على قول مشهور) تنزيلا له منزلة الطلاق
قبل الدخول، وفيه منع ما يدل على التنزيل على وجه يقتضي ذلك، ومن هنا استوجه
غير واحد من المتأخرين ثبوت الجميع عليه، بدعوى ايجاب العقد له أجمع،
فيستصحب ثبوته بعد أن لم يكن الفسخ من قبلها، وتقصيرها بعدم الاسلام معه لا يرفع
أصل استحقاقها الثابت لها بالعقد، وفيه أن قاعدة الفسخ التي ذكرناها تقتضي رد
كل عوض إلى مالكه، فيتجه حينئذ سقوط الجميع عنه، خصوصا بعد أن كان
سبب الفسخ ليس من تقصيره، بل من وجوب ذلك شرعا عليه، نعم قد يقال بثبوت
النصف عليه، لكونه القدر المتفق عليه بين القولين، ولقوة إلحاقه به باعتبار كونهما
معا فسخا للنكاح قبل الدخول، وإن كان الأخير كما ترى لا يخرج عن القياس
المحرم، اللهم إلا أن يكون مستنده بعض النصوص (1) الواردة في الارتداد
المشبهة له بالطلاق.
(وإن كان بعد الدخول) منه أو منها (فقد استقر) المهر (ولم يسقط
بالعارض) منه شئ، ضرورة تمامية المعاوضة حينئذ ولو بالانتفاع بالبضع آنا ما،
والفرض تعذر رده، وإمكان رد مهر المثل مثلا ليس ردا له هنا شرعا، لكون المقطوع به نصا (2) وفتوى استقرار المهر بالدخول، وفي المسالك إنه محل
وفاق.
ولو أسلما دفعة بأن تقارن آخر الشهادتين منهما لا فسخ، ولو لم يعلم الحال
وجهل التاريخ وأمكن الاقتران حكم به عند جماعة، وإن علم عدم الاقتران أو قلنا:
إن الأصل أيضا يقتضي عدمه فلا شئ لها عليه على ما قلناه، ولها الجميع أو النصف
على القولين الآخرين، بل لو ادعت سبقه وادعى سبقها كان القول قولها عليهما،
فتأمل جيدا.

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب المواريث.
(2) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور.
76

(و) كيف كان ف‍ (لو كان المهر فاسدا) باختلال شرط من شروط
صحته عندنا كالمعلومية مثلا لا من حيث تحريمه في شرع الاسلام كالخمر
والخنزير الذي سيذكر حكمه (وجب به مهر المثل مع الدخول) كالمسلمة
المساوية لها في الفروع (وقبله) لا شئ لها إن كان منها و (نصفه إن كان)
أي (الفسخ من الرجل) على القول المشهور، وجميعه على القول الآخر، ولا شئ
على ما عرفت، بل قد يشكل الأول بأنه مناف لقاعدة إقرارهم على ما وقع منهم
حال كفرهم، فمع فرض جواز ذلك في دينهم وقد حصل القبض فيه يتجه عدم رجوعها
عليه بشئ.
(و) إن كان قد دخل بها وأمهرها شيئا مجهولا بل (لو لم يسم) لها
(مهرا والحال هذه) ودخل بها وكان في دينهم جواز ذلك لم يكن لها عليه شئ
لما عرفت، لكنه خلاف المصرح به في كلامهم، بل قالوا لو لم يسم لها مهرا ولم
يدخل بها وأسلم دونها (كان لها المتعة كالمطلقة، وفيه تردد) بل منع،
لما عرفت من عدم كون الفسخ طلاقا وعدم ما يقتضي جريان أحكامه عليه، فيتجه
حينئذ عدم شئ لها عليه، للأصل وغيره وفاقا لجماعة، بل قد عرفت أن المتجه
ذلك مع الدخول فضلا عن عدمه لقاعدة الاقرار، اللهم إلا أن يقال: إن استيفاء
البضع من قبيل الأسباب التي تترتب عليها مسبباتها، فهو حينئذ كاتلاف كافر
مالا من كافر مثلا على وجه لم يلتزم به في دينهم ثم أسلم وكان من دين الاسلام
التزامه به، فإنه يجب عليه أداؤه له، وقاعدة الاقرار إنما هي بالنسبة إلى الصحة
والفساد في العقد مثلا لا في نحو ذلك، وما نحن فيه منه فتأمل جيدا.
(ولو دخل الذمي) مثلا (وأسلم وكان المهر خمرا) مثلا وقد أقبضه
تماما إياها حال الكفر لم يكن لها شئ بلا خلاف ولا إشكال، لأن (الاسلام يجب
ما قبله) (1) (و) إن كان (لم تقبضه) منه (قيل: يسقط) لأنها قد رضيت به،

(1) المستدرك الباب - 15 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 والخصائص
الكبرى ج 1 ص 249 وكنز العمال ج 1 ص 17 الرقم 243 والجامع الصغير ج 1
ص 123.
77

فيدام حكم رضاها، وقد تعذر إقباضه بعد الاسلام بالنسبة إلى المستحق عليه، فسقطت
المطالبة به (وقيل: يجب) به (مهر المثل) لأنها لم ترض إلا بالمهر، والفرض
امتناعه عليه بعد الاسلام، فيرجع إلى مهر المثل، وعن طلحة بن يزيد (1) (سأل
الصادق عليه السلام عن رجلين من أهل الذمة أو من أهل الحرب تزوج كل منهما امرأة
وأمهرها خمرا أو خنازير ثم أسلما فقال: النكاح جائز حلال، ولا يحرم من قبل
الخمر ولا من قبل الخنازير، قلت: فإن أسلما حرم عليه أن يدفع إليها الخمر
والخنازير، فقال: إذا أسلما حرم عليه أن يدفع إليها شيئا من ذلك، ولكن يعطيها
صداقا.
(وقيل: يلزمه قيمته عند مستحليه، وهو أصح) عند المصنف. لأنه أقرب
شئ إليه، كما لو جرى العقد على عين وتعذر تسليمها، ولأن مهر المثل قد يزيد
عن قيمة المسمى مع اعتراف الزوجة بعدم استحقاقه، وقد ينقص مع اعتراف الزوج
باستحقاقها الأزيد، ولوجوب قيمة الخمر لو أتلفها متلف على ذمي وترافعا إلينا،
ولخبر زرارة (2) قال للصادق عليه السلام (النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دن
خمرا وثلاثين خنزيرا ثم أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها، قال: ينظر كم قيمة
الخمر وكم قيمة الخنزير فيرسل به إليها ثم يدخل عليها، وهما على نكاحهما
الأول) ولعله غير مناف للأول الذي يمكن إرادة ذلك من الصداق فيه
لا مهر المثل، نعم قد يشكل بضعف الخبر، كما أنه قد يشكل سابقه بذلك أيضا والأول
أوفق بأصول المذهب، كأصل البراءة وقاعدة جب الاسلام وغير ذلك، ومن هنا
يقوى حينئذ سقوط المهر.
وعلى كل حال فظاهرهم بل صريح البعض عدم الفرق في ذلك كله بين أن
يكون خمرا معينة أو كلية، لاشتراكهما في تعذر الدفع، لكن قد يقال مع التعيين
وإمكان قبض الزوجة إياها بنفسها يتوجه عدم مطالبتها بمهر المثل أو القيمة، وإن
كان قد قبضت بعضا وبقي بعض سقط عن الزوج بقدر المقبوض، ووجب بنسبة الباقي

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب المهور الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب المهور الحديث 1 - 2.
78

إلى المجموع عن مهر المثل أو القيمة، فإن كان المهر عشرة أزقاق خمرا وقد قبضت
خمسة فإن تساوت الأزقاق قيمة عند مستحليها برأ من النصف قطعا فإن النصف
عدد أو قيمة وإن اختلف قيمة احتمل اعتبار العدد، إذ لا قيمة لها، فيكون قد قبضت
النصف أيضا تساوت الأزقاق صغرا وكبرا أم اختلفت، واحتمل اعتبار الكيل
أو الوزن، فإنها ليست من المعدودات فإنما يتحقق قبض النصف إذا اتحد الزق
أو تساوت الأزقاق في السعة والامتلاء، أو عينا الكيل في العقد فقبضت نصف ما عين،
كما هو واضح، والله العالم.
المسألة (الخامسة)
(إذا ارتد المسلم بعد الدخول حرم عليه وطئ زوجته المسلمة) قطعا، بل
وغير المسلمة على ما عرفته سابقا، من غير فرق بين كونه عن ملة وفطرة، بل
وبين ما قبل الدخول وبعده، ولكن خصه بالثاني ليترتب عليه ما بعده، ثم إن كان
عن فطرة بانت عنه مطلقا، فلو وطأها حينئذ بشبهة فعليه مهر آخر للشبهة إن
كانت له ذمة (و) إن كان عن ملة (وقف) انفساخ (نكاحها) منه (على
انقضاء العدة) فإن عاد إلى الاسلام فيها بان استمرار النكاح، وإلا بان انفساخه
من أول الارتداد كما عرفته سابقا.
(فلو وطأها) حينئذ (لشبهة وبقي على كفره إلى انقضاء العدة قال
الشيخ:) كان (عليه مهران: الأصلي بالعقد وآخر للوطئ بالشبهة، وهو يشكل
بأنها في حكم الزوجة إذا لم يكن عن فطرة) فلا يترتب على وطئه شئ، ولهذا
لو رجع لم يفتقر إلى عقد جديد، فليس الارتداد حينئذ إلا كالطلاق الرجعي الذي
لا يوجب البينونة، ويدفع بأنه قد بان ببقائه على الكفر أنها قد بانت منه بأول
ارتداده، وليس في شئ من الأدلة ما يقتضي كونها بحكم الزوجة حتى بالنسبة إلى
79

ذلك ما دامت العدة ولو تشبيها بها أو في حكم التشبيه كي تكون حينئذ كالمطلقة
رجعيا، وإثبات بعض اللوازم كالإرث ونحوه لا يقتضي ثبوت الجميع، وما في بعض
النصوص (1) من تشبيهها بالمطلقة لا يقتضي إرادة الرجعية، خصوصا بعد ما
في آخر (2) من أنها كالمطلقة ثلاثا فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فالمراد بالشبهة في المتن أنه وطأها غير عالمة وغير عالم
بحرمة ذلك عليهما، وقد يحتمل كون المراد شبهة شرعا فلا يقدح حينئذ علمها
بالتحريم.
ثم لا يخفى عليك جريان المزبور في ارتداد الامرأة أيضا، إذ هما من واد
واحد، بل لا فرق فيها بين كون ارتدادها عن فطرة أو ملة، لما عرفت من عدم
بينونتها بالفطري، لقبول توبتها، والله العالم.
المسألة (السادسة)
(إذا أسلم وعنده أربع وثنيات) غير مدخول بهن بن منه وإن كن
(مدخولا بهن) لم يحكم بالبينونة منه حتى تنقضي العدة وهن على كفرهن
وحينئذ (لم يكن له العقد على أخرى) خامسة (ولا على أخت إحدا) هن أي
(زوجاته) التي أسلم عنهن على وجه يدخل بها ويعاملها معاملة الزوجة (حتى
تنقضي العدة مع بقائهن على الكفر) لكونه منهيا عن الخامسة وعن أخت الزوجة،
ولا يتم امتثال ذلك إلا باجتناب هذين، لاحتمال كونهما خامسة وأخت زوجة،
التمسك بأصالة عدم الاسلام في العدة لا يرفع باب المقدمة بعد أن كان الاسلام

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب المواريث
والثاني بطريق الشيخ (قده).
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب المواريث
والثاني بطريق الشيخ (قده).
80

وعدمه كاشفا عن بقاء الزوجية وعدمها لا شرطا مؤثرا، إذ هو حين إسلامه إما أن
يكون ذا أربع أو لا في الواقع، وناكحا للأخت أولا فالمعقود عليها حينئذ قبل
انكشاف ذلك من مشتبه الموضوع لا يجوز الاقدام عليها، كالامرأة المشتبهة حالها
أنها أم أو لا، وبذلك يعلم أن من عقد على امرأة فضولا لم يجز له أن ينكح أمها
قبل الإجازة على وجه يتصرف بها، لاحتمال انكشاف أنها أم امرأة كما أوضحناه
سابقا.
نعم له العقد على وجه يترتب عليه آثاره، فإذا بقين على الكفر انكشف
تأثير العقد حينئذ، لانكشاف عدم المانع حينه، ودعوى مسلوبية هذه العبارة حينئذ
وإن بان بعد ذلك مصادفتها للحكم بكونهن كالزوجات بالنسبة إلى ذلك،
نحو المطلقة رجيعيا فإنه لا يجوز له العقد على أختها وإن استمر على عدم الرجوع بها
حتى انقضت العدة ممنوعة بعد حرمة القياس، ضرورة عدم دليل يدل على أنهن
بحكم الزوجات على وجه يشمل ذلك بخلاف المطلقة رجعيا، ومجرد انكشاف
الزوجية وعدمها بالاسلام في العدة وعدمه لا يقتضي ذلك، لكونه أعم منه فتأمل فإنه
ربما دق، وحينئذ لا بأس بحمل نحو عبارة المتن على ما ذكرناه وإن كان هو خلاف
ظاهر ثاني الشهيدين والفاضل، حيث إنهما جعلا ذلك احتمالا بعد أن ذكر الأول
ظاهر العبارة، لكن لا يخفى ما فيه.
(ولو أسلمت الوثنية فتزوج زوجها بأختها قبل إسلامه) لجواز ذلك
في دينه (وانقضت العدة) لأختها (وهو على كفره صح عقد الثانية) واستقر
لظهور بينونة الأولى حينئذ منه باسلامها، فيكون حينئذ عقد الثانية لا معارض له،
وكونه لو أسلم تكون الأولى زوجة له غير قادح بعد جواز مثله في دينه، وليس هو
كالمتزوج أخت الزوجة في عدة الأخرى الرجعية.
(نعم لو أسلما) معا (قبل انقضاء عدة الأولى تخير) لأنه قد بان
أن الأولى زوجة له، والفرض أن الثانية قد تزوجها في حال كفره الذي يقر عليه،
فيكون (كما لو تزوجها وهي) أي الأولى (كافرة) وأسلموا جميعا، وقد عرفت
81

أن الحكم فيه التخيير، بل هو كذلك أيضا لو أسلم هو في عدة الأولى وأسلمت هي
بعد انقضائها قبل انقضاء عدتها، للحكم بكونهما معا زوجتين له، لانكشاف كون
الأولى زوجة من حين إسلامها باسلامه في عدتها، وانكشاف كون الثانية زوجة له
أيضا من أول إسلامه باسلامها في عدتها، فيتجه التخيير، لا أنه يستقر عقد الأولى
وتبين الثانية منه، كما عساه يوهمه ظاهر عبارة المتن، نعم لو أن إسلام الثانية قد كان
بعد انقضاء عدتها اتجه ذلك، لا في الفرض الذي قد بان أنها زوجة له باسلامها
في عدتها، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة وإن كان قد انقضت عدة الأولى وهو
واضح، ومثل هذا البحث يأتي فيما لو أسلم زوجاته الأربع المدخول بهن فتزوج
خامسة دخل بها، ثم أسلم وتأخر إسلامها حتى انقضت عدة الأربع ثم أسلمت
في عدتها، والله العالم.
المسألة (السابعة)
(إذا أسلم الوثني) على وثنيته بعد الدخول (ثم ارتد وانقضت عدتها)
وهي باقية (على الكفر) من حين إسلامه (فقد) بان أنها (بانت منه) من
- أول إسلامه المقتضي لانفساخ النكاح في مثل ذلك (و) هو واضح، نعم (لو أسلمت)
هي (في العدة) بأن عدم الانفساخ بالاسلام، ولكن انفسخ بالارتداد، (و) حينئذ
فلا بد من ضرب عدة لها من حين الارتداد فإن (رجع إلى الاسلام في العدة فهو
أحق بها) لانكشاف عدم فسخ النكاح بالارتداد، لأن المسلم منه المستمر إلى ما
بعد انقضاء العدة، لا ما إذا رجع فيها، ودعوى عدم انكشاف كونها زوجة باسلامها
وهو مرتد يدفعها إطلاق الأدلة القاضي بأنها زوجة له حال إسلامه، فحينئذ يكون
الارتداد واردا على النكاح الصحيح، فينفسخ من حينه إن بقي مستمرا إلى انقضاء
العدة (و) إلا تبين عدم الفسخ به، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة السابقة، نعم
82

(إن خرجت) العدة (وهو كافر فلا سبيل له عليها) وبان أنها بانت منه من
حين ردته، وكذا لو انعكس الفرض بأن أسلمت هي أولا ثم ارتدت، وعلى كل
حال فليس له العود إليها، بذلك العقد حال ردته، لأنها إن كانت مسلمة فلا يجوز
نكاح المرتد لها، وإن كانت كافرة فلفساد النكاح بين المرتد والكافر كفساده بينه
وبين المسلم، لأن علقة الاسلام باقية عليه، ولذلك لا يقر عليه، بل يقتل إن كان
فطريا وكان رجلا، ويستتاب إن كان مليا، فإن لم يتب قتل إن كان رجلا، وإن
كان امرأة حبست وضربت وضيق عليها في المأكل والمشرب، كما سمعت الكلام فيه
سابقا، بل لو كانت هي مرتدة مثله أيضا انفسخ النكاح بينهما كما عرفته فيما مضى،
هذا كله بالنسبة إلى الرجوع إليها.
أما غيرها كما لو فرض أنه تزوج وهو مرتد بامرأة ثم عاد إلى الاسلام في عدة
الأولى لم يحكم بصحة نكاحه فإن أقصى الأدلة البقاء على النكاح الأول بالرجوع،
لا أنه به ينكشف قابليته للنكاح المبتدأ، وكذا لو أسلمت زوجة الكافر وفرض
نكاحه لمسلمة بعدها ثم أسلم هو في العدة، فإنه لا يصح نكاحه المسلمة وإن انكشف
باسلامه بقاء نكاحه السابق، لكن ذلك بالنسبة إليه خاصة، لا أنه ينكشف بذلك
أنه بحكم المسلم بالنسبة إلى ذلك حتى بالنسبة إلى النكاح المبتدأ فإنه لا دليل
عليه، بل ظاهر ما دل على عدم جواز نكاح الكافر المسلم خلافه كما هو واضح،
والله العالم.
المسألة (الثامنة)
(لو ماتت إحداهن) مثلا (بعد إسلامهن قبل الاختيار لم يبطل
اختياره لها) للأصل (فإن اختارها ورث نصيبه منها، وكذا لو متن كلهن
كان له الاختيار، فإذا اختار أربعا ورثهن) لا يقال: إنهن حرمن عليه باسلامه
83

قبل إسلامهن، فإذا أسلمن احتاج العود إلى الحل إلى سبب يوجبه، وقد خرجن
عن أهلية ذلك ومجرد إسلامهن ليس سببا تاما في الحل، بل لا بد فيه من الاختيار،
فإذا متن قبل تمام السبب المبيح ينبغي البطلان، كما لو مات أحد المتعاقدين قبل
تمام السبب المملك بالقبول أو القبض (ل‍) أنا نقول: (إن الاختيار ليس استئناف
عقد) حتى يبطل بالموت قبل تمامه (وإنما هو تعيين لذات العقد الصحيح)
المتحقق في ضمن الجميع، فلا نقصان للسبب الموجب للإرث، فإنه الزوجية، وهي
متحققة في جملتهن، والمانع كان هو الكفر وقد زال، غايته زيادتهن على العدد
المعتبر، والأمر فيه إليه لا إليهن، وليس الموت فاسخا للزوجية، ولذا يجوز
للزوج تغسيل زوجته والنظر إليها، كما أن الاختيار ليس مشروطا بالحياة وإن
كان ظاهر قوله صلى الله عليه وآله (1): (أمسك أربعا) الحياة، لكنه ظهور مورد لا شرط
(و) حينئذ فيتجه التمسك بالاستصحاب فيما يتحقق فيه من أفراد ذلك، ويتم
بعدم القول بالفصل.
نعم (لو مات ومتن) معه قبل الاختيار (قيل: يبطل الخيار) بل لا أجد فيه
خلافا بين من تعرض له من أصحابنا، لأصالة عدم ثبوته لغيره، خصوصا مع ابتنائه
على الشهوة المختصة به، فاحتمال قيام وارثه مقامه فيه قياسا على الخيار في المال مثلا
ولا طلاق قوله عليه السلام (2): (ما كان للميت فهو لوارثه) مدفوع بذلك.
(و) لكن (الوجه) عند المصنف (استعمال القرعة، لأن فيهن وارثات)
للربع أو الثمن إن مات قبلهن (وموروثات) إن متن قبله، ووارثات وموروثات إن مات
بعضهن قبله وبعضهن بعده، فلم بعلم المستحق أو المستحق عليه مع انحصاره في جملتهن،

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 182.
(2) لم نعثر على هذا اللفظ بعد التتبع التام في مظانها وإنما الموجود (من مات
وترك مالا فلورثته) أو (فللوارث) كما في الوسائل الباب - 3 - من أبواب ولاء ضمان
الجريرة والإمامة الحديث 4 و 14 ومستند أحمد ج 2 ص 290 و 453 و 456 و ج 3 ص
269 و 371 و ج 4 ص 131.
84

فيستخرج بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل، وربما أشكل ذلك، بأنها لتعيين ما هو
معين عند الله مشتبه عندنا في الظاهر، وهو هنا ليس كذلك، لأن التعيين موكول
إلى الزوج لا إلى الله تعالى وإن كان هو الذي يلهمه الاختيار، ولا يقال: إن الله تعالى
يعلم من يختارها منهن لو اختار وإن لم يوجد منه اختيار، لأنا نقول: إن الله
تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه فالمعين في نفسه يعلمه معينا وإن اشتبه علينا،
والمبهم في نفسه يعلمه مبهما فلا يمكن تخصيص إحداهن بالميراث عندنا ولا عند الله.
ومن هنا قيل: إن الوجه الايقاف حتى يصطلح ورثتهن على التساوي
أو التفاوت، لأن الحق منحصر فيهم، وفيهم من يستحق ومن لا يستحق، ومال إليه
في المسالك تبعا للكركي، وقيل: يقسم ذلك بالسوية فيأخذ وارث كل واحدة
نصيبها، لأن البيان غير متوقع، مع اعتراف الجميع بالاشكال، وأنه لا مزية
لإحداهن على الأخرى فاشتبه المال بين المدعيين مثلا.
وربما أشكل بأنه إعطاء غير المستحق قطعا بخلاف المال بين المدعيين، فإن
التشريك بينهما محتمل بخلاف المقام المعلوم فيه عدم الاشتراك، ويدفع بمنع اعتبار
احتمال التشريك فيما ثبت فيه، لاطلاق دليله المبني على إعمال كل من الدعويين
واليدين في غير محل التعارض وإبطالهما فيه، فليس إلا الاشتراك بينهما بالنصف إن
كانا اثنين، نعم ما نحن فيه ليس من ذلك، لاعتراف الجميع بأن المستحق أربع،
وعدم الدعوى منهن بأنهن الأربع لا غيرهن.
كما أنه قد يشكل سابقه بأن في الايقاف حتى يصطلح الجميع تعطيلا للحق
عن أهله المطالبين به ومثارا للنزاع الذي لم يعهد من الشارع إهماله، فيتعين
القرعة حينئذ.
ويدفع ما سمعته من إشكالها (أولا) بمنع اعتبار الاشتباه في موضوعها،
لاطلاق أدلتها من الآية (1) والرواية (2) و (ثانيا) بمنع عدم الاشتباه هنا، فإنه

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية 44 وسورة الصافات: 37 - الآية 141.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.
85

باسلامه وإسلامهن مثلا بن منه أربع وبقين أربع في علم الله ولو باختياره
المستقبل، إذ لا معنى لقيام البينونة والزوجية في موضوع مبهم في الواقع، بل هو
غير متصور، نعم باختياره ينكشف أن هذه الأربع هي التي باقية على الزوجية من
أول الأمر، لا أن الاختيار جزء سبب النكاح ولا سبب في الاقتران، وحينئذ تكون
القرعة في محلها.
ويقوى في النظر التخيير للحاكم المعد لحسم مادة النزاع بين استعمال القرعة
في حسمه وبين القسمة على السواء بينهم، ولا يتعين أحدهما، وربما كان ذلك مراد
المصنف بقرينة ما تسمعه منه فيما يأتي فيما لو مات دونهن، حيث قال: (والوجه
القرعة أو التشريك) فتأمل جيدا، والله العالم.
(ولو مات الزوج) خاصة (قبل) اختيار أربع من‍ (هن كان
عليهن) أجمع (الاعتداد منه، لأن منهن من تلزمه العدة) بالوفاة (ولما
لم يحصل الامتياز الزمن) أجمع (العدة احتياطا) فإن لم يكن قد دخل بهن
وكن ذميات أو قارن إسلامه إسلامهن فليس إلا عدة الوفاة، وإن كان قد دخل
بهن الزمن العدة (بأبعد الأجلين، إذ كل واحدة) منهن (تحتمل أن تكون
هي الزوجة وأن لا تكون) هي الزوجة (فالحامل تعتد بعدة الوفاة ووضع الحمل)
وفي بعض النسخ (تعتد بأبعد الأجلين من عده الوفاة ووضع الحمل) وعلى كل حال
فالمراد واضح وإن كان التعبير الأول فيه تجوز، لأن عدة الوفاة للحامل هي أبعد
الأجلين، فاطلاقه عدتها على عدة الوفاة من إطلاق اسم المجموع على بعض
أفراده، والأمر سهل.
(و) أما (الحائل) ف‍ (تعتد بأبعد الأجلين من عدة الطلاق) ثلاثة
أقراء أو ثلاثة أشهر (و) عدة (الوفاة) أربعة أشهر وعشرا، وإنما اكتفي
بالتداخل في العدتين لأن المعتبر عدة واحدة، والتكليف بالزائد للاشتباه وكيف
كان فابتداء عدة الوفاة من حينها قطعا، أما الأقراء فعن التذكرة (يحتمل الاعتبار
من وقت إسلامهما إن اقترنا، ومن حين إسلام من سبق إسلامه إن تعاقبا فيه، لأن
86

الأقراء إنما تجب لاحتمال مفارقة من انفسخ نكاحها، والانفساخ يحصل من ذلك
الوقت) واعترضه في جامع المقاصد بأن (لقائل أن يقول: إن الانفساخ إنما يحصل
من حين المفارقة بالاختيار ولم يتحقق ذلك، فينبغي أن يكون ابتداء عدته من
حين الوفاة، لامتناع التأخر عنه وانتفاء ما يدل على التقدم عليه، لأن إسلامهما
أو إسلام الأسبق منهما لا يقتضي المفارقة قطعا) وفيه أنه يمكن القول بأن الاختيار
حيث يحصل يكشف عن الفرقة من حين الاسلام المقتضي لبينونة ما زاد على النصاب،
فتأمل.
ثم لا يخفى عليك عدم الخلاف ظاهرا منهم في وجوب العدة على الجميع بنحو
ما عرفت، لكن فيه أنه لا يتم على تقدير استخراج الوارثات منهن بالقرعة القاضية
بكون الزوجات التي خرجن بها، فيتجه حينئذ عدة الوفاة عليهن والفراق على
غيرهن، اللهم إلا أن يقال: إنها بالنسبة إلى خصوص الإرث، ومنه يعلم قوة
ما ذكرناه سابقا من أنها هنا طريق للحاكم في حسم النزاع كالتشريك، لا أنها
معينة للموضوع الذي تجري عليه جميع الأحكام، والله العالم.
المسألة (التاسعة)
لا خلاف أجده بين من تعرض لذلك في أنه (إذا أسلم وأسلمن) معه وكن
كتابيات (لزمه نفقة الجميع حتى يختار أربعا، فتسقط نفقة البواقي) من حين
الاختيار لا قبله (لأنهن) فيه (في حكم الزوجات) وإن زدن على النصاب
كالمطلقة رجعيا (وكذا لو أسلمن أو بعضهن وهو على كفره، و) حينئذ ف‍ (لو
لم يدفع النفقة كان لهن المطالبة بها عن الحاضر والماضي) لأنها من الديون (سواء
أسلم أو بقي على الكفر) ولا يقدح في ذلك عدم تمكينه من الاستمتاع بعد أن كان
المنع شرعيا بالكفر أو عدم الاختيار الحابس لهن، نعم قد يشكل ذلك بأنه بالاسلام
87

قد بانت منه زوجية الزائد، فالواجب عليه نفقة أربع توقف حتى يصطلحن عليها
أو يقرعن عليها أو تقسم بالسوية بينهن، بل قد يتجه اختصاصها بمن يتعقبهن
الاختيار الكاشف عن كونهن زوجات من حين الاسلام وعن عدم زوجية غيرهن حينه
أيضا، بل قد يشكل وجوب النفقة عليه لغير الزائد مع فرض استمرار الكفر الكاشف
عن البينونة من حين الاسلام، ودعوى كونهن بحكم الزوجات قبل الانكشاف
كالمطلقة رجعيا يدفعها عدم الدليل على ذلك، ومجرد المشاركة للرجعية
في بعض الأحكام لا يقتضي المساواة في الجميع الذي منه ما نحن فيه، خصوصا بعد
معلومية المخالفة لها في الإرث وغيره، كما أومأنا إليه سابقا، ودفع الأول بوجوب
الانفاق على الجميع وإن زدن على النصاب للمقدمة يدفعه معلومية كون المراد
الانفاق من حيث الزوجية الذي يكون مع عدم القدرة عليه دينا في الذمة، ومن المعلوم
عدم اقتضاء خطاب المقدمة ذلك، كما هو واضح.
اللهم إلا أن يقال: قال الصادق عليه السلام في خبر الحضرمي (1) (إذا ارتد
الرجل المسلم عن الاسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة، وإن قتل أو مات
قبل انقضاء العدة فهي ترثه في العدة، ولا يرثها إن ماتت وهو مرتد عن الاسلام)
وفيه دلالة على أنها بحكم المطلقة رجعيا، ولذا ورثت، وفيه أنه لا تلازم بين
هذا الحكم وغيره، ولذا صرح في خبره الآخر (2) بأنها (تبين منه كما تبين
المطلقة ثلاثا وأنها ترثه لو مات في العدة) على أن الكلام هنا في الزائد على الأربع
فتأمل جيدا، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لا تلزمه النفقة لو أسلم دونهن) وكن وثنيات
(لتحقق منع الاستمتاع منهن) بعدم الاسلام الواجب عليهن، فهن حينئذ
كالنواشز فتسقط النفقة حينئذ عنه وإن أسلمن بعد ذلك وبان به أنهن زوجات من
حين إسلامه، بلا خلاف أجده فيه أيضا بين من تعرض له، لكن قد يخدش بأن

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب المواريث
والثاني بطريق الشيخ (قده).
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب المواريث
والثاني بطريق الشيخ (قده).
88

المقتضي للانفاق تحق الزوجية، والفرض أنها كذلك عندهم، وإنما المعلوم من
إسقاطه عصيان الزوجة فيما يجب عليها من الخطاب من حيث الزوجية، لا عصيانها
بمخالفة الخطاب الآخر وإن استلزم ذلك عدم جواز وطئه إياها، فهو منع شرعي
لا منع منها، وإلا فهي ممكنة له من الوطئ على هذا الحال، إلا أن الشارع
لم يجوز له وطئ الكافرة. اللهم إلا أن يقال: إن الأصل براءة الذمة من النفقة،
إنما المعلوم من وجوبها مع التمكن من وطئها على وجه يشمل المقام، بل يكفي
في السقوط الشك في تحقق شرط الوجوب.
(و) لعل من ذلك يعلم الحكم فيما (لو اختلف الزوجان في السابق
إلى الاسلام) بعد اتفاقهما على عدم الاقتران (ف‍) إن المصنف وغيره بل نسبه ثاني
الشهيدين إلى الأصحاب، ذكروا أن (القول قول الزوج، استصحابا للبراءة
الأصلية) إذ لا ريب في ابتناء ذلك على الشك في تحقق شرط وجوب الانفاق،
بخلاف ما لو قلنا إن الزوجية سببه، فالنفقة حينئذ ثابتة، والنزاع في المسقط،
والأصل عدمه، فيكون القول قولها، كما عن قول الشافعية واستوجهه في المسالك،
لكن في كشف اللثام يدفعه أن النفقة ليست أمرا واحدا مستمرا من حين النكاح،
وإنما تثبت يوما فيوما، والأصل في كل يوم عدمها إلى أن يثبت موجبها،
وهو التمكين، وفيه أن بناء الوجوب كما عرفت على أن الزوجية سبب الانفاق،
وهو مستمر في كل يوم حتى يعلم تحقق المسقط، وهو كون المنع منها.
ولو ادعى السبق بالاسلام قبل الوطئ الموجب للبينونة بمجرد الاختلاف
ففي القواعد (إن القول قولها، لأن الأصل بقاء استحقاق المهر الذي قد وجب
بالنكاح وإنما يسقط بالمسقط، والأصل عدمه) وفيه إن الأصل عدم الوطئ.
ولو قالت: أسلمنا معا فالنكاح باق، وقال: بل أسلمت قبلي أو أسلمت قبلك
ولم تكن مدخولا بها ففي تقديم قوله أو قولها إشكال من تعارض الأصل والظاهر،
ولو قال للوثنية: أسلمت بعد إسلامي بشهرين فلا نفقة لك علي إلا فيما بعدهما،
فقالت: بل بشهر أو قال: أسلمت بعد العدة فلا نفقة ولا نكاح، فقالت: بل فيها
89

قدم قوله، لأصالة تأخر الحادث، والبراءة من النفقة، ولا يعارضهما أصالة صحة
النكاح، فإن الاختلاف في الدين معلوم، وهو مما يرفع النكاح رفعا مراعى،
فالأصل بطلان النكاح إلى أن يسلم في العدة، والله العالم.
(ولو مات) الزوج قبل الاختيار دونهن (ورثه أربع منهن) و (لكن
لما لم يتعين) قيل: (وجب إيقاف الحصة عليهن حتى يصطلحن) بالتساوي
أو التفاوت (والوجه) عند المصنف هنا أيضا (القرعة أو التشريك) وفي المسالك
(إن مراده الإشارة إلى وجهين في المسألة لا إلى التخيير) قلت: قد عرفت فيما مضى
أن هذه المسألة وما تقدم من واد واحد، ضرورة جريان هذه الوجوه في وارثهن،
إذ لا فرق بينهن وبينه بعد أن كان الاختيار لغيرهن وفرض عدمه، ومنه يعلم أن
مراد المصنف هناك بذكر القرعة على أنها أحد الفردين وحمل ما هنا منه
على الإشارة إلى الوجهين ليس بأولى من حمله على إرادة التخيير للحاكم بعد عدم
الصلح منهن في حسم النزاع بين الأمرين الرافعين للترجيح بلا مرجح، كما عساه
يومئ إلى ذلك ما عرفته سابقا من عدم جريان حكم القرعة في الاعتداد، ولو أنها
لتشخيص الموضوع اتجه حينئذ إجراء أحكامه عليه، واحتمال أنها لتشخيصه
بالنسبة إلى الإرث خاصة دون الاعتداد خلاف المعهود فيما يستخرج بالقرعة.
وكيف كان فلو كان فيهن وارثات وغير وارثات فلا ايقاف لهن، بل لا يورثن
إذا كن غير الوارثات أربعا فما فوقهن، كما لو كان معه أربع وثنيات وأربع
كتابيات فأسلم الوثنيات خاصة ثم مات قبل التعيين وفاقا للقواعد والمحكي
عن المبسوط، لعدم العلم بأن له زوجة وارثة، لاحتمال أن يكون الزوجات منحصرة
في غير الوارثات، خلافا للمحكي عن التذكرة، فاستقرب الايقاف، لعدم العلم
باستحقاق الورثة جميع التركة، لاحتمال زوجية الوارثات منهن، كما يوقف
الميراث إذا كان حمل، والشك في أصل الاستحقاق لا يمنع الوقف، كما في الحمل
أيضا، فإن الاستحقاق أيضا مشكوك فيه، وربما أشكل بأن الشك في الحمل يرجى
زواله بخلاف ذلك، ولو أسلم الكتابية بعد الموت قبل القسمة فالأقرب إيقاف الحصة،
90

لعدم الفرق على الأصح في إرث الكافر إذا أسلم قيل القسمة بين الزوجة وغيرها،
كما تسمعه في الميراث، ومنه يعلم ما في قول المصنف: (ولو مات قبل إسلامهن
لم يوقف شئ، لأن الكافر لا يرث المسلم) مطلقا أو إذا كان زوجا، وأن الأصح
قوله، (ويمكن أن يقال: ترث من أسلمت قبل القسمة).
المسألة (العاشرة)
(روى) الشيخ والصدوق عن ابن محبوب عن الحكم الأعمى وهشام بن سالم
عن (عمار الساباطي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام) قال: (سألته عن رجل أذن لعبده
في تزويج امرأة حرة فتزوجها، ثم إن العبد أبق فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها
من مولى العبد، فقالت: ليس لها على مولاه نفقة، وقد بانت عصمتها، فإن إباق العبد
طلاق امرأته هو بمنزلة المرتد عن الاسلام، قلت: فإن هو رجع إلى مواليه ترجع
إليه امرأته قال: إن كان قد انقضت عدتها منه ثم تزوجت بغيره فلا سبيل له
عليها وإن كانت لم تتزوج - وفي التهذيب ولم تنقض العدة - فهي امرأته على النكاح
الأول) وقد نقل المصنف مضمونها فقال: (إن إباق العبد طلاق امرأته وإنه بمنزلة
الارتداد، فإن رجع وهي في العدة فهي امرأته بالنكاح الأول، وإن رجع بعد العدة
وقد تزوجت فلا سبيل له عليها) وعمل بها الصدوق على ما حكي عنه، والشيخ في النهاية
وابن حمزة في الوسيلة، قال الأول: (إذا أذن الرجل لعبده في التزويج فتزوج ثم أبق
لم يكن لها على مولاه نفقة، وقد بانت من الزوج، وعليها العدة منه، فإن رجع قبل
خروجها من العدة كان أملك برجعتها، وإن عاد بعد انقضاء عدتها لم يكن له
عليها سبيل) وقال ابن حمزة: (وإذا تزوج عبد بأمة غير سيده ورضى سيداهما
ثم أبق العبد بعد الدخول بانت منه ولزمتها العدة، فإن رجع قبل انقضائها كان
أملك بها، وإن رجع بعد انقضاء العدة لم يكن له عليها سبيل، ولا يلزم سيده

(1) الوسائل الباب - 73 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 والباب - 35 -
من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 من كتاب الطلاق.
91

النفقة).
(و) لكن مع ذلك (في العمل بها تردد) ليس (مستنده ضعف السند) إذ
هو من الصحيح أو الموثق، وكل منهما عندنا حجة، بل لقصوره عن معارضة
ما دل على بقاء النكاح من الأصل وعموم حصر ناسخه في غيره، وشذوذ الخبر المزبور،
ضرورة قصر الحكم في عبارة ابن حمزة على أمة غير السيد، مع أن مورد الرواية الحرة،
واعتبار عدم التزويج في رواية الفقيه في البقاء على النكاح، وفي التهذيب ذلك مع عدم
انقضاء العدة، واعتبار التزويج في البينونة عنه في كل منهما، ولم يعتبر بشئ من
ذلك الشيخ وابن حمزة، على أنه ظاهر في سقوط النفقة في الارتداد، وهو مخالف
لما سمعته سابقا، ومختص بالحرة، ولم يستقص فيه تمام أحكام ذلك من رجوع
العبد بنفسه، وإرجاعه، وإباق الأمة التي تزوجها الحر، وإباق العبد والأمة،
وغير ذلك من الأحكام الكثيرة، واتحاد الخبر المزبور في الحكم المذكور، وبذلك
كله يضعف الظن به، بل يختص الظن بغيره، ومنه يعلم أن الأقوى العدم،
والله العالم.
(مسائل من لواحق العقد)
(وهي سبع: الأولى) لا خلاف في أن (الكفاءة شرط في النكاح)
بل الاجماع بقسميه عليه، (و) لكن (هي) بمعنى (التساوي
في الاسلام) فلا يجوز للمسلمة نكاح غير المسلم، (وهل يشترط التساوي
في الايمان) بالمعنى الأخص فلا يجوز نكاح المؤمنة غير المؤمن على نحو ما
سمعته في الاسلام؟ (فيه روايتان أظهرهما الاكتفاء بالاسلام وإن تأكد استحباب
الايمان، وهو في طرف الزوجة أتم، لأن المرأة تأخذ من دين بعلها) أما العكس
فلا خلاف في جوازه كما اعترف به في كشف اللثام وغيره، نعم ربما حكي عن سلار
92

عدم جواز ذلك، ولم نتحققه إذ المحكي عنه أنه إنما منع من المعاندة، وهي المناصبة
التي ستعرف كفرها، بل لم يحك أحد هنا الخلاف في ذلك عمن علم أن مذهبه
كفر المخالفين ونجاستهم، كالمرتضى وابن إدريس وغيرهما، نعم حكى غير واحد
هنا الشهرة على عدم جواز نكاح المؤمنة المخالف، بل في الرياض عن الخلاف والمبسوط
والسرائر وسلار والغنية الاجماع عليه، وهو الحجة للمانع بعد النصوص
المستفيضة.
كقوله صلى الله عليه وآله (1) حين أمر بتزويج الأبكار من الأكفاء: (المؤمنون بعضهم
أكفاء بعض) وغيره.
(ومنها) المشترطة - الأمر بنكاحه المراد منه الإباحة - برضا دينه
وأمانته (2) وفي بعضها خلقه ودينه (3) قيل: وليس في إدراج الخلق مع الدين
في بعضها قرينة على التدين بالنسبة إلى الدين بناء على اتحاد سياق العبارة
مع الاجماع على عدم اعتباره، لتوقفه على كون المراد منه السجية والطبيعة، وليس
بمتعين، لاستعماله في الملة كما عن أهل اللغة، فيحتمل إرادتها منه هنا، فلا قرينة
بالمرة.
(ومنها) الصحيح (4) (تزوجوا في الشكاك ولا تزوجوهم، لأن المرأة تأخذ
من أدب زوجها، ويقهرها على دينه).
(ومنها) المرسل كالموثق، بل الموثق لارساله عن غير واحد الملحق مثله
عند جماعة بالمسند عن أبان عن الفضيل بن يسار (5) قال:) (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن نكاح الناصب، فقال: لا والله ما يحل، قال فضيل: ثم سألته مرة أخرى،
فقلت: جعلت فداك ما تقول في نكاحهم؟ قال: والمرأة عارفة، قلت: عارفة فقال:

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 و 1.
(3) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 و 1.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 5.
93

إن العارفة لا توضع إلا عند العارف).
(ومنها) المعتبر بوجود المجمع على تصحيح ما يصح عنه في سنده (1) (إن
لامرأتي أختا عارفة على رأينا وليس على رأيها بالبصرة إلا قليل فأزوجها ممن
لا يرى رأيها، قال: لا ولا نعمة ولا كرامة، إن الله تعالى يقول (2): فلا ترجعوهن
إلى الكفار، لا هن حل لهم، ولا هم يحلون لهن) بل ربما استفيد من ذيله الاستدلال
بالروايات المستفيضة بل المتواترة (3) المتضمنة كفرهم الذي إن أريد منه الحقيقة
كانت دلالته واضحة، وإلا كان المراد المشاركة في الأحكام التي منها ما نحن
فيه.
بل ربما استدل أيضا بالنصوص المتواترة (4) أيضا الدالة على عدم جواز
نكاح الناصب، بناء على أن المراد منه المخالف، لقول الصادق عليه السلام في خبر المعلى
ابن خنيس المروي عن العلل (5) (ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت، لأنك
لا تجد أحدا يقول: أنا أبغض محمدا وآل محمد، ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم
أنكم تتولونا وأنكم من شيعتنا) وفي المرسل المروي عن الشيخ والكليني (6) عنه

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث - 4 - 0 -.
(2) سورة الممتحنة ج 60 - الآية 10.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب حد المرتد الحديث 13 و 14 و 18 و 19 و 21
و 23 و 24 و 25 و 27 و 28 و 29 و 38 و 43 و 44 و 48 و 49 ومن كتاب الحدود والباب
- 10 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 15.
(4) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث - 4 - 0 -.
(5) الوسائل الباب - 68 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 من كتاب
القصاص، وهو يروي عن معاني الأخبار مع اختلاف في اللفظ، وهذا بعينه مروي
عن العلل في خبر عبد الله بن سنان الذي رواه في الوسائل بعد رواية معلى بن خنيس وأشار
إليه في الوسائل أيضا في الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3 من كتاب
الخمس.
(6) الوسائل الباب - 21 - من أبواب الصدقة الحديث 2 من كتاب الزكاة.
94

أيضا إنه قال: (الزيدية هم النصاب) وعن الكليني في الروضة (1) في جار ناصب
وزيدي فقال عليه السلام: (هما سيان هذا نصب لك، وهذا الزيدي نصب لنا) وعن
مستطرفات السرائر من مكاتبات محمد بن علي بن عيسى لمولانا الهادي عليه السلام (2)
(سأله عن ناصب هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديم الجبت والطاغوت
واعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب).
ولكن الجميع محل نظر أما الاجماع المحكي فلم نتحققه إذ ليس في المحكي
عن المبسوط والخلاف إلا قوله الكفاءة معتبرة في النكاح، وهي عندنا شيئان: الايمان
وإمكان القيام بالنفقة، واليسار المراعى ما يمكنه القيام بمؤونة المرأة وكفايتها
لا أكثر من ذلك ثم إنه استدل في الثاني منهما على ذلك باجماع الفرقة إلى أن قال
في الرد على من اعتبر فيها أكثر من ذلك: (وما ذكرناه مجمع عليه) وفي الغنية
(الكفاءة تثبت عندنا بأمرين الأول الايمان وإمكان القيام بالنفقة بدليل الاجماع
المشار إليه، ولأن ما ذكرناه مجمع على اعتباره، وليس على اعتبار ما عداه دليل،
ولكن البناء عندنا أن الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران الايمان واليسار بقدر ما
يقوم بأمرها، والانفاق عليها، ولا يراعي ما عدا ذلك من الأنساب والصنائع، والأولى
أن نقول: إن اليسار ليس بشرط في صحة العقد، وإنما للمرأة الخيار إذا لم يكن
موسرا بنفقتها، ولا يكون العقد باطلا، بل الخيار إليها، وليس كذلك خلاف
الايمان الذي هو الكف إذا بان كافرا فإن العقد باطل، ولا يكون للمرأة الخيار كما
كان لها في اليسار) إلى آخره، وقال المرتضى في مسائل الناصرية: (الذي يذهب
إليه أصحابنا أن الكفاءة في الدين معتبرة، لأنه لا خلاف في أنه لا يجوز أن تتزوج

(1) روضة الكافي ص 235 - الرقم 314 ط طهران.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 14 من كتاب
الخمس عن موسى بن محمد بن علي بن عيسى قال: كتبت إليه...) ولكن روى في
الباب - 68 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 4 من كتاب القصاص: (إن محمد بن
علي بن عيسى كتب إليه...).
95

المرأة المسلمة المؤمنة بالكفار) إلى آخره.
والجميع كما ترى إنما يراد من الايمان فيها المرادف للاسلام، لا المعنى
الأخص بقرينة استدلالهم على نفي الزيادة عن ذلك في مقابل الشافعي وغيره من
العامة ممن اعتبر في الكفاءة أزيد من ذلك بكون المجمع عليه ذلك، والأصل عدم
الزيادة، ولا ريب في أن الايمان المعتبر عند الجميع الاسلام، ضرورة عدم معنى
أخص للايمان عندهم، بل يؤيده أيضا تفريع بعضهم على ذلك عدم جواز تزويج
المسلمة غير المسلم، وغير ذلك من القرائن التي لا يخفى على من لاحظ كلماتهم
الدالة على إرادة الاسلام من الايمان.
ومنه يعلم عدم قائل صريح معتد به من القدماء بعدم جواز نكاح المؤمنة
غير المؤمن، ولو من فرق الإمامية، كالواقفي ونحوه ممن جرى عليه حكم الاسلام
في هذا الحال، على أن عباراتهم لا يخلو من تشويش بالنسبة إلى اعتبارهم في الكفاءة
الايمان والتمكن من النفقة، مع معلومية عدم اعتبار الثاني في صحة العقد، حتى
لو رضيت الامرأة بذلك كما ستعرف.
وكذا النصوص، ضرورة كون الايمان في السابق مرادفا للاسلام، فإنه
بالمعنى الأخص اصطلاح جديد، نعم ربما أطلق الايمان فيها (1) مقابل الاسلام
باعتبار إرادة التصديق القلبي والتسالم الظاهري مع النفاق باطنا، ولكن المعروف
مرادفته وكذا لفظ الدين الذي هو عند الله الاسلام (2) بل قوله صلى الله عليه وآله (3): (إذا
جاءكم) إلى آخره خطاب مشافهة، ومن المعلوم أن من لا يرضى دينه في زمنه
صلى الله عليه وآله من لم يكن مسلما، فلا يستفاد حينئذ منها بقاعدة الاشتراك أزيد
من ذلك، على أن ذكر الخلق معه مع معلومية عدم اعتباره في الكفاءة قرينة على

(1) الكافي ج 2 ص 25 إلى 28.
(2) سورة آل عمران: 3 - الآية 19.
(3) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و 2.
96

عدم إرادة بيان الكفاءة المعتبر في الصحة، ودعوى إرادة الدين منه أيضا مخالفة
للظاهر، على أنها لا تتم فيما اعتبر الأمانة مع الدين منها.
وأما الصحيح فلم يعلم المراد من الشكاك فيه، ويمكن إرادة المستضعفين منهم،
وحينئذ فالتعليل فيه يناسب الأمر فيه باعتبار صيرورته حينئذ سببا لنجاة الامرأة
لا النهي، فإن المستضعف لا يخشى منه القهر على ما عنده، لعدم معرفته، وعلى كل
حال فهو معارض بما تسمعه من النصوص، خصوصا ما ورد في المستضعف (1) فلا بأس
بحمل النهي فيه على الكراهة.
كالنهي في المرسل الذي بعده، بل والآخر أيضا مع عدم معلومية من لم
ير رأيها البصيرة، ولعلهم الخوارج والمبغضين لأمير المؤمنين والأئمة الطاهرين عليهم السلام،
لكثرتهم في ذلك المكان والزمان، بل هو مقتضى استدلال الإمام عليه السلام بالآية
الكريمة، ضرورة معلومية عدم كفر المخالفين على وجه تجري عليهم أحكامهم
الدنيوية، للسيرة القطعية والأدلة السمعية والعسر والحرج وغير ذلك مما هو مسطور
في محله.
ومنه يعلم بطلان الاستدلال بما دل على كفرهم المعلوم إرادة حكم الكفار
منه في الآخرة كما دلت عليه النصوص المتواترة.
وكذا أخبار النصاب فإن المراد كونهم أجمع بحكمهم فيها أيضا، لمعلومية
كفر الناصب وحلية ماله ودمه، ومعلومية عدم كون المخالف من حيث كونه مخالفا
كذلك، فوجب حينئذ حمل هذه النصوص على ذلك، نحو ما دل (2) على أنهم كفار
وأنهم شر من اليهود والنصارى أي في الآخرة، بخلاف الدنيا فإنهم مساوون
للمؤمنين في الأحكام، وبذلك صرحت النصوص وتواترت في الفرق بين الاسلام
والايمان.

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3 و 5 و 10.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 15 والباب - 11 -
من أبواب الماء المضاف الحديث 5 من كتاب الطهارة.
97

قال سماعة (1): (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن الاسلام والايمان
أهما مختلفان؟ فقال: إن الايمان يشارك الاسلام، والإسلام لا يشارك الايمان،
فقلت: فصفهما لي، فقال: الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله،
وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح، وعلى ظاهره جماعة الناس، والايمان
الهدى، وما يثبت في القلوب من صفة الاسلام، وما ظهر من العمل به، والايمان أرفع
من الاسلام بدرجة، إن الايمان يشارك الاسلام في الظاهر والإسلام لا يشارك الايمان
في الباطن وإن اجتمعا في القول والصفة).
وقال حمران بن أعين (2): (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الايمان ما استقر
في القلب وأفضى به إلى الله، وصدقه العمل بالطاعة لله، والتسليم لأمر الله، والإسلام
ما ظهر من قول أو فعل، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق جميعها، وبه حقنت
الدماء، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم
والحج، فخرجوا بذلك من الكفر وأضيفوا إلى الايمان إلى أن قلت -: فهل للمؤمن
فضل على المسلم في شئ من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك؟ فقال: لا هما
يجريان في ذلك مجرى واحدا ولكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما وما
يتقربان به إلى الله تعالى) الحديث.
وقال الفضيل بن يسار (3): (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الايمان
يشارك الاسلام، ولا يشاركه الاسلام، إن الايمان ما وقر في القلوب، والإسلام ما
عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء، والايمان يشارك الاسلام والإسلام لا يشارك
الايمان).
وقال القاسم الصيرفي شريك المفضل (4): (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
الاسلام يحقن به الدم ويؤدي به الأمانة ويستحل به الفروج، والثواب على الايمان).

(1) الكافي ج 2 ص 25.
(2) الكافي ج 2 ص 26.
(3) الكافي ج 2 ص 26.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
98

وصحيح عبد الله بن سنان (1) قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام بم يكون الرجل
مسلما يحل مناكحته وموارثته وبم يحرم دمه؟ فقال: يحرم دمه بالاسلام إذا ظهر
ويحل مناكحته وموارثته) إلى غير ذلك من النصوص المتواترة الدالة على اشتراك
المسلم والمؤمن بالمعنى الأخص في هذه الأحكام، خصوصا في زمان التقية والهدنة،
وهو الزمان الذي لم تقم فيه يد الشرع، كما أومأ إليه خبر العلاء بن رزين (2)
لما سأل أبا جعفر عليه السلام عن جمهور الناس فقال: (هم اليوم أهل هدنة، ترد ضالتهم،
وتؤدي أمانتهم، وتحقن دماؤهم، وتجوز مناكحتهم وموارثتهم في هذا الحال).
كل ذلك مضافا إلى خبر الفضيل بن يسار (3) (سألت أبا جعفر عليه السلام
عن المرأة العارفة هل أزوجها الناصب؟ قال: لا، إن الناصب كافر، قال: فأزوجها
الرجل الغير الناصب ولا العارف، فقال: غيره أحب إلي منه) وما يشعر به خبر
زرارة (4) في المستضعف قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتزوج مرجئة أم
حرورية؟ قال: عليك بالبله من النساء، قال زرارة: قلت: والله ما هي إلا مؤمنة
أو كافرة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فأين أهل ثنوي الله؟ قول الله عز وجل أصدق من
قولك: إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون
سبيلا) (5) وخبر حمران بن أعين (6) (كان بعض أهله يريد التزويج فلم يجد
امرأة برضاها، فذكر ذلك لأبي عبد الله عليه السلام، فقال: أين أنت من البلهاء واللواتي
لا يعرفن شيئا؟ قلت: إنا نقول: إن الناس على وجهين: كافر ومؤمن، فقال:
فأين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا؟ وأين المرجون لأمر الله؟ أي عفو الله)
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على حكم المستضعفين منهم.
ومنه يعلم إرادة الكراهة من النهي (7) عن تزويج المستضعف المؤمنة

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 17.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 11 - 1.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 11 - 1.
(5) سورة النساء: 4 - الآية 98.
(6) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 8 - 6.
(7) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 8 - 6.
99

كالكراهة في تزويج العارفة غير العارف (1) وحينئذ تتفاوت الكراهة في النكاح منهم
ترتبها في إنكاحهم، فكما أنه يكره النكاح منهم وخصوصا غير البله والمستضعفات من
نسائهم كذلك يكره إنكاحهم خصوصا غير البله والمستضعفين منهم، وعلى ذلك تجتمع
جميع النصوص التي لا ينكر انسياق الكراهة منها كما لا يخفى على من رزقه الله
معرفة لسانهم ورموزهم والجمع بين كلماتهم.
ومن الغريب مناقشة بعضهم في النصوص السابقة بأنها مع قصور أسانيدها لا صراحة
فيها بجواز تزويج المؤمنة بالمخالف، وغايتها العموم القابل للتخصيص بالعكس، أي
تزويج المؤمن المخالفة، لتصريح الأخبار الأولة بالمنع من تزويج المؤمنة
بالمخالف، فتتعارض الأخبار تعارض العموم والخصوص، واللازم حمل الأول
على الثاني، إذ لا يخفى عليك عدم قبول صحيح ابن سنان منها وغيره لذلك، واستبعاد
إرادة خصوص هذا الفرد من خصوص لفظ التناكح والفروج منها دون الدماء
والمواريث، وقد قال الباقر عليه السلام في خبر هشام بن الحكم (2) منكرا: (يتكافؤ
دماؤكم ولا يتكافؤ فروجكم) على أن ذلك قد ذكر في بيان اتحاد حكم المؤمن
والمسلم في ذلك واختلافهما في الكفر باطنا وعدمه.
ومنه يعلم عدم احتمال إرادة الايمان من الاسلام فيه، لعدم احتمال إرادة
جواز مناكحتهم بعضهم مع بعض، وأنهما واضحا الفساد، بل لا يليق ذكرهما
ممن له نصيب في هذا العلم، ومثلهما احتمال جواز ذلك للضرورة من تقية وغيرها،
وليت شعري ما أدري ما الداعي إلى هذه الخرافات، وكيف تكون الضرورة المزبورة
ملحقة للأولاد ومثبتة للمواريث وغير ذلك من الأحكام المعلوم ثبوتها بالضرورة
من الدين، نعم هي التقية الزمانية التي سنشير إليها الجاري عليها أحكام الصحة، وقد
تكرر من علي بن الحسين عليهما السلام (3) لما أنكر عليه النكاح من بعض الناس وإنكاحهم

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
(3) الوسائل الباب - 27 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و 2 و 4
و 9 و 11.
100

(إن الله قد رفع بالاسلام كل خسيسة، وأتم به الناقصة وأذهب به اللؤم، فلا لؤم
على مسلم، إنما اللؤم لؤم الجاهلية " ونحوه عن رسول الله صلى الله عليه وآله في قصة جويبر (1)
المعروفة.
كل ذلك مضافا إلى ما وقع من تزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر (2)
وتزوج عبد الله بن عمر بن عثمان فاطمة بنت الحسين عليه السلام (3) وتزوج مصعب بن
الزبير أختها سكينة (4) وغير ذلك، بل الظاهر أن التقية الزمانية تسوغ أزيد من
ذلك، نعم لو انقلب الزمان وظهرت كلمة الحق لم يتكافؤ الدماء ولا الفروج ولا غير
ذلك، فلا يقتل المؤمن بالألف منهم، نسأل الله تعجيل الفرج وقيام العدل، ومن
لاحظ شدة ما جاء في أمر التقية التي بها حفظت الدماء وتروج المذهب علم أن
ذلك كله سهل في مقابلة المصالح المرتبة عليها، ولولاها لم يكن للشيعة اسم ولا وقف
منهم على رسم، فجزى الله محمدا وآله صلى الله عليه وآله عنا خير الجزاء، لم يألوا جهدا في حفظ
هذه الفرقة دنيا وآخرة.
وكان المسألة من الواضحات وإن اشتهر خلاف ذلك بين المتأخرين
ومتأخريهم، ولوضوحها تركنا الاطناب فيها والاكثار من ذكر النصوص
والمؤيدات لذلك. وما يتفرع على القول المقابل من الانفساخ لو تجددت المعرفة
بعد النكاح ما لم يؤمن الزوج في العدة على حسب ما سمعته في الكافر وعدمه، ومن
جريان المسألة في فرق الشيعة غير الاثني عشرية، فلا تتزوج المؤمنة بهذا المعنى
غير المؤمن به، ومن جريانها في فرق الشيعة غير الإمامية بالنسبة إلى بعضهم بعض
إذا كانوا مختلفين في الاقرار بالأئمة عليهم السلام، فلا يجوز للمقرة بالسبعة منهم مثلا

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2 و 3 والمستدرك
الباب 10 منها.
(3) غاية الاختصار ص 42 ط النجف.
(4) وفيات الأعيان ج 2 ص 131 ط مصر والأغاني ج 14 ص 165 و 168.
101

نكاح المقر بالخمسة مثلا، ولا نكاح من أشرك غيرهم معهم في الإمامية كالزيدية
وغيرهم، فضلا عن عدم جواز نكاحها للمخالف مع احتمال الجواز، لاشتراكهم
في عدم الايمان بالمعنى الأخص، فهم حينئذ بالنسبة إلى ذلك ملة واحدة، وإغفال
النصوص والفتاوى التعرض لذلك وغيرها مما يؤيد كون المدار على الاسلام
في النكاح، وأن جميع فرقه التي لم يثبت لها الكفر بنصب أو غلو أو نحو ذلك ملة
واحدة يشتركون في التناكح بينهم والتوارث وغيرهما من الأحكام والحدود، والله
العالم.
(نعم لا يصح نكاح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت عليهم السلام) ولا نكاح
الناصبية كذلك (لارتكابه) ما (ما يعلم بطلانه من دين الاسلام) مع فرض
تدينهما بذلك، فهو حينئذ إنكار لضروري من ضروريات الدين، ودخول في سبيل
الكافرين، كغيره ممن كان كذلك بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه،
والنصوص (1) كادت تكون متواترة فيه، بل هي كذلك، بل الظاهر تحقق النصب
المقتضي للكفر بالبغض والعداوة لواحد من أهل البيت وإن لم يتخذ ذلك دينا،
ضرورة صدق اسم الناصب عليه، فإنه العدو المبغض، بل الظاهر تحققه
بالبغض والعداوة وإن لم يكن معلنا، ففي خبر زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال:
(دخل رجل على علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: إن امرأتك الشيبانية خارجية تشتم
عليا عليه السلام فإن سرك أن أسمعك ذلك منها أسمعتك، فقال، نعم، فقال: إذا كان
غدا حين تريد أن تخرج كما كنت تخرج فعد واكمن في جانب الدار، قال فلما
كان من الغد كمن في جانب الدار، وجاء الرجل فكلمها، فتبين ذلك منها، فخلى
سبيلها وكانت تعجبه) نعم الظاهر ندرة ذلك في هذا الزمان أو عدمه، كما اعترف
به في المسالك وأومأ إليه عليه السلام في خبر ابن سنان (3) بقوله: (إنك لا تجد أحدا

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث - 0 - 7.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث - 0 - 7.
(3) الوسائل الباب - 2 - من ما يجب فيه الخمس الحديث 3 والباب - 68 -
من أبواب القصاص في النفس الحديث 3 من كتاب القصاص.
102

يقول: إني أبغض آل محمد) فلا يلتفت إلى دعوى كون الناصب مطلق المخالف كما
سمعته سابقا، وقد أشبعنا الكلام في تفسير الناصب في كتاب الطهارة (1).
(و) كيف كان ف‍ (هل يشترط) في الكفؤ مع ذلك (تمكنه من النفقة؟
قيل: نعم) والقائل الشيخان في المقنعة والمبسوط والخلاف وبنو زهرة وإدريس وسعيد
والعلامة في التذكرة والمختلف على ما حكي عن البعض، لقول الله تعالى (2): (ومن
لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم)
إلى آخرها، وقول النبي صلى الله عليه وآله (3) لفاطمة بنت قيس لما أخبرته أن معاوية يخطبها:
(إن معاوية صعلوك لا مال له) وقول الصادق عليه السلام (4): (الكفؤ أن يكون عفيفا
وعنده يسار) ولما في ذلك من الاضرار بالمرأة، ولعده في النقص عرفا، لتفاضل
الناس في اليسار تفاضلهم في النسب، ولأن بالنفقة قوام النكاح ودوام الأزواج.
(وقيل) والقائل الأكثر: (لا) يشترط ذلك للعمومات (5) ولقوله
تعالى (6): (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وقوله تعالى (7): (إن مع العسر
يسرا " وقوله صلى الله عليه وآله في تفسير الكفؤ (8): (أن يرضى دينه وخلقه) وخبر
جويبر (9) (و) غيره ف‍ (هو الأشبه) بأصول المذهب وقواعده، والآية

(1) الجزء السادس ص 63 إلى ص 67.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 25.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 135.
(4) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح.
(6) سورة النور: 24 - الآية 32.
(7) سورة الشرح: 94 الآية 6.
(8) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 إلا أنه ليس في
تفسير الكفؤ.
(9) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
103

من الارشاد أو في المهر، كقول النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة (1) لما استشارته وأرادت النصيحة
منه، والمراد من الكفوء في الثاني العرفي، ضرورة عدم اعتبار العفة فيه شرعا ولا
إضرار بعد الاخبار، ولا نقص في عدم المال خصوصا بعد كون أولياء الله غالبا كذلك،
بل كان المسألة من الواضحات.
ومن هنا نص ابنا إدريس وسعيد فيما حكي عنهما على أن المراد أن لها
الخيار إذا تبين لها العدم لا الفساد، بل في المختلف الاجماع على عدم اشتراطه
في صحة العقد مع علمها، وفي كشف اللثام بعد أن حكى ذلك عنه قال: والأمر
كذلك، ولعلهم مجمعون على الصحة مع الجهل أيضا كما ذكره الشهيد، ولكن
في الإيضاح أن الأقوال ثلاثة: الاشتراط وعدمه والخيار، قلت: كأنه لحظ ظاهر
اعتبار الشيخين وابن زهرة الايمان والتمكن من النفقة في الكفاءة في مقابلة من اعتبر
أزيد من ذلك فيها من العامة.
وعلى كل حال هو على تقديره في غاية الضعف، ويمكن حمل كلامهم على
إرادة وجوب اعتبار ذلك من الولي والوكيل باعتبار المفسدة على الامرأة بذلك،
إلا أن ذلك يقتضي كون العقد فضولا حينئذ فاسدا أو يحمل على إرادة عدم وجوب
الإجابة على القول به فيما لو خطب القادر على النفقة دفعا للحرج وجمعا بين الأدلة،
بل عن الشهيد لا أظن أحدا خالف فيه.
ومن ذلك يعلم الحال في اعتبارهم الايمان مع التمكن من النفقة في الكفاءة،
فإنه يحتمل إرادتهم التسلط على الخيار، أو أن للامرأة الفسخ مع فرض نكاح الولي
أو الوكيل، أو أن المراد عدم وجوب الإجابة بناء على إرادة المعنى الأخص من نحو
ما سمعته في التمكن من النفقة، لاتحاد المساق فيهما وإلا كان الفساد متجها إليهما
معا أيضا.
بل الظاهر فساد دعوى الخيار أيضا، لأصالة اللزوم وخصوصا في النكاح الذي
لم يقبل اشتراط الخيار، خلافا لجماعة منهم الفاضل في المختلف وإن كان هو قد

(1) البحار ج 43 ص 99.
104

اضطرب رأيه في المسألة، ففي الكتاب المزبور لم يعتبر اليسار في الكفاءة، واكتفى
بالايمان، ولكن خيرها مع الجهل لو تزوجت بفقير، وفي المحكي عن تذكرته أنه
اعتبر فيها اليسار، وجوز للولي أن يزوجها بالفقير، ولو كان الذي يزوجها
السلطان لم يكن له أن يزوجها إلا بكفو، وفي القواعد لم يجعله شرطا ولا سببا
للخيار، وهو الأصح لما عرفت، ونفي الضرار لا يقتضي التسلط على الخيار مع عدم
الانجبار، خصوصا مع عدم احراز الراغب فيها من المؤسرين، وخصوصا بعد قوله
تعالى (1): (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) و (إن مع العسر يسرا) (2)
الذي استدل به أمير المؤمنين عليه السلام في الخبر (3) الآتي الذي قد يستفاد منه أيضا
ما نحن فيه، وخصوصا بعد أن شرع الله ما يرتفع به الضرار المزبور، ضرورة
وجوب الانفاق عليهما من بيت المال أو من المسلمين كفاية مع فرض الاعسار.
(و) من ذلك يعلم الحال فيما (لو تجدد عجز الزوج عن النفقة) وأنه
(هل تتسلط) بذلك (على الفسخ)؟ وإن قال المصنف: (فيه روايتان)
لكن (أشهرهما) عملا (أنه ليس لها ذلك) لا بنفسها ولا بالحاكم، بل
في المسالك أنه المشهور، وهي ما روي (4) عن أمير المؤمنين عليه السلام (إن امرأة
استعدت إليه على زوجها للاعسار، فأبى أن يحبسه، وقال: إن مع العسر يسرا)
مضافا إلى ما عرفت من العمومات وغيرها وزيادة الاستصحاب هنا، خلافا للمحكي
عن أبي علي، فسلطها على الفسخ، وفي كشف اللثام وقيل يفسخه الحاكم، وهو قوي،
فإن لم يكن الحاكم فسخت، لقوله تعالى (5): (فإمساك بمعروف أو تسريح
بإحسان) والامساك بلا نفقة ليس بمعروف، وللضرر والحرج، وصحيح أبي بصير (6)

(1) سورة النور: 24 - الآية 32.
(2) سورة الشرح: 94 - الآية 6.
(3) المستدرك الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 5.
(4) المستدرك الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 5.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(6) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 2.
105

عن الباقر عليه السلام (من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم
صلبها كان حقا على الإمام أن يفرق بينهما " وصحيح ربعي والفضيل (1) عن الصادق
عليه السلام (إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلا فرق بينهما).
وفيه منع كون الامساك بلا نفقة من غير المعروف مع الاعسار وكونها دينا
عليه، على أنه قد تقدم في تفسير الآية من النصوص (2) ما ينافي ذلك، والزام
الحاكم - مع المرافعة والمنازعة وقيام عصاة الشرع ونظره إلى المصلحة للقادر
الممتنع بالطلاق الذي يحمل عليه ما في الخبرين إن لم يكن ظاهرهما ولو للجمع
بينهما وبين ما سمعته من أمير المؤمنين عليه السلام - أمر خارج عما نحن فيه من تسلطها
على الفسخ أو تسلط الحاكم عليه، كما هو واضح.
هذا وعن فخر المحققين بناء ما هنا من الخلاف على أن اليسار بالنفقة ليس
شرطا في لزوم العقد، إذ لو جعلناه شرطا لسلطت على الفسخ بتجدد العجز بغير
إشكال، وفيه أنه يمكن عليه اختصاص ذلك بالابتداء دون الاستدامة كما في العيوب
المجوزة للفسخ، وربما يؤيده إطلاق الأصحاب هنا، نعم لا إشكال في عدم الفسخ
بناء على عدم تسلطها عليه به لو بان قبل العقد، ضرورة أولوية ما هنا منه بذلك،
كما هو واضح.
(و) كيف كان فلا إشكال ولا خلاف معتد به في أنه (يجوز) عندنا
(إنكاح الحرة العبد والعربية العجمي والهاشمية غير الهاشمي وبالعكس، وكذا
أرباب الصنائع الدنية) كالكناس الحجام وغيرهما (بذوات الدين) من العلم
والصلاح (والبيوتات) وغيرهم، لعموم الأدلة وخصوص ما جاء من تزويج جويبر
الدلفاء (3) ومنجح بن رباح مولى علي بن الحسين عليهما السلام بنت ابن أبي رافع (4) ونكاح

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 و 10 و 12 و 13 من
كتاب الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
106

علي بن الحسين عليهما السلام مولاته (1) ونكاح رسول الله صلى الله عليه وآله عائشة وحفصة (2)
ونكاح العوام صفية (3) والمقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب (4) وعثمان (5)
وأبي العاص (6) وعمر (7) وعبد الله بن عمر بن عثمان (8) ومصعب بن الزبير (9)
بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي والحسين عليهما السلام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما زوج
المقداد ابنة الزبير بن عبد المطلب (10): (إنما أردت أن تتضع المناكح) كقوله
صلى الله عليه وآله (11): (المسلم كفو المسلمة، والمؤمن كفو المؤمنة) و (المؤمنون
بعضهم أكفاء بعض) (12) و (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوه
تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (13)
فما عن ابن الجنيد - من أنه اعتبر فيمن تحرم عليهم الصدقة أن لا يتزوج

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 14.
(3) أنساب الأشراف ج 1 ص 90 ط مصر.
(4) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1
(5) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 14.
(6) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 14 والباب - 13 -
منها - الحديث 2.
(7) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2 و 3 والمستدرك
الباب - 10 - منها.
(8) غاية الاختصار ص 42 ط النجف.
(9) وفيات الأعيان ج 2 ص 131 ط مصر والأغاني ج 14 ص 165 و 168.
(10) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
(11) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(12) الوسائل الباب - 23 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
(13) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
107

فيهم إلا منهم لئلا يستحل بذلك الصدقة من حرمت عليه إذا كان الولد منسوبا
إلى من تحل له الصدقة - مسبوق بالاجماع وملحوق به وإن كان ربما يشهد له
في الجملة خبر (1) بلال قال: (لقي هشام بن الحكم بعض الخوارج فقال: يا هشام
ما تقول في العجم يجوز أن يتزوجوا إلى العرب؟ قال: نعم، قال: فالعرب تتزوج
من قريش، قال: نعم، قال: فقريش تتزوج في بني هاشم، قال: نعم، قال: عمن
أخذت هذا؟ قال: عن جعفر بن محمد عليهما السلام سمعته يقول: يتكافؤ دماؤكم ولا تتكافؤ
فروجكم؟ قال: فخرج الخارجي حتى أتى أبا عبد الله عليه السلام، فقال، إني لقيت هشاما فسألته
عن كذا فأخبرني بكذا، وذكر أنه سمعه منك، قال: نعم قد قلت ذلك، فقال الخارجي:
فها أنا ذا قد جئتك خاطبا، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إنك لكفو في دينك وحسبك في قومك،
ولكن الله تعالى صاننا عن الصدقة، وهي أوساخ أيدي الناس، فنكره أن نشرك فيما
فضلنا الله به من لم يجعل الله له مثل ما جعل لنا، فقام الخارجي وهو يقول: تالله ما رأيت
رجلا قط مثله، ردني والله أقبح رد وما خرج عن قول صاحبه) والمرسل في الفقيه (2)
(إنه نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى أولاد علي عليه السلام وجعفر فقال بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا)
لكن من المعلوم خصوصا الأخير عدم إرادة حرمة ذلك
نعم في المسالك (إنه اعتبر بعض في الكفاءة زيادة على ما ذكر الحرية والنسب
والحرفة، وفرع على النسب أن العجمي ليس كفوا للعربية، وغير القريشي
ليس كفوا له، ولا مطلق القريشي كفوا للهاشمية، وعلى الحرفة
أن أصحاب الحرف الدنية ليسوا أكفاء للأشراف ولا لسائر المحترفة،
والكل ضعيف والأخبار النبوية والأفعال تنفيه).
قلت: ما حضرني من كتبهم قد اعتبر فيه في الكفاءة ذلك وأزيد منه من بعض
الأمور المنافية للكفاءة عرفا أو لكمالها لا شرعا، لكنهم صرحوا بكون المراد

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 26 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3
وتمامه في الكافي ج 5 ص 345 وفيهما عن علي بن بلال.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7.
108

من ذلك تسلط المرأة على الفسخ إن شاءت مع فرض تزويج وليها إياها وهي غير
عالمة لا أن المراد فساد النكاح حتى مع العلم والرضا، ولعل للأصحاب فيما
تقدم سابقا من نكاح الولي الصغيرة كلاما يشبه ذلك، نحو قولهم لو زوجها الولي
من غير الكفؤ كان لها الخيار، ضرورة إرادة الكفؤ عرفا لا شرعا وإلا كان النكاح
باطلا، لأن لها الخيار، ومبناه على اعتبار المصلحة في تصرف الولي بالنسبة إلى
ذلك أو عدم المفسدة، ونحو ما سمعته من اعتبار التمكن من النفقة في الكفاءة، نعم
ربما كان بعض كلام في أفراد فاقد المصلحة وواجد المفسدة، كالكلام في أن المراد
بالخيار إجازة العقد وعدمه أو فسخه بعد الصحة وأن الولي تبقي ولايته على البكر
البالغة الرشيدة أولا، كما عرفت البحث في ذلك كله، والأمر سهل، والله العالم.
(و) كيف كان فقد ذكر المصنف وغيره أنه (لو خطب المؤمن القادر على النفقة
وجب إجابته وإن كان أخفض نسبا، ولو امتنع الولي كان عاصيا) ولكن لا ريب
في منافاته لما وقع منه ومن غيره أيضا من كراهة تزويج الفاسق، وخصوصا شارب
الخمر والزاني والمخالف، ولما في النصوص (1) من كراهة تزوج المهاجرة بالأعرابي،
وغير ذلك مما لا يجتمع مع وجوب الإجابة إلا بنوع من التأويل، فلا بد من تقييد
ذلك بما إذا لم يكن ممن يكره مناكحته، بل في كشف اللثام زيادة: ولم يعلم
فيه شئ من المسلطات على الفسخ، ولم تأب المولى عليها، مضافا إلى ما في المسالك
من تقييده بعدم قصد العدول إلى الأعلى مع وجوده بالفعل أو القوة، ثم قال: (وإنما
يكون عاصيا مع الامتناع إذا لم يكن هناك طالب آخر مكافئ وإن كان أدون منه،
وإلا جاز العدول إليه، وكان وجوب الإجابة تخييريا، فلا يكون الولي عاصيا
بذلك).
على أن أصل الحكم لا يخلو من إشكال، إذ هو في الولي الشرعي لصغر ونحوه
مع عدم مصلحة خارجية تقتضي الوجوب يشكل دعواه، للأصل وانتفاء الحاجة،
وفي المخطوبة التي هي أولى بنفسها لا يجب عليها أصل النكاح فضلا عن خصوصياته،

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ما يحرم بالكفر.
109

ودعوى وجوب الإجابة عليها للخاص بعد فرض عزمها على أصل النكاح لا دليل
عليها، بل السيرة المستمرة على خلافها، وربما كان في تعليق الأمر على رضاها
إشارة إلى عدم وجوب الإجابة عليها، والأمر في النصوص (1) السابقة بتزويج من
يرضى دينه وخلقه إنما هو للأولياء العرفيين بمعنى عدم مشروعية الامتناع من
حيث الحسب والنسب والشرف والغناء والعظمة ونحو ذلك مما كان مستعملا للعرب في
الجاهلية، وكذا قوله تعالى (2) (وانكحوا الأيامى) إلى آخرها، أو أن المراد
به عدم جواز الامتناع منهم بعد فرض رضا المخطوبة ولو بقرائن الأحوال مع تأدية
امتناعه إلى عدم وقوع النكاح، ولو للعادة بعدم استقلال البنت في أمرها رغبا ورهبا
في وليها ومنه أو نحو ذلك مما لا يقتضي الوجوب على من بيده عقدة النكاح من
الولي، أو المخطوبة من حيث خطبة المؤمن القادر على النفقة.
وكأنه لذلك قال ابن إدريس فيما حكي عنه (3) (روي أنه إذا خطب المؤمن
إلى غيره بنته وكان عنده يسار بقدر نفقتها وكان ممن يرضى أفعاله وأمانته ولا
يكون مرتكبا لشئ ما يدخل به في جملة الفساق وإن كان حقيرا في نسبه قليل المال
فلم يزوجه إياها كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه، ووجه الحديث في ذلك
أنه إنما يكون عاصيا إذا رده ولم يزوجه لما هو عليه من الفقر والأنفة منه لذلك،
واعتقاده أن ذلك ليس بكفو في الشرع، فأما إن رده ولم يزوجه لا لذلك بل الأمر
آخر وغرض غير ذلك من مصالح دنياه فلا حرج عليه، ولا يكون عاصيا، فهذا فقه
الحديث) ومرجعه إلى ما ذكرنا من معصيته إذا ازدرى بالخاطب أو ضار المخطوبة.
ومن ذلك يعلم ما في المسالك، فإنه بعد أن ذكر أنه هل يعتبر في وجوب
الإجابة بلوغ المرأة أم يجب على الولي الإجابة لمن ذكر وإن كانت صغيرة؟ وجهان
من إطلاق الأمر وانتفاء الحاجة، والأصل في تخصيص الأولياء بالحكم أنه المجيب

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات النكاح.
(2) سورة النور: 24 - الآية 32.
(3) السرائر ص 295 ط إيران.
110

والمانع غالبا وإن لم يكن له الولاية شرعا والأمر في الأخبار متعلق به لذلك -
قال: (وفي صحيحة علي بن مهزيار (1) قال: (كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر
عليه السلام في أمر بناته وأنه لا يجد أحدا مثله، فكتب إليه أبو جعفر عليه السلام: فهمت
ما ذكرت من أمر بناتك وأنك لا تجد أحدا مثلك، فلا تنظر في ذلك رحمك الله،
فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه
تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) دلالة على جميع ما ذكره المصنف من الأحكام
لاقتضاء الأمر الوجوب، واستلزام مخالفته المعصية وتناوله الأخفض نسبا) قلت:
لكن قد عرفت أن المراد من هذا الأمر (2).
وكذا ما في كشف اللثام فإنه بعد أن ذكر النبوي (3) قال: (ولأن على
الولي أن يفعل ما هو أصلح للمولى عليه، ثم إن كانت البالغة مولى عليها فلا إشكال،
وإلا فإن كانت المخطوبة بالغة ولكن يعلم من حالها أنها لا تستقل بالنكاح حرم
على الولي رد الخاطب إذا اتصف بما ذكر، فإنه ليس إلا منعا لهما عن حاجتهما
المرغوبة شرعا وإن كانت صغيرة فالظاهر أنه كذلك إن كان فيه مصلحتها، ويؤيده
قوله عليه السلام: (4) (لا تؤخروا أربعا - وعد منها - تزويج بكر إذا وجد كفوا) قلت:
ليس محل البحث وجود المصلحة بالنسبة إلى المولى عليه، ضرورة خروجه عما
نحن فيه، إنما الكلام في الوجوب شرعا من الولي الحقيقي من حيث خطبة المؤمن
القادر على النفقة، كما أنه ليس منه فرض رغبة الخاطب والمخطوبة، فإنه ليس
للولي العرفي المنع قطعا.

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، والصحيح (لكن قد عرفت المراد من هذا الأمر)
كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.
(3) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و 2.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 133 وفيه (ثلاثة لا تؤخرها.... والأيم إذا وجدت كفوا).
111

ولعله لما ذكرنا أطلق في محكي التذكرة استحباب تأخير تزويج الصغيرين
إلى البلوغ، قال: (لأن النكاح يلزمهما حقوقا، وليكونا من أهل الإذن فليستأذنا
أو يليا العقد بأنفسهما عندنا، لأن قضاء الشهوة إنما يتعلق بالزوجين، فنظرهما
لأنفسهما فيه أولى من غيرهما، خصوصا فيمن يلزمهما عقده، كالأب والجد) كما
أن منه عرفت الحال في أصل الحكم، والله العالم.
(ولو انتسب الزوج إلى قبيلة فبان من غيرها كان للزوجة الفسخ) عند
الشيخ في النهاية وابني حمزة وسعيد على ما حكي عن الأخير منهم، للتدليس،
ومضمر الحلبي الصحيح (1) (في رجل تزوج امرأة فيقول: أنا من بني فلان فلا يكون
كذلك، قال: يفسخ النكاح، أو قال: يرد) ورده في كشف اللثام وغيره بالاضمار
قال: (ولا يجدي أن الحلبي أعظم من أن يروي نحو ذلك من غير الإمام، لاحتمال
رجوع الضمير إلى الحلبي، ويكون الراوي عنه سأله) وعلى كل حال فقد وافقهم
في المختلف إذا ظهر أنه أدنى ممن انتسب إليه بحيث لا يلائم شرف المرأة، لما فيه
من الغضاضة والضرر، والخبر، بدعوى أن المتبادر منه ذلك، وابن إدريس فيما
حكي عنه (إن شرط ذلك في العقد سواء كان من قبيلة أدنى ممن انتسب إليها أو
أعلى، للتدليس في العقد، فأنهما إنما تراضيا بالعقد على ذلك، فإذا ظهر الخلاف
أعرض للفساد) بل ظاهر المسالك المفروغية من ذلك، للعموم.
(وقيل) والقائل الشيخ فيما حكي عن مبسوطه والأكثر على ما في المسالك:
(ليس لها) الفسخ (وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده المستفادة من قوله
تعالى (2): (أوفوا بالعقود) وحصر رد النكاح في غير ذلك في صحيح الحلبي (3)
ومن معلومية بناء النكاح على اللزوم ولذا لم يجز فيه اشتراط الخيار، بل ظاهر
المصنف والفاضل في القواعد كما اعترف به في كشف اللثام عدم الفرق بين أن تكون

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 10.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6.
112

قبيلته دون من انتسب إليها أم لا، وسواء كانت دون قبيلتها أم لا، ومن غير فرق
بين الشرط وعدمه، بل في كشف اللثام عن المبسوط (إنه بعد أن ذكر أن من دلس
بالحرية فإن لم يشترطها في العقد كان النكاح صحيحا قولا واحدا، وإن شرطها فيه
كان فيه قولان) قال: (وهكذا القولان إذا انتسب إليها نسبا فوجد بخلافه،
سواء كان أعلى مما ذكر أو دونه) وهو يعطي أن الخلاف إنما هو عند الاشتراط في
العقد، ثم قال: (وإن كان الغرور بالنسب فإن وجد دون ما شرط ودون نسبها
فلها الخيار، لأنه ليس كفوا، وإن كان دون ما شرط لكنه مثل نسبها وأعلى
منه، مثل أن كانت عربية فشرط هاشميا فبان قرشيا أو عربيا، فهل لها الخيار
أم لا؟ فالأقوى أنه لا خيار لها، وفي الناس من قال: لها الخيار، وقد روى (1)
ذلك في أخبارنا) انتهى، ومراده بالكفؤ العرفي لا الشرعي، ولها الخيار حينئذ دفعا
للضرورة والغضاضة، وأما من كان مثل نسبها أو أعلى فليس من ذلك، وفي كشف
اللثام (وفيه الاشتراك في التدليس).
قلت: لكن الكلام فيما يدل على الخيار به في النكاح مطلقا سواء حصل منه
ضرر أو لا، بل وفيما يدل عليه فيه بتخلف الوصف في الزوجة أو الزوج، بل
وبتخلف نحو ذلك لو كان على جهة الشرطية دون الوصف، بل وبتخلف الشرائط
التي ليست بشرائط أوصاف، بل شرائط إلزامات، كشرطية تمليك دار أو عبد
مثلا، وقياس النكاح على البيع في ذلك كله كما ترى، خصوصا مع الفرق بينهما
بملاحظة الوصف في البيع في الثمن والمثمن بخلافه في الزوج والزوجة، على أن
المهر في النكاح فضلا عن الشرائط التي هي قسط منه قد عرفت أن فساده لا يبطل
النكاح، ويصح فيه اشتراط الخيار دونه، وليس ركنا من أركان النكاح،
بخلاف الثمن في البيع، (والمؤمنون عند شروطهم) (2) لا يقتضي أزيد من الالزام
بالشرط القابل لأن يلزم بتأديته، لا مثل شرط أوصاف العين الخارجية، والاستناد

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
113

إلى المضمر المزبور يقتضي العمل باطلاقه الذي لم يفرق فيه بين الاشتراط وعدمه،
والتعدية عن مضمونه تقتضي عدم الفرق بين الانتساب إلى قوم وغيره من الأوصاف
وبين انتسابها وانتسابه وأوصافها وأوصافه، كما أن قاعدة الشرطية تقتضي
ذلك أيضا.
ولكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله من الاشكال، ولعله لذلك صرح الشيخ
بعدم الخيار مع الاشتراط، ولا ينافيه اثباته الخيار في الأول الذي علله بعدم الكفاءة
لا من جهة الشرطية، ويمكن حمل المضمر المزبور على تزويج الولي أو الوكيل
أو غيرهما ممن يعتبر في لزوم نكاحه المصلحة أو عدم المفسدة، والمفروض تخلف ذلك،
فتسلط على الخيار أو على رد العقد.
هذا ولكن ستعرف في باب التدليس ما يدل على ثبوت الخيار به مع اشتراط
ذلك في متنه، بل ظاهرهم هناك الاجماع على ذلك، بل يقوى في النظر ثبوت
الخيار إذا تزوجها على الوصف الذي دلست به فبان الخلاف وإن لم يشترط ذلك
في متن العقد، فلاحظ وتأمل، والله العالم.
(ويكره أن يزوج الفاسق) كما في القواعد وغيرها، بل في المسالك
لا شبهة في كراهة تزويجه، حتى منع منه بعض العلماء لقوله تعالى: (1) (أفمن كان
مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) ومفهوم قوله صلى الله عليه وآله (2): (إذا جاءكم من ترضون
خلقه ودينه فزوجوه) الدال على أن من لا يرضى دينه لا يزوج، والفاسق كذلك
وفي كشف اللثام تعليله بأنه لفسقه حري بالاعراض والإهانة، والتزويج إكرام
ومودة، ولأنه لا يؤمن من الاضرار بها وقهرها على الفسق، ولا أقل من ميلها إليه
أو سقوط محله من الحرمة عندها.
ولكن الجميع كما ترى لا يفيد الكراهة لمطلق الفسق حتى الاصرار على
بعض الصغائر الذي قل ما يخلو منه أحد، والآية إنما يراد من الفسق فيها الكفر

(1) سورة السجدة: 32 - الآية 18.
(2) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
114

بقرينة مقابلة الايمان، على أن نفي الاستواء لا يقتضي بكراهة التزويج، وليس
مندرجا فيمن لا يرضى دينه قطعا، بل والخلق بناء على أن المراد منه حسن
السجايا التي لا ينافيها بعض أنواع الفسق كما عساه يومئ إليه النهي عن تزويج
سيئ الخلق، قال الحسين بن بشار الواسطي (1): (كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام
أن لي قرابة قد خطب إلى ابنتي وفي خلقه سوء، فقال: لا تزوجه إن كان سيئ
الخلق) وليس كل - فسق حريا بالاعراض والإهانة على وجه ينافيه التزويج ولا
يؤمن معه من الاضرار بها ومن قهرها عليه، خصوصا مع فرض فسقها، ولا كل فسق
يسقط حرمة الايمان التي قد علمت من الشريعة، ولم نعرف من نسب إليه من العلماء
المنع منا، بل في كشف اللثام لا يحرم اتفاقا منا، ولعله من العامة، إلا أنه يمكن
أن يكون من إنكار الضروريات.
نعم لا ريب في الكراهة بالنسبة إلى بعض أنواع الفسق، كشرب الخمر
الذي قال المصنف فيه: (وتتأكد) أي الكراهة (في شارب الخمر) وقال
الصادق عليه السلام (2): (من زوج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها) (و)
كالزنا وغيرهما من أنواع الفسق التي فيها من الغضاضة وعدم الائتمان ما لا يخفى،
خصوصا بالنسبة إلى بعض الناس وبعض النساء.
كما لا ريب في كراهة (أن تزوج المؤمنة بالمخالف) لما عرفته (ولا
بأس بالمستضعف، وهو الذي لا يعرف بعناد) بمعنى عدم تلك الكراهة الحاصلة
في غيره وإن كان هو أيضا مكروها، للنهي عنه (3) كالنهي عن النكاح منهم (4)
وخصوصا على المؤمن، وإن خفت الكراهة في البله من نسائهم والمستضعفات منهن،

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 6.
(4) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالكفر.
115

وفي خبر سدير (1) قال: (قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا سدير بلغني عن نساء أهل الكوفة
جمال وحسن تبعل فابتغ لي امرأة ذات جمال في موضع، فقلت: قد أصبتها جعلت
فداك، فلانة بنت فلان بن محمد بن الأشعث بن قيس، فقال لي: يا سدير إن رسول
الله صلى الله عليه وآله لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم، وإن عليا عليه السلام لعن قوما فجرت اللعنة
في أعقابهم إلى يوم القيامة، وأنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل
النار).
وكذا يكره نكاح الزنج قال أمير المؤمنين عليه السلام (2): (إياكم ونكاحهم،
فإنه خلق مشوه) وقال الصادق عليه السلام: (3) (لا تناكحوا الزنج والخزر، فإن لهم
أرحاما تدل على غير الوفاء، قال: والسند والهند والقند ليس فيهم نجيب، يعني
القندهار) وقال عليه السلام أيضا: (4) (لا تنكحوا في (من خ ل) الأكراد فإنهم حي من الجن
كشف الله عنهم الغطاء) وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (5) (إياكم وتزويج الحمقاء، فإن
صحبتها بلاء، وولدها ضياع) وقال الصادق عليه السلام: (6) (زوجوا الأحمق ولا تزوجوا
الحمقاء، فإن الأحمق قد ينجب والحمقاء لا تنجب) وعن الباقر عليه السلام (7) وقد
(سئل عن الرجل المسلم تعجبه المرأة الحسناء أيصلح له أن يتزوجها وهي مجنونة؟
قال: لا، ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس بأن يطأها، ولا يطلب ولدها)
إلى غير ذلك مما ورد في النصوص النهي عن نكاحه وإنكاحه المحمول على الكراهة
وشدتها، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 143 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 وليس فيه (أن
عليه عليه السلام لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم).
(2) الوسائل الباب - 31 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 31 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 32 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 33 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(6) الوسائل الباب - 33 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(7) الوسائل الباب - 34 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
116

المسألة (الثانية)
(إذا تزوج بامرأة) ولو بزعم أنها عفيفة (ثم علم) أي بان (أنها
كانت زنت لم يكن له فسخ العقد) وفاقا للمحكي عن النهاية والخلاف والسرائر
والجامع وموضع من المهذب وغيرها، بل هو المشهور، للأصل وحصر موجب
الفسخ في غيره في صحيح الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام (إنما يرد النكاح من البرص
والجذام والجنون والعفل " وخبر رفاعة (2) عنه عليه السلام سأله (عن المحدود والمحدودة
هل يرد من النكاح؟ قال: لا) " خلافا للمحكي عن الصدوق وأبي علي، فخيراه،
للعار الذي يندفع بالطلاق، ولقول أمير المؤمنين عليه السلام (3) (في المرأة إذا زنت قبل
أن يدخل بها، قال، يفرق بينهما، ولا صداق لها، لأن الحدث كان من قبلها) وهو
مع الضعف وظهوره في الانفساخ لا يفيد المطلوب، فإن ظاهره أن الزنا بعد العقد، مع
احتمال التفريق بالطلاق، بل قيل: إنه أولى، والمحكي عن المفيد وسلار والتقي
والقاضي وموضع آخر من المهذب، فخيروه إذا ظهر أنها حدت في الزنا، من
غير تعرض لغير المحدودة من الزنا، ولعله لكون العار فيها أشد، وهم محجوجون
بما عرفت.
وعلى كل حال فلا فسخ له (ولا الرجوع على الولي بالمهر) بعد فرض
استحقاقها له بالدخول، سواء أمسكها أو فارقها، للأصل واستيفائه المعوض، وإلا
كان جامعا بين العوض والمعوض عنه، بل الظاهر أن عدم الفسخ لا يجامع تضمين
المهر، خلافا للشيخ في النهاية، فقال: له الرجوع، وكذا ابن إدريس إن كان

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3.
117

الولي عالما بأمرها، للتدليس وصحيح معاوية بن وهب (1) سأل الصادق عليه السلام عن
ذلك فقال: (إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها، ولها الصداق بما استحل
من فرجها، وإن شاء تركها) ونحوه خبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) عنه عليه السلام
ولحسن الحلبي (3) سأله (عن المرأة تلد من الزنا ولا يعلم بذلك أحد إلا وليها
أيصلح له أن يزوجها ويسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفا؟
فقال: إن لم يذكر ذلك لزوجها ثم علم بعد ذلك فشاء أن يأخذ صداقها من وليها
بما دلس عليه كان له ذلك على وليها، وكان الصداق الذي أخذت لها، لا سبيل
عليها فيه بما استحل من فرجها، وإن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس)
وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: (وروى أن له الرجوع، ولها الصداق
بما استحل من فرجها، وهو شاذ) وفي كشف اللثام (يمكن حملها على ما إذا
شرط على الولي أن لا تكون زانية، وقوله عليه السلام في الخبر الأول: (إن شاء تركها)
يحتمل أن يكون بمعنى الامساك كما في هذا الخبر، وأن يكون بمعنى الفراق
بطلاق أو فسخ على القول به، قلت: على الأول يكون المراد الامساك من غير رجوع
بالمهر كي يصح مقابلا لقوله عليه السلام أولا: (إن شاء أخذ) بل يتعين إرادة الكناية
بالأول عن الفسخ ثم الرجوع بما اغترمه للمرأة، وحينئذ يتجه الاستدلال بهذه
النصوص للصدوق والإسكافي على الخيار، بل قد يؤيد ذلك إمكان دعوى منافاة
عدم الفسخ للرجوع بالمهر الذي قد تضمنته على الولي، ضرورة اقتضائه رضاه بالبضع
الذي هو بدل عوضه، نعم لو فسخ العقد والفرض أن الامرأة قد غرمته بما استحل
من فرجها الصداق كان له الرجوع به على من غره لا أنه يرجع به عليه مع عدم
الفسخ، فيكون حينئذ قد جمع بين العوض والمعوض عنه، وقيما على الانتفاع
بالبضع بلا عوض

(1) أشار إليه في الوسائل الباب - 6 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4
وذكره في الكافي ج 5 ص 355.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4 - 1.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4 - 1.
118

ومن ذلك يعلم ضعف القول بالرجوع بالمهر على الولي مع عدم الفسخ،
خصوصا مع اقتضاء التعليل المقتضي لذلك أنه يرجع عليها لو فرض مباشرتها للنكاح
بنفسها من غير ولي، ويلزم منه استدامة استحلال الانتفاع ببضعها من غير عوض،
وهو خلاف المعلوم نصا وفتوى في غير المقام، كما أن منه يعلم شذوذ مفاد الأخبار
المزبورة، ضرورة عدم ثبوت القول بالرجوع بالمهر على الولي مع الفسخ من الصدوق
وأبي علي، بل ظاهر الخبر المذكور سندا لهما عدم الصداق لها، واقتصار الشيخ
وغيره على الرجوع بالمهر من غير فسخ، وقد عرفت أنه خلاف ظاهرها، فتكون
حينئذ شاذة لم يفت أحد بمضمونها، وبذلك يعلم قصورها عن معارضة قاعدة اللزوم
واستصحابه، خصوصا في النكاح الراجح فيه جهة اللزوم بدليل عدم صحة اشتراطها
الخيار فيه، على أنه ربما لا يكون غرور من الولي بذلك، ولا نقص في المعارضة
التي وقعت منه، ضرورة عدم مدخلية الزنا السابق في نقص الانتفاع بالبضع الذي
هو المقابل بالمهر، فيقوى حينئذ عدم الفسخ وعدم الرجوع بالمهر أصلا، ولو
قيل بأن له الفسخ في خصوص المهر والرجوع إلى مهر المثل مع فرض نقصانه عن
المسمى كان وجها، والله سبحانه هو العالم.
المسألة (الثالثة)
(لا يجوز التعريض بالخطبة) بالكسر ولو معلقة على فراق الزوج لذات
البعل، بل ولا (لذات العدة الرجعية) من غير الزوج (لأنها زوجة) حكما
فضلا عن التصريح إجماعا محكيا من غير واحد إن لم يكن محصلا، وهو الحجة
مضافا إلى ما في ذلك من منافاة احترام العرض المحترم كالمال والدم، ومن إفساد
الامرأة على زوجها الذي ربما أدى إلى سعيها بالتخلص منه ولو بقتله بسم ونحوه
كما وقع لجعيدة بن الأشعث زوجة الحسن عليه السلام لما خطبها معاوية بن أبي سفيان
119

لجروه يزيد (1) نعم لا بأس بها تعريضا وتصريحا للخلية من الزوج والعدة، بل
هي حينئذ مستحبة للتأسي (2) ولما فيها من تأليف قلبها وقلوب أوليائها، وليست
شرطا ولا واجبة اتفاقا.
(ويجوز) التعريض (للمطلقة ثلاثا) في العدة (من الزوج وغيره
ولا يجوز) فيها (التصريح لها منه ولا من غيره) قيل: للآية (3) منطوقا ومفهوما،
ودعوى اختصاصها بعدة الوفاة ممنوعة وإن كانت بائنا لكن ذلك لا يقتضي
التخصيص، ويجوز تصريحا بعد العدة من غيره لا منه قبل المحلل، لحرمتها عليه
دون غيره.
(أما المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان) ونحوها مما تحرم على
الرجل أبدا كالملاعنة والمرضعة (فلا يجوز التعريض لها من الزوج) في غير
العدة فضلا عنها، (ويجوز من غيره) للآية (4) (ولا يجوز التصريح في العدة
منه ولا من غيره.
وأما المعتدة البائنة سواء كانت عن خلع أو فسخ فيجوز التعريض من الزوج
وغيره) للآية (5) وعن الشيخ التردد في الغير من ذلك ومن أنها في عدة الغير مع
جواز رجوعها إليه بنكاح (و) يجوز (التصريح من الزوج) في العدة
المضروبة احتراما له، ولذا جاز له نكاحها فيها، فيجوز له حينئذ التصريح فيها
(دون غيره) الذي لا يجوز له ذلك، والعمدة في هذه الأحكام ما حكوه من
الاجماع الذي به يتم إرادة خصوص التعريض المرادف للتلويح المقابل للتصريح

(1) البحار ج 44 ص 148 و 149 و 154 و 155. والجرو بتثليث الجيم:
ولد الكلب.
(2) الوسائل الباب - 42 - من أبواب مقدمات النكاح والمستدرك الباب - 33 -
منها.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 235.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 235.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 235.
120

من الآية (1) وهو إيهام المقصود بما لا يوضع له حقيقة ولا مجازا ولا لازما بخلاف
الكناية المفهمة للمراد بذكر اللوازم.
(وصورة التعريض أن يقول: رب راغب فيك أو حريص عليك) وإن الله لسائق
إليك خيرا وإنك لجميلة (وما أشبهه) من الأقوال (والتصريح أن يخاطبها
بما لا يحتمل إلا النكاح، مثل أن يقول إذا انقضت عدتك تزوجتك) ونحو ذلك،
لكن لا يخفى عليك احتياج دلالة الآية (2) على هذه التفاصيل إلى شئ آخر من
إجماع ونحوه، خصوصا بعد خلو النصوص الواردة فيها عن ذلك، ففي الحسن أو
الصحيح (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن قول الله عز وجل (4): ولكن لا تواعدوهن
سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا، قال: هو الرجل يقول للمرأة قبل أن ينقضي
عدتها أو أعدك بيت آل فلان، ليعرض لها بالخطبة، ويعني بقوله: إلا أن تقولوا
قولا معروفا، التعريض بالخطبة، ولا يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله)
وخبر عبد الله بن سنان (5) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (6):
لا تواعدوهن - إلى آخرها - فقال: السر أن يقول الرجل، موعدك بيت آل فلان
ثم يطلب إليها أن لا تسبقه بنفسها إذا انقضت عدتها، فقلت: فقوله: إلا أن تقولوا
قولا معروفا، قال: هو طلب الحلال في غير أن يعزم عقدة النكاح قبل أن يبلغ
الكتاب أجله) وخبر أبي حمزة (7) (سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله عز وجل (8)
لا تواعدوهن - إلى آخرها - قال: يقول الرجل: أو أعدك بيت آل فلان، يعرض
لها بالرفث ويرفث يقول الله عز وجل: إلا أن تقولوا قولا معروفا، والقول المعروف

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 235.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 235.
(3) الوسائل الباب - 37 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 235.
(5) الوسائل الباب - 37 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(6) سورة البقرة: 2 - الآية 235.
(7) الوسائل الباب - 37 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 عن علي بن
أبي حمزة.
(8) سورة البقرة: 2 - الآية 235.
121

التعريض بالخطبة على وجهها وحلها، ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب
أجله) وخبر البصري (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (في قول الله عز وجل: إلا أن
تقولوا قولا معروفا، قال: تلقاها فتقول: إني فيك لراغب، وإني للنساء لمكرم
فلا تسبقيني بنفسك، والسر لا يخلو معها حيث وعدها).
ضرورة كون المراد من هذه النصوص تفسير المواعدة المنهي عنها والمتضمنة
للقول المعروف المرخص فيها، وآخر الأخيرة تفسير للسر المنهي عن مواعدته،
أعني الخلوة بها، وإنما قال: (لا يخلو) لأن النهي راجع للخلوة إلا للتعريض
للخطبة على وجهها وحلها، وكانوا يعرضون للخطبة في السر بما يستهجن، فنهوا
عن ذلك، كما يستفاد من رواية أبي حمزة، وفي رواية العياشي عن الصادق عليه السلام (2)
في هذه الآية (المرأة في عدتها تقول لها قولا جميلا ترغبها في نفسك، ولا تقول:
أصنع كذا وأصنع كذا، القبيح من الأمر في البضع وكل أمر قبيح).
وهي جميعا كما ترى لا دلالة فيها على ما سمعته من الأصحاب، بل قد يقال:
استعمال التعريض في المعنى المخصوص الذي ذكروه شئ حادث، لا أن ذلك معناه
لغة، فإن لم يكن اجماع أمكن أن يقال: إن المراد ولو بمعونة الأخبار المزبورة
نفي الجناح عن التعريض بالخطبة بما لم يستهجن ويعد من الفحش ومناف للحياء
ونحو ذلك، وإن كان تصريح اللفظ مثل ما سمعته عن الصادق عليه السلام في تفسير القول
المعروف، ومثل قوله صلى الله عليه وآله لفاطمة بنت قيس: (3) (إذا حللت فآذنيني ولا تفوتينا نفسك)
بخلاف الألفاظ المستهجنة التي كانوا يستعملونها في الخطبة، من ذكر الجماع
وكثرته ونحو ذلك، على أن يكون المراد بالمواعدة سرا نحو ذلك، وعبر عنه
بالسر لأنه مما يسر به، قال امرئ القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني * كبير وأن لا يشهد السر أمثالي

(1) الوسائل الباب - 37 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5 و 6.
(2) الوسائل الباب - 37 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5 و 6.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 178.
122

وقال الفرزدق:
موانع للأسرار إلا من أهلها * ويخلفن ما ظن الغيور التقشف
يعني أنهن عفائف يمنعن الجماع إلا من أزواجهن، وحينئذ يكون السر
مفعولا به، وهو المنهي عنه، بخلاف القول المعروف، فالتصريح المنهي عنه في مقابل
التعريض هذا، لا التصريح بالنكاح على سنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله.
أو يقال: إن المراد بالمواعدة سرا الخلوة بها إلا للقول المعروف، لا للمفاكهة
والتلذذ بها، وإرادة القبيح بهن كما حكاه الرازي في تفسيره، قال: (روى
الحسن (1) أنه كان الرجل يدخل على المرأة وهو يعرض بالنكاح، فيقول لها
دعيني أجامعك فإذا تممت عدتك أظهرت نكاحك).
وحاصل الآية حينئذ أنه لا جناح عليكم في خطبة النساء أي طلبهن للنكاح
وذكرهن لذلك وفيما أكننتم في أنفسكم من ذلك، لأن الله قد علم أنكم لا بد وأن
تذكروهن في أنفسكم وفي ألسنتكم، فرؤوف بكم ونفي الجناح عنكم في ذلك كله،
وأذن لكم في ذكرهن للنكاح وخطبتهن، ولو كن في عدة وفاة أو غيرها من عدة
البائن فاذكروهن واخطبوهن، ولكن لا تخطبوهن بأن تواعدوهن سرا أي جماعا
ونحوه من الأشياء المستهجنة أو تواعدوهن خلوة إلا للقول بالمعروف لا لغيره،
وبذلك ظهر لك وجه الاستثناء متصلا ومنقطعا، بل ووجه الاستدراك، وأما ما
سمعته من الأصحاب من الفرق بين التعريض والتصريح فيصعب استفادته تماما منها
إلا بمعونة إجماعهم، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لو صرح) بالخطبة (في موضع المنع) منه
(ثم انقضت العدة فنكحها لم تحرم) قطعا واجماعا بقسميه، للأصل والعمومات
بعد معلومية عدم اقتضاء الإثم في ذلك حرمة النكاح، كما هو واضح. ولعله نبه
عليه لخلاف بعض العامة.

(1) تفسير الرازي ج 6 ص 142 - الطبعة الأولى.
123

المسألة (الرابعة)
(إذا خطب) منها (فأجابت) ولو بالسكوت الدال على ذلك أو من
وليها الشرعي فأجاب (قيل) والقائل الشيخ في بعض كتبه: (حرم على غيره
خطبتها) لقوله صلى الله عليه وآله: (1) (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) وحرمة الدخول
في سوم المؤمن الذي منه ذلك، بقرينة قوله عليه السلام: (2) (أنه مستأم يأخذ بأغلى
ثمن) ولوجوب الإجابة عليها، ولما فيه من إيذاء المؤمن وإثارة الشحناء، وفيه منع
صحة الخبر المزبور وكونه مستأما حقيقة وحرمة الدخول في السوم ولزوم إجابة
كفو المنع من إجابة آخر خصوصا إذا رجح على الأول ولو بزيادة ركونها إليه مع
كون الأمر بيدها، فأصالة الجواز حينئذ سالمة عن المعارض (و) على تقدير الحرمة
(لو) أثم وخطب و (تزوج ذلك الغير كان العقد صحيحا) قطعا، للأصل
والعمومات، وعدم اقتضاء الإثم في ذلك الفساد في العقد الذي لم يتعلق به نهي،
وهو واضح، كما أنه على ذلك التقدير أيضا لا يحرم خطبة المسلم على الذمي،
ضرورة عدم الأخوة بينهما، كما هو واضح، والأمر سهل.
المسألة (الخامسة)
(إذا تزوجت المطلقة ثلاثا، فلو شرطت في العقد) على المحلل (أنه إذا حللها
فلا نكاح بينهما) بمعنى ارتفاعه بنفسه بعد حصول ما يتحقق به التحليل (بطل العقد)
لأنه ليس من حقيقة النكاح في شئ، لا من الدائم ولا من المنقطع، فإنه نكاح منقطع
بالإصابة، وليس ذلك بنكاح شرعي، وعن المبسوط الاجماع عليه، بل عنه صلى الله عليه وآله (3)

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 179 - 208.
(2) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 و 1.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 179 - 208.
124

(لعن المحلل والمحلل له) وتسميته التيس المستعار، وإن كان الظاهر إرادة كراهة
الفرد الصحيح منه، لا ما نحن فيه الذي قد عرفت فساد العقد فيه.
هذا (و) لكن (ربما قيل) بصحة العقد في الفرض، و (يلغو الشرط)
بل نسب إلى الشيخ ولم نتحققه، نعم في المسالك (هو بابن إدريس أنسب، لأنه
صرح في غير موضع من النكاح وغيره أن فساد الشرط لا يفسد العقد، محتجا عليه
بعموم (أوفوا بالعقود) (1) ولأنهما شيئان كل منهما منفك عن الآخر، فلم
يلزم من بطلان أحدهما بطلان الآخر - ورده - بأن المراد من الوفاء بالعقد
العمل بمقتضاه من صحة وبطلان، سلمنا أن المراد به العمل بمضمونه لكنه مشروط
بوقوعه صحيحا بالتراضي، ولم يحصل هنا، وانفكاك العقد عن الشرط في نفسه مسلم
لكنه في العقد المخصوص مرتبط به، لأن التراضي إنما وقع كذلك).
قلت: قد عرفت في كتاب البيع تمام البحث في ذلك، إلا أن الظاهر عدم
التزامه بما هو نحو المقام مما كان الشرط فيه راجعا إلى نقض العقد وإلى عدم قصد
معنى النكاح المعتبر شرعا، اللهم إلا أن يقال بعد مشروعية الانقطاع في النكاح
لم يفسد بقصده فيه، على أن المقصود هنا النكاح الدائم واشتراط ارتفاعه بما يؤكد
كون المراد ذلك، ولكن أراد ارتفاعه بالشرط، فيبتني حينئذ على مسألة
اقتضاء فساد الشرط فساد العقد وعدمه، إذ لا كلام في فساد الشرط هنا، لمخالفته ما دل
من الكتاب والسنة على عدم ارتفاع النكاح إلا بالطلاق، ودعوى شرعيته (2)
شرط كل نتيجة مشروعة بسببها - فيقوم هو حينئذ مقام كل سبب يقتضي ذلك
من غير فرق بين النكاح والطلاق والعتق وبين غيرها - واضحة الفساد بعدم دليل يقتضي
ذلك كما أوضحناه في محله.
(و) على كل حال ف‍ (لو شرطت الطلاق) على المحلل مثلا (قيل)
والقائل الشيخ في محكي الخلاف والمبسوط: (يصح النكاح ويبطل الشرط) بل

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(2) هكذا في النسخة الأصلية.
125

لعله لازم لابن إدريس وغيره ممن لا يرى بطلان العقد ببطلان الشرط، والمراد
ببطلانه عدم لزوم الوفاء به، وظاهرهم المفروغية من بطلان الشرط، بل في المسالك
أنه متفق عليه، ولولا ذلك لأمكن المناقشة فيه بأن مقتضى عموم (المؤمنون) (1)
وغيره الصحة نحو البيع المشترط فبه الإقالة، وليس اشتراط ذلك منافيا لقصد النكاح،
بل ولا لدوامه كما أنه ليس اشتراط ما يحصل به الفسخ اشتراطا للفسخ حتى
يكون نحو الأول، اللهم إلا أن يقال: إن اشتراط الطلاق يرشد إلى عدم قصد
النكاح الدائم، بل المنقطع لا على الوجه المعتبر فيفسد، لكنه كما ترى. ويمكن
أن يكون نسبة ذلك إلى القيل هنا والقواعد إشارة إلى ما ذكرناه من احتمال الصحة،
فيهما، ويمكن أن يكون ذلك لاختيارهما اقتضاء بطلان الشرط بطلان العقد، وفيه
أنه مناف لجزمهما بالبطلان في الأول دونه.
وفي كشف اللثام أن الداخل في حيز القيل المومأ إلى تمريضه قول القائل
بعد ذلك: (وإن دخل فلها مهر المثل) باعتبار بطلان الشرط الذي له قسط من
المهر، لأنها إنما رضيت به لأجل الشرط، فإذا سقط زيد على المسمى مقدار
ما نقص لأجله، وهو مجهول، فتطرق حينئذ الجهل إليه، ويبطل بذلك، فترجع
إلى مهر المثل، وإلا فالوجه أن العقد صحيح قولا واحدا، فإن الخلاف إنما هو
فيما إذا اقترن بشرط فاسد، وقد عرفت أنه غير لازم لا فاسد كالأول.
قلت: قد صرح ببطلان العقد في جامع المقاصد والمسالك، وأنه من مسألة
اقتضاء بطلان الشرط بطلان العقد، وهو كذلك كما لا يخفى على من لاحظ تلك
المسألة وأدلتها التي لم يفرق فيها بين الشرائط حتى مثل هذا الشرط الذي ثبت
بطلانه بالاجماع المحكي وإن كان مقتضى العمومات صحته، فظهر حينئذ من ذلك
أنه لا وجه لصرف القيل إلى ما ذكره، على أنه لا وجه للنظر في الرجوع إلى مهر
المثل، اللهم إلا أن يقال: إن بطلان الشرط لا يقتضي ذلك، فإنه ليس جزءا

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
126

للمسمى، ولو سلم مدخليته فلا أقل من أن يسلط على الخيار في المسمى، لا أنه
يبطله ويحقق مهر المثل، وكيف كان فعلي القول ببطلان العقد ببطلان الشرط يجب
بالدخول مهر المثل مع جهلها بالتحريم، وإلا فلا مهر لبغي، هذا كله فيما إذا
صرح بالشرط في العقد سواء كان الطلاق أو ارتفاع النكاح.
(أما لو لم يصرح بالشرط في العقد وكان ذلك) إلى الطلاق أو ارتفاع النكاح
(في نيته أو نية الزوجة أو الولي لم يفسد) شئ من العقد ولا من المهر بلا خلاف
أجده فيه، بل في كشف اللثام لعله موضع وفاق، بل في المسالك هو كذلك، وهو
الحجة مضافا إلى العمومات، لكنه مكروه كما عن المبسوط والخلاف، نعم في كشف
اللثام لا بد من أن يكونا استعملا النكاح في حقيقته لكنهما يظنان أنه يرتفع
بالتحلل أو ينويان إيقاعه بعده، فلو أدخلاهما أو أحدهما في معنى النكاح لم يصح
الأول، لما عرفت من خروجه عن حقيقة النكاح، وربما احتمل الثاني الفساد على
قياس ما مر في اشتراط الطلاق، قلت: وكذا لو كان من نيتهما الاشتراط على وجه
أوقعا العقد عليه وإن لم يذكراه في متنه، فإنه يأتي فيه البحث في أن الشرط المضمر
كالمذكور أولا، ولعل الأول لا يخلو من قوة، ومن ذلك يعلم أن اسم الإشارة
ونحوه في المتن وغيره راجع إلى الارتفاع أو الطلاق لا على جهة الاشتراط وإن كان
اللفظ قد يوهم ذلك، بل ربما أوهمه عبارة المسالك، لكن التحقيق ما عرفت.
(و) على كل حال فاعلم أن (كل موضع قيل) فيه (يصح العقد فمع
الدخول) الذي يحصل به التحليل (تحل) الامرأة (للمطلق) الأول (مع
الفرقة وانقضاء العدة) بلا خلاف ولا إشكال، لحصول الشرط (وكل موضع قيل)
فيه (يفسد) العقد (لا تحل) وإن دخل بها شبهة (لأنه لا يكفي الوطئ) في
التحليل (ما لم يكن عن عقد صحيح) بلا خلاف ولا إشكال أيضا، وبذلك تظهر
الثمرة فيما سمعته سابقا من القول بفساد الشرط والعقد والقول بفساد الشرط خاصة،
ضرورة عدم حصول التحليل بالأول وإن حصل الوطئ شبهة، بخلافه على الثاني،
127

فإنه يحصل التحليل، لكون المفروض صحة العقد، وهو مع الدخول كاف وإن فسد
المسمي، كما هو واضح، والله العالم.
المسألة (السادسة)
(نكاح الشغار) بكسر الشين وفتحها والغين المعجمتين محرم و (باطل)
عندنا، بل الاجماع بقسميه عليه، بل لعل المحكي منهما متواتر، مضافا إلى
النبوي (1) (لاشغار في الاسلام) وفي خبر آخر أنه صلى الله عليه وآله نهى عنه (2) فما عن أبي حنيفة وجماعة من صحته وبطلان المهر خاصة اجتهاد في مقابلة النص والاجماع،
والظاهر أن الإضافة فيه بيانية من باب إضافة العام إلى الخاص، قال في الصحاح:
(الشغار بكسر الشين نكاح كان في الجاهلة، وهو أن يقول الرجل لآخر: زوجني
ابنتك أو أختك على أن أزوجك أختي أو ابنتي على أن صداق كل واحدة منهما
بضع الأخرى كأنهما رفعا المهر وأخليا البضع عنه) وإن كان تفسيره بما سمعت
كما عن المجمع جريا على طريقة أهل الأدب في تعريف الأشياء ببعض لوازمها،
بل ربما وقع ذلك في بعض الأخبار أيضا كمرفوع جمهور عن أبي عبد الله عليه السلام (3)
قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن نكاح الشغار وهي الممانحة، وهو أن يقول الرجل للرجل:
زوجني ابنتك حتى أزوجك ابنتي على أن لا مهر بيننا).
(و) لكن من المعلوم أن الشغار ليس هذا القول، بل (هو أن يتزوج
امرأتان برجلين على أن يكون مهر كل واحدة نكاح الأخرى) بمعنى العقد

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2 وسنن البيهقي ج 7
ص 200.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3 وسنن البيهقي ج 7
ص 200
(3) الوسائل الباب - 27 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
128

المشتمل على ذلك، قال الصادق عليه السلام في خبر غياث بن إبراهيم (1) قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام، والشغار أن يزوج الرجل
ابنته أو أخته ويتزوج هو ابنة المزوج أو أخته ولا يكون بينهما مهر غير تزويج
هذا من هذا وهذا من هذا)
بل هو المراد من قول أبي جعفر عليه السلام في مرسلة ابن
بكير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أو أبي جعفر عليه السلام (نهى عن نكاح المرأتين ليس
لواحدة منهما صداق إلا بضع صاحبتها وقال عليه السلام: لا يحل أن ينكح واحدة منهما
إلا بصداق أو نكاح المسلمين) وفي محكي القاموس (الشغار بالكسر أن تزوج
الرجل امرأة على أن يزوجك أخرى بغير مهر، صداق كل واحدة بضع الأخرى
أو يخص به القرائب) بل المحكي عن الفقهاء أجمع أنهم يأخذون في تعريفه العقد،
وفي القواعد (هو جعل نكاح امرأة مهر أخرى، فيبطل نكاح الممهورة، ولو دار
بطلا) وفي كشف اللثام في تفسيرها (هو جعل نكاح امرأة أي بضعها، وهو الاستمتاع
بها، فالنكاح بمعنى الوطئ، مهر أخرى، فيبطل نكاح الممهورة، للزوم تشريك
البضع بين كونه للزوج وكونه مهرا للزوجة، مع أن البضع لا يصلح أن يكون مهرا،
وقيل بلزوم تعليق النكاح، ولو دار الأمر بأن يجعل بضع كل مهرا للأخرى
بطلا، وفي أكثر الأخبار الاقتصار في تفسيره على الآخر المشتمل على الدور).
وفيه أنه لا داعي إلى اعتبار النكاح بمعنى الوطئ مهرا فيه، بل قد سمعت
ما يقتضي كون الشغار جعل العقد فيه على امرأة مهرا في العقد على أخرى، نعم
وقع في جملة من العبارات في أثناء البحث ذكر البضع مهرا، لكن من المعلوم عدم
كون المراد اعتبار ذكر نفس البضع فيه مهرا على وجه يقول: (زوجتك بنتي
ببضع بنتك) والآخر كذلك، ضرورة منافاته لما سمعته من النص والفتوى
ومعاقد الاجماعات، بل تعليل الفساد بأنه اشتراط عقد في عقد وغير ذلك، بل المراد
أن البضع هو المهر في الواقع باعتبار كونه هو نتيجة العقد وثمرته.
ومن ذلك يعلم ما في ضابطه الذي جعله في آخر المبحث قال: (والضابط أن

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2 - 1.
129

كل نكاح جعل البضع فيه مهرا أجزءه أو شرطه فهو باطل، وإن جعل النكاح
مهرا أو جزءه أو شرطه في نكاح بط المسمى دون النكاح، وإن جعل شرطا في
النكاح فإن علق به بطل قطعا وإلا فالظاهر فساد الشرط، ويحتمل فساد المشروط
أيضا) اللهم إلا أن يريد في الثاني النكاح بمهر أو تفويض مثبت لمهر المثل، لا
أن المراد عدم تحقق الشغار بقصد كون النكاح مهرا في النكاح، وأنه لا مهر بينهما
إلا هذا، وإلا كان مخالفا لصريح ما سمعته من النص وغيره.
وأما قوله: (مهرا أو جزء مهر أو شرطه) فقد تبع فيه الفاضل في القواعد
قال فيها: (لا فرق أي في تحقق الشغار بين أن يكون البضع مهرا أو جزءه، فلو قال:
زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ويكون بضع كل واحدة مع عشرة دراهم
صداقا للأخرى بطل، أي إذا زوج المخاطب بنته كذلك، وهو مع أنه لم يذكر
الشرط فيها يمكن منع تحقق الشغار بذلك، لما سمعته من اعتبار عدم مهر غير نكاح
كل منهما في النصوص الثلاثة (1) والصحاح والقاموس، بل لم أعرف من صرح
بذلك قبله سوى ما في الاسعاد شرح الإرشاد، لبعض العامة، فإنه قال: (ويدخل
تحت قوله في المتن: واصداق كل بضع الأخرى ما إذا ضم إلى البضع مال في
الجانبين أو في أحدهما كان يزوج ابنته من آخر بشرط أن يزوجه الآخر ابنته
ومهر كل منهما ألف وبضع الأخرى أو وبضع كل منهما مهر الأخرى مع اشتراط
ألف لأحدهما، وأظهر القولين فيه البطلان).
وظاهره الخلاف في ذلك، ولعل عدم كونه شغارا لا يخلو من قوة لما عرفت،
بل لولا ما يظهر من الأصحاب من عدم اعتبار الدورية فيه لأمكن اعتبارها فيه،
فلا شغار حينئذ مع عدم الدور، لكونه اسما لنكاح الامرأتين على الوجه المزبور،
لا أنه للنكاح الذي يكون المهر فيه نكاح الامرأة الأخرى ولو بمهر غير نكاح
الأولى كي يتحقق حينئذ في واحدة دون الثانية، بل قد يقال إنه متى جعل النكاح
مهرا لزمه العكس، ضرورة كون المهر في النكاح كالعوض في غيره، ولا ريب في

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1 و 2 و 3.
130

أن معنى المعاوضة لا يتحقق في طرف دون الآخر، فالمراد بالشغار حينئذ النكاح
الذي يكون عوضه نكاح، فيكون الدور لازما له لكن ظاهر ما تسمعه من المصنف
وغيره المفروغية من ذلك، ولعل مثله كاف في إثبات موضوع اللفظ إن كان ذلك منهم
على وجه النقل وإلا كان للنظر فيه مجال، خصوصا مع ملاحظة قاعدة الاقتصار
على المتيقن فيما خالف القواعد، وما ورد في تفسيره في النصوص (1) السابقة والصحاح
والقاموس وغيرها، نعم قد يشعر ذيل مرسلة ابن بكير (2) بتحققه في طرف واحد
فتأمل جيدا، وعلى كل حال فالمحرم منه والفاسد ما عرفت.
(أما لو زوج الوليان) مثلا (كل منهما صاحبه وشرط لكل واحدة
مهرا معلوما فإنه يصح) قطعا بلا خلاف ولا إشكال فيه، لعدم كونه من الشغار،
وإن كان الداعي لكل منهما تزويجه الآخر بل لو لم يذكرا مهرا صح النكاح
أيضا، وكانتا مفوضتين بعد فرض عدم قصد إمهار كل منهما نكاح الأخرى في متن
العقد ولا في التواطؤ بناء على أنه كالمذكور فيه، لاطلاق ما سمعته في تفسيره.
(ولو زوج أحدهما) أو كل منهما (الآخر) تفويضا أو بمهر معلوم
(وشرط أن يزوجه الأخرى بمهر معلوم صح العقدان) للعمومات (وبطل
المهر) المسمى (لأنه شرط مع المهر تزويجا وهو) أي التزويج (غير لازم)
خصوصا وقد اشترط على غير الزوجة، فلا يلزمها الوفاء، ويلزم من عدم لزومه عدم
لزوم المشروط (والنكاح لا يدخله الخيار) فلا يجوز أن يجعل شرطا له، وإلا
لزم الخيار فيه إذا لم يتحقق الشرط، فلا بد من أن يكون شرطا للمسمى ويلزم
منه أن يكون جزء منه، كما أن الأجل جزء من الثمن أو المثمن وهو أمر مجهول
فيوجب جهل المسمى (ف‍) يبطل، و (يكون لها مهر المثل) كما هو الضابط في
كل مهر فاسد.
(وفيه تردد) من أنه شرط فاسد اشتمل عليه العقد، فينبغي أن يفسد،
ولا يجدي الضم إلى المهر، فإنه لا يخرجه عن الاشتراط في العقد، أو أنه لا يلزم من

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب عقد النكاح الحديث - 0 - 1.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب عقد النكاح الحديث - 0 - 1.
131

عدم قبول النكاح للشرط أن لا يشترطه العاقد، فينبغي التفصيل بأنه إن شرط به
النكاح بطل، وإن شرط به المهر بطل المهر دونه، أو من أنه شرط سائغ يمكن الوفاء
به إذا كان الزوج كفوا وكان للولي قهر المولى عليها على النكاح أو رضيت المولي
عليها، وجواز الشرط لا يوجب جواز المشروط، بل لزوم المشروط يوجب لزوم
الشرط، أو منع أن فساد الشرط يوجب فساد المشروط، فلا يفسد المهر إن شرط فيه،
ولا النكاح إن شرط، أو منع صحة العقد لتحقق الشغارية فيه باشتراط التزويج
الذي هو جزء من المهر بناء على ما عرفت من عدم الفرق فيه بين كون التزويج
مهرا أو جزء مهر أو كالجزء (وكذلك) الكلام فيما (لو زوجه وشرط أن ينكحه
الزوج فلانة ولم يذكر مهرا) ضرورة عدم الفرق فيما سمعت بين اشتراط التزويج
مع ذكر المهر وعدمه، كما هو واضح.
(تفريع:)
(لو قال: (زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي
مهرا لبنتك) صح نكاح بنته) التي لم يجعل نكاح بنت المخاطب مهرا لها، فلا
شغار بالنسبة إليها (وبطل نكاح بنت المخاطب) إذا زوجها كذلك، لتحقق
الشغار بالنسبة إليها (ولو قال: (على أن يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي) بطل
نكاح بنته) لتحقق الشغار بالنسبة إليها (وصح نكاح بنت المخاطب) التي لم
يجعل مهرها نكاح بنت القائل، فلا شغار كما هو واضح بناء على عدم اعتبار
الدورية في الشغار الذي قد عرفت المناقشة فيه، خصوصا بعد عدم العثور عليه من
قدماء الأصحاب وغيرهم من العامة، وإنما ذكره في الاسعاد أيضا، قال: (لو قال:
زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك وبضع بنتك صداق لبنتي وقبل ثم زوجه
صح النكاح الأول وبطل الثاني، وإن قال: وبضع بنتي صداق لبنتك صح وبطل
الأول بناء على التشريك، فيبطل نكاح من جعل بضعها صداقا، للتشريك فيه
132

خاصة) وهو وإن كان صريحا في تحقق الشغار من جانب، لكنه كأنه مخالف
لما ذكروه من جعل الباطل من كان مهرها بضعا، بل مناف لما ذكروه من
أن الأقوى كون مبطل الشغار التشريك في البضع.
بل في المسالك جعل الضابط في مسألتنا ذلك، فإنه بعد أن ذكر نحو ما سمعته
من المتن قال: (والضابط أن البضع المشترك يبطل نكاحه، والبضع المنفرد يصح
عملا بقاعدة الشغار) مع أن الذي يتحقق التشريك فيه من جعل بضعها صداقا،
ضرورة كونه حينئذ مستحقا للزوج بالعقد وللامرأة بالمهر لا العكس، فإنه
لا تشريك، ولعله لذا خصه في الاسعاد بما عرفت، اللهم إلا أن يقال: إن التشريك
في كل منهما غير متحقق إلا بنكاح الثانية على حسب ما وقع في عقد الأولى،
وحينئذ يتحقق التشريك في القسمين.
نعم يبقى السؤال عن تخصيص الأصحاب بعد القول بعدم اعتبار الدور فيه
هذا الفرد بالشغار دون من جعل بضعها صداقا وتخصيص الاسعاد العكس، مع
أن الذي ورد في تفسيره ما سمعته من النص (1) وغيره قد اشتمل على جعل المهر
بضعا والبضع مهرا، فمع فرض عدم اعتبار الدور فيه يتجه تحققه بكل منهما،
اللهم إلا أن يقال: إن الأصحاب قد فهموا اختصاص الفرد الذي ذكروه من
ظاهر النصوص المتقدمة التي محط النظر فبها كون المهر بضعا وإن لزم الدوري
منه العكس أيضا، إلا أنه لا ينكر ظهورها في الأول، وخصوصا مع ملاحظة الذيل
في مرسل ابن بكير (2) فتأمل جيدا فإنه ربما دق.
وعلى كل حال فلا شغار فيما لو قال: (زوجتك جاريتي على أن تزوجني
بنتك وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك) وصح النكاحان، أما نكاح الجارية فلأنه
لم يشتمل على شغار، وإنما اشترط فيه شرط لا يجب الوفاء به، بناء على ما عرفت،
فيفسد نفس الشرط، وأما نكاح البنت فلقبول الرقبة للنقل، وهي التي جعلت مهرا،
وليس نكاحها تشريكا للمرأة والزوج فيما تناوله عقد النكاح - وهو البضع - ليكون

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2 - 1.
133

شغارا، فإن الرقبة غير البضع وإن تبعها، وبطل المهر لكل منهما إن زوجه الآخر
بنته على تزويج الجارية وكون الرقبة مهرا لأنه شرط نكاح إحداهما في الأخرى،
وقد عرفت أنه ليس شرطا للنكاح، فجعل جزء المهر نكاح البنت ومهرا لنكاح
الجارية وهو مجهول، فيجهل المهر المسمى فيبطل، ويجب مهر المثل لكل منهما،
وإن كان في ذلك كله ما عرفت. ولو زوج عبده من امرأة وجعل رقبته صداقا لها
بطل المهر، لأن صحته يؤدي إلى فساده، إذ هي تقتضي ملكه، وهو يمنع العقد،
فيبطل المهر حينئذ ويثبت مهر المثل، ويصح العقد على الأقوى.
وكيف كان فالأقوى أن بطلان الشغار للنهي عنه المقتضي للفساد في المعاملة
على ما حققناه في الأصول، لا لأنه تعليق بمعنى أنه علق فيه التزويج على التزويج،
ضرورة عدم اعتبار التعليق فيه في متن العقد، بل هو غير مقصود للمتعاقدين به،
وإنما قصدهما إلزام كل منهما الآخر بالتزويج بلا مهر غير البضع، وهو المسمى
في عرفنا الآن بالمباضعة، ولا لأنه اشتراط عقد في عقد، ضرورة عدم اقتضاء ذلك
الفساد، وقد سمعت تصريحهم بالصحة في اشتراط النكاح في النكاح بمهر معلوم،
ولا لاشتراك البضع بين الامرأة المجعول في مهرها وبين الرجل الذي وقع له
عقد النكاح، فأشبه نكاح الامرأة من رجلين، مضافا إلى عدم قابلية البضع مهرا،
ضرورة اقتضاء ذلك كله فساد المهر لا العقد ولا ملازمة بينهما في النكاح.
ومن هنا ذهب أبو حنيفة إلى صحة نكاح الشغار والرجوع إلى مهر المثل لكن
يرده ما سمعت من اقتضاء النهي عنه الفساد، ودعوى رجوع النهي إلى المهر لا إلى
أصل النكاح يدفعه أنه واقع عن الشغار، وهو اسم للنكاح المخصوص، بل لا ينكر
ظهور النصوص (1) المزبورة في إرادة النهي عنه من حيث كونه شغارا نحو
النهي (2) عن بيع الحصاة والملامسة، وحلية أصل النكاح لا ينافي ذلك، ولعل هذا

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب عقد النكاح.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 13 من
كتاب التجارة.
134

أولى من تعليل الفساد بما سمعت وإن كان الذي وقفت عليه ممن تعرض ذلك من
أصحابنا تعليله بما عرفت، وفي المسالك وكشف اللثام اختيار التعليل فيها بالاشتراك
بالبضع الذي يمكن منع حصوله في شغار المملوكتين اللتين لا يملكان المهر، بل
قد يمنع فيما أثبتوه من الشغار في جانب كما في المثال الذي سمعته، فإنه ليس فيه
بضع مشترك بين الامرأة وبين الرجل، وكأنهم تبعوا بعض العامة في تعليل الفساد،
لكن الذي حكاه في شرح الاسعاد عن الإمام منهم أنه أبطل تعليل الفساد بالاشتراك
وبالتعليق، وجعل منشأ الفساد النهي كما قلناه.
ثم لا فرق في حرمة الشغار وفساده بين الدائم والمنقطع، بل يمكن جريانه
في التحليل بناء على أنه عقد، لكن ينافيه ما سمعته في تفسيره مما لا يشمل
التحليل، ولا ريب في أن الأحوط اجتنابه، والله العالم.
المسألة (السابعة)
(يكره العقد على القابلة إذا ربته وبنتها) للنهي عنه في خبر إبراهيم بن
عبد الحميد (1) (سألت أبا الحسن عليه السلام عن القابلة تقبل الرجل أله أن يتزوجها؟
فقال: إن كان قد قبلته المرة والمرتين والثلاثة فلا بأس، وإن كانت قد قبلته وكفلته
فإني أنهى نفسي عنها وولدي) وفي خبر آخر (2) (وصديقي) وخبر عمرو بن
شمر (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له: الرجل يتزوج قابلته، قال: لا ولا ابنتها)
وخبر أبي بصير (4) عنه عليه السلام أيضا (لا يتزوج المرأة التي قبلت ولا ابنتها) وخبر
جابر بن يزيد (5) عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن القابلة أيحل للمولود أن ينكحها؟

(1) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
(2) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 8 - 1 والأول عن أبي جعفر عليه السلام.
(4) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 8 - 1 والأول عن أبي جعفر عليه السلام.
(5) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 8 - 1 والأول عن أبي جعفر عليه السلام.
135

قال: لا ولا ابنتها هي كبعض أمهاته) وخبر إبراهيم (1) (إذا استقبل الصبي
القابلة بوجهه حرمت عليه وولدها) المحمول على الكراهة، للاجماع ظاهرا
على الحل الذي هو مقتضى الأصل، وخصوص صحيح البزنطي (2) (قلت للرضا عليه السلام
يتزوج الرجل المرأة التي قبلته، فقال: سبحان الله ما حرم الله عليه من ذلك)
المؤيد باشعار الخبر الأول بها، فما في محكي المقنع من التعبير بعدم الحلية واضح
الضعف، أو يراد منه الكراهة أيضا.
لكن ظاهر المتن وصريح المسالك اختصاص الكراهة بالمربية، ولعله للخبر
الأول، ولقول الصادق عليه السلام في خبر ابن عمار (3) المسؤول عن حل القابلة للمولود:
(إن قبلت ومرت فالقوابل أكثر من ذلك، وإن قبلت وربت حرمت عليه) إلا
أن الأولى الجمع بين النصوص بشدة الكراهة وخفتها، وفي شمول الكراهة للبنت
وإن نزلت ولبنت الابن كذلك وجه، كالوجه في كراهة نكاح ولدها البنت التي قبلتها،
بل قد يحتمل كراهة أمهات القابلة وأختها لاطلاق المنزلة، نعم الظاهر تحقق
الكراهة بالنسبة إليها أيضا، فيكره لها أن تتزوجه، كما يكره له أن يتزوجها،
لأن ذلك مقتضى حرمتها عليه، وإلا فلا ملازمة بين الكراهتين، والنهي في أكثر
النصوص متوجه إليه كما هو واضح.
(و) يكره أيضا (أن يزوج ابنه بنت زوجته من غيره إذا ولدتها بعد
مفارقته) لخبر إسماعيل بن همام (4) قال: (قال أبو الحسن عليه السلام: قال محمد بن علي
في الرجل يتزوج المرأة ويزوج ابنتها ابنه ففارقها ويتزوجها آخر فتلد منه
بنتا فكره أن يتزوجها من ولده، لأنها كانت امرأته فطلقها، فصار بمنزلة الأب
كان قبل ذلك أبا لها) وهو القرينة على إرادتها من البأس في مفهوم خبر الهلالي (5)
(سألت - أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة ويزوج ابنه ابنتها، قال: إن
كانت الابنة لها قبل أن يتزوج بها فلا بأس) والنهي في خبره الآخر (6) (سألت

(1) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 6 - 2.
(2) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 6 - 2.
(3) الوسائل الباب - 39 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 6 - 2.
(4) الوسائل الباب - 23 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5 - 4 - 4 والثالث بطريق الصدوق (قده).
(5) الوسائل الباب - 23 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5 - 4 - 4 والثالث بطريق الصدوق (قده).
(6) الوسائل الباب - 23 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5 - 4 - 4 والثالث بطريق الصدوق (قده).
136

أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة ولها ابنة من غيره أيزوج ابنه ابنتها؟
قال: إن كانت من زوج قبل أن يتزوجها فلا بأس، وإن كانت من زوج بعد ما
تزوجها فلا).
واحتمال إرادة الحرمة بقرينة هذا النهي يدفعه العمومات والاجماع على الظاهر،
وخصوص صحيح العيص بن القاسم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يطلق
امرأته ثم خلف عليها رجل بعد فولدت للآخر فهل يحل ولدها من الآخر لولد
الأول من غيرها؟ قال: نعم، وسألته عن رجل أعتق سرية له ثم خلف عليها رجل
بعده ثم ولدت للآخر يحل ولدها لولد الذي أعتقها؟ قال: نعم)
بل في كشف اللثام لا كراهة لابن السرية من غيره على ابنه، للأصل من غير
معارض والصحيح المزبور، قلت: وخبر العقرقوفي (2) (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يكون له الجارية يقع عليها يطلب ولدها فلم يزرق منها ولدا فوهبها
لأخيه أو باعها فولدت له أولادا أيزوج ولده من غيرها ولد أخيه منها؟ قال: أعد
علي فأعدت عليه، قال: لا بأس) وخبر علي بن إدريس (3) (سألت الرضا عليه السلام
عن جارية كانت في ملكي فوطأتها ثم خرجت من ملكي فولدت جارية يحل لابني
أن يتزوجها؟ قال: نعم لا بأس به، قبل الوطئ وبعد الوطئ واحد).
ولعله لذلك اقتصر المصنف وغيره على ذكر الكراهة في غيرها لكن قد يشعر
بها خبر الحسين بن خالد الصيرفي (4) (سألت أبا الحسن عليه السلام عن هذه المسألة،
فقال: كررها علي، قلت له: إنه كانت لي جارية فلم ترزق مني ولدا فبعتها،
فولدت من غيري ولي ولد من غيرها، فأزوج ولدي من غيرها ولدها، قال: تزوج
ما كان لها من ولد قبلك يقول قبل أن تكون لك) بل منه يستفاد عدم اختصاص
الكراهة في نكاح الولد بنت الزوجة، بل يكره نكاح ابنها لبنت الزوج لتناول لفظ
الولد للجميع، مضافا إلى إشعار التنزيل منزلة الأب في خبر إسماعيل بن همام

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 2 - 6.
(2) الوسائل الباب - 23 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 2 - 6.
(3) الوسائل الباب - 23 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 2 - 6.
(4) الوسائل الباب - 23 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3
137

المتقدم في عموم المنزلة، فيكره له أن يتزوج بنت بنتها مثلا، لصيرورته بمنزلة
الخال لها، وبنت أمها، لصيرورته بمنزلة العم لها.
وربما أومأ إليه خبر محمد بن عيسى (1) قال: (كتبت إليه خشف أم ولد عيسى بن
علي بن يقطين في سنة ثلاثين ومأتين تسأل عن تزويج ابنتها من الحسين بن عبيد،
أخبرك يا سيدي ومولاي أن ابنة مولاك عيسى بن علي بن يقطين أملكتها من ابن
عبيد بن يقطين، فبعد ما أملكتها ذكروا أن جدتها أم عيسى بن علي بن يقطين
كانت لعبيد بن يقطين ثم صارت إلى علي بن يقطين فأولدها عيسى بن علي،
فذكروا أن ابن عبيد قد صار عمها من قبل جدتها أم أبيها أنها كانت لعبيد بن
يقطين، فرأيك يا سيدي ومولاي أن تمن على مولاتك بتفسير منك، وتخبرني
هل تحل له؟ فإن مولاتك يا سيدي في غم الله به عليم، فوقع في هذا الموضع
بين السطرين إذا صار عما لا تحل له، والعم والد وعم) بناء على أن المراد في السؤال
كونه بمنزلة العم باعتبار أن أم عيسى كانت موطوءة لأبي الحسين بن عبيد الذي
ملك البنت، كي يكون الجواب محمولا على ضرب من الكراهة، لا أن المراد أنها
كانت أما للحسين، ضرورة أن ذلك لا ينبغي أن يسأل عنه، فإنه عم لها حقيقة،
لأنه أخو أبيها من أمه، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لا بأس) ولا كراهة (ب‍) نكاح ابنه ل‍ (من ولدتها
قبل نكاح الأب) للأصل وخبري ابن الجهم المتقدمين، والتنزيل بمنزلة الأب
إنما هو فيمن تلده بعد نكاحه لا قبله وإن كانت هي ربيبة له أيضا، مع احتماله
لأولوية تنزيله منزلة الأب لها من المتأخرة، ويكون التفصيل في خبري ابن الجهم
- لبيان شدة الكراهة، فتأمل والله العالم.
(و) يكره أيضا (أن يتزوج بمن كانت ضرة لأمه قبل أبيه) بل
وبعده لخبر زرارة (2) (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما أحب للرجل المسلم أن
يتزوج امرأة كانت ضرة لأمه مع غير أبيه) ولعل المصنف فهم من المضي هنا
التقدم على نكاح الأب، فلذا خص الكراهة به، ولكنه غير متعين، بل الظاهر

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
(2) الوسائل الباب - 42 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
138

التقدم على التزويج.
(و) كذا يكره أيضا التزويج (بالزانية قبل أن تتوب) وفاقا للمشهور،
لاشعار لفظ (لا ينبغي) بها في صحيح أبي الصباح وغيره (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (من أقيم عليه حد زنا أو شهر به لا ينبغي لأحد أن يناكحه حتى يعرف
منه التوبة) خلافا لأبي الصلاح، فحرمه للآية (2) التي قد عرفت تمام الكلام
فيها وفي غيرها مما يدل على ذلك فيما تقدم، فلاحظ والله العالم.
(القسم الثاني)
(في النكاح المنقطع)
(وهو سائغ في) صدر (دين الاسلام) باتفاق المسلمين، وإنما اختلفوا
في بقائه ونسخه (لتحقق شرعيته) في زمن النبي صلى الله عليه وآله (وعدم ما يدل على
رفعه) وإن المسلمين كانوا يفعلونه من غير نكير، وكذا في خلافة أبي بكر ومدة
من خلافة عمر، نعم هو حرمه في المدة الأخرى من تلقاء نفسه بعد أن روى
شرعيته عن صاحب الشرع، فإنه فيما اشتهر عنه بين الفريقين (3) صعد المنبر وقال:
(أيها الناس متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أنا أنهى عنهما وأحرمهن

(1) أشار إليه في الوسائل في الباب - 13 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2
وذكره في الكافي ج 5 ص 354.
(2) سورة النور: 24 - الآية 3.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 206 والوسائل الباب - 1 - من أبواب المتعة الحديث 4
راجع الغدير للأميني (ره) ج 6 ص 211.
139

وأعاقب عليهن: متعه الحج ومتعة النساء) وفي لفظ (1) آخر (ثلاث كن على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن وهي: متعة النساء،
ومتعة الحج، وحي على خير العمل) وهو صريح في تحريمه ما روي عن رسول الله
صلى الله عليه وآله شرعيته، وجعل تحريمه أولى بالاتباع والقبول، حيث توعد من
خالفه بالعقوبة والزجر، بل في متعة النساء بالحد والرجم، فعن صحيح مسلم عن قتادة
عن أبي نضرة (2) قال: (كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى
عنها، فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله، فقال تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما
قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسول الله صلى الله عليه وآله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل
منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله عز وجل وابتوا نكاح هذه النساء
فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة).
وهذا من جملة ما طعن به أهل التشيع، وقد اختلف أتباعه في الجواب عنه،
فمنهم من بنى رفعه على كون النبي صلى الله عليه وآله مجتهدا في الأحكام الشرعية ويجوز
لمجتهد آخر مخالفته، وهو من السخافة كما ترى، أما على أصول الإمامية فظاهر،
لقولهم بعصمة النبي صلى الله عليه وآله وأن ما يحكم به عن وحي إلهي لا يتطرق إليه السهو
والخطأ، كما قال عز من قائل (3): (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)
(قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلى) (4) (قل
ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن اتبع إلا ما يوحي
إلي) (5) وحينئذ فلا يسوغ لأحد مخالفته ولا اجتهاد في مقابلة قضائه وحكمه
أصلا، وأما على رأي الجمهور النافين عصمة الأنبياء فلأنهم إنما نفو عصمتهم

(1) راجع الغدير للأميني (ره) ج 6 ص 213.
(2) راجع الغدير للأميني (ره) ج 6 ص 210.
(3) سورة النجم: 53 - الآية 3 و 4.
(4) سورة يونس: 10 - الآية 15.
(5) سورة الأحقاف: 46 - الآية 9.
140

فيما ليس له تعلق بتبليغ الأحكام الشرعية كتدبير الحرب واستصلاح الجيش
ونصب العمال وعزلهم وما أشبه ذلك، وأما ما يتعلق بالأحكام الشرعية وتبليغها
فقد أوجبوا العصمة فيها، لأن الخطأ فيها مناف لما يقتضيه المعجزة من وجوب
تصديق النبي صلى الله عليه وآله فيما يبلغه عن الله تعالى، والقول بجواز صدور الخطأ فيها عنه
سهوا كما يعزى إلى شذوذ مباهتة بينة لا يلتفت إليها، لاقتضائه إفحام النبي صلى الله عليه وآله
وعجزه عن تسجيل الأحكام لاحتمال السهو والاشتباه وعدم اندفاعه إلا بالعصمة.
بل قيل: إن المستفاد من كلام الآمدي في الأحكام وغيره إجماع القائلين
بجواز الخطأ على النبي صلى الله عليه وآله على أنه لا يقرر عليه، بل ينبه على خطائه، فتحليله
المتعة لو كان خطأ لوجب أن ينبه عليه وأن يعدل عنه.
وأيضا فالكتاب العزيز دال على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وآله (وما أرسلنا من
رسول إلا ليطاع بإذن الله) (1) (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا
مبينا) (2) (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا
في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (3) (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما
أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) (4) (وما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا) (5) إلى غير ذلك فإن كان وجوب هذه الطاعة لعصمة
ربانية تمنعه عن الخطأ والخطيئة كما هو مذهب الإمامية فالأمر واضح، وإن كان
لأمر آخر غير العصمة يجتمع مع انتفائها وجب القول بتحريم مخالفته في أحكامه
وإن كانت صادرة عن اجتهاد.
كل ذلك مضافا إلى ما يعلم من تتبع السير وتصفح آثار السلف اتفاق الصحابة
والتابعين على نفي الاجتهاد والرأي مع ورود النص عن النبي صلى الله عليه وآله وظهور حكمه

(1) سورة النساء 4 - الآية 64 - 65 - 61.
(2) سورة النساء 4 - الآية 64 - 65 - 61.
(3) سورة النساء 4 - الآية 64 - 65 - 61.
(4) سورة الأحزاب: 33 - الآية 36.
(5) سورة الحشر: 59 - الآية 7.
141

في شئ من الوقائع والأحكام، فإنهم كثيرا ما كانوا يختلفون في المسائل ويتناظرون
فيها، ومتى أورد أحدهم نصا يدل على مقالته التزم به خصمه، ولم يقل إن النبي
صلى الله عليه وآله مجتهد فيجوز لمجتهد آخر مخالفته، أو أنه يجوز دفع النص
الوارد عنه بالاجتهاد ومراعاة المصالح.
بل وقع من المخالف المحرم للمتعة والشيخ المتقدم عليه ما يقتضي الاعتراف
بالمنع من مخالفة النص وعدم جواز التعلل في ذلك بالمصالح، كقول أبي بكر (1)
حين استأذنه أسامة برسالة عمر بن الخطاب في الرجوع معللا بأن معه وجوه الناس،
ولا يأمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وحرمه وحرم المسلمين أن يتخفهم المشركون حول
المدينة: (لو تخطفني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى الله عليه وآله) وقوله
حين سألته الأنصار برسالة عمر أيضا أن يولي أمرهم أقدم سنا من أسامة فوثب
من مكانه وأخذ بلحية عمر (2): (ثكلتك أمك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله
صلى الله عليه وآله وتأمرني أن أنزعه).
وقول عمر مخاطبا للأنصار يوم السقيفة (3): (أيكم يرضى أن يتقدم قدمين
قدمهما رسول الله صلى الله عليه وآله رضيك لأمر ديننا أفلا نرضاك لأمر دنيانا حين احتجوا
على أولويتهم بالأمر بكونهم الأنصار آووا ونصروا إلى آخر ما احتجوا به في ذلك
اليوم) وليس احتجاجه عليهم بما سمعت إلا تقديما للنص على الاجتهاد، ولو جاز
الاجتهاد مع النص لم يصح له ذلك، وقوله (4) حين قال قائل: أتؤمر علينا
هذا الشاب الحدث ونحن جلة قريش: (دعني يا رسول الله صلى الله عليه وآله أضرب عنقه فقد

(1) السيرة الحلبية ج 4 ص 236 ط عام 1353 وتاريخ الطبري ج 3 ص 224
ط مصر عام 1962 وكامل ابن الأثير ج 2 ص 334 و 335 ط بيروت عام 1385.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تاريخ الطبري ج 3 ص 202 ط مصر عام 1962 وكامل ابن الأثير ج 2 ص 325
ط بيروت عام 1385 مع اختلاف يسير.
(4) الشافي للسيد المرتضى (قده) ص 246 باختلاف يسير
142

نافق) وقوله يوم بدر (1) حين أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا يقتل أحد من بني
هاشم لأنهم أكرهوا على الخروج فقال أبو حذيفة: (أنقتل أبناءنا وإخواننا ونترك بني
هاشم، فلو أني لقيت عم النبي صلى الله عليه وآله لأضربن خياشيمه بالسيف): (دعني يا رسول الله
صلى الله عليه وآله أضرب عنق هذا المنافق، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وآله قوله، بل لما
رأى إصراره على ذلك اعتذر عنه بأنه يحب الله ورسوله) وقوله لعثمان (2) إذ سأله
أن يرد الحكم بن العاص الذي نفاه النبي صلى الله عليه وآله عن المدينة بعد أن زبره وأغلظ له
في القول: (يخرجه رسول الله صلى الله عليه وآله وتأمرني أن أدخله، والله لو أدخلته لم آمن أن
يقول قائل غير عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، والله لأن أشق بالثنتين كما تشق الأيلة أحب
إلي من أن أخالف رسول الله، وإياك يا ابن عفان أن تعاودني فيه بعد اليوم).
ومن ذلك أيضا (3) (إن عمر كان يرى أن الدية للأقارب وأن المرأة
لا ترث من دية زوجها شيئا وكان يفتي بذلك حتى أخبره الضحاك بن سفيان
الكلابي بأن رسول الله صلى الله عليه وآله ورث الزوجة منها، فترك اجتهاده فيها) وعول
على النص المنقول بخبر الواحد وقال (أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي
فضلوا وأضلوا كثيرا) وبذلك (4) ظهر أنه لو كانت مخالفة النبي صلى الله عليه وآله بالاجتهاد
جائزة له لم يصح منه ما صح عنه من احتجاجه على الأنصار وحكمه على المخالف
بالنفاق واستئماره إياه صلى الله عليه وآله في قتله وامتناعه من رد الحكم وغير ذلك مما يطول
استقصاؤه، بل هو صريح في أن مخالفته تقتضي الضلال والاضلال والكفر والنفاق
كما هو الحق الذي أجرى علي لسانه إلزاما له بتحريمه المتعة التي هو روى إباحة

(1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 223 وسيرة أبي هشام ج 1 ص 629 ط 1375 مع
الاختلاف اليسير.
(2) الشافي للسيد المرتضى (قده) ص 273 ونقله في البحار أيضا ج 8 ص 323
طبعة الكمباني.
(3) راجع الغدير للأميني (ره) ج 6 ص 168. أخرجه عن عدة من صحاحهم
وكتبهم.
(4) نقله في الغدير ج 7 ص 119 باختلاف يسير.
143

النبي صلى الله عليه وآله لها.
ومن هنا عدل جماعة أخرى عن الجواب بذلك إلى دعوى النسخ في زمن النبي
صلى الله عليه وآله وإن نهي عمر كان عن نهيه لا من نفسه، فالمراد من قوله:
(أنا أنهى) إني أبين أن الأمر تقرر على النهي، ومن قوله: (كانتا) الكون
في بعض أوقاته، محتجين على ذلك بالأخبار التي رووها (1) وبأن عمر قد ذكر
التحريم على المنبر بملأ من الصحابة والناس، ولولا معلومية النسخ لأنكرت عليه
الصحابة، سيما أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا زال ينكر على اجتهاده.
وفيه أولا أنه خلاف ظاهر الخبر المزبور، وثانيا أنهم رووا في صحاحهم المشهورة
ما يدل على عدم نسخها، فعن صحيحي البخاري ومسلم وتفسير الثعلبي عن عمران بن
حصين (2) قال: (نزلت آية المتعة في كتاب الله عز وجل ولم تنزل آية بعدها
تنسخها، فأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله ولم ينهانا عنها، فقال رجل برأيه ما شاء) قال
البخاري: (يقال إنه - أي الرجل المذكور - هو عمر) بل قال المسلم: (يعني عمر)
ولم يقل (يقال) وما عن الصحيحين أيضا عن ابن مسعود (3) قال: كنا نغزوا
النبي صلى الله عليه وآله ليس معنا نساء، فقلنا ألا نستحصن فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا
أن نستمتع فكان أحدنا ينكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: يا أيها الذين
آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) (4) فإن قراءة الآية بعد اخباره عن حل
المتعة صريحة في دوام الحل وبطلان النسخ، بل فيها تعريض بمن حرمها، وما
عن تفسيري الثعلبي ومحمد بن جرير الطبري وابن الأثير في نهايته عن علي بن أبي
طالب عليه السلام (5) قال: (لولا أن نهى عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي) وفي المحكي

(1) سنن البيهقي ج 8 ص 201 إلى ص 207.
(2) راجع الغدير للأميني (ره) ج 6 ص 198.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 200 وفيه (ألا نختصي) راجع الغدير ج 6 ص 220.
(4) سورة المائدة: 5 الآية 87.
(5) راجع الغدير للأميني (قده) ج 6 ص 206.
144

عن صحيح مسلم عن عطاء (1) قال: (قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئنا في منزله
فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
وأبي بكر وعمر) وعن ابن الزبير (أبي الزبير خ ل) (2) قال:) سمعت جابر بن عبد الله
يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
وأبي بكر وعمر حتى نهى عمر عنه في شأن عمر وبن حريث) وعن أبي نضرة (3)
قال: (كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت، فقال: إن ابن عباس وابن الزبير اختلفا
في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نهانا عمر عنهما فلم
نعد) وروى ابن الأثير في المحكي من نهايته عن ابن عباس (4) قال: (ما كانت
المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وآله لولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا
شفا) (5) وعن شعبة (6) (إني سألت الحكم بن عيينة عن هذه الآية (7) فما استمتعتم به
منهن، منسوخة هي؟ قال: لا، ثم قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام لولا أن عمر
نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي) وعن صحيح الترمذي (8) (أنه سأل رجل من أهل
الشام ابن عمر عن متعة النساء، قال: حلال فقال: إن أباك قد نهى عنها، فقال: أرأيت
إن كان أبى قد نهى عنها وسنها رسول الله صلى الله عليه وآله نترك السنة ونتبع أبي) إلى غير
ذلك من الأخبار الدالة على عدم النسخ التي هي أولى من الدالة عليه بالموافقة للأصل، وبأنها متفق عليها عند المخالف والمؤالف، بخلاف أخبار النسخ التي تفرد بها
الأول.
وقد تضمنت الأخبار المزبورة الانكار على المحرم من علي عليه السلام وابن عباس
وابن مسعود وجابر وغيرهم، ولا فرق في ذلك بين وقوعه في عصره أو فيما بعده، فإن

(1) راجع الغدير للأميني (قد) ج 6 ص 207 - 205 - 209.
(2) راجع الغدير للأميني (قد) ج 6 ص 207 - 205 - 209.
(3) راجع الغدير للأميني (قد) ج 6 ص 207 - 205 - 209.
(4) راجع الغدير للأميني (ره) ج 6 ص 206.
(5) ذكر في هامش النسخة الأصلية هنا تفسير الشفا (أي قليل من الناس).
(6) راجع الغدير للأميني (ره) ج 6 ص 206.
(7) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(8) راجع الغدير للأميني (ره) ج 6 ص 201 و 202
145

الانكار المتأخر كاشف عن كون السكوت السابق لمصلحة لا رضا، وإلا لما تعقبه
الانكار، وعن ابن أبي الحديد إنه روى عن محمد بن جرير الطبري قال: روى
عبد الرحمن بن أبي زيد عن عمران بن سوادة الليثي (1) (إنه قال لعمر: عابت رعيتك
عليك أربعا، قال: فوضع عود الدرة ثم ذقن عليها، وقال: هات - إلى أن قال -
ذكروا أنك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله يستمتع بقبضة ويفارق من
ثلاث، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أحلها في زمان ضرورة ورجع الناس إلى السعة،
ثم لم أجد أحدا من المسلمين عاد إليها ولا عمل بها، لأن مشاء نكح بقبضة فارق
عن طلاق بثلاث) الحديث. وهو صريح في وقوع التنكير عمن الصحابة في عصره
وفي الاعتراف بمخالفة النبي صلى الله عليه وآله، فالاعتذار عنه بالنسخ تحكم من غير تراضي
الخصمين. على أن الامساك عن النكير إنما يدل على الرضا مع فقد الأسباب المقتضية
له غير الرضا، وهو هنا ممنوع، لاحتمال مخافة الفتك بهم، كما هو المعلوم من حاله
وفضاضته وغلظته لما له من الشأن، في تحريمها.
كل ذلك مضافا إلى ما عرفته من صراحة عبارته في دوام الحكم وعدم النسخ،
وأن التحريم إنما كان من قبله لا عن النبي صلى الله عليه وآله ولم يذكر هو في ذلك المقام ولا
غيره النسخ، بل حكي عنه الاعتذار بما سمعت، ولو أن النسخ ثابت كما ادعاه
المجيب لأشار إليه، ليكون أدخل في الكف عنها وأقطع لألسن الطاعنين عليه
والمستبعين لعثراته، حتى استمر الطعن عليه بذلك مدى الأعصار مثبتا في الصحف
ومحفوظا في الصدور تتناقله الرواة والنقلة خلفا عن سلف.
وأيضا فإنه قد قرن تحريم المتعتين بلفظ واحد، ولم يدع أحد منهم النسخ
في متعة الحج، بل صرحوا فيها بدوام الحكم، بل عن بعضهم دعوى الاجماع على
الجواز، وحينئذ فحمل الكلام على ظاهره من إسناد التحريم إلى نفسه فيهما متعين،
وإلا فحمله على النسخ في خصوص متعة النساء بعيد جدا، بل مقطوع بفساده.

(1) راجع الغدير للأميني (ره) ج 6 ص 212
146

على أن الأخبار التي رووها في النسخ متناقضة على وجه يعلم منه أنها
موضوعة، فإنهم رووا أنها أبيحت عام الفتح وأن النبي صلى الله عليه وآله لم يخرج من مكة
حتى حرمها (1) وأنها أبيحت عام أوطاس ثلاثة أيام (2) أو يوما أو ليلة وأنها
أبيحت في حجة الوداع، ثم نهى النبي صلى الله عليه وآله عنها (3) وأنها أبيحت أول الاسلام
حتى نزلت (إلا على أزواجهم) (4) الآية (5) وأنها نسخت يوم خيبر ويوم
تبوك (6) وأين حجة الوداع والفتح وخيبر وتبوك عن أول الاسلام، كما أنه أين
هو وأين عام أوطاس.
على أن هذه الآية تكررت في سورتين سورة المعارج والمؤمنون وهما مكيان
كما ذكره المفسرون فكيف ينسخ بها ما حكمه مدني؟ وقد التجأوا في رفع
هذا الاختلاف إلى القول بتكرر التحريم والإباحة، وليس هو كذلك.
ولكن لما لم يكن لدعوى النسخ أصل وإنما أرادوا بافترائه رفع الطعن،
وقد توارد خاطر جماعة منهم على ذلك، فوضع كل منهم من غير أن يعلم بالآخر،
فحصل ما حصل مما يعلم به الزور في الأخبار والشهادة عند تفريق الشهود، كما
هو المعروف في قصة دانيال (7).
كل ذلك مضافا إلى دلالة الآية على مشروعيتها، فإنها كما عن أكثر
المفسرين من العامة فضلا عن الخاصة نزلت فيه، بل قد يؤيد ذلك لفظ الاستمتاع،
بناء على أنه حقيقة في المنقطع وإن كان في اللغة موضوعا للانتفاع والالتذاذ، بل لو لم

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 202 - 204 - 203.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 202 - 204 - 203.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 202 - 204 - 203.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 205 و 206.
(5) سورة المؤمنون: 23 - الآية 6.
(6) سنن البيهقي ج 7 ص 201 إلى 207.
(7) الحديث طويل ذكر قسما منه مما يشير إليه في الوسائل في الباب - 19 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 1 من كتاب القضاء وتمامه في الكافي ج 7 ص 425 و 426
والتهذيب ج 6 ص 308 الرقم 852.
147

نقل بثبوت الحقيقة الشرعية فيه أمكن أقول بتعيين الحمل عليه، لتعذر إرادة اللغوية
منه باعتبار تعليق الأجر عليه، ومن المعلوم عدم دورانه مداره.
كما أنه يؤيده أيضا ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام وعبد الله بن عباس
وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد وعطاء وجماعة كثيرة من الصحابة والتابعين
من أنهم كانوا يقرأون (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى).
بل قد يؤيد أيضا بظهور لفظ الأجر في العوض للمؤجل، فإنه يسمى في النكاح
الدائم صداقا ونحلا وفرضا، وإطلاقه عليه في مطلق النكاح في قوله تعالى (1):
(لا جناح عليكم أن تنكحوهن إذ آتيتموهن أجورهن) وقوله تعالى (2):
(فأنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن) لا ينافي الظهور الكافي في المطلوب.
وقد يؤيد أيضا بقوله تعالى فيها (3): (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به
من بعد الفريضة) فإن المعنى على ما ذكره الأصحاب أن تزيدها في الأجر وتزيدك
في الأجل، وقد يناقش باحتمال إرادة رفع الجناح عما تراضيا عليه من الابراء كلا
أو بعضها والاعتياض عليه ونحو ذلك، ويدفع بأن الحمل على الأول يقتضي دلالة
الآية على ما لا يستفاد من غيرها بخلاف الثاني، فإنه معلوم بالضرورة من العقل
والنقل غير الآية، والتأسيس خير من التأكيد، لكنه كما ترى.
وإلى الأخبار المتواترة من طرقنا (4) بل لعلها كذلك من طرقهم (5)
وقد سمعت كلام ابن المحرم، بل المحرم نفسه قد روى ذلك، ومن طريف ذلك
ما حكى الراغب في محاضراته (6) (أن يحيى بن أكثم القاضي قال لشيخ بالبصرة كان
يتمتع: عمن أخذت المتعة؟ فقال: عن عمر، فقال له: كيف وهو أشد الناس نهيا عنها؟

(1) سورة الممتحنة: 60 - الآية 10.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 25 - 24.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 25 - 24.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب المتعة.
(5) راجع الغدير للأميني (ره) ج 6 ص 198 إلى 213.
(6) ذكره الأميني (ره) في الغدير ج 6 ص 212 عن المحاضرات ج 2 ص 94.
148

فقال: إن الخبر الصحيح جاء عنه أنه صعد المنبر، وقال: إن الله ورسوله أحل لكم
متعتين وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما فقبلنا شهادته وروايته عن رسول الله صلى الله عليه وآله
ولم نقبل تحريمه لها من قبل نفسه).
وإلى الاجماع، أما من الطائفة المحقة فهو واضح، بل هو من ضروريات
مذهبهم، وأما من غيرهم فلاتفاق الصحابة ومن كان في صدر الاسلام على إباحتها
وشرعيتها من غير نكير، كما يظهر من أخبار جابر وغيرها، حتى ما روي
عن المحرم نفسه، فإنه يدل على أن الحكم بالحل كان شائعا معروفا في زمان النبي
صلى الله عليه وآله ومدة خلافة أبي بكر وبرهة من خلافته، فالقول بالتحريم بعد
ذلك مخالف لاجماع الأمة التي لا تجتمع على ضلالة.
احتجوا بقوله تعالى (1): (إلا على أزواجهم) الآية، والمتعة ليس ملك
يمين ولا زوجة، لأنها لا ترث ولا تورث، ولأنها تبين بغير طلاق ولا لعان
ولا ظهار ولا إيلاء، ونفقة ولا قسم، وانتفاء لوازم الزوجية عنها تقتضي انتفاء
الملزوم، فإذا لم تكن زوجة ولا ملك يمين كانت من العدوان المحرم بمقتضى
الآية (2).
وفيه (أولا) أن دلالة الآية بطريق العموم الذي لا ينافي التخصيص بدليل،
و (ثانيا) منع لزوم الأمور المزبورة للزوجة، لانتفاء الإرث في الذمية والقاتلة والأمة،
وحصول الإبانة بغير الطلاق في الملاعنة والمرتدة والأمة المبيعة، وسقوط النفقة
بالنشوز، وعدم اللعان والظهار والايلاء فلاشتراطها بالدوام لا الزوجية، ولو فرض
ما يدل على وقوعها بالزوجة وجب تخصيصه بالدائمة جمعا بينه وبين ما دل على عدم
لحوقها بالمتعة.
واحتجوا أيضا بالأخبار (3) الدالة على تحريمها ونسخها، وفيه أنها معارضة
بالأخبار الكثيرة الدالة على حليتها واستمرار الحكم بها في عهد الرسالة وما بعد

(1) سورة المؤمنون: 23 - الآية 6 - 7.
(2) سورة المؤمنون: 23 - الآية 6 - 7.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 201 إلى 207
149

ذلك إلى أن حرمها عمر، والترجيح لهذه الأخبار لكثرتها واتفاق الفريقين عليها
بخلاف روايات التحريم، فإن المخالفين انفردوا بها ولم يرد من طريق الإمامية ما
يقتضي التحريم، مع اشتهار الحكم به بين أهل الخلاف وكثرة اختلاف الروايات من
جهتهم، واعتضادها بظاهر الكتاب وإجماع المسلمين في الجملة، والأصل دوام الحكم
وانتفاء النسخ حتى يعلم خلافه، مضافا إلى ما عرفته من ظهور الوضع على روايات
التحريم الذي منه أيضا أنهم رووا ذلك (1) عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، مع أن
مذهب علي عليه السلام في ذلك معلوم، وقد نقله جماعة من رواتهم، وأنه عليه السلام كان
يقول: (2) (لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي).
واحتجوا أيضا بالاجماع على تحريمها، فإن الصحابة قد اتفقوا عليه بعد نهي
عمر عنه، ولم يخالف فيه إلا ابن عباس، وقد نقل عنه الرجوع إليه في آخر عمره،
وفيه منع الاجماع، وكفى بذلك اتفاق أهل البيت الذين هم أساطين الاسلام على
خلافه، واتفاق شيعتهم على ذلك، حتى صار من ضروريات مذهبهم يعرفه كل أحد
منهم، فدعوى الاجماع مجازفة بينة لا تصدر إلا عن معاند متصلف، وأيضا فالقول
عليها منقول عن أعاظم الصحابة والتابعين، كابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب
وجابر وأبي سعيد الخدري وسلمة بن الأكوع والمغيرة بن شعبة ومجاهد وعطاء بن
أبي رياح وطاووس وأبي الزهري مطرف ومحمد بن سدي، وعن مسلم في صحيحه
وأبي الحسن بن علي بن زيد في كتاب الألفة أنهما زادا في الصحابة معاوية بن أبي سفيان
وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعمر بن جويدة وربيعة بن أمية وسلمة بن أمية وصفوان بن
أمية ومعلى بن أمية والبراء بن عازب وربيع بن ميسرة وسهل بن سعد الساعدي، كما
عن أبي الحسن علي بن الحسين الحافظ في كتاب سير العباد الزيادة في التابعين الحسن
البصري وإبراهيم النخعي وسعيد بن حبيب وابن جريح وعمر بن دينار، ونقل
عن مالك وابن شبرمة من الفقهاء الميل إليها، وما ذكر من رجوع ابن عباس عن ذلك

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 201.
(2) راجع الغدير للأميني (ره) ج 6 ص 206.
150

غير ثابت، ولو صح لم يلزم منه الاجماع على التحريم إلا مع العلم بانتفاء الخلاف،
وقد عرفت بطلانه.
وقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا إشكال في إباحتها، بل لا يبعد استحبابها
مؤكدا بمعنى رجحانها من حيث خصوصيتها، لكونها من شعار الايمان وعلامات
المؤمن، ولما فيها من الرد على من نهى عنها وحرمها فإن المباح يصير مندوبا
بتحريم أصحاب البدع، كما يصير بايجابهم إياه مكروها قمعا لآثار البدعة، ففي
خبر بشير بن حمزة (1) عن رجل من قريش قال: (بعثت إلي ابنة عم لي كان لها
مال كثير: قد عرفت كثرة من يخطبني من الرجال فلم أزوجهم نفسي، وما بعثت
إليك رغبة في الرجال غير أنه بلغني أن المتعة أحلها الله عز وجل في كتابه وبينها
رسول الله صلى الله عليه وآله في سنته فحرمها زفر، فأحببت أن أطيع الله عز وجل فوق عرشه
وأطيع رسوله وأعصي زفر، فتزوجني متعة، فقلت: حتى أدخل على أبي جعفر عليه السلام
فأستشيره، قال: فدخلت عليه فخبرته، فقال: إفعل صلى الله عليكما من زوج) وعنه
عليه السلام أيضا (2) إنه قال لرجل سأله هل في المتعة ثواب؟ فقال: (إن كان يريد
بذلك وجه الله وخلافا على من أنكرها لم يكلمها كلمة إلا كتب الله له بها حسنة،
فإذا دنى منها غفر الله له بذلك، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على
شعره، قلت: بعدد الشعر قال: نعم بعدد الشعر) وفي المرسل عنه عليه السلام أيضا (3)
(إن النبي صلى الله عليه وآله لما أسري به إلى السماء قال: لحقني جبرئيل فقال: يا محمد إن الله
تعالى يقول: إني قد غفرت للمتمتعين من أمتك من النساء) وفي آخر (4) (ما من
رجل تمتع ثم اغتسل إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه سبعين ملكا يستغفرون
له إلى يوم القيامة، ويلعنون مجتنبها إلى أن تقوم الساعة) وقال أبو الحسن عليه السلام (5)
لرجل ذكر له أنه عاهد الله أن لا يتمتع: (عاهدت الله لا تطيعه، والله لئن لم تطعه
لتعصينه) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على رجحانها.

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المتعة الحديث 9 - 3 - 4 - 15.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المتعة الحديث 9 - 3 - 4 - 15.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المتعة الحديث 9 - 3 - 4 - 15.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المتعة الحديث 9 - 3 - 4 - 15.
(5) الوسائل الباب - 3 - من أبواب المتعة الحديث 1
151

بل في بعضها (ما أحب للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج
المتعة ولو مرة في بعض عمره) (إني لأكره للرجل المسلم أن يخرج من الدنيا
وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى الله عليه وآله لم يصنعها، فقلت: فهل تمتع
رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: نعم وقرأ هذه الآية (2): وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه
الآية) (3).
ولا ينافي ذلك حسن علي بن يقطين (4) (سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن المتعة
فقال: وما أنت وذاك، وقد أغناك الله عنها) الحديث وخبر الفتح بن يزيد (5) (سألت
أبا الحسن عليه السلام عن المتعة، فقال: هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتزويج،
فليستعفف بالمتعة، فإن استغنى عنها بالتزويج هي مباح له إذا غاب عنها) وخبر
محمد بن الحسن بن الميمون (6) (كتب أبو الحسن عليه السلام إلى بعض مواليه: لا تلحوا
على المتعة فإنما عليكم إقامة السنة، فلا تشتغلوا بها عن فرشكم وحرائركم،
فيكفرن ويبرأن ويدعون على الأمر بذلك ويلعنون) وخبر المفضل بن عمر (7)
(سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في المتعة: دعوها أما يستحيي أحدكم أن يرى في موضع
العورة فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه) بعد تسليم المكافئة، لاحتمال
الحمل على ما إذا اقتضى التمتع فساد النساء المعقود عليهن دائما كما أومأ إليه
الخبر المزبور، أو اقتضى الشين أو لحوق العار باتهامه بفعل المحرم، كما ينبه عليه
خبر المفضل، وهذا لا يقدح في أصل الاستحباب المراد منه مع قطع النظر عن العوارض
أو التقية خصوصا من أبي الحسن عليه السلام المروي عنه أكثر هذه الأخبار، وربما يومئ

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المتعة الحديث 10.
(2) سورة التحريم: 66 - الآية 3.
(3) الوسائل البا ب - 2 - من أبواب المتعة الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2.
(6) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المتعة الحديث 4 - 3 والأول عن محمد بن
الحسن بن شمون.
(7) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المتعة الحديث 4 - 3 والأول عن محمد بن
الحسن بن شمون.
152

إلى ذلك خبر حماد (1) قال: (قال لي أبو عبد الله عليه السلام ولسلمان بن خالد: قد
حرمت عليكم المتعة من قبلي ما دمتما بالمدينة، لأنكما تكثران الدخول علي
وأخاف أن تؤخذا فيقال: هؤلاء أصحاب جعفر).
(و) كيد كان ف‍ (النظر فيه يستدعي بيان أركانه) التي تدخل في مفهومه
في عرف المتشرعة (وأحكامه، وأركانه أربعة) بجعل المتعاقدين واحدا، لكونهما
معا فاعلا واحدا للعقد، ضرورة شمول العاقد لهما شمول الكل لأجزائه، وهي
(الصيغة والمحل والأجل والمهر، أما الصيغة فهي اللفظ الذي وضعه الشرع)
وعينه (وصلة إلى انعقاده) كغيره من العقود اللازمة (وهو) أي اللفظ المزبور
(ايجاب وقبول) فلا يحصل بدون ذلك قطعا، بل إجماعا بقسميه،
ونصوصا (2).
نعم ربما ظهر من الكاشاني وبعض الظاهرية من أصحابنا الاكتفاء بحصول
الرضا من الطرفين ووقوع اللفظ الدال على النكاح والانكاح، لخبر نوح بن شعيب
عن علي عن عمه (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (جاءت امرأة إلى عمر، فقالت: إني
زنيت فطهرني، فأمر بها أن ترجم، فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: كيف
زنيت؟ قالت: مررت في البادية فأصابني عطش شديد، فاستقيت أعرابيا، فأبى أن
يسقيني إلا أن أمكنه من نفسي، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تزويج ورب الكعبة)
قال في الوافي: (إنما كان تزويجا لحصول الرضا من الطرفين، ووقوع اللفظ الدال على النكاح والانكاح فيه، وذكر المهر وتعيينه، والمرة المستفاد من الاطلاق القائمة
مقام ذكر الأجل) وهو كما ترى، ضرورة اعتبار اللفظ المقصود به إنشاء ذلك،
والفرض خلو هذا المذكور منه، فلا بد حينئذ من حمله على إرادة كونه بحكم

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المتعة الحديث 5 عن عمار قال: (قال أبو عبد الله
عليه السلام لي ولسليمان بن خالد):
(2) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة.
(3) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المتعة الحديث 8.
153

التزويج باعتبار اضطرارها، كما يومئ إليه رواية الخبر المزبور بطريق آخر (1):
قال فيه (إنه لما بلغ مني أي العطش آتيته فسقاني ووقع علي فقال علي عليه السلام:
هذه التي قال الله: (2) فمن اضطر غير باغ ولا عاد، وهذه غير باغية ولا عادية، فخلى
عمر سبيلها، وقال: لولا علي لهلك عمر).
إنما الكلام في الاجتزاء بكل لفظ دال على ذلك صريحا بنفسه أو بالقرينة
على حسب المتعارف في الخطابات أو اعتبار لفظ مخصوص صريح بنفسه، ظاهر قول
المصنف وغيره: (وألفاظ الايجاب ثلاثة: زوجتك ومتعتك وأنكحتك أيها حصل
وقع الايجاب به، ولا ينعقد بغيرها، كلفظ التمليك والهبة والإجارة) الثاني،
بل حكى غير واحد الشهرة عليه، كما أنه حكاها على عدم انعقاد العقد اللازم
بالمجاز، من غير فرق بين القريب منه والبعيد اقتصارا فيما خالف أصل عدم الانتقال
ونحوه على المتقين، ولكن قد عرفت المناقشة فيه في كتاب البيع وفي عقد النكاح، فإنه
قد أشبعنا الكلام في ذلك في المقامين، فلاحظ وتأمل. ولعله لذا قال السيد في المحكي
من طبرياته: (أما نكاح المتعة فينعقد بما ينعقد به المؤبد من الألفاظ وقوله
أمتعيني نفسك وآجريني أيضا) بل عنه (أن تحليل الأمة عقد متعة) فينعقد
عنده بالإباحة أيضا.
(و) كذا الكلام في (القبول) الذي (هو اللفظ الدال على) إنشاء
(الرضا بذلك الايجاب، كقوله: قبلت النكاح أو المتعة) أو التزويج، بل (ولو
قال: (قبلت) واقتصر أو (رضيت) جاز) كما تقدم ذلك كله في عقد النكاح.
(و) كذا تقدم فيه وفي عقد البيع أنه (لو بدأ بالقبول، فقال: (تزوجت)
فقالت هي: (زوجتك) صح) وعن الحلبي والقاضي جواز أن يقول لها: (متعيني
نفسك بكذا مدة كذا) فتقول (قبلت) فيقول الرجل: (قبلت).
بل (و) تقدم أيضا البحث في أنه هل (يشترط) فيهما (الاتيان بلفظ

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب حد الزنا الحديث 7 من كتاب الحدود.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 173.
154

الماضي) وأنه قيل بذلك للاقتصار على المتقين، وحينئذ (فلو) قالت: (أتزوجك)
أو (تزوجني) أو (قال: (أقبل) أو (أرضى) و) كان ذلك مع (قصد الانشاء لم
يصح)، وقيل: لا يشترط كما هو مذهب جماعة، بل لعله لا يخلو من قوة،
لاطلاق الأدلة (و) حينئذ ف‍ (لو قال: (أتزوجك مدة كذا بمهر كذا) وقصد
الانشاء فقالت: (زوجتك) صح) مضافا إلى خبري أبان (1) وابن أبي نصر (2)
الدالين على ذلك، بل وعلى تقدم القبول على الايجاب (وكذا لو قالت: (نعم))
كما في خبر أبان (3) وخبر هشام بن سالم (4) وقد أشبعنا الكلام في ذلك كله وفي
غيره من اعتبار العربية وعدم اعتبار التعدد ونحو ذلك من المتعلقة بنحو المقام،
ضرورة عدم الفرق بين عقد المتعة وغيره من العقود اللازمة فضلا عن عقد الدوام،
فلاحظ وتأمل.
(وأما المحل فيشترط) إذا كان الزوج مسلما (أن تكون الزوجة مسلمة
أو كتابية، كاليهودية والنصرانية والمجوسية على أشهر الروايتين) (5) وفي الأخرى (6)
النهي عن التمتع بالمجوسية، وهو محمول على الكراهة التي قد يستفاد من بعض
الأخبار (7) تحققها في اليهودية أيضا، إلا أن المجوسية أشد.
(و) على كل حال فإذا تمتع بالكتابية كان له أن (يمنعها من شرب الخمر) وأكل لحم الخنزير (و) غير ذلك من (ارتكاب المحرمات) المنافية للاستمتاع
للنفرة، بخلاف ما لا ينافيه، فإنه لا سلطان له على منعها بعد اعتصامها بالذمة،
وقد سمعت سابقا النص (8) على ذلك بل سمعت احتمال اعتبار الرخصة في نكاحها

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2 - 1 والثاني عن ابن أبي نصر عن ثعلبة.
(2) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2 - 1 والثاني عن ابن أبي نصر عن ثعلبة.
(3) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2 - 1 والثاني عن ابن أبي نصر عن ثعلبة.
(4) في المقام روايتان لهشام بن سالم رواها في الوسائل في الباب - 18 - من أبواب
المتعة الحديث 3 و 6.
(5) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المتعة الحديث 5 - 1.
(6) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المتعة الحديث 5 - 1.
(7) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 2 و 3.
(8) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
155

ذلك بأن يستحقه عليها بشرط في العقد ونحوه، إلا أنه كما ترى، مثل احتمال
وجوب المنع عليه أو استحبابه من باب الأمر بالمعروف أو استحقاق ذلك له
بالزوجية وإن لم يكن منافيا، والأقوى حمل الأمر في النص على ما عرفت، لكونه
في مقام توهم الحظر بسبب اعتصامها بالذمة.
(أما المسلمة) مؤمنة كانت أو غير مؤمنة (فلا تتمتع إلا بالمسلم خاصة)
مؤمنا كان أو غير مؤمن بناء على عدم اعتبار الايمان في الكفاءة، وإلا فلا يجوز
لغير المؤمن التمتع بالمؤمنة كما عرفت الكلام فيه مفصلا وفي حرمة غير الكتابيين على المسلم
وحرمة المسلمة على الكفار أجمع، نعم في الفقيه مرسلا (1) عن الرضا عليه السلام (المتعة
لا تحل إلا لمن عرفها وهي حرام على من جهلها) ومقتضاه عدم جواز تمتع المؤمن
بالمخالفة والمخالف بالمؤمنة، لأن الحرمة من طرف تستلزمها من طرف آخر،
لكونها تابعة لصحة العقد وفساده الذي قد عرفت سابقا عدم تبعضه بالنسبة إلى
المتعاقدين، إلا أنه لما كان غير جامع لشرائط الحجية حتى يصلح لتخصيص
العمومات وجب حمله على إرادة الإثم على جاهلها، باعتبار إقدامه على المحرم
عنده، فلا ينافي حينئذ صحة العقد في نفسه، كما هو واضح.
وعلى كل حال فقد ظهر لك من ذلك أن المراد بالشرط المذكور في المتن
بالنسبة إلى المسلم خاصة، ضرورة عدم اشتراط ذلك بالنسبة إلى الكفار حتى الوثني
بالنسبة إلى الوثنية، فإن المتعة بينهما صحيحة.
(و) كيف كان ف‍ (لا يجوز) للمسلم التمتع (بالوثنية ولا بالناصبية المعلنة.
بالعداوة) لأهل البيت عليهم السلام أو أحدهم (كالخوارج) ولا بغيرهم من أصناف
الكفار غير من عرفت، كما تقدم الكلام فيه سابقا، وفي أنه لا عبرة بالاعلان في حرمة
الناصبية، وفي تحقيق المراد بالناصب، وربما ظهر من كشف اللثام هنا اعتباره
قال: (وإلا فالعامة ناصبة، لكن لا يسمون بها لعدم الاعلان) وفيه ما عرفت سابقا
أنهم بحكم الناصبة في الآخرة لا الدنيا إلا المبغض لأحد من أهل البيت عليهم السلام

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المتعة الحديث 11.
156

متدينا به أولا، فذلك الناصب (و) قد عرفت الحال فيه في محله. كما عرفت
فيما مضى أنه (لا يستمتع أمة وعنده حرة إلا بإذنها، ولو فعل كان العقد باطلا)
أو موقوفا على الإذن.
(وكذا لا يدخل عليها بنت أخيها ولا بنت أختها إلا مع إذنها، ولو فعل
كان العقد باطلا) أو موقوفا على الإذن وغير ذلك من المحرمات عينا وجمعا،
ضرورة كونه أحد فردي النكاح الذي هو عنوان الحرمة، بل منه يعلم أن الأصل
اشتراك الدائم والمنقطع في الأحكام التي موضوعها النكاح والتزويج ونحوهما مما
يشمل المنقطع إلا ما خرج بالدليل من عدم الإرث والنفقة والقسم والزيادة على
الأربع ونحو ذلك، كما هو واضح. فلاحظ حينئذ جميع ما تقدم سابقا التي منها
ما أشار إليه المصنف هنا إذا فرض كون موضوعها المنقطع، والله العالم.
(و) على كل حال ف‍ (يستحب أن تكون) المتمتع بها (مؤمنة)
لقول الرضا عليه السلام (1): (المؤمنة أحب إلي) وقول الصادق عليه السلام لما سأله محمد بن
الفضيل (2) عن المتعة فقال: (نعم إذا كانت عارفة قلنا فإن لم تكن عارفة، قال:
فأعرض عليها وقل لها ن قبلت فتزوجها وإن أبت فدعها) ولا ينافي ذلك قول
الصادق عليه السلام في المرسل (3): (لا تستمتع بالمؤمنة فتذلها) المحمول على الامرأة
التي هي من ذوي الشرف.
وأن تكون (عفيفة) لخبر ابن سنان (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عنها -
أي المتعة - فقال لي: حلال، ولا تتزوج إلا عفيفة، إن الله عز وجل يقول (5):

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المتعة الحديث 6.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب المتعة الحديث 1 عن محمد بن العيص، وفي الكافي
ج 5 ص 454 والتهذيب ج 7 ص 252 الرقم 1088، والفقيه ج 3 ص 292 الرقم 1387
عن محمد بن فيض.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب المتعة الحديث 4.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب المتعة الحديث 2 عن أبي سارة.
(5) سورة المؤمنون: 23 - الآية 5.
157

الذين هم لفروجهم حافظون، فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على دراهمك).
(و) يستحب له أيضا (أن يسألها عن حالها مع التهمة) لخبر أبي
مريم (1) عن الباقر عليه السلام (أنه سئل عن المتعة فقال: إن المتعة اليوم ليست كما
كانت قبل اليوم، كن يومئذ يؤمن، واليوم لا يؤمن فاسألوا عنهن) لكن في المسالك (إن
هذا يقتضي الأمر بالسؤال عن حالها ولو لغيرها وهو أجود من تعبير المصنف بسؤالها)
قلت: بل يقتضي سؤال غيرها خاصة، لعدم الجدوى في سؤالها مع التهمة، بل قد
يظهر منه الأمر بالسؤال مطلقا إلا أن يعلم كونها مأمونة.
(و) على كل حال ف‍ (ليس) السؤال المزبور (شرطا في الصحة) للأصل
وحمل فعل المسلم على الصحيح، قيل: وخبر محمد بن عبد الله الأشعري (2) قلت للرضا عليه السلام:
(الرجل يتزوج المرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا قال: ما عليه، أرأيت لو سألها
البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج؟) وفيه أنه يمكن أن يكون ذلك
غير ما نحن فيه من السؤال عن المتهمة أو مطلقا قبل العقد عليها، لظهور النصوص
في مرجوحية السؤال بعد التزويج، قال محمد بن راشد (3) قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
(إني تزوجت المرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجا ففتشت عن ذلك فوجدت
لها زوجا قال: ولم فتشت؟) وفي مرسل مهران (4) عنه عليه السلام أيضا (قيل له:
إن فلانا تزوج امرأة متعة، فقيل له: إن لها زوجا فسألها، فقال أبو عبد الله عليه السلام:
ولم سألها) فالأولى الاستدلال عليه بخبر أبان بن تغلب (5) قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
(أني أكون في بعض الطرقات فأرى المرأة الحسناء ولا آمن أن تكون ذات بعل

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب المتعة الحديث 5 - 4.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب المتعة الحديث 3 عن فضل مولى محمد بن
راشد، كما في التهذيب ج 7 ص 253 الرقم 1092.
(4) الوسائل الباب - 10 - من أبواب المتعة الحديث 5 - 4.
(5) أشار إليه في الوسائل في الباب - 10 - من أبواب المتعة الحديث 1 وذكره
في الكافي ج 5 ص 462.
158

أو من العواهر، قال: ليس هذا عليك إنما عليك أن تصدقها في نفسها).
(ويكره أن تكون زانية، فإن فعل فليمنعها من الفجور، وليس شرطا)
في أصل الجواز الذي قد عرفت فيما تقدم ما يدل عليه وعلى الكراهة مؤيدا بما سمعته
آنفا من النهي (1) عن غير العفيفة، وقول الصادق عليه السلام في خبر محمد (2) (إياكم
والكواشف والدواعي والبغايا وذوات الأزواج، قلت: وما الكواشف؟ قال: اللواتي
يكاشفن وبيوتهن معلومة ويؤتين، قلت: فالدواعي، قال: اللواتي يدعين إلى
أنفسهن وقد عرفن بالفساد، قلت: فالبغايا، قال: المعروفات بالزنا، قلت: فذوات
الأزواج: قال: المطلقات على غير السنة) وخبر محمد بن الفضيل (3) (سألت
أبا الحسن عليه السلام عن المرأة الحسناء الفاجرة هل يجوز للرجل أن يتمتع منها يوما
أو أكثر؟ فقال: إذا كانت مشهورة بالزنا فلا يتمتع منها ولا ينكحها).
نعم يستحب منعها من الفجور لخبر زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام (سئل
عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا الثناء عليها يثني في الفجور، فقال: لا بأس بأن
يتزوجها ويحصنها) وربما تأكد ذلك في الدائم، لخبره الآخر (5) قال: (سأل
عمار أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة، قال: لا بأس وإن كان التزويج
الآخر فليحصن بابه " والمراد من حيث التزويج، وإلا فلا ريب في وجوبه من باب
الأمر بالمعروف مع الشرائط.
كما لا ريب في أصل الجواز لما تقدم سابقا الدالة صريحا عليه وأنه ليس عليه
من إثمها شئ (6) واختلاط الماء بعد أن قال الشارع: (الولد للفراش وللعاهر

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب المتعة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المتعة الحديث 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المتعة الحديث 3 - 4.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 4 والثاني مضمر.
(5) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 4 والثاني مضمر.
(6) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
159

الحجر) غير قادح كما أوضحناه سابقا، فما عن الصدوق - من منع التمتع بها
مطلقا وابن البراج إذا لم يمنعها من الفجور لذلك وللنهي عنه في الآية (2)
والرواية (3) - واضح الضعف بعد الإحاطة بما قدمناه هناك وهنا، والله العالم.
(و) كذا (يكره أن يتمتع ببكر) لها أب أو (ليس لها أب) لقول
الصادق عليه السلام في خبر البختري (4) (في الرجل يتزوج البكر متعة: يكره للعيب على
أهلها) وقول أبي الحسن عليه السلام في خبر المهلب الدلال: (لا يكون تزويج متعة
ببكر) المحمول على الكراهة جمعا بينه وبين المعتبرة المستفيضة الدالة على
الجواز بل في المرسل (7) عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن التمتع بالأبكار فقال:
هل جعل ذلك إلا لهن؟ فليستترن به وليستعففن).
وعلى كل حال (فإن فعل فلا يقتضها) للنهي عنه، قال الصادق عليه السلام
في خبر ابن أبي الهلال (8): (لا بأس أن يتمتع بالبكر ما لم يفض إليها كراهية
العيب على أهلها) وفي مرسل ابن أي حمزة (9) عنه عليه السلام أيضا (في البكر يتزوجها
الرجل متعة، قال: لا بأس ما لم يقتضها) ومرسل أبي سعيد القماط (10) قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: (جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرا من أبويها فأفعل
ذلك، قال: نعم، واثق موضع الفرج، قال: قلت: وإن رضيت بذلك، قال: وإن
رضيت، فإنه عار على الأبكار) إلى غير ذلك من النصوص الدالة عليه. (و) لكن

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) سورة النور: 24 - الآية 3.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المتعة الحديث - 13 - من أبواب ما يحرم
بالمصاهرة.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 10 - 11 - 0 - 4
والأول عن بن البختري.
(5) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 10 - 11 - 0 - 4
والأول عن بن البختري.
(6) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 10 - 11 - 0 - 4
والأول عن بن البختري.
(7) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 10 - 11 - 0 - 4
والأول عن بن البختري.
(8) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2 - 7 والأول عن
زياد بن أبي الحلال.
(9) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2 - 7 والأول عن
زياد بن أبي الحلال.
(10) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2 - 7 والأول عن
زياد بن أبي الحلال.
160

(ليس بمحرم) للأصل وظهور النصوص المزبورة بالكراهة، خصوصا بعد اشتمال
بعضها على التعليل المعلوم أنها لها بقرينة وروده في أصل التمتع بالبكر، والله العالم.
(فروع)
(ثلاثة)
قد تقدم تفصيل الكلام فيها.
(الأول: إذا أسلم المشرك وعنده كتابية بالعقد المنقطع كان عقدها
ثابتا) للأصل وما عرفته من جواز ابتدائه للمسلم فضلا عن استدامته. (وكذا
لو كن أكثر) من واحدة، بل وأكثر من أربع، لما تقدم من جواز ذلك
في المنقطع. (ولو سبقت هي) في الاسلام (وقف على انقضاء العدة إن كان)
قد (دخل بها) وإلا انفسخ عقدها، لعدم العدة حينئذ لها (فإن انقضت)
العدة من ذات العدة المدخول بها (ولم يسلم بطل العقد) بل قد عرفت سابقا
أنه ينكشف بطلانه من أول (وإن لحق بها قبل) انقضاء (العدة فهو أحق بها
ما دام أجله باقيا، ولو انقضى الأجل قبل إسلامه لم يكن له عليها سبيل) وإن
كانت في العدة، كما هو واضح.
(الثاني: لو كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد الدخول وقف الفسخ) أيضا (على
انقضاء العدة وتبين منه بانقضاء الأجل أو خروج العدة، فأيهما حصل قبل إسلامه
انفسخ به النكاح) على نحو ما سمعته في الكتابية لما سمعته سابقا من أنه وإن كان
لا يجوز للمسلم التزوج بغير الكتابية لكن إذا أسلم عنها جرى عليها حكم الكتابية،
للفرق بين الابتداء والاستدامة، كما تقدم الكلام فيه.
161

(الثالث: لو أسلم وعنده حرة وأمة ثبت عقد الحرة ووقف عقد الأمة على
رضاء الحرة) وإن كان عقد الحرة المتأخر، لكن فيه البحث السابق، فلاحظ وتأمل
كي يظهر لك جريان غير ذلك مما تقدم هناك في المقام، والله العالم.
(وأما المهر فهو شرط في عقد المتعة خاصة ويبطل بفواته العقد) بلا خلاف،
بل الاجماع بقسميه عليه، وهو الحجة بعد قول الصادق عليه السلام في صحيح زرارة (1):
(لا تكون متعة إلا بأمرين: بأجل مسمى وأجر مسمى) بل يومئ إليه قوله عليه السلام
أيضا في خبر آخر (2): (إنهن مستأجرات) كقول الباقر عليه السلام (3): (إنما هي
مستأجرة) بل منه يعلم الوجه في الفرق بين الدائم الذي يراد منه النسل ونحوه
وبين المتعة المراد منها الانتفاع والاستمتاع ونحو ذلك مما هو شبه الإجارة، ولذا
كان المهر فيها كالعوض في الإجارة شرطا في الصحة.
(ويشترط فيه) حيث يكون عينا (أن يكون مملوكا) للمتمتع،
فلو كان غير مملوك كالخمر والخنزير أو لغير العاقد لم يصح، لامتناع أن يملك
البضع بمال غيره وإن رضي المالك بعد ذلك، بخلاف البيع ونحوه من عقود
المعاوضات، فإن الإجازة تؤثر في نقله إلى ملك المالك، وهنا لا يتصور ذلك،
لمعلومية اعتبار تعيين الزوج والزوجة في النكاح، بخلاف البيع والإجارة وغيرهما
مما لا يعتبر فيه، بل لو اتفق قصد المؤجر خصوص المستأجر كان لاغيا، فيقع
للموكل مثلا وإن لم يقصده المؤجر، ومن هنا كان البائع والمشتري مثلا تابعا
لملك المال بخلاف النكاح، بل لا يبعد البطلان أيضا فيما لو أباح له جميع
التصرفات في المال فتمتع به المباح له، لعدم دخوله في ملكه بهذه الإباحة، اللهم
إلا أن يكون قصد به التملك قبل صيرورته مهرا، وقلنا بتأثير هذا القصد في التملك،
وليس جعله مهرا في المتعة قصدا لتملكه واحتمال أن يكون مثل (أعتق عبدك عني)

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(2) الباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 2 - 4.
(3) الباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 2 - 4.
162

يدفعه عدم الدليل على الصحة هنا حتى يلزم تقدير الملك جمعا بينه وبين القواعد،
بل مقتضى معاملة المهر هنا معاملة العوض في الإجارة عدم جواز كونه في ذمة شخص
ولو برضاه، لعدم جواز مثله في البيع والإجارة على وجه يكون المعوض ملكا لغير
من في ذمته العوض، كما لا يجوز كونه عينا مملكة لشخص آخر ولو بعد سبق
رضاه، كل ذلك بناء على كون المتعة بالنسبة إلى ذلك كغيرها من المعاوضات.
نعم قد يناقش في أصل اعتبار الملكية للعوض فيها على هذا الوجه، لعدم
الدليل، بل مقتضى إطلاق أدلة المقام خلافه، إنما المعتبر كونه من الأعيان
المملوكة بمعنى عدم كونه مما لا يملك، كالخمر والخنزير ونحوهما.
وعلى كل حال فقد عرفت أن المراد من هذا الشرط حيث يكون المهر
من الأعيان لا مطلقا ضرورة صحة كونه منفعة وعملا بل حقا من الحقوق المالية،
كحق التحجير ونحوه لا طلاق الأدلة.
(و) كذا يشترط فيه أن يكون (معلوما) بما يتحقق به صدق
ذلك عليه (إما بالكيل) للمكيل (أو الوزن) للموزون أو العد للمعدود
(أو المشاهدة أو الوصف) الذي يتحقق به ما عرفت أو نحو ذلك مما يتحقق به ما
عرفت بلمس أو ذوق أو غيرهما لاطلاق الأدلة والتصريح بالاكتفاء بنحو الكف من البر
أو السويق أو نحو ذلك مما يعلم منه عدم اعتبار المعلومية المعتبرة في البيع مثلا الذي
قد نهي فيه عن الغرر بخلاف المقام الذي لم نعثر فيه على دليل كذلك، واعتبار
التسمية في المهر والعلم أعم من ذلك، فمن هنا قلنا: يكفي فيه تحقق صدق كونه
معلوما بمشاهدة ونحوها.
(ويتقدر بالمراضاة قل أو كثر، ولو كان كفا من بر) ونحوه مما هو
صالح لأن يكون عوضا، لاطلاق الأدلة، بل صراحتها في ذلك، وإن كان المذكور
فيها بعد (إن) الوصلية (الكف من بر) ونحوه لكن لا على أن المراد منه عدم
إجزاء الأقل، بل المراد ذلك ونحوه مما يقع التراضي على مما هو صالح للعوضية،

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 338.
163

فما عن الصدوق من تحديد القلة بدرهم لقول الباقر عليه السلام في خبر أبي بصير (1):
(يجزئ الدرهم فما فوقه) الذي هو مع الضعف في سنده والمعارضة بغيره لا يدل
على التحديد بعد ما عرفت من إرادة ما سمعت من نحو هذا اللفظ هنا المعلوم بقرائن
المقام إرادة الاجتزاء بكل ما يقع عليه التراضي مما هو صالح للتعاوض وإن ذكر
القدر المزبور بناء على تعارف عدم الأقل منه، نحو قول الصادق عليه السلام
للأحول (2) وقد سأله عن أدنى ما يتزوج به الرجل متعة: (كف من بر) ولأبي
بصير (3) وقد سأله عليه السلام عنه أيضا: (كف من طعام دقيق أو سويق أو تمر) مع أنه
أقرب إلى إيهام التحديد من خبر الصدوق، إلا أن المتجه بعد ملاحظة النصوص
التي قدرته بما يقع عليه التراضي إرادة ما ذكرناه من ذلك، كما هو واضح،
والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (يلزم دفعه) أي المهر (بالعقد) المقتضي لملكيته
ولكونه كالمهر المستحق دفعه عقيبه وإن كان استقراره هنا مراعى بالدخول والوفاء
بالتمكين في المدة والظاهر قوله (4): (فما استمتعتم به منهن فآتوهن
أجورهن) الذي قد استفاضت النصوص (5) في ورودها في المتعة وأنه في قراءة أبي
وغيره، (إلى أجل) ولخبر عمر بن حنظلة (6) قال للصادق عليه السلام: (أتزوج المرأة
شهرا فتريد مني المهر كملا فأتخوف أم تخلفني، فقال: لا يجوز أن تحبس ما
قدرت عليه، فإن هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك) على ما عن أكثر النسخ،
وعن بعضها (يجوز أن تحبس) لكن لا يوافق ظاهر قوله عليه السلام (فخذ منها) بل قد
يشعر به أيضا مكاتبة الريان (7) إلى أبي الحسن عليه السلام قال: (كتبت إليه: الرجل

(1) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2 - 5.
(2) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2 - 5.
(3) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2 - 5.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المتعة.
(6) الوسائل الباب - 27 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(7) الوسائل الباب - 28 - من أبواب المتعة الحديث 2.
164

يتزوج المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم وأعطاها بعض مهرها بالباقي
ثم دخل بها، وعلم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها أنها زوجته نفسها
ولها زوج مقيم معها، أيجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب: لا يعطيها
شيئا، لأنها عصت الله) فإن ظاهر نسبة التأخير إليها مشعر باستحقاقها الأخذ منه
قبل المدة، بل قد يشعر به غيرة (1) أيضا من الأخبار، ولعله لذا كان المحكي
عن المفيد والمرتضى والقاضي التصريح بذلك، بل لعله الظاهر من المصنف والفاضل
وغيرهما على معنى إرادة المصاحبة من الباء أو السببية التامة في الدفع، لا أن المراد
كون العقد سببا في الوجوب في الجملة على وجه لا ينافي اشتراطه بأمر آخر، ذلك
لأن المهر أحد العوضين الذي لا يجب تسليمه على أحدهما قبل أن يتسلم العوض
الآخر، فمع التعاسر يتقابضان معا، بل قد سمعت في كتاب الإجارة عدم وجوب
تسليم العوض قبل تسلم العمل، وخبر عمر بن حنظلة معارض بما سمعته من بعض
نسخه، ومن هنا جزم جماعة بعدم وجوب دفع تمام المهر.
لكن فيه (أولا) أن المتجه على تقرير إلحاق ما هنا بالإجارة التفصيل
بين الأمة والحرة، فيجب دفع المهر بتسليم الأولى بخلاف الثانية على قياس
استئجار العين المملوكة واستئجار الحر اللهم إلا أن يفرق بين الدابة والأمة
باعتبار استقلال المستأجر في الأولى في الاستيفاء بخلاف الثانية التي يمكن أن تتمتع
عليه في الاستيفاء، (وثانيا) أنه ينبغي توزيع المهر على تمام المدة، ولا أظنه
يلتزمونه، (ثالثا) أنه يمكن منع كون المقام من ذلك، بل هو أشبه شئ بالمهر
الذي يستقر بالدخول، لما سمعته من الآية (2) والرواية (3) (بل في جامع
المقاصد الاجماع عليه خ ل) نعم هو باعتبار ضرب المدة فيه لا يستقر ملكها له حتى
تمضي المدة ممكنة كما سيأتي، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 27 و 28 - من أبواب المتعة.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(3) الوسائل الباب - 27 - من أبواب المتعة الحديث 1.
165

(و) كيف كان ف‍ (لو وهبها المدة) أو تصدق بها عليه وجعلها في حل
منها كما عبر بذلك عنه في النصوص المعلوم إرادة ما يشبه الابراء من ذلك فإنه
في الحقيقة اسقاط ما يستحقه عليها، فلا يحتاج إلى قبول ولا إلى قابلية المتمتع
بها لذلك، فيصح له الهبة المزبورة للصغيرة والمجنونة والأمة وغيرها، والشك
في ذلك من بعضهم بأنه يتجدد شيئا فشيئا فلا يتعلق به الابراء قبل حصوله اجتهاد
في مقابلة النصوص، على أنه في الحقيقة أسقاط للاستحقاق المتحقق فعلا وإن تأخر
المستحق، فهو كابراء الأجير مما يستحق عليه في الزمان المتأخر.
وعلى كل حال فإذا جعلها في حل من ذلك (قبل الدخول لزمه النصف)
من المهر وفاقا للمشهور، بل في جامع المقاصد إجماع الأصحاب عليه، وفي كشف
اللثام هو مقطوع به في كلام الأصحاب، وحكى عليه الاجماع في السرائر، وبه
مقطوع زرعة عن سماعة (1) (سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته
في حل من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا، قال: نعم إذا جعلته
في حل فقد قبضته منه، فإن خلاها قبل أن يدخل بها رد المرأة على الزوج نصف
الصداق) ولمكان ضعف الخبر المزبور وإمكان إرادة خصوص الطلاق من التخلية فيه
شكك بعض الناس في الحكم، باعتبار أن العقد قد أوجب الجميع وحرمة القياس
على الطلاق، إلا أن يقال: إنه بمنزلة الأجرة، ولا أجرة إذا وهبت المنفعة للمؤجر،
كما في كشف اللثام، وفيه إمكان منع كون الحكم كذلك أيضا في المشبه به نعم أصل
الشك في الحكم المزبور في غير محله بعد ما عرفت من الاجماع المعاضد للخبر المزبور
الذي لا يقدح قطعه في الحجية عندنا بعد ما ذكرناه غير مرة من الظن القوي بكون
المراد أن مرجع الضمير الإمام عليه السلام.
ثم الخبر وكلام الأصحاب يشمل هبة جميع المدة وبعضها كما صرح به
غير واحد، بل الظاهر هبة البعض، لأنه لا يمكن هبة الجميع في المدة المتصلة، نعم
في كشف اللثام (إن أقر بعضها كأن يهبها عقيب العقد على شهرين شهرا دون آخر

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب المتعة الحديث 1.
166

اتجه العدم، لخروجه عن النص من الخبر وكلام الأصحاب) وفيه أنه - بعد أن علم
من الأدلة قابلية هذا الحق للاسقاط والابراء، وأنه مقتضى الحكمة بعد أن لم يقع بها
طلاق، وربما أراد الفراق - فلو لم يصح ذلك لم يقع الفراق لم يكن فرق
بين هبة الكل والبعض، ولو على الوجه الذي ذكره، خصوصا إذا كان الموهوب
المتأخر من الزمان، وعدم تعرض النصوص لهذا بالخصوص لا يقتضي العدم بعد أن
عبرت عن ذلك بالهبة والصدقة والاحلال وغيرها مما لا يتفاوت فيه بين الجميع.
ومن هنا يتم ما فرعه في المسالك قال: (واعلم أن الظاهر من هبة المدة قبل
الدخول هبة جميع ما بقي منها عند الهبة، وذلك هو المقتضي لسقوط نصف المهر إذا
وقع قبل الدخول، وهل المقتضي له هو مجموع الأمرين أو حصول الفرقة قبل
الدخول؟ وجهان، من ظهور اعتبار الدخول وعدمه في ذلك كالطلاق، ومن الوقوف
على موضع اليقين فيما خالف الأصل، وتظهر الفائدة فيما لو وهبها بعض المدة
كنصفها مثلا وقد بقي منها أكثر من النصف، ولم يتفق فيها دخول حتى انقضى
ما بقي منها بغير هبة، فعلى الأول يثبت لها المجموع، وعلى الثاني النصف، وإطلاق
الرواية يدل على الثاني لو كانت معتبرة في الدلالة) قلت: قد عرفت اعتبارها فالمتجه
حينئذ أن الموجب للتنصيف كونه فرقة قبل الدخول، وإلا فهبة المدة بمنزلة
استيفائها له في الحقيقة نحو هبتها المهر إياه، ولا ينافي ذلك كونها ممكنة له،
ولا تقصير منها، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص والاجماع الذي سمعته الشامل
معقدة لهبة ما بقي من المدة ولو اليسير، وإن كانت هي في السابق ممكنة له لم يكن
منها تقصير ولا إخلال، ومن ذلك يعلم أن لها النصف بطريق أولى فيما إذا كان
المانع من الدخول بها حيض أو شبهه حتى مضت المدة.
(و) كيف كان ف‍ (لو دخل استقر المهر بشرط الوفاء بالمدة) أي تمكينها
من نفسها في تمام مدته إلا أن يهبها هو، فإنه يجب عليه دفع الجميع الذي قد
استحق بالعقد واستقر بالدخول مع عدم حصول إخلال منها بما بقي له من مدته،
لكن في جامع المقاصد (لو دخل في وهبها الجميع أو البعض ففي سقوط شئ من المهر
باعتبار ما ظهر من المدة نظر ولم أقف للأصحاب على كلام في ذلك) (و) فيه أنه
167

لا ريب في ثبوت الجميع بذلك لما عرفت.
نعم (لو أخلت هي ببعضها كان له أن يضع من المهر بنسبتها) إن نصفا
فنصف وإن ثلثا فثلث بلا خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال، لكونها كالمستأجرة
وللمعتبرة المستفيضة التي منها خبر ابن حنظلة (1) السابق وخبره الآخر (2) قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: (أتزوج المرأة شهرا بشئ مسمى فتأتي بعض الشهر ولا تفي
ببعض، قال: يحبس عنها من صداقها بقدر ما احتبست عنك إلا أيام حيضها، فإنها
لها) ونحوه خبره الثالث (3) عنه عليه السلام أيضا، وخبر إسحاق بن عمار (4) قلت لأبي
الحسن عليه السلام: (الرجل يتزوج المرأة متعة بشرط أن تأتيه كل يوم حتى توفيه
شرطه أو يشترط أياما معلومة تأتيه فيها فتغدر به فلا تأتيه على ما شرط عليها،
قال: نعم ينظر ما قطعت من الشرط، فيحبس عنها من مهرها بمقدار ما لم تف له
ما خلا أيام الطمث، فإنها لها، فلا يكون عليها إلا ما حل له فرجها) وظاهر
الأخير بل وغيره عدم التوزيع على ما يفوت عليه من الاستمتاع غير الوطئ، ولعله
كذلك.
فما عن التحرير من الاشكال فيه من ذلك ومن نقصان الاستمتاع في غير محله،
كما أنه قد يومئ استثناء أيام الحيض فيه وفي غيره إلى استثناء غيره من الأعذار
كالمرض ونحوه مما لا يعد حبسا منها وإخلالا، لكن في المسالك (فيه وجهان،
من المشاركة في المعنى وكون ذلك على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على مورده)
وفي القواعد (لو منع العذر عن الجميع كل المدة كالمرض المدنف فكذلك أي لا ينقص
من مهرها شئ على إشكال، ولعله من انتفاء الاستيفاء رأسا وهو أحد العوضين، فانتفى
الآخر كسائر المعاوضات، والفرق بينه وبين الحيض بأنه عادي، فأيامه في حكم
المستثناة في العقد بخلاف غيره، ومن أنها مسلمة لنفسها، وإنما عرض المانع من
خارج وقد ثبت المهر بالعقد، ولا يعلم سقوطه بمثل ذلك مع جواز التمتع بمن
لا يمكنه الاستمتاع بها ابتداء ثم قال: وكذا الاشكال لو منع هو أو هي بظالم
كل المدة) وبالجملة لو منع العذر من بعض الاستمتاع كل المدة أو بعضها أو من

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 4 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 4 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب - 27 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 4 - 2 - 3.
(4) الوسائل الباب - 27 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 4 - 2 - 3.
168

الجميع في كلها أو بعضها فاشكال عنده من احتمال توزيع المهر على المدة ووجوه
الاستمتاع جميعا أو بالتفريق والعدم، وفي كشف اللثام (ويقوى السقوط بالنسبة مع
امتناعها اختيارا عن الاستمتاع رأسا، لضرورة ملجأة لها لحفظ مال أو عرض أو نفس،
لصدق أنها لم تف له بالمدة، وعدم السقوط إن استوعب الحيض المدة، وأما نحو
الأكل والشرب الضروريين والتنظف والتهيؤ للزوج فالظاهر استثناؤها أيضا، لقضاء
العادة بها، فيدخل استثناؤها في مفهوم العقد) وكأنه تبع بذلك أحد احتمالي
المحقق الثاني في جامعه.
ولكن التحقيق ما عرفته من أن العوض هنا مهر يجري عليه حكمه، وهو
وجوبه بالعقد، إذ هو نكاح بالنسبة إلى ذلك وإن كان زمانه منقطعا، نعم قد عومل
معاملة الأجرة فيما إذا أخلفت في بعض المدة، للأدلة الخاصة، فيبقى غيره على
مقتضى وجوبه، بل الظاهر ملاحظة الاخلال بحصول التمكين من الوطئ في التوزيع
دون غيره من الاستمتاعات، كما عساه يومئ إليه قوله عليه السلام: (فلا يكون عليها إلا
ما حل من فرجها) كايماء قوله عليه السلام: (تحبس) و (قطعت) ونحو ذلك إلى
الاخلال لا لعذر شرعي يوجب عليها عدم المجئ ولو حفظ نفس أو عرض، وبالجملة
فالأصل يقتضي وجوب المهر بالعقد خرج الاخلال منها بالمدة لا لعذر، فيبقى
غيره.
وبذلك يتجه وجوب المهر عليه أجمع بموتها كما جزم ثاني الشهيدين نعم
في القواعد (الأقرب أن الموت هنا كالدائم، أي كالموت فيه يثبت المهر وإن مات
أو ماتت لثبوته بالعقد، والموت لا يصلح لاسقاطه إلا بدليل وليس، والفرق بينه
وبين ما إذا منعت من الاستمتاع بين) ولعل قوله، (الأقرب) لاحتمال السقوط
بالنسبة بناء على أنه في مقابلة الاستمتاع موزع عليه وعلى المدة، فيسقط كلا
أو بعضا بامتناعه كلا أو بعضا كما لو استأجر دابة فماتت، وإن كان هو واضح
الضعف كما اعترف به في جامع المقاصد، لما عرفته من الأصل السابق، بل الظاهر
أنه بموته أو موتها المخرج لهما عن قابلية الانتفاع تكون كانتهاء المدة.
169

ومنه يعلم قوة انفساخ عقد المتعة بينهما بذلك، لا أنه باق إلى أجله، ولا
أنه ينقلب دائما ولعله هو الوجه في استفاضة النصوص (1) بعدم التوارث بينهما
بالموت، لأن به ينفسخ هذا العقد بينهما، فلا زوجية، خصوصا المتضمنة (2) منها
أنها لا تطلق وليست إحدى الأربع ولا ترث إنما هن مستأجرات، فإنه كالصريح
في ذلك، كما ستسمع إنشاء الله مزيد تحقيق له في محله.
(و) كيف كان ف‍ (لو تبين فساد العقد إما بأن ظهر لها زوج أو كانت أخت
زوجته أو أمها) ولو من الرضاعة (أو ما شاكل ذلك من موجبات الفسخ) للعقد
(ولم يكن دخل بها) وإن استمتع بها بتقبيل ونحوه (فلا مهر لها) قطعا
لا المسمى (و) لا غيره، بل (لو) كان قد (قبضته كان له استعادته) ضرورة
بقائه على ملكه، بل الظاهر أن له المطالبة بمثله أو قيمته مع تلفه.
(و) أما (لو تبين ذلك بعد الدخول) بها ففي محكي المقنعة والنهاية والتهذيب
والمهذب (كان لها ما أخذت، وليس عليه تسليم ما بقي) من غير فرق بين العالمة والجاهلة،
ولعله لحسن حفص (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا بقي عليه شئ من المهر وعلم أن
لها زوجا فما أخذته فلها بما استحل من فرجها، ويحبس عنها ما بقي عنده) بل
قد يقال إن مرادهم لها ما أخذت ولو جميع المهر، وله حبس ما عنده ولو الجميع
حينئذ، لكنه هو كما ترى قول غريب مناف لما دل (4) من عدم المهر للبغي، ولعدم

(1) الوسائل الباب - 35 - من أبواب مقدمات النكاح والباب - 4 - من أبواب المتعة
الحديث 4 و 5 والباب - 18 - والباب - 23 - منها الحديث 5 والباب - 32 - منها
الحديث 3 و 6 و 7 و 8 و 10 والباب - 17 - من أبواب ميراث الأزواج من كتاب المواريث.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 1 و 2 و 4 و 5
(3) الوسائل الباب - 28 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(4) سنن البيهقي ج 6 ص 6 وألفاظ الحديث مختلفة: (نهى النبي صلى الله عليه وآله
عن.... مهر البغي) و (لا يحل.... ولا مهر البغي) ونحو ذلك مثل (سحت)
و (خبيث).
170

خلو البضع عن المهر مع عدم الزنا، بل ولقاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده)
بل ولمكاتبة ابن ريان (1) إلى أبي الحسن عليه السلام (الرجل يتزوج المرأة متعة بمهر
إلى أجل معلوم وأعطاها بعض مهرها وأخرته بالباقي، ثم دخل بها، وعلم بعد
دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها أنها زوجته نفسها ولها زوج مقيم، أيجوز له
حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب: لا يعطيها شيئا، لأنها عصت الله) بناء على
ظهوره ولو للتعليل في عدم دفع شئ لها مع فرض علمها وفي استرجاع ما أخذته
منه منها إلا أن السائل لما سأل عن حبس ما بقي مشعرا بالاعراض عما دفعه إليها
كان الجواب بما سمعت، لا أن المراد عدم جواز استرجاع شئ مما دفعه إليها مع
فرض كونها زانية، فإنه مناف لما سمعت، خصوصا مع بقاء العين التي لم يحصل
سبب شرعي لخروجها عن ملك مالكها، ضرورة تبين بطلان السبب المخصوص،
فلا أثر له وإن حصل بزعم التأثير كما هو واضح، إذ هو كغيره من المقامات، فيجب
حمل الخبر المزبور بعد تسليم حجيته على صورة الجهل، وكون المدفوع إليها
مساويا لمهر المثل أو رضاها به أو نحو ذلك، بل ربما حمل كلام الشيخين على ذلك
أيضا.
ومن هنا كان ظاهر المصنف الاعراض عنه حيث قال: (ولو قيل: لها المهر
إن كانت جاهلة ويستعاد ما أخذت إن كانت عالمة كان حسنا) لكون الوطئ
شبهة في الأول، فتستحق المهر بها وزنا في الثاني ولا مهر لبغي، بل ا
لظاهر أن له
ذلك حتى لو أتلفته، ضرورة ضمانه عليها، وعدم المطالبة به في البيع الفاسد إن
قلنا به، فالدليل خاص، والتسليط منه إنما كان بزعم الصحة، بل لا يبعد ذلك
حتى مع علمه بالفساد باعتبار أن دفعه له بعنوان كونه المسمى في العقد، فكأنه
اشترط في إباحته صحة العقد على وجه لا ينافي علمه بالفساد الذي أقصاه حينئذ علمه
بعدم حصول شرط الإباحة.

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب المتعة الحديث 2 وهي مكاتبة ريان بن شبيب
كما في الكافي ج 5 ص 462.
171

نعم يبقى الكلام في المهر الذي يجب دفعه في الصورة الأولى، فربما قيل: إنه
المسمى، بل ربما قيل: يلاحظ فيه التوزيع على المدة، ولكن فيه أنه بعد ظهور
الفساد لا مقتضي لوجوبه كي يدفعه كلا أو موزعا حتى لو فرض أقليته من مهر المثل،
ضرورة أن رضاها به إنما كان لزعم الصحة الذي قد بان خطاؤه، ومن ذلك يظهر لك
ما في احتمال وجوب أقل الأمرين من مهر المثل والمسمى، نعم يتجه وجوب
مهر المثل لها كما في غيره من أفراد وطئ الشبهة.
إنما الكلام في أنه مهر أمثالها بحسب حالها لتلك المدة التي سلمت نفسها
فيها متعة، أو مهر المثل للنكاح الدائم، لأن ذلك هو قيمة البضع عند وطئ الشبهة
من غير اعتبار لعقد الدوام والانقطاع؟ وجهان قويان من حيث إقدامها على ما هو
شبه الإجارة، فمع فرض فساده لها أجرة المثل بالنسبة إلى تلك المدة التي أقدمت
عليها، ومن تبين الفساد والشارع قد جعل مهر المثل للبضع باستيفاء منفعته ولو مرة،
ولعل ثانيهما أقواهما، والله العالم.
(وأما الأجل فهو شرط في عقد المتعة) إجماعا بقسميه ونصوصا (1)
(و) لذا (لو لم يذكره) فيه لفظا ولا قصدا لم يكن عقد متعة و (انعقد
دائما) في المشهور نقلا وتحصيلا، بل لعله مجمع عليه مما عرفته سابقا من صلاحية
اللفظ حتى لفظ المتعة لهما، وإنما يتمحض للمتعة بذكر الأجل، فإذا أهمل في اللفظ
والنفس تعين للدوام، ولأصالة الصحة في العقد، ولقول الصادق عليه السلام في موثق ابن
بكير (2): (إن سمي الأجل فهو متعة، وإن لم يسم الأجل فهو نكاح ثابت) ولأن
أبان بن تغلب (3) قال له عليه السلام لما علمه كيفية عقد المتعة: (إني أستحيي أن أذكر
شرط الأيام فقال: هو أضر عليك، قلت: وكيف؟ قال: إنك إن لم تشترط كان
تزويج مقام، ولزمتك النفقة والعدة، وكانت وارثا ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق

(1) الوسائل الباب - 17 و 18 و 20 و 25 - من أبواب المتعة.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2، في الأول (فهو نكاح بات).
(3) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2، في الأول (فهو نكاح بات).
172

السنة).
بل في ظاهر المسالك وكشف اللثام وغيرهما أن المشهور انعقاده دائما بمجرد
عدم ذكر الأجل في اللفظ وإن كان مقصودا له لما عرفت، لكنهما أشكلاه بضعف
الخبرين وعدم صراحتهما في ذلك، بل في الأول منهما عدم دلالة الأول منهما،
إنما دل على أن الدوام لا يذكر فيه الأجل، وهو كذلك لا على أن من قصد المتعة
ولم يذكر الأجل يكون دائما، وصلاحية اللفظ لا تجدي إذا خالفه القصد، ضرورة
كون المعتبر اتفاقهما على معنى واحد، وهو غير حاصل هنا، لأن المقصود
هو المتعة والمطابق للفظ هو الدائم، وذلك يقتضي البطلان لفوات شرط المقصود وعدم
قصد الملفوظ. ومن هنا قال في المسالك: القول بالبطلان مطلقا أقوى، وربما يؤيده
مضمر سماعة (1) (سألته عن رجل أدخل جارية يتمتع بها، ثم إنه نسي أن يشترط
حتى واقعها يجب عليه حد الزاني، قال: لا ولكن يتمتع بها بعد النكاح،
ويستغفر الله مما أتى) بناء على إرادة نسيان الأجل من الاشتراط فيه.
وفيه منع الضعف في السند أولا لكون الأول من قسم الموثق والانجبار
بالشهرة ثانيا، وعدم الصراحة لا ينافي الظهور الكافي في الاستدلال، خصوصا بعد
الاعتضاد بخبر هشام بن سالم (2) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (أتزوج المرأة متعة مرة
مبهمة، قال فقال: ذاك أشد عليك ترثها وترثك، ولا يجوز لك أن تطلقها إلا
على طهر وشاهدين، قلت: أصلحك الله فكيف أتزوجها؟ قال: أياما معدودة بشئ
مسمى " إلى آخره فإنه كالصريح في كون المراد المتعة، وبأن اعتبار الأجل
في المتعة على جهة الشرطية الخارجة عن معنى النكاح، فمع فرض عدم الذكر
لا يؤثر بناء على أن المقدر لا يجري عليه حكم المذكور، بل هو حينئذ كعدم
وجوده، فلا يؤثر بطلانا للعقد لو كان باطلا مثلا، فقصد النكاحية حينئذ بحاله،
نعم لو قلنا: المعتبر في الدائم قصد الدوام اتجه حينئذ الفساد، ضرورة عدم قصد ذلك

(1) الوسائل الباب - 39 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المتعة الحديث 3.
173

في الفرض، لكنه واضح المنع، ومضمر سماعة بعد الغض عما في سنده وقطعه يمكن
إرادة أصل العقد من الاشتراط فيه أو المتعة من لفظ الايجاب على الوجه الذي
ستعرفه.
ومن ذلك يعلم ما في المسالك حيث إنه بعد نقل القولين المزبورين والتفصيل
عن ابن إدريس بأنه إن كان الايجاب بلفظ التزويج والنكاح انقلب دائما وإن
كان بلفظ التمتع بطل العقد، لأن اللفظين الأولين صالحان لهما بخلاف الثالث
فإنه مختص بالمتعة، فإذا فات شرطها بطل قال: (وفيه أن بطلان عقد المتعة كما
حصل بفوات شرطه وهو الأجل فكذلك الدوام بطل بفوات شرطه، وهو القصد إليه،
فإنه الركن الأعظم في صحة العقود) إذ هو كما ترى صريح في اعتبار قصد الدوام
في صحة الدائم، لكن قد عرفت ما فيه من أن الدوام إن حصل فيما قصد به النكاحية
فمن حيث ثبوت النكاح بذلك واحتياج رفعه إلى رافع شرعي، نحو حصول الدوام
فيما قصد به الملك من غير ملاحظة ذلك فيه، لا أنه حاصل من حيث ملاحظة الدوام
قيدا فيه على حسب ملاحظة الأجل في المنقطع.
فتلخص من ذلك أن الانقطاع الحاصل في المؤجل الذي شرعه الشارع من
حيث اشتراط الأجل فيه، فمع فرض عدم ذكره يكون كالعقد الفاقد للشرط،
لا أن لفظ (أنكحت) مستعمل في المنقطع على وجه يكون ذكر الأجل كاشفا
عن المراد بها، بل هي ليست إلا مستعملة في معنى النكاحية، والانقطاع إذا أريد
استعمل فيه ما يدل عليه من ذكر الأجل، فهو معه حينئذ دالان ومدلولان، ومع
عدمه يبقى الأول على معناه، ويحصل الدوام فيه من مجرد ثبوت النكاحية فيه
وحينئذ فكلام المشهور والروايات مبنية على ذلك، ولا ينافيها شئ مما ذكروه من
تبعية العقود للقصود ولا غيره، فتأمل جيدا، فإنه دقيق رشيق، وكأن ما ذكره
ابن إدريس مبني على دعوى دخول الانقطاع في مفهوم لفظ (متعتك) وقد تقدم
سابقا ما يبطله فلا في حينئذ بين الصيغ الثلاثة كما هو مقتضى النصوص التي في بعضها (1)

(1) المستدرك الباب - 14 - من أبواب المتعة الحديث 2 والبحار ج 103 ص 304
ط الحديث.
174

خصوص هذا اللفظ.
بل من ذلك يعلم فساد القول الرابع في المسألة، وهو الفرق بين تعمد ترك
الأجل وبين الجهل به ونسيانه، فإن كان الأول انعقد دائما وإلا بطل بدعوى
ظهور تعمد الترك في إرادة الدوام، بخلاف الأخيرين، ضرورة أن ذلك بعد الاغضاء
عما فيه من وجوه خارج عما نحن فيه فيما (مما خ ل) علم فيه إرادة المتعة، ولكن
لم يذكر الأجل ولو نسيانا أو حياء أو نحو ذلك.
كما أنه من الإحاطة مما ذكرناه يعلم ما في كلام جماعة من الأساطين الذين
شددوا النكير على الأصحاب في صيرورة العقد دائما بعدم ذكر الأجل الذي قد
عرفت وجهه
نعم لا يبعد البطلان مع فرض قصد العاقد الانقطاع من نفس الصيغة وأن الأجل
إنما يذكره كاشفا لما أراده من اللفظ، ضرورة عدم قصد المطلق من النكاح حينئذ
فلا مقتضى لصيرورته دائما، كما لا وجه لصيرورته منقطعا، لعدم ذكر
الأجل فيه، وقد عرفت أنه شرط في صحته، ويمكن حمل مضمر سماعة السابق
على ذلك، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (تقدير الأجل إليهما طال أو قصر كالسنة والشهر
اليوم) لاطلاق الأدلة الخالية عن تحديده قلة وكثرة، بل صريح غير واحد
منها التعليق على ما شاءا من الأجل وتراضيا عليه مؤيدا ذلك باطلاق الفتاوي على
وجه يمكن دعوى الاجماع عليه، وما عن ظاهر الوسيلة من تقدير الأقل بما بين
طلوع الشمس والزوال محمول على المثال، وإلا كان محجوجا بما عرفت.
نعم قد يناقش بما في المسالك (1) وكشف اللثام وغيرهما من جواز جعله إلى
وقت طويل يعلم عدم بقائهما إليه، للاطلاق المزبور، وعدم مانعية الموت إن لم يكن
إجماعا بأن المنساق من النصوص الواردة في المشروعية وفي اعتبار الأجل فيها غير
ذلك، خصوصا بعد عدم جواز مثله في الإجارة المشبه بها المتعة، ضرورة عدم القابلية

(1) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح (ما في المسالك...)
175

حينئذ للاستمتاع، فلا وجه لانشاء تملكه وتمليكه بالعوض، بل هو حينئذ شبه
المعالمة السفهية، بل لا ريب في عدم مراعاة مثله في التوزيع، لعدم تحقق حبس
المنفعة فيه المقتضي للتوزيع الذي قد عرفته.
وكذا ما فيهما أيضا من جواز قلته إلى حد اللحظة المضبوطة ونحوها مما
لا تسع للجماع ونحوه، للاطلاق المزبور، وعدم انحصار فائدة النكاح في الجماع
وإن كان هو معظم المقصود منه، بل من فوائده تحريم المصاهرة ونحوها.
ومنه يعلم جواز العقد متعة على الصغيرة التي لا يجوز وطؤها، وللصغير الذي
لا قابلية له للوطئ بنحو ما سمعت من الشك في تناول الأدلة لمثل ذلك مما لا يسع
تحقق ماهية الاستمتاع، والعقد للصغير وعلى الصغيرة بعد فرض الأجل القابل
لتحقق الاستمتاع كاف في الصحة وإن لم يكونا قابلين لوقوع ذلك، ضرورة عدم
اعتبارها بصغر أو مرض أو غيرهما فضلا عن عدم وقوعها، إنما المراد اعتبار زمان
يسع لتحقق ماهية الاستمتاع، ولا ريب في أن الأحوط عدم الاكتفاء في جريان
أحكام المصاهرة ونحوها بمثل هذا العقد، كما هو واضح، والله العالم.
(و) على كل حال ف‍ (لا بد أن يكون معينا محروسا من الزيادة والنقصان)
فلا يجوز أن يكون كليا، كشهر من الشهور ويوم من الأيام وسنة من السنين، ولا
غير محروس من الزيادة والنصان، كقدوم الحاج وإدراك الثمرة ونحوهما مما
يمكن فيه طول الزمان وقصره المؤدي إلى الجهالة عند التعاقدين بلا خلاف أجده
فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى التصريح في النصوص (1) المعتبرة باعتبار
المعلومية والتسمية، بل قد يدعى اعتبار معلومية الأجل في كل مقام يذكر فيه
فضلا عن أن يكون شرطا وإن كان في العقود التي لا تقدح فيها الجهالة كالصلح
ونحوه، كما لا يخفى على من تتبع كلماتهم في سائر المقامات، وإلى خبر بكار بن

(1) الوسائل الباب - 17 - و 18 - و 20 - و 25 - من أبواب المتعة.
176

كردم (1) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (الرجل يلقى المرأة فيقول لها: زوجيني
نفسك شهرا ولا يسمي الشهر بعينه، ثم يمضي فيلقاها بعد سنين، قال: فقال: له
شهره إن كان سماه، وإن لم يكن سماه فلا سبيل له عليها) بل في مضمر زرارة (2)
أيضا عدم جوازه بالساعة والساعتين لأنه لا يوقف علي حدهما أي العرفية،
لا النجومية المعلوم انضباطها بسبب حركة الفلك وإن كان لا يعلم بالآلة المعدة لذلك،
لعدم انضباطها واحتمال جريان عارض اختلالها إلا مع التعدد ونحوه مما يفيد
الطمأنينة في كثير من الأحيان، لكن عدم تيسر ذلك في غالب الأوقات لا يقدح
في جواز التأجيل بها متمسكا بالاستصحاب حتى يعلم تحققها أو بالاحتياط فيما إذا
لم يعلم بانقضائها، هذا.
(و) قد عرفت مما ذكرنا أنه (لو اقتصر على بعض يوم جاز بشرط أن يقرنه
بغاية معلومة كالزوال والغروب) أو بمقدار معين كالنصف والثلث ونحوهما، فيعملان
حينئذ بما يعلمانه من ذلك مع اتفاقه، وإلا رجعا فيه إلى أهل الخبرة به، والظاهر
اشترط عدالة المخبر، نعم في اشتراط العدد وجهان، وإن اشتبه الحال لم يخف
طريق الاحتياط وإن كان في تعيينه نظر من أصالة عدم انقضاء المدة إلا أن يعلم
نحو ما سمعته في الساعة النجومية، ولا يشترط ذكر وقت الابتداء في نحو ذلك مما
هو محمول على الاتصال بالعقد، فهو حينئذ أوله كيفما اتفق، ويغتفر الجهل بمقدار
ما بقي من النهار أو الزوال أو الثلث أو النصف مثلا، كما يغتفر اعتبار زيادة الشهر
ونقصانه حيث يجعلانه شهرا مثلا بلا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك.
(و) إنما الكلام في أنه (يجوز أن يعين شهرا) مثلا (متصلا بالعقد أو متأخرا
عنه) بمدة طويلة أو قصيرة أو لا يجوز إلا المتصل؟ صريح الفاضل وجماعة ممن تأخر
عنه الجواز، بل نسبه غير واحد إلى ظاهر الأكثر لاطلاق الأدلة وعمومها،

(1) الوسائل الباب - 35 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 25 - من أبواب المتعة الحديث 2.
177

وخصوص خبر بكار (1) المنجبر بما سمعت، والتشبيه بالإجارة التي يجب الخروج
بها عن أصالة بقاء البضع على الحرمة، وقاعدة الاحتياط في الفروج التي لا يجب
مراعاتها أولا وعدم تماميتها في القول بالبطلان ثانيا، وقاعدة توقيفية الوظائف
الشرعية، وقاعدة ترتب آثار العقد بمجرد وقوعه الممنوعة هنا، ضرورة أن أثر العقد
أن يجري أحكام المتعة في المدة المسماة متصلة أو منفصلة، كمنع دعوى منافاة ذلك
للتنجيز، ضرورة عدم اشتراط العقد بذلك، وإنما الاستمتاع مشروط باتيان الوقت
المضروب، كما يستأجر الرجل للحج من قابل، بل ومنع لزوم جواز التمتع بها
لغيره في البين، لصدق كونها ذات بعل، وإلا فلا دليل على بطلان اللازم، فلا بأس
حينئذ بالتزامه، كما استظهره الكركي وغيره.
ولكن الانصاف مع ذلك وفي النفس من أصل جواز ذلك شئ، للشك في تناول
ما عثرنا عليه من نصوص المقام، بل لعل ما تسمعه فيما يأتي من عدم جواز
عقد الزوج عليها فضلا عن غيره قبل انقضاء أجله بأجل آخر أو مهر كذلك
في النص (2) والفتوى مؤيدا لذلك (3) ضرورة أولويته بجواز المنفصل، اللهم إلا
أن يقال: إن المانع هناك الجمع بين الأجلين كما يومئ إليه تعليل الفساد في بعض
نصوصه (4) أنهما شرطان في شرط، فلاحظ وتأمل، لكن ستعرف هناك ما يدفع
هذا الاحتمال.
ومنه يعلم وجه تأييده لما قلناه من ظهور الاتصال من الأدلة له، بل لعل

(1) الوسائل الباب - 35 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 23 - من أبواب المتعة الحديث 6 و 7 و 8 والباب - 24 - منها.
(3) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والصحيح (مؤيد لذلك) كما هو كذلك
في المسودة التي بخط المصنف طاب ثراه فإنه خبر (لعل) في قولة: (بل لعل ما
تسمعه).
(4) الوسائل الباب - 24 - من أبواب المتعة الحديث 1.
178

ما ورد منها بلفظة، (إلى أجل) نحو (فما استمتعتم به منهن إلى أجل) (1) وشبهه
ظاهر في اعتبار اتصال الأجل وأنه المراد من النكاح المنقطع في مقابلة الدائم، بمعنى
أن غيره يبقى على دوامه والمتعة بقطع فيها الدوام، ومع فرض ظهور الأدلة في ذلك
لا وجه للتمسك بالاطلاقات والعمومات، والخبر المزبور فاقد شرط الحجية، ولعله
لذا قيل بالبطلان للوجوه المزبورة.
بل يمكن دعوى عدم ظهور عبارات الأكثر في الجواز بناء على انصراف ما
ذكروه من اعتبار الأجل فيها إلى ما هو المنساق منه، أي المتصل به، بل لعل
إغفال النصوص والفتاوى عدم تعيين المبدأ مبني على اعتبار الاتصال وإلا لذكروه.
كما ذكروا تعيين الغاية، بل لعل الانسياق المزبور أشد من انسياق الاتصال فيما
لو ذكر الأجل المطلق في متن العقد الذي ستعرف كونه من المسلمات عندهم.
نعم قد يقال بالصحة بناء على تحقق الزوجية بالعقد على وجه يحصل بها
حرمة المصاهرة وغيره من استحقاق المهر بالموت وغيره، ويكون الأجل المتأخر
حينئذ إنما هو لتأخير نفس الاستمتاع بناء على صحة مثل هذا الشرط لعموم
(المؤمنون) (2) بل يمكن حمل خبر بكار (3) عليه ولعل من منع من جواز
تزويجها في البين ناظر إلى ذلك، فيكون موافقا، بل يمكن تنزيل كلام الجميع
على ذلك إلا من صرح بجواز تزويجها في البين، فإنه حينئذ يكون صريحا في تأخر
وصف الزوجية بتأخر الأجل.
وفيه ما عرفت، بل لم نتحقق القائل به، قال في القواعد: (لو عقد على امرأة
على مدة متأخرة لم يكن لها النكاح فيما بينهما ولا له أن ينكح أختها وإن وقت

(1) سورة النساء: 4 - الآية 24 ولم يذكر في الآية الكريمة (إلى أجل) وإنما
ذكر في بعض الروايات أنه من الآية الكريمة وفي بعضها أنه من قراءة ابن عباس كما
في الوسائل في الباب - 1 - من أبواب المتعة الحديث 13 و 3 و 19.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 35 - من أبواب المتعة الحديث 1.
179

المدة بالأجل والعدة) ونحوه المحكي عن ابن إدريس والمصنف في النكت، وقال
فيها أيضا: (لو مات أي الزوج فيما بينهما احتمل بطلان العقد رأسا، فلا مهر لها
ولا عدة ولا ميراث إن أوجبناه مطلقا أو مع الشرط، وعدمه فيثبت النقيض).
وفيه أن المتجه بناء على ما عرفت البطلان من حينه فيترتب عليه الأثر
حينئذ حتى المهر وإن قال في كشف اللثام: (إن في ترتبه نظرا ظاهرا) لكنه في غير
محله، ضرورة كونها حينئذ زوجة ولكن مات زوجها قبل حصول شرط الاستمتاع،
فالاستمرار انقطع بالموت، لا أنه انكشف من أول الأمر أنها ليست زوجة،
لما عرفت من بطلان ذلك، وربما تسمع لذلك مزيد تحقيق انشاء الله. وعلى كل
حال فلا ريب في أن الاحتياط عدم أيقاع مثل هذا العقد وإجراء الأحكام عليه، كما
هو واضح، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لو أطلق) بأن قالت: (زوجتك نفسي إلى شهر)
مثلا (اقتضى) الاطلاق (الاتصال بالعقد) لدلالة العرف وأصالة الصحة، كما
في الإجارة وغيرها، وظهور خبر بكار (1) في ذلك، لأن الفرض وقوع المطالبة بشهره
بعد مضي الشهر، إذ لولا الحكم بالاتصال لبقي الشهر في ذمتها، اللهم إلا أن يجعل
نفي السبيل فيه كناية عن بطلان العقد، لاستلزامه نفي السبيل أيضا، لكنه كما ترى،
فما عن ابن إدريس من البطلان للجهل بالأجل باعتبار احتماله الاتصال والانفصال
واضح الضعف بعد ما عرفت من دلالة العرف على الاتصال، نحو التأجيل بالخميس
وربيع ونحوهما مما يحمل على الأقرب فيه أيضا على الأقرب إليه منهما.
(و) حينئذ ف‍ (لو تركها حتى انقضى قدر الأجل المسمى) الذي
حكمنا باتصاله حال إطلاقه (خرجت من عقده واستقر لها الأجر) كغيرها مما
صرح فيها بالأجل المخصوص وتركها فيه، نعم استقرار تمام الأجر مبني على ما
ستعرفه من اعتبار هبة المدة قبل الدخول في التنصيف، لا مطلق الفرقة قبله ولو بانقضاء
الأجل مع تقصيره في الاستيفاء، وعلى كل حال فليس له مطالبتها بعد انقضائه

(1) الوسائل الباب - 35 - من أبواب المتعة الحديث 1.
180

بغيره، لما عرفت من قضاء العرف بتشخصه، بل قد عرفت في السابق بطلان العقد
بالأجل الكلي أي الشهر من الشهور، والله العالم.
(ولو) ترك التعيين بالأجل بل (قال): أواقعك (مرة أو مرتين)
مثلا (ولم يجعل ذلك مقيدا بزمان) على وجه يكون أجلا لعقد المتعة ويكون
ذكر المرة والمرتين شرطا فيه بمعنى عدم استحقاقه الزائد مطلقا أو مع عدم إذنها
(لم يصح) متعة لما عرفت من اعتبار الأجل فيها، والمشروط عدم عند عدم
شرطه (وصار دائما) بناء على ما ذكرنا من التحقيق في فاقد الأجل، وتعيين
المرة والمرتين هنا لا يقتضي إرادته المنقطع من لفظ الصيغة على وجه يكون الأجل
كاشفا كي يتجه البطلان هنا وإن قلنا بالصحة هناك، خصوصا بعد جواز اشتراط
المرة والمرتين في الدائم أيضا كالمتعة فلا محيص حينئذ عن القول بالدوام هنا من
القول به هناك، ويؤيده مضافا إلى ما سمعت خبر هشام بن سالم (1) المتقدم سابقا
الوارد في خصوص الفرض.
(و) لكن (في) مقابل ما عرفت‍ (ه رواية دالة على الجواز، وأنه لا ينظر
إليها بعد إيقاع ما شرطه، وهي) خبر القاسم بن محمد (2) عن رجل سماه قال:
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة على عرد واحد فقال: لا بأس ولكن
إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر إليها) وخبر خلف بن حماد (3) قال: (أرسلت
إلى أبي الحسن عليه السلام كم أدنى أجل المتعة؟ هل يجوز أن يتمتع الرجل بشرط مرة
واحدة؟ قال: نعم) وخبر زرارة (4) قلت له: (هل يجوز أن يتمتع الرجل من المرأة
ساعة أو ساعتين؟ فقال: الساعة والساعتان لا يوقف على حدهما، ولكن العرد
والعردين، واليوم واليومين، والليلة وأشباه ذلك) إلا أنها (مطرحة لضعفها)
وعدم معرفة القائل بها سوى ما يحكى عن الشيخ في التهذيبين من حمل هذه الأخبار

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المتعة الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 25 - من أبواب المتعة الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 25 - من أبواب المتعة الحديث 5 - 2.
(4) الوسائل الباب - 25 - من أبواب المتعة الحديث 5 - 2.
181

على الرخصة وأن الأحوط والأولى إضافة المرة ونحوها إلى أجل معين.
قلت: بل يمكن حمل خبر خلف فيها عليه وغيره وإن بعد سيما خبر القاسم
إلا أنه لا بأس به بعد قوة المعارض من النص والاجماع بقسميه على اعتبار الأجل،
نعم أبطله جماعة هنا دائما ومتعة على حسب ما عرفته سابقا في ترك الأجل، بل
ظاهر بعضهم وصريح آخر أولوية ما هنا من البطلان هناك.
(و) فيه ما سمعت مما علم منه أنه (لو عقد على هذا الوجه انعقد دائما)،
(و) أنه (لو قرن ذلك بمدة صح متعة) بلا إشكال ولا خلاف، نعم لو اشترط
ذلك في وقت معين بحيث يكون ظرفا له كاليوم مثلا بمعنى أنه لا يقع خارجه شئ
وأنه متى انتهى العدد المشروط فيه بانت منه كما أنها تبين بانقضائه وإن لم يفعل
اتجه البطلان حينئذ، لجهالة الأجل على وجه يحتمل الزيادة والنقصان، لكون
الفرض تقييده بانقضاء العدد، خلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية من الصحة، مع أنا
لم نتحققه، لأن الموجود فيها ما لفظه بعد أن ذكر اعتبار الأجل فيها قال:
(وأما الأجل فما تراضيا عليه من شهر أو سنة أو يوم، وقد روى (1) أنه يجوز أن
يذكر المرة والمرتين، والأحوط ما قدمناه من أنه يذكر يوما معلوما أو شهرا
معينا، فإن ذكر المرة والمرتين جاز ذلك إذا أسنده إلى يوم معلوم، فإن ذكر
المرة مبهمة ولم يقرنها بالوقد كان العقد دائما) إلى آخره، ولا ريب في إرادته
من الاسناد إلى يوم معلوم بقرينة اعتبار الأجل ضرب الأجل للمتعة أو اشتراطها
فيه، لأن المراد الأعم من ذلك، ومن جعلهما أجلا واليوم ظرفا كما فهمه منه
الفاضل في المختلف، حيث إنه بعد أن حكى عنه ما سمعت قال: (والحق البطلان
في الجميع معللا له بالجهالة - ثم قال -: ويجئ على قول الشيخ بانعقاد المشروط
فيه المرة المبهمة دائما صحته هنا كذلك، لأن الأجل المجهول باطل، فيساوي
غير المذكور) وفيه أن الفرق بينهما واضح، ضرورة بطلان العقد بذكر الأجل
المجهول فيه الذي هو الشرط الباطل بخلاف ما إذا لم يذكر الأجل فيه أصلا،

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب المتعة الحديث - 0 -.
182

فإنه لا بطلان للعقد فيه بذلك، فيتم حينئذ قصد النكاحية للعاقد التي هي مقتضى
الدوام كما عرفته مفصلا والله العالم.
(وأما أحكامه فثمانية الأول:)
(إذا ذكر المهر والأجل صح العقد) من هذه الحيثية بلا خلاف ولا اشكال،
كما أنه لا خلاف (و) لا اشكال في أنه (لو أخل بالمهر مع ذكر الأجل بطل
العقد) لما عرفته من كون ذكر المهر شرطا في صحة هذا العقد، والمشروط عدم
عند عدم شرطه (ولو أخل بالأجل حسب) فلم يذكره (بل متعة) أيضا
لذلك (و) لكن هل (انعقد دائما) أو لا؟ وفيه البحث السابق.
(الثاني)
(كل شرط يشترط فيه) مما هو سائغ سواء كان شرطا للموجب أو القابل
(فلا بد) في لزوم الوفاء به من (أن يقترن بالايجاب والقبول) كغيره من العقود
ليكون من جملة العقد المأمور بالوفاء به (ولا حكم لما يذكر قبل العقد)
خاصة إجماعا في الرياض (ما لم يستعد فيه) أي العقد على وجه يكون من
جملته، للموثق (1) عن الصادق عليه السلام (ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح،
وما كان بعد النكاح فهو جائز) ونحوه الآخر عن محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر عليه السلام
(في الرجل يتزوج المرأة متعة إنهما يتوارثان ما لم يشترطا، وإنما الشرط بعد
النكاح) وموثق ابن بكير (3) قال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا اشترطت على المرأة
بشروط المتعة فرضيت به وأوجبت التزويج، فاردد عليها شرطك الأول بعد النكاح،
فإن أجازته فقد جاز، وإن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من الشروط قبل النكاح)

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المتعة الحديث 2 - 4 - 1.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المتعة الحديث 2 - 4 - 1.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المتعة الحديث 2 - 4 - 1.
183

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على عدم اعتبار ما كان قبل النكاح من الشرط،
بل ربما ظهر من بعضهم ذلك وإن كان مضمرا لهما، فيكون هذا الحكم حينئذ
خاصا في المقام بناء على اعتبار الشروط المضمرة في غيره، كما عن المحكي عن آخر
مساواة المقام لغيره في اعتبار المضمر بناء على القول به، فتحمل النصوص المزبورة
حينئذ على ما كان من الشروط سابقا ولم يكن مضمرا حال العقد على وجه يكون
مبنيا عليه، ولعل هذا أولى لاستبعاد اختصاص المقام عن غيره بذلك، وعدم وفاء
النصوص به، ضرورة عدم صدق كون الشرط قبل النكاح خاصة بعد فرض قصده
في أثنائه مدلولا عليه بالقرائن الحالية.
وعلى كل حال فلا عبرة بالشرط السابق من حيث سبقه، لعدم المقتضي
للزومه، ضرورة كون المراد من قوله صلى الله عليه وآله (1): (المؤمنون عند شروطهم) ما
يشترطونه في العقد اللازم مثلا الذي قد أمرنا بالوفاء به (2) إذ الشرطية لا يتحقق
معناها مع الاستقلال، لظهور إرادة الفرعية منها، ومع تسليم اقتضاء ذلك اللزوم
فلا بد من تخصيصه بالنصوص المزبورة.
نعم قد يقال إنها منافية لما ذكره المصنف (و) غيره، بل المشهور على أنه
(لا) حكم أيضا (لما يذكر بعده) أي العقد من الشروط خاصة، بل في الرياض
لم يقل أحد بذلك حتى الشيخ في النهاية، لاعتباره فيها ذكر الشروط في العقد البتة،
وإنما أوجب ذكرها بعد العقد ثانية، ولم يكتف بذكرها فيه خاصة، نعم حكى
عنه في التهذيب الاكتفاء بذلك، إلا أنه كما ترى قول شاذ، ويمكن إرادته المتصلة
بالعقد على وجه يكون من متعلقات القبول، فإنه لا إشكال حينئذ في لزومه، بل
يمكن حمل النصوص المزبورة عليه أيضا أو على ما ذكره غير واحد من الأصحاب
من إرادة الايجاب والقبول من النكاح فيها، كما أومأ إليه موثق ابن بكير (3)

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المتعة الحديث 1.
184

السابق، وأوضح منه ما عن فقه الرضا عليه السلام من أنه (1) بعد أن ذكر سؤالها
وخلوها عن الزوج والعدة قال: (وإذا كانت خالية من ذلك قال لها تمتعيني نفسك
على كتاب الله - إلى أن قال -: فإذا أنعمت، قلت لها: متعيني نفسك ويعتد جميع
الشروط عليها، لأن العقد الأول خطبة وكل شرط قبل النكاح فاسد، وإنما
ينعقد الأمر بالقول الثاني، فإذا قالت في الثاني: نعم دفع إليها المهر أو ما حضر
منه، وكان ما بقي دينا عليك، وقد حل لك وطؤها) قيل ونحوه المروي في البحار
من خبر المفضل (2 أو على إرادة خصوص زيادة الأجل بزيادة المهر بعد العقد كما
عساه يومئ إليه خبر محمد (3) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى (4) ولا جناح،
عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، قال: ما كان بعد النكاح فهو جائز، وما
كان قبل النكاح فلا يجوز إلا برضاها وبشئ يعطيها فترضى به) أي بعد النكاح،
وكذا قوله عليه السلام: (إلا برضاها 9 أي بعد النكاح.
(و) على كل حال ف‍ (لا يشترط) في وجوب الوفاء به (مع ذكره
في العقد إعادته بعده) وفاقا للمشهور لعموم (المؤمنون) (5) وغيره (و) لكن
(من الأصحاب) وهو الشيخ في النهاية على ما قيل (من شرط) ذلك ب‍ (إعادته)
بعد العقد) للنصوص المزبورة (وهو بعيد) لما عرفته من عدم دلالتها على ذلك،
أي اعتبار التكرار المزبور، كما هو واضح. نعم قد يقال: إن عبارة النهاية ليست
كما حكي عنها، قال فيها: (كل شرط يشترطه الرجل على امرأة إنما يكون له
تأثير بعد ذكر العقد، فإن ذكر عند الشروط وذكر بعدها العقد كانت التي قدم
ذكرها باطلة لا تأثير لها، فإن كررها بعد العقد ثبتت على ما شرط) ضرورة

(1) المستدرك الباب - 14 - من أبواب المتعة الحديث 2.
(2) البحار ج 103 ص 304 ط الحديث.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المتعة الحديث 3.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(5) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
185

عدم تعرضه للمذكور في أثناء العقد، بل هو إما مكتف بذكر الشروط بعد العقد
كما هو ظاهر النصوص المزبورة وحكي عن التهذيب أو معتبر للتكرير بذكر الشرط
قبل العقد وبعده، وكيف كان فهو مناف لقواعد المذهب وفتاوى الأصحاب.
(الثالث)
(للبالغة الرشيدة أن تمتع نفسها، وليس لوليها اعتراض بكرا كانت أو ثيبا
على الأشهر) الأظهر الذي قد عرفت تمام البحث فيه سابقا.
(الرابع)
(يجوز) لها وله (أن يشترط عليها) وعليه (الاتيان ليلا
أو نهارا وأن يشترط المرة والمرات في الزمان المعين) وغير ذلك من الشرائط
السائغة التي هي غير منافية لمقتضى العقد، نعم هي منافية لمقتضي إطلاقه كما في كل
شرط سائغ، وقد سأل عمار بن مروان (1) الصادق عليه السلام (عن امرأة تزوجت نفسها
من رجل على أن يلتمس منها ما شاء إلا الدخول فقال: لا بأس ليس له إلا ما
اشترط) وهو كغيره صريح فيما ذكرناه من عدم منافاة ذلك ونحوه مقتضى العقد.
نعم لو أسقط حقه من له الشرط فالظاهر السقوط كما أومأ إليه خبر
إسحاق بن عمار (2) قال للصادق عليه السلام: (رجل تزوج بجارية على أن لا يفتضها
ثم أذنت له بعد ذلك فقال: إذا أذنت له فلا بأس) فما عن بعضهم - من عدم الجواز،
للزوم الشرط، ولأن العقد إنما سوغ ما عداه - لا يخفى ما فيه بل الظاهر لحوق
الولد به مع عدم الوفاء بالشرط وإن أثم وقلنا بترتب مهر عليه للوطئ المشروط عليه
عدمه، لكن ذلك لا يخرج الزوجة عن كونها زوجة له.
ولو لم يشترط هو ولا اشترط هي عليه فله ما شاء في الأجل، وليس لها

(1) الوسائل الباب - 36 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 3.
186

الامتناع عنه في أي وقت شاء إذا لم يكن لها مانع شرعي، نعم الظاهر أنه لا سلطنة
له عليها مدة عدم استمتاعه بنهي عن الخروج عن دار أو بلد أو نحو ذلك كما في
الدائم، والله العالم.
(الخامس)
(يجوز العزل للمتمتع) إجماعا بقسميه على ذلك (و) على أنه (لا يقف
على إذنها) نعم الأولى له الاشتراط عليها، لتضمن الأخبار (1) له (و) لكن (يلحق
الولد به لو حملت وإن عزل) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه
(لاحتمال سبق المني من غير تنبه) والولد للفراش (2) وللنصوص (3) وكذا
في كل وطئ صحيح أو شبهة.
(و) لكن (لو نفاه عن نفسه) وإن لم يعزل فضلا عما إذا عزل (انتفى
ظاهرا) إلا فيما بينه وبين ربه المطلع على ما في قلبه (ولم يفتقر إلى اللعان)
بلا خلاف بل الاجماع أيضا بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (4) نعم لا يجوز له
النفي إلا مع العلم بالانتفاء وإن عزل أو اتهمها أو ظن الانتفاء بالقرائن، فما في
الحدائق من احتمال اللحوق حتى مع النفي لاطلاق النصوص (5) في غير محلة قطعا،
ضرورة معلومية كونها أنقص فراشا من الدائمة التي ينتفي الولد عنه بنفيه مع
اللعان، فهي بطريق أولى، لأنه لما أطلق في النص (6) الآتي عدم لعانها علم حينئذ

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 5 و 6 والباب 33 منها - الحديث
2 و 3 والباب - 45 - منها الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل الباب - 33 - من أبواب المتعة.
(4) الوسائل الباب - 10 - كتاب اللعان.
(5) الوسائل الباب - 33 - من أبواب المتعة.
(6) الوسائل الباب - 10 - كتاب اللعان.
187

انتفاء الولد بدونه كما هو واضح، نعم الظاهر أن نفيه يقتضي الانتفاء إذا لم يعلم
إثمه فيه بصدوره منه مع الاحتمال، وإلا كان نفيه لغوا، لا أنه يأثم وينتفي الولد
عنه، كما قد يتوهم، لاطلاق ما دل (1) على لحوقه به المقتصر في تقييده على المتيقن،
وهو النفي الذي لم يعلم حاله، والله العالم.
(السادس)
لا خلاف نصا (2) وفتوى في أنه (لا يقع بها طلاق و) أنها (تبين بانقضاء
المدة) أو هبتها على وجه ليس له الرجوع في العدة، وليس ذلك طلاقا قطعا وإن
أطلق عليه في بعض النصوص (3) المعلوم إرادة حكم الطلاق في خصوص البينونة، ومن
الغريب توقف بعض المتفقهة من الأعاجم في أن له حكم الطلاق أيضا بالنظر إلى عدم
جواز وقوع الهبة من ولي الطفل، وهو كما ترى.
(و) على كل حال ف‍ (لا يقع بها إيلاء) على المشهور، لمخالفة أحكامه
للأصل، فيقتصر فيها على موضع اليقين، وليس هو إلا الدائمة، فإن الآية (4)
بقرينة قوله تعالى فيها: و (إن عزموا الطلاق) ظاهرة في تخصيص المولى عليها
بالقابلة للطلاق، فلا تدخل المتمتع بها نحو ما ورد (5) في اعتبار الدوام في التحليل
بأن قوله تعالى (6) فيها: (ن طلقها) إلى آخرها ظاهر في القابلة للطلاق وهي

(1) الوسائل الباب - 33 - من أبواب المتعة.
(2) الوسائل الباب - 43 - من أبواب المتعة.
(3) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 3 والباب - 20 - منها
الحديث 3.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 226 - 230.
(5) الوسائل الباب - 9 - من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.
(6) سورة البقرة: 2 - الآية 226 - 230.
188

الدائمة، ولأن من لوازم الايلاء المطالبة بالوطئ، وهو هنا منتف، لعدم استحقاقها
إياه ولو زاد على الأربعة أشهر، نعم لا إشكال في جريان أحكام اليمين على ذلك
لاطلاق أدلته، إنما المراد نفي أحكام الايلاء. فما عن المرتضى - من وقوعه بها مع
أنا لم نتحققه، بل المحكي من كلامه في الأنصار صريح في خلافه للآية (1) بعد
معلومية كونها من النساء وعدم اقتضاء قوله تعالى: (وإن عزموا الطلاق) التخصيص -
واضح الضعف، لما عرفت.
(ولا) يقع بها (لعان على الأظهر) الأشهر، بل المشهور، بل حكى
غير واحد الاتفاق عليه لنفي الولد، وإن كان فيه أنه مناف للمحكي عن صريح الجامع
من وقوعه، نعم يرده صحيح ابن أبي يعفور (2) عن الصادق عليه السلام (لا يلاعن الرجل
امرأته التي يتمتع بها) وصحيح ابن سنان (3) عنه عليه السلام أيضا (لا يلاعن الحر الأمة
ولا الذمية ولا التي يتمتع بها) كما أنهما يردان المفيد والسيد فيما حكى عنهما
من وقوعه للقذف، ضرورة إطلاقهما، ومع فرض كون التعارض بينهما وبين ما دل
عليه من وجه فلا ريب في أن الترجيح لهما بالشهرة العظيمة ومخالفة أحكام اللعان
للأصل.
(وفي الظهار تردد) من صدق الزوجية، فتندرج في إطلاق الأدلة وعمومها،
ومن كون أحكامه على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع اليقين، ولأن من لوازمه
الالزام بالفيئة أو الطلاق وليس هنا إذ لا حق لها في الوطئ، مع أنه لا يقع بها طلاق
وقيام هبة المدة مقامه لا دليل عليه (أظهره) عند المصنف (أنه يقع) بها
وفاقا للمحكي عن الأكثر، ومنهم ابن إدريس في بعض فتاواه، وخلافا له أيضا
وابن أبي عقيل والجنيد، لانقطاع الأصل باطلاق الأدلة وعمومها، والالزام بأحد
الأمرين لا يوجب التخصيص، إذ من الجائز اختصاصه بمن يمكن معه أحد الأمرين،
وهو الدائمة وكذا المرافعة دون غيرها، فيبقى أثره فيها باقيا وهو اعتزالها، لكن

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 226.
(2) الوسائل الباب - 10 - من كتاب اللعان الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب - 10 - من كتاب اللعان الحديث 1 - 2
189

فيه أنه مناف لمرسل ابن فضال (1) عن الصادق عليه السلام (لا يكون الظهار إلا على مثل
موضع الطلاق) واحتمال أنها من المثل كما ترى، بل عدم وقوع اللعان والايلاء
عليها مما يومئ أيضا إلى عدم وقوعه فيها، كايماء ما ذكر من أحكامه إلى ذلك كما
لا يخفى على من تأمل.
(السابع)
(لا يثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجين شرطا سقوطه أو أطلقا) وفاقا
للأكثر، بل المشهور بل عن الغنية نفي الخلاف عنه ولعله كذلك إلا من القاضي،
فجعله كالدوام، لصدق الزوجة التي لا يصح اشتراط سقوط إرثها كغيرها من الورثة،
ومن ابن أبي عقيل والمرتضى، وكذلك ما لم يشترط السقوط، جمعا بين ذلك وبين
ما دل على لزوم الشرط من قوله صلى الله عليه وآله: (2) (المؤمنون) وغيره، وخصوص موثق ابن
مسلم (3) في الرجل يتزوج المرأة متعة إنهما يتوارثان إذا لم يشترطا، وإنما الشرط
بعد النكاح " لكنهما معا كما ترى، ضرورة إرادة غير المستمتع بها من الزوجة
بالنصوص (4) المعتبرة التي يمكن دعوى تواترها.
(منها) خبر أبان بن تغلب (5) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (كيف أقول لها

(1) الوسائل الباب - 20 - من كتاب الظهار الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المتعة الحديث 4.
(4) الوسائل الباب - 35 - من أبواب مقدمات النكاح والباب - 4 - من أبواب
المتعة الحديث 4 و 5 والباب - 18 - و 23 منها الحديث 5 والباب - 32 - منها الحديث 3
و 6 و 7 و 8 و 10 والباب - 17 - من أبواب ميراث الأزواج من كتاب المواريث.
(5) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 1 وذكر ذيله في الباب 20
منها الحديث 2.
190

إذا خلوت بها؟ قال: تقول: أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله لا وارثة
ولا موروثة كذا وكذا يوما، وإن شئت كذ وكذا سنة، بكذا وكذا درهما،
وتسمى من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا فإذا قالت: نعم فقد
رضيت، فهي امرأتك وأنت أولى الناس بها، قلت، فإني أستحيي أن أذكر شرط
الأيام، قال: هو أضر عليك، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إنك إن لم تشترط كان
تزويج مقام، ولزمتك النفقة، وكانت وارثة، لم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة)
ضرورة كون المراد من ذلك بيان أن المتعة حكمها ذلك كي لا تكون الامرأة
مخدوعة، خصوصا بعد أن صرح فيه بالفرق بين من ترك الأجل فيها ومن ذكر،
بصيرورة الأولى دائمة وارثة بخلاف الثانية، فإنه كالصريح في أن ذلك حد المتعة
ومنه يعلم وجه الدلالة في هذا القسم من النصوص، كخبر أبي بصير (1) وخبر
ثعلبة (2) وخبر مؤمن الطاق (3) وخبر هشام بن سالم (4).
و (منها) خبر عبد الله بن عمر (5) (سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن المتعة،
فقال: حلال لك من الله ورسوله، قلت: فما حدها؟ قال: من حدودها أن لا ترثها
ولا ترثك) إلى آخره.
و (منها) صحيح سعيد بن يسار (6) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن
الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث، قال: ليس بينهما ميراث، اشترطا
أو لم يشترطا) ونحوه المرسل في الكافي (7).
و (منها) مرسل ابن أبي عمير (8) عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بالرجل
يتمتع بالمرأة على حكمه، ولكن لا بد له من أن يعطيها شيئا، لأنه إن حدث به
حدث لم يكن لها ميراث).

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 4 - 2 - 5 - 3.
(2) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 4 - 2 - 5 - 3.
(3) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 4 - 2 - 5 - 3.
(4) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 4 - 2 - 5 - 3.
(5) الوسائل الباب - 32 - من أبواب المتعة الحديث 8 - 7 - 4.
(6) الوسائل الباب - 32 - من أبواب المتعة الحديث 8 - 7 - 4.
(7) الوسائل الباب - 32 - من أبواب المتعة الحديث 8 - 7 - 4.
(8) الوسائل الباب - 40 - من أبواب المتعة الحديث 1.
191

و (منها) صحيح عمر بن حنظلة (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شروط المتعة،
فقال: يشارطها على ما شاء من العطية ويشترط الولد إن أراد، وليس بينهما
ميراث).
و (منها) خبر زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام في حديث (ولا ميراث بينهما
إذا مات واحد منهما في ذلك الأجل).
و (منها) ما دل على (3) أن المتمتع بها ليست كالحرة، هي مستأجرة
كالأمة، خصوصا خبر محمد (4) منها عن أبي جعفر عليه السلام (في المتعة، قال: ليست من
الأربع، لأنها لا تطلق ولا ترث ولا تورث وإنما هي مستأجرة) الظاهر أو الصريح
في اختصاص الإرث بالأربع من الزوجات بخلاف المتعة التي هي مستأجرة وبمنزلة
الأمة، بل لا يخفى على من تأمل ما ورد في المتعة وخصوصا نصوص النهي عنها
لمن يتمكن من التعفف بالتزويج (5) أنها ليست زوجة توارث، وإنما هي استمتاع
وانتفاع، كما عساه يومئ إليه مقابلة ذلك بالتزويج، بل يعرف ذلك منا العامة فضلا
عن الخاصة، فإن أبا حنيفة قال لمؤمن الطاق في مباحثته له: (آية الميراث تنطق
بنسخ المتعة، فقال له مؤمن الطاق: قد ثبت النكاح بغير ميراث، فقال أبو حنيفة
من أين قلت ذاك؟ فقال: لو أن رجلا من المسلمين تزوج بامرأة من أهل الكتاب
ثم توفي عنها ما تقول فيه؟ قال: لا ترث منه، فقال: قد ثبت النكاح بغير
ميراث).

(1) ذكر صدره في الوسائل الباب - 33 - من أبواب المتعة الحديث 3 وذيله في
الباب - 32 - منها الحديث 6.
(2) الوسائل الباب - 32 - من أبواب المتعة الحديث 10.
(3) الوسائل الباب - 26 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 4 وليس فيه (ولا تورث) وهي
مذكورة في الاستبصار ج 3 ص 147 الرقم 539.
(5) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المتعة.
192

ومن ذلك كله يعلم ما في كلام القاضي بل وما في كلام المرتضى، ضرورة
اقتضاء العموم المزبور جواز اشتراط عدم التوارث في الدائم أيضا، وهو معلوم البطلان
والموثق المزبور بعد الغض عما فيه من حصر الشرط فيما بعد النكاح الذي قد عرفت
البحث محمول على إرادة اشتراط الأجل، أي يتوارثان ما لم يشترطا الأجل،
فيكون متعة لا توارث بينهما، أو مطرح لقصوره عن معارضة ما سمعت من وجوه،
هذا كله فيما إذا لم يشترطا أو اشترطا السقوط الذي قد بان عندك أنه مؤكد عندنا
لا مؤسس.
(و) أما (لو شرطا التوارث أو شرط أحدهما قيل) والقائل به جماعة
من الأصحاب (يلزم عملا بالشرط، وقيل) والقائل جماعة أيضا، بل هو المحكي
عن أكثر المتأخرين، بل عن الفاضل أنه المشهور (لا يلزم لأنه) أي الإرث
(لا يثبت إلا شرعا، فيكون اشتراطا لغير وارث، كما لو شرط لأجنبي) ومن
المعلوم بطلانه، ضرورة كون الشرط ملزما لما هو مشروع لا أنه شارع (و) لكن
مع ذلك (الأول أشهر) بل في الرياض كاد يكون مشهورا، لصحيح محمد بن مسلم (1)
عن الصادق عليه السلام في حديث (وإن اشترط الميراث فهما على شرطهما) وصحيح
البزنطي (2) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: (تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح
بغير ميراث، إن اشترطت الميراث كان، وإن لم تشترط لم يكن) قيل ونحوه
الصحيح الآخر المروي عن قرب الإسناد للحميري (3) والظاهر أنه وهم، فإن
الحميري إنما رواه عن البزنطي أيضا بهذا اللفظ على ما حكى عنه.
وعلى كل حال فهذان الخبران لمكان اعتبار سنديهما قد اغتر بهما جماعة
من المتأخرين منهم الشهيدان، حتى قال ثانيهما: (إنه بهما يجاب عن أدلة الفريقين،
لدلالتهما على كون اشتراط الميراث سائغا لازما، فيثبت به، وعلى أن أصل

(1) الوسائل الباب - 32 - من أبواب المتعة الحديث 5 - 1.
(2) الوسائل الباب - 32 - من أبواب المتعة الحديث 5 - 1.
(3) أشار إليه في الوسائل في الباب - 32 - من أبواب المتعة الحديث 1 وذكره
في البحار ج 103 ص 313 ط الحديث.
193

الزوجية لا يقتضيه، فتكون الآية (1) مخصوصة بهما، كما خصصت في الزوجة
الذمية برواية (2) (إن الكافر لا يرث المسلم) ويظهر أن سببية الإرث مع اشتراطها
تصير ثابتة بوضع الشارع وإن كانت متوقفة على أمر من قبل الوارث كما لو أسلم
الكافر، وكذا يظهر جواب ما قيل: إنه لا مقتضي للتوارث هنا إلا الزوجية، ولا
يقتضي ميراث الزوجة إلا الآية، فإن اندرجت هذه في الزوجة في الآية ورثت وإن
لم يشترط ثبوته، وبطل شرط نفيه، وإن لم يندرج في الزوجة في الآية لم يثبت
الشرط، لأنه شرط توريث من ليس بوارث، وهو باطل، ووجه الجواب عنه بعد
تسليم اندارجها في الآية أنها بدون الشرط مخصوصة بالروايتين المعتبري الاسناد،
وبالشرط داخلة في العموم، لعدم المقتضي للتخصيص).
وفيه أن ذلك غريب في النظائر، بل في كشف اللثام عديم النظير، بل يبعد
رجحانهما على صحيح بن يسار (3) المؤيد بالمرسل في الكافي (4) وبظاهر
ما سمعته من النصوص المزبورة (5) الظاهرة والمصرحة بعدم اقتضاء عقد المتعة الإرث
وإنما هو كالإجارة بالنسبة إلى ذلك، بل ربما ظهر من خبر هشام بن سالم (6) منها
اقتضاؤه عدم الإرث وأن ذلك من حدودها نحو حد الاعتداد بما تسمعه، فشرط إرثها
حينئذ مع كونه من شرط إرث غير الوارث المعلوم بطلانه سبب (7) مخالفته للكتاب
والسنة مناف لما اقتضاه عقد المتعة أيضا، ودعوى كون الإرث بالزوجية حال الشرط
لا به كما ترى، خصوصا بعد القطع من الأدلة السابقة أن زوجيتها الحاصلة منها
ليست سبب إرث، بل سبب منع منه.
وحمل خبر ابن يسار على اشتراط سقوط الإرث ليس بأولى من حمل الخبرين

(1) سورة النساء: 4 - الآية 12.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب موانع الإرث الحديث 3 من كتاب المواريث.
(3) الوسائل الباب - 32 - من أبواب المتعة الحديث 7 - 4 - 0 - 0
(4) الوسائل الباب - 32 - من أبواب المتعة الحديث 7 - 4 - 0 - 0
(5) الوسائل الباب - 32 - من أبواب المتعة الحديث 7 - 4 - 0 - 0
(6) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المتعة الحديث 3.
(7) هكذا في النسختين الأصليتين المبيضة والمسودة والصحيح (بسبب).
194

على إرادة الوصية من الإرث فيهما، بل هذا أولى لما عرفت، ولأنه مقتضى إفادة
الشرط الإرث أن يكون ذلك على حسب ما يقع منه، ولذا لو اختص الشرط بأحدهما
كان الإرث له خاصة، هي بمكان الشرط مع غلبة التوارث من الجانبين، وحينئذ
فيتجه صحة اشتراط إرثهما لا على حسب إرث الزوجة والزوج، وهو من
المستغربات.
وأغرب منه التزام صحة شرطية إرث الزوجة والزوج على حسب حالهما من
وجود الولد وعدمه بالنسبة إلى النصف والثمن والربع، وإرث العقار وعدمه، من غير
فرق بين مقارنة مقتضيات ذلك وتجدده، بمعنى أن الشرط يصيرها كذلك ولا ينبغي
لمن رزقه الله معرفة مذاق الشرع أن يحتمل ذلك، فضلا عن أن يكون فتوى،
وخصوصا بعد معلومية (1) عقد المتعة بالموت، وأنه بمنزلة الهبة، بخلاف عقد
الدوام، فلا زوجية حينئذ بينهما كي يقتضي التوارث، بل يكون بالموت كمن
وهبت المدة، بل لعل ذلك هو السبب في عدم اقتضاء المتعة الإرث، ضرورة كونها
حينئذ كموت العين المستأجرة الذي من المعلوم بطلان الإجارة بها، ويتفرع عليه عدم
جواز تغسيلها والنظر إليها وعدم أوليته بها، فمن الغريب بعد ذلك جرأة
من عرفت على الفتوى بذلك، فالتحقيق عدم إرثها مطلقا بل لو اشترطا ذلك في
العقد على غير جهة الوصية بطل العقد بناء على اقتضاء بطلان الشرط بطلانه، والله
هو العالم.

(1) هكذا في النسخة الأصلية.
195

(الثامن)
(إذا انقضى أجلها بعد الدخول) أو وهبت الأجل حرة كانت أو أمة
بلا خلاف في التسوية بينهما (فعدتها حيضتان) وفاقا للشيخ ومن بعده، كما في
كشف اللثام. (وروى (1) حيضة) وعمل به ابن أبي عقيل على ما قيل، بل عن ابن
أذينة أنه مذهب زرارة أيضا (وهو متروك) بين الأصحاب، فلا يعارض الأول
الذي يدل عليه الصحيح أو الحسن عن إسماعيل بن الفضل (2) (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن المتعة، فقال: ألق عبد الملك بن جريح فسأله عنها، فإن عنده منها علما،
فأتيته فأملى علي شيئا كثيرا في استحلالها، وكان فيما روى ابن جريح قال: ليس
فيها وقت ولا عدد - إلى أن قال -: وعدتها حيضتان، فإن كانت لا تحيض فخمسة
وأربعون يوما، فأتيت بالكتاب أبا عبد الله عليه السلام، فعرضته عليه فقال: صدق وأقر به)
وخبر أبي بصير (3) المروي عن تفسير العياشي وعن كتاب الحسين بن سعيد على ما عن
البحار عن أبي جعفر عليه السلام (في المتعة - إلى أن قال -: ولا تحل لغيرك حتى تنقضي عدتها،
وعدتها حيضتان) وما في المسالك والروضة من خبر محمد بن الفضل (4) عن أبي الحسن
الماضي عليه السلام (طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان) منضما إلى ما رواه
زرارة (5) في الصحيح عن الباقر عليه السلام (إن على المتمتعة ما على الأمة) فإن المجتمع
من الروايتين أن عدة المتعة حيضتان، وإن كان قد يناقش فيه - بعد الغض عن

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 8.
(3) الوسائل الباب - 23 - من أبواب المتعة الحديث 6 والبحار ج 103 ص 315
ط الحديث.
(4) الوسائل الباب - 40 - من أبواب العدد الحديث 5 عن محمد بن الفضيل.
(5) الوسائل الباب - 25 - من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق.
196

اختلاف روايات الأمة كما ستعرفه في محله - بأن صحيح زرارة لا دلالة فيه على
ذلك بقرينة صدره، قال فيه: (وعدة المطلقة ثلاثة أشهر، والأمة المطلقة عليها
نصف ما على الحرة، وكذلك المتمتع عليها مثل ما على الأمة) إذ هو ظاهر في إرادة
المماثلة بالأشهر، نعم قد ورد تشبيه المتمتع بها بالأمة في غير المقام، فيمكن
باطلاق التشبيه تتميم الاستدلال، وإن كان هو كما ترى أيضا.
وعلى كل حال فالعمدة حينئذ ما سمعت مما لا يعارضه - بعد ما عرفت -
صحيح زرارة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (عدة المتمتعة إن كانت تحيض فحيضة، وإن
كانت لا تحيض فشهر ونصف " والموجود في الكافي كما اعترف به غير واحد اسقاط
(عدة المتمتعة) منه، نعم هو في التهذيب كذلك، ويؤيده روايته في الكافي في عدة
المتمتع بها، مضافا إلى ما عرفته من مذهب زرارة المظنون كون سنده ذلك، ولا
خبر عبد الله بن عمر (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث إلى أن قال: (فكم عدتها؟
قال: خمسة وأربعون يوما أو حيضة مستقيمة) ولا خبر محمد بن أبي نصر (3) عن
الرضا عليه السلام المروي عن قرب الإسناد (قال أبو جعفر عليه السلام: عدة المتمتعة حيضة،
وقال: خمسة وأربعون يوما) لاحتمال إرادة الحيضة وطهرها التأمين بدخول الحيضة
الثانية، فيكون حيضتين بناء على الاجتزاء بالدخول في الحيضة هنا، لخبر عبد الله
ابن جعفر الحميري (4) عن صاحب الزمان المروي عن كتاب الاحتجاج (إنه كتب
إليه في رجل تزوج امرأة بشئ معلوم وبقي له عليها وقت فجعلها في حل مما بقي له
عليها، وإن كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيامها ثلاثة أيام أيجوز أن
يتزوجها رجل آخر بشئ معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو
يستقبل بها حيضة أخرى؟ فأجاب عليه السلام يستقبل بها حيضة غير تلك الحيضة، لأن
أقل العدة حيضة وطهرة تامة) وعن بعض النسخ (وطهارة) بناء على أن المراد

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المتعة الحديث 1 وليس فيه (عدة المتمتعة)
والموجود في التهذيب ج 8 ص 165 الرقم 573 (عدة المتعة إن كانت تحيض...
(2) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المتعة الحديث 4 - 6 - 7.
(3) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المتعة الحديث 4 - 6 - 7.
(4) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المتعة الحديث 4 - 6 - 7.
197

منه ما ذكرناه، لا أن المراد الطهارة التامة من الحيضة، بمعنى اعتبار نقائها تماما
من الحيض، بل بناء على ما ذكرناه يمكن تنزيل صحيح ابن الحجاج (1) عليه
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة؟
قال: تعتد أربعة أشهر وعشرا وإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب
على الأمة " الحديث الذي قد حكي العمل به عن الصدوق في المقنع، وإلا كان متروكا كسابقه.
نعم ما يحكى عن المفيد من أن عدتها طهران قول معروف بين الأصحاب
محكي عن ابني زهرة وإدريس والعلامة في المختلف، بل هو ظاهر ثاني الشهيدين
بل عن ابن زهرة الاجماع عليه، لكن لم أعرف له دليلا بالخصوص سوى ما ذكره
في محكي المختلف له من أخبار الحيضة، فإنه إذا أكملت لها حيضة فقد مضى عليها
طهران: أحدهما قبلها والآخر بعدها، إذ يكفي منهما لحظة، وفيه أنه أعم من
ذلك، ضرورة عدم تحقق الطهرين بها فيما لو فرض مقارنتها لانتهاء الأجل، وسوى
ما في المسالك من الاستدلال له بحسن زرارة (2) عن الباقر عليه السلام (إن كان حر
تحته أمة فطلاقه تطليقتان وعدته قرءان) لكون المراد من القرءين في العدد
الطهرين نصا (3) وفتوى كما تسمعه في محله انشاء الله منضما إلى ما سمعته سابقا من
النص (4) على أن على المتمتعة ما على الأمة.
وفيه منع كون المراد بالقرءين هنا الطهرين وثبوته في ذلك المقام لا يستلزم
القول به هنا، خصوصا بعد النصوص المعتبرة (5) الدالة على أن عدة الأمة حيضتان، بل
يقوى تفسير هذا المجمل بها، فإنه وإن تعارض الروايات في الأمة المشبه بها المتعة
إلا أنك ستسمع إن شاء الله في محله ما يدل من المعتبرة على كون العدة فيها الحيضتين،
على أنه يمكن أن يقال بعد إرادة الكامل من الطهر - كما سمعته في خبر صاحب الزمان

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المتعة الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 1.
3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
(4) الوسائل الباب 52 من أبواب العدد - الحديث 2 من كتاب الطلاق.
(5) الوسائل الباب - 40 - من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
198

روحي له الفداء نتحقق الحيضتان أيضا.
وبذلك كله يظهر لك اجتماع النصوص جميعها على الحيضتين بناء على
الاجتزاء بالدخول في الحيضة الثانية، بل منه يعلم عدم أحوطية الحيضتين من
الطهرين، لامكان تحققهما بدون الطهرين، كما في المثال المفروض فيه مقارنة
الحيضة لانقضاء الأجل، إلا أني لم أجد تحريرا في كلامهم هنا لكيفية الاعتداد
بالحيضتين، وأنه هل لا بد من حيضتين تامتين، فلا يجزي، حينئذ انقضاء أجلها في
أثناء حيضها والدخول في حيضة أخرى، أو أنه يكفي فيهما بعض الحيضة الأولى
ولو لحظة والحيضة الثانية ولو لحظة، أو أنه لا بد من تمام الحيضة الثانية خاصة،
كما يومئ إليه خبر صاحب الزمان عليه السلام أو بالعكس، أو لا بد من حيضة كاملة
ولحظة من حيضة أخرى من غير فرق بين السابقة واللاحقة، إلا أن الذي ينساق
إلى الذهن الأول الذي هو مقتضى الأصل وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى
اعتبار الحيضتين بما عرفت مما لا يصلح غيره لمعارضته ولو للشذوذ والندرة، هذا كله
في التي تحيض.
(و) أما (إن كانت لا تحيض ولم تيئس) لكونها في سن، من تحيض
(فخمسة وأربعون يوما) اجماعا بقسميه، ونصوصا (1) بل في خبر البزنطي (2) عن
الرضا عليه السلام قال: (قال أبو جعفر عليه السلام: عدة المتمتعة خمسة وأربعون يوما والاحتياط
خمس وأربعون ليلة) بمعنى أن الاحتياط خمسة وأربعون بلياليها، بل الأولى
عدم اعتبار التلفيق.
وأما غير مستقيمة الحيض أو المسترابة فيه لرضاع ونحوه فقد يقوى أن العدة
أسبقهما، على معنى إن مضى لها خمسة وأربعون قبل الحيضتين تمت عدتها،
وإن اتفق الحيضتان قبل ذلك تمت العدة على حسب ما سمعته في الطلاق، وربما
يشهد له في الجملة خبر قرب الإسناد (3) واحتمال أن المدار على الحيضتين وإن
طال الزمان بعيد، بل يمكن القطع بعدمه بملاحظة ما سمعته في كتاب الطلاق،
والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المتعة الحديث 0 - 2 - 6.
(2) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المتعة الحديث 0 - 2 - 6.
(3) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المتعة الحديث 0 - 2 - 6.
199

(وتعتد) المتمتع بها الحرة (من الوفاة ولو لم يدخل بها) اجماعا
(بأربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلا) وفاقا للمشهور للآية (1) في وجه
والأصل وصحيح ابن الحجاج (2) عن الصادق عليه السلام (سألته عن المرأة يتزوجها
الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها عدة؟ قال: تعتد بأربعة أشهر وعشرا) وصحيح
زرارة (3) (سألت أبا جعفر عليه السلام ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي يتمتع بها؟ قال:
أربعة أشهر وعشرا، قال: ثم قال: يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة
حرة كانت أو أمة وعلى أي وجه كان النكاح منه، متعة أو تزويجا أو ملك يمين
فالعدة أربعة أشهر وعشرا) الحديث. خلافا للمفيد والمرتضى والعماني وسلار،
فعدتها شهران وخمسة أيام لأنها كالأمة في الحياة فكذلك في الموت، ومرسل
الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها
ما عدتها؟ قال: خمسة وستون يوما).
وفيه عدم خروج الأول عن القياس، إلا أن يراد التمسك بعموم المنزلة الذي
يجب الخروج عنه بما سمعت، والمرسل الذي لا جابر له ساقط عن الحجية على أن
في سنده الطاطري الواقفي الذي قيل فيه إنه شديد العناد في مذهبه، صعب العصبية
على من خالفه من الإمامية، فيجب حينئذ طرحه في مقابلة الصحيحين أو حمله على
إرادة خصوص الأمة من الامرأة فيه كحمل خبر ابن يقطين (5) عن أبي الحسن عليه السلام
(عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوما) على الموت متصلا
بانقضاء الأجل وإلا كان من الشواذ.
(و) تعتد (بأبعد الأجلين) منها أي المدة على المختار أو على قول
المفيد ومن وضع الحمل (إن كانت حاملا) بلا خلاف ولا إشكال عملا بالعامين،
فقول المصنف حينئذ (على الأصح) راجع للأول، وهو العدة في الحائل، هذا

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 234.
(2) الوسائل الباب - 52 - من أبواب العدد الحديث 1 - 2 - 4 - 3 من كتاب الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 52 - من أبواب العدد الحديث 1 - 2 - 4 - 3 من كتاب الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 52 - من أبواب العدد الحديث 1 - 2 - 4 - 3 من كتاب الطلاق.
(5) الوسائل الباب - 52 - من أبواب العدد الحديث 1 - 2 - 4 - 3 من كتاب الطلاق.
200

كله في الحرة.
(و) أما (لو كانت أمة) ف‍ (كانت عدتها حائلا بشهرين وخمسة أيام)
وفاقا للمشهور أيضا للمعتبرة المستفيضة (1) أن عدة الأمة إذ توفي عنها زوجها
شهران وخمسة أيام مؤيدة بما دل (2) على أنها على النصف من الحرة على وجه
كان ذلك كالأصل، خلافا للحلي والفاضل وغيرهما فكالحرة، لصحيح زرارة (3)
السابق مؤيدا بما دل (4) على اعتدادها من الوفاة بذلك الشامل باطلاقه للدائمة
والمتمتع بها، كصحيح سليمان بن خالد (5) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأمة إذا
طلقت ما عدتها؟ - إلى أن قال - قلت: فإن توفي عنها زوجها، فقال: إن عليا عليه السلام
قال في أمهات الأولاد: لا يتزوجن حتى يعتددن أربعة أشهر وعشرا وهن إماء) وموثقة
عنه عليه السلام (6) أيضا (عدة المملوكة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا) وصحيح
وهب بن عبد ربه (7) (سألت أبا عبد الله عليه السلام) عن رجل كانت له أم ولد فزوجها
من رجل آخر فأولدها غلاما، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها أله
أن يطأها؟ قال: تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر وعشرة أيام ثم يطؤها بالملك
بغير نكاح) والصحيح (8) (إن الأمة والحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء
في العدة إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد) وعن الشيخ الجمع بينها بحمل هذه
على أمهات الأولاد، وهو غير تام في الأخيرين الظاهرين أو الصريحين في غيرها،
نعم لا يبعد الجمع بالحمل على الاستحباب في غير ذات الولد، وأما فيها فكالحرة،
للصحيح السالم عن المعارض.

(1) الوسائل الباب - 42 - من أبواب العدد الحديث 6 و 7 و 8 و 9 و 10.
(2) الوسائل الباب - 40 - من أبواب العدد الحديث 3 والباب 42 منها الحديث
10 والباب 47 منها الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 52 - من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 42 - من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
(5) الوسائل الباب - 27 - من أبواب العدد الحديث 1 - 5 - 3 - 2 من كتاب الطلاق.
(6) الوسائل الباب - 27 - من أبواب العدد الحديث 1 - 5 - 3 - 2 من كتاب الطلاق.
(7) الوسائل الباب - 27 - من أبواب العدد الحديث 1 - 5 - 3 - 2 من كتاب الطلاق.
(8) الوسائل الباب - 27 - من أبواب العدد الحديث 1 - 5 - 3 - 2 من كتاب الطلاق.
201

وأما الحامل فعدتها أبعد الأجلين من المدة والوضع، وتركه المصنف لوضوحه،
واتكالا على ما ذكره سابقا.
التاسع:
لا يصح له تجديد العقد عليها دائما ومنقطعا قبل انقضاء الأجل وفاقا للمشهور
لعدم قابلية تأخر أثر عقد النكاح، واستحالة تحصيل الحاصل، ومفهوم الصحيح (1)
(لا بأس بأن تزيدك وتزيدها إذا انقطع الأجل فيما بينكما، تقول لها: استحللتك
بأجل آخر برضا منها، ولا يحل ذلك لغيرك حتى تنقضي عدتها) وخبر أبان بن
تغلب (2) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها
على شهر، ثم إنها تقع في قلبه فيحب أن يكون شرطه أكثر من شهر، فهل يجوز
أن يزيدها في أجرها ويزداد في الأيام قبل أن تنقضي أيامه التي شرط عليها؟ فقال:
لا يجوز شرطان في شرط، قلت: فكيف يصنع؟ قال: يتصدق عليها بما بقي من
الأيام، ثم يستأنف شرطا جديدا) فإن المراد من الشرطين المدتان المتخالفتان
والأجران المتباينان في شرط، أي في عقد واحد، ومقتضاه حينئذ عدم صحة ذلك
حتى لو فعله في أول العقد، بل لعل المراد أنه كما لا يجوز أجلان في عقد واحد فكذا
لا يجوز عقد جديد قبل انفساخ عقد الأول، فيكون أصرح في الدلالة على ذلك وعلى
كل حال فهو واضح الدلالة على المطلوب.
خلافا للمحكي عن ابن حمزة والفاضل في المختلف مستظهرا له أيضا من
العماني - وإن كان فيه ما فيه - لاطلاق الأدلة الذي لا ينافيه اشتغالها بأجله، كما
لا ينافي في عقده عليها في أثناء عدته وإن لم يجز ذلك لغيره، كما تطابقت عليه

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب المتعة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب المتعة الحديث 1.
202

النصوص (1) والفتاوى، خصوصا بعد تصريح الأدلة (2) بأنهن مستأجرات، ولا
ريب في جواز ذلك في الإجارة.
وفيه أنه يجب الخروج عن ذلك كله بما عرفت، كما أنه يجب تقييد ما ادعى
وروده (3) من نفى البأس عن زيادة الأجل بزيادة الأجر في تفسير قوله تعالى (4)
" ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) إن كان بما عرفت كما هو
واضح، والله العالم. (5)

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب المتعة الحديث 0.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 2 و 4 و 5 والباب - 26 - منها
الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 23 - من أبواب المتعة الحديث 8.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(5) بما أن كتاب النكاح قسم إلى جزءين في النسخة الأصلية المبيضة لذلك ذكر
هنا يأتي (تم المجلد الأول من كتاب النكاح الذي هو المجلد السابع من قسم العقود زاد الله
توفيق الشارح، إنه رؤوف ودود، ويتلوه المجلد الثامن وهو جلد آخر النكاح في نكاح الإماء
بعون الله خالق الأرض والسماء) ومن هنا افتتح الجزء الثاني منه بالبسملة، وحيث إن شيئا من ذلك
لم يكن في النسخة الأصلية المسودة لذلك أسقطناه من الكتاب.
203

(القسم الثالث)
(في نكاح الإماء)
أي وطئهن (وهو إما بالملك أو بالعقد) لعدم خروج أصل النكاح عن ذلك
لقوله تعالى (1): (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) وغيره، والتحليل عقد
أو ملك منفعة كما ستعرفه إن شاء الله
(و) قد عرفت أن (العقد ضربان دائم ومنقطع، وقد مضى كثير من
أحكامهما) المشتركة بين الإماء وغيرهن (و) لكن (يلحق هنا مسائل).
(الأولى:)
(لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يعقد إلا نفسهما نكاحا إلا بإذن المالك)
بل ولا يجوز على الأصح أن يعقد لغيرهما أيضا ذلك ولا غيره من المعقود، وإن كان
لو وقع منهما ترتب الأثر وإن أثما من غير حاجة إلى إذن السيد، نعم قد يقال بوجوب
الأجرة على من له العقد على إشكال فيما إذا لم يكن ذلك بأمره من وصول منفعة مال
الغير إليه ومن عدم حصول سبب الضمان منه، فالأصل البراءة.
وكيف كان (فإن عقد أحدهما من غير إذن وقف على إجازة المالك) بناء على
المختار من صحة الفضولي خصوصا في النكاح وسيما في العبد الذي عن الخلاف الاجماع
عليه، مضافا إلى المعتبرة (2) المستفيضة فيه، فإن أجاز انكشف صحة العقد على

(1) سورة المؤمنون: 23 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب 24 و 25 و 26 و 29 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
204

الأصح وإلا انشكف بطلانه.
(و) لكن مع ذلك (قيل) والقائل النهاية والتهذيب والمهذب فيما حكي
عنها: (بل تكون إجازة المالك كالعقد المستأنف) قال فيها: (إن من عقد على أمة
الغير بغير إذنه فنكاحه باطل، فإن رضي المولى كان رضاه كالعقد المستأنف) ويمكن
بل في كشف اللثام أنه الظاهر إرادة التزلزل من البطلان فيه كما عن النكت والمختلف،
أو البطلان أن لم يرض المولى، فيكون موافقا للمشهور حينئذ وإلا كان واضح الفساد
ضرورة عدم التحليل بما لم يقصد منه ذلك، إذ الفرض رضاه بالعقد السابق.
(وقيل) والقائل من أبطل الفضولي (يبطل) العقد (فيهما) أي في
العبد والأمة، وحينئذ (فتلغى الإجازة) إذ لا تصير الفاسد في نفسه صحيحا إلا أنك
قد عرفت ما فيه.
(وفيه) أيضا (قول رابع) قد اختاره ابن حمزة فيما حكي عنه
(مضمونه اختصاص) تأثير (الإجازة بعقد العبد) للنصوص (1) الكثيرة
(دون الأمة) التي نهى عن العقد عليها بدون الإذن (2) وهو يقتضي الفساد،
بل في بعض الأخبار (3) النص على البطلان، وفي آخر أنه زنا (4) ومال إليه في
الحدائق بل لعله ظاهر محكي الخلاف والسرائر.
(و) لا ريب في أن (الأول أظهر) بل الرابع منها واضح الضعف، ضرورة
إرادة النكاح تاما من دون مراعاة الإذن ولو لاحقا من النهي المزبور، وكذا البطلان
والزنا كما عرفته في نظائر ذلك، وخلو النصوص بالخصوص عن التعرض للأمة اتكالا
على ما ذكر في العبد الذي يمكن إرادة المملوك الشامل لهما منه، بل قد سمعت سابقا

(1) الوسائل الباب - 24 و 25 و 26 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد الإماء الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 29 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 و 3.
205

أنه ورد (1) جواز نكاح أمة المرأة من غير إذنها وإن كنا لم نعمل به.
على أن بعض النصوص هنا قد اشتملت على التعليل الذي هو كالصريح في عدم الفرق
بين العبد والأمة، كحسن زرارة (2) أو موثقه عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن مملوك
تزوج بغير إذن سيده، فقال: ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما، قلت:
أصلحك الله إن الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إن أصل النكاح
فاسد، ولا يحلله إجازة السيد له، فقال أبو جعفر عليه السلام: إنه لم يعص الله وإنما عصي
سيده، فإذا أجازه فهو جائز له) وخبره الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا (سألته عن رجل
تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه، فقال: ذلك إلى مولاه
إن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما، وللمرأة ما أصدقها إلا أن يكون
اعتدي فأصدقها صداقا كثيرا، فإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول، فقلت
لأبي جعفر عليه السلام: فإنه في أصل النكاح كان عاصيا، فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما أتى شيئا
حلالا، وليس بعاص لله، وإنما عصى سيده ولم يعص الله، إن ذلك ليس كاتيانه ما
حرمه الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه) إذ هي صريحة في أن عصيان الله تعالى في
النكاح الذي هو من قبيل المعاملة يقتضي فساده، وأن نكاح العبد الغير المأذون إنما
لم يفسد، لأنه لم يعص الله وإنما عصى سيده، وهذا لا فرق فيه بين العبد والأمة.
وتحقيق ذلك على وجه يجدي في غير المقام أيضا أن المعصية المنفية في
قوله عليه السلام: (لم يعص الله) ليست مطلق المعصية، بل المراد منها معصية مخصوصة
تقتضي فساد النكاح، والمعنى أنه لم يعص الله سبحانه عصيانا يوجب الفساد كما في
نكاح المحرمات والنكاح في العدة وغيرهما مما يحرم لعينه أو وصفه اللازم كما يدل
عليه قوله عليه السلام: (إنما أتى شيئا حلالا) وقوله عليه السلام: (إن ذلك ليس كاتيانه) إلى آخره
وإلا فعصيان السيد يستلزم عصيان الله، لأن الله أوجب على العبد طاعة سيده، فإذا
عصى سيده فقد عصى الله، فلا يصح نفي المعصية عنه مطلقا، وإنما يصح نفي المعصية

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب المتعة.
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 24 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
206

الناشئة من أصل النكاح، فإن معصية الله في نكاح العبد بدون إذن سيده إنما نشأ من
عصيان سيده، وهو أمر خارج عن النكاح مفارق إياه.
وحاصل الوجه المذكور أن المعصية الموجبة لفاسد النكاح هي مخالفة أمر الله
تعالى في نفس النكاح، وعصيان المملوك في نكاحه بدون إذن سيده ليس كذلك فإنه
قد حصل منه في نكاحه ذلك معصيتان: معصية لسيده في أصل النكاح ومعصية لله تعالى
باعتبار مخالفته لسيده، ومن المعلوم أن شيئا منهما ليس عصيانا لله في أصل النكاح
فلا يكون عصيانه موجبا لفساد النكاح، فمعنى قوله عليه السلام: (إنه لم يعص الله ولكن
عصى سيده) أنه لم يعص الله عصيانا راجعا إلى أصل النكاح حتى يفسد نكاحه،
وإنما عصى سيده معصية موجبة لعصيان الله فيما هو خارج عن النكاح، وذلك لا يوجب
فساده، وهو صريح فيما اخترناه من التفصيل في الأصول، وحجة على كل من
إطلاقي القول بالفساد وعدمه.
لا يقال: إن ذلك يقتضي الصحة وإن لم تحصل الإجازة، وهو معلوم البطلان
لأنا نقول: عدم الصحة مع فقد الإجازة ليس للتحريم، بل لاشتراط رضا المولى
في صحة النكاح وإن كان متأخرا عن العقد، فمع حصوله لم يبق إلا عصيانه في
فعله ذلك، وقد عرفت أنه لا يقتضي الفساد، فيصح العقد حينئذ لوجود المقتضي وارتفاع
المانع، فقوله عليه السلام: (لم يعص) إلى آخره، إشارة إلى الثاني، وقوله عليه السلام: (فإذا
أجازه) إلى آخره، إشارة إلى الأول.
كما أن ما يقال: إنه لا دليل على خصوص المعصية المنفية التي تكون مدار
الفساد يدفعه ما عرفت من ظهور الخبرين في عدم اقتضاء المعصية بأمر خارج الفساد،
واقتضائها ذلك فيما كان راجعا إلى أصل النكاح أو وصفه اللازم، كما يشهد له
قوله عليه السلام: (إنما أتى شيئا حلالا) إلى آخره، على أنه لا إشكال في دلالة الخبرين
المزبورين على بطلان إطلاقي القول بالفساد وعدمه، وذلك يستلزم التفصيل، إذ ليس
في المسألة تفصيل آخر يمكن الحمل عليه.
كما يدفع ما عساه يقال - من أن العصيان مخالفة الأمر، والسؤال في الرواية
207

لم يقع إلا عن التزويج بغير إذن الذي هو العنوان في كلام الفقهاء، فالمراد من
العصيان حينئذ هو الوقوع بغير إذن، ولا شك أن العمومات تقتضي صحته، بل
المفروض فيما إذا كان هناك دليل شرعي يقتضي الصحة، وحينئذ يكون معنى قوله
عليه السلام: (لم يعص الله) أن فعل العبد موافق لقول الله الذي يقتضي الصحة، غاية
ما في الباب أنه وقع بغير إذن السيد، فلو كان السيد هو المعقود له بغير إذنه تكون الإجازة
له فكذا العقد على عبده، لاتحاد دليل الصحة ومقتضاها، فالخبر حينئذ دال على
عدم الاقتضاء كما عليه المعظم، ولو أريد من العصيان ظاهره لم يصح الحكم بأنه
(لم يعص الله) إلى آخره، بل كان الأمر بالعكس، إذ المفروض أنه لم يقع منه نهي،
وإنما عصى الله في عقده بدون إذن سيده، لنهيه عن ذلك بدون إذن مولاه - بأن
العصيان إنما يستعمل في مخالفة الحكم الشرعي، وإطلاقه على مخالفة الحكم الوضعي
كمخالفة الصحة غير معهود، وإنما المعهود فيه إطلاق الفساد والبطلان مع أن
الحمل عليه لا يستقيم في قوله عليه السلام: (وإنما عصى سيده) إذ ليس للسيد قول يقتضي
الصحة حتى يكون فعل العبد مخالفا له.
وحمل العصيان هنا على حقيقته مع إرادة المعنى المذكور في قوله عليه السلام:
(لم يعص) تفكيك ركيك لا يلائمه الحصر، فإنه إنما هو بالقياس إلى ما نفي في
قوله عليه السلام: (لم يعص الله) فيكون إثباتا للمعنى المنفي هناك، فلا يصح التفكيك على
الحقيقة، على أن الحقيقة في قوله عليه السلام: (عصى سيده) متعذرة بناء على ما
ذكر من أن العصيان مخالفة الأمر إلى آخره، فينبغي حمله على ما يوجب العقوبة
في الجملة وإن لم يكن لمخالفة الأمر، فيلزم الخروج عن ظاهر اللفظ في الموضعين،
مع التفكيك بحمله فيهما على معنيين مختلفين، مع أن امتناع الحقيقة في قوله عليه السلام
(عصى سيده) إنما اقتضي الصرف عن الظاهر في قوله عليه السلام: (لم يعص الله) للزوم
التفكيك بدونه على ما يفهم من كلامه، وإلا فالحمل على الظاهر فيه ممكن بإرادة
نفي العصيان على بعض الوجوه، فالعدول عنه ليس إلا للفرار عن لزوم التفكيك،
208

والحمل على المعنى المذكور كر فيما أريد الفرار منه.
فالصواب أن يقال: إن العصيان في قوله عليه السلام: (لم يعص الله) جار على أصله
أعني مخالفة الأمر، والمعنى أنه لم يخالف أمر الله في النكاح، فإنه لم يمنعه من
النكاح ولم يحرم عليه، وفي قوله عليه السلام: (عصى سيده) مبني على تنزيل العادة
منزلة النهي، فإنها قاضية بمنع استقلال العبد بالنكاح وأشباهه مما يجب أن يصدر
عن أمر المولى ورأيه أو محمول على فعل ما يجب العقوبة وإن لم يكن لمخالفة الأمر
مجازا، ولا يلزم التفكيك القبيح حينئذ للمناسبة الظاهرة بين المعنيين وصحة الحصر
بالقياس إلى المعنى المنفي، بخلاف الحمل على مخالفة مقتضى الصحة على ما عرفت.
ويمكن حمله في الموضعين على ما يوجب العقوبة مطلقا، أما في عصيان السيد
فلتعذر الحقيقة الموجب للحمل على المجاز، وأما في عصيانه فلئلا يختلف، وحينئذ
فلا يلزم التفكيك، غاية الأمر حصول المعنى في أحدهما بمخالفة الأمر، وفي الآخر
بأمر آخر غير ذلك، وهذا لا يوجب التفكيك في المعنى المراد من لفظ العصيان، كما
هو واضح.
(و) على كل حال ف‍ (لو) كان قد (أذن المولى) ابتداء (صح)
بلا خلاف ولا إشكال (وعليه مهر مملوكه ونفقة زوجته) كما تقدم الكلام فيه
مفصلا (وله مهر أمته) وإن تأخرت الإذن بلا خلاف ولا إشكال، كما أن الظاهر
وجوب النفقة عليه بالإذن المتأخرة للعبد، لأنها يجب يوما فيوما، فهو بالنسبة
إلى المتجدد كالإذن المبتدأة من غير فرق، ولأنها تلزم كل يوم، فإنها لا تعيش
بلا نفقة، ولا ملك للعبد، فلو لم نوجبها على المولى بقيت بلا نفقة.
أما بالنسبة إلى المهر ففيه إشكال، ولعله من أن الإجازة مصححة أو كاشفة وأن
الإذن في الشئ إذن في لوازمه التي منها هنا المهر المعلوم لزومه للعقد الصحيح،
والعبد لا يملك شيئا، ومن أن العقد لما وقع تبعه المهر ولم يلزم المولى حينئذ،
وإنها رضيت بكونه في ذمة العبد، وفيهما منع ظاهر، فالأقوى وجوبه بها بناء
على وجوبه بها في السابقة، لعدم ظهور الفرق بينهما عند التحقيق.
209

نعم في القواعد احتمال ثبوت المهر والنفقة في كسب العبد المتجدد، ومنه
ربح تجارته، فيصرف حينئذ ما يكسبه كل يوم في نفقتها، فما فضل يعطي من المهر
حتى إذا وفي أعطى الفاضل لمولاه، ولا يدخر لنفقة اليوم الآتي شيئا، فإن نفقة
كل يوم إنما تتعلق بكسبه، وعلى هذا لا يضمن السيد شيئا من النفقة والمهر إن أعوز
الكسب، لأنهما لم يتعلقا بذمته، بل بمال معين له، كما أن أرش الجناية يتعلق
برقبته لا بذمة المولى، وإنما يجب عليه أن يمكنه من الاكتساب بما يفي بهما، فإن
منعه من الاكتساب بأن استخدمه يوما أو أياما فأجرة المثل، لأنه كالأجنبي
ويحتمل وجوب أقل الأمرين من الأجرة والكسب، وتحتمل أقل الأمرين من الكسب
والنفقة إن وفي المهر، هذا كله في ذي الكسب.
أما إذا لم يكن ذا كسب أو قصر كسبه عن النفقة احتمل ثبوتها في رقبته وفي
ذمة المولى، بل عن الشيخ في المبسوط ثبوت النفقة في رقبته حتى في ذي الكسب،
فيباع حينئذ كل يوم جزء منه فيها إن أمكن وإلا فجملة، ولم يذكر المهر. ولعله
أولى بتعلقه بها من النفقة، لكونه عوض البضع، فتنزيله منزلة أرش الجناية أظهر
اللهم إلا أن يقال: إنها لما مكنته من نفسها فقد رضيت بالتأجيل فيتبع به بعد العتق
وقد يحتمل أيضا عدم وجوب الكسب على العبد في النفقة مع عدم التزام المولى بها،
فتخير الامرأة حينئذ بين الصبر إلى أن يتمكن العبد من الانفاق عليها وبين الفسخ
بنفسها أو بالحاكم بناء على جواز ذلك في زوجة المعسر عن الانفاق، ولكن قد عرفت
التحقيق في ذلك كله هناك، فلاحظ وتأمل.
وكيف كان فلو اشترته زوجته أو اتهبته انفسخ النكاح، فإن كان قبل الدخول
سقط نصف المهر الذي في ذمة السيد، لكونه انفساخا قبل الدخول باختيارها، مع
من عليه المهر، فتكون كالخالعة قبل الدخول، ويحتمل سقوط جميعه، لأنه فسخ
من قبلها من دون اختيار للزوج، وهو مسقط للمهر، وإن ضمنه غيره فإن اشترته
من مولاه بالمهر الذي لها في ذمته بطل الشراء على الثاني، لخلو البيع حينئذ عن
العوض، فصحته حينئذ تقتضي بطلانه، وبطل النصف خاصة على الأول، نعم لها
210

شراؤه بما يساوي المهر في الذمة، ثم تقاصه، كما أنه يصح شراؤها له بالمهر المضمون
بعد الدخول، ضرورة استقراره، نعم في القواعد (لو جوزنا إذن المولى في نكاح العبد
على وجه يكون المهر في ذمة العبد - لأن له ذمة ولذا يضمن المتلفات فاشترته به
بطل البيع) أي قبل الدخول وبعده، لأن تملكها له يستلزم براءة ذمته من المهر
فيخلو البيع عن العوض، فتأمل.
ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين اتحاد المالك وتعدده كما أشار إليه المصنف
بقوله: (وكذا لو كان كل واحد منهما) أي العبد والأمة (لمالك أو أكثر)
وحينئذ (ف‍) إن (أذن بعضهم لم يمض إلا برضا الباقين أو إجازتهم بعد العقد
على الأشبه) بأصول المذهب وقواعده المقتضية صحة الفضولي الذي من جملته
محل الفرض، كما تقدم الكلام فيه مفصلا.
المسألة (الثانية)
(إذا كان الأبوان رقا كان الولد كذلك) بلا خلاف ولا إشكال، لأن
نماء المال ملك لمالكه (فإن كانا) أي العبد والأمة (لمالك واحد فالولد له
وإن كانا لاثنين كان الولد بينهما نصفين) وفاقا للمشهور بين الأصحاب، بل كافتهم
عدا أبي الصلاح، فجعله لمولى الأمة كسائر الحيوانات، وفيه أن السبب هنا في
التنصيف اقتضاء العقد لحوق الأولاد بهما، والفرض عدم مزية لأحدهما على الآخر
كي يختص اللحوق به. كما يومئ إليه ما تسمعه من نصوص (1) تزوج العبد حرة
وبالعكس الظاهرة في كونه اللحوق هناك للحر منهما، باعتبار أشرفيته التي منها
يعلم التساوي في اللحوق بهما مع عدم المزية، أما إذا لم يكن ثم لحوق لعدم العقد
كما في زنا العبد بأمة فإنه يلحق بالأم كما صرح به الفاضل في القواعد وغيره، بل
لم يحك فيه خلاف، لكونه نماء لها كباقي الحيوانات، ولعل الوجه فيه أن الانعقاد

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث - 0 - 0 -
211

من نطفة الأم وأن نطفة الفحل من المعدات كما عساه يشهد له ما قيل اتفاق
الانعقاد من رائحة مني الفحل، فهي حينئذ كالماء في نبات الأرض، أو أن الوجه
فيه عد ذلك من نماء الأم وتوابعها عرفا، نحو البيضة في الطير مثلا والثمر في الشجر
أو غير ذلك.
أما لو زنى العبد بحرة فلا لحوق شرعا، والأصل الحرية، لكن في كشف اللثام
أنه قطع الأصحاب برقية الولد من الحرة التي تزوجت عبدا غير مأذون عالمة بذلك
وكأنه مناف لذلك، اللهم إلا أن يحمل العقد بالنسبة إليه شبهة أو في حكمها النقصان
عقله، فيتجه حينئذ الرقية باعتبار تحقق سبب اللحوق به بالنسبة إليه دونها، كما
لو تزوجت أمة حرا بغير إذن مولاها عالما بذلك، فإن ولدها منه رق، لعدم اللحوق
به، لكونه زانيا، وهي كالمشتبهة، لنقصان عقلها، فيبقى ولدها رقا مضافا إلى أنه
نماء الملك، نحو ما لو زنى الحر بأمة، فإن الولد رق، لعدم اللحوق، فإنه لا سبب له
شرعا، ولكن يبقى مقتضى تبعية نماء الملك.
أما لو تزوج عبد غير مأذون بأمة غير مأذونة فالظاهر التنصيف أيضا إجراء
لحكم العقد منهما مجرى الشبهة الملحقة بالنكاح الصحيح المقتضي للحوق الولد بهما
كما عرفت.
وعلى كل حال فالتنصيف في المتن وغيره كما عرفت لكونه نماء ملكهما
كما علله به غير واحد، حتى أشكله في المسالك وكشف اللثام والحدائق بعدم ظهور
الفرق بين الانسان وغيره من الحيوانات التي لا إشكال في تبعية النماء للأم فيها،
إذ قد عرفت أن الانسان كغيره أيضا في ذلك حيث لم يكن عقد أو ما هو بمنزلة العقد
من الشبهة للطرفين أو أحدهما، بل لعله لذا وجب على من اشترى أمة وأولدها ثم
بان أنها للغير دفع قيمة الولد، كمن تزوجها على أنها حرة فبان أنها أمة، وغير ذلك
مما ذكرناه وما لم نذكره مما هو مبنى أيضا على كون الانسان كالحيوان في التبعية
للأم، فتأمل جيدا.
(ولو اشترطه) أي الولد (أحدهما أو شرط زيادة عن نصيبه لزم الشرط)
212

بلا خلاف أجده فيه لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1) بل لا يبعد صحة هذا
الشرط في الحيوانات غير الانسان أيضا، بل في كل مال مشترك شركة تقتضي الشركة في
الفرع على حسب الأصل لولا الشرط، وليس ذلك من الشرائط المخالفة للسنة، فإن
تبعية الملك للنماء لا تنافي تمليك من هو له بالشرط لغيره كما يملك ماله المعين به،
واحتمال الفرق بكونه في الثاني كالهبة بخلافه في الأول يدفعه ظهور النص (2)
والفتوى في صحة التملك بالشرط لكل ما يقبل التمليك مجانا أو بالعوض وإن لم
نقل بقيام الشرط مقام الأسباب في غير ذلك، ولعله لعدم انحصار نحو هذا التمليك
بسبب خاص ولفظ كذلك، فيكفي فيه حينئذ الرضا بالشرط ممن اشترط عليه،
ويكون ذلك بمنزلة الايجاب والقبول في ضمن عقد لازم، فتأمل جيدا فإنه دقيق
نافع، أو يقال: إنه من اشتراط اسقاط حقه من النماء واختصاص الحق بالآخر أو
غير ذلك.
(و) كيف كان ف‍ (لو كان أحد الزوجين حرا لحق الولد به سواء
كان الحر هو الأب أو الأم) وفاقا للمشهور لأصالة الحرية وغلبتها، والمعتبرة
المستفيضة، كمرسل مؤمن الطاق (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (إنه سئل عن المملوك
يتزوج الحرة ما حال الولد؟ فقال: حر، فقلت: والحر يتزوج المملوكة، قال:
يلحق الولد بالحرية حيث كانت، إن كانت الأم حرة أعتق بأمة، وإن كان الأب
حرا أعتق بأبيه) وخبر جميل وابن بكير (4) في الولد بين الحر والمملوكة قال:
(يذهب إلى الحر منهما) وخبر جميل (5) أيضا (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا
تزوج العبد الحرة فولده أحرار، وإذا تزوج الحر الأمة فولده أحرار) وخبره (6)

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 32 - من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة.
(3) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 7 - 4.
(4) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 7 - 4.
(5) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 6.
(6) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 8.
213

أيضا (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحر يتزوج الأمة أو عبد تزوج حرة، قال: فقال لي:
ليس يسترق الولد إذا كان أحد أبيه حرا إنه يلحق بالحر منهما أيهما كان: أبا
أو أما) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك، مؤيدا بأصالة الحرية وبنائها على
التغليب، وقد عرفت أن مقتضى العقد التشريك في الولد، فيكون جزء منه حرا
ويسري إلى الجزء الآخر تغليبا، مضافا إلى أصالة عدم لحوق أحكام العبيد من التحجير
وغيره مما هو مناف لاطلاق (أوفوا بالعقود) (1) ونحوه.
خلافا للإسكافي فقال - كما في المختلف -: (إذا زوج الأمة سيدها ومولاتها
فولدت فهو بمنزلتها رق إلا أن يشرط الزوج عتقهم، ولو تزوجت بعده فولدت كان
المولى بالخيار في الولد، إن شاء أعتق، وإن شاء رق ما لم يشترط الثاني كما اشترط
الأول) نعم حكى عنه في المختلف أنه حكم بأن العبد إذا تزوج الحرة كان ولده
أحرارا كقولنا، فدليله فيما ذكر حسن الحلبي وصحيحه (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
(في رجل تزوج أمة من رجل وشرط له أن ما ولدت فهو حر، فطلقها زوجها أو مات
عنها فزوجها من رجل آخر، ما منزلة ولدها؟ قال: منزلتها ما جعل ذلك إلا
للأول، وهو في الآخر بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء أمسك) وصحيح البصري (3)
عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا (في رجل زوج جاريته رجلا واشترط عليه أن كل ولد
تلده فهو حر فطلقها زوجها ثم تزوجها آخر فولدت منه، قال: إن شاء لم يعتق)
وخبر أبي بصير (4) عنه عليه السلام أيضا (أن رجلا دبر جارية ثم زوجها من رجل
فوطأها كانت جاريته وولدها منه مدبرين، كما لو أن رجلا أتى قوما فتزوج
إليهم مملوكتهم كان ما ولد لهم مماليك) وصحيح أبان (5) (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل دبر مملوكة ثم زوجها من رجل آخر فولدت منه أولادا ثم مات زوجها
وترك أولادا منها فقال: أولاده منها كهيئتها، فإذا مات الذي دبر فهم أحرار،

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 13 - 11 - 10.
(3) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 13 - 11 - 10.
(4) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 13 - 11 - 10.
(5) الوسائل الباب - 7 - من أبواب التدبير الحديث 1.
214

قلت أيجوز للذي دبر أمهم أن يرد في تدبيره إذا احتاج؟ قال: نعم، قلت: أرأيت
إن ماتت أمهم بعد ما مات الزوج وبقي أولادها من الزوج الحر أيجوز لسيدها أن
يبيع أولادها أو يرجع عليهم في التدبير؟ قال: إنما كان له أن يرجع في تدبير أمهم
إذا احتاج ورضيت) وخبر عبد الله بن سلمان (1) في حديث (سألته عن رجل زوج
وليدته رجلا، قال: أول ولد تلد منه فهو حر، قلت: فتوفي الرجل وتزوجها
آخر فولدت له أولادا، فقال: أما من الأول فهو حر، وأما من الآخر فإن شاء
استرقهم) وخبر الحسن بن زياد (2) قلت له: (أمة كان مولاها يقع عليها ثم بدا له
فزوجها ما منزلة ولدها؟ قال: منزلتها إلا أن يشترط زوجها) مؤيدا ذلك كله
بأنه نماء ملكه، ومعلومية تقدم حق العبد على حق الله، إلا أنها - وإن كان فيها
الصحيح وغيره - قاصرة عن معارضة السابقة المفتي بمضمونها، الموافق لما عرفت،
المخالف للعامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم، ومن هنا حكي عن بعضهم حمل
هذه الأخبار على التقية، كما أنه يمكن حملها على كون الرجل عبدا أو حرا قد
اشترط عليه ذلك، بناء على صحة الشرط أو غير ذلك مما لا بأس به بعد وضوحه قصورها
ولو بالاعراض من الطائفة المحقة.
فلا مناص حينئذ عن القول بالحرية مع حرية أحدهما (إلا أن يشترط المولى)
للأمة أو العبد (رق الولد ف‍) إنه (إن شرط لزم الشرط على قول مشهور)
بين الأصحاب، بل لم أجد فيه ترددا فضلا عن الخلاف قبل المصنف، بل ظاهر حمل
الشيخ والفاضل خبر أبي بصير (3) السابق على الشرط المفروغية عنه، ولعله لعموم
(المؤمنون) (4) وإطلاق النصوص المزبورة الشامل لحالي الشرط وعدمه، كشمول
إطلاق الأدلة إلا أنها رجحت على هذه في صورة عدم الشرط بالعمل بين الأصحاب

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 14 - 12 والأول عن عبد الله بن سليمان.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 14 - 12 والأول عن عبد الله بن سليمان.
(3) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 10.
(4) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
215

عدا ابن الجنيد، فلترجح هذه على تلك أيضا بالعمل بين الأصحاب في صورة الشرط
على أن شرط الرقية في الفرض نحو شرط الحرية التي صرح بصحته فيها وإن كان
لا يفيد إلا على مذهب ابن الجنيد، ضرورة اشتراكهما في كونهما شرطي نتيجة
شرعية لأسباب خاصة، فمع فرض صلاحية الشرط للأول منهما يتجه صلاحيته للثاني
منهما، بل هو لازم له عند التأمل، واستبعاد صلاحية الشرط لذلك اجتهاد في
مقابلة النص.
ودعوى عدم صلاحية الشرط لرقية الحر - وإلا لصح اشتراطها في المتولد من
الحرين - يدفعها أن المسلم امتناعه تأثير الشرط في رقية المتصف بالحرية فعلا بل
والمستعد لها مع عدم مقتضى لها غيره، كالمتولد من الحرين، فإن رفع اليد من
كل من الأبوين عن مقتضى تأثير إطلاق العقد الشركة يقتضي عدم لحوق المتولد
منهما بكل منهما في الصفة، وذلك لا يقتضي الرقية، بل أقصاه نفي حريته من حيث
التبعية، أما حريته للأصل فهي باقية لم ترتفع بشئ بخلاف ما نحن فيه، فإن رفع
يد الحر عن مقتضي ما أثبته العقد له من الشركة في الولد يقتضي اختصاص الآخر بالنماء
فيتبعه في الملك حينئذ، ففي الحقيقة صيرورته رقا بالتبعية لا بالشرط، وإنما أفاد
رفع مقتضي الحرية الذي كان حاصلا بسبب إطلاق العقد، بل عند التأمل الجيد لا
يزيد ما نحن فيه على اشتراط مالك العبد على مالك الجارية كون النماء له وبالعكس
الذي قد ذكرنا أنه لا خلاف في صحته.
ودعوى منع صلاحية الشرط لذلك أيضا ممنوعة، فإنه لا عقل ولا نقل يقتضي
حرية المتولد بين الحر والمملوك على وجه ينافي الشرط المزبور، بل لعلهما شاهدان
على خلافه كما عرفت، نعم أقصى ما دلت عليه الأدلة أنه مع الاطلاق يقتضي الشركة
في الولد، فيكون جزؤه حرا، وقد عرفت غير مرة أن الحرية تسري لبنائها على
التغليب، فمن هذه الجهة حكم بالحرية في النصوص المزبورة مع الاطلاق، وهو المراد
من قوله عليه السلام فيها: (ليس يسترق الولد) إلى آخره، لا أن المراد أنه لا يصح الاشتراط
على الحر من مولى المملوك كون النماء له الذي قد عرفت ظهور الأدلة في خلافه.
216

بل منه يعلم ما في كلام هؤلاء المتأخرين الذين أقدموا على مخالفة الحكم
المسلم فيما بينهم بمثل هذه التشكيكات، ضرورة أنه إن كان المانع أن الشرط غير صالح
لاثبات النتائج من دون أسبابها فلا معنى لاثبات الرقية به، ففيه بعد التسليم أنه
كاشتراط كون النماء له في المملوكين وغيره مما جاء بالأدلة، وإن كان المانع أنه
شرط غير مقدور باعتبار أن رقية الولد ليست للأب كي يصح اشتراط ذلك عليه، ففيه منع
كون ما نحن فيه من هذا القبيل، بل هو من اشتراط مولى المملوك أن النماء له،
فيتبعه في المالك، وليس في العقل ولا في النقل ما يدل على عدم صحة اشتراط ذلك،
بل هما شاهدان لنا على لصحة، ولا ينافيه استعداد النطفة للحرية لولا الشرط
للتقريب الذي ذكرناه، فهو في الحقيقة اشتراط اسقاط ما اقتضاه اطلاق العقد من
الشركة في النماء كغيره من الشرائط، لا من اشتراط رقية الحر كي يكون
من المستبشعات.
بل منه يعلم النظر في حصرهم الدليل في خبر أبي بصير (1) الذي ناقشوا فيه
بالضعف تارة، وبكونه مقطوعا في رواية التهذيب أخرى وبنحو ذلك، ولم يلتفتوا
إلى إطلاق الروايات المعتبرة المعتضدة بفتوى الأصحاب في صورة الشرط، بل لا
ينكر صراحتها في قابلية الشرط لحرية الرق لولاه التي يعلم منها كون ذلك
وعكسه مما يصلح لاثباته بالشرط بالتقريب الذي قد سمعته فتأمل جيدا، فإنه دقيق
نافع، مضافا إلى ما تسمعه من النصوص في ولد المحللة (2) ما لم يشترط حريته فضلا
عن اشتراط رقيته.
وعلى كل حال فعلى القول ببطلان الشرط وأنه يقتضي بطلان العقد تثبت
حرية الولد مع الوطئ شبهة، لعدم العلم بالفساد، أما مع علمه فالظاهر الرقية

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 10.
(2) الوسائل الباب - 37 - من أبواب نكاح العبيد والإماء
217

حينئذ لكونه من الزنا المقتضي لعدم لحوق الولد، فتبقى قاعدة تبعية النماء للملك
سالمة حينئذ، أما على القول بعدم اقتضاء بطلان الشرط بطلان العقد فلا ريب
في ثبوت الحرية، ضرورة كون العقد حينئذ كالمطلق، وإن كان قد يقال: إن إقدام
المالك على ذلك يقتضي إثبات القيمة له على الحر، لكنه كما ترى.
أما على القول بصحة الشرط فلا إشكال في ترتب مقتضاه حينئذ، بل في القواعد
والمسالك وغيرهما أنه لا يسقط بالاسقاط وإنما يعود الولد إلى الحرية بسبب جديد
كملك الأب له، وفيه منع عدم صلاحية الشرط المزبور للاسقاط، لتناول ما دل
على صحة اسقاط مثله له، فيعود حينئذ بعد الاسقاط إلى اقتضاء العقد الحرية بالتقريب
الذي عرفته، وآله العالم.
المسألة (الثالثة):
(إذا تزوج الحر أمة من غير إذن المالك) سابقا ولاحقا (ثم وطأها قبل
الرضا عالما بالتحريم) ولم يلحقه ثم رضا (كان زانيا) قطعا (وعليه الحد)
بلا خلاف ولا إشكال، لا أن المراد قبل تبين الرضا مع احتمال حصوله، إذ ذاك ليس
بزنا قطعا وإن أثم هو أيضا به، لكن من المحتمل مصادفته للزوجية واقعا، لاحتمال
حصول الإجازة، والحدود تدرأ بالشبهات، نعم يترتب عليه تعزير باقدامه المحرم
عليه، بل والحد أيضا، بناء على أن الإجازة ناقلة، لكن التحقيق أنها كاشفة كما
عرفت في محله.
(و) على كل حال (مهر) لها عند المصنف وبعض (إذا كانت عالمة مطاوعة)
لأنها حينئذ، بغي، ولا مهر لبغي وليس منفعة البضع على حسب غيرها من الأموال
التي تضمن بالاستيفاء على كل حال، بل وكذا باقي الاستمتاعات، ومن هنا لم يترتب
عوض على من استمتع بأمة الغير بغير الوطئ وإن ضمن الأجرة لو استخدمها، وإنما
يضمن البضع خاصة في الأمة بالعقد أو الشبهة أو الاكراه.
218

لكن فيه - مضافا إلى ما تسمعه من الصحيحين - (1) أن الخبر (2) ظاهر في
الحرة بقرينة ذكر المهر المتعارف إطلاقه على صداقها، بخلاف عوض بضع الأمة
المسمى بالعقر ونحوه، ومن هنا سميت الحرة مهيرة دونها، على أن قوله صلى الله عليه وآله (3)
(لبغي) يقتضي الملك أو الاستحقاق المنفيين عن الأمة التي مهرها لسيدها، فهو حينئذ
قرينة ثابتة على إرادة الحرة من الخبر، ولو سلم إمكان إرادة الاختصاص نحو السرج
للدابة فهو مجاز لا قرينة عليه، مؤيدا ذلك كله بعدم صلاحية بغيها لاسقاط حق
الغير، فإن ذلك ليس عقوبة لها، وبمنع عدم مالية بضع الأمة الذي لا وجه لقياسه
على غيره من الاستمتاع لو سلم الحكم في المقيس عليه باعتبار عدم عده ما لا في
العرف والشرع بخلاف الوطئ المقابل به عرفا وشرعا.
هذا وفي وجوب المسمى عليه أو مهر المثل أو العشر إن كانت بكرا ونصفه إن
كانت ثيبا وجوه بل أقوال لا يخلو الأخير منها من قوة، وفاقا للمحكي عن ابن حمزة
واختاره سيدا المدارك والرياض على ما حكى عن أولهما، لصحيح الوليد بن صبيح (4)
عن الصادق عليه السلام في (رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة دلست نفسها له، قال:
إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد، قال: قلت: كيف يصنع
بالمهر الذي أخذت منه؟ قال: إن وجد ما أعطاها فليأخذه، وإن لم يجد شيئا
فلا شئ له عليها، وإن كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه،
ولمواليها عشر قيمة ثمنها إن كانت بكرا وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما
استحل من فرجها، قال: وتعتد منه عدة الأمة، قلت: فإن جاءت منه بولد، قال:

(1) الوسائل الباب - 35 و 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 منهما.
(2) سنن البيهقي ج 6 ص 6.
(3) لم نعثر على ما اشتهر (لا مهر لبغي) وإنما الموجود في سنن البيهقي ج 6 ص 6
(نهى النبي ص عن... مهر البغي) و (لا يحل.. وإلا مهر البغي) وأنه (سحت) أو
(خبيث).
(4) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
219

أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الموالي) الظاهر في ذلك بسبب
ما استوفاه من منفعة البضع التي لا فرق في كيفية استيفائها بزنا أو شبهة، عقد
أو شراء أو غير ذلك، كما يؤيده فتوى المشهور بين الأصحاب في باب البيع أن من
اشترى أمة فخرجت مستحقة للغير أغرم له ذلك، حتى أن المصنف نفسه أفتى به
هناك، بل ظاهرهم ما صرح به بعضهم هناك من عدم الفرق بين كون الأمة عالمة وغير عالمة
إلا من الشهيد في الدروس.
واحتمال اختصاص ذلك بصورة الوطئ شبهة لا ما يشمل الزنا الذي هو محل
البحث بقرينة قوله عليه السلام: (بما استحل) يدفعه أولا ظهور إرادة المقابلة من قوله
عليه السلام: (بما استحل) لا خصوص الوطئ بعنوان كونه حلالا له، نحو قول
أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة (1) الذي سئل عمن اشترى جارية ثم ظهر كونها
مستحقة بالبينة (ترد إليه جاريته ويعوضه مما انتفع) بناء على إرادة ذلك منه، على
أن صحيح الفضيل بن يسار (2) صريح في عدم مدخلية الاستحلال (سأل الصادق عليه السلام
عما إذا أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها، قال: لا ينبغي له ذلك قال:
فإن فعل أيكون زانيا؟ قال: لا ولكن يكون خائنا ويغرم لصاحبها عشر قيمتها
إن كانت بكرا وإن لم تكن بكرا فنصف العشر) بل من إطلاق الصحيحين يعلم الحكم
في أصل المسألة، وأنه لا مدخلية لبغيتها في سقوط حق المولى خصوصا إذا كانت
بكرا، فإنه ينبغي القطع بثبوت ذلك له.
واحتمال القول بخروجه عن محل البحث باعتبار كونه جناية على المملوك
موجبة لنقصه فضمانه من هذه الحيثية لا من حيث كونه مهرا يدفعه معلومية كون
العشر الذي أثبته الشارع نصفه أرشا للبكارة ونصفه من حيث الانتفاع بالوطئ، بقرينة
قوله عليه السلام: (وإن لم تكن بكرا فنصف العشر) كما هو واضح بأدنى تأمل.
ومنه يعلم الحكم فيما لو كان المتزوج بالأمة من غير إذن سيدها عبدا وكانت

(1) الوسائل الباب - 88 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 35 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
220

بكرا، فإن الذي يتعلق برقبته نصف العشر وبذمته النصف الآخر، لكن في القواعد
(إن قلنا: إنه أرش جناية تعلق برقبته فلا بد أن يباع فيه، وإن قلنا: إنه مهر تبع
به بعد العتق) وفي كشف اللثام (الأقوى الأول خصوصا بالنسبة إلى المولى، وعدم
ضمان الأرش بوطئ الحرائر لأنه تابع للوطئ، فهو جناية مباحة كالاختتان
والخفض) وفيه ما عرفت من أن الظاهر تحقق الجناية فيه والوطئ، ولكل موجب
كما عرفته.
بل منه يظهر أن ذلك تقدير شرعي لبضع الأمة في جميع أحوال استيفائه
بغير العقد الصحيح من غير فرق بين الزنا وغيره، والعلم والجهل من الواطئ أو الأمة،
للتعليل، والقطع بعدم الفرق في مورد الصحيحين وغيره كما اعترف به في الرياض،
فالصور الأربعة المذكورة في المسالك وغيرها متحدة بالنسبة إلى هذا الحكم كغيرها
من صور وطئ الأمة بغير العقد الصحيح، والله العالم.
(و) على كل حال فلا إشكال في أنها (لو أتت بولد كان) الولد (رقا لمولاها)
لكونه نماء ملكه، والفرض عدم العقد المقتضي لثبوت النسب، فهو كولدها منه زناء
من غير عقد، كما أنه لا إشكال في ضمانه أرش عيبها بالولادة إن تعيبت بها، كما
عن ابن حمزة التصريح به، هذا كله فيمن وطأ بلا إذن عالما بالتحريم.
(و) أما (إن كان) أي (الزوج جاهلا) بحرمة ذلك عليه (أو كان
هناك شبهة) وطأها بها بعد العقد كأن وجدها على فراشه (فلا حد) قطعا
لعدم تحقق موجبه، وهو الزنا (ووجب المهر) الذي هو العشر إن كانت بكرا،
ونصفه إن كانت ثيبا عندنا وإن كانت هي غير مشتبهة (وكان الولد حرا) إجراء،
- للشبهة وإن لم تكن عن عقد - مجرى العقد الصحيح في حصول النسب المقتضي
للحرية على الوجه الذي ذكرناه. (لكن يلزمه قيمته لمولى الأمة) لكونه
كالمتلف مال غيره بغير إذنه، ضرورة كونه نماء للجارية وتابعها لها، كما أوضحناه
سابقا، ووقت تقويمه (يوم سقط حيا) إذ مع السقوط ميتا ليس بمال كما أنه
221

كذلك قبله أيضا، فأول أزمان تموله الذي قد حال بينه وبينه يوم سقوطه، فيفرد
حينئذ بالتقويم في ذلك الوقت، ويضمن له قيمته، كما أوضحناه في باب البيع.
(وكذا لو عقد عليها لدعواها الحرية) بالأصل أو بالعارض مع قيام بينة
لها بذلك أو قرائن أفادت القطع به أو الظن مع القطع بكفايته في الاقدام على
تزويجها جهلا على وجه يعذر فيه أو نحو ذلك مما يكون به العقد والوطئ شبهة
بعد أن بان فساد دعواها، فإنه لا حد حينئذ قطعا، لعدم موجبه بعد فرض الشبهة،
و (لزمه المهر) المسمى في قول ضعيف، ضرورة بتين فساد العقد المقتضي له
من أصله لا من حينه، كما عساه يتوهم من بعض العبارات، ولا دليل يعتد به على
لحوق عقد الشبهة بالصحيح بالنسبة إلى ذلك، كما تقدم البحث في نظائره التي قلنا
بوجوب مهر المثل فيها الذي هو المتجه هنا لولا الصحيح المزبور المعتضد بالصحيح
الآخر.
(و) من هنا كان الأقوى ما (قيل) من (عشر قيمتها إن كانت بكرا، ونصف
العشر إن كانت ثيبا) بل ظاهر قول المصنف (وهو المروي) (1) الميل إليه هنا وإن
كان الظاهر عدم الفرق بين جميع أحوال وطئ الأمة بغير العقد الصحيح المذكور فيه
المسمى كما عرفت الكلام فيه مفصلا، بل ظاهر الأصحاب الاتفاق هنا على عدم الفرق
بين كونها بغيا وغير بغيي، بل في المسالك عن بعضهم دعوى إجماع المسلمين عليه، وهو
مما يؤيد ما قلناه سابقا من وجوب المهر لها وإن كانت بغيا، ضرورة عدم الفرق المجدي
بين الموضعين، كما هو واضح.
(و) على كل حال ف‍ (لو كان دفع إليها مهرا استعاد ما وجد منه،)
لكونه باقيا على ملكه، وتبعها بالتالف منه بعد العتق، ويغرم للمولى ما يستحقه
عليه، كل على مختاره فيه، حتى أنه لو قلنا بكون اللازم له المسمى وفرض
دفعها إليها وكان تالفا وجب دفع مثله أو قيمته إليه، لكونه مضمونا عليه حتى
يوصله إليه، وقد بان أن الوصول إليها وصول إلى غير المستحق، كما هو واضح.

(1) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
222

(و) لو أولدت منه (كان ولدها منه رقا) عند الشيخ وأتباعه، بل في الحدائق
أنه هو المشهور، بل لعله خيرة المصنف بناء على أن ذلك منه، لا أنه مقول قيل،
فيكون منافيا لما اختاره سابقا في شبهة الزوج بغير دعوى الحرية، ولعله لخصوص
النصوص (1) هنا.
لكن الأقوى عدم الفرق بين أفراد الشبهة في حرية الولد، وفاقا للمحكي
عن المبسوط والسرائر ونكت النهاية، للأصل ولظهور الأدلة في كونه كالعقد الصحيح
في لحوق النسب المقتضي لحرية الولد على الوجه الذي قد عرفته سابقا، مضافا إلى
أصالة الحرية، وأصالة عدم لحوق أحكام العبيد، وإلى خصوص ما في ذيل صحيح
الوليد بن صبيح (2) الذي هو دليل المسألة، ولا داعي إلى حمل ذلك فيه على
الانكار دون الاخبار بقرينة الشرط فيه المحمول على إرادة تقرير موضوع الحكم
بالحرية لا التعليقية، أو على كون الأب قد رد ثمنهم الذي هو كما ترى، المعتضد
بصحيح محمد بن قيس (3) عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل تزوج جارية رجل على أنها
حرة ثم جاء رجل آخر فأقام البينة على أنها جاريته، قال: يأخذها ويأخذ قيمة
ولدها) الظاهر في حرية الولد، وإلا كان الجائز له أخذها وأخذ ولدها، بل
وبالنصوص (4) في الأمة المشتراة ثم بان أنها مستحقة للغير المتقدمة في كتاب البيع،
بناء على عدم الفرق بين أفراد الشبهة، بل وبموثق سماعة (5) (سألت أبا عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 8 عن محمد بن
علي بن الحسين، عن أبي جعفر عليه السلام، إلا أن الموجود في الفقيه ج 3 ص 262 -
الرقم 1246 (روى محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام....).
(4) الوسائل الباب - 88 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(5) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5.
223

عن مملوكة أتت قوما وزعموا أنها حرة فتزوجها رجل منهم وأولدها ولدا ثم إن
مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكة أو أقرت الجارية بذلك، فقال: تدفع
إلى مولاها هي وولدها، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير
إليه، قلت: فإن لم يكن لأبيه ما يأخذ به ابنه، قال: يسعى أبوه في ثمنه حتى
يؤديه، ويأخذ ولده، قلت: فإن أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه، قال: فعلى الإمام
أن يفديه، ولا يملك ولد حر) فإنه صريح في كون الولد حرا بناء على ما في جامع
المقاصد من أنه ضبطه المحققون بالوصف لا الإضافة، فيكون المراد حينئذ أنه
ولد حر والولد الحر لا يكون مملوكا، فيجب على الأب أو الإمام فداؤه.
ومنه يعلم حينئذ أن دفع القيمة ودفع الولد لمولى الجارية لا لكونه مملوكا،
بلا لاستحقاقه القيمة على الأب، فمن الغريب استدلال بعضهم به على الرقية،
كالاستدلال عليها أيضا بحسن زرارة (1) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أمة أبقت من
مواليها فأتت قبيلة غير قبيلتها فادعت أنها حرة، فوثب عليها رجل فتزوجها،
فظفر بها مولاها بعد ذلك وقد ولدت أولادا، فقال: إن أقام الزوج البينة على أنه
تزوجها على أنها حرة أعتق ولدها وذهب القوم بأمتهم، وإن لم يقم البينة أوجع
ظهره واسترق ولده) وموثق سماعة (2) الآخر (سأله عن مملوكة أتت قبيلة غير
قبيلتها فأخبرتهم أنها حرة، فتزوجها رجل منهم، فولدت له، قال: ولده مماليك إلا أن
يقيم البينة أنه شهد لها شاهدان أنها حرة فلا يملك ولده، ويكونون أحرارا) وموثق
محمد بن قيس (3) الآخر عن أبي جعفر عليه السلام (قضى علي عليه السلام في امرأة أتت قوما فأخبرتهم
أنها حرة، فتزوجها أحدهم وأصدقها صداق الحرة، ثم جاء سيدها، فقال: ترد
عليه، وولدها عبيد) وذلك لأن حسن زرارة ظاهر أو صريح في إرادة بيان أن
الأصل تبعية النماء للجارية في المملوكية للسيد حتى يقيم البينة أنه تزوجها حرة
مشتبها وإلا كان الولد رقا، بل هو المراد من موثق سماعة المزبور وإن كان قد اقتصر

(1) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 2 - 4.
(2) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 2 - 4.
(3) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 2 - 4.
224

فيه على ذكر بعض أفراد الشبهة، وهو إقامتها البينة، بل منه يعلم المراد في موثق
محمد بن قيس، فليس شئ من هذه النصوص دالا على رقية الولد في هذا الفرد من الشبهة،
بل حاله كحال غيره من أفرادها.
ومن ذلك يعلم ما في الجمع الذي ذكره في الحدائق وأطنب فيه، وحاصله (إنه
إن كانت الشبهة الحاصلة بشهادة الشاهدين لها على الحرية فأولادها أحرار من دون
دفع قيمة، لأنه أخذ بظاهر الشرع، وإن كانت بدعواها العتق مثلا مع ظهور
قرائن تورث الظن بصدقها وتوهم الحل بذلك فأولادها أرقاء، ولكن يفكهم أبو هم
بالقيمة، لكونه ليس حلالا صرفا كشهادة الشاهدين حتى يكون الولد حرا،
ولا زنا صرفا حتى يكون رقا، بل كان شبهة فيه شائبة زنا، فكان حكمه الرقية
التي يكون للأب سلطنة على الفك جمعا بين الشبهة وشائبة الزنا).
لكنه كما ترى لا شاهد له ولا مقتضي، والعذر الشرعي ولو بينة لا ينافي الضمان
كما نطقت به النصوص (1) فيمن اشترى أمة فظهر أنها مستحقة للغير، نعم هل
يستحق الرجوع به على الشاهدين أو لا؟ فيه بحث ستسمعه إنشاء الله وكأنه أخذ
هذا الجمع مما عن النهاية قال: (إن عقد عليها على ظاهر الأمر بشهادة الشاهدين
لها بالحرية ورزق منها أولادا كان أولادها أحرارا، وإن عقد عليها على ظاهر
الحال ولم تقم عنده بينة بحريتها ثم تبين أنها كانت رقا كان أولادها رقا لمولاها،
ويجب عليه أن يعطيهم أباهم بالقيمة، وعلى الأب أن يعطي القيمة، فإن لم يكن
له مال استسعى في قيمتهم، فإن أبى كان على الإمام أن يعطي مولى الجارية قيمتهم
من سهم الرقاب ولا يسترق ولد حر).
بل قد يرجع إلى ذلك كلامه في كتابي الأخبار، بل في كشف اللثام حكايته
عن المهذب أيضا، بل فيه وكذا في الغنية، لكنه أوجب للسيد القيمة على الأول
أيضا، وفي الجامع، إلا أنه لم ينص على الرقية في الثاني، وفي الوسيلة، لكن جعل
في حكم شهادة الشاهدين بالحرية تدليس مدلس عليه، إلا أنه لا يخفى عليك ما في

(1) الوسائل الباب - 88 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
225

الجمع بعد الإحاطة بما ذكرنا من أنه لا معارضة في شئ من هذه النصوص لما دل
على الحرية كغيرها من أفراد الشبهة.
(و) لكن صريح غير واحد بأنه يجب (على الزوج) الذي هو الأب (أن
يفكهم بالقيمة ويلزم المولى دفعهم، إليه) بمعنى أنه يضمن قيمة الولد للمولى،
لأنه كالمتلف لماله الذي هو نماء ملكه وإن كان مشتبها، لأن الاشتباه لا يرفع
الضمان الذي قد دلت عليه نصوص (1) الأمة المشتراة ثم ظهر أنها مستحقة،
وبعض نصوص المقام (2).
نعم الظاهر أنه لا سلطنة للمولى على الأولاد بناء على الحرية، فليس له
حبسهم حتى تدفع إليه القيمة، وموثق سماعة (3) المزبور لم أجد به عاملا على
هذا التقدير، ضرورة نفي السلطنة على الحر، وشغل ذمة الأب بالقيمة لا يقتضي ذلك
ومن هنا قال في المسالك بعد نقل قولي الحرية والرقية: (وتظهر فائدة القولين مع
اتفاقهم على وجوب القيمة والحرية بدفعها فيما لو لم يدفعها لفقر أو غيره، فعلى
القول بالحرية تبقى دينا في ذمته، والولد حر، وعلى القول الآخر يتوقف على
دفعها).
فالواجب حمل قوله عليه السلام فيها: (تدفع هي وولدها) على إرادة دفع قيمة
ولدها كما أومأ إليه صحيح محمد بن قيس (4) المذكور، وإلا كان مخالفا للمسلمين
فضلا عن المؤمنين، ضرورة عدم حبس الحر بدين غيره.
كما أن ماء فيها من سعى الأب في الثمن مخالف للمختار من عدم وجوب سعي
المديون في وفاء دينه الذي وجوبه مشروط بالمطالبة التي أسقطها الشارع بالاعسار
وأوجب الأنظار إلى الميسرة (5) فهو في الحقيقة واجب مشروط، وإخراج هذا

(1) الوسائل الباب - 88 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 - 5.
(3) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 - 5.
(4) راجع التعليقة (الثالثة) من ص 223.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 280 والوسائل الباب - 25 - من أبواب الدين والقرض
من كتاب التجارة.
226

الدين من بين الديون التي فيها أعظم منه كالغصب والسرقة ونحوهما كما ترى،
فيحب حمله على الندب، كما احتمله في المسالك:، وربما يومئ إليه عدم الأمر
بالقهر عليه عند الامتناع عنه في ذيل الخبر المزبور، وإلا كان من الشواذ على
هذا التقدير، فإنا لم نجد عاملا به.
كما لم نجد عاملا به عليه أيضا في تعيين القيمة وأنها يوم يصير إليه، بل
المعروف أنه قيمته يوم سقوطه حيا، لأن ذلك أول وقت الحيلولة وكذا ما فيها
من فداء الإمام له، مع أن الخطاب بالقيمة قد تعلق بذمة الأب.
وأغرب من ذلك ما عن النهاية من فداء الإمام له من سهم الرقاب، ولذا
اعترضه ابن إدريس فيما حكي عنه (بأن ذلك مخصوص بالعبيد والمكاتبين، وهؤلاء
غير عبيد ولا مكاتبين، بل أحرار في الأصل انعتقوا لذلك ما مسهم رق أبدا، لأنه
عليه السلام قال: (ولا يسترق ولد حر) وصفه بأنه حر، فكيف يشتري الحر من سهم
الرقاب؟ وإنما أثمانهم في ذمة أبيهم، لأن من حقهم أن يكونوا رقا لمولى أمهم
لكن لما حال الأب بينهم وبينه بالحرية وجب عليه قيمتهم يوم وضعهم أحياء
أحرارا، وهو وقت الحيلولة) وإن كان قد يدفع بأن الشيخ قد بنى ذلك على
رقية الولد لا حريته، وحينئذ يكون فداؤهم من سهم الرقاب في محله، لعدم كون
القيمة حينئذ في ذمة الأب وإن وجب عليه دفعها ثمنا لهم.
وفي الحدائق (والعجب منه أنه وافق الشيخ في هذه الصورة على رقية الولد
وأوجب السعي على أبيه في قيمته، فكيف يوافقه على ذلك ويمنع فكهم من
سهم الرقاب؟ لكونهم أحرارا ما مسهم رق أبدا لقوله عليه السلام في الخبر المزبور (1):
(ولا يملك ولد حر) قلت: يمكن أن يكون ذلك منه شاهدا على إرادة التجوز
من الرقية، ويكون هذا وجه جمع بين القولين، كما احتمله في كشف اللثام مستظهرا
له منها ومن نكت النهاية، وهو غير بعيد.
وعلى كل حال فالخبر المزبور بعد البناء على الحرية لا بد من طرح هذه

(1) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5.
227

الأحكام فيه، أو تأويلها بما يرجع إلى القواعد الشرعية، وإلا فإنه من الشواذ، كما
هو واضح، ومن ذلك ظهر لك الحال فيما في المتن ونحوه.
بل (و) ما فيه من أنه (لو لم يكن له) أي الأب (مال سعى في قيمتهم،
وإن أبى السعي فهل يجب أن يفديهم الإمام؟ قيل) والقائل الشيخ ومن تبعه:
(نعم تعويلا على رواية) سماعة (1) و (فيها ضعف) بناء على أن الموثق من
الضعيف. (و) لذا (قيل: لا يجب لأن القيمة لازمة للأب لأنه سبب الحيلولة)
بين المالك والأولاد، وفيه أنه بناء على الرقية لا منافاة بين ذ لك وبين فكهم من
سهم الرقاب.
(ولو قيل بوجوب الفدية على الإمام فمن أي شئ يفديهم؟ قيل: من سهم
الرقاب) كما سمعته من النهاية (ومنهم من أطلق) ولعله أولى، للاطلاق
ولأن بيت المال معد لمصالح المسلمين التي هذه منها، لكن لا يخفى عليك أن ذلك
كله غير متجه على ما اخترناه من الحرية.
ومن الغريب ما عن الوسيلة من أنه (إن انقطع تصرف الإمام أدى الأب عنه
من جهات الزكاة، فإن فقد جميع ذلك بقي الولد رقا حتى يبلغ ويسعى في فكاك
رقبته) فإنه لم نجد ما يشهد له على ذلك، والتحقيق ما عرفت.
نعم قد صرح في محكي السرائر برجوع الأب بالقيمة على شاهديها بالحرية
اللذين قد تزوجها بشهادتهما، قال: (لأن شهود الزور يضمنون بشهادتهم بغير
خلاف بيننا، والاجماع منعقد على ذلك وعن أبي الصلاح إذا تزوج الحر بأمة على
أنها حرة فخرجت أمة فولدها لاحقون به، ويرجع بقيمة الولد والصداق على
من تولى أمرها، وإن كانت هي التي عقدت على نفسها لم يرجع على أحد بشئ).
قلت: لا ريب في اقتضاء قاعدة الغرور الرجوع على الغار بما أنفقه المغرور
كما تسمعه إنشاء الله في بحث التدليس، وربما كان في خبري إسماعيل بن جابر إيماء

(1) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5.
228

إلى القاعدة المزبورة قال في أحدهما (1): (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نظر
إلى امرأة فأعجبته فسأل عنها، فقيل: هي ابنة فلان، فأتى أباها، فقال: زوجني
ابنتك، فزوجه غيرها، فولدت منه، فعلم أنها غير ابنته وأنها أمة، قال: ترد الوليدة
على مواليها، والولد للرجل، وعلى الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه لموالي
الوليدة، كما غر الرجل وخدعه) وقال في الآخر (2) لأبي عبد الله عليه السلام أيضا:
(رجل كان يرى امرأة تدخل على قوم وتخرج فسأل عنها، فقيل: إنها أمتهم
واسمها فلانة، فقال لهم: زوجوني فلانة، فلما زوجوها عرفوه أنها أمة غيرهم،
قال: هي وولدها لمولاها، قلت: فجاء إليهم فخطب ليهم أن يزوجوه من أنفسهم،
فزوجوه وهو يرى أنها من أنفسهم فعرفوه بعد ما أولدها أنها أمة، قال: الولد لهم،
وهم ضامنون قيمة الولد لمولى الجارية، ولا بأس به) بل ربما يقال: بضمان الجارية
ذلك لو كانت هي الغارة، فتتبع به بعد العتق، وكان المراد بالضمان قراره، لما
عرفت في محله أن المغرور لا يستحق الرجوع إلا بعد الدفع، والله العالم.
المسألة (الرابعة)
(إذا زوج عبده أمته هل يجب أن يعطيها المولى شيئا من ماله؟ قيل)
والقائل الشيخان وابنا حمزة والبراج وأبو الصلاح: (نعم) يجب لصحيح ابن
مسلم (3) عن الباقر عليه السلام (سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال: يجزؤه
أن يقول: قد أنكحتك فلانة ويعطيها ما شاء من قبله أو من مولاه، ولو مدا من طعام
أو درهما) وحسن الحلبي (4) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (الرجل كيف ينكح عبده

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 7.
(3) الوسائل الباب - 43 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 مع اختلاف يسير.
(4) الوسائل الباب - 43 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
229

أمته؟ قال: يقول: أنكحتك فلانة ويعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه ولو مدا
من طعام أو درهما أو نحو ذلك).
(و) لكن مع ذلك ف‍ (الاستحباب أشبه) بأصول المذهب وقواعده وأشهر
بل المشهور سيما بين المتأخرين ومتأخريهم للأصل وعدم تصور استحقاقه لنفسه
على نفسه، ضرورة أن مهر الأمة لسيدها، كعدم تصوره استحقاق ماله عليه مالا،
بل التسامح في الخبرين المزبورين في تقدير ذلك أوضح قرينة على الاستحباب، بل
صراحتها بعدم ذكره مهرا في النكاح شاهدا آخر عليه أيضا، ومنه يعلم شذوذهما لو
أريد الوجوب، ضرورة كون القائل بالوجوب يجعله مهرا كما هو صريح النهاية
والمحكي عن غيرها، فظاهر الخبرين لم يقل به، كما أن ظاهر القائلين لم يوافقه
خبر.
ولا فرق في المختار بين القول بأن نكاح العبد تحليل أو عقد، فما عساه
يظهر من بعضهم من بناء هذه المسألة على ذلك لا وجه له، والتحقيق فيها أنه عقد،
لاطلاق النص (1) والفتوى خلافا لابن إدريس، فتحليل لعدم الحاجة فيه إلى قبول،
وللاكتفاء بأمر المولى بالاعتزال في فسخه، ولو كان عقدا لاحتاج إلى طلاق من
العبد الأخذ بالساق، ودعوى كون هذا الأمر طلاقا يدفعها عدم اعتبار ما يعتبر في
الطلاق فيه، وفيه منع عدم الحاجة فيه إلى قبول، والخبران إنما كان السؤال فيهما
عن كيفية إنكاح المولى العبد أي ما يتعلق بالمولى من الايجاب، لا أن المراد
كفاية ذلك من دون قبول لا من العبد ولا من السيد الذي هو وليه، بل لعل دلالته
على القبول أوضح، كما في كشف اللثام، للفظ الانكاح، واجتزئ به عن ذكر
القبول، لظهوره فحينئذ يبقى ما دل على اعتبار العقد به في النكاح بحاله.
ومن ذلك يعلم ما في القواعد من الاشكال في ذلك، قال فيها: (ولو زوج عبده
أمته ففي اشتراط قبول المولى أو العبد اشكال ينشأ من أنه عقد أو إباحة) إذ قد
عرفت أن الأول هو الموافق للأصل والاحتياط في الفروج والظاهر من الأصحاب

(1) الوسائل الباب - 43 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث - 0 -.
230

والأخبار، بل هو صريح بعض الأصحاب أيضا كما اعترف بذلك كله في كشف
اللثام، بل ربما ظن من صحيح علي بن يقطين (1) عدم جواز التحليل للعبد،
(سأل الكاظم عليه السلام عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له
مولاه، قال: لا يحل له) وإن كان الأقوى خلافه كما تعرفه من النصوص (2)
الدالة على جواز التحليل له، واحتمال كون المراد من الخبر أن مطلق الإذن له
في ذلك لا يكون نكاحا، بل لا بد له من إنشاء عقد أو تحليل، بل لعله الظاهر منه.
وعلى كل حال فلا ريب في كون الأقوى ما عرفت، ولا يلزمه عدم الفراق إلا
بالطلاق، فإن نكاح المتعة عقد، ويحصل فراقه بغير الطلاق.
بل مما ذكرنا يعلم ما في المحكي عن المختلف من التزامه بعدم الحاجة إلى
القبول، معللا له بكونه ممن لا يملكه، لجواز إجباره عليه، إذ فيه أن ذلك
لا يقتضي عدم القبول اللفظي المحقق للعقد ولو من السيد كباقي أفراد المولى عليهم،
فالتحقيق اعتباره في صحة العقد، بل تحققه من العبد بإذن السيد أو من السيد، وكذا
الايجاب من الأمة بإذنه أو منه، فإن كلا منهما إذا حصل كفى.
(و) كيف كان ف‍ (لو مات) السيد (كان الخيار للورثة في إمضاء النكاح
وفسخه) لانتقال ما كان للسيد إليهم، (ولا خيار للأمة) الباقية على الرقية وإن
تغير المالك، كما هو واضح.

(1) الوسائل الباب - 33 - من أبواب نكاح العبيد والإماء 2.
(2) الوسائل الباب - 33 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 والباب - 45 -
منها الحديث 1 والباب - 22 - منها الحديث 1 و 2 و 8.
231

المسألة (الخامسة)
(إذا تزوج العبد بحرة مع العلم) لها (بعدم الإذن) له من السيد
في ذلك (لم يكن لها مهر ولا نفقة مع علمها بالتحريم) قطعا لكونها بغيا حينئذ
ولخبر السكوني (1) عن الصادق عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيما امرأة حرة
زوجت نفسها عبدا بغير إذن مواليه فقد أباحت فرجها ولا صداق لها).
نعم قيل كما في كشف اللثام وغيره لا حد عليها، وربما كان ظاهر اقتصار
المصنف وغيره على ما عداه، ولعل وجهه أنه شبهة بالنسبة إليها باعتبار نقصان عقلها
وعدم مخالطتها لأهل الشرع، فيكفي العقد شبهة لها، وبذلك يفرق بينها وبين
الحر إذا تزوج أمة غير مأذونة عالما بحرمة ذلك عليه، كما أنه قد يفرق بينها
وبين ما إذا تزوجت حرا بعقد فعلم فساده بأن هذا العقد فضولي تجوز فيه إجازة
المولى، ويؤيده ما في الأخبار (2) من أنه (لم يعص الله وإنما عصى سيده) وحسن
منصور بن حازم (3) عن الصادق عليه السلام (في مملوك تزوج بغير إذن مولاه أعاص لله؟
قال: عاص لمولاه، قلت: حرام هو، قال: ما زعم إنه حرام، وقل له: أن لا يفعل
إلا بإذن مولاه).
إلا أن الجميع كما ترى، بل لعل اقتصار المصنف وغيره اتكالا على معلومية
ذلك، ضرورة صدق كونها زانية، والشبهة العرفية منتفية بالفرض، والشرعية لا دليل
عليها، ونقصان عقلها وعدم مخالطتها لأهل الشرع لا يقضي بذلك بعد فرض علمها
بالتحريم، كما أن توقع الإجازة لا يقتضي به أيضا، وإلا سقط الحد عنها بتزوجها
حرا مولى عليه فضولا مع تمكينها من وطئه إياها ولم تحصل الإجازة بعد ذلك،

(1) الوسائل الباب - 24 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل الباب - 23 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
232

بل كان المتجه سقوطه عن الحر الذي يتزوج أمة من غير إذن مولاها فضولا ووطأها
ثم لم تحصل الإجازة، فإنه لا اشكال عندهم في ثبوت الحد عليه فيما تقدم، نعم الظاهر
عدم تعجيل الحد عليه قبل تعرف عدم الإجازة، لاحتمال حصولها، وهكذا في كل
فضولي، فإنه لا شبهة في الواقع في كونه وطئ أجنبية مثلا أو زوجة إلا أنا لا نعلم إلا
بعد حين، فحاله حينئذ كمن وطأ امرأة في ظلمة مثلا لا يعلم أنها زوجته أو غير
زوجته عالما بحرمة ذلك عليه، ثم بان أنها غير زوجته، فإن الظاهر ثبوت الحد
عليه، لاقدامه على وطئها أجنبية وكانت كذلك في الواقع، وليس هذا معنى الشبهة
الدارئة للحد، كما هو واضح، وخبر (لم يعص الله) إلى آخره ونحوه يراد منه أن
عقده مستعد للصحة بالإجازة لذلك، كما عرفته في محله، وإلا فقد ورد في
النصوص (1) في الأمة إذا تزوجت بغير إذن مولاها فهي زانية، كما أومأ إليه
الإمام عليه السلام هنا بنفي الصداق لها، إذ هو ليس إلا لكونها بغيا حينئذ، فتأمل جيدا.
(و) من ذلك يعلم أنه متى فعلت ذلك (كان أولادها منه رقا) لمولى العبد
بلا خلاف، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه
كغيره، ضرورة انتفاءهم عنها بالزنا الذي لا يثبت معه نسب، فيبقى أصل تبعية نماء
المال للمال المقتضي لكون الولد رقا للمولى على حاله، نعم ربما أشكل ذلك بأنه
مناف لما عندهم من أن العبد إذا زنى بحرة كان الولد حرا، ضرورة إطلاق كلامهم
في المقام رقية الولد عدم الفرق بين علم العبد بحرمة ذلك عليه وعدمه، وليس هو في
الأول إلا زنا، واحتمال تخصيص كلامهم بالثاني معلوم عدمه، وقد يدفع بأن ذلك
كذلك أيضا لولا خبر العلاء بن رزين (2) عن الصادق عليه السلام (في رجل دبر غلاما
فأبق الغلام فمضى إلى قوم، فتزوج منهم ولم يعلمهم أنه عبد، فولد له أولاد
وكسب مالا ومات مولاه الذي دبر فجاءه ورثة الميت الذي دبر العبد فطلبوا العبد،
فما ترى؟ قال: العبد وولده لورثة الميت، قلت: أليس قد دبر العبد؟ قال: إنه لما أبق

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 28 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
233

هدم تدبيره ورجع رقا) الشامل لصورتي علم العبد بحرمة ذلك عليه وعدمه، ومن
هنا فرق بينه وبين الزنا الذي لا عقد فيه الذي لا مقتضى لجهة الشركة فيه إلا قاعدة
النمائية التي هي في الأم متحققة عرفا، كسائر الحيوانات، هذا كله في الحرة العالمة.
(و) أما (لو كانت جاهلة) بكونه عبدا أو بحرمة ذلك عليها فلا حد
عليها قطعا للشبهة و (كانوا) أي أولادها منه (أحرارا) وفاقا للمشهور شهرة
عظيمة أجراء للشبهة مجرى الصحيح الذي قد عرفت تبعية الولد فيه للحر الذي هو
أشرف الأبوين، سواء كان العبد مشتبها أو لا، نحن الأمة التي دلست نفسها فتزوجها
الحر مشتبها، فإن أولادها منه أحرار نصا (1) وفتوى كما عرفته فيما تقدم،
وخلافا للمحكي عن المفيد، من الحكم بكونهم رقا، ولعله لاطلاق الخبر المزبور (2)
وتبعه في الحدائق لذلك، لكن لا يخفى على من أحاط خبرا بما ذكرنا في نصوص
الأمة (3) - من كون المراد الحكم بالملكية التي هي مقتضى قاعدة نماء المملوك
المتزوج بغير إذن حتى تقوم البينة للحر بكونه مشتبها كي يلحق به الولد، فإن
احتمال الشبهة غير كاف في ذلك وإن كفت في درء الحد - أن المراد من الخبر
المزبور هنا أيضا ذلك قطعا، لا أن المراد كون الولد رقا حتى لو علم كون الحرة
مشتبهة المخالف لقاعدة إجراء الشبهة مجرى الصحيح في لحوق الأولاد في كل مقام
وكون المفروض في الخبر عدم إعلام العبد بالإباق لا يحقق الشبهة، كما هو واضح
(و) حينئذ فلا ريب في كون أولادها أحرارا للشبهة.
بل الظاهر أنه (لا يجب عليها) هنا (قيمتهم) بلا خلاف أجده فيه،
للأصل بعد اختصاص الدليل بالحر المتزوج أمة شبهة، وحرمة القياس خصوصا مع
إمكان إبداء الفرق بين المقامين، اللهم إلا أن يقال: إن غرم القيمة هناك ليس إلا
للحيلولة بين المالك ونماء ملكه المشترك بين المقامين، وفيه أن ذلك تعليل بعد

(1) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
(2) الوسائل الباب - 28 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث - 0 -.
234

النص، على أن قاعدة النماء قد عرفت كونها في الأم دون الأب كما في سائر
الحيوانات، ولذا غرم الحر في إتلاف نماء الأم بخلاف الحرة، فتأمل.
(و) على كل حال ففي الفرض (كان مهرها) المسمى أو مهر المثل
(لازما لذمة العبد إن دخل بها) ضرورة كون الوطئ محترما، ومتى كان كذلك
لم يخل من مهر، ولكن حيث كان العبد غير قادر على شئ فهو معسر حينئذ ومن
هنا كان المتجه أنها (تتبع به إذا تحرر) هذا إذا لم يجز المولى، وإلا كان اللازم
المسمى تطالب به السيد، لما عرفت من أن مهر العبد المأذون على مولاه كنفقة زوجته
وذلك كله واضح بعد الإحاطة بما قدمنا في المباحث السابقة.
المسألة (السادسة)
(إذا تزوج عبد بأمة لغير مولاه فإن أذن الموليان) سابقا أو لاحقا
(فالولد لهما) بلا خلاف ولا إشكال، لما عرفته سابقا من كون ذلك مقتضى
العقد، من غير فرق في ذلك بين حصول الولد منهما قبل الإذن أو بعده، وبين علمهما
بالتحريم وعدمه (وكذا لو لم يأذنا) بلا خلاف أيضا ولا إشكال بعد ما عرفت
سابقا من الحكم برقية ولد الأمة المزوجة بغير إذن في النصوص (1) السابقة التي
لا يضر فرض كون المتزوج بها حرا في بعضها، وبرقية ولد العبد المتزوج بغير إذن سيده
في خبر رزين (2) السابق المعتضد بالفتوى.
بل ظاهر إطلاق المصنف وغيره عدم الفرق في ذلك بين علمهما بالتحريم
وعدمه، وإن كان ربما توهم الاشكال فيه بأنه متجه في صورة الجهل، للشبهة الجارية

(1) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 و 4
و 6 و 7.
(2) الوسائل الباب - 28 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 وهو خبر
علاء بن رزين.
235

مجرى العقد الصحيح المقتضي للشركة، دون صورة العلم التي هي من الزنا الذي
ستعرف فتوى الأصحاب بكون الولد لمولى الأمة، ومن هنا قيد بعض الناس
موضوع المسألة في غير المأذونين بالجاهلين، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، لما عرفت
سابقا من الفرق بين الزنا والعقد وإن كان معلوم الفساد لهما، لخبر رزين (1)
السابق المفروض فيه علم العبد بعدم إذن المولى له علما بالحكم مع ذلك أولا
فالمتجه حينئذ إبقاء إطلاق الأصحاب على حاله، ودليله ما دل من النصوص (2) على
أن نكاح الأمة من غير إذن مولاها مقتض لرقية الولد، ونكاح العبد من غير إذن
مولاه مقتض لرقية الولد، من غير فرق بين علمهما وبين اشتباههما، فمع فرض
عدم الإذن لكل منهما اتجه حينئذ الاشتراك إعمالا للسببين معا بعد معلومية
امتناع تعدد المالك للمال الواحد، نعم لو حصل اشتباه من حر أو حرة اقتضى ذلك
حرية الولد إلحاقا له بأشرف الأبوين، وتغليبا لجانب الحرية كما سمعته
في نصوص (3) الأمة التي دلست نفسها فتزوجها حر مشتبها وسمعته أيضا
في العبد الذي تتزوجه الحرة مشتبهة.
(و) من ذلك يعلم الحكم فيما (لو أذن أحدهما) خاصة دون الآخر، وأنه
متى تحقق ذلك (كان الولد لمن لم يأذن) منهما، لا لأن الإذن قد أسقط حقه لإذنه،
لاحتمال تزوج المملوك حرا، لامكان المناقشة فيه بعدم اقتضاء الإذن ذلك،
ولذا لو كانا معا مأذونين اشترك الولد بينهما، وبإمكان فرض اختصاص تزوج
المملوك، بل لما عرفته من اقتضاء عدم الإذن في نكاح العبد والأمة رقية الولد

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 وهو
خبر العلاء بن رزين.
(2) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 و 4
و 6 و 7.
(3) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 و 2 و 5 8.
236

بالنصوص (1) التي سمعتها إلا إذا عارض ذلك شبهة حر، لغلبة جهة الحرية حينئذ
جهة الملكية، أما الإذن فلا يقتضي ملكيته إلا إذا صادفت إذنا من آخر أو شبهة،
فيختص الملك حينئذ في الفرض بغير الإذن، لانحصار مقتضى الملكية أعني عدم
الإذن به دون الآخر الذي لا دليل على اقتضائه الملكية في الفرض، بل ظاهر الأدلة
خلافه، خصوصا خبر رزين (2) الشامل باطلاقه تزوج الآبق حرة أو أمة مأذونة،
وخصوصا نصوص الأمة الآبقة (3) التي دلست نفسها فتزوجت حرا التي قد عرفت
اختصاص مولاها بالولد إلا إذا كان الحر مشتبها، فإن الشبهة حينئذ تعارض مقتضى
الملكية وترجح عليها، لاقتضائها الحرية المبنية على التغليب.
ومن ذلك ينقدح شئ لم يتعرض له الأصحاب، وهو أن ذلك كله من حيث
الإذن وعدمه، أما إذا كان في العبد المأذون جهة تقتضي الملكية غير عدم الإذن كالشبهة
مثلا فإن المتجه حينئذ الاشتراك في الولد، عملا بمقتضى عدم الإذن ومقتضى الشبهة،
ولا ينافي ذلك إطلاق الأصحاب الولد لمن لم يأذن المعلوم كون المراد به من حيث
الإذن وعدمها لا إذا كانت جهة أخرى تقتضي الملكية، نعم الظاهر أنه لا مدخلية
لتعدد جهات الملك في أحدهما واتحادها في آخر، كما لو فرض الشبهة أيضا
في غير المأذون وفي المأذون الشبهة خاصة، فإن الأول قد تعدد فيه مقتضى الملكية، وهو
عدم الإذن والشبهة، بخلاف الثاني، فإن الشبهة خاصة، إلا أن الظاهر التشريك بينهما
بالنصف، لعدم الفرق بين اتحاد الجهة وتعددها في ذلك.
ولو اشترك أحدهما بين اثنين فأذن مولى المختص وأحدهما دون الآخر ففي
القواعد الاشكال فيه، ولعله من إطلاق الفتوى بأن الولد لمن لم يأذن واشتراك العلة،
ومن أن الأصل تبعية النماء للملك، خرج منه موضع اليقين، وهو ما إذا اتحد

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 والباب - 67 -
منها الحديث 4 و 6 و 7.
(2) الوسائل الباب - 28 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 وهو خبر
العلاء بن رزين.
(3) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
237

المالك فالباقي على أصله، لكن قد عرفت ما يقتضي صحة الوجه الأول، فيختص
حينئذ بالنماء وإن ضعف جزؤه.
ولو فرض كون العبد والأمة مشتركين فأذن أحد الشريكين في كل منهما
دون الآخر في كل منهما أيضا كان الولد مشتركا بين من لم يأذن من الشركاء
وإن ضعف جزؤهما، هذا كله في النكاح.
(و) أما (لو زنى بأمة غير مولاه كان الولد لمولى الأمة) من غير خلاف
ولا إشكال، لعدم العقد المقتضي للتشريك، فلم يكن إلا قاعدة النمائية، وهي
متحققة عرفا في الأم دون الأب نحو الحيوانات.
كما أنه لو زنى بحرة كان الولد حرا بلا خلاف أيضا ولا إشكال، لعدم العقد
المقتضي للتشريك والنمائية في الأم المفروض كونها حرة، فيتبعها في ذلك، مضافا
إلى أصالة الحرية.
أما العكس بأن زنى الحر بأمة كان الولد رقا، لعدم العقد أيضا، وقاعدة
النماء في الأم، ولا يشكل ما ذكرناه بالحرة التي تزوجت عبدا غير مأذون عالمة
بالتحريم، لما عرفته من الدليل المخصوص في النكاح دون الزنا كما أوضحناه
سابقا.
ولو اشتبه العبد والأمة بلا نكاح فحصل ولد بينهما فالظاهر التشريك إجراء
للشبهة مجرى الصحيح.
ولو كانت الأمة مشتبهة والعبد زانيا فالولد لمولى الأمة قطعا، لقاعدة
النمائية وللشبهة.
أما العكس فيحتمل التنصيف إعمالا للشبهة المقتضية الملك للمشتبه، وللنمائية
المقتضية الملك لمولى الأمة، فيثبت التنصيف جمعا بين السببين، ويحتمل اختصاص
الولد بمولى العبد المشتبه الذي هو أشرف لجهة الاشتباه، ولرجحان جهة الاشتباه
على قاعدة النمائية، ولذا ثبت التشريك في حال اشتراكهما في الاشتباه المقتضى
للتشريك بينهما، فمع فرض اختصاص الاشتباه بأحدهما يختص بحكم العقد دون
238

غيره، نحو اشتباه الحرة أو الحر من طرف دون آخر، وقد يحتمل اختصاص مولى
الأمة، لقاعدة النمائية، ولكنه كما ترى.
ولو اشتبه العبد فوطأ حرة مشتبهة أيضا كان الولد حرا قطعا، أما لو كانت
زانية فالولد للمولى العبد إجراء لحكم الشبهة مجرى الصحيح في حق العبد خاصة،
وقد ظهر بذلك كله الحال في جميع شقوق المسألة على وجه نسبق إليه بحمد الله
تعالى.
المسألة (السابعة)
(لو تزوج أمة بين شريكين ثم اشترى الزوج حصة أحدهما بطل العقد
وحرم عليه وطؤها) مع عدم رضا الشريك الآخر بلا خلاف ولا إشكال، لعدم
التبعيض في أسباب النكاح ابتداء واستدامة للأصل ولظهور الآية (1) في ذلك
وموثق سماعة (2) (سألته عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل ثم إن الرجل
اشترى بعض السهمين، قال: حرمت عليه باشترائه إياها، وذلك أن بيعها طلاقها
إلا أن يشتريها من جميعهم) (و) من ذلك يعلم أنه (لو أمضى الشريك الآخر
العقد بعد الابتياع لم يصح) ضرورة عدم تأثير الامضاء في العقد بعد بطلانه، ولو فرض
بقاءه على الصحة للأصل لم يحتج إلى إمضائه، ضرورة صحته بالأصل بإذنه.
(و) لكن مع ذلك (قيل) والقائل الشيخ والقاضي في النهاية ومحكي
المهذب: (يجوز له وطؤها بذلك) الامضاء، قال في النهاية: (وإذا تزوج الرجل
أمة بين شريكين ثم اشترى نصيب أحدهما حرمت عليه، إلا أن يشتري النصف
الآخر أو يرضى مالك نصفها بالعقد، فيكون ذلك عقدا مستأنفا) (وهو) كما ترى

(1) سورة المؤمنون: 23 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب - 46 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
239

(ضعيف) جدا، إذ لا حاجة لإجازته ثانيا عقد النكاح المتقدم بعد أن كان
المفروض وقوعه أولا بإذنه إن صح العقد على أمة مشتركة بين الزوج وغيره، وإلا
لم يفد، وإن كان يريد الرضا بالعقد جديدا ففيه أنه إن صح العقد على مثلها
لم يكن لبطلان المتقدم وجه، ومن هنا حمله المصنف في محكي نكته على النهاية
على الرضا بعقد البيع للنصف الآخر، وذكر أن (أو) من سهو الناسخ أو بمعنى الواو،
وهو وإن كان بعيدا إلا أنه أقرب من حمله على ظاهره الذي لا ينبغي نسبته إلى
من له أدنى معرفة بالنفقة فضلا عن شيخ الطائفة.
نعم يمكن أن يكون أولى من ذلك حمله على إرادة الرضا بالإباحة الذي
ذكره المصنف بقوله: (ولو حللها له) أي الشريك (قيل: تحل، وهو مروي)
صحيحا في الكافي والتهذيب في باب السراري وملك الأيمان عن محمد بن قيس (1)، عن
أبي جعفر عليه السلام، وفي الفقيه عن محمد بن مسلم (2) عنه عليه السلام أيضا قد عمل به ابن إدريس
وجماعة، منهم الشهيد في اللمعة وفاضلا الكشف والرياض، قال: (سألته عن جارية
بين رجلين دبراها جميعا ثم أحل أحدهما فرجها لشريكه، قال: هي له حلال،
وأيهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حرا من قبل الذي قد مات ونصفها مدبرا
قلت: إن أراد الثاني منهما أن تمسها أله ذلك؟ قال: لا، إلا أن يثبت عتقها
ويتزوجها برضا منها متى ما أراد، قلت له: أليس قد صار نصفها حرا وقد ملكت
نصف رقبتها، والنصف الآخر للباقي منهما؟ قال: بلى، قلت: فإن هي جعلت مولاها
في حل من فرجها له ذلك، قال: لا يجوز ذلك، قلت: ولم لا يجوز له ذلك وقد أجزت
للذي كان له نصفها حين أحل فرجها لشريكه منها؟ قال: إن الحرة لا تهب فرجها،
ولا تعيره، ولا تحلله، ولكن لها من نفسها يوم وللذي دبرها يوم، فإن أحب أن
يتزوجها متعة في اليوم الذي تملك فيه نفسها فيتمتع منها بشئ قل أو كثر) وهو
صريح في المدعى أولا وآخرا.

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 41 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
240

بل ربما أيد بأنها قبل التحليل محرمة وإنما حلت به، فالسبب واحد، وفيه
أنه حينئذ يكون تمام السبب لا السبب التام في الإباحة، ضرورة اختصاص التحليل
بصحة الشريك لا بالجميع، وتحقق المسبب عند تمام السبب لا يوجب كون الجزء
الأخير سببا تاما، اللهم إلا أن يريد باتحاد السبب بناء على التحليل من ملك
اليمين كون الوطئ حينئذ بالمتحد وإن اختلفت جهة ذلك بملك الرقبة في النصف
والمنفعة في النصف الآخر.
لكن مع ذلك رده في النافع والمسالك وغيرها بالضعف الذي قد يشعر به
هنا نسبته إلى الرواية، ولعلهم لحظوا رواية الشيخ له في أول كتاب النكاح عن محمد
ابن مسلم (1) بطريق فيه علي بن الحسن بن الفضال، وهو مع أنه ليس ضعيفا،
لكونه من الموثق الذي قد ثبتت حجيته في الأصول - قد عرفت روايته صحيحا.
(و) من هنا يظهر لك النظر فيما (قيل) من أنه (لا) يجوز، بل
لعله المشهور (لأن سبب الاستباحة لا يتبعض) فإنه - بعد تسليم كون ما نحن
فيه من ذلك - كالاجتهاد في مقابلة النص الصحيح الصريح الذي لا يقصر عن تقييد
ما يقتضي عدم الجواز من الأصل وقاعدة التبعيض، فلا ريب في أن المتجه العمل به،
بل عن ابن حمزة أنه إذا هاياها مولياها فتمتع بها أحدهما في يوم الشريك بإذنه
جاز، لفحوى الصحيح السابق التي لا ينافيها بعد فرضها أن المهاياة إنما تتعلق
بالخدمة دون العين والبضع، فتأمل.
(وكذا لو ملك، نصفها وكان الباقي حرا لم يجز له وطوءها بالملك
ولا بالعقد الدائم) اتفاقا لتبعض السبب، ولا بالمنقطع في غير محل النص كذلك
ولا بالتحليل المختص جوازه بالمولى دون المرأة نفسها كما سمعت التصريح به
في الصحيح، (ف‍) لا ريب في عدم جوازه، نعم (إن هاياها على الزمان قيل) كما
عن الشيخ وجماعة: (يجوز أن يعقد عليها متعة في الزمان المختص بها) لكونها

(1) أشار إلى هذا السند في الوسائل في الباب - 41 - من أبواب نكاح العبيد
والإماء الحديث 1 وذكره في التهذيب ج 7 ص 245 الرقم 1067.
241

كالإجارة في كون موردها المنفعة المفروض اختصاصها به في هذا الزمان (و) مع
ذلك ف‍ (هو مروي) في الصحيح (1) الذي سمعته. (و) لكن (فيه تردد)
عند المصنف لذلك و (لما ذكرناه من العلة) وهو لزومه تبعيض السبب، فإنها
لم تخرج بالمهاياة عن ملك المولى، على أن منافع البضع لا تعلق لها بالمهاياة
وإلا لحل لها المتعة بغيره في أيامها، وهو باطل اتفاقا على ما في المسالك
ومحكي نهاية المرام، إلا أنا لم نتحققه، وعلى تسليمه ينبغي اختصاص المنع
به، لا الأعم منه ومن المولى الذي جوازه صريح النص الصحيح القابل لتقييد
دليل عدم الجواز، ومن هنا كان العمل به متجها خصوصا بعد ظهور توهم الضعف
ممن رده إلا أن الانصاف عدم ترك الاحتياط، والله العالم.
(ومن اللواحق)
في نكاح الإماء (الكلام في الطوارئ) على عقد الأمة الموجبة حكما
لم يكن قبلها من التسلط على الفسخ والتحريم في بعض الموارد (و) من هنا كان
تسميتها بالطوارئ أولى من المبطلات، ضرورة عدم إبطالها في جميع الأحوال، نعم
(هي) كثيرة لكن خص المصنف منها (ثلاثة: العتق والبيع والطلاق) لكثرة
مباحثها وتشعب أحكامها مع ذكر الغير في ضمنها أو في محل آخر يناسبه والأمر
سهل.

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
242

(أما العتق)
(فإذا أعتقت المملوكة كان لها فسخ نكاحها) لا أن النكاح بينهما
باطل، وإن كان قد يوهمه قول الصادق عليه السلام في صحيح عبد الله بن سنان (1) (إذا
أعتقت مملوكيك فليس بينهما نكاح، وقال: إن أحببت أن يكون زوجها كان
ذلك بصداق) لكن يجب إرادة الخيار منه بقرينة التصريح به في غيره من النصوص (2)
المعتضدة بالفتاوى، بل وفيه بعد ذلك، قال: و (سألته عن الرجل ينكح عبده أمته
ثم أعتقها قال: نعم تخير فيه إذا أعتقت) (سواء كانت تحت عبد أو حر) على
المشهور بين الأصحاب، بل هو في العبد مجمع عليه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين،
مضافا إلى إمكان دعوى تواتر النصوص فيه (3).
بل خص الخيار بعضهم به، وإليه أشار المصنف بقوله: (ومن الأصحاب من فرق)
بين الحر والعبد مشيرا بذلك إلى الشيخ في محكي المبسوط والخلاف، بل اختاره
هنا، فقال: (وهو أشبه) بأصالة اللزوم في العقد وقاعدة الاقتصار على المتيقن،
ولأن الأصل في هذا الحكم عتق عائشة لبريرة فخيرها رسول الله صلى الله عليه وآله (4) ولم تثبت
حريته، قال أبو عبد الله عليه السلام في خبر العيص (5): (وبريدة كان لها زوجا فلما
أعتقت خيرت) وقال عليه السلام أيضا في مرسل أبان (6): (قال أمير المؤمنين عليه السلام في بريرة
ثلاث من السنن حين أعتقت في التخيير وفي الصدقة وفي الولاء) بل في خبر سماعة (7)
قال: (ذكر أن بريرة مولاة عائشة كان لها زوج عبد، فلما أعتقت قال لها رسول

(1) الوسائل الباب - 53 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 وذكر ذيله
في الباب - 52 - منها الحديث 1 وفي الذيل " ثم أعتقها تخير فيه أم لا؟ قال: نعم)....
(2) الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(4) الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 5 و 6.
(5) الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 5 و 6.
(6) الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 5 و 6.
(7) الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 5 و 6.
243

الله صلى الله عليه وآله: اختاري إن شئت أقمت مع زوجك، وإن شئت فلا) وفي خبر العجلي (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان زوج بريرة عبدا) وفي خبر ابن سنان (2) عنه عليه السلام
أيضا (إنه كان لبريرة زوج عبد، فلما أعتقت قال لها النبي صلى الله عليه وآله اختاري) بل
ربما كان في الأخير رائحة اعتبار العبدية في التخيير، مؤيدا ذلك بمعلومية كون
المنشأ في هذا الخيار نفي الضرر والضرار، وهو يتحقق في العبد باعتبار كونه ملكا
للغير لا يورث، ولا ولاية له على أولاده، ولا ينفق عليهم، إلى غير ذلك مما هو معلوم،
بخلاف الحر.
لكن الجميع كما ترى بعد إطلاق قول الصادق عليه السلام في صحيح الكناني (3)
(أيما امرأة أعتقت فأمرها بيدها إن شاءت أقامت معه، وإن شاءت فارقته) وقوله
عليه السلام في مرسل ابن بكير (4): (في رجل حر نكح أمة مملوكة ثم أعتقت
قبل أن يطلقا، قال: هي أملك ببضعها) وقوله عليه السلام أيضا في خبر الشحام (5) وقول
الرضا عليه السلام في خبر محمد بن آدم (6): إذا أعتقت الأمة ولها زوج خيرت، إن كانت
تحت حر أو عبد) ومن هنا كان خيرة الأكثر عدم الفرق، والضعف في السند منجبر
بالشهرة والتعاضد، بل ربما يومئ إليه قوله صلى الله عليه وآله لبريرة على ما في بعض الأخبار
(ملكت بعضك فاختاري) لايمائه كقوله عليه السلام: (هي أملك ببضعها) إلى كون
المنشأ في التخيير صيرورتها حرة مالكة بضعها، من غير فرق بين حرية الزوج
ومملوكيته.
ومنه يعلم ما في دعوى كون منشئه الضرر، كما أنه يعلم من ذلك كله ما
في الأدلة السابقة التي لا تصلح معارضا لما عرفت، بل روي (7) (أن زوج بريرة
كان حرا) فلا ريب حينئذ أن الأشبه التعميم لا التفصيل، كما أنه لا فرق في ثبوت
الخيار المزبور بين ما قبل الدخول وبعده، لاطلاق الأدلة، نعم في القواعد وغيرها

(1) الوسائل الباب - 52 - من أبواب العبيد والإماء الحديث 4 - 9 - 8.
(2) الوسائل الباب - 52 - من أبواب العبيد والإماء الحديث 4 - 9 - 8.
(3) الوسائل الباب - 52 - من أبواب العبيد والإماء الحديث 4 - 9 - 8.
(4) الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 11 - 13 - 12
(5) الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 11 - 13 - 12
(6) الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 11 - 13 - 12
(7) سنن البيهقي ج 7 ص 223.
244

(إلا إذا زوج ذو المائة مثلا أمة بمئة وقيمتها مائة ثم أعتقها في مرض موته أو
أوصى بعتقها لم يكن لها الفسخ قبل الدخول، وإلا لسقط المهر بناء على سقوطه
بذلك منها قبل الدخول، فلم تخرج من الثلث، لأنها حينئذ نصف ماله، فيبطل
عتق بعضها، وهو ثلثها، فيبطل خيارها المعتبر فيه عتقها أجمع على ما ستعرف،
فيدور الفسخ إلى الفساد، ويكون مما يستلزم وجوده عدمه).
وقد يناقش فيه بأن نفوذ العتق يكفي فيه سعة الثلث له حاله، والنقصان بعد
ذلك بسبب آخر من غير المريض لا ينافيه، لكن يدفعها ظهور النص (1) والفتوى
في ذلك المقام إن كل نقص يدخل التركة مرتب على فعل الموصي لا ينفذ إلا من
الثلث، نعم يمكن المناقشة بعدم اقتضاء الدور اختصاص الأمة بعدم الفسخ، إذ يمكن
رفعه بعد إرجاع مثل هذا النقص إلى الثلث لاستلزامه الدور أو بغير ذلك، بل لعله
أولى من تخصيص دليل عدم الفسخ لها لضعف دليل ما يقتضي الارجاع إلى الثلث حتى
في نحو المقام خصوصا بعد ملاحظة قاعدة التسلط وغيرها مما يقتضي بالنفوذ في الأصل
وإن قلنا بخروج غير المقام، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فإذا اختارت الفراق في موضع ثبوته قبل الدخول سقط المهر
من غير خلاف يعرف فيه، لكون الفسخ منها قبل الدخول، ولأنه كتلف المبيع قبل
قبضه، ولكون النكاح كالمعاوضة المبنية على التسليم بالتسليم، لكن قد يناقش بثبوت
لمهر بالعقد، وكون الفسخ من قبلها على تقدير اقتضائه سقوط المهر إنما يؤثر
لو كان المهر لها لا إذا كان لغيرها، والقياس على تلف المبيع قبل قبضه باطل عندنا
وبناء هذه المعاوضة على احتمال جريان أمثال هذه العوارض فيها.
وإن اختارت الفراق في موضع ثبوته بعد الدخول كان المهر ثابتا لمولاها
بلا خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال إذا كان العتق بعد الدخول، أما إذا كان قبله
ولم تعلم به حتى دخل بها ثم علمت ففسخت ففي محكي التحرير والمبسوط يثبت
لها مهر المثل، لاستناد الفسخ إلى العتق، ولم يستقر المسمى قبله، فالوطئ خال

(1) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الوصايا.
245

عن النكاح، بل لا بد أن يكون مهر المثل لها لا للمولى، وفيه أن الفسخ هو الموجب
للانفساخ لا العتق، فالمتجه كونه للسيد مطلقا، نعم إن قلنا: إن المهر يجب
بالدخول لا بالعقد اتجه حينئذ وجوب المسمى لا مهر المثل لها، لأن الفرض كون
الدخول بعد العتق.
ومن ذلك يعلم الحكم فيما لو اختارت المقام وكان العتق قبل الدخول، فإن
المهر حينئذ للسيد إن أوجبناه بالعقد كما هو التحقيق، ولها إن أوجبناه بالدخول،
وإن اختارت المقام بعد الدخول بها أمة ثم أعتقت كان المهر للمولى قطعا.
ولو لم يسم المولى شيئا بل زوجها مفوضة البضع فإن دخل قبل العتق فالمهر
المفروض أو مهر المثل للسيد، لوجوبه لها وهي في ملكه، وإن دخل بعده أي العتق
أو فرض المهر بعده وإن لم يدخل فإن قلنا صداق المفوضة يجب بالعقد وإن لم
يفرض لها، وإنما الفرض كاشف عن قدر الواجب فهو للسيد، وإن قلنا إنما يجب
بالدخول أو بالفرض إن كان قبل الدخول فهو لها، لوجوبه حال الحرية، هذا كله
في مفوضة البضع، أما مفوضة المهر فهي هنا كمن سمي لها.
ثم إن ظاهر النص (1) والفتوى عدم الفرق في خيارها بين كون النكاح دائما
أو منقطعا، وهو كذلك إذ احتمال عدم الخيار لها في المنقطع لكونه كالإجارة التي
لا تنفسخ بالعتق واضح الضعف، نعم قد يناقش في استقرار المهر أجمع لو كان الفسخ
بعد الدخول بعدم وفائها بالمدة، فيتجه التوزيع، وقد يدفع بمنافاة التوزيع للقواعد،
وأقصى ما ثبت فيمن لم تف بما هو حق عليها لا في مثل الفرض الذي كان لها
الخيار بالشرع، والله العالم.
ولو أعتقت في العدة الرجعية فالظاهر أن لها الفسخ في الحال، ضرورة أولويته
من فسخ النكاح المستقر، وفائدته حينئذ سقوط الرجعة وعدم الافتقار إلى عدة أخرى،
لأنها اعتدت بالطلاق، والفسخ لم يبطل العدة، ولكن لا تكفيها عدة الأمة بل تتم
عدة الحرة، لصيرورتها كذلك، ولو اختارت المقام لم يصح، لحصول الطلاق

(1) الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
246

من الزوج، فإن لم يراجعها حينئذ في العدة بانت، وإن راجعها فيها ففي القواعد كان
لها خيار الفسخ، ولعله لفساد الاختيار في العدة وانتفاء ما ينافي الفورية، فإن الطلاق
قاطع للنكاح، فتعتد عدة أخرى حينئذ عدة حرة لانقطاع الأولى بالرجوع
المفروض، وإن سكتت قبل الرجعة لم يسقط خيارها بطريق أولى، فإن السكوت
لا يدل على الرضا، ولو دل فلا يزيد على اختيار النكاح.
هذا ولكن قد يقال بمنع عدم تأثير اختيارها البقاء باعتبار وجود علقة النكاح
التي هي صارت سببا لصحة الفسخ منها، بل لعل ذلك لازم لصحة اختيارها البقاء
وإن كان هو لا يمضي على الزوج المفروض حصول سبب آخر منه لفسخ النكاح،
نعم ثمرته عدم جواز الفسخ لها لو رجع بها، لكون الفرض اختيارها بقاء علقة العقد
الأول.
ومن ذلك يعلم حال السكوت بناء على دلالته على الرضا بالبقاء، أو على
منافاته الفورية بعد ما عرفت من صحة اختيارها الفسخ والبقاء حال الطلاق وترتب
ما عرفت عليهما.
ولو كان الطلاق بائنا فأعتقت لم يكن محلا للفسخ ولا للبقاء، فلا خيار لها
حينئذ، وكذا لو أعتقت ولم تفسخ لعدم علمه ونحوه مما لا ينافي الفورية، لكن
في القواعد احتمل إيقافه أي الطلاق، فإن اختارت الفسخ بطل وإلا وقع، واحتمل
وقوعه، وكان منشأ الاحتمال الأول التنافي بين الطلاق والفسخ، فإن نفذ الطلاق
بطل حقها من الفسخ، ولا يمكن القول ببطلانه، لوقوعه مستجمعا لشرائطه، فيقع
موقوفا كما لو طلق في الردة، فإنه يوقف فإن عاد إلى الاسلام تبين صحته وإلا
تبين فساده.
وفيه ما لا يخفى من أنه لا وجه لوقوع الطلاق موقوفا بعد فرض استجماعه
لشرائط الصحة من كامل صحيح العبارة مع بقاء الزوجية، وعدم صلاحية الاختيار
للمنع، لاتحاد مقتضاهما، وهو انفساخ النكاح، والفرق بين العتق والردة بظهور
البينونة حال الارتداد إن لم يعد بخلاف ما إذا أعتقت، فإنها لا تبين إلا بالفسخ.
247

وأضعف من ذلك ما عن المبسوط من احتمال بطلان الطلاق من رأس، فإنها
غير معلومة الزوجية، وعدم وقوع الطلاق موقوفا وقال: إنه اللائق بمذهبنا، إذ هو
كما ترى، وإنما اللائق ما عرفت من نفوذ الطلاق وعدم مصادفة العتق محلا
للاختيار كما هو واضح.
ولا يفتقر فسخ الأمة إلى الحاكم لاطلاق الأدلة، فما عن الشافعية من احتمال
الافتقار في غاية الضعف، كما أن ما عن بعضهم من ثبوت الخيار لها لو أعتق بعضها
كذلك، ضرورة عدم الخيار لها حينئذ عندنا، للأصل وفهم عتق الكل من النص (1)
والفتوى خصوصا من نحو قوله عليه السلام (2) (هي أملك ببضعها " نعم إن كملت بعتق
كلها اختارت حينئذ، ضرورة كونها حينئذ كالأمة المعتقة كلا من أول الأمر.
ولو لم تختر حتى ينعتق العبد على وجه لا ينافي الفورية كان لها الخيار
على المختار من عدم الفرق بين الحر والعبد في خيارها بلا إشكال، بل يقوى على
غيره أيضا كما عن المبسوط، لأنه ثبت سابقا حين كان عبدا فلا يسقط بالحرية
كغيره من الحقوق على العبد أو غيره، فكما لا يسقط بعد الثبوت إلا بما يعلم
إسقاطه لها فكذا الاختيار، ويحتمل السقوط لزوال الضرر، كالعيب إذا علم
المشتري به بعد زواله، ولأن زوجها حين الاختيار حر لا ينفذ فيه الاختيار،
ولأن الرقية شرطه ابتداء فكذا استدامة، وفيه منع كون العبرة بحين الاختيار،
بل بحين ثبوته، ومنع الشرط استدامة.
ولو عتقت تحت من نصفه حر كان لها الخيار على المختار بلا إشكال، بل
في القواعد لها ذلك أيضا على غيره، لعله لتحقق النقص برقية البعض، وفيه أن
الخيار على خلاف الأصل، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن، وهو غير المفروض.
(و) كيف كان ف‍ (الخيار على الفور) اتفاقا على الظاهر كما في كشف
اللثام، بل في الرياض حكاية الاتفاق عن طائفة، وهو إن تم الحجة، لا ما قيل من

(1) الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 11.
248

الاقتصار على المتيقن المنافي لاطلاق الأدلة، بل لعل فورية الخيار على خلاف الأصل
لمنع كونه من التخصيص بالأزمان، فأصالة بقاء الزوجية ولزوم المناكحة منقطعة
حينئذ بالعتق المقتضي للخيار المستصحب بقاؤه، فيعكس الأصل حينئذ، ومن
تعليق الخيار على العتق بالفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة في بعض الروايات العامية (1)
التي هي غير حجة عندنا بعد فرض تسليم الدلالة على أنها معارضة بما في بعضها (2)
مما هو مقتض للتراخي من " دوران معتب خلف بريرة في سكك المدينة باكيا
يترضاها وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله شفيعا في ذلك، حتى قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله،
فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله أتأمرني؟ فقال لها: لا بل إنما أنا شافع، فقالت: لا حاجة
لي فيه) واحتمال أن ذلك كله قد كان للعقد عليها جديدا مناف لظاهر ما في بعضها
من أنه (3) (يدور خلفها يترضاها لتختاره) وقد ظهر من ذلك أن العمدة في
الفورية الاجماع المزبور إن تم.
ومن هنا اتجه بقاء خيارها لو أخرت الفسخ للجهل بالعتق أو الخيار كما عن
الأصحاب القطع به، بل لعله كذلك لو جهلت الفورية، وإن ناقش فيه بعضهم، بل
وفي صورة الجهل بالخيار بعد العلم بالعتق، وكذا لو نست أحدهما، ضرورة عدم الاجماع
في هذا الحال، بل لعله محقق على العكس، ومنافاة السقوط لحكمة مشروعية الخيار
وهي الارفاق، مضافا إلى بقاء إطلاق الأدلة في هذه الأحوال، بل في المسالك
والرياض قبول دعواها في الجهل والنسيان بيمينها مع الامكان في حقها، لأن ذلك
لا يعرف إلا من قبلها، وأصالة الجهل مستصحبة، وهو جيد في الجهل، أما في
النسيان فقد يناقش بأصالة عدمه، فهي مدعية محضة، وعدم العلم بالنسيان إلا من
قبلها لا يصيرها بحكم المنكر بعد أن لم يكن عنوانا للحكم، وإلا لاقتضى ذلك
تقديم مدعي النسيان في كثير من الموارد المعلوم كون الحكم بخلافها، فتأمل.
ولو أعتقته الصغيرة أو المجنونة تخيرتا فورا عند البلوغ والرشد بناء على عدم

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 221.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 222.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 222.
249

قيام الولي مقامهما في هذا الاختيار المبتني على الشهوة وإن كان لا يخلو من مناقشة
إن لم يكن إجماعا، خصوصا بعد مضي التزويج على المولى عليها لو زوجها الولي
بمملوك، وعلى كل حال فللزوج الوطئ قبل الكمال أو بعده قبل الفسخ، وإن كان لها
الفسخ، لبقاء الزوجية من غير مانع، كما هو واضح، وليس الفسخ طلاقا خصوصا
إذا كان منها، فإذا فسخت ثم تزوجها بعقد جديد كانت عنده على ثلاث طلقات إن
لم يطلقها قبله، وهو واضح، كوضوح عدم جواز المراجعة لها بعد أن تفسخ إلا
بعقد جديد، ضرورة انفساخ عقدها الأول بفسخها المفروض، فما عن ابن الجنيد
- من أنها لو اختارت رجعته بعد أن اختارت مفارقته كان ذلك لها ما لم تنكح
زوجا غيره - واضح الفساد بعد معلومية كون المراد من نحو الدليل في المقام الخيار
ابتداء كغيره من أفراده.
(ولو أعتق العبد لم يكن له خيار) وإن كان قد زوجه مولاه مكرها،
للأصل بعد اختصاص الدليل بالأمة، وحرمة القياس خصوصا مع الفرق بينها وبينه
بأن الطلاق المستغنى به عن الخيار بيده دونها، خلافا للإسكافي فأثبت له الخيار
إذا أعتق وبقيت الزوجة أمة، ولابن حمزة حيث قال فيما حكي عنه: (إذا كانا
لمالكين وأعتق أحدهما كان له الخيار دون سيد الآخر، وإن أعتقا معا كان للمرأة
الخيار - ثم قال بعد ذلك - إن أعتق العبد سيده ولم يكره على النكاح لم يكن
له الخيار، وإن أكرهه كان له ذلك) ولكن الجميع كما ترى وإن كان الأخير خيرة
الفاضل في المختلف، معللا له بأنه كالحرة المكرهة، وهو واضح الفساد، ضرورة
الفرق بينهما بمشروعية الاكراه فيه دونها، فلا ريب في أن المتجه عدم الخيار له
مطلقا بل (ولا لمولاه) وإن كان تحته أمته، لخروجه بالحرية عن ولاية السيد
عليه.
(و) أولى من ذلك أنه (لا) خيار (لزوجته حرة كانت أو أمة لأنها
رضيته عبدا) فأحق أن ترضى به حرا، كما أومأ إليه الصادق عليه السلام في خبر علي بن
250

حنظلة (1) (في رجل زوج أم ولد له من عبد فأعتق العبد بعد ما دخل بها يكون
لها الخيار؟ قال: لا قد تزوجته عبدا ورضيت به، فهو حين صار حرا أحق أن ترضى
به) وفي خبر أبي بصير (2) عنه عليه السلام أيضا (في العبد يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فقال:
لا يرجم حتى يواقع الحرة بعد ما ينعتق، قلت: للحرة عليه الخيار إذا أعتق،
قال: لا قد رضيت به وهو مملوك، فهو على نكاحه الأول).
(ولو زوج عبده أمته ثم أعتق الأمة أو أعتقهما كان لها الخيار) للاطلاق
الذي لا فرق فيه بين اتحاد المولى وتعدده، نعم قد يشكل الخيار فيما لو أعتقا معا
على مختار المصنف بعدم كون الزوج عبدا حين عتقها، لكون الفرض حريتهما دفعة،
نعم هو متجه على المختار.
(وكذا لو كانا لمالكين فأعتقا دفعة) اللهم إلا يكون الخيار عنده مطلقا
إلا إذا كان الزوج حرا وهي أمة، فإنه يتجه حينئذ جزمه بالخيار هنا وإن اختار
هناك التفصيل، فينحصر سقوط خيارها عنده بما إذا كان الزوج حرا وهي أمة ثم
أعتقت ولو بان سبق عتقه عتقها، لكن لا يخفى عليك صعوبة مساعدة الأدلة على ذلك
والأمر سهل بعد ما عرفت من عدم الاشكال فيه وفي غيره على المختار، والله
العالم.
(و) لا خلاف في أنه (يجوز أن يجعل عتق الأمة صداقها)، بل
الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى استفاضة النصوص (3) أو تواترها به وإن كان
الأصل فيه أن النبي صلى الله عليه وآله (4) اصطفى صفية بنت حي بن أخطب من ولد هارون عليه السلام
في فتح خيبر ثم أعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها بعد أن حاضت حيضة حتى
زعم مخالفونا أن ذلك من خواصه، لكن اتفقت النصوص (5) والفتاوى على خلافهم،
وكفى بذلك دليلا على الحكم، فلا وجه للاشكال فيه بعدم جواز نكاح المالك

(1) الوسائل الباب - 54 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 54 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب - 11 و 12 و 14 و 15 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(4) البحار ج 22 ص 204 ط الحديث.
(5) الوسائل الباب - 11 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
251

أمته، وبعدم جواز جعل العتق مهرا، ولأنه لا بد من تحقق المهر قبل النكاح،
وبلزوم الدور لتوقف النكاح على العتق وبالعكس، إذ هو من الاجتهاد في مقابلة
النص على أنه يمكن دفع الجميع بأن العتق لما اقترن بالنكاح لم يتزوج أمته،
ضرورة كون المسلم منعه عدم اجتماع التزويج والملك، لا ما كان نحو المقام الذي
يقتضي عموم الأدلة وإطلاقها جوازه، وبمنع لزوم تحقق المهر قبل النكاح، بل
يكفي فيه المقارنة أيضا، كما أن النكاح يتوقف على اقتران العتق به لا على سبقه
له كي يلزم الدور، إلا أن الانصاف مع ذلك مخالفة المسألة للقواعد في الجملة.
(و) إنما الكلام في أنه (يثبت عقده عليها بشرط تقديم لفظ العقد على
العتق بأن يقول: تزوجتك وأعتقتك وجعلت عتقك مهرك) كما هو المشهور على
ما حكاه غير واحد (لأنه لا سبق بالعتق لكان لها الخيار في القبول والامتناع)
كما تضمنه خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن رجل قال لأمته:
أعتقتك وجعلت عتقك مهرك، قال: عتقت وهي بالخيار إن شاءت تزوجت وإن
شاءت فلا، فإن تزوجته فليعطها شيئا، فإن قال: قد تزوجتك وجعلت مهرك
عتقك فإن النكاح واقع لا يعطيها شيئا) وخبر محمد بن آدم (2) عن الرضا عليه السلام
(في الرجل يقول لجاريته: قد أعتقتك وجعلت صداقك عتقك، قال: جاز العتق
والأمر إليها إن شاءت زوجته نفسها وإن شاءت لم تفعل، فإن زوجته نفسها فأحب
له أن يعطيها شيئا).
وربما أجيب عنهما باحتمال ابتناء ما فيهما من عدم حصول النكاح بذلك
على عدم ذكر صيغة التزويج، لا من حيث تقديم صيغة العتق عليها لو جاء بهما معا
كما هو مفروض البحث، بل قد يشكل ما فيهما من نفوذ العتق بأنه مخالف لقصد
المعتق المفروض إرادته النكاح بعتقه، فالمتجه حينئذ بطلانه أيضا كالتزويج، مضافا
إلى مخالفتهما لاطلاق صحيح الحلبي (3) عن الصادق عليه السلام (سألته عن (الرجل بعتق

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3.
252

الأمة ويقول: مهرك عتقك، قال: حسن) وصحيح ابن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام
(أيما رجل شاء أن يعتق جاريته يجعل صداقها عتقها فعل) وغيرهما، وخصوص
خبر عبيد بن زرارة (2) (سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا قال الرجل لامرأته:
أعتقك وأتزوجك وأجعل مهرك عتقك فهو جائز " والمصرح بالجواز (3) فيه بمعنى
المضي واللزوم في المتقدم فيه العتق على التزويج، على أن تقدم العتق لفظا لا يقتضي
ترتب أثره كي يلزم من تقدمه ثبوت الخيار لها حينئذ، ضرورة كونه بعض الكلام
الذي هو كالجملة الواحدة الممنوع ترتب أثره قبل تمامه.
(و) من هنا (قيل): والقائل الشهيدان وجماعة بل لعله المشهور بين
من تأخر عنهما: (لا يشترط) في الصحة تقدم صيغة التزويج ولا صيغة العتق، بل
يجوز كل منهما، (لأن الكلام المتصل كالجملة الواحدة، وهو حسن، و) منه
يعلم ضعف ما (قيل) من أنه (يشترط) في الصحة (تقديم العتق) كما هو
المحكي عن الشيخين وأبي الصلاح وغيرهم (لأن بضع الأمة مباح لمالكها،
فلا يستباح بالعقد مع تحقق الملك) إذ قد عرفت أن الكلام المتصل كالجملة
الواحدة التي يترتب أثرها دفعة واحدة عند التمام، وحينئذ يتحقق العتق والنكاح
في آن واحد من غير فرق فيه بين تقدم كل منهما وتأخر الآخر.
(والأول) وإن كان (أشهر) إلا أن الثاني أقوى لما عرفت، لأن
التحقيق في كون المراد من إطلاق النص والفتوى عتق الأمة صداقها أن العتق يكون
بالاصداق على معنى أن الشارع قد شرع جعل الأمة نفسها صداقا في تزويجها،
فتكون حينئذ مالكة نفسها، وليست هي إلا الحرة، فيكون طريقا مخصوصا للعتق
غير العتق بايجاد الصيغة الخاصة، ضرورة أن ذلك بعد حصوله بسببه المعد له يقتضي
كون الخيار بيدها إن شاءت تزوجت وإن شاءت لا تتزوج، كما صرح به في الصحيح

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5 - 1 - 6.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5 - 1 - 6.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5 - 1 - 6.
253

الأول (1) وخبر محمد بن آدم (2)، وعزمه على جعل ذلك بعد حصوله صداقا
لا يقتضي مشروعيته، بل هو حينئذ كمن أبرأ ذمة امرأة بصيغة الابراء ثم أراد أن
يجعل ذلك صداقا لها، فإنه غير جائز قطعا، بخلاف ما لو جعل ما في ذمتها صداقا
لها، فإنه يكون حينئذ الابراء بالاصداق نفسه، فكذا هنا، واستبعاد جعل الانسان
نفسه صداقا له في غير محله بعد النص والفتوى، وما عساه يتوهم من ظاهر بعض
النصوص (3) من جعل العتق نفسه صداقا إنما هو قبل إعطاء التأمل حقه، وإلا فالمراد
الاعتاق بالاصداق وإن تقدم في بعضها (4) ذكر العتق بلفظ يشبه الصيغة، لكن المعنى
ما ذكرناه على نحو قوله للمرأة: (بمائة مثلا أتزوجك) فيكون الحاصل من النصوص
(أعتقك بأن أجعل العتق صداقك) وبذلك تجتمع جميع الأخبار، ويكون الخيار
في الصحيح (5) السابق والخبر الآخر (6) لمكان إرادة العتق بالصيغة الموجبة له، لا
من حيث تقدم العتق، ولذا قال فيه " فإن قال: قد تزوجتك وجعلت مهرك عتقك
فإن النكاح واقع، فلا يعطيها شيئا) مع عدم ذكر صيغة للعتق.
ومن الغريب روايته في المسالك (فإن النكاح باطل) إلى آخره، وجعله دليلا
على ما سمعته سابقا من التأويل، مع أنا لم نجده كذلك في شئ من كتب الأصول
والفروع، نعم في كشف اللثام أنه روى الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن
العلوي، عن جده عن علي بن جعفر (7) أول الخبرين كما سمعت، إلا أنه قال:
(فإن قال: قد تزوجتك وجعلت عتقك مهرك كان النكاح واجبا إلى أن يعطيها شيئا
قال: والمعنى أنه لما لم يأت بصيغة التحرير وقف النكاح إلى أن يأتي بها، فيقول بعد
ذلك: (فأنت حرة) والعبارة المتقدمة مروية في التهذيب والفقيه مبنية على إتيان

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 - 6.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 - 6.
(5) الوسائل الباب - 12 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(6) الوسائل الباب - 12 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(7) الوسائل الباب - 12 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1، راجع التعليقة
في الوسائل على هذه الرواية.
254

المولى بصيغة التحرير) وهو مع أنه غير الرواية بلفظ (باطل)، لا يخفى ما في التفسير
المزبور من إرادة الواقف منه من الواجب ومن إعطاء الشئ التلفظ بصيغة التحرير،
ولعله حمله على خطأ الراوي وأن الصحيح ما في التهذيب والفقيه خصوصا بعد قوله في السابق
(يعطيها شيئا) لكونها حينئذ حرة قبل التزويج، بخلاف الثانية التي قد صار صداقها
عتقها، فإنها لا تستحق حينئذ شيئا لحصول المهر لها كما هو واضح.
وبذلك ظهر لك قوة القول الثاني، ضرورة أنه على ذلك لا فرق بين تقدم العتق
الاصداق وتأخره، لكونه حينئذ من توابع العقد، لا أنه إيقاع في ضمن عقد أو بالعكس
فإن كلا منهما في غاية المخالفة للقواعد بخلاف ما قلناه، فإنه ليس فيه إلا شرعية
الاعتاق بالطريق المزبور.
إلا أنه ربما اشتهر جعل العتق صداقا، وتوهم منه إيقاع العتق بصيغة ثم
جعله بعد ذلك صداقا نصوا عليه في صحيح على (1) السابق وخبر ابن آدم (2) على
عدم إرادة ذلك وأنه تكون الامرأة معه حرة أمرها بيدها، بل لو صرح فيه باشتراط
التزويج لعدم كون الايقاع كالعقد في لزوم الشرط، بل إما أن يكون الشرط فيه
خاصة فاسدا أو هو والايقاع إلا ما دل عليه الدليل كاشتراط خدمة سنة، ومضمر
سماعة (3) (سألته عن رجل له زوجة وسرية يبدو له أن يعتق سريته ويتزوجها،
قال: إن شاء اشترط عليها أن عتقها صداقها، فإن ذلك حلال، أو يشترط عليها إن
شاء قسم لها وإن شاء لم يقسم، وإن شاء فضل عليها الحرة، فإن رضيت بذلك فلا
بأس) يمكن حمله على إرادة الاعتاق الاصداقي من الاشتراط فيه، لا أن المراد
عتقها بالصيغة واشتراط أن يكون ذلك صداقا لها ولو في عقد التزويج الذي يوقعه
بعد ذلك، وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت وإن كان لا يوافقه بعض الفروع المذكورة
في بعض كتب الأصحاب كما ستعرف.
ثم إنه قد يقوي في النظر عدم الحاجة في هذا العقد إلى القبول اكتفاء بوقوع

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
255

ذلك من السيد الذي كان ينبغي وقوعه من الجارية عن القبول، فيكون في الحقيقة
موجبا قابلا، وربما يؤيد ذلك خلو نصوص المقام عنه، بل ظاهرها خصوصا الصحيح
السابق الوقوع بدونه، والتعليق على الرضا في مضمر سماعة لم يعلم رجوعه إلى ذلك
بل ربما كان ظاهره الرجوع إلى الأخير، وإن كان هو أيضا مشكل (1) لكنه
يكون خارجا عما نحن فيه، على أن الظاهر إرادة من اعتبر القبول تأليف صورة العقد
لا أن المراد كون الأمر بيدها إن شاءت قبلت وإن شاءت لم تقبل، كما عساه يوهمه
المضمر، بل ربما أوهمه أيضا بعض عبارات الأصحاب إذ ذلك مناف لكونها أمة
قبولها إلى مولاها، وإنما تكون حرة بعد تمام العقد كما هو واضح، فلا ريب في
عدم اعتبار القبول بالمعنى المزبور.
نعم هو محتمل بالمعنى الذي ذكرناه مراعاة لصورة عقد التزويج، فتقبل حينئذ
هي تنزيلا لما وقع من سيدها منزلة الايجاب منها أو يقبل سيدها عنها، وربما كان
خلو النصوص اتكالا على الظهور والمفروغية من اعتبار القبول في عقد التزويج وإن
وقع ممن له القبول كولي الصغيرين، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان الأول أقوى،
كقوة عدم اعتبار صيغة العتق ضمنا فيه، بل تكون حرة بالعبارة المذكورة خصوصا
على ما سمعته منا من التحقيق.
لكن في القواعد الاشكال فيه من ذلك، ومن أن العتق لا يقع إلا بلفظه الصريح
في الاعتاق، ولأصالة بقاء الملك والاحتياط، وفي كشف اللثام هو الوجه، إلا أنه لا
يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل يمكن ظهور النصوص في خلافه، بل
كاد يكون صريح بعضها.
ومنه يعلم قوة ما سمعته من التحقيق المتقدم الذي منه أيضا يظهر لك النظر
فيما في القواعد من أنه لو جعل ذلك أي التزويج بجعل العتق صداقا في أمة الغير فإن
أنفذنا عتق المرتهن مع الإجازة فالأقرب هنا الصحة وإلا فلا، ضرورة أنه على ما

(1) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والمسودة.
256

ذكرناه يتجه الجواز حينئذ بناء على صحة الفضولي في النكاح وفي جعل مال الغير
مهرا، فإن المفروض حينئذ يكون من ذلك، ولا إشكال فيه بعدم صحة الفضولي في
العتق إلا إذا قلنا بصحته من المرتهن بإجازة الراهن مع إمكان الفرق بينهما بأن للمرتهن
حقا في المال وسلطنته عليه في الجملة بخلافه هنا، على أنه هنا فيه أمر زائد على
ذلك، وهو جعل مال الغير مهرا، وقد عرفت فساده فيما تقدم، هذا كله من حيث العتق.
وأما من حيث النكاح فلا ريب في ابتنائه صحة وفسادا على صحة الفضولي
وفساده، إذ فساد المهر لا يقتضي بفساده، كما هو واضح، وربما كان في المحكي في
جامع المقاصد عن الشارح الفاضل للقواعد إشارة في الجملة إلى ما ذكرناه، فإنه بنى
الحكم في المهر هنا وهو العتق على مقدمتين: إحداهما عتق المرتهن والأخرى أن
المجعول عتقها مهرا هل المهر هو العتق ابتداء أو هو تمليكها لرقبتها ويتبعه العتق؟
كما لو تزوج جارية غيره وجعل أبا سيدها المملوك مهرا لها، فإنه إذا أجاز السيد
النكاح دخل أبوه في ملكه فانعتق عليه، فإن المقدمة الثانية صريحة فيما قلناه.
لكن في جامع المقاصد بعد أن حكى ذلك عنه قال: (والذي يقتضيه صحيح النظر
وصادق التأمل أن هذا ليس من مسألتنا في شئ، لأن العتق في هذا الفرض واقع بلفظ
صريح وعبارة تخصه، وليس من الأمور الحاصلة بالتبعية في شئ، ومع ذلك فصريح
اللفظ أن المهر حقيقة هو العتق، والتعبير بتمليك الجارية رقبتها من الأمور المجازية
كما حققناه، وقد أبطله الشيخ في كلامه قبل، فكيف يجعل هذا مقدمة للحكم في
هذه المسألة؟ ولا يقال: إنه إنما بنى عليه على زعمهم وإن كان غير صحيح في نفسه، لأنا
نقول: قد بينا أنهم لا يريدون بذلك إلا المجازية، فلا يعتد بهذا البناء).
وفيه أنه لا داعي إلى حمل ذلك منهم على المجازية، لما عرفت من أوليته
من جعل العتق بصيغته مهرا بل ما سمعته من النصوص (1) الحاكمة بعود النصف رقا أو يسعى
بقيمته لو طلقها قبل الدخول شاهدة على ذلك، مضافا إلى ما سمعته وغيره مما يظهر بالتأمل

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
257

من الشواهد نعم قد يشكل الفرض بجعل ملك الغير مهرا كما عرفته فيما تقدم،
هذا كله في الفضولية بهذا الوجه.
أما قوله: (زوجت أمتي من زيد وجعلت عتقها صداقها) وقبل عنه الفضولي
ثم أجاز زيد احتمل قويا الصحة وإن كان فيه أيضا إشكال جعل مال الغير مهرا، ولو
قال: (زوجت زيدا أمتي وجعلت عتقها صداقها) فأجاز زيد فلا ريب في الصحة بناء
على ما ذكرناه وعلى صحة الفضولي.
بل وما في قوله في القواعد أيضا: (الأقرب جواز جعل عتق بعض مملوكته
مهرا، ويسري العتق خاصة) ضرورة كون المراد أنه كما جاز جعل الكل مهرا
يجوز جعل البعض مهرا وإن جرى العتق حينئذ في الجميع، لكن يسري فيه من
حيث كونه عتقا لا من حيث كونه مهرا، وتظهر الفائدة فيما لو طلقها قبل الدخول، فإن
ربعها يرجع رقا أو تسعى فيه لو كان المجعول مهرا النصف، ووجه السراية إطلاق
قوله (1) صلى الله عليه وآله: (من أعتق شقصا من عبد سرى إليه العتق) كما أن وجه عدم الجواز
في أصل المسألة الاقتصار على المتيقن.
هذا ولكن عن الشارح الفاضل أنه قال: (على قول من يقول: إن المهر هو
تمليك الجارية رقبتها تملك نصف رقبتها، وتنعتق عليها ولا سراية هنا، بل تسعى
في قيمة نصفها) وفيه أنه قد يشكل حينئذ صحة التزويج بعدم جواز تزويج السيد
أمته، والمفروض بقاء نصفها رقا حقيقة، وعتقه موقوف على السعي، وإنما يكون ذلك
مع نفوذ العتق في النصف، وإنما ينفذ مع صحة التزويج، وعليه يلزم صحة نكاح
السيد أمته، وهو معلوم البطلان وإنما صححناه في صورة كون عتق الجميع مهرا، لأن
العتق والتزويج يقعان معا كما تقدم، نعم قد يقال بعموم دليل السراية لنحو الفرض
فيتجه حينئذ الصحة.
كما تتجه أيضا في المبعضة التي بعضها حر، فيتزوجها بجعل عتق ماله صداقا
بناء على عدم الفرق بين الكل والبعض، نعم لا ريب في اشتراط رضاها هنا، لحرية البعض.

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 276 مع اختلاف يسير.
258

ولو كانت مشتركة بينه وبين غيره فتزوجها وجعل عتق نصيبه مهرا لها ففي
القواعد (الأقرب الصحة، ويسري العتق، ولا اعتبار برضا الشريك، وكذا لا اعتبار
برضاه لو جعل الجميع مهرا أو جعل نصيب الشريك خاصة) وكأنه بنى ذلك على
السراية قهرا وإن لم يؤد قيمة نصيب الشريك، أو على أن الأداء كاشف، فإنه حينئذ
يكون صحيحا لانتقال نصيب الشريك إليه حينئذ بالسراية، وصيرورتها بذلك
كمملوكته التي جعل عتق بعضها مهرا، ولا يشكل ذلك بأن السراية إنما تتحقق
بعد تحقق العتق لنصيبه الموقوف على تمام العقد، لامكان دفعه بأن الجميع يتحقق
بآن واحد، والترتب ذاتي لا زماني، وبذلك بأن عدم اعتبار رضا الشريك، بل وعدم
اعتبار رضا المملوكة بناء على عدم اعتباره في مملوكته على ما سمعته، ضرورة كون
ذلك منها، نعم يتجه توقف الصحة على اعتبار رضا الشريك بناء على عدم السراية
حتى يؤدي القيمة، لكون الجزء باقيا على ملك الغير، فلا ينفذ النكاح بدون إذنه
أو إجازته، واحتمال ابقائه موقوفا على الأداء كما ترى، بناء على تأثير الأداء في
الحرية، لا على كونه كاشفا، ضرورة تحقق الحرية بعد حصول عقد النكاح، كما هو واضح.
ومما عرفت ظهر لك عدم الفرق بين جعل عتق نصيبه مهرا أو جعل عتق الجميع
مهرا أو عتق حصة الشريك خاصة، في اشتراك الجميع بعدم اعتبار رضا الشريك الذي
قد عرفت زوال شركته بالسراية الحاصلة بعتق نصيبه المقتضي ذلك لانتقال حصة
الشريك إليه.
لكن الانصاف مع ذلك عدم خلو المسألة عن إشكال من حيث عدم اندارجها في
النص، خصوصا بناء على ما ذكرناه من كون الاعتاق بالاصداق، فإنه لا يتم معه
صورة جعل الصداق حصة الشريك خاصة، فتأمل جيدا.
كما أنه لا يتم على ذلك أيضا ما لو أعتق جميع جاريته وجعل عتق بعضها مهرا
أو بالعكس بأن جعل عتق الجميع بعض المهر، كأن أمهرها معه ثوبا مثلا، فإنه
لا وجه مع فرض كون الاعتاق بالاصداق لعتق الكل وجعل البعض مهرا، نعم لا بأس
بصورة العكس بأن يجعل الصداق عتقها وشيئا آخر، كما أنه لا بأس باصداقها بعض
259

رقبتها بناء على السراية بمثل ذلك، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (أم الولد لا تنعتق إلا بعد وفاة مولاها) ضرورة عدم
كون الاستيلاد عتقا وإن منع من بيعها، بل مطلق نقلها ما دام الولد حيا، نعم لو مات
مولاها والولد حي عتقت (من نصيب ولدها) اتفاقا إن وفى، لانتقالها كلا أو
بعضا إليه بالإرث، فينعتق عليه كلها أو بعضها، ويسري العتق في الباقي، فتقوم عليه
من نصيبه.
(ولو عجز النصيب) عن الكل (سعت) هي (في المختلف) عند الأكثر
(ولا يلزم ولدها السعي فيه) أو الفك من ماله غير الإرث، (وقيل) والقائل
الشيخ في محكي النهاية: (يلزم) الولد السعي إن كان قيمتها دينا على المولى ولم
يخلف سواها إلا أن يموت قبل البلوغ، فتباع ويقتضي بثمنها الدين، وفي محكي الوسيلة
كذلك إن كان عليه دين في غير ثمنها، (و) لا ريب في أن (الأول أشبه) بأصول
المذهب وقواعده، كما عرفته في الجملة في كتاب البيع، وتعرفه فيما يأتي
إن شاء الله.
(ولو مات ولدها وأبوه حي جاز بيعها و) غيره لأنها حينئذ (عادت إلى
محض الرق) الخالي من تشبث الحرية (و) صارت كحالها قبل الولادة، بل
(يجوز بيعها مع وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا لم يكن لمولاها غيرها) كما عرفته
مفصلا في كتاب البيع (و) يأتي إنشاء الله له تتمة.
بل (قيل) والقائل ابن حمزة: (يجوز بيعها بعد وفاته في ديونه وإن
لم يكن ثمنا لها إذا كانت الديون محيطة بتركته، بحيث لا يفضل عن الدين شئ
أصلا) لأنه لا نصيب للولد حينئذ، وهو مبني على عدم انتقال التركة إلى الورثة
مع الدين، وهو ممنوع كما حققناه في محله، ولقول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (1):

(1) أشار إليه في الوسائل في الباب - 6 - من أبواب الاستيلاد الحديث 4 من كتاب
التدبير والمكاتبة والاستيلاد. وذكره في التهذيب ج 8 ص 240 الرقم 865.
260

(وإن مات وعليه دين قومت على ابنها، فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر
ثم يجبر على قيمتها) وهو مع ضعفه سندا ودلالة معارض بغيره مما عرفته وتعرفه
ضرورة كون المقام غير مقامه، وإنما ذكر المصنف ذلك كله مقدمة لقوله: (ولو كان
ثمنها دينا فتزوجها المالك وجعل عتقها مهرها ثم أولدها وأفلس بثمنها ومات بيعت
في الدين).
(وهل يعود ولدها رقا؟ قيل) والقائل الشيخ وابنا الجنيد والبراج:
(نعم) هو رق للمولى الأول بل وأمه كذلك أيضا (لرواية هشام بن سالم) (1)
له صحيحا عن الصادق عليه السلام في موضع من التهذيب، وفي آخر عن أبي بصير (2) عن
الصادق عليه السلام قال: (سئل وأنا حاضر عن رجل باع من رجل جارية بكرا إلى سنة فلما
قبضها المشتري أعتقها من الغد وتزوجها، وجعل مهرها عتقها، ثم مات بعد ذلك
بشهر، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن كان الذي اشتراها له مال أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه
من الدين في رقبتها فإن عتقه ونكاحه جائز، وإن لم يملك مالا أو عقدة تحيط بقضاء
ما عليه من الدين في رقبتها كان عتقه ونكاحه باطلا لأنه عتق ما لا يملك، وأرى
أنها رق لمولاها الأول، قيل له: وإن كانت علقت من الذي أعتقها وتزوجها ما حال
ما في بطنها؟ فقال: الذي في بطنها مع أمه كهيئتها).
(و) لكن مع ذلك (الأشبه) بأصول المذهب وقواعده (أنه لا يبطل
العتق ولا النكاح، ولا يرجع الولد رقا) وفاقا لابن إدريس وأكثر المتأخرين
(لتحقق الحرية فيهما) والحر لا يعود رقا، والخبر مطرح أو محمول على ما
في القواعد من حمل عود الرق فيه على وقوع العتق في مرض الموت والفرض عدم الثلث
له، لاستغراق الدين، وإن كان فيه أن ذلك يفسد عتقها لا حرية الولد، إلا أن
يحمل قوله عليه السلام: (كهيئتها) على المساواة في الحرية، لكنه بعيد جدا من اللفظ
ومن انكشاف عدم الحرية.

(1) الوسائل الباب - 25 - من كتاب العتق الحديث 1.
(2) التهذيب ج 8 ص 213 الرقم 762.
261

أو على ما عن بعضهم من وقوع العتق مضارا، فلا ينفذ لخلوه عن القربة حينئذ
وإن كان فيه أيضا أن ذلك لا يتم في الولد.
أو على ما عن آخر من كون البيع فاسدا وعلم المشتري بذلك على وجه يكون
زانيا، فإنه حينئذ يفسد العتق والنكاح، ويكون الولد رقا، وإن أورد عليه في
كشف اللثام بأنه لا جهة لفساده إلا أن يقال: إنه حينئذ سفيه لا ينفذ عتقه ولا عقده، وفي
غيره بأنه لا وجه للتقسيم حينئذ في الخبر، قلت: يمكن أن يكون وجه الفساد اعتبار
وجود المقابل في صحة الاستدانة ولو بطريق الشراء نسيئة كما ذهب إليه بعض الأفاضل
من مشائخنا، أو اعتبار العزم على الأداء كما سمعته في كتاب القرض وغيره ولم
يكن عازما بقرينة مبادرته للاعتاق مع علمه بعدم شئ عنده، ولعل هذا وسابقه أولى من
جميع ما ذكر في تأويله، بل يمكن إرادة القائل بالفساد ذلك. ومنه يعلم ما في
كشف اللثام من أن الأجود طرحه، لأن الخبر لضعفه ومخالفته الأصول لا يصلح
للعمل، وكأنه تبع بذلك ثاني الشهيدين في المسالك، فإنه طعن في صحتها باشتراك
أبي بصير بين الثقة وغيره وباضطرابها، لأن الشيخ - ره - تارة رواها عن هشام بن سالم
عن أبي عبد الله عليه السلام من غير واسطة، وأخرى عن أبي بصير، فهي مضطربة الاسناد، فلا
تكون حجة كما قرر في علم دراية الحديث، ثم قال: فإذا كانت الرواية هكذا حالها
لم يصعب إطراحها في مقابلة الأمور القطعية التي تشهد لها الأصول الشرعية، وقد يناقش
بمنع اشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره، بل كل منهما ثقة كما حرر في محله، ولو
سلم فالخبر صحيح أو موثق، وكل منهما حجة، فالأولى تأويلها بما سمعت.
ثم لا يخفى أن اللائق بالعمل بالخبر المزبور الجمود على ما فيه من
القيود المحتمل مدخليتها في الحكم المزبور، ولعل إطلاق الشيخ الثمن مع كونه في
الرواية نسيئة للقطع عنده بعدم احتمال المدخلية، فضلا عن احتمال مدخلية خصوص
النسيئة، كالقطع بعدم اعتبار البكارة، بل لم يعتبر الشيخ الحمل، فلم يفرق بين موته
وهي حامل أو بعد وضعها، مع احتمال الفرق بتبعية الحمل للحامل في كثير من الأحكام
أو مطلقا عند قوم، اللهم إلا أن يقطع في خصوص المقام بذلك، ضرورة عدم الفرق
262

في حريته بين كونه حملا أو مولودا، نعم يتجه الفرق بين الأمة والعبد، فلو اشتراه
نسيئة أو مطلقا وأعتقه لم يعد رقا، هذا كله مع العمل بالخبر المزبور، لا على ما ذكرناه
من الوجه في تأويله، أما عليه فلا فرق بين جميع ذلك كله، كما أنه لا إشكال في شئ
منه على من أطرح الخبر المزبور، كما هو واضح، والله العالم. كل ذلك في العتق من الطوارئ
(وأما البيع)
(فإذا باع المالك الأمة) المزوجة بعبد مملوك للبائع أو غيره أو لهما أو حر كلا
أو بعضا من واحد أو متعدد (كان ذلك كالطلاق) بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه،
مضافا إلى خبر الحسن بن زياد (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية يطأها
فبلغه أن لها زوجا، قال: يطؤها، فإن بيعها طلاقها، وذلك أنهما لا يقدران على شئ
من أمرهما إذا بيعا) وصحيح عبد الرحمن (2) (سأله عليه السلام عن الأمة تباع ولها زوج،
فقال: صفقتها طلاقها) وصحيح محمد بن مسلم (3) عن أحدهما عليهما السلام (طلاق الأمة بيعها
أو بيع زوجها، وقال في الرجل يزوج أمته رجلا حرا ثم يبيعها، قال: هو فراق ما بينهما
إلا أن يشاء المشتري أن يدعهما) وحسنة بريد وبكير عن الباقر والصادق عليهما السلام (4)
(من اشترى مملوكة لها زوج فإن بيعها طلاقها، فإن شاء المشتري فرق بينهما، وإن شاء
على نكاحهما).
(و) منه يعلم إرادة أن (المشتري بالخيار بين إمضاء بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه) من
حمل الطلاق على البيع فيه وفي غيره، مضافا إلى خبر الكناني (5) عن أبي عبد الله
عليه السلام (إذا بيعت الأمة ولها زوج فالذي اشتراها بالخيار، إن شاء فرق
بينهما، وإن شاء تركها معه، فإن هو تركها معه فليس له أن يفرق بينهما بعد ما
أمضى، قال: وإن بيع العبد فإن شاء مولاه الذي اشتراه أن يصنع مثل ما صنع صاحب

(1) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 1 - 4
وفي الرابع (وإن شاء تركهما على نكاحهما).
(2) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 1 - 4
وفي الرابع (وإن شاء تركهما على نكاحهما).
(3) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 1 - 4
وفي الرابع (وإن شاء تركهما على نكاحهما).
(4) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 1 - 4
وفي الرابع (وإن شاء تركهما على نكاحهما).
(5) الوسائل الباب - 48 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
263

الجارية فذلك له، وإن هو سلم فليس له أن يفرق بينهما بعد ما سلم) لا أنه طلاق
حقيقة، بل ولا أنه في حكم الطلاق من حرمة المواقعة وغيرها قبل أن يفسخ المشتري
إلا أن يشاء المشتري ابقاء العقد وإن كان هو أقرب إلى الحمل والتشبيه، بل هو
ظاهر خبر ابن زياد وصحيح ابن مسلم، فيكون شبه الفضولي قبل الإجازة بمعنى
احتياج الصحة فيه إلى إنشاء الرضا دون الفساد، فإنه يكفي فيه عدم إنشاء الرضا أو
شبه الطلاق الرجعي المتوقف تحقق الرجعة فيه على إنشائها، دون مضي الطلاق الذي
يكفي فيه عدم انشاء ما يقتضي الرجوع، بل لعله لا ينافي ذلك الخبران بعد أن كان
التفريق يكفي فيه عدم إرادة إبقاء العقد، فتجتمع حينئذ جميع النصوص على معنى
واحد، خصوصا بعد تعذر العمل على ظاهري خبري التخيير المقتضي توقف إمضاء
العقد على إرادة إمضائه المخالف لمقتضي الخيار، ضرورة كون المحتاج فيه إلى الانشاء
الفسخ خاصة دون الامضاء الذي يكفي فيه العقد الأول، كما في سائر أفراد الخيار
لكن الاجماع ظاهرا على كون المراد بذلك الخيار منع منه، فإن تم كان هو الحجة
وحينئذ فالنكاح باق إلا أن يفسخ كغيره من أفراد النكاح ذي الخيار وإلا كان
الأقوى ما عرفت.
وعلى كل حال فما في الخبر البصري (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يبتاع
الجارية ولها زوج حر، قال: لا يحل لأحد يمسها حتى يطلقها زوجها الحر)
قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه، فيجب حمله على صورة إقرار المشتري الزوج
على عقده أو تخصيصه باختيار المشتري الفسخ أو غير ذلك، لقوة تلك الأدلة المؤيدة
بتضرر المالك بالتزامه ببقاء النكاح الذي من المحتمل اعتبار استدامة الملك في مضيه.
ومن ذلك وما هو كالتعليل في خبر زياد (2) يعلم عدم الفرق في الحكم المزبور
بين البيع وغيره من الناقل الاختياري، بل والقهري كالإرث، ضرورة كون المنشأ
في ذلك تجدد المالك، بل لأنه يحتمل ثبوته للبائع لو عاد إليه ولو بفسخ أو إقالة.

(1) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 7 - 2 والثاني
خبر ابن زياد.
(2) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 7 - 2 والثاني
خبر ابن زياد.
264

ولو أوقف العبد المتزوج مثلا على الفقراء أو على جهة عامة وقلنا بانتقال
العين الموقوفة كذلك لله أو للفقراء احتمل أن الخيار بيد الحاكم، وكذا لو دفعه
إلى الحاكم خمسا للسادة أو زكاة للفقراء، ويحتمل العدم اقتصارا فيما خالف الأصل
على المتيقن، ولعل الأول لا يخلو من قوة، ولو دفعه الحاكم إلى خصوص فقير
احتمل أيضا كون الخيار له، لتجدد ملك للشخص غير ملك الجنس، فيثبت الخيار
حينئذ له وإن كان قد أمضاه الحاكم من قبل، فتأمل جيدا.
ثم لا فرق في ذلك بين أفراد النكاح، لأن ثبوته في الأقوى يقتضي ثبوته
في الأضعف بالطريق الأولى، والتشبيه بالطلاق لا يقتضي اختصاصه فيما يقبله، بل
الظاهر عدم ثبوت الخيار في التحليل منه، لانقطاع الإذن بانتقال الملك، فيحتاج
حينئذ إلى عقد جديد، نعم لو كان منقطعا ففسخ المشتري قبل مضي المدة احتمل
رجوع الزوج على البائع بما قابل المدة من المهر، وفيه إشكال يعرف مما قدمناه
سابقا، بل وفي الفسخ قبل الدخول فضلا عن ذلك.
(و) كيف كان ف‍ (خياره على الفور) وحينئذ (فإذا علم ولم يفسخ لزم
العقد) بلا خلاف في الظاهر كما اعترف به في الرياض، بل فيه أن ظاهرهم
الاجماع عليه، لخبر الكناني (1) مؤيدا بما دل من النصوص (2) على أن سكوت
الموالي بعد بلوغهم تزويج عبيدهم إجازة، وبقاعدة الاقتصار على المتيقن، واندفاع
الضرر معها، ودلالة التأخير على الرضا، لكن الجميع كما ترى غير صالح لقطع
الاستصحاب وتقييد الاطلاق، والمراد بتركها معه في خبر الكناني إن شاء الابقاء
الذي يؤول إلى اسقاط حق الفسخ وهو غير ما نحن فيه، نعم إن تم الاجماع كان
هو الحجة وإلا كان للنظر فيه مجال، ومن هنا اتجه بقاء الخيار مع الجهل به، كما
صرح به عن غير واحد، بل في الرياض نفي الخلاف عنه، بل لا يبعد إلحاق الجهل

(1) الوسائل الباب - 48 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 26 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
265

بالفورية به أيضا وفاقا لبعضهم، للأصل والاطلاق السالمين عن معارضة الاجماع
هنا قطعا.
(وكذا حكم العبد إذا كان تحته أمة) وبيع فإن مشتريه بالخيار أيضا
على حسب ما سمعته في الأمة بلا خلاف أجده، لصحيح ابن مسلم (1) وخبر الكناني (2)
المتقدمين، والتعليل في خبر ابن زياد (3) المؤيدة بما سمعته.
(و) أما (لو كان تحته حرة فبيع) فالمشهور أيضا أنه (كان للمشتري الخيار)
في نكاحه، لخبر الكناني (4) والتعليل (5) المؤيدين بقاعدة تسلط المالك على
ملكه في ابتداء النكاح، فكذا استدامته، خلافا لابن إدريس وجماعة كما قيل، بل
في محكي السرائر أن الشيخ أورد ذلك في النهاية إيرادا لا اعتقادا، وقد رجع عنه
في مبسوطه فقال: (وإن كان للعبد زوجه فباعه مولاه فالنكاح باق بالاجماع، للأصل
واختصاص المثبت للحكم بغيره مع حرمة القياس) بل ظاهر قول المنصف هنا: (على
رواية فيها ضعف) سندا ودلالة الميل إليه مشيرا بذلك إلى خبر محمد بن علي (6)
عن أبي الحسن عليه السلام (إذا تزوج المملوك حرة فللمولى أن يفرق بينهما، فإن زوجه
المولى حرة فله أن يفرق بينهما (إذ ليس له التفريق إلا بالبيع المعرض له، وإن
كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قلناه من أنا في غنية عن هذا الخبر بما
سمعت، على أن ضعف السند ينجبر بالشهرة، بل والدلالة التي لا يقدح فيها عدم
جواز التفريق له بغير البيع، ضرورة أن أقصى ذلك خروج مثل هذا الفرد من الاطلاق
ومعقد إجماع المبسوط بقاء النكاح الذي لا ينافي ثبوت الخيار، ولكن مع ذلك كله

(1) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 48 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 48 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
(6) الوسائل الباب - 64 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4.
266

فالاحتياط لا ينبغي تركه.
(ولو كانا) أي العبد والأمة (لمالك) متحد (فباعهما لاثنين) دفعة
أو ترتيبا على جهة الشركة بينهما أو اختصاص كل واحد بواحد (كان الخيار
لكل واحد من المبتاعين وكذا لو اشتراهما واحد) بلا خلاف ولا إشكال لاطلاق
الأدلة (وكذا لو باع أحدهما كان الخيار للمشتري) أيضا لذلك (وللبائع)
عند المصنف وجماعة استصحابا لحاله السابق قبل البيع، ولاطلاق النصوص (1) كون
البيع طلاقا، ولاشتراكه مع المشتري في المعنى المقتضي لجواز الفسخ، وهو التضرر
بمضي تزويج مملوكه لغير مملوكه (و) حينئذ (لا يثبت عقدهما إلا برضا المتبايعين)
ضرورة عدم الاكتفاء بأحدهما بعد أن كان الخيار لكل منهما، لتقدم الفاسخ على
غيره كما في كل خيار مشترك (ولو) أمضيا و (حصل بينهما أولاد كانوا لموالي
الأبوين) كالمتناكحين ابتداء بإذن من مولييهما الذي قد عرفته فيما تقدم،
وعرفت ضعف الخلاف فيه وهو الالحاق بالأم.
إنما الكلام في ثبوت الخيار للبائع، وتفصيل البحث فيه أنه لا إشكال في
عدم ثبوت الخيار له إذا لم يكن مالكا إلا من باعه، ضرورة انقطاع سلطنته حينئذ،
وما عساه يظهر من ثاني الشهيدين في الروضة وفي أول البحث من المسالك أن ثبوت
الخيار له حينئذ اشتباه قطعا، أما إذا كان مالكا للآخر فقد عرفت تصريح المصنف
وغيره بثبوت الخيار له لما عرفت، لكن ظاهرهم اختصاصه بذلك، فلا يثبت الخيار
لمالك العبد مثلا غير البائع ببيع الأمة منه خلافا للشيخ وابن حمزة والفاضل وغيرهم
فإنه يثبت الخيار له عندهم، ولعل وجهه جريان الاستصحاب فيه دون غيره، ودعوى
ظهور انسياق البائع من قوله عليه السلام (2): (طلاق الأمة بيعها) في نحو الفرض دون المالك
الآخر الذي يقتضي الأصل لزوم العقد بالنسبة إليه.
فيتحصل حينئذ في المسألة أقوال ثلاثة: (أحدها) عدم الخيار لغير المشتري مطلقا كما

(1) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 - 1.
(2) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 - 1.
267

هو خيرة ابن إدريس للأصل وظهور النصوص (1) في إرادته عن نحو قوله عليه السلام (2):
(طلاق الأمة بيعها) بقرينة تفريع ذلك عليه في بعضها، وظهور الفرق في بطلان
القياس عليه بأنه لم يحصل منه رضا بالنكاح أصلا بخلاف المالك الأول.
(ثانيها) ثبوته لمالك الآخر الذي لم يبع سواء كان هو البائع أو غيره، لاختلاف
الأغراض في نكاح المماليك بالنسبة إلى المالكين، ولاطلاق نحو قوله عليه السلام (3):
(بيع الأمة طلاقها).
(ثالثها) التفصيل بين البائع وغيره، فيثبت الخيار له دون غيره، للفرق بينهما
بالاستصحاب فيه وعدمه في غيره، لكنه كما ترى هو أضعفها، ضرورة أن التخيير
الذي كان له إنما هو من حيث كونه مولى لهما، والفرض زواله بالبيع، فلا وجه
لاستصحابه، على أن محل البحث في التخيير الحاصل بسبب البيع، وغير الاستصحاب
مما ذكرناه دليلا لذلك لا يخص البائع.
وبذلك ظهر لك أن المتجه أحد القولين دون التفصيل، والأقوى اختصاص
الخيار بالمشتري، للأصل السالم عن معارضة النصوص، أما على ما قلنا - من كون
المراد من " بيع الأمة طلاقها) حصول حكم الطلاق بمجرد البيع من غير فرق بين
كون الزوج مثلا ملكا للبائع أو لغيره إلا أن شاء المشتري إبقاء نكاحهما، لصيرورته
استدامة النكاح بالنسبة إليه كالنكاح الفضولي ابتداء أو صيرورة البيع بالنسيئة
كالطلاق الرجعي وأن أمر الرجعة إليه - فواضح، إذ ليس في شئ من النصوص اعتبار
رضا مولى الآخر سواء كان هو البائع أو غيره، وأما على إرادة الخيار منه فلا ريب في
كونه غير الظاهر منه، لكن للقرينة - وهي قوله عليه السلام (4): (فإن شاء المشتري) إلى آخره
وقوله عليه السلام (5): (إلا أن يشاء المشتري) إلى آخره - حمل على ذلك، ولا ريب

(1) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 - 1.
(2) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 - 1.
(3) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 4 - 9.
(4) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 1.
(5) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 1.
268

في اقتضائها خصوص المشتري دون غيره ودعوى أن التفريع لا يقتضي التخصيص
يدفعها عدم المقتضي للتعميم، ضرورة كونه خلاف الظاهر على أنه غير تام في قوله عليه السلام
(هو فراق ما بينهما إلا أن يشاء المشتري) كدعوى كون المراد ولو بالقرينة تزلزل
العقد بالنسبة إلى كل من له تعلق به، فيعم المشتري ومولى الآخر، بل والبائع
وإن لم يكن مولى كما سمعته من ظاهر عبارة الروضة، ضرورة عدم الشاهد عليها.
والقرينة لا تصلح لغير ما عرفت، فتبقى حينئذ أصالة اللزوم سالمة عن المعارض، ويختص
الخيار بالمشتري، ودعوى الاشتراك في العلة من القياس الممنوع، والله العالم.
(مسائل ثلاث:)
(الأولى:)
(إذا زوج أمته ملك المهر) بلا خلاف ولا إشكال (لثبوته في ملكه)
باعتبار كونه عوضا للبضع المملوك له (فإن باعها قبل الدخول) وقلنا إن البيع
نفسه بحكم الفسخ أو فسخ المشتري بخياره (سقط المهر، لانفساخ العقد الذي ثبت
المهر باعتباره) من غير قبل الزوج، لا نصفه إن قبضه كما عن المبسوط، ضرورة
عدم كونه طلاقا ولا فسخا من قبل الزوج ملحقا به لو قلنا بحجية القياس، وإطلاق
النصوص (1) كون البيع طلاقا يراد منه ما عرفت، لا أن المراد لحوق حكم الطلاق
على وجه يشمل ذلك قطعا.
نعم قد يتخيل ثبوته أجمع للسيد الأول، لملكه له بالعقد، فالاستصحاب
يقتضي ثبوته له بعد فرض عدم الدليل على ثبوت حكم البيع من المعاوضات هنا باعتبار
عدم التقابض، خصوصا بعد أن كان الصحيح ثبوت المهر بالموت، لكن فيه أن الاجماع

(1) الوسائل الباب - 47 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 -.
269

ظاهرا على أن الفسخ منها أو مما في حكمها قبل الدخول مسقط للمهر، وفي النصوص
ما يدل (1) عليه، بل ربما كان في قوله تعالى (2): (وقد أفضى بعضكم) إلى آخره،
نوع إشعار به في الجملة، بل قد عرفت فيما مضى أن مقتضى انفساخ العقد رد كل
عوض إلى صاحبه، والموت لا انفساخ فيه، والفرض هنا أنه فسخ بالخيار الذي جعله
الشارع له، ولا يرد على ذلك الفسخ بعد الدخول، ضرورة حصول العوض لمن له فيه
باستيفائه ولو مرة، نعم لو فرض هنا كون العقد منقطعا وقد مضت مدة وكان عدم
الدخول منه لا منها توجه استقرار ملك السيد لما قابل المدة من المهر، هذا كله
فيما إذا فسخ المشتري.
(فإن أجاز) أي (المشتري كان المهر له) عند ابن إدريس - ره - ومن تأخر عنه
(لأن إجازته كالعقد المستأنف) المقتضي ملك المهر لمالك البضع، وفيه أنه
لا يتم على ما ذكروه من الخيار الذي معناه أن له فسخ العقد، فمع فرض عدمه
يكون العقد السابق تاما في الاقتضاء على حسب ما وقع، والفرض أنه كان مقتضيا
لملك السيد الأول المهر، ودعوى أنه بعدم فسخه ينتقل ملك المهر من السيد
الأول إلى السيد الثاني من الغرائب التي لا توافق شيئا من الأدلة، بل الأدلة
أجمع على خلافها، ومن هنا لو أعتقت الأمة المزوجة قبل الدخول ولم تفسخ كان المهر
للسيد بلا إشكال ولا خلاف.
ودعوى الفرق بين المقامين - بعدم اقتضاء العتق نقل المنافع، لكونه فك
ملك، فيكون التزويج فيه حينئذ كاستثناء المنفعة له التي يتبعها بقاء عوضها له
أيضا، بخلاف البيع الذي يقتضي نقل المنفعة للمشتري المقتضي انتقال عوضها إليه
دون البائع - كما ترى لا محصل لها، ضرورة أنه إن كان التزويج السابق شبيها
باستثناء المنفعة فليكن ذلك فيهما وإلا فلا، فإن المنفعة تابعة للعين، من غير فرق
بين الحرية والملكية وإن كانت في الأول تكون للمحرر وفي الثاني تكون للمالك،

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 21.
270

فلا ريب في أن المتجه في مفروض البحث كون المهر ملكا للسيد الأول كما اقتضاه العقد
أولا، بل لا يبعد ذلك في العقد الموجب لمهر المثل أيضا بخلاف ما يوجبه الدخول فيه
لفساد العقد، فإنه للثاني، لكون الموجب له قد وقع في ملكه دون الأول.
وبالجملة كل ما كان من مقتضي العقد فهو للأول مع فرض عدم الفسخ،
وكل ما يوجبه الدخول فهو للثاني لما سمعت، على أنه لا إجازة هنا حقيقة بناء
على ما ذكروه من الخيار، بل أقصاه عدم فسخ، والعقد تام في الاقتضاء، نعم لو قلنا:
إن البيع بحكم الفسخ وإن استدامة العقد كالعقد فضولا على المالك الجديد
فأجازه اتجه حينئذ ملكه للمهر دون السيد الأول لكون العقد حينئذ على ملكه
بعد انفساخ العقد بالنسبة إلى الأول وسقوط استحقاقه للمهر لكونه قبل الدخول
ومن قبله لا من قبل الزوج بناء على اقتضائه ذلك، فتكون الاستدامة حينئذ كالعقد
الجديد (1) وبذلك يظهر لك الحال في المنقطع أيضا، فإنه كالدائم بالنسبة إلى ذلك،
كما هو واضح.
(ولو باعها بعد الدخول) الموجب لاستقرار المهر (كان المهر للأول،
سواء أجاز الثاني أو فسخ، لاستقراره) وهي (في ملك الأول) ودعوى - أن
بيعه لها متلف للبضع على الزوج أو معرض للتلف فيضمن له مهر المثل - واضحة
الفساد بعد أن عرفت فيما تقدم أن البضع ليس من الأموال التي تضمن بأمثال ذلك
مما هو جائز شرعا إيقاعه، نعم ربما أشكل بعض الناس ذلك في المنقطع بأن الفسخ
فيه وإن كان بعد الدخول يقتضي توزيع المهر على المدة، فلا يتوجه استحقاق السيد
المهر أجمع فيه، وقد يدفع باحتمال إرادة الأصحاب خصوص الدائم هنا، وبإمكان
منع اقتضاء ذلك في المنقطع أيضا، بل المهر فيه كالمهر في الدائم، وإنما شابه الإجارة
في خصوص تخلف المرأة في المدة مع استحقاقها عليها، والمقام ليس من ذلك قطعا

(1) فهو حينئذ شبه إجارة الموقوف مدة قد انتقل الموقوف في أثنائها إلى البطن
الآخر فأجاز الإجارة، فإن الأجرة حينئذ فيما قابل المدة الباقية تكون لهم لا للمؤجر الأول.
(منه رحمه الله)
271

كما تكرر ذلك منا غير مرة، فتأمل، والله العالم.
وكيف كان فالتحقيق في أصل المسألة ما سمعته (و) إن كان (فيها أقوال
مختلفة، و) لكن (المحصل) للمحصل (ما ذكرناه).
(منها) ما في النهاية (إذا زوج الرجل أمته من غيره وسمى لها مهرا معينا
وقدم الرجل من جملة المهر شيئا معينا ثم باع الرجل الجارية لم يكن له
المطالبة بباقي المهر، ولا لمن يشتريها إلا أن يرضى بالعقد) ونحوه عن ابن
البراج، وهو مع عدم صراحته في المخالفة لا يوافق شيئا من الأدلة حتى خبر
أبي بصير (1) الفاقد شرائط الحجية عن أحدهما عليه السلام (في رجل زوج مملوكته من
رجل على أربعمائة درهم، فعجل لها مأتي درهم ثم أخر عنه مأتي درهم، فدخل
بها زوجها، ثم إن سيدها باعها بعد من رجل، لمن يكون المأتان المؤخرة عنه؟
فقال: إن لم يكن أوفاها بقية المهر حتى باعها فلا شئ عليه له ولا لغيره) الذي
حمله في المختلف على إرادة الخلوة من الدخول لا الايلاج، وقوله عليه السلام (إن لم
يكن) إلى آخره، معناه إن لم يكن فعل الدخول الذي باعتباره يجب أن يوفيها
المهر ثم باعها لم يكن له شئ في الفسخ بالبيع من قبله قبل الدخول ولا لغيره إذا
لم يجز العقد.
(ومنها) ما في محكي المبسوط المضطرب، فإنه تارة حكم بأن البائع إن
قبض المهر لم يكن للمشتري شئ، لأنه لا يكون مهران في عقد، وإن لم يقبض
استحقه كملا إن دخل بعد الشراء أو نصفا إن لم يدخل، وأخرى بأنه إن دخل
بعد الشراء كان نصف المهر له بالدخول والنصف الآخر للبائع بالعقد، من غير فرق
بين أن يكون البائع قبضه أولا، وأخرى بأن البائع إن قبض بعض المهر لم يكن له
المطالبة بالباقي فإن أجاز المشتري طالب به، وأخرى بأن البائع إن قبض المهر

(1) الوسائل الباب - 87 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 مع الاختلاف
والنص موافق للفقيه ج 3 ص 288 الرقم 1370.
272

استرده الزوج من غير تفصيل، وكأنه لحظ في بعض ما ذكره الخبر المزبور (1)
الذي قد عرفت فقده شرائط الحجية، فلا محيص حينئذ عما ذكرناه، والله هو العالم.
المسألة (الثانية:)
(لو زوج عبده بحرة ثم باعه) بعد الدخول استقر المهر على السيد، لما
سمعته سابقا من كون مهر العبد على مولاه وإن فسخه المشتري.
وإن باعه (قبل الدخول قيل: كان للمشتري الفسخ) أيضا، وهو الأقوى
كما عرفته فيما سبق، خلافا لابن إدريس، فلم يثبت الخيار لمشتري العبد إذا
كانت زوجته حرة، وقد عرفت ضعفه فيما سبق. (و) حينئذ فإذا فسخ المشتري
كان (على المولى نصف المهر) عند المشهور الحاقا لمثل هذا الفسخ قبل الدخول
بالطلاق، ولخبر علي بن حمزة (2) المنجبر ضعفه بالشهرة عن الكاظم عليه السلام (في رجل
زوج مملوكا له امرأة حرة على مائة درهم ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها،
فقال: يعطيها سيده من ثمن نصف ما فرض لها، إنما هو بمنزلة دين استدانه بأمر
سيده) ومنه يعلم وجوب المهر كملا عليه إذا لم يفسخ المشتري إلا إذا قلنا:
إن البيع نفسه فسخ بالنسبة إليه، فيجب حينئذ النصف الآخر على السيد الثاني مع
الإجازة، كما كان المهر كله له في الأمة عندهم.
(ومن الأصحاب) وهو ابن إدريس (من أنكر الأمرين) أي الخيار
للمشتري في نكاح العبد الحرة كما تقدم، وتنصيف المهر بالفسخ على تقديره
أيضا لاختصاص الدليل بالطلاق وحرمة القياس، فالمهر كملا واجب على السيد.
قيل: وهو متجه على أصله من عدم العمل بمثل الخبر المزبور، وفيه أن المتجه

(1) الوسائل الباب - 87 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 78 - من أبواب نكاح العبيد الحديث 1 عن علي بن
أبي حمزة.
273

حينئذ مع قطع النظر عن الخبر سقوط المهر أصلا، لما عرفته سابقا من مقتضي
الفسخ في الخيار المشروع له رد كل عوض إلى صاحبه اللهم إلا أن يكون النكاح
على غير قياس المعاوضات، والله العالم.
المسألة (الثالثة:)
(لو باع أمته وادعى) بعد ذلك (أن حملها منه) على وجه يحتمل
الصحة (وأنكر المشتري لم يقبل قوله في إفساد البيع) المخالف للأصل، ولا
يجديه إقرارها، لأنه في حق الغير، نعم إن ادعى علمه كان له إحلافه. (ويقبل
في التحاق الولد) عندنا كما عن الخلاف والسرائر، سواء كان داخلا في ملك المشتري
بالتبعية أو الشرط أو غير داخل (لأنه) على كل حال (إقرار لا يتضرر به الغير)
فيكون ولدا في حقه مملوكا للمشتري، ولا منع في قبول أحد جزئي الدعوى دون
الآخر، فيحكم بكون الولد ولده في حقه، وهو وأمه مملوكان للمشتري، ودعوى
إمكان الضرر على المشتري بشرائه قهرا لو مات أبوه عن غير وارث يدفعها منع
اجباره على ذلك، لعدم ثبوت كونه ولدا في حق المشتري، نعم إن باعه اختيارا جاز
شراؤه من التركة واعتاقه وإن انتقل إليه انعتق عليه أخذا باقراره، هذا.
(و) حينئذ فقول المصنف: (فيه تردد) واضح الضعف، ضرورة عدم
وجه يعتد به للتردد بعدم حصول التضرر على الوجه المذكور وعدم البأس في قبول
أحد جزئي الدعوى دون الآخر، لعدم التنافي في الأحكام الظاهرية، ونظائره في
الفقه كثيرة، كما هو واضح، والله العالم.
274

(وأما الطلاق)
(فإذا تزوج العبد بإذن مولاه) ابتداء أو استدامة (حرة أو أمة لغيره
لم يكن له إجباره على الطلاق ولا منعه) على المشهور بين الأصحاب للنبوي (1)
(الطلاق بيد من أخذ بالساق) وخبر ليث المرادي (2) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العبد
هل يجوز طلاقه؟ فقال إن كان أمتك فلا، إن الله عز وجل يقول (3): عبدا
مملوكا لا يقدر على شئ، وإن كان من قوم آخرين أو حرة جاز طلاقه)
والكناني (4) عنه عليه السلام أيضا (إذا كان العبد وامرأته لرجل واحد فالمولى يأخذها
إذا شاء، وإذا شاء ردها، وقال: لا يجوز طلاق العبد إذا كان هو وامرأته لرجل
واحد إلا أن يكون العبد لرجل والمرأة لرجل وتزوجها بإذن مولاه وإذن مولاها،
فإن طلق وهو بهذه المنزلة فإن طلاقه جائز) وخبر عبد الله بن سنان (5) عنه عليه السلام أيضا
(سألته عن رجل تزوج غلامه جارية حرة فقال: الطلاق بيده، فإن تزوجها بغير إذن مولاه
فالطلاق بيد المولى) وخبر أبي بصير (6) (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يأذن
لعبده أن يتزوج الحرة أو أمة قوم الطلاق إلى السيد أو إلى العبد؟ قال: الطلاق إلى
العبد) وخبر علي بن يقطين (7) عن العبد الصالح عليه السلام (سألته عن رجل يتزوج

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 360.
(2) الوسائل الباب - 43 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 - 1 من كتاب الطلاق.
(3) سورة النحل: 16 - الآية 75.
(4) الوسائل الباب - 43 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 - 1 من كتاب الطلاق.
(5) الوسائل الباب - 43 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 - 3 من كتاب
الطلاق والثاني عن أبي عبد الله عليه السلام إلا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 168 قال:
(سألت أبا جعفر عليه السلام).
(6) تقدم آنفا تحت رقم 5.
(7) الكافي ج 6 ص 168.
275

غلامه جارية حرة، فقال: الطلاق بيد الغلام " وخبر محمد بن الفضيل (1) عن
أبي الحسن عليه السلام (طلاق العبد إذا تزوج امرأة حرة أو تزوج وليدة قوم آخرين
إلى العبد، وإن تزوج وليدة مولاه كان هو الذي يفرق بينهما إن شاء، وإن شاء
انتزاعها منه بغير طلاق) وحسن علي بن جعفر (2) عن أخيه عن آبائه عن علي
عليهم السلام (إنه أتاه رجل بعبده فقال: إن عبدي تزوج بغير إذني، فقال علي عليه السلام
لسيده: فرق بينهما، فقال السيد لعبده: يا عبد الله طلق، فقال علي عليه السلام: كيف
قلت له؟ فقال: قلت له: طلق، فقال علي عليه السلام للعبد: الآن فإن شئت فأمسك
وإن شئت فطلق، فقال السيد: يا أمير المؤمنين أمر كان بيدي جعلته بيد غيري،
قال: ذلك لأنك حيث قلت له: طلق أقررت له بالنكاح) وغير ذلك، وهي مع
تعاضدها واستفاضتها وفتوى المشهور بها فيها الصحيح والموثق وغيرهما، فما في المسالك
من عدم خبر صحيح للمشهور لا يخفى ما فيه.
نعم يعارضها صحيح العجلي (3) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام (في العبد
المملوك ليس له طلاق إلا بإذن مولاه) وصحيح زرارة (4) عنهما عليهما السلام أيضا
(المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده، قلت: فإن كان السيد زوجه
بيد من الطلاق؟ قال: بيد السيد، ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ (5)

(1) ذكر ذيله في الوسائل الباب - 45 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5
عن عبد صالح عليه السلام كما في التهذيب ج 7 ص 338 والاستبصار ج 3 ص 205، وذكر
تمامه في الفقيه ج 3 ص 350 الرقم 1672 عن أبي الحسن عليه السلام.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 45 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 7.
(4) الوسائل الباب - 45 - من أبواب مقدمات الطلا الحديث 1 من كتاب
الطلاق.
(5) سورة النحل: 16 - الآية 75.
276

الشئ الطلاق) وصحيح البجلي (1) عن أبي إبراهيم عليه السلام (سألته عن الرجل يزوج
عبده أمة ثم يبدو له فينتزعها منه بطيبة نفسه أيكون ذلك طلاقا من العبد؟ قال: نعم،
لأن طلاق المولى هو طلاقها، ولا طلاق للعبد إلا بإذن مولاه) وصحيح العقرقوفي (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سئل وأنا عنده أسمع عن طلاق العبد، قال: ليس له
طلاق ولا نكاح، أما تسمع الله يقول: (3) عبدا مملوكا لا يقدر على شئ، قال:
لا يقدر على نكاح ولا طلاق إلا بإذن مولاه).
بل عن العماني وابن الجنيد أن الطلاق مطلقا إلى السيد إن شاء فرق بينهما،
بل ظاهر ثاني الشهيدين الميل إلى ذلك، لصحة هذه النصوص التي تقصر تلك
النصوص - لضعف سندها - عن تخصيصها وموافقتها للكتاب، لكن فيه أن تلك خاصة
وهذه عامة، بل قد يشعر خبر العجلي منها بإرادة خصوص نكاح أمة السيد، كما
أن ظاهر بعض النصوص السابقة إرادة ذلك خاصة من الأمة، فلا تكون مخالفة
للكتاب حينئذ.
واحتمال الجمع بين النصوص بحمل أخبار المشهور على طلاق العبد بإذن
المولى يدفعه - مع أنه خرق للاجماع - تصريح بعضها بالاستقلال وعدم التوقف
على الإذن، فليست هي حينئذ بالنسبة إلى ذلك إلا متنافية يفزع فيها إلى الترجيح،
ولا ريب في تحققه، للشهرة والتعاضد والأخصية وغير ذلك.
واحتمال العكس - بموافقة التقية التي تظهر من خبر العياشي بسنده (4)
عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: (كان علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: ضرب الله مثلا
عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ويقول: العبد لاطلاق ولا نكاح، ذلك إلى سيده،
والناس يرون خلاف ذلك، إذا أذن سيد لعبده لا يرون له أن يفرق بينهما)
- يدفعه - مع أنه مخالف للمحكي عن أمير المؤمنين عليه السلام فيما سمعته من خبر علي

(1) الوسائل الباب - 66 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 66 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(3) سورة النحل: 16 - الآية 75.
(4) المستدرك الباب - 43 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
277

ابن جعفر (1) - أن الموجود فيما حضرني من كتب العامة إطلاق كون الطلاق بيد
العبد، فيمكن أن يكون إنكار أمير المؤمنين عليه السلام في عموم ذلك على وجه يشمل
نكاح أمة السيد، فليس هذا الخبر إلا كغيره من الأخبار العامة التي يجب تخصيصها
بأخبار المشهور، بل قد يقال: إن هذه النصوص مطرحة حتى من الخصم، فإن الطلاق
عنده إلى السيد، لا أنه من العبد ولكن بإذن السيد كما هو ظاهر هذه النصوص.
ومن ذلك كله يعلم ضعف المحكي عن الحلبي من أن للسيد إجباره على
الطلاق محتجا بما دل من وجوب الطاعة عليه، ضرورة إمكان منع وجوبها عليه
في ذلك وإن وجبت عليه الطاعة في غيره كالولد، على أن ذلك ليس خلافا عند التأمل
في المسألة، لظهوره في كون الطلاق للعبد وبيده، ولكن للسيد إجباره عليه لوجوب
امتثال العبد سيده فيما يأمره به، وهو أمر خارج عما نحن فيه، كما هو واضح.
بل إن أراد من الاجبار أن للمولى الطلاق قهرا عليه نحو قولهم: (له إجبار على
النكاح) كما عساه يومئ إليه ما ذكره له دليلا في المختلف كان راجعا إلى
القول الثاني.
وربما انقدح من ذلك وجه قوة للأول فإنه لا فائدة في السلطنة على
نكاحه قهرا مع كون الطلاق بيده، على أنه ربما تعلق غرض للمولى في بقاء نكاحه
لاستنماء ونحوه، كل ذلك مضافا إلى خبر محمد بن علي (2) المتقدم سابقا بأن للمولى
أن يفرق بينهما لو زوجه حرة، وهو غير قابل للتخصيص بهذه الأخبار، نعم هو
ضعيف محتمل لما عرفت، وعلى كل حال ففي لحوق هبة المدة في المنقطع بالطلاق
وجهان، هذا في نكاح العبد الحرة أو أمة الغير.
(و) أما (لو زوجه أمته كان عقدا صحيحا) عند المشهور بين الأصحاب،

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 64 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4.
278

بل هو الظاهر بينهم ومن النصوص (1) خصوصا التي ذكر فيها الطلاق، بل لعله
صريح صحيح ابن يقطين (2) سأل الكاظم عليه السلام (عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة
من غير تزويج إذ أحل له مولاه، قال: لا يحل له) (لا إباحة) كما عن ابن
إدريس، لجواز تفريق المولى بينهما كما ستعرف بالأمر بالاعتزال ونحوه، ولو كان
عقد نكاح لم ينفسخ إلا بالطلاق ونحوه من فواسخ النكاح، وفيه منع واضح بعد
ثبوت ذلك بالأدلة كغيره من الفواسخ، ولقول الباقر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (3)
وقد سأله عن الرجل كيف ينكح عبده أمته: (يجزؤه أن يقول: قد أنكحتك فلانة
ويعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه ولو مدا من طعام أو درهما أو نحو ذلك) وربما
كان دلالته على الأول أوضح للفظ الانكاح والاجزاء به عن ذكر القبول لظهوره، أو
يقال: لا حاجة هنا إلى القبول، لأن العبد ممن لا يملكه، لجواز إجباره من المولى
فهو يتولى طرفي العقد، و (أنكحتك فلانة) يتضمنهما، وفي المسالك عد ذلك بعد
أن حكاه عن المختلف قولا ثالثا واستوجهه لما عرفت إلا أنه كما ترى ليس قولا
في المسألة، ضرورة كونه عقد نكاح عند القائل به، إلا أنه اكتفى بالقبول الضمني،
وهو غير ما نحن فيه، على أنه قد يناقش بعدم التلازم بين تولية طرفي العقد وبين
الاكتفاء في الايجاب عن القبول، فإن باقي الأولياء وإن جاز لهم تولي طرفي العقد
لكن لا بد من ذكر صورة العقد، اللهم إلا أن يفرق بكونه هنا مالكا لا أنه قائم مقام
المولى عليه، وفيه أنه مع ذلك لا بد من ذكر صورة العقد، لمعلومية كون النكاح
من العقود، كمعلومية عدم الاكتفاء بنحو ذلك عن القبول فيه وفي غيره من العقود
اللازمة، وأوفق بالاحتياط في الخروج عن أصل عدم الانتقال، وخصوصا في الفروج،
والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 43 و 45 - من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب - 43 - من
أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 33 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 43 - من أبواب نكاح العبيد الإماء الحديث 1.
279

(و) كيف (كان) ف‍ (الطلاق بيد المولى) إجماعا بقسميه ونصوصا (1)
مستفيضة بل متواترة، فما في مكاتبة علي بن سلمي (2) (كتبت إليه جعلت فداك رجل
له غلام وجارية فزوج غلامه جاريته ثم وقع عليها سيدها هل يجب في ذلك شئ؟
قال: لا ينبغي له أن يمسها حتى يطلقها الغلام) من الشواذ المحتملة لاسقاط (من)
من النساخ وغير ذلك، كما أن ما في القواعد - من أنه (لو استقل العبد بالطلاق وقع
على إشكال) - من الغرائب، ضرورة اتفاق النصوص (و) الفتاوى كما سمعت
على انحصاره في السيد، بل قد يشكل صحته من العبد بإذن السيد، إذا لم يكن
بطريق الإقالة، بل (له أن يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق، مثل أن يقول: فسخت
عقد كما) أو فرقت بينكما (أو يأمر) هما أو (أحدهما بالاعتزال عن صاحبه) أو
نحو ذلك بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى استفاضة النصوص (3)
أو تواترها به، كصحيح ابن مسلم (4) (سأل الباقر عليه السلام عن قول الله عز وجل (5)
والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم، قال: هو أن يأمر الرجل عبده وتحته
أمته فيقول له: اعتزل امرأتك ولا قربها، ثم يحبسها حتى تحيض، ثم يمسها)
وغيره فما في كشف اللثام - من أنه يشكل على القول بكونه نكاحا إن لم يكن عليه
إجماع، للاحتياط وعدم نصوصية الأخبار - واضح الضعف لتحقق الاجماع الذي به
تخرج الأدلة عن الظهور إلى الصراحة، فلا احتياط حينئذ، على أن ظاهر الدليل
كصريحة حجة شرعية لا يجوز الاجتهاد في مقابلته، ولا استبعاد في انفساخ النكاح
- وإن كان عقدا - بذلك بعد الدليل، نحو الفسخ بالعيب وغيره، بل ربما ظهر من
بعضهم احتمال تحقق فسخ هذا العقد بأمر العبد بالطلاق، لأولويته من الأمر

(1) الوسائل الباب - 43 و 45 - من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 44 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 عن علي بن
سليمان كما في التهذيب ج 7 ص 457 الرقم 1827.
(3) الوسائل الباب - 45 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 - 1.
(4) الوسائل الباب - 45 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 - 1.
(5) سورة النساء: 4 - الآية 24.
280

بالاعتزال في الدلالة على ذلك وإن كان الأقوى خلافه، ضرورة ظهور الأدلة على
اعتبار إنشاء الفسخ منه بلفظ دال عليه وظاهر الأمر لا يقتضي بذلك، اللهم إلا أن
يكون قرينة على إرادة إنشاء الفسخ به، فإنه حينئذ يكون فسخا لا بدونها، ضرورة
كونه حينئذ أمرا بايجاد الفسخ، فلا يكون هو فسخا، ولأنه يستدعي بقاء النكاح
إلى أن يوقع الطلاق وهو ينافي الانفساخ، بل مدلوله الذي هو طلب امتثال الأمر
بايقاع الطلاق ينافيه، بل لو دل على الفسخ لامتنع إنشاؤه فامتنع الخطاب به، نعم
لو قلنا إن العقد إباحة أو فرض نكاح العبد بها أمكن حينئذ الاكتفاء به في انقطاع
الإذن باعتبار دلالته على عدم الرضا المنافي للإباحة، فيكفي حينئذ.
مع إمكان أن يقال على هذا التقدير أيضا بأنه وإن كان إباحة إلا أنه مفاد
عقد لا ينفسخ إلا بانشاء فسخه، فتنقطع حينئذ، ولا يكفي في دفعها مجرد عدم الرضا
من دون إنشاء فسخ يقتضيها، اللهم إلا أن يدعى كونها إباحة صرفة كإباحة الطعام
ودخول الدار وغير ذلك مما يكفي فيه جميع ما يدل على انقطاع الإذن، فتأمل جيدا
كي تعرف ما في جملة من كلمات بعض الناس.
وكذلك الأقوى أيضا عدم تحققه بالطلاق الفاسد بسبب فقد شرط من شرائطه
خلافا لبعضهم، فجعله فسخا لا طلاقا، وهو وإن كان لا يخلو من وجه، إلا أن
الأحوط والأقوى خلافه، لأن المقصود الفسخ الطلاقي دون غيره ولم تحصل
والحصة من الجنس تذهب مع الفصل، فلو وقع فسخ غيره كان ما وقع غير مقصود
وما قصد غير واقع.
(و) كيف كان ف‍ (هل يكون هذا اللفظ) وهو (فسخت) وما شابهه
في فسخ عقد النكاح (طلاقا؟ قيل) والقائل الشيخ في المحكي من تهذيبه واستبصاره:
(نعم)، فيثبت فيه حينئذ ما يعتبر فيه من الشرائط ويلحقه أحكامه (حتى لو كرره
مرتين وبينهما رجعة حرمت حتى تنكح زوجا غيره) لظهور أن المراد من
نصوص (1) المقام توسعة ما يحصل به الطلاق هنا وإن كان لا يقع بالكناية في غيره

(1) الوسائل الباب - 45 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
281

لمعلومية أنه الأصل في زوال النكاح، ولإفادته فائدته كالخلع، ولاشعار التخيير بين
لفظ الطلاق وغيره لقيام الفسخ مقامه في ذلك، وبه يفرق بين المقام وبين غيره من
محال الفسخ التي لا يتخير فيها بين الطلاق وغيره، ولخبر ابن زياد (1) (سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يزوج عبده أمته ثم يبدو للرجل في ذلك فيعزلها عن عبده
ثم يستبرئها ويواقعها، ثم يردها على عبده، ثم يبدو له بعد فيعزلها عن عبده،
أيكون عزل السيد الجارية عن زوجها مرتين طلاقا لا تحل حتى تنكح زوجا غيره
أم لا؟ فكتب لا تحل له إلا بنكاح).
(وقيل: يكون فسخا) لا طلاقا (وهو أشبه) بأصول المذهب
وقواعده التي منها أصالة عدم لحوق أحكام الطلاق له، ومعلومية اعتبار اللفظ
المخصوص في الطلاق وأنه لا يقع بالكناية مطلقا، ومشاركته له في بعض الأحكام
لا يقتضي كونه طلاقا كالتخيير المزبور، ودعوى ظهور النصوص (2) في التوسعة
المزبورة على الوجه المذكور ممنوعة على مدعيها وإنما هي ظاهرة في التوسعة
فيما يحصل به الفسخ وعدم انحصاره في الطلاق، والخبر (3) مع عدم جمعه لشرائط
الحجية مبني على عدم اعتبار تحلل الوطئ بين المرتين في الحرمة حتى تنكح،
وفيه ما عرفته سابقا وتعرفه في محله، على أنه لا يقتضي عموم لحوق أحكام الطلاق.
فالتحقيق حينئذ جريان أحكام الطلاق على ما كان منه بلفظه واردا على
عقد النكاح الدائم جامعا لشرائطه المعتبرة فيه، وحكم الفسخ على غيره وإن كان
مورده العقد، وحينئذ فليس شئ من اللفظين الأخيرين وما شابههما طلاقا، لعدم
كونهما من ألفاظه، ولا يعد الفسخ بهما من الطلقتين المحرمتين لها إلى أن تنكح
زوجا غيره، بل على القول بالإباحة ليس لفظ الطلاق طلاقا فضلا عنهما، بل هو
حينئذ كما لو قوع على التحليل والمنقطع، ومن الغريب ما عساه يظهر من المحكي

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 من كتاب الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 45 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 من كتاب الطلاق.
282

عن بعضهم من كون جميع أفراد الفسخ طلاقا حتى لو كان النكاح إباحة أو منقطعا
إذ هو كما ترى. (ولو طلقها الزوج ثم باعها المالك أتمت العدة) بلا إشكال ولا خلاف
(و) لكن (هل يجب أن يستبرئها المشتري ب‍) الحيضة مثلا (زيادة عن العدة؟
قيل) كما عن الشيخ وجماعة: (نعم، لأنهما حكمان، وتداخلهما على خلاف
الأصل، وقيل: ليس عليه استبراء لأنها مستبرأة، وهو أصح) لأن الاستبراء
إنما هو لتحصيل العلم ببراءة الرحم، ولذا يسقط إن كانت حائضا وهو يحصل بانقضاء
العدة، هذا كله في نكاح الأمة بالعقد.
(وأما) نكاحها ب‍ (الملك ف‍) هو (نوعان: (الأول) ملك الرقبة)
لا خلاف ولا إشكال في أنه (يجوز أن يطأ الانسان بملك الرقبة ما زاد على أربع
من غير حصر) بل الاجماع بقسميه عليه، والنصوص (1) متواترة فيه، بل العموم
في الكتاب (2) السالم عن المعارض كاف فيه.
(و) كذا لا خلاف ولا إشكال في جواز (أن يجمع في الملك بين المرأة
وأمها) بل الاجماع بقسميه عليه أيضا مضافا إلى النصوص (3) ضرورة عدم كون
الملك نكاحا، ولذا جاز له ملك من حرم عليه وطؤها بالنسب (لكن متى وطأ واحدة)
بأي وجه كان (حرمت الأخرى) عليه (عينا).
(و) كذا له (أن يجمع بينها وبين أختها بالملك و) لكن (لو وطأ
واحدة) به (حرمت الأخرى) عليه ولكن (جمعا) أي ما دامت الأولى مملوكة
له وإن اعتزلها أو حرمها على نفسه بنكاح ونحوه (فلو أخرج الأولى) مثلا
(عن ملكه حلت له الثانية) كما مر الكلام في ذلك كله مفصلا (و) من أنه
(يجوز) أيضا بلا خلاف ولا إشكال (أن يملك) الابن (موطوءة الأب كما) أنه
(يجوز للوالد ملك موطوءة ابنه و) إن كان (يحرم على كل واحد منهما وطئ

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 6 و 8 و 11 و 12 و 13.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(3) الوسائل الباب - 21 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
283

من وطأها الآخر عينا) لدخولهما حينئذ فيما نكح الأب وحلائل الأبناء بل
الاجماع عليه.
(ويحرم على المالك وطئ مملوكته إذا زوجها) بغيره ولو عبده (حتى
تحصل الفرقة وتنقضي عدتها إن كانت ذات عدة) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه مضافا إلى النصوص (1) المعتبرة لخبر مسمع (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: عشر لا يجوز نكاحهن ولا غشيانهن - إلى أن عد
منها - أمتك ولها زوج) ونحوه الآخر (3) بزيادة (وهي تحته) وخبر مسعدة بن
زياد (4) عن أبي عبد الله عليه السلام: (يحرم من الإماء عشر إلى أن قال ولا أمتك
ولها زوج، ولا أمتك وهي في عدة) وغيرها.
(وليس للمولى فسخ العقد) إذا لم يكن الزوج عبده (إلا أن يبيعها)
مثلا (فيكون المشتري بالخيار) على ما عرفته مفصلا.
(وكذا لا يجوز له النظر منها إلى ما لا يجوز لغير المالك) إذ هي حينئذ
كالأجنبية بالنسبة إليه، وملكه لها بعد أن كان الاستمتاع بها مملوكا لغيره
غير مجد، لاطلاق الحرمة في خبر مسعدة، وإطلاق الأمر (5) بغض البصر وما دل (6)
على حرمة المحصنة وذات البعل وغير ذلك مما يقتصر فيه على المتيقن، وهو
المملوكة نكاحا دون غيرها مما ملك نكاحها وإن بقيت على الملكية من حيث الرقبة،
ولصحيح الحلبي (7) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل زوج مملوكته عبده فتقوم

(1) الوسائل الباب - 44 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4 وفيه (ثمانية
لا تحل مناكحتهم.... أمتك ولها زوج).
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 1
(4) الوسائل الباب - 19 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 1
(5) سورة النور: 24 - الآية 30.
(6) سورة النساء: 4 - الآية 24 والوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(7) الوسائل الباب - 44 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 عن عبد الرحمان
ابن الحجاج كما في التهذيب ج 8 ص 199 الرقم 698.
284

عليه كما كانت عليه فتراه متكشفا أو يراها على تلك الحال، فكره ذلك، وقال:
قد منعني أن أزوج بعض خدمي غلامي لذلك) المراد الحرمة من الكراهة به،
وصحيح عبيد (1) عنه عليه السلام أيضا (عن الرجل يزوج جاريته هل ينبغي له أن ترى
عورته؟ قال: لا وأنا أتقي ذلك من مملوكتي إذا زوجتها).
بل في كشف اللثام نسبة ما في القواعد من الحرمة عليه من كل جهة حتى النظر
بشهوة أو إلى ما يحرم على غير المالك إلى النص والاجماع، لكن مع ذلك كله
توقف في الرياض في حرمة النظر إلى غير العورة بغير شهوة، بل ظاهره الميل إلى
الحل، لأصلي الإباحة وبقاء حل النظر، وإشعار الخبر (2) في قرب الإسناد (إذا
زوج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها، والعورة ما بين الركبة والسرة) بالجواز في
غيرها، قال: (والاجماع موهون قطعا بمصير جماعة إلى العدم).
وفيه أن الأصلين لا يصلحان لمعارضة ما عرفته من الاجماع المحكي وغيره،
ولا إشعار في الخبر المزبور إلا بمفهوم اللقب الذي هو غير حجة، والاجماع لا يوهنه
مخالفة بعض متأخري المتأخرين المختلي الطريقة، بل لعل ذلك منهم مما يؤكده
كما لا يخفى على من تتبع مظان ما وقع منهم من الخلاف، فلا إشكال حينئذ في صيرورتها
بحكم الأجنبية إلى انقضاء عدتها ولو بائنا احتراما للزوجية.
بل الظاهر أن الموطوءة بالتحليل كذلك كما صرح به في جامع المقاصد
وغيره، نعم قد يتوقف في حرمة الاستمتاع بالمحلل منها دون الوطئ مع أن الأحوط
إن لم يكن الأقوى اجتنابها، لأنه لا اشتراك في النكاح وتوابعه، كما أن الأحوط
اجتناب المحللة وإن لم توطأ إجراء لعقد التحليل مجرى عقد النكاح.
والأحوط أيضا اجتناب الاستمتاع حتى بالنظر في المعتدة عن وطئ الشبهة
مدة عدتها وإن كان قد يقوى حل ما عدا الوطئ منه، للأصل وفحوى ما ورد في الأمة
المستبرأة أيام استبرائها من جواز الاستمتاع بها في غير الوطئ.

(1) الوسائل الباب - 44 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 7.
(2) الوسائل الباب - 44 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 7.
285

(و) كيف كان فقد عرفت فيما تقدم أنه (لا يجوز له وطئ أمة مشتركة بينه
وبين غيره بالملك) لأن لها فرجا واحدا لا فرجين، ولا بالعقد أيضا، لما عرفت
من عدم التبعيض في أسباب النكاح، نعم في التحليل من الشريك البحث السابق،
(و) كذا لا يجوز أيضا غير الوطئ من باقي الاستمتاعات.
(و) كذا (لا يجوز للمشتري) مثلا (وطئ الأمة) المشتراة التي يجب
عليه استبراؤها (إلا بعد استبرائها) أما غير الوطئ فالظاهر جوازه فتوى
ونصا (1).
(ولو كان لها) أي الأمة المشتراة (زوج فأجاز) المشتري (نكاحه
لم يكن له بعد ذلك فسخ) نكاحه ضرورة صيرورته حينئذ كالنكاح المبتدأ بإذنه
(وكذا لو علم فلم يعترض) لما عرفت من فورية الخيار، فيحرم حينئذ مطلق
الاستمتاع بها عليه (إلا أن تفارق الزوج وتعتد منه إن كانت من ذوات العدد)
لأنه أمة ذات زوج (و) قد عرفت الكلام فيها، نعم (لو لم يجز نكاحه)
بل فسخه (لم يكن عليها عدة وكفاه الاستبراء) بحيضة أو خمسة وأربعين يوما
(في جواز الوطئ) عند الفاضل وغيره، لاطلاق ما دل (2) على حلية الأمة المشتراة
به، ولأن المطلوب العلم ببراءة الرحم، وهو حاصل بذلك، ولخبر الحسن بن صالح (3)
عن أبي عبد الله عليه السلام (نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله بيوم أوطاس أن استبرؤوا سباياكم)
ولا شك أن فيهن من كانت مزوجة.
لكن الأقوى وجوب العدة وفاقا للكركي وثاني الشهيدين والفاضل الهندي
وغيرهم. بل هو المحكي عن الفاضل في القواعد في العدد، لأصالة الحرمة قبلها،
ولأنها هي الأصل في فسخ النكاح بطلاق أو غيره، وأخبار الاستبراء للمشتري
إنما هي من حيث احتمال وطئ السيد، ولهذا يسقط لو كان البائع امرأة، والخبر

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 3 و 10 16 و 17 و 18 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
286

المزبور مع إمكان منع معلومية ذوات الأزواج فيهن غير جامع لشرائط الحجية،
نعم يقوى أن الاكتفاء بحيضة أو خمسة وأربعين يوما في عزل السيد أمته عن عبده
بغير الطلاق للنصوص (1) المصرحة بذلك التي قد مر بعضها، ولولاها لكان المتجه
فيه الاعتداد أيضا، والله العالم.
(ويجوز ابتياع ذوات الأزواج من أهل الحرب) من أزواجهن وغيرهم
(وكذا بناتهم) وغيرهن إجماعا، لأنهم فيئ للمسلمين يجوز استنقاذه بكل وجه
فالملك المترتب على ذلك بالاستيلاء حقيقة لا به، ضرورة كونه بيعا فاسدا.
(و) كذا يجوز إجماعا ابتياع (ما يسبيه أهل الضلال منهم)،
وللأخبار (2) فيترتب عليه حينئذ آثار الابتياع الصحيح من حل الوطئ بالملك
وغيره، وأن الجميع للإمام أو فيه حق الخمس، للرخصة منهم عليهم السلام لشيعتهم كي
تطيب مواليدهم (3) كما أوضحنا ذلك في كتاب الخمس (4).
(تتمة)
(تشتمل على مسألتين) قد تقدم الكلام في (الأولى) منهما في كتاب
البيع، وهي (كل من ملك أمة بوجه من وجوه التملك) ولو إرثا (حرم عليه
وطؤها) قبلا بل ودبرا على إشكال (حتى يستبرءها بحيضة) مع احتمال وطئ
السيد لها، بل وعلمه للنص (5) على الاجتزاء بذلك للسيد لو أراد بيعها مع وطئها،

(1) الوسائل الباب - 45 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 50 - من أبواب جهاد العدو من كتاب الجهاد.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.
(4) الجزء 16 ص 156 - 158.
(5) الوسائل الباب - 6 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
287

ولأن اجتزاء المشتري بذلك للاحتياط الذي يراعي فيه الاكتفاء بذلك على تقدير
الوقوع، وبالجملة تستبرأ بتلك مطلقا وإن كان الموجود في النصوص (1) الشراء
والاسترقاق لكنها دالة بالفحوى أو بمعونة فتوى الأصحاب المؤيدة بالاحتياط
والتحرز من اختلاط الأنساب على الجميع، فما عن بعضهم - من الاقتصار على مورد
النص لعموم (ما ملكت أيمانهم) (2) وأصالة عدم الاشتراط، وانحصار الأخبار فيما
ذكر بل عن ابن حمزة التصريح باستحباب استبراء من لا تحيض وهي في سن من تحيض -
في غير محله خصوصا الأخير.
وكيف كان (فإن تأخرت الحيضة، وكان في سنها من تحيض اعتدت بخمسة
وأربعين يوما) بياضا، وفي الاجتزاء بالملفق وجه، الأحوط خلافه، سيما
إذا كان التلفيق من الليل، كما أن الأحوط اعتبار الليالي أيضا لاعتبار خمسة
وأربعين ليلة في خبري منصور (3) وعبد الرحمن (4) بل عن المفيد استبراؤها بثلاثة
أشهر، ولكنه متروك.
(و) على كل حال ف‍ (يسقط ذلك) أي الاستبراء (إذا ملكها حائضا
إلا مدة حيضها) المحرم وطؤها فيه، فيكفي حينئذ في جوازه الطهارة من تلك
الحيضة ولو لحظة، وفاقا للمحكي عن الشيخ والأكثر، للعلم بالبراءة مع الأصل
بل الظاهر صدق استبرائها بحيضة، فلا يحتاج إلى استثناء، ولصحيح الحلبي (5)
سأل الصادق عليه السلام (عن رجل اشترى جارية وهي حائض، قال: إذا طهرت فليمسها
إن شاء) وخبر زرعة عن سماعة (6) " سألته عن رجل اشترى جارية وهي طامث

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة والباب - 17 -
من نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) سورة المؤمنون: 23 - الآية 6.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5 - 6 - 1.
(4) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5 - 6 - 1.
(5) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5 - 6 - 1.
(6) الوسائل الباب - 10 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
288

أيستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو تكفيه هذه الحيضة؟ قال: لا، بل تكفيه هذه الحيضة).
نعم قيل: لا بد من أن يكون حيضا ظاهرا لا من استحيضت وهي مبتدأة أو
مضطربة، وخصص حيضها بتلك الأيام بالتخيير الوارد في النصوص (1) ولعله للاحتياط
وعدم اليقين، فتستصحب الحرمة، فتستبرأ حينئذ بخمسة وأربعين يوما، أو بيقين
الحيض متى حصل، أو بشهر لكونه بدل الحيضة في غير مستقيمة الحيض، ولخبر
ابن سنان (2) الآتي أوجه، بل ربما احتمل ذلك أيضا في ذات التميز وإن كان هو
واضح الضعف، ضرورة صراحة الروايات (3) بحيضة، بل لا يبعد الاكتفاء بالتحيض
بكل ما ورد به الشرع.
وعلى كل حال فما عن ابن إدريس - من اعتبار القرئين في المشتراة حائضا
بمعنى اعتبار حيضة أخرى للأمر بالاستبراء بها، والأولى حيضة قد مضى بعضها
قبل الشروع في الاستبراء، ولخبر سعد الأشعري (4) عن الرضا عليه السلام من الاستبراء
قبل البيع بحيضتين المحمول على ذلك - كما ترى بعد ما عرفت، وجواز حمل الخبر
على الاستحباب أو على من وطئت حائضا ولو لشبهة، فإن احتمال اعتبار حيضة مستأنفة
فيه لا يخلو من قوة وإن لم أجد تصريحا به.
(وكذا) يسقط (إن كانت لعدل وأخبر باستبرائها) للعلم الشرعي حينئذ
بالبراءة والأصل والعموم والأخبار (5) وهي كثيرة ذكرناها في كتاب البيع، لكنها

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب بيع الحيوان الحديث 6 والباب - 11 - منها
الحديث 4 و 5 من كتاب التجارة.
(4) الوسائل الباب - 10 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 6 - من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب - 11 - من أبواب
بيع الحيوان من كتاب التجارة.
289

مقيدة بالثقة أو الأمن إلا أن المصنف والفاضل وغيرهما خصاهما بالعدل، للاحتياط
ولأنه الثقة المأمون شرعا، ويمكن الاكتفاء بحصول العلم العادي باخباره وإن لم
يكن ثقة، بل عن ابن إدريس وجوبه وإن كان المخبر عدلا، كما عن الشيخ الاحتياط
به، فيجب حينئذ الاستبراء مع عدمه حتى لو كان المخبر عدلا، ولعله لعموم الأمر
به المخصص بما عرفت، وخصوص خبر عبد الله بن سنان (1) سأل الصادق عليه السلام (أشتري
الجارية من الرجل المأمون فيخبرني أنه لم يمسها منذ طمثت عنده وطهرت،
قال: ليس بجائز أن تأتيها حتى تستبرئها بحيضة، ولكن يجوز ذلك ما دون الفرج،
إن الذين يشترون الإماء ثم يأتوهن قبل أن يستبرؤوهن فأولئك الزناة بأموالهم)
وغيره التي يمكن حملها على الكراهة.
(وكذا) يسقط (إن كانت لامرأة) وفاقا للمحكي عن الأكثر، للأصل
وعموم (ما ملكت) (2) وخصوص خبر ابن أبي عمير عن حفص (3) عن أبي عبد الله عليه السلام
(في الأمة تكون للمرأة فتبيعها، قال: لا بأس بأن تطأها من غير أن تستبرئها) ونحوه حسن رفاعة أو صحيحه (4) عن أبي الحسن عليه السلام وغيره، خلافا للمحكي
عن الحلي فأوجبه أيضا، للعموم المخصوص بما عرفت، نعم لا ريب في أنه أحوط.
(أو يائسة) لمعلومية براءة رحمها، قال منصور بن حازم (5) (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الجارية التي لا يخاف عليها الحمل، قال: ليس عليها عدة) ونحوه
خبر عبد الرحمان (6) بل لا موضوع للاستبراء فيها، ومن هنا كان المتجه عدم

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب بيع الحيوان الحديث 5 من كتاب التجارة.
(2) سورة المؤمنون: 23 - الآية 6.
(3) إشارة إليه في الوسائل الباب - 7 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
وذكره في التهذيب 8 ص 174 الرقم 608.
(4) الوسائل الباب - 7 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 4.
(6) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 4.
290

استثنائها، وخبر ابن سنان (1) الذي سأل فيه الصادق عليه السلام (عن الرجل يشتري
الجارية لم تحض، قال: يعتزلها شهرا إن كانت قد يئست) محمول على الاستحباب
بل عن الكافي والاستبصار (إن كانت قد مست) فيكون الأمر بالشهر حينئذ بناء
على أغلبية حصول الحيضة به، وكذا يحمل على الندب في خبر عبد الرحمن (2) عن
أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يشتري الجارية ولم تحض أو قعدت عن المحيض كم
عدتها؟ قال: خمسة وأربعون ليلة).
وفي معناها الصغيرة التي هي دون تسع سنين، ولم يذكرها معها هنا، وذكرها
في كتاب البيع (3) ولعله لحرمة وطئها، وأما صحيح الحلبي (4) - عن الصادق عليه السلام
(في رجل ابتاع جارية ولم تطمث، قال: إن كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحبل
فليس عليها عدة، وليطأها إن شاءت، وإن كانت قد بلغت ولم تطمث فإن عليها
العدة) ففي كشف اللثام (الظاهر أن المراد بالصغر القصور عن السن المعتاد للحيض
في أمثالها لا عدم البلوغ تسعا، وكذا المراد بالبلوغ بلوغها السن المعتاد) قلت:
وحينئذ يستفاد منه سقوط الاستبراء عمن بلغت التسع لكن لم تبلغ أوان الحمل
كما هو المعتاد في بنت العشر وما قاربها، وربما يشهد له صحيح ابن أبي يعفور (5)
عن الصادق عليه السلام (في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحمل إذا اشتراها
الرجل، قال: ليس عليها عدة، يقع عليها) بل مال إليها في المسالك، لكنه
لا يخلو من إشكال من إطلاق الأصحاب الاستبراء مع بلوغها سن الحيض وإن لم
تحض، ومن المعلوم إرادة التسع منه، فإنه زمان إمكان الحيض - فيمكن حمل
هذه النصوص على إرادة سقوط الاستبراء عن الصغيرة وأن له الوقوع عليها بدونه إذا
بلغت، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 6.
(3) الجزء 24 ص 207 و 208 ط قم.
(4) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 3.
(5) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 3.
291

(أو) كانت (حاملا) فإنه لا استبراء هنا قطعا، ضرورة معلومية كونها
حاملا، إنما الكلام في جواز وطئها مطلقا وعدمه مطلقا والتفصيل بالأربعة أشهر
وعشرة أيام، فيحرم قبل مضيها للحمل ويحل بعده (على كراهية) أقوال: أقواها
الأخير كما عرفته مفصلا في كتاب البيع (1) بل هو خيرة المصنف هناك أيضا وإن
اختار هنا الجواز مطلقا على كراهية.
وعلى كل حال فليس هذا من الاستبراء في شئ، وفي جامع المقاصد أنه إن
كان الحمل من وطئ محترم فلا يجوز وطؤها إلا بعد الوضع، وإن كان من زنا فلا
يجوز قبل الأربعة أشهر وعشرة ويجوز بعدها، بل عن غيره الجمع بين النصوص
بحمل ما دل (2) على الحرمة إلى الوضع على الحمل من وطئ محترم، وما دل (3)
على الجواز مطلقا على الحمل من زنا، وقد تقدم في كتاب البيع تفصيل ذلك كله،
فلاحظ وتأمل، والله العالم.
ويسقط الاستبراء أيضا باعتاقها بعد ابتياعها، وهي.
المسألة (الثانية)
التي أشار إليها المصنف بقوله: (إذا ملك أمة فأعتقها كان له العقد عليها
ووطؤها من غير استبراء) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعض الفضلا، بل
في المسالك دعوى الوفاق عليه، للأصل وخروجها عن الأمة التي حكمها الاستبراء،
وللأخبار كصحيح محمد بن مسلم (4) عن الباقر عليه السلام (في الرجل يشتري الجارية

(1) الجزء 24 ص 211 - 217 ط قم.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3.
(4) الوسائل الباب - 16 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
292

ثم يعتقها ويتزوجها هل يقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها؟ قال: يستبرئ
بحيضة، قال: قلت، فإن وقع عليها، قال: بأس) ونحوه خبر عبيد (1)
وأبي العباس (2) عن الصادق عليه السلام وكفى بذلك كله مخرجا عن عموم العلة المقتضي
لعدم سقوط الاستبراء لو سلم دلالة النصوص عليها على وجه تخرج به عن كونها
مستنبطة.
(و) لكن كما دل الصحيح على سقوطه دل على أن (الاستبراء أفضل) بل
لعله كذلك في كل مقام أسقطناه مع احتمال الوطئ المحترم ولو من غير السيد تحفظا
من اختلاط الأنساب، نعم لا يبعد تقييد السقوط هنا بما إذا جهل الوطئ المحترم كما
في القواعد وكشف اللثام وغيرهما لا ما إذا علمه وإن أطلق الأكثر كالنصوص (3) لعموم
ما دل (4) على الاستبراء والاعتداد منه، فيستبرئ بحيضة من وطئ السيد، وتعتد إن
كانت ذات زوج فسخ نكاحه على الأصح، وما في جامع المقاصد - أنها تستبرئ بحيضة
منه أيضا - واضح الضعف، بل مناف لما اختاره سابقا.
وعلى كل حال لا بد من تقييد النص والفتوى بذلك، بخلاف ما لو جهل، فإن
الأصل يقتضي عدم الوطئ الموجب للاستبراء السالم عن معارضة نصوصه (5) المختصة
بالأمة دون المعتقة، ودعوى الاشتراك في العلة يدفعها أنها مستنبطة لا منصوصة،
مع أن الاحتياط لا ينبغي تركه فيه أيضا، للاستصحاب، ولقوة احتمال استفادة
الشركة في العلة من النصوص، خصوصا بعد أن لم يقتصروا على ما فيها من الشراء.
هذا كله لو تزوجها، أما غيره فلا بد له من التربص ثلاثة أشهر، لصحيح
زرارة (6) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعتق سرية أله أن يتزوجها بغير عدة؟

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 0 -.
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 0 -.
(4) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(5) الوسائل الباب - 10 - من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة.
(6) أشار إليه في الوسائل الباب - 13 - من أبواب نكاح العبيد والإماء
الحديث 1 وذكره في التهذيب ج 8 ص 175 الرقم 611.
293

قال: نعم، قلت: فغيره قال: لا حتى تعتد ثلاثة أشهر) ونحوه الصحيح الآخر (1)
عنه عليه السلام أيضا.
لكن ظاهر المصنف تقييد ذلك بما إذا علم وطئ المعتق، حيث قال: (ولو
كان وطأها وأعتقها لم يكن لغيره العقد عليها إلا بعد العدة، وهي ثلاثة أشهر إن لم
تسبق الأطهار) وإلا كانت هي العدة، ضرورة كون العدة هنا عدة الطلاق، ونحوه
غيره، وهو حسن لعدم المقتضي للعدة مع العلم بعدم الوطئ، بل ومع الجهل، بل وللاستبراء
أيضا، فيجب تنزيل إطلاق الصحيحين على ذلك، بل الظاهر عدم انصرافه إلى غيره،
فما وقع من بعض الأفاضل - من الحكم بالعدة مع الجهل تارة والاستبراء أخرى -
في غير محله قطعا.
نعم قد يشكل الحكم هنا بالعدة للغير ثلاثة أشهر مع الاكتفاء بنكاح السيد
لها بعد العتق بالاستبراء بحيضة في صورة العلم بوطئ السيد البائع لها، قال في جامع
المقاصد: (واعلم أنه لو علم أن الأمة المتباعة موطوءة وطئا محترما من نحو زوج
فسخ نكاحه أو من المولى فأعتقها لم يجز له أن يتزوجها إلا بعد الاستبراء، وتكفي
الحيضة، لأن في رواية محمد بن مسلم (2) استحباب الاستبراء بحيضة مع جهل الوطئ،
فلولا أن الحيضة تكفي مع العلم به لم يكن لاستحبابها معنى، فإن الغرض منها
يقين براءة الرحم، لاحتمال الوطئ، وكان ذلك كافيا قبل العتق فكذا بعده).
وفيه (أولا) أنه مناف لما اختاره سابقا من العدة لذات الزوج التي فسخ
نكاحها وهي أمة فضلا عن المعتقة لا الاستبراء. (وثانيا) أنه لا فرق حينئذ بينه وبين
تزوج الغير في مفروض المتن هنا، ضرورة أنه إن كان المدار على حال حريتها
الموجب اعتدادا لا استبراء ففي المقامين، وإن كان المدار على وطئها فهي
في المقامين مملوكة حاله، فدعوى الاكتفاء بالحيضة للمشتري المعتق الذي علم
وطئ سيدها لها دون المقام فعدة الطلاق للحرة لا دليل عليها.

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
294

اللهم إلا أن يقال: إن الموضوع في الصحيحين المزبورين المعتق سريته
وحاصلهما أنه لا عدة عليه إذا أن تزويجها، لأن الماء ماؤه، فهو كمن عقد على
حرة في عدتها منه، بخلاف الأجنبي فإن عليه العدة، لكونه وطئا محترما،
والفرض أنها حرة، فلا استبراء بالنسبة إليه، فإن المقام ليس مقامه، بخلاف
الموضوع في المسألة الأولى، وهي الأمة المبتاعة الموطوءة لسيدها، فإنه كان
عليه استبراؤها قبل أن يعتقها إذا أراد وطأها، فبعد العتق لم يسقط ذلك
الاستبراء، لكونه الوطئ فيه معلوما، فيبقى الخطاب به بحاله، بل لا يبعد ذلك
لو أراد الغير تزوجها، فإنه لا فرق بينه وبين المبتاع الذي حصل العتق منه بعد
أن علم من الشارع يقين براءة رحمها بالحيضة الذي لا فرق فيه بين نكاح المعتق
ونكاح غيره بالنسبة إلى ذلك.
لكن المتجه على هذا التقدير جعل موضوع المسألة في الثانية الأمة الموطوءة
للسيد فأعتقها، فإنه إذا أراد هو نكاح لا عدة عليه، بخلاف الغير، كما هو مضمون
الصحيحين، وموضوع الأولى الأمة المشتراة التي علم وطئ سيدها لها فأعتقها
ثم أراد هو أو غيره نكاحها فيجزؤهما الاستبراء بحيضة لما عرفت، لكن مع ذلك
فالمسألة بعد لا تخلو من إشكال، وطريق الاحتياط فيها غير خفي.
كما أن ما في المسالك (1) عن بعضهم بعد أن ذكر سقوط الاستبراء بالاعتاق
لو أراد المعتق نكاحها مع احتمال الوطئ وإلحاق بعضهم تزويج المولى للأمة المبتاعة
بالعتق في سقوط الاستبراء لأنه لا يجب على الزوج استبراؤها ما لم يعلم سبق وطئ
محترم في ذلك الطهر، وذلك لأن الاستبراء تابع لانتقال الملك، وهو منتف هنا
قال تبعا لما احتمله في جامع المقاصد: (وعلى هذا فيمكن أن يجعل ذلك وسيلة
إلى سقوط الاستبراء عن المولى أيضا بأن يزوجها من غيره ثم يطلقها الزوج
قبل الدخول، فيسقط الاستبراء بالتزويج والعدة بالطلاق قبل المسيس وإن وجد ما
يظن كونه علة الاستبراء، وهو اعتبار براءة الرحم من ماء السابق، فإن العلة مستنبطة

(1) في العبارة تشويش إذ لم يذكر خبر (أن) فإن قوله: (ما في المسالك...)
اسمه وخبره إما محذوف أو قوله فيما يأتي: (وفيه امكان الفرق) فيكون الواو هناك زائدا.
295

لا منصوصة، ومثله الحيلة على إسقاطه ببيعها من امرأة ونحو ذلك).
وفيه إمكان الفرق بين الحيلتين بسقوط موجب الاستبراء في الثاني، لأن الشراء
قد انقطع بالبيع من الامرأة مثلا بخلاف التزويج، فإنه لم يسقط مقتضى الاشتراء
بالنسبة إليه، ضرورة كونها أمة مشتراة له محتملة الوطئ، أقصى ما هناك سقوط
الاستبراء بالنسبة للزوج، لعدم كونه مشتريا، لا أنه بتزويجه يسقط عن المشتري
الذي أراد وطئها بذلك الشراء بعد الطلاق قبل الدخول، وانتفاء العدة لغير المدخول
بها من حيث عقد الزوج، وهو غير احتمال وطئ السيد الذي لم يحصل للمشتري ما
يسقط خطاب الاستبراء بالنسبة إليه لو أراد الوطئ بذلك الشراء، فلا ريب حينئذ
في وضوح الفرق بينهما، على أن الحكم في البيع من الامرأة ونحوها لا يخلو من
إشكال، باعتبار إمكان دعوى ظهور النصوص أو بعضها في العلة المخرج لها عن كونها
مستنبطة، وباعتبار إمكان دعوى كون التعارض في الأدلة حينئذ من وجه والترجيح
للاستبراء بالاستصحاب وظهور العلة والاحتياط في الفروج وغير ذلك.
النوع (الثاني)
من نوعي الملك (ملك المنفعة) أي الانتفاع، فيمكن أن يجامع كونه
عقدا أو أنه مبني على كون التحليل ملك يمين للمنفعة، كما ستعرف تحقيق الحال
فيه.
(و) كيف كان ف‍ (النظر في الصيغة والحكم) بعد القطع بجوازه عندنا
للاجماع بقسميه عليه وتواتر النصوص (1) به فما في محكي الخلاف والسرائر من
إرسال قول عن بعض أصحابنا بالمنع منه بل في كشف اللثام أنه معطي كلام الانتصار
مسبوق بالاجماع وملحوق به، ضرورة معلومية جوازه في مذهبنا عند المخالف فضلا
عن المؤالف كالمنقطع.

(1) الوسائل الباب - 31 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث - 0 -.
296

ومضمر ابن يقطين (1) (سألته عن الرجل يحل فرج جاريته، قال: لا أحب ذلك) وخبر عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (في المرأة تقول لزوجها جاريتي لك،
قال: لا يحل له فرجها إلا أن تبيعه أو تهب له) وخبر أبي هلال (3) عن أبي
عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل هل يحل له جارية امرأته؟ قال: لا حتى تهبها له،
إن عليا عليه السلام قد قضى في هذا، أن امرأة أتت تستعدي على زوجها، قالت: إنه
قد وقع على جاريتي فأحبلها، فقال الرجل: إنها وهبتها لي، فقال علي عليه السلام:
ائتني ببينة وإلا رجمتك، فلما رأت المرأة أنه رجم ليس دونه شئ أقرت أنها
وهبتها له، فجلدها حدا، وأمضى ذلك له) من الشاذ الذي قد أمرنا بالاعراض عنه،
مع أنه لا ظهور في الأول بالمنع، بل من المعلوم كون الوجه في ذلك أنه لا يراه
مخالفونا، بل مما يشنعون به علينا، فالتنزه عنه أولى، بل عن الشيخ أن ذلك ما لم
يشترط حرية الولد وإلا زالت الكراهة كما عساه يومئ إليه خبر إسحاق (4)
(سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المرأة تحل فرج جاريتها لزوجها، فقال: إني أكره
هذا، كيف يصنع إن هي حملت؟ قلت: تقول: إن هي حملت منك فهي لك،
قال: لا بأس بذلك، قلت: فالرجل يصنع هذا بأخيه، قال: لا بأس بذلك) بل والثالث
المسؤول فيه عن جارية المرأة من حيث كونها جارية امرأة، والحصر في الهبة مع معلومية
الجواز في العقد والتمليك بغير الهبة ليس على حقيقته، بل يمكن إرادة ما يشمل التحليل
من الهبة أو خصوصه، بل لعل الخبر الثاني ظاهر في ذلك.
ومنه ينقدح حينئذ قوة كون التحليل ملك يمين بهذا المعنى، بل وقوة
جواز كون صيغته بلفظ الهبة.
ومنه يعلم ضعف الاستدلال بمفهوم قوله تعالى (5): إلا على أزواجهم أو ما

(1) الوسائل الباب - 31 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 7.
(2) الوسائل الباب - 32 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5 - 6.
(3) الوسائل الباب - 32 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5 - 6.
(4) الوسائل الباب - 31 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 8.
(5) سور المؤمنون: 23 - الآية 6 - 7.
297

ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) لتقريب
عدم كونه تزويجا دائما ولا منقطعا، لعدم اعتبار المهر فيه ولا المدة ولا النفقة،
ولا يقع به طلاق ولا غير ذلك من لوازم الدائم والمنقطع، وعدم كونه ملك اليمين،
لأن الفرض ملك الرقبة لغيره، مضافا إلى أن أقصاه العموم المخصص بالاجماع
بقسميه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص (1) وإلى إمكان دعوى
كونه تزويجا بعد فرض ثبوت مشروعيته، وأنه فرد ثالث، وانتفاء لوازم الدوام
والانقطاع لا يقضي بانتفاء كونه تزويجا، وإلا لاقتضى انتفاء لوازم الدوام عدم كون
المنقطع تزويجا وبالعكس، فإنه لا دليل على انحصار النكاح فيهما، وإلى إمكان
كونه ملك يمين بمعنى كون المراد بالآية عدم جواز وطئ غير الزوجة والمملوكة
ولو للغير بالتحليل، فالضمير حينئذ في (ايمانهم) للجنس، لا أن المراد اعتبار
الملك للشخص في جواز وطئ المملوكة، وعلى كل حال فلا إشكال من هذه الجهة،
إنما الكلام في الصيغة وغير ذلك من الحكم.
(أما الصيغة ف‍) لا خلاف في اعتبارها فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، فلا
يكفي التراضي مطلقا، وخبر هاشم بن
سالم (2) قال: (أخبرني محمد بن مضارب،
قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا محمد خذ هذه الجارية إليك تخدمك وتصيب منها، فإذا
خرجت فردها إلينا) ليس نصا بل ولا ظاهرا في الاكتفاء بهذا اللفظ، وإلا كان
واجب الطرح.
ثم لا خلاف في حصولها ب‍ (أن يقول: أحللت لك وطأها أو جعلتك في حل
من وطئها) بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى معلومية دلالة النص (3) والفتوى
عليه، ولكن في اعتبار الماضوية - فلا يجزئ المضارع والأمر المراد بها إنشاء
ذلك ولا (أنت في حل من وطئها) - البحث السابق الذي قد عرفت قوة القول

(1) الوسائل الباب - 31 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 - 6.
(2) الوسائل الباب - 31 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 0 - 6.
(3) الوسائل الباب - 31 - من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب - 37 - منها
الحديث 5 و 6.
298

بالجواز فيه، بل قد عرفت هناك قوة اعتبار عدم اللفظ المخصوص، بل يكفي كل
ما دل على إنشاء ذلك على حسب القانون العربي، من غير فرق بين المجاز وغيره مما
لم يقم إجماع ونحوه على خلافه، بل لعل المقام أوسع دائرة من ذلك، باعتبار
كونه من الإباحات ومن العقود الجائزة التي صرحوا في الاكتفاء بأي لفظ كان،
وستسمع ما في خبر فضيل مولى راشد (1) من التحليل بالجملة الإسمية التي صرح
بعضهم بالمنع منها هنا، وكذا خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن الكاظم عليه السلام (2)
وغيره الآتي في المسألة الثالثة من مسائل الحكم، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه،
خصوصا في الفروج.
(و) لعله لذا ونحوه (لا يستباح بلفظ العارية) عند المشهور، بل هو
مجمع عليه نقلا مستفيضا، مضافا إلى خبر البقباق (3) (سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام
ونحن عنده عن عارية الفرج فقال: حرام، ثم مكث قليلا ثم قال: لا بأس بأن
يحل الرجل الجارية لأخيه) المنجبر سنده إن كان محتاجا بالشهرة، ولا ينافيه
خبر الحسن العطار (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عارية الفرج، قال: لا بأس به)
المراد منه التحليل المسمى عند العامة في التشنيع علينا بالعارية التي أومأ عليه السلام في
الخبر السابق إلى عدم كون التحليل من العارية، بل هو قسم مستقل برأسه، ولذلك استدرك
عليه السلام جوازه بعد الحكم بحرمة عارية الفرج كما سمعت.
إلا أن الانصاف مع ذلك كله دعوى دلالة الخبر المزبور على عدم جواز
عقد التحليل بلفظ العارية المراد منه معنى التحليل لا العارية المخصوصة لا يخلو
من إشكال، ولعله لذا حكي عن ابن إدريس جوازه، وحينئذ فوجه الجمع بين
الخبرين عدم كون التحليل من أفراد العارية وإن جاز عقده بلفظها المراد منه
التحليل الذي هو عارية بالمعنى الأعم، بل يمكن إرادة ذلك أيضا من معاقد

(1) الوسائل الباب - 33 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 37 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5.
(3) الوسائل الباب - 34 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 34 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
299

الاجماعات، كما أنه يمكن تأييده باشعار تعليل الفرق بين الحرة والأمة
في الصحيح (1) المتقدم في الأمة المشتركة بأن الحرة لا تهب ولا تعير ولا تحلل
إلا أنك قد عرفت شدة رجحان الاحتياط في الفروج، وخصوصا في المقام الذي قد
عرفت حكاية الاجماع عليه، وقوة إرادة جواز إطلاق لفظ العارية عليه في خبر
العطار (2) وإن لم يجز عقده بها نحو إطلاق المستأجرات على المتمتع بهن وإن
لم يجز لفظ (آجرت) في المتعة ولو للتجنب عن توهم دخول النكاح الذي هو عقد
مستقل برأسه في عقد آخر، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (هل يستباح) فرج الجارية (بلفظ الإباحة) المرادف
للتحليل (فيه خلاف) بين الأصحاب، أشهره عدم الجواز و (أظهره الجواز)
وفاقا للفاضل وجماعة ممن تأخر عنه، ومحكي المبسوط والسرائر، لعموم
لأخبار (3) فإنها تضمنت التحليل، وهو أعم من أن يكون بلفظه أو مرادفه، بل
وغيرهما مما يفيده على حسب القانون اللغوي (نحو أذنت) و (سوغت) كما نص
عليهما في القواعد، لكن قد عرفت أن الاحتياط في الفروج مما لا ينبغي تركه،
خصوصا بعد ما قيل هنا من أن الجواز بلفظ التحليل لا يستلزم الجواز بلفظ
الإباحة بعد تسليم ترادفهما، والمتيقن من النصوص العقد بلفظ التحليل وإن كان هو
كما ترى.
(ولو قال: (وهبتك وطأها) أو (سوغتك) أو (ملكتك)) متجوزا
بها بإرادة معنى التحليل منها باعتبار مشابهة مفاده لمفادها، لعدم العوض فيه مع
استحقاق الانتفاع به (فمن أجاز) العقد بلفظ (الإباحة) باعتبار استفادة

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 34 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 31 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
300

معنى التحليل منه الذي هو من العقود الجائزة التي لم يعتبر فيها لفظ مخصوص،
بل هو شبه الإباحات المتعلقة بالأموال (يلزمه الجواز هنا) لاتحاد المدرك
بعد فرض جريان استعمال هذه الألفاظ في المعنى المزبور مجرى القانون اللغوي،
ولو على جهة المجازية التي لا بأس بها في العقد الجائز، وخصوصا مثل هذا العقد
الذي هو شبه الإباحات (ومن اقتصر على التحليل) ولم يجوز العقد بلفظ الإباحة
المرادفة له اقتصارا على المتيقن في الفرج المطلوب فيه الاحتياط (منع) هنا سيما
الهبة والتمليك ضرورة أولويتهما بذلك من لفظها، لكون الأعيان مورد الهبة والتمليك
وإن وقع عليها وعلى المنفعة لكن لا عين هنا ولا منفعة وإنما هو إباحة انتفاع، بل كان
مفاد الهبة والتمليك مقابلا للتحليل الظاهر في رفع المنع من المالك بالإذن على
حسب التحليل في أكل المال ونحوه، وقد عرفت قوة القول بالجواز، خصوصا
بعد إمكان إرادة التحليل في الخبرين (1) السابقين، بل ربما أشعر به تعليل الفرق
بين الحرة والأمة أيضا في الصحيح (2) المتقدم في الأمة المشتركة بأن الحرة لا تهب
ولا تعير ولا تحلل، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.
(و) كيف كان ف‍ (هل هو عقد) نكاح (أو) عقد (تمليك منفعة؟ فيه
خلاف بين الأصحاب منشؤه عصمة الفرج عن الاستمتاع بغير العقد أو الملك)
للآية (3) ودعوى الاتفاق على ذلك، فبعد معلومية جوازه في الشرع لا يخلو من
أحدهما (ولعل الأقرب) عند المصنف (هو الأخير) وفاقا للمحكي
عن الأكثر، بل لم يعرف حكاية الخلاف فيه إلا عن المرتضى في الإنتصار مع أن كلامه
المحكي عنه في المختلف - كما اعترف به في كشف اللثام - إنما يعطي اشتراط
العقد وعدم الاجتزاء بلفظ الإباحة كما لا يجتزأ بلفظ العارية، فهو حينئذ خارج

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل الباب - 41 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(3) سورة المؤمنون: 23 - الآية 6.
301

عما نحن فيه، ولذا حكي خلافه في أصل مشروعية التحليل.
وعلى كل حال فالوجه للمشهور - بعد الاتفاق على كونه أحدهما أو ملك
يمين كما في كشف اللثام - انتفاء لوازم عقد النكاح من الطلاق والمهر والمدة وغير
ذلك، فتعين الثاني، مضافا إلى صحيح السراد (1) (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله
تعالى (2) والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم، قال: هو أن يأمر الرجل عن عبده
وتحته أمته، فيقول: اعتزل امرأتك ولا تقربها، ثم يحبسها عنه حتى تحيض،
ثم يمسكها فإذا حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح) فإن الظاهر إرادة
التحليل وقد نفى عنه النكاح، فليس هو حينئذ إلا ملك يمين، بل ربما أشعر به
أيضا خبر أبي بصير (3) والحضرمي (4) قال في أولهما: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة
أحلت لابنها فرج جاريتها، قال: هو له حلال، قلت: أفيحل له ثمنها؟ قال: لا،
إنما يحل له ما أحلت له) وقال في ثانيهما: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن امرأتي
أحلت لي جاريتها، فقال أنكحها إن أردت، قلت: أبيعها، قال: لا، أحل
لك منها ما أحلت) باعتبار أن ذلك منهما مقتض لصيرورتها ملك يمين بذلك، ولم
ينكر عليهما الإمام عليه السلام ذلك، وإنما منعهما من البيع موميا إلى أن ذلك ملك
يمين على حسب ما أحل، وصحيح الأمة بين الشريكين (5) المصرح فيه بجواز
التحليل من أحدهما للآخر، المبني على اتحاد السبب حينئذ بصيرورة الجميع ملك
يمين وإن كان النصف ملك رقبة والآخر ملك منفعة، ولولا ذلك لكان من التبعيض
في سبب النكاح، ولذا لم يجز له نكاحها بالعقد، هذا أقصى ما يمكن أن يقال

(1) الوسائل الباب - 45 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 وهو صحيح
السراد عن محمد بن مسلم كما في التهذيب ج 7 ص 346 الرقم 1417.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(3) الوسائل الباب - 32 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 36 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 41 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
302

للمشهور.
لكن الجميع كما ترى، ضرورة صراحة عقد التحليل بلفظه أو الإباحة في عدم
الملك، ولم يقصد المملك إلا رفع المنع، أو التصريح بانشاء الإذن في ذلك، ودعوى
صيرورته ملكا شرعا وإن لم يقصداه واضحة الفساد، على أنه لا منفعة هنا صار العقد
سببا لتملكها على نحو الإجارة، وإنما هو انتفاع لا منفعة، وفرق واضح بينهما،
وجواز الانتفاع بعقد التحليل بعيد عن صدق ملك اليمين وإلا لكان جميع الإباحات
كذلك، والحصر في الآية (1) المتفق عليه مع انتفاء لوازم العقد لا يقتضي شمول
الكلي لغير فرده، بل هو فرد لكلي آخر مبائن له، وكذا نفي النكاحية عنه
في صحيح السراد، وليس في كلام الإمام عليه السلام في خبري أبي بصير والحضرمي ما
يتوهم منه كونه ملك يمين، بل ولا صحيح الأمة المشتركة، وجوازه فيها دون
النكاح أعم من ذلك قطعا كما هو واضح، بل التأمل الصادق يقتضي تنزيه كلام
الأساطين عن كونه ملك يمين على وجه يندرج فيه موضوعا، ضرورة صراحة
النصوص في عدمه، فإن من أفراده تحليل القبلة ونحوها.
نعم قد يقال: إنه بعد ثبوت مشروعيته بالمتواتر من السنة (2) والاجماع
مع الاتفاق على حصر حكم النكاح في السببين فهل الثابت لهذا القسم من النكاح حكم
العقد أو حكم ملك اليمين؟ ولا ريب أن الأقوى الثاني، لا لدخوله في اسمه، بل لأن
أحكامه الثابتة له من جواز وطئ الأزيد من الأربع وغيره على وفق الأصول
المقتضية نحو ذلك في التحليل، بخلاف الأحكام التي موضوعها النكاح والتزويج
ونحوهما مما لا يدخل فيه التحليل موضوعا، ولا حكمه على وفق الأصل، فالمراد
حينئذ ثبوت أحكام ملك اليمين له دون عقد النكاح المعلوم، وإن كان هو قسما
مستقلا برأسه لا يدخل في موضوع أحدهما، بل لو فرض حكم من أحكام ملك
اليمين المخالفة لمقتضى الأصل وليس في أدلتها ما يفهم منها شمول التحليل ولو بمعونة

(1) سورة المؤمنون: 23 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب - 31 - من أبواب العبيد والإماء.
303

الاجماع أشكل ثبوته لوطئ التحليل، لعدم اندراجه في موضوعه.
ولعل من ذلك تحريم المملوكة على الأب بالاستمتاع بها بنظر وتقبيل ولمس
ونحو ذلك مما عرفته سابقا بالنصوص (1) الدالة عليه، فإن ثبوته للمحلل لا يخلو
من إشكال، اللهم إلا أن يفهم من تلك أن ذلك ونحوه نزله الشارع منزلة الوطئ
في تسبيب التحريم، كما هو المفهوم من تلك النصوص التي قدمنا الكلام، والغرض
أن الضابط ما عرفت.
وربما كان هذا الاستقراء تاما في سائر الأفراد، فلاحظ وتأمل كي تعرف
الحال في تحليل المسلمة للكافر، فإنه غير جائز للمنع منه في سائر أقسامه، وكذا تحليل
المؤمنة للمخالف، فإن فيه البحث السابق، وأما العكس وهو تحليل الكافرة للمسلم
والمخالفة للمؤمن فإنه جائز على الوجه الذي قدمناه في محله الذي منه يعرف الحال
في الوثنية والناصبية المعلنة بعداوة أهل البيت عليهم السلام وغير ذلك من أقسام الكفار
الممنوع وطؤهن بالملك وغيره.
وعلى كل حال فمما يتفرع على ما ذكرنا عدم حرمة المحللة للأب قبل الوطئ
على الابن، لعدم اندراجها فيما نكح الأب لا وطأ ولا عقدا، ما عرفت من عدم دخول
التحليل في النكاح بمعنى العقد، ولا محللة الابن من دون وطئ على الأب، لعدم
اندراجها في الحليلة المراد منها الزوجة هنا ولو للانصراف، لا مطلق ما يحل
وطؤها وإلا لحرمت عليه بالملك، فهو حينئذ في هذا الحكم كملك اليمين، وكذا
غيره من الأحكام، والحرمة بالوطئ لظهور الأدلة بل صراحتها في تسبيبه التحريم
بأي سبب كان، لا لكون التحليل ملك يمين، وهكذا الكلام في غير ذلك من
الأحكام المتعلقة بالمصاهرة وغيرها، كالتحليل على ذات العدة وغيرها.
بل منه يعلم الوجه فيما ذكره المصنف بقوله: (وفي تحليل أمته لمملوكه
روايتان إحداهما المنع)، وهي صحيح ابن يقطين (2) إنه سأل الكاظم عليه السلام

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(2) الوسائل الباب - 33 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
304

(عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه، قال:
لا تحل له) (ويؤيدها أنه نوع تمليك والعبد بعيد عن التملك، والأخرى الجواز
إذا عين له الموطوءة) وهي خبر فضيل مولى راشد (1) قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
(لمولاي في يدي مال فسألته أن يحل لي ما أشتري من الجواري، فقال: إن كان
يحل لك إن أحل لك فهو حلال، فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال: إن أحل
لك جارية بعينها فهي لك حلال، وإن قال: اشتر منهن ما شئت فلا تطأ منهن
شيئا إلا ما يأمرك إلا جارية يراها، فيقول: هي لك حلال، وإن كان لك أنت
مال فاشتر من مالك ما بدا لك " المؤيد بما في صحيح السراد (2) المتقدم آنفا القائل
فيه ردها بغير نكاح، وبالنصوص المستفيضة (3) الدالة على جواز تسري العبد
ما شاء من الإماء بإذن مولاه، المعلوم إرادة التوكيل في تحليل ذلك له عن مولاه،
بناء على عدم ملكية العبد وعدم جواز التحليل مع عدم التعيين.
(ويؤيدها) أيضا (أنه) أي التحليل (نوع من الإباحة وللمملوك
أهلية الإباحة و) قد تقدم لك ما علمت منه أن (الأخير أشبه) بأصول المذهب
وقواعده وأصح، ضرورة عدم كون التحليل من الملك الممنوع منه العبد، وأدلته
شاملة للعبد وغيره، بل استحقاق الانتفاع بالبضع بالعقد أتم في مجازية الملك من
هنا، ودعوى الفرق - بأن الانتفاع هناك من لوازم العقد وهنا مورده، فهو كما لو
قال: (وهبتك بضع الجارية) أو (ملكتك إياه) والعبد غير قابل لذلك، ومن
هنا بنى بعضهم المسألة على كون التحليل عقدا أو ملك يمين، وأن العبد مما يملك
ما يملكه مولاه أولا - واضحة الفساد، للقطع بالجواز على كل تقدير، فإن القائل
بكونه ملكا هنا لا يريد منه الملك الممنوع منه العبد، بل المراد منه الاستحقاق،

(1) الوسائل الباب - 33 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 45 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 وهو صحيح
السراد عن محمد بن مسلم كما في التهذيب ج 7 ص 346 الرقم 1417.
(3) الوسائل الباب - 22 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
305

أو أن له أحكام ملك اليمين على الوجه الذي قدمناه، ضرورة أنه لا عين ولا منفعة،
فالخبر المزبور محمول على التقية أو على إرادة عدم النكاح له بمجرد الإذن من
مولاه، بل لا بد من إيجاد العقد على من يريد نكاحها من أمة الغير مثلا أو على
غير ذلك.
وكيف كان فعلي القولين لا بد له من قبول، لكونه عقدا عليهما، ومن أركان
العقد القبول وعدم ذكر المعظم له اتكالا على الظهور، ولأنه لا يختلف ألفاظه
بالنسبة إلى سائر العقود، وإنما المختلف ألفاظ الايجاب، ولذا اقتصروا هنا على
التعرض له، مع أن قولهم: (هل هو عقد أو تمليك؟) كاف في ذلك، ضرورة معلومية
كون التمليك من العقود، وأنه ليس من قسم الايقاعات، فالمراد حينئذ ما صرح
به غير واحد من الأصحاب كالمحقق الثاني والشهيد الثاني والفاضل الهندي وغيرهم
أنه عقد نكاح أو عقد تمليك.
فما عن الصيمري - من عدم الحاجة إلى القبول حاكيا له عن إطلاق الأكثر
بل ربما كان ذلك سببا لغرور بعض الأفاضل فحكم بذلك محتجا بظهور النصوص
أنه من قسم الإباحات التي لا تحتاج إلى التعاقد - واضح الفساد، فإن النصوص في
سائر العقود خالية عن التعرض لألفاظ العقد للمعلومية، ومن هنا لم يكن إشكال
عند الفقهاء في العقدية في سائر المقامات، وكأن المسألة من الواضحات، فلا يكفي
حينئذ مجرد إنشاء التحليل والإباحة عن مراعاة التعاقد، بل ظاهر الأصحاب هنا
معاملة هذا العقد - وإن كان من العقود الجائزة - معاملة العقود اللازمة في التعرض
لضبط ألفاظه وعدم الاكتفاء بأي لفظ اتفق ومراعاة كيفية العقد في فورية القبول
وغيرها، ولعله لكونه متعلقا بالفرج المطلوب فيه الاحتياط، وأنه ليس كغيره
من الأموال.
ولقد فتح هذا المتوهم بابا لتشنيع المخالفين أعظم مما افتروه علينا: من جواز
عارية الفروج حتى للأحرار، إذ الإباحة ليست من العقود أصلا فضلا عن أن تكون
306

عقد عارية، وجميع ذلك اشتباه وتوهم، فإن الفروج لا تحل عند الشيعة بنحو ذلك
كما صرح به المرتضى وابن إدريس والمحقق الثاني وغيرهم، بل هو صريح جميع
الأصحاب، كما لا يخفى على من لاحظ تعرضهم لضبط ألفاظه، وجواز عقد ببعضها
وعدمه، ولاعتبار الهيئة وغيرها مما هو جار على حسب ما تعرضوا لغيره من العقود
اللازمة، والله العالم.
(و) كيف كان فلا إشكال في أنه (يجوز تحليل المدبرة وأم الولد) لعدم
خروجهما بذلك عن الملك المقتضي لاندراجهما في النصوص، نعم ليس له ذلك في
المكاتبة (و) خصوصا (لو ملك بعضها) بأن أدت بعض ما عليها على وجه
يكون به بعضها حرا (ف‍) إنه حينئذ إذا (أحلته نفسها لم تحل) بذلك، وكذا الحال
في كل مبعضة، لما عرفته سابقا من عدم جواز تحليل الحرة نفسها، وعدم التبعض
في أسباب النكاح، (و) لا يراد أنها لو كانت مشتركة) بين اثنين مثلا (فأحلها
الشريك) لشريكه، فإنه على ما (قيل تحل) بذلك، بل قد عرفت فيما مضى أنه
الأصح، لعدم التبعيض فيه، بناء على أن التحليل ملك يمين وإن كان للمنفعة، فإن
سبب الوطئ حينئذ متحد النوع.
(و) حينئذ ف‍ (الفرق أنه ليس للمرأة الحرة أن تحل نفسها) لما علمت
أن التحليل مختص بالإماء بخلاف الأمة، فإن لسيدها تحليلها، أو للصحيح (1)
المتقدم سابقا المصرح فيه بالحكمين كما عرفته سابقا، هو العمدة في الجواز
كما أنه لا يرد جواز العقد من الشريكين على الأمة المشتركة للأجنبي مع عدم
تأثير العقد من كل منهما إلا في البعض المملوك فيه، ضرورة عدم كون ذلك
تبعيضا في سبب النكاح بعد فرض كونه عقدا منهما بوكالة ثالث أو أحدهما الآخر
أو إجازته بعد أن كان مورد العقد الجميع، نعم لو قال كل منهما: (زوجتك حصتي)
أو (أحللتها لك) ففي القواعد إشكال، ولعله من أن تحليل كل منهما إنما يتعلق
حقيقة بحصته، فالاطلاق إنما يعتبر لانصرافه إليه فالتصريح به أولى بالصحة، ومن

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
307

ظهور الأدلة في كون مورد العقد الكل دون البعض، بل لا يؤثر فيه صحة حتى
يقارنه التأثير بالبعض الآخر بلفظ واحد، ومن أن الوطئ لا يتبعض، والاحلال
مثلا إنما يتعلق به حقيقة وإن أريد بالحصة الحصة من الرقبة حصل الشك في الحل
من كونه مجازا في إحلال الوطئ وإن كان في الأخيرين ما لا يخفى، ولا ريب أن
الأحوط عدم العقد بهذه الكيفية إن لم يكن الأقوى، خصوصا مع التعاقب في
القبول والله العالم، هذا كله في الصيغة وما يتبعها.
(وأما الحكم ف‍) فيه (مسائل:)
(الأولى)
(يجب الاقتصار على ما تناوله اللفظ) الكاشف عن إرادة اللافظ حقيقة أو
مجازا بالقرائن المقالية (و) الحالية التي منها (ما شهد الحال بدخوله تحته)
في الإرادة على حسب غيره من العقود، بل الظاهر أنه مثلها أيضا في دخول التوابع
في الحكم وإن لم يستحضرها العاقد حال إنشائه، بل ولا هي من لوازم معنى اللفظ
الذي هو متعلق العقد، نحو ثياب العبد ورحل الدابة وبعض مرافق الدار ونحو ذلك
مما هي قطعا ليست من مدلولات اللفظ، ولكن بيع الدار مثلا يتبعه ذلك عرفا
على وجه لو نبهته عليه لأدخله فكذلك هنا ما كان من هذا القبيل أيضا.
وعلى كل حال (فلو أحل له التقبيل اقتصر عليه) وعلى اللمس
المتوقف تحقق التقبيل عليه (وكذا لو أحل له اللمس) أو النظر اقتصر عليهما
(فلا يستبيح الوطئ) الذي هو غير داخل في شئ منها لا حقيقة ولا مجازا ولا تبعا
(و) الأصل حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، نعم (لو أحل له الوطئ حل
له ما دونه من ضروب الاستمتاع) للفهم العرفي المؤيد بقول الصادق عليه السلام في خبر
ابن عطية (1): (إذا أحل الرجل للرجل من جاريته قبلة لم يحل له غيرها، وإن
أحل له الفرج حل له جميعها) مع أن الظاهر حلية ذلك ما لم يصرح بالمنع فيما
زاد على ما يتوقف عليه تحقق الوطئ، وإلا كان التحليل مقتصرا عليه أيضا، لاطلاق

(1) الوسائل الباب - 36 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
308

النصوص أنه ليس له إلا ما أحل له، قال فضيل بن يسار (1): (قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: جعلت فداك إن بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت: إذا أحل
الرجل لأخيه جاريته فهي حلال، فقال: نعم يا فضيل، قلت فما تقول في رجل
عنده جارية له نفيسة وهي بكر أحل لأخيه ما دون فرجها أله أن يفتضها؟ قال: لا
ليس له إلا ما أحل له منها، ولو أحل له قبلة منها لم يحل له ما سوى ذلك، قلت:
أرأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال: لا ينبغي له ذلك،
قلت: فإن فعل أيكون زانيا؟ قال: لا، ولكن يكون خائنا، ويغرم لصاحبها عشر
قيمتها إن كانت بكرا، وأن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها) وفي خبر هشام
ابن سالم وحفص بن البختري (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يقول لامرأته
أحلي لي جاريتك فإني أكره أن تراني متكشفا، فتحلها له، قال: لا يحل منها إلا
ذاك، وليس له أن يمسها ولا أن يطأها) بل زاد فيه هشام (أله أن يأتيها؟ قال:
لا يحل له إلا الذي قالت) إلى غير ذلك من النصوص (3) التي مضى بعضها أيضا
المتفقة في الدلالة على ذلك.
(و) حينئذ ف‍ (لو أحل له الخدمة) المتوقفة على عقد التحليل للاحتياج
إلى لمس ونظر ونحوهما (لم) يجز له أن (يطأ، وكذا لو أحل له الوطئ لم
يستخدم) من غير إشكال في شئ من ذلك نصا (4) ولا فتوى، بل هو مقتضى أصول
المذهب (و) قواعده ف‍ (لو وطأ) مثلا (مع عدم الإذن كان عاصيا) قطعا
مع العلم بالتحريم (ولزمه عوض البضع) لمولاها عشر القيمة أو نصفه، كما تقدم
الكلام فيه سابقا وفي أرش البكارة تقييده بجهلها أو إكراهها. (وكان الولد
رقا لمولاها) بلا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك، لكونه نماء ملكه، والفرض
عدم العقد المقتضي لتبعية الولد، ولا الشبهة، بل هو زان لا حق له في مائه، ولا

(1) الوسائل الباب - 35 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 4 - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 35 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 4 - 0 -.
(3) الوسائل الباب - 35 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 4 - 0 -.
(4) الوسائل الباب - 35 و 36 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
309

ينافي ذلك نفي الزنا عنه في خبر فضيل (1) المحمول على غير الفرض، ولو توهم
الإذن أو الجهل بحرمة ذلك عليه أو على التجوز في نفي الزنا عنه باعتبار كونها
محللة له في الجملة أو نحو ذلك.
هذا وقد يتوهم من نصوص الباب جواز التحليل لغير الوطئ لمتعددين في
زمان واحد، وخصوصا مع اختلاف المحلل صنفا أو عضوا، كما لو أحل النظر
مطلقا لشخص واللمس لآخر، أو أحل نظر الوجه لشخص والبطن لآخر، أو أحل
النظر مثلا لجماعة، إلا أن المعلوم من مذاق الشرع خلافه، بل يمكن دعوى
معلومية ذلك من الشريعة، كمعلومية عدم البعلين للامرأة الواحدة، وأنه لا فرق
في عدم جواز الاشتراك بين الوطئ وبين غيره من باقي الاستمتاعات.
وربما كان في تصريح بعضهم بصيرورة المحللة ولو نظرا أجنبية بالنسبة إلى
السيد شهادة على ما ذكرنا، ضرورة أولوية الأجنبي بالمنع منه، لعدم الاستصحاب
فيه، بل هو مقتض للحرمة فيه، بخلاف المالك الذي قد توقف في حرمة ذلك عليه
بتحليل الوطئ فضلا عن غيره بعض متأخري المتأخرين، بل المتجه عليه عدم جواز
تحليل النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه للأجنبي وإن لم يكن بشهوة إذا كانت محللة
للغير ولو لمسا.
وكان إغفال الأصحاب لذلك ونحوه اتكالا على ما ذكروه في عقد النكاح،
وأنه مشترك معه في ذلك، وفي تعيين المحللة والمحلل له، والكمال في المتعاقدين،
وجواز التصرف في المحللة وغير ذلك مما هو معلوم اعتباره في النكاح وتوابعه، قال
في جامع المقاصد عند البحث عن حرمة الأمة المزوجة على سيدها: (أما إذا أحل
المملوكة لغيره فلم يتعرض المصنف لحكمها، وينبغي أن يكون في جميع
الاستمتاعات كالمزوجة، لأن الاحتياط في الفروج أشد من تجويز شئ من الاستمتاع
لغير واحد) وقال في المسالك: (الوجه في ذلك - أي حرمة الأمة المزوجة على
سيدها - أن وجوه الاستمتاع صارت مملوكة للزوج، فيحرم على غيره، لامتناع

(1) الوسائل الباب - 35 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
310

حل الاستمتاع بالمرأة لأزيد من واحد شرعا، وفي معناها المحللة للغير بالنسبة إلى
المالك مع كون التحليل متناولا للوطئ " وهو وإن أوهم تقييده أخيرا بجواز
الاستمتاع له إذا كان التحليل غير متناول للوطئ، لكن ظاهر تعليله الأول العموم،
على أن ذلك منه للمالك، وهو غير التحليل لمتعددين وإن كان الذي يقوى في النظر
عدم الفرق بين المالك وغيره.
المسألة (الثانية:)
(ولد المحللة) للحر (حر) شرطها أو أطلق، تغليبا لها ولعموم
الأخبار (1) بتبعية الولد للحر من الأبوين، وخصوص صحيح زرارة (2) قال للباقر
عليه السلام: (الرجل يحل لأخيه جاريته قال: لا بأس به، قال: قلت: فإنها جاءت
بولد، قال: يضم إليه ولده، ويرد الجارية إلى صاحبها، قلت: إنه لم يأذن له
في ذلك، قال: إنه قد أذن له وهو لا يأمن أن يكون ذلك) ونحوه الصحيح
الآخر (3) بل في الحسن أو الصحيح (4) أيضا (الرجل يحل جاريته لأخيه
وحرة أحلت جاريتها لأخيها، قال: يحل له من ذلك ما أحل له، قلت: فجاءت
بولد، قال: يلحق بالحر من أبويه) والخبر (5) عن الرجل يقول لأخيه: جاريتي
لك حلال، قال: قد حلت له، قلت: فإنها ولدت، قال: الولد له والأم للمولى،
وإني أحب للرجل إذا فعل ذا بأخيه أن يمن عليه فيهبها له) يعني إذا جاءت بولد.

(1) الوسائل الباب - 37 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) أشار إليه في الوسائل في الباب - 37 - من أبواب أحكام العبيد والإماء
الحديث 4 وذكره في التهذيب ج 7 ص 247 والاستبصار ج 3 ص 139 والكافي ج 5
ص 469 والفقيه ج 3 ص 290.
(3) الوسائل الباب - 37 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 7 - 6.
(4) الوسائل الباب - 37 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 7 - 6.
(5) الوسائل الباب - 37 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 7 - 6.
311

(ثم إن شرط الحرية مع لفظ الإباحة فالولد حر ولا سبيل على الأب)
بلا خلاف (وإن لم يشترط قيل) والقائل الشيخ في غير خلافه: (يجب على أبيه
فكه بالقيمة)، بل هو المحكي عن الصدوق أيضا. (وقيل) والقائل المشهور
شهرة عظيمة، وفيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات (لا يجب وهو) مع كونه كذلك
(أصح الروايتين) وإن كانت الأخرى أيضا صحيحة، كصحيح ضريس بن
عبد الملك (1) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (الرجل يحل لأخيه فرج جاريته وهي
تخرج في حوائجه، قال: هو له حلال، قلت: فإن جاءت بولد منه ما يصنع به؟
فقال: هو لمولى الجارية إلا أن يكون قد اشترط على مولى الجارية حين أحلها له
إن جاءت بولد فهو حر، قلت: فيملك ولده، قال: إن كان له مال اشتراه بالقيمة)
وصحيح الحسن بن زياد العطار (2) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عارية الفرج، فقال:
لا بأس، قلت: فإن كانت أتت منه بولد، فقال: لصاحب الجارية إلا أن يشترط
عليه) ورواية إبراهيم بن عبد الحميد (3) عن أبي الحسن عليه السلام (في امرأة قالت
لرجل: فرج جاريتي لك حلال، فوطأ فولدت ولدا، قال: يقوم الولد عليه
بقيمته) نعم ناقش في المسلك في سندها، لكن يدفعها صحة الأولى بطريق الصدوق
وأحد طريقي الشيخ والنص على توثيق الحسن بن زياد العطار.
بل يمكن الجمع بينها وبين الأولى بحمل تلك على صورة الاشتراط أو على
الفك بالقيمة، مؤيدا بامكان الفرق بين عقد النكاح والتحليل بكون ذلك عقد نكاح
يقتضي التشريك في النماء بخلاف التحليل الذي هو بمنزلة الإباحة ورفع المنع الذي
لا يرفع مقتضى قاعدة تبعية نماء الملك لمالكه، إلا أنه لما كان الجمع مشروطا بالمعادلة
المفقودة هنا - للشهرة العظيمة بين الأصحاب المؤيدة بما سمعته سابقا من تبعية
الولد لأشرف الأبوين نصا (4) وفتوى التي لا فرق فيها بين عقد النكاح وغيره بعد

(1) الوسائل الباب - 37 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2 - 5.
(2) الوسائل الباب - 37 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2 - 5.
(3) الوسائل الباب - 37 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2 - 5.
(4) الوسائل الباب - 30 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
312

فرض كون الوطئ صحيحا ولو شبهة، بل في نصوص المسألة الإشارة إلى أن المقام
فرد من أفرادها، مضافا، إلى بناء الحرية على التغليب والسراية وإلى ما في هذه
النصوص من الاختلاف في الجملة باعتبار دلالة بعضها على كونه رقا وآخر على
الحرية مع غرامة الأب قيمته، بل كلام الخصم أيضا غير محرر بالنسبة إلى ذلك -
عمل المشهور على تلك الأخبار، وأطرحوا هذه النصوص، أو حملوها على استحباب
دفع القيمة من الأب أو غير ذلك، ولعله الأقوى والله العالم.
المسألة (الثالثة:)
(لا بأس أن يطأ الأمة وفي البيت غيره) يراه أو يسمعه وإن كره ذلك في الحرة،
للأصل وانحطاط رتبتها عنها، وصحيح ابن أبي يعفور (1) عن الصادق عليه السلام (في
الرجل ينكح الجارية من جواريه ومعه في البيت من يرى ذلك ويسمعه، قال: لا
بأس) بعد القطع بعدم الفرق بين المملوكة وغيرها، وظهور إرادة عدم الكراهة
من نفي البأس هنا ولو بقرينة معرفة السائل ونقصانه (2) وأنه لا يسأل عن أصل
الجواز المعلوم في الحرة فضلا عن الأمة، وإنما سؤاله عن الكراهة الثابتة في الحرة
ولكن مع ذلك للتسامح في الكراهة ومطلوبية الحيا للشارع والتستر في هذا الأمر
قال في كشف اللثام: (لا يبعد القول بالكراهة، لعموم النهي (3) عن الوطئ وفي البيت
صبي يراهما ويسمع نفسيهما) وهو محتمل لامكان حمل الصحيح على نفي الشدة
خصوصا بعد الخبر (4) (لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي)
والأمر سهل.

(1) الوسائل الباب - 75 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، وفي المسودة التي هي بخط المصنف طاب
ثراه (وفقاهته) وهو الصحيح.
(3) الوسائل الباب - 67 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث - 0 - 1.
(4) الوسائل الباب - 67 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث - 0 - 1.
313

(و) كذا لا بأس (أن ينام بين أمتين) لمرسل ابن أبي نجران (1) (إن
أبا الحسن عليه السلام كان ينام بين جاريتين) (و) إن كان (يكره ذلك في الحرة)
عند المشهور بين الأصحاب احتراما لهن بالتجنب عن ايذائهن، لكن في الخبر (2)
(لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين والحرتين، إنما نساؤكم بمنزلة اللعب) ومن أجله
وسوس بعض متأخري المتأخرين فيها، لكن التسامح في أدلتها سهل الخطب فيه.
(ويكره) أيضا (وطئ) الأمة (الفاجرة) بالملك والعقد، للعار،
وحذرا من اختلاط الماءين، ومخالفة ظاهر الآية (3) وفي خبر محمد بن مسلم (4)
(سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحبشية يتزوجها الرجل، قال: لا وإن كان له أمة وطأها،
ولا يتخذها أم ولد).
بل (و) يكره له وطئ (من ولدت من الزنا) وإن كانت هي عفيفة،
للعيب، ولأنها لا تفلح، وخبر الحلبي (5) عن الصادق عليه السلام (سئل عن الرجل يكون
له الخادم ولد زنا عليه جناح أن يطأها، قال: لا وإن تنزه عن ذلك فهو أحب إلي)
وحسن ابن مسلم (6) عن أحدهما عليهما السلام (في رجل يشتري الجارية ويتزوجها بغير
رشده ويتخذها لنفسه، قال: إن لم يخف العيب على نفسه فلا بأس) بل عن ابن
إدريس تحريم وطئها لكفرها، وفيه منع تقدم في محله.
وبالجملة فلا ريب في دلالة فحوى هذه النصوص على مرجوحية وطئ الزانية

(1) الوسائل الباب - 84 - من أبواب نكاح العبد والإماء الحديث 3 - 1.
(2) الوسائل الباب - 84 - من أبواب نكاح العبد والإماء الحديث 3 - 1.
(3) سورة النور: 24 - الآية 3.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 والباب - 60 -
من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 وفي الموضعين: (الخبيثة يتزوجها الرجل....)
كما في الكافي ج 5 ص 353.
(5) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5 - 4 وفي
الثاني (إن لم يخف العيب على ولده).
(6) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5 - 4 وفي
الثاني (إن لم يخف العيب على ولده).
314

مضافا إلى خبر الحسين بن أبي العلاء (1) المروي عن خرائج الراوندي قال: (دخل
على أبي عبد الله عليه السلام رجل من أهل خراسان فقال: إن فلان بن فلان بعث معي
بجارية وأمرني أن أدفعها إليك، قال: لا حاجة لي فيها، إنا أهل بيت لا يدخل
الدنس بيوتنا، قال: لقد أخبرني أنها ربيبة حجره، قال: لا خير فيها، فإنها قد أفسدت،
قال: لا علم لي بهذا، قال: أعلم أنه كذا) بل في خبر آخر عنه (2) (أنه لما دخل
عليه الرجل من خراسان قال له: ما فعل فلان؟ قال: لا علم لي به، قال: أنا أخبرك
به، بعث معك بجارية لا حاجة لي فيها، قال: ولم؟ قال: لأنك لم ترقب الله فيها
حيث عملت ما عملت ليلة نهر بلخ، فسكت الرجل، وعلم أنه علم بأمر عرفه).
المسألة الرابعة
لا يشترط في التحليل تعيين المدة، للأصل وإطلاق النصوص (3) خلافا
للمحكي عن المبسوط، ولا وجه له، ولا ذكر مهر، كما أنه لا نفقة لها، بل لا سلطان له
عليها لا ليلا ولا نهارا إلا بإذن السيد، بخلاف الأمة المزوجة، ففي القواعد إن عليه
تسليمها للزوج ليلا وله استخدامها نهارا، وكأنه لأنه إنما ملكه الانتفاع
ببضعها فيبقي له الاستخدام، والغالب في زمانه النهار، كما أن الغالب في زمان الأول
الليل، ولذا بنى عليه القسم، فلو أراد أحدهما عكس ماله لم يلزم الآخر إجابته
وكذا لو آجرها للاستخدام، فإن عليه تسلميها نهارا، وله الاستمتاع بها ليلا، فلو
أراد أحدهما الاستبدال لم يلزم الإجابة، وقد وافقه على ذلك شارحاه: المحقق الثاني
والفاضل الهندي:
بل فيها أيضا (أنها لو كانت محترفة وأمكنها ذلك في يد الزوج ففي وجوب
تسليمها إليه نهارا لو أراده إشكال) بل في الشرحين أقربه وأصحه عدمه، لأن

(1) الوسائل الباب - 63 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 63 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 31 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
315

التزويج لم يقتض إلا التسليم ليلا وربما بدا للسيد استخدامها نهارا، بل في الثلاثة
أيضا أن للسيد أن يسافر بها ولعله لسبق حقه، ولأنه مالك للرقبة وإحدى
المنفعتين، فكان جانبه أقوى، نعم لو أراد الزوج السفر معها ليصحبها ليلا لم يكن
له منعه، لأن ذلك حق ثابت له، لكن لا نفقة لها وإن تمكن منها نهارا ما لم يكن
السفر برضاه، فإنه يكون سفره بها، كما في الثلاثة أيضا أن الأقرب تسلط
الزوج على اخراجها من دار السيد ليلا لو أراده، حتى أنه لو بذل لهما بيتا في
داره لم تجب على الزوج إجابته.
وفيها أيضا أن النفقة إنما تجب على الزوج في الحضر لو تسلمها ليلا ونهارا، أما
لو تسلمها ليلا فقط فالأقرب كما عن المبسوط عدم وجوب شئ منها لعدم التمكين
التام، ويحتمل وجوب الكل، ككون التخلف بحق كالحيض والمرض، ونصف النفقة
أو نفقة الليل خاصة.
وفي القواعد أيضا (أنه لو قتلها السيد قبل الوطئ ففي سقوط المهر نظر
أقربه العدم، كما لو قتلها أجنبي أو قتلت الحرة نفسها) وفي جامع المقاصد احتمال
السقوط حتى في الأخيرين أيضا بل عن المبسوط إسقاطه في الأخير، كما أن سقوطه
بقتل الأجنبي الأمة قول: لكونها حينئذ كتلف المبيع قبل قبضه.
لكن لا يخفى عليك ما في الجميع، وعدم انطباقه على ما عند الإمامية من حرمة
القياس والاستحسان والمصالح المرسلة ونحو ذلك من القول بالرأي، ومن هنا خلت
عن هذه الأحكام معظم كتب الأصحاب، وإنما وجدتها في كتب العامة كالاسعاد
ونحوه، بل أكثروا فيها من الخرافات، وخصوصا في تحرير الوقت من الليل الذي
يجب تسليمها فيه.
ولعل العمدة فيما ذكره الفاضل ما رواه الراوندي في المحكي في نوادره باسناده (1)

(1) المستدرك الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 عن
الجعفريات.
316

عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام (إن عليا عليه السلام قال: إذا تزوج الحر أمة فإنها
تخدم أهلها نهارا وتأتي زوجها ليلا، وعليه النفقة إذا فعلوا ذلك) بناء على كونه
جامعا لشرائط الحجية، ولم يكن خارجا مخرج التقية، وإلا كان ذلك كله مشكلا،
فإن المتجه على أصول الإمامية جريان حكم الزوجة عليها، فيجب تسليمها حينئذ
ليلا ونهارا، نعم يجوز للسيد الانتفاع بها في كل منهما ما لم يعارض حق الاستمتاع
بها، وملك السيد لها لا يزيد على ملك الحرة نفسها الذي قد انقطع بعقد التزويج
الوارد على ذلك والمقتضى تسلط الزوج على زوجته في جميع الأزمنة والأمكنة، فإن
الرجال قوامون على النساء، وهن حرث لهم، فليأتوا حرثهم أنى شاؤوا.
بل الظاهر عدم جواز سفر السيد بها بدون إذن الزوج بخلاف العكس، وملك
الرقبة لا ينافي ذلك، فإنها أمانه في يد الزوج كالعين المستأجرة، فإن لم يأمنه تولى
هو حفظها ولو بالسفر معها على وجه لا يمنع استمتاع الزوج.
وبذلك يظهر وجوب تمام نفقتها عليه، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة المقتضي
وجوب تسلميها إليه، لمعلومية كون النفقة عوضا عن الاستمتاع، اللهم إلا أن
يدعى أن بناء نكاح الأمة على ذلك، أي على الاستحقاق ليلا على وجه يكون
كالشرط، وإلا لم ينطبق شئ من ذلك على أصولهم.
كما أنه لا ينطبق عليها سقوط المهر بالقتل الذي هو ليس من أسباب الفسخ
للعقد المقتضي لوجوب المهر، والنكاح ليس من المعاوضات المحضة فضلا عن أن
يكون كالبيع حتى يشاركه في حكم التلف قبل القبض، نعم بناء على سقوط المهر
بالموت قبل الدخول للنصوص (1) التي تسمعها وتسمع الكلام فيها في محله يتجه
هنا ذلك، لا للقتل من حيث كونه قتلا فتأمل جيدا كي تعرف الحال فيما ذكره
العامة أيضا من حكم تزويج العبد بإذن سيده، فإنهم أيضا قد ذكروا فيه أيضا ما يقرب
مما سمعته، لكن المتجه على أصولنا عدم تسلط السيد عليه، حيث يجب عليه الوطئ والقسم
ونحوهما، أما مع عدم شئ منهما فللسيد منعه واستخدامه ليلا ونهارا، فإن الإذن

(1) الوسائل الباب - 54 و 58 من أبواب المهور.
317

بتزويجه لا تقتضي رفع اليد عنه ليلا على وجه تستحقه الزوجة مطلقا، اللهم إلا أن
يستفاد من فحوى ما سمعته في الأمة بناء على ثبوت الحكم فيها، والله العالم.
(ويلحق بالنكاح النظر في أمور خمسة:)
(الأول ما يرد به النكاح)
(وهو يستدعي بيان ثلاثة مقاصد)
(الأول في العيوب)
(وهي إما في الرجل وإما في المرأة، فعيوب الرجل) المتفق على الفسخ
بها (ثلاثة) بل أربعة
(الجنون والخصا والعنن) والجب (فالجنون) الذي
هو مرض في العقل يقتضي فساده وتعطيله عن أفعاله وأحكامه ولو في بعض الأوقات،
من الجنان أو الجن بالكسر أو الجن بالفتح، فالمجنون من أصيب جنانه أي قلبه،
أو أصابته الجن، أو حيل بينه وبين عقله فستر عقله، نعم لا عبرة بالسهو الكثير
السريع الزوال، ولا الاغماء الذي يكون عن هيجان المرة أو غلبة المرض أو نحو
ذلك مما لا يصدق معه اسم الجنون، وإلا فلو فرض كونه على وجه يصدق عليه ذلك
ترتب عليه حكمه، بل لعله داخل في مفهومه لغة وإن خص في العرف باسم آخر،
حتى قيد الجنون بأن لا يكون في عامة الأطراف فتور، وإليه يرجع ما عن الشيخ
وابن البراج من أن الجنون ضربان: أحدهما خنق والثاني غلبته على العقل من غير
حادث مرض، وهذا أكثر، وأيهما كان فالخيار لصاحبه، وإن غلب عقله المرض
فلا خيار، فإن برئ من مرضه فلا كلام، وإن زال المرض وبقي الاغماء فهو كالجنون
لصاحبه الخيار، وكيف كان فالجنون فنون.
وعلى كل حال هو (سبب لتسلط الزوجة) الجاهلة (على الفسخ دائما
318

كان) الجنون (أو أدوارا) لصدق إذا كان سابقا على العقد أو مقارنا له بلا خلاف
معتد به أجده فيه، بل الاجماع إن لم يكن محصلا، فهو محكي عليه، لنفي الضرر
والضرار والغرور والتدليس ولفحوى خبر علي بن أبي حمزة (1) الآتي في المتجدد
بعد التزويج بناء على أولوية غيره منه في ذلك، قيل: ولصحيح الحلبي (2) (إنما
يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل) والذي عثرنا عليه في الأصول عنه
عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال: (في رجل يتزوج إلى قوم، فإذا امرأته عوراء ولم
يبينوا له، قال: لا يرد، إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل، قلت:
أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال: لها المهر بما استحل من
فرجها، ويغرم وليها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها) ورواه في الكافي (3) (سألته
عن رجل يتزوج إلى قوم، فإذا امرأته عوراء ولم يبينوا له، قال: يرد النكاح من
البرص والجذام والجنون والعفل) وكان بناء الاستدلال على عدم تخصيص الوارد
بالمورد، ولكن فيه أنه كذلك بعد معلومية استقلال الجواب، ومن المحتمل قراءة
الفعل هنا بالمعلوم، فيكون الضمير فيه راجعا إلى الرجل، فلا يكون مستقلا،
ولعله لذا لم يحكم الأكثر - كما ستعرف - بالخيار لها في الجذام والبرص، نعم
رواه الشيخ في موضع من التهذيب (4) (إنما يرد النكاح - إلى قوله -: والعفل)
من دون تقدم شئ آخر وتأخره، لكن من المعلوم أن ذلك من تقطيع الشيخ، لا
أنه خر مستقل للحلبي كما يومئ إليه اتحاد السند. وعلى كل حال فالاستدلال به
لا يخلو من إشكال.

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(2) ذكر صدره في الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6
وذيله في الباب - 2 - منها الحديث 5.
(3) أشار إليه في الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6 وذكره
في الكافي ج 5 ص 406.
(4) التهذيب ج 7 ص 424 - الرقم 1693.
319

ومنه يعلم أيضا ما في الاستدلال عليه بأولوية ثبوته للمرأة في الرجل من
العكس الثابت نصا (1) وفتوى كما ستعرف، لكون الرجل له طريق تخلص بالطلاق
دونها فإنه يمكن منع القطع بها، خصوصا بعد قول الصادق عليه السلام في خبر عباد القبي (2)
الآتي: (والرجل لا يرد من عيب) كما أن الواضح منع كونها من قبيل فهم حرمة
مطلق الايذاء من النهي عن التأفيف (3).
ولعله لذا توقف في الحكم بعض متأخري المتأخرين، وخصه في المتجدد دون
السابق، قال: (والظاهر أن الوجه فيه عدم صحة النكاح لو فرض قبل العقد، إلا
أن يكون الجنون أدوارا وعقد في حال الصحة، أو قلنا بجواز تزويج الولي فيه)
لكن قد عرفت ما فيه مع فرض الصحة التي هي محل البحث ولو بالعقد من الولي
حال كونه صغيرا مجنونا: من أنه يكفي أولويته من الجنون بعده في الحكم المزبور
والاجماع المحكي وغير ذلك.
بل الظاهر عدم الفرق فيه بعد صدق اسمه بين عقله أوقات الصلاة وعدمه،
خلافا لظاهر المحكي عن ابن حمزة من تقييد الخيار بذلك مطلقا بل ربما حكي أيضا
ذلك عن المبسوط والمهذب مشعرين بالاجماع عليه، كما عن الصدوق نسبته إلى الرواية (4) ولعله لدعوى توقف الصدق على ذلك، وفيها منع، وما عن الفقه
المنسوب إلى الرضا عليه السلام (5) (إذا تزوج رجل فأصابه بعد ذلك جنون فبلغ منه
مبلغا حتى لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما، وإن عرف أوقات الصلاة فالتصبر

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 عن عباد الضبي
كما يأتي.
(3) سورة الإسراء: 17 - الآية 23.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3.
(5) المستدرك الباب - 11 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
320

المرأة، فقد ابتليت) الذي هو بعد تسليم حجيته في الجنون المتجدد، كالمرسل عن
الفقيه، فإنه بعد أن روى خبر ابن أبي حمزة (1) الآتي في المتجدد قال: (وروى
في خبر آخر (2) أنه إن بلغ به الجنون مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما،
فإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه، فقد ابتليت) وستعرف تحقيق المسألة
وعلى كل حال فلا ريب في أن لها الخيار بالجنون السابق مطلقا.
بل (وكذا المتجدد بعد العقد وقبل الوطئ أو بعد العقد والوطئ) بلا خلاف
أجده فيه مع عدم عقل أوقات الصلاة، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، كما هو
ظاهر غير واحد، بل مطلقا وفاقا لجماعة، لنفي الضرر والضرار (3)، ولاطلاق
الصحيحين (4) بناء على دلالتهما، ولخبر علي بن أبي حمزة (5) (سئل أبو إبراهيم
عليه السلام عن امرأة يكون له زوج قد أصيب في عقله بعد ما تزوجها أو عرض له
جنون، قال: لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت).
وخلافا للمحكي عن ابن بابويه والمفيد والشيخ وبني زهرة والبراج وإدريس
فقيدوه بما إذا كان لا يعقل معه أوقات الصلاة وإلا فلا خيار، بل في الرياض نسبته
إلى الأكثر، للأصل والمرسل (6) والرضوي (7) وإليه أشار المصنف بقوله:
(وقد يشترط في المتجدد أن لا يعقل أوقات الصلاة وهو في موضع التردد) من
إطلاق الخبر المزبور (8) المؤيد باستبعاد الفرق بين ما قبل العقد وبعده، خصوصا

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 - 3.
(3) الوسائل الباب - 12 - من كتاب احياء الموات.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6 والتهذيب ج 7
ص 424 - الرقم 1693 وص 426 - الرقم 1701.
(5) الوسائل الباب - 12 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(6) الوسائل الباب - 12 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3.
(7) المستدرك الباب - 11 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(8) الوسائل الباب - 12 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
321

إذا كان المستند في الأول إطلاق النصوص (1) الذي لا فرق فيه بين السابق والمتجدد،
ومن المرسل (2) المؤيد بالرضوي (3) وأصالة اللزوم فيمن يعقل، وعدم الجابر
لخبر ابن أبي حمزة بالنسبة إلى ذلك، بل الموهن محقق، بل لا بأس بتقييده بالمرسل
المزبور المنجبر بفتوى الأكثر، ومن هنا كان مختار بعض الأفاضل ذلك،
لكن الذي يقوي في النظر أنه لا خلاف في المسألة أصلا، وإن كان أول من يوهم
كلامه ذلك ابن إدريس فيما حكي عنه، كما أن أول من ظنه المصنف وتبعه الفاضل
ومن تأخر عنهما، إلا أن مراد الأصحاب بعدم عقله أوقات الصلاة، تحقق
الجنون الذي يسقط معه التكليف، لا أنه تقسيم للجنون المسقط للتكليف إلى قسمين
أحدهما ما يفعل والآخر ما لا يعقل، والمسلط للخيار الثاني في الثاني بخلاف السابق
فإنه بقسميه مسلط للخيار، إذ هو كما ترى لا ينبغي صدوره من أصاغر الطلبة فضلا
عن أساطين المذهب وقوامه.
ومن ذلك يعرف عدم الفرق بين السابق والمتجدد كما سمعته عن ابن حمزة،
بل والمبسوط والمهذب المشعرين بالاجماع عليه، وكأن من اقتصر على ذكر ذلك
في المتجدد اعتمد على ثبوته في السابق بطريق أولى، لا لاختصاص الخيار به، وحينئذ
يظهر لك من ذلك ما في كثير من كتب الأصحاب المحررة لهذه المسألة.
ثم إن ظاهر الفتاوي بل كاد يكون صريح جامع المقاصد عدم الفرق في هذا
الحكم بين الدائم والمنقطع، ولا بأس به، بل قد يدعى شمول النص له، والله العالم.
(و) أما (الخصاء) بالكسر والمد فهو (سل الأنثيين) أي اخراجهما
(وفي معناه) بل قيل منه (الوجاء) بالكسر والمد، وهو رضهما، فالمشهور
بين الأصحاب أنه عيب تتسلط به الامرأة الجاهلة على الفسخ، لحديث الضرار (4)

(1) الوسائل الباب - 1 و 12 - من أبواب العيوب والتدليس.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3.
(3) المستدرك الباب - 11 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 12 - من كتاب احياء الموات.
322

وخصوص المعتبرة المستفيضة كصحيح ابن مسكان (1) (بعثت بمسألة مع ابن أعين،
قلت: سله عن خصي دلس نفسه لامرأته فدخل بها فوجدته خصيا، قال: يفرق
بينهما، ويوجع ظهره، ويكون لها المهر بدخوله عليها) وفي رواية الكشي (2)
(أنه كتب بذلك إلى الصادق عليه السلام مع إبراهيم بن ميمون) والموثق (3) عن أحدهما
عليهما السلام (في خصي دلس نفسه لامرأة مسلمة فتزوجها فقال: يفرق بينهما إن
شاءت المرأة، ويوجع رأسه، وإن رضيت به وأقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به
أن تأباه) والآخر (4) عنه عليه السلام (إن خصيا دلس نفسه لامرأة، قال: يفرق بينهما،
وتأخذ المرأة منه صداقها، ويوجع ظهره كما دلس نفسه) وصحيح علي بن جعفر (5)
عن أخيه عليه السلام المروي عن قرب الإسناد (سألته عن خصي دلس نفسه لامرأة ما عليه؟
قال: يوجع ظهره، ويفرق بينهما، وعليه المهر إن دخل بها، وإن لم يدخل فعليه
نصف المهر) وما عن الفقه (6) المنسوب إلى الرضا عليه السلام (وإن تزوجها خصي فدلس
نفسه لها وهي لا تعلم فرق بينهما، ويوجع ظهره كما دلس نفسه، وعليه نصف
الصداق، ولا عدة عليها منه، فإن رضيت بذلك لم يفرق بينهما، وليس لها الخيار
بعد ذلك) لكن مع ذلك كله فعن المبسوط والخلاف أنه ليس بعيب، لأنه يولج،
بل ربما كان أبلغ من الفحل، لعدم فتوره إلا أنه لم ينزل، وهو ليس
بعيب، إنما العيب عدم الوطئ، وفي كشف اللثام (ولعله يحمل الأخبار على من
لا يتمكن من الايلاج، وليس ببعيد) وفيه أنه مناف لما في أكثرها (7) من أخذ
صداقها أجمع منه المشروط بالدخول المصرح به في بعضها (8) نعم قد يقال: إن
النصوص جميعها قد اشتملت على التدليس، ولعل خيارها من جهته، لا من حيث

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 - 7 - 1.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 - 7 - 1.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 - 7 - 1.
(4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 - 5.
(5) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 - 5.
(6) المستدرك الباب - 12 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
(7) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 0 - 3.
(8) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 0 - 3.
323

كونه عيبا، كما عساه يومئ إليه ما في بعضها (1) (كما دلس نفسه) الذي هو
بمنزلة التعليل مؤيدا ذلك بأصالة اللزوم، وما في النص (2) الآتي من عدم رد
الرجل بعيب، اللهم إلا أن يقال: يكفي في التدليس عدم اخباره بنفسه، بل لو لم
يكن الخصاء عيبا لم يتحقق الخيار بتدليسه أيضا فتأمل.
ولا إشكال في الوجاء مع فرض كونه فردا منه وإن كان مشكلا إلا أن يفهم
التعليل من قوله عليه السلام (3): (كما دلس نفسه) مع أنه بمعناه.
ومنه يستفاد ثبوت الخيار حينئذ في فاقد الأنثيين خلقة ونحوه مما هو كالخصي.
(و) الموجوء إن يكن داخلا فيهما.
نعم (إنما يفسخ به) أي الخصاء وما في معناه (مع سبقه على العقد)
دون المقارن فضلا عن المتجدد بعده وخصوصا بعد الوطئ، للأصل واختصاص
النصوص به. (و) لكن مع ذلك ففي المتن وغيره (قيل) تفسخ به (وإن
تجدد) بعد العقد قبل الوطئ بل قيل وبعد الوطئ (و) مع أنه (ليس بمعتمد)
لم نعرف دليلا معتدا به له، والله العالم.
(و) الثالث: (العنن) وهو (مرض تضعف معه القوة عن نشر العضو
بحيث يعجز عن الايلاج) بل لا يبعد اندارج ما كان عن سحر موضوعا أو حكما
كما في كشف اللثام وغيره، ولعله المراد من بعض النصوص (4) الآتية المشتملة
على أخذة الزوج بالضم التي هي على ما قيل رقية كالسحر، وربما ظهر من بعضهم
اعتبار عدم شهوة النساء فيه، وفيه منع واضح.
(و) لا إشكال في أنه (يفسخ به) العقد، بل الاجماع بقسميه عليه،
مضافا إلى النصوص كخبر عباد الضبي أو غياث (5) عن أبي عبد الله عليه السلام (في العنين
إذا علم أنه لا يأتي النساء فرق بينهما، فإذا وقع عليها دفعة واحدة لم يفرق بينهما،

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 - 3.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 - 3.
(5) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
324

والرجل لا يرد من عيب) وصحيح أبي بصير () (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة
ابتلى زوجها فلم يقدر على الجماع أتفارقه؟ قال: نعم إن شاءت) وعن ابن مسكان (2)
أنه قال: وعن حديث آخر (ينتظر سنة فإن أتاها وإلا فارقته، وإن أحبت أن
تقيم معه فلتقم معه)، والموثق (3) عنه عليه السلام أيضا (أنه سئل عن رجل أخذ عن امرأته
فلا يقدر على إتيانها، قال: إن كان لا يقدر على إتيان غيرها من النساء فلا يمسكها
إلا برضاها بذلك، وإن كان يقدر على غيرها فلا بأس بامساكها) ونحوه خبر
السكوني (4) وصحيح الكناني (5) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة ابتلى زوجها
فلم يقدر على الجماع أبدا أتقارقه؟ قال: نعم: إن شاءت) وخبر السكوني (6)
عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام: من أتى امرأة مرة واحدة ثم أخذ عنها
فلا خيار لها) وفي محكي الفقيه وفي خبر آخر (7) (أنه متى أقامت المرأة مع زوجها بعد
أن علمت أنه عنين ورضيت لم يكن لها خيار بعد الرضا) وصحيح ابن مسلم (8)
عن أبي جعفر عليه السلام (العنين يتربص به سنة، ثم إن شاءت امرأته تزوجت، وإن شاءت
أقامت) وخبر غياث بن إبراهيم (9) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام إن عليا عليه السلام لم يكن

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 - 3.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 - 3.
(4) ليس في المقام لسكوني رواية إلا ما يذكرها بعد صحيح الكناني الآتي، وقد
ذكر في الوافي ج 12 ص 84 الباب - 88 - من أبواب النكاح بعد نقله موثق عمار أن
السكوني روى عن أبي عبد الله عليه السلام مثله في الفقيه، والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف
أو من النساخ إذ لم نعثر في الفقيه عليها كما لم نجدها في الكافي والتهذيب والاستبصار.
(5) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6 - 4 - 10 - 5.
(6) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6 - 4 - 10 - 5.
(7) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6 - 4 - 10 - 5.
(8) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6 - 4 - 10 - 5.
(9) الوسائل الباب - 12 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 وفيه (ويرد من
العسر) كما في التهذيب ج 7 ص 433 - الرقم 1725 إلا أن الموجود في الوافي ج 12
ص 84 الباب - 88 - من أبواب النكاح نقلا عن التهذيب (من العنن).
325

يرد من الحمق، ويرد من العنن) وخبر أبي البختري (1) عن أبي جعفر، عن أبيه
عليهما السلام (إن عليا عليه السلام كان يقول: يؤخر العنن سنة من يوم مرافعة امرأته،
فإن خلص إليها، وإلا فرق بينهما، فإن رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخيار بعد
ذلك فقد سقط الخيار ولا خيار لها) إلى غير ذلك من النصوص الدالة عليه منطوقا
ومفهوما الظاهرة في أن لها الفسخ به (وإن تجدد بعد العقد) كما هو المعروف بين
الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا منا، بل الاجماع بقسميه عليه، لاطلاق الأدلة،
بل لعله الفرد الظاهر المتجدد ولو بالاستصحاب.
فما في جامع المقاصد - من أنه يلوح من عبارة المبسوط عدم ثبوت الخيار
به، قال: بالعيب الحادث بالزوج بعد العقد، فكل العيوب تحدث فيه إلا العنن، فإنه
لا يكون فحلا ثم يصير عنينا عن نكاح واحد، وعندنا لا يرد الرجل من عيب يحدث
به إلا الجنون) - في غير محله، فإن مراده بحسب الظاهر ما حكي عنه في مقام آخر
(إذا تزوج امرأة ودخل بها ثم عجز عن جماعها لم يحكم بأنه عنين، ولا
تضرب له مدة بلا خلاف من أنه لا عنن شرعي بعد الدخول ولو مرة).
وعلى كل حال فلا إشكال في ثبوت الخيار بالمتجدد (لكن بشرط أن لا يطأ
زوجته ولا غيرها، فلو وطأها ولو مرة ثم عن أو أمكنه وطئ غيرها مع عننه عنها
لم يثبت لها الخيار على الأظهر) الأشهر، بل عن المبسوط والخلاف نفي الخلاف
فيه، للأخبار التي سمعتها المنجبرة بما عرفت ولرجاء زواله حينئذ، خلافا للمحكي
عن ابن زهرة وظاهر المفيد من تخييرها مطلقا مدعيا عليه أولهما الاجماع
الموهون بما سمعت، وللضرر وخبر الكناني (2) وما شابهه التي يمكن حملها على
غيرها من الأخبار المقيدة، فما في المختلف من التوقف في غير محله، كما أن فيما
حضرني من نسخة الرياض من نقل الشهرة وغيرها كذلك، لظهور كونه خلافا
في النقل.

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 9 - 6.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 9 - 6.
326

نعم الظاهر الاكتفاء بتحقق العنن بالنسبة إليها حتى يعلم أنه يطأ غيرها،
لا أنه لا بد من عرض على الغير حتى يعلم أنه عاجز عن وطئ غيرها، وإن كان ربما
يوهمه بعض النصوص السابقة نحو قوله عليه السلام (1) (إذا علم أنه لا يأتي) وقوله عليه السلام (2):
(إن كان لا يقدر) إلى آخره لكن المراد العلم ولو بهذا الطريق، ضرورة ظهور
نصوص التأجيل في فسخها عند انتهاء الأجل لمجرد عجزه عنها في الأجل مع عدم
العلم بحاله في غيرها، وحينئذ لا يقدح فيما ذكرنا دعوى دخول العجز عن وطئ أحد
في مفهوم العنن.
كما أن الظاهر اعتبار عدم وطئها ولو مرة، فلا يسقط خيارها بوطئ غيرها
بعد عقدها ثم اعتراه العنن بعد الخلوة أو قبله، فإن النصوص السابقة إنما أسقطت
خيارها بوطئها ولو مرة، لا مطلق الوطئ وإن كان القول به لا يخلو من وجه
بل قوة.
وعلى كل حال فما عن ظاهر المفيد من ثبوت الخيار بالعجز عن وطئها وإن
تمكن من وطئ غيرها مناف لأصالة اللزوم، وللإجماع المحكي إن لم يكن المحصل،
ولما سمعته من بعض النصوص التي لا ينافيها إطلاق بعضها المحمول عليها أو المبني
على ما أومأنا إليه سابقا من تحقيق العنن بالعجز عنها وعدم العلم بامكان وطئ غيرها،
ولعل هذا هو مراد المفيد، وإلا كان محجوجا بما عرفت.
بل (وكذا) يسقط خيارها (لو وطأها) بعد العقد (دبرا وعن
قبلا) لارتفاع العنن حينئذ ولاندراجه في النصوص (3) السابقة حينئذ بناء على
ما سمعته من جواز الوطئ في الدبر فإنه أحد المأتيين (4) أما بناء على عدم جوازه
فيشكل اندراجه فيها فتبقى الاطلاقات المقتضية للخيار حينئذ سالمة عن المعارض،

(1) المتقدم في ص 234 الرقم 5 وص 325 الرقم 3.
(2) المتقدم في ص 234 الرقم 5 وص 325 الرقم 3.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس.
(4) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7.
327

ولعله لذا قيد السقوط بذلك في الروضة والمسالك، بل قد يحتمل ذلك على القول
بالجواز أيضا بدعوى انسياق غيره من نصوص التقييد، فيبقى الاطلاق سالما كما
أنه قد يحتمل السقوط على الحرمة أيضا بدعوى صدق الوقوع والاتيان ونحوهما مما
يدخل به تحت الحكم الوضعي في نصوص التقييد مؤيدا ذلك بظهور عدم العنن حينئذ،
والله العالم.
(وهل تفسخ) المرأة (بالجب) السابق على العقد؟ (فيه تردد، منشؤه
التمسك بمقتضى العقد) المقتصر في خلافه على المنصوص عليه بخصوص الذي هو المتيقن،
وعدم رد الرجل بعيب، ومن صدق التدليس، وكونه بمعن الخصي أو العنن،
بل أعظم منهما، لقدرة الأول على الايلاج، واحتمال الثاني البرء، والضرر، وشمول
صحيح الكناني (1) وأبي بصير (2) له.
(والأشبه تسلطها به) بل لا أجد فيه خلافا، بل عن المبسوط والخلاف نفيه
عنه (لتحقق العجز عن الوطئ) الذي بسببه يندرج في الصحيحين السابقين المؤيدين
بفحوى الخصي والعنن وقاعدة الضرار وغيرها، لكن (بشرط أن لا يبقى له ما
يمكن معه الوطئ ولو قدر الحشفة) وإلا فلا خيار لها قولا واحدا، لجريان
جميع أحكام الوطئ حينئذ عليه، ولا تجري فيه أدلة الخيار.
(و) أما (لو حدث الجب) بعد العقد قبل الوطئ أو بعد الوطئ (لم يفسخ به)
وفاقا لما عن جماعة، منهم ابن إدريس والفاضل في الإرشاد وموضع من التحرير
والخلاف وموضع من المبسوط، بل في الأخير عندنا أنه لا خيار فيه، لأصالة اللزوم،
ولكونه كالخصاء الذي قد عرفت اشتراط سبقه.
(وفيه قول آخر) محكي عن القاضي والفاضل في التلخيص وموضع من
التحرير أنها تتسلط به حتى لو حدث بعد الوطئ فضلا عما قبله، بل في محكي
المبسوط نفي الخلاف فيه بيننا وبين غيرنا، ولعله لقاعدة الضرار وشمول الصحيحين (3)

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6 - 1.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6 - 1.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 - 6.
328

ولا ينافي ذلك عدم ثبوت الحكم في العنن والخصاء ضرورة عدم ملازمة اشتراكه
معهما في الفسخ في حال لاشتراكه معهما في عدمه في الحال الآخر، لامكان استقلاله
بدليل يقتضي اختصاصه بذلك، لنفي الخلاف فيما سمعته من المبسوط وغيره.
وربما قيل بالتفصيل بين ما قبل الوطئ وبعده، للأصل والتصرف المسقط
للخيار، ولما سمعته من النصوص (1) المقيدة لاطلاق ما دل (2) على الخيار بما إذا
لم يطأ ولو مرة، وإلا كانت المرأة مبتلاة فلتصبر، ومن هنا يقوي لحوق حكم
العنن له، وأما الزيادة فلم تثبت، ونفي الخلاف المزبور من الشيخ موهون بما سمعته
منه، فضلا عن تبينه بالنسبة إلى كلمات الأصحاب.
وعلى كل حال فلو قلنا بثبوته بتجدده بعد العقد قبل الوطئ أو بعده ففي
القواعد (أن الأقرب عدم فسخها لو كان قد صدر منها ذلك عمدا) ولعله لأنها
حينئذ هي التي فوتت على نفسها الانتفاع، كما لا خيار للمشتري لو أتلف المبيع
أو عيبه، فتبقى حينئذ أصالة اللزوم سالمة عن قاعدة الضرر وغيرها، وربما احتمل
الثبوت أيضا، بل هو خيرة بعض العامة، لأنها كهدم المستأجر الدار المستأجرة له،
وللعموم، وعدم استلزام رضاها بالعيب رضاها بالنكاح معه، وفيه منع عموم يشمل
الفرض، والخيار على خلاف الأصل، والقياس باطل عندنا بعد تسليم الحكم
في المقيس عليه، والله العالم.
(ولو بان) الزوج أو الزوجة (خنثى) واضحا ولو بأحد الأمارات المعتبرة
(لم يكن) له ولا (لها الفسخ) لأصالة اللزوم، وقوله في الخبر السابق (3):
(وليس يرد الرجل من عيب) ولأنه حينئذ كزيادة إصبع أو ثقبة.
(وقيل) والقائل الشيخ في موضع من المبسوط: (لها ذلك) للنفرة

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 و 4 و 8.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 و 5 و 9.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 وفيه
(والرجل لا يرد من عيب)
329

(وهو تحكم) واضح (مع) فرض (إمكان الوطئ) الذي هو المقصود
في النكاح، ومن هنا حكي عن الشيخ في مواضع أخر التصريح بعدم كونه عيبا، وكون
الأمارات ظنية لا تقتضي بذلك بعد أن كانت معتبرة عند الشارع على وجه تشخص
الموضوع وتجري عليه أحكامه.
أما لو فرض كونه مشكلا فالنكاح باطل من أصله، لعدم العلم بحصول شرطه،
فالأصل بقاء البضع بحاله، وما وقع من الشيخ في المواريث من أن للزوج إذا كان
كذلك نصف النصيبين - سهو من القلم، والله العالم.
(و) حينئذ ف‍ (لا يرد الرجل بعيب غير ذلك) الذي قدمناه وفاقا
للمشهور، للأصل وحرمة القياس عندنا، وقوله عليه السلام في المعتبر (1) بوجود من
أجمع على تصحيح ما يصح عنه في سنده أو لانجباره بالشهرة بالنسبة إلى ذلك:
(وليس يرد الرجل من عيب) خلافا لما عن القاضي في المهذب، فرده بالجذام والبرص
والعمى، وأبي على بها وبالعرج والزنا، ولم أعرف أحدا وافقهما على ذلك عدا
جماعة من المتأخرين في خصوص الجذام والبرص، لصحيح الحلبي (2) والأولوية
وقاعدة الضرر بالعدوى ونحوها، مع ما في المسالك من المناقشة في الخبر المزبور سندا
ودلالة، لمعلومية ثبوت عيب في الرجل يرد به، لكن قد عرفت الحال في ذلك كله
سابقا، على أن العدوي - مع اقتضائها التعدية إلى كل مرض معد مما لا يقول به
الخصم - يمكن رفعها بايجاب التجنب، فالأقوى عدم الخيار بهما حينئذ مع سبقهما
على العقد، فضلا عما لو تجددا بعده، وخصوصا بعد الوطئ، وفضلا عن غيرهن مما
لم نعرف للقائل به دليلا عدا دعوى الأولوية من الامرأة الممنوعة على مدعيها،
وعدا بعض النصوص (3) في الزاني زوجها بعد العقد قبل الدخول المعارضة بأقوى (4)

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 وفيه (والرجل
لا يرد من عيب).
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 و 3.
(4) الوسائل الباب - 17 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 - 4.
330

منها في ذلك أيضا بوجوه: منها الشهرة العظيمة إن لم يكن إجماعا على عدم
تسلطها على الفسخ بذلك، كما قد تقدم الكلام فيها سابقا، والله العالم. هذا كله
في الرجل
(و) أما (عيوب المرأة) فهي (سبعة: الجنون والجذام والبرص والقرن
والافضاء والعمى والعرج،
أما الجنون) الذي لا خلاف نصا (1) وفتوى في كونه
عيبا فيها بل الاجماع بقسميه عليه (ف‍) قد عرفت أنه (هو فساد العقل) وإن كان
فنونا من الجنان أو الجن أو الجن، فالمجنون من أصيب جنانه أي قلبه، أو أصابته
الجن، أو حيل بينه وبين عقله فتسر عقله كما في كشف اللثام، والظاهر أنه
من الأخير، بل لعل الأولين منه أيضا لما فيهما من الستر.
(و) أنه (لا يثبت الخيار مع السهو السريع زواله) وإن كثر، لعدم
كونه من الجنون (ولا مع الاغماء العارض مع غلبة المرة) ونحوها مما لا يصدق
معه اسم الجنون (وإنما يثبت الخيار فيه) أي الاغماء ونحوه (مع استقراره)
لكونه حينئذ منه وإن سمي باسم آخر عرفا كما سمعته فيما تقدم، واحتمال عود
الضمير إلى المجنون يدفعه أنه لا فرق فيه بعد صدق اسمه نصا وفتوى بين المستقر
وغيره والمطبق والأدواري، ولعل الأولى من ذلك كله إيكال الأمر إلى العرف
الصحيح القاضي بكونه بفنونه عيبا.
(وأما الجذام فهو) المرض السوداوي (الذي يظهر معه يبس الأعضاء
وتناثر اللحم و) لا بد أن يكون بينا ف‍ (لا يجزئ قوة الاحتراق ولا تعجر
الوجه) أي غلظ وضخم وصار ذا عجر أي عقد (ولا استدارة العين) إذا لم يعلم
كونه منه، وإلا فسخ بها، لعدم اعتبار الاستحكام فيه عندنا بعد تحققه، لاطلاق
النص (2) والفتوى نعم عن بعض العامة اعتباره ضابطا له في الجذام بالتقطع،
وفي البرص بالوصول إلى العظم، بحيث إذا فرك فركا شديدا لا يحمر، واحتمال

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس.
331

حمل عبارة المتن وما شابهها على اعتبار ذلك - وإن عدم اجزاء الاحتراق وتعجر
الوجه واستدارة العين لكون ذلك ابتداءه قبل استحكامه - يدفعه وضوح بطلانه،
لتعليق الحكم نصا وفتوى على الاسم، وعلى كل حال لو اختلفا فالقول قولها إلا
أن يشهد به عدلان.
(وأما البرص فهو) لغة وعرفا (البياض الذي يظهر على صفحة البدن
لغلبة البلغم) وعند الأطباء أو السواد كذلك لغلبة السوداء، لكن قد يمنع تسلط
الفسخ به، للأصل وعدم الصدق عرفا وإن سلم اشتراكه معه في العلامات، فإذن ذلك
أعم، وستسمع التعبير بالبياض في خبر البصري (1).
وكيف كان فلا اعتبار بالبهق الذي فرق بينه وبين البرص مع كونهما أبيضين
بأن البرص غائر في اللحم إلى العظم دونه، ومن علاماته أنه إذا غزر في الموضع إبرة
لم يخرج دم، بل ماء أبيض، وإن دلك لم يحمر إذا، ويكون جلده أنزل وشعره
أبيض، وإذا كانا أسودين بأن البرص يوجب تفليس الجلد كما يكون للسمك.
(و) كيف كان ف‍ (لا يقضى بالتسلط) على الفسخ (مع الاشتباه)
للأصل وغيره.
(وأما القرن) بالسكون أو الفتح (فقد قيل: إنه) لحم ينبت في فم
الرحم يمنع من الوطئ وهو المسمى ب‍ (الفعل) بل في كشف اللثام (هو المعروف
عند أهل اللغة) وفي محكي المبسوط (قال أهل الخبرة: العظم لا يكون في الفرج،
لكن يلحقها عند الولادة حال ينبت اللحم في فرجها، وهو الذي يسمى العفل) وفي
صحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) عن الصادق عليه السلام (المرأة ترد من أربعة أشياء:
من البرص والجذام والجنون والقرن، وهو العفل ما لم يقع عليها، فإذا وقع عليها
فلا) ومضمر البصري (3) (في الرجل إذا تزوج المرأة فوجد بها قرنا وهو العفل

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
332

أو بياضا أو جذاما إنه يردها ما لم يدخل بها) (و) من ذلك كله يعرف ضعف
ما (قيل) من أنه (عظم) كالسن (ينبت في الرحم يمنع من الوطئ) كما
عن النهاية والصحاح والجمهرة.
(و) يعرف أيضا أن (الأول أشبه) نعم، يمكن دعوى عمومه لهما،
كما عساه يشهد له ما عن المغرب: (القرن في الفرج مانع يمنع من سلوك الذكر فيه،
إما غدة غليظة أو لحمة مرتفعة أو عظم) وفي الصحاح: (والقرن: العفلة الصغيرة،
والعفل والعفلة بالتحريك فيهما شئ يخرج من قبل النساء وحياء الناقة شبيه بالأدرة
التي للرجال، والمرأة عفلاء) وفي النهاية بعد تفسيره بالعظم: (ويقال له: العفل)
كما أنه يمكن دعوى مشاركة نبات العظم له في الحكم المعلوم وإن لم يكن قرناء
ولا عفلاء بدعوى كون العلة فيه المنع من الوطئ، خصوصا بعد خبر أبي الصباح الكناني (1)
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة فوجدها قرناء قال: هذه لا تحبل، ولا يقدر
زوجها على مجامعتها يردها على أهلها صاغرة، ولا مهر لها) المشعر بذلك،
وكان هذا الخلاف قليل الجدوى بعد تصريح النصوص (2) بكون القرن عيبا والعفل
كذلك، فالحكم ثابت على تقديري الاتحاد والتعدد وإن زاد عدد العيوب على الثاني
دون الأول، وهي ليست ثمرة معتدا بها.
وكيف كان (فإن) منع من الوطئ فسخ به إجماعا بقسميه ونصوصا (3)
وإن (لم يمنع الوطئ قيل) والقائل الشيخ والقاضي بل في المسالك نسبته إلى
الأكثر: (لا يفسخ به ل‍ (الأصل والاحتياط وانتفاء الضرر ب‍ (امكان
الاستمتاع) وصحيح عبد الرحمان (4) السابق المراد منه على الظاهر أنه إذا وقع

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
333

عليها أمكنه الوطئ ولا خيار، وإشعار خبر أبي الصباح (1) المتقدم، قيل: ولا ينافيه
ما في ذيله: (قلت: فإن كان دخل، قال: إن كان علم بذلك قبل أن ينكحها
- يعني المجامعة - ثم جامعها فقد رضي بها، وإن لم يعلم إلا بعد ما جامعها فإن
شاء بعد أمسك وإن شاء طلق) لامكان إرادة المجامعة في غير القبل، هذا.
(و) لكن مع ذلك (لو قيل بالفسخ به) مطلقا (تمسكا بظاهر النقل
أمكن) بل هو الأقوى لاطلاق الأدلة، حتى خبر عبد الرحمان (2) الظاهر في
أن له الفسخ ما لم يطأ وإن كانت قابلة له، بل في صحيح أبي عبيدة (3) عن أبي جعفر
عليه السلام (في رجل تزوج امرأة من وليها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها، فقال:
إذا دلست العفلاء نفسها والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها من زمانة ظاهرة
فإنها ترد على أهلها من غير طلاق) بل خبر أبي الصباح (4) الذي لا يخفى ما في حمله
سابقا من البعد، ولعل الأولى حمله على عدم التمكن من كمال المجامعة، وكذا
خبر الحسن بن صالح (5) الذي تسمعه.
لكن في المسالك (هذا القول قوي إن لم يكن الاجماع على خلافه، إذ لا يظهر به
قائل صريحا) كما يظهر من قوله: (ولو قيل) إلى آخر قلت: ولعله الموافق لاطلاق
الأكثر كما اعترف به في كشف اللثام، فلا محيص حينئذ عنه بعد ما عرفت، نعم يمكن
اعتبار عدم التمكن فيه من كمال المجامعة فيه الذي قد سمعت ظهور خبر أبي الصباح (6)
السابق فيه، ونحوه وخبر الحسن بن صالح (7) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج
امرأة فوجد بها قرنا قال: هذه لا تحبل، وينقبض زوجها عن مجامعتها، ترد
على أهلها، قلت: فإن كان دخل بها، قال: إن علم بها قبل أن يجامعها ثم جامعها فقد

(1) ذكر صدره في الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث
4 وذيله في الباب - 3 - منها الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(4) ذكر صدره في الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث
4 وذيله في الباب - 3 - منها الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 3 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3.
(6) ذكر صدره في الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث
4 وذيله في الباب - 3 - منها الحديث 1.
(7) الوسائل الباب - 3 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3.
334

رضي بها، وإن لم يعلم بها إلا بعد ما جامعها فإن شاء بعد أمسك، وإن شاء سرحها إلى
أهلها، ولها ما أخذت منه بما استحل من فرجها)
بل ربما احتمل تنزيل كلام الكل عليه، فلا خلاف حينئذ في المسألة، فيراد
حينئذ مما في النص والفتوى - عدم القدرة على الجماع في العفل والانقباض أنه
لا يتمكن من كماله، لكونه ثابتا في قعر الرحم، فيمنع من ولوج الذكر ووصوله
إلى محله، ولذا لم تحبل العفلاء غالبا، وكان فيه كمال الضرر باعتبار نقصان
الاستمتاع والتلذذ فضلا عن غيرهما، فناسب إطلاق تسلط الزوج على الفسخ، وإلا
كان محجوجا بما عرفت.
(وأما الافضاء فهو تصيير المسلكين واحدا) كما تقدم الكلام فيه مفصلا،
ولا خلاف في كونه عيبا، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الصحيح (1) السابق.
(وأما العرج ففيه تردد) منشؤه من أصالة اللزوم وحصر العيب في غيره في
الصحيح (2) وغيره، بل هو ظاهر مفهوم العدد في غيره أيضا، ومن صداق الزمانة
التي سمعت حكمها في صحيح أبي عبيدة (3) السابق وصحيح داود بن سرحان (4) عن
أبي عبد الله عليه السلام (في الرج يتزوج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء، قال:
ترد على وليها، ويكون لها المهر على وليها، وإن كان بها زمانة لا يراها الرجال
أجيز شهادة النساء عليها) وصحيح محمد بن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام قال: (ترد
البرصاء والعمياء والعرجاء والجذماء) بل وخلاف بين الأصحاب.
(أظهره) عند المصنف والفاضل في القواعد والإرشاد (دخوله في أسباب
الفسخ إذا بلغ الاقعاد) خلافا لما عساه يظهر من الخلاف والمبسوط والمهذب من

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(4) ذكر صدره في الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6
وذيله في الباب - 4 - منها الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 7.
335

عدم كونه عيبا مطلقا، ولما عن الإسكافي والشيخين في المقنعة والنهاية وسلار
وأبي الصلاح وابن البراج في الكامل وابن حمزة من إطلاق كونه عيبا، بل لعله
ظاهر الفقيه أيضا، بل وموضع من المقنع، وقيل: بل إليه يرجع ما في المختلف
ومحكي السرائر والتحرير وإن قيدوه بالبين الذي يمكن إرادته للأصحاب أيضا
ولذا قال ابن إدريس: (وألحق أصحابنا عيبا ثامنا، وهو العرج البين، ذهب إليه
شيخنا في نهايته) مع خلو عبارة النهاية بل وغيرها من التقييد بالبين، ولعل الوجه
فيه - مضافا إلى استبعاد كون مطلق العرج عيبا وصف الزمانة بالظاهرة في صحيح
أبي عبيدة (1).
بل في جامع المقاصد (الظاهر أن المراد بالاقعاد في المتن والقواعد والعرج
البين واحد، وهو أن يكون فاحشا لا يستطيع معه التردد في العادة إلا بالمشقة
الكثيرة، فلا ترد بالعرج اليسير، وهو الذي لا يكون كذلك) بل قال: (وهذا هو
المختار، لأن في صحيحة داود بن سرحان (وإن كان بها زمانة) وظاهرها أن الرد
منوط بالزمانة، ومفهوم الشرط معتبر عند جمع من المحققين، وكذا رواية أبي عبيدة
مع أن المطلق يجب حمله على المقيد، والاقتصار في المخالف للأصل على موضع
اليقين أقرب).
وإن كان فيه ما لا يخفى بل ما كنا لنؤثر أن يقع مثل ذلك من مثله، وكذا ما وقع
من الفاضل الإصبهاني فإنه بعد أن ذكر صحيح أبي عبيدة دليلا لاعتبار الاقعاد،
قال: (فإن المعهود من الزمانة ما تؤدي إلى الاقعاد، والوصف بالظهور يدل
على العدم مع الخفاء فضلا عن العرج الذي لا يبلغ الاقعاد، بل الظاهر من الزمانة
الغير الظاهرة ذلك، هذا مع كون الخيار على خلاف الأصل والاحتياط، ووقوع
الخلاف في مطلق العرج فلنقتصر منه على هذا النوع منه وكونه نوعا منه،
لأن العرج في الأصل هو الميل، وإنما سمي به الآفة المعهودة لميل الرجل أو عضو

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
336

منها عن مكانه أو عن الاستقامة في المشي ونحوه، والميل يتحقق في الاقعاد).
ولكن الجميع كما ترى، فإن الاستبعاد بعد مجئ الدليل المعتبر في غير
محله، كالاستناد إلى الأصل والعموم الذي يجب الخروج عنهما به، والزمانة أمر
آخر غير العرج، ومنها ما تكون خفية لا يطلع عليها إلا النساء، ولذا حكي عن
الصدوق أنه جعل الزمانة غير العرج، فأثبت الخيار بها دونه، فليس النصوص
حينئذ من باب الاطلاق والتقييد، على أن وصفها بالظهور في الصحيح (1) لإرادة
الرد بها من غير حاجة إلى شهادة النساء، بخلاف الخفية فإنها تجوز فيها شهادة
النساء، كما أوضحه الصحيح الآخر (2) وجواب الشرط (أجيز شهادة النساء)
ومفهومها عدم جواز شهادتهن في الظاهرة التي يمكن اطلاع الرجال عليها، وفي
محكي المصباح (أن الزمانة مرض يدوم زمانا طويلا) وفي الصحاح (الزمانة آفة
تكون في الحيوانات، ورجل زمن أي مبتلى بين الزمانة) وليس في شئ مما عثرنا
تفسيرها بخصوص الاقعاد، بل لعل تقييدها بالظهور في صحيح أبي عبيدة وبأنه لا يراها
الرجال في صحيح داود يقضي بخلاف ذلك، فالأقوى كون العرج مطلقا عيبا إلا
أن لا يكون بينا على وجه لا يعد عيبا عرفا، ولعل هذا هو مراد من قيده بالبين،
لا وصوله إلى حد الاقعاد، نعم قد يستفاد من فحواه ومن الزمانة كون الاقعاد أيضا
عيبا آخر أيضا، والله العالم.
(وقيل) بل في كشف اللثام أنه المشهور، بل لم نعرف أحدا تردد فيه
قبل المصنف ولا بعده على ما اعترف به بعض الفضلاء: (الرتق أحد العيوب المسلطة
على الفسخ، وربما كان) ذلك (صوابا إن منع الوطئ أصلا لفوات الاستمتاع)
حينئذ (إذا لم يمكن إزالته أو أمكن وامتنعت من علاجه) والفرض عدم وجوبه عليها
للأصل والعسر والحرج، ولما في خبر أبي الصباح (3) والحسن بن صالح (4) مما

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4 - 3.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4 - 3.
337

هو كالتعليل للرد بالفعل والقرن بعدم القدرة على الجماع، بل الظاهر دخوله في
العفل، لأنه هو كون الفرج ملتحما على وجه ليس للذكر مدخل فيه، ومن هنا
حكم في التحرير على ما قيل بمرادفته له، بل لعل الخبرين المزبورين قاضيان
بالخيار فيه إذا لم يمكن الزوج الوطئ، وإن أمكن لغيره ممن هو صغير الآلة، فما
في المسالك - من نفي الخيار مع عدم بلوغ الارتتاق حد المنع من الوطئ ولو لصغير
الآلة - في غير محله، لما عرفت من دخوله في الفعل موضوعا أو حكما، وكأنه
تبع بذلك ما في جامع المقاصد من أنه (لا شبهة في أن الخيار إنما يثبت بالرتق إذا
كان مانعا من الوطئ، صرح بذلك المحققون، ووجهه بقاء مقصود النكاح، فلو
ارتتق المحل وبقي منه ما يمكن معه الوطئ فلا خيار وإن كان لصغر آلته، بخلاف
العدم) وهو - مع كونه مفروضا في الزوج المتمكن لصغر آلته فيه أيضا - أنه مناف
لدخوله تحت العفل موضوعا أو حكما، وقد عرفت أن الخيار به متى منع من
الوطئ أو كماله، فمثله يأتي هنا حينئذ، بل عن الغزالي من العامة إلحاق ضيق
المنفذ زائدا على المعتاد بحيث لا يمكن وطؤها إلا بافضائها به، ولا بأس به، وعن
بعضهم التفصيل بين احتمالها وطئ نحيف الآلة وعدمه، فلا فسخ في الأول دون الثاني
ومرجعه إلى ما سمعته من المسالك، وفيه ما عرفت، وأوضح منه فسادا ما عن آخر
منهم أيضا من التفصيل في الرجل أيضا بنحو ذلك، أي بين من لا تسع حشفته امرأة
أصلا ومن تسع له بعض النساء، إذ هو كما ترى.
ثم إن ظاهر قول المصنف (وامتنعت) إلى آخره عدم الخيار مع رضاها،
كما صرح به في المسالك، وفيه منع خصوصا على تقدير اندراجه في العفل.
وعلى كل حال ففي القواعد وغيرها أنه ليس للزوج إجبارها على علاجه، ولعله
للحرج وانتفاء الضرر عنه بالخيار، بل في المسالك لأن ذلك ليس حقا له، كما
أنها لو أرادته لم يكن له منعها، لأنه تداو لا تعلق له به، فتأمل، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لا ترد المرأة بعيب غير هذه السبعة) التي منها
العمى، فإنه موجب للخيار أيضا بلا خلاف صريح أجده فيه، بل عن المرتضى وابن
338

زهرة الاجماع عليه، وهو الحجة مضافا إلى صحيح داود (1) السابق الذي بهما
يخص الأصل ومفهوم حصر العيب في غيره (2) كمفهوم العدد، فما عساه يظهر من
نسبة الخيار فيه إلى بعض الأصحاب في محكي المبسوط من المنع في غير محله،
لما سمعت، بل هو كذلك وإن كانتا مفتوحتين بلا انضمام ولا نقط بياض ونحوه
للاطلاق وإن كان قد يقال: إن أصل العمى يدل على الستر والتغطية.
نعم لا اعتبار بالعور لخروجه عن المتفاهم من العمى، مع الأصل والاحتياط
وصحيح الحلبي (3) عن الصادق عليه السلام (في الرجل يتزوج الأمة إلى قوم فإذا امرأة
عوراء ولم يبينوا له، قال: لا ترد).
ثم لا يخفى عليك أن تعدادها سبعة مبني على جعل القرن والرتق والعفل
واحدا والاقعاد والعرج كذلك، والأمر سهل بعد وضوح الحكم.
إنما الكلام في الرد بغيرها كزنا المرأة، قبل دخول الزوج بها الذي أثبت
الخيار به الصدوق، لقول علي عليه السلام (4) (في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها يفرق
بينهما ولا صداق لها، لأن الحدث كان من قبلها) بل مطلق الزنا من الرجل
والمرأة قبل العقد وبعده الذي أثبت به الخيار الإسكافي، للخبر السابق، وللمرسل
عنه (5) عليه السلام أيضا (أنه فرق بين رجل وامرأة زنا قبل دخوله بها) ولخبر عبد الرحمان
ابن أبي عبد الله (6) عن الصادق عليه السلام (سألته عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما
تزوجها أنها كانت زنت، قال: إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها، ولها
الصداق مما استحل من فرجها) ونحوه صحيح معاوية بن وهب (7) وحسن

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6 - 5.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6 - 5.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 - 4.
(5) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 - 4.
(6) المقنع ص 109 ط طهران 1377.
(7) أشار إليه في الوسائل في الباب - 6 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4 وذكره
في الكافي ج 5 ص 355.
339

الحلبي (1).
وكالحد بالزنا الذي أثبت الخيار فيه للزوج أكثر القدماء على ما في المسالك،
للجرح بالنفرة والعار، وللخبر السابق (2).
وكوجدان الزوجة مستأجرة إجارة عين الذي أثبت الخيار به المادروي
من العامة، بل قال: لا يسقط برضا المستأجر بالتمتع بها نهارا، لأنه تبرع قد
يرجع به.
إلا أن الجميع كما ترى بعد أن علمت منه عدم دوران الخيار على الضرر
ونحوه مما يمكن جبره بالطلاق، وإنما هو تعبد بالأدلة الخاصة، وليس شئ مما
سمعته كذلك، لأنه بين غير صالح للحجة لضعف في السند وإعراض من المعظم،
ومعارضة بما هو أقوى منه مما تدم سابقا حتى في الحد، كخبر رفاعة (3) سأل
الصادق عليه السلام (عن المحدود والمحدودة هل يرد منه النكاح؟ قال: لا) وبين غير
صريح في الدلالة على المطلوب.
ولذا حكي عن ابن إدريس القول بالرجوع على الولي العالم بحالها بالمهر
مع عدم الفسخ، لأن الأخبار إنما تدل على ذلك، بل عن الشيخ في النهاية ذلك
أيضا، إلا أنه أطلق الرجوع به عليه، وإن كان قد يناقش بما في المختلف من أن
الضمان إنما هو باعتبار تدليس العيب على الزوج، فإن كان عيبا أوجب الفسخ وإلا
لم يجب المهر، بل لا يبعد إرادة الكناية عن الفسخ بالحكم بالرجوع بالمهر نحو
غيرهما من عقود المعاوضة.
وعلى كل حال فالتحقيق عدم الرد بغير ما عرفت، للأصل ولما عرفت من مفهومي الحصر والعدد، بل في خبر البصري (4) (ترد المرأة من العفل والبرص والجذام

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 - 4.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 - 4.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 13.
340

والجنون، وأما ما سوى ذلك فلا) وخصوص النصوص (1) في الزاني والزانية والمحدود
والمحدودة التي قد تقدمت سابقا، والله العالم.
(المقصد الثاني في أحكام العيوب)
(وفيه مسائل):
(الأولى)
لا خلاف نصا وفتوى في أن (العيوب الحادثة بالمرأة قبل العقد مبيحة
للفسخ) بل الاجماع بقسميه عليه، بل هو مورد النصوص (2) التي هي مستفيضة
أو متواترة (و) أما (ما يتجدد بعد العقد والوطئ) فالمشهور نقلا وتحصيلا
أنه (لا يفسخ به) بل لا أجد فيه خلافا بين العامة والخاصة إلا من ظاهر موضع
من المبسوط وصريح آخره، فخيره مطلقا، ومن أبي علي في خصوص الجنون، ولا
ريب في ضعفهما، للأصل بل الأصول السالمة عن معارضة النصوص بعد ظهورها في
غير الفرض كما ستسمع إنشاء الله تعالى، بل ظاهر صحيح عبد الرحمان (3) فيها التصريح
باشتراط الخيار بعدم الوقوع عليها، بناء على ما ذكرناه فيها سابقا، واقتصاره على
الأول غير قادح بعد الاجماع بقسميه على عدم الفرق، كما أن ظاهر الشرط التدليس في
صحيح أبي عبيدة (4) السابق يقتضي اعتبار السبق أيضا (و) بذلك مضافا إلى الاجماع
على الظاهر من عبارة المصنف يقيد إطلاق بعض النصوص (5) إن كان.

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة والباب 9 من
أبواب المتعة.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث - 0 - 1.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث - 0 - 1.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 و 7 و 11 و 13.
341

نعم (في المتجدد بعد العقد وقبل الدخول تردد) من إطلاق بعض (1)
النصوص الرد بها، ومن أصالة اللزوم واشتراط التدليس في صحيح أبي عبيدة (2) ولذا
قال المنصف (أظهره أنه لا يبيح الفسخ تمسكا بمقتضى العقد السليم عن معارض)
بل هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك في الأعصار
المتأخرة على المخالف على وجه كان قوله من الشواذ المقطوع ببطلانها، خصوصا
بعد ظهور أكثر النصوص في السابق، كقوله في خبر عبد الرحمان (3): (تزوج امرأة
فوجد بها قرنا) (إلى آخره، وفي خبر الحذاء (4) (تزوج امرأة فوجد بها عيبا) وفي
خبري الحسن بن صالح (5) والكناني (6) (تزوج امرأة فوجد بها قرنا) وفي خبر
غياث (7) (تزوج امرأة فوجدها برصاء) بل هو صريح صحيح ابن مسلم (8) (من
تزوج امرأة فيها عيب دلسته ولم تبين) وخبر رفاعة (9) (زوجها وليها وهي برصاء)
بل قد يقال فيما لم يكن في لفظه دلالة على السبق كقوله عليه السلام (10): (يرد النكاح من
البرص) إلى آخره: إن الغالب في أمثال هذه العاهات طول المدة وتقادم العهد،
على أن في بعضها اشتراط التدليس، كقوله في صحيح الحذاء: (إذا دلست العفلاء)
إلى آخره وقد سمعت صحيح ابن مسلم، فيقيد حينئذ الاطلاق به، ومع قطع
النظر عن النصوص أجمع فلا ريب في استصحاب اللزوم الذي هو مقتضى الأصل في
العقود، والضرر منجبر بإمكان الطلاق منه، فما عن الخلاف والمبسوط وظاهر أبي علي
من ثبوت الخيار بذلك واضح الضعف بعد الإحاطة بما ذكرنا، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 و 7 و 11 و 13.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 3 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 - 4 - 14.
(6) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 - 4 - 14.
(7) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 - 4 - 14.
(8) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 7 - 2 - 5.
(9) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 7 - 2 - 5.
(10) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 7 - 2 - 5.
342

المسألة (الثانية)
(خيار الفسخ على الفور) بلا خلاف أجده فيه، بل حكى غير واحد الاتفاق
عليه، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، وتحرزا من الضرر اللازم بالتأخير
والعمدة الاجماع، ولولاه لأمكنت المناقشة بما سمعته غيره مرة.
وحينئذ (فلو علم الرجل أو المرأة بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم العقد)
وإن لم يكن ذلك منهما عن رضى باللزوم، (وكذا الخيار مع التدليس) بالعيب
أو غيره مما ستعرف، ضرورة كون الفورية فيه قيدية، فيسقط الخيار بفواتها، لا
أنها أمر آخر على حسب التكاليف الفورية التي من الواضح الفرق بينهما، نعم قد
عرفت فيما تقدم أن الجهل بالخيار بل والفورية عذر، لاطلاق ما دل على الخيار
المقتصر في تقييده على محل الاجماع الذي غير المفروض، بل قد يقوى ثبوته أيضا
لو أكره على عدم الخيار بالقبض على فيه أو بالتهديد لذلك، كما صرح به في
جامع المقاصد، بل في المسالك (أن العيب إن كان ظاهرا لا نزاع فيه بينهما،
فالفورية معتبرة في الفسخ، وإن توقف ثبوته على المرافعة إلى الحاكم فالفورية في
المرافعة إلى الحاكم، فإذا ثبت اختار الفسخ فورا) وفي التحرير: (أطلق أن
الفوري هو المرافعة إلى الحاكم وإن كانا متفقين على العيب، وكذلك عن الشيخ، وهو
حسن حيث يتوقف الأمر على الحاكم).
قلت: ستعرف عدم التوقف على الحاكم في جميع أفراد الفسخ، وإنما يتوقف
عليه ضرب الأجل في خصوص العنين، فإذا مضى لم تحتج الامرأة في الفسخ إليه،
ومع فرض النزاع بينهما في ثبوت العيب المسلط على الخيار وعدمه قد يقال: إن
الفورية في الفسخ أيضا وإن كان لا يترتب عليه أثره ظاهرا إلا بعد إثبات مقتضى
الفسخ، بل قد يقال: إن تأخيره إلى المرافعة مناف لفوريته التي قد عرفت كونها
قيدا، ضرورة تعليق الخيار على وجود العيب لا على إثباته عند الحاكم، فمع معلومية
343

حصوله عنده كان خياره فوريا، لكن لا يمضي ذلك على الخصم مع إنكاره إلا بعد
إثبات مقتضى الخيار، لا أن الفسخ نفسه موقوف على حكم الحاكم، وكذا لو فرض
النزاع في أصل كون ذلك عيبا ما لم يرجع إلى الجهل بالخيار به ولو للجهل بموجبه،
على أن الفورية في المرافعة لا دليل عليها، خصوصا مع كون المراد أنه مع عدم
الفور فيها يسقط الخيار، فالأقوى حينئذ بقاء معقد الاجماع، وهو فورية الفسخ
على حاله في جميع ذلك، ومنه يعلم ما في كشف اللثام أيضا (إن توقف الفسخ على
حكم الحاكم فالفورية بمعنى فورية المرافعة إليه، ثم طلبه منه بعد الثبوت) إن
كان مراده ما سمعته من المسالك، وإلا فليس في أفراد الفسخ ما يتوقف على حكم
الحاكم على وجه يراد منه حتى يطالب به، وكذا الكلام فيما تسمعه إن شاء الله من
المبسوط، فتأمل جيدا.
المسألة (الثالثة)
(الفسخ بالعيب ليس بطلاق) قطعا لعدم اعتبار لفظ الطلاق فيه وحينئذ
(فلا يطرد معه تنصيف المهر، ولا يعد في الثلاث) ولا غير ذلك من أحكام الطلاق
كما لا يشترط فيه شئ من شرائطه بلا خلاف ولا إشكال، وثبوت النصف في العنين
للدليل، ولذا قال المصنف: لا يطرد.
المسألة (الرابعة)
(يجوز للرجل الفسخ من دون إذن الحاكم، وكذا للمرأة) لاطلاق الأدلة
(نعم مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم لضرب الأجل) كما ستعرف (ولها التفرد
بالفسخ عند انقضائه وتعذر الوطئ) كما هو مقتضى الأدلة المثبتة للخيار لذي الخيار
السالمة عن معارضة ما يدل على اعتبار حضور الحاكم أو إذنه فضلا عن مباشرته نفسه
344

الفسخ، ومن هنا أفتى الأصحاب في الحكم المزبور من غير إشكال فيه ولا تردد، نعم
عن ابن الجنيد منهم إذا أريدت الفرقة لم يكن إلا عند من يجوز حكمه من والي
المسلمين أو خليفته أو بمحضر من المسلمين إن كانا في بلاد هدنة أو سلطان متغلب،
وكأنه مذاق العامة كما حكاه في جامع المقاصد عن بعض العامة وابن الجنيد منا.
بل يومئ إليه ما عن موضع من المبسوط (لسنا نريد بالفور أن له الفسخ
بنفسه، وإنما نريد أن المطالبة بالفسخ على الفور، يأتي إلى الحاكم على الفور،
ويطلب الفسخ، فإن كان العيب متفقا عليه فسخ الحاكم، وإن اختلفا فيه فالبينة على
المدعي واليمين على المدعى عليه، فأما الفسخ فإلى الحاكم، لأنه فسخ مختلف فيه - ثم
قال -: ولو قلنا على مذهبنا أن له الفسخ بنفسه كان قويا، والأول أحوط، لقطع الخصومة)
وظاهره أن الأول جار على مقتضى أصول العامة أو إذا كان المراد قطع الخصومة
بتسجيل الحاكم فيما هو مختلف فيه، وكذا ما عنه في موضع آخر (لا يجوز أن
يفسخ بغير حاكم، لأنه فسخ مختلف فيه) خصوصا مع ملاحظة تعليله، ولذا حكى
عنه في موضع ثالث الجزم بأن للامرأة الاستقلال بالفسخ محتجا باطلاق الأخبار،
وعلى كل حال فالوجه ما عرفت، فإن كان هو المراد لهم فمرحبا بالوفاق، وإلا كان
منافيا لاطلاق الأدلة كما سمعت، والله العالم.
المسألة (الخامسة)
(إذا اختلفا في العيب) فإن كان جليا كالعمى والجنون ونحوهما مما لم
يحتج إلى إقامة بينة وإلى يمين نظر الحاكم فيه، وحكم بمقتضى ما ظهر له، وإن كان
خفيا (فالقول قول منكره مع عدم البينة) كغيره من الدعاوي التي لا يخفى عليك
جريان حكمها من رد اليمين والنكول ونحوهما في المقام الذي هو أحد أفرادها،
والله العالم.
345

المسألة (السادسة)
(إذا فسخ الزوج) أو الزوجة (بأحد العيوب) السابقة (ف‍) لا يخلو
إما أن يكون قبل الدخول أو بعده، حيث يجوز للجهل بالحال، وعلى التقديرين
إما أن يكون العيب متقدما على العقد أو متأخرا عنه، قبل الدخول أو بعده بناء على
تحقق الخيار بذلك، والفاسخ إما الزوج أو الزوجة، وعلى كل تقدير إما أن يكون
هناك مدلس أم لا، فالصور أربعة وعشرون صورة.
وخلاصة الحكم فيها في فسخ الزوج أنه (إن كان قبل الدخول فلا مهر)
بلا خلاف، بل لعل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى قول الباقر عليه السلام في صحيح
أبي عبيدة (1): (وإن لم يكن دخل بها فلا عدة لها، ولا مهر لها) والصادق
عليه السلام في خبر أبي الصباح (2) (يردها على أهلها صاغرة، ولا مهر لها) وقول
علي عليه السلام في خبر غياث (3) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (في رجل تزوج امرأة
فوجدها برصاء أو جذماء: إن كان لم يدخل بها ولم يبين له فإن شاء طلقها، وإن
شاء أمسك، ولا صداق لها، وإذا دخل بها فهي امرأته) المراد من الطلاق فيه الفراق
قطعا، ضرورة عدم اشتراط الطلاق المخصوص بالشرط المزبور، إلى غير ذلك من
النصوص الدالة عليه منطوقا ومفهوما، ولأنه وإن كان الفسخ منه لكنه لعيب فيها،
فهو سبب منها، بل الأصل في الفسخ اقتضاؤه رد كل عوض إلى مالكه.
(وإن كان بعده فلها المسمى) بما استحل من فرجها و (ل‍) ظهور
النص (4) والفتوى في (أنه يثبت بالوطئ ثبوتا مستقرا، فلا يسقط بالفسخ) الذي
قلنا: إن مقتضاه لولا ذلك رد كل عوض إلى مالكه، على أن أحد العوضين هنا
وطئ البضع ولو مرة، والفرض أنه قد استوفاه، ولا يمكن إرجاعه، فالفسخ حينئذ

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4 - 14.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4 - 14.
(4) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور.
346

ليس إلا لإزالة قيد النكاح هنا حال الفسخ، وليس هو إبطالا له من أصله، ودعوى
إمكان رد الوطئ بغرم مهر المثل الذي هو قيمة له تحتاج إلى دليل، وليس بل الدليل
على خلافها متحقق، كما عرفت مضافا إلى خبر الحسن بن صالح (1) وغيره المصرح
فيه بذلك (و) بها يخرج عن ذلك لو سلم اقتضاء الفسخ الرجوع إلى مهر المثل،
نعم صرح في النصوص (2) المزبورة بأن (له الرجوع به على المدلس) متحدا
كان أو متعددا، وليا شرعيا كان أو غيره، كما ستعرف تحقيق الحال فيه في فصل
التدليس، وقد أفتى به الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه بينهم، لذلك ولقاعدة
الغرور، فما عساه يقال أو قيل - من إشكاله بأنه إن كان حقا ثابتا لها بالدخول
فلا رجوع على المدلس - مدفوع بما عرفت.
نعم على الزوج البينة لو أنكر الولي مثلا علمه بالعيب وأمكن في حقه،
فإن فقدها فله عليه اليمين، فإذا حلف رجع الزوج إلى المرأة، لأنها الغارة حيث
لم يعلم الولي بذلك، فإذا ادعت اعلامه حلف أيضا إن لم يكن لها بينة، ولا
تكفي اليمين الأولى، لأنها لمدع آخر، فإن نكل أو رد اليمين حلفت، وثبت الرجوع
لها بحسب هذه الدعوى، ويحتمل أن لا تحلف، لاستلزامه إبطال الحكم بعدم
الرجوع بالحكم بالرجوع، وأن يبنى على اليمين المردودة كالاقرار، فتحلف لسماع
إقرار المنكر بعد الانكار والحلف أو كالبينة، فلا تحلف لعدم سماع البينة بعد حلف
المنكر. ولعل الأولى من ذلك القول بأن لها الرجوع لا له كي يتأتى الخلاف.
وعلى كل حال فإن لم يكن مدلسا حتى هي بأن لم تعلم المرأة ما بها من
العيب لخفائه أو لجهلها بكونه عيبا فلا رجوع له بشئ حينئذ، بلا خلاف أجده فيه،
بل هو ظاهر النصوص (3) المعللة باستحقاقها المهر باستحلاله فرجها، بل هو مقتضى

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 و 5 والباب - 3 -
منها الحديث 3.
347

ما دل على استقرار المهر بالوطئ، فيدفع حينئذ لها تمام المسمى لما عرفت.
نعم لو كانت هي المدلسة رجع عليها التدليس، وفي خبر رفاعة (1) عن أمير
المؤمنين عليه السلام (لو أن رجلا تزوج امرأة أو زوجها رجل لا يعرف دخيلة أمرها
لم يكن عليه شئ، وكان المهر يأخذه منها) وفي صحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام (في رجل ولته امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جارة له لا يعرف دخيلة
أمرها، فوجدها قد دلست عيبا هو بها، قال: يؤخذ المهر منها، ولا يكون على
الذي زوجها شئ) بل ذلك مقتضى غيرهما أيضا.
كما أن مقتضى الجميع عدم استثناء شئ من المهر لها إذا رجع عليها،
لكن في القواعد: (رجع عليها إلا بما يمكن أن يكون مهرا) وهو أقل ما يتمول
لئلا يخلو البضع عن العوض، وعن أبي علي إلا بمهر مثلها، فإنه العوض للبضع إذا
وطأ لا عن زنا، ويمكن القول برجوعه أجمع من حيث التدليس، لا طلاق الأدلة،
وعدم خلو البضع عن العوض حتى في مثل الفرض التي كانت هي السبب في ذلك ممنوع
وبذلك ظهر لك أنه لا وجه لما عن التحرير من الرجوع على الولي المحرم مع
التغرير وبدونه، للتفريط بترك الاستعلام.
كما ظهر لك أنه لا فرق في ثبوت الأحكام المزبورة بين كون العيب الذي
فسخ به حادثا قبل العقد وبعده، بناء على الخيار به، لكن في محكي المبسوط (إن
كان الفسخ بالمتجدد بعد الدخول فالواجب المسمى، لأن الفسخ إنما يستند إلى العيب
الطارئ بعد استقراره، وإن كان بعيب موجود قبل العقد أو بعده قبل الدخول وجب
مهر المثل، لأن الفسخ وإن كان في الحال إلا أنه مستند إلى حال حدوث العيب،
فيصير كأنه وقع مفسوخا حين حدوث العيب، بل فيصير كأنه وقع فاسدا، فيلحقه
أحكام الفاسد إن كان قبل الدخول، فلا مهر ولا نفقة، وإن كان بعده فلا نفقة

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 - 4 وفي الثاني
(أو جار لها....).
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 - 4 وفي الثاني
(أو جار لها....).
348

للعدة، ويجب مهر المثل).
ولا يخفى عليك ضعفه، إذ فيه - مع منافاته لما سمعته - أن النكاح وقع
صحيحا، والفسخ وإن كان بسبب العيب السابق لا يبطله من أصله بل من حين الفسخ،
ولا يزيل الأحكام التي سبقت عليه، خصوصا إذا كان العيب حادثا بعد العقد،
فإن دليله لا يجئ عليه، ولم أجد أحدا وافقه عليه من أصحابنا، نعم في شرح الإرشاد
لبعض العامة ذلك على وجه يظهر كونه مفروغا منه عندهم، وربما توافقه قاعدة
الفسخ في الجملة التي أشرنا إليها سابقا، لكن هي هنا من الاجتهاد في مقابلة النصوص
التي سمعتها، والله العالم.
(وكذا) الحكم (لو فسخت الزوجة قبل الدخول) بل هي أولى من
الزوج بذلك باعتبار كون الفسخ من قبلها (فلا مهر) لها حينئذ بلا خلاف ولا
إشكال نصا (1) وفتوى (إلا في العنن) للدليل عليه بخصوصه، كما تعرفه.
(ولو كان بعده كان لها المسمى) الذي استقر بالوطئ وبما استحل من
فرجها بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل حكي بعضهم الاجماع عليه، فالفسخ لو سلم
اقتضاؤه الرجوع إلى مهر المثل نحو الإقالة والخيار في البيع مع تلف أحد العوضين
يجب الخروج عنه بذلك كما عرفته في الزوج، ولعل تفصيل الشيخ في العيب بين
المتجدد بعد الوطئ والسابق يأتي هنا بناء على فسخها بالمتجدد، فيكون له المسمى
به، ومهر المثل بالسابق، بل لعل إطلاق كلام الشيخ كذلك وإن حكي بعضهم الاجماع
هنا غير مشير إلى خلافه.
(وكذا لو كان) الفسخ (بالخصاء بعد الدخول ف‍) إنه (لها) أيضا
(المهر كملا إن حصل الوطئ) إذ هو مع اندراجه في الأدلة المزبورة دلت عليه
المعتبرة المتقدمة (2) خلافا للمحكي عن الصدوقين فالنصف، ولعله لما عن الفقه

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث - 0 -.
349

المنسوب إلى الرضا عليه السلام (1) وإن تزوجها خصي وقد دلس نفسه لها وهي لا تعلم فرق
بينهما، ويوجع ظهره كما دلس نفسه، وعليه نصف الصداق، ولا عدة عليها منه)
وربما جمع بينه وبين غيره بحمل ما عداه على صورة الدخول وحمله على ما قبل
الدخول للصحيح المروي عن قرب الإسناد (2) عن (خصي دلس نفسه لامرأة ما
عليه؟ قال: يوجع ظهره، ويفرق بينهما، وعليه المهر كملا إن دخل بها، وإن
لم يدخل بها فعليه نصف المهر).
وفيه - مع عدم ثبوت نسبة الكتاب المزبور إليه عليه السلام عندنا - أنه
مخالف للقولين معا، إذ هما بين مثبت للنصف مطلقا والجمع بالدخول، ومن هنا
كان المتجه مساواة الخصاء لغيره في الحكم الذي ذكرناه، وهو لا مهر مع عدم الدخول
والكل معه.
نعم ظاهر بعض وصريح آخر إلحاق الخلوة بالدخول في وجوب الكل، وهو
بحث آخر يأتي في محله، اللهم إلا أن يقال: إنا وإن لم نقل بكون الخلوة
كالدخول في ذلك مطلقا لكنها كذلك في المقام لظهور النص والفتوى، وفيه منع،
ضرورة ظهور لفظ (الدخول) في المتن وغيره في الوطئ، بل كاد يكون صريح
قرب الإسناد (3) وبه يقيد خبر سماعة (4) كما أنه يعلم المراد من الدخول عليها
في صحيح ابن مسكان (5) المتقدمين آنفا، واحتمال العكس يدفعه رجحان الأول
بانسياقه وغيره عليه، والله العالم. وعلى كل حال فقد ظهر لك الكلام في جميع صور
المسألة.
كما أنه ظهر لك أيضا عدم سقوط الخيار في الزوج والزوجة بالدخول قبل
العلم بالعيب السابق الذي لم أجد فيه خلافا، بل يمكن تحصيل الاجماع، للأصل

(1) المستدرك الباب - 12 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 5.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 5 - 2 - 3.
(4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 5 - 2 - 3.
(5) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 5 - 2 - 3.
350

وصحيح أبي عبيدة (1) وخبري الحسن بن صالح (2) والكناني (3) المتقدمة سابقا
وغيرها، نعم في الأخيرين منها (إن علم بها قبل أن يجامعها ثم جامعها فقد رضي بها)
وعليه حينئذ ينزل إطلاق ما دل (4) على سقوط الخيار بالدخول، كما أن منه يعلم
الحال في الزوجة بالنسبة إلى سقوط خيارها بعد العلم والرضا بمواقعته، إذ الظاهر
عدم الفرق بينهما في ذلك.
وكذا منها يستفاد عدم الخيار فيهما أيضا مع العلم بالعيب قبل العقد الذي
لم أجد فيه خلافا بيننا أيضا، لذلك وللأصل، واشتراطه بالتدليس في صحيح أبي
عبيدة (5) وصحيح ابن مسلم (6) بل مورد أكثر النصوص الجاهل فما عن الشافعي
- من ثبوته للعالم لاطلاق بعض النصوص المراد منه حال الجهل قطعا ولو بقرينة
ما عرفت - واضح الفساد.
إنما الكلام في المراد من قوله عليه السلام: " فقد رضي) هل هو السقوط بذلك
تعبدا بمعنى أن هذا الفعل يكون منه بحكم الرضا بالنسبة إلى اللزوم مطلقا أو ما
لم يعلم منه عدم كون ذلك منه عن رضا بالفعل سقط الخيار أيضا أو أن السقوط به
من حيث دلالته على الرضا، فلا يسقط الخيار مع فرض عدمها بقرينة ونحوها، بل
له حينئذ التصريح ببقاء خيار العيب على مقتضاه مع العقد أو الوطئ ما لم يناف الفورية
لجهل بها وغيره، وليس هو من اشتراط الخيار في النكاح، وعلى التقديرين الأولين
فهل يقتصر في ذلك على الوطئ أو يلحق به كل فعل يقع منه على مقتضى الزوجية،
كاللمس والتقبيل والتفخيذ ونحو ذلك؟ وجهان: أقواهما الثاني، كما أنه الأقوى
في الثلاثة السابقة فتأمل جيدا، فإني لم أجد ذلك محررا في كلامهم، وقد تقدم

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 - 4.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث - 4 - 1 والباب 3 منها الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 - 7.
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 - 7.
351

لنا في البيع عند البحث عن سقوط الخيار بالتصرف ما يشبه هذا الكلام، فلاحظ
وتأمل.
ولو رضي ببرص مثلا ثم اتسع بعده في ذلك العضو ففي الخيار وعدمه وجهان
أقواهما العدم، كما عن التحرير والجامع، لأن الرضا بالشئ رضا بما يتولد منه،
ولأنه عيب واحد وقد حصل الرضا به، خلافا للفاضل في القواعد فله الخيار، لأنها
عيب لم يحصل الرضا به، نعم لو حصل البرص في غير ذلك العضو اتجه ثبوت الخيار
فيه، لظهور المغايرة حينئذ مع أن المحكي عن المبسوط التوقف منه، لأن اتفاق
الجنس يوجب الرضا بفرد منه الرضا بغيره، أما مع اختلاف الجنس فلا إشكال في
ثبوت الخيار، والله العالم.
المسألة (السابعة)
العيب جلي أو خفي، فالجلي قطع المنازعة فيه سهل، وأما الخفي فلا شك
في وجوب البينة على مدعيه، كما أن على تافيه اليمين، بل يعتبر في الشاهدين مع
العدالة العلم بذلك العيب، ككونهما طبيبين عارفين يقطعان بوجوده إن كان مما
يمكن علم الغير به كالبرص والجذام الخفيين، وإن كان لا يعلمه غالبا إلا صاحبه كالعنن
لم تسمع البينة.
ولذا ذكر غير واحد من الأصحاب بل لم أجد فيه خلافا منهم أنه (لا يثبت
العنن إلا باقرار الزوج أو البينة باقراره) أو اليمين المردودة (أو نكوله) بناء
على القضاء به وإن لم يرد اليمين.
(و) حينئذ ف‍ (لو لم يكن ذلك وادعت عننه فأنكر فالقول قوله مع
يمينه) لأن الأصل السلامة أو لأنه يترك لو ترك، ولما تسمعه من الصحيح (1)

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
352

الآتي، ولا تسمع منها البينة على العنن نفسه، لكونه لا يعلم إلا من قبله، ضرورة
كونه أعم من العجز عن وطئ امرأة بخصوصها، بل أشكل في المسالك ثبوته باليمين
المردودة بناء على أنها كالبينة بكونها حينئذ كالبينة منها، والفرض عدم سماعها
منه فكذا ما قام قيامها، وإنما تسمع البينة باقراره وهي لم تدع إقراره بذلك
كي ينزل يمينها المردودة منزلته، وإنما ادعت العيب فينزل يمينها منزلة البينة
عليه، وإن كان قد يدفع بأن المراد كونها بحكم البينة المسموعة في إثبات الحق،
لا أن المراد بحكم البينة حينئذ في السماع وعدمه، نعم قد يشكل أصل الحكم
بأن قبول يمينها يقتضي إمكان اطلاع الغير عليه لا من جهة الاقرار، فيتجه سماع
البينة عليه.
اللهم إلا أن يفرق بين الزوجة وغيرها بامكان اطلاعها عليه بدور الأيام
وتكرر الأحوال وتعاضد القرائن بخلاف غيرها، وهو كما ترى، ضرورة إمكان
تعاضد القرائن للغير أيضا خصوصا مع الاختبار مع ذلك بالعلامات المذكورة عند
الأطباء، (و) وردت بها بعض النصوص (1).
بل (قيل) والقائل ابنا بابويه وابن حمزة: إنه (يقام في الماء البارد
فإن تقلص) أي تشنج (حكم بقوله، وإن بقي مسترخيا حكم لها) بل عن
الفقيه روايته (2) عن الصادق عليه السلام وفقه الرضا عليه السلام (3) وظاهرهم الحكم بها وإن
لم تفد القطع بذلك (و) إن كان هذا القول (ليس بشئ) عند المتأخرين،
لعدم الوثوق بالانضباط، وعدم الوقوف على مستند صالح لارسال الخبر، نعم هو قول
الأطباء، وكلامهم يثمر الظن الغالب بالصحة إلا أنه ليس طريقا شرعيا، لكن
الغرض أن هذه الأمارة المعروفة عند الأطباء ووردت بها الرواية إذا انضمت أيضا
إلى ما في المرسل (4) من (أنه يطعم السمك الطري ثلاثة أيام ثم يقال له: بل على

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4.
(3) المستدرك الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 15 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 5.
353

الرماد، فإن ثقب بوله الرماد فليس بعنين، وإن لم يثقب بوله الرماد فهو عنين)
بل ظاهر الفقيه العمل به أيضا لروايته له فيه، وإلى غير ذلك من القرائن،
والأمارات قد تفيد القطع كما استفادته الزوجة حتى قبل منها اليمين، مع أن
العجز عنها لا يقتضي العنن، فدعوى إمكانه منها دون غيرها - على وجه ترد البينة
العادلة لو شهدت به لعدم إمكان العلم لها فهي حينئذ مشتبهة في الظن بالقطع -
كما ترى.
ولعله لذا قبل بعض العامة البينة عليه، وهو قوي جدا، بل هو الوجه فيما سمعته
من الخبرين السابقين على معنى إمكان حصول القطع بما فيهما بعد فرض غيرهما من
الأمارات، بل لعل ذلك مراد بني بابويه وحمزة، لا أن المراد الحكم بذلك وإن لم
يحصل القطع منهما، فلا خلاف حينئذ في المسألة، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لو ثبت العنن) باقراره وغيره ورفعت أمرها إلى الحاكم
وأجله سنة على ما ستعرف (ثم ادعى الوطئ فالقول قوله) أيضا (مع يمينه)
على الأشهر، كدعوى عدم العنن أصلا، لأنه لا يعلم أيضا إلا من قبله، ويتعذر أو
يتعسر إقامة البينة عليه فيقبل قوله، كدعوى الامرأة انقضاء العدة بالأقراء، ولعدم
ثبوت العنن قبل مضى سنة التأجيل، وإنما الثابت قبلها العجز الذي يمكن معه
العنة وعدمها، ولذا أجل سنة لتنظر أيقدر على الوطئ أم لا؟ فإن قدر فلا عنة
وإلا ثبت، فيرجع حينئذ دعواه إلى إنكارها، كالأول الذي قد عرفت عدم الخلاف
والاشكال في ثبوت قوله فيه، واستصحاب العجز الثابت سابقا لا يصلح لاثبات العنن
بناء على اعتبار العجز سنة فيه، ضرورة عدم كون ذلك مما يثبت بالاستصحاب،
بل هو بالنسبة إليه من الأصول المثبتة التي ليست بحجة، ولأنه بموافقته لأصالة
اللزوم، ويترك لو ترك - يكون منكرا، فيقبل قوله حينئذ بيمينه، ولاطلاق صحيح
أبي حمزة (1) (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إذا تزوج الرجل المرأة الثيب التي
قد تزوجت غيره فزعمت أنه لم يقربها منذ دخل بها، فإن القول في ذلك قول الرجل،

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
354

وعليه أن يحلف بأنه لقد جامعها، لأنها المدعية، قال: فإن تزوجها وهي بكر
فزعمت أنه لم يصل إليها، فإن مثل هذا يعرفه النساء، فلينظر إليها من يوثق به
منهن، فإذا ذكرت أنها عذراء فعلى الإمام أن يؤجله سنة، فإن وصل إليها وإلا
فرق بينهما، وأعطيت نصف المهر، ولا عدة عليها (وفي المحكي عن فقه الرضا
عليه السلام (1) (وإذا ادعت أنه لا يجامعها عنينا أو غير عنين، فيقول الرجل:
إني قد جامعتها فعليه اليمين وعليها البينة، لأنها المدعية).
أما ما في المسالك - من إشكال الاستدلال بالصحيح بأن محل البحث ما
إذا ثبت عننه ومورد الرواية دعواها عليه ذلك مع عدم ثبوت ذلك، وقبول قوله
هنا واضح، كما مر في المسألة الأولى، لأنها المدعية وهو المنكر، لموافقة قوله
أصل السلامة بخلاف موضع النزاع، لتحقق العيب، فهو فيه المدعي، لزوال ما كان
قد ثبت - يدفعه ظهور الصحيح في أن مورد الخلاف بينهما في الوطئ وعدمه الشامل
باطلاقه محل النزاع، وقد جعلها المدعية فيه مع موافقة قولها لأصالة عدم وطئها
ومخالفة قوله لذلك، وما هو إلا لأنها تريد بذلك إثبات التسلط على الفسخ الشامل
للصورتين.
ولعله لذلك (و) غيره مما سمعته لم أجد أحدا قال بتقديم قولها عليه
بيمينها. نعم (قيل) والقائل الصدوق في المقنع والشيخ في الخلاف وجماعة:
(إن ادعى الوطئ قبلا وكانت بكرا نظر إليها النساء، وإن كانت ثيبا حشي
قبلها خلوقا فإن ظهر على العضو صدق) بل عن الخلاف دعوى إجماع الفرقة
وأخبارها عليه، ولعلها للصحيح (2) المزبور في البكر ولخبر عبد الله بن الفضل (3)
عن بعض مشيخته قالت امرأة لأبي عبد الله عليه السلام أو سأله رجل (عن رجل تدعي عليه
امرأته أنه عنين وينكر الرجل، قال: تحشوها القابلة بالخلوق ولم يعلم الرجل،

(1) المستدرك الباب - 14 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 15 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 - 2.
355

ويدخل عليها الرجل، فإن خرج وعلى ذكره الخلوق صدق وكذبت وإلا صدقت
وكذب) وخبر غياث بن إبراهيم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ادعت امرأة على زوجها
على عهد أمير المؤمنين عليه السلام أنه لا يجامعها، وادعى أنه يجامعها، فأمرها أمير المؤمنين عليه السلام
أن تستذفر بالزعفران ثم يغسل ذكره، فإن خرج الماء أصفر صدقه، وإلا أمره
بطلاقها) لكنه كما ترى ليست في العنن بعد ثبوته، بل العبارة المحكية عن الخلاف
كذلك أيضا، فينبغي أن يجعل قولا في المسألة السابقة، مضافا إلى القول بوضعه
في الماء، اللهم إلا أن يقال بعد فرض اعتبار ذلك شرعا: لا فرق فيه بين الحالين،
نعم ينبغي الاطمئنان بعدم احتيال الزوج في وضع الخلوق، كأن يكون غير عالم أو
يشد يداه كما أومأ إليه في الخبر (2):
وينبغي أن يكون محل ذلك النزاع في الوطئ فعلا وعدمه، إلا أن المصنف
وغيره أطلق تقديم قوله بيمينه في الصورتين على كل حال، من غير فرق بين البكر
والثيب، بل قال بعد حكايته القول المذكور: (وهو شاذ) ولعله لما عرفت من
أنه منكر بالتقرير الذي سمعته، ولفقد شرائط الحجية في الخبرين، ولأن عدم الوطئ
في القبل على تقدير ثبوت البكارة لا يستلزم العنن، لامكان وطئه غيرها، وكذا الكلام
في ذات الخلوق، وثبوت كذبه فيما ادعاه لا يثبت العنن، ومن هنا لم يأمرها عليه السلام
بالفسخ عنه، بل أمره بطلاقها.
لكن قد يناقش بصحة الخبر المشتمل على البكر، ودعوى الشيخ الاجماع
على مضمون الخبرين السابقين، فلا يبعد القول بهما بعد ثبوت العنن ولو باقراره
ودعواه ارتفاعه بالسبب الخاص الذي يمكن تبين صدقه من كذبه فيه بالطريق المزبور
فيختبر حينئذ ويحكم به.
بل قد يقال: بصحة الاختبار المزبور قبل ثبوت العنن أيضا في إثباته، ثم
يحكم بالأجل له بناء على الاكتفاء فيه بالعجز عن خصوص المدعية، مع عدم العلم
بامكانه وطئ غيرها، فمع فرض تبين كذبه في دعواه وطأها يضرب له الأجل

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 - 2.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 - 2.
356

(و) يختبر فيها حينئذ بالطريق المزبور مع فرض دعواه عدم العنن بوطئها
فعلا.
نعم (لو ادعى أنه وطأ غيرها أو وطأها دبرا كان القول) حينئذ (قوله
مع يمينه و) يحكم له، كما أنه (يحكم عليه إن نكل، وقيل: بل يرد اليمين
عليها، وهو) أي الحكم المردود في المسألة (مبني على القضاء بالنكول) أو
باليمين من المدعي، وسيأتي إنشاء الله تحريره في كتاب القضاء، نعم قيل: إنه على
تقدير توقف القضاء على اليمين برده أو مع نكوله إنما يتم لو كان النزاع في وطئها
دبرا مثلا، لامكان حلفها حينئذ، أما لو كانت وطأ غيرها لم يمكنها الحلف على
عدمه مطلقا لأنه حلف على نفي فعل الغير على وجه لا ينحصر، وفيه أنه يمكن
فرضها العلم بكذبه بحصر دعواه الوطئ في وقت مخصوص مثلا وكان في ذلك الوقت
حاضرا معها، أو بغير ذلك.
هذا وقد يقال أيضا بالاختبار بالطريق المزبور أيضا مع فرض إمكانه وكون
الدعوى على وجه يتميز صدقها وكذبها به، وعدم ذكره نصا وفتوى لتعسر إمكانه
غالبا في غير المدعية.
وبالجملة يكون المحصل من النصوص أجمع أنه إن أمكن معرفة صحة الدعوى وفسادها بطريق من الطرق على وجه يحصل العلم بذلك فعل، وإلا كان
المرجع إلى قاعدة المدعي والمنكر، وأنها هي المدعية وهو المنكر كما عرفت،
والله العالم.
357

المسألة (الثامنة:)
(إذا ثبت العنن) بأحد الوجوه السابقة (فإن صبرت) عالمة بالموضوع
والحكم راضية (فلا كلام) كما لا خلاف في عدم الخيار لها بعد ذلك إذا أرادته،
بل لعل الاجماع بقسميه عليه، ولأنه حق متحد يسقط بالاسقاط، وللمرسل في
الفقيه (1) (متى أقامت المرأة مع زوجها بعد ما علمت أنه عنين ورضيت به لم يكن
لها خيار بعد الرضا) وبذلك افترقت عن المطالبة في الايلاء التي لا تسقط بالاسقاط،
لتجدد الحق في كل وقت، بل الظاهر سقوط هذا الخيار بالاسقاط ولو في أثناء السنة
لعدم الفرق بين ما قبلها وبعدها وأثنائها، بل لو لم تعلم بعننه فأسقطت خيارها على
تقدير عننه فالظاهر السقوط على نحو اسقاط خيار العيب في البيع قبل العلم بثبوته
بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، نعم عن العامة وجه بعدم اللزوم في الاختيار في
الأثناء بناء على أن لا خيار لها إلا بعد الأجل، فلا عبرة باختيارها المقام كما
لا عبرة بفسخها، وضعفه ظاهر.
إنما الكلام في اقتضاء نفس الصبر عن المرافعة ذلك، كما هو الظاهر من
الشيخ وجماعة، بل صرح بعضهم بفورية المرافعة كفورية الفسخ، إلا أنه مع وجوب
تقييده بعدم العذر لها في ذلك لجهل ونحوه قد يناقش بأعمية الصبر من ذلك،
خصوصا مع التصريح منها بعدم كون ذلك عن رضا به، وبعدم الدليل على وجوب
الفور في المرافعة على وجه يقتضي سقوط خيارها بعد ذلك، حتى لو صرحت بعدم
كون ذلك عن رضا منها، خصوصا مع وضوح الفرق بينها وبين الخيار بأن مشروعيته
على الفور على وجه لو تواطئا على التراخي لم يكن لهما بخلاف المرافعة، اللهم
إلا أن تدفع بمنافاة التراخي في المرافعة لفورية الخيار وللأمر بالتربص سنة الذي

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 10.
358

قد يجمع بينه وبين الخبر الآخر (1 المصرح فيه بكون المبدء يوم المرافعة
بأن المراد سنة من حين العنن بأمر الحاكم، وذلك لا يكون إلا مع الفور برفع
الحال إليه وإلا تأخر الخيار عن زمانه.
(و) كيف كان ف‍ (إن) لم تصبر بل (رفعت أمرها إلى الحاكم أجلها
سنة من حين المرافعة، فإن واقعها أو واقع غيرها فلا خيار) لعدم العنن حينئذ
بناء على ما عرفته سابقا في بيان موضوعه، خلافا للمفيد فاكتفى بالعجز عنها، وقد
عرفت ضعفه فيما تقدم، (وإلا كان لها الفسخ) من غير فرق بين العنن السابق
على العقد والحادث بعده، بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن جماعة الاجماع
عليه، وهو الحجة مضافا إلى صحيح أبي حمزة (2) السابق، وصحيح محمد بن مسلم (3)
عن أبي جعفر عليه السلام (العنين يتربص به سنة ثم إن شاءت امرأته تزوجت وإن شاءت
أقامت) وخبر البختري (4) عنه أيضا عن أبيه عليهما السلام: (إن عليا عليه السلام كان يقول:
يؤخر العنين سنة من يوم مرافعة امرأته، فإن خلص إليها وإلا فرق بينهما، فإن
رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار ولا خيار لها) وخبر
الكناني (5) قال: (إذا تزوج الرجل المرأة وهو لا يقدر على النساء أجل سنة
حتى يعالج نفسه " إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة بالاعتبار، لأن العجز قد يكون
لحر فيتربص به إلى الشتاء، أو برد فيتربص به إلى الصيف، أو رطوبة فيتربص به
إلى الخريف، أو يبوسة فيتربص به إلى الربيع، فما عن أبي علي من قصر التأجيل
على الحادث بعد العقد دون السابق، فيجوز لها الفسخ فيه في الحال، لقول الصادق
عليه السلام في خبر غياث (6) (إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرق بينهما) وخبر
أبي الصباح (7) (سألته عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا أتفارقه؟

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 9 - 12.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 5 - 9.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 5 - 9.
(5) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 7 - 2 - 6.
(6) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 7 - 2 - 6.
(7) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 7 - 2 - 6.
359

قال: إن شاءت) وهما مع الضعف مطلقان لا بد من حملهما على التفصيل في الأخبار
الأول، بل في المختلف (أن العلم بعنته إنما يحصل بالتأجيل سنة).
هذا ومن المعلوم سقوط حكم العنة بتغيب الحشفة في الفرج بحيث يشتمل
عليها شفراها اتفاقا، فإنه أقل وطئ معتبر شرعا مستوجب لسائر أحكامه، نعم
لو لم يشتمل عليها الشفران بأن انقلبا ففي الاعتبار وجهان للشافعية: أظهرهما الاعتبار
لحصول التقاء الختانين، فإن المشهور في معناه التحاذي، ولتحقق الايلاج الذي لا يقدر
عليه العنين، وكون الشفرين بمنزلة ما يلف على الذكر من خرقة ونحوها.
ولو كان مقطوع الحشفة فالظاهر اعتبار قدرها، وربما احتمل اعتبار دخول
المجموع لأنه مع وجود الحشفة يكون للوطئ المعتبر حد يرجع إليه، ولا كذلك
مع القطع، فلا يقطع بحصول المعتبر منه إلا بتغيب الجميع، وعن التحرير
التردد.
(و) على كل حال فلها أيضا بعد الفسخ (نصف المهر) بلا خلاف معتد
به أيضا، بل لصحيح أبي حمزة (1) السابق المعتضد بالعمل وبما عن فقه الرضا عليه السلام (2)
الذي يجب به الخروج عن مقتضى قاعد الفسخ، خلافا لأبي علي أيضا، فالجميع
إذا خلا بها وإن لم يدخل، بناء منه على إلحاق الخلوة بالدخول بالنسبة إلى قرار
المهر، وستسمع الكلام فيه في محله إنشاء الله بل لو سلم كان المتجه هنا القول بالنصف،
للصحيح المزبور المعتضد بما عرفت الذي لا يعارضه المروي عن قرب الإسناد (3) (عن
عنين دلس نفسه لامرأة ما حاله؟ قال: عليه المهر، ويفرق بينهما إذا علم أنه لا يأتي
النساء) بعد قصور سنده والاعراض عنه، مع أنه خال عن التقييد بالخلوة.

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(2) المستدرك الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 13.
360

تتمة:
يثبت غير العنن من العيوب باقرار صاحبه، واليمين المردودة، والنكول على
قول، وشهادة عدلين، وفي العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع من النساء عادلات،
لصحيح داود بن سرحان (1) السابق وغيره.
ولو كان لكل من الرجل والامرأة عيب موجب للخيار يثبت لكل منهما،
لاطلاق الأدلة، حتى في الرتق الممتنع إزالته مع الجب، وإن كان لا يخلو من إشكال
باعتبار ظهور النص في أن العلة في ذلك تضرر أحدهما بعدم التمكن من الوطئ، وهنا
لا ضرر لاشتراكهما.
ولو طلق قبل الدخول ثم علم بالعيب لم يسقط عنه ما وجب بالطلاق، ولا
فسخ له هنا لعدم الزوجية، بل وكذا بعده حتى في الرجعية، لذلك أيضا مع احتماله
فيها، لبقاء العلقة، فيفيد حينئذ تعجيل البينونة، وحل الخامسة، والأخت، وانقطاع
الإرث، ونفقة العدة، وليس له الرجعة ثم الفسخ بالعيب، لكونها بعد العلم به رضا
به، نعم لو لم يعلم إلا بعد الرجعة كان له الفسخ بلا إشكال.
وهل يثبت للأولياء الخيار إذا ظهر لهم العيب؟ الوجه ذلك، كما في القواعد
مع مصلحة المولى عليه، زوجا كان أو زوجة، للعموم المقتصر على خروج الطلاق
منه نصا وإجماعا، وحينئذ فإذا اختار الامضاء لم يكن للمولى عليه بعد كماله فسخ،
لكن في القواعد لم يسقط خياره، وكأنه مناف لاثباته للولي، نعم قد يحتمل عدم
الخيار للولي كما سمعته سابقا في نظائر المقام، لأنه منوط بالشهرة، فهو كالطلاق،
بل لعله المشهور في غير المقام، لكن سمعت المناقشة فيه هنا، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
361

(المقصد الثالث في التدليس:)
وهو تفعيل من المدالسة بمعنى المخادعة، والدلس محركا الظلمة،
فكأن المدلس لما دلس وخدع أظلم الأمر على المخدوع، ذكروه في كتاب
البيع، وأثبتوا به الخيار إن فعل ما يظهر به ضد الواقع، كتحمير وجه الجارية
ووصل الشعر، والتصرية للشاة ونحو ذلك، ولعل ذلك هو المنساق منه، إلا أن
الذي يظهر من نصوص (1) المقام بل هو صريح جماعة من الأصحاب تحققه هنا
بالسكوت عن العيب مع العلم به، فضلا عن الاخبار بضده: من السلامة وبوصف
الحرية ونحوها واشتراط البكارة على حسب ما ستعرفه، وكأن المنشأ في ذلك أدلة
المقام.
ومنه يعلم ما فيه من الاشكال به في القواعد، قال فيها: (ويتحقق بإخبار
الزوجة أو وليها أو ولي الزوج أو السفير بينهما على إشكال بالصحة أو الكمالية عقيب
الاستعلام أو بدونه، وهل يتحقق لو زوجت نفسها أو زوجها الولي مطلقا؟ إشكال،
ولا يتحقق بالاخبار لا للتزويج أو له لغير الزوج) بل في كشف اللثام بعد أن ذكر
وجه الاشكال من عدم الاخبار، ومن انصراف الاطلاق إلى السالم الكامل، وإطلاق
قوله عليه السلام في خبر رفاعة (2) (وإن المهر على الذي زوجها، وإنما صار عليه المهر
لأنه دلسها) قال: (وهو عندي ضعيف مخالف للأصول، خصوصا في الكمال، ولا
سيما بالنسب ونحوه، ولو فرق بين ما يعلم عادة عدم الرغبة في النكاح معه من عيب
أو نقص مطلقا أو بالنظر إلى حال الزوج وخلافه كان حسنا، ومثله الكلام لو زوج
نفسه أو زوجه الولي مطلقا).

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6 و 14 والباب - 2 -
منها الحديث 7.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
362

قلت: لا إشكال في عدم التدليس بالسكوت عن صفة الكمال، كما لا إشكال في
تحقق حكمه بالسكوت عن العيب من العالم به، هي أو وليها، وليس الدليل منحصرا
في خبر رفاعة الذي وصفه بالضعف والمخالفة للأصول.
بل يشعر به صحيح الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام (في الرجل الذي يتزوج إلى
قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبينوا له، قال: لا ترد إنما يرد النكاح من البرص
والجذام والجنون والعفل، قلت: أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟
قال: لها المهر بما استحل من فرجها، ويغرم وليها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها)
ضرورة ظهورهما في تحقق التدليس الذي يرجع به على الولي بعدم بيان مثل هذه
العيوب، ونحوه صحيح محمد بن مسلم (2) عن الباقر عليه السلام.
وإطلاق مرسل ابن بكير (3) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة
بها الجنون والبرص وشبه ذلك، قال: هو ضامن للمهر).
وما يشعر به صحيح الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل ولته امرأة أمرها
أو ذات قرابة أو جارة له لا يعرف دخيلة أمرها فوجدها قد دلست عيبا هو بها،
قال: يؤخذ المهر منها، ولا يكون على الذي زوجها شئ).
وخبر محمد بن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام إنه قال: (في كتاب علي عليه السلام من
زوج امرأة فيها عيب دلسه ولم يبين ذلك لزوجها فإنه يكون لها الصداق بما استحل
من فرجها، ويكون الذي ساق الرجل إليها على الذي زوجها ولم يبين) إلى غير
ذلك من النصوص الدالة على ذلك، كصحيح الحذاء (6) وصحيح داود بن سرحان (7)

(1) ذكر صدره في الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6
وذيله في الباب - 2 - منها الحديث 5.
(2) أشار إليه في الوسائل في الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 6
وفي الباب - 2 - منها الحديث 5 وذكره في الفقيه ج 3 ص 273 الرقم 1297.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 4 - 7 - 1 - 6 وفي الثاني (... أو جار لها...).
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 4 - 7 - 1 - 6 وفي الثاني (... أو جار لها...).
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 4 - 7 - 1 - 6 وفي الثاني (... أو جار لها...).
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 4 - 7 - 1 - 6 وفي الثاني (... أو جار لها...).
(7) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3 4 - 7 - 1 - 6 وفي الثاني (... أو جار لها...).
363

وخبر غياث بن إبراهيم 1) وغيرها.
بل هو أيضا ظاهر المحكي عن مبسوط الشيخ وابن الجنيد، وصريح المحكي
عن التحرير، بل صرح به أيضا ثاني الشهيدين والمحققين، بل في موضع من جامع
المقاصد أنه المفهوم من كلام الفقهاء والنصوص عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم
أجمعين، فلا إشكال حينئذ في تحققه في ذلك هنا.
كما لا إشكال في اعتبار الاشتراط أو الوصف بالنسبة إلى صفات الكمال، كما
تسمع ما ورد فيها من النصوص (2).
وأما إشكاله في السفير ففي جامع المقاصد (إن أراد به المتولي للعقد بين
الزوجين لم يكن للاشكال فيه وجه، لأن النص وكلام الأصحاب صريحان في أن
العاقد على ذات العيب يغرم مهرها إلا إذا لم يكن عالما بحالها، فالغرم عليها،
وإن أراد به الرسول بينهما والمتولي للعقد غيره فالغرم على العاقد لا عليه، نعم يجئ
الاشكال فيما إذا كان العاقد بعيدا عن العلم بأحوال الزوجة والواسطة عالما بحالها،
لأنه حينئذ غار يتغرم وظاهر النص ينفي الغرم عنه لتعليقه بالمنكح، ومثله ما لو
أخبر السفير الولي بأنه أعلم الزوج بالعيب مثلا وكان كاذبا، فإن الاشكال في تغريمه
من حيث إنه غار، ومن حيث إن الولي مفرط في الركون إلى خبره، هذا حكم
العيب، وأما حكم النقص فإن الغرم على وصف المرأة بالحرية فظهرت أمة، وعلى
من شرط البكارة فظهر ضدها، ولا تفاوت بين كونه وليا وأجنبيا).
ولا يخفى عليك ما في كلامه من التشويش الذي لم يرجع إلى محصل، والذي
يظهر من نصوص (3) المقام أن المدلس الذي يرجع عليه بالمهر هو المتولي
شرعا لأمر الامرأة، أو عرفا ولو بتوليها هي أمرها إذا كان عالما بعيبها عارفا
بدخيلة أمرها، ولا مدخلية للأجنبي المباشر للفظ العقد، والانكاح الموجود في

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 14
(2) الوسائل الباب - 8 و 10 - من أبواب العيوب والتدليس.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس.
364

النص (1) لا يراد منه مباشرة العقد، بل المراد منه من يسند إليه التزويج على وجه
إسناده إلى الأولياء العرفيين الذي يكون العقد عليها حد ما وقع بأمرهم من مقدمات
النكاح، وهو الذي يراد منه الاعلام بالأمر وإظهار الحال للزوج، كما أنه هو الذي
يسند إليه التفريط بترك الأخبار، بل الظاهر اختصاصه بالغرامة وإن كان قد شاركته
الامرأة بعد إعلام الزوج إلا أنه حيث كان المتولي الذي يراد منه الاخبار بنحو
ذلك اختص بالغرامة دونها، بل ربما كان القول قولها بيمينها لو أنكر العلم بالعيب
الظاهر فيها الذي يبعد خفاؤه على مثله، كما صرح به في جامع المقاصد في مقام
آخر بعد أن ذكر ما لا يخلو من تشويش أيضا فيما يصير الشخص مدلسا، قال:
(ويناسب الحال أن يراد بالولي هنا المتولي لأمرها وإن كان وكيلا بحيث يكون
تزويجها مستندا إليه، سواء باشر العقد أم لا، والأخبار لا تدل على أمر غير ذلك،
والدليل لا ينهض إلا عليه، لأن التدليس منوط بالباعثية) وكأنه أراد ما ذكرنا، إلا
أنه ينبغي أن يعلم أن ذلك من خواص المقام، ضرورة عدم جريان مثله في التدليس
بالبيع.
كما أنه ينبغي أن يعلم أنه قد ظهر لك مما ذكرنا مجامعة العيب للتدليس
وانفراد كل منهما عن الآخر، فقد يكون عيبا من غير تدليس كما لو كان خفيا
على الزوجة ووليها، وما في جامع المقاصد من التوقف في ذلك في غير محله،
وتدليس من غير عيب، كمسائل هذا الفصل المشتملة على فقد صفات الكمال، وتدليس
وعيب، كما لو دلس بالعيب، وهو الذي تقدم في الفصل السابق، إلا أنه لا حكم له
زائدا على خيار العيب إلا في الرجوع بالمهر الذي قد عرفت الكلام فيه،
وأما احتمال إثبات الخيار من جهته فهو واضح الفساد، ضرورة ظهور النص والفتوى
في اتحاد جهة الخيار بالتدليس بالعيب الذي قد عرفت أنه يتحقق بمجرد السكوت
عن الاخبار بالعيب مع العلم به الذي لا يصح فيه اسقاط الخيار من جهة العيب

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 5.
365

وبقاءه من جهة الكتمان، بل النصوص صريحة في فساده، كما هو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (- فيه) أي هذا المقصد (مسائل:)
(الأولى)
(إذا تزوج) الحر أو العبد (امرأة) معينة (على) شرط (أنها
حرة فبانت أمة) كلا أو بعضا صح العقد مع إذن السيد أو إجازته وكون العاقد
ممن يجوز له نكاح الأمة، لاطلاق الأدلة، والاجماع المحكي عن السرائر، نعم
(كان له الفسخ ولو دخل) قيل: لأن فائدة الشرط قلب العقد اللازم جائزا، بل
لا يسقط الخيار الحاصل منه بالتصرف كما عرفته في محله.
وفيه أن الأولى الاستدلال بظاهر النص (1) والفتوى بتحقق الخيار بالتدليس
بنحو ذلك، لا للشرط المزبور، وإلا لكان مقتضاه ثبوت الخيار بتعذر كل شرط
في عقد النكاح، أو بالامتناع من الوفاء به على نحو ما سمعته في البيع، واحتمال الالتزام
بذلك ينافيه اقتصارهم في خيار النكاح على العيوب المخصوصة، والتدليس بالأمور
المذكورة، بل تصريحهم بعدم قبول النكاح لاشتراط الخيار.
(و) على كل حال فما (قيل) - والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطه
وخلافه: (العقد باطل) لقاعدة لزوم الوفاء بالشرط المتعذر هنا، بل هو مشخص
للمعقود عليها، فمع انتفائه يكون الواقع غير مقصود والمقصود غير واقع - كما ترى،
إذ فيه أن لزوم الوفاء به لا يقتضي بطلان العقد بتعذره، خصوصا مع كونه حقا
للمشروط له، فله إسقاطه ورفع اليد عنه، وتشخيصه للعقد لا يزيد على تشخيص الوصف
الذي قد عرفت في محله تسلط الخيار لانتفائه، لا فساد العقد.
(و) حينئذ فلا ريب في أن (الأول أظهر) منه، بل هو واضح الضعف،
بل لو لم يكن ذلك بإذن المولى كان صحيحا أيضا أو موقوفا على الإجازة، لما عرفته

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب العيوب والتدليس.
366

في محله، نعم لو لم يكن العاقد ممن يجوز له نكاح الأمة كان فاسدا، اللهم إلا
أن يريد الشيخ ذلك أو الأول مع التجوز في البطلان أو أن مذهبه ذلك في نكاح الأمة
من دون إذن سيدها، لما تقدم في محله، وخصوص خبر الوليد بن صبيح (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام (في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها، قال:
إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد، قلت: كيف يصنع بالمهر
الذي أخذت منه؟ قال: إن وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه، وإن لم يجد شيئا فلا شئ
له عليها، وإن كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه،
ولمواليها عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها
بما استحل من فرجها، قال: وتعتد منه عدة الأمة، قلت: فإن جاءت منه بولد،
قال: أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الموالي) لكن الظاهر إرادته الفساد
مع عدم إجازة الموالي، ولا ريب في الفساد حينئذ، وهو واضح كوضوح الحال في
لزوم العقد على الصحة مع رضا السيد والزوج بعد العلم بالحال.
(و) أنه (لا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول) لهما تقدم من أن مقتضاه
رد كل عوض إلى صاحبه، بل (و) لا في أن (لها المهر) تماما (بعده)
لما تقدم من قراره بالدخول، وقد فرض كون العقد صحيحا، ومقتضى صحته لزوم
ما تضمنه من المسمى، ولا يعارضه أن مقتضى الفسخ رجوع المسمى إلى مالكه
وغرامة مهر المثل عوض ما استوفاه من منفعة البضع، لما عرفت من أن الفسخ وإن
اقتضى ذلك لكن في خصوص المقام ونظائره لا يقتضي سوى فسخ العقد ورد البضع
إلى أهله، للأدلة الدالة على قرار المهر بالدخول وإن فسخ بعده، كما عرفته فيما
سبق وتعرفه فيما يأتي، فما عن ابن الجنيد هنا أيضا من وجوب مهر المثل واضح
الضعف، كما عرفته فيما تقدم.
(و) كذا ما (قيل) عن المقنع والنهاية وغيرهما (لمولاها العشر) إن كانت
بكرا (أو نصف العشر) إن كانت ثيبا (ويبطل المسمى) لصحيح الوليد (2) الذي هو

(1) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
367

وإن كان معتبر السند، وقابلا لتخصيص ما دل (1) على خلافه، وموافقا لقاعدة الفسخ
في الجملة ولما دل (2) على عدم خلو البضع عن مهر إلا أنه - لاعراض المعظم واحتمال
وجوب العشر ونصفه في صورة الفساد وإن رجع هو به على المدلس إن كان، بل لعله الظاهر
منه عند التأمل فهو حينئذ خارج عما نحن فيه، وغير ذلك - كان قاصرا عن معارضة
ما دل (3) على وجوب المسمى مع صحة العقد من وجوه. (و) من هنا كان (الأول
أشبه) بأصول المذهب وقواعده، كما عرفت تفصيل الكلام فيه، بل وفي أن لها
المسمى أو مهر المثل أو العشر ونصف العشر في النكاح الفاسد، بل وفي أن وطئ
الشبهة أيضا يوجب مهر المثل أو المقدر، وفي أنه يغرم أرش البكارة مع ذلك أيضا
أولا وفي استحقاقها العوض مع علمها بالتحريم، وغير ذلك مما تقدم في المباحث
السابقة، فلاحظ وتأمل، والله العالم.
(و) على كل حال (يرجع بما اغترمه) من مهر بل وقيمة ولد
ونفقة (على المدلس) إن كان النكاح فاسدا قطعا، بلا خلاف معتد به أجده
فيه، لقاعدة الغرور، والنصوص (4) السابقة في التدليس بالعيب، وصحيح الوليد (5)

(1) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور.
(2) لم نعثر على ما يكون صريحا في عدم خلو البضع عن المهر، والظاهر أنه
استفيد من الروايات التي دلت على أنه يجب على الرجل كذا بما استحل من فرجها وهي
كثيرة منها ما رواه في الوسائل في الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6
والباب - 67 - من نكاح العبيد والإماء الحديث 1 والباب - 3 - من العيوب والتدليس
الحديث 3 والباب - 6 - منها الحديث 1 والباب - 2 - منها الحديث 2. نعم ورد (لا يصلح
نكاح إلا بمهر) في روايات عديدة ذكرها في الوسائل في الباب - 2 - من أبواب عقد
النكاح.
(3) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العيوب والتدليس.
(5) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
368

المتقدم آنفا وخبر إسماعيل بن جابر (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نظر
إلى امرأة فأعجبته، فسأل عنها، فقيل: هي ابنة فلان فأتى أباها، فقال: زوجني
ابنتك، فزوجه غيرها، فولدت منه، فعلم بعد أنها غير ابنته، وأنها أمة، قال:
ترد الوليدة على مواليها، والولد للرجل، وعلى الذي زوجه قيمة الولد، يعطيه
موالي الوليدة كما غر الرجل وخدعه) وفي خبره الآخر (2) عنه عليه السلام أيضا قلت:
(جاء رجل إلى قوم فخطب إليهم أن يزوجوه من أنفسهم فزوجوه وهو يرى أنها
من أنفسهم فعرف بعد ما أولدها أنها أمة، قال: الولد له، وهم ضامنون لقيمة الولد
لمولى الجارية) إلى غير ذلك مما هو معتضد بعدم الخلاف فيه (و) عدم الاشكال.
نعم (لو كان مولاها دلسها قيل) والقائل الشيخ والجماعة كما في المسالك:
(يصح) العقد (و) لا خيار فيه، لأنها (تكون حرة بظاهر إقراره) أو
إنشائه لو كان قد قال: (هي حرة) أو (هذه حرة) أو نحو ذلك مما يقتضي الحكم
بحريتها إقرارا أو إنشاء قبل حصول العقد عليها، فمع فرض رضاها بالنكاح سابقا
أو لاحقا يصح العقد على جهة اللزوم (و) يكون المهر لها.
نعم (لو لم يكن تلفظ بما يقتضي العتق) لا إقرارا ولا إنشاء (لم تعتق)
بل هي باقية على الرق، خلافا لما عن ظاهر المبسوط (ولم يكن لها مهر) لأن
الفرض تدليس المولى إياها، والمهر راجع إليه، بل لو كان قد دفع إليها شيئا
من المهر بإذنه وأتلفته يرجع به عليه، للغرور أيضا، بل في القواعد احتمال
الرجوع عليه وإن لم يأذن، والرجوع به في كسبها والتبعية به بعد العتق، وهو
وإن كان جيدا، بل وافقه عليه جماعة من المتأخرين ومتأخريهم، لكنه خروج عن
موضوع المسألة الذي هو تدليسها حرة ثم ظهر بعد ذلك أنها أمة ولو للعلم
بكذب إقراره، ولعله لذا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بتمريضه، نعم قيل:
ينبغي استثناء أقل ما يتمول أو مقدار مهر المثل في صورة الرجوع بالمهر لئلا

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 7.
369

يخلو البضع عن المهر، وفيه ما عرفته سابقا من منافاته لدليل الرجوع الظاهر أو
الصريح في المسمى جميعه الموافق لفتوى المعظم، اللهم إلا أن يقال في خصوص
المقام باستثناء العشر أو نصفه منه، لصحيح الوليد (1) السابق، ويمكن تنزيل ما سمعته
من المقنع والنهاية على هذه الصورة خاصة، وإن كان فيه ما عرفته أيضا.
ولو تحررت بعد النكاح فعلم الزوج في حال حريتها أنها كانت أمة مدلسة
قبل النكاح فالظاهر ثبوت الخيار، خلافا لمحتمل القواعد في نظير المسألة من عدم
الخيار، لارتفاع الضرر، وأصالة اللزوم، ونحو ذلك مما لا يعارض إطلاق دليل
الخيار، والله العالم.
(ولو دلست) هي (نفسها كان عوض البضع لمولاها) وهو المسمى
في العقد مع إجازته على الأصح ومهر المثل أو العشر ونصفه إن لم يجز (و) لكن
(رجع الزوج به عليها إذا أعتقت) لقاعدة الغرور (ولو كان دفع إليها المهر
استعاد ما وجد منه) ودفعه بعينه إلى المولى إذا كان العقد واقعا عليه وإلا إن
شاء دفعه أو غيره من الأفراد (و) أما (ما تلف منه) ف‍ (يتبعها به عند
حريتها) للقاعدة السابقة.
ولا فرق في هذه الأحكام بين الحر والعبد، لاطلاق الدليل، نعم حكم
الرجوع ونحوه لسيده، بل والخيار بناء على اختصاص الطلاق في كونه بيد العبد
دون غيره كما تقدم الكلام فيه سابقا، نعم لو أعتق قبل الفسخ فالأقرب أن
الرجوع به للعبد، لأنه حينئذ من كسبه وهو حر، وربما احتمل كونه للمولى،
لأنه عوض ما دفعه عن عبده الذي لم يدخل في ملكه، بل خروجه عن ملك المولى
كان متزلزلا، وفيه منع.
ثم إن كان الغار هو الوكيل لها أوله رجع بالجميع وإن كانت هي فكذلك
ولكن يتبعها به بعد العتق، ولا يرجع على سيدها الذي قد استحق غير المهر

(1) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
370

بالوطئ، ولو حصل الغرور بينهما رجع بنصفه على الوكيل حالا ونصفه عليها
بعد العتق.
ولو أولدها ففي القواعد " كان الولد رقا لمولاه إن كان المدلس سيدها
وأذن لها في التزويج مطلقا أو في التزويج به بخصوصه أو بأي عبد كان) وفيه نظر
مع فرض المسألة على وجه يثبت الخيار المتوقف على حصول الإذن منهما المستلزم
شركة الولد بينهما، لكونه نماء ملكيهما، وتدليس السيد بالحرية لا ينافي ذلك،
وفرض المسألة إذن مولى الجارية دون العبد حتى يكون الولد لمولى العبد ينافي
الحكم بالخيار، وهذا كله مع الشرط في متن العقد.
أما إذا تزوجها على أنها حرة بالاخبار بذلك قبل العقد من الولي أو الجارية
أو أجنبي من دون اشتراط لفظا ففي المسالك وغيرها وعن المبسوط عدم الخيار،
للأصل المستفاد من عموم (أوفوا) (1) وغيره، بل صريح بعضهم ذلك حتى مع
اشتراط ذلك قبل العقد، تمسكا بما دل على عدم العبرة بالشرائط السابقة قبل العقد
من النصوص السابقة، لكن قد عرفت ما فيه في محله، مضافا إلى ظهور الأدلة هنا
التي منها صحيح الوليد (2) وخبر إسماعيل بن جابر (3) المتقدمة في تحقق التدليس
بالأعم من ذلك ومن الاخبار بالحرية قبل العقد على وجه يكون الباعث له على
تزويجها ذلك، بل هو قائم في نفسه قيام الداعي وإن لم يشترطه في العقد ولا قبله،
بل لعل العرف أيضا كذلك.
نعم قد يتوقف في تحققه بالسكوت منها أو ممن يتولى نكاحها مع العلم، كما
عرفته فيما تقدم، مع إمكان القول بكونه تدليسا أيضا إذا فرض علم الساكت بقدوم
الزوج على الحرية وإن استفادها من الأصل ونحوه، ومن هنا أطلق المصنف وغيره،
بل لعله المشهور في موضوع المسألة من غير اعتبار للاشتراط.
ثم إنه قد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا فرق في ثبوت هذه الأحكام بين ظهورها

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(2) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
371

أجمع أمة أو بعضها، فيثبت الخيار حينئذ بالتدليس برقية بعضها للتنقيح، ولأن
السبب في الخيار التدليس بهذا الوصف ونحوه من غير فرق بين الجميع والبعض، كما
هو ظاهر النصوص، لكن في القواعد (إنما يرجع على المدلس بنصيب الرقية،
لأن التدليس إنما وقع بالنسبة إلى ذلك البعض، بخلاف الآخر الذي صدق بالاخبار
بحريته).
قلت: قد يحتمل قويا الرجوع بالكل إلا ما استثنى من أقل المهر أو مهر
المثل إن رجع عليها، لأنه لم يسلم له ما يريده من النكاح، وعلى الأول فإن
كانت هي المدلسة وكان نصفها مثلا رقا أغرم للمولى نصف المهر، ورجع عليها
بنصف ما غرمه معجلا، وتبعها بالباقي بعد العتق، ولو كان المولى المدلس لم يكن
له شئ من المهر، بل لو دفعه إليها بإذنه فتلف كان الرجوع عليه بنصفه، بل قد
سمعت احتمال الرجوع عليه بذلك وإن لم يأذن، لكونه غارا، فهو سبب في الاتلاف
أقوى من المباشر، ولو كان أجنبيا رجع عليه بما غرمه للمولى من نصف المهر، بل
يرجع عليه بذلك وبما دفعه لها بإذنه فأتلفته، بل وإن لم يأذن بناء على احتمال
الرجوع به على السيد كذلك.
المسألة (الثانية)
عكس المسألة السابقة، وهي ما (إذا تزوجت المرأة برجل على أنه حر فبان
مملوكا) مأذونا (كان لها الفسخ قبل الدخول وبعده، ولا مهر لها مع الفسخ
قبل الدخول) لأنه من قبلها، (و) لاقتضاء الفسخ ذلك كما عرفته سابقا، نعم
(لها المهر) المسمى (بعده) لما عرفته أيضا فيما تقدم، بلا خلاف أجده في
شئ من ذلك، بل ولا إشكال، لما تقدم ولصحيح محمد بن مسلم (1) (سألت أبا جعفر
عليه السلام عن امرأة حرة تزوجت مملوكا على أنه حر، فعلمت بعد أنه مملوك،
قال: هي أملك بنفسها إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فلا، فإن كان دخل بها فلها

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
372

الصداق، وإن لم يكن دخل بها فليس لها شئ) وظاهر قوله عليه السلام: (الصداق)
أنه المسمى كما حققناه سابقا، لا مهر المثل، كما أن ظاهره كون العبد مأذونا وإلا
لم يكن الخيار بيدها مع عدم إجازة السيد، ولكن لها المهر على العبد تتبعه به
بعد العتق، بخلاف ما إذا كان مأذونا، فإن المهر يرجع به على السيد، لما تقدم
سابقا من أن مهر العبد المأذون على السيد، وكذا ظاهر الصحيح المزبور عدم الفرق
بين شرطية الحرية في متن العقد وعدمها بعد صدق التدليس والغرور والخديعة، كما
سمعته في السابق، بل لا يخفى عليك إجراء جميع ما ذكرناه من الأحكام في المسألة
السابقة حتى حكم ظهوره مبعضا وحكم ما لو كانت الامرأة أمة وإن كان الخيار
حينئذ بيد المولى قطعا، نعم في القواعد هنا (لو ظهر الزوج معتقا فلا خيار) وفيه
ما عرفت بناء على كون المراد عدم الخيار لو ظهر كون حريته بعتقه بعد كونه زوجا،
أما لو كان المراد أنه حين النكاح معتقا لا حرا بالأصل فوجه عدم الخيار حينئذ
ظاهر، ضرورة صدق الحرية، والله العالم.
المسألة (الثالثة)
(قيل) في محكي المقنعة والنهاية والمهذب والسرائر والوسيلة بل نسب
إلى أكثر المتقدمين (إذا عقد على بنت رجل على أنها بنت مهيرة) أي حرة
(فكانت بنت أمة كان له الفسخ) للتدليس في الصفة المستفاد تسبيبه الخيار من
فحاوي النصوص السابقة والتعليل في بعضها، ولعله لا يخلو من قوة، خصوصا مع
احتمال إرادته من الخبرين (1) الآتيين في المسألة الآتية، بل لعله الظاهر من
أحدهما. (و) لكن مع ذلك (الوجه) عند المصنف، وغيره من المتأخرين
(ثبوت الخيار مع الشرط) في متن العقد تحقيقا أو تقديرا على القول به (لا مع
إطلاق العقد) ووقوع ذلك على نحو الداعي أو الشرط قبله، لأصالة اللزوم، بخلافه

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 و 2.
373

مع الشرط فيه الذي لا خلاف في ثبوت الخيار معه حينئذ، بل عن بعضهم دعوى
الاجماع عليه صريحا، لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1) المنحصر فائدته في
نحو المقام في التسلط على الخيار.
وعلى كل حال (فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر) لها على الزوج إجماعا،
ولا على أبيها الذي زوجها على المشهور، للأصل مع انتفاء المقتضي، خلافا للشيخ
في محكي النهاية، فأثبت عليه المهر، وعلله غير واحد بالرواية، ولم نقف إلا على
خبري محمد بن مسلم (2) الآتيين في المسألة الآتية، ولا دلالة فيهما على ذلك، فالأصل
حينئذ بحاله بعد قصور الرواية المرسلة لو فرض إرادة غيرهما منها عن قطعة كما
هو واضح.
(نعم لو فسخ بعده كان لها المهر) المسمى الذي استقر بالدخول على
الزوج، كما عرفته فيما تقدم من نظائر المسألة (و) لكن (يرجع به على
المدلس أبا كان أو غيره) لقاعدة الغرور وفحاوى النصوص السابقة في أمثال المسألة
وصحيح محمد بن مسلم (3) الآتي حتى لو كانت هي المدلسة رجع عليها إن كان قد
دفع إليها، وإلا لم يكن لها شئ حتى أقل ما يتمول فضلا عن مهر المثل، كما عرفت
تحقيق المسألة فيما تقدم، هذا وفي القواعد (ولو خرجت بنت معتقة فاشكال) ولعله
من دخولها في المهيرة عرفا، لأنها الحرة كما عن الجوهري وغيره، مضافا إلى
الأصل والاحتياط، ومن دعوى تبادر الحرة بالأصل وفيها منع، والأولى أن يحمل
على ظهور أنها كانت أمها أمة حين ولدت ثم أعتقت، فإن الاشكال فيها أظهر من
صدق أنها الآن مهيرة، ومن أنها حين ولدت منها لم تكن بنت مهيرة، والظاهر
أن العبرة بذلك حين الولادة، والأمر سهل بعد وضوح الحال في أصل المسألة،
والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
374

المسألة (الرابعة)
(لو زوجه بنته من مهيرة وأدخل عليه بنته من الأمة فعليه) اجتنابها
مع العلم بالحال و (ردها، ولها مهر المثل إن دخل بها) وهي غير عالمة وإن كان
هو عالما. (ويرجع به) من جهله (على من ساقها إليه) لقاعدة الغرور. (وترد
عليه التي تزوجها) لأن الفرض كونها امرأته (وكذا كل من أدخل عليه غير
زوجته فظنها زوجته سواء كانت أرفع أو أخفض) أو مساوية فوطأها، فإنه يغرم لها مهر
المثل إن لم تكن عالمة، ويرجع به إن لم يكن عالما على المدلس، للقواعد المقررة، وأنما
ذكر الأصحاب هذه بخصوصها لتعرض النصوص لها، ففي صحيح محمد بن مسلم (1)
عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن رجل خطب إلى رجل ابنته له ممن مهيرة فلما كانت
ليلة دخولها على زوجها أدخل عليه ابنة له أخرى من أمة، قال: ترد على أبيها،
وترد إليه امرأته، ويكون مهرها على أبيها) وفي صحيحه الآخر (2) (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخطب إلى الرجل ابنته من مهيرة فأتاه بغيرها، قال:
ترد التي سميت له بمهر آخر من عند أبيها، والمهر الأول للتي دخل بها) بناء
على كون المراد منهما إدخال الأخرى بعد العقد على الأولى، مع احتمال إرادة
الخطبة بنت المهيرة ولكن العقد وقع على بنت الأمة بعنوان أنها بنت المهيرة
تدليسا من الأب، فيكون الخبران حينئذ دليلي المسألة السابقة، بل لعل الثاني
منهما ظاهر في ذلك، بل والأول بناء على أن المراد من (امرأته) فيها المسماة
له بالخطبة ونحوها.
وعلى كل حال فالمراد من الأول بقرينة الثاني كون مهر المردودة إلى
زوجها على أبيها، ووجه أن الزوج يرجع بالمهر الذي غرمه للأولى على الأب
المدلس، فيأخذه منه، ويدفعه إلى المعقودة عليه بعد فرض تساوي مهر المثل الذي

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2 - 1.
375

غرمه للمهر الذي عقد عليه، وحينئذ فيوافق الخبران القواعد المعلومة.
ومنه يعلم ما في فتوى الشيخ السابقة المبنية علي رجوع الضمير في الخبر
الأول للبنت من الأمة، وكون الرد قبل الدخول، مع احتماله مضافا إلى ما عرفت
العلم بعد الدخول وحينئذ فالمراد من كون المهر على أبيها باعتبار رجوع الزوج به
عليه، فقراره حينئذ عليه.
وقال في هذه المسألة في النهاية: (وإن كان للرجل بنتان إحداهما بنت مهيرة
والأخرى بنت أمة فعقد لرجل على ابنته من المهيرة ثم أدخل عليه بنته من أمة
كان له ردها، وإن كان قد دخل بها وأعطاها المهر كان المهر لها بما استحل من
فرجها، وإن لم يكن دخل بها فليس لها عليه مهر، وعلى الأب أن يسوق إليه ابنته
من المهيرة، وكان عليه المهر من ماله إذا كان المهر الأول قد وصل إلى ابنته
الأولى، وإن لم يكن وصل إليها ولا يكون قد دخل بها كان المهر في ذمة الزوج
لرواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام) وذكر الخبر الأول، وفي المسالك بعد حكاية
ذلك عنه قال: (ولا يخفى أن في دعوى الشيخ زيادات عن مدلول الرواية لا
توافق الأصول، مع أن في طريق الرواية ضعفا) قلت: الخبر حسن كالصحيح،
وليس في كلام الشيخ زيادات عليه بعد فرض كون مراده ما ذكرنا، فتأمل جيدا،
والله العالم.
المسألة (الخامسة)
(إذا تزوج امرأة وشرط كونها بكرا فوجدها ثيبا) وثبت بالاقرار أو
البينة سبق ذلك على العقد كان له الفسخ، لانتفاء الشرط الذي قد عرفت أن فائدته
ذلك، ولعله لا خلاف فيه كما لا إشكال، لكن في كشف اللثام أن ظاهر الأكثر
وصريح بعض عدم الخيار، للأصل والاحتياط، وأن الثيبوبة ليست من العيوب،
وفيه أنا لم نتحقق ما حكاه، بل لا وجه له مع الفتوى من غير خلاف منهم في تحقق
376

الخيار مع شرط الصفات، ككونها بنت مهيرة ونحوها، لدليل الشرطية القاطع
للأصل، وغير متوقف على العيب حينئذ، نعم أطلق كثير من الأصحاب فيمن تزوج
جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا (لم يكن له الفسخ) إلا أن ذلك منهم (لامكان
تجدده بسبب خفي) كما أومأ إليه المصنف، فلا ينافي اشتراطه، بل هو المراد من
خبر القاسم بن الفضيل (1) عن أبي الحسن عليه السلام (في الرجل يتزوج المرأة على أنها
بكر فيجدها ثيبا أيجوز أن يقيم عليها قال: قد تفتق البكر من المركب ومن
النزوة) أو المراد أنه لا دلالة في انتفاء بكارتها على فجورها، أو أن لها بعلا أو نحو
ذلك مما لا ينبغي معه القيام معها، لأن البكارة قد تذهب بالنزوة ونحوها.
وعلى كل حال فهو غير مفروض المسألة الذي هو اشتراط البكارة المعلوم
سبق انتفائها، بل لا يبعد ثبوت الخيار معه وإن لم يذكر ذلك شرطا في متن العقد،
وإنما كان بتدليس منها أو من وليها، لما سمعته في المسائل السابقة، نعم لو تزوجها
من دون اشتراط بكارة ولا تدليس وإنما قدم عليها على احتمالها الأمرين لم يكن
له خيار، بل ولا رجوع بمهر وإن ظهر سبقها، للأصل السالم عما يقتضي شيئا منهما.
وكيف كان فإذا فسخ حيث يكون له الفسخ فإن كان قبل الدخول فلا مهر،
وإن كان بعده استقر المهر ورجع به على المدلس، وإن كانت هي، بل الأصح عدم
استثناء قدر ما يتمول أو مهر المثل له إذا رجع عليها، لما عرفته في المسائل السابقة.
(و) أما إذا اختار البقاء أو لم يكن له الفسخ لاحتمال التجدد (كان له
أن ينقص من مهرها) على المشهور بين الأصحاب، لصحيح محمد بن جزك (2)
(كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام سألته عن رجل تزوج جارية بكرا فوجدها ثيبا هل
يجب لها الصداق وافيا أو ينتقص؟ قال: ينتقص) خلافا للحلبي وابن البراج فلم
ينقصا منه شيئا، للأصل المقطوع بالدليل، فلا ريب في ضعفه، إنما الكلام في

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1 عن محمد بن
القاسم بن الفضيل كما في الكافي ج 5 ص 413.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
377

مقدار النقصان، ففي محكي النهاية شئ، لاطلاق لفظ النقصان في الصحيح المزبور.
وفي القواعد ومحكي السرائر والتحرير والإرشاد والتلخيص هو (ما بين
مهر البكر والثيب، ويرجع فيه إلى العادة) فينقص من المسمى مقدار التفاوت
بينهما نصف أو ثلث أو غيرهما، لأنه الذي فوته المدلس باعتبار أنه بذل المسمى
في مقابلة الوصف بالبكارة ولم تكن كذلك، فيلزم التفاوت كأرش ما بين كون المبيع
صحيحا ومعيبا، وضعفه في المسالك بأن ذلك إنما يتم حيث يكون فواته قبل العقد
أما مع إمكان تجدده أو العلم بتجدده بناء على كونه كذلك فلا، لعدم مقتضي السقوط
حينئذ أو عدم العلم به.
(وقيل) والقائل قطب الدين الراوندي: (ينقص السدس) لأنه المراد
من الشئ في الوصايا (وهو غلط) لخلو الخبر عن لفظ (الشئ) ولو سلم فالحمل
على الوصية ممنوع، وعن المصنف في النكت إحالته على رأي الحاكم كما هو الشأن
في كل ما لا تقدير له شرعا، وقد يرجع إليه القول الأول، ضرورة أنه لا وجه
لا يكال أمر الشئ إلى الزوج أو الزوجة المؤدي إلى النزاع في تعيين أفراد الشئ، ولا
نظير له في الشرع.
قلت: وقد يقال: إن الأولى تقديره بالنصف عملا بالنصوص (1) المعتبرة
المستفيضة الواردة في تقديره بالأمة بعشر قيمتها ونصف عشر قيمتها الظاهرة في كون
التفاوت بين البكارة والثيوبة التي لا فرق فيهما بين الأمة وغيرها بالنصف وإن اختلفا في
كون ذلك نصف عشر القيمة ونصف المسمى الذي قد وقع العقد والتراضي عليه،
بل هو الأقوى في النظر إن لم يكن اجماع على خلافه، كما أنه يقوى ثبوت
النقصان مع العلم بتجدد الثيبوبة، لترك الاستفصال في الصحيح المزبور الذي يمكن
تأييده بكونه كالمبيع قبل قبضه في ضمانه على البائع حتى يقبض، اللهم إلا أن

(1) الوسائل الباب - 35 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 و 2 والباب 67
منها الحديث 1.
378

يدعي ظهور النص في سبق الثيوبة أو مجهول الحال، فيكون ترك الاستفصال فيه
لذلك، ويمكن منعه، والله العالم.
المسألة (السادسة)
(إذا استمتع امرأة فبانت كتابية) مثلا (لم يكن له الفسخ من دون
هبة المدة) للأصل السالم عما يقتضي خياره (ولا له اسقاط شئ من المهر)
لعدم نقص الاستمتاع عليه بشئ، نعم له فسخ عقدها بهبة المدة كغيرها من النساء
التي استمتع بها. (وكذا لو تزوجها دائما) بناء (على أحد القولين) ولكن
له أن يطلقها كغيرها من النساء (نعم لو شرط إسلامها) مثلا (كان له الفسخ
إذا وجدها على خلافه) لما عرفت من اقتضاء الشرط ذلك، بل قد عرفت قوة
ثبوت الخيار بالتدليس بنحو ذلك على وجه تزوجها على أنها مسلمة مثلا فبان
الخلاف. وعلى كل حال فحكمها في الفسخ قبل الدخول وبعده وفي الرجوع بالمهر
على المدلس وغير ذلك حكم نظائرها السابقة، ولو شرط كونها كتابية فبانت مسلمة
ففي تسلطه على الخيار وجهان: أقواهما الأول، لعموم المقتضي، ولعل له غرضا في
ذلك، وكذا كل شرط صفة نقص فبان الكمال، وفي الحاق التدليس به هنا إشكال
من صدقه، ومن ظهور تلك الأدلة في تدليس الناقص بالكامل لا العكس، ولعله
الأقوى.
379

المسألة (السابعة)
(إذا تزوج رجلان) مثلا (بامرأتين فأدخلت امرأة كل واحد منهما
على الآخر فوطأها فلكل واحدة منهما على واطئها) مع جهلها (مهر المثل)
ويرجع به على الغار إن كان (وترد كل واحدة على زوجها، وعليه مهرها
المسمى) بالعقد عليها (وليس له وطؤها حتى تنقضي عدتها من وطئ الأول)
إلا إذا كان الوطئ زنا منهما، فإنه لا عدة حينئذ (ولو ماتتا في العدة أو مات الزوجان
ورث كل واحد منهما زوجة نفسه وورثته) لحصول السبب وإن امتنع الوطئ
لعارض كالحيض ونحوه بلا إشكال في شئ من ذلك ولا خلاف، وإنما ذكره
الأصحاب بخصوصه للنص فيه، ففي الصحيح (1) (في رجلين نكحا امرأتين، فأتى
هذا بامرأة هذا، وهذا بامرأة هذا، تعتد هذه من هذا وهذه من هذا، ثم ترجع كل
واحدة إلى زوجها) وفي مرسلة جميل بن صالح (2) عن الصادق عليه السلام (في أختين
أهديتا إلى أخوين في ليلة، فأدخلت امرأة هذا على هذا وأدخلت امرأة هذا على
هذا، قال: لكل واحدة منهما الصداق بالغشيان، وإن كان وليهما تعمد ذلك أغرم
الصداق، ولا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدة، فإن انقضت العدة صارت كل
واحدة منهما إلى زوجها بالنكاح الأول، قيل له: فإن ماتتا قبل انقضاء العدة، فقال:
يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما، ويرثهما الرجلان، قيل: فإن مات الرجلان
وهما في العدة قال ترثانهما، ولهما نصف المهر المسمى لهما، وعليهما العدة بعد
ما تفرغان من العدة الأولى، تعتدان عدة المتوفى عنها زوجها) نعم هي تتضمن
تنصيف المهر بالموت قبل الدخول من أيهما كان ولم يقل به أحد كما في كشف اللثام،
قال: (ولذا عمل بها الشيخ في محكي النهاية إلا في تنصيف المهر لهما إذا مات
الزوجان فأثبت لهما تمام المسمى) وستسمع إنشاء الله تحقيق الحال في ذلك.

(1) الوسائل الباب - 49 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 49 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 2.
380

وحملها في المختلف على أن المرأتين ليس لهما ولد، فيرجع الزوجان
بالنصف مما دفعا مهرا على سبيل الميراث، وفي المسالك (هذا الحمل مع بعده إنما
يتم في جانب الزوج دون الزوجة، لحكمه لها أيضا بالنصف، مع أن أول الرواية
تضمن حصول الغشيان وآخرها اقتضى ثبوت النصف بالموت، وحملها على ما لو وقع
ذلك قبل الدخول خلاف ظاهرها، وعلى كل تقدير فاطراح الرواية للضعف أولى
من تكلف حملها على ما لا تدل عليه).
قلت: المحتاج إلى التأويل فيها التنصيف بموت الزوجة دون العكس الذي
ستسمع دلالة كثير من النصوص (1) عليه، والغشيان في أول الرواية غشيان الشبهة
لا غشيان الزوج، فلا ريب حينئذ في كون المفروض الموت قبل الدخول، والأمر
سهل بعد وضوح الأمر في ذلك وفي أن للزوجين الرجوع بما غرما من مهر المثل
على نحو ما سمعته في المسائل السابقة، إلا أن الزوجة هنا إذا كانت هي الغارة لم يكن
لها مهر أصلا لكونها بغيا حينئذ.
هذا ولكن في جامع المقاصد (يرجع كل من الزوجين بما غرمه من مهر المثل
على الولي، وفي الرواية التقييد بتعمده، وكذا في عبارة الشيخ على ما سبق ذكره،
وينبغي أن يقال: إن تعمد الولي والزوجة أو كانا معا جاهلين فالغرم عليها دون
الولي، لأن سببيتها أقوى، نعم يستثنى لها أقل ما يصلح مهرا، وإن تعمد أحدهما
خاصة فالغرم مختص به، فإن تعمدت هي فلا بد من استثناء الأقل، ولو علم الزوج
وجهلت المرأة غرم مهر المثل، ولا يرجع به على أحد وينبغي تأمل هذا التفصيل،
لأني لم أجد به قائلا).
قلت: مع أن فيه منافاة لقاعدة عدم المهر لبغي مع فرض كونها المعتمدة
فلا وجه لاستثناء أقل ما يصلح، بل يقال: بأن له الرجوع على كل منهما مع فرض
كون الغرور من كل منهما إذا كانا جاهلين أو توزع الغرامة عليها، اللهم إلا
أن يكون غرور الولي منهما، فغر الزوج، فإن القرار حينئذ عليها، فتأمل جيدا،

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب المهور.
381

هذا كله مع علم الحال.
أما إذا اشتبه على كل منهما زوجته ولم يكن ثم طريق إلى معرفتهما منع
كل واحد من الرجلين عن الامرأتين حتى يقرع، فإن القرعة لكل أمر مشكل،
لكن في القواعد (ألزم كل منهما الطلاق) وفي غيرها احتمال طلاق الحاكم أو
فسخه أو تسلط المرأتين على الفسخ وانتفاء الجميع، ولعل الأقوى ما ذكرنا.
ولو طلقها فلا تحسب هذه طلقة لو تزوج أحدهما بإحداهما بعد ذلك وطلقها
أخريين لم تحرم، لعدم معلومية الزوجة في الثلاث، والأصل الحل، نعم لو زوجهما
معا وطلقهما مرتين معا ولو في الطلقة الآخرة حرما عليه، لأن زوجته إحداهما
ووقوع ثلاث طلقات بها مقطوع به لا على التعيين، فيجب الاجتناب، لاختلاط
الحلال بالحرام، وكذا إذا طلقهما مرتين متعاقبتين حرمتا بعد كمال الطلقتين لهما
لذلك.
وعلى كل حال يلزم كل من الرجلين بنصف مع الطلاق قبل الدخول، فإن اتفق
النصفان جنسا وقدرا وصفة أخذت كل منهما أحد النصفين وإن اختلفا قسم بينهما
أحد النصفين بالتسوية إن تتداعياه وتصادم دعواهما بأن حلفتا أو نكلتا، ويبقى
النصف الآخر مجهول المالك، إلا أن يرجع إحداهما إلى ادعائه، فلا يبعد سماعه
منها وإعطاؤها إياه، وارتجاع ما أخذته من النصف الأول وتسليمه للأخرى، ولعل
الأولى من ذلك القرعة بناء على ما عرفت، فكل نصف خرج على إحداهما أعطيت
إياه، ويعطي الأخرى النصف الآخر لتعينه، وربما احتمل أيضا إيقاف كل من
النصفين حتى يصطلحا.
وإن سكتا ولم يتداعيا شيئا منهما فالأولى بناء على ما ذكرنا القرعة أيضا،
وربما احتمل الايقاف أيضا وإن كان الاختلاف بين النصفين في القدر خاصة أعطيت كل
منهما ما تساويا فيه.
بقي الكلام في الزائد، والأولى عندنا فيه القرعة، ويحكم الحاكم حينئذ
بمقتضاها، وربما احتمل عدم ثبوت نصف المهر مع فرض وقوع الطلاق بالاجبار،
382

وأولى به من فسخ الحاكم أو المرأتان، لكنه كما ترى. وقد مر للمسألة نظير
في تزويج الوليين، وحكم الميراث حكم المهر.
ومع عدم البناء على القرعة لا ريب في أنه يحرم كل منهما أم كل واحدة
منهما، للاشتباه، وكذا يحرم كل منهما على أب الزوج وابنه، أما على ما ذكرناه
من القرعة فلا إشكال ولا اشتباه، والله العالم.
المسألة (الثامنة)
(كل موضع حكمنا فيه ببطلان العقد فللزوجة) الحرة (مع الوطئ)
والجهل (مهر المثل) كوطئ الشبهة بلا عقد (لا المسمى) الذي قد وقع في العقد
الفاسد، خلافا لبعضهم كما عرفت الكلام فيه وفي غيره سابقا (وكل موضع حكمنا
فيه بصحة العقد فلها مع الوطئ) وعدم التدليس منها (المسمى) الذي تستقر
بالدخول (وإن لحقه الفسخ. وقيل) والقائل الشيخ: (إن كان الفسخ بعيب
سابق على الوطئ لزمه مهر المثل سواء كان حدوثه قبل العقد أو بعده و) لا ريب
أن (الأول أشبه) بأصول المذهب وأخباره كما تقدم البحث فيه.
المسألة التاسعة:
لو شرط الاستيلاد فخرجت عقيما ففي القواعد لا فسخ، لامكان تجدد شرطه
ولو في الشيخوخة وعدم العلم بالعقم من دونه، وجواز استناده إليه.
وفيه (أولا) أن فرض خروجها عقيما ينافي هذه الاحتمالات التي منها
جواز ولادتها في الشيخوخة التي لو وقع ذلك فيها عد من المعجزات، والمراد من
العقم المشترط عدم حملها، فجواز كونه لمانع لا للعقم غير مجد، وجواز استناده
إليه ينفيه ولادته من غيرها، وأن المراد من اشتراط الاستيلاد ما يرجع إلى صفاتها
383

لا إلى ما يرجع إلى فعل الله الذي لا اختيار لأحدهما فيه، فإن ذلك لا يجوز
اشتراطه، ودعوى - أنه وإن أريد بالشرط ما يرجع إلى صفاتها إلا أنه لا يعلم
بوجه فلا يفيد اشتراطه انتفاءه، فإن انتفاء الولادة لا يدل على العقم - يدفعها إمكان
معرفة ذلك بالقرائن العادية التي تفيد الطمأنينة بذلك، وكذا حكم اشتراطها
عليه الاستيلاد.
المسألة العاشرة:
لو غرته المكاتبة بالحرية فإن اختار الامساك فلها لا لسيدها المهر، وإن
اختار الفسخ فلا مهر قبل الدخول، ويرجع به جميعه على المختار بعده إن كان قد
دفعه، وإلا فلا شئ، ولو غره الوكيل - سيدها كان أو غيره - رجع إليه
بالجميع.
ولو أتت بولد فهو حر إن كان الزوج حرا لأنه دخل على ذلك، نعم مع
فرض عدم إذن المولى يغرم قيمته يوم سقط حيا.
ويتبع القيمة في الاستحقاق أرش الجناية، لأنه قيمة لبعض المجني عليه فإن كان
المستحق لها المولى استحق الأرش أيضا، ولو فرض أنه الغار لم يستحق شيئا، وإن
كانت الأم هي المستحقة للقيمة كانت مستحقة للأرش أيضا، فإذا فرض أنها الغارة لم تستحق
شيئا وإن كان الغار غير المستحق غرم له القيمة، ويرجع بها على الغار.
ولو ضربها أجنبي فألقته لزمه دية جنين حر لأبيه لأن أمه أمة لا ترث،
فإن كان هو الضارب فللأقرب إلى الولد من ورثته دون الأب القاتل، فإن لم يكن له
قريب فللإمام، وعلى الأب للسيد عشر قيمة أمة إن قلنا، إن الأرش له، وإن
قلنا: إنه للأم فلها، ووجه وجوبه أن الولد مضمون ولذا يجب على الجاني دية للأب،
فكما يضمن للأب يضمن للسيد، وعن المبسوط والتحرير لا ضمان لوجوب قيمته يوم
384

سقط حيا ولا قيمة للميت، وعلى الضمان فإن زادت الدية على عشر القيمة أو ساوته
فلا إشكال، وإن نقصت عنه ففي وجوب العشر كاملا أو أقل الأمرين منها وجهان.
المسألة الحادية عشر:
لا يرجع المغرور بالغرامة على الغار إلا بعد أن يغرم، لأنه إنما يرجع بما
غرمه، وكذا الضامن، نعم في القواعد للمغرور مطالبة الغار ليخلص من مطالبة المرأة
أو السيد، كما أن للضامن أن يطالب المضمون عنه بالتخليص، ولعله لكونه ليس
رجوعا، لكن لا يخلو من نظر، لعدم دليل على استحقاق هذه المطالبة قبل الدفع.
المسألة الثانية عشر:
قال في القواعد: (لو انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها أعلى أو أدون من غير
شرط فالأقرب أنه لا فسخ، وكذا المرأة، نعم لو شرط أحدهما على الآخر نسبا
فظهر من غيره كان له الفسخ، لمخالفة الشرط، وكذا لو شرط بياضا أو سوادا أو
جمالا) قلت: قد تكرر منا غير مرة قوة ثبوت الخيار بالتدليس بصفة من صفات
الكمال على وجه يتزوجها على أنها كذلك فبان الخلاف، أي صفة كانت، لظهور
نصوص (1) التدليس فيه، خصوصا المشتمل منها على التعليل الذي يكشف عن الوجه
فيما ورد الخيار به من التدليس بالحرية ونحوها، مضافا إلى فحوى خبر الحلبي (2)

(1) الوسائل الباب - 2 و 7 - من أبواب العيوب والتدليس.
(2) المراد من خبر الحلبي هو خبره الذي ورد فيمن تزوج وقال: أنا من بني فلان،
وقد تعرض (قده) له بعد قليل في هذا الفرع نفسه، والظاهر أن استدلاله بفحواه هنا ليس
لاثبات الخيار في صورة الانتساب إلى قبيلة وظهور الخلاف، فإنه نص في ذلك كما ذكره
(قده) بل لاثبات الخيار بالتدليس بصفة من صفات الكمال، كاشتراط البياض أو السواد أو
الجمال ونحوها، كما أنه استدل الفاضل (قده) لهذه الصورة بفحواه في كشف اللثام وبنصه
في تلك المسألة.
385

وخبر حماد بن عيسى (1) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (إنه خطب رجل إلى قوم،
فقالوا: ما تجارتك؟ فقال: أبيع الدواب، فزوجوه فإذا هو يبيع السنانير فمضوا
إلى علي عليه السلام فأجاز نكاحه، وقال: إن السنانير دواب) وخصوص نص الحلبي (2)
(وفي رجل تزوج امرأة فيقول: أنا من بني فلان، فلا يكون كذلك، قال: يفسخ النكاح،
أو قال: يرد) ولعله لذا كان المحكي عن ظاهر أبي علي والنهاية والخلاف والوسيلة
الخيار وإن لم يشترط ذلك في العقد.
ومنه يعلم الحكم في صورة الشرط المعلوم أولويتها من ذلك، ولذا اقتصر
عليها ابن إدريس فيما حكى عنه نحو الذي سمعته من الفاضل، بل يمكن دعوى
تحصيل الاجماع منهم هنا، على أن شرطية الصفات توجب الخيار إذا بان الخلاف،
بل قد عرفت فيما تقدم قوة ذلك حتى مع اشتراط الناقص من الصفات فبان الكامل
لاختلاف الأغراض ولانحصار فائدة الشرط بذلك هنا، نعم لو كان الشرط من الأفعال
أمكن القول بعدم الخيار بتعذره أو امتناعه، للفرق بين النكاح والبيع بذلك، بل
يلزم المشترط عليه بأدائه، كما أنه تقدم لك منا أنه وإن قلنا بالحاق صورة التدليس
بصورة الشرط في إثبات الخيار، لكن ذلك إنما هو فيما إذا دلس صفة كمال فبان
صفة نقص لا العكس وإن قلنا بالخيار في صورة شرطه، ومن ذلك كله يظهر لك ما
في كلام المصنف ره في مسألة الانتساب في بحث الكفاءة، وقد أوكلنا الأمر هناك
إلى - هذا المقام، فلاحظ وتأمل، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 1.
وبهذا أنهينا والحمد لله تعاليقنا على الجزء الثلاثين من كتاب جواهر الكلام بجوار
مولانا أمير المؤمنين سيد الأوصياء عليه آلاف التحية والثناء في أيام حرجة كانت تمر على
الحوزة العلمية التي لا تزال محروسة برعاية صاحبها خاتم الأوصياء المهدي المنتظر عجل
الله تعالى فرجه الشريف النجف الأشرف 28 رمضان المبارك 1395
أقل خدمة الحوزة محمود القوچاني
386