الكتاب: مصباح الفقيه (ط.ق)
المؤلف: آقا رضا الهمداني
الجزء: ١ ق ١
الوفاة: ١٣٢٢
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: حيدري
الناشر: منشورات مكتبة الصدر - طهران
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية

كتاب الطهارة
من مصباح الفقيه
لمؤلفه
العلامة الكبير.. الفقيه الهمداني
من منشورات مكتبة الصدر
1

كتاب الطهارة من مصباح الفقيه
لحضرة مرجع الخاص والعام مروج
شرع سيد الأنام ملاذ الاسلام شمس الفقهاء والمجتهدين
وحجة الاسلام والمسلمين آية الله في العالمين العالم الرباني
والمحقق الصمداني الزاهد السبحاني العابد الذي ليس له الثاني
الحاج آقا رضا الهمداني
رفع الله درجاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا إلى معالم الدين وأرشدنا إلى شرايع الاسلام والصلاة والسلام على سيد الأنام محمد الصادع بحدود الحلال
والحرام وآله البررة الكرام ومصابيح الظلام وينابيع الاحكام * (وبعد) * فيقول العبد الجاني محمد رضا ابن الشيخ الفقيه الآقا محمد هادي
الهمداني تغمده الله برحمته لما وفقني الله تعالى للبحث عن مسائل الفقه وبنائها على مبانيها أحببت ان اصنع في ذلك كتابا يهدى في كل فرع إلى أصله مع
بسط الكلام في مبانيه حسبما يناسبه المقام مستقصيا لنقل الروايات الواردة فيه كي يكون وافيا بمقام الاستدلال مغنيا عما سواه مما نسج على هذا المنوال
وجعلته شرحا على كتاب شرايع الاسلام من مصنفات الامام المحقق الفريد الشيخ أبى القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد تيمنا به واقتداء بكثير من مشايخنا السابقين
رضوان الله عليهم أجمعين وسميته بمصباح الفقيه مبتهلا إلى الله تعالى ان يجعله خالصا لوجهه الكريم وذريعة إلى فضله الجسيم راجيا منه ان يجعله كاسمه
مصباحا للفقيه وان يوفقني لاتمامه وينفعني به واخواني المؤمنين إنه أرحم الراحمين * (كتاب الطهارة) * يطلق في عرف الفقهاء
على مجموع المباحث المدونة لمعرفة الأحكام الشرعية العارضة لفعل المكلف مما يتعلق بالخبث والحدث * (واما الطهارة) * فهي لغة النظافة والنزاهة
وكثيرا ما يراد منها في اطلاقات الشارع ومحاورات أهل الشرع ضد النجاسة بمعناها المعروف عند المتشرعة وقد يراد منها الأعم منه ومن الأثر الشرعي
الحاصل من الوضوء والغسل والتيمم أعني النظافة المعنوية الموجبة لإباحة الصلاة * (وقد) * يراد منها خصوص الثاني وقد شاع استعمالها في عرف أهل الشرع
في نفس هذه الأفعال بحيث كادت تكون حقيقة فيها لديهم بل قيل إنها اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم ولكن لا مطلقا بل إذا كان على وجه له تأثير في استباحة
الصلاة بخلاف وضوء الحائض والجنب والأغسال المندوبة على المشهور والتيمم للنوم فان اطلاق الطهارة على هذه الأفعال بحسب الظاهر انما هو لكونها أسبابا
لحصول النظافة الشرعية التي يباح بها الدخول في الصلاة فلا يكون استعمالها غالبا الا فيما هو سبب للاستباحة فلو قلنا بحصول النقل أيضا لا يكون الا في
هذا الصنف لا مطلقا * (فتأمل) * وكل واحد منها أي من الوضوء والغسل والتيمم ينقسم إلى واجب وندب وحمل الجواز والكراهة عليها في بعض المقامات مبنى على
نحو من الاعتبار واطلاق الوضوء وكذا غيره من أسامي العبادات على ما يحكم عليه بالحرمة كالوضوء بالماء المغصوب مسامحة فالواجب من الوضوء ما كان * (مقدمة
لصلاة واجبة) * ولو بنذر وشبهه وبحكمها اجزائها المنسية أو طواف واجب أو لمس كتابة القران وأسماء الله (تعالى) بل وأنبيائه والأئمة عليهم السلام في وجه قوى
ان وجب بنذر و شبهه ويدل على وجوبه شرعا للأمور المذكورة بعد استفادة شرطيته لها من الأدلة الشرعية الأمر المولوي التبعي الغيري المتولد لدى العقل من الامر
بغاياته كما تقرر في الأصول ومن ينكر وجوب مقدمة الواجب يشكل عليه الالتزام بوجوب الوضوء في المقام إذ ليس له الا ان يتشبث بظاهر الأوامر المتعلقة به في
الكتاب والسنة مع أن في دلالتها عليه اشكالا إذ لمانع ان يمنع ظهور الامر المتعلق بمقدمات الأفعال في الطلب المولوي إذ الظاهر أنه لا ينسبق إلى الذهن
منها الا الوجوب الشرطي لا الالزام الشرعي التكليفي وكيف كان فليعلم انا وان قلنا بوجوب الوضوء للأمور المذكورة الا انا لا نلتزم باستحقاق العقاب
على تركه من حيث هو حتى يتوجه علينا الطعن بلزوم استحقاق عقابات لا تحصى على ترك واجب نفسي يتوقف على مقدمات كثيرة مع قضاء العقل وقاعدة العقلاء
ببطلانه لان استحقاق العقاب من اثار ترك الواجب النفسي لا الغيري وما يقال من أن الواجب ما يستحق تاركه العقاب فلا ينافي ذلك لان استحقاق العقاب
أعم من أن يكون لذاته أو لافضائه إلى ترك واجب نفسي فليتأمل ولتمام التحقيق مقام اخر والمندوب من الوضوء * (ما عداه) * من الوضوءات المشروعة التي؟؟
إليها [انش‍] [تعالى] * (قال) * السيد في المدارك لم يتعرض المصنف (ره) لبيان ما يستحب له الوضوء والذي يجتمع من الاخبار وكلام الأصحاب انه يستحب للصلاة والطواف
المندوبين ومس كتابة كتاب الله [تعالى] وقرائته وحمله ودخول المساجد واستدامة الطهارة وهو المراد بالكون عليها وللتأهب لصلاة الفريضة قبل دخول وقتها
2

ليوقعها في أول الوقت و للتحديد ولصلاة الجنازة وطلب الحوائج وزيارة قبور المؤمنين ومالا يشترط فيه الطهارة من مناسك الحج وللنوم ويتأكد في الجنب
وجماع المحتلم قبل الغسل وذكر الحايض وجماع المرأة الحامل مخافة مجيئ الولد أعمى القلب بخيل اليد بدونه وجماع غاسل الميت ولما يغتسل وإذا كان
الغاسل جنبا ولمريد ادخال الميت قبره ووضوء الميت مضافا إلى غسله على قول ولإرادة وطئ جارية بعد وطى أخرى وفي المذي في قول قوى والرعاف والقئ
والتخليل المخرج للدم إذا كرههما الطبع والخارج من الذكر بعد الاستبراء والزيادة على أربعة أبيات شعر باطل والقهقهة في الصلاة عمدا والتقبيل بشهوة
ومس الفرج وبعد الاستنجاء بالماء للمتوضي قبله ولو كان قد استجمر وقد ورد بجميع ذلك روايات الا ان في كثير منها قصورا من حيث السند وما قيل من أن
أدلة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها فمنظور فيه لان الاستحباب حكم شرعي فيتوقف على الدليل الشرعي كساير الاحكام انتهى * (أقول) * الظاهر أن مراده
من قوله وإذا كان الغاسل جنبا انه يستحب لمريد غسل الميت وهو جنب كما صرح باستحبابه غيره لا انه أراد بذلك تقييد الكلام السابق كما قد يتوهم وكيف كان
فتصريحه باستفادة استحباب الوضوء في هذه الموارد من الروايات أغنانا عن التعرض لذكر اخبارها مفصلا لكفاية مثله في المستحبات وما ذكره من أن
الاستحباب حكم شرعي فيتوقف على الدليل الشرعي ففيه انه مسلم الا ان الأخبار المعتبرة المستفيضة الدالة على أن من بلغه ثواب على عمل فعمله التماس ذلك الثواب
أوتيه وإن لم يكن الامر كما بلغه كافية في اثبات استحباب كل ما ورد فيه رواية ولو لم تكن بشرائط الحجية مضافا إلى شهادة حكم العقل بحسن ايجاد ما يحتمل كونه
محبوبا لله تعالى واستحقاق الاجر بسببه وهذا وإن لم يكن موجبا لصيرورة الفعل بعنوانه المخصوص به مستحبا شرعيا كما أن الأخبار المستفيضة التي
تقدمت الإشارة إليها أيضا لا تقتضي ذلك لان غاية مفادها رجحان ايجاد الفعل الذي بلغ فيه ثواب أو ما هو ملزوم للثواب أعني الامر الشرعي وهذا
لا يدل على استحبابه شرعا بعنوانه المخصوص الا انه يستفاد منها وكذا من حكم العقل رجحان ايجاده ما لم يكن فيه احتمال حرمته ذاتا إذا كان ايجاده
لأجل كونه مما ورد فيه امر شرعي أو لرجاء كونه محبوبا لله [تعالى] فهذا العنوان يجعله راجحا ومحبوبا لله تعالى ولو لم يكن له حسن ذاتي مع قطع النظر
عن هذا العنوان نعم لا يترتب عليه ما هو من اثار كونه مستحبا شرعيا بعنوانه المخصوص به مثلا لو قلنا بان كل غسل مستحب يرفع اثر الجنابة و
وردت رواية ضعيفة دالة على استحباب غسل خاص نلتزم باستحبابه ولكن لا نقول بكونه رافعا لاثر الجنابة لان هذا الفعل بعنوان كونه
غسلا لم يثبت استحبابه وانما ثبت استحبابه بعنوان كونه فعلا ورد فيه امر شرعي وبينهما فرق بين بقي في المقام اشكال وهو انه إذا كان حسن الفعل
بسبب هذا العنوان الطاري أعني ايجاده بقصد الاحتياط ورجاء محبوبيته لله تعالى أو بقصد كونه مما ورد فيه الامر كيف يطلقون الفقهاء رضوان
الله عليهم في فتاويهم القول باستحبابه مع أنه يوجب ايجاد الفعل بعنوانه المخصوص به بقصد الاستحباب وهو تشريع محرم ويدفعه ان المجتهد
إذا علم أن الفعل الخاص مما دل على استحبابه خبر ضعيف وثبت عنده ان كلما ورد فيه خبر ضعيف يحب الله [تعالى] ايجاده ما لم يكن فيه مفسدة ذاتية له
اطلاق القول باستحبابه بعد تشخيص صغراه والمقلد لا يقصد بفعله الا امتثال الامر الخاص المتعلق بفعله المعلوم وجهه عند الله [تعالى] فلا يكون ذلك
تشريعا وليس له ان يقصد بفعله امتثال الامر المتعلق به بعنوان كونه وضوء أو غسلا من حيث هذا العنوان إذ لا طريق له إلى معرفة جهة حسن الفعل
واستحبابه الا ببيان مجتهده والمفروض انه لم يبين له مجتهده الا استحباب هذا الفعل الخاص على وجه الاجمال فلو عين [ح] جهته يتحقق منه التشريع لا محاله
سواء ثبت استحبابه بالخصوص لدى مجتهده أم لا * (فان) * قلت إن العقل والنقل انما يدلان على حسن ايجاد هذا الفعل برجاء امتثال الامر فقصد الاحتياط
من مقومات حسنه وهذا لا يتحقق من المقلد في الفرض * (قلت) * هذه المناقشة لو تمت فإنما هي فيما إذا كان مستند الحكم بالاستحباب العقل واما إذا كان
مدركه الاخبار فلا لان مفاد الاخبار ان من بلغه شئ من الثواب على عمل فعمله لأجل ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الامر كما بلغه ومن المعلوم ان حصول هذا
القصد أي اتيان الفعل لأجل الثواب الموعود و كذا غيره من الغايات التي هي أكمل من قصد استحقاق الاجر كابتغاء رضوان الله تعالى ومغفرته من المقلد
الذي لا يكون ملتفتا إلى احتمال عدم استحباب الفعل بعنوان ذاته أتم وأحسن كما هو ظاهر واما إذا كان مدركه العقل الحاكم بحسن الاحتياط ورجحان
ايجاد الفعل المحتمل كونه محبوبا لله تعالى فان قلنا بدلالته على صيرورة الفعل مستحبا شرعيا ولو لم يكن في الواقع كذلك أو قلنا باستفادة استحبابه
من الأخبار الكثيرة الدالة على حسن الاحتياط وايجاد ما يحتمل كونه محبوبا لله [تعالى] فلا اشكال أيضا لان تشخيص مصاديق الاحكام ليس من وظيفة المقلد
والمجتهد بمنزلة النائب عنه فالمقلد ينوى بفعله امتثال الامر الواقعي المتعلق به غاية الأمر انه لا يعلم أن الامر المتعلق به هو الامر المستفاد من اخبار
الاحتياط أو انه هو الامر المتعلق بنفس الفعل وهو غير ضاير في حسن الفعل وحصول الامتثال وان قلنا بأنه لا يستفاد من العقل ولا من اخبار
الاحتياط استحباب الفعل شرعا وانما الامر المستفاد منها ارشادي محض كأوامر الإطاعة والمعصية فلا يكون الفعل المأتي به على تقدير عدم محبوبية الفعل
بعنوانه الخاص حسنا يستحق لأجله الثواب يشكل اطلاق القول باستحبابه لما عرفت من استلزامه التشريع لان المقلد ينوى القربة والامتثال بفعل لم
يعلم كونه مقربا فعلى المجتهد اعلامه ليأتي بالفعل لاحتمال المطلوبية حتى لا يكون شرعا ولتمام الكلام مقام اخر وعسى ان تظفر في بعض المقامات
المناسبة بما يوضح لك بعض ما أجملناه في المقام كما ستقف [انش‍] [تعالى] مفصلا على مدرك الحكم باستحباب الوضوء في كثير من الموارد المذكورة بل ربما تطلع
على استحبابه في غير هذه الموارد أيضا كمن توضأ ولم يذكر اسم الله [تعالى] على وضوئه فإنه يستحب اعادته على الأظهر والله العالم والواجب من الغسل ما كان
3

مقدمة لاحد الأمور الثلاثة المتقدمة أو لدخول المساجد أو لقراءة شئ من سور الغرائم يعنى ما كان مقدمة لاباحتهما ان وجبا وقد يجب الغسل
بل يتضيق وجوبه إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب صومه بقدر ما يغتسل الجنب لتوقف صحة الصوم وجواز الأمور المتقدمة عليه كما يتضح لك في محله
وقد عرفت أن ما يتوقف عليه الواجب واجب عقلا فوجوب الغسل لأجل الأمور المذكورة بعد أن ثبت توقفها عليه مما لا شبهة فيه بناء على وجوب مقدمة
الواجب كما المشهور المنصور الا ان في المقام اشكالا وهو انه كيف يغفل وجوب الغسل في الليل لصوم اليوم مع أن وجوب المقدمة مسبب عن وجوب
ذيها ولم يتحقق بعد في الفرض لان الامر بالصوم لا يتنجز على المكلف الا في اليوم والضرورة قاضية باستحالة تقدم المعلول على علة في الوجود
الخارجي ولا اختصاص لهذا الاشكال بالمقام بل هو سار في كثير من الموارد كوجوب المسير إلى الحج قبل زمانه ووجوب تحصيل العلم بالمسائل الشرعية
قبل زمان العمل إلى غير ذلك ممالا يحصى ولقد اضطربت كلمات الاعلام في التفصي عن الاشكال حتى أن * (منهم) * من التزم بالوجوب النفسي للمقدمة
في مثل هذه الموارد ومنهم من أنكر وجوب الغسل للصوم مع اعترافه بوجوب المقدمة وتوقف صحة الصوم عليه ولذا اعترض العلامة عليه بأنه لا
يحترز عن التناقض في كلامه ومنهم من قال بان العلم بوجوب ذي المقدمة في وقته سبب لوجوبها لا وجوبه
* (ومنهم) * من التزم بجواز وجوب المقدمة
قبل وجوب ذيها متشبثا بدليل العقلاء في حكمهم بالنسبة إلى أوامر الموالي والعبيد بقبح ترك مقدمات واجب يقصر زمانه عن الفعل ومقدماته مع
شهادة العقل في مثل الفرض بوجوبها قبل ذلك الزمان والا لغى الامر منهم ومنهم من تشبث بتقبيح العقل تفويت التكاليف إلى غير ذلك مما يقف
عليه المتتبع وفي الجميع مالا يخفى اما القول بالوجوب النفسي للمقدمة في مثل الفرض ففيه مع أنه يحتاج إلى دليل خاص في كل مورد انا نعلم في أغلب الموارد
انها ليست مطلوبة لذاتها بل مطلوبيتها ليست الا لأجل المقدمية كالمسير إلى الحج فان من الواضح انه لا يجب عليه السير لو علم بأنه يفوته الحج ودعوى أن
الواجب النفسي هو السير الذي يتعقبه الحج شطط من الكلام إذ من المعلوم أنه ليس في الأدلة الشرعية ما يقتضى وجوب السير لذاته هذا مع أن لنا
ان نفرض تصريح الشارع باني لا أريد السير الا مقدمة للحج وكيف كان فهذا الجواب لا يغنى من جوع * (واما) * القول بعدم وجوب المقدمة في الفرض ففيه
ان أدلة القائلين بوجوبها لا تقصر عن شمول مثل هذه المقدمات لان مقتضاها وجوب مالا يتم الواجب الا به والمفروض ان الصوم لا يتم الا بالغسل
في الليل مضافا إلى أن انكار وجوب المقدمة مطلقا فضلا عن خصوص المقام مما لا يجدى في حل الاشكال لان نافى وجوبها لا ينكر إلزام العقل بايجادها فرارا
من محذور ترك الواجب والا لقبح العقاب على ترك ذيها بعد ترخيص العقل والشرع في تركها فالاشكال يبقى بحاله لان إلزام العقل بفعل المقدمة فرع لزوم
ذيها وما لم يجب لا يحكم العقل بلزوم ايجاد مقدماته كما هو الشأن في جميع المقدمات الوجوبية في الواجبات المشروطة وما قبل في دفع الاشكال من أن
العقلاء مطبقون على مذمة من ترك مثل هذه المقدمات فهذا كاشف عن وجوبها قبل وجوب ذيها ففيه انه مسلم وانما نشأ الاشكال من ذلك حيث إن
وجوبها لدى العقل والعقلاء ليس إلا لوجوب ذيها فكيف تقدم المعلول على علته وما قيل من أن العلم بوجوب ذيها علة لوجوبها لا وجوبه ففيه
ان البديهة تشهد بان العلم في حد ذاته ليس مقتضيا لوجوبها بل المقتضى له ليس إلا توقف ذيها عليها والعلم ليس إلا طريقا لمعرفة الحكم والتحقيق في
الجواب هو ان الزمان في هذه الموارد ظرف للواجب لا شرط للوجوب أعني الطلب الشرعي المتعلق بالفعل بل لا يعقل ان يكون الزمان الذي يقع فيه
الواجب ظرفا للإيجاب حتى يكون تحققه مشروطا بحصوله لان الطلب انما يتعلق بايجاد الفعل بعد زمان صدوره فيجب ان يكون زمان وقوع الفعل
غير زمان الايجاب ومن المعلوم ان الامر قد يقصد بطلبه ايجاب ايجاد الفعل بعد صدور الامر بلا مهلة وقد يقصد ايجاده مطلقا وقد يأمر بايجاده
في وقت معين فالايجاب على جميع التقادير مطلق والفعل في الفرض الأول والثالث مقيد بزمان مخصوص دون الفرض الثاني والذي هو سبب لايجاب
المقدمة ايجاب ذيها لا حضور زمان ايجاد الفعل والحاصل انه لا بد من تأخر زمان الفعل الذي تعلق به الطلب عن زمان الايجاب عقلا حتى لو
فرض انه امره في أول الصبح بعمل إلى الغروب نقول بشهادة العقل ان زمان صدور الامر الذي تحقق به الايجاب ليس مشمولا للطلب فإذا فرضنا انه يجب عليه
الصوم من أول الصبح يجب عقلا ان يكون ايجابه قبل الصبح بل يعتبر في صحة التكليف ان يكون ايجابه مقدما على زمان الفعل بمقدار يتمكن فيه من تحصيل
مقدماته والا فالتكليف قبيح فما * (يقال) * من أن الواجبات المؤقتة لا تجب الا بعد أوقاتها ان أريد انه لا يجب ايجادها الا في أوقاتها فهو حق وان أريد
انه لا يتحقق وجوبها الا بعد الوقت ففيه ما عرفت * (وبما) * ذكرنا ظهر لك مضافا إلى ما عرفت سابقا بطلان قول من زعم أن العلم بصيرورة الصوم في اليوم
واجبا سبب لوجوب الغسل لان العلم بصيرورة الصوم في الصبح واجبا موقوف على جواز ايجابه عليه في أول الصبح وهو موقوف على أن لا يكون جنبا والا
يستلزم التكليف بما لا يطاق وكونه مقدورا بالواسطة في السابق لا يصحح الايجاب اللاحق فإذا كان صحة الطلب موقوفة على الغسل السابق كيف يكون
العلم بتحققه علة لايجاب الغسل * (ان قلت) * ان القدرة على الامتثال كما اعترفت به شرط في حسن التكليف وتوجيه الطلب وهو لا يحصل الا بعد
حضور زمان الفعل * (قلت) * ما هو شرط لصحة التكليف كون المكلف قادرا على أن يمتثل بان يأتي بالفعل في الوقت الذي كلف بايجاده فيه لا كونه
قادرا على الامتثال حين الطلب إذ لا يعقل ان يكون القدرة بهذا المعنى شرطا في حسن الطلب التوقف موضوعها في الخارج على أن يكون مسبوقا بالطلب فلا
يعقل تأثيرها في حسن الايجاب * (ان قلت) * هب ان القدرة على ايجاد المأمور به في رقته كافية في جواز ايجابه مطلقا الا ان الواجب لا يخرج بذلك عن كونه
4

واجبا مشروطا وقد تسالموا على عدم وجوب مقدمة الواجب المشروط * (قلت) * هذا انما هو في المقدمات الوجوبية واما المقدمات الوجودية
فلا فرق فيها بين الواجبات لان المناط في وجوبها انها هو وجوب ذيها وقد تقرر في الأصول انه لا فرق بين الواجبات المطلقة والمشروطة في أن
صيغة الامر مستعملة في الطلب الالزامي وان الواجب المشروط مرجعه إلى ايجاب مطلق على موضوع تقدير فيجب مقدماتها على حسب وجوب ذيها
لا ان الواجب المشروط بمنزلة الاخبار عن انه سيجب الفعل بعد حصول الشرط فليس حصول الشرط مؤثرا في حدوث الوجوب بل هو كاشف عن كون الوجوب محققا
من حين صدور الامر الا انه لم يكن منجزا عليه لعدم علمه بان الشرط يتحقق والا فلو علم بذلك يجب عليه ايجاد مقدماته ولو قبل حصول الشرط فلو قال المولى
لعبده أكرم زيدا في الغد على تقدير مجيئه إياك فإذا أحرز العبد بطريق معتبر انه يتحقق المجيئ لا محالة كما لو أرسل زيد خادمه إليه قبل مجيئه وأخبره بذلك
علم بتنجز الخطاب في حقه فيجب عليه السعي في تحصيل مقدماته ولو قبل مجيئه فلو ترك بعض المقدمات التي لا يمكن تحصيلها الا قبل الوقت ليس له الاعتذار
بعدم تحقق المجيئ بعد أن علم أنه سيتحقق لما عرفت من أن الايجاب على تقدير المجيئ حاصل من حين صدور الخطاب فليس له مخالفته بعد علمه بحصول التقدير
ومن هذا الباب وجوب تعلم الاحكام التي يعلم اجمالا بأنه لو لم يتعلمها يقع في محذور مخالفة الشارع في شئ من التكاليف الشرعية ولو لم يتحقق بالفعل شرطه
أولم يجب ايجاده الا بعد حين لان الأحكام الشرعية بأسرها تعلقت بموضوعاتها بعناوينها الكلية بلحاظ تحققها في ضمن مصاديقها الخارجية من حين حدوث
الشريعة فإذا بلغ المكلف حد التكليف واندرج في زمرة من توجهت إليه الخطابات الشرعية يتنجز في حقه جميع التكاليف الشرعية مطلقاتها ومقيداتها منجزاتها
وموقتاتها غاية الأمر ان الخروج عن عهدتها مرهونة بأوقاتها وموقوفة على حصول شرايطها فيجب عقلا ونقلا التهيؤ للخروج عن عهدتها ولكن
بشرط العلم بتحقق شرط الوجوب أو انه سيتحقق فيما بعد * (واما) * عدم وجوب المقدمات الوجودية على الصبي الذي يعلم بأنه سيبلغ ويفوته بعضما افترضه
الله عليه لو لم يأت بمقدماته قبل البلوغ فلنقص فيه وعدم صلاحيته في نظر الشارع كغير المميز لان يلزم بشئ لا لقصور في المقتضى فإذا أدرك الفعل
نقصه قيد التكاليف المتوجهة إلى البالغين بالقدرة المقيدة بحصولها بعد البلوغ وهي أخص من مطلق القدرة التي يراها العقل شرطا في جواز التكليف
بالفعل فلا يكون نقضا على المدعى كما أنه لا ينتقض ذلك ببعض المقدمات التي دل الدليل على جواز تفويتها كنقض الطهارة بالجنابة العمدية مع العلم بعدم
التمكن من الاغتسال بعده فإنه يفهم من ذلك الدليل بالملازمة العقلية ان القدرة على الاغتسال بعد الجنابة التي هي أخص من مطلق القدرة
على الطهارة شرط شرعي لوجوب الصلاة مع الطهارة فلم يوجبها الشارع على الاطلاق حتى يجب حفظ مقدماتها مع الامكان كما هو المفروض فيما نحن
فيه ولعل ما ذكرناه من تنجز التكليف بالمقدمات الوجودية بعد احراز تحقق شرايط الوجوب منشأ توهم من توهم ان العلم بصيرورة الفعل واجبا
فيما بعد سبب لوجوب المقدمة ولم يتفطن إلى أن العلم بحصول التقدير كاشف عن كون التكليف منجزا في حقه * (فان قلت) * سلما ذلك ولكنك
اعترفت بأنه لا يتنجز التكليف ما لم يعلم بتحقق الشرط واندراج المكلف في زمرة المكلفين بهذا التكليف فما لم يحرز كونه قادرا على الفعل ينفى وجوبه بأصل البراءة
ولا يحرز هذا الشرط غالبا الا بعد حضور زمان الفعل * (قلت) * أولا يتوجه عليه النقص بالواجبات المنجزة كالصوم مثلا بعد حضور وقته حيث إن المكلف
لا يعلم في أول الصبح من يوم يجب الصوم فيه أنه قادر على امتثاله لاحتمال عروض موانع التكليف في أثنائه (وثانيا) قد أجيب عن هذا الاشكال بان الظن في
هذه الموارد طريق الاحراز الشرط عند العقلاء كما يشهد به سيرتهم القطعية * (والتحقيق) * في الجواب ان يقال إن الرجوع إلى البراءة انما هو فيما إذا لم
يكن الشرط المشكوك عقليا بل كان شرعيا بان يكون له عنوان كلى اجمالي فيكون ذلك العنوان الكلى بالمقايسة إلى ظاهر الدليل المثبت للتكليف مقيدا لاطلاقه
أو مخصصا لعمومه كما لو قال حج ان استطعت فان هذا الكلام في قوة ان يقال يجب على المستطيع الحج ولا يجب على غيره فلو شك زيد في أنه مستطيع أم لا يتمسك
لنفى التكليف بأصل البراءة لان كونه مصداقا لاحد العنوانين ليس بأولى من كونه مصداقا للاخر بالنظر إلى ظاهر الدليل واما إذا كان العقل حاكما بالاشتراط
كما فيما نحن فيه فلا إذ ليس للمصاديق التي يحكم العقل بخروجها عنوان كلى يكون هذا العنوان من حيث هو قيدا للطلب لان العقل دليل لبى لا يحكم الا بخروج المعنون
أعني ذوات الاشخاص عن تحت عموم الخطاب ولا يلتفت إلى المفهوم الكلى من حيث هو بمعنى ان العقل بحكم بان من عجز عن اتيان المأمور به فتركه واعتذر بالعجز
فعذره مسموع وعقابه قبيح فلا يصح ان يكون موردا للتكليف فالخطاب مخصوص بغيره فليس حكمه بخروج هذا الفرد لأجل كونه مصداقا لمفهوم العاجز الذي
تخصص به الخطاب بعنوانه الاجمالي كما في القيود الشرعية المأخوذة من الأدلة السمعية بل لكون كل عاجز واقعي بشخصه موضوعا لحكم العقل بقبح عقابه
* (وببيان) * آخر ان العجز مناط لحكم العقل بخروج بعض الافراد لا ان مفهوم غير العاجز بعنوانه الكلى اعتبر قيدا للطلب حتى يكون مانعا عن ظهور اللفظ
في شمول الحكم للفرد المشتبه * (وببيان) * ثالث ان خروج غير القادر عن موضوع أدلة التكاليف ليس لأجل صدق اسم غير القادر عليه كما هو
الشأن في المخصصات الشرعية التي لها عنوان اجمالي كلى يدور الحكم بخروج شخص مدار صدق ذلك العنوان عليه كي يقال إن اندراج المشكوك
في عنوان المخصص ليس بأولى من اندراجه في عنوان العام بل لأجل انه في حد ذاته لا يتمكن من الامتثال فعدم التمكن لدى العقل اعتبر علة
للخروج لا عنوانا للخارج فلو فرض محالا كون شخص عاجزا عن أداء الواجب ولكن لا يصدق عليه اسم غير القادر لا يتنجز في حقه ولو فرض
عكسا؟؟ وهذا بخلاف المخصصات الشرعية التي لها عناوين كلية كما لا يخفى * (إذا) * عرفت أن الموضوع الذي يحكم العقل بقبح عقابه وعدم كونه
5

مرادا من الخطاب هو العاجز الواقعي علمت أنه ليس للمكلف ان يرفع اليد عن التكاليف المتوجهة إليه بمجرد احتمال عجزه لان احتمال قدرته وعدم
اندراجه في موضوع حكم العقل بقبح عقابه موجب لالزام عقله باشتغاله بالفعل إلى أن يتحقق الامتثال أو يتبين عجزه لان التحرز عن الضرر
المحتمل واجب عقلا هذا مع أن مقتضى أصالة العموم وجوب الفعل على كل من لم يعلم عجزه لما عرفت من أن خروج كل فرد في الفرض تخصيص مستقل فالشك
في كون الشخص عاجزا شك في أصل التخصيص لا في مصداق المخصص فالمرجع أصالة العموم لا الأصول العملية * (وبما) * ذكرنا ظهر لك انه لا وجه لتخصيص وقت
وجوب الغسل باخر الليل (نعم) يتضيق وجوبه في ذلك الوقت * (وربما) * علل تخصيص الوجوب باخر الوقت وانه لو قدمه نوى الندب بعدم تعقل وجوب الشرط
قبل وجوب المشروط واما بعد أن تضيق وقته فقد نزل ضيق الوقت بمنزلة دخوله وفيه مالا يخفى ويتلوه في الضعف ما قيل من أن صوم اليوم لا يتوقف
الا على الغسل المقارن لأول طلوع الفجر لان الجنابة في هذا الوقت مانعة عن صحته لا غير فلا مدخلية لإزالة الجنابة قبله بصحة الصوم حتى يتصف
الغسل لأجلها بالمقدمية توضيح الضعف ان زوال الجنابة في هذا الوقت يتوقف على الغسل قبله سواء كان الغسل مقارنا له أو متقدما عليه ولذا
لا يجوز النوم لمن يعلم أنه لا ينتبه من نومه في اخر الليل بل يجب عليه تقديم الغسل لو علم بأنه لا يتمكن من الغسل عند أول طلوع الفجر * (ان قلت) * مقتضى
ما ذكرت جواز اتيان الوضوء أيضا قبل دخول الوقت الفريضة بنية الوجوب مع أن الظاهر عدم الخلاف في بطلانه * (قلت) * أولا لا نتحاشى عن الالتزام به لو
لم يدل دليل شرعي من اجماع ونحوه على عدم الجواز في مثل الوضوء الذي هو من العبادات الموقوفة على التوظيف فيكون الاجماع أو غيره كاشفا عن أن للمقدمة
أيضا كذيها وفتا موظفا لا تتحقق قبله لا انها تتحقق صحيحة ولا تتصف بالوجوب الا ترى انا نلتزم بوجوب تعلم
احكامها قبل الوقت من باب المقدمة
وقد صرح بعضهم بعدم جواز إراقة الماء لمن يعلم بأنه لا يتمكن من تحصيله في الوقت ومن المعلوم أنه لا فرق بالنظر إلى القواعد بين الالتزام بحرمة
الإراقة قبل الوقت ووجوب الوضوء وسيأتي تحقيق المسألتين أعني حرمة الإراقة وعدم جواز تقديم الطهارة على الوقت في مبحث التيمم انشاء الله [تعالى]
وثانيا انه يمكن إبداء الفارق بين الموارد وعدم الالتزام بما ذكرنا بالنسبة إلى بعضها وان كان لا يخلوا عن تأمل ولتمام الكلام فيما يتوجه على ما ذكرناه من النقض
والابرام مقام اخر والله الهادي إلى سواء الطريق * (ويجب) * الغسل أيضا لصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة سال منها أم لم يسل فيعم حالتي الوسطى والكبرى
والمندوب من الغسل ما عداه أي الغسل الواجب والواجب من التيمم ما كان مقدمة لصلاة واجبة وهل يجوز بعد حصول شئ من مسوغاته مع سعة الوقت
أم لا يجوز الا عند تضيق وقتها أو يفصل بين رجاء زوال العذر وعدمه أقوال وقد يوهم اقتصار المصنف على الصلاة انه لا يجب التيمم لغيرها عدا ما ستعرف
وسيأتي انه أحد الطهورين وانه يجب لكل ما يجب له الغسل والوضوء عند تعذرهما وكذا يجب أيضا للجنب في أحد المسجدين أي المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ليخرج به والمندوب ما عداه مما ثبت مشروعيته وقد تجب الطهارة كغيرها من الأمور الراجحة بالنذر وشبهه من العهد واليمين هذا مجمل القول
في الطهارات الثلاث واما تفصيلها وبيان وجه وجوبها للأمور المذكورة وانحصار وجوبها فيما ذكر واستحبابها فيما عداه فيتضح لك في محالها انشاء الله [تعالى]
* (وهذا) * الكتاب أي كتاب الطهارة يعتمد على أربعة أركان الركن الأول في الاحكام اللاحقة لأنواع المياه جمع ماء والمراد به في المقام ما يطلق عليه الماء ولو
مسامحة والركن الثاني في الطهارة المائية والركن الثالث في الترابية والركن الرابع في النجاسات وانما جعل البحث عن المياه ركنا من كتاب الطهارة لأن الماء
هو الذي جعله الله طهورا وهو الأصل الذي يدور به رحى التطهير من الاحداث والأخباث فكان البحث عن عوارضه عمدة ما يتقوم به هذا الكتاب
وللتكلم فيه أي في هذا الركن أطراف الأول في الماء المطلق الذي ثبت بالضرورة من الدين ان الله تعالى جعله طاهرا مطهرا وهو غنى عن التعريف
لكونه من أوضح المفاهيم العرفية الا انه قد يعرضه الاشتباه في بعض الافراد لبعض العوارض الخارجية فيشك في كون الفرد مصداقا لهذا المفهوم المبين
أم لمفهوم اخر بل ربما يعرضه الاشتباه لا لأجل الجهل بماهية المصداق بل لأجل خفاء صدق مفهوم الماء عليه كما هو الشأن في أغلب المفاهيم العرفية
إذ قلما ينفك مفهوم عرفي عن أن يكون له موارد مشتبهة وسره ان مناط الصدق في المفاهيم العرفية ليس مكشوفا على التفصيل بحيث لم يبق له مورد
اشتباه فلذا احتيج إلى تعريفه بأنه كل ما يستحق عرفا اطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة بان يكون اطلاق الاسم المجرد عليه حقا له بشهادة العرف
من غير مسامحة وتقييده أحيانا كماء النهر والبحر لا ينافي استحقاق الاطلاق كما هو ظاهر ولكنك خبير بان ما ذكرناه ضابطا لا يجدى في أغلب
موارد الاشتباه للشك في تحققه فلابد [ح] من العمل في كل مورد بما يقتضيه الأصل وكله طاهر بالذات مزيل للحدث والخبث اجماعا كتابا وسنة والمراد
بالحدث الأثر الحاصل عند عروض أسبابه المانع عن الدخول في الصلاة المتوقف رفعه على النية والخبث النجاسة بمعناها المعروف عند المتشرعة ويلحقه
باعتبار وقوع النجاسة فيه احكام كثيرة فإنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام جار ومخقون وماء بئر وباعتبار كل قسم احكام خاصة
اما الجاري فهو على
ما يساعد عليه العرف واللغة الماء السائل عن نبع وفي المسالك المراد بالجاري النابع غير البئر سواء جرى أم لا واطلاق الجريان عليه مطلقا تغليب أو حقيقة
عرفية * (وفيه) * انه لا شاهد على إرادة هذا المعنى مع مخالفته للعرف واللغة ودعوى كونه حقيقة عرفية بالنسبة إلى النابع الغير الجاري ممنوعة بل العرف لا
يساعد على اطلاق الجاري عليه فضلا عن كونه حقيقة فيه وان أريد كونه حقيقة في عرف الفقهاء لا العرف العام كما صرح به بعض متأخر المتأخرين فهي
أيضا ممنوعة خصوصا مع تصريح غير واحد باعتبار الجريان الفعلي فيه نعم قد يقال إن عدم تعرض أكثر العلماء البيان حكمه وحصرهم أقسام الماء في الثلاثة
6

المتقدمة يدل على أن المراد من الجاري ما يعمه كما يؤيده تصريح بعضهم بكونه كالجاري حكما * (وفيه) * ان ادخاله في الجاري ليس بأولى من جعله من أقسام البئر
كما يؤيده تصريح آخرين بجريان احكام البئر عليه بل عن بعض دخوله فيه موضوعا بل لا مانع عن أن يكون لديهم من مصاديق الراكد كما يظهر من بعضهم
على ما حكى عنهم * (وقيل) * ان المراد بالجاري هو الماء السائل مطلقا نظرا إلى صحة اطلاقه على المياه الجارية من ذوبان الثلج * (وفيه) * ان الاطلاق
بحسب الظاهر مجاز لعدم الاطراد إذ لا يطلق الماء الجاري على الماء المنصب من الإبريق ونحوه بل وكذا الجاري من ذوبان الثلج أيضا إذا كان
قليلا فإنه ينصرف عنه الاطلاق جزما بل يصح سلب الاسم عنه عرفا واطلاق الجاري عليه بالفعل غير صدق الماء الجاري عليه على الاطلاق هذا مع تصريح
غير واحد من الأساطين على ما حكى عنهم بعدم الخلاف في كون السائل من غير نبع راكدا فلا ينبغي التأمل في اختصاص الحكم المخصوص بالجاري بغير مثل الفرض
نعم الأظهر كون العيون الواقفة التي ليس لها جريان فعلى الضعف موادها في حكم الجاري من حيث عدم انفعال قليله بمجرد ملاقاة النجاسة بمقتضى عموم
التعليل المستفاد من الصحيحة الآتية وغيرها من الأخبار الدالة على أن المادة عاصمة عن الانفعال كما سيتضح لك فيما بعد انشاء الله * (واما) * حكم الجاري
فهو انه لا ينجس كثيره ولا قليله بمجرد ملاقاة النجاسة على المشهور بل عن الذكرى لم أقف فيه على مخالف ممن سلف وعن جامع المقاصد ان خلافه
مما تفرد به العلامة وعن مجمع الفايدة وكنز الفرائد وصريح الغنية وشرح الجمل وظاهر الخلاف والمعتبر وغيره دعوى الاجماع عليه وعن حواشي
التحرير للمحقق الثاني دعوى الاجماع صريحا على عدم اشتراط الكرية فيه وفي الجواهر انه يمكن للمتأمل المتروى في كلمات الأصحاب تحصيل الاجماع
على عدم اشتراط الكرية خلافا للعلامة في بعض كتبه فاعتبر الكرية في عدم انفعاله كالراكد ووافقه في ذلك الشهيد الثاني * (قال) * في المسالك والأصح
اشتراط كريته سواء دام نبعه أم لا وعن ظاهر الصدوقين والسيد في محكى الرسالة والفقيه والجمل اختياره ولكنه
صرح غير واحد بوجود ما ينافي الحكاية
في الكتابين الأولين ومحكى الانتصار فلم تتضح مخالفتهم للمشهور ولم ينقل عمن عدا العلامة والشهيد الثاني التصريح بهذا القول بل في محكى المعالم
ان الشهيد أيضا عدل عنه والانصاف انه لو لم يكن للمشهور الا الاجماعات المنقولة المستفيضة المعتضدة بالشهرة المحققة المؤيدة يكون الماء الجاري
لدى العلماء رضوان الله عليهم من صدر الاسلام إلى يومنا هذا معنونا بعنوان مستقل بل جعلوا ماء الغيث من توابعه لكانت كافية في
اثبات مذهبهم لكونها موجبة للحدس القطعي بكون الحكم معروفا عند أصحاب الأئمة عليهم السلام مغروسا في أذهانهم واصلا إلى علمائنا يدا
بيد عنهم من غير خلاف يعرف والا لنقل بمقتضى العادة ولولا أن فتاوى الأصحاب في مثل هذا الفرع المعنون في كلماتهم قديما وحديثا مور؟
لاستكشاف رأى المعصوم لتعذر استفادة موافقته (ع) في شئ من المسائل الفرعية من فتاوى العلماء ومخالفة من خالف مع نذرته وتأخر عصره
ومعلومية مستنده ومعروفيته لدى السابقين لا تضر بكاشفية قول من عداه عن وجود مستند صحيح ويدل على صحة مذهب المشهور ويشهد على صدق
ما ادعيناه حدسا من كون الحكم معروفا عند أصحاب الأئمة (ع) صحيحة داود بن سرحان قال قلت لأبي جعفر (ع) ما نقول في ماء الحمام قال (ع) هو
بمنزلة الماء الجاري والمناقشة في دلالتها بان اطلاق المنزلة يقتضى عمومها وسيأتي انه يعتبر في اعتصام ماء الحمام كرية مادته فالصحيحة على
خلاف المطلوب أدل مدفوعة أولا بان السؤال انما هو عن حكم الماء الموجود في الحمامات المتعارف استعماله لدى الحاجة وهو في الحمامات المتعارفة
بعد ضم المادة إليه فكرية المادة مأخوذة في موضوع ماء الحمام بحسب المتعارف فالغرض من التشبيه ليس إلا بيان كون الماء المعهود الذي بتعارف
استعماله بمنزلة مطلق الجاري لا ان الإمام (ع) أراد بهذا الكلام بيان مساواتهما في الحكم وان كلا منهما بمنزلة الاخر فيما هو شرط في الاعتصام فيستفاد
من الصحيحة ما يستفاد من الرضوي ماء الحمام سبيله سبيل الجاري إذا كان له مادة إذ الظاهر أن التقييد لماء الحمام فيكون التشبيه بعد التقييد
الا ان يقال خصوصية المورد في الصحيحة لا توجب تخصيص موضوع الحكم فتأمل * (وثانيا) * ان السؤال بحسب الظاهر انما هو عن الانفعال
وعدمه لا عن كيفية انفعاله فاطلاق التشبيه ينصرف إلى الجهة المعهودة فقوله (ع) هو بمنزلة الجاري أي في عدم الانفعال لا فيما يعتبر في
اعتصامه خصوصا مع كون عدم انفعال الجاري في الجملة هي الجهة الظاهرة التي ينصرف إليها الاطلاق * (وثالثا) * انه لا قائل بأنه يعتبر في مادة
الجاري بلوغها كرا لان العلامة انما يعتبر في عدم انفعال الجاري كونه كرا فهو اما يعتبر كرية الماء الخارج منفردا أو بانضمامه إلى ما في المادة
على تقدير تساوى سطحيهما واتحادهما عرفا واما اعتبار كرية خصوص ما في المادة على تقدير اختلافهما وأسفلية الماء الخارج كما في مادة الحمام
على ما سيتضح لك فيما بعد [انش‍] فلا قائل باعتبارها على الظاهر والله العالم * (وقد) * يستدل أيضا بخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال قلت
له أخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب والصبي واليهودي والنصراني والمجوس فقال (ع) ان ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا وفيه أن ماء
النهر ينصرف عن العيون الصغار التي لا يبلغ مائها كرا فالمقصود من التشبيه بحسب الظاهر بيان كون ماء الحمام حال اتصاله بالمادة وجريانها
فيه كالمياه الكثيرة الجارية التي يعتصم بعضها ببعض والمقصود في المقام اثبات ان الجاري مطلقا معتصم بالمادة ولو لم يكن كثيرا بحيث يعتصم
بعضه ببعض ويدل عليه أيضا رواية سماعة قال سئلته عن الماء الجاري يبال فيه قال لا بأس به فان ظاهرها السؤال عن حكم الماء الذي يبال فيه
لا عن حكم البول في الماء ويؤيده بل يدل عليه لولا المناقشة في السند ما عن نوادر الراوندي عن علي (ع) الماء الجاري لا ينجسه شئ وعن الفقه الرضوي
7

كل ماء جار لا ينجسه شئ وخبر دعائم الاسلام عن علي (ع) في الماء الجاري يمر بالجيف والعذرة والدم يتوضأ منه ويشرب وليس ينجسه شئ ما لم
يتغير أوصافه طعمه ولونه وريحه * (ويؤيده) * أيضا الأخبار المستفيضة النافية للبأس عن البول في الماء الجاري وصحيحة ابن مسلم الواردة في
الثوب الذي يصيبه البول وان غسلته في ماء جار فمرة إذ لو كان ملاقاة الماء للنجاسة سببا لتنجسه لكان على الإمام (ع) التنبيه عليه في مثل
هذه الفروض ولو لم يكن مقصودا بالسؤال هذا إذا لم نقل باعتبار ورود الماء القليل في تطهير الثوب النجس والا فالصحيحة
الأخيرة باطلاقها مثبتة للمطلوب ودعوى انصراف مثل هذه الأخبار عن العيون التي لا يكون مائها كرا ممنوعة وعلى تقدير تسليم
الانصراف فهو بدوي منشأه انس الذهن يرتفع بعد ملاحظة كثرة العيون الصغيرة بل أكثريتها بمراتب خصوصا لو اعتبرنا في اعتصام
الكر تساوى السطوح كما لا يخفى * (ويدل) * على عدم تنجس الجاري بل مطلق المياه التي لها مادة متصلة ولو لم يكن لها جريان فعلى لضعفها التعليل
في صحيحة ابن بزيع ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم لان له مادة لان التعليل اما
راجع إلى الفقرة الأولى فيدل على عدم انفعال كل ذي مادة بما عدا التغير * (واما) * راجع إلى الفقرة الثانية فيدل على أن وجود المادة علة
الطهارة الماء مطلقا بعد زوال تغيره فيستفاد منه عدم انفعاله بمجرد الملاقاة لا لمجرد دعوى أن الدفع أهون من الرفع فيدل عليه بالأولوية
القطعية حتى يمكن الخدشة فيها بالنسبة إلى الأحكام التعبدية بل لان هذا لا يجتمع مع انفعال قليله بالملاقاة توضيحه انه يستفاد من العلة
المنصوصة حصول الطهارة لكل ذي مادة متغير بعد زوال تغيره فإذا فرضنا ان مجموع الماء أقل من الكر وتغير بعضه بالنجاسة فلا محالة
يتنجس البعض الاخر أيضا بملاقاة النجاسة على القول باشتراط الكرية وكذا كل ما يخرج من المادة أيضا على هذا التقدير بسبب
ملاقاة المتنجس و [ح] لا يعقل ان يكون وجود المادة علة لارتفاع نجاسة المتغير بعد زوال تغيره لان اتصاله بغير المتغير المتنجس علة تامة
لانفعاله فلا يعقل طهارته ما دامت العلة موجودة وإن شئت مثالا أوضح فافرض بقاء عين النجاسة فيه بعد زوال التغير هذا مع أن
الذي يقتضيه التدبر في مفاد الرواية اختصاص التعليل بالفقرة الأولى وهي قوله ماء البئر واسع فلا حاجة في اثبات المطلوب إلى المقدمة
الخارجية بيان ذلك أن التعبير عن الطهارة بقوله واسع وتأكيده ثانيا بقوله لا يفسده واستثنائه حالة التغير عنه واقتصاره في بيان ما
يزيل اثر التغير على الامر بالنزح الموجب لزوال نفس التغير من دون تنصيصه على أنه يطهر بعد ذلك بل ايكاله معرفة الحكم إلى ما استفيد من
أول الكلام من أعظم الشواهد على أن المراد من الرواية بيان ان ماء البئر بالذات يأبى عن الانفعال وانه بالطبع غير قابل للتنجس الا
ان يتغير فيمنعه التغير عن اقتضائه الذاتي فإذا زال التغير بالنزح يعود الماء إلى حالته الأولى فيستفاد من الرواية على ما يشهد به سياقها
ويساعد عليه الفهم العرفي حكمان أحدهما ان ماء البئر في غير حال التغير واسع مطلقا سواء كان قبل أن يتغير أم بعده والثاني ان التغير
موجب لعروض النجاسة واستمرارها إلى أن يزول التغير بالنزح فليست الطهارة بعد زوال التغير وقبل حدوثه حكمين مستقلين حتى يحتاج
حدوث ثانيهما إلى تعليل مستقل وهذا هو السر في استفادة حكم ما بعد التغير من الرواية والا فليس في اللفظ ما يدل عليه فلاحظ وتدبر و
كيف كان فقد نوقش في دلالة الرواية باحتمال رجوع التعليل فيها إلى ترتب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح لان هذا الترتب مستند إلى
المادة فيكون بمنزلة قول الرجل لازم غريمك حتى يوفيك حقك فإنه يكره ملازمتك * (وفيه) * ان هذا الاحتمال في غاية الوهن لان ارجاع العلة
في القضايا المعللة إلى الاسنادات الضمنية الغير المقصودة بالذات خلاف الظاهر مع احتياجه إلى ارتكاب التأويل بتقدير جملة خبرية واما
في المثال فإنما هو لوجود القرينة وهي عدم صلاحية كونها علة للاسناد التام هذا مع أن المقصود بالأصالة في المثال انما هو استيفاء الحق فلا
بأس بارجاع التعليل إليه وهذا بخلاف ما نحن فيه فان ذهاب الريح وطيب الطعم غير مقصودين بالذات فلا يحسن ارجاع التعليل إليهما مع صلاحيته
لان يكون علة للحكم الذي سيق الكلام لبيانه مضافا إلى أن ترتب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح بديهي لا يحتاج إلى الاستدلال بل ذكر الدليل
له مع أنه واضح مستهجن عرفا خصوصا مع عدم مدخليته في الحكم الشرعي الذي يكون بيانه من وظيفة الإمام (ع) هذا كله مع أن المادة بنفسها ليست
علة لذهاب الريح وطيب الطعم لأنهما مسببان عن اخراج الماء الفاسد واستهلاك ما يبقى منه في الماء الذي يخرج من المادة من دون خصوصية
لها في ذلك فجعلها علة لهما مبنى على ضرب من التأويل والمسامحة وهذا بخلاف ما لو جعلناها علة لكون ماء البئر واسعا فإنها بنفسها هي العلة
التامة للحكم فهي أوفق بظاهر التعليل وكفى لمثل هذه الاحتمالات وهنا ومخالفة للظاهر اختصاص ابدائها بالمتأخرين وعدم اعتناء من سبقهم
انها أو غفلتهم عنها حجة العلامة العمومات الدالة على انفعال ما دون الكر الشاملة باطلاقها للجاري وغيره وفيه أولا انه سيتضح لك ان عمدة
ما يستفاد منه العموم مفهوم بعض الأخبار كقوله (ع) في المعتبرة المستفيضة إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ وهذه الأخبار في حد ذاتها لا يبعد دعوى
انصراف منطوقها إلى الماء المجتمع الراكد خصوصا مع ما في بعضها مما يشهد بذلك كصحيحة ابن مسلم قال قلت له الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه
الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ وهذا الانصراف وان كان بدويا بالنسبة إلى أكثر اخبار
8

الباب الا انه يوهنها عن المكافئة للأدلة المتقدمة المعتضدة بالشهرة المحققة والاجماعات المحكية مضافا إلى أن صحيحة ابن بزيع المشتملة على التعليل
حاكمة على جميع الأدلة الدالة على انفعال الماء القليل لأنها بمدلولها اللفظي تدل على اختصاص الانفعال بغير ذي المادة فلا تلاحظ
النسبة بينها وبين المطلقات هذا مع أن التعليل بمنزلة النص من حيث الدلالة على سببية المادة للاعتصام ولو في خصوص موردها والقضية
الشرطية غاية مفادها ظهورها في السببية المنحصرة فيرفع اليد عنها بصريح التعليل * (وربما) * قيل في تأييد مذهب العلامة بعد المناقشة في
دلالة صحيحة ابن بزيع على مذهب المشهور بالاحتمال الذي عرفته فيما سبق مع ما فيه أن النسبة بين الأخبار المتقدمة الدالة على أن الماء الجاري
لا ينجس وبين مفهوم القضية الشرطية العموم من وجه وظهور الشرطية في شمول مادة الاجتماع أقوى من تلك المطلقات لان تقييد مطلقات
الجاري بما إذا كان كرا اخراج للفرد النادر لان مالا يبلغ مع ما في المادة بل بنفسه كرا قليل بخلاف تقييد الماء بالغير الجاري في أدلة
إناطة الاعتصام بالكثرة فإنه اخراج للفرد المتعارف ودعوى أن الخارج عن أحد الاطلاقين هو الجاري القليل ولا يتفاوت الحال بين خروجه
عن اطلاقات الجاري أو عن تلك الاطلاقات مدفوعة بان تخصيص المفهوم بما عدا القليل الجاري يستلزم تقييد الماء في منطوق القضية
بالراكد إذ لا يعقل شمول المنطوق لكثير الجاري وعدم شمول المفهوم لقليله لان المفاهيم من قبيل اللبيات منشأها الاستلزامات المحققة
بين المناطق ومفاهيهما فلا يعقل التصرف فيها ولو بالتخصيص الا بالتصرف في المنطوق * (وبما) * ذكرنا ظهر لك ضعف ما يقال من أن عمومات
الانفعال منصرفة عن القليل الجاري لان دعوى الانصراف انما تتمشى؟ في الأدلة اللفظية دون اللبيات كما هو ظاهر * (وفيه) * أولا ان دعوى
ندرة مالا يبلغ مع ما في المادة كرا ممنوعة على مدعيها كما لا يخفى وجهه على من شاهد منابع المياه وثانيا ان تعليق الحكم على وصف الجريان لو لم
؟؟ بدلالته على العلية للحكم فلا أقل من اشعاره بذلك فتقوى به تلك المطلقات بحيث لا يكافئ ظهورها ظهور الشرطية في المفهوم فضلا عما
عرفت فيما سبق من أمكن دعوى الانصراف في منطوقها ولو سلم المكافئة فالمرجع عموم النبوي المشهور الذي ادعى في محكى السرائر انه من المتفق
على روايته وعن ابن أبي عقيل انه متواتر عن الصادق عن ابائه عليهم السلام خلق الله الماء طهورا لا ينجسه
شئ الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه وعن الذخيرة
انه عمل الأمة بمدلوله وقبلوه فالمناقشة في سنده بعد ما عرفت مما لا يلتفت إليها ويبعد هذا القول مضافا إلى ما عرفت أن مقتضاه أن لا يكون
تكاثر الماء من المادة على الجاري المتغير موجبا لتطهيره لان النابع تحتها لا يبلغ الكر غالبا إذ فلما يوجد في باطن الأرض كر من الماء بالفعل
متصلا اجزائه بعضها ببعض اتصالا عرفيا بحيث يكون بالشرايط المعتبرة في عاصمية الكر لا أقل من الشك في ذلك وكذا لازمه
الالتزام في مثل الفرض بنجاسة ماء عين انسد منبعها بشئ نجس وانقطع عمود الماء ثم أزيل المانع وجرى الماء وان بلغ الماء المتجدد
من الكثرة ما بلغ لان ما يتحدد ينجس فلا يكون مطهرا الا على قول سيتضح لك ضعفه ولا يظن أن يلتزم بشئ من اللازمين أحد والله العالم
* (وربما) * يناقش في عموم المفهوم الذي هو عمدة مستند هذا القول بان مفهوم إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ ليس إلا ان ما عدا الكر
ينفعل في الجملة بشئ من النجاسات ولا ينافي هذه القضبة اختصاص الانفعال ببعض افراد القليل وهو ما عدا الجاري بل لا يضر الا التزام
بعموم الحكم لجميع الافراد أيضا بعد إهمال الشئ لان الجاري القليل أيضا ينفعل بشئ من النجاسات وهو ما يوجب تغيره * (وفيه) * ان النجاسة
الموجبة للتغير غير مرادة من عموم الشئ في المنطوق لان الكر أيضا ينفعل بها فاهمال الشئ المنجس بعد تسليمه والاغماض عما سنذكره [انش‍]
غير ضائر بالاستدلال في مقابل السلب الكلى كما هو مذهب المشهور * (واما) * دعوى إهمال المفهوم من حيث افراد الماء بعد تسليم دلالة الشرطية
على المفهوم فاسدة حدا لان استفادة المفهوم منها مبنية على دلالتها على السببية المنحصرة فيكون مفاد التعليق في قولك إذا كان الماء كرا
لا ينفعل ان الشرط في عدم انفعال الماء انما هو كونه كرا لا غير فيكون المادة أيضا سببا لعدم الانفعال ينافي ذلك فلو ثبت ذلك بدليل
آخر فلا بد من التصرف في ظاهر التعليق بنحو من انحاء التصرفات * (ولكن) * الانصاف ان هذه المناقشة بل وكذا غيرها من المناقشات التي تقدمت
الإشارة إلى بعضها انما نشأت من عدم فهم العرف لهذه الشرطية مفهوما لان المراد منها على ما يشهد به سياق جل الأخبار المشتملة على
هذه القضية ليس إلا بيان ان الماء البالغ حد الكر لا ينفعل بشئ من النجاسات لا ان عدم انفعال الماء مشروط بالكرية حتى تدل على
الانتفاء عند الانتفاء كما هو مقتضى ظاهر التعليق والحاصل ان أدوات الشرط وان كانت حد ذاتها ظاهرة في إرادة التعليق الا
ان العرف كثيرا مالا يساعد على هذا الظاهر بل لا يبعد دعوى أن المتبادر منها في أغلب موارد استعمالاتها إرادة ترتب الحكم على موضوع
مقدر لا التعليق الحقيقي وهذا لا ينافي كونه بحسب الوضع حقيقة في المعنى الأول لان ظهورها في هذا المعنى منشائه خصوصيات الموارد
ومما يفصح عن أن المتبادر من الشرطية في المقام هو هذا المعنى لا التعليق انه لو قال القائل في ذيل كل واحد من هذه الأخبار بعد قوله (ع)
إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ واما إذا لم يكن قدر كر ففيه تفصيل لا ترى تهافتا وتنافيا بين مفاديهما أصلا فلو كان ظاهرها التعليق وبيان
ان عدم الانفعال مشروط بالكرية لكان التنافي بينهما في بادي النظر بينا وما تراه فيها من الدلالة على أن ما عدا الكر ينفعل في الجملة فليس منشأها
9

كون القضية شرطية بل انما هي لأجل اخذ الكرية قيدا للموضوع في مقام اعطاء القاعدة فيستفاد منه ان غير الكر ليس له هذا الحكم باطلاقه
واما ان مطلقه ينفعل فلا يستفاد منه * (نعم) * يستفاد ذلك من صحيحة إسماعيل بن جابر قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الماء الذي لا ينجسه شئ
فقال كر فان تخصيص الكر بالذكر في مثل المقام يدل على اختصاص الحكم به الا ان هذه الدلالة ليست بحيث تقاوم شيئا من الأدلة كما
لا يخفى
وقد ظهر مما تقدم ان الماء الجاري بل كل ماء ذي مادة لا ينجسه شئ من النجاسات الا ان يتغير باستيلاء اثر عين النجاسة ولو
في ضمن متنجس على أحد أوصافه الثلاثة المعهودة في النص والفتوى وهي الطعم والريح واللون اما نجاسة الجاري بذلك بل جميع المياه
فلا خلاف فيها ظاهرا بل في الجواهر عليها الاجماع محصلا ومنقولا كاد يكون متواترا ويدل عليها مضافا إلى النبوي وخبر الدعائم المتقدمين
الأخبار المتواترة في الأولين والمستفيضة في الثالث ومن الطائفة الأولى صحيحة ابن بزيع المتقدمة ومن الثانية الصحيح المحكى عن بصائر
الدرجات بسنده عن شهاب بن عبد ربه قال اتيت أبا عبد الله (ع) أسئله فابتدأني فقال إن شئت فاسئل يا شهاب وإن شئت أخبرناك بما جئت
إلى أن قال (ع) جئت تسئلني عن الماء الراكد الغدير يكون فيه الجيفة أتوضأ منه أولا قلت نعم قال (ع) أتوضأ من الجانب الآخر الا ان يغلب على
الماء الريح فينتن وجئت تسئلني عن الماء الراكد من البئر فما لم يكن فيه تغيرا وريح غالبة قلت فما التغير قال (ع) الصفرة فتوضأ منه وكلما غلب عليه
كثرة الماء فهو طاهر * (الخبر) * وذكر خصوص الصفرة لبيان اللون الحاصل من الجيفة وفي رواية العلاء بن فضيل عن الحياض يبال فيها قال لا بأس
إذا غلب لون الماء لون البول ويستفاد ذلك أيضا من رواية أبي بصير عن الماء النقيع تبول فيه الدواب فقال إن تغير الماء فلا تتوضأ منه
وإن لم يتغير بأبوالها فتوضأ منه وكذلك بالدم إذا سال في الماء وأشباهه فان المنصرف إلى الذهن من تغير الماء بالدم انما هو تغير لونه فمناقشة
بعض المتأخرين في مستند الحكم بالنسبة إلى التغير باللون مما لا وجه لها ولا عبرة بغير الأوصاف الثلاثة كالحرارة والبرودة والثخانة وغيرها
وان كان مقتضى بعض الأخبار المطلقة كفاية مطلق التغير الا انه يتعين صرفها لو لم نقل بانصرافها إلى الأوصاف الثلاثة التي هي اظهر
الأوصاف للحصر المستفاد من الاخبار المتضمنة لذكر الثلاثة أو بعضها مضافا إلى عدم الخلاف فيه ظاهرا بل عن غير واحد دعوى الاجماع
عليه ويعتبر ان يكون التغير مستندا إلى وقوع النجاسة فيه فلا ينجس الماء إذا تغير بمجاورة النجاسة ولو وقعت
بعد التغير فيه لان المتبادر من
الاخبار ان يكون التغير مسببا عن ملاقاة النجس كما أن المتبادر إلى الذهن مما دل على انفعال القليل انفعاله بملاقاة النجس لا بمجاورته
ولو تغير الماء بنجس بعضه في الماء وبعضه خارج عنه واستند التأثير إلى المجموع فالظاهر انفعاله لصدق تغيره بما وقع فيه ولو علم استناده
إلى خصوص الخارج فالظاهر طهارته لما عرفت بل وكذا لو احتمل استناده إلى خصوص الجزء الخارج لأصالة الطهارة ولو تغير مالا ينفعل
بالملاقاة كالماء العالي المتغير بسبب النجاسة المغيرة في السافل ففي انفعاله وجهان من اطلاق الاخبار ومن أن الماء العالي لقاهريته على
السافل وتدافعه لا يعد جزء منه ينظر العرف بل هو بحكم المنفصل عنه فلا يصدق في الفرض عرفا انه تغير بما وقع فيه ولذا لو كان قليلا لم ينسبق
إلى الذهن انفعاله بملاقاة السافل للنجس فتغيره بما وقع في السافل بمنزلة التغير بالمجاورة بل هو هو فالاخبار منصرفة عنه وهذا الوجه أقوى وان
كان الأول أحوط ثم إن المعتبر انما هو تغير الماء بأثر النجاسة ولو في ضمن المتنجس لا تغيير عين النجاسة للماء لان هذا الفرض فلما يتحقق له مصداق
في الخارج لان الغالب انه ينفعل ما حول النجاسة منها أولا ثم ينتشر المتنجس فيما عداه وكيف كان فيكفي في الحكم بانفعال الماء الذي تغير بسبب
وقوع النجاسة فيه ولو في ضمن المتنجس اطلاقات الأدلة نعم لا عبرة بتغيره بأوصاف المتنجس كما لو تغير طعم الماء بالدبس النجس ونحوه كما عن المشهور
خلافا للمحكى عن ظاهر الخلاف والمبسوط والمعتبر والتحرير ولا يظن بمن نسب إليه الخلاف ارادته ذلك لان عبائرهم المحكية غير متضحة المفاد قابلة
للتوجيه القريب كما لا يخفى على من تأمل فيها وكيف كان فيكفي في ضعفه انصراف الأدلة عنه بل ظهور صحيحة ابن بزيع في إرادة التغير بأوصاف النجس
كما لا يخفى المتأمل * (واما) * النبوي المشهور فقد يتوهم ظهوره في العموم وفيه أن كون التغير بالأوصاف الأصلية التي للمتنجس مؤثرا في تنجس الماء
تعبدا بعيد عن الذهن فيستبعد ارادته من المطلقات فيمنعها عن الظهور في إرادة ما عدا أعيان النجاسات * (والحاصل) * ان عدم المناسبة بين
التغير بأوصاف المتنجس الذي اكتسب نجاسته بملاقاة النجس وبين تنجس الماء الذي يتوقف نجاسته على منجس قوى ولا ينفعل بملاقاة النجس مانع
عن ظهور الرواية في شمول مثل الفرض بل هي منصرفة عنه كانصراف ما عن التغير بالأشياء الطاهرة والله العالم * (وهل) * يعتبر في انفعال الماء
استيلاء النجاسة عليه بظهور أوصافها فيه أم يكفي تغير الماء بوقوعها فيه ولو بحدوث صفة أخرى مغايرة لصفتي الماء والنجاسة وجهان أظهرهما
الثاني لان المستفاد من أكثر الاخبار إناطة الحكم بتغير الماء لا بظهور أوصاف النجاسة فيه وقيل في تقريب الوجه الأول بان المتبادر من التغير
التغير بلون النجاسة ورد بان الانصراف بدوي منشأه غلبة الوجود والأولى منع الانصراف وانما ينصرف إلى الذهن انصرافا بدويا في خصوص
النجاسات التي يكون تغير الماء بها مسببا عن تفرق اجزائها واما في مثل الميتة ونحوها مما يؤثر في تغير لون الماء وطعمه بالخصية كما هو أغلب
موارد الاخبار فليس فيها انصراف أصلا بل لا يلتفت الذهن إلى اتحاد وصفيهما نعم بالنسبة إلى التغير بالريح لا يبعد الانصراف البدوي [مط]
10

وما يمكن ان يستدل به لهذا الوجه تعليق الحكم في بعض الأخبار بغلبة ريح الجيفة على الماء مثل خبر سماعة عن أبي عبد الله (ع) عن الرجل يمر بالماء
وفيه دابة ميته قد انتنت قال إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب وفيه أنه جار مجرى العادة وليس له ظهور ينافي المطلقات
كيف ولو كان المدار على ظهور وصف النجاسة في الماء للزم الحكم بطهارة الماء الذي وقع فيه الجيفة أو غيرها من النجاسات المغيرة للماء بالخاصية
لا بتفتت اجزائها الا بعد العلم بمماثلة صفة الماء والنجس وهو غير حاصل غالبا في مثل الفرض مما كان التغيير فيه بالخاصية لجواز تخلفها في الكيفية
فيرجع على تقدير الشك كما هو الغالب بالنسبة إلى الطعم إلى قاعدة الطهارة مع أنه لا يكاد يرتاب أحد في مخالفته لما أريد من الاخبار فضلا
عن ظاهرها فلو حدث في الماء صفرة لوقوع قليل الدم فيه ينجس على الأقوى والله العالم * (ولا) * يكفي في انفعاله التغير التقديري كما عن المشهور
بل يعتبر ان يكون فعليا لإناطة الحكم به في ظواهر الأدلة وهو عبارة عن تبدل كيفية الماء بالفعل فلو وقع فيه مقدار من النجس بحيث لو لم يكن
موافقا له في الصفة لا نفعل لا ينجس من دون فرق بين ان يكون المانع عن التغيير اتحادهما في الأوصاف ذاتا بمقتضى طبيعتهما النوعية كالماء
الصافي مع البول أو في خصوص شخص باعتبار صفته الأصلية كماء النفط والكبريت الموافق لبعض النجاسات في صفتها أو لعارض في النجس
كما لو أزيل صفته بهبوب الرياح أو في الماء كما لو صبغ بطاهر احمر فأريق فيه الدم فالأظهر عدم انفعال الماء في جميع الصور خلافا للمحكى عن
العلامة وجماعة ممن تأخر عنه قال في محكى القواعد والمنتهى لو وافقت النجاسة الماء في صفاته فالأقرب الحكم بنجاسة الماء ان كان يتغير بمثلها
على تقدير المخالفة وإلا فلا ويحتمل عدم التنجيس لعدم المقتضى وهو التغير انتهى وربما يوجه هذا القول بان نجاسة الماء مسببة عن غلبة النجاسة
الواقعة فيه بمعنى ان الشارع جعل غلبة النجاسة سببا لانفعال الجاري والتغير كاشفا عنه والمانع انما يمنع عن ظهور وصف التغير لا عن تأثير
ما هو علة تامة للتنجيس فإذا أحرز وجوده بامارة أخرى كما هو المفروض نحكم بثبوت اثره ولو لم يحصل تغيير بالفعل * (وفيه) * ان الظاهر من الاخبار
كون التغير بنفسه مؤثرا في التنجس لا انه كاشف عن وجود المؤثر ثم إن مراده من هذه العبارة بيان الحكم في غير الصورة الأخيرة حيث إن
مفروضه ما لو وافقت النجاسة الماء في صفاته الأصلية فلا وجه لما أورده عليه جامع المقاصد فيما حكى عنه من أن حق العبارة أن يقول لو
وقعت نجاسة مسلوبة الصفات لان موافقة النجاسة للماء في الصفات صادقة على نحو الماء المتغير بطاهر احمر إذا وقع فيه دم فيقتضى ثبوت
التردد في تقدير المخالفة في هذه الصورة وينبغي القطع بوجوب التقدير حينئذ لان التغير منا تحقيقي غاية الأمر انه مستور عن الحسن انتهى
ثم إن مقتضى هذه العبارة كعبائر غير واحد من المتأخرين انه ينبغي القطع بنجاسة الماء في الصورة الأخيرة وفي المدارك بعد أن رجح
القول باعتبار التغير الحسى مستدلا بان التغير حقيقة في الحسى لصدق السلب بدونه واللفظ انما يحمل على حقيقة قال فرع لو خالفت النجاسة
الجاري في الصفات لكن منع من ظهورها مانع كما لو وقع في الماء المتغير بطاهر احمر دم مثلا فينبغي القطع بنجاسة لتحقق التغير حقيقة غاية الأمر
انه مستور عن الحس وقد نبه على ذلك الشهيد في البيان انتهى وفي الحدائق بعد أن رجح ظاهرا انفعال الماء لو وقعت فيه نجاسة مسلوبة
الصفات قال لو اشتمل الماء على صفة تمنع من ظهور التغير فيه كما لو تغير بجسم طاهر يوافق لونه لون النجاسة كتغيره بطاهر احمر ثم وقع فيه
دم فالذي قطع به متأخروا الأصحاب من غير خلاف ظاهر معروف في الباب هو وجوب تقدير خلوا الماء عن ذلك الوصف ثم قال وكأنهم لحظوا
في الفرق بين هذا الموضع وبين ما لو كانت النجاسة مسلوبة الأوصاف حيث أوجبوا التقدير هنا دون هناك ان المراد بالتغير هو التغير الحسى
كما تقدم والتغير هنا ظاهر حسا لو خلينا وذات الماء وذات النجاسة بخلاف ما هناك لكون النجاسة عارية عن الأوصاف * (وفيه) * ان خلوا النجاسة
عن الأوصاف لا يخرجها عن تنجيس ما يلاقيه والمنجس ليس أوصافها وانما المنجس عينها انتهى وفيه ما عرفت من أن مقتضى ظواهر الاخبار ان للتغير
الفعلي مدخلية في ثبوت الحكم الشرعي التعبدي وليس في العقل ما يحيله فلا مقتضى لرفع اليد عن ظواهر الاخبار وارتكاب التأويل فيها واما
ما ذكروه من أن التغير في الفرض الأخير موجود حقيقة غاية الأمر انه مستور عن الحس ففيه انه بعد فرض تساويهما في اللون يستحيل انفعال أحدهما
بالاخر كما لو وقع قطرة دم في اناء مملو من الدم فإنه لا يعقل ان يكتسب أحد المتلاقيين من الاخر لونه لان التأثر من الاخر فرع قابلية المحل
وعدم اشتغاله بمثل اثر الاخر والا يلزم اجتماع المثلين في موضوع واحد نعم لو كان أحدهما أشد لونا من الاخر يحصل للمجوع بعد الامتزاج لون
وسط فيتحقق التغير في هذا الفرض بشهادة العقل فإن كان التفاوت بين لون الماء قبل الامتزاج وبعده بينا بحيث يدركه العرف فلا شبهة
في انفعاله وإلا فلا إذ ليس المدار على التغير الحقيقي المستور عن الحس والا يجب ان يحكم بنجاسة حوض كبير وقع فيه قطرة دم مستهلكه لكونها
مؤثرة في تغير لون الماء وطعمه بحكم العقل غاية الأمر ان اثرها ليس بحيث يدركه الحس فالأقوى طهارة الماء [مط] في جميع الصور الا ان
يحصل له تغيير حسى بحيث يشهد بوجوده العرف * (وربما) * يستدل للنجاسة في الصورة الأخيرة بوجوه ضعيفة اقويها ان الجسم الطاهر الواقع
في الماء لو لم يوجب ضعفه لا يوجب فوته قطعا وهو لا يقتضى منع النجاسة عن التأثير بداهة فالمقتضى للتنجيس موجود والمانع لا يصلح مانعا
إلا عن التغير لا عن الانفعال فيجب الحكم بنجاسته عقلا وفيه أنه انما يتم لو كان السبب في نجاسة الماء اختلاطه بمقدار من النجاسة يقتضى
11

تغيره فيكون التغير كاشفا عن تحقق السبب كما تقدم في توجيه كلام العلامة واما لو كان السبب هو النجاسة المؤثرة في تغير الماء فعلا بحيث
يكون لوصف التغير أيضا مدخلية في تمامية السبب كما هو مقتضى ظواهر الاخبار فلا وقد أشرنا إلى أنه لا مانع عنه عقلا بل ربما يستأنس
له بتشبيه بالقذارات الصورية فان تغير الماء بشئ منها يؤثر في تنافر الطبع عنه نفرة ليست حاصلة عند فقد التغير واستتار أوصاف
القذر وكيف كان فالمتبع في الأحكام التعبدية انما هو ظواهر الأدلة لا المحسنات الذوقية ولو قيل إن الحكم وان أنيط في ظواهر الأدلة
بالتغير ولكن العرف يساعد على تقديره في مثل الفرض * (قلنا) * بعد تسليم الدعوى ان مساعدة العرف نافعة في تشخيص الأمور المقصودة من
الخطاب لا في الاحكام المستنبطة باجتهادهم والله العالم والعجب ممن اعترض على المشهور القائلين بعدم كفاية التقدير فيما لو أريق في الماء
نجاسة مسلوبة الصفات بأنه يلزمهم الحكم بطهارة ماء أريق فيه اضعاف اضعافه من البول وهو بديهي الفساد وحقيق ان يقال له حفظت
شيئا وغابت عنك أشياء فان شرط عدم الانفعال بقاء الماء على صفة الاطلاق عرفا وبعد اختلاطه بنصفه من البول فضلا عن مثله أو
ضعفه لا يصدق عليه الاسم على اطلاقه لو فرض استهلاك البول في ضمنه وصدق الماء المطلق عليه عرفا لا نتحاشى عن الالتزام بالحكم فالمدار
حينئذ على بقاء اسم الماء وعدم خروجه عن اطلاقه والا فينجس لو صدق على المجموع كونه ماء ممتزجا بالبول وإن لم يتحقق استهلاك من الطرفين
ولم يصدق على المجموع اسم البول على اطلاقه إذ ليس شرط تأثير البول كونه بولا مطلقا فيكفي في تنجيس الملاقي وجوده في ضمن المجموع ولو
بحكم الاستصحاب؟ نعم لو حصل للمجموع بالامتزاج طبيعة ثالثة بحيث تغير كل من الطبيعتين حين ملاقاة الأخرى من دون ان يخرج الماء عن اطلاقه
ما دام اسم البول باقيا فمقتضى القاعدة طهارته لأنها هي الأصل في كل شئ ولا يجوز استصحاب نجاسة ما كان بولا حتى يترتب عليه تنجيس
ملاقيه لا لمعارضته باستصحاب طهارة ما كان ماء إذ ليس من اثار بقاء الطهارة تطهير ملاقيه حتى يعارض استصحاب النجاسة بل لان
تبدل الموضوع وتحقق الاستحالة مانع عن جريان الاستصحاب ولو شك في خروج الماء عن صفة الاطلاق قبل استحالة البول فالأظهر
أيضا طهارة المجموع لا لاستصحاب بقاء الماء على صفة الاطلاق إلى زمان استحالة البول المقتضية لطهارته وعدم تنجيس ملاقيه لمعارضته باستصحاب
بقاء البول إلى زمان ارتفاع صفة الاطلاق بل لقاعدة الطهارة وسيأتي مزيد توضيح وتحقيق لأمثال هذه الموارد في مسألة من تيقن الطهارة
والحدث وشك في المتأخر
ولو تغير بعض الجاري بحيث انقطع عمود الماء بواسطة المتغير فهل حكم ما يلي المتغير كحكم ما يلي المادة في عدم انفعال
قليله وجهان من أن تغير البعض لا يخرجه عن صدق اسم الجاري عليه ومن أن المستفاد من الأدلة المتقدمة انما هو اعتصامه في غير الفرض لان صحيحة
ابن بزيع لا تدل الا على اعتصام ما اتصل بالمادة كما هو ظاهر واما اطلاقات ما دل على أن الجاري لا ينجس فهي منصرفة عن مثل الفرض لان المنسبق
إلى الذهن منها ليس إلا الماء الجاري عن نبع وما يلي المتغير وإن لم يكن منفصلا عن المادة حقيقة الا انه بنظر العرف بحكم المنقطع حيث لا يرون
فرقا بين انقطاعه بحائل أو بالتغير فما يلي المتغير بنظرهم ليس إلا كالمنقطع فهو بحكم الراكد وهذا الوجه هو الأقوى وهل يطهر الجاري المتغير بزوال
تغيره [مط] أم يعتبر امتزاجه بماء معتصم كالكر وماء الغيث وما يخرج من مادته وجهان ظاهر المصنف [ره] وكل من عبر كعبارته حيث أناط الحكم
بكثرة الماء الطاهر الجاري من مادته عليه متدافعا حتى يزول التغير هو الثاني بل في طهارة شيخنا المرتضى [قده] نسبته إلى المشهور بين من تقدم
على الشهيد بل لم يعرف منهم قائل بكفاية مجرد زوال التغير وظاهر الشهيد في اللمعة وأكثر من تأخر عنه على ما حكى عنهم هو الأول وسيتضح
لك تحقيق الحال في مبحث كيفية تطهير الماء القليل [انش‍] * (نعم) * قد يقال إنه وان قلنا باعتبار الامتزاج في تلك المسألة ولكنه لا نلتزم به هنا
لان مقتضى التعليل في صحيحة ابن بزيع كفاية المادة في طهارة ماء البئر بعد زوال تغيره والامر بالنزح في الصحيحة على ما يشهد به سياقها
ليس إلا لزوال الريح وطيب الطعم فالامر به ليس إلا لكونه سببا عاديا لزوال التغير فيكون مفاد الصحيحة كما عرفت فيما سبق ان ماء البئر
في حد ذاته واسع لكونه ذا مادة وانه لا يفسده شئ الا ان يتغير فإذا أزيل تغيره يعود إلى ما كان بمقتضى طبيعته وفيه أن غاية ما يستفاد
منها ان ماء البئر في غير حال التغير طاهر وما دام متغيرا نجس واما ان ارتفاع النجاسة العارضة له بواسطة التغير عند زوال تغيره مسبب عن
نفس زوال التغير من حيث هو من غير أن يكون الامتزاج بالماء الجديد الذي يخرج من المادة مدخلية في ذلك فلا يكاد يفهم منها حيث إن
كون زوال التغير بالنزح مستلزما لذلك في العادة لا يحتاج بيانه إلى قيد زائد فلا يمكن نفى شرطية الامتزاج بأصالة الاطلاق ودعوى شهادة
سياق الرواية بان الامر بالنزح ليس إلا مقدمة الزوال التغير من حيث هو مع أنها عارية عن الشاهد غير مجدية بعد تسليم كون النزح سببا عاديا
في إزالة التغير عن البئر إذ غاية الأمر انها تدل على أن الامر بالنزح ليس إلا لأجل زوال التغير واما ان الطهارة تتفرع على زوال التغير من
حيث هو هو من دون مدخلية شئ آخر ملزوم له عادة فلا * (نعم) * لو عاد التعليل إلى القضية المتصيدة من الكلام المتفرعة على الفقرة الثانية أعني
حدوث الطهارة بعد زوال التغير لكان للاستدلال به للمدعى وجه نظرا إلى ظهوره في كون المادة بنفسها علة له لكنك عرفت أن الأظهر رجوعه
إلى الفقرة الأولى وكيف كان فالقول بكفاية مجرد زوال التغير استنادا إلى هذه الصحيحة في غاية الاشكال * (ويلحق) * به أي بالجاري في الاحكام
12

المذكورة ماء الغيث حال نزوله وماء الحمام إذا كان له مادة اما ماء الغيث فيجئ البحث فيه عند تعرض المصنف [ره] له في المطهرات [انش‍] واما ماء
الحمام فالمراد به في المقام الماء القليل الذي في الحياض الصغار المعدة للاستعمال في رفع الحدث والخبث المعمولة في أغلب الحمامات المتعارفة في بلاد
العامة مستمدة من موادها وانما هو بحكم الجاري إذا اتصل بمادته والتقييد بوجود المادة كما في المتن وغيره لبيان اشتراط اعتصامه باتصاله بها
والا فاصل وجودها في الحمامات التي يتعارف الاستعمال فيها من مثل هذه الحياض مما لابد منه في تحقق مهية الحمام ويدل على أنه بحكم الجاري صحيحة
داود بن سرحان قال قلت لأبي جعفر (ع) ما تقول في ماء الحمام قال (ع) هو بمنزلة الماء الجاري * (ورواية) * ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت أخبرني
عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب والصبي واليهودي والنصراني والمجوسي فقال (ع) ان ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا وفي تشبيهه بالجاري والنهر دون
الكر اشعار بل دلالة على أن اعتصامه انما هو لأجل اتصاله بماء طاهر قاهر فالمشبه انما هو ماء الحياض حال استمداده من موادها لا حين انقطاعه
عنها ومما * (يؤيد) * إرادة ذلك من الروايتين رواية بكر بن حبيب عن أبي جعفر (ع) قال ماء الحمام لا بأس به إذا كان له مادة * (وعن) * الفقه الرضوي
ان ماء الحمام سبيله سبيل الجاري إذا كان له مادة فيها وبغيرها مما دل على انفعال الماء القليل يقيد اطلاق قوله (ع) في رواية قرب الإسناد ماء الحمام
لا ينجسه شئ
* (وهل) * يعتبر في مادة الحمام بلوغها كرا أم يكفي مطلقا أو يشترط الكرية في رفع النجاسة لا دفعها فيكفي مطلقا في الدفع أو يشترط كونها مع
بما في الحياض كرا وجوه بل أقوال أقواها وأشهرها الأول بل في الحدائق انه هو المشهور بين الأصحاب وفي المسالك هو قول الأكثر وفي المدارك نسبته
إلى أكثر المتأخرين ومرادهم على ما يعطى التأمل في كلامهم نسبة القول باعتبار كرية المادة مطلقا إلى المشهور لا في خصوص الرافعية فما أبعد ما بين
هذه النسبة وما عن بعض المتأخرين من دعوى الاجماع على كفاية بلوغ المجموع كرا ولا يبعد ان يكون مراد هذا البعض كفاية كرية
المجموع في الدافعية والا فستعرف دعوى الاجماع عن غير واحد على اعتبار الكرية في الرفع وكيف كان فهذه النسبة في غير محلها * (نعم) * ربما تستظهر
من اطلاقات كلامهم بأنه كالجاري إذا كان له مادة من دون تقييدها بالكرية ومن افرادهم إياه بالذكر كماء الغيث ان له مزية على سائر المياه وهي
عدم اشتراطها بالكرية أصلا وفيه أن اطلاقهم منزل على المتعارف وافرادهم إياه بالذكر بعد تسليم تقوى الماء السافل بالعالي في غير ماء الحمام
كما هو الأظهر فإنما هو المتابعة النص الا ترى ان غير واحد منهم صرح بعدم الخلاف في اعتبار كرية المادة في رفع النجاسة حتى أن من قوى عدم اعتبار
الكرية مطلقا علقه في صورة الرفع على عدم انعقاد الاجماع على خلافه فيظهر من ذلك أن اطلاق كلامهم انه بمنزلة الجاري ليس لبيان عدم اشتراط
الكرية في المادة بل قد عرفت عن الحدائق ان اشتراط كرية المادة هو المشهور بين الأصحاب فكيف يمكن استكشاف عدم الاشتراط من افرادهم
له بالذكر أو اطلاق قولهم انه بمنزلة الجاري وكيف كان فالمتبع انما هو ظواهر الأدلة * (فنقول) * قد يستدل باطلاق قوله (ع) ماء الحمام كماء النهر
وانه بمنزلة الجاري وانه لا بأس به إذا كان له مادة على اعتصامه مطلقا وعدم اشتراطه بالكرية لا في الدفع ولا في الرفع الا ان يثبت الاجماع على
اعتبارها في الرفع أو على بلوغ المجموع كرا في الدفع أيضا * (وفيه) * ان الاطلاقات منزلة على ما هو المتعارف ومن المعلوم ان الماء الموجود في المادة
بمقتضى العادة في الحمامات التي يتعارف استعمالها حال الاستعمال أزيد من عشرين كرا فضلا عن كر واحد كيف مع أن وضع الحمامات المتعارفة
انما هو على وجه لو أضيف إلى الماء الموجود في موادها لدى الحاجة كرا وأزيد لا يؤثر في تبريد مائه ومن قال بان زيادتها على الكر انما تتعارف
في أوائل الاخذ في الاستعمال واما بعده فلا فكأنه غفل عن وضع الحمام وبناء الحمامي وتخيل ان مادة الحمام كالمنابع المصنوعة لتطهير الحياض و
نحوه فيمتلئونها تارة ويفرغونها أخرى وغفل عن أن وضع الحمام على أن يكون في خزانته بالفعل مقدار من الماء يفي بقضاء حاجة عامة أهل البلد
لو احتاجوا إليه والحمامي لا زال يراقب امرها بحيث لو نقص من مائه شئ يعينه بماء جديد ولا يتقوم امر الحمام الا بان يكون الماء الجار الموجود
في الخزانة بمقدار لو زيد عليه كرا وكران لاستهلك فالعادة قاضية باستحالة وجود حمام لا يكون الماء الموجود في خزانته في أزمنة تعارف
استعماله مقدار الكر وبما ذكرنا ظهر لك انه لولا الاجماع على عدم اعتبار ما زاد عن الكر في عاصميته المادة لا شكل استفادة كفايتها من هذه الأخبار
نعم لو فرض اتصال ما في الحياض الصغار بما في المادة على وجه يعد في العرف مجموع الماء بين ماء واحدا كما لو كان الحوض والمادة بمنزلة
غديرين موصولين بساقية التعين القول بكفاية بلوغ المجموع كرا في دفع النجاسة لا لهذه الاخبار بل لعموم قوله (ع) إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ
الا ان وضع الحمامات المتعارفة ليس كذلك ضرورة ان حكمة افراز الحوض الصغير انما هي صيانة ما في مادته عن اثر الاستعمال وهذا ينافي
اتحادهما فما اعترضه صاحب الحدائق وغيره على من اشترط كرية المادة في الحمام بان مقتضاه ان الحكم في الحمام أغلظ حيث إنهم لم يعتبروا ذلك في
الغديرين المتواصلين مدفوع بان اشتراطهم الكرية انما هو في الحمامات المتعارفة التي لا يجرى الماء في حياضها الا من جهة الفوق بأنبوبة ونحوها
لاما كان حياضيا كالغديرين المتواصلين المتساويين في السطح فان هذا بحسب الظاهر مجرد فرض لا تحقق له في الخارج نعم هذا ينافي القول؟؟
الماء السافل والعالي؟ في غير الحمام إذا كان مجموعهما كرا الا ان القائل باشتراط كرية المادة بحسب الظاهر لا يلتزم بهذا القول وان أوهمه اطلاق
عبارته في الغديرين الموصولين بساقية والحاصل ان غاية ما يمكن استفادته من هذه الأخبار بضميمة الاجماع على عدم اشتراط كون المادة أزيد
13

من الكر ان ماء الحمام الموجود في حياضه الصغار حال جريان الماء فيها من موادها التي لا تنقص من الكر حكمه حكم الجاري ولا يبعد استفادة
هذا الحكم لغير الحمام أيضا من هذه الأخبار لبعد تنزيل هذه الأخبار على بيان حكم تعبدي في خصوص الحمام فان الظاهر أن هذه الفقرات
في هذه الروايات أعلى تنزيله منزلة الجاري وتشبيهه بماء النهر وتعليقه بالمادة وغيرها من المبالغات الواردة في طهارة ماء الحمام انما سيقت
لرفع استبعاد السائلين حيث كثرت الريبة في قلوبهم لأجل ماء الحمام لكونه ماء قليلا يتوارد عليه النجاسات باغتسال اليهودي و
النصراني والمجوسي والجنب فمن المستبعد جدا ان يكون مقصود الإمام (ع) حين تشبيهه بماء النهر والجاري مجرد بيان عدم انفعاله
تعبدا بل الظاهر أن مراده (ع) حين سئلوه عن أن ماء الحمام يتوارد عليه هذه النجاسات بيان وجه الاعتصام تقريبا لأذهانهم
فكأنه (ع) قال في جوابهم كما أن ماء النهر والجاري لا يفسده توارد مثل هذه الأمور لاتصاله بماء طاهر قاهر فكذا ماء الحمام
فهذه التقريبات انما تؤثر في رفع ما اختلج في أذهانهم من الريبة في خصوص الحمام الا انه يستفاد منها ان الماء الحمام من حيث كونه
في الحمام حكما خاصا؟ تعبديا هذا مع أنه قد يقال إن اطلاق تنزيله منزلة الجاري والنهر مع قطع النظر عن تعد إرادة الخصوصية في خصوص
المورد يقتضى عموم المنزلة أي التشبيه التام ومقتضاه ان يكون علة اعتصامه تقويه بالماء الطاهر القاهر الذي يخرج عن مادته بل قوله (ع)
يطهر بعضه بعضا كالتصريح بان علة الاعتصام اتصال بعضه ببعض وهذا ينافي مدخلية الخصوصية هذا مضافا إلى أن المناسبة بين عاصميته
للمادة؟ وكثرة الماء بانضمام بعضه إلى بعض وبين عدم الانفعال نجعلهما من الوجوه الظاهرة التي ينصرف إليها التشبيه ولو لم نقل بعموم المنزلة
وقد يتوهم ان مقتضى التشبيه بالجاري اعتبار الكرية في مادته حتى تكون عاصمة لنفسها كما في الجاري فيتم التشبيه وفيه نظر لان التشبيه
انما وقع بين الماء والاحكام اللاحقة لمادتهما من حيث هي خارجة عن طرفي التشبيه وبإزاء هذا التوهم توهم ان مقتضى التشبيه التام عدم
اعتبار كرية المادة بين كما في الجاري أو كفاية بلوغ المجموع كرا في الدافعية كما في النهر وقد عرفت دفعه بان المشبه انما هو المياه الموجودة في الحمامات
المتعارفة فكرية المادة مأخوذة في مهية المشبه فلا يراد من التشبيه نفى اعتبارها بل * (قد) * يقال إن غزارة الماء وكثرته ولو بالاستعداد الذاتي كما
في الجاري معتبرة في مفهوم المادة واما التشبيه بالنهر فلا يقتضى الا كون بعض ماء الحمام كبعض ماء النهر علة لاعتصام بعضه واما ان أي مقدار من
البعض يكون كافيا في الاعتصام على تقدير انفصاله عن سائر الأجزاء فهو امر فرضى لا مدخلية له بجهات المشبه به كما لا يخفى على المتأمل وكذا
يظهر من تعليق نفى البأس عن ماء الحمام في رواية بكر بن حبيب على وجود المادة عليتها للاعتصام لا لظهور القضبة الشرطية في كون الشرط سببا
منحصرا للجزاء ضرورة ان الشرطية لا تدل الا على سببية خصوص الشرط لجزائه لا سببية نوع الشرط لنوع الجزاء فقولك ان جاءك زيد فأكرمه لا يدل
الا على سببية مجئ زيد لاكرامه لا مجئ كل أحد لاكرامه بل لما أشرنا إليه من أن وجود المادة للحمامات التي يتعارف الاستعمال من حياضها الصغار
من لوازم مهيتها فلا يراد من الشرطية تعليق الحكم على وجود الشرط فهي اما مسوقة لبيان اشتراط الاتصال
بالمادة كما وجهنا به عبارة العلماء
أو انها مسوقة لبيان لبيان علة الحكم نظير ما لو كان عالمية زيد عندك وعند المخاطب مسلمة فنقول زيد يجب اكرامه إذا كان عالما فان المتبادر من هذا
الكلام في مثل هذا المقام ليس إلا انه يجب اكرامه لأجل علمه فتدل الرواية على هذا التقدير أيضا على اشتراط الاتصال بدلالة؟؟ وهذا المعنى
انسب بسوق العبارة إذ لو كان مراد الإمام (ع) بيان مجرد اعتبار الاتصال لكان الأنسب أن يقول إذا اتصل بمادته هذا مع أنه على هذا التقدير
أيضا لا يخلو عن الاشعار هذا كله مع أن لنا ان نقول يستفاد تقوى السافل بالعالي الكثير من مطلق اخبار ماء الحمام حتى من قوله (ع) ماء
الحمام لا ينجسه شئ لان العرف لا يساعد على اخذ الأوصاف الإضافية التي لا مدخلية لها في قوام ذات الموضوع قيد الموضوعية بل هي بنظر
أهل العرف معرفات للموضوع لا مؤثرات في موضوعيته فلا فرق فيما يتفاهم عرفا بين قوله (ع) ماء الحمام لا ينجسه شئ وبين قولك الماء المعهود لا
ينجسه شئ والخصوصيات التي يحتمل مدخليتها في الحكم ينظر العرف ليست الا ما يتعلق بأوصاف الماء كما وكيفا واما الاعتبارات اللاحقة له
بالإضافة إلى الأمور الخارجية ككونه واقعا في البستان أو في البيت أو في الحمام أو كونه قريبا من المسجد إلى غير ذلك من الأوصاف الإضافية
فلا من دون فرق بين ان يؤخذ شئ من هذه العناوين موضوعا في الأدلة للحكم الشرعي كما لو قال الماء المتصل بدار زيد لا ينجسه شئ وبين ان
يعلق الحكم على نفس الماء بان يقول هذا الماء لا ينجسه شئ أترى ان أهل البلاد التي يتعارف عندهم استعمال ماء الحمام بحيث صار طهارته
واعتصامه مغرو؟ في أذهانهم هل يخطر ببال عوامهم انقلاب الحكم لو انهدم سقف الحمام بحيث ارتفع عنه اسم الحمامية وبقي مع ذلك مائه
على ما كان عليه كما وكيفا هذا مع أنه لم يبلغهم الا ان ماء الحمام لا ينجسه شئ فكيف لو ضم إليه سائر الفقرات المذكورة في الاخبار المشعرة بعلية
تكاثر الماء من المادة أو الظاهرة فيها كتعليق عدم الانفعال على وجود المادة أو التصريح بأنه حال جريه من المادة بمنزلة الجاري وانه مثل ماء
النهر يطهر بعضه بعضا فلا يبقى [ح] مجال احتمال مدخلية الوصف العنواني في موضوعية الموضوع * (ومما يؤيد) * ذلك بل يدل عليه تعليل
طهارة ماء البئر في صحيحة ابن بزيع بالمادة إذ الظاهر أن اطلاقها على مادة الحمام والجاري ليس على سبيل الاشتراك بل المناط في
14

الصدق بحسب الظاهر كون المنبع مستعدا للجري استعدادا ذاتيا كما في الجاري أو عرضيا كما في مادة الحمام فتأمل * (ويؤيده) * أيضا عدم
معروفية الخلاف في تقوى السافل بالعالي الكر بل عن غير واحد دعوى الاتفاق عليه بل يظهر من بعض كونه من المسلمات عندهم وكيف
كان فلا ينبغي الاشكال في ذلك وانما الاشكال في كفاية بلوغ المجموع كرا حيث إن هذه الأدلة قاصرة عن اثباتها فلا بدله من دليل اخر وسيتضح
لك تحقيقه في مبحث الكر [انش‍] فتحصل لك ان الأقوى انه لا خصوصية لماء الحمام تقتضي افراده بالذكر الا متابعة النص والله العالم واعلم أن
الماء مطلقا جاريا كان أم غير جار لو مازجه جسم طاهر فغيره عما هو عليه من الأوصاف أو تغير من قبل نفسه لم يخرج عن كونه مطهرا ما دام
اطلاق اسم الماء باقيا عليه بلا اشكال ولا خلاف ويدل عليه مضافا إلى الأصل والاجماع اطلاقات الأدلة واما الماء المحقون أي المحبوس
المراد به ما يعم السائل لا عن نبع في مقابل الجاري وما بحكمه وماء البئر فما كان منه دون مقدار الكر الذي ستعرفه [انش‍] فإنه ينجس بملاقاة النجاسة
والمتنجس على المشهور بل عن الشيخ والشهيدين وجملة من أساطين علمائنا دعوى الاجماع عليه مستثنيا بعضهم ابن أبي عقيل * (ويدل) * عليه الأخبار المستفيضة
بل المتواترة على ما قيل * (وفي) * الرياض انه قد جمع بعض الأصحاب منها مأتي حديث وفي طهارة شيخنا المرتضى [ره] قيل إنها تبلغ ثلاث مائة منها
صحيحة إسماعيل بن جابر قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الماء الذي لا ينجسه شئ قال كر قلت وما الكر الخبر وفي مصححة أخرى له عن الماء الذي لا ينجسه شئ
قال ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته فإنه يستفاد منهما ان انقسام الماء إلى ما ينفعل والى مالا ينفعل كان مركوزا في أذهان الرواة * (ومنها) * الأخبار المستفيضة
المشتملة على قوله (ع) إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ والمناقشة في دلالتها على
العموم بما مر غير ضائر لما نحن بصدده في المقام ومنها الواردة صحيحة البقباق
في سؤر الكلب قال (ع) انه رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء * (وصحيحة) * علي بن جعفر في خنزير يشرب من اناء قال
يغسل سبع مرات وصحيحة محمد بن مسلم عن الكلب يشرب من الاناء قال اغسل الاناء وصحيحة البزنطي سئلت أبا الحسن (ع) عن الرجل يدخل يده في
الاناء وهي قذرة قال يكفي الاناء وصحيحة ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) عن الرجل الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه فقال إن
كانت يده قذرة فليهريقه وان كان لم يصبها فذر فليغتسل منه هذا مما قال الله عز وجل " ما جعل عليكم في الدين من حرج " إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
التي سيجئ التعرض لذكر بعضها ولا يخفى على المتأمل فيها انه يستفاد من مجموعها استفادة قطعية ان الماء في الجملة قابل للانفعال بشئ من النجاسات
ولو مثل الخمر والنبيذ وولوغ الكلب والخنزير فلا حاجة إلى اطناب الكلام في مقابل من يقول بالسلب الكلى استنادا إلى استبعادات ضعيفة
كما سنشير إليها [انش‍] وعمومات قابلة للتخصيص مثل قوله خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ واطلاقات منصرف أغلبها في حد ذاتها عن الماء
القليل كالاخبار البالغة من الكثرة نهايتها الواردة في حكم الماء الغدير والنقيع الذي يمر به المسافر في أثناء الطريق أو يكون في ناحية القرية تردها
الكلاب والسباع أو فيه جيفة أو يغتسل فيه الجنب ويستنجي فيه الانسان ومن المعلوم ان ما كان هذا شانه من الغدران يزيد مائه غالبا عن اضعاف
الكر فلا مجال لتوهم القلة فيها حتى يكون ترك الاستفصال في مثله مفيدا للعموم مع أنها على تقديره قابلة للتخصيص كغيرها من المطلقات
النافية للبأس أظهرها دلالة حسنة محمد بن ميسر قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل الجنب ينتهى إلى الماء القليل في الطريق ويريد ان يغتسل منه
وليس معه اناء يغترف به ويداه قذرتان فان يضع يده ويتوضأ ثم يغتسل هذا مما قال الله [تعالى] ليس " عليكم في الدين من خرج " * (وفيه) * بعد منع الحقيقة
الشرعية في القليل انها مطلقة قابلة للتقييد خصوصا بعد ملاحظة ان أغلب المياه التي ينتهى إليه في الطريق اما ذو مادة أو مياه الغدران
التي قلما تكون أقل من كر فتسميتها قليلا ربما يكون بالإضافة إلى المياه التي يمكن الارتماس فيها وان أبيت إلا عن ظهورها في الماء القليل
الذي لم يبلغ الكر فلا بد من طرحها لقصورها عن مكافئة الأخبار المتقدمة التي لا يضرها خصوصية المورد في أكثرها بعد عدم القول بالفصل
هذا مع أن الامر بالتوضي مع غسل الجنابة مما يقرب حملها على التقية كما في الوسائل اللهم الا ان يراد به معناه اللغوي وهو التنظيف وأمره به
لكونه مقدمة للغسل هذا ولكن الانصاف ظهور الحسنة في إرادة الماء القليل وحكومتها على أدلة الانفعال فإنه لو كان موردها الكر لم يكن هذا
مما قال الله تعالى " ليس عليكم في الدين من حرج " بل كان مما ورد فيه أن الماء إذا كان كرا لا ينجسه شئ فالرواية بمدلولها اللفظي تدل على أن موردها
مما كان من شانه الانفعال ووجوب التحرز عنه ولكنه رفع عنه هذا الحكم لمكان الضرورة والحرج وهي حاكمة على الأدلة المطلقة الدالة على الانفعال
ومقتضاها التفصيل بين حالتي الاختيار والضرورة فحالها حال رواية قرب الإسناد الآتية وستعرف الجواب عنها ومما يستدل به لابن أبي
عقيل القائل بعدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة اخبار خاصة معارضة في خصوص موردها بما هو أقوى دلالة وأكثر عددا وأرجح
سندا واعتضادا بعمل الأصحاب منها ما عن قرب الإسناد وكتاب المسائل لعلي بن جعفر قال سئلت عن جنب أصاب يده جنابة فمسحه بخرقة ثم ادخل
يده في غسله قبل أن يغسلها هل يجزيه ان يغتسل من ذلك الماء قال إن وجد ماء غيره فلا يجزيه ان يغتسل وإن لم يجد غيره أجزأه ويعارض كالخبر
السابق في خصوص موردهما الأخبار المستفيضة الدالة على عدم جواز الاغتسال إذا ادخل الجنب يده القذرة الاناء مثل رواية شهاب ابن عبد
ربه عن أبي عبد الله (ع) عن الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في الاناء قبل أن يغسلها قال لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شئ وموثقة سماعة إذا أدخلت
15

يدل في الاناء قبل أن تغسلها فلا بأس الا ان يكون أصابها قذر بول أو جنابة فان أدخلت يدك في الماء وفيها شئ من ذلك فأهرق ذلك الماء
وموثقة سماعة أيضا إذا أصاب الرجل جنابة فادخل يده في الاناء فلا بأس إذا لم يكن أصاب يده شئ من المنى وموثقته الأخرى وان كان
اصابته جنابة فادخل يده في الماء فلا بأس به إذ لم يكن أصاب يده شئ من المنى وان كان أصاب يده شئ فادخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفية
فليهرق الماء كله إلى غير ذلك مما ورد في هذا المعنى ورواية قرب الإسناد كالحسنة السابقة وان كانت صالحة على تقدير صحتها وسلامتها عن
المعارض لتقييد مثل هذه الأخبار خصوصا ما ليس فيه الامر بالاهراق المشعر بخروجه عن المالية بصورة الاختيار الا انه بحسب الظاهر لا قائل
بالفرق في جواز الاغتسال منه وعدمه بين الحالتين فهي في الحقيقة غير معمول بها بظاهرها مع أنه يعارضها من هذه الجهة الموثق عن رجل
معه إناءان وقع في أحدهما قذر لا يدرى أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال يهريقهما جميعا ويتيمم * (وعن) * عمار الساباطي مثله إلا أنه قال
قد حضرت الصلاة وليس يقدر الخبر وهذا صريح في عدم جواز الاستعمال حتى حال الاضطرار ولو في صورة الاشتباه فالمتجه حمل رواية
قرب الإسناد على التقية لكون مضمونها مذهب كثير من العامة على ما قيل والله العالم * (ومنها) * رواية أبى مريم الأنصاري قال كنت مع أبي
عبد الله (ع) في حايط له فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركى له فخرج قطعة من عذرة يابسة فأكفأ رأسه وتوضأ بالباقي قال شيخنا
المرتضى [ره] بعد نقل الرواية وظهورها في عدم الانفعال لا ينكر بناء على ظهور العذرة في عذرة الانسان الا ان أحدا لا يرضى ان يتوضأ
الإمام (ع) من هذا الماء مع ما علم من اهتمام الشارع في ماء الطهارة بما لا يهتم في غيره ومع ذلك فهي معارضة بما دل على عدم جواز
التوضي بمثل هذا الماء ففي مرسلة علي بن حديد عن بعض أصحابه قال كنت مع أبي عبد الله (ع) في طريق مكة فصرنا إلى بئر فاستقى غلام أبى عبد الله (ع)
دلوا فخرج فيه فارتان فقال له أبو عبد الله ارقه فاستقى آخر فخرج فيه فارة فقال أبو عبد الله ارقه فاستقى الثالث فلم يخرج فيه شئ
فقال له صبه في الاناء فصبه في الاناء فان الامر بالإراقة لا يكون الا مع النجاسة انتهى كلامه رفع مقامه * (أقول) * وضوح الحال في مثل هذه
الروايات وعدم مكافئتها للأخبار المتواترة القطعية الدلالة على انفعال الماء القليل في الجملة المقتضية للحكم بالانفعال في سائر أنواع
النجاسات بعدم القول بالفصل أغنانا عن التكلم في دلالة الرواية والتكلم في خصوص ما ذكره من المعارض في صلاحيته للمعارضة هذا مع أن
في الرواية ما فيها وقد أشار إليه شيخنا المرتضى [ره] في كلامه المتقدم حيث اومى إلى أن هذا الفعل منشأ لنفر الطباع فلا ينبغي صدوره
عن أئمة الجماعة والجمعة فكيف يعقل صدوره عن امام الأمة مضافا إلى أن مرجوحيته مقطوع بها إذ لو لم نقل بالنجاسة فلا أقل من الكراهة
الشديدة فصدوره بعيد عن ساحتهم بمراتب واحتمال صدوره عنهم لارشاد العباد إلى جوازه مدفوع بان هذا فيما إذا لم يكن البيان القولي
وافيا بتمام المراد فيعرض للفعل جهة حسن تكافى مرجوحيته الذاتية واما إذا كان القول أو في كما فيما نحن فيه فلا خصوصا مثل هذا الفعل
الموجب لتنفر الطباع فالمتعين في مثل المقام تخطئة الراوي في زعمه انها عذرة أو تكذيبه والله العالم * (ومنها) * خبر زرارة عن أبي جعفر (ع)
قلت له رواية من ماء سقطت فيها فارة أو جرذ أو صعوة ميتة قال إن تفسخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضأ وصبها وان كانت غير منفسخة
فاشرب منه وتوضأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية وكذلك الجرة وحب الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء ويعارضه في خصوص مورده
الأخبار المستفيضة مثل موثقة سعيد الأعرج قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الجرة تسع مائة رطل من الماء تقع
فيه أوقية من الدم أتوضأ منه واشرب
قال لا ولكن يمكن حمل هذه الموثقة على التغير وخبر أبي بصير ما يبل الميل ينجس حبا من ماء وما ينجس الميل من النبيذ ينجس حبا من ماء وخبر عمر بن حنظلة
في المسكر وفيه لا قطرة قطرت منه في حب الا أهريق ذلك الحب ورواية قرب الإسناد عن حب ماء تقع فيه أوقية بول هل يصلح شربه أو الوضوء قال
لا يصلح وموثقة عمار عن الصادق (ع) في ماء شرب منه بازا وصقرا وعقاب أو دجاجة فقال كل شئ من الطير يتوضأ بما يشرب منه الا ان ترى في منقاره
دما وان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب إلى غير ذلك * (وقيل) * في الانتصار لهذا القول اعتبارات ضعيفة ووجوه هينة * (منها) * لو
كان ينجس الماء بملاقاة النجاسة لما جاز إزالة النجاسة بشئ منه بوجه لان النجس منجس فلا يكون مطهرا * (ومنها) * ان اشتراط الكرية منشار الوسواس
ولأجل شق الامر على الناس وكيف يصنع أهل مكة والمدينة إذ لا يكثر فيها المياه الجارية ولا الراكد الكثير ومن أول عصر النبي صلى الله عليه وآله
إلى آخر عصر الصحابة لم تنقل واقعة في الطهارات ولا سؤال عن كيفية حفظ المياه من النجاسات وكانت أواني شربهم مثلا يتعاطاها الصبيان
والنساء والإماء الذين لا يتحرزون عن النجاسات بل الكفار إلى غير ذلك من المقربات * (ويدفعها) * الأخبار الصحيحة الصريحة التي لا مجال للمناقشة
فيها ورفع اليد عنها بمجرد هذه الاستبعادات بل واضعاف اضعافها هذا مع أن الأول منها يرد عليه النقض بحجر الاستنجاء والأرض التي
تطهر باطن النعل وحله بالمقايسة إلى القذارات الصورية التي ينفعل بغسلها الماء ويطهر المحل واما الاجماع على أن التنجس منجس أو انه ليس بمطهر
فإنما هو فيما إذا لم يكن النجاسة مكتسبة من الملاقاة حال التطهير واما لو كانت مكتسبه عنها حين التطهير فلا اجماع بل الاجماع على خلافه واما
استبعاده الناشئ من تعاطى الصبيان والنساء والإماء أواني شربهم فإنما يرتفع بالمقايسة إلى أواني أكلهم المرق وغيره من المايعات المضافة
16

التي تنفعل بملاقاته النجاسة بلا خلاف فيه على الظاهر ودعوى أنه لم تنقل واقعة في الطهارات يدفعها الأخبار المتقدمة الكاشفة أغلبها عن كون
الانفعال في الجملة مغروسا في أذهانهم وكيف كان فهذا القول خصوصا بعد مخالفته لاجماع العلماء خلفا عن سلف الا من شد
منهم من الضعف بمكان لا ينبغي الالتفات إليه بمثل هذه الاعتبارات والله العالم * (وعن) * الشيخ في الاستبصار القول بعدم انفعال
الماء القليل بما لا يدركه الطرف من الدم وفي محكى المبسوط مالا يمكن التحرز عنه مثل رؤس الإبر من الدم وغيره فإنه معفو عنه لأنه
لا يمكن التجوز؟ عنه انتهى وفي استدلاله منع ظاهر وربما يعلل في خصوص الدم بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) في رجل رعف فامتخط
فصار الدم قطعا صغارا فأصاب انائه هل يصح الوضوء منه فقال (ع) إن لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس وان كان شيئا بينا فلا
تتوضأ منه * (وفيه) * ان ظاهر السؤال انه لم يعلم الا إصابة الاناء وحيث إن وصول شئ من تلك القطع إلى الاناء لا ينفك غالبا عن إصابة
الماء أيضا تحير السائل في حكمه واجابه الامام بنفي البأس ما لم يظهر شئ من الدم في الماء وعلى تقدير كون كلمه شئ منصوبة كما
عن بعض النسخ فمعناه أيضا يؤل إلى ذلك كما لا يخفى على المتأمل ومعلوم انك لو سئلت المجتهد عن مثل الفرض يجيبك بمثل جواب
الإمام (ع) لانحصار طريق حصول القطع بإصابة الماء في مفروض السائل بظهور اثر الدم في الماء لان ما عداه من الامارات كإصابة
الاناء أو تفرق اجزاء الدم أو تموج الماء لا يورث الا الظن بالإصابة فلا يلتفت إليها وبما أشرنا إليه من أن إصابة الاناء امارة ظنية
في مثل الفرض لإصابة الماء ظهر لك اندفاع ما قيل من أن عدم المناسبة بين إصابة الاناء والسؤال عن حكم الماء خصوصا من مثل علي بن
جعفر قرينة على أن المراد إصابة الماء ثم لو سلم ظهور الرواية في أن المراد إن لم يكن الدم الواقع في الماء شيئا يستبين فيه فنقول ان هذا
الظاهر لا ينطبق الا على مذهب العماني إذ لا ملازمة بين عدم استبانته في الماء وكونه مما لا يدركه الطرف قبل وقوعه في الماء إذ ربما يكون قبل
وقوعه في الماء بينا وبوصوله إلى الماء يستهلك فيجب حمل الرواية على مالا ينافي الأدلة المتقدمة والله العالم * (وقد) * ظهر لك ان الأقوى
ما عليه المشهور وهو انفعال الماء القليل بمطلق النجاسة قليلها وكثيرها
وهل ينفعل الماء القليل مطلقا بمجرد ملاقاة النجس أم يشترط ورود
النجاسة على الماء فلو ورد الماء على النجس لا ينجس [مط] أو بشرط استعمال الماء الوارد في التطهير أو ان المستعمل في التطهير لا ينفعل مطلقا
واردا أم مورود لو قلنا بجوازه وجوه بل أقوال أشهرها بل عن المشهور الأول خلافا لما نسب إلى السيد والحلي من عدم نجاسة الماء الوارد
وعن جملة من الأصحاب طهارة ما يستعمل في التطهير مطلقا أو خصوص الغسلة المطهرة واختار طهارته [مط] بعض مشايخنا [قده] ولكنه
اعتبر في جوازه ورود الماء على النجس وسيأتي الكلام في تحقيقه في مبحث الغسالة انشاء الله * (واما) * القول المحكى عن السيد والحلي فلا يبعد دعوى
مخالفته باطلاقه للاجماع بل عن غير واحد من الأساطين دعوى الاجماع على خلافه في بعض جزئيات المسألة ومنشأ النسبة إليهما ما ذكره السيد
في الناصريات وقواه الحلي بعد نقله قال في محكى السرائر في باب إزالة النجاسات ان اصابه من الماء الذي يغسل به الاناء من الولوغ فإن كان
من الغسلة الأولى وجب غسله وان كان من الغسلة الثانية أو الثالثة فلا يجب غسلة ثم ذكر الخلاف في ذلك ثم قال وما اخترناه
هو المذهب وقال السيد المرتضى في الناصريات قال الناصر ولا فرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء قال السيد
المرتضى وهذه المسألة لا اعرف فيها نصا لأصحابنا ولا قولا صريحا والشافعي يفرق بين ورود الماء عليها وورودها عليه فيعتبر القلتين
في ورود النجاسة على الماء ولا يعتبرهما في ورود الماء على النجاسة وخالفه سائر الفقهاء في هذه المسألة والذي يقوى في نفسي عاجلا إلى أن
يقع التأمل فيه صحة ما ذهب إليه الشافعي والوجه فيه انا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لأدى ذلك إلى أن الثوب لا
يطهر من النجاسة الا بايراد كر من الماء عليه وذلك يشق فدل على أن الماء الوارد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة والكثرة كما تعتبر فيما يرد
عليه النجاسة قال محمد بن إدريس وما قوى في نفس السيد هو الصحيح المستمر على أصل المذهب وفتاوى الأصحاب انتهى * (أقول) * لا يبعد ان يكون
مراد الحلي طهارة ما يستعمل في التطهير بعد إزالة عين النجس ولذا فرق بين الغسلة الأولى وما بعدها والا فالقول بعدم انفعال الوارد
مطلقا كما هو ظاهر عنوان السيد لا يجتمع مع القول بنجاسة الماء في الغسلة الأولى والاعتذار عنه بان النجاسة في الأولى الاجل امتزاجه بالتراب
المتنجس انما يقبل إذا التزم بنجاسة الماء الوارد في الفرض وهو ينافي الاطلاق ولعله استظهر من عبارة السيد طهارة ما يستعمل في التطهير
بعد إزالة العين لا مطلقا اقتصارا على ما يقتضيه دليله فقواه ونسبه إلى فتاوى الأصحاب وان كان في النسبة أيضا ما ستعرف وكيف كان
فهذا القول أضعف من قول العماني إذ لا مستند له عدا ما خطر في نفس السيد عاجلا قبل التأمل أي الملازمة بين طهارة الثوب وعدم
انفعال الماء الوارد وفيه مع ابتناء كفايته لعموم المدعى على بعض الدعاوى الغير المسلمة ما سيجئ في مبحث الغسالة * (وقد) * استدل له أيضا
فقاعدة الطهارة بعد دعوى أنه ليس لنا عموم يثبت انفعال الماء مطلقا حتى يعم مثل الفرض لان أغلب أدلته اخبار خاصة موردها صورة
وقوع النجاسة على الماء وما كان من قبيل قوله (ع) إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ فلا يستفاد منه الا انفعال الماء القليل في الجملة والقدر
17

المسلم منه غير مثل الفرض * (وفيه) * ان منع عموم المفهوم لا يجدى لهذا القول كما أن عمومه لا يضره لما أشرنا في صدر العنوان ان خلاف
السيد [ره] ليس في انفعال الماء القليل وعدمه حتى يضره العموم لان انفعال كل فرد من افراد الماء القليل بوقوع النجاسة فيه مسلم عند
السيد وعموم المفهوم على تقدير تسليمه لا يقتضى أزيد من ذلك لان كون الماء واردا أم مورودا من أحوال الفرد لا من افراد العام فالمضر بحال
السيد انما هو ما لو كان في شئ من الأدلة ما يقتضى باطلاقه ولو بالنسبة إلى فرد انفعاله في صورة وروده على النجس * (إذا) * عرفت ذلك فنقول
الانصاف انه لا اجمال ولا إهمال في شئ من الأدلة لان كيفية الانفعال موكولة إلى ما هو المغروس في أذهان المتشرعة اما لوصولها
إليهم من صاحب الشرع أو لمعروفيتها لديهم بتشبيه النجاسات بالعذارات الصورية المقتضية لتنفر الطباع عما يلاقيها وكيف كان فالواسطة
في انفعال الأجسام القابلة للانفعال جامدا كان أم مايعا ماء أو غير ماء على ما هو المغروس في أذهان أهل الشرع ليست الا وصول النجس
إليه وملاقاته برطوبة مسرية من دون ان يكون لكيفية الملاقاة ككون النجس واردا أم مورودا أو كون الملاقاة بمباشرة السطح الا على
من النجس أو الأسفل إلى غير ذلك من الكيفيات دخل في الحكم الا ترى لو قيل للمقلد بعد سؤاله عن انه وقع على ثوبه قطرة بول لا تصل
فيه لا يتوقف في حكم الثوب الملطخ بالبول بوقوعه عليه وكذا لو قيل له اجمالا ان الماء القليل أو المايع المضاف ينجسه العذرة أو غيرها من
النجاسات لا يتأمل في نجاسة ماء رأى فيه النجس لجهله بكون الماء واردا أم مورودا * (هذا) * مع أن في الأدلة ما يستفاد منه عدم الفرق بين
الورودين وكونه مغروسا في الأذهان كرواية عمر بن حنظلة قال قلت لأبي عبد الله (ع) ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى يذهب
عاديته وسكره فقال (ع) لا والله ولا قطرة قطرت في حب الا أهريق ذلك الحب فان المراد من الجواب المبالغة في امر المسكر وان قطرة منه
تفسد الحب من الماء فلو كان حكم الماء الوارد على القطرة مخالفا لحكم القطرة الواردة على الماء لم يكن للجواب وقع كما لا يخفى وهل يتوهم من
سمع من الإمام (ع) ان ما يبل الميل ينجس حبا من الماء وما ينجس الميل من النبيذ ينجس حبا من الماء اختصاص الحكم بصورة وقوعه على الحب وعدم
نجاسة ماء أريق في حب ملطخ بالنبيذ مع بقاء مقدار معتد به منه في الحب فدعوى إهمال الأدلة من هذه الجهة فاسدة جدا ولذا لم يتشبث السيد
الذي هو الأصل في تأسيس هذا القول باهمال الأدلة وانما اعتمد على الدليل المخصص وانما نشاء توهم من توهم الاهمال لأجل الشبهات المغروسة
في ذهنه ومن المعلوم ان مثل هذه الشبهات لا يوجب التشكيك في المحكمات العرفية * (ومما) * يؤيد المطلوب النهى عن غسالة الحمام المجتمعة من غسالة
الجنب والناصب وغيرهما مع أن الغالب فيها ورود الماء على النجس وكذا يؤيده بل يدل عليه ما في رواية الأحول عن الصادق (ع) بعد أن نفى البأس
عن ماء الاستنجاء قال (ع) أو تدرى لم صار البول لا بأس به قلت لا والله فقال (ع) ان الماء أكثر من القذر فان سؤاله وجوابه يدلان على أن
القاعدة الأولية المغروسة في أذهانهم كانت مقتضية لنجاسة ماء الاستنجاء مع كونه واردا على النجس إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيدات التي
تورث القطع بان المناط في انفعال الماء القليل كغيره من المايعات ليس إلا ملاقاة النجس فعلى النافي إقامة البرهان على التخصيص كما أن من
يدعى طهارة الغسالة عليه اثباتها بالدليل وانى لهم بذلك نعم قد تخصصت هذه القاعدة نصا واجماعا بماء الاستنجاء كما سيتضح لك في محله
[انش‍] * (وقيل) * قد تخصصت أيضا اجماعا بالنسبة إلى الماء العالي الذي لاتى جزئه السافل للنجس حال جريانه
* (أقول) * اما عدم سراية النجاسة إلى العالي
فمما لا شبهة فيه واما كونه تخصيصا لهذه القاعدة ففيه تأمل بل منع إذ لا يستفاد من الأدلة المتقدمة الا كون وصول النجس إلى الماء كغيره من الأجسام
الطاهرة سببا لنجاسة الماء في الجملة اما كونه مقتضيا لنجاسة مجموع اجزائه أو بعضها أو خصوص الجزء الملاقي للنجس كما في الأجسام الجامدة فلا
يكاد يستفاد من شئ من هذه الأخبار بالنظر إلى مدلولها اللفظي من حيث هو إذ لافرق من حيث اللفظ بين قولك الثوب يتنجس بالبول والماء
يتنجس بالبول الا ان بينهما فرقا فيما يتفاهم منهما عرفا حيث إن كل جزء من اجزاء الثوب لجموده موضوع مستقل للانفعال بنظر العرف
واما الجسم المايع فمجموع اجزائه موضوع واحد عرفا فلا يلاحظ كل جزء جزء بحياله معروضا للانفعال وقد أشرنا فيما سبق إلى أن كيفية الانفعال
امرها موكول إلى ما هو المغروس في أذهان عرف المتشرعة إذ ليس لنا في الأدلة الشرعية ما كان مسوقا لبيان كيفية التنجيس فلا بد من أن
يرجع في تشخيص الموضوع إلى ما يفهمه العرف من الخطاب إذا عرفت ذلك فنقول ان أهل العرف لا يتعقلون سراية النجاسة إلى العالي ولا يفهمونها
من الخطابات الشرعية فكما لو جرى الماء العالي على شئ من القذرات الصورية التي يتنفر طباعهم عن ملاقيها لا يستقذرون هذا الماء العالي
فكذلك لا يحتملون سراية النجاسة إليه ولعله لذا ذكر في محكى الروض ان سراية النجاسة إلى العالي غير معقولة ضرورة ان ثبوتها تعبدا معقول
الا ان العرف لا يتعقلونها ولا يفهمون نجاسة العالي من حكم الشارع بان الماء ينجس بملاقاة النجس فاتضح لك ان الحكم بنجاسة ما عدا الجزء
الملاقي يتوقف على شهادة العرف بكونه معروضا للنجاسة أو قيام دليل تعبدي وحيث انتفى الامر ان كما فيما نحن فيه فالأصل طهارته وليس حكم
العرف بنجاسة سائر اجزاء الماء دائرا مدار ووحدة الماء عرفا إذ ربما يلتزمون بوحدة الماء بحيث يتقوى بعضه ببعض كما في ماء النهر ولكنهم لا يتعقلون
سراية النجاسة إلى الجزء العالي بملاقاة السافل فتقرر لك انه لا حاجة لنا في اثبات طهارة العالي إلى التشبث بالاجماع حتى يشكل الامر في بعض مراتب
18

العلو التي لا يعلم بدخولها في مراد المجمعين فلا وجه * (لتردد) * بعض الاعلام في حكم الجزء العالي من ما عدا الماء من المايعات لزعمه انحصار المدرك
في الاجماع وعدم ثبوته فيما * (عدا الماء) * من المايعات هذا مع أن الظاهر أن تردده في انعقاد الاجماع في غير محله ويلحق بالعالي في الحكم المساوي
بل السافل أيضا إذا كان لهم دفع وقوة كالقربة التي يخرج من ثقبها الماء بحدة ويتصل بالسطح النجس فان ما فيها يبقى على طهارته بلا اشكال
لعين ما ذكروا الله العالم ثم إنهم قد ذكروا في توجيه سراية النجاسة إلى سائر الأجزاء وجوها لا تخلو عن نظر فيها كون الحكم تعبديا محضا
قد ثبت بالاجماع والاخبار الامرة بإراقة مجموع الماء الذي وقع فيه النجس ويدفعه ان العرف اعدل شاهد على عدم كون الحكم من هذه
الجهة تعبديا فإنهم يحكمون بنجاسة مجموع اجزاء الماء الملاقي للعذرة بعد علمهم بنجاسة العذرة وقابلية الماء للانفعال من دون التفاتهم
إلى قاعدة تعبدية فالأولى التشبث في ذلك بحكم العرف بكون مجموع اجزاء الأجسام المايعة موضوعا واحدا للحكم بالانفعال
كما عرفته منا * (ومنها) * ان الوجه في نجاسة ما عدا الجزء الملاقي سراية هذا الجزء في سائر الأجزاء
فينفعل الجميع لأجل السراية
فكل جزء في حد ذاته يعرضه الانفعال لأجل ملاقاته للنجس أو المتنجس وفيه بعد تسليم الدعوى والفض عن بعض ما يتوجه عليه ان لازمه حصول
النجاسة تدريجا وهو مخالفا للاجماع وهذا الوجه أيضا على تقدير تماميته كسابقيته في وجوب الاقتصار في الحكم بالنجاسة على القدر المتيقن
والرجوع إلى قاعدة الطهارة فيما عداء * (ومنها) * ان الوجه فيها هو السراية من حيث الحكم بيانه ان الجزء الملاقي ينفعل بملاقاة النجس
والجزء المتصل بهذا الجزء ينفعل بملاقاته للمتنجس وهكذا فنجاسة كل جزء مسببة عن نجاسة الجزء السابق عليه باتصاله به ولكنه لما كان
الاتصال بين الاجزاء حاصلا قبل الملاقاة لا يتوقف تنجس الجزء الأخير على تخلل زمان كما في الوجه السابق وانما التأخر في حكم الاجزاء
على هذا الوجه ذاتي لا زماني ولا محذور فيه ويتوجه عليه ان كون مجموع الاجزاء موضوعات عديدة بحيث يكون نجاسة الجزء السابق
علة لانفعال لا حقه لا يتم الا على القول بكون الجسم مركبا من اجزاء لا تجزى وهو باطل كما تقرر في محله واما على القول بان الجسم متصل
واحد وانه قابل لانقسامات لا تتناهى كما عليه المحققون فكلما يفرض جزء أولا فهو قابل للتجزية فيتصور بالنسبة إليه سابق ولا حق ولا يعقل
ان يكون الحكم الفعلي محمولا على موضوع تقديري والحوالة على العرف في تشخيص الجزء الأول وهو ما يقرب من التنجس هدم لهذا البنيان و
رجوع إلى حكم العرف في تشخيص موضوع النجاسة ومعه لا حاجة إلى هذا التكلف ضرورة ان المجموع موضوع واحد للحكم بالنجاسة في
نظر العرف فلا علية ولا ترتب بين الاجزاء عندهم هذا مع أن المتصل بالنجس ليس إلا السطح الملاقي له من الجزء المتصل به واما الطرف الآخر
المتصل بالجزء المنفصل فلا والا لا تحدث الأطراف وهو باطل بديهة فالجزء المنفصل ليس ملاقيا للنجس ولا للمتنجس وهذا هو
الوجه في عدم سراية النجاسة إلى ما عدا الجزء الملاقي في الأجسام الرطبة وكذا إلى العالي المتصل بالسافل النجس ودعوى أن النجاسة
امر شرعي غير متبنيته على هذه التدقيقات ومعروضها نفس الاجزاء لا سطحها المتصل بالتنجس كما يشهد عليه الفهم العرفي مرجعها إلى تشخيص
الموضوع بحكم العرف وقد عرفت منافاته لهذا التوجيه وان مقتضاه الاقتصار في الحكم بالنجاسة على ما يشهد العرف بنجاسة وهو ما
عدا الجزء العالي في المايعات وخصوص الجزء الملاقي في الجامدات الرطبة هذا كله مع أنه لو تم هذا الوجه أوجب الحكم بالسراية في
الأجسام الرطبة بل وكذا في العالي المتصل بالسافل النجس الا ان يتشبث في التقضى عن ذلك بالاجماع وفيه أن الاجماع يكشف عن بطلان
الدعوى لا عن تخصيص المدعى لان لنا ان ندعى الاجماع على نجاسة كل جزء من اجزاء الأجسام الرطبة كباطن البطيخ والخيار ونحوهما وكذا
العالي الجاري إلى السافل على تقدير ملاقاته لعين النجس أو المتنجس فالاجماع على عدم نجاسة الجزء المنفصل دليل على عدم ملاقاته للنجس
ولا للمتنجس وان النجاسة مختصة بطرف الجزء المتصل بعين النجس لا المنفصل عنه فلاحظ وتدبر
* (واعلم) * انه لا خلاف نصا وفتوى في أن الماء
المتنجس قابل للتطهير وانه ليس كأعيان النجاسات مما لا يقبل الطهارة الا بالاستحالة وتبدل موضوعها بل يطهر
مطلقا بإشاعة في ماء
غير قابل للانفعال مزيل لتغيره لو كان متغيرا من دون فرق بين القائه على الماء العاصم أو عكسه أو تلاقيهما بلا خلاف فيه ظاهرا وان
كان ربما يوهمه تعبير المصنف [ره] كالعلامة وغيره بأنه يطهر بالقاء كر عليه فما زاد دفعة لا شعاره باعتبار على المطهر ولكنه ينبغي القطع
بعدم ارادتهم الانحصار كما سيتضح لك فيما بعد [انش‍] فتعبيرهم بالقاء الكر جاري مجرى العادة في مقابل من يقول بكفاية اتمامه كرا نعم عن
العلامة في التذكرة انه ذكر قول الشافعي بطهارة النجس بالنبع من تحته ورده بانا نشترط في المطهر وقوع الكر دفعة والظاهر أن المقصودة بيان
اشتراط ملاقاة الكر دفعة وعدم كفاية النبع من الأرض تدريجا لا بيان اشتراط علو المطهر ولذا ذكر في محكى المنتهى في؟ هذا القول إن
النابع ينجس بملاقاة النجاسة ولكنك خبير بان ما ذكره لا ينافي ما نحن بصدده لان ماء له إلى بيان ما هو شرط في اعتصام الماء لا في مطهرية
الماء المعتصم وكيف كان فما يدل على أن الماء يطهر في الجملة ولا يعتبر فيه الاستهلاك كما يعتبر ذلك في النجاسات العينية الواقعة في الماء صحيحة
ابن بزيع المتقدمة الدالة على طهارة ماء البئر بعد زوال تغيره معللة بان له مادة والأخبار النافية للبأس عن ماء الحمام خصوصا قوله في بعض
19

تلك الروايات ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا ويدل عليه أيضا * (روى) * العلامة في المختلف عن بعض علماء الشيعة انه كان بالمدينة رجل يدخل
على أبي جعفر عليه السلام محمد بن علي عليهما السلام وكان في طريقه ماء فيه العذرة والجيف وكان يأمر الغلام يحمل كوزا من ماء يغسل رجليه إذا عن خاضه فأبصره يوما
أبو جعفر (ع) فقال إن هذا لا يصيب شيئا الا طهره فلا تعد منه غسلا عموم ما أرسله في محكى المختلف عن بعض العلماء عن أبي جعفر (ع) مشيرا إلى غدير من الماء
ان هذا لا يصيب شيئا الا وطهره وعموم مرسلة الكاهلي في ماء المطر كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر فان مقتضى عمومهما طهارة الماء الذي يصيبه
الكر أو ماء المطر وليس عدم طهارة المايعات المتنجسة الا بعد صيرورتها ماء [مط] منافيا للعموم المستفاد من الروايتين لان إصابة ماء
المطر والكر بوصف الاطلاق لكل جزء من اجزاء المايع المتنجس لا تتحقق الا بعد صيرورته ماء مطلقا وليس مقتضى عمومهما الا طهارة الجزء
الذي يصيبه ماء المطر والكر ما دام اتصافهما بالوصف العنواني وهذا لا يتحقق بالنسبة إلى سائر الاجزاء الا بعد ارتفاع صفة
الإضافة وبهذا ظهر لك انه لا يصح الاستشهاد بهاتين الروايتين على كفاية مجرد الاتصال بالكر
وإصابة المطر من دون اعتبار
الامتزاج لان إصابة جميع الأجزاء تتوقف على الامتزاج وإصابة البعض لا تكفى الا في طهارة هذا البعض دون غيره الذي لم يصبه * (و
دعوى) * انه يصدق عرفا على ماء الحوض الذي أصاب سطحه ماء المطر أو الكر انه رأى المطر وأصاب الكر فيطهر * (مدفوعة) * بان الاستعمال مبنى
على المسامحة والتأويل الا ترى أنه يصح سلب الرؤية عرفا عن سائر الأجزاء فاسنادها إلى المجموع مبنى على نحو من الاعتبار ولا يدور مداره
الحكم بعد صحة سلب الرؤية عن سائر الأجزاء ولذا لا يفهم عرفا من هاتين الروايتين طهارة المايعات المضافة بمجرد إصابة المطر و
الاتصال بالكر وليس اسناد الرؤية إلى المجموع الا كاسناد رؤية إلى الثوب والبدن وغيرهما إذا أصاب المطر سطحه الظاهر مع أن أحدا
لا يتوهم طهارة باطنه بمجرد اسناد الرؤية إليه بوقوعه على سطحه الظاهر * (ودعوى) * ان مجموع اجزاء الماء بنظر العرف موضوع واحد للطهارة
والنجاسة فكما يفهم عرفا من قول الشارع الماء ينجس بالبول نجاسة مجموع اجزائه كذلك يفهم من قوله انه يطهر بماء المطر والكر طهارة مجموعه
بوصوله إليه في الجملة * (مدفوعة) * بمنع كون مجموعه بنظر العرف موضوعا واحدا للطهارة ولا أقل من الشك في ذلك وتنظيرها بالنجاسة مع كونه
قياسا غير صحيح حيث إنه لا مدخل للعرف في معرفة كيفية تطهير الماء وليس في أذهان أهل العرف امر يقضى بكفاية مجرد الاتصال بل لعل أهل
العرف يستنكرون ويستبعدون طهارة ماء نجس إذا كان في اناء ضيق الفم وغمس في الكر من دون ان يحصل الامتزاج وهذا بخلاف ما لو كان
ماء الاناء طاهرا وغمس في البول فان أهل العرف يشهدون بنجاسة * (ان قلت) * هب ان مجموعه ليس موضوعا واحدا للطهارة ولكن الروايتين
دلتا على طهارة الجزء الذي يصيبه الكر أو ماء المطر فهذا الجزء يصير جزء من الماء العاصم فيطهر ما يلاقيه وهكذا فيطهر الجميع من دون ان يتوقف
على الامتزاج بل لا يحتاج إلى تخلل زمان أيضا لان الاتصال بين اجزاء الماء التنجس كان حاصلا قبل إصابة الماء العاصم فيطهر الجميع في زمان
واحد وانما التأخر بين الاجزاء ذاتي لا زماني * (قلت) * مرجعه إلى السراية الحكمية وقد عرفت في كيفية سراية النجاسة ضعفها بما لا مزيد عليه
فراجع * (وقد) * ظهر لك أيضا ضعف الاستدلال لهذا القول بقوله (ع) ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا لان المتبادر منه كون بعضه مطهرا
للبعض الذي يصل إليه لا البعض الذي ينفصل عنه ووصوله إلى جميع الأجزاء موقوف على الامتزاج هذا مع أن طهارة بعض ماء النهر ببعض
لا يكون عادة الا بالامتزاج لان نجاسته لا تكون الا بالتغير فكفاية مجرد الاتصال لا تستفاد من الرواية لا في المشبه ولا في المشبه به كما لا يخفى
هذا كله بعد الاغماض عمار بما يقال من أن المراد من الرواية تشبيه ماء الحمام حال جريانه بماء النهر في عدم الانفعال فمعنى قوله (ع) يطهر بعضه
بعضا ان بعضه يحفظ طهارة بعض لا انه يطهره بعد أن كان نجسا نعم يستفاد حكم الرفع من عموم التشبيه فعلى هذا فالاستدلال ساقطا من
أصله وكذا لا يجوز الاستدلال لهذا القول بسائر اخبار ماء الحمام لان غاية مفادها ان ماء الحمام حين اتصاله بالمادة كالجاري في عدم
الانفعال وفي ان الجريان من المادة موجب لطهارة؟؟ الحياض الصغار في الجملة وحيث إن جريان الماء من مادة الحمام يستلزم عادة تمويج ماء الحياض
الصغار واختلاط بعض اجزائه ببعض وإشاعة الماء الطاهر أو المتطهر في سائر الأجزاء خصوصا حال الاستعمال لا يمكن استفادة كفاية مجرد
الاتصال من مطلقات تلك الأخبار كما لا يخفى * (وقد) * يستدل لطهارة الماء المتنجس الممتزج بالماء العاصم بما يدل على الطهارة أعيان النجاسات
بعد استهلاكها في الماء الكثير كقوله (ع) في رواية العلاء بن فضيل بعد السؤال عن الحياض التي يبال فيها لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول
وتقريب الاستدلال اما بدعوى الأولوية القطعية أو بدعوى أن وقوع البول في الماء يستلزم تغيير ما حوله أولا ثم يمتزج الماء المتغير فيما عدا
فبذهب صفته * (ويتوجه) * على التقريب الأول ما أشرنا إليه في صدر العنوان من أن طهارة أعيان النجاسات في الفرض مسببة عن استحالتها
وانتفاء موضوعها عرفا بالاستهلاك فلا يقاس عليها الماء المتنجس المحكوم بطهارته لأجل الامتزاج فضلا عن أن يكون أولى لان حصول
الاستهلاك بالنسبة إليه اما غير مسلم بعد اتحاد الممتزجين نوعا أو مستلزم لخروجه عن موضوع مسئلتنا لان الكلام في قابلية الماء المتنجس
للتطهير وهذا فرع بقاء موضوعه عرفا والا فيؤول الكلام إلى أن الكر إذا استهلك فيه ماء متنجس هل ينفعل أم لا وهذا خارج عما نحن فيه
20

ويعلم حكمه بديهة مما دل على أن الماء الكثير لا ينفعل الا إذا تغير بالنجس واما تشبث الشيخ بالأولوية مستدلا على طهارة الكثير المتنجس
بالتغير إذا ورد عليه من الكثير ما يزيل تغيره حيث قال في محكى خلافه ان الماء الوارد لو وقع فيه عين النجاسة لم ينجس والماء المتنجس ليس
بأكثر من عين النجاسة فإنما غرضه بيان عدم انفعال الماء الوارد واما حكم الماء المورد الذي هو المقصود بالأصالة فيستفاد من ذلك
بضميمة مقدمة مسلمة عندهم وهي عدم اختلاف ماء واحد في سطح واحد في الحكم من حيث الطهارة والنجاسة وكيف كان فقد ظهر لك مما
ذكرنا امكان المناقشة في التقريب الثاني أيضا الجواز ان يكون نفى البأس عن الماء لأجل استهلاك الجزء المتغير فيما عداه ولكنه يدفعها ان
مفاد الرواية ليس إلا اعتبار اضمحلال لون البول المستلزم لاستهلاكه عرفا وهو أعم من استهلاك الماء المتلون به فاتضح لك ان تطهير الماء
التنجس لا يتوقف على الاستهلاك واضمحلاله في الماء الطاهر بل يكفي فيه امتزاجه بشئ قليل من الماء المعتصم مزيل لتغيره لو فرض متغيرا بأول
مرتبة التغير التي تكاد تلتحق بالعدم لانعقاد الاجماع على كفايته في التطهير في الجملة بل صحيحة ابن بزيع بمنزلة النص في كفاية هذا المقدار لصراحتها
في طهارة ماء البئر بعد زوال تغيره بالنزح ونجاسة ما دام متغيرا فالمؤثر في طهارته ليس إلا اتصاله بالمادة بعد زوال تغيره أو امتزاجه
بالماء العاصم الذي لا يتغير به ويزيل تغيره عند اشرافه على الزوال وكذا يستفاد من الصحيحة انه لا يعتبر في التطهير علو المطهر بل يكفي
وصوله إليه ولو من أسفله أو بعض نواحيه كما هو الغالب في مادة البئر والجاري مضافا إلى اطلاق مطهرية بعض ماء النهر بعضا واطلاق
المرسلة المتقدمة بل * (قد عرفت) * ان الظاهر عدم الخلاف فيه على تقدير حصول الامتزاج بل عن بعض دعوى الاجماع عليه ويعضدها
القاعدة والمعروفة من أن الماء الواحد في سطح واحد لا يختلف حكمه من حيث الطهارة والنجاسة وحيث إن المفروض اعتصام الماء المطهر
لكونه كرا أو ذا مادة فيجب اما طهارة التنجس وهو المطلوب أو بقاء كل منهما على حكمه وهو خلاف القاعدة المسلمة وقد استدل كاشف اللثام
بهذه القاعدة على كفاية مجرد الاتصال * (وفيه) * انها غير مسلمة على تقدير امتياز المائين وانما المسلم وحدة الحكم في صورة الامتزاج
كيف وقد صرح بعضهم بعدم كفاية الاتصال وبقاء كل من المائين على حكمه في الغديرين الموصولين بساقية معللا بامتياز النجس عن الطاهر
نعم لاعتبار علو المطهر أو مساواته على تقدير القول بكفاية الاتصال وجه وهو ان السافل لا يدفع النجاسة عن العالي فلا يرفع النجاسة
عنه ولكنك خبير بان هذا الوجه أخص من المدعى لاختصاصه بما إذا كان العالي النجس جاريا إلى السافل ولم نقل بتقوى العالي بالسافل
والا فلو كان الماء واقفا أو قلنا بتقوى العالي بالسافل مطلقا فلا يتم هذا الوجه * (وقد) * يوجه اعتبار العلو بموافقته للأصل لان طهارة
الماء على تقدير القاء الكر عليه دفعة اجماعية كما وقع التعبير به في الفتاوى ومعاقد اجماعاتهم واما طهارته بغير هذا الوجه فغير معلومة فيستصحب
نجاسته وفيه أنه ان أريد اشتراط العلو مع الامتزاج فقد عرفت أن طهارة الماء النجس على تقدير امتزاجه بالماء العاصم مما لا خلاف فيه ظاهرا
بل لا يبعد دعوى كونها في بعض صور الامتزاج كطهارة الكثير والجاري المتغير بعضه إذا امتزج بما عداه أو القليل المتنجس الملقى في الكر
والجاري من الضروريات وان أريد اشتراطه على تقدير الاتصال وعدم حصول الامتزاج فيكون الشرط في الطهارة أحد الامرين اما
حصول الامتزاج أو علو المطهر كما يظهر من بعضهم فيتوجه عليه انه لا اجماع على الطهارة ما لم يمتزج عاليا كان المطهر أم سافلا كيف وقد
استظهر شيخنا المرتضى [ره] اعتبار الامتزاج من أكثر من تعرض لهذه المسألة كالشيخ في الخلاف والمصنف في المعتبر والعلامة في التذكرة
والشهيد في الذكرى ودعوى اختصاص اعتبار الامتزاج عند مشترطيه في غير صورة علو المطهر نظرا إلى اطلاق قولهم ان الماء المتنجس يطهر
بالقاء كر عليه دفعة غير مسموعة لقوة احتمال جرى الاطلاق مجرى الغالب من حصول الامتزاج إذا كان الماء المتنجس قليلا * (واما) * إذا كان كثيرا
فاشتراط كون المطهر مزيلا لتغيره يغنى عن التصريح باعتبار الامتزاج وفرض كونه كثيرا وقد أزيل تغيره قبل القاء الكر عليه فرض نادر ليس
اطلاق كلامهم مسوقا لبيان حكمه على الاطلاق فالانصاف انه لا وجه لاعتبار علو المطهر أصلا سواء اعتبرنا الامتزاج أم قلنا بكفاية
الاتصال والله العالم * (ثم) * ان المصنف كغيره قيد القاء الكر بكونه دفعة فان عنوا بها التحرز عما لو القى عليه مقدار الكر دفعات كما يؤيده
مقابلتها بقول من يقول بكفاية اتمامه كرا فوجه اعتبارها ظاهرا لا ان ذكر الدفعة بهذا المعنى بعد فرض كون ما القى عليه كرا مستدرك وان
أرادوا بها ما يقابل التدريج ففي اعتبارها تأمل قال كاشف اللثام في شرح القواعد بعد قول العلامة [ره] * (اما
) * القليل فإنما يطهر بالقاء
كر دفعة عليه أو القائه في الكر وبالجملة باتصاله واتحاده به دفعة لا دفعتين أو دفعات بان يلقى عليه مرة نصف كر ثم نصف آخر أو يلقى في نصف
كر ويلقى عليه نصف آخر أو يلقى عليه نصفا كر ولو دفعة فلا يطهر بشئ من ذلك واما الدفعة بالمعنى الذي اعتبره جمع من المتأخرين فلا
دليل عليها * (انتهى) * وتحقيق المقام انا ان قلنا بتقوى السافل بالعالي [مط] فلا وجه لاعتبار الدفعة في مقابل التدريج أصلا لأنا ان التزمنا
بكفاية الاتصال بالماء العاصم فمقتضاه طهارة الماء النجس بمجرد اتصاله بأول جزء من الماء الذي يلقى عليه فلو انقطع بعد ذلك لا يضره
فضلا عما لو القى عليه جميعه تدريجا وان اعتبرنا الامتزاج فيجب أن لا ينقطع بعض اجزاء الكر عن بعض قبل تمام الامتزاج بحيلولة الماء النجس أو
21

حائل خارجي والا فينجس من دون فرق بين القاء الكر أو تدريجا دفعة وان قلنا بعدم تقوى السافل بالعالي فلابد [ح] من اعتبار الدفعة
العرفية على تقدير اختلاف سطح المائين كي يبقى الماء على وحدته واعتصامه دون ما إذا اتحد سطحهما واختلاف سطوح الماء الناشئ من القائه
على النجس دفعة عرفية غير ضائر لان منع تقوى السافل بالعالي على تقدير الالتزام به انما هو في مثل مادة الحمام وما في الحياض الصغار مما
يمكن فيه دعوى تعدد المائين عرفا لا في مثل الفرض فإنه لا شبهة في كون المجموع ماء واحدا في العرف فيتقوى بعضه ببعض بل وينبغي
تخصيص اعتبار الدفعة العرفية بما إذا لم يكن الماء العالي متراكما بعضه على بعض مثل ماء النهر الجاري على ارض مسرحة خصوص إذا كانت
قريبة من الاستواء فإنه لا ينبغي التأمل في مثل هذه الموارد في تقوى بعض الماء ببعض كما سيتضح لك تفصيله فيما سيأتي وحيثما عرفت
في مبحث ماء الحمام عموم تقوى السافل بالعالي وعدم اختصاصه بالحمام علمت عدم اعتبار الدفعة العرفية وكفاية التدريج في غير الحمام
أيضا الا انك عرفت في ذلك المبحث ان القدر المتيقن الذي يمكن استفادته من تلك الأدلة انما هو تقوى السافل بالعالي فيما إذا لم
يكن العالي في حد ذاته أقل من الكر فعلى هذا يعتبر بقائه على صفة الكرية إلى أن يحصل الاتصال أو الامتزاج على القول باعتباره ولا
يكفي بلوغه مع ما يجرى من الساقية كرا فضلا عن بلوغه مع ما يمتزج مع النجس لقصور الأدلة المتقدمة عن شمول مثل الفرض اللهم الا
ان يدل على كفايته دليل آخر وسيتضح لك تحقيقه فيما بعد [انش‍] * (تنبيه) * صرح الشهيد في محكى الذكرى بعدم اعتبار الدفعة وكفاية
القاء كر عليه تدريجا واعترضه المحقق الثاني بان فيه تسامحا لان وصول أول جزء منه إلى النجس يقتضى نقصانه عن الكر فلا يطهر ولو
ورد النص بالدفعة وتصريح الأصحاب بها وفي المدارك بعد نقل اعتراضه قال وهو غير جيد فإنه يكفي في الطهارة بلوغ المطهر الكر حال
الاتصال إذا لم يتغير بعضه بالنجاسة وان نقص بعد ذلك مع أن مجرد الاتصال لا يقتضى النقصان كما هو واضح وما ادعاه من ورود النص بالدفعة
منظور فيه فانا لم نقف عليه في كتب الحديث ولا نقله ناقل في كتب الاستدلال * (أقول) * مذهب المحقق على ما حكى عنه ويظهر من عبارته المتقدمة
انما هو تقوى السافل بالعالي إذا كان العالي بنفسه كرا فما زاد كما اخترناه بالنظر إلى ما يستفاد من الأدلة المتقدمة فغرضه من مسامحة الشهيد
اقتصاره على الكر وعدم اعتبار الزيادة في صورة القائه تدريجا مع أن كفاية القاء كر غير زائد مشروطة بان يصدق عرفا على الماء الملقى عليه
ان هذا الماء كر وهو انما يتحقق فيما لو القى دفعة واما لو القى تدريجا كما لو اجرى الماء من الساقية التي لمادة الحمام فيشكل الصدق العرفي فيكون
القاء الكر بهذه الكيفية بمنزلة القاء اجزاء الكر دفعات ومراد المحقق من المنص الوارد بحسب الظاهر الأخبار الدالة على اعتصام الكر
الظاهرة في اعتبار كونه كرا حال الالقاء لا ما سيصير كرا بعده ومجرد اتصال ما يجرى من الساقية بالكر لا يجعله مصداقا للكر عرفا بحيث
يشار إليه بان هذا الماء كر وليس مراده من النص الوارد نصا خاصا مصرحا باعتبار الدفعة لقضاء العادة بامتناع اطلاعه على نص خاص
معتبر لو يطلع عليه غيره واما فتوى الأصحاب بكفاية القاء الكر في التطهير فهي مقيدة بكونه دفعة واما الالتزام بمطهرية الماء المتقوى بالعالي
الكر فإنما هو لأجل ما استفدناه من الأدلة السابقة من أنه بمنزلة الجاري فهو خارج عن موضوع الكر الذي حكموا بكفاية القائه في التطهير
فاتضح لك ان الاعتراض على المحقق بما في المدارك مما لا وقع له وسيتضح ان ما حققه هو الذي يقتضيه التحقيق وقد ظهر لك ضعف ما قد
يتوهم من أن شهادة المحقق بورود النص في قوة إرساله فينجبر ضعفه بفتوى الأصحاب هذا مع أن في كون دعوى ورود النص في قوة ايراد نص
مرسلا وفي كون فتاوى الأصحاب مطابقة لمضمون الخبر من دون اتكالهم عليه جابرة لضعف السند فضلا عن نقل الاجماع أو الشهرة
منعا ظاهرا * (ثم) * انا قد أومأنا في مطاوي كلماتنا المتقدمة إلى عمدة ما يمكن ان يستدل به للقول بكفاية مجرد الاتصال وأوضحنا ما فيها من
الضعف وربما يستدل له بصحيحة ابن بزيع المتقدمة بدعوى ظهورها في كون الاتصال بالمادة من حيث هو سببا لطهارة ماء البئر بعد زوال
تغيره وفيه ما عرفت في مبحث الماء الجاري من منع دلالتها على المدعى وعلى تقدير التسليم يختص حكمه بما إذا اتصل الماء النجس بماله مادة
دون غيره ولذا فصل بعض مشايخنا بين الاتصال بالجاري وما بحكمه وبين الاتصال بالكر فاعتبر الامتزاج في الثاني دون الأول واستدل
له أيضا بالأصل وفيه أنه يقتضى النجاسة وبان الاتصال يوجب اختلاط بعض اجزاء الكر ببعض اجزاء المتنجس فاما ان يرتفع النجاسة من النجس
أو يتنجس جزء الكر أو يبقى كل منهما على حكمه والثالث مخالف للقاعدة المسلمة من عدم اختلاف ماء واحد في الطهارة والنجاسة والثاني مخالف
لأدلة عدم انفعال الكر فتعين الأول فإذا طهر الجزء طهر الجميع للقاعدة المتقدمة * (وفيه) * ما عرفت فيما سبق من منع مسلمية القاعدة للمذكورة
في غير صورة الامتزاج فنلتزم في الفرض بطهارة الجزء الممتزج دون غيره فيكون حكم غير الممتزج حكم الجزء المتغير من الماء الكثير وقيل
في تضعيف اعتبار الامتزاج وجوه ملخصها ان المراد اما امتزاج الكل بالماء الطاهر العاصم أو امتزاج بعضه والأول اما غير ممكن الحصول أو غير
ممكن الاطلاع عليه ولو بمقتضى الغالب والثاني بحكم صرف وبان الماء العاصم ينفصل بعض اجزائه عن بعض بانتشاره في النجس فينقص عن الكر
فينجس على تقدير بقاء النجس على نجاسته وهو خلاف الاجماع إلى غير ذلك من الموهنات ويتوجه على الجميع بعد تسليم جميع المقدمات ان القدر المتيقن
22

الذي يمكن اثباته بالنص والاجماع انما هو طهارة الماء النجس المختلط بالماء العاصم اختلاطا يوجب زوال تغيره لو فرض كونه متغيرا بلون
ضعيف في غاية الضعف بحيث لا يقوى على تغيير الماء العاصم حتى ينجسه وهذا النحو من الامتزاج يحصل بتمويج الماء في الجملة ولا يتوقف
على تداخل أحد الجسمين في الاخر حتى يدعى استحالته أو امتناع الاطلاع عليه والحاصل انما لا يحتاج إلى اثبات اعتبار امتزاج الكل أعني
جميع اجزائه الحكمية حتى يدعى استحالته ولا يجب علينا الالتزام بكفاية البعض حتى يقال إنه تحكم بل نقول لا شبهة في أنه لو أريق ماء متلون
في ماء صاف وتموج الماء الصافي واختلط أحد المائين بالاخر يظهر لون المتلون في مجموع اجزاء الماء وهذا المقدار من الامتزاج سهلا
الحصول وممكن الاطلاع عليه ولا يستحيل عقلا ان يكون له مدخلية في تطهير النجس والا لكنا قاطعين بالعدم وليس في الأدلة الشرعية
ما ينفى هذا الاحتمال فلتستصحب النجاسة إلى أن يتحقق المزيل والله العالم
* (ولا) * يطهر الماء النجس باتمامه كرا سواء كان المتمم ماء طاهرا أو نجسا
فضلا عن غيره من الأجسام الطاهرة بالذات أو النجسة التي تستهلك في الماء على الأظهر كما عن الشيخ وابن الجنيد وأكثر المتأخرين بل في
طهارة شيخنا المرتضى [ره] عن المشهور وعن السيد وابن إدريس ويحيى بن سعيد القول بالطهارة بل عن المحقق الثاني نسبته إلى أكثر المحققين
ولعمري ان المقام مما لا مدخلية للتحقيق في تنقيحه لان عمدة مستنده هي الرواية الآتية والمعتمد فيها هو الظهور العرفي فقول غير المحققين
أولى بالقبول * (ونقل) * عن ابن إدريس التصريح بعدم بالفرق بين اتمامه بالطاهر والنجس وعن الشهيد حاكيا عن بعض الأصحاب اشتراط
الاتمام بالطاهر وهذا أولى بالاعتبار في بادي الرأي لبعد الالتزام بطهارة ماء نجس استهلك فيه بول متمم لكريته ولكن الأول أوفق
بما يقتضيه أدلتهم احتج السيد على ما في المدارك بان البلوغ يستهلك النجاسة فيستوى ملاقاتها قبل الكثرة وبعدها وبأنه لولا
الحكم بالطهارة مع البلوغ لما حكم بطهارة الماء الكثير إذا وجد فيه نجاسة لامكان سبقها على كثرته واحتج ابن إدريس أيضا بعموم قوله
إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا فان الماء متناول للطاهر والنجس والخبث نكرة في سياق النفي فتعم ومعنى لم يحمل خبثا لم يظهر فيه كما صرح به جماعة
من أهل اللغة وقال إن هذه الرواية مجمع عليها عند المخالف والمؤالف قال في المدارك بعد نقل استدلالهما * (والجواب) * عن الأول ان تسويته
بين الامرين قياس مع الفارق بقوة الماء بعد البلوغ وضعفه قبله وعن الثاني بان امكان السبق لا يعارض أصالة الطهارة وأجاب [المص‍] [ره]
في المعتبر عن حجة ابن إدريس بدفع الخبر قال فانا لم نروه مسندا والذي رواه مرسلا المرتضى والشيخ أبو جعفر وآحاد ممن جاء بعده والخبر المرسل
لا يعمل به وكتب الحديث عن الأئمة (ع) خالية عنه أصلا * (واما) * المخالفون فلم اعرف به عاملا سوى ما يحكى عن ابن حي وهو زيدي منقطع المذهب وما
رأينا عجب ممن يدعى اجماع المخالف والمؤالف فيما لا يوجد الا نادرا فاذن الرواية ساقطة انتهى وأجاب المحقق الشيخ علي [ره] عن جميع ذلك بان ابن إدريس
[ره] نقل اجماع المخالف والمؤالف على صحتها والاجماع المنقول بخبر الواحد حجة وهو ضعيف انتهى كلام صاحب المدارك * (أقول) * ويتوجه على
الاستدلال بالرواية مضافا إلى ضعف السند قصور الدلالة لان المتبادر إلى الذهن من الرواية انه إذا بلغ الماء قدر كر لا يتجدد فيه حمل الخبث
لا انه لا يكون حاملا للخبث نظير قولك إذا بلغ الماء كرا لم يحمل لون الدم فان المتبادر منه ان كثرته تعصمه عن الاستقذار لا انه لو كان قذرا
يرفعه عن نفسه وان أبيت إلا عن ذلك فأعرض الرواية على العرف ثم سلهم عن حكم الماء المتمم بالبول أو المياه النجسة المجتمعة هذا مع معارضتها
بما دل على نجاسة ما يجتمع في الحمام من المياه النجسة كموثقة ابن أبي يعفور عن الصادق (ع) قال وإياك ان تغتسل من غسالة الحمام ففيها يجتمع
غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم فان الله [تعالى] لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وان الناصب لنا
أهل البيت لا نجس منه نعم لو صح سندها وتمت دلالتها لا يعارضها فيما لو تمم بماء طاهر بالنسبة إلى المتمم بالكسر عموم ما دل على انفعال
القليل كما توهم لأن الماء المتمم حال الملاقاة غير قليل وحال قلته غير ملاق للنجس إذ بالملاقاة يتبدل موضوعه ويندرج في موضوع الكر
فليتأمل واما حكمهم بطهارة الماء الكثير الذي وجد فيه نجاسة فوجهه استصحاب طهارة الماء وعدم ملاقاته للنجاسة إلى زمان صيرورته كرا ولا
يعارضه أصالة عدم بلوغه كرا إلى زمان الملاقاة إذ لا يحرز بها كون الملاقاة قبل الكرية الا على القول بحجية الأصول المثبتة ولا نلتزم بها كما
سيتضح لك وجهه في مسألة من توضأ وشك في وجود الحاجب [انش‍] وعلى تقدير تسليم معارضة أصل العدم في كل من الحادثين فالمرجع انما هو
استصحاب طهارة الماء مع العلم بحالته السابقة والا فإلى قاعدة الطهارة * (وربما) * يقال إن المتعين [ح] هو الحكم بالنجاسة لكون الملاقاة مقتضية
للتنجيس والكرية مانعة عنه فما لم يثبت المانع يحكم بالنجاسة وفيه أن مجرد احراز المقتضى لا يكفي في الحكم بثبوت النجاسة ما لم يحرز عدم المانع ولو
بالأصل وأصالة عدم المانع على اطلاقها مما لا أصل لها وأصالة تأخر كريته عن الملاقاة قد عرفت ما فيها هذا مع أن كون الملاقاة مقتضية
لتنجيس الماء مطلقا غير مسلم بل المسلم كونها مقتضية لتنجيس الماء القليل لا لدعوى أن لوصف القلة مدخلية في
التأثير حتى [يق] ان وصف القلة
مرجعه إلى عدم الكرية ولا معنى لكون الامر العدمي دخيلا في التأثير فمرجعه إلى مانعية الكرية بل لدعوى أن الملاقاة لا تصلح الا لتنجيس هذا المقدار
من الماء نظير القذارات الصورية فان قطرة من الدم مثلا تغير مثقالا من الماء ولا تغير رطلا لا لكون الكثرة في الثاني مانعة عن التغير والا لما
23

تغير بالدم الكثير أيضا بل لان هذا المقدار من الدم لا يصلح لتغيير هذا المقدار من الماء وكذا مجرد ملاقاة النجس لضعفها في التأثير لا تصلح الا
لتنجيس الماء القليل المنقطع عن أصله وإناطة عدم انفعال الماء بكونه كرا في الأخبار المستفيضة وكذا استثناء الحوض الكبير عما ينفعل بملاقاة
النجس لا تدل الا على انفعال ما عدا الكر واما ان الملاقاة مقتضية للتنجيس والكرية مانعة عن فعلية اثره كمانعية الصبغ الأحمر الطاهر
عن ظهور وصف الدم في الماء فلا والله العالم وقد يتخيل جواز الاستدلال لهم بقاعدة الطهارة فيما لو كان المتمم ماء طاهرا بدعوى انا
نعلم اجمالا بان مجموع الماء البالغ حد الكر اما طاهر أو نجس لانعقاد الاجماع على عدم اختلاف ماء واحد ممتزج بعضه ببعض في الطهارة
والنجاسة فاستصحاب نجاسة الماء يعارضه استصحاب طهارة المتمم فيتساقطان ويرجع إلى قاعدة الطهارة وتوهم عدم جريان استصحاب
الطهارة بالنسبة إلى الماء المتمم لوجود الدليل الاجتهادي وهو عمومات الانفعال * (قد) * عرفت دفعه بامكان المناقشة في شمول أدلة الانفعال
لمثل هذا الفرد المستلزم ملاقاته للنجس خروجه عن موضوع تلك الأدلة * (و) * يدفعه حكومة استصحاب النجاسة على استصحاب طهارة المتمم لان
من اثار بقاء النجاسة تنجيس ملاقيه واما تطهير الماء النجس فليس من اثار بقاء طهارة الماء القليل إذ ليس من احكام الماء القليل الطاهر
تطهير الماء النجس وانما نشأ الشك في طهارته من احتمال كون الكرية الحادثة سببا شرعيا لارتفاع النجاسة فلا يلتفت إليه في رفع اليد عن
النجاسة المتيقنة لان اليقين لا ينقضه الشك واما رفع اليد عن طهارة الماء المتمم فليس نقضا لليقين بالشك إذ لاشك في انفعاله على تقدير
بقاء النجاسة وعدم كون الكرية سببا لرفعها لأن الشك في بقاء الطهارة أيضا مسبب عن احتمال سببية الكرية للرفع فحيث لا يعتنى بهذا
الاحتمال وجب الحكم ببقاء النجاسة وتنجيس الماء الملاقي له وإن شئت قلت إن الشك في بقاء نجاسة الماء النجس وطهارة الماء الطاهر كلاهما
مسببان عن الشك في سببية الكرية للرفع والأصل عدمها ومرجع هذا الأصل عند التحقيق إلى استصحاب النجاسة والالتزام بترتب احكامها
الشرعية عليها ولتتميم الكلام مقام اخر والله العالم * (وما) * كان منه أي من الماء المحقون كرا فصاعدا لا ينجس بشئ من النجاسات الا ان تغير
النجاسة أو المتنجس المتغير بها بصفته المكتسبة من النجس أحد أوصافه الثلاثة أي الطعم والريح واللون فينجس المتغير بلا خلاف فيهما نصا واجماعا عد؟؟
ما نسب إلى المفيد وسلار من اختصاص الحكم الأول بما عدا ماء الأواني و؟؟ وسيتضح لك ضعفه [انش‍] * (واما) * الماء الغير المتغير المتصل بالمتغير فإن كان
عاليا جاريا لا ينجس [مط] لما عرفت فيما تقدم من أن النجاسة لا تسرى إلى العالي وان كان مساويا أو أسفل فإن لم يكن بنفسه كرا ولا متقويا بماء اخر
ينجس لكونه ماء قليلا ملاقيا للنجس وان كان بنفسه كرا أو متقويا بماء اخر اختصت النجاسة بالمتغير للاخبار الكثيرة الدالة على جواز الاستعمال من
الناحية التي لم يتغير مضافا إلى عدم الخلاف فيه وانما الاشكال في تعيين موضوع الحكم كما وكيفا أعني تشخيص الماء الذي يتقوى بعضه ببعض ولا
ينفعل بملاقاة النجاسة أو بالاتصال بالجزء المتغير اما من حيث الكم فسيأتي الكلام فيه
واما من حيث الكيف فهل يعتبر فيه تساوى السطوح أم
يكفي مجرد اتصال بعضه ببعض مطلقا أو في الجملة فقد اضطرب فيه كلمات الاعلام غاية الاضطراب ومنشأه بحسب الظاهر إناطة الاعتصام
يكون الماء البالغ حد الكر بنظر العرف ماء واحدا وصدق الوحدة في افراد الماء المتصل على سبيل التشكيك حتى أنه ربما لا يساعد العرف على
اطلاق الماء الواحد على سبيل الحقيقة في بعض صور الاتصال كما لو انصب الماء من إبريق ونحوه واتصل بماء سافل اتصالا ضعيفا ولعل
من هذا القبيل اتصال الحياض الصغار في الحمام بموادها * (وربما) * يختفى الصدق في بعض الموارد فينصرف عنه اطلاقات الأدلة وربما يشك
في الانصراف وعدمه * (وكيف) * كان فكون مجموع الماء بنظر العرف ماء واحدا بالغا حد الكر مما لابد منه والعجب ممن أنكر ذلك زاعما انه لا دليل
على اعتبار الوحدة العرفية فلا وجه لتقييد اطلاقات اخبار الكر بما إذا كان الماء متحدا عرفا إذا غاية الأمر
انه ثبت اعتبار اتصال بعض الاجزاء ببعض
واما صدق الوحدة العرفية فلا * (وفيه) * ان اعتبار الاتصال أو الاتحاد العرفي ليس تقييدا لتلك المطلقات إذ ليس المراد من قوله (ع) إذا كان الماء قدر
كر لا ينجسه شئ انه إذا كان جميع المياه الموجودة في العالم كرا لا ينجسه شئ بل المراد منه ليس إلا ان الماء الذي يصيبه النجس ان كان هو في حد ذاته كرا لا ينفعل
بالنجاسة فلا بد من اطلاق الكرية على الماء الملاقي للنجس وهو فرع اتصال اجزائه بعضها ببعض وكونه مع ما تيمم كريته ماء واحدا بل لنا ان نقول إن
مجرد اطلاق الوحدة على مجموع الماء المتصل لا يكفي في اندراجه في موضوع تلك الأدلة بل لا بد من اطلاق الكرية عليه بلحاظ جزئه الملاقي
للنجس بحيث يصح عرفا ان يشار إلى ما لاقى النجس بقولنا هذا الماء كر ولا ملازمة بينه وبين اطلاق الوحدة والكرية على المجموع ببعض الاعتبارات
توضيحه انه إذا كان ماء اناء أو راوية كرا فصب تدريجا في حوض خال فانا إذا راجعنا وجداننا لا نستبعد اطلاق الكرية على الماء الجاري في الهواء
الواصل بين الطرفين لشدة اتصاله وارتباطه بهما وكذا لا نتحاشى عن عد الماء العالي من اجزاء السافل واطلاق الكرية على السافل بلحاظ كونه متمما
بالعالي بل نرى ارتباط العالي بالجزء السافل الملاقي للنجس لقاهريته على السافل وميله إليه أشد من ارتباط بعض الماء الواقف ببعض وهذا بخلاف
الماء العالي فان ما ينزل منه يضعف ارتباطه به فكأنه ينفصل عنه فلا يساعد أذهاننا على اطلاق الكرية عليه * (فلا) * يبعد دعوى أنه يفهم عرفا من مثل
قوله (ع) إذا كان الماء كرا لا ينجسه شئ ان السافل يتقوى بالعالي * (واما) * العالي فلا يفهم من مثل هذه الأدلة تقويه بالسافل جزما لما أشرنا إليه من أن العرف
24

لا يساعد على كون السافل جزء منه بحيث يصدق عليه انه كر فضلا عن أن ينصرف إلى الذهن بحيث يفهم حكمه من الاطلاق بل يصح سلب الكرية عنه عرفا
من دون مسامحة الا ترى أنه إذا وقع نجاسة في إبريق اتصل مائه بكثير سافل لو قيل إن مائه ينجس لكونه ماء قليلا ملاقيا للنجس لا يعد مستنكرا ولو قيل
في حق السافل أيضا كذلك لالتزمنا بعدم التقوى فيه أيضا ولكنا إذ عينا الفرق بينهما ولو في الجملة فلا يقاس أحدهما بالاخر وكيف كان فهذا
فيما إذا لم يكن العالي مع السافل كماء النهر الجاري على ارض منحدرة بحيث يكون بعضه متراكما على بعض وإلا فلا ينبغي التأمل في تقوى بعضه
ببعض إذ لا يتأمل العرف في وحدة الماء في مثل الفرض والى بعض ما قررناه أشار العلامة والشهيد قال في محكى التذكرة لو وصل بين الغديرين
بساقية اتحدا ان اعتدل الماء والا ففي حق السافل فلو نقص الأعلى من كر انفعل بالملاقاة ولو كان أحدهما نجسا فالأقرب بقائه على حكمه
مع الاتصال وانتقاله إلى الطهارة مع الممازجة * (وفي) * الدروس لو اتصل الواقف بالجاري اتحدا مع مساواة سطحيهما أو كون الجاري
الأعلى لا العكس ويكفى في العلو فوران الماء من تحت الواقف انتهى وجه كفاية فوران الماء كونه [ح] بمنزلة العالي في كونه مستوليا على الواقف
ومتوجها إليه ومعدودا من اجزائه عرفا * (وكيف) * كان فقد اعترض عليهما بان اتحاد السافل مع العالي يلزمه العكس لأنه ان صدق على المجموع
انه ماء واحد يجب الالتزام بتقوى كل منهما بالاخر وإلا فلا فالتفصيل مما لا وجه له الا ان يلتزم بتعدد المائين ويتشبث في تقوى السافل بالعالي
بالاجماع أو الأخبار المتقدمة في ماء الحمام وهذا ينافي تعبيرهما باتحاد المائين في الصورة المفروضة وقد يوجه كلاهما بإرادة الاتحاد من حيث
الحكم لا الموضوع * (أقول) * وأوجه منه في دفع الاعتراض منع الملازمة إذ ليس الاتحاد عقليا حتى يمتنع الانفكاك وقد عرفت امكان دعوى أن
العرف حيثما يلاحظون الماء السافل يعدون الماء العالي المستولي عليه من اجزائه ويشهدون بكونه كرا وحيثما يلاحظون العالي يرونه مستقلا
ولا يعدون الجزء النازل منه المعترض عنه من اجزائه ولذا لا يتوهمون سراية النجاسة إليه فالقول بتقوى السافل بالعالي [مط] من غير عكس غير
بعيد وان كان الالتزام به فيما إذا لم يكن العالي بنفسه كرا لا يخلو عن اشكال والله العالم بحقيقة الحال * (وهل) * يحكم في موارد يشك في اندراجها
في موضوع اخبار الكر أو أدلة الانفعال بأنه ينجس بملاقاة النجاسة أو انه لا ينجس لأصالة الطهارة وعموم خلق الله الماء طهورا [الخ] ولكنه لا يترتب
عليه الآثار المخصوصة بالكر كتطهير الثوب بالقائه فيه وجهان قد يقال بالأول نظرا إلى أن المستفاد من النص والفتوى كون الملاقاة مقتضية
للتنجيس والكرية مانعة عنه فما لم يحرز المانع يبنى على عدمه * (وفيه) * بعد تسليم استفادة عموم الاقتضاء من الأدلة والاغماض عن المناقشة المتقدمة
ما أشرنا فيما سبق من أن احراز المقتضى لا يكفي في الحكم بثبوت المقتضى ما لم يحرز عدم المانع ولو بالأصل وأصالة عدم المانع على اجمالها مما لا
أصل لها كما تقرر في الأصول وأصالة عدم كون هذا الماء كرا جامعا لشرائط الاعتصام غير جارية اما فيما لو كان مسبوقا بالكثرة العاصمة
فواضح إذ لو جرى الأصل لاقتضى مانعيته وكذا لو كان قليلا فكثر ولكن شك في اعتصامه لاحتمال مدخلية تساوى السطوح في العاصمية
إذ بعد صيرورة القليل كثيرا لا مجال لتوهم استصحاب القلة وعدم الكرية واما لو بلغ الماء القليل إلى حد يشك في كريته لوقوع الخلاف في أن
هذا المقدار كرام لا كسبعة وعشرين شبرا فقد يتوهم جريان استصحاب القلة وعدم الكرية بناء على المسامحة العرفية في احراز موضوع
المستصحب * (و) * يدفعه انه لا معنى للمسامحة العرفية بعد العلم بمقدار الماء وصيرورته مصداقا لموضوع وقع الخلاف في حكمه نظير ما لو وقع الشك
في أن الوقية ربع الرطل أو خمسه * (و) * من المعلوم ان في مثل هذا المقام كل جزء يفرض ولو أقل قليل إذا اثر في اندراجه تحت الموضوع الذي
يشك في حكمه بنظر العرف أيضا كالعقل منشأ لتبدل الموضوع فلا يرون المجموع عين الموضوع الذي حكموا في السابق بأنه ليس بوقية؟ و
المسامحة العرفية انما هي فيما لو زيد على الماء مقدار لا يعتد به عرفا فشك في بلوغه إلى حد معين لا في أن هذا الحد المعين كر أم ليس
بكر ومرجع الأول إلى تشخيص الموضوع الخارجي والثاني إلى تعيين الموضوع الشرعي وليس للعرف بالنسبة إلى الثاني مسامحه أصلا
ولذا يتوفقون في حكمه ولا يفهمونه من اطلاق الحكم الذي علمو للماء قبل بلوغه إلى هذا الحد ولو بعد علمهم بحجية الاستصحاب
في الشريعة فاتضح لك ان الالتزام بكون الملاقاة مقتضية للتنجيس مما لا اثر له في المقام نعم لو التزمنا بأنه لو استفيد عموم
الاقتضاء من الأدلة اللفظية لكان الشك في مانعية شئ مرجعه إلى الشك في تخصيص العام بالتقريب الذي ستوضحه في مبحث الماء المضاف
لاتجه القول بالانفعال في الشبهات الحكمية كما فيما نحن فيه ولكن الالتزام به في غاية الاشكال
* (و) * يطهر الماء الكثير النجس بمطهر القليل
فيطهر باتصاله بالجاري وما بحكمه أو بالقاء كر فما زاد عليه بشرط بقاء المطهر على صفة الاعتصام إلى أن يزول تغير الماء النجس
بان لا يتغير الكر أو بعضه أو ينقطع بعض اجزائه عن بعض قبل أن يزول التغير فان تغير الكر الملقى عليه كله أو بعضه بحيث ينجس به فكر
آخر وهكذا حتى يزول التغير والكلام في اعتبار الامتزاج والدفعة العرفية وعلو المطهر هو الكلام الذي عرفية فيما سبق فراجع
* (و) * لا يطهر بزوال التغير من قبل نفسه ولا بتصفيق الرياح ولا بوقوع أجسام طاهرة فيه يزيل عنه التغير استصحابا للنجاسة إلى أن
يثبت المزيل لها وربما يناقش في الاستصحاب بتبدل الموضوع فان الحكم بنجاسة الماء بعد زوال تغيره اسراء حكم من موضوع إلى موضوع
25

آخر متحد مع الأول في الذات مخالف له في الصفات * (و) * يدفعها ان معروض النجاسة على ما يساعد
عليه العرف ويستفاد من ظواهر
الأدلة انما هو نفس الماء وتغيره علة لانفعاله والشك انما نشأ من احتمال ان بقاء النجاسة أيضا كحدوثها مسبب عن فعلية التغير
بحيث تدور مداره أو ان التغير ليس إلا علة لحدوث النجاسة فبقائها مستند إلى اقتضائها الذاتي فلا يجوز في مثل المقام نقض
اليقين بالشك ورفع اليد عن النجاسة المتيقنة الثابتة لهذا الماء الموجود بمجرد احتمال ان يكون زوال التغير مؤثرا في ازالتها
* (و) * قد يتوهم ان الشك في بقاء النجاسة في المقام مسبب عن الجهل بمقدار اقتضاء التغير للتأثير من أنه يقتضى تنجيس الماء مطلقا
أو تنجيسه ما دام التغير فالاستصحاب فيه ليس بحجة كما تحقق في محله * (ويدفعه) * ان الطهارة والنجاسة كالملكية والزوجية والحرية
والرقية من الأمور القارة التي لا ترتفع بعد تحققها الا برافع ولذا لا نشك في بقاء نجاسة الكر المتغير لو صار قليلا قبل زوال
تغيره والشك في المقام انما نشأ من احتمال كون الكرية بنفسها رافعة للنجاسة عن الماء ككونها دافعة عنه والأصل يقتضى بقائها
ما لم يثبت رافعية الكر * (ان قلت) * ان القطع ببقاء النجاسة بعد زوال التغير عند صيرورته أقل من كر لا يكشف عن أن الشك
مسبب عن الشك في رافعية الكر لجواز ان يكون تغير الكر مقتضيا لانفعاله ما دام الوصف وتغير القليل كملاقاته للنجس مقتضيا لنجاسته
* (مطلقا) * فبعد فرض صيرورته قليلا يندرج في الموضوع الذي يتأثر مطلقا بالتغير * (قلت) * نفرض زوال تغير بعض الكر قبل انفصاله فيستكشف
من بقاء نجاسته بعد الانفصال إلى أن يرفعه رافع من غير أن يتجدد فيه سبب يقتضى البقاء بكونه [كك] أيضا قبل انفصاله إذ لا يعقل
ان يكون للانفصال دخل في صيرورته [كك] لأنه امر عدمي يمتنع ان يكون من اجزاء علة الموجود كما تقرر في محله وسنشير إليه في مبحث
المضاف فيكشف ذلك عن أن كل جزء من اجزاء الكر بعروض وصف التغير يتأثر اثرا لو خلى الجزء ونفسه وانفصل عن غيره من الاجزاء
لبقي ذلك الأثر وانما نشأ الشك في بقائه حين انضمامه مع سائر الأجزاء عند زوال وصف التغير عن المجموع من احتمال ان للاجتماع و
تقوى بعض الاجزاء ببعض الذي هو صفة وجودية تأثيرا في دفع ذلك الأثر وهذه عبارة أخرى عما ذكرنا من أن الشك في بقاء النجاسة
بعد زوال التغير مسبب عن الشك في رافعية الكر * (فليتأمل) * ومن الأصحاب من نفى حجية الاستصحاب مطلقا ولكنه تشبث به في المقام
بدعوى أن مرجعه إلى عموم الأدلة الدالة على نجاسته بالتغير فإنها شاملة لتلك الحالة وما بعدها فيقف زوالها على ما عده الشارع
مطهرا * (وفيه) * انه لا اطلاق لتلك الأدلة بالنسبة إلى أحوال الفرد ففي موارد الشك يجب الرجوع إلى الأصول فمن لم يقل بحجية الاستصحاب
يلزمه القول بالطهارة لقاعدتها * (وقد) * يستدل للطهارة بقوله (ع) إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا بالتقريب الذي عرفته في مسألة اتمام الماء
كرا من دعوى طهوره في أن كون الماء كرا مانع عن كون الخبث محمولا عليه [مط] وقد ثبت تقييده بما إذا لم يكن الماء متغيرا بالنجاسة * (واما) *
في سائر الأحوال فلا فيجب الاقتصار في رفع اليد عن الاطلاق على القدر الثابت * (وفيه) * ان الاستدلال بالرواية بعد قبول سندها مبنى
على تسليم دلالتها على المدعى وقد عرفت منع دلالتها الا على ما يدل عليه قوله (ع) إذا كان الماء كرا لا ينجسه شئ أعني طهورها في عدم حدوث
النجاسة فيه لا في الأعم منه ومن الرفع فراجع ثم إنه قد تكاثرت الاخبار وتظافرت في تقدير الكثرة المعتبرة في عدم انفعال الماء بكونه كرا
* (والكر) * في الأصل مكيال معروف وقد غلب استعماله في عرف الشارع والمتشرعة في الماء الذي وزنه الف ومأتا رطل على المشهور بل في
محكى الغنية الاجماع عليه وعن ظاهر المعتبر والمنتهى وصريح غيرهما عدم الخلاف فيه ويدل عليه ما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي
عبد الله عليه السلام قال الكر من الماء الذي لا ينجسه شئ الف ومأتا رطل والمراد من الرطل هو الرطل الموصوف بالعراقي على الأظهر الأشهر
بل في الحدائق نسبة إلى المشهور لأنه هو الذي يقتضيه الجمع بين المرسلة التي تلقاها الأصحاب بالقبول وبين صحيحة محمد بن مسلم عن أبي
عبد الله (ع) قال والكر ست مئة رطل * (بيان) * ذلك أنه يستفاد من تتبع الاخبار ان الرطل العراقي كان عيارا متعارفا لأهل المدينة وان كان
لهم عيار مخصوص متعارف فيما بينهم وهو الرطل المدني كما يفصح عن ذلك اطلاقه عليه في حديث الكلبي النسابة لما سئله عن الشن الذي
ينبذ فيه التمر للشرب والوضوء وكم كان بيع من الماء قال ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى فوق ذلك قلت باي الأرطال قال بأرطال
مكيال العراقي لظهور الحال في اعتماد الإمام (ع) على الاطلاق لو لم يسئل الراوي عنه مع أن مراده العراقي فيستفاد من ذلك أن اطلاقه
عليه كان شايعا بحيث يستعمل فيه بلا قرينة كما أنه يستفاد من استفهام السائل حيث قال باي الأرطال ان الأرطال المتعارفة بينهم كانت
متعددة إذ لو لم يكن لهم الا رطل خاص لكان الاستفهام مستهجنا * (نعم) * لو كان السائل من أهل بلد آخر واحتمل ان يكون مراده (ع) رطل بلدهم
وان كان خلاف الظاهر لكان للاستفهام وجه ولكن التعبير في مثل هذه الصورة لا يقع بصيغة الجمع المعرف بل ينبغي [ح] أن يقول برطل
بلدنا أو بلدكم والحاصل ان هذا التعبير ظاهر في كون الأرطال المتعارفة في المدينة متعددة ومجرد تسمية الرطل عراقيا لا تدل على اختصاصه
باهل العراق لو لم يكن فيها اشعار بالعدم لقضاء العادة بشيوع مثل هذا العيار الشايع في تمام نواحي العراق مع كثرة سوادها
26

وبلادها في جميع البلاد التي ينقل غالب أمتعتهم فيها أو إليها تسهيلا للضبط والمحاسبة الا ترى ان عيار التجار والعطارين و
غيرهم من المعاملين الذين يشتغلون ببيع أمتعة البلاد النائية متحدة غالبا مع عيار تلك البلاد وان كان لكل بلد عيار خاص فكذا
في عصر الأئمة عليهم السلام والظاهر أن العيار المتعارف المشترك في عصرهم هو العيار العراقي وان كان لأهل كل بلدة وناحية حتى نواحي
العراق عيار خاص بهم والحاصل ان من تتبع الآثار والامارات لا يكاد يرتاب في أن الرطل العراقي كان شايعا متعارفا في المدنية
في تلك الأزمنة والغرض من الاستشهاد برواية الشن ليس إلا اثبات ذلك فلا وقع للمعارضة باستعمال بالرطل في غير واحد من الاخبار
في الرطل المدني لان استعماله في المدني معلوم لا يحتاج إلى الاستدلال بالروايات الواردة وانما المقصود جواز إرادة العراقي كالمدني
من مطلقات الاخبار فرواية الشن كافية في اثبات المطلوب إذ ليس المقام بعد ثبوت اصلى المعنى في الجملة مما يتمشى فيه أصالة عدم الاشتراك
أو ان المجاز خير من الاشتراك وغير ذلك كما لا يخفى وجهه و [ح] نقول إذا ورد لفظ الرطل في رواية فهو في حد ذاته مردد بين معنيين بل
معاني لو احتملنا كون المكي أيضا شايعا في المدينة كما يساعد عليه الاعتبار * (ويؤيده) * صيغة الجمع في كلام السائل في الرواية السابقة أو
احتملنا كون الإمام (ع) حال صدور الرواية منه في مكة المشرفة زاد الله شرفها فلابد تعيين بعض المحتملات من معين وليس في الأصول
المعتبرة ما ينفع في تعيين شئ من المحتملات اما بالنسبة إلى العراقي فلما عرفت واما بالنسبة إلى المكي فلانه لو سلم اعتبار أصالة عدم شيوعه
في المدينة فأصالة عدم كون الإمام (ع) في مكة غير أصيل والظاهر أن عرف البلد مقدم على غيره في مقام الدوران خصوصا إذا كان
موافقا العرف المتكلم أو المخاطب ومن المعلوم أنه ليس شئ من الأصول المعتبرة وافيا بتعيين مكان الإمام (ع) حال صدور الرواية
* (فتحصل) * من مجموع ما ذكرنا أن كل واحد من المرسل والصحيح مجمل في حد ذاته قابل لإرادة كل من المعاني الثلاثة وضم كل منهما إلى
الاخر قرينة معينة للمراد منهما بشهادة العرف كما لو كان لفظ المن مشتركا بين مقدار ونصفه وبين مقادير أخرى وقال القائل ان
جاءك زيد فاعطه منا من الحنطة ثم قال إن جاءك زيد فاعطه منين يرفع كل واحد منهما الاجمال عن الاخر ويتعين المراد من بين سائر
المعاني وان كانت كثيرة ووجهه واضح فيجب بمقتضى الجمع بين الروايتين حمل الصحيح على الرطل المكي والمرسل على العراقي * (ويؤيد) * هذا
الحمل كون محمد بن مسلم على ما قيل من أهل الطائف وهو من توابع مكة كما أن كون المرسل عراقيا لا يخلو عن تأييد لقوة احتمال سماعة
من مشائخه الذين هم من أهل العراق أو احتمال كونه تفسيرا باصطلاحهم وكونه كذلك مما يقرب إرادة هذا المعنى لا انه دليل حتى
يتوجه عليه المناقشة في صغراه بان المرسل غير المخاطب وفي كبراه بان عرف البلد مقدم هذا مع أن
حمل الرطل في الصحيح على المكي متعين
لان حمله على المدني أو العراقي يستلزم طرحه لمخالفته للاجماع على ما صرح به غير واحد ولمعارضته برواية علي بن جعفر الواردة في انفعال
ألف رطل من الماء وقع فيه أوقية من البول بل وكذا حمله في المرسل على العراقي متعين إذ لو حمل على المكي أو المدني يستلزم أن لا يكون
الماء البالغ ثلثا وأربعين شبرا كرا فينافيه الاخبار الآتية فهي قرينة معينة لإرادة الرطل العراقي كما سيتضح لك تقريبه عند التعرض للجمع
بين التقديرين [انش‍] واما الرطل العراقي فالمشهور كما في الحدائق وغيره انه مئة وثلاثون درهما ثلثا المدني والدرهم نصف مثقال شرعي وخمسه
فكل عشرة دراهم [ح] سبعة مثاقيل والمثقال الشرعي الثلاثة أرباح الصيرفي فهو [ح] مثقال وثلث شرعي وقد صرح بجميع ذلك جملة من أعاظم الأصحاب
ولم ينقل الخلاف في شئ منها عدا ما عن المنتهى والتحرير من تفسير الرطل العراقي في زكاة الغلات بأنه مئة وثمانية وعشرون درهما وأربعة
أسباع درهم ولكن عن الأول في المقام والثاني في زكاة الفطرة موافقة المشهور والظاهر أن مستنده تصريح بعض اللغويين بذلك قال في
المجمع حاكيا عن المصباح الرطل معيار يوزن به وكسره أكثر من فسخه وهو بالبغدادي اثنتا عشرة أوقية والرطل تسعون مثقالا وهي مئة درهم
وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ولكنك خبير بان لا يجوز رد شهادة جل الفقهاء لأجل تصريح بعض اللغويين خصوصا فيما لا
اختصاص لهم بمعرفته هذا مع أنه لا مانع عن صيرورته في زمان صاحب المصباح كذلك فضلا عن انه يستفاد ما عليه المشهور من مكاتبة
جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني قال كتبت إلى أبي الحسن (ع) على يدي انى جعلت فداك ان أصحابنا اختلفوا في الصاع بعضهم يقول الفطرة
بصاع المدني وبعضهم يقول بصاع العراقي قال فكتب إلى الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي قال وأخبرني أنه يكون
بالوزن ألفا ومأة وسبعين وزنة الوزنة بالكسر مفسرة بالدرهم فيكون الرطل العراقي الذي هو تسع المجموع مئة وثلثين درهما وقيل في تقريب
الاستدلال وجه اخر وهو ان الرواية صريحة في كون الرطل العراقي ثلثي رطل المدني ولا خلاف ظاهرا في أن المدني مئة وخمسة وتسعون درهما
وثلثا مئة وثلاثون درهما والله العالم * (واما) * الرطل المكي فقد صرح غير واحد بأنه ضعف العراقي كما يشهد بذلك جمعهم بين الروايتين بحمل
الصحيح على المكي والمرسلة على العراقي فالرطل العراقي واحد وتسعون مثقالا شرعيا وثمانية وستون وربع المثقال الصيرفي فالكر على المشهور
يبلغ مئة الف وتسعة آلاف ومأتين مثقالا شرعيا وبالمثاقيل الصيرفية يبلغ واحدا وثمانين الف وتسع مئة مثقال وبالمن التبريزي المتعارف
27

في بلاد إيران الذي هو عبارة عن ستمأة وأربعين مثقالا صيرفيا يبلغ مئة وثمانية وعشرين منا الا عشرين مثقالا صيرفيا
* (أو) * الماء
الذي يملا من المكان ما كان كل واحد من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفا بان يكون مجموع مساحة الماء اثنين وأربعين شبرا وسبعة
أثمان شبر على الأظهر الأشهر بل المشهور بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه ويدل عليه ما رواه في الاستبصار عن الحسن بن صالح الثوري
عن أبي عبد الله (ع) إذا كان الماء في الركى كرا لم ينجسه شئ قلت وكم الكر قال ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلثه أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار
ونصف عرضها ونوقش فيها بضعف السند واضطراب المتن وقصور الدلالة واشتمالها على مالا يقول به أحدا وشذ القائل به وهو اعتبار
الكرية في عدم انفعال البئر * (و) * يدفعها اما ضعف السند فبعد تسليمه والاغماض عن تصريح بعض الثقات بأنها موثقة فغير ضائر في مثل
هذه الرواية المقبولة التي اشتهر الاخذ بها وشذ من يطرحها خصوصا إذا كان مستند الطرح ترجيح المعارض كما هو الشأن في المقام
واما اضطراب المتن من حيث كون الرواية مروية في الكافي بحذف ثلاثة أشبار ونصف طولها ففيه ان احتمال السقط من الكافي أقوى
من احتمال الزيادة في الاستبصار فلا يتكافئان حتى يرفع اليد لأجله عن ظهور هذه الفقرة مضافا إلى دلالة رواية الكافي أيضا
على المطلوب لوجوب تقدير البعد الثالث بقرينة المذكور قال في الوسائل بعد نقل الرواية كما في الكافي ذكر العرض يغنى عن ذكر
الطول لأنه لأبدان يساويه أو يزيد عليه وقد صرح جملة من الأعاظم بكون البعد الثالث أعني مقدار الطول في هذه الرواية بل في
سائر الروايات الواردة في هذا الباب مقدار بقرينة المذكور مستشهدين لذلك بموارد كثيرة من نظائر المقام * (أقول) * لا حاجة إلى التقدير
المخالف للأصل بل الظاهر المتبادر إلى الذهن من العرض في مثل المقام مجموع سعته وسطحه الظاهر لا خصوص بعد معين بحيث يكون قسيما للطول
كما أن المتبادر من قولك شبر من الماء وزنه كذا ما كان جمع ابعادم شبرا واما المناقشة في دلالتها فتقريبها ان موردها الركى وهي مستديرة
غالبا فالمراد من عرضها البعد المفروض في وسطها الذي هو بمنزلة القطر من الدائرة وطولها ما يقابل العرض وهو البعد الاخر المار على
قطب الدائرة القائم على البعد الأول ومجموع مساحة الماء على هذا يقرب من ثلاث وثلثين شبرا ونصف شبر وخمسه فلا تدل الرواية على
مذهب المشهور * (ويؤيد) * إرادة ذلك عدم ذكر مقدار الطول في رواية الكافي فالمراد من العرض على ما في الكافي مجموع سعته فلا يتوقف على
الحذف والتقدير ولا ارتكاب مخالفة الظاهر فيها أصلا وما [يق] من أن معرفة مسامحة الشكل المستدير مما يختص بمهرة فن الحساب فلا
يناسب تحديد الكر الذي يبتلى به عامة المكلفين بما يتوقف عليها منقوض بان معرفة مضروب ثلاثة ونصف في ثلاثة ونصف في مثلها أيضا
مما لا يعرفه أغلب الناس وكون الأول أدق من الثاني عند أهله لا يصلح فارقا كما هو ظاهر وحله ان المقصود تعيين موضوع الكر ببيان
شكله ومقداره بحيث يدخل في أذهان العوام على وجه يميزون مصاديقه بالحدس والتخمين فليس تحديد الكر بماء البئر يكون عمقها ثلاثة أشبار
ونصف وسعتها كذلك الا كتحديده بالحب والقلتين * (غاية) * الامر ان الأول مختص بمزيد فائدة وهي ان الخواص يعرفون منه مهية الموضوع
حقيقة دون الثاني فهو أولى بالصدور من الإمام (ع) * (و) * تندفع المناقشة من أصلها بحيث ينضح وجه عدم التصريح بذكر مقدار الطول في
سائر اخبار الباب بما يتوقف توضيحه على رسم مقدمة وهي ان العرض الذي هو قسيم للطول عرفا ولغة عبارة عن اقصر البعدين الذين يتحد بهما
السطح والطول أطولها واطلاقه على البعد المتصور في السطح المستدير أو المربع الغير المستطيل ليس باعتبار كونه قسيما للطول بل انما يراد منه
بيان مقدار سعة السطح مطلقا من دون ان يتعلق الفرض بإرادة بعد دون بعد فليس للشكل المستدير والمربع طول بنظر العرف وما يقال
من أن البعد الذي يتصور أولا هو العرض والبعد المتصور ثانيا هو الطول مما لا يساعد عليه العرف واللغة بل العرض في السطح المستطيل اقصر
البعدين والطول أطولها من دون ان يكون للتصور في ذلك مدخلية واما السطح المستدير والمربع فحيث لا طول لهما انما يراد من عرضهما
حين الاطلاق نفس مسافتهما من حيث هي من دون تقييدها بطرف مخصوص كما في المستطيل فلو امر المولى عبده بحفر حفيرة عرضا ثلثه أشبار
في ثلاثة أشبار عمقها أو قال احفر حفيرة سعتها ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار عمقها يفهم منه عرفا ان المأمور به غير مستطيل وإلا لكان عليه
بيان مقدار طوله ويفهم من اطلاق الثلاثة أشبار انه غير مستدير لأن الظاهر من الاطلاق ان يكون سعته على الاطلاق ثلاثة أشبار من أي
ناحية وتفرض والمدور ليس كذلك إذ ليس ما عدا البعد المفروض في وسطه كذلك فالمدور تتصف
سعته بكونها ثلاثة أشبار في الجملة لا مطلقا
* (و) * ان أبيت عما ادعيناه من ظهور العبارة في إرادة المربع فأمر عبدك بحفر حفيرة عمقها شبر في عرضها فما فهمه من كلامك هو المعيار في
استكشاف مراد الشارع من اخبار الباب وما ذكرناه هو السر في فهم جل العلماء من جميع هذه الأخبار مقدار البعد الثالث مع أنه لم يرد التنصيص
عليه في شئ منه عدا رواية الحسن بن صالح على ما في الاستبصار ومرسلة الصدوق التي هي بحسب الظاهر تفسير بالمعنى * (وفي) * الحدائق بعد أن
ذكر الايراد على الاستدلال بالروايات المذهب المشهور قال وبالجملة فهذه الأخبار كلها مشتركة في عدم عد الابعاد الثلاثة ولم أجد لها
وادا من هذه الجهة بل ظاهر الأصحاب قديما وحديثا الاتفاق على قبولها وتقدير البعد الثالث فيها الدلالة سوق الكلام عليه * (انتهى) * وقد أشرنا
28

إلى أن استفادة البعد الثالث من هذه الأخبار ليست من قبل الحذف والاضمار بل من قبل استفادة مجموع الابعاد من قولك شبر من الماء
وزنه كذا فالمتبادر من قول القائل ماء عرضه ثلاثة أشبار وعمقه كذلك ليس إلا ما كان سطحه من كل ناحية كذلك * (ولكن) * الانصاف ان غلبة
استدارة الركى لو سلمت فهي مانعة عن هذا الظهور فلو قال احفر بئرا عمقها كذا وعرضها ثلاثة أشبار لا ينسبق إلى الذهن الا الكيفية المتعارفة
ودعوى أن المقصود من الرواية فرض كون ماء الركى بالغا هذا الحد لا توصيف الماء الموجود بكونه كذلك وحيث إن الموضوع فرضى لا مانع عن
فرض كون الماء مربعا وان كان الماء الموجود بالفعل على صفة الاستدارة * (مدفوعة) * بان استدارة الماء
الموجود مانعة عن ظهور المطلق في الاطلاق
حتى نحتاج إلى فرض كون الماء مربعا فالمناقشة قوية جدا ولكن بالنظر إلى الرواية على النحو المروى في الكافي واما على ما في الاستبصار من التنصيص
على الطول فلا لما عرفت من أنه ليس للمستدير وكذا المربع الغير المستطيل طول ولكنه ربما يذكر الطول تنصيصا على إرادة تساوى الابعاد
كما يقال في المثال السابق احفر حفيرة يكون عرضها شبرا و طولها شبرا وعمقها كذلك من دون ان يراد من العرض أو الطول بعد معين
ولا يقال مثل ذلك لو أراد كونها مستديرة بل لو قال احفر بئرا عرضها كذا وطولها كذا يفهم منه إرادة المربع وان كان خلاف المتعارف
والحاصل ان ظهور الرواية المروية في الاستبصار المشتملة على الابعاد الثلاثة فيما عليه المشهور غير قابل للانكار واما ظهورها على ما في
الكافي ففي غاية الاشكال الا بضميمة الاجماع على عدم كون ثلاثة أشبار ونصف في الشكل المستدير حدا للكر فيكون الاجماع كاشفا
عن أن المراد من الرواية كون الماء مقدارا يكون سطحه من كل ناحية ثلاثة أشبار ونصفا والله العالم * (واما) * المناقشة في الرواية باشتمالها
على اعتبار الكرية في البئر * (فيدفعها) * ان غاية ما يلزمنا في المقام رفع اليد عن ظهور الشرطية في السببية المنحصرة لأجل الأدلة الدالة
على كون المادة عاصمة عن الانفعال ولا محذور فيه وسيأتي التنبيه على ما يصلح ان يكون نكتة للتقييد في احكام البئر مضافا إلى أن عدم
امكان الاخذ بظاهر الرواية من بعض الوجوه لا يقتضى طرحها بالمرة * (ويدل) * على المشهور أيضا رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) إذا
كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه من الأرض فذلك الكر من الماء * (والمناقشة) * في دلالتها بما تقدم مدفوعة
بما تقدم وليس كون الكر في الأصل مكيا لا مستديرا على تقدير تسليمه صالحا لصرف ظهور الصدر في إرادة المربع لكون الصدر مفسرا للمراد
من الكر من الماء فظهوره هو المحكم في مثل المقام خصوصا مع سبق ذكر المفسر فقوله ذلك الكر من الماء إشارة إلى ما فهم من الصدر فلا
يجوز ان يكون استدارة الكر في أصله صارفا له عن ظهوره والمراد من الرواية والله العالم * (ان) * الماء ان كان سعته مطلقا إلى من جميع جوانبه
ثلاثة أشبار ونصفا حال كون هذه المسافة ثابتة في تمام عمقه الذي هو أيضا ثلاثة أشبار ونصف فذلك الكر من الماء * (ويمكن) * ان يناقش
في دلالتها بأنه ليس في هذه الرواية تصريح بكون ثلاثة أشبار ونصف عرضه حتى يقال إن ذكره يغنى عن ذكر الطول فمن الجائز ان يكون
المراد من هذه الرواية مجموع مسطح ثلاثة أشبار ونصف بان كان مثلا عرضه شبرا وطوله ثلاثة أشبار
ونصف فيكون مجموع مكعبه اثنى عشر
شبرا وربع شبر * (ويدفعها) * وجوب تقييد هذه الرواية يكون ثلاثة أشبار ونصف عرض مسافة الماء للرواية المتقدمة وغيرها من الاخبار
مضافا إلى الاجماع على عدم كون هذا المقدار حدا للكر الكاشف عن عدم كون ثلثه أشبار ونصف على اطلاقها مقصودة بالرواية بل المتأمل في
نفس الرواية وغيرها من القرائن الداخلية والخارجية لا يكاد يرتاب في عدم إرادة ذلك وكيف كان فهذان الخبران نصان في زيادة النصف
على الثلاثة فيرجحان على رواية إسماعيل بن جابر قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شئ فقال كر قلت وما الكر قال
ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار لاحتمال سقوط لفظ النصف فيها وعدم احتمال زيادته في الروايتين مع اعتضادهما بالشهرة والاجماع والمنقول
وغيرهما من المؤيدات التي سنشير إلى جملة منها وربما [يق] في ترجيح رواية إسماعيل بان هذه المسافة أقرب إلى ما ورد من التحديد بالقلتين و
الحب وأكثر من راوية ففي رواية عبد الله بن مغيرة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شئ * (وفي) * مرسلته الأخرى
عن بعض أصحابه عنه (ع) قال الكر من الماء نحو حبي هذا وأشار إلى حب من تلك الحباب التي تكون بالمدنية * (وفي) * رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال قلت له رواية من ماء سقطت فيها فارة أو جرذ أو صعوة ميتة قال (ع) إذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضأ وصبها وان كان غير متفسخ فاشرب
منه وتوضأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية وكذلك الجرة وحب الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء * (و) * في الجميع نظر ظاهر إذ لا امتناع
عادة في أن يسع الحباب الكبار المتعارفة في أزمنتهم ألفا ومأتي رطل بالعراقي واما القلتان فهما الجرتان العظيمتان * (وقد) * قيل إنهما من قلال
هجر وكان يسع كل واحدة منها ثلث قرب أو أربع إلى خمس أو ست قرب من الماء ويدل على كون القلة المتعارفة في أزمنتهم كذلك الروايتان
الآتيتان واما الرواية الأخيرة فلا يمكن الاخذ بظاهرها بل لا بد من رد علمها إلى أهله إذ بعد توجيه التفصيل بين المتفسخة وغيرها بدعوى
ورودها مورد الغالب من كون المتفسخة موجبة لتغير الماء في الغالب دون غيرها فهي من أدلة القائلين بعدم انفعال الماء القليل بملاقاة
النجس فيعارضها جميع الأدلة المتقدمة في محلها ولا يمكن تقييد الاطلاق القربة وأشباهها من أوعية الماء بما إذا كان مائها كرا لأنه
29

تقييد بما لا يحتمل ارادته من الاطلاق كما لا يخفى نعم يؤيدها ما أرسله الصدوق في المجالس حيث قال روى أن الكر هو ما يكون ثلاثة أشبار
طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا ولكن يضعف المؤيد * (والمؤيد) * مضافا إلى قصورهما عن مكافئة الروايتين المتقدمتين المعمول
بهما لدى الأصحاب مخالفتهما لرواية علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال سئلته عن جرة ماء فيها ألف رطل وقع فيه أوقية بول هل يصلح شربه أو الوضوء
منه قال (ع) لا يصلح فان ألف رطل على ما اعتبره بعضهم يقرب من ثلثين شبرا فلا معنى للحكم بانفعاله لو كان كرا وحمله على التغير بالأوقية من
البول التي هي نصف السدس من الرطل كما ترى نعم يمكن ارتكاب الحمل على تغير ما ينقصه عن الكر في رواية سعيد الأعرج في الجرة تسعمأة رطل من
الماء تقع فيها أوقية من دم اشرب منه وأتوضأ قال لا فان التسعمأة أيضا وان كانت تبلغ سبعة وعشرين شبرا في الغالب الا ان أوقية من الدم
تغير لا محالة مقدارا من الماء يقطع بسببه نقصان غير المتغير عن كونه كرا فتخرج هذه الرواية عن كونها شاهدة للمدعى وقد ظهر لك مما ذكرنا
مخالفتهما أيضا لما هو مقتضى التحديد بالوزن المذكور سابقا المتيقن اعتباره بالنص والاجماع فان ألفا ومأتي رطل بالعراقي على ما اعتبروه
ربما يبلغ إلى ما يقرب من أربعين شبرا فلا يجتمع مع هذا التحديد فلا بد من طرح الروايتين أو تأويلهما بما لا ينافي الأرطال فاتضح لك مما
قررناه ضعف القول بكون الماء البالغ سبعة وعشرين شبرا كرا كما هو مذهب القميين على ما في الحدائق وقد نسبه إلى اختيار جماعة من المتأخرين
منهم العلامة في المختلف والشهيد الثاني في الروضة والروض والمولى الأردبيلي والمحقق الشيخ على في حواشي المختلف * (توضيح) * ضعفه ان هذا
التقدير مضافا إلى استلزامه طرح الأخبار المعتبرة المعمول بها لا يجتمع مع اعتبار كون وزن الماء ألفا ومأتي رطل بالعراقي وسيأتي لذلك
مزيد توضيح عند التعرض للجمع بين التقديرين [انش‍] * (أقول) * السيد في المدارك وأوضح ما وقفت عليه في هذه المسألة من الاخبار متنا وسندا ما رواه
الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد الله (ع) الماء الذي لا ينجسه شئ قال ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته إذ معنى اعتبار الذراع
والشبر في السعة اعتبارهما في كل من البعدين ويظهر من المصنف [ره] في المعتبر الميل إلى العمل بهذه الرواية وهو متجه * (انتهى) * والظاهر أن مراده من العمل
بالصحيحة القول بكون الكر ما بلغ مجموع مسكره ستة وثلثين شبرا الحاصلة من ضرب الذراعين اللتين هما أربعة اقدام كما يظهر في باب المواقيت في
ذراع وشبر عرضا وفي ذراع وشبر طولا وفي محكى المنتهى انه لم يقل أحد بهذا المقدار واستجود حمل الشيخ لها على ما إذا بلغ الحد بالأرطال ويؤيده
ما عن المحدث الأسترآبادي من انا اعتبرنا الكر بالوزن فوجدناه قريبا من هذا المقدار * (والذي) * يقوى في نفسي عدم التنافي بين هذه الصحيحة و
بين ما عليه المشهور بل هي في الحقيقة راجعة إليه لان الذراع أطول من شبرين بمقدار يسير كما أن القدمين أيضا [كك] وهذا ظاهر بالعيان فلا
يحتاج إلى البرهان فيبلغ مجموع مساحتها ما يقرب من المساحة المشهورة جدا بحيث لا يبقى بينهما فرق الا بالمقدار الذي يحصل التفاوت به في
الأشبار المتعارفة لان المتعارفة منها أيضا في غاية الاختلاف إذ قلما يوجد شبران لا يكون بينهما اختلاف في مجموع مكسرهما فكلما نلتزمه في رفع
الاشكال هناك نلتزمه هنا فعلى هذا يصير هذه الصحيحة أيضا من أدلة المختار ثم إن في المقام أقوالا اخر لا يخفى ضعفها بعد الإحاطة بما مر * (منها) *
ما نقل عن القطب الراوندي من أنه ما بلغ ابعاده ثلاثة عشر ونصفا والظاهر أن مراده بلوغ ابعاده الثلاثة هذا الحد على تقدير تساويها لا [مط]
فليس مخالفا للمشهور والا لكفى في بطلانه انه لم نجد له مستندا يمكن الاستدلال به مضافا إلى شذوذه وشدة اختلاف مصاديقه وعن شارح الروضة
انه استدل له برواية أبي بصير يجعل في بمعنى مع فلا يعتبر الضرب وفيه مالا يخفى (ومنها) * ما حكى عنه الإسكافي من أنه ما بلغ مكسره مئة شبر ولم يظهر
مستنده ومنها ما عن ابن طاوس [ره] من العمل بكل ما روى وفيه بعد تسليم امكانه انه طرح الكل ما روى لا عمل بكلها ووجهه ظاهر بقي * (في) * المقام اشكال
وهو ان الوزن على ما اعتبروه لا يبلغ المساحة المذكورة غالبا خصوصا بالنظر إلى أشبار السابقين التي يغلب على الظن أطوليتها نوعا بالنسبة
إلى أشبار أهل هذه الاعصار فكيف التوفيق بين التحديدين مع أن التحديد بالأقل والأكثر في موضوع واحد غير معقول هذا مع أن الأشبار
في حد ذاتها لا انضباط لها حتى في المتعارف منه فكيف يمكن ان تجعل حد الموضوع واقعي * (وحل) * الاشكاف يتوقف على رسم مقدمة وهي انه لا
اشكال في جعل كل من الوزن والمساحة حد المعرفة شئ واحد لو كانا متساويين في الصدق وكذا الاشكال في جعل مجموعهما حدا لو كان بينهما
عموم من وجه فيكون المدار على اجتماع الامرين كما أنه لا اشكال في جعل كل منهما في هذه الصورة منفردا فيكون التحديد بكل منهما مشروطا
بعدم الاخر فئول الامر إلى كفاية كل من الوزن والمساحة في احراز ذلك الشئ هذا إذا أمكن التخلف والا بان كان أحدهما خص مطلقا
من الاخر فلا يعقل التحديد بهما يوجه من الوجوه بل لا بد من أن يكون الحد الحقيقي هو الأعم لا غير نعم يعقل ان يجعل ما هو الأخص طريقا
للعلم بوجود الأعم فلو دل دليل على كون كل منهما حدا فلابد اما من طرح أحدهما أو جعل الأخص طريقا للعلم بوجود المحدود بعد مساعدة القرينة
لما عرفت من عدم امكان العمل بظاهرهما ولو بتقييد كل منهما بعدم الاخر كما في الصورة السابقة إذا عرفت ذلك * (فنقول) * نفس الأشبار في حد ذاتها
مع قطع النظر عن كونها أخص مطلقا كما قيل لا تصلح أن تكون حدا حقيقيا لمعرفة الكر الذي هو موضوع واقعي لا يختلف باختلاف الاشخاص
وليس مثل الوجه في مسألة الوضوء الدائر مدار دوران الأصابع بالنسبة إلى كل مكلف لان الموضوع بالنسبة إلى كل مكلف هو وجهه
30

المختص به فلا امتناع في جعل أصابعه كاشفة عن حد وجهه وهذا بخلاف الكر الذي هو موضوع واقعي وله حد واقعي يحرج عنه ينقصان قطرة
فكيف يمكن ان ينطبق عليه أشبار كل من هو مستوى الخلقة من دون زيادة قطرة ونقصانها
فكل ما ورد من التحديد لمثل هذه الأمور
بمثل الأشبار والقلتين والحب فإنما هي كواشف عن تحقق الموضوع الواقعي عند حصول هذه الأشياء لا انها حد حقيقي للموضوع النفس
الامري بحيث لا يزيد عليه أصلا في شئ من مصاديقه * (وهذا) * المعنى وان كان خلاف ظاهر الحد الا ان نفس جعل هذه الأمور حدا قرينة قطعية
على ذلك إذ من المعلوم الذي لا يعتبر به شك انه لو كان مصداق من الماء يبلغ المساحة المعتبرة بشبر من هو من مستوى الخلقة وينقص عنها
بمقدار رطل بشبر آخر ممن هو أيضا من مستوى الخلقة مع فرض اتحاد حكمهما في هذا الموضوع لا يعقل ان يجعل الشارع شبر كل منهما حدا
لهذا الموضوع هذا في الأشبار وأشباهها * (واما) * الأرطال فالظاهر كونها تحديدا حقيقيا اما أولا فلعدم الداعي على صرف أدلتها عن ظواهرها
لكونها عيارا مضبوطا في حد ذاتها لا يقبل الزيادة والنقصان وثانيا فلان في نفس التحديد بالأرطال إشارة إلى
كونها بيانا للموضوع الواقعي
لعسر معرفتها بالاختيار فلا يناسب ان تجعل طريقا ظاهر بالمعرفة ما هو الموضوع النفس الامري وحيث إن الأرطال التي هي حد واقعي للكر من الماء
لا يمكن معرفتها لغالب الناس بل لجميعهم في أغلب موارد حوائجهم كالبراري والصحارى يجب على الشارع الحكيم ان يرشدهم إلى ما يعرفهم مقدار
الكر بحيث يسهل عليهم معرفته فتارة أرشدهم إلى حبه وأخرى إلى غيره من التقريبات التي يسهل تناولها في مقام الحاجة ولا بد من أن يراعى
الشارع الحكيم حال ارشادهم إلى طريق من هذه الطرق بعلمه المحيط جميع شتات المصاديق ويدلهم على معرف يكون حاويا للكر في تمام
المصاديق المتعارفة سواء كان الماء خفيفا أو ثقيلا والشبر قصيرا أو طويلا فما وجدوه بالاعتبار من كون الأرطال أقل من أربعين شبرا
فليس منافيا للتحديد بثلاثة أشبار ونصف لما عرفت من وجوب مراعاة أخف الافراد من المياه واقصر الأشبار من الاشخاص المتعارفة
في نصبه طريقا إلى معرفة الكر والا لتخلف في كثير من الموارد والحاصل ان تخلف الأرطال عن الأشبار بان يكون الأرطال أعم وجودا غير
ضائر بعد ما عرفت من أن الأشبار طريق تقريبي * (بل) * الانصاف انه مؤكد للوثوق لهذه الرواية بحيث لو كان لها معارض مكافؤ من جميع
الجهات مطابق لما وجدوه من الأرطال لكان العمل بهذه الرواية عندي أرجح لما ذكرت من امتناع تحديد الكر حقيقة بالأشبار بحيث يدور
مدارها وجودا وعدما فلا بد من كونها كاشفة عن وجود الكر فيجب [ح] مراعاة أخف مصاديق الماء واقصر الأشبار المتعارفة واجتماع كلا الوصفين
في مورد اختيارهم مظنون العدم والله العالم * (و) * يستوى في هذا الحكم أي في عدم نجاسة الكر بل وغيرها من الاحكام المتقدمة مياه الغدران
والحياض والأواني على الأظهر بل الظاهر كما هو المشهور شهرة كادت تكون اجماعا لعموم الحكم المستفاد من اطلاقات الأدلة الدالة على
عدم انفعال الكثير بالملاقاة بل المتأمل فيها لا يكاد يرتاب في عدم اختصاص الحكم المستفاد منها بمورد دون آخر مضافا إلى ما في بعضها من
التصريح بعدم انفعال الحوض الكبير بولوغ الكلب وفي بعضها التمثيل للكر من الماء بالحب الموجود عنده * (وكيف) * كان فلا شبهة في ضعف القول
باختصاص الحكم بالعذران دون الأواني والحياض كما عن المفيد في المقنعة وسلار فيما حكى عنه واستدل لهم باطلاق النهى في الأخبار المستفيضة
التي كادت تكون متواترة عن استعمال الاوالى التي اصابتها يد قذرة أو قطرة بول أو حمر أو دم * (وفيه) * انها في حد ذاتها منصرفة عما إذا كان مائها
كرا وعلى تقدير الشمول لا بد من تقييدها بما دل على عدم انفعال الكر لكونها اظهر في شمول مورد الاجتماع من هذه الأخبار لو لم نقل بأنها
نص في العموم * (واما ماء) * البئر وهي من المفاهيم المبينة لدى العرف والأصل والظاهر قاضيان بعدم طرو عرف جديد فايكال معرفتها إلى العرف
أسلم من التحديد ببعض ما ذكروه مما لا يكاد يسلم عن الخدشة نعم قد يشك في الصدق العرفي بالنسبة إلى بعض الموارد كالآبار المتواصلة الجاري
مائها من بعض إلى بعض ما لم ينته مائها إلى سطح الأرض فان صحة السلب على هذا التقدير ظاهرة وكذا العيون الواقعة الواصل مائها إلى
فمها ولا يتعداهما لضعف مادتها فان اطلاق البئر عليها كسابقتها على الاطلاق خفى الا انه لاخفاء في انصراف اطلاقات البئر عن كلا الفرضين
فلا يعمهما حكمها بل سبيلها سبيل الجاري في الاعتصام ان قلنا بكفاية المادة في ذلك كما هو الأقوى والا فالواقفة منهما بحكم الراكد والله
العالم
* (واما) * حكمها فإنه أي ماء البئر كغيره من المياه ينجس بتغيره بالنجاسة على النحو الذي عرفته في الجاري والكثير نصا واجماعا وهل ينجس
وان كان كرا فما زاد بالملاقاة كالقليل الراكد فيه تردد والأظهر لدى أكثر قدماء أصحابنا بل عن جماعة دعوى اجماعهم عليه التنجس ولكن
الأقوى ما اشتهر بين المتأخرين حتى انعقد اجماعهم عليه كما ادعاه العلامة الطباطبائي من أنه لا ينجس بالملاقاة وعن الشيخ أبى محمد الحسن بن
محمد البصروي من قدماء أصحابنا التفصيل بين كونه كرا فلا ينجس وعدمه فينجس وربما الزم العلامة بهذا التفصيل حيث التزم به في الجاري وفي لزوم
التزامه به تأمل وعن الجعفي التفصيل بين ما إذا كان الماء ذراعين في الابعاد الثلاثة فلا ينجس أولم يكن فينجس ولعل مرجعه إلى التفصيل
السابق وخلافه في مقدار الكر لا في أصل التفصيل والله العالم احتج المتأخرون للقول بالطهارة بوجوه من الأدلة عمدتها الاخبار الصحاح
التي يتعذر ارتكاب التأويل فيها فلابد اما من طرحها أو الاخذ بمفادها واوتكاب التأويل فيما ينافيها بظاهره كما سيتضح لك [انش‍] واما سائر
31

الوجوه فقلما تسلم عن الخدشات والأولى نقلها كي يريها المتأمل فيها ما فيها * (منها) * استصحاب الطهارة وقاعدتها في كل شئ وفي خصوص الماء
* (وفيه) * ان الأصل انما يصار إليه بعد المناقشة في أدلة الطرفين عمومها وخصوصها فلا يحسن ذكره في عداد الأدلة * (ومنها) * عموم
الآيات الدالة على طهورية الماء المنزل من السماء بضميمة ما دل على أن مياه الأرض من السماء * (وفيه) * بعد الاغماض عن قصور دلالتها ومنع
تسليم وكون الطهورية معناها عدم قابلية للانفعال بملاقاة النجس حتى يمكن الاستدلال بها في مثل المقام انها عمومات يجب تخصيصها
بما دل على نجاسة البئر على تقدير سلامته عن المعارض * (ومنها) * عموم قوله (ع) خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ الا ما غير لونه أو طعمه
أو ريحه * (وفيه) * انه يجب تخصيصه بما دل على انفعال البئر على تقدير سلامته عن المعارض اللهم الا ان يدعى أنه نص في البئر لكونها
موردا له حيث إن النبي صلى الله عليه وآله على ما روى لما ورد بئر بضاعة قال اتوني بوضوء فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله انه بأرض؟؟ قال صلى الله عليه وآله
خلق الله الماء طهورا [الخ] ولكنه يدفعها ما عن المنتهى من أن بئر بضاعة كان جاريا مائها سائلا في البساتين ومعروفيتها بالبئرية
غير مجدية بعد ما عرفت من انصراف أدلة الانفعال عن الابار التي يجرى مائها وقد حكى عن؟ البئر ان أكثر
ما يكون فيها الماء
إلى العانة وإذا نقص دون العورة فمورد الرواية انما هو الكثير الجاري فلا مانع من تقييدها بما لا ينافي الأخبار الخاصة * (ومنها) *
لزوم الحرج الشديد والعسر الأكيد على تقدير الالتزام بنجاسة البئر بمجرد الملاقاة خصوصا في البلاد التي ينحصر مائها في البئر
لان الغالب نجاسة أطراف البئر وحواشيها في غالب الأوقات وقلما تنفك البئر عن ملاقاة الحبل النجس والترشحات الواقعة
فيها من أطرافها ولذا قال كاشف الغطاء فيما حكى عنه ما حاصله ان من لاحظ ذلك لم يحتج إلى النظر في الاخبار خاصها وعامها
* (ونعم) * ما قال فالانصاف ان هذا الوجه مؤيد قوى للقول بالطهارة * (ومنها) * انه انعقد اجماع المتأخرين في هذه الاعصار مما
يقرب من ثلاثمائة سنة فاجماعهم حجة ولا يعارضه اجماع القدماء على النجاسة لأنه بالنسبة الينا منقول فلا اعتماد عليه خصوصا مع
العثور على المخالف * (وفيه) * بعد الاغماض عن أن هذا الاجماع أيضا كاجماع القدماء بالنسبة الينا منقول ان حجية الاجماع
لدينا انما هي لكشفه عن قول الحجة ولا ملازمة بين اجماع المتأخرين وبين صدور الحكم عن الحجة الا بقاعدة اللطف ولا نقول بها
وقد ذكروا وجوها اخر مرجعها إلى ترجيح اخبار الطهارة لموافقتها للكتاب والسنة ومخالفتها للعامة وعدم امكان الاخذ
بظواهر اخبار النجاسة لمعارضة بعضها البعض على وجه لا يمكن ارتكاب التصرف فيها الا بحمل الامر الوارد في تلك الأخبار على الاستحباب
وتنزيل الاختلاف على اختلاف المراتب أو حملها على التقية إذ لا يكاد يوجد في اخبار النزح على كثرتها رواية مشتملة على عدة احكام
سليمة عن المعارض أو عن مخالفة الاجماع * (ولكنك) * خبير بان مثل هذه الأمور انما يحسن ذكره في مقام التكلم في مفاد الاخبار وترجيح بعضها
على بعض لا في مقام تعداد الأدلة فاتضح لك ان المعتمد في المقام انما هو الأخبار الخاصة واما ما عداها من الوجوه فلا يصلح الا للتأييد
واما الاخبار [الق] يستدل بها للطهارة * (فمنها) * صحيحة ابن بزيع الواردة بطرق عديدة عن أبي
الحسن الرضا عليه السلام ففي بعضها قال (ع) ماء البئر
واسع لا يفسده شئ الا ان يتغير وفي بعضها قال ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح و
يطيب طعمه لأنه له مادة وفي بعضها قال كتبت إلى رجل أسئله ان يسئل أبا الحسن الرضا (ع) فقال ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا
ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنه له مادة وعن الاستبصار انه وجه الصحيحة بان المراد انه لا يفسده شئ
فساد الا ينتفع بشئ منه الا بعد نزح جميعه الا ما يغيره لأنه إذا لم يتغير ينجس وينزح منه مقدار وينتفع بالباقي * (أقول) * انما التجأ إلى مثل
هذا التوجيه الذي يتوجه عليه وجوه من الاعتراض بعد التزامه بالنجاسة لترجيح اخبارها فرارا عن طرح مثل هذه الصحيحة المشهور نقلها
عن ابن بزيع ولعمري ان طرح الرواية ورد علمها إلى أهله أولى من إبداء هذا النحو من الاحتمالات العقلية التي لا يكاد يحتمل المخاطب ارادتها
من الرواية خصوصا في جواب المكاتبة * (و) * أضعف من ذلك احتمال ان يكون مراده (ع) من الافساد القذارة والكثافة لا النجاسة إذ لا يعقل
تنزيل كلام الامام المبين للاحكام في جواب من سئله عن حكم البئر مكاتبة أو مشافهة على هذا المعنى الذي لا يشتبه على أحد من العوام فضلا
عن أن يستدل له بقوله (ع) لأنه له مادة فالانصاف ان الصحيحة صريحة في المطلوب بحيث يتعذر ارتكاب التأويل فيها فلا بد من طرحها على
تقدير وجود معارض يكافئها من حيث الدلالة ويترجح عليها من حيث الصدور أو جهة الصدور * (ومنها) * صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع)
قال سئلته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين أيصلح الوضوء منها قال لا بأس ونظيرها ما رواه عمار قال سئل
أبو عبد الله (ع) عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة فقال لا بأس إذا كان فيها ماء كثير فان الكثرة العرفية غير معتبرة في الماء اجماعا فهي
للتحفظ عن التغير ولم تثبت الحقيقة الشرعية في لفظ الكثير حتى تكون الرواية دليلا للقول باعتبار الكرية في البئر وما أجيب به من حمل العذرة على عذرة
غير الانسان أو ان وصول الزنبيل إلى الماء لا يستلزم وصول العذرة أو ان المراد نفى البأس بعد النزح المقدر * (ففيه) * مالا يخفى * (ومنها) * صحيحة
32

معاوية بن عمار عن الصادق (ع) قال سمعته يقول لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر الا ان ينتن فان أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة
ونزحت البئر * (ومنها) * صحيحة الأخرى عن الصادق (ع) أيضا في الفارة تقع في البئر فيتوضأ الرجل ويصلى وهو لا يعلم أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه
قال لا يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه * (و) * نظيرها موثقة أبان بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال وسئل عن الفارة تقع في البئر لا يعلم بها الا بعد ما
يتوضأ منها ايعاد الوضوء فقال لا * (و) * نظيرها أيضا رواية جعفر بن بشير عن أبي عينية عن أبي عبد الله (ع) قال وسئل عن الفارة تقع في البئر
فلا يعلم بها أحد الا بعد أن يتوضأ منها أيعيد وضوئه وصلاته ويغسل ما اصابه فقال (ع) لا قد استعمل أهل الدار ورشوا ومنها موثقة أبي أسامة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفارة فانزح منها سبع دلاء قلنا فما تقول في صلاتنا ووضوئنا وما
أصاب ثيابنا فقال (ع) لا بأس به وهذه الرواية يستفاد منها ان الامر بالنزح للتنزيه لا للنجاسة فهي كبعض الأخبار المتقدمة والآتية التي سنشير
إليها قرينة للتصرف في الاخبار الامرة بالنزح التي يستظهر منها النجاسة * (ومنها) * موثقة أبي بصير قال قلت للصادق (ع) بئر يستقى منها ويتوضأ
به وغسل به الثياب وعجن به ثم علم أنه كان فيها ميت قال لا بأس ولا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة * (وما) * أجيب به عن هذه الطائفة من
الاخبار من حمل نفى البأس عن الوضوء وسائر الاستعمالات على ما لو احتمل حصولها قبل وقوع النجاسة في البئر ففيه مالا يخفى إذا لا سئولة
الواقعة في هذه الروايات بأسرها كادت تكون صريحة في إرادة حكم الاستعمالات الواقعة عقيب وقوع النجاسة في البئر * (ومنها) * ما رواه
الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له شعر الخنزير يجعل حبلا ويستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ منها فقال لا بأس به ظاهر
الرواية سؤاله عن ماء البئر الملاقي للحبل النجس فلا وجه للمناقشة بعدم العلم بملاقاة الحبل للماء هذا مع أن انفكاك ماء البئر عن ملاقاة
الحبل الذي يتعارف استعماله فيها كما هو ظاهر السؤال ممتنع عادة نعم لو كان السؤال عن الماء الذي يستقى بهذا الحبل التعين حمله
على صورة الجهل يتقاطر الماء من الحبل النجس على الدلو بعد الالتزام بعدم نجاسة ماء البئر بملاقاته وهذا الحمل ليس بعيدا لأن عدم
التقاطر بالنسبة إلى كل دلو دلو ليس خلاف المتعارف وعليه بحمل ما رواه زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن شعر الخنزير يستقى به
الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء قال لا بأس إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يمكن استفادة المطلوب منها ولا حاجة إلى
استقصائها لان فيما ذكرناه غنى وكفاية حجة القائلين بالنجاسة أمور * (الأول) * الأخبار المستفيضة
التي يدعى ظهورها في النجاسة * (منها) *
صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال كتبت إلى رجل أسئله ان يسئل أبا الحسن الرضا (ع) في البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من
بول أو دم أو يسقط فيها شئ من العذرة كالبعرة ونحوها ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها فوقع (ع) بخطه في كتابي بنزح منها دلاء وتقريب
الاستدلال بها من وجهين أحدهما ظهور الامر بالنزح في مثل المقام في الوجوب الشرطي الكاشف عن نجاسة ماء البئر و * (ثانيهما) * تقرير الإمام (ع)
بضميمة أصالة عدم الخوف في الردع بالكتابة ويتوجه على الأول ان اطلاق الدلاء قرينة على إرادة الاستحباب من الجملة الخبرية إذ لو حملت على الوجوب
لوجب اما الالتزام بكفاية مطلق الدلاء لكل واحد من الأشياء المذكورة في الرواية وهو مخالف للاجماع والأخبار الواردة فيما ينزح لكل منها
بالخصوص واما الالتزام باهمال الرواية من هذه الجهة فتكون الرواية مسوقة لبيان ان مطهر البئر انما هو من جنس النزح وهو خلاف ظاهر الرواية
لان ظاهرها كونها مسوقة لبيان ما يطهر البئر بحيث يحل الوضوء منها لا لبيان نوع ما يطهر البئر واما لو حملت على الاستحباب فلم يتوجه شئ من هذه
المحاذير لان الاختلاف بين الاخبار على هذا التقدير منزل على اختلاف مراتب الفضل وهذا أي الاختلاف بين الأخبار الواردة في تعيين
مقدار ما ينزح للنجاسات من أقوى الشواهد على عدم انفعال البئر بمجرد الملاقاة ويتوجه على التقريب الثاني أولا عدم ثبوت تقريره لم لا
يجوز ان يكون المسامحة في الجواب باطلاق الدلاء ردعا له عما اعتقده بل لم لا يجوز ان يكون صحيحته السابقة التي هي نص في عدم النجاسة ردعا
له خصوصا لو كانت تلك الصحيحة أيضا واقعة في جواب هذا الكتاب الذي كتبه ابن بزيع إلى رجل ان يسئل أبا الحسن الرضا (ع) كما هو المظنون بالنظر
إلى ما في الكافي حيث إنه بعد نقل هذه الصحيحة أردفها بالصحيحة المتقدمة فقال وبهذا الاسناد قال ماء البئر واسع [الخ] فعلى هذا التقدير
لا يبقى للسائل مجال لتوهم النجاسة * (وثانيا) * ان وقوع النجاسة في البئر وإن لم نلتزم بأنه سبب النجاسة مائها الا انه لا محيص عن الالتزام بكونه مؤثرا
في حدوث مرتبة من القذارة يكره لأجلها الاستعمال ويستحب التنزه عنه الأبعد نزح المقدر كما يفصح عن ذلك الأخبار الكثيرة الآتية و؟؟ الردع
في مثل المقام مما لا يترتب على جهل السائل مفسدة عملية في الغالب غير مسلم خصوصا مع احتمال ان يكون مراد السائل من الطهارة النظافة المطلقة
لاما يقابل النجاسة ومن حل الوضوء الحلية بمعناها الأخص لاما يقابل الحرمة * (وثالثا) * ان أصالة عدم الخوف أو عدم امر اخر مقتض لحسن ابقاء
السائل على جهله لا تكافئ الأدلة الدالة على الطهارة خصوصا مع وجود ما يقتضى إظهار خلاف الواقع وهو التقية من العامة الذاهبين إلى
النجاسة والحاصل ان التقرير لا يزاحم التنصيص على الخلاف * (ومنها) * صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (ع) قال سئلته عن البئر يقع فيها
الحمامة والدجاجة والفارة والكلب والهرة فقال (ع) يجزيك ان تنزح منها دلاء فان ذلك يطهرها انشاء الله * (والجواب) * عنها ما في سابقتها
33

من أن اطلاق الدلاء دليل على كون الحكم تنزيهيا وان المراد من الطهارة النظافة المطلقة لاما يقابل النجاسة * (قال) * شيخ مشايخنا المرتضى طاب ثراه
ان الامر بنزح الدلاء في هذه الصحيحة اظهر في الاستحباب من سابقتها من حيث كونه اظهر في مقام البيان فيبعد جدا حملها على بيان نوع
المطهر وإحالة تفصيل كل واحد من النجاسات إلى مقام اخر فالأولى حمل لفظ التطهير هنا على إرادة إزالة القذارة والنفرة الحاصلة من
وقوع تلك الأشياء انتهى * (أقول) * أطهرية هذه الصحيحة من حيث كونها في مقام بيان تمام الحكم انما هي بالنظر إلى مجرد الجواب والا فالصحيحة
الأولى أيضا بعد ضم جواب الإمام (ع) إلى سؤال السائل كهذه الصحيحة من حيث الاباء عن حملها على بيان نوع المطهر لان السائل انما سئله
عما يطهر البئر حتى يحل الوضوء منها ولا شبهه انه لو كتب مفت في جواب من استفتاء بهذا السؤال ان مطهر البئر من جنس النزح لكان من القبح
بمكان فلا يجوز تنزيل كلام الإمام (ع) على هذا المعنى المجمل الذي لا يفسد في مقام العمل أصلا خصوصا بعد ملاحظة انها كتابة وان السائل
لا يتمكن من الوصول إلى الإمام (ع) فلا بد من أن يكون الجواب في مثلها شافيا كافيا وكيف كان فلا يمكن تنزيل شئ من الصحيحتين على إرادة
هذا المعنى بل لابد اما من القول بالاستحباب وتنزيلهما عليه أو طرحهما أو الالتزام بكفاية مطلق نزح الدلاء للمذكورات * (ولكنك) * قد عرفت أن الأخير مخالف
للاجماع والأخبار الواردة في تقدير هذه الأمور والثاني موقوف على عدم امكان العمل بها وهو ممكن بحمل الجملة الخبرية على الاستحباب والطهارة على
معناها اللغوي كما يساعد عليه افهام العرف بعد اطلاعهم على عدم الوجوب فالصحيحتان اللتان هما عمدة أدلتهم على خلاف مطلوبهم أدل * (ومنها) * صحيحة
ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) إذا اتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغترف به فتيمم بالصعيد
فان رب الماء رب الصعيد ولا تقع في البئر
ولا تفسد على القوم مائهم ويتوجه على الاستدلال بها انه يفهم من قوله (ع) ولا تقع في البئر [الخ] ان علة النهى عن الاغتسال افساد الماء على القوم لافساد
الغسل في حد ذاته بحيث لولا هذا المحذور لجاز الاغتسال منها وهذا ينافي نجاسة الماء بوقوعه فيه ضرورة ان نجاسته يستلزم لغوية غسله ونجاسة
بدنه فكان التعليل بها أولى من التعليل بالافساد الموهم لجواز الاغتسال منها عند انتفاء هذا المحذور كما إذا لم تكن البئر مما يحتاج إليها الغير أو لم
يكن للغير حق في استعمالها بل ربما يستشعر من قوله (ع) فان رب الماء رب الصعيد كون الحكم رخصه بحيث لو اغتسل لكان غسله صحيحا كالاغتسال بالماء
البارد الذي يشق تحمله عادة من دون ان يتضرر به فيكون حراما ان قلنا بصحة الغسل كما هو الأظهر فلا بد من أن يراد من الافساد معنى آخر غير
النجاسة كاستقذار القوم ذلك بمقتضى طبايعهم أو لإثارة الوحل من البئر أو لصيرورة مائها مستعملا في رفع الحدث * (ويؤيده) * ترك التفصيل
بين نجاسة بدنه وعدمها نعم لو قيل بنجاسة البئر تعبدا باغتسال الجنب فيها عند خلو بدنه عن النجاسة الخبيثة ونزل الرواية عليه ثم تمم القول فيما لو وقع
في البئر شئ من النجاسات بعدم القول بالفصل لم يتوجه عليه هذا المحذور ضرورة صحة غسله إذا ارتمس فيها وان تنجس بدنه بالخروج ولكن بشرط
ان يكون الغسل لغاية غير مشروطة بطهارة البدن كالصوم وإلا فلا يصح غسله أيضا لعدم الامر به لما سيأتي من أن مراعاة طهارة البدن
أولى عند الدوران من الطهارة المائية فلا يتعلق الامر بطهارة يتعقبها نجاسة البدن * (ولكنك) * ستعرف ضعف هذا القول فلا يصح تنزيل
الرواية عليه فضلا عن تقييدها بما لو أراد الاغتسال للصوم ونحوه وحاصل الكلام انه لا شاهد على إرادة النجاسة من الافساد في هذه
الصحيحة بل الشواهد على خلافها ولا يقاس بها صحيحة ابن بزيع المتقدمة في أدلة الطهارة لوضوح الفرق بين الصحيحتين فلاحظ * (ومنها) *
حسنة زرارة وأبى بصير ومحمد بن مسلم قالوا قلنا له بئر يتوضأ منها يجرى البول قريبا منها أينجسها قال فقال إن كانت البئر في أعلى الوادي والوادي
يجرى فيه البول من تحتها فكان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة لم ينجس ذلك شئ وان كان أقل من ذلك نجسها قال وان كانت البئر
في أسفل الوادي ويمر الماء عليها وكان بين البئر وبينه تسعة أذرع لم ينجسها وما كان أقل من ذلك فلا تتوضأ منه قال زرارة قلت له فإن كان
يجرى البول يلصقها؟ وكان لا يلبث على الأرض فقال ما لم يكن له قرار فليس به بأس فتوضأ منه انما ذلك إذا استنقع كله * (وعن) * علي بن إبراهيم
مثلها الا انه اسقط قوله وان كان أقل من ذلك نجسها وأجيب عنها أولا بقصورها عن معارضة الأخبار
المتقدمة المعتضدة بالأصل و
مطابقة الكتاب والسنة ومخالفة جمهور العامة فيتعين تأويلها بحمل النجاسة على مجرد الاستقذار والنهى عن التوضي على الكراهة أو حملها
على ما إذا اثر تكاثر ورود النجاسة على البئر في تغييرها كما يؤيد ما في ذيلها انما ذلك إذا استنقع كله ويؤيده أيضا رواية محمد بن أبي القاسم
عن أبي الحسن (ع) في البئر يكون بينها وبين الكنيف خمس أذرع أو أقل أو أكثر يتوضأ منها قال ليس يكره من قرب ولا من بعد يتوضأ منها ويغتسل ما لم
يتغير الماء وثانيا بمخالفة ظاهرها للاجماع لان القائلين بالنجاسة أيضا لا يقولون بحصول التنجيس بمجرد التقارب بين البئر والبالوعة فلا بد من
تأويلها بمحل النجاسة على غير معناها الشرعي وناقش في الجواب الثاني شيخنا المرتضى [ره] بقوله والانصاف ان هذه الحسنة وإن لم يحمل على ظاهرها
من حيث عدم انفعال البئر بمجرد قرب الميال الا انها ظاهرة في الانفعال عند العلم بوصول البول إليها انتهى * (أقول) * انما يفهم منها بعد الاغماض
عن حملها على صورة التغير ان مناط نجاسة البئر بالمعنى الذي أريد من الرواية انما هو وصول البول إليها فلو علم عدم الوصول فلا بأس واما
إذا لم يعلم عدم الوصول وكان بين البئر ومجرى البول أقل من الثلاثة أذرع أو التسعة أذرع فهي محكومة بالنجاسة تعبدا فيستفاد من ذلك أن قرب
34

الميال الذي هو امارة ظنية قد جعله الشارع طريقا تعبديا لاستكشاف الوصول ونجاسة الماء ولما ثبت بالنص والاجماع ان النجاسة بمعناها
المصطلح لا تثبت بهذا الطريق وجب ان يكون المراد منها معنى اخر كمطلق القذارة التي يكره لأجلها الاستعمال فالنجاسة بهذا المعنى هي التي تفهم
من الرواية تحققها عند العلم بالوصول لا النجاسة المصطلحة * (ودعوى) * لزوم ابقاء لفظ النجاسة على ظاهرها وارتكاب التقييد في الرواية بحملها
على صورة العلم بالوصول بقرينة الاجماع * (يدفعها) * ان التقييد بصورة العلم يستلزم كون التحديد بثلاثة أذرع وتسعة أذرع لغوا لكون الحكم
على هذا التقدير دائرا مدار العلم ودعوى أن التحديد بالثلاثة والتسعة جار مجرى الغالب إذا الغالب حصول العلم بالوصول إذا كان الفصل أدل
منها مجازفة من القول * (والحاصل) * ان الامر دائر بين رفع اليد عن ظاهر التحديد أو ظاهر لفظ النجاسة ولا أولوية للأول لو لم نقل بان الثاني
هو المتعين * (ومنها) * رواية ابن مسكان عن أبي بصير وكل شئ يقع في البئر ليس له دم مثل العقرب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس * (وفيه) * ان ثبوت
البأس أعم من النجاسة * (الامر) * الثاني من أدلة القائلين بنجاسة البئر استفاضة الاخبار بالنزح للتجاهات؟ وعمل الطائفة بها قديما وحديثا
وأجيب عنها بان الامر بالنزح لا يدل على النجاسة لجواز كون النزح مستحبا أو واجبا تعبديا * (وفيه) * ان احتمال الاستحباب لا ينافي الظهور في
الوجوب واحتمال كونه واجبا تعبديا بعيد في الغاية كما سيتضح لك فيما بعد [انش‍] فالصواب في الجواب عنها بعد الاغماض عن شهادة القرائن
الداخلية الموجودة في نفس هذه الأخبار الدالة على كون النزح مستحبا مثل الحكم بصحة الوضوء والصلاة الواقعتين قبل النزح كما في موثقة
أبي أسامة المتقدمة وكشدة الاختلاف الواقع بينها على وجه يتعذر الجمع بينها الا بالحمل على مراتب الاستحباب إذ لو بنى فيها على اعمال قاعدة
التراجيح للزم طرح أكثر الاخبار التي يجد المنصف من نفسه القطع بصدور أغلبها ان غاية الأمر ظهور هذه الأخبار في نجاسة البئر فلا بد من
رفع اليد عن هذا الظاهر بالاخبار المتقدمة الدالة على الطهارة لأن الظاهر لا يعارض الأظهر فضلا عما هو نص في الخلاف وبهذا ظهر
لك الجواب عن جميع الأخبار التي تمسك بها القائلون بالنجاسة إذ بعد تسليم الدلالة في الجميع غايتها الظهور في نجاسة البئر فيجب رفع اليد
عن هذا الظاهر بالنص واما التشبث بعمل العلماء فان أريد منه اجماعهم على النجاسة فسيأتي الكلام فيه وان أريد منه ترجيح هذه الطائفة من
الاخبار على معارضتها * (ففيه) * ان عمل العلماء بها لا يجعلها نصا في النجاسة حتى تكافئ اخبار الطهارة وقد تقرر في محله ان تأويل
الظاهر بالنص من الجمع المقبول ولا يجوز الرجوع مع امكانه إلى المرجحات الخارجية وعمل العلماء لا يصلح الا لترجيح السند أو جبره أو جبر
دلالة الخبر لو كان فيها قصور على اشكال في الأخير ولا يجعله نصا بحيث يعارض النص الدال على خلافه نعم لو كان عملهم بهذه الاخبار منشأه
عدم الاعتناء بالاخبار المخالفة واعراضهم عنها لعثورهم على خلل فيها من جهة من الجهات لكان ذلك من الموهنات الموجبة لخروج تلك الأخبار
عن مرتبة الحجية بحيث لو لم يكن لها معارض أصلا لما جاز العمل بها ولكن كون المقام من هذا القبيل غيره مسلم كما سنوضحه فيما بعد انشاء الله
* (الأمر الثالث) * من أدلة القائلين بالنجاسة الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة المحققة بين القدماء فعن الأمالي انه من دين الإمامية
وعن الاقتصار والغنية وظاهر التهذيبين ومصريات المصنف الاجماع عليه وعن السرائر نفى الخلاف فيه * (وعن) * شرح الجمل الاجماع عليه وعن
كاشف الرموز ان عليه فتوى الفقهاء من زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا وفي الروضة كاد ان يكون اجماعا مضافا إلى
المؤيدات القوية مثل اعراض القدماء عن اخبار الطهارة مع وجودها فيما بأيديهم ووصولها الينا بواسطتهم فلو لم يكن فيها خلل لعملوا
بها فإنهم أبصر بمعاني الاخبار وبالقرائن المقترنة بها فطرحهم هذه الأخبار مع وضوح دلالتها وكونها بمرئى منهم ومسمع كاشف عن قصور فيها
خفى على المتأخرين مع أن المتأخرين الذين خالفوهم لم يأتوا بسلطان مبين غير ما عندهم واعرضوا عنه * (ويتوجه) * على الجميع ان الاجماع المحصل في
مثل المقام مما علم مستند المجمعين وضعفه مما لا يرجع إلى محصل فكيف الظن بمنقوله أو الشهرة المحققة إذ المدار في حجية الاجماع والشهرة لدينا على
استكشاف قول المعصوم (ع) أو دليل معتبر واصل إليهم مختف عنا واما إذا لم يكشف عن شئ منهما فليس بحجة واحتمال اعتمادهم على دليل آخر غير واصل الينا
مع بعده في حد ذاته غير نافع ما لم ينته إلى حد الوثوق كيف والمظنون لو لم يكن مقطوعا به عدمه إذ من الممتنع عادة وجود دليل معتبر أو قرينة معتبرة
بحيث يكون حجة عند جميع العلماء فيما بأيديهم واصل إلى جميعهم واختفى عن جميع المتأخرين مع أن
العادة قاضية بأنه أو كان لهم دليل آخر غير
ما وصل الينا لظهر هذا مع معارضة اجماعاتهم المنقولة والشهرة المحققة بما هو أقوى منها في إفادة الوثوق وهي الشهرة بين المتأخرين و
نقل اجماعهم عليه لان اعراضهم عن طريقة القدماء وهدمهم ما أسسوه مع شدة اهتمامهم في تصحيح مطالب السابقين كاشف عن أن بنيانهم
ليس على أصل أصيل واما طرحهم الاخبار المعارضة فلم يكن إلا عن اجتهادهم فلا يكون حجة على من تأخر عنهم ويكشف من ذلك كونها معمولا بها لدى
جملة من القدماء وجميع المتأخرين كيف مع انا نرى ان جملة ممن طرحها تصدى لتوجيهها فهذا يكشف عن صحتها لديهم واشتهارها فيما بينهم ولكنهم
التجأوا إلى تأويلها لأرجحية الاخبار المعارضة لديهم أو لاعتقادهم كون المسألة اجماعية فلم يستطيعوا مخالفة الاجماع لأجل هذه الأخبار ولعمري لولا
اشتهار القول بالطهارة في هذه الاعصار لكان الالتزام بها مع قوتها من حيث المدرك في غاية الجرئة فشكر الله سعى السابقين حيث إنهم
35

هونوا الخطب علينا فجزاهم الله عنا خيرا ولعل هذا هو السر في بقاء القول بالنجاسة على شهرتها في الاعصار السابقة في الأزمنة المتطاولة لا
لأجل تقليد احاد العلماء اسلافهم حتى يكون ذلك قدحا فيهم حاشاهم عن ذلك بل لأجل عدم اعجاب كل منهم برأيه فيرى تطابق آراء الفحول و
اتحاد كلمتهم على ترجيح القول بالنجاسة دليلا قطعيا على صحته فيظن ما يسنح بخاطره من ترجيح اخبار الطهارة شبهة في مقابلة الضرورة خصوصا
لو كان بنائه على حجية اتفاق العلماء في عصر واحد بقاعدة اللطف كما هو ظاهر كثير من علمائنا فان اتفاق كلمة أهل عصره على هذا التقدير عنده
دليل قطعي على وجوب طرح اخبار الطهارة أو تأويلها ويؤيد ذلك أنه بعد أن شاع القول بالطهارة لم ينكروا على قائله بل أيدوه إلى أن اتفقت الكلمة
واجتمعت الفرقة على خلاف ما كانوا عليه من قبل والله العالم بحقايق الأمور ومكنونات السرائر * (حجة القول) * باعتبار الكرية في البئر المنقول عن البصروي
عموم ما دل على انفعال القليل ولا يعارضه عموم أدلة الطهارة البئر لانصراف الاطلاق فيها إلى ما يبلغ الكر لأنه الغالب في الابار ويدل عليه أيضا
رواية الحسن بن صالح الثوري عن الصادق (ع) قال إذا كان الماء في الركى كرا لم ينجسه شئ وفي الفقه الرضوي وكل بئر عمق مائها ثلاثة أشبار ونصف في
مثلها فسبيلها سبيل الجاري * (وقد) * يستدل له أيضا بموثقة أبي بصير قال سئلت الصادق (ع) عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة قال لا بأس
به إذا كان فيها ماء كثير بحملها على الكثير الشرعي ويؤيده كونه وجها للجمع بين الاخبار ويتوجه عليه بعد تسليم انصراف المطلقات وعدم كون النسبة بينها وبين
ما دل على انفعال القليل عموما من وجه حتى يتحقق التعارض بينهما انه انما يمكن دعوى الانصراف فيما عدا صحيحة ابن بزيع الدالة على عدم انفعال البئر
معللا بان لها مادة واما الصحيحة فقد عرفت في مبحث الجاري حكومتها على جميع أدلة الانفعال فراجع * (واما) * الروايتان فمع ضعف سندهما ودلالتهما
واعراض الأصحاب عنهما يعارضهما صحيحة ابن بزيع التي هي منع صحة سندها أقوى منهما دلالة لان التعليل اظهر في إفادة المفهوم من الجملة الشرطية أو الوصفية
ولا يبعد ان يكون النكتة في تقييد الموضوع بالكرية التي هي وصف غالبي في البئر دفع استيحاش العامة القائلين بنجاسة البئر فان كون الكرية سببا
للاعتصام في الجملة غير منكر لديهم على الظاهر فحيثما علق الإمام (ع) عدم انفعال البئر بها لا يستنكرونه بل
ربما يلتزمون به هذا مع ما فيه من التنبيه
على اطلاق الحكم حتى في صورة الانقطاع عن المادة واما الموثقة فظاهرها اشتراط الكثرة العرفية ولا قائل به فاعتبارها بحسب الظاهر لأجل صيانة ماء
البئر عن التغير بزنبيل من العذرة واما توهم كون هذا القول جامعا بين الاخبار * (ففيه) * مضافا إلى ما عرفت من عدم انطباق الصحيحة عليه عدم امكان حل
اخبار النجاسة بعد تسليم الدلالة كما هو المفروض على إرادة ما لو كان ماء البئر أقل من كر لكونه الفرد النادر كيف وقد ورد في بعضها الامر بنزح كر من الماء
أو خمسين دلوا أو تراوح أربعة رجال * (وقد) * يتوهم امكان الاستدلال لهذا القول بسقوط الاخبار من الطرفين لأجل التعارض فيرجع إلى القاعدة الشرعية
الثابتة في الماء من انفعال قليله بملاقاة النجاسة دون كثيرة * (وفيه) * بعد الاغماض عما عرفته مفصلا من عدم المكافئة بين الاخبار ان النسبة بين ما دل على اعتصام
الكر واخبار النجاسة وبين ما دل على انفعال القليل واخبار الطهارة انما هي بالعموم من وجه فلا يصلحان للمرجعية وانما يرجع في مثل المقام على تقدير التساقط
لو قلنا به إلى عموم خلق الله الماء طهورا ولو اغمض عنه فالمرجع أصالة الطهارة والله العالم * (واعلم) * ان المشهور بين القائلين بالطهارة استحباب
النزح وقد عرفت فيما سبق ان هذا هو الذي يلتئم به شتات الاخبار ويشهد به القرائن الموجودة فيها بل قد عرفت أنه يستفاد منها كراهة الاستعمال
قبل النزح فليس استحباب النزح تعبديا محضا بل انما هو لدفع القذارة الحاصلة وإن لم تبلغ مرتبة النجاسة الموجبة لحرمة الاستعمال وقد نسب
إلى الشيخ في التهذيب والعلامة في المنتهى القول بالطهارة ووجوب النزح تعبدا فان عنوا به الوجوب النفسي ففيه مالا يخفى من البعد عن ظاهر
الروايات خصوصا ما كان منها مشتملا على أن النزح يطهرها كيف ولو كان واجبا نفسيا لكان على الإمام (ع) بيان متعلق الوجوب من أنه يجب على المالك
أو على عامة المكلفين كفاية وكيف كان فلا شبهة في فساد هذا الاحتمال وعدم استفادة الوجوب النفسي من الأوامر في مثل هذه الموارد ولذا لا
يتوهم أحد بعد استماع تلك الأوامر عدم جواز طم الابار النجسة ووجوب حفظها مقدمة لامتثال الواجب المطلق أعني النزح وان أرادوا الوجوب الشرطي
لاستعماله فيما يشترط فيه الطهارة من المأكول والمشروب والطهارة الحدثية والخبثية فمرجعه إلى القول بالنجاسة الا ان يفرق بينهما فيما يلاقيه بعد
الجفاف * (ولكنك) * خبير بعدم امكان تنزيل اخبار الطهارة النافية للبأس عن مائها على إرادة نفى البأس عن ملاقيه بعد الجفاف وان أريد اشتراطه
لاستعماله في التطهير عن الحدث والخبث فيرده التصريح في جميع الأخبار المتقدمة الدالة على الطهارة ما عدا صحيحة ابن بزيع بنفي البأس عن الوضوء
منها أو عدم وجوب اعادته فراجع * (وهل) * يطهر ماء البئر على القول بنجاسته بمطهر سائر المياه النجسة أم ينحصر مطهره في النزح قولان ولا يهمنا التعرض
لتحقيقه بعد البناء على كون البئر كالجاري في عدم الانفعال كما أنه لا يهمنا التدقيق في تحقيق مقدار ما يجب نزحه لكل من النجاسات على القول بالوجوب
وكذا تنقيح ما يتبع الماء في الطهارة من الآلات وحواشي البئر وما يغتفر من القطرات النازلة من الدلو والرشحات الواقعة في البئر إلى غير ذلك من
الفروع الخفية التي لا بد من تحقيقها على القول بالنجاسة وحيث انك عرفت في صدر الكتاب ان أدلة السنن تتحمل من المسامحة مالا تتحملها أدلة الغرائم
فالأولى على ما اخترناه من استحباب النزح هو الاقتصار في المقام على نقل الروايات الواردة وغيرها مما يصلح ان يكون مدركا لاثبات الاستحباب
وقد أشرنا فيما سبق ان أحسن وجوه الجمع بين الاخبار المختلفة حملها على اختلاف مراتب الاستحباب والله العالم * (ولما رجح) * المصنف [ره] القول
36

بالنجاسة
* (قال) * وطريق تطهيره بنزح جميعه ان وقع فيها مسكر والمراد بالمسكر هنا ما كان مايعا بالأصالة واطلاق العبارة يقتضى عدم الفرق بين قليله و
كثيرة وبه صرح المتأخرون على ما في المدارك ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في البئر يبول فيها الصبي أو يصيب فيها بول أو خمر فقال ينزح
الماء كله وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال إن سقط في البئر دابة صغيرة أو نزل فيها جنب نزح منها سبع دلاء فان مات فيها ثورا ونحوه أو صب
فيها خمر نزح الماء كله * (وصحيحة) * الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال إذا سقط في البئر شئ صغير فمات فيها فانزح منها دلاء قال فان وقع فيها جنب فانزح منها سبع
دلاء وان مات بعير أو صب فيها خمر فلينزح * (وفي) * رواية كردويه عن أبي الحسن (ع) بعد أن سئله عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكرا وبول أو خمر قال
ينزح منها ثلاثون دلوا ويمكن الجمع بينهما بحمل الصحاح على إرادة الكثير كما يؤيده التعبير فيها بلفظ الصب * (وروى) * زرارة عن أبي عبد الله (ع) في بئر
قطرت فيها قطرة دم أو خمر قال الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا فان غلب الريح نزحت حتى تطيب وهذه الرواية وان
كان مورد السؤال فيها القليل الا ان الجواب بظاهره يعم الكثير أيضا كما لا يخفى
واعلم أن النصوص انما تضمنت نزح الجميع في الخمر الا ان معظم الأصحاب
كما في المدارك لم يفرقوا بينها وبين سائر المسكرات محتجين عليه باطلاق الخمر في كثير من الاخبار على كل مسكر فيثبت له حكمها وفيه تأمل كما قد يتأمل في ثبوت
حكم الخمر أعني نزح الجميع لو وقع فيها عصير عنبي بعد اشتداده ما لم يذهب ثلثاه ان قلنا بنجاسته أو وقع فيها فقاع لو لم نقل ينزح الجميع الغير المنصوص ولكن
عن الشيخ ومن تأخر عنه الحاق الفقاع بالخمر في الحكم المذكور بل عن الغنية الاجماع عليه وهو كاف في المقام بعد البناء على المسامحة خصوصا مع اعتضاده
بما في الروايات من أنه خمرة مجهولة أو خمرة استصغرها الناس ولولا تبادر الحرمة من وجه الاستعارة لكان ما في الروايات حجة معتبرة * (فليتأمل) *
الفقاع في القاموس كرمان هذا الذي يشرب سمى به لما يرتفع في رأسه من الزبد وعن الانتصار انه الشراب المتخذ من الشعير * (أو) * وقع فيها منى من انسان
أو غير انسان مما له نفس سائلة وقيل باختصاصه بالإنسان واعترف جماعة بعدم العثور على نص فيه ولكنه قد يحتج عليه بما عن السرائر والغنية من دعوى
الاجماع عليه وقد نص في محكى السرائر بعدم الفرق في معقد اجماعه بين المنى من سائر الحيوانات * (أو) * وقع فيها أحد الدماء الثلاثة الحيض والاستحاضة
والنفاس على قول مشهور بل عن السرائر والغنية الاجماع عليه * (وعن المصنف) * [ره] في المعتبر بعد
نسبة هذا القول إلى الشيخ واتباعه واعترافه بعدم الوقوف على نص
في هذه الدماء بالخصوص قال ولعل الشيخ نظر إلى اختصاص دم الحيض بوجوب إزالة قليله وكثيره من الثوب فغلظ به حكمه في البئر والحق به الدمين
الآخرين لكن هذا التعليل ضعيف فالأصل ان حكمه حكم بقية الدماء عملا بالأحاديث المطلقة انتهى * (وربما) * نوقش في وجود أحاديث مطلقة في
حكم الدم لان أغلب اخباره وردت في موارد خاصة مثل دم الطير والشاة ودم الرعاف وما عداها يمكن دعوى انصرافها إلى ما عدا الدماء
الثلاثة * (أقول) * دعوى الانصراف قابلة للمنع فالقول بالتسوية بين الدماء وجيه وأوجه منه الالتزام يكون نزح الجميع أفضل استنادا إلى الاجماعين
المنقولين والله العالم أو مات فيها بعير اجماعا كما عن غير واحد نقله ويدل عليه صحيحة الحلبي المتقدمة بل وكذا صحيحة ابن سنان حيث قال فيها وان
مات فيها ثورا ونحوه أو صب فيها خمر فلينزح لكون البعير نحو الثور فالأظهر بالنظر إلى هذه الصحيحة كون الثور وأشباهه كالبعير في هذا الحكم
وتعبير المصنف [ره] كغيره بموت البعير فيها انما هو لأجل متابعة النص ووروده في النص على الظاهر لأجل جريه مجرى العادة فالأظهر ثبوت هذا الحكم
لها لو وقع فيها البعير بعد موته والله العالم فان تعذر استيعاب مائها الغلبة وكثرته في نفسه أو لتجدد النبع لا لامر اخر اقتصارا على ما يتبادر
إلى الذهن من النص تراوح عليها أربعة رجال كل اثنين دفعة يوما إلى الليل بلا خلاف فيه ظاهرا ويدل عليه رواية عمار الساباطي عن الصادق (ع)
وهي طويلة قال في آخرها وسئل عن بئر وقع فيها كلب أو فارة أو خنزير قال تنزف كلها فان غلب عليه الماء فلتنزف يوما إلى الليل ثم يقام
عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت وعن كاشف اللثام مرسلا إلى أبي الحسن الرضا (ع) فان تغير الماء
وجب ان ينزح الماء فإن كان كثيرا وصعب نزحه فالواجب عليه ان يكترى أربعة رجال يستقون منها على التراوح من الغدوة إلى الليل
ونوقش فيهما بضعف السند وفي الأول مضافا إلى أنها ضعيفة السند متروكة الظاهر متهافتة المتن ومع ذلك فموردها أعيان مخصوصة
فلا تصلح مستند الاثبات الحكم على وجه العموم * (أقول) * اما المناقشة في الرواية الأولى بضعف السند فهي مدفوعة بأنها موثقة وقد حقق
في محله حجية خبر الثقة خصوصا مثل عمار الذي ادعى الشيخ في محكى العدة اجماع الامامية على العمل بروايته ورواية أمثاله ولا سيما في مثل
هذه الرواية المشهورة بين الأصحاب واما تهافت متنها من حيث اقحامه لفظة ثم فهو غير مقتض لطرح الرواية المعتبرة وترك العمل بها خصوصا
بالنسبة إلى مالا تهافت فيه وهو كون التراوح موجبا للتطهير في الجملة وربما وجهوا التهافت بوجوه جلها بل كلها لا يخلو عن بعد كقرائة ثم
بفتح الثاء أو تقدير قال بعدها أو كونها للترتيب الذكرى أو انها بمعنى الفاء فيكون تفريعا على الكلام السابق أو كونها من زيادات عمار
وكيف كان فلا يهمنا معرفته بعد انعقاد الاجماع على عدم اعتبار امر آخر زائد على التراوح في يوم هذا مع أنها على ما رواها في الوسائل خالية عن
هذا التهافت فإنه رواها هكذا وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فارة أو خنزير قال تنزف كلها قال الشيخ يعنى إذا تغير الماء ثم قال أبو عبد الله (ع)
فان غلب عليه الماء فلينزف يوما إلى الليل يقام عليها قوم [الخ] * (واما) * مهجورية ظاهرها من حيث ايجابها نزح الجميع للأشياء المذكورة فيها مع مخالفته
37

للاجماع فغير ضائرة بالنسبة إلى سائر فقراتها خصوصا مع عمل الأصحاب بها ولو نوقش بمثل ذلك في اخبار البئر فلا يكاد يوجد رواية سالمة عنها
وهي من أقوى شواهد الاستحباب وقد حملها الشيخ على صورة تغير البئر بالأمور المذكورة * (ولكنك) * خبير بان حملها على الاستحباب والالتزام
بمفادها أولى من تقييد اطلاق موت الفارة بما إذا تغير مثل هذه البئر بها ثم إن مقتضى الجمود على ظاهر النص وفتاوى الأصحاب اعتبار
كونه في اليوم فلا يكفي مقداره من الليل أو الملفق منهما وكذا اشتراط كون النازح أربعة رجال دون النساء والصبيان والخناثى فضلا
عن أن ينزح مائها بالدواب وإن لم يقصر نزحها عن نزح الرجال واما اشتراط عدم كونهم أزيد من الأربعة فلا يفهم من الرواية والفتاوى
لأن الظاهر سوقها لبيان أقل ما يجزى خصوصا مع عدم التنصيص على الأربعة في رواية عمار التي هي عمدة ما يستند إليها في هذا الباب فلا
ينافيها قيام قوم كثيرين يشتغلون بالنزح اثنين اثنين بل الظاهر جواز نزحهم ثلاثة ثلاثة أو أزيد لو لم يكن كثرتهم موجبة للتعطيل نعم ظاهرها
عدم كفاية ما لو تراوح ثمانية رجال في نصف يوم بان يرسل دلوان في البئر وربما تخطى بعضهم عن مورد النص فقوى عدم اعتبار ما لا مدخلية
له في زيادة النزح وربما صرح بعض بعدم اعتبار بعض هذه الأمور ككونهم رجالا لو لم يقصر نزح غير الرجال عن نزحهم وقال بعض مشايخنا [قده]
والتحقيق اخذ كل ما يحتمل فيه أن له دخلا في التطهير من زيادة القوة وعدم البطؤ ونحو ذلك دون الباقي للعلم بأنه ليس المدار على التعبد المحض
[فح] يكتفى بالواحد والاثنين من الرجال أو النساء والصبيان بل الدواب أيضا لو لم يقصر نزحها عن الأربعة رجال ولا يكتفى مثلا بنزح الثمانية
في نصف يوم وإن لم يقصر عن نزح الأربعة لاحتمال المدخلية في طول الزمان في التطهر ولا يخفى عليك ان ما ذكره انما يتم بعد العلم بعدم مدخلية
بعض الخصوصيات وكون اخراج هذا المقدار من الماء في طول يوم سببا للتطهير ودعوى العلم بذلك عهدتها على مدعيه والأحوط هو الاقتصار
على أربعة رجال بان تشتغل اثنان منهم بالنزح على سبيل التبادل من أول طلوع الفجر إلى الليل وقيل من أول الشمس إلى الغروب كما يؤيده
الرواية الثانية لأنه هو يوم الأجير بل لعله هو الذي ينسبق إلى الذهن من الرواية الأولى أيضا والأول أحوط كما أن الأولى والأحوط تهيئة
المقدمات القريبة فضلا عن البعيدة قبل اليوم وكذا الحاق جزء مما قبل اليوم وما بعده به من باب المقدمة العلمية وهل يعتبر اشتغال الاثنين
باخراج الدلو من البئر بان يعين كل منهما الاخر في ذلك كما صرح به بعضهم أم يكفي اشتغالهما في الجملة ولو باخراج أحدهما للدلو وتفريغ الاخر مائه
وجهان ولو قيل بلزوم اشتغالهما في كل بئر على ما يتعارف فيها ويناسبها لكان أوفق باطلاق النص والفتاوى * (وقيل) * ينزل أحدهما في البئر
فيملي الدلو ويخرجها الاخر وفيه أنه خلاف المتعارف فلا ينسبق إلى الذهن من الاطلاق وكيف كان فليس لهم ترك النزح واشتغالهم جميعا بعمل كما هو
ظاهر وقيل بجواز اجتماعهم في مثل الصلاة والأكل مما قضى العادة باجتماعهم فيه * (وفيه) * ان العادة غير قاضية بالاجتماع في الأكل والصلاة في مثل
المقام مما لا بد من اشتغال بعضهم بالعمل وقيل يجوز لهم الصلاة جماعة دون سائر الأعمال أو الصلاة فرادى ولعل وجهه عموم أدلة استحباب
الجماعة وفيه مالا يخفى لان عموم الاستحباب لا ينافي شرطية النزح في يوم كامل لطهارة البئر ولو بنى على تخصيصها بمثل هذه العمومات لجاز لهم
ارتكاب جميع المستحبات من النوافل وغيرها كتشييع الجنائز وزيارة المؤمنين وقضاء حوائجهم وفساده ظاهر
وطريق تطهيره بالمعنى الأعم من
الطهارة المصطلحة أو النظافة المطلقة حتى يناسب كلا القولين بنزح كران مات فيها دابة والمراد منها هنا على الظاهر خصوص الفرس والبغل لا
مطلق المركوب أو مطلق ما يدب على الأرض بل يظهر مما حكاه في المجمع عن المصباح ان هذا المعنى هو الذي يراد منها عرفا عند الاطلاق قال واما
تخصيص الفرس والبغل بالدابة عند الاطلاق فعرف طار وتطلق على الذكر والأنثى أو حمار أو بقرة ويدل عليه رواية عمرو بن سعيد بن هلال قال
سئلت أبا جعفر (ع) عما يقع في البئر ما بين الفارة والسنور إلى الشاة قال فقال كل ذلك نقول سبع دلاء قال حتى بلغت الحمار والجمل فقال كر من ماء
قال وأقل ما يقع في البئر عصفور ينزح منها دلو واحد وعن موضع من التهذيب قال حتى بلغت الحمار والجمل والبغل فقال كر ويظهر من سوق الرواية
كونها مسوقة لبيان حكم أصناف الحيوانات فيستفاد منها حكم كل حيوان هو شبه الحمار والبغل والجمل من حيث الجثة مثل الفرس والبقرة والثور
ونحوها ولا ينافيها ما تقدم من نزح الجميع للبعير والثور على المختار من استحباب النزح وتنزيل الاختلافات الواقعة في الاخبار على اختلاف مراتب
الفضل نعم على القول بالوجوب لا بد من طرح هذه الرواية بالنسبة إلى الجمل ونحوه أعني الثور لصحيحتي الحلبي وابن سنان المتقدمتين كما أنه على
هذا القول لا يمكن الاتكال على ما ادعيناه من الظهور أعني استفادة حكم أصناف الحيوانات من هذه الرواية لمخالفته لما عليه بناء العلماء و
معارضته لكثير من الاخبار التي ستمر عليك مما ورد في السنور والكلب وشبهه بل الانصاف انه لابد على القول بالنجاسة من طرح هذه الرواية
لكونها مع قصور سندها معارضته في جل فقراتها بما هو أقوى منها دلالة والاقتصار في العمل بها على ما أفتى الأصحاب بمضمونه مع أنهم طرحوها
في أكثر فقراتها ليس في الحقيقة الا الاعتماد على عمل الأصحاب إذ لا يبقى مع هذه الموهنات وثوق بمثل هذه الرواية وفي صحيحة الفضلاء عن أبي
جعفر (ع) وأبى عبد الله (ع) في البئر يقع فيها الفارة والدابة والكلب والطير فيموت قال يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم اشرب وتوضأ ووجه الجمع على
المختار ما عرفت وعلى القول بالوجوب لا بد من الالتزام باجمال الدلاء وكون سائر الأخبار رافعا لاجمالها والله العالم * (وعن) * المصنف في المعتبر انه
38

استشكل في الحاق الفرس والبقرة بالحمار وقرب الحاقهما بما لا نص فيه قال فيما حكى عنه بعد أن ذكر الفرس والبقرة ونسب الحاقهما بالحمار إلى المشايخ الثلاثة
وطالبهم بدليل الالحاق فان احتجوا برواية ابن سعيد قلنا هي مقصورة على الحمار والبغل فان قالوا هما مثلهما في العظم طالبناهم بدليل التخطي إلى المماثل
من أين عرفوه ولو ساغ البناء على المماثلة في العظم لكانت البقرة كالثور ولكان الجاموس كالجمل وربما كان الفرس في عظم الجمل ثم قال ومن المقلدة من
لو طالبته بدليل المسألة لادعى الاجماع لوجوده في الكتب الثلاثة وهو غلط وجهالة إن لم يكن تجاهلا فالأوجه ان يجعل الفرس والبقرة في قسم
ما لم يتناوله نص على الخصوص انتهى واعترض عليه بظهور رواية ابن سعيد في كون الحيوانات المذكورة فيها من قبيل الأمثال بشهادة قوله
حتى بلغت الحمار والجمل والبغل بعد سواء له عما يقع في البئر ما بين الفارة والسنور والشاة بان مقصود السائل لم يكن الا معرفة حكم الحيوانات
بترتيب جثتها فيفهم منها حكم البقرة والفرس وفيه ما عرفت من عدم جواز الاعتماد على هذا الظاهر على القول بالوجوب ولذا لم يعتمد العلماء
على هذه الرواية بان يجعلوها أصلا كليا في هذا الباب مع أنه على هذا التقدير يفهم منها حكى أغلب الحيوانات بل جميعها الا ما شذ وندر
كمالا يخفى واعترض عليه أيضا بدخولهما في مفهوم الدابة المنصوص على حكمها في صحيحة الفضلاء فلا وجه لالحاقهما بما لا نص فيه وفيه ما
عرفت من أن من لوازم القول بالوجوب الالتزام باجمال الدلاء الواردة في الصحيحة فهي غير مجدية في عد مطلق ما يعمه لفظ الدابة مما ورد فيه
النص بالخصوص إذ ليس المقصود من ورود النص فيه الا استفادة حكمه منه لا مجرد ورود نص مجمل فيه اللهم الا ان يدعى بعد الالتزام بنزح الجميع
لما لا نص فيه ظهور الرواية في عدم وجوب نزح الجميع لمطلق الدابة وهذا لا ينافي اجمالها بالنسبة إلى تعيين مقدار النزح فيفهم منها اجمالا انه
لا يجب للفرس والبقرة نزح الجميع فيتم القول بنزح الكر لهما بعدم القول بالفصل ان تم * (فتأمل) * وبنزح سبعين ان مات فيها انسان اجماعا
كما عن الغنية والمنتهى وظاهر غيرهما ومستنده رواية عمار الساباطي قال سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل ذبح طيرا فوقع بدمه في البئر فقال ينزح منها
دلاء هذا إذا كان ذكيا فهو هكذا
وما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكبره الانسان ينزح منها سبعون دلوا وأقله العصفور ينزح
منها دلو واحد وما سوى ذلك فيما بين هذين وعن المصنف في المعتبر ان هذه الرواية رواتها ثقات وهي معمول بها بين الأصحاب انتهى ولا
يبعد ان يكون مراد الإمام (ع) من قوله (ع) أكبره الانسان ما هو أكبر بحسب الجثة فتكون الرواية منزلة على الغالب إذ وقوع مثل الجمل وأشباهه في البئر
نادر فلا ينافيها وجوب نزح الجميع لها وعلى هذا يستفاد من هذه الرواية حكم كل ما يموت في البئر ولا يكون جثته أكبر من الانسان ويحتمل ان
يكون المراد من قوله (ع) أكبره الانسان كونه أكبر بالنسبة إلى حكم النزح بمعنى ان مقدره أكثر من غيره لكن
يضعفه عدم استفادة الأصحاب منها ذلك
كما يفصح عن ذلك نزاعهم في أن الفرس والبقرة وأشباهما مما لا نص فيه فلو فهموا من هذه الرواية هذا المعنى لجعلوه أصلا متبعا في حكم كل
ما يموت في البئر بحيث لا يرفع اليد عنه الا بما هو أخص منه كمالا يخفى ثم إن ظاهر الرواية كغيرها من الأخبار الواردة في بيان ما ينزح لموت
سائر الحيوانات في البئر في بادي النظر اختصاص الحكم بما لو وقع فيها حيا فمات ولكنه قد أشرنا فيما سبق ان المتفاهم من مثل هذه الروايات بواسطة
ما هو المغروس في الأذهان من نجاسة الميتة ليس إلا ان هذا المقدار من النزح هو الذي يقتضيه انفعال البئر بملاقاة هذا النجاسة من دون
ان يكن لوقوعه حيا وذهاق روحه فيها مدخلية في الحكم فالتعبير بوقوعه في البئر وموته فيها جاري مجرى الغالب بنظير قوله تعالى وربائبكم اللاتي
في حجوركم فعلى هذا لا فرق بين ما لو مات في البئر أو وقع فيها ميتا نعم يتوجه التفصيل [ح] بين المسلم والكافر لو مات فيها بخلاف ما لو وقع فيها
ميتا كما عن المحقق والشهيد الثانيين فإنه لو وقع الكافر فيها حيا فمات ليس انفعال البئر مستندا إلى ميت الانسان لان البئر انفعلت قبل الموت
فلا مانع [ح] عن الالتزام بوجوب نزح الجميع لو قلنا بذلك فيما لا نص فيه واما لو وقع فيها ميتا فمقدره سبعون لان الانسان يعم المسلم والكافر كما
يعم الصغير والكبير والذكر والأنثى نعم لو قلنا بان الرواية مسوقة لبيان حكم ما لو وقع الانسان في البئر حيا فمات بان يكون وقوعه حيا من قيود الموضوع
فالأوجه عدم التفصيل بين المسلم والكافر لعموم النص ودعوى انصرافه إلى المسلم ممنوعة وما يقال من أن وقوع الكافر وخروجه حيا يوجب نزح الجميع
لكونه مما لا نص فيه فلا يجوز ان يكون موته بعد الوقوع موجبا لتقليل مقدره يتوجه عليه انه اجتهاد في مقابل النص مع أن المتجه على تقدير تسليم المدعى
قلب الدليل بان يقال إنه يفهم من عموم الرواية حكم ما لو مات الكافر فيها ولا يجوز ان يكون خروجه حيا موجبا لزيادة مقدره فيخرج بذلك عن كونه
ممالا نص فيه * (لا يقال) * ان الرواية مسوقة لبيان ما ينزح لأجل موته فيها فنجاسة كفره ليس إلا كنجاسة خارجية بلا صفة بثوبه أو بدنه مما لم يرد فيها نص
بالخصوص كالمني لأنا نقول إن نجاسة كفره من الاعراض اللازمة لهذا الصنف فإذا عمه الدليل فكأنه نص على أنه لو وقع الكافر في البئر فمات ينزح منها
سبعون دلوا وحيث إن الجهتين متلازمتان لا يصح تنزيل الحكم على ارادته من جهة دون أخرى نظير ما لو نفى البأس عن الصلاة ناسيا في الثوب
المتلطخ بخرء الكلاب فإنه لا يمكن ان يدعى ان الحكم بالصحة من جهة نجاسته لا من جهة كونه فضلة غير المأكول هذا ولكن لقائل أن يقول بوضوح
الفرق بين التنصيص على حكم الفرد وبين ارادته في ضمن العالم فان اطلاق نفى البأس عن الصلاة في عذرة الكلب المنسية وإرادة نفى البأس
من حيث نجاستها قبيح واما ارادته في ضمن العالم كما لو قيل لا بأس بالصلاة في النجاسة المنسية فلا قبح فيها أصلا ولتمام الكلام مقام اخر
39

والله العالم
ويطهر بنزح خمسين ان وقعت فيها عذرة فذابت هي فضلة الانسان قيل سميت بذلك لأنها كانت تلقى في العذرات وهي أفنية الدور
والمراد بالذوبان تفرق الاجزاء وشيوعها في الماء ومستنده رواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن العذرة تقع في البئر قال ينزح منها عشر
دلاء فان ذابت فأربعون أو خمسون * (وانما) * أوجب الخمسين مع أن المروى أربعون أو خمسون لاحتمال كون الترديد من الراوي فلا يحصل اليقين
بزوال اثر الملاقاة الا بالخمسين فيستصحب ولكن احتمال كونه من الإمام (ع) أوفق بظاهر الرواية فالقول بكفاية الأربعين وحمل الزائد على
الفضل اظهر وفي صحيحة علي بن جعفر المتقدمة نفى اخوة البأس عن الوضوء بماء بئر وقع فيه زنبيل عذرة رطبة أو يابسة وهي عادة لا تنفك عن
الذوبان ويطهر أيضا بنزح خمسين ان وقع فيها كثير الدم كدم ذبح الشاة على المشهور على عن الغنية دعوى الاجماع عليه ولم يظهر مستنده والمروى
صحيحا عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) في رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما قال ينزح منها ما بين الثلثين إلى
الأربعين وعن جملة من القدماء والمتأخرين العمل بما في الصحيح فهو الأقوى والمتبادر من مثل هذا التجديد دخول الطرفين في المحدود كما
يتبادر ذلك من قوله (ع) في الرواية الآتية سئلته عما يقع في البئر ما بين الفارة والسنور إلى الشاة فالخدشة فيما ذكره المصنف [ره] في معنى الرواية
من ثلثين إلى أربعين في غير محلها وعن المفيد انه ينزح للدم الكثير عشر دلاء واستدل له بصحيحة ابن بزيع عن البئر تكون في المنزل فتقطر فيها
قطرات من بول أو دم إلى أن قال فوقع بخطه في كتابه ينزح منها دلاء بتقريب ان أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة فيجب ان يؤخذ بها إذ لا
دليل على ما دونها وفيه بعد الاغماض عن أن موردها قليل الدم مناقشة ظاهرة وروى زرارة عن أبي
عبد الله (ع) في بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر
قال الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا فان غلب الريح نزحت حتى تطيب وظاهر الجواب عدم الفرق بين
قليله وكثيره والله العالم
* (ويطهر) * بنزح أربعين ان مات فيها ثعلب أو أرنب أو خنزير أو سنور أو كلب وشبهه واستدل له برواية سماعة عن الصادق (ع)
قال وان كان سنورا أو أكبر منه نزحت ثلثين دلوا أو أربعين ورواية القسم عن علي عن أبي عبد الله (ع) قال والسنور عشرون دلوا أو ثلاثون أو
أربعون دلوا والكلب وشبهه وعن المعتبر انه نقل الرواية عن كتاب الحسين بن سعيد من غير ترديد هكذا سئلته عن السنور فقال أربعون دلوا وللكلب
وشبهه وروى في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم ويزيد بن معاوية العجلي عن أبي عبد الله وأبى جعفر عليهما السلام في البئر تقع فيها الدابة والفارة والكلب والخنزير
والطير فتموت قال تخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم اشرب وتوضأ وفي الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (ع) قال سئلته عن البئر تقع فيها
الحمامة والدجاجة أو الكلب أو الهرة فقال يجزيك ان تنزح منها دلاء فان ذلك يطهرها [انش‍] * (و) * في الصحيح عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (ع)
في الفارة والسنور والدجاجة والكلب والطير قال إذا لم تتفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء فان تغير الماء فخذ منه حتى يذهب الريح
وفي رواية أبى عمر المتقدمة ما بين الفارة والسنور إلى الشاة سبع دلاء وعن أبي مريم قال حدثنا جعفر قال كان أبو جعفر (ع) يقول إذا مات الكلب
في البئر نزحت وقال أبو جعفر (ع) إذا وقع فيها ثم اخرج منها حيا نزح منها سبع دلاء وفي رواية أبي بصير فان سقط فيها كلب فقدرت ان تنزح مائها
فافعل وهذا ظاهره الاستحباب وفي رواية إسحاق بن عمار فإذا كانت شاة وما أشبهها فتسعة أو عشرة والانصاف انه لو لم يكن القول بالطهارة
دليل الا اختلاف الاخبار لكفاهم شاهدا إذ كيف يعقل الطرح أو التأويل في مجموع هذه الأخبار التي نقطع اجمالا بصدور أغلبها مع
وضوح دلالتها على المراد بحيث لا يتطرق فيها شائبة اجمال واهمال حتى يرتكب فيها التأويل فلا بد من أن يكون منشأ الاختلاف اما التقية و
نحوها أو كون الحكم مستحبا قابلا للاختلاف باعتبار المراتب أو الموارد والله العالم والبول الرجل أيضا أربعون دلو الرواية علي بن أبي حمزة
عن أبي عبد الله (ع) في بول الرجل قال ينزح منها أربعون دلوا وعن الحلي في السرائر دعوى تواتر الاخبار عن الأئمة الطاهرين (ع) بان ينزح لبول الانسان
أربعون دلوا وفي رواية كردويه المتقدمة ينزح منها لقطرة بول أو دم ثلاثون دلوا وفي صحيحة ابن بزيع المتقدمة ينزح منها القطرات البول دلاء وفي
رواية عمار عن أبي عبد الله (ع) في البئر يبول فيها الصبي أو يصب فيها بول أو خمر قال ينزح الماء كله
ويطهر بنزح عشر دلاء للعذرة الجامدة أي ما لم تتفرق
اجزائها رطبة كانت أم يابسة ومستنده رواية أبي بصير المتقدمة ولقيل الدم كدم ذبح الطير والرعاف اليسير أيضا عشر دلاء وفي محكى السرائر حد أكثر القليل
ما نقص عن دم الشاة ولم يعلم مستنده كأصل الحكم بالعشرة فيه نعم عن الحلي نسبته إلى روايات أصحابنا ولا ببعد ان يكون منشأ النسبة استفادته ذلك من المروى
مستفيضا في الصحيح وغيره في البئر الواقع فيها الطير المذبوح أو قطرة دم أو قطرات من الدم انه ينزح منها دلاء اما بدعوى عدم كون مثل هذه الصيغة
حقيقة فيما دون العشرة فيحمل على أقل ما به يتحقق الطبيعة وينفى الزايد بالأصل أو بتقريب ان العشرة أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع فيجب ان يؤخذ بها إذ لا
دليل على ما دونه ويتوجه على التقريب الأول عدم التسليم وعلى الثاني انه لا مجال للتمسك بالأصل مع اطلاق الدليل المقتضى لكفاية المسمى في الامتثال
خصوصا مع أنه (ع) في رواية علي بن جعفر قال ينزح منها دلاء يسيرة ففي التوظيف تنصيص على عدم إرادة أكثر ما يمكن ارادته من هذه الصيغة
ويطهر
بنزح سبع دلاء لموت الطير للأخبار المستفيضة منها مضمرة سماعة عن الفارة نفع في البئر والطير قال (ع) ان أدركته قبل أن ينتن نزح منها سبع دلاء
وفي رواية يعقوب بن عيثم إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفارة فانزح منها سبع دلاء وروى عن أبي عبد الله (ع) في بعض الصحاح المتقدمة للطير والدجاجة
40

خمس دلاء وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع) ان عليا (ع) كان يقول الدجاجة ومثلها تموت في البئر ينزح منها دلوان أو ثلاثة فإذا كانت شاة
أوما أشبهها فتسعة أو عشرة وكذا يطهر بنزح سبع دلاء لموت الفارة إذا تفسخت على المشهور أو انتفخت بناء على كون الانتفاخ من مراتب التفسخ
لان الانتفاخ يوجب تفرق الاجزاء وإن لم تنقطع في الحس وفيه نظر ولكنه عن الغنية دعوى الاجماع على كونه بحكم التفسخ وكيف كان
فمستند أصل الحكم رواية أبي سعيد المكارى إذا وقعت الفارة في البئر فتسلخت فانزح منها سبع دلاء وفي خبر أبي عينيه إذا خرجت فلا بأس
وان تفسخ فسبع دلاء فيقيد بمفهوم هاتين الروايتين اطلاق الامر بالسبع لموت الفارة لمضمرة سماعة ورواية يعقوب المتقدمتين كما أنه
يتقيد بمنطوقهما رواية عمار عن أبي عبد الله (ع) عن الفارة والوزغة تقع في البئر قال (ع) ينزح منها ثلث دلاء فيحمل هذه الرواية على ما إذا لم
تتفسخ وفي رواية أبى خديجة عن أبي عبد الله (ع) في الفارة تقع في البئر قال (ع) إذا ماتت ولم تنتن فأربعين دلوا وإذا انتفخت فيه أو نتنت
نزح الماء كله * (وعن) * مسائل علي بن جعفر ينزح عشرون إذا تقطعت وفي موثقة عمار المتقدمة نزح الجميع وفي غير واحد من * (الاخبار) * الصحيحة
المتقدمة يجزيك ان تنزح منها دلاء وفي بعضها التصريح بان ذلك يطهرها [انش‍] وكذا يطهر بنزح سبع دلاء لبول الصبي الذي يأكل
الطعام ولم يبلغ الرواية منصور بن حازم عن عدة عن أبي عبد الله (ع) قال ينزح منه سبع دلاء إذا بال فيها الصبي أو وقعت فيها فارة
أو نحوها وانما قيدوا الصبي بأكل الطعام لرواية علي بن أبي حمزة الآتية المحمولة على الصبي الذي لم يأكل الطعام وفي رواية معاوية بن
عمار ينزح الماء كله لبول الصبي وقد حملها الشيخ على حصول التغير به وفيه من البعد مالا يخفى ولاغتسال الجنب الخالي بدنه عن النجاسة
فيه أي ماء البئر للأخبار المستفيضة التي تقدم بعضها وهل يختص الحكم باغتساله فيها كما هو ظاهر المتن وغيره أو يعم مطلق مباشرة الجنب
كما هو صريح المحكى عن جماعة وجهان من اطلاق بعض الأخبار كصحيحة ابن مسلم إذا دخل الجنب البئر ينزح منها سبع دلاء ورواية عبد الله بن
سنان ان سقط في البئر دابة صغيرة أو نزل فيها جنب فانزح منها سبع دلاء ومن امكان دعوى انصراف الاطلاق إلى الاغتسال فيها ثم إن
مقتضى اطلاق النصوص عدم الفرق بين ما لو اغتسل ارتماسا أو ترتيبا ودعوى انصرافها إلى الأول عرية عن الشاهد بل ربما يظهر
من السؤال في رواية أبي بصير إرادة الغسل الترتيبي قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الجنب يدخل البئر فيغتسل قال ينزح سبع دلاء * (ثم) * على القول
بنجاسة البئر بملاقاة النجس هل النزح في المقام لنجاسة البئر تعبدا أم السلب الطهورية أم انه تعبد شرعي صرح الشهيد الثاني بالأول ونفى عنه
البعد بعد ورود النص وانفعال البئر بما لا ينفعل به غيرها وعن ظاهر المعتبر والمختلف الثاني وعن بعض الثالث ويضعف الأول بأنه لا يمكن
استفادة مثل هذا الحكم الذي يستبعده الذهن من مجرد الامر بالنزح الذي لم يعلم انحصار سببه في النجاسة وانما يفهم النجاسة في سائر الموارد
لأجل القرائن الخارجية والمناسبات المغروسة في الأذهان المنتقية كلها في فرض طهارة الملاقي ولذا لا يظن بأحد من القائلين بالنجاسة أن يقول
بنجاسة البئر بموت العقرب والوزغة وسام أبرص مع ورود الامر بالنزح لها والحاصل انه لا يمكن اثبات هذا الحكم الا بنص صريح في أن البئر تنجس
بهذا الشئ الذي ليس بنجس والا فلو ورد التنصيص على النجاسة من دون ان يصرح بكونها مسببة عن نفس الاغتسال لا ينسبق إلى الذهن الا نجاستها
لأجل ملاقاة ما في بدن الجنب من النجاسة العرضية كما هو الغالب نظير الامر بإراقة الاناء الذي ادخل الجنب يده فيه قبل غسلها فإنه لا يفهم
من اطلاق ذلك نجاسة يد الجنب قبل الغسل تعبدا أو نجاسة الماء الملاقي لها بالتعبد الشرعي بل المناسبات المغروسة في أذهان المتشرعة تصرف
الاطلاق إلى ما لو كانت اليد قذرة وقد تقدم نظير ذلك في مبحث انفعال الماء القليل * (و) * بذلك ظهر لك ضعف الاستدلال لهذا القول
بقوله (ع) في رواية ابن أبي يعفور المتقدمة في أدلة القول بالنجاسة ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم مائهم إذ بعد تسليم ظهور الافساد في
إرادة النجاسة والاغماض عما ذكرناه فيما سبق ان الرواية على هذا التقدير متصرفة إلى ما إذا اشتمل بدنه على النجاسة فالأوفق بالقواعد
كون النزح لسلب الطهورية ان قلنا به في الماء المستعمل في رفع الحدث ولم نقل بالتفصيل بين القليل الراكد وغيره ما لم يستهلك ولو لم نقل
بذلك فالأوفق هو الالتزام بكراهة الاستعمال وكون النزح مستحبا في خصوص المقام ونظائره مثل موت العقرب والوزغة وسام أبرص
وان قلنا بنجاستها في سائر الموارد إذ لا ملازمة بين المقامين والله العالم ولوقوع الكلب وخروجه حيا كما عن المشهور لرواية أبى مريم قال
حدثنا جعفر قال كان أبو جعفر (ع) يقول إذا مات الكلب في البئر نزحت وقال (ع) إذا وقع فيها ثم خرج حيا نزح منها سبع دلاء
و بنزح خمس دلاء
لذرق الدجاج الجلال كما عن المفيد والديلمي والحلي وعن الشيخ في جملة من كتبه اطلاق لفظ الدجاج ولعله بناء منه على نجاسته وكيف كان فلم يظهر
لنا مستندهم في الحكم والله العالم
وبنزح ثلث دلاء لموت الحية على المشهور بل عن السرائر نفى الخلاف فيه وفي محكى المعتبر انه يمكن الاستدلال عليه
برواية الحلبي إذا مات في البئر حيوان صغير فانزح دلاء ولكنه في رواية ابن سنان للدابة الصغيرة سبع دلاء وعن ابن بابويه انه أفتى بذلك وحكى عنه
أيضا انه أوجب دلوا واحدا وعن المفيد الحاق الوزغة بالحية في نزح الثلث كما عن الشيخ أيضا الحاقها مع العقرب وعن أبي الصلاح الحاق العقرب حسب
وفي الوزغة دلو واحد ومستند الثلث للوزغة صحيحة معاوية بن عمار الآتية واما العقرب ففي رواية منهال انه ينزح لها عشر دلاء قال قلت لأبي
41

عبد الله (ع) العقرب تخرج من البئر ميتة قال استق منها عشر دلاء قال قلت فغيرها من الجيف قال الجيف كلها سواء الا جيفة قد أجيفت فان كانت
جيفة قد أجيفت فاستق مئة دلو فان غلب عليها الريح بعد مئة دلو فانزحها كلها وكذا ينزح الثلث لموت الفارة إذا لم تتفسخ أو تتنفخ لصحيحة معاوية
ابن عمار قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الفارة والوزغة تقع في البئر قال ينزح منها ثلث دلاء وقيدوها بغير المتفسخة جمعا بينها وبين الأخبار السابقة
وحكى القول بوجوب السبع لها عن بعض لبعض الاطلاقات المتقدمة وعن ابن بابويه دلو واحد وبنزح دلو واحد لموت العصفور
وشبهه القول الصادق (ع) في رواية عمار المتقدمة وأقله العصفور ينزح منها دلو واحد ويستفاد حكم ما هو شبه العصفور بالتقريب المتقدم
وبول الصبي الذي لم يغتذ بالطعام كما عن الشيخين وابن البراج واستدل عليه في محكى التهذيب برواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع)
قال سئلته عن بول الصبي الفطيم يقع في البئر قال دلو واحد والاستدلال بها مبنى على حملها على المشرف على الفطام لعدم العامل بها في غير
ذلك وعن المهذب البارع ان الرضيع هو المعبر عنه في الروايات بالفطيم وربما وجه الاستدلال بدلالة الرواية على المدعى بالأولوية ونوقش
بعدم جواز الاخذ بالمفهوم بعد كون المنطوق غير معمول به عند الأصحاب وعن أبي الصلاح وابن زهرة وجوب الثلث ولم يظهر مستندهما وفي رواية
منصور بن حازم المتقدمة اطلاق نزح السبع البول الصبي كما أنه ورد الامر بنزح الجميع [مط] لبول الصبي في رواية معاوية بن عمار والله العالم وفي
رواية كردويه عن أبي الحسن (ع) في بئر يدخلها ماء المطر وفيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الكلاب قال ينزح منها ثلاثون دلوا
وقد اشتهر الرواية بين الأصحاب وأفتوا بمضمونها بحيث عبروا في فتاويهم بألفاظ الرواية فلا يلتفت إلى ضعف كردويه لجهالته خصوصا على المختار
من استحباب النزح والله العالم
* (واعلم) * ان مقتضى اطلاقات الاخبار ان الدلو التي ينزح بها ليس لها حد مضبوط بل المدار فيها على ما جرت العادة باستعمالها
في الابار أعني الدلاء المتعارفة التي يبيعونها في الأسواق للاستقاء ولم تكن من المصاديق التي يندر استعمالها صغرا أو كبرا ودعوى انصراف اطلاقات
الاخبار إلى ما كانت متعارفة في عصر الأئمة وبلدهم عليهم السلام مسموعة لولا قضاء العادة بكثرة الاختلاف بين الدلاء المتعارفة في كل عصر وكون
مثل هذه الدلاء المتعارفة في هذه الاعصار متعارفة في الاعصار السابقة أيضا وكون أهالي الاعصار السابقة نوعا أشد قوة وأعظم جثة لا يقتضى
عدم كون مثل هذه الدلاء التي يقتضى بها عامة حوائجهم متعارفة لديهم بل الاعتبار يقتضى تعارفها فيفهم من الاطلاق وترك التعرض لبيان
مقدار الدلو في شئ من الاخبار مع شدة اختلاف الدلاء ان المدار على العدد المعين لا على مقدار الماء الذي ينزح من البئر نعم قد يتوهم
انسباق الدلو المتعارفة المعتادة في كل بئر بالنسبة إلى خصوص هذه البئر من الاطلاقات * (و) * يدفعه ان الانصراف في مثله بدوي منشأه انس
الذهن والا فبعد الالتفات إلى أن الدلو ربما تتبدل أو تنخرق أو تنعدم لا يبقى في الذهن خصوصية للدلو التي جرت العادة باستعمالها في
خصوص البئر التي ينزح منها ولذا لا يتوهم أحد حال اشتغاله بنزح المقدر عدم كفاية اتمام المقدار بدلو أخرى لو تلفت دلوه في الأثناء أترى هل
يتوقف أحد بعد أن سمع من الإمام (ع) انه ينزح سبع دلاء لموت الفارة في حكم البئر التي حفرها فوجد فيها فارة قبل أن يستعملها أو انه ينزح
منها سبع دلاء باي دلو تحصل مده نعم الأحوط في زماننا هذا اختيار ما كان من الدلاء المتعارفة أكبرها ولعله لا يخلو عن قوة إذ لا وثوق
بكون الصغار المتعارفة في هذه الأزمنة متعارفة في عصرهم والله العالم
* (فروع) * ثلاثة الأول حكم صغير الحيوان في النزح حكم كبيره بعد
صدق الاسم الذي تعلق به الحكم في عناوين الأدلة وانسباق كبيره إلى الذهن عند الاطلاق ليس على وجه يعتد به في صرف الأدلة عن اطلاقها
الثاني
إذا وقعت في البئر أسباب متعددة للنزح فهل يوجب تعددها تضاعف النزح مطلقا أم لا [مط] فيتداخل الكل في فرض اتحاد مزيلها ويدخل الأقل
تحت الأكثر في فرض الاختلاف أو يفصل بين اختلاف أجناس النجاسة وتماثلها فيقال بان التعدد في الأول موجب التضاعف النزح وجوه بل أقوال
أقواها على ما يقتضيه الجمود على ظواهر الأدلة التعبدية هو الأول لان مقتضى دليل كل نوع سببية وقوعه لانفعال البئر وايجاب نزح المقدر
أو استحبابه وتقييد سببية بما إذا لم يكن مسبوقا أو مقارنا لسبب آخر تصرف في ظواهر الأدلة التعبدية من دون دليل ودعوى انصراف أدلة
كل نوع في حد ذاتها إلى ما لو حدث انفعال البئر بذلك النوع دون ما لو وقع في البئر بعد انفعالها بسبب آخر مع أخصيتها من المدعى إذ الأسباب
المتعددة قد توجد دفعة يدفعها ان مقتضاها عدم ثبوت الحكم المقدر لهذا النوع لو سبقه نجاسة أخرى مقدرها أقل من مقدره مع أنه لا يقول
به أحد اللهم الا ان يدعى ان مغروسية احكام النجاسات الخبيثة واتحاد اثارها في الجملة وتداخل أخفها في أشدها تصرف هذه الاطلاقات إلى
مالا ينافيها وفيها تأمل * (والحاصل) * ان مقتضى اطلاق دليل كل نوع عموم تأثيره في جميع مصاديقه وتوقف زوال اثره على نزح مقدره المنصوص
نعم مقتضى الأصول العملية عند الشك في تأثير السبب الثاني في ايجاب النزح عدمه الا ان اطلاقات الأدلة حاكمة على الأصول وبعد احراز التأثير
بالاطلاقات فالأصل أيضا يقتضى بقاء ذلك الأثر إلى أن يحصل القطع بالمزيل مثلا لو قال المولى لعبده ان جاءك زيد فاعطه درهما وان صلى
ركعتين فاعطه درهما فاتفق حصول السببين في الخارج فمقتضى اطلاق القضيتين وجوب اعطاء درهمين إذ لو لم يجب الا درهم واحد للزم أن لا
يكون كل منهما سببا مستقلا بان يكون مجموعهما سببا واحدا على تقدير وجودهما دفعة أو يكون الأول سببا لا غير على تقدير ترتبهما في الوجود وهو
42

خلاف ظاهر القضية الشرطية لان ظاهرها كون الشرط سببا مستقلا للجزاء فلا يعقل تواردهما على معلول واحد شخصي وما يقال من أن العلل
الشرعية معرفات فلا يمتنع تواردها على معلول واحد ممالا * (محصل) * له ولا يقاس المقام بما لو اختلفت الجزاءات مهية وتصادقت على فرد حيث
نلتزم بكفاية ايجاد الفرد الجامع للعناوين في امتثال الجميع كما لو قال إن جاءك زيد فأكرم فقيرا وان جاءك عمرو فأكرم هاشميا فإنه يجوز له
في الفرض الاقتصار في امتثال كلا الامرين على اكرام فقير هاشمي لان اختلاف الطبيعتين ذاتا كاف في امكان كون كل منهما معروضا للوجوب
في حد ذاته واطلاق الطلب في كل منهما يقتضى جواز امتثاله في ضمن أي فرد من افراد كل من الطبيعتين فلا مانع من ايجاد كلتا الطبيعتين
بوجود واحد في ضمن الفرد الجامع بقصد امتثال الجميع واما بعد فرض اتحاد مهية الجزاء كما فيما نحن فيه فيمتنع تعلق حكمين متضادين أو متماثلين
بها الا بلحاظ وجوداتها المتكثرة وسيجئ للمقام مزيد توضيح وتحقيق في مبحث الوضوء عند تعرض المصنف [ره] لتداخل الأغسال وكذا لا يقاس
بما لو قال القائل ان زنى زيد فاقتلوه وان سرق فاقتلوه وان ارتد فاقتلوه في أن توارد الأسباب لا يوجب الا تأكد الوجوب لا تعدد
الواجب لأن عدم تأثير كل من الأسباب في ايجاب مستقل في المثال منشأه عدم قابلية المحل للتأثر لا قصور السبب عن التأثير ومن المعلوم
ان قابلية المحل من شرايط التأثير عقلا فالكلام في مسألة التداخل انما هو فيما إذا أمكن التأثير نعم نظيره فيما نحن فيه ما إذا توارد أسباب
متعددة لنزح الجميع وهذا خارج عن موضوع المبحوث عنه وانما الكلام فيما إذا أمكن تضاعف النزح بتعدد أسبابه وحيث إن المفروض امكان
تضاعف النزح وتمامية السبب في ايجابه بمقتضى ظواهر الأدلة فيجب ان يتعدد بتعدده الأثر ويتضاعف النزح فعلى الخصم اما إقامة الدليل
على أن الأثر الحاصل من هذه الأسباب المختلفة المقتضية لايجاب النزح أعني انفعال البئر بهذه الأمور امر وحداني بسيط غير قابل للتعدد
والاشتداد كالحدث الأصغر الحاصل من أسباب مختلفة وكنجاسة الثوب الحاصلة من ملاقاة البول أو غيره فلا يكون تعدد الأسباب الا مؤكدا
لوجوب نزح المقدار المعين المزيل لهذا الأثر الخاص بحكم العقل واما اثبات ان نزح الأربعين مثلا رافع لمطلق الأثر الحاصل في البئر مما لا
يزداد نزحه على الأربعين واحدا كان الأثر أم متعددا لا سبيل له إلى الأول خصوصا بعد ملاحظة اختلاف المقدرات الكاشف عن مغائرة
مقتضياتها * (واما الثاني) * فقد يستدل له باطلاق الامر بالجزاء لأنه إذا قال الشارع إذا اغتسل الجنب في البئر فانزح سبع دلاء وإذا مات الفارة
فيها فانزح سبع دلاء فمقتضاه كفاية نزح السبع مطلقا لكل من السببين والا للزم تقييد اطلاق السبع بما عدا السبع التي نزحتا ولا من دون
دليل * (وفيه) * ان كونه تقييدا في الجملة مسلم ولكن الدليل عليه هو اطلاق الشرط بضميمة حكم العقل باستحالة تعلق وجوب آخر بتلك الطبيعة الا بلحاظ
تحققها في ضمن فرد آخر فمعنى التشبث باطلاق الجزاء رفع اليد عن اطلاق الشرط وتقييد سببيته بما إذا لم يسبقه سبب اخر فأين يبقى [ح] جزاء حتى يتشبث
باطلاقه وتمام التحقيق في مسألة التداخل نعم للخصم ان ينكر اطلاقات الأدلة بان يقول عمدة المستند في الباب هي الاجماعات المحكية أو المحققة ومن
المعلوم انها في محل الكلام غير مجدية * (واما) * الاخبار فأغلبها وردت جوابا عن الاسئولة التي ظاهرها الاستفهام عن حكم البئر التي تجددت نجاستها
بما وقع فيها وما عداها من الأخبار المطلقة فأغلبها غير معمول بها بظاهرها فلا يبقى فيها ما يمكن الاستدلال باطلاقها الا أقل قليل وقد أشرنا فيما
سبق إلى أن دعوى الانصراف فيها أيضا غير بعيدة الا انه لا بد من التأمل التام في كل واحد واحد من اخبار الباب وحيث انا قوينا طهارة البئر و
استحباب النزح فلا يهمنا مثل هذه التدقيقات بعد البناء على المسامحة ووضوح رجحان الاحتياط فتلخص لك ان الأوفق بالقواعد مع وجود
دليل لفظي صالح لان يتملك باطلاقه انما هو تضاعف النزح ولكن مع ذلك أيضا في تضعيفه مع التماثل بان يقع في البئر افراد متعددة
من نوع واحد من النجاسات ولو تدريجا بحيث يعد في العرف كل وقعة مصداقا مستقلا للطبيعة تردد لامكان دعوى القطع بأنه لا يفهم عرفا
من اطلاقات الاخبار ولو لأجل الأمور المغروسة في أذهانهم الا كونها مسوقة لبيان كيفية تطهير البئر إذا انفعلت بملاقاة النجاسة
الموجودة فيها من دون ان يكون لكيفية حدوثها في البئر كوقوعها دفعة أو دفعات مدخلية في الحكم فمعنى قوله إذا وقعت العذرة في البئر
فانزح عشر دلاء على ما يساعد عليه الفهم العرفي ان البئر المنفعلة بهذه النجاسة مطهرها عشر دلاء وهذا المعنى وان كان مقتضاه تخصيص
التأثير بالفرد الأول والغاء الشرطية بالنسبة إلى ما عداه من الافراد الا انه لا ضير فيه بعد مساعدة العرف عليه بل لنا ان نقول إن المتبادر
من قوله إذا وقعت العذرة في البئر فانزح عشر دلاء أو إذا اغتسل الجنب فانزح سبع دلاء انما هو سببية طبيعة الشرط أعني ملاقاة العذرة أو اغتسال
الجنب من حيث هي بلحاظ تحققها في الخارج لثبوت الجزاء من دون ان يكون لخصوصياتها الشخصية مدخلية في ثبوت الحكم ومعلوم ان الطبيعة من
حيث هي لا تقبل التكرر وانما المتكرر افرادها التي لا مدخلية لخصوصياتها في الحكم وقضية كون السبب هي الطبيعة عند تحققها في ضمن افراد متدرجة
انما هي حصول المسبب بتحققها في ضمن الفرد الأول وكون سائر الافراد أسبابا شأنية فيكون تحققها في ضمن الفرد الثاني بمنزلة بقائها في ضمن
الفرد الأول بعد حصول المسمى فكما عدم تأثيرها ثانيا في الفرض الثاني ليس منافيا لظاهر الدليل كذلك في الفرض الأول واتصاف ملاقاة
العذرة مثلا التي هي السبب بالوحدة عند استدامتها إلى الزمان الثاني وبالتعدد عند تجددها في ضمن الفرد الثاني انما يصلح فارقا إذا كان الحكم
43

معلقا على الافراد دون الطبيعة ضرورة ان المؤثر في الفرض الثاني انما هو حصول المسمى سواء تفرد الفرد بالفردية أم لا فعند تحقق مسمى
الطبيعة يتنجز التكليف بالجزاء ويكون بقاء الطبيعة في ضمن الفرد الأول كحدوثها في ضمن الفرد الثاني ممالا مدخليه له في التأثير نعم هي
سبب شأني فائدتها منع النزح عن التأثير في التطهير ما دام وجودها فظهر لك ان عدم التضاعف هو الأقوى وان كان أحوطه التضعيف
ولو حصل من تعاقب الافراد عنوان مقدره أكثر من مقدر العنوان الذي حصل أولا كما إذا وقع في البئر دمان قليلان متعاقبان بحيث
صدق على المجموع الدم الكثير يجب نزح مقدر الكثير بلا اشكال على القول بعدم التضاعف لاطلاق ما دل على سببية الدم الكثير لنزح خمسين
ودعوى انصراف دليله إلى ما لو وقع المجموع دفعة غير مسموعة بعد ما أشرنا إليه مرارا من أن المدار على ما يتفاهم عرفا من هذه الأدلة
انما هو على وجود كل من هذه النجاسات في البئر وملاقاة مائها لها من دون ان يكون لكيفية حدوثها مدخلية في الحكم ولذا لم تفرق
بين ما لو مات حيوان في البئر أو وقع فيها ميتا واما لو قلنا بالتضاعف ففي وجوب أكثر الامرين أو الجمع بين مقدر الجميع والمجموع من حيث
المجموع أو ضم مقدر ما عدا الجزء الأخير الموجب لحدوث العنوان الطاري وجوه لا يخلو أخيرها عن قوة ولكنه صرح شيخنا المرتضى [ره]
بان الأقوى هو الأول ولم يتعرض للوجه الأخير أصلا قال في توضيح ما قواه ان الوقوعين بملاحظة مجموعهما سبب واحد للخمسين و
بملاحظة كل منهما منفردا سببان للعشرة يوجبان عشرين ولا يحكم هنا بالسبعين يتوهم اقتضاء المجموع خمسين وكل منهما عشرة لان
مغايرة المجموع لكل واحد مغايرة اعتبارية فلا تعدد في الخارج فالمؤثر الوقوعان بأحد الاعتبارين فالموجود في الخارج على
سبيل البدل اما أسباب متعددة للعشرة واما سبب واحد للخمسين فلا وجه لالغاء تأثير مصداق السبب الموجب للأكثر واما
الموجب للأقل فلا ينتفى تأثيره لكنه يتداخل في الأكثر لما ذكرنا من عدم الجمع بين مقتضاهما ليحكم بالسبعين والحاصل انه بعد البناء
على تداخل مقتضى المصداقين لوجودهما على سبيل البدل بأحد الاعتبارين فلا معنى لتداخل الأكثر في الأقل الا اسقاط الزائد مع
وجود سببه وهو طرح لاطلاق دليله من غير تقييد بخلاف تداخل الأقل في الأكثر فإنه لا يوجب إلغائه فلو فرضنا ان التعدد يقتضى
أزيد من خمسين كما إذا وقع القليل سبع مرات فصار بالثامن كثيرا فإنه وان صدق على المجموع وقوع الدم الكثير الا انه يصدق أيضا
وقع فيه الدم سبع مرات بل ثمانية دماء قليلة فلا معنى لالغاء ما يوجبه كل مرة وليس في ذلك إلغاء لمقتضى مصداق الدم الكثير انتهى
كلامه رفع مقامه * (أقول) * ما ذكره انما يتم بالنسبة إلى الجزء الأخير الذي هو سبب لحدوث عنوان الكثير فهذا الجزء من حيث ذاته مقتض
لايجاب عشرة ومن حيث إنه سبب لحدوث عنوان الكثير سبب لايجاب خمسين وتأثيره في ايجاب خمسين ينافي استقلاله في ايجاب العشرة لان
الأول موقوف على عده جزء مما وقع والثاني على كونه فردا بانفراده والحاصل انه لا يجوز ان يكون هذا الجزء سببا لايجاب ستين عشرة لذاته
وخمسين للعنوان الطاري لما عرفت من تنافى الاعتبارين واما ما عدا هذا الجزء فقد وجد مؤثرا في ايجاب العشرة فلا ينقلب عما وجد
عليه مثلا إذا كان ما وقع أولا موجبا للعشرة ثم ضم إليه ما يوجب كثرته فهذا الجزء الثاني المؤثر في طرو
عنوان الكثير سبب لايجاب خمسين
فوجب ان يكون الخمسون غير العشرة التي وجب بالسبب السابق والا للزم تقديم المسبب على سببه وليس بقاء اثر السبب الأول دائرا مدار بقاء
* (عينه حتى يق) * بعد صيرورته كثيرا انه لابد وأن يكون تأثيره بأحد الاعتبارين فوقوعه في البئر سبب تام لا يجاب العشرة من دون ان يكون لبقائه
مدخلية في ذلك نعم لبقائه دخل في حدوث العنوان الموجب للخمسين بالسبب الثاني وبعد حدوث هذا العنوان يتبدل الموضوع الأول
فكأنه وقع في البئر دم قليل واخرج عينه ثم وقع فيه دم كثير فيجب الجمع بين مقتضاهما على القول بالتضاعف ولكنك عرفت أن الأقوى في
المتماثلين خلافه وأولى بعدم التضاعف ما لو وقع نجس واحد شخصي مكررا فإنه لا ينبغي التردد في حكمه لا بمجرد دعوى القطع بان النجاسة
الواحدة لا يتعدد اثرها حتى يقبل المنع بل لما عرفت من عدم مساعدة العرف على استفادة التضاعف مثل الفرض من اطلاقات الأدلة
والمناقشة في عمومها الا حوالي خصوصا بالنسبة إلى أحوال نفس الفرد وبحكمه ما لو وقع أبعاض حيوان له مقدر منصوص دفعة أو تدريجا
لان كل جزء على تقدير انضمامه لسائر الاجزاء في كل وقعة لم يكن مؤثرا في تضاعف النزح لكونه [ح] من قبيل ما لو تكرر الواحد الشخصي فمع
عدم الانضمام أولى بعدم التأثير ولذا لم يتردد المصنف [ره] في حكم هذا الفرض واستثناه من مطلق المتماثلين بقوله الا ان يكون بعضا
من جملة لها مقدر فلا يزيد حكم أبعاضها عن جملتها وقد عرفت أنه لو وقعت جملتها مكررة لا ينبغي التردد في عدم التضاعف ولكن يمكن المناقشة
فيه بان غاية ما يمكن استفادته من الأدلة بالدلالة التبعية انما هو عدم زيادة حكم جزء الحيوان عن جملته وهذا لا يقتضى الحاق أبعاضه
مع تخالفها نوعا وعدم صدق اسم ذلك الحيوان عليها بالمتماثلين فضلا عن جعلها بمنزلة تكرر شخص الحيوان فالحاقها بالمتخالفين أشبه
ويدفعها ان تخالف الأبعاض نوعا لا يقتضى الحاقها بالمتخالفين بعد اشتراكها في الجهة الموجبة للتنجيس لان نجاسة اجزاء الكلب مثلا انما هي
باعتبار كونها بعضا من الكلب وهذه الجهة مشتركة بين الكل فنجاستها متماثلة نعم في كون وقوع الأبعاض مترتبة بمنزلة تكرر شخص الحيوان تأمل
44

ولكنه لا تأمل في عدم التضاعف * (و) * قلنا به في المتماثلين أيضا إذ ليس لنا في خصوص الاجزاء دليل لفظي حتى يمكن التمسك باطلاقه لاثبات التضاعف
وقد عرفت فيما سبق ان مقتضى الأصول العملية عدمه وفي المقام فروع كثيرة ليس في التعرض لها كثيرة فائدة على المختار والله العالم * (الفرع
الثالث) * إذا لم يقدر فيما بأيدينا من الأدلة الشرعية للنجاسة منزوح نزح جميع مائها على الأشهر الأظهر استصحابا لنجاسة البئر أو قذراتها
المعنوية التي نلتزم بتحققها على القول بالطهارة ولا يعارضه أصالة البراءة عن التكليف بنزح الجميع لحكومة الاستصحاب عليها نعم لو قيل
بان النزح واجب نفسي مستقل من دون ان يتوقف عليه جواز الاستعمال * (أو قيل) * بأنه مستحب كذلك لاتجه القول بعدم لزوم الزائد عن القدر
المتيقن لان الأصل براءة الذمة عن المشكوك هذا ولكن لمانع ان يمنع انفعال البئر بالنجاسات الغير المنصوصة كما احتمله في المعتبر بل حكى قولا
في المسألة بدعوى دلالة اخبار الطهارة على طهارتها مطلقا على أنه يجب تخصيصها بما ورد فيه نص بالخصوص وحيث إن المختار عدم نجاسة البئر
واستحباب النزح بالمعنى الذي عرفته فيما سبق فلا يهمنا الإطالة في تضعيف هذا الاحتمال أو تحقيقه ضرورة امكان اثبات استحباب النزح في الجملة
في غير المنصوص بعد ذهاب المشهور إليه ولو لأجل المسامحة في أدلة السنن كما أنه لا يهمنا الفحص عما يصلح ان يكون مستند القولين آخرين محكيين
في المسألة وهو نزح أربعين ونزح ثلثين وقد صرح شيخنا المرتضى [ره] بأنه لم يعلم المستند لهما ثم لو قلنا بنزح الجميع كما هو الأظهر فان تعذر
نزحها لم يطهر بمقتضى الاستصحاب الا بالتراوح فيطهر به بلا خلاف فيه ظاهر أو لعله لفهم التعدي من حديث التراوح وفيه مناقشة لولا
المسامحة والله العالم
* (و) * إذا تغير أحد أوصاف مائها بالنجاسة الواقعة فيها ينجس اجماعا ويطهر على المختار بزوال تغيره بشرط امتزاجه بماء عاصم حسب
ما مر تفصيل القول فيه في الجاري المتغير واما على القول بالنجاسة ففيه احتمالات بل أقوال قيل ينزح حتى يزول التغير فيطهر عملا بظاهر ما دل على
كفاية زوال التغير في طهارته مثل رواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عما يقع في الابار فقال اما الفارة وأشباهها فينزح منها سبع دلاء الا
ان يتغير الماء فينزح حتى يطيب وموثقة سماعة عن أبي عبد الله (ع) عن الفارة تقع في البئر أو الطير قال إن أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء
وان كان سنورا أو أكبر منها نزحت منها ثلثين دلوا أو أربعين وان أنتن حتى يوجد النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء وصحيح
الشحام عن أبي عبد الله (ع) في الفارة والسنور والدجاجة والكلب والطير قال إذا لم تتفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء وان تغير الماء
فخذ منه حتى يذهب الريح وفي خبر زرارة فان غلب الريح نزحت حتى يطيب والمناقشة في هذه الأخبار
بعدم كونها مسوقة الا لبيان عدم كفاية
المقدرات المنصوصة كخمس دلاء أو سبع دلاء عند التغير لا لبيان كفاية زوال التغير في الطهارة حتى يتمسك باطلاقها * (مدفوعة) * بشهادة
العرف على أنه كما يفهم من هذه الروايات ان نزح خمس دلاء وسبع دلاء أو غيره موجب الطهارة البئر ما لم تتغير كذلك يفهم منها ان إزالة التغير
بالنزح أيضا موجب لطهارتها * (فدعوى) * الاهمال فيها غير مسموعة نعم لا يحسن الاستدلال لهذا القول بصحيحة ابن بزيع المتقدمة في أدلة
القول بالطهارة فإنها وان كانت واضحة الدلالة على المدعى الا ان القول بالانفعال مبنى على طرح هذه الصحيحة أو تأويلها بحمل الافساد
على معنى اخر غير النجاسة ككونها ممالا ينتفع بمائها أصلا الا بعد استهلاكه بماء طاهر كأعيان النجاسات وغير ذلك من التوجيهات ومن
المعلوم أنه بناء على عدم إرادة النجاسة من الافساد لا تدل الرواية الا على ترتب زوال الفساد بالمعنى الذي أريد
منها على زوال التغير لا الطهارة
وهل يكفي على هذا القول إزالة التغير [مط] أو بشرط أن لا يزول قبل استيفاء المقدر فالمدار على أكثر الامرين من نزح المقدر ومزيل التغير
وجهان بل قولان من اطلاق الاخبار فيخصص بها مطلق الأخبار الواردة في أنواع النجاسات ومن امكان دعوى انصرافها إلى ما يزول تغيره قبل
استيفاء المقدر كما هو الغالب في مواردها بل ربما يستشعر من سياقها ان الحكم في صورة التغير أشد وان المراد منها بيان عدم كفاية المقدرات
المنصوصة عند التغير واعتبار امر زائد عليها والله العالم * (ثم) * على القول بوجوب أكثر الامرين فلو لم يكن للنجاسة المغيرة مقدر منصوص فهل يكفي
فيه زوال التغير لاطلاق ما دل على كفايته أم يجب نزح الجميع وجهان بل قولان أقواهما الثاني لاحتمال ان يكون مقدرها في الواقع نزح الجميع ومع
قيام هذا الاحتمال لا مجال للتمسك بالاطلاق بعد البناء على انصراف المطلق إلى غير مثل الفرض كما عليه ابتناء هذا القول وقيل يجب إزالة
التغير أولا ثم نزح المقدر ان كان له مقدر والا فنزح الجميع * (وفيه) * ما عرفت من دلالة الأخبار السابقة على الطهارة بعد زوال التغير نعم
لو قيل بذلك فيما لو أزيل تغيره قبل استيفاء المقدر بناء على التفصيل السابق فيما إذا كان التغيير مستندا إلى بقاء عين النجاسة كلون الدم لا
كرائحة الجيفة لكان وجبها كمالا يخفى وجهه * (وقيل) * ينزح جميع مائها واستدل بالأخبار المستفيضة
الامرة بنزح الجميع عند التغير ففي رواية معاوية بن
عمار لا تعاد الصلاة ولا يغسل الثوب مما يقع في البئر الا ان ينتن فان أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر * (وفي) * رواية أبى خديجة عن أبي
عبد الله (ع) في الفارة تقع في البئر وإذا انتفخت فيه أو نتنت نزح الماء كله * (و) * في خبر منهال فان كانت جيفة قد أجيفت فاستق منها مئة دلو فان غلب
الريح عليها بعد ما دلو فانزحها كلها * (وفيه) * ان مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار السابقة حملها علما إذا لم يزل التغير الا بنزح الجميع كما لعله الغالب
فيما إذا كان التغير برائحة الجيفة كما هي مورد الروايات ورواية المنهال أيضا تشهد بهذا الجمع وكيف كان فان تعذر نزح الجميع لغزارته فعلى القول به
45

تراوح عليه أربعة رجال كما عن الشيخ والإسكافي والصدوقين وابن حمزة لرواية عمار الواردة في التراوح عند غلبة الماء وتعذر نزح الجميع
وقد حملها الشيخ على ما إذا تغير الماء وقيل إنه يكتفى [ح] بزوال التغير ولعل وجهه حمل اخبار زوال التغير على ما إذا تعذر نزح الجميع والأول
أي القول بنزح الجميع مع الامكان ومع عدمه فالتراوح هو الأولى بمراعاة الاحتياط من سائر الأقوال والاحتمالات المتقدمة والله العالم
* (فرع) * على القول بنجاسة ماء البئر بالملاقاة وكفاية إزالة التغير بالنزح في طهارته فلو زال التغير من قبل نفسه أو بعلاج لا يطهر للأصل
[و ح] فهل يجب نزح المقدر ونزح الجميع أو نزح ما يزول به التغير التقديري وجوه قد يقال بالأول لعموم أدلة المقدرات المقتصر في تخصيصها
على المتغير ما دام متغيرا * (وفيه) * ان العموم مخصص بهذا الفرد فلا يصح التمسك لحكمه بعموم الحكم وليس زوال التغير موجبا لحدوث فرد اخر لان
التغير وعدمه من أحوال الفرد الخارج لا يتعدد بتعددها افراد العام حتى يقتصر في تخصيصه على القدر المتيقن فلابد [ح] من الرجوع إلى الاستصحاب
إلى أن يعلم المزيل وهو نزح ما يزول به التغير لو قلنا بان به طهارته بهذا المقدار من النزح لو لم يكن متغيرا بالفعل أولى من طهارته مع التغير وان
منعنا الأولوية فنزح الجميع لقاعدة مالا نص فيه اللهم الا ان يقال إنه يستفاد من أدلة المقدرات مثل ما دل على أنه ينزح للفارة سبع دلاء ان نزح
السبع مقتض لإزالة النجاسة المكتسبة بملاقاة الفارة الا ان يمنعه التغير الفعلي عن التأثير فإذا زال المانع اثر المقتضى اثره فتأمل والله العالم و
* (اعلم) * انه يستحب ان يكون بين البئر والبالوعة والمراد بها على الظاهر مجمع نجاسات مايعة نافذة لا خصوص ماء النزح خمس أذرع بذراع اليد إذا
كانت الأرض المتوسطة بينهما صلبة مثل ارض الجبل وشبهها أو كانت البئر فوق البالوعة قرارا وإن لم يكن كذلك بان كانت البالوعة فوق البئر
قرارا أو مساوية وكانت الأرض سهلة فسبع فالصور المتصورة في المقام ست يتباعد في الصورتين المتقدمتين منها بسبع وفي أربع منها بخمس وهي
ما إذا كانتا في ارض سهله وكانت البئر فوق البالوعة هذا هو المشهور بين الأصحاب كما عن غير واحد نقله واستدل عليه برواية قدامة بن أبي زيد
الجمار عن الصادق (ع) قال سئلته كم أدنى ما يكون بين البئر بئر الماء والبالوعة فقال إن كان سهلا فسبع أذرع وان كان جبلا فخمس أذرع ثم قال إن
الماء يجرى إلى القبلة إلى يمين القبلة ويجرى عن يمين القبلة إلى يسار القبلة ويجرى عن يسار القبلة إلى يمين القبلة ولا يجرى من القبلة
إلى دبر القبلة ورواية الحسن بن رباط عن الصادق عليه السلام قال سئلته عن البالوعة تكون فوق البئر قال إذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع وإذا
كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع من كل ناحية وذلك كثير وجه الاستدلال بهما لمذهب المشهور ان كلا من الروايتين فيها اطلاق من وجه تقييد
من اخر فيجمع بينهما بحمل مطلقهما على مقيدهما بمعنى ان اطلاق الحكم بالسبع في رواية الحسن مقيد بما إذا لم يكن الأرض جبلا بقرينة الرواية الأولى
وكذا اطلاق الحكم بالسبع في الرواية الأولى مقيد بما إذا لم تكن البالوعة أسفل من البئر بقرينة الرواية الثانية واعترض على هذا الجمع غير
واحد من الاعلام قال شيخ مشايخنا [قده] في جواهره لا يخفى عدم جريان مثل ذلك على القواعد بل المستفاد من مجموع الروايتين ان السبعة لها سببان
السهولة وفوقية البالوعة والخمسة أيضا لها سببان الجبلية وأسفلية البالوعة ويحصل التعارض عند تعارض الأسباب كما إذا كانت الأرض سهلة
والبالوعة أسفل من البئر فلا بد من مرجح خارجي [ح] وكذلك لو كانت الأرض جبلا والبالوعة فوق البئر ولعله بالنسبة الينا تكفى الشهرة في المرجحية
فيكون تحكم كل منهما على الاخر بمعونتها وبالنسبة إليهم لا نعلم المرجح ولعله دليل خارجي انتهى كلامه رفع مقامه وحاصل الاعتراض ان الروايتين
من قبيل العامين من وجه فلا وجه لتخصيص أحدهما بالاخر من دون مرجح خارجي * (ويدفعه) * ان ظهور حكمه الحكم ومناسبة الحكم موضوعه يجعلهما
في مورد المعارضة بمنزلة النص والظاهر ويعطى ظهورهما فيما ذهب إليه المشهور بيان ذلك أنه لا يخفى على الناظر في اخبار الباب ان حكمة الحكم
بالتباعد صيانة ماء البئر عن الاختلاط بماء البالوعة فإذا قال الإمام (ع) في مقام تحديد مقدار البعد ان كان سهلا فسبع أذرع وان كان
جبلا فخمس أذرع يفهم من اطلاق كل من الفقرتين امر ان أحدهما ان السبع أذرع مطلقا في الأرض السهلة كافية في صيانة الماء من الاختلاط بالنجس
وكذا الخمسة أذرع في الأرض الصلبة [مط] كافية في حفظ الماء فكأنه قال الماء النجس لا يسرى في الأرض السهلة سبعة أذرع وفي الصلبة خمسة
أذرع فيكفي السبع في الأول والخمس في الثاني ويتأكد اطلاق الكفاية في الفقرة الثانية بسبب المناسبة الموجودة بين الموضوع أعني جبلية
الأرض وصلابتها مع الحكم أعني كفاية ما دون السبع فتكون هذه الفقرة بمنزلة القضية المعللة من حيث الكفاية * (وثانيهما) * اعتبار السبعة
أذرع في الأرض السهلة [مط] وعدم كفاية الأقل منها في شئ من مصاديقها وكذا اعتبار الخمسة أذرع في جميع مصاديقها وعدم كفاية
الأقل منها في شئ من المصاديق ولكن اطلاق كل من الفقرتين من هذه الجهة بعد ظهور حكمة الحكم ووضوح اختلاف المصاديق من
حيث سراية النجس وعدمها موهون جدا للعلم بأنه على تقدير كون البئر أعلى قرارا من البالوعة أو واقعة في جهة الشمال التي تجرى منها
العيون لا تحتاج صيانة مائها إلى البعد الذي تحتاجه في فرض أسفلية البئر أو مساواتها أو وقوعها في غير جهة الشمال فينبغي ان يختلف
مقدار البعد في هذه الصور ولا يكون مقدارا خاصا معينا حدا للجميع ولكنه لما لم يجب الاطراد في الحكمة خصوصا مع تعذر تعيين أقل
ما يجزى في كل واحد واحد من المصاديق بعد اختلافها في الرخاوة والصلابة والفوقية والتحتية يجوز ان يعين الشارع مرتبة خاصة
46

كافية على الاطلاق وان كانت فوق الكفاية في بعض الموارد فحيثما ورد دليل مطلق كما فيما نحن فيه وجب التعبد بمضمونه والالتزام
باستحباب هذا المقدار الخاص من باب التعبد والتسليم لامر الشارع الا ان هذا المعنى يصحح التمسك بأصالة الاطلاق لا انه يقويها
وهكذا الكلام في الرواية الثانية حرفا بحرف إذا عرفت ذلك علمت أن في مورد تعارض الروايتين أعني ما إذا كانت البالوعة أسفل و
الأرض سهلة أو أعلى والأرض صلبة يدور الامر بين رفع اليد عن اطلاق السبع من الحيثية الثانية التي قد عرفت أن الاطلاق بالنسبة
إليها في غاية الوهن وبين رفع الريد عن اطلاق الخمس من الحيثية الأولى التي هي في غاية القوة فرفع اليد عن الأول كما عليه المشهور هو
المتعين والله العالم * (ثم) * لا يخفى عليك ان استحباب السبع في الأرض السهلة مع تساوى القرارين كما عليه المشهور انما يفهم من اطلاق
الرواية الأولى السالمة في هذه الصورة عما يزاحمها فالمناقشة فيه بأنه لا مستند له ممالا وجه لها وهل يلحق بفوقية القرار فوقية البئر من حيث
الجهة أم لا قد يستشعر ذلك من ذيل الرواية الأولى وقد يستأنس له بنفس الروايتين من حيث ملاحظة كون صلابة الأرض وعلو قرار البئر منشأ
لكفاية الخمس فينبغي ان يكون كل ما هو مانع عن اختلاط الماء النجس منشأ لكفاية الخمس وقد يستظهر ذلك أي الفرق بين الجهات من بعض
الروايات المصرحة بالفرق بينها كرواية سليمان الديلمي وان كان التحديد الواقع فيها مغاير لما في هاتين الروايتين الا ان الاختلاف منزل
على مراتب الاستحباب قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن البئر يكون إلى جنبها الكنيف فقال إن مجرى العيون كلها من مهب الشمال فإذا كانت البئر النظيفة
فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرها إذا كان بينهما أذرع وان كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقل من اثنى عشر ذراعا وان كانت تجاها بحدا
القبلة وهما مستويان في مهب الشمال فسبعة أذرع وفي رواية الجمري عن قرب الإسناد عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن البئر يتوضأ
منها القوم والى جانبها بالوعة قال إن كان بينهما عشرة أذرع وكانت البئر التي يستقون منها تلي الوادي فلا بأس * (في) * الحدائق والظاهر كونها
تلو الوادي يعنى كونها في جهة الشمال بناء على أن مجرى العيون منها ويظهر الفرق بين الجهات أيضا من حسنه الفضلاء المتقدمة في أدلة القائلين
بنجاسة البئر بالملاقاة وقد حكى عن الإسكافي أنه قال في مختصرة ما لفظه لا استحب الطهارة من بئر تكون بئر النجاسة التي تستقر فيها النجاسة من
أعلاها في مجرى الوادي الا إذا كان بينهما في الأرض الرخوة اثنى عشر ذراعا وفي الأرض الصلبة سبعة أذرع فان كانت تحتها والنظيفة أعلاها
فلا بأس وان كانت محاذيتها في سمت القبلة فإن كان بينهما سبعة أذرع فلا بأس تسليما لما رواه ابن يحيى عن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله (ع)
انتهى * (و) * نوقش بعدم انطباق الرواية على مدعاه ويمكن تطبيقها على مذهبه بالجمع بينها وبين رواية ابن رباط المتقدمة على وجه لا يخلو
عن تكلف ولا يحكم بنجاسة البئر بمجرد قربها من البالوعة الا ان يعلم وصول ماء البالوعة إليها فيحكم [ح] بنجاستها على القول بانفعال البئر
بالملاقاة واما على المختار فيعتبر العلم بتغير مائها بأوصاف عين النجاسة الواصلة إليها ولا يكفي الظن بالوصول أو التغير وان استحب التنزه
عنه وترك التوضي منه لحسنة الفضلاء المتقدمة ويدل عليه مع موافقته للأصل رواية محمد بن القسم عن أبي الحسن (ع) في البئر يكون بينها وبين
الكنيف خمس أذرع أو أقل أو أكثر قال (ع) ليس يكره من قرب ومن بعد يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء واعتبار التغير على القول بكفاية مجرد
الوصول في الانفعال لكونه السبب العادي للعلم بالوصول فإذا حكم بنجاسة الماء لم يجز استعماله في الطهارة أي لا يجوز التطهير به [مط] عن الحدث
والخبث ولو مع الضرورة ولا استعماله في الأكل بجعله جزء من المأكول ولا استعماله في الشرب بشربه أو جعله جزء من المشروب الا عند الضرورة فإنه
مامن حرام الا وقد أحله الله لمن اضطر إليه والمراد بعدم جواز استعماله في الطهارة فسادها لا الحرمة فان الأظهر انه ليس للتطهير بالنجس حرمة
ذاتية واما عدم جوازه في الأكل والشرب فالمراد به حرمتهما لا بمعنى ان اللفظ استعمل في معينين كما قد يتوهم
فان المراد بعدم جواز هذه الاستعمالات
عدم مضيها في الشريعة وعدم شرعيتها أعم من أن يكون عدم امضاء الشارع لها لمفسدة فيها أو لعدم ترتب الآثار المقصودة منها عليها لكن عدم
امضاء الشارع للأكل والشرب مساوق لحرمتهما وإلا فلا معنى له فإرادة الحرمة بالنسبة إليهما لخصوصية المورد لا لإرادتها من اللفظ بعنوان
الخصوصية * (فليتأمل) * وقد [يق] ان المراد من نفى الجواز في المقام خصوص الحرمة وارادتها في غير الطهارة مما لاخفاء فيها واما فيها فلان
الاستعمال في الطهارة لا يتحقق الا بقصد التطهير لان الأفعال الاختيارية انما يعرضها العناوين المقصودة للفاعل وهو من هذه الجهة
محرم لكونه تشريعا ومن خير هذه الجهة غير محرم ولكنه لا يسمى استعمالا في التطهير * (وكيف) * كان فظاهر [المط] وغيره ممن تأخر عنه كصريح بعض اختصاص
الحرام بالمذكورات دون غيرها من الاستعمالات كسقي الدواب والأشجار وبل الطين والجص ونحوها وعن ظاهر جماعة من القدماء كالمفيد
والسيد والشيخ والحلي عدم جواز الانتفاع بالمتنجس [مط] بل ربما يستظهر ذلك من المشهور بينهم ولا يظن بهم إرادة الاطلاق وقد تخيل
بعض من ملاحظة ظواهر كلمات القدماء وظواهر بعض الأخبار ان الأصل في المتنجس حرمة الانتفاع به الا ما خرج بالدليل وسيتضح لك [انش‍]
ان الأقوى خلافه كما صرح به المصنف [ره] وغيره
قال في محكى المعتبر الماء النجس لا يجوز استعماله في رفع حدث ولا إزالة خبث [مط] ولا في الأكل والشرب
الا عند الضرورة وأطلق الشيخ [ره] المنع من استعماله الا عند الضرورة لنا ان مقتضى الدليل جواز الاستعمال فترك العمل به فيما ذكرنا بالاتفاق
47

والنقل وبقي الباقي على الأصل انتهى ولو اشتبه الاناء النجس ذاتا أو بالعرض بالطاهر وجب الامتناع منهما وعدم استعمال شئ منهما في شئ مما
يشترط بطهارة الماء فإن لم يجد ماء غيرهما يتمم بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن جماعة من الاعلام دعوى الاجماع عليه لموثقة سماعة عن الصادق (ع)
في رجل معه اناء ان وقع في أحدهما قذر ولا يدرى أيهما هو وليس يقدر على ماء غيرهما قال يهريقهما ويتيمم وموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع)
مثلها وفي محكى المعتبر نسبهما إلى عمل الأصحاب وعن المنتهى ان الأصحاب تلقت هذين الحديثين بالقبول ويدل عليه مضافا إلى النص و
الاجماع قضاء العقل بحرمة المعصية ووجوب الاجتناب عن النجس الواقعي المعلوم بالاجمال المردد بين الإنائين فيجب التحرز من كل من
المحتملين تحرزا عن العقاب المحتمل * (توضيح) * هذا الدليل بحيث يتضح الاستدلال به لوجوب الاجتناب في كل شبهة محصورة هو ان اطلاق
الأوامر الواردة في الشريعة بالاجتناب عن النجاسات أو المحرمات مقتض لوجوب الاجتناب عن الافراد الواقعية ولا يقبح عقاب من ارتكب
المحرم الواقعي المردد بين الإنائين بعد علمه به حتى يكون جهله التفصيلي عذرا في حقه كما في الشكوك البدوية ولم يرد من الشرع ما يدل
على جواز الارتكاب حتى يكون عذرا شرعيا بل لا يجوز عقلا ترخيص الشارع ارتكابه وجعل الجهل عذرا في حقه لاستلزامه الترخيص في
المخالفة العمدية وهو ممتنع لان مخالفة الشارع في حد ذاتها كالظلم قبيحة بالذات فإذا كان الفعل بهذا العنوان فعلا اختياريا للمكلف
امتنع ان يعرضه جهة محسنته له حتى يتبعها الرخصة الشرعية هذا مع أنه متى علم المكلف بوجود خمر مثلا بين الإنائين وأدرك العقل حرمتها
على الاطلاق وعدم رضاء الشارع بشربها استقل بوجوب التجنب عنها فلا يعقل ان يصدر من الشارع ما يناقضه إذ ليس للشارع ان يتصرف
في موضوع حكم العقل بوجوب الإطاعة نعم له ان يتصرف في موضوع حكمه الشرعي بان يخص الحرمة بالخمر المعلومة بالتفصيل لا مطلق الخمر
الا انه خلاف ظواهر الأدلة المطلقة واما الأخبار الدالة على حلية ما لم يعلم حرمته فلا تنهض دليلا على تقييد المطلقات لكونها مسوقة لبيان
الحكم الظاهري المغيا بالعلم فهي بنفسها لأجل جعل العلم غاية فيها مما يؤكد اطلاق المطلقات كمالا يخفى والحاصل ان العلم بالموضوع المحرم وان كان
شرطا في تنجز التكاليف الواقعية عقلا ونقلا ولكن الذي اخذ شرطا في موضوع حكم العقل بالتنجز أعم من الاجمالي والتفصيلي بل كل طريق معتبر
فإذا علم المكلف بنجاسة أحد الإنائين فقد تنجز في حقه الامر بالاجتناب عن النجس الواقعي فيجب عليه بحكم العقل الاجتناب عن كل من الإنائين
دفعا للعقاب المحتمل وقد يتوهم جواز ارتكاب بعض الأطراف أو جميعها في التدريجيات بدعوى أن العقل لا يحكم الا بحرمة المخالفة القطعية واما
وجوب الموافقة القطعية فلا ومن المعلوم ان العبد لا يعتقد المخالفة بارتكاب البعض وكذا في التدريجيات لا يعتقد المخالفة الا بعد الارتكاب
ولا دليل على حرمة تحصيل العلم بالمخالفة أو بدعوى عدم شمول الخطابات الا لما علم نجاسته أو حرمته أو بدعوى ثبوت الرخصة من الشارع بجواز
ارتكاب كل مشكوك النجاسة أو الحرمة وهي بعمومها تشمل الشبهة المسبوقة بالعلم الاجمالي ولكن العلم الاجمالي مانع عن ارتكاب الجميع دون البعض
فيحكم بجواز الارتكاب فيما عدا مقدار الحرام وفي الجميع مالا يخفى اما الأول فلاستقلال العقل بوجوب والموافقة القطعية للأوامر الشرعية كحرمة
المخالفة القطعية ويستكشف ذلك من حكم العقلاء بحسن واحدة العبد الذي امره سيده بالتحرز عن الخمر المردد بين الإنائين لو شرب أحدهما و
صادف الواقع ومن المعلوم أنه لو جاز مؤاخذته على تقدير المصادفة يجب الاجتناب عن جميع المحتملات عقلا دفعا للضرر المحتمل واما الثاني فلانه
ان أريد دعوى أن الألفاظ موضوعة للمعاني المعلومة بالتفصيل فالنجس أو الحرام وكذا الدم أو الخمر اسم لما علم أنه نجس أو حرام أو دم أو خمر مفصلا
* (ففيه) * بعد الاغماض عن عدم معقولية انه خلاف المتبادر منها وان أريد دعوى انصراف الخطابات إلى المصاديق المعروفة بعناوينها الخاصة مفصلا ففيه
منع ظاهر مع أن مقتضاه عدم نجاسة الخمر المرددة بين إنائين وكذا عدم حرمتها في الواقع ولا يلتزم به أحد واما الثالث فلما أشرنا إليه من منع العموم
أولا ووجوب ارتكاب التأويل بعد تسليم ظهورها فيه ثانيا لاستقلال العقل بقبح الترخيص في المعصية * (فتأمل)
* ولتمام التحقيق مقام اخر و
* (ينبغي) * التنبيه على أمور الأول ان الحكم بوجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة انما هو فيما إذا كان العلم الاجمالي مؤثرا في ثبوت خطاب منجز
بالاجتناب عن النجس المشتبه على كل تقدير بمعنى انه يعتبر في وجوب الاجتناب ان يكون كل واحد من الأطراف بحيث لو علم تفصيلا كونه هو النجس
المشتبه لتوجه إلى المكلف بالنسبة إليه خطاب منجز بالاجتناب عنه فلو لم يكن بعض الأطراف كذلك بان لم يكن طرو النجاسة عليه موجبا لحدوث
تكليف منجز بالنسبة إليه كما إذا كان مما لا يتنجس بملاقاة النجس أو كان مما اضطر المكلف إلى ارتكابه بسبب سابق على العلم الاجمالي أو كان
خارجا عن مورد ابتلاء المكلف فعلا بحيث يستهجن عرفا توجيه خطاب منجز بالنسبة إليه وان صح توجيه خطاب معلق بالابتلاء
والوجه في
ذلك كله سلامة الأصل في مورد الابتلاء في جميع هذه الصور عن معارضة جريانه في الطرف الآخر
لا يقال هذا انما يتم لو كان المانع عن
جريان الأصول معارضتها في موارد الابتلاء بالمثل واما لو قلنا باختصاص أدلتها بغير ما لو علم التكليف اجمالا فلا فرق بين كون
جميع أطراف المعلوم بالاجمال موردا للابتلاء أم لا لأنا نقول مرجع دعوى الاختصاص إلى أنه لا يفهم من مثل قوله (ع) كل شئ طاهر حتى تعلم أنه
قذر حكم الشبهة المقرونة بالعلم حيث إن النجاسة فيها معلومة وهذه الدعوى مسلمة فيما إذا كان العلم الاجمالي مانعا من استفادة حكم
48

مورد الشبهة من عمومات الأدلة وهذا لا يكون الا إذا كانت الأطراف بأسرها موردا للابتلاء الا ترى أنه لو كان أوان متعددة في مورد
الابتلاء المكلف فاشتبه طاهرها بنجسها لظلمة ونحوها لا يلتفت ذهنه إلى ملاحظة كل واحد واحد منها على سبيل الاستقلال حتى يحمل عليه حكم الشبهة
بل يرى نفسه عالما بنجاسة مرددة بين الأواني واما إذا لم يكن بعض الأطراف موردا لابتلائه فلا يعتنى بعلمه أصلا بل ربما لا يلتفت إليه وانما
يلاحظ ما هو محل حاجته فيريه شبهة ويتمسك في تشخيص حكمه بعموم قوله (ع) كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر فما ادعيناه من سلامة الأصل في
هذه الموارد عن المعارض هو التحقيق الذي لا محيص عنه كما يشهد به ما استقر عليه سيرة المتشرعة على ما هو المغروس في أذهانهم المجبول عليه
طباعهم هذا كله فيما إذا كان خروج بعض الأطراف عن مورد التكليف المنجز قبل حصول العلم الاجمالي واما لو خرج بعد العلم كان أريق
أحد الإنائين في موضع نجس أو اضطر إلى ارتكابه بعد العلم فلا لتنجز الخطاب بالاجتناب بمجرد حصول العلم فلا بد من ترك جميع المحتملات
تحصيلا للقطع بالفراغ عن عهدة التكليف ومجرد إراقة بعض الأطراف وخروجه عن مورد الابتلاء لا يوجب رفع اليد عن التكليف
المنجز لا لاستصحاب وجوب الاجتناب كما توهم بل لحكومة العقل بوجوب الاجتناب بعد الإراقة كحكمه به قبلها ضرورة ان المناط في حكم العقل
بوجوب الاجتناب عن كل من الأطراف بعد العلم بأصل الخطاب انما هو احتمال كون كل طرف هو النجس المعلوم وهذا المناط موجود بعد
الإراقة أيضا بالنسبة إلى الطرف الباقي وانما المرتفع هو نفس العلم لا اثره وكيف لا والا لجاز ارتكاب أطراف الشبهة بإراقة مقدار
الحرام اختيارا مع أن من المعلوم بديهة عدم مدخلية إراقة البعض في جواز ارتكاب الباقي وعدم الفرق بين الإراقة أو العزم على ترك
الارتكاب وقد بينا عدم جواز الارتكاب في الصورة الثانية فكذا الأولى نعم لو حصل له العلم التفصيلي أو دل دليل معتبر بعد أن علم
اجمالا بطرو نجاسة في أحد الأواني بكون بعض الأطراف حين حصول العلم خارجا عن مورد التكليف المنجز كما لو علم تفصيلا أو شهدت
البينة على أن هذا الاناء الذي علم اجمالا بوقوع قطرة بول فيه أو في غيره خمر يلغو اثر العلم الاجمالي وان اعتقد حال حصوله تنجز التكليف
لان العلم اللاحق كاشف عن خطائه في اعتقاد التنجز وبما أشرنا إليه ظهر لك ان المناط في ارتفاع اثر العلم الاجمالي انما هو قيام الطريق
على كون بعض الأطراف خراجا عن مورد التكليف المنجز سواء ارتفع بذلك العلم الاجمالي أم بقي على اجماله كما في المثال لا على ارتفاع نفس العلم
الاجمالي كما قد يتوهم والا لاشكل الامر في كثير من الموارد التي ليس التعرض لها مناسبا للمقام فليكن على ذكرك كي ينفعك في تلك الموارد
* (وقد) * ظهر بما ذكرنا ما في كلام السيد في المدارك بعد قول المصنف [ره] ولو اشتبه الاناء النجس بالطاهر وجب الامتناع منهما قال هذا مذهب
الأصحاب والمستند فيه ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدرى
أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال (ع) يهريقهما ويتيمم وهي ضعيفة السند بجماعة من الفطحية واحتج عليه في المختلف أيضا فان اجتناب النجس
واجب قطعا وهو لا يتم الا باجتنابهما معا ومالا يتم الواجب الا فهو واجب وفيه نظر فان اجتناب النجس لا يقطع بوجوبه الا مع تحققه بعينه
لامع الشك فيه واستبعاد سقوط حكم هذه النجاسة شرعا إذا لم تحصل المباشرة بجميع ما وقع فيه الاشتباه غير ملتفت إليه وقد ثبت نظيره
في حكم واجدي المنى في الثوب المشترك واعترف به الأصحاب في غير المحصور أيضا * (والفرق) * بينه وبين المحصور غير واضح عند التأمل ويستفاد
من قواعد الأصحاب انه لو تعلق الشك بوقوع النجاسة في الماء وخارجه لم ينجس بذلك الماء ولم يمنع من استعماله وهو مؤيد لما ذكرناه فتأمل
انتهى * (توضيح) * ما فيه اما أولا فما ذكره من أن الرواية ضعيفة السند ففيه انه أو بنى على طرح مثل هذه الرواية التي هي من الموثقات المعمول بها
عند الأصحاب من غير استثناء كما اعترف به في صدر كلامه وصرح به المحقق والعلامة في محكى المعتبر والمنتهى فقلما يبقى لنا في الفقه مدرك
سليم كمالا يخفى * (و) * ثانيا فما أورده على العلامة من عدم القطع بوجوب الاجتناب عن النجس ما لم يكن معلوما بعينه * (ففيه) * ما عرفت من استقلال
العقل بوجوب الاجتناب بعد تسليم كون الحكم مطلقا على النجس الواقعي كما هو مقتضى ظواهر الأدلة بل قد
عرفت عدم امكان ترخيص الشارع
بالارتكاب الا بعد التصرف في موضوع حكمه الشرعي نعم له الترخيص في ارتكاب بعض المحتملات والاقتصار على الموافقة الاحتمالية في مقام الامتثال
ولكنه لابد في الاقتصار عليه في مقام الامتثال من ثبوت الرخصة من الشارع وهي ممنوعة في الشبهات المحصورة وقد بين ذلك مستقضى لا الأصول
واما ثالثا فما ذكره من النقض بواجدي المنى ففيه ما عرفت من عدم تنجز التكليف بالنسبة إلى كل منهما في مثل هذا الفرض الخروج الطرف الآخر في
حق كل منهما عن مورد ابتلائه فالأصل في حق كل منهما سليم عن المعارض واما تشبيهه بالشبهة الغير المحصورة مع عدم ظهور الفرق بينهما * (ففيه) * ان
الفرق بينهما في غاية الوضوح من وجوه * (منها) * ان كثرة المحتملات تورث الوهن في احتمال مصادفة كل فرد من افرادها للحرام الواقعي المانع من
استقلال العقل بوجوب الترك مراعاة لهذا الاحتمال ما نشاهد بالوجدان من عدم استقلال العقل بلزوم التحرز عن أطعمة بلد يعلم بإصابة
سم قاتل لفرد من افرادها بخلاف ما لو تردد السم بين إنائين أو ثلاثة أو أربعة فكثرة المحتملات توجب خروج العلم الاجمالي عن صلاحية كونه بيانا
للحرام المحتمل الا ترى أنه لو نهى المولى عبده عن شرب مايع معين واشتبه في الف اناء من الماء فشرب العبد أحدها وصادف الحرام لو عاتبه المولى
49

بقوله لم عصيتني للعبد ان يعتذر بجهله فلو احتج المولى عليه بعلمه الاجمالي له أن يقول امن أجل اناء واحد حرم على جميع ما في الأرض وهذا
الجواب منه مرضى عند العقلاء بخلاف ما لو اشتبه في إنائين فلا يقبل عذره بالجهل ويرشدك إلى ما ذكرناه ما عن محاسن البرقي عن أبي
الجارود قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الجبن فقلت أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة فقال امن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم
جميع ما في الأرض فما علمت أنه فيه الميتة فلا تأكله وما لم تعلم فاشتر وكل وبع الخبر فإنه كالصريح في كون الجهل عند كثرة المحتملات عذرا وان
الالتزام بالتحرز عن جميعها من المستنكرات عند العقلاء وخروج بعض أطراف الشبهة في مورد الرواية عن محل الحاجة لا ينافي ظهورها
في المطلوب كمالا يخفى على التأمل ومنها خروج أكثر افرادها في كثير من مصاديقها عن مورد ابتلاء المكلف وقد عرفت عدم وجوب الاجتناب على
هذا التقدير في المحصور فيمكن تنزيل كلام الأصحاب على هذه الافراد الغالبة وعلى تقدير ارادتهم العموم فالاجماع هو الفارق بين المقامين
وقد عرفت امكان الترخيص في البعض الذي لا يستلزم ارتكابه مخالفة قطعية وهذا المعنى يستفاد من الاجماع في غير المحصور دون غيره واما
جواز ارتكاب الجميع فلا نسلمه خصوصا مع العزم عليه من أول الأمر نعم مقتضى الوجه الأول جواز ارتكاب الجميع في الجملة لا عن قصد سابق وكيف
كان فالفرق بين الشبهتين في غاية الوضوح * (واما) * ما استفاده من قواعد الأصحاب [الخ] ففيه ان مورد كلامهم ما إذا كان خارج الماء خارجا
عن مورد الابتلاء والا فلو كان مما يبتلى به المكلف كما إذا كان الخارج موضع سجوده فلا ريب في أن
المستفاد من قواعدهم وجوب الاجتناب
لا عدمه وبما ذكرناه ظهر أيضا ان ما ذكره صاحب الحدائق ردا على ما استنهضه صاحب المدارك مؤيد المختارة بقوله * (أقول) * وجه الفرق بين
ما نحن فيه وما فرضه [قده] ممكن فان مقتضى القاعدة المستفادة من الاخبار بالنسبة إلى الاشتباه في المحصور ان يكون افراد الاشتباه أمورا معلومة
معينة بشخصها وبالنسبة إلى غير المحصورة أن لا يكون كذلك وما ذكر من المشار إليها انما هو من الثاني لا الأول على أن القاعدة المذكورة انما
تتعلق بالافراد المندرجة تحت مهية واحدة والجزئيات التي تحويها حقيقة واحدة فإذا اشتبه ظاهرها بنجسها وحلالها بحرامها فيفرق فيها بين المحصور
وغير المحصور بما تضمنه تلك الأخبار لا وقوع الاشتباه كيف كان انتهى لا يخلو عن نظر توضيحه ان ما ذكره فارقا بين المقامين أولا بتنزيل حكم
الأصحاب على الشبهة الغير المحصورة * (ففيه) * ان مورد حكم الأصحاب اما أعم أو مخصوص بالشبهة المحصورة لان أطراف الشبهة في مفروضهم عادة
لا تتعدى عما يقرب من الاناء وفي مثله لا تندرج الشبهة في غير المحصورة وما ذكره ثانيا من اختصاص الحكم بوجوب الاجتناب فيما إذا كانت
الافراد مندرجة تحت مهية واحدة * (ففيه) * مع أنه لا انضباط لها في حد ذاتها إذ لم يعلم وحدتها نوعا أو صنفا أو جنسا قريبا أو بعيدا ما
عرفت من أن المناط صحة توجيه الخطاب المنجز لا غير ولعل الذي حمله على هذا الفرق هو خروج غير المتشابه غالبا من مورد التكليف المنجز فبعد
ان راجع وجدانه ولم ير استقلال العقل بوجوب الاجتناب في مثله زعم أن المناط تغاير المهيتين غفلة عن صورة الابتلاء وتنجز الخطاب وإلا فلا
يظن به تجويزه الارتكاب فيما لو سئل عن حكم ما لو تردد الامر بين وقوع القطرة من البول في الماء الذي يتوضأ منه أو ثوبه الذي يصلى فيه وكيف
كان فلا يخفى ما فيه بعد وضوح المناط
* (الأمر الثاني) * انك قد عرفت فيما سبق تلويحا وتصريحا ان المعيار في الابتلاء وعدمه استهجان توجيه
الخطاب المنجز عرفا بالنسبة إلى المكلف وعدمه وكذا الكلام في كون الشبهة محصورة أو غير محصورة كون المحتملات من الكثرة بمكان لا يلتفت العقل
بالنسبة إلى كل واحد من الأطراف إلى العلم الاجمالي ولا يعتنى بالنظر إليه إلى احتمال كونه هو المحرم الواقعي في الالزام بالتحرز عن المضرة المحتملة
ولكنك خبير بان موارد الاشتباه في كلا الموردين في غاية الكثرة الا ان الوجدان التسليم والطبع المستقيم اعدل شاهد في تشخيص المصاديق
ولعله كثيرا ما يرتفع الاشتباه بمراجعة الوجدان الا ترى ان المغروس في أذهان عوام المتشرعة عدم وجوب الاجتناب عن الشبهات ما لم يعلم
نجاستها فلا يلتفتون إلى الشكوك البدوية أصلا ومع ذلك لو وقعت قطرة بول بين المايعات الموجودة بين أيديهم في معرض ابتلائهم فإنهم لا يبادرون
إلى تناول شئ منها حتى يسئلوا عن حكمها ففي مثل هذه الموارد يعلم أن للعلم اثرا بالنسبة إلى الأطراف وهذا بخلاف ما لو كان بعض الأطراف
خارجا عن مورد تكليفهم المنجز كما لو دار الامر بين وقوعه في انائه أو على ارض نجسة أو على ثوب شخص اخر فإنهم لا يلتفتون إلى العلم الاجمالي أصلا
ولا ينظرون الا إلى الطرف الذي هو مورد ابتلائهم ويقنعونه في دفع التكليف عن أنفسهم بمجرد إبداء الاحتمال بوصول القطرة الواقعة على غير
مورد ابتلائهم ويمكن ان يفرق بين الشبهة المحصورة وغيرها ببيان آخر ربما يلوح من كلام صاحب الحدائق في عبارته المتقدمة وهو انه إذا
كان الحرام المحتمل مرددا بين أمور معينة متعارضة كهذا وذاك وذاك وهكذا فهي محصورة محدودة وإن لم يكن كذلك بان يكون احتمال حرمة
كل من الأطراف معارضا لدى العقل في بادي رأيه باحتمال حرمة ما عداه على سبيل الاجمال من دون التفاته إلى سائر الافراد مفصلا على
وجه يكون الحرام المحتمل مرددا بين هذا وهذا وذاك فهي غير محصورة * (وكيف) * كان فان ارتفع الشك بمراجعة الوجدان فهو والا فهل يجب
الاجتناب لثبوت المقتضى للعقاب وعدم استقلال بالعقل بالمعذورية فيجب التحرز دفعا للعقاب المحتمل أم لا لأن الشك فيه يرجع إلى الشك في
التكليف المنجز الأصل عدمه عقلا ونقلا وجهان * (أقواهما) * الأول لما ذكرنا من وجود المقتضى وهي اطلاقات الأدلة الواقعية وعدم المانع
50

* (ان قلت) * انها مقيدة بالابتلاء فالتمسك بها في مورد الشك من قبيل التمسك بعموم العام في الشبهات المصداقية وهو غير جائز
* (قلت) * التقييد بالابتلاء في مقام التنجز من القيود العقلية فلا بد من الاقتصار في التقييد على ما يستقل به العقل وليس لنا عنوان لفظي حتى
يؤخذ بعموم اللفظ ويحكم في مصاديقه بنفي الحكم وبعبارة أخرى العقل لا يخرج عن تحت العمومات الأدوات المصاديق واما العناوين العامة
فلا حكم لها في حكمه حتى يؤخذ بعمومها وتفحص عن مصاديقها ففي موارد الشك لا بد من الرجوع إلى حكم العام فلو قال الشارع حج ان استطعت وشك
في الاستطاعة يرجع إلى أصل البراءة للشك في حصول شرط الوجوب وهذا بخلاف القدرة التي هي شرط عقلا فإنه لو شك في حصولها لا يرفع اليد
عن عموم الأدلة بل لا بد من السعي في مقدما به حتى يظهر العجز وسره ما أشرنا إليه من أن الخارج عن تحت أدلة التكاليف الواقعية انما هو العاجز الواقعي
بأشخاصه لا بعنوانه ولا يحكم العقل بالمعذورية الا بعد احرازه العجز وما لم يحرزه فالمرجع أصالة العموم ومجرد احتمال كونه من المصاديق التي
يكون فيها معذورا بحكم العقل لا يوجب رفع اليد عن المقتضيات الثابتة بالأدلة العامة هذا مع أن التقييد فيما نحن فيه ليس بالنسبة إلى
الأدلة الواقعية حتى يتوهم كونه من قبل الشبهات المصداقية بل مرجعه إلى كون الجهل عذرا في مقام الامتثال فلا بد من احراز
المعذورية والا يجب الاجتناب عقلا تحرزا عن العقاب المحتمل * (فلاحظ) * وتدبر فيما ذكرناه فإنه دقيق نافع جدا
* (الأمر الثالث) * مقتضى اطلاق النص ومعاقد الاجماعات وجوب التيمم مع انحصار الماء في المشتبه بين سواء أمكن الجمع بينهما بحيث يقطع بوقوع صلاته
مع الطهارة الواقعية حدثا وخبثا أم لا فهل هذا الحكم باطلاقه على وفق القاعدة ليتعدى إلى مالا يشمله النص أم لا والتحقيق انه ان
قلنا بحرمة الطهارة بالنجس حرمة ذاتية فلا تأمل في وجوب التيمم مطلقا لا لمجرد تغليب جانب الحرمة كما حكى عن غير واحد حتى يتكلف في
توجيهه في خصوص المقام على المختار من لزوم تغليب ما هو الأهم شرعا لا خصوص جانب الحرمة بل لان ارتكاب المحرم محظور شرعا والمانع
الشرعي كالعقلي فينتقل الفرض إلى التيمم والوضوء انما وجب في حال الاختيار فلا يزاحم تكليفا اخر محرما كان أم واجبا الا ان يكون ذلك
الواجب أيضا كالوضوء مما له بدل اضطراري فيتزاحمان وان قلنا بان حرمتها تشريعية لا ذاتية كما هو الظاهر فمقتضى القاعدة وجوب الطهارة
بهما كالمشتبه بالمضاف فيجب عليه الاحتياط بان يتوضأ بأحدهما ويصلى عقيبه ثم يتوضأ بالماء الاخر بعد غسله ما اصابه الماء الأول بالثاني
فيصلى صلاة أخرى احتياطا فيقطع بذلك بصدور صلاة مقترنة بالطهارة الواقعية عن الحدث والخبث ويمكن الاقتصار على صلاة
واحدة عقيب الطهارتين لان البدن محكوم بالطهارة شرعا لما سيأتي تحقيقه من أن الجسم الملاقي لاحد المشتبهين طاهر ومن المعلوم أنه
لا اثر للملاقاة الحاصلة في ضمن الطهارة الأولى بعد غسل موضع الملاقاة بالماء الثاني وتأثير الماء الثاني في نجاسته مشكوك و
الأصل عدمها هذا إذا لم نقل باستصحاب النجاسة المتيقنة الحاصلة بملاقاة النجس اما لسقوطه رأسا في مثل المقام أو لمعارضته
باستصحاب الطهارة المتيقنة الثابتة حال الوضوء بالماء الطاهر والا فلو بيننا على استصحاب النجاسة في مثل المقام عكس المسألة
الآتية فلا بد من الاحتياط بفعل الصلاة عقيب كل وضوء ولا ينافي الحكم بنجاسة بدنه شرعا بعد الوضوء الثاني جواز اتيانه بالصلاة
عقيبه من باب الاحتياط لأنه لا يحتمل اشتغال ذمته بالصلاة الا على تقدير طهارة بدنه وحيث يحتمل طهارة بدنه واشتغال ذمته
له ان يأتي بها بقصد الاحتياط إذ يكفي في حسن الاحتياط مجرد الاحتمال وبعد ان اتى بها احتياطا يقطع بصحة احدى الصلاتين و
كونها واجدة لشرائطها المعتبرة فيها * (إذا عرفت) * ذلك علمت أنه يمكن تنزيل النص ومعاقد الاجماعات لأجل تطبيقها على القاعدة
على ما إذا تعذر أو تعسر عليه الاحتياط كما هو الغالب في موارد الانحصار فلا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين الطهارة بالمائين
بالكيفية المذكورة والتيمم والله العالم * (الأمر الرابع) * لو غسل ثوب نجس بأحدهما فالأقوى بقاء نجاسته للأصل واما لو غسل
بهما متعاقبا فالأظهر طهارته للقطع بزوال نجاسته السابقة وتنجسه بالماء النجس غير معلوم لاحتمال غسله به أولا فلا يؤثر فيه
فالماء المتنجس مردد بين وقوعه على محل نجس فلا حكم له وبين وقوعه على محل طاهر فيؤثر فيه النجاسة
* (وقد) * عرفت أنه لا اثر للعلم الاجمالي
إذا كان بعض أطرافه خارجا عن مورد التكليف المنجز فحاله كحال ما لو غسل بماء معلوم الطهارة وعلم اجمالا بوصول قطرة بول
إليه اما قبل الغسل أو بعده ومن المعلوم أنه لا يلتفت إلى هذا العلم أصلا فكذا فيما نحن فيه هذا * (ولكن) *
الانصاف ان استصحاب الطهارة
في مثل المقام مشكل لامكان ان يقال إن الطهارة وان كانت معلومة اجمالا ولكن النجاسة الثابتة له عند ملاقاة الماء النجس
أيضا معلومة فكما أن الطهارة غير معلوم زوالها فكذا هذه النجاسة المتيقنة أيضا غير معلوم زوالها ولا تتوقف معارضة الأصلين
على كون العلم بالنجاسة مؤثرا في تنجيز خطاب جديد بل يكفي فيها كون المعلوم بالاجمال موجبا لاحراز تكليف محقق حال ملاقاة النجس
إذ المدار في وجوب الامتثال على ثبوت التكليف لا على حدوثه ولا يقاس ما نحن فيه بما إذا علم بوقوع قطرة بول على أحد ثوبين
يعلم بنجاسة أحدهما تفصيلا لان تعدد الموضوع موجب لسلامة الأصل في غير الثوب النجس عن المعارض وهي سبب السقوط اثر العلم
51

وهذا بخلاف ما نحن فيه فان المفروض فيه أنه نعلم بطرو حالتي الطهارة والنجاسة على الثوب الواحد الشخصي فكما انه يصح ان يقال إن هذا
الثوب علم بحصول طهارة له ولم يعلم زوالها كذلك يصح ان يقال هذا الثوب على بنجاسته ووجوب الاجتناب عنه حال ملاقاته للماء النجس
ولم يعلم زوالها وإن شئت قلت في الفرق بين المقامين ان لنا فيما نحن فيه وراء ما نعلمه بالتفصيل أعني نجاسة الثوب قبل الغسلتين علما
اجماليا بنجاسة مرددة بين كونها بعد الغسلة الأولى أو الثانية واثره وجوب الاجتناب عن هذا النجس المعلوم بالاجمال وكون الثوب
قبل الغسلتين معلوما بالتفصيل نجاسته أجنبي عما يقتضيه هذا العلم من الأثر وهذا بخلاف المثال فان العلم بوصول القطرة إلى أحد
الثوبين لا يؤثر في حصول العلم بنجاسة غير ما نعلمها بالتفصيل وكذا * (في المثال) * الذي أوردناه نقضا وهو ما لو علم اجمالا بوصول قطرة
بول إلى الثوب النجس قبل غسله أو بعده حيث إنه لا يتولد من علمه الاجمالي علم بنجاسة مرددة حتى يجب عليه التحرز عنها لأنه يعلم تفصيلا
نجاسته قبل الغسل وطهارته بعده ونجاسته بعد الطهارة المتيقنة مشكوكة رأسا غاية الأمر ان شكه مسبب عن العلم بحدوث بما يقتضى
النجاسة على تقدير صلاحية المحل للانفعال وهي مشكوكة في الفرض هذا ولكن التحقيق ان استصحاب الطهارة الثوب في هذا المثال
أيضا يعارضه استصحاب النجاسة المتيقنة حال إصابة القطرة وانما نحكم بطهارته لأجل القاعدة ولذا لا نقول بطهارة من وجد في
ثوبه منيا وشك في خروجه قبل الغسل أو بعده مع أنه نظير هذا المثال ووجهه انه لا يعتبر في الاستصحاب الا كون المستصحب معلوم الثبوت
ومشكوك الارتفاع ولا شبهة في أن هذا الثوب كان عند إصابة القطرة نجسا ولا نعلم بارتفاع هذه النجاسة وكونه في بعض أحواله معلوم
النجاسة بالتفصيل غير ضائر في استصحاب هذه النجاسة المعلومة بالاجمال ولذا لو شك في تأثير الغسل المتيقن في إزالة النجاسة ولم يمكن لنا
التشبث باستصحاب النجاسة المعلومة بالتفصيل لابتلائه بالمعارض نتشبث بهذا الاستصحاب في اثبات نجاسته مثلا لو علم اجمالا ببطلان
غسل هذا الثوب أو غسل ثوب نجس آخر فاستصحاب النجاسة السابقة المعلومة قبل الغسل معارض بالمثل استصحاب النجاسة المعلومة بالاجمال
عند إصابة القطرة سليم عن المعارض والحاصل ان عدم كون العلم الاجمالي مؤثرا في تنجيز تكليف انما ينفع في جريان الأصل المنافى
له في بعض أطراف الشبهة مما هو مورد ابتلاء المكلف لا انه لو شك في بقاء ذلك المعلوم بالاجمال واحتيج إلى استصحابه لم يجر استصحابه
فالمانع عن جريانه في المثال كما في ما نحن فيه ليس إلا ابتلائه بمعارضة استصحاب الطهارة المتيقنة بعد الغسل وقد يقال فيما نحن فيه أن
الثوب بعد الغسل بالمائين المشتبهين محكوم بالنجاسة بدعوى أن نجاسة هذا الثوب عند غسله بالماء الثاني في أول زمان الملاقاة
معلومة بالتفصيل وكونها بسبب سابق على الغسل بالماء الثاني غير معلوم فتأثير هذه الغسلة في زوال النجاسة الثابتة حال الملاقاة
غير معلوم فالأصل بقائها وفيه أن هذه الدعوى معارضة بان حصول طهارة لهذا الثوب بعد تمام الغسلتين معلوم اجمالا وسبقها
على أول زمان الملاقاة غير معلوم فالأصل بقائها ولا فرق في المستصحب بين كونه معلوما بالاجمال أو بالتفصيل حتى يصلح فرض النجاسة
في أول زمان الغسلة الثانية معلومة بالتفصيل مانعا عن استصحاب الطهارة فلا محيص عن معارضة كل من الأصلين بالاخر وتساقطهما نعم
يمكن ان يمنع الاستصحاب رأسا في مثل المقام بدعوى انا نعلم تفصيلا بان الغسل بالماء الثاني اثر في المحل اثرا شرعيا ضد ما كان له سابقا
ولكنه نشك في أنه هل اثر فيه الطهارة أو النجاسة ولا يمكن تعيين ما حدث بالأصل والشك فيه مسبب عن الشك في طهارة الماء
ونجاسته وحيث لا أصل يحرز به شئ من الوصفين للماء كما هو المفروض فلا بد من الرجوع إلى الأصل الجاري في نفس المسبب وهي قاعدة
الطهارة لا استصحابها إذ ليس للمحل حالة سابقة متيقنة حتى تستصحب وسيمر عليك في مسألة من تيقن الطهارة والحدث وشك في
المتأخر منهما بعض ماله ربط تام بالمقام فتبصر
* (الأمر الخامس) * لو لاقى أحد المشتبهين جسم طاهر فمقتضى الأصل طهارته هذا
إذا لم يكن للاخر أيضا ملاق في عرض هذا الملاقي والا يجب الاجتناب عن الملاقيين أيضا للعلم الاجمالي بنجاسة أحدهما بملاقاة
النجس الواقعي فالأصل في كل منهما معارض لجريانه في الاخر وكذا يشترط في عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي عدم قيامه مقام الملاقي بالفتح
في كونه طرفا للعلم الاجمالي المنجز للتكليف كما لو فقد الماء الملاقي بالفتح قبل حصول العلم الاجمالي وتنجز الخطاب بالاجتناب فإنه بعد أن علم أن
الماء المفقود الذي لاقاه ثوبه الطاهر مثلا كان طرفا للشبهة يعلم اجمالا بان الطرف الآخر اما نجس أو ثوبه متنجس فيجب الاجتناب عن كليهما
لعين ما مر * (ان قلت) * ما الفرق بين وجود الملاقي بالفتح وفقده حتى الزمت بوجوب الاجتناب عن ملاقيه في الصورة الثانية دون الأولى
* (قلت) * إذا علمنا اجمالا ان أحد الإنائين ماء والاخر خمر واشتبها ولاقى أحدهما جسم طاهر وكان المجموع بين أيدينا في محل الابتلاء فلا شبهة
في تنجيز الخطاب باجتناب عن الخمر المقتضى الوجوب الاجتناب عن كل من الإنائين بحكم العقل دفعا للضرر المحتمل في كل منهما وليس مقتضى حكم
العقل وكذا الأدلة السمعية الواردة في هذا الباب الا وجوب ترتيب الأحكام الشرعية التكليفية الثابتة لذات الخمر على كل واحد من الإنائين
من باب الاحتياط واما الالتزام بالآثار بالوضعية الثابتة للموضوعات الواقعية فلا فليس على من شرب أحد الإنائين حد الخمر ولا غسل
52

فمه لأجل النجاسة لان استحقاق الحد وكذا وجوب غسل الملاقي انما هو من اثار الخمر الواقعية لا من اثار ما يجب تركه الاحتمال كونه خمرا فتنجز
الخطاب باجتنب عن ملاقي الخمر فرع احراز الملاقاة لها وهي مشكوكة واما علمه الاجمالي بان الثوب اما ملاق للخمر أو ان ذلك الاناء الاخر
خمر فلا اثر له مع وجود الملاقي بالفتح السلامة الأصل في بعض أطرافه وهو الثوب عن المعارض لان الأصل في الاناء لأجل معارضته بالأصل
الجاري في الملاقي سقط عن حد المعارضة * (وان) * شئت قلت إنه لا اثر لهذا العلم الاجمالي لخروج بعض أطرافه عن صلاحية خطاب منجز بالاجتناب
وهو الاناء الاخر ووجه خروجه عن الصلاحية ثبوت الحكم بالاجتناب عنه بسبب سابق طبعا ورتبة وهو العلم الاجمالي الأول الذي هو سبب
لهذا العلم الاجمالي المفروض وليس الثوب الملاقي في عرض الاناء الذي لاقاه حتى يجعل الأصول الجارية في جميعها من المتعارضات بل
الشك في نجاسة الثوب مسبب عن الشك في نجاسة الملاقي وقد تقرر في محله ان الشك السببي والمسببي ليسا في مرتبة فان الأصل السببي حاكم
على الأصل المسببي فان جرى السببي لم يجر المسببي وإن لم يجر السببي بعض العوارض كابتلائه بالمعارض كما فيما نحن فيه يرجع إلى الأصل
المسببي وهو استصحاب طهارة الثوب وبهذا ظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين ما لو اشتبه اناء ثالث بأحد الإنائين أو قسم أحدهما قسمين
لان الأصول الجارية في جميعها على هذين التقديرين متعارضة بخلاف ما نحن فيه كما أنه ظهر الوجه في التفصيل بين فقد الملاقي قبل تنجز
الخطاب أو بعده لخروج الشك السببي بفقده عن مجرى الأصول فيقوم المسبب مقامه في المعارضة بخلاف الصورة الثانية * (فلاحظ) * وتدبر
فان هذه التفاصيل وان كانت مما يستبعدها القاصر في بادي رأيه الا ان الفهم القويم والطبع المستقيم يشهد عليها بل يرى الوجدان
السليم سلوك العقلاء عليها بمقتضى جبلتهم من حيث لا يشعرون وكيف كان فلا يهمنا الإطالة في رفع الاستبعاد عن التفصيل بين فقد
الملاقي قبل العلم أو بعده بعد مساعدة الدليل والله العالم
* (الطرف) * الثاني في الماء المضاف وهو كل ماء لا يستحق اطلاق اسم الماء
عليه عرفا على الاطلاق وانما يستحق اطلاق اسم الماء عليه بعد اضافته إلى شئ آخر إضافة الفرع إلى أصله أو إضافة الجزء إلى كله لا إضافة
المظروف إلى ظرفه أوما يشابهها من الإضافات التي لا ينافيها استحقاق الاطلاق كماء النهر والبحر بل كإضافة الماء الذي اعتصر من
جسم محتو عليه أصالة إلى ذلك الجسم كماء العنب والحصرم والليمو لا بالعرض كالمعتصر من الصوف أو القطن الذي اصابه الماء أو كإضافته
إلى ما يتصعد منه كماء الورد أو إلى ما مزج به مزجا يسلبه اطلاق الاسم كماء الزعفران والحاكم بصحة السلب وعدمها هو العرف كما عن المشهور
فلا عبرة بكمية أحدهما كما عن المبسوط من تحديده بعدم أكثرية المضاف وعن القاضي المنع عن استعماله في التطهير مع التساوي تمسكا
بالاحتياط في مقابل تمسك الشيخ بأصالة الجواز وكذا لا عبرة بالتقدير كما عن العلامة بعد موافقة المشهور على اعتبار الصدق
العرفي حيث اعتبر في خلط المضاف المسلوب الصفات كمنقطع الرائحة من ماء الورد تقديرها وحكى عنه تقدير الوسط منها
دون الصفة الشخصية الموجودة قبل السلب وفيه كسابقيه ما أشرنا إليه من أن المرجع في تشخيص الموضوعات التي ليس لها
حقيقة شرعية هو الصدق العرفي فلا مسرح للتشبث بالأصول والقواعد في مقابله * (نعم) * لو اختفى الصدق العرفي بحيث حصل
الشك في اندراج هذا الفرد تحت المطلق أو المضاف يجب الرجوع [ح] في تشخيصه إلى ما يقتضيه الأصل الموضوعي إن أمكن تعيين أحد
الموضوعين بالأصل كما لو شك في إضافة الماء باختلاطه بالمضاف أو شئ من الجوامد من تراب ونحوه شيئا فشيئا أوشك في اطلاق
المضاف لامتزاجه بالمطلق شيئا فشيئا على وجه يعد المشكوك بنظر العرف بعد المسامحة العرفية عين الموضوع الذي كان في السابق
ماء مطلقا أو مايعا مضافا المرجع [ح] استصحاب حالته السابقة دون الأصول الجارية في نفس الاحكام لحكومته عليها * (نعم) *
قد يناقش في الاستصحاب الموضوعي في مثل هذه الموارد بتبدل الموضوع ويدفعها مسامحة العرف في بعض الصور وقد تحقق في
محله ان المدار في احراز الموضوع في الاستصحاب على المسامحة العرفية ولذا لا يتأملون في استصحاب القلة والكرية إذا زيد أو
نقص الماء بمقدار غير معتد به عرفا وكيف كان فان أمكن احراز شئ من الموضوعين بالأصل فهو والا يجب الرجوع إلى الأصول
الجارية في نفس الأحكام المترتبة عليهما فلو غسل به ثوبا نجسا أو توضأ منه لم يطهر ثوبه ولا يرتفع حدثه لان الأصل بقائهما
وهل يحكم بنجاسته بملاقاة النجس لو كان كثيرا وجهان أقواهما الطهارة لقاعدتها واختار شيخ مشايخنا المرتضى [ره]
الأول نظرا إلى أن ملاقاة النجس مقتضية لتنجيس ملاقيه واطلاق الماء ككثرته من قبيل الموانع فلا يلتفت إلى احتمال وجوده
بعد احراز المقتضى * (وفيه) * ما عرفت غير مرة من عدم كفاية احراز المقتضى في الحكم بثبوت المقتضى ما لم يحرز عدم المانع كما اعترف
به شيخنا [قده] في غير موضع من أصوله نعم قد يتخيل في مثل المقام مما استفيد فيه عموم الاقتضاء من الأدلة
اللفظية ان الشك في
وجود المانع مرجعه إلى الشك في تخصيص تلك العمومات فينفيه أصالة عدم التخصيص التي هي حجة معتمدة عند العرف والعقلاء
كما أشار إليه شيخنا [قده] في مبحث الماء الجاري وسنوضح تقريبه [انش‍] وفيه أنه لو تم فإنما هو في الشبهات الحكمية أعني الشك في مانعية
53

مفهوم كلى لا في الشك في كون الموضوع الخارجي مصداقا لمانع معلوم لما تقرر في محله من عدم جواز التشبث بالعمومات في الشبهات
المصداقية فلو قال أكرم العلماء ثم قال لا تكرم فساقهم وشك في أن زيدا فاسق أم عادل لا يجوز الحكم بوجوب اكرام زيد
لأصالة العموم لان اندراجه تحت عنوان الفاسق لا يستلزم تخصيصا زائدا على ما علم حتى ينفيه أصالة العموم أو أصالة
عدم التخصيص ثم إنه لا فرق بين الماء المضاف وغيره من الأجسام المايعة الطاهرة في جميع الأحكام
فلو أريد بالعنوان يعم
الجميع ولو بنحو من المسامحة لكان أشمل وهو أي الماء المضاف طاهر لو كان المضاف إليه طاهرا كما هو ظاهر لكن لا يزيل حدثا [مط] ولو
اضطرارا بلا خلاف كما عن المبسوط والسرائر بل اجماعا كما عن غير واحد نقله ويدل عليه مضافا إلى الأصل والاجماع رواية أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام في الرجل معه اللبن أيتوضأ منها للصلاة قال لا انما هو الماء والصعيد ورواية عبد الله بن المغيرة عن بعض
الصادقين قال إذا كان الرجل لا يقدر على الماء وهو يقدر على اللبن فلا يتوضأ انما هو الماء والتيمم وظهورهما في الانحصار
لا ينكر * (ويدل) * عليه أيضا الامر بالتيمم مطلقا في الكتاب والسنة عند فقدان الماء * (و) * يؤيده اطلاقات الأخبار الواردة في باب الطهارات وما
دل منها ومن الكتاب العزيز على أن الله تعالى خلق الماء طهورا الواردة في مقام الامتنان المشعرة بانحصار المطهر فيه فلا يعارضها خبر
محمد بن عيسى عن يونس عن أبي الحسن (ع) عن الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة قال لا بأس به بعد اعراض الأصحاب عنه وموافقته
للعامة وان كان أخص مطلقا وقد أفتى الصدوق بمضمونه ولكنه لا يخرجه عن الشذوذ حتى يصلح مستندا للحكم خصوصا مع ضعف
سنده قال الشيخ [ره] في التهذيب انه خبر شاذ شديد الشذوذ وان تكرر في الكتب والأصول فإنما أصله يونس عن أبي الحسن عليه السلام
ولم يروه غيره وقد اجتمعت العصابة على ترك العمل بظاهره * (انتهى) * وعن الذكرى ان قول الصدوق يدفعه سبق الاجماع وتأخره ومعارضته
الأقوى انتهى * (واما) * ما ورى من أن النبي صلى الله عليه وآله توضأ بالنبيذ فهي لو لم تكن تقية محمولة على ما بينه الصادق (ع) في رواية الكلبي النسابة حين
سئله عن النبيذ فقال (ع) حلال فقال انا ننبذ فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك فقال (ع) شه شه تلك الخمرة المنتنة قلت جعلت فداك فأي
نبيذ تعنى فقال إن أهل المدينة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تغير الماء وفساد طبايعهم فامرهم ان ينبذوا وكان الرجل يأمر خادمه
ان ينبذ له فيعمد إلى كف من تمر فيقذف به في الشن فمنه شربه ومنه طهوره فقلت وكم كان عدد التمر الذي في الكف قال ما حمل الكف
قلت واحدة أو اثنتين فقال ربما كانت واحدة ربما كانت اثنتين فقلت وكم كان يسع الشن ماء فقال ما بين الأربعين إلى الثمانين
إلى ما فوق ذلك فقلت باي الأرطال فقال أرطال مكيال العراقي وفي رواية أخرى لا بأس بالنبيذ لان النبي صلى الله عليه وآله قد توضأ به وكان ذلك
ما اقد نبذت فيه تميرات وكان صافيا فوقها فتوضأ به ومعلوم ان هذا المقدار من التمر لا يخرجه عن كونه ماء مطلقا فلا اشكال
فيه وعن ظاهر بن أبي عقيل جواز الطهارة بالمضاف عند فقدان الماء ولعل مستنده قاعدة الميسور
* (وفيه) * ما عرفت من النص والاجماع
على انحصار الطهور بالماء والصعيد فعند فقدان الماء يجب التيمم والله العالم ولا يزيل خبثا على الأظهر
عند أكثر أصحابنا كما عن الخلاف
بل هو المشهور شهرة كادت تبلغ الاجماع كما في الجواهر بل الظاهر انقراض الخلاف في هذا العصر بل وكذا في أغلب الاعصار السابقة إذ لم ينقل
الخلاف في هذه المسألة إلا عن السيد والمفيد * (نعم) * ربما يعد المحدث الكاشاني في هذه المسألة من المخالفين ولكنه في غير محله حيث إن خلافه
يتؤل إلى منع كون النجس منجسا بحيث يجب غسل ملاقيه بعد زوال عينه الا فيما ثبت فيه وجوب الغسل بالخصوص كالثوب والبدن فلا يجزى
فيه [ح] الا الماء قال في محكى المفاتيح يشترط في الإزالة اطلاق الماء على المشهور خلافا للسيد والمفيد فجوزا بالمضاف بل جوز السيد تطهير
الأجسام الصيقلية بالمسح بحيث تزول العين لزوال العلة ولا يخلو عن قوة إذ غاية ما يستفاد من الشرع وجوب اجتناب أعيان النجاسات
اما وجوب غسلها بالماء من كل جسم فلا فكل ما علم زوال النجاسة عنه قطعا حكم بتطهيره الا ما اخرج بدليل حيث اقتضى فيه اشتراط الماء
كالثوب والبدن * (و) * من هنا يظهر طهارة البواطن كلها بزوال العين مضافا إلى نفى الحرج ويدل عليه الموثق وكذا أعضاء الحيوان المتنجسة
غير الادمي كما يستفاد من الصحاح * (انتهى) * وهذه العبارة كما تريها مقتضاها عدم انفعال شئ بملاقاة النجس ما عدا الأجسام التي ورد
الامر بغسلها بالخصوص وكفى في فسادها مخالفتها للقاعدة المسلمة المغروسة في أذهان المتشرعة خلفا عن سلف من أن ملاقاة النجس
برطوبة مسرية سبب لتنجيس ملاقيه كما يرشدك إليها التتبع في الاخبار فإنك لا تكاد ترتاب بعد التتبع في أن نجاسة ملاقي البول والخمر
والمنى وغيرها من النجاسات كانت من الأمور المفروغ عنها عند السائلين والأئمة عليهم السلام كانوا يأمرونهم بالتجنب عنه وغسله بالماء
مرة أو مرتين أو ثلثا مع التعفير وبدونه كيف ولو بنى على الاقتصار في حكم كل واحدة واحدة من النجاسات على متابعة النص الوارد فيها
بالخصوص وعدم التخطي عن مورده بالنسبة إلى سائر النجاسات وسائر الأجسام الملاقية لها لاستلزم تأسيس فقه جديد وللزوم التفكيك
بين اثارها حتى في الثوب والبدن والأواني وغيرها من المأكول والمشروب ضرورة انه لم يرد في كل واحدة منها بالنسبة إلى كل واحد
54

من هذه الأشياء نص بالخصوص وكيف كان فلا شبهة في فساد ذلك ومخالفته للاجماع والاخبار الصريحة في أن للبول وغيره من النجاسات
تأثيرا في ملاقيه لا يزول بزوال عينه كيف اتفق بل لابد فيه من الغسل واما نسبة هذا القول إلى السيد فمنشأها بحسب الظاهر الاخذ
بمقتضى بعض ما ذكره السيد وجها لما اختاره من جواز الإزالة بالمايعات حيث قال عند تعداد الأدلة * (ومنها) * ان الغرض من الطهارة
إزالة عين النجاسة وهو حاصل بالمايعات فتخيل ان السيد يلتزم بطهارة الأجسام الصيقلية بزوال العين لزوال العلة وغفل عن أن السيد
لا يلتزم بما يقتضيه هذا الدليل لان مآله حقيقة إلى الالتزام بعدم انفعال شئ بشئ من النجاسات وانما الأحكام الشرعية محمولة على أعيان
النجاسات [مط] حتى في الثوب والبدن فالثوب المتلطخ بالدم لا تصح الصلاة فيه لوجود الدم فيه لا لانفعاله بالدم فيكون حكم
النجاسات [ح] بالنسبة إلى الصلاة حكم فضلات غير المأكول في دوران الحكم مدار وجود عينها وهذا المعنى لو لم يكن باطلاقه
مخالفا لضرورة المذهب فلا أقل من مخالفته للاجماع والسنة ولذا أجاب المصنف [ره] في محكى المعتبر عن هذا الدليل بان نجاسة
البول لا تزول عن الجسد بالتراب باتفاق منا ومن الخصم فظهر لك ان الخلاف في هذا المقام مع السيد انما هو في أن الثوب
المتنجس مثلا الذي ثبت بالنص والاجماع انه لا يطهر بزوال العين منه كيف اتفق هل يكفي في تطهيره الغسل بالمضاف أم يشترط ان
يكون بالماء المطلق * (ويدل) * على المشهور مضافا إلى اطلاقات الاخبار التي لا تتناهى كثرة الآمرة بغسل الثوب والبدن والاناء وغيرها
من المتنجسات بالماء ففي بعضها لا يجزى من البول الا الماء وفي فضل الكلب اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء إلى غير ذلك من الأخبار الخاصة
المستمعة فيما عدا مواردها بعدم القول بالفصل استصحاب الأثر الحاصل في الملاقي بملاقاة النجس المتفق عليه بين الكل حتى
الاخبار بين بل عن المحدث الأسترآبادي عد مثله من ضروريات الدين * (ويدل) * عليه أيضا قوله (ع) في حديث كان بنو إسرائيل إذا أصاب
أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم طهورا وهذه الرواية صريحة
في أن البول يؤثر في ملاقيه تأثيرا معنويا لا يرتفع الا برافع شرعي إذ لو كان اثره تابعا لوجود عينه لما احتاج بنوا إسرائيل إلى المقاريض ولما
كان لجعل الماء طهورا بالنسبة إلى البول معنى فضلا عن أن يكون فيه الامتنان على العباد فتدل الرواية بأتم إفادة على أن البول يؤثر في
ملاقيه تأثيرا يتوقف ازالته على ما جعله الشارع مطهرا وهو الماء ثم إن قلنا بان قصر الحكم على الماء في مقام الامتنان يدل على انحصار المطهر
فيه فهو المطلوب والا فنقول عدم ثبوت وصف المطهرية لغير الماء كاف في الحكم بالعدم ولو لم نقل باستصحاب النجاسة بل القاعدة الاشتغال
بالنسبة إلى الأمور المشروطة بالطهارة * (احتج السيد على) * ما نقل عنه بوجوه منها ما عرفته مع ما فيه * (ومنها) * اجماع الفرقة المحقة وفيه مالا يخفى
ولذا اعتذر المصنف [ره] عنه حيث قال فيما حكى عنه واما قول السائل كيف أضاف السيد والمفيد ذلك إلى مذهبنا ولا نص فيه فالجواب اما
علم الهدى فإنه ذكر في الخلاف انه انما أضاف ذلك إلى مذهبنا لان من أصلنا العمل بالأصل ما لم يثبت الناقل وليس في الشرع ما يمنع الإزالة
بغير الماء من المايعات * (ثم) * قال واما المفيد [ره] فإنه ادعى في مسائل الخلاف ان ذلك مروي عن الأئمة عليهم السلام * (انتهى) * ولا يخفى انه إذا كان دعوى
مدعى الاجماع مسببة عن الأصل والرواية فلا بد من أن ينظر إليهما لا إلى دعواه نقول اما الأصل فلا يعارض شيئا من الأدلة المتقدمة مضافا
إلى ما عرفت من أن استصحاب النجاسة حاكم عليه * (واما) * الرواية فلم يصل الينا الا خبر غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام
قال لا بأس ان يغسل الدم بالبصاق وقد أعرض الأصحاب عنه فيجب طرحه أو تأويله بما لا ينافي الأدلة المتقدمة * (ومنها) * اطلاق الامر بالغسل من
النجاسة في كثير من الاخبار من غير تقييده بالماء * (وفيه) * انها منصرفة إلى ما هو المتعارف وهو الغسل بالماء وقد تفطن السيد [ره] إلى هذا
الجواب ودفعه فيما حكى عنه بأنه لو كان كذلك لوجب المنع عن غسل الثوب بماء الكبريت والنفط ولما جاز ذلك اجماعا علمنا عدم الاشتراط
بالعادة وان المراد ما يتناوله اسمه انتهى وفيه أولا ان ثبوت الحكم لبعض الافراد النادرة الدليل آخر لا يدل على ارادته من المطلق حتى يعم
تمام الافراد وثانيا سلمنا دلالته على ذلك ولكنه لا يستلزم إرادة صرف الطبيعة من المطلق حتى يتسرى الحكم إلى سائر الافراد النادرة خصوصا
في مثل المقام المعلوم اشتراك الفرد النادر الداخل مع تمام الافراد الشايعة في جنس قريب أخص من صرف الطبيعة وهو كونه ماء [مط] فالعلم
بإرادة الغسل بماء الكبريت لا يدل الا على إرادة الغسل بجنس الماء مطلقا لا مطلق الغسل [مط] وثالثا فبالفرق بين الانصرافين فان الانصراف
عن ماء النفط والكبريت ليس إلا لندرة هذا القسم من الماء بحسب الوجود والا فالغسل به متعارف فانصراف الذهن عنه منشأه الغفلة وعدم
التفاته إليه تفصيلا وذلك نظير انصراف ذهن السامع عن الغسل بماء غير المياه الموجودة في غيره ومن المعلوم ان مثل هذه الانصرافات
انصرافات بدوية لا تضر في التمسك بالاطلاقات واما الغسل بغير الماء كاللبن والخل وماء الورد وغيرها فليس لندرة وجودها بل لعدم
تعارف الغسل بها بحيث لو فرض وجودها عند السامع لا يلتفت إلى الغسل بها أصلا حتى لو لم يكن عنده الماء وهذا النحو من الانصراف هو المضر
في مقام الاستدلال هذا مع أن الاخبار المقيدة كافية في ابطال الاستدلال بالمطلقات * (ودعوى) * ان القيد فيها وارد مورد الغالب المتعارف
55

مع أنها بعيدة عن مساق بعضها ليست بأولى من دعوى تنزيل المطلقات على ذلك بل الثانية أولى جزما وكيف لا
وقد ادعى غير واحد ان
الغسل لا يطلق حقيقة على الغسل بغير الماء هذا مع أن قيام الاحتمال كاف في عدم جواز رفع اليد عن ظاهر المقيد وتحكيمه على الاطلاق * (ومنها) *
الاستشهاد برواية الغياث المتقدمة مع ما فيها وخبر حكم بن حكيم الصيرفي قال قلت للصادق عليه السلام أبول فلا أصيب الماء وقد أصاب
يدي شئ من البول فامسحه بالحائط والتراب ثم تعرق يدي فامسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي قال لا بأس * (وفيه) * ان هذا الخبر
لا يدل على مطلوبهم إذ الظاهر منه كون نجاسة اليد مفروغا عنها عند السائل وانما مسحه بالحائط والتراب لحصول الجفاف المانع من السراية
فسؤاله انما هو عن حكم الممسوح بعد ما تعرق يده ومعلوم ان الجواب [ح] على وفق القاعدة إذ لا يقطع الانسان غالبا بمباشرة الجزء حال كونه
مشتملا على رطوبة مسرية وعلى تقدير تسليم ظهوره في طهارة اليد بإزالة البول بالمسح بالحائط والتراب ففيه ان نجاسة البول لا تزول
عن الجسد بالتراب باتفاق منا ومن الخصم بل لا قائل به بيننا فلا بد من حمله على التقية والله العالم
* (ويجوز) * استعماله أي الماء المضاف
فيما عدا ذلك أي إزالة الحدث والخبث من الأكل والشرب وسائر الانتفاعات المحللة للأصل ومتى لاقته النجاسة نجس قليله وكثيره
اجماعا منقولا نقلا يورث القطع بتحققه ولم يخرج استعماله في اكل ولا شرب اختيارا كغيره من المتنجسات ويدل عليه مضافا إلى
الاجماعات المنقولة المستفيضة بل المتواترة المعتضدة بعدم نقل الخلاف في المسألة ما يستفاد من تتبع الأدلة ان ملاقاة النجس برطوبة
مسرية سبب للتنجيس مطلقا من دون فرق بين الجوامد والمايعات وان اختلفتا في كيفية الانفعال حيث إن كل جسم من الأجسام
المايعة مجموع اجزائه المجتمعة في الوجود موضوع واحد للانفعال بخلاف الجوامد كما عرفت تفصيله عند التعرض لبيان وجه سراية النجاسة
في مبحث الماء القليل ويدل عليه أيضا ما رواه السكوني عن الصادق (ع) ان أمير المؤمنين عليه السلام سئل من قدر طبخت فإذا فارة في القدر
قال يهراق مرقها ثم يغسل اللحم ويؤكل ورواية زكريا بن ادم عن أبي الحسن (ع) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير
قال يهراق المرق أو يطعم أهل الذمة أو الكلب واللحم اغسله وكله والمناقشة في دلالتهما باحتمال كون الامر بإراقة المرق لاشتماله على المحرم
* (مدفوعة) * باستهلاك الأعيان المحرمة في الصورة المفروضة فلولا نجاسة المرق لما امر بإهراقه وغسل اللحم ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة عن أبي
جعفر (ع) قال إذا وقعت الفارة في السمن فماتت فإن كان جامدا فالقها وما يليها وكل ما بقي وان كانت ذائبا فلا تأكله واستصبح به والزيت
مثل ذلك وظاهرها على ما يساعد عليه ما هو المغروس في الأذهان كون الذوبان والميعان علة النجاسة الكل فيستفاد منه عموم الحكم
للمضاف وكل مايع فالمناقشة في دلالتها بخروجها عن محل الكلام غفلة ويدل عليه أيضا ما دل على نجاسة سؤر اليهودي والنصراني فإنه
يشمل المضاف وكل مايع * (ثم) * لا يخفى ان استفادة انفعال الكثير من هذه الأخبار في غاية الاشكال لان المتبادر إلى الذهن من مواردها
ليس إلا القليل فالعمدة في المقام انما هو الاجماع اللهم الا ان يدعى عدم مدخلية وصف الكثرة في موضوع الحكم كغيرها من الخصوصيات
التي نعلم بعدم مدخليتها في الموضوع واثبات هذه الدعوى يتوقف على رسم مقدمة وهي انه لو سئل الإمام (ع) عن اناء مملوء من الخل والعسل
الواقع فيه شئ من النجاسات فقال ارقه أو نجس أو ينجس أو غير ذلك من الألفاظ فان علمنا بالقرائن الداخلية والخارجية عدم مدخلية
شئ من الخصوصيات في موضوع الحكم بل المناط انما هو ملاقاة المايع للنجس مطلقا فلا اشكال في جواز التمسك بهذا الكلام
في كل مقام بالنسبة إلى كل مايع كما عليه سيرة العلماء من الاستدلال بالقضايا الشخصية للاحكام الكلية وليس ذلك الا
للعلم بعدم مدخلية الخصوصيات فتكون القضية في الحقيقة كلية بحسب الموضوع فيعامل معها معاملة الكلية وهذا مما
لاخفاء فيه وانما الاشكال فيما لو احتمل مدخلية بعض هذه الخصوصيات في الحكم و [ح] نقول ما يحتمل ان يكون له مدخلية في الحكم
من تلك الخصوصيات على أقسام * (منها) * ما كان مدخليته بطريق الجزئية كما في المثال السابق لو شك فيه في أن الحكم مخصوص بالخل
والعسل المجتمعين في الاناء أم يعم كلا منهما في حال الانفراد أيضا * (ومنها) * ما إذا كان المدخلية فيه بطريق الشرطية وهذا على قسمين
لان الامر المشكوك شرطيته اما وصف وجودي ككونه مال زيدا وكونه في مكان خاص أو كونه بمقدار معين من رطل أو من أو غير ذلك
من الأوصاف الوجودية واما امر عدمي ككونه غير منضم إلى غيره أو غير موجود في المكان الفلاني إلى غير ذلك ومرجع الأخير إلى الشك
في المانعية * (إذا عرفت) * ذلك فنقول لاشك ولا شبهة انه لا يصح التمسك بهذه القضية الشخصية في شئ من موارد الشك في القسمين الأولين
ووجهه واضح لقصور اللفظ عن شمول غير المورد إذ لا اطلاق في البين حتى يتمسك بالاطلاق بل هي قضية شخصية في واقعة جزئية
لا يجوز التخطي عنها الا بعد القطع بإلغاء الخصوصية والمفروض انتفائه في المقام * (واما) * القسم الثالث فالظاهر كفاية الشك فيه
في الحكم بعموم الحكم والسر في ذلك ما أشرنا إليه من أن شرطية العدم مرجعها إلى مانعية الوجود لا غير ووجهه ان العدم لا يعقل
ان يكون له مدخلية في التأثير شرطا كان أم جزء لان ثبوت الشرطية والجزئية فرع ثبوت المثبت له والعدم عدم ذاتا فلا يكون مؤثرا
56

وما شاع في الألسن من أن عدم المانع شرط وان عدم العلة علة لعدم المعلول وغيرها من العبائر التي يلوح منها الالتزام بالآثار للاعدام
المضافة فهو مبنى على نحو من المسامحة والتقريب وكيف لا وما ذكرناه قاعدة عقلية لاتقبل التخصيص وما يقال من أن لها شائبة من
الوجود انما يعنون به امكان اثبات بعض الآثار الانتزاعية لها بنحو من المسامحة والاعتبار لا ان لها حقيقة اثر الوجود فإذا ظهر أن
معنى شرطية عدم شئ لثبوت حكم ينحل إلى مانعية وجود ذلك الشئ عن فعلية هذا الحكم بان لك ان ثبوت حكم مشروطا بعدم شئ مثلا كثبوت
الانفعال للماء المطلق بشرط عدم بلوغه حد الكر ينحل في ظرف التحليل إلى اثبات حكمين لموضوعين أحدهما ثبوت الانفعال لطبيعة الماء
من حيث هي من دون تقييدها بشئ له مدخلته في الحكم والثاني ثبوت نقيض هذا الحكم لهذا الموضوع على تقدير وجود المانع فوجود المانع
مؤثر في ثبوت النقيض لا عدمه في حصول الأصل ولما كان المانع اكد في الاقتضاء لزومه رفع الحكم الذي تقتضيه الطبيعة بالطبع عن الافراد
المقارنة مع المانع في الوجود لا لقصور في الموضوع بل لقصور الحكم عن شمول هذه الافراد لامر عارضي وهو وجود المزاحم عن فعلية الحكم
وقد تقرر بما ذكرنا أن الموضوع في حكم الأصل بالنظر إلى هذا الشرط لا يكون الا الطبيعة من حيث هي ولازمه العموم عموما سريانيا بالنسبة
إلى جميع الافراد فليس في القضية ولو كانت شخصية من هذه الجهة شائبة إهمال بل لو كان فيها احتمال الاهمال لوجب ان يكون منشأه
احتمال اعتبار امر وجودي لاغير واما بالنسبة إلى الامر العدمي فلا يصلح للتقييد حتى يطرء بسبب احتماله الاهمال في القضية وما كان من
القضايا بصورة التقييد والاشتراط كقولك يجب اكرام العالم الذي ليس بفاسق وقولك الماء الذي لم يكن كرا أو إذا لم يكن كرا أو بشرط
أن لا يكون كرا فحكمه الانفعال فإنها تقييد صوري والا فهي في الحقيقة تخصيص لما عرفت من عدم امكان مدخلية الامر العدمي في موضوع
الحكم الا ترى انك تستفيد من هذه العبارات بنفسها حكما شأنيا بالنسبة إلى الافراد المقارنة مع وجود المانع فنقول لولا فسق زيد العالم
لكان اكرامه واجبا ولولا كرية الماء الملاقي للنجس لكان نجسا فلو لم يكن الموضوع في القضية صرف الطبيعة بل هي ببعض اعتباراتها لامتنعت
هذه الاستفادة لفقد الدليل مع أن الاستفادة حاصلة بحكم الوجدان فحصل من جميع ما ذكرنا أن الشك من هذه الجهة شك في التخصيص
وهو مدفوع بالأصل ولا ينافيه عدم كون القضية واردة مورد البيان من هذه الجهة لان هذا مضر في التمسك بالاطلاق لا بالعموم ولو سريانيا
مستفادا من حكم العقل أو دليل اخر إذا عرفت ذلك علمت أن ما نحن فيه من هذا القبيل لأن الشك في المقام ليس إلا في كون كثرة المضاف
مانعة من الانفعال وهو مدفوع بالأصل واما سائر الخصوصيات فعدم مدخليتها في الحكم يقيني لا شبهة فيه * (نعم) * قد يتوهم كون وصف القلة
شرطا في الانفعال * (ويدفعه) * ان مرجع شرطيته هذا الوصف إلى مانعية الكثرة كما لا يخفى وجهه هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه قاعدة الانفعال
وقد اعتمدنا عليها سابقا فيما علقناه على الرياض تبعا لشيخنا المرتضى [ره] * (وفيه) * أولا ان هذا النحو من الاستفادة لا يندرج في مداليل الألفاظ
التي هي حجة معتمدة لدى العقلاء وانما مرجعه إلى استفادة عموم الاقتضاء من الأدلة اللفظية فان قلنا بكفاية احراز المقتضى مع الشك في
المانع في الحكم بثبوت المقتضى فهو وإلا فلا ولا يتفاوت الحال في ذلك بين استفادة عموم الاقتضاء من دليل لفظي أو لبى وقد أشرنا غير مرة
إلى عدم تمامية هذه القاعدة وثانيا ان الشك في المقام لا يجب ان يكون مرجعه إلى الشك في مانعية الكثرة بل ربما يكون مسببا عن الشك في
عدم صلاحية النجس الا للتأثير في مقدار قليل من الماء أو غيره وحيث انا قد أشرنا في صدر المبحث إلى أن مجموع الجسم المايع المجتمع في الوجود
بنظر العرف موضوع واحد ظهر لك انه ليس لقائل أن يقول إن اقتضائه للتأثير في مقدار قليل مما يلاقى النجس معلوم ولا شك الا في أن
انضمام ما عدا هذا الجزء إليه يعصمه عن الانفعال أم لا حيث إن الجزء الملاقي للنجس ليس موضوعا مستقلا حتى يقال فيه ذلك فالشك ليس إلا
في أن هذا الموضوع الخارجي الذي هو عبارة عن مجموع الاجزاء هل ينفعل بملاقاة النجس أم لا فاتضح لك انه لا دليل يعتد به في اثبات
الحكم للكثير الا الاجماع والقاعدة المغروسة في أذهان المتشرعة والله العالم * (تنبيه) * لا يسرى النجاسة من السافل إلى الجزء العالي إذا كان
جاريا للأصل كما عرفت تحقيقه في مبحث الماء القليل والله العالم * (ويطهر) * المضاف النجس بامتزاجه بالماء العاصم بشرط زوال اضافته وصيرورته ماء
مطلقا ما دام الماء باقيا على اعتصامه لعين ما مر في توجيه تطهير المياه النجسة ولا يعتبر زوال أوصافه كبياض اللبن وحموضة الخل لما عرفت
في محله من أن الماء الكثير والجاري لا يتنجس الا إذا تغير بأوصاف عين النجس دون المتنجس وبقاء طهارة الماء يستلزم طهارة المضاف الممتزج
به بالاجماع وغيره من الأدلة المتقدمة * (ولو) * مزج طاهرة بالمطلق اعتبر في ترتب احكام الماء عليه من رفع الحدث وإزالة الخبث به استهلاكه
في الماء وصيرورته جزء منه عرفا ويعرف ذلك باستحقاق المجموع اطلاق الاسم عليه من غير إضافة [و ح] يجوز استعماله في التطهير وغيره
بل يجب عند وجوب التطهير وانحصار الماء فيه وهل يجب عليه المزج لو لم يجد من الماء ما يكفيه للطهارة الا بالمزج وجهان بل قولان سيأتي
تحقيقهما في مبحث التيمم [انش‍]
وتكره الطهارة الحدثية بماء أسخن بالشمس في الانية لما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال دخل
رسول الله صلى الله عليه وآله على عايشة وقد وضعت قمقمتها في الشمس فقال (ع) يا حميراء ما هذا قال اغسل رأسي وجسدي قال (ع) لا تعودي
57

فإنه يورث البرص وما رواه إسماعيل بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضئوا به ولا تغتسلوا
به ولا تعجنوا به فإنه يورث البرص والمراد من النهى الكراهة للاجماع على عدم الحرمة كما صرح به غير واحد مضافا إلى ظهور الروايتين
لأجل اشتمالها على الحكمة المناسبة للكراهة في ارادتها بل ظهور قوله صلى الله عليه وآله في الرواية الأولى لا تعودي في عدم المنع من استعمال ما
وضعته في الشمس ومنعها عن المعاودة فلا يكون استعماله الا مكروها هذا مع أن الكراهة هي التي يقتضيها الجمع بين هاتين الروايتين
وبين ما رواه محمد بن سنان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بان يتوضأ الانسان بالماء الذي يوضع بالشمس
ثم إن ظاهر المتن اختصاص الكراهة بالطهارة وعن الخلاف كراهة المتوضئ مع قصد الاستسخان وعن السرائر كراهة الطهارتين
مع القصد وعن الذكرى الحاق العجين بالطهارة والذي يظهر من الروايتين كراهة مطلق الاستعمال ولو مع عدم قصد الاستسخان
كما عن النهاية والمهذب والجامع بل ظاهر الرواية الثانية كراهيته ولو بعد زوال السخونة خلافا للمحكى عن جماعة واطلاقها يقتضى
عدم الفرق بين الانية وغيرها ولا بين القليل والكثير ولكنه حكى عن التذكرة والنهاية دعوى الاجماع على عدم الكراهة في غير
الانية فان تم فهو الا فالقول بالكراهة مطلقا كما في المسالك أوفق بظاهر الرواية ثم لا يخفى عليك ان مقتضى شمول الروايتين
لمطلق الاستعمال حمل الكراهة المستفادة منهما على معناها المصطلح وهو ما كان تركه مطلوبا للشارع بطلب مولوي غير الزامي فيشكل
اتحاده مع العبارة في الوجود الخارجي * (وأشكل) * من ذلك ما عن الشهيد الثاني في الروض من حكمه ببقاء الكراهة مع انحصار الماء قال
فيما حكى عنه لا منافاة بين الوجوب والكراهة كما في الصلاة وغيرها من العبادات على بعض الوجوه فلو لم يجد الماء لم يزل الكراهة
وان وجب استعماله عينا لبقاء العلة مع احتمال الزوال توضيح الاشكال ان النهى لو كان مورده منحصرا في التطهير لأمكن التقصي
عن محذور اجتماع الامر والنهى باخراج النهى عن حقيقة الطلب وحمله على الارشاد إلى كون الفرد المنهى عنه أقل ثوابا من سائر الافراد
فاطلاق الكراهة عليه انما هو بهذا المعنى الا ان هذا النحو من التقصي بعد الاغماض عما يتوجه عليه من الخدشات المذكورة في محلها
انما يتمشى فيما لم يكن بين العنوان المأمور به والنهى عنه عموم من وجه كما فيما نحن فيه * (واما) * فيه فلا إذ لا شبهه في أنه يستفاد من ظاهر النهى
بالنسبة إلى مورد الافتراق الكراهة المصطلحة [و ح] فان أريد منه في مورد الاجتماع أيضا هذا المعنى يتوجه الاشكال وان أريد معنى
آخر لزم استعمال اللفظ في معنيين وهو غير جائز نعم يمكن في هذا الفرض أيضا التخلص عن الاشكال باخراج النهى عن حقيقته وحمله
على الارشاد المحض فيكون بمنزلة الاخبار عن خاصية الفعل فلا ينافي بكونه واجبا أو مستحبا وبهذا الوجه يتوجه العبارة المتقدمة عن
الشهيد ولكنه يتوجه عليه ان حمل النهى على هذا المعنى خصوصا بالنظر إلى مورد الافتراق ينافي حكم الأصحاب بالكراهة مضافا إلى أن تجريد
النهى حتى الارشادي منه عن مطلق طلب الترك حتى لا ينافي الامر الالزامي بفعله في غاية البعد عن ظواهر النواهي الشرعية * (وكيف) * كان
فهذا الجواب لا يشفى العليل ولا يروى الغليل وانما يتشبث بمثله بعد انحصار المناص فيه والذي يقتضيه التحقيق هو ان النهى المتعلق
بالعبادة اما ان يكون متعلقا بها من حيث هي باعتبار خصوصية مكتنفة بها كالصلاة في الحمام لو فرض انه لا كراهة في الكون في الحمام من حيث
هو ولا من سائر الحيثيات ككونه في معرض الرشاش ونحوه وانما المكروه ايقاع الصلاة في ذلك المكان الذي هو معرض للرشاش واما ان
يكون متعلقا بها لا من حيث هي بل من حيث اتحادها في الوجود مع عنوان مرجوح كما لو فرض كراهة ليس السواد مطلقا واستحباب إظهار
المآتم للحسين عليه السلام كذلك ولبس السواد إظهارا للحزن فيتصادق على الفعل الخارجي عنوانان تعلق بأحدهما النهى على الاطلاق و
بالاخر الامر كذلك واما ان يكون متعلقا بها لا من حيث هي ولا من حيث كون فعلها مصداقا لعنوان مرجوح بل من حيث كون تركها محصلا
لعنوان راجح كصوم من دعاه أخوه المؤمن إلى طعامه حيث يحصل بتركه إجابة المؤمن التي هي أرجح من الصوم أو لكون فعلها مانعا
عن أمراهم كصوم يوم عرفة الموجب للضعف المانع من الدعاء مع التوجه والاقبال * (اما) * القسم الأول فلا يعقل ان يتعلق به نهى حقيقي
الا على السبيل المقدمية بان يراد من النهى عن الصلاة في الحمام ايقاعها في خارجه [و ح] يمكن ان يراد بالنهي حقيقته أي طلب الترك طلبا
مولويا بل إلزاميا ولكنه لا يقدح في صحة متعلقه ووقوعه عبادة فان ما له إلى الامر بضده الأهم وستعرف في بعض المقامات المناسبة
له كبحث التيمم عند التكلم في صحة الوضوء عند مزاحمته لواجب أهم ان هذا لا ينافي صحة غير الأهم ومطلوبية على سبيل الترتب وهذا الكلام
في القسم الثالث فإنه يمتنع ان يتعلق به نهى حقيقي أي طلب مولوي الا على سبيل المقدمية والارشاد إلى الضد الأهم أو العنوان الوجودي
الملازم للترك فتكون العبادة التي تعلق بها النهى مرجوحة بالإضافة إلى ذلك الشئ لا محالة واما بالإضافة إلى نفسها فهي باقية على ما هي
عليه من الرجحان بل المطلوبية أيضا ولكن على سبيل الترتب كما تقرر في محله * (واما) * القسم الثاني فملخص الكلام فيه أنه ان كان العنوانان
المتصادقان على الفرد المقتضيان لرجحانه من جهة ومرجوحيته من جهة كل منهما مقتضيا لان يلحقه حكم الزامي تعييني من تلك الجهة بمقتضى عموم دليله
58

كما لو وجب اكرام كل عالم وحرم اكرام كل فاسق فتصادق العنوانان على فرد فلا محالة تتحقق المعارضة بين دليلهما فلابد [ح] من الرجوع إلى
ما تقرر في باب تعارض الأدلة من تقديم الأهم والتخيير لولا الأهمية أو تغليب جانب الحرمة على الخلاف المقرر في محله والتعرض لبيانه
أجنبي عن المقام وان كان أحدهما إلزاميا تعيينيا كحرمة التصرف في مال الغير دون الاخر بان لم يكن إلزاميا أو كان ولم يكن تعيينيا
كالأمر بالصلاة المقتضى للاجزاء في ضمن أي فرد كانت فلا محالة يقدم الطلب التعييني على غيره ويتقيد به الامر الاخر ويختص مورده
بغير هذا الفرد بحكم العقل والعقلاء خلافا لمن جوز الاجتماع وحكم بصحة الصلاة في الدار المغصوبة مع تحقق
العصيان بالغصب
* (والسر) * في ذلك أنه لو كان لشئ واحد جهات متعددة مقتضية لاحكام مختلفة فإن كان بعض تلك الجهات موجبا للالزام اما بعقل
هذا الشئ أو بتركه على سبيل التعيين امتنع ان يؤثر سائر الجهات في ثبوت حكم فعلى لهذه الشئ مخالف لما اقتضته الجهة الملزمة فلم يبق
لسائر الجهات بعد الالزام بالفعل أو بالترك حكم الا شأنا لان ضرورة العقل قاضية بقبح طلب الفعل حتما مطلقا والترخيص في تركه
وتعدد الجهات لا ينفع في رفع القبح كما هو ظاهر وهذا بخلاف ما لو لو يكن شئ منها موجبا للالزام على سبيل التعيين بان كان النهى
تنزيهيا والامر استحبابيا أو إلزاميا متعلقا بطبيعة أمكن ايجادها في غير مورد الاجتماع فلا مانع من أن
يستتبع كل من الجهات ما
يقتضيه تلك الجهة بعنوانها الاجمالي الكلى لأنه متى جاز للمكلف ارتكاب فعل ولو على سبيل المرجوحية كاستعمال الماء المسخن جاز له
اختياره قاصدا به امتثال الامر المتعلق بطبيعة الوضوء الحاصلة بفعله ولا ينافي ذلك كراهة فعله من حيث إنه استعمال للماء المسخن
لان مرجعه إلى كراهة اختيار هذا الفرد في مقام امتثال الامر بالطبيعة لا كراهة الطبيعة الحاصلة بهذا الفعل ولكن يشترط في صحة
هذا الفعل ووقوعه عبادة كون مصلحته الحاصلة بفعل الوضوء قاهرة على مفسدته الحاصلة باستعمال هذا الماء بحيث لو انحصر الماء
فيه لتعين استعماله اما على سبيل الوجوب ان كان الامر إلزاميا أو الندب ان كان استحبابيا وكونه كذلك لا يمنع من أن يتعلق به نهى
مولوي في صورة عدم الانحصار كي يخصص به دليل الكراهة إذ لا استحالة في أن ينهى المولى عبده عن أن يختار فرد إذا مفسدة في مقام
الامتثال الامر المتعلق بطبيعة حاصلة بفعله وحيث إن المفروض جواز مخالفة هذا النهى وكونه تنزيهيا فهو لا يقتضى قصر طلبه المتعلق
بالطبيعة على ما عداه من الافراد بعد فرض كون هذا الفرد أيضا كغيره من الافراد محصلا لغرضه وكونه في حد ذاته جائز الارتكاب بل قد
يتأمل في اشتراط قاهرية المصلحة في الفرد المحصل للعنوانين نظرا إلى أن قضية تعليق الامر على الطبيعة كون اختيار تعيين الافراد موكولا
إلى إرادة المكلف فكل فرد جاز له فعله صح الاتيان به بقصد امتثال الامر المتعلق بالطبيعة * (نعم) * قضية قاهرية المفسدة الناشئة من الخصوصية
المرجوحة صيرورة مطلوبية الفرد المشتمل عليها على سبيل الترتب فيكون الحكم الفعلي المنجز في حقه مثلا كراهة استعمال هذا الماء مطلقا ومطلوبية
الوضوء به مقيدة باختياره لارتكاب هذا المكروه ولا يتمشى مثل هذا التقريب فيما لو كانت الخصوصية محرمة كما تقدمت الإشارة إليه ويأتي
توضيحه في مبحث التيمم [انش‍] وقد ظهر بما قررناه ان ما ذكره الشهيد [ره] من بقاء الكراهة في صورة الانحصار لا يخلو من تأمل بل منع والله العالم
* (وتكره) * الطهارة بماء أسخن بالنار في خصوص غسل الأموات اجماعا كما عن غير واحد نقله لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) لا يسخن الماء للميت ومرسلة
عبد الله بن المغيرة عن أبي جعفر (ع) وأبى عبد الله (ع) قالا لا يقرب الميت ماء حميما وخبر يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال
لا يسخن للميت الماء لا يعجل له النار ولا يحنط بمسك وظاهر الروايات خصوصا الأخيرتين منها كراهة استعماله [مط] ولو في مقدمات الغسل كإزالة
النجاسة عن بدنه ويحتمل ان يكون مراد المصنف [ره] ومن عبر كعبارته من الغسل أعم منه ومن مقدماته أو يكون الغسل في العبارة بفتح العين فيعم وكيف
كان فالحكم مخصوص بغير مورد الضرورة كما إذا كان على بدنه نجاسة لا يزيلها الا الماء الحار ووجهه واضح * (وقد) * استثنى أيضا ما إذا كان شتاء
باردا شديد البرد وان تمكن الغاسل من أن يوقى نفسه بحيث لا يتأذى من البرد كما يدل عليه مرسلة الصدوق قال قال أبو جعفر (ع) لا يسخن
الماء للميت قال وروى في حديث اخر الا ان يكون شتاء باردا فتوقى الميت مما توقى منه نفسك وعن الرضوي ولا يسخن له ماء الا ان يكون باردا
جدا فتوقى الميت مما توقى منه نفسك ولا يكون الماء حارا شديدا وليكن فاترا والتعبير في الروايتين بتوقية الميت يشعر بان حكمة الحكم احترام
الميت وان التسخين [ح] ليس تعجيلا له بالنار بل ينبغي ان يقصد به احترامه فيستشم من هاتين الروايتين وكذا من قوله (ع) في خبر يعقوب ولا يعجل
له النار كون التغسيل بالماء الحار منافيا لاحترام الميت لكونه منشأ للتطير والتشام وهذه الحكمة انما تناسب الكراهة لا الحرمة ولعل هذا
هو الوجه في فهم الأصحاب من الروايات الكراهة بل لعلها هي التي تتسبق إلى الذهن من مجموع الروايات بقرينة كونها بحسب الظاهر تعريضا
على العامة الذين جعلوا التسخين شعارا لهم كما يشعر بذلك التعبير بلفظ الحميم والتعجيل له بالنار وكيف كان فلا بد من حمل النهى على الكراهة
لما عرفت من دعوى غير واحد الاجماع عليها المعتضدة بعدم نقل الخلاف في المسألة والله العالم * (وهل) * تختص الكراهة بالمسخن بالنار
كما هو ظاهر المتن وغيره أم تعم مطلق السخن ولو بالشمس وجهان من اطلاق الصحيحة وغيرها ومن ظهور قوله (ع) في خبر يعقوب ولا يعجل له
59

النار في إرادة الأخص هذا مع امكان دعوى انصراف النواهي المطلقة إلى النهى عن التسخين بالنار لكونه هو الفرد المتعارف عند العامة
هو التسخين بالنار فينصرف النواهي إليه فالقول بالاختصاص قوى وان كان التعميم أحوط وأنسب بالمسامحة في المستحبات والله العالم
* (ويكره) * الاستشفاء
بالعيون الحارة التي في الجبال التي توجد منها رائحة الكبريت ذكره جماعة وحكى عليه روايات وعلل النهى فيها بأنها من فوح جهنم والله العالم * (و) * الماء القليل
المستعمل في غسل الأخباث حكمية كانت أو عينية نجس سواء تغير بالنجاسة أولم يتغير على الأظهر
الأشهر بل المشهور بين القائلين بانفعال الماء القليل
مطلقا واردا كان أم مورودا بل عن المنتهى والتحرير دعوى الاجماع في بعض جزئيات المسألة وهو نجاسة المستعمل في غسل الجنابة والحيض
وشبهه إذا كان على بدن المغتسل نجاسة عينية لكن في منافاتها للقول بطهارة الغسالة تأمل إذ القائلون بالطهارة
ربما لا يلتزمون
بطهارة ما يستعمل في ازاله العين * (نعم) * هي منافية للقول بطهارة الماء الوارد [مط] وهي أجنبية عما نحن فيه * (هذا) * ولكنه نقل غير واحد عبارة
التحرير والمنتهى من دون تقييد النجاسة بالعينية فعلى هذا يكون اطلاقها شاهدا لما نحن فيه وقيل إنه طاهر مطلقا اختاره شيخ مشايخنا [قده]
في جواهره ولكنه قال شيخنا المرتضى [ره] لم يحك هذا القول صريحا عن أحد منا لان الشيخ نسب طهارة ما يزال به النجاسة إلى بعض الناس ولم
يعلم أنه من الامامية واستدل له بطهارة ما يبقى في الثوب من اجزائه اجماعا فكذا المنفصل ولا يخفى ان هذا مختص بالغسلة المطهرة واما
المحقق فلم يذكر في مقابل القول بالنجاسة [مط] الا قول الشيخ بطهارة الغسلة الثانية ثم قال واما العلامة في المنتهى فجعل محل الخلاف الغسلة
التي يطهر المحل بعدها انتهى * (أقول) * مراده بحسب الظاهر عدم حكاية هذا القول صريحا عن أحد من المتقدمين والا فقد صرح في الجواهر بذلك
واما ما عن كشف الالتباس من نسبته إلى شيوخ المذهب كالسيد والشيخ وابني إدريس وحمزة وأبى عقيل فهو بظاهره تلبيس حيث إن ابن أبي عقيل
لا يقول بنجاسة الماء القليل بملاقاة النجس والمعروف عن السيد وابن إدريس عدم انفعال الماء الوارد مطلقا غسالة كان أم غيرها كما هو ظاهر عبارتهما
فعد مثل هؤلاء الجماعة من أرباب هذا القول ليس على ما ينبغي وكون دليل السيد مقتضيا للقول بطهارة خصوص الغسالة كما عرفته فيما سبق
لا يقتضى عده من أرباب هذه القول واما الشيخ فعن خلافه وأول مبسوطه التفصيل بين اناء الولوغ وغيره مثل الثوب والبدن فقال بالطهارة
مطلقا في الأول وفي خصوص الغسلة المطهرة فيما عداه وربما يستظهر من بعض عباراته المحكية عن المبسوط القول بالنجاسة [مط] وكيف
كان فقد استظهر من شتات كلمات العلماء في المقام أقوال متكثرة لا حاجة إلى استقصائها وانما المهم تحقيق المطلب حجة المشهور أمور
عمدتها انه ماء قليل لاقى نجسا فينجس لما تقدم في مبحث انفعال الماء القليل من أن الأقوى نجاسته [مط] من دون فرق بين ورود الماء
على النجس أو وروده عليه وان المناقشة في عموم أدلة الانفعال غير مجدية للمفصل بين الورودين وانما النافع بحاله انكار عمومها الأحوالي
وقد عرفت أن النزاع في عمومها الأحوالي لابد فيه من أن يترافع إلى عرف المتشرعة فإنه هو المحكم في هذا الباب لان كيفية الانفعال على ما
يستفاد من الأدلة الشرعية امرها موكول إلى ما هو المغروس في أذهان أهل الشرع اما لوصولها إليهم من صاحب الشريعة أو لمعروفيتها لديهم
بتشبيه النجاسات بالقذارات الصورية المقتضية لتنفر الطباع عما يلاقيها وكيف كان فلنجدد المقال على سبيل الاجمال تمهيدا لدفع بعض الدعاوى
المتوهمة في المقام فنقول ان أهل العرف لا يتعقلون في المايعات من قولنا هذا الشئ ينجس بالعذرة مثلا الا ان ملاقاة العذرة سبب لتنجيسه [مط]
من دون فرق بين كيفيات الملاقاة ولا بين أنواع المايعات فلا يرون الواسطة في التنجيس في المايعات الا مجرد الملاقاة وهذا بخلاف الجامدات
فإنهم يعتبرون فيها شرطا زائدا عن أصل الملاقاة وهو حصولها برطوبة مسرية فلا فرق فيما هو المغروس في أذهان المتشرعة بين قولنا الماء ينجس
بالبول أو اللبن ينجس بالبول فكما أن الثاني لا ينصرف عن صورة ورود اللبن على البول فكذا الأول فدعوى الفرق بين الورودين في خصوص الماء
استنادا إلى إهمال الأدلة ضعيفة جدا واضعف منها التفصيل بين الوارد المستعمل في إزالة الخبث وغيره الشهادة الوجدان بعدم الفرق فيما يتفاهم
منه عرفا بين ما إذا اجتمع فيها شرائط التطهير أم لا ومثله في الضعف دعوى أن ما هو المغروس في أذهانهم من اشتراط طهارة المطهر موجب لصرف
الظهور واختصاصه بغير مورد النزاع * (توضيح) * الضعف ان المسألة التي هي مطرح انظار العلماء كيف تكون مغروسة في أذهان العوام وانما
المغروس في أذهانهم اعتبار طهارته قبل التطهير واما بالنظر إلى هذا الاستعمال فلا بل الظاهر أن المغروس في أذهانهم انفعاله تشبيها بالقذارات
الصورية فيزعمون انتقال النجاسة من الثوب إلى الماء والحاصل ان المتبادر منها ليس إلا ان الملاقاة من حيث هي سبب للتنجيس لا الملاقاة
التي لم تؤثر في تطهير الملاقي إذ ليس هذه الصفة من الأوصاف المغروسة في الذهن الموجبة لانصراف الأدلة ولذا لا يتوهم انصراف ما دل
على نجاسة الجامدات الملاقية للنجس برطوبة مسرية عن الأرض الندية المطهرة لباطن النعل لو لم نشترط فيها الجفاف أو التراب الرطب المستعمل
في اناء الولوغ والحاصل ان كون ملاقاة الماء أو غيره مؤثرة في تطهير ملاقيه انما هو من الاعتبارات اللاحقة للملاقاة المستفادة من الأدلة
الخاصة لا مدخلية لها في تنويع الملاقاة حتى يدعى ان العرف يفهمون من الأدلة سراية النجاسة إلى الماء في هذا القسم من الملاقاة دون
ذلك القسم فالواسطة في الانفعال بنظر العرف ليس إلا الرطوبة المسرية التي لا تنفك عن الملاقاة في المايعات ولذا لا يرون الواسطة فيها
60

الا الملاقاة ولا يلتفتون أصلا إلى امكان حصول التطهير بها وعدمه حتى يتوقفوا في حكمها على التقدير الأول إذا استعملت في التطهير فان
* (قلت) * سلمنا ان الواسطة في التأثير في أذهان المتشرعة ليست في الماء القليل كغيره من المايعات الا الملاقاة الا ان المناسبة بين
النجاسات والقذارات الصورية اثرت في انسباق ما إذا اجتمع الماء مع النجس في الآن الثاني من الملاقاة واما إذا اجرى الماء عليه
وانفصل منه بسرعة فلا * (قلت) * يتوجه على ذلك مع وضوح فساده من أصله كما يكشف عن ذلك تنظيره بغيره من المايعات ان مقتضاه
عدم الفرق بين الورودين إذا انفصل الماء عن النجس بسرعة وكذا عدم الفرق بين الماء الجاري على النجس أو المتنجس القابل للتطهير فيجب أن لا
يتنجس الماء القليل إذا اجتمع مع النجاسات العينية بمقدار ما يجتمع مع المتنجس كالثوب والبدن والأواني عند تطهيرها مع أن الخصم لا
يلتزم به مضافا إلى استلزامه الالتزام بالنجاسة في الأواني المثبتة التي لا يجرى الماء عليها بحيث ينفصل عنها بسرعة بل يحتاج تفريغها إلى
زمان معتد به مع أن من المعلوم عدم اغتفار هذا المقدار من الزمان في غيرها وكيف كان فلا خفاء في أن هذه الدعاوى واهية جدا لا ينبغي
ان يلتفت إليها ولذا لم يلتفت إليها أحد من أساطين الأصحاب بل جعلوا الأصل والقاعدة سببية الملاقاة للتنجيس في المايعات [مط] وكل من
خالف في شئ من مواردها كالسيد وابن إدريس انما تشبث بالأدلة المخصصة ومن رد عليهما كالمحقق وغيره أورد في كلامه ان ملاقاة النجاسة
سبب للتنجيس بحيث يستفاد من كلامهم كونه مسلما عندهم وكيف لا مع أن المغروس في أذهان العوام فضلا عن الخواص هو ذلك كما يشهد بذلك
رواية الأحول التي هي عمدة أدلة القائلين بالطهارة حيث قال الإمام (ع) فيها بعد نفى البأس عن ماء الاستنجاء أو تدرى لم صار لا بأس به قلت لا والله
فقال إن الماء أكثر من القذر واستدل للمشهور أيضا بالاجماعين المنقولين عن المنتهى والتحرير المعتضدين بالشهرة المحققة وفيه ما عرفت من أن
القائل بطهارة الغسالة لا يأبى عن الالتزام بنجاسة ما يستعمل في إزالة العين بل ربما يجعل تعبير ناقل الاجماع باشتمال بدن الجنب والحائض النجاسة
العينية مؤيد المختارة هذا إذا كانت النجاسة في عبارتهما مقيدة بالعينية كما حكاها في الجواهر واما لو لم تكن مقيدة بالعينية كما حكاها غير
واحد فالانصاف ان الاجماعين المنقولين المعتضدين بالشهرة يصلحان للتأييد واما كونهما دليلا فلا لامكان المناقشة فيهما من وجوه كما لا يخفى
واستدل أيضا ببعض الاخبار كرواية العيص بن القاسم قال سئلته عن رجل اصابته قطرة من طشت فيه وضوء فقال إن كان من بول أو قذر
فيغسل ما اصابه وفي بعض النسخ وان كان من وضوء الصلاة فلا يضر ونوقش فيها بالارسال والاضمار وأجيب عنها بان الشيخ رواها في الخلاف
عن العيص وظاهر النسبة بعد عدم احتمال المشافهة انه وجدها في كتابه وطريق الشيخ إلى كتاب العيص حسن جدا واما الاضمار فغير قادح بعد
الاطمينان بان المسؤول هو الإمام (ع) وان منشأه تقطيع الاخبار واضعف منها المناقشة في دلالتها باحتمال كون الامر بالغسل لاشتمال ما في
الطشت على ما استعين به لإزالة العين فلا تدل على نجاسة ما يستعمل في التطهير ويدفعها عدم الاعتناء بهذا الاحتمال في صرف الاطلاق عن
ظاهره * (نعم) * لو كان ما في الطشت ملزوما لذلك عادة لتمت المناقشة لكنه ليس كذلك إذ كثير اما يكون غسل البول وغيره بعد جفافه وعدم بقاء
عينه بحيث لا تكون نجاسته الا حكمية واستدل أيضا بموثقة عمار الواردة في الاناء والكوز القذر كيف يغسل وكم مرة يغسل قال يغسل ثلث
مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ثم يصب فيه ماء اخر ثم يحرك ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصب فيه ماء اخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر
تقريب الاستدلال انه لو كانت الغسالة طاهرة لما توقف التطهير على افراغ الماء في الغسلات الثلث خصوصا في المرة بالثالثة فإنه وان
أمكن ان يتفصى بالنسبة إلى الأوليين اما بتوقف صدق تعدد الغسل على ذلك أو بعدم جواز استعمال الماء المستعمل في التطهير فيجب افراغه
مقدمة للغسل بماء غير مستعمل واما بالنسبة إلى المرة الثالثة فلا يتمشى فيها شئ من التوجيهين وأجيب باحتمال ان يكون الامر بالافراغ جاريا
مجرى العادة من استقذار الماء المستعمل عرفا * (وفيه) * نظر لان ظاهر الرواية توقف التطهير عليه وهو لا يجامع طهارة الماء * (و) * دعوى توقف
صدق الغسل على تفريغ الماء فبدونه لا تتحقق الغسلة الثالثة مما لا يلتفت إليها كيف والا لوجب الالتزام به في الكثير والجاري وماء المطر
مع أنه كما ترى واستدل أيضا بالنهي عن غسالة الحمام * (وبما) * رواه عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال الماء الذي يغسل به الثوب
أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضأ به وأشباهه وفيهما نظر اما في النهى عن غسالة الحمام فيمكن فيه دعوى وروده مورد الغالب من ملاقاتها للنجاسات
العينية * (واما) * الرواية ففيها ان الخصم يلتزم بمفادها بل يدعى عليه الاجماع ولا ملازمة بينه وبين النجاسة وسيأتي بعض الكلام في تحقيق مفاد
الرواية [انش‍] واستدل أيضا باخبار اخر سيمر عليك بعضها في مطاوي الكلمات انشاء الله حجة القائلين بالطهارة أمور * (منها) * الأصل * (وفيه) *
انه لا يعارض الدليل * (ومنها) * ما عن السرائر حاكيا عن السيد [ره] بقوله قال السيد المرتضى [ره] في الناصريات قال الناصر لا فرق بين ورود الماء
عن النجاسة وبين ورودها عليه قال السيد وهذه المسألة لا اعرف فيها أيضا لأصحابنا نصا ولا قولا صريحا والشافعي يفرق بين ورود الماء
وورودها عليه فيعتبر القلتين في ورود النجاسة على الماء ولا يعتبر في ورود الماء على النجاسة وخالفه سائر الفقهاء في هذه المسألة فالذي يقوى
في نفسي عاجلا إلى أن يقع التأمل لذلك صحة ما ذهب إليه الشافعي والوجه فيه انا لو حكمنا بنجاسة القليل الوارد على النجاسة لأدى ذلك إلى أن الثوب
61

لا يطهر من النجاسة الا بايراد كر من الماء عليه وذلك يشق فدل على أن الماء إذا ورد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة ولا الكثرة كما يعتبر فيما ترد
النجاسة عليه قال محمد بن إدريس وما قوى في نفس السيد صحيح مستمر على أصل المذهب وفتاوى الأصحاب انتهى وحاصل هذا الاستدلال
دعوى الملازمة بين تطهير الثوب وطهارة الماء وفيه منع الملازمة اما عقلا فواضح إذ لا امتناع عقلا في كون اجتماع النجسين سببا
لتطهيرهما كما في الماء النجس المتمم كرا بنجس اخر وقد ذهب بعض الأصحاب إلى طهارتهما أو سببا لتطهير أحدهما خاصة كما في حجر الاستنجاء فإنه
سبب لتطهير المحل بشرط الانفصال فكذا فيما نحن فيه واما نقلا فلا يدل عليه عدا ما يدعى من الاجماع بل الضرورة على اشتراط طهارة الماء المستعمل
في التطهير وكذا القاعدة المستفادة من الشرع من أن كل نجس منجس فلا يكون مطهرا لاستحالة كون شئ علة لشئ ولضده أو نقيضه ومن المعلوم
عدم شمول القاعدتين لمحل النزاع كما سنوضحه [انش‍] واعترض عليه تارة بأنه أخص من الدعوى إذ لو تم لا يتم الا في الغسلة المطهرة دون سائر الغسلات
فيما يحتاج إلى التعدد فضلا عن مطلق الماء الوارد كما هو مطلوب السيد [ره] وأخرى بأنه أعم حصول التطهير بورود النجس على الماء أيضا كما هو مختار
كثير من الأصحاب ويمكن الاعتذار عن السيد بأنه لما رأى تعذر التفكيك بين مصاديق الماء الوارد بالنظر الا
ظواهر الأدلة لاستلزامه دعوى
مدخلية بعض الأمور التي يعلم بعدم مدخليتها في الحكم جعل ثبوت الحكم البعض المصاديق كاشفا عن خروج مطلقا الماء الوارد عن تحت قاعدة
الانفعال واما عن الثاني فبمنعه حصول التطهير في الصورة المفروضة كما نسب إليه من اعتبار الورود في التطهير فلا يتوجه عليه الاعتراض
* (ومنها) * انه يستفاد من تتبع الاخبار وكثير من الاجماعات في غير المقام قاعدة كلية وهي ان المتنجس لا يطهر بل مما دل على نجاسة الماء القليل نفسه
لان معناه انه لا يرفع حدثا ولا يزيل خبثا والنقض بحجر الاستنجاء منقوض بماء الاستنجاء على القول بالنجاسة وحله ان القواعد الشرعية التعبدية
قابلة للتخصيص كالعمومات فلابد في رفع اليد عنها من وجود دليل معتبر وهو مفقود في المقام لانحصاره في قاعدة الانفعال الممنوع عمومها أولا
وعدم تكافؤها ثانيا وعلى تقدير التكافؤ فالمرجع قاعدة الطهارة واستصحابها والظاهر أن مراد المستدل من الاخبار والاجماعات هي الأخبار الدالة
على عدم جواز الانتفاع بالمايعات النجسة ونظائرها والاجماعات الحاصلة في تلك الموارد * (وكيف) * كان فنقول ما يمكن ان يدعيه المتتبع
مما هو مرتبط بالمقام قواعد ثلاث إحداها ان يدعى أنه يستفاد من الاخبار والاجماعات ان المطهر يبقى على طهارته إلى زمان حصول التطهير وانقضائه
لا لأجل توقف لتطهير عليها بل لكونها حكما شرعيا تعبديا في موضوع كلى فيكون الحكم في المطهر في جميع الموارد الطهارة كماء الاستنجاء الثانية
انه يشترط ان يكون المطهر طاهرا في نفسه ولعله إلى هذا ترجع دعوى المستدل لأن الظاهر أن غرضه من قوله ان المتنجس لا يطهر انه يشترط في
المطهر أن لا يكون نجسا الثالثة ان المتنجس منجس فلا يكون مطهرا * (اما) * القاعدة الأولى فان أقام المدعى عليها بنية فلا شبهة في أنها مجدية له بل
هي عين مقصوده الا انه كيف تسمع هذه الدعوى من مدعيها وانى له طريق إلى معرفة هذا الحكم التعبدي لان طريق معرفته منحصر بورود نص خاص فيه
أو في بعض جزئياته ومن المعلوم أنه لا ينهض على اثباته شئ من هذه الأمور اما النص أو الاجماع عليه بعنوانه الكلى فمعلوم انتفائه وكذا في بعض
جزئياته التي يمكن اتمام القول فيما عداها بالاجماع بل لو تم ذلك لتم في اثبات النجاسة لما عرفت من دعوى الاجماع على النجاسة عن المنتهى والتحرير
في بعض مورد النزاع وهو ما إذا كان على بدن المغتسل نجاسة واما الاستقراء في جزئياتها فمعلوم انه لا ينفع لان الامر في جميع ما عدا محل
النزاع واضح ولا يورث التتبع مزيد علم حتى يؤثر في الظن بثبوت الحكم للعنوان الجامع بين المصاديق فضلا عن الجزم الذي عليه يبتنى حجية الاستقراء
لان من المطهرات مالا يتصف بالطهارة والنجاسة كالشمس وذهاب الثلثين * (ومنها) * ما نعلم تنجسه حال الاستعمال كالأرض وتراب التعفير وحجر
الاستنجاء * (ومنها) * ما علم عدم تنجسه كالماء الكثير والجاري وماء الاستنجاء وما عداها محل النزاع فالتتبع فيها لا ينفع بعد فرض انه ليس في شئ
منها دليل خاص تعبدي ينحسم به مادة النزاع ودعوى استفادة هذا الحكم التعبدي من الاحكام الاخر بديهية الفساد إذ لا مناسبة بينهما
فلا يمكن استفادته منها بنحو من انحاء الاستفادة حتى بالقياس واما القاعدة الثانية فهي مسلة لا تحتاج إلى التتبع بل هي في خصوص الماء الذي هو
محل حاجتنا كادت تكون من ضروريات المذهب الا ان ما هو شرط في التطهير انما هو طهارته من غير جهة التطهير فلا مانع من أن يكون التطهير سببا
لتنجيس المطهر واما طهارته من هذه الجهة بمعنى عدم تأثره من الملاقاة فلا بل لو فرض وقوع التصريح بهذه القاعدة في النصوص والفتاوى
لم يكن يستفاد منها أزيد من ذلك لان ما هو من فروع الحكم لا يمكن اخذه قيدا في موضوع القضية فلا يستفاد من مثل قولنا يشترط في المطهر
ان يكون طاهرا أولا يكون مستعملا في رفع الحدث أزيد من اشتراط طهارته وعدم كونه مستعملا من حيث هو مع قطع النظر عن استعماله في التطهير
واما انه يشترط فيه عدم انفعاله بهذا الاستعمال إلى أن يحصل الفراغ من التطهير فلا يعمه هذا الكلام بل لو ثبت بدليل اخر من اجماع ونحوه
انه لا ينفعل بهذا الاستعمال ما دام التشاغل بالفعل لكان ذلك حكما تعبديا شرعيا ثابتا لموضوع المطهر ككونه مطهرا لا شرطا في مطهريته
* (فليتأمل) * والحاصل ان المسلم من الاشتراط انما هو خلوا المطهر عن نجاسة خارجية واما عدم انفعاله بالملاقاة الحاصلة في ضمن التطهير فلا
هذا مع أن مدرك هذه القاعدة اما القاعدة الثالثة وسنتكلم فيها واما الاخبار الامرة بإراقة الماء ونظائرها مما يستفاد منها عدم جواز
62

التطهير به واما الاجماعات والأخبار الدالة على عدم جواز الانتفاع بأعيان النجاسات وما بحكمها من المايعات المتنجسة بدعوى أن التطهير
بها نحو من الانتفاع فلا يجوز مع أنه جائز قطعا فيجب أن لا يكون نجسا * (وفيه) * ان تلك الأخبار
والاجماعات لا تعم ما لو حصلت النجاسة
بنفس الانتفاع لما أشرنا إليه من أن ما هو من توابع الحكم لا يمكن اخذه قيدا للموضوع وكيف كان فلا يمكن استفادة عدم انفعال
الماء بهذه الملاقاة من شئ من تلك الموارد * (واما) * القاعدة الثالثة وهي ان كل نجس منجس فلا يكون مطهرا فهي أيضا قاعدة مسلمة
ولا تحتاج إلى التتبع الا انها متخصصة جزما لان النقض بها مشترك الورود لان الالتزام بعدم انفعال الماء بالمحل ليس بأولى من التزام
عدم انفعال المحل بالماء النجس بل الثاني أولى وأقرب من الذهن بل هو في الحقيقة بنظر العقل تخصص لا تخصيص لان ما تأثر عن الشئ يمتنع
ان يؤثر فيه بمثل الأثر الموجود نعم يمكن ان يؤثر فيه خلافه بنقل ما فيه إلى نفسه ولذا لا يلتفت الذهن في بادي النظر إلى المنافاة بين هذه القاعدة
المسلمة وبين نجاسة الغسالة مع حصول التطهير بها بل يجعلها من اثارها وهذا بخلاف ما لو القى عليه طهارة الغسالة كماء الاستنجاء فإنه
يستغربه ويدرك المنافاة بينهما في بادي النظر وسره ما أشرنا إليه من أنه لما كان منفعلا بالمحل لا يتعقلون انفعال المحل به ثانيا حتى يكون منافيا
للقاعدة المغروسة في أذهانهم ومن أدلة القائلين بالطهارة طوائف من الاخبار * (منها) * ما ورد في تعليل طهارة ماء الاستنجاء في رواية يونس بن
عبد الرحمن عن رجل عن العسر أو عن الأحول بعد نفى البأس عن الثوب الذي اصابه قال أو تدرى لم صار لا بأس به قلت لا والله فقال إن
الماء أكثر من القدر وفيه أن الاخذ بعموم العلة يستلزم المصير إلى ما ذهب إليه العماني والخصم لا يقول به والتأويل مشترك وحمله على مطلق
الغسالة ليس بأولى من الالتزام بكونها علة الطهارة خصوص الماء الاستنجاء * (هذا) * مع أن هذا الدليل لو تم لدل على طهارة ما يستعان
به لإزالة العين لان مورده ماء الاستنجاء والمراد من القذر في الرواية هو البول أو العذرة الموجودة في محل النجو فأول مرتبة يتخطى إليها
عن مورد النص ليس إلا الماء المستعمل لإزالة عين البول والعذرة في غير مورد النجو مع أن الخصم لا يقول بها كما اعترف به في بعض
كلماته فعلى الخصم أيضا ان يلتزم باختصاص العلة المنصوصة بموردها * (ومنها) * ما ورد في غسالة الحمام التي لا تنفك غالبا عن الماء المستعمل
في إزالة النجاسة مثل مرسلة الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن (ع) انه سئل عن مجمع الماء في الحمام من غسالة الناس قال لا بأس به
* (وفيه) * انه كما لا تنفك غالبا عن الماء المستعمل كذلك لا تنفك غالبا عن ملاقاة النجس كما يشهد بذلك مضافا إلى العرف والعادة الأخبار الدالة
على أن دخول اليهودي والنصراني والمجوسي في حماماتهم كان متعارفا في تلك الأزمنة فعلى هذا ان تم الاستدلال بهذه الرواية واغمض
عن معارضتها بغيرها لوجب الالتزام بعدم الانفعال [مط] والخصم لا يقول به فلابد اما من حملها على ما وقع الخلاف في حكمها بين العلماء وهي
الغسالة التي لم يعلم نجاستها أو على المياه المجتمعة في الحمام المتصلة بالمادة ولو بجريان الماء إليها من الحياض الصغار كما يؤيده ما رواه
محمد بن إسماعيل عن حنان قال سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله عليه السلام انى ادخل الحمام في السحر وفيه الجنب وغير ذلك فأقوم واغتسل فينتضح على
بعد ما أفرغ من مائهم قال أليس هو جار قلت بلى قال لا بأس به أو حملها على غيره من المحامل بل الانصاف ان هذه الرواية في حد ذاتها مجملة
فان الغسالة التي سئل عن حكمها غير معلوم حالها لاحتمال كونها مقدار الكر كما هو الغالب في مجمع غسالة الحمام والعادة قاضية بعدم
انفكاك مثل هذا الماء بعد فرض وجوده في الحمام عن الاتصال بما يتزائد عن الحياض الصغار حين اتصالها بالمادة فيحتمل ان يكون الوجه
في نفى البأس صيرورته طاهرا لأجل الاتصال بالماء العاصم ولو في بعض الأزمنة فيبقى على طهارته إلى أن يغيره النجاسة أو يكون الوجه فيه
اباء الماء البالغ حد الكر عن تحمل النجاسة كما هو قول بعض أو يكون المراد منه المياه المجتمعة التي لم يعلم ملاقاتها للنجس ومع تطرق مثل هذه
الاحتمالات كيف يمكن الاستدلال بها لطهارة الغسالة مع مخالفتها للأصول والقواعد المتقنة * (ومنها) * ما ورد من امر النبي صلى الله عليه وآله بتطهير المسجد
من بول الأعرابي بصب ذنوب من الماء عليه فعن الخلاف ان النبي صلى الله عليه وآله لا يأمر بطهارة المسجد بما يزيده نجسا فيلزم ان يكون الماء باقيا على
طهارته وفيه أن راويه على ما في محكى المعتبر أبو هريرة قال بعد حكايتها انها عندنا ضعيفة الطريق ومنافية للأصول لأنا بيننا ان الماء
المنفصل عن محل النجاسة نجس تغير أم لم يتغير لأنه ماء قليل لاقى نجسا * (أقول) * وفيه أيضا انها قضية في واقعة لم يعلم وجهها الاحتمال ان
يكون الامر بصب الذنوب بعد جفاف البول أو لزوال عينه حتى يطهره الشمس بالتجفيف والله العالم * (واستدل) * أيضا باخبار اخر لا يخفى
على الناظر ما فيها * (نعم) * يمكن الاستدلال بترك الاستفصال في رواية محمد بن نعمان عن أبي
عبد الله (ع) قلت له استنجى ثم يقع ثوبي فيه وانا جنب
فقال (ع) لا بأس لاحتمال إرادة السائل اختلاط الماء المستعمل في إزالة الجنابة بماء الاستنجاء فترك الاستفصال يدل على عموم الجواب * (ودعوى) * ان الاستنجاء حقيقة في غسل موضع النجو فلا يصح حمل كلام السائل على الأعم * (مدفوعة) * بعد تسليم أصل الدعوى بغلبة استعماله في الأعم واشعار
كلام السائل بإرادته * (و) * يتوجه عليه مضافا إلى أنه لو تم ترك الاستفصال دليلا لاقتضى طهارة ما يستعان به لإزالة العين لعين ما مر انه
يعارضها في خصوص موردها رواية سماعة الواردة في كيفية غسل الجنابة قال أبو عبد الله (ع) فيها بعد أن امره بغسل كفيه وفرجه وغير ذلك
63

من التفاصيل فما انتضح من مائه في انائه بعد ما صنع ما وصفت له فلا بأس ولا ريب ان هذه الرواية أطهر في ثبوت البأس من دلالة ترك
الاستفصال في تلك الرواية على عدمه * (ومنها) * لزوم العسر والحرج فان التحرز عن الغسالة حرج في كثير من المقامات من جهة جريانها
إلى غير محل النجاسة وبالنسبة إلى المقدار المتقاطر والمقدار المتخلف * (وربما) * أيد ذلك بعضهم ببعض المبعدات والتقريبات الذوقية وفيه
منع العسر والحرج كيف وبناء الناس في سائر الأعصار والأمصار على التحرز عنها وعلى تقدير تحققه في بعض الأحيان لا يوجب رفع الحكم كلية
بل يختص بخصوص مورده كسائر التكاليف الشرعية التي يسقطها دليل نفى الحرج في كثير الموارد * (واما) * ما ذكره من الاشكال بما يتقاطر إلى
الثوب والبدن بعد تحقق الغسل * (ففيه) * ان التأمل بنجاسة الغسالة ربما يلتزم بطهارة ما يبقى في المغسول بعد تحقق مسمى الغسل تبعا
للمغسول ولا محذور فيه بعد مساعدة الأدلة وعلى تقدير التزامه بنجاستها لا يتوجه عليه الا مجرد استبعاد لا يرفع به اليد عما يقتضيه الأدلة
والأصول * (ومما) * يستدل به لطهارة الغسلة المطهرة ان الباقي بعد الانفصال جزء المفصول وهو طاهر اجماعا فكذا المفصول لأن الماء الواجد
لا يختلف اجزائه بالحكم * (وفيه) * بعد تسليم المقدمة ان الباقي خرج عن الجزئية بالانفصال وتبع المغسول في الحكم كما يدل عليه الاجماع والاخبار
ويساعد عليه العرف والاعتبار الا ترى ان الطبع يتنفر من مساورة يد قذرة بالقذارات الصورية وكذا فيستكره استعمال الماء المستعمل
في ازالتها وكذا يشمئز من مساورة يد نظيفة تلوثت بهذا الماء المستعمل ولا يتنفر من مساورة تلك اليد القذرة التي أزيل قذارتها بهذا
الماء الذي صيرته مستعملا ولا يلتفت أصلا إلى كون البلل الباقي فيها جزء من هذا الماء بل يلاحظ في النظافة والقذارة نفس اليد لا غير
وكذا لا اشكال نصا وفتوى في طهارة ماء الاستنجاء ولكن الطبع يتنفر من استعماله ومن مساورة من تلوث يده ولا يستكره مساورة
من استنجى وصير الماء مستعملا مع بقاء البلة في يده وإذا تصورت ما ذكرت لك من التقريب ظهر لك انه لو ادعى مدع معرفته نجاسة الغسالة
مع قطع النظر عن الأدلة المتقدمة تشبيها لها بالمياه المستعملة في القذارات الصورية التي تنتقل القذارة من المغسول إلى الغسالة ويعامل معها
العرف بالطبع معاملة نفس القذارات ما ادعى امرا بعيدا * (وقد) * يقال في تقريب الاستدلال على طهارة الغسلة المطهرة بان الماء فيها ما أصاب
جزء الا وقد طهره فلا يتحقق بالنسبة إليها ملاقاة النجس عرفا وان استلزمها عقلا وفي مقدمته الأخيرة منع ظاهر لما عرفت من ظهور كونها تخصيصا
لعموم الملاقاة بنظر العرف فكيف يمكن دعوى انصراف الأدلة عنها بعد تسليم العموم * (واما) * مقدمته الأول ففيها كلام سيجئ تفصيله [انش‍] و
الانصاف ان التفصيل بين انحاء الملاقاة بالالتزام بعدم انفعال الماء القليل ما لم يتغير كما عن العماني أو القول بالانفعال مطلقا وقد
عرفت في محله ان الثاني مع أنه أحوط غالبا أقوى بالنظر إلى ظواهر الأدلة والله العالم بحقايق الأمور * (تنبيه) * لا ملازمة بين القول بطهارة
الغسالة وبين اعتبار ورود الماء على النجس ضرورة انه لو تم شئ من أدلتهم لاقتضى القول بطهارتها [مط] واعتبار ورود الماء على النجس على
القول به شرط شرعي تعبدي دائر مدار دليله لا مدخلية له بطهارة الغسالة وعدمها بل ربما يظهر من بعض وجود القول بالطهارة مطلقا
وعدم اشتراطه ورود الماء وربما يستظهر من بعض من نفى شرطية الورود اختيار التفصيل في طهارة الغسالة بين ما لو ورد الماء على النجس فلا
ينجس نظرا إلى انصراف أدلة النجاسة عن شمول الماء الوارد غسالة كان أم غيرها وبين ما لو وردت النجاسة عليه فينجس لما عرفته في أدلة المختار
ويطهر الثوب المغسول به لحصول الغسل المأمور به والله العالم * (تذنيب) * هل يجوز على القول بطهارة الغسالة استعمالها في رفع الحدث
وإزالة الخبث أم لا يجوز مطلقا أم يجوز في الثانية دون الأول وجوه أقواها التفصيل للنهي في رواية ابن سنان عن التوضي من الماء الذي يغسل
به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة مضافا إلى نقل الاجماع عليه كما عن المعتبر والمنتهى وقد يناقش في الرواية بقصور السند وفي الاجماع المنقول
بعدم الحجية خصوصا في مثل المقام الذي لو كان محصلا لأمكن منع اعتباره لقوة احتمال استناد القائلين بالنجاسة في منعهم إلى نجاستها
فلا يوجب اجتماعهم في مثل المقام القطع بموافقة المعصوم (ع) أو وجود دليل معتبر غير ما بأيدينا من الأدلة ولكنك ستعرف ضعف المناقشة في
الرواية فالقول بالمنع قوى * (واما) * إزالة الخبث فلاطلاقات أدلة الغسل بالماء * (ودعوى) * انصرافها إلى غير هذا الفرد عرية عن الشاهد وعلى تقدير
الشك فالمرجع استصحاب بمطهرية الماء الحاكم على استصحاب النجاسة نعم ربما يستظهر من بعض الأخبار المنع مثل رواية عمار المتقدمة الامرة بافراغ
الماء ثلثا وفي دلالتها منع ظاهر قد أشرنا إلى وجهه فيما سبق هذا إذا لم يكن دليل القول بالطهارة لزوم العسر والحرج وإلا فلا يجوز استعمالها
في إزالة الخبث أيضا بل لا يخلو القول بنجاستها والعفو عنها كما هو أحد القولين في ماء الاستنجاء عن قوة
واعلم أن بعض القائلين بالطهارة جعلوا
خلو كلام القدماء عن التعرض لبيان حكم الغسالة وسائر فروعها الخفية كحكم القطرات العالقة على المحل وغيره من الفروع المتكاثرة مع عموم البلوى
بها وشدة الحاجة إلى معرفتها بناء على النجاسة من مؤيدات مذهبهم * (وفيه) * ان عدم تعرضهم يدل على ايكالهم معرفة حكمها إلى ما ذكروه في مبحث
الماء القليل من أنه ينجس بملاقاة النجس لكونه جزئيا من جزئياته ولذا خصوا ماء الاستنجاء بالذكر ولم يتعرضوا لغيره فهذا يشعر باختصاصه بالخروج
عن القاعدة الكلية التي ذكروها في ذلك المبحث واما الفروع الخفية التي أشار إليها فإنما صارت خفية في انظار المدققين وإلا فلا يشتبه على أهل
64

العرف حكمها بعد علمهم بان المغسول يطهر بالغسل لظهور كون القطرات العالقة وما بحكمها تابعة للمحل في نظرهم كما أوضحناه سابقا في ضمن مثال
الا ترى ان المتدينين من العوام مع أنهم معتقدون نجاسة الغسالة لا يلتفتون أصلا إلى هذه الفروع *
(فرع) * حكم الغسالة حكم النجاسة التي
انفعلت بها في كفاية غسل ما يلاقيها مرة أو أزيد فيعتبر التعدد في غسالة البول وان كانت من الغسلة المطهرة وتكفى المرة في غسالة سائر النجاسات
كما تكفى المرة في تطهير ما تنجس بملاقاتها بنفسها على ما ستعرفه في محله ويحتمل الاكتفاء بالمرة في غسالة البول أيضا خصوصا في الغسلة المطهرة
بل لا يخلو القول بكفاية الواحدة فيها عن قوة وان كان الأول أشبه ثم انك قد عرفت في مطاوي الكلمات السابقة تلويحا وتصريحا ان الماء
المستعمل الذي تقدم الكلام في نجاسته انما هو ما عدا ماء الاستنجاء
* (واما) * ماء الاستنجاء فإنه لا بأس به بلا خلاف فيه اجمالا لاخبار مستفيضة
* (منها) * حسنة الأحول وهو محمد بن نعمان قال قلت للصادق عليه السلام اخرج من الخلاء فاستنجى بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به
فقال لا بأس ورواها في العلل عن رجل عن الغير أو عن الأحول أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام في حديث الرجل يستنجى فيقع ثوبه في الماء الذي
استنجى به فقال لا بأس فسكت فقال أو تدرى لم صار لا بأس به فقلت لا والله جعلت فداك فقال (ع) ان الماء أكثر من القذر * (ومنها) * رواية
عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجس ذلك ثوبه قال (ع) لا * (ومنها) * رواية
محمد بن نعمان المصححة عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له استنجى ثم يقع ثوبي فيه وانا جنب فقال (ع) لا بأس به وبهذا كله يقيد اطلاق قوله (ع) في مضمرة العيص
بعد أن سئله عن رجل اصابته قطرة من طشت فيه وضوء ان كان من بول أو قذر فيغسل ما اصابه وحيث إن الإمام (ع) علل نفى البأس عن
الثوب الذي اصابه ماء الاستنجاء في رواية الأحول بأكثرية الماء من القذر يعلم منه ان القذر المستهلك في الماء لا يؤثر في تنجيس الماء حتى
يتنجس به الثوب فيستفاد منه بأتم إفادة ان ماء الاستنجاء * (طاهر) * كما صرح به المصنف وغيره بل عن
غير واحد دعوى الاجماع عليه لا انه نجس معفو
عنه كما عن طاهر بعض بل عن صريح الذكرى تقويته إذ لولا طهارة الماء لما صح تعليل نفى البأس عن ملاقيه بأكثريته إذ يجب ان يكون بين
العلة والمعلول مناسبة وهي منتفية في الفرض حيث إنه على هذا التقدير بمنزلة ما لو سئل عن حكم ملاقي الدم الكثير الذي أريق في اناء فيه
قطرة بول فنفى عنه البأس ثم قال أو تدرى لم صار لا بأس به لان الدم أكثر من البول وهو كما ترى بل قد [يق] انه يستفاد ذلك أيضا من رواية
عبد الكريم حيث إن تنجيس الثوب على ما هو المغروس في أذهان المتشرعة من اثار نجاسة الماء ولوازمه فإذا قال (ع) انه لا ينجس الثوب يفهم
منه عرفا انه ليس بنجس إذ لم يعهد لديهم وجود نجس غير منجس ولذا لا يترددون في نجاسة الثوب الملاقي لشئ من النجاسات بعد علمهم بنجاسته
هذا ولكن لمانع ان يمنع هذه الاستفادة في خصوص المقام لما أشرنا من أن منشأها مغروسية القاعدة المسلمة في أذهانهم وهي كون كل
نجس منجسا وهذه القاعدة منخرمة في المقام جزما لدوران الامر بين كون الماء نجسا غير منجس أو كون القذر الذي يستنجى منه كذلك وليس
الثاني أولى من الأول فلا يفهم من عدم تنجس الثوب ونفى البأس عنه في المقام الا عدم كون الماء مؤثرا في تنجيسه واما عدم نجاسة الماء
فلا الا ان يقال إن الالتزام بنجاسة الماء يستلزم التصرف في جميع الأدلة الدالة على عدم جواز استعمال الماء النجس في المأكول والمشروب
والوضوء والصلاة وغيرها مما يشترط بالطهارة لثبوت نفى البأس عن الكل ولو بالاجماع وهذا بخلاف ما لو التزامنا بطهارة الماء فإنه لا يستلزم
التصرف الا فيما دل على انفعال الماء القليل بالنسبة إلى ماء الاستنجاء وهذا أهون من الأول هذا مع امكان ان يقال إن عدم تنجيس
الملاقي امارة عند المتشرعة لاثبات عدم النجاسة لولا العلم بتحققها من دليل خارجي وحيث إن نجاسة الماء في الفرض غير معلومة
إذ لا دليل عليها عدل عموم انفعال الماء القليل الواجب تخصيصه بهذه الامارة لأخصيتها منه فيجب الحكم بطهارة الماء ولذا نجد من
أنفسنا انسباق طهارة الماء إلى الذهن من هذه الرواية كما استدل بها غير واحد من الاعلام بل يمكن دعوى استفادة الطهارة أيضا من
رواية محمد بن نعمان الأخيرة لان البأس الذي يتوهمه السائل في مثل هذه الموارد ليس إلا نجاسة الثوب الملاقي للماء فحيث نفى البأس عنه يفهم
منه عرفا طهارته ولذا استمر سيرة العلماء في اثبات الطهارة بنفي البأس في مثل هذه الموارد أو اثبات النجاسة بثبوت بأس في الجملة كالمنع
من الوضوء أو الصلاة أو الأكل والشرب وسره ما أشرت إليه من أن منشأ توهم البأس في تلك الموارد ليس إلا احتمال نجاسته فحيثما نفاه
يعلم عدمها واطلاق نفى البأس عنه يقتضى عدم الفرق بين جفاف الثوب وعدمه فيستفاد منه بالدلالة التبعية طهارة الجزء الموجود بالفعل في
الثوب * (و) * من المعلوم عدم الفرق بينه وبين سائر الأجزاء فيجب ان يكون المجموع طاهرا ولا يقاس ذلك بالبلة الباقية من الغسالة في المحل المغسول
به للفرق بين المقامين كما أوضحناه سابقا في ضمن مثال * (فتأمل) * ومما يؤيد القول بالطهارة الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة المحققة
بل ربما يستدل له بها * (وفيه) * مناقشة لا لمجرد كونها منقولة وهي غير معتمدة بل لخلو كلام جملة من القدماء عن التصريح بالطهارة فلا تسمع
دعوى الاجماع من مدعيه هذا مع أنه لا ينفع ممن قال بطهارة الغسالة لأن الطهارة عنده على القاعدة والاتفاق الملفق من القول
باستثنائه من نجاسة الغسالة والقول بكونه على قاعدتها من الطهارة لا يورث القطع بموافقة الإمام (ع)
الذي هو مناط اعتبار الاجماع
65

الذي المتأخرين * (وكيف) * كان فالظاهر أن المراد بالعفو عند القائل به انما هو العفو عن ملاقيه بمعنى عدم سراية نجاسته إليه قال في محكى المنتهى
عفى عن ماء الاستنجاء إذا وقع شئ منه على ثوبه وبدنه فملخص هذا القول التفكيك بي اثار النجاسة فبالنسبة إلى ذاته يعامل معاملة النجس
فيحرم شربه ولا يجوز استعماله في إزالة الحدث والخبث ولكنه لا يؤثر في ملاقيه أصلا فلو وقع شئ منه في الماء الذي يتوضأ منه ان استهلك
فيه فلا بأس به وإلا فلا يجزى الا على تقدير حصول العلم بوصول الماء الطاهر إلى جميع مواضع الغسل واما حمله في الصلاة فان قلنا بعدم
جواز حمل النجس فيها فمقتضى القاعدة المنع منه فلا يجوز الصلاة في الثوب الذي إصابة الماء الا بعد زوال عينه واستهلاكه عرفا ويحتمل
ان يكون مراد القائلين بالعفو معاني اخر غير ما ذكر ولكنه لا حاجة إلى استقصائها بعد وضوح ضعف المنى وعلى تقدير الالتزام به فالمتعين
إرادة العفو بالمعنى المذكور كما لا يخفى وجهه على الناظر في وجهه * (ولا) * فرق في ماء الاستنجاء بين المخرجين كما صرح به غير واحد ويقتضيه اطلاق غيرهم
بل لم ينقل من أحد التصريح بالفرق بين المخرجين ولكنه قد يستشكل في توجيهه بناء على اختصاص لفظ الاستنجاء بغسل موضع الغائط * (وفيه) *
مضافا إلى تصريح جماعة بشموله لغسل مخرج البول ان العادة قاضية بندرة انفراد الغائط عن البول واجتماع غسالتهما غالبا في مكان واحد فلا
يمكن تنزيل الأخبار المطلقة الواردة في مقام الحاجة على إرادة صورة انفراد غسالة الغائط وكون لفظ الاستنجاء حقيقة في خصوصها لا يصحح
اطلاق الجواب بعد قضاء العادة بندرة الانفكاك فيفهم من ذلك حكم صورة انفراد البول بالفحوى وعدم القول بالفصل هذا مع أن
ترك الاستفصال في مثل المقام لأجل جواز إرادة السائل ما هو أعم ولو مجازا بقرينة الغلبة يفيد العموم وكذا * (لا) * فرق بين المخرج الطبيعي وغيره
بشرط اعتياده بل مطلقا بشرط اطلاق الاسم عليه لاطلاق النصوص والفتاوى وانصرافها إلى الطبيعي بدوي منشأه ندرة الوجود فليس بضائر
ولكن الانصاف ان تعميم الحكم بالنسبة إلى المخرج الغير الطبيعي الذي لم يكن معتادا مشكل جدا * (و) * دعوى كون التشكيك فيه بدويا غير
مسموعة فالتفصيل بينه وبين غيره لا يخلو عن وجه بل تعميم الحكم بالنسبة إلى غير المخرج الطبيعي ولو مع اعتياده لا يخلو عن اشكال نظرا إلى أن
المنسبق إلى الذهن من أسئولة السائلين ليس إلا ما يتعارف وجوده بحسب أصل الخلقة فاطلاق الجواب منزل عليه واما اطلاق معاقد
الاجماعات فلا وثوق بإرادة المجمعين ما يعم هذا الفرد والله العالم * (ولا) * فرق بين سبق اليد إلى المحل وعدمه ما لم يتحقق الاعراض بحيث تخرج
اليد عن الالية وتعد نجاستها نجاسة خارجية ولا بين تعدى النجاسة عن المحل المتعارف وعدمه ما لم يخرج عن صدق اسم الاستنجاء عليه عرفا
من دون مسامحة لاطلاقات الأدلة هذا كله ما لم يتغير أحد أوصاف الماء المنفصل بالنجاسة والا ينجس بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن غير واحد
دعوى الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى ذلك عموم ما دل على نجاسة المتغير وان كان أعم من اخبار الاستنجاء من وجه لكن عموم النجاسة أقوى
بالنسبة إلى مورد الاجتماع لضعف ظهور اخبار الاستنجاء بالنظر إلى هذا الفرد بل امكان دعوى انصرافها عنه خصوصا بعد الالتفات إلى أنه ليس
لنا ماء لا يفسده التغير حتى الكر والجاري وماء المطر مضافا إلى اشعار والتعليل بأكثرية الماء في رواية الأحول بان المناط قاهرية الماء واستهلاك
القذر فيه ثم لا يخفى عليك ان مقتضى الأدلة المتقدمة انما هو طهارة ماء الاستنجاء من حيث هو فلا ينافيها نجاسة لو كان المحل متنجسا بنجاسة
أخرى فطهارة ماء الاستنجاء انما هي ما لم يتنجس المحل بنجاسة أخرى خارجة عن حقيقة ما يستنجى منه داخلية كانت أم خارجية أو تلاقه أي ماء
الاستنجاء نجاسة من خارج وبحكمه ما لو بقي عين النجس الذي يستنجى منه حسا في الماء بعد الانفصال فإنه [ح] بمنزلة النجاسة الخارجية الواصلة إليه فينجسه
ولا فرق في ملاقاة المحل للنجس بين كونها قبل انفعاله بالنجاسة التي يستنجى منها أو معه أو بعده لان انفعال المحل بسبب سابق لا يقتضى لغوية الملاقاة
اللاحقة لو كان لها اثر خاص كما فيما نحن فيه وهو تنجيس الماء فيجب ان يؤثر السبب اللاحق فيه أيضا بقدر قابلية المحل نعم قد يتوهم الطهارة فيما لو خرج
مع الغائط شئ من الدم ولا في المحل لتعارفه خصوصا بالنسبة إلى أرباب البواسير ولا يخرج الماء بذلك من كونه مصادقا الماء الاستنجاء فيعمه الحكم
* (ويدفعه) * ان الدم الخارج كالغائط بنظر العرف له مدخلية في ايجاب غسل ملاقيه فكما يصدق في الفرض عليه ماء الاستنجاء كذلك يصدق عليه
غسالة الدم ولا أقل من تأثيره في التشكيك في إرادة هذا الفرد من المطلقات فلا يمكن استفادة حكمه منها لان مثل هذا التشكيك مضر في التمسك
بالاطلاق جزما * (و) * لو خرج مع ما يستنجى منه أو بعده بعض الأجسام الطاهرة كالوذي أو المذي أو الدود أو البلغم أو نحوها فالأظهر عدم تأثيرها
في نجاسة الماء * (و) * قد يتوهم نجاسته نظرا إلى انفعالها بعد الخروج فليس ملاقاة المحل لها الا كملاقاته للمتنجس الخارجي ويدفعه عدم ملحوظية هذه
الأشياء بنظر العرف بحيث يرون لها آثارا مستقلة وليس هذه الأشياء بنظر العرف من الخصوصيات المصنفة لماء الاستنجاء حتى يمكن ادعاء انه
لا يفهم عرفا من الأدلة الا طهارة بعض دون بعض خصوصا مع غلبة حدوث هذه الأشياء وترك التفصيل في النصوص والفتاوى ومعاقد اجماعاتهم
بل الظاهر طهارة الماء لو أصاب المحل جسم طاهر فتأثر منه حيث إن العرف حين يرونه متأثرا من المحل لا يتعقلون تأثيره فيه حتى يوجب ذلك
صرف الأدلة عن شموله والمتبع في مثل هذه الموارد انما هو الفهم العرفي ولكن الاحتياط في هذه الصورة بل في سابقتها أيضا ممالا ينبغي تركه
والله العالم
* (فرع) * صرح غير واحد وبعدم جواز استعمال ماء الاستنجاء في رفع الحدث واستدل له بما عن التحرير والمنتهى من دعوى الاجماع على
66

عدم رفع الحدث بما يزال به الخبث ولكنك عرفت في مبحث الغسالة ان التمسك بالاجماع المحصل فضلا عن منقوله في مثل المقام لا يخلو عن
اشكال فما قواه في المستند والحدائق وفاقا للمحكى عن الأردبيلي من القول بالجواز لا يخلو عن وجه * (نعم) * يمكن الاستدلال له برواية ابن سنان
الآتية الدالة على عدم جواز الوضوء بالماء المستعمل في تطهير الثوب وغسل الجنابة وأشباهه بناء على كون النهى عن الوضوء تعبديا لا
من حيث نجاسته لأن الماء المستعمل في الاستنجاء من أشباهه بلا شبهة وثبوت الطهارة له تعبدا لا يخرجه عن المشابهة العرفية ولكنك
ستعرف المناقشة في دلالتها على المدعى * (نعم) * على القول بطهارة الغسالة [مط] يتم الاستدلال بها كما سيتضح وجهه * (وكيف) * كان فلا ينبغي الاشكال
في جواز استعماله في إزالة الخبث لحصول الغسل المأمور به معه وتقييده بما عداه يحتاج إلى دليل * (و) * دعوى الانصراف عن مثل هذا الماء المفروض
طهارته غير مسموعة والله العالم * (و) * الماء المستعمل في الوضوء طاهر بضرورة مذهبنا ومطهر عن الحدث والخبث اجماعا ويدل عليه مضافا إلى الأصل
والاجماع الرواية الآتية وعن أبي حنيفة الحكم بنجاسته نجاسة مغلظة حتى لو كان في الثوب منه أكثر من قدر الدرهم لم تجز الصلاة به وعن أبي يوسف
انه نجس نجاسة محققه فيجوز الصلاة به ولا ينبغي الالتفات إليهما
وما استعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر اجماعا ويجوز استعماله في إزالة
الخبث بلا اشكال فيه للأصل والعمومات بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه وكذا لا اشكال بل لا خلاف في أنه يرفع الحدث ثانيا لو كان
كثيرا بالغ حد الكر أو جاريا وما بحكمه بل غير واحد نقل الاجماع عليه * (و) * يدل عليه السيرة المستمرة عند المتشرعة المعلوم تحققها من صدر
الشريعة كما يفصح عن ذلك السير في أسئولة السائلين عن حكم المياه المجتمعة التي يغتسل فيها الجنب الظاهرة في كونه متعارفا لديهم إلى غير
ذلك من القرائن الموجبة للقطع بذلك ويدل عليه أيضا غير واحد من الاخبار التي تقدم بعضها في مبحث الكر * (منها) * صحيحة صفوان قال
سئلت أبا عبد الله (ع) عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب وتشرب منها الحمير ويغتسل فيها الجنب
ويتوضأ منها قال وكم قدر الماء قال إلى نصف الساق والى الركبة فقال توضأ منه ويظهر من بعض الأخبار
كراهة الاغتسال من المياه
الراكدة التي يتعارف الاغتسال فيها في الحمام وغيره ففي خبر علي بن جعفر عن أبي الحسن موسى (ع) في حديث قال من اغتسل من الماء الذي اغتسل
فيه فأصابه الجذام فلا يلومن الا نفسه فقلت لأبي الحسن (ع) ان أهل المدينة يقولون إن فيه شفاء من العين فقال كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام
والزاني والناصب الذي هو شرهما وكل من خلق ثم يكون فيه شفاء من العين ظاهرها وان كان كراهة الاغتسال مما اغتسل فيه مطلقا
الا ان ذيلها بل وكذا التعليل بإصابة الجذام يشعر بان المراد منها الاغتسال من المياه المتعارفة المعدة للاستعمال التي يتوارد عليها عامة الناس
على وجه يكون في استعمالها ريبة إصابة الجذام ونحوه من الأمراض المسرية التي هي حكمة الكراهة والله العالم * (و) * هل يرفع به الحدث ثانيا لو
كان قليلا * (فيه) * قولان معروفان منشأهما اختلاف الاخبار وتصادم الأدلة ففيه تردد بدوي لا محالة ولكن المتأمل في مجموع الاخبار
وما يقتضيه الجمع بين الأدلة لا ينبغي ان يتردد في أن الأقوى كما هو الأشهر بل المشهور بين المتأخرين جوازه حجة المانعين أمور * (منها) *
رواية أحمد بن هلال عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال لا بأس بان يتوضأ بالماء المستعمل فقال الماء
الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه وأشباهه واما الذي يتوضأ الرجل به فيغسل وجهه ويده
في شئ نظيف فلا بأس ان يأخذه غيره ويتوضأ به * (و) * نوقش فيها بضعف السند لاشتماله على أحمد بن هلال الذي روى اللعن عليه
من العسكري (ع) وقد أكثروا في الطعن عليه برميه إلى الغلو تارة والنصب أخرى قال شيخنا المرتضى [قده] وبعد ما بين المذهبين لعله
يشهد بأنه لم يكن له مذهب رأسا ولكنه قده ذكر قرائن كثيرة موجبة للاطمئنان بصدق الرواية ويظهر من الفريد البهبهاني في حاشيته
على المدارك أيضا الاعتماد عليها فالمناقشة فيها ممن يعمل بالروايات الموثوق بها مشكلة جدا ولكن للتأمل في دلالتها مجال لغلبة
اشتمال بدن الجنب على النجاسة كما يشهد به العادة خصوصا في تلك الأزمنة والأمكنة مضافا إلى شهادة الروايات الواردة في
كيفية غسل الجنابة بذلك فيقوى بها احتمال ورودها مورد الغالب هذا مع أن المتتبع في الاخبار التي وقع فيها السؤال عن
حكم الماء الذي يغتسل فيه الجنب والأجوبة الصادرة عن الأئمة عليهم السلام لا يكاد يرتاب في أن جميعها ناظرة إلى نجاسة الماء وطهارته
وان الرخصة في التوضي منه أو شربه مثلا لم تكن الا لبيان طهارته والنهى عن التوضي أو الشرب لم يكن الا لبيان نجاسته واما احتمال
عدم جواز استعماله في التطهير تعبدا لم يكن يخطر في أذهانهم ابدا الا ترى أنه حين سئل في غير واحد من الاخبار عن مجمع ماء ترد فيه
السباع وتلغ فيه الكلاب ويغتسل منه الجنب اجابه بقوله (ع) إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ وفي غير واحد من الاخبار سئل الرواة عن
الثوب الذي يصيبه الماء المستعمل في غسل الجنابة فأجابوهم بنفي البأس * (وفي) * صحيحة ابن مسلم الآتية في أدلة المختار بعد أن سئله
عن الحمام يغتسل فيه الجنب اغتسل من مائه قال نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب ولقد اغتسلت فيه وجئت فغسلت رجلي وما غسلت رجلي
الا مما لزق بهما من التراب إلى غير ذلك من الاخبار التي يستفاد منها انه لم يكن ملحوظا لديهم الا جهة نجاسته ومن أراد مزيد اطلاع
67

على ما ادعيناه فليطلب من مظانها مثل اخبار الحمام والكر وغيرها وسيأتي الإشارة إلى بعضها فيما بعد [انش‍] بل الانصاف انى أجد
هذه الرواية في حد ذاتها على خلاف مطلوبهم أدل لان سوق الرواية يشهد بأنه (ع) بعد أن نفى البأس عن الوضوء بالماء المستعمل [مط]
ابطالا لتشريع من زعم نجاسة ما يستعمل في الوضوء أراد أن يبين وجه الاطلاق وان الماء المستعمل من حيث إنه مستعمل لا بأس به الا
ان ينضم إليه جهة أخرى موجبة لنجاسة كان يغسل به الثوب النجس أو يغتسل به الرجل من الجنابة التي لا تنفك غالبا عن نجاسة
البدن فإنه لا يجوز ان يتوضأ من مثل هذا الماء وأشباهه مما يستعمل في إزالة النجاسة عن الثوب والبدن واما الماء الذي
ليس فيه جهة أخرى موجبة لنجاسته مثل الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه ويده في شئ نظيف فلا بأس ان يؤخذ من مائه ويتوضأ
به فقوله (ع) واما الذي [الخ] بحسب الظاهر مبين لما في الاطلاق من الاجمال في ضمن مثال ولعل النكتة في تخصيص الوضوء بالذكر
لزعم المبتدعين نجاسة مائه بالخصوص أو لكونه أوضح الافراد وكيف كان فالماء الذي يغتسل به الرجل فيغسل رأسه وبدنه في
شئ نظيف بعد تطهير بدنه هو أيضا مثل ماء الوضوء لا بأس به بمقتضى هذا التفسير وما ذكرناه في توجيه الرواية الصق وأنسب
بسياقها وأوفق بالقواعد اللفظية من حمل اطلاق الصدر على العموم وارتكاب التخصيص فيه بالنسبة إلى غسالة الثوب وأشباهها
خصوصا إذا جعلنا المستعمل في غسل الجنابة وأشباهه قسيما لها فإنه يستلزم اخراج أكثر الافراد فيكون المراد من الاطلاق خصوص الماء
المستعمل في رفع الحدث الأصغر وهو في غاية البعد * (وقد) * يناقش في دلالة الرواية باحتمال إرادة إزالة الوسخ من غسل الثوب لا
النجاسة فيتعين حمل النهى فيها بقرينة الاجماع على مطلق رجحان الترك المجامع للكراهة دون خصوص الحرمة واعترض عليها بقيام الاجماع
على نفى الكراهة أيضا فان تم هذا الاجماع فهو والا فما أبداه المورد من الاحتمال لا يخلو عن وجه إذ ليس لغسل الثوب حقيقة شرعية
حتى يحمل عليها * (ودعوى) * غلبة نجاسة الثوب المغسول به الموجبة لانصراف الاطلاق إليها لو سلمت ففي الجنابة أولى لأغلبيتها فيها منه الا
ان يقال إن وروده في كلمات الشارع وظهور نواهيه في الحرمة صلح قرينة التعيين المراد من الفقرة الأولى دون الثانية ثم لو سلم ظهور
الرواية في المنع فلا شبهة في أن تقييدها بما إذا اشتمل بدن الجنب على النجاسة أهون من التصرف في الأدلة الآتية المخالفة للعامة و
من أدلة المانعين صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سئلته عن ماء الحمام فقال ادخله بإزار ولا تغتسل من
ماء اخر الا ان يكون فيه
جنب أو يكثر أهله فلا تدرى فيه جنب أم لا وأجيب بمنع الدلالة للاكتفاء في رفع النهى بالإباحة وفيه أن النهى في المستثنى منه ليس للحرمة
جزما ولا للكراهة للقطع بجواز الاغتسال من غير ماء الحمام فالمراد منه اما الارشاد إلى ما هو الأصلح بحال السائل لسهولته
وغيرها من الجهات أو لدفع توهم الوجوب أو لأجل كونه توطئة لذكر ما بعده فلا بد من أن يكون الاغتسال منه عند وجود الجنب أو
احتمال وجوده مرجوحا اما على سبيل الحرمة أو الكراهة والمنسبق إلى الذهن هو الحرمة * (وفيه) * ان حمل النهى على الحرمة في المقام
متعذر لان المراد من ماء الحمام اما ما في حياضه الكبار أو ما في حياضه الصغار أو الغسالة الجارية على سطح الأرض اما الأخير فلا
يمكن تنزيل الرواية عليه لعدم كون الاغتسال منه متعارفا عند الناس حتى ينزل اطلاق السؤال عليه مع أن اللازم على الإمام (ع) على
هذا التقدير ارشاده إلى الاغتسال من ماء الحياض لا امره بالغسل من غير ماء الحمام * (واما) * الأول فمن المعلوم ان الغالب فيه كونه
اضعاف الكر فلا يمنع اغتسال الجنب فيه من جواز الاغتسال منه أو فيه باتفاق النص والفتوى كما عرفته فيما تقدم وقد عرفت أن غاية
ما يستفاد من بعض الأخبار كراهته * (واما) * الثاني فليس المتعارف بين الناس الا الاغتسال حول الحياض لا فيها والرشحات التي تنقح فيها
حال الغسل لو لم توجب نجاستها غير مضرة قطعا للصحيحة الآتية وغيرها من الأدلة هذا مع أن المتعارف انما هو وقوع الاغتسال
حال الاتصال بالمادة ولا بأس به [ح] قطعا فإنه بمنزلة الجاري وماء النهر يطهر بعضه بعضا وفي مرسلة الواسطي قال سئل عن الرجال
يقومون على الحوض في الحمام لا اعرف اليهودي من النصراني ولا الجنب من غير الجنب قال يغتسل منه ولا يغتسل من ماء اخر فإنه طهور
والذي يظهر لي ان مناط النهى في الصحيحة انما هو وجود الجنب بالفعل في الحمام واشتغاله بالاغتسال وذلك لأجل استمال بدنه
على النجاسة الموجبة لتنجيس من يجتمع معه حول الحوض الصغير الذي كان أحد الماء منه متعارفا في تلك الأزمنة فيتعذر حصول الغسل
الصحيح أو يتعسر ولذا امره بالاغتسال من ماء آخر لتيسر تحصيل القطع بحصول الغسل الصحيح الخالي عن الشبهة منه فيه دون ماء
الحمام وكيف لامع انه لو كان مناط النهى كونه مستعملا في غسل الجنابة لكان اللازم إناطة الحكم بالعلم بغسل الجنب أو احتماله كما هو مقتضى
قوله (ع) أو يكثر أهله فلا تدرى فيه جنب لا على وجوده فيه بالفعل ولازمه المنع من الاغتسال من المياه الموجودة في الحمامات المتعارفة
إذ لا يكاد يوجد حمام لا يقطع بدخول الجنب فيه في يومه وليلته مرارا عديدة فضلا عن احتماله واجراء الماء من المادة كما يكفي في رفع
؟؟ عند العلم باغتسال الجنب كذلك يكفي في رفعه عند وجوده فيه بالفعل فلا مقتضى للامر بالاغتسال من ماء اخر كمالا يخفى وقد
68

يستدل لهم أيضا بالصحيح عن ابن مسكان قال حدثني صاحب لي ثقة انه سئل أبا عبد الله (ع) عن الرجل ينتهى إلى الماء القليل في الطريق
ويريد ان يغتسل وليس معه اناء والماء في وهادة فان هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع قال ينضح بكف بين يديه وكفا من
خلفه وكفا عن يمينه وكفا عن شماله ثم يغتسل فان الظاهر من تقرير الإمام (ع) وأمره بالنضح الذي هو مانع من رجوع الغسالة
إلى الماء يدل على كونه محذورا يجب علاجه واما كون النضح مانعا عن الرجوع فقد ذكروا في تقريبه وجهين أحدهما ان يكون المراد
انه ينضح بالأكف على الأرض فيوجب رشها سرعة جذب الماء ثانيهما ان يكون المقصود نضح بدنه بالماء من الجهات الأربع حتى يتعجل وصول
الماء إلى البدن فيتم غسله قبل رجوع الماء إلى الوهادة * (والجواب) * عنه أولا ان نضح الأكف من الماء على الجواب وان أمكن كونه
مانعا من عود الماء في بعض الفروض الا ان هذا لا يصحح لطلاق الجواب لو كان رجوعه إلى الماء موجبا الفساد الغسل بل كان
اللازم على الإمام (ع) على هذا التقدير ان يأمره بوضع حائل من تراب ونحوه إن أمكن أو يأمره باقتصاره في غسل بدنه على الأذهان
وعدم اكثار الماء على وجه يجرى غسالته في الوهادة بمقدار يصير مائها مستعملا والظاهر أن نضح الأكف من المياه القليلة التي
توجد في الطريق عند إرادة الوضوء أو الغسل في حد ذاته مستحب ولعل الحكمة فيه رفع كراهة الاستعمال من مثل هذه المياه التي يرد
عليها السباع وغيرها وقد ورد الامر به للوضوء في رواية الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام إذا اتيت ماء فيه قلة فانضح عن يمينك
وعن يسارك وبين يديك وتوضأ وقد ورد الامر به أيضا في صحيحة علي بن جعفر الآتية وثانيا ان غلبة اشتمال بدن الجنب على النجاسة
مانعة من ظهور الصحيحة في كون المحذور الذي تخيله السائل هو محذور اختلاط الماء بالماء بالمستعمل في الحدث الأكبر من حيث هو
فلعل المحذور الذي تخيله نجاسة الماء بوصول الغسالة وثالثا ان المحذور الذي قرره الإمام (ع) يحتمل ان يكون محذور كراهة الاستعمال
وليس في الرواية ما يدل على أن السائل كان يرى حرمته حتى يكون تقريره أو بيان العلاج له اغراء بالجهل ويؤيد هذا الاحتمال وضوح
كون العلاج مبنيا على المسامحة وبما ذكرنا ظهر لك ان هذه الرواية على خلاف مطلوبهم أذل ولذا استدل بها بعضهم لاثبات الجواز
بل عن الشيخ الذي هو قائل بالمنع انه ارتكب التوجيه فيها بحملها على الضرورة أو غير غسل الجنابة واستدل لهم أيضا برواية حمزة بن أحمد
وفيها ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت (ع)
وهو شرهم وصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام وسئل عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا
كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ إلى غير ذلك من الاخبار التي لا يخفى ما فيها على المتأمل واستدل لهم أيضا بالاحتياط تحصيلا للقطع
بفراغ الذمة عما هو مشروط بالطهارة * (وفيه) * بعد الغض عن ورود الأوامر المقتضية للاجزاء ان استصحاب مطهرية الماء حاكم على قاعدة
الاشتغال هذا مع أن يكون الاحتياط مرجعا للشاك في مثل المقام لا أصل البراءة فيه كلام سنشير إليه في مبحث الوضوء إذا اقتضاه
المقام [انش‍] حجة المجوزين مضافا إلى الأصل والاطلاقات صحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله (ع) الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره
اغتسل من مائه قال نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب ولقد اغتسلت فيه وجئت فغسلت رجلي وما غسلتهما الا مما لزق بهما من التراب ويمكن
المناقشة في دلالتها بان الاغتسال في الحمام لا يستلزم صيرورة مائه مستعملا لان الاغتسال في الحمام عادة لا يتحقق الا في الحياض
الكبار أو في خارج الماء حول الحياض الصغار والمانع ملتزم بنفي البأس في الصورتين ولم يكن مقصود السائل أيضا من سؤاله
على ما يشهد به ذيل الجواب معرفة حكمه من هذه الجهة وانما تخيل نجاسته بمباشرة الجنب فنفى الإمام (ع) عنه البأس الذي توهم وبين
وجه غسله رجليه حتى لا يبقى له شبهة أصلا ويمكن دفعها بما عرفت فيما سبق من أنه يفهم من مثل هذه الرواية ان البأس المعهود لديهم
لم يكن الا نجاسته ولذا لم يستظهر الإمام (ع) من كلام السائل مع اطلاقه الا توهمه ثبوت البأس من هذه الجهة كما يشهد به سوق
الجواب فتأمل واستدل لهم أيضا بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال سئلته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أيغتسل منه
للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره والماء لا يبلغ صاعا للجنابة ولا مدا للوضوء وهو متفرق فكيف يصنع به وهو يتخوف
أن تكون السباع قد شربت منه فقال إذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه وكفا عن امامه وكفا عن
يمينه وكفا عن شماله فان خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلث مرات ثم مسح جلده بيده فان ذلك يجزيه وان كان الوضوء غسل وجهه
ومسح يده على ذراعيه ورأسه ورجليه وان كان الماء متفرقا فقدر ان يجمعه والا اغتسل من هذا ومن هذا وان كان في مكان وهو
قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه ان يغتسل ويرجع الماء فيه فان ذلك يجزيه فان قوله (ع) لا عليه ان يغتسل ويرجع الماء فيه يدل على جواز
الاغتسال مما يرجع اما في حال الضرورة فواضح واما في غير حال الضرورة فلا ان الظاهر أن المراد من قوله لا يكفيه لغسله عدم كفايته
بحسب المتعارف والا فحيثما فرض كغاية هذا الماء لغسل جميع بدنه ولو بإعانة ما يأخذه من غسالته فلا محالة يمكنه الاغتسال منه على
69

وجه لا يحتاج ثانيا إلى استعمال المستعمل بان يبلل يده ويمسح بها سائر جسده على وجه يحصل به أقل مسمى الغسل المعتبر عنه بالأذهان
وعليه ينزل صدر الرواية لا المسح الحقيقي حتى يخالف النصوص والفتاوى ولا شبهه في أن الماء الذي يصرف في الغسل بهذه الكيفية
أقل مما يصرف فيه بالكيفية المذكورة في الرواية فليس المراد من عدم الكفاية لا بحسب المتعارف لا الضرورة التي تبيح المحظور
هذا مع أنه لم ينقل التفصيل في المسألة إلا عن ظاهر الصدوق والشيخ عند تعرضه للجمع بين الاخبار بل عن بعض المستدلين بالصحيحة
دعوى عدم القول بالفصل ومما يؤيد القول بالجواز ما عن الغوالي عن ابن عباس قال اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله في جفنة
فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله ان يتوضأ منها فقالت يا رسول الله انى كنت جنبا فقال (ع) ان الماء لا يجنب وعن الأمالي
عن ميمونة قالت اجتنبت فاغتسلت من جفنة وفضلت فيها فضلة فجاء رسول الله فاغتسل منها قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله انها فضلة منى
أو قالت اغتسلت فقال صلى الله عليه وآله ليس للماء جنابة وهذه الرواية وان كان موردها الفضلة بحسب الظاهر لكن التعليل لو لم نقل بالدلالة
فلا أقل من اشعاره بان الماء لا يتأثر من مباشرة الجنب وقد استدل للجواز أيضا بالاخبار الكثيرة التي لا يخلو دلالتها عن
نظر وكيف كان فقد اتضح لك ان الجواز هو الأقوى * (و) * لكن الأحوط المنع من استعماله عند التمكن من غيره واما عند الانحصار
فمقتضى الاحتياط الجمع بينه وبين التيمم والله العالم
* (تنبيه) * لا ينبغي الاشكال على القول بالمنع في القطرات المنتضحة من بدن
المغتسل أو الأرض في الاناء بل في كل سير من الماء المستعمل الممتزج بما يضمحل فيه بحيث لا يصدق عليه الماء المستعمل عرفا وليس العبرة
هنا بالاستهلاك المرادف للاستحالة حتى يدعى استحالته في المتجانسين بل المدار على ذهاب الاسم الموجب لعدم شمول أدلة المانعين
له ويدل على نفى البأس عما يستهلك مضافا إلى الأصل واطلاقات الأدلة الصحاح المستفيضة * (منها) * صحيحة الفضيل قال سئل أبو
عبد الله (ع) عن الرجل يغتسل فينتضح من الأرض في الاناء قال (ع) لا بأس هذا مما قال الله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج وصحيحة
شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في الجنب يغتسل فيقطر عن جسده في الاناء وينتضح الماء في الأرض فيصير في الاناء
انه لا بأس بهذا كله * (و) * صحيحة عمرو بن يزيد قلت لأبي عبد الله (ع) اغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة فيقع في الاناء
ما ينزو من الأرض فقال لا بأس به * (و) * في ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في كيفية الغسل بعد أن امره بغسل كفيه وفرجه
وغيرهما من التفاصيل قال (ع) فما انتضح من مائه في انائه بعد ما صنع ما وصفت لك فلا بأس وقد استدل المجوزون بهذه الاخبار
أيضا لمذهبهم وفيه أن المانعين بحسب الظاهر يلتزمون بمفادها فلا تكون حجة عليهم * (و) * لكن الانصاف انها من المؤيدات
القوية لهذا القول خصوصا الأخيرة منها فإنها تصلح قرينة لتعيين ما أريد من الاخبار التي استدل بها المانعون
والله العالم
الطرف الثالث في الأسئار بالهمزة بعد السين جمع سور وهو لغة الفضلة والبقية كما عن القاموس وعن الجوهري البقية بعد الشرب
وفي المجمع عن المغرب وغيره هو بقية الماء التي يبقيها الشارب في الاناء أو الحوض ثم استعير لبقية الطعام * (وفيه) * أيضا وقد يقال
في تعريفه السؤر ما باشره جسم حيوان وبمعناه رواية ولعله اصطلاح وعليه حملت الأسئار كسؤر اليهودي والنصراني وغيرهما انتهى
وقيل إنه في عرف الفقهاء ماء قليل لاقى جسم حيوان ولعله أراد بيان مرادهم من لفظ السؤر الواقع في باب المياه قال شيخنا المرتضى [ره]
والأولى ابقاء السؤر حتى في هذا المقام على معناه العرفي واشراك غيره معه في الحكم الثابت له شرعا وظاهرهم اعتبار العلة في الماء والذي
يستفاد من الاخبار اطلاقه على الكثير مثل قوله (ع) ولا يشرب سؤر الكلب الا ان يكون حوضا كبيرا استسقى منه وهو أيضا ظاهر التذكرة و
المحكى عن الهداية * (انتهى) * قول دعوى انصراف ما يدل على كراهة استعمال بعض الأسئار عن الكثير الجاري غير بعيدة ومما يدل على أن
السؤر في الاخبار يطلق على الأعم من تعبية الشراب ما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام في سؤر الهرة ان الهر سبع ولا بأس بسؤره وانى
لاستحى من ربى ان ادع طعاما لان الهر اكل منه * (وعن) * النبي صلى الله عليه وآله في حديث المناهي انه صلى الله عليه وآله نهى عن اكل سؤر الفارة والظاهر من بعض الأخبار
عدم اختصاصه بمباشرة الفم كموثقة العيص عن الصادق (ع) عن سؤر الحايض قال توضأ منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة
وتغسل يديها قبل أن تدخلهما الاناء * (وهي) * أي الأسئار الحيوانات كلها طاهرة عدا سؤر ما كان نجس العين أي الكلب والخنزير والكافر
اما طهارة سؤر ما عدا المذكورات فهي التي يقتضيها القواعد الشرعية من دون فرق بين كونه مما يؤكل لحمه أولا يؤكل ويدل عليها
مضافا إلى الأصول المعتبرة جملة من الاخبار الآتية التي يفهم منها طهارة سؤر كل ما كان ظاهر الجسد واما نجاسة سؤر الكلب
وأخويه فلأنها من اثار نجاستها شرعا كما ورد التعليل بها في سؤر الكلب في بعض الأخبار الآتية * (وفي) * نجاسة سؤر المسوخ تردد منشأه
التردد في نجاستها ولكنك ستعرف [انش‍] في مبحث النجاسات ان الطهارة اظهر ومن عدا الخوارج والغلات من أصناف المسلمين
إذا لم ينكر شيئا من ضروريات الدين طاهر الجسد والسؤر وسيأتي في محله أنشأ الله وعن المبسوط والسرائر والمهذب انكار
70

الملازمة بين طهارة الحيوان وجواز استعمال سوره حيث منعوا استعمال سؤر مالا يؤكل لحمه من حيوان الحضر غير الادمي والطيور
الا مالا يمكن التحرز عنه كالهرة والفارة والحية بل عن الحلي التصريح بنجاسته ومستندهم في المنع مفهوم رواية عمار بن موسى عن أبي
عبد الله عليه السلام قال سئل عما تشرب فيه الحمامة فقال (ع) كل ما اكل لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب * (ويؤيده) * مفهوم صحيحة ابن سنان لا بأس
ان تتوضأ مما شرب منه ما يؤكل لحمه فان البأس وان كان أعم من الحرمة الا انها اظهر الافراد فتسبق إلى الذهن * (وفيه) * أولا منع
دلالتهما على المفهوم أعني الانتفاء عند الانتفاء ولذا لم يفهم السائل من كلامه (ع) حكم كل مالا يؤكل لحمه فسأله بعد ذلك عن ماء
شرب منه بازا وصقر أو عقاب فأجابه بقوله كل شئ من الطير يتوضأ من سؤره [الخ] فلو كان لجوابه الأول مفهوم عام لكن بين الجوابين
معارضة مع أن الناظر إليهما لا يلتفت إلى المعارضة أصلا فهذا دليل على أنه ليس شئ من الجوابين مسوقا لبيان الانتفاء عند
الانتفاء نعم يفهم من تقييد الموضوع في مقام اعطاء القاعدة ان جواز التوضي وانتفاء البأس في افراد غير المأكول غير مطرد لان
هذا هو النكتة الظاهرة التي تنسبق إلى الذهن في مثل المقام واما ظهورهما في كون علة نفى البأس هي كونه مأكول اللحم لا غير كما عليه
يبتنى استفادة المفهوم فلا * (وثانيا) * انه لا يمكن الاخذ بعموم المفهوم للزوم تخصيصه بالنسبة إلى الطيور والوحوش والسباع وحشرات
الأرض كالفارة والعقرب والحية ونحوها لوقوع التصريح بنفي البأس عن هذه الأمور في الجملة في الأخبار الخاصة ولذا التزم المانعون
باستثنائها ومن المعلوم أنه بعد اخراج هذه الأمور لا يبقى تحت العام الا أقل قليل ولا يمكن ارتكاب هذا النحو من التصرف في المفاهيم
التي هي من الأدلة اللبية فيتعين حمل الروايتين على إرادة الكراهة كما يؤيدها مرسلة الوشا عن أبي عبد الله (ع) انه كان يكره سؤر كل شئ
لا يؤكل لحمه * (و) * ثالثا انه يعارضهما صحيحة الفضل قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والخيل والبغال والوحش
والسباع فلم اترك شيئا الا سئلت عنه فقال لا بأس به حتى انتهيت إلى الكلب فقال رجس نجس لا تتوضأ بفضله فاصبب ذلك الماء و
اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء فان هذه الرواية كالصريح في أن علة ثبوت البأس في الكلب نجاسته لا كونه غير مأكول وان ما عداه مما
ليس بنجس فلا بأس بسؤره ونظيرها ما رواه معاوية بن شريح قال سئل عذافر أبا عبد الله (ع) وانا عنده عن سؤر السنور والشاة والبقرة
والبعير والحمار والفرس والبغل والسباع يشرب منه أو يتوضأ منه فقال نعم اشرب منه وتوضأ منه قال قلت له الكلب قال لا قلت
أليس هو سبع قال لا والله انه نجس لا والله انه نجس فإنه يفهم من هذه الرواية أيضا ان علة نجاسة سؤر الكلب نجاسته لا كونه سبعا
أو غير مأكول اللحم وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أنه لا يجب التجنب عن سؤر ما ليس بنجس مطلقا نعم يكره سؤر كل مالا يؤكل لحمه [مط]
طيرا كان أو غيره للمرسلة المتقدمة المعتضدة بمفهوم الروايتين المتقدمتين لكن لا يبعد دعوى انصرافها إلى مالا يحل اكله ذاتا لا بالعرض
الا ان التعميم أوفق بظاهر اللفظ وأنسب بالمسامحة في أدلة السنن
* (و) * لعله لذا أفتى المصنف وغيره بأنه يكره سور الجلال من كل حيوان و
هو المتغذى بعذرة الانسان إلى حد يحرم اكله على الوجه المذكور في باب الأطعمة والأشربة وعن السيد والشيخ وابن الجنيد النجاسة
واستدل لهم بعدم خلو لعابه عن النجاسة وبان لعابه ينشأ منها وأورد بالنقض ببصاق شارب الخمر وحله انه لا حكم للنجاسة بعد استهلاكها
أو استحالتها وكذا سؤر ما اكل الجيف إن لم يكن مأكول اللحم كما هو الغالب والا يشكل الحكم بكراهة سؤره إذ الظاهر أن اكل الجيفة لا يوجب
حرمة اللحم حتى يستفاد كراهة سؤره من المرسلة ولعل وجه قولهم بكراهته على الاطلاق هو الخروج من شبهة الخلاف لحكاية المنع عن بعض
وكيف كان فإنما يكره السؤر إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة والا ينجس السؤر ويجب التجنب عنه بلا اشكال إذ لا دليل على اختصاص
حكم النجاسات بما عدا هذا الفرد ويدل عليه بالخصوص رواية عمار المتقدمة عن أبي عبد الله (ع) حين سئله عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب
فقال (ع) كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا ان ترى في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب * (وعنه) * أيضا
انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن ماء شربت منه الدجاجة قال إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ ولم يشرب وإن لم تعلم أن في منقارها
قذرا توضأ منه واشرب وظاهر هاتين الروايتين بل صريحهما على ما يقتضيه القرائن الداخلية والخارجية دوران المنع مدار وجود عين
القذر في منقارها فلو لم يكن في منقارها قذر فلا بأس بسؤرها مطلقا سواء علم ملاقاته للقذر في السابق أم لم يعلم وسواء علم زواله
بمطهر شرعي أم لم يعلم بل وان علم عدمه كما هو ظاهر المشهور بل الظاهر عدم الخلاف فيه نعم عن النهاية اعتبار احتمال حصول الطهارة بوروده
على كثير مطلق أو ورود المطر أو القليل عليه ولكنه في غاية الضعف إذ لولا طهارة بدن الحيوان بزوال عين النجس عنه لما أفاد احتمال التطهير
الحكم بطهارته لمخالفته للقاعدة المغروسة في أذهان أهل العرف التي أمضاها الشارع في ضمن اخبار كادت تكون متواترة من أن اليقين
لا ينقضه الاحتمال ورفع اليد عن هذه القاعدة للاجماع والسيرة وغيرهما من الأدلة الخاصة ليس بأولى من الالتزام باختصاص قاعدة كل
نجس منجس بغير هذا الفرد أو الالتزام بان زوال العين مطهر شرعي تعبدا بل الالتزام بأحد هذين الامرين أولى بل هو المتعين بالنظر
71

إلى ما يقتضيه اخبار الباب مضافا إلى اعتضاده بالشهرة بل الاجماع فإنهم صرحوا كما عن المبسوط والسرائر والتذكرة وغيره بأنه لو أكلت
الهرة فارة ثم شربت من ماء قليل لم ينجس غابت الهرة أم لم تغب ومما يحقق الشهرة بل يظهر منه الاتفاق ان الأصحاب بين مفت بكراهة
سؤر الجلال واكل الجيف ومانع منه ولم يستند المانع في منعه الا إلى وجود اجزاء النجاسة في لعابه أو بالحاق سؤر بعرقه ببعض الاعتبارات
وكيف كان فاتفق المانعون والمجوزون على أن ملاقاة فمه للنجاسة مع العلم العادي غالبا بعدم ملاقاة المطهر الشرعي بعد اكل العذرة و
الجيفة لا تؤثر في الحكم بالتنجيس وكيف لا ولا يظن بأحد ان يلتزم بنجاسة ما يقع فيه الفارة وتخرج حية مع أن العادة قاضية بأنه لا يمر
عليها ساعة الا ويلاقى بدنها شيئا من النجاسات فهل تستنجى بعد البول أو تسبح في الشطوط والأنهار حتى يتحقق احتمال المطهر الشرعي
بالنسبة إليها وقد نفى البأس في غير واحد من الاخبار عن سؤرها وعما تقع فيه وتخرج حية ففي رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي
عبد الله (ع) قال سئلته عن الفارة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ به قال يسكب
منه ثلاث مرات وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ثم يشرب منه ويتوضأ غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع)
في حديث قال وسئلته عن فارة وقعت في حب دهن قبل أن تموت أيبيعه من مسلم قال نعم ويدهن وحكى عن الشيخ في الخلاف دعوى الاجماع
عليه مستكشفا ذلك من أن الأصحاب حكموا بطهارة سؤر الهرة على الاطلاق ودعوى ورودها في مقام بيان حكم سؤر الهرة من حيث
الطهارة والنجاسة مع غلبة ملاقاتها للنجاسة بل كونها محكومة بالنجاسة دائما ولو بحكم الاستصحاب غير مسموعة خصوصا مع عدم تنبيههم
عليها في كتبهم وبهذا ظهر لك الوجه في استدلالهم لاثبات المطلوب بالأخبار النافية للبأس عن سؤر الهرة وغيرهما مما يباشر النجاسات
غالبا واحتمال كونها مسوقة لبيان طهارته الذاتية مما لا ينبغي ان يلتفت إليه بعد ندرة انفكاك هذه الجهة عن الجهة العارضية تقتضيه
لنجاسته مضافا إلى اباء أكثر الاخبار عن مثل هذا الحمل حيث إنها كالصريح في كونها مسوقة لبيان الحكم الفعلي كروايتي عمار المتقدمتين
قال الاستثناء دليل على أن المراد نفى البأس عن سؤر الطير والدجاجة [مط] لامن حيث ذاتهما كمالا يخفى ومما يدل على طهارة بدن الحيوان
بزوال عين النجاسة مضافا إلى الأخبار الكثيرة التي يمكن استفادتها منها ما استقر عليه سيرة المتشرعة من عدم تحرزهم عن الحيوانات
التي يعلم بنجاستها عند تولدها بدم الولادة ولا عن سؤر الهرة وأشباهها مع علمهم غالبا بمباشرتها للنجس ولو في بعض الأزمنة واطمينانهم
بعدم ملاقاتها للمطهر الشرعي بل لو غسل واحد منهم فم الهرة التي أكلت الفارة أو شربت ماء نجسا مع علمه عادة بأنها تأكل من طعامه
وشرابه يعد عندهم من المجانين وكيف كان فالحكم من الوضوح بمكان لا يحوم حوله الارتياب وانما الاشكال في أنه هل يتنجس بدن
الحيوان عند تلوثه بالنجاسة فيطهر بزوال العين أو انه لا ينفعل أصلا كالبواطن التي لا تتأثر بما فيها من النجاسات وسيتضح لك تحقيقه
[انش‍] في محله ولا يترتب على تنقيحه فائدة مهمة الا في صورة الشك في بقاء العين فإنه لا يجوز الحكم بنجاسة ملاقيه على الثاني فإنها من اثار
ملاقاة النجس وهي مشكوكة في الفرض واستصحاب بقاء النجس لا يجدى في الحكم بنجاسة الملاقي الا على القول باعتبار الأصول المشتبه
ولا نقول به واما على الأول فيستصحب نجاسة الحيوان ويحكم بتنجيس ملاقيه لكونه من اثارها وملخص الفرق
بينهما ان الشك في الأول مسبب
عن الشك في بقاء موضوع المستصحب وقد تقرر في محله ان احراز الموضوع من مقومات الاستصحاب واما على الثاني فالموضوع
انما هو نفس الحيوان الذي علم نجاسته سابقا وشك في ارتفاعها في الزمان اللاحق والشك انما نشأ من الشك في زوال العين
الذي هو مطهر شرعي على الفرض فيجب الحكم ببقاء نجاسته إلى أن يعلم بتحقق المزيل ولكنه يمكن ان يقال إنه يظهر من رواية عمار إناطة
الحكم بالعلم بوجود القذر في منقارها بالفعل حيث قال وإن لم تعلم أن في منقارها قذرا توضأ منه فعلى هذا ينتفى هذه الثمرة أيضا
[فليتأمل] ويكره سؤر الحايض مطلقا كما عن الشيخ في المبسوط وعلم الهدى في المصباح أو التي لا تؤمن على المحافظة عن مباشرة
النجاسات كما في المتن وغيره وربما قيدها بعضهم بل أكثرهم بالمتهمة واعترض عليهم بخلو الاخبار عن التقييد بالمتهمة وهي أخص من
غير المهموته؟ التي وقع التقييد بها في اخبار الباب لان من لا يعرف حالها غير مأمونة وهي غير متهمة والانصاف ان المتبادر إلى
الذهن من غير المأمونة في قبل المقام هي المتهمة فلا يبعد ان يكون مقصود الجميع من التقييد التحرز عن سؤر المرأة التي لا تبالي بدينها
من حيث التحرز عن النجاسات واما مجهولة الحال فالظاهر عدم ملحوظيتها لديهم حين الاطلاق لندرة الابتلاء بمساورة من لا
يعرف حالها ولو اجمالا كمعرفته على سبيل الاجمال بان أهل البوادي نوعا لا يهتمون بالتحرز عن النجاسات والظاهر كفاية هذا
المقدار من الاتهام في كراهة السؤر وكذا كفاية وثوقه اجمالا بان أهل البلاد يتحرزون نوعا عن مثل دم الحيض وغيره من النجاسات
العينية في نفى الكراهة ما لم يظن في خصوص الشخص خلافه ولكن التقييد بغير المأمونة انسب بظواهر النصوص وأسلم من المناقشة
بل الأوفق بالظواهر ان يقال
ويكره سؤر الحائض الا إذا كانت مأمونة وكيف كان فمستند القول بكراهة سؤرها على الاطلاق
72

بحسب الظاهر اطلاقات الأخبار المعتبرة المستفيضة الناهية عن الوضوء من سؤر الحائض مثل صحيحه العيص قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام
عن سؤر الحائض قال لا توضأ منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة ثم تغسل يديها قبل أن تدخلهما الاناء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يغتسل
هو وعايشة في اناء واحد ويغتسلان جميعا ورواية عنبسة عن أبي عبد الله (ع) اشرب من سؤر الحائض ولا تتوضأ منه ورواية أبي بصير هل يتوضأ
من فضل وضوء الحائض قال لا وفي رواية أبى هلال المرأة الطامث اشرب من فضل شربها ولا أحب ان أتوضأ منه ورواية ابن أبي يعفور
قال سئلت أبا عبد الله (ع) أيتوضأ الرجل من فضل المرأة قال إذا كانت تعرف الوضوء ولا تتوضأ من سؤر الحائض ومستند القول باختصاص
كراهة السؤر بالمتهمة أو غير المأمونة الأخبار المستفيضة النافية للبأس عن الوضوء من سؤر الحائض إذا كانت مأمونة فيتقيد بها الأخبار المطلقة
منها صحيحة العيص المتقدمة على ما رواها في التهذيب والاستبصار باسقاط لفظة لا من أولها فيكون قوله (ع) إذا كانت مأمونة
قيدا للجنب والحائض ومنها صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله (ع) قال إن سؤر الحائض لا بأس به ان تتوضأ منه إذا كانت تغسل يديها وصحيحة
علي بن يقطين عن الرجل يتوضأ بفضل الحائض قال إذا كانت مأمونة فلا بأس وهذه الأخبار وان أمكن الجمع بينها بحمل المقيدات
على الكراهة الشديدة وابقاء المطلقات على اطلاقها الا ان دلالة الاخبار المقيدة على إرادة نفى البأس على الاطلاق اظهر من
الأدلة المطلقة على ثبوت البأس بالنسبة إلى المأمونة لكون البأس المنفى نكرة في سياق النفي التي يدعى دلالتها على العموم بالوضع مضافا
إلى المناسبة الظاهرة بين نفى البأس وكونها مأمونة واستبعاد كون الحكم تعبديا محضا حتى يكون المراد من المطلقات اطلاقها
بل لا يبعد دعوى انصرافها في حد ذاتها إلى غير المأمونة للمناسبة الظاهرة بين ثبوت البأس وكونها غير مأمونة فالجمع بين
الاخبار بتقييد المطلقات بغير المأمونة كما عليه المشهور أولى من تقييد البأس المنفى في الاخبار المقيدة بكونه بأسا شديدا نعم ربما
يأبى عن التقييد صحيحة العيص على ما رواها في الكافي حيث نهى عن سؤر الحائض مطلقا ورخص في سؤر الجنب إذا كانت مأمونة فان
التفصيل بين الجنب والحائض مع تقييد الجنب بكونها مأمونة قاطع للشركة الا انك عرفت معارضتها بما في التهذيب والاستبصار من
روايتها باسقاط كلمة لا فتخرج عن صلاحيتها للاستدلال مضافا إلى ما أشرنا إليه من امكان ان يكون حكمة اطلاق النهى في الحائض
غلبة اتهامها لطول مدة ابتلائها بدم الحيض بخلاف الجنب فارتكاب التقييد فيها أيضا غير بعيد ولأجل ما أشرنا إليه من وضوح المناسبة
بين الكراهة وكونها غير مأمونة استفادة الشهيد وغيره من اخبار الباب ما هو مناط الحكم فالحقوا بالحائض النفساء والمستحاضة
المتهمة بل كل متهم وألحقوا الجنب أيضا بالحائض لا لتنقيح المناط بل لأجل التنصيص عليه في الجملة في صحيحة العيص المتقدمة ثم إن مقتضى اطلاق
المصنف ره كغيره كراهة سؤر الحائض مطلقا وعدم اختصاصها بالوضوء بل عن الوحيد البهبهاني ان الاقتصار على الوضوء لم يقل به فقيه
والظاهر أن التعميم محل وفاق انتهى ولكنك خبير بما في التعميم من الاشكال لما في أكثر الأخبار الناهية
عن الوضوء من التصريح بنفي البأس
عن الشرب فان تم الاجماع فلا بد من حمل الاخبار المفصلة بين الوضوء والشرب على تفاوت مراتب الكراهة ولكن الشأن في اثباته نعم يمكن
الاستدلال لاثبات مرتبة من الكراهة بالنسبة إلى الشرب وسائر الاستعمالات على وجه لا ينافي الأخبار السابقة باطلاقات أوامر الاحتياط
والتورع في الدين لولا كون التجنب عن المشتبهات في باب النجاسات مثارا للوسوسة التي علم مبغوضيتها لدى الشارع والله العالم
ويكره
استعمال سؤر البغال والحمير كما عن المشهور وفي المدارك المراد بالحمير الأهلية إذ الوحشية لا كراهة في سؤرها والحق بهما الدواب الكراهة
لحم الجميع ونحن نطالبهم باثبات الكبرى انتهى أقول ربما قيل في توجيه الكبرى ان السؤر انما يكون غالبا بالفم فلا ينفك عن لعابه وهو
يتبع الحيوان في الكراهة وفيه بعد الاغماض عن كونه أخص من المدعى وتسليم تبعية اللعاب اللحم انه لا حكم له بعد استهلاكه فلا يكون
كراهة اللعاب مقتضية لكراهة السؤر الذي يستهلك فيه نعم ربما يستشعر التبعية من بعض الأخبار المتقدمة التي علق نفى البأس بحلية الأكل
والنهى عنه بعدمها ولكنك خبير بأنه لا يلتفت إلى مثل هذه الاشعارات في الأحكام التعبدية لولا البناء على المسامحة وربما يستدل الكراهة
سؤر البغال والحمير بل الخيل بمفهوم مضمرة سماعة هل يشرب سؤر شئ من الدواب أو يتوضأ منه قال اما الإبل والبقر فلا بأس واستدل؟؟
بالمرسلة المتقدمة كان (ع) يكره سؤر كلما لا يؤكل لحمه بناء على إرادة الأعم مما لا يتعارف اكله وعمم جماعة الكراهة في سؤر الدواب مطلقا في
غير واحد من الأخبار المتقدمة نفى البأس عن سؤر الحمار والفرس والبغل لكن الظاهر منها إرادة نفى الحرمة في مقابل سؤر الكلب فلا
تنافى الكراهة والله العالم ويكره أيضا سؤر الفارة كما عن المشهور بل قيل إنه المعروف من المذهب ففي حديث المناهي نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن اكل
سؤر الفارة وربما يناقش في دلالتها على حكم الماء من حيث الشرب والتوضي ولعلها بالنسبة إلى الشرب في غير محلها واما حكم الوضوء فيمكن
دعوى استفادته بالأولوية المستفادة من تتبع الأخبار السابقة وغيرها ويمكن الاستدلال لها برواية هارون بن حمزة المتقدمة فان؟
بان يسكب من الماء ثلث مرات بحسب الظاهر بيان لما يرتفع به الكراهة وعن نهاية الشيخ ان الفارة كالكلب إذا أصابت ثوبا برطوبة
73

وجب غسل موضع الإصابة ولعل قوله مبنى على نجاستها لكونها من المسوخات وكيف كان فلا شبهة في شبهة في ضعفه وقد ورد التصريح بنفي
البأس عن سؤرها في غير واحد من الاخبار منها رواية هارون بن حمزة ورواية علي بن جعفر المتقدمتان وخبر إسحاق بن عمار عن أبي
عبد الله (ع) ان أبا جعفر (ع) كان يقول لا بأس بسؤر الفارة إذا شربت من الاناء ان يشرب منه ويتوضأ منه وعن أبي البختري عن جعفر بن
محمد عن أبيه ان عليا (ع) قال لا بأس بسؤر الفارة ان يشرب منه ويتوضأ وربما نزل كلام الشيخ على إرادة الاستحباب المؤكد والله العالم
ويكره أيضا سؤر الحية لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في حية دخلت حبا فيه ماء وخرجت منه قال إذا وجد ماء غيره فليهرقه وفي
صحيحة علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) نفى البأس عنه قال سئلته عن الغطاية والحية والوزغة يقع في الماء فلا يموت أيتوضأ منه للصلاة
قال لا بأس به
وكذا يكره ما مات فيه الوزغ والعقرب ويدل على كراهة ما يموت فيه الوزغ بل [مط] ولو خرج حيا ما في ذيل رواية
هارون بن حمزة المتقدمة من قوله (ع) غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه ويدل على حكم ما يموت فيه العقرب رواية سماعة عن جرة وجد
فيها خنفساء قد مات قال القه وتوضأ منه وان كان عقربا فارق الماء وتوضأ من ماء غيره وعن نهاية الشيخ الافتاء بنجاسة الماء الذي
يموت فيه الوزغة والعقرب استنادا إلى ظاهر الروايتين بل ربما استظهر منه القول بنجاسة سؤرهما مط وان خرجتا حيتين ولعله مبنى
على القول بنجاسة المسوخات وسيأتي ضعفه في محله انش‍ واما الاستدلال بالروايتين ففيه انه لا بد من حملهما على الكراهة واستحباب
التنزه جمعا بينهما وبين غيرهما من الأدلة ففي صحيحة علي بن جعفر (ع) المتقدمة نفى البأس عن الماء الذي يقع فيه الوزغة فلا تموت و
هذا الفرض هو المراد برواية هارون بن حمزة بقرينة السؤال فلا بد من حملها على الكراهة بقرينة الصحيحة التي هي نص في الجواز وكذا
رواية سماعة معارضة بما هو نص في عدم الحرمة وهو رواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن العقرب
والخنفساء تموت في الجرة أو الدن يتوضأ منه للصلاة قال لا بأس وسيتضح لك في مبحث النجاسات انش‍ انه انما ينجس الماء بموت
الحيوان ذي النفس السائلة دون مالا نفس له كالعقرب والوزغ والخنفساء ونحوها فكل ما يدل بظاهره على نجاسة الماء بشئ منها
لا بد من تأويله والله العالم
تنبيه قد عرفت أن الكلام في طهارة السؤر وعدمها انما هو على تقدير خلو بدن الحيوان من عين
النجاسة وإلا فلا كلام عند القائلين بانفعال الماء القليل في انفعاله لو كان في بدنه من النجاسة ما يدركه الطرف وان كان مالا
يكاد يدركه الطرف من الدم أو غيره من النجاسات فهل تؤثر في تنجيس السؤر أم لا وجهان مبنيان على الخلاف الذي عرفته في مبحث انفعال الماء
القليل حيث حكى عن الشيخ ان مالا يدركه الطرف من الدم أو من مطلق النجاسات لا ينجس الماء وقد عرفت في محله ان الأقوى ما قيل بل هو
المشهور انه ينجسه ولا أقل من أنه هو الأحوط غالا فرع لو طارت الذبابة عن العذرة أو غيرها من النجاسات إلى الثوب أو الماء فإن لم
يحمل رجلها من النجاسة الا مجرد تداوة جففها الهواء قبل وصولها إلى الماء أو غيره فلا اشكال وان كان قبل جفافها ولكن لم يكن ما تحملها
بحيث يكون بحياله ملحوظا لدى العرف على وجه يصدق عليه اسم النجس أو يعد لديهم في حد ذاته من اجزائه المائية بان يكون كصبغ
الدم أو كالاجزاء المائية أو الترابية المتصاعدة عن النجس في ضمن البخار والدخان فلا اشكال فيه أيضا وان حملت منها ما يصدق
عليه اسم النجس فأصابت الماء فلا تأمل في نجاسته سواء كانت قبل جفافه أو بعده وان أصابت الثوب بعد الجفاف أو اصابته قبل الجفاف
برطوبة مسرية فحكمه واضح ولو اصابته في حال شك في كون النجس المعلوم وجوده مشتملا على رطوبة
مسرية فالظاهر طهارته واستصحاب
بقاء الرطوبة المسرية لا يجدى في الحكم بنجاسة الثوب الا على القول بالأصول المثبتة وان شك في أن
الذبابة حملت من عين النجاسة
ما ينجس الماء أو الثوب فالكلام فيه ما عرفت فيما سبق من عدم جريان استصحاب بقاء العين ولا استصحاب النجاسة السابقة الا على
القول بنجاسة بدن الحيوان حال تلطخه بعين النجاسة وكون زوالها من المطهرات على اشكال والله العالم الركن الثاني و
الطهارة المائية وهي وضوء وغسل وفي الوضوء فصول الفصل الأول في الاحداث الموجبة للوضوء الحدث قد يطلق في
عرف الفقهاء ويراد منه حدوث الأشياء التي يترتب عليها فعل الطهارة وقد يطلق على الأثر الحاصل من ذلك وقد يطلق على نفس تلك
الأشياء مسامحة والأول هو المراد هنا وهذه الأشياء قد يعتبر عنها بالأسباب لكونها مؤثرات في مطلوبية الطهارة وقد يعبر عنها
بالموجبات نظرا إلى ترتب الوجوب عليها عند وجوب الغاية ويمكن ان يراد من الوجوب معناه اللغوي وهو الثبوت فيكون مراد فاللسبب وقد
يعبر عنها بالنواقض باعتبار طروها على الطهارة واطلاق هذه العناوين على الأشياء المعهودة انما هو باعتبار اقتضائها في حد
ذاتها للآثار المذكورة على تقدير قابلية المحل فهي متساوية في الصدق والمراد بالاحداث الموجبة للوضوء هي الاحداث المقتضية
لخصوص الوضوء فيخرج ما يقتضيه مع الغسل وربما يناقش في اطلاق السبب والموجب على النواقض لان مطلوبية الوضوء ووجوبه
المقدمي مسببة عن مطلوبية الغايات لا عن وجود النواقض ويدفعها ان وجوب ذي المقدمة انما يقتضى وجوب ايجاد المقدمة على
74

تقدير فقدها فوجوب الصلاة لا يقتضى وجوب فعل الوضوء الا في حق الفاقد لان طلبه من الواجد طلب تحصيل الحاصل فحدوث
الحدث من المتطهر سبب لحصول التقدير وتنجز الطلب فلا منافاة بين كون وجوب الوضوء ومطلوبيته مسببا عن مطلوبيته غايته وعن
وجود الحدث لان السببان ليسا في مرتبة واحدة بل الحدث هو السبب القريب إذ لولاه لما وجب إعادة الوضوء الا ان سببيه للوجوب
مسببة عن وجوب الغاية إذ لولاه لما وجب الوضوء بحدوثه فكل منهما سبب لوجوب الوضوء على سبيل الحقيقة ولا يتفاوت الحال في ذلك بين
ان يكون الحدث قذارة معنوية مانعة من الدخول في الصلاة أو يكون الطهارة امرا وجوديا يجب تحصيلها مقدمة للصلاة لان الحدث
على كل تقدير يؤثر في أن يتولد من ذي المقدمة امر متعلق بالمكلف اما بإزالة الحالة المانعة أو بتحصيل الشرط بفعل الوضوء وبهذه
الملاحظة يصح اطلاق السب والموجب عليه نعم قضية حصرهم موجبات الوضوء وأسبابه بالأشياء المعهودة انه لو وجد مكلف لم يصدر عنه شئ من تلك الأشياء كالمخلوق دفعه مثل ادم (ع) يجوز له الدخول في الصلاة من دون وضوء الا ان كلماتهم كاطلاقات الاخبار منصرفة
عن مثل الفرض لكونه مجرد فرض فلا يعلم أن مرادهم الحصر حتى بالنسبة إلى هذا الفرد لكن مقتضى تفسيرهم للحدث بأنه حالة مانعة من
الصلاة جواز الدخول في الصلاة في الفرض المزبور لان الشئ لا يوصف بالمانعية الا ان يكون وجوده مؤثرا في عدم الممنوع بان يكون
مقتضى الوجود موجودا ومنعه المانع من التأثير فلازمها لعدم الحدث وإلا لكان عدم جواز الدخول في الصلاة مسببا عن فقد المقتضى
لا وجود المزاحم فالطهارة عن الحدث على هذا التقدير من الاعدام المقابلة للملكات نظير الطهارة المقابلة للخبث أو الطهارة المقابلة
للقذارات الصورية وقد يقال إن الطهارة أيضا امر وجودي كالحدث فهما متضادان والمكلف الذي فرضنا وجوده دفعة لا يوصف بشئ
منها فلا يجوز له فعل الصلاة ونحوها من الأمور المشروطة بالطهور ويجوز له فعل ما يكون الحدث مانعا منه كما لو نذر أن لا يدخل المسجد
وهو محدث واستدل لذلك باطلاق قوله تعالى إذا قمتم الصلاة فاغسلوا وجوهكم وقوله صلى الله عليه وآله إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور فإنهما
يعمان الشخص المفروض ومقتضى عمومهما له كون الطهارة امرا وجوديا واستدل أيضا بحكمهم ان من يتقن الحدث والطهارة وشك في المتأخر
منهما يتوضأ فلو كانت الطهارة امرا عدميا موافقا للأصل لكان حكمه كالشاك في المتأخر من الخبث والطهارة في بنائه على أصالة الطهارة
وفي الجميع مالا يخفى اما الآية فمع قطع النظر عما ورد في تفسيرها من أن المراد بها القيام من النوم ففيها انها مخصوصة بما عدا
المتطهر إذ لا يجب عليه الوضوء نصا واجماعا وكون الشخص المفروض غير متطهر أول الكلام مضافا إلى انصرافها عن مثل الفرض وبهذا
ظهر لك الجواب عن الرواية أيضا مع أن الطهور فيها أعم مما هو قسيم للحدث الأكبر مع أنه لا مجال لتوهم كونه امرا وجوديا والا لوجب
الغسل على من لم يحدث منه سببه فتأمل واما مسألة من يتقنهما وشك في المتأخر فليست شاهده للمدعى لان الأصل الذي يرجع إليه بعد
تعارض الأصلين هو الأصل العملي المجعول للشاك وهو أصالة الطهارة في المثال وقاعدة الاشتغال فيما نحن فيه لا الحالة الأصلية
كما سيتضح لك في محله انش‍ هذا ولكن الانصاف ان ما يشهد من الاخبار يكون اثر الوضوء امرا وجوديا أكثر مما يشهد يكون اثر الحدث
كذلك كما يعضده مشروعية التجديد وقد ورد التعبير عنه في الاخبار بأنه نور على نور ووقع التعبير عن الاحداث في النصوص والفتاوى
بالنواقض ومقتضاها كون المنقوض امرا وجوديا وإلا لكان اطلاق النقض مسامحة بل كان الوضوء ناقضا للحدث وحيث لا يترتب على
تنقيح المقام فائدة مهمة لا يهمنا الإطالة في تحقيقه والله العالم بحقايق احكامه وهي
الاحداث الموجبة للوضوء ستة خروج البول وما
بحكمه من البلل المشتبه والغائط وهو معروف ومع الشك يرجع إلى الأصل والريح المسماة لدى العرف بالضرطة والفسوة من الموضع المعتاد
خروجها منه بمقتضى الخلقة الأصلية لنوع الانسان أي القبل والدبر اجماعا كتابا وسنة ولا يعتبر اعتياد خروجها
منهما في خصوص الشخص
بلا خلاف فيه ظاهرا كما يدل عليه اطلاق النصوص والفتاوى ومعاقد اجماعاتهم وعن جملة منهم التصريح بذلك ودعوى انصراف
الاطلاقات عما يخرج من الموضع الطبيعي مع عدم الاعتياد مما لا ينبغي الالتفات إليه هذا إذا خرج شئ من الثلاثة من مخرجه الطبيعي
ولو خرج شئ منها من غير مخرجه الطبيعي فكا الطبيعي نقض مط وإن لم يضر مخرجه معتادا في قول محكى عن صريح الحلي والتذكرة وظاهر كل
من أطلق الثلاثة وقواه غير واحد من متأخري المتأخرين ولو خرج الغائط مما دون المعدة دون ما فوقها نقض مطلقا في قول محكى
عن الشيخ والقاضي استنادا في عدم ناقضية ما خرج مما فوقها بعدم تسميته غائطا ومرجعه إلى قول الحلي لان ذكر الغائط بحسب الظاهر
من باب المثال ومنع التسمية في بعض الفروض كلام في الصغرى لا انه خلاف في الحكم الشرعي ولو اتفق المخرج خلقة أو لأجل انسداد الطبيعي
في غير الموضع المعتاد المتعارف للنوع نقض بعد صيرورته معتادا بلا خلاف يعتد به فيه ظاهرا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه و
كذا لو خرج الحدث من جرح ثم صار معتادا ولو لم ينسد الطبيعي على المشهور بخلاف ما لو لم يصر معتادا وعن بعض انه لا ينقض الا
مع انسداد الطبيعي ولقد أعجب في الحدائق حيث اختار عدم ناقضية الخارج من غير السبيلين مطلقا ولو مع الانسداد فلا يكون
75

لما عدا النوم من النواقض اثر في حق فاقد السبيلين وكيف كان فمستند القول بناقضيتها على الاطلاق من دون فرق بين المخرج الطبيعي
وغيره عموم قوله تعالى أو جاء أحد منكم من الغائط ورواية زكريا بن ادم قال سئلت الرضا (ع) عن الناصور أينقض الوضوء قال
انما ينقض الوضوء ثلت البول والغائط والريح ورواية الفضل قال سئل المأمون الرضا (ع) عن محض الاسلام فكتب إليه في كتاب
طويل ولا ينقض الوضوء الا غائط أو بول أو ريح أو نوم أو جنابة وفي صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال لا يوجب الوضوء الا من الغائط
أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها ونوقش فيها أولا بانصرافها إلى المعتاد وثانيا بلزوم تقييدها بالأخبار المستفيضة
الحاصرة للناقض فيما يخرج من طرفيك مثل صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) وأبى عبد الله ما ينقض الوضوء فقالا ما يخرج من طرفيك
الأسفلين من الذكر والدبر من الغائط أو البول أو منى أو ريح
والنوم حتى يذهب العقل وكل النوم يكره إلا أن تكون تسمع
الصوت وفي صحيحة أخرى لزرارة لا ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك أو النوم وموثقة أديم بن الحرانه سمع أبا عبد الله (ع)
يقول ليس ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين الذي أنعم الله عليك بهما وفي صحيحة ابن بزيع عن أبي الحسن الرضا (ع) في حديث طويل
قال قال أبو جعفر (ع) لا ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الذين جعل الله لك أو قال الذين أنعم الله بهما عليك إلى غير ذلك من الاخبار
ويمكن الخدشة في دعوى الانصراف أولا بان مقتضاها الالتزام بعدم استفادة حكم ما عدا الافراد المتعارفة من حيث المخرج و
كيفية الخروج ومقدار الخارج من تلك المطلقات فيجب ان يلتزم بعدم ناقضيتها في غير المتعارف بحسب النوع مطلقا وان صار متعارفا
في خصوص شخص وهو في أغلب فروضه مخالف للاجماع اللهم الا ان يتشبث في اثبات الناقضية في الافراد الغير المتعارفة في موارد الاجماع
بالاجماع أو الأخبار الخاصة ولكنه يتوجه عليه ح ان انعقاد الاجماع في هذه الموارد وكذا ورود الأدلة الخاصة المطابقة للعمومات
كاشف عن عدم مدخلية العوارض المشخصة في موضوع الحكم وان المراد منه في الأدلة الشرعية مطلق طبيعة الحدث من دون ملاحظة خصوصية
من الخصوصيات كما يفصح عن ذلك ملاحظة وجه الحكم في النصوص الخاصة وكيفية استدلال العلماء في فتاويهم وثانيا ان انصرافها
عن الافراد الخارجة عن مخرج غير طبيعي انصراف بدوي منشأه ندرة الوجود وقد مر غير مرة ان الانصراف الناشئة عن ندرة
الوجود أو انس الذهن ببعض الافراد لبعض العوارض ممالا يلتفت إليه في صرف المطلقات نعم لمانع ان يمنع ظهور الأخبار المتقدمة
في إرادة الاطلاق بادعاء ورودها في مقام بيان حكم آخر وهو حصر النواقض في هذه الأشياء لا كون هذه الأشياء ناقضة على الاطلاق
فلا يجوز الاخذ باطلاقها من هذه الجهة لان من شرط التمسك بالاطلاق أن لا يكون مسوقا لبيان حكم آخر ولكن يرد عليه ان المتأمل
في الاخبار خصوصا في صحيحة زرارة المتقدمة التي وقع التعرض فيها لبيان الريح الناقضة لا يكاد يرتاب في عدم انحصار المقصود
بالروايات في بيان عدم ناقضية ما عدل المذكورات بل المراد منها بيان ناقضية هذه الأشياء وعدم ناقضية غيرها ولذا لم يناقش
أحد في اطلاقها من هذه الجهة هذا مع أن في اطلاق الآية مضافا إلى ما يستفاد من بعض الروايات الآتية غنى وكفاية واما الاخبار
الحاصرة للناقض فيما يخرج من طرفيك فلا تصلح التقييد المطلقات لان انحصار طريق الأشياء المعهودة عادة في السبيلين يمنع ظهور
هذه الأخبار المقيدة في إرادة التقييد والتحرز عن نفس هذه الأشياء على تقدير خروجها من غير مخرجها المعتاد هذا مضافا إلى عدم
ظهور هذه الأخبار في حد ذاتها في إرادة التخصيص إذ ليس المراد منها ان خروج الشئ من السبيلين من حيث هو سبب للنقض والا
للزم تخصيص الأكثر بل المراد منها ان الشئ الذي صفته انه يخرج من السبيلين بمقتضى العادة ناقض والمراد منه الأشياء المعهودة ولا
تتوهم ان مقتضى ما ذكرنا ناقضية الثلاثة مط وان اصابته من خارج ولم تكن خرجت من نفسه لان اعتبار خروجها منه في الناقضية يفهم
عرفا من نسبة النقض إليها نظير قولنا البول ناقض للوضوء والمذي ليس بناقض ومما يؤيد عدم ظهور هذه الأخبار في إرادة التقييد
عدم استفادة المشهور منها ذلك ولذا التزموا بناقضية الخارج من غير السبيلين بشرط الاعتياد واستدل لهم باطلاقات الأدلة و
عدم صلاحية المقيدات للتقييد لورود القيد مورد الغالب و ح يتوجه عليهم سؤال الفرق بين الاعتياد وعدمه ولا يسمع منهم دعوى
انصراف البول والغائط والريح المذكورة في الروايات إلى الافراد الخارجة من مخرجها المتعارف لكل شخص بحسبه لأنها مجازفة من القول
فان المتبادر منها اما صرف هذه الطبايع من حيث هي أوما خرج منها من مخرجها المتعارف بحسب النوع واما الواسطة بين الامرين
فلا تكاد تخطر في أذهان المخاطبين هذا كله مع أن في بعض تلك الأخبار المقيدة ما يدل على عموم الحكم وعدم اختصاصه بما يخرج
من المخرج المتعارف مثل ما عن العلل وعيون الأخبار عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) قال انما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين
خاصة ومن النوم دون سائر الأشياء لان الطرفين هما طريق النجاسة وليس للانسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه الا منهما فامروا
عندما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم الحديث وعن محمد بن سنان في جواب العلل عن الرضا (ع) قال وعلة التخفيف في البول والغائط
76

لأنه أكثر وأدوم من الجنابة فرضى فيه بالوضوء لكثرته ومشقته ومجيئه بغير إرادة منهم ولا شهوة والجنابة لا تكون الا باستلذاذ
منهم وظاهر هاتين الروايتين كون وجوب الوضوء من مقتضيات خروج تلك الطبايع من حيث هي وتخصيص الطرفين بالذكر لكونهما
سبيلها بمقتضى العادة فالانصاف ان القول بناقضيتها مطلقا مع أنه أحوط لا يخول عن قوة ولا فرق فيها بين قليلها وكثيرها ولا
بين خروجها بتدافع الطبيعة أو باخراجها قهرا بالة ونحوها لما عرفت من أنه يستفاد من مجموع الأدلة خصوصا الروايتين الأخيرتين
دوران الحكم مدار خروج تلك الطبايع من حيث هي من دون مدخلية العرف والعادة في ذلك أصلا فالمدار على صدق الاسم
على ما خرج عرفا لا غير ومما يدل على عدم الفرق بين القليل والكثير مضافا إلى ما عرفت رواية عمار بن موسى عن أبي عبد الله (ع) قال
سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب الفرع كيف يصنع قال إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شئ ولم ينقض وضوئه
وان خرج متلطخا بالعذرة فعليه ان يعيد الوضوء وان كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة ويدل عليه أيضا ما
يدل على ناقضية الرطوبة المشتبهة تنبيه لا عبرة في الريح بسماع الصوت واستشمام الريح لاطلاقات الأدلة والتقييد بهما في صحيحة
زرارة المتقدمة وغيرها لكونهما طريقا عاديا للعلم بتحققها لا لمدخليتهما في الموضوع كما يشهد بذلك الأخبار المستفيضة ففي
رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) ان الشيطان ينفخ في دبر الانسان حتى يخيل إليه انه خرج منه الريح فلا ينقض وضوئه الا ريح
يسمعها أو يجد ريحها وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله أنه قال للصادق (ع) أجد الريح في بطني حتى أظن أنها قد خرجت فقال ليس
عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح ثم قال إن إبليس يجلس بين أليتي الرجل فيحدث ليشككه وعن الفقه الرضوي ولا يجب
عليك الإعادة الا من بول أو منى أو غائط أو ريح تستيقنها فان شككت في ريح انها خرجت منك أم لم تخرج فلا تنقض من اجلها
الا ان تسمع صوتها أو تجد ريحا وان استيقنت انها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أم لم تسمع وشممت ريحها أم لم تشم إلى غير
ذلك من الاخبار وقد ورد التنصيص على عدم مدخلية الوصفين في الموضوع في رواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال
وسئلته عن رجل يكون في الصلاة فيعلم ان ريحا قد خرجت فلا يجد ريحها ولا يسمع صوتها قال يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشئ مما صلى
إذا علم ذلك يقينا فما عن بعض المتأخرين من الاشكال في العموم نظرا إلى التقييد في الصحيحة ولزوم حمل المطلق على المقيد في غير محله و
(الرابع) النوم المستولي على القلب الموجب لتعطيل الحواس عن الإحساس والظاهر أن هذا هو النوم الحقيقي واطلاقه على مباديه مسامحة
لصحة السلب عرفا ويشهد بذلك اخبار الباب فان مقتضى أكثرها كون النوم مطلقا من النواقض بل في بعضها التنصيص على الاطلاق وإناطة
الحكم على حقيقة النوم ففي رواية زيد الشحام قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الخفقة والخفقتين فقال ما أدرى ما الخفقة والخفقتان ان
الله تعالى يقول بل الانسان على نفسه بصيرة ان عليا كان يقول من وجد طعم النوم فإنما أوجب عليه الوضوء وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج مثلها
إلا أنه قال من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء وابقاء هذه الروايات على اطلاقها موقوف على أن يكون النوم الحقيقي
هو النوم الموجب التعطيل الحواس وعليه يلتئم شتات الاخبار المختلفة الواردة لبيان معيار النوم الناقض ففي بعضها إذا ذهب النوم بالعقل
فليعد الوضوء كما في مصححة ابن المغيرة اعتبر استيلاء النوم على القلب والحاستين قال قلت له الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة
والخفقتان عليه الوضوء فقال يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن وإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء
وفي موثقة ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) الواردة في تفسير قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة بالقيام من النوم اعتبر غلبة النوم على السمع
قال قلت ينقض النوم الوضوء فقال نعم إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع والظاهر أن تخصيص السمع بالذكر في هذه الرواية للملازمة
العادية بين ذهاب العقل وعدم السماع فلا منافاة بينها وبين الروايات السابقة كما أنه لا منافاة بينها وبين ما قيد النوم الناقض
بكونه الغالب على الحاستين السمع والبصر كخبر سعد عن أبي عبد الله (ع) قال أذنان وعينان تنام العينان ولا تنام الأذنان وذلك لا ينقض
الوضوء فإذا نامت العينان والأذنان انتقض الوضوء إذ لا ينفك نوم الاذن عن نوم العين حتى يتحقق التنافي بين
الروايتين ولأجل
عدم الانفكاك وأخصية نوم الاذن عن نوم العين نوقش في عبارة من اعتبر الامرين في تحديد النوم الناقض كالمص وغيره وفيه أن ذكر
الامرين في عبائر العلماء بحسب الظاهر انما هو لمتابعة النصوص وذكرهما بالخصوص في بعض النصوص على الظاهر من باب المثال والمقصود بيان
اعتبار ذهاب العقل وتعطيل الحواس عن الإحساس لا خصوص نوم العين ولا يبعد ان يكون وجه التخصيص كونهما اظهر الحواس في مقام التعريف
والكشف عن النوم المستولي على القلب لان النائم ربما لا يعلم بزوال عقله أو تعطيل بعض حواسه كالذوق واللمس والشم واما تعطيل السمع
والبصر فكثير اما يستكشف بالقرائن الخارجية فلذا ذكرهما الأصحاب تبعا للشارع طريقا لمعرفة النوم الحقيقي لذهاب العقل ولا يعارض
الأخبار المتقدمة خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الرجل يحقق وهو في الصلاة فقال إن كان لا يحفظ حدثا منه
77

ان كان فعليه الوضوء وإعادة الصلاة وان كان يستيقن انه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة الصلاة لان المراد منه على ما يقتضيه الجمع
بينه وبين الأخبار السابقة ان كان بحيث ذهب شعوره على نحو لا يستحس خروج الريح منه على تقدير تحققه نقض وان كان على نحو يدرك
من نفسه على سبيل اليقين انه لم يحدث فليس عليه وضوء ومن المعلوم أنه لا يستيقن بذلك من نفسه مع زوال شعوره ولا يبعد ان يكون
التعبير بهذا النحو من العبارة لأجل التورية عن المخالفين القائلين بعدم كون النوم من النواقض نعم لولا احتمال كونه تقية لكان
فيه اشعار بان حكمة ناقضية النوم كون النائم في معرض خروج النواقض منه من دون شعور لا لكون النوم في حد ذاته من
النواقض كما يؤيده ما في ذيل رواية العلل المتقدمة حيث إنه (ع) بعد أن بين علة وجوب الوضوء مما خرج من السبيلين قال واما
النوم فان النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شئ منه واسترخى فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء
لهذه العلة وظاهرها كون الاسترخاء وكون النائم في معرض هذه الأشياء اثر في ايجاب الوضوء لا ان وجوبه عليه يدور
مدار خروج الريح حق يعارضها الأخبار المتقدمة وقد ظهر لك ان مناط الانتقاض على ما يستفاد من مجموع الاخبار انما هو
حصول النوم الذي يذهب به العقل ويوجب تعطيل الحواس وتخصيص بعض اثاره بالذكر في بعض الروايات كغلبته على السمع
أو عدم احساسه ما يخرج منه من الريح انما هو لكونه من الامارات التي يستكشف بها حصول النوم لا لمدخليتها في موضوع الحكم
فما استشكله بعض بالنسبة إلى ناقضية نوم فاقد السمع مما لا وجه له مضافا إلى شهادة مضمرة زرارة بصحة ما ادعيناه من أن
تحقق النوم حقيقة هو المناط وان ما ذكر في الروايات لأجل كونها امارة عليه فإنه قال بعد أن اجابه الإمام (ع) بقوله وإذا
نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء قلت فان حرك في إلى جنبه شئ ولم يعلم به قال لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجئ من ذلك
امر بين والا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك ابدا وانما ينقضه بيقين اخر ولعمري ان المسألة لمن الواضحات فلا
ينبغي الاطناب فيها ولا فرق في ناقضية النوم بين حصوله قاعدا أو قائما أو مضطجعا لاطلاقات الأدلة مضافا إلى ورود التصريح
بعدم الفرق بين الأحوال في غير واحد من الاخبار التي تقدم بعضها فما يظهر من بعض الأخبار من التفصيل لا بد من تأويله أو حمله على
التقية كرواية عمران انه سمع عبدا صالحا يقول من نام وهو جالس لم يتعمد النوم فلا وضوء عليه ورواية أبى بكر الحضرمي قال سئلت أبا عبد الله (ع)
هل ينام الرجل وهو جالس فقال كان أبى يقول من نام وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء وإذا نام مضطجعا فعليه الوضوء واما مضمرة سماعة
عن الرجل يحقق رأسه وهو في الصلاة قائما أو راكعا قال ليس عليه الوضوء فظاهرها إرادة النعاس لا النوم الحقيقي الذي يذهب بالعقل
بل وكذا ما أرسله في الفقيه قال سئل موسى بن جعفر (ع) عن الرجل يرقد وهو قاعد هل عليه الوضوء فقال لا وضوء عليه ما دام قاعدا ما لم
ينفرج فإنه لا يبعد دعوى ظهور قوله (ع) ما لم ينفرج في كونه كناية عن عدم ذهاب شعوره بحيث يميل كل عضو من أعضائه إلى ما
يقتضيه طبائعها ثم على تقدير تسليم ظهور هذه الأخبار في التفصيل يجب رد علمها إلى أهله لأنها من الشواذ الموفقة للعامة المعارضة
بما هو أقوى سندا ودلالة واعتضادا بعمل الطائفة بل اجماعهم وما عن الصدوق من العمل بهذه الاخبار مع عدم تحقق النسبة غير مجد
في خروجها عن الشذوذ والله العالم
وفي معناه أي النوم نقضا كل ما أزال العقل ولو باعتبار تصرفاته بالفعل كما في النائم من اغماء
أو جنون أو سكر أو غير ذلك وهذا هو الخامس من الاحداث الموجبة للوضوء بلا خلاف فيه ظاهرا وعن التهذيب اجماع المسلمين عليه وفي
محكى المنتهى لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم وفي المدارك هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب وعن الخصال ان من دين الإمامية ان
مذهب العقل ناقض وعن البحار ان أكثر الأصحاب نقلوا الاجماع عليه وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف في المسألة حيث لم ينقل التصريح
بالمخالفة عن أحد وان تردد فيه بعض المتأخرين كصاحب الحدائق نظرا إلى قصور الأدلة التي تشبثوا بها لاثبات الحكم عن ذلك ولكن
المتأمل في كلماتهم لا يكاد يرتاب في أن تشبثهم بالأدلة الخاصة في مقام الاستدلال انما هو التطبيق الدليل على المدعى لا لاستفادتهم
حكم المسألة من هذه الأدلة بحيث لو لم يكن لهم هذه الأدلة لأفتوا بخلافه فالانصاف انه قلما يوجد في الأحكام الشرعية مورد يمكن
استكشاف قول الإمام (ع) أو وجود دليل معتبر من اتفاق الأصحاب مثل المقام الأصحاب مثل المقام كما أنه قلما يمكن الاطلاع على الاجماع لكثرة ناقليه
واعتضاد نقلهم بعدم نقل الخلاف كما فيما نحن فيه فاتفاق كلمة الأصحاب هو العمدة في المقام وربما استدل له بصحيحة معمر بن خلاد قال سئلت
أبا الحسن (ع) عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع الوضوء يشتد عليه وهو قاعد مستند بالوسائد فربما اغفى وهو قاعد على تلك الحال
قال يتوضأ قلت له ان الوضوء يشتد عليه قال إذا خفى عنه الصوت فقد وجب عليه الوضوء وأورد عليه ان الاغفاء لغة بمعنى النوم فلا يتم
الاستدلال به على المطلوب وأجيب عنه بان قوله (ع) إذا خفى عنه الصوت فقد وجب عليه الوضوء مطلق فلا يتقيد بالمقدمة الخاصة وأورد عليه
بان الضمير في قوله عنه يرجع إلى الرجل المحدث بالحدث المعهود أي الرجل الذي قد اغفى فيكون التقييد باقيا بحاله وقد يقال إن الاغفاء على
78

تقدير تسليم كونه حقيقة في النوم فالمراد منه في المقام على الظاهر هو الاغماء لأنه هو الذي يقتضيه العلة والمرض الشديد وفيه أن عدم قدرته
على الاضطجاع لعله يشهد بإرادته عدم التمكن من النوم فتأخذه السنة ما دام مستندا بالوسائد والحاصل انه ليس في الرواية ظهور في
إرادة الاغماء الحاصل من شدة المرض واستدل أيضا ببعض الأخبار المتقدمة الدالة على ناقضية النوم المزيل للعقل بدعوى ظهورها
في إناطة الحكم بزوال العقل فإذا وجب الوضوء بالنوم يجب بالجنون والاغماء بالأولوية وفيه مالا يخفى بعد ما عرفت من كون الأخبار المتقدمة
مسوقة لتحديد النوم الناقض لا لبيان ان علة ناقضيته هي ذهاب العقل من حيث هو نعم في التعبير بقوله (ع) وإذا ذهب النوم
بالعقل وقوله (ع) والنوم حتى يذهب العقل اشعار بالعلية واما الدلالة فلا واستدل أيضا بقوله (ع) في رواية العلل المتقدمة واما
النوم فان النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شئ منه واسترخى فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه
العلة ولا ريب في جريان هذه العلة في كل مذهب للعقل وفيه أن كون النائم في معرض حدوث هذا الحدث منه علة الوجوب الوضوء
عليه مطلقا من العلل التعبدية التي تتوقف على التوظيف وتعميم الشارع حكمه بالنسبة إلى الموارد الخالية عن الحكمة المقتضية لثبوت
الحكم فهذه العلل من قبيل بيان الحكم والمقتضيات لشرع الحكم لا العلة التامة ولذا لا يظن بأحد ان يحكم بانتقاض وضوء من عرض
له حالة استرخاء وفتور على وجه لا يستحس بخروج الريح منه استنادا إلى عموم العلة المنصوصة هذا مع أن كون غير النائم ممن أزيل
عقله كالنائم في فتح كل شئ منه بحيث يغلب عليه خروج الريح غير معلوم أو معلوم العدم واستدل أيضا بخبر دعائم الاسلام عن جعفر بن
محمد عن ابائه عليهم السلام ان الوضوء لا يجب الا من حدث وان المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو ينم
أو يجامع أو يغم عليه أو يكن منه ما يجب منه إعادة الوضوء ونوقش فيه بعدم الاعتماد على الكتاب المذكور وأجيب بانجبار الضعف
بفتوى الأصحاب واجماعهم وفي كفاية اجماعهم في جبر سند الرواية ما لم يكن اعتمادهم عليها في الفتوى تأمل
والسادس من الاحداث الموجبة
لخصوص الوضوء الاستحاضة القليلة خلافا للمحكى عن الإسكافي فأوجب بها غسلا في اليوم والليلة والعماني فلم يوجب بها شيئا وربما يوهمه
كلام من لم يذكرها من النواقض وتفصيل الكلام فيها يأتي انش‍ في محله
ولا ينقض الطهارة مذي وهو ما يخرج عند الملاعبة والتقبيل
ونحوهما كما عن الصحاح والقاموس ومجمع البحرين ويرجع إليه ما نقل عن الهروي من أنه ارق ما يكون من النطفة عند الممازحة والتقبيل
وما عن ابن الأثير من أنه البلل اللزج الذي يخرج من الذكر عند ملاعبة النساء وفي مرسلة ابن رباط عن أبي عبد الله (ع) قال يخرج
من الإحليل المنى والمذي والودي والوذي فاما المني فهو الذي يسترخي العظام ويفتر منه الجسد وفيه الغسل واما المذي يخرج من
شهوة ولا شئ فيه واما الودي فهو الذي يخرج بعد البول واما الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء ولا شئ فيه ويدل على عدم ناقضية
المذي مضافا إلى الاخبار الحاصرة للنواقض والمرسلة المتقدمة اخبار مستفيضة بل كادت تكون متواترة وقضية تفسير المذي في
المرسلة المتقدمة وفي كلمات اللغويين كالأصحاب بالماء الذي يخرج من شهوة ان موضوع هذه الأخبار
الا كثيرة هو هذا الماء
الخارج من شهوة وفي بعضها التنصيص على عدم ناقضية ما يخرج منه بشهوة مثل ما رواه ابن أبي
عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي
عبد الله (ع) ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من القبلة ولا من مس الفرج ولا من المضاجعة وضوء ولا يغسل منه الثوب
ولا الجسد وما عن الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب عن عمر بن يزيد قال اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست أثوابي وتطيبت فمرت بي
وصيفة لي ففخذت بها وأمذيت وأمنت هي فدخلني من ذلك ضيق فسئلت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال ليس عليك وضوء فما عن
الإسكافي من التفصيل بين ما يخرج بشهوة وبين غيره ضعيف وان كان ربما يشهد له خبر أبي بصير قلت لأبي عبد الله (ع) المذي يخرج من
الرجل قال أحد لك فيه حدا قال قلت نعم جعلت فداك قال فقال إن خرج منك على شهوة فتوضأ وان خرج منك على غير ذلك فليس عليك
وضوء وصحيح علي بن يقطين سئلت أبا الحسن (ع) عن المذي أينقض الوضوء قال إن كان من شهوة نقض وخبر الكاهلي سئلت أبا الحسن (ع)
عن المذي أينقض الوضوء فقال ما كان منه من شهوة فتوضأ منه ولكنك خبير بقصور هذه الأخبار عن مكافئة ما تقدم من وجوه
فهي محمولة على التقية كبعض الاخبار الامرة بالوضوء منه مطلقا كقول أبى الحسن (ع) في صحيحة يعقوب بن يقطين عن الرجل يمذي في
الصلاة من شهوة أو من غير شهوة قال المذي منه الوضوء وعن الشيخ انه حملها على التعجب لا الاخبار قال ويمكن حملها على التقية
أقول ولعل حملها على الاستحباب أولى كما يشهد به صحيحة ابن بزيع عن أبي الحسن (ع) قال سئلته عن
المذي فأمرني بالوضوء منه ثم أعدت
عليه سنة أخرى فأمرني بالوضوء منه وقال إن عليا (ع) امر المقداد ان يسئل رسول الله صلى الله عليه وآله واستحى ان يسئله فقال فيه الوضوء قلت وإن لم
أتوضأ قال لا بأس وفي الحدائق عن بعض فضلاء متأخري متأخرينا احتمال حمل مطلق الأخبار الواردة
في المسألة على مقيدها
جمعا بين الاخبار فيجب الوضوء مما خرج بشهوة دون غيره وفيه بعد الغض عن الاخبار الصريحة الدالة على عدم ناقضية الخارج
79

عن شهوة الراجحة على معارضاتها بمخالفتها للعامة وموافقتها للاخبار الحاصرة وكونها معمولا بها عند الأصحاب دون معارضاتها
ان ما احتمله جمعا بين الأدلة ليس جمعا بل هو طرح للاخبار الكثيرة المعتبرة لعدم تحملها هذا النحو من التقييد إذ لو لم نقل بان المذي
حقيقة في خصوص الماء الذي لا ينفك عن الشهوة كما يساعد عليه كلمات من عرفت فلا شبهة في أن
خروجه عن شهوة هو الفرد الغالب
فلا يجوز تنزيل المطلقات النافية للبأس على ما عداه إذ من المستبعد جدا إرادة الافراد النادرة من المطلقات الواردة في مقام
البيان وكذا لا ينقض الطهارة الودي بالدال المهملة ولا وذي بالذال المعجمة اما الودي فهو ماء ثخين يخرج عقيب البول كما نص عليه
جملة من العلماء ويشهد عليه وعلى حكمه مرسلة ابن رباط المتقدمة ويدل عليه مضافا إلى الاخبار الحاصرة والمرسلة المتقدمة جملة من
الاخبار التي تقدم بعضها ففي صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال إن سال من ذكرك شئ من مذي أو ودى وأنت في الصلاة فلا تغسله
ولا تقطع له الصلاة ولا تنقض له الوضوء وان بلغ عقيبك فان ذلك بمنزلة النخامة وكل شئ خرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبائل
ومن البواسير وليس بشئ فلا تغسله من ثوبك الا ان تقذره إلى غير ذلك من الاخبار وما وقع في بعض الأخبار من الوضوء منه كرواية
ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال ثلث يخرج من الإحليل وهو المنى وفيه الغسل والودي فمنه الوضوء لأنه يخرج من دريرة البول قال
والمذي ليس فيه وضوء انما هو بمنزلة ما يخرج من الانف محمول على الاستحباب أو التقية وعن الشيخ والعلامة حمله على من ترك الاستبراء
بعد البول وخرج منه شئ لأنه يكون من بقية البول وفيه اشكال من جهة ان ترك الاستبراء يجعل البلل المشتبه بحكم البول لا المعلوم أنه
وردي والتعليل بأنه لابد وان يخرج معه اجزاء بوليه فيه منع وعلى تقديره لا اثر لها لاستهلاكها بالودي قبل خروجها فهما صدق
على الماء الخارج اسم الودي يحكم بطهارته وعدم ناقضيته لدوران الاحكام مدار الأسماء وكونه قبل الخروج بولا أو دما أو ملاقيا لشئ
منهما لا اثر له على ما يقتضيه القواعد الشرعية والله العالم واما الوذي بالذال المعجمة في المجمع انه ما يخرج عقيب إنزال المنى وفي مرسلة ابن
رباط انه الذي يخرج من الأدواء وعلى كل تقدير فلا شبهة في حكمه كما يدل عليه الاخبار الحاصرة وغيرها ولا دم ولو خرج من أحد السبيلين
عدا الدماء الثلاثة كما يدل عليه مضافا إلى الاخبار الحاصرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة الواردة في الحجامة ودم الرعاف
والقرحة وغيرها ففي رواية أبي بصير قال سئلته عن الرعاف والحجامة وكل دم سائل فقال ليس في هذا وضوء انما الوضوء من طرفيك الحديث
وفي خبر أبي هلال قال سئلت أبا عبد الله (ع) أينقض الرعاف والقئ ونتف الإبط الوضوء فقال وما تصنع بهذا هذا قول المغيرة بن سعيد لعن الله
المغيرة يجزيك من الرعاف والقئ ان تغسله ولا يعيد الوضوء إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة ولا يبعد ان يكون قول المغيرة لعنه الله هو
السبب في امره بالوضوء في خبر عبيد بن زرارة قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل اصابه دم سائل قال يتوضأ ويعيد قال وإن لم يكن سائلا
توضأ وبنى قال ويصنع ذلك بين الصفا والمروة ويحتمل ان يكون مستحبا كما يؤيده ما روى من فعل علي عليه السلام من أنه توضأ بعد أن رعف
دما سائلا والله العالم ولا قئ ولا نخامة ولا تقليم ظفر ولا حلق شعر ففي خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) عن الرجل يقلم أظفاره ويجز شاربه
ويأخذ من شعر لحيته ورأسه هل ينقض ذلك وضوئه فقال يا زرارة كل هذه سنة والوضوء فريضة وليس شئ من السنة ينقض الفريضة
وان ذلك ليزيده تطهيرا وقد ورد التنصيص على حكم القئ في رواية أبى هلال المتقدمة واما النخامة فيستفاد حكمها بالخصوص من كثير
من الأخبار الواردة في حكم المذي وقد تقدم بعضها ولا مس ذكر ولا دبر ولا قبل ظاهرا وباطنا من نفسه أو من غيره محللا أو محرما خلافا
للمحكى عن الصدوق من النقض بمس الرجل باطن دبره أو إحليله أو فتحه وعن الإسكافي النقض بمس ما انضم إليه الثقبتان ومس ظاهر الفرج
وغيره بشهوة إذا كان محرما ومس باطن الفرجين محرما ومحللا ويدل عليه مضافا إلى حصر النواقض في الأخبار المعتبرة المستفيضة التي
لا يكاد يرتاب المتأمل فيها في كونها مسوقة لبيان عدم ناقصية مثل هذه الأمور التي تشتتت فيها آراء العامة بالمناسبات التي أدركها
ذوقهم الأخبار الخاصة المستفيضة ففي صحيحة زرارة عن الباقر (ع) ليس في القبلة ولا المباشرة ولا مس الفرج وضوء وخبر عبد الرحمن بن أبي
عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن رجل مس فرج امرأته قال ليس عليه شئ وان شاء غسل يده والقبلة لا يتوضأ منها وخبر سماعة
عن الصادق (ع) عن الرجل يمس ذكره أو فرجه أو أسفل من ذلك وهو قائم يصلى يعيد وضوئه فقال لا بأس بذلك انما هو من جسده و
قضية العلة المنصوصة عدم الفرق بين ظاهره وباطنه وما في بعض الروايات من انتقاض الوضوء بشئ منها كخبر عمار عن الرجل يتوضأ
ثم يمس باطن دبره قال نقض وضوئه وان مس باطن إحليله فعليه ان يعيد الوضوء وان كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضأ ويعيد الصلاة
وان فتح إحليله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة وفي خبر أبي بصير إذا قبل الرجل المرأة أو مس فرجها أعاد الوضوء محمول على التقية أو الاستحباب
ولا لمس امرأة كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المتقدمة ولا اكل ما مسته النار ولا انشاد الشعر وكلام الفحش والكذب والغيبة
وقتل البق والبرغوث والذباب ونتف الإبط ولمس الكلب ومصافحة المجوسي ولا ما يخرج من السبيلين الا ان يخاطه شئ من النواقض
80

ولا بالارتداد ولو في أثناء الوضوء فلو تاب وأتم وضوئه بماء طاهر من دون حصول المنافى صح وضوئه على تقدير قبول توبته كما يدل عليه مضافا
إلى الأصل الاخبار الحاصرة ودعوى حبط عمله على وجه يجب عليه إعادة الوضوء ممنوعة بل هو كغيره من اعماله الماضية والله العالم ثم لا يخفى
عليك ان التعرض لذكر أغلب الأشياء المذكورة بالخصوص مع عدم وقوع الخلاف فيها بين الاعلام انما هو لورودها في النصوص فالتصريح
بذكرها للتنبيه على ذلك والله العالم
* (الفصل الثاني) * من الفصول التي لها نحو تعلق بالوضوء * (في) * أحكام الخلوة وهي ثلاثة
الأول في كيفية التخلي ويجب فيه كما في غيره من الأحوال ستر العورة عن كل انسان مميز ما عدا الزوج والزوجة ومن بحكمهما بلا خلاف
فيه ظاهرا بل في الجواهر دعوى الاجماع بل ضرورة الدين عليه في الجملة وكذا يجب عليه حفظ النظر عن عورة من يجب عليه التستر عنه ومما يدل
على وجوب ستر العورة وحرمة النظر إلى عورة الغير قوله [تعالى] قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم الآية ولو بمعونة ما ورد
في تفسيره ففي مرسلة الصدوق عن الصادق (ع) انه سئل عن قول الله عز وجل قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك
أزكى لهم فقال كل ما كان في كتاب الله من حفظ الفرج فهو من الزنا الا في هذا الموضع فإنه للحفظ من أن ينظر إليه وعن تفسير النعماني
عن علي (ع) في قوله [تعالى] قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو
يمكنه من النظر إلى فرجه ثم قال قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن أي ممن يلحقهن النظر كما جاء في حفظ الفرج فالنظر
سبب ايقاع الفعل من الزنا وغيره ويدل عليه أيضا السنة المستفيضة ففي حديث المناهي عن الصادق (ع) عن ابائه (ع) عن النبي صلى الله عليه وآله قال
إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته وقال لا يدخل أحدكم الحمام الا بمئزر ونهى من أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه
المسلم وقال من تأمل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون الف ملك ونهى المرأة من أن تنظر إلى عورة المرأة وقال من نظر إلى عورة أخيه المسلم
أو عورة غير أهله متعمدا ادخله الله مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس ولم يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله الا ان
يتوب * (وفي) * صحيحة حريز لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
وما وقع في بعض الأخبار من التعبير بلفظ الكراهة
كموثقة ابن أبي يعفور قال سئلت أبا عبد الله (ع) يتجرد الرجل عند صب الماء ترى عورته أو يصب عليه الماء أو يرى هو عورة الناس فقال كان أبى (ع) يكره
ذلك من كل أحد فلا ينافي ظهور ما عداها في الحرمة إذ كثيرا ما يستعمل الكراهة في الاخبار في غير معناها المصطلح وعلى تقدير ظهورها في المعنى
الاصطلاحي فليس على وجه يصلح قرينة لصرف سائر الأخبار عن ظواهرها بل من المستبعد جدا ان يكون المراد من النواهي الواردة في تفسير الآية
الكراهة كمالا يخفى وجهه على المتتبع في الأوامر والنواهي الواردة في الكتاب العزيز فما عن بعض متأخري المتأخرين انه لو لم يكن مخافة خلاف
الاجماع لأمكن القول بكراهة النظر دون التحريم جمعا ضعيف في الغاية وما ورد في تفسير حرمة عورة المؤمن على المؤمن باظهار عيوبه
وإذاعة سره كما في رواية حذيفة بن منصور قلت لأبي عبد الله (ع) شئ يقوله الناس عورة المؤمن على المؤمن حرام فقال ليس حيث يذهبون
انما عورة المؤمن ان يزل زلة أو يتكلم بشئ يعاب عليه فيحفظ عليه ليعيره به يوما ما وفي صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته
عن عورة المؤمن على المؤمن حرام قال نعم قلت أعني سفليه قال ليس حيث تذهب انما هو إذاعة سره فلا ينافي الأدلة المتقدمة إذ لا تدل
هذه الروايات على جواز النظر إلى عورة الغير حتى تعارض الأدلة المتقدمة لأن مفادها ليس إلا ان المراد من هذه الرواية هو هذا
المعنى لا انه يجوز النظر إلى عورة الغير هذا مع أن مقتضى الجمع بين هذه الروايات وبين موثقة حنان حمل هذه الروايات على بيان
ما هو المقصد الأهم من الرواية المعروفة بين الناس وانه ليس المقصود منها خصوص ما يفهمه الناس قال حنان دخلت انا وأبي وعمي
وجدي حماما بالمدينة فإذا رجل دخل بيت المسلخ فقال ممن القوم فقلنا من أهل العراق قال وأي العراق قلنا كوفيون قال مرحبا
بكم يا أهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار ثم قال ما يمنعكم من الإزار فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال عورة المؤمن على المؤمن حرام إلى أن
قال فسئلنا عن الرجل فإذا هو علي بن الحسين (ع) ثم إن مقتضى اطلاق النص والفتوى كظاهر الكتاب وجوب التستر وحفظ الفرج
عن كل ناظر عدا ما استثنى من الزوج والزوجة ونحوهما من دون فرق بين كون الناظر مسلما أو كافرا صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى
نعم لا يجب التستر عن غير المميز إذ لا يفهم من الامر بالتستر الا وجوب التستر عمن له ادراك وشعور ولذا لا يفهم من ذلك وجوب التستر
عن البهائم واما حرمة النظر إلى عورة الغير فعن المشهور ان كل من يجب التستر عنه يحرم النظر إلى عورته كما يدل عليه عموم النبوي المتقدم
من نظر إلى عورة أخيه المسلم أو عورة غير أهله متعمدا ادخله الله مع المنافقين وقوله (ع) لعلي (ع) يا علي إياك ودخول الحمام بغير مئزر
ملعون ملعون الناظر والمنظور إليه وعن المحدث العاملي وظاهر الصدوق اختصاص حرمة النظر بعورة المسلمين دون الكفار لما رواه
في الفقيه عن الصادق (ع) أنه قال انما أكره النظر إلى عورة المسلم فاما فان النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار وحسنة
ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر
إلى عورة الحمار ويؤيدهما اختصاص
81

ما دل على المنع بعورة المسلم وعدم ما يدل على العموم عدا النبويين المتقدمين قال شيخنا المرتضى [ره] وفي إفادة النبوي للعموم كلام
فضلا عن بقائه عليه مع الخبرين المذكورين نعم العمدة في تأييد النبوي الشهرة وعدم نقل الخلاف فيه وإلا لكان العمل بالخبرين قويا انتهى
ولا يخفى عليك ان طرح الخبرين بمجرد اعتضاد النبوي بالشهرة في غاية الاشكال اللهم الا ان يقال إن
اعراض الأصحاب عنهما أسقطهما
عن الحجية والله العالم ثم إن العورة التي يجب سترها عن الناظرين كما عن المشهور هي القبل والدبر والبيضتان كما يدل عليه
مرسلة أبى يحيى الواسطي العورة عورتان القبل والدبر والدبر مستور بالأليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت
العورة وغيرها من الروايات التي سنتعرض لنقلها مع ما يتعلق بها من ذكر الخلاف الواقع في تحديد العورة في كتاب الصلاة
أنشأ الله وما في بعض الروايات من أن العورة ما بين السرة والركبة محمول على الاستحباب ولا يخفى عليك ان وجوب السر في
هذا الباب انما هو للحفظ عن الناظرين فيسقط الامر بالتستر بكل ما يحصل به الغرض ولو كان بوضع اليد أو باستتاره في
مكان مظلم لا يرى عورته أو الاختفاء في حفيرة أو الارتماس في الماء أو البعد المفرط المانع من الرؤية إلى غير ذلك من انحاء
الحفظ وهذا بخلاف باب الصلاة فان التستر في حد ذاته شرط لصحة الصلاة فلابد فيه من مراعاة منصرف الأدلة والواجب
من الستر ما يحصل به مسماه بحيث لا يعد في العرف مكشوف العورة فلا بأس بالتفافها بساتر ملتصق بها حاكيا لحجمها على ما هي
عليه ولا بالساتر الرقيق الذي يحكى شكل العورة من ورائه لو لم يكن من الرقة وسعة منافذه على وجه لا يعد في العرف حاجبا لما
ورائه ولا اعتبار بالدقة العقلية كما في غيره من الأحكام الشرعية وانما المدار على الصدق العرفي ودعوى انصراف ما دل على وجوب
الحفظ عن مثل الخرقة الملفوفة بالبشرة حاكية لحجم العورة غير مسموعة ثم إن وجوب الحفظ على المكلف موقوف على علمه بوجود الناظر
بالفعل أو بتجدده حال كونه مكشوف العورة كما لو دخل بلا مئزر في الحمامات التي يعلم عادة بدخول غيره فيها وفيما لو ظن بذلك اشكال
من أن الأصل براءة الذمة عن التكليف كغيره من الشبهات الموضوعية ومن انه لو بنى على اعمال هذا الأصل في مجاريه لوقع المكلف
غالبا في مفسده مخالفة الواقع وكذا الكلام في وجوب غض النظر في المواضع التي يعلم عادة بوقوع نظره على عورة الغير وفي المواضع
التي يظن بذلك الوجهان أحوطهما الثاني وان كان الأول هو الأقوى
ويستحب ستر البدن والمراد بالستر هنا كما في المدارك جلوس
المتخلي بحيث لا يراه أحد بان يبعد عن الناس أو يلج حفيرة أو يدخل بناء ونحو ذلك ويدل على استحبابه كونه تأسيا بالنبي حيث إنه صلى
الله عليه وآله على ما روى لم ير على بول ولا غائط وروى عن الصادق (ع) في مدح لقمن (ع) انه لم يره أحد على بول ولا غائط ولا اغتسال الشك
تستره وتحفظه في امره وروى عنه (ع) من اتى الغائط فليستتر اما ستر بدنه بعباء ونحوه كما يقتضيه مقابلة البدن بالعورة في عبارة المصنف [ره]
فقد صرح شيخنا المرتضى [ره] بعدم عثوره على دليل استحبابه * (أقول) * يمكن استفادة استحبابه من المرسلة المعروفة في الكتب الدائرة على
الألسن من أن الميسور لا يسقط بالمعسور فان التستر بالعباء ونحوه من المراتب الميسورة بنظر العرف وسيتضح لك [انش‍] عدم قصور
قاعدة الميسور عن شمول مثل الفرض بل لا يبعد دعوى استفادته من اطلاق الامر بالتستر في الرواية ودعوى انصرافها عن مثل
الفرض قابلة للمنع
ويحرم استقبال القبلة واستدبارها كما عن المشهور بل عن الخلاف والغنية دعوى الاجماع عليه واستدل له بعد
نقل الاجماع المعتضد بالشهرة برواية الحسين بن زيد عن الصادق (ع) عن ابائه عليهم السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قال في حديث المناهي إذا دخلتم
الغائط فتجنبوا القبلة وعن الفقيه أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن استقبال القبلة ببول أو غائط وخبر عيسى بن عبد الله الهاشمي
عن أبيه عن جده عن علي (ع) قال قال النبي صلى الله عليه وآله إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولكن شرقوا أو غربوا وفي مرفوعة
عبد الحميد سئل الحسن بن علي (ع) ما حد الغائط قال لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها وعن
الكافي والتهذيب والفقيه مثلها مرسلة إلى أبي الحسن (ع) وعن المقنع انه رواها مرسلة عن الرضا (ع) وعن علي بن إبراهيم دفعه
قال خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله (ع) وأبو الحسن موسى (ع) قائم وهو غلام فقال له أبو حنيفة يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم
فقال (ع) اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول وارفع ثوبك وضع
حيث شئت والمناقشة فيها بضعف السند بعد استفاضتها وعمل الأصحاب بها قديما وحديثا حتى لم ينقل عن أحد طرحها رأسا مما لا ينبغي
الالتفات إليها واشتمال بعضها على بعض المكروهات كاستقبال الريح واستديارها أو مالا يقول أحد بظاهره كالأمر بالتشريق
والتغريب إن لم نقل بان ظاهره بقرينة المقابلة إرادة الميل إلى جهة المشرق والمغرب لا خصوص جهتهما لا يوجب رفع اليد عن ظهور
النهى عن استقبال القبلة واستدبارها في الحرمة إذ ما يصلح ان يكون قرينة لذلك ليس إلا وحدة السياق وفي كفايتها بنفسها للصارفية
تأمل خصوصا في مثل المقام المعتضد ظهوره بالشهرة ونقل الاجماع والأخبار المستفيضة فما في المدارك من تقويه القول بالكراهة
82

نظرا إلى ضعف الاسناد واشعار بعضها بالكراهة ضعيف ويستوى في ذلك الصحارى والأبنية على المشهور كما في الجواهر دعواه نقلا
وتحصيلا ويدل على المساواة وعدم اختصاص الحكم بالصحارى مضافا إلى اطلاقات الأدلة خصوص النبوي المتقدم إذا دخلت المخرج [الخ]
بل وكذا النبوي الاخر إذا دخلت الغائط [الخ] فان ظاهرهما إرادة الدخول في المكان الذي بنى للتخلي فالتفصيل بين الصحارى والأبنية
بحرمه الأولى وكراهة الثانية كما عن ظاهر سلار أو إباحة الثانية كما عن المفيد ضعيف وعن ابن الجنيد استحباب ترك الاستقبال في الصحراء
ولم يذكر الاستدبار ولا الحكم في البنيان واستدل لهم بصحيحة ابن بزيع قال دخلت على أبي الحسن (ع) وفي منزله كنيف مستقبل القبلة وسمعته
يقول من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها اجلالا للقبلة وتعظيما لها لم يقم من معقده ذلك حتى يغفر له * (وفيه) * ان كون الكنيف مستقبل
القبلة لا يدل الا على نفى حرمة مثل هذا البناء وعدم وجوب تغييره وهذا مسلم كما يشعر به قول المصنف [ره] ويجب الانحراف في موضع قد
بنى على ذلك فإنه يستشعر منه عدم وجوب تغيير البناء نعم لو علم أن بناء الكنيف بهذا الوضع كان باذن الإمام (ع) لأمكن ان يقال
بمنافاته للحرمة إذ من المستبعد جدا ان يأمرهم ببناء الكنيف على نحو يجب الجلوس عليه منحرفا الا ان هذا ينافي مطلق مرجوحيتها مع أنها
ممالا ينبغي الريب فيها فيستكشف بذلك انه لم يكن بأمره (ع) فظهر لك ضعف الاستشهاد بهذه الصحيحة للتفصيل بين الأبنية وغيرها
نعم فيما سمعه الراوي من الإمام (ع) اشعار يكون الترك مستحبا مطلقا لا واجبا لان المناسب في بيان لطف الواجب ذكر العقاب المتوعد على
تركه مقتصرا عليه أو مع ذكر الثواب الموعود على فعله كما في الصلاة دون الاقتصار على ذكر الثواب المقرر عند بيان المستحبات لكنك
خبير بأنه لا يرفع اليد عن ظواهر الاخبار بهذا الاشعار كما صرح به شيخ مشايخنا المرتضى [ره]
* (تنبيهات) * الأول المراد بالاستقبال
والاستدبار ما هو المتعارف في جميع أبواب الفقه وهو الاستقبال بالبدن والاستدبار به وعن بعض ان المدار على استقبال نفس العورة
حق لو جلس مستقبل القبلة وحرفها زال المنع نظرا إلى ما في بعض الأخبار من النهى عن استقبال القبلة ببول أو غائط وظاهرها كون
المحظور مقابلة القبلة بنفس البول لا غير فلو توجه إلى المشرق مثلا وبال إلى طرف القبلة حرم دون ما إذا استقبل القبلة بمقاديم
بدنه وحرف بوله إلى سائر الجهات وفيه أن هذه الروايات وان كان ظاهرها ذلك في بادي الرأي الا انها لأجل جريها مجرى الغالب
لا تصلح صارفة للأخبار الناهية عن الاستقبال الظاهرة في إرادة الاستقبال بمقاديم البدن عن ظاهرها خصوصا بملاحظة
ما يستفاد من بعضها من أن المناط احترام القبلة وتعظيمها بترك مواجهتها بالعورة حال التخلي كما يكشف عن ذلك حرمة الاستدبار
حال البول هذا مع أن النسبة بين هذه الروايات وبين تلك الأخبار العموم من وجه ولا تنافى بينهما فلو اغمض النظر عن
جريها مجرى الغالب اتجه العمل بظاهر الجميع إذ لا مقتضى للتقييد والتصرف في أحد الظاهرين بارجاعه إلى الاخر كما لا يخفى ولا
فرق في حرمة الاستقبال والاستدبار بين كونه قائما أو جالسا أو نائما مضطجعا أو مستلقيا بشهادة العرف بان استقبال
القبلة عبارة عن كون المستقبل مواجها لها ويقابله الاستدبار واما القيام والقعود فليس بداخل في حقيقتهما
* (الثاني) * مقتضى الأصل
اختصاص الحكم بحالة البول والتغوط وقد يدعى شموله لحالة الاستنجاء لرواية عمار الساباطي عن أبي
عبد الله (ع) قال قلت له الرجل
يريد أن يستنجى كيف يقعد قال كما يقعد للغائط وفي دلالتها على المدعى تأمل لان الاستقبال والاستدبار ليسا من الكيفيات الظاهرة
للجلوس التي تنسبق إلى الذهن من السؤال حتى ينزل الرواية عليهما بل المتبادر منها ليس إلا إرادة الكيفيات المعتبرة في نفس الجلوس
من حيث هو كالاتكاء على اليسرى وغيره من الآداب وإن لم نعلمها بالتفصيل * (والحاصل) * ان ظاهر الرواية هو السؤال عن كيفية
الجلوس من حيث هو لا بالنسبة إلى الأمور الخارجة عن حقيقته ولذا أنكر بعض الفحول دلالتها بعد الاغماض عن سندها وقال فيما حكى
عنه ان المراد من ذلك الرد على العامة حيث يقعدون للاستنجاء نحوا اجر من زيادة التفريح وادخال الا نملة انتهى * (أقول) * ولعله يشهد
على إرادة ما ذكره هذا البعض ما في ذيل الرواية وانما عليه ان يغسل ما ظهر منه وليس عليه ان يغسل باطنه ويؤيده أيضا صحيحة إبراهيم بن أبي
محمود عن الرضا (ع) قال في الاستنجاء يغسل ما ظهر منه على الشرج ولا يدخل فيه الا نملة وجه التأييد اشعارها بكون ادخال الا
نملة وغسل الباطن الذي لا ينفك غالبا عن تغيير كيفية الجلوس كان معهودا لديهم والله العالم
* (الثالث) * لو اشتبهت القبلة وترددت
بين جهات معينة وجب الميل عنها إلى الجهات الخارجة عن أطراف الشبهة لما عرفت تحقيقه في النجس المردد بين الإنائين من وجوب
الاجتناب عن محتملات الشبهة المحصورة ودعوى انصراف الأدلة الناهية عن استقبال القبلة واستدبارها إلى صورة العلم بالقبلة
غير مسموعة ولو ترددت بين الجهات [مط] بحيث كل جهة تفرض احتمل كونها قبلة فالظاهر كونها من الشبهة الغير المحصورة التي
قام النص والاجماع على عدم وجوب الاحتياط فيها كما تقدمت الإشارة إليه في مبحث الإنائين وقد أشرنا في ذلك المبحث إلى ما يظهر
منه كون مثل الفرض من الشبهة الغير المحصورة فراجع وعلى هذا فلا يجب الفحص عن القبلة عند إرادة التخلي كغيره من الشبهات
83

الموضوعية التي يرجع فيها إلى عموم كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه * (و) * يؤيده طريقة المتشرعة حيث لم نجدهم يفصحون
عن القبلة عند إرادة التخلي وهل يجب التجنب عن الجهة التي يظن كونها قبلة بظن غير معتبر وجهان أحوطهما ذلك نعم لو قلنا بأنه من الشبهة
المحصورة لا يجوز الاقدام على شئ من محتملاته الا إذا استلزم الحرج فيرفع اليد عن وجوب الاحتياط بعد
الفحص والعجز عن احراز الواقع
بمقدار يندفع به الضرورة ولابد [ح] من الاقتصار على المحتمل الذي كان احتمال كونه قبله أبعد من سائر المحتملات كما تقرر تحقيقه في
الأصول * (الرابع) * ذكر غير واحد به إذا تعارض الاستقبال والاستدبار قدم الاستدبار ولو عارضهما مقابلة ناظر محترم وجب تقديمهما
* (أقول) * وجه تقديم الاستدبار على الاستقبال شهادة العرف بكون الثاني أشد في توهين القبلة وهذا انما يتم لو علم أن مناط الحكم
هو تعظيم القبلة كما هو الظاهر والا يشكل الترجيح الا من باب الاحتياط واما تقديمهما على كشف العورة لدى الناظر فإنما هو لدعوى
القطع بكون مراعاة الثاني أهم في نظر الشارع والله العالم
* (الثاني) * من أحكام الخلوة * (في الاستنجاء) * وهو في عرف الفقهاء
عبارة عن تطهير مخرج البول والغائط وقد يجب مقدمة للواجبات المشروطة بطهارة البدن كالصلاة ونحوها ويعتبر فيه غسل مخرج
البول بالماء ولا يجزى غيره في تطهيره مطلقا في القدرة وبدونها للاخبار المعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة منها الاخبار
الامرة بغسل الظاهر بالماء * (ومنها) * الامرة يصب الماء ومنها المصرحة بأنه لا يجزى غيره كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال لا صلاة الا
بطهور ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله واما البول فلا بد من غسله وعن يزيد بن معاوية عن أبي جعفر (ع)
أنه قال يجزى من الغائط المسح بالأحجار ولا يجزى من البول الا الماء وما يظهر من رواية سماعة قال قلت لأبي الحسن موسى (ع) انى أبول ثم
أتمسح بالأحجار فيجئ مني البلل ما يفسد سراويلي قال ليس به بأس وموثقة حنان قال سمعت رجلا سئل أبا عبد الله (ع) فقال إني ربما
بلت فلا أقدر على الماء ويشتد ذلك على فقال إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فان وجدت شيئا فقل هذا من ذاك وعن المحدث
الكاشاني الاستدلال بهاتين الروايتين لما اختاره من منع سراية النجاسة من المتنجسات الخالية من أعيان النجاسة وفيه مالا يخفى بعد
اعراض الأصحاب عن ظاهرهما ومخالفتهما لإجماعهم المستفيض نقله هذا مع أنه يعارضهما بالنسبة إلى هذا الحكم في خصوص المورد صحيحة
عيص بن القاسم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه قال يغسل ذكره
وفخذيه وكيف كان فقد ذكروا في توجيه الروايتين وجوها أقربها ما ذكرنا من حملهما على التقية كما يؤيده في الرواية الأولى بعض
القرائن الداخلية والخارجية التي لا تخفى على المتأمل نعم حمل الرواية الثانية على إرادة مسح المواضع الطاهرة بالريق لتلبيس الامر
عند وجدان البلل محتمل وان كان بعيدا والله العالم ثم إنه ربما يوهم عبارة المصنف [ره] حيث قيد عدم اجزاء غير الماء بالقدرة
ان غير الماء في حال الضرورة مجز في تطهير المحل ولكنه غير مراد جزما إذ لا فرق نصا وفتوى في اعتبار الغسل في تطهير المحل بين
الاضطرار والاختيار بل في المدارك والجواهر دعوى الاجماع عليه ولكن المصنف [ره] حيث حكم بوجوب غسل المخرج بالماء نظرا إلى
كونه مقدمة للواجبات المشروطة بطهارة البدن قال لا يجزى غير الماء مع القدرة يعنى في امتثال ما وجب ففيه اشعار بأنه يجب استعمال
غير الماء في إزالة عين النجس عند الضرورة وإن لم يحصل به التطهير وقد صرح بذلك في محكى المعتبر وهو أحد القولين في المسألة بل ظاهر
بعضهم انه هو المشهور وعن ظاهر المتأخرين انه لا يجب إزالة العين عند تعذر التطهير الحقيقي واستدل للمشهور بالمراسيل المعروفة
في الكتب الدائرة على الألسن المعمول بها عند الأصحاب وهو قولهم (ع) لا يسقط الميسور بالمعسور ومالا يدرك كله لا يترك كله والنبوي
إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم واستدل العلامة له بخبر عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يبول ولا يكون عنده
الماء فيمسح ذكره بالحائط قال (ع) كل شئ يابس زكى وعن الوسائل انه استشهد بخبر زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال سئلته
عن طهور المرأة في النفاس إذا طهرت وكانت لا تستطيع ان تستنجى بالماء انها ان استنجت اعتقرت هل لها رخصة ان تتوضأ من
خارج وتنشفه بقطن أو خرقة قال نعم تنقى من داخل بقطن أو خرقة * (و) * نوقش في الجميع اما في المراسيل فبان القاعدة المستفادة
منها مجريها ما لو كان المأمور به ذا اجزاء اما خارجا أو ذهنا كما في المطلق والمقيد على اشكال في الثاني كما تقرر في محله وليس للتطهير
الذي هو شرط في الصلاة جزء لا وهنا ولا خارجا لأنه بمعنى النظافة وهي لا تتجزى واما خبر عبد الله بن بكير فاما محمول على التقية
أو المراد منه كونه بمنزلة الزكي في عدم سراية النجاسة لا في حكم اخر من احكام الطاهر ولا دليل على وجوب جعل البدن بحكم الطاهر
بحيث لا يسرى نجاسته نعم يجب عليه التحفظ حتى لا يتنجس به ثوبه أو موضع اخر من بدنه واما رواية محمد بن مسلم فظاهرها غسل ظاهر
الفرج وتنشيف داخله والداخل لا يجب غسله حتى يكون الامر بالتنشيف في حال الضرورة دليلا على وجوبه في تلك الحالة بدلا
عن الغسل وبما ذكرنا من المناقشة في أدلة المباين ظهر لك مستند القول بعدم الوجوب وهو الأصل بعد تضعيف أدلة للوجوب
84

ولكن الانصاف ان منع دلالة الأدلة المتقدمة على المدعى فيما عدا قاعدة الميسور في محله واما القاعدة فالظاهر عدم قصورها
عن شمول مثل المقام لان الملاك في جريانها كما تقرر في محله كون مجريها إذا مراتب بنظر العرف لاذا اجزاء فإذا تعلق الامر بالمرتبة
العالية وتعذر تلك المرتبة يجب الاتيان بما دونها من المراتب لقوله (ع) الميسور لا يسقط بالمعسور ومن المعلوم ان الطهارة الخبيثة
التي هي شرط في الصلاة لم يرد منها الشارع مفهوما مغايرا غير ما بأيدينا من معناها اللغوي وهي النظافة غاية الأمر ان الشارع
اعتبر في حصول المرتبة العالية منها التي جعلها شرطا في صحة الصلاة شرائط لم يكن ينالها عقولنا لو لم يبينها الشارع فبيانه
للشرائط والكيفيات المخصوصة كاشف عن عدم حصول المرتبة الكاملة من الطهارة التي اعتبرها شرطا للصلاة ونحوها الا بها وهذا
لا يقتضى خروج ما عداها من المراتب عن صدق النظافة عليها عرفا وانما يقتضى عدم اجزاء ما عداها من المراتب العرفية في مقام
امتثال الأوامر الشرعية مطلقا لولا قاعدة الميسور ولازمه سقوط التكليف عند تعذر الشرائط واما بعد تصريح الشارع
بان الميسور لا يسقط بالمعسور يستفاد منه عدم سقوط التكليف بالتعذر وان اعتبار هذه الشرائط والكيفيات المخصوصة
مخصوص بحال التمكن وبالجملة صدق النظافة عرفا على إزالة العين في الجملة ولو باتصافها بالناقصة ممالا تأمل فيه وهذا المقدار
كاف في جريان القاعدة نعم في كون تقليل عين النجاسة من مراتب النظافة عرفا تأمل كما أن صدقها على إزالة المتنجسات عن
البدن مع بقاء اثرها لا يخلو عن اشكال إذ لا فرق بين الحال والمحل بنظر العرف في النجاسة الحكمية ولا يتعقل العرف للحال
قذارة زائدة على المحل حتى يحصل بإزالة الحال مرتبة من النظافة لم تكن قبلها ولا يكون إزالة عين المتنجس الا كتقليل عين النجس
بل ليس القذارة فيها الا من حيث الأثر فهي أشبه شئ بالقذارات المعنوية الحاصلة من الاحداث التي لا يتعقل العرف فيها تركيبا
ولا ترتبا وكذا يشكل التمسك بها في ايجاب غسل بعض الثوب والبدن إذا تعذر غسل الجميع لامكان منع كون غسل البعض من مراتب غسل
الكل نعم يصح التمسك في مثله بقوله (ع) إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وقوله (ع) مالا يدرك كله لا يترك كله فتأمل وقد يقال
بامكان الاستدلال لوجوب إزالة العين عند التعذر باطلاق ما دل على أن حد الاستنجاء النقاء كما في حسنة ابن المغيرة قال قلت
هل للاستنجاء حد قال لا حتى ينقى ماثمة بناء على عموم الاستنجاء للبول وحصول النقاء بإزالة العين بدعوى أن غاية ما يستفاد من
الاخبار الامرة بغسل البول بالماء تقييد الاطلاق في الغسل بالماء بإزالة الأثر مع القدرة فيبقى صورة العجز داخلة في اطلاق
كفاية النقاء وفيه منع امكان ذلك ولو بعد تسليم المقدمتين لان الوجوب المستفاد من الأوامر المقيدة غيرى بل شرطي محض وقد تقرر
في محله ان هذا النحو من الوجوب لا يتقيد بالقدرة إذا كان دليله مطلقا لكون الامر فيه بمنزلة الاخبار عن كونه شرطا في حصول ذي المقدمة
أو جزء له ومن المعلوم عدم اقتضاء الشرطية والجزئية اختصاصهما بحال القدرة غاية الأمر سقوط التكليف بالمشروط عند تعذر الشرط
لا انتفاء الشرطية هذا مع أن الظاهر أن السائل انما أراد من سؤاله معرفة حد الاستنجاء الذي يستعقب طهارة المحل ولا تعرض
فيها من حيث الحكم التكليفي أصلا فدعوى كون النقاء حدا للبول في حال الضرورة يلزمها الالتزام بطهارة المحل كما في الاستنجاء
من الغائط وهو خلاف الاجماع كما تقدم نقله عن المدارك والجواهر والعجب من شيخنا المرتضى [قده] حيث اقتصر في رد هذا الاستدلال على
منع الشمول أولا واستلزامه خروج الحد عن ظاهره ثانيا وظاهره الاعتناء بهذا الاستدلال لولا هذين المحذورين مع أنه [ره] هو
المؤسس في هدم هذا البنيان وقد بالغ في أصوله في تضعيفه بما لا مزيد عليه
واعلم أنه قد اختلفت الاخبار وكلمات الأصحاب في أقل ما يجزى
من الماء في تطهير مخرج البول فعن أبي الصلاح ان أقل ما يجزى ما أزال العين من رأس الفرج وعن الحلي أقل ما يجزى من الماء لغسله ما
يكون جاريا ويسمى غسلا والظاهر اتحاد كلامي أبى الصلاح والحلي كما فهمه العلامة في محكى المختلف ونسب إليه الميل إلى قولهما في مختلفة ومنتهاه
ونقله عن ظاهر ابن البراج أيضا وعن الأكثر بل المشهور اختيار ما يستفاد من رواية نشيط بن صالح عن ابن عبد الله (ع) قال سئلته كم يجزى من
الماء في الاستنجاء من البول فقال مثلا ما على الحشفة من البلل وعن الشهيد في البيان ان الاختلاف بين الأصحاب انما هو في التعبير قال
فيما حكى عنه ويجب غسل البول بالماء خاصة وأقله مثلاه مع زوال العين والاختلاف هنا في مجرد العبارة انتهى وغرضه بحسب الظاهر أن
طهارة المخرج موقوفة على حصول مسمى الغسل الذي لا يتحقق شرعا وعرفا الا على تقدير قاهرية الماء واستهلاك البول وهذا مما لابد
منه جزما إذ لا يلتزم أحد بطهارة المحل من دون حصول مسمى الغسل والاستهلاك وأقل ما يتحقق به ذلك كون الماء ضعف البول ان
أزيل معه العين والمناقشة فيه بامكان حصول الاستهلاك بما دون الضعف ليس التفاوت بين ما يحصل به الاستهلاك وبين المثلين
بنظر العرف بينا حتى يكشف اختلاف التعبير عن اختلاف مرادهم ولا يبعد ان يكون مقصوده بيان اتحاد الغرض من هذين التعبيرين
لا عدم الاختلاف في المسألة رأسا فلا ينافي ذلك ما حكى عنه في الذكرى من الجزم باعتبار الغسل مرتين إذ من الجائز ان يلتزم في كل غسلة
85

يكون الماء ضعف ما على المحل من النداوة تحقيقا للغلبة المعتبرة في مهية الغسل وكيف كان فمستند الأكثر هي الرواية المتقدمة ونوقش
فيها بضعف السند لاشتماله على مروك بن عبيد وهو غير معروف الحال * (وفيه) * انه لا ينبغي الالتفات إلى قصور السند في مثل هذه الرواية
المشهورة المعمول بها عند الأصحاب بحيث عبروا بمتنها في فتاويهم هذا مع أنه في محكى الخلاصة نقل عن الكشي انه حكى عن محمد بن مسعود أنه قال
سئلت علي بن الحسن عن مروك بن عبيد بن سالم بن أبي حفصة فقال ثقة شيخ صدوق والمراد من البلل على ما يتبادر منه عرفا هي الاجزاء اللطيفة
المائية المعبر عنها بالرطوبة عرفا لا نفس الرطوبة التي هي من مقولة الاعراض كما توهمه بعض وزعمه وجها لوجوب رفع اليد عن ظاهر
الرواية بل المراد منه في خصوص المقام ما يعم القطرة المتخلفة على المخرج عقيب البول لا خصوص الاجزاء
اللطيفة لا لمجرد تعذر اجزاء
الماء على المحل بمثلي تلك الأجزاء المعلوم اعتباره في حصول التطهير وصدق مسمى الغسل بل لظهور البلل في مثل المقام في إرادة
ما يتعارف بقائه على المحل في الغالب والحاصل انه لو القى مثل هذه العبارة على من لم يكن ذهنه مشوبا بالشبهات لا يتخيل منها الا
إرادة المتكلم مثلي الباقي على الحشفة من البول وكيف كان فلا اشكال في مفادها من هذه الجهة الا انه يعارضها ظاهرا رواية
أخرى لنشيط بن صالح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال يجزى من البول ان تغسله بمثله الا انها ضعيفة سندا بالارسال
ودلالة بعدم معلومية معارضتها للأولى الا على تقدير إرادة مثل البلل الكائن على المخرج ومن المعلوم عدم تحقق الغسل به
لاشتراط غلبة المطهر واعتبار الجريان في مفهوم الغسل الممتنع حصوله في مثل الفرض ولذا ارتكب الشيخ [قده] البعيد في تأويلها بارجاع
الضمير إلى البول الخارج هكذا قيل ولكن منع تحقق مسمى الغسل المعتبر شرعا لو أريد منه القطرة العالقة على المحل كما هو الظاهر لا يخلو
عن تأمل إذ ليس المراد بالمثل ما يماثله حقيقة بل هو كناية عن كفاية أقل ما يمكن تحقق مسمى الغسل به في الخارج فأريد منه ما يماثله مسامحة
وقوله (ع) تغسله قرينة على هذا التصرف لا ان عدم امكان الغسل بمثله الحقيقي سبب لطرح الرواية واظهر من هذه الرواية في إرادة
مثل القطرة العالقة على المحل ما في الوسائل عن الكليني أنه قال وروى بأنه يجزى ان يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة
وغيره وعلى ما ذكرنا فلا تنافي بين رواية المثل والمثلين لان المثل المسامحي الذي يتحقق به مسمى الغسل لا يكون أقل من مثلي البلل عادة
* (وربما) * يقال في توجيه الرواية حذرا من طرحها وجوه في غاية الضعف والسقوط أقواها احتمال وقوع الاشتباه في الكتابة وهذا الاحتمال
وان كان قويا في حد ذاته ويعضده اتحاد راوي الروايتين والمروى عنه ولكنه خلاف الأصل لا يلتفت إليه على تقدير سلامة الرواية
عن المعارض وما يصلح لمعارضتها ليس إلا الرواية الأولى وقد عرفت امكان الجمع بينهما بنحو من المسامحة التي يساعد عليها العرف ويشهد
له اعتبار مسمى الغسل في تطهير المحل كما يدل عليه نفس هذه الرواية فضلا عن الأدلة الخارجية * (نعم) * لو قلنا بان المتبادر من رواية المثلين
إرادة الغسلين لتحققت المعارضة بين الروايتين ولكنه ممنوع جدا لو لم ندع ظهورها في إرادة غسلة واحدة بقرينة ما هو المغروس في
الأذهان من اشتراط قاهرية الماء وأكثرية من القذر التي لا تتحقق الا بايصال المثلين دفعة والانصاف انه لولا تصريح الإمام (ع) بكفاية
المثلين لاشكل علينا الاذعان ببقاء الاسم الماء بعد امتزاجه بنصفه من البول حتى يؤثر جريه في تطهير المحل وعلى تقدير تسليم ظهورها
في إرادة الغسلتين فلا يكافي هذا الظهور ظهور الرواية الأولى في كفاية الغسلة * (والعجب) * ممن التزم بكفاية المثلين واعتبر الغسلتين
وأنكر اشتراط أكثرية الماء في التطهير بعد فرض حصول الجريان الذي يتوقف عليه صدق الغسل * (وفيه) * ان المعتبر في التطهير انما هو
الغسل بالماء فلو لم يكن لنا دليل على اشتراط غلبة المطهر لكفانا اعتبار كون الغسل بالماء في اثباتها ضرورة ان اطلاق الماء على الماء الممتزج
بما يساويه من البول ليس أولى من صدق البول عليه مع أنه لا شبهة في أن حصول التطهير يتوقف على بقاء الماء على صفة الاطلاق إلى أن
يتحقق الغسل فإن كان ولا بد من القول باعتبار التعدد فلا بد من أن يلتزم بإرادة المثل المسامحي في هذه الرواية أيضا حتى يمكن حصول
الغسلتين بالماء المطلق بالمثلين أو يلتزم باهمال الرواية وكونها مسوقة لبيان ما يجزى في كل غسلة لا لبيان ما يجزى من البول على
الاطلاق وكلاهما خلاف الظاهر خصوصا الأخير منهما فالأقوى كفاية الغسلة الواحدة بالنظر إلى ظاهر هذه الرواية فضلا عما يقتضيه
الجمع بين الروايتين * (ويدل) * عليه أيضا موثقة يونس بن يعقوب قلت لأبي عبد الله (ع) الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط
أو بال قال يغسل ذكره ويذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين وظاهرها بقرينة السؤال كونها مسوقة لبيان تمام ما هو الواجب عليه فترك
التعرض دليل على عدم اعتبار التعدد في الغسل خصوصا مع تصريحه (ع) بالتكرار في الوضوء مع كونه مستحبا ويدل عليه أيضا حسنة ابن المغيرة
قال قلت له هل للاستنجاء حد قال لا حتى ينقى ماثمة بناء على شمولها للاستنجاء بالبول ولكن الانصاف انصرافها عنه خصوصا بقرينة ما بعد
حيث قال قلت فإنه ينقى ماثمة ويبقى الريح قال الريح لا ينظر إليها ويؤيده اطلاق صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) قال إذا انقطعت
درة البول فصب الماء ولا يعارض هذه الأدلة ما في صحيحة البزنطي قال سئلته عن البول يصيب الجسد قال صب عليه الماء مرتين فان ظاهرها
86

ما لو أصاب الجسد بول من الخارج لا البول الخارج من الجسد وعلى تقدير العموم يجب تخصيصها بالاخبار المتقدمة هذا ولكن الانصاف
ان القول بالغسلتين أيضا لا يخلو عن قوة لقوة احتمال إرادة الغسلتين من المثلين ولو بنحو من المسامحة وعدم الوثوق بالمراد من المثل في الرواية
الثانية وعدم الاطمينان يكون الموثقة في مقام بيان تمام ما هو الواجب عليه مفصلا فيشكل مع ذلك رفع اليد عن استصحاب النجاسة
فالاحتياط في مثل المقام ممالا ينبغي تركه وان كان الأقوى خلافه والأفضل بل الأولى ان يغسل ثلثا لخبر زرارة قال كان يستنجى من
البول ثلث مرات ومن الغائط بالمدر والخرق وعن صاحب المنتقى ان ضمير كان عائد إلى أبي جعفر (ع) والله العالم * (ثم) * ان الظاهر عدم اختصاص
الحكم بالذكر بل يعم الأنثى والخنثى بل كل من بال ولو من غير المخرج المعتاد لعموم قاعدة الاشتراك وعدم استفادة مدخلية خصوصية
الحشفة في موضوع الحكم من قوله (ع) مثلا ما على الحشفة بعد اطلاق كلام السائل عما يجزى من الماء في الاستنجاء من البول بل الظاهر أن
تخصيصها بالذكر بملاحظة حال السائل والا فالمقصود بيان كفاية مثلي ما على المخرج هذا مع خلو المرسلة عن ذكر الحشفة وقد عرفت
دلالتها على المطلوب بل لا ينبغي الارتياب في عدم إرادة الخصوصية في موثقة يونس لان السائل سئله عن الوضوء الذي افترضه
الله على عامة العباد لمن جاء من الغائط أو بال فلا يناسبه بيان حكم الرجال فقط فالأقوى كفاية الغسلة في الاستنجاء من البول [مط]
وسبيل الاحتياط غير خفى
* (ويجب) * في الجملة ولو تخييرا غسل ما ظهر من مخرج الغائط إذا تلوث بالنجاسة عند خروجها بالماء حتى يزول
العين والأثر ولا يجب غسل الباطن بلا خلاف فيه ظاهرا كما يدل عليه مضافا إلى الأصل ما في ذيل رواية عمار المتقدمة في مسألة استقبال
القبلة حيث قال (ع) انما عليه ان يغسل ما ظهر منه وليس عليه ان يغسل باطنه وصحيحه إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا (ع) في الاستنجاء يغسل ما ظهر
منه على الشرج ولا يدخل الأنملة وكذا لا يجب غسل الظاهر أيضا ما لم يتلوث بالنجاسة واحتمال وجوب الغسل تعبدا كما عن ظاهر المنتهى
الاطلاقات الامر بالغسل ضعيف في الغاية لان الأوامر المطلقة منزلة على الغالب كما يدل عليه مضافا إلى الفهم العرفي الناشئ من مناسبة
الحكم وموضوعه أعني وجوب الغسل ونجاسة موضع النحو بمقتضى العادة جعل النقاء واذهاب الغائط حد الاستنجاء في حسنة ابن
المغيرة وموثقة يونس بن يعقوب المتقدمتين ثم إن في المقام اشكالا وهو انه صرح غير واحد من الاعلام كالمصنف وغيره بل عن المشهور
انه يجب في الاستنجاء بالماء إزالة العين والأثر مع أنه ليس في شئ من اخبار الباب من ذكر الأثر فلذا ضاق الامر على المتأخرين
واختلفت كلماتهم في تفسيره فمنهم من فسره بالاجزاء اللطيفة وعلل وجوب ازالتها بكونها عذرة وعورض بتصريحهم بعدم وجوب
ازالتها في الاستجمار وهذا ينافي كونها عذرة وأجيب بالعفو عنها في الاستجمار للتسهيل ومنافات وجوب ازالتها للحكمة المقتضية
لتشريعه وفيه أنه ان أريد انها نجس وعفى عنها في الصلاة ونحوها ففيه مالا يخفى من مخالفته للنصوص وفتاوى الأصحاب وان أريد طهارتها
من العفو عنها ففيه أن لا يظن بأحد ان يلتزم بورود التخصيص على دليل نجاسة العذرة كيف وقد صرحوا بوجوب إزالة العين مطلقا
في الاستجمار و؟؟ ما يبقى بالأثر وربما عللوا عدم وجوب ازالته بعدم كونه عذرة عرفا ومنهم من فسره باللون وفيه أنه من الاعراض
ولا يصدق عليه اسم العذرة فلا يجب ازالته وما يقال من أن وجود اللون كاشف عن بقاء العين لاستحالة انتقال الفرض ففيه بعد
الاغماض عن انه ربما يتأثر المحل بالمجاورة ونحوها ان مدار الأحكام الشرعية على الصدق العرفي لا على التدقيقات الفلسفية ومنهم من
فسره بالرائحة * (وفيه) * مضافا إلى ما عرفت مالا يخفى بعد ورود النص * (و) * تصريح جملة منهم بأنه لا اعتبار بالرائحة المجردة الباقية في محل
النجاسة أو اليد ففي حسنة ابن المغيرة بعد أن حد الاستنجاء بالنقاء قال قلت ينقى ماثمة ويبقى الريح قال الريح لا ينظر إليها وعن بعض
تفسيره بالنجاسة الحكمية الباقية بعد إزالة العين فيكون إشارة إلى اعتبار تعدد الغسل وفساده غير خفى بعد الالتفات إلى أن الأثر
بهذا المعنى امر تعبدي شرعي لا يصح جعله حدا للغسل مع أنه نقل عن المنتهى دعوى الاجماع على عدم اعتبار التعدد في الاستنجاء من الغائط
والذي ينبغي ان يقال في تفسير الأثر وبيان الفارق بين الماء والأحجار مع أن الحد في كل منهما النقاء فلم صار إزالة الأثر بالماء شرطا دون
الأحجار هو انه لا ريب في أنه إذا أزيل عين العذرة عن المحل بالمسح يبقى بعد زوال العين وحصول الجفاف بالمسح اثر في المحل لا يزول الا
بالمبالغة التامة ومن صفته انه لو باشرته بيدك الرطبة لا حسست فيه لزوجة ولصوقة وهذا الأثر الباقي لا يسمى عذرة عرفا ولا يجب
ازالته في الاستجمار جزما ويجب ازالته في الاستنجاء بالماء كما يستفاد ذلك من تحديد بعضهم النقاء في الاستنجاء بالماء بالصرير وخشونة
المحل واما الفرق بينهما مع كون النقاء حدا للتطهير في كليهما فإنما نشأ من الاختلاف في الصدق العرفي فان المتبادر من النقاء بالماء إزالة العين
والأثر وبغير الماء خصوص العين واما الأثر الباقي فهو وان كان بالتدقيق العقلي من اجزاء العين الا انه بعد زوال العين يرتفع عنه
الاسم فيطهر بعد الاستجمار تبعا للمحل واما في الاستنجاء بالماء فيجب ازالته تبعا للحال بحكم العرف حيث يرونه عنه الغسل بالماء من بقية
العذرة وعند استعمال الحجر لا يرونه شيئا كمالا يخفى على من اختبره من نفسه عند إرادة إزالة ما في يده من القذارات الصورية بالماء
87

أو بالمسح على الحائط وإذا تعدى الغائط المخرج لم يجز الا الماء والمراد بالمخرج مخرج النحو كما عن المبسوط والغنية وكتب الفاضلين و
الشهيد والمحقق الثاني أو حواشي الدبر كما عن الشهيد الثاني وأبى العباس ونسبه في الحدائق إلى الأصحاب أو الشرج كما عن السرائر وهي
بتحريك الراء حلقة الدبر ويدل على عدم اجزاء غير الماء في التطهير إذا تعدى الغائط المخرج مضافا إلى عدم الخلاف فيه كما عن الانتصار
بل الاجماع عليه كما عن الغنية والتذكرة وعن المعتبر انه مذهب أهل العلم الخبر العامي المروى في المعتبر والمنتهى عن الجمهور عن علي (ع) انكم
كنتم تبعرون بعرا واليوم تثلطون ثلطا فاتبعوا الماء الأحجار وقوله (ع) يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة والروايتان
وان كانتا عامتين الا ان استدلال الخاصة بهما كاف في اعتبارهما خصوصا مع اعتضادهما بالاجماعات المحكية فيقيد بهما اطلاق
اخبار الاستنجاء ودعوى انصرافها في حد ذاتها إلى صورة عدم التعدي مضافا إلى منعها بعد صدق اسم الاستنجاء يتوجه عليها استلزامها
الاقتصار في الحكم بطهارة ماء الاستنجاء على هذا المنصرف مع أن جماعة منهم كالشهيدين وغيرهما على ما حكى عنهم صرحوا بما يقتضيه
اطلاق غيرهم من عدم الفرق هناك بين صورة التعدي وعدمه مستندين في ذلك إلى الاطلاق بل يلزمها أيضا عدم كون النقاء
حدا في المتعدى مطلقا مع أنه خلاف ظاهر كلماتهم كما لا يخفى بقي في المقام اشكال وهو ان المخرج الذي هو معقد اجماعاتهم على
ما فسروه أخص بحسب الظاهر من محل العادة فيشكل جعلها جابرة للرواية الثانية التي هي ظاهرة الدلالة في التقييد واما الرواية
الأولى فهي مع ضعف سندها مطعونة في دلالتها أيضا بظهورها في الاستحباب بل تعينها فيه لعدم وجوب الاتباع الذي هو عبارة
أخرى عن الجمع بين الطهارتين اجماعا فتقييد المطلقات بالروايتين مشكل ولكن الانصاف عدم الوثوق بإرادة المجمعين من المخرج
في معقد اجماعهم ما هو أخص من محل العادة بل ولا إرادة أكثر المفسرين من تفسيرهم ما ينافي ذلك نعم لا يبعد دعوى الجزم بإرادة
الجميع من تفاسيرهم خروج غير المتعارف عن تحت موضوع الحكم وكيف كان فان جوزنا الاعتماد على الرواية المقيدة بالمعتاد لأجل
الانجبار بما ذكروا استكشفنا من كلماتهم الاجماع على خروج غير المتعارف من موضوع جواز الاستجمار يجب تقييد المطلقات بها و
الا يتعين المصير إلى الحكم بكفاية الأحجار الا مع التفاحش المخرج عن حد الاستنجاء الملتزم معه بنجاسة الماء كما قواه جماعة تبعا للمحقق
الأردبيلي واما تخصيص الحكم بما هو أخص من الافراد المتعارفة كما يظهر من بعض فغير ممكن فلا يلتفت إلى تفسير من فسر المخرج بما يستلزم
ذلك لان اخراج الافراد المتعارفة من تحت المطلقات الكثيرة الواردة في مقام الحاجة في مثل هذا الحكم العام البلوى كما ترى بل الانصاف
ان حمل الرواية على تقدير صحة سندها على الكراهة أولى من تقييد المطلقات بها حتى بالنسبة إلى الافراد الخارجة من محل العادة التي
يصدق عليها اسم الاستنجاء ويلتزم فيها بطهارة مائه فضلا عن الافراد المتعارفة لدلالة الأخبار الكثيرة
المستفيضة الواردة
في شأن نزول قوله [تعالى] ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين على أن الناس كانوا يستنجون بالأحجار والكرسف ولم يكن استعمال
الماء في الاستنجاء مشروعا لديهم إلى أن اكل رجل من الأنصار طعاما فلان بطنه فاستنجى بالماء فانزل الله بتارك وتعالى الآية في
حقه فجرت السنة في الاستنجاء بالماء فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وبشره بذلك وقد كان الرجل خائفا من عمله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وآله فلو
قيدنا اخبار الاستجمار بالافراد المتعارفة لوجب لالتزم بفسخ الحكم الثابت في أول الشريعة بالنسبة إلى الافراد الخارجة من العادة
وهو من أبعد التصرفات لا يصار إليه اللهم الا ان ينعقد الاجماع عليه وفيه تأمل والله العالم * (ولو) * شك في التعدي يبنى على عدمه للأصل
الحاكم على استصحاب النجاسة
* (و) * قد ظهر لك انه إذا لم يتعد مجموع ما خرج عن الحد المتعارف بمقتضى الغالب لو لم نقل مطلقا كما عن الأردبيلي
وجماعة كان مخيرا بين الماء وبين الأحجار المزيلة للعين كما يدل عليه الاخبار المتظافرة بل ربما يدعى كونه في الجملة من ضروريات الدين ففي
صحيحة زرارة ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار وفي صحيحة الأخرى جرت السنة في اثر الغائط بثلاثة أحجار ان تمسح العجان ولا تغسله إلى
غير ذلك ولكن الظاهر أن الماء افصل كما يشعر به بل يدل عليه غير واحد من الأخبار الواردة في سبب نزول الآية وغيرها ففي بعضها كان
الناس يستنجون بالكرسف والأحجار ثم أحدث الوضوء وهو خلق كريم فامر رسول الله صلى الله عليه وآله وصنعه فانزل الله تعالى في كتابه ان الله
يحب التوابين ويحب المتطهرين * (وعن) * هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا معشر الأنصار ان الله قد أحسن الثناء
عليكم فماذا تصنعون قالوا نستنجي بالماء والجمع بين الأحجار والماء بتقديم الأول منهما أكمل بل أفضل كما يدل عليه مرسلة أحمد بن محمد بن
عيسى جرت السنة بثلاثة أحجار ابكار ويتبع بالماء ويدل عليه أيضا ما رواه الجمهور عن علي (ع) انكم كنتم تبعرون بعرا واليوم تثلطون
ثلطا فابتعوا الماء الأحجار ولا يجزى أقل من ثلاثة أحجار وان حصل النقاء بما دون الثلث كما عن المشهور للأخبار المستفيضة المروية
عن الفريقين منها خبر عامي روى عن سليمان [رض‍] قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله ان نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وبمضمونة خبران عاميان
أحدهما لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار والاخر لا يستنجى أحدكم بدون ثلاثة أحجار ونظيره أيضا نبويان أحدهما إذا جلس أحدكم
88

لحاجة فليمسح ثلاث مسحات والاخر واستطب ثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاثة خشنات من تراب
وفي صحيحة زرارة ويجزيك من
الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وظاهرها كون الثلاثة أقل المجزى وفي صحيحة الأخرى جرت السنة في اثر
الغائط بثلاثة أحجار ان تمسح العجان ولا تغسله وفي رواية العجلي يجزى من الغائط المسح بالأحجار وظاهرها إرادة الافراد المتعددة
من الجمع وأقلها الثلث ودعوى ظهورها في إرادة الجنس قابلة للمنع وكيف كان فهذه الأخبار كما تريها ظاهرة في المدعى ولا يصلح
لمعارضتها عدا ما يترأى من حسنة ابن المغيرة فإنه قال قلت هل للاستنجاء حد قال لا حتى ينقى ماثمة * (و) * موثقة يونس في الوضوء الذي
افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال قال يغسل ذكره ويذهب الغائط [الخ] وفيهما مضافا إلى دعوى ظهورهما بشهادة
القرائن الكثيرة المستفادة منهما على ما ادعاها شيخنا المرتضى [ره] في الاستنجاء بالماء وان كان في شهادتها على الاختصاص تأمل
بل منع الا ان عمومهما قابل للتخصيص بهذه الاخبار كما أن اطلاق نفى الحد في الحسنة وكفاية اذهاب الغائط في الموثقة قابل للتقييد
مضافا إلى دعوى ورودهما مورد الغالب من عدم حصول العلم بالنقاء قبل استعمال الثلاثة غالبا فتنزل الروايتان على مالا ينافي
اعتبار الثلاثة التي لا تنفك عنها الافراد الغالبة * (و) * دعوى خروج للقيدات مخرج الغالب من عدم حصول العلم بالنقاء بما دون الثلث
كما يؤيدها استبعاد التعبد بالمسح بعد النقاء * (مدفوعة) * أولا بان هذه الدعوى في المقيدات لها وجه لو كانت الثلاثة كافية في النقاء
غالبا والغلبة في حصوله بها بالخصوص ممنوعة وانما المسلم عدم حصول النقاء غالبا بما دونها لا حصوله بخصوص الثلاثة وهذا لا
يوجب الا الوهن في المطلقات لا في المقيدات المشتملة على لفظ الثلاثة بالخصوص وثانيا انه لا يجوز رفع اليد عن ظاهر المقيد بمجرد احتمال
ورود القيد مورد الغالب المتعارف وانما يخل في التمسك بالاطلاق ضرورة انه لا يجوز إهمال الخصوصية المستفادة من ظاهر الكلام
بمجرد احتمال عدم كونها قيدا فيما تعلق به غرض المتكلم في الواقع بل لابد في اهمالها من الجزم بذلك وليس المقام من قبيل ما إذا احتف
الكلام بما يصلح ان يكون قرينة لإرادة خلاف الظاهر حتى يمنعه من أن ينعقد له ظهور إذ على تقدير جرى القيد مجرى العادة لايراد من
اللفظ الا ظاهره الا ان ظاهره ليس مما تعلق به الغرض في الواقع فيجوز اهماله ولكنه بعد احرازه بالعلم كما لا يخفى وجهه وما ذكروه مؤيدا
لذلك ففيه مع أنه مجرد استبعاد لا يعتنى به في الأحكام التعبدية يدفعه التعبد بمثله في كثير من نظائر المقام كتكرار الغسلات بعد زوال
العين فيما يحتاج إلى التعدد ومسح باطن النعل على الأرض إذا لم يكن عليه نجاسة عينية وتعفير اناء الولوغ بالتراب إلى غير ذلك من الأمور
التعبدية التي يستكشف منها ان الملاك في الطهارة الشرعية امر اخر وراء ما يتوهمه العرف لا يمكن إلغاء الخصوصيات المستفادة
من ظواهر الأدلة بمجرد الاستبعادات والاعتبارات اللهم الا ان يكون الاستبعادات مانعة من استفادة إرادة الخصوصية بمقتضى
الفهم العرفي وفيه تأمل هذا كله مع أن مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة حتى يعلم المزيل فظهر لك ان القول المشهور مع أنه أحوط لا يخلو
عن قوة وهل يجب على هذا القول امرار كل حجر على موضع النجاسة بحيث يتكرر بالأحجار مسح مجموع الموضع أم يكفي توزيع الأحجار الثلاثة على اجزاء
الموضع وجهان بل قولان نسب ثانيهما إلى الأكثر منهم المصنف في المعتبر بل عن الذخيرة هو المعروف من مذهب الأصحاب وان نسبة عدم الكفاية
إلى بعض الفقهاء في كلام مثل العلامة المراد به أهل الخلاف كما يشهد الممارسة وهو عجيب بعد تصريح مثل المصنف في الكتاب بذلك بل
عن المفاتيح وشرحها ان المشهور هو القول بعدم الكفاية وكيف كان فمستند القائلين بالكفاية اطلاق كفاية ثلاثة أحجار من النصوص المستفيضة
وانتفاء ما يدل على اشتراط مباشرة كل حجر موضع النجاسة * (وفيه) * ان المتبادر من الامر بالمسح بثلاثة أحجار انما هو إرادة تكرار المسحات
بتعدد الأحجار وظاهره إرادة الاستيعاب بكل مسحة نظير ما لو امر بالمسح بحجر واحد ويؤيده بل يدل عليه قوله (ع) في صحيحة زرارة جرت السنة
في اثر الغائط بثلاثة أحجار ان يمسح العجان فان ظاهرها اتحاد متعلق المسح في الثلاث وفي النبوي إذا جلس أحدكم لحاجة فليمسح ثلاث
مسحات وظاهره كظاهر الامر بالغسلات إرادة مسح الموضع ثلاثا وعلى تقدير الشك فالمرجع انما هو استصحاب النجاسة إلى أن يعلم
المزيل فما اختاره المصنف في الكتاب هو الأقوى كما صرح به غير واحد من مشايخنا رضوان الله عليهم نعم لو قيل بكفاية الاستيعاب العرفي
في كل مسحة وعدم وجوب الاستيعاب الحقيقي في كل واحدة منها لكان وجيها بالنظر إلى منصرف الأدلة بمقتضى الفهم العرفي ولعل القول
بكفاية التوزيع نشأ من ذلك حيث رأوا عدم مساعدة العرف على استفادة إرادة الاستيعاب الحقيقي من الأدلة فظنوا أن المناط استعمال
ثلاثة أحجار مطلقا وا لم يتكرر به المسحات بالنسبة إلى موضع النجو ولو عرفا وكيف كان فالقول باعتبار تكرر المسحات بالنسبة إلى
مجموع الموضع لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط والله العالم ويكفى معه إزالة العين دون الأثر الذي لا يصدق عليه اسم العذرة
عرفا وقد عرفت فيما سبق عدم منافاة بقاء الأثر لصدق النقاء الذي حد به الاستجمار كالاستنجاء بالماء وإذا لم ينق بالثلاثة فلا بد من
الزيادة حتى ينقى بلا خلاف فيه كما يدل عليه مضافا إلى الأصل والاجماع حسنة ابن المغيرة وموثقة يونس بالتقريب المتقدم و
89

توهم ان مقتضى اطلاق الأخبار المعتبرة الدالة على كفاية ثلاثة أحجار حصول الطهارة بها ولو لم يذهب عين الغائط مدفوع
بان ذهاب عين الغائط من الشرائط المغروسة في الأذهان المانعة عن ظهور مثل هذه الأخبار في إرادة الاطلاق ولذا لا يتوهم
أحد تخصيص ما يدل على نجاسة العذرة بهذه الأدلة بحيث يفهم منها طهارة العذرة لو فرض بقائها في المحل بعد استعمال الثلاثة
أحجار مقدارا معتدا به على وجه يصدق عليه اسمها عرفا بل لا يفهم منها الا ان لهذا العدد المعين أيضا كالنقاء مدخلية في الحكم
وانه لا يحصل الطهارة بدونها فلو نقى بدونها أكملها وجوبا والذي يقتضيه الأصل مضافا إلى ظواهر النصوص وفتاوى جملة
من الأصحاب كصريح آخرين انه لا يكفي استعمال الحجر الواحد من ثلث جهات ضرورة ان الواحد لا يكون ثلثا وقيل يكفي لاعتبارات
ضعيفة عمدتها دعوى القطع بعدم مدخلية صفة الانفصال في التطهير وانما المناط تعدد المسحات والعهدة على مدعيه ليت شعري
كيف يحصل القطع بذلك مع معروفية الخلاف في المسألة التعبدية التي ربما التزم القائل بالكفاية باعتبار تعدد المسحات تعبدا
وعدم كفاية النقاء لو حصل بالمسحة الأولى أو الثانية كما صرح به في الدروس هذا مع أن ارتكاب التأويل في بعض الأخبار كاد
ان يكون معتذرا مثل مرفوعة أحمد بن محمد عن أبي عبد الله (ع) قال جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجارا بكار ويتبع بالماء فإنها
كادت أن تكون صريحة في إرادة الأحجار المنفصلة وعدم كفاية المسحات الثلاث بحجر واحد اللهم الا ان يحمل
هذه الرواية على
الاستحباب بشهادة ذيلها عليه مضافا إلى ما في سندها من الضعف وكيف كان فالقول بعدم الكفاية مع كونه أحوط لا يخلو
عن قوة نعم لا يبعد الالتزام بكفاية أطراف الصخرة العظيمة أو الخرقة الطويلة التي يعد أطرافها بنظر العرف بمنزلة الأشياء المستقلة
المنفردة ولذا قال في المدارك فالمتجه تفريعا على المشهور من وجوب الاكمال مع النقاء بالأقل عدم الاجزاء ومع ذلك فينبغي القطع
باجزاء الخرقة الطويلة إذا استعملت بالجهات الثلاث تمسكا بالعموم انتهى ولكن الاحتياط ممالا ينبغي تركه خصوصا مع تصريح
مثل المصنف في محكى المعتبر بعدم الكفاية والله العالم
* (ثم) * لو استظهرنا من المرسلة المتقدمة الوجوب واشترطنا البكارة في الأحجار
فمقتضاها أن لا يستعمل الحجر المستعمل ولو في استنجاء آخر بل بالنسبة إلى شخص آخر سواء انفعل بالاستعمال وبقي اثره أم أزيل أم لم
ينفعل أصلا الا ان [يق] ان البكارة لا تزول عرفا ما لم تتأثر من الاستعمال وعدم جواز استعمال غير المتأثر في نفس هذا الاستنجاء انما
هو لاعتبار العدد لا لاشتراط البكارة بل لا يبعد دعوى انصرافها إلى ما عليه اثر الاستعمال بالفعل فإنه لا يظن باهل العرف ان يفهموا
من هذه الرواية عدم جواز استعمال الحجر المستعمل في الأزمنة السابقة يعد كسر موضع انفعاله أو غسله بل ربما يدعى ان المتبادر من
البكر في المقام الطاهر فتدل الرواية لفظا وفحوى على عدم جواز الاستنجاء بالمتنجس ولا الأعيان النجسة كما استدل لهما بها في المدارك
ولكن الانصاف ان تبادر الطاهر من البكر ممنوع بل المتبادر منه ليس إلا الحجر الغير المتأثر بالاستعمال ولكنك عرفت امكان دعوى
انصرافه إلى ما بقي الأثر فيه بالفعل نعم لا يبعد ان يقال إن المنساق إلى الذهن في مورد الرواية انما هو إرادة البكارة بالنظر إلى نفس
هذا الاستنجاء لا [مط] لبعد اعتبار مثل هذا الشرط تعبدا فلا يلتفت الذهن إليه فيكون التوصيف بالابكار لدفع توهم كفاية المسحات
بحجر واحد ولو من جهات ثلث فيتأكد بذلك ظهور الأحجار في إرادة الافراد المستقلة المنفردة وكيف كان فالأقوى جواز استعمال الحجر
المستعمل في استنجاء آخر فضلا عن أن يكون من شخص آخر لكن بشرط تطهيره أو الاستنجاء بالموضع الطاهر منه لاطلاقات الأدلة
وعدم ما يصلح لتقييدها عدا المرسلة المتقدمة التي عرفت المناقشة في دلالتها على الوجوب وعدم وضوح المراد منها بحيث يصلح
دليلا لاثبات مثل هذا الحكم التعبدي الذي يستبعده الذهن في مقابل الاطلاقات الكثيرة الواردة في مقام الحاجة ولذا لم يلتزم
الأصحاب بعدم جواز استعمال الحجر المستعمل مطلقا بل أجازوا استعماله بعد التطهير قال في محكى المعتبر مرادنا بالمنع من الحجر المستعمل
الاستنجاء بموضع النجاسة منه اما لو كسر واستعمل المحل الطاهر منه فجاز وكذا لو أزيلت النجاسة عنه بغسل أو غيره انتهى وحكى عن جل المتأخرين
التصريح بذلك بل عن المصابيح دعوى الاجماع عليه ولا يجوز الاستنجاء بالموضع المتنجس من الحجر المستعمل ولا بغيره من المتنجسات ولا
بالأعيان النجسة اجماعا منقولا مستفيضا بل متواتر كما لا يخفى على من تتبع كلماتهم في المقام ونظائره فإنه لا يكاد يرتاب في أن من القواعد
المسلمة عندهم التي صرحوا بالاجماع عليها في كل مقام هي ان النجس لا يكون مطهرا وقد عرفت في مبحث الغسالة انها هي عمدة ما استدل به
القائلون بطهارة الغسالة زعما منهم منافاة نجاسة الغسالة لهذه القاعدة المسلمة وقد عرفت عدم المنافاة بينهما وكيف كان فيدل
عليه مضافا إلى الاجماع ان ملاقاة النجس أو المتنجس سبب لتنجيس المحل فلا تطهره وما يتوهم من أن نجاسة المحل المانعة من اكتساب النجاسة
ثانيا بملاقاة النجس فلا امتناع في أن يرتفع نجاسته بها؟؟ الماء النجس كرا بنجس على قول يدفعه ان نجاسة المحل مانعة من تأثره بالسبب
الطاري بمثل الأثر الموجود واما لو كان للسبب الطاري اثر يخصه فيتأثر منه المحل قطعا كما لو ولغ الكلب في اناء متنجس وفيما نحن فيه يشتد
90

نجاسته المحل بحيث لا يزيلها الا الماء لكن هذا الوجه انما يتأتى فيما لو باشر النجس برطوبة مسرية واما لو استعمله بعد النقاء اكمالا للعدد
كما إذا حصل النقاء بحجرين وكان النجس ثالث الثلاثة التي أو جنبا استعمالها في الاستنجاء فلا يتم هذا الوجه كمالا يخفى فالعمدة [ح] هو
الاجماع واعلم أنه لا فرق بين الأحجار وغيرها من الأجسام الطاهرة القالعة للنجاسة عدا ما استثنى في جواز الاستجمار بها على المشهور
بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه والتعبير بخصوص الأحجار في أغلب النصوص والفتاوى لغلبتها وشيوع الاستنجاء بها لا لمدخلية خصوصيتها
في موضوع الحكم كما يدل عليه ملاحظة اخبار الباب الدالة على جواز استعمال الكرسف والخرق والمدار والعود ونحوها فان المتأمل
في مجموع هذه الأخبار لا يكاد يرتاب ولو بملاحظة الشهرة ونقل الاجماع في أن ذكر هذه الأشياء في الروايات ليس لأجل اعتبارها بالخصوص
ففي رواية زرارة قال سمعت أبا جعفر يقول كان الحسين بن علي (ع) يتمسح من الغائط بالكرسف وفي روايته الأخرى مضمرة كان يستنجى من
البول ثلاث مرات ومن الغائط بالمدر والخرق والخزف بالزاء المعجمة والفاء كما عن بعض نسخ التهذيب وخبر ليث المرادي عن الصادق (ع)
قال سئلته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعرة أو العود فقال اما العظم والروث فطعام الجن وذلك مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال لا يصلح بشئ من ذلك وظاهر هذه الرواية بقرينة التفصيل بين العظم والروث وبين غيرهما والتعليل فيهما بكونهما طعام الجن انما
هو جواز الاستنجاء بكل جسم صالح للاستنجاء مما عداهما وربما يستدل للعموم بحسنه ابن المغيرة وموثقة يونس وفيه أن الحسنة مسوقة
لبيان حد الاستنجاء لا لبيان ما يستنجى به فلا يصح التشبث باطلاقها من هذه الجهة واما الموثقة فالانصاف صحة الاستدلال بها لكونها
بحسب الظاهر مسوقة لبيان ما هو الواجب على من رجع من الغائط وهو غسل ذكره واذهاب الغائط الذي يمكن حصوله بكل جسم قاطع
للنجاسة فلا يرفع اليد عن اطلاقها الا فيما ثبت عدم جواز استعماله كالمتنجسات والأعيان النجسة
وكذا لا يجوز استعمال العظم ولا الروث
بلا خلاف فيهما ظاهرا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليهما للأخبار المستفيضة منها رواية ليث المتقدمة وعن مجالس الصدوق ان النبي صلى الله عليه وآله
نهى ان يستنجى بالروث والرمة أي العظم البالي وعن كتاب دعائم الاسلام انهم عليهم السلام نهوا عن الاستنجاء بالعظام والبعر وكل طعام و
عن الفقيه ان وفد الجان جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله متعنا فأعطاهم الروث والعظم فلذلك لا ينبغي ان يستنجى بهما
ويؤيدها اخبار مستفيضة مروية من طرق العامة ولكنه لا يخفى ما في جميع اخبار الباب من قصور السند وضعف الدلالة بحيث لا تصلح
دليلا الا لاثبات الكراهة ولذا تردد العلامة فيها في محكى التذكرة وفي الوسائل الحكم بالكراهة ولعل الاجماعات المنقولة المعتضدة
بالشهرة كافية في جبرها وقصور دلالتها والله العالم ولا المطعوم ضرورة ان الله تعالى لا يرضى لعبادة ان يكفروا بأنعمه إلى حد يستعملون
ما خلقه الله للأكل في الاستنجاء فإنه كاد ان يكون هذا النحو من التحقير والاستخفاف بنعم الله العظام كفار كما يفصح عن ذلك قضية قوم
ضربهم الله مثلا حيث صدر منهم ما صدر فأذاقهم الله طعم ما صنعوا جزاء بما كانوا يصنعون رزقنا الله شكر نعمه وأعاذنا من الكفر والطغيان
بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ولكن الانصاف ان الالتزام بحرمة الاستنجاء ببعض المطعومات التي ربما يطرح في الأرض
ولا يعد ذلك في العرف والعادة استخفافا بنعم الله [تعالى] مشكل جدا اللهم الا ان يتشبث لاثبات حرمته بالاجماعات المحكية المستفيضة ورواية
دعائم الاسلام المتقدمة وفحوى النهى عن العظم والروث الذين هما طعام الجن مع اعتضاد بعضها ببعض وانجبار ضعفه بالاخر والله
العالم وكذا لا يجوز الاستنجاء بكل شئ محترم شرعا كما هو ظاهر ولا صقيلا يزلق عن النجاسة ولو استعمل ذلك لم يطهر لان صقله وملاسته
يمنعه عن قلع النجاسة وحصول النقاء الذي هو شرط في التطهير نعم لو اتفق قلع النجاسة به لا مانع عنه وهذا بخلاف الاستنجاء بالعظم والروث
والمطعوم وسائر الأجسام المحترمة فان النهى عن استعمالها شرعي فلو استعملها جهلا أو نسيانا أو عصيانا تطهر على الأظهر نعم لو كان
مستند التعدي عن الأجسام المنصوصة إلى غيرها الاجماع لوجب الاقتصار على ما عدا مثل هذه الأشياء التي وقع الخلاف فيها ولكنك عرفت أن
الاخبار هي العمدة في ذلك لكن في بعض الأخبار العامية بعد أن نهى النبي صلى الله عليه وآله ان يستنجى بروث أو عظم قال إنهما لا يطهران وحيث لا يكون
مثل هذه الروايات حجة عندنا لا يهمنا التعرض لتنقيح مفاده وتحقيق ما يقتضيه الجمع بينه وبين غيره من الاخبار فالأقوى ما عرفت والله
العالم
* (الثالث) * في سنن الخلوة وهي مندوبات ومكروهات فالمندوبات أمور منها التستر عن الناس بالبعد منهم أو الدخول في بيت ونحوه
كما عرفته فيما سبق * (ومنها) * ارتياد موضع مناسب للبول فإنه من فقه الرجل كما في رواية السكوني ومرسلة سليمان الجعفري وفي خبر ابن مسكان عن أبي
عبد الله (ع) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله أشد الناس توقيا عن البول كان إذا أرادا البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون
فيه التراب الكثير كراهة ان ينضح عليه البول ومنها تغطية الرأس اتفاقا كما عن المعتبر والذكرى وغيرهما لما روى عن المفيد في المقنعة أنه قال إن
تغطية الرأس ان كان مكشوفا عند التخلي سنة من سنن المرسلين ويظهر من غير واحد من الاخبار استحباب التقنع وهو بحسب الظاهر أخص
من التغطية ولا منافاة بينهما لاحتمال استحبابهما معا ويحتمل كونهما من قبيل تعدد المطلوب بان يكون الثاني أفضل فردي المستحب وكيف كان
91

ففي مرسلة علي بن أسباط عمن رواه عن أبي عبد الله (ع) انه كان يعمله إذا دخل الكنيف يقنع رأسه ويقول سرا في نفسه بسم الله وبالله الحديث و
عن المجالس في رواية أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيته له قال يا أبا ذر استحى من الله فانى والذي نفسي بيده لا ظل حين اذهب إلى
الغائط متقنعا بثوبي استحياء من الملكين الذين معي ومنها التسمية عند الدخول كما يدل عليه خبر علي بن أسباط وغيره ويستحب الاستعاذة
بعدها بالمأثور وكذا التسمية عند الخروج ففي صحيحه معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إذا دخلت المخرج فقل بسم الله اللهم إني
أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم فإذا خرجت فقل بسم الله الحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث وأماط عنى
الأذى وفي مرفوعة سعد بن عبد الله إلى الصادق (ع) من كثر عليه السهو في الصلاة فليقل إذا دخل الخلاء بسم الله وبالله أعوذ بالله
من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم * (ومنها) * تقديم الرجل اليسرى عند الدخول اليمنى عند الخروج كما نص عليه جماعة بل في
المدارك انه مشهور بين الأصحاب بل عن الغنية الاجماع وكفى به دليلا لاثبات الحكم الاستحبابي بناء على جواز المسامحة في دليله كما هو
المختار * (ومنها) * الاستبراء من البول على المشهور بل في الجواهر لا خلاف فيه بين المتأخرين وعن ظاهر الغنية والوسيلة والاستبصار
الوجوب وهو ضعيف لعدم الدليل عليه بل ليس في شئ من اخبار الاستبراء ما يشعر بوجوبه فضلا عن الدلالة فإنها مسوقة لبيان ما هو
الأصلح بحال السائل بحيث لا يبالي بالبلل الخارج بعد الاستبراء عقيب البول بل لولا فتوى الأصحاب باستحبابه لا مكن المناقشة فيه أيضا
لولا استحباب الاحتياط والتورع في الدين ومما يدل على عدم وجوبه مضافا إلى الأصل خلو اخبار الاستنجاء عن التعرض لذكره بل ينفى
وجوبه اطلاق الامر بصب الماء في صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) قال إذا انقطعت درة البول فصب الماء * (واما) * كيفية الاستبراء
ففيها خلاف وسيأتي تفصيلها [انش‍] عند تعرف المصنف [ره] لذكرها في باب الجنابة والظاهر اختصاص الاستبراء بالرجل لفقد موضوعه
الذي يستفاد من الاخبار بالنسبة إلى المرأة وقيل بثبوته للأنثى انها تستبرء عرضا وعن المنتهى ان الرجل والمرأة سواء والله العالم
* (ومنها) * أن لا ينقطع الاستجمار الا على وتر لرواية عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي
(ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا استنجى أحدكم فليوتر
بها وترا إذا لم يكن الماء ومنها الدعاء بالمأثور عند الاستنجاء ففي رواية عبد الرحمن بن كثير في حكاية وضوء أمير المؤمنين (ع) قال ثم استنجى
وقال اللهم حصن فرجي واعفه واستر عورتي وحرمني على النار وعند الفراغ بما رواه أبو بصير عن أحدهما (ع) إذا فرغت فقلت الحمد لله
الذي عافاني من البلاء وأماط عنى الأذى ومنها البدأة في الاستنجاء بالمقعدة لموثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الرجل إذا
أراد أن يستنجى بالماء يبدء بالمقعدة أو بالإحليل قال بالمقعدة ثم بالإحليل * (ومنها) * تقديم الرجل اليمنى عند الخروج كما عرفت وجهه مع
ما فيه من المسامحة * (ومنها) * الدعاء بعده بما رواه ابن القادح عن أبي عبد الله (ع) عن ابائه عن علي (ع) انه كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله
الذي رزقني لذته وأبقى قوته في جسدي واخرج عني أذاه يا لها نعمة يقوله ثلثا وارسل عن النبي صلى الله عليه وآله انه إذا دخل الخلاء يقول الحمد لله الحافظ
المؤدى وإذا خرج مسح بطنه وقال الحمد لله الذي اخرج عني أذاه وأبقى قوته فيا لها من نعمة لا يقدر القادرون قدرها ويستحب لمن دخل الخلاء
تذكر ما يوجب الاعتبار والتواضع والزهد وترك الحرام ففي مرسلة الصدوق كان علي (ع) يقول ما من عبد الا وبه ملك موكل يلوى عنقه
حتى ينظر إلى حدثه ثم يقول له الملك يا بن ادم هذا رزقك فانظر من أين اخذته والى ما صار فينبغي للعبد عند ذلك أن يقول اللهم ارزقني
الحلال وجنبني الحرام * (وفي) * رواية السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) قال سئلته عن الغائط فقال تصغير لابن ادم لكي لا يتكبر وهو يحمل غائطه
معه * (ورواية) * العيص قال شهدت أبا عبد الله عليه السلام وسئله عمر وبن عبيد فقال ما بال الرجل إذا أراد أن يقضى حاجة انما ينظر إلى سفله وما
يخرج من ثم فقال (ع) انه ليس أحد يريد ذلك الا وكل الله عز وجل ملكا يأخذ بعنقه ليريه ما يخرج منه احلال أو حرام إلى غير ذلك من الاخبار
* (واما) * المكروهات فهي أيضا أمور منها الجلوس في الشوارع جمع شارع وهو الطريق الأعظم كما في المجمع ومحكى الصحاح والمشارع وهو مورد
الماء كشطوط الأنهار وتحت الأشجار المثمرة للنهي عنها في جملة من الاخبار * (منها) * صحيحة عاصم بن جنيد عن أبي عبد الله (ع) قال قال رجل
لعلي بن الحسين (ع) أين يتوضأ الغرباء قال تتقى شطوط الأنهار والطرق النافذة وتحت الأشجار المثمرة ومواضع اللعن فقيل له أين مواضع
اللعن قال أبواب الدور والظاهر أن مواطن النزال وشفير بئر الماء والتخلي على القبر أو بين القبور ونحوها من مواضع اللعن المنصوص عليه في
الصحيحة وقوله (ع) أبواب الدور عن باب المثال وكيف كان فيدل على كراهة الجلوس في جميع هذه الموارد وقوع التصريح بها في جملة من
الاخبار ففي مرفوعة علي بن إبراهيم قال خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله (ع) وأبو الحسن موسى (ع) قائم وهو غلام فقال له أبو حنيفة يا غلام
أين يضع الغريب ببلدكم فقال اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال ولا تستقبل القبلة بغائط ولا
بول وارفع ثوبك وضع حيث شئت * (وفي) * رواية السكوني عن أبي جعفر (ع) عن ابائه (ع) قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله ان يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب
منها أو نهر يستعذب أو تحت شجرة فيها ثمرتها * (وفي) * رواية الاحتجاج عن أبي الحسن موسى (ع) ان أبا حنيفة قال له وهو صبي يا غلام أين يضع الغريب
92

في بلدكم هذه قال يتوارى خلف الجدار ويتوقى أعين الجار وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها [فح] يضع
حيث يشاء وفي وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي (ع) قال وكره البول على شط نهر جار وكره ان يحدث انسان تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت وكره ان يحدث الرجل
وهو قائم إلى غير ذلك من الاخبار وظاهر غير واحد منها اختصاص كراهة البول تحت الشجرة بما إذا كانت الثمرة فيها بالفعل ولعل وجه
الاختصاص في هذه الأخبار كون الكراهة [ح] أشد فلا ينافي كراهته مطلقا كما هو مقتضى اطلاق بعض النصوص والفتاوى وظاهر النواهي
الواردة في هذه الأخبار حرمة التخلي في هذه المواضع ولكنه يتعين صرفها بقرينة الشهرة ونقل الاجماع مضافا إلى ما فيها من الاشعار
بكونها مسوقة لبيان الآداب والسنن لا الغرائم بل لعله هو المتبادر إلى الذهن من صحيحة عاصم كما يؤيده التعبير في بعضها بلفظ الكراهة
* (ويؤيده) * أيضا خلو مرفوعة علي بن إبراهيم ورواية الاحتجاج عن جملة من الأمور التي تعلق بها النهى في سائر الأخبار ويؤيده أيضا ظهور
حكمة النواهي ومناسبتها للكراهة دون التحريم والله العالم * (ومما) * يدل على كراهة التخلي على القبر وبين القبور رواية إبراهيم بن عبد
الحميد عن أبي الحسن موسى (ع) قال ثلثه يتخوف منها الجنون التغوط بين القبور والمشي في خف واحد والرجل ينام وحده وخبر محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (ع) قال من تخلى على قبر أو بال قائما أو بال في ماء قائما أو مشى في حذاء واحد أو شرب قائما أو خلا في بيت وحده أو بات
على عمر فأصابه شئ من الشيطان لم يدعه الا ان يشاء الله واسرع ما يكون الشيطان إلى الانسان وهو على بعض هذه الحالات * (ويكره) *
أيضا استقبال قرص الشمس والقمر بفرجه ففي رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع) عن ابائه (ع) قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله ان يستقبل
الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يبولن أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل
به وفي حديث المناهي قال ونهى ان يبول الرجل وفرجه باد للشمس أو القمر وعن الكليني أنه قال وروى أيضا لا تستقبل الشمس ولا القمر
وظاهر المصنف وغيره اختصاص الكراهة بالاستقبال دون الاستدبار ولكنه روى في الفقيه مرسلا لا تستقبل
الهلال ولا تستدبره
يعنى في التخلي وصريحها كراهة الاستدبار أيضا ولكنه نقل عن شرح الارشاد للمفخر دعوى الاجماع على عدم كراهة الاستدبار والأمر سهل
والله العالم * (ويكره) * أيضا استقبال الريح بالبول للخبر المروى عن الخصال عن علي (ع) ولا يستقبل ببوله الريح ولا يكره استدبار
الريح بالبول عند انفراده لعدم الدليل عليها واما إذا كان مع الغائط فالظاهر كراهة الاستدبار أيضا كالاستقبال لرواية عبد الحميد
المسؤول فيها عن حد الغائط لا تستقبل الريح ولا تستدبرها وفي مرفوعة محمد بن يحيى قال سئل أبو الحسن (ع) ما حد الغائط قال لا تستقبل
القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها وهاتان الروايتان صريحتان في كراهة الاستدبار ولكن المسؤول عنه فيهما
حد الغائط فلا تعمان خصوص البول عند انفراده والله العالم * (ويكره) * البول في الأرض الصلبة وما بحكمها مما ينافي التوقي من البول
لما روى من أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان أشد الناس توقيا من البول كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من
الأمكنة يكون فيه التراب الكثير كراهة ان ينضح عليه البول ولا ينافي كراهة البول في الأرض الصلبة ما تقدم من استحباب ارتياد موضع
البول ولو لأجل التأسي * (و) * يكره البول في ثقوب الحيوان لما روى عن النبي صلى الله عليه وآله انه نهى ان يبال في الحجر وفي الماء جاريا كان أو وافقا ويدل
على الأول مرسلة مسمع عن أبي عبد الله (ع) قال أمير المؤمنين (ع) انه نهى ان يبول الرجل في الماء الجاري الا من ضرورة وقال إن للماء
اهلا وعن الخصال بسنده عن أمير المؤمنين (ع) لا يبولن الرجل من سطح في الهواء ولا يبولن في ماء جار فان فعل شيئا من ذلك
فأصابه شئ فلا يلومن الا نفسه فان للماء اهلا وللهواء اهلا ويدل على كراهة البول في الماء الواقف الأخبار المستفيضة الناهية
عنه بل يستفاد من بعضها كون الكراهة فيه أشد منها في الماء الجاري كصحيحة ابن مسلم لا بأس بان يبول الرجل في الماء الجاري وكره
ان يبول في الراكد فان مقتضى الجمع بين الروايات حمل نفى البأس على خفة الكراهة وعليها يحمل نفى البأس عن البول في الماء الجاري
في خبر أبي بكير لا بأس بالبول في الماء الجاري * (و) * رواية ابن مصعب عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يبول في الماء الجاري قال لا بأس به
إذا كان جاريا ويحتمل ان يكون المراد من نفى البأس في هذه الأخبار عدم تنجسه بالبول بخلاف الراكد فإنه يتنجس ولو في الجملة حتى فيما إذا
كان كثيرا فان فتح هذا الباب يوجب تغيره ولو بعد حين باعتبار توارد البول عليه وعن أكثر الأصحاب الحاق الغائط بالبول ولعله
لفحوى ما يستفاد من تعليل كراهة البول في بعض الأخبار بان للماء اهلا * (ويكره) * الأكل والشرب
حال التخلي كما عن بعض أو ما دام في
بيت الخلاء كما عن آخرين واستدل له بما أرسله في الفقيه عن أبي جعفر (ع) انه دخل الخلاء فوجد لقمة خبر في القذر فغسلها ودفعها إلى
مملوك معه فقال تكون معك لاكلها إذا خرجت فلما خرج قال للمملوك أين اللقمة فقال أكلتها يا بن رسول الله (ع) فقال إنها ما استقرب
في جوف أحد الا وجبت له الجنة فأنت حر وانا أكره ان استخدم رجلا من أهل الجنة وروى هذه القصة أيضا عن الحسين بن علي عليهما السلام
ولعلها اتفقت بالنسبة إليهما صلوات الله عليهما وتقريب الاستدلال بها ان تأخير الأكل وترك المبادرة مع ما فيه من الثواب الجزيل
93

يدل على كراهته في بيت الخلاء وفي دلالته على الكراهة في خصوص المورد فضلا عن مطلق الأكل والشرب نظر من وجوه نعم ربما يساعدها
الاعتبار ولكنه لاعتبار به في الأحكام التعبدية فالعمدة في اثبات كراهته اشتهارها بين الأصحاب ولعلهم عثروا على دليل لم يصل الينا
والأمر سهل والله العالم والسواك للمرسل عن الكاظم (ع) السواك على الخلاء يورث البخر ويكره البول قائما لما في رواية السكوني البول قائما
من غير علة من الجفاء ويكره ان يطمح الرجل ببوله في الهواء من سطح أو مرتفع لان النبي صلى الله عليه وآله نهى عنه في رواية السكوني ومرسلة
ابن أبي عمير ورواية مسمع والاستنجاء باليمين ففي رواية السكوني ان الاستنجاء باليمين من الجفاء وفي مرسلة يونس عن أبي عبد الله (ع)
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله ان يستنجى الرجل بيمينه وروى مرسلا انه لا بأس إذا كانت اليسار معتلة وكذا يكره مس الذكر باليمين وقت البول
لما روى عن أبي جعفر (ع) أنه قال إذا بال الرجل لا يمس ذكره بيمينه ويكره الاستنجاء باليسار وفيها خاتم عليه اسم الله سبحانه لرواية أبي بصير
عن أبي عبد الله (ع) قال قال أمير المؤمنين (ع) من نقش خاتمه اسم الله فليحوله من اليد التي يستنجى بها في التوضي وعن الصدوق
في الخصال انه رواه عن علي (ع) في حديث الأربعمأة وعن الكليني أنه قال وروى أنه إذا أراد أن يستنجى من الخلاء فليحوله من اليد التي
يستنجى بها ولا يعارضها رواية وهب بن وهب عن أبي عبد الله (ع) قال كان نقش خاتم أبى العزة لله جميعا وكان في يساره يستنجى بها و
كان نقش خاتم أمير المؤمنين (ع) الملك لله وكان في يده اليسرى يستنجى بها لان وهبا على ما قيل عامي خبيث بل من أكذب البرية كما يؤيده
هذه الرواية وعلى تقدير صدورها عن الإمام (ع) منزلة على بعض الوجوه المخالفة للظاهر وكيف كان فربما يظهر من غير واحد من الاخبار
كراهة استصحابه عند التخلي [مط] بل وكذا استصحاب خاتم عليه شئ من القران مثل رواية علي بن
جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن الرجل
يجامع ويدخل الكنيف عليه الخاتم فيه ذكر الله أو الشئ من القران أيصلح ذلك قال لا وفى رواية أبى أيوب قلت لأبي عبد الله (ع)
ادخل الخلاء وفي يدي خاتم فيه اسم الله [تعالى] قال لا ولا تجامع فيه ويمكن الجمع بينهما بتنزيل اطلاق مثل هاتين الروايتين على ما كان
متعارفا في تلك الأزمنة من التختم باليسار كما يشهد بهذا الجمع رواية الحسين بن خالد عن أبي الحسن الثاني (ع) قال قلت له انا روينا
في الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يستنجى وخاتمه في إصبعه و [كك] كان يفعل أمير المؤمنين (ع) وكان نقش خاتم رسول الله محمد رسول الله قال صدقوا
قلت فينبغي لنا ان نفعل قال إن أولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى وأنتم تتختمون في اليسرى ولكنه لا يمكن الالتزام بهذا الجمع بالنسبة
إلى بعض الأخبار المطلقة فإنه صريح في الاطلاق مثل رواية عمار عن أبي عبد الله (ع) أنه قال لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله [تعالى]
ولا يستنجى وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى ولا يجامع وهو عليه ولا يدخل المخرج وهو عليه وفي رواية أبان بن عثمان عن أبي القسم عن أبي
عبد الله (ع) قال قلت له الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم الله [تعالى] فقال (ع) ما أحب ذلك قال فيكون اسم محمد صلى الله عليه وآله قال لا بأس وعن الشيخ انه
حمل نفى البأس على ادخال الخلاء دون ان يستنجى فالأولى والأظهر هو القول بكراهة الاستصحاب مطلقا وكونه في اليد التي يستنجى بها أشد
كراهة ولا ينافيه ما يستفاد من رواية الحسين وغيره من استصحاب النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بل مداومتهم عليه لامكان كونه من الخصائص
وكون حكمة الكراهة خوف التلويث سهوا أو خطأ أو مسامحة وهي غير مقتضية للكراهة في حقهم * (ومما) * يؤيد هذا الجمع ما رواه في الوسائل
عن المجالس والعيون عن الحسين بن خالد الصيرفي قال قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) الرجل يستنجى وخاتمه في إصبعه ونقشه لا إله إلا الله
فقال أكره ذلك له فقلت جعلت فداك أوليس كان رسول الله صلى الله عليه وآله وكل واحد من ابائك يفعل ذلك وخاتمه في إصبعه قال بلى
ولكن أولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم فان ذيل الرواية كالصريح في النهى عن مقايسة حالنا بحالهم
ووجوب الانتهاء بالنواهي الصادرة عنهم من دون التفات إلى أفعالهم التي لم يتضح لنا وجهها ولو قيل باختصاص كراهة الاستصحاب
بما إذا احتمل تلوثه بالنجس ولو بعيدا غير بعيد بالنظر إلى ما يقتضيه الجمع بين الاخبار فعلى هذا ليس الحكم بالنسبة إليهم صلوات الله
عليهم من الخصائص الا ان الاطمينان والوثوق في حق غيرهم ربما لا يحصل فلذا أطلق النهى عن الاستصحاب والله العالم * (ثم) *
ان القول بالكراهة انما هو فيما إذا لم يتلوث بالاستنجاء والا يحرم لقضاء الضرورة بان مالا يجوز مسه الا بطهور لا يجوز تلويثه
بالنجس ثم إنه نسب إلى المشهور الحاق اسم الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين باسم الله في كراهة الاستنجاء باليد التي فيها
الخاتم الذي فيه أسمائهم وهو حسن من حيث الاعتبار ولا ينافيه رواية أبان بن عثمان على ما ذكره الشيخ في توجيهها من إرادة نفى البأس
عن استصحاب اسم محمد من دون ان يستنجى والله العالم * (ويكره) * الكلام حال التخلي ففي رواية صفوان عن أبي الحسن الرضا (ع) أنه قال
نهى رسول الله صلى الله عليه وآله ان يجيب الرجل اخر وهو على الغائط أو يكلمه ورواية أبي بصير لا تتكلم على الخلاء فإنه من تكلم على الخلاء لم تقض له
حاجة والانصاف ان استفادة كراهة ما عدا كلام الآدميين بحيث يعم الذكر والدعاء والقران ونحوها من هاتين الروايتين
مشكلة لولا المسامحة لان الرواية الأولى موردها كلام الآدميين بل التكلم مع الغير والثانية منصرفة إليه اللهم الا ان يستظهر من
94

الرواية الثانية ولو بمعونة فهم الأصحاب العموم حيث أفتوا بكراهة الكلام مطلقا الا بذكر الله تعالى وآية الكرسي وحكاية الأذان
وغيرها من الأشياء التي ورد فيها النص بالخصوص أو اضطر إلى التكلم لأجل حاجة يضر فوتها لأدلة نفى الحرج والضرر الحاكمة على العمومات المثبتة للتكليف ومما يدل على عدم كراهة الذكر بل استحبابه صحيحة أبى حمزة عن الصادق (ع) قال مكتوب في التوراة التي لم تغير
ان موسى (ع) سئل ربه فقال إلهي انه يأتي على مجالس أعزك واجلك ان أذكرك فيها فقال يا موسى ان ذكرى حسن على كل حال وبمضمونها
اخبار اخر ولا يخفى عليك ان الذكر يعم التسبيح والتحميد بل مطلق المناجاة مع الله جل ذكره ويدل على استحباب التحميد بالخصوص
بعد العطسة رواية مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه (ع) قال كان أبى يقول إذا عطس أحدكم على الخلاء فبحمد الله في نفسه ويدل على عدم
كراهة قراءة اية الكرسي رواية عمر بن يزيد قال سئلت عن الصادق عليه السلام عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن فقال لم يرخص في
الكنيف أكثر من اية الكرسي وآية الحمد لله رب العالمين وما في صحيحة الحلبي عن الصادق (ع) قال سئلته أتقرء النفساء والحايض الجنب
والرجل يتغوط ويقرء القران فقال يقرؤن ما شاؤوا محمول على الجواز الغير المنافى للكراهة كما في حق الحائض والنفساء فلا تنافى
الرواية ويدل على استحباب حكاية الأذان صحيحة ابن مسلم عن الباقر (ع) يا بن مسلم لا تذ؟ عن ذكر الله [تعالى] على كل حال ولو سمعت
المنادى ينادى بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عز وجل وقل كما يقول ورواية أبي بصير عن أبي
عبد الله (ع) ان سمعت الأذان
وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله عز وجل في تلك الحال لان ذكر الله حسن على كل حال وفي رواية سليمان
قال قلت لأبي الحسن موسى (ع) لأي علة يستحب للانسان إذا سمع الأذان يقول كما يقول المؤذن وان كان على البول الغائط
فقال لان ذلك يزيد الرزق وظاهر الروايات بل كاد ان يكون صريحها استحباب حكاية الأذان بجميع فصوله فما عن بعض من تبديل
الحيعلات بالحوقلات مما لم يعرف وجهه
* (الفصل الثالث في كيفية الوضوء) * فروضه خمسة ولم يعد المصنف [ره]
الترتيب والموالاة كما في النافع نظرا إلى كونهما كالمباشرة من شروط الفروض وكيفياتها وليس لهما وجود مستقل ممتاز عنها حتى يعدا
في عرضها فروضا مستقلة * (الأول) * من الفروض * (النية) * وهي اجمالا مما لا شبهة في وجوبها وتوقف صحة الوضوء عليها ولكن تفصيل المقام
وتحقيقه يحتاج إلى بسط الكلام في طي المراحل * (المرحلة الأولى) * في أن النية واجبة في الوضوء بمعنى ان المكلف لا يخرج من عهدة التكليف
به بمجرد تحقق أفعاله في الخارج كيفما اتفق كالطهارة الخبثية بل لابد في سقوط الامر به من اتيانه بقصد امتثال الامر المتعلق به كما هو
الشأن في جميع العبادات بالمعنى الأخص ويدل على وجوب النية فيه وكونه من العبادات التي يتوقف حصولها عليها الاجماع بقسميه
بل عليه ضرورة المذهب وما عن الإسكافي من الاستحباب محمول على الصورة المخطرة أو شاذ مطروح ويمكن الاستدلال له مضافا
إلى ذلك بصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال انما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه وان المؤمن
لا ينجسه شئ انما يكفيه مثل الدهن فإنها صريحة في أن المقصود به الإطاعة وهي لا تتحقق الا مع القصد كما ستعرف وقد اشتهر الاستدلال
على ذلك قبل الاجماع بقوله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقوله صلى الله عليه وآله
انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرء ما
نوى وقوله (ع) لاعمل الا بنية وهذه الأدلة على تقدير تمامية الاستدلال بها تدل على أن الأصل والقاعدة في الواجبات كونها تعبدية
الا ان يدل دليل على خلاف ذلك فلنصرف عنان الكلام في تأسيس الأصل والقاعدة واتقانه حق نعول عليه في جميع أبواب الفقه * (و) *
ليعلم أولا ان الكلام في وجوب النية في الوضوء وغيره من الواجبات يؤل إلى التكلم في أن الواجب هل هو تعبدي حتى يتوقف سقوط
الامر به على اتيانه بعنوان الإطاعة أم توصلي لم يتعلق غرض الامر في امره الا بتحقق ذات المأمور به في الخارج فمتى وجدت في الخارج
يسقط الامر واما بعد تسليم كونه تعبديا وان المقصود ايجاده بعنوان الإطاعة لا [مط] فلا وقع للتكلم في اعتبار النية وعدمه إذ لا
شبهة عقلا وعرفا في أن الإطاعة لا تتحقق الا باتيان المأمور به بداعي الامر ضرورة ان الفعل لا يتصف بكونه إطاعة للمولى الا
إذا كانت الإطاعة مقصودة للفاعل فالتكلم في وجوب النية بعد الفراغ عن كونه عبادة مستغنى عنه وبما ذكرنا ظهر ما في كلام
صاحب الحدائق حيث قال لا ريب في وجوب النية في الوضوء بل في جل العبادات والوجه فيه أنه لما كان الفعل من حيث هو ممكن
الوقوع على انحاء شتى ولا يعقل انصرافه إلى شئ منها الا بالقصد إلى ذلك الشئ بخصوصه ولا يترتب عليه اثر الا بذلك ثم أطنب بذكر
بعض الأمثلة والشواهد والمؤيدات الغير النقية عن النظر ومحصل الجميع ان الفعل لا يستند إلى الفاعل الا بالعناوين المقصودة
ثم قال وبما ذكرنا ثبت ما ادعيناه من ضرورية النية في جميع الاعمال وعدم احتياجها إلى تكلف واحتمال ووجوبها في جميع العبادات
المترتب صحتها عليها فإنما الاعمال كالأشباح والقصود لها كالأرواح * (هذا) * وجملة من أصحابنا رضوان لله عليهم لما حكموا بوجوب
النية وفسروها بالمعنى الشرعي أشكل عليهم الاستدلال على الوجوب انتهى توضيح ما فيه أنه ان أراد أن القصد له مدخلية في حصول
95

العناوين المنتزعة من نفس الفعل من حيث هو المؤثرة في تعلق القصد بايجاده كالتبريد والتسخين والغسل وغير ذلك من الأمثلة
التي استشهد بها فهو واضح البطلان وان أراد أن الفعل لا يستند إلى الفاعل المختار بان يكون فعلا اختياريا له الا بالعناوين
المقصودة والا يوجد الفعل بجميع عناوينه قهرا بمجرد حصوله في الخارج الا انه لا يقال إن الفاعل فعله باختياره الا بالعنوان
الذي قصده وبهذا العنوان يترتب عليه اثاره المتوقفة على الاختيار كاستحقاق المدح والثواب والذم والعقاب واتصافه
بالحسن والقبح من حيث كونه عملا للفاعل فهو حق صريح ولكنه لا يجدى في حل ما أشكل على الأصحاب الاستدلال عليه لان الشأن
أولا في اثبات ان كون الفعل بعنوانه الواقع في حين الطلب اختياريا الذي هو من شرائط الإطاعة من مقومات المطلوب وانه
لا يسقط الطلب الا بحصوله عن قصد وإرادة فانا لا نرى فرقا بين أن يقول الشارع إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق [الخ] أو يقول اغسلوا أثوابكم من أبوال مالا يؤكل لحمه فاثبات ان الأول لا يسقط طلبه الا مع القصد دون
الثاني يحتاج إلى إقامة برهان زائد على هذه العبارة المشتركة بين التكليفين * (و) * ثانيا ان هذا المقدار من القصد الموجب لصيرورة
الفعل بعنوانه الواقع في حين الطلب اختياريا لا يكفي في وقوعه عبادة كما ستعرف وان أراد أن الفعل لا يستند حقيقة إلى الفاعل
الا بعنوانه المقصود فالغسل لا يضاف حقيقة إلى الفاعل الا إذا قصده فيدل على وجوبه نفس الخطاب الدال على وجوب الغسل
عليه لكن علم من الخارج سقوط الطلب في التوصليات بمجرد حصول المتعلق وإن لم يستند إلى الفاعل فهو الفارق بين المقامين ففيه
بعد التسليم ان قصد ايجاد الفعل بعنوانه الذي تعلق به الطلب بل ولو بعنوان كونه مطلوبا مع قصور اللفظ عن ايجاب ايجاده بهذا
العنوان كما ستعرف في محله [انش‍] غير قصد القربة والإطاعة المعتبر في مهية العبادات فقصد ايجاد الفعل بعنوان كونه غسلا مثلا
أو كونه هو الغسل الواجب لغرض من الأغراض غير داعى القربة والامتثال يجعله * (فعلا) * اختياريا صادرا عن المكلف بعنوانه المقصود
لكنه لا يصحح وقوعه عبادة ما لم يقصد بفعله الامتثال والتقرب فالنية المبحوث عنها في باب الوضوء ونحوه هي هذه النية المعتبرة
في العبادات لا النية الموجبة لصيرورة الفعل فعلا اختياريا مستندا إلى المكلف وما افاده [قده] بمعزل عن اثباته * (نعم) * لو دل دليل
على أنه يشترط في صحة المأمور به حصوله في الخارج بعنوان كونه إطاعة اتجه [ح] الاستدلال لاعتبار قصد العنوان بما ذكره لكنك عرفت أنه
على هذا التقدير لا حاجة إلى تجشم الاستدلال له بالمقدمات البعيدة بعد شهادة العرف والعقل بكون القصد من مقومات مفهوم
الإطاعة وانها عبارة أخرى عن ايجاد الشئ بقصد الامتثال وكيف كان فلنشرع فيما نحن بصدده * (فنقول) *
إذا تعلق امر الشارع بفعل
شئ فهل الأصل والقاعدة الأولية أو الثانوية التعبدية يقتضى اشتراط اتيان المأمور به بعنوان ان الإطاعة في سقوط الامرام يقتضى
سقوطه بمجرد ايجاد المأمور به في الخارج ولو لم يكن بداعي امتثال الامر * (وجهان) * بل قولان ما يمكن ان يستدل به للأول * (أمور) * الأول
ان المتبادر من امر المولى عبده بشئ ايجاب ايجاده لأجل انه امره فحصول الاجزاء بمجرد تحققه في الخارج لا بداعي الامر خلاف ظاهر الامر * (وفيه) *
ان دعوى استفادته من مدلول الخطاب فاسدة جدا اما أولا فلان المادة في الطلبات موضوعة لمعانيها الواقعية والطلب انما تعلق بايجادها
بعناوينها المخصوصة بها الواقعة في حين الطلب واما كونها بعنوان الإطاعة والامتثال فهو تقييد آخر في الواجب لا يستفاد من المادة
ولا من الهيئة فكيف يصح استناده إلى ظاهر الدليل * (و) * ثانيا ان الاستفادة من نفس ذلك الخطاب غير معقولة لأن مرتبة الإطاعة متأخرة
عن الطلب المتأخر رتبة عن موضوعه فلا يعقل اخذها قيدا للكلام فضلا عن اعتبارها عنوانا للموضوع فلو فرض اعتبارها في الواجب
فلا بد من أن يكون بدليل آخر وبما ذكرنا ظهر ما في عكس هذا التوهم وهو الاستدلال باطلاق الكلام لنفى اعتبار قصد الإطاعة واثبات
ان الأصل في الواجب كونه توصليا توضيح ما فيه أن الاستدلال باطلاق الكلام فرع صلاحيته للتقييد حتى يكون ترك القيد دليلا على
عدم ارادته وقد عرفت امتناع اخذه قيدا في الخطاب فلا يصح التمسك بالاطلاق * (الأمر الثاني) * حكم العقل بوجوب الإطاعة الواجبات
وهي عبارة عن اتيان المأمور به بقصد الامتثال وفيه أن حكم العقل بوجوب الإطاعة فرع بقاء الوجوب وعدم سقوط الامر بحصول ذات
الواجب في الخارج وهذا مبنى على كون الإطاعة من حيث هي مقصودة للامر في أوامره وكونها بهذه الصفة مما لا يدركه العقل وانما يحكم
بوجوبها توصلا إلى اسقاط التكليف بايجاد المكلف به على نحو تعلق به غرض الامر ولذا لو علم بحصول غرضه في الخارج ولو من غير هذا الشخص
كما في التوصليات لا يحكم بوجوب الإطاعة لا لكونه تخصيصا في الحكم العقلي أعني وجوب الإطاعة بغير التوصليات بل لكون حكم العقل
بالوجوب مقدميا فيرتفع عند حصول ذي المقدمة والمفروض عدم دلالة الخطاب على وجوب ما عدا المادة وعدم نهوض دليل اخر
على اعتبار عنوان الإطاعة في قوام مهية الواجب الواقعي الذي تعلق غرض الامر بتحققه في الخارج على ما سيتضح تصويره في الواجبات
التعبدية فالأصل عدم وجوبه واعتباره في مهية الواجب ولا نعنى بالأصل أصالة الاطلاق حتى يتوجه علينا فساده في حد ذاته أولا
96

كما عرفت وفرض إهمال الدليل ثانيا بل المقصود أصالة براءة الذمة عن وجوب اتيان الواجب بهذا العنوان كغيره من الشرائط و
الاجزاء التي يشك في اعتبارها في الواجب لان المناط في جريان أصل البراءة هو الشك في ايجاب الشارع امرا يكون بيانه وظيفة له
سواء كان الواجب نفسيا أو غيريا على ما تقرر في محله وهذا المناط محقق فيما نحن فيه لان تعلق غرض الامر في أوامره بامتثال
الأوامر على نحو يكون الإطاعة والامتثال فيها مقصودة بالذات لا لأجل الوصلة إلى تحصيل الغرض امر لا طريق لنا إليه الا من
قبله فالعقاب عليه من دون بيان غرضه قبيح ولا ينافي هذا ما ذكرنا سابقا من عدم امكان اخذه قيدا في الخطاب الذي دل
على وجوب المأمور به إذ لا تنافى بين الامرين فعليه بيان مقصوده من امره بخطاب آخر كما هو الشأن في جميع الواجبات التعبدية التي استكشفنا
شرطية الإطاعة فيها في حصول الغرض من دليل مستقل كالاجماع والضرورة توضيح المقام انه إذا امر المولى عبده بشراء اللحم فربما يتعلق غرضه
بتحصيل اللحم واحضاره عنده ليصرفه في حوائجه وربما يقصد بذلك إطاعة العبد اما تمرينا أو لأغراض أخر مما في نفس المولى فإن كان من هذا القبيل يجب عليه اعلامه حتى لا يقتصر في رفع اليد عن الأوامر بحصول متعلقاتها في الخارج ولو من دون قصد الإطاعة والا
يقبح عقابه لو اقتصر في رفع اليد عنها بذلك معتذرا بجهله بالمقصود والحاصل انه كما يقبح العقاب على التكاليف الا بعد بيانها كذلك
يقبح العقاب على تفويت الغرض الباعث على التكليف لو كانت معرفته محتاجة إلى بيان زائد مغاير لبيان أصل التكاليف * (وتوهم) *
عدم الحاجة إلى بيان زائد فيما نحن فيه بعد استقلال العقل بوجوب الإطاعة * (مدفوع) * بما عرفت من أن حكم العقل بوجوب الإطاعة
للتوصل إلى حصول ذات المأمور به الموجب لارتفاع الطلب وسقوط التكليف فلا يعقل بقائه بعد حصول الواجب في الخارج بل ولا
مع الشك فيه ما لم يكن أصل موضوعي يحرز به بقاء الامر إذ لا يعقل ان يحكم العقل بوجوب ايجاد شئ بقصد الامتثال ما لم يحرز كونه
بالفعل مأمورا به * (ان قلت) * لا يجوز رفع اليد عن الإطاعة التي استقل العقل بوجوبها بمجرد احتمال سقوط الامر وحصول الغرض
بل لا بد من القطع بالفراغ لقاعدة الشغل فما نحن فيه من قبيل الشبهات المصداقية التي يجب فيها الاحتياط * (قلت) * ان أريد بذلك
اعمال القاعدة بالنسبة إلى وجوب الإطاعة الذي هو حكم عقلي فقد عرفت أن بقائه على تقدير حصول المأمور به بل ومع الشك فيه الموجب
للشك في بقاء الطلب غير معقول ما لم يحرز موضوعه ولو بالأصل وان أريد اعمالها في متعلقه بدعوى أنه متى ثبت تعلق التكليف بشئ لا
يجوز رفع اليد عنه ما لم يحصل القطع بحصول المكلف به على نحو تعلق به غرض الامر لان الاشتغال اليقيني يستدعى البراءة اليقينية ففيه
انه لاشك ولا شبهة في سقوط التكليف وارتفاع الطلب على تقدير انحصار غرضه من أوامره فيما يكون بيانه وافيا ببيانه واحتمال تعلق
غرضه بأمر يقصر عن افادته ما بينه من التكاليف المستلزم لبقاء الامر مدفوع بالأصل * (ان قلت) * مقتضى الأصل بقاء التكليف وعدم
سقوط الطلب بمجرد حصول متعلقه في الخارج كيفما اتفق فاستصحاب التكليف حاكم على قاعدة البراءة * (قلت
) * الشك في بقاء التكليف مسبب
عن الشك في تعلق الطلب النفس الامري والتكليف الواقعي بما يقصر عن إفادته الخطاب الشرعي وهو منفى بالأصل والقاعدة فلا يبقى
معهما مجال الاستصحاب التكليف كمالا يخفى على المتأمل * (ثم) * ان في المقام توهمات اخر مقتضية لوجوب الاحتياط وكون الأصل في الواجبات
التعبدية كلزوم تحصيل القطع بحصول غرض المولى اما لكون الغرض عنوانا في الواجبات أو لكون القطع بحصوله من وجوه الإطاعة
وسيأتي بعض الكلام فيه وفي غيره من التوهمات التي لا اختصاص لها بالمقام بل لو تمت لعمت الأجزاء والشرائط المشكوكة مطلقا وتمام الكلام
فيها موكول إلى محله والمقصد الأهم في المقام اثبات عدم الفرق بين هذا الشرط وبين غيره من الشرائط المعتبرة في الواجبات التي يرجع
فيها مع الشك إلى البراءة كما تقرر في محله وسيأتي لذلك مزيد توضيح في الفروع الآتية أنشأ الله * (الأمر الثالث) * مما يستدل به للقول
بان الأصل في الواجبات التعبدية الأدلة السمعية من الكتاب والسنة مثل قوله [تعالى] أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وقوله تعالى وما أمروا
الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقوله صلى الله عليه وآله انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرء ما نوى وقوله (ع) لا عمل الا بالنية ويرد على الجميع اجمالا
انه لو كان مفادها كما تخيله المستدل للزم فيها تخصيص الأكثر المستهجن لان الواجبات التوصلية في الشرعيات أكثر من التعبديات
بمراتب مع أن سياقها يأبى عن التخصيص * (و) * تفصيل الجواب اما عن اية الإطاعة فبأنها مسوقة للارشاد إلى ما يستقل به العقل وليس
الطلب فيها مولويا حتى يصلح لتقييد الواجبات الواقعية بالإطاعة لان الطلب المولوي انما يتعلق بالموارد القابلة لان يتعلق بها
تكليف شرعي والإطاعة ليست منها لأنه متى أوجب الشارع شيئا فقد وجبت اطاعته قهرا بحكم العقل والا لم يجب اطاعته في الامر
بالإطاعة أيضا كامره بنفس ذلك الشئ وليس له الترخيص في ترك إطاعة امره بذلك الشئ مع بقاء ذلك الشئ على وجوبه لرجوعه إلى
التناقض فوجوب الإطاعة وحرمة المعصية كطريقية العلم وزوجية الأربعة وغيرها من لوازم المهيات لا يتعلق بها جعل مستقل
وانما تنجعل بنفسها بجعل متعلقاتها فليس امره بالإطاعة الا تأكيدا لما كان العقل حاكما به لولا هذا الامر وقد عرفت أن حكم العقل
97

بوجوب الإطاعة لا يكفي في إفادة كون النية شرطا في الواجبات هذا ولكن لتماثل أن يقول إن هذا فيما إذا لم يقصد من الامر
بالإطاعة الا البعث والتحريك على الخروج من عهدة تلك الأوامر على حسب ما كان العقل حاكما بوجوبه واما لو أريد به الوجوب الغيري
وبيان كون المقصود بتلك الأوامر ايجاد متعلقاتها بعنوان الإطاعة كما هو مقصود المستدل فليس وجوبها الا شرعيا مولويا كما تقدمت
الإشارة إليه في صدر المبحث * (بل) * وكذا لو أريد اثبات وجوبها لذاتها لا لكونها وصلة إلى حصول المأمور به بان تكون نفس الإطاعة من
حيث هي محبوبة للمولى ومتعلق أوامره أيضا كذلك فيجب [ح] على المكلف مهما أمكن حفظ أوامر المولى عن السقوط بلا حصول عنوان الإطاعة
مقدمة لامتثال الامر بالإطاعة فلو قصر في ذلك إلى أن تحقق ذات المأمور به استحق المؤاخذة بمخالفة الامر بالإطاعة دون الامر
المتعلق بذات الشئ الذي سقط بحصول متعلقه * (فالأولى) * في الجواب عن الآية هو ما أشرنا إليه من أن المتبادر منها كونها ارشادا إلى
ما يستقل به العقل نظير قول الوعاظ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولو سلم ظهورها في الطلب المولوي فالمتبادر منها هو المعنى الثاني أي كونها
مطلوبة بالذات لا بالغير فان الأصل في الواجبات كونها نفسية لا غيرية وهو خلاف مقصد المستدل واما قوله تعالى وما أمروا الا
ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة فهي ظاهرة في إرادة التوحيد ونفى الشرك كما يشهد
كلمات جماعة من المفسرين على ما حكاه عنهم شيخنا المرتضى [ره] ويؤيده كون الآية مسوقة في عداد الآيات المسوقة لبيان أحوال الكفار و
المشركين فالمراد بالعبادة في الآية ككثير من الموارد التي تعلق الامر بها هو الاعتراف والتدين بالعبودية لله بلا شريك فاللام اما بمعنى
الباء كما في قوله [تعالى] وأمرنا لنسلم لرب العالمين كما يشهد لذلك عطف إقامة الصلاة وايتاء الزكاة فان المنساق إلى الذهن إرادة
تعلق الامر بهما لا كونهما غايتين لسائر الأوامر فيكون الحصر إضافيا كما في قوله تعالى قل انما أمرت ان ا عبد الله ولا أشرك به أو انها
للغاية ولكنها أجنبية عما اراده المستدل ولو سلم ظهورها في إرادة العبادة بالمعنى المصطلح التي هي اثر التدين بالعبودية وكونها بهذا
المعنى غاية لجميع الأوامر كما اراده المستدل فهو أيضا لا يجديه في اثبات مطلبه لان جعل العبادة بهذا المعنى غاية لجميع الأوامر لا يدل على أن
الغرض تعلق في الجميع بايجادها بداعي الامر لصدق القضية على الواجبات التوصلية التي وجبت مقدمة للعبادة هذا * (مع) * ان كون
العبادة عن اخلاص غاية للامر كما هو مفاد الآية غير كونها شرطا لصحة المأمور به كما هو المدعى اللهم الا ان يقال إن قصر الغرض على ذلك
كما هو ظاهر الآية يستلزم الاشتراط لأنه إذا لم يكن المقصود بالطلب الا ايجاد المطلوب بوجه خاص يكون ايجاده لا بهذا الوجه مخالفا للمأمور به
الواقعي الذي تعلق به الغرض من الامر فلا يصح * (واما) * الاخبار ففيها انه يتعذر تطبيقها على ما اراده المستدل فضلا عن ظهورها فيه قال
شيخنا المرتضى [ره] * (واما) * الاخبار فحملها على ظاهرها ممتنع وعلى نفى الصحة بمعنى ترتب الأثر موجب للتخصيص الملحق للكلام بالهذل الا ان يراد
من النية مطلق قصد الفعل فيراد من الروايات ان الفعل الغير المقصود لا يعد من اعمال الفاعل لأنه صادر من غير قصده وإرادته فان
من أكرم رجلا لا بقصد انه زيد لم يكن اكرام زيد بهذا العنوان من أفعاله الاختيارية فالعمل عمل من حيث العنوان المقصود دون غيره من
العناوين الغير المقصودة لكن هذا المقدار لا ينفع فيما نحن فيه لأنا نطالب بدليل وجوب كون الوضوء بعنوانه الخاص عملا اختياريا للمكلف
لم لا يكتفى كغسل الثوب بحصوله من المكلف ولو من دون قصد لعنوانه بان يقصد الفعل لعنوان آخر فيتبعه حصول هذا العنوان من دون
قصد فدعوى بقاء هذه الأخبار على ظواهرها من إرادة الحقيقة والتمسك بها نحن فيه خطأ فاحش مع أن
إرادة ظاهرها يشبه الاخبار
عن الواضحات مع أن في بعض تلك الروايات ما يمنع من ذلك مثل قوله (ع) لا قول الا بالعمل ولا عمل الا بنية ولا نية الا بإصابة السنة
وفي آخر لا قول ولا عمل ولا نية الا بإصابة السنة فالأظهر في هذه الأخبار عمل النبويين منها على إرادة نفى الجزاء على الاعمال الا بحسب
النية فالعمل لا يكون عملا للعبد يكتب له أو عليه الا بحسب نيته فإذا لم يكن له نية فيه لم يكتب أصلا وإذا نوى كتب على حسب ما نواه حسنا أو سيئا
واما قوله (ع) لاعمل الا بنية فالظاهر منه إرادة العمل الصالح وهي العبادة المنبعثة عن اعتقاد النفع فيه * (انتهى) * كلامه رفع مقامه أقول الظاهر أن
مراده [ره] من العنوان الخاص هو العنوان الذي وقع في حين الامر من حيث كونه مأمورا به والا فقد عرفت فيما سبق ان إقامة البرهان على
إرادة كون الغسل مثلا بعنوان كونه غسلا اختياريا أيضا لا ينفع المستدل في اثبات مدعاه فليتأمل *
(المرحلة الثانية) * في بيان مهية
النية وهي لغة وعرفا بل وشرعا إرادة الشئ والعزم عليه والقصد إليه عن الصحاح نويت كذا إذا عزمت عليه وفي المجمع النية هي القصد و
العزم على الفعل هذا اجمالا مما لا اشكال فيه بل ولا خلاف ظاهرا في ذلك * (واما) * ما نسب إلى المشهور من أن النية عندهم هي الصورة المخطرة
بالبال وانها حديث نفسي ممتد وانها عندهم مركبة لا بسيطة فهو على الظاهر اشتباه نشأ من الغفلة عن فهم مرادهم فان مقصودهم بحسب
الظاهر أن النية عبارة عن الإرادة التفصيلية المنبعثة عن تصور الفعل وغايته فالصورة المخطرة مقدمة للنية لا نفسها كما يشهد لذلك
ما في كلماتهم من تفسيرها بأنها إرادة تفعل بالقلب واما الامر المغروس في الذهن الباقي في النفس الموجب لاتصاف مجموع العمل بكونه
98

عملا اختياريا المعبر عنه في لسان المتأخرين بالداعي إلى الفعل فلا يسمى نية عندهم بل لا يصدق الإرادة والقصد عليه حقيقة لديهم بل هو
من اثار النية السابقة واحكامها ويعتبرون استدامته إلى اخر العمل حتى يتصف تمام العمل بكونه اختياريا صادرا عن قصد وإرادة و
يعتبرون عنها بالاستدامة الحكمية واما المتأخرون الذين خالفوهم في ذلك فذهبوا إلى أن النية أعم من تلك الإرادة التفصيلية ومن
ذلك الامر المركوز في الذهن فان هذا الامر الباقي أيضا من سنخ الإرادة وقد صرح المحقق الطوسي [قده] في التجريد بذلك حيث قال
والحركة إلى مكان تتبع إرادة بحسبها وجزئيات تلك الحركة تتبع تخيلات وإرادات جزئيته يكون السابق من هذه علة للسابق المعد
لحصول حركة أخرى فتتصل الإرادات في النفس والحركات في المسافة إلى آخرها انتهى * (وتوضيح) * محل الخلاف انهم بعد اتفاقهم ظاهرا
على ما يشهد به حكم العقل والعقلاء في أن حدوث النية الباعثة على الفعل لابد وأن تكون منبعثة عن تصور الفعل وغايته اختلفوا في أن النية
هل هي هذه الإرادة التفصيلية أم هي أعم منها ومما يبقى مركوزا في الذهن مؤثرا في اتصاف اجزاء العمل بكون كل منها عملا اختياريا كالمجموع
قال شيخنا المرتضى [ره] بعد تحريره محل النزاع كما حررناه ويمكن ان يجعل خلافهم بعد اتفاقهم على كون النية هي الإرادة التفصيلية المتوقفة
على الاخطار في أن المعتبر مقارنة تلك الإرادة لنفس المأمور به أو يكفي مقارنتها لما يتعلق به مما يعد معه فعلا واحدا والأظهر في كلماتهم
جعل محل الخلاف هو الأول انتهى * (أقول) * وجه الأظهرية ظاهر * (وكيف) * كان فالأقوى ما اختاره المتأخرون لعدم الدليل على اعتبار اقتران
المأمور به بالإرادة التفصيلية المتصلة به بعد صدق الإطاعة والعبادة عقلا وعرفا على فاقدتها ويشهد بذلك حكم العقلاء قاطبة
بكون العبد الذي التفت إلى امر المولى بشراء اللحم فقام من مقامه ولبس ثيابه ومشى إلى السوق واشترى اللحم بداعي امر المولى مطيعا ولو لم
يلتفت تفصيلا إلى الامر حال ايجاده الفعل المأمور به * (قال) * في الحدائق حاكيا عن بعض المحققين من متأخري المتأخرين انه لما كانت النية
عبارة عن القصد إلى الفعل بعد تصور الدواعي له والحامل عليه والضرورة قاضية كما نجده في سائر أفعالنا بأنه قد يعرض لنا مع الاشتغال
بالفعل الغفلة عن ذلك القصد والداعي في أثناء الفعل بحيث انا لو رجعنا إلى وجداننا لرأينا النفس باقية على ذلك القصد الأول ومع
ذلك لا نحكم على أنفسنا ولا يحكم علينا غيرنا بان ما فعلنا وقت الذهول والغفلة بغير نية وقصد بل من المعلوم أنه اثر ذلك القصد والداعي
السابقين كان الحكم للعبادة كذلك إذ ليس العبادة الا كغيرها من الأفعال الاختيارية للمكلف والنية ليست الا عبارة عما ذكرنا
ثم قال إنه كما يجوز صدور الفعل بالإرادة لغرض مع الذهول في أثنائه عن تصور الفعل والغرض مفصلا فكذلك يمكن صدوره بالإرادة
لغرض مع الذهول عنها مفصلا في ابتداء الفعل أيضا إذا تصور الفعل والغرض في زمان سابق عليه وذلك باعث على صدور الفعل
في هذا الزمان والضرورة حاكمة أيضا بوقوع هذا الغرض عند ملاحظة حال الأفعال [فح] يجوز ان يصدر الوضوء لغرض الامتثال والقربة
باعتبار تصوره وتصور ذلك الغرض في الزمان السابق فيلزم ان يكون ذلك الوضوء أيضا صحيحا لما عرفت من عدم لزوم شئ على المكلف
زائدا على هذا المعنى فبطل القول بمقارنة النية لأول الأفعال * (انتهى) * كلامه المحكى عن بعض المحققين وفي حاشية النسخة الموجودة عندي
انه هو المحقق الفيلسوف الشيرازي في شرحه على أصول الكافي انتهى ولا تتوهم ان اعتبار هذا القيد في مهية الإطاعة في الشرعيات لعله
لدليل تعبدي شرعي كقيد الاخلاص مثلا فلا يتم الاستدلال للمدعى بما تشبثنا به من صدق الإطاعة عرفا إذ لم
يظهر من أحد من القائلين
به دعواه بل لم يستندوا في ذلك الا إلى كون النية عبارة عن ذلك وهي من مقومات الإطاعة عقلا وعرفا هذا مع أن هذا الاحتمال
مدفوع بالأصل وغيره كما سنوضحه لك في بعض التفاصيل التي التزموا باعتبارها في النية [انش‍]
(المرحلة الثالثة) * في تعيين المنوي
يجب ان يقصد ايقاع الفعل الخاص الذي تعلق به الامر امتثالا للامر المتعلق به وهذا لا يتحقق الا بعد تصور الفعل بجميع قيوده التي لها
مدخلية في تعلق الطلب به إذ لو لم يتصوره كذلك لامتنع وقوعه امتثالا للامر المتعلق به مثلا لو امر بغسل الثوب للصلاة وأراد امتثال
هذا الامر يجب عليه ايقاع الغسل بعنوان كونه مقدمة للصلاة بداعي الامر المتعلق به واما قصد مطلق الغسل فلا ينفع في حصول
الامتثال لان مطلق الغسل لم يتعلق به امر حتى يقع امتثالا له وما تعلق به الامر ليس إلا الغسل بعنوان المقدمية وهو لم يقع بهذا
العنوان فما وقع عن قصد غير مأمور به وما هو المأمور به غير مقصود والحاصل انه لابد في حصول الامتثال من اتيان الفعل
على الوجه الذي تعلق به الامر لا غير وهذا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال والخلاف في تشخيص بعض القيود التي لها مدخلية في تعلق
الطلب فإنها على أقسام * (منها) * ما يكون محققا لنفس العنوان المأمور به كالقيود المنوعة للطبيعة كما لو كلف باحضار حيوان ناطق أو بشراء
ماء الورد وهذا القسم من القيود مما لا تأمل في وجوب قصده * (ومنها) * ما ليس من مقومات المهية بل هي من عوارضها التي بها يمتاز الفرد
المأمور به عن غيره سواء لم يكن ذلك الغير مأمورا به أصلا أو كان ولكن لم يكن بهذا الامر وهذا كتقييد الصلاة بكونها ظهرا أو عصرا
أو صبحا أو نافلتها أو النوافل المبتدئة أو الصلوات المبتدعة فان لكل منها خصوصيات بها اختلفت احكامها وتعددت أوامرها وهذا
99

القسم أيضا مما لا شبهة فيه في لزوم تصور القيد اجمالا وتمييز المقيد عما عداه إذا كان هذا القيد الذي فرضناه مأخوذا في عناوين الأدلة
الشرعية على سبيل التقييد كالأمثلة المتقدمة بخلاف ما لو لم يؤخذ قيدا في عناوين الأدلة كما سيتضح وجهه [انش‍] ووجه الحاجة إلى تصور القيد
في القسم المزبور ما أشرنا إليه من وجوب تشخيص المأمور به في حصول الامتثال لان مطلق الصلاة في المثال المفروض ليس موضوعا للوجوب
لأنها قد تقع مندوبة ولو بالنسبة إلى غير هذا المكلف أو بالنسبة إليه في غير هذا الوقت بل قد تقع محرمة فالوجوب انما تعلق بالصلاة
المقيدة التي هي المشتملة على المصلحة الوجوبية دون غيرها فهي المأمور بها وهي التي تدعوا الغاية الحاصلة من فعل المأمور به إلى فعلها
دون فعل مطلق الصلاة وما يتوهم من أن المحوج إلى قصد القيد هو اشتراك العنوان بين فردين مأمور بهما فعلا ليتميز امتثال أحد
الامرين عن الاخر فلا حاجة إلى هذا القصد الا في صورة تنجز الامرين دون ما لو لم يتنجز في حقه الا أحدهما أولم يكن الاخر مأمورا به رأسا
مدفوع بما بينا في وجه الحاجة من أن المحوج إلى المميز هو لزوم تصور الفعل على الوجه الذي به صار متعلقا للامر إذ تصوره وقصده على غير
ذلك الوجه لا يصح معه كون الداعي إلى فعله هو القرب الحاصل من امتثال هذا الامر ولكنك خبير بان ما ذكرناه وجها لوجوب تصور
القيد انما يتم فيما لو انحصر تعيين موضوع الامر بذلك واما لو أمكن تشخيصه بوجه آخر كما لو كان أحد الفردين واجبا الاخر مستحبا كفريضة
الصبح ونافلته أولم يكن الاخر مأمورا به أصلا فتوى ايجاد الصلاة الواجبة أوما وجب في حقه فعلا فقد قصد الاتيان بالفرد المأمور به
وإن لم يلتفت إلى كونه صبحا أو مع الجهل بعنوانه أو التردد بينه وبين غيره لما عرفت من أن وجه الحاجة إلى تصور القيد تمييز المأمور به
عن غيره وهو حاصل في الفرض كما أن قصد كونه ظهرا ممن وجب عليه الظهر أو نافلته مغن عن قصد الوجوب والاستحباب قال في الذكرى
لو نوى فريضة الوقت أجزء عن نية الظهر أو العصر لحصول التعيين إذ لا مشارك لها هذا إذا كان في الوقت المختص اما في المشترك فيحتمل
المنع لاشتراك الوقت ووجه الاجزاء ان قضية الترتيب تجعل الوقت مختصا بالأول ولو صلى الظهر ثم نوى فريضة الوقت أجزء وان كان
في المشترك انتهى * (ومنها) * مالا يكون اعتباره تقييدا في عناوين الأدلة بمعنى ان القيد الملحوظ في نظر الامر ليس مما اخذ قيدا للفعل بان
يكون من قيوده المقسمة كما إذا امر باكرام رجل أو بعتق رقبة أو صوم يوم فان تخصيص الحكم بفرد ما ليس لأجل كون الطبيعة الحاصلة في
ضمنه قسما خاصا من مطلق الطبيعة وقد تلعق الغرض بايجاده بالخصوص حتى يعتبر تمييزه عما عداه بل لان الغرض لم يتعلق الا بايجاد
الطبيعة من حيث هي في ضمن مصداق من مصاديقها فمتى تحققت الطبيعة في ضمن شئ من مصاديقها فقد حصلت المهية المأمور بها
فمتى قصد ايجاد الطبيعة في الخارج امتثالا للامر فقد قصد الاتيان بعين الطبيعة المأمور بها فلا يعتبر في مثل الفرض الالتفات إلى
كون المأتي به فردا من الطبيعة بل يكفي في حصول الامتثال تصور نفس المهية وإرادة ايجادها في الخارج التي هي ملزوم لإرادة ايجاد
الفرد المأمور به * (إذا عرفت) * ان هذا النحو من الخصوصية ليس من عوارض المهية المتنوعة بها بل هي من لواحق وجودها ظهر لك
انه لا يعقل ان يتعدد الامر بالطبيعة بملاحظتها وبعبارة أوفى ان القيود المقسمة للطبيعة ككون الصلاة ظهرا أو عصرا أو نافلة أو
فريضة لما كانت سببا لاختصاص موضوع الامر بقسم منها لا يمنع تعلق الامر الالزامي بقسم؟ منها عن تعلقه بالقسم الاخر وهذا بخلاف
الخصوصية التي نتكلم فيها فان ملاحظتها قيدا في المأمور به مانعة من تعلق امر اخر بفرد اخر فان معنى اعتبار خصوصية الفرد قيدا ان
فردا من الطبيعة لا أزيد هو الواجب وهذا يناقض الامر بايجادها في ضمن فرد آخر فلو امر بفرد اخر للزوم أن لا تكون خصوصية تحققها في ضمن
فرد قيدا في المطلوب قال الامرين إلى امر واحد بفردين من تلك الطبيعة لأنه بعد أن فرضنا ان الأمر الأول تعلق بصرف الطبيعة من حيث
هي بلحاظ وجودها في ضمن فرد ما ولم يلاحظ فيها جهة تقييد أصلا فان تعلق بها امر ثانيا فإن لم يلاحظ في الأمر الثاني أيضا الا ايجادها
في ضمن فرد ما فلا بد من أن يكون الأمر الثاني تأكيدا للأول وان أريد منه ايجادها في ضمن فرد آخر فالمحصل من الامرين وجوب ايجاد
تلك الطبيعة المتحدة بالذات في ضمن فردين فلا يتوقف امتثال شئ من الامرين الا على تصور نفس المهية وايجادها بداعي الامر وهذا بخلاف
القيود المقسمة كما عرفته سابقا نعم يعقل تعلق امر آخر من غير سنخ الطلب الموجود بان يكون الأول إلزاميا والاخر ندبيا إذ لا يمنع مراعاة
الخصوصية الا من تعلق طلب من سنخ الموجود لا من سنخ آخر فلو كان الفعل كالذكر في السجود مثلا مصلحة مقتضيه لمحبوبيته على الاطلاق
أو لمحبوبية ايجاده في ضمن افراد متعددة لكن لا على وجه لا يرضى الامر بترك الجميع بل على وجه لا يرضى بتركه رأسا أو انه بلحاظ هذه المصلحة
يرضى بترك الجميع لكن فيه مصلحة أخرى مقتضيته لايجاب فرد منه لا أزيد [فح] يتعلق بذلك الفعل حكمان أحدهما الوجوب بلحاظ تحققه
في ضمن فرد ما والاخر الاستحباب بلحاظ تحققه في ضمن ما زاد على القدر الواجب و [ح] فما يأتي به المكلف أولا لا يقع الا واجبا وما يأتي
به ثانيا لا يقع الا مندوبا لو كانا تدريجيي الحصول لان الطبيعة إذا عرض لها صفة الوجوب بلحاظ وجودها في ضمن فرد ما فأول ما تتحقق
تلك الطبيعة في ضمن فرد يقع ذلك الفرد مصداقا للواجب وان نوى بفعله امتثال الامر الاستحبابي لان القصد لا يغير الشئ عما هو عليه
100

من صفة الوجوب نعم ربما يكون مثل هذا القصد مفسدا للعمل إذا كان عبادة بناء على أن قصد الخلاف مضر كما سيأتي الكلام فيه
لكنه على تقدير صحته كما هو المفروض لا يعقل ان يتصف الا بالوجوب وما يأتي به ثانيا لا يقع الا ندبا لزوال صفة الوجوب بحصول الواجب
فلم يبق فيها بعد حصول مقدار الواجب في الخارج الا الرجحان الغير المانع من النقيض ولو كانا مما يمكن ايجادهما دفعة كما لو امره باعطاء
درهم وجوبا ثم امره باعطاء درهم آخر ندبا فأوجدهما بفعل واحد أو في زمان واحد لا يتصف ما أوقعه الا بصفة الوجوب الا ان ما اتى
به أفضل فردي الواجب لاشتماله على مصلحة كلا الامرين ولو أوجدهما تدريجا فكالصورة السابقة كما لا يخفى وقد ظهر مما قررنا لك
من اشتراك الفعل في هذا القسم بين الوجوب والاستحباب انما هو بالقوة لا بالفعل لأنه ما دام معروضا للوجوب لا يتصف بالاستحباب
وما دام متصفا بالاستحباب لا وجوب له فلو نوى بفعله امتثال الامر المنجز في حقه المتوجه إليه فعلا أجزأه عن قصد الوجوب والاستحباب
كما أن قصد القيد في القسم السابق كان مجزيا عن ذلك فلا يتوجه ما أورده في التذكرة بقوله اما الفريضة والندبية فلا بد من التعرض
لهما عندنا لان الظهر يقع على وجهي الفرض والندب كصلاة الصبي ومن أعادها للجماعة فلا يتخصص لأحدهما الا بالقصد إذ ليس لما
تنجز في حقه طلبه فعلا الا وجه واحد وان كان ذاته قابله للوجوه باعتبار اختلاف أحوال المكلف دون المهية الواقعة في حين الطلب
هذا مع أنه لا حاجة إلى تشخيص مثل هذه الوجوه الغير المنوعة للطبيعة لان المعتبر في باب الإطاعة انما هو تعيين المهية الواقعة في حين
الطلب وايجادها بداعي امتثال الامر وهذا المعنى لا يتوقف حصوله في هذا القسم على تصور الوجوب أو الاستحباب نعم قد يقع الحاجة
إلى تصورهما في القسم السابق إذا تعذر معرفة الفعل المقيد الواقع في حيز الامر لجهالة القيد فيجعل في مثل هذا المورد عنوان
الوجوب معرفا اجماليا للقيود المعتبرة * (واما) * الخصوصيات الملحوظة في هذا القسم الموجبة لقصر الحكم على بعض تحصلات الطبيعة
فلا يجب تصورها في حصول الإطاعة الا بناء على القول بوجوب معرفة وجه الوجوب لو فسرناه بالمصالح والمفاسد المقتضية للحكم
وستعرف ضعفه [انش‍] وبما ذكرنا ظهر أن ما ذكره شيخنا المرتضى [ره] في توجيه مذهب المشهور القائلين بوجوب قصد الوجه في هذا القسم
من لزوم تصور الفعل بجميع خصوصياته وقصد الوجه معرف لها وكاشف عنها ثم أورد عليهم بكفاية قصد امتثال الامر المتوجه إليه
فعلا عن ذلك لا يخلو عن نظر واعترض شارح الروضة على ما حكى عنه على القائل باعتبار قصد الوجوب والندب مستدلا عليه بوجوب
ايقاع الفعل على وجهه انه ان أريد وجوب ايقاع الفعل على وجوهه وصفاته وخواصه التي تعلق الامر بالفعل مقيدا بها فهو مسلم لكن الوجوب
والندب ليسا من ذلك وان أريد ايقاعه على وجوه الامر فغير مسلم بل لا محصل له توضيح الاعتراض ان الوجوب والاستحباب من مراتب
الطلب فلا يعقل جعلهما من مميزات المطلوب وأوصافه لتأخر رتبتهما عنه والواجب على العبد تشخيص المطلوب لا تعيين مراتب الطلب
فقصد الوجوب والاستحباب لا يرجع إلى محصل وأجيب عنه بان القائل باعتباره لا يقول به لكونهما من العوارض المشخصة للفعل حتى
يتوجه عليه الاعتراض بل يجعلهما معرفا لها وكاشفا عنها ولكنك عرفت اختصاص الحاجة إلى التميز بالقسم السابق مع أن القائل باعتبار
قصد الوجه يقول به مطلقا فالاعتراض متوجه عليه بالنسبة إلى القسم الأخير جزما نعم له دفعه في القسم السابق بما ذكر في الجواب ولكن يتوجه
عليه أيضا كفاية تصور القيد في حصول التميز والاستغناء به عن قصد الوجه فلا ينحصر التعيين بذلك كما أنه لو بنينا على لزوم تصور
الخصوصيات الملحوظة في نفس المولى الموجبة لقصر الحكم على بعض الافراد في القسم الأخير لقلنا بكفاية قصد امتثال الامر المنجز
عليه فعلا في ذلك من دون حاجة إلى تصور خصوص الوجوب والاستحباب فلاحظ وتدبر وقد ظهر بما قررنا انه لا يعتبر في حصول
الإطاعة الا تصور كون المأتي به مطلوبا واما تصور كونه على سبيل الحتم والالزام أم على نحو الاستحباب فلا
فليس على العبد بعد علمه
بجنس الطلب التكلف باحراز الخصوصيتين بالاجتهاد أو التقليد خلافا لصريح بعض وظاهر آخرين من عدم كفاية ذلك في الامتثال بل يجب عليه
الاستعلام بتقليد أو اجتهاد ولكنك عرفت أن الأقوى خلافه وانه لا يعتبر الا احراز كونه مطلوبا فلا يضره الجهل بالخصوصيتين بل لو
نوى الوجوب في المندوب أو العكس جهلا صح العمل إذا قصد بفعله امتثال الامر المتعلق به الذي يعتقد انه امر استحبابي لان هذا الاعتقاد
لم يؤثر في خروج الفعل من كونه مانيا به بداعي الطلب المتعلق به الذي هو مناط حصول الإطاعة نعم لو لم يقصد بفعله الا امتثال الطلب المقيد
بكونه استحبابيا ففي الصحة اشكال من حيث إن ما نواه غير موجود والموجود غير منوى ولكن الأقوى فيه أيضا الصحة كما سيأتي تحقيقه انشاء الله
وقد ظهر أيضا انه لا وجه لاعتبار ملاحظة الوجوب والندب أو وجهما غاية للفعل لأنه ان أريد الوجوب والندب الشرعيان ومن وجهما سبب
ايجاب الشارع وندبه فقد عرفت أنه لا يجب على المطيع الا ايجاد المهية المأمور بها بداعي الامر ولا يتوقف ذلك على احراز مراتب الطلب ولا
على احراز سببه بل يكفي في حصوله علمه بجنس الطلب وايجاده بداعي كونه مأمورا به على سبيل الاجمال هذا مع أن القربة المعلوم اعتبارها غاية
في حصول الإطاعة في الشرعيات التي هي عبارة عن ايجاد الفعل الذي يحصل به القرب بعنوان كونه [كك] خالصا مخلصا لله [تعالى] مغنية عن
101

قصد الوجه لما أشرنا إليه اجمالا وستعرف تفصيله من أن مناط وقوع الفعل عبادة كونه مقربا أي محبوبا لله [تعالى] ومأتيا به بداعي كونه [كك]
وان معرفة الوجه وقصده على القول باعتباره أو قصد جنس الطلب كما هو المختار انما هو لكونه وجها ظاهريا يمتاز به المقرب عن غيره فقصد
ايجاده بعنوان كونه مقربا بداعي كونه كذلك مغن عن قصد وجهه كما أن قصد امتثال الطلب الحتمي أو الاستحبابي أو جنس الطلب مغن عن
قصد القربة لكونه أخص منها فلا وجه لاعتبارهما معا غاية في مرتبة واحدة وقد حكى هذا الاعتراض عن بعض تحقيقات الشهيد [ره]
وان أريد الوجوب والندب العقليان ومن وجههما المصالح والمفاسد الكامنة في الأفعال أو غير ذلك مما ذكروه ففيه انه لا دليل
على اعتباره في الغاية بل الأدلة على خلافه كيف وأكثر العوام لا يعلمون ذلك بل بعض الخواص يعتقدون عدم وجوب كون الفعل الواجب
واجبا عقليا بل يزعمون أنه يكفي في التكليف حسن التكليف ولا يتوقف على حسن المكلف به والحاصل انه ليس على المطيع في مقام الإطاعة
الا تصور الفعل الخاص الواقع في حيز الطلب والقصد إلى فعله طاعة لله [تعالى] وهذا مما يحصل على مذهب العدلية والأشاعرة المنكرين
للوجوب العقلي والزائد على ذلك الذي يختص تحققه بمذهب العدلية لا دليل على اعتباره * (واما) * ما نسب إلى العدلية وصرح به المحقق
الطوسي فيما حكى عنه من أنه يشترط في استحقاق الثواب على الواجب والمندوب الاتيان به لوجوبه أو ندبه أو وجههما فالمظنون قويا
بل يكاد يلحق بالمقطوع به ان محط نظرهم بيان اشتراط كون العمل لله [تعالى] في استحقاق الثواب بان يكون امتثالا لامره [تعالى] أو بداعي
شكره أو غيره من المصالح الموجبة للامر احترازا عما لو اتى بالفعل لأغراض أخر غير امتثال الامر أو الجهات المقتضية له فلا يستحق [ح]
بعمله الأجر والثواب كما هو واضح واما تخصيص القول بالعدلية فلانتفاء أصل الاستحقاق على مذهب غيرهم لا لعدم اشتراط قصد
امتثال الامر لديهم في حصول الإطاعة واما تصريحهم بوجوب جعل خصوص الوجوب والندب غاية لا جنس الطلب فلأجل ان الجنس
لا ينفك عن احدى الخصوصيتين لا لأجل ان للخصوصية مدخلية في استحقاق الثواب فلا يستحقه لو نوى بفعله امتثال جنس الطلب
المستلزم اطلاقه انتفاء حسن الاحتياط عند التعذر عن معرفة نوع الطلب مع أنه لا يظن بأحد منهم ان يلتزم بذلك نعم نسب إلى ظاهر
السيد أبى المكارم بن زهرة الالتزام بذلك وان كان في تحقق النسبة تأمل كما يظهر وجهه بمراجعة عبارته المحكية عن الغنية وكيف كان
فان عنوا بما ادعوه ما بيناه فهو والا فعليهم إقامة البنية على مدعاهم وانى لهم بها فهذا دليل على عدم ارادتهم الا ما وجهنا به كلامهم
لأنه [ح] يندرج في القضايا التي قياساتها معها ضرورة انه إن لم يعمل لله [تع] لا يستحق منه شيئا وهذا بخلاف ما لو اتى به بداعي امره
فيستحق بذلك اجر المطيعين أو بداعي الشكر ان كان وجه وجوبه الشكر فيستحق اجر الشاكرين لا اجر المطيعين وسقوط الامر بعد حصول
الغرض قهري وإن لم يقصد به الإطاعة كما في التوصليات فتدبر
وقد تلخص مما فصلناه ان النية المعتبرة في العبادات كيفيتها ان ينوى بفعله الخاص التقرب إلى الله تعالى
ولا يعتبر قصد الوجوب والندب وانما المعتبر هو قصد القربة التي هي عبارة عن كون العمل
خالصا لله [تعالى] بان يكون اتيا بالفعل امتثالا لامره أو موافقة لطاعته أو انقياد الحكمة أو إجابة لدعوته أو أداء لشكره أو تعظيما
لجلاله ولو اتى بالفعل طلبا للرفعة عنده أو نيل ثوابه أو الخلاص من عقابه أو غيرها من الأغراض وان كانت دنيوية فضلا عن الأخروية
ممالا يتوصل إليها الا باتيان الفعل طاعة لله [تعالى] صح إذ لا منافاة بين هذه الأغراض وبين الاخلاص المعتبر في صحة العمل إذ ليس
غائية تلك الأمور في عرض الإطاعة حتى يخرج الفعل بسببها من الاخلاص بل هي مرتبة عليها فلا تعارضها نعم لو لم يقصد بعمله الا هذه
الأمور من دون توسيط طاعة الله [تعالى] يفسد العمل جزما * (توضيح) * المقام ان الداعي إلى إطاعة الله تعالى والتقرب إليه بامتثال
أوامره والتجنب عن نواهيه يختلف باختلاف درجات المطيعين والمتقربين فان منهم من لا يدعوه إلى التقرب الا أهلية المطاع
لان يعبد أو كون العبادة محبوبة لديهم أو ما شابههما ممالا يبعث المطيع على الإطاعة والتقرب الا ما في نفس المطاع من الأهلية
ونحوها لا الفائدة العائدة إلى نفسه وهذه المرتبة أعلى مراتب المقربين وارفع درجات المطيعين لان غايتها أشرف
الغايات
ولا ينبغي دعويها الا لمن ادعاها بقوله صلوات الله عليه ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك بل وجدتك اهلا للعبادة
فعبدتك ومعنى انه لا يقصد بعمله الا أهلية المطاع ان الباعث على الفعل أولا وبالذات ليس إلا هي لا انه لا يخاف من عقاب الله [تعالى]
ولا يرجو ثوابه ولا يريده بعبادته كما لا يخفى * (ومنهم) * من يقصد بطاعته التقرب إلى الله تعالى من حيث إنه في حد ذاته كمال له وهذه
أعلى الغايات وأشرفها لمن يطيع الله [تعالى] لتحصيل الفوائد والغايات لأن هذه الفائدة أعظم الفوائد وأشرفها والعكوف لديها اجر
منازل السالكين وغاية آمال العارفين * (ومنهم) * من يقصد بطاعته الفوز بالثواب أو التخلص عن العقاب ودونهم في الرتبة من نوى
بطاعته الوصول إلى الملاذ الدنيوية التي هي من قبيل الخواص المترتبة على فعلها طاعة الله تعالى كما ورد في صلاة الليل من أنها
تدر الرزق وفي صلاة الحاجات وغيرها من الأدعية المأثورة للأغراض الدنيوية وهذه اخس المراتب وأدناها لان صاحبها ليس
102

الا كالفقير المعدم الذي لا يقصد بمشيه إلى حضرة السلطان وقربه منه الا التناول من فضل طعامه لا لأجل ان طعامه له شرافة
وفضل بل لنفس الطعام من حيث ذاته من دون فرق بين ان يصل إليه من السلطان أو من غيره فهذا الشخص ممن لم يذق طعم الكمالات
الحقيقية ولم يستأنس الا بالشهوات الجسمانية فلا يليق به الا الفوز بما نواه وبين هذه المراتب أيضا مراتب لا تحصى والكل مشتركة في
صحة العمل بها وكونه مسقطا للامر اما فيما عدا قصد الفوز بالثواب والتخلص من العقاب وما دونها من الرتبة فلا كلام فيه واما فيه وان
كان ظاهر بعض الاستشكال في صحته الا انك عرفت أنه لا اشكال فيها أيضا لان ترتب الشئ على الإطاعة بالفعل لا يخرج الإطاعة
من كونها غاية للعمل حتى يعارضها في الاخلاص وان أبيت إلا عن ذلك فنقول كفانا في صحة من ينوى بإطاعته الثواب أو الامن من العقاب
بل وغيرهما من الحوائج الدنيوية الآيات والاخبار المتكاثرة التي لا يحوم حولها الحد والحصر الدالة على الصحة وكفاك في ذلك اخبار التسامح
ومشروعية صلاة الحاجات والأدعية المأثورة في طلب الأولاد وغيره بل ما فيها من الوعد والوعيد المعلوم سوقها لترغيب الناس بالطاعات
والتحذير عن المعاصي وبعد الغض عن جميع ذلك نقول كيف يمكن تكليف البخيل الذي يحب المال حبا شديدا بأنه يجب عليك ان تدفع خمس
مالك حبا لله لا خوفا من عقابه وهل هذا الا التكليف بغير المقدور ولعل القائل بالفساد انما أراد ما لو قصد بفعله هذه الأمور
من دون توسيط الطاعة كما سبق منا بيانه والله العالم
* (المرحلة الرابعة) * في أنه هل يعتبر في حصول الإطاعة الجزم بالنية أم يصح
العبادة مع الترديد وتفصيل القول في هذا المقام ان الترديد تارة في الامر وأخرى في المأمور به * (و) * بعبارة أخرى الشك اما في التكليف أو
في المكلف به مع العلم بالتكليف وعلى أي تقدير اما انه متمكن من تحصيل المعرفة التفصيلية والجزم بالنية حال العمل أم لا اما على الثاني
فلا اشكال بل لا كلام ظاهرا الا ما عن ظاهر بعض في حسن الفعل وحصول الإطاعة باتيان المحتمل وعدم توقفها على الجزم حال الفعل
والا للزم عدم مشروعية الاحتياط في العبادات رأسا وفساده ظاهر واما على الأول فإن كان الشك في التكليف فمنشأه اما الاشتباه
في الأمور الخارجية أو الجهل بالحكم الشرعي اما الأول فهو كما إذا شك في وجوب الغسل عليه للشك في طرو الجنابة وكالشك في وجوب
الوضوء عليه للشك في حدوث ما يوجبه وهذا القسم مما لا ينبغي التأمل في حصول الإطاعة وصحة العلم لو اتى به لاحتمال الوجوب لان
الإطاعة في التكاليف المحتملة لا تعقل الا بان يأتي بالفعل بداعي الاحتمال واشتراط حصولها بادراج المكلف نفسه في الموضوع الذي
يقطع بسببه تنجز الخطاب في حقه ممالا يساعد عليه العقل وبناء العقلاء واما ما كان منشأ التردد والاشتباه الجهل بالحكم الشرعي
فربما يظهر من غير واحد وجوب الفحص عن الحكم الشرعي بمراجعة الأدلة أو تقليد المجتهد وبطلان العبادة بدونه بل ربما يظهر من العبارة المحكية عن السيد الرضى وتقرير أخيه السيد المرتضى قدس سرهما كون بطلان العبادة على تقدير الجهل باحكامها اجماعيا وقد اشتهر
بينهم بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد والذي يقتضيه التحقيق صحة عمل المحتاط التارك للطريقين كمالا يبعد شيوع القول
بها بين المتأخرين لان العلم بالاحكام ليس شرطا شرعيا في العبادات كالوضوء للصلاة حتى تبطل بالاخلال به وانما وجب تحصيله مقدمة
للخروج من عهدتها ولا يتوقف قصد الإطاعة المعتبر في صحة العبادات على احراز التكليف بل يكفي فيه احتماله فان المراد بقصد الإطاعة
الذي نقول باشتراطه انما هو الاتيان بالمأمور به بقصد امتثال الامر والخروج من عهدة التكليف بان يكون بعنوان كونه كذلك صادرا
عن اختيار المكلف ولا يتوقف ذلك على احراز الامر بل يكفي فيه احتماله فان الآتي بالفعل احتياطا لا يقصد بفعله الا امتثال الامر المحتمل
والخروج عن عهدة التكليف على تقدير ثبوته فالباعث له على الفعل ليس إلا إرادة الامتثال وإن شئت قلت إنه لا يعتبر في صحة العبادة
أزيد من حصولها بقصد التقرب كما تقدمت الإشارة إليه وهو حاصل في الفرض لأنه لم يأت بالفعل الا لله [تعالى] وكفى بكونه كذلك
في حصول قصد التقرب
واما احتمال كون الجزم في النية شرطا شرعيا في الواجبات التعبدية فيدفعه الجزم بعدم استناد القائلين
باعتباره الا إلى توقف تحقق الإطاعة عليه عقلا لا بدليل تعبدي ولأجل ذلك يمكن دعوى الاجماع التقديري على عدم اعتبار
الجزم في النية هذا مع أن مجرد الاحتمال لا يقتضى وجوب الاحتياط في مثل المقام لان شرطيته بيانها من وظيفة الشارع على هذا التقدير
وقد عرفت فيما سبق ان المرجع فيه أصالة البراءة لا الاحتياط فراجع ما سبق وانتظر ما سنتلو عليك فيما سيأتي
في إزالة بعض الشكوك
المتوهمة [انش] وان كان التردد في المكلف به لا في التكليف ومنشأه اما الجهل بنفس الواجب وتردده بين أمور واما عدم الوثوق حين
الشروع بتمكنه من اتمام الفرد المأتي به وسلامته عن عروض المنافيات له كما إذا صلى في مكان لا يثق بقدرته على اتمامها في ذلك
المكان أم توضأ بماء لا يطمئن بكفايته للوضوء أو ائتم بامام لا يجزم بادراكه راكعا أو اتمام الصلاة على وجه مشروع ومن هذا القبيل
ما لو لم يعلم باحكام الطواري كالشكوك العارضة في أثناء الصلاة فتردد لأجل احتمال طروها في الأثناء في التمكن عن اتمام الصلاة
على وجه مشروع فهل يجوز له الشروع في محتملات الواجب في صورة الجهل بنفس الواجب مع تمكنه من معرفته تفصيلا أو الدخول في الفرد
103

الذي لا يطمئن بسلامته من الطواري بمعنى انه يتحقق به الإطاعة لو اتى به بداعي امتثال الامر لو صادف الواقع مع كونه مترددا في وقوعه
على الوجه المأمور به أم لا بل لا بد من معرفة الواجب تفصيلا في الفرض الأول وكذا يجب عليه تعلم احكام الطواري قبل الشروع في
الفعل مقدمة لتحصيل الجزم بالنية في الصورة الأخيرة وفيما عداهما يجب عليه الاتيان بفرد آخر من افراد الطبيعة مما يطمئن بوقوعه
موافقا لما إرادة الشارع أم يصح العبادة لو كان عازما من أول الأمر على ايجاد الأمور به على وجه طلبه الشارع كما إذا نوى الاتيان
بجميع محتملات الواجب في صورة الجهل وفي غيرها من الصور بان اتى بالفرد بانيا على الاقتصار عليه على تقدير سلامته من المنافيات
والا فيأتي بما عداه حتى يتحقق منه في الخارج ما يوافق المأمور به وكذا في مسألة الجهل باحكام الطواري ينوى الاقتصار عليه على
تقدير سلامته منها والبحث عن أحوالها على تقدير طرو شئ منها فان ظهر كونه مفسدا يعيد والا فيمضى عليه بخلاف ما إذا لم يكن
عازما على الاحتياط من أول الأمر فيفسد مطلقا أو يفصل بين ما إذا كان الفعل واجبا فيفسد أو كان مستحبا فيصح في المسألة وجوه
والذي قواه سيد مشايخنا دام ظله في مجلس البحث هو التفصيل فتفسد العبادة لو لم يكن قاصدا للامتثال على نحو الاطلاق في الواجبات
للتأمل في صدق الإطاعة عرفا على فعل من يقتصر على بعض المحتملات في الواجبات لكون القصد فيها مشوبا بالتجري واختلاط التجري
في البين موجب للتردد في صدق الإطاعة لكونه بمنزلة الآتي بالفعل من دون قصد الامتثال وهذا بخلاف المستحبات حيث لا تجرى
فيها ولا شبهة في أن من اتى ببعض المحتملات ناويا بفعله انه ان كان هو المحبوب الواقعي فهو والا فتارك له يعد بنظر العرف مطيعا ويستحق
بعمله المدح والثواب فان الإطاعة عرفا وعقلا ليست الا عبارة عن اتيان المأمور به بقصد امتثال الامر وهذا المعنى حاصل في الفرض
لان الباعث على الفعل ليس إلا إرادة الامتثال وهذا وان اقتضى الصحة في الواجبات أيضا الا ان كون القصد مشوبا بالتجري مانع
من الجزم بصدق الإطاعة عليه عرفا هذا ولكن الانصاف ان التفرقة بينهما في صدق الإطاعة لا يخلو عن تأمل لان التجري انما يتحقق
بترك الاخر لا بفعل المأتي به فما هو الملاك في حصول الإطاعة موجود في كليهما فليتأمل وعن بعض علماء العصر اختيار الصحة [مط]
ولعله لا يخلو عن قوة وبما ذكرنا ظهر انه لا ينبغي التردد في صحة العمل على تقدير العزم على الخروج من عهدة التكليف مطلقا كما في
سائر الصور وإن لم يكن جازما حال الفعل بكون المأتي به عين المأمور به وإن كنت في شك من ذلك فراجع حكم العقل والعقلاء؟
إذا امر المولى عبده باكرام أحد شخصين ولم يميزه العبد بشخصه فأكرمهما جميعا احتياطا فهل للمولى ان يعاقبه أو يعاتبه بقوله لم عصيتني
وما أطعت امرى حاشاهم ان يجوزوا ذلك له * (ثم) * انه يظهر من شيخ مشايخنا المرتضى [قده] في غير مورد من رسائله تفصيل آخر وهو بطلان
عبادة من لم يكن عازما من أول الأمر على احراز الواقع بالاحتياط دون من كان عازما عليه من أول الأمر فإنه يصح عبادته مطلقا على ما
يومى إليه بعض عبائره الا انه ربما يظهر منه أيضا التفصيل في موارد قصد احراز الواقع بالاحتياط بين ما إذا كان الاحتياط موقوفا على
تكرار العبادة وبين غيره فتصح في الثاني دون الأول قال في مبحث أصل البراءة في مقام بيان حكم عبادة العامل بالبراءة قبل الفحص من حيث
الصحة والفساد ما لفظه واما العبادات فملخص الكلام فيها انه إذا أوقع الجاهل عبادة عمل فيها بما يقتضيه البراءة كان صلى بدون السورة
فإن كان حين العمل متزلزلا في صحة عمله بانيا على الاقتصار عليه في الامتثال فلا اشكال في الفساد وان انكشف الصحة بعد ذلك بلا خلاف
في ذلك ظاهرا لعدم تحقق نية القربة لان الشاك في كون المأتي به موافقا للمأمور به كيف يتقرب به وما ترى من الحكم بالصحة فيما شك في
صدور الامر به على تقدير صدوره كبعض الصلوات والأغسال التي لم يردها نص معتبر وإعادة بعض العبادات الصحيحة ظاهرا من باب
الاحتياط فلا يشبه ما نحن فيه لان الامر على تقدير وجوده هناك لا يمكن قصد امتثاله الا بهذا النحو فهو اقضي ما يمكن هناك من الامتثال؟؟
ما نحن فيه حيث يقطع بوجود امر من الشارع فان امتثاله لا يكون الا باتيان ما يعلم مطابقته له واتيان ما يحتمله لاحتمال مطابقته لا بد له
إطاعة عرفا وبالجملة فقصد التقرب شرط في صحة العبادة اجماعا نصا وفتوى وهو لا يتحقق مع الشك في كون العمل مقربا واما قصد التقرب
في الموارد المذكورة من الاحتياط فهو غير ممكن على وجه الجزم والجزم فيه غير معتبر اجماعا إذ لولاه لم يتحقق احتياط في كثير من الموارد
مع رجحان الاحتياط فيها اجماعا انتهى كلامه رفع مقامه * (أقول) * لولا استدلاله [قده] بالدليل الذي ذكره لكان للمتوهم ان يتوهم استناد
القائلين باعتبار الجزم إلى دليل تعبدي شرعي فاستدلاله بالدليل المذكور يوهن الاستدلال بنقله عدم الخلاف في المسألة ظاهرا
لو قلنا بحجية مثله في الأحكام الشرعية لأنه بعد ظهور المستند لا وجه للتشبث بالاجماع المحصل فضلا عن نقل عدم ظهور الخلاف بل لابد
على هذا التقدير من التأمل في المستند فان تم فهو وإلا فلا [و ح] نقول حاصل ما استدل به للبطلان تعذر تحقق قصد القربة من المتردد
ويظهر من ذيل العبادة دليل آخر وهو منع صدق الإطاعة عرفا على فعل المتردد ويرد على ما ذكره أولا النقض بما تفطن له وتصدى لدفعه
بما لا يندفع به وهو الحكم بالصحة فيما شك في تعلق الامر به لان ما ذكره وجها للصحة انما يدل على عدم اعتبار الجزم في النية في صحة عمل
104

غير المتمكن من تحصيل الجزم لا لعدم اعتبار قصد القربة في الصحة كيف ومن المعلوم بديهة انه لو اتى المتردد الغير المتمكن من تحصيل الجزم بالفعل
لا بداعي الامر المحتمل تفسد عبادته فلنا على هذا قلب الدليل بدعوى أن قصد القربة وكون المأتي به بداعي الامر معتبر في صحة العبادة عقلا
ونقلا فتوى ونصا كتابا وسنة فلو تعذر تحققه من المتردد لامتنع حصول الاختيار في كثير من الموارد وهي الموارد التي لا يعلم بصدور الامر
فيها والتالي باطل بالاجماع لتصريحه [قده] برجحان الاحتياط فيها اجماعا فكذا المقدم والملازمة ظاهرة وحله ان الداعي إلى الفعل والباعث
عليه في الفرض ليس إلا احتمال كونه مأمورا به ومقربا فكيف لا يكون قاصدا للقربة وامتثال الامر * (نعم) * ليس جازما بحصول الامتثال والقرب
بفعله لا انه غير قاصد له وبينهما فرق بين * (واما) * ما ذكره من منع صدق بالإطاعة عرفا على فعل المتردد * (ففيه) * منع ظاهر إذ لا يعتبر في
العبادة عرفا كما صرح به [قده] بعد العبارة السابقة الا اتيان المأمور به بقصد التقرب وهذا المعنى حاصل في الفرض لأن المفروض مطابقته
للواقع وإن لم يكن الفاعل جازما بذلك حين العمل وقد عرفت فيما سبق ان الآتي ببعض المحتملات في المستحبات ناويا فيه الامتثال على تقدير
المصادفة لا يرتاب أهل العرف في كونه مستحقا للثواب ومطيعا لامر مولاه * (نعم) * قد أشرنا إلى أن صدق الإطاعة في الواجبات على تقدير العزم
على الاقتصار على بعض المحتملات لا يخلو عن خفاء لا لكونه مترددا من حيث إنه متردد ولا يمكن قصد التقرب منه بل لاختلاط الإطاعة بالتجري و
صعوبة تصور استحقاق الثواب على امر واستحقاق المذمة على التجري بمخالفة ذلك الامر الشخصي في زمان واحد فتأمل * (واما) * ما يظهر منه التفصيل
بين ما يتوقف احراز الواقع على تكرار العبادة وغيره فهو ما ذكره في مبحث حكم العامل بالاحتياط التارك طريقي الاجتهاد والتقليد بعد أن قسم
مورد احراز الواقع بالاحتياط إلى قسمين * (أحدهما) * مالا يحتاج إلى تكرار العمل كالآتي بالسورة في صلاته احتياطا واختار فيه الصحة * (والثاني) *
ما يتوقف الاحتياط فيه على تكرار العبادة ما هذا لفظه فقد يقوى في النظر أيضا جواز ترك الطريقين فيه إلى الاحتياط بتكرار العبادة
بناء على عدم اعتبار نية الوجه لكن الانصاف عدم العلم بكفاية هذا النحو من الإطاعة الاجمالية وقوة احتمال اعتبار الإطاعة التفصيلية في العبادة
بان يعلم المكلف حين الاشتغال بما يجب عليه انه هو الواجب عليه ولذا يعد تكرار العبادة لاحراز الواقع مع التمكن من العلم التفصيلي به أجنبيا
عين سيرة المتشرعة بل من اتى بصلوات غير محصورة لاحراز شروط صلاة واحدة بان صلى في موضع تردد فيه القبلة بين أربع جهات في خمسة
أثواب أحدها طاهر ساجدا على خمسة أشياء أحدها ما يصح السجود عليه مئة صلاة مع التمكن من صلاة واحدة يعلم فيها تفصيلا اجتماع الشروط
الثلاثة يعد في الشرع والعرف لا عبأ بأمر المولى والفرق بين الصلوات الكثيرة وصلاتين لا يرجع إلى محصل نعم لو كان ممن لا يتمكن من
العلم التفصيلي كان ذلك منه محمودا مشكورا انتهى كلامه * (أقول) * لا يخفى عليك ان محل الكلام انما هو فيما إذا كان اختيار الامتثال الاجمالي
بالاحتياط لغرض عقلائي ومن المعلوم أنه على هذا الغرض لا يعد عند العقلاء لاعبا لاهيا بل الفعل منه عندهم كصورة التعذر محمود مشكور
* (واما) * ما ذكره من المثال فكونه قبيحا عند العرف ليس إلا لاقدامه على ترك الأسهل وارتكاب الأصعب بلا مقتضى الا ترى الاستهجان العرفي
في غير مورد التكرار أيضا في صورة التمكن عن إزالة الشبهة عن نفسه بسهولة كما لو امره المولى باكرام زيد وتردد بين جماعة فأكرم جميعهم
احتياطا مع كونه متمكنا من معرفته بسهولة بل قد يعد من ترك التكرار إذا كان أسهل من تحصيل العلم لاعبا لاهيا الا ترى أنه لو امره بان يسلم على
شخص فتردد بين شخصين أو اشخاص محصورة بعد أن غاب المولى عنه فلو تكلف العبد بالحضور عند المولى تحصيلا للجزم بالنية في الإطاعة يعد
سفيها في العرف واما كونه أجنبيا عن سيرة المتشرعة فبعد تسليمه وجهه ما أشرنا إليه من كونه تكلف بلا مقتض في الغالب أو لكونه مخالفا لفتوى
مقلديهم هذا مع أن السيرة في مثله لا تورث القطع باعتبار الإطاعة التفصيلية في العبادة كاستقرار السيرة على ترك قراءة السور الطوال
في الصلاة ومجرد احتماله لا ينفع ان أريد اشتراطه شرعا وان أريد اعتباره في مهيتها عرفا ففيه ما عرفت من أن حكم العرف على خلاف والله العالم
* (بقي في المقام) * شبهة لا بد من ازالتها وهي ان عمدة مقدمات الفروع المتقدمة دعوى صدق الإطاعة عرفا على مجرد ايجاد المأمور به بداعي
الامر وهي قابلة للمنع لامكان ان [يق] ان الإطاعة عبارة عن اتيان المأمور به على وجه تعلق به غرض المولى بحيث يقطع بحصول غرضه وبعبارة أخرى
الإطاعة عبارة عن تحصيل غرض المولى واما حكم العقلاء بحصول الإطاعة بمجرد اتيان المأمور به بداعي الامر في أوامرهم العرفية فإنما هو
لأجل معلومية الغرض عندهم غالبا في هذه الموارد والا فلو علم في مورد ان عرض المولى من الامر شئ اخر وراء نفس المأمور به ولا يعلم بحصوله
لا يحكمون بحصول الإطاعة بمجرد ايجاد للمأمور به بداعي الامر بل يحكمون بالعدم هذا مع أن احتمال كونها عبارة عن المعنى المذكور كاف
في لزوم الاحتياط إذ ليس الشك فيما به يتحقق الا الإطاعة كالشك في اجزاء الواجب وشرائطه حتى يرجع فيه إلى البراءة ان قلنا بها فيهما لان مرجع
الثاني إلى الشك في التكليف كما تقرر في محله بخلاف الأول فإنه شك في المكلف به فعلى هذا لو شك في أن
غرض المولى هل هو ايجاد ذات
المأمور به كما في التوصليات أو اتيانه بداعي الامر مطلقا أو بشرط كونه قاصدا لوجوبه أو وجه وجوبه جازما به حال الفعل إلى غير ذلك عن
التفاصيل المحتمل اعتبارها شرعا أو عرفا يجب احرازها بحكم العقل تحصيلا للقطع بالإطاعة المعلوم وجوبها عقلا * (ويدفعها) * أولا
105

ان التشكيك في حصول الإطاعة وامتثال الامر عرفا بعد فرض اتيان المأمور به بقصد الامتثال والخروج عن عهدة التكليف من قبيل التشكيك
في الضروريات وثانيا ان الإطاعة والمعصية من الموضوعات التي يستفاد حكمها من العقل كما تقدم مفصلا فلا بد من أن يؤخذ الموضوع
من نفس الحاكم ولا معنى للرجوع إلى غيره في تشخيص موضوعه واما ما مر عليك مرارا في مطاوي كلماتنا من الاستشهاد بالصدق العرفي فليس
الا حجة على من يزعم أن الموضوع في حكم العقل أخص مما ادعيناه فتبطل دعواه بمراجعة أهل العرف والعقلاء الحاكمين بتحقق الإطاعة
بايجاد المأمور به بداعي الامر إذ من المعلوم ان حكمهم بذلك منبعث عن عقولهم فيدل توافق العقول وتطابق الآراء على فساد توهم المخالف
فكل من يحكم عقله بوجوب الإطاعة لا بد من أن يكون موضوع حكمه مشروحا لديه متصورا بجميع خصوصياته التي لها مدخلية في تعلق
الحكم فلا يعقل الاجمال والترديد في نفس الموضوع حتى يقال إن احتمال كون معنى الإطاعة كذا كاف في وجوب الاحتياط نعم قد يشك في
حصولها لا لاجمال المفهوم بل لوجود المصداق في الخارج إذا عرفت ذلك فنقول ان العقل انما يحكم بلزوم ايجاد العبد الفعل الذي
ألزمه المولى بفعله بداعي إلزامه أداء لحقه وتفصيا عن عقابه بشرط علم العبد إلزامه به لا بدونه لان العلم بالحكم مأخوذ في موضوع حكم
العقل عقلا وهذا الايجاد الخاص اسمه الإطاعة عرفا وحكمه الوجوب عقلا ولا يعقل التصرف في هذا الحكم العقلي أصلا ولا في موضوعه
ابدا لا من الشارع ولا من غيره فكلما يفرض قيدا للإطاعة كمعرفة الوجه تفصيلا أو الجزم في النية أو غيرهما مما يحتمل اعتباره شرعا أو عرفا
لابد وان يرجع عند التحليل إلى تقييد الفعل الواجب إذ لا يحكم العقل الا بوجوب ايجاد ما أوجبه المولى بداعي طلبه بل لا نتعقل بقاء الوجوب
بعد ايجاد الواجب على النحو الذي أوجبه بداعي وجوبه فهذه الكيفيات ان كانت مما أوجبها بتصريحه أو بشهادة العرف أو العقل عليها يجب
تحصيلها وإلا فلا كغيرها من الشرائط والأجزاء المعتبرة في الواجب ومرجع الشك في الجميع إلى الشك في أصل التكليف والمرجع فيه البراءة
كما تقرر في محله وعدم امكان اخذ هذه الكيفيات قيدا للمأمور به صورة لا يصلح فارقا بين الموارد بعدما عرفت من أنها على تقدير
اعتبارها من قيود الواجب الواقعي والمحبوب النفس الامري نعم بين الموارد فرق من حيث امكان التمسك بالاطلاق لنفى الشرطية والجزئية
فيما يصلح كونه تقييدا للمأمور به صورة دون غيره لا في جريان أصل البراءة بل قد عرفت في صدر المبحث انه لو شك في تعلق غرضه بايجاد
المأمور به بداعي الامر ليكون الإطاعة قيدا للمحبوب الواقعي فتمسك في نفيه بأصالة البراءة مع أن اعتبارها قيدا شرعي لا أصل وجوبها
فكيف في مثل هذه التفاصيل التي لا وجوب لها عقلا فشرطيتها على تقدير تحققها منتزعة عن الايجاب الشرعي كغيرها من الشرائط والحاصل
انه كلما يشك في اعتباره قيدا للواجب الواقعي والمحبوب النفس الامري سواء أمكن اخذه قيدا للمأمور به في العبادة أم لا يرجع فيه إلى
البراءة * (نعم) * لو علم تعلق غرضه بشئ مما قد يوجد مع المأمور به أحيانا أو باتيان المأمور به على كيفية خاصة يجب احرازه والقطع بحصوله
جزما لان عنوان الواجب الواقعي على هذا ما يحصل به الغرض المعلوم لا المأمور به الذي قد يتخطى عن حصول الغرض لان الموضوع في
حكم العقل بوجوب الإطاعة ما علم محبوبيته للمولى وانه لا يرضى بتركه سواء وفي ببيانه لفظه أم لا والمدار في ذلك على العلم بذلك لا على الشك
لما ذكرنا من أن العلم معتبر في موضوع حكم العقل بوجوب الإطاعة فلو شك في تعلق غرضه بشئ مما يمكن انفكاكه عن المأمور به لا
يلتفت إليه أصلا ولا يجب القطع بحصوله جزما لان إظهار ما في ضميره والتكليف بما يفي بتمام غرضه من وظيفته والعقاب على ما تعلق
به غرضه من دون بيانه للعبد وعلم العبد به قبيح وبما ذكرنا ظهر ما في تقرير الشبهة من المغالطة والاشتباه لظهور الفرق بين العلم بتعلق
غرضه بشئ غير حاصل واحتماله وما نحن فيه من الثاني لا الأول وقد عرفت أنه يجب الاحتياط في الأول دون الثاني * (واما) * ما ذكر
من أن مقاصد العقلاء في أوامرهم غالبا معلومة وانهم لا يرتابون في حصولها بوجود المأمور به ولذا يحكمون بحصول الإطاعة في أوامرهم
بمجرد ايجاد المأمور به بداعي الامر * (ففيه) * منع ظاهر إذ كثيرا ما يشتبه على العبيد أغراض مواليهم مع أنهم غير ملتزمين بالاحتياط فيما يحتملون
تعلق غرض المولى بحصوله بل لا يلتفتون إلى ذلك لما هو المغروس في أذهانهم من كفاية ايجاد المأمور به بداعي الامر في سقوط الامر و
حصول الإطاعة * (ان قلت) * تعلق غرض الشارع في العبادات بما عدا وجود المأمور به من حيث هو معلوم وحصول غرضه بمجرد
اتيان المأمور به بداعي الامر مجردا عن التفاصيل المحتمل اعتبارها غير معلوم فيجب الاحتياط * (قلت) * تعلق غرضه فيها بايجادها
بعنوان الإطاعة التي قد عرفت انها عبارة عن ايجاد المأمورية بداعي الامر معلوم وقد حصل بالفرض وتعلق غرضه بشئ آخر
غير معلوم والأصل بنفيه وبما ذكرنا من عدم امكان تقييد الإطاعة بشئ لا حكما ولا موضوعا وان مرجع اعتبار قصد القربة و
نحوها في العبادات لدى التحليل إلى تقييد ما به تتحقق الإطاعة أي ذات الواجب لا نفس الإطاعة ظهر ما في الاستدلال لنفى اعتبار
معرفة الوجه وغيرها من التفاصيل باطلاقات أدلة العبادات كقوله [تعالى] أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وقوله [تعالى] اعبدوا الله مخلصين
له الدين * (توضيح) * ما فيه أن اعتبار هذه الأمور قيدا في العبادة يمنع من حصول مطلق الإطاعة بدونها فكيف ينفى اعتبارها اطلاق
106

الإطاعة نعم يمكن دعوى القطع بعدم اعتبار شئ منها في العبادات من عدم التعرض لشئ منها في شئ من الاخبار مع عموم البلوى بها و
احتياج العباد إلى معرفتها أكثر من حاجتهم إلى جميع العبادات لكونها شرطا في الجميع والانصاف ان من شاهد سيرة النبي وأوصيائه
صلوات الله عليهم مع أصحابهم في بيان الأحكام الشرعية وبيان اجزاء العبادات خصوصا في الاخبار البيانية المشتملة على الواجبات
والمندوبات الواردة في محل الحاجة مع إهمال الوجه فيها وكذا الأخبار الكثيرة الواردة جوابا للسائلين عن احكام الحوادث
الواقعة في الصلاة وغيرها من العبادات المقتصر في الحكم بصحة العمل فيها على كون العمل مطابقا للواقع من دون استفصال عن كونه
مترددا حال العمل أم لا بانيا على الفحص والسؤال أم لا عالما بوجه العمل مفصلا أم لا لا يكاد يرتاب في عدم معهودية هذه الأمور
لدى الشارع والمتشرعة بل كان كيفية امتثال الأوامر الشرعية في عصرهم صلوات الله عليهم موكولة إلى ما هو المعهود لدى أهل
العرف في أوامرهم العرفية والله العالم
* (وهل) * تجب في الوضوء المبيح نية رفع الحدث كما عن بعض كتب الشيخ أو نية استباحة شئ مما
يشترط فيه الطهارة كما عن السيد [ره] أو هما معا كما عن الحلبي والقاضي والراوندي وابني حمزة وزهرة أو أحدهما تخييرا كما عن المبسوط و
موضع من الوسيلة والسرائر والمعتبر وأكثر كتب العلامة والشهيد وغيرهم بل في السرائر دعوى اجماعنا عليه مال فيمن صلى الظهر بطهارة
ولم يحدث وجدد الوضوء ثم صلى العصر فذكر أنه ترك عضوا من أعضاء الطهارة بعد أن حكى عن الشيخ انه يعيد الظهر فقط و
عن الشافعي يعيد الظهر وفي إعادة العصر قولان قال ابن إدريس مصنف هذا الكتاب والذي يقوى في نفسي ويقتضيه أصول مذهبنا
انه يعيد الصلاتين معا الظهر والعصر لان الوضوء الثاني ما استبيح به الصلاة ولا رفع الحدث واجماعنا منعقد على أنه لا يستباح الصلاة
الا بنية رفع الحدث أو نية استباحة الصلاة بالطهارة فاما ان توضأ الانسان بنية دخول المساجد والكون على الطهارة أو الاخذ
في الحوائج لان الانسان يستحب له ان يكون في هذه المواضع على طهارة فلا يرتفع حدثه ولا يستبيح بذلك الوضوء الدخول في الصلاة
والى هذا القول والتحرير ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي [ره] في جواب المسائل الحلبيات التي سئل عنها فأجاب بما حررناه انتهى * (أقول) *
ظاهر كلامه [ره] صحة الوضوء في الصور المفروضة ووقوعه على وجه الطهورية ومع ذلك لا يرتفع به الحدث ولا يستباح به الصلاة وهو
كما تراه مخالفا لما يظهر من كلمات الأصحاب من أن الطهارة والحدث اما متناقضان أو متضادان فلا يجتمعان ولكنك ستعرف
في مبحث التيمم امكان الالتزام باجتماعهما ببعض التقريبات التي لا تخلو عن التأمل * (وكيف) * كان فالأظهر انه لا تجب نية شئ منهما كما
صرح به غير واحد من مشايخنا وعن جملة من المتأخرين اختياره بل ربما نسب ذلك إلى جميع القائلين بعدم اعتبار قصد الوجه واستدل
عليه شيخنا المرتضى [ره] بقوله للاتفاق على أنه لا يجب ان ينوى ما عدل مشخصاته وغايته ولا شئ منهما غاية له ولا مشخصا لأنهما
أثران مترتبان على ايقاع الوضوء بقيوده المشخصة لغاية القربة فالرفع والإباحة من احكام امتثال الامر بالوضوء واتيانه على الوجه
الذي امر به لا من الوجوه التي يقع الوضوء عليها حتى يجب اخذه قيدا للفعل ليوقع الفعل المقيد به قربة إلى الله [تعالى] فالوضوء المعين
المأتي به قربة إلى الله [تعالى] رافع للحدث ومبيح للصلاة لا ان الوضوء المعين الرافع للحدث أو المبيح للصلاة مأتي به قربة إلى الله
كيف ولو كان العفل المعين في نفسه رافعا للحدث أو مبيحا للصلاة لم يشترط في صحة الوضوء قصد القربة لان رفع الحدث [ح]
كرفع الخبث يكفي في سقوط الامر بمجرد وجوده في الخارج باي غاية كان * (ومن) * هنا يظهر فساد الاستدلال على اعتبار أحدهما بما دل على وجوب
الوضوء من حيث كونه طهورا مثل قوله (ع) إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور فيجب قصد العنوان المأمور به لعدم تحقق الامتثال
بدونه بل قد عرفت سابقا وجوب قصد قيود العنوان فلابد ان يقصد إلى هذه الأفعال بعنوان حصول الطهارة ورفع الحدث بها توضيح الفساد
انه لو فرض الامر متعلقا بعنوان التطهير أعني رفع الحدث أو استباحة الصلاة كان ذلك الامر توصليا قطعا إذ لا يقصد منه عدا حصول
التطهير في الخارج ولو لم يقصده ولم يشعر به إذ بعد حصوله على أي وجه يسقط الامر جزما فالمأمور به بالأمر التعبدي المدخل له في العبادات
المعتبر فيها قصد القربة هي الأفعال التي تصير سببا لحصول التطهير في الخارج بعد اتيانها في الخارج منويا بها بعد تعينها بجميع مشخصاتها
التقرب إلى الله [تعالى] ونظير الامر بالتطهير كل امر يعنون بعنوان مترتب على عبادة كأوامر الإطاعة وما في معناها كقول الامر ابرء ذمتك
مما عليك فان هذه كلها أوامر توصلية لم تصدر لغرض التعبد بمضمونها في الخارج فتحصل مما ذكرنا أن الفعل المأمور به على جهة
التعبد لم يؤخذ فيه رفع الحدث والذي اخذ فيه رفع الحدث لم يؤمر على جهة العبادة * (انتهى) * كلامه رفع مقامه * (أقول) * ما حققه [قده] في
غاية المتانة وقد أشار بقوله للاتفاق [الخ] إلى أنه لا خلاف في أنه لا يجب على العبد في مقام الإطاعة الا ايقاع المأمور به على الوجه
الذي تعلق به التكليف بداعي امتثال الامر كما أنه شبهة في عدم كون قصد الاستباحة والرفع شرطا تعبديا في صحة الوضوء فالخلاف
في اعتبار قصدهما كالخلاف في اعتبار قصد الوجوب والندب ينشأ من النزاع في أن هذه الوجوه هل هي من مميزات الفعل
107

ووجوهه التي يقع الفعل عليها كي يعتبر قصدها بجعلها صفة أو غاية في مقام الامتثال أم لا وقد أقام البرهان
على أنهما أثران مترتبان
على الوضوء المأمور به وليسا من الوجوه الواقعة في حين الطلب التعبدي كي يجب قصدهما في مقام الإطاعة ولكن يمكن الخدشة في ذلك
بامكان التزام القائلين باعتبار قصد الأثر بتعدد مهية الوضوء وكون الوضوء الرافع مغايرا بالذات لوضوء الجنب والحائض ونحوهما
ولما لم يكن لنا سبيل إلى تعيين المهية التي قصد ايجادها بداعي الامر اعتبر قصد حصول الأثر لكونه مؤثرا في قصد المؤثر وطريقا إلى
تعيينه * (ويدفعها) * مضافا إلى ضعف المبنى كما ستعرف ان قصد التقرب بفعله وايجاده بداعي الامر الشخصي المتوجه إليه المقصود امتثاله
كاف في التعيين لصيرورته بعنوان كونه مأمورا به بهذا الامر الخاص الذي هو من أخص عناوينه فعلا اختياريا له فلا حاجة إليهما لا يقال إن
من الجائز ان يكون هذا النوع من الوضوء كالتأديب من الأفعال التي يكون قصد ترتب الأثر عليها كقصد التقرب من مقومات مفهومها لأنا نقول
غاية ما ثبت باجماع ونحوه انما هو اشتراط أفعال الوضوء التي هي عبارة عن غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين على ما نطق به الكتاب
العزيز بوقوعها بعناوينها الواقعة في حين الطلب بقصد التقرب واما وقوعها بعنوان آخر يتوقف حصوله على قصد الأثرين فلم يدل
عليه دليل ومقتضى الأصل عدم اعتباره وبراءة الذمة عنه * (فالأولى) * الاستدلال للمدعى من أول الأمر بالأصل بعد وضوح خروج قصد
الأثرين من مهية المأمور به بعنوانه الواقع في حين الطلب وعدم توقف قصد القربة والإطاعة المعتبر في صحتها على قصد الأثرين بل ولا
على العلم بترتبهما على الوضوء فلو توضأ لقرائه القران ونحوها امتثالا لامره فقد نوى التقرب وإن لم يعلم بان هذا الوضوء مبيح للصلاة
كما هو واضح ولعل شيخنا المرتضى [ره] عن ذلك نشأ من استشكاله في التمسك بأصل البراءة عند الشك في شرائط الوضوء كما ستعرف وجهه
في بعض مجاريه والله العالم * (وعن) * المعتبر والمنتهى الاستدلال لاعتبار قصد الاستباحة التي تتحقق تارة برفع المانع وهو الحدث وأخرى
برفع منعه كما في المستحاضة والمسلوس ونحوهما بقوله [تعالى] إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [الخ] تقريب الاستدلال ان الظاهر
منه كون ذلك لأجل الصلاة كما يقال إذا لقيت الأسد فخذ سلاحك وإذا لقيت الأمير فخذ أهبتك فلا بد من ايجاد هذه الأفعال لأجل
الصلاة أي اباحتها وفيه أن ظهور الآية الشريفة في توقف الصلاة على هذه الأفعال ووجوبها لأجل الصلاة مسلم واما دلالتها على توقف
مقدميتها على قصد التوصل بفعلها إلى الصلاة حتى يكون هذا القصد من قيود مهية الواجب ومقوماته ممنوعة بل متعذرة كما عرفت ذلك
في نظير المقام في صدر المبحث عند تأسيس الأصل فراجع هذا مع أن الامر بالوضوء عند إرادة الصلاة بل كل امر مقدمي متعلق به منبعث من
مطلوبية شئ من غاياته المشروطة بالطهور ليس إلا توصليا فإنه لم يقصد بذلك الا تحصيل الطهارة التي هي شرط لذي المقدمة فمتى حصل
الشرط سقط التكليف به وإن لم يقصد بفعله امتثال هذا الامر لكن الشرط بنفسه من العبادات التي تتوقف صحتها على قصد التقرب فالذي يعرضه الوجوب
المقدمي هو الوضوء الصحيح المأتي به بقصد التقرب المؤثر في رفع الحدث واستباحة الصلاة لا ذات الأفعال العارية عن القصد التي لا اثر
لها في الاستباحة فقصد القربة مأخوذ في موضوع المقدمة لا في حكمه * (ان قلت) * فعلى هذا يجب ان يكون الوضوء في حد ذاته مع قطع
النظر عن الامر المقدمي المتعلق به المنبعث من الامر بغاياته مأمورا به بأمر نفسي لان الشئ لا يكون عبادة الا على تقدير كونه مأمورا به فلو
انحصر امره في الامر المقدمي المفروض انه لا يتعلق الا بما هو عبادة يلزم الدور * (قلت) * هو كذلك أي مستحب في حد ذاته فإنه طهور
وهو نور وقد ورد الحث عليه في جملة من الاخبار التي سنشير إلى بعضها في آخر المبحث * (ان قلت) * فعلى هذا يشكل الامر في التيمم بناء
على المشهور من أنه مبيح للغايات وليس بطهور فلا يكون مستحبا نفسيا بل وكذا في الوضوء أيضا بناء على أن الكون على الطهارة الذي
التزمنا باستحباب الوضوء بلحاظه فعل توليدي للمكلف يحصل بالوضوء فهو على هذا التقدير احدى الغايات المستحبة التي امر بالوضوء
مقدمة لها لا انه اثر متفرع على الوضوء المستحب فيتوجه [ح] اشكال الدور لان الامر المقدمي لا يتعلق الا بالمقدمة والوضوء على الفرض
كالتيمم لا يكون مقدمة لشئ من الغايات الا إذا كان عبادة وكونه كذلك موقوف على الامر والمفروض انحصار امره في الامر المقدمي
فيدور * (قلت) * أولا مرادنا بان الامر المقدمي المتعلق بالوضوء لا يكون الا توصليا ان معروض الوجوب المقدمي من حيث هو ليس إلا الشئ
الذي يتوقف عليه فعل الغير فلا يعقل ان يكون هذا الوجوب الغيري المتعلق بذلك الشئ تعبديا لكن من الجائز ان يأمر الشارع بايجاد
حل كالوضوء ونحوه مقدمة للصلاة مثلا ثم ينصب قرينة على أن ما يتوقف عليه فعل الغير إطاعة هذا الامر لا نفس المأمور به فينحل
الامر التعبدي المتعلق به إلى أمرين * (أحدهما) * أوجد هذا الفعل مقدمة للصلاة والاخر أطع هذا الامر مقدمة للصلاة فالامر الأول تعبدي
ولكن سبق توطئة للامر الثاني الذي هو في الحقيقة امر بمقدمة الصلاة وهو توصلي محض * (فليتأمل) * وثانيا نلتزم بالرجحان الذاتي للتيمم
أيضا كالوضوء والغسل فإنه وضوء المضطر وغسله كما ستعرفه في محله كما انا نلتزم بان الطهارة صفة اعتبارية أو متأصلة عارضة للنفس
بواسطة الطهارات الثلث لا انها فعل اختياري تعلق به التكليف من حيث هو فهو اثر الطهارات الثلث لافعل متولد منها وثالثا انه كما
108

يعقل ان يكون لبعض الأفعال مقدمات خارجية لا يتوقف حصولها على قصد شئ من عناوينها كنصب المسلم بالنسبة إلى الصعود على السطح
كذلك يعقل ان يكون له مقدمات يتوقف حصولها على قصد عنوان من عناوينها بمعنى ان الفعل بذاته ليس مما يتوقف عليه فعل الغير بل الذي
يتوقف عليه الغير هو هذا الفعل ببعض عناوينه فيجب ان يقع الفعل الذي هو مقدمة للاخر بذلك العنوان الذي يتوقف عليه
الغير بان يكون وقوعه بهذا العنوان اختياريا للمكلف [و ح] فان علم المكلف بالوجه الذي يتوقف عليه الغير مفصلا فأوجده
بذلك الوجه سقط عنه وجوبه المقدمي وإن لم يعلم به تفصيلا يجب عليه ان يجعل وجوبه المقدمي مرآة لذلك الوجه حتى يقع الفعل
على وجهه الواقعي الذي يتوقف عليه فعل الغير فيكون وقوعه على وجهه اختياريا له بعنوانه الاجمالي * (توضيح) * المقام انا نفرض ان اكرام
زيد في حد ذاته عار عن جميع المصالح والمفاسد الملزمة وهو بعنوان كونه عالما ذو مصلحة ملزمة وبعنوان كونه فاسقا ذو مفسدة فيكون
ذات الاكرام بعنوان كونه اكرام زيد في الفرض مباحا عقليا وبعنوان كونه اكرام عالم واجبا عقليا وبعنوان كونه اكرام فاسق حراما
عقليا ولا يتفاوت الحال فيما ذكرناه بين أن تكون المصلحة والمفسدة الملزمتان بلحاظ نفس الفعل من حيث هو أو لكونه مؤثرا في واجب
عقلي آخر كما هو واضح [و ح] إذا تعلق وجوب شرعي بالعنوان الذي فيه المصلحة لا يكون هذا الامر الوجوبي الا توصليا إذ لم يتعلق
الغرض في أوامر الشارع الا بحصول امتثال الواجبات العقلية وهو حاصل في الفرض إذا صدر منه اكرام العالم بعنوان كونه
عالما عن اختيار وشعور هذا إذا تعلق الامر بنفس العنوان الراجح واما إذا تعلق باكرام زيد وعلم من الخارج انه ليس لهذا العنوان
بذاته رجحان بل المصلحة الكامنة فيه لا تكون له الا ببعض عناوينه بحيث لو كان تحققه بداعي ذلك العنوان يترتب عليه تلك المصلحة
فإذا لم يعلم المكلف بذلك العنوان بالخصوص وجب عليه ان يأتي بالفعل بداعي القربة وامتثال الامر حتى يصدر الفعل منه بعنوانه
الراجح عن اختيار وعزم لان قصد ايجاد الفعل بداعي القربة وامتثال الامر ملزوم لقصد ايجاد الفعل بعنوانه الراجح لان وصف
كون الفعل مقربا ومأمورا به ومراد للشارع من العناوين الطارية على الفعل بلحاظ جهته الراجحة * (إذا) * عرفت ذلك ظهر لك ان لنا ان
نقول إنه قد ثبت بالاجماع ان أفعال الوضوء وكذا الغسل والتيمم ليست بذواتها مؤثرة في جواز الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى
في الصلاة بل لها هذا الأثر إذا وقعت ببعض وجوهها كان كان المتيمم مثلا متذللا بفعله خاشعا لله [تعالى] متواضعا لديه إلى غيرها
من الاعتبارات المحتمل مدخليتها في مصلحة الفعل المقتضية للامر فلما لم تكن تلك الجهات مكشوفة لدينا وجب التوصل إلى احرازها
بقصد امتثال لامر المتعلق بها ولا يتفاوت الحال في ذلك بين ان يكون الامر الذي يجعل مرآة لتعيين المأمور به نفسيا أو غيريا لان
الامر تابع للمصلحة الكامنة في الفعل فان كانت لذاته فوجوبه نفسي والا فغيري فعلى هذا لا يكون قصد امتثال الامر الا معرفا لا ان
المقدمية تتوقف عليه فلا دور وحيث انك عرفت أن ايجاد الفعل بعنوان امتثال الامر المقدمي ينحل إلى قصد عنوان نفس الواجب اجمالا
ظهر لك اندفاع ما ربما يتوهم من الاعتراض على الجواب بالالتزام بالرجحان الذاتي من أنه انما يكفي في صيرورة الفعل عبادة لو اتى
به بداعي امره الذاتي وهو خلاف سيرة المتشرعة حيث لا يعنون بوضوئهم غالبا الا امتثال الامر المقدمي الذي التزمنا بأنه توصلي
محض كما هو المفروض فيلزم بطلانه وهو خلاف الاجماع توضيح الاندفاع انه إذا قصد بفعله امتثال الامر المقدمي فقد قصد
ايجاده على نحو تعلق به غرض الشارع فقصده ينحل إلى قصد ايجاده بعنوانه الذي يقع طاعة لله تعالى مقدمة لهذا الفعل فلو صام
للاعتكاف فقد قصد بفعله الصوم الصحيح الذي جعله الشارع مقدمة للاعتكاف فقصد القربة بالصوم أي وقوعه على وجهه
المحبوب عند الله داخل في المنوي قهرا ولو لم يكن ملتفتا إلى رجحانه الذاتي تفصيلا لان قصد الاعتكاف ملزوم لقصد الصوم
الصحيح فيقع الصوم صحيحا ناويا فيه وجهه المقرب بالالتزام * (وان) * شئت قلت إن مقدميه الوضوء للصلاة وان كانت موقوفة
على كونه في حد ذاته عبادة لكن وقوعه عبادة لا يتوقف على قصد امتثال امره الذاتي بل على قصد امتثال مطلق الامر ولو هذا
الامر المقدمي * (وما) * يقال من أن إطاعة الأوامر الغيرية غير مقربة فكيف ينوى بها التقرب * (مدفوع) * بانا لا نتعقل من القربة
المعتبرة في وقوع الفعل عبادة الا ايجاد ما امر به الشارع بداعي امره وهو حاصل في الفرض نعم لا يترتب على فعله ما هو من اثار
إطاعة امره النفسي من حيث هي لو كان لها اثر خاص حيث لم يقصده بالإطاعة ولذا استشكل بعض في استحقاق الاخر على الوضوء
ونحوه من مقدمات العبادات نظرا إلى ما ادعاه من استقلال العقل بعدم استحقاق الثواب على امتثال الأوامر الغيرية و
انما الأجر والثواب على امتثال الطلبات النفسية التي أريد إطاعتها في حد ذاتها لا مقدماتها بحيث تكون المقدمات من حيث
هي منشأ لاستحقاق الاجر مع أن هذا ينافي الاخبار المتظافرة الدالة على ترتب الاجر على مثل هذه المقدمات بل لعله المغروس
في أذهان المتشرعة * (وفيه) * ان المناط في صحة العبادة واستحقاق الثواب بفعلها ليس إلا ايجاد المحبوب الذاتي بداعي طلب
109

المولى بان كان الباعث على فعله امره سواء كان امره بالفعل لاحراز مصلحة نفسه من حيث هي أو لكون هذه المصلحة الراجحة ذاتا
من مقدمات محبوب آخر واما ما يقال من أن العقلاء كافة مطبقون على أن الاتيان بواجب واحد يتوقف على مقدمات عديدة و
لو بلغ ما بلغ إطاعة واحدة وامتثال واحد * (ففيه) * انه لو سلم ففيما إذا لم تكن للمقدمات بذواتها محبوبية ذاتية والا فاطباق
العقلاء على خلاف ما قيل فان لاطاعة المقدمات الراجحة ذاتا بنظرهم نحو ملحوظية واعتبار بل لا يرتابون بعد
علمهم بعدم توقف
مصلحة المقدمة وحسنها على ترتب فعل الغير عليها بل الغير يتوقف عليها في حسنه في أن فعل المقدمة بنفسه سبب تام لاستحقاق الأجر والثواب
وإن لم يأت بذيها أصلا نعم لو اتى بذي المقدمة كما في مسألة الاعتكاف انتسب الثواب إلى الاعتكاف لا لعدم سببية الصوم
للثواب بل للزوم اشتمال ثواب الاعتكاف على ما يستحقه لأجل الصوم وسائر أفعاله فلو صام يوما مثلا فبدا له ابطال الاعتكاف
يستحق اجر صومه مستقلا وان كان ناويا بفعله المقدمية بل الحق ان إطاعة الشارع مطلقا من الجهات المحسنة للفعل المقتضية
للمدح والثواب من غير فرق بين الأوامر النفسية والغيرية ولذا شاع في الألسن وارتكز في الأذهان من حسن ايقاع المباحات
على جهة العبادة بجعلها مقدمة لعبادة واستحقاق الاجر بذلك نعم لا يبعد ان يكون ذلك مشروطا لدى العقل بترتيب
ذي المقدمة عليها وعدم نقض اثرها اختيارا فليتأمل * (تنبيه) * ومما يؤيد ما حققناه انفا من عدم كون الوضوء الرافع قسما
خاصا من الوضوء حتى يعتبر تمييزه في القصد بل يدل عليه الأخبار الكثيرة التي يستفاد منها اتحاد مهية الوضوء وكون رفع الحدث و
استباحة الدخول في الصلاة من اثاره ولوازمه * (منها) * قوله (ع) حكاية للحديث القدسي من أحدث فلم يتوضأ فقد جفاني ومن أحدث
وتوضأ ولم يصل ركعتين فقد جفاني ومن أحدث وتوضأ وصلى ركعتين ودعاني ولم أجبه فيما سألني من امر دينه ودنياه فقد
جفوته ولست برب جاف فان الظاهر من هذه الرواية استحباب الوضوء عقيب الحدث وارتفاع الحدث به وإن لم يكن غرضه فعل
الصلاة وان فعل الصلاة عقيبه مستحب آخر * (ومنها) * ما ورد في غير واحد من الاخبار من التعبير عن مطلق الوضوء بالطهور مثل قوله (ع)
الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا وفي خبر اخر الطهر على الطهر عشر حسنات * (ومنها) * ما عن الأمالي من قوله صلى الله عليه وآله
وسلم يا انس أكثر من الطهور يزد الله في عمرك وان استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل فإنك تكون إذا مت على
طهارة شهيدا ومما يدل أيضا على المطلوب ما ورد في علة الامر بالوضوء للصلاة من قول أبى الحسن الرضا (ع) وانما أمروا بالوضوء
وبدء به لان يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه مطيعا له فيما امره نقيا من الأدناس والنجاسة مع ما فيه من
ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار فان الرواية ظاهرة في أن رفع الحدث من قبيل الخاصية المترتبة
على ذات الوضوء وهو المنشأ للامر به فيلزمه ان يكن مهية الوضوء في حد ذاتها رافعة للحدث والظاهر أن الامر بالوضوء في جميع الموارد
انما هو بلحاظ هذه الخاصية الكامنة فيه فالامر به لقراءة القران أو دخول المساجد أو تكفين الأموات أو غيرها من الغايات انما
هو لرجحان وقوعها من مرفوع الحدث كما يدل على ذلك التعبير عنه بالطهور لا غلب غاياته مثل قوله (ع) من تطهر ثم آوى إلى فراشه
بات وفراشه كمسجده وقوله (ع) لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام الا على طهور إلى غير ذلك من الاخبار التي تدل على أن مطلوبيته
لغاياته بلحاظ اثره الذي هو الطهارة بل لا يتبادر من الامر بالوضوء لشئ في أذهان المتشرعة الا رجحان ذلك الشئ متطهرا
فالوضوء على ما هو المغروس في أذهانهم طبيعة واحدة اثرها رفع الحدث بل في الحدائق ان الأخبار الواردة مستندة للوضوءات
المستحبة كلها الا ما شذ بلفظ الطهر أو الطهور أو الطهارة ومن الظاهر البين اعتبار معنى الزوال أو الإزالة في لازم هذه
المادة ومتعديها لغة وشرعا فلا معنى لكون الوضوء مطهرا أو طهورا أو نحوهما الا كونه مزيلا للحدث الموجود قبله وإلا فلا معنى لهذه
التسمية بالكلية ومن ثم صرحوا بان الطهارة لغة النظافة وشرعا حقيقة في رافع الحدث واما الوضوء الجامع للحدث الأكبر فقرينة
التجوز فيه ظاهرة كاطلاق الصلاة على صلاة الجنازة انتهى ويمكن ان يقال إن الامر بالوضوء للجنب والحائض بالنسبة إلى بعض
الغايات لا يكون أيضا الا بلحاظ هذا الأثر الا ان المحل لا يقبل التأثير التام فيؤثر الوضوء بالنسبة إليهم تخفيف الحدث ورفع المنع
بالنسبة إلى بعض الغايات والله العالم
* (فروع) * الأول قال العلامة [قده] فيما حكى عنه في جملة من كتبه كالتذكرة والمنتهى والنهاية
والقواعد ان من ليس عليه وضوء واجب فنوى بالوضوء الوجوب وصلى به أعاد الصلاة فان تعددتا يعنى الصلاة والطهارة مع
تخلل الحدث أعاد الأولى انتهى وقد حكى ذلك عن ولده فخر الدين [ره] * (أقول) * وجه وجوب إعادة الأولى واضح إذ لا وجوب حتى
يقع الفعل امتثالا له فيفسد واما عدم إعادة الصلاة الثانية في الفرض الثاني فلصحة وضوئه لاشتغال ذمته بتدارك الأولى
فيجب عليه الوضوء مقدمة له فإذا توضأ بنية الوجوب فقد اتى بالواجب قاصدا لوجهه ناويا فيه القربة فيصح وإن لم يقصد بفعله
110

التوصل إلى ما وجب لأجله لان كونه مقدمة لواجب علة لوجوبه لا قيد للواجب حتى يعتبر قصده قال في محكى الذكرى من عليه موجب ينوى
الوجوب في طهارته ما دام كذلك فلو نوى الندب عمدا أو غلطا بنى على اعتبار الوجه والحدث يرتفع وإن لم يقصد فعل ما عليه من الواجب
لان وجوب الوضوء مستقر هنا عند سببه انتهى بل نسب صحة الوضوء المأتي به بنية الوجوب في زمان وجوبه ولو لم يكن قاصدا للتوصل
بفعله إلى اتيان ما وجب لأجله إلى جماعة بل ربما يستظهر ذلك مما نسب إلى المشهور من أن الوضوء في وقت اشتغال الذمة
بالواجب لا يكون الا واجبا ولكن في الاستظهار نظر إذ غاية ما يستفاد من كلامهم عدم جواز ايقاع الوضوء بعد اشتغال الذمة
بالواجب الا بنية الوجوب واما صحته لو اتى به لا لأجل التوصل إلى ما وجب لأجله فلا فلعلهم يلتزمون بعدم
مشروعية الوضوء حال
وجوبه الا للغاية الواجبة كما هو أحد الاحتمالات في المسألة بل لعله لازم قول من يقول بوجوب جعل الوجوب غاية كمالا يخفى وكيف
كان فما ذهبوا إليه من الحكم بصحة الوضوء المأتي به بقصد الوجوب لا لأجل التوصل إلى ما وجب لأجله لا يخلو عن اشكال وان بالغ
في تشييده صاحب الحدائق حيث قال لا يخفى ان الواجب هو الوضوء والصلاة والاتيان بأحد الواجبين وإن لم يأت بالاخر بعده
غير مضر بصحته فمن أين لا يجوز له الوضوء وهو مخاطب به وواجب عليه غايته انه يجب عليه الصلاة معه ولكن وجوب الصلاة موسع
عليه و [ح] فلو توضأ أول الوقت لأجل الصلاة في آخره فلا مانع من صحته انتهى وأنت خبير بان ما ذكره من المثال لا ربط له بمورد
الاشكال وانما الكلام في أن من لم يرد الصلاة الا بوضوء آخر بعد نقض هذا الوضوء هل يصح وضوئه المأتي به بعنوان الوجوب
أم لا ومنشأ الاشكال ان الوضوء لم يتعلق به لذاته امر وجوبي حتى يتقرب بفعله ويأتيه لا بعنوان المقدمية بداعي امتثال امره واما
الامر الالزامي الغيري المتعلق بفعله فإنما يدعو إلى فعله بعنوان المقدمية لا مطلقا لما عرفت في صدر المبحث من أن الامر لا يدعو
إلى الفعل الا بعنوانه الذي تعلق به الامر فلو لم يوجد الفعل بهذا العنوان لا يقع امتثالا لهذا الامر فكيف ينوى بفعله القربة
بلحاظ هذا الامر الذي لم يقصد اطاعته ولا ينافي ذلك ما تقدم في تقريب الاستدلال من أن كونه مقدمة للواجب علة لوجوبه
لا قيد في الواجب لأنا لا ندعى التقييد أصلا بل نقول إن وقوعه امتثالا لهذا الامر الخاص يتوقف على قصد التوصل وايجاده بعنوان المقدمية
والا لا يعقل التقرب بفعله بلحاظ هذا الامر فيبطل نعم لو قلنا برجحانه ذاتا ونوى بفعله امتثال امره الواقعي بزعم كونه إلزاميا لا على
سبيل تقييد الواقع لا يخلو القول بصحته عن قوة كما سيتضح وجهه في المسألة الآتية بل الحكم بالصحة على هذا التقدير في الفرض الأول
الذي أفتى العلامة ببطلانه وهو ما لو توضأ بنية الوجوب قبل الوقت إذا اتاه بداعي امره الواقعي زاعما وجوبه لا على سبيل تقييد
الواقع لا يخلو عن وجه بل الحكم بالصحة هو المتجه في جميع الصور المتصورة في مفروض كلام العلامة حتى فيما لو توضأ قبل الوقت بعنوان
الوجوب للتوصل به إلى فعل الواجب بعد دخول وقته بناء على عدم وجوب قصد الوجه وعدم اخلال قصد الوجوب فيما ليس بواجب
ان قلنا بان قصد ايقاع الوضوء مقدمة لصلاة واجبة مرجعه لدى التحليل إلى إرادة التقرب بالطهارة التي هي شرط في الصلاة
أو قلنا بأنه يكفي في صحة العبادة وقوعها بقصد امتثال الامر [مط] وان أخطأ في تشخيص الامر كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في دفع
بعض النقوض الواردة على التفصي عن اشكال الدور بالالتزام بالرجحان الذاتي للطهارات وسيأتي مزيد توضيح لذلك [انش‍]
كما أنه بهذه المباني يتجه صحة وضوء من توضأ بعد الوقت للصلاة التي دخل وقتها بزعم اشتغال ذمته بها فانكشف بعد الوضوء
فراغ ذمته عنها * (وربما) * يوجه الصحة في هذا الفرض بكونه مكلفا بالعمل بحسب اعتقاده فكان مأمورا بأمر ظاهري وهو يقتضى
الاجزاء * (و) * فيه بعد تسليم القاعدة فهي فيما إذا كان مأمورا بذلك بأمر ظاهري شرعي لا في مثل المقام الذي نوى بفعله امتثال امر
واقعي زعم توجهه عليه خطا * (وأوجه) * من ذلك الحكم بالصحة فيما لو توضأ احتياطا لصلاة يحتمل اشتغال ذمته بها مع براءة ذمته عنها
حيث إن المحتاط لا يقصد بفعله وجها مخالفا لما عليه في الواقع وربما يوجه الصحة في ذلك بكونه قاصد الامتثال الامر بالاحتياط
الذي هو راجح شرعا وعقلا وفيه أن استحباب الاحتياط شرعا بحيث يكون الفعل لأجله من العبادات المستحبة التي تترتب عليها اثارها
الثابتة لها بعناوينها الخاصة لا يخلو عن اشكال فعمدة الوجه لصحة الوضوء في هذه الفروض ونظائرها هي ما أشرنا إليه من أن الاتيان
بما هو محبوب بالذات ابتغاء لمرضاة الله [تعالى] موجب لصحة الفعل ووقوعه عبادة وان كان العامل مخطأ في تشخيص وجه الطلب ونوى
بفعله امتثال امر وراء امره الواقعي أو ان قصد التوصل بفعله إلى الغايات المشروطة بالطهور أو استباحة الغاية المحتمل وجوبها لا ينفك
عن قصد الكون على الطهارة متقربا بها إلى الله تعالى فهو المصحح لفعله وإن لم تكون الصلاة واجبة عليه في الواقع ولكن هذا
لا يخلو عن تأمل ولعله هو الوجه فيما نقل عن فخر المحققين من أن من كان بالعراق ونوى بوضوئه استباحة الطواف صح وضوئه و
مثله نقل عن الشهيد في البيان وفي الحدائق بعد أن نقل ما نقلناه عن الفخر والشهيد قدس سرهما قال واستشكله المحقق الشيخ على [ره]
111

بأنه نوى امرا ممتنعا فكيف يحصل له * (و) * أجيب بان المنوي ليس وقوع الطواف بالفعل بل استباحته فالمنوي غير ممتنع والممتنع غير منوي
* (و) * توضيحه على ما حققه شيخنا البهائي [قده] في بعض فوائده انه لا ريب ان كون المكلف على حالة يتمكن معها من الدخول في عبادة مشروطة
بالطهارة كالصلاة والطواف مثلا امر راجح في نظر الشارع فلو توضأ المكلف بقصد صيرورة الصلاة مباحة له أعني حصول تلك
الحالة فينبغي ان تحصل له وكونه يأتي بالصلاة أم لا يأتي امر خارج عن القصد المذكور فان حصول تلك الحالة امر مغاير لفعل الصلاة
بغير مرية * (نعم) * لو نوى بالوضوء فعل الصلاة مجردا عن استباحتها ولم يكن من قصده فعلها لكان متناقضا بنيته فلا بعد في القول
بفساد طهارته [ح] انتهى * (أقول) * لا يبعد ان يكون غرض الشيخ أيضا ما ذكرناه من أن قصد شئ من الغايات المترتبة على الكون على
الطهارة لا ينفك عن قصد تحصيل الطهارة المعلوم رجحانها شرعا طاعة الله [تعالى] فمتى وقع الوضوء بقصد الكون على الطهارة
يصح سواء تعلق هذا القصد به أو لا وبالذات أو بواسطة كونها مقدمة لامر آخر والا فمجرد قصد حصول تلك الحالة مجردا عن
قصد إطاعة امره الذاتي لا ينفع في حصولها كما لا يخفى ومحصل الكلام في المقام انه لا شبهة في توقف صحة الوضوء على وقوعه طاعة
لله تعالى ولا تأمل في أنه لا يتأتى قصد التقرب والإطاعة بالوضوء بلحاظ امره المقدمي إذا لم يكن عازما على التوصل بفعله إلى ذي
المقدمة لان قصد امتثال هذا الامر المتعلق به بعنوان كونه مقدمة يناقض عدم قصده التوصل إليه فيستحيل تحققهما في الخارج وكذا
لا ريب في امتناع حصول الإطاعة والتقرب بلحاظ هذا الامر المقدمي لو لم يكن منجزا على المكلف اما لعدم تنجز الامر بغايته كالوضوء
قبل الوقت أو لعدم كون الغاية مأمورا بها كالوضوء مقدمة لصلاة غير مشروعة و [ح] نقول لو نوى المتوضئ بفعله امتثال امره الواقعي المتعلق
به لذاته لو قلنا برجحانه ذاتا أو للكون على الطهارة التي هي مقدمة لجميع غايتها المشروطة بها لا على سبيل تقييد الواقع بالأمر المقدمي
فالأقوى صحته في جميع الفروض المتقدمة وما ضاهاها خصوصا في الفرض الذي حكم الشهيد وغيره بصحته وهو ما لو توضأ بعد اشتغال ذمته
بواجب بقصد الوجوب ولم يكن عازما على فعل ما وجب لأجله فإنه لا اشكال في صحته حتى على القول باعتبار قصد الوجه الأعلى
القول بوجوب وقوعه بعد وجوبه للغاية الواجبة لا غير وستعرف ضعفه في الفرع الآتي وأوضح منه صحته ما لو توضأ بداعي امره
الواقعي للتوصل به إلى فعل الصلوات المحتمل فوتها عند تعذر تحصيل القطع بفوتها ولو بطريق شرعي إذ لا يتأتى فيه الشبهة الآتية
في الفرع الآتي كما أنه لا يستشكل فيه بعدم وقوعه على وجهه أو وقوعه على وجه مخالف لوجهه الواقعي إذ لا يعتبر قصد الوجه في مثل
المورد اجماعا على ما صرح به شيخنا المرتضى [ره] في غير مورد من كلماته ولم يقصد بفعله الا الاحتياط وهو لا ينافي وجهه الواقعي وهذا
بخلاف بعض الفروع السابقة كما لو توضأ قبل الوقت بداعي امره الواقعي زاعما وجوبه فإنه اتى بالمأمور به على خلاف وجهه ولكن
الأقوى فيه أيضا الصحة لما عرفت من عدم اعتبار امر زائد في تحقق الإطاعة عداى معرفة الامر وتعيين المأمور به وايجاده بداعي
الامر وهذا المعنى محقق في الفرض فقصده الوجوب لغو صرف لا يضر بشئ هذا كله لو اتى به بداعي امره الواقعي لا على سبيل التقييد واما
لو اتى به بداعي امره المقدمي من حيث هو فان قلنا بان قصد التوصل بالوضوء إلى غاية مترتبة على الطهارة ممالا ينفك عن قصد امتثال
الامر بالتطهير فإطاعته مقصودة ضمنا أو قلنا بأنه يكفي في صحة ما هو عبادة بالذات وقوعه بقصد التقرب والإطاعة وإن لم يكن
بداعي امره الواقعي بل بداعي امر تخيل توجهه عليه كما هو الأظهر فالمتجه أيضا صحة الوضوء في جميع الصور الا في الفرض الذي لم يقصد بفعله
التوصل إلى ذي المقدمة كما في مفروض كلام الشهيد والجماعة إذ لا يتأتى منه قصد التقرب في هذا الفرض إذ لا يجتمع إرادة امتثال الامر
المقدمي مع عدم قصد التوصل كما أشار إليه شيخنا البهائي [ره] في ذيل عبارته المتقدمة واما ان بنينا على أن صحة الوضوء انما هي بلحاظ
وقوعه إطاعة لهذا الامر المقدمي الذي نوى امتثاله فلا محيص عن الحكم بالفساد في جميع صور المسألة لان الامر في الجميع مردد بين أن لا يكون
امر واقعي أو كان ولم يقصد اطاعته * (لا يقال) * ان مقتضى بعض الأجوبة المتقدمة في التفصي عن اشكال الدور وهو كون قصد القربة وامتثال
الامر كاشفا عن وقوع المقدمة على صفاتها المأخوذة في قوام ذاتها لا كونه بنفسه قيدا حتى يلزم الدور هو أيضا صحة الوضوء في جميع
الصور بل لو لم يقصد امتثال الامر المتوجه إلى نفسه أصلا كما لو نوى بفعله ايجاد المهية التي هي مقدمة لطواف بيت الله الحرام أو ايجاد ما
هو مقدمة على تقدير وجوبها أو ما وجب على زيد مقدمة لصلوته الواجبة إذ كما يتعين المهية المأمور بها بملاحظة الامر المنجز في حقه كذلك يمكن
تشخيصها اجمالا بهذه الوجوه أيضا لأنا * (نقول) * بعد قيام الاجماع والضرورة على اعتبار قصد القربة في صحة الوضوء ليس لمتكلم ان يتفوه
بهذا الكلام لان غاية ما ارتكبناه في المقام انا بعد أن علمنا باستحالة كون إطاعة الامر المقدمي من مقومات مهية المقدمة وفرضنا عدم
تعلق امر آخر بها سوى هذا الامر المقدمي التزمنا بان قصد القربة والإطاعة كاشف عن تحقق المهية على وجه اعتبرها الشارع مقدمة
فلابد لنا [ح] من أن نلتزم بان القيود المعتبرة في المهية عند الشارع على نحو لا يمكن احرازها الا بمعرفتها تفصيلا وهو متعذر في حقنا
112

أو بايجادها بداعي امتثال امر منجز * (واما) * ما توهم من استلزام كون القربة طريقا حصول التعريف بغيرها من المذكورات فهو فاسد جدا
إذ لا استحالة في كون المكلف مريدا لفعل الغاية حال مطلوبيتها أو نظائره مما يتعذر حصوله ممن لم يقصد بفعله التوصل إلى غاية
من غاياته من الوجوه المعتبرة في مهية المقدمة ولا يمكن دفع احتمال مثل هذه الأمور مما هو ملزوم لقصد القربة بالأصل بعد الاجماع
على اعتبار قصد القربة * (نعم) * لو احتمل اعتبار قيد اخر أخص من ذلك كقصد امتثال خصوص الامر بالصلاة أو رفع الحدث مثلا
ممالا يتوقف قصد القربة على قصده بالخصوص يدفع بالأصل هذا مع أنك عرفت امكان التفصي عن الاشكال بغير هذا الوجه
أيضا فلا يتعين فيه حتى يثبت بذلك مقتضاه فليتأمل
* (الفرع الثاني) * لو اشتغلت ذمته بموجب الوضوء وتوضأ بنية
التوصل إلى غيره من الغايات المندوبة هل يصح وضوئه فيه وجهان أصحهما الصحة لان عروض صفة الوجوب لأجل غاية انما
يزاحم فعلية استحبابه بلحاظ غاياته الاخر لا رجحانه الواقعي الذي هو منشأ الطلب الاستحبابي ومناط حسن الفعل وحصول
الانقياد كما عرفت تحقيقه في بعض المباحث السابقة نعم عروض صفة الوجوب للطبيعة الموجب لارتفاع الطلب
الاستحبابي يمنع
من ايجادها بقصد الندب لا القربة المطلقة فان أراد تعيين وجهه يوصفه بالوجوب ولكنه لا يجعل وجوبه غاية للفعل كما هو واضح
هذا إذا قلنا باتحاد طبيعة الوضوء الواجب والمستحب وامتناع اتصافها في زمان واحد بالوجوب والاستحباب والا فان بنينا
على جواز الاجتماع أو قلنا باختلاف الطبيعتين فوجه الصحة أوضح الا انك عرفت فيما سبق وهن البنائين * (الفرع الثالث) *
متى وقع مثلا الوضوء الواجب الرافع للحدث المبيح للصلاة يترتب عليه اثره وهو ارتفاع الحدث منجزا من غير تعلق على تحقق الصلاة
بعده فان المقدمة إذا تحققت في الخارج بصفة الوجوب ووقعت طاعة لامتثال الامر المتعلق بها يرتفع الطلب عنها عقلا فتكون
صحيحة ويترتب عليها احكامها من جواز التوصل بفعلها إلى جميع ما يتوقف عليها فعله وإن لم يتوصل بها إلى الفعل الذي اتى بها
لأجله إذ لا مدخلية الفعل الغير في صحة المقدمة بل لا يفعل مدخليته فيها لأنه انما يمكن التوصل بها إلى الغير على تقدير صحتها
فلو توقف صحتها على التوصل الذي هو عبارة عن فعل الغير عقيبها لدار
وقد نسب ما ذكرناه من صحة الوضوء بمعنى ترتب اثره
عليه منجزا بمجرد وقوعه امتثالا للامر الوجوبي المتعلق به إلى ظاهر المشهور نعم حكى في الحدائق عن بعض من تقدم عليه انه لا يجوز
فعل الوضوء لمن لم يكن من نيته فعل الصلاة وانه لو كان من نيته فعل الصلاة ولم يفعلها تبين بطلانه انتهى ولعله استند
هذا القائل في فتواه إلى ما ذهب إليه بعض من قارب عصرنا في المسألة الأصولية من أن المقدمة انما تتصف بالوجوب إذا تعقبها
ذو المقدمة وتوصل بها إليه فإذا لم يحصل ذو المقدمة لم يكن المقدمة موجودة على صفة الوجوب فعدم تحقق ذيها كاشف
عن عدم اتصافها بالمطلوبية حال وجودها وقد تبين ضعف هذه المقالة في الأصول بما لا مزيد عليه ولنشر في المقام إلى
بعض ما فيه * (فنقول) * انه لو تعلق الامر بالصعود على السطح ولم يكن الصعود متوقفا الا على نصب السلم المفروض كونه مقدورا
بالذات فلا شبهة ان التكليف في مثل الفرض بناء على القول بوجوب المقدمة يتعلق بفعلين أحدهما فعل الصعود وهو امر اختياري
مقدور بالواسطة وهو مطلوب بالطلب النفسي والاخر نصب السلم الذي هو مقدور بالذات على ما هو المفروض فيجب مقدمة
لصيرورة المطلوب النفسي مقدورا و [ح] نقول فإن كان معروض الوجوب الغيري كالمطلوب النفسي مطلق فعل المقدمة فهو المطلوب
وان كان فعلها المقيد بكونه موصلا إلى الغير فلا شبهة ان ايجادها بهذه الصفة ليس مقدورا للمكلف الا بلحاظ منشأ انتزاعها و
هو فعل الغير عقبيه إذ ليس هذه الصفة من الأوصاف المتأصلة التي يتشخص بها المهية ويتعلق بايجادها القدرة حتى يصح التكليف
بايجادها موصوفة بها فمرجع ايجاب ايجادها مقيدة بهذه الصفة إلى ايجاب ايجاد الفعلين مترتبين في الوجود بحيث ينتزع
من ثانيهما هذه الصفة للفعل الأول فالتقييد انما هو بالفعل الثاني لا بالصفة المنتزعة وأنت خبير بعدم امكان تقييد الفعل
الأول بالثاني إذ ليسا في مرتبة واحدة من حيث المطلوبية فكما انهما مترتبان وجودا كذلك مترتبان وجوبا لان وجوب الفعل
الثاني وهو الصعود علة لوجوب نصب السلم عكس وجودهما وليس الفعلان بوصف الاجتماع مقدمة للفعل الثاني حتى يعرضهما الوجوب
الغيري وانما المقدمة نصب السلم المجرد عن ضم الصعود إليه فهو معروض للوجوب لأجل تحصيل الصعود * (والحاصل) * انا ندعى ان
موضوع الوجوب الغيري ما كان له قابلية الايصال لا فعليته بمعنى ان ما كان موصلا بالقوة وهي ذات المقدمة هو الواجب لاما
كان موصلا بالفعل والخصم لا بد من أن يعتبر الفعلية إذ ليس له ان يدعى ان متعلق الوجوب هي المصاديق الواقعية التي جرى
في علم الله انها ستخرج من القوة إلى الفعل إذ ليس لتلك المصاديق من حيث هي خصوصية زائدة يتعلق بايجادها القدرة
وانما الفعل المقدور الذي يصح تعلق التكليف به اما ايجاد ذات المقدمة من حيث هي أو هي بوصف كونها موصلة بالفعل
113

ولكنك عرفت أن هذه الصفة ليست من الأوصاف المتأصلة في الخارج بل هي من الإضافات كالأبوة والبنوة فلا تحقق
لها الا باعتبار منشأ انتزاعها فالامر بايجاد الأوصاف النسبية امر بايجاد طرفي النسبة في الخارج فالقول بان معروض الوجوب
الغيري هو المقدمة الموصلة مرجعه إلى القول بان موضوع الوجوب الغيري هو مجموع الفعلين * (وفيه) * مالا يخفى سلمنا امكان ذلك
الا انك قد عرفت أن الامر بالمقدمة الموصلة ينحل إلى الامر بايجاد ذات المقدمة وايجاد ما ينتزع منه هذه الصفة فمطلق المقدمة
مقدمة لمقيدها ومقدمة المقدمة كنفس المقدمة واجبة فلو تحققت في الخارج بداعي امرها الغيري تقع بصفة المطلوبية والوجوب
لا محالة * (وتوهم) * اختصاص وجوبها أيضا بموصلتها * (مدفوع) * بلزوم التسلسل فأين المفر من القول بوجوب مطلق المقدمة بناء على
القول بالوجوب كما هو المفروض هذا كله لو بنى على أن وصف الايصال من قيود المطلوب كما هو الظاهر من مراده واما لو قيل بأنه
شرط للطلب ففساده أوضح لان وجود الفعل الثاني علة لسقوط الطلب عن نفسه فضلا عن مقدمته فكما لا يجوز ان يكون وجود
شئ شرطا لوجوب نفسه كذلك لا يمكن ان يكون شرطا لوجوب مقدمته وبعد الاغماض عن ذلك كله نقول إن صريح الوجدان
يغنى المنصف عن مطالبة البرهان لأنك إذا راجعت وجدانك بعد علمك باشتغال ذمتك بالصلاة المشروطة بالوضوء
لا تكاد ترتاب في أن الواجب عليك قبل تحصيل الشرط امر ان * (أحدهما) * فعل الوضوء والاخر فعل الصلاة بعده فإذا توضأت
لأجل امتثال امره هل تجد من نفسك احتمال بقاء الامر بالوضوء وتنجزه في حقك بعد فعله كقبله أم لا ترى الا توجه الامر
بالصلاة في حقك لا غير وليس هذا الا لكون فعل الوضوء مسقطا لامره المتعلق به وهذا معنى صحته ووقوعه بصفة المطلوبية وإذا
وقع بهذه الصفة يمتنع انقلابه عما وقع عليه سواء لحقه فعل الغير أم لا واما وجوب اعادته لو انتقض قبل فعل الصلاة فليس منافيا
لذلك لان العقل كما حكم بوجوب ايجاده أولا كذلك يحكم بوجوب اعادته بعد انتقاضه ما دامت الصلاة باقية على صفة المطلوبية
* (ثم) * ان في المقام توهما آخر نظير التوهم السابق صدر من بعض الاعلام النافي وجوب مقدمة الواجب مطلقا وهو اختصاص
وجوبها على تقدير القول به بما إذا كان المكلف عازما على امتثال الواجب وإلا فلا معنى لوجوب المقدمة حال كونه بانيا على
عصيان ذيها وكان هذا البعض قاس الوجوب الشرعي بالالزام العقلي الناشئ عن اللابدية والتوقف الذي لا اختصاص له بمقدمة
الواجب ضرورة حصوله في مقدمة الحرام أيضا فضلا عن غيره لان كل من ينوى ارتكاب فعل من الأفعال ولو كان محرما يلزمه
عقله بتحصيل مقدماته واما الايجاب الشرعي المولوي الذي يلتزم به القائل بوجوب المقدمة فلا يعقل تعليقه على مشية المكلف
وعزمه على عدم عصيانه لاستلزامه إباحة الواجب وفساده ظاهر * (ثم) * ان هذا القائل لو لم يعتبر في وجوبها ووقوعها بصفة
المطلوبية الا مجرد إرادة فعل ذيها فلا يضر قوله بمقالتنا وهي صحة وضوء من كان من نيته فعل الصلاة ولم يفعلها وان اعتبر
مع ذلك حصول مراده في الخارج مترتبا على فعل المقدمة يكون قوله أخص من القول السابق ومفاسده أعم كما لا يخفى هذا
والذي يقتضيه التحقيق هو ان مقدمة الواجب من حيث هي معروضة للوجوب الغيري التبعي وتتبع ذاها في الوجوب اطلاقا وتقييدا
لان وجوبها متولد من وجوبه فيتبعه لا من وجوده فلا يدور مداره فمتى تحققت في الخارج بداعي امتثال امرها الغيري تقع بصفة
المطلوبية والوجوب ويمتنع انقلابها بعد عما وقعت عليه هذا كله مع أن قوله (ع) إذا توضأت فإياك ان تحدث وضوء حتى تستيقن
انك قد أحدثت بل وغيره مما دل على أن الوضوء لا ينقضه الا الحدث أغنانا في خصوص ما نحن فيه عن كلفة ابطال مقالة الخصم
وتوهم ان احتمال مدخلية حصول الغاية في صحة الوضوء يمنع من التمسك بالرواية على ما هو التحقيق من كون الألفاظ أسامي للصحيحة
* (مدفوع) * بان هذا الاحتمال على تقدير تحققه لا يوجب الترديد في مفهوم الوضوء الذي هو شرط للصلاة لان تأثير فعل الصلاة
في وقوع الوضوء مؤثرا على تقدير امكانه انما هو من القيود اللاحقة للموضوع له وليس اعتباره في عرض سائر الشرائط المأخوذة
في مفهوم الوضوء ضرورة صدق الوضوء عليه قبل تحقق الغاية واستفادة حكمه عند الشك في انتقاضه بالحدث من مثل الخبر
المتقدم سواء كان الشك قبل التوصل به إلى فعل الغاية أم بعده فالوضوء على هذا التقدير اسم للمهية التي لو لحقها فعل الصلاة
لوقعت مؤثره كسائر أسامي اجزاء الصلاة وشرائطها كالفاتحة ونظائرها
* (الفرع الرابع) * لو توضأ بنية التجديد
فانكشف سبق الحدث فالأقوى صحة وضوئه وفافا للمحكى عن الشيخ والمحقق وجماعة بل عن بعض دعوى الاجماع عليها ولكنها
في غير محلها ووجه الصحة ما عرفت في غير واحد من الاخبار من ظهورها في كون الوضوء التجديدي بعينه هو المهية التي وقعت أولا
فهو مثلها في تأثير النظافة فلو صادف الحدث رفعه والا اكد النظافة ويؤيده ما عن الذكرى ناسبا إلى ظاهر الاخبار والأصحاب
من أن الحكمة في تشريعه تدارك ما في الطهارة الأولى من الخلل ومقتضاه تأثيره في رفع الحدث لو كانت الأولى فاسدة وتكميله
114

لو كانت ناقصة ومن هذا القبيل ما لو توضأ عقيب المذي والتقبيل استحبابا بزعم كونه متطهرا فانكشف خلافه وكذا الوضوء
المأتي به استحبابا باعتقاد الحيض أو الجنابة فظهر عدمهما وثبوت الحدث الأصغر الا ان استفادة وحدة الطبيعة التي هي
مناط الصحة من الاخبار في هذه الموارد لا تخلو عن خفاء خصوصا في القسم الأخير منهما وهو وضوء المحدث بالأكبر ولذا ادعى
في الحدائق في عبارته المتقدمة ان اطلاق الوضوء على المجامع للحدث الأكبر مجاز كاطلاق الصلاة على صلاة الميت وان كان
القول بالصحة في الجميع لا يخلو عن قوة ولكن الاحتياط خصوصا في وضوء الجنب والحائض ممالا ينبغي تركه والله العالم واما الوضوء
الاحتياطي فإنه ليس من هذا القبيل فإنه لا اشكال في صحته ورافعيته للحدث على تقدير المصادفة ولو قلنا بتغاير مهية الوضوءات المستحبة
مع غيرها بل لو بنينا على عدم رافعية الوضوءات السابقة للحدث على تقدير مصادفتها للمحل القابل لأمكن القول بها فيه لو كانت جهة
الاحتياط مرعية لدى عامله حال العمل خصوصا في التجديدي منه والله العالم
* (ولا يعتبر) * القصد مطلقا بل ولا المباشرة
فضلا عن النية المشتملة على القربة في طهارة الثياب ولا غير ذلك مما يقصد به رفع الخبث اجماعا وقولا واحدا وفي المدارك
هذا مذهب العلماء كافة عدا ابن شريح من العامة ويدل عليه مضافا إلى الاجماع بل ارتكازه في أذهان المتشرعة الكاشف
عن وصوله إليهم من الشارع ما يستفاد من الأخبار الكثيرة من حصول المقصود من الامر بالتطهير وهو زوال النجاسة عن
المتنجس بمجرد إصابة المطهر للنجس ولو لم يقارنها قصد وشعور من أحد مثل قوله (ع) كل شئ يراه ماء
المطر فقد طهر وقوله (ع)
مشيرا إلى غدير من الماء ان هذا لا يصيب شيئا الا وطهره وقوله (ع) كلما أشرقت عليه الشمس فقد طهر واستدل له أيضا باطلاقات
الامر بالغسل عن النجاسات بدعوى أن ظاهر الامر سقوط التكليف باتيان المأمور به بأي وجه كان * (وفيه) * ما عرفت في
صدر المبحث من أن التمسك بالاطلاق فرع صلاحية المطلق للتقييد وهي منتفية في المقام وقد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا خفاء
في عدم اعتبار النية في الطهارة الخبيثة التي هي عبارة أخرى عن إزالة النجاسات كما أنه لا ريب في اعتبارها في الطهارة الحديثة
فما ذكره في المدارك من أن الفرق بين ما يحتاج إلى النية من الطهارة ونحوها ومالا يحتاج من إزالة النجاسات وما شابهها
ملتبس جدا لا يخلو عن نظر هذا بالنسبة إلى الحكم الواقعي الذي هو مؤدى الأدلة الاجتهادية واما بالنظر إلى ظاهر التكليف لان
المرجع في موارد الشك إلى الأصل المقرر للشاك وقد عرفت في صدر المبحث ما هو المختار لدينا من أن المرجع في مثل المقام
أصالة البراءة وان الأصل في الواجب كونه توصليا فراجع * (وهل) * ينافي القربة المعتبرة في صحة العبادة إرادة حصول شئ آخر بفعلها
بمعنى انه يعتبر فيها وقوعها خالصة لله [تعالى] بحيث لا يشوبها قصد شئ آخر فلو ضم المتوضئ إلى نية التقرب بالوضوء إرادة شئ اخر
بطل وضوئه من غير فرق بين ان يكون ذلك الشئ مباحا كالتبرد أو التسخين أو التنظيف أو غير ذلك أو محرما كالرياء ونحوه أو راجحا
شرعا كضم قصد الحمية في الصوم أم لا يبطل الا في المحرم دون المباح فضلا عن الراجح فلو توضأ كذلك كانت طهارته مجزية
أم لا يصح الا إذا كانت الضميمة تابعة في القصد بان كان الباعث الأصلي على الفعل قصد امتثال الامر بالوضوء بحيث استند
الفعل إليه لا غير فإنه يصح [ح] مطلقا أو في غير المحرم واما فيه فلا يصح [مط] أو يختص نفى الصحة في غير فرض التبعية بما عدا الراجح
شرعا واما فيه فيصح [مط] أو بشرط أن لا يكون امتثال الامر بالوضوء تابعا * (فيه) * وجوه بل أقوال أقواها التفصيل في المباح
بين ما إذا كانت الضميمة مقصودة بالأصالة أو بالتبع فيصح في الثاني دون الأول ومن المحتمل قريبا كما عن كاشف اللثام تنزيل
اطلاق القائلين بالصحة [مط] أو بالفساد [مط] على هذا التفصيل واما الضميمة المحرمة فلا تأمل في افسادها للعبادة وان كان
قد يتأمل في بعض الموارد في حرمتها كما في الرياء التبعي الذي لا يكون باعثا على العمل وسيتضح تفصيله [انش‍] واما الراجح شرعا
فلا اشكال في قصده مطلقا لو أريد من حيث كونه كذلك لا لذاته والا فكالمباح نعم صحة الوضوء في صورة تبعية قصده لا يخلو
عن تأمل فالكلام يقع في مقامات ثلاثة وليعلم أولا ان محل الكلام في المقام بالنسبة إلى الضميمة الغير المحرمة انما هو فيما إذا
كان إرادة حصول شئ آخر منضمة إلى إرادة أصل الفعل العبادي دون خصوصياته واما إذا كان أصل الفعل مأتيا به بداعي
القربة وامتثال الامر ولكن إرادة حصول امر آخر صارت سببا لترجيح بعض الافراد على بعض فإنه لا اشكال في صحته لان قضية
تعليق الامر بالطبيعة تخيير المكلف بايجادها في ضمن أي فرد شاء من افرادها الجائزة دون المحرمة كما تقرر في الأصول فله ان
يتوضأ بالماء المسخن بالشمس مع كونه مرجوحا لبعض دواعيه النفسانية فضلا عن الافراد المباحة أو الراجحة فلا وجه الاستشهاد
بعض المجوزين ببداهة جواز اختيار الماء الحار لأجل التسخن بالوضوء في الشتاء والبارد في الصيف ولذا لو صلى في مكان حار
لأجل الاستسخان وكذا الاستشهاد لجواز قصد الراجح باجهار الامام صوته في التكبيرة لاعلام المأموم لما عرفت من أن المعتبر
115

انما هو كون أصل الفعل بداعي امره [تع] واما كونه في مكان خاص أو زمان خاص أو بكيفية خاصة وغيرها من العوارض المشخصة
الخارجة من مهية المأمور به فأمرها موكول إلى مشية المكلف ما لم تندرج تحت مفهوم محرم فله اعلان صومة لتجويده فضلا
عن الاعلام وهو أجنبي عن المقام
* (المقام الأول) * فيما لو قصد بفعله حصول امر مباح فإن كان
قصده تابعا النية التقرب فلا
اشكال في الصحة والمراد بتبعية قصده أن لا يكون الباعث على الفعل بحيث يستند إليه التأثير الا قصد امتثال الامر فالتفاته
إلى حصول هذا الشئ على هذا التقدير لا يؤثر الا في تأكد عزمه وزيادة شوقه في تحصيل الفعل من دون ان يكون له مدخلية
في حصول الأثر نعم ثمرة تأكيده ربما تظهر في الموارد التي طرء على الباعث الأصلي ما يزاحمه في البعث لولا تأكده بهذه الضميمة
ولكنه في مثل هذا الفرض يخرج عن فرض التبعية ويندرج في القسم الآتي ووجه صحة الوضوء في هذا الفرض واضح لعدم
منافاته للاخلاص المعتبر في صدق الإطاعة وصحتها إذ لا يعتبر في صحة العبادة عقلا وشرعا الا ايجادها بداعي الامر
من حيث هو لا غير ولا يراد من الاخلاص الا ذلك وهذا المعنى حاصل في الفرض ولعله لا خلاف في الصحة في هذه الصورة
لقوة احتمال إرادة القائلين بالبطلان غيرها هذا إذا كان تابعا واما لو كان له مدخلية في حصول الأثر فالأقوى
بطلانه سواء كان كل من القصدين جزء المؤثر بحيث لولا الاخر لما كان باعثا على الفعل أو كان كل منهما سببا مستقلا
أولا الاخر لكن اجتماعهما أخرجهما عن الاستقلال وجه البطلان منافاته للاخلاص الذي يدل على وجوبه مضافا إلى
إرسالهم له إرسال المسلمات الكاشف عن كونه بديهيا عندهم فضلا عن كونه اجماعيا وتوقف صدق الإطاعة عليه
وعدم حصول قصد التقرب الا به ما يستظهر من غير واحد من الآيات والاخبار من أن الله تعالى لا يقبل من
الاعمال
الا ما كان خالصا له وربما يقرب الصحة في القسم الثاني كما عن كاشف الغطاء قال شيخنا المرتضى [ره] في توجيهه ولعله
لدعوى صدق الامتثال [ح] وجواز استناد الفعل إلى داعى الامر لان وجود الداعي المباح وعدمه [ح] على السواء نعم يجوز
استناده إلى الداعي المباح أيضا لكن القادح عدم جواز الاستناد إلى الامر لا جواز الاستناد إلى غيره الا ترى أنه لو امر المولى
بشئ وأمر الوالد بذلك الشئ فاتى العبد مريدا لامتثالهما بحيث يكون كل منهما كافيا في بعثه لو انفرد عد ممتثلا لهما * (وفيه) * منع
جواز استناد الفعل إلى كل منهما لامتناع وحدة الأثر وتعدد المؤثر ولا إلى أحدهما للزوم الترجيح بلا مرجح بل هو مستند
إلى المجموع والمفروض ان ظاهر أدلة الاخلاص واعتبار القربة ينفى مدخلية شئ آخر في العمل واما المثال المذكور فيمنع فيه
صدق امتثال كل من المولى والأب نعم لما اجتمع الامر ان في فعل شخصي واحد لا يمكن التعدد فيه لم يكن بد من الاتيان
به مريدا لموافقة الامرين وهذا غاية ما يمكن في هذا الفرض من موافقة الامر بخلاف ما نحن فيه فإنه يمكن تخليص الداعي
لموافقة الامر وتحصيل التبرد بغير الوضوء إن أمكن والا فعليه تضعيف داعى التبرد وتقوية داعى الاخلاص فان الباعثين المستقلين
يمكن ملاحظة أحدهما دون الاخر كما لو امر الشارع بانقاذ ولده الغريق فإنه قد ينقذه لمحض محبة الولد من غير ملاحظة امن
الشارع وان كان ينقذه لو كان غير ابنه لمحض الامر ولو تكلفا لا عن شوق وقد يكون الامر بالعكس كجميع ما كان يصدر عن أمير
المؤمنين صلوات الله عليه من المشتهيات والملاذ النفسانية حيث كانت تصدر منه لموافقة أوامر الله المتعلقة بها
باعتبار من الاعتبارات مع وجود الداعي المستقل الاخر بحيث لو فرضنا عدم رجحان ارتكابه شرعا من وجه من الوجوه كان
يرتكبه بمقتضى الداعي النفساني الموجود فيه * (انتهى) * كلامه رفع مقامه ولكنك خبير بان تضعيف الداعي النفساني قد لا يكون
ميسورا حتى يصح تعلق التكليف به أترى امكان تكليف الأب في المثال المذكور بوجوب أن لا يكون انقاذ الابن من حيث
هو مقصودا له أو تكليف الجائع الذي لا يصبر عن الطعام الواجب في حقه الأكل حفظا لنفسه بان لا يكون الشبع من حيث
هو مراده والأكل وكذا من كان مقهورا بإرادته تنظيف وجهه لولا الامر بالوضوء فإنه لا يمكنه تخصيص الأثر بالسبب الاخر
نعم لو كان القصد المؤثر في الفعل مجرد الملاحظة أو الاخطار الصوري لكان ذلك ميسورا لكل أحد [مط] وإذ ليس فليس
[فح] اما ان يلتزم بارتفاع وجوب الوضوء انتقال فرضه إلى التيمم أو يقال بكفاية ايجاد الفعل بداعي القربة مع انضمامها
إلى إرادة حصول امر مباح في سقوط الامر وحصول الانقياد لكونه هو القدر الممكن في مقام الإطاعة في الفرض والأول مع
مخالفته لظواهر الأدلة فاسد بديهة لا يلتزم به أحد فتعين الثاني اللهم الا ان يقال بوجوب البناء في مثل الفرض على وقوعه
امتثالا للامر وكفاية هذا البناء في الاستناد إلى داعى الامر دون السبب الاخر فتأمل ولعل وضوح صحة الوضوء في هذا
الفرض هو الذي جرء كاشف الغطاء ومن تابعه على اطلاق القول بالصحة في نظير الفرض حتى في حال التمكن الا انه في غاية
116

الاشكال إذ لا ملازمة بين الصورتين لامكان اختلاف مراتب الإطاعة بالنسبة إلى حال التمكن والتعذر فصحة الفعل مع
تركب الداعي حال التعذر لا تقتضي صحته [مط] * (فتأمل
المقام الثاني) * فيما لو ضم إلى نية التقرب إرادة حصول شئ محرم فإن كان
ذلك الشئ المحرم مما يتحد وجودا مع الفعل المأتي به بنية التقرب فلا ريب في فساده [مط] سواء كان تابعا في القصد أو مقصودا
بالأصالة منضما ارادته إلى إرادة أصل الفعل أو خصوصياته لاستحالة كون المحرم عبادة واختلاف الجهات غير مجد في ذلك كما تحقق في
الأصول فإرادة حصول الحرام بفعله الذي يتقرب به تستلزم قصد التقرب بالفعل الذي لا يكون مأمورا به هذا مع انا لو قلنا بامكان
اجتماع الامر والنهى في الفرد الخارجي لكان قصد حصول الحرام منافيا للاخلاص المعتبر في الصحة إذا انضم قصده إلى قصد أصل الفعل
كما في المباح وان كان ذلك الشئ المحرم من قبيل الغاية للفعل العبادي فحكمه المباح في كون قصد حصوله منضما إلى نية التقرب
بنفس الفعل مفسدا لمنافاته للاخلاص وبدونه فلا هذا لو لم نقل بكون الفعل المأتي به لغاية محرمة محرما اما لفحوى حرمة إعانة
الغير على الاثم أو غيرها من الأدلة التعبدية أو لأجل الالتزام بحرمة مقدمة الحرام إذا كان ترتب الحرام عليها مقصودا للعامل كما هو
المفروض فيما نحن فيه والا فحكمه حكم القسم الأول في كونه مفسدا مطلقا
* (بقي الكلام) * في هذا المقام في بعض الموارد التي وقع التكلم
فيها بالخصوص * (منها) * الرياء ولا تأمل في حرمته في الجملة فتوى ونصا كتابا وسنة وانما الاشكال في تعيين موضوع الحكم من حيث
الاطلاق والتقييد وتشخيص المراد منه ومعرفة ما يتفرع عليه من الاحكام وطريق تعيين الموضوع هو الرجوع إلى الأخبار الواردة
في الباب والاقتصار على مفادها فلا بد من ذكرها أولا منها رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال قال النبي صلى الله عليه وآله ان الملك ليصيب
بعمل العبد مبتهجا به فإذا صعد بحسناته يقول الله عز وجل اجعلوها في سجين فإنه ليس إياي أراد بها وهذه الرواية تدل على أن
العبادة التي لم يرد بها الله تعالى تثبت في كتاب الفجار فتكون حراما * (ومنها) * رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) يجاء * (بالعبد) *
يوم القيمة قد صلى فقال يا رب قد صليت ابتغاء وجهك فيقال له هل صليت ليقال ما أحسن صلاة فلان اذهبوا به
إلى النار
ثم ذكر مثل ذلك في القتال وقراءة القرآن والصدقة وظاهر هذه الرواية سببية اعماله المذكورة في الرواية بنفسها لدخول
النار فتكون حراما * (ومنها) * رواية ابن محبوب عن أبي عبد الله (ع) قال من أظهر للناس ما يحب الله عز وجل وبارز الله بما كرهه
لقى الله وهو ماقت له ونظيرها ما عن علي (ع) عن رسول الله صلى الله عليه وآله من تزين للناس بما يحب الله وبارز الله في السر بما يكرهه الله
لقى الله وهو عليه غضبان له ماقت وظاهر الروايتين ان من أظهر عند الناس انه يعبد الله وهو لا يعبده لو خلى وطبعه لقى الله
وهو ماقت له فقوله (ع) وبارز الله بما كرهه تعبير بما هو لازم المراد مذكور استطراد البيان تعرف حال الموضوع فمناط المقت هو إظهار
العبادة للناس واحتمال كون المقت على سوء سريرته وفساد غرمه خلاف الظاهر والحاصل ان المتبادر من الروايتين ان عمل المرائي
ممقوت عند الله [تعالى] * (ومنها) * ما عن السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله سيأتي على الناس زمان تخبث سرائرهم
وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا لا يريدون به ما عند ربهم يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف يعمهم الله بعقاب فيدعونه
دعاء الغريق فلا يستجيب لهم * (ومنها) * ما عن مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن ابائه عليهم السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله سئل فيما
النجاة غدا فقال انما النجاة في أن لا تخادعوا الله فيخدعكم فإنه من يخادع الله يخدعه ويخلع منه الايمان ونفسه تخدع لو يشعر
قيل له فكيف يخادع الله قال يعمل بما امره الله ثم يريد به غيره فاتقوا الله في الرياء فإنه الشرك بالله ان المرائي يدعى يوم القيمة بأربعة
أسماء يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر حبط عملك وبطل اجرك فلا خلاص لك اليوم فالتمس اجرك ممن كنت تعمل له * (ومنها) * رواية علي بن جعفر
عن أخيه موسى (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يؤمر برجال إلى النار إلى أن قال فيقول لهم خازن النار يا أشقياء ما كان حالكم قالوا كنا
نعمل لغير الله فقيل لنا خذو أثوابكم ممن عملتم له * (وقد) * ورد في الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى ان المرائي مشرك مثل قوله (ع)
من عمل للناس كان ثوابه على الناس يا زرارة كل رياء شرك وقال قال الله عز وجل من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له وعن أبي جعفر (ع)
لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وادخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا وقد ورد في تفسير قول الله عز وجل
عن أبي جعفر (ع) أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير قول الله عز وجل فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة
ربه أحدا فقال من صلى مراءاة الناس فهو مشرك إلى أن قال ومن عمل عملا مما امر الله به مراءاة الناس فهو مشرك ولا يقبل الله عمل
مراء ودلالة هذه الأخبار الكثيرة على بطلان عمل المرائي على ما يتفاهم منها عرفا لا تقصر عن دلالتها على الحرمة فلا حاجة في
اثبات المطلوب إلى التشبث باستحالة كون العبادة حراما هذا مضافا إلى الأخبار الكثيرة المستفيضة الناهية عن الرياء
والسمعة المعللة بان من عمل لغير الله وكله الله إلى من عمل له أو إلى عمله وان العمل الذي يراد به الناس كان ثوابه على الناس
117

وان الله تعالى لا يقبله الا إذا كان خالصا له إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الصريحة في كون عمل المرائي مردودا غير
مقبول عند الله والمتبادر من رد العمل وعدم قبوله على ما يفهمه العرف بطلان العبادة لو لم نقل باستلزامه ذلك عقلا
كمالا يخفى وجهه فما عن السيد [ره] من أن عمل المرائي صحيح مسقط للامر ولكنه غير مقبول عند الله لان الصحة أعم من القبول
كما يدل عليه قوله [تعالى] انما يتقبل الله من المتقين وغيره من الآيات ضعيف في الغاية إذ بعد تسليم امكان عدم القبول مع كون
المأتي به موافقا للمأمور به وجواز سقوط الامر العبادي مع كون العمل مردودا حال كون المكلف متمكنا من ايجاد الفعل ثانيا
يتوجه عليه أولا ما عرفت من ظهور عدم القبول عرفا في بطلانه واما القبول في الآية فلعل المراد منه والله العالم هو القبول الكامل
الحسن الموجب لمزيد الاجر وارتفاع الدرجة لا القبول الذي يقابله الرد كما هو ظاهر اخبار الباب بل صريحها حتى ينافي عدمه لقاعدة
الاجزاء التي يستقل بها العقل أو ان المراد من القبول معناه الحقيقي ووجه عدم قبول اعمال غير المتقين عدم استيفاء عملهم
غالبا شرائط التكليف فيكون اعمالهم غالبا من قبيل صدقة السارق وصلاة الغاصب وقد ورد في الخبر ان المراد من المتقين هم
الشيعة فتخرج الآية على هذا التقدير من معرض الاستشهاد وكيف كان فلا يجوز رفع اليد عن المحكمات بالمتشابهات هذا مضافا
إلى ما عرفت من دلالة الأخبار السابقة على البطلان بشهادة العرف وحكومة العقل والقول بجواز اجتماع الامر والنهى لا يجدى
في المقام فان المسألة من قبيل النهى في العبادة كما أشرنا إليه اجمالا وستعرف تفصيله [انش‍] ولم يقل أحد بالجواز فيها ودعوى أن
المحرم هو قصد المرائي لا فعله فليس المأمور به متعلقا للنهي يكذبها الأخبار السابقة الظاهرة في كون العمل محرما مكتوبا في
سجين مضافا إلى شهادة العرف واللغة بان الرياء هو العمل الذي يقصد به المدح لا القصد المجرد هذا مع أن قصد المرائي
ينافي الاخلاص كما عرفت في المباح فكيف يصح القول بصحة عمل المرائي على اطلاقه نعم لو تعلق قصده بالرياء في خصوصيات العمل
لا يخلو قوله عن وجه على هذا التقدير * (فتأمل) * ثم إن المحصل من مجموع الاخبار ان العمل الذي يوجد في الخارج بعنوان الإطاعة لله
تعالى لو كان الباعث على حصوله بهذا العنوان إرادة إرائة الغير باطل ومحرم سواء كانت الإراءة سببا مستقلا في البعث أو كان لها
مدخلية في ذلك وبعبارة أخرى ان غاية ما يستفاد من الاخبار ان قصد إرائة الغير واظهار الكمال لديهم في العبادة بالعبادة
مفسد للعبادة وموجب لحرمتها * (واما) * حرمة ما عدى ما ذكر فلا تكاد تظهر من شئ من اخبار الباب و [ح] فان قلنا بان المتبادر
من الرياء في اطلاقات الشارع وعرف المتشرعة هو هذا المعنى الذي ادعينا استفادته من الاخبار كما يؤيده ظاهر ما عن بعض علماء
الاخلاق في تفسير الرياء من أنه طلب المنزلة عند غيره [تعالى] بالعبادة فلا اشكال والا فلو قلنا بان الرياء يطلق لغة وعرفا على
مطلق الفعل الذي يراد به إرائة الغير فتقييد موضوع الحكم بالقيود المذكورة أعني تخصيص الحرمة بالرياء في العبادة من حيث
كونها عبادة حال كونه مؤثرا في حصول أصل الفعل أو كيفياته وخصوصياته بان كان سببا أو جزء من السبب لا مطلق الرياء
ولا الرياء في العبادة من غير جهة كونها عبادة كما لو قصد بقيامه في صلاته النظر إلى متاع صديقه ليوصف بذلك بحسن الصداقة
وشدة الاهتمام في حفظ أموال الصديق ولا الرياء التبعي الذي لا تأثير له في العمل أصلا لقصور اخبار الحرمة عن شمول
غير المذكور وعدم دليل فيما عداه على الحرمة لو لم يكن على عدمها إذ لا عموم في المقام بحيث يمكن استفادة حكم الرياء في غير
العبادة منه وقوله (ع) في الرواية المتقدمة يا زرارة كل رياء شرك لا يدل على العموم لوجوب تقييده بالعبادات بقرينة
حمل الشرك عليه لان حمل الشرك على مطلق الرياء بحيث يعم غير العبادات لا يستقيم الا بإرادة التشبيه في المبغوضية أو بارتكاب
التأويل بدعوى أن المرائي حيث اتخذ إلهه هواه فقد جعل مع الله إلها اخر فهو مشرك بهذا الاعتبار ولكنك خبير بما في
هذا التوجيه من مخالفة الظاهر لان ظاهر حمل الشرك على الرياء كون العمل المأتي به رياء بنفسه شركا أي مأتيا به لله [تعالى]
ولغيره فيجب ان يكون مورده العبادة لأنها هي التي يكون الرياء فيها شركا سواء كان الرياء جزء سبب الفعل أو تمامه اما
على الأول فواضح واما على الثاني فلوقوع ظاهر العمل لله [تعالى] وباطنه للغير هذا مع أن سوق الرواية يشهد بذلك فان
المقصود بقوله (ع) من عمل للناس كان ثوابه على الناس هو ان يأتي بعبادة الله للناس والا فهو من قبيل إظهار البديهي فقوله
بعد ذلك يا زرارة كل رياء شرك مسوق لبيان مفسدة أخرى لعمله أعظم من حبط اجره والتنبيه على أن
مطلقه مندرج في
موضوع القضية المذكورة أولا بشهادة قول عز وجل من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له ثم لم سلمنا عموم الرياء وفسرنا الشرك
بما يناسب العموم نقول لا دليل على حرمة الشرك بهذا المعنى غاية الأمر دلالة الرواية على اعتبار الاخلاص في صحة العبادة
وبطلانها بسبب الرياء وعدم كون عمل المرائي مقبولا عند الله تعالى واما حرمة الفعل بحيث يعاقب عليه فلا تستفاد من
118

هذه الرواية كيف ولو بنينا على حرمة الرياء في سائر الأعمال للزم كون أغلب اعمال أكثر أرباب الكمالات حراما حيث لا يقصدون
بعملهم الا إظهار كمالاتهم تحصيلا للمنزلة عند الناس ولا يعد عملهم من المنكرات عند المتشرعة مع أنها
لو كانت محرمة
لكانت حرمتها لعموم البلوى بها كحرمة الغيبة والكذب معروفة عند العوام فضلا عن العلماء فالانصاف انه لا ريب في
نفى حرمته شرعا في غير العبادات وان كان مذموما في الغاية لكونه ناشئا من حب الجاه الذي ينبغي التحرز عنه كغيره من المهالك
التي تصدى لبيانها علماء الاخلاق واما اعتبار قيد الحيثية في موضوع الحرمة فلانصراف ما دل على الحرمة بل صراحة
أغلبها في ذلك كمالا يخفى على المتأمل بل وكذا ما دل على أن من عمل للناس كان ثوابه على الناس وان الرياء شرك وان المرائي
مشرك وان عمله غير مقبول عند الله [تعالى] لظهور الجميع في وقوع العمل للغير بالعنوان الذي يقع به لله [تعالى] بقرينة ذكر الثواب وانصراف
لفظ الرياء والشرك في العبادة إليه واما الرياء التبعي الذي لا تأثير له في حصول الفعل وخصوصياته فلا تأمل في قصور
الاخبار عن إفادة حرمته وابطاله للعبادة بل التأمل في صدق الرياء عليه لان صدق كون العمل رياء فرع استناده إليه وتأثيره
فيه ومجرد السرور بروية الغير وازدياد الشوق بها وقصد حصولها من دون ان يؤثر في العمل لا يسمى رياء في العرف واللغة
هذا مع أن المتبع هو اخبار الباب وهي مخصوصة بما إذا كان العمل للغير كما هو مفاد أغلبها أو كان الغير شريكا في العمل كما
يستفاد من بعضها أو كان له مدخلية في حصول الفعل على ما يظهر من بعض اخر ولا ريب ان مدخلية في حصول الفعل من
دون ان يكون من اجزاء علته غير معقولة وكونه جزء خلاف فرض التبعية فما في عبارة شيخنا المرتضى [ره] من الاستشكال
في الفرض المزبور نظرا إلى اطلاق قوله (ع) في صحيحة زرارة المتقدمة ثم ادخل فيه رضا أحد من الناس حيث قال فإنه يصدق
على مثل ما نحن فيه لان الفعل مستند إلى الداعي المتأكد فللمؤكد دخل في هذا الداعي الشخصي لا يخلو عن نظر * (توضيحه) * انه
لا يعقل المدخلية الا ان يكون تصور رؤية الغير كتصور امتثال الامر باعثا على تحريك الأعصاب والعضلات التحصيل
الفعل ولازمه ان يكون قصد حصول كل من الغايتين في عرض الاخر وهذا ينافي فرض التبعية بالمعنى الذي تقدم في المباح
واما فرض التبعية بالمعنى المتقدم فلا يتم الا فيما إذا كان الباعث على العمل مجرد تصور امر الشارع وإرادة امتثاله من حيث
هو مع الالتفات إلى حصول غاية أخرى محبوبة للمكلف مترتبة على العمل حال كونه مسرورا بحصول تلك
الغاية المحبوبة له الموجبة
لمزيد الشوق في امتثال الامر من دون ان يكون لحصولها مدخلية في حصول الفعل وجودا وعدما والا للزم بطلان العبادة
بالضميمة التبعية المباحة أيضا لمنافاته للاخلاص المعتبر في صحتها مع أنه [قده] صرح في المباح بعدم منافاته له * (وبما) * ذكرنا ظهر أن
تسمية هذا القصد التبعي إرادة وقصدا مسامحة لان الإرادة هو الشوق المؤكد الموجب لتحريك الأعصاب والعضلات
وهذا القصد التبعي ليس بهذه المثابة بل هو من مقولة الشوق والمحبة لا من سنخ الإرادة نعم له شأنية صيرورته جزء من السبب
واندراجه في سنخ الإرادة لو طرء على الباعث الأصلي ما يزاحمه في البعث لولا انضمامه إلى هذا الشوق والمحبة الا انه في هذا
الفرض يخرج من فرض التبعية واما بدون عروض المزاحم فلا يكون ذلك الا مجرد المحبة والسرور الموجب لازدياد الشوق من
دون ان يكون لزيادته تأثير في حصول الأثر وقد ورد نفى البأس عن مثل ذلك في حسنة زرارة قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل
يعمل العمل من الخير فيراه الانسان فيسره ذلك فقال لا بأس ما من أحد الا ويحب ان يظهر للناس الخير إذا لم يكن يصنع ذلك لذلك
ومن المعلوم ان الرياء انما يكون تبعيا إذا لم يكن يصنع ذلك لذلك والا فهو جزء من السبب أو سبب مستقل كمالا يخفى ولا ينافي
ما ذكرناه قوله (ع) للمرائي ثلاث علامات ينشط إذا رأى الناس ويكسل إذا كان وحده ويحب ان يحمد في جميع أموره ضرورة كون
كل واحدة من العلائم علامة في الغالب لا من اللوازم التي لا تنفك والا لعارضها الحسنة السابقة وغيرها من الروايات الأخر
هذا مع أن النشاط برؤية الناس يستلزم غالبا تغيير الكيفية فلا ينفك غالبا عن المدخلية في التأثير والرواية منزلة على الغالب
والكلام في فرض عدم التأثير * (وليعلم) * انه لا فرق في بطلان العمل بالرياء بين حصول قصده من أول العمل أو في أثنائه لو تشاغل
بجزء منه واقتصر عليه لان بطلان الجزء يستلزم بطلان الكل بديهة واما لو لم يتشاغل بشئ من الاجزاء حال عروض قصد الرياء
واتى بباقي الاجزاء بعد زوال قصد الرياء فلا ينبغي التأمل في صحة العمل وما يترائى من منافاته لما ذكروه من اعتبار استدامة
النية حكما إلى اخر العمل ففيه ما سيجئ * (توضيحه) * من أن المراد اعتبارها حال الاشتغال باجزاء العمل حتى لا يكون شئ منها لا عن نية
لا ان نية رفع اليد عن الوضوء في أثناء الوضوء كالحدث مبطل للوضوء ومخرج للاجزاء السابقة من قابلية الاتمام واما لو تشاغل
بجزء منه وارتدع عن قصده وتداركه قبل فوات محله فالأقوى أيضا صحته لو لم يكن التدارك مخلا من جهة أخرى كفوات
119

الموالاة في الوضوء أو الزيادة العمدية في الصلاة لو قلنا بعموم أدلتها لمثل المقام * (ودعوى) * انه يصدق في الفرض انه أشرك
مع الله تعالى غيره في العمل وادخل رضا أحد من الناس فيه وان رفع اليد عن الجزء المأتي به رياء وتداركه لا يؤثر في رفع الصدق
المزبور بعد تحققه * (مدفوعة) * أولا بمنع عدم تأثير رفع اليد والتدارك في نفى الصدق فإنهما بمنزلة؟؟ الجزء الفاسد في المركبات
الخارجية الموجب لالتيام المركب مما عداه فبعد رفع اليد والتدارك يلتئم المركب مما عداه ولا يصدق على ما عداه شئ من منجزين؟
وثانيا بما سنوضحه فيما بعد [انش‍] من أن معروض البطلان أولا وبالذات هو الجزء وبطلان الكل مسبب عنه من حيث النقيصة ولازمه
صحة المركب على تقدير التدارك ولو راءى في بعض الاجزاء التي لا مدخلية لها في قوام المهية بل هي من محسنات الفرد بان كان
جزء مستحبيا للمهية المأمور بها منشأ لصيرورة الفرد المشتمل عليه أفضل الافراد فقد يقال ببطلان العبادة المشتملة عليه نظرا إلى
صدق الروايتين المتقدمتين على الفرد الموجود في الخارج لصحة قولنا انه ادخل في هذا العمل رضا أحد من الناس وأشرك مع الله
تعالى غيره فيه ولكن الأظهر الصحة أيضا لان معروض البطلان أولا وبالذات هو الجزء الريائي فلو قنت في صلاته رياء فكما
يصح ان يقال إنه أشرك مع الله [تعالى] غيره في صلاته كذلك يصح ان يقال إنه أشرك في قنوته وادخل فيه رضا أحد لان اجزاء العمل
أيضا عمل عند العرف والعقل ومن المعلوم ان الصلاة والقنوت ليستا مصداقين للعام على سبيل التواطؤ لاستحالة كون
رياء واحد فردين من العام فصدقه عليهما انما هو على سبيل التشكيك بمعنى ان صدقه على القنوت لذاته وعلى الصلاة بواسطته
ولازمه كون كل واحد من الاجزاء بحياله موضوعا للرواية وان لا يكون مطلوبيته لذاته أو للغير ملحوظة في صدقها و [ح] نقول
كما يصدق على القنوت انه وقع لغير الله وأشرك فيه رضا أحد كذلك يصدق على ما عدا القنوت من التكبيرة والفاتحة والركوع
والسجود وغيرها من الاجزاء انها وقعت خالصة لله [تعالى] فيترتب عليها اثرها وهو سقوط الامر الغيري المتعلق بكل منها بايجاده
والتيام الكل بانضمامها وسقوط الامر المتعلق بمهية الكل من حيث هي * (نعم) * اثر وقوع القنوت رياء عدم انضمامه إلى سائر الأجزاء
وعدم سقوط الامر المتعلق به بفعله وعدم حصول الامتثال للامر المتعلق بالفرد الأفضل الا ان امتثال هذا الامر كامتثال
امره الغيري غير لازم والا لما جاز تركه اختيارا وهو خلاف الفرض * (ودعوى) * ان المراد من العمل في الروايات الاعمال المستقلة التي
تعلق بها امر نفسي مع أنها بلا بنية يعتد بها يكذبها شهادة العرف بصدقها على اجزاء العمل خصوصا فيما لو كان للاجزاء عناوين
مستقلة ملحوظة بنظر العرف أترى هل يتوهم أحد من أهل العرف ممن سمع هذه الروايات انه يجب على من قصد بجزء من اعمال حجه
الرياء إعادة حجه في العام المقبل بمجرد افساد الجزء مع امكان التدارك أم لا يحكمون الا بوجوب إعادة هذا الجزء وكذا لو سئل
عن منشأ بطلان صلاة من قصد الرياء بركوعها فإنهم يعللونه بوقوع الركوع رياء وسببيته للبطلان لا بوقوع الرياء في الصلاة
والى ما ذكرنا يرجع ما إفادة شيخنا المرتضى [ره] في رد تخيل البطلان بالتقريب المتقدم بقوله ويدفعه انه يصدق أيضا انه اتى
بأقل الواجب تقربا إلى الله [تعالى] ومقتضى ذلك اعطاء كل مصداق حكمه فالمركب من حيث إن الجزء المستحب داخل في حقيقته متروك فاسد
ليس له ثواب ويستحق عليه العقاب باعتبار جزئه وما عدا ذلك الجزء من حيث إنه مصداق للكلى اتى به تقربا صحيح على أحسن
الأحوال * (انتهى) * كلامه رفع مقامه وقد ظهر لك مما تقدم انه لا فرق في حرمة العبادة وبطلانها بالرياء بين تعلقه بنفس مهيتها أو
بعوارضها المشخصة وأوصافها المنتزعة منها نعم لا يؤثر فيها قصد الرياء في الأوصاف المتصادفة عليها المنتزعة من موجود اخر
خارج من حقيقتها كاستقبال القبلة في الوضوء والتحنك في الصلاة ووجهه واضح لان النهى عن الصفة مرجعه إلى النهى عما به
يتحقق تلك الصفة وهو خارج من المأمور به في الفرض فلا يؤثر فيه والله العالم
* (واما) * السمعة وهي ان يقصد بالعمل سماع الناس فيعظم
رتبته عندهم فهي كالرياء في جميع ما تقدم بل هي من افراده بناء على تفسير الرياء بما تقدم عن بعض علماء الاخلاق وكيف كان فلا
اشكال في حكمها لعموم أكثر الأخبار المتقدمة وخصوص بعضها المصرحة بلفظ السمعة * (واما) * العجب فهو على ما ذكره بعض علماء الاخلاق
اعظام النعمة والركون إليها مع نسيان اضافتها إلى المنعم ولا بد من أن يعمم النعمة في كلامه بحيث يعم مطلق ما يحسبه المعجب نعمة وفضيلة
وإن لم يكن الامر كما ظنه في نفس الامر حتى لا ينتقض التعريف بالقبايح التي يرتكبها الجهال ويزعمونها رجولية وكما لاوهم معجبون بها
ونظيرها العبادات الفاسدة التي يعجب بها العامل وهو يحسب أنه يحسن صنعا وكذا لا ينتقض في غير الاعمال بعجبه بما يظنه فضيلة
وهو في الحقيقة رذيلة كما لو أعجبه انتسابه إلى بعض الظلمة والفساق أو رأيه الخطاء الذي يحسبه علما شريفا دقيقا لم يسبقه إليه أحد
إلى غير ذلك من مواضع الغرور وكيف كان فلا شبهة في أن العجب [مط] من المهلكات سواء تعلق بالعبادة أم بغيرها لكونه من أعظم
أسباب الكبر الذي خطره أكثر من أن يحصى ضرورة ان العجب يرى نفسه عظيمة بواسطة ما أعجبه بل قد يكون العجب مسببا عن الكبر كما
120

لو ظن العامل نفسه صاحب تقوى ويقين فيرى مثقال ذرة من عمله خيرا من ملا الأرض من عبادة غيره فلأجل ذلك يرى عبادته من
حيث كونها صادرة عنه عظيمة فيستعظم عمل نفسه ويستحقر عبادة غيره عكس ما هو من أوصاف المؤمنين قال بعض العارفين في وصف
العجب انه نبات حبه الكفر وارضه النفاق ومائه البغي وأغصانه الجهل وورقه الضلالة وثمره اللعنة والخلود في النار
ومن افادته الكبر ونسيان الذنوب والغرور والفتور في السعي في رفع المنقصة وكفى به في كونه من المهالك الا انه مع ذلك لا ينبغي
التأمل في عدم كونه حراما شرعيا بحيث يعاقب عليه من حيث هو في غير العبادات واما فيها فخطره أعظم ومفسدته أشد
لمنافاته للخضوع والخشوع والتذلل لله [تعالى] التي هي غاية امر العباد بالعبادات ومزاحمته للفوز إلى مقام العبودية لله [تعالى]
التي هي غاية الغايات واستلزامه المناقشة في الحساب التي لا يسلم منها أحد كما يشهد بها الاعتبار وتستشم من بعض الأخبار
مضافا إلى ما ورد في غير واحد من الاخبار من ذمه ولذا وقع الكلام فيه فيما يتعلق منه بالعبادات في مقامين أحدهما في حرمته
شرعا والاخر في بطلان العبادة به وقد ظهر لك مما تقدم ان العجب في العبادة عبارة من اعظام العبادة واما رؤية الانسان
نفسه عظيمة فهي كبر متولد من العجب فما ذكره بعض السادة المعاصرين من أن العجب بالعبادة ان يجد العامل نفسه عظيمة بسبب
عمله مبتهجة به خارجة من حد التقصير لا الابتهاج بتوفيق الله تعالى وتأييده للعمل لا يخلو عن مسامحة نعم لا يبعد دعوى أن اعظام
النفس بالعمل أيضا من مصاديق العجب بنحو من الاعتبار لا ان العجب منحصر فيه كما هو ظاهر التعريف * (ثم) * انه لو انضم إلى عجبه بالعمل
المنة على الله [تعالى] أو تعجب من تأخير إجابة الله دعائه وتوقع منه [تعالى] سرعة الاستجابة سمى ذلك منه ادلالا على ما شهد به البعض
المتقدم ذكره في ذيل عبارته المتقدمة وكيف كان فنقول في تحقيق المقام أنه قال في الجواهر وربما الحق بعض مشايخنا العجب المقارن
للعمل بالرياء في الافساد ولم اعرفه لاحد غيره بل قد يظهر من الأصحاب خلافه لمكان حصرهم المفسدات وذكرهم الرياء وترك العجب
مع غلبة الذهن إلى الانتقال إليه عند ذكر الرياء نعم هو من الأمور القبيحة والأشياء المحرمة المقللة لثواب الاعمال * (انتهى) * وقال
السيد المعاصر لا ينبغي التأمل في حرمته لاخبار كثيرة منها ان الذنب خير منه وان المدل لا يصعد عمله وان ترك العمل خير منه
مع العجب وان سيئة تسؤك خير من حسنة تعجبك وانه من المهلكات * (ومنها) * قال إبليس إذا استمكنت من ابن آدم في ثلاثة لم أبال
ما عمل فإنه غير مقبول منه إذا استكثر عمله ونسي ذنبه ودخله العجب وفي حديث أبي عبيدة يأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله
ورضاه عن نفسه فيتباعد عنى وهو يظن أنه يتقرب إلى غيرها من الاخبار واما بطلان العبادة به ففي مصابيح جدي العلامة لا يبطل
بالعجب وان حرم ثم حكى عن الجواهر نسبته إلى ظاهر الأصحاب إلى أن قال لكن البطلان قوى جدا لظهوره من اخباره سواء كان مقارنا
للعمل أو متقدما باقيا إلى حال التلبس بل ولو متأخرا عنه بعد الفراغ لان ابطاله ليس بجعله غاية كالرياء حتى لا
يعقل تعلقه بالماضي
فيكون من الشرط المتأخر ثم وجه الاخبار في ذيل كلامه بما لا ينافي الصحة * (و) * رد توجيهه بمخالفته للظاهر وعدم المتقضى لصرف الاخبار
عن ظاهرها لعدم العلم باعراض الأصحاب عنها * (انتهى) * وليت شعري ما صنع بالشرط المتأخر حتى أذعن بابطال العجب المتأخر زاعما
انه منه مع أن استحالة تأثير المتأخر في وجود المتقدم فطري والموارد التي يترائى ثبوته فيها كالإجارة في الفضولي بناء على الكشف
الحقيقي لا بد من تأويله بجعل الوصف الموجود في الشئ المنتزع من وجود الشئ المتأخر دخيلا فيه بمعنى الالتزام بان العقد المتعلق
يملك من جرى في علم الله [تعالى] انه يجيز العقد هو السبب التام في النقل لا غير فلا يكون للإجازة تأثير على هذا التقدير في النقل بل هي
كاشفة عن وجود الناقل ولأجل استحالة تأخر الشرطة عن المشروط وعسر الالتزام بالتوجيه المذكور التزم غير واحد من المتأخرين
بالكشف الحكمي وذهب آخرون إلى كونها ناقلة وعلى هذين التقديرين وان كانت الإجازة مؤخرة عن السبب الا انها مقدمة على
المشروط فلا محذور فيه * (و) * من المعلوم أنه لا يمكن ارتكاب مثل هذا التأويل فيما نحن فيه بل ولا الالتزام بكون عدم العجب المتأخر شرطا
في سببية الصلاة السابقة لاسقاط الامر المتعلق بها كالإجازة في الفضولي على القول بأنها ناقلة * (اما) * الثاني فليس لمجرد عدم
معقولية بقاء الامر بالكل بعد تحقق تمام اجزائه بشرائطها المعتبرة في نفس الاجزاء لكونها علة تامة للسقوط واستحالة انفكاك
المعلول عنها واشتراط حصوله بشئ آخر بل لأجل ان توقف تأثير السبب الناقص على الشرط المتأخر انما يعقل فيما إذا كان الشرط
وجوديا ذا اثر كالإجازة في الفضولي لا عدميا كما في المقام ضرورة ان شرطية العدم مرجعها إلى مانعية الوجود ولا يعقل التمانع
بين الشئ وما يتأخر عنه في الوجود حتى يجعل عدمه شرطا فتأثير العجب المتأخر كالحدث الواقع عقيب الصلاة في ابطال ما وقع
غير معقول نعم يعقل ان يكون رافعا لاثره وموجبا لحبط العمل نظير الكشف الحكمي في مسألة الفضولي الا انه لا يمكن الالتزام
به وكلام الخصم أيضا مبنى على عدمه * (واما) * عدم امكان ارتكاب التأويل المذكور بدعوى اختصاص الصحة بصلاة من لا يعرضه
121

العجب فيما بعد فوجهه واضح لان الامر بالصلاة مطلق فلا يعقل اختصاص الصحة بفعل بعض دون بعض لان الامر يقتضى الاجر
عقلا * (ودعوى) * ان حصول العجب فيما بعد كاشف عن فقد شرط وجودي أو عدمي معتبر في مهية الصلاة لا ان الصفة الانتزاعية
معتبرة حتى يتوجه ما ذكر * (مدفوعة) * بان تقييد الواجب المطلق بما لا طريق للمكلف إلى احرازه حال الفعل تكليف بما لا يطاق سلمنا
امكان ذلك ولكنه خلاف ظاهر الأدلة بعد تسليم دلالتها لأن مفادها ان نفس العجب سبب للبطلان لا ان الوصف الانتزاعي وهو
كون المكلف بحيث لا يعرضه العجب أوما هو ملزوم لذلك شرط في الصحة * (وكيف) * كان فلا شبهة في فساد هذا القول لاستلزامه بطلان
عبادة من صرف طول عمره في عبادة الله [تعالى] خالصا مخلصا لوجهه الكريم بمجرد حصول العجب بأعماله السابقة فيجب عليه اعادتها بعد
التوبة فيكون العجب على هذا التقدير أشد تأثيرا في احباط العمل من الارتداد وهو بديهي البطلان فضلا عن مخالفته للاجماع واما
العجب المقارن للعمل سواء حصل في ابتداء العمل أو طرء في الأثناء فقد سمعت من الجواهر ان ظاهر الأصحاب عدم كونه مفسدا بل لم يعرف
قائلا بخلافه الا بعض مشايخه نعم قد يستظهر من الأخبار السابقة بطلان العمل به ويؤيده ما في بعض الأدعية من قوله (ع) لا تفسد عبادتي
بالعجب ولكن في الاستظهار نظر ظاهر لظهور الجميع في كون العجب موجبا لنقص العامل وعدم قابليته لتأثير العبادة فيه لا سببا لكون العمل
فاقد الشرائط الصحة هذا مع أن اطلاق الاخبار يعم العجب المتأخر وقد عرفت امتناع كونه مفسدا للعمل السابق حقيقة فلا بد من
حمل الاخبار على معنى يصح اثباته للعجب المتأخر ككونه موجبا لحبط العمل إن أمكن الالتزام به أو مانعا من تأثير العبادة في رفع الدرجة
والفوز إلى المقامات العالية أو غيرهما من المعاني المحتملة وتخصيصها بالعجب المقارن خلاف ما يشهد به جل الاخبار كمالا يخفى و
في الجواهر بعد أن ذكر الاخبار التي يتوهم ظهورها في كون العجب مفسدا للعمل قال والكل كما ترى وأولى ما يستدل به لذلك ما رواه
يونس بن عمار عن الصادق (ع) قال قيل له وانا حاضر الرجل يكون في صلاته خاليا فيدخله العجب فقال (ع) إذا كان أول صلاته بنية يريد
بها ربه فلا يضره ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته وليخش الشيطان فإنه بالمفهوم دال على المطلوب * (ويدل) * أيضا بالمنطوق على عدم
الافساد لو وقع في الأثناء وبالأولى الواقع بعده * (انتهى) * واعترض السيد المتقدم على استدلاله بالمنطوق على عدم الافساد بقوله وفيه
ظهور الخبر في إرادة ما يعرض في الأثناء من الهواجس والخواطر وان كان رياء أو سمعة كما هو مقتضى عموم كلمة ما انتهى * (وفي) * الاعتراض
نظر ظاهر لان عموم كلمة ما على تقدير تسليمه لا يقتضى تخصيص المورد ودعوى أن العجب الطاري غالبا من الهواجس والخطرات لا العجب
حقيقة فيستفاد حكمه من الجواب ولا يستلزم تخصيص المورد واما العجب الحقيقي الذي هو ظاهر فرض السائل فلم يتعرض الامام لجوابه لندرته
فيها مالا يخفى إذ لا شبهة في أن العجب الطاري وكذا ما يحصل بعد العمل لو لم يكن غالبا لا أقل من كونه كثيرا فيقبح اهماله في مقام الجواب
فلا محيص عن الالتزام باستفادة حكمه من جواب الإمام (ع) وان قلنا بظهوره فيما يدعيه المتعرض بدعوى أن ترك التعرض يدل على عدم الاخلال
به والا كان على الإمام (ع) بيانه * (نعم) * استدلال صاحب الجواهر [قده] لابطال العجب المقارن للنية بمفهوم الرواية لا يخلو عن غفلة لابتنائه على
اعتبار مفهوم اللقب وتقديمه على ظاهر المنطوق في الشرطية وهو سببية الشرط للجزاء بيان ذلك أن مفاد منطوق الرواية انه إذا انعقد
صلاته بنية خالصة لله [تعالى] فصلاته صحيحة ومفهومها انه إذا لم ينعقد صلاته كك فهي غير صحيحة وقوله (ع) فلا يضره ما دخله بعد ذلك
تفريع على سابقه فهي جملة خبرية سادة مسد الجزاء كقوله [تعالى] ان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين وليست بنفسها
جزاء للشرط لعدم صلاحيتها لذلك إذ لو كانت بنفسها الجزاء للزم انتفائه على تقدير انتفاء الشرط فيكون مفادها ان ما يدخله بعد
ذلك يضره على تقدير فقد الاخلاص في النية وهو غير صحيح لان التضرر يحصل على هذا التقدير من فقد الاخلاص لا من العجب الذي
دخله بعد ذلك وليس منطوق الرواية إن لم يكن العجب في ابتداء العمل فلا يضره حتى يكوم مفهومه ان كان في ابتداء العمل يضره
كما توهم و [ح] نقول ظاهر الشرطية سببية الاخلاص للصحة وسببية عدمه لعدمها ومقتضاه عدم الاخلال بالعجب المقارن لو لم يكن منافيا
للاخلاص كما أن مقتضى مفهومها بطلانها بالعجب إذا كان منافيا له كما إذا انتهى عجبه إلى أن صلى لا لمجرد إرادة الله [تعالى] بل لدفع المنقصة
عن نفسه وعدم كونه في عداد من لا يبالي بترك الصلاة وغير ذلك من الأغراض الفاسدة المنبعثة عن العجب المانعة من الخلوص واما
قوله (ع) فلا يضره ما دخله بعد ذلك فلا يدل على أن ما يدخله قبل ذلك مضر لعدم الاعتداد بمفهوم اللقب خصوصا فيما كان لذكره
نكتة ظاهرة كما فيما نحن فيه لامكان ان يكون النكتة في ذكره التنصيص على حكم ما هو مفروض السائل هذا مضافا إلى معارضة لظهور
الشرطية في السببية المنحصرة ثم إن دعوى شمول الرواية للرياء والسمعة وغيرهما من الهواجس الطارية في أثناء العمل مما لا شاهد
عليها لان عموم الموصول لا يكون الا بمقدار قابلية المحل الا ترى أنه لو سئل عما هو الاحب من الرمانتين فقيل ما كان أكبر لا يكون
دالا على محبوبية كل شئ يكون أكبر من غيره فظاهر الرواية انه لا يضره ما دخله بعد ذلك من العجب لا مطلق ما يعرض على القلب نعم
122

يحتمل قويا إرادة العموم وكون الرواية مسوقة لضرب قاعدة كلية يستفاد منها حكم العجب وغيره وهي ان طواري القلب [مط] ما لم تكن
منافية للاخلاص حال الشروع غير مضرة وتخصيص اعتبار الاخلاص بأول الصلاة لا لعدم اعتباره فيما عداه كيف وهو معتبر فيها
مطلقا بل لأجل ان الباعث على اتمام العمل غالبا ما كان باعثا على الشروع وما يدخله بعد ذلك ويظن ان له مدخلية في الفعل
من وساوس الشيطان كما يشعر به قوله بعد ذلك وليخش الشيطان فلا تعارض ما دل على اعتبار الاخلاص في تمام العمل حتى يحتاج
إلى الجمع والترجيح بين الاخبار هذا مع أن الاعتماد على مثل هذا الاحتمال مشكل بعد كون الكلام محفوفا بما يصلح ان يكون قرينة
لإرادة الخصوص
* (واما الكلام) * في حرمة العجب شرعا فملخصه انى لا اراده فعلا اختياريا مسبوقا بالعزم والإرادة حتى يصح
تعلق التكليف به فهو وان كان أشد تأثيرا في البعد عن رحمة الله [تعالى] من الحرام كما يشهد به غير واحد من الاخبار كغيره من الاخلاق
الرذيلة كحب الدنيا والحسد والبخل الا انه غير محرم شرعا كنظائره والأخبار الواردة فيه أيضا لا يكاد يظهر منها أزيد من ذلك
فالبحث عنه ليس شأن الفقيه بل هو من مسائل علم الاخلاق واما عدم كونه فعلا اختياريا فلانه اعتقاد يتولد من ضم صغرى
وجدانية إلى كبرى قطعية عقلية أو نقلية كفضيلة صلاة الليل أو الصلاة في أول وقتها أو كون الامر مقتضيا للاجزاء وعدم تعقل
التقصير في الإطاعة بعد موافقة المأتي به للمأمور به وكعدم مساواة الجاهل والعالم وان العبد المطيع خير من العاصي إلى غير ذلك
من الكبريات الصادقة التي لو وجد شيئا منها في شخص اخر للزم عليه عقلا وشرعا الاذعان بجلالة قدره وان له عند الله
شأنا من الشأن فلو أحس بشئ منها من نفسه لا يمكن تكليفه بوجوب اذعانه بخلاف ما ينتج القضية وان كان منشأ الاستنتاج
الجهل والغرور بمعنى ان العارف بجلالة الله [تعالى] البصير بمهانة نفسه لا يلتفت الا إلى نقائصه وتقصيره في الطاعة وحاصله ان
الانسان الكامل ينظر إلى نفسه بعين السخط إلى إخوانه المؤمنين بعين الرضا ولذا يتبرك بدعائهم ويتشرف بصحبتهم لا انه
بعد احراز الكمال من نفسه على سبيل القطع يجب عليه أن لا يعتقد بما ينتجه القضية لان التكليف بعدم الاعتقاد غير معقول فلو
تعلق به خطاب بظاهره يدل على ذلك لوجب صرفه وارجاعه اما إلى مباديه وهي إهمال النفس بحيث تتأثر من هذه النتائج ومرجعه
إلى وجوب تزكية النفس بحيث لا تغتر بشئ منها أو إلى وجوب ازالته بعد حصوله والتفات النفس إليه بالتفكر في سوء المنقلب
وغيره مما يؤثر في إزالة العجب أو غيرهما من المحامل اما التأويل الأول فمما لا يمكن الالتزام به ضرورة ان الله [تعالى] لم يكلف عامة
عباده على سبيل الحتم والالزام بتحصيل هذه المرتبة عن الكمال بل من رحمته الواسعة انه سلط على من أحبه النوم ومنعه من فعل ما يحبه
من العبادة حفظا له من أن يدخله العجب كما في بعض الأخبار ولم يكلفه ابتداء باعتصام نفسه عن ذلك * (واما) * التوجيه الثاني فغير بعيد
لو لم يكن وجه أقرب منه كحمل الخطاب على الارشاد والمبالغة في المبغوضية أو حمل النهى على نفى إظهاره أو ترتيب الآثار العملية عليه وغيرها
من المحامل كمالا يخفى وكيف كان فللعجب مراتب وعلى تقدير الالتزام بحرمته أو كونه مفسدا للعبادة لا بد من تخصيص الحكم ببعض مراتبه
الظاهر المنسبق إلى الذهن لا مطلقا بحيث يعم بعض مراتبه الخفي الذي لا ينفك عنه الا الأوحدي من الأكياس الذين لا ينال أدنى
درجاتهم خواص الأبرار والله العالم
* (المقام الثالث) * فيما لو ضم المتوضئ إلى نية القربة إرادة حصول امر راجح شرعا من حيث
كونه كك فلا تأمل في صحة وضوئه ما لم يكن الوضوء تابعا في القصد بالمعنى المتقدم في الضميمة التبعية بل عن المدارك عدم الخلاف
في الصحة هنا وعن شرح الدروس الاتفاق عليه ووجهه عدم منافاة الضميمة الراجحة للاخلاص المعتبر فيه لان تصادق العناوين
الراجحة على الفرد موجب لا كدية طلبه وكونه أفضل افراد المأمور به ولذا لا يرتاب أحد في أن التصدق على الفقير العالم المؤمن ذي الرحم
أفضل من فاقد هذه الأوصاف إذا نوى المتصدق بتصدقه اكرام العالم وسرور المؤمن ومواصلة ذي الرحم ومقتضى كون الفرد المأتي
به مصداقا للأوامر المتعددة حصول امتثال الجميع لو قصد الفاعل بفعله امتثال الكل فيستحق باختياره هذا الفرد مزيد الأجر والثواب
كما أن لازمه سقوط الأوامر المتعلقة به على تقدير كونها توصلية [مط] ولو لم يقصد بايجاده امتثال الجميع مثل ما لو وجب عليه الغسل و
إزالة النجاسة عن بدنه لو لم نشترط في صحة الغسل طهارة البدن فيسقط الامر بالإزالة قهرا بغسله ولو لم ينو امتثاله نعم حصول الإطاعة
واستحقاق الاجر موقوف على القصد كما في التعبديات وليعلم انه لا دخل لما نحن فيه بمسألة تداخل التكاليف التي اختلفوا فيها كما قد
يتوهم وسيجئ التعرض لبيانها في مسألة توارد الاحداث وتداخل الأغسال بماء يرتفع به غشاوة الأوهام [انش‍] واما إذا كان الوضوء
تابعا في القصد بان لا يكون سببا للفعل ولا جزء من السبب فلا يصح لتوقف الإطاعة على قصد الامتثال بالفعل وهو منتف في
الفرض لما عرفت فيما سبق من أن القصد التبعي بالمعنى المذكور ليس إرادة حقيقية بل هو من مقولة المحبة والشوق والله العالم
* (واما وقت) * النية في الوضوء فعلى ما نسب إلى المشهور من أنها هي الإرادة التفصيلية المقارنة للفعل فهو حين الاشتغال بأول جزء من اجزاء
123

الوضوء كما في غيره من العبادات من دون فرق بين ان يكون الجزء الأول من اجزائه الواجبة أو المستحبة وتوهم تعذر قصد الوجوب
حين البدئة بالجزء المستحبي؟ * (مدفوع) * بان المنوي الفرد المشتمل على الجزء لا الجزء بانفراده حتى يشكل فيه فلو أشكل لم يفرق بين كون الجزء
المندوب أول الأفعال أو في الأثناء فما يقال في توجيه الأجزاء المستحبة المتخللة فقد يقال في الجزء الأول المستحب أيضا كمالا يخفى
فلو قصد المكلف الاتيان بالوضوء المشتمل على المضمضة أو الاستنشاق فلا بد من تقديمها بحيث تقع المضمضة أو الاستنشاق منوية
حتى تصير بها جزء منه وكذا لو نوى الاتيان بالفرد المشتمل على غسل اليدين يجب ان ينوى عند أول جزء من غسل اليدين الا انه قد يتأمل
في جزئية غسل اليدين بدعوى قصور الاخبار عن افادته بل ظهورها في خلافه فيشكل التقديم [ح] حيث تنتفى المقارنة المعتبرة في صحة
العمل واثبات جزئيته بالتسامح في أدلة السنن وذهاب المشهور إليها لا يجدى لأن جواز التقديم من الآثار المخصوصة بالجزء الواقعي
فلا يترتب على الجزء المسامحي كما تقرر في الأصول واما على المختار من كفاية الامر المغروس في الذهن المعبر عنه بالداعي في صحة
العمل وانه هو النية المعتبرة في صدق الإطاعة لا خصوص الإرادة التفصيلية فيعتبر حصوله حال الفعل [مط] من دون فرق بين
الجزء الأول وغيره فلا بد من وقوع الفعل بجميع اجزائه مستندا إليه واما الإرادة التفصيلية التي يتوقف عليها حصول الداعي
فليس لها وقت موظف بل المعتبر سببيتها لانبعاث الفعل عن داعى الامتثال فكما يكفي تحققها حال الشروع في الفعل كذا
يكفي حصولها حال الاخذ بمقدمات العمل كاحضار الماء وغيره فلا يهمنا التعرض لتحقيق ان غسل اليدين هل هو جزء مستحبى أو
مستحب خارجي إذ لا يترتب عليه ثمرة معتد بها على المختار الا في قصد الجزئية وعدمها والامر فيه سهل إذ يكفي في جوازه المسامحة
في دليله لو قلنا بها فيه والا فينوي امتثال امره الواقعي على ما هو عليه في علم الله تعالى والله العالم * (والأولى) * لمن سلك سبيل
الاحتياط وتحرز عن مخالفة المشهور تجديد الإرادة التفصيلية عند المضمضة والاستنشاق بل الأحوط تأخيرها عنهما أيضا إلى أن
يتضيق وقتها وهو عند غسل الوجه المعلوم وجوبه وجزئيته لقيام احتمال الاستحباب النفسي فيهما أيضا كغسل اليدين وان
كان بعيدا الا ان الاحتياط يقتضى مراعاته * (وكيف) * كان فقد ظهر لك مما أشرنا إليه من توقف تحقق الإطاعة عرفا وعقلا
على انبعاث الفعل بجميع اجزائه عن داعى امتثال الامر وجه ما ذهب إليه المشهور بعد أن فسروا النية بالإرادة التفصيلية من أنه
يجب استدامة حكمها إلى الفراغ ومعناها الجرى على طبق ارادته الماضية بان يكون تلك الإرادة التفصيلية بحكم الموجودة
بالفعل في استناد الفعل إليها وانبعاثه عنها وكونه كذلك يتوقف على عدم انتقاله في أثناء العمل إلى نية تخالفها وعدم حصول
التردد له في امضاء الإرادة السابقة حال الالتفات إليها ويلزمه تجديد الإرادة السابقة مفصلا وإن لم يكن بقيودها
المفصلة في أول العمل حال توجه ذهنه إلى الفعل ولعل ما ذكرناه في تفسير الاستدامة الذي مرجعه إلى اعتبار انبعاث الفعل
عن الامر المركوز في الذهن الذي نسميه بالداعي ونلتزم بأنه هو النية هو لب مراد جميع العلماء القائلين باعتبار الاستدامة و
مجمع شتات عبائرهم المختلفة في تفسيرها واختلاف تفاسيرهم نشأ من اختلاف انظارهم في اثارها وقد تصدى لتأويل كلماتهم
بما يرجع إلى ما ذكرناه شيخنا المرتضى [ره] في طهارته فراجع
* (وكيف) * كان فلا شبهة في اعتبار استدامة النية بالمعنى المذكور
لتوقف صدق الإطاعة عليها عقلا وعرفا واما كفايتها وعدم الحاجة إلى اعتبار امر زائد عليها فلعدم توقف الإطاعة الا
عليها كما عرفت فيما سبق فالبحث مع المشهور انما هو في اعتبار الزائد على ذلك في أول العمل وهلا جعلوا النية الفعلية
هي التي سموها بالحكمية لا في اعتبار ذلك وقد يستدل لكفاية هذا المقدار في اجزاء العمل وعدم اعتبار الإرادة الفعلية
بتعذرها أو تعسرها حيث إن الله [تعالى] لم يجعل لرجل في جوفه من قلبين فما دام مشغولا بالاجزاء ربما يغفل عن ذلك والتكليف
بوجوب استدامته فعلا تكليف بما لا يطاق الا انه لما تعذرت الفعلية أوجبت الحكمية لان الميسور لا يسقط بالمعسور
ومالا يدرك كله لا يترك كله * (وفيه) * مالا يخفى من الضعف فالوجه ما ذكرنا ثم لا يخفى عليك ان المعتبر انما هو استدامة
حكمها حال الاشتغال باجزاء الفعل فلو نوى الخلاف في الأثناء ثم ارتدع عن قصده قبل أن يفوته الموالاة فأتمه أجزأه بلا
اشكال بل ولا خلاف فيه على ما صرح به شيخنا المرتضى [ره] في غير مورد من كلامه وما يوهمه بعض العبائر كظاهر المتن وغيره من أن
نية القطع والخلاف في أثناء الوضوء مخلة [مط] فغير مراد جزما لأن النية انما تعتبر في اجزاء العمل الذي هو عبادة لا في غيرها فالاستدامة
أو الاستمرار في كلامهم انما يلاحظ بالنسبة إلى الفعل المعدود امرا مستمرا متصلا في مقابل انقطاعها في أثناء العمل المستلزم لوقوع
جزء منه بلا نية لا بالنسبة إلى الأكوان المتخللة بين اجزاء العمل حتى يقدح فيه نية القطع في بعض تلك الأكوان ووجهه ظاهر إذ لا
يقتضى دليل اعتبار الاستدامة الا هذا المقدار * (واما) * ما تراه من التزام بعضهم بان نية القطع في أثناء الصلاة مخلة وإن لم يشتغل
124

بشئ منها فوجهه ما ذهبوا إليه من أن الأكوان المتخللة بين اجزائها من الأكوان الصلوتية يعتبر فيها ما يعتبر في اجزاء الصلاة فخلوها
عن النية مخل كسائر الاجزاء وتوضيحه في محله [انش‍]
* (تفريع) * إذا اجتمعت في المكلف أسباب متعددة للحدث الأصغر متحدة
بالنوع أو مختلفة دفعة أو مترتبة توجب أي تقتضي جميعها الوضوء في الشرع وجوبا أو استحبابا كفى وضوء واحد اجماعا بل ضرورة عند
العلماء كما في طهارة شيخنا المرتضى [ره] ولا يتوقف صحته الا على أن يأتي به بنية التقرب وامتثال الامر المتعلق به المقصود امتثاله
ولا يفتقر على المختار إلى ضم رفع الحدث إليه معينا أو مخيرا بينه وبين الاستباحة كما عرفت تفصيل الكلام فيه فيما تقدم واما على
القول الآخر فيحتاج إلى ضم رفع الحدث من حيث هو اما تعيين الحدث الذي تطهر منه فلا يعتبر قولا واحدا بل في المدارك انه مذهب
العلماء كافة وفي الجواهر بلا خلاف أجده وفي طهارة شيخنا المرتضى [ره] دعوى الوفاق عليه ووجهه ان الحدث الأصغر على ما يستفاد
من الشرع بملاحظة اتحاد لوازمه واحكامه مهية واحدة مسببة عن أسباب متعددة غير قابلة للتكرر كالقتل ونحوه ممالا يتكرر
بتكرر أسبابه لعدم قابلية المحل للتأثر فلا مجال لتوهم بقاء اثر شئ من الأسباب المختلفة بعد تحقق ما هو سبب تام لرفع طبيعة
الحدث وهو الوضوء الصحيح كما أنه لا وجه لتخصيص الرفع بالمنوي دون غيره لو نوى رفع حدث البول فقط إذا كان مجتمعا مع غيره
إذ ليس الحدث الحاصل من البول مغايرا للحدث الحاصل من غيره لا مهية ولا وجودا فلا يعقل التفكيك بل لابد اما من الالتزام برفع
الحدث [مط] أو القول ببطلان الوضوء رأسا والثاني ضعيف إذ لا برهان عليه عدا ما يتوهم من أنه
نوى امرا غير مشروع * (وفيه) * انه
نوى امتثال الامر المتعلق به فيقع صحيحا وقصده حصول بعض لوازم المأمور به أو عدم حصول ما عدا المنوي لا يؤثر في انقلاب
المهية المأمور بها عن كونها كذلك نعم للتوهم المذكور مجال لو نوى امتثال خصوص الامر المسبب عما عدا السبب الأول كالنوم الحاصل
عقيب البول على سبيل التقييد لا بان جعل الحدث النومي طريقا لاستكشاف الامر المتعلق به فان الثاني صحيح قطعا لان الحدث
النومي عين الحدث الموجود وإن لم يكن مسببا عنه لما عرفت من اتحاد مهية الحدث واما الأول فقد يتأمل في صحته نظرا إلى استحالة
تأثير ما عدا السبب الأول في المحل حتى يتوجه بسببه خطاب على المكلف فما نوى امتثاله غير متوجه إليه وما هو المتوجه إليه غير مقصود امتثاله
ولكنك عرفت في محله ان الأقوى صحته لأنه لا يعتبر في صحة العبادة الا ايجادها قربة إلى الله [تعالى] وهي أعم من قصد امتثال خصوص
الامر الشخصي بل يكفي في حصولها مجرد ايجاد الفعل لله [تعالى] لا لغيره فالمعتبر في صحة العبادة كونها بهذا العنوان فعلا اختياريا بهذا
العنوان وإن شئت قلت إن قصد امتثال الامر لا ينفك عن قصد ايجاد الفعل تحصيلا لمرضاة الله تعالى ومراده فيقع صحيحا * (وكيف) *
كان فقد ظهر مما قررنا من وحدة اثر أسباب الوضوء وعدم قابليته للتكرر وان الأثر في مثله مستند إلى السبب الأول كما في الأسباب العقلية
المتعاقبة المتواردة على مسبب واحد في الأمور الخارجية ان مسألة توارد الاحداث خارجة من موضوع اختلاف العلماء فيما تقتضيه
الأصل حال اجتماع الأسباب من التداخل وعدمه لعدم قابلية المحل الا للتداخل لو وجدت الأسباب دفعة وللتأثر من السبب
الأول ان ترتبت كما هو الشأن في جميع المعاليل بالمقايسة إلى عللها الواقعية فلا مجال لتوهم الخلاف حتى يقع الاختلاف في موافقته
للأصل أو مخالفته فان التداخل في مثل المقام قهري عقلا فهو عزيمة لا رخصة كمالا يتوهم الخلاف مع اختلاف المسببات ذاتا
ومبائنتها كلية كما لو قال الشارع ان أفطرت فأعتق عبدا حبشيا وان ظاهرت فأعتق عبدا غير حبشي فان عدم التداخل في مثله
عقلي فمورد الكلام والاشكال انما هو فيما إذا اتحدت مهية المسبب وأمكن تأثير كل سبب فيها بان كانت المهية قابلة للتكرر كالضرب
والاكرام وكذا منزوحات البئر فان نزح أربعين مرتين لوقوع شاتين أو شاة وكلب امر ممكن وكذا تضعيف نجاسة
ماء البئر بتكرر
أسبابها امر معقول وتنظيرها على نجاسة الثوب والبدن وغيرهما قياس مع وجود الفارق بين البئر وغيرهما كمالا يخفى واما إذا تغايرت
مهيات المسببات وتصادقت في بعض المصاديق فلتوهم الخلاف في تداخل المسببات في مورد الاجتماع مجال الا انه أيضا بحسب الظاهر
خارج من موضوع مسألة التداخل التي وقع الاختلاف فيها فان موضوعها على ما يظهر انما يتحقق في الفرض الأول ولابد لنا
من التعرض لتحقيق ما هو الحق في كلا الفرضين مقدمة للمسألة الآتية مع أن المطلب بنفسه من المهمات * (فأقول) * مستعينا بالله [تعالى] إذا
رتب المولى جزاء واحدا على أسباب متعددة كان قال إن جاءك زيد فاعطه درهما وان سلم عليك فاعطه درهما وان أكرمك فاعطه
درهما إلى غير ذلك فهل يجب على العبد عند اجتماع بعض تلك الأسباب مع بعض الاتيان لكل سبب بجزاء مخصوص أم لا يجب الا ايجاد
طبيعة الجزاء فيقع امتثالا للكل ذهب المشهور على ما نسب إليهم إلى الأول واختار جماعة منهم المحقق الخونساري على ما حكى عنه القول
الثاني وعن الحلي التفصيل بين اتحاد الجنس وتعدده * (وليعلم) * أولا ان الشك في كفاية فعل واحد في مقام الامتثال قد يكون مسببا
عن الشك في تأثير كل سبب على نحو الاستقلال فيؤول الشك إلى أن كل واحد من هذه الأسباب هل هو سبب مستقل على الاطلاق أو ان
125

تأثره مستقلا مشروط بعدم اقترانه أو مسبوقيته بسبب آخر فيكن بمنزلة الحدث الواقع عقيب حدث أو معه وقد يكون الشك مسببا
عن أن الفعل الواحد هل يقع امتثالا للأوامر المتعددة المسببة عن الأسباب المختلفة نظير ما مر عليك في الضميمة الراجحة من وقوع
الفعل الواحد الشخصي امتثالا للأوامر المتعددة المتعلقة بالعناوين المختلفة المتصادقة عليه فعلى الأول يكون الشك في تداخل
الأسباب بمعنى عدم تأثيرها الا في مسبب واحد وعلى الثاني يكون الشك في تداخل المسببات ومقتضى الأصل العملي في الأول البراءة
لرجوع الشك فيه إلى الشك في وحدة التكليف وتعدده فالزائد عن المعلوم ينفى بالأصل وفي الثاني الاشتغال لان كفاية
الفعل الواحد في مقام الامتثال غير معلومة فيجب عليه الاحتياط حتى يقطع بالفراغ ولعل هذا هو مراد من أطلق القول وقال
الأصل عدم التداخل أو انه عنى بالأصل ما يقتضيه القواعد اللفظية فيما إذا كان الدليل لفظيا والا فقد عرفت أن الأصل
في الأسباب التداخل واما مقتضى القواعد اللفظية فإنما هو سببية كل شرط للجزاء مستقلا كما تقرر في الأصول ومقتضاه
تعدد اشتغال ذمة المكلف يتعدد سببه لان مقتضى اطلاق سببية كل شرط تنجز الامر بالجزاء عند حصوله ومقتضى
تنجز الخطاب عند كل سبب حصول اشتغال الذمة للمكلف بفعل الجزاء بعدد الخطابات المتوجهة إليه فكان المولى قال في المثال
المفروض في أول العنوان بعد حصول الأسباب المفروضة اعط زيدا درهما لأجل مجيئه واعطه درهما لأجل اكرامه إلى غير ذلك
* (ومن) * المعلوم أنه لا يعقل تعدد التكليف والاشتغال الا مع تعدد المشتغل به فإذا اشتغلت ذمته باعطاء درهم مرتين يجب عليه
اعطاء درهمين لان اعطاء درهم واحد لا يعقل ان يقع امتثالا لامرين الا ان يكون الأمر الثاني تأكيدا للامر الأول وكونه
كذلك ممتنع بعد فرض تأثير السبب الثاني في الفعل إذ لا يمكن ان يكون قوله اعط زيدا درهما لأجل مجيئه تأكيدا لقوله اعط
زيدا درهما لأجل اكرامه وبما ذكرنا ظهر ضعف ما قد يتوهم من أن اللازم من تعدد السبب انما هو تعدد الوجوب وهو لا يقتضى تعدد الواجب
بل قد يجتمع ايجابات متعددة في واجب واحد للتأكيد أو لجهات متعددة كما لو قتل زيد بسبب الارتداد وقتل النفس المحترمة والزنا بمحصنة
ونظائره في الشرعيات كثيرة توضيح ما فيه من الضعف انه لا شبهة في أن السبب الأول سبب تام في اشتغال ذمة المكلف بايجاد الجزاء
في الخارج والسبب الثاني ان اثر في اشتغال ذمته ثانيا وجب ان يكون اثره اشتغالا آخر غير الاشتغال الأول لان تأثير المتأخر في
وجود المتقدم غير معقول وتعدد الاشتغال مع وحدة الفعل المشتغل به ذاتا ووجودا غير متصور وإن شئت قلت إن الفعل الواحد
الشخصي لا يجوز ان يكون معروضا لوجوبين لاستحالة اجتماع الامتثال كالأضداد واما الطبيعة النوعية فجواز اتصافها باحكام متماثلة
أو متضادة فإنما هو بلحاظ وجوداتها المتكثرة لا بلحاظ نفسها من حيث هي فإنها بهذه الملاحظة لا تتحمل الا حكما واحدا كالواحد
الشخصي فلا معنى لتعلق وجوبين بالطبيعة الا وجوب ايجادها مرتين وإن لم يؤثر السبب الثاني في الاشتغال ثانيا يجب ان يستند عدم
التأثير اما إلى فقد المقتضى أو وجود المانع والكل منتف في الفرض لان ظاهر القضية الشرطية سببية الشرط [مط] والمحل قابل للتأثير
والمكلف قادر على الامتثال فأي مانع من التنجز واما وجوب قتل زيد بالأسباب العديدة في المثال المذكور فليس الا مسببا عن
السبب الأول وما عداه من الأسباب اللاحقة انما تؤكد ذلك الوجوب لا انها مؤثرة في ايجاب جديد وكونها كذلك ليس لقصور
في سببيتها بل انما هو لعدم قابلية المحل الا لذلك فكونها مؤكدة وان كان خلاف ظاهر الشرطية واطلاق السببية ولكنه بحكم العقل
بعد احراز عدم قابلية المحل وهذا بخلاف ما نحن فيه فان المحل قابل والمقتضى تام التأثير فيتأثر وليس حال الأسباب الشرعية الا
كالأسباب العقلية فكما انه يمتنع عدم تحقق الطبيعة في الخارج في ضمن فردين على تقدير تكرر علة وجودها بشرط قابليتها للتكرار فكذا
يتعدد اشتغال الذمة بتعدد أسبابه وقد ظهر مما ذكرناه فساد تنظير المقام بالأوامر المتعددة المؤكدة بعضها بعضا كمالا يخفى * (وقد) *
يتوهم ان ظاهر القضية الشرطية وان كان ما ذكرناه الا ان اطلاق الجزاء ينفيه لان مقتضاه كفاية ما يصدق عليه الطبيعة فتقييدها
بغير الفرد المأتي به امتثالا للامر الأول يحتاج إلى دليل وتحكيم اطلاق الشرط عليه تحكم * (ويدفعه) * ان التقييد انما نشأ من حكم العقل بعد
استفادة السببية من الدليل فاطلاق السبب منضما إلى حكم العقل بان تعدد المؤثر يستلزم تعدد الأثر بيان للجزاء ومعه لا مجال للتمسك
باطلاقه وليس المقام من قبيل تحكيم أحد الظاهرين على الاخر حتى يطالب بالدليل بل لان وجوب الجزاء بالسبب الثاني يتوقف على اطلاق
سببية ومعه يمتنع اطلاق الجزاء بحكم العقل فوجوبه ملزوم لعدم اطلاقه * (نعم) * التمسك بالاطلاق انما يحسن في الأوامر الابتدائية المتعلقة
بطبيعة واحدة لا في ذوات الأسباب فان مقتضى اطلاق الجميع كون ما عدا الأول تأكيدا له واحتمال التأسيس ينفيه أصالة الاطلاق
والعجب ممن عكس الامر فالتزم بكفاية فرد واحد في المقام تمسكا باطلاق الجزاء وعدم كفايته في الأوامر الابتدائية استنادا إلى الفهم العرفي
* (وفيه) * ما عرفت * (واما) * دعوى أن المتفاهم من مثل اضرب زيدا اضرب زيدا واعط زيدا درهما اعط زيدا درهما عرفا التعدد عرية عن الشاهد
126

فأصالة الاطلاق محكمة عليها * (ان قلت) * ان ما ذكرت من أن تعدد السبب انما يقتضى تعدد الجزاء مسلم إذا كانت الأسباب أسبابا
حقيقية واما على ما هو المعروف من أن العلل الشرعية معرفات عن الأسباب الواقعية فلا لجواز ان يكون لسبب واحد لوازم عديدة
كل واحد منها يكشف عن وجود ما هو السبب في الواقع ولذا صرح غير واحد بابتناء المسألة على كون العلل الشرعية أسبابا حقيقية
أو معرفات * (قلت) * أولا دعوى أن العلل الشرعية على اطلاقها معرفات ممالا دليل عليها بل ظواهر القضايا الشرطية أدلة على خلافها نعم
قد يوجد في الشرعيات ما علم أنها معرفات كالبينة واليد والاقرار ونظائرها من الأسباب التي اعتبرها الشارع كواشف عن الملكية
التي هي سبب لجواز التصرف واما جواز اجتماعها على مسبب واحد كالاحداث المتعددة المجتمعة أو المتعاقبة وأسباب وجوب قتل زيد
في المثال المتقدم فلا ينافي سببيتها حقيقة حتى نحتاج إلى هذا التكليف لوجود نظيرها في الأسباب العقلية إذ ليس أسباب وجوب
القتل الا كأسباب نفس القتل فما هو التوجيه لأسباب نفس القتل حال اجتماعها كما لو سقط زيد من مكان عال وشق بطنه وفرى
أوداجه هو التوجيه في أسباب وجوبه كمالا يخفى وثانيا ان هذه الدعوى في المقام غير مجدية لان ظاهر القضية الشرطية كون كل سبب
معرفا فعليا ولا ريب ان المعرف الفعلي سبب لحصول التعريف ووجود المعرف في الذهن فتعدده يستلزم تعدد المعرف فيجب ان يكون
السبب المستكشف بالمعرف الثاني مغايرا لما استكشف بالمعرف الأول والا للزم تحصيل الحاصل وهو باطل فيعود المحذور واما إقامة
الأدلة المتعددة على مطلوب واحد فلا تدل على جواز حصول العلم بكل منها ضرورة ان العلم اما يحصل من المجموع أو من بعضها و
على الثاني فما يذكر بعده من الأدلة لا يعقل ان يكون مؤثرا في حصول هذه المرتبة من العلم بل اما يحصل بها مرتبة أخرى من الانكشاف
أو انها أدلة شأنية تذكر في طي الاستدلال لما يترتب عليها من الفوائد وكيف لا مع أن المسألة عقلية لا تتخصص فلا فرق في استحالة
توارد علتين مستقلتين على معلول واحد بين الموجود الذهني والخارجي وتقييد معرفية السبب فعلا بعدم كونه مسبوقا بمعرف اخر
ليس بأهون من تقييد سببيته بذلك حتى نتفصى عنه بهذا التكلف كما هو ظاهر ولا فرق في وجوب تعدد الجزاء بتعدد السبب بين
كون الجزاءات المتعددة تعبدية أو توصلية أو مختلفة إذ الفرق بينهما انما هو في كفاية تحقق ذات الواجب في الخارج مطلقا في
الثاني دون الأول وقد تقرر لك ان مقتضى تعدد السبب تعدد ذات الواجب سواء اتى بها بقصد الامتثال أم لا فلا فرق بينهما
فيما نحن فيه * (بقي) * في المقام شئ يجب التنبيه عليه وهو ان ما ذكرناه من ظهور القضية الشرطية في سببية الشرط للجزاء [مط] مما لا تأمل فيه
ولكنه ربما يتأمل في اقتضاء اطلاق سببية الشرط عمومها من حيث الافراد فيما إذا علق الجزاء على طبيعة الشرط فإنه ربما يقال إن قضية
التعليق على الطبيعة ليست الا سببية تلك الطبيعة من حيث هي بلحاظ تحققها الخارجي مطلقا لايجاب الجزاء من دون ان يكون لافرادها
من حيث خصوصياتها الشخصية مدخلية في الحكم ومن المعلوم ان الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرر وانما المتكرر افرادها التي لا مدخلية
لخصوصياتها في ثبوت الجزاء مثلا لو قال الشارع إذا لاقى ماء البئر بدن الجنب فانزح منها سبع دلاء نقول لا يفهم منه الا انه يجب نزح
السبع لأجل الملاقاة من حيث هي ولا يتفاوت الحال في ذلك بين ان يقع في البئر فرد من الجنب أو افراد كثيرة دفعة أو تدريجا اما دفعة
فواضح فإنه إذا تحققت الطبيعة في ضمن المجموع دفعة واحدة يكون المجموع من حيث المجموع سببا واحدا للجزاء وليس فيه مخالفة لظاهر
القضية الشرطية أصلا واما إذا وقعت تدريجا فمقتضى كون الطبيعة هي السبب حصول المسبب بتحقق مسماها في ضمن الفرد الأول
وكون ما عداه من الافراد أسبابا شأنية فان تحققها في ضمن الفرد الثاني ليس إلا كبقائها في ضمن الفرد الأول بعد حصول المسمى
عند استدامتها إلى الزمان الثاني فكما أن عدم تأثيرها ثانيا في الفرض الثاني ليس منافيا لظاهر الدليل حتى ينفيه أصالة الاطلاق كذلك
في الفرض الأول واتصاف الملاقاة التي هي السبب بالوحدة عند استدامتها إلى الزمان الثاني وبالتعدد عند تجددها في ضمن الافراد
المتعاقبة انما يصلح فارقا إذا كان الحكم معلقا على وجودات الطبيعة وتشخصاتها أي افرادها دون ما إذا كان معلقا على الطبيعة
بلحاظ تحققها الخارجي وبينهما فرق بين فعلى الأول لا يتنجز الامر بالجزاء الا بعد أن يتفرد الفرد بالفردية عرفا
وان طالت مدته
فيكون مجموع اجزاء الفرد الممتد مؤثرا في ايجاب الجزاء وعلى الثاني يتنجز التكليف بعد حصول المسمى ولا مدخلية لما زاد عنه في التأثير
لكن لا يصح منه الجزاء ما دام السبب موجودا وإن لم يكن الأثر مستندا إليه بالفعل فلو نزح في المثال بعد حصول المسمى لا يجديه النزح
ما دام الجنب في البئر لان بقائه وإن لم يكن علة فعلية لكنه مانع من تأثير النزح في سقوط التكليف كما هو ظاهر فتلخص لك ان
استفادة سببية كل فرد فرد من افراد الشرط من القضية الشرطية التي علق فيها الجزاء على الطبيعة دون الافراد كالمثال المتقدم
ونظائره مثل قوله (ع) من اتى حائضا فعليه نصف دينار في غاية الاشكال اللهم الا ان يدعى ان المتبادر منها عرفا سببيتها بلحاظ
ما يتحقق منها في الخارج أعني مصاديقها اما مطلقا أو إذا كانت متعاقبة لا سببيتها من حيث تحققها الخارجي * (وفيه) * تأمل
127

عهدته على مدعيه وعلى تقدير الشك يرجع إلى قاعدة البراءة كما عرفت والله العالم هذا كله فيما لو اتحدت مهية الجزاءات المتعددة
واما لو تعددت وتصادقت في فرد كما لو قال إن جاءك زيد فأكرم فقيرا وان جاءك عمرو فأضف هاشميا أو فأكرم هاشميا
فالذي يقتضيه القواعد وقوعه امتثالا للجميع لو أوجده بقصد امتثال الجميع كما تقدم بعض الكلام فيه في الضميمة الراجحة و
وجهه اطلاق الجزاء وعدم ما يصلح لتقييده وما ذكرناه مقيدا في الفرض السابق من حكومة العقل بان تعدد المؤثر يستلزم
تعدد الأثر لا يصلح للتقييد في هذا الفرض لاختلاف الطبايع وتعددها فكل سبب لا يوجب الا ايجاد عنوان الجزاء المترتب
عليه والعنوانان متغايران ذاتا وان اتحدا وجودا في بعض المصاديق فكما أن للمكلف ايجاد كل من العنوانين في ضمن كل فرد يختاره
كذا له ايجادهما معا في ضمن فرد واحد ودعوى أن المتبادر عرفا من الأوامر المتعددة استقلال كل منها بالإطاعة وعدم كفاية فرد
واحد امتثالا للكل سواء كانت الأوامر ابتدائية أو من ذوات الأسباب فهي مصادمة للضرورة في الواجبات التوصلية وكذا في الأوامر
المستحبة كما عرفت في الضميمة الراجحة من شهادة البداهة على أو حجية التصدق على الفقير المؤمن العالم ذي الرحم من التصدق على
فاقد بعض هذه الأوصاف فلو لم يتحقق إطاعة الأوامر المتعددة باختيار هذا الفرد لما رجح على غيره كمالا يخفى * (نعم) * قد يتوهم صدق
هذه الدعوى في الواجبات التعبدية الا انه لا شاهد لها بل يكذبها عدم الفرق بين الواجبات التوصلية والتعبدية في كيفية الإطاعة
الا انها اعتبرت قيدا في القسم الثاني فلا يسقط امره الا بها دون الأول كما أنه لا فرق في كيفية الإطاعة بين المستحبات و
الواجبات وقد عرفت تحققها في المستحبات عرفا وعقلا بايجاد الفرد المجتمع فيه العناوين المتعددة فكذا في الواجبات * (و) * ان أبيت
إلا عن توقف صدق الإطاعة بالنسبة إلى كل امر على أن يكون الامر بنفسه باعثا مستقلا على الفعل * (فنقول) * بعد الاغماض عن بطلان
هذه الدعوى في حد ذاتها ان العبادات لا تتوقف صحتها الا على حصول ذات المأمور به في الخارج قربة إلى الله [تعالى] وهو لا يتوقف
على الإطاعة بهذا المعنى لان تصادق العناوين يؤكد قصد القربة ولا يزاحمه وان بقي في ذهنك شئ من الشكوك والشبهات فعليك
بمراجعة ما طويناه في المراحل الماضية في صدر المبحث والله الموفق والمعين * (تنبيه) * هل التداخل في الفرض عزيمة أو رخصة لا ينبغي
التأمل في أنه بالنسبة إلى الأوامر التوصلية عزيمة لسقوط الامر بايجاد ذات المأمور به فايجاده الفعل ثانيا بقصد الامتثال تشريع
واما بالنسبة إلى الأوامر التعبدية فهو رخصة بمعنى انه يجوز له ان يأتي بهذا الفرد بقصد امتثال بعض العناوين فليس له [ح] الا ما
نواه واما ما لم ينو امتثاله فلا فيأتي بالفعل ثانيا بقصد اطاعته كمالا يخفى وجهه * (إذا) * عرفت ما ذكرناه فلا بذلك من التأمل في تشخيص
ان الحدث الأكبر هل طبيعة واحدة غير قابلة للشدة والضعف نظير مرتبة خاصة من السواد في الأعيان الخارجية أم هي طبايع مختلفة كالسواد
والصفرة مثلا أم طبيعة واحدة قابلة للاشتداد كمطلق السواد فإن كان من القسم الأول فحكمه حكم الحدث الأصغر * (وقد) * عرفت أنه لو
اجتمعت أسباب مختلفة للحدث الأصغر كفى وضوء واحد بنية التقرب
* (فكذا) * لو اجتمعت أسباب مختلفة للحدث الأكبر كفى غسل واحد
بنية القربة للجميع وان كان الحدث الأكبر قابلا للاشتداد بتوارد أسبابه أو كان الحدث المسبب عن كل سبب مغايرا للحدث المسبب عن
سبب آخر فلا بد من أن ينظر إلى ما جعله الشارع رافعا له فإن كان المجعول رافعا له رافعا لجنسه بوجوده الشخصي من دون فرق
بين كونه شديدا أو ضعيفا واحدا أو متعددا نظير إزالة قذارات صورية متعددة بغسلة واحدة من الماء فلا اشكال أيضا
في كفاية الغسل الواحد بنية القربة * (لو) * كان عليه أغسال متعددة واما لو لم يكن كذلك بان كان المجعول رافعا لحدث الحيض أو
الاستحاضة مثلا قسما من الغسل مغايرا لما هو رافع للجنابة أو المجعول رافعا للمرتبة الشديدة الحاصلة بتوارد الأسباب مغايرا لما
جعله رافعا للمرتبة الضعيفة ولو بتكرير الغسل فيجب ان يأتي لكل سبب بخصوصه ما جعله الشارع رافعا له أو يختار في مقام امتثال
الجميع فردا يعلم بكونه مصداقا لجميع العناوين المزيلة لاثر الأسباب المجتمعة واختياره هذا الفرد موقوف على علمه بتصادق
الطبيعتين في الجملة إذ لا يكفي مجرد الاحتمال بعد ثبوت الاشتغال كما أنه لا يكفي في جواز الاقتصار على غسل واحد مجرد احتمال
اتحاد الحدث نوعا وعدم قابليته للتزائد أو احتمال اتحاد طبيعة الغسل الذي جعل رافعا لمطلق الحدث لما عرفت من أن مقتضى
اطلاق سببية كل واحد من هذه الأسباب تأثيره مستقلا في ايجاب الغسل ولازمه التعدد الا ان يدل دليل خارجي من عقل أو نقل
على كفاية الواحد فيرفع اليد به عن الظاهر ومجرد اتحاد افراد الغسل صورة لا يدل على وحدة حقيقية ورافعيته مطلقا لمطلق الحدث
لامكان مغائرة غسل الجمعة والجنابة ذاتا وتوقف تحقق كل منهما في الخارج على قصد امتثال امره بالخصوص كصلاة الفريضة و
النافلة فلا بد من التأمل في الأخبار الدالة على كفاية غسل واحد عن أغسال متعددة والاقتصار في رفع اليد عن المطلقات
على ما يستفاد من تلك الأخبار * (فنقول) * منها صحيحة زرارة المروية في السرائر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب وعن كتاب حريز بن عبد الله
128

عن أبي جعفر (ع) إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر اجزاك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة فإذا اجتمعت
لله عليك حقوق اجزاك غسل واحد قال ثم قال وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها واحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها
وعيدها وهذه الرواية وردت بعدة طرق في بعضها بدل الجمعة الحجامة ولعله اشتباه من النساخ وهذه الصحيحة صريحة في
كفاية غسل واحد عن الأغسال المتعددة التي بعضها واجب وبعضها مستحب وظاهرها خصوصا اطلاق ذيلها عدم الفرق بين
ما لو كانت الأغسال بأسرها واجبة أو مستحبة أو مختلفة وذكر الجنابة فيها من باب المثال لا لخصوصية فيها كما يشهد به سياقها
بل يدل عليه اطلاق ذيلها كمالا يخفى هل يستفاد منها كفاية غسل واحد للجميع مطلقا أولا يستفاد منها الا كفايته إذا وقع بنيه
الجميع لا مطلقا قد يقال باختصاصها بالثاني بدعوى ظهور قوله (ع) يجزيها غسل واحد لجنابتها واحرامها آه بل وكذا غيره من
الفقرات في كفاية الغسل الواحد الذي أوجده للجميع ولكن في الاستظهار نظر لأن الظاهر ولا أقل من الاحتمال المانع من
الاستدلال ان متعلق الظرف يجزيها لا الغسل خصوصا في الفقرة الأولى فلا تدل الرواية على التقييد نعم هذا الفرض هو
القدر المتيقن المعلوم ارادته من المطلق بل لعله المنسبق إلى الذهن من الاطلاق الا ان انصرافه بدوي نشأ من انس الذهن
بوجوب امتثال جميع الأوامر وكونها تعبدية فلا يوجب تخصيص موضوع الحكم به فدعوى ظهور الرواية في خصوص هذا الفرض
لا تخلو عن اشكال اللهم الا ان يدعى ظهور قوله (ع) يجزيك في كون الكفاية رخصة لا عزيمة فينفي بسببه الاطلاق بالملازمة
العقلية التي سنتعرض لبيانها [انش‍] وربما يتمسك باطلاقها على اطلاق الكفاية وعدم اختصاصها بصورة قصد الجميع فيكفي
الغسل الواحد عن الكل ولو لم يقصد بفعله الا البعض * (وفيه) * انه ليس للرواية اطلاق أحوالي يتمسك به لاثبات العموم لأنها
مسوقة لبيان كفاية الغسل الواحد عن المتعدد واما كفايته [مط] أو في الجملة فلا تعرض لها فيها على ما يشهد به سياقها هذا مع أن
مجرد احتمال عدم كون هذه الجهة ملحوظة للمتكلم يمنع من التمسك بالاطلاق لان التمسك به مشروط باحراز كونه في مقام بيان هذا الحكم
وعدم كونه مسوقا لبيان حكم آخر وهو غير معلوم لو لم ندع خلافه مضافا إلى ما في نفس الرواية مما ينافي اطلاقها كما سنوضحه [انش‍] وكيف
كان فلابد لنا في المقام بعد العلم بكفاية الغسل الواحد كما هو صريح هذه الرواية وغيرها من الروايات الآتية من الالتزام بأحد
أمور ثلاثة اما القول بان الحدث الأكبر كالأصغر امر وحداني لا يتكرر بتكرر أسبابه فالحدث الحاصل من الحيض بعينه هو الحدث
الحاصل من الجنابة أو من غيرها من الأسباب والاختلاف الحاصل بين مصاديقه باختلاف أسبابه على هذا التقدير انما هو لأجل
اختلاف تلك الأسباب في التأثير شده وضعفا لا لأجل اختلاف اثرها ذاتا حتى يتكرر بسببها الحدث واما الالتزام بوحدة
طبيعة الغسل وتأثيره في إزالة جنس الحدث مطلقا واحدا كان أو متعددا كتأثير الغسل بالماء في إزالة القذارات الصورية واما الالتزام
بتصادف الأغسال المتعددة المسببة عن الأسباب المتكثرة في الفرد الخارجي الواقع امتثالا للجميع فالفرد الخارجي يصدق عليه انه غسل
جنابة وجمعة واحرام وغيرها من العناوين التي يسقط امرها به نظير اكرام الفقير الهاشمي العالم المؤمن واما ما التزمه بعض مشايخنا [قده]
بعد التزامه بمغائرة الأحداث والأغسال المسببية عنها المزيلة لاثرها ذاتا بخروج هذا الغسل المجزى عن الجميع من تحت جميع العناوين
وكونه طبيعة أخرى مغائرة للكل نظرا إلى استحالة صيرورة شيئين شيئا واحدا فهو امر اخر مغائر لجميع الأغسال ذاتا وقد جعله
الشارع مجزيا عن الكل تعبدا وتسمية الأغسال متداخلة مسامحة نشأت عن المشابهة الصورية بين الأغسال وبين هذا الامر
الأجنبي وقد تفصى بما التزمه عن اشكال اجتماع الوجوب والاستحباب في الواحد الشخصي بدعوى خروجه من موضوع كلا الحكمين
فهو في حد ذاته لا واجب ولا مستحب ولكنه مجز عنهما تعبدا * (ففيه) * ان من الواضح ان الممتنع انما هو صيرورة مهيتين مهية واحدة أو
الطبيعتين بقيد الوجود موجودا واحدا واما ايجاد الطبيعتين بوجود واحد فلا استحالة فيه بل شايع ذايع فلما يوجد موجود
لا يوجد بوجوده مفاهيم لا تحصى هذا مع أن ما ارتكبه من التكلف ممالا يجدى أصلا ضرورة ان هذه الطبيعة المغائرة للغسل
إذا فرضنا كونها مجزية عن غسل الجنابة وكذا عن غيره من الأغسال فلا محالة تكون احدى فردي الواجب المخير فيعود المحذور
الذي فر منه * (بيان) * ذلك أن الالتزام بتأثير كل واحد من الجنابة والحيض مثلا في حصول اثر مغاير للأثر الحاصل من الاخر
ووجوب إزالة اثر كل منهما بالغسل المخصوص به وقيام هذه الطبيعة الثالثة مقام غسليهما ينحل بنظر العقل إلى
دعوى وجوب
إزالة اثر كل من السببين اما بالغسل أو ببدله فيكون عنوان الواجب بالنسبة إلى كل من السببين أعم من خصوص الغسل فالغسلان
وان تباينا كما هو المفروض الا ان بدليهما يتصادقان على الطبيعة الثالثة إذ بها تتحقق إزالة اثرى الجنابة والحيض وقد عرفت أن
مرجع هذه الدعوى إلى جعل إزالة الأثرين موضوعا للوجوبين أعم من أن يكون حصولها بالغسل أو بغيره فيتحقق امتثال
129

كلا الامرين بايجاد امر واحد ومن المعلوم عدم الفرق من حيث الاشكال بين الالتزام بان عنوان الواجب هو غسل الجنابة والحيض
وتصادقا في هذا الفرد وبين الالتزام بان عنوان الواجب هو إزالة اثر الجنابة والحيض وتصادقت الإزالتان في الطبيعة
الثالثة * (نعم) * بين الالتزامين فرق من حيث كون التخيير بين الغسلين المنفردين وهذا الفرد المجزى عقليا على الأول وشرعيا
على الثاني وبما ذكرنا من استلزام الالتزام المذكور تعميم موضوع الأوامر المتعلقة بالأغسال بما يعم الغسل وبذله ظهر لك انه
لا جدوى له في التفصي عن اشكال اجتماع الوجوب والاستحباب في الواحد الشخصي ضرورة ان هذا الواحد الشخصي من حيث قيامه
مقام الغسل المستحبي أجد فردي المستحب ومن حيث كفايته عن الغسل الواجب أحد فردي الواجب التخييري فعاد المحذور فقد تقرر
لك مما حررناه ان الاحتمالات التي يمكن الالتزام بها في توجيه الكفاية منحصرة في الثلاثة المتقدمة الا ان الاحتمالين الأولين
منها أعني اتحاد طبيعة الحدث أو مهية الغسل يضعفهما بل يردهما مضافا إلى ظواهر أكثر أدلة التداخل بل نفس هذه الرواية فان
قوله (ع) فإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزاك غسل واحد كالصريح في تعدد الحقوق التي أريد بها الأغسال التي اشتغلت
بها ذمة المكلف بواسطة أسبابها وتوهم ان اطلاق الحقوق على ما اشتغلت به الذمة بلحاظ تعدد أسبابه لا تعدد ما
في الذمة * (مدفوع) * بكونه تأويلا بعيدا خصوصا مع مغروسية كون الأغسال المسببة عن الأسباب المختلفة بالنوع تكاليف متعددة
في أذهان المتشرعة كما يكشف عن ذلك أنه لا يكاد يرتاب أحد منهم في أن من اغتسل يوم الجمعة للجنابة والجمعة والزيارة وغيرها من
الأسباب يستحق بعمله مقدارا من الاجر لا يستحق هذا المقدار على تقدير تجرده عن بعض هذه العناوين فهذا دليل على أن
العناوين المتكثرة لديهم من الجهات المحسنة للفعل ومما يدل أيضا على اختلاف مهية الأغسال وكونها أنواعا مختلفة
قوله (ع) كل غسل قبله الوضوء الا غسل الجنابة فان ظاهرة إرادة العموم بالنسبة إلى أنواع الغسل لا افراده كما يشهد له
استثناء غسل الجنابة * (و) * يدل على المدعى أيضا عدم مشروعية الوضوء مع غسل الجنابة دون سائر الأغسال كما يدل على
اختلاف مهية الاحداث اختلاف اثارها * (ومما) * يدل أيضا على تعدد مهية الاحداث بل الأغسال أيضا بعد دعوى الاجماع
على عدم التعدد على تقدير وحدة الحدث ظهور قوله (ع) يجزيك في كون الحكم مبنيا على الرخصة في مقام الامتثال إذ على تقدير
وحدة الطبيعة لا تكون الكفاية الا عزيمة ونظير هذه الصحيحة في الدلالة على تعدد مهية الأغسال وكفاية الغسل الواحد عن
الجميع وكون الحكم مبنيا على الرخصة بالتقريبات المتقدمة رواية ابن عيسى عن علي بن حديد عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا
عن أحدهما عليهما السلام إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزء عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم والظاهر أن المراد من
الغسل الذي يلزمه في ذلك اليوم هو الغسل الذي يحتاج إليه في ذلك اليوم للزوم غاياته فيه لاما يحدث سببه بعد الغسل لان
الاجزاء مشروط بقابلية المحل عقلا وهو ما إذا كان أسباب لزوم الغسل حاصلا حال الغسل إذ لا يعقل الاجزاء والامتثال
قبل الطلب * (نعم) * يعقل ان يكون الفعل السابق مانعا من تأثير السبب اللاحق في توجيه الخطاب اما لقصور في سببية باختصاصه بما إذا
لم يكن مسبوقا بالفعل وهذا غير مراد من الرواية جزما لان الغسل الذي لا مقتضى له لا يلزمه حتى يكون الفعل مجزيا عنه واما الخروج
المحل عن قابلية التأثير بحصول الغرض من الامر وهذا كما إذا كان السبب مؤثرا في حسن كون المكلف بعد حصول السبب ممن
صدر منه غسل في ذلك اليوم في الجملة فالغسل السابق على هذا التقدير مجز عن ذلك الغسل بمعنى انه موجب لاحراز مصلحة و
هذا بخلاف ما لو كان السبب مؤثرا في طلب نفس الغسل فان الاجزاء بالنسبة إليه غير معقول من دون فرق بين ان يكون الطلب
استحبابيا كمطلوبية الغسل بعد قتل الوزغة أو النظر إلى المصلوب أو وجوبيا كمطلوبيته بعد الجنابة * (والحاصل) * ان الأغسال
التي يجزى غسل الجنابة عنها متخصصة بحكم العقل بما إذا كان أسباب لزومها حاصلة حال الغسل أو كان المقصود من الامر بالغسل
مجرد حصول هذا الفعل منه في الخارج وكيف كان فدلالة الرواية على ما نحن بصدده ظاهرة * (ومما) * يدل على جواز الاكتفاء بغسل واحد
عن المتعدد قوله (ع) في رواية شهاب بن عبد ربه وان غسل ميتا ثم توضأ ثم اتى أهله يجزيه غسل واحد لهما ورواية زرارة عن أبي
جعفر (ع) إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل واحد * (و) * رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سئل عن رجل أصاب من
امرأته ثم حاضت قبل أن تغتسل قال (ع) تجعله غسلا واحدا * (و) * في رواية عن أبي عبد الله (ع) انه سئل عن رجل وقع على امرأة
فطمثت بعد ما فرغ أنجعله غسلا واحدا إذا طهرت أو تغتسل مرتين قال تجعله غسلا واحدا والامر بجعلهما غسلا واحدا لا يدل
على الوجوب لكونه في مقام توهم الخطر والا لعارضه الرواية الآتية الدالة على جواز التفكيك وهي رواية
عمار الساباطي عن أبي
عبد الله (ع) قال سئلته عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل قال إن شاءت ان تغتسل فعلت وإن لم تفعل
130

فليس عليها شئ فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض والجنابة وصحيحة زرارة فيمن مات وهو جنب يغسل غسلا واحدا يجزى
ذلك للجنابة ولغسل الميت لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة وهذه الروايات بأسرها صريحة في كفاية الغسل الواحد
عن المتعدد كما انها ظاهرة في اختلاف مهيات الأغسال وان الاكتفاء بواحد انما هو بجعل المكلف في مقام الامتثال وأوضح
من الكل في الدلالة على تعدد المهيات الروايتان الأخيرتان فان فيهما جهات من الدلالة كمالا تخفى على المتأمل ومما يدل أيضا
على تعدد المهيات رواية سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (ع) وأبى الحسن (ع) قالا في الرجل يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة
قال (ع) غسل الجنابة عليها واجب وقد أشكل توجيه هذه الرواية على القائلين بكفاية غسل واحد عن الجميع [مط] وربما وجهها بعضهم
بعدم المنافاة بين وجوبه عليها وسقوطه بغسل الحيض * (وفيه) * ان ظاهرها وجوبه عليها بعنوان غسل الجنابة لا غير فهي تدل
على مغائرته لغسل الحيض والا لما كان لوجوبه عليها بهذا العنوان وجه فليتأمل ولا ينافي ما قريناه من تغاير المهيات رواية
ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن المرأة تحيض وهي جنب هل عليها غسل الجنابة قال غسل الجنابة والحيض واحد
لان المراد منها بيان ان الجنابة لا توجب غسلا مستقلا منفردا عن غسل الحيض بل أحدهما عين الاخر في الوجود الخارجي فهما
شئ واحد في الخارج بحمل أحدهما على الاخر بالحمل الشايع المتعارف لا بالحمل الذاتي حتى ينافي ما قدمناه ولو سلم ظهورها في
اتحادهما ذاتا لتعين صرفها إلى هذا المعنى جمعا بينها وبين الأدلة المتقدمة الدالة على مغائرتهما ذاتا كما لا يخفى * (إذا) * تقرر لك
ان الأوفق بالقواعد بحيث لا يستلزم مخالفة شئ من اخبار التداخل ولا اطلاقات الأوامر بالأغسال هو الالتزام بتغاير
الطبايع المتعلقة للأوامر وتصادفها على الفرد المجزى * (فنقول) * لا ريب انه لو اتى بهذا الفرد بقصد امتثال جميع الأوامر
يتحقق بفعله امتثال الجميع ويسقط أوامرها كما عرفت تحقيقه فيما سبق وكذا لو قصد رفع جنس الحدث أو استباحة الصلاة
لو كان اثار الأسباب المجتمعة من موانع الصلاة لانحلال هذا القصد إلى قصد الجميع * (واما) * لو اتى به بقصد امتثال البعض
فلا تأمل في صحة غسله بالنسبة إلى هذا البعض لكونه مأمورا به والامر يقتضى الاجزاء وهل يجزى عما عدا المنوي أم لا فيه
تفصيل وتحقيقه انا * (لو) * بنينا على أن متعلق الأوامر هي نفس الأغسال بعناوينها الخاصة كغسل الجنابة والحيض والجمعة وغيرها
فلا يعقل الاجزاء الا بالقصد لا لدعوى أن أوامر الغسل تعبدية لا تسقط الا بالإطاعة والإطاعة لا تتحقق الا بالقصد حتى
يتوجه عليها منع كونها تعبدية على الاطلاق بل القدر المتيقن توقف صحة الغسل على قصد القربة في الجملة واما قصد امتثال
امره بالخصوص فلا والمرجع في مثله البراءة كما تقدم تحقيقه في مقام تأسيس الأصل في نية الوضوء بل لأجل ان هذه العناوين
بنفسها ممالا يتصف الفعل بها الا بالقصد نظير عنوان الوكالة والتأديب ممالا يتحقق الا بالقصد وان قلنا إن الامر
بالأغسال انما هو لأجل كونها مؤثرة في التطهير وان المطلوب الواقعي إزالة اثر الجنابة واثر الحيض والاستحاضة والنفاس كما
ليس بالبعيد فعنوان الواجب على هذا التقدير في غسل الجنابة إزالة اثر الجنابة وفي الحيض إزالة اثره وهكذا فان علمنا ببيان
الشارع ان الغسل الصحيح [مط] أو خصوص غسل الجنابة مثلا مزيل لهذه الآثار ولو لم يشعر بها المكلف فلا اشكال في سقوط الأوامر
لحصول ما هو المقصود منها وإن لم يتحقق إطاعتها فيما عدا المنوي لان المدار في سقوط الأوامر حصول الغرض لا تحقق الإطاعة
واما لو لم يعلم ذلك ببيان الشارع فلا سبيل لنا إلى احرازها والعلم بسقوط أوامرها الا بالاحتياط بتكرار الغسل أو ايجاد غسل
واحد بقصد الجميع إذ ليس اثر هذه الأسباب امرا حسيا حتى يدرك زواله بالحس ولا مما يناله عقولنا حتى يستكشف بالعقل فالطريق
منحصر ببيان الشارع والمفروض انتفائه فيجب الاحتياط تحصيلا للفراغ اليقيني عن التكليف المتعلق بمفهوم مبين وليس المورد
مما يجرى فيه البراءة على هذا التقدير كمالا يخفى نعم لا يخلو القول بكفاية خصوص غسل الجنابة عن غيره مطلقا عن قوة بل في طهارة
شيخنا المرتضى [ره] والمشهور الاجتزاء به عما عداه بل صريح السرائر وجامع المقاصد الاجماع عليه وفي شرح الجعفرية عدم الخلاف
فيه وكذا في شرح الموجز رادا بذلك على من حكى قولا بعدم الاجتزاء به عن غسل الاستحاضة ولعل في هذه الاجماعات كفاية انتهى
ويدل عليه مرسلة الجميل المتقدمة إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزاه غسله ذلك عن كل غسل يلزمه في ذلك اليوم واما الاستدلال
عليه باطلاق صحيحة زرارة المتقدمة فقد عرفت ضعفه وكذا الاستدلال بما عداها من الأخبار المتقدمة
لظهورها في كفاية الغسل
المأتي به بقصد الجميع فلا تعم الفرض * (واما) * الاستدلال جامع المقاصد عليه مضافا إلى الاجماع والاخبار بان الحدث الذي هو
عبارة عن النجاسة الحكمية متحد وان تعدد أسبابه فإذا نوى ارتفاعه بالسبب الأقوى ارتفع بالإضافة إلى غيره ففيه ما عرفت من منع
الاتحاد ولا أقل من الشك الموجب للاحتياط في مقام الامتثال فالعمدة فيه ما ذكرناه والأحوط بل الأولى ترك تخصيص قصده بخصوص
131

الجنابة وعلى تقدير تخصيصه ينبغي إعادة غسله احتياطا بقصد امتثال غيره من الأوامر الا ان الأحوط عند إرادة
التكرار من أول الأمر
تقديم ما عدا غسل الجنابة عليه ووجهه ظاهر وأولى بمراعاة الاحتياط عدم الاجتزاء به عن الأغسال المستحبة لامكان الخدشة
في الدليل المذكور بالنسبة إليها بعدم الجدوى في الاجماعات المنقولة بعد معروفية الخلاف وظهور المرسلة في الأغسال
الواجبة لأنها هي التي تلزمه دون المستحبة الا ان دعوى ظهور المرسلة فيها ذكر ممنوعة لان المراد من قوله (ع) عن كل غسل
يلزمه في ذلك اليوم على ما يشهد به الطبع السليم هو الأغسال التي طلب منه الشارع فعلها في ذلك اليوم واجبا كان أم مستحبا
بل لا يبعد دعوى كون الأغسال المستحبة مرادة اظهر من غيرها بل في الحدائق دعوى اختصاصها به لما عرفت من
وجوب التقييد الاجزاء في الرواية بحكم العقل بصورة الامكان وهي في المستحبات أكثر إذ لا شبهة في أن أغلب الأغسال
المستحبة مما يمكن الالتزام فيها بالكفاية ولو على تقدير تأخر سببها بدعوى حصول ما هو المقصود منها بغسل الجنابة
فيمنع ذلك من تنجز الخطاب على المكلف كالأغسال الزمانية والمكانية وما هي مقدمة لبعض الأفعال كالزيارة
وغيرها فيكون هذه الرواية حاكمة على أدلتها كما انها حاكمة على سائر الأدلة الدالة على وجوب الأغسال بعناوينها الخاصة
لان مفاد هذه الرواية حصول ما هو المقصود من تلك الأوامر بغسل الجنابة فهي قرينة على التصرف في الجميع الا انك عرفت
انها بنفسها مقيدة بحكم العقل بصورة امكان حصول المقصود من غيره به وهو في غير ما لو تأخر سبب مطلوبية نفس الغسل
من غسل الجنابة فلا تعارض العمومات المقتضية لسببية مس الميت أو قتل الوزغة مثلا للغسل بل العمومات واردة عليها
من هذه الجهة كمالا يخفى على المتأمل وقد يتمسك لكفايته عن المستحب بفحوى ما عن الفقيه انه روى في أبواب الصوم من
جامع في أول شهر رمضان ثم نسي حتى خرج شهر رمضان ان عليه ان يغتسل ويقضى صلاته وصومه الا ان يكون قد اغتسل
للجمعة فإنه يقضى صلاته وصومه إلى ذلك اليوم ولا يقضى ما بعد ذلك * (ولكنك) * خبير بما في الفحوى لامكان منع المساواة
فضلا عن الأولوية خصوصا مع اختصاصها بالناسي نعم لو أمكن العمل بأصلها لتم القول بكفاية كل غسل عن غيره [مط] لعدم
القول بالتفصيل ظاهرا الا ان العمل به في غاية الاشكال بعد قصوره سند أو مخالفته لظواهر الأوامر الكثيرة المتعلقة بالأغسال
بل وغيرهما مما دل على أنه لا عمل الا بنية وانما الأعمال بالنيات وكذا مخالفته لقاعدة الاشتغال وهذه الأمور المذكورة وإن لم
يكن شئ منها مما يقاوم دليلا معتبرا بحيث يعارضه الا ان رفع اليد عنها بمثل هذه المرسلة التي نحتاج في جواز العمل بها في حد ذاتها
إلى الجابر مشكل هذا مع معارضتها برواية سماعة المتقدمة التي عرفت أن ظاهرها وجوب غسل الجنابة على الحائض بعنوان الجنابة
المعلوم عدم تحققه بهذا العنوان الا بالقصد
* (وقد) * ظهر بما حررناه ان غاية ما يمكن استفادته من الأدلة على تقدير قصد
البعض انما هي كفاية غسل الجنابة عن غيره من الأغسال لا غير فيستكشف من ذلك كونه محصلا لما هو المقصود من الامر بالاغتسال
في غيره من الأغسال واما كون ما عداه أيضا كك فلا فما قيل كما عن الشيخ وابن إدريس من أنه إذا نوى غسل الجنابة أجزء عن غيره
من الأغسال ولو نوى غيره كغسل المس أو غيره لم يجز عنه لا يخلو عن وجه واما القول بكفاية كل غسل عن غيره كما في المتن ففي غاية
الاشكال إذ غاية ما يمكن ان يستدل به لهذا القول هي المرسلة المتقدمة بالتقريب المتقدم وبعض الأخبار
المتقدمة الموهمة
للاطلاق وقد عرفت أن شيئا منها ليس بشئ يلتفت إليه في اثبات مثل هذا الحكم المخالف للأصول والقواعد * (وقد) * يستدل لهذا
القول أيضا بوجوه ضعيفة مرجعها إلى دعوى اتحاد المهيات أو إلى تحقق الإطاعة بحصول ذات الفعل في الخارج لا بقصد الامتثال
ويظهر ضعف الجميع من جميع ما تقدم فلا يهمنا الإطالة بنقلها والتعرض لما يرد عليها بالتفصيل بقي الكلام في الشبهة التي مرت الإشارة
إليها في مطاوي الكلمات وهي انه كيف يعقل كفاية غسل واحد عن الواجب والمستحب وهل هذا الا اجتماع الوجوب والاستحباب في
موضوع واحد شخصي وأنت خبير بعدم اختصاص الاشكال بهذه الصورة بل هو سار في كل مورد نلتزم بكفاية غسل واحد عن المتعدد
لاستحالة اجتماع المثلين أيضا كالضدين * (ويدفع) * الاشكال عن أصالة ما تقدم في مسألة ما لو توضأ بعد اشتغال ذمته بواجب لغاية
مستحبة وملخصة ان المجتمع انما هو جهات الطلبات لا نفسها لان عروض الجهة الملزمة للفرد المستحب ينافي الرخصة في تركه التي هي
من مقومات الطلب الاستحبابي فينتفى الطلب فعلا الا ان محبوبيته من حيث كونه محصلا لهذا العنوان الراجح الذي تعلق به امر
استحبابي التي هي ملاك الطلب وحسن الانقياد باقية بحالها فهذه العناوين الراجحة المتصادقة على الفرد كل واحد منها مما يزيده
حسنا فيتأكد به طلبه بحكم العقل فيتولد من جميع الطلبات المتعلقة بالعناوين المتصادقة على الفرد طلب عقلي متأكد متعلقا بهذا الفرد
فإن كان فيه جهة ملزمة يتبعها هذا الطلب العقلي فيكون هذا الفرد لأجل اشتماله على جهات أخر راجحة أفضل افراد الواجب وإن لم يكن
132

فيه جهة ملزمة يكون الاتيان بهذا الفرد مستحبا مؤكدا الا ترى ان البديهة تشهد بان اختيار التصدق على الفقير المؤمن العالم من
ذوي الأرحام بقصد سرور المؤمن واكرام العالم ومواصلة ذي الرحم أرجح من التصدق على الفقير الفاقد لهذه الأوصاف ولو
في مقام ابراء الذمة عن النذور ليس هذا الا لكون هذا الفعل الخاص محصلا لما هو المقصود من جميع الأوامر
وان ارتفع عنه
الطلب الاستحبابي فعلا لأجل صيرورته مصداقا للواجب فسرور المؤمن واكرام العالم ومواصلة ذي الرحم محبوب لله [تعالى] دائما سواء
حصل بها امتثال واجب كالوفاء بنذر التصدق على الفقير أم لا
* (الفرض الثاني) * من فروض الوضوء غسل الوجه وهو العضو
المعروف وقد حده الشارع صونا عن اختفاء حدوده على المكلفين بما بين منابت الشعر في مقدم الرأس إلى طرف الذقن طولا وفي
طهارة شيخنا المرتضى [قده] بلا خلاف ولا اشكال بل نسبه في المعتبر والمنتهى إلى مذهب أهل البيت
عليهم السلام وما اشتملت عليه
الابهام والوسطى عرضا وهذا التحديد هو المعروف بل الظاهر المصرح به في كلام بعضهم عدم الخلاف في ذلك وفي المدارك هذا
التحديد مجمع عليه بين الأصحاب والمستند فيه ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (ع) أنه قال
له أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي
ان يتوضأ الذي قال الله عز وجل فقال الوجه الذي قال الله وأمر الله عز وجل بغسله الذي لا ينبغي لاحد ان يزيد عليه
ولا ينقص منه ان زاد عليه لم يوجر وان نقص منه اثم ما دارت عليه الوسطى والابهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن وما
جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه فقال له الصدغ من الوجه فقال لا وفي رواية الكليني وما دارت عليه السبابة
والوسطى والابهام والروايتان متحدتان بحسب المفاد إذ لا اثر للسبابة بعد اعتبار الوسطى التي هي أطول منها عادة فلا
يورث اعتبارها في الحد اختلافا في المحدود فذكرها انما هو لورود الرواية مورد الغالب نظير قوله [تعالى] وربائبكم اللاتي في حجوركم
وحاصل ما يظهر من الرواية مؤيدا بفهم الأصحاب ان الوجه الذي امر الله [تعالى] بغسله ما يحيط به الأصابع حال الغسل من دون
ان يقلب الكف إلى احدى الصفحتين من قصاص شعر الناصية إلى الذقن والتعبير عن هذا المعنى بدوران الأصابع اما بلحاظ
ان غسل الوجه أي ايصال الماء إلى جميع اجزائه بعد صب الماء عليه لا يكون غالبا الا بدوران الأصابع وجريها على حدود
الوجه الابهام من طرف والسبابة والوسطى من طرف اخر من قصاص الشعر إلى اخر الوجه أو بلحاظ ان إدارة الإصبعين
من القصاص بحيث تنتهي الدورة إلى الذقن كما هو ظاهر كلمة من والى معرف للوجه فعلى هذا التفسير لا تكون الرواية ناظرة إلى
الكيفية الحاصلة في الغسل المتعارف فيكون المقصود من دوران الإصبعين من قصاص الشعر إلى الذقن وضعهما على القصاص
وفتحهما بحيث يمتلى الفرجه بينهما ثم ادارتهما بحيث تنتهي الدورة إلى الذقن فيحدث من ذلك شكل يشبه الوجه حقيقة والدائرة
عرفا وهذا مما يقرب إرادة هذا المعنى من الرواية مضافا إلى كونه انسب بالنظر إلى ظاهر ألفاظها وان كان المعنى الأول
انس بالذهن * (وكيف) * كان فالمراد بالاستدارة في الرواية بحسب الظاهر ليس إلا ذلك لا الاستدارة الحقيقية ضرورة ان
الوجه ليس مستديرا حقيقيا بحيث تكون نسبة محيطه من كل نقطة تفرض فيه إلى قطبه متساوية ودعوى أن الوجه له معنى شرعي
فاسدة جدا ويدل على فسادها مضافا إلى وضوحه موثقة سماعة قال كتبت إلى الرضا (ع) اسئله عن حدا الوجه فكتب من أول
الشعر إلى آخر الوجه وكذلك الجبينين وظاهر قوله (ع) وكذلك الجبينين أي كذلك من أول الجبينين إلى آخر الوجه ومن
المعلوم ان ما في هذه الرواية مطابق للوجه المعروف عند العرف إذ ليس الخط المحيط على الجبهة والجبينين قوسا من الدائرة
المنطبقة على الوجه لان الخط الواقع طرف الجبهة والجبينين اما مستو أو قريب من الاستواء فلا يكون قوسا من الدائرة المارة
على الذقن كمالا يخفى فيظهر من ذلك أن التحديد الوارد في غيرها من الاخبار أيضا انما أريد به بيان حدود الوجه المستعمل
في معناه العرفي لا انه لبيان اصطلاح جديد من الشارع في معنى الوجه فما ذكره المحقق البهائي [قده] في تفسير الرواية
حيث قال في محكى أربعينه والذي يظهر لي من الرواية ان كلا من طول الوجه وعرضه هو ما اشتمل عليه الإصبعان إذا ثبت
وسطه وأدير على نفسه حتى يحصل شبه الدائرة فذلك القدر هو الذي يجب غسله ثم ذكر ان قوله من قصاص الشعر اما حال
من الخبر واما متعلق بدارت يعنى ان الدوران يبتدى من قصاص الشعر منتهيا إلى الذقن ولا ريب انه إذا اعتبر الدوران
على هذه الصفة للوسطى اعتبر للابهام عكسه تتميما للدائرة المستفادة من قوله (ع) استديرا فاكتفى بذكر أحدهما عن الاخر وأوضحه
بقوله (ع) وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه فقوله (ع) مستديرا حال من المبتدأ وهذا صريح في أن كلا من طول
الوجه وعرضه شئ واحد هو ما اشتمل عليه الإصبعان عند دورانهما كما ذكر * (انتهى) * ليس على ما ينبغي اما أولا فلما عرفت
من أن الوجه ليس مستديرا بالاستدارة الحقيقية لا لغة ولا عرفا ولا شرعا وثانيا فلان ظاهر قوله (ع) ما دارت عليه الابهام
133

والوسطى كون كل من المتعاطفين مستقلا بالحكم أعني دورانه من القصاص إلى الذقن وفرضهما كالخشبة الدائرة على نفسها
خلاف ظاهر العطف وثالثا فلان اعتبار الدائرة بهذه الكيفية مستلزم لخروج بعض ما هو داخل في الوجه بالنص و
الاجماع لما أشرنا إليه من أن الجبهة والجبينين من الوجه بالنص والاجماع والخط الواقع في طرفهما ليس قوسا من الدائرة
المنطبعة على الوجه فالاصبع الوسطى الموضوعة على الجبهة بحركتها الدورية تميل إلى السفل فيخرج بعض طرفي الجبهة و
أغلب الجبينين من الدائرة المفروضة بل يخرج طرفا الذقن أيضا إذ ليس طرف الذقن كقوس هذه الدائرة في غالب
الاشخاص ورابعا فلان المسافة بين الإصبعين في الغالب أزيد من الخط الواصل بين الذقن والقصاص وتسمية
طول الوجه انما هي باعتبار قامة الانسان أو باعتبار ظهور المسافة فيه لأجل كونه مسطحا واختفائها بالنسبة إلى
الجانبين فلا يتبين مقدار مسافتهما حتى يسمى طولا بل قد يقال إن الطول عبارة عن أول بعد يترائى في الجسم فعلى
هذا لا حاجة إلى التوجيه ولو التزم بوجوب قبض الإصبعين وامساكهما عما يزيد عن الحدين لتوجه عليه استلزامه خروج
بعض أطراف الوجه مما انعقد الاجماع على وجوب غسله هذا كله مع بعد ما ذكره عن الفهم العرفي الذي هو المناط في
معرفة الاخبار والعجب من ارتضى هذا الكلام وطعن على علمائنا الاعلام وغفل عن أن تخطئة العلماء في مثل هذه
الأمور خطأ إذ ليس ما ذكره معنا غامضا يختفي على العلماء تعقله فعدم التفاتهم إلى هذا المعنى يكشف عن عدم ظهور
الرواية فيه وان من يرى ظهورها فيه فإنما هو لشبهة مغروسة في ذهنه كالأنس بالقواعد الهندسية أو غيره وعلى تقدير
كونه معنى دقيقا لم ينله أذهان العلماء ينبغي الجزم بعدم ارادته من الرواية الواردة في تحديد الوجه الملحوظ فيها فهم
العرف كما هو الأصل في اخبارهم عليهم السلام ولا يشكل ظاهر الرواية بدخول النزعتين وهما البياضان المكتنفان بالناصية
في المحدود مع خروجهما اجماعا لان المراد بالقصاص في الرواية منتهى منبت الشعر من مقدم الرأس وهو الناصية فلا يعم
النزعتين كما أنه لا يتوجه الاشكال بدخولهما على تفسير المشهور لان الإصبعين إذا كان مبدء فتحهما من الناصية
لا تتعديان الجبهة والجبينين غالبا هذا مع أن شمول الحد لهما غير ضائر بعد العلم بخروجهما من الوجه عرفا لما أشرنا
إليه من أن التحديد الوارد في الشرع انما الملحوظ فيه بيان الحدود المشتبهة ولا شبهة عند أهل العرف في أن النزعتين من الرأس لا من الوجه
فلا يتصرف إليهما الحد وكذا لا يتوجه الاشكال على التفسير الأول باستلزامه دخول بعض العنق في المحدود حيث إن الإصبعين تحيطان
به حال محاذاة الكف للذقن لما ذكرنا من أن وضوح حاله دليل على عدم كونه مرادا من الرواية ثم إن
العلماء رضوان الله عليهم
بعد اطباقهم على وجوب غسل ما يحيط به الإصبعان وعدم وجوب غسل ما لا تحيطان به اختلفوا في وجوب غسل بعض المواضع
ومنشأه اما الاختلاف في تشخيص موضوعه أو النزاع في أنه هل يحيط به الإصبعان أم لا ولا يهمنا التعرض لتحقيقه بعد أن
كان المناط إحاطة الإصبعين فنقول كل ما يحيط به الإصبعان يجب غسله ومالا يحيط به الإصبعان لا يجب غسله سواء سمى بالعذار
أم لا نعم يجب غسل مقدار يسير من الأطراف الخارجة من الحدود بحكم العقل مقدمة لحصول الواجب وكذا للعلم بحصوله والله
العالم ولا يخفى عليك خصوصا بعد ما عرفت من أن الوجه الذي امر الله [تعالى] بغسله هو العضو المعروف وليس للشارع فيه
اصطلاح جديد ان التحديد الوارد في الاخبار وفي كلمات علمائنا الأخيار انما أريد به تعيين حدود وجوه المكلفين الذين
امرهم الله [تعالى] بغسلها ولا ريب ان وجوه المكلفين مختلفة بحسب المسافة فلا يعقل ان يكون مقدار خاص معرفا لجميع الوجوه ولذا لا ينسبق
إلى الذهن حال استماع هذه التحديدات الا كون وجه كل مكلف موضوعا برأسه ملحوظا بالنسبة إليه إصبعاه ولا يلتفت الذهن
إلى كون إصبعي غيره مميز الحدود وجهه وهذا بخلاف الأشبار في تحديد مقدار الكر فإنها منصرفة إلى الأشبار المتعارفة لأوساط
الناس واما فيما نحن فيه فلا ينصرف الاطلاق الا إلى إصبعي نفس المكلف الا ان الحدود لما كانت منزلة على الخلقة المتعارفة يعتبر
في كون قصاص الشعر والإصبعين طريقا لمعرفة الوجه كونهما على الخلقة المتعارفة بان تكون أعضائه متناسبة بحسب العادة سواء كانت خشبة
صغيرة أو كبيرة ولا ينبغي ان يراد من مستوى الخلقة في هذا الباب الا هذا المعنى أعني متناسب الاجزاء فلو لم يكن على الخلقة المتعارفة
اما لكبر وجهه أو صغره أو لطول أصابعه أو قصرها أو لخروج قصاص شعره من الحد المتعارف بالنسبة إليه فليرجع إلى من تناسبت
أعضائه بان يقيس نفسه على من تناسب أعضائه بعد مماثلته في صغر الوجه وكبره فيميز حدود وجهه بالمقايسة إلى مماثله وعلى هذا
فلا عبرة بقصاص الا نزع وهو من انحسر شعره عن القصاص المتعارف ولا بالأغم وهو من على جبهته الشعر وكذا لا عبرة بإصبعي من
تجاوزت أصابعه عن المقادر الواجب غسله من العذار أو قصرت عنه بل يرجع كل منهم إلى من شاكله في الوجه بشرط تناسب أعضائه
134

فيميز مقدار ما يجب عليه غسله بما يجب عليهم أو يرجع إلى غيره مطلقا سواء ماثله في الوجه أم لا بشرط ان يكون الغير الذي يرجع إليه
من مستوى الخلقة فيلاحظ ما ينتهى إليه غسله من العذار والعارض ومواضع التحذيف وغيرها فيعين بذلك حدود وجهه
الواجب عليه غسله فيغسل ما يغسله المستوى أي المواضع التي يغسلها من وجهه لا المقدار الذي يغسله ضرورة ان ذلك المقدار ربما
لا ينتهى إلى حدود وجهه لكبره وربما يتعدى عنها لصغره مع أن عدم وجوب غسل الزائد عن الوجه المعلوم خروجه وكذا وجوب غسل
ما هو معلوم دخوله في الوجه ممالا شبهة فيه فمعنى الرجوع إلى المعتدلين في الخلقة ليس إلا تعيين حدود وجهه بالمقايسة إلى وجوههم
ويجب بل ولا يصح الوضوء الا ان يغسل من أعلى الوجه إلى الذقن فلو غسل منكوسا لم يجزه على الأظهر
الأشهر بل عن بعض نسبته
إلى المشهور وعن بعض حواشي الألفية دعوى الاتفاق عليه ويدل عليه رواية قرب الإسناد عن أبي جريرة الرقاشي قال قلت
لأبي الحسن موسى (ع) كيف أتوضأ للصلاة فقال (ع) لا تعمق في الوضوء ولا تلطم وجهك بالماء لطما
ولكن اغسله من أعلى وجهك
إلى أسفله بالماء مسحا وكذلك فامسح على ذراعيك ورأسك وقدميك وقد ناقش في دلالتها شيخنا المرتضى [ره] بان الامر فيه محمول
على الاستحباب قطعا لتقييده بكونه على وجه المسح في مقابل اللطم وفيه أن رفع اليد عن ظاهر الطلب بالنسبة إلى بعض القيود الواقعة
في حيزه بدليل خارجي لا يوجب رفع اليد عن ظاهره بالنسبة إلى ما عداه كما لو امر المولى عبده بضرب زيد أول الصبح في داره وعلم من
الخارج ان بعض هذه الخصوصيات غير لازمة المراعاة لديه فلا يرفع اليد عن ظاهر الامر بالنسبة إلى ما عداه ولا يصلح ذلك أن
يكون قرينة لكون أصل الطلب مستعملا في الندب كمالا يخفى على من راجع العرف في محاوراتهم ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ
في معينين كما حققناه في محله هذا مع أن غسل الوجه واجب بالضرورة فلا يمكن حمل الامر المتعلق بمصاديقه المشتملة على مزية راجحة
على الاستحباب والا للزم اجتماع الوجوب والاستحباب في الواحد الشخصي فلا بد من حمل الامر على الوجوب التخييري والالتزام
بان متعلقه أفضل افراد الواجب المخير فالخصوصية الموجبة لمزية هذا الفرد على سائر الافراد توجب تأكد طلبه لا صيرورته مستحبا
ولذا لا يجوز تركه لا إلى بدل ويؤتى به في مقام الامتثال بقصد الوجوب كما يؤتى بسائر الافراد الفاقدة لهذه الخصوصية بهذا
القصد فالامر المتعلق به ليس إلا للوجوب لا يجوز رفع اليد عن ظاهره بالنسبة إلى شئ من القيود الواقعة في خيرة الا ان يدل دليل
خارجي عليه فيقتصر [ح] على مقدار دلالة الدليل * (نعم) * لو كان الكلام في حد ذاته مسوقا لبيان رجحان هذه الخصوصية بان يكون المقصود
بقوله اغسل وجهك مسحا الامر باختيار امتثال الامر الوجوبي المتعلق بالغسل في ضمن هذا الفرد لكان الامر حينئذ استحبابيا
ولكنه خلاف الظاهر ووقوع الغسل مسحا في مقابل اللطم لا يصلح قرينة لإرادة ذلك فان تقييد اللطم المنهى عنه في الرواية بقوله (ع)
لطما مشعر بل ظاهر في إرادة لطم ما الذي لا يحصل به عادة غسل مجموع الوجه على الوجه المعتبر شرعا فيحتمل قويا كون النهى المتعلق
به حقيقيا لا تنزيهيا كي يكون قرينة لحمل الامر المتعلق بمقابله على الاستحباب فعلى هذا يشكل استفادة كراهة كون الغسل بطريق
اللطم من الرواية بل وكذا استحباب كونه بطريق المسح لقوة احتمال جرى الامر والنهى المتعلقين بهما مجرى العادة بلحاظ حصول
الغسل الشرعي وعدمه فالمراد بالرواية على هذا التقدير ولا تعمق في الوضوء كما هو شأن الوسواسيين ولا تلطم وجهك بالماء
لطما مختصرا كما هو عادة المتسامحين الذين لا يبالون بامتثال الواجبات ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء بحيث
ينغسل به جميع وجهك من أعلاه بالمسح وكونه بالمسح لا لأجل ان للمسح خصوصية اعتبرت بل لأجل ان غسل الوجه على الوجه المعتبر شرعا
لا يتحقق غالبا الا به فليتأمل * (وكيف) * كان فلا أرى في الرواية قصورا عن إفادة المطلوب * (وقد) * يستدل له أيضا بالاخبار الكثيرة
المستفيضة الحاكية لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ففي بعضها انه صلى الله عليه وآله اخذ كفا من ماء وصبه على وجهه ثم مسح جانبيه حتى مسحه
كله وفي اخر فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه وفي الصحيح عن زرارة قال حكى أبو جعفر (ع) وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا بقدح من ماء
فادخل يده اليمنى فاخذ كفا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه [الخ] وفي رواية أخرى عنه انه غرف ملاها ماء فوضعها على
جبينيه * (وعن) * تفسير العياشي انه غرف غرفة فصبها على جبهته وعن العلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى انهما قالا بعد الصحيح الأول
روى عنه أنه قال بعد ما توضأ ان هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به وقد يناقش في دلالتها بان الغسل من الأعلى لا يدل على
اعتباره وبطلان الوضوء بدونه لاحتمال ان يكون اختياره هذا الفرد لكونه أحد جزئيات الكلى المأمور به خصوصا بعد كونه
هو الفرد المتعارف ووجوب التأسي بمعنى الالتزام بهذه الخصوصية ممالا دليل عليه ولو بعد احراز رجحانها في الجملة إذ ليس معنى التأسي
الواجب وجوب ايجاد المباحات أو المستحبات واما قوله (ع) فيما أرسله العلامة والشهيد هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به
فهو مع إرساله مجمل لا يصلح التقييد اطلاق الغسل إذ ليس المراد من المشار إليه هو الوضوء الشخصي ولا ما يماثله في خصوصياته
135

الشخصية اما * (الأول) * فواضح والثاني فلاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن كما لا يخفى فالمراد منه هو الوضوء المشتمل على اجزائه
وشرائطه ولم يعلم من هذه الرواية إرادة شرط أو قيد زائد لا يفي ببيانه سائر الأدلة فاطلاقات سائر الأدلة وعموماتها حاكمة عليها
ورافعة لاجمالها وبهذا ظهر ضعف ما قيل من أن اجمالها يوجب اجمال العمومات لان اجمال المخصص يسرى إلى العام فيسقطه
عن الحجية توضيح ضعفه ان كونها مخصصة للعمومات غير معلوم فيرتفع الاجمال عنها بأصالة العموم هذا * (ولكن) * الانصاف انه
يمكن دعوى القطع من تصريح الرواة الحاكين لفعل الإمام (ع) الذي صدر منه حكاية عن فعل رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الخصوصية
دون غيرها من الخصوصيات وكذا تصريحهم في بعضها في حكاية غسل اليدين بأنه (ع) غسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع
لا يرد الماء إلى المرفق ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق إلى الكف لا يرد الماء
إلى المرفق كما صنع باليمنى وكذا غيرها من القرائن بان هذه الخصوصية كانت ملحوظة للسائلين وكان مقصودهم معرفة
حكمها كما ينبئ عن ذلك معروفية الخلاف عن أهل الخلاف ولا شبهة ان الالتزام بالخاص إذا كان الفعل في مقام البيان
بعد كون الخصوصية من مواقع الشبهة وعدم تعرض الإمام (ع) لعدم وجوب الالتزام بها بل تصريحه بعد الفعل بان هذا وضوء
لا يقبل الله الصلاة الا به دليل على وجوبها ولو ادعى مدع القطع بان هذا النحو من الاهتمام ببيان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن
الا للتعريض على المخالفين وبيان ان عملهم مخالف لسنة الله ورسوله صلى الله عليه وآله ليس كل البعيد هذا كله مضافا إلى أنه لا ينبغي الارتياب
في أن الحكاية من الإمام (ع) لم تصدر لمجرد الاخبار عن الأمور السالفة بل صدرت بيانا لكيفية الوضوء وما يصلح ان يكون الفعل
بيانا له ليس إلا هذه الخصوصية ووجوب المسح دون سائر الخصوصيات لعدم اعتبارها جزما واما وجوب أصل الغسلات
فضروري لم يكن محتاجا إلى البيان وعدم جواز غسل اليدين قبل الوجه أيضا كذلك وعدم جواز المقارنة لا يستفاد من فعله (ع)
كمالا يخفى وتعيين حدود المغسول لا يمكن تحصيله على سبيل التحقيق بالفعل مع أنه لو كان مقصودا بالافهام لكان على الناقلين
نقل ما استفادوه واحتمال إرادة خصوص المسح يبعده ارتكاب تكلف الفعل فالانصاف انه لا ينبغي التأمل في أن هذا الفعل
صدر منه صلوات الله عليه لبيان كيفية الوضوء من أوله إلى اخره والخصوصية المحتمل ارادتها في سائر اجزاء العمل ليست
الا هذه الخصوصية كما عرفت فيتعين ارادتها وهذا هو السر في فهم العلماء من هذه الروايات لكيفية الغسل * (وكيف) * كان
فلو نوقش في دلالة هذه الروايات فلا أقل من كونها مؤيدة للرواية المتقدمة وقد يستدل أيضا بعدم القول بالفصل بين غسل
الوجه وبين غسل اليدين وسيجئ ان الأقوى عدم جواز النكس فيه فكذا في الوجه وهذا الاستدلال حسن على تقدير ثبوت الدعوى
وفيه تأمل واستدل بعض من ناقش في الأدلة السابقة ببعض المناقشات المتقدمة لاثبات المطلوب بالأوامر المطلقة المتعلقة بالغسل
بدعوى انصرافها إلى المتعارف وهو الغسل من الأعلى وفيه منع تعارف كون الغسل من أعلى الجبهة بحيث ينصرف إليه الاطلاق
وعلى تقدير تسليمه فالانصراف بدوي منشأه غلبة الوجود مثله لا يضر بالاطلاق * (وقد) * يستدل له أيضا بقاعدة الاشتغال
وهو مبنى على دعوى إهمال المطلقات وورودها في مقام بيان أصل تشريع الحكم كأغلب الاطلاقات الواردة في العبادات
وفيها مالا يخفى ضرورة ظهور مطلقات الباب حتى الكتاب العزيز في كونها مسوقة لبيان مهية الوضوء وورود كثير منها في مقام
الجواب عن اسئولة السائلين فكيف يمكن دعوى الاهمال فيها مع مخالفتها للأصل المعتمد عليه عند العقلاء في مباحث الألفاظ
وهو حمل الكلام المسموع من المتكلم على كون مفاده تمام مراده من هذا اللفظ ولذا لا يتوقف العبيد في استكشاف مقاصد
الموالى من أوامرهم بمجرد احتمال كونهم في مقام تشريع الحكم وثبوت إرادة هذا المعنى في كثير من مطلقات الكتاب الواردة
في العبادات بقرينة متصلة كاجمال متعلق الأمر أو منفصلة كورود تقييدات كثيرة موجبة لاستهجان إرادة الاطلاق
من المطلق غير ضائر في التمسك بالاطلاق فيما لم يثبت فيه ذلك كما فيما نحن فيه خصوصا مع كون أغلب ما هو من هذا القبيل
مما كان متعلق الخطاب فيه مجملا فهي بنفسها مجملات لا توجب كثرتها وهنا في المطلقات هذا مع أن
ذكر الغاية في الآية
من أقوى الشواهد على كونها مسوقة لبيان موضوع الحكم لا لمجرد تشريعه مضافا إلى تصريح أمير المؤمنين عليه السلام في رواية
إسماعيل بن جابر عن الصادق (ع) بان هذه الآية من المحكم الذي تأويله في تنزيله ولا يحتاج تأويله إلى أكثر من تنزيله
بل وكذا استدلال الباقر عليه السلام في خبري زرارة وبكير بوجوب غسل تمام الوجه واليدين ومسح بعض الرأس والرجلين بالآية
الشريفة ثم لو سلم إهمال الأدلة فالمرجع أصالة البراءة على المختار من جريانها في الشك في الشرطية اللهم الا ان
يدعى ان الشك في المقام شك في المكلف به لا في التكليف لقوله (ع) لا صلاة الا بطهور فيجب على المكلف احراز الطهور
136

ولو بالاحتياط لان متعلق التكليف مفهوم مبين والشك فيما به يتحقق هذا المفهوم الا ان في كون مفهوم الطهور في الرواية مبنيا
وعدم إرادة أسبابه منه تأملا والله العالم * (ولا) * يجب مراعاة التحقيق في صدق كون غسل كل جزء بعد غسل ما فوقه حقيقة بل
يكفي في غسل الوجه ما يصدق عليه عرفا انه غسل من أعلى وجهه إلى أسفله نعم لو كان مدرك الحكم قاعدة الاشتغال للزم مراعاة
ذلك بان لا يغسل الجزء السافل الا بعد غسل ما فوقه مما هو في سمته حقيقة لا بالمسامحة العرفية تحصيلا للقطع بحصول
الطهارة المعتبرة في صحة الصلاة الا ان يستظهر من الاخبار البيانية عدم مراعاة التحقيق أو يدعى كونها حرجا منفيا
في الشريعة ولكن في الأخير منع والأول لا يخلو عن تأمل واما احتمال وجوب غسل السافل بعد الفراغ عن جميع ما فوقه من
الاجزاء ولازمه الالتزام بوجوب غسل الوجه بخط عرضي على أدق ما يمكن * (فيدفعه) * مضافا إلى تعذره أو تعسره المنافى
لأدلة نفى الحرج ومخالفته لسيرة المتشرعة صريح الاخبار البيانية الحاكية لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يجب ولو
على القول باهمال الأدلة ووجوب الاحتياط
ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية وخرج من حدود الوجه اجماعا كما عن غير
واحد نقله ويدل عليه مضافا إلى الأصل والاجماع صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على انحصار ما يجب غسله من الوجه بما
دارت عليه الابهام والوسطى من قصاص الشعر إلى آخر الذقن * (نعم) * يجب غسل ما أحاط منها على الوجه لا لصدق اسم
الوجه عليه [ح] بل للاخبار الآتية الدالة على قيامه مقام الوجه في اجزاء الماء عليه فلا وجه للاستشكال في نفى وجوب غسل
الزائد عن حد الوجه مما يشتمل عليه الإصبعان على تقدير صغر الوجه لان وجوب غسله انما هو لإحاطته على الوجه لا لذاته و
صغير الوجه يعين حدود وجهه بالرجوع إلى المستوى لا باصبعية فلا يجب عليه الا غسل ما أحاط على وجهه من الشعر لا غير وعن الإسكافي
استحباب غسل ما استرسل وقد ينافيه قوله (ع) ان زاد عليه لم يوجر الا ان يدعى عدم صدق الزيادة ما لم يكن غسل الزائد
بعنوان كونه من الوجه ولكنه يتوجه عليه [ح] مطالبة دليل الاستحباب وما في بعض الروايات الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله
انه (ع) غرف ملا كفه اليمنى ماء فوضعها على جبهته ثم قال بسم الله وسدله على أطراف لحيته ثم امر يده على وجهه وظاهر
جبينيه مرة واحدة لا يدل على غسلها وما يدل على جواز الاخذ من مائها للمسح عند الجفاف لا يدل على استحباب غسلها
فلعل الوجه فيه كون مائها من بقية بلل الوجه ولأجل بقاء العلقة بينه وبين الوجه لا يقاس بالماء المنفصل عنه مع أن الحكم
تعبدي لا يتوجه عليه النقض والقول بان هذا النحو من الاشعارات يكفي في اثبات الاستحباب للتسامح في أدلة السنن وان
كان وجيها الا انه لا يخلو عن مسامحة فليتأمل
وكذا لا يجب تخليلها أي اللحية بايصال الماء في خلالها لغسل ما استتر بها من
البشرة والشعر وكذا لا يجب تبطينها بايصال الماء إلى باطن الشعر الذي لا يقع عليه حس البصر بل يغسل الظاهر الذي يقع عليه
حس البصر في بادي الرأي بلا تعمق وتأمل في النظر بشرة كان المرئي أم شعرا محيطا على البشرة أم محيطا على الشعر المحيط على البشرة
لما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت أرأيت ما كان تحت الشعر قال كلما أحاط به الشعر فليس للعباد ان
يغسلوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء * (وفي) * الوسائل رواه الصدوق بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت له أرأيت
ما أحاط به الشعر فقال كلما أحاط به الشعر فليس على العباد ان يطلبوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء وصحيح ابن مسلم عن
أحدهما قال سئلته عن الرجل يتوضأ أيبطن لحيته قال لا وفي خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا
سنة انما عليك ان تغسل ما ظهر وفي دلالة الأخير على المدعى تأمل لكونه مسوقا لبيان نفى وجوب المضمضة والاستنشاق
فالحصر إضافي * (فتأمل) * وكيف كان فهذا الحكم اجمالا ممالا شبهة فيه لصراحة الاخبار في افادته بل عليه اجماع الفرقة كما عن
الخلاف وغيره نقله الا ان الاشكال والخلاف في تشخيص بعض مصاديقه الخفية كاللحية الخفيفة التي لا تغطي البشرة ولا يمنع
من وقوع حس البصر عليها فان كلمات الاعلام في بيان حكمها في غاية الاضطراب حتى أن منهم من نفى الخلاف في وجوب
تخليلها ومنهم من عكس الامر وادعى نفى الخلاف في عدم وجوب تخليلها وثالث جعل نزاعهم فيه لفظيا قال الشهيد الثاني في
محكى شرح الألفية واعلم أن الخلاف في غسل بشرة الخفيف انما هو في المستور منها كما بيناه لا في البشرة الظاهرة خلال الشعر
على كل حال فإنه يجب غسلها اجماعا لعدم انتقال اسم الوجه عنها وعدم إحاطة الشعر بها فعلى هذا لابد في خفيف الشعر
من ادخال الماء إلى البشرة التي بين شعره وغسل ما ظهر و [ح] فتقل فائدة الخلاف في ذلك انتهى وجه قلة الفائدة على هذا
التقدير ظاهر لتوقف غسل البشرة الظاهرة خلال الشعر الخفيف غالبا على غسل ما يستره الشعر الخفيف ولو من باب المقدمة
العلمية * (وعن) * شارح الدروس عكس ذلك فنفى الريب عن عدم الخلاف في المستورة بالشعر الخفيف وانحصار الخلاف في البشرة
137

الظاهرة خلال الشعر وعن ولده [قده] أيضا استظهار ذلك في حاشية الروضة * (وعن) * حبل المتين عدم الخلاف في وجوب غسل
الظاهر وعدم وجوب غسل المستور ومن هنا قال بعض مشايخنا ان النزاع في هذه المسألة قليل الجدوى انتهى واعترض عليه
شيخنا المرتضى [ره] تبعا للوحيد البهبهاني بان النزاع [ح] لفظي لا قليل الجدوى انتهى ولا يخفى عليك ان اختلاف الافهام
منشأه اجمال كلمات الاعلام وتأويل كل كلها إلى ما يراه حقا في المسألة فلا يهمنا التعرض لنقلها خصوصا بعد وضوح المناط
فان منشأ الخلاف ظاهر الاختلاف في صدق الإحاطة على الشعر الخفيف وانتقال اسم الوجه إليه أم لا بناء على أن الوجه اسم
لما يواجه به شعرا كان أم بشرة ولكنك عرفت انفا ضعف هذا البناء وان الوجه اسم للعضو المخصوص وان كفاية غسل
ما أحاط به من الشعر انما هي للأدلة الحاكمة على اطلاقات وجوب غسل الوجه فمدار المسألة انما هو على صدق الإحاطة
وعدمه * (إذا) * عرفت ذلك فنقول ان الشعر النابت على الوجه على أقسام * (منها) * مالا شبهة في احاطته على الوجه عرفا وهو الشعر
الكثيف المانع من وقوع حس البصر على البشرة في مجلس التخاطب وهذا القسم مما لا خلاف ولا اشكال في حكمه * (ومنها) *
مالا شبهة في عدم صدق الإحاطة عليه عرفا كالشعر الدقيق الذي ينبت في أوائل خروج اللحية ولا يسمى باسمها وكذا الشعر
الخشن الذي ينبت على الوجه مع تباعد منبت بعضه عن بعض بعدا مفرطا أو بعدا في الجملة ولكن بشرط عدم التفاف بعضه
ببعض بل قيام كل شعرة على أصلها فإنه لا شبهة في عدم انصراف الرواية إلى مثلها بل عدم صدق الإحاطة عليها عرفا فإنه يجب
في مثل هذه الموارد غسل البشرة بلا اشكال بل الشعر أيضا إذا كان من توابعها عرفا على تأمل يظهر وجهه عند
التكلم في شعر
الذراعين ولو لم يكن من توابعها عرفا كالشعرات الخشنة الطويلة المتدلية على الوجه مثلا لا يجب الا غسل شئ يسير من أصوله
تبعا للوجه ولو من باب المقدمة العلمية * (ومنها) * ما يشك في دخوله في أحد القسمين كما هو الشأن في أغلب المفاهيم العرفية فان لها
مصاديق مشتبهة ففي مثله يجب الرجوع إلى ما يقتضيه القواعد فلو شك في صدق الإحاطة على الشعر النابت على الوجه فإن كان
منشأ الشك اجمال المفهوم كما ربما يشك في صدق الإحاطة على ما يحكى بشرة الوجه مع التفاف بعضها ببعض وقرب منابتها فقد
يتوهم في مثله صدق الإحاطة وكونه بمنزلة الثوب الرقيق وقد يتخيل عدم صدقها عليه عرفا أو انصراف الأدلة عنه فالمرجع فيه
اطلاقات أدلة وجوب غسل الوجه فان اطلاق المحكوم عليه في مثله يرفع اجمال الحاكم وان كان منشأ الشك الاشتباه في
المصداق كما لو شك في أن لحيته هل هي مانعة من وقوع حس البصر على وجهه في مجلس التخاطب أم لا يجب عليه الاحتياط بغسل
البشرة والشعر لدوران الواجب بين المتبائنين وفي مثله يجب الاحتياط ولا يجوز التمسك باطلاق وجوب غسل الوجه ولا
بعموم ما أحاط به الشعر لكون الشبهة مصداقية وقد تقرر في محله انه يرجع فيها إلى ما يقتضيه الأصل وهو الاحتياط فيما
نحن فيه * (نعم) * يمكن ان يقال يستفاد من التتبع والتأمل في الاخبار البيانية وغيرها ميزان يعرف به حكم الموارد المشتبهة وهو
كفاية اسدال الماء على الوجه وامرار اليد عليه مرة أو مرتين بحيث لا يصدق عليه التعمق البحث والطلب والتبطين المنهى
عنها فالشعر الذي يمنع من إصابة الماء إلى البشرة بعد الغسل بهذه الكيفية ينوب منابها بل يصدق الإحاطة عليه أيضا
إذ لا يمنع من إصابة الماء في الفرض بعد اجزاء الماء والمسح باليد الا إحاطة الشعر فيقتصر على غسله ومالا يمنع من إصابة
الماء إلى المحل لا يترتب على تحقيق حاله ثمرة في مقام العمل لان العلم بحصول غسل أحدهما لا ينفك عن غسل الاخر
نعم يبقى الكلام في تعيين ما هو الواجب بالأصالة وقد عرفت أن مقتضى القاعدة وجوب غسل البشرة في صورة الاشتباه
المفهومي لا الشعر الا ان يكون من توابع البشرة * (وكيف) * كان فالخطب في موارد الاشتباه سهل بعد وضوح عدم وجوب الطلب
والبحث والتعمق في تحصيل العلم بوصول الماء إلى أصول الشعر الكاشف عدم إصابة الماء إليها عن احاطته على المحل خصوصا
بعد التأمل في الاخبار البيانية الدالة على كون غسل الوجه في غاية السهولة ففي بعضها انه (ع) وضع ملا كفه ماء وأسدله
على أطراف لحيته ثم امر يده على وجهه وظاهر جبينيه مرة واحدة مع أن الوجه غالبا لا ينفك عن الشعر الخفيف في الجملة
وعدم كون لحيتهم صلوات الله عليهم خفيفة لا ينافي ذلك لعدم انحصار شعر الوجه في اللحية بل الغالب المتعارف خفة
الشعر النابت على الخدين والعنفقة وما بين الحاجبين والهدب ومن لم يطمئن بمثل فعله (ع) في حصول غسل ما يجب غسله من وجهه
ففي قلبه مرض الوسواس والا فالماء اسرع نفوذا من أن يمنعه الشعرات الخفيفة * (وكيف) * كان فهذا المقدار من الغسل يكفي
في صحة الوضوء ومالا يصل إليه الماء بهذا النحو من الغسل لإحاطة الشعر عليه لا يجب غسله سواء كان الشعر المحيط به خفيفا
أو كثيفا الا ان الظاهر عدم انفكاك غسل المحل مع خفة الشعر الا في بعض الفروض كما لو فرض طول الشعر وكثرته الموجبة
138

لاجتماعه على العضو حال الغسل بوضع اليد عليه لإصابة الماء ففي هذه الحالة يستر البشرة ويحجبها عن وصول الماء إليها
وإن لم يكن حاجبا عن رؤيتها في سائر الأحوال وفي مثل هذا الفرض نلتزم بكفاية غسله عن غسل البشرة لان المناط
كونه محيطا على البشرة حال الغسل بشرط كونه على الوضع المتعارف الذي يقتضيه غسل الوجه على ما هو المتبادر من الاخبار
ففي مثله لا يجب البحث والطلب وإصابة الماء إلى باطن الشعر لصدق كونه محيطا بالبشرة حال الوضوء ولو لم نقل بصدقه
في سائر الأحوال كما أن المناط في الشعر الظاهر الذي يجب غسله ما كان ظاهرا في هذه الحالة والا لتعذر حصول القطع
بوصول الماء إلى ما كان ظاهرا قبل وضع اليد عليه باجزاء الماء عليه وامرار اليد مرة أو مرتين لتغير أوضاع الشعر بوضع اليد
عليه مع أن الاخبار البيانية وغيرها ناصة بكفايته فتدبر * (ويؤيد) * ما ذكرناه من عدم وجوب غسل مالا يصل إليه الماء
من غير مبالغة ما حكى عن الذكرى في تفسير الخفيف والكثيف حيث إنه [قده] بعد أن فسر الشعر الخفيف بما ترى البشرة من خلاله
في مجلس التخاطب قال أو هو ما يصل الماء إلى منبته من غير مبالغة وكيف كان فلا ينبغي التأمل في عدم وجوب غسل البقعة
الواقعة في وسط اللحية المحيطة عليها من نواحيها لصدق الإحاطة التي هي مناط الحكم وعدم صحة دعوى الانصراف عن
مثله وكون إصابة الماء إليها بحث أو طلبا فلا يجب غسلها جزما كما أنه لا يجب غسل ما يستره الشارب وغيره بالاسترسال
إذا كان الموضع المستور قريبا من منبته والا ففيه اشكال لامكان دعوى كون الاخبار منزلة على الغالب وهو غير هذا الفرض
وان كان دعوى انصراف قوله (ع) كلما أحاط به الشعر فليس على العباد ان يطلبوه آه بعد سؤال السائل أرأيت ما كان تحت الشعر
عن مثل الفرض قابلة للمنع لا لان العموم المستفاد من الرواية مستند إلى الوضع لا يحسن فيه دعوى الانصراف حتى يتوجه عليه
ان عمومه اللغوي انما هو بالنسبة إلى المواضع التي يجب غسلها لا بالنسبة إلى مصاديق الإحاطة فان كفاية كل إحاطة
انما تستفاد من الاطلاق لا العموم بل لدعوى أن المفروض من المصاديق الجلية لدى العرف بل اظهر المصاديق الذي ينصرف
إليه الذهن في مورد السؤال ودعوى ندرته يمكن منعها فترك الاستفصال في مثله يعيد العموم مضافا إلى اطلاق الجواب
فتأمل والأولى بالاشكال ما لو كان منبت الشعر المحيط على البشرة خارجا عن حد الوجه كالصدغ المتدلي على مجموع العذار
إذا كان الموضع المستور محله المتعارف وإلا فلا اشكال في وجوب غسل المحل دون الحال ولا ينبغي ترك الاحتياط في
موارد الاشتباه خصوصا في الصورتين الأخيرتين والله العالم وكذا لا ينبغي التأمل في أن كفاية غسل ما أحاط على البشرة
عن غسلها عزيمة لا رخصة لما عرفت من حكومة أدلتها على اطلاقات غسل الوجه فيقيد بها مطلقاتها ولا دليل [ح] على كفاية
غسل البشرة عما وجب عليه ولا دلالة في الأدلة الحاكمة على كون الحكم رخصة وقوله (ع) في خبر زرارة ليس على العباد ان يطلبوه
لا يدل على كفاية غسل البشرة في امتثال الواجب خصوصا بعد وروده بطريق آخر ليس للعباد ان يطلبوه * (وليعلم) * انه لا فرق
في عدم وجوب تخليل الشعر ووجوب غسل ظاهره بين شعر اللحية وغيرها كالحاجبين والهدب والعنفقة وغيرها مما أحاط
على الوجه وكذا لا فرق بين الرجل والمرأة نصا واجماعا * (فلو) * نبت للمرأة لحيته لم يجب عليها تخليلها بشرط كثافتها بالتفسير الذي
تقدم نقله عن الشهيد [ره] ويكفى إفاضة الماء على ظاهرها من دون تبطين فلو غسلت بشرة وجهها لم يجز كما تقدم في الرجل
والله العالم
* (الفرض الثالث) * من فروض الوضوء الثابتة بالكتاب والسنة والاجماع غسل اليدين والواجب فيه
غسل الذراعين والمرفقين بالأدلة الثلاثة بناء على كون إلى في الآية بمعنى مع كما هو غير عزيز في الاستعمال ولا نعنى من كونها
بمعنى مع استعمالها فيه مجازا فإنه بعيد بل بمعنى انه كثيرا ما يراد في موارد الاستعمالات دخول الغاية في المغيى فتكون كلمة
إلى بمنزلة مع وهذا وان كان مخالفا للظاهر ولكنه لا يستلزم تصرفا في كلمة إلى توضيح ذلك أن كلمة إلى موضوعة لانتهاء
الغاية ونهاية الشئ طرفه الذي عنده ينتهى الشئ فهي من حيث هي امر انتزاعي غير قابل لان ينازع في دخولها في المغيى أو
خروجها منه ولكن مدخول هذه الكلمة وكذا كلمة حتى قد يكون نفس الغاية الحقيقية التي هي الحد المشترك بين المسافة وما
هو خارج منها كما لو قال صم إلى آخر اليوم أو أول الليل فان آخر اليوم لو أريد منه معناه الحقيقي لا الجزء الآخر مسامحة عبارة
عن الحد المشترك الذي لو قيس إلى اليوم سمى آخره ولو قيس إلى الليل سمى أوله نظير النقطة الموهومة التي ينقسم بها الخط فهي
بداية لكل من القسمين باعتبار ونهاية لهما باعتبار آخر وليس لها في حد ذاتها طول حتى يزداد كل من الخطين بزيادتها عليه والا
لما كانت حدا مشتركا بل كانت جزء من أحدهما وكان طرفها حدا مشتركا فيخرج المفروض من كونه نقطة وهو خلاف الفرض
وقد يكون مدخولها امر إذا اجزاء ومسافة مثل ضم إلى الليل وسر إلى المسجد وقد عرفت أن مجموع المدخول لا يعقل ان يكون
139

غاية للصوم أو السير فلابد في مثل المقام من تقدير كلمة يقتضيها المقام كلفظ الأول في المثال الأول وغيره مما يناسب في الثاني
كداخل المسجد أو وسطه أو اخره إلى غير ذلك وهي تختلف بالنسبة إلى الموارد والنزاع في دخول الغاية في المغيى انما يتمشى
على هذا التقدير لا الفرض الأول والمراد من الغاية في هذا الاستعمال مدخول كلمة إلى وما بمعناها لا الغاية الحقيقية فمرجع
النزاع في دخول الغاية في المسافة أو خروجها عنها إلى النزاع في أن الغالب في هذه الاستعمالات انتزاع الغاية عن الجزء الآخر
من مدخول كلمة إلى فيكون المدخول داخلا في المسافة أو انتزاعه من جزئه الأول فيكون خارجا وقد صرح غير واحد
بان الغالب في المحاورات خروج مدخول إلى من المسافة بخلاف حتى فان الغالب دخول مدخولها فيها فيحمل الموارد
الخالية عن القرينة على الغالب * (إذا) * عرفت ذلك فنقول قد اختلفت كلمات العلماء واللغويين في تفسير المرفق فمنهم من
قال بان المرفق عبارة عن المفصل أو الموصل على اختلاف التعابير كما هو المحكى عن أكثر اللغويين وكثير من العلماء
بل في الحدائق انه هو المشهور قال فيها المرفق كمنبر ومجلس المفصل وهو رأس عظمي الذراع والعضد كما هو المشهور
أو مجمع عظمي الذراع والعضد فعلى هذا شئ منه داخل في الذراع وشئ منه داخل في العضد انتهى فان أريد من
رأسهما السطح الواقع في طرفهما الذي هو المفصل حقيقة كما يفصح عن ذلك تفريعه الدخول على المعنى الثاني
فهذا مما يبعده نزاعهم في دخوله في المحدود وكون إلى بمعنى مع أو خروجه منه لما أشرنا إليه من أنه
لا وقع لهذا الكلام
على هذا التقدير فمن هنا يغلب على الظن ان مرادهم بالمفصل أو الموصل هو الجزء الذي يتقوم به الفصل والوصل
لا خصوص طرفهما الذي هو امر انتزاعي فيؤول إلى المعنى الثاني أو يقرب منه كما يؤيد ذلك ما حكى عن بعض من تقارب
التفاسير المذكورة للمرفق وربما نسب إلى بعض القول بان المرفق طرف الساعد خاصة كما عن ظاهر الفاضل في المنتهى
ومحتمله في النهاية ولعله أراد بهذا طرفه الحقيقي الذي هو عبارة عن الحد المشترك احترازا عن القول بالمجمع فيؤول إلى
المعنى الأول ولكن يبعده ما عرفت من عدم صلاحيته [ح] لوقوع الكلام فيه في كون إلى بمعنى مع فالأولى تنزيل كلماتهم على ما
يناسب ذلك وكيف كان فيدل على وجوب غسل المرفق مع الذراع السنة ونقل الاجماع المستفيضين واما استفادته من الآية
الشريفة من حيث هي فمحل نظر بل منع بل هي بظاهرها تقتضي عدمه بمقتضى ما ادعوه من أن الغالب خروج مدخول إلى من
المحدود واما الأخبار الدالة عليه * (فمنها) * رواية الهيثم بن عروة التميمي قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن قوله تعالى فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق فقلت هكذا ومسحت من ظهر كفى إلى المرافق فقال ليس هكذا تنزيلها انما هي فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم من المرافق ثم امر يده من مرفقه إلى أصابعه وفي الصحيح الحاكي لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فوضع الماء على مرفقه
فامر كفه على ساعده وفي اخر فغرف بها غرفة فافرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق
وفي الخلاف قد ثبت عن الأئمة عليهم السلام ان إلى في الآية بمعنى مع قال شيخنا المرتضى دعوى القطع بالثبوت كدعوى التواتر
أو الاجماع فلا يقصر هذا المرسل عن الصحيح انتهى وعن جامع المقاصد حكاية كونها بمعناها عن المرتضى [ره] وجماعة من الموثوق
بهم ونقل اجماعنا على وجوب غسل المرفقين مع اليدين لو لم يكن متواترا ففي أعلى مراتب الاستفاضة بل عن الخلاف به قال جميع
الفقهاء الا زفر وعن المعتبر عليه الاجماع خلا زفر ومن لا عبرة بخلافه فيظهر منهما معروفيته بين العامة فضلا عن الخاصة
وكفى بما ذكر دليلا على وجوب غسل المرفق وظاهر فتاوى العلماء وكذا معاقد اجماعاتهم وكذا الأخبار المتقدمة ما عدا
الصحيحين الحاكيين ان وجوب غسل المرفقين كالذراعين اصلى لا مقدمي واما الاخبار الحاكية فبعد تسليم دلالتها على
الوجوب لا يستفاد منها كون وجوبه أصليا كما لا يخفى الا ان فيما عداها كفاية فمناقشة بعض في وجوبه الأصلي مما
لاوجه لها نعم للقول بعدم وجوب غسل طرف العضد المتصل بالذراع أصالة وجه لما عرفت من الاختلاف في تفسير
المرفق فلو قلنا بأنه طرف الساعد أو نفس المفصل لا يجب غسل طرف العضد أصالة قطعا نصا واجماعا وكذا لو قلنا
باجماله على الأقوى لأصالة براءة الذمة عما لو يعلم وجوبه الا ان يقال إنه يجب احراز الطهور الذي هو مقدمة للصلاة
وهو مفهوم مبين فلابد في احرازه من الاحتياط وفيه تأمل فالشان انما هو في تعيين معنى المرفق أو تعين ما أريد منه
في كلمات المجمعين أو في الاخبار واما ظهورها في الوجوب الأصلي فغير قابل للخدشة كما في غيره من الواجبات التي تعرضوا
لبيان وجوبها ولا ينافي ما ذكرنا من ظهور اجماعاتهم المنقولة في ذلك تصريح بعض الأساطين من المدعين للاجماع
في مسألة الا قطع بعدم وجوب غسل طرف العضد كما في المنتهى حيث قال فيما حكى عنه بعد تعليل سقوط غسل اليد في
140

الا قطع من المرفق سقط فرض غسلهما بفوات محله وللشافعي في غسل العظم الباقي وهو طرف العضد وجهان أصحهما الوجوب
لان غسل العظمين المتلاقيين من العضد والمرفق واجب فإذا زال أحدهما غسل الاخر ونحن نقول انما وجب غسل طرف
العضد توصلا إلى غسل المرفق ومع سقوط الأصل انتفى الوجوب انتهى وجه عدم المنافاة ابتناء منعهم وجوب غسل الباقي
على دعوى اختصاص المرفق بطرف الساعد وعدم كون طرف العضد جزء منه ووجوب غسله حال الاتصال لأجل كونه مقدمة
لغسل المرفق كما هو صريح العبادة المحكية عن العلامة فوجوب غسل المرفق أصالة مما لا خلاف فيه ظاهرا وانما الخلاف
والاشكال في تعيين معنى المرفق وأخيار العلامة وغيره من الأساطين الناقلين للاجماع بعض معاني المرفق لو علم خطائهم
فيما اختاروه لا يضر بالاجماع ولا بنقلهم الاجماع فضلا عن نقل غيرهم له لان المرفق في كلمات المجمعين وناقليه موضوع
للحكم فيكون معقد الاجماع كمتن الخبر المتواتر يجب الرجوع فيه إلى العرف واللغة لا إلى اجتهاد الناقل * (نعم) * لو كان عبارة ناقل
الاجماع عنوانا منتزعا عن الموارد التي ادعى الاجماع على حكمها كما لو كان غرضه نقل الاجماع على وجوب غسل مجموع الذراع
من أوله إلى آخره وعبر عن طرفه المتصل بالعضد بالمرفق زاعما اختصاصه به بحيث لو علم خطائه في توهم الاختصاص لغير
عبارته لكان مراد المدعى متبعا في دعواه ومن المعلوم ان ما نحن فيه ليس من هذا القبيل بل الامر بالعكس فإنه لو
تفطن إلى خطائه لالتزم بوجوب غسل ما يسمى مرفقا فيجب تعيين المرفق بالرجوع إلى العرف واللغة وقد عرفت أن محتملاته
ثلاثة أضعفها احتمال كونه خصوص طرف الساعد لمخالفته لما نص عليه اللغويون ونسب إلى أكثر العلماء بل لم ينسب
القول به صريحا إلى أحد والعبارة المحكية عن العلامة وان كان ظاهرها ذلك ولكنها غير صريحة فيه لما تقدمت الإشارة
إليه من احتمال رجوعه إلى المعنى الأول وان كان بعيدا وعلى تقدير صراحة كلامه في ذلك فلا يكافؤ قوله مقالة جل
العلماء وكل اللغويين واحتمال كونه حقيقة في نفس المفصل قوى لاطباق كلمة اللغويين بظاهرها على ذلك على ما حكى
عنهم بل ولعل هذا المعنى هو المناسب لوضعه المادي الا انك عرفت أن تنزيل كلمات العلماء في فتاويهم ومعاقد
اجماعاتهم وكذا ما أرسله في الخلاف إلى الأئمة (ع) على هذا المعنى متعذر فلابد في الجميع من تنزيلها على إرادة
المجمع ولو لم نقل بكونه حقيقة فيه لان الامر بغسله مع اليدين قرينة على إرادة ما يتقوم به المفصل وهو الطرفين لا نفسه
فظهر لك ان الأقوى وجوب غسل المجمع مع اليدين أصالة نعم يجب غسل جزء مما يتصل من العضد بالمجمع من باب
المقدمة والله العالم
* (و) * يجب الابتداء من المرفق ولو غسل منكوسا لم يجزه لما مر في غسل الوجه من الاخبار البيانية
وغيرها ودلالة الاخبار البيانية على عدم جواز النكس في اليدين اظهر لما عرفت من امكان المناقشة في غسل الوجه
بكون البدئة بالأعلى جارية مجرى العادة وهذا بخلاف اليدين فان غسلهما منكوسا أسهل وقد صرح الراوي في
بعض الروايات المتقدمة بعد ذكره انه (ع) غسل يده اليمنى من المرفق إلى الكف انه (ع) لم يردها إلى المرفق وكذلك في اليسرى
فتصريح الراوي بهذه الخصوصية في غسل كل من اليدين وعدم اقتصاره على ظهور عبارته الأولى في إفادتها دليل
قوى على كونها مما قصد معرفة حكمه في الوضوءات البيانية * (ويدل) * عليه مضافا إلى ما تقدم امر الإمام (ع) فيما كتبه
إلى علي بن يقطين بعد ارتفاع التهمة عنه وصلاح حاله عند السلطان بغسل يديه من المرفقين عكس ما امره به أولا
لأجل التقية ولا بأس بنقل مجموع ما كتبه (ع) لما فيه من الفوائد روى في الوسائل عن محمد بن محمد بن نعمان المفيد في الارشاد
عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن الفضل ان علي بن يقطين كتب إلى أبي الحسن موسى (ع) يسئله عن الوضوء فكتب إلى أبو الحسن (ع)
فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلث أو تستنشق ثلاثا وتغسل
وجهك ثلاثا وتخلل شعر لحيتك وتغسل يديك إلى المرفقين ثلاثا وتمسح رأسك كله وتمسح ظاهر اذينك وباطنهما
وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلثا ولا تخالف ذلك إلى غيره فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب بما رسم له
أبو الحسن (ع) فيه مما جميع العصابة إلى خلافه ثم قال مولاي اعلم بما قال وانا امتثل امره فكان يعمل في وضوئه على
هذا الحد ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لامر أبى الحسن (ع) وسعى بعلى بن يقطين إلى الرشيد وقيل إنه رافضي
فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر فلما نظر إلى وضوئه ناداه كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة وصلحت
حاله عنده وورد عليه كتاب أبى الحسن (ع) ابتداء من الآن يا علي بن يقطين توضأ كما امرك الله تعالى اغسل وجهك مرة
فريضة وأخرى اسباغا واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة
141

وضوئك فقد زال ما كنا نخاف منه عليك والسلام * (ويدل) * عليه أيضا ما عن العياشي في تفسيره عن صفوان قال سئلت
أبا الحسن (ع) عن قول الله [تعالى] فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق إلى أن قال قلت فإنه قال اغسلوا أيديكم إلى المرافق
فكيف الغسل قال هكذا ان يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبه في اليسرى ثم يفيضه على المرفق ثم يمسح إلى الكف إلى أن قال
قلت له أيرد الشعر قال إذا كان عنده آخر فعل وإلا فلا أراد بالاخر من يتقيه * (وكذا) * رواية ابن عروة التميمي المتقدمة وهاتان
الروايتان حاكمتان على ظهور الآية في كون المرفق غاية للغسل لو سلم ظهورها فيه كما أن الاجماع على عدم وجوب الغسل
منكوسا مانعة من الاخذ بهذا الظاهر فالمرفق في الآية بشهادة السنة والاجماع غاية للمغسول لا للغسل
* (و) * يجب البدئة
باليمين فلو عكس أو غسلهما دفعة لم يجزه لما سيجئ من وجوب الترتيب بين أفعال الوضوء نصا واجماعا ولعل المصنف
تعرض لبيان هذا الفرع مع تصريحه فيما بعد بوجوب الترتيب بين أفعال الوضوء دفعا لما قد يتوهم من ظاهر عبارته
التي تبع فيها الكتاب والسنة حيث جعل غسل اليدين فرضا واحدا ان غسلهما بمنزلة فعل واحد كغسل طرفي الوجه فلا
ترتب بينهما فدفعه بقوله ويجب البدئة باليمين * (فتأمل) *
ومن قطع بعض يديه مما دون المرفق غسل ما بقي منها من أعلى المرفق
إلى آخر ما بقي حتى الموضع الذي ظهر بالقطع بلا خلاف فيه كما في طهارة شيخنا المرتضى [ره] وفي الجواهر كأنه لا خلاف فيه
وعن كاشف اللثام وغيره نقل الاجماع عليه وعن المنتهى نسبته إلى أهل العلم وفي الحدائق الظاهر أنه
لا خلاف في وجوب
غسل الباقي ويدل عليه مضافا إلى ذلك حسنة إبراهيم عن أبي جعفر (ع) قال سئلته عن الأقطع اليد والرجل قال يغسلهما
وخبر رفاعة عن الصادق (ع) قال سئلته عن الأقطع فقال يغسل ما قطع وخبره الاخر عنه أيضا قال سئلته عن الأقطع
اليد والرجل كيف يتوضأ قال يغسل ذلك المكان الذي قطع منه وكون الأخيرين رواية واحدة بان كان أحدهما منقولا باللفظ
والاخر بالمعنى محتمل وهذه الأخبار بحسب الظاهر مسوقة لبيان ان موضع القطع ينوب مناب العضو المقطوع فيما هو وظيفة ذلك
العضو لا ان وضوء الأقطع عبارة عن غسل موضع القطع فقط فلا حاجة في اثبات وجوب غسل ما عداه موضع القطع إلى المرفق
بعدم القول بالفصل إذ لا يرتاب أحد من أهل العرف بعد علمه ببقاء الوضوء في حق الأقطع على وجوبه وانه يجب عليه غسل
موضع القطع في أن ما عدا موضع القطع يجب عليه غسله كما كان عليه قبله لا للاستصحاب بل للقطع بذلك بعد القطع ببقاء الوضوء
في حقه على وجوبه فكما لا يشك في وجوب غسل يده الصحيحة ووجهه كذلك لا يشك في وجوب غسل ما بقي من يده المقطوعة وكذلك ينبغي
أن لا يشك أيضا في عدم وجوب غسل ما فوق المرفق مما لم يكن واجبا قبل القطع ولو توهم متوهم وجوبه لزعمه قيام ما فوق المرفق
مقام ما نقص من يده بالقطع يدفعه مضافا إلى الأصل الاجماع على عدم وجوب غسل الزائد وبما أشرنا إليه من قضاء العرف
بوجوب غسل سائر الأعضاء بعد قطعهم ببقاء الوضوء على وجوبه نظرا إلى كونه لديهم من المراتب الميسورة للوضوء ظهر لك
امكان الاستدلال للمدعى بقوله (ع) الميسور لا يسقط بالمعسور بل بالاستصحاب أيضا بعد البناء على المسامحة العرفية
في موضوعه كمالا يخفى * (ثم) * ان امره (ع) في الأخبار المتقدمة بغسل موضع القطع مطلقا دون المسح في الرجل فلعل الوجه فيه ما
أشرنا إليه من أن الامر بغسل موضع القطع كناية عن قيامه مقام العضو المقطوع فيما هو وظيفته فلم يرد منه خصوص الغسل و
يحتمل بعيدا ارادته [مط] فيحمل امره بغسل الرجل على التقية * (و) * ان قطعت اليد من المرفق أي المجمع سقط غسلها بفوات محله
للأصل وعليه الاجماع كما عن جماعة نقله وبه يصرف اطلاق الأخبار المتقدمة عن الفرض لو لم ندع انصرافها بنفسها إلى ما
إذا كان القطع مما دون المرفق اما بقرينة حكمه أعني وجوب الغسل أو بدعوى كون اليد حقيقة في الكف أو ظاهرة فيها أو
كون الغالب في الوجود الخارجي حصول القطع من الأشاجع أو الزند أو المفصل الذي يبقى معه جزء من المرفق أعني طرف
العضد المتداخل في عظم الذراع ويمكن ان ينزل على ذلك ما في الصحيح عن علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع) عن الرجل قطعت يده من
المرفق كيف يتوضأ قال يغسل ما بقي من عضده وعن بعض حمله على الاستحباب وعن الإسكافي القول بمضمونه قال فيما حكى عنه إذا كان
القطع من مرفقه غسل ما بقي من عضده ويحتمل ارادته ما احتملناه في الصحيحة وعن المختلف حمله على الاستحباب وكيف كان فخلافه
بعد انعقاد الاجماع على خلافه غير ضائر كما أن عمله بظاهر الرواية بعد اعراض الأصحاب عنه لا يخرجها من الشذوذ لكن الاحتياط
ممالا ينبغي تركه والله العالم
* (و) * لو كان له ذراعان دون المرفق أو كان له أصابع زائدة على ما يقتضيه الخلقة المتعارفة أو لحم
زائد نابت على المرفق أوما دونه أو غير ذلك من توابع اليد كالشعر والظفر وان طالا مع بقاء صدق التبعية عرفا وجب غسل الجميع بلا
خلاف فيه ظاهرا وعن شارح الدروس دعوى الاجماع عليه وفي المدارك نفى الريب عنه ويدل على وجوب غسل الجميع استفادته
142

عرفا من الامر بغسل مجموع اليدين إلى المرفقين وانه ليس له ان يدع من ذلك شيئا الا وغسله كما في بعض الروايات والأقوى عدم
كفاية غسل شعر اليد عن البشرة المستورة به بل يظهر من بعض عدم الخلاف فيه ووجهه اطلاق الامر بغسل اليدين وعدم ما يصلح
لتقييده عدا ما يتوهم من عموم قوله (ع) كلما أحاط به الشعر فليس على العباد ان يطلبوه وقوله (ع) انما عليه غسل ما ظهر اما الثاني
فقد عرفت فيما سبق من امكان المناقشة فيه بدلالته على وجوب غسل الظاهر في مقابل الباطن لا الظاهر في مقابل المتسور خصوصا
بالشعور نعم يحسن الاستدلال بهذه الرواية لنفى وجوب غسل باطن الأظفار وكذا مواضع الجروح والقروح التي خرجت بسببهما من
صدق اسم الظاهر عليها وكذا غيرها مما يعد من البواطن لدى العرف لا ما ستره الشعر إذ لا يعد مثله من البواطن عرفا واما
الأول فيتوجه عليه منع دلالته على العموم بالنسبة إلى شعر اليد بل لا يستفاد منه الا حكم ما أحاط بالوجه من الشعر إذ ليس الموصول
في الرواية للعموم بل هو للعهد والقدر المعلوم ارادته منه ليس إلا ما أحاط بالوجه لا غير اما ان الموصول لا يصح حمله على العموم
فلوجوه * (منها) * قوله (ع) في ذيل الصحيحة ولكن يجرى عليه الماء ضرورة عدم جريان هذا الحكم في الرأس والرجلين فليس المراد مما أحاط
كل موضع أحاط عليه الشعر من مواضع الوضوء بل المقصود اما خصوص ما أحاط بالوجه أو الأعم منه ومن اليدين ولا أولوية للثاني
بعد احتياجه إلى سبق الذكر كالأول وأصالة عدم قرينة العهد غير جارية بعد العلم بعدم العموم وتعيين خصوص أحدهما بالأصل
غير ممكن فالمتيقن إرادة ما أحاط بالوجه دون غيره بل قد يدعى الاجماع على عدم كفاية اجراء الماء على شعر اليد فلو تم فهو قرينة معينة
لإرادة خصوص الوجه * (ومنها) * ذكره في الفقيه عقيب الرواية المتقدمة في تحديد الوجه بما دارت عليه الإصبعان فظاهره كونه من
تتمة تلك الرواية فسبق ذكر الوجه قرينة مرشدة إلى أن المراد من الشعر هو الشعر الذي أحاط على الوجه وعدم ذكره في التهذيب اثر
تلك الصحيحة فلعل منشأه تقطيع الاخبار لا كونه رواية مستقلة * (ومنها) * شهادة البداهة بعدم كون سؤال السائل أعني قوله أرأيت
ما أحاط به الشعر كلاما مستقلا بالإفادة بل صدر منه هذا السؤال بعد بيان الإمام (ع) حكم شئ مثل وجوب غسل الوجه أو تحديد
الوجه أو غسل الوجه واليدين أو كيفية الوضوء مطلقا أو بيان وجوب غسل سائر الأعضاء في الغسل ومن المعلوم ان سؤاله ينزل
على ما كان موضوعا لديهم في الحكم بغسله وجواب الإمام (ع) أيضا ينزل على مورد السؤال ولا يمكن تعيين ما صدر بالأصل ولا مجرى
لأصالة العموم بعد العلم بسبقه بما يحتمل ان يكون قرينة العهد نعم قد ثبت بالاجماع واستناد العلماء إليه في حكم ما أحاط بالوجه من الشعر
في باب الوضوء دون الغسل ان الوجه في الوضوء مراد بهذا الحكم واما غيره فلا وقد ظهر لك من هذا الوجه ان المناقشة في الوجه الثاني
بمنع كونها من تتمة الرواية السابقة بل هي رواية أخرى مستقلة غير مجدية لاثبات العموم والعجب ممن أذعن بعموم الرواية وظن أنها
أخص مطلقا من الآية الامرة بغسل الوجوه والأيدي ورجح مع ذلك عموم الآية لزعمه ان تقييد المطلق أو تخصيص العام فرع المكافئة
وهي في المقام مفقودة لان معتضد الخاص فيما تقدم من تخليل الوجه كان هو الشهرة التي هي هنا من طرف عموم الآية وفيه مالا يخفى
إذ بعد تسليم كونها أخص [مط] لاوجه لتقديم العام عليها لان الخاص البالغ أول مرتبة الحجية مقدم على العام
المطلق مطلقا ولا يحتاج
العمل به إلى مرجح خارجي كالشهرة ونحوها كما أن الأمور الخارجية لا توجب رفع اليد عنه ما لم تسقطه عن الحجية هذا مع أن ما توهمه من
كونها أخص مطلقا في غير محله لان النسبة انما تلاحظ بين الرواية وبين كل من الوجوه والأيدي لا كليهما إذ كما يمكن تخصيص كل من الفقرتين
من الآية بالرواية كذلك يمكن تخصيص الرواية بكل من الفقرتين فتعارضهما من قبيل تعارض الظاهرين لا النص والظاهر كما في الخاص
المطلق نعم لا يمكن تخصيص الرواية بكليتهما بناء على اختصاص موردها بالوجه واليدين في خصوص الوضوء دون الغسل لاستلزامه [ح]
استيعاب التخصيص فهي على هذا التقدير بحكم الخاص المطلق في الجملة بمعنى انها على هذا التقدير تكون نصا في إرادة خلاف الظاهر
من الفقرتين اجمالا ولكن الاجماع على تخصيص الوجوه بها يرفع اجمالها بالنسبة إليها فيبقى تعارضها مع وجوب غسل الأيدي من قبيل
تعارض الظاهرين لا غير الا انك عرفت فيما سبق ان الرواية حاكمة على الآية فهي مقدمة عليها على تقدير الشمول مطلقا ولا يلاحظ بينهما
النسبة أصلا كما انها حاكمة على غيرها من الأدلة أيضا مثل مفهوم قوله (ع) إذا مس جلدك الماء فحسبك كما هو ظاهر فالحق في الجواب منع
عموم الرواية ولو لكشف الشهرة أو الاجماع كما عن بعض نقله عن قرينة التخصيص والا فهي حاكمة على ظهور الآية وغيرها [مط] كما تقدم
في الوجه والله العالم ولو كان شئ من ذلك فوق المرفق لم يجب غسله جزما لخروجه من حد الواجب نعم قد يتوهم الوجوب فيما لو
انسلخ بعض ما على المرفق والذراع مما يجب غسله وتدلى بخارج الحد كما أنه قد يتوهم عدم الوجوب في عكسه ويدفعهما دوران الحكم
مدار ما هو عليه فعلا من تبعيته المحل الفرض وعدمها وكونه قبل الانسلاخ محكوما بوجوب غسله أو عدمه لا يؤثر في بقاء حكمه بعد
ارتفاع وصفه وذهاب اسمه الذي أنيط به الحكم
ولو كان له يد زائدة ثابتة من فوق المرفق وانما فرضناها كذلك مع أن الحكم
143

غير مخصوص بها ليتمحض لما هو المقصود من هذه المسألة ولا يكون من جزئيات المسألة الأولى الباحثة عن حكم ما يشتمل
عليه المرفق وما دونه من الزوائد فالمبحوث عنه في هذه المسألة هو انه لو كان للمكلف أزيد من اليدين اللتين تقتضيهما
الخلقة المتعارفة هل يجب عليه غسل الزائدة أم لا فلو كانت اليد الزائدة مما دون المرفق لا مكن القول بوجوب غسلها
من باب التبعية ولو لم نقل به في النابتة من فوقه ولعل القول بوجوب غسلها مطلقا تبعا للمتن وغيره لا يخلو عن
قوة بشرط ان يكون اطلاق اليد عليها لدى العرف على سبيل الحقيقة لا المسامحة العرفية لأجل الشباهة الصورية لاطلاق
الآية ودعوى انصرافها إلى الأصلية التي تقتضيها الخلقة المتعارفة قابلة للمنع إذ لا عبرة بالانصراف الخطورى الذي
لا يوجب تصديق الذهن بإرادتها بالخصوص فالانصراف في مثله بدوي منشأه غلبة الوجود يرتفع بالتأمل ولذا يتردد
الناظر في الآية الشريفة في حكمها ولا يجزم بعدم إرادة غسلها منها فالمرجع [ح] أصالة الاطلاق حتى يعلم بالتقييد وأمره (ع)
بغسل اليدين ومسح الرجلين لا يدل على الاختصاص لوروده مورد الغالب فلا يصلح لتقييد الآية فالقول بأنه إذا اشتبهت
بالأصلية بحيث لم تتميز بالامارات التي ذكروها مثل التساوي في البطش وغيره أو انه إذا كان للزائدة مرفق وجب غسلها
لاطلاق الآية بخلاف غير المشتبهة فان الآية عنها منصرفة أولم يكن لها مرفق لخروجها من موضوع الآية ضعيف لما عرفت
من أن دعوى الانصراف بعد اطلاق اليد عليها عرفا على وجه الحقيقة مشكلة كما أن دعوى اختصاص موضوع الآية باليد
التي لها مرفق فاسدة لان التحديد بالغاية فيها منزل على الغالب لا ان موضوع الوجوب هو غسل اليد التي لها مرفق ولذا
لا يشك أحد في وجوب غسل اليد على من ليس ليده الأصلية مرفق كما هو ظاهر * (فالقول) * بوجوب غسل ما يصدق عليه اليد
حقيقة ولو لم تكن مشتبهة بالأصلية لو لم يكن أقوى فلا شبهة في كونه أحوط ولو قلنا بعدم وجوب غسل اليد الزائدة [مط] لدعوى
كون الإضافة في الآية للعهد لا الجنس بمعنى ان الآية منصرفة إلى ايجاب غسل الأيدي المعهودة المتعارفة الغالب الناس فالظاهر
أيضا وجوب غسل الزائدة لو اشتبهت بالأصلية مقدمة للقطع بفراغ الذمة كما صرح به غير واحد ولا يخفى عليك ان تسمية
إحديهما زائدة في صورة الاشتباه انما هي بالمقايسة إلى النوع والا فلو لم يكن نسبتهما إلى هذا الشخص على حد سواء لا يكاد
يتحقق الاشتباه وعلى هذا فيشكل القول بوجوب غسل الزائدة من باب المقدمة لأنا اما ان نلتزم بدلالة الآية على وجوب
غسل طبيعة اليد الثابتة للمكلف واحدة كانت أم أكثر فيجب غسل الجميع أصالة أو نقول بان الآية لا تدل الا على وجوب غسل
اليدين على كل مكلف لكونها منزلة على ما هو المعهود المتعارف فهذا الشخص مخير في تعيين إحديهما في مقام الامتثال لأن المفروض
كونهما في عرض واحد من حيث الإضافة إلى هذا الشخص فلا يمكن الالتزام بكون إحديهما مقصودة بالخصوص من الآية أو نقول إن
هذا الشخص لكونه خارجا من المتعارف خارج من موضوع الآية فيستفاد حكمه من الاجماع وغيره ومن المعلوم ان غاية ما
يمكن استفادته من الاجماع وغيره وجوب غسل اليدين عليه فينفي وجوب الزائدة بأصل البراءة ولازمه التخيير في مقام الامتثال
بحكم العقل بعد أن فرضنا انه لا مائز بين يديه وان مجموعهما أصلية بالإضافة إلى وجوده الشخصي فلاحظ وتأمل
* (الفرض الرابع) * من فروض الوضوء الثابتة بالكتاب والسنة والاجماع مسح الرأس ولا يجب استيعابه
بالمسح بل لا يجوز لو نوى به
الشرعية وانما الواجب منه مسح بعضه سنة واجماعا بل ويدل عليه أيضا ظاهر الكتاب ولو باعلام الإمام (ع) بدلالته في صحيحة
زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) الا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين فضحك وقال يا زرارة
قاله رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل به الكتاب من الله عز وجل لان الله عز وجل قال فاغسلوا وجوهكم فعرفنا ان الوجه كله ينبغي ان يغسل
ثم قال وأيديكم إلى المرافق فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا انه ينبغي لهما ان يغسلا إلى المرفقين ثم فصل بين الكلام
فقال وامسحوا برؤوسكم فعرفنا حين قال برؤوسكم ان المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل
اليدين بالوجه فقال وأرجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلهما بالرأس ان المسح على بعضهما ثم فسر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله للناس
فضيعوه أقل ما يجزى من مسح الرأس طولا وعرضا ما يسمى به ماسحا وليس له حد معين بل المدار على صدق الاسم كما نسب إلى
المشهور بل عن غير واحد نسبته إلى مذهب الأصحاب بل عن ظاهر المحقق الأردبيلي دعوى الاجماع عليه بل في طهارة سيدنا المعاصر
بعد أن نسبه إلى المشهور شهرة عظيمة ان نقل الاجماع عليه مستفيض وما عن غير واحد من العلماء رضوان الله عليهم بل نسبه في
محكى المختلف إلى المشهور بين العلماء من الاكتفاء في مسح الرأس والرجلين بإصبع واحدة لا ينافي ما ذكرنا من الاكتفاء بالمسمى
مطلقا لان مقصودهم بحسب الظاهر على ما يشهد به قرائن كثيرة بيان أقل ما به يتحقق المسمى وعدم وجوب مسح الزائد عليه
144

خلافا لمن قال بوجوب مسح مقدار ثلث أصابع * (نعم) * قد يأبى عن هذا الحمل ما حكى عن التهذيب حيث قال في مقام الاستدلال على
ما ذكره المفيد من الاجتزاء بالإصبع ويدل عليه اية المسح
ومن مسح رأسه ورجليه بإصبع واحدة فقد دخل تحت الاسم ويسمى
ماسحا ولا يلزم على ذلك ما دون الإصبع لأنا لو خلينا الظاهر لقلنا بجواز ذلك لكن السنة منعت منه وكيف كان فلا شبهة
في ضعف التحديد بالإصبع سواء أريد منه عرض الإصبع أو طولها أم عرض الرأس أو طوله لعدم مساعدة شئ من الأدلة
على اعتباره والأقوى ما ذكره المصنف من كفاية ما يسمى به ماسحا عرفا من دون فرق بين الاختيار والاضطرار ولا الرجل و
المرأة لاطلاق الآية بل وكذا الرواية المتقدمة الواردة في تفسيرها والمناقشة في اطلاقها بعدم كونها مسوقة لبيان هذا
الحكم حتى يصح التمسك باطلاقها * (مدفوعة) * بان وقوعها تفسيرا للآية التي لها اطلاق قرينة على إرادة مطلق مسح بعض الرأس
المتحقق بمسماه لا البعض في الجملة فالرواية لأجل كونها تفسيرا للآية بمنزلتها في الاطلاق وقد يناقش في دلالة الآية على كفاية
مسمى المسح بإنكار سيبويه مجئي الباء التبعيض فلا يجوز حمل الآية عليه وفيه أن منع دلالة الآية لا يتوقف على انكار مجئي الباء للتبعيض
حتى يعارض انكار سيبويه بتصريح غير واحد من النحاة كابن جنى وابن مالك وابن هشام وغيرهم بمجيئها للتبعيض كثيرا في النظم
والنثر بل يكفي في عدم ظهورها في ذلك عدم القرينة على تعين ارادته لان حمل المشترك على بعض معاينه يحتاج إلى قرينة
معينة ومع وجودها لا يضر انكار سيبويه ولا غيره إذ بعد ظهور الكلام بمساعدة القرينة في إرادة المسح على بعض الرأس
لابد اما من الالتزام بان الباء في الآية للتبعيض اما حقيقة لو سلمناه أو مجازا لو جوزناه أو الالتزام بان المراد من الرأس
بعضه مجازا أو ان المسح متضمن لمعنى ما يتحقق عرفا بوقوعه على بعض الرأس كالمرور أو اللصوق أو الملابسة أو غيرها و
الانصاف ان ادراج كلمة الباء في البين وتغيير الأسلوب مع أن المسح مما يتعدى بنفسه لو لم نقل بدلالته على التضمين أو
إرادة البعض من نفسها باستعمالها للتبعيض أو من مدخولها مجازا فلا أقل من اشعاره بذلك هذا كله مع قطع النظر عن الصحيحة
الواردة في تفسيرها وإلا فلا مجال للمناقشة في دلالتها بعد تصريح أهل بيت الوحي الذين هم أدرى بما فيه بان المراد منها
المسح على بعض الرأس غاية الأمر انا لو أنكرنا مجيئ الباء للتبعيض نلتزم بالتجوز أو التضمين كما هو ظاهر وقد عرفت مما ذكرنا أن
ما حكى عن العلامة [ره] من انكار مجيئ كلمة الباء للتبعيض استنادا إلى انكار سيبويه مجيئها له ليس امرا منافيا للرواية الصحيحة
كما توهمه بعض القاصرين المنحرفين عن الصواب فاخذ في الطعن وإسائة الأدب على رؤساء الدين الذين لولاهم لكان أكثر الطاعنين
في بيداء الضلالة تائهين وقد جرئهم على ذلك شيخنا البهائي [ره] حيث اعترض فيما حكى عنه على العلامة باقتضاء كلامه طرح الرواية
الصحيحة لقول سيبويه وقد عرفت أن الاعتراض من مثله منشأه الغفلة هذا مع أن في اثبات الموضوعات اللغوية والآثار الغير
الشرعية باخبار الآحاد التي لم يعلم بصدورها على سبيل الجزم واليقين كلام ليس ها هنا مقام تفصيله فليس عدم الالتزام بها
في غير الآثار الشرعية امرا واضح الفساد حتى يتوجه عليه الطعن والاعتراض والله العالم وهو الحاكم ومما يدل أيضا على المطلوب
صحيحة أخرى لزرارة وبكير عن أبي جعفر (ع) فيما حكاه عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال إن الله تعالى يقول يا أيها الذين آمنوا
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق إلى أن قال ثم قال وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين فإذا
مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه [الخ] ورواية أخرى لهما أيضا عن أبي جعفر (ع)
أنه قال في المسح تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك وإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك
إلى أطراف الأصابع فقد أجزاك ويدل على كفاية مقدار الإصبع وعدم اعتبار ما زاد عليه في عرض الرأس مرسلة حماد عن
أحدهما (ع) في الرجل يتوضأ وعلى العمامة قال يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه وكذا روايته الأخرى
عن الحسين عن أبي عبد الله (ع) قال قلت لأبي عبد الله (ع) رجل توضأ وهو معتم فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد فقال ليدخل
إصبعه ويحتمل اتحاد الروايتين وكون الاختلاف من الراوي وترك تعرضه فيما أرسله لبعض ما أورده في السؤال في الرواية لفهمه
عدم المدخلية في الحكم وكيف كان فهذه الرواية تدل بظاهرها على كفاية مسح مقدار من الرأس يمر عليه إصبع واحدة من تحت
العمامة وهو أقل عرضا من عرض الإصبع لان باطن الإصبع المماس لظاهر الممسوح أقل مسافة من عرض الإصبع بل ظاهر اطلاق
الجواب كفاية مطلق المسح بادخال الإصبع ولو برأس الأنملة ويمكن المناقشة في دلالة هاتين الروايتين بعدم كونهما مسوقتين
الا لبيان عدم وجوب رفع العمامة وكفاية ادخال اليد من تحتها واما كفايته مطلقا بمجرد حصول المسح بها في الجملة أو بشرط
إدارتها على تمام الناصية بحيث يحصل مسح مجموع المقدم أو المسح موريا حتى يحصل به مسح مقدار ثلاث أصابع من عرض الرأس
145

أو طوله فلا تعرض لها فيهما فلا يصح التمسك باطلاقهما من هذه الجهة ولكن الانصاف انه ينسبق إلى الذهن منهما كفاية المسح
بإصبع واحدة على الكيفية المتعارفة وهي امرارها إلى جهة الفوق أو من الفوق إلى قصاص الشعر الا ترى ان غير واحد من العلماء
تشبث بهما لاثبات اعتبار مقدار الإصبع وعدم اعتبار الأزيد بل جعل الشيخ فيما نسب إليه ثانيهما شاهدا للجمع بين الأخبار المطلقة
والامرة بالمسح بثلاث أصابع وخصص اخبار الثلث بشهادة هذه الرواية بغير صورة الاضطرار لبرودة ونحوها فلو لم
يكن مسح مقدار يحصل مسحه بادخال الإصبع على الكيفية المتعارفة مجزيا لكان على الإمام (ع) التنبيه عليه في مثل هذه الروايات
صونا للسامع عن الوقوع في الاشتباه وإن لم يكن الاطلاق ناظرا إلى بيان حكم المسح من هذه الجهة إذ لا منافاة بين عدم
كونه مقصودا بالإفادة أصالة واستفادته عرفا من الخطاب نعم لا دلالة فيهما على عدم اعتبار ما زاد على عرض الإصبع في طول
الرأس فلا ينافيهما اخبار الثلث لو أريد منها هذا المقدار من طول الرأس لا عرضه فقد ظهر لك انه لا وجه لتعيين مقدار الممسوح
من حيث الطول وتحديده بعرض الإصبع بهاتين الروايتين لما عرفت من اهمالهما من هذه الجهة وكذا لا وجه لتعيين مقداره
من حيث العرض بعرض الإصبع إذ لا دلالة في الامر بادخال الإصبع تحت العمامة على اعتبار المسح بمجموع عرض الإصبع وعدم
كفاية مسمى المسح لان ايجاد المسمى أيضا يتوقف على ادخال الإصبع تحت العمامة فلا يدل الامر به على اعتبار امر زائد على ما
علم وجوبه من الأخبار المطلقة فالقول بعدم كفاية ما دون عرض الإصبع في طول الممسوح أو عرضه استنادا إلى هاتين
الروايتين ضعيف نعم لو ادعى القائل بعدم كفاية ما دون عرض الإصبع في عرض الرأس أو طوله انصراف مطلقات الباب عن
مثله لم يكن دعواها بعيدة وان كانت قابلة للمنع فعلى هذا يكون التحديد بعرض الإصبع من باب الحدس والتخمين لا التعبد واضعف
من هذا القول ما عن ظاهر النهاية من التفصيل بين المختار وغيره حيث قال وتجزى إصبع عند الخوف من كشف الرأس ولا
يجزى أقل من ثلث أصابع مضمومة للمختار * (توضيح) * ما فيه من الضعف أولا لما عرفت من أن تعيين مقدار الإصبع مما لا يساعد
عليه دليل حتى يقيده بحال الاضطرار اللهم إلا أن لا يريد من قوله ويجزى إصبع اعتبار مقدار الإصبع بل يريد منه كفاية مطلق
المسمى فعبر عن مراده بكفاية الإصبع لغلبة تحقق المسمى به لا بدونه أو لغلبة التعبير عن الأقل بذلك وثانيا ان تخصيص كفاية الإصبع
بمن يخاف من كشف رأسه أي المضطر دون المختار مما لا دليل عليه ورواية حماد على خلافه أدل لان قوله ثقل عليه نزع العمامة
لا يدل على خوفه من ذلك واضطراره إلى تركه بل مفاده انه يشق عليه ذلك وهو أعم من الخوف والضرورة هذا مع أن مسح
مقدار الثلث يحصل بادخال الثلث من أصابعه من تحت العمامة فلا ضرورة تدعوه إلى تركه في الغالب فامر الإمام (ع) بادخال
إصبع مع تيسر ادخال الثلاث غالبا دليل على عدم وجوب ما زاد مطلقا فهذه الرواية بظاهرها تعارض اخبار الثلاث لو تمت
دلالتها كغيرها من الاخبار الظاهرة في كفاية المسمى
* (وعن) * الفقيه ان حد مسح الرأس ان يمسح بثلاث أصابع مضمومة من مقدم
الرأس وعن المعتبر انه حكى عن مسائل الخلاف للسيد [قده] انه أوجب الثلاث فان أراد من أوجب الثلاث وجوب ان يكون آلة المسح ثلاث
أصابع كما هو ظاهر عبارة الفقيه * (ففيه) * انه لا يمكن استفادته من شئ من الأدلة وان أريد مسح موضع الثلاث من مقدم الرأس
ولو بإصبع واحدة كما ليس بالبعيد لغلبة التعبير عن المقدرات بالإصبع واليد والذراع ونحوها فان أراد من عبر بمثل الفقيه اعتبار
وقوع المسح على هذا المقدار من مقدم الرأس دون غيره بان يكون كلمة من في كلامه بيانية * (ففيه) * ما سيجئ في تحديد مقدم الرأس
انشاء الله تعالى وان أراد وجوب كون المسح بهذا المقدار من مقدم الرأس لا أقل منه فيمكن الاستشهاد له برواية معمر بن خلاد عن أبي جعفر (ع)
يجزى من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل * (وكذا) * صحيحة زرارة عن أبي
جعفر (ع) المرأة يجزيها من مسح الرأس
ان تمسح مقدمة قدر ثلاث أصابع ولا تلقى عنها خمارها بناء على الاجماع على عدم الفرق بين الرجل والمرأة وعدم الاعتناء بما
حكى عن الإسكافي من الفرق بينهما وكفاية الإصبع للرجل * (ويؤيده) * ما عن محمد بن عيسى قال قلت لحريز يوما يا عبد الله كم يجزيك
ان تمسح من شعر رأسك في وضوئك قال مقدار ثلاث أصابع وأشار إلى السبابة والوسطى والثالثة إذ الظاهر أن مثل حريز لا يفتى
في الشرعيات الا بما سمعه وظاهر لفظ الاجزاء خصوصا في فتوى حريز عدم كفاية ما دون الثلث لا لأجل الاعتماد على مفهوم اللقب
حتى يضعف بل لأجل ان لفظ الاجزاء له ظهور عرفي في كون متعلقه أقل ما يجزى فيقيد به الأخبار المطلقة هكذا قيل وفيه منع ظهور
لفظ الاجزاء في ذلك بل غايته الاشعار به وهو لا يصلح لتقييد المطلقات إذ كثيرا ما يكون متعلق الاجزاء أفضل افراد الواجب
كما لا يخفى على من تتبع الاخبار بل لاحظ استعمالات العرف وسره ان الاجزاء قد يستعمل ويراد منه بيان ما يرتفع به كلفة التكليف
ويندفع به محذور مخالفة الواجب ويحتاج إلى فعله المكلف على سبيل الحتم واللزوم فمعنى اجزاء الفعل على هذا التقدير كفايته
146

عما كان مضطرا إليه وهو أقل الواجب وقد يراد منه بيان ما يحتاج إليه في مقام أداء التكليف ولو لم يكن حاجته إليه بطريق اللزوم
فمعنى يجزيه حينئذ يكفيه بحيث لا يحتاج بعده إلى امر آخر في مقام الامتثال ورفع الحاجة على سبيل الاطلاق انما يحصل بأفضل الافراد
وكيف كما فدعوى ظهوره فيما ذكر ممنوعة * (نعم) * في بعض الموارد يستفاد منه ذلك لخصوصيات المقام ولعل فتوى حريز من هذا
القبيل الا انها ليست بحجة لاحتمال تطرق الاجتهاد فيها إلى هذا مع أن في رواية معمر التي هي العمدة في الاستدلال قرينة الاستحباب
لالحاق مسح الرجل بالرأس مع أن وجوب الثلاث في الرجل مخالف للاجماع كما عن غير واحد نقله نعم عن التذكرة نسبة القول
بوجوبها في الرجلين إلى بعض العلماء لكنك خبير بعدم خروج الرواية بمثل هذا القول الذي لم يتحقق قائله من الشذوذ مع أنها مع
قصور سندها ودلالتها معارضة بالاخبار المطلقة والدالة على كفاية الإصبع اما معارضتها مع الأخيرة فظاهرة واما معارضتها
مع المطلقات فلعدم صلاحيتها للتقييد بهذه الرواية بالنسبة إلى القدمين لان إرادة موضع ثلاث أصابع من عرض ظاهر
القدمين كما هو المتعين ارادته يزيد عن نصف ظاهر القدمين بكثير فيبعد ارادته من قوله (ع) فإذا مسح بشئ من قدميه ما بين
الكعبين إلى أطراف الأصابع لظهوره في كفاية مسح مقدار يسير منهما وموضع ثلاث أصابع بالنسبة إلى القدمين لا يعد يسيرا فلا
يصح حمل الرواية عليه فالروايتان بمنزلة المتباينين لا العام والخاص فيجب تنزيل رواية الثلاث على كونها بيانا لما يجزى على
الوجه الا تم فيكون المسح بمقدار الثلاث أفضل افراد الواجب واما صحيحة زرارة فهي مضافا إلى منع ظهورها في عدم كفاية
ما دون الثلاث كما عرفت ومعارضتها بما دل على كفاية الإصبع الا ان يراد منها اعتبار مقدار الثلاث في طول الرأس أو يلتزم
باختصاصها بالمرأة وتخصيص ما عداها بالرجل كما عن الإسكافي يرد عليها عدم تعين كون اطلاق الاجزاء بلحاظ مقدار الممسوح
بل يحتمل إرادة بيان ان المسح من تحت القناع يجزيها ولا يجب عليها القاء خمارها فيكون الاجزاء راجعا إلى القيد الأخير
وقد يستدل لوجوب المسح بالثلاث بصحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع) قال سئلته عن المسح على القدمين كيف هو فوضع
كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم فقلت له جعلت فداك لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا فقال
لا الا بكفه بدعوى عدم القول بالفصل بين القدمين والرأس فإذا وجب الثلاث في القدمين بمقتضى هذه الصحيحة وجب في
الرأس أيضا لعدم القول بوجوب الثلاث فيهما دون الرأس * (وفيه) * مالا يخفى من عدم انطباق ظاهر الصحيحة لشئ من الأقوال
ومعارضتها لغيرها من الأدلة فلا مناص عن حملها على الاستحباب فظهر لك قوة القول بان الواجب مسح مقدار من الرأس يسمى
المتوضي بمسحه ماسحا وان المندوب مسح مقدار ثلاث أصابع مضمومة عرضا أي من حيث عرض الممسوح أي الرأس واما من حيث
الطول فلا تقدير له بحسب الظاهر بل يكفي فيه مسمى الامرار فقوله عرضا تميز يبين المقدار ويحتمل كونه مبينا لما أريد من الأصابع
يعنى مقدار عرض ثلاث أصابع لا مجموع سطحها طولا وعرضا ويظهر من المسالك اعتبار التحديد بالثلاث بالنسبة إلى طول الرأس
قال في شرح العبارة ان عرضا حال من الأصابع أو منصوب بنزع الخافض والمراد مرور الماسح على الرأس بهذا المقدار وان
كان بإصبع لا كون آلة المسح ثلاث أصابع مع مرورها أقل من مقدار ثلاث أصابع ومعنى استحباب مسح هذا المقدار كونه أفضل
الفردين الواجبين ان أوقعه دفعة وان كان ذلك نادرا ولو كان على التدريج كما هو الغالب فالظاهر أن الزائد عن المسمى
موصوف بالاستحباب انتهى وما ذكرناه في تفسيرها أوفق بالنظر إلى ظواهر الأدلة وفتاوى الأصحاب بل هو المتعين لما يظهر من
غير واحد على ما حكى عنهم ان محل الكلام بين العلماء في تحديد مقدار الممسوح بعرض الإصبع أو الثلاث انما هو بالنسبة إلى عرض
الرأس واما بالنسبة إلى طوله فالظاهر أنه يكفي الامرار في الجملة بلا خلاف قال في محكى جامع المقاصد المراد بثلث أصابع في عرض
الرأس اما في طوله فيكفي ما يسمى به ماسحا وعن الشهيد الثاني في شرح النقلية عند قول الشهيد [قده] المسح بثلاث أصابع مضمومة
عرضا أي في عرض الرأس خروجا من الخلاف وكيف كان فالمعتمد في المقام مدرك المسألة والعمدة فيه رواية معمر بن خلاد المتقدمة
وقد عرفت ظهورها في إرادة هذا المقدار من عرض الرأس بقرينة عطف الرجل عليه فهي قرينة على تعيين المراد من الصحيحة المتقدمة
أيضا ودعوى ظهورها في حد ذاتها في إرادة هذا المقدار من طول الرأس لكونها تحديدا للمسح الظاهر في إرادة مقدار امرار اليد كدعوى
ظهورها في خلافه بانصراف التحديد بالثلاث إلى إرادة العرض لغلبة حصول وضع الثلاث على الرأس بهذه الكيفية مما لا يلتفت
إليها فالأقوى ما ذكرناه من استحباب هذا المقدار من عرض الرأس بشهادة رواية معمر والأحوط مراعاته في طرف الطول
أيضا كما أن الأحوط كون آلة المسح أيضا ثلاث أصابع بل الأولى والأحوط مسح مقدار مجموع ثلاث أصابع طولا وعرضا في
طول الرأس وعرضه بل يظهر من بعض وجوبه جمعا بين الأخبار السابقة معتضدة بالأخبار الآتية الدالة على وجوب مسح الناصية
147

ومقدم الرأس الظاهرة في جميعه * (وقد) * عرفت أن مقتضى الجمع بين الاخبار خلافه الا ان مراعاته أحوط خروجا من شبهة
الخلاف وعملا بمحتملات مجموع الروايات بل القول باستحبابه لا يخلو عن قوة لقوة احتمال ارادته من الروايتين خصوصا
الصحيحة بل لا يبعد دعوى ظهورها في ذلك واما رواية معمر فلأجل اشتمالها على الرجل حملها على إرادة هذا المعنى
لا يخلو عن تكلف والله العالم * (ولو) * قلنا باستحباب مسح مقدار الثلاث في طول الرأس فلو أوجد مسح مجموع هذا المقدار دفعة بان
وضع مقدار ثلاث أصابع من يده أو أقل منه بمقدار يسير بحيث يحصل بأول زمان حصول مسمى المسح مسح مجموع موضع ثلاث أصابع
فلا خفاء في اتصاف هذا المسح الخارجي بالوجوب وتسميته مستحبا انما هي باعتبار كونه أفضل افراد الواجب واما لو أوجده
تدريجا بان وضع رؤس أصابعه مثلا على الرأس وأمرها إلى جهة الطول فهل يتصف المجموع بكونه أفضل افراد الواجب أو
ما عدا مقدار المسمى يتصف بالاستحباب * (فيه) * وجهان أظهرهما الأول لان المجموع بنظر العرف مصداق واحد للمسح ما لم
يرفع يده عن المحل ويدل عليه اعتبار مجموع المسح بالثلاث في النص والفتوى موضوعا للحكم بالاستحباب فلا يعقل الا ان يكون
المجموع أفضل فردي الواجب فعلى هذا يشكل الالتزام بمشروعية الزائد عن المسمى لو بدا له اتمام مقدار الثلاث بعد فراغه منه عرفا
لحصول إطاعة الواجب وانتفاه امر استحبابي اللهم الا ان يلتزم بمشروعية الإعادة للإجادة فيشرع له إعادة ما أوجده في ضمن
فرد تام أو اتمام ما وجد وليس الالتزام به بعيدا عن طريقة العرف والعقلاء والله العالم
* (و) * يستحب للمرأة القاء خمارها في وضوء
صلاة الصبح والمغرب دون غيرهما من الصلوات واستحبابه في الصبح اكد وعن بعض استحبابه عليها مطلقا وعن بعض آخر اقتصاره
على الغدوة خاصة لعدم وقوفه على نص يتضمن إضافة المغرب إليها في ذلك وعن ظاهر الصدوق والشيخين وجوبه عليها في
الصلاتين ومدرك المسألة ما رواه الصدوق في الخصال عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال المرأة لا تمسح كما تمسح الرجال
بل عليها ان تلقى الخمار عن موضع مسح رأسها في صلاة الغدوة والمغرب وتمسح عليه وفي سائر الصلوات تدخل إصبعها فتمسح
على رأسها من غير أن تلقى عنها خمارها ورواية لحسين بن زيد بن علي بن الحسين (ع) عن أبي
عبد الله (ع) قال لا تمسح المرأة بالرأس
كما يمسح الرجال انما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها وتضع الخمار عنها فإذا كان الظهر والعصر والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها
وظاهر كل من الروايتين في حد ذاتهما وجوب وضع القناع عليها كما عن ظاهر الصدوق والشيخين الا ان التدبر في مفادهما
وما يقتضيه الجمع بينهما وبين سائر الأدلة يعطى ظهورهما في إرادة الاستحباب لا للطعن في سندهما بالقصور أو دلالتهما بكونهما
بلفظ الاخبار وهو لا يفيد الوجوب لضعف الأول باشتهارهما بين الأصحاب إذ الظاهر أن فتواهم بالوجوب أو الاستحباب مستندة
إليهما وهو كاف في جبر السند الا ان يكون بنائهم في الاستحباب على المسامحة فليتأمل وكذا الثاني بما تقرر في الأصول من دلالة
الجملة الخبرية أيضا على الوجوب كالأمر بل دلالتها عليه اظهر من الامر * (بل) * الوجه فيه استفادة إرادة الاستحباب منهما بمعونة القرائن
الداخلية والخارجية التي منها معارضة نفس الروايتين بالنسبة إلى صلاة المغرب فان ظاهر الأولى وجوبه عليها في صلاة
المغرب وصريح الثانية عدم الوجوب فيرفع اليد عن ظاهر الأولى بنص الأخرى فيحمل كلمة عليها من وظيفة الاستحباب فيكون ضم
الغدوة إلى المغرب في هذه الرواية قرينة على عدم إرادة الوجوب في الرواية الثانية أيضا فيجمع بين الروايتين بحمل الثانية على
إرادة بعض مراتب الاستحباب التي ليست هذه المرتبة للمغرب فيكون استحبابه في الصبح اكد اللهم الا ان يمنع دلالة الجمع
بينهما في الدلالة على إرادة خصوص الاستحباب منهما إذ لا مانع من إرادة مطلق الرجحان فلا يصلح قرينة لصرف الرواية الثانية
عن ظهورها في الوجوب لكن يتوجه عليه ان القول بالوجوب في خصوص الصبح وعدمه فيما عداه مما لم نقف على قائل به فاعراض
الأصحاب عن ظاهرها وحملها على الاستحباب كاشف اجمالي عن قرينة داخلية أو خارجية أرشدتهم إلى ذلك ثم لو سلم دلالتهما
على الوجوب يعارضهما اطلاق قوله (ع) في ذيل صحيحة زرارة ولا تلقى عنها خمارها والنسبة وان كانت بالاطلاق والتقييد الا
ان عموم الابتلاء بالمطلق ووروده في محل الحاجة مما يبعد تقييده برواية أخرى متوجهة إلى شخص آخر مع
تخلل زمان الحاجة بينهما
فان ارتكاب التقييد في هذا النحو من المطلقات من أبعد التصرفات حيث إن المنصف يجد من نفسه قوة الظن بعدم إرادة
الإمام (ع) من هذا المطلق الا ظاهره فلهذه المطلقات بقرينة مواردها ظهور خاص في الاطلاق والعموم غير الظهور النوعي
المستند إلى أصالة الاطلاق وهذا بخلاف المقيد فان إرادة الاستحباب منه غير بعيد فالتصرف فيه أهون هذا كله مع تصريح
أمير المؤمنين عليه السلام في رواية إسماعيل بن جابر المتقدمة في أوائل مباحث الوضوء بعد قوله (ع) ان اية الوضوء من المحكمات وان حدود
الوضوء غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين قال وما يتعلق بها ويتصل سنة واجبة على من عرفها وقدر على فعلها لان
148

ظاهرها نفى اعتبار ما سواها في صحة الوضوء وان ما ثبت مطلوبيته شرعا مما يتعلق بالوضوء ما عدا المذكورات كالمضمضة و
الاستنشاق والسواك وغيرها انما هو من السنن التي ينبغي أن لا يتركها من عرف انها سنة شرعية وقدر على فعلها وليس المراد بالوجوب في
الرواية على ما يشهد به سياق الرواية وتقييد موضوع الوجوب بالعلم بكونها سنة والقدرة على فعلها مضافا إلى الشواهد العقلية
والنقلية الا هذا المعنى لا الوجوب الاصطلاحي فهذه الرواية حاكمة على غيرها من الأدلة كما لا يخفى على من تدبر والله العالم
* (و) * يختص موضع المسح بمقدم الرأس وهو على ما يتفاهم منه عرفا ويساعد عليه كلمات اللغويين وتصريحات غير واحد من العلماء
وتلويحات آخرين عبارة عن الربع المحاذي للجبهة فلا يجزى مسح المؤخر أو أحد الجانبين بلا خلاف للأخبار المستفيضة المقيدة لاطلاقات
مسح بعض الرأس * (منها) * رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال مسح الرأس على مقدمه ورواية أخرى عنه أيضا قال قال أبو عبد الله
عليه السلام امسح الرأس على مقدمه ورواية حماد المتقدمة عن أحدهما (ع) في الرجل يتوضأ وعليه العمامة يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه
فيمسح على مقدم رأسه على غير ذلك من الاخبار البيانية وغيرها وما ورد من جواز مسح المؤخر مأول أو محمول على التقية ولقد
أطنب صاحب الحدائق [قده] في اثبات ان المراد من مقدم الرأس في النصوص وفتاوى العلماء هو ما ذكرناه موردا فيها كلمات
غير واحد من العلماء واللغويين مستشهدا بتصريحات بعضهم ومستظهرا من تلويحات آخرين دفعا لما توهمه بعض الفضلاء من
حمله على خصوص الناصية أي الموضع المحدود من طرفيه بالنزعتين ومن طرفه الأعلى بالخط المحاذي لآخرهما ولكنك خبير بأنه
لا حاجة في رده إلى التطويل بعد كون مقدم الرأس أعم من الناصية عرفا على تقدير كون الناصية قصاص الشعر أو خصوص الشعر
الواقع بين النزعتين المنتهى بانتهائهما إذ لا اجمال في مفهومه العرفي حتى يحتاج إلى الاستشهاد بكلام أهل اللغة ضرورة انه
لم يرد منه غير ما يتفاهم منه عرفا ومنشأ توهم المتوهم عد صاحب القاموس من معاني المقدمة الجبهة والناصية ووقوع التعبير عن
مقدم الرأس بالناصية في كلمات بعض علمائنا المتقدمين والتصريح بها في رواية زرارة قال (ع) ان الله وتر ويحب الوتر فقد يجزيك
من الوضوء ثلاث غرفات واحدة للوجه واثنتان للذراعين وتمسح ببلة يمناك ناصيتك وكذا قال في ذيل الرواية المتقدمة من أن
المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها وتضع الخمار عنها فإذا كان الظهر والعصر والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها * (ويدفعه) * أولا انه
لا يجوز في مثل هذه الألفاظ المعروفة رفع اليد عن المحكمات العرفية بمتشابهات أهل اللغة مع أن كون الناصية من المعاني لا يجوز حمل
المطلقات عليها بعد ظهورها في المعنى الاخر الذي اتفقت كلمة اللغويين وافهام العرف على كونه حقيقة فيه وهو كونه ضد المؤخر وثانيا
ان عبارة القاموس لا تدل على كون الناصية من معاني مقدم الرأس لأنه قال مقدمة الجيش متقدموه ومن الإبل أولى ما ينتج ويلقح ومن
كل شئ أوله والناصية والجبهة وهذه العبارة بظاهرها مسوقة لبيان اطلاقات المقدمة لا المقدم المضاف إلى الرأس ويحتمل قويا
ارادته كون مجموع الجبهة والناصية مما يطلق عليه المقدمة لكونهما من الانسان بمنزلة مقدمة الجيش للعسكر وثالثا انه لم يظهر من القاموس
انه أراد من الناصية ما اراده المتوهم أعني ما بين النزعتين لان الناصية كما في المجمع قصاص الشعر فوق الجبهة وعن القاموس و
المصباح الناصية قصاص الشعر فحمل الناصية في كلامه على ما فسرها به أولى نعم اطلاقها على خصوص ما بين النزعتين شايع بل عن
العلامة في التذكرة وغيره في غيرها تحديدها به كما أن اطلاقها على مقدم الرأس أيضا كذلك وفي المجمع ما روى من أن النبي صلى الله عليه وآله
مسح ناصيته يعنى مقدم رأسه بل عن البيضاوي تحديدها بربع الرأس وعن ظاهر مجمع البرهان وشرح المفاتيح إنها حقيقة في مقدم الرأس وبما ذكرنا من اجمال معنى الناصية وشيوع اطلاقها على مقدم
الرأس ظهر لك الجواب عن الاستدلال بالروايتين لتقييد المطلقات مضافا إلى أن ارتكاب التجوز أو مخالفة الظاهر في المقيد
بحمله على الاستحباب أو كونه بعض افراد المطلق أولى من ارتكاب التقييد في مثل هذه المطلقات الواردة في مقام البيان لمثل
هذا الحكم الذي يبتلى به المكلف في كل يوم وليلته مرات هذا كله بعد الاغماض عن قصور دلالة الروايتين على التقييد والا
فمن تأمل في مفاد الروايتين بملاحظة صدرهما يظهر له انه لا دلالة فيهما على التقييد أصلا لان صحيحة زرارة مسوقة لبيان ما يجزيه
من الماء في الوضوء وانه يكفي في مسح الناصية الذي هو من اجزاء الوضوء أو يجب ان يكون المسح بما بقي في يده من بلل الوضوء وعلى
كل من الاحتمالين ليست الرواية مسوقة لبيان وجوب المسح على الناصية حتى يتمسك باطلاقها لاثبات وجوبه التعيني فيقيد
بها المطلقات فمن الجائز ان يكون مسح الناصية بعض افراد الواجب غاية الأمر ان تخصيصها بالذكر وإضافة المسح إليها يحتاج
إلى نكتة وهي غلبة وقوع المسح عليها أو غلبة التعبير عن المقدم بها أو لكونها الجزء الأعظم الملحوظ عرفا في مقام التعبير كالذراعين
بالنسبة إلى اليدين إلى غير ذلك * (واما) * الرواية الثانية فهي مع أنها مسوقة لبيان حكم اخر كالرواية السابقة على خلاف مطلوبهم
أدل لأن اطلاق المسح على الرأس في الصبح وتقييده فيما عداه بكونه على الناصية من أوضح الشواهد على أن تخصيص الناصية بالذكر
149

انما هو لكون المسح عليها مع بقاء القناع أسهل وكيف كان فلا يجوز رفع اليد عن الاطلاقات بمثل هذه الاشعارات خصوصا
مع كون التقييد خلاف المشهور أو المجمع عليه والله العالم
* (ويجب) * ان يكون المسح بنداوة الوضوء خلافا لأهل الخلاف على ما
نسب إليهم فأوجبوا عدا مالكهم المسح بماء جديد وهو مخالف لاجماع الشيعة واخبارهم المتواترة عن أهل البيت عليهم السلام
وما في بعض الروايات مما يدل بظاهره على وجوب استيناف ماء جديد كما في خبر معمر بن خلاد أيجزي الرجل ان يمسح قدميه بفضل رأسه
فقال برأسه لا فقلت أبماء جديد فقال برأسه نعم وخبر أبي بصير قلت امسح بما في يدي رأسي قال لا بل تضع يدك في الماء ثم تمسح ورواية
أبى عمارة الحارثي قال سئلت جعفر بن محمد (ع) امسح رأسي ببلل يدي قال خذ لرأسك ماء جديدا مأول أو محمول على التقية وعن ظاهر الإسكافي
جوازه وعبارته المحكية عنه قابلة للتوجيه قريبا * (ولا) * يجوز استيناف ماء جديد لان هذا هو الذي استقر عليه المذهب في زماننا كما في
طهارة شيخنا المرتضى [ره] بل وفي غيرها أيضا كما عن المعتبر دعواه وعن الذكرى انه استقر اجماعنا عليه بعد ابن الجنيد وعن جامع المقاصد
انه استقر عليه مذهب الأصحاب إلى غير ذلك من العبائر الظاهرة لو لم تكن صريحة في كون الحكم اجماعيا بين الشيعة لولا مخالفة ابن الجنيد
في ظاهر عبارته ولا يعتد بخلافه بعد اطباق الطائفة على خلافه ويدل على المطلوب الأخبار المستفيضة
بل المتواترة لم انضم إليها الاخبار
البيانية الحاكية لوضوء النبي والوصي عليهم السلام المصرحة بأنه (ع) مسح رأسه ورجليه ببقية البلل والخدشة في دلالة الاخبار البيانية على الوجوب
بما مر في غسل الوجه قد عرفت دفعها بالنسبة إلى الخصوصيات الملحوظة المقصودة بالافهام كما فيما نحن فيه على ما يظهر ذلك من معروفية
الخلاف عن أهل الخلاف وتصريح الرواة في غير واحد من الاخبار بأنه (ع) لم يستأنف الماء الجديد اللهم الا ان يقال إن فعله (ع) لأجل
كونه في مقام توهم الوجوب لا يدل على أزيد من الجواز * (وفيه) * ما عرفت فيما سبق من أن ظاهر الحكاية بيان ما يعتبر في مهية الوضوء فظاهرها
كون جميع الخصوصيات المقصودة بالافهام معتبرة في المهية خصوصا مع تصريحه (ع) في بعض هذه الروايات بان هذا وضوء لا يقبل الله
الصلاة الا به فلا يرفع اليد عن هذا الظاهر الا بدليل وهو منتف في المقام ومما يدل عليه أيضا ما كتبه (ع) إلى علي بن يقطين في الرواية التي
تقدم فيما سبق حكايتها عن إرشاد المفيد يا علي توضأ كما امر الله تعالى اغسل وجهك مرة واحدة فريضة وأخرى اسباغا واغسل يديك
من المرفقين وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنا نخاف عليك * (ومنها) * الصحيح المروى عن الكافي
والعلل المتضمن لقصة امر النبي صلى الله عليه وآله بالوضوء ليلة المعراج وفيه ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء ورجليك
إلى الكعبين * (ومنها) * ما في خبر زرارة المتقدم وتمسح ببلة يمناك ناصيتك [الخ] * (ومنها) * ما ورد في ناسي المسح من أنه يأخذ من بلة لحيته وفي
بعضها انه إن لم يبق عليه بلل الوضوء اعاده كمرسلة الصدوق عن الصادق (ع) ان نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من
بلة وضوئك فإن لم يبق في يدك من نداوة وضوئك شئ فخذ من لحيتك وامسح به رأسك ورجليك فإن لم
يكن لحية فخذ من حاجبيك فإن لم
يكن بقي من بلة وضوئك شئ فأعد الوضوء وفي رواية مالك بن أعين فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه وليمسح رأسه وإن لم يكن في لحيته
بلل فلينصرف ويعد الوضوء والخدشة في دلالة هذه الروايات الواردة في حكم الناسي باحتمال كون الامر بالإعادة لفوات الموالاة
بالجفاف وكذا المناقشة في خبر زرارة بعدم دلالته الا على كون المسح ببقية البلل مجزيا وهو أعم من الوجوب مع ضعف بعضها في حد
ذاته مما لا يلتفت إليها بعد اعتضاد هذه الأخبار الكثيرة بعضها ببعض وكون الحكم مشهورا لو لم يكن اجماعيا كمالا يخفى * (واما) * ما يمكن
ان يستدل به لمذهب ابن الجنيد فليس الا اطلاق الآية وخبر منصور عن أبي عبد الله (ع) فيمن نسي مسح رأسه حتى قام في الصلاة قال
ينصرف ويمسح رأسه ورجليه وفي خبر أبي بصير ان استيقن ذلك انصرف فمسح على رأسه ورجليه واستقبل الصلاة وان شك فلم يدر مسح
فيتناول من لحيته ان كانت مبتلة وان كان امامه ماء فليتناول منه وليمسح به رأسه ويرده وجوب تقييد الآية بالأدلة المتقدمة و
كذلك الخبران أو ارتكاب التأويل فيهما بما لا ينافي تلك الأدلة وقد يستدل له بروايات أبي بصير ومعمر بن خلاد وأبى عمارة الحارثي
الظاهرة في تعيين المسح بماء جديد وقد عرفت انها بظاهرها لا تنطبق على مذهب ابن الجنيد بل هي موافقة للعامة ومخالفة لاجماع
الشيعة واخبارهم الصحيحة فهي محمولة على التقية
* (و) * يجب ان يكون المسح بباطن الكف مما دون الزند مع القدرة على الأقوى فلا يجزى المسح
بظاهرها فضلا عن الذراعين وغيرهما وفي الحدائق قد ذكر جملة من أصحابنا انه لا يجوز المسح بغير اليد اتفاقا وان الظاهر تعينه بالباطن لأنه
المتيقن الا ان يتعذر فيجوز بالظاهر انتهى ومرادهم من اليد بحسب الظاهر كما يشهد به عبارة الحدائق خصوص الكف لا الأعم منها ومن
الساعد والعضد لأنها هي التي تتبادر من اطلاق اليد خصوصا إذا أسند إليها ما يناسبها كالأكل والاخذ والمسح
وغيرها من الأفعال
التي جرت العادة بحصولها من الكف ولذا استدل بعض لتعيين المسح بالكف دون الذراع بالاخبار المشتملة على ذكر اليد ولم يخطر
بباله أصلا على ما يشهد به كلامه ان اليد لغة أعم من الذراع وكيف كان فلا شبهة في عدم جواز المسح بما عدا اليد مطلقا اجماعا بل ضرورة
150

فلا يمكن الاخذ باطلاق اية المسح ولو بعد تقييدها بكونه ببقية بلل الوضوء وكذا الاخذ باطلاق الأوامر الكثيرة الواردة في الاخبار
التي لا تحصى لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن جدا ولا يرفع هذا الاستهجان التقييد المزبور لامكان الاخذ من بقية البلل بسائر
الآلات والمسح بها وكذا لا يمكن الالتزام باهمال هذه الأخبار الكثيرة الواردة في مقام البيان بدعوى عدم كونها مسوقة لبيان تمام
ما يعتبر في الوضوء بل المقصود منها بيانه في الجملة وان تعيين آلة المسح موكول إلى مقام آخر لان فساد هذه الدعوى أوضح من سابقتها
فلا بد من الالتزام بان تعيين آلة المسح نظير كيفية المسح والغسل وكثير من الخصوصيات المعتبرة في سائر الواجبات موكول إلى ما هو
المعهود المتعارف فلا يحتاج معرفتها إلى بيان خارجي ولا يستلزم ذلك توجيه الخطاب بماله ظاهر وإرادة خلافه لان معهودية حصوله
بالآلة المتعارفة وهي الكف قرينة مرشدة إلى ارادتها * (و) * الحاصل انا لو لم نقل بظهور مطلقات أوامر المسح في حد ذاتها في إرادة
ايجاده بأمر أو خصوص الكف على النحو المتعارف أي بباطنها فلا محيص عن تنزيلها عليها بعد العلم بعدم إرادة مطلق المسح خصوصا
في الأوامر المقيدة بكونه ببقية بلل الوضوء المعلوم ورودها في مقام بيان تمام الحكم مع عدم التعرض لبيان آلة المسح في أغلبها
والتعرض لذكر اليد في بعضها استطرادا لا لبيان كونها آلة للمسح فهذه كلها امارات عدم الحاجة إلى البيان وكون المراد منها
ايجاد المسح على النحو المتعارف ويؤيده فعل الإمام (ع) في مقام البيان في الموارد الكثيرة كما يدل عليه الاخبار البيانية تصريحا في
بعضها وظهورا في بعضها الاخر من حيث عدم التعرض لتعيين الماسح إذ من المعلوم ان المسح لو صدر على خلاف المتعارف لنقل
في هذه الأخبار فعدم النقل في مثلها دليل على عدمه * (وقد) * ناقش فيما ادعيناه من التبادر شيخنا المرتضى [قده] بقوله والتبادر لأجل غلبة
الوجود فهو مجرد حضور الفرد الغالب في الذهن لا على أنه المراد ولذا لا يعتمد عليه في غسل الوجه واليدين ولا بالنسبة إلى باطن الكف مع أن
غلبة الوجود بالنسبة إلى اطلاق الآية ممنوعة جدا وفي الوضوءات البيانية ما مر من قصور الدلالة فالتمسك بالاطلاقات غير
بعيد نعم لو شك في الاطلاقات من حيث كون الغلبة موجبة لاجمالها نظير المجاز المشهور وجب الرجوع إلى الاحتياط اللازم من قوله (ع)
لا صلاة الا بطهور انتهى وفيه أن غلبة وجوده بهذه الكيفية مسببة عن تعارفه لا عن تعذر حصوله بغير اليد أو تعسره ومثلها
توجب الانصراف جزما كما لو امر المولى عبده بغسل ثوبه أو بدنه يحمل على إرادة غسله بالماء المطلق دون المضاف لكونه هو الفرد
الذي يوجد طبيعة الغسل في ضمنه غالبا * (نعم) * لا يختص ذلك بماء بلده أو بغير ماء النفط والكبريت مما يعز وجوده لان منشأ انسباق
الذهن إلى ما عداه عدم حضوره عند المكلف أو ندرة وجوده لا عدم تعارض الغسل به فكيف يقاس عليه انصراف الذهن عن الذراعين
فيما نحن فيه مع كونهما نصب عيني الامر والمكلف ولا يلتفتان إلى المسح بهما بل لو فرض حصول المانع للمكلف من المسح بكفه كما لو التفت كفه
بخرقة بادر إلى إزالة المانع عنها للمسح ولا ينسبق إلى ذهنه جوازه بذراعيه ولو قيل إن المراد من المسح على ما يتفاهم عرفا انما هو
ايجاد الطبيعة المطلقة وتشخصها في الخارج غالبا بكيفية لا يوجب تقييدها في مقام التصور والطلب فالمطلوب مطلق وامتثاله
غالبا لا يتحقق في الخارج الا بالكيفية الخاصة * (قلت) * هذه الدعوى مما يكذبها الانصراف البدوي المسلم بيننا وبين المدعى إذ
لا فرق بين الامر والمأمور من هذه الجهة فان الامر يتصور وجود الطبيعة في الخارج فيوجبها والمأمور يتصور وجودها فيوجدها
فما ينسبق إلى ذهن المأمور من تصور مفهوم اللفظ بعينه هو الذي ينسبق إلى ذهن الامر ويجعله في حين الطلب وهذا هو السر في
انصراف المطلقات إلى الافراد الشائعة واما عدم صيرورة غلبة الوجود منشأ للانصراف فليس لأجل ان ما تصوره الامر حال الطلب
أعم من الفرد النادر كما قد يتوهم ضرورة ان الامر بغسل الثوب لا يخطر بباله ماء النفط والكبريت أصلا بل لا يقصد الا الامر بغسله
بالمياه الموجودة عندهم الا ان العقل بعد التأمل وفرض الموجود معدوما والمعدوم موجودا يحكم بان غرض الامر أعم مما تصوره
فعلا في مقام الطلب ولذا لو صرح بغسله بالماء الموجود لا يفهم من كلامه التقييد ومن المعلوم ان العقل لا يحكم بذلك الا بعد
علمه بكون الفرد النادر بحيث لو كان الامر ملتفتا إليه لقصده كماء النفط مثلا لا المايعات المضافة وكذا الذراعان فيما نحن فيه
وملخص الكلام ان الانصرافات البدؤية ما لم يكن في العقل ما يصرفها تستقر وما نحن فيه منها كما لا يخفى واما نقضه بغسل الوجه واليدين
ففيه أولا انا ادعينا الانصراف في الأوامر المطلقة بعد العلم بعدم إرادة اطلاقها ودوران الامر بين حملها على المتعارف أو
الالتزام باهمالها ووضوح فساد الثاني دليل على إرادة الأول فلا يتوجه النقض بالغسل وثانيا منع الانصراف بالنسبة إلى الغسل إذ لا
ملازمة بين الانصرافين الا ترى أنه لا يتبادر من الامر بغسل رأس اليتيم مباشرته بخلاف الامر بمسحه وسره ان استعمال الآلة في الغسل
من العوارض الغريبة التي لا يتوقف تصور مفهوم الغسل على تصورها لا اجمالا ولا تفصيلا فربما لا يلتفت إليها الذهن عند الامر به
وهذا بخلاف المسح فإنه من مقومات مفهومه كالماء ونحوه في الغسل فلابد عند تصور مفهوم المسح من تصوره اجمالا أو تفصيلا
151

فمعهودية هذا النحو من الخصوصيات التي هي بمنزلة الفصول المنوعة للطبيعة هي التي توجب انصراف اطلاق الطبيعة إليها دون القسم
الأول الحاصل ان استعمال اليد في الغسل من المقدمات وفي المسح من قيوده المقسمة فلا يقاس أحدهما بالاخر من حيث السببية
للانصراف هذا مع أن العلم الحاصل من الاجماع بعدم مدخلية الخصوصية في الغسل دون المسح يكفي فارقا بين المقامين
* (واما) * نقضه بباطن الكف * (ففيه) * انه أول الكلام ولو أراد من باطن الكف بعضه كرؤس الأصابع ففيه بعد تسليم غلبة وقوع المسح
بخصوص رؤس الأصابع عدم كونها موجبة لصيرورة المسح بما فوقها خلاف المتعارف مضافا إلى امكان استفادة جواز المسح بالكف
من صحيحة البزنطي الواردة في كيفية مسح القدمين وغيرها من الاخبار البيانية كما لا يخفى وبما ذكرنا من عدم امكان حمل المطلقات
على اطلاقها ظهر ضعف ما في ذيل كلامه من نفى البعد عن التمسك بالاطلاقات لان مطلقات الباب لا تشتمل على ذكر اليد حتى يمكن الاخذ
باطلاقها فلابد اما من الالتزام باهمالها أو تنزيلها على المتعارف واما الأخبار المشتملة على ذكر اليد فهي مسوقة لبيان حكم اخر فلا
يجوز الاخذ باطلاقها لاثبات هذا الحكم فلاحظ وتدبر ولو تعذر المسح بباطن الكف وان كان لجفاف مائه لنسيان ونحوه فسيجئ
حكمه عند تعرض المصنف [ره] له وان كان لمرض وشبهه يجب عليه المسح بظاهرها أو الذراع كما يجب ذلك في حق الأقطع اليد والرجل
مضافا إلى ما يظهر من دعوى غير واحد القطع بذلك كونه من المسلمات التي لا يشوبها شائبة خلاف بل يمكن التمسك لوجوبه
بالاستصحاب وقاعدة الميسور كما تقدم تقريبهما في مسألة الأقطع واما بقاء المسح على وجوبه فلا ينبغي التأمل فيه بعد اثبات وجوب
الوضوء بل لا يشك أحد من العوام في ذلك لما شاع في الألسن وارتكز في العقول من أن الميسور لا يسقط بالمعسور مضافا إلى اطلاقات
أوامر المسح كتابا وسنة وتنزيلها على المتعارف كما تقدم لا ينافي ذلك فان المتعارف في حق العاجز المسح بظاهر الكف أو الذراع
كما أن المتعارف لفاقد الكف المسح بالذراع فهذا الترتب عرفي ينطبق عليه الاطلاق من دون ان يكون اللفظ مستعملا في معان
متعددة كما هو ظاهر هذا مع أن مقتضى الاستصحاب أيضا وجوب المسح عليه واما تعيين آلة المسح فلا حاجة إليه حتى يورد بكون الأصل
مثبتا لان إلزام العقل بوجوب تفريغ الذمة عما علم وجوبه يغنينا عن ذلك كالزامه بايجاد المقدمات العلمية للواجبات المستصحبة
وهل يتعين عليه المسح بظاهر الكف أم يكفي بالذراع أيضا فيه وجهان أحوطهما الأول بل لا يبعد دعوى كونه أول مراتب ميسور
المتعذر عرفا وكونه هو الفرد المتعارف الذي ينصرف إليه الاطلاق بالنسبة إلى المتمكن الا انها قابلة للمنع فالأقوى خلافه والله العالم
* (و) * هل يعتبر ان يكون المسح باليمنى فيه وجهان بل قولان عن ظاهر المشهور عدم وجوبه بل يظهر من الحدائق عدم الخلاف فيه وان ظاهرهم
الاتفاق على استحبابه وعن بعض متأخري المتأخرين وفاقا لظاهر الإسكافي وجوبه ويستدل عليه بصحيحة زرارة وتمسح بلة يمناك
ناصيتك وفيه عدم صلاحيتها لتقييد المطلقات الكثيرة الواردة في مقام البيان للحكم الذي يعم به البلوى مضافا إلى ما عرفت
فيما سبق من ضعف دلالتها على الوجوب فيتعين حملها على الاستحباب كما حكى عن ظاهر الأصحاب بل لعل في صدر الرواية اشعارا بذلك
فتأمل
ولا يخفى عليك ان المتفاهم عرفا من الامر بمسح الرأس ببلل الوضوء وجوب ايصال البلة إلى الرأس وتأثره منها نظير الامر
بمسح رأسه بالدهن أو بماء جديد فيعتبر في اليد المسامحة اشتمالها على رطوبة مسرية ولا يكفي تلبسها بالبلة ما لم يتأثر بمسحها الممسوح
وقد عرفت أنه يعتبر أن تكون الرطوبة المسرية من بقية بلل الوضوء فلو امتزجت برطوبة خارجية غالبة بحيث انتفى عرفا صدق بلة
الوضوء على ما في اليد فلا ينبغي التأمل في عدم كفاية المسح بها لانتفاء الصدق عرفا بل صدق كون المسح بماء جديد ودعوى انصراف
النهى عن استيناف ماء جديد عن بعض صور الامتزاج لكونه تعريضا على ما يفعله العامة * (مدفوعة) * بأنه ليس مدرك الحكم بحرمة استيناف
ماء جديد نهيا أصليا حتى نتكلم في مفاده العرفي بل الوجه فيه كما عرفت هي الأدلة الدالة على اعتبار كون المسح ببقية بلل الوضوء الدالة
بمفهومها على حرمة الاستيناف فالمتبع انما هو ما يتبادر عرفا من أدلة الاشتراط نظير منطوق القضية الشرطية ومفهومها إذا
عرفت ذلك ظهر لك قوة القول بالبطلان في صورة الامتزاج مطلقا ما لم تستهلك الرطوبة الخارجية في الرطوبة الأصلية لانصراف
الأدلة عنه بل عدم اتصاف البلة الموجودة فعلا بكونها بقية بلل الوضوء حقيقة كما صرح به شيخنا [قده] في جواهره معللا بان المركب من
الداخل والخارج خارج وعن اللوامع وغيره أيضا تعليله بذلك مستشهدا بأنه لا يصدق على المسح بسكنجبين انه مسح بالخل والانكبين
واعترض عليه بأنه لا يصدق عليه المسح ببقية البلل خاصة لا مطلقا وانتفاء الصدق في السكنجبين لصيرورتهما طبيعة ثالثة بالتركيب
وليس هذا بلازم في كل مركب والماءان الممتزجان بل غالب الممتزجين ليس كذلك انتهى * (وفيه) * ان الفردين المتحدين بالنوع إذا ارتفع
تعددهما من البين وعرضهما الوحدة الشخصية بالامتزاج ينقلبان فردا ثالثا من ذلك النوع عقلا فلا يعقل بقاء الحكم المترتب على
كل من الفردين بخصوصه * (نعم) * لو كان الحكم معلقا على الطبيعة يترتب على الفرد الحادث بالتركيب والمفروض فيما نحن فيه خلافه لأن جواز
152

المسح بالبلة الموجودة التي هي جزئي حقيقي ومصداق خارجي المطلق البلة مشروط باتصافها ببقية بلل الوضوء واتصافها بهذه الصفة ليس
بأولى من اتصافها بلل خارجي اتصافها بهما معا محال فلا تتصف بشئ منهما اشتمال المجموع على بلة الوضوء لا ينفع في صدق الاسم بعد
ارتفاع تشخص هذا الجزء وعدم استقلاله في صدق البلة عليه بالخصوص * (نعم) * لو كان الجزء الخارجي مستهلكا بحيث لا تعد البلة الموجودة
مركبة عرفا لاتجه القول بالجواز لعدم ابتناء موضوعات الاحكام على التدقيقات العقلية بل المتبع هو الصدق العرفي كما في الفرض
وقد ظهر لك مما قررناه انه لا يجوز المسح بعد الغسلة الثالثة التي ليست من الوضوء فما عن المصنف ره في المعتبر من جوازه معللا باشتمال
اليد على بقية ماء الوضوء ضعيف واضعف منه القول بجواز ادخال اليد في الماء بعد غسلها ومسح الرجلين بها كما عن الإسكافي ولعله
مبنى على ما نسب إلى ظاهر عبارته من جواز استيناف ماء جديد للمسح وكيف كان فلا خفاء في ضعفه نعم لا يعد من الماء الجديد ما يكتسبه
اليد باستعمال ماء جديد اسباغا للغسلة المعتبرة ولو استظهارا بل ولو باجرائه على المحل الذي علم غسله سابقا إذ لا يعد عرفا مثله
أجنبيا عن الغسلة المعتبرة بل المجموع بنظر العرف غسلة واحدة كما لا يعد تكرير امرار اليد على المحل غسلات متعددة فلا بأس به ولو
من دون قصد الاستظهار حتى على القول بعدم جواز المسح بغير نداوة الكف في غير الضرورة لان المراد من نداوة الكف ما يبقى في
الكف بعد الفراغ من الغسلات وهو ما دام متشاغلا بامرار يده لا يعد فارغا والمدار على الصدق العرفي ولكن الاحتياط في
أغلب مصاديق هذه الفروع مما لا ينبغي تركه وفى جواز المسح بالبلة الباقية في اليد بعد غسلها في الماء بطريق الغمس لو نوى
الغسل بادخالها فيه من المرفق أو بالمكث في الماء اشكال واما لو نوى غسلها باخراجها من الماء فلا ينبغي الاشكال في جوازه وعدم
كون البلة الموجودة ماء جديدا والله العالم ولا فرق فيما ذكرنا من عدم جواز المسح بالبله الممتزجة بين ان يكون حصول المزج من
الخارج أو من مباشرة الممسوح فلا يجوز المسح الا بعد تنشيف المحل لو كان رطبا والا لوقع المسح بالمجموع فلا يجزى فما عن المصنف [ره]
في المعتبر من جواز اخراج رجله من الماء والمسح عليها على اطلاقه في غاية الاشكال نعم لا بأس بنداوة المحل ما لم يمنعه من التأثير بان كانت
رطوبة الماسح غالبة لان مثلها من توابع المحل عرفا كالعرق وغيره من الأوساخ الكائنة عليه مما لا يقدر لوجودها حكم بنظر العرف ولا
يمنع وجودها من صدق المسح على البشرة ولا من حصول المسح ببقية بلل الوضوء بل لا يحصل الامتزاج في الفرض لان قاهرية ما في اليد
يمنعها من الاكتساب فما يقع المسح بها لا يكون الا بلة اليد * (ولا) * يعتبر في المسح عدم وفور البلة الباقية لان كثرتها لا تمنع من حصول مهية
المسح الا ترى تجويز بعضهم المسح في داخل الماء فليس وجود الماء الكثير مانعا من حصول أصل المسح وكذا لا تمنع من صدق كون المسح
ببقية بلل الوضوء عرفا إذ ليس القطرة العالقة على اليد الواصلة إلى الممسوح قبل وصول اليد إليه كالماء الأجنبي بنظر العرف حتى يتأمل
في صحة المسح من هذه الجهة وحصول مهية الغسل في ضمن المسح مع فرض كثرة الماء لا ينافي حصول مهية المسح أيضا إذ لا مضادة بين المفهومين
خصوصا مع تغاير منشأ انتزاعهما فلا يقع الفعل الخارجي الا امتثالا للامر بالمسح إذ ليس له الا ما نواه ولا محذور في غسل الرجل الا من حيث
اخلاله بالمسح وكونه تشريعا ولا يلزم في الفرض شئ من المحذورين كما هو ظاهر والله العالم
* (ولو) * جف ما على باطن كفه أو مطلق يده على الوجهين
المتقدمين اخذ من لحيته ولو من المسترسل طولا أو عرضا سواء قلنا باستحباب غسلها جزء من الوضوء أم لا لصدق كونها من نداوة الوضوء و
بلله عرفا وشهادة الاخبار الآتية على صدقها وجواز الاخذ منها مطلقا وقياسها على الماء المنفصل عن الوجه المجتمع في الثوب والبدن في غير
محال الوضوء أو في اناء خارجي مع وجود الفارق بينهما لبقاء العلقة في الأولى دون غيرها موجب لتخطئة العرف وتأويل النص من دون دليل
ودعوى ظهور الأدلة في بقاء نداوة الوضوء على محال الوضوء لاغير فهي قرينة على تقييد اطلاق اللحية بغير مسترسلها * (مدفوعة) * بان تعميم
النداوة بحيث تعم نداوة اللحية على تقدير تسليم ظهورها فيما لا يعمها أهون من تخصيص المراد من اللحية بما كان منها في حد الوجه ومن أشفار
عينيه ومن حاجبيه وغيرها من محال الوضوء لاطلاقات أوامر المسح ببقية بلل الوضوء الشامل للمقام بلا تأمل وخفاء خصوصا بعد فرض
جفاف اليد كما هو المفروض * (ودعوى) * انصرافها إلى خصوص نداوة اليد التي هي آلة للمسح عرية عن الشاهد بل الشواهد على خلافها ولو سلم انسباقها
إلى الذهن فمنشأه غلبة وجود النداوة في اليد واستغنائها بما فيها عن الاكتساب من غيرها فانسباقها إلى الذهن ليس إلا كانسباق
المياه الموجودة عند المكلف من الامر بغسل الثوب * (ومما) * يشهد على أن الانصراف على تقدير وجوده في المقام بدوي لاغير ان من لم يكن ذهنه
مشوبا بالشبهات لا يخطر بباله باستماع هذه المطلقات إرادة الخصوصية بحيث يلتزم بالتحرز عن مباشرة سائر مواضع الوضوء قبل المسح
كما يلتزم بالتجنب عن الرطوبة الخارجية وليس ذلك الا لعدم استفادة التقييد منها وإلا لكان ماء وجهه كغيره من المياه بنظره في لزوم التحرز
عنه ويدل على المطلوب مضافا إلى الأخبار المطلقة اخبار مستفيضة * (منها) * مرسل خلف بن حماد قال قلت له الرجل ينسى مسح رأسه وهو في
الصلاة قال إن كان في لحيته بلل فليمسح به قلت بان لم يكن له لحية قال يمسح من حاجبيه ومن أشفار عينيه * (ومنها) * ما رواه في الفقيه عن
153

أبي بصير عنه في رجل ينسى مسح رأسه قال فليمسح قال لم يذكر حتى دخل في الصلاة قال فليمسح رأسه من بلل لحيته وروى فيه أيضا مرسلا عنه (ع)
قال إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك
شئ فخذ ما بقي منه في
لحيتك وامسح به رأسك وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك وامسح به رأسك ورجليك وإن لم يبق من بلة وضوئك
شئ أعدت الوضوء * (ومنها) * رواية مالك بن أعين عن الصادق عليه السلام قال من نسي مسح رأسه ثم ذكر أنه لم يمسح رأسه فإن كان في لحيته
بلل فليأخذ منه ويمسح رأسه وإن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف وليعد الوضوء وتخصيص اللحية بالذكر في رواية مالك والامر بإعادة الوضوء
على تقدير جفافها لا ينافي غيرها من الأدلة الدالة على جواز الاخذ من سائر المواضع لان جفاف اللحية عادة ملازم لجفاف سائر
الأعضاء كما أن عدم ذكر سائر المواضع فيما عداها من الاخبار عدا الحاجبين وأشفار العينين لا ينافي ما قدمنا من جواز الاخذ من
سائر المواضع لان تخصيص هذه المواضع بالذكر دون ما عداها لكونها مظنة بقاء الماء لا إرادة الخصوصية كما يشهد بذلك قرائن
كثيرة من نفس هذه الأخبار فضلا عن الشواهد الخارجية * (منها) * ظهور صدر مرسلة الفقيه وذيلها في أن الواجب حصول المسح ببقية بلة
الوضوء وان الإعادة منوطة بعدمها والظاهر أن قوله (ع) فإن لم يكن بقي في يدك إلى اخره مسوق لدفع توهم اختصاص البلة باليد
فتخصيص للحية بالذكر لواجدها الحاجبين وأشفار العينين لفاقدها لاستلزام جفافها عادة جفاف ما عداها من المواضع
مما لم يقل به أحد بحسب الظاهر وهل يختص جواز اخذ البلة من سائر المواضع بجفاف اليد أم يجوز مطلقا وانما المشروط بالجفاف
وجوب الاخذ لا جوازه وجهان من اطلاقات أوامر المسح ببقية البلل ومن تقييد الاخذ من اللحية وغيرها من المواضع في الأخبار الخاصة
بجفاف اليد الدالة بمفهومها على عدم جوازه مع وجودها في اليد وليس في المنطوق لفظ الوجوب حتى يكون مفهوم القضية
انتفاء الوجوب على تقدير وجود البلة في اليد * (و) * قد تقرر في الأصول ان مفهوم ان جاءك زيد فأكرمه إن لم يحيك فلا تكرمه لا فلا
يجب اكرامه فقضية مفهوم الشرط في المقام تقييد المطلقات الا ان جرى المقيدات مجرى العادة يمنعها من الظهور في الاشتراط
ولذا لم يشترط أحد جواز اخذ البلة من أشفار العينين بفقدها في الحاجبين ومن الحاجبين بعدم اللحية أو بفقد البلة فيها * (و) * قد وجه
غير واحد من الاعلام كصاحب المسالك والمدارك قدس سرهما كلمات الأصحاب بما وجهنا به الاخبار المقيدة قال في المدارك بعد قول المصنف [ره]
ولو جف ما على يديه اخذ من لحيته [الخ] الظاهر أنه لا يشترط في الاخذ من هذه المواضع جفاف اليد بل يجوز مطلقا والتعليق في عبارات الأصحاب
مخرج مخرج الأغلب ولا يختص الاخذ بهذه المواضع بل يجوز من جميع محال الوضوء وتخصيص الشعر لكونه مظنة البلل انتهى ولا يخفى عليك
ان إلغاء مفهوم الشرط في عبائر الأصحاب مشكل لان القيود المأخوذة في كلماتهم احترازية غالبا ولذا شاع في الألسن ان مفهوم اللقب
في عبائر العلماء حجة الا ان تخصيص الشعر في كلماتهم بالذكر مع عدم التزامهم ظاهرا بالاختصاص وغيره من القرائن الأخر مما يقرب
التوجيه الذي ذكره صاحب المدارك وغيره وكيف كان فلا ينبغي التأمل في عدم ظهور الأخبار الخاصة
في الاشتراط وإن لم نقل بذلك
في عبائر الأصحاب فالأقوى جواز الاخذ مطلقا وفاقا لغير واحد من الأساطين المصرحين بذلك لاطلاقات الأدلة ودعوى أن العادة
كما منعت المقيدات من ظهورها في التقييد كذلك تمنع المطلقات من ظهورها في الاطلاق فالمرجع في مثل المقام هو الاحتياط اللازم
من قوله (ع) لا صلاة الا بطهور * (مدفوعة) * بان العادة وان اقتضت عدم اخذ البلة من سائر المواضع ما دامت باقية في اليد الا
انها غير مقتضية للتحرز عن مباشرة سائر المواضع قبل المسح حتى لا يحتاج ارادتها من المطلقات إلى بيان القيد فإن لم يبق
نداوة في شئ من محال الوضوء استأنف الوضوء بلا خلاف فيه ظاهرا للامر بالانصراف وإعادة الوضوء في غير واحد من الأخبار المتقدمة
في الصورة المفروضة مضافا إلى الأدلة الدالة على وجوب كون المسح ببقية بلل الوضوء الموقوف امتثاله في الفرض على الاستيناف
وكذا يجب الاستيناف لو بقي نداوة في شئ من المحال ولكن لا يمكن نقلها إلى باطن الكف تحصيلا للشرط الذي عرفت انفا شرطية
في حق القادر هذا إذا أمكنه المسح بنداوة باطن الكف بالاستيناف واما لو تعذر عليه ذلك كما لو فرض حرارة باطنية أو خارجيه
مقتضية بجفاف باطن يديه بحيث تعذر المسح ببلتها فالظاهر أنه يجب عليه المسح بظاهر الكف أو الذراع لاندراجه في مصداق العاجز
الذي تقدم حكمه ولا يجزيه المسح بلا نداوة أو بنداوة خارجية ولو تعذر المسح بنداوة الوضوء مطلقا كما إذا كان الجفاف لشدة
حرارة مزاجية أو خارجية بحيث لا يمكن ايصال بلة الوضوء إلى مواضع المسح ولو باكثار الماء على الجزء الآخر فلا يجب عليه الاستيناف
جزما وهذا الفرض خارج من موضوع كلام المصنف ره كما هو ظاهر وهل يجب عليه المسح بماء خارجي أو يمسح بلا رطوبة أو يسقط عنه
المسح أو الوضوء وينتقل فرضه إلى التيمم وجوه أوجهها الأول وأضعفها الأخير كما يكشف عن ذلك مضافا إلى عدم عثور صاحب
الجواهر وغيره من الأساطين المتتبعين في الفقه قدس الله اسرارهم على قائل به ان مشروعية التيمم مشروطة بعدم التمكن من الطهارة
154

المائية ولو ببعض مراتبها الناقصة كما يفصح عن ذلك ظهور أدلته في ذلك مضافا إلى شهادة التتبع في الأحكام الشرعية مثل مسألة
الأقطع اليد والرجل ومثل حكم من وضع على إصبعه مرارة كما في رواية عبد الأعلى وغيره من مواضع الجبيرة بان الوضوء مطلقا مقدم
على التيمم لا ان التيمم بدل عن الوضوء التام ويتلوه في الضعف ما تقدمه أعني سقوط المسح فان الوضوء لا يتبعض فحينئذ نقول
مقتضى عموم قوله (ع) الميسور لا يسقط بالمعسور بل فحوى حكم الأقطع وجوب الوضوء الناقص عليه فلا يشرع في حقه التيمم بل ربما
يستفاد من قوله (ع) في رواية عبد الأعلى مولى ال سام قال عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء
قال يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح عليه ان عدم سقوط الوضوء في مثل هذه المواضع
من الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى السؤال والآية انما تنفى وجوب مباشرة الماسح للممسوح لا وجوب الوضوء ودعوى أن
العمل بعموم قاعدة الميسور في باب الوضوء يقتضى عدم مشروعية التيمم للمريض أصلا إذ ما من مريض الا ويتمكن ولو بإعانة
الغير من الاتيان ببعض اجزاء الوضوء من الغسل والمسح ولو من فوق ثيابه وهو باطل جزما مدفوعة بان قاعدة الميسور
وكذا اجزاء دليل نفى الحرج في باب الوضوء على النحو الذي استظهرناه من الرواية لا تقتضي الا ايجاب ما يعد في العرف ولو
بنحو من المسامحة وضوء ضرورة ان مقتضى القاعدتين ليس إلا وجوب الاتيان بما هو ميسور المتعذر لا ايجاد مهية مغايرة
للمهية المأمور بها بنظر العرف وكون المهية المأتي بها عين المهية المأمور بها بنظر العرف مشروط ببقاء معظم الاجزاء و
الشرائط بحيث يتقوم بها الاسم فلا تجرى القاعدة الا فيما إذا تعذر بعض الاجزاء أو الشرائط التي ليس لوجودها مدخلية
في قوام المهية كما فيما نحن فيه واما غسل ثياب المريض فليس مهية الوضوء بنظر العرف حتى ينافي عدم الالتزام به عموم القاعدة
كما لا يخفى فظهر لك ان الأقوى وجوب الوضوء عليه وعدم سقوط ما يتيسر له من المسح وهل يتعين عليه المسح بنداوة خارجية
أم يجزيه المسح بيده الجافة وجهان أقواهما وأحوطهما * (الأول) * اما كونه أقوى فلان الواجب ايصال البلة المقيدة بكونها من
الوضوء ومقتضى جريان القاعدة بالنسبة إلى مثل هذه القيود التي لا يعد واجدها وفاقدها بنظر العرف مهيتين متغايرتين
سقوط القيد المتعذر وهو كونه من بلل الوضوء لا وجوب ايصال البلة واما كونه أحوط فلما عرفت من أن حرمة استيناف ماء
جديد ليست ذاتية وانما هي من جهة التشريع وكون الاستيناف منافيا لحصول شرط الوضوء وهو وقوع المسح ببقية بلل
الوضوء وكلا المحذورين مندفعان في الفرض لو نوى بفعله الاحتياط لارتفاع موضوعهما بعد فرض تعذر حصول الشرط
وايجاد الاستيناف بقصد الاحتياط كما لا يخفى وجهه
والأفضل بل الأحوط مسح الرأس مقبلا في الحدائق الظاهر كما هو المشهور
جواز النكس هنا لاطلاق الآية وخصوص صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا خلافا
للمرتضى والشيخ في النهاية والخلاف وظاهر ابن بابويه محتجا عليه في الخلاف ومثله في الانتصار بان مسح الرأس من استقبال
رافع للحدث اجماعا بخلاف مسح الرأس مستديرا فيجب فعل المتيقن انتهى ويتوجه على الاستدلال باطلاق الآية دعوى أن
غلبة حصول المسح من استقبال لو لم تكن موجبة للانصراف فلا أقل من مانعيتها من ظهورها في الاطلاق وبهذه الدعوى يرتفع تعجب صاحب
الحدائق وغيره من السيد في تجويزه النكس في الوجه واليدين لاطلاق الآية ومنعه هنا مع جريان دليله فيه واعتضاده بالرواية إذ بعد
البناء على عدم اعتبار اخبار الآحاد كما هو المعروف عن السيد لا بد من الالتزام بهذا القول بعد تسليم الغلبة المانعة عن الظهور كما ليس
بالبعيد واما الصحيحة فالانصاف انها ظاهرة في المدعى الا انه يوهنها انه أسندها في الوسائل إلى حماد بن عيسى ثم قال وبهذا الاسناد
عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا فيحتمل قويا اتحاد الروايتين والراويين ووقوع الاشتباه
من النساخ مضافا إلى مؤيدات اخر ربما تورث الظن بالاتحاد قد تعرض لذكرها في الجواهر وغيره هذا مع أن في تخصيص القدمين
بالذكر في الصحيحة الثانية اشعارا باختصاص الحكم بها فيشكل الاتكال على هذا الظاهر الا ان رفع اليد عن ظاهر مثل هذه الصحيحة
المشهورة المعمول بها عند الأصحاب مع عدم المعارض له بمثل هذه الموهنات المخالفة للأصول والقواعد أشكل خصوصا مع اعتضاده
باطلاق الآية وما ادعيناه من الانصراف قابل للمنع فالقول بالجواز لا يخلو عن قوة وكيف كان فلا شبهة في أن المسح مقبلا أحوط
واما كونه أفضل ففيه تأمل * (ولعل) * القول به نشأ من رجحان الاحتياط أو لتعين القول بالاستحباب بعد نفى الوجوب لانحصار القول
فيهما على ما صرح به بعض أو لأجل التأسي بالحجج صلوات الله عليهم بدعوى أن الصادر عنهم لم يكن الا كذلك وأشكل من ذلك القول
بأنه يكره مدبرا لان أفضلية بعض الافراد لا تقتضي كراهة ما عداه الا ان الذي يهون الامر ان المراد بها ليس معناها الحقيقي بل
المراد منها أولوية الترك كما فسرها بذلك في محكى جامع المقاصد وهي بهذا المعنى مما لا شبهة فيه وعن المصنف [ره] في المعتبر انه
155

علل الكراهة بالتقصي عن الخلاف وهذا التعليل انما يناسب الكراهة بهذا المعنى هذا مع امكان الاستشهاد لها بفتوى الأصحاب على
ما هو الاشبهه من شمول قاعدة التسامح لمثله فليتأمل
ولو غسل موضع المسح مجتزيا به عنه لم يجز جزما لان المسح والغسل مهيتان متغايرتان
فلا يجزى إحديهما عن الأخرى في مقام الامتثال كما هو ظاهر * (ويدل) * عليه مضافا إلى وضوحه قول الصادق (ع) في خبر محمد بن مروان
انه يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة قلت وكيف ذلك قال لأنه يغسل ما امر الله بمسحه وفي الصحيح عن
زرارة قال قال لي لو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثم اعتبرت ان ذلك من المفروض لم يكن ذلك
بوضوء وما في بعض الأخبار
من الاجتزاء بغسل الرجلين عن مسحهما محمول على التقية ولا ينافي عدم الاجتزاء بالغسل عن المسح حصوله في الخارج
تبعا للمسح في بعض الصور كما لو فرض وفور بلة الماسح حيث يتحقق بامراره على المحل المسح ويجرى الماء عليه الغسل لان المحذور
انما هو في الاجتزاء بالغسل عن المسح في مقام امتثال امره لا في حصوله تبعا للمسح الذي نوى به الامتثال وكذا لو غسل وجهه و
يديه بالمسح فان نوى الامتثال بمهية المسح فلا يجزيه قطعا وان قصد الامتثال بالغسل المتولد منه أجزاه بلا اشكال بل لعلة
أفضل كما ورد الامر به في بعض الروايات المتقدمة في أوائل المبحث
* (و) * يجوز المسح على الشعر المختص بالمقدم وعلى البشرة اما الثاني
فوجهه واضح واما الأول فهو أيضا مما لا شبهة فيه بل كاد يكون جوازه في الجملة من ضروريات الدين فضلا عن كونه اجماعيا
مضافا إلى ظهور الاخبار الامرة بالمسح على الناصية في ذلك بل المتبادر من الآية والاخبار الامرة بالمسح على مقدم الرأس ليس إلا
المسح على ما يعم الشعر والبشرة وظهور الحال يغنينا عن الإطالة في الاستدلال ولا ينافي ما ذكرنا قول الصادق (ع) في الذي
يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء لا يجوز حتى يصل بشرته الماء كون المراد من البشرة ما يعم الشعر كما هو واضح والمراد من الشعر المختص
بالمقدم على ما فسره غير واحد هو الشعر النابت فيه الذي لا يخرج بمدة من حده فلو جمع عليه شعرا من غيره أو مما استرسل منه ومسح
عليه لم يجز قطعا لعدم صدق مقدم الرأس عليه وعدم مساعدة العرف والأدلة على تعميمه بحيث يعم الشعر في الصورة المفروضة إذ غاية
ما يستفاد من الأدلة تبعية الشعر المخصوص بالمقدم لمحله في الحكم على تقدير تبعيته له عرفا وعدم انفصاله منه بالاسترسال أو بغيره
ولذا قد يستشكل في المسح على الشعر المخصوص الذي لا يخرج من الحد لو حال بينه وبين البشرة جسم رقيق من باطن الشعر وكذا لو اخذ الشعر
بيده ومسح عليه لخروجه من التبعية عرفا في مثل هذه الفروض نعم مقتضى التفسير المذكور عدم جواز المسح على الشعر النابت فوق المقدم
المتدلى عليه أو النابت في حواليه الساتر له بمقتضى الخلقة أو الشعر الطويل النابت على المقدم بالمجتمع فيه خلقة والالتزام به في هذه
الصور في غاية الاشكال بل الأظهر في مثل هذه الفروض التي يتعذر فيها المسح على ما ستره الشعر الا بالتخليل عدم وجوب التخليل
وكفاية مسح ظاهر الشعر لكونه من التوابع عرفا فتعمه اطلاقات المسح على المقدم إذ لم يرد منها خصوص البشرة كما عرفت الا ان
يقوم الاجماع على عدم الكفاية كما عن شارح الدروس نسبة القول به في الصورة الأخيرة إلى المشهور بل يعرف فيه خلافا ولكنه
اعترف بان اثباته بالدليل مشكل
وكيف كان فالذي يقتضيه الدليل انه لو مسح على الشعر الذي لا يعد فعلا من توابع البشرة
ويعد أجنبيا عن مقدم الرأس بنظر العرف لا يجزيه وكذلك لو مسح على العمامة أو غيرها مما يستر موضع المسح كالمقنعة والقلنسوة
ونحوها من دون فرق بين كون الحائل رقيقا لا يمنع إصابة البلة إلى البشرة وغيره وكونه ملتصقا بالرأس باللطوخ ونحوه أم
منفصلا عنه بلا خلاف في شئ من ذلك بيننا ظاهر أو عن بعض العامة جواز المسح على العمامة وعن أبي حنيفة جوازه على الحائل الرقيق
واكتفى شيخنا المرتضى [ره] بخلافه دليلا على خلافه وحمل ما ورد في اخبارنا مما يوهم باطلاقه جواز المسح على الحناء في حال الاختيار
على التقية ويدل على المطلوب مضافا إلى الاجماع والأدلة الامرة بمسح مقدم الرأس المقتضية لبطلان الوضوء في الصور المفروضة
الأخبار المستفيضة الامرة برفع العمامة وادخال الإصبع تحتها ووضع الخمار والمسح على الرأس وقول أحدهما عليهما السلام في خبر محمد بن
مسلم لا يمسح على الخف والعمامة وقول الصادق (ع) في مرفوعة ابن يحيى في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء ان يتوضأ قال
لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه الماء نعم يعارض المرفوعة صحيحة عمر بن يزيد سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له
في الوضوء قال يمسح فوق الحناء وصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق (ع) أيضا في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء ويتوضأ للصلاة فقال (ع) لا بأس
بان يمسح رأسه والحناء عليه الا ان الصحيحتين وان صح سنداهما ولكنه لاعراض الأصحاب عن ظاهرهما وعدم العامل بهما أو ندرته لا تنهضان
حجه فصله عن مزاحمتهما للمرفوعة التي هي عندهم مقبولة فلا بد من حملهما على التقية أو تنزيلهما على الضرورة كما يؤيده عدم طلى الحناء بعد حلق
الرأس غالبا الا للتداوي والله العالم
* (الفرض الخامس) * من فروض الوضوء مسح الرجلين ويدل على وجوبه مضافا إلى الأخبار الكثيرة
التي قد بالغ في كثرتها في محكى الانتصار وقال إنها أكثر من عدد الرمل والحصى ظاهر الكتاب العزيز كما هو ظاهر ولكن مخالفينا نبذوه وراء
156

ظهورهم ولولاه لاتحدت الكلمة وارتفعت المخالفة بين الأمة ولا يجب في مسح القدمين استيعابهما جزما كما يدل عليه النصوص المتواترة
معنى واما ما ورد في بعض الأخبار من مسح ظاهرهما وباطنهما كمرفوعة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في مسح الرأس والقدمين فقال (ع) مسح الرأس
واحدة من مقدم الرأس ومؤخرة ومسح القدمين ظاهرهما وباطنهما وخبر سماعة بن مهران عنه أيضا قال إذا توضأت فامسح قدميك
ظاهرهما وباطنهما ثم قال هكذا فوضع يده على الكعب وضرب الأخرى على باطن قدميه ثم مسحهما إلى الأصابع فمع ضعف سنده ومعارضته
للأدلة القطعية محمول على التقية لكونه مذهبا لمن يرى جواز المسح على الرجلين من العامة على ما قيل كما يرشد إليه الامر بمسح مؤخر
الرأس في الرواية الأولى والله العالم
واما حد المسح عرضا فإنما يجب مسح مقدار من ظاهر القدمين يسمى به ماسحا فلا يعتبر مقدار
عرض إصبع فضلا عن إصبعين أو ثلاث أو مقدار الكف وعن ظاهر الصدوق في الفقيه وجوب المسح بمقدار الكف قال فيما حكاه عنه شيخنا
المرتضى [قده] في طهارته وحد مسح الرجلين ان تضع كفيك على أطراف أصابعك من رجليك وتمدهما إلى الكعبين انتهى ومستنده
ظاهرا صحيحة البزنطي قال سئلت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفه على أصابعه فمسحها إلى الكعبين فقلت
جعلت فداك لوان رجلا قال بإصبعين من أصابعه قال لا الا بكفه كلها ويؤيده بل يدل عليه رواية عبد الأعلى
قال قلت لأبي عبد
الله (ع) عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء قال يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل ما جعل
عليكم في الدين من حرج امسح عليه إذ لولا وجوب مسح مجموع ظهر القدم أو ما يستوعبه الكف لما كان للامر بالمسح على ما وضع عليه المرارة
مستشهدا باية نفى الحرج وجه كما لا يخفى على المتأمل ويعضده المطلقات الامرة بمسح ظاهر القدم الظاهرة في وجوب استيعاب الظهر
وهذا القول بظاهره مخالف للاجماع كما عن غير واحد نقله نعم عن المحقق الأردبيلي الميل إليه وعن المفاتيح انه لولا الاجماع لجزمنا به وجعله
أحوط وعن الكفاية الأولى ان يمسح بتمام كفه وفي المدارك ان المصنف في المعتبر والعلامة في التذكرة نقلا اجماع فقهاء أهل البيت (ع)
على أنه يكفي في مسح الرجلين مسماه ولو بإصبع واحدة واستدلا عليه بصحيحة زرارة ولولا ذلك لأمكن القول بوجوب المسح بالكف كلها
للصحيحة المتقدمة فان المقيد يحكم على المطلق ومع ذلك فالاحتياط هنا مما لا ينبغي تركه الصحة الخبر وصراحته واجمال ما ينافيه انتهى
وكيف كان فلا شبهة في ضعفه لا لمخالفته للاجماع بل لمعارضة الخبرين للاخبار الكثيرة المعمول بها * (منها) * ما في صحيحة زرارة وبكير
المتقدمة في مسح الرأس ثم قال وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين فإذا مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه ما بين الكعبين إلى
أطراف الأصابع فقد أجزأه وقد عرفت في مسح الرأس عدم امكان تقييده بثلاث أصابع في القدمين فضلا عن مجموع ظاهر القدم
أو مقدار الكف منه فما ذكره صاحب المدارك من امكان تقييده بالكف ضعيف ولذا تعجب المحقق البهبهاني من حكمه بصراحة الصحيحة
واجمال المعارض في هذا المقام مع تصريحه في مسألة مسح الرأس بخلافه هذا ولكن الانصاف عدم صلاحية هذه الصحيحة المعارضة
الصحيحة السابقة بل اجمالها بالنسبة إلى مسح القدمين لان ما ذكرنا من عدم امكان تقييده بثلاث أصابع فضلا عن الكف مبنى على أن
يكون ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع بدلا من قدميه كي يكون معناه فإذا مسح بشئ من هذا العضو فقد أجزاه ولكن لا يتعين
إرادة هذا المعنى بل يحتمل قويا كونه بيانا للشئ لابد لامن قدميه فيكون معناه على هذا التقدير فإذا مسح بشئ أي ببعض من قدميه
الذي هو عبارة عما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزاه فيدل على الاستيعاب من حيث الطول اما من حيث العرف فاما
مجمل أو ظاهر في الاستيعاب أيضا ولكن يرفع اليد عنه بواسطة القرائن المنفصلة من اجماع ونحوه اللهم الا ان يقال إن وقوع
الحكم في الرواية تفريعا على الآية يجعلها بمنزلة الصحيحة الآتية التي ستعرف انها كادت تكون صريحة في المدعى فليتأمل * (ومنها) *
صحيحة أخرى لزرارة الواردة في كيفية استفادة مسح بعض الرأس والرجلين من الكتاب العزيز المتقدمة في مسح الرأس وفيها فقال وأرجلكم
إلى الكعبين فعرفنا حين وصلهما بالرأس ان المسح على بعضهما وهذه الصحيحة صريحة في كفاية المسح ببعض الأرجل إلى الكعبين أي ببعض هذا العضو
فلا يتطرق فيها شائبة الاجمال من هذه الجهة ولكن اطلاقها واردة مورد حكم آخر فمن هنا قد يتوهم ضعف الاستشهاد بها للمدعى * (ويدفعه) *
ما أشرنا إليه في مسح الرأس من أن وقوعها تفسيرا للآية يجعلها بحكمها من حيث الاطلاق ومنها الأخبار المستفيضة المتقدمة الامرة بأخذ
ناسي المسح البلة من لحيته لمسح رأسه ورجليه وفي بعضها فإن لم يكن لحية اخذ من حاجبيه وأشفار عينيه إذ من المعلوم ان البلة المأخوذة
من أشفار العينين والحاجبين بل وكذا اللحية بعد جفاف سائر المواضع غالبا لا تكفي لمسح الرأس والرجلين بالكف * (ومنها) رواية
معمر بن خلاد المتقدمة الدالة على اجزاء مسح موضع ثلاث أصابع من الرأس والرجلين * (ومنها) * رواية جعفر بن سليمان قال سئلت أبا الحسن موسى (ع)
فقلت جعلت فداك يكون خف الرجل مخرقا فيدخل يده فيمسح ظهر قدميه يجزيه ذلك فقال نعم إلى غير ذلك فيتعين حمل الصحيحة على الاستحباب
وعلى ان مقصود السائل معرفة كيفية المستحبة كما يقربه بعد جهل السائل مع جلالة قدره بالواجب من المسح واما رواية عبد الأعلى
157

فلعل موردها ما لو عمت المرارة أو العصابة المشدودة عليها جميع الأصابع وان اختص الجرح بإصبع كما هو ظاهر الرواية مع امكان
حملها على الاستحباب وجعلها دليلا على جريان قاعدة نفى الحرج في المستحبات أيضا ولا ينافي ذلك جواز الاستدلال بعموم القاعدة
المستفادة منها في الواجبات كما لا يخفى وجهه وعن بعض اعتبار مقدار ثلاث أصابع في المسح ومدركه بحسب الظاهر رواية معمر المتقدمة
في مسح الرأس وقد عرفت فيما تقدم ضعفها وسمعت دعوى غير واحد مخالفتها للاجماع بالنسبة إلى مسح الرجلين وعن الإشارة والغنية
ان الأقل إصبعان وعن ظاهر النهاية والمقنعة واحكام الراوندي اعتبار الإصبع ولا شاهد على شئ من هذين القولين خصوصا
الأول منهما ولعل مدركهما دعوى توقف تحقق المسمى عليه وهي في الإصبع غير بعيدة وان كانت قابلة للمنع واما في الأزيد من الإصبع
فممنوعة قطعا والله العالم
واما حده طولا فهو من رؤوس الأصابع إلى الكعبين بلا خلاف ظاهرا كما في طهارة شيخنا المرتضى [قده] وعن
غير واحد دعوى الاجماع عليه وقال سيدنا المعاصر بعد نقل الاجماع عليه عن جماعة ويساعده التتبع لأنا لم نقف على مفت بكفاية
المسمى طولا وان ناقش في دليله من ناقش نعم عن الكفاية انه المشهور وهو غير ثابت لكنه أحوط انتهى وفي الحدائق بعد أن نقل الاجماع
عليه عن غير واحد قال واحتمل في الذكرى عدم الوجوب وبه جزم المحدث الكاشاني في المفاتيح ونفى عنه البعد صاحب رياض المسائل و
حياض الدلائل ثم ساق الكلام في النقض والابرام إلى أن قال وبذلك يظهر ان الأظهر هو القول الأخير الا ان الاحتياط في الوقوف
على المشهور انتهى * (ويدل) * على ما ذهب إليه المشهور ظاهر الكتاب وغير واحد من الاخبار البيانية وغيرها * (منها) * ما عن ابن أبي عمير عن عمر بن
أذنية عن أبي عبد الله (ع) عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حكاية المعراج ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء ورجليك
إلى كعبيك الخبر * (ومنها) * ما عن بكير وزرارة بن أعين عن أبي جعفر (ع) في حكاية وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ثم مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين
بفضل كفيه لم يجدد ماء والمناقشة في دلالتها على الوجوب باجمال وجه الفعل * (مدفوعة) * بان وقوعه بيانا للواجب يجعله بمنزلة الامر في
ظهوره في الوجوب فلا يحمل على غيره الا بدليل ومنها ما في رواية الأعمش من أن الوضوء الذي امر الله به في كتابه الناطق غسل الوجه واليدين
إلى المرفقين ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين ومنها ما في خبر عيسى بن المستعاذ واسباغ الوضوء على المكاره الوجه واليدين والذراعين
ومسح الرأس ومسح الرجلين إلى الكعبين والمناقشة في دلالة أكثر هذه الروايات وكذا في الآية الشريفة بان ظاهرها كون الكعب
غاية للمسح وهو غير لازم لجواز النكس كما سيجئ فالمراد منه اما الاستحباب أو ان الغاية غاية للمسوح كما أن قوله تعالى إلى المرافق غاية
للمغسول لا للغسل فلا يستفاد منها حد المسح ضعيفة جدا لان رفع اليد عن ظاهر الآية والروايات في الجملة لدليل لا يوجب اهمالها
رأسا ولا شبهة في أنه يستفاد من ظاهر قوله (ع) امسح رجليك إلى الكعبين امر ان أحدهما وجوب انتفاء المسح إلى الكعب والاخر وقوعه
على مجموع المسافة المغياة بالغاية المفروضة ومن الواضح انه لو دل دليل خارجي على أن الابتداء والانتهاء مما لم يتعلق به غرض الامر
بل المقصود ليس إلا حصول المسح لا يقتضى هذا الدليل رفع اليد عن ظهوره في الاستيعاب نظير ما لو امر المولى عبده بمطالعة كتاب من أوله
إلى آخره وعلم العبد من الخارج ان الترتيب غير ملحوظ لديه فلا يرتاب في وجوب مطالعة مجموع الكتاب ولو بعكس الترتيب واما ما يقال من أن
الكعبين غاية للممسوح لا المسح وكذا المرافق غاية للمغسول في الآية الشريفة فلا يخلو عن مسامحة لان الظرف بحسب الظاهر في الآية
وكذا الروايات من متعلقات الفعل لا من أوصاف الرجل فليس معنى الآية وكذا الروايات ان الرجل المغياة بهذه الغاية يجب
ايقاع المسح عليها في الجملة بل معناها ليس إلا ما هو الظاهر منها وهو وجوب ايقاع المسح إلى هذا المكان الا ان الغاية انما جعلت
غاية للمسح بملاحظة محله لا بملاحظة كيفية حدوث الفعل فتسميته غاية لنفس المحل مسامحة وبتقريب أو في انا نجد من أنفسنا بعد
مراجعة الوجدان ان الامتداد الذي ينسبق إلى الذهن بذكر الغاية في مثل هذه العبائر أولا وبالذات انما هو في نفس الفعل
لا في محله ولا يرى جواز النكس أو وجوبه صارفا عن هذا المعنى المنسبق إلى الذهن هذا مع أن الالتزام بظاهر الروايات مما لا محذور
فيه وثبوت جواز النكس لا ينافيه لجواز كون كل منهما من افراد الواجب المخير نعم يستبعد الالتزام به في الآية لعدم امكان الالتزام بذلك في غسل اليدين
ووحدة السياق تشهد باتحاد المراد في كلا المقامين فتأمل ولا يخفى عليك ان كون كلمة يأتي الآية للتبعيض لا ينافي ظهورها في الاستيعاب
من حيث الطول لان معناها على هذا التقدير فامسحوا من أرجلكم من رؤس الأصابع إلى الكعبين وهذه العبارة ظاهرة أيضا في
وجوب الاستيعاب طولا هذا مع أن كون الباء للتبعيض غير مسلم والصحيحة الواردة في تفسيرها لا تدل عليه لما عرفت فيما سبق من أن
دلالة كلمة الباء على إرادة البعض لا ينحصر وجهها في كون الباء للتبعيض لامكان كونها امارة تضمن الفعل معنى المرور والالصاق
وغيرهما مما يكفي في تحققه مجرد الملابسة ويتعدى بالباء بل لعل هذا المعنى هو الظاهر من الآية في حد ذاتها وعلى هذا التقدير لاخفاء
في ظهورها في وجوب الاستيعاب لمجموع المسافة ثم انك قد عرفت أن صاحب الحدائق قوى القول بكفاية المسمى وعدم وجوب الاستيعاب
158

ومدركه اطلاق صحيحة زرارة المتقدمة الواردة في تفسير الآية إذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى
أطراف الأصابع فقد أجزاك وبمضمونها روايات أخر واستدل أيضا بالأخبار المستفيضة الدالة على جواز المسح على النعل من
دون استبطال شراكه ويضعفه عدم دلالة الصحيحة على مراده لقوة احتمال كون كلمة ما موصولة بدلا من شئ واما احتمال كونه
بدلا من القدمين وكذا غيره من الاحتمالات ككونها نكرة موصوفة وان كان قويا في حد ذاته الا ان وقوع الرواية تفسيرا للآية
وتفريعا على ظاهرها يضعف سائر الاحتمالات هذا مع أنه لا يجوز رفع اليد بمثل هذا الظاهر عن ظواهر الأدلة المتقدمة الموافقة
للاحتياط المعتضدة بعدم وجود القائل بخلافها أو ندرته واما اخبار عدم استبطان الشراك ففيها منع مانعية الشراك من
مسح مقدار الواجب بل الظاهر عدمه خصوصا لو قلنا بخروج الكعبين من الحد وسيتضح لك تحقيقه انشاء الله تعالى
* (واما) * الكعبان فهما
قبتا القدمين كما عن المقنعة وزاد فيها امام الساقين ما بين المفصل والمشط إلى أن قال إن الكعب في كل قدم واحد وهو ما علا منه
في وسط القدم * (و) * في المدارك ما ذكره المصنف [ره] في تفسير الكعبين من أنهما قبتا القدمين هو المعروف من مذهب الأصحاب ونقل
عليه المرتضى [ره] في الانتصار والشيخ في الخلاف الاجماع وقال في المعتبر انه مذهب فقهاء أهل البيت (ع) انتهى فلا اشكال ولا خلاف
بين الامامية في أنهما في ظهر القدمين كما يساعد عليه اخبارهم المتواترة وانما الاشكال والخلاف في تشخيص موضوعه من ظهر
القدم فان العلامة أعلى الله مقامه مع أنه فسر الكعب بما يظهر منه موافقته لغيره ادعى انه هو المفصل بين الساق والقدم ونزل
كلمات العلماء في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم عليه قال في التذكرة على ما حكى عنه ان الكعبين هما العظمان الناتيان في وسط القدم وهما معقد
الشراك أعني مجمع الساق والقدم ذهب إليه علمائنا أجمع وبه قال الشيباني وعن المنتهى ذهب علمائنا إلى أن الكعبين هما العظمان الناتيان
في وسط القدم وهما معقد الشراك وبه قال الشيباني وعن المختلف ان الكعب هو المفصل بين الساق والقدم ثم قال وفي عبارة علمائنا
اشتباه على غير المحصل فان الشيخ وأكثر الجماعة قالوا إن الكعبين هما الناتيان في وسط القدم قاله الشيخ [ره] في كتبه وقال السيد [ره] الكعبان
هما العظمان الناتيان في ظهر القدم عند معقد الشراك وقال أبو الصلاح [ره] هما معقد الشراك وقال المفيد [ره] الكعبان هما قبتا القدمين
امام الساقين ما بين المفضل والمشط وقال ابن أبي عقيل [ره] الكعبان ظهر القدم وقال ابن الجنيد [ره] الكعب في ظهر القدم دون عظم
الساق وهو المفصل الذي قدام العرقوب انتهى وقد اخذ بعض من تأخر عنه في التشنيع عليه بمخالفة تفسيره للاجماع والاخبار وقول
أهل اللغة وفي مقابل هذا البعض ما عن كنز العرفان من الطعن على القول بان الكعب هو العظم الناتي بأنه لا شاهد له لغة ولا عرفا ولا
شرعا وقد وجه كل من المتخاصمين مقالة العلماء على مختاره والذي يقتضيه الانصاف انه ان أراد من المفصل كما هو الظاهر من كلامه
المفصل الواقع بين الساق والقدم الذي لو فرض قطع رجل السارق منه لم يبق له من قدمه شئ يقوم عليه ويصلى ولا يبقى من عقبه ما يطأ
عليه فلا ينبغي التأمل في مخالفته لجل كلمات العلماء في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم إذ لا يصدق على هذا المفصل الواقع فوق العقب شئ
من الأوصاف التي ذكروها لتعيين الكعب كما لا يخفى على المتأمل وكيف لا وهو بهذا المعنى يؤل إلى ما عليه العامة بأدنى مسامحة ولعله
لذا نسب فخر الدين في شرح الارشاد على ما حكى عنه قول العامة إلى والده فقال إن لأصحابنا قولين أحدهما اختيار المصنف [ره] وهو ان
المراد من الكعبين هما العظمان الناتيان في جانبي الساق والقدم والمفصل بينهما وبه قال أكثر الجمهور وكذا عن ظاهر التنقيح وشرح الألفية
وعن جامع المقاصد احتماله قال إن أراد نفس المفصل فلا يوافق أحدا من الخاصة والعامة وان أراد به ما نتي عن يمين القدم وشمالها كمقالة
العامة لم يكن المسح منتهيا إلى الكعبين انتهى وان أراد من المفصل ما هو الواقع في وسط القدم لا في آخرها وان كان خلاف ظاهر عبارته فلا
يبعد تنزيل كلمات بعض العلماء عليه وتأويل اخبار الباب على وجه لا ينافيه الا ان دعوى ارادتهم ذلك مع مخالفته لظاهر كلمات أكثرهم
وصريح بعضهم عرية عن الشاهد نعم في القاموس عد من معاني الكعب كل مفصل للعظام ومن المعلوم ان كونه من معاينه لا يعين ارادته
في المقام كما أن صحيحة الأخوين الآتية أيضا لا تدل على إرادة هذا المفصل بالخصوص كما سيأتي توضيحه انشاء الله ويكفى شاهدا على ما ذكرنا من
بعد ارادتهم من الكعب المفصل التأمل في العبائر التي حكاها عنهم في المختلف فان حمل أكثرها على إرادة المفصل في غاية البعد نعم وجه
بعض الاعلام كلام العلامة على ما يوافق المشهور بدعوى أن غرضه بيان وجوب انتهاء المسح إلى المفصل الذي هو طرف الكعب لا ان الكعب
هو نفس المفصل ويؤيد هذا التوجيه ما سيجئ منه من التزامه بدخول الغاية في المغيى كما سيجئ تحقيقه فلعل غرضه على هذا التقدير من
اشتباه غير المحصل تخيله كون قبة القدم نهاية للمسح لا طرف الكعب المتصل بالساق * (وكيف) * كان فالأقوى ما ذهب إليه المشهور لظهور ومعاقد
اجماعاتهم فيه مضافا إلى تصريح صاحب المدارك بان اللغويين من الخاصة متفقون على أن الكعب هو الناتي في ظهر القدم حيث يقع معقد
الشراك لأنه مأخوذ من كعب إذا ارتفع ومنه كعب ثدي الجارية إذا على ثم قال بل الظاهر أنه لا خلاف بين أهل اللغة في اطلاق الكعب
159

عليه وان ادعى العامة اطلاقه على غيره أيضا قال في القاموس الكعب العظم الناشز فوق القدم والناشز ان في جانبيها وقال ابن الأثير في
نهايته وكل شئ ارتفع فهو كعب ونحوه قال الهروي في الغريبين قال ومنه سميت الكعبة كعبة ونقل الشهيد [ره] في الذكرى عن الفاضل اللغوي
عميد الرؤساء انه صنف كتابا في الكعب وأكثر فيه من الشواهد على أنه الناشز في ظهر القدم اما الساق انتهى وأنت خبير بان تأويل جميع
هذه العبائر كاد ان يكون متعذرا وان أمكن في كثير منها فاطلاق الكعب على قبة القدم لغة مما لا مجال التأمل فيه نعم يظهر من جمع من اللغويين
اطلاقه على غيرها أيضا قال في القاموس الكعب كل مفصل للعظام والناشز فوق القدم والناشزان من جانبيها فلابد في تعيين المراد منه
من قرينة معينة وقد عرفت ظهور معاقد الاجماعات بل صراحة بعضها في إرادة المعنى المشهور وكفى به قرينة مضافا إلى شهادة الاخبار
الآتية بذلك وعن المحقق البهائي [ره] ان الكعب يطلق على معان أربعة الأول العظم المرتفع في ظهر القدم الواقع فيما بين المفصل المشط
الثاني المفصل بين الساق والقدم واستدل على اطلاق الكعب عليه بكلام صاحب القاموس حيث قال الكعب كل مفصل العظام ثم
قال وهو المفهوم من كلام ابن الجنيد وتنطبق عليه رواية الأخوين بحسب الظاهر الثالث أحد الناتيين عن يمين الساق وشماله الذين
يقال لهما المنجمان وهو الذي يسميه العامة كعبا وأصحابنا مطبقون على خلافه الرابع عظم مائل إلى الاستدارة
واقع ملتقى الساق
والقدم وله زائدتان في أعلاه يدخلان في حفرتي قصبه الساق وزائدتان في أسفله يدخلان في حفرتي العقب وهو نأت في وسط ظهر
القدم أعني وسطه العرضي ولكن نتوه غير ظاهر بحبس البصر وقد يعتبر عنه بالمفصل لمجاورته له أو من قبيل تسمية الحال باسم المحل وهو
الذي في أرجل الغنم والبقر وبحث عنه علماء التشريح ثم ادعى انه هو مراد العلامة بل ادعى انطباق كلمات العلماء عليه حيث قال وكيف كان
فالكعب عند علمائنا ما ذكرناه والمراد بالشق في كلامهم انما هو النتو الذي لا يدرك بالحس وبقولهم في وسط القدم انما هو الوسط العرضي
ثم استشهد بكلام بعض العامة حيث نسبوا إرادة هذا المعنى من الكعب إلى الخاصة عن أربعينه انه نقل جملة من كلمات أهل التشريح مما
يدل على ذلك وأنت خبير ببعد تنزيل الآية والأخبار الواردة في تحديد مسح الرجل مع عموم الابتلاء به على إرادة هذا الشئ الذي لا يعلم
وجوده فضلا عن محله وأوصافه الا بعض الخواص من علماء التشريح بل لا ينبغي الارتياب في عدم إرادة العلماء في حدودهم هذا المعنى إذ
كيف يظن بالعلماء إرادة هذا المعنى في حد الكعب واقتصارهم في تشخيص المراد بذكر أوصاف لا يغنى من جوع بل يوهم خلاف المقصود مع سهولة
تعريفه بما يخصه بحيث لا يشتبه على أحد كان يقولوا هو عظم مستدير واقع فوق العقب متصل بالمنجمين الذين يسمونهما العامة كعبا متداخل فيهما
إلى غير ذلك من الأوصاف المخصوصة به كما عرفوه علماء التشريح فكيف يحتمل اعراض جميع العلماء عن ذكر أوصافه المخصوصة وذكرهم لمعرفة أوصافا
لا تكون تلك الأوصاف بالنسبة إليه الا كالتورية فان اطلاق ظهر القدم على ما هو واقع تحت عظم الساق وكذا النتو على النتو الذي لا
يدركه الحس وكذا وسط القدم على وسطه العرضي ليس إلا من قبيل التورية فكيف يظن بالعلماء ارادته مع أن من عادتهم الاهتمام في تشخيص الحدود
هذا مع أن اطلاق الكعب لغة على هذا المعنى غير ثابت وكلام أهل التشريح لا يدل على كونه حقيقة فيه فلاحظ وتأمل ثم إن عمدة ما يستدل به للعلامة
ومن تبعه في مخالفة المشهور ما في صحيحة زرارة وبكير قلنا أصلحك الله فأين الكعبان قال ها هنا يعنى المفصل دون عظم الساق فقلنا هذا ما هو
فقال هذا من عظم الساق كما في الكافي أو عظم الساق كما في التهذيب ويتوجه عليه اجمال المراد من المفصل إذ كما يحتمل إرادة المفصل المتصل
بالساق كذلك يحتمل إرادة المفصل الواقع فوق الأشاجع وكذا المفصل الواقع في وسط القدم وتوصيفه بكونه دون عظم الساق ينفى
احتمال إرادة ما فوق الأشاجع لو أريد منه ما دونه لكون هذا المفصل بعيدا عن عظم الساق بخلاف المفصل الواقع في وسط القدم فإنه
قريب منه جدا ولو أريد من قوله دون عظم الساق غير عظم الساق الذي تظنه العامة كعبا فلا ينافي شيئا من الاحتمالات ودعوى أن المفصل
المحسوس المشاهد في المقام المنصرف إلى الذهن في الرواية هو مفصل الساق لاغير يدفعها ان توصيف الكعب في ذيل رواية الكافي بعد
قوله هذا عظم الساق بقوله والكعب أسفل من ذلك بل وكذا قول السائل دون عظم الساق يبعد إرادة هذا المفصل لان هذا المفصل
واقع في طرف العظم المشار إليه ومنتزع من نتوئه الاخر فلا يطلق عليه هذه العبارة بل ربما يتعذر تشخيص ارادته من الإشارة بحيث يعلم أن
مراد الإمام (ع) نفس المفصل دون آخر عظم الساق هذا مع منافاة هذه الرواية بهذا المعنى للاخبار الآتية التي وصف فيها الكعب بظهر
القدم ووضع يده على ظهر القدم وقال هذا هو الكعب وقد عرفت أن تأويل مثل هذه الروايات بحيث ينطبق على إرادة المفصل الذي
يدور مدار عظم الساق متعذر فلا بد من تأويل الصحيحة على وجه لا تنافي غيرها من الأدلة * (ثم) * ان مقتضى القول بان الكعب هو مفصل
الساق أو العظم المستدير عدم جواز الاقتصار على مسح الابهام فيتهيا إلى عظم الساق حال قيام المتوضئ على قدميه لان العصب الغليظ
الواقع امام الساق بل وكذا اللحم والجلد المكسى بهما العظم يمنع من انتهاء المسح إلى المفصل فلابد اما من المسح من نواحي القدم من غير
جهة الابهام أو من مد الرجلين لو مسح على ما يسامت الابهام حتى يمكن ايصال المسح إلى المفصل فليتأمل ومما يستدل به على مذهب
160

المشهور مضافا إلى ظهور معاقد الاجماعات فيه اخبار مستفيضة * (منها) * صحيحة البزنطي المتقدمة وفيها فوضع كفه على الأصابع فمسحها
إلى الكعبين إلى ظهر القدم إذ الظاهر أن قوله إلى ظهر القدم بيان أو بدل من إلى الكعبين ولعله سيق دفعا لتوهم إرادة الكعبين
بالمعنى الذي يراه العامة والمراد من ظهر القدم ظاهرا عواليه ومرتفعه لا نهايته وحملها على ما يوافق مذهب العلامة ليس بالبعيد الا ان
انطباقها على مذهب المشهور اظهر ومنها حسنة ميسرة عن أبي جعفر (ع) في حكاية وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قوله ثم وضع يده على
ظهر القدم ثم قال هذا هو الكعب قال أومى بيده إلى أسفل العرقوب ثم قال إن هذا هو الظنبوب وظهورها في المدعى غير قابل للانكار
اما أسفل العرقوب الذي أومى إليه بيده فهو غير ما وضع يده عليه بحسب الظاهر لان أسفل العرقوب غير ظهر القدم * (ومنها) * حسنة إبراهيم
ابن هاشم عن أبي جعفر (ع) الوضوء واحدة واحدة ووصف الكعب في ظهر القدم * (ومنها) * ما حكى عن أبي العباس أنه قال أخبرني سلمة
عن الفرا عن الكسائي قال قعد محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في مجلس كان له وقال ها هنا الكعبان قال فقالوا هكذا فقال ليس
هو هكذا ولكن هكذا وأشار إلى مشط رجليه فقالوا له ان الناس يقولون هكذا فقال لا هذا قول الخاصة وذاك قول العامة وفي
دلالته كسنده قصور * (ومما) * يؤيده مذهب المشهور بل يعينه الأخبار المستفيضة الآتية الدالة على جواز المسح على النعل من دون استبطان
الشراكين فلو قلنا بان الكعب هو المفصل لزم اما الالتزام بكفاية مسمى المسح طولا وعدم وجوب ايصاله إلى الكعبين أو القول بقيام
المسح على الشراك مقام المسح على البشرة اما الأول فقد عرفت عدم امكان الالتزام به لمخالفته لظواهر النصوص وفتاوى الأصحاب
واما الثاني فالالتزام به أيضا مشكل كما سيجئ تحقيقه انشاء الله
* (تنبيه) * هل الكعبان داخلان في المسافة فيجب مسحهما أولا وجهان
بل قولان عن العلامة في التحرير والمنتهى وكذا المحقق الثاني القول بالدخول مستدلين بدخول الغاية في المغيى وكون كلمة إلى بمعنى
مع كما في قوله تعالى إلى المرافق وبان الكعب كما وقع نهاية للمسح في بعض الأدلة وقع بداية في رواية يونس قال أخبرني من أبا الحسن (ع)
بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم والمراد من أعلى القدم بحسب الظاهر رؤس الأصابع فيدخل
الكعب حينئذ في المسافة فيجب ان يكون الانتهاء كذلك لعدم القائل بالفرق وفي الاستشهاد بهذه الرواية لمذهبهم نظر لان البداية
الحقيقية كالنهاية الحقيقية لا معنى لدخولها في المسافة أو خروجها منها واما مدخول كلمة من إذا كان مركبا إذا اجزاء فقد يكون داخلا
في المسافة وقد يكون خارجا وقد يكون بعض اجزائه داخلا وبعضها خارجا وهذا الأخير هو الشايع في المحاورات المنصرف إلى الذهن
من الاطلاقات دون الأولين ومن المعلوم ان انصرافه إلى الذهن من الرواية لا ينفع المستدل أصلا لان وجوب مسح بعض الكعب
ولو من باب المقدمة مسلم وصدوره عن الإمام (ع) معلوم سواء صرح به الراوي أم لا والرواية لا تدل على أزيد من ذلك كما لا يخفى
واما استدلالهم بدخول الغاية في المغيى * (ففيه) * منع ظاهر بل الظاهر خروجها الا ان يدل دليل خارجي على الدخول كما في غسل اليدين
وثبوته في غسل اليدين لا يوجب رفع اليد عن ظاهر الآية والروايات الكثيرة الواردة في مسح الرجلين ودعوى أن كون الكعبين
من ملتقى المغيى وكونهما من اجزاء الرجل قرينة على الدخول * (مدفوعة) * بان الكعب الذي هو عبارة عن قبة القدم امر ممتاز عن غيره وكونه من اجزاء
الرجل وعدم وجود مفصل محسوس يمتاز به أول جزء منه لا يقتضى دخول جميع اجزائه كما هو ظاهر ولا يخفى عليك ان استدلال العلامة [ره]
بهذه الأدلة والتزامه بوجوب مسح الكعبين مع القدمين ينافي قوله بان الكعب نفس المفصل إذ لا مسافة لنفس المفصل حتى ينازع في دخولها
في المحدود أو خروجها فهذا مما يؤيد ما صدر عن بعض الاعلام من توجيه كلامه في تفسير الكعب بما يوافق المشهور واستدل للقول الاخر
مضافا إلى ظهور الآية والاخبار الامرة بالمسح إلى الكعبين بقوله (ع) في خبر الأخوين فإذا مسحت بشئ مما بين كعبيك إلى آخر أطراف أصابعك
لان المتبادر منه كون محل المسح ما وقع بين الحدين لأنفسهما وأجيب بأنه قد يقال عندي ما بين الواحد إلى العشرة والمراد مجموعها المشتمل
على الطرفين * (وفيه) * مع وضوح الفرق بين ما نحن فيه وبين المثال حيث إن المثال مسوق لبيان مورد الترديد نظير قولك الامر مردد بين هذا
وذاك فلا يقاس عليه قولك ما وقع بين هذا وذاك حكمه كذا ان مجرد الاستعمال لا يمنع الظهور وقد يستدل باخبار عدم استبطان
الشراك كما سيجئ توضيحه انشاء الله تعالى ثم على القول بالخروج لا ريب في أنه يجب مسح مقدار منه مقدمة للمسح الواجب بل يمكن القول بوجوب مسح هذا
المقدار أصالة ببعض الاعتبارات التي يمكن استفادتها من الأدلة المتقدمة والله العالم
* (و) * الأقوى انه يجوز المسح منكوسا بان يمسح من
الكعب إلى رؤس الأصابع ويدل عليه مضافا إلى اطلاقات الأدلة قول الصادق (ع) في صحيحة حماد لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا وفي
خبر آخر له أيضا لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا ومرسلة يونس المتقدمة وفيها بعد أن أخبره من رأى أبا الحسن (ع) بمنى انه كان
يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم قال ويقول (ع) الامر في مسح الرجلين موسع من شاء مسح مقبلا ومن
شاء مسح مدبرا فإنه من الامر الموسع انشاء الله وقيل لا يجوز للاحتياط وللوضوءات البيانية ولظاهر الآية وغيرها من الاخبار الامرة
161

بالمسح إلى الكعبين الظاهرة في كون الكعبين نهاية للمسح * (وفيه) * ان الأخبار السابقة حاكمة على هذه الأدلة ووجهها ظاهر والله العالم
وهل يجوز التبعيض بان يمسح بعض القدم مقبلا وبعضها الاخر مدبرا فيه اشكال لما عرفت فيا سبق من امكان الالتزام بظاهر
الآية والاخبار من كون الكعبين غاية للمسح وتنزيلها على كونها بيانا لبعض افراد الواجب المخير وعلى هذا فلا يجوز رفع اليد عن هذا
الظاهر الا بالقدر الثابت وهو غير هذا الفرض واما قوله (ع) ان الامر في مسح الرجل موسع فلا يدل على الجواز في الفرض لانصرافه عنه
وعدم التفات الذهن حال استماعه الا إلى جواز ايقاع المسح بتمامه مدبرا كجواز ايقاعه مقبلا وقوله (ع) بعده من شاء مسح مقبلا ومن شاء
مسح مدبرا بحسب الظاهر بيان لما اراده (ع) من التوسعة فلا يعم المفروض والله العالم
وليس بين الرجلين ترتيب على الأشهر الأقوى بل
عن المختلف والذكرى وكاشف اللثام وغيرها انه المشهور بل عن ابن إدريس في بعض الفتاوى لا أظن مخالفا منافيه ويدل عليه اطلاق
الكتاب والسنة بل ربما يظهر من الوضوءات البيانية على كثرتها وتعرضها للترتيب وسائر الخصوصيات المقصودة بالافهام عدم كون
خصوصية الترتيب بين الرجلين ملحوظة عندهم أصلا إذ لم يكن في شئ منها اشعار ببيانه بل ربما يستظهر من بعضها انه مسحهما دفعة فلو
ادعى مدع القطع بان الترتيب بين الرجلين لو كان واجبا لكان الإمام (ع) متعرضا لذكره في الاخبار المسوقة لبيان خصوص الترتيب المعتبر
بين أفعال الوضوء وكذا في غيرها من الاخبار البيانية وغيرها المسوقة لبيان كيفية الوضوء من حيث الأجزاء والشرائط لم يكن دعواه بعده
وعن غير واحد من قدماء الأصحاب ومتأخريهم القول بوجوب تقديم اليمنى على اليسرى بل عن ظاهر الشيخ في الخلاف نظرا إلى عموم قوله بوجوب
الترتيب في الوضوء في الأعضاء كلها دعوى الاجماع عليه ويدل عليه ما رواه الكليني [ره] في الحسن
كالصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع)
قال وذكر المسح فقال امسح على مقدم رأسك وامسح على القدمين وابتداء بالشق الأيمن وما رواه النجاشي بإسناده عن عبد الرحمن بن محمد بن
عبد الله بن أبي رافع وكان كاتب أمير المؤمنين (ع) انه كان يقول إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدء باليمين قبل الشمال من جسده وما روى عن
النبي صلى الله عليه وآله انه كان إذا توضأ بميامنه ولكنك خبير بان تقييد الأخبار الخاصة المسوقة لبيان الترتيب وكذا المطلقات الكثيرة الواردة في
محل الحاجة في مثل هذا الحكم العام البلوى في غاية الاشكال فلا يمكن الالتزام به بمجرد ظهور لفظ الامر في إرادة الوجوب فالتصرف في ظاهر
الامر بحمله على الاستحباب أهون من تقييد مثل هذه المطلقات على ما يشهد به فهم العرف لان الالتزام باهمال هذه المطلقات الكثيرة أو
احتفافها بقرائن حالية أو مقالية أو الالتزام بكونها مسوقة لبيان الحكم الظاهري للمخاطبين دون التكليف الواقعي أو غير ذلك مما يصحح
تأخير ذكر القيد ليس بأهون من حمل الامر على الاستحباب هذا مع أن حمل هذه الروايات على الوجوب يستلزم ارتكاب التقييد في نفسها
أيضا لمعارضتها ظاهرا بظاهر التوقيع المروى عن الطبرسي في الاحتجاج الخارج من الناحية المقدسة في جملة أجوبة مسائل الحميري حيث سئل
عن المسح على الرجلين يبدء باليمين أو يمسح عليهما جميعا فخرج التوقيع يمسح عليهما جميعا فان بدء بإحديهما قبل الأخرى فلا يبدء الا باليمنى و
مقتضى الجميع بين التوقيع والأخبار السابقة تقييدها به والالتزام بالتخيير بين المقارنة وتقديم اليمنى كما نسب اختياره إلى بعض فضلاء
متأخري المتأخرين ولكنك عرفت أن حمل الاخبار المقيدة على الاستحباب أهون في مقام التصرف من تقييد مطلقات الباب بل لعل
في التوقيع اشعارا بذلك فالقول بعدم وجوب الترتيب واستحباب المقارنة أو تقديم اليمنى أقوى ولكن الاحتياط مما لا ينبغي تركه والله
العالم وإذا قطع بعض موضع المسح من القدم مسح على ما بقي منه ولا ينتقل فرضه إلى التيمم وقد ظهر لك وجهه في مسألة قطع اليد لاتحاد
مدرك المسألتين وبما حققناه في تلك المسألة يظهر لك ما يقتضيه المقام من التفصيل وقد عرفت فيها انه لو قطع اليد من فوق المرفق
سقط وجوب غسلها لا وجوب الوضوء فكذا لو قطع قدمه من فوق الكعب سقط المسح على القدم ولو قطع من ابتداء الكعب فان قلنا
بوجوب مسح مجموع الكعب أو بعضه أصالة يجب عليه مسح ما بقي منه وإلا فلا ووجهه ظاهر
ويجب المسح على بشرة القدمين باجماعنا كما عن
المدارك وغيره نقله ويدل عليه اخبارنا المتواترة معنى ولا يجوز المسح على حائل يستر موضع القرائن من ظهر القدم من خف أو غيره
مع الاختيار سواء ستر جميع موضع الفرض أو بعضه بلا خلاف فيه ظاهرا الا فيما يستره شراك النعل وما يشبهه فان كلماتهم فيه مختلفة
حيث إنه يظهر من بعض الأصحاب انه يستثنى من الحائل المسح على شراك النعل العربي قال في محكى التذكرة يجوز المسح على النعل العربي وإن لم
يدخل يده تحت الشراك وهل يجزى لو تخلف ما تحته أو بعضه اشكال أقربه ذلك وهل ينسحب إلى ما يشبهه كالسير في الخشب اشكال و
كذا لو ربط رجليه بسير للحاجة وفي العبث اشكال انتهى ويظهر من المحكى عن الذكرى أيضا ان حكم جواز المسح على النعل العربي مخالف
للأصل ثابت بالنص الخاص وربما استظهر ذلك من كل من خص الجواز بالمسح على النعل العربي دون غيره ولكن في الاستظهار نظر إذ
الظاهر أن تخصيصهم الجواز بالنعل العربي لأجل انه لا يمنع من مسح ما يجب مسحه ولذا حمل الشيخ في التهذيب المسح على النعلين الوارد
في الاخبار على النعلين العربيين قال لأنهما لا يمنعان وصول الماء إلى الرجلين بقدر ما يجب من المسح نعم هذا الاستثناء لازم كل من
162

قال بان الكعب هو مفصل الساق أو العظم المستدير الواقع فيه لما ورد في الأخبار المستفيضة من أن عليا وكذا الباقر صلوات الله
عليهما مسحا على الكعبين ولم يستبطنا الشراكين وفي صحيحة الأخوين عن أبي جعفر (ع) أنه قال
في المسح تمسح على النعلين ولا تدخل يدك
تحت الشراك وإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزاك إذ من المعلوم ان
معقد الشراك دون مفصل الساق فإذا لم يجب تبطينه بتخلف ما تحته فلا بد من الالتزام بقيامه مقام البشرة أو القول بعدم وجوب
الاستيعاب من حيث الطول وقد عرفت أن الثاني لضعفه بل ومخالفته للاجماع مما لا يقولون به فتعين الأول بل الظاهر أن القول
بدخول الكعب في الممسوح مطلقا يستلزم ذلك لان الكعب على ما فسروه معقد الشراك فلا بد من سره لجزء منه في المتعارف الذي ينزل
عليه اطلاق الصحيحة فما عن العلامة [ره] في المنتهى من الاستدلال على عدم وجوب استبطان الشراك بأنه لا يمنع مسح محل الفرض مناف
لما حكى عنه فيه من ايجابه ادخال الكعب في المسح كما عرفت والذي يقتضيه التأمل انه لا يجوز المسح على الحائل مطلقا من دون استثناء
شئ واما الأخبار المستفيضة فهي من أقوى الشواهد على أن الكعب هو قبة القدم وانه غير داخل في الممسوح لا لمجرد ان التخصيص أولى
من سائر التصرفات المقتضية لرفع اليد عن ظواهر الأدلة الدالة على وجوب مسح البشرة بل لاستفادة المطلوب من نفس هذه الأخبار
فان صحيحة الأخوين تنادى بأعلى صوتها على أن النهى عن ادخال اليد تحت الشراك انما هو لأجل عدم الحاجة إليه وحصول
مسح مقدار الواجب بدونه لا لكونه حكما تعبديا شرعيا فان قوله (ع) فإذا مسحت بشئ [الخ] في قوة التعليل لكفاية المسح على مقدم الرأس
وظاهر الرجل من دون استبطان الشراك وكذا ما روياه من فعل أبى جعفر (ع) في حكاية وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله من أنه
مسح رأسه وقدميه ببلل كفه لم يحدث لهما ماء جديدا وانه (ع) لم يدخل أصابعه تحت الشراك فإنه من الواضح الذي لا يعتريه شبهة
لمن تأمل في الرواية ان مسحه على النعل لم يكن لأجل الحكاية وبيان جوازه على خلاف الأصل لأنه (ع) بعد أن فرغ من وضوئه استشهد
بالآية وفسرها للراوي إلى أن قال ثم قال وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين فإذا مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه ما بين
الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزاه وهذا يدل على كون عمله مطابقا لمضمون الآية كمالا يخفى * (تنبيه) * قال في الحدائق ان
ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق على أن من الحائل الذي لا يجوز المسح عليه اختيار الشعر المختص وفي الرجل بالبشرة قال بعض من متأخري
المتأخرين بعد نقل ذلك عنهم وهذا الحكم مما لم أقف فيه على تصريح في كلام القوم غير أنهم افحموا لفظ البشرة في هذا الموضع ويمكن
ان يكون مرادهم الاحتراز عن الخف ونحوه لا الشعر كما هو الظاهر بحسب النظر لان المسح على الرجلين انما يصدق عرفا على المسح على
شعرهما انتهى ثم نقل عن الشهيد في ذلك في شرح عبارة المصنف [ره] استظهاره منها عدم جواز المسح على الشعر واختياره ذلك معللا
بأنه هو الذي يقتضيه النص الدال على وجوب مسح الرجلين إذ الشعر لا يسمى رجلا ولا جزء منها وانما الأصحاب لم يصرحوا بمنع المسح
على الشعر في الرجلين لندور الشعر الحائل فيهما القاطع بخط المسح فاكتفوا باستفادته من لفظ البشرة فإنها كالصريح إن لم تكنه
انتهى والذي يقتضيه الانصاف ان منع حصول امتثال الامر بمسح الرجلين مع وجود الشعر بل احاطته عليهما فضلا عن الشعر الخفيف
مكابرة للوجدان وتكذيب لما أطبقت عليه كلمة العرف أترى انه لو امر المولى عبده بأمر أريده على ساقه أو ساعده أو غيرهما من
أعضائه هل يخطر بباله إزالة الشعر أولا مقدمة للامتثال حاشاهم عن ذلك بل الشعر المخصوص بكل عضو يعد عرفا من تابع ذلك
العضو بل قد عرفت في مسح الرأس ان من أقوى الأدلة على كفاية مسح الشعر المختص بالمقدم كونه عرفا من توابعه وانسباق الذهن إلى
مسحه من الامر بمسح مقدم الرأس الا انك خبير بان البحث عن كفاية مسح الشعر عن البشرة قليل الجدوى لان الشعر المخصوص بالرجل
على ما هو الغالب المتعارف ليس بحيث يوجب قطع خط المسح عن نفس البشرة بل يحصل مسح مقدار المسمى بامرار اليد ولو مع وجود الشعر
ولعل هذا هو الوجه لاهمال العلماء رضوان الله عليهم ذكره في خصوص المقام وعدم تصريحهم بقيامه مقام البشرة واما ما استظهروه
من كلماتهم ففيه منع ظاهر بل الظاهر أن إقحام لفظ البشرة في عبائر بعضهم ليس إلا للتحرز عن المسح على ما يعد حائلا بنظر العرف كالخف
ونحوه لا الشعر كما يدل عليه تفريعاتهم كيف ولو كان مقصودهم من الحائل ما يعم الشعر لكان عليهم التنصيص في مقام التمثيل دفعا
للاشتباه فكان التصريح به أولى من ذكر الخف وأمثاله مع أنه لم يصرح بذكره أحد منهم ومن تعرض لذكره كالشهيد وبعض من تأخر
عنه بين متردد في الحكم أو مفت بنفي البأس عنه أو قائل بمانعيته فكيف يمكن استظهار مثل هذا الفرع الخفي من اطلاق ذكر الحائل
أو إقحام لفظ البشرة في عبائر بعضهم مع أن الذهن لا يلتفت إليه الا بعد التنبيه وبعده أيضا يتردد في ارادته من الاطلاق لو لم يجزم
بعدمه وما ذكره الشهيد [ره] وجها لعدم تصريحهم من ندرة مانعيته من مسح مقدار الواجب * (ففيه) * انها انما تمنع التفات الذهن
إليه وإرادته من اطلاق الحائل لا إهمال ذكره في مقام التمثيل بعد التفات الذهن إليه وإرادته من الاطلاق كما لا يخفى وقد يستدل
163

للجواز بعموم كل ما أحاط به الشعر [الخ] وبخلو الاخبار عن التعرض لمانعية شعر الرجل من المسح مع غلبة وجوده في الرجل وعموم الابتلاء
بالحكم فهو دليل العدم ويتوجه على الأول منع العموم كما عرفت في مسح الرأس وعلى الثاني منع مانعيته من حصول مسح مقدار الواجب
غالبا فلا يتم الاستدلال
فالعمدة في المقام ما ادعيناه من أن الشعر المخصوص بموضع المسح ليس من الحائل عرفا وإلا فلا يصح المسح
على الحائل مطلقا الا للتقية أو الضرورة اما عند التقية والضرورة فلا يجب مسح بشرة القدم جزما لعمومات أدلة التقية ونفى
الضرر والحرج الشاملة للمقام بلا تأمل بل لا يجزى مع الالتفات للنهي المفسد للعبادة نعم لو مسح رجليه ولم يلتفت إلى التقية أو
الضرورة الموجبة لتركه فالأقوى صحة وضوئه لما تقرر في محله من أن مثل هذه العناوين الطارية المانعة من تأثير المقتضيات
في تنجيز الخطابات الواقعية كالتقية والضرر والحرج لا تؤثر في بطلان العبادة ما لم تؤثر نهيا فعليا متعلقا بها وكيف كان
فالواجب عليه في حال التقية تكليفا ووضعا انما هو مسح الخفين لو لم تؤد التقية الا به بلا خلاف فيه ظاهرا كما عن غير واحد نقله بل داعى
الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى الاجماع وعمومات اخبار التقية التي كادت تكون من ضروريات مذهب الشيعة المعتضدة بالقواعد
العقلية والنقلية التي لا يمكن رفع اليد عنها الا بمخصص قوى غير قابل للتأويل خصوص خبر أبي الورد قال قلت لأبي جعفر (ع) ان أبا ضبيان
حدثني انه رأى عليا (ع) أراق الماء ثم مسح على الخفين فقال كذب أبو ضبيان اما بلغك قول علي (ع)
فيكم سبق الكتاب الخفين فقلت هل
فيهما رخصة فقال لا الا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك وظاهر هذه الرواية كغيرها من الاخبار الامرة بالتقية في الوضوء والصلاة
وغيرهما من العبادات كخبر علي بن يقطين وغيره كون الفعل المأتي به تقية مجزيا عن الواقع لا مجرد الرخصة في الفعل من حيث الحكم التكليفي
وظاهر قوله (ع) أو ثلج تخاف على رجليك جوازه مطلقا لكل ضرورة لشهادة السياق بسوقه من باب المثال ولا يعارض هذه الرواية ما في
الصحيح عن زرارة قال قلت هل في المسح على الخفين تقية قال (ع) ثلاث لا اتقى فيهن أحدا شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج قال زرارة
ولم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحد الاختصاص الحكم بالامام (ع) كما يدل عليه فهم زرارة واما وجه
اختصاصه به (ع) فلعله لانتفاء
موضوع التقية بالنسبة إليه اما المعروفية مذهبه عند العامة أو لكونه عندهم كأحد قضاتهم الذين يعملون بآرائهم فلم يكن عليه في مثل
هذه المسائل الاجتهادية الا لبيان مدرك حكمه لا تقليد فقهاء العامة واما شيعته عليه وعليهم السلام كان عليهم التستر خوفا من
ظهور اضافتهم إلى أهل البيت عليهم السلام ولا يخفى عليك ان فهم زرارة اختصاص الحكم بالامام (ع) مع اطلاق سؤاله مما يؤيد ما أشرنا
إليه من عدم امكان التصرف في عمومات الباب الا بمخصص قوى صريح الدلالة في التخصيص وكذا لا يعارضها ما في صحيحة زرارة قال
لا تتق في ثلاث قلت وما عن قال شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج وكذا ما في صحيحة هشام عن أبي عمر قال قال أبو عبد الله (ع) يا أبا عمر
تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له والتقية في كل شئ الا في ثلاث شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج إذ ليس المراد
من الصحيحتين نفى التقية في هذه الأشياء على الاطلاق قطعا لمخالفة اطلاقهما الاجماع والضرورة ضرورة انه لو دار الامر بين مسح الخفين
أو ضرب الأعناق لا يجوز الاقدام عليه ولا يرضى الشارع نفعله كما يدل عليه فحوى ترخيص الشارع بارتكاب المحاذير التي ربما يكون حرمتها
أعظم في نظر الشارع من ترك الصلاة في مظان الهلكة فضلا عن تركه مباشرة الماسح للممسوح الذي يسوغه الحرج كما يدل عليه رواية عبد الأعلى
المتقدمة فالمراد منهما والله العالم اما نفى اثارها الوضعية لا وجوبها من حيث الحكم التكليفي بمعنى ان المسح على الخفين المأتي به تقية
ليس ممضا شرعا بان يكون جزء من الوضوء فيجب عليه اعادته بعد ارتفاع الضرورة ولا يصح الصلاة معه أو ان المراد ان هذه الأشياء ليست
على حد سائر احكامهم مما يجوز إظهار التدين بها تقية ملاحظة للمصلحة النوعية من دون إناطتها بالضرر الشخصي أو عدم اشتراطها
بعدم المندوحة كما لعله هو الأقوى بالنظر إلى ظواهر اخبار التقية أو ان المراد عدم جواز التقية في المسح على الخفين لانتفاء موضوعها وهي الضرورة
الداعية إليها لاستقرار مذهبهم على ما نسب إليهم على التخيير بين مسح الخفين وغسل الرجلين فعدم مشروعية مسح الخفين على تقدير تأدية التقية
بغسل الرجلين كما هو مقتضى مذهبهم اما لكون المتوضئ متمكنا من تلبيس الامر عليهم بايجاد مسح الرجلين عند اختيار الغسل أو لكون غسل
الرجلين مقدما على مسح الخفين في الرتبة عند التقية كما هو المشهور
وكيف كان فهذه الأخبار لعدم امكان
الاخذ بها واعراض الأصحاب عن ظاهرها بمعنى ترك العمل باطلاقها لا تعارض الرواية المتقدمة هذا مع أن المعارضة بينهما من قبيل
تعارض النص والظاهر لان رواية أبى الورد نص في جوازه في الجملة وهذه الأخبار لا تنافيها الا من حيث الاطلاق بعد حمل النهى فيها على حقيقية ومن
المعلوم ان أصالة الحقيقة لا تزاحم الدليل فضلا عن أصالة الاطلاق المتفرعة عليها فيجب الجمع بينهما بارتكاب التأويل في الظاهر بالنص وحيث
164

لا تدل رواية أبى الورد الا على الايجاب الجزئي يجب الاقتصار في رفع اليد عن الاطلاقات على القدر المتيقن الذي انعقد الاجماع عليه وهو ما
إذا لم تتاد التقية الا بالمسح ولعل هذا هو الوجه لما ذهب إليه المشهور على ما نسب إليهم من تقديم غسل الرجلين على مسح الخفين عند الدوران
في مقام التقية لا ما ذكره بعضهم من أن الغسل أقرب إلى مطلوب الشارع لامكان الخدشة فيه بعدم التسليم نعم يمكن الاستدلال له باطلاق
امر الإمام (ع) في خبر علي بن يقطين بغسل رجليه تقية بل وكذا يمكن الاستدلال له باطلاق الامر بغسل الرجلين في رواية أبي بصير عن أبي
عبد الله (ع) المحمولة على التقية إذ الظاهر أنه (ع) أوجب عليهم غسل الرجلين لأجل التقية لا ان الامر صدر منه تقية من المخالفين لا
لمجرد مخالفته للأصل المعتمد عليه عند العقلاء من حمل اللفظ على إرادة معناه الحقيقي واقعا ما لم ينكشف خلافه بل له ولما أشرنا إليه
فيما تقدم من معروفية مذهب الإمام (ع) عند أولى الشوكة الذين كان على الإمام (ع) التقية منهم كما يظهر ذلك بالتتبع في أحوالهم حيث إنهم
كانوا يختبرون من بيتهم بالتشيع بوضوئه فالقول بتقديم الغسل على المسح عند الدوران أقوى هذا مع أن الاحتياط في مثل المقام
مما لا ينبغي تركه بل لا يبعد القول بوجوبه اما للقول بكونه هو المرجع عند دوران الامر بين التعيين والتخيير أو للالتزام بكون الشك فيه
في المكلف به أعني مصداق الطهور الذي هو شرط للصلاة لا في التكليف وان كان في كليهما تأمل وبما ذكرنا ظهر لك انه لو ترك غسل
الرجلين حال التقية مع الامكان وكذا مسح الخفين لو لم تتاد التقية الا به لم يصح وضوئه لان ظاهر الأوامر بدلية الفعل المأتي به تقية
عن المسح الواقعي فيفسد الوضوء بتركه سواء مسح بشرة القدم حينئذ أم لا لان مسح البشرة لأجل تعلق النهى الفعلي بفعله لا يكون جزء من العبادة
فيكون كتارك الجزء الذاتي كما هو ظاهر
ويظهر عن عبارة المصنف [ره] حيث جعل التقية قسيما للضرورة انه لا يعتبر في جواز التقية عدم المندوحة
فيجوز الوضوء تقية في محضر المخالفين مع التمكن من ايجاده تام الأجزاء والشرائط بالتأخير أو التستر عنهم فلا يكون التقية عن المخالف
على حد سائر الضرورات المبيحة للمحظورات بقدرها فيكون امرها أوسع من غيرها وفاقا لتصريح غير واحد من الاعلام بل ربما يستشم
من بعض عبائرهم كونه مسلما عندهم خلافا لصريح بعض وظاهر آخرين وهم المتمسكون للجواز بأدلة الحرج واستدل المانعون بانتفاء
الضرر مع المندوحة فيزول المقتضى ويرده عدم انحصار المدرك بقاعدة نفى الضرر بل المعتمد انما هو اخبار الباب وظاهرها جواز
التقية مطلقا وتقييدها بعدم المندوحة مما لا دليل عليه بل الأدلة ناطقة بخلافه حيث إن ظواهر أكثر اخبار التقية ان مجرد وقوع
العبادة بمحضر العامة مقتض لوجوب التقية مطلقا من دون اشتراطه بشئ اخر مثل ما رواه العياشي بسنده عن صفوان عن أبي الحسن (ع)
في غسل اليدين قلت له يرد الشعر قال (ع) ان كان عنده آخر فعل يعنى بالاخر من يتقيه إذ لا يمكن تقييده بما إذا كان ذاك لاخر ملازما
له في تمام الوقت ولم يتمكن من طرده أو التستر عنه وكذا غيره من الاخبار الامرة بالصلاة معهم والحضور في مجامعهم الدالة على
الحث العظيم على الصلاة مع المخالف ووعد الثواب عليها حتى ورد ان الصلاة معهم كالصلاة مع رسول اله صلى الله عليه وآله إلى غير ذلك
من الاخبار التي لا يمكن ارتكاب التقييد فيها بما إذا لم يتمكن من ايجاد صلاته في جميع وقتها الا في مكان يجب فيه التقية بل لا يبعد
دعوى صراحة غير واحد من الاخبار في أن الامر في التقية أوسع من ذلك * (نعم) * يظهر من غير واحد من الاخبار إناطة الاذن في التقية
بالضرورة كرواية البزنطي عن إبراهيم بن هاشم قال كتبت إلى أبي جعفر الثاني (ع) أسئله عن الصلاة خلف من تولى أمير المؤمنين (ع) وهو يمسح
على الخفين فكتب لا تصل خلف من يمسح على الخفين فان جامعك وإياهم موضع لا تجد بدا من الصلاة معهم فاذن لنفسك وأقم [الخ]
* (وفي) * رواية معمر بن يحيى كلما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقية وبمعناها غيرها وظاهرها كونها مسوقة لبيان ضابط التقية
ومدارها نفيا واثباتا وفي المرسل المحكى في الفقه الرضوي عن العالم لا تصل خلف أحد الا خلف رجلين أحدهما من تتق به وبدينه وورعه
والاخر من تتقى سيفه وسوطه وشره وبوائقه وشنعته فصل خلفه على سبيل التقية والمداراة وعن دعائم الاسلام بسنده عن أبي جعفر (ع)
لا تصلوا خلف ناصب ولا كرامة الا ان تخافوا على أنفسكم ان تشهروا ويشار إليكم فصلوا في بيوتكم ثم صلوا معهم واجعلوا صلواتكم
معهم تطوعا ولكن الذي يقتضيه الجمع بين الاخبار حمل الضرورة المعتبرة في مشروعيتها على الضرورة الفعلية حال العمل لا الضرورة
المطلقة لما عرفت من عدم امكان تقييد الأخبار السابقة بها بل ومنافاته للتسهيل الذي عليه ابتناء شرع التقية لان الالتزام
بالتخلص بنفسه ضيق وحرج مع أن اعمال الحيلة وبذل الجهد في التقصي حال العبادة غير معروف عن المعاصرين للأئمة (ع) فالقول باشتراطها
بعدم المندوحة مطلقا ضعيف نعم لا بد من الالتزام باشتراطها بعدم تمكنه من ايجاد الفعل الصحيح الواقعي حين إرادة امتثال امره بمعنى
عدم تمكنه في زمان صدور الفعل منه ومكانه الا من ايجاده على وجه التقية بل نفى الريب عنه غير واحد بل يظهر من بعض ان خلافهم في
اعتبار عدم المندوحة وعدمه انما هو بالمعنى الأول واما اعتبار عدم المندوحة بهذا المعنى فمما لا خلاف فيه ويؤيد كلامه ان عدم المندوحة
بهذا المعنى بحسب الظاهر من مقومات موضوع التقية عرفا مع أنه لا مقتضى لتقييد الأوامر الواقعية بغير الفرض لأن المفروض ان التقية
165

لا تنافيها فلو تمكن حال الوضوء من تلبيس الامر عليهم على وجه لا ينافي التقية يجب عليه ذلك ولا يجزيه موافقتهم حينئذ جزما لما عرفت من
إناطتها بالضرورة الفعلية بمقتضى الاخبار المقيدة هذا مع امكان ان يقال إنه لا يكاد يستفاد جوازها في الفرض من مطلقات الاخبار
فضلا عن غيرها لانصرافها عن مثل الفرض بل لا يتوهم المخاطب بهذه الاخبار الا جوازها في غير الفرض لما ارتكز في الذهن من أن الواجب
الواقعي والمطلوب النفس الامري انما هو مسح الرجلين واما ما عداه فإنما سوغه العجز فلا يجوز مع التمكن الفعلي من فعله هذا إذا التفت
إلى امكان التقصي واما إذا لم يلتفت أو خاف من اعمال الحيلة في ايجاد الفعل الصحيح فلا اشكال في كفاية ما اتى به عن الواقع
لاطلاقات الأدلة الشاملة للفرض بلا تأمل وبما ذكرنا ظهر لك ان الأقوى انه لا يجوز له الحضور في مجامعهم ومجالسهم عند إرادة
فعل الوضوء أو الصلاة لا لضرورة عرفية مقتضية لذلك ولو مثل حسن المعاشرة أو إظهار المودة الموجبة للأمن من ضررهم بملاحظة
المصلحة النوعية وقد يتوهم جوازه بل رجحانه مطلقا نظرا إلى اطلاق بعض الأوامر التي تقدمت الإشارة إليها الدالة على الحث العظيم
على الصلاة مع المخالف ووعد الثواب عليها الظاهرة في استحبابها في حد ذاتها فتكون الضرورة حكمة للحكم لا علة له ويدفعه
ما عرفت من وجوب رفع اليد عن هذا الظاهر بمقتضى الأخبار المتقدمة هذا مع ما في دعوى ظهورها في حد ذاتها في الاستحباب مطلقا
من المنع لقوة احتمال ورود الاخبار الامرة بالحضور في مجامعهم مورد الغالب حيث إن الاشخاص المعاصرين للأئمة عليهم السلام غالبا كانوا
مضطرين إلى مخالطتهم ومعاشرتهم كي لا يعرفوهم بالرفض والتشيع فيؤذوهم والإمام (ع) بين لهم ما يترتب على فعلهم من الأجر والثواب
كي لا تشمئز طباعهم بمقتضى جبلتهم من حضور مساجدهم والصلاة معهم فيؤدى ذلك إلى ترك الحضور والاختلاط الكاشف عما في
نفوسهم من الرفض والاستنكار فلا تعم هذه الأخبار من لم يكن في معرض هذه التهمات كما أنه لا تدل على جواز الصلاة معهم عند
ارتفاع شوكتهم وذهاب سلطانهم وانقراض عصرهم بحيث لو يبق منهم الا الأذلون لانصرافها عن مثل الفرض جزما والحاصل ان
المستفاد من مجموع الاخبار ان عبادات كل من؟؟ التقية إلى ايجادها على وجه غير مشروع ممضاة شرعا لا ان الامضاء منحصر في حق
من لا منجا له الا التقية فجوازها منوط بالضرورة حال الفعل بان يكون ايقاعه موافقا لمذهب المخالف لأجل خوف الضرر لا الضرورة
المطلقة نعم لا يعتبر في مشروعيتها خوفه من خصوص من يتقى منه أو في خصوص الواقعة الشخصية بل يكفي فيها احتمال كون ترك التقية في
خصوص المورد مؤديا إلى التضرر في سائر الموارد كما إذا صار ترك التقية في هذا المورد موجبا لعدم تمكنه من التقية في موارد الحاجة ويدل
على ذلك مضافا إلى عمومات الأدلة الشاملة للفرض قوله (ع) ليس منا من لم يجعل التقية شعاره ودثاره مع من يأمنه ليكون سجية له مع من يحذره
ولا ينافيها ظهور بعض الأخبار المتقدمة في خلافها لان ظهوره في الخلاف بدوي يرتفع بالتأمل في نفسه فضلا
عما يقتضيه الجمع بينه وبين
معارضاته والله العالم * (وهل) * التقية من غير المخالفين بحكم التقية من المخالفين في كون امرها أوسع من سائر الضرورات أم هي على حد غيرها
من الضرورات المبيحة للمحظورات فيشترط جوازها بعدم المندوحة في مجموع الوقت أو في الجزء الذي يوقعه فيه مع البأس من التمكن منه
فيما بعده أو مطلقا على التفصيل والخلاف في أولى الاعذار وجهان أحوطهما الثاني بل لا يخلو القول به عن قوة لان شيوع التقية من المخالفين
ومعهوديتها في زمان الأئمة عليهم السلام يمنع من استفادة إرادة العموم من اخبار الباب والله العالم بالصواب * (و) * قد يستدل الكفاية المسح
على الخف للضرورة مضافا إلى الرواية السابقة والاجماعات المحكية بعموم الآية الدالة على نفى الحرج في الدين وفيه أنه أعم من ايجاب المسح
ومن سقوطه ومن التيمم الا ان يوجه دلالتها بخبر عبد الأعلى مولى ال سام قال قلت لأبي عبد الله (ع) عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي
مرارة فكيف اصنع بالوضوء قال يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل قال الله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح عليه ولكن في
التوجيه نظر إذ ليس المسح على الخف عرفا من نظائر المسح على المرارة لكون المسح على المرارة لأجل اتصالها بالرجل وشده لصوقها بها وتعسر
نزعها عنها بمنزلة المسح على الرجل بنظر العرف فيكون المسح عليها من المراتب الميسورة الثابتة للمأمور به بنظر العرف ولعله لذا أحال الإمام (ع)
معرفة حكمه إلى كتاب الله عز وجل واما المسح على الخف فهو امر أجنبي عن المأمور به بنظر العرف إذ ليس المسح عليه في بادي الرأي الا كالمسح على
جسم خارجي فلا يمكن استفادة وجوبه من الآية بوجه من الوجوه وبما ذكرنا ظهر لك انه لا يمكن الاستدلال لاثبات وجوبه وكفايته عن مسح
البشرة بقاعدة الميسور أيضا ولا بقوله (ع) مالا يدرك كله لا يترك كله وقوله (ع) إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم ولا بفحوى اخبار الأقطع ولا
الجبائر فان شيئا منها لا يساعد على اثبات وجوب المسح على الخف فالعمدة في المقام انما هي الرواية المتقدمة المعتضدة بالاجماعات المحكية
وعدم ظهور مخالف صريح في المسألة نعم لا بأس بذكر الأمور المتقدمة في مقام التأييد ودفع توهم انتقال الفرض إلى التيمم كما في المدارك
احتماله وان كان في كفايتها لدفع هذا الاحتمال أيضا تأمل وبهذا ظهر لك ان الحاق ضيق الوقت بالضرورة في جواز المسح على الخفين
في غاية الاشكال لان تعميم الضرورة بحيث تعم ضيق الوقت ودعوى استفادة حكمها على اطلاقها من الرواية قابلة بل للمنع فان ثبت في المسألة
166

اجماع فهو والا فمقتضى الاحتياط اللازم وجوب الجمع بين المسح عليهما والتيمم لان وجوب أحد الامرين معلوم بالاجماع إذ الظاهر أن جواز
تركهما معا عند ضيق الوقت ممالا يلتزم به أحد فيجب الجمع بينهما تحصيلا للبراءة اليقينية الا ان يقال إنه يستفاد من امر الشارع بمسح
الخفين للضرورة ان المسح عليها ليس امرا أجنبيا عن مهية المأمور كما به يتوهمه العرف في بادي النظر بل هو من مراتبه الميسورة التي لا تسقط
بمعسوره فيدل على وجوبه في صيق الوقت قاعدة الميسور وغيرها من الأمور التي تقدمت الإشارة إليها أو يقال إنه يمكن اثبات وجوب
سائر اجزاء الوضوء ما عدل مسح الخفين ببعض الأدلة المتقدمة فيتعين المسح على الخف لعدم القول بالفصل وفيه تأمل والله العالم
وإذا زال السبب المسوغ للمسح على الخف أعاد الطهارة للغايات التي أراد ايجادها بعد زوال السبب على قول نسبه في المدارك إلى
الشيخ وجماعة ممن تأخر عنه واما الغايات الواقعة حال وجود السبب المسوغ فقد سقط أوامرها بحصول امتثالها في ضمن الفرد
الاضطراري لان الفرد الاضطراري كالفرد الاختياري مقتض للاجزاء عقلا فلا اشكال بل لا خلاف في عدم وجوب اعادتها
في الوقت فضلا عن قضائها في خارجه فلا يعقل وجوب إعادة الطهارة لأجلها حتى يقع الخلاف فيها فالخلاف انما هو في اعادتها
للغايات المتأخرة
نعم قد يلوح من المحكى عن المحقق الثاني في بعض فوائده التفصيل في وجوب الإعادة للصلاة التي صلاها تقية
بأنه ان كان متعلق التقية مأذونا فيه بخصوصه كغسل الرجلين في الوضوء والتكتف في الصلاة فإنه إذا فعل على الوجه المأذون
كان صحيحا مجزيا وان كان للمكلف مندوحة من فعله التفاتا إلى أن الشارع أقام ذلك الفعل مقام المأمور به حين التقية
فكان الاتيان به امتثالا يقتضى الاجزاء فلا يجب الإعادة ولو تمكن منها على غير وجه التقية قبل خروج الوقت ولا أعلم في
ذلك خلافا واما إذا كان متعلقها مما لم يرد فيه نص على الخصوص كفعل الصلاة إلى غير القبلة والوضوء بالنبيذ ومع الاخلال
بالموالاة فيجف السابق كما يراه بعض العامة فان المكلف يجب عليه إذا اقتضت الضرورة موافقته أهل الخلاف واظهار
الموافقة لهم ثم إن أمكن الإعادة في الوقت بعد الاتيان وجبت ولو حرج الوقت نظر في دليل القضاء فان وجد قيل به لان
القضاء انما يجب بفرض جديد ثم نقل عن بعض أصحابنا القول بعدم الإعادة مطلقا نظرا إلى أن المأتي به وقع شرعيا فيكون
مجزيا على كل تقدير ورده بان الاذن في التقية من جهة الاطلاق لا يقتضى أزيد من إظهار الموافقة لهم مع الحاجة انتهى كلامه
رفع مقامه ولكنك خبير بان هذا التفصيل في الحقيقة ليس منافيا لما ادعيناه من عدم الخلاف في أن صلاته الماضية مع الطهارة
الناقصة ممضاة شرعا ولا يجب عليه اعادتها ولا إعادة الطهارة لأجلها وانما خلافه في تشخيص الصغرى حيث إنه [قده] زعم أن
عمومات اخبار التقية لا تدل الا على وجوب إظهار الموافقة لهم في العمل واما كون المأتي به فردا اضطراريا للعبادات
الواقعية حتى يسقط به أوامرها فلا * (وفيه) * انه ان أراد من العمومات الموجبة للتقية ما دل على نفى الحرج والضرر في الشريعة
أو ما دل على وجوب التقية لحفظ ما يجب عليه حفظه فالتفصيل حسن جدا ولكن بعد تقييد موضوع وجوب الإعادة بما إذا أخل
المتقى لأجل التقية بجزء أو شرط غير مشروط بالاختيار كمالا يخفى وجهه الا انه يتوجه عليه حينئذ عدم انحصار مدرك الحكم في مثل
هذه العمومات فان مفاد غير واحد من الاخبار هو الرخصة في ايجاد متعلق التقية ورفع منعه المتعلق به لولا التقية مطلقا
سواء كان المنع المتعلق به لذاته أولا خلاله بواجب مشروط بعدمه ولازم عموم رفع المنع رفع مانعية ما صدر تقية من حصول ما هو
مشروط بعدمه ومقتضاه صحة عبادة المتقين ومضى اعمالهم التي أخلت التقية بشئ من اجزائها وشرائطها * (منها) * الأخبار المستفيضة
التي تقدم بعضها المصرح فيها بان التقية في كل شئ الا في شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج فان مقتضى عموم قوله (ع)
التقية في كل شئ خصوصا بقرينة استثناء مسح الخفين ومتعة الحج جواز ارتكاب كل محظور لأجل التقية سواء كان منع الشارع
منه لولا التقية لأجل ذاته كشرب المسكر وترك الصلاة والحج وغيرها من المحرمات النفسية أو لأجل اخلاله بواجب مشروط بعدمه
كالتكتف في الصلاة الوضوء بالنبيذ وكذا غسل الرجلين ومسح الخفين إلى غير ذلك من المحرمات الغيرية وثبوت الرخصة
في ارتكاب المحرمات الغيرية بمعنى رفع حرمته الغيرية كما هو مقتضى العموم يستلزم رفع مانعيته من حصول الغير فان رفع المنع
عن التكتف في الصلاة وكذا الوضوء بالنبيذ وغيرهما من الأمثلة يستلزم عقلا صحة الغير المشروط بعدم شئ منها من غير
فرق بين ان تستفاد الرخصة من العموم أو من دليل خاص نعم لنا كلام في مثل الوضوء بالنبيذ يشبه كلام المحقق من غير أن يؤل
إليه سيأتي التنبيه عليه في اخر المبحث * (فان قلت) * لا يستفاد من هذه الروايات الا جواز الصلاة متكتفا وكذا الوضوء بالنبيذ
تقية واما صحة الصلاة المشروطة بعدم التكتف والطهارة فلا لامكان ان يكون منشأ الجواز جواز ترك المشروط لا ايجاده
فاقدا للشرط حتى يستلزم فعله الاجزاء * (قلت) * ما ذكره مرجعه إلى منع العموم وتخصيص الرخصة المستفادة من العمومات بارتكاب
167

المحرمات النفسية كترك الصلاة والصوم وشرب المسكر وقد عرفت أن المتبادر من العموم خلافه خصوصا بعد استثناء مسح الخفين ومتعة
الحج فإنه بقرينة الاستثناء كاد يكون نصا في المدعى إذ لا حرمة في مسح الخفين وترك متعة الحج في غير مقام التقية فضلا عن مقام
التقية والضرورة الا لاخلالها بمهية الوضوء والحج الواجبين فتجويز التقية فيهما معناه رفع اعتبارهما في المهية المأمور بها
واستثنائهما من مورد الجواز دليل على عموم المستثنى منه كما هو ظاهر وإرادة خلافا الظاهر من المستثنى كما عرفت فيما سبق لا تنافي
دلالتها على المدعى كمالا يخفى * (ومنها) * قوله (ع) التقية في كل شئ يضطر إليه ابن ادم فقد أحله الله فان ظاهرة ان التقية توجب
رفع المنع الشرعي الثابت في كل شئ يحسبه نفسيا كان أو غيريا ولازمه الرخصة في ايجاد الصلاة مستديرا القبلة في مقام
امتثال امرها حال التقية * (لا يقال) * ان الذي حلله الله انما هو ترك الصلاة المسبب عن ترك شرطها الذي كان حراما لا ترك
الشرط حتى ينافي اطلاق شرطيته * (لأنا نقوى) * الاضطرار انما تعلق أولا وبالذات بترك الشرط فهو الذي حلله الله ورخص
فيه ورفع منعه الغيري الثابت له حال الاختيار ولازمه انتفاء شرطيته كما هو ظاهر * (ومنها) * ما في موثقة سماعة من امره (ع) باتمام
الصلاة مع المخالف على ما استطاع معللا بان التقية واسعة وليس الا وصاحبها مأجور انشاء الله فان مقتضى التعليل بوسعة
التقية جواز أداء كل عمل على وفق التقية وكونه ممضا شرعا وصاحبه مأجورا كما في الصلاة مع المخالف هذا مع أن في قوله (ع) التقية
واسعة كما ورد في غيرها من الاخبار أيضا اشعارا بذلك لان وجوب موافقة العامة في تكاليفهم وعدم كفايتها عن الواجبات
الواقعية المستلزم لوجوب تداركها بعد زوال العذر ينافي التوسعة كما هو ظاهر وكيف كان فلا ينبغي التأمل في أن مفاد أكثر اخبار
التقية جواز ايجاد الأفعال المأمور بها في الشريعة على وفق مذهب العامة تقية ولازمه الاجزاء كما عرفت غير مرة فلا ريب في عدم وجوب
إعادة الاعمال الواقعة حال التقية من دون فرق بين ان يكون متعلق التقية مما ورد فيه نص على الخصوص أم لا وانما الاشكال والخلاف
في وجوب إعادة الوضوء الصادر تقية بل مطلق الوضوء الناقص بعد زوال السبب لأجل الغايات المتأخرة فقد عرفت القول بوجوب
الإعادة عن الشيخ وجماعة ممن تأخر عنه وفي الجواهر اختاره في المعتبر والمنتهى وعن المبسوط والتذكرة والايضاح وبعض متأخري
المتأخرين وهو ظاهر كاشف اللثام وقيل لا يجب الا لحدث واختاره في المختلف والذكرى والدروس وجامع المقاصد والمدارك والمنظومة كما عن
الجامع والروض بل ربما قيل إنه المشهور وفي التحرير في الإعادة نظر وفي القواعد اشكال وكيف كان فالأقوى في النظر الثاني لكونه مأمورا بذلك
والامر يقتضى الاجزاء ولاستصحاب الصحة ولما دل على أن الوضوء لا ينقضه الا حدث وارتفاع الضرورة ليس منه ولأنه حيث ينوى بوضوئه رفع
الحدث يجب حصوله بقوله (ع) لكل امرئ ما نوى انتهى والتحقيق انه ان استظهرنا من الأدلة ان الوضوء الناقص الذي يأتي به لتقية أو ضرورة بعينه
هو المهية التي امر الله بها لإزالة الحدث فيكون المأتي به مصاديقها الواقعية التي يرتفع بها الحدث حين الضرورة أو قلنا بأنه يستفاد منها
بدليته عن الوضوء التام في جميع اثاره ولوازمه فالأقوى بل المتعين هو القول الثاني بل لاوجه للقول الأول أصلا ضرورة ان زوال سبب
التقية ليس من نواقض الوضوء والا لوجب النقض به لو كان مسبوقا بوضوء تام كما هو ظاهر ولا يجوز
الاستدلال على هذا التقدير
باطلاق الآية الامرة بالوضوء عند إرادة الصلاة لاختصاصها بغير المتطهر اجماعا كما أنه يجوز التشبث بذيل القاعدة المقررة
من أن الضرورة تقدر بقدرها لان مقتضاها عدم جواز الاتيان بالوضوء العذري بعد زوال العذر لا عدم جواز ايقاع
الغايات المشروطة بالطهارة بعد زوال العذر كما هو ظاهر * (وان قلنا) * بأنه لا يستفاد من الأدلة الا الاذن في امتثال الامر
بالوضوء حال الضرورة بهذا الوضوء الناقص واما كونه مؤثرا في رفع الحدث فلا بل غاية مفاد الأدلة كونه مبيحا للصلاة و
مسقطا للامر المقدمي المتعلق بالتطهير كالتيمم بناء على عدم إفادته للطهارة فالأقوى هو القول الأول لما ثبت بالكتاب والسنة
والاجماع من أنه لا صلاة لمن تمكن من التطهير الا بطهور فالطهارة شرط للصلاة مطلقا الا في حق من تعذر في حقه التطهير كدائم
الحدث والمضطر الذي يجب عليه التيمم أو الوضوء الناقص لو قلنا بعدم ارتفاع الحدث بهما فيجب على القادر احرازها حال الصلاة
كغيرها من الشرائط ولا يكفي فيه مجرد احتمال حصولها بالوضوء الناقص كما هو واضح ولا ينفع لاثبات وجودها استصحاب بقاء اثر
الوضوء السابق أعني جواز الدخول في الصلاة إذ لا يثبت به الطهارة الواقعية التي هي شرط للصلاة حال التمكن كاستصحاب جواز
الصلاة في ثوب صلى فيه تقية ولم يعلم بكونه مما يؤكل لحمه أو استصحاب جواز الصلاة إلى الجهة التي صلى إليها تقية لو شك في كونها قبلة
واقعية إلى غير ذلك من الموارد هذا مع أن الشك انما هو في مقدار تأثير الوضوء الناقص لا في رفع الأثر الموجود وقد تقرر في
الأصول ان الاستصحاب في مثل المقام ليس بحجة والظاهر أن المراد من استصحاب الصحة في العبارة المتقدمة عن الجواهر هو
هذا الاستصحاب الذي عرفت ضعفه وكذا التمسك بقاعدة الاجزاء لا يجدي في المقام إذ لا كلام في كون المأتي به مسقطا
168

للامر المنجز الذي قصد بفعله امتثاله وانما الكلام في كونه مانعا من توجيه الخطاب بالتطهير لأجل الغايات التي لم يكن لأجلها مأمورا
بهذا الوضوء الناقص ومن المعلوم أنه لا يتوجه الامر بالوضوء الناقص إذا فرضنا انه لا يؤثر في التطهير الأبعد تنجز الامر بشئ من
غاياته التي لا يمكن التوصل إليها الا بالوضوء الناقص والا فلو أمكن التوصل إليها بالوضوء التام لم يعقل كون الامر بها مقتضيا
لايجاب الوضوء الناقص الذي هو بدل اضطراري فلا يكون الوضوء الناقص بالنسبة إلى الغايات التي لا يتوقف حصولها عليه مأمورا
به حتى يقال إن الامر يقتضى الاجزاء ولا ينافي ذلك ما قويناه من عدم اشتراط صحة الوضوء الصادر تقية بعدم المندوحة
ولا القول بجواز البدار لأولي الاعذار مطلقا إذ بعد فرض كون وجوب الوضوء غيريا وكون الوضوء الناقص بدلا اضطراريا من دون ان
يكون مؤثرا في التطهير الحقيقي انما يلاحظ جواز البدار وعدم اشتراط عدم المندوحة بالنسبة إلى غايته التي اثرت في طلبه لا نفسه فمعنى
جواز البدار ان المكلف مخير في ايجاد صلاته في كل جزء من اجزاء الوقت فلو اختار في مقام الامتثال ايجادها في جزء يتوقف حصولها
في ذلك الجزء على الوضوء الناقص يصح وضوئه حينئذ وإلا فلا لكونه مأمورا به في الأول وهو يقتضى الاجزاء دون الثاني نعم لازم
هذا المذهب الالتزام بجواز الدخول في الصلاة التي توضأ لأجلها بعد زوال السبب لو لم يتأخر دخوله في الصلاة عن زمان زوال السبب
بمقدار يمكن التطهير فيه الا ان يمنع جواز المبادرة في مثل الفرض بدعوى انصراف الأدلة عن مثله كما ليس بالبعيد فان وضوح
كون الوضوء الناقص عذريا مما يهون الامر في التقصي عن مثل هذه الالزامات كما لا يخفى وكيف كان فقاعدة الاجزاء لا تقتضي
الا كون المأتي به مسقطا للامر الغيري الذي قصد امتثاله لا الأوامر الغيرية المتولدة من الغايات الاخر فان سقوط تلك الأوامر
موقوف على كون المأتي به موجبا لتحقق المهية التي يتوقف عليها سائر الغايات كما عرفت تحقيقه في مبحث النية وكونه كذلك فيما نحن
فيه أول الكلام ثم لا يخفى عليك انه لو لم يثبت كون الوضوء الناقص كالتام رافعا للحدث ليس للمتوضي قصده فضلا عن أن يجب
حصوله وليس معنى قوله لكل امرء ما نوى ان كل ما يقصده المرء بفعله يترتب عليه ولو لم يكن من اثاره كما هو ظاهر إذا عرفت ما ذكرناه ظهر لك ان
المتبع انما هو مستند الحكم فان استفيد منه كون الوضوء الناقص بدلا اضطراريا من الوضوء التام مطلقا أو استفيد منه كونه فردا
حقيقيا المهية الوضوء التي عرفت في محلها ان من لوازمها رفع طبيعة الحدث لو صادفت محلا قابلا للرفع فهو والا فمقتضى الاحتياط
اللازم إعادة الوضوء بعد زوال السبب فنقول ظاهر جميع الأدلة الدالة على وجوب الوضوء الناقص على أولى الاعذار بل صريح أكثرها
ان الفعل المأتي به حال الضرورة مصداق حقيقي وفرد واقعي لمهية الوضوء ولعله من الأمور الواضحة عند المتشرعة المغروسة في أذهانهم
ولذا ينوى المكلف بمجرد الاطلاع على الحكم الشرعي بفعله امتثال امره الواقعي ولا يلتمس في تعيين وجه الفعل دليلا آخر ولذا استدل
شيخنا الأكبر [قده] في جواهره على المطلوب بأنه ينوى بوضوئه رفع الحدث فيجب حصوله اعتمادا على أن صغراه من البديهيات التي لا يحتاج
اثباتها إلى إقامة البرهان الا ترى أنه لا يشك أحد في أن الأقطع الرجل وضوئه الواقعي الذي يرتفع به حدثه هو ما يؤديه على وفق
تكليفه فلو تجدد له رجل بقدرة الله تعالى له يقتضى ذلك الا تغيير كيفية وضوئه لا رفع اثر وضوئه السابق لان تجدد الرجل ليس من
نواقض الوضوء كما هو ظاهر وكذا رواية عبد الأعلى وغيرها من اخبار الباب حتى مثل قوله (ع) الميسور لا يسقط بالمعسور ليس مفادها
الا وجوب ايجاد المهية الواقعية التي اثرها رفع الحدث بهذه الكيفية امتثالا لامره الواقعي فلا ينبغي التردد في أن مفاد الأدلة
كون الوضوء العذري محصلا للطهارة التي هي شرط للصلاة وغيرها من الغايات فيجب حصولها بفعله ولا يرفعها الا الحدث و
إن شئت مزيد اذعان فلاحظ الأخبار الخاصة الواردة في التقية أترى ان السائل حين سئل الإمام (ع)
في غسل اليدين أيرد الشعر
فأجابه الإمام (ع) ان كان عنده آخر فعل أو سئل عن انه هل في مسح الخفين رخصة فقال (ع) لا الا لتقية أو ثلج تخاف على رجليك إلى
غير ذلك من الأخبار الخاصة هل يتوهم من هذه الأخبار الا كون المأتي به وضوء واقعيا يترتب عليه جميع اثاره فالأقوى عدم
وجوب الإعادة بعد زوال السبب ولكن القول الأول أحوط كما لا يخفى وجهه وليعلم ان ما ذكرنا انما هو بالنسبة إلى الموارد التي
دلت الأدلة الشرعية على وجوب ايقاع المأتي به بعنوان كونه وضوء واقعيا امتثالا لامره الواقعي كجميع الموارد التي تقدمت الإشارة
إليها واما لو لم يكن مفاد الأدلة ذلك كما لو توضأ بالخمر تقية فلا فان شيئا من الأدلة لا يساعد على صحته ورافعيته للحدث واما
عمومات اخبار التقية فليس مفادها جواز ايقاعه بهذا العنوان ولا ينافي ذلك ما تقدم في رد المحقق الثاني * (بيان) * ذلك أن مفاد عمومات
اخبار التقية كقوله (ع) التقية في كل شئ يضطر إليه ابن ادم فقد أحله الله كما عرفت فيما سبق ان التقية سبب لإباحة المحرمات ورفع
المنع الثابت في الشريعة عنها سواء كان متعلق التقية بنفسه من المحرمات كشرب المسكر وترك الصلاة والصوم أو لأجل افضائه
إلى الاخلال بشرط واجب كالتكتف في الصلاة أو ترك مسح الرجلين في الوضوء فإنه حرام لا لذاته ولا لأجل كونه اخلالا بالوضوء
169

من حيث هو إذ لا محذور في شئ منهما بل لأجل اخلاله بالطهارة من حيث كونها شرطا للصلاة الواجبة واما حرمته من حيث التشريع فليست مما تبيحه التقية إذ لا ضرورة في القصد وايجاد صورة
الوضوء لغرض عقلائي كما في الفرض غير محرم فالمحرم الذي يبيحه التقية انما هو الاقتصار في امتثال الامر بالصلاة بفعلها فاقدة
للشرط لان فعلها بلا شرط كتركها رأسا محرم فالتقية تبيح فعلها بلا شرط إذا كان متعلقها ترك الشرط ولازمه انتفاء الشرطية
حينئذ كما عرفت فيما سبق فعلى هذا يكون الفرد المأتي به تقية من المصاديق الحقيقية المهية الصلاة التي تعلق بها امر الزامي فيقصد
بفعله امتثال الامر بالصلاة ويترتب عليه جميع ما هو من اثار مهية الصلاة مثل الاجزاء وغيره الا ان مثل هذه الأدلة العامة
لا تدل الا على صحة التكاليف المستقلة النفسية التي يترتب على تركها أو الاخلال بشئ من اجزائها وشرائطها محذور مخالفة
الواقع واما صحة المقدمات الصادرة تقية بحيث يترتب عليها اثارها الخاصة فلا إذ لم يتعلق عرض الشارع من الامر بها
بحصولها لذاتها فلا يترتب على الاخلال بها الا محذور مخالفة المشروط فالرخصة المستفادة من هذه الأدلة لا تدل الا على
رفع هذا المنع الغيري وهو لا يدل الا على صحة الغير وانتفاء شرطية الشرط الواقعي الذي تعذر حصوله واما صحة الشرط الواقع
على وفق مذهب العامة واعتباره في مهية المشروط فلا كما انها لا تدل على مدخلية مبتدعاتهم في صحة العبادة كالتكتف في الصلاة
بل غاية مفادها رفع مانعيته لا شرطية وجوده كما هو ظاهر فلو استنجى على مذهبهم تقية بمسح حشفته على الجدار لا تحصل الطهارة
التي هي شرط للصلاة جزما والرخصة المستفادة من هذه العمومات لا تقتضي الا رفع المنع عن الدخول في الصلاة واستعمال
ملاقيه فيما يشترط بالطهارة حال الضرورة وكذا لو توضأ بالخمر تقية ينجس بدنه ولا يرتفع حدثه ولكن الشارع لما اذن في
التقية القى شرطية الطهارة الواقعية للصلاة كإذنه بالصلاة في جلد النية الذي بنوا على طهارته بالدباغة لا انه جعل هذا العمل
المنجس للبدن شرطا واقعيا للصلاة حال التقية إذ لا يساعد على اثبات هذا المعنى شئ من الأدلة فعلى هذا ينبغي خروج هذا
الفرض من موضوع مسئلتنا التي وقع الخلاف فيها إذ لم يثبت من الأدلة كون هذا العمل شرطا للصلاة قائما مقام الوضوء الواقعي
بالنسبة إلى حال الضرورة فضلا عن غيرها فعلى هذا لا يبعد القول بأنه لو تمكن المكلف من تركه رأسا يجب عليه ذلك لاحراز شرط
الصلاة من حيث الطهارة الخبيثة نعم لو ثبت من الشارع جواز ايقاع شئ من هذه الأفعال الصادرة تقية بعناوينها الخاصة
بها بقصد امتثال امرها الواقعي كما ثبت ذلك في الوضوء في الفروض المتقدمة لوجب حصوله لان الامر يقتضى الاجزاء عقلا فيترتب
عليه ما هو من اثاره الا انك عرفت أن هذه الأدلة العامة لا تفي باثبات هذا المعنى وان أبيت إلا عن ظهور هذه الأدلة العامة في جواز
ايقاع الوضوء أيضا بقصد امتثال امره الواقعي فنقول هذا أيضا لا يقتضى أزيد من كون الفعل المأتي به تقية مسقطا لهذا الامر واما كونه وضوء
واقعيا بحيث يترتب عليه اثاره الوضعية كي لا يجب اعادته بعد زوال السبب فلا وهذا بخلاف ما لو قال الشارع يجوز الوضوء بهذه الكيفية
أو يجوز تطهير محل النجو حال الضرورة بالأحجار كما هو ظاهر وقد ظهر لك مما قررناه اندفاع ما ربما يتوهم من أن مقتضى هذه العمومات صحة
المعاملات الواقعية تقية ونفوذها ولو بعد زوال السبب توضيح الاندفاع ان النهى في المعاملات الفاسدة مرجعه إلى النهى عن ترتيب اثار
الصحة عليها أعني التصرف في الثمن والمثمن في البيع الفاسد كما أن النهى عن الطهارة الفاسدة خبيثة كانت أم حديثة مرجعه إلى النهى عن ترتيب
اثارها عليها فالتقية ترفع النهى عنها بقدرها لا مطلقا * (تكملة) * لو نذر ان يتوضأ عقيب كل حدث هل يجب عليه الوضوء بالمسكر عند
التقية ويجرى عما عليه في مقام الوفاء بالنذر بمعنى انه تنتفى شرطية اطلاق الماء عند التقية كما في الواجبات
الأصلية النفسية أم لا
بل يرتفع الامر بالوفاء بالنذر حال التقية فيجب عليه فعله بعد زوال السبب وجهان أقواهما الثاني لان إلزام الشارع انما تعلق بمهية الوفاء
وهي ليست من المهيات المخترعة المركبة حتى ينحل الامر بها إلى الامر باجزائها ويستلزم رفع النهى عن ترك شئ منها حال الضرورة نفى جزئيتها
بل هي امر بسيط يدور تحققه مدار تحقق متعلقه فان ثبت من الخارج كون الفعل المأتي به مصداقا حقيقيا لمفهوم الوضوء يجب ايجاده امتثالا
للامر بالوفاء بالنذر وإلا فلا غاية الأمر انه ما دامت التقية معذور في مخالفة النذر والله العالم
* (مسائل) * ثمان الأولى الترتيب واجب في
الوضوء اجماعا وسنة بل قيل ويدل عليه ظاهر الكتاب وفيه تأمل وكيف كان فيجب أولا كون غسل الوجه قبل اليمنى بان يكون غسل اليمنى مترتبا
على غسل الوجه فهذا أول المراتب واما نفس غسل الوجه ابتداء فلا دخل له بمسألة الترتيب وانما الترتيب عبارة عن وقوعه قبل اليمنى الذي
هو عبارة أخرى عن غسل اليمنى بعد غسل الوجه ويجب ثانيا غسل اليسرى بعدها ومسح الرأس ثالثا ومسح الرجلين أخيرا ولا ترتيب بينهما
على الأقوى كما عرفت فلو خالف الترتيب أعاد الوضوء عمدا كان أو نسيانا لان المشروط ينعدم بانعدام شرطه كما أنه يعيد الوضوء لو ترك جزء
من اجزائه عمدا أو نسيانا هذا إن لم يمكن تدارك ما أخل به لفوات وقته بان كان قد جف ما على الأعضاء من ماء الوضوء واما إن أمكن
تداركه بان كان البلل باقيا أعاد على ما يحصل معه الترتيب ولا يجب عليه إعادة الوضوء من الرأس لعدم المقتضى مضافا إلى الأخبار المستفيضة
170

الانية وعن العلامة في التحرير ان التفصيل في صورة النسيان والا ففي العمد يجب إعادة الوضوء من رأس جف أو لم يجف ولعله مبنى على مختاره
في الموالاة من أنها المتابعة مع الاختيار ومراعاة الجفاف مع الاضطرار وستعرف ما فيه وقبل في توجيه مذهبه انه يدل عليه مفهوم
موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) ان نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه فان
بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد الأيمن ثم اغسل اليسار وان نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل
رجليك لان مفهومها إن لم تنس فلا تعد غسل وجهك والأيمن وحينئذ فاما ان يكون المراد البناء مع عدم الإعادة وهو خلاف
الاجماع فليس الا الاستيناف وبمفهومها يقيد اطلاق ما تضمن الصحة مع العود على ما يحصل معه الترتيب ثم رده بان التقييد فرع
المكافئة وهي مفقودة لمخالفة الشهرة العظيمة بل ظهور الاتفاق ممن عداه انتهى وفي التوجيه والرد مالا يخفى بعد وضوح انه لا مفهوم
للشرطية في مثل هذه الموارد التي سيقت لبيان تحقق الموضوع نظير قولك ان نسيت أداء حق زيد فأده مهما ذكرت إلى غير ذلك مما لا تحصى
كيف ولو كان للشرطية مفهوم في مثل المقام لكان مفهومه إن لم تنس فلم تغسل ذراعك قبل وجهك يعنى لم تخالف الترتيب فلا تعد
نظير قولك ان طلعت الشمس فوجد النهار يضئ العالم فان مفهومه إن لم تطلع الشمس فلم يوجد النهار فلا يضئ العالم لا إن لم
تطلع الشمس فوجد النهار فلا يضئ العالم كما عليه يبتنى توجيه الموجه وكيف كان فلو بدء بغسل يده اليسرى قبل اليمنى يجب عليه إعادة
غسلها بعد غسل اليمنى لو لم يكن قد غسلها أولا واما لو كان قد غسلها أولا قبل نية العود فهل عليه إعادة غسلها قبل اليسرى
ليقع كل غسل في محله لان تأخير المتقدم كتقديم المتأخر يوجب خروجه من محله وجهان أقواهما كما عن المشهور هو الثاني بل في الجواهر
لم أجد فيه خلافا وعن اللوامع الوفاق عليه ونسب إلى الصدوق الأول وعبارته المحكية عنه تشعر بالتخيير لأجل تعارض الاخبار قال
وروى فيمن بدء بيساره قبل يمينه انه يعيد على يمينه ثم يعيد على يساره ثم قال وقد روى أنه يعيد على يساره انتهى وعن المناهل
نسبته إلى ظاهر المقنعة والنهاية والسرائر ويستدل عليه بموثقة أبي بصير المتقدمة ويؤيد مضمونها الوجه الاعتباري الذي أشرنا إليه
من أن تأخير المتقدم كتقديم المتأخر يخرج الشئ من محله ولكن الوجه الاعتباري كما تراه واما الموثقة فظاهرها لأجل اشتمالها على
لفظ الإعادة يوافق القول المحكى عن ظاهر المقنعة وغيرها الا انه يتعين رفع اليد عن هذا الظاهر لا لمجرد اعراض الأصحاب عنه أو
لأجل موافقة ذيلها للعامة بل لمعارضتها بما هو اظهر منها دلالة مع اعتضاده بعمل الأصحاب وموافقته للأصول والقواعد ففي
رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث تقديم السعي على الطواف قال الا ترى انك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان
عليك ان تعيد على شمالك وفي موثقة ابن أبي يعفور المحكية عن مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي قال أبو عبد الله (ع) إذا بدأت
بيسارك قبل يمينك ومسحت رأسك ورجليك ثم استيقنت بعد انك بدأت بها غسلت يسارك ثم مسحت رأسك ورجليك فيتعين حمل
الموثقة اما على الاستحباب أو على أن مورد الحكم ما إذا تذكر تقدم المتأخر قبل غسل المتقدم كما يؤيد هذا الاحتمال ما في ذيلها وان
نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك لان وحدة السياق تشهد بإرادة معنى واحد من الجميع فيراد من الامر بإعادة غسل الوجه والأيمن عود
المكلف لتداركهما واطلاق لفظ الإعادة في مثل الفرض شايع ولعل وجهه ان تقدمه في الرتبة يجعل ايجاده بعد فعل المتأخر بمنزلة الإعادة
وربما يستظهر مضمون الموثقة من روايات أخر * (منها) * قوله (ع) في المروى عن قرب الإسناد
في رجل توضأ فضل يساره قبل يمينه قال (ع) يعيد
الوضوء من حيث أخطأ يغسل يمينه ثم يساره ثم يمسح رأسه ورجليه * (ومنها) * صحيحة زرارة فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدء بالوجه واعد على
الذراع وان مسحت على الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد على الرجل وصحيحته الأخرى عن رجل بدء بيده قبل وجهه وبرجليه قبل
يديه قال يبدء بما بدأ الله وليعد ما كان فعل وصحيحة منصور في الرجل يتوضأ فيبدء بالشمال قبل اليمين قال يغسل اليمين ويعيد اليسار و
صحيحة علي بن جعفر (ع) عن رجل توضأ فغسل يساره قبل يمينه كيف يصنع قال يعيد الوضوء من حيث أخطأ يغسل يمينه ثم يساره ثم يمسح رأسه
ورجليه ورواية علي الصائغ فيمن بدء بالمروة قبل الصفا قال يعيد الا ترى أنه لو بدء بشماله قبل يمنيه كان عليه ان يبدء بيمينه ثم يعيد على
شماله ولكنك خبير بما في الاستظهار والانصاف ان المتأمل في مجموع الأخبار المتقدمة وغيرها مما ورد في بيان حكم من ترك شيئا من اجزاء
الوضوء نسيانا لا يكاد يرتاب في أن هذه الأخبار الكثيرة بأسرها مسوقة لبيان وجوب البدئة بما بدء به الله تعالى وتدارك ما أخل به على وجه
يحصل معه الترتيب فيستفاد من مجموعها ان الامر بإعادة ما أخل به ليس إلا لتحصيل الترتيب المعتبر بين أعضاء الوضوء فيدور الحكم مداره
ولا يكافئه ظهور لفظ الإعادة في الموثقة أو ظهور كلمة قبل الظاهرة في القبلية الفعلية فيما ينافيه هذا كله مع قطع النظر عن القرائن الداخلية
والخارجية التي تشهد بصدق ما ادعيناه ما يقف عليها المتأمل مضافا إلى عدم ظهور مخالف صريح في المسألة ولافرق في جميع ما تقدم
بالنسبة إلى مخالفة الترتيب بين تمام العضو وبعضه فمن ترك شيئا من الوجه مثلا وجب عليه اعادته وما بعده إن لم يجف الوضوء والا استأنف
171

وعن ابن الجنيد انه إذا كان المنسى لمعة دون سعة الدرهم كفى بلها من غير إعادة ما بعده وفيه أنه لا يساعد عليه دليل يعتد به عدا
ما رواه الصدوق عن الكاظم عليه السلام في عيون الأخبار عن الرضا (ع) انه سئل عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضأ موضع لم يصيبه الماء فقال
يجزيه ان يبله من بعض جسده وهي باطلاقها غير معمول بها فلا بد من تقييدها بما لا ينافي الأدلة المتقدمة والله العالم * (تفريع) *
لو ارتمس في ماء جار وتعاقب جريات ثلاث على أعضائه الثلاثة مقرونا بالنية اجتزء بها فيمسح رأسه ورجليه مع فرض عدم استهلاك
بلل الوضوء في يده وكذا في الواقف بشرط حصول تحريك كل عضو عند إرادة غسله على وجه يحصل مسمى الغسل المعتبر شرعا بان يكون
من أعلى العضو إلى أسفله وعن الذكرى انه استقرب كفاية قصد حصول غسل الأعضاء على الوجه المعتبر شرعا في الواقف أيضا كالجاري
وهو في غاية الاشكال إذ لا يتكرر الغسل بتكرر اناتة فالغسلة المتحققة في الخارج من أول ادخال يده في الماء إلى اخره ليست
الا غسلة واحدة ولا تأثير للنية في تعددها حتى يتحقق الترتيب المعتبر شرعا نعم الغسلة الحاصلة بعد تحريك اليد عرفا وعقلا غير الغسلة
الحاصلة قبله فهي مجزية ولكن بشرط حصول التحريك إلى جهة المرفق حتى يتصف الغسلة الحاصلة بكونها من المرافق إلى الأصابع ولا
يخفى عليك ان الاشكال سار في الجاري أيضا إذا كان جريه على نسق واحد ولم يكن لجرياته المتعاقبة امتياز عرفي فإنه حينئذ كالواقف
في عدم تأثير تكرر الانات في تعدد الغسلات والا للزم حصول غسلات غير متناهية في زمان متناه وهو باطل عقلا فضلا عن انتفاء
الصدق عرفا فيعتبر ان يكون جرياته المتعاقبة ممتازا بعضها عن بعض حتى يمتاز بسببها الغسلات اللاحقة عن سابقتها عرفا حتى يترتب
احدى الغسلتين على الأخرى وكذا يعتبر ان يكون وضع يده في الماء على وجه يجرى الماء من المرفق فلو عكس لا يجزى كما لو نكس في
الغسل بالماء القليل ومجرد قصد حصوله من الأعلى لا يؤثر في انقلاب الفعل الشخصي الخارجي عما هو عليه في الواقع والحاصل
ان المدار على شهادة العرف بحصول غسل الأعضاء مترتبا من الأعلى إلى الأسفل وهي منتفية في أغلب الفروض ولا ينتقض ما ذكرناه
بشهادة العرف على صدق الامتثال بابقاء اليد تحت الماء لو امر المولى عبده بغسل يده وكانت يده في الماء من دون حاجة إلى اخراجها
وادخالها ثانيا بقصد الامتثال لوضوح الفرق بين المقامين لان ادخال اليد في الماء وجوبه مقدمي فينتفى امره بعد حصول الفرض
واما حصول امتثال امر المولى في المثال بمجرد الابقاء فلان إدامة الغسل أيضا غسل حقيقة واتصاله بسابقة يمنعه من الانفراد
لا من حصول الطبيعة في ضمنه التي هي مناط الامتثال الا ترى ان جزء الخط خط حقيقة وليس فردا منه بانفراده ما لم ينفصل عن سابقه
فكونه جزء من سابقه يمنع من حصول الترتيب بين الغسلات واجزائها فما نحن فيه من قبيل ما لو امر المولى عبده بغسل يده اليسرى عقيب اليمنى
لا ما لو امر بغسلها مطلقا وبينهما فرق بين
المسألة الثانية الموالاة واجبة في الجملة اجماعا محصلا ومنقولا كما في الجواهر وفي طهارة شيخنا
المرتضى [قده] اجماعا مستفيضا بل محققا وهي لغة وعرفا متابعة الأفعال وتعاقب بعضها لبعض غير منقطع عنه بفصل يعتد به عرفا أو بتخلل
ما ينافيه
ولكن الأقوى الأشهر بل المشهور ان الموالاة المعتبرة في الوضوء ان يغسل كل عضو قبل أن يجف جميع ما تقدمه وعن الإسكافي
قبل أن يجف شئ مما تقدمه وعن الحلي وغيره قبل أن يجف العضو المتلو لما يغسله ويحتمل قريبا رجوع الأخير إلى المختار وكيف كان فلو اخر
غسل عضو إلى أن يجف ما تقدمه بسبب التأخير لا لشدة حرارة الهواء وغيرها من الأمور الداخلية والخارجية بطل وضوئه بلا خلاف
ويدل عليه مضافا إلى الاجماع صحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (ع) ربما توضأت فنفذ الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي
بالماء فيجف وضوئي فقال (ع) أعده وموثقة أبي بصير قال قال أبو عبد الله (ع) إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس
وضوئك فأعد وضوئك فان الوضوء لا يبعض وقد يستدل له أيضا ببعض الأخبار المتقدمة في مبحث اشتراط كون المسح ببقية بلل الوضوء
الدال على وجوب إعادة الوضوء على من نسي مسح رأسه وفقد البلة من أعضاء وضوئه كمرسلة الصدوق ان نسيت مسح رأسك فامسح
عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك إلى أن قال وإن لم يبق من بلة وضوئك شئ أعدت الوضوء * (وفيه) * عدم انحصار وجه الإعادة في الفرض
بفوت الموالاة حتى يكون مثل هذه الأخبار شاهدا على المطلوب لامكان كون الامر بالإعادة مسببا عن تعذر المسح ببقية البلل كما
هو ظاهر ولا يخفى عليك انه يستفاد من الغاية المذكورة في صدر موثقة أبي بصير عدم وجوب إعادة الوضوء لو انقضت حاجته العارضة
قبل أن ييبس وضوئه بل يبنى عليه ويتمه وظهوره حاكم على اطلاق العلة المذكورة في ذيلها إذ به يستكشف المراد من التبعيض المنهى عنه في
الوضوء وإن شئت قلت إن تقييد عروض الحاجة باليبس ثم تعليله بالتبعيض ظاهر في مدخلية الجفاف في حصوله فيكون هذه الموثقة
قرينة على تعيين المراد من العلة المذكورة في رواية حكم بن حكيم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس
قال يعيد الوضوء وان الوضوء يتبع بعضه بعضا فيختص موردها بما إذا تذكر بعد الجفاف ومما يدل أيضا على اختصاص موردها
بما ذكرناه وان المراد من المتابعة فيها انما هو تلاحق بعض أفعال الوضوء لبعض قبل جفاف سابقه الأخبار المستفيضة الدالة على أن ناسي
172

المسح يأخذ من بلة لحيته وأشفار عينيه وحاجبيه ما دامت البلة باقية فيمسح بها مطلقا والا فيعيد وضوئه هذا مضافا إلى الاجماع على أن المتابعة
المعتبرة في حق الناسي التي يوجب الاخلال بها إعادة الوضوء كما هو مورد الرواية ليست الا بالمعنى المذكور ولا ينافي ما استظهرناه من
الموثقة من عدم وجوب الإعادة ما لم يجف العضو السابق اطلاق قوله (ع) في حسنة الحلبي اتبع وضوئك بعضه بعضا لان المراد من المتابعة
فيها على ما يشهد به ما قبل هذه الفقرة هو الترتيب بين الأعضاء بايجاد المتأخر في مرتبته نظير قوله (ع) في صحيحة زرارة تابع بين الوضوء كما قال
الله عز وجل ابدء بالوجه ثم باليدين ثم امسح الرأس والرجلين ولا تقدمن شيئا بين يدي شئ تخالف ما أمرت به فان غسلت الذراع قبل
الوجه فابدء بالوجه واعد على الذراع وان مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد على الرجل ابدء بما بدء الله عز وجل
به فان ظاهرها كالصريح في إرادة الترتيب من المتابعة واما ما يشهد بإرادة الترتيب من المتابعة في الحسنة فهو قوله (ع) قبل هذه الفقرة
إذا نسي الرجل ان يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه وذكر بعد ذلك غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه وان كان انما نسي شماله
فليغسل الشمال ولا يعيد على ما كان توضأ وقال اتبع وضوئك (آه) إذ الظاهر أن قوله (ع) اتبع وضوئك [الخ] بمنزلة الدليل للحكم المذكور
في الرواية أعني إعادة الجزء المنسى وما بعده فيراد منه الترتيب لا المتابعة العرفية وإلا لكان مقتضاها الحكم بإعادة الوضوء من رأس
ولو في بعض صورة مع أنه (ع) نص على عدم إعادة ما كان توضأ فيظهر انها غير مسوقة الا لبيان الحكم من حيث الاخلال بالترتيب لأجل
النسيان هذا مع أنه لو حملنا المتابعة المأمور بها في هذه الرواية على إرادة الموالاة لتعين حملها على الموالاة بالمعنى المتقدم أعني
تلاحق بعض الاجزاء لبعض قبل جفاف سابقة حتى يعم الناسي وغيره لان حملها على المتابعة العرفية المستلزم لتخصيصها بما عدا
الناسي نصا واجماعا مع كون صدر الرواية مسوق لبيان حكم الناسي كما ترى هذا كله بالنظر إلى القرائن الداخلية والا فمقتضى الجمع
بينها وبين الأدلة السابقة تقييد مثل هذه الروايات بما لا ينافيها لحكومة مفهوم الروايتين عليها لان مفاده ان لحوق اللاحق بأثر
السابق وعدم انقطاعه عن اثره متابعة فلا يعارضه اطلاق أصلا هذا مع امكان ان يقال إن لبقاء الأثر نحو تأثير في صدق المتابعة
عرفا فان الفعل السابق ما دام وجود اثره بمنزلة المتجدد بنظر العرف فلا يخرج الفعل اللاحق ما دام الأثر موجودا من قابلية الانضمام
إلى سابقه فمعه تتحقق المتابعة وعدم التبعيض عرفا فلا تنافى بين الاخبار أصلا وبما ذكرنا ظهر لك ضعف ما قيل كما عن صريح المبسوط
وظاهر المقنعة من أن الموالاة المعتبرة في الوضوء هي المتابعة بين الاختيار ومراعاة عدم الجفاف مع التفريق لأجل الاضطرار اتكالا
على اطلاق بعض الأخبار المتقدمة بعد تخصيصها بالعامد جمعا بين الأدلة وقد عرفت أن الجمع يقتضى خلافه مضافا إلى القرائن المستفادة
من نفس الاخبار واستدل له أيضا بقاعدة الاشتغال وبالوضوءات البيانية * (وفيه) * بعد تسليم كون المقام مجرى قاعدة الاشتغال لا البراءة
ان اطلاقات الكتاب والسنة واردة عليها واما المتابعة الحاصلة في الوضوءات البيانية بعد تسليم ظهور الاخبار فيها فلأجل جريها مجرى
العادة خصوصا في مقام التعليم لا تدل على اعتبارها في مهية الوضوء كما هو ظاهر وربما يتوهم جواز الاستدلال له بالاجماعات المنقولة
المستفيضة على وجوب الموالاة واعتبارها في الوضوء بناء على أن الظاهر من لفظ الموالاة الواقع في معاقد الاجماعات هو المتابعة
بين الأعضاء * (وفيه) * انه لا مسرح للتشبث بظاهر معقد الاجماع بعد وضوح اختلاف مراد المجمعين وليس معقد الاجماع اعتبار
مفهوم هذا اللفظ حتى يرجع فيه إلى العرف واللغة ويفصح عن ذلك مضافا إلى وضوحه عند من راجع كلماتهم تصريح نقلة الاجماع
بوقوع الخلاف بين المجمعين في معناها بحيث يعلم منه ان خلافهم ليس في تفسير مدلول اللفظ وعن صريح المعتبر وغير واحد من
كتب العلامة ان الموالاة بهذا المعنى أعني المتابعة العرفية واجبة مستقلة غير معتبرة في صحة الوضوء فيختص وجوبها بغير المضطر وانما
المعتبر في الوضوء اختيارا واضطرارا هو الموالاة بالمعنى الأول وفي الحدائق ان هذا القول هو المشهور عند أصحاب القول بوجوب
المتابعة بين الأعضاء بل عن شرح الارشاد لفخر الدين والتنقيح وجامع المقاصد وكشف الالتباس انحصار القول بوجوب المتابعة
بمعنى التعاقب في هذا القول وانه لا يبطل الوضوء الا بالجفاف قولا واحدا وان فائدة الخلاف تظهر في الاثم
وعدمه وكيف كان
فلا يهمنا التعرض لتنقيح الأقوال وانما المهم التعرض لمستندها وقد عرفت قوة القول الأول وضعف الثاني واما الثالث فقد
استدل له بالاجماع على أن الامر بالغسل والمسح في الآية الشريفة للفور وبقوله (ع) في حسنة الحلبي اتبع وضوئك بعضه بعضا وقوله (ع) في
صحيحة زرارة تابع بين الوضوء كما قال الله تعالى وفيه منع الاجماع على أن الامر في الآية للفور فان القائل بمراعاة الجفاف لا يقول
بالفورية بهذا المعنى كيف ولو كان للفور لوجب غسل الوجه فورا عند إرادة الصلاة مع أنه لا يقول به أحد والتفكيك بينه وبين غسل
الأيدي غير جائز لكونها معطوفة على الوجه فلا يجب فيه أيضا كما في الوجه ولو استدل هذا القائل بان المتبادر عرفا من الامر
بالمركب وجوب ايجاد جميع اجزائه دفعة لكان أولى وان كان فيه أيضا تأمل هذا مع أن الامر المتعلق بالأفعال انما هو للوجوب
173

الشرطي فكون الامر للفور لا يقتضى وجوبه الشرعي كما هو ظاهر واما الروايتان فقد عرفت أن ظاهرهما إرادة الترتيب من المتابعة
هذا مع أن المتبادر من الأوامر المتعلقة بكيفيات العمل الوجوب الشرطي لا الشرعي خصوصا مع شهادة سياق الروايتين بإرادة
الشرطية بل وفي غيرهما من الروايات السابقة أيضا شهادة عليه كما لا يخفى على المتأمل * (واعلم) * ان مقتضى اطلاق المصنف [ره] كغيره
في تفسير الموالاة بأنها هي ان يغسل كل عضو قبل أن يجف ما تقدمه إناطة البطلان بالجفاف مطلقا من دون فرق بين ان يكون الجفاف سببا
عن التأخر أم لامر اخر كقلة ماء الوضوء أو حرارة البدن أو الهواء أو غير ذلك فلو اتى بالأفعال متتابعة وحصل الجفاف في الأثناء لشئ
من العوارض يجب عليه إعادة الوضوء الا ان يتعذر احراز الشرط الشدة الحرارة أو غيرها من العوارض فيدخل حينئذ في مسألة أولى
الاعذار الا ان الانصاف عدم الوثوق بإرادتهم من العبارة ما استظهرناه بل الظاهر أن مرادهم بيان بطلان الوضوء بسبب الجفاف
الحاصل من ترك التوالي لاغير فلو اتى بالأفعال متتابعة صح وضوئه جف أو لم يجف فيكون المعتبر في صحة الوضوء اما المتابعة الحقيقية
أو عدم الجفاف كما نسب إلى الصدوقين ولعل منشأ النسبة كما صرح به بعضهم ما ذكره الصدوق في الفقيه قال فيما حكى عنه ناقلا عن
أبيه في رسالته إليه أنه قال إن فرغت من بعض وضوئك وانقطع بك الماء من قبل أن تتمه فأوتيت بالماء فتمم وضوئك إذا كان ما غسلته
رطبا وان كان قد جف فأعد وضوئك فان جف بعض وضوئك قبل أن تتمم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فاغسل ما بقي
جف أولم يجف انتهى قوله (ع) وانقطع بك الماء بحسب الظاهر كناية عن عروض حاجة موجبة التفريق الوضوء والتعبير به لكونه هو السبب
للتفريق غالبا كما أن عدم انقطاعه يستلزم التوالي عادة في الغالب فالتعبير به للجري على الغالب ولعله تابع في ذلك الرضوي الآتي
وقد صرح في المدارك بعد اختياره هذا القول بان كلام الأصحاب لا ينافيه نعم صرح الشهيد [قده] باعتبار عدم الجفاف في غير
الضرورة وعدم كفاية التوالي مع الجفاف بل يظهر منه ان القول بالكفاية مخصوص بابن بابويه قال في محكى الذكرى ظاهر ابن
بابويه ان الجفاف لا يضر مع الولاء والأخبار الكثيرة بخلافه مع امكان حمله على الضرورة * (و) * الدروس والأقرب انها أي
الموالاة مراعاة الجفاف وقد حققناه في الذكرى فلو والى وجف بطل وضوئه الا مع افراط الحر وشبهه ولو فرق ولم يجف
فلا اثم ولا ابطال الا ان يفحش التراخي فيأثم مع الاختيار انتهى والظاهر أن المتابعة العرفية عنده واجب شرعي مستقل
وان التفريق الغير المتفاحش غير قادح في الصدق العرفي فلا يكون ما اختاره [ره] في الدروس مخصوصا به كما قد يتوهم هذا
ولكنه مع ذلك لا وثوق بإرادة العلماء من ظواهرهم ما اختاره الشهيد وكيف وقد قيد كثير من الأصحاب على ما نسب إليهم بل
الأصحاب بأسرهم كما عن ظاهر الذكرى عدم الجفاف بكونه في الهواء المعتدل وظاهره التحرز به عن صورة تعجيل الجفاف لحرارة
الهواء وغيرها من الأمور الموجبة للتخفيف وهي باطلاقها أعم من صورة تعذر ابقاء البلة إلى زمان غسل اللاحق وتنزيله
عليها كما في ظاهر المحكى عن الذكرى مما لا شاهد عليه بل الشواهد على خلافه إذ لا يحسن التحرز عن صورة التعذر التي قلما يتحقق لها
مصداق خارجي بمثل هذا القيد الموهم لخلاف المقصود بل الظاهر المتبادر من هذا التقييد ليس إلا التحرز عن صورة تعجيل الجفاف
لامر عارضي بلا فصل معتد به عرفا بحيث ينتفى المتابعة العرفية وكيف كان فالأقوى ما ذهب إليه الصدوقان وفاقا لصريح
جماعة منهم أصحاب المدارك والحدائق والمشارق وجميع مشايخنا المتأخرين الذين عثرنا على أقوالهم بل في طهارة شيخنا المرتضى [ره]
لم نعثر على مصرح بخلافه ممن وصل الينا كلماتهم المحكية في الذكرى وغيرها لا لما ذكره في المدارك في رد الشهيد المدعى لمخالفته
للاخبار الكثيرة من اختصاص مورد اخبار قدح الجفاف بالجفاف الحاصل بالتفريق حتى يتوجه عليه بان العبرة بعموم التعليل في قوله (ع)
ان الوضوء لا يتبعض وقوله (ع) ان الوضوء يتبع بعضه بعضا لا بخصوصية المورد بل المنع اقتضاء عموم التعليل بطلان الوضوء في
الفرض بل العموم قاض بصحته الصدق المتابعة وعدم التبعيض وما ادعينا سابقا من أن المراد من المتابعة وعدم التبعيض ان
يضم اللاحق إلى سابقه قبل ذهاب اثره أي حصول الجفاف لا نعنى به ان عدم الجفاف اعتبر قيدا في مفهوم المستعمل فيه بل المقصود انه يستفاد
من القرائن الداخلية والخارجية انه يكفي في حصول المتابعة المعتبرة في الوضوء وعدم انقطاع بعضه عن بعض بقاء اثر السابق حال
وجود اللاحق ولو مع تخلل فصل معتد به عرفا بحيث لا يصدق المتابعة العرفية فالتصرف الشرعي انما هو في تعميم موضوع المتابعة وعدم
التبعيض بحيث يعم هذا الفرد الذي لا يساعد عليه العرف لا في استعمال المتابعة في معنى لا يعرفه العرف هذا مع ما عرفت من نفى البعد
من صدق المتابعة عرفا ما دام وجود الأثر لان له تأثيرا بنظر العرف على ما يشهد به الوجدان فان الفعل الذي انقطع أصله وارتفع
فرعه بنظر العرف كان لم يكن بخلافه ما لو كان اثره موجودا فإنه بمنزلة الحادث بالفعل ويمكن توجيه كلام صاحب المدارك في رد
الشهيد [ره] بأنه بعد أن علم أن المراد من العلة المنصوصة ليس ما يتبادر منها عرفا كما عليه مبنى الاستدلال لا يصح التشبث بعموم
174

العلة الا بعد تعيين ما أريد منها والقدر المتيقن الذي يمكن اثبات ارادته منها بقرينة المورد وغيره ليس إلا ان الجفاف المسبب
عن التفريق موجب التبعض الوضوء وانتفاء متابعة بعضه بعضا واما كون مطلق الجفاف موجبا لذلك فلا دليل عليه فالشك
انما هو في حصول التبعيض وترك المتابعة بالمعنى الذي أريد منهما فكيف يتشبث بعموم العلة لاثبات البطلان في موارد الشك
فيرجع فيها إلى اطلاقات الأدلة وهي قاضية بالصحة * (ومما) * يؤيد المطلوب بل يدل عليه لولا الخدشة في سنده ما في الفقه الرضوي إياك ان تبعض
الوضوء وتابع بينه كما قال الله تعالى ابدء بالوجه ثم باليدين ثم بالمسح على الرأس والقدمين فان فرغت من بعض وضوئك وانقطع بك
الماء من قبل أن تتمه ثم أوتيت بالماء فأتمم وضوئك إذا كان ما غسلته رطبا فإن كان قد جف فأعد الوضوء وان جف بعض وضوئك
قبل أن تتمم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فامض على ما بقي جف وضوئك أم لم يجف وقوله (ع) وان فرغت إلى آخره هو عين ما نقله
الصدوق عن والده قدس سرهما فيظهر منه اعتماد الصدوقين على الاخذ منه فهو من قرائن صحته لو لم يحتمل ان يكون لأكبرهما والله
العالم * (و) * قد يستدل أيضا بصحيحة حريز قلت إن جف الأول من الوضوء قبل أن اغسل الذي يليه قال إذا جف أو لم يجف فاغسل
ما بقي فإنها بعد تقييدها بالاجماع وغيره بما إذا لم يكن الجفاف حاصلا من التفريق تدل على المطلوب * (وفيه) * ان ما بعدها
يمنع من الاستدلال بها وهو قوله بعد ذلك قلت وكذلك غسل الجنابة قال هو بتلك المنزلة وابدء بالرأس ثم افض على سائر
جسدك قلت وان كان بعض يوم قال نعم فان تنزيله منزلة غسل الجنابة وترخيصه في التبعيض في بعض اليوم مخالف للاجماع
والأخبار المستفيضة فهي محمولة على التقية * (ودعوى) * احتمال عود ضمير كان إلى اكمال غسل الجنابة فمعناه ولو كان إفاضة الماء
على الجسد في بعض يوم فجوابه (ع) ليس مخالفا للاجماع على هذا التقدير * (مدفوعة) * بان الرواية كالصريحة في اتحاد الوضوء والغسل
من حيث الحكم فابداء مثل هذه الاحتمالات لا يجعلها حجة في مقام الاستدلال كما هو ظاهر فالعمدة في المقام انما هو اطلاقات
الأدلة السالمة ما يصلح لتقييدها مضافا إلى امكان الاستدلال بمفهوم العلة في الروايتين بالتقريب الذي تقدم والله
العالم ثم لا يخفى عليك ان ما قويناه من حصول الموالاة المعتبرة في الوضوء بأحد الامرين أعني المتابعة العرفية لو غسل العضو
اللاحق قبل جفاف ما تقدمه مبنى على عدم الالتزام بان الجفاف المبطل هو الجفاف التقديري والا فلو قلنا بان المدار
على تقدير الجفاف في الهواء المعتدل لم يبق لهذا الكلام مجال كما أنه لا يبقى للفرع الذي وقع التصريح به في كلمات بعض القدماء
وجملة من المتأخرين وهو ما لو والى وجف هل يصح وضوئه أم لا أصل كما هو ظاهر فالمهم انما هو التعرض لهذا القول * (فنقول) *
قد ذهب بعض مشايخنا [قده] إلى أن المناط في صحة الوضوء عدم تخلل زمان يقتضى الجفاف في صنفه وحاصله ان الموالاة المعتبرة فيه
أن لا يتخلل بين غسل الأعضاء في كل زمان مقدار من الزمان يقتضى الجفاف في زمانه على تقدير اعتدال الهواء وهذا المقدار
يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة كما هو واضح * (وفيه) * ان اعتبار التقدير مع أنه إحالة على مجهول لا طريق للمكلف إلى احرازه
غالبا فلا ينبغي تنزيل الاخبار وكلمات الأصحاب عليه مما لا يساعد عليه دليل بل الأدلة بأسرها ناطقة بخلافه لان تقييد الأخبار المستفيضة
الامرة بأخذ ناسي المسح من بلة وضوئه والمسح به والامر بالإعادة على تقدير عدم بقاء البلة الظاهر في إرادة عدم البقاء
حقيقة لا تقديرا وكذا الامر بالإعادة في اخبار الباب على تقدير الجفاف الظاهر في إرادة نفس الجفاف لا المقدار الذي من شانه
التخفيف أو الجفاف التقديري مما لا دليل عليه فهذه الاطلاقات بأسرها قاضية بالصحة على تقدير وجود البلة سواء كان لرطوبة
الهواء أو غيرها ودعوى جرى الاخبار مجرى الغالب وهو ما لو حصل الجفاف في الهواء المعتدل مع ما فيها من المجازفة غير مجدية
في اثبات إناطة الحكم بالجفاف التقديري لعدم اقتضائها الا خروج غير الغالب من منصرف الاخبار لا إناطة الحكم بمقدار الجفاف
الغالبي فيرجع فيما يدعى صرف الاخبار عنه إلى اطلاقات الأدلة العامة السالمة مما يصلح لتقييدها نعم ربما يؤيد هذا القول ما اشرط
إليه فيما تقدم من أن كثيرا من الأصحاب بل الأصحاب بأسرهم كما عن ظاهر الذكرى قد قيدوا عدم الجفاف بصورة اعتدال الهواء
وظاهره في بادي الرأي انه تقدير لمقدار زمان جواز التفريق ان تأخير الجفاف في الهواء الرطب مما لا ينفع كما أن تعجيله في
الهواء الحار لا يضر الا ان التأمل في كلمات أكثر من تعرض لهذا القيد خصوصا بالنظر إلى اطلاق كلامهم في حكم ناسي المسح من أنه
يأخذ من بلل وضوئه ما دام بقائه ربما يورث الجزم بعدم ارادتهم الا ما صرح به الشهيد [قده] في الذكرى على ما حكى عنه من أن
هذا القيد للاحتراز عن افراطه في الحرارة وانه لو بقي البلل في الهواء المفرط في الرطوبة والبرودة لكفى في صحة الوضوء وكذا
لو أسبغ وضوئه بماء كثير فبقي البلل * (ومما) * يشهد بان التقييد ليس إلا للتحرز عن صورة تعجيل الجفاف لا لتقدير زمان جواز
التفريق ما عن المبسوط قال وان انقطع عنه الماء انتظره فإذا وصل إليه وكان ما غسله عليه نداوة بنى عليه مسح وضوئه وان
175

لم يبق عليه نداوة مع اعتدال الهواء أعاد الوضوء انتهى فإنه صريح في أن القيد للاحتراز عما لو لم تبق النداوة لعدم الاعتدال
وعن المهذب وان ترك الموالاة حتى يجف المتقدم لم يجزه اللهم الا ان يكون الحر شديدا أو الريح يجف منه العضو المتقدم انتهى و
الظاهر أن الاستدراك الواقع في كلامه عبارة أخرى عما إرادة غيره من التقييد باعتدال الهواء وعن التحرير لو فرق لعذر لم يعد
الا مع الجفاف في الهواء المعتدل ولو جف لعذر جاز البناء ولا يجوز استيناف ماء جديد يعنى لو جف لعذر آخر غير التفريق في الهواء المعتدل
جاز البناء الا ان يكون الجفاف حاصلا بعد غسل اليسرى وقبل المسح فإنه لا يجز البناء لأنه يستلزم استيناف ماء جديد للمسح وهو
غير جائز وكيف كان فظاهر كثير من عبائرهم بل صريحها ان التقييد ليس إلا لبيان ان الجفاف المخل بالتوالي هو الجفاف المسبب عن
التفريق في الهواء المعتدل بينها على الحكم الفرع الذي صرح به الصدوق وغيره من أنه لو جف مع الولاء يصح وضوئه لا ان غرضهم بيان
إناطة الحكم بالجفاف التقديري أعني مقدار زمان الجفاف في الهواء المعتدل كيف وإلا لكان عليهم التنصيص في مقام التفريع على
البطلان لو لم يجف لشدة البرودة كما أنهم نصوا على عدم البطلان لو جف لشدة الحر مع أنه لم ينقل عن أحد منهم التعرض لحكمه في هذه
الصورة نعم قد تعرض غير واحد ممن تأخر عن الشهيد تبعا له لبيان حكم هذا الفرع مصرحين بصحة الوضوء من دون تردد على وجه يظهر
كونه مسلما عندهم ولكان عليهم أيضا تعيين مرادهم الذي هو موضوع الحكم لكونه مجملا في غاية الاجمال ضرورة اختلاف مقدار زمان
الجفاف في الهواء المعتدل بقلة ماء الوضوء وكثرته وباختلاف الأمكنة والأزمنة وباعتبار كون المتوضئ تحت ظل أو في قبال الشمس
إلى غير ذلك من الأمور الموجبة للاختلاف مما لا تحصى ودعوى أنه يتبادر من قيد الاعتدال في عبائرهم إرادة مقدار زمان الجفاف
في الهواء المعتدل بالمقائسة إلى حال المتوضئ من حيث مكانه وزمانه وما يستعمله من الماء في وضوئه المتعارف * (مدفوعة) * بان الانصراف
بعد تسليمه ليس بحيث يغنى عن التنبيه عليه ولو في بعض كتب الفتاوى المعمولة للتقليد وكذا كان عليهم التنبيه على حكم المقلد في صورة
الشك في أصل الاعتدال أو في أنه لو كان معتدلا لجف أو لو كان معتدلا لم يجف من أنه هل يعيد الوضوء أو يبنى على صحته أو يعمل بظنه
إلى غير ذلك من الأمور التي تورث القطع بعدم إرادة العلماء من الجفاف الا نفسه لا الجفاف التقديري نعم قد يوهم عبائر بعضهم في
تفسير الموالاة ان الحكم معلق على مقدار زمان الجفاف لا نفسه كما عن السيد في الناصريات قال ومن فرق بمقدار ما يجف معه
غسل العضو الذي انتهى إليه وقطع منه الموالاة في الهواء المعتدل وجب عليه إعادة الوضوء انتهى وعن السيد أبى المكارم [قده] في الغنية في
الموالاة هي أن لا يؤخر غسل الأعضاء بمقدار ما يجف ما تقدم في الهواء المعتدل انتهى وقال في الكامل على ما حكى عنه هي متابعة بعض الأعضاء
ببعض فلا يؤخر المؤخر عما يتقدم بمقدار ما يجف في الزمان المعتدل انتهى ولكنك خبير بان غلبة التعبير عن نفس الفعل بزمانه يمنع ظهور
مثل هذه العبارات في إرادة إناطة الحكم بنفس الزمان الا ترى انك لو قلت لصاحبك توقف عندي بمقدار ان يجف ثوبي أو بمقدار
ان اشرب الماء أو ان أفرغ من العمل الذي بيدي لا يخطر بباله الا انك امرته ببقائه في الزمان الشخصي الذي يصدر منك الفعل فيه لا الامر
بوقوفه هذا المقدار من الزمان من حيث هو * (ومما) * يؤيد ارادتهم ذلك ما في عبارة الحلي حيث إنه [قده] علق الحكم في صدر عبارته بنفس
الجفاف وعبر في ذيلها بما يوافق الجماعة قال في السرائر حد الموالاة على الصحيح من أقوال أصحابنا المحصلين هو أن لا يجف غسل العضو
المتقدم في الهواء المعتدل ولا يجوز التفريق بين الوضوء بمقدار ما يجف غسل العضو الذي انتهى إليه وقطع الموالاة منه في الهواء المعتدل
انتهى وكيف كان فان أرادوا من كلماتهم ما ذكرناه فنعم الوفاق والا فعليهم إقامة البينة على إناطة الحكم بنفس الزمان من حيث هو وانى
لهم بها مع أن الحكم في ظاهر النصوص والفتاوى معلق بالجفاف واليبس وفقد البلة والعجب من بعض مشايخنا الذي سبقت الإشارة
إليه انه [قده] بعد ادعائه ظهور عبائر الأصحاب في إرادة التقدير الزماني قال والا لو أريد بالموالاة بمعنى مراعاة الجفاف بقاء البلل
حسا من غير مدخلية للزمان فهو مع منافاته لاستصحاب الصحة لا دليل عليه كما أنه لا دليل على التقدير عند افراط الحر بل ينبغي القول
بالرجوع إلى التيمم أو بسقوط هذا الشرط في مثل هذا الحال فلا يقدح التأخير حينئذ يوما أو أياما إذ لا دليل على التقدير بعد فهمهم من
الأدلة وجود البلل حسا انتهى كلامه رفع مقامه ولا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما تقدم فإنه يتوجه عليه أولا المعارضة بالمثل لأنا نقول لو
أريد من مراعاة الجفاف زمانه من دون مدخلية للجفاف الحسى فهو مع منافاته لاستصحاب الصحة لا دليل عليه كما أنه لو ادعى
انصراف الأدلة إلى المتعارف لا دليل على التقدير عند افراط البرد بل ينبغي القول بصحة اتمام الوضوء وبقاء شرطه لاطلاقات الأدلة
العامة وحله ما عرفت مفصلا من أنه يستفاد من الأدلة ان الشارع عمم موضوع الموالاة بحيث عم لحوق العضو اللاحق بأثر العضو السابق فلا
يتوجه علينا اشكال أصلا نعم يتوجه على القائل بإناطة الحكم وجود أو عدما بالجفاف انه يلزمه عند التعذر اما
القول بانتقال الفرض إلى التيمم
أو القول بسقوط الشرط وجواز التأخير مطلقا الا انه له أيضا في التقصي عن هذا الالزام طرق * (منها) * التزامه بوجوب الاحتياط في الشك في
176

الشرطية ولو في خصوص الوضوء لكونه مصداقا للطهور إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتأمل هذا مع أن الالتزام بما الزم به هين بعد أن
المورد قلما يتحقق له مصداق الأعلى سبيل الفرض لان حفظ نداوة العضو السابق إلى أول الشروع في غسل اللاحق على ما هو
مناط حصول المتابعة بمقتضى ظواهر الأدلة في أي زمان يفرض امر هين كما هو ظاهر والانصاف انى أجد من نفسي ان تنزيل عبارة المصنف
وغيره ممن عبر كعبارته في تفسير الموالاة من أنها هي ان تغسل كل عضو قبل أن يجف ما تقدمه على إرادة التقدير الزماني مصادمة
للضرورة فإن كان ولا بد من الالتزام بهذا القول فليقف قبال القوم وليأت ببرهان مع أنه ما عثرنا على برهان له الا ظواهر
كلماتهم التي عرفتها والله العالم * (تنبيه) * لا شبهة في رجحان الموالاة بمعنى المتابعة ولو لحسن الاحتياط خروجا من شبهة الخلاف
فضلا عن رجحان المسارعة والاستباق إلى الطاعة فلو نذر التوالي في وضوئه ينعقد نذره ويحرم مخالفته فلو أخل بالمتابعة لا يترتب عليه
الا الكفارة واما بطلان الوضوء فلا وقد يتوهم البطلان لكون المأتي به من حيث حصول مخالفة النذر به محرما فلا يكون عبادة * (وفيه) *
ان المحرم انما هو ترك المتابعة وهو خارج من مهية الوضوء فلا يؤثر في بطلانه وقد يتخيل التفصيل كما عن المدارك بين ما لو نذر المتابعة
في الوضوء واخل بها صح وضوئه لما ذكرنا وبين ما لو كان المنذور هو الوضوء المتتابع فيه فيبطل لان المأمور به في حق هذا الشخص هو
الوضوء الخاص لتعينه بسبب النذر فالمأتي به مخالف لما وجب في حقه ولا معنى للبطلان الا ذلك أعني مخالفة المأتي به للمأمور به * (وفيه) * ان
مخالفة المأتي به للمأمور به بالأمر النذري العارضي مسلمة وهي لا تقتضي الا بطلانه من هذه الجهة واما من حيث وقوعه امتثالا للامر الأصلي
المتعلق بمهية الوضوء من حيث هي فلا بل المأتي به عين المأمور به والامر يقتضى الاجزاء الامر الأصلي والعارضي ليسا من قبيل المطلق و
المقيد بل منهما تكليف مستقل بنفسه يترتب على موافقته ومخالفته الثواب والعقاب فلو نذر ان يعطى صدقته الواجبة بذي رحمه فان أعطاها
له يستحق أجرين اجر المزكى واجر الموفين بالنذر وان خالف النذر وأعطى سائر الفقراء لا يعاقب بترك التزكية وانما يعاقب على مخالفة
النذر ووجهه ظاهر وغاية ما يمكن ان يقال في المقام وجها للبطلان انه بعد أن غسل وجهه ولم يتبعه بغسل اليدين يجب عليه رفع اليد عما
غسله أولا واعادته ثانيا مقدمة لامتثال الامر بالنذر وغسل اليدين بقصد امتثال الامر بالوضوء يضاده فلا يصح جزء من العبادة
اما لحرمته لو قلنا بان الامر بالشئ يقتضى النهى عن ضده أو لعدم الامر به ولو لم نقل بالاقتضاء لان الامر بالضدين قبيح فلا يعقل
صدوره من الشارع وفيه ما تقرر في الأصول من أن الامر بالشئ لا يقتضى حرمة ضده الخاص ولا بطلانه إذا كان عبادة فراجع هذا إذا
تمكن من الوفاء بالنذر بإعادة غسل الوجه واما لو تعذر عليه ذلك لضيق الوقت أو لتعين زمان النذر فلا خفاء في صحة الوضوء وان قلنا
بالاقتضاء كما لا يخفى وجهه ولا فرق في صحة الوضوء بين ما لو بنى من أول الأمر على مخالفة النذر ونوى بفعله امتثال الامر الأصلي في
ضمن فرد غير متتابع وبين ما لو قصد أولا اتيان الفرد المتتابع وفاء بالنذر لان قصد امتثال الامر بالكلى في ضمن فرد خاص لا بعينه
في مقام الامتثال فلو بداله في الأثناء وترك بعض الخصوصيات الموجبة الفضيلة الفرد وان كانت مقصودة في أول العمل لا يقدح
ذلك في امتثال الامر بالطبيعة الغير المقيدة بهذه الخصوصية كما هو ظاهر واما قصد وقوعه وفاء للنذر فليس في عرض قصد امتثال
الامر الأصلي حتى يعارضه ويقال ما نواه لم يقع وما وقع لم ينوه لان قصد امتثال امره الأصلي مأخوذ في متعلق النذر فقصد ايجاد
الفرد وفاء بالنذر مشتمل على قصد امتثال الامر الأصلي أيضا والله العالم
* (المسألة الثالثة) * الفرض في الغسلات غسل
كل عضو بتمامه مرة واحدة ولو بغرفات متعددة بلا خلاف ولا اشكال كما في طهارة شيخنا المرتضى [ره] للكتاب والسنة المتواترة
معنى واما المرة الثانية فالأقوى كما عن المشهور بل عن غير واحد من قدماء أصحابنا دعوى الاجماع عليه انها سنة للأخبار المستفيضة
* (منها) * ما في صحيحة زرارة عن الصادق (ع) الوضوء مثنى مثنى من زاد لم يوجر وفي الصحيح عن صفوان ومعاوية بن وهب مثله وفى موثقة
يونس لمن جاء من الغائط أو بال يغسل ذكره ويذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين وفي مرسلة مؤمن الطاق فرض الله الوضوء
واحدة واحدة ووضح رسول الله صلى الله عليه وآله للناس اثنتين اثنتين وفي مرسلة عمرو بن أبي المقدام انى لأعجب ممن يرغب ان يتوضأ اثنتين
اثنتين وقد توضأ رسول الله اثنتين اثنتين وفي خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) أنه قال في كتاب إلى المأمون ان الوضوء مرة
فريضة واثنتان إسباغ وفي كتابة القائم عجل الله فرجه إلى العريضي الوضوء كما امر به غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين
واحد واثنان إسباغ الوضوء وان زادا ثم وفي الوسائل عن إرشاد المفيد ان علي بن يقطين كتب إلى أبي الحسن موسى (ع) يسئله عن الوضوء
فكتب إليه أبو الحسن (ع) فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا وتغسل وجهك
ثلاثا وتخلل شعر لحيتك وتغسل يديك إلى المرفقين ثلاثا أو تمسح رأسك كله وتمسح ظاهر اذينك وباطنهما وتغسل رجليك إلى
الكعبين ثلاثا ولا تخالف ذلك إلى غيره فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب بما رسم له أبو الحسن (ع) فيه مما جميع العصابة على
177

خلافه ثم قال مولاي اعلم بما قال وانا امتثل امره فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لامر
أبى الحسن (ع) وسعى بعلى بن يقطين إلى الرشيد وقيل إنه رافضي فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر فلما نظر إلى وضوئه ناداه كذب يا علي بن يقطين
من زعم انك من الرافضة وصلحت حاله عنده وورد عليه كتاب أبى الحسن (ع) ابتداء من الآن يا علي
بن يقطين توضأ كما امرك الله تعالى
اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى اسباغا واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة
وضوئك فقد زال ما كنا نخاف منه عليك والسلام وعن محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب الرجال بسنده فيه عن داود الرقي قال
دخلت على أبي عبد الله (ع) فقلت له جعلت فداك كم عدة الطهارة قال ما أوجبه الله فواحدة وأضاف رسول الله صلى الله عليه وآله واحدة لضعف
الناس ومن توضأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له وانا معه في ذا حي جاءه داود بن زربي فسأله عن عدة الطهارة فقال له ثلاثا ثلاثا من نقص عنه
فلا صلاة له قال فارتعدت فرائصي فكاد ان يدخلني الشيطان فابصر أبو عبد الله (ع) إلي وقد تغير لوني فقال يا داود هذا هو الكفر
أو ضرب الأعناق قال فخرجنا من عنده وكان ابن زربي إلى جوار بستان أبى جعفر المنصور وكان قد القى إلى أبي جعفر امر داود بن زربي
وانه رافضي يختلف إلى جعفر بن محمد (ع) فقال أبو جعفر المنصور انى مطلع على طهارته فان هو توضأ وضوء جعفر بن محمد (ع) فانى لأعرف طهارته
حققت عليه القول وقتلته فاطلع وداود يتهيأ للصلاة من حيث لا يراه فاسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثا ثلاثا كما امره أبو عبد الله (ع)
فما تم وضوئه حتى بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه قال فقال داود فلما ان دخلت عليه رحب بي وقال يا داود قيل فيك شئ باطل وما
أنت كذلك قد اطلعت على طهارتك وليس طهارتك طهارة الرافضة فاجعلني في حل وأمر له بمئة ألف درهم قال فقال داود الرقي
التقيت انا وداود بن زربي عند أبي عبد الله (ع) فقال له داود جعلت فداك حقنت دمائنا في دار الدنيا ونرجوا ان ندخل بيمنك وبركتك الجنة
فقال أبو عبد الله (ع) فعل الله ذلك بك وبإخوانك من جميع المؤمنين فقال أبو عبد الله (ع) لداود بن زربي حدث داود الرقي بما مر عليكم
حتى تسكن روعته قال فحدثته بالأمر كله قال فقال أبو عبد الله (ع) لهذا فتيته لأنه كان أشرف على القتل من يد هذا العدو ثم قال
يا داود بن زربي توضأ مثنى مثنى ولا تزدن عليه وانك ان زدت عليه لا صلاة لك ولقد نقلنا الحديثين بطولهما للتيمن وابتهاج
المؤمنين برؤية مثل هذه الأخبار وسرورهم بدعاء الصادق لهم صلوات الله وصلوات جميع خلقه عليه وعلى ابائه الطاهرين وأولاده
المعصومين ولعنة الله على أعدائهم والشاكين فيهم أجمعين إلى يوم الدين هذا مع ما فيها من القرائن التي تشهد ببطلان بعض المحامل
التي التزم بها بعض من حاول الجمع بين اخبار الباب كحمل هذه الأخبار المستفيضة التي كادت تكون صريحة في استحباب الغسلة الثانية
بنفسها على التقية كما عن المنتقى أو على أن المراد من قوله الوضوء مثنى مثنى استحباب تجديد الوضوء كما عن الصدوق لا تكرير الغسلات
أو انه (ع) أراد بقوله مثنى مثنى غرفتين لغسلة واحدة كما عن المحدث الكاشاني فيكون الفضل في اتيان كل غسلة بغرفتين أو انه أراد من مثنى
مثنى غسلتان ومسحتان لا كما يزعمه المخالفون من أنه ثلاث غسلات ومسحة كما عن المحقق البهائي أو ان المراد استحباب إسباغ الغسلة
الأولى بالثانية إذا كانت ناقصة بكونها على وجه لا يتحقق بها الا أقل مسمى الغسل المجزى فيستحب حينئذ اسباغها بغسلة ثانية لا كمالها
كما في الحدائق إلى غير ذلك من المحامل التي لا تتحمل شيئا منها مجموع الأخبار المتقدمة وان أمكن الالتزام ببعضها بالنسبة إلى بعض الأخبار
بشهادة بعض القرائن الداخلية والخارجية كلفظ الاسباغ في جملة من الاخبار كما لا يخفى على المتأمل ولقد أطنب في
الحدائق في نقل الاحتمالات التي ابدئها الاعلام رضوان الله عليهم وأتعب باله في النقض والابرام إلى أن آل فكره إلى اختياره بعض
المحامل التي تقدمت الإشارة إليها والى ضعفها وعدم امكان تطبيق اطلاقات جل الاخبار بل كلها عليها وقد تكلفوا في ارتكاب مثل
هذه التوجيهات التي لا يخفى مخالفتها لظاهر الاخبار ومع خلوها عن الشواهد التي يمكن الاستناد إليها لما رأوا من التنافي بين هذه الأخبار
وغيرها مما يستظهر منها رجحان ترك التثنية منها الأخبار المستفيضة الحاكية لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله الظاهرة في كون وضوئه مرة
مرة بل بكف كف لكل من الأعضاء المغسولة وفيما أرسله في الفقيه عن الصادق (ع) والله ما كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله الامرة مرة وتوضأ
النبي صلى الله عليه وآله مرة مرة فقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به وقوله وتوضأ إلى آخره يحتمل ان يكون من مقول قول الصادق عليه السلام ومن كلام
الصدوق فيكون خبرا مقطوعا وفي خبر عبد الكريم عن الصادق (ع) ما كان وضوء علي (ع) الامرة مرة ولكنك خبير بعدم معارضة هذه الأخبار
للاخبار السابقة خصوصا مع ما في بعض الأخبار السابقة من أن النبي صلى الله عليه وآله توضأ مثنى مثنى لان ترك التثنية في مقام العمل
لا يدل على عدم رجحانها في حد ذاتها فضلا عن معارضته للقول لجواز ان يكون تركها منهم (ع) لامر أهم ولو مثل الاستباق والمسارعة
إلى غايات الوضوء كما هو الشأن في جميع المستحبات المتزاحمة التي كانوا يتركونها لتفضيل الأرجح عليها ومن المعلوم ان رجحان الغسلة الثانية
في حق المعصومين المنزهين عن الغفلة في وضوئهم ليس بحيث يزاحم شيئا من الأمور الراجحة حيث إن الحكمة في شرعها على ما يظهر من بعض
178

الروايات السابقة ضعف الناس وقصورهم عن أداء الواجب وهذه الحكمة لا تقتضي الرجحان في حقهم الا ببعض الاعتبارات المقتضية لاطراد
الحكم والحاصل ان الفعل بعد إهمال وجهه لا يزاحم القول وبما ذكرنا ظهر لك امكان الخدشة فيما حكى عن ثقة
الاسلام الكليني بعد أن
ذكر رواية عبد الكريم المتقدمة قال هذا دليل على أن الوضوء مرة لان عليا (ع) كان إذا ورد عليه أمران كلاهما طاعة لله اخذ بأحوطهما و
أشدهما على بدنه وان الذي جاء عنهم (ع) ان الوضوء مرتان لمن لم يقنعه مرة واستزاده فقال مرتان ثم قال ومن زاد على مرتين لم يوجر
وهذا غاية الحد في الوضوء الذي من تجاوزه اثم ولم يكن له وضوء وكان كمن صلى الظهر خمس ركعات ولو لم يطلق في المرتين كان سبيلها
سبيل الثلاث انتهى وحاصل كلامه على ما يظهر من عبارته ان الوضوء المشروع أولا وبالذات انما هو مرة ولذا كان علي (ع) يداوم عليها
واما ما جاء عنهم عليهم السلام من أن الوضوء مرتان فإنما هو رخصة في إضافة المرة الثانية لمن استزاد أي لمن استرخص في الزيادة ولم يقنع بمرة
فالإمام (ع) بين ان زيادة الغسلة الثانية مرخوص فيها وإن لم يكن فيها رجحان حتى ينافي وضوء أمير المؤمنين (ع) واما ما زاد عليها فلا ولولا الرخصة
فيها لكانت كالثالثة فالحد الذي ينتهى إليه الجواز ولا يجوز التخطي عنه مرتان ومن زاد اثم ولقد تكلف في الحدائق في تطبيق عبارة الكليني [ره]
على مختاره حيث استظهر من كلامه حرمة الثانية لكونها تشريعا غير مأمور بها كالثالثة وانما الرخصة المستفادة من كلامه انما هي لمن لم
يقنعه يعنى لم يكفه المرة الأولى في اكمال الغسل واسباغه ولقد أطنب في تقريب الاستظهار بما لا يخفى ما فيه على من راجعه ونسب الغفلة
إلى من نسب القول بالجواز إلى الكليني مستظهرا ذلك من عبارته المتقدمة وكذا من نسب هذا القول إلى الصدوق مستظهرا له من قوله في
الفقيه الوضوء مرة مرة ومن توضأ مرتين لم يوجر ومن توضأ ثلاثا ابدع ثم تعجب في ذيل كلامه بعد أن أطال في تحقيق مرامه أعني استظهاره من
العبارتين حرمة الغسلة الثانية من الفضلاء المحققين الذين نسبوا القول بالجواز دون الحرمة إلى الكليني والصدوق حيث لم يمعنوا
النظر في كلامهما حتى يصلوا إلى كنه مرامهما وأنت إذا أمعنت النظر لقضيت بوصول المحققين إلى كنه مرامهما على ما يظهر من هاتين العبارتين
المتقدمتين لان التفصيل بين الثانية والثالثة قاطع للشركة فكيف ينسب القول بحرمه الثانية إليهما والمراد من الغسلة الثانية على ما يشهد
به ظاهر عبارتيهما هي الغسلة التامة الكاملة التي تجعل قسيما للأولى والثالثة فحمل الرخصة المستفادة من العبارتين على بيان جواز اكمال الغسلة
الأولى بالثانية خلاف الظاهر بل لا يكاد ينطبق عليه اطلاق العبارتين أصلا فالظاهر أن الكليني [ره] والصدوق قائلان بالجواز دون الحرمة
نعم لا يبعد استظهار الحرمة من الصدوق بقرينة ما ذكره في توجيه بعض الروايات المتقدمة مثل قوله (ع) فرض الله الوضوء واحدة واحدة
ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله للناس اثنتين اثنتين بحملها على الانكار نظرا إلى أن الوضع تعد في حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ولكن
الذي يظهر من المحكى عنه في أماليه القول بجواز الثانية من دون رجحان بل نسبه إلى دين الإمامية
حيث قال في وصف دين الإمامية رضوان الله
عليهم ان الوضوء مرة مرة ومن توضأ مرتين فهو جائز الا انه لا يوجر عليه وقد حكى هذا القول أعني الجواز دون الاستحباب عن البزنطي أيضا
وتبعهم في ذلك جماعة من متأخري المتأخرين على ما حكى عنهم ومستندهم في ذلك وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ووضوء أمير المؤمنين (ع) وبعض الأخبار
التي يستظهر منها كون الثانية كلفة بلا اجر مثل ما عن نوادر البزنطي عن عبد الكريم بن عمرو عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال اعلم أن
الفضل في واحدة ومن زاد على اثنتين لم يوجر ورواية ميسرة عن أبي جعفر (ع) ان الوضوء واحدة واحدة أرسل الصدوق عن الصادق (ع) ان من
توضأ مرتين لم يوجر وارسل أيضا ان الوضوء مرة فريضة والثانية لا تؤجر والثالثة بدعة وفي مرسلة ابن أبي عمير عن الصادق (ع) قال الوضوء
واحدة فرض واثنتان لا تؤجر والثالث بدعة * (وفيه) * ما عرفت أن ظهور الفعل لا يقاوم ظهور القول الصادر منهم (ع) في استحباب الغسلة الثانية
واما رواية عبد الكريم فيحتمل قويا ان يكون مراد الإمام (ع) ان الفضل في غسلة واحدة يزيدها على الغسلة المفروضة بقرينة قوله (ع) بعده ومن زاد
على اثنتين لم يوجر وعلى تقدير تسليم ظهورها في عدم استحباب الثانية كالمراسيل بعد الاغماض عن إرسالها لا بد من رفع اليد عن هذا الظاهر
اما بحملها على نفى الاجر لمن لم يستيقن بان الواحدة تجزيه بقرينة قوله (ع) في خبر عبد الله بن بكير من لم يستيقن ان الواحدة من الوضوء تجزيه
لم يوجر على اثنتين فان هذا الخبر مفهوما ومنطوقا يصلح شاهدا للجمع بين مثل هذه الأخبار والأخبار المتقدمة على وجه يوافق
مذهب المشهور كما لا يخفى أو يرد علمها إلى أهل البيت عليهم السلام فإنهم أولى بذلك لقوة المعارض سندا ودلالة واعتضادا بالشهرة
والاجماعات المنقولة * (والعجب) * ممن استظهر من مثل هذه الروايات حرمة الثانية لاستلزام عدم الاجر عدم الامر وهو ينافي في كونها عبادة
فتكون بدعة محرمة * (وفيه) * انه اجتهاد في مقابلة النص لان التفصيل في نفس هذه الروايات بين الثانية والثالثة قاطع للشركة
فصريحها عدم كون الثانية كالثالثة بدعة وظاهرها كونها كلفة زائدة فهي بظاهرها دليل على القول المحكى عن المشايخ المتقدمة
واتباعهم من متأخري المتأخرين كصاحب المدارك وكاشف اللثام وغيرهما ولكن يتوجه على هذا القول مضافا إلى ما عرفت من عدم
امكان رفع اليد عن ظواهر الأدلة المتقدمة بظواهر هذه الأخبار خصوصا مع وجود شاهد الجمع وقابلية هذه الأخبار للتأويل
179

ما قد يقال من عدم معقولية اتصاف جزء العبادة بالجواز * (ويمكن) * توجيهه بان جزء الوضوء انما هو طبيعة الغسل الصادقة على
الغسلة والغسلتين دون ما زاد بقرينة الأخبار الناهية عما زاد على الغسلتين فالزائد على ما يتحقق به مسمى الغسل كلفة زائدة لا حاجة
إليها ونظيره في التدريجيات ما لو امر المولى عبده بالتكلم مع زيد فأطال في الكلام فإنه لا يستحق بتطويله اجرا زائدا على ما يستحقه
بالتكلم معه على تقدير اقتصاره على بعض ما تلكم به مع أن طاعة المولى في الفرض انما تتحقق بمجموع الكلام الذي يصدر منه فهو ما دام
متشاغلا بالكلام مشغول بالامتثال ولكن يشكل ذلك بان ذلك انما يتصور في التدريجيات في مثل الكلام والجلوس وغيره مما له نحو
ارتباط بنظر العرف بحيث يعد ما يصدر منه في الخارج مصداقا واحدا لطبيعة المأمور به لامثل الغسل فان كل غسلة مصداق مغاير
لغيرها من الغسلات فلا يعقل بقاء الامر بالطبيعة بعد تحققها في الخارج في ضمن الغسلة الأولى اللهم الا ان يدعى ان الغسل أيضا
كالتكلم بنظر العرف فان من يغسل ثوبه بالماء لا يعد بنظر العرف جريات الماء على ثوبه غسلات متعددة بل انما يعد مجموع ما يصدر منه
من أول زمان اشتغاله بغسل ثوبه إلى أن يفرغ عن الغسل غسلة واحدة ومقتضى هذه الدعوى مشروعية الغسلة الثالثة وما زاد ما لم يتحقق
الاعراض بقصد الجزئية لولا النهى عنها ولكن يبعدها وصف الغسلة الثالثة في بعض الأخبار بكونها بدعة * (فتأمل) * ومما يتوهم معارضتها
للأخبار المتقدمة رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال من تعدى في الوضوء كان كناقضه ورواية إبراهيم بن معرض قال قلت لأبي جعفر (ع)
ان أهل الكوفة يروون عن علي (ع) انه بال حتى رغا ثم توضأ ثم مسح على نعليه ثم قال هذا وضوء من لم يحدث فقال (ع) نعم قد فعل ذلك قال
قلت فأي حدث أحدث من البول فقال (ع) انما يعنى بذلك التعدي في الوضوء ان يزيد على حد الوضوء * (وفيه) * ان الأخبار الدالة على استحباب
الغسلة الثانية واردة على مثل هذه الروايات حيث إنها تدل على أن الغسلة الثانية من الحدود المستحبة كالمضمضة والاستنشاق
وما يقال من أن وضوء علي (ع) لم يكن الا مرة كما دل عليه رواية عبد الكريم المتقدمة فتدل هذه الرواية على عدم جواز التثنية * (ففيه) * ان
المشار إليه بقوله (ع) هذا وضوء من لم يحدث ليس الوضوء الشخصي بخصوصياته المشخصة بل الظاهر أنه (ع) لما مسح على رجليه في النعلين ولم يغسل
رجليه كما يصنعه العامة قال (ع) تعريضا عليهم هذا وضوء من لم يحدث أي من لم يتعد حدود الله * (وبما) * ذكرنا ظهر لك الجواب عن معارضة الأخبار
المتقدمة برواية حماد بن عثمان قال كنت قاعدا عند أبي عبد الله (ع) فدعا بماء فملا به كفه فعم به وجهه ثم ملاء كفه فعم به يده اليمنى ثم ملا كفه فعم به
يده اليسرى ثم مسح رأسه ورجليه وقال هذا وضوء من لم يحدث حدثا يعنى به التعدي في الوضوء توضيح الجواب مضافا إلى حكومة الأدلة المتقدمة
على مثل هذه الأخبار ان المقصود بالإشارة غير معلوم لاحتمال إرادة الوضوء مع مسح الرجل أو الغسل من الأعلى إلى الأسفل وكيف كان فلا يصلح
مثل هذه الأدلة للمعارضة مع الأخبار المتقدمة كما هو ظاهر فظهر لك ان الأقوى استحباب الغسلة الثانية * (واما) * الثالثة فهي بدعة فيأثم
فاعلها لو اتى بها بقصد المشروعية واما لو لم يقصد بها الشرعية فلا اثم ولكنه يبطل وضوئه لو مسح بمائها على الأقوى كما عرفت في محله ويدل على
كونها بدعة مضافا إلى كفاية عدم العلم بشرعيتها في حرمتها التشريعية غير واحد من الأخبار المتقدمة
الدالة على أنها بدعة وانه ان زاد على الاثنتين
اثم ومن زاد لا صلاة له ومن تعدى في الوضوء كان كناقضه وانه لا يوجر إلى غير ذلك مما يستفاد منه عدم مشروعية الثالثة المستلزم للحرمة
التشريعية
وليس في المسح تكرار بلا خلاف فيه عندنا كما في طهارة شيخنا المرتضى [ره] وفي المدارك دعوى اجماع علمائنا عليه وفي الجواهر بلا
خلاف أجده وعن غير واحد كالمعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة والخلاف دعوى اجماعنا عليه ويدل عليه مضافا إلى عدم الخلاف فيه ظاهرا
الأصل والانصاف انه لولا الاجماع على عدم مشروعية التكرار في المسح لأمكن القول باستحبابه لاطلاق قوله (ع) الوضوء مثنى مثنى الا ان يدعى
ظهوره في خصوص الغسلات اما لمعهوديته أو لشيوع اطلاق الوضوء في الاخبار على الغسل دون المسح ولكنه لا يخلو عن منع بالنظر إلى
نفس هذه الرواية واما بملاحظة القرائن الخارجية مثل ما دل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله أضاف الثانية لضعف الناس ومثل ما دل على أن
الثانية إسباغ للوضوء فلا يبعد دعوى عدم ظهور الاخبار في إرادة ما عدا الغسلات حيث إن هاتين الحكمتين لا تقتضيان الا التثنية
في الغسلات لان المسح يكفي فيه المسمى والاسباغ فيه لو لم يكن مخلا بمقصود الشارع من حيث استلزامه الغسل غير نافع وفي مكاتبة علي بن
يقطين اشعار باختصاص الاسباغ بالغسلات بل فيها دلالة على ذلك حيث إنه (ع) امره بغسل وجهه مرة فريضة وأخرى اسباغا ثم قال
واغسل يديك من المرفقين كذلك ثم امره بمسح مقدم رأسه وقدميه من فضل نداوة وضوئه فان المتأمل فيها لا يكاد يرتاب في أنها ظاهرة
في اختصاص سنة الاسباغ بالغسلات فلاحظ وتدبر وقد يستدل عليه برواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في مسح القدمين ومسح الرأس فقال (ع)
مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس ومؤخره ومسح القدمين ظاهرهما وباطنهما * (وفيه) * ان الرواية بظاهرها غير معمول بها فهي محمولة
على التقية الموافقة مضمونها مذهب من يرى جواز المسح على القدمين من العامة على ما حكى عنهم وكيف كان ففي الاجماعات المستفيضة
المعتضدة بعدم نقل القول باستحباب التكرار في المسح مع ما في بعض الأخبار من الاشعار باختصاص رجحان التكرار بالغسل عنى
180

وكفاية في رفع اليد عن ظهور قوله (ع) الوضوء مثنى مثنى فلا يجوز تكراره بقصد المشروعية واما وضوئه فلا يبطل بذلك إن لم يجعله في
ابتداء النية قيدا للمنوى نعم يشكل ذلك مطلقا لو اعتبرنا في المسح كونه ببقية نداوة خصوص اليد مع الاختيار إذا ابتل يده الماسحة ببلل
الممسوح ثم مسح بها رجله ولكنك عرفت قوة القول بخلافه وان كان أحوط والله العالم
* (المسألة الرابعة) * يجزى في امتثال
الامر بالغسل ما يسمى به في العرف غاسلا بان يستولى الماء على العضو بحيث ينقل من جزء منه إلى آخر ولو كان ذلك بإعانة اليد
مثل الذهن فيكفي ايصال الماء إلى المغسول ولو بوضع كفه في الماء واخراجها منه من دون اعتراف وامرارها على المحل المغسول
بحيث لا تنفصل غسالته عن المحل فيجرى على الأرض ويتلف كما هو الشأن في الذهن فوجه الشبه قلة الماء وعدم ضياعه وتلفه لا كونه
كالذهن في كفاية المسح وعدم وجوب الغسل كما قد يتوهم والا لحصل التنافي بين صدر العبارة وذيلها إذ لا يحصل مسمى الغسل
الا بإحاطة الماء على المغسول وجريانه في الجملة بمعنى انتقاله من جزء إلى جزء آخر ولو بالقوة لان الجريان والإحاطة في الجملة
مأخوذ في مفهومه على ما يتبادر منه لغة وعرفا كما صرح به جمع من العلماء ناسبين ذلك إلى المشهور بل المجمع عليه مستشهدين بتصريح
اللغويين بذلك هذا مع أن اعتبار كون غسل الوجه واليدين بالماء المطلق مما لا شبهة فيه فلا ينبغي التأمل في عدم كفاية
مسح الوجه باليد الندية في حصول مسماه عرفا حيث إن مجرد النداوة لا يطلق عليه الماء في العرف بل هي كالبخار مفهوم مغاير فالغسل
بالماء انما يتحقق إذا كان ما في اليد الغاسلة مصداقا للماء في العرف وهذا لا ينفك عن الإحاطة والجريان المعتبر في مهية الغسل
وعلى ما وجهنا به عبارة المصنف [ره] ينزل اخبار الباب كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ان الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه
ومن يعصيه وان المؤمن لا ينجسه شئ وانما يكفيه مثل الدهن وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ان عليا عليه السلام كان
يقول الغسل من الجنابة والوضوء يجزى من الماء ما اجزى من الدهن الذي يبل الجسد وفي بعض النسخ ما اجرى بالراء المهملة وفي
رواية محمد بن مسلم يأخذ أحدكم الراحة من الدهن والماء أوسع من ذلك وموثقة زرارة في غسل الجنابة افض على رأسك ثلاث اكف
وعلى يمينك ويسارك انما يكفيك مثل الدهن فلا ينافيها اعتبار وفور البلة الواصلة إلى المغسول بحيث تقبل الانتقال من عضو إلى عضو
آخر تحقيقا لمهية الغسل المأمور بها ولا يصح تنزيل مثل هذه الأخبار على إرادة كفاية التمسح باليد الندية برطوبة مسرية بان يكون هذا
هو الوجه في التشبيه لا قلة الماء وامساس البدن له من دونه انفصاله عنه لا لمجرد دعوى ظهور الاخبار في إرادة التشبيه من حيث قلة
الماء وعدم انفصاله عن المحل المغسول كما يعتبر ذلك في إزالة النجاسة والقذارات الصورية ولا لدعوى أن ارتكاز وجوب الغسل في
الذهن يوجب انصراف الذهن عند استماع هذه الروايات إلى ما يحصل به أقل مسمى الغسل ولا لدعوى أن الأذهان على الوجه المتعارف
لا ينفك غالبا عن هذا المقدار من الجرى المعتبر في صدق المسمى وصحة الوضوء وان كان كل منها لا يخلو عن وجه بل لمعارضتها
على هذا التقدير ظاهر الكتاب والسنة والاجماع بل صريحها لان الأدلة بأسرها ناطقة بان وظيفة الوجه واليدين هو الغسل
دون المسح ودعوى أن اخبار الباب على تقدير تسليم دلالتها على كفاية المسح برطوبة مسرية حاكمة على جميع الأدلة لأنها مبينة
لما أريد من الغسل المأمور به في الكتاب والسنة فيجب تقديمها عليها فاسدة جدا لان حكومتها على سائر الأدلة فرع صلاحية سائر
الأدلة لان يفسر بها ومن المعلوم ان الغسل في الكتاب والسنة حيث جعل قسيما للمسح لا يصلح لان يفسر بما يعم المسح كما لا يصلح ان يفسر
المسح بما يعم الغسل ولا ينافي هذا ما تقدم منا من أن الجريان الحاصل في ضمن المسح الموجب لحصول الغسل تبعا للمسح غير مضر في حصول
امتثال الامر بالمسح الذي قصده أصالة لما عرفت في محله من أن حصولهما بفعل واحد لا يمنع من مغائرتهما ذاتا لا ان الغسل يجزى
عن المسح وهذا بخلاف ما نحن فيه فان مقتضى جعل وجه الشبه نفس التي كفاية مهية المسح عن الغسل وهو يناقض صريح الأدلة الثلاثة فتعين ان
يكون التشبيه من حيث قلة الماء الذي يستعمله أو من حيث كفاية الماء القليل الباقي عن المغسول بعد الغسل فيكون الغرض بيان كفاية
ايصال الماء إلى الأعضاء ولو لم ينفصل عنها كما في الذهن وهذا لا ينافي اعتبار الجريان بمعنى انتقال الماء من جزء إلى آخر في مفهوم الغسل
المعتبر في الوضوء وعدم كفاية المسح نعم لو قلنا بان المتبادر من الغسل وضعا أو اطلاقا انما هو اجراء الماء على العضو بحيث ينفصل
غسالته ويجرى على الأرض مثلا لامثل الدهن الذي لا يتحقق فيه جريان الماء الا في نفس المغسول فلا بد من تعميم موضوع أوامر
الغسل بما يعم هذا الفرد اما بدعوى كونه هو الفرد الخفي الذي بينه الشارع كما هو الظاهر أو لما أشرنا إليه من حكومة هذه الأخبار على
غيرها من الأدلة حيث إنها تدل بالالتزام على أن المراد من الغسل المأمور به ايصال الماء إلى البدن ولو على وجه لا ينفصل عنه
غسالته فلا يعارضها شئ من الأدلة ولا يعتبر في حصول الغسل لذلك وامرار اليد على المغسول بل يكفي ايصال الماء إليه ولو بغمسه
في الماء أو إفاضة الماء عليه من دون امرار كما أنه لا يعتبر الجريان الفعلي في حصوله لقوله (ع) في صحيحة زرارة في الوضوء إذا مس
181

جلدك الماء فحسبك وغيرها من الأخبار الدالة عليه نعم لا يكفي مجرد ايصال النداوة المسرية التي لا تنتقل من جزء إلى آخر لما عرفت
من عدم صدق الماء عليه عرفا ولا أقل من انصراف مثل هذه الأخبار عن مثل الفرض فضلا عن صلاحيتها للتصرف في ظواهر أوامر
الغسل والله العالم
ومن كان في يده خاتم أو سير أو نحوهما مما يمنع من وصول الماء إلى ما تحته بمجرد الصب على العضو فعليه ايصال الماء
إلى ما تحته على وجه يتحقق غسله اما بنزعه أو تحريكه أو بغيرهما ولو شك في أنه يصل الماء إلى ما تحته فعليه تحصيل القطع بالايصال القاعدة
الشغل واستصحاب الحدث وأصالة عدم محجوبية البشرة المقتضية لحصول غسلها لا تجدي في المقام كما سنوضحه انشاء الله ويؤيده بل
يدل عليه صدر صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال سئلته عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها لا تدري يجرى الماء تحته أم
لا كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت قال (ع) تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه وعن الخاتم الضيق لا يدرى هل يجرى الماء
تحته إذا توضأ أم لا كيف يصنع قال (ع) ان علم أن الماء لا يدخله فليخرجه الا انه يعارضه مفهوم ذيلها ولكن الانصاف قصور المعارض
عن المكافئة لان رفع اليد عن ظاهر الذيل بقرينة الصدر أهون من عكسه حيث إن ذيلها جواب عن سؤال مستقل بحيث لولاه
لما أجاب به فالصدر حال صدوره لم يكن محفوفا بما يصلح ان يكون قرينة لتعيين المراد فاحتمال إرادة خلاف الظاهر منه * (مدفوع) *
بأصالة عدم القرينة واما الذيل فلأجل احتفافه بما يصلح ان يكون قرينة على إرادة خلاف الظاهر منه وهو ذكره عقيب الحكم الأول بل وكونه
سؤالا عن حكم صورة الشك اما لا ينعقد له ظهور في إرادة نفى البأس بالنسبة إلى حكم الشاك أوليس بحيث يكافئ ظهور الصدر فلعل المراد من
قوله (ع) ان علم أن الماء لا يدخله فليخرجه انه ان علم أنه ليس بحيث يدخله الماء على وجه لا يبقى معه الشك فليخرجه يعنى انه ان كان له شأنية أن لا
يدخله الماء فليخرجه * (فتأمل) * وقد يقال في تقريب أظهرية الصدر وتقدمه على ظهور الذيل ان دلالة الصدر بالمنطوق والذيل بالمفهوم والأول
أقوى وان الأول نص في حكم الشاك والثاني ظاهر حيث إنه يعم الشاك والعالم بعدم المانعية فيخصص بغير الشاك وفيهما ان السؤال في
الصدر والذيل انما هو عن حكم الشاك فلا يجوز اخراج المورد من موضوع الجواب وحمله مفهوما ومنطوقا على حكم أجنبي فالذيل
كالصدر نص في شمول الحكم للشاك فالأولى ما ذكرنا من أن ارتكاب التأويل في الذيل على ما يقتضيه القرائن الداخلية والخارجية أهون
من التصرف في الصدر والله العالم وان كان ما في يده من الخاتم ونحوه واسعا بحيث يعلم وصول الماء إلى ما تحته بدون علاج
لا يجب عليه شئ لحصول المقصود ولكنه يستحب تحريكه وعن المعتبر نسيته إلى مذهب فقهائنا معللا له بالاستظهار وقد يناقش في التعليل
بأنه ان حصل له القطع بالوصول لم يبق محل للاحتياط لأنه فرع الاحتمال وإن لم يحصل له القطع يجب الا ان يقال إن الاستظهار
حكمة التشريع الحكم لا انه علة لنفس الفعل أو يقال إن المستحب انما هو غسلة بالتحريك حتى لا يبقى مجال للشك الطارئ في أثناء العمل
الموجب لكلفة إعادة الفعل أو لتزلزل النفس لا انه يستحب التحريك بعد القطع بحصول الغسل ويدل على الاستحباب مضافا إلى ما ذكر
من الاستظهار رواية الحسين بن أبي العلا قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الخاتم إذا اغتسلت قال حوله من مكانه وقال في الوضوء تديره
فان نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا امرك ان تعيد الصلاة بحملها بقرينة نفى الإعادة على الخاتم الواسع ويحتمل قويا ان يكون نفى الإعادة
من جهة كون الشك بعد الفراغ وان كان في شمول القاعدة لمثل الفرض كلام سيجئ التعرض لتحقيقه انشاء الله تعالى ولعل احتمال إرادة
الاستحباب من الرواية وكونه منسوبا إلى مذهب فقهائنا يكفي في اثبات استحبابه مسامحة * (تكملة) * لو شك في أصل وجود الحاجب لا في
حاجبية الموجود لا يجب عليه الفحص بل لا يعتد بشكه ويبنى على عدمه للأصل بل عن بعض دعوى الاجماع عليه وقد ادعى شيخنا الأكبر [قده]
في جواهره استمرار السيرة التي يقطع فيها برأي المعصوم على أنه لا يجب على المتوضئ والمغتسل الفحص عن الحواجب مع قيام الاحتمال
كما هو الغالب إذ قلما يحصل القطع للمكلف بخلو بدنه عن دم البرغوث والبق وغيره من الحواجب مع أن الفحص عنه غير معهود من
المتشرعة بل لو صدر من أحد منهم ذلك ينسب إلى الوسواس * (ودعوى) * ان عدم اعتناء المتشرعة بهذا الاحتمال غالبا انما هو
لغفلتهم عن احتمال وجودة أو لاطمينانهم بعدمه * (مدفوعة) * بان غفلتهم مسببة عن عدم اعتنائهم بالاحتمال كغفلتهم عن
احتمال إرادة المجاز في مباحث الألفاظ المسببة عن عدم الاعتناء باحتمال القرينة * (ودعوى) * اطمينانهم بعدمه غالبا مجازفة
بل الغالب انا نريهم بحيث لو سئلناهم عن خلق بدنهم عن مثل دم البرغوث وغيره لوجدناهم شاكين وبما ذكرنا ظهر لك فساد ما قد
يتوهم من التفصيل بين ما إذا لم يكن لشكه منشأ عقلائي كما إذا احتمل ابتداء وجود مانع في بدنه من دون مباشرته لشئ يحتمل لصوقه
ببدنه وبين ما إذا كان لشكه منشأ عقلائي كما إذا باشر ما يغلب لصوقه كالشمع والقير وغيرهما * (توضيح) * الفساد انا نجد المكلفين
ربما يتعذر عليهم النوم من أول الليل إلى الصبح من اذى البق والبرغوث ومع ذلك لا يتفحصون عن دمها عند إرادة الغسل و
الوضوء وتوهم ان احتمال مانعيتهما من وصول الماء لعله احتمال غير عقلائي * (مدفوع) * بانا نجدهم لو علموا بوجود دمهما في موضع
182

مخصوص لا يغتسلون الا بعد ازالتهما نعم في مثل احتمال لصوق الشمع والقير ونحوهما مما يظن بلصوق شئ منه بالبدن حين المباشرة ويندر
ابتلاء المكلف به ربما يلتزمون بالفحص في مظان لصوقه من باب حسن الاحتياط لا غير كما يظهر وجهه عند ضيق الوقت وغيره من موارد
الضرورة فالانصاف ان دعوى السيرة في محلها الا انه لا اختصاص لها بالمتشرعة ولا خصوصية لها بالمقام بل هي سارية جارية في
كل محتمل الوجود لدى جميع العقلاء بمعنى ان العقلاء بأسرهم استقرت طريقتهم على ترك الاعتناء باحتمال وجود ما لوجوده
اثر في رفع اليد عما كانوا عليه في أمور معاشهم ومعادهم ولأجل هذا الامر المغروس في أذهانهم لا يعتنون باحتمال وجود المانع
فيما نحن فيه وكذا لا يعتنون باحتمال وجود القرينة في رفع اليد عما يقتضيه ظاهر القول والفعل لا ان للمتشرعة في خصوص ما نحن فيه
وللعقلاء في خصوص مباحث الألفاظ قاعدة تعبدية واصلة إليهم من اسلافهم كما يشهد به صريح الوجدان وقد
أوضحناه
في الأصول بما لا مزيد عليه وحققنا فيه أن مقتضاه حجية الاستصحاب فيما عدا الشك في المقتضى من باب بناء العقلاء والأخبار الناهية
عن نقض اليقين بالشك كلها منزلة عليه وأثبتنا فيه أن مقتضاه لزوم ترتيب الأحكام المترتبة على نفس المستصحب بنظر
العرف لا الأحكام المترتبة على ما هو من اللوازم عدم الرافع بمعنى انه لا يقتضى حجية الأصول المثبتة بل يقتضى عدمها فلذا حكمنا فيما
لو شك في حاجبية الخاتم بوجوب الايصال القاعدة الشغل واستصحاب الحدث ما لم يقطع بزواله والفرق بينه وبين الشك في أصل
المانع بعينه هو الفرق بين الشك في وجود القرينة والشك في قرينية ما احتف بالكلام وليس الشك في مانعية الموجود مطلقا من
هذا القبيل فان الشك في ناقضية المذي من قبيل الشك في قرينية القرينة المنفصلة ولا بأس بتوضيح المقام بالتكلم في وجه
حجية الاستصحاب وبيان مقدار دلالة دليله حتى يرتفع به غشاوة الأوهام فإنه من المهام * (فأقول) * وبالله الاستعانة إذا راجعت
أهل العرف وتتبعت في طريقة العقلاء لوجدتهم لا يعتنون باحتمال وجود ما يقتضى خلاف ما بأيديهم من العمل الذي يعملونه بمقتضى
أغراضهم العقلائية ويزعمون ان الاعتناء بالشك في ترك ما بأيديهم من العمل نقض لليقين بالمحتمل الا ترى ان من قلد مجتهدا لا يرفع
اليد عن تقليده بمجرد احتمال موت المجتهد وكذا أرباب الملل لا يعتنون باحتمال نسخ دينهم أو نسخ حكم خاص في شريعتهم ما لم يثبت لديهم
نسخه ومن كان وكيلا عن شخص غائب قائما مقامه في دكانه ملتزما بالقيام بالوظائف التي كانت عليه كالانفاق على زوجته وأولاده وحفظ
أمواله لا يعتزل عن عمله ما لم يعلم بموت موكله بل لا يعهد عن عاقل رفع اليد عن شئ من هذه الأمور بمجرد الاحتمال بل لا يعملون بالظن
أيضا ما لم يكن من طريق عقلائي معتبر كاخبار الثقة ونحوه وكذا العبد المأمور بعمل مدة حيوة موليه ليس له رفع اليد عن عمله المأمور به
بمجرد احتمال موت المولى أو عتقه أو فسخ عزمه أو غير ذلك من روافع التكليف بل لو تركه متعذرا باحتمال موت المولى أو فسخ عزمه
يعد عند العقلاء مثل هذا العبد سفيها هذا إذا احتمل رفع الحكم الثابت واما لو احتمل ابتداء صدور حكم من موليه أو ثبوت شئ يترتب
عليه حكم مولوي لا يجب عليه الالتفات إليه بحكم العرف وشهادة العقلاء وهذا هو الذي نسميه في الشرعيات بالبراءة الأصلية والوجه في
ذلك كله ليس إلا بناء العقلاء على عدم اعتدادهم بالشك أصلا وعدم ترتيب اثر الوجود على شئ الا بعد احراز موضوعه ولذا لو سئلوا
عن علة بقائهم على ما كانوا عليه يعللون بعدم ثبوت خلافه فما يتوهم من أن عمل العقلاء بالاستصحاب لأجل افادته الظن بالبقاء * (مدفوع) *
أولا بانا نجد من أنفسنا ان علة البقاء أولا وبالذات ليس إلا عدم الاعتداد بالشك وثانيا بما ذكرنا من أن
العقلاء تريهم يعللون
بقائهم على ما كانوا عليه بعدم ثبوت خلافه لا بظن بقائه وثالثا بان العمل بالظن في حد ذاته عند العقلاء من المنكرات كما يفصح عن ذلك
الآيات الناهية عن العمل بالظن مثل قوله تعالى ان يتبعون الا الظن فإنه بحسب الظاهر تغيير على العاملين بالظن فلو لم يكن العمل بالظن من المنكرات
لدى العقلاء لما كان للتغيير به وجه واما ما نرى من أنهم يعملون بظواهر الألفاظ وقول الثقة وغيرهما من الامارات التي لا تعتمد الا الظن
فوجهه أيضا ليس إلا عدم الاعتناء باحتمال قرينة المجاز وكذب الثقة لا الاتكال على الظن الحاصل من الامارة من حيث كونه ظنا
ولذا لا يعد العامل بمثل هذه الأمور لديهم عاملا بالظن بل يزعمونه آخذا باليقين بنحو من المسامحة والاعتبار والحاصل ان الجرى
على ما يقتضيه الحالة السابقة في جميع الموارد التي تقدمت الإشارة إليها على ما يشهد به الوجدان ليس إلا لأجل عدم الاعتداد بالشك
نعم في موارد احتمال صدور حكم مولوي أو ثبوت حكم شرعي العقل أيضا مستقل بقبح العقاب من دون برهان الا ان العبد يتركه
أولا وبالذات بمحض طبعه اعتمادا على عدم الثبوت من دون التفاته إلى هذا القضية العقلية ومن يزعم أن الاستصحاب ليس حجة
لدى العقلاء وان جواز الترك في هذه الصورة انما هو لحكومة العقل بقبح العقاب بلا بيان يلزمه الترخيص في ترك الفعل المأمور به
بمجرد الشك في زوال التكليف بعروض ما يقتضى رفعه كموت المولى أو فسخ عزمه أو حصول غايته أو غيرها من الروافع وهو كما ترى واعترض
على ما ادعيناه من اعتبار الاستصحاب وحجيته لدى العقلاء بالنقض بان التجار لا يرسلون البضائع إلى شريكهم لو شكوا في حياته
183

ولا يجعلونه وصيا في الأموال أو قيما على الأطفال إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا تحصى * (وفيه) * ان الاعتناء بالشك في هذه الموارد
انما هو من باب مراعاة الاحتياط والتحرز عن الضرر المحتمل الا ترى أنه لو أخبره ثقة عدل بل ثقات عدول ولم يطمئن بحيوته
وعدم ضياع أمواله لا يعتنى بقولهم وكذا لو قال لشريكه اعط كل فقير من أهل بلدك درهما وعلى أدائه واحتمل الشريك إرادة
بعض الفقراء لا جميعهم وعلم من حاله انه لا يؤدي الا ما قصده في الواقع لا يعمل بأصالة العموم وعدم قرينه المجاز وهذا لا ينافي
حجية أصالة العموم وعدم القرينة وكذا اخبار الثقة لان اثر الحجية انما يظهر فيما لا يمكنهم فيه التخطي على تقدير الحجية كما هو الشأن
في احكام الموالى بالنسبة إلى عبيدهم لا في مثل هذه الأمور التي يحسن فيها الاحتياط لدى العقلاء ما لم ينكشف الواقع انكشافا
جزميا كما هو ظاهر ثم لا يخفى عليك ان مقتضى ما ذكرنا انما هو حجية الاستصحاب لدى العقلاء فيما عدا الشك في المقتضى
واما فيه فمقتضاه عدم الحجية لان مآل كلامنا إلى دعوى أن العقلاء لا يرتبون الأثر على مشكوك الوجود أصلا فلو كان
المشكوك مؤثرا في زوال شئ فمقتضى عدم الاعتناء بالشك ترتيب اثار الموضوع الذي يشك في زواله واما إذا تعلق الشك أولا
وبالذات بنفس الموضوع كما هو الشأن في الشك في المقتضى فمقتضى عدم الاعتناء بالشك عدم الالتفات إلى وجوده في الزمان
الثاني لان وجوده في الزمان الثاني أيضا مما لا بد من احرازه في مقام ترتيب الأثر عليه وليس وجوده السابق طريقا لاثبات
وجوده في زمان الشك مثلا إذا علم العبد ان المولى أوجب عليه اكرام زيد وشك بعد مضى الزمان الأول في بقاء الوجوب فإن كان
شكه ناشئا عن حصول غايته أو رافعه لا يعتنى باحتمال وجود المشكوك فيمضى على ما كان عليه من اكرام زيد واما ان كان
مسهبا عن زوال وصف يحتمل مدخليته في الحكم كما إذا كان زيد في الصبح ضيفا فأوجب اكرامه وشك العبد بعد خروجه من دار
المولى وتبدل عنوان ضيفيته هل يجب عليه اكرامه أم لا ففي هذه الصورة ليس للعبد ان يستغل بخدمة زيد امتثالا لامر المولى
حيث إن امر المولى بالنسبة إلى الزمان الثاني نفس وجوده أولا وبالذات متعلق الشك وهذا بخلاف الفرض الأول فان الشك
فيه انما تعلق أولا وبالذات بوجود ما يزيله فوجوب الاكرام في هذا الفرض حيث إن له وجودا تقديريا كأنه امر محقق بالفعل وبهذه
الملاحظة يطلق عرفا على رفع اليد عنه بملاحظة الشك الطاري انه نقض لليقين بالشك ونظيره في مباحث الألفاظ لو امر المولى عبده
بشئ وشك في مراده فإن كان منشأ شكه احتمال إرادة معنى مجازى اتكالا على قرينة منفصلة لا يعتد بالمشكوك فيبنى على ما يقتضيه
يقينه بصدور الخطاب الدال على ما يقتضيه اللفظ بحسب وضعه واما لو كان منشأ شكه احتفاف نفس الخطاب بما يصلح ان يكون قرينة
فليس له ان يرفع اليد عن الحالة التي كان عليها قبل صدور الخطاب حيث إن احتفافه بذلك يجعل مفاده مشكوكا فلا يعتنى به وقد أشرنا
فيما سبق إلى أن الشك في حاجبية الموجود من هذا الباب من دون فرق بين ان يكون ما يشك في حاجبيته من قبيل الخاتم الضيق أو
من قبيل الجسم الرقيق الملتصق بالبدن الذي يشك في مانعيته من نفوذ الماء لرقته لا لعدم لصوقه فمقتضى القاعدة في مثل المقام استصحاب
الحدث لاغير وليعلم ان مقتضى ما ذكرناه من عدم اعتداد العقلاء بالشك في رفع اليد عن الامر الثابت عدم جواز ترتيب اثر المقتضى
بالفتح بمجرد احراز مقتضيه مع الشك في وجود ما يمنعه من التأثير كما لو علم أن زيدا شرب سما أو اصابه سهم قاتل واحتمل عدم تأثيره في
مزاجه لبعض الموانع من التأثير فإنه لا يكفي ذلك في ترتيب اثار قتل زيد من القصاص واخذ الدية وتقسيم تركته وغيرها وكذا مقتضاه
عدم جواز ترتيب الآثار المرتبة على موضوع جديد ملزوم لبقاء المستصحب في الواقع كطول لحيته على تقدير حياته فإنه لا يعتد باحتمال
وجود هذا الموضوع حتى يترتب عليه اثاره كاحتمال حصول المقتضى بالفتح في الفرض السابق وكون الشك في حصول المقتضى ووجود
هذا الموضوع الجديد مسببا عن الشك في وجود المانع والرافع لا يجدي في اثبات الموضوع الذي أنيط به الحكم إذ ليس معنى أصالة عدم
المانع أو الرافع على ما عرفت الا ان العقلاء لا يعتنون باحتمال وجوده في رفع اليد عما كانوا عليه لا انهم يلتفتون إليه ويبنون على عدمه
في الواقع حتى يكون الشك في المانع طريقا عقلائيا لاحراز عدمه الواقعي فيترتب عليه اثاره ولوازمه كثبوت المقتضى ووجود الملزوم
نعم لو كان المقتضى بنظرهم شديد الاقتضاء بحيث يكون مجرد احرازه كاحراز نفس المقتضى بحيث لا يلتفت الذهن حال الشك الا إلى
احتمال وجود المانع لا عدم وجود المقتضى أو كانت الواسطة التي يترتب عليها الحكم الذي يراد ترتيبه بالاستصحاب من الوسائط
الخفية التي لا يلتفت العرف في مقام ترتيب الأثر إليها بل يرون الأثر اثر النفس المستصحب فالظاهر اعتبار أصالة عدم المانع والرافع
في مثل هذه الموارد بل ربما يساعد عليه الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك فان المراد من اليقين فيها بحسب الظاهر هو اليقين
التقديري الذي يعم مثل الفرض نظير قول القائل رفعت اليد عن يقيني بقول فلان وكيف كان فقد أشرنا فيما سبق إلى أن مفاد
اخبار الاستصحاب ليس إلا الامضاء لطريقة العقلاء بل المتأمل في نفس تلك الأخبار لا يكاد يرتاب في ذلك فلو لم يحصل له وثوق بما
184

ادعيناه من استقرار طريقة العقلاء على عدم الاعتناء بالشك في الرافع فليجعل الاخبار كاشفة عن طريقتهم وقد أوضحنا ذلك في الأصول
مستشهدين بقرائن كثيرة داخلية وخارجية من اراده فليراجع ما علقناه على ما صنفه شيخنا المرتضى [ره] في مبحث الاستصحاب والله العالم
* (المسألة) * الخامسة من كان على بعض أعضاء طهارته جبائر جمع جبيرة وهي في الأصل كما في الحدائق يقال للعيدان والخرقة التي تشد على
العظام المكسورة والظاهر من كلام الفقهاء اطلاقها على ما يشد على القروح والجروح أيضا وفي طهارة شيخنا المرتضى [ره] بعد أن حكى
عن شارح الدروس ان الفقهاء يطلقونها على ما يعم الألواح المشدودة على العضو المكسور وما يشد به القروح والجروح قال ولا
يبعد ان يراد بها هنا الأعم منها ومن كل ما يجعل على المكسور أو المجروح أو المقروح شدا أو لطوخا أو ضمادا ولم أعثر في الاخبار على
استعمالها في غير الكسر فالتعدي عنه في موارد مخالفة الأصل يحتاج إلى تتبع دليل له انتهى * (و) * كيف كان فلا شبهة في أنه ان كان على أعضاء
طهارته جبائر أو غيرها من الحواجب مطلقا فان كانت في محل المسح وأمكنه ازالتها والمسح على البشرة أو كانت في مواضع الغسل وأمكنه
ايصال الماء إلى محلها على وجه يتحقق معه غسل البشرة اما بنزعها أو تكرار الماء عليها أو غمس العضو في الماء حتى يصل البشرة أو غير ذلك
من انحاء المعالجات وجب عليه ذلك ما لم يتضرر أو يشق عليه ذلك والا فهو معذور وسيتضح حكمه انشاء الله
وقد ظهر لك في المسألة السابقة
ان مجرد ايصال الماء إلى المحل يجزى في حصول غسله ولا يعتبر فيه الجريان بالفعل وان اعتبار الجريان في مفهوم الغسل انما هو في مقابل
ايصال البلل بمس اليد الرطبة للمحل على نحو الوضع أو الامرار وإلا فلا اشكال في كفاية مجرد استيلاء الماء على العضو من دون اجراء
كما في الغمس أو وضع قطرة من الماء على جزء من العضو بحيث لا يتحرك عنه وربما يؤيده الموثق فيمن انكسر ساعده ولا يقدر ان يحله
بحال الجبر إذا جبر قال (ع) يضع اناء فيه ماء ويضع موضع الجبر في الماء حتى يصل الماء إلى جلده وقد أجزاه ذلك من غير أن يحله فعلى
هذا لا ينبغي الارتياب في أنه مخير بين انحاء الايصال فما يوهمه بعض العبائر من عدم كفاية ايصال الماء بالتكرار ونحوه الا إذا تعذر
نزعها نظرا إلى عدم حصول الجريان المعتبر في مفهوم الغسل ضعيف هذا إذا أمكنه الاتيان بما وجب عليه من المسح والغسل من دون
ان يشق عليه ذلك في العادة أو يتضرر به والا اجزاء المسح عليها أي على الجبيرة وما بحكمها أعني ما يوضع على العضو المجروح والمقروح
شدا أو لطوخا أو ضمادا بشرط لصوقها بالعضو وصيرورتها كظاهر البشرة بنحو من الاعتبار مطر العرف والا فسيجئ حكمه انشاء الله
واما كفاية المسح عليها عن غسل محلها أو مسحه في الفرض فمما لا خلاف فيه ظاهرا ويدل عليه حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) عن الرجل
يكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بالخرقة فيتوضأ ويمسح عليها إذا توضأ فقال (ع) ان كان يؤذيه الماء
فليمسح على الخرفة وان كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها قال وسئلته عن الجرح كيف اصنع به في غسله قال اغسل ما حوله
* (وفي) * رواية كليب الأسدي عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة قال إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على
جبائره وليصل * (وعن) * تفسير العياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال سئلت رسول الله صلى الله عليه وآله عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضأ صاحبها
وكيف يغتسل إذا أجنب قال يجزيه المسح عليها في الجنابة والوضوء قلت فإن كان في برد يخاف على نفسه إذا فرغ الماء على جسده فقرء
رسول الله صلى الله عليه وآله لا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما ورواية ابن عيسى عن الوشا عن أبي الحسن (ع) قال سئلته عن الدواء يكون على
يدي الرجل أيجزيه ان يمسح في الوضوء على الدواء المطلى عليه قال نعم يمسح عليه ويجزي به نعم يجزيه ان يمسح عليه * (و) * رواية عبد الأعلى قال قلت لأبي عبد الله (ع)
عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء فقال (ع) يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله تعالى ما جعل عليكم في
الدين من حرج امسح عليه وهذه الأخبار بأسرها تدل على وجوب مسح الجبيرة وما بحكمها أعني الخرقة التي يشد بها القرحة ونحوها والدواء
المطلى عليها واما القروح والجروح المجردة عن الدواء أو ما هو بمنزلته وكذا الكسر المجرد عن الجبيرة إذا فرض تضرره بالغسل فلا يكاد يستفاد
حكمها من هذه الأخبار عدا ما يستفاد من ذيل حسنة الحلبي السابقة كما سيجئ تقريبه فالقول بوجوب ومنع خرقة أجنبية على الموضع المكسور
والمجروح والمقروح والمسح عليها نيابة عن محلها استنادا إلى وجوب المسح المستفاد من هذه الأخبار
ضعيف لان مورد هذه الأخبار
انما هو فيما إذا كان الشئ الموضوع على العضو له نحو تعلق ارتباط بالعضو بحيث لا يعد غسله أجنبيا عن غسل محله ولعل وجهه كونه من مراتبه
الميسورة كما يساعد عليه العرف بل لعله يمكن استفادته من بعض الأخبار وربما يستشم ذلك من بعض أسئلة السائلين فالحاق الخرقة الأجنبية
به يحتاج إلى دليل كما لا يخفى ولا يعارض هذه الأخبار صحيحة ابن الحجاج عن أبي الحسن (ع) قال سئلته عن الكسير يكون به الجبائر أو يكون به الجراحة
كيف يصنع بالوضوء وعند غسل الجنابة وغسل الجمعة قال (ع) يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر ويدع ما سوى ذلك مما
لا يستطيع غسله ولا ينزع الجبائر ولا يعبث بجراحته لأن مفادها عدم وجوب غسل مالا يستطيع غسله من البشرة واما عدم وجوب المسح
إلى الجبيرة والخرقة الملتصقة بالجراحة على تقدير كونها معصية بها فلا يستفاد منها الا من حيث السكوت في مقام البيان وهو لا يقاوم
185

ظهور الأخبار المتقدمة في وجوب المسح عليها فيجب تقييدها بتلك الأخبار فما استجوده صاحب المدارك من حمل تلك الأخبار
على الاستحباب لولا الاجماع على خلافه ضعيف واضعف من ذلك ما يتوهم من معارضة تلك الأخبار
برواية عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الجرح كيف يصنع به صاحبه قال يغسل ما حوله وما في ذيل حسنة الحلبي المتقدمة قال وسئلته عن
الجرح كيف اصنع به في غسله قال (ع) اغسل ما حوله لان السؤال فيهما بحسب الظاهر انما هو عن حكم الجرح المجرد وقد عرفت خروجه من
موضوع الأخبار المتقدمة فلا معارضة أصلا وربما يتوهم معارضة مجموع الأخبار المتقدمة باطلاقات الأخبار الكثيرة الامرة بالتيمم
كصحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع) في رجل يصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه البرد فقال لا يغتسل ويتيمم
ومثلها رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) وكصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (ع) عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب
قال لا بأس بان لا يغتسل يتيمم ومرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام المبطون والكسير يتيممان ولا يغتسلان وحسنة ابن أبي عمير
عن محمد بن مسكين وغيره عن أبي عبد الله (ع) قال قيل له ان فلانا اصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات فقال قتلوه الا سئلوا
الا يتمموه ان شفاء العي السؤال وعن مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب محمد بن علي بن محبوب عن ابن أبي عمير مثله إلا أنه قال قيل يا رسول
الله صلى الله عليه وآله وذكر الحديث وكرواية جعفر بن إبراهيم الجعفري عن أبي عبد الله (ع) قال إن النبي صلى الله عليه وآله ذكر له ان رجلا اصابته جنابة على جرح كان به
فامر بالغسل فاغتسل فكز فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قتلوه قتلهم الله انما كان دواء العي السؤال وموثقة محمد بن مسلم عن أحدهما في
الرجل تكون به القروح في جسده فتصيب الجنابة قال يتيمم وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال يتيمم المجدور والكسير
بالتراب إذا اصابته جنابة وقد ذكروا للجمع بين الاخبار وجوها كحمل الاخبار التيمم على غير ذي الجبيرة وحمل ما عداها على ذي الجبيرة أو
حمل اخبار التيمم على المستوعب وغيرها على غيره أو حمل اخبار التيمم على مالا يمكن مسحه أو مسح خرقة تشد عليه وحمل غيرها على ما يمكن أو حمل
اخبار التيمم على الغسل وغيرها على الوضوء أو غسل ذي الجبيرة والخرقة كما هو مورد صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج أو حمل اخبار الطرفين
على التخيير أو حمل اخبار التيمم على صورة التضرر بغسل الصحيح وما عداها على غيرها وأنت خبير بما في هذه الوجوه عدا الوجه الأخير
من الضعف لاستلزام كلها اما طرح جل اخبار الطرفين أو ارتكاب التقييد والتخصيص الذي لا يساعد عليه دليل هذا مع ما في
بعضها من مخالفة الاجماع ظاهرا واما الوجه الأخير فهو المتعين للحمل بل هو الظاهر من نفس الاخبار بحيث لا يبقى للمتأمل فيها مجال توهم
المعارضة بينها فضلا عن شهادة القرائن الخارجية بذلك * (توضيحه) * يتوقف على تنقيح موضوع الاخبار فنقول قد عرفت أن مفاد
اخبار الجبيرة ليس إلا انه يجب على من كان على بعض أعضائه جبيرة ونحوها ولم يتمكن من ايصال الماء إلى ما تحتها ان يغسل ما عدا موضع
الجبيرة ويمسح عليها بدلا من محلها بشرط الاستطاعة وعدم خوف الضرر من استعمال الماء في غسل ما عدا موضع الجبيرة ولا يستفاد
منها حكم ما عدا هذه الصورة أصلا واما حكم الجرح المجرد فإنما يستفاد من صحيحة ابن الحجاج وذيل حسنة الحلبي ورواية ابن سنان وهي
أيضا لا تدل الا على وجوب غسل ما حول الجرح على من تمكن من ذلك على الوجه المشروع بان لا يتضرر بغسله بالماء الطاهر واما من تضرر
باستعمال الماء مطلقا أو بغسل خصوص ما حول الجرح أو الجبيرة أو تعذر عليه تطهيره مقدمة للغسل الصحيح فلا يستفاد حكمه من شئ
من الأخبار المتقدمة فاخبار التيمم بالنسبة ما عدا هذين الموردين سليمة عن المزاحم بل لو لم يكن لنا هذه الأخبار الخاصة لكنا
نلتزم بمفادها بمقتضى الأدلة العامة كما سيتضح لك وجهه في بعض الفروع الآتية انشاء الله واما بالنسبة إليهما فهي قاصرة عن مزاحمة الأخبار المتقدمة
لكونها أخص مطلقا واختصاص اخبار التيمم بالغسل على تقدير جواز التفصيل بين الوضوء والغسل وعدم مخالفته للاجماع
لا يجدي في انقلاب النسبة لان بعض الأخبار المتقدمة كصحيحة ابن الحجاج وغيرها نص في العموم فلا يمكن تخصيصها بالوضوء هذا
مع أنه لا ينبغي الارتياب في عدم إرادة خصوصية الوضوء أو الغسل في شئ من هذه الأخبار ولا في أسئلة السائلين وإلا لكان على
الإمام (ع) بيان الفرق بين الوضوء والغسل ولو في بعض هذه الأخبار دفعا لتوهم المساواة كما أنه كان على السائل بمقتضى العادة
حين سئل عن حكم الجبائر في الوضوء ان يسئل عن حكمها في الغسل فيدور الامر بين طرح الاخبار التي اجمعوا على العمل بها أو تقييد
اخبار التيمم ولا شبهة ان الثاني هو المتعين في مقام الجمع وحمل اخبار الطرفين على التخيير كما في المدارك احتماله في غاية الضعف
حيث إن أكثر اخبار التيمم نص في الوجوب التعيني اللهم الا ان يريد التخيير في غير موارد خوف الضرر وما كان نصا في الوجوب
التعيني كاخبار الجدري انما هو في موارد الضرر ولكن يتوجه عليه أيضا ان التقييد أولى من هذا التصرف مضافا إلى مخالفته
بظواهر الأدلة الدالة على اختصاص مشروعية التيمم بمن لم يتمكن من الطهارة المائية هذا كله بعد الاغماض عن ضعف دلالة
اخبار التيمم بل قصورها عن شمول مورد الأخبار السابقة والا فالمتأمل في أصل شمولها مجال حيث إن
موردها بشهادة الغلبة مخصوصة
186

بغير الامن لان من كان على جسده جراحات أو جدري وكان خائفا من وصول الماء إلى نفس عضوه المعيوب على وجه يتحقق به أقل مسمى
الغسل حتى يشرع في حقه التيمم أو الغسل الناقص قلما يحصل له الا من ضرر البرد بنزع ثيابه والاتيان بالغسل الناقص خصوصا إذا كان
الجرح مكشوفا وكذا الكسير الخائف من البرد بايصال الماء إلى موضع الكسر كما هو مورد الرواية بقرينة جعله رديفا للمبطون كيف يامن
من نزع ثيابه وغسل جميع بدنه ما عدا موضع الجبر وفيما تقدم من تفسير العياشي ما يشهد أيضا بهذا الجمع فلاحظ
وكيف كان فلا ينبغي
التأمل في وجوب تقييد اخبار التيمم بما إذا لم يتمكن المكلف من الوضوء الناقص الذي استفيد وجوبه من الأخبار السابقة فتحصل
من مجموع الاخبار ان الكسير أو المجروح والمقروح ان استطاع ان يغسل نفس العضو المعيوب في وضوئه وغسله من دون ان يتضرر به
فعليه ذلك والا فإن كان عليه جبيرة ونحوها فعليه مسحها بدلا من العضو المحجوب ما لم يتضرر من استعمال الماء بغسل ما حول
الجبيرة وإن لم يكن عليه جبيرة وكان الموضع مقروحا أو مجروحا فعليه غسل ما حوله لو لم يتضرر بذلك وإن لم يتمكن من الوضوء أو الغسل
التامين أو الناقصين على الوجه المذكور اما لخوفه من استعمال الماء مطلقا أو من غسل خصوص ما حول الجرح والجبيرة فليتيمم
والله العالم بقي في المقام أمور ينبغي التنبيه عليها الأول انك قد عرفت أن مقتضى الأخبار المتقدمة كفاية غسل ما حول الجرح
المجرد وعدم وجوب وضع خرقة أجنبية عليه والمسح عليها بدلا من العضو المجروح ولكن بقي في المقام شئ وهو انه لو تمكن من شد
الجرح على وجه يندرج في موضوع الاخبار الامرة بمسح الجبيرة هل يجب عليه ذلك بدعوى أن الشارع لم يرفع اليد عن العضو المجروح
الا للضرورة وهي تتقدر بقدرها أم لا لمنع هذه الدعوى خصوصا لو توقف الشد على ترك بعض ما حول الجرح مما يجب غسله لولاه
فان الأظهر فيه عدم الجواز فضلا عن الوجوب نعم لو عصب الجرح بخرقة بعد غسل ما حوله على وجه يكون عاملا بكلتا الوضيفتين
لكان أحوط هذا إذا تمكن من غسل ما حول الجرح واما لو تضرر بذلك وتمكن من أن يعصبه بالخرقة ويمسح عليها فالظاهر وجوبه حيث إن
امره يدور بين ان يتيمم أو يعصب جرحه بخرقة وتوضأ فيجب عليه ذلك لان التيمم انما يشرع في حقه لو تعذرت عليه الطهارة المائية
وهو متمكن في الفرض لان المقدور بالواسطة مقدور فعلى هذا لو كان كسير أو تضرر من ايصال الماء إلى موضع الكسر وتمكن
من الجبيرة والمسح عليها يجب عليه ذلك ولا يشرع له التيمم وهذا بخلاف الوضوء الناقص فإنه لا ترتب بين قسميه بمقتضى ظواهر أدلته بل
مطلقه تكليف عذري لمن لم يتمكن من الوضوء التام من دون ترتب بين القسمين حتى يجب عليه السعي مهما أمكن في تحصيل مقدمات
ما هو المتقدم بالرتبة كالوضوء التام بالنسبة إلى الناقص ومطلقه بالنسبة إلى التيمم فلاحظ وتأمل
الثاني يشترط طهارة الجبيرة
واستيعابها بالمسح ان كان في محل الغسل والترتيب بين مسحها وسائر أفعال الوضوء والغسل لكونها بمنزلة محلها في الحكم على ما
يتبادر من اخبارها فان كانت الجبيرة طاهرة مسح عليها سواء كان ما تحتها طاهرا أو نجسا وإن لم تكن طاهرة طهرها أو بدلها
أو وضع عليها خرقة طاهرة على وجه تعد عرفا من اجزاء الجبيرة واما كفاية مجرد وضع خرقة أجنبية حال المسح بحيث لا تعد عرفا
من اجزائها كما هو مقتضى اطلاق كلام صاحب المدارك [قده] في معقد اجماعه في غاية الاشكال لعدم اندراج مثل هذه الخرقة في
موضوع الاخبار الامرة بالمسح على الجبيرة وأشكل منه ما عن الذكرى احتماله من الاكتفاء بغسل ما حوله لما عرفت من اختصاص هذا الحكم
بالجرح المجرد والذي يقتضيه الأدلة انه ان تمكن من مسح الجبيرة بعد تطهيرها بأحد الوجوه المتقدمة فعليه ذلك والا فليتيمم ولكنك
خبير بان جعل الخرقة الخارجية من اجزاء الجبيرة ليس امرا متعسرا في الغالب ولعل اطلاق الأصحاب القول بوضع الخرقة الطاهرة
منزل على ذلك وكيف كان فلو تعذر عليه التطهير بأحد الوجوه المتقدمة وتمكن من وضع خرقة أجنبية فلا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بينه
وبين التيمم كما أن مقتضى الاحتياط عند فقد الخرقة الطاهرة أو نظائرها الجمع بين التيمم وغسل ما حول الجبيرة والله العالم
الثالث لو التصق
بالبشرة الصحيحة شئ يتعذر نزعه فهو بحكم الجبيرة كما عن الذكرى تصريحه بذلك العموم قوله (ع) في رواية عبد الأعلى المتقدمة يعرف هذا وأشباهه
من كتاب الله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح عليه وقوله (ع) الميسور لا يسقط بالمعسور مضافا إلى امكان دعوى القطع بان مناط
الحكم المستفاد من اخبار الجبيرة موجود في الفرض الا ان عهدتها على مدعيها ولكن الانصاف انه ليس بالبعيد خصوصا بملاحظة أسئلة
السائلين حيث إن سؤالهم ابتداء عن كفاية المسح على الجبيرة لم يكن بحسب الظاهر الا لأجل كون المسح على الجبيرة لديهم ميسور المتعذر لصيرورة
الجبيرة لأجل لصوقها بالعضو بمنزلة جزئه بنحو من الاعتبار والتسامح العرفي وكيف كان ففي القاعدة المستفادة من الروايتين غنى و
كفاية والمناقشة في سنديهما بعد كون القاعدة المستفادة منهما مسلمة عند جل العلماء حيث إنهم لا زالوا يتمسكون بها في أبواب العبادات
والمعاملات مما لا يلتفت إليها نعم ربما يناقش في دلالتهما أمان رواية الميسور فبان القاعدة المستفادة منها مجريها انما هو المركبات
الخارجية التي تعذر بعض اجزائها دون الشرائط المعتبر في المهية التي هي اجزاء ذهنية كما فيما نحن فيه ويدفعها ما عرفت غير مرة في بعض
187

المباحث السابقة كمسألة المسح على الحائل ونظائرها من أن مناط جريان قاعدة الميسور انما هو كون الشئ بنظر العرف ذا مراتب بحيث يعد
المأتي به بنظرهم ميسور المتعذر ولا شبهة في أن المأتي به فيما نحن فيه بنظر العرف ميسور المتعذر حيث إن الجسم الملتصق بالعضو يعد بنظرهم
بنحو من الاعتبار بمنزلة بشرة العضو الا ترى أنه لو احتاج المستفتى إلى معرفة حكم مثل الفرض يسئل ابتداء بمقتضى طبعه عن كفاية غسله
عن غسل محله لا كفاية غسل ما حوله في حصول الوضوء ويفصح عن ذلك أسئلة السائلين في بعض الروايات المتقدمة وغيرها من الاخبار
التي تقدم بعضها في مسألة المسح مع وجود الحائل مثل الحناء وغيره والحاصل ان جريان قاعدة الميسور لا يتوقف على كون مجريها مركبا
فضلا عن اختصاص جريانها بما إذا تعذر بعض اجزاء المركب نعم قد تجرى القاعدة في المركب الذي تعذر بعض اجزائه الغير المقومة
للصدق العرفي من حيث إن المأتي به بنظرهم على هذا التقدير ميسور المتعذر وهذا لا يقتضى انحصارها فيه كما هو ظاهر واعترض
أيضا على القاعدة بالنقض بما إذا تعذر عليه الماء لبعض الأعضاء فإنهم اتفقوا على أنه يتيمم ولا يشرع له الوضوء فلو كانت القاعدة
جارية في باب الطهارة الحديثة لما جاز له التيمم في الفرض فاجماعهم كاشف عن عدم جريان القاعدة فيها * (وفيه) * ما عرفت من أن ملاك
جريان القاعدة ليس تعذر الجزء حتى يدل اجماعهم المذكور على عدم جريان القاعدة في الوضوء مطلقا بل الملاك كون المأتي به ميسور
المتعذر واجماعهم لا يدل الا على أن الطهارة لا تتبعض كما وقع التصريح به في بعض كلماتهم على وجه يظهر منه كونه من المسلمات وهذا
لا يقتضى الا عدم جواز الاستدلال في أمثال المقام بقوله (ع) إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وقوله (ع) مالا يدرك كله لا يترك
كله لا عدم جريان قاعدة الميسور في الفرض الذي لا يتحقق معه التبعيض كما فيما نحن فيه نعم لو لم يتمكن من غسل الحاجب أو بعض مواضع
الوضوء لنجاسته أو تضرره بالماء كوجع العين ونظائره يجب عليه التيمم كما وقع التصريح به في كلام جماعة ولا يجوز له الاقتصار على غسل
ما حول العضو المتعذر وترك غسل العضو وما هو قائم مقامه عرفا لما عرفت من الاجماع على أن الطهارة لا تتبعض ولولا ثبوت عدم
قابلية الوضوء والغسل للتبعيض لكان مقتضى قاعدة الميسور صحتهما في بعض صور التبعيض كما سبقت الإشارة إليه فالاجماع أوجب
تخصيص القاعدة بغير الموارد التي يصدق فيها التبعيض لاطرحها رأسا واما المناقشة في دلالة رواية عبد الأعلى فبانه لو بنى على الاخذ
بعمومها أعني سقوط شرطية الشرط المتعذر كقيد المباشرة في المسح ووصول الماء إلى البشرة في الغسل كما هو مقتضى إحالة الإمام (ع)
معرفة حكمه إلى اية نفى الجرح للزم تأسيس فقه جديد حيث إن اللازم منه ارتفاع مشروعية التيمم بالنسبة إلى المتضرر بالغسل لبرد أو مرض
أو نحوهما لان كل مريض متمكن بمباشرة أو تولية من مسح ما عليه من اللباس الساتر لبدنه بل من مسح بدنه تدريجا بيده المبلولة ويدفعها
أولا ان مقتضى المناقشة المذكورة على تقدير تسليمها ليس إلا عدم جواز التخطي عن مورد الرواية واثبات وجوب الوضوء والغسل على
المريض بغسل ثيابه أو اللحاف الملتف به بدعوى سقوط قيد وصول الماء إلى البشرة واما طرح الرواية رأسا وعدم الاخذ بمضمونها في
خصوص موردها فلا إذ لا اجمال فيها من هذه الجهة وانما عرضها الاجمال من حيث مناط الحكم وكيفية استفادته من كتاب الله وحينئذ نقول
الرواية صريحة في كفاية المسح على المرارة المجعولة على الإصبع وعدم وجوب نزعها إذا كان حرجا عليه وكذا ما هو من أشباهها حيث قال
الإمام (ع) يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ولا شبهة انه لو التصق بالإصبع الصحيحة شئ كالمرارة وتعذر نزعه دخل في الموضوع الذي
يستفاد حكمه من منطوق الرواية حيث إنه بنظر العرف من أشباه مورد سؤاله وليس خصوصية كونها للتداوي من القيود في أشباهه عرفا
فإذا جاز المسح على الجسم الملتصق بالإصبع جاز في غيره لعدم القول بالفصل وثانيا ان استفادة حكمه من كتاب الله تعالى انما هي بضميمة
مقدمة مغروسة في ذهن السائل بل جميع العقلاء في مقاصدهم العقلائية من أن الميسور لا يسقط بالمعسور إذ لا يستفاد من اية نفى
الحرج الا عدم وجوب مسح البشرة واما وجوب مسح الجسم الملتصق بها فهو للقاعدة المغروسة في ذهن السائل كما يشعر بذلك سؤاله حيث
قال كيف اصنع بالوضوء فان ظاهر سؤاله يعطى ان وجوب الوضوء وعدم سقوطه في حقه كان عنده مسلما مفروغا عنه فالرواية تدل بالالتزام
على أن قاعدة الميسور ممضاة لدى الشارع في الأحكام الشرعية كالأغراض العقلائية وكيف كان فلا يستفاد من الرواية الا وجوب
الاتيان بما هو بنظر العرف من مراتب المأمور به واما غسل ثياب المريض واللحاف الملتف به فهو مهية أجنبية عن مهية المأمور به
* (الرابع) * مقتضى
الجمود على ما يترأى من ظاهر النصوص وأكثر الفتاوى وجوب المسح على الجبيرة ولو في محل الغسل وعدم كفاية غسلها ومجرد ايصال الماء إليها
من دون مسح ولكن المتأمل في الاخبار وأسئلة السائلين لا يكاد يرتاب في عدم إرادة الإمام (ع) حيث امر بمسح الجبيرة بدلا من غسل محلها
الا بيان انتقال حكم المحل إلى الحال وكفاية ايصال الماء إلى ظاهر الجبيرة بدلا من محلها والتعبير بالمسح انما هو لبيان كفاية مجرد ايصال
البلة إليها بسبب المسح وعدم وجوب اجزاء الماء عليها كما هو المتبادر من الامر بغسل الجبيرة والخرقة واحتمال إرادة اعتبار مهية المسح
أعني امرار الماسح على الممسوح تعبدا فيكون الوضوء في حق ذي الجبيرة غسلتان ومسحات حتى نحتاج إلى التكلم في أنه هل يعتبر
188

ان يكون المسح بباطن الكف يكفي مطلقه في غاية البعد كيف وإلا لكان اعتبار وجوب اشتمال الماسح على نداوة الوضوء أو غيرها
فضلا عن وصولها إلى الممسوح محتاجا إلى الدليل ما ثبت ذلك في مسح الرأس والرجلين مع انا لا نرى أحدا من العوام يتردد في وجوب
ايصال البلة إلى ظاهر الجبيرة بعد أن أفتى مجتهده بالمسح عليها وليس ذلك الا لفهمه من الامر بمسح الجبيرة نيابتها عن محلها فيما هو
وظيفته لا انه حكم تعبدي محض لا يعلم حكمته ولذا تريهم يعتبرون فيها جميع الشرائط المعتبرة في محلها مثل الطهارة والاستيعاب
والترتيب بينه وبين سائر الأعضاء مع أنه لم يرد في شئ منها نص بالخصوص وليس الوجه في جميع ذلك الا انه ينسبق إلى الذهن
من هذه الأخبار انتقال حكم البشرة إلى ظاهر الجبيرة ان وجوبه ليس إلا لكونه ميسور المتعذر لا تعبديا محضا حتى يقتصر على
مدلول صيغة الامر بمسح الجبيرة فالقول بوجوب خصوص المسح المستلزم لعدم جواز الوضوء والغسل الارتماسيين لأرباب الجبيرة
في غاية الضعف نعم لا يعتبر اجزاء الماء على الجبيرة بل يكفي مجرد ايصال الماء إليها على وجه لو كان في المحل لأمكن نقله من جزء إلى
آخر ولو بإعانة اليد كما عرفته في حكم المحل من كفاية مس الماء للبشرة عرفا في حصول غسلها المستلزم لامكان نقله من جزء إلى آخر
فالجبيرة أيضا بحكمها في كفاية مس الماء لظاهرها وليس غرض السائل بحسب الظاهر في رواية ابن عيسى وحسنة الحلبي حيث سئل عن
كفاية المسح على الدواء المطلى على يدي الرجل أو المسح على الخرقة التي عصب بها القرحة التي في أذرعه الا معرفة ذلك حيث إن
الذي يخطر بباله بمقتضى ما هو المغروس في ذهنه من أن الميسور لا يسقط بالمعسور ليس إلا احتمال كفاية ايصال الماء إلى ظاهر الجبيرة
بدلا من محلها واما كفاية مهية مسح البدل التي هي عبارة من امرار الماسح على الممسوح بدلا من غسل المبدل فلا منشأ لتوهمها قبل
الاطلاع على تعبد الشارع به كما لا يخفى ولكنك خبير بأنه بعد أن وقع التعبير عن وجوب ايصال الماء إلى الجبيرة بالأمر بالمسح في الاخبار
وفي كلمات علمائنا الأبرار خصوصا مع تصريح غير واحد منهم بوجوب المسح ولو في محل الغسل لا ينبغي ترك الاحتياط بايصال
الماء إلى الجبيرة بالمسح على وجه يتحقق به أقل مسمى الغسل على تقدير كونه في المحل المحجوب بل وبالنسبة إلى الحاجب أيضا ناويا
بفعله امتثال ما هو الواجب عليه في علم الله تعالى والله العالم * (الخامس) * لو كانت الجبيرة وما بحكمها على مواضع المسح تعبير
في مسحها ما يعتبر في مسح البشرة فيجب ان يكون بنداوة الوضوء وغيرها من الشرائط التي تقدمت في محلها ولو تمكن من
ايصال الماء إلى ما تحتها بتكرير الماء عليها قيل بوجوبه وعدم كفاية المسح على الجبيرة عنه لكونه أقرب إلى الواجب * (وفيه) * منع ظاهر
خصوصا لو لم يتمكن من ايصال نداوة الوضوء إلى ما تحت الجبيرة وتوقف على اخذ ماء خارجي والله العالم * (السادس) *
لو عمت الجبيرة وما بحكمها معظم أعضاء الوضوء أو الغسل فهل يتيمم أو يأتي بالطهارة الناقصة فيه اشكال لامكان دعوى انصراف
اخبار الجبيرة عن مثله وعدم مساعدة العرف على كون المأتي به هو المرتبة الناقصة من المهية المأمور بها في أغلب صورة حتى يعمها قاعدة
الميسور فمقتضى الاحتياط اللازم من حيث دوران الامر بين المتبائنين الجمع بين الطهارتين والله العالم * (السابع) * لا يجب ايصال
الماء إلى ما لا يصل إليه الماء الا بالمبالغة مما بين الخيوط بل يكفي ايصاله إلى ما يصل إليه مما ظهر بالمسح على الوجه المتعارف على ما هو
المتبادر من اخبار الباب * (الثامن) * لا يجزى المسح على الجبيرة المغصوبة مع الالتفات لكونه تصرفا في ملك الغير فلا يكون جزء عبادة
ولو لف عليها خرقة محللة ومسح عليها لا يجديه إذ لا يخرج بذلك من كون المسح تصرفا فيه نعم لو أمكن اجزاء الماء على ظاهر الجبيرة
المفروض كونه مباحا على وجه لا يحصل به تصرف في المغصوب حتى يكون من مقدماته المنحصرة وقلنا بكفايته وعدم وجوب امرار
اليد فالأقوى صحته لان المنهى عنه على هذا التقدير ليس جزء من العبادة ولا مما يتوقف عليه على وجه الانحصار وتمام التحقيق فيما
سيأتي انشاء الله * (التاسع) * لا يفيد الصلاة التي صلاها بالطهارة الناقصة بعد زوال السبب المسوغ اجماعا كما عن المنتهى وغيره
نقله واما إذا زال العذر قبل الصلاة على تقدير صحة الطهارة وعدم منافاتها لعدم جواز البداران قلنا به فعن المبسوط و
ظاهر المعتبر وبعض متأخري المتأخرين استأنف الطهارة ولذا لو زال العذر بعد الصلاة استأنفها للصلاة المتجددة وفي
طهارة شيخنا المرتضى [ره] انه لو زال العذر في أثناء الصلاة أعاد الوضوء استأنف الصلاة أيضا على تردد فيه ولكنك عرفت
فيما سبق فيما هو نظير ما نحن فيه أعني فيما لو توضأ تقية وزال سببها قبل دخوله في الصلاة ان الأظهر عدم وجوب اعادتها فضلا
عما لو زال في أثناء الصلاة فكذا لا يجب اعادتها في المقام لعين ما مر فيما سبق فراجع نعم لو زال قبل الفراغ عن الوضوء بل
قبل مضى زمان امكان تداركه رجع إلى ما يحصل معه الشرط الواقعي على تردد ينشأ من اطلاقات الأدلة ومن امكان دعوى
انصرافها عن مثل الفرض حيث إن التكليف لما كان عذريا يشكل استفادة مثل الفرض من الأدلة المطلقة لان الذهن لأجل
ما هو المغروس فيه من معرفة مناط الحكم مهما ورد عليه اطلاق يصرفه إلى غير مثل المفروض والله العالم * (تنبيه) * قال الشهيد [ره]
189

في محكى الذكرى تفريعا على قول الشيخ بالإعادة لو توهم البرء فكشف فظهر عدمه أمكن وجوب إعادة الوضوء لظهور ما يجب غسله و
وجه العدم ظهور بطلان ظنه انتهى وفيه أنه ان كان عذره المسوغ للمسح على الجبيرة تضرره من نزعها وتعذر ايصال الماء إلى ما تحتها
بدون النزع لا تضرره من نفس الغسل من حيث هو فلا مجال لتوهم عدم الوجوب على قول الشيخ لان بطلان ظنه لا يوجب عجزه عن
الوضوء الصحيح بعد الكشف وان كان عذره تضرره من نفس الغسل فلا مجال لتوهم الإعادة ببقاء عذره المسوغ بعد الكشف أيضا
كقبله وقيل تفريعا على الفعل بعدم وجوب الإعادة لو ظهر سبق البرء ولما يعلم به حين الوضوء اتجه الإعادة * (وفيه) * انه مبنى على كون
ظن الضرر أو خوفه حال الوضوء طريقا لامرار موضوع الحكم حتى تندرج المسألة بذلك في موضوع من أدى تكليفه بالطريق الظاهري
فانكشف خلافه الذي تحقق في محله ان الأقوى فيه الإعادة الا ان في كون المسألة من هذا القبيل تأملا إذ لا يبعد ان يكون ظن
الضرر بل خوفه نفسه عذرا واقعيا في حقه فتكليفه الواقعي حال الوضوء لم يكن الا الوضوء الناقص فالمسألة في غاية الاشكال تحتاج
إلى مزيد تتبع وتأمل والاحتياط لا ينبغي تركه والله العالم
* (المسألة السادسة) * لا يجوز ولا يجزى ان يتولى شيئا من
وضوئه غيره لأنه المخاطب بفعله وظاهر الخطاب وجوب ايجاد المكلف الفعل المأمور به بنفسه لا بالتسبيب كما أنه يتبادر من اسناد الفعل
إلى الفاعل في الجملة الخبرية نحو قولك ضرب زيد عمرا وكون زيد بنفسه فاعلا ككون عمرو مفعولا فلا يجوز رفع اليد عما هو ظاهر الخطاب
الا بقرينة داخلية كما لو طلب منه فعلا ليس من شأنه صدوره من شخص الفاعل عادة الا بالتسبيب مثل ما لو كلفه ببناء المساجد وحفر
الابار والأنهار ومن هذا القبيل قوله تعالى حاكيا عن فرعون يا هامان ابن لي صرحا أو بقرينة خارجية كما لو علم من الخارج ان مقصود
الامر ليس إلا مجرد حصول متعلق الأمر في الخارج كما في الواجبات التوصلية وبهذا ظهر لك انه لا فرق فيما يتفاهم من الخطاب بين
الأوامر التوصلية والتعبدية غاية الأمر انه علم من الخارج في التوصليات ان قيد المباشرة التي يستفاد من ظاهر الخطاب ليس قيدا
لما تعلق به غرضه في الواقع لا بمعنى ان القيد غير مراد من مدلول الخطاب بل بمعنى ان العقل بعد أن أدرك
ان الغرض ليس إلا حصول
المتعلق في الخارج يعمم موضوع الواجب الواقعي بحيث يعم كل ما يحصل به غرض المولى فيكون المأمور به بالخطاب اللفظي أحد افراد
الواجب المخير بحكم العقل الا ترى أنه لو قال المولى لعبده قم من مكانك وانطلق إلى المكان الفلاني وائتني بالماء الذي في ذلك المكان
يجوز للعبد إذا علم أن مقصوده ليس إلا احضار الماء مخالفة هذه الأوامر إذا أمكنه احضار الماء بوجه آخر ولو بسبب غير عادى
لان عنوان الواجب الواقعي حينئذ بنظر العقل أعم من الفعل الواقع في حين الطلب وما يقوم مقامه في التوصل إلى تحصيل الغرض
فله بحكم العقل ايجاد متعلق الأمر في التوصليات بالتسبيب ناويا فيه امتثال الامر الواقعي المنجز في حقه وهذا بخلاف التعبديات
فإنه لا يجوز فيها مخالفة ظاهر الطلب الا بعد ورود دليل خاص على أن المقصود يحصل بايجاد الفعل مباشرة أو تسبيبا نعم ربما يستفاد
ذلك من نفس الطلب كما في امر الشارع ببناء المساجد ونحوها والحاصل ان المتبادر من طلب فعل من شخص وجوب ايجاده بنفسه
وجواز التخطي عن هذا الظاهر يحتاج إلى دليل وهو في التوصليات موجود وفي التعبديات يدور مدار الأدلة الخاصة وليس فيها دليل
عام يقتضيه على الاطلاق فالأصل فيها عدم جواز التسبيب بل وكذا الأصل فيها عدم قبولها للاستنابة لما عرفت من ظهور الأدلة
في وجوب المباشرة المتعذر حصولها بفعل النائب فما قيل من أن الأصل في العبادات قبولها للنيابة لعمومات أدلة النيابة ضعيف
حيث إن شمول العموم فرع امكان صدور الفعل المأمور به من النائب حتى يعقل امضائه شرعا بعمومات الوكالة وهو موقوف
على عدم كون المباشرة قيدا في المأمور به وهو خلاف ظواهر الأدلة والفرق بين الاستنابة والتسبيب ان موضوع الوجوب فيما يجوز
فيه التسبيب هو مطلق الفعل الصادر من الشخص مباشرة أو تسبيبا فلا يعتبر في حصول الامتثال فيه الا قصد المكلف واما المباشر
فهو بمنزلة الآلة فيجوز ان يكون صبيا أو مجنونا أو كافرا واما موضوع الوجوب في العبادات القابلة للنيابة فليس الا الفعل الصادر
من نفس المكلف وانما دل الدليل الخارجي على جواز تنزيل الغير نفسه منزلة المكلف في امتثال الامر المتعلق به والقيام بوظيفته
فالمتصدق النية انما هو النائب بعد تنزيل نفسه منزله المنوب عنه لا المكلف فالدليل الدال على جواز النيابة حاكم على ما دل على
وجوب ايجاد الفعل على المكلف مباشرة بمعنى انه يدل على جواز تنزيل غير المكلف نفسه منزلة المكلف في ايجاد ما يجب عليه ايجاده
بالمباشرة ولكنك خبير بان جواز الاستنابة بالمعنى المذكور امر لا يفي باثباته العمومات الدالة على صحة عقد الوكالة حتى يدعى
حكومتها على ظواهر الأدلة بل الظواهر حاكمة عليها كما لا يخفى فظهر لك بان مقتضى القاعدة عدم جواز التولية والاستنابة في
الوضوء ويدل عليه مضافا إلى ما ذكرنا الاجماعات المحكية المستفيضة وربما يستدل له بقوله تعالى ولا يشرك بعبادة ربه أحدا
* (وفيه) * ان ظاهر الآية بشهادة سياقها بملاحظة صدرها وهو قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا إرادة
190

الاخلاص في العبادة وان لا يكون مشركا في عبادة ربه بان يجعل غير الله تعالى شريكا له في المعبودية وقد ورد في تفسيرها ما يدل
على هذا المعنى ففي رواية جراح المدايني الواردة في تفسير الآية عن أبي عبد الله (ع) الرجل يعمل شيئا من الثياب لا يطلب به وجه الله تعالى
انما يطلب تزكية النفس يشتهى ان يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه * (و) * عن علي بن إبراهيم في تفسيره قال في رواية أبى الجارود
عن أبي جعفر (ع) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير قول الله عز وجل فن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه
أحدا فقال من صلى مراءاة فهو مشرك إلى أن قال من عمل عملا مما امر الله به مراعاة الناس فهو مشرك ولا يقبل الله عمل مراء نعم ربما
يقال إن المتبادر من ظاهر الآية ان يجعل غيره شريكا له في عبادة ربه فيعم ما نحن فيه * (ويؤيد) * هذا المعنى ما ورد في غير واحد من
الاخبار التي يستدل بها أيضا للمقام ففي رواية حسن بن علي الوشا قال دخلت على الرضا (ع) وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة
فدنوت منه لا صب عليه فأبى ذلك وقال مه يا حسن فقلت له لم تنهاني ان أصب على يديك تكره ان أوجر قال توجر أنت واوزر انا فقلت
وكيف ذلك فقال اما سمعت الله عز وجل يقول فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وها انا إذا توضأ
للصلاة وهي العبادة فأكره ان يشركني فيها أحد * (وعن) * إرشاد المفيد قال دخل الرضا (ع) يوما والمأمون يتوضأ للصلاة والغلام
يصب على يده الماء فقال لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا * (وفي) * رواية الصدوق في الفقيه والعلل كان أمير المؤمنين (ع) إذا
توضأ لم يدع أحدا يصب عليه الماء فقيل له يا أمير المؤمنين (ع) لم لا تدعهم يصبون عليك الماء فقال لا أحب ان أشرك في صلاتي أحدا
وقال الله تبارك وتعالى فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا * (وفي) * رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع)
عن ابائه عن علي (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله خصلتان لا أحب ان يشاركني فيه أحد وضوئي فإنه من صلاتي وصدقتي فإنها من يدي إلى يد
السائل فإنها تقع في يد الرحمن ولكنك خبير بان هذه الأخبار بأسرها كادت تكون صريحة في الكراهة وموردها بحسب الظاهر هو
الاستعانة في مقدمات الوضوء كصب الماء على اليد وغيره وهي غير ما نحن فيه واما الآية فبعد تسليم ظهورها في النهى عن أن يشارك معه غيره
في عبادة ربه مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في تفسيرها ففيها ان مفادها حينئذ النهى عن المشاركة مع الغير في عبادة الله تعالى وهذا
انما يتحقق فيما لو صدر العمل من كان من الشريكين بعنوان العبادة كما لو اشتركا في بناء مسجد قربة إلى الله تعالى واما لو استقل أحدهما
ببناء المسجد قربة إلى الله تعالى واعانه الاخر لكونه أجيرا له واتى بالعمل بقصد استيفاء الأجرة أو ما هو بمنزلتها لا للتقرب إلى الله تعالى
فلا يصدق حينئذ انه أشرك بعبادة ربه أحدا وما نحن فيه من هذا القبيل كما هو ظاهر واما بملاحظة ما ورد في تفسيرها فقد عرفت أن الأخبار الواردة
في تفسيرها متعارضة حيث إن مفاد الطائفة الأولى التي هي أصرح في كونها مسوقة لبيان تفسير الآية النهى عن أن يجعل لله تعالى
شريكا في المعبودية ومفاد الأخبار الأخيرة النهى عن أن يجعل لنفسه شريكا في عبادة الله تعالى وهما معينان لا يمكن ارادتهما في عبارة واحدة
لعدم الجامع بينهما مع ما عرفت في الطائفة الأخيرة من كونها محمولة على الكراهة على ما يشهد به القرائن الكثيرة المستفادة من نفس الاخبار
فضلا عن الاجماع المدعى على عدم الحرمة في الاستعانة بمقدمات الوضوء ولعل الاستشهاد بالآية في هذه الأخبار المستفيضة انما
هو بملاحظة ما أريد من الآية على وجه الكناية بضرب من التأويل من دون ان يكون مقصودا من اللفظ بحيث يكون اللفظ مستعملا
فيه حتى يلزم محذور استعمال اللفظ في معينين فتكون الأخبار السابقة تفسيرا لما أريد منها بمدلولها اللفظي كما هو صريح
موردها وهذه الأخبار إشارة إلى ما أريد منها على وجه الكناية والله العالم * (وليعلم) * ان ما ذكرناه من أن مقتضى الاجماع وظواهر
الأدلة انه لا يجوز ان يتولى وضوئه غيره انما هو مع الاختيار واما مع الاضطرار فيجوز اجماعا كما عن غير واحد نقله بل وقاعدة
أيضا لان الميسور لا يسقط بالمعسور والمناقشة فيها بما عرفت فيما سبق مدفوعة بما عرفت مضافا إلى امكان ان يقال إن
مقتضى اطلاق أوامر الوضوء وجوب ايجاده على العاجز بالتسبيب لا لدعوى أن المراد من اللفظ ايجاد غير العاجز مباشرة والعاجز
بالتسبيب حتى يكون اللفظ مستعملا في معينين بل بدعوى أن المتبادر من الامر بغسل الوجه مثلا ليس إلا وجوب ايجاد مطلق هذه
الطبيعة على كل مكلف على وجه يستند صدوره إليه عرفا وهذا يختلف في العرف باختلاف الاشخاص من حيث العجز والقدرة فلاحظ
وتأمل ثم اعلم أن مقتضى ما ذكرنا في مستند الحكم من القاعدة واطلاقات الأدلة على تقدير تسليمها انما هو وجوب الاستعانة
والتسبيب على العاجز لا الاستنابة فيعتبر في صحة الوضوء حينئذ قصد المتوضئ لا المتولي كما عرفت فيما سبق ولو عرضه الشك في أثناء الوضوء
يعتد بشكه ولا يبنى على صحته اعتمادا على أصالة الصحة في عمل الغير نعم يبنى على الصحة من حيث استحقاق الغير للأجرة لاغير كما
لا يخفى وجهه هذا إذا كان الشك في الأثناء واما لو كان بعد الفراغ فلا يعتد به كما لو كان بنفسه مباشرا ووجهه ظاهر واما لو
نوقش فيما ذكرناه من الأدلة ببعض المناقشات التي سبقت الإشارة إليها والى ضعفها في مطاوي الكلمات المتقدمة وانحصر
191

دليل الحكم في الاجماع فيجب الجمع بين وظيفتي الاستعانة والاستنابة بان ينوى كل منهما القربة لاجمال معقد الاجماع وتردد
المكلف به بين المتباينين فلا يحصل الجزم بحصول الطهارة التي هي شرط للصلاة الا بالاحتياط ويعتبر في صحة وضوء العاجز
ايجاد المسح بيده العاجزة مع الامكان ولا يكفي حصوله من المتولي بامرار يده بدلا من يد المتوضئ لان لليد الماسحة
مدخلية في صحة الوضوء فلا تسقط شرطيتها مع الامكان وهذا بخلاف الغسل فان اليد فيه ليست الا آلة للفعل فيكفي
حصوله من المباشر باي آلة كانت والله العالم ولا يخفى عليك ان المباشرة التي اعتبرناها شرطا في صحة الوضوء مع الاختيار
انما هي عبارة عن أن يكون صدور أفعال الوضوء أعني غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين عن المكلف بنفسه على وجه يستند
إليه الفعل عرفا استنادا حقيقيا لا مسامحيا واما مقدماتها فلا يجب حصولها من نفس المكلف من غير خلاف يعرف نعم يستحب له ذلك
للأخبار المتقدمة فالمناط في صحة الوضوء استناد نفس الأفعال إلى المكلف عرفا الا انه قد يختفي الصدق العرفي إذ ربما يكون الصاب
للماء على العضو هو الغاسل بنظر العرف دون المصبوب عليه وقد يكون الامر بالعكس وقد يشتركان في الفعل فلا يستند إلى أحدهما
على سبيل الاستقلال على وجه الحقيقة كما هو المعتبر في صحة الوضوء بمقتضى ظواهر الأدلة فكثيرا ما يشتبه بعض الصور ببعض وعن
مفتاح الكرامة ان التولية التوضية بصب الماء على أعضاء الوضوء وان تولى هو الدلك انتهى وفيه نظر والمعيار هو الصدق العرفي
وفي موارد الاشتباه يجب الاحتياط تحصيلا للجزم بحصول الشرط المعلوم شرطيته والله العالم
* (المسألة السابعة) * لا يجوز
للمحدث مس كتابة القران على المشهور بل عن الخلاف وظاهر غيره دعوى الاجماع عليه ونسب إلى الشيخ في المبسوط وابن السراج
وابن إدريس القول بالكراهة وعن جملة من المتأخرين الميل إليه والأظهر الأول لقوله تعالى انه لقران كريم في كتاب مكنون لا يمسه
الا المطهرون بناء على رجوع الضمير إلى القران وكون المراد من النفي النهى ومن المطهرين، المطهرين من الحدث كما يدل عليه استشهاد
الإمام (ع) بها في رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خطه ولا تعلقه ان الله
تعالى يقول لا يمسه الا المطهرون وفي بعض النسخ خيطه مكان خطه وفي الحدائق روى مرسلا في كتاب مجمع البيان عن الباقر عليه السلام
حيث قال بعد ذكر احتمال تفسير المطهرين بالملائكة أو المراد المطهرون من الشرك ما لفظه وقيل من الاحداث والجنابات قالوا
ولا يجوز للحائض والمحدث مس المصحف عن محمد بن علي الباقر (ع) انتهى وربما يناقش في ظهور الآية
باحتمال رجوع الضمير إلى الكتاب
المكنون أو غيره من الاحتمالات المتقدمة في عبارة المجمع خصوصا مع اعتضاد بعضها بما في الاحتجاج من أنه لما استخلف الثاني سئل
الأمير (ع) ان يدفع إليهم القران الذي كان عنده إلى أن قال (ع) بعد أن امتنع ان يدفع إليهم فان القران الذي عندي لا يمسه الا
المطهرون والأوصياء من ولدى فقال الثاني فهل وقت الطهارة معلوم قال علي (ع) نعم إذا قام القائم من ولدى يظهره ويحمل الناس
عليه فتجرى السنة به ويدفعها عدم الاعتناء بالاحتمالات بعد ورود الرواية المتقدمة في تفسيرها * (واما) * رواية الاحتجاج فلا ينافيها
بل يؤيدها كما لا يخفى وجهه على المتأمل نعم ربما يتأمل في دلالة الآية بالنظر إلى رواية عبد الحميد المتقدمة حيث إن ظاهرها ان
الإمام (ع) استشهد فيها بالآية لجميع الأحكام المذكورة في الرواية مع أن بعضها غير محرم كما يدل عليه الاخبار الآتية فالمراد من النهى
في الآية اما خصوص الكراهة أو مطلق المرجوحية فلا يدل على المطلوب فتأمل ومما يدل على المطلوب مرسلة حريز انه (ع) قال لولده إسماعيل
يا بني اقرأ المصحف فقال إني لست على وضوء قال لا تمس الكتاب ومس الورق واقرأ * (و) * موثقة أبي بصير أو صحيحته قال سئلت أبا عبد الله (ع)
عمن قرء من المصحف وهو على غير وضوء قال لا بأس ولا يمس الكتاب ويمكن الخدشة في دلالة المرسلة فان النهى الوارد فيها ارشادي
مسوق لبيان اختصاص المنع المتوهم في المقام كراهة كان أو تحريما بالكتاب دون الورق فلا يستفاد منه الحرمة ثم لا يخفى عليك ان
المتبادر من كتابة القران التي ورد النهى عن مسها مطلق النقوش المرسومة للافصاح عما كلم الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وآله مما بين الدفتين من
دون فرق بين ما يفصح عن مواد الكلمة أو هيئاتها كالاعراب والشدة والمد وكون هذه الأمور حادثة وعدم كونها مرسومة في الصحف
القديمة وعدم اعتبارها فيما يتقوم به اسم القران لا يجدي في إباحة مسها لأنها جزء من القران ما دام وجودها بشهادة العرف
ولا يضر بقاء الاسم بعد فقدها وعدم مدخليتها في قوام المسمى إذ ليس هذه الأمور الا كعوارض الاشخاص مما هو جزء للشخص ما دام
وجودها الا ترى انك تسمى ابنك زيدا في حال صغره وهو مصداق لهذا الاسم إلى أن يموت وكلما يفرضه من العوارض مثل اللحية
والسن والظفر وغيرها اجزاء له حقيقة ما دام اتصالها به ولا ينتفى عنه اسمه بانتفاء شئ منها وبما ذكرنا ظهر لك انه لافرق بين ان
يكون المصحف مكتوبا بالخطوط المتعارفة في زمان نزوله أو بالخطوط الحادثة في الأعصار المتأخرة
لان المسمى مطلق المهية
باعتبار وجوداتها لا المهية المقيدة ببعض اعتباراتها ولافرق ظاهرا في صدق مس القران عرفا بين كون الممسوس جزء منضما إلى
192

سائر اجزاء القران التام وبين عدمه لان القران بحسب الظاهر اسم للطبيعة الصادقة على الكل والبعض هذا مع أن المنهى عنه
في الاخبار انما هو مس جزء القران لا مجموعه لان هذا هو المتعارف من المس وليس انضمام اجزاء القران بعضها ببعض في وجوده
الكتبي من مقومات جزئيته وكون المنهى عنه في الموارد الخاصة جزء من القران المكتوب لا يوجب تخصيص الحكم به نعم صدق القران
أو جزئه على الاطلاق على الكلمة التي وجدت من كاتبها بقصد كتابة القران من دون ان ينضم إليها ما يمحضها للقرانية اشكال
خصوصا مع اعراض كاتبها عن قصده ولا سيما مع الحاق ما يخرجها من صلاحية الجزئية للقران ولكن الصدق عرفا في الفرض
الأول وعدمه في الفرض الأخير غير بعيد وفي الصورة الثانية تأمل والله العالم ولا يختص حرمة المس بالكف بل يعم سائر الجسد
لاطلاق الأدلة وخصها بعضهم بما تحله الحياة وهو حسن بالنسبة إلى الشعر الذي لا يعد عرفا من توابع الجسد دون الظفر
ونحوه إذ الظاهر اطلاق المس عليه عرفا ولو شك في صدق المس عرفا على مورد فمقتضى الأصل جوازه لما تقرر في الأصول من أن
المرجع عند الشك في تحقق المفهوم المحرم انما هو أصالة البراءة كما في المشكوك في كونه غناء لا الاحتياط كما قد يتوهم واعلم أنه الحق
بالقران لفظ الجلالة بل جميع أسمائه المختصة به تعالى وربما علل ذلك بالفحوى ونوقش فيها بالمنع وأجيب بان المستفاد من الآية
بشهادة سياقها وتوصيف القران بكونه كريما ان مناط الحكم كرامة القران وشرافته فالفحوى تامة فالمتجه حينئذ الحاق باقي الصفات
المراد بها الذات المقدسة باعتبار بعض صفاته أو أفعاله تعالى بل الحاق أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام به للمناط وان كان لا يخلو
تنقيحه عن تأمل كما أن تسمية أصل الاستدلال بفحوى الخطاب لا تخلو عن نظر والله العالم
* (فرع) * هل يجوز تمكين المجانين والصبيان
من مس كتابة القران لو لم يوجب توهينه عرفا كما لو ناولهم الولي للقرائة فهل يجب عليهم منعهم من المس وجهان من اختصاص النهى
بالبالغين وعدم الدليل على وجوب منع غير المكلف وقيام السيرة على اعطاء القران بأيدي الأطفال مع أن العادة تقضى بعدم
انفكاكه عن مس كتابته ومن منع السيرة الكاشفة عن امضاء المعصوم وان المقصود من النهى تعظيم القران واحترامه لا مجرد
ترك المكلف هذا الفعل كما يشعر بذلك التعبير في الآية بالجملة الخبرية فمس غير المطهر من الأمور التي على من الشرع ان المطلوب عدم
حصولها في الخارج مثل السرقة وغيرها من القبايح التي يجب على الولي منع الأطفال والمجانين من ارتكابها والانصاف انه لولا
القطع برجحان تعليم الأطفال قراءة القرآن وامتناع عدم حصول المس منهم في طول مدة التعلم وكون تكليف الولي بالمراقبة و
المحافظة في طول هذه المدة حرجا لكان القول بالمنع وجيها فالأوجه القول بالجواز ورجحان منع الولي من المس الأبعد الوضوء
تمرينا والله العالم
* (المسألة الثامنة) * من به السلس وهو الداء الذي لا يستمسك معه البول فإن كان
له فترة تسع الوضوء
والصلاة يجب انتظارها على ما تقتضيه القواعد الشرعية بلا تأمل واشكال والا ففيه اشكال بل خلاف قيل بل نسب إلى المشهور
انه يتوضأ لكل صلاة وعفى عما يتقاطر منه في أثنائها وعن الحلي التفصيل بين ما لو كان التقاطر متواليا فكالمشهور أو متراخيا
فليتوضأ ويبنى على ما مضى وعن المبسوط انه يصلى بوضوء واحد عدة صلوات ولا يتوضأ الا مع البول اختيارا ونسب إلى
جماعة من المتأخرين الميل إلى مقالته وعن العلامة في المنتهى انه يجمع بين الظهرين بوضوء وبين العشائين بوضوء وللصبح وضوء
وعن جماعة من متأخري المتأخرين الميل إلى قوله وتنقيح المقام يتوقف على تحقيق ما تقتضيه القواعد العامة ثم الجمع بينها
وبين ما يستفاد من الأدلة الخاصة فنقول مقتضى القاعدة الأولية سقوط المشروط أعني الصلاة يتعذر شرطه أعني الطهور
ولكنه مخالف للنص والفتوى فالامر يدور بين تخصيص لا صلاة الا بطهور أو رفع اليد عن عموم ناقضية البول في حق المسلوس
في الجملة لا سبيل إلى الأول للقطع بوجوب التطهير وإزالة اثر سائر أسباب الحدث ما عدا البول بل البول أيضا إذا كان
اختياريا له بمقتضى طبعه فهذا كاشف عن عدم ارتفاع شرطية الطهارة في حقه وقد عرفت في محله اتحاد طبيعة الحدث الأصغر
بل الأكبر أيضا بالنسبة إلى أنواع أسبابه كالجنابة والحيض وغيرهما فلا مجال لتوهم بقاء شرطية التطهير من سائر الاحداث
دون حدث البول خصوصا مع ما عرفت من وجوب إزالة حدث البول أيضا في الجملة اجماعا فظهر لك عدم ورود التخصيص
على قوله (ع) لا صلاة الا بطهور في حق المسلوس فتعين رفع اليد عن عموم ما دل على ناقضية البول وارتكاب التصرف فيه
اما بتخصيص أو تقييد على وجه تقتضيه القواعد وربما يدعى انصراف ما دل على ناقضية البول إلى الافراد المتعارفة وما يتقاطر
من المسلوس ليس منها وفيه ما عرفت في محله من عدم اختصاص ناقضية البول وغيره من الاحداث بالافراد بالمتعارفة بل
الحكم محمول على طبائع الاحداث من حيث هي ولذا يجب من غير خلاف إعادة الوضوء على من خرج منه قطرة بول بل أقل منها حتى
البلة ولو اضطرارا بغير داء السلس فهذه الدعوى فاسدة جدا بل لا بد من ملاحظة الدليل الذي أوجب التصرف فيما دل على
193

ناقضية البول فإن كان هو الاجماع أو قاعدة نفى الحرج أو قوله (ع) ما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر فالمتعين هو القول بمقالة
الحلي لأنه أخص الأقوال هذه الأدلة لا يستفاد منها أزيد من عدم ناقضية ما يخرج في أثناء صلاة واحدة مع تعذر تجديد
الطهارة أو تعسره أعني في صورة التوالي دون التراخي فيبقى عموم ناقضية البول بالنسبة إلى ما عدا الفرد المتيقن سليما عن
المخصص الا ان يقال إن تجديد الطهارة في أثناء الصلاة فعل كثير مبطل للصلاة فحينئذ يقع التعارض بين ما دل على ناقضية
البول ومبطلية الفعل الكثير واما ما دل على شرطية الطهارة بالنسبة إلى أكوان الصلاة أو قاطعية الحدث للصلاة فلا
يعارض شيئا من الأدلة للقطع بعدم انقطاع الصلاة بهذا البول سواء كان ناقضا للوضوء أم لا فما دل على القاطعية مخصصة
بالنسبة إلى هذا الفرد بلا شبهة وأدلة اشتراط الطهارة محكومة بالنسبة إلى ما دل على ناقضية البول فان الشك في
الشرطية مسبب عن الشك في الناقضية فاطلاق ما دل على الناقضية حاكم على اطلاق دليل الاشتراط هذا مضافا إلى ما
ستسمعه في المسألة الآتية فالتعارض انما هو بين ما دل على أن البول ناقض مطلقا وبين ما دل على أن
الفعل الكثير مبطل
مطلقا فيرجع في مثل المقام بعد تعارض الدليلين إلى ما يقتضيه الأصل وهو استصحاب الطهارة وعدم وجود الحدث الناقض
وعلى تقدير المناقشة في الاستصحاب يجب عليه الاحتياط بتكرار الصلاة تحصيلا للشرط الواقعي المردد بين فعل الوضوء في
الأثناء وتركه وليس الامر دائرا بين المحذورين الذين لا يمكن الاحتياط فيهما حتى يكون موردا للتخيير أو البراءة كما قد يتخيل وكيف كان
فهذا كله على تقدير تسليم كون الوضوء في أثناء الصلاة مطلقا فعلا كثيرا الا انه في حين المنع كيف وقد ورد الامر في غير واحد
من الاخبار بغسل الثوب والبدن في أثناء الصلاة عن دم الرعاف وغيره وقد حملها الأصحاب على ما إذا لم يستلزم فعلا كثيرا
في العادة ومن الواضح انه لو بينا على كون مطلق الوضوء حتى الارتماسي منه حين حصول مقدماته فعلا كثيرا لم يبق للاخبار
المعتبرة الامرة بغسل الثوب والبدن مورد إذ قلما يتحقق فرض يمكن فيه تطهير الثوب والبدن بأقل مما يتوقف عليه الوضوء الارتماسي
عند حصول مقدماته فدعوى القطع بكون الوضوء في أثناء الصلاة مبطلا من حيث كونه فعلا كثيرا مردودة على مدعيها هذا
مع أنه ربما يؤيد هذا القول أعني وجوب الإعادة في الأثناء الاخبار الآتية الواردة في حكم المبطون من أنه يتوضأ ويبنى على
صلاته بل ربما يستدل له بها بدعوى كون المناط منقحا وفيه تأمل وكيف كان فهذا القول أقوى بالنظر إلى ما تقدم من الأدلة
العامة واما بملاحظة الأخبار الخاصة فيظهر حاله بعد التأمل في مفادها وهي حسنة منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل
يقطر منه البول ولا يقدر على حبسه قال فقال لي إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر يجعل خريطة ورواية الحلبي عن أبي عبد الله (ع)
قال سئل عن تقطير البول قال يجعل خريطة إذا صلى وصحيحة حريز عن أبي عبد الله (ع) أنه قال
إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم
إذا كان حين الصلاة اخذ كيسا وجعل فيه قطنا ثم علقه عليه وادخل ذكره فيه ثم صلى يجمع بين صلاتين الظهر والعصر يؤخر الظهر
ويعجل العصر باذان وإقامتين ويؤخر المغرب ويعجل العشاء باذان وإقامتين ويفعل ذلك في الصبح وربما يستدل بهذه الاخبار
على عدم وجوب شئ على صاحب السلس الا حفظ فرجه عن تعدية النجاسة الخارجة في أثناء الصلاة ونوقش فيها بان ما عدا
الصحيحة لا تعرض فيها للوضوء وانما هي مسوقة لبيان حكمه من حيث عروض النجاسة في أثناء الصلاة واما الصحيحة فهي أيضا وان
كانت كذلك الا ان امر الإمام (ع) بالجمع بين الصلاتين كالصريح في عدم تجديد الوضوء فهذه الرواية من حيث السكوت وعدم الامر
بإعادة الوضوء بل امره بالجمع بين الصلاتين تدل على عدم ناقضية البول الخارج منه في أثناء الصلاتين حين الجمع بينهما لا مطلقا
كما هو المطلوب فتكون دليلا لما ذهب إليه العلامة [ره] في المنتهى واما عدم ناقضيته في غير الصورة المفروضة فلا يستفاد من شئ
منها ولكن الانصاف ضعف المناقشة المذكورة لان اقتصار الإمام (ع) على الامر يجعل الخريطة في جواب السائل مع اطلاق سؤاله
عن حكم من يقطر منه البول دليل على أنه لا يجب عليه الا ذلك وإلا لكان على الإمام (ع) بيانه فعدم البيان في معرض الحاجة مع اطلاق
السؤال دليل على أنه لا اثر للقطرات الخارجة التي لا يقدر على حبسها في نقض الوضوء وقد يناقش في دلالة الحسنة بان مفادها معذوريته
في مخالفة التكاليف التي لو لم يكن العذر من قبل الله تعالى لم يكن معفوا عنها وهو انما يتحقق بالنسبة إلى ما يقطر منه في أثناء الصلاة
إذ لا محذور في نقض الوضوء قبل الصلاة سواء كان من قبل الله تعالى أو من قبل نفسه وفيها ان المتبادر منها ان القطرات التي تقطر
منه لمرضه لا يترتب على المكلف من قبلها محذور بطلان الصلاة سواء وجدت في أثناء الصلاة أو قبلها لأنها بلاء ابتلاه الله به فهو
أولى بالعذر والحاصل ان عدم التعرض في هذه الأخبار لحكم الوضوء مع ما فيها من اطلاق السؤال دليل قوى على أن ما يخرج منه
بواسطة مرضه كالعدم من حيث الناقضية * (وقد) * يستدل أيضا بموثقة سماعة قال سئلته عن رجل اخذه تقطير من فرجه ما دام
194

أو غيره قال فيضع خريطة وليتوضأ وليصل فإنما ذلك بلاء ابتلى به فلا يعيدن الا من الحدث الذي يتوضأ منه لأن الظاهر أن المراد
من الحدث الذي يتوضأ منه ما يوجد بمقتضى طبيعته واحتمال كون الصفة موضحة فيكون المراد لا يتوضأ الا من الحدث لا الدم
الخارج منه خلاف الظاهر * (وقد) * يستدل أيضا بمكاتبة عبد الرحمن قال كتبت إلى أبي الحسن (ع) في الخصي يبول فيلقى من ذلك
شدة ويرى البلل بعد البلل قال يتوضأ وينتضح في النهار مرة واحدة في الوسائل ورواه الصدوق مرسلا عن أبي الحسن (ع)
موسى بن جعفر (ع) مثله إلا أنه قال ثم ينضح ثوبه وفيه أنه يحتمل قويا ان يكون مراد السائل انه يجد حين البول وجعا وأذية
ويرى البلل بعد البلل عقيبه فيحتمل كونه من بقية البول وأن يكون من مرض باطني أوجب الشدة والا لم فمراده معرفة حكم
البلل المردد بين البول وغيره مما يحتمل خروجه عن المجرى ويحتمل ان يكون المراد من التوضي المأمور به التطهير من الخبث يعنى
الاستنجاء وغسل ذكره كما يؤيده عدم التعرض لذكر الصلاة في الرواية أصلا وعلى تقدير اراده الوضوء الشرعي الرافع
للحدث أيضا أجنبي عما نحن فيه ويؤيد المعنى الأول ما في القاموس في تفسير الانتضاح قال وانتضح واستنضح نضح ماء
على فرجه بعد الوضوء لان مراده بحسب الظاهر من الوضوء تنظيف الفرج لا الوضوء الاصطلاحي فمفاد الرواية على هذا
التفسير استحباب رش الماء على الفرج بعد غسله ولو أريد من الوضوء ما هو الرافع للحدث فالمراد من الانتضاح بحسب الظاهر
ايصال الماء إلى الفرج فيكون كناية عن غسله فالامر حينئذ للوجوب والله العالم والانصاف ان ظهور بعض الأخبار المتقدمة
ولو من حيث السكوت فيما حكى عن الشيخ في المبسوط من أنه لا يعيد الوضوء الا للبول اختيارا غير قابل للانكار الا ان عدم
اعتماد المشهور كما نسب إليهم على ما يظهر منها موهن قوى فالاتكال على ظهورها مع ما عرفت من امكان المناقشة فيها في رفع
اليد عن عموم ناقضية البول مشكل نعم لا يبعد دعوى القطع باستفادة عدم ناقضية ما يخرج منه في أثناء صلاة واحدة منها
ولو من جهة السكوت فما ذهب إليه المشهور من أنه يتوضأ لكل صلاة لو لم يكن أقوى فلا شبهة في أنه
أحوط وحينئذ فيجب عليه المبادرة
إلى فعل الصلاة عقيب الوضوء نعم لا يجب ذلك على القول الذي استظهرناه من الاخبار من عدم ناقضية القطرات الخارجة
كما لا يخفى وجهه وليعلم ان مقتضى الاخبار وجوب الاستظهار على المسلوس بمنع تعدى النجاسة بان يضع خريطة أو كيسا كما
صرح به جماعة بل عن جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب والظاهر أن الامر بوضع الخريطة أو الكيس في الاخبار جار مجرى العادة فيكفي
مطلق الاستظهار ولو بغير الخريطة والكيس كما نسب إلى ظاهر اطلاق الأصحاب ولكن الانصاف ان التخطي عن مورد الاخبار
والالتزام بكفاية مطلق الاستظهار ولو بقيامه في ماء كثير أو بحفظ الفرج عن تعدية نجاسته إلى الثوب والبدن بوقوع القطرات
على الأرض مثلا في غاية الاشكال لقوة احتمال ان يكون للكيس ونحوه مما يشده على الحشفة مدخلية في الحكم لاحتمال إناطة الحكم
بصيرورة الحشفة لأجل دخولها في الكيس بمنزلة البواطن وكون ظاهر الكيس بمنزلة ظاهر الجسد في حال
الاضطرار كما هو الشأن
في الجبائر لا مجرد عدم تعديه النجاسة والله العالم * (وهل) * يجب عليه تطهير مجرى البول وتغيير الخريطة عند كل صلاة بناء على
عدم جواز الصلاة في مثلها اختيارا أم لا وجهان من اطلاق الاخبار ومن امكان المناقشة فيها ببعض ما تقدم كحمل المعذورية
المستفادة منها على النجاسة العارضة في أثناء الصلاة ولكنها في غاية الضعف بل صحيحة حريز صريحة فلا خلافه والامر بالجمع
بين الصلاتين لا يدل على عدم المعذورية من حيث الحدث أو الخبث في غير صورة الجمع بل الظاهر أن الرواية ليست مسوقة الا
لبيان ادخال ذكره في الكيس اما للتحفظ عن تعدية النجاسة أو لصيرورته بمنزلة ظاهر البدن واما امره (ع) بالجمع بين الصلاتين
وتأخير الصلاة الأولى وتقديم الثانية فإنما هو لبيان عدم البأس في الجمع وللارشاد إلى ما هو الأصلح بحاله بحيث يدرك
فضيلة الفرضين على وجه لا يشق عليه الاستظهار والله العالم
* (وقيل) * بل نسب إلى المشهور ان من به البطن وهو بالتحريك
داء لا يستمسك معه الغائط قيل أو الريح إذا تجدد حدثه في أثناء الصلاة يتطهر ويبنى على صلاته ويدل عليه مضافا إلى ما
عرفت في حكم المسلوس من أنه هو الذي يقتضيه الجمع بين القواعد على تقدير عدم كون الوضوء مطلقا فعلا كثيرا مبطلا للصلاة
موثقة ابن مسلم عن الباقر (ع) قال صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقي وفي صحيحة عنه أيضا قال صاحب
البطن الغالب يتوضأ ويبنى على صلاته وعليهما تحمل صحيحته الأخرى قال سئلت أبا جعفر (ع) عن المبطون فقال يبنى على صلاته والمناقشة
في ظهورها في المدعى خصوصا في الموثقة منها مما لا ينبغي ان يلتفت إليها فالقول بكون المبطون كالمسلوس في أنه لا يجدد وضوئه
في أثناء الصلاة للحدث المتجدد كما عن العلامة في أكثر كتبه ضعيف واستدل العلامة المختارة بأنه لا فائدة في التجديد لان
هذا المتكرر ان نقض الطهارة نقض الصلاة لما دل على اشتراط الصلاة باستمرارها * (وفيه) * أولا ان قوله (ع) لا صلاة الا
195

بطهور وكذا غيره مما دل على كون الطهارة كالاستقبال شرطا في الصلاة انما يدل على وجوب مقارنة مجموع أفعال الصلاة
للطهارة والكون المتخلل حال الوضوء ليس منها وعدم جواز الاستدبار أو ايجاد الحدث في أثناء الصلاة حين عدم اشتغاله
بفعل من أفعالها ليس لأجل كون هذه الأكوان جزء لها حتى يشترط فيها ما يشترط في سائر الأجزاء بل لكون الحدث والاستدبار
كالقهقهة والتكلم قاطعا للهيئة الاتصالية المعتبرة بين اجزائها وقد علم بالنص والاجماع ان الحدث الصادر من المبطون
ليس بقاطع فيجب عليه تحصيل الطهارة التي هي شرط بالنسبة إلى الأجزاء الباقية وثانيا سلمنا ان الأكوان أيضا من اجزاء
الصلاة الا ان الأخبار المتقدمة دلت على اختصاص شرطية الطهارة بما عدا هذا الجزء * (لا يقال) * ان الحدث المتجدد
لو كان ناقضا لجاز له ايجاد سائر النواقض اختيارا قبل الاخذ في الوضوء إذ لا تكرر في الاحداث لأنا * (نقول) * ان الحدث
الاختياري لا اثر له في تجدد الحدث الا انه مؤثر في انقطاع الصلاة فلا يجوز ثم لا يخفى عليك ان مورد الاخبار وموضوع
كلام الأصحاب انما هو فيما إذا كان للمبطون فترة تسع الطهارة وبعض أفعال الصلاة على وجه لا يكون تجديد الطهارة عند
كل حدث مؤديا إلى الحرج وإلا فلا يجب عليه الا الوضوء عند كل صلاة وليس الحدث الخارج في أثناء الصلاة والطهارة المتصلة
بها ناقضا لوضوئه لان ما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر وتكليفه بتجديد الوضوء عند كل حدث في الفرض حرج منفى
في الشريعة وقد ظهر لك مما بيناه فيما يقتضيه القواعد العامة في المقام حكم سلس النوم أو الريح لو لم يعمه لفظ المبطون من أن
مقتضى القواعد الشرعية تجديد الطهارة عند كل صلاة وكذا في أثنائها ما لم يؤد إلى الحرج لو لم نقل بان الوضوء فعل
كثير مبطل والا فيستصحب طهارته وعلى تقدير المناقشة في الاستصحاب يحتاط بتكرار الصلاة مع تخلل الوضوء وبدونه
والله العالم * (وهل) * يجب عليه إزالة الخبث عند تجديد الطهارة فيه تردد من عموم أدلته ومن معارضتها بما دل على أن
الفعل الكثير في أثناء الصلاة يبطلها فيرجع بعد التساقط إلى البراءة هذا مضافا إلى امكان دعوى استفادتها من اطلاق
الاخبار الامرة بالوضوء والنهار على ما مضى الا ان يقال إن اطلاقها مسوق لبيان حكم اخر وهو عدم انقطاع الصلاة لا
لبيان تمام ما هو تكليف المبطون أو يقال باجمال التوضي المأمور به واحتمال إرادة مطلق التطهير الشامل لرفع الحدث و
الخبث وكيف كان فالقول بالبراءة ولو لأجل الرجوع إلى الأصل اظهر الا ان يمنع كون الإزالة ولو بالنظر إلى بعض افرادها
كالاستجمار فعلا كثيرا فالأحوط بل الأقوى حينئذ وجوبها ما لم تستلزم حرجا واعلم أنه ذكر الحلي فيما حكى عن سرائره ان مستدام
الحدث يخفف الصلاة ولا يطيلها ويقتصر فيها على أدنى ما يجزى المصلى عند الضرورة وقال إنه يجزيه ان يقرء في الأوليين
بأم الكتاب وحدها وفي الأخيرتين بتسبيح في كل واحدة أربع تسبيحات فإن لم يتمكن من قراءة فاتحة الكتاب سبح في جميع
الركعات فإن لم يتمكن من التسبيحات الأربع لتوالى الحدث منه فليقتصر على ما دون التسبيح في العدد ويجزيه منه تسبيحة واحدة
في قيامه وتسبيحة في ركوعه وتسبيحة في سجوده وفي التشهد ذكر الشهادتين خاصة والصلاة على محمد واله صلى الله عليه و
عليهم مما لابد منه في التشهد ويصلى على أحوط ما يقدر عليه في بدار الحدث من جلوس أو اضطجاع وان كان صلاته بالايماء
أحوط له في حفظ الحدث ومنعه من الخروج صلى موميا ويكون سجوده اخفض من ركوعه انتهى * (أقول) * مقتضى اطلاق اخبار
السلس والمبطون عدم كون الحكم بهذا النحو من الضيق بل ظاهرها انه يصلى بصلاته المتعارفة وان هذا المرض موجب
للعفو عن الحدث لا الرخصة في ترك سائر الواجبات تحفظا عنه نعم كون الحكم عذريا يوجب انصراف أدلته عما لو كان
له فترة تسع الطهارة والصلاة على الوجه المتعارف هذا مع أن مقتضى قاعدة نفى الحرج وغيرها من الأدلة العامة انما
هو سقوط الشرط والقيد الذي نشأ منه التعذر دون غيره فمقتضاه انتفاء مانعية الحدث الذي لا يقدر على إمساكه
لا سقوط غيره من الواجبات التي لا حرج في فعلها من حيث هي والله العالم
* (و) * سنن الوضوء على ما صرح به المصنف [قده]
* (عشر الأولى) * وضع الاناء على اليمين كما عن المشهور بل عن غير واحد من الأساطين كالمصنف [ره] في المعتبر الشهيد في الذكرى
نسبته إلى الأصحاب وكفى به دليلا للحكم الاستحبابي بعد انضمام اخبار التسامح إليه واستدل له بما روى عن النبي (ص) انه
كان يحب التيامن في طهوره وشغله وشأنه كله وربما علل أيضا بأنه أسهل وأيسر وأمكن للاستعمال أي الاغتراف باليمين
الذي هو المطلوب ومن هنا صرح بعضهم باختصاص الحكم بالاناء الذي يغترف منه فإذا كان نحو الإبريق فيستحب
وضعه على اليسار لكونه أمكن في الصب منه في الكف الأيمن ولكنك خبير بان مثل هذه الأمور في حد ذاتها لا ينهض
لاثبات الاستحباب الشرعي ما لم ينضم إليها دليل اخر كاخبار التسامح ونقل الاجماع المعتضد بعدم وجدان المخالف
196

غيرهما مما يمكن الاعتماد عليه ولعل المستدل بها ناظر إلى ما ورد في بعض الأخبار على ما قيل إن
الله يحب ما هو الأيسر
والأسهل ولا بأس بالاستدلال بمثل هذه المراسيل بضميمة اخبار التسامح
* (والثانية) * الاغتراف بها ويدل عليه مضافا
إلى ما عن المعتبر والذكرى من نسبته إلى الأصحاب وبعض الوضوءات البيانية ما عن عمر بن أذنية عن أبي عبد الله (ع) في حديث
طويل ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لما أسرى بي إلى السماء أوحى الله إلي يا محمد ادن من صاد فاغسل مساجدك وطهرها وصل لربك فدنا
رسول الله صلى الله عليه وآله من صاد وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن فتلقى رسول الله صلى الله عليه وآله الماء بيده اليمنى فمن أجل ذلك صار الوضوء
باليمين وفي الحدائق استوجه الحكم بالنسبة إلى ما عدا غسل اليمنى نفسها لاتفاق الاخبار عليه فقد ورد في بعض الأخبار
البيانية انه (ع) اخذ كفا من الماء بيمينه فصبه على يساره ثم غسل به ذراعه الأيمن وكذا في موثقة الأخوين ثم غمس كفه اليمنى
في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى وقد ورد في غير واحد منها انه (ع) اغترف باليسرى الغسل اليمنى الا ان احتمال
كون الطائفة الثانية للجري على مجرى العادة يمنع من مزاحمتها لظهور الأخبار السابقة في إفادة الاستحباب مضافا إلى
اعتضادها بالشهرة ونقل الاجماع خصوصا في الحكم بالمستحبى الذي يتسامح في دليله والله العالم * (والثالثة التسمية) * اجماعا
كما عن غير واحد نقله للأخبار المستفيضة * (منها) * مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال إذا سميت في الوضوء
طهر جسدك كله وإذا لم تسمه لم يطهر من جسدك الا ما مر عليه الماء ومثلها رواية أبي بصير وفي صحيحة عيص بن القاسم عنه (ع) من ذكر
اسم الله على وضوئه فكأنما اغتسل وفي الخصال عن علي (ع) لا يتوضأ الرجل حتى يسمى يقول قبل أن يمس الماء بسم الله وبالله اللهم
اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فإذا فرغ من طهوره قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهدوا
ان محمدا عبده ورسوله فعندها يستحق المغفرة إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة وروى الشيخ في التهذيب عن ابن أبي عمير
عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال إن رجلا توضأ وصلى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أعد وضوئك وصلاتك ففعل فتوضأ
وصلى فقال النبي صلى الله عليه وآله أعد وضوئك وصلاتك ففعل وتوضأ وصلى فقال له النبي صلى الله عليه وآله أعد وضوئك وصلاتك فاتى أمير المؤمنين (ع)
فشكى ذلك إليه فقال له هل سميت حين توضأت فقال لا قال سم على وضوئك فسمى وتوضأ وصلى فاتى النبي صلى الله عليه وآله فلم يأمره ان يعيد
والظاهر على ما يشهد به سياق الرواية مضافا إلى القرائن الخارجية كما عن تصريح بعض متأخري المتأخرين كون ذلك على
جهة التأديب والارشاد ومقتضاه جواز إعادة الصلاة لادراك فضيلة التسمية كما عن بعض المتأخرين استظهاره
وعن الذكرى ان فيه دلالة على استحباب الإعادة وقد أشكل ذلك على بعض مشايخنا [قده] حتى أنه استقرب تنزيل الرواية
على التقية أو تنزيلها على ما عن الشيخ [قده] من حمل التسمية في الخبر على النية وكون العمل لله تعالى في القصد معللا بان
الألفاظ ليست بفريضة حتى يعاد من تركها الوضوء والا لم يطهر مواضع الوضوء بتركها لأنه لا يكون قد تطهر تاركها
وفيه أن تنزيلها على ما عن الشيخ [ره] متعذر بناء على كفاية الداعي في صحة العبادة وعدم وجوب الاخطار كما هو التحقيق
وعلى القول بوجوب الاخطار أيضا في غاية البعد إذ العادة قاضية بأنه في الدفعة الثانية والثالثة كان ملتفتا إلى امر النبي صلى الله عليه وآله
وهو لا ينفك عن قصد امتثال امر الله تعالى إلا أن لا يكتفي القائل بوجوب الاخطار بهذا المعنى أيضا في صحة العبادة
ويعتبر الالتفات التفصيلي كحديث النفس وكيف كان فهذا الحمل من البعد بمكان وابعد منه احتمال كونه منسوخا
كما في الوسائل
ابدائه واما حملها على التقية فكذلك أيضا إذ مع بعده في حد ذاته خصوصا في مثل هذه الرواية التي حكى الإمام (ع) امر
النبي صلى الله عليه وآله ثلاث مرات بالإعادة ومع عدم ثبوت التزام العامة ببطلان الوضوء ووجوب إعادة الصلاة بترك التسمية يتوجه
عليه انه لا داعى لارتكاب التأويل وما قيل من أن اثبات مشروعية إعادة الوضوء والصلاة لترك هذا المستحب مشكل ففيه
انه لاوجه للاستشكال بعد ورود النص الصحيح وانتفاء ما يعارضها نقلا وعقلا إذا نقلا فواضح واما عقلا فلان من الجائز أن تكون
المزية الموجبة لأفضلية الفرد وتأكد طلبه امرا قابلا للتدارك بعد حصول الطبيعة في الخارج فحصولها يؤثر في سقوط الطلب
الالزامي المتعلق بالطبيعة واما الطلب الخاص المتعلق بالفرد لما فيها من المزية فلا بمعنى ان تصادق المصلحتين في الفرد
الأفضل أوجب تأكد الطلب الالزامي بالنسبة إليه وحصول الطبيعة في ضمن فرد آخر لا يقتضى الا ارتفاع الالزام بايجاد الطبيعة
واما ارتفاع محبوبية ايجادها في ضمن هذا الفرد لاحراز ما فيها من المصلحة بعد فرض امكان تداركها فلا بل العقل قاض في مثل
الفرض ببقاء مرتبة من الطلب مقتضية لحسن ايجاد الفعل بداعي الامتثال كيف وقد أشرنا في بعض المباحث السابقة إلى
امكان القول بان مقتضى القاعدة مشروعية الإعادة للإجارة الا ان يدل دليل خاص على خلافها وتمام الكلام في محله
197

ويكفى في اثبات جواز الإعادة عقلا وروده شرعا كإعادة المنفرد صلاته جماعة والحاصل انه لا مقتضى لطرح الرواية المعتبرة
أو تأويلها خصوصا في الحكم المستحبي وليس مفادها جواز قطع الصلاة وإعادة الوضوء حتى يزاحمها دليل حرمة القطع كما لا يخفى
ثم إن مقتضى اطلاق الاخبار كفاية مطلق التسمية وعن المصنف [ره] في المعتبر انه لو اقتصر على ذكر اسم الله اتى بالمستحب ولكن ربما
يدعى انصراف الاخبار إلى لفظ بسم الله فذكره بالخصوص أحوط بل وأحوط منه قول بسم الله الرحمن الرحيم لامكان دعوى
كونه هو المتبادر من التسمية مضافا إلى ورود التصريح به في رواية محمد بن قيس قال أبو عبد الله (ع) فاعلم انك إذا ضربت يدك الماء
وقلت بسم الله الرحمن الرحيم تناثرت الذنوب التي اكتسبها يداك الحديث ولا ينافيها ما في بعض الأخبار
من الاقتصار على بسم الله
لكن الحكم مستحبا والاختلاف منزل على مراتب الفضل والله العالم
* (والرابعة) * الدعاء للاخبار الكثيرة منها خبر معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال فإذا توضأت فقل أشهد أن لا إله إلا الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين
والحمد لله رب العالمين وقد روى أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي (ع) يا علي إذا توضأت فقل بسم الله اللهم إني أسئلك تمام الوضوء و
تمام الصلاة وتمام رضوانك وتمام مغفرتك فهذا زكاة الوضوء ويحتمل ان يكون مورد هذه الرواية بعد الفراغ من الوضوء
وفي رواية الخصال المتقدمة أيضا دلالة على المطلوب وفي طهارة شيخنا المرتضى [ره] ويستحب الدعاء بعد التسمية وقراءة الحمد
والقدر حكاه في الذكرى عن المفيد * (والخامسة) * غسل اليدين من الزندين على الأظهر بل في الحدائق نسبته إلى ظاهر الأصحاب
قبل ادخالهما الاناء الذي يغترف منه من حدث النوم والبول مرة ومن الغائط مرتين ويدل على الأخيرين صحيحة الحلبي عن أبي
عبد الله (ع) قال سئلته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الاناء قال واحدة من حدث البول و
اثنتان من حدث الغائط وثلاث من الجنابة وتقييد السائل يده باليمنى لا يدل على اختصاص الحكم بها حتى يقيد بها مطلقات الاخبار
خصوصا مع ما في الاخبار من الدلالة على أن حكمة الحكم صيانة ماء الوضوء عن الانفعال بالنجاسة المحتملة وهي مقتضية لاستحباب غسل اليدين
لا خصوص اليمنى ويدل على الأولين اطلاق الامر بالغسل في رواية عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يبول ولم
يمس يده اليمنى شئ أيدخلها في وضوئه قبل أن يغسلها قال لا حتى يغسلها قلت فإنه استيقظ من نومه ولم يبل أيدخل يده في وضوئه
قبل أن يغسلها قال لا لأنه لا يدرى حيث باتت يده فليغسلها ويدل على الأول بل والأخير أيضا صحيحة حريز عن أبي جعفر (ع) قال يغسل
الرجل يده من النوم مرة ومن الغائط والبول مرتين ومن الجنابة ثلاثا قال في الوسائل اعتبار المرتين في البول محمول على الأفضلية
أو على صورة اجتماع الغائط والبول كما هو الظاهر من العطف فيدل على التداخل انتهى ويدل على الجميع ما أرسله الصدوق عن
الصادق (ع) اغسل يدك من البول مرة ومن الغائط مرتين ومن الجنابة ثلاثا قال وقال (ع) اغسل يدك من النوم مرة ثم إن ظاهر المتن
وغيره كصريح بعض اختصاص استحباب غسل اليدين بما إذا كان الوضوء من الاناء الواسع الرأس دون الضيق الرأس والكثير والجاري
وهذا هو الذي يستفاد من الأخبار الناهية عن ادخال اليد في الماء قبل غسلها الا انه لو قيل باستحباب الغسل مطلقا نظرا إلى اطلاق
الامر بغسل اليدين من الاحداث المذكورة لاطلاق بعض الأخبار المتقدمة فلعله لا يخلو عن وجه نعم كون الغسل قبل ادخالها في
الاناء مخصوص بالانية الواسعة الرأس لاختصاص الأدلة المقيدة بها قال في الحدائق بعد استظهاره من كلام البعض تخصيص
الاستحباب بالوضوء من الاناء الواسع الرأس لما ورد من التعليل بالنجاسة الوهمية في موثقة عبد الكريم والظاهر كما صرح به
آخرون التعميم نظرا إلى اطلاق رواية حريز وان الامر بذلك محض تعبد لا للنجاسة مع انحصار مورد التوهم في حدث النوم خاصة
انتهى والأمر سهل ثم لا يخفى عليك اختصاص الحكم بالاحداث المذكورة فلا يستحب من حدث الريح لعدم الدليل وهل غسل اليدين من
الأجزاء المستحبة للوضوء أو انه مستحب خارجي فيه بحث تقدمت الإشارة إليه في بعض مباحث النية وعلى تقدير كونه مستحبا خارجيا
فالأظهر كونه توصليا فيرتفع طلبه بمجرد حصول الغسل في الخارج ولو لم يقصد الوضوء والله العالم
* (السادسة) * المضمضة وهي
إدارة الماء في الفم * (والسابعة) * الاستنشاق وهو جذبه إلى الانف واستحبابهما هو المعروف نصا وفتوى بل لم ينقل خلاف فيه إلا عن
ظاهر العماني حيث قال إنهما ليسا عند آل الرسول بفرض ولا سنة وكلامه بحسب الظاهر تعبير عن مضمون رواية زرارة ليس المضمضة
والاستنشاق فريضة ولا سنة انما عليك ان تغسل ما ظهر فيحتمل من التوجيه ما تحتمله الرواية ولعل المراد منها انهما ليسا بواجبين
في كتاب الله ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وانما الواجب غسل ما ظهر واطلاق الفريضة والسنة على هذا المعنى شايع في الاخبار ويمكن حملها
على إرادة عدم كونهما من الأجزاء المستحبة للوضوء بل هما نظير السواك وغيره مستحب خارجي عند الوضوء ويؤيد هذا الحمل ما في رواية
أبي بصير حيث سئله عنهما قال (ع) ليس هما من الوضوء هما من الجوف * (و) * في رواية زرارة المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء ورواية
198

الخضري ليس عليك مضمضة والاستنشاق لأنهما من الجوف ولكن يرده وجوب ارتكاب التأويل في هذه الأخبار بحملها على عدم كونهما
من الأجزاء الواجبة بشهادة غيرها من الروايات المعتبرة المعمول بها عند الأصحاب مثل موثقة أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع) عنهما فقال
هما من الوضوء فان نسيتهما فلا تعد وفي رواية سماعة قال سئلته عنهما قال هما من السنة فان نسيتهما لم يكن عليك إعادة وفي رواية قرب الإسناد
عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) انه سئله عن المضمضة والاستنشاق قال ليس بواجب وان تركهما لم يعد لأجلهما الصلاة
وظاهر هذه الرواية كصريح ما تقدمها كونهما من الأجزاء المستحبة ومما يدل على استحبابهما مضافا إلى ما تقدم ما في الخصال عن علي
(ع) في حديث الأربعمائة قال والمضمضة والاستنشاق سنة وظهور للفم والأنف [الخ] ورواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله (ص) ورواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) عن ابائه عن النبي صلى الله عليه وعليهم أجمعين
قال ليبالغ أحدكم في المضمضة والاستنشاق فإنه غفران لكم ومنفرة للشيطان وينبغي ان يكون المضمضة قبل الاستنشاق
للرواية الآتية الحاكية لفعل أمير المؤمنين عليه السلام مقدما للمضمضة على الاستنشاق وقوله (ع) بعد الفراغ من توضأ مثل وضوئي
وقال مثل قولي كان له كذا وكذا ينبغي ان يكون كل منهما ثلاث لما روى عن أمالي المفيد الثاني ولد شيخ الطائفة عن أمير المؤمنين (ع)
في عهده إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر وفيه وانظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة تمضمض ثلاث مرات واستنشق ثلاثا إلى أن قال
فانى رأيت رسول الله يفعل ذلك وفي مكاتبة علي بن يقطين تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا الا ان جريها مجرى التقية يوهن الاستشهاد
بها بل ينبغي ان يكون كل مرة بكف لكونه اكد في المبالغة المأمور بها وأبلغ في التنظيف المطلوب منهما بل لعله المنساق إلى الذهن من
الامر بالتثليث ويؤيده الامر باسباغ الوضوء واستحباب كونه بمد ثم لا يخفى عليك ان هذه الخصوصيات كلها من قبيل تعدد
المطلوب إذ لا داعى في تقييد المطلقات في المستحبات بمقيداتها لعدم التنافي بل لا يبعد القول باستحباب المضمضة والاستنشاق
مطلقا ولو لغير الوضوء لعدم التنافي بين المطلقات ومقيداتها والله العالم
* (والثامنة) * الدعاء بالمأثور عندهما أي المضمضة
والاستنشاق يعنى بعد المج والجذب وكذا عند الغسل الوجه وعند غسل بكل واحد من اليدين وعند مسح الرأس وكذا عند مسح الرجلين لما
رواه الصدوق مرسلا والكليني عن عبد الرحمن بن كثير والشيخ عن عبد الله بن كثير الهاشمي مولى محمد بن علي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال بينا أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس مع محمد بن حنفية إذ قال له يا محمد ايتني باناء من ماء أتوضأ للصلاة فاتاه محمد
بالماء فأكفاه بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال بسم الله وبالله الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا قال ثم
استنجى فقال اللهم حصن فرجى واعفه واستر عورتي وحرمها على النار قال ثم تمضمض فقال اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق
لساني بذكرك ثم استنشق فقال اللهم لا تحرم على ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها قال ثم غسل وجهه
فقال اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ثم غسل يده اليمنى فقال اللهم أعطني كتابي
بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا ثم غسل يده اليسرى فقال اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي
وأعوذ بك من مقطعات النيران ثم مسح رأسه فقال اللهم غشني برحمتك وبركاتك وعفوك ثم مسح رجليه فقال اللهم ثبتني على الصراط
يوم تزل فيه الاقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عنى ثم رفع رأسه فنظر إلى محمد فقال يا محمد من توضأ مثل وضوئي وقال مثل قولي خلق الله
له من كل قطرة ماء ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره فيكتب الله له ثواب ذلك إلى يوم القيمة وفي طهارة شيخنا المرتضى [ره] بعد أن ذكر دعاء
الرجلين قال وزاد في الفقيه يا ذا الجلال والاكرام وعند الفراغ بقوله الحمد لله رب العالمين * (تكملة) * في الحدائق عن البحار من كتاب
الفقه الرضوي قال أيما مؤمن قرء في وضوئه انا أنزلناه في ليلة القدر خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وعنه أيضا من كتاب السيد بن الباقي
وكتاب البلد الأمين ان من قرء بعد إسباغ الوضوء انا أنزلناه وقال اللهم إني أسئلك تمام الوضوء وتمام الصلاة
وتمام رضوانك و
تمام مغفرتك لم تمر بذنب أذنبه الا محقته وعنه أيضا عن كتاب الاختيار قال قال الباقر (ع) من قرء على اثر وضوئه اية الكرسي مرة أعطاه الله
ثواب أربعين عاما ورفع له أربعين درجة وزوجه الله تعالى أربعين حوراء وفي طهارة شيخنا المرتضى [ره] عن تفسير الإمام العسكري (ع)
المشتمل على ثواب الوضوء انه ان قال في اخر وضوئه أو غسله من الجنابة سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك و
أتوب إليك وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك وان عليا وليك وخليفتك بعد نبيك وان أولاده خلفائك وأوصيائه تحاتت
عنه الذنوب كما يتحات أوراق الأشجار وخلق الله بكل قطرة من قطرات وضوئه أو غسله ملكا يسبح الله ويقدسه ويهلله ويكبره
ويصلى على محمد واله الطيبين وثواب ذلك لهذا المتوضئ ثم يأمر الله بوضوئه وغسله ويختم عليه بخاتم من خزانة رب العزة
* (والتاسعة) * من سنن الوضوء ان يبدء الرجل بغسل ظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى وفي الثانية بباطنهما والمرأة بالعكس لما رواه
199

المشايخ الثلاثة عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (ع) قال فرض الله على النساء في الوضوء للصلاة ان يبدءان بباطن أذرعهن
وفي الرجال بظاهر الذراع والمراد من الفرض التقدير والتشريع لا الايجاب بقرينة غيره من الأدلة وهذه الرواية بظاهرها لا تدل
الا على استحباب البدئة في غسل الذراع للنساء بباطنه وللرجال بظاهره واما استحباب العكس في الغسلة الثانية فلا يستفاد
منها بل ربما يستظهر منها اطلاق الاستحباب بالنسبة إلى الغسلتين وفيه منع ظاهر لان المتبادر منها استحباب الشروع في غسل
الذراع من باطنه للنساء ومن ظاهره للرجال والغسلة الثانية ليس ابتدائها ابتداء غسل الذراع وليس مفاد الرواية استحباب
الابتداء في كل غسلة فالرواية ساكتة عن حكم الغسلة الثانية وما يمكن الاستشهاد به لأرجحية العكس في الغسلة الثانية كون العكس
أحوط في تحصيل غرض رسول الله صلى الله عليه وآله في شرعه الغسلة الثانية لأجل ضعف الناس وقصورهم عن إسباغ الوضوء والاتيان بما هو
وظيفته بغسلة واحدة والحاصل ان الاسباغ الكامل لا يحصل الا بالصب من الطرفين فيكون راجحا * (وقد) * يقال إن الغسلة
الثانية حيث إنها بمنزلة المتمم للغسلة الأولى كما يفصح عن ذلك التعبير عنها في غير واحد من الاخبار بكونها اسباغا للوضوء ربما يتبادر
إلى الذهن من الامر بالبدئة من الظاهر أو الباطن كون الثانية عكسها وكيف كان فقد نسب القول باستحباب العكس في الغسلة الثانية
إلى كثير من أساطين الأصحاب بل عن الغنية والتذكرة الاجماع عليه فلا بأس بالالتزام به لاخبار التسامح واما دعوى الاستفادة
من الرواية أو غيرها من المناسبات الذوقية كدعوى استفادة اتحاد حكم الغسلتين من الرواية فهي كما ترى والله العالم
* (والعاشرة) * ان يكون الوضوء بجميع غرفاته الواجبة والمستحبة وهي اثنتا عشرة أو ثلاث عشرة أو أربع عشرة غرفة بمد بلا خلاف ظاهرا
بل عن جماعة الاجماع عليه ويدل عليه الأخبار المستفيضة ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ
بمد من ماء ويغتسل بصاع ومثله في صحيحة زرارة وزاد فيها والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال في الوسائل قال الشيخ يعنى
أرطال المدينة فيكون الصاع تسعة أرطال بالعراقي وفي الحدائق عن شيخنا البهائي [قده] انه اعتبر المد لا يزيد على ربع المن
التبريزي المتعارف في زماننا هذا بشئ يعتد به وقال شيخنا المرتضى [ره] المراد بالرطل فيها المدني وهو يزيد عن العراقي بنصفه
فالمد رطلان وربع بالعراقي وهو مأتان واثنان وتسعون درهما ونصف نسبه في الذكرى إلى الأصحاب وهي مئة وثلاثة وخمسون
مثقالا وكسر وروى في الفقيه مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال الوضوء بمد والغسل بصاع وسيأتي أقوام من بعدي يستقلون ذلك فأولئك
على خلاف سنتي والثابت على سنتي معي في حظيرة القدس إلى غير ذلك من الاخبار ثم إن ظاهر التحديد بمد ان الزائد ليس مستحبا بل
ربما يكون مكروها لما روى من أن لله جل ذكره ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه وقوله صلى الله عليه وآله في ذيل الرواية السابقة وسيأتي
أقوام يستقلون ذلك وظاهرة انهم يعدونه قليلا ويحتمل بعيدا ان يكون المراد انهم يقتصرون على أقل منه وكيف كان فقد يترائى
التنافي بين استحباب المد وبين الوضوءات المروية من فعل الأئمة (ع) في مقام البيان وغيره ففي صحيحة الحذاء المروية عن التهذيب
قال وضأت أبا جعفر (ع) وقد بال وناولته الماء فاستنجى ثم صببت عليه كفا فغسل وجهه وكفا غسل به ذراعه الأيمن وكفا غسل به
ذراعه الأيسر ثم مسح بفضل النداء رأسه ورجليه ويدفع التنافي قصور الفعل عن معارضة القول لاجمال وجهه إذ ربما يترك
الإمام (ع) الفعل الراجح لمراعاة امر أرجح ولكن الانصاف انه لولا الاجماع على استحباب المد لأمكن الالتزام بكون المد
نهاية لحد الرخصة وعدم كونه من السرف المنهى عنه وان حكاية فعل رسول الله صلى الله عليه وآله للتعريض على من يستقله فليتأمل والله العالم
وقد ذكروا في المقام مستحبات اخر لم يتعرض لذكرها المصنف [ره]
* (منها) * السواك وهو مستحب مطلقا ويتأكد استحبابه قبل الوضوء
والصلاة وفي الحدائق والظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا رضوان الله عليهم في استحبابه مطلقا وخصوصا للوضوء والصلاة
لاستفاضة الاخبار بذلك ومما يدل على استحبابه مطلقا موثقة إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد الله (ع) من أخلاق النبيين السواك
وروايته أيضا عنه قال السواك من سنن المرسلين وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال قال النبي صلى الله عليه وآله ما زال جبرئيل يوصيني
بالسواك حتى خفت ان احفى أو أدرد واحفى بالحاء المهملة وادرد بالدالين المهملتين عبارة عن اذهاب الأسنان
إلى غير ذلك
من الأخبار الكثيرة التي فوق حد التواتر ومما يدل على استحبابه قبل الوضوء قوله (ع) في صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق (ع) وعليك
بالسواك عند كل وضوء وقول الصادق (ع) في رواية المعلى بن الخنيس حين سئله عن الاستياك بعد الوضوء قال الاستياك قبل أن
يتوضأ قال قلت أرأيت ان نسي حتى يتوضأ قال يستاك ثم يتمضمض ثلاث مرات وفي مرسلة الصدوق قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي (ع) يا علي
عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة قال وقال السواك شطر الوضوء قال وقال النبي صلى الله عليه وآله لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك
عند وضوء كل صلاة وفي رواية السكوني التسويك بالمسبحة والابهام عند الوضوء سواك ومما يدل على استحبابه قبل الصلاة
200

رواية محمد بن مروان عن أبي جعفر (ع) في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي (ع) عليك بالسواك لكل صلاة وفي رواية ابن القداح عن أبي عبد الله (ع)
ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك قال وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل
صلاة إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
* (ومنها) * صفق الوجه بالماء لرواية عبد الله بن المغيرة عن رجل عن أبي عبد الله (ع) قال
إذا توضأ الرجل فليصفق وجهه بالماء فإنه إن كان ناعسا فزع واستيقظ وان كان البرد فزع ولم يجد البرد وعورضت بما رواه الشيخ
الكليني عن السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تضربوا وجوهكم بالماء إذا توضأ ثم ولكن شنوا الماء شنا
وبما روى في قرب الإسناد عن أبي جرير الرقاشي قال قلت لأبي الحسن (ع) موسى (ع) كيف أتوضأ للصلاة فقال لا تعمق في الوضوء
ولا تلطم وجهك بالماء لطما ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله مسحا وقيل في الجمع بينهما بحمل الخبر الأول على الناعس
والبرد ان كما هو نص فيهما والخبرين على ما عداهما أو الأول على الجواز والأخيرين على الكراهة واحتمل بعض ان يكون المراد
من صفق الوجه بالماء فعلا خارجيا قبل الوضوء للغرض المذكور في الرواية أقول ومن المحتمل قويا ان يكون المراد من الرواية
الأولى ايصال الماء إلى الوجه بملا كفه في مقابل الذهن فلا ينافيها الرواية الثانية واما الرواية الأخيرة فقد عرفت في
مبحث غسل الوجه انها أجنبية عما نحن فيه فراجع وكيف كان فلا ينبغي التأمل في استحباب هذا المعنى ولو لأجل التأسي
برسول الله صلى الله عليه وآله على ما يظهر من الاخبار الحاكية لفعله صلى الله عليه وآله فلو أريد من صفق الوجه بالماء صفقه بالكف المملوءة من الماء كما
لعله هو المنساق إلى الذهن من الرواية فلا بأس بالالتزام به ولا ينافيه شئ من الأدلة بل لعله يعضده الاخبار البيانية
وان أريد منه ضرب الماء على الوجه بالعنف لعارضها رواية السكوني مضافا إلى ما يظهر من الاخبار البيانية من مخالفته
لفعل النبي صلى الله عليه وآله والله العالم
* (ومنها) * فتح العينين عند الوضوء لما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا وفي العلل وثواب الاعمال
مسندا عن ابن عباس افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار جهنم وعن الراوندي انه روى في نوادره بإسناده عن
الكاظم (ع) عن ابائه (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله اشربوا عيونكم الماء لعلها لا ترى نارا حامية ولكن عن الشيخ في الخلاف
دعوى الاجماع على عدم استحباب ايصال الماء إلى داخل العينين وفي محكى الذكرى عدم المنافاة بين الحكمين العدم التلازم
بين الفتح وبين ايصال الماء إلى الداخل * (أقول) * اما الروايتان ففي سنديهما ضعف وقصور حتى أن صاحب الحدائق طعن
فيهما بضعف السند فلولا موافقة مضمونها للمحكى عن الشافعي لاتجه القول بالاستحباب مسامحة ولكن الله تعالى جعل الرشد
في خلافهم والله العالم
* (ويكره) * في الوضوء أمور منها ايقاعه في المسجد من حدث البول والغائط لرواية رفاعة قال سئلت
أبا عبد الله (ع) عن الوضوء في المسجد فكرهه من البول والغائط ويحتمل قريبا ان يكون المراد من الوضوء في هذه الرواية الاستنجاء أو مطلق
غسل البول والغائط دون الوضوء الرافع للحدث فالمراد من الكراهة حينئذ الحرمة فان اطلاقها عليها كاطلاق الوضوء على
الاستنجاء أو مطلق الغسل في الاخبار شايع ويدل عليه أيضا مفهوم رواية بكير بن أعين عن أحدهما (ع) قال إذا كان الحدث
في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد وربما يحمل هذه الرواية بقرينة فرض الحدث في المسجد على غير الحدثين وفيه منع المنافاة إذ
ربما لا يكون الحدث اختياريا فلا وجه للتخصيص وبها يقيد اطلاق الرواية السابقة والله العالم
* (ومنها) * ان يستعين في طهارته
بان يكل بعض مقدماته القريبة كصب الماء في اليد ونظائره إلى الغير للاخبار والمستفيضة المتقدمة في مسألة عدم جواز التولية
ومنها ان يمسح بلل الوضوء من أعضائه بالمنديل كما عن الشيخ في أكثر كتبه وكذا عن جمع من الأصحاب بل نسب إلى المشهور القول
بكراهته وعن الخلاف دعوى الاجماع على أفضلية تركه والمستند فيه ما روى بعدة طرق في الكافي وثواب الاعمال والمحاسن
عن أبي عبد الله (ع) من توضأ وتمندل كتبت له حسنة ومن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوئه كتب له ثلاثون حسنة وتقريب
دلالتها على الكراهة ظهورها في كون الثلاثين حسنة على أصل الوضوء الذي لم يجفف مائه بالمنديل فيكون التمندل موجبا
لادخال نقض فيه يوجب قلة ثوابه ويحتمل ان يكون ابقاء اثر الوضوء في حد ذاته مستحبا فيكون زيادة الثواب لأجله وعلى
هذا لا يستفاد من الرواية كراهة التمندل إذ لا ملازمة بين استحباب الترك وكراهة الفعل وكيف كان فهذه الرواية
صريحة في رجحان بقاء اثر الوضوء ولا يعارضها رواية الحضرمي عنه (ع) لا بأس يمسح الرجل وجهه
بالثوب إذا توضأ إذا كان الثوب
نظيفا ونظيرها صحيحه ابن مسلم ورواية المحاسن إذ ليس مفادها الا جواز الفعل فلا ينافيها رجحان الترك نعم يعارضها الأخبار المستفيضة
الدالة على أنه كان لعلي (ع) خرقة يعلقها في مسجد بيته لوجهه إذا توضأ تمندل بها وظاهرها مداومته (ع) على
ذلك وهو ينافي الكراهة وفي موثقة إسماعيل بن الفضل قال رأيت أبا عبد الله (ع) توضأ للصلاة ثم مسح وجهه بأسفل
201

قميصه ثم قال يا إسماعيل افعل هكذا فانى افعل هكذا وفي صحيحة منصور بن حازم قال رأيت أبا عبد
الله وقد توضأ وهو
محرم ثم اخذ منديلا فسمح به وجهه وهذه الأخبار وان كانت أصح سندا وأكثر عددا الا ان مخالفتها للمشهور وموافقتها للجمهور
الذين جعل الله الرشد في خلافهم أوهنها فيحتمل جرى هذه الأخبار مجرى التقية وهذا الاحتمال وان كان بعيدا بالنسبة إلى
بعضها الا ان في بعضها الاخر كموثقة إسماعيل إيماء إليها ولعل قوله (ع) في ذيل الموثقة يا إسماعيل افعل هكذا تعريض على أبي حنيفة
القائل بنجاسة ماء الوضوء على ما حكى عنه والله العالم * (و) * هل يلحق بالمسح تخفيف البلل بالنار أو الشمس في المدارك قيل نعم لاشتراكهما
في إزالة اثر العبادة ولاشعار قوله (ع) حتى يجف وضوئه بذلك وقيل لا اقتصارا على مدلول اللفظ وهو قوى بل لا يبعد اختصاص
الكراهة بالمنديل كما هو منطوق الرواية انتهى والله العالم
* (الفصل الرابع في احكام الوضوء) * الطارية عليه
باعتبار عروض الشك المتعلق به من حيث وجوده أو صحته من يتقن الحدث وشك في الطهارة أو ظن بها من غير طريق معتبر تطهر
لما يوجده من الأفعال المشروطة بالطهارة اجماعا ويدل عليه مضافا إلى الاجماع والأخبار المستفيضة
الناهية عن نقض
اليقين بالشك الاستصحاب المتفق عليه في مثل المقام بين العلماء الأعلام بل بين قاطبة أهل الاسلام على ما صرح به شيخنا
المرتضى [قده] بل عن المحدث الأسترآبادي المنكر لحجية الاستصحاب عد مثله في بعض فوائده من ضروريات دين الاسلام نعم
يظهر من شيخنا البهائي [ره] فيما حكى عنه من حبله المتين في عكس المسألة أعني لو تيقن الطهارة وشك في الحدث إناطة جريان
الاستصحاب بعدم الظن على خلاف الحالة السابقة ولكنه مع ضعفه في حد ذاته ومخالفته لصريح الأخبار الناهية عن نقض اليقين
الا بيقين مثله لا يدل على مخالفته فيما نحن فيه في الحكم الفرعي لعدم انحصار المدرك في الاستصحاب إذ لو لم نقل بحجية الاستصحاب
ولم يكن في المسألة اجماع وخبر لكنا نلتزم أيضا بوجوب الطهارة لقاعدة الاشتغال أو يتقنهما وشك في المتأخر منهما فكذلك تطهر
أيضا وفاقا للمشهور لا لاستصحاب الحدث لمعارضته بالمثل بل لحكم العقل بوجوب القطع بتفريغ الذمة من التكاليف المشروطة
بالطهور فلا فرق في وجوب الطهارة في الصور المتقدمة بين القول بحجية الاستصحاب وعدمه نعم اجزاء الاستصحاب انما يؤثر بالنسبة
إلى الأحكام الثابتة للمحدث من حيث هو كحرمة الدخول في المساجد أو قراءة العزائم لا بالنسبة إلى التكاليف المنجزة على المكلف
المشروطة بإزالة الحدث وسره ان موضوع الاحكام أعني الحدث يحرز باستصحابه فيترتب عليه جميع احكامه واما قاعدة الاشتغال
فإنها لا تقتضي الا وجوب الاحتياط بالنسبة إلى التكاليف المنجزة على المكلف المشروطة بالطهارة واما الأحكام الثابتة للمحدث في حد
ذاته فلا بل المرجع فيها أصل البراءة لكون الشك بالنسبة إليها شكا في التكليف واما بالنسبة إلى الأول فالشك انما هو في المكلف
به ولا فرق في وجوب الطهارة بمقتضى القاعدة بين القول بكون الطهارة شرطا للغايات المشروطة بها وكون الحدث مانعا ولا بين القول بكون الطهارة هو الحالة الأصلية في الانسان وكون الحدث كذلك لاستقلال
العقل بوجوب القطع بتفريغ الذمة من التكاليف المعلومة فكما أن الشك في الشرط مانع من الجزم بحصول المشروط كذلك الشك
في اقتران المأتي به بالمانع مانع من الجزم بحصول الامتثال فكما يجب احراز الشرط يجب احراز عدم المانع إذ كما أن صحة الفعل
تتوقف على وجود الشرط كذا تتوقف على عدم المانع فعدم المانع أيضا بمنزلة الشرط في وجوب احرازه عقلا نعم بين عدم المانع
وسائر الشرائط الوجودية فرق في الجملة وهو ان عدم المانع كثيرا ما يحرز باستصحاب العدم الأزلي بخلاف الشرائط الوجودية فإنها غالبا
مسبوقة بالعدم الا ان هذا الفرق غير مجد فيما نحن فيه للقطع بانقطاع العدم الأزلي ووجود الحدث قبل زمان الشك فيستصحب وجوده لولا
معارضته باستصحاب بقاء اثر الوضوء * (وما) * يقال من أن عدم العلم بوجود المانع كاف في البناء على عدمه انما يتم لو قيل باستقرار بناء العقلاء على
ترتيب اثر المقتضى بمجرد احرازه ولكنك عرفت فيما سبق عند التكلم في مسألة الشك في مانعية الخاتم من وصول الماء إلى البشرة فساد هذا المبنى
فكيف يرخص العقل في الاقتصار على الشك في مقام الإطاعة * (وبما) * ذكرنا ظهر لك ان القول بكون الطهارة هي الحالة الأصلية أو الحدث مما لا يجدي
أصلا للعلم بانقلاب الحالة الأصلية والشك في زوال الحالة الطارية فمقتضى القاعدة استصحابها لولا معارضتها باستصحاب اثر الوضوء أو
الحدث الوتر في عود الحالة الأصلية (لايق) انا لو بنينا على أن الحالة الأصلية هي الطهارة يجب الرجوع إليها بعد تعارض الأصلين وتساقطهما
* (لأنا) * نقول الأصل الثالث الذي يرجع إليه بعد تساقط الأصلين انما هو الأصل العملي المقرر للشاك لا الحالة الأصلية التي يتوقف
عودها على سبب حادث لان تساقط الأصلين لا يوجب القطع بعود الحالة الأصلية حتى يجوز الاقتصار عليه في مقام امتثال التكاليف
المشروطة بها كما هو ظاهر فالمرجع انما هو قاعدة الاشتغال لاغير * (ويؤيد) * ما ذكرنا من وجوب الطهارة مطلقا على من تيقنهما
وشك في المتأخر ما في الفقه الرضوي وإن كنت على يقين من الوضوء والحدث ولا تدري أيهما أسبق فتوضأ بل ربما يستدل به له بدعوى
انجباره بالشهرة المحققة وظهور الاتفاق المفهوم من نسبته في الذكرى إلى ظاهر الأصحاب وربما يستدل له أيضا باطلاق قوله تعالى
202

إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا [الخ] وقوله (ع) إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور إذ لم يعلم خروج المفروض من اطلاقهما وبقوله (ع)
في موثقة ابن بكير إذا استيقنت انك أحدثت فتوضأ لأن المفروض انه استيقن انه أحدث وفي الجميع مالا يخفى اما الآية فلانها
مخصصة نصا واجماعا بغير المتطهر والشك فيما نحن فيه انما هو في كون الكلف من مصاديق عنوان المخصص أعني المتطهر أو من
مصاديق العنوان الذي أريد من العام أعني غير المتطهر ولا يجوز التمسك في مثل المقام بأصالة العموم أو الاطلاق لان التمسك
بالعموم والاطلاق انما يصح فيما إذا كان الشك في تعيين المعنى الذي أريد من اللفظ لا في تطبيق المعنى المعين المعلوم ارادته
على الموضوع الخارجي * (توضيح) * المقام انه إذا قال المولى لعبده أكرم العلماء الا فساقهم وشك في أن زيدا من فساق العلماء أو من
عدو لهم ليس له ان يتمسك لمعرفة حكم زيد بأصالة العموم إذ لا دلالة في الكلام الصادر من المولى على أن زيد الفاسق أو عادل فلابد
في معرفة حكم زيد من الرجوع إلى الأمور الخارجية والأصول الموضوعية كاستصحاب العدالة أو الفسق أو غيره من القواعد لا إلى العموم
لان الرجوع إلى العموم مدركه ظهور اللفظ نوعا في ارادته فيختص مورده بما إذا استلزم خروج الفرد المشكوك تصرفا في الظاهر كما فيما
لو شك في أصل التخصيص أو كون الفرد المشكوك خروجه على تقدير الخروج تخصيصا مغايرا للتخصيص المعلوم لا فيما إذا علم أصل التخصيص
وشك في كون الفرد مصداقا للمخصص المعلوم كما فيما نحن فيه إذ لا ظهور لأكرم العلماء في أن زيدا ليس بفاسق وقد علم من دليل التخصيص
ان الفاسق لا يجب اكرامه فلم يبق لأكرم العلماء ظهور في وجوب اكرام زيد حيث إن كونه من مصاديق عدول العلماء ليس بأولى من كونه
من مصاديق فساقهم بالنظر إلى ظاهر الدليل * (نعم) * لو كان الشك في خروج زيد مسببا عن الشك في اجمال مفهوم المخصص وتردده بين
الأقل والأكثر بان شك في أن الفسق هل يتحقق بارتكاب مطلق المعصية أم لا يتحقق الا بارتكاب الكبيرة فالأظهر جواز الرجوع إلى أصالة
العموم لان مرجع الشك في هذا الفرض إلى الشك في أصل التخصيص ولتمام التحقيق مقام اخر وكيف كان فقد ظهر لك ضعف الاستدلال
بالآية لوجوب الطهارة فيما نحن فيه واما قوله (ع) إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور * (ففيه) * انه ان أريد من الطهور نفس الوضوء أو الغسل
أو التيمم لا بوصف رافعيتها للحدث فيتوجه على الاستدلال به ما عرفته في الآية لكونه كالآية مخصصا بما عدا للمتطهر نصا واجماعا وان أريد
منه الفعل الرافع للحدث فالرواية بنفسها مخصوصة بالمحدثين لان الامر بإزالة الحدث لا يتنجز الا في حقهم فالشك فيما نحن فيه انما هو
في تحقق موضوع الحكم ومعه كيف يتمسك باطلاق الدليل * (واما) * الموثقة فهي بحسب الظاهر مسوقة لبيان انه لا يجب الوضوء الا بعد
اليقين بالحدث كما يدل عليه التفريع المذكور بعد هذه الفقرة وهو قوله (ع) فإياك ان تحدث وضوء ابدا حتى تستيقن انك أحدثت وليست مسوقة
لبيان انه إذا حصل له اليقين بالحدث يجب عليه الوضوء ما لم يقطع بارتفاعه حتى يستفاد منها حكم صورة الشك هذا مع معارضتها على هذا
التقدير فيما نحن فيه بما يستفاد من ذيلها واضعف من الأدلة المذكورة ما قد يتوهم من امكان الاستدلال للمطلوب بعموم وجوب الوضوء
عند حصول أسبابه بدعوى أن مقتضى اطلاقات أدلة الأسباب سببية كل حدث الوجوب الوضوء غاية الأمر انه علم أن الشارع اقتصر في
صورة العلم بتعاقب الاحداث في امتثال الواجبات المتعددة بوضوء واحد واما فيما نحن فيه فلم يعلم ذلك فمقتضى العموم وجوب الوضوء للحدث
المتيقن * (توضيح) * ضعفه بعد الاغماض عن بطلان أصل الدعوى لما عرفت في محله من أن الوضوء لا يتعدد وجوبه بتعدد أسبابه وان
السبب المؤثر في وجوبه هو الحدث الغير المسبوق بحدث آخر وكون ما نحن فيه من هذا القبيل غير معلوم انه يتوجه عليه انه لا اثر للعمومات
فيما نحن فيه بعد القطع بوجوب الوضوء عليه عقيب الحدث المتيقن والقطع بسقوط هذا الواجب على تقدير تحقق الوضوء عقيبه لان الكلام
في المقام انما هو في تكليف من شك في أن الوضوء الذي تحقق في الخارج هل وقع عقيب الحدث حتى يرفع اثره أم وقع قبله ومن المعلوم
ان الأدلة المثبتة للاحكام الواقعية لا تدل على ما هو وظيفة المكلف في مقام الشك لأن مفادها ليس إلا بوجوب الوضوء عقيب الحدث
وهو مما لا كلام فيه * (واما) * وجوب تحصيل الجزم بحصول الواجب في الخارج الذي هو محط كلامنا فإنما يستفاد من حكم العقل لا اطلاقات
الأدلة فتلخص لك ان عمدة المناقشة في الاستدلال بمثل هذه الأدلة لمثل ما نحن فيه كما صدر عن غير واحد من الاعلام في كثير من
الموارد أمران أحدهما عدم جواز التمسك بالعمومات في الشبهات المصداقية والثاني عدم دلالة الأوامر الواقعية على وجوب تحصيل
القطع بتفريغ الذمة فلا وجه للاستدلال بها لاثبات الوجوب في مثل المقام وبما ذكرنا ظهر لك ضعف الاستدلال بالأدلة المذكورة
لاثبات وجوب الوضوء في الفرع الأول أيضا أعني ما لو يتقن الحدث وشك في الطهارة كما توهم * (وليعلم) * ان في المسألة أقوالا اخر
* (منها) * ما عن بعض متأخري المتأخرين من التفصيل بين ما لو جهل تاريخهما فكالمشهور أو علم تاريخ الحدث دون الطهارة فإنه متطهر عكس ما لو علم
تاريخ الطهارة دون الحدث فإنه محدث لأصالة تأخر الحادث * (وفيه) * ان وصف المتأخر كالمتقدم امر حادث مسبوق بالعدم فلا يمكن اثباته
بالأصل نعم ما هو المطابق للأصل عدم وجود ما جهل تاريخه إلى زمان حصول الاخر ولكنه لا يجدي في اثبات
كونه متأخرا عنه لما عرفت
203

فيما سبق من عدم الاعتداد بالأصول المثبتة * (ومنها) * ما يظهر من المصنف [ره] في المعتبر وتبعه جماعة ممن تأخر عنه بل عن شارح الجعفرية
نسبته إلى المشهور بين المتأخرين من التفصيل بين صورة الجهل بالحالة السابقة على الحالتين فكالمشهور وبين صورة العلم بها فيؤخذ بضدها
لان تلك الحالة ارتفعت يقينا وارتفاع ذلك الرافع مشكوك فليستصحب الحالة الطارية التي لم يعلم زوالها قال في محكى المعتبر بعد حكاية
وجوب التطهير عن الثلاثة واتباعهم وتوجيه مقالتهم بان يقين الطهارة معارض بيقين الحدث ولا رجحان فتجب الطهارة لعدم التيقن
بوجودها الآن لكن يمكن ان يقال بنظر إلى حاله قبل تصادم الاحتمالين فإن كان حدثا بنى على الطهارة لأنه يتقن انتقاله عن تلك الحال
إلى الطهارة ولم يعلم تجدد الانتقاض فصار متيقنا للطهارة وشاكا في الحدث فيبنى على الطهارة وان كان قبل تصادم الاحتمالين
متطهرا بنى على الحدث لعين ما ذكرنا من التنزيل * (انتهى) * وعن الذكرى ان هذا التفصيل ان تم فليس خلافا فيما نحن فيه لرجوعه إلى
مسألة يقين الحدث والشك في الطهارة وعكسها انتهى الظاهر أن غرضه ان البحث في هذه المسألة انما هو في حكم من تيقنهما
وشك في المتأخر وما ذكر من التفصيل ليس خلافا في حكم هذا الموضوع من حيث هو لابتنائه على دعوى أن الملحوظ انما هو اليقين
بالطهارة لو كان في السابق محدثا ووجود الحدث عقيب الطهارة المتيقنة غير معلوم ومن المعلوم ان تمامية هذا الكلام موقوف على
عدم ملحوظية اليقين الاخر في عرض هذا وحينئذ يخرج للفروض عن موضوع المبحوث عنه ويدخل في موضوع المسألة السابقة فالنزاع يؤمل
إلى النزاع في تشخيص الصغرى فتأمل وعن كاشف اللثام الجزم بالتفصيل المذكورة وتنزيل اطلاقات الأصحاب الحكم بوجوب التطهير على من لم يعلم
بحالته قبل الزمانين وفيه من البعد مالا يخفى لندرة صورة الجهل بالحالة السابقة رأسا فكيف ينزل اطلاقات الأصحاب عليها وكيف كان يتوجه على
ما ذكروه من استصحاب الحالة الطارية انها معارضة بالمثل مثلا إذا يتقنهما وعلم أنه كان في الزمان السابق على الزمانين محدثا كما يصح ان
يقال زوال هذا الحدث بالطهارة المتيقنة معلوم وانتقاض الطهارة بالحدث المتيقن غير معلوم لاحتمال عروضه عقيب الحدث السابق قبل الطهارة
المتيقنة كذلك يصح ان يقال إن كونه محدثا حال خروج الحدث المتيقن معلوم وزوال هذا الحدث المتيقن غير معلوم لجواز وقوع الطهارة قبله
وما يقال من أن مجرد العلم بحدوث الحدث لا يكفي في جواز استصحاب اثره ومعارضته لاستصحاب الطهارة المتيقنة لأنه انما يصح استصحاب
اثره أعني المنع من الدخول في الغايات المشروطة بالطهارة إذا علم بكونه مؤثرا في ذلك وكونه كذلك فيما نحن فيه غير معلوم لاحتمال وقوعه
عقيب الحدث السابق فاستصحاب الطهارة سليم عن المزاحم إذ لم يعلم للحدث المعلوم بالاجمال اثر حتى يستصحب مدفوع بان المستصحب ليس
خصوص الأثر الحاصل من الحدث المتيقن حتى يقال إن كونه مؤثرا غير معلوم بل المستصحب هو الأثر الموجود حال حدوث الحدث المتيقن
وإن لم يعلم بكونه مسببا عنه إذا لعلم بسببه غير معتبر في قوام الاستصحاب نظير ما لو انتبه من نومه وشك في أنه تطهر عقيبه أم لا فإنه يستصحب
حدثه الذي يعلم يتحققه بعد النوم ولو لم يعلم باستناده إلى النوم أو إلى سبب آخر وما يقال إن الحالة المانعة المعلوم تحققها عند الحدث
المتيقن مرددة بين حالة معلومة الارتفاع وأخرى مشكوكة الحدوث فالشك في بقائها مسبب عن الشك في حدوث الحالة الأخرى والأصل
عدم حدوثها * (وبعبارة) * أخرى الحالة المانعة المعلومة عند الحدث يحتمل أن تكون عين الحدث الذي كان متحققا قبل الوضوء الذي علمنا
بارتفاعه ويحتمل أن تكون حالة أخرى حادثة بعد الوضوء والأصل عدمه ولا تعارضه أصالة عدم وجودها قبل الوضوء لان تحققها قبل الوضوء
متيقن وحدوثها بعده مشكوك والأصل ينفيه نظير ما لو رأى في ثوبه جنابة واحتمل كونها اثر الاحتلام الذي اغتسل منه أو جنابة جديدة
حاصلة بعد الاغتسال فلو جاز ان يقال فيما نحن فيه أن وجوب الغسل ووجود الحالة المانعة عند عروض السبب الثاني معلوم وسقوط
هذا الواجب بالغسل المعلوم تحققه غير معلوم فليستصحب لجاز ان نقول في المثال المذكور بان وجوب الغسل ووجود الحالة المانعة عند
خروج هذا المنى معلوم وسقوط هذا الواجب بالغسل المعلوم تحققه غير معلوم فليستصحب إذ لافرق بينهما الا في القطع بتعدد السبب
فيما نحن فيه واحتمال الاتحاد في المثال فلو فرض في المثال قطعه بحدوث جنابة أخرى غير الأولى وشك في كونها عقيب الغسل أو قبله
يصير مثالا لما نحن فيه وهذا الفرق بعد القطع بان تعدد السبب على تقدير تعاقبهما لا يؤثر في تعدد التكليف وتكرر الحالة المانعة
لا يصلح فارقا بين المقامين لان المستصحب انما هو اثر الأسباب الذي لا يتكرر بتكررها لا نفس الأسباب كما هو ظاهر * (مدفوع) * بان
رفع اليد عن اليقين بالحالة المانعة المعلوم تحققها عند خروج البول مثلا بمجرد احتمال اتحاد الحدث السابق المعلوم ارتفاعه معها
في الوجود الخارجي نقض لليقين بالاحتمال فلابد في رفع اليد من تلك الحالة المعلومة في ذلك الحين من القطع بوقوع طهارة بعدها
وأصالة عدم تجدد الحدث لا تجدي في احراز ذلك الا على القول بالأصل المثبت الذي لا نقول به هذا مع أن الشك في بقاء الحدث
المعلوم تحققه عند خروج البول ليس مسببا عن تردده بين الفرد الزائل والفرد الباقي لان ذلك الحدث امر معين مشخص علم من حالة شرعا
انه لا يرتفع الا بالوضوء سواء اتحد مع الفرد الأول أم لا فالشك في بقائه مسبب عن الشك في أن الطهارة المعلومة بالاجمال هل
204

وقعت قبله أم بعده كما أن تردده بين الفرد الزائل والباقي أيضا مسبب عن ذلك فالشكان كلاهما مسببان عن الجهل بتاريخ الحدث المتيقن
فليس ما نحن فيه مثل المثال الذي أوردناه نقضا في كون الشك فيه مسببا عن الشك في حدوث جنابة جديدة وليس المقصود في المقام
استصحاب جنس الحدث بملاحظة القطع بوجوده في ضمن الفرد الذي كان قبل الوضوء حتى يقال إنه
من قبيل استصحاب الكلى كيف و
اجراء الاستصحاب بهذه الملاحظة غير معقول للقطع بارتفاع الطبيعة بعد الوضوء فكيف يمكن ابقائها إلى زمان الشك بل المستصحب
انما هو خصوص الفرد الذي علم تحققه حين حدوث السبب الثاني المردد بين كونه قبل الوضوء أو بعده وكيف كان فنقول في توضيح المقام
ببيان أو في أن وجود الحدث عند حصول السبب الثاني معلوم فلا يجرى بالنسبة إليه أصل العدم فإذا فرضنا وقوع الحدث المتيقن أول
الظهر يجب علينا تحصيل الجزم بحصول الطهارة بعد الظهر وأصالة عدم وجود حالة أخرى غير مجدية في اثبات وقوع الوضوء
عقيب الظهر حتى نرفع اليد بسببها عن التكليف الذي علمنا ثبوته في أول الظهر كما هو ظاهر فالفرق بين ما نحن فيه وبين مسألة من
رأى بثوبه جنابة ولم يدر انها جنابة جديدة بعد اشتراكهما في أن مرجع الشك فيهما إلى الشك في وحدة التكليف وتعدده هو ان مرجع
الشك في تلك المسألة إلى الشك في ثبوت التكليف وراء ما علم سقوطه وفيما نحن فيه في سقوط تكليف علم ثبوته فاحتمال تعدد التكليف
فيما نحن فيه أورث الشك في امتثال ما علم وجوبه واحتمال وحدته في الأول أوجب الشك في أصل التكليف مثلا إذا فرضنا انه أصبح
جنبا ثم عرضه جنابة أخرى في أثناء اليوم وشك في كونها قبل الاغتسال أم بعده نقول ثبوت التكليف بالاغتسال عند عروض الجنابة
الثانية معلوم وسقوطه غير معلوم لاحتمال وقوع الغسل قبله واما لو لم يعلم بعرض جنابة أخرى بل رأى منيا في ثوبه واحتمل كونه من الجنابة
الأولى فنقول سقوط الجنابة التي علم ثبوتها أول الصبح معلوم وثبوت جنابة أخرى غيرها غير معلوم * (لا يقال) * ان وجوب الاغتسال عند
خروج هذا المنى المشاهد معلوم وسقوط هذا الواجب بالغسل الصادر منه غير معلوم فهذا الفرض أيضا كسابقه في كونه شكا في سقوط
ما وجب لأنا * (نقول) * مغائرة زمان هذا المنى للزمان الأول غير معلومة وسقوط التكليف الثابت فيه معلوم وثبوت تكليف اخر في غير
ذلك الزمان غير معلوم فالأصل ينفيه * (ان قلت) * ما ذكرت انما يتم فيما إذا كان زمان طرو الحالتين اللتين علمهما بالاجمال مغايرا
للزمان الذي علم تكليفه فيه مفصلا كما لو أصبح جنبا فعلم اجمالا بحصول غسل وجنابة في أثناء اليوم وشك في المتأخر منهما واما
لو رأى بثوبه منيا وعلم بأنه من جنابة مستقلة غير ما اغتسل منها ولكنه احتمل حدوثها في الليل الذي كان يعلم جنابته فيه بالتفصيل
فلا لأنه بمنزلة ما لو احتمل كونه من الجنابة السابقة حيث لا يؤثر علمه الاجمالي في احراز تكليف وراء ما علم سقوطه * (قلت) * ليس المدار
في الاستصحاب على احراز تكليف وراء ما علم سقوطه حتى ينافي كون أحد طرفي المعلوم بالاجمال معلوما بالتفصيل وانما المناط في الاستصحاب
صيرورة ما علم ثبوته مشكوك الارتفاع فحيث علم ثبوت الجنابة حال حدوث السبب الثاني لا يجوز رفع اليد عن هذا اليقين الا بالعلم
بوقوع الغسل عقيبه واما لو لم يحرز تعدد السبب واحتمل كون المنى المشاهد من الجنابة السابقة فلا يتحقق ركن الاستصحاب أعني اليقين
السابق حيث لم يعلم لخروج هذا المنى واقعا مغائر للخروج الذي علم بزوال اثره فلم يثبت لديه جنابة غير ما علم زوالها حتى يستصحبها فأصالة
عدم حدوث جنابة أخرى في هذا الفرض حاكمة على استصحاب التكليف وقاعدة الاشتغال لأن الشك في بقاء التكليف مسبب عن احتماله
واما على تقدير العلم بتعدد السبب فجنابته عند السبب الثاني معلومة وارتفاعها غير معلوم فليستصحب وليس في هذا الفرض أصل حاكم على
استصحاب الحدث لما عرفت فيما سبق من أن الشك في بقاء التكليف في هذه الصورة مسبب عن الجهل بتاريخ الغسل ولا يمكن تعيينه بالأصل
وقد تقدم شطر من الكلام فيما يتعلق بالمقام في فروع الشبهة المحصورة في مبحث ما لو اشتبه الاناء الطاهر بالنجس فراجع ولقد أطلنا
الكلام في النقض والابرام لكون المقام من مزال الاقدام والله مقيل العثرات وقد حكى عن العلامة في بعض كتبه قولا ثالثا في المسألة
وهو الاخذ بالحالة السابقة على الحالتين وهو بظاهره كما تراه ولكن الظاهر على ما صرح به بعض مشايخنا [قده] بعد التأمل والجمع بين
شتات كلماته في المختلف وغيره عدم مخالفته للمشهور وان تصريحه بهذا القول انما هو بعد اختياره مذهب المشهور في مفروض مسئلتنا و
ان غرضه التنبيه على حكم فرع آخر وهو انه لو علم اجمالا بوقوع كل من طبيعة الطهارة والحدث بوصف كونها مؤثرة في رفع ما كان قبلها
ولم يعلم بانحصار كل من تينك الطبيعتين في فرد أو أزيد فشك في حالته فعلا في أنه متطهر أو محدث فعليه ان يأخذ بمثل حالته السابقة على
زمان الشك لان علمه الاجمالي ينحل إلى علم تفصيلي وشك بدوي حيث إنه في السابق لو كان محدثا يعلم تفصيلا بارتفاع هذا الحدث بطهارة
وكذلك يعلم تفصيلا بانتقاض الطهارة الرافعة للحدث الأول لأن المفروض علمه بتأثير الحدث المعلوم بالاجمال فلا يكون الا
بعد الطهارة الأصلي وارتفاع هذا الحدث الجديد غير معلوم لعدم علمه بحصول طبيعة الطهارة في ضمن أكثر من فرد فليستصحب
الحدث لرجوع المسألة بعد التحليل إلى مسألة من تيقن الحدث وشك في الطهارة قال في محكى المختلف إذا تيقن عند الزوال
205

انه نقض طهارة وتوضأ عن حدث وشك في السابق فإنه يستصحب حالة السابق على الزوال فإن كان
في تلك الحال متطهرا بنى
على طهارته لأنه تيقن انه نقض تلك الطهارة ثم توضأ ولا يمكن ان يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ونقض الطهارة الثانية
مشكوك فيه فلا يزول اليقين بالشك وان كان قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث لأنه تيقن انه انتقل عنه إلى
طهارة ثم نقضها والطهارة
بعد نقضها مشكوك فيها انتهى كلامه رفع مقامه وهذه العبارة كما تراها ظاهرة الانطباق على ما وجهنا به مقالته وكيف كان فان أراد
ما يوافق المشهور فنعم الوفاق * (والا) * ففيه مالا يخفى فقد تقرر لك ان الأقوى ما ذهب إليه المشهور من أنه لو تيقنهما وشك في المتأخر كمن
تيقن الحدث وشك في الطهارة يتطهر مطلقا سواء علم تاريخ أحدهما أم لم يعلم أصلا وسواء علم بحالته قبل الحالتين أم جهلها ولكنه ينبغي
ان يعلم أنه يتطهر لما يوجده من الأفعال بعد الشك لا لما أوجده قبل ذلك فلو شك في طهارته بعد ما فرغ من صلاته مضت صلاته
لأصالة الصحة الحاكمة على قاعدة الاشتغال واستصحاب الحدث ومقتضاها عدم الاعتناء بالشك بالنسبة إلى ما مضى واما
بالنسبة إلى ما يأتي فليتطهر لما عرفت * (ولو) * ارتبط اللاحق بالسابق كما لو شك وهو في أثناء الصلاة * (فالأقوى) * وجوب التطهير والاستيناف
لتوقف احراز الطهارة للاجزاء اللاحقة على ذلك وما يدل على مضى الاعمال الماضية وصحتها لا يدل على حصول الشرط في الواقع بحيث
لا يحتاج المكلف إلى تحصيل الجزم بحصوله للأعمال الآتية كما لا يخفى وجهه على المتأمل
وكذا لو تيقن ترك عضو أو جزء منه قبل أن يجف
وضوئه اتى به وما بعده بلا اشكال ولا خلاف محكى إلا عن الإسكافي حيث فرق بين ما إذا كان المتروك دون سعة الدرهم فيجزيه
ان يبله فحسب وبين غيره فيجب الاتيان به وبما بعده وقد تقدم الكلام في تحقيق المقام سابقا في بحث الترتيب وان يتقنه بعد أن جف
البلل استأنف الوضوء لفوات الموالاة التي قد عرفت انها عبارة عن عدم الجفاف نعم لو كان الجفاف لشدة الحر أو البرد أو نحوهما وأمكن
تداركه من دون ان يفوت المتابعة العرفية تداركه لما عرفت فيما سبق من كفاية أحد الامرين من عدم الجفاف والمتابعة العرفية والله
العالم وان شك في شئ من أفعال الوضوء بل مطلق الطهارة الشاملة للغسل والتيمم وهو على حاله التي كان عليها من التلبس الاشتغال
بالطهارة اتى بما شك فيه ثم بما بعده بلا خلاف في الوضوء ظاهرا بل نقل الاجماع عليه مستفيض واما الحاق الغسل بالوضوء فهو المشهور
على ما يظهر من طهارة شيخنا المرتضى [قده] وعن جماعة من الأساطين كالعلامة والشهيدين والمحقق الثاني والسيد الطباطبائي قدس الله
اسرارهم التصريح باتحاد حكمهما بل ربما يستظهر من عبائرهم كونه من المسلمات وعن بعض منهم التنصيص على التيمم أيضا فالعجب من شيخنا
الأكبر في جواهره حيث إنه تخيل اختصاص هذا القول بصاحب الرياض [قده] فتعجب منه وكيف كان فالمتبع هو الدليل ويدل عليه في الوضوء
مضافا إلى الاجماعات المستفيضة صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى
جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة
أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شئ عليك فيه فان شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك
بلة فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك وإن لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك وامض في صلاتك وان تيقنت انك لم تتم وضوئك
فأعد على ما تركت يقينا حتى تأتي على الوضوء الحديث والظاهر أن قوله (ع) فان شككت في مسح رأسك إلى آخره بيان لما أجمله في صدر الرواية
ويحتمل ان يكون المراد منه الامر بالمسح بعد أن صار في حال أخرى من صلاة وغيرها فيكون للاستحباب لعدم وجوبه عليه اجماعا
وكيف كان
فهذه الصحيحة كما تريها كادت تكون صريحة في المطلوب وبها يرتفع الاجمال عن موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال إذا شككت
في شئ من ناحية قد دخلت في غيره فليس شكك بشئ انما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه فان الصحيحة السابقة كاشفة عن أن ضمير
في غيره يرجع إلى الوضوء لا إلى الشئ الذي شك فيه وكذا تدل على أن المراد من الشئ في ذيل الرواية هو العمل الذي وقع الشك فيه لأجل
احتمال الاخلال بشئ من اجزائه وشرائطه لا الشئ الذي شك في وجوده بل هذه الفقرة بنفسها ظاهرة في ذلك لان ظاهر قوله (ع) إذا كنت
في شئ انك إذا كنت متشاغلا بعمل غير متجاوز عنه فيجب ان يكون ذلك العمل مركبا ذا اجزاء وشرائط حتى يعقل تعلق الشك به ما دام الانسان فيه
وارتكاب الاضمار في الرواية بحمل الشئ على إرادة محله مما لا دليل عليه فظاهرها ان المراد من الشئ هو العمل المركب الذي يتعلق به الشك و
ظهورها في ذلك رافع لاجمال مرجع الضمير في صدرها لكون القاعدة المذكورة في الذيل بمنزلة البرهان لاثبات الحكم المذكور في الصدر
فيجب ان يكون الموضوع المذكور في الصدر من جزئيات ما هو الموضوع في تلك القاعدة حتى يستقيم البرهان فتلخص لك انه يستفاد من
هذه الموثقة أمران أحدهما انه لو تعلق شك بصحة عمل مركب بعد الفراغ منه لا يعتد بالشك والثاني ان عدم الاعتداد بالشك بعد الفراغ
من الوضوء انما هو لكونه من جزئيات هذه القاعدة وهذه القاعدة بنفسها من القواعد الكلية المسلمة المعمول بها في جميع أبواب الفقه وهذه
هي القاعدة التي يعبر عنها بأصالة الصحة ويدل على صحتها في الجملة مضافا إلى الموثقة المتقدمة والاجماع وسيرة المتشرعة بل وغيرهم أيضا
206

قول الباقر (ع) في موثقة سماعة كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو ويدل عليها أيضا في خصوص باب الطهارة والصلاة قول الصادق (ع)
في خبره الاخر كلما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكر فامضه ولا إعادة عليك فيه ولكنك خبير باختصاص موردها بما إذا
تلبس المكلف بعمل يصلح ان يتصف بالصحة والفساد فشك في صحته بعد الفراغ منه والقدر المسلم الذي يمكن اثبات اعتبارها فيه ما إذا
تحقق الفراغ من العمل الذي يعد في العرف عملا بان يكون له نحو استقلال وملحوظية في العرف لو كان بنظر
الشارع جزء من عمل آخر أو شرطا
له كالسعي والطواف وغيرهما من اعمال الحج وكالوضوء والغسل والتيمم التي هي مقدمة للصلاة اما اجزاء الاعمال التي ليس لها استقلال
كغسل الوجه واليدين وأشباههما فلا لان مدرك هذه القاعدة اما الاجماع والسيرة أو الاخبار اما الأولان فلا يستفاد منهما الا اعتبارها
في الجملة واما الاخبار فهي قاصرة عن اثبات اعتبارها في مثل الفرض لان ظاهر الروايتين الأخيرتين إرادة مضى الاعمال الماضية المنصرفة عن
مثل الفرض جزما واما قوله (ع) في موثقة ابن أبي يعفور انما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه فيتعين حمله أيضا صرفا أو انصرافا على إرادة
الاعمال المستقلة كالوضوء ونحوه لعدم جريان هذه القاعدة بالنسبة إلى اجزاء الوضوء اجماعا ونصا فيلزم من حمله على العموم عدم اطراد
القاعدة التي سيقت لبيان حكم الوضوء بالنسبة إلى بعض مصاديقها في خصوص الوضوء وهو بعيد هذا مع أن الامر دائر بين التخصيص
والتخصص الذي لا شبهة في أولويته مضافا إلى أن صدر الرواية يمنع من حمل لفظ الشئ المذكور في ذيلها على هذا النحو من العموم إذ كما أن
ذيل الرواية يرفع اجمال الصدر ويعين المراد من الضمير كذلك يرتفع به الاجمال عن الذيل حيث إنه
يفهم من سياق الرواية ان مفهوم
الصدر من مصاديق منطوق الذيل فتكون الرواية بمنزلة قولك إذا شككت في شئ من الوضوء ولم تدخل في غير الوضوء فشكك معتبر لأن الشك
انما يلغى إذا كان بعد الفراغ من الشئ لا قبله فيعلم من ذلك أن الشك في الوضوء مطلقا ما دام الاشتغال شك في الشئ قبل الفراغ
منه فظهر لك مما ذكرنا قصور الأدلة المتقدمة عن اثبات جواز التمسك بأصالة الصحة فيما لو شك في جزء عمل بعد دخوله في الجزء الآخر إذا
كان المجموع كالوضوء في كونه عملا واحدا في العرف وقد يستدل لذلك بعموم بعض الأخبار الواردة في الصلاة الدالة على أن الشك في الشئ
بعد تجاوز محله ملغى كخبر إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد
ما قام فليمض كل شئ شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه * (وصحيحة) * زرارة قال قلت لأبي عبد الله (ع) رجل شك في الأذان وقد
دخل في الإقامة قال يمضى قلت رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر قال يمضى قلت الرجل شك في التكبير وقد قرء قال يمضى قلت شك في القراءة
وقد ركع قال يمضى قلت شك في الركوع وقد سجد قال يمضى على صلاته ثم قال يا زرارة إذا خرجت من شئ ودخلت في غيره فشككت فليس بشئ
وفيه أن مفاد الروايتين على ما يقتضيه ظاهرهما عدم الاعتناء بالشك في وجود شئ بعد تجاوز محله لا في صحته فهي قاعدة أخرى غير قاعدة الصحة
نعم يستفاد حكم ما لو شك في صحة الشئ السابق من هذه القاعدة أيضا اما بالفحوى أو بارجاع الشك في وصف الصحة إلى الشك في وجود الشئ
الصحيح وكيف كان فالظاهر أن هذه القاعدة مخصوصة بالصلاة لا انها كقاعدة الصحة سارية جارية في جميع أبواب الفقه لقصور الروايتين
عن اثبات عمومها حيث إن سوق هذه القاعدة بعد ذكر الشكوك المتعلقة بجملة من اجزاء الصلاة خصوصا في جواب سؤال السائل حيث
سئل عن حكم الاجزاء واحدا بعد واحد يوهن ظهورها في العموم بل يصلح ان يكون قرينة لإرادة اجزاء الصلاة من اطلاق الشئ بل لعل
هذا هو المتبادر من اطلاقه في مثل المقام فكيف يمكن اثبات مثل هذا الأصل بمثل هذا الظاهر * (وكيف) * كان فان قلنا إن هذه القاعدة غير
مخصوصة بالصلاة بل هي قاعدة عامة مخصصة في خصوص الوضوء بالأدلة المتقدمة يشكل رفع اليد عنها بالنسبة إلى الغسل والتيمم إذ لا معارض
لها عدا ما يتوهم من دلالة ذيل موثقة ابن أبي يعفور على أن الشك في أثناء العمل معتبر مطلقا * (ويدفعه) * عدم كون الموثقة في مقام بيان
حكم المنطوق حتى يصح التمسك بالاطلاق واطلاق الحكم في الوضوء ثبت من مفهوم الصدر وغيره لامن اطلاق الذيل فالشان انما هو في
اثبات عموم القاعدة الثانية وهو في غاية الاشكال فالأظهر كون الغسل والتيمم كالوضوء في الحكم المذكور كما هو مقتضى الأصل * (ولكن) *
الانصاف ان منع جريان قاعدة الصحة في بعض موارد الشك في الأجزاء السابقة في الغسل لا يخلو عن مجازفة كما لو فرق بين الاجزاء بفصل
يعتد به في العرف كان عقل رأسه في الصبح ثم شك في الظهر عند إرادة غسل سائر جسده في أنه أسبغ غسل رأسه في الصبح أم لا فان الظاهر
مساعدة العرف في مثل الفرض على اجزاء أصالة الصحة حيث إن التفكيك بين الاجزاء يجعل كل جزء بنظر العرف عملا مستقلا فلو أمكن
التفصيل بان يقال لو اتى باجزاء الغسل متوالية كالوضوء فكالوضوء في الحكم والا فكل جزء بنفسه موضوع مستقل لقاعدة الصحة لكان
وجيها وما يقتضيه الاحتياط في جميع موارد الشك قبل الفراغ من الغسل وكذا التيمم مما لا ينبغي تركه والله العالم ولافرق في
الحكم المذكور بين الشرط والجزء فلو شك في طهارة ماء الغسلات السابقة أو اطلاقه أو الترتيب بين الاجزاء أو التوالي قبل
الفراغ من الوضوء يجب اعادتها تحصيلا للجزم بفراغ الذمة من الواجب المعلوم هذا إذا لم يكن في المقام أصل موضوعي رافع للشك
207

كاستصحاب طهارة الماء أو اطلاقه والا فهو المرجع كما هو ظاهر ومن هذا القبيل ما لو شك في عروض الحدث في أثناء الوضوء
فإنه لا يلتفت إليه لأصالة عدمه
* (تنبيه) * صرح غير واحد من الاعلام في المقام تبعا لما عن الحلي في السرائر بأنه لا عبرة بشك من كثر شكه
فإنه يمضى على شكه ويبنى على صحة عمله كما في الصلاة * (و) * في الجواهر بعد أن حكى ذلك عن جملة من أصحابنا قال بل لا أجد فيه خلافا كما في الصلاة
انتهى وربما المستدل له بان اعتنائه بشكه حرج منفى في الشريعة وفي كفايته لعموم المدعى تأمل ويدل عليه أيضا ما يستفاد من الأخبار الواردة
في الصلاة الدالة على أن كثرة الشك من الشيطان مثل صحيحة زرارة وأبى بصير الواردة فيمن كثر شكه في
الصلاة بعد أن امر بالمضي
في الشك قال (ع) لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطيعوه فان الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض أحدكم في الوهم ولا
يكثرن نقض الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك ثم قال انما يريد الخبيث ان يطاع فإذا عصى لم يعد إلى أحدكم وقوله (ع)
إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنه يوشك ان يدعك فإنما ذلك من الشيطان * (و) * في صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام
قال قلت له رجل مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت هو رجل عاقل فقال أبو عبد الله (ع) وأي عقل له وهو يطيع الشيطان فقلت له وكيف يطيع
الشيطان فقال شكه هذا الذي يأتيه من أي شئ هو فإنه يقول لك من عمل الشيطان وربما يظهر من بعض الأخبار انه يعمل ببعض الامارات
كرواية الواسطي قلت لأبي عبد الله (ع) جعلت فداك اغسل يدي فيشككني الشيطان انى لم اغسل ذراعي ويدي قال إذا وجدت برد الماء
على ذراعيك فلا تعد قال شيخنا المرتضى [ره] بعد نقل الرواية ويؤيدها رفع الحرج ولكن القول بها مفقود * (أقول) * ولعل الإمام (ع) أراد
بذلك حسم مادة مرضه حيث إنه (ع) علم أن شكه غالبا يحصل بعد صدور الفعل منه كما هو الغالب في كثير الشك والوسواس فإذا رجع إلى
الامارات ووجد امارة الغسل مرات يزول مرضه وكيف كان فالمراد بكثير الشك بمقتضى معناه اللغوي والعرفي كثير الاحتمال في مقام لا يحتمله
غيره راجحا كان أم مرجوحا أم مساويا * (والعجب) * ممن وجه كون كثير الظن ككثير الشك بانصراف ما دل على اعتباره فيما كان من متعارفة الموافق
للحاصل لأغلب الناس وفيه أنه لا دليل على اعتبار الظن في الوضوء حتى يدعى انصرافه إلى المتعارف * (ودعوى) * الانصراف على تقدير وجود الدليل
انما تنفع بعد اثبات ان المراد من الشك الذي اخذ موضوعا للحكم المستفاد من الأدلة المتقدمة مطلق الاحتمال الشامل للظن الغير المعتبر
والا فالمرجع أصالة عدم حصول الفعل في الخارج فالشان انما هو في اثبات ذلك لا عدم حجية ظنه حتى يدعى انصراف أدلة الاعتبار كما
لا يخفى * (واعجب) * من ذلك ما ذكره بعد ذلك بقوله واما كثير القطع فإن كان متعلق قطعه الترك فلا يلتفت أيضا لنظير ما ذكر الا إذا تبين
نشائه مما يفيد القطع لصحيح المزاج وان كان الفعل فهو معتبر الا إذا تبين نشائه مما لا يفيد القطع لسليم المزاج وفيه مالا يخفى لان
وجوب متابعة القطع انما هو بالزام العقل فلا يعقل دعوى الانصراف في دليله وعلم القاطع بأنه لم يتوضأ عقيب الحدث أولم يغسل يديه
بعد غسل وجهه علة تامة لالزام عقله بوجوب ايجاد المأمور به وليس لخصوصية الاشخاص وأسباب القطع مدخلية في موضوع حكم العقل
بوجوب ترتيب اثار الامر المقطوع به لان ملاك إلزام العقل انما هو ادراك الواقع والقطع بذاته طريق لادراك متعلقة فالقطاع بعد أن
رأى الواقع باعتقاد بحيث لا يحتمل الخطاء في حقه في خصوص هذا المورد الشخصي يرتب على ما أدركه جميع اثار الواقع بالزام عقله و
يرى منع الشارع من اتباع قطعه مناقضا لامره الواقعي وترخيصا في ارتكاب المعصية فلا يحتمل صدوره من الشارع الحكيم واما ما ذكره
من التفصيل بين ما إذا تبين ان قطعه نشأ مما يفيد القطع لصحيح المزاج دون غيره ففيه مضافا إلى ما عرفت من عدم امكان التصرف
في طريقية القطع انه لا يرجع إلى محصل إذ غاية الأمر ان القطاع يقطع بحصول قطعه من سبب عادى أو بحصوله من سبب غير عادى الا ان
اعتبار هذا القطع أيضا مشروط بكونه من سبب عادى وهكذا فيتسلسل وكيف كان فضعف هذا الكلام بمكان وان صدر من غير واحد
من الاعلام ولتمام الكلام مقام آخر والله مقيل العثرات
ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث أي لم يستيقن الحدث بعدها لم يعد الوضوء
بلا خلاف فيه نصا وفتوى نعم يظهر من المحكى عن شيخنا البهائي [ره] خلافه فيما لو ظن بالحدث حيث قال فيما حكى عن حبله المتين بعد أن
صرح أولا بان ما ذكروه من أن اليقين لا يرفعه الشك يرجع إلى استصحاب الحال إلى أن يعلم الزوال فان العاقل إذا التفت إلى ما يحصل
بيقين ولم يعلم ولم يظن ما يزيله حصل له الظن ببقائه ما صورته ثم لا يخفى ان الظن الحاصل بالاستصحاب فيمن تيقن الطهارة وشك في
الحدث لا يبقى على نهج واحد بل يضعف بطول المدة شيئا فشيئا بل قد يزول الرجحان ويتساوى الطرفان بل ربما يصير الطرف الراجح مرجوحا
كما إذا توضأ عند الصبح مثلا وذهل عن التحفظ ثم شك عند الغروب في صدور الحدث منه ولم يكن من عادته البقاء على الطهارة إلى ذلك
الوقت والحاصل ان المدار على الظن فما دام باقيا فالعمل عليه وان ضعف انتهى ويدفعه مضافا إلى عدم القول بإناطة اعتبار الاستصحاب
بالظن الشخصي ولو من القائلين باعتباره من باب الظن كما تقرر في الأصول الأخبار المستفيضة * (منها) * قوله (ع) في ذيل موثقة عبد الله بن
بكير وإياك ان تحدث وضوء ابدا حتى تستيقن انك أحدثت * (ومنها) * صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت له الرجل ينام وهو على وضوء
208

توجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء فقال يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن وإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء
قلت فان حرك إلى جنبه شئ ولم يعلم به قال لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجئ من ذلك امر بين والا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض
اليقين ابدا بالشك وانما ينقضه بيقين آخر وكذا لو شك في الحدث في أثناء الوضوء مطلقا أو شك في شئ من أفعال الوضوء أو الشرائط
المعتبرة فيها بعد انصرافه عن حالة الوضوء لم يعد الوضوء اما الأول فلما أشرنا إليه فيما سبق من حكومة الأصل الموضوعي وهو أصالة
عدم خروج أسباب الحدث كاستصحاب طهارة الماء واطلاقه على قاعدة الشغل واستصحاب الحدث الذي توضأ عنه واما الثاني فلقاعدة
الصحة وعدم الاعتناء بالشك في الشئ بعد الفراغ منه كما يدل عليها في خصوص المورد مضافا إلى الاجماع وغيره من الأدلة الأخبار المستفيضة
التي تقدم بعضها فيما سبق
* (تنبيهات) * الأول هل يكفي في عدم الالتفات إلى الشك مجرد الفراغ من الوضوء أم يعتبر
انصرافه عن حال الوضوء واشتغاله بما عداه ولو حكما فيه وجهان من اناطته في صحيحة زرارة بالقيام من الوضوء والفراغ منه وصيرورته
في حال أخرى من صلاة وغيرها وكذا في موثقة ابن أبي يعفور بالدخول في غير الوضوء ومن تعليق الاعتناء بالشك في ذيل الموثقة المسبوق
لبيان ضابط الحكم بكونه في الشئ الذي يشك فيه وعدم تجاوزه عنه من دون تقييده بالدخول في غيره فيحتمل قويا جرى القيد في صدر
الموثقة وكذا في الصحيحة مجرى العادة الا انه يمكن ان يقال إن ترك التقييد في ذيل الموثقة انما هو لجرية مجرى العادة إذ الغالب ان
المتوضئ بعد فراغه من الوضوء ينتقل عن حالة إلى حالة أخرى * (و) * لكن الانصاف ان ظهور الذيل في إناطة الحكم وجودا وعدما بكونه مشغولا
بالعمل وفراغه منه أقوى ويعضده اطلاق قوله (ع) كلما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه كما هو وقوله (ع) في خبر بكير بن أعين
في الرجل يشك بعد ما يتوضأ هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك بل ولعله يمكن استفادة ذلك من صحيحة زرارة أيضا حيث إن المنسبق
إلى الذهن من قوله (ع) فإذا قمت من وضوئك وفرغت منه وصرت في حال أخرى ان هذه الجمل المتعاطفة المترادفة عبارات مختلفة عن
المعنى الذي أنيط به الحكم فأول الوجهين أظهرهما ولكن الثاني أحوط ولا فرق في عدم الالتفات إلى المشكوك بمجرد الفراغ بين الجزء الأخير
وغيره الا ان احراز الفراغ في الجزء الأخير يتوقف على تخلل فصل يعتد به بحيث تنتفى الموالاة أو دخوله في غير الوضوء مما هو مترتب عليه
شرعا أو عادة وهذا هو السر في تفصيل جماعة من الأساطين بين الجزء الأخير وغيره والا فليس قولهم تفصيلا في المسألة * (و) * لو رأى
المتوضئ نفسه فارغا من الوضوء قبل انتقاله من حاله ثم شك فيه وهو قاعد على وضوئه فمقتضى الأدلة المتقدمة وجوب تدارك المشكوك
والالتفات إلى شكه لأن عدم الالتفات موقوف على احراز الفراغ وهو مشكوك ومجرد الاعتقاد لا ينفع في ذلك خلافا للمحكى عن
جماعة من عدم الالتفات إلى شكه ويمكن الاستدلال لهم ببعض الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك مثل ما عن الخصال بسنده عن
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام من كان على يقين ثم شك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين
وفي رواية أخرى من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فان اليقين لا يدفع بالشك فان ظاهر هاتين الروايتين عدم جواز
رفع اليد عن اليقين السابق بمجرد زوال الاعتقاد وصيرورة المتيقن مشكوكا فمفادهما اعتبار قاعدة اليقين * (ودعوى) * ان المراد بهما
ان الشئ الذي أحرز وجوده باليقين في الزمان السابق لا يرفع اليد عنه بصيرورته مشكوكا في الزمان اللاحق يعنى انه لا يرفع اليد عن
الموجود السابق الذي شك في بقائه فيكون مفادهما حجية الاستصحاب ويكون ذكر لفظ اليقين في القضية على هذا التقدير لأجل كونه
طريقا محضا لاحراز متعلقة من دون ان يكون له مدخلية في الحكم ببقاء المتيقن وعدم انتقاضه بالشك * (مدفوعة) * بمخالفتها لظاهر
الروايتين من وجوه كما لا يخفى على المتأمل وحمل بعض الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك على إرادة المعنى المنطبق على الاستصحاب
لبعض القرائن المحفوفة بها المستلزمة لارتكاب التأويل في بعض ألفاظ الرواية كحمل اليقين على اليقين التقديري أو التصرف في متعلقة
بتجريده عن التقييد بالزمان حتى يعقل تعلق الشك واليقين به إلى غير ذلك من المحتملات لا يقتضى حمل الاخبار التي لا قرينة فيها عليه
هذا ولكن الذي يوهن ظهور الروايتين ان هذه القاعدة بعمومها مما لا يمكن الالتزام به إذ لا يظن بأحد القول بعدم الاعتناء بالشك
في وجود شئ بمجرد كونه في الزمان السابق متيقن الوجود فلا يبعد ان يكون المراد من الروايتين انه إذا شك في صحة شئ بعد أن كان
على يقين من صحته فليمض على يقينه لا الشك في أصل وجوده فلا يبعد الالتزام بمفادهما على هذا التقدير وان كان أعم من مجرى قاعدة
الصحة فلو تمت هذه القاعدة يكون دليلها حاكما على جميع الأدلة المثبتة للشاك حكما شرعيا كما لا يخفى وجهه فلا يعارضها ظهور الأدلة
المتقدمة في وجوب الالتفات إلى الشك في المقام الثاني لا فرق في جريان قاعدة الصحة بعد الفراغ من العمل بين ما لو احتمل
الاخلال بشئ من اجزائه وشرائطه نسيانا أو عمدا لاطلاق الأخبار المتقدمة * (ودعوى) * الانصراف إلى الأول غير مسموعة واما لو احتمل
ترك شئ جهلا بان نشأ شكه عن الجهل بالحكم أو موضوعه كما لو شك في أنه غسل المرفقين من الذراعين أم لا لعدم علمه بوجوبه أو عدم
209

تعين موضوعه لديه ففيه اشكال ونظيره في الاشكال ما لو نشاء شكه عن سبب سابق مقارن للعمل بحيث لو كان ملتفتا إليه حال
الفعل لكان شاكا كما لو قطع بأنه لم يخلل الحائل الذي قد يمنع من وصول الماء إلى البشرة وقد لا يمنع فشك في منعه في الوضوء الصادر منه
أو رأى بعد الفراغ شيئا فشك في حاجبيته وعدمها ومنشأ الاشكال اطلاق الفتاوى وأغلب النصوص المتقدمة كموثقتي سماعة و
موثقة ابن أبي يعفور ومن اختصاص التعليل المستفاد من قوله (ع) هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك بما عدا هاتين الصورتين
حيث إن الظاهر من هذه الرواية ان وجه حمل العمل على الصحيح تقديم الظاهر على الأصل وقد علل غير واحد من الاعلام الحكم بالصحة
في مثل المقام بظهور الحال حيث إن العاقل الكامل لا ينصرف عن العمل الا بعد اكماله ومن المعلوم أنه لا ظهور لفعل الجاهل والغافل
المعلوم من حالهما عدم تذكرهما حال الفعل ولكن الأظهر هو الحمل على الصحيح في جميع صور الشك لعدم انحصار وجه الحمل في ظهور
الحال وليس مدرك الحكم منحصرا في الأدلة اللفظية حتى يدعى الانصراف أو يؤخذ بمفهوم العلة على تقدير
تسليم استفادة العلية
وانحصارها منها بل العمدة في حمل الاعمال الماضية الصادرة من المكلف أو من غيره على الصحيح انما هي السيرة القطعية ولولاه لاختل
نظام المعاش والمعاد ولم يقم للمسلمين سوق فضلا عن لزوم العسر والحرج المنفيين في الشريعة إذ ما من أحد الا إذا التفت إلى اعماله
الماضية من عباداته ومعاملاته الا ويشك في أكثرها لأجل الجهل باحكامها أو اقترانها بأمور لو كان ملتفتا إليها لكان شاكا
كما أنه لو التفت إلى اعمال غيره يشك في صحتها غالبا فلو بنى على الاعتناء بشكه لضاق عليه العيش كما لا يخفى ولقد استدل بعض
الاعلام في وجه حمل فعل الغير على الصحيح أيضا بظاهر الحال مع أن من الواضح عدم انحصار مدركه فيه والا لاختص الحمل بفعل
من عرف احكامه دون الجاهل فضلا عن المعتقد للخلاف مع أن من المعلوم من سيرة الأئمة (ع) وأصحابهم انهم كانوا يعاملون
مع العامة في معاملاتهم وتطهيراتهم الخبيثة معاملة الصحيح مع ابتناء مذهبهم على مباشرة أعيان بعض النجاسات وعدم التجوز
عنها وكذا كانوا يحملون اعمال أهل السواد الذين لا يعرفون احكامهم الشرعية أصلا على الصحيح مع أن الظاهر من حالهم خلافه
وإذا ثبت عدم اختصاص مجرى القاعدة بما إذا كان الظاهر من حال الفاعل ايجاده الفعل على الوجه الصحيح ظهر لك عدم جواز رفع
اليد عن ظواهر الاخبار الطلقة بسبب التعليل المستفاد من قوله (ع) هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك لان كونه قرينة على التصرف
في سائر الأخبار فرع استفادة العلية المنحصرة منه والمفروض انا علمنا من الخارج وعدم الانحصار فالأقوى جريان القاعدة في جميع
موارد الشك ولذا لم يستثن أحد من الاعلام من مجريها شيئا من هذه الصور المشكلة واحتمال غفلتهم عنها مع عموم البلوى بها في
غاية البعد والله العالم
* (الثالث) * قد أشرنا فيما سبق إلى أنه يعتبر في جريان أصل الصحة احراز أصل الفعل بعنوانه القابل للاتصاف بالصحيح
والفاسد فإذا أحرز صدور هذا المعنى يحمل على الصحيح ما لم يعلم خلافه فلو شك في أصل صدور الفعل أو في تيممه لا يجرى الأصل فلو دخل
في الحمام بقصد الغسل ثم خرج وشك في أنه اغتسل في الحمام أم غفل وترك الغسل أو علم أنه اتى ببعض اجزائه كغسل الرأس وطرفه الأيمن
وشك في الباقي اتى بما شك فيه واما لو علم اجمالا بصدور فعل منه بعنوان الغسل بحيث لو سئل عنه يقول شككت في صحة غسلي وفساده
فلا يلتفت إلى شكه ولافرق فيما ذكرنا بين معتاد الموالاة وغيره لان المدار على احراز حصول الفعل بعنوانه الاجمالي لاعلى العادة
أو ظهور الحال نعم للعادة مدخلية في تعلق الشك ابتداء بمهية الغسل القابلة للاتصاف بالصحيح والفاسد وعدم ملاحظة كل جزء
بنفسه فعلا مستقلا شك في وجوه حتى لا يكون من مجارى أصل الصحة فلاحظ وتأمل
ومن ترك غسل موضع النجو اي تطهيره ولو
بالأحجار أو غسل موضع البول وصلى أعاد الصلاة مطلقا في الوقت أو في خارجه عامدا كان أو ناسيا للموضوع أو الحكم أو جاهلا
بالحكم لا بالموضوع لكونه معذورا فيه على الأقوى كما سيجئ في احكام النجاسات من أن الجاهل بها لا يعيد صلاته مطلقا من دون
فرق بين الجهل بنجاسة موضوع النجو وغيره لعموم أدلته وعدم اختصاص المقام بدليل يخصه فيخصص به الأدلة العامة النافية للإعادة
وهذا بخلاف الناسي فقد ورد له في خصوص المقام اخبار مستفيضة يمكن لأجلها الالتزام بوجوب الإعادة عليه في خصوص نسيان
الاستنجاء عدم وجوبها فيما عداه وان كان الأشهر بل المشهور عدم التفصيل والقول بالإعادة مطلقا وكيف كان فلا ريب في أنه
يجب على العامد إعادة صلاته لما دل على اشتراطها بطهارة البدن فتنتفى بانتفاء شرطها عقلا فيجب عليه اعادتها في الوقت وفي خارجه
وكذا الاشكال بل لا خلاف ظاهرا في أن الجاهل بالحكم الشرعي يعيد صلاته بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه * (نعم) * للمحقق الأردبيلي
واتباعه كلام في كون الجاهل بالحكم مكلفا بالواقع ومحصله ان تكليف الجاهل قبيح فلا يكون مكلفا بالواقع حتى يجب عليه الإعادة
* (فيه) * ما تقرر في محله من أن تخصيص الأحكام الشرعية بالعالمين بها غير معقول وفي بعض الموارد التي ثبت الاختصاص بهم كمسألة الجهر
والاخفات لا بد من توجيهها * (وما) * يقال من أن تكليف الجاهل قبيح فان أريد به قبح توجيه الخطاب إليه وطلب الفعل أو الترك منه ففيه
210

ان الخطاب انما يتوجه ابتداء إلى الجاهل فان فهم تكليفه منه فليعمل به والا هي معذور في الامتثال لو لم يكن منشأ التقصير والا ففيه
كلام مذكور في محله وان أريد قبح تنجيزه عليه بمعنى مؤاخذته على ترك امتثاله فهو في الجملة مسلم كما أشرنا إليه ضرورة كون العلم شرطا عقليا
للتكاليف في مقام التنجز ووجوب الإطاعة الا انه لا دخل له فيما نحن بصدده من اثبات وجوب الإعادة على الجاهل لأنها من اثار
الوجوب الواقعي لا تنجزه عليه فعلا ولتمام الكلام مقام آخر فمقتضى عموم الحكم أعني شرطية الطهارة للصلاة وجوب الإعادة على
الجاهلين بالحكم أيضا كالعالمين ويدل عليه مضافا إلى ما ذكرنا صحيحة ابن أذنية قال ذكر أبو مريم الأنصاري ان حكم بن عينيه بال
يوما ولم يغسل ذكره متعمدا فذكرت ذلك لأبي عبد الله (ع) فقال بئس ما صنع عليه ان يغسل ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوئه
لأن الظاهر أن مورده الجهل بالحكم الشرعي لبعد وقوعه من العالم بالحكم ولا أقل من استفادة حكم الجاهل بالحكم من الرواية
لأجل ترك الاستفصال واما الناسي فقد اختلفت الاخبار في حكمه ففي جملة منها انه يعيد مطلقا * (منها) * صحيحة عمرو بن أبي نصر عن
الصادق عليه السلام قال قلت له أبول وأتوضأ وأنسى استنجائي ثم اذكر بعد ما صليت قال اغسل ذكرك واعد
صلاتك ولا تعد وضوئك
ومنها مرسلة ابن بكير عن الصادق (ع) في الرجل يبول وينسى ان يغسل ذكره حتى يتوضأ ويصلى قال يغسل ذكره ويعيد الصلاة ولا يعيد
الوضوء * (و) * منها صحيحة زرارة قال توضأت يوما ولم اغسل ذكرى ثم صليت فسئلت أبا عبد
الله (ع) عن ذلك فقال اغسل ذكرك واعد
صلاتك * (وفي) * الحدائق ان هذه الصحيحة محمولة على ترك الغسل نسيانا لبعد التعمد من مثل زرارة في الصلاة بغير استنجاء * (أقول) * لا شبهة في
استفادة حكم الناسي منها ولو لم نقل باختصاصها به لان ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال دليل العموم * (ومنها) * خبر سماعة قال قال أبو
عبد الله (ع) إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضأت ونسيت ان تستنجى فذكرت بعد ما صليت فعليك الإعادة وإن كنت
أهرقت الماء فنسيت ان تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك لان البول مثل البراز * (ومما) * يؤيد
مضمون هذه الروايات الأخبار الكثيرة الآتية في محلها انشاء الله الدالة على أن ناسي النجاسة مطلقا يعيد صلاته * (و) * في جملة منها انه لا يعيد
صلاته كرواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يتوضأ وينسى ان يغسل ذكره وقد بال فقال يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة
ورواية عمرو بن أبي نصر قال لأبي عبد الله (ع) انى صليت فذكرت انى لم اغسل ذكرى بعد ما صليت أفأعيد قال لا ومورد هاتين الروايتين
نسيان البول كما أن مورد الروايات السابقة ما عدا الأخيرة منها أيضا نسيان البول واما الأخيرة فنسيان الاستنجاء من الغائط
أيضا من موردها ويعارضها من هذه الجهة موثقة عمار قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول لو أن رجلا نسي ان يستنجى من الغائط حتى
يصلى لم يعد الصلاة * (و) * صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن رجل ذكر وهو في صلاته انه لم يستنج من الخلاء قال ينصرف
ويستنجي من الخلاء ويعيد صلاته وان ذكر وقد فرغ من صلاته فقد أجزء ذلك ولا إعادة عليه وموضوع الحكم في هذه الصحيحة بحسب
الظاهر أعم من نسيان مطلق الاستنجاء خصوصا بقرينة ترك الاستفصال ودعوى اختصاصها بمن نسي الاستنجاء من خصوص
الغائط مع أن الغالب عدم انفكاك البول عنه غير مسموعة فهذه الصحيحة يعارضها مجموع الأخبار السابقة
الامرة بالإعادة وكيف كان
فالمشهور على ما صرح به غير واحد من الاعلام وجوب الإعادة وقتا وخارجا وعن ابن الجنيد وجوب الإعادة في الوقت واختيار الاستحباب خارجه
وعن الصدوق في الفقيه وجوب الإعادة في البول دون الغائط فلا يعيد وزاد في البول إعادة الوضوء أيضا وفي الحدائق عن ابن أبي عقيل
ان الأولى إعادة الوضوء ولم يقيد ببول ولا غائط فما عن السيد [ره] في الرياض من نسبة القول بإعادة الصلاة مطلقا إلى العماني لا يبعد
ان يكون اشتباها منه كما نبه عليه في الجواهر والله العالم حجة المشهور ظهور الطائفة الأولى من الاخبار في وجوب الإعادة وكفى بذهابهم
إليه واعراضهم عن الاخبار المعارضة لها في قصورها عن المكافئة فان اعراضهم وإن لم يوجب وهنا في سندها حيث إن تكاثرها و
تظافرها ربما يورث القطع بصدورها في الجملة الا انه يوجب الوهن في دلالتها أو في جهة صدورها لكشفه اجمالا عن عثورهم على مزية
في الاخبار الامرة بالإعادة الموجبة لترجيحها في مقام التعارض أو قرينة كاشفة عن إرادة خلاف الظاهر منها مقتضية لطرحها ولو
عند خلوها عن المعارض هذا مضافا إلى ما سيتضح لك فيما بعد من وجود المرجح للطائفة الأولى ولو مع قطع النظر عن اشهريتها
واعراض المشهور عما يعارضها والله العالم حجة ابن الجنيد على الظاهر الجمع بين الاخبار وفيه أن حمل الاخبار النافية للإعادة على
خارج الوقت في غاية البعد مضافا إلى أنه لا شاهد لهذا الجمع نعم لو قلنا بهذا التفصيل في ناسي النجاسة مطلقا بشهادة مكاتبة ابن
مهزيار الآتية في محلها انشاء الله لأمكن القول به فيما نحن فيه والالتزام بكونه من جزئيات تلك المسألة الا ان الأقوى فيه أيضا الإعادة
مطلقا كما يتضح انشاء الله في محله * (وقد) * يستشهد له بموثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) في الرجل ينسى ان يغسل دبره بالماء وقد تمسح بثلاثة أحجار
قال إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الصلاة وليعد الوضوء وان كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلى فقد جازت صلاته وليتوضأ
211

لما يستقبل من الصلاة * (و) * فيه أنه لا بد من حمل هذه الرواية على الاستحباب أو على التقية ونحوها لعدم امكان الاخذ بظاهرها لاقتضائه
عدم كفاية التمسح بالأحجار ووجوب إعادة الوضوء والأول مخالف للاجماع والأخبار المتقدمة في محلها بل وكذا الثاني إذ لا قائل بحسب
الظاهر بوجوب إعادة الوضوء من نسيان خصوص الغائط نعم نسب إلى الصدوق في المقنع القول بإعادة الوضوء مطلقا من دون اختصاصها
بالغائط فيعارضها حينئذ الأخبار المستفيضة المتقدم بعضها الدالة على أنه لا يعيد الوضوء فلا بد من حمل الامر بإعادة الوضوء في هذه الرواية
وكذا في خبر سماعة المتقدمة على الاستحباب وبهذا ظهر ضعف القول المحكى عن الصدوق في الفقيه من وجوب إعادة الوضوء على من نسي
غسل ذكره وربما يقال في تضعيف مستند ابن الجنيد بان الجمع بين الاخبار فرع التكافؤ الذي هو مفقود في المقام من وجوه عديدة * (وفيه) *
ان الجمع بين الدليلين فرع امكانه بمقتضى الفهم العرفي بشهادة قرينة داخلية أو خارجية لا التكافؤ كما تقرر في محله الا ترى أنه يخصص الكتاب
بخبر الواحد مع أنه لا مكافئة بينهما قطعا ولأجل ما ذكرنا قد يترجح في النظر حمل الامر بالإعادة في الأخبار السابقة على الاستحباب جمعا
بينها وبين النافية لها بدعوى كونها من قبيل تعارض النص والظاهر فيرفع اليد عن الظاهر بالنص بشهادة العرف الا انه مع كونه مخالفا
للاجماع على الظاهر فيه مواقع من الاشكال لا داعى للتعرض لها بعد وضوح ضعفه واما مستند الصدوق في التفصيل بين نسيان البول
والغائط اما وجوب الإعادة في البول فللاخبار المتقدمة وترجيحها على ما يعارضها واما عدم الإعادة في الغائط فلموثقة عمار وصحيحة
على المتقدمتين وقصور ما يعارضهما عن المكافئة وفيه أن اعراض الأصحاب عنهما أوهنهما فلا تكافئان موثقة سماعة الدالة على الإعادة
في الغائط أيضا كالبول واشتمالها على الامر بإعادة الوضوء التي عرفت استحبابها فيما تقدم غير ضائر في دلالتها على وجوب إعادة الصلاة
بعد ما عرفت من عدم امكان حمل الامر بإعادة الصلاة في الاخبار على الاستحباب والله العالم * (ثم) * لو قلنا بتكافؤ اخبار الطرفين يجب أيضا
ترجيح الاخبار الامرة بالإعادة لأجل موافقتها للعمومات الدالة على أن ناسي النجاسة يعيد صلاته مطلقا اللهم الا ان يقال بابتلاء
تلك العمومات أيضا بمعارض مكافئ كما سيتضح لك في محله انشاء الله أو يقال باتحاد حكم المسألتين وعدم جواز التفصيل بينهما فالعمومات أيضا
كالاخبار الخاصة معارضة للأخبار النافية للإعادة فيتعين بعد الاغماض عن أن كثرتها توجب الترجيح الرجوع إلى عموم قوله (ع) لا تعاد الصلاة
الا من خمسة الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود وعموم قوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي الخطاء والنسيان ومعنى الرجوع إلى العموم ان موافقته للأخبار النافية
للإعادة توجب ترجيحها لا ان المتعارضين يتساقطان فيرجع إلى ما عداهما من الأدلة لان الأصل في تعارض الخبرين التخيير لا التساقط
هذا إذا قلنا بان المراد من الطهور خصوص الطهارة الحدثية وان المراد من حديث الرفع رفع مطلق الآثار واما لو قلنا باجمال الطهور واحتمال
إرادة الخبيثة أيضا منه وان المراد من رواية الرفع رفع خصوص المؤاخذة فيجب الرجوع إلى عموم ما دل على أن الطهارة شرط في الصلاة
مطلقا المقتضى لوجوب الإعادة في صورة النسيان فظهر لك ان ما ذهب إليه المشهور في حد ذاته هو الأقوى مع أنه أحوط والله العالم
ومن جدد وضوئه المأتي به لرفع الحدث بنية الندب أو الوجوب لو عرضه بنذر وشبهه ثم صلى بعدهما وذكر بعد الصلاة اجمالا انه أخل
بعضو أو شرط من احدى الطهارتين فان قلنا بعدم اعتبار قصد الوجه واتحاد مهية الوضوء المستلزم لرافعيته للحدث على تقدير صلاحية
المحل كما هو الأقوى على ما سبق تحقيقه في مبحث النية ولذا اقتصرنا في صحة الوضوء على نية القربة فالطهارة والصلاة صحيحتان بلا اشكال
للقطع بارتفاع حدثه بإحدى الطهارتين فتصح الصلاة الواقعة عقيبهما جزما وكذا لو قلنا باتحاد مهية الوضوء واعتبار قصد الوجه ولكنه
التزمنا بكفاية الوجه الظاهري في صحة العمل واقعا وان قلنا بعدم كفايته بل لابد في الواجب من قصد وجوبه وكذا في المستحب قصد
استحبابه فان قلنا بكفاية جعل الوجوب أو الاستحباب صفة للفعل وان أخطأ في وجه وجوبه أو استحبابه فالطهارة والصلاة أيضا صحيحتان
على تقدير اتحاد صفة الطهارتين في الوجوب والاستحباب كما لو توضأ أولا بقصد الاستحباب لغاية مستحبة ثم جدد وضوئه بنية الندب أو
توضأ أولا وجوبا ثم جدده وجوبا للوفاء بالنذر * (وان) * قلنا بعدم كفاية ذلك أيضا وأوجبنا في صحة العبادة وقوعها امتثالا للامر
الخاص الذي قصد امتثاله أو قلنا بتغاير حقيقة الوضوء واعتبرنا فيما هو رافع للحدث نية الرفع أو الاستباحة أعادهما كما عن العلامة
وأكثر من تأخر عنه لاستصحاب الحدث المعلوم تحققه قبل الطهارتين المقتضى لبطلان الصلاة الواقعة عقيبهما لعدم العلم بارتفاعه لاحتمال
كون الاخلال في الطهارة الأولى وقد يقال إنه لا يعيد شيئا منهما لعدم العلم ببطلان الطهارة الأولى واحتمال وقوع الخلل فيها شك
في الشئ بعد التجاوز عنه فلا يلتفت إليه والعلم الاجمالي بوقوع خلل في احدى الطهارتين انما يمنع من جريان أصالة الصحة إذا كان
مؤثرا في تنجيز خطاب على المكلف بحيث يكون اجزاء الأصل في أطراف الشبهة موجبا لمخالفة الحكم المعلوم بالاجمال وبعبارة أخرى العلم
الاجمالي انما يمنع من اجزاء الأصل فيما إذا كان كل واحد من أطراف الشبهة على وجه لو تبين تفصيلا انه مورد لعلمه الاجمالي لتنجز في حقه
بسببه تكليف شرعي كما لو علم اجمالا بوقوع خلل في وضوئه الذي صلى به صلاة الصبح أو وضوئه الذي صلى به صلاة العصر فان اجزاء
212

أصالة الصحة في كلا الوضوئين يستلزم جواز مخالفة التكليف الذي علم تنجزه عليه اجمالا وهو وجوب إعادة احدى الصلاتين واما
إذا لم يكن كذلك كما لو علم اجمالا بوقوع خلل اما في وضوئه أو وضوء شخص آخر أو في وضوئه الذي صلى به صلاة الظهر أو وضوئه
الذي أحدث عقيبه ولم يصل معه أصلا أو علم بوقوع خلل اما في وضوئه أو في شئ من سائر اعماله التي لا مدخلية لها في الأحكام الشرعية
أو في شئ من اعماله الشرعية التي تعدى وقتها بحيث لا اثر لصحتها وفسادها بعد التذكر ومن هذا القبيل ما لو تذكر بعد الصلاة انه
أخل بشئ منها مردد بين كونه ركنا أو غيره مما لا اثر لنسيانه بعد تجاوز محلها كالذكر أو الطمأنينة في الركوع فإنه لا مانع من اجزاء أصالة
الصحة وغيرها من الأصول في شئ من مثل هذه الموارد كما تقرر في الأصول وما نحن فيه من هذا القبيل إذ لا اثر لعلمه الاجمالي بالنسبة
إلى وضوئه التجديدي حيث لا يترتب بعد التذكر على صحته وفساده اثر شرعي فلا معنى لاجزاء أصالة الصحة بالنسبة إليه لان معنى
أصالة الصحة انما هو الالتزام بصحة الفعل في مقام العمل والمفروض انه لا اثر له من حيث العمل فأصالة الصحة بالنسبة إلى وضوئه
الذي نوى به رفع الحدث سليم عن المعارض * (و) * دعوى أن المتبادر من الشك المأخوذ في موضوع أصالة الصحة ما إذا كان طرفا الشك
وجودا وعدما بحثا لا عدما خاصا لا أقل من الشك في ذلك فيبقى استصحاب الحدث سليما من المزاحم * (مدفوعة) * بمنع الانصراف و
عدم كفاية الشك في رفع اليد عن أصالة العموم أو الاطلاق كما هو ظاهر ثم لو سلم الانصراف أو قيل بتساقط الأصلين بدعوى كون
العلم الاجمالي مانعا من جريانهما مطلقا أو بعد فرض اثر شرعي لصحة الوضوء التجديدي أيضا كالوضوء
الرافع فمقتضاه استصحاب
الحدث ووجوب اعادته للغايات التي لم تتحقق بعد واما الصلاة التي قد فرغ منها فلا وجه لإعادتها لأن الشك فيها شك في الشئ
بعد التجاوز عنه فأصالة الصحة بالنسبة إليها سليمة من المزاحم ولا يزاحمها استصحاب الحدث السابق لحكومتها عليه وعلى هذا لو صلى
بكل واحدة منهما أي من الطهارتين صلاة أو أزيد لا يعيد شيئا مما صلاه على كل من القولين ان قلنا ببقاء حدثه بحكم الاستصحاب لأنه
على هذا التقدير يجب عليه ان يتطهر لما يستقبل واما بالنسبة إلى ما مضى فالشك فيه شك في الشئ بعد التجاوز عنه فلا يلتفت إليه * (نعم) * لو قلنا
بان استصحاب الحدث يمنع من اجزاء أصالة الصحة بالنسبة إلى الصلاة الواقعة في زمان الشك والتزمنا بجريان الاستصحاب في المقام
وعدم جواز التمسك بأصالة الصحة لاثبات صحة الطهارة الأولى الواقعة بنية رفع الحدث أعاد الصلاة الواقعة عقيب الطهارة
الأولى بناء على القول الأول وهو الاقتصار على نية القربة والوجه الظاهري في صحة الوضوء ورافعيته للحدث واما الصلاة الواقعة
عقيب الطهارة الثانية فلا يعيدها إذ لا شك في صحتها للقطع بارتفاع حدثه بإحدى الطهارتين فيقطع بصحة الصلاة الواقعة
عقيبهما واما على القول الآخر أعاد ما صلاه عقيب الطهارة الثانية أيضا لعدم العلم بارتفاع حدثه حالها فان حالها على هذا
القول كحال الصلاة الواقعة عقيب الطهارة الأولى كما هو ظاهر ولو أحدث عقيب طهارة منهما ولم يعلمها بعينها أعاد الصلاة
الثانية على القول الثاني للعلم التفصيلي ببطلانها سواء كان الحدث عقيب الطهارة الأولى أو الثانية واما الصلاة الأولى فلا مقتضى
لإعادتها على هذا القول لأن الشك فيها شك في الشئ بعد التجاوز عنه واما على القول الأول أعاد الصلاتين ان اختلفتا عددا
بعد أن تطهر بلا اشكال في شئ منهما إذ لا يحصل اليقين بفراغ الذمة من الصلاة التي علم بطلانها اجمالا الا بإعادتهما فينوي
بفعلهما الاحتياط لاحراز الواجب الواقعي وتوهم توقف صحة الصلاة على قصد الوجه وهو لا يتأتى من المحتاط فلا يجب عليه جمع
بين الصلاتين بل يأتي بأحدهما بقصد الوجوب * (مدفوع) * بان قصد الوجه على تقدير القول باعتباره انما هو في حق من يتمكن
من تحصيل الوجه واما غير المتمكن فلا يعتبر في حقه اجماعا والا لزم عدم مشروعية الاحتياط في العبادات وجواز ترك كلنا
الصلاتين لعدم العلم بكون المأتي به هو الواجب الواقعي فكيف ينوى بفعله الوجوب وهو باطل بديهة وما قيل من عدم وجوب تحصيل
القطع بتفريغ الذمة من الواجب الواقعي حال الاشتباه وكفاية الاتيان بأحد المحتملين فرارا من المخالفة القطعية مدفوع بما تقرر
في الأصول في باب الشبهة المحصورة بما لا مزيد عليه ويرشدك إلى ما ذكرنا الرواية الآتية الامرة بقضاء ثلاث صلوات الفائتة
مرددة بين الفرائض الخمس خصوصا بملاحظة ما يستفاد منها من التعليل بكون الثلاث مجزية على كل تقدير واما ما أشرنا إليه
من أنه يتطهر فوجهه ما تقدم في مسألة من تيقن الحدث والطهارة وشك في المتأخر منهما فان المقام من جزئياتها كما هو ظاهر
ومن فصل في تلك المسألة بين الجهل بتأريخهما والعلم بتاريخ أحدهما وقال بأصالة تأخر ما جهل تاريخه عليه ان يلتزم في المقام
بإعادة الصلاة الثانية لاغير إذ بعد تعارض أصالتي الصحة في الصلاتين وتساقطهما من البين يجب الرجوع على هذا القول إلى
أصالة تأخر الحدث عن الطهارة الثانية التي تعلم بتحققها بعد الصلاة الأولى فتصح الصلاة الأولى بل يتعين بذلك بطلان الثانية
بناء على الأصل المثبت كما عليه مبنى هذا القول الا ان الخلاف منهم في المقام غير معروف وكيف كان فالأقوى ما عرفت وقد يتخيل
213

الفرق بين ما لو اتفقت الصلوتان في بقاء وقتهما أو خروجه أو اختلفتا فيعيدهما على تقدير الاتفاق لما عرفت واما على تقدير
الاختلاف فلا يعيد الا ما كان في الوقت لان القضاء انما يجب بأمر جديد فتنجزه عليه غير معلوم والأصل براءة الذمة عنه واما
ما كان وقته باقيا فسقوط امره غير معلوم فالأصل بقائه ولا يعارضه أصالة بقاء الامر المتعلق بالصلاة التي فات وقتها لان سقوطه
اما بالامتثال أو بخروج وقته معلوم هذا مضافا إلى قاعدة عدم الالتفات إلى الشك في الصلاة بعد خروج وقتها * (ويمكن) *
دفعه بان القضاء وان كان بأمر جديد الا انه ليس تكليفا جديدا أجنبيا عن التكليف الأول بل هو من اثار الأمر الأول غاية الأمر
انه استكشف بأمر جديد فالامر الجديد كاشف عن كون الأمر الأول من قبيل تعدد المطلوب فاستصحاب بقاء هذا الأثر يعارض
الاستصحاب المذكور واما قاعدة عدم الالتفات إلى الشك في الصلاة بعد خروج وقتها فموردها ما لو شك في أصل وجودها لا في
وصف صحتها لأن الشك في صحته بعد الفراغ منها ملغى مطلقا خرج وقتها أم لم يخرج الا انك عرفت أن هذا الأصل بالنسبة إلى
الصلاتين متعارض فالأظهر وجوب إعادة الصلاتين مطلقا ان اختلفتا عددا والا أي لم تختلفا عددا فصلاة واحدة سواء اتفقتا
في الجهر والاخفات أم اختلفتا ينوى بها ما في ذمته على المشهور كما في طهارة شيخنا المرتضى [قده] لما يستفاد من مرفوعة الحسين بن سعيد
من كفاية الواحدة المطابقة لعدد الفائتة وان خالفتها في الجهر الاخفات قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل نسي صلاة من الصلوات
لا يدرى أيتها هي قال يصلى ثلاثة وأربعة وركعتين فان كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى أربعا وان كانت المغرب أو الغداة فقد
صلى وفي مرسلة علي بن أسباط عن أبي عبد الله (ع) قال من نسي من صلاة يومه واحدة لم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين وثلاث أو أربعا وقد استدل
بهذه المرسلة أيضا كالمرفوعة لعموم كفاية الواحدة المطابقة تنقيح المناط * (ونوقش) * بعدم معلومية المناط والانصاف انه لو أفتى المفتى من
يستفتيه عن حكم الفائتة المرددة بمثل هذه الرواية لا يتوهم المستفتى ان لترددها بين الصبح والمغرب مدخلية في كفاية الأربع عن الظهر
والعصر والعشاء أو انه لو لم يكن العشاء أو العصر أو الظهر من محتملاتها لكان تكليفه غير ذلك بل لا ينسبق إلى ذهبه الا
انه لو كان الصبح والمغرب أيضا كالظهر والعصر أربعا لكان الأربع مجزيا على كل تقدير * (فدعوى) * احتمال مدخلية الخصوصية
في الحكم كأنها مكابرة للوجدان واحتمال مدخلية خصوصية النسيان في الحكم لعدم الوثوق باستفادة حكم غير الناسي من مثل
هذه الرواية * (مدفوع) * بعد الاغماض عن أن وضوح حكمة الحكم لذي العرف مما يوجب إلغاء هذه الخصوصية أيضا بعدم القول
بالفصل فان من لم يلتزم باختصاصها بموردها كما عن المشهور لم يخصصها بشئ من الخصوصيات ومن اعتبر خصوصية المورد كالشيخ
والقاضي وابن زهرة والحلي وابن سعيد على ما حكى عنهم لم يتخط عن موردها أصلا وقد عرفت أن الاقتصار على المورد خلاف ما
يساعد عليه أذهان أهل العرف * (وبما) * ذكرنا ظهر لك ضعف المناقشة في دلالة المرفوعة بقصورها عن إفادة علة الحكم لاحتمال
كون قوله (ع) فان كانت الظهر [الخ] تقريبا للحكم في خصوص المورد لا تعليلا حقيقيا أو بيانا لحكم الشارع بالاكتفاء على كل تقدير
لما عرفت من أن مناط الحكم في المقام من الأمور المغروسة في أذهان السائلين بحيث لا يتأملون في استفادة حكم ما لو ترددت
بين ما عدا الظهر من صلوات يومه من هذه الرواية فكيف مع تصريح الإمام عليه السلام بذلك والله العالم وكذا يعيد صلاتين
على تقدير اختلافهما عددا وصلاة واحدة على تقدير عدمه لو صلى بطهارة ثم أحدث وجدد طهارة ثم صلى أخرى وذكر بعدها
انه أخل بواجب من احدى الطهارتين لما عرفت في الفرع السابق خلافا للشيخ وغيره ممن سبقت الإشارة إليه فالتزموا بوجوب إعادة
الصلاتين مطلقا اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على مورد النص ولو صلى الخمس بطهارات خمس وتيقن انه أحدث عقيب احدى
الطهارات أعاد بناء على ما تقدم من الاكتفاء بالواحدة عما في الذمة ثلاث فرائض ثلاثا للمغرب لاحتمال كون الحدث عقيب الطهارة
التي صلى بها المغرب واثنتين للصبح لاحتمال كونه في الصبح وأربعا مطلقة مرددة بين الظهر والعصر والعشاء هذا إذا كان حاضرا
وان كان مسافرا يصلى ثلاثا للمغرب واثنتين مطلقة مرددة بين الصلوات الباقية وينوى الاحتياط في الجميع بمعنى انه يقصد
في كل من تلك الصلوات امتثال الامر الواقعي الذي علم تنجزه عليه اجمالا على تقدير كونها هي الصلاة التي فاتت منه ويستفاد كفاية الاثنتين
أو الأربع المطلقة عن الفائتة المرددة بين الثنائيات والرباعيات من الروايتين المتقدمتين بالتقريب المتقدم وقد عرفت أن اختصاص
موردها بالناسي لا يوجب تخصيص الحكم به والظاهر أن الاكتفاء بالواحدة المرددة رخصة من الشارع لا غريمة إذ لا يستفاد من الروايتين
الا جواز الاقتصار على الصلوات الثلاث لورودهما في مقام توهم وجوب الخمس ولظهور التعليل في أن الاكتفاء بالواحدة لأجل حصول
المقصود بها وهو بالمتعدد يحصل بطريق أولى ولأجل ما أشرنا إليه من المناقشة في دلالة الروايتين قبل كما عن الشيخ وغيره انه يعيد
خمسا ولا شبهة ان هذا القول أوفق بالاحتياط وان كان الأول أشبه بظاهر الروايتين المتقدمتين قد فرغ من تأليف
214

المجلد الأول من الكتاب الموسوم بمصباح الفقيه مصنفه أقل الطلبة * (محمد رضا) * ابن المرحوم الآقا محمد هادي الهمداني
في ليلة الجمعة من شهر شوال المكرم من سنة أربع وتسعين ومأتين بعد الألف نسئل الله
التوفيق لاتمامه وان ينفعنا به وإخواننا المؤمنين بمحمد وآله الطاهرين
صلوات الله عليهم أجمعين والحمد لله رب العالمين
بيد الأقل الأحقر العاصي ميرزا حسين
ناسخيان في شهر
جمادى الثانية سنة 1351 هجري قمري شد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمائه والشكر على آلائه والصلاة والسلام على أصل شجرة العلم والحكمة واله سفن النجاة وأبواب الرحمة ما ذر شارق
وبرق بارق * (وبعد) * فيقول العبد الراجي المستكين أبو المعالي شهاب الدين المدعو بالنجفي الحسيني الحسنى المرعشي وفقه الله لمراضيه
وجعل مستقبله خيرا ماضيه انه لما استدعى بعض السادة من آل الرسول صلى الله عليه وآله والشرفاء من نسل البتول (س) استخراج عموده ومشجرته وتبيين
سمو مرتبته ودرجته استخرها الله [تعالى] في ذلك وشمرت الذيل عن ساق الجد في اسعاف مأموله وانجاح مسئوله اجابه للدعوة
واحياء لذكر أهل البيت الوحي والرحمة وشجرت هذه على ظهر كتاب الطهارة صونا من أن تتطرق إليها يد التلف والإغارة
مستندا في ذلك على ما وصل إلى من كتب النسابين وما اخذته شقاها عن مشايخي الصالحين منهم والدي العلامة السيد محمود
الحسيني المرعشي النسابة * (و) * سيدنا الأستاذ السيد محمد رضا الصائغ البحراني النسابة النجفي * (ثم) * لا يخفى عليك جلالة هذه الأسرة الكريمة
وفخامتها وان هؤلاء السادة مشهورون بسادت پشت كلأته من اعمال سبزوار ومن أعيانهم السيد الجليل السيد مسعود المشتهر
بعيشى وهو الذي اجتمع بالسيد المنصور الحائري النسابة سنة 1069 في بلده أصفهان وعرض عليه نسبه فصححه وكانت بيده تولية متعة تسمى
بامام زاده سلطان محمد من ذرية الإمام موسى بن جعفر (ع) * (ومنهم) * السيد العلامة الغائر بدرجتي العلم والشهادة أبو الفتح السيد نصر الله
الحائري المدرس في الروضة الحسينية المستشهد سنة 1156 بإسلامبول وتفصيل ترجمته بطلب من مطولات ما
كتبناه في هذا الباب
* (ومنهم) * السيد الزاهد الناسك العابد السيد هاشم الخطاب النجفي جد السادة القاطنين بالنجف الأشرف بالحويش المشهورين
ببيت السيد سلمان وجلالة الخطاب ممالا يكاد ان يخفى على من سير حاله وما جرى بينه وبين السلطان نادر شاه
* (ومنهم) * السيد فخار بن معد النسابة الذي يروى عنه شيخنا المحقق وهو يروى عن ابن إدريس
وابن شهرآشوب
وشادان بن جبريل القمي توفى سنة 430 وغيرهم من الكرام ثم لا يذهب عليك ان تشكيل هذا البيت كان بالحائر
الشريف ثم هاجر جماعة منهم إلى كلأته ثم خرج منها بطن إلى شيراز ثم قطن سيد الاشراف والأعزة
الآقا ميرزا محمد على الموسوي الشيرازي الكتبي بطهران وأسس بيتا
منه السادة الاجلاء المشهورين بالاخوان الكتابچى تارة والاسلامي
أخرى وهم السيد حسين والحاج السيد احمد
والحاج السيد محمود أدام الله
سلامتهم ووفقهم لما يرجى
[انش‍] [تعالى] واما
صورة الشجرة فهكذا
215

المجلد الثاني
من كتاب مصباح الفقيه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
* (واما الغسل) * ففيه الواجب والمندوب فالواجب منه على الأصح ستة أغسال غسل الجنابة والحيض والاستحاضة التي تثقت الكرسف
والنفاس ومس الأموات من الناس قبل تغسيلهم وبعد بردهم وغسل الأموات بلا خلاف ظاهرا في شئ منها عدا غسل المس فعن المرتضى [ره]
القول باستحبابه وستعرف ضعفه في محله [انش‍] والظاهر انحصار الأغسال الواجبة في الستة المذكور خلافا لما حكى عن بعض فأضافوا إليها
غيرها مما سيأتي التعرض له عند بيان الأغسال المندوبة * (و) * ينبغي ان يكون بيان ذلك أي الأغسال الواجبة في طي ستة فصول ولكن
المصنف قدس سره لم يذكر لغسل مس الميت فصلا مستقلا لقلة مباحثه وانما تعرض له اجمالا في الاحكام الميتة وبين ما عداه من الأغسال
الواجبة في ضمن خمسة فصول
* (الفصل الأول) * في غسل الجنابة والنظر فيه في بيان أمور ثلاثة السبب أي الأمور المؤثرة في
حدوثها والحكم أي الأثر الشرعي المترتب عليها عند تحققها وكيفية الغسل المؤثر في ازالتها اما سبب الجنابة فامران أحدهما الانزال
الذي هو عبارة عن خروج المنى إلى ظاهر الجسد [مط] فيثبت به الجنابة إذا علم أن الخارج منى سواء قارنته الشهوة أو الدفق أو فتور الجسد أم لا
والمناقشة بعدم انفكاكه عادة عن جميع هذه الأوصاف أو تعذر حصول العلم بكون الخارج منيا عند فقدها بعد التسليم خارجة من
دأب المناظرة لان صدق الشرطية لا يتوقف على تحقق الشرط والمقصود بيان ان خروج المنى بذاته سبب للجنابة وهذه الأوصاف
معرفات لا ان لها مدخلية في التأثير بلا خلاف فيه ظاهرا بل في الجواهر ان حكاية الاجماع عليه تقرب (من) إلى التواتر بل عن ظاهر بعضهم دعوى
اجماع المسلمين عليه عدا أبي حنيفة على ما نقل عنه من اعتبار مقارنة الشهوة التلذذ في وجوب الغسل فان أراد المناقشة في الصغرى
بدعوى توقف تحقق المنى على الشهوة * (ففيه) * مضافا إلى ما عرفت منع ظاهر خصوصا لو أراد توقفه على الشهوة عين الخروج إلى ظاهر
الجسد وان أراد المخالفة في الحكم الشرعي كما هو الظاهر فكفى مخالفته دليلا على صدق من خالفه * (ويدل) * على المدعى مضافا إلى الاجماع
الأخبار الكثيرة التي يستفاد منها سببية الانزال من حيث هو لوجوب الغسل من دون تقييده بكونه مع الشهوة مثل الأخبار المستفيضة
المعلقة وجوب الغسل في بعضها بخروج الماء الأعظم وفي بعضها بالمنى وفي بعضها بالانزال إلى غير ذلك من الاخبار التي سيمر عليك
بعضها [انش‍] ولا يعارضها ما ورد في بعض الأخبار الآتية في حكم المرأة من تعليق وجوب الغسل عليها بانزالها من شهوة لان كونه
كذلك هو السبب العادي الذي به يعرف المنى عن غيره عند الملاعبة والتفخيذ ونحوهما كما هو مورد الاخبار فلا يدل التعليق في مثل
المقام على التقييد حتى ينافي المطلقات * (ولا) * فرق في سببية الانزال بين الرجل والمرأة بلا خلاف فيه ظاهرا بل حكى عليه دعوى الاجماع
عن جماعة بل عن المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى وعن غيرهما ان عليه اجماع المسلمين نعم حكى عن ظاهر الصدوق في المقنع خلافه لكن
ذيل عبارته المحكية عنه في الحدائق ربما يعطى عدم مخالفته قال إن احتلمت المرأة فأنزلت فليس عليها غسل وروى أن عليها الغسل إذا أنزلت وهو
في الرجل مجمع عليه رواية واما في المرأة فعلى أشهرها وكيف كان فمما يدل على وجوب الغسل عليها مضافا إلى الاجماع والأدلة المطلقة النصوص
الخاصة المستفيضة التي كادت تكون متواترة منها صحيحة محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام في الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج وتنزل
المرأة هل عليها غسل قال نعم * (و) * صحيحة عبد الله بن سنان قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن المرأة ترى ان الرجل يجامعها في المنام في فرجها
حتى تنزل قال تغتسل * (وعن) * إسماعيل بن سعد الأشعري قال سئلت الرضا (ع) عن الرجل يلمس فرج جاريته حتى تنزل الماء من غير أن يباشر يعبث
بها بيده حتى تنزل قال إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل * (و) * عن محمد بن الفضيل قال سئلت أبا الحسن (ع) عن المرأة تعانق زوجها من خلفه
فتحرك على ظهره فتأتيها الشهوة فتنزل الماء عليها الغسل أولا يجب عليها الغسل قال إذا جائتها الشهوة فأنزلت الماء وجب عليها الغسل
* (وعن) * الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل قال إن أنزلت فعليها الغسل وإن لم تنزل فليس
عليها الغسل * (وعن) * محمد بن الفضيل أيضا بسند آخر عن أبي الحسن (ع) قال قلت له تلزمني المرأة أو
الجارية من خلفي وانا متكئ على جنب فتتحرك
218

على ظهري فتأتيها الشهوة وتنزل الماء أفعليها غسل أم لا قال نعم إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب عليها الغسل * (وعن) * معاوية بن حكيم
قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إذا امنت المرأة والأمة من شهوة جامعها الرجل أولم يجامعها في نوم كان ذلك أو في يقظة فان عليها الغسل وعن أبي
طلحة انه سئل عبدا صالحا عن رجل مس فرج امرأته أو جاريته يعبث بها حتى أنزلت عليها غسل أم لا قال أليس قد أنزلت من شهوة قال
بلى قال عليها غسل * (وعن) * محمد بن إسماعيل قال سئلت أبا الحسن (ع) عن المرأة ترى في منامها فتنزل عليها غسل قال نعم إلى غير ذلك
من الاخبار التي تدل على وجوب الغسل على المرأة بالانزال لكن في بعضها نهى عن تحديثهن بذلك كي لا يتخذنه علة مثل صحيحة أديم بن الحر
قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل عليها غسل قال نعم ولا تحدثوهن بذلك فيتخذنه علة ولا يبعد ان
يكون النهى عن تحديثهن مع وجوب اعلامهن عند الحاجة ندرة ابتلائهن بذلك مع ما في تعليمهن من خوف المفسدة * (واما) * ندرة ابتلائهن
بذلك فلما قيل من أن منى المرأة قلما يخرج من فرجها لأنه يستقر في رحمها ولعله لذا نفى الإمام (ع)
وجوب الغسل عليهن في عدة اخبار ففي
رواية عمر بن يزيد قال اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة وليست ثيابي وتطيبت فمرت في وصيفة لي ففخذت لها فأمذيت انا وأمنت هي فدخلني
من ذاك ضيق فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال ليس عليك وضوء ولا عليها غسل * (وفي) * روايته الأخرى قال قلت لأبي عبد الله (ع)
الرجل يضع ذكره على فرج المرأة فيمنى عليها غسل فقال إن أصابها شئ من الماء فلتغسله وليس عليها شئ الا ان يدخله قلت فان امنت
هي ولم يدخله قال ليس عليها الغسل * (و) * خبر ابن أذينة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم قال ليس
عليها غسل * (و) * صحيحة ابن مسلم قال قلت لأبي جعفر (ع) كيف جعل على المرأة إذا رأت في النوم ان الرجل يجامعها في فرجها الغسل ولم يجعل
عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج في اليقظة فأمنت قال لأنها رأت في منامها ان الرجل يجامعها في فرجها فوجب عليها الغسل والاخر
انما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل لأنه لم يدخله ولو كان أدخلت التفطة وجب عليها الغسل امنت أولم تمن * (وخبر) * عبيد بن
زرارة قال قلت له هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل قال لا وأيكم يرضى أو يصبر على ذلك أن يرى بنته أو أخته أو زوجته أو واحدة
من قرابته قائمة تغتسل فيقول مالك فتقول احتلمت وليس لها بعل ثم قال لا ليس عليهن ذلك وقد وضع الله ذلك عليكم فقال وان كنتم جنبا
فاطهروا ولم يقل ذلك لهن ولكن الانصاف ان تنزيل هذا الاخبار على كثرتها وتظافرها على إرادة نفى الغسل إذا تحقق الانزال واستقر
المنى في الرحم ولم يخرج إلى ظاهر الجسد بعيد جدا اللهم الا ان يكون خروج منى المرأة في غاية الندرة ويكون حكمة اخفاء الحكم مخافة
الفتنة * (والأولى) * رد علمها إلى أهله وأحسن محاملها في مقام التوجيه حملها على التقية كما في الوسائل والحدائق وغيرهما احتمالها ولا ينافيه
دعوى المصنف والعلامة اجماع المسلمين على الوجوب لا لمجرد امكان إظهار الحكم المخالف للواقع تقية لبعض المصالح ولو لم يكن مذهب
لأهل الخلاف بل لامكان ان يكون مقصودهما الاجماع في عصرهما الذي انحصر فيه آراء المخالفين في المذاهب الأربعة وانقرض عصر من
خالفهم من سابقيهم وقد صرح في الوسائل بتحقق الخلاف بينهم في ذلك وناقش بذلك في دعوى المصنف اجماع المسلمين ولكنك عرفت
اندفاعها لعدم منافاة الخلاف في الاعصار السابقة لدعوى الاجماع بعد انقراض عصر المخالفين وكيف كان فمما يؤيد صدورها
تقية بل يدل عليه صحيحة ابن مسلم وخبر عبيد بن زرارة اما صحيحة ابن مسلم فتقريب دلالتها ان ظاهر السؤال وصريح الجواب كون رؤية
الجماع في الفرج في النوم مطلقا كاليقظة سببا لوجوب الغسل امنت أولم تمن وهذا الحكم كما تراه مخالف لضرورة المذهب مع أن سوق
كلام السائل يعطى كونه من المسلمات في عصره وذلك لا يكون بحسب الظاهر الا لأجل معروفيته لديهم من قبل المخالفين فيستكشف من
ذلك شيوع هذا القول بين المخالفين في زمان الباقر عليه السلام كما يستشعر ذلك من تعليل الإمام (ع)
بما يناسب مذهبهم ممالا حقيقة
له حيث علل وجوب الغسل عليها [ح] بكونه ادخالا في الفرج وهو كما تراه توجيه صوري المطلب ظاهري فما الجائه إلى أن يعلل لوجوب
الغسل بالاحتلام ولو لم تمن هو الذي الجائه إلى التعليل لعدم الوجوب إذا امنت بغير الجماع واما خبر عبيد فمفاده سببية إنزال
المرأة كالرجل للجنابة ولكن الله [تع‍] وضع عنها التكليف ولم يكلفها بالتطهر عنها حيث وجه الخطاب بالتطهر عن الجنابة إلى خصوص
الرجال وهذا المعنى باطلاقه مخالف للسنة القطعية والاستشهاد بظاهر الآية بحسب الظاهر استدلال صوري اقناعي بمقتضى
مذاق القوم والا فالظاهر أن المقصودين بالخطاب بالوضوء والغسل والتيمم في الآية جميع المؤمنين لا خصوص الرجال منهم ومما
يؤيد كون الاستدلال صوريا استشهاده (ع) أولا بعدم رضائهم باغتسالها فان هذا النحو من التعبير والاستدلال أشبه شئ
بمذاق من يعمل بالاستحسانات في معرفة الأحكام الشرعية التعبدية وكيف كان فهذه الرواية كسابقتها مع قطع النظر عن
شذوذها واعراض الأصحاب عنها ومعارضتها بالاخبار المعتبرة المشهورة المعمول بها عند الأصحاب من الروايات التي
يشكل الاعتماد عليها بل لا يبعد دعوى كونها مما أمرنا بطرحها خصوصا بملاحظة ما في بعض الروايات من قوله (ع) ما سمعت
219

منى يشبه قول الناس ففيه التقية وما سمعته منى لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه * (وبما) * ذكرنا اتضح لك فساد ما حكى عن بعض متأخري
المتأخرين الذي لا يعتنى بفتاوى الأصحاب ولا يبالي مخالفة اجماعهم حيث مال أو قال باستحباب الغسل وعدم وجوبه عليهن لكثرة الاخبار
النافية صراحتها وتأكد دلالتها بالتعليل في بعضها بأنه أيكم يرضى ان يرى [الخ] وبالتعليل بان الله [تع‍] وضعه عليكم فقال وان
كنتم جنبا فاطهروا ولم يقل ذلك لهن إلى غير ذلك توضيح ما فيه أن هذه المؤكدات التي اعتمد عليها في ترجيح الدلالة أوهنتها على
وجه يشكل الاعتماد عليها على تقدير سلامتها من المعارض ومخالفة الأصحاب فضلا عن اعراض الأصحاب عنها ومعارضتها بما هو
أرجح منها بوجوه من الترجيحات المنصوصة وليست المعارضة بين الاخبار من قبيل النص والظاهر حتى يمكن الجمع بينها بتأويل الظاهر
بالنص كما تخيله هذا البعض إذ لو بنى على الجمع بين قوله (ع) في عدة من الاخبار وجب عليها الغسل وفي بعضها فإنما عليها الغسل أو عليها
غسل وبين قوله لم يجب عليها الغسل أوليس عليها الغسل مع كونهما من قبيل المتناقضين في الظاهر فعلى أي مورد ينزل الأخبار الكثيرة
الامرة بالرجوع إلى المرجحات عند تعارض الخبرين فالمتعين في مثل المقام هو الرجوع إلى المرجحات هذا على تقدير حجية مثل هذه الأخبار
الشاذة وعدم سقوطها عن مرتبة الحجية باعراض الأصحاب عنها والا فالكلام ساقط عن أصله ثم إنه
لا ريب ولا اشكال
كما هو ظاهر النصوص والفتاوى بل صريح بعضها في أن وجوب الغسل معلق على خروج المنى إلى خارج الجسد والظاهر عدم الفرق بين
خروجه من الموضع المعتاد وغيره انسد الطبيعي أم لا لاطلاقات الأدلة بل قوة ظهورها في إناطة الحكم بخروج الماء الأعظم من حيث ذاته
من دون اعتبار وصف فيه * (و) * قيل باعتبار الاعتياد بدعوى انصراف المطلقات إلى المتعارف المعتاد فالأصل براءة الذمة فيما عداه من وجوب
+ + + + + + + + +
الغسل وليس بشئ لان الانصراف لو سلم فهو بدوي منشأه انس الذهن إذ ليس انصراف الموضع المعتاد من مثل قوله (ع) إذا امنت المرأة
أو إذا جائتها الشهوة فأنزلت الماء أو انما الغسل من الماء الأكبر إلى غير ذلك من العبائر المطلقة الواردة في النصوص الا كانصراف ذهن
المخاطب المأمور بشراء اللحم بدينار إلى الدينار الموجود في كيسه بالفعل لأنس ذهنه إليه ولا اعتداد بمثل هذه الانصرافات أصلا
* (وقد) * عرفت في مبحث الحدث الأصغر ان الأقوى عدم اعتبار الاعتياد هناك مع كثرة الأخبار الواردة المقيدة للناقض بما يخرج من طرفيك
الأسفلين الذين أنعم الله بهما عليك ففي المقام أولى بعدم اعتبار الاعتياد ولعله لذا أطلق المصنف [قده] كغيره القول بسببية الخارج في
المقام مع تقييده بالاعتياد هناك واحتمال كون اطلاقهم منزلا على ما بينوه في الحدث الأصغر بعيد في الغاية فما صدر من بعض من نسبة
هذا القول إلى المشهور استنباطا من مقالتهم في الحدث الأصغر ليس على ما ينبغي الجواز التفصيل بين المسألتين * (و) * ليت شعري هل القائل
باعتبار الاعتياد في غير المخرج الطبيعي اعتبر العادة في خصوص المنى أو اكتفى باعتياد خروج ما من شانه ان يخرج من الفرج فكونه معتادا
للبول يكفي في ذلك ولا يظن بهم إرادة المعنى الأول وان كان أوفق بظاهر كلامهم * (إذ) * من المستبعد جدا أن لا يقولوا بجنابة من خرج منيه في
ابتداء بلوغه من المخرج الغير الطبيعي الذي صار معتاد البوله من حداثة سنه وكيف كان فيتفرع على الخلاف حكم الخنثى المشكل فيجب عليه
الغسل بخروج المنى مطلقا على الأول ولا يجب على الثاني الا إذا خرج من كلا المخرجين المعلوم كون أحدهما طبيعيا أو من أحدهما بشرط الاعتياد
هذا كله فيما إذا علم بان الخارج منى فان اشتبه ذلك فلا شئ عليه كما لو اشتبه نفس الخروج لان اليقين لا ينقضه الشك لكن لا يعد من موارد
الاشتباه ما إذا حصل ما يشتبه كونه منيا وكان واجدا للأوصاف الملازمة له عادة بان كان رافقا يقارنه الشهوة وفتور الجسد فإنه إذا
اجتمع فيه هذه الأوصاف فقد وجب الغسل والامتناع من دخول المساجد وقراءة العزائم وغيرها من الاحكام التي سيأتي تفصيلها
لقضاء الوجدان بشهادة العرف والعادة مضافا إلى تصريح جل الاعلام لولا كلهم بان ما اجتمع فيه الأوصاف هو الماء الأعظم الذي رتب
الشارع عليه احكامه ويفصح عن ذلك مضافا إلى ما عرفت صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبلها فيخرج منه
المنى فما عليه قال إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل وان كان انما هو شئ لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس وما استشكله بعض
في مفاد الرواية لأجل موافقته لمذهب العامة من حيث اعتبار مقارنة الشهوة في وجوب الغسل * (مدفوع) * بان الشرطية جارية مجرى
العادة ومسوقة لبيان تحقق الموضوع كما نبه عليه في التهذيب حيث قال إن قوله (ع) وان كان انما هو شئ لم يجد له فترة ولا شهوة فلا
بأس معناه إن لم يكن الخارج الماء الأكبر لان المستبعد من العادة والطبايع ان يخرج المنى من الانسان ولا يجدله شهوة ولا لذة
انتهى وفرض السائل كون الخارج منيا لا ينافي إرادة تشخيص ماهيته بذكر أوصافه المختصة به في طي الجواب بحيث ينجسم به مادة الاشكال
في موارد الاشتباه هذا مع أنه حكى في الوسائل عن كتاب علي بن جعفر أنه قال في سؤاله فيخرج منه الشئ فعلى هذا يكون الامر أهون وعلى تقدير
تسليم ظهوره في إرادة التقييد فلا بد من صرفه عن هذا الظاهر بقرينة الأدلة المتقدمة * (وكيف) * كان فقد نسب إلى العلماء في المقام أقوال متكثرة
فعن بعضهم اعتبار اجتماع الأوصاف الثلاثة السابقة وكفايتها في الحكم بالجنابة كظاهر المتن وغيره وصريح بعض متأخري المتأخرين * (وعن) * ظاهر
220

بعضهم اعتبار كون رائحته كرائحة الطلع والعجين رطبا وبياض البيض جافا مع الأوصاف السابقة وعن ظاهر بعض الاكتفاء بالدفق و
الشهوة * (و) * عن بعض آخر الاكتفاء بالدفق وفتور البدن وعن ظاهر آخرين اعتبار الدفق خاصة * (و) * عن صريح جماعة الاكتفاء بحصول واحد
من الأوصاف الثلاثة * (و) * عن بعض الاكتفاء بالرائحة فقط مع نفى الخلاف عنه والذي يقوى في نفسي ان أكثر من تعرض لذكر الأوصاف لم يتعلق
غرضه الا بذكر أوصاف المنى بحيث يمتاز به عن غيره ويرتفع بملاحظتها الشك في موارد الاشتباه لا انه يجب الالتزام تعبدا يكون ما وجد
فيه الأوصاف منيا ولو لم يحصل الوثوق بذلك فلا يتوجه عليهم الاعتراض بعدم الدليل على اعتبار الرائحة أو اللون أو كفاية بعض الأوصاف
فمقصودهم ان هذه الأوصاف لما كانت من أوصاف المنى التي لا تنفك عنه عادة ربما يحصل الوثوق عند احساس شئ منها بكونه منيا وكيف
كان فالأقوى انما هو اعتبار العلم أوما هو بمنزلته * (واما) * اجتماع الأوصاف الثلاثة فهو طريق علمي بشهادة العرف والشرع ومعه لا اعتداد
بالترديد الشخصي الحاصل ممن يتردد نعم كل واحد من الأوصاف حتى الرائحة واللون ربما يورث الوثوق والاطمينان بكون الخارج منيا لو لم
يعلم بانفكاكه عما عداه من الأوصاف بل الانصاف انه فلما ينفك خروجه من شهوة يقارنها الفتور عن الجزم بكون الخارج منيا ولذا
لا ينبغي ترك الاحتياط بالغسل عند عدم العلم بالانفكاك خصوصا بالنظر إلى ما في غير واحد من الأخبار الدالة على وجوب الغسل عند
إنزال الماء من شهوة * (بل) * لولا ورود هذه الأخبار مورد العادة القاضية بحصول العلم غالبا بان ما ينزل من شهوة هو الماء الأعظم الذي
تعلق به الحكم وعدم انفكاك إنزاله من شهوة من سائر الأوصاف في معتدل المزاج لكان ظاهرها كفاية الخروج من شهوة ولو مع الانفكاك
عن سائر الأوصاف في الحكم بالجنابة تعبدا لكن جريها مجرى الغالب منعها من هذا الظهور * (ومما) * يشهد بورودها مورد الغالب صحيحة علي بن جعفر التي هي
اظهر في كونها مسوقة لبيان الضابط الدالة على اعتبار مجموع الأوصاف في تشخيص موضوع الحكم وذيلها يشهد بالملازمة بين الأوصاف حيث
اعتبر في موضوع الشرطية الثانية التي هي في الحقيقة تعبير عما يفهم من الشرطية الأولى عدم وجدان شئ من الأوصاف وهذا لا يستقيم الا بملاحظة
الملازمة الغالبية
* (ثم) * لو قلنا بظهور هذه الأخبار في كفاية الشهوة المجردة وعدم صلاحية الصحيحة لتقييدها لجريها مجرى الغالب يجب رفع اليد
عن هذا الظاهر للأخبار المستفيضة الدالة منطوقا ومفهوما على أنه لو كان صحيحا اعتبر الدفق في وجوب الغسل ولو كان مريضا كفت الشهوة
وفتور الجسد الذي لا ينفك عنها عادة خصوصا في وجوبه ففي صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يرى في المنام
ويجد الشهوة فيستيقظ فينظر فلا يجد شيئا ثم يمكث الهوين بعد فيخرج قال إن كان مريضا فليغتسل وإن لم يكن مريضا فلا شئ عليه قلت فما فرق
بينهما * (قال) * لان الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة قوية وان كان مريضا لم يجئ الأبعد وصحيحة معاوية بن عمار قال سئلت أبا عبد الله (ع)
عن الرجل احتلم فلما أنبته وجد بللا قليلا قال ليس بشئ الا ان يكون مريضا فإنه يضعف فعليه الغسل * (و) * صحيحة زرارة قال إذا كنت مريضا
فاصابتك شهوة فإنه ربما كان هو الدافق لكنه يجئ مجيئا ضعيفا ليس له قوة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا فاغتسل منه ثم إن
مفاد هذه الأخبار انه يجب على المريض ترتيب اثر المنى على الماء الخارج الذي يقارنه الشهوة ولو لم يعلم بكونه منيا عمل بظاهر حاله الذي
يقتضيه مرضه فيكون خروج الماء من شهوة طريقا شرعيا تعبديا في حق المريض لمعرفة المنى فيكون هذه الأخبار حاكمة على قاعدة عدم نقض
اليقين بغير اليقين
بل ربما يظهر من صحيحة ابن مسلم كفاية مجرد الاحتلام في وجوب الغسل على المريض ولو لم ير في ثوبه شيئا قال قلت لأبي جعفر (ع)
رجل رأى في منامه فوجد اللذة والشهوة ثم قام فلم ير في ثوبه شيئا قال فقال إن كان مريضا فعليه الغسل وان كان صحيحا فلا شئ عليه
* (ولكنه) * لا بد من حملها على مالا ينافي اعتبار العلم بخروج شئ منه في الحكم بالجنابة لعدم امكان الاخذ بظاهرها كما صرح به في الحدائق
حيث قال إن هذه الرواية لا تخلو من اشكال لتضمنها وجوب الغسل على المريض بمجرد وجود اللذة والشهوة مع عدم رؤية شئ بعد انتباهه ولم
يذهب إليه ذاهب من الأصحاب ولم يرد به خبر آخر في الباب بل ربما دلت الاخبار بخلافه انتهى أقول لا يبعد ان يكون المراد بالرواية ما لو
أحس وجود شئ في المجرى بحيث يعلم عادة بأنه يخرج فيما بعد ولو مع البول كما هو الغالب في مفروض السائل إذ قلما ينفك وجدان اللذة
والشهوة ما لم يخرج الماء عن احساس انتقاله إلى محل سيخرج بالبول ونحوه ويمكن حمل الرواية على الاستحباب والله العالم * (وقد) *
ظهر مما تقدم انه لو تجرد الماء الخارج عن الشهوة والدفق في الصحيح وعن خصوص الشهوة في المريض مع اشتباهه لم يجب الغسل و
الظاهر عدم الفرق بين الرجل والمرأة في الأحكام المذكورة ففي حال صحتها لا يجب عليها الغسل مع الاشتباه الا إذا اجتمعت الأوصاف
الثلاثة المذكورة التي هي طريق علمي لمعرفة المنى بشهادة الشرع والعرف فلا يلتفت معه إلى التردد الشخصي الذي مرجعه إلى التشكيك
في الموضوع العرفي الذي يشهد بتحققه جميع أهل العرف وفي حال مرضها كفت الشهوة للأخبار المتقدمة
واختصاص موردها بالرجل لا يوجب
قصر الحكم عليه خصوصا مع عموم العلة المنصوصة المقتضية لعموم الحكم * (بل ربما) * يقال بكفاية الشهوة في حقها مطلقا تعبدا ولو في حال
صحتها الاستفاضة الاخبار بأنه إذا أنزلت المرأة من شهوة فعليها الغسل ولكنك عرفت أن هذه الأخبار
مسوقة لبيان وجوب الغسل
221

عليها بالانزال وان تقييد الموضوع بما أنزلته من شهوة انما هو لكونها طريقا عاديا للعلم بتحقق الموضوع وكونها كذلك مانع من ظهورها
في إرادة التعبد بطريقية الشهوة في الافراد النادرة التي لا يحصل بسببها العلم بكونه هو الماء الأعظم ولكن الاحتياط في حقها ممالا ينبغي
تركه والله العالم
* (و) * ان وجد على جسده أو ثوبه أو فراشه أو غيرها مما يخصه منيا وجب عليه الغسل إذا اطمئن بأنه منه ولم يحتمل كونه من الجنابة
التي اغتسل منها ولا كونه من شخص آخر كما هو الغالب فيما إذا لم يشاركه في الثوب أو الفراش ونحوه غيره ليتحقق احتمال كونه من ذلك الغير
وإلا فلا يجب لاستصحاب الطهارة المتيقنة ولا يعارضه في الفرض الأول استصحاب بقاء الجنابة ووجوب الغسل المعلوم تنجزه في حقه
حال حدوث المنى وعدم اغتساله من هذا المنى عند احتمال كونه من الجنابة التي اغتسل منها لأن الشك
في بقاء الوجوب وعدم الاغتسال منه
مسبب عن الشك في حدوث جنابة جديدة منتفية بالأصل وكذا لا يعارضه في الفرض الثاني استصحاب عدم كونه من الغير الذي يشاركه
في الثوب لما عرفته في مسألة الإنائين الذين أشبه طاهرهما بنجسهما ان العلم الاجمالي انما يمنع من اجراء الأصول في أطراف الشبهة
إذا كان مؤثرا في تنجيز التكليف على كل تقدير فحيث لا يجب عليه الغسل على تقدير كون الجنب غيره لا يمنع علمه الاجمالي بالجنابة المترددة بينه
وبين الغير من استصحاب الطهارة والبناء على عدم وجوب الغسل عليه * (نعم) * لو كان الجنابة الغير بالنسبة إليه اثر فعلى من بعض الجهات
كما لو أراد أن يصلى معه جمعة أو يقتدى به جماعة أو أراد ثالث ان يقتدى بهما أو بواحد منهما على تقدير كون الاخر أيضا في عرض هذا الشخص
من موارد ابتلائه بالفعل يتعارض الأصلان بالنظر إلى هذا الأثر كما تقدم تحقيقه في الشبهة المحصورة * (ويدل) * على عدم وجوب الغسل
عند عدم العلم بكونه منه أو احتمل كونه من الجنابات السابقة التي اغتسل منها رواية أبي بصير عن أبي
عبد الله (ع) عن الرجل يصيب ثوبه
منيا ولم يعلم أنه احتلم قال ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ وقوله (ع) وليتوضأ بحسب الظاهر مسوق لبيان عدم وجوب الغسل وكفاية
الوضوء لأجل صلاته لا انه يجب عليه الوضوء بسبب رؤية المنى في ثوبه * (وكيف) * كان فالرواية كادت أن تكون صريحة في عدم وجوب الغسل
بمجرد رؤية المنى في الثوب لو لم يعلم بأنه احتلم وحيث إن ظاهر إضافة الثوب إليه في كلام السائل اختصاصه بعد يتعذر حمل جواب الإمام (ع) على
إرادة نفى وجوب الغسل عليه إذا شاركه في الثوب غيره لا مطلقا كما عن الشيخ قدس سره جمعا بينها وبين الروايتين الآتيتين * (نعم) * المتبادر من
قول السائل ولم يعلم أنه احتلم عدم علمه بكون المنى من احتلام حادث يوجب عليه الغسل بالفعل وغرضه بحسب الظاهر بيان كونه شاكا
في جنابته الفعلية بحيث يكون مكلفا بالغسل * (وانما) * عبر بعدم علمه بأنه احتلم لان احتمال الاحتلام هو السبب العادي للشك في الجنابة
واحتمال حصولها في حال اليقظة وغفلته عنها ليس احتمالا عقلائيا يوجب تردده فيدل جواب الإمام (ع)
على عدم وجوب الغسل عليه
ما لم يعلم بالجنابة سواء نشأ شكه من احتمال كون المنى الذي أصاب ثوبه من الغير أو من بقية جناباته السابقة الصادرة منه في نومه أو
يقظته التي اغتسل منها وخرجت من مورد تكليفه الفعلي اما لو نشأ شكه في جنابته بالفعل عن علمه اجمالا بحصول جنابته مستقلة مرددة
بين كونها قبل الغسل أو بعده فهو مع أنه فرض نادر التحقق لا يلتفت إليه الذهن خلاف ظاهر السؤال حيث لا يعبر في الاستفهام عن حكم
مثل هذا الفرض بمثل هذه العبارة فلا يفهم حكمه من اطلاق الجواب وكيف كان فالرواية في أعلى مراتب الظهور في أن وجدان المنى
في ثوبه مختصا كان أم مشتركا لا يوجب الغسل ما لم يتقن بالجنابة ولا يعارضها موثقة سماعة قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل ينام
ولم ير في نومه انه قد احتلم فوجد في ثوبه وعلى فخذه الماء هل عليه غسل قال نعم * (و) * موثقته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن
الرجل يرى في ثوبه المنى بعد ما يصبح ولم يكن رأى في منامه انه قد احتلم قال فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته اما أولا فلحصول
الجزم في مورد السؤال غالبا بكون المنى منه وحصوله في نومته كما نجده من أنفسنا حيث نصبح كثير اما ونجد المنى في ثوبنا ولا نتردد في
حدوثه في النوم خصوصا لو وجدناه رطبا على الفخذ كما هو ظاهر سؤاله الأول حيث عبر عنه بالماء وثانيا ان المسؤول عنه في الموثقتين انما
هو حكم من وجد المنى ولم ير في نومه انه قد احتلم لاحكم المتردد في أصل الاحتلام كما في الرواية السابقة وظاهر سؤاله فيهما كون خروج
المنى منه مفروعا منه عنده ولا أقل من اهماله من هذه الجهة فلا يستفاد من الجواب الا وجوب الغسل عليه في الجملة في مقابل ما حكى عن
بعض العامة من اشتراط تذكر احتلامه في النوم وما هو لازم مذهب أبي حنيفة القائل باشتراط خروجه من شهوة المقتضى للرجوع
إلى البراءة في مثل الفرض من حيث الشك في تحقق شرط الوجوب وحيث إن الموثقتين مسوقتان لبيان عدم اشتراط وجوب الغسل
عليه برؤيته الاحتلام في النوم لا يجوز التشبث باطلاقهما لنفى شرطية العلم بخروجه منه في تنجز التكليف لان من شرط التمسك بالاطلاق
عدم وروده لبيان حكم آخر وعلى تقدير تسليم ظهورهما في وجوب الغسل عليه بمجرد الرؤية ولو مع الشك في كونه منه أو من الجنابة
السابقة يتعين صرفهما عن هذا الظاهر وتخصيصهما بغير الشاك جمعا بينهما وبين الرواية السابقة التي عرفت انها نص في عدم وجوب
الغسل على غير العالم * (ودعوى) * ان النسبة بينهما العموم من وجه لظهور الموثقتين في من رأى المنى في ثوبه بعد الانتباه بلا فصل و
222

هذا بخلاف رواية أبي بصير فان موردها مطلق الشاك في الاحتلام بعد تسليمها والاغماض عن أن الامر بإعادة الصلاة في الجواب
يدل على إرادة اطلاق الحكم غير مجدية لكون الرواية أقوى ظهورا في الاطلاق من الموثقتين * (فظهر) * لك ان القول بان رؤية المنى في الثوب
المختص [مط] أو بعد الانتباه من النوم امارة شرعية تعبدية حاكمة على قاعدة عدم نقض اليقين بالشك ضعيف جدا خصوصا
لو كان وجه تخصيص الثوب بالمختص الجمع بين الروايات لعرائه عن الشاهد * (و) * العجب ممن ادعى
الاجماع عليه نظرا إلى تعرض العلماء
لذكر هذا الفرع بالخصوص فلو لا انها امارة تعبدية لكان ذكره بعد بيانهم وجوب الغسل بخروج المنى مطلقا مستدركا * (وفيه) * ان
كثيرا منهم بل جل أساطينهم كالسيد والشيخ الحلي والعلامة وغيرهم فيما حكى عنهم عللوا وجوب الغسل عليه عند رؤيته المنى في الثوب
المختص بعدم احتمال كونه من غيره فهو منه والاعتبار بالعلم بالخروج في وقته فهذا التعليل منهم يدل على كون الحكم لديهم على القاعدة
كما يؤيده تعليلهم عدم الوجوب في صورة الاشتراك واحتمال كونه من الغير بقاعدة عدم نقض اليقين بالشك من دون ان يكون في كلامهم اشعار
بكون الحكم الأول على خلاف القاعدة * (واما) * تعرضهم لذكر هذا الفرع بالخصوص فمن الجائز كونه لمكان تعرض الروايات له ووقوع الخلاف فيه بين
أهله والله العالم ثم إنه بعد أن رأى المنى بثوبه وحصل له العلم بجنابته يعيد بعد الغسل من صلاته ما علم وقوعها حال الجنابة واما ما احتمل سبقها
عليها فلا لقاعدة الصحة واستصحاب الطهارة السابقة التي لم يعلم بارتفاعها حين الاتيان بالصلوات التي احتمل سبقها على الجنابة * (و) * ليس
هذه المسألة من جزئيات مسألة من عليه فرايض لم يحص عددها حيث نسب إلى المشهور انه يقضيها حتى يحصل له القطع بالبراءة أو الظن
بها على الخلاف فان موضوع تلك المسألة ما لو علم بفوت بعض صلاته أو بطلانها على سبيل الاجمال لا ما لو علم تفصيلا ببطلان بعضها بالخصوص
وشك في بطلان الزائد على ما يعلمه بالتفصيل كما فيما نحن فيه هذا مع أنه قد يمنع وجوب الاحتياط في تلك المسألة أيضا بدعوى انحلال علمه
الاجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي فيكون بعد التحليل نظير ما نحن فيه فيرجع فيما زاد على المتيقن إلى البراءة لرجوعه إلى الشك في أصل التكليف
لا في المكلف به لكنه لا يخلو عن تأمل وتحقيقه موكول إلى محله والله العالم ولو رأى بثوبه منيا وعلم أنه منه ولم يحتمل كونه من الجنابة التي
اغتسل منها لكن شك في حدوثه قبل الغسل أو بعده وجب عليه الغسل لما يصلى فيما بعد واما ما صلاها فقد مضت ولا إعادة عليه لقاعدة
الصحة * (واما) * وجوب الغسل عليه لما يصلى فلقاعدة الاشتغال القاضية بوجوب تحصيل القطع بالطهارة التي هي شرط في الصلاة ولا
يتمشى استصحاب الطهارة المتيقنة الحاصلة بالغسل لمعارضته باستصحاب الحدث المتيقن عند خروج المنى الموجود في الثوب وعدم العلم
بكونه مؤثرا في اثبات التكليف لاحتمال حدوثه قبل الغسل غير ضائر لان المناط في الاستصحاب احراز وجوده في هذا الحين سواء
حدث التكليف به أو بسبب سابق ولا شبهة في ثبوت الجنابة حال خروج هذا المنى ووقوع الغسل عقيب الجنابة المعلوم ثبوتها
في هذا الحين غير معلوم والفرق بين هذه المسألة ومسألة من رأى بثوبه منيا واحتمل كونه من الجنابة التي اغتسل منها مع اشتراكهما
في كون الشك في البقاء مسببا عن الشك في وحدة التكليف وتعدده هو ان رؤية المنى في تلك المسألة لا توجب العلم بثبوت
التكليف في زمان مغاير للزمان الذي علم ثبوته فيه تفصيلا وعلم وقوع الغسل عقيبه وهذا بخلاف ما نحن فيه فان الرؤية موجبة
للعلم بثبوت التكليف في زمان لم يحرز وقوع الغسل عقيبه فاحتمال وحدة التكليف في تلك المسألة أورث الشك في ثبوت تكليف
وراء ما علم سقوطه واحتمال تعدده فيما نحن فيه أوجب الشك في سقوط ما علم ثبوته ففي الأول يرجع إلى قاعدة البراءة وفي الثاني
إلى الاشتغال وقد تقدم الكلام في توضيح المقام بايراد ما يتوجه عليه من النقض والابرام بما لا مزيد عليه في باب الوضوء في مسألة
من يتقنهما وشك في المتأخر فراجع
والامر الثاني الجماع فان جامع امرأة في قبلها وجب عليهما الغسل وإن لم يتحقق الانزال بلا
خلاف فيه فتوى ونصا بل النصوص عليه لو لم تكن متواترة ففي أعلى مراتب الاستفاضة لكن الأخبار الواردة في الباب في جملة منها
علق الحكم على الادخال والايلاج * (ففي) * صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سئلته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة قال إذا ادخله
فقد وجب الغسل والمهر والرجم وعن نوادر البزنطي صاحب الرضا (ع) قال سئلته ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة فقال إذا
أولجه وجب الغسل والمهر والرجم * (و) * هذه الطائفة من الاخبار لا تخلو عن شوب من الاجمال والاهمال لامكان ان يراد منها ادخال
جميع الذكر في الفرج أو ادخاله في الجملة ولو ببعضه أي بعض أو ادخال البعض المعتد به الذي أقله مقدار الحشفة * (ولا) * يبعد دعوى أن
الأخير هو الذي يتبادر إلى الذهن وينصرف إليه الاطلاق وعلى تقدير منع الانصراف يتعين صرفها إليه بقرينة غيرها من الأخبار المعتبرة
المستفيضة الدالة على عدم اعتبار ادخال الكل وعدم كفاية مطلقه بل انما يجب الغسل إذا التقى الختانان * (ففي) * صحيحة علي بن
يقطين إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل * (وفي) * صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام إذا مس الختان الختان فقد وجب
الغسل * (و) * صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فقال ما تقولون في الرجل اتى أهله فيخالطها ولا ينزل فقالت
223

الأنصار الماء من الماء وقال المهاجرون إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فقال لعلي (ع) ما تقول يا أبا الحسن (ع) فقال علي عليه السلام
أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من الماء إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر القول ما قال المهاجرون
ودعوا ما قالت الأنصار إلى غير ذلك من الاخبار * (واما) * ما عن نوادر محمد بن علي بن محبوب قال سئلت أبا عبد الله (ع) متى يجب على الرجل
والمرأة الغسل فقال (ع) يجب عليهما الغسل حين يدخله وإذا التقى الختانان فيغسلان فرجيهما فلا بد من تأويله بما لا ينافي الأخبار المعتبرة
المستفيضة المعمول بها ويحتمل قويا ان يكون المراد من التقاء الختانين يلاقيهما من الظاهر من دون ادخال بقرينة صدره فيكون غسل
الفرجين مستحبا وكيف كان فربما أشكل تصور ما أريد من التقاء الختانين نظرا إلى ما قيل من أن موضع ختان المرأة من أعلى الفرج و
مدخل الذكر أسفله وهو خرج الولد والحيض وبينهما ثقبة البول فالختانان لا يتلاقيان فلذا حملوا التلاقي والتماس على إرادة
المحاذاة وشدة المقاربة مجازا وفي الحدائق قال ولعل توسط ثقبة البول بين الموضعين المذكورين لا يكون مانعا من المماسة و
الملاصقة وانضغاطها بدخول الذكر فتحمل الاخبار كلها على ظاهرها انتهى ولا يهمنا تحقيق ما استعمل فيه اللفظ من إرادة معناه
الحقيقي أو المجازى بعد وضوح المراد وورود تفسيره في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سئلت الرضا (ع) عن الرجل يجامع المرأة قريبا
من الفرج فلا ينزلان منى يجب الغسل فقال (ع) إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فقلت التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة قال نعم
فالمدار على غيبوبة الحشفة في الفرج بل الظاهر عدم الخلاف فيه هذا فيمن له الحشفة * (واما) * من لا حشفة له كما إذا قطعت جميعها أو بعضها
فالمدار على غيبوبة مقدارها كما عن المشهور بل عن بعض عدم الخلاف فيه لا لدعوى أن المراد من التقاء الختانين التقاء موضعها
المقدر ومن غيبوبة الحشفة غيبوبة مقدارها حتى يتوجه عليها انها مخالفة للظاهر بل لما أشرنا إليه من أنه يستفاد من هذه الأخبار
ان المراد من ادخال الذكر في الأخبار المطلقة ليس ادخال جميعه ولا مطلق الادخال بحيث يصدق بادخال جزء منه بل المراد منها
ادخال مقدار معتد به يتحد ذلك المقدار في المصاديق الخارجية بالنسبة إلى الافراد المتعارفة مع غيبوبة الحشفة * (نظير) * ما لو قيل
في جواب أهل البلاد التي لها سور إذا سئلوا عن الحد الذي يقصر فيه المسافر إذا خفى عليكم سور البلد يجب القصر فيهم من هذا
الجواب اعتبار تقدير هذا المقدار بالنسبة إلى أهل القرى والبوادي وغيرهم ممن ليس لبلدهم سور حيث يستفاد منه عدم إرادة
اطلاق وجوب القصر على المسافر من الأدلة المطلقة بحيث يجب عليه بمجرد الاخذ في السير بل لا بد من اشتغاله بالسير اشتغالا يعادل
هذا المقدار وكيف كان فاستفادة التقدير في مثل هذه الموارد يساعد عليه الفهم العرفي فما عن بعض من احتمال تحقق جنابته بمطلق
الادخال نظرا إلى الأخبار المطلقة المقتصر في تقييدها بالاخبار المقيدة فيمن له الختان كاحتمال توقف جنابته على ادخال تمام الذكر
بدعوى كونه هو المتبادر من قوله في بعض تلك الأخبار إذا ادخله وفي آخر إذا أولجه ضعيف واضعف منهما احتمال القول بعدم تحقق
الجنابة فيه أصلا اخذا بمفهوم قوله إذا التقى الختانان الصادق بسلب الموضوع * (وفيه) * ان الشرطية بمنطوقها تدل على وجوب الغسل
على من له الختان بشرط ان يمس ختانه ختانها واما من لا ختان له فهو خارج من موضوع المنطوق فلا يفهم حكمه من المفهوم لان قضية
التعليق على الشرط ليس إلا عدم ثبوت الحكم المذكور للموضوع المذكور عند انتفاء شرطه * (نعم) * لولا أن الغالب المتعارف تحقق الجماع ممن
له الختان لكان مقتضى الجمع بين الأخبار الدالة على سببية التقاء الختانين للوجوب والأخبار الدالة على سببية مطلق الادخال
بعد العلم باتحاد السببين تقييد المطلقات بها ومقتضاه عدم وجوب الغسل على من لا ختان له لأصالة البراءة لا لمفهوم الشرط لكن
جرى المقيدات مجرى العادة منعها عن الظهور في إرادة التقييد * (والحاصل) * انه يستفاد من الأخبار المطلقة الاطلاق من جهتين
إحديهما العموم الأحوالي لو سلم واخريهما العموم بحسب الاشخاص اما اطلاقها من الجهة الأولى فلا بد من تقييده بمنطوق الاخبار المقيدة
فضلا عن مفهومها واما من الحيثية الثانية وان كان مقتضى القاعدة تقييدها بمنطوق هذه الأخبار بان يقيد سبب الغسل بالادخال
الذي يتحقق به التقاء الختانين الا انها لورودها مورد الغالب لا يستفاد منها التقييد خصوصا في مثل المقام الذي هو بمنزلة التخصيص
كما هو ظاهر والغرض من إطالة الكلام التنبيه على أن ما قيل في تضعيف الاحتمالات المذكورة بان الشرطية في مثل قوله (ع) إذا التقى الختانان
لورودها مورد الغالب لا ظهور لها في الاشتراط ليس على ما ينبغي كيف وقد التزمنا بمفهوم الشرط وقلنا بعدم كفاية مطلق الادخال
وانما منعنا اختصاص الحكم بمن له الختان بدعوى أن التحديد بالتقاء الختانين انما هو بملاحظة الغالب فلا يستفاد منه مدخلية
الحد في موضوع الحكم كما يشهد به الفهم العرفي في كثير من المقامات التي هي من هذا القبيل ولذا لا ينبغي الارتياب في وجوب الغسل لوطي المرأة
في قبلها لو لم يكن لها ختان لأنها [ح] كالرجل الذي قطعت حشفة بل الامر فيها أوضح بالنظر إلى ما ستعرف من وجوب الغسل بالوطي في
دبرها ثم إنه لا فرق في سببية الجماع لوجوب الغسل بين كونه صغيرا أو كبيرا عاقلا أو مجنونا مختارا أو مكرها ولا بين كون الموطوئة
224

كذلك لعموم السببية المستفادة من نحو قوله (ع) إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل ولا ينافي عدم وجوب الغسل على الصبي
والمجنون بالفعل عموم سببيته لان مقتضاه وجوبه عليهما كغيرهما عند اجتماع شرايط التكليف كساير الأسباب الشرعية التي لا يختص
سببيتها بالبالغين * (بل) * لا فرق في سببيته بين كون الموطوئة حية أو ميتة فيجب عليه الغسل وان كان الموطوئة ميتة بلا خلاف فيه ظاهرا
بيننا حيث نسب الخلاف فيه إلى الحنفية الظاهر في اختصاصهم به بل عن الرياض دعوى الاجماع عليه الاطلاقات الأدلة ودعوى
انصرافها إلى وطى الاحياء غير مسموعة بعد عدم الخلاف فيه مع امكان ان يدعى ان انصرافها بدوي منشأه ندرة الوجود والا
فعلى تقدير الوجود لاخفاء في الصدق بل وكذا يجب على المرأة الغسل لو استدخلت حشفة الميت لصدق التقاء الختانين وما
في بعض الأخبار من تعليق ايجاب الغسل بالادخال والايلاج الظاهر في استناد الفعل إلى الفاعل دون القابل جار
مجرى العادة
والا للزم أن لا يجب عليهما الغسل باستدخال حشفة النائم والمغمى عليه مع أنه يجب اجماعا كما عن بعضهم التصريح به فهذا كاشف
عن اطلاق موضوع الحكم في النصوص والفتاوى من دون تقييده بعرف أو عادة كما يفصح عن ذلك تصريحهم بوجوب الغسل عليهما
لو لف ذكره بخرقة ونحوها تشبثا بصدق غيبوبة الحشفة في الفرج عرفا مع أنه من المصاديق الخفية التي يمكن دعوى انصراف الأدلة
عنها لولا اعتضاد اطلاقها بفهم الأصحاب الكاشف عن قرينة داخلية أو خارجية أرشدتهم إليه نعم لا يكفي استعمال الآلة المنفصلة
عن الحي أو الميت الانصراف الأدلة عنها جزما * (و) * هل يعرض وصف الجنابة للميت كالحي فيلحقه احكامه مثل حرمة مس القران على بدنه وادخاله
في المسجد ان قلنا بهما في غيره وجهان من عموم سببية الجماع للجنابة ومن قصور الأدلة عن اثبات تأثيره في حق من ليس من شانه ان يجب
عليه الغسل لو معلقا على البلوغ والعقل والقدرة * (و) * هذا هو الأشبه خصوصا لو لم نقل بان الجنابة قذارة معنوية بل هي منتزعة
من الأحكام التكليفية * (و) * ربما يستدل له بان الجنابة معروضها النفس الناطقة فلا يتصف بها الميت وفيه أنه مجرد دعوى لا دليل لان عليها من
الجائز ان يكون معروض الحدث كالخبث جسدا لمكلف لا روحه وربما يستدل للأول بما روى في نباش نبش قبرا من قبور بنات الأنصار
وسلبها أكفانها فجامعها فسمع قائلا يقول من ورائه بعد أن فارقها يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين يوم يقضى وإياك كما تركتني
عريانة في عساكر الموتى نزعتني من حضرتي وسلبتني أكفاني وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي فويل لشبابك من النار * (وفيه) * على تقدير صحة
الرواية انه لا يصح الاستناد إلى مثل هذا الصوت الذي أنشأه الله في جماد لان يهدى به هذا الشاب في اثبات الحكم الشرعي وترتيب
اثار الجنب عليها في الظاهر ثم إن قلنا بصيرورة الميت جنبا فلا يجب غسله على الاحياء إذ مع أنه لا دليل عليه لا دليل على تأثيره في رفع الجنابة
والله العالم *
(و) * ان جامع امرأة في الدبر ولم ينزل وجب الغسل على الأشهر بل المشهور على ما نسب إليهم بل عن ابن إدريس انه اجماع بين المسلمين
وعن السيد أنه قال لم أعلم خلافا بين المسلمين في أن الوطي في الموضع المكروه من ذكر وأنثى يجرى مجرى الوطي في القبل مع الايقاب وغيبوبة
الحشفة في وجوب الغسل على الفاعل والمفعول به وإن لم يكن إنزال ولا وجدت في الكتب المصنفة لأصحابنا الامامية الا ذلك ولا
سمعت ممن عاصرني منهم من الشيوخ نحوا من ستين سنة يفتى الا بذلك فهذه مسألة اجماع من الكل ولو شئت ان أقول معلوم
ضرورة من دين الرسول صلى الله عليه وآله انه لا خلاف بين الفرجين في هذا الحكم فان داود وان خالف في أن الايلاج في القبل إذا لم يكن معه
إنزال لا يوجب الغسل فإنه لا يفرق بين الفرجين كمالا يفرق باقي الأمة بينهما في وجوب الغسل بالايلاج في كل واحد منهما واتصل
لي في هذه الارنان من بعض الشيعة الإمامية ان الوطي في الدبر لا يوجب تعويلا على أن الأصل عدم الوجوب أو على خبر يذكر
انه في منتخبات سعد أو غيرها فهذا ممالا يلتفت إليه اما الأول فباطل لان الاجماع والقران كقوله تعالى أو لمستم النساء
يزيل حكمه واما الخبر فلا يعتمد عليه في معارضة الاجماع والقران مع أنه لم يفت به فقيه ولا اعتمده عالم مع أن الاخبار تدل على
ما أردناه لان كل خبر تضمن تعليق الغسل بالجماع والايلاج في الفرج فإنه يدل على ما ادعيناه لان الفرج يتناول القبل والدبر
إذ لا خلاف بين أهل اللغة وأهل الشرع في ذلك انتهى واستدل له أيضا مضافا إلى نقل الاجماع وعدم الخلاف فيه بين المسلمين
من السيد وابن إدريس وظاهر الآية والاخبار التي تشبث بها السيد بقوله (ع) أتوجبون عليه الحد ولا توجبون عليه صاعا من
ماء ومرسل حفص بن سوقة قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يأتي أهله من خلفها قال هو أحد المأتيين فيه الغسل ويمكن المناقشة
في الجميع اما في نقل الاجماع فبعدم الحجية كما تحقق في الأصول خصوصا مع معلومية المخالف ولا سيما مع تصريح التأمل بسماع
الخلاف من بعض أهل عصره واما الاخبار التي علق الغسل فيها بالجماع والايلاج في الفرج ففيها ان الفرج وان عم الدبر بمقتضى
تصريح اللغويين لكنه منصرف عنه في مثل هذه الأخبار لان الفرج الذي يتعارف وطئه القبل مضافا إلى شيوع اطلاقه عليه
واما الآية فظاهرها غير مراد قطعا وقد ورد في تفسيرها عن الباقر (ع) انه ما يريد بذلك الا المواقعة في الفرج وقد عرفت انصرافه
225

إلى القبل واما الرواية الدالة على الملازمة بين الحد والغسل فليس المراد منها الملازمة بين الغسل ومطلق ما عليه الحد كما هو
ظاهر بل المراد منها بحسب الظاهر أن مجامعة المرأة التي هي مورد الرواية ملزوم لامرين أحدهما استحقاق حد الزنا على تقدير الحرمة
والاخر وجوب الغسل فلا وجه للتفكيك وايجاب الحد مع أنه يدرء بالشبهة وعدم ايجاب الغسل الذي هو أهون مع أنهما محمولان
على موضوع واحد * (واما) * الرواية الأخيرة فمع ضعف سندها بالارسال معارضة بما سيأتي ولكن الانصاف انه لا ينبغي الالتفات
إلى دعوى الانصراف في الروايات بعد فهم المشهور منها العموم وتصريح اللغويين بذلك واما الآية فظاهرها بعد العلم
بعدم إرادة مطلق الملامسة هي الملامسة المعهودة التي يكنى عنها أعني الوطي في الموضع المستهجن ذكره من القبل والدبر وكون
الأول متعارفا لا يمنع ظهور هذا النحو من التعبير في إرادة العموم واما ما ورد في تفسيرها فلا نسلم ظهورها في إرادة خصوص
القبل فان لفظ الفرج لو سلم انصرافه إلى القبل يمكن منعه فيما إذا ورد تفسير المثل الآية الظاهرة في الاطلاق
هذا مع امكان ان
يقال بعد تسليم الانصراف ان كون المتعارف من المس المعهود وقوعه في القبل مانع من ظهوره في إرادة التخصيص بل الحصر منه
انما هو بالنسبة إلى ما عدا المجامعة لا بالنسبة إلى ما يعم الوطي في الدبر واما الخدشة في الرواية الأخيرة بضعف السند فهي مخدوشة
بانجباره بفتوى الأصحاب ونقل اجماعهم ولا يعارضها صحيحة الحلبي قال سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يصيب المرأة فيما دون
الفرج عليها غسل إذا انزل هو ولم تنزل هي قال ليس عليها غسل وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل لعدم انسباق إرادة الوطي في
الدبر من هذه الصحيحة بل انصرافها عنه ولو لم نقل بكون الفرج حقيقة فيه كمالا يخفى نعم يعارضها مرفوعة البرقي عن الصادق (ع)
قال إذا اتى الرجل المرأة في دبرها فلم تنزل فلا غسل عليها وان انزل فعليه الغسل ولا غسل عليها * (و) * مرفوعة بعض الكوفيين عنه
أيضا في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة لم ينقض صومها ولا غسل عليها ونحوه مرسل علي بن الحكم لكن اعراض المشهور عنها
مضافا إلى ما في اسنادها من الضعف أخرجها من صلاحية تقييد المطلقات بها فضلا عن معارضتها للرواية المتقدمة المجبورة
بعمل الأصحاب فالقول بوجوب الغسل هو الأصح ولكن الاحتياط بالجمع بين الطهارتين ممالا ينبغي تركه
وأولى بمراعاة الاحتياط ما لو
وطى غلاما فأوقبه ولم ينزل فقد نسب إلى المشهور ما قال به المرتضى من أنه يجب الغسل عليهما معولا على الاجماع المركب مدعيا ان كل
من قال بوجوبه بوطي دبر المرأة قال به بوطي دبر الغلام بل ربما يقال إن اعتماده على الاجماع البسيط أيضا نظرا إلى عدم الاعتداد
بمخالفة داود ونظرائه من أهل الخلاف في انعقاد الاجماع الكاشف عن رأي المعصوم وانما الاعتماد بأقوال من عداهم وقد نص
في عبارته المتقدمة باجماعهم على وجوب الغسل بالوطي من الموضع المكروه من الذكر والأنثى * (وكيف) * كان فما ادعاه من الاجماع بسيطا
كان أم مركبا لم يثبت ولذا تردد المصنف فيه في النافع واختار العدم في ظاهر المتن وصريح المحكى عن المعتبر وما يقال من أنه إذا كان ناقل
الاجماع مثل المرتضى والحلي يجب تصديقه ما لم يثبت خلافه ولا يجوز رد قوله بعدم الثبوت * (مدفوع) * بان غاية ما يمكن دعويه انما هو حجية قول
العادل أو مطلق الثقة فيما يخبر عن حس أو حدس ملزوم لامر حسى كالاخبار بالعدالة والفسق والشجاعة من المسلكات المستكشفة من اثارها
واما اخباره في الحدسيات المستندة إلى اجتهاده فليس بحجية قطعا والا لوجب تصديق جل من فقهائنا الأخباريين الذين يدعون القطع
بصدور جميع ما يفتون به عن الإمام (ع) فيكون قولهم حجة في جميع فتاويهم وهو بديهي الفساد * (و) * من المعلوم ان الاجماع انما يكون حجة
عندنا لاشتماله على قول المعصوم (ع) والعادة قاضية بان ناقل الاجماع لا ينقله إلا عن حدس واجتهاد ومستند حدسه بمقتضى ظاهر
عبارته بل صريح العبارة المتقدمة عن السيد ليس إلا استكشاف قول الإمام (ع) من اتفاق سائر العلماء واتفاق جميع العلماء على حكم
تعبدي من صدر الاسلام وان كان عادة موجبا للقطع بموافقة المعصوم ووصول الحكم إليهم يدا بيدا واطلاعهم على دليل معتبر الا
ان الاطلاع على ذلك أيضا بطريق الحس ممتنع وما يمكن الاطلاع عليه حسا لا يستلزم القطع بموافقة الإمام (ع) عادة وان كان ربما يحصل
القطع بالموافقة من كثرة التتبع ولكنه ليس حصول القطع ملزوما عاديا حتى يكون اخبار العادل بموافقة الإمام (ع) نظير الاخبار بالعدالة
والشجاعة والحاصل ان اخباره بقول الإمام (ع) وكذا باتفاق جميع العلماء بحسب العادة لا يكون الا حدسيا مبنيا على اجتهادات الناقل
* (وقد) * عرفت أنه لا دليل على حجية هذا النحو من الاخبار بل الأدلة قاضية بعدمها نعم اخبار السيد والحلي بالاجماع واشتهار القول بوجوب
الغسل بين العلماء خلفا عن سلف خصوصا بين القدماء الذين هم أسبق من السيد [قده] في مثل هذه المسألة التعبدية يورث الظن القوى
بعثورهم على مدرك صحيح أو معروفية عصر الأئمة (ع) بين أصحاب الأئمة (ع) بحيث وصل إلى علمائنا يدا بيدا وانهم علموا بسبب القرائن ان
موضوع الحكم في الأخبار المتقدمة هو مطلق الجماع في الفرج وذكر المرأة فيها لخصوصية المورد ولكنه لا دليل على اعتبار مثل هذا
الظن الناشئ من الحدس والاجتهاد * (فالقول) * بعدم الوجوب أوفق بالقواعد وان كان الاحتياط ممالا ينبغي تركه وربما يستدل للوجوب
226

بأولويته من وجوب الحد عليه كما استدل بها علي عليه السلام وباطلاق قوله (ع) ادخله وأولجه وغيبة الحشفة واطلاق حسنة الحضرمي المروية في
الكافي عن الصادق (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيمة لا ينقيه ماء الدنيا وفي الجميع نظرا ما
الأولوية فقد عرفت ما فيها في الفرع السابق واما الاخبار فهي بأسرها على ما يشهد به مواردها ليست مسوقة الا لبيان وجوب الغسل على
الرجل والمرأة عند اجتماعهما وغيبوبة الحشفة فالتسرية منها إلى الغلام قياس محض واما الحسنة ففيها أولا انها منصرفة عن الجماع الذي
لا يتحقق فيه الانزال لكونه من الافراد النادرة وثانيا ان الجنابة التي لا ينقيها ماء الدنيا غير الجنابة التي هي موضوع مسئلتنا أعني
الحالة المانعة من الدخول في العبادات المشروطة بالطهور كيف ولو كان المراد منها تلك الجنابة لدلت الرواية على بطلان الغسل
الواقع عقيبها وعدم ترتب الأثر المقصود منه عليه فتأمل
* (و) * لا يجب الغسل بوطي البهيمة في القبل والدبر إذا لم ينزل كما عن المشهور
للأصل السالم عن المعارض وقيل يجب بل عن ظاهر صوم المبسوط والعبارة المحكية عن المرتضى دعوى عدم الخلاف فيه واستدل له بجميع
الأدلة المتقدمة لوجوبه بوطي الغلام عدا حسنة الحضرمي وقد عرفت ما في جميعها من الضعف والله العالم بحقايق احكامه
تفريع الغسل
من الجنابة وغيرها يجب على الكافر عند حصول سببه مقدمة للواجبات المشروطة بالطهور كما يجب على المسلم لعدم اختصاص احكام الله
تعالى فرعية كانت أم أصولية بالمسلمين بل يجب على عامة المكلفين عقلا القيام بوظائف العبودية والايتمار بأوامر الله [تع‍] الانتهاء بنواهيه
فكما أن الكفار مكلفون بالأصول كذلك مكلفون بالفروع فيستحق الكافر بترك الواجبات التي أهمها الصلاة وبارتكاب المحرمات
كقتل النفس وايذاء المؤمن وشرب الخمر وغيرها عقابا زائدا على ما يستحقه بأصل الكفر ولكنه بمقتضى الأخبار الكثيرة المعتبرة لا يقبل الله
تعالى منه شيئا ما لم يؤمن بالله ورسوله وأوصيائه صلوات الله عليهم أجمعين ولذا قيل بل نسب إلى المشهور بل عن بعض دعوى الاجماع عليه
انه لا يصح منه شئ من العبادات المشروطة بقصد القربة في حال كفره واستدل له أيضا بأنه لا يتأتى منه قصد التقرب وفي الغسل ونحوه أيضا
مضافا إلى ذلك باشتراطه بطهارة الماء المتعذرة في حقه وقد يناقش في الجميع * (اما) * في الاخبار المتظافرة فبان المراد بها على الظاهر عدم كون
اعمالهم مقبولة على وجه تؤثر في حصول القرب واستحقاق الأجر والثواب وهذا أخص من الصحة المبحوث عنها التي هي عبارة عن موافقة
انه؟ للمأمور به الموجبة لسقوط التكليف واما قصد التقرب فربما يحصل من جملة من أصناف الكفار المعتقدين بالله خصوصا من منتحلي الاسلام
الذين أنكروا بعض ضروريات الدين كالخوارج والنواصب واما نجاسة الماء فنفرض اغتساله في ماء عاصم * (ولو قيل) * انه يشترط طهارة المحل
المتعذر في حقه قلنا المسلم خلوه عن نجاسة عارضة واما النجاسة الذاتية فاشتراط خلوه عنها أول الكلام فالانصاف ان القول ببطلان
عمله على الاطلاق يحتاج إلى مزيد تتبع وتأمل في الاخبار وفي كلمات الأصحاب ولكنه لا يترتب على تحقيقه ثمرة مهمة واما أصل وجوب الغسل
عليه وكذا غيره من التكاليف الواجبة في الشريعة فلا اشكال بل لا خلاف فيه على الظاهر عندنا فإنه لم ينقل الخلاف فيه من أحد من الخاصة و
العامة الا من أبي حنيفة * (نعم) * اختار الخلاف صاحب الحدائق وفاقا لما حكاه عن المحدث الكاشاني واستظهره من المحدث الأمين الأسترآبادي
وان كان في ظهور ما حكاه عنه فيما ادعاه تأمل وقد اعترض على المشهور بعد اعترافه بعدم نقل الخلاف فيه ممن عدا أبي حنيفة بوجه من النظر
الأول عدم الدليل وهو دليل العدم * (وفيه) * بعد النص عن الاجماع انه يدل عليه في الجملة من آيات الكتاب الدالة على مؤاخذة الكفار
بظلمهم وقبائح اعمالهم قال الله تبارك وتعالى فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون فلولا انهم مكلفون بالفروع وكانوا مرفوع
القلم بالنسبة إليها كالبهائم والمجانين وكانت المحرمات والواجبات مباحة في حقهم لما صح مؤاخذتهم ومسئلتهم عن اعمالهم فوجب
ان يكون لهم بالنسبة إلى اعمالهم تكاليف ولازمه على قواعد العدلية ان يكون ما فيه حسن ملزم واجبا عليهم وما فيه قبح ملزم محرما
في حقهم ويدل عليه أيضا اما في الاحكام التي يدرك العقل حسنها أو قبحها كوجوب رد الوديعة وحرمة اكل مال الغير فالعقل يحكم بعمومها
لكل مكلف وعدم اختصاصها بشخص دون شخص * (وفى) * معظم الاحكام التوصلية فيستفاد العموم من معلومية كون المقصود من
الطلب صرف حصول متعلقه في الخارج من عامة المكلفين وفي الأصول الضرورية مثل الصلاة والصوم والحج والزكاة فيستفاد ذلك
من الأخبار المستفيضة الدالة على أنها مما افترضه على كافة عباده مثل رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال جعلت فداك أخبرني عن
الدين الذي افترضه الله على العباد مالا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره ما هو فقال (ع) أعد على فأعاد عليه فقال شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله وأقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت من استطاع إليه سبيلا وصوم شهر رمضان ثم سكت قليلا ثم قال
والولاية مرتين [الخ] إلى غير ذلك من الاخبار والامارات التي يستفاد منها استفادة ضرورية ان مثل هذه الفرائض من الأمور المهمة
المعتبرة في الشريعة وقد أوجبها الشارع على كل من امره بالاسلام ومقتضى وجوب هذه الفرائض على عامة المكلفين وجوب مقدماتها
عليهم كالغسل والوضوء وغيرهما كمالا يخفى وملخص الكلام ان من تأمل في الاخبار والشواهد العقلية والنقلية لا يكاد يرتاب في أن معظم
227

الاحكام المقررة في شريعة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله مما أحب الله تعالى ان يتأدب بها كافة عباده المكلفين ولا يرضى لاحد
ان يتعدى عنها فلو فرض ظهور بعض الأخبار في ما ينافي ذلك لتعين تأويله * (هذا) * مع أنه يستفاد عموم الحكم في كثير من الاحكام من اطلاقات
أدلتها حيث لم يقيد الأوامر والنواهي الواردة فيها بالاسلام حتى يكون الاسلام قيدا لطلباتها * (نعم) * لو احتمل في شئ من الواجبات ان يكون
للاسلام مدخلية فيما يقتضيه من الحسن والطلب كما في وجوب حفظ الفرج عن النظر لو احتمل كونه لشرافة الاسلام ولم يفهم من دليله
عموم لاتجه فيه ما ذكره صاحب الحدائق ولكنه فرض نادر ينصرف عنه كلمات الاعلام هذا كله بالنسبة إلى الاحكام الأولية * (واما) *
الواجبات التعبدية التي شرعت تداركا لما فات فيما سلف كالقضاء والكفارة فيمكن منع كونهم مكلفين بها لان صحتها مشروطة
بالاسلام وهو يجب ما قبله فكيف يؤمر بها مع توقفها على ما يقتضى عدمها * (فتأمل) * الثاني من وجوه النظر ما ادعاه من دلالة الأخبار الكثيرة
على توقف التكليف على الاسلام * (منها) * صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام فإنه قال بعد أن سئل عن وجوب معرفة الامام على
من لم يؤمن بالله ورسوله كيف يجب عليه معرفة الامام وهو لا يؤمن بالله ورسوله قال فان هذه الرواية صريحة الدلالة على خلاف ما
ذكروه فإنه متى لم تجب معرفة الامام قبل الايمان بالله ورسوله فبطريق أولى لا تجب معرفة سائر الفروع التي هي متلقاة من الإمام (ع)
* (وفيه) * ان المنفى في الصحيحة انما هو وجوب تحصيل معرفة الإمام (ع) على من لم يعرف الله ورسوله في حال جهله بالله والرسول وهو محال
كما يدل عليه تعجب الإمام (ع) ولا يدعيه أحد من العدلية وانما المدعى انه يجب على من لا يعرف الله ورسوله ان يعرف الله ومن هو منصوب
من قبله تعالى في تبليغ احكامه ويجب عليه ان يطيعه في جميع أوامره ونواهيه وهذا من المستقلات العقلية التي لاتقبل التخصيص و
موضوع الوجوب بنظر العقل ليس إلا نفس المكلف وقد حمل وجوب معرفة النبي صلى الله عليه وآله والإمام (ع) في الأخبار المتواترة على اشخاص المكلفين
ولم يؤخذ وصف الاسلام في شئ منها قيد الوجوب معرفة الإمام (ع) كمالا يخفى على من راجعها * (وقد) * استشهد على ما ادعاه بروايات
اخر يجب على تقدير تسليم ظهورها في مدعاه صرفها عن ظاهرها لأنه يدفع بالقاطع الثالث لزوم تكليف مالا يطاق فان تكليف
الجاهل بما هو جاهل تصورا أو تصديقا تكليف بغير المقدور * (وفيه) * أولا النقض بتكليفه بالاسلام فإنه جاهل به تصديقا وحله
انه ان أريد من قبح تكليف الجاهل قبح توجيه الخطاب إليه والطلب منه ففيه ان الخطاب أولا وبالذات انما يوجه إلى الجاهل فان
علم منه تكليفه تفصيلا أو اجمالا يتنجز الطلب في حقه ويجب عليه الخروج من عهدته عقلا والا فهو معذور ما لم يكن مقصرا فلا يعقل
ان يكون توجيه الخطاب إليه مشروطا بعلمه * (و) * ان أريد قبح تنجيزه عليه بمعنى مؤاخذته على مخالفة ما امره به ولو لم يعلم حكمه من الخطاب أولم
يصله الخطاب الموجه إليه * (ففيه) * انه انما يقبح بالنسبة إلى القاصر دون المقصر الذي يجب عليه الفحص والسؤال ولذا لم يقل أحد بمعذورية
الجاهل بالأحكام الشرعية إذا عمل بالبراءة قبل الفحص عن الطرق الشرعية نعم ها هنا كلام وهو ان الجاهل المقصر إذا أغفل ووقع
في مخالفة الواقعيات في زمان غفلته هل يعاقب لأجل مخالفته للاحكام الواقعية كما عن المشهور أو بسبب تركه للتعلم حين التفاته
إلى الحكم وتردده كما عن الأردبيلي وصاحب المدارك [قده] وهذا أجنبي عما نحن فيه لان المقصود لثبات مشاركة الكفار مع المسلمين في
الأحكام الواقعية واستحقاقهم للعقاب بمخالفتها في الجملة واما تعيين ما هو سبب للاستحقاق بالنسبة إلى ما يصدر منهم في زمان
غفلتهم فلسنا في مقام بيانه وقد تقرر في محله ان الأقوى ما عليه المشهور وسيأتي بعض الكلام فيه في المرتد الفطري [انش‍]
وربما يتوهم استحالة تكليف الكافر بالعبادات لعدم صحتها منه * (وفيه) * ان الممتنع انما هو امره بايجادها صحيحة في حال كفره ولا يدعيه
أحد وانما المدعى انه يجب عليه في حال كفره ان يوجدها صحيحة كما أنه يجب على المحدث بعد دخول الوقت ان يصلى صلاة صحيحة ولا
استحالة فيه كما هو ظاهر * (الرابع) * الأخبار الدالة على طلب العلم كقولهم طلب العلم فريضة على كل مسلم فان موردها المسلم
دون مجرد العاقل البالغ * (وفيه) * مالا يخفى
* (الخامس) * انه لم يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله امر أحدا ممن أسلم بالغسل من الجنابة بعد الاسلام
مع أنه قلما ينفك أحد منهم من الجنابة في تلك الأزمنة المتطاولة ولو امر بذلك لنقل وفيه بعد توجيه الاستدلال بان عدم وجوب الغسل
عليه بعد أن أسلم لصلواته اللاحقة كاشف عن عدم كون جنابته مؤثرة في وجوب الغسل عليه في حال كفره والا لبقي اثرها بعد الاسلام
يتوجه عليه بعد تسليم الملازمة انه لو تم لجرى مثله بالنسبة إلى الوضوء وتطهير ثيابه وأوانيه عن النجاسة الخارجية التي لا ينفك عادة
ما يستعمله الكافر عنها بل جرى مثله بالنسبة إلى سائر الفروع كالصلاة ونحوها وحله ان كل من يسلم يحكم عقله بديهة بأنه يجب عليه
ان يتعلم احكام المسلمين والعمل بها فإذا رجع إلى المعلم يرشده إلى شرايع الاسلام ويعرفه احكام صلاته وصومه ويبين له انه ان كان
جنبا فليتطهر والا فليتوضأ وليغسل ثوبه وبدنه عن النجاسات عند الصلاة وأوانيه عند الاستعمال فيما هو مشروط بطهارتها إلى غير
ذلك مما هو مقرر في شريعة الاسلام ولا يجب امره بهذه الأمور مفصلا عند اسلامه كما هو ظاهر هذا مع أنه روى امر النبي صلى الله عليه وآله
228

بالغسل بعض من أسلم عند إرادة اسلامه بل ربما يظهر من بعض الأخبار ان الغسل عند إرادة الاسلام كان معروفا عندهم فلعله كان
هذا الغسل كغسل الجنابة مجزيا عن كل غسل وان كان اثباته محتاجا إلى الدليل والله العالم * (السادس) * اختصاص الخطاب القرآني
بالذين آمنوا وورود يا أيها الناس في بعض وهو الأقل يحمل على المؤمنين حملا للمطلق على المقيد والعام على الخاص كما هو القاعدة
المسلمة بينهم * (أقول) * ان هذا النحو من التقييد والحمل منه لعجيب فقد اتضح لك ان الكافر مكلف بالغسل ولكنه لا يصح منه في حال كفره فإذا
أسلم وجب عليه الغسل لصلوته ونحوها وصح منه [ح] كما هو ظاهر بل لا ينبغي الارتياب في وجوب الغسل عليه بعد أن أسلم وإن لم نقل بكونه
مكلفا به حال كفره إذ غايته أنه يكون كالنائم والمغمى عليه وغيرهما ممن لا يكون مكلفا حين حدوث سبب الجنابة ولكنه يندرج في موضوع
الخطاب بعد اجتماع شرائط التكليف فيعمه قوله [تع‍] وان كنتم جنبا فاطهروا وقوله عليه السلام إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور ولا ينافي ذلك
ما ورد من أن الاسلام يجب ما قبله لان وجوب الغسل لصلوته بعد أن أسلم من الأمور اللاحقة فلا يجبه الاسلام وحدوث سببه قبلة
لا يجدى لان الاسلام انما يجعل الأفعال والتروك الصادرة منه في زمان كفره في معصية الله تعالى كان لم تكن لا ان الأشياء الصادرة
منه حال كفره يرتفع آثارها الوضعية خصوصا إذا لم يكن صدورها على وجه غير محرم كما لو بال أو احتلم فإنه كما لا ترتفع نجاسة ثوبه وبدنه المتلوث
بهما بسبب الاسلام كذلك لا ترتفع الحالة المانعة من الصلاة الحادثة بسببهما خصوصا لو لم نقل بان الآثار الوضعية من المجعولات الشرعية
كما هو التحقيق وانما هي أمور واقعية كشف عنها الشارع أو انتزاعية من الأحكام التكليفية فكون من خرج منه
المنى جنبا معناه انه يجب
عليه الغسل عند وجوب الصلاة ونحوها وكيف كان فلا مجال لتوهم ارتفاع الحدث بالاسلام كمالا يتوهم ذلك بالنسبة إلى التوبة التي روى
فيها أيضا انها تجب ما قبلها ولو اغتسل بعد أن أسلم أو توضأ أو تيمم ثم ارتد لم ينتقض طهارته ثم إن
عاد قبل حدوث شئ من النواقض
جاز له فعل ما هو مشروط بالطهور بلا اشكال ولا خلاف ظاهرا فيما عدا التيمم لانحصار النواقض فيما عداه واما التيمم فعن المنتهى انه ينتقض
بالارتداد لان الفرض منه الإباحة وقد ارتفعت وفيه أن الارتداد كنجاسة البدن بعد التيمم مانع من تأثير التيمم فعلا فيما يقتضيه فإذا ارتفع
المانع اثر المقتضى اثره والحاصل ان عدم جواز الدخول في الصلاة أعم من انتقاض التيمم فليستصحب اثره فالأصح ان التيمم أيضا لا يبطل كما لم يبطل
غسله ووضوئه والله العالم * (ولو) * ارتد عن فطرة فان بنينا على قبول توبته ولو باطنا وكونه مكلفا باحكام المسلمين فيما بينه وبين الله [تع‍] فحكمه ما عرفت
وان قلنا بعدم قبول توبته لا ظاهرا ولا باطنا فلا مجال للبحث عن انتقاض غسله ووضوئه لخروجه من زمرة المكلفين بالعبادات التي يتوقف صحتها
على الاسلام حيث امتنع منه فلا يصح تكليفه بها لان القدرة على الامتثال شرط في صحة التكليف فالقول من أن الكفار مكلفون بالفروع في حال
كفرهم انما هو فيما أمكنهم الخروج من عهدتها لا في مثل الفرض الذي تعذر صدورها منه وكونها مقدورة له قبل ارتداده لا يصحح بقاء التكليف بعد أن
ارتد وتعذر منه صدور الفعل لان قبح تكليف العاجز لا يقبل التخصيص * (نعم) * قدرته السابقة تصحح تكليفه في زمان القدرة بايجاد العبادات
المشروطة بالاسلام في أوقاتها وتحسن عقابه على ما يصدر منه من مخالفتها في زمان ارتداده لا انها تصحح بقاء الطلب وجواز التكليف بعد أن تعذر
وما شاع في الألسن من أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار حتى تشبث به بعض لاثبات تكليف العاجز فيما نحن فيه ونظائره ففيه انه ان أريد
منه عدم منافاة الامتناع المسبب عن اختيار المكلف للاختيار الفعلي الذي هو شرط لجواز التكليف وحسن الطلب عقلا فهو مناقضة صرفة وان
أريد عدم منافاته لاتصاف الفعل الصادر منه اضطرارا بكونه فعلا اختياريا له قابلا للاتصاف بالحسن والقبح وتعلق الامر والنهى به في
الجملة فهو حق لا محيص عنه إذ يكفي في اختيارية الفعل واتصافه بالحسن والقبح وصحة تعلق الطلب به فعلا أو تركا قدرته عليه في الجملة ولا يشترط
بقاء القدرة إلى زمان حصول الفعل كما هو الشأن في التكليف بالحج ونحوه ولكنه انما يقتضى هذا النحو من القدرة جواز التكليف بالفعل في زمان
استطاعته واما بعد أن صيرة ممتنعا على نفسه بان تخلف عن الرفقة فقد انقطع الخطاب وارتفع التكليف واندرج المكلف في الموضوع الذي استقل
العقل بقبح توجيه الطلب إليه فكما أن التكليف يرتفع بالعصيان كذلك يرتفع بالامتناع لكن إذا كان الامتناع اختياريا للمكلف يكون المخالفة
المسببة عنه مخالفة اختيارية فيعاقب عليها * (وهل) * يستحق العقاب من حين ترك المقدمة أو في زمان حصول المعصية وجهان أوجههما الثاني كما عن
المشهور واختار شيخ مشايخنا المرتضى [ره] الأول نظرا إلى أنه لاوجه لترقب حضور زمان المخالفة في حسن العقاب بعد انقطاع التكليف و
صيرورة الفعل مستحيل الوقوع لأجل ترك المقدمة واستشهد لذلك بشهادة العقلاء قاطبة بحسن مؤاخذة من رمى سهما لا يصيب زيدا
ولا يقتله الا بعد مدة بمجرد الرمي * (وفيه) * انه لا يعقل ان يتقدم عقاب المخالفة على نفسها لان المعلول لا يتقدم على علته وان أبيت
إلا عن ذلك فليلتزم بان علة الاستحقاق انما هي ترك المقدمة الذي هو سبب الترك ذيها لا ترك ذي المقدمة من حيث هو غاية الأمر ان حكمة
سببيته ترتب ترك ذيها عليه وهذا هو القول بالعقاب على ترك المقدمة * (وقد) * تقرر في محله اما الاستشهاد له بمذمة العقلاء قاطبة واتفاقهم
بحسن المؤاخذة في المثال ففيه ان مذمة العقلاء ومؤاخذتهم انما هي على تجربه وايجاده سبب القتل ولذا يذمونه بعد أن عرفوا ذلك
229

من نيته وان أخطأ سهمه نعم ربما يذمونه ويلومونه على ايجاده سبب استحقاق عقوبة القتل عند حصوله لا انهم يعاقبون عقوبة القتل بمجرد
حصول السبب كيف مع أن القصاص واخذ الدية التي هي عقوبة القتل قبل حصوله من المستنكرات لدى العقلاء بحيث صار مثلا ثم إنه
ربما يستشكل في صحة عقاب تارك المقدمة بالنسبة إلى التكاليف الموقتة التي لم تحضر أوقاتها ولكنك عرفت حله في صدر الكتاب عند البحث في وجوب
الغسل لصوم اليوم فراجع ولو اغتسل المخالف غسلا صحيحا على وفق مذهبه ثم استبصر لا يعيد غسله للنص والاجماع انه لا يعيد شيئا من
عباداته ما عدا الزكاة وربما يتأمل في شمولهما للطهارات نظرا إلى أنها ليست من العبادات المحضة وانما يدور وجوبها مدار بقاء الحدث وهو
لا يرتفع الا بالغسل أو الوضوء الصحيح المتعذر حصوله منه بناء على اشتراط صحة عباداته بالايمان كما ادعى عليه الاجماع والنصوص المتواترة خصوصا
إذا أخل بساير الشرايط كاغتساله بعكس الترتيب أو بالمايع المضاف كالنبيذ ونحوه فان وجوب اغتساله بعد استبصاره ليس لكونه إعادة لما
مضى حتى ينافيه النص والاجماع على عدم إعادة عباداته بل لكون الطهارة من الحدث شرطا لصلوته فيما بعد فرفع حدثه بالغسل بالنبيذ
ليس إلا كتطهير ثوبه المتخذ من جلد الميتة بالدباغة فما دل على صحة عباداته السابقة من الصلاة والصوم ونحوهما لا يدل على كون ثوبه الذي
صلى فيه طاهرا وحدثه مرفوعا حتى لا يحتاج إلى الإعادة لما يستقبل ويمكن التفصيل بين ما لو كان البطلان ناشيا من عدم الايمان أو من
الاختلال بسائر الشرائط فلا يعيد في الأول ويعيد في الثاني بدعوى أنه يستفاد من النص والاجماع الدالين على عدم إعادة عباداته
ولو مع بقاء الوقت كون ايمانه اللاحق كإجازة الفضولي مصححا لاعماله السابقة المشروطة بالايمان فتكون شرطية الايمان للأعمال كشرطية
طيب نفس المالك لمضى التصرفات الواقعة في ملكه فليتأمل * (فرع) * لو جامع الصبي ثم اغتسل قبل بلوغه فان قلنا بشرعية عبادته كما هو الأظهر
لا يعيد والا اعاده بعد البلوغ لاطلاق سببية التقاء الختانين لوجوب الغسل وعموم قوله تعالى وان كنتم جنبا فاطهروا وعدم شموله له قبل
البلوغ غير ضائر فإنه يندرج في موضوع الحكم بعد أن بلغ وهو جنب كما لو أجنب في نومه فإنه يعمه الخطاب بالغسل بعد انتباهه
اما الحكم فيحرم عليه أي على
الجنب قراءة كل واحدة من سور العزائم الأربع وهي سورة اقرأ وسورة النجم وسورة حم السجدة وسورة السجدة الواقعة عقيب سورة لقمان ولعله لعدم معروفية هذه السورة
باسم مخصوص اشتهر التعبير عنها بين علمائنا بسجدة لقمان وفي الحدائق نسبه إلى غفلتهم وهو بعيد وكيف كان فلا اشتباه في المراد كما أنه لاخفاء
في أصل الحكم بل لا خلاف فيه وعن غير واحد دعوى الاجماع عليه وعن المصنف في المعتبر أنه قال
يجوز للجنب والحائض ان يقرأ ما شاءا من القران الا سور
العزائم الأربع وهي أقراء باسم ربك والنجم وتنزيل السجدة وحم السجدة وروى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنى عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (ع)
وهو مذهب فقهائنا اجمع انتهى ولكنه عبر كثير من الأصحاب عنها بلفظ العزائم من دون ذكر لفظ السورة ولذا احتمل بعض ارادتهم خصوص أي السجدة
والظاهر أن مرادهم من العزائم مجموع السور كما يدل عليه بعض القرائن المنقولة عن كلماتهم ويؤيده دعوى الاجماع عليه عن غير واحد من الأساطين
كالمصنف والعلامة والشهيد ونظرائهم ممن يبعد ان يشتبه عليه مراد الأصحاب وفي المدارك ان الأصحاب قاطعون بتحريم السور كلها ونقلوا
عليه الاجماع وكيف كان يدل عليه مضافا إلى ما رواه المصنف عن البزنطي المعتضد بفتوى الأصحاب ونقل اجماعهم موثقة زرارة عن أبي جعفر (ع)
في حديث قال قلت له الحائض والجنب هل يقرأن من القران شيئا قال نعم ما شاء الا السجدة ويذكران الله على كل حال وعن حماد بن عيسى مثله
وعن محمد بن مسلم قال قال أبو جعفر (ع) الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرأن من القرآن ما شاءا الا السجدة * (ونوقش) * في دلالتهما
باحتمال ان يكون المراد من السجدة خصوص اياتها واحتمال إرادة السور المشتملة على الامر بالسجدة وان كان قريبا خصوصا بالنظر إلى أسامي السور
القرآنية كالبقرة وال عمران ولقمان وغيرها ولكنه ليس بحيث يحمل عليه اللفظ في مقابل الأصل والعمومات ولذا تردد بعض المتأخرين بل قوى
بعض اختصاص الحرمة بقراءة الآيات دون مطلق السور ويدفعها استثناء سور العزائم بأساميها فيما رواه المصنف [ره] عن جامع البزنطي فإنه مع
اعتضاده بفتاوى الأصحاب ونقل اجماعهم قرينة لتعيين المراد من هاتين الروايتين كما أنه بنفسه دليل لاثبات المطلوب * (وعن) * الفقه الرضوي ما هو
بمضمونه فالقول بالاختصاص نظرا إلى ما عرفت ضعيف ثم إن مقتضى اطلاق النصوص والفتاوى ومعاقد اجماعاتهم بل تصريحات جملة منهم عدم الفرق
بين قراءة مجموع السورة وقراءة بعضها حتى البسملة والكلمات المفردة والآيات المشتركة إذا نوى بها أحدها دون ما إذا لم ينو لا عميتها [ح] عما
هو موضوع الحكم فلا يعمه الحرمة واما الآيات المختصة فلا تحتاج إلى النية لان تعينها الواقعي يكفي في حرمة قرائتها وهل قراءة البسملة والآيات المشتركة
في المصحف ونحوه بمنزلة النية ولو لم يقصد الا قراءة خصوص البسملة وجهان أظهرهما ذلك لان كتابتها جزء من السورة يعينها في الجزئية فقراءتها
ليست الا قراءة ما هو الجزء من السورة وكونها مشتركة في حد ذاتها لا يجدى بعد أن تعلق القصد بقراءة المكتوب نعم لو قصد من لفظه
الاتيان بما ينطبق على المكتوب من دون ان ينوى قرائته كما لو قال مثلا بسم الله يكت هكذا فلا بأس به كما هو ظاهر وكيف كان فقد نوقش
بعد الغض عن الاجماع في استفادة عموم الحكم من اطلاق الاخبار بدعوى أن المتبادر من النهى عن قراءة السورة قراءة مجموعها لان السورة اسم
للمجموع فلا يستفاد منه حرمة قراءة البعض * (وفيه) * ان المتبادر من النهى عن قراءة السورة كقرائة القران انما هو قراءة أبعاضها كلا أو بعضا بل
230

المتبادر من النهى المتعلق بالأفعال المركبة خصوصا لتدريجية منها كالجلوس في المسجد يوم الجمعة واستماع الخطبة التي يقرئها الامام وقراءة المكتوب
الذي أرسله إلى فلان وكتابة الكاغذ الموجود واكل الطعام الموضوع بين يدي زيد إلى غير ذلك من الأمثلة انما هو حرمة أبعاضها بحيث يكون
كل بعض في حد ذاته موضوعا للحرمة الا ان يدل قرينة خارجية على إرادة المجموع من حيث المجموع * (ويؤيده) * فهم جل العلماء من اخبار الباب
ذلك وربما نوقش في دلالة الاخبار على الحرمة بان قراءة القرآن مستحب فاستثناء سور العزائم منها لا يدل الا على عدم استحبابها لا حرمتها
* (وفيه) * ان المسؤول عنه في الروايات انما هو جواز قراءة القرآن في مقابل المنع منها واما استحبابها فإنما هو من لوازم مشروعيتها إذا تحققت
في الخارج قربة إلى الله تعالى واما لو تحققت بدونها فهي من الأفعال المباحة فاستثناء السجدة عن مطلق القراءة معناه المنع منها كما هو
ظاهر
ومن جملة احكامه انه يحرم عليه مس كتابة القران بلا خلاف فيه ظاهرا قال في الحدائق والظاهر أنه اجماعي كما نقله غير واحد من معتمدي
الأصحاب بل في المعتبر والمنتهى انه اجماع علماء الاسلام وعن العلامة في النهاية انه لا خلاف هنا في تحريم المس وان وقع الخلاف في الحدث
الأصغر وفي الذكرى عن ابن الجنيد القول بالكراهة وذكر أنه كثير اما يطلق الكراهة ويزيد التحريم فينبغي ان يحمل كلامه عليه وهو جيد فان
اطلاق الكراهة على الحرمة في كلام المتقدمين كما في الاخبار شايع واما نقل ذلك من المبسوط كما في المدارك فقد رده جمع ممن تأخر عنه
بأنه سهو فإنه انما صرح بذلك في الحدث الأصغر واما الأكبر فقد صرح فيه بالتحريم انتهى ويدل عليه مضافا إلى الاجماع ظاهر الكتاب و
السنة المستفيضة التي تقدم بعضها في حرمة المس مع الحدث الأصغر كما تقدم جملة من الأبحاث المتعلقة بالمقام فراجع
أو مس شئ عليه
اسم الله سبحانه وتعالى بلا نقل خلاف معتد به فيه بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه وعن نهاية الاحكام نفى الخلاف فيه وعن المنتهى وغيره
نسبته إلى الأصحاب ويدل عليه موثقة عمار عن الصادق (ع) قال لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله ويؤيده حسنة داود بن فرقد عن
أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن التعويذ يعلق على الحائض قال نعم لا بأس قال وقال تقرئه وتكتبه ولا تصيبه يدها وفي رواية أخرى عنه عن رجل
عن أبي عبد الله عليه السلام مثلها إلا أنه قال فيها تقرئه وتكتبه ولا تمسه والظاهر أن النهى عن مسه انما هو لما فيه من اسم الله تعالى أو الآيات القرآنية
والروايتان وان كانتا في الحائض الا انهما مؤيدتان للمطلوب لاشتراك الجنب والحائض في كثير من الاحكام ويؤيده أيضا انه هو المناسب
للتعظيم بل لا يبعد دعوى كون مس الجنب والحائض بنظر أهل الشرع توهينا وربما يستدل له بفحوى النهى عن مس كتابة القران في ظاهر الآية
والأخبار المستفيضة كما مر توجيهه عند التكلم في حرمة المس مع الحدث الأصغر فراجع * (ثم) * ان المتبادر من النهى عن مس دينارا ودرهم عليه
اسم الله تعالى انما هو حرمة مس الموضع الذي عليه الاسم لا مطلقا كما أن المتبادر من عبارة المتن ونحوه أيضا ذلك ولذا عبروا بها مع أن
المقصود منها بيان حرمة مس نفس الاسم كما يفصح عن ذلك تعبير المصنف في محكى المعتبر بقوله ويحرم مس اسم الله سبحانه و [تع‍] ولو كان على دراهم
أو دنانير أو غيرهما فلا يحرم مس الموضع الخالي عن الاسم وعليه بحمل رواية أبى الربيع عن الصادق (ع) في الجنب يمس الدراهم وفيها اسم الله تعالى
واسم الرسول قال لا بأس به ربما فعلت ذلك وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (ع) قال سئلته عن الجنب والطامث يمسان بأيديهما الدراهم البيض
قال لا بأس ورواية محمد بن مسلم المحكية عن جامع البزنطي عن الباقر عليه السلام قال سئلته هل يمس الرجل الدرهم الأبيض وهو جنب فقال أي والله
فانى لاوتي بالدرهم فاخذه وانا جنب وما سمعت أحدا يكره من ذلك شيئا الا ان عبد الله بن محمد كان يعيبهم عيبا شديدا يقول جعلوا سورة من
القران في الدراهم فيعطى الزانية وفي الخمر ويوضع على لحم الخنزير ويحتمل قويا صدور هذه الأخبار
تقية كما يشعر بها الرواية الأخيرة ويؤيدها
ما قيل من اختصاص القول بحرمة مس كتابة القران بالامامية وعدم معروفيتها عند العامة وان كان فيه نظر نظرا إلى ما عن المعتبر والمنتهى من
دعوى اجماع المسلمين عليها وكذا يؤيد كون النهى عن مس الدراهم بمنزلة التعريض على سلاطينهم هذا مع أن مقتضى ظاهر هذه الرواية جواز
مس كتابة القران وقد عرفت مخالفة لظاهر النص والاجماع وحكى عن بعض القول بجواز المس في خصوص الدرهم للروايات المتقدمة وهو
ضعيف واضعف منه ما يظهر من بعض من الحكم بالكراهة مطلقا نظرا إلى قصور مستند المانعين وضعف سند الموثقة التي هي عدة أدلتهم
هذا مع معارضتها بالاخبار المتقدمة الدالة بظاهرها على الجواز فيجمع بين الاخبار بحمل النهى على الكراهة ولا يخفى عليك انه لا مجال
للجمع بين الاخبار بعد الخدشة في اسنادها لولا المسامحة في دليل الكراهة وكيف كان فيتوجه عليه ان رواية عمار في حد ذاتها موثقة هي بل
حجة معتمدة وعلى تقدير تسليم ضعف سندها فهو منجبر بعمل الأصحاب ونقل اجماعهم عليه إذ الظاهر أن عمدة مستند القول بالحرمة التي
نقل عليها الاجماع ليست الا الموثقة واما الأخبار الدالة على الجواز فلا يصلح لمعارضتها بعد اعراض الأصحاب عنها وقصور أسانيدها فلا بد
من رد علمها إلى أهله أو حملها على بعض جهات التأويل وان بعدت وعلى تقدير صلاحيتها للمعارضة فالمتعين في مثل المقام هو الاخذ
بالترجيح لا الجمع لعرائه عن الشاهد وقد عرفت أن العمل بالموثقة أرجح ثم إن مقتضى اطلاق الرواية وغيرها من الأدلة عدم اختصاص الحكم
بلفظة الله بل تعم كل اسم من أسمائه سبحانه وتعالى المختصة به تعالى من أي لغة كانت وكون المتعارف في أزمنة الأئمة عليهم السلام نقش
231

لفظ خاص على الدينار والدرهم لا يقتضى قصر الحكم عليه خصوصا مع وضوح مناطه بل المتبادر من اسم الله تعالى في الرواية ولو لأجل
وضوح المناسبة بين الحكم وموضوعه مطلق ما أنبأ عن الذات المقدسة سواء كان بالوضع أو بانضمام القيود والقرائن فيعم الأوصاف المختصة
والمشتركة بل مطلق الألفاظ العامة وصفا كان أم غيره بشرط احتفافها بما يعين إرادة الذات المقدسة منها كالعالم بكل شئ أو خالق كل شئ
أو يا من لا يشتبه عليه الأصوات ونحوها واما الألفاظ العامة الغير المحفوفة بالقراين المعينة فلا اشكال في جواز مسها ما لم يعلم إرادة الكاتب
منها الذات المقدسة واما لو علم ارادتها منها ففي مسها اشكال وان كان الأظهر جوازه لان المكتوب في حد ذاته أعم مما يحرم مسه والقصد
لا يصلح لتعيينه بحيث يصدق عليه انه اسم الله تعالى فهو ليس إلا كإرادة الله تعالى من لفظ أجنبي ونظيره ما لو كتب بعض اسم الله تعالى
فبدا له في اتمامه أو كتب اسم الله تعالى ثم حرفه بزيادة أو نقصان أو خرقه بحيث يخرج من مصداق كونه اسم الله [تع‍] فان الأظهر في جميع
الصور جواز مسه
* (وعن) * جملة من الأصحاب الحاق أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام باسمه تعالى بل عن الغنية ادخالهما في معقد اجماعه
وعن جامع المقاصد نسبته إلى كبراء الأصحاب * (و) * عن الطالبية إلى الأصحاب * (وعن) * بعض إلى المشهور وقد عرفت في مبحث الوضوء انه لا يخلو
عن وجه غير خال عن نظر وعلى تقدير الحرمة فلا اشكال فيما لو اختص الاسم أو اشترك ولكنه انضم إلى ما يعينه * (واما) * لو اشترك ولم يحتف
بما يعينه فالأظهر دوران حرمة المس مدار قصد الكاتب والفرق بينه وبين الألفاظ المشتركة الصادقة على الله تعالى وعلى غيره حيث
قوينا في تلك المسألة عدم مدخلية قصد الكاتب في حرمة المس هو ان صدق الألفاظ العامة كالموجود والعالم والقادر على مصاديقه
من قبيل اطلاق الكلى على الفرد فالمكتوب في حد ذاته أعم مما قصده الكاتب والقصد لا يجعله اسما لخصوص هذا الفرد حتى يلحقه حكمه
واما أسماء الأنبياء والأئمة فهي من مقولة الاعلام وصدقها على المصاديق المتكثرة انما هو بالاشتراك لا بالعموم فإذا أراد القائل
من اللفظ المشترك بعض معانيه فلفظه موضوع لنفس ما اراده غاية الأمر انه يحتاج إلى قرينة معينة للمراد وعند فقدها يعرضه الاشتباه والاجمال
لأجل تعدد الوضع لا لعدم انطباق لفظه على ما اراده وهذا بخلاف العام فان دلالته على خصوص بعض مصاديقه ليست بالوضع بل لابد
فيها من ضم قيود تخصص مدلوله على وجه ينطبق على الفرد وعلى تقدير فقدها يكون اللفظ أعم من خصوص هذا الفرد فلا يكون اسما له سواء
قصده اللافظ بالخصوص أم لا فلاحظ وتدبر كي يتضح لك الفرق بين المقامين ولو اشتبه مراد الكاتب جاز المس لأصالة البراءة وان
كان الأحوط تركه بل الأولى الترك مط حتى مع العلم بإرادة غيرهم خصوصا لو كان التسمية باسمهم بقصد التشرف وأولى بمراعاة
الاحتياط فيما لو جعل اسم الله تعالى اسما لشخص أو جزء من اسمه كعبد الله علما بل القول بحرمة المس في الأخير لا يخلو عن وجه وان كان الأوجه
خلافه * (ولا) * فرق في الكتابة بين أن تكون بمداد أو بحفر أو بتطريز أو بغيرها بل المدار على صدق اسم القرآنية واسم الله كيف ما تكون الكتابة
من أي كاتب تكون حتى الريح ونحوها والاستشكال في تحقق المس إذا كانت الكتابة بالحفر ممالا وجه له بعد مساعدة العرف على اطلاق اسم مس
القران على اللوح المنقوش فيه آياته
ويحرم على الجنب أيضا الجلوس في مطلق المساجد بل اللبث فيها مطلقا ولو من غير جلوس بل ولا استقرار
فيعم المشي في جوانبها من غير مكث ما لم يصدق عليه اسم المرور والاجتياز ويدل عليه قوله تعالى ولا جنبا الا عابري سبيل بمعونة الأخبار الدالة
على أن المراد منه النهى عن اتيان المساجد جنبا فعن الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر (ع) في قوله [تع‍] ولا جنبا الا عابري سبيل ان معناه لا تقربوا
مواضع الصلاة من المساجد وأنتم جنب الا مجتازين وفي صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قالا قلنا له الحايض والجنب يدخلان
المسجد أم لا قال الحائض والجنب لا يدخلان المسجد الا مجتازين ان الله تبارك وتعالى يقول ولا جنبا الا عابرا سبيل حتى تغتسلوا وعن علي بن
إبراهيم انه رواه في تفسيره مرسلا والخدشة في دلالة الآية كما عن بعض بعد ورود تفسيرها عن أهل البيت عليهم السلام مما لا وجه لها اللهم الا
ان يراد المناقشة في دلالتها من حيث هي ويدل عليه مضافا إلى الآية والأخبار الواردة في تفسيرها اخبار كثيرة سيمر عليك بعضها أنشأ الله
فما نقل من سلار من القول بالكراهة ضعيف ولعل مستنده ما يتراى من ظاهر ما في عدة من الاخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله
انه كره اتيان المساجد جنبا * (وفيه) * ان الكراهة الواردة في الاخبار أعم من الكراهة المصطلحة كما يؤيده ما في نفس هذه الأخبار من الجمع بين
الأشياء المكروهة والمحرمة كالضحك بين القبور والرفث في الصوم والمن بعد الصدقة فلا تنافى غيرها مما دل على التحريم من ظاهر الآية
والاخبار المعتبرة المعمول بها وربما يستدل له بصحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا الحسن (ع) عن الجنب ينام في المسجد فقال (ع) يتوضأ ولا بأس ان
ينام في المسجد ويمر فيه فيجمع بين هذه الصحيحة وبين الأخبار الناهية بحملها على الكراهة * (وفيه) * انه ان اقتصرنا في هذه الصحيحة على موردها
فهي أخص [مط] من سائر الأدلة يجب في مقام الجمع تخصيصها بها وهو ينافي مطلوب سلار وان تخطينا عن موردها واستفدنا منه جواز المكث
مطلقا ولو لغير النوم والمرور فيعارضها ظاهر الآية والأخبار الناهية والجمع الذي يمكن ارتكابه ولا يحتاج إلى شاهد خارجي انما هو
تقييد مطلقات الأخبار الناهية بما إذا لم يتوضأ فيجوز له ان يلبث في المسجد بعد أن توضأ كما نقل القول به عن أحمد بن حنبل ولا قائل به
232

منا هذا مع أن ارتكاب التقييد بالنسبة إلى الآية الشريفة وما هو بمنزلتها بمثل هذه الرواية في حد ذاتها مشكل جدا لان ذكر الاغتسال غاية
للنهي يؤكد اطلاقه ويدل على انحصار السبب المبيح بالغسل فلا يساعد العرف على الجمع بينهما بتقييد اطلاق النهى وتنزيل الغاية المذكورة
في الآية على كونها أحد فردي الغسلة المبيحة الا ترى ان قولنا لا يجوز للجنب ان يدخل في المسجد حتى يغتسل ويجوز للجنب ان يتوضأ
ويدخل في المسجد يعد في العرف متنافيا وكيف كان فهذه الرواية بعد اعراض الأصحاب عنها ومخالفتها لظاهر الكتاب والسنة
المستفيضة وموافقتها لمذهب بعض العامة مما يجب رد علمه إلى أهله وقد صرح المصنف [ره] في محكى المعتبر بعد نقل الرواية بأنها متروكة
بين أصحابنا لأنها منافية لظاهر التنزيل انتهى نعم يظهر من الصدوق [ره] العمل بمضمونها حيث قال فيما حكى عنه بعد أن ذكر ان الجنب
والحائض لا يجوز ان يدخلا المسجد الا مجتازين ولا بأس ان يختضب الجنب أو يجنب وهو مختضب إلى أن قال وينام في المسجد ويمر فيه
ولكنك خبير بأنه لا يخرج الرواية بذلك من الشذوذ بحيث تصلح لتخصيص سائر الأدلة التي كادت تكون صريحة في العموم بل
لا يبعد دعوى القطع بإرادة مورد الاجتماع أعني نوم الجنب في المسجد من بعض هذه الأدلة التي ورد فيها النهى عن بيتوتة الجنب في المسجد
هذا مع أن المحكى عن الصدوق غير منطبق على تمام مدلول الرواية حيث لم يوجب الوضوء في ظاهر كلامه مع كونه مذكورا في الرواية فهذا القول
أيضا كسابقه ضعيف والله العالم وقد أشرنا إلى أن مقتضى عموم الآية وجملة من الأدلة حرمة كون الجنب في المسجد [مط] ما لم يصدق عليه اسم
المرور والاجتياز ولكنه حكى عن بعض القول بجواز بقائه في المسجد ماشيا في جوانبه من غير مكث ولا جلوس والذي يمكن ان يستدل
له في ذلك امر ان أحدهما دعوى صدق المرور والاجتياز عرفا على مطلق المشي * (وفيها) * منع ظاهر ولا أقل من انصراف اطلاق عابري
سبيل ونحوه عن مثل ذلك * (وثانيهما) * الالتزام باختصاص الحرمة بالجلوس دون مطلق الكون كما وقع التعبير به في جملة من عبائر القوم
ومنشأ توهم الاختصاص تعلق النهى بالجلوس في مقابل المشي والمرور في عدة من الاخبار ففي رواية جميل عن الصادق (ع) قال للجنب ان يمشي
في المساجد كلها ولا يجلس فيها الا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ورواية محمد بن
حمران عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الجنب يجلس
في المسجد قال لا ولكن يمر فيه الا المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وصحيحة جميل عن أبي عبد الله (ع) عن الجنب يجلس في المساجد قال لا ولكن
يمر فيها كلها الا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وفي رواية أبى حمزة عن أبي جعفر (ع) ولا بأس ان يمر أي الجنب في سائر المساجد ولا يجلس
في شئ من المساجد إلى غير ذلك من الاخبار وفيه أن استدراك المرور بعد النهى عن الجلوس فيما عدا الرواية الأولى من هذه الأخبار دليل
على اختصاص الجواز بالمرور وهو لا يصدق عرفا على مطلق المشي واما الرواية الأولى فإن لم نقل بانصراف المشي فيها في حد ذاتها إلى المشي
الذي يتحقق به المرور والاجتياز فلابد بعد تسليم سندها من صرفه إلى ذلك جمعا بينها وبين سائر الأدلة لان تقييد المشي بما يتحقق به
المرور والاجتياز أهون من تخصيص العمومات والظاهر عدم صدق المرور والعبور الذي ثبت الرخصة فيه في النصوص والفتاوى
على الدخول من باب والخروج منه بل يتوقف تحقق عنوانه عرفا على الخروج من باب آخر وعلى تقدير الشك فالمرجع أصالة البراءة لا العمومات
الناهية لان اجمال المخصص يسرى إلى عموم العام فلا يجوز التشبث به في مورد الشك وكون المخصص المجمل مرددا بين الأقل والأكثر انما يجدى
في الاقتصار على الأقل إذا كان في كلام منفصل لا في مثل المقام
ويحرم عليه أيضا وضع شئ فيها دون الاخذ منها الصحيحة زرارة ومحمد بن
مسلم عن أبي جعفر (ع) قال الحائض والجنب لا يدخلان المسجد الا مجتازين إلى أن قال ويأخذ ان من المسجد ولا يضعان فيه شيئا قال زرارة
قلت فما بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه قال لأنهما لا يقدران على اخذ ما فيه الا منه ويقدر ان على وضع ما بيدهما في غيره وصحيحة عبد الله بن
سنان قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه قال نعم ولكن لا يضعان في المسجد شيئا
وهل يحرم الوضع لذاته أو لأجل استلزامه الدخول واللبث في المسجد ظاهر كلماتهم حيث أفردوه بالذكر وجعلوه قسيما للدخول هو الأول
بل عن بعضهم التصريح بذلك والالتزام بحرمة الوضع حتى من خارج المسجد والذي قواه شيخ مشايخنا [قده] في جواهره هو الثاني وحكى
التصريح به عن ابن فهد حيث قال إن المراد بالوضع الوضع المستلزم للدخول واللبث لان الرخصة في الاجتياز خاصة فلا يباح الدخول
لغير غرض الاجتياز انتهى ويظهر إرادة هذا المعنى من كل من استدل له بعموم قوله تعالى ولا جنبا الا عابري سبيل كالمصنف في المعتبر و
العلامة في بعض كتبه على ما حكى عنهما كمالا يخفى وجهه وكيف كان فهذا هو الأقوى لأنه هو الذي ينسبق إلى الذهن من الروايتين إذا المتبادر
من سؤال السائل في صحيحة ابن سنان انما هو السؤال عن دخوله لان يتناول المتاع فقوله (ع) نعم يدل على جواز ذلك وقوله ولكن لا يضعان
في المسجد شيئا معناه بقرينة المقابلة انهما لا يدخلان لان يضعا فيه شيئا وكذا المتبادر من التعليل في صحيحة زرارة ليس إلا ان الضرورة
العرفية أباحت له الدخول للاخذ دون الوضع حيث لا ضرورة فيه فلو جعلناها علة لحرمة الوضع وجواز الاخذ في حد ذاتهما للزم حمل العلة
على التعبد إذ لا نتعقل عليته عدد الضرورة لحرمة الوضع إذ كثير من الأفعال لا يضطر إليه الجنب ولا يحرم عليه وتنزيل العلة على التعبد بعيد
233

هذا مع أن المناسبة المغروسة في الذهن توجب انصراف النهى عن الوضع إلى ذلك الا ترى هل يتوهم أحد من العوام الذين بلغهم حرمة
وضع الجنب شيئا في المساجد انه إذا اضطر الجنب إلى البقاء في المسجد ولم يتمكن من التيمم انه لا يجوز له وضع ما معه فيه فالأظهر جواز
الوضع الذي لا يستلزم اللبث المحرم كما لو وضع من خارج المسجد أو اجتاز وطرح فيه شيئا أو اضطر إلى البقاء ووضع ما معه فيه ومما يؤيد
إناطة الحكم بالدخول لا الوضع وانه لا بأس بالوضع من غير الدخول ما أرسله علي بن إبراهيم في تفسيره عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال يضعان فيه الشئ ولا يأخذان منه فقلت ما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه فقال لأنهما يقدران على وضع الشئ من غير دخول
ولا يقدر ان على اخذ ما فيه حتى يدخلا لكن هذه الرواية لمعارضتها بالنسبة إلى الفقرة الثانية بما هو أقوى منها لا بد من طرحها أو حمل النهى عن
الاخذ على الكراهة واما بالنسبة إلى الفقرة الأولى فلا معارض لها لان المراد منها الرخصة في الوضع من غير دخول كما يدل عليه العلة المنصوصة
وهذا مما ينصرف عنه الصحيحتان المتقدمتان كمالا يخفى ثم إن مقتضى اطلاق النص وفتاوى الأصحاب جواز الاخذ من المسجد وان
استلزم اللبث أو الجلوس وما يقال من أن الاطلاق مسوق لبيان حكم الاخذ من حيث هو * (يدفعه) * مضافا إلى ما عرفت من أن المتبادر
من الروايتين كونهما مسوقتين لجواز الدخول الذي يستلزمه الوضع والاخذ ان الدخول واللبث في الجملة من مقدماته العادية فلا ينفك
الرخصة فيه عن الاذن في الدخول واللبث بالمقدار المتعارف اللهم الا ان يدعى ان الغالب المتعارف في الاخذ هو الدخول والخروج
لسرعة من غير مكث وهو من مصاديق المرور والعبور الذي تثبت الرخصة فيهما واطلاق الروايتين منزل عليه * (وفيه) * ان صدق عابري
سبيل على أغلب مصاديق الاخذ المتعارف وهو ما لو دخل من باب وخرج منه ممنوع ودعوى صدق المرور في المسجد عليه كما وقع التعبير به
في غير واحد من الاخبار على تقدير تسليمها غير مجدية لوجوب تقييد المرور على تقدير أعميته من عابري سبيل بما لا ينافي عموم الآية لان التقييد
أهون من تخصيص العموم فظهر لك انه كما استثنى العبور والمرور من عمومات الأدلة كذلك استثنى منها الدخول للاخذ مطلقا بمقتضى
اطلاق الروايتين وهل يختص جواز الاخذ كجواز المرور بما عدا المسجدين الآيتين أم يعمهما وجهان من اطلاق الروايتين ومن امكان دعوى
سوقهما لبيان حكم سائر المساجد كما يدل عليه الاستثناء في صدر صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم والله العالم
ويحرم على الجنب الجواز أيضا
كاللبث في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله خاصة للاخبار المعتبرة المستفيضة التي تقدم بعضها وسياق بعض اخر
ولو أجنب فيهما لم يقطعهما الا بالتيمم لصحيحة أبى حمزة
الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وآله فاحتلم فاصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد الا متيمما
ولا بأس ان يمر في سائر المساجد ولا يجلس في شئ من المساجد وعن الكافي روايتها عن أبي حمزة بسند فيه رفع ولكنه زاد فيها وكذلك
الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك ولا بأس ان يمرا في سائر المساجد [الخ] ولا فرق في وجوب التيمم عليه بين ما لو احتلم أو أجنب اختيارا
أو اضطرارا كما يدل عليه الصحيحة على ما رواها في المعتبر بعطف أو اصابته جنابة وكذا لا فرق بين عروض الجنابة في المسجد أو في خارجه
فدخل فيه عصيانا أو نسيانا لا لدعوى القطع بعدم الفرق بين افراد الجنابة حتى يمكن المناقشة فيها بل لكون الحكم على طبق القواعد
المقررة في الشريعة إذ بعد أن ثبت بالأخبار المستفيضة ان هذين المسجدين أعظم حرمة عند الله وان الجواز فيها كاللبث محرم يحكم العقل
بأنه يجب عليه إذا اضطر إلى الجواز أو المكث فيهما ان يزيل جنابته حقيقة أو حكما والذي يقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الصحيحة انه يجب
عليه الغسل ان تمكن من أن يغتسل في المسجد في زمان يقصر عن زمان الخروج ولا يزيد عن زمان التيمم ولم يترتب على غسله تصرف غير سايغ
كتنجيس المسجد أو تخريبه ولو ساوى زمان الغسل زمان الخروج فهو مخير بينهما إذ لم يثبت أهو نية أحد الامرين من الاخر حتى يترحج لكنك خبير
بان هذين الفرضين متعذر الحصول عادة فعليه ان يتيمم لأنه أحد الطهورين بشرط ان يقصر زمانه عن زمان الخروج والا يجب عليه
الخروج فورا ولا يشرع له التيمم لأنه بالنسبة إلى زمان التيمم معذور في بقائه جنبا ولا يعقل ان يكون مكلفا بالطهارة في هذا الحين
والمفروض انه متمكن من الخروج من المسجد في زمان معذوريته فلا ضرورة له في التطهير حتى يشرع في حقه التيمم * (ولو) * قصر زمان التيمم
عن زمان الخروج وتمكن من الاغتسال في المسجد في زمان يزيد عن زمان التيمم يجب عليه التيمم لا الغسل لان الغسل يستلزم
زيادة المكث في المسجد وهي كأصل المكث محرمة فيجب عليه تحصيل الطهارة الترابية لأجل هذه المدة الزائدة التي لا يمكنه تحصيل
الطهارة المائية لأجلها وكونه واجدا للماء حال التيمم غير مجد بعد كون استعماله مستلزما لارتكاب اللبث المحرم فإذا تيمم فان طال
زمان الخروج عن زمان الغسل فالظاهر أنه يجب عليه الغسل تحصيلا للطهارة المائية للجزء الزائد من الزمان لتمكنه منها فلا اثر لتيممه
بالنسبة إليه * (وكذا) * يجب عليه ان يغتسل في المسجد بعد أن تيمم لو اشتغل ذمته بواجب مشروط بالطهور وانحصر تمكنه من الغسل في المسجد طال
زمانه عن زمن الخروج أم قصر بل يجب عليه في مثل الفرض ان يدخل في المسجد متيمما لو كان في خارجه ويغتسل فيه لأنه بالنسبة إلى ما عدا
المكث في المسجد من الغايات متمكن من الطهارة المائية لان المقدور بالواسطة مقدور فلا يستباح شئ منها بالتيمم وما يقال من أن
234

التمكن من الغسل في المسجد مما يقتضى وجوده عدمه فان متى استبيح بالتيمم المكث للغسل انتقض التيمم للتمكن من الماء ومتى انتقض التيمم
حرم الكون للغسل مغالطة لان التمكن من الماء انما هو بالنسبة إلى سائر الغايات واما بالنسبة إلى اللبث الواجب عليه مقدمة
لتحصيل الطهارة المائية التي هي شرط في الصلاة ونحوها من الواجبات فلا وليس مطلق وجدان الماء ناقضا للتيمم بل بشرط
التمكن من ايجاد الغاية الواجبة عليه بعد انتقاض التيمم متطهرا وإلا فلا اثر للوجدان بالنسبة إلى هذه الغاية التي لا يتمكن من
اتيانها الا مع التيمم نظير من صلى مع التيمم لضيق الوقت فان كونه في المسجد بمنزلة الصلاة عند الضيق في عدم التمكن من الاغتسال
له هذا مع أن لنا قلب الدليل حيث إن مقتضاه وجوب الصلاة متيمما * (فنقول) * متى جاز له الدخول في الصلاة متيمما جاز له الكون
في المسجد ومتى جاز له الكون في المسجد لم يجزله الصلاة مع التيمم لتمكنه من الغسل وان قصر زمان الخروج عن زمان الغسل وكان
متمكنا من الغسل في خارج المسجد يتعين عليه الخروج ولا يجوز الاغتسال في المسجد لاستلزامه بالنسبة إلى الجزء الزائد المكث في زمان
يتمكن فيه من استعمال الماء وتوهم ان عدم امكان تحصيل الطهارة في خارج المسجد الا بعد مضى زمان يمكن ان يتحقق فيه الغسل يجعله
بالنسبة إلى زمان مقدار الاغتسال في خارج المسجد من أولى الاعذار فيستباح بتيممه اللبث في المسجد بمقدار زمان الخروج
والاغتسال في الخارج كما سنشير إليه في الفرع الآتي فيجوز له الاغتسال في المسجد إن لم يكن زمانه أطول من مجموع الزمانين
* (مدفوع) * بأنه بعد التمكن من الاغتسال يرتفع اثر التيمم ولا يشرع التلبس بشئ من الغايات المشروطة بالطهور الا إذا ضاق
وقته فيخرج من فرض التمكن ولو تيمم للخروج وصادف عدم وجدان الماء لا في المسجد ولا في خارجه جاز له البقاء لأنه يستباح
بالتيمم كالوضوء والغسل جميع غاياته وإن لم ينوها كما سيجئ [انش‍] * (هذا) * كله هو الذي يقتضيه القواعد إذا عرفت ذلك فنقول غلبة
تعدار الغسل في المسجدين بعد معروفية طهورية التيمم وبدليته من الغسل بالضرورة من الدين مانعة من استفادة الوجوب الأصلي
من الصحيحة المتقدمة للتيمم من حيث هولا من حيث كونه طهارة اضطرارية بل لا ينسبق إلى الذهن من الامر به الا المهية المعهودة التي هي بدل
من الغسل ورافعة لاثر الجنابة عند الضرورة الا ترى أنه لو قيل للمسافر الجنب الذي ليس عنده الماء وهو يعلم في الجملة ان الجنابة مانعة من
الدخول في الصلاة وان التيمم طهارة اضطرارية يجب عليك الصلاة مع التيمم لا يخطر بباله أصلا ان يكون التيمم لذاته شرطا لصلاة المسافر
الجنب فالقول بوجوب التيمم تعبدا ولو مع امكان الغسل في زمان لا يزيد عن زمان التيمم نظرا إلى اطلاق الرواية ضعيف في الغاية وأمر الحايض
بالتيمم كالجنب في مرفوعة الكافي لا يمنع من انسباق المهية المعهودة إلى الذهن بالنسبة إلى الجنب بل بالنسبة إلى الحائض أيضا لأن عدم فهم
البدلية عن الغسل بالنسبة إلى الحائض مسبب عن العلم بعدم قابلية المحل لان يؤثر الغسل فيه اثره لا لإرادة مفهوم اخر من التيمم غير
المفهوم الذي اثره رفع الحدث حكما على تقدير صلاحية المحل كما يؤيد ذلك أن الذهن لأجل انسه بتلك المهية ومعهوديتها لديه لا يفهم
من امر الحائض بالتيمم أيضا الا تأثيره في حقها خفة الحدث وحصول مرتبة ضعيفة من الطهارة لأجلها أبيحت الغاية التي أمرت بالتيمم لأجلها
ولو لم يكن المسبوق إلى الذهن تلك الطبيعة التي علمنا اثرها لما كان لهذه الاستفادة منشأ ولأجل هذه الاستفادة ربما يقوى القول
بصحة التيمم لو تيممت باعتقاد الحيض فانكشف الخلاف وصادفت الحاجة إليه لو لم نعتبر في صحته عدا قصد البدلية * (ثم) * ان مقتضى اطلاق الامر
بالتيمم والنهى عن المرور في المسجد الا متيمما في الصحيحة عدم الفرق بين كون زمان الخروج أطول من زمان التيمم أو بالعكس * (ودعوى) *
انصرافه إلى الأول غير مسموعة ولا سبيل لنا إلى القطع بكون الخروج في الفرض الثاني أولى من المكث للتيمم حتى تخصص الصحيحة بالفرض
الأول لان من الجايز ان يكون المكث في المسجد للتيمم أهون لدى الشارع من السير في المسجد فلا مقتضى لصرف الصحيحة عن ظاهرها نعم
لو توقف التيمم على مكث زائد على المتعارف أو توقف على المرور في المسجد بمقدار لو سعى بهذا المقدار إلى طرف الباب لخرج منه لم يفهم حكمه
من الصحيحة لانصرافها عن مثل الفرضين جزما فيعمل فيهما على ما يقتضيه القواعد ثم إن مقتضى الجمود على ظاهر النهى عن المرور عدم جواز التشاغل
بالسير ما دام متشاغلا بالتيمم فضلا عن وجوبه كما يقتضيه القاعدة اللهم الا ان يقال بجريها مجرى العادة فلا تنافى جواز الاتيان به وهو
اخذ في السير والله العالم وقد اتضح لك الفرق بين الاستناد إلى الصحيحة أو الاتكال على القاعدة في حكم بعض الفروع المتقدمة و [ح] فان
قلنا بان تخصيص المحتلم بالذكر في الصحيحة انما هو لكون الاحتلام سببا عاديا للجنابة لا لإرادته بالخصوص كما يؤيده مضافا إلى ما عرفته
من رواية المعتبر بعطف إصابة الجنابة على الاحتلام مقابلته بالحائض في المرفوعة فإنها تشعر بإرادة مطلق الجنب فحكم الجميع ما عرفت أولا
ففي غير مورد النص يجب العمل بما يقتضيه القواعد والله العالم
* (تنبيه) * نقل عن جماعة الحاق الضرايح المقدسة والمشاهد المشرفة
بالمساجد * (وعن) * الشهيد انه نقله في الذكرى عن المفيد في الغرية وابن الجنيد واستحسنه وعن بعضهم نقله عن الشهيد الثاني وعن بعض
المتأخرين من أصحابنا الميل إليه وفي الجواهر انه لا يخلو عن قوة واستدل له بتحقق معنى المسجدية فيها وزيادة وللتعظيم * (وفيه) * ان الحكم
235

معلق في ظواهر الأدلة بعنوان المسجدية لا بمعناها فمن المحتمل أن لا يكون مجرد شرافة المكان وأفضلية الصلاة فيه مناطا للحكم حتى
يدعى الاشتراك لان من الجايز ان يكون لعنوان المسجدية وكون المكان موضوعا لعبادة الله وتسمية بيته تعالى مدخلية في الحكم واما
التعظيم فلا يجب مراعاته الا إذا استلزم تركه التوهين وكونه كذلك فيما نحن فيه غير مسلم خصوصا إذا تعلق بدخوله في المشاهد غرض صحيح
بل ربما يكون دخوله تعظيما كما لو ضاق عليه وقت التشرف ولم يتمكن من التطهير وان كان ترك الدخول في مثل هذا الفرض أيضا بقصد التعظيم لعله
أعظم ولا منافاة بينهما لان اتصاف الفعل بكونه تعظيما من الأمور التي تختلف بالقصود وملاحظة الجهات والأحوال والأزمنة والأمكنة كما
لا يخفى واستدل له أيضا بان حرمة الأئمة عليهم السلام بعد وفاتهم كحرمتهم احياء وقد ورد النهى عن دخول الجنب بيوتهم في حال الحياة في عدة من الاخبار
ففي رواية بكير بن محمد قال خرجنا من المدينة نريد منزل أبى عبد الله عليه السلام فلحقنا أبو بصير خارجا من زقاق وهو جنب ونحن لا نعلم حتى دخلنا
على أبي عبد الله (ع) قال فرفع رأسه إلى أبي بصير فقال يا أبا محمد اما تعلم أنه لا ينبغي لجنب ان يدخل بيوت الأنبياء قال فرجع أبو بصير ودخلنا وفي رواية
الارشاد عن أبي بصير قال دخلت المدينة وكانت معي جويرية لي فأصبت منها ثم خرجت إلى الحمام فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجهون إلى أبي عبد الله عليه السلام
فخفت ان يسبقوني ويفوتني الدخول إليه فمشيت معهم حتى دخلت الدار فلما مثلت بين يدي أبى عبد الله (ع) نظر إلى ثم قال يا أبا بصير اما علمت أن
بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب فاستحييت فقلت انى لقيت أصحابنا فخشيت ان يفوتني الدخول معهم ولن أعود إلى مثلها و
خرجت * (و) * في رواية الحميري عن أبي بصير قال دخلت على أبي عبد الله (ع) وانا أريد ان يعطين من دلالة الإمامة مثل ما أعطاني أبو جعفر (ع) فلما دخلت
وكنت جنبا فقال يا با محمد ما كان لك فيما كنت فيه شغل تدخل على وأنت جنب فقلت ما عملته الا عمدا قال أولم تؤمن قلت بلى ولكن ليطمئن قلبي وقال يا با محمد
قم فاغتسل فقمت واغتسلت وصرت إلى مجلسي وقلت عند ذلك أنه امام * (وعن) * جابر الجعفي عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال اقبل اعرابي إلى المدينة فلما
قرب المدينة خضخض ودخل على الحسين عليه السلام وهو جنب فقال له يا اعرابي اما تستحيي الله تدخل إلى امامك وأنت جنب ثم قال أنتم معاشر العرب إذا
خلوتم خضخضتم الحديث وفي مرسلة بكير قال لقيت أبا بصير المرادي فقال أين تريد قلت أريد مولاك قال انا اتبعك فمضى فدخلنا عليه وأحد النظر إليه
وقال هكذا تدخل بيوت الأنبياء وأنت جنب فقال أعوذ بالله من غضب الله وغضبك وقال أستغفر الله ولا أعود والانصاف ان استفادة الحرمة
من هذه الأخبار مع ما فيها مما يشعر بالكراهة في غاية الاشكال لامكان دعوى القطع بأنه لم يزل يبيت الجنب والحائض من أهل بيتهم و
مواليهم والواردين عليهم في بيوتهم ولم يكونوا يكلفونهم بالخروج أو المبادرة إلى الغسل أو التيمم كيف ولو كان الامر كذلك لشاع الحكم بين
مواليهم وصار لأجل معروفيته من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى عصر الصادقين من ضروريات الدين
فكيف يختفي عن مثل أبي بصير الذي لم يزل يتردد إلى بيتهم هذا
مع أن الذي يساعده الاعتبار ويؤيده ألفاظ الروايات ان هذا الفعل لم يصدر من أبي بصير الا مرة أو مرتين مرة للاختبار وأخرى مخافة فوت
الدخول فمن المحتمل إن لم تكن العبارة الصادرة من الإمام (ع) الا بلفظ لا ينبغي الظاهر في الكراهة كما في الرواية الأولى وعلى تقدير صدور الفعل منه
مرارا فهو من أقوى الشواهد على الكراهة إذ لو فهم من النهى في الواقعة الأولى الحرمة لما عاد إلى مثله ابدا بل مقتضى كلامه في الواقعة التي صدرت
منه للاختبار كونه عالما بمرجوحية الفعل وانما صدر منه عمدا تحصيلا لاطمينان القلب الذي لا يحصل الا بالمشاهدة فلو علم حرمته الدخول في
البيت لاختبره بشئ آخر مما يجوز له ارتكابه ولامره الإمام (ع) بالتوبة كما امره بالغسل فتأمل وليس غضب الإمام (ع) على ما يشعر به الرواية الأخيرة
دليلا على حرمة الفعل واستحقاق العقاب عليه لامكان ان يكون غضبه الكراهة الفعل ومنافاته المرتبة أبي بصير الذي لا ينبغي ان يصدر منه ما
ينافي الأدب ثم لو سلمت دلالتها فغاية مفادها حرمة الدخول في بيوتهم احتراما كما يشعر به سياق الاخبار ومقتضى اطلاقها بل ظاهر التعبير بقوله
هكذا تدخل بيوت الأنبياء حرمة الدخول في بيتهم مطلقا بعد تحقق النسبة سواء كان في حياتهم أو بعد مماتهم فلا يحتاج الاستدلال إلى
المقدمة الخارجية من أن حرمتهم بعد مماتهم كحرمتهم احياء ولكنك خبير بان التخطي عن بيوتهم إلى قبورهم مع أنه لا يصدق عليها البيت
عرفا قياس لا نقول به اللهم الا ان يدعى القطع باشتراكهما فيما أنيط به الحكم وعهدتها على مدعيه ثم إن شيخنا [قده] بعد أن استدل في جواهره
بهذه الاخبار لحكم الجنب بالتقريب المتقدم أشكل في الحاق الحائض به من كونه قياسا ومن اشتراكهما في غالب الاحكام ويتوجه عليه انه ان
كان مناط الحكم ما نتعقله من منافاته للاحترام فلا نرى فرقا من هذه الجهة بين الجنب والحائض وان كان شيئا اخر فلا وجه للتخطي عن
مورد النص إلى مالا يسمى بيتا في العرف على سبيل الحقيقة بالنسبة إلى الجنب فضلا عن الحائض فتأمل والذي أجده من نفسي ان القول بحرمة
دخول الجنب والحائض في المشاهد المشرفة أهون من الالتزام بحرمة الدخول في بيتهم حال حياتهم لان المشاهد من المشاعر العظام التي تشد
الرحال للتشرف بها فلا يبعد دعوى كون دخول الجنب والحائض هتكا لحرمتها عند المتشرعة وان كان في اطلاقها نظر وهذا بخلاف بيوتهم
حال حياتهم فإنها لم يعهد كونها من حيث هي في عصرهم بهذه المكانة من الشرف في انظار أهل العرف حتى يكون دخول الجنب والحائض فيها
هتكا لحرمتها وقد أشرنا فيما سبق ان الإهانة والتعظيم من الأمور الاعتبارية التي تختلف باختلاف الأحوال والاشخاص والأزمنة
236

وكيف كان فالاحتياط ممالا ينبغي تركه والله العالم بحقايق احكامه
* (ويكره) * له إي للجنب أمور منها الأكل والشرب على المشهور بل عن الغنية دعوى
الاجماع عليه وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا وعن ظاهر الصدوق الحرمة لكن عبارته المحكية عنه مشعرة بالكراهة حيث إنه بعد أن نفى الجواز
علله بخوف البرص وظاهر تعليله كبعض الاخبار الآتية المعللة به وبغيره إرادة الكراهة * (ويدل) * عليها رواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال لا
يذوق الجنب شيئا حتى يغسل يديه ويتمضمض فإنه يخاف منه الوضح في الحدائق الوضح البرص * (وعن) * الفقه الرضوي قال إذا أردت ان تأكل على جنابتك
فاغسل يديك وتمضمض واستنشق ثم كل واشرب إلى أن قال إذا أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف عليك البرص * (وفي) * رواية الحسن بن زياد
عن الصادق (ع) عن ابائه (ع) عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث المناهي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الأكل على الجنابة وقال إنه يورث الفقر * (و) * صحيحة
عبد الرحمن قال قلت لأبي عبد الله (ع) أيأكل الجنب قبل أن يتوضأ قال انا لنكسل ولكن ليغسل يده فالوضوء أفضل * (وصحيحة) * زرارة قال الجنب إذا
أراد أن يأكل ويشرب غسل يده ويمضمض وغسل وجهه واكل وشرب * (وصحيحة) * الحلبي عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع) قال إذا كان الرجل جنبا لم يأكل
ولم يشرب حتى يتوضأ ولا بد من حمل النهى في هذه الصحيحة وكذا عدم جواز الأكل الا بعد غسل اليد والمضمضة والاستنشاق المفهوم من صحيحة
زرارة وغيرها على الكراهة جمعا بينهما وبين موثقة ابن بكير قال سئلت الصادق (ع) الجنب يأكل ويشرب ويقرء القران قال نعم يأكل ويشرب ويقرء
ما شاء الحديث كما يشهد به الاجماع والأخبار المتقدمة المعللة المشعرة بالكراهة بل الظاهرة فيها كمالا يخفى على المتتبع في اخبار أهل البيت (ع)
ثم إن مقتضى ظاهر الصحيحة الأخيرة عدم ارتفاع الكراهة الا بالوضوء وأجمل وجوه الجمع بينها وبين ما عداها من الاخبار هو القول بان الكراهة
لا تزول بالمرة الا بالوضوء ولكنها تخف بغسل اليد والمضمضة وغسل الوجه كما يدل عليه صحيحة زرارة أو بغسل اليد والمضمضة فقط كما في رواية
السكوني أو مع الاستنشاق كما في الرضوي أو بخصوص غسل اليد كما في صحيحة عبد الرحمن وقوله (ع) في هذه الصحيحة فالوضوء أفضل مما يؤيده
هذا الجمع فان المتبادر من الامر بالوضوء وغسل اليد في مثل هذه الموارد انما هو الطلب الشرطي لا الشرعي ومقتضى ظاهر الطلب الشرطي
حرمة الأكل والشرب لولا غسل اليد والوضوء وعند قيام القرينة المانعة من إرادة الحرمة يحمل على كراهة الأكل واشتراط زوالها بالفعل
المأمور به ومقتضى أفضلية الوضوء في مثل الفرض كونه اكد في رفع اثر الجنابة أعني كراهة الأكل ولازمه بقاء الأثر في الجملة لا مع الوضوء وإلا فلا
يعقل الا كدية اللهم الا ان يقال إن الوضوء لذاته مستحب وحيث يحصل غسل اليد في ضمنه فاختياره في مقام الامتثال أفضل لوقوعه امتثالا
لكلا العنوانين كما يؤيده تفريع الإمام (ع) وكيف كان فقد ظهر مما ذكرناه من ظهور مثل هذه الأوامر في الطلب الشرطي لا الشرعي ما في كلام صاحب
المدارك حيث زعم انحصار المدرك الصحيح للحكم فيما نحن فيه بصحيحة عبد الرحمن وصحيحة زرارة وأنكر دلالتهما على الكراهة وقال مقتضى الأولى استحباب
الوضوء لمريد الأكل والشرب أو غسل اليد خاصة ومقتضى الثانية الامر بغسل اليد والوجه والمضمضة وليس فيهما دلالة على كراهة الأكل والشرب
بدون ذلك انتهى توضيح ما فيه أن المتبادر من قول القائل إذا أراد الجنب ان يأكل ويشرب ليغسل يده ليس إلا ان جواز الأكل مشروط بغسل اليد
يعنى لا يجوز الأكل بدون الغسل وعند قيام القرينة على عدم إرادة النهى الحقيقي يحمل على الكراهة هذا مع أنه قدس سره لم يتعرض لصحيحة الحلبي مع
صحتها واشتمالها على لفظ النهى الذي أقرب الكراهة ثم إن المحكى عن ظاهر الأصحاب القول بزوال الكراهة بالأشياء المذكورة وقد عرفت أن أقرب
المحامل في مقام الجمع بين الاخبار هو القول بخفتها بما عدا الوضوء من الأشياء المذكورة في الروايات * (وهل) * تخف الكراهة بالمضمضة والاستنشاق
من دون غسل اليدين كما في المتن فيه اشكال لخلو الاخبار عن ذكرهما بالخصوص ولكنه نقل عن ظاهر الغنية دعوى الاجماع عليه وفي كفاية نقل
الاجماع في مثل المقام لأجل المسامحة في أدلة السنن تأمل بل منع لان زوال الكراهة المحققة أو خفتها انما يستكشف بالأوامر الشرعية المتعلقة بهذه
الأشياء بعناوينها المخصوصة بها وقد عرفت في صدر الكتاب عند التعرض لبيان قاعدة التسامح ان اثبات الاستحباب أو الكراهة بقاعدة
التسامح لا يجدى في اثبات الآثار الخاصة الثابتة للأشياء بعناوينها الخاصة نعم المسامحة مجدية في اثبات رجحان ضم الاستنشاق إلى المضمضة
وغسل اليدين مع خلو الأخبار المعتبرة عن ذكره فان نقل الاجماع واشتمال الرضوي على ذكره يكفي في اثبات مشروعية ضمه إلى الأولين المعلوم
تأثيرهما في الرفع بمقتضى سائر الأخبار المعتبرة والله العالم
* (ومنها) * قراءة ما زاد على سبع آيات من القران من غير العزائم الأربع واما العزائم
فيحرم قرائتها مطلقا كما عرفت فيما سبق واما كراهة ما زاد على السبع فالظاهر أنها هو القول المشهور بين الأصحاب كما في الحدائق دعواه وعن ابن
براج نفى جواز ما زاد على سبع آيات وعن سلار تحريم القراءة [مط] وعن بعض الأصحاب ما زاد على سبعين والأقوى ما عليه المشهور أعني جواز القراءة
مطلقا بل عن المرتضى والشيخ والمصنف في المعتبر دعوى الاجماع عليه للاخبار المعتبرة المستفيضة ففي موثقة ابن بكير قال سئلت الصادق عليه السلام عن
الجنب يأكل ويشرب ويقرء القران قال نعم يأكل ويشرب ويذكر الله عز وجل ما شاء الا السجدة وصحيحة زرارة من الباقر (ع) قال قلت له الحائض والجنب
هل يقران من القرآن قال نعم ما شاء الا السجدة ويذكران الله على كل حال وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) الجنب والحائض يفتحان المصحف
من وراء الثوب ويقرأن من القرآن ما شاء الا السجدة الحديث وعن الشيخ في الصحيح عن فضل بن يسار عن الباقر عليه السلام قال لا بأس ان تتلو
237

الحائض والجنب القران وصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام عن قراءة القرآن للحائض والجنب والرجل يتغوط فقال (ع) يقرأون ما شاؤوا وحسنة
إبراهيم عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع) قال يقرء الحائض القران والنفساء والجنب أيضا * (واما) * ما رواه الصدوق عن أبي سعيد الخدري في
وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي (ع) أنه قال يا علي من كان جنبا في الفراش مع امرأة فلا يقرء القرآن فانى أخشى ان تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما فهي
مع ضعف سندها واعراض الأصحاب عنها وكون راوية من العامة مع موافقتها لمذهبهم على ما قيل لا تصلح للاستناد إليها فضلا عن
تخصيص الأخبار الكثيرة المعتبرة بها أو جعلها معارضا لها نعم لا بأس بالعمل بها في خصوص موردها وحملها على الكراهة مسامحة في أدلتها
بل لا بأس بالقول بالكراهة مطلقا من باب التسامح لرواية السكوني عن الصادق عن ابائه عن علي عليهم السلام قال سبعة لا يقرؤن القران
الراكع والساجد وفي الكنيف وفي الحمام والجنب والنفساء والحائض واما مستند التفصيل بين ما دون السبع وما زاد عليها فما رواه الشيخ
في الموثق عن سماعة قال سئلته عن الجنب هل يقرء القران قال ما بينه وبين سبع آيات فيحمل النهى عما زاد على السبع على الكراهة لعدم امكان
تقييد تلك الأخبار المطلقة بمثل هذه الرواية لا للمناقشة في سندها أو وهنها باعراض الأصحاب عنها واستفاضة نقل الاجماع على خلافها بل
لعدم امكان تخصيص تلك العمومات التي كادت تكون صريحة في العموم بالسبع وما دونها فان هذا النحو من التخصيص مما لا يكاد يشك في
مخالفته لما أريد من مثل هذه العمومات هذا مع ضعف ظهورها في إرادة حرمة ما زاد على السبع بل امكان منعه كمالا يخفى وجهه على المتأمل
مضافا إلى معارضتها بما رواه الشيخ عن زرعة عن سماعة قال ما بينه وبين سبعين ويحتمل كونهما حديثا واحدا وقد حصل الاضطراب في
المتن أو الاشتباه في الرواية ولكنه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذا الاحتمال المخالف للأصل فمقتضى القاعدة كونها رواية مستقلة
ومقتضى
الجمع بينها وبين السابقة هو الالتزام بكراهة ما زاد على السبع وأشد من ذلك قراءة ما زاد على السبعين بل نفسها على احتمال ولا يبعد
ان يدعى لأجل المناسبة الظاهرة بين الحكم والموضوع ان ما زاد أغلظ كراهة والله العالم ثم إنه ربما يظهر من بعض ان المراد من كراهة
القراءة كونها أقل ثوابا لكونها من العبادات فلا يعقل كراهتها بالمعنى المصطلح * (وفيه) * مع ما فيه من مخالفة هذا التوجيه لما يفهم عرفا من
النواهي المطلقة المتعلقة بالعبادات ان ذلك انما يتمشى في العبادات التي لها بدل كما لو نهى عن اتيان صلاة الظهر مثلا في الحمام ارشادا إلى
اتيانها في غير الحمام مما يكون ايجادها فيه اصلح بحال المكلف وأكثر ثوابا واما فيما لا بدل لها كالصوم في السفر والصلوات المبتدئة وقراءة القرآن
للحائض والجنب وغيرها من العبادات التي يدور الامر بين الفعل وتركها رأسا فلا مصحح لاطلاق النهى الموجب لتفويت هذا المقدار القليل عن الثواب
مع كون الفعل في حد ذاته محبوبا لله ومأمورا به هذا مع أن هذا التوجيه انما يمكن ارتكابه فيما إذا انحصر وجه العمل بكونه عبادة والا للزم استعمال
لفظ النهى في معنيين بالنسبة إلى مورد كونه عبادة وبالنسبة إلى سائر الموارد والظاهر أن قراءة القرآن من هذا القبيل اللهم الا ان يدعى
انصراف النهى إلى الافراد المتعارفة التي توجد بقصد الثواب وقال شيخنا [قده] في جواهره هل المراد بالكراهة هنا كراهة العبادة بمعنى أقلية
الثواب أو المرجوحية الصرفة لا يبعد الثاني فان الأول لا يرتكب الا في الشئ الذي لا يمكن ان يقع الا عبادة فنلتزم [ح] بذلك ودعوى أن القراءة
من هذا القبيل ممنوعة انتهى * (أقول) * قد عرفت أن الالتزام بالمعنى الأول ولو على تقدير كون القراءة ممحضة في العبادة مشكل ولكن الالتزام
بالمرجوحية الصرفة أعني الكراهة المصطلحة أشكل ووقوعها غير عبادة لا يصحح إرادة الكراهة بهذا المعنى من النص وفتاوى الأصحاب لان مقتضاها
حرمة ايجادها بقصد الثواب المتوقف على قصد الإطاعة لكونها تشريعا مع أن اتيانها بهذا الوجه هو القدر المتيقن ارادته من النصوص الدالة
على الجواز ومعاقد اجماعاتهم بل يمكن ان يدعى انصرافها إليه بالخصوص لأنه إذا قيل للجنب والحائض يفتحان المصحف ويقرأن من القران ما شاء
الا السجدة لا يفهم منه الا انه يجوز لهما قراءة القرآن على الوجه الذي كانا يقرأنه في سائر الأحوال والعادة قاضية بأنهما لم يكونا يقرأن في القران
سائر الأحوال بعنوان انه فعل من أفعالهما المباحة فكيف يمكن تنزيل هذه الأخبار الكثيرة المطلقة على إرادة مثل هذا الفرض مع أنه في
بعض تلك الأخبار قارن القراءة بذكر الله الذي هو حسن في كل حال والذي يحسم مادة الاشكال ويتضح به حقيقة الحال فيما هو من نظائر
المقام هو ان النهى في مثل هذه الموارد لم يتعلق بالعبادة لذاتها حتى يكون فعلها مبغوضا ومشتملا على منقصة مقتضية لطلب الترك كتوهين
القران مثلا فيما نحن فيه حتى يمتنع كونها عبادة وانما تعلق الطلب بتركها لأجل كون الترك ملزوما لعنوان وجودي راجح يكون مراعاته
أهم بنظر الشارع من المصلحة المقتضية لطلب الفعل فإنه كثيرا ما يتعلق الطلب بترك شئ ولكن المقصود منه ليس إلا الامر بايجاد ما يلازم
هذا الترك من الأفعال الوجودية كما لو نهى المولى عبده عن الخروج ولم يتعلق غرضه الا بالبقاء لحفظ متاعه لا لكون الخروج في حد ذاته
مبغوضا لديه بل ربما يكون الخروج في قضاء بعض حوائجه المهمة أيضا محبوبا لديه ولكنه ترك الامر به مراعاتا لحفظ المتاع الذي هو أهم
في نظره قناط الطلب في الخروج أيضا مورد ولكنه ليس للمولى ان يطلب منه الخروج طلبا مطلقا لا للزوم اجتماع الامر والنهى في الواحد
الشخص الذي طبق العقلاء على استحالته لا في المفروض ان المراد من النهى عن الخروج ليس إلا الامر بالبقاء لا بمعنى ان النهى استعمل في
238

معنى مجازى بل بمعنى ان الترك الذي تعلق به الطلب لم يتعلق القصد به الا باعتبار ملزومه الذي هو البقاء في الدار فالمأمور به انما هو ذلك
الملزوم لا الترك الذي تعلق به الطلب صورة وقد تقرر في محله ان الامر بالشئ لا يقتضى النهى عن ضده بحيث يكون محرما فلا يلزم من الامر
بالخروج في مثل الفرض اجتماع الامر والنهى بل المانع من الطلب قبح الامر بالمتضادين لتعذر الامتثال ولكن وقع الكلام في مثل المقام في أنه
هل يعقل تعلق الطلب بالضد الغير الأهم الذي هو الخروج لقضاء الحاجة المهمة في المثال مرتبا على ترك الأهم بان قال المولى ان كنت لا
تمتثلني في الامر بالبقاء فأخرج بهذه الكيفية أو لقضاء الحاجة فان صححناه كما هو الأصح فلا مانع بعد صدور هذا الامر من أن يخرج
بالكيفية الخاصة بقصد امتثال هذا الامر فيثاب عليه وان كان يعاقب على ترك امتثال الأهم وبهذا يتوجه صحة العبادات الموسعة عند
اشتغال الذمة بواجب مضيق وان منعناه فيشكل تصحيح العبادات الموسعة في الفرض لتوقف صحتها على الامر بها وهو منتف على تقدير بطلان
الترتب ولكنه ربما يلتزم القائل بالبطلان بصحة العبادات بناء منه على كفاية مناط الطلب وحسن الفعل في صحة العبادة وإن لم يتعلق به
طلب لأجل وجود المانع هذا كله في الواجبات المتزاحمة * (واما) * المستحبات المتزاحمة فلا شبهة في صحة غير الأهم منها ومشروعية واستحقاق
الاجر بفعله لان ترك الأهم جايز له فلا منشأ لتوهم عدم جواز ايجاد ما يضاده من الأفعال المستحبة لتحصيل مصلحتها واستحقاق الاجر بها
عند اختياره ترك الأهم ولا يهمنا بعد قضاء ضرورة العقل والشرع والعرف برجحان العبادات المستحبة ومشروعيتها التعرض لتصوير كيفية
تعلق طلب الشارع بها من أنه هل هو على وجه الترتب أو ان الأوامر المتعلقة بجميع المستحبات مطلقة ولكن العقل يقيد كلا من تلك الأوامر
بعدم إرادة ما يضاده فينتزع من المجموع امر شرعيا تخييرا متعلقا بالمجموع فيكون الأهم أفضل افراد الواجب التخييري أو ان الطلب الشرعي
لا يتعلق الا بالأهم وانما يصح ما عداه لوجود مناط الطلب لا لوجود الامر بالفعل إلى غير ذلك من التوجيهات وانما المهم في المقام بيان ان ما نحن
فيه من هذا القبيل وان القراءة المستحبة في حق الجنب والحائض وغيرهما ولكن تركها منهما ملزوم لعنوان وجودي راجح يكون مراعاته أهم
في نظر الشارع وإن لم نعرف ذلك العنوان تفصيلا ولا يبعد ان يكون المقصود تعظيم القران واحترامه الذي يحصل بمجانبة الجنب الحائض
عند ترك القراءة اما استحبابها في حقهما فيدل عليه مضافا إلى عمومات الامر بالقراءة خصوص الأخبار المعتبرة المتقدمة الدالة على جواز
قراءة ما شاء من القرآن فإنه لا شبهة في شمولها لما أوجداها بقصد الأجر والثواب بل قد عرفت أنه لا يبعد دعوى انصرافها إلى مثل الفرض
لكونه هو المتعارف المعهود فيستفاد منها مشروعيتها وكونها عبادة ولازم كونها عبادة رجحانها ذاتا فيمتنع حمل النهى المتعلق بها على إرادة تركها
لذاته لان الامر بترك الحسن كالأمر بفعل القبيح قبيح فوجب ان يكون المراد من النهى اما طلب الترك لا لذاته بل الامر يلازمه فيكون المطلوب في
الحقيقة ايجاد ذلك الامر المجامع للترك أو يراد منه معنى اخر غير طلب الترك كالارشاد إلى ما هو الأصلح بحال المكلف أي الفرد الذي ثوابه أكثر
والثاني مع مخالفته للأصل قد عرفت عدم جواز ارادته من النهى المطلق في مثل ما نحن فيه فتعين الأول وهو المطلوب وما ذكرناه من أوجه
المحامل في توجيه جل العبادات المكروهة بل كلها وقد تقدم مزيد توضيح وتحقيق لتوجيه العبادات المكروهة في مسألة الوضوء بالماء الشمس
فراجع
ومنها مس المصحف عدا الكتابة منه واما مس كتابته فقد عرفت فيما سبق حرمته وعن المرتضى القول بالحرمة لقوله تعالى لا يمسه الا المطهرون
وقول أبى الحسن (ع) في خبر إبراهيم بن عبد الحميد المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا خيطه ولا تعلقه ان الله تعالى يقول لا يمسه الا المطهرون
وعن بعض النسخ ولا خطه بدل خيطه فيكون التخصيص عليه بالخصوص مع شمول المصحف له لشدة الاهتمام به وكيف كان يرد على الاستدلال
بالآية انه لا بد من تنزيلها على النهى من مس كتابة ما انزل الله تعالى لا لمجرد شهادة سياقها بإرادته بل لثبوت الرخصة اجماعا ونصا لغير المطهر
في مس ما عدا موضع الكتابة ففي مرسلة حريز انه (ع) قال لولده إسماعيل يا بني اقرأ المصحف فقال إني لست على وضوء قال لا تمس الكتاب ومس الورق
واقرأ * (و) * موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) عمن قرء من المصحف وهو على غير وضوء قال لا بأس ولا يمس الكتاب وبهذا ظهر ضعف الاستدلال بالرواية
أيضا لما عرفت من جواز مس الورق على غير ظهر فضلا عن مس الخيط فيكون المراد من النهى مطلق المرجوحية فلا يستفاد منها بالنسبة إلى الجنب
أزيد من الكراهة فيفهم مرجوحية مس الورق من اطلاق النهى ومن فحوى النهى عن مس الخيط والتعليق واستدلال الإمام (ع) بالآية لا ينافي
إرادة مطلق المرجوحية لان كونها دليلا على بعض المطلوب مع مناسبتها لتمام المدعى بحسن الاستشهاد بها والله العالم * (وقد) * يستدل
للمرتضى [ره] بصحيحة ابن مسلم قال قال أبو جعفر (ع) الجنب والحايض يفتحان المصحف من وراء الثياب ويقرأن القرآن ما شاء الا السجدة
* (وفيه) * ان غاية ما يمكن استفادته منها انما هو مرجوحية المس الغير المنافية للكراهة وليست الجملة الخبرية مستعملة في الوجوب حتى يقال إن
ظاهرها الوجوب الشرطي ومقتضاه حرمة فتح المصحف بغير هذه الكيفية لان فتح المصحف من المقدمات العادية للقرائة وليس بواجب
شرعي أو شرطي ولكن تقييده في الرواية بكونه من وراء الثوب يدل على إرادة الاحتراز عن المباشرة لان هذا هو النكتة الظاهرة وكون
المس مكروها يصلح وجها لحسن الاحتراز فلا يدل على الحرمة ولو سلم ظهورها في الحرمة يرفع اليد عنه بما عرفت ثم إن مقتضى ظاهر
239

الرواية السابقة كراهة المس على غير المتوضئ أيضا فلا يبعد الالتزام به وان كان الأصحاب بحسب الظاهر لا يقولون بذلك ولكن الأمر سهل
* (ومنها) * النوم حتى يغتسل أو يتوضأ على المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليها ويدل عليه مضافا إلى ذلك صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله
قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك قال إن الله يتوفى الأنفس في منامها ولا يدرى ما يطرقه من البلية إذا
فرغ فليغتسل ويدل عليها أيضا ما عن الصدوق في العلل بسنده عن أبي بصير عن الصادق (ع) عن أبيه عن ابائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لا ينام
المسلم وهو جنب ولا ينام الا على طهور فإن لم يجد الماء فليتمم بالصعيد وهذه الرواية ظاهرها الحرمة ولكنه تعيين حملها على الكراهة جمعا بينها
وبين الاخبار المصرحة بالكراهة والرخصة ويدل على كراهة النوم وارتفاعها الوضوء صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي قال سئل أبو عبد الله (ع)
عن الرجل أينبغي له ان ينام وهو جنب فقال يكره ذلك حتى يتوضأ ومقتضى ظاهرها ارتفاع الكراهة بالمرة ولا ينافيه أفضلية الغسل كما
يدل عليها موثقة سماعة قال سألته عن الجنب يجنب ثم يريد النوم قال إن أحب ان يتوضأ فليغتسل لغسل أحب إلى وأفضل من ذلك وان
هو نام ولم يتوضأ ولم يغتسل فليس عليه شئ وجه عدم المنافاة انه يحصل بالغسل الطهارة الكاملة التي هي مستحب نفسي فاختياره لدفع
محذور كراهة النوم أفضل حيث يحصل به الطهارة بجميع مراتبها ولا يبعد ان يستفاد من ذلك أنه لو تيمم بدلا من الغسل عند تعذر الماء
لا بدلا من الوضوء لكان أفضل مع أنه أحوط ولا ينافي كراهة النوم مطلقا كما هو ظاهر الأصحاب ما أرسله الصدوق حيث قال على ما في
الوسائل بعد نقله صحيحة الحلبي وفي حديث اخر انا أنام على ذلك حتى أصبح وذلك انى أريد ان أعود إذ لا تدل الا على أنه (ع) كان ينام
عند إرادة العود قبل الاغتسال واما انه (ع) لم يكن يتوضأ فلا يستفاد منها ولو كان فيها اشعار بذلك فليس بحيث يعتمد عليه ويقيد به
الأخبار المطلقة هذا مع احتمال صدور هذه الرواية عقيب صحيحة الحلبي فأريد من قوله (ع) انا أنام على ذلك أي على الوضوء وذلك لإرادة العود
فلأجلها ترك الاغتسال وكيف كان فما في الوسائل من اختصاص الكراهة بما إذا لم يرد العود استنادا إلى هذه الرواية المرسلة مع ضعف
سندها وقصور دلالتها ضعيف ويدل على جواز النوم وعدم حرمته مضافا إلى أغلب الأخبار المتقدمة صحيحة سعيد الأعرج عن أبي عبد الله (ع)
قال ينام الرجل وهو جنب وتنام المرأة وهي جنب
ومنها الخضاب بالحناء ونحوه فيكره له ان يختضب كما أنه يكره للمختضب ان يجنب للأخبار المستفيضة
منها رواية عامر بن قناعة عن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول لا يختضب الحائض ولا الجنب ولا تجنب وعليها خضاب ولا يجنب هو وعليه خضاب
ولا يختضب وهو جنب وعن كردين المسمعي قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول لا يختضب الرجل وهو جنب ولا يجنب وهو مختضب وعن كتاب العياشي عن علي
بن موسى عليه السلام قال يكره ان يختضب الرجل وهو جنب وقال من اختضب وهو جنب أو أجنب في خضابه لم يؤمن ان يصيبه الشيطان بسوء وعن
جعفر بن محمد عليهما السلام قال لا تختضب وأنت جنب ولا تجنب وأنت مختضب ولا الطامث فان الشيطان يحضرهما عند ذلك ولا بأس به للنفساء
وعن جعفر بن محمد بن يونس ان أباه كتب إلى أبي الحسن الأول يسئله عن الجنب يختضب أو يجنب وهو مختضب فكتب لا أحب ويظهر من بعض
الروايات انه يرتفع الكراهة بما إذا اصبر حتى اخذا الحناء مأخذه فله ان يجنب [ح] كما في خبر أبي سعيد قال قلت لأبي إبراهيم (ع) أيختضب
الرجل وهو جنب قال لا قلت فيجنب وهو مختضب قال لا ثم مكث قليلا قال يا با سعيد الا أدلك على شئ تفعله قلت بلى قال إذا اختضب
بالحناء واخذ الحناء مأخذه وبلغ [فح] فجامع ثم إن مقتضى ظاهر النهى في أغلب هذه الأخبار الحرمة ولكنه
يتعين حملها على الكراهة
للاخبار الكثيرة المستفيضة المصرحة بالجواز منها موثقة سماعة قال سئلت العبد الصالح (ع) عن الجنب والحائض يختضبان قال
لا بأس ورواية أبى جميلة عن أبي الحسن الأول (ع) قال لا بأس بان يختضب الجنب أو يجنب المختضب ويطلى بالنورة وعن السكوني عن أبي
عبد الله (ع) قال لا بأس ان يختضب الرجل ويجنب وهو مختضب * (و) * عن الحلبي عن الصادق (ع) قال لا بأس ان يختضب الرجل وهو جنب و
عن بعض نسخ الكافي يحتجم بدل يختضب وفي بعض الأخبار السابقة شهادة لهذا الجمع كما لا يخفى
واما الغسل فواجباته التي يتوقف عليها
صحته خمسة منها * (النية) * فلا يصح الغسل بدونها اجماعا وقد تقدم الكلام في تحقيق مهية النية وجميع ما يتعلق بها في مبحث الوضوء
بما لا مزيد عليه واتضح لك فيما تقدم ان النية المعتبرة في تحقق الإطاعة المعتبرة في صحة العبادة ليست الا عبارة عن أن تكون المهية
التي تعلق بها الامر مأتيا بها بقصد التقرب إلى الله تعالى فلا يعتبر في صحة الغسل الا ايجاد المهية المعينة التي تعلق بها الامر بداعي
امتثال امرها أو بداع اخر مما هو بمنزلته من الغايات التي يحصل بها القرب واما قصد الوجه أو رفع الحدث أو استباحة الصلاة
فلا يعتبر فيه على الأصح * (نعم) * يعتبر في تحقق الإطاعة تمييز المهية المأمور بها عما يشاركها في الجنس إذ بدونه لا يتعلق القصد بالمأمور به
حتى يتحقق إطاعة امره ويعتبر في صدق كون المأتي به بداعي الامر ان يكون السبب في ايجاد اجزائه بأسرها إرادة الامتثال ولذا
عد من الواجبات استدامة حكمها إلى آخر الغسل بان يكون حصول جميع اجزائه من اثر إرادة الامتثال وإن لم تكن الإرادة
التفصيلية باقية بالفعل فان بقائها فعلا غير معتبر وانما المعتبر تأثيرها في حصول جميع الأجزاء في الخارج فلو ذهل عنها بالمرة
240

واتى ببعض الأفعال من باب الاتفاق من دون ان يكون الإرادة السابقة سببا لحصول هذا الفعل أولم يذهل ولكنه رجع عن قصده
واتى به لا بقصد كونه من الغسل أولم يرجع ولكنه بنى على أن لا يكون هذا الفعل من اجزائه لا يقع هذا الفعل جزء من الغسل فلو اقتصر
عليه لا يصح غسله ولكنه ان عاد إلى قصده واعاده ثانيا صح بلا اشكال وقد استوفينا الكلام فيما يتعلق بالمقام فيما سبق فلا نطيل بالإعادة
فراجع
* (ومنها) * غسل البشرة بما يسمى غسلا حقيقة وان خفى صدقه عليه بنظر العرف كما إذا كان مثل الذهن فإنه يجزيه الخبر إسحاق بن عمار عن أبي
جعفر عن أبيه ان عليا عليه السلام قال الغسل من الجنابة والوضوء يجزى منه ما أجزاه من الدهن الذي يبل الجسد * (و) * موثقة زرارة قال سئلت أبا جعفر
عليه السلام عن غسل الجنابة قال افض على رأسك ثلث اكف وعن يمينك وعن يسارك انما يكفيك مثل الدهن ويمكن استفادته من الأخبار الدالة
الواردة في خصوص الوضوء لعدم الفرق بين الغسل والوضوء في اعتبار مفهوم الغسل وكفاية مسماه وقد تقدم تحقيق كفاية مثل الدهن
وعدم المنافاة بين ما دل عليه وبين غيرها من الأدلة في مبحث الوضوء ولا يجزى غسل ما أحاط على البشرة من الشعر ونحوه عن غسلها بل
يجب غسل جميع اجزاء البشرة بنفسها ولذا يجب مقدمة تخليل مالا يصل إليه الماء الا به لكن في عده واجبا مستقلا قسيما لغسل البشرة كعد
استدامة النية قسيما للنية مناقشة وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف في وجوب التخليل واستيعاب غسل البشرة بل في الجواهر دعوى الاجماع
عليه تحصيلا ونقلا مستفيضا كاد ان يكون متواترا * (ويدل) * عليه مضافا إلى الاجماع جل الاخبار الامرة بغسل الرأس والجسد فان المتبادر
من الامر بغسلهما انما هو غسل بشرتهما لاما أحاط بهما من الشعر ونحوه * (نعم) * لو امر بمسح الرأس ونحوه مما عليه الشعر لا يتبادر منه الا مسح ما عليه
من الشعر وهذا بخلاف الامر بالغسل كما هو ظاهر هذا مع أن جملة من الاخبار كادت أن تكون صريحة في وجوب ايصال الماء إلى جميع اجزاء
البشرة وعدم كفاية غسل ما عليها من الشعر مثل صحيحة زرارة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن غسل الجنابة فقال تبدء فتغسل كفيك ثم تفرغ
بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك ثم تمضمض واستنشق ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ليس قبله ولا بعده وضوء
وكل شئ أمسسته الماء فقد انفيته الحديث * (وفي) * موثقة سماعة ثم يفيض الماء على جسده كله وفي مرسلة الفقيه لان الجنابة خارجة من كل
جسده فلذلك وجب تطهير جسده كله وصحيحة زرارة إذا مس جلدك الماء فحسبك * (و) * في صحيحة الأخرى في الجنب ما جرى عليه الماء من جسده
قليله وكثيره فقد أجزاه ويدل عليه أيضا الأخبار المستفيضة الامرة بمبالغة النساء في غسل رؤسهن فان المتبادر منها ليس إلا إرادة الاهتمام
في ايصال الماء إلى أصول الشعر ففي حسنة جميل قال سئلت أبا عبد الله (ع) عما تصنع النساء في الشعر والقرون فقال لم تكن هذه المشطة انما
كن يجمعنه ثم وصف أربعة أمكنة ثم قال يبالغن في الغسل * (و) * صحيحة محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (ع) قال حدثني سلمى خادم (سلمة خادمة خ ل) رسول الله صلى الله عليه وآله قالت
كان اشعار نساء النبي صلى الله عليه وآله قرون رؤسهن مقدم رؤسهن فكان يكفيهن من الماء شئ قليل فاما النساء الآن فقد ينبغي لهن ان يبالغن في الماء
ويدل عليه أيضا ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة * (و) * عن الموثقة الرضوي ميز الشعر بانا ملك عند
غسل الجنابة فإنه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله تحت كل شعرة جنابة فبلغ الماء تحتها في أصول الشعر كلها وانظر إلى أن لا يبقى شعرة من رأسك
ولحيتك الا وتدخل تحتها الماء * (ولا) * يعارض هذه الأدلة صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت له أرأيت ما كان تحت الشعر قال كلما أحاط به الشعر
فليس للعباد ان يغسلوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء لاجمال الرواية وقوة احتمال ورودها بعد بيان كيفية الوضوء فلا يستفاد
منها حكم الغسل وعلى تقدير تسليم ظهورها في كفاية غسل الشعر عن غسل محله ونيابته عنه مطلقا فلا بد من
تخصيصها بالوضوء للأدلة
المتقدمة فما عن المحقق الأردبيلي بعد نقله الاجماع على عدم اجزاء غسل الشعر عن غسل بشرة ما تحته من التأمل في ذلك استبعادا من
كفاية اجزاء غرفتين أو ثلث الغسل الرأس كما نطق به غير واحد من الاخبار خصوصا إذا كان شعرا الرأس كثيرا كما في الاعراب والنساء
أو كانت اللحية كثيرة ممالا ينبغي ان يلتفت إليه بل الاستبعاد في غير محله لان الشعر إذا كان كثيرا يجتمع الماء فيه ويسهل ايصاله إلى خلاله
بإعانة اليد فليس غسل مجموع بشرة الرأس بغرفتين أشكل من غسل مجموع الطرف الأيمن وكذا الأيسر بغرفة واحدة كما ورد التنصيص على
كفاية الغرفة الغسل كل من الطرفين في تلك الأخبار ولا ريب ان استيعاب غسل الطرفين بغرفتين أبعد مع أنه لا تأمل في وجوب الاستيعاب
نصا واجماعا كما يدل عليه صحيحة زرارة وغيرها من الأخبار المتقدمة * (و) * في الصحيح عن حجر بن زائدة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال من
ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار ولا ينافيها ما في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا (ع) الرجل يجنب فيصيب رأسه وجسده
الخلوق والطيب والشئ اللزق مثل علك الروم والطراز وما أشبهه فيغتسل فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من اثر الخلوق والطيب
وغيره فقال لا بأس وخبر إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عن ابائه (ع) قال كن نساء النبي صلى الله عليه وآله إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة
الطيب على أجسادهن وذلك لان النبي صلى الله عليه وآله أمرهن ان يصبن الماء صبا على أجسادهن لان ما يعد في العرف اثر أو صفرة لا يمنع من
وصول الماء إلى البشرة كاثر النورة والطين الذي يبقى في المحل بعد الغسل غالبا ويحتمل ان يكون غرض السائل في الصحيحة ما إذا
241

كان رؤية الأثر موجبا للشك في وصول الماء إلى البشرة فيكون الجواب دليلا على عدم الاعتناء بالشك الساري بعد الفراغ من العمل
وكيف كان فلا يظهر من الروايتين ما ينافي الأدلة المتقدمة فما عن المحقق الخونساري [ره] من نفى البعد عن القول بعدم الاعتداد ببقاء
شئ يسير لا يخل عرفا بغسل جميع البدن اما [مط] أو مع النسيان نظرا إلى الصحيحة المتقدمة لولا الاجماع على خلافه ضعيف ثم إن مقتضى
ظاهر المتن بل صريحه كصريح غيره من كلمات الأصحاب عدم وجوب غسل الشعر لذاته وانما يجب غسله مقدمة إذا توقف غسل البشرة عليه
لكن في الحدائق بعد أن صرح بأنه هو الذي يفهم من كلام الأصحاب [رض‍] تصريحا وتلويحا وحكى عن ظاهر المعتبر والمنتهى والخلاف دعوى الاجماع
عليه ونقل استدلال بعضهم عليه بالأصل وصحيحة الحلبي عن رجل عن الصادق عن أبيه عن علي عليهم السلام قال لا تنقض المرأة شعرها ان اغتسلت
من الجنابة قال وللنظر في ذلك مجال اما أولا فلمنع خروجه من الجسد ولو مجازا كيف وقد حكموا بوجوب غسله في يدي المتوضئ معللين تارة
بدخوله في محل الفرض وأخرى بأنه من توابع اليد فإذا كان داخلا في اليد بأحد الوجهين المذكورين فاليد داخلة في الجسد البتة ولو
سلم خروجه من الجسد فلا يخرج من الدخول في الرأس من الجانب الأيمن والأيسر المعبر بها في جملة من الاخبار واما ثانيا فلانه لا يلزم
من عدم النقض في صحيحة الحلبي عدم وجوب الغسل لامكان الزيادة في الماء حيث يروى إلى أن قال واما ثالثا فلما روى في صحيحة حجر بن
زائدة عن الصادق (ع) أنه قال من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار والتأويل بالحمل على أن المراد بالشعرة ما هو قدرها من
الجسد لكونها مجازا شايعا كما ذكروا وان احتمل الا انه خلاف الأصل فلا يصار إليه الا بدليل إلى أن
قال ويزيدك بيانا وتأكيدا
ما روى عنه مرسلا من قوله تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة واستدل أيضا بالأمر بمبالغة النساء في غسل رؤسهن في
حسنة جميل وصحيحة محمد بن مسلم المتقدمتين وبقول الصادق (ع) في حسنة الكاهلي مرها ان تروى رأسها من الماء وتعصره حتى يروى
فإذا روى فلا بأس انتهى ملخصا * (أقول) * دعوى صدق الجسد على الشعر حقيقة ممنوعة ومجازا غير مجدية وكذا دعوى صدق الرأس على
الشعر المتدلي عليه وعلى اللحية غير مسلمة بل الرأس اسم للعضو المخصوص * (نعم) * اطلاقه عليه وعلى ما عليه من الشعر مسامحة شايعة ولا جلها
لا نستبعد إرادة غسل المجموع من الامر بغسل الرأس بل لا يبعد دعوى ظهوره في إرادة ذلك لكن الاخبار الامرة بغسل الرأس والجانبين
مسوقة لبيان الترتيب فلا يفهم منها الا وجوب غسل الأعضاء في الجملة واما غسل ما هو خارج من مسمى الجسد فلا فبهذا يفرق بين
اليد في الوضوء والغسل ولكن الانصاف ان الشعر وان كان خارجا من حقيقة الرأس والجسد لكن المتبادر من الامر بغسل (الجسد كله عرفا كالأمر بغسل صح) الرأس
والجانبين ليس إلا إرادة غسل جميع هذا الجسم المشاهد المحسوس أعني الجسد وما عليه من الشعر والمنكر لذلك مكابر لكنه انما يفهم
إرادة غسل ما هو من توابع الجسد إرادة تبعية لا أصلية كما لو امر المولى عبده بإضافة زيد فإنه يدل بالدلالة الالتزامية العرفية
على أن المراد إضافة زيد مع من لا ينفك عنه عادة من خدمه وحواشيه لكنه لا يفهم من ذلك وجوب من عد زيد الا تبعا فلو فرض حضور
زيد بانفراده بخلاف عادته لا يجب على العبد احضار خدمه واضافتهم وان قصدهم المولى حين الامر كما هو ظاهر فإرادة غسل الشعر عند الامر
بغسل الجسد والرأس من هذا القبيل وعلى هذا يشكل الفرق بين الوضوء والغسل فان تم الاجماع على وجوب الغسل في الوضوء فهو الفارق والا
ففي وجوب غسل الشعر في يد المتوضئ أصالة بحيث لو بقي رأس شعرة جافا بطل الوضوء أيضا تأمل بل منع خصوصا لو فرض استقلالها بالملاحظة
كما لو تعلق بشعرة جسم خارجي مانع من وصول الماء إليها فان الأقوى في مثل الفرض صحة الوضوء كما تقدمت الإشارة إليها في محله واما ما
أورده ثانيا فالانصاف انه لا يخلوا عن وجه واما الاخبار التي استشهد بها فظهورها بل صراحة بعضها في وجوب غسل الشعر في الجملة غير قابل
للانكار وما ذكره من أن ارتكاب التأويل في الصحيحة خلاف الأصل مسلم لكن الوجوب أعم من النفسي والغيري والأصلي والتبعي وانما يحمل
لفظ الوجوب وكذا صيغة الامر عند الاطلاق على الوجوب النفسي الأصلي لا للوضع بل لقبح إرادة الوجوب الغيري وعدم بيان الغير فان
الامر بالمطلوب الغيري والسكوت عن ذكر الغير ينافي المقصود فيحمل الطلب المتعلق بشئ عند الاطلاق على أن هذا الشئ هو المكلف به
لذاته لا للتوصل به إلى واجب اخر هذا إذا كان بيان وجوبه الغيري متوقفا على بيان زائد واما لو تعلق الطلب بشئ وبما يتوقف عليه
هذا الشئ كما لو قال المولى لعبده اذهب إلى السوق واشتر اللحم فلا يفهم من الامر المتعلق بذهاب السوق الذي هو مقدمة عادية لشراء
اللحم وجوب مستقل غير وجوبه المقدمي حيث لا يترتب على ترك التقييد في الفرض قبح أصلا بل المتبادر عرفا من الأوامر المتعلقة بمقدمات
الواجب داخلية كانت أم خارجية عرفية كانت أم عقلية أم شرعية ليس إلا الوجوب الغيري فلو فرض في المثال انه اشترى اللحم بسبب غير عادى
من دون ان يدخل السوق فشك في تكليفه لتردده في أن ذهاب السوق بنفسه هل هو مما تعلق به الغرض أم لم يتعلق الغرض به الا لكونه
مقدمة للشراء ينفى وجوبه النفسي بأصل البراءة ولا مسرح في مثل الفرض للتشبث باطلاق الامر لان الاطلاق على تقدير كونه واجبا غيريا
بان مجرى العادة وحيث إن غسل شعر الرأس وبله واكثار الماء عليه من المقدمات العادية لغسل مجموع البشرة التي تحته لا يفهم من الامر به
242

وجوب مغاير لوجوبه المقدمي بل المرسلة المتقدمة كادت أن تكون صريحة في إرادة الوجوب المقدمي فان قوله (ع) فبلوا الشعر وانقوا البشرة بعد
قوله ان تحت كل شعرة جنابة بمنزلة ما لو أخبر المولى عبده بان عنده ضيوف اثم امره مفرعا على ذلك بان يدخل السوق ويشترى اللحم لاطعامهم
فإنه لا يتوهم في مثل الفرض الا إرادة الوجوب الغيري وفي الامر ببل الشعر دون غسله أو انقائه اشعار بذلك * (و) * يؤيده الرضوي المتقدم
الذي هو بمنزلة التفسير لهذه الرواية فان اعتمدنا على الرضوي ولو بملاحظة انجبار ه بالشهرة ونقل الاجماع فهو في حد ذاته حجة كافية
لاثبات المدعى والا فشاهد عدل على ظهور النبوي في ما ادعيناه من إرادة الوجوب الغيري والتوعيد في الصحيحة على ترك غسل شعره
باستحقاق النار لا يدل على أزيد من وجوب غسل كل شعرة أعم من أن يكون نفسيا أو غيريا لان الواجب الغيري أيضا يستحق تاركه العقاب
باعتبار ترتب ترك الغير عليه الا ترى أنه يصح أن يقول المولى لعبده المأمور بذهاب السوق لشراء اللحم فإن لم تذهب أعاقبك كذا
وكذا فمن الممكن ان يكون استحقاق العقاب بترك غسل الشعرة لأجل ما هو ملزوم له من جفاف ما حولها وليس في اللفظ ما ينفى
هذا الاحتمال نعم فيه اشعار أو ظهور بدوي في كون استحقاق العقاب لأجل ترك غسل الشعرة لذاته ولكنه لا ينبغي الالتفات
إلى مثل هذا الظهور البدوي في اثبات الحكم المخالف للأصل والاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة مع منافاته لما يستشعر من أكثر
اخبار الباب ويستظهر من بعض كالمرسلة والرضوي المتقدمتين فاتضح لك ان الأقوى ما عليه المشهور ولكن الاحتياط ممالا ينبغي
تركه خصوصا لو قيل بوجوب الاحتياط عند الشك في جزئية شئ لواجب كما هو قول بعض والله العالم * (ثم) * لا يخفى عليك ان المراد
بوجوب غسل البشرة انما هو غسل الظاهر منها دون الباطن كما صرح به غير واحد من الأصحاب بل عن المنتهى والحدائق نفى الخلاف فيه ويدل
عليه مضافا إلى الأصل مرسلة أبى يحيى الواسطي عن بعض أصحابه قال قلت لأبي عبد الله (ع) الجنب يتمضمض ويستنشق قال لا انما يجنب الظاهر
وعن الصدوق انه روى عن أبي يحيى عمن حدثه قال قلت لأبي الحسن (ع) الجنب يتمضمض قال انما يجنب الظاهر ولا يجنب الباطن والفم من الباطن
قال وروى في حديث آخر ان الصادق (ع) قال في غسل الجنابة إن شئت تتمضمض وتستنشق فافعل وليس بواجب لان الغسل على ما ظهر لا على
ما بطن ويمكن استفادته أيضا من الأخبار المتقدمة في الوضوء فلاحظ ولو شك في كون بعض المواضع من الظاهر أو الباطن كأوائل الانف
ومطبق الشفة وداخل الاذن وعكن البطن ونحوها لا يجب غسله على الأظهر لأصالة البراءة وقيل يجب لقاعدة الشغل * (وفيه) * انه لم يثبت اشتغال
الذمة بأزيد مما علم كونه من الظاهر وقد تقرر في محله ان المرجع عند دوران التكليف بين الأقل والأكثر البراءة لا الاحتياط * (نعم) * لو قلنا
بان المكلف به هو التطهير وإزالة الجنابة وهو مفهوم مبين والامر بالغسل لكونه مما يتحقق به هذا المفهوم المبين لاتجه القول بوجوب الاحتياط
لكن فيه كلام تقدم الإشارة إليه في مبحث الوضوء والاحتياط مما لا ينبغي تركه خصوصا لو توقف القطع بغسل الظاهر على غسله فإنه يجب [ح]
جزما من باب المقدمة العلمية كما أنه يجب على القول بوجوب غسل المواضع المشكوكة غسل مقدار من البواطن التي يتوقف العلم بحصول الغسل
الواجب على غسلها
* (والخامس) * من واجبات الغسل الترتيب بان يبدء بالرأس ثم بالجانب الأيمن ثم بالأيسر على المشهور اما وجوب تقديم الرأس
على الجانبين فلم ينقل التصريح بالخلاف فيه من أحد * (نعم) * عن ظاهر الصدوقين عدم الوجوب لوقوع عطف البدن على الرأس بالواو
في عبارتهما عند بيان الكيفية ولكنه نقل عنهما التصريح في آخر المسألة بوجوب إعادة الغسل لو بدء بغير الرأس ومع هذا التصريح يشكل الاعتماد
على ظهور عبارتهما في صدر المسألة في المخالفة وان أمكن التزامهما بالبطلان عند التأخير لا فيما لو فرغ من غسل الرأس قبل اكمال البدن
كما يشهد له حسنة زرارة الآتية فتأمل وربما نسب الخلاف إلى الإسكافي مستشعرا من كلامه من دون ان يكون له تصريح بذلك ولذا قال في
الجواهر يمكن تحصيل الاجماع عليه وفي المستند بعد أن وجه ظاهر الصدوقين ونفى تصريح الإسكافي بالخلاف قال فيكون اجماعا من الكل
فهو الحجة وعن الخلاف والانتصار والغنية والسرائر والتذكرة والذكرى وظاهر المنتهى والروض وغيرهما دعوى الاجماع عليه ويدل
عليه مضافا إلى الاجماعات المستفيضة المعتضدة في الوضوء بالشهرة المحققة جملة من الأخبار المعتبرة
ففي صحيحة حريز الواردة في الوضوء قال
قلت فان جف الأول قبل أن اغسل الذي يليه قال جف أو لم يجف اغسل ما بقي قلت وكذلك غسل الجنابة قال هو بتلك المنزلة وابدء بالرأس
ثم افض على سائر جسدك قلت وان كان بعض يوم قال نعم وحسنة زرارة من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثم بداله ان يغسل رأسه لم يجد
بدا من إعادة الغسل وهذه الرواية وان اختص موردها بما غسل الرأس بعد البدن ولكن نقل عدم القول بالتفصيل فيتم بها الاستدلال
وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سئلته عن غسل الجنابة فقال تبدء بكفيك ثم تغسل فرجك ثم تصب على رأسك ثلثا ثم تصب على سائر
جسدك مرتين فما جرى عليه الماء فقد طهره إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي سيمر عليك بعضها [انش‍] وكون الغسل بثلث اكف مستحبا
لا يقتضى حمل الامر المتعلق به في جملة من الاخبار على الاستحباب كما توهم بل الامر فيها محمول على ظاهره من الوجوب غاية الأمر ان متعلقه
اقصا فردي الواجب وقد تقدم توضيحه في نظير المقام في مسألة غسل الوجه من أعلاه إلى أسفله في الوضوء وكيف كان فلا اشكال في أصل
243

الحكم بملاحظة الاجماعات المستفيضة والاخبار المتكاثرة المتظافرة نعم ربما يتراءى التنافي بينها وبين جملة من الاخبار التي يستشعر منها
بل يستظهر من بعضها ان المقصود من الغسل انما هو غسل جميع البدن ولا يعتبر فيه امر زائد عليه فمنها رواية قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن أبي
نصر عن الرضا (ع) أنه قال في غسل الجنابة تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك وتبول ان قدرت على البول ثم تدخلها
في الاناء ثم اغسل ما أصابك منه ثم أفض على رأسك وجسدك ولا وضوء فيه * (ومنها) * مرسلة محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) في رجل اصابته جنابة
فقام في المطر حتى سال على جسده أيجزيه ذلك من الغسل قال نعم * (ومنها) * ما في صحيحة زرارة المتقدمة قال (ع) ثم تغسل جسدك من لدن قرنك
إلى قدميك ليس قبله ولا بعده وضوء وكل شئ أمسسته الماء فقد أنقيته
ولو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسه واحدة أجزأه ذلك وإن لم
يدلك جسده إلى غير ذلك من الاخبار المشعرة بذلك أو الظاهرة فيه كالصحيحة الأخيرة وما سبقها ومقتضى الجمع بينها وبين الأخبار السابقة تقييد
هذه الأخبار بما يحصل معه الترتيب (لأظهرية بعض الأخبار السابقة في وجوب الترتيب) كصحيحة حريز التي ورد فيها الامر بالبدئة بالرأس مع ما فيه من الاشعار بإرادة عموم المنزلة من التشبيه
لا خصوص الجهة التي سبق لأجلها الكلام وحسنة زرارة الامرة بإعادة الغسل عند الاخلال بالترتيب
* (نعم) * سائر الأخبار المتقدمة
لا تكافئ ظهورها في وجوب الترتيب ظهور هذه الأخبار في العدم لقوة احتمال وقوع العطف بلفظه ثم للجرى مجرى العادة فيشكل
التصرف لأجلها في الصحيحة الدالة على كفاية الارتماس مع ما فيها من قوة الدلالة على عدم اعتبار الترتيب وكون الغسل الارتماسي
والترتيبي مهية واحدة حيث إنه يستشعر من قوله (ع) وإن لم يدلك جسده ان منشأ توهم عدم الكفاية انما هو احتمال مدخليته الدلك
فيتقوى بذلك ظهور الصدر في الاطلاق لكنه مع ذلك لا يلتفت إلى مثل هذا الظاهر بعد اعراض الأصحاب عنه ومعارضته
بالصحيحة والحسنة المتقدمتين المعتضدتين بظهور سائر الأخبار وبالاجماعات المنقولة والشهرة المتحققة * (وقد) * اتضح لك من ذلك أنه
يتعين ارتكاب التأويل أو الطرح في ما رواه هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) انه كان بين مكة والمدينة ومعه أم إسماعيل
فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها وقال لها إذا أردت ان تركبي فاغسلي رأسك ففعلت ذلك فعلمت بذلك أم
إسماعيل فحلقت رأسها فلما كان من قابل انتهى أبو عبد الله (ع) إلى ذلك المكان فقالت له أم إسماعيل أي موضع هذا قال هذا الموضع الذي
أحبط الله فيه حجك عام أول * (وعن) * الشيخ ان هذا الحديث قد وهم الراوي فيه واشتبه عليه فرواه بالعكس لان هشام بن سالم راوي هذا الحديث روى
ما قلناه بعينه وعنى بذلك ما رواه هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال دخلت على أبي عبد الله (ع) فسطاطه وهو يكلم امرأة فأبطأت عليه فقال ادنه
هذه أم إسماعيل جاءت وانا أزعم ان هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجها عام أول كنت أردت الاحرام فقلت ضعوا إلى الماء في الحناء
فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستحففتها فأصبت منها فقلت اغسلي رأسك وامسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الاحرام
فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فنستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمست مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء
فحلقت رأسها وضربتها فقلت لها هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجك * (و) * كيف كان فلا ينبغي التأمل في وجوب تقديم غسل الرأس على الجانبين
بالنظر إلى ما يقتضيه الأدلة الاجتهادية والله العالم بحقايق احكامه * (واما) * الترتيب بين الجانبين بتقديم الأيمن على الأيسر فهو المشهور
بين الأصحاب على ما ادعاه غير واحد بل عن جماعة دعوى الاجماع عليه * (واستدل) * عليه مضافا إلى الاجماعات المنقولة المستفيضة المعتضدة
بالشهرة بحسنة زرارة قال قلت له كيف يغتسل الجنب قال إن لم يكن أصاب كفه شئ غمسها في الماء ثم بدا بفرجه فانقاه ثم صب على رأسه
ثلث اكف ثم على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين فما جرى عليه الماء فقد اجزاء * (ونوقش) * بعدم دلالة الواو على الترتيب عند
الجمهور * (وأجيب) * بأنه يستفاد من الرواية كون الجسد في الغسل ثلاثة اجزاء الرأس والمنكب الأيمن والمنكب الأيسر ولا أحد ممن يقول بذلك
الا وهو قائل بالترتيب إذا لقائل بعدمه يدعى أنه جزءان الرأس والجسد أو يقال إن المنساق إلى الذهن من هذه العبارة مع قطع النظر عن
قاعدة الواو الترتيب * (أقول) * الظاهر أن غرضه [ره] انه يفهم من الرواية وجوب غسلات على مواضع
ثلاثة وكل من قال بذلك قال باعتبار
الترتيب بين الجانبين * (وفيه) * ان العرف والعادة يشهدان بان من يريد أن يكلف عبده بغسل جسده بالأكف من الماء بعد غسل
رأسه * (ربما) * يعبر بقوله اغسل رأسك ثم أفض الماء على جسدك كله كما وقع التعبير بذلك في كثير من الاخبار وقد يعبر بقوله صب كفا
أو كفين مثلا على هذا الطرف وكذا صب كفا على ذلك الطرف واجر الماء المصبوب على سائر جسدك كما وقع التعبير به في هذه الرواية
ويؤيده جريها مجرى العادة اطلاق قوله فما جرى عليه الماء فقد أجزاه من دون فرق بين كون المجرى من ناحية المنكب الذي صب عليه
الماء أو من الناحية الأخرى واما دعوى انسباق الترتيب إلى الذهن من هذه العبارة فمنشأها عدم امكان ايجاد الفعلين دفعة
فيستشعر من تعلق الإرادة والطلب بأحدهما قبل الاخر إرادة ايجادهما مترتبين في مقام الامتثال لكنه مجرد اشعار لا يبلغ مرتبة
الدلالة بحيث يندرج في مداليل الألفاظ كمالا يخفى على المتأمل في نظائره والانصاف انه على القول بإفادة الواو للترتيب أيضا كما
244

عن الفراء لا ينبغي الشك في عدم كون المقصود من هذه الرواية افهام هذا الحكم إذ من المستبعد جدا بل المستحيل عقلا ان يكون غرض الامام
بيان وجوب الفراغ من الجانب الأيمن حتى باطن الرجلين ثم الشروع في الجانب الأيسر ويعبر بمثل هذه العبارة التي أنكر ظهورها في المدعى
أغلب من تصدى للاستدلال بها مع كون ما أريد منها من الافراد النادرة التي لا تكاد تتحقق في الخارج ممن يريد غسل جسده الا بملزم
تعبدي ولا ينصرف الذهن إليه الا بالتنصيص عليه نعم إرادة الترتيب بين الرأس والجسد من مثل هذه الاشعارات بل من مطلقات الاخبار [ايض‍]
امر ممكن وكذا لو كان مطلق الابتداء بالشق الأيمن واجبا لا الفراغ منه أو كان الحكم مستجيبا قابلا لان يتسامح فيه لأمكن ارادته من مثل الاشعارات
بل لا يبعد القول باستحبابه بناء على عدم وجوب الترتيب تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله على ما في بعض الروايات العامية من أنه صلى الله عليه وآله كان إذا اغتسل بدأ بالشق الأيمن
* (وكيف) * كان فالاستدلال بهذه الرواية للمدعى ضعيف في الغاية * (وقد) * يستدل له بالأخبار المستفيضة الواردة في كيفية غسل الميت الظاهرة في
وجوب الترتيب بين الجانبين بضميمة الأخبار الكثيرة المصرحة بان غسل الميت بعينه هو غسل الجنابة وانما وجب تغسيله لصيرورته جنبا عند الموت
وفي بعض الروايات انه مثله مثل ما رواه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال غسل الميت مثل غسل الجنابة وان كان كثير الشعر فرد عليه الماء
ثلاث مرات ومقتضى عموم التشبيه كونهما متماثلين من جميع الجهات * (وفيه) * ان كون غسل الميت بعينه هو غسل الجنابة كما هو مقتضى أغلب الاخبار
لا يقتضى الا اعتبار جميع ما يعتبر في غسل الجنابة فيه بان يكون غسل الميت من مصاديق غسل الجنابة واما انه يعتبر في جميع مصاديق غسل الجنابة
كل ما يعتبر في غسل الميت فلا الا ترى أنه يجب في غسل الميت تثليث الغسلات واستعمال السدر والكافور ولا يجب ذلك على الجنب فمن الجائز ان
يكون إلزام الشارع بهذا القسم من الغسل أعني مرتبا بالنسبة إلى الميت مسببا عن خصوصية فيه ككونه أفضل الافراد فأوجبه الشارع تعظيما
للميت أو كون سائر الأقسام موجبا لتوهين الميت بإقامته على قدميه أو اقعاده أو القائه على وجهه أو غير ذلك من الخصوصيات التي يعلمها
الشارع والتخطي عن المورد المنصوص لا يجوز الا بعد القطع بإلغاء الخصوصية وغاية ما يمكن دعوى استفادته من الاخبار ليس إلا ان
وجوب غسل الميت لصيرورته جنبا واما ان ايجاده بهذه الكيفية أيضا مسبب عن كونه جنبا فلا واما التشبيه في رواية محمد بن مسلم وان كان
مقتضى اطلاقه ما ذكر ولكن العرف لا يساعد على استفادة إرادة عموم المنزلة من الطرفين في أغلب موارد استعمالاته فإنه لا ينسبق إلى الذهن
في مثل المقام الا إرادة تشبيه غسل الميت بغسل الجنب في الكيفيات المعهودة المعتبرة دون العكس وعلى تقدير تسليم الظهور في المدعى فليس
على وجه يوجب التصرف في ظواهر الأدلة الواردة في بيان كيفية غسل الجنابة الدالة على عدم اعتبار الترتيب بين الجانبين كما سيتضح
لك فيما بعد [انش‍] * (واحتج) * في محكى الروض على وجوب الترتيب بين الجانبين بعدم القول بالفصل قال فيما حكى عنه ان هذه الروايات وان
دلت صريحا على تقديم الرأس على غيره لعطف الأيمن عليه بثم الدال على التعقيب لكن تقديم الأيمن على الأيسر استفيد من الخارج إن لم
نقل بإفادة الواو الترتيب كما ذهب إليه الفراء بل على مطلق الجمع أعم من الترتيب وعدمه كما هو رأى الجمهور إذ لا قائل بوجوب الترتيب في الرأس
دون البدن والفرق احداث قول ثالث ولان الترتيب قد ثبت في الطهارة الصغرى على هذا الوجه فكل من قال بالترتيب في غسل الجنابة فالفرق
مخالف للاجماع المركب فيهما وما ورد من الاخبار أعم من ذلك يحمل مطلقها على مقيدها انتهى * (أقول) * يظهر من جملة من المتأخرين وغير واحد من
قدماء أصحابنا على ما حكى عنهم اختيار التفصيل فيشكل الاعتماد على ما ادعاه من الاجماع المركب كما أنه يضعف بذلك الاستدلال بالاجماعات
المنقولة المعتضدة بالشهرة هذا مع أن حجية الاجماع المحصل فضلا عن منقولة منوطة بحصول القطع بحكم الله الواقعي الذي هو رأى المعصوم (ع)
أو الجزم بعثور المجمعين على دليل معتبر ولو ظنيا بحيث لو وصل الينا لرأيناه دليلا تام الدلالة وكيف يمكن في المقام حصول القطع بذلك
مع ظهور جل اخبار الباب بل كلها في خلافه نعم لو كان الحكم الذي ذهب إليه المشهور مخالفا للاحتياط لأمكن حصول الاطمينان بعثورهم
على دليل معتبر واما في مثل المقام يشكل الجزم بذلك وغايته الظن الذي لم يقم دليل على اعتباره * (بل) * الانصاف عدم حصول الظن أيضا
مع خلو جميع الأخبار الواردة في بيان كيفية الغسل عن التعرض للترتيب الذي كان أحوج إلى البيان من سائر الخصوصيات التي وقع
التنصيص عليها في الاخبار بل ظهور أغلبها في عدمه كالاخبار الامرة بغسل الجسد كله بعد غسل الرأس الظاهرة في كفاية مطلقه بل لا يبعد
دعوى أن القدر المتيقن الذي ينسبق إلى الذهن من مثل هذه الأخبار انما هو ما لو غسل من كتفيه إلى رجليه بحيث ينتهى الغسل إلى الرجلين
فكيف يمكن تنزيل الاطلاقات الواردة في مقام البيان على إرادة غسل الجانب الأيسر بعد الفراغ من الجانب الأيمن مع كونه من الافراد
النادرة التي لا يلتفت الذهن إلى ارادتها بالخصوص من الاطلاق أصلا * (و) * دعوى إهمال الأدلة من هذه الجهة وكون الامر بغسل الجسد
إشارة إلى الغسل على الوجه المعهود لديهم يبعدها سياق أغلبها والتعرض فيها لبيان الترتيب بين الرأس والجسد مع كون الترتيب
بين الجانبين على تقدير وجوبه إلى البيان هذا مع أنه ربما يظهر من بعض الأخبار بالخصوص عدم اعتبار الترتيب بين الجانبين منها
موثقة سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل فليفرغ على كفيه فليغسلهما دون المرفق ثم يدخل يده في انائه
245

ثم يغسل فرجه ثم ليصب في رأسه ثلاث مرات ملا كفيه ثم يضرب بكف من ماء على صدره وكف بين كتفيه ثم يفيض الماء على جسده كله الحديث
وحمل الامر بضرب كف من الماء على الصدر وبين الكتفين على الاستحباب أو كونه توطئة لوصول الماء إليهما عند الإفاضة خلاف الظاهر
هذا مع أن اطلاق الامر بإفاضة الماء على الجسد يدل على المدعى من حيث اطلاق الامر بإفاضة الماء على جسده كله من دون مراعاته
الترتيب * (ومنها) * صحيحة حكم بن حكيم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الجنابة فقال أفض على كفك اليمنى من الماء فاغسلها ثم اغسل
ما أصاب جسدك من اذى ثم اغسل فرجك وأفض على رأسك وجسدك فاغتسل فان كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجلك
وإن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك فان ظاهرها إرادة غسل الرجلين بعد الفراغ من غسل سائر الجسد فيدل على عدم
اشتراط الترتيب بين الجانبين ولا يتفاوت الحال في ذلك بين ان يراد بغسل الرجلين غسلهما جزء من الغسل أو لإزالة القذارة التي يتوقف
عليها الغسل * (ومنها) * صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث قال قلت له رجل ترك بعض ذراعه أو جسده من غسل الجنابة فقال إذا شك
وكانت به بلة وهو في صلاته مسح بها عليه وان كان استيقن رجع فأعاد عليهما ما لم يصب بلة فان دخله الشك وقد دخل في صلاته فليمض
في صلاته ولا شئ عليه وان استيقن رجع فأعاد عليه الماء وان رآه وبه بلة مسح عليه وأعاد الصلاة باستيقان وان كان شاكا فليس عليه
في شكه شئ فليمض في صلاته فان ظاهرها بمقتضى ترك الاستفصال كفاية غسل خصوص الموضع المتروك وان كان في الطرف الأيمن
وهذا ينافي اشتراط الترتيب بل ظاهرها كفاية مسح الموضع بالبلة التي رآها فيه من دون حاجة إلى ماء خارجي ومن المعلوم عدم كفايتها
على وجه يحصل معه الترتيب على تقدير كونه في الطرف الأيمن لكن يمكن حمل الامر بالمسح على الاستحباب وتنزيله على صورة الشك وهذا وان
كان بعيدا حيث إنه (ع) صرح بعد ذلك بأنه ان كان شاكا فليس عليه شئ لكنه يقربه كون رؤية البلة امارة الغسل فيورث الشك كما يؤيده
قوله (ع) وأعاد الصلاة باستبيان * (وكيف) * كان فالقول بعدم الترتيب بين الجانبين قوى جدا لكن مخالفة المشهور مشكلة خصوصا مع استمرار
سيرة المتشرعة عليه بل ربما يستدل بها لهم ولكنه ضعيف لاحتمال حدوث السيرة ونشأها من فتاوى الأصحاب إذ لا وثوق بان أصحاب الأئمة
عليهم السلام لم يكونوا يبتدؤن بالشق الأيسر الا بعد الفراغ من مجموع الأيمن حتى باطن الرجلين وعلى تقدير العلم بذلك لا يستكشف منه في مثل
المقام الوجوب لكفاية مجرد الرجحان في مثل هذه الأشياء التي لا تحتاج إلى كلفة زائدة في استقرار السيرة عليها نظير غسل اليدين امام
الوضوء وكيف كان فالاحتياط مما لا ينبغي تركه ثم لا يخفى انه على القول بالترتيب يجب غسل جزء من الطرف الأيسر عند غسل الأيمن وكذا جزء
من الأيمن عند غسل الأيسر بحيث يحصل القطع بحصول غسل مجموع اجزاء الطرف الأيسر بعد الفراغ وغسل مجموع الطرف الأيمن وينبغي
غسل مجموع العورتين ونحوهما من الاجزاء الواقعة في الحدود المشتركة مما يعد بنظر العرف جزء مستقلا مع كل من الجانبين ويحتمل
كفاية غسلها مرة واحدة مع أحد الجانبين لعدم مساعدة العرف على استفادة إرادة التنصيف الحقيقي بالدقة الحكمية من الامر بغسل
الطرف الأيمن ثم الأيسر فلا يبعد دعوى أنه لا يستفاد من ذلك عرفا الا وجوب تقديم ما يعد بنظر العرف نصف الجسد الأيمن ولو
بنحو من المسامحة العرفية فتأمل وكيف كان ففي الحدود المشتركة التي حكمنا بوجوب غسلها مع كل من الجانبين لأجل المقدمة العلمية يمكن الاجتزاء
فيها بغسلة واحدة عند انتهاء غسل الطرف الأيمن باجراء الماء عليها من جانبها الأيمن إلى الأيسر ناويا وقوع غسل ما هو جزء من الأيمن
للأيمن وما هو جزء الأيسر للأيسر ولا يخفى عليك ان هذا انما يمكن تحققه في الخارج عادة بالنسبة إلى بعض الاجزاء المشتركة في كل غسل لا
بالنسبة إلى جميعها دفعة واحدة في غسل واحد مثلا إذا حصل له الفراغ من غسل مجموع الطرف الأيمن مع ما يتوقف عليه من المقدمة
العلمية الا من جزء منها كالسيرة مثلا يجوز الاقتصار فيها بغسلة واحدة للطرفين بالكيفية المذكورة واما الاقتصار على غسلة واحدة في
جميع الحدود المشتركة على وجه يتحقق معه الترتب فهو متعذر بمقتضى العادة * (وقد) * اتضح مما ذكرناه حكم الحد المشترك بين الرأس والجانبين
فإنه يجب غسل مجموعه مع الرأس والنصف الأيمن مع الأيمن والأيسر مع الأيسر ان اعتبرنا الترتيب بين الجانبين وإلا فلا يعتبر التنصيف
بل يجزى غسل مجموعه مقدمة للعلم بغسل الجسد بعد الفراغ من غسل سائر الجسد كما هو ظاهر والمراد من الفصل المشترك بين الرأس
والجسد انما هو أصل العنق لان الرقبة يجب غسلها مع الرأس بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه * (وما) * عن بعض
المتأخرين من التشكيك في ذلك نظرا إلى عدم ثبوت كون الرأس حقيقة فيما يعمها فيحتمل وجوب غسلها مع
الجانبين ضعيف لأن عدم
ثبوت كون الرقبة من الرأس حقيقة كعدم ثبوت كون الوجه منه لا يمنع من ظهور اخبار الباب في إرادة غسلها مع الرأس فان المتبادر
من قوله (ع) ثم صب على رأسه ثلاث اكف ثم على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين ليس إلا إرادة غسل ما فوق المنكب بالماء الذي
يصب على الرأس وغسل ما تحت المنكب بالماء الذي يصب على المنكب فكما لا يمنع عدم صدق المنكب على ما عدا الخبر المعهود من الاستفادة
المذكورة كذلك لا يمنع عدم صدق الرأس حقيقة على الوجه والرقبة سينا وحيث إن الإمام (ع) امر بصب الماء على المنكب لغسل الجزء
246

الثاني والثالث من اجزاء الغسل يعلم من ذلك أن ابتدائهما انما هو المنكب لان إرادة غسل الجزء العالي بالماء الذي امر بصبه على الجزء
السافل غير صحيحة ما لم ينصب قرينة لكونه خلاف المتعارف فلا ينسبق إلى الذهن فيقبح ارادته من ذلك وهذا بخلاف إرادة غسله بالماء
الذي يصب على الرأس وكيف كان فلا خفاء في ظهور مثل هذه الرواية في كون المنكب وما يسامته ابتداء الجزء الثاني وكذا لا
تأمل في انصراف مجموع الرأس والوجه والرقبة إلى الذهن من اطلاق الرأس عند جعله قسيما للجسد والجانبين ولذا فهم الأصحاب
من اخبار الباب وجوب غسل الرقبة مع الرأس دون المنكبين * (و) * يسقط الترتيب بارتماسة واحدة نصا واجماعا ففي صحيحة زرارة
المتقدمة ولو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزاه ذلك وإن لم يدلك جسده وفي حسنة الحلبي إذا ارتمس الجنب في الماء
ارتماسة واحدة أجزاه ذلك من غسله وفي رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له الرجل يجنب فيرتمس في الماء ارتماسة واحدة و
يخرج يجزيه ذلك من غسله قال نعم وفي مرسلة الحلبي قال حدثني من سمعه يقول إذا اغتمس الجنب في الماء اغتماسة واحدة أجزاه ذلك
من غسله وهذه الأخبار حاكمة على ما دل على اعتبار الترتيب في الغسل ثم إن المتبادر من الارتماسة الواحدة ما يتصف في العرف بكونه
كذلك بان يرتمس في الماء دفعة عرفية من دون تراخ لا الواحدة الحقيقية التي يتعذر تحققها عادة فحدوث الارتماس لا محالة تدريجي
بمقتضى العادة نعم بقائه مرتمسا في الماء بعد الحدوث يتحقق في زمان واحد حقيقي والقدر المتيقن ارادته من الاخبار بحيث لا يعتبر به
شبهة انما هو كفاية احداث الارتماس بان كان خارج الماء فأحدث هذا الفعل التدريجي الحصول ولذا خص بعضهم كفايته بمثل
الفرض لا إذا نوى الغسل وهو في الماء ولو في الجملة ولكنك ستعرف ضعفه وكيف كان إذا أوحد هذا الفعل في الخارج يكون هذا
الفعل الخارجي مجموعه غسلا وابتدائه الذي ينوى فيه انما هو أول الاخذ في الرمس كما عن المشهور لا انه إذا ارتمس في الماء واستوعب الماء
على جميع بدنه تحقق الغسل دفعة في هذا الحين كما عن بعض القول به ومقتضاه بطلان الغسل لو نواه بوقوعه في الماء لا ببقائه وان
قلنا بكفاية الداعي وعدم اعتبار القصد التفصيلي المقارن للعمل في صحة العبادة لان هذا انما يؤثر فيما لو كان الباعث على الفعل قصد
القربة ولو اجمالا لا في مثل الفرض الذي نوى الامتثال بمقدمات العمل واتى بنفس المأمور به من باب الملازمة الاتفاقية * (نعم) * لو اتى بمجموع
الفعل الذي يصدر منه في الخارج بقصد الغسل على وجه لم ينحل عزمه إلى البناء على عدم مدخلية البقاء في صحة غسل الاجزاء التي أصابها
الماء قبل الاستقرار لاتجه القول بالصحة بناء على عدم اعتبار القصد التفصيلي المقارن للفعل لأنه اتى بنفس العبادة لله تعالى غايته
انه زعم أن المقدمات أيضا داخلة في المأمور به وهو غير ضائر في صحة العبادة على الأظهر وكيف كان فهذا القول ضعيف مخالف لظاهر
النصوص والفتاوى ويتلوه في الضعف ما احتمله في الجواهر بل قواه من كون ابتداء الغسل أول انات التغطية ومستورية الجسد في الماء وآخره
آخر جزء الغسل في تلك التغطية فلا عبرة بما يغسل قبلها كمالا عبرة بما يغسل بعدها وانما العبرة بانغسال جميع جسده في تلك التغطية طالت
مدته أم قصرت ومقتضاه كون الغسل دفعي الحصول إن لم يكن في بدنه مانع بحيث يحصل الماء إلى كل جزء منه عند صيرورته مغطى و
تدريجي الحصول إن لم يكن كذلك فله الاشتغال بإزالة المانع في تلك التغطية ما لم يتحقق الفراغ منها وان طالت مدتها * (ومستند) *
هذا الوجه هو ان الارتماس مأخوذ من الرمس وهو التغطية والكتمان فما دام لم يستتر بالماء لم يتحقق الارتماس ومهما ستره الماء فهو
مرتمس إلى أن يخرج فالموجود الخارجي مصداق واحد لطبيعة الارتماس طال زمانه أم قصر * (وفيه) * ان المتفاهم من الأدلة انما هو كفاية
انغسال الجسد بالكيفية التي تسمى ارتماسا وابتداء زمان حدوث الفعل ليس إلا أول انات الشروع فيه لا أول انات تحقق الرمس إذ ليس
الارتماس الا كالتكلم في عدم توقف جزئية الجزء الأول على تحقق الوصف العنواني فان العبد المأمور بالتكلم إذا شرع في التلفظ فقد
اشتغل بالإطاعة وإن لم يصدق الكلام على الجزء الأول مما يتلفظ به إذا لوحظ بانفراده ولا ينافي ذلك كونه من اجزاء الفعل المأمور به
والمنساق إلى الذهن من قوله (ع) إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة انما هو إرادة غسل الجسد دفعة واحدة بالارتماس كما يشهد لذلك
فهم الأصحاب لا مطلق غسله في تغطية واحدة كيفما اتفق بحيث عم ما لو كان على جسده حاجب فازاله في الماء بعد فصل معتد به فلا
يجديه الاشتغال بالتخليل بعد حصول الفصل الطويل نعم لا بأس بالتخليل في زمان يتوقف غسل مجموع الجسد عليه في الافراد المتعارفة
ونسب إلى بعض متأخري المتأخرين موافقة المشهور في كون الارتماس متدرج الحصول من أول انات الاخذ في الرمس إلى أن ينغمر
في الماء لكنه لم يعتبر الدفعة العرفية فاجتزء بما لو نوى الغسل فوضع رجله مثلا ثم صبر ساعة بحيث نافى الدفعة العرفية فوضع عضوا
آخر وهكذا إلى أن ارتمس اجزائه نظرا إلى خلو الاخبار عن اعتبار الدفعة وانما دلت على الارتماسة الواحدة في مقابل الترتيب
وهي صادقة في الفرض * (وفيه) * ان المتبادر من الارتماسة الواحدة ليس إلا الوقوع في الماء دفعة لا تدريجا كما يشهد به الفهم
العرفي * (وكيف) * كان فان اغتسل ارتماسا وبقيت من جسده لمعة لم يصلها الماء أعاد الغسل * (وقيل) * يكتفى بغسلها مطلقا وربما احتمل
247

بعض جريان حكم الترتيب عليها فان كانت في الأيمن غسلها وأعاد الأيسر وان كانت في الأيسر اكتفى بغسلها * (وعن) * بعض التفصيل
بين طول الزمان وقصره فيجب الإعادة في الأول دون الثاني ويمكن ارجاعه إلى الأول وكيف كان فالقول بوجوب الإعادة [مط]
هو الأظهر لإناطة الحكم في النصوص والفتاوى بغسل جميع بدنه بارتماسة واحدة وهو غير متحقق في الفرض وربما يستشهد للقول
بكفاية غسلها مطلقا بعموم قوله (ع) في صحيحة زرارة المتقدمة وكل شئ أمسسته الماء فقد أنقيته * (وفيه) * ان موردها الغسل الترتيبي
كيف ولو أريد منها العموم لنا في اعتبار الوحدة العرفية في الغسل الارتماسي * (واما) * الاستدلال لهذا القول بصدق غسل الجميع عرفا
خصوصا لو كانت اللمعة قليلة فمما لا ينبغي الالتفات إليه بعد العلم بإرادة غسل الجميع حقيقة من دون مسامحة والا لما وجب غسلها
فيما بعد كمالا يخفى واما ما احتمله البعض من جريان حكم الترتيب فهو مبنى على القول بالترتيب الحكمي في الغسل الارتماسي كما حكى عن
بعض أصحابنا وعن الاستبصار احتماله في مقام الجمع بين الأخبار الدالة على اعتبار الترتيب في الغسل والأخبار الدالة على كفاية
ارتماسة واحدة * (وفيه) * مالا يخفى من الضعف ومخالفته لظواهر النصوص والفتاوى وقد أشرنا فيما سبق إلى أن اخبار الارتماس حاكمة
على ما دل على اعتبار الترتيب فيخصص بها اطلاقها بل الانصاف انه لو أريد الجمع بين الاخبار لا على وجه التخصيص لكان رفع اليد عن
ظواهر ما دل على اعتبار الترتيب بدعوى ورودها مورد الغالب أو كون الامر المتعلق بايجاد الغسل مرتبا لكونه أفضل افراد الواجب
أهون من التصرف فيما دل على كفاية الارتماس من دون مراعاة الترتيب ثم انا قد أشرنا إلى أن القدر المتيقن الذي ينسبق إلى الذهن
من مثل قوله (ع) إذا ارتمس الجنب في الماء [الخ] انما هو إرادة ما لو كان خارج الماء فارتمس فيه ارتماسة واحدة ولذا ربما يستشكل في صحة الغسل
لو نواه وهو في الماء ولكن الأظهر كفايته خصوصا على تقدير خروج معظم أعضائه من الماء لان المعتبر في مهية الغسل على ما يتفاهم من
النصوص والفتاوى ليس إلا غسل الجسد اما مرتبا أو برمسه في الماء ولا يتوقف حصول هذه الطبيعة على خروجه من الماء قبل الرمس بل كما
يتحقق غسل الجسد بايجاد الارتماس ابتداء كذلك يتحقق ببقائه مرتمسا فله البناء على وقوع البقاء مرتمسا امتثالا للامر المتعلق بطبيعة
الغسل نظير ما لو امر بالمشي على الأرض أو اكرام زيد أو غسل الثوب أو غير ذلك من الأفعال فإنه وان انسبق إلى الذهن انسباقا بدويا
إرادة ايجاد هذه الأفعال ابتداء من الامر المتعلق بها ولكنه بعد الالتفات إلى أن مدلول الطبيعة ليس إلا إرادة حصول هذه الأفعال
لا حدوثه وان الاستمرار على هذه الأفعال كايجاد ابتداء مما يتحقق به هذه البايع يعلم كفاية الاستمرار عليها في امتثال
الامر المتعلق بها وعدم توقفه على ايجادها ابتداء وانما ينسبق إلى الذهن خصوص الايجاد الابتدائي لبعض المناسبات المغروسة في
الذهن المقتضية للصرف لا على وجه يتقيد به المراد والموضوع الذي تعلق به الطلب كما لا يخفى على من تأمل في نظائر المقام ولا يتوقف صحتا لغسل
لو نواه وهو في الماء على تحريك الأعضاء بعد النية حتى ينفرد الفرد الذي يقع امتثالا للامر المتعلق بالطبيعة عن غيره لان المدار في
تحقق الامتثال على حصول الطبيعة بقصد الإطاعة سواء تحققت في ضمن فرد مستقل أو في ضمن ما يصير جزء من الفرد المتحقق فيما سبق
ببعض الاعتبارات العرفية * (نعم) * لو اعتبرنا الجريان الفعلي أو ما هو بمنزلته في تحقق مفهوم الغسل لاتجه اعتبار تحريك الأعضاء أو نحوه مما
يوجب تحرك الماء تحقيقا المهية الغسل ولكن الأظهر عدم اعتباره في الغسل المعتبر في مهية الغسل والوضوء لدلالة غير واحد من الاخبار
على أنه إذا مس جلدك الماء فحسبك فعلى هذا لا ينبغي الاستشكال في كفاية البقاء تحت الماء بنية الاغتسال ولكن الاحتياط ممالا ينبغي
تركه بل الأحوط خروجه من الماء ولو في الجملة ثم الانغماس بنية الغسل هذا بالنسبة إلى الغسل الارتماسي * (واما) * الترتيبي فيشكل الاكتفاء فيه
بمجرد النية وقصد وقوع غسل الأعضاء مرتبا بل الظاهر أنه يجب عليه عند إرادة غسل الأيمن وكذا الأيسر من تحريك الأعضاء أو الدلك أو
نحوه بحيث يستقل غسله بالفردية حتى يصح اتصافه بوقوعه بعد غسل الرأس أو الأيمن ومجرد إرادة وقوعه مرتبا لا يؤثر في صيرورته كذلك كما مر
توضيحه في مبحث الوضوء والله العالم * (واعلم) * انه لا فرق بين الأغسال واجبها ومسنونها من حيث اعتبار الترتيب وكفاية الارتماس بلا خلاف فيه
ظاهرا بل في الحدائق نسبته إلى ظاهر الأصحاب وعن الذكر في أنه لم يفرق أحد بين غسل الجنابة وبين غيره من الأغسال في ذلك ولكن الانصاف
ان القول بكفاية الارتماس في غسل الميت لا يخلو عن اشكال وان ورد فيه أنه كغسل الجنابة لعدم انسباق إرادة ذلك من التشبيه فيشكل رفع
اليد عن ظواهر الأخبار الكثيرة الواردة لبيان كيفية غسل الميت الدالة على اعتبار الترتيب منه * (واما) * سائر الأغسال فلا ينبغي الارتياب في كفاية
الارتماس فيها كما أنه لا ينبغي التأمل في لزوم مراعاة الترتيب فيها ما لم يرتمس ارتماسة واحدة كما في غسل الجنابة ضرورة ان كيفية الغسل وكذا
الوضوء والتيمم بل أغلب العبادات مثل الصلاة والصوم وغيرها من المهيات المخترعة التي يتوقف معرفتها على بيان الشارع متى بين الشارع شيئا
من هذه الأشياء في مورد من الموارد لا ينسبق إلى الذهن من الامر به في سائر الموارد الا إرادة ايجاده بالكيفية
المبنية ما لم يصرح بإرادته على
حق خاص كصلاة جعفر مثلا الا ترى أنه لو قال المفتى لمقلديه اغتسل لرؤية المصلوب أو صل ركعتين عند طلب الحاجة أو قيل للجنب توضأ أو تيمم
248

عند إرادة النوم لا يفهم الا إرادة ايجاد هذه الأفعال بالكيفية المعروفة عندهم ومما يدل على اتحاد كيفية الأغسال مغروسيته في أذهان
المتشرعة قديما وحديثا ولذا لم يسئل أحد من الرواة عن كيفية سائر الأغسال عدا غسل الجنابة الذي هو أعم ابتلاء ولم يتعرض الأئمة (ع)
لبيان شئ منها ولم يكن ذلك الا المعروفية كيفية الغسل لديهم * (واما) * غسل الميت فحيث إن متعلقه غير نفس المكلف ليس على حد سائر الأغسال
بحيث يغنى معرفة كيفية الغسل في الجملة عن معرفته بالخصوص الا ترى أنه لو قيل للعامي اغسل الميت يسئل لا محالة عن كيفيته بخلاف ما لو قيل له اغتسل
لرؤية المصلوب ولذا أكثر الرواة في المسألة عن كيفية غسل الميت دون غيره من الأغسال مع كثرتها وحيث إنه ورد التصريح في جملة
من الاخبار بكيفية لا يجوز التخطي عن الكيفية المنصوصة الا بدليل معتبر ولذا استشكلنا في جوازه ارتماسا والله العالم ثم انك
قد عرفت أن الأقوى ما عليه المشهور من أن الغسل الارتماسي تدريجي الحصول وان ابتدائه أول انات الاخذ في الرمس * (ولكنه) * لا يخفى عليك
ان جزئية الجزء الأول مشروطة بصيرورته جزء من المركب الذي يصدق على مجموعه الارتماس فغسل الرجل مثلا يتحقق بوصول الماء إليها لكن صحته
مشروطة بان يتعقبه غسل سائر الجسد على وجه يتحقق به الارتماس الدفعي عرفا بان يبقى في الماء إلى أن يرتمس جميع بدنه فلو خرج بعض بدنه من
الماء قبل أن يرتمس جميعه بطل غسله إذ لا يسمى مثله ارتماسا واما لو دخل في طين ونحوه أو اصابه في الماء مانع عارضي منعه من الاتصال
بالماء قبل أن يتحقق الانغماس التام فالظاهر عدم منافاته للصدق العرفي الذي هو شرط للصحة خصوصا إذا كان الجزء الممنوع يسيرا فما
قيل من أنه يشترط اتصاله بالماء إلى أن الغسل * (ففيه) * انه ان كان لتوقف صدق الارتماس فقد عرفت عدم المنافاة للصدق العرفي على
الاطلاق وان كان لدليل اخر تعبدي فلم نعثر عليه والله العالم * (ثم) * انه حكى عن الشيخ في المبسوط انه الحق في سقوط الترتيب بالارتماس
الجلوس تحت المجرى والمطر وعن التذكرة الحاق الميزاب وشبهه به أيضا وعن بعض الحاق الصب بالاناء دفعة به أيضا * (ولعل) * مستند الكل
تنقيح المناط بدعوى القطع بعدم مدخلية الرمس في الماء في صحة الغسل وانما المناط إحاطة الماء بالبدن دفعة عرفية * (وفيه) * مضافا إلى منع
تحقق الإحاطة دفعة في مثل المطر ونحوه الا إذا كان المطر غزيرا فجرى على جميع البدن ثم نوى الغسل ان دعوى القطع بذلك في مثل هذه الأحكام
التعبدية عهدتها على مدعيها ولا يمكن لنا الجزم بذلك * (نعم) * في نفسي شئ وهو احتمال عدم اعتبار الترتيب في الغسل ورأسا وكون
الأخبار الدالة عليه جارية مجرى العادة أو محمولة على بيان أفضل الافراد ولكنك عرفت فيما سبق انه خلاف ما يقتضيه الجمود على ظواهر الأدلة
التعبدية فلا ينبغي الالتفات إليه فالأظهر هو الاقتصار في تخصيص ما دل على اعتبار الترتيب بالغسل الارتماسي اللهم الا ان يتشبث في
خصوص الوقوف تحت المطر بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال سئلته عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة ان يقوم في المطر حتى يغسل رأسه
وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك فقال إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزاه ذلك ومرسلة محمد بن أبي
حمزه عن الصادق (ع) في رجل اصابته
جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده أيجزيه ذلك من الغسل قال نعم * (وفيه) * ان حمل هاتين الروايتين على إرادة ما لو نوى الغسل عند
إحاطة الماء بالبدن وجريانه بعيد فلا بد من حملها على مالا ينافي أدلة الترتيب بل الظاهر عدم كون الروايتين مسوقتين الا لبيان كفاية
المطر عن الماء فلا يجوز التشبث باطلاقهما لاثبات المطلوب والله العالم
* (وهل) * يشترط في صحة الغسل بنوعيه إزالة النجاسة عن محال الغسل
عينية أو حكمية قبل الشروع في أصل الغسل * (أو) * يعتبر جريان ماء الغسل على محل طاهر فيكفي ازالتها قبل غسل المحل الذي هي فيه * (أو) * يعتبر عدم
بقائه نجسا بعد الغسل فيكتفى بغسل واحد لهما أو يفرق في ذلك بين الاغتسال في الماء الكثير وما إذا كانت في آخر العضو وبين غيرهما فيكتفى
بالغسل الواحد لهما في الأولين أو انه لا يشترط شئ من ذلك * (نعم) * يعتبر أن لا تمنع عين النجاسة وصول الماء إلى البشرة فيكتفى به وان بقي المحل
نجسا وجوه بل أقوال كما في الجواهر أوجهها الثاني وهو اعتبار طهارة المحل حين غسله كما يدل عليه الأخبار المستفيضة الواردة في كيفية
الغسل الامرة بغسل الفرج واليدين قبل الغسل وفي صحيحة حكم بن حكيم قال (ع) ثم اغسل ما أصاب جسدك من اذى ثم اغسل فرجك
وأفض على سائر جسدك فاغتسل إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي تقدم بعضها في مطاوي المباحث المتقدمة وهذه الأخبار وان
كان مفادها وجوب تطهير البدن قبل الشروع في الغسل لكن شدة المناسبة بين تطهير الموضع النجس مقدمة لغسل نفس هذا الموضع
وبعد مدخلية تطهيره في صحة غسل سائر الاجزاء مانعة عن استفادة التقييد فلا يفهم منها الا وجوب تطهير المحل قبل غسله وانما
تعلق الامر به قبل الشروع في الغسل جريا مجرى العادة كما يؤيده مضافا إلى الفهم العرفي الناشئ من المناسبة المغروسة في الأذهان ما في
صحيحة حكم بن حكيم عن الصادق عليه السلام في حديث كيفية غسل الجنابة قال فان كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك وإن كنت
في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك وهذه الصحيحة كما تريها صريحة في عدم اعتبار طهارة الرجل حال غسل سائر الأعضاء
فالقول باعتبار تطهير البدن قبل الشروع في الغسل ضعيف * (و) * أضعف منه القول بعدم اعتبار طهارة المحل حين غسله سواء اعتبر عدم بقائه
نجسا بان تحقق الغسل والتطهير بغسلة واحدة أم لم يعتبر ذلك أيضا لما عرفت من دلالة الأخبار المستفيضة
على اشتراط طهارة المحل
249

مضافا إلى انصراف أدلة الغسل إلى إرادة الغسل بالماء الطاهر بل الاجماع على أن النجس لا يكون مطهر أولا يقاس رفع الحدث بإزالة
الخبث في عدم المنافاة بين انفعال الماء بملاقاة النجس وحصول التطهير به لما عرفت في مبحث نجاسة الغسالة من عدم شمول القاعدة المسلمة
المستفادة من النصوص والفتاوى من أن النجس لا يكون مطهرا للماء الطاهر الذي تنجس استعماله في إزالة النجاسة بالنسبة إلى
هذه النجاسة التي استعمل الماء في ازالتها واما من حيث استعماله في رفع الحدث فليست النجاسة الموجودة في البدن بالنسبة إليه الا
كالنجاسة الخارجية الملاقية للماء حين الاستعمال فلا مانع من كونه مشمولا للقاعدة المسلمة * (نعم) * لو كانت نجاسة الماء من لوازم
الاغتسال كما في غسل الميت وغسالة الجنب على القول بنجاستها لامتنع اندراجه بالنسبة إلى هذه النجاسة الملازمة له تحت
تلك القاعدة واما بالنسبة إلى النجاسة العارضية التي يمكن حفظ ماء الغسل عن الانفعال بها كما فيما نحن فيه فلا والحاصل انه لا ينبغي الارتياب
في بطلان الغسل بالماء النجس سواء كان مسبوقا بالنجاسة أو عرضه النجاسة حين الاغتسال من دون فرق بين كون النجاسة الطارية في
الأثناء مسببة عن ملاقاة نجاسة خارجية أو ملاقاة النجاسة الموجودة في بدن المغتسل وكونه مؤثرا في زوال النجاسة في الفرض الأخير
لا يصلح فارقا بالنسبة إلى رفع الحدث الذي هو مفهوم مغاير لإزالة الخبث * (ثم) * ان قضية اشتراط صحة الغسل بطهارة الماء انما هو
اشتراط طهارة البدن عند غسله بالماء القليل دون ما إذا اغتسل بالماء العاصم كالكر والجاري ولعله لذا فصل بعضهم بين الاغتسال
بالماء الكثير وبين غيره الا انه نسب إلى هذا المفصل كما عرفت عدم اشتراط الطهارة فيما إذا كان الموضع النجس آخر العضو ولعل التفصيل
بين كون النجاسة في اخر العضو وبين غيره للبناء على عدم انفعال الغسالة الا بعد الانفصال عن الموضع النجس فان كانت في اخر
العضو فلا يتحقق الغسل الا بالماء الطاهر واما إذا لم تكن في اخر العضو فينجس غسالته عند الانفصال وينجس سائر الأعضاء فلا
يكون مطهرا ويحتمل ان يكون اعتماد في هذا التفصيل على صحيحة حكم بن حكيم المتقدمة الامرة بغسل الرجلين اللتين هما آخر العضو فان
مقتضى اطلاق الامر بغسلهما كفاية غسلة واحدة لرفع الحدث والخبث * (وفي) * الجميع مالا يخفى لعدم انحصار المدرك في اشتراط طهارة
الماء بل العمدة فيه الأخبار المتقدمة مضافا إلى فساد القول بعدم انفعال الغسالة الا بعد الانفصال كما تحقق في محله واما الصحيحة فهي
مسوقة لبيان حكم آخر أعني وجوب غسل الرجلين على تقدير نجاستهما لا لبيان كفاية غسلة واحدة للتطهير والغسل فلا ظهور لها في
المدعى فضلا عن امكان التصرف بها في سائر الأدلة * (وربما) * يستدل لبطلان الغسل لو نواه بغسلة يتحقق بها إزالة النجاسة بلزوم
التداخل وهو خلاف الأصل لان كل واحد من الحدث والخبث سبب لوجوب غسل البدن فإذا تحقق السببان وجب ان يتعدد
حكمهما والا للزم أن لا يكون كل منهما سببا وهو باطل بديهة لا لمجرد مخالفته لاطلاق ما دل على سببيتهما بل للعلم بتأثير كل منهما
في ايجاب مسببة ضرورة انه لو تعذر عليه الغسل يجب عليه إزالة النجاسة وكذا لو تعذر عليه الإزالة يجب عليه رفع الحدث ولو بالتيمم
ومقتضى تعدد الوجوبين تعدد الواجبين لامتناع اجتماع حكمين متماثلين كالمتضادين في موضوع واحد شخصي فلا يعقل ان يكون
غسلة واحدة معروضة لوجوبين * (وفيه) * ان المسبب عن كل من السببين لو كان طبيعة غسل الجسد من حيث هي من دون اعتبار
قيد زائد في شئ منهما لتم ما ذكر ولكنه ليس كذلك بل المسبب عن نجاسة البدن ليس إلا وجوب ازالتها وعن الحدث ليس إلا وجوب رفعه
وهما مهيتان مختلفتان فان أمكن ايجادهما بغسلة واحدة بان لم يستلزم ذلك الاخلال بشئ من شرائطهما فلا مانع منه أصلا كما
سبق تحقيقه في مبحث تداخل الأغسال في باب الوضوء وانما الممتنع تعلق وجوبين بطبيعة الغسل من حيث هي لا بلحاظ افراده المتعددة
ومما يدل على عدم كون ما نحن فيه من هذا القبيل مع وضوحه في حد ذاته عدم كون كل غسلة غسلا وعدم اعتبار كون الغسل واجدا
للشرايط المعتبرة في إزالة النجاسة فيعلم من ذلك أن المأمور به عند حصول كل من السببين ليس طبيعة الغسل من حيث هي * (وقد) * عرفت
فيما تقدم انه إذا تغاير المسببان ذاتا وتصادقا على فرد يجوز ايجاد الفرد الجامع بقصد امتثال الامر المتعلق بكلتا الطبيعتين نظير اعطاء
درهم على ذي رحم عالم فقير هاشمي فإنه يتحقق بهذا الفعل الشخصي امتثال جميع الأوامر المتعلقة بالعناوين الراجحة المقصودة المتحققة
به ثم لو تم هذا الاستدلال لكان مقتضاه انه لو اتى بالفعل أولا بقصد الغسل ان يجب اعادته ثانيا لغسل جسده لا بقصد الغسل
كما هو مقصود المستدل إذ لا يعقل بقاء الامر الذي نوى امتثاله وسقوط ما لم ينوه * (ودعوى) * ان الغرض من الامر بغسل الجسد المسبب
عن نجاسة البدن يحصل بفعله قهرا وإن لم يقصده فوجب ان يبقى الامر بالغسل لأصالة عدم التداخل * (مدفوعة) * بان أصالة عدم
التداخل لا تصير للممتنع ممكنا لان سقوط الامر الذي نوى امتثاله بعد ايجاد متعلقه بقصد امتثاله قهري سواء حصل به المقصود
من الامر الاخر أم لم يحصل لان الامر يقتضى الاجزاء عقلا فلا مجال [ح] للشك في بقائه حتى يتشبث بأصالة عدم التداخل وانما يشك
في بقائه لاحتمال اشتراطه بطهارة البدن وعدم كون المسبب طبيعة الغسل من حيث هي فالمتعين في مثل الفرض على تقدير فقد الأدلة
250

الاجتهادية هو الرجوع إلى الأصل المقرر عند الشك في الشرطية من البراءة أو الاحتياط على الخلاف في المسألة لا أصالة عدم التداخل
كمالا يخفى
* (تنبيه) * لا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الموالاة في الغسل بل عن جماعة دعوى الاجماع عليه * (ويدل) * عليه صحيحة محمد بن
مسلم المتقدمة الواردة في قضية أم إسماعيل وحسنة إبراهيم عن عمر اليماني عن الصادق (ع) قال إن
عليا (ع) لم ير بأسا ان يغسل الجنب
رأسه غدوة ويغسل سائر جسده عند الصلاة وفي صحيحة حريز الواردة في الوضوء قال قلت وكذلك غسل الجنابة قال (ع) هو
بتلك المنزلة ابدء بالرأس وأفض على سائر جسدك قلت وان كان بعض يوم قال نعم * (وعن) * الفقه الرضوي ولا بأس بتبعيض الغسل
تغسل يديك وفرجك ورأسك وتؤخر غسل سائر جسدك إلى وقت الصلاة ثم تغسل إذا أردت ذلك وقضية الأصل واطلاق
بعض الأخبار المتقدمة ومعاقد الاجماعات المنقولة عدم الفرق في ذلك بين الأعضاء والعضو الواحد فلا يعتبر الموالاة في
الغسل أصلا نعم يمكن الالتزام باستحبابها مسامحة لما في الحدائق من أن الأصحاب صرحوا باستحبابها * (وربما) * يستدل له بمواظبة
السلف والخلف من العلماء والفقهاء بل الأئمة عليهم السلام وفي دلالتها على المدعى تأمل كما أن في الاستدلال له بعموم آيات المسارعة
إلى المغفرة والاستباق إلى الخيرات مناقشة والله العالم
* (وسنن) * الغسل أمور منها تقديم النية عند غسل اليدين بناء على
كون غسل اليدين من الأجزاء المستحبة كما سيأتي التعرض لتحقيقه ومرجع استحباب تقديم النية إلى استحباب غسل اليدين قبل
الغسل بقصد الجزئية فلو غسل يديه لا لكونه جزء مستحبيا بل لإزالة نجاستها أو غيرها من الأغراض لا يستحب التقديم بل لا يجوز
ان اعتبرنا مقارنة النية التفصيلية لأول العبادة كما هو المشهور ويتضيق وقت النية عند غسل الرأس الواجب في الغسل
الترتيبي وعند الشروع في غسل الجسد في الارتماسي إذ لو اخرها عن ذلك لوقع بعض الأجزاء الواجبة
بلا نية فلا يصح غسله
* (ومنها) * امرار اليد على الجسد لو لم يتوقف غسله عليه أولم يختر في مقام الامتثال ايصال الماء إلى الجسد بامرار اليد عليه والا فيجب
معينا في الفرض الأول ومخيرا في الثاني وفيما عدا الفرضين ليس بواجب بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن جماعة دعوى الاجماع عليه و
يدل عليه مضافا إلى الأصل والاجماع الأخبار المستفيضة التي تقدم أغلبها الدالة على كفاية مس الجلد الماء وصب الماء على الجسد
وجريانه عليه والاجتزاء بالارتماسة الواحدة وإن لم يدلك جسده * (نعم) * يستحب ذلك كما وقع التصريح به في كلام الأصحاب بل عن
المعتبر وغيره دعوى الاجماع عليه ويدل عليه * (ما روى) * عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه (ع) في السؤال عن الاغتسال بالمطر قال إن كان
يغسله اغتساله بالماء أجزأه الا انه ينبغي له ان يتمضمض ويستنشق ويمر يده على ما نالت من جسده * (وعن) * الفقه الرضوي بعد ذكر صفة
الغسل ترتيبا ثم قال تمسح سائر بدنك بيديك * (وفي) * خبر عمار بن موسى بن الصادق (ع) الواردة في غسل المرأة قال (ع) تمر يدها على
جسدها كله لكن الاخبار موردها الغسل الترتيبي فيشكل اثبات الاستحباب في الارتماسي لكن قضية اطلاق كلمات الأصحاب
في فتاويهم ومعاقد اجماعهم المحكى عموم الاستحباب فيمكن الالتزام به مسامحة اللهم الا ان يدعى انصراف كلماتهم إلى الترتيبي
وربما علل استحباب امرار اليد [مط] بالاستظهار * (ونوقش) * بأنه لا معنى له بعد حصول العلم وقبله يجب * (وفيه) * ان المدار في مقام
الامتثال عند العرف والعقلاء ليس على القطع الذي لا يحتمل الخطاء بل على الاطمينان وسكون النفس بحيث لا يلتفت النفس إلى احتمال الخلاف
الا ترى أنه ربما يحصل الفراغ من الغسل أو الوضوء ثم نجد بعض المواضع جافا نعم يتوجه على هذا النحو من الاستدلال انه لا يثبت به الاستحباب
الشرعي بعنوانه المخصوص ولكنه ليس بضائر فيما نحن بصدده من اثبات رجحانه في الجملة وكونه من السنن والله العالم
* (ومنها) * تخليل ما يصل
إليه الماء استظهارا واما مالا يصل الماء إليه الا بالتخليل فقد عرفت وجوبه والمناقشة في استحباب الاستظهار بالتخليل فيما يصل إليه
الماء بدونه بما عرفت مدفوعة بما عرفت
ومنها البول امام الغسل إذا كانت الجنابة بالانزال كما أن من سنن الجنابة بالانزال البول بعده
تحرزا عن أن يبقى المنى في المجرى فيورث المرض فإنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من ترك البول على اثر الجنابة أو شك ان يتردد بقية الماء في بدنه فيورثه
الداء الذي لا دواء له ويدل على كونه من سنن الغسل صحيحة أحمد بن محمد قال سئلت أبا الحسن (ع) عن غسل الجنابة قال تغسل يدك اليمنى من
المرفق إلى أصابعك وتبول ان قدرت على البول ثم تدخل يدك في الاناء [الخ] ورواية أحمد بن هلال قال سئلته عن رجل اغتسل قبل أن
يبول فكتب (ع) ان الغسل بعد البول الا ان يكون ناسيا فلا يعيد منه الغسل وفائدته عدم انتقاض الغسل بالبلل المشتبه المحتمل كونه
من بقية المنى إذ لولا البول لكان البلل الخارج بحكم المنى كما يدل على كلا الحكمين جملة من الاخبار التي سنذكرها في المسألة الأولى
من المسائل الثلث الآتية [انش‍]
واما الاستبراء بالاجتهاد بعد البول فهو من آداب الخلوة وفائدته عدم كون الرطوبة المشتبه بالبول
بحكمه كما تقدم في محله واما بعد إنزال المنى فلم يرد الامر به في شئ من الاخبار ولم يثبت تأثيره في عدم ناقضية البلل المشتبه بالمن بل
سيتضح لك فيما سيأتي ان مقتضى اطلاق الاخبار الامرة بإعادة الغسل بخروج البلل لمن لم يبل وجوب الإعادة عليه مطلقا
251

كما أنه يفهم منها مفهوما ومنطوقا عدم وجوب إعادة الغسل على من بال سواء استبرء عقيب البول أم لم يستبرء * (نعم) * إذا لم يستبرء يكون
البلل الخارج عند احتمال كونه بولا بحكم البول لا المنى كما ستعرف * (فما) * يظهر من بعض من كون الاستبراء عقيب الانزال بمنزلة البول
مطلقا أو عند تعذر البول محل نظر اللهم الا ان يتشبث بعدم ناقضية البلل المشتبه الخارج بعد الاستبراء بالأصل بعد دعوى
انصراف الاخبار الامرة بالإعادة إلى غير مثل الفرض الذي فيه امارة نقاء المحل لكن الدعوى غير مسموعة * (نعم) * لو حصل القطع
بنقاء المجرى بسبب الاستبراء خرج البلل المشتبه بالمنى الخارج بعده من مورد الاخبار الامرة بالإعادة لان موضوعها على
ما يتبادر منها ليس إلا ما إذا احتمل كون البلل الخارج من بقية المنى السابق والمفروض حصول القطع بعدم بقاء شئ في المجرى
فلا يعمه تلك الروايات ولكن الفرض نادر التحقق إذ قلما يحصل اليقين بذلك بل غايته إفادة الظن فظهر لك مما ذكرنا أن عد
الاستبراء بنفسه من سنن الغسل كما في المتن لا يخلو عن اشكال نعم عد الاستبراء عقيب البول من سننه بالنظر إلى تأثيره في الجملة في عدم
انتقاض الطهارة الحاصلة منه بالرطوبة المشتبهة بالبول لا يخلو عن مناسبة * (وكيف) * كان فقد نقل عن الجعفي القول بوجوب البول
والاستبراء كليهما قبل الغسل وعن جملة من الأصحاب القول بوجوب البول فقط وعن بعضهم التصريح بأنه عند تعذر البول يكتفى
بالاجتهاد أي الاستبراء * (و) * عن المبسوط والغنية ايجابهما عليه مخيرا مع زيادة الثاني ايجاب الاستبراء من البول بل ادعى الاجماع على
ما ذهب إليه * (وفيه) * انه ان أريد الوجوب الشرطي بمعنى اشتراط صحة الغسل بوقوعه عقيب البول أو الاستبراء * (ففيه) * مع مخالفته للأصل
والاجماع كما ادعاه في محكى المختلف على عدم وجوب إعادة الغسل على من أخل بالبول ووجد بللا يعلم أنه ليس بمنى يرده مفهوم قول أبى جعفر (ع)
في خبر محمد بن مسلم من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا فقد انتقض غسله وكذا الأخبار المستفيضة المتعلقة إعادة الغسل
لمن لم يبل بخروج البلل المشتبه فيفهم منها صحة الغسل لولا بل يفهم من التعبير بانتقاض الغسل صحته قبل وجدان البلل هذا مع خلو
أكثر الأخبار الواردة في كيفية الغسل عن ذكر البول وما في بعضها من الامر بالبول قبل الغسل كصحيحة محمد بن أبي نصير ورواية أحمد بن
هلال المتقدمتين ليس إلا للارشاد إلى ما هو الأصلح بحال المكلف صونا لطهارته عن الانتقاض وان أبيت إلا عن ظهورها في شرطية
البول للغسل فلا بد من رفع اليد عنهما بقرينة الاجماع وغيره من الأدلة المتقدمة وان أريد من وجوب البول أو الاستبراء قبل الغسل
وجوبه تعبدا من دون ان يكون له مدخلية في صحة الغسل ففيه مالا يخفى لان المتبادر من الامر المتعلق به في بعض الأخبار المسوقة
لبيان آداب الغسل وكيفية كالصحيحة المتقدمة ليس إلا مطلوبيته لأجل الغسل لا الوجوب النفسي كالأمر بغسل اليد وادخال اليد
في الاناء وغيرهما من التفاصيل المذكورة في الصحيحة وبعد ان علم بواسطة القرائن الداخلية والخارجية انه ليس للبول كغسل اليد مدخلية
في صحة الغسل يفهم من الرواية ان له مدخلية في كماله اما لكون الغسل عقيب البول في حد ذاته هو الفرد الأفضل فيكون البول قبل
الغسل كغسل اليدين قبله مستحبا غيريا أو لكونه موجبا للاطمئنان ببقاء اثر الغسل وعدم كونه في عرضة الانتقاض فيكون الامر به ارشاديا
محضا ولعل هذا هو المتبادر منه في مثل المقام لأنه بعد أن علم أن بقاء شئ من المنى في المجرى ليس مالنا من صحة الغسل لكن خروجه
سبب لانتقاض الغسل لا ينتقل الذهن عند الامر بالبول الذي هو سبب عادى الخروج البقية الا إلى إرادة تنقية المجرى لئلا ينتقض الغسل فيما
بعد فعلى هذا يشكل القول باستحبابه قبل الغسل إذا المفروض عدم كون الامر المتعلق به مولويا حتى يثبت به الاستحباب الشرعي وأشكل
منه القول باستحباب الاستبراء قبل الغسل ولكنا أشرنا إلى أن عدة من سنن الغسل في الجملة لا يخلو عن مناسبة خصوصا بعد ذهاب جماعة
إلى وجوبه وكيف كان ففي كيفيته خلاف أحوطه ان يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلثا ومنه إلى رأس الحشفة ثلاثا وينتره ثلاثا على
الترتيب كما هو ظاهر المتن وصريح جملة من أصحاب القول باعتبار التسع وهذه الكيفية وإن لم يرد التنصيص عليها في شئ من الاخبار الباب
لكن الاخذ بها لم يترك العمل بشئ من الاخبار وعن الشيخ اختيار هذه الكيفية في المبسوط ولكنه قال في النهاية على ما حكى عنه انه يمسح من
عند مخرج النجو إلى أصل القضيب ثلاث مرات وينتره ثلاث مرات وهذا هو المحكى عن الفقيه وظاهر الوسيلة والمراسم والغنية والسرائر و
النافع وغيرها ويمكن الالتزام بكفاية هذه الكيفية على القول باعتبار التسع لو لم نعتبر الترتيب بين مجموع النترات ومسحات الذكر وقلنا بكفاية
تعقب كل مسحة بنتره لان نتر القضيب لا ينفك عن نتر رأسه فيتحقق به المسح والنتر معا وعن المفيد في المقنعة انه يمسح بإصبعه الوسطى تحت
أنثييه إلى أصل القضيب مرة أو مرتين أو ثلاثا ثم يضع مستحبته تحت القضيب وابهامه فوقه ويمرهما عليه باعتماد قوى من أصله إلى رأسه الحشفة
مرة أو مرتين أو ثلاثا ليخرج ما فيه من بقية البول انتهى وظاهره عدم الاعتبار بالعدد ودوران الحكم مدار الوثوق ببقاء المجرى كما
يؤيده ما نقل عنه في حكم الجنب من أنه إذا عزم على التطهير بالغسل فليستبرء بالبول ليخرج ما بقي من المنى في مجاريه فإن لم يستبرء به فليجتهد
في الاستبراء يمسح تحت الأنثيين إلى أصل القضيب وعصره إلى رأس الحشفة ليخرج ما لعله باق فيه وكأنه قدس سره فهم من اخبار الباب
252

إناطة الحكم بالوثوق بنقاء المجرى وخروج بقية البول وجرى الاخبار الآتية المقيدة بالثلث مجرى العادة وفي كلتا الدعويين نظر * (وعن) *
علم الهدى انه اكتفى بنتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلث مرات وفي المدارك ان ما ذكره الشيخ في المبسوط أبلغ في الاستظهار الا ان الأظهر
الاكتفاء بما ذكره المرتضى [ره] من نتره من أصله إلى طرفه ثلاث مرات لما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يبول قال ينتره ثلاثا ثم إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي وما رواه الكليني في الحسن عن محمد بن
مسلم قال قلت لأبي جعفر (ع)
رجل بال ولم يكن معه ماء قال يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه فان خرج بعد ذلك شئ فليس من البول ولكنه من
الحبائل انتهى ويدل عليه أيضا ما روى عن نوادر الراوندي من أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا بال نتر ذكره ثلاثا وربما يناقش في الاستدلال
بالحسنة له بدلالتها على اعتبار ثلث عصرات ونتر طرف الذكر ولا يقول به السيد ويمكن دفعها بأنه لا يستفاد منها الا اعتبار العصرات الثلاث
ونتر طرف الذكر واما كون النتر مستقلا مفصولا عن العصر فلا ويتحقق هذا المعنى بنتر الذكر من أصله حيث يتحقق عصره ونتر طرفه نعم يحتمل
قويا ان يكون المراد من أصل الذكر من عند المقعدة فيكون مفادها كفاية مسحات ثلث من عند المقعدة إلى طرف الذكر ناتر أطرافه ولا يبعد
التزام القائلين باعتبار الست مسحات بل التسع أيضا بكفاية هذه الكيفية بناء على عدم اعتبار الترتيب بين النترات ومجموع مسحات الذكر
وكذا بينهما وبين مجموع مسحات ما تحت الأنثيين كما هو الأظهر لعدم الدليل عليه بل اطلاقات الأدلة قاضية بخلافه ويؤيد إرادة هذا
المعنى بل يعينه رواية عبد الملك بن عمر وعن أبي عبد الله (ع) الرجل يبول ثم يستنجى ثم يجد بعد ذلك بللا قال إذا بال فخرط ما بين المقعدة
والأنثيين ثلث مرات وغمز ما بينهما ثم استنجى فان سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي إذ الظاهر أن ضمير التثنية يرجع إلى الأنثيين والمراد
مما بينهما هو الذكر ولعل النكتة في التعبير بذلك لبيان اعتبار غمزه من أصله وعلى تقدير اجماله كاجمال ما روى عن نوادر والراوندي عن
الكاظم (ع) عن ابائه (ع) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثم يسلها ثلثا يكون الحسنة وغيرها مما دل على اعتبار
عصر الذكر ونتره رافعة لاجماله فيكون مفاد كل من الحسنة وهاتين الروايتين ولو بشهادة كل منهما للاخر كفاية عصر قصبة الذكر من
عند المقعدة إلى طرفه ناترا له ثلاث مرات ولا يبعد إرادة هذا المعنى من صحيحة حفص لاجمال مرجع الضمير في قوله (ع) ينتره بل ظهور عوده إلى
البول المتصيد من كلام السائل فيحتمل قويا ان يكون المراد من الامر بنتر البول اخراجه من مجراه بان يجد به بامرار اليد على قصبة الذكر من عند
المقعدة إلى طرفه وعلى تقدير تسليم ظهور هذه الصحيحة في إرادة نتر الذكر بخصوصه يشكل الاعتماد على هذا الظاهر بعد اشتهار اعتبار
مسح ما تحت الأنثيين بين الأصحاب ودلالة الروايتين المتقدمتين عليه خصوصا مع ما نشاهد بالوجدان من شدة مدخليته في الاستبراء
بل أشديته من نتر الذكر فالاكتفاء بنتر الذكر ثلثا كما عن السيد واتباعه في غاية الاشكال ولكنه لا ينبغي الارتياب في كفاية ثلاث مسحات من أصل
القضيب أي من عند المقعدة إلى طرفه ناترا له فان أراد أرباب القول باعتبار التسع أو الست مالا ينافي ذلك كما أشرنا إلى توجيه فيما تقدم
فنعم الوفاق والا فعليهم إقامة الدليل على مدعاهم من اعتبار الترتيب بين المسحات بعضها مع بعض واعتبار استقلال كل مسحة وانفصاله
عن الاخر أو غير ذلك من التقيدات مع أن ظواهر الاخبار بأسرها شاهدة على خلافهم * (ولا) * يعتبر الموالاة بين المسحات للأصل واطلاقات
الأدلة وانصرافها إلى المسحات المتوالية لو سلم فهو بدوي لا يوجب تقييد الاطلاق كما لا يخفى والظاهر عدم اعتبار المباشرة فيحصل بفعل
الغير بل لا يبعد عدم اعتبار كونه باليد فيحصل بكل آلة تؤدى حقها لوضوح ان المقصود من الاستبراء تنقية المجرى واخراج بقية البول فيحصل
المقصود بكل ما يتحقق به نتر الذكر أو عصره أو غمزه أو مسحه فان المتبادر من اخبار الباب وان كان حصول المسح أوما هو بمنزلته بمباشرة يده
ولكنه لا يتقيد الحكم بها بعد وضوح المقصود وما في خبر الراوندي من الامر بوضع إصبعه الوسطى في أصل العجان وسلها ولعله لكونه
أمكن في الاستبراء وعليه ينزل ما وقع في عبارات بعض الأصحاب من مسح ما تحت الأنثيين بالوسطى وكذا وضع المسبحة تحت القضيب والابهام
فوقه عند مسحه إذ لا دليل على اعتبار الخصوصية والرواية المتقدمة مع ضعف سندها غير صالحة لاثباتها على وجه يتقيد بها اطلاق سائر
الاخبار نعم لا يبعد الالتزام باستحبابها لأجل هذه الرواية والله العالم ولا يسقط الاستبراء بقطع الحشفة بل ولا يقطع الذكر من أصله
فيمسح من عند المقعدة ثلثا إلى موضع القطع إذ ليس الحكم تعبديا محضا حتى لا يفهم حكم مثل هذه الفروض من أدلته كمالا يخفى وليس على المرأة
استبراء لعدم الدليل عليه والبلل المشتبه الخارج منها بعد البول يحكم بطهارته للأصل والله العالم *
(ومن) * الغسل غسل اليدين ثلثا قبل
ادخالهما الاناء بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن بعض دعوى الاجماع عليه ويدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الوضوء كم يفرغ الرجل
على يده اليمنى قبل أن يدخلها الاناء فقال واحدة من حدث البول واثنتان من الغائط وثلاث من الجنابة ومرسلة الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال اغسل يدك من البول مرة ومن الغائط مرتين ومن الجنابة ثلثا ورواية حريز عن الباقر عليه السلام قال يغسل الرجل يده من النوم مرة ومن الغائط
والبول مرتين ومن الجنابة ثلثا وعن الرضوي وتغسل يديك إلى المفصل ثلثا قبل أن تدخلها الاناء وقد ورد الامر بغسل الكفين في جملة من
253

الأخبار الواردة في كيفية الغسل ولكن المتبادر منها كون المراد منها الغسل لإزالة النجاسة كمالا يخفى على من تأمل فيها ثم إن ظاهر الأخبار المتقدمة
كما عن المشهور استحباب غسل اليدين من الزند كما في الوضوء لكن في رواية يونس المتضمنة لغسل الميت انه يغسل يده ثلث مرات
كما يغسل الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع ويؤيد ما في هذه الرواية موثقة سماعة عن الصادق (ع) قال إذا أصاب الرجل جنابة
وأراد الغسل فليفرغ على كفه فليغسلها دون المرفق وفي صحيحة يعقوب بن يقطين يغسل إلى المرفقين قبل أن يغمسهما بالاناء * (وفي) * صحيحة
أحمد بن محمد المتقدمة قال تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك وتبول [الخ] وعن الوافي أنه قال بعد نقل هذه الصحيحة وفي
بعض النسخ تغسل يديك إلى المرفقين وهو الصواب انتهى وفي رواية قرب الإسناد عن أحمد بن محمد عن الرضا (ع) قال في غسل الجنابة تغسل
يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك ومقتضى الجمع بين الروايات كون الغسل من الزند مستحبا ومن نصف الذراع أفضل وأفضل منه من
المرفق كما أن مقتضى اطلاق بعضها الاجتزاء بغسلة واحدة فكونها ثلاث مرات كما هو مفاد بعض آخر أفضل ولا مقتضى لصرف المطلقات
وتنزيلها على إرادة المقيد في المستحبات كما تقرر في محله ثم إن ظاهر عبارة المصنف كصريح بعض اختصاص الاستحباب المذكور فيما إذا
كان الاغتسال بالاغتراف من الاناء الواسع القليل الماء لاما إذا كان من الماء الكثير أو كان الغسل ارتماسيا أو تحت المطر أو من الأواني
الضيقة الرأس خلافا للمنقول عن العلامة فأثبته مطلقا نظرا إلى اطلاق بعض الأخبار الامرة بغسل اليدين قبل الغسل وفيه نظر لانصراف
الاطلاقات إلى إرادة الاغتسال من الماء القليل بل ظاهر أغلبها إرادة الغسل لإزالة النجاسة * (نعم) * لا يبعد دعوى عموم الاستحباب فيما إذا
كان الاغتسال بالماء القليل مطلقا ولو من الأواني الضيقة الرأس بدعوى ظهور الاخبار في كون حكمة الحكم صون ماء الطهارة عن
الانفعال بالنجاسة الوهمية وهي مقتضية لعموم الحكم بالنسبة إلى كل مورد ينفعل الماء الذي يستعمل في الغسل بملاقاة اليد على تقدير نجاستها
والله العالم
* (ومنها) * المضمضة والاستنشاق بلا خلاف فيها ظاهرا بل في المدارك وغيره دعوى الاجماع على استحبابهما ويدل عليه روايات
كثيرة منها صحيحة زرارة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الجنابة فقال تبدء بغسل كفيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك وتغسل فرجك
ثم تمضمض واستنشق ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدمك إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه المتقدم أغلبها في مطاوي المباحث
السابقة واما ما أرسله أبو يحيى الواسطي عن بعض أصحابه قال قلت لأبي عبد الله (ع) الجنب يتمضمض ويستنشق قال لا انما يجنب الظاهر * (و) *
في مرسلته الأخرى عمن حدثه قال قلت لأبي الحسن (ع) الجنب يتمضمض فقال لا انما يجنب الظاهر ولا يجنب الباطن والفم من الباطن فمحمولان على
عدم كونهما من الأجزاء الواجبة جمعا بينهما وبين غيرهما من المعتبرة المستفيضة الامرة بهما كما يشهد ولهذا الجمع جملة من الأخبار الدالة على أنهما
من السنة وليسا من الأجزاء الواجبة مثل ما عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال المضمضة والاستنشاق مما سن
رسول الله صلى الله عليه وآله وعن سماعة قال سئلته عنهما فقال هما من السنة فان نسيتهما لم يكن عليك إعادة وفي مرسلة الصدوق عن أبي عبد الله (ع) أنه قال في
غسل الجنابة إن شئت ان تتمضمض وتستنشق فافعل وليس بواجب لان الغسل على ما ظهر لا على ما بطن
* (ومنها) * كون الغسل بصاع من الماء بلا خلاف
بيننا بل في الجواهر اجماعا محصلا ومنقولا خلافا لأبي حنيفة فأوجبه ويدل عليه اخبار مستفيضة منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال * (وعن) * الشيخ [ره] أنه قال أراد به أرطال المدينة فيكون
تسعة بالعراقي وقد تقدم الكلام في بيان مقداره في الوضوء والظاهر الاجتزاء بأقل من صاع عند الاشتراك مع الغير في الاغتسال من اناء
واحد كما يدل عليه صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وأبى بصير عن أبي جعفر (ع) وأبى عبد الله (ع) انهما قالا توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله بمد واغتسل بصاع ثم
قال اغتسل هو وزوجته بخمسة امداد من اناء واحد قال زرارة فقلت كيف صنع هو قال (ع) بدء هو فضرب بيده في الماء قبلها وأنقى فرجه ثم ضربت
هي فأنقت فرجها ثم أفاض هو وأفاضت هي على نفسها حتى فرغا فكان الذي اغتسل به رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة امداد والذي اغتسلت به مدين وانما
أجزء عنهما لأنها اشتركا جميعا ومن انفرد بالغسل وحده فلابد له من صاع يعنى إذا أراد إسباغ الغسل على الوجه الموظف والا فيجوز الاقتصار
بأقل منه بل بمثل الدهن كما عرفته فيما سلف ويستفاد من صحيحة الفضلاء ان الماء الذي يستعمل في غسل الفرج محسوب من الصاع والظاهر
كون ماء المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين كلها محسوبا منه والله العالم
* (ومنها) * الدعاء بالمأثور ففي رواية عمار الساباطي قال قال
الصادق (ع) إذا اغتسلت من الجنابة فقل اللهم طهر قلبي وتقبل سعيي واجعل ما عندك خيرا لي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من
المتطهرين وإذا اغتسلت للجمعة فقل اللهم طهر قلبي ومن كل آفة تمحق ديني وتبطل عملي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين
وعن محمد بن مروان عن أبي عبد الله (ع) قال تقول في غسل الجمعة اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق ديني وتبطل عملي وتقول في غسل الجنابة
اللهم طهر قلبي وزك عملي وتقبل سعيي واجعل ما عندك خيرا لي * (ومنها) * التسمية على ما ذكره جملة من الأصحاب كما في الحدائق ولم نعثر على مستندهم
ولكنه لا بأس مسامحة والله العالم مسائل ثلث الأولى إذا رأى المغتسل الذي كانت جنابته بالانزال بللا مشتبها بعد الغسل بان احتمل
254

كونه من بقية المنى الذي اغتسل منه
فإن كان المغتسل قد بال قبل الغسل أو بعده قبل أن يخرج منه البلل لم يعد غسله كما يدل عليه مضافا
الا الأصل والاجماع الاخبار الآتية وكذا لو رأى بللا مشتبها بعد أن طالت المدة أو استبرء بحيث علم بانقطاع اثر المنى السابق ونقاء المجرى لكنه
احتمل كونه منيا حادثا لم يعد بلا اشكال وتأمل لان الاخبار الآتية منصرفة عن مثل الفرض واليقين لا ينقضه الشك والا بان لم يحصل له القطع
بنقاء المجرى واحتمل كونه من بقية المنى السابق ولم يكن قد بال كان عليه الإعادة سواء استبرء قبله أم لا خلافا لظاهر المتن بل صريحه لاطلاق الأخبار المستفيضة
الدالة مفهوما ومنطوقا على وجوب الإعادة لمن لم يبل منها صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن رجل أجنب فاغتسل
قبل أن يبول فخرج منه شئ قال يعيد الغسل قلت فالمرئة يخرج منها شئ بعد الغسل قال لا تعيد قلت فما الفرق فيما بينهما قال لان ما يخرج من
المرأة انما هو من ماء الرجل وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شئ قال يغتسل ويعيد
الصلاة الا ان يكون بال قبل أن يغتسل فإنه لا يعيد غسله قال محمد قال أبو جعفر (ع) من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا فقد انتقض
غسله وان كان قد بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء لان البول لم يدع شيئا * (وصحيحة) * الحلبي قال سئل عن الرجل
يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل قال ليتوضأ وإن لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل * (و) * موثقة سماعة قال سئلته
عن الرجل يجنب ثم يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل قال يعيد الغسل فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله ولكن يتوضأ
ويستنجي * (و) * رواية معاوية بن ميسرة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في رجل رأى بعد الغسل شيئا قال إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضأ
وإن لم يبل حتى اغتسل ثم وجد البلل فليعد الغسل واطلاق الامر بالوضوء عند خروج البلل بعد البول مقيد بما إذا لم يستبرء والا فليس عليه شئ وان
بلغ الساق للأخبار المستفيضة التي تقدم بعضها في كيفية الاستبراء الدالة على اختصاص ناقضية البلل بما إذا كان قبل الاستبراء فتلك الأخبار
حاكمة على اطلاق هذه الروايات خصوصا مع اعتضادها بالاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك وكيف كان فلا يعارض هذه الأخبار
الدالة على وجوب إعادة الغسل بخروج البلة إن لم يبل ما في بعض الأخبار من أنه لا شئ عليه مثل رواية عبد الله بن هلال قال سألت
أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجامع أهله ثم يغتسل قبل أن يبول ثم يخرج منه شئ بعد الغسل قال لا شئ عليه ان ذلك مما وضعه الله عنه * (وخبر) * زيد
الشحام عن الصادق (ع) قال سئلته عن رجل أجنب ثم اغتسل قبل أن يبول ثم رأى شئت قال لا يعيد الغسل ليس ذلك الذي رأى شيئا * (وخبر) * جميل بن دراج
قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصيبه الجنابة فينسى ان يبول حتى يغتسل ثم يرى بعد الغسل شيئا يغتسل أيضا قال لا قد تعصرت ونزل من
الحبائل * (وعن) * الصدوق أنه قال بعد رواية الحلبي المتقدمة وروى في حديث آخر ان كان قد رأى بللا ولم يكن بال فليتوضأ ولا يغتسل انما
ذلك من الحبائل لوجوب طرح هذه الروايات أو تأويلها بما لا ينافي الأخبار المتقدمة لقصورها عن مكافئة تلك الأخبار الصحيحة المعمول بها
عند جميع الأصحاب وشذوذ هذه الأخبار مع ما فيها من ضعف السند بل لم ينقل العامل بها الا الصدوق حيث جمع بينها وبين الأخبار السابقة
بحمل الإعادة على الاستحباب وقد مال إليه بعض المتأخرين فيما حكى عنهم وفيه بعد الاغماض عن شذوذها انه جمع بلا شاهد مع أن حمل الامر
بالإعادة في الأخبار الكثيرة على الاستحباب لا يخلو عن اشكال واضعف من ذلك الجمع بينها بحمل الاخبار الامرة بالإعادة على ما إذا لم يستبرء
بالاجتهاد وهذه الأخبار على ما إذا استبرء وربما جعل هذا الجمع وجها لشهرة القول بعدم الإعادة إذا كان البلل بعد الاستبراء [مط] كما عن بعض
أو عند تعذر البول كما عن آخرين وفيه مع أنه لا شاهد لهذا الجمع ان تنزيل الاخبار النافية للإعادة على إرادة ما إذا خرج البلل بعد الاستبراء
يستلزم حمل المطلقات الواردة في مقام البيان على إرادة خصوص الفرد الغير المتعارف الذي لا يكاد يرتاب في عدم ارادته منها بالخصوص واما
القائلين بعدم انتقاض الغسل بخروج البلل بعد الاستبراء فلم يعلم استنادهم إلى هذه الأخبار حتى يمكن ادعاء انجبار قصور سندها ودلالتها
بعملهم بل الظاهر أن مستندهم اما فهم العموم من اخبار الاستبراء ولو بتنقيح المناط أو ادعاء كون الاستبراء موجبا للوثوق بنقاء المجرى فينصرف
عنه الاخبار الامرة بالإعادة كما أشرنا فيما سلف هذا مع أن كون عمل الأصحاب وفهمهم جابرا لقصور الدلالة لا يخلو عن اشكال فالأولى
رد علم هذه الأخبار إلى أهله وأجمل وجوه الجمع في مقام التوجيه بل لا يبعد دعوى شهادة سوق الاخبار به هو ان الاخبار النافية للإعادة
ليست مسوقة لبيان حكم البلل المردد بين كونه من بقية المنى السابق أو شيئا آخر بحيث يكون منشأ الشك الشبهة في المصداق كما هو مورد
الأخبار السابقة بل هي مسوقة لتحقيق امر واقعي اختفى على السائل لجهله بحقيقته وتخيله ان كلما يخرج بعد الانزال من الرطوبات اللزجة
هو الماء الذي يخرج من بين الصلب والترائب الذي يجب لأجله الغسل فدفع الإمام (ع) توهمه وبين له ان الرطوبة التي يجدها بعد الانزال
تنزل من الحبائل ولا يخرج من بين الصلب الترائب فلا توجب الغسل ولا ينافي ذلك وجوب الغسل عليه عند اشتباه مصداق المنى بمصداق
هذا المفهوم الذي بينه له كمالا يخفى ثم إن الأخبار السابقة كفتاوى الأصحاب وان كان موضوعها البلل المشتبه ولكن الحكم الثابت له ليس
محمولا عليه بوصف كونه مشتبها حتى يكون وجوب الغسل قاعدة تعبدية ثابتة بالأدلة الخاصة على خلاف الاستصحاب بل انما أوجب الشارع
255

الغسل لأجله لكونه بحسب الظاهر من بقية المنى السابق فقد رجح الشارع الظاهر على الأصل وجعله طريقا لاثبات متعلقه أعني كون ما خرج
منيا كما لا يخفى على من تأمل فيها وفي غيرها من الأخبار الدالة على كون البلل الخارج بعد البول بولا فيكون هذه الأخبار كالاخبار الدالة على
اعتبار قول الثقة حاكمة على الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك ولذا لا ينبغي الاشكال في وجوب ترتيب جميع اثار المنى عليه من وجوب
ازالته والاغتسال منه والاكتفاء بغسله للصلاة ونحوها وغير ذلك من الآثار الشرعية الثابتة للمني واما لو قلنا بأنه لا يفهم من هذه الأخبار
الا وجوب الغسل تعبدا فيشكل ترتيب سائر الآثار عليه لمخالفتها للقواعد الشرعية كمالا يخفى * (تنبيه) * لو شك في أصل خروج البلل أو
علم بخروج بلل ليس بمنى ولكنه احتمل استصحابه لاجزاء المنى لم يعد غسله للأصل ولا يعمه اخبار الباب لظهورها في إرادة ما لو رأى بللا مرددا
بين كونه من بقية المنى السابق أو شيئا اخر لا في مثل الفرض بل المتبادر منها ما إذا كان البلل مشتبها لذاته لا ما اشتبه عليه لظلمة ونحوها
بحيث لو اختبره تبين حاله فالمرجع في هذه الصورة أيضا استصحاب الطهارة والاحتياط ممالا ينبغي تركه بل لا
يبعد دعوى شمول الاخبار
لها والله العالم
* (المسألة الثانية) * إذا غسل بعض أعضائه أحدث بالحدث الأصغر قيل يعيد الغسل من رأس كما عن الهداية والفقيه والمبسوط
وعن جملة من المتأخرين ومتأخريهم اختياره بل عن المحقق الثاني في حاشية الألفية نسبته إلى الأكثر واستدل له بعدم ثبوت كون الغسل
المتخلل بالحدث رافعا للجنابة فيستصحب اثرها إلى أن يتحقق المزيل وهو الغسل الواقع عقيب الحدث وقضية استصحاب الجنابة الاجتزاء بغسلها
عن الوضوء كما لو استصحبها عند الشك في أصل الغسل * (و) * استدل أيضا بما رواه في المدارك من كتاب عرض المجالس للصدوق عن الصادق (ع)
قال لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يدك وفرجك ورأسك وتؤخر غسل جسدك إلى وقت الصلاة ثم تغسل جسدك إذا أردت ذلك فان أحدثت
حدثا من بول أو غائط أو ريح أو منى بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله * (و) * عن الفقه الرضوي ما يقرب منه
واستدل له أيضا بان الحدث لو تأخر عن تمام الطهارة لأبطل اباحتها الصلاة فللبعض بطريق أولى وفي الجميع نظر اما استصحاب اثر الجنابة
فسيتضح لك انه محكوم بالنسبة إلى غيره من الأصول واما الروايتان فلضعف سندهما لا تصلحان دليلا * (واما) * الاستدلال بالأولوية فعلى
تقدير تماميتها لا يقتضى الا كون وقوع الحدث في أثناء الغسل كوقوعه بعده رافعا لاثره في الجملة لا ابطاله رأسا * (و) * هذا لا يستلزم الا بطلان
ما قيل من أنه يقتصر على اتمام الغسل كما عن الحلي والمحقق الثاني وبعض متأخر المتأخرين دون القول الآخر الذي نبه عليه المصنف [ره] بقوله
وقيل إنه يتمه ويتوضأ للصلاة كما ذهب إليه جماعة من المتأخرين وفاقا للسيد فيما حكى عنهم هذا مع أن في دعوى الأولوية مالا يخفى فان
القائل بالاقتصار على اتمام الغسل يدعى دلالة الأدلة من الاجماع وغيره على أن لا اثر لأسباب الوضوء ما دامت الجنابة باقية ولا ترتفع الجنابة
الا بعد أن فرغ من غسلها فكيف يقاس حال الاشتغال بالغسل بما بعده فضلا عن أن يكون أولى منه * (نعم) * يتوجه على هذه الدعوى ان غاية ما دلت
الأدلة عليه انما هو كفاية غسل الجنابة عن الوضوء بل عن كل حدث فيرتفع بغسل الجنابة جنس الحدث الذي تحقق سببه قبل الاغتسال واما
ما وقع من أسباب الوضوء كأسباب سائر الأغسال في أثناء غسل الجنابة فلا يكاد يستفاد من شئ من الأدلة عدم وقوعه مؤثرا أو انه يرتفع
اثره بهذا الغسل اما الاجماع فواضح لاختصاصه بغير مورد الخلاف واما الأخبار الدالة على أنه لا وضوء مع غسل الجنابة فلا يتبادر منها الا
عدم كون أسباب الوضوء الحادثة قبل الجنابة أو بعدها قبل الاغتسال مؤثرة في ايجاب الوضوء واما ما صدر منها في أثناء الغسل فالاخبار منصرفة
عنه جزما فيكون حاله حال ما لو صدر بعد الغسل في ايجاب ما يقتضيه أعني الوضوء بمقتضى عموم ما دل على سببيته له والحاصل انه لا يفهم
من الأدلة الا كون غسل الجنابة مجزيا عن كل حدث قارن الجنابة التي اغتسل منها بان وقع غسلها عقيب الحدث المقارن واما الحدث الواقع
في الأثناء فله حكمه الذي اقتضاه عموم دليله فالقول بأنه يقتصر على اتمام الغسل ضعيف بل وكذا القول بأنه يعيده من رأس ولا يتوضأ
استنادا إلى قاعدة الاشتغال أو استصحابه أو استصحاب الجنابة أو اثرها إذ لا يحصل القطع بفراغ الذمة الا بالوضوء بعد استيناف
الغسل واما استصحاب الجنابة بعد الاتيان بالغسل بالمتخلل بالحدث وكذا استصحاب وجوب غسل تام بعد صدور الحدث بعد تسليم
جريانهما والاغماض عن حكومة استصحاب صحة الاجزاء المأتي بها عليهما فلا يترتب عليهما الا وجوب إعادة الغسل أو استينافه من رأس واما
كفاية الغسل المعاد عن الوضوء الذي اقتضاه عمومات الأدلة فلا إذ لا يجوز تخصيص العمومات بالأصول نعم لو قلنا بحجية الأصول المثبتة
أمكن القول بالاجتزاء فان من لوازم بقاء الجنابة ووجوب الإعادة بطلان الاجزاء المأتي بها قبل الحدث فيندرج في الموضوع الذي
علم حكمه بالنص والاجماع أعني يثبت به كون الحدث صادرا من الجنب الذي اغتسل من جنابته بعد صدور الحدث فيه فيكون الأصل [ح] أصلا
موضوعيا حاكما على العمومات لا معارضا لها نظير استصحاب الجنابة عند الشك في أصل الغسل وكيف كان فلا ينبغي التأمل في أن القول
بأنه يتمه ويتوضأ للصلاة هو الأشبه بالقواعد اما وجوب الوضوء فلما عرفت من عموم ما دل على سببية الاحداث لوجوب الوضوء المقتصر في
تخصيصها على ما إذا صدرت قبل غسل الجنابة واما كفاية اتمام غسله وعدم وجوب استينافه من رأس فلاستصحاب صحة الاجزاء المأتي
256

بها الحاكم على استصحاب اثر الجنابة وأصالة الاشتغال فان معنى استصحاب صحة الأجزاء السابقة ترتيب اثارها الشرعية الثابتة لها قبل
عروض ما يشك في ناقضيته وهي كونها مؤثرة في حصول الطهارة بشرط لحوق سائر الاجزاء بها فكما انه لا يرفع اليد عن اثر الغسل والوضوء
بمجرد احتمال وجود الناقض أو ناقضية الموجود فيستصحب الطهارة الحاصلة منهما إلى أن يعلم المزيل فكذلك لا يرفع اليد عن اثر أبعاض
الوضوء والغسل بمجرد احتمال وجود الناقض أو ناقضية الموجود بل يستصحب اثرها إلى أن يعلم ارتفاعه وليس استصحاب صحة الاجزاء
عند الشك في ناقضية الحدث الصادر في الأثناء كاستصحاب صحة الاجزاء عند الشك في مانعية الموجود كما لو شك في اشتراط
صحة الصلاة بعدم تخلل الفصل الطويل أو عدم وقوع الكلام في أثنائها فإنه ربما يناقش في استصحاب الصحة في مثل هذه الموارد
نظرا إلى أن وجود ما يشك في مانعيته يورث الشك في بطلان الاجزاء اللاحقة بمعنى عدم قابليتها للانضمام إلى الأجزاء السابقة فلو
صلى مثلا ركعة ثم صدر منه ما يشك في مانعيته فإنما يشك في امكان اتمام الصلاة لا في انقلاب ما وجد عما وجد عليه ولا في ارتفاع
اثرها من حيث هي فاستصحاب صحتها لا يجدى في القطع بتفريغ الذمة من المركب واما ما نحن فيه فليس من
هذا القبيل فان الشك فيه
ليس إلا في ارتفاع اثر الأجزاء السابقة أعني حصول الطهارة عند الاتيان بساير الاجزاء لا في مانعية الموجود من لحوق اللاحق
بسابقة كمالا يخفى هذا مع انا قد وجهنا فيما علقناه على رسائل شيخنا المرتضى [ره] التمسك بأصالة الصحة في سائر الموارد أيضا من اراده فليراجع
ولو اغمض عن استصحاب الصحة فالأظهر جريان قاعدة البراءة لا الاشتغال لأن الشك في انتقاض الغسل مرجعه إلى الشك في اشتراط
الغسل بان لا يتخلل الحدث في أثنائه وهو منفى بالأصل ودعوى كونه من قبيل الشك في المكلف به لان التكليف انما تعلق بالطهارة
التي هي شرط في الصلاة وهي مبنية مفهوما وانما الاجمال في مصداقها فيجب فيها الاحتياط قابلة للمنع كما تقدم تحقيقه في مبحث الوضوء
وربما يستدل لكفاية الاتمام باطلاق الاخبار البيانية الامرة بغسل الرأس والجسد فان مقتضى اطلاق الامر فيها حصول الاجزاء
لوجود المأمور به في الخارج [مط] خصوصا بالنظر إلى اطلاق قوله (ع) وكل شئ أمسسته الماء فقد انقية وما جرى عليه الماء فقد أجزاه و
يمكن المناقشة فيه بورود الاطلاق في مقام بيان حكم اخر كمالا يخفى نعم ربما يؤيد القول بكفاية الاتمام الرواية المتقدمة الدالة على عدم
اخبار الموالاة الواردة في قضية أم إسماعيل وما دل على تأخير غسل بعض الأعضاء ولو إلى نصف يوم أو أزيد فإنه ربما يستبعد إرادة
ما لو لم يصدر الحدث في الأثناء والا بينها في مقام الحاجة وكيف كان فهذا القول وان كان أوفق بالقواعد ولكن الاحتياط باستيناف
الغسل ثم الوضوء للصلاة ممالا ينبغي تركه والله العالم
* (المسألة الثالثة) * لا يجوز ان يغسله غيره مع الامكان ويجوز مع الضرورة
كما في الوضوء لعين ما تقدم فيه ويكره ان يستعين فيه كالوضوء لعموم العلة المنصوصة في الأخبار المستفيضة
الواردة في الوضوء والله
العالم
* (الفصل الثاني) * من الفصول الخمسة في تشخيص دم الحيض وما يتعلق به من الأحكام الشرعية
اما دم الحيض فهو دم معروف
معتاد للنساء خلق فيهن لحكم كثيرة منها تغذية الولد إذا حملت فإذا وضعت أزال الله عنه صورة الدم وكساء صورة اللبن ليتغذى به الطفل
مدة رضاعه فإذا خلت من الحمل والرضاع بقي الدم لا مصرف له فيستقر في مكان ثم يخرج غالبا في كل شهر ستة أيام أو سبعة أو أقل أو
أزيد على حسب مزاج المرأة حرارة وبرودة وهو معروف عند النساء لاخفاء فيه مفهوما كالبول والمنى وان كان ربما يشتبه مصاديقه بغيره
من الدماء وربما يطلق الحيض في العرف والشرع ويراد منه هذا الدم مسامحة والا فحيض المرأة في الحقيقة كما عن تنصيص جماعة من العلماء
واللغويين عبارة عن سيلان دمها لا عن نفس الدم وقد شاعت هذه المسامحة في عرف الفقهاء حتى كان الحيض صار لديهم حقيقة في نفس
الدم ولذا عرفه به جملة منهم
وكيف كان فدم الحيض هو الدم المعهود المعروف عند النساء الذي علم من بيان الشارع ان له تعلق بانقضاء العدة
وان لقليله حد وهاتان الصفتان من الخواص المركبة التي لا توجد الا في دم الحيض واما سائر أوصافه كالحرارة والسواد والحرقة ونحوها فهي
أوصاف غالبيته ربما يتخلف عنها ويكون فاقدا لجميعها كما سيتضح لك فيما سيأتي * (ثم) * ان الدم المعهود يعرف غالبا بوقته وأوصافه لان
له في أغلب افراده المتعارفة وقت مضبوطا وأوصاف معينة يمتاز بها عن غيره وهو في الأغلب يكون اسود أي مايلا إلى السواد لشدة
حرته غليظا حارا يخرج بحرقة حاصلة من دفعه وحرارته واستفيد كونه متصفا بهذه الأوصاف من النص والحس بشهادة أهله ففي
صحيحة حفص بن النتجرى أو حسنته قال دخلت على أبي عبد الله (ع) امرأة سألته عن المرأة تستمر بها الدم فلا تدرى حيض هو أم غيره قال فقال
لها ان دم الحيض حار عبيط اسود له دفع وحرارة ودم الاستحاضة اصفر بارد فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة
فال فخرجت وهي تقول والله لو كان امرأة ما زاد على هذا * (و) * في صحيحة معاوية بن عمار قال إن دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان
من مكان واحد ان دم الاستحاضة بارد ودم الحيض حار * (و) * موثقة إسحاق بن جرير قال سألت امرأة منا ان ادخلها على أبي عبد الله
عليه السلام فاستأذنت لها فاذن لها فدخلت ومعها مولاة لها إلى أن قال فقالت له ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها
257

قال إن كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة قال فان الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف
تصنع بالصلاة قال تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين قالت له ان أيام حيضها تختلف عليها وكان يتقدم الحيض اليوم
واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك فما علمها به قال دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ودم الاستحاضة دم فاسد
بارد قال فالتفتت إلى مولاتها فقالت أتراه كان امرأة مرة ثم إن توصيف الدم بهذه الصفات في الاخبار وارد مورد الأغلب
والا فسيتضح لك ان كثيرا ما يحكم بالحيضية على فاقدها وبالاستحاضة على المتصف بها وحيث أمكن تخلف دم الحيض والاستحاضة
عن الأوصاف المذكورة في الروايات ربما لا يحصل الوثوق بكون الموصوف بأوصاف الحيض أو الاستحاضة حيضا أو استحاضة
أو كون فاقد أوصاف الحيض أو الاستحاضة غير الحيض أو الاستحاضة فيشكل الاعتماد عليها في غير مورد النصوص في تشخيص دم الحيض
اللهم الا ان يدعى كما في المدارك والحدائق والمستند ظهور هذه الروايات في كون هذه الأوصاف امارة ظنية اعتبرها
الشارع طريقا تعبديا لمعرفة موضوع الحيض بحيث يدور الحكم بالحيضية مدارها وجود أو عدما الا في الموارد التي دل الدليل على
خلافها قال في المدارك ويستفاد من هذه الروايات ان هذه الأوصاف خاصة مركبة للحيض فمتى وجدت حكم
بكون الدم حيضا
ومتى انتفت انتفى الا بدليل من خارج واثبات هذا الأصل ينفع في مسائل متعددة من هذا الباب انتهى ولكنك خبير بما في
عموم هذه الدعوى من الاشكال إذ لا دلالة في شئ من الاخبار أصلا على أنه لا يكون دم آخر بأوصاف الحيض أو الاستحاضة
ولذا لا يعتنى بأوصاف الدم عند اشتباهه بدم القروح أو العذرة ومنطوق الشرطية في قوله (ع) فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد
فلتدع الصلاة لا يدل الا على ثبوت الحيضية بتحقق الأوصاف في الموضوع الذي فرضه السائل وهو ما لو استمر بها الدم واختلط
حيضها بالاستحاضة فمرجع الضمير في قوله (ع) فلتدع الصلاة ليس إلا هذه المرأة المفروضة لا مطلق المرأة التي خرج منها دم موصوف
بهذه الأوصاف وإن لم يختلط حيضها بالاستحاضة بل اشتبه بدم العذرة أو القروح مثلا ودعوى ظهور سياق الروايات
في كونها مسوقة لبيان اعطاء الضابط لمعرفة دم الحيض مطلقا * (مدفوعة) * أولا بان غاية ما يمكن دعويه ليس إلا كونها مسوقة لبيان
ما يتميز به دم الحيض عن الاستحاضة عند اختلاط بعضها ببعض وثانيا ان المتأمل في سياق الاخبار لا يكاد يرتاب في عدم كونها مسوقة
لبيان ضابطة تعبدية بل هي ارشاد إلى معرفة أوصاف الدم المعهود التي يمتاز بها عن دم الاستحاضة وحيث إن هذه الأوصاف
امارة غالبية لا دائمية يعرف من اعتناء الشارع بها وارجاعها إليها كونها طريقا تعبديا في موردها وهو ما لو استمر بها الدم واختلط
الحيض بالاستحاضة * (نعم) * لا يبعد دعوى استفادة طريقيتها لتشخيص دم الحيض عن الاستحاضة عند اشتباه أحدهما بالاخر مطلقا
ما لم يدل دليل على خلاف ذلك فليتأمل وهل يخرج دم الحيض من الجانب الأيسر والأيمن فيه خلاف سيأتي التعرض [انش‍] وقد يشتبه دم
الحيض بدم العذرة أي البكارة فيعتبر بالقطنة ونحوها ولا يلتفت [ح] إلى أوصاف الدم لما أشرنا فيما تقدم من أن الرجوع إلى الأوصاف
انما هو لتمييز الحيض عن الاستحاضة لاعن سائر الدماء فان خرجت القطنة مطوقة فهو دم العذرة وان خرجت منغمسة فهو الحيض لصحيحة
خلف بن حماد قال دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) بمنى فقلت له ان رجلا من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها سال
الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام وان القوابل اختلفن في ذلك فقال بعضهن دم الحيض وقال بعضهن دم العذرة فما
ينبغي لها ان تصنع قال (ع) فلتتق الله فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر وليمسك عنها بعلها وان كان من
العذرة فلتتق الله ولتتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها ان أحب ذلك فقلت له وكيف لهم ان يعلموا ما هو حتى يفعلوا ما ينبغي قال
فالتفت يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة ان يسمع كلامه أحد ثم نهد إلي فقال يا خلف سر الله سر الله فلا تذيعوه ولا تعلموا هذا
الخلق أصول دين الله بل ارضوا لهم ما رضى الله لهم من ضلال قال ثم عقد بيده اليسرى تسعين ثم قال تستدخل القطنة ثم تدعها مليا
ثم تخرجها اخراجا رقيقا فإن كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة وان كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض قال خلف
فاستخفني الفرح فبكيت فلما سكن بكائي قال ما أبكاك قلت جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك قال فرفع يده إلى السماء وقال إني
والله ما أخبرك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله عز وجل * (و) * صحيحة زياد بن سوقة قال سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل افتض امرأته
أو أمته فرات دما كثيرا لا ينقطع عنها يوما كيف تصنع بالصلاة قال تمسك الكرسف فان خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة
تغتسل وتمسك معها قطنة وتصلى فان خرج الكرسف منغمسا بالدم فهو من الطمث تقعد عن الصلاة أيام الحيض ثم إن المتبادر من
الصحيحتين وفتاوى الأصحاب ليس إلا إرادة حكم ما إذا تردد الدم بين كونه دم الحيض أو العذرة على سبيل منع الخلو فيكون عدم تطوق
الدم [ح] دليلا على عدم كونه من العذرة فيتعين كونه حيضا بحكم الفرض واما لو لم ينحصر الاحتمال فيهما بان احتمل كونه من القرحة أو الاستحاضة
258

فيشكل الحكم بالحيضية بمجرد خروج القطنة منغمسة بالنظر إلى اطلاق الصحيحتين وفتاوى الأصحاب الا ان يقتضيه دليل آخر من قاعدة الامكان
ونحوها لأنه لا يفهم منهما بعد فرض انحصار الاحتمالين في موردهما كون الانغماس امارة تعبدية لثبوت الحيضية لجواز ان يكون طريق
العلم بحيضية الدم نفى الاحتمال الاخر لا الانغماس ولذا توقف المصنف في ظاهر المتن والنافع وصريح المعتبر وكذا العلامة في ظاهر
القواعد في المسألة ولم يحكم بالحيضية والاعتراض عليهما بمنافاته لظاهر النصوص والفتاوى قد عرفت دفعه بعدم دلالتهما على كون
الانغماس امارة تعبدية لثبوت الحيضية واما الاعتراض عليهما بان مفروضهما ما إذا انحصر الاحتمال في الامرين فلا وجه للتوقف في
ثبوت أحدهما بعد الجزم بنفي الاخر فيدفعه ان ثبوت أحد الامرين المعلوم ثبوت أحدهما بعد العلم بنفي الاخر من البديهيات الأولية
التي لا تختفي على أحد فضلا عن مثل المحقق والعلامة فعدم جزمهم بثبوت الحيضية دليل على أن توقفهم انما هو فيما إذا احتمل كونه
دما آخر سوى العذرة والحيض واما ما نقل عن المصنف في المعتبر من دعوى الاجماع على أن ما تراه المرأة من الثلاثة إلى العشرة يحكم
بكونه حيضا ما لم يعلم أنه لقرح أو عذرة وإن لم يكن بصفات الحيض فلا ينافي توقفه في المقام لان مقتضى الجزم بكونه حيضا بمجرد
الانغماس الحكم بحيضيتها في اليوم الأول والثاني وإن لم يعلم بأنه يستمر إلى ثلاثة أيام والحال ان المقصود في المقام ليس إلا التنبيه
على أنه لا يفهم من النص والاجماع كون الانغماس الدم من حيث هو دليلا على كونه حيضا بل هو دليل على عدم كونه من العذرة فيكون
حاله عند الانغماس كحال الدم الذي تراه ولم تحتمل كونه من العذرة وستعرف في بعض الفروع الآتية ان المصنف [ره] لا يقول
بحيضية الدم بمجرد رؤيته واحتمال كونه حيضا ثم إن مقتضى اطلاق الصحيحتين بقرينة ترك التفصيل وجوب الاختبار عليها مطلقا سواء
علمت أولا بأنه من العذرة ثم شكت لكثرته أو استمراره أو نحوهما في أن ذلك هل هو دم العذرة أو انه انقطع دم العذرة وحدث
الحيض أولم ينقطع ولكنه حدث الحيض فامتزجا أوشك ابتداء في أنه من الحيض أو من العذرة ولا مسرح لأصالة عدم حدوث دم الحيض
أو بقاء دم العذرة أو أصالة البراءة عن التكليف بعد ظهور النص في وجوب الاختبار عليها عند الاشتباه [مط] من دون تفصيل * (نعم) *
لو لم تعلم بالاقتضاض ولكنها احتملته فشكت في كون الدم منه أو من الحيض لم يجب عليها الفحص لعدم الدليل عليه لاختصاص الصحيحتين
بصورة العلم فالأصل براءة ذمتها عن التكليف بل الأصل سلامتها وعدم حدوث الاقتضاض المقتضى لوجوب الفحص فتعمل في حكم الدم
على القواعد الشرعية المقررة له ولكنها لو اختبرت وخرجت القطنة مطوقة بنت على أنه من دم العذرة لا الحيض لدلالة الصحيحتين على أن
خروجها مطوقة ينفى احتمال الحيضية [مط] ولو في غير مورد السؤال * (نعم) * يجوز عقلا ان يكون خروجها مطوقة امارة ظنية معتبرة
في خصوص المورد الا ان ظاهر الروايتين اعتبارها في مقام التمييز مطلقا إذ لا يفهم عرفا لخصوص المورد خصوصية في طريقيتها ولا في
اعتبارها شرعا بل المتبادر منهما ليس إلا كون خروج القطنة مطوقة مايزا بين دم الحيض والعذرة [مط] بل ربما يقال بحصول التمييز
بذلك بين دم العذرة والاستحاضة أيضا فيرجع إليه عند الاشتباه * (وفيه) * نظر لأنه انما يتم لو ثبت ان دم الاستحاضة كالحيض لا يكون
الا منغمسا بالقطنة والا فخروجها مطوقة لا ينفى احتمال كونه استحاضة نعم خروجها منغمسة دليل على عدم كونه من العذرة فالاختبار انما يجدى
في صورة انحصار الاحتمالين وخروجها منغمسة واما في ما عدا هذا الفرض فيحكم بأنه استحاضة لو قلنا بأنها الأصل في كل دم ليس
بحيض والا فالمرجع استصحاب حالتها قبل رؤية هذا الدم من الطهارة أو الحدث * (وهل) * يجب عليها الاختبار لو حاضت أولا ثم اقتضت
فشكت في كون الدم منه أو من الحيض أم ترجع إلى أصالة بقاء الحيض وبراءة ذمتها عن التكليف وجهان من خروجه من مورد النص فيرجع
فيه إلى القواعد ومن أن خصوصية المورد لا توجب تخصيص الحكم فكما يفهم من الصحيحتين حصول التمييز هذه العلامة في جميع موارد
الاشتباه كذلك يفهم منهما وجوب الرجوع إليها في جميع تلك الموارد نعم لو كان الشك في أصل الاقتضاض يشكل استفادة وجوب
الفحص فيه من الروايتين حيث إن اعتبار أصالة العدم بالنسبة إليه من الأمور المغروسة في الأذهان على وجه لا يلتفت الذهن عند
احتماله إلى كون الدم مما يشك في حكمه والانصاف انه لا ينبغي ترك الاحتياط بالفحص في جميع موارد الشبهة بل لا يبعد القول بوجوبه
مطلقا في جميع مواقع الاشتباه نظرا إلى ما في صحيحة خلف من التهديد على مخالفة الواقع فان ظاهرها عدم كون الجهل عذرا في
موارد الاشتباه ومقتضاه عدم جواز الرجوع إلى الأصول من أول الأمر ووجوب الفحص عليها مهما أمكن * (نعم) * في كل مورد تعذر
عليها الفحص لكثرة الدم أو نحوها من الاعذار تعمل بالأصول من استصحاب الحدث أو الطهارة لان الجهل [ح] عذر عقلي كما في
الشبهات الحكمية فيرجع فيها إلى القواعد الشرعية المقررة للجاهل والله العالم ولو تركت الفحص في الموارد التي وجب عليها الاختبار
وصلت ثم انكشفت مطابقتها لما هو تكليفها لم تجب اعادتها على الأظهر لأنه انما وجب عليها الاختبار مقدمة لترتيب اثار دم
العذرة عليه على تقدير كونه منها واثار دم الحيض على تقدير كونه حيضا ولا دليل على مدخلية الاختبار في قوام تلك الآثار حتى
259

تفسد بالاخلال به بل الأدلة قاضية بعدمها * (نعم) * لو التفت في أول الصلاة إلى وجوب الفحص واحتملت حرمة الصلاة عليها
ذاتا أعادها حيث لا يتأتى منها في مثل الفرض قصد القربة المعتبرة في صحة العبادة * (واما) * لو لم تحمل الا حرمتها تشريعا فاتت بها
بقصد الاحتياط صحت صلاتها إن لم نعتبر الجزم في النية والا بطلت على ما هو المشهور من اعتبار الجزم بالنية مع الامكان ولكنه
لا يخلو عن تأمل كما عرفت تحقيقه في نية الوضوء والحاصل ان الصحة تدور مدار الشرايط المعتبرة في مهية الصلاة من قصد القربة والجزم
في النية ونحوهما وليس للاختبار من حيث هو وجود أو عدما مدخلية في مهية عباداتها والله العالم * (واعلم) * انه ليس لادخال القطنة
كيفية مخصوصة عدا ما نص عليها في صحيحة خلف المتقدمة وما عن الشهيد في الروض من أنها تستلقى على ظهرها وترفع رجليها ثم
تستدخل القطنة فلا دليل عليه وان استند فيه إلى روايات أهل البيت الا ان جماعة ممن تأخر عنه نبهوا على أن ذلك صدر عنه
غفلة فان الامر بالاستلقاء انما هو في الرواية الآتية في اشتباه الحيض بالقرحة الامرة باستدخال الإصبع بعد الاستلقاء
لا في اخبار الباب والله العالم
وكل ما تراه الصبية من الدم قبل بلوغها تسعا كاملا من حين الولادة أي اكمالها تسعا بالسنة
القمرية بان ينتهى كل دور من حين الولادة إلى حلول هذا الحين من مثل شهرها من السنة الآتية على الأظهر فليس بحيض اجماعا
كما عن جماعة دعوية ويدل عليه مضافا إلى الاجماع صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال قال أبو عبد الله (ع) ثلث يتزوجن على كل حال
وعد منها التي لم تحض ومثلها لا تحيض قال قلت وما حدها قال إذا اتى لها أقل من تسع سنين وفي رواية أخرى له عنه (ع) قال إذا
أكمل لها تسع سنين أمكن حيضها وهنا اشكال مشهور وهو انهم صرحوا في المقام من غير خلاف بان ما تراه
الصبية قبل اكمال
التسع فليس بحيض وان كان بصفاته وهذا ينافي عد الحيض من علايم البلوغ كما هو المشهور لان العلم بكونه حيضا موقوف على
احراز شرطه وهو البلوغ الذي يحصل على بالتسع المشهور فكيف يمكن معرفة البلوغ بالحيض وحله ان للحيض أوصاف أو امارات ظنية يندر
التخلف عنها فربما يحصل منها الوثوق بأنه هو الدم المعهود فيثبت به لازمه وهو البلوغ ومن المعلوم أنه انما يعقل الاعتماد على
الامارات وان كانت معتبرة شرعا كالبنية وخبر الثقة وغيرهما ما لم يعلم مخالفتها للواقع فالعلم بعدم البلوغ كالعلم بمسبوقية
الدم بحيضة غير متخللة بزمان أقل الطهر يوجب العلم بتخلف الامارات عن الواقع فلا يجوز الاعتناء بها [ح] وهذا بخلاف صورة
الشك فإنه يعمل بمؤداها من الحكم بالحيضية فيثبت بها البلوغ الذي هو من لوازمها واما الكلام في طريقية هذه الامارات و
اعتبارها شرعا فله مقام آخر لا مدخلية له في حل الاشكال هذا مع أن المناقشة في اعتبارها شرعا انما تتمشى فيما إذا لم يحصل الاطمينان
(بعدم التخلف عن الواقع والا فلو حصل الاطمينان صح) وجزم النفس بعدم التخلف فلا وجه للمناقشة في الاعتماد عليها
وكذا أي كالدم الخارج قبل التسع في عدم الحيضية قيل فيما يخرج من
الجانب الأيمن كما عن الصدوق والشيخ واتباعه بل نسب إلى المشهور اشتراط خروجه من الجانب الأيسر عند اشتباهه بدم القرحة وعن
ابن الجنيد [ره] أنه قال دم الحيض اسود عبيط تعلوه حمرة يخرج من الجانب الأيمن وتحس المرأة بخروجه ودم الاستحاضة بارد رقيق يخرج
من الجانب الأيسر * (وعن) * الشهيد [ره] في البيان موافقة الشيخ واتباعه وفي الذكرى والدروس كابن الجنيد في دم الحيض ومنشأ هذا
الاختلاف اختلاف متن الرواية التي هي مستند الحكم فإنه روى شيخنا الجليل محمد بن يعقوب رضي الله عنه في الكافي عن محمد بن يحيى
رفعه عن ابان قال قلت لأبي عبد الله (ع) فتاة منا بها قرحة في جوفها والدم سائل لا تدرى من دم الحيض أم من دم القرحة فقال (ع)
مرها فلتستلق على ظهرها ثم ترفع رجليها ثم تدخل إصبعها الوسطى فان خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض وان خرج من الجانب
الأيسر فهو من القرحة * (و) * عن الشيخ في التهذيب انه نقل الرواية بعينها وساق الحديث إلى أن
قال فان خرج من الجانب الأيسر فهو من
الحيض وان خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة قال في المدارك قيل ويمكن ترجيح رواية التهذيب بان الشيخ اعرف بوجوه الحديث
واضبط خصوصا مع فتواه بمضمونها في النهاية والمبسوط وفيهما نظر بين يعرفه من يقف على أحوال الشيخ ووجوه فتواه * (نعم) * يمكن
ترجيحها بافتاء الصدوق [ره] في كتابه بمضمونها مع أن عادته فيه نقل متون الاخبار ويمكن ترجيح رواية الكليني [ره] بتقدمه وحسن ضبطه
كما يعلم من كتابه الذي لا يوجد مثله وبان الشهيد [ره] ذكر في الذكرى انه وجد الرواية في كثير من نسخ التهذيب كما في الكافي وظاهر كلام
ابن طاووس [ره] ان نسخ التهذيب القديمة كلها موافقة له أيضا وكيف كان فالأجود اطراح هذه الرواية كما ذكره المصنف [ره] في المعتبر
لضعفها وارسالها واضطرابها ومخالفتها للاعتبار لان القرحة يحتمل كونها في كل من الجانبين والأولى الرجوع إلى حكم الأصل
واعتبار الأوصاف بقي هنا شئ وهو ان الرواية مع تسليم العمل بها انما تدل على الرجوع إلى الجانب مع اشتباه الدم بالقرحة وظاهر
كلام المصنف [ره] هنا وصريح غيره يقتضى اعتبار الجانب مطلقا وهو غير بعيد فان الجانب ان كان له مدخل في حقيقة الحيض وجب اطراده
وإلا فلا انتهى كلامه رفع مقامه * (أقول) * اما ضعف سند الرواية وارسالها فلا يوهنها بعد انجبارها بعمل الأصحاب قديما وحديثا
260

بحيث لا يكاد يوجد من يطرحها ويرفع اليد عنها بالمرة واما اضطراب متنها فلا يوجب الا اجمالها من حيث تعيين الجانب واما دلالتها على
عدم كون الأوصاف مرجعا في مثل الفرض فلا بل وكذا يفهم منها عدم كون قاعدة الامكان التي سيأتي التكلم فيها بعد تسليم عمومها مرجعا
في المقام بل المتعين فيه بمقتضى القواعد على تقدير تسليم الاجمال انما هو الرجوع إلى استصحاب الحالة السابقة الموافقة لاحد الاحتمالين
واما ما قيل في توهين الرواية بمخالفتها للاعتبار لجواز كون القرحة في كل من الجانبين فمما لا ينبغي الالتفات إليه إذ من الجايز ان
يكون حصول القرحة التي يسيل منها دم يشتبه بدم الحيض في أحد الجانبين مما يتدوا ويمتنع عادة لما فيه من الموانع التي لا نعلمها أو يكون
للاستلقاء بالكيفية الخاصة مدخلية في استقرار دم القرحة في مقر خاص وخروجه من مجرى معين واما دم الحيض فلقوته وتدافعه
لا يخرج الا من مخرجه الطبيعي وكيف كان فلا يلتفت إلى مثل هذه الاعتبارات في الأحكام الشرعية التعبدية * (ثم) * ان مقتضى ما نقله
عن الشهيد وابن طاووس [ره] انما هو وقوع التشويش والاضطراب في نسخة التهذيب فهي بنفسها مع قطع النظر عن المرجحات الخارجية
لا تصلح لمكافئة الكافي ولكن الانصاف ان المتأمل في القرائن الخارجية لا يكاد يرتاب في صحة النسخ الموافقة للمشهور وكون النسخ
القديمة الموافقة للكافي من تحريفات النساخ ولعل منشاها عرضها على الكافي ومقابلتها معه * (منها) * فتوى الشيخ في النهاية والمبسوط
بمضمونه فان من المستبعد جدا ان يكون فتواه في الكتابين مخالفة لما رواه في التهذيب مع أن الظاهر انحصار مدركها فيه * (ومنها) *
ما نقل عن بعض المحققين أنه قال اتفقت نسخ التهذيب على المشهور فان اتفاقها في الأعصار المتأخرة
يؤيد كون ماراه الشهيد
من النسخ القديمة مصحفة كما يؤيده عدم تعرض المحشين على ما قيل لبيان كون المورد من مواقع الاشتباه مع أن عادتهم التعرض
لبيان مثل ذلك * (ومنها) * فتوى المشهور قديما وحديثا على ما يوافقه فان ما في التهذيب على تقدير كونه
اشتباها من الشيخ أو من غيره
انما يعقل ان يؤثر في فتوى من تأخر عن الشيخ لامن تقدم عليه ولذا قيل إن رواية الشيخ أثبت لموافقتها لما ذكره المفيد والصدوق
في المقنع والفقيه الذي ضمن صحة ما فيه وكونه مستخرجا من الكتب المشهورة ولرسالة علي بن بابويه التي قيل في حقها انها كانت مرجع
جميع من تأخر عنه عند اعواز النص لكونها من متون الاخبار وكذا نهاية الشيخ على ما قيل وعن الفقه الرضوي أيضا ما يوافقها
وكيف كان فلا شبهة في أنه يستكشف من فتوى الصدوق ونظرائه ثبوت رواية موافقة لما عليه المشهور في الأصول المعتبرة التي
يعتمد عليها مثل الصدوق لأنه يمتنع عادة ان يصدر مثل هذه الفتوى من مثلهم عن حدس واجتهاد من دون ان يصل إليهم
رواية معتبرة فان كانت هذه الرواية ما رواها الشيخ في التهذيب كما هو المظنون لو لم نقل بكونه المقطوع به فهو والا فنقول هذه الرواية
التي استكشفناها اجمالا من فتوى مثل هؤلاء الاعلام لا يعارضها ما في الكافي لشذوذه واعراض الأصحاب عنه فظهر لك انه لا
حاجة لنا إلى اثبات أرجحية ما في التهذيب بخصوصه مما في الكافي حتى يتوهم ان الأشياء المذكورة انما تفيد الظن بعدم وقوع الاشتباه
من الشيخ في نقله وانه أوثق من الكليني في خصوص المقام ولا دليل على اعتبار مثل هذا الظن حيث إن المقام ليس من قبيل تعارض الخبرين
حتى يترجح أحدهما بالشهرة أو بالأوثقية أو بغيرها من المرجحات إذ الظاهر بل المقطوع به كونهما رواية واحدة وقد وقع الاختلاف
في نقلها ولا دليل على اعتبار المرجحات في مثل الفرض هذا مع أن التوهم فاسد من أصله لاستقرار سيرة العلماء بالاعتناء
بمثل هذه المرجحات في تعيين ألفاظ الرواية فيمكن الاستدلال عليه أولا ببناء العقلاء على الاعتناء بمثل هذه الترجيحات لدى
الحاجة كما في ترجيح أقوال اللغويين بعضها على بعض وثانيا باستفادته مما ورد في الاخبار المتعارضة اما بتنقيح المناط للقطع بان
الامر بالأخذ بقول من كان أوثق وأصدق من الراوين ليس إلا لكون احتمال صدوره من الامام أقوى أو بدعوى عدم قصور ما ورد في الا
خبار المتعارضة عن شمول مثل الفرض إذا المناط ليس صدور اخبار متعارضة عنهم (ع) وإلا فلا معنى للاخذ بقول الأصدق والأوثق
بل المناط بلوغ روايتين مختلفتين الينا وهذا كما يصدق فيما لو نسبهما الراويان إلى الإمام (ع) بحيث تتعدد الرواية اصطلاحا
كذلك يصدق في مثل الفرض لصدق قولنا روينا عن الكليني باسناده إلى الإمام (ع) كذا وروينا عن الشيخ كذا فقد بلغنا عن الإمام (ع)
في الفرض روايتان مختلفتان وان اتحدتا اصطلاحا ببعض الاعتبارات * (ان قلت) * فمقتضى ما ذكرت الحكم بالتخيير على تقدير تكافؤ
الاحتمالين لا التساقط كما هو المختار في تعارض الخبرين وهذا ينافي ما تقدم من أن المتعين على تقدير تكافؤ الاحتمالين الرجوع إلى
الأصل الموافق لأحدهما * (قلت) * الظاهر اختصاص الحكم بالتخيير في الخبرين المتعارضين بما إذا لم يعلم بكذب أحدهما واحتمل صدورهما
معا من الشارع لان حكمته على ما يستفاد من جملة من الاخبار التسليم والانقياد لامر الشارع وعدم رفع اليد عنه مهما أمكن وهذا
انما يتصور فيما إذا أحرز امر الشارع بكل منهما اما بالسمع أو بالتواتر أو باخبار الثقات التي لا يعتنى باحتمال كذبهم * (توضيح) * المقام
ان الملحوظ أولا وبالذات في الأخبار الواردة في علاج المتعارضين على ما يشهد به التأمل فيها انما هو ترجيح أحد الخبرين على الاخر
261

من حيث طريقيته لاثبات الحكم الشرعي الواقعي وبعد ان فرض السائل تساويهما من جميع الجهات من حيث طريقيتهما لاثبات متعلقهما
امر الإمام (ع) بالأخذ بأحدهما مخيرا تسليما لامر الشارع ومرجعه في الحقيقة إلى أن الطريقين لما تكافئا من حيث طريقيتهما للواقع
تساقطا عن الاعتبار من هذه الجهة ولكنهما بعد باقيان على طريقيتهما من حيث كشفهما عن صدور الامر من الشارع إذ لا معارضة
بينهما من هذه الجهة لامكان صدورهما معا وعدم كون أحدهما أو كليهما لبيان الحكم الواقعي النفس الامرى فيكون التكليف
بعد احراز صدور الخطابين المتنافيين من الشارع بالعلم أو بطريق معتبر الاخذ بأحدهما مخيرا من حيث وجوب التسليم و
الانقياد لا من حيث كشفه عن الحكم الواقعي فان الامتثال للأوامر الصادرة من النبي صلى الله عليه وآله وأوصيائه صلوات الله عليهم جهتان
من الوجوب كمالا يخفى * (والحاصل) * ان الحكم بالتخيير انما هو فيما أمكن صدور الروايتين من الشارع واما الرجوع إلى المرجحات
السندية فمورده أعم من ذلك فإنه يعم ما لو علم كذب إحديهما كما فيما نحن فيه فليتأمل ثم لا يخفى عليك انه بناء على حرمة عبادة
الحائض ذاتا لا يمكن الاحتياط عند اشتباه دم الحيض بدم القرحة أو غيرها لدوران الامر بين المحذورين فما في الجواهر بعد
ترجيح رواية التهذيب من أن سبيل الاحتياط غير خفى على اطلاقه محل نظر بقي الكلام فيما ذكره في المدارك من تأييد ظاهر
عبارة المصنف وصريح غيره من اعتبار الجانب [مط] بان الجانب ان كان له مدخل في حقيقة الحيض يجب اطراده * (وفيه) * انه يمكن ان يكون
منشأ اعتباره الغلبة فهي امارة ظنية قد اعتبرها الشارع في مورد خاص كساير الامارات المعتبرة في باب الحيض كأوصاف الدم
وكونه في أيام العادة وخروج القطنة غير مطوقة ونحوها فلا يجوز التخطي عن المورد المنصوص الا بعد القطع بعدم مدخلية
خصوصيته في طريقيتها ولا في اعتبارها شرعا اللهم الا ان يدعى ان احتمال مدخلية القرحة في خروج الدم من الأيسر ليس احتمالا
عقلائيا واما احتمال كونه امارة شرعية اعتبرها الشارع لأجل الغلبة كساير الامارات المعتبرة في باب الحيض فهو احتمال قوى ولكن
الرواية بظاهرها تدل على أن ما يخرج من الأيمن ليس بحيض حقيقة وما يخرج من الأيسر لا يكون من القرحة ومقتضى حمل الرواية
على ظاهرها هو الالتزام بكون كل من الوصفين معرفا حقيقيا لكل من الدمين لان ظاهر الشرطية كونها لزومية لا غالبية أو اتفاقية
وكون سائر الامارات أوصافا غالبية لا يصلح قرينة لرفع اليد عن ظاهر هذه الرواية ولكن الانصاف انه يشكل رفع اليد بمثل
هذا الظاهر عن الاطلاقات والعمومات المقتضية للحكم بالحيضية عند اجتماع شرايطها ككونه في أيام العادة ونحوه لقوة الظن لو لم
ندع القطع بكون الوصفين امارة شرعية تعبدية منشأ اعتبارها الغلبة لا من الأوصاف التي لا تخلف والله العالم * (ولو) * شكت
في وجود القرحة واحتملت كون الدم منها على تقدير وجودها لا يجب عليها الفحص والاختبار لأصالة السلامة وعدم وجوب الفحص ولو
اختبرت وعلمت بخروج الدم من الأيمن ولم نقل باعتبار الجانب [مط] كما هو الأظهر فهل يبنى على أنه من القرحة وجهان من اختصاص
النص بصورة العلم بوجودها ومن أن خصوصية المورد لا توجب قصر الحكم كما عرفت في المشتبه بدم العذرة لا يخلو أولهما عن وجه
لان دعوى القطع بعدم مدخلية الخصوصية في المقام مشكلة جدا لان كون القرحة الموجودة في الجوف على وجه يدرك وجودها وشأنيتها
لان يسيل منها دم مشتبه بالحيض يورث قوة الظن بكون الدم الخارج من الأيمن منها وهذا بخلاف ما لو كانت الشبهة في أصل وجودها فإنه
يبعد كون الدم المشتبه بالحيض من قرحة غير معلومة التحقق فيشكل استفادة اعتبار الجانب في هذه الصورة من الدليل الدال على
اعتباره في الفرض الأول والله العالم ثم إنه نقل من كاشف الغطاء الحاق الجرح بالقرح معللا بعدم التميز بينهما في الباطن و
بأنهما في المعنى واحد وفيه نظر ظاهر
وأقل الحيض ثلاثة أيام فما نقص منها ليس بحيض لما سيتضح لك من أن سيلان الدم في ثلاثة
أيام في الجملة من مقومات مهية الحيض نصا واجماعا فلا يعقل تحققها في ضمن الأقل من الثلاثة وما في خبر إسحاق بن عمار عن أبي
عبد الله (ع) في المرأة الحبلى التي ترى الدم اليوم واليومين قال (ع) ان كان الدم عبيطا فلا تصل ذينك اليومين وان كان صفرة فلتغتسل
عند كل صلاتين مطروح أو مؤل كما سيتضح لك في محله وعلى تقدير كونه حجة فهو مخصوص بمورده وأكثره عشرة أيام فلو رأت
الدم بعدها فليس من الحيض وما في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال أكثر ما يكون من الحيض ثمان وأدنى
ما يكون منه ثلاثة لأجل مخالفته للاجماع والأخبار المستفيضة بل المتواترة يجب رد علمه إلى أهله ولا يبعد ان يكون المراد منه
بيان الأكثر منه بمقتضى عادة النساء في الغالب لا التحديد الشرعي وكذا أي ومثل أكثر الحيض أقل الطهر في كونه عشرة أيام فلا
يكون الطهر أقل من عشرة أيام بلا خلاف بل ولا اشكال في شئ منها اجمالا كما يدل عليها المعتبرة المستفيضة التي سيأتي التعرض
لنقل جملة منها إن شاء الله ولا حد لأكثر الطهر قطعا ضرورة دوران الحيضية مدار رؤية الدم وهي امر غير قابل لان يكون له حد
شرعي وما حكى عن أبي الصلاح من تحديد أكثره بثلاثة أشهر فلعله أراد بيان عدم تجاوزه عنها في الافراد الغالبة لا التحديد
262

الشرعي والا فهو بظاهره ظاهر الفساد إذ لا يمكن الالتزام بالحيضية ما لم تر دما
وكيف كان فلا شبهة في شئ من الأحكام المذكورة
وانما الاشكال في أنه هل يشترط التوالي في الثلاثة أيام التي أشرنا إلى توقف الحيضية على رؤية الدم فيها فلو رأت الدم يوما أو يومين
ثم انقطع فرات في الخامس والسادس مثلا فليس بحيض كما عن المشهور أم لا يشترط بل يكفي كونها من جملة العشرة كما عن النهاية و
الاستبصار والمهذب وظاهر مجمع البرهان وصريح كاشف اللثام والحدائق ناقلا له عن بعض علماء البحرين أيضا بل يظهر من الحدائق
انه يكفي كونها في مدة لا يتخلل بين أبعاضها الفصل بأقل الطهر فلو رأت يوما وانقطع ثم رأت في اليوم التاسع ثم انقطع ثم
رأت بعد تسعة أيام يكون الدم المرئي في هذه الأيام الغير المتخللة بأقل الطهر حيضا بل الظاهر التزامه بامكان حصول حيضة واحدة في
ضمن أحد وتسعين يوما بان ترى في كل رأس عشرة يوما فتكون مجموع زمان حيضها عشرة وهي أكثر الحيض واما الأيام المتخللة
التي لم ترفيها دما فليست عنده من الحيض بل يجب عليها في هذه الأيام الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات المشروطة بالطهور
ولا يبعد التزام القائلين بعدم اعتبار التوالي بكفاية رؤية الدم في ساعات كثيرة متخللة إذا بلغ مجموع تلك الساعات مقدار
ثلاثة أيام من جملة العشرة بل قضية استدلال صاحب الحدائق على مذهبه الالتزام بذلك وان طالت المدة ما لم يتخلل الفصل بين
أبعاض الدم بعشرة أيام أو استدل للمشهور بأمور منها الأصول الكثيرة الجارية في المقام التي مرجعها إلى أصالة
عدم الحيض واستصحاب الأحكام الثابتة قبل خروج ما يشك في حيضيته وسيأتي التكلم في تحقيق الأصلين وبيان عدم صلاحية
شئ من الأصول لمعارضتهما ولكن الاستدلال بالأصل انما يتم على تقدير ابطال دليل الخصم * (ومنها) * العمومات المثبتة للتكاليف
مثل الصلاة والصوم وسائر العبادات المقتصر في تخصيصها على الحائض المعلوم حيضها * (وفيه) * ان الأدلة مخصصة بالنسبة إلى من
كانت حائضا في الواقع لا من علم حيضها والشك انما هو في كون الفرد من مصاديق المخصص أو للعام وقد تقرر في محله عدم جواز التشبث
بالعمومات في الشبهات المصداقية اللهم الا ان يقال إن المخصص مجمل مردد بين الأقل والأكثر ففيما عدا القدر المتيقن يرجع إلى حكم
العام فتأمل * (ومنها) * ما عن الفقه الرضوي فان رأت الدم يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر
الدم الثلاثة أيام متواليات و
عليها ان تقضى الصلاة التي تركتها في اليوم واليومين وضعفه مجبور باشتهار الفتوى بمضمونه شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا على
ما ادعاه بعض * (وفيه) * ان انجبار ضعف الرواية بفتوى المشهور ما لم يكن استنادهم إليها في الفتوى لا يخلو عن اشكال * (ومنها) * ان المتبادر من
الأخبار المستفيضة الدالة على أن أقل الحيض ثلاثة كونها متوالية ولابد في تتميم الاستدلال بهذه الاخبار من نقلها والتكلم في مفادها
* (فمنها) * صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام وأكثره ما يكون عشرة أيام وصحيحة صفوان بن يحيى
قال سئلت أبا الحسن الرضا (ع) قال أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
الواردة بهذا المضمون وهذه الأخبار
بأسرها صريحة في أن زمان الحيض لا يقصر عن ثلاثة أيام ولا يتعدى عن العشرة وقد أشرنا في صدر المبحث ان الحيض اما عبارة
عن نفس الدم المعهود مسامحة أو عن سيلانه فالروايات بظاهرها مسوقة لتحديد مدة سيلان الدم المعهود لا تقصر عن ثلاثة أيام
ولا تزيد عن العشرة واطلاق الحيض على الصفة الحادثة في الحائض أعني اتصافها بالحائضية مجاز لا يحمل الروايات عليه مع أنه على
تقدير إرادة هذا المعنى من الروايات بان تكون مسوقة لبيان زمان امكان الاتصاف بالحائضية لا لبيان مدة خروج دم الحيض
من حيث كونه دم الحيض فهي أيضا تدل بالالتزام على أن مدة خروج دم الحيض لا تقصر عن ثلاثة أيام لان اتصاف المرأة بالحائضية
انما هو باعتبار سيلان الدم منها والا فقبل رؤية الدم ولو بمقدار دقيقة وكذا بعد انقطاع الدم ليست بحائض قطعا والحكم بكونها
حائضا مع النقاء في بعض الموارد حكمي لا حقيقي وكيف كان فلا ريب في أنه يستفاد من مجموع هذه الروايات وغيرها من الروايات
التي سيأتي بعضها استفادة قطعية انه يعتبر في دم الحيض ان يكون مدة خروجه ثلاثة أيام ولا شبهة في أن المتبادر من قوله (ع) أقل
الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة ليس إلا إرادة انه لا يتحقق أقل الحيض الا بان يمتد زمان خروجه ويستمر إلى ثلاثة أيام وانقطع عليها
وإن لم ينقطع واستمر إلى عشرة أيام فهذا أقصى الحيض فلا يكون بعدها الدم حيضا ويفهم منه بالالتزام انه لو انقطع فيما بين
الحدين فهو وسط الحيض فلو لم يكن لنا في باب الحيض غير الروايات الواردة بهذا المضمون لكنا نحكم حكما جزميا بأنه لو رأت الدم
ثلاثة أيام أو أربعة مثلا ثم انقطع يوما ثم رأت بعده يوما أو يومين بان الدم الثاني ليس بحيض لأنه في حد ذاته فرد مستقل للدم
وزمانه أقل من ثلاثة أيام فلا يكون حيضا بمقتضى هذه الروايات وانما نحكم بحيضيته لأجل سائر الأدلة الحاكمة على هذه الروايات
الدالة على أن ما تراه قبل انقضاء عشرة أيام فهو حيض ومعدود من اجزاء الحيضة الأولى وليس فردا مستقلا بانفراده فهذه الأدلة
حاكمة على الروايات الدالة على أن دم الحيض لا يقصر عن ثلاثة أيام ومفسرة لمدلولها فلولا هذه الأدلة لكنا نجزم بعدم حيضيته
263

لا لمجرد دعوى تبادر كون أيام الحيض متوالية بل لوجوب كون مجموع الدم السائل حيضة واحدة وهذا يتوقف على استمرار الدم واتصال
بعض اجزائه ببعض عرفا بحيث لا يتخلل بينها زمان معتد به والا فكل جزء بنفسه فرد مستقل لرؤية الدم فله حكمه الا ان يدل دليل تعبدي
على عدم الاعتناء بالفصل وكون المجموع بنظر الشارع فردا واحدا * (وبهذا) * ظهر لك فساد الاعتراض على من يدعى تبادر اعتبار التوالي
والاستمرار في أقل الحيض من هذه الأدلة بأنه لو دلت على اعتبار التوالي في أقل الحيض لدلت على اعتباره في أكثره مع أنه غير معتبر فيه
اجماعا * (توضيح) * الفساد ان مفاد هذه الروايات ليس إلا ان أقل الحيض الذي هو عبارة عن رؤية الدم وسيلانه ان يمتد زمانه إلى ثلاثة
أيام وأكثره ان يمتد إلى عشرة أيام فلو انقطع بعض الدم عن بعض باعتبار سيلانه يكون كل جزء جزء من الاجزاء المنقطعة فردا مستقلا
لرؤية الدم فإن كان شئ منها على وجه صدق عليه انه طالت مدة خروجه ثلاثة أيام فهو الحيض دون ما عداه من الاجزاء سواء سبقه
الاجزاء أم لحقه الا ان يدل دليل خارجي على وجوب ضم بعضها إلى بعض وملاحظة المدة المعينة بالنسبة إلى المجموع اما مطلقا أو في الجملة
وهذا خارج من مدول هذه الأخبار والحكم بكون المرأة حائضا في مجموع عشرة أيام إذا رأت الدم فيها في الجملة وان تحلل بالنقاء
فإنما هو تعبد شرعي فهي حائض حكما لا حقيقة وليس هذا المصداق الحكمي مرادا من الاخبار المبنية لزمان امكان خروج دم الحيض
من حيث الطول والقصر وانما نحكم بحيضيتها لأجل الأدلة الدالة على أن عود الدم في أثناء العشرة بمنزلة استمراره واضعف من هذا
الاعتراض النقض بنذر الصوم ثلاثة أيام فإنه لا يفهم منه التوالي * (وفيه) * مالا يخفى لوضوح الفرق بين تعلق النذر بعدة أفعال غير
مرتبطة في الوجود وبين ما لو حدد الفعل الواحد الزماني بزمانه فان ما نحن فيه نظير ما لو أريد من الصوم المأمور به السكوت في
زمان معتد به لا مطلق السكوت فسئل عن أدنى ما به يتحقق الصوم فقيل أدناه ثلاث دقائق وأقصاه عشر فان في مثل الفرض لا مجال
التوهم إرادة ما يعم ثلث دقائق غير متوالية وكذا نظيره ما لو علم اجمالا ان الإقامة في البلد ليس مطلق الدخول والمكث فيه في الجملة
فسئل عن أقل ما به تتحقق الإقامة فقيل أدناه عشرة أيام واستفادة إرادة الاستمرار في مثل هذه الموارد هو الوجه في دلالتها على دخول
الليالي المتوسطة في الحد والا فاليوم حقيقة لا يعم الليل حتى يدل على ارادته كمالا يخفى * (وكيف) * كان فلا شبهة في أن مفاد هذه الأخبار
هو ان الدم الذي يمكن ان يكون حيضا ما كان استمراره ثلاثة أيام وما زاد إلى العشرة وما لم يكن كذلك بان كان يوما أو يومين مثلا
لا يكون حيضا من دون فرق بين ان سبقه دم الحيض أو لحقه أم لا وسواء كان في أيام العادة أم لا فلا يجوز رفع اليد عن هذه القاعدة الكلية
الا بدليل مخصص أو حاكم وقد ثبت بالنص والاجماع انه إذا استمر الدم ثلاثة أيام وانقطع ثم عاد قبل انقضاء العشرة من حين رؤية الدم
ولم يتجاوز عنها فهو من الحيضة الأولى ولا يلاحظ الدم الثاني بحياله فردا مستقلا حتى ينافي حيضيته للقاعدة الكلية فهذا هو القدر
المسلم الذي ثبت حكم الشارع فيه بكونه بمنزلة المستمر فالحاق ما عدا هذه الصورة المسلمة بها يتوقف على مساعدة الدليل وبهذا ظهر لك
بطلان استدلال القائلين بعدم اشتراط التوالي في الثلاثة بأصالة عدم الاشتراط وأصالة براءة الذمة عن التكليف بالصلاة والصوم
وسائر العبادات وقاعدة الامكان مضافا إلى ضعف الاستدلال بهذه الأصول من أصله فان أصالة عدم الاشتراط ان أريد
منها الاستصحاب فليس له حالة سابقة معلومة وان أريد منها أصل آخر فلا أصل له اللهم الا ان يكون الحيض في العرف اسما للأعم ويكون
الاشتراط تقييدا شرعيا تابعا لدليله فليتأمل واما أصالة البراءة عن التكاليف فهي محكومة بأصالة عدم الحيض واستصحاب التكليف
وتوهم اختصاص استصحاب التكليف بما لو حاضت بعد تنجز الامر بالصلاة ونحوها بان كان بعد دخول وقتها والتمكن من امتثالها
* (مدفوع) * بعدم الفرق بين الواجب المنجز والمشروط في جريان الاستصحاب كما تقرر في محله وربما يتوهم معارضة أصالة عدم الحيض بأصالة
عدم الاستحاضة وسيتضح لك في مقام تأسيس الأصل اندفاعه واما قاعدة الامكان ففي امكان الاستدلال بها في مثل المقام تأمل وسيتضح
لك تحقيقها [انش‍] فالمهم في المقام هو التعرض للاخبار الخاصة التي يستند إليها في مخالفة المشهور وعمدتها مرسلة يونس عن الصادق (ع)
قال أدنى الطهر عشرة أيام وذلك أن المرأة أول ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم ويكون حيضها عشرة أيام فلا تزال كلما كبرت نقصت حتى
ترجع إلى ثلاثة أيام فإذا رجعت إلى ثلاثة أيام ارتفع حيضها ولا يكون أقل من ثلاثة أيام فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة
فان استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض وان انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت وانتظرت من يوم رأت الدم
إلى عشرة أيام فان رأت في تلك العشرة أيام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى يتم لها ثلاثة أيام فذلك الذي رأته في أول الأمر مع هذا
الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض وان مر بها من يوم رأت عشرة أيام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن من
الحيض انما كان من علة اما من قرحة في جوفها واما من الجوف فعليها ان تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها لأنها لم تكن حائضا فيجب
ان تقضى ما تركت من الصلاة في اليوم واليومين وان تم لها ثلاثة أيام فهو من الحيض وهو أدنى الحيض ولم يجب عليها القضاء ولا يكون
264

الطهر أقل من عشرة أيام وإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت فان رأت بعد ذلك الدم ولم يتم
لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة فان رأت الدم من أول ما رأته الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام ودام
عليها عدت من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام ثم هي مستحاضة تعمل ما تعمله المستحاضة وقال كلما رأت المرأة في أيام
حيضها من صفرة أو حمرة فهي من الحيض وكلما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض * (وهذه) * الرواية كما تريها صريحة في عدم اعتبار
التوالي وكفاية كون الثلاثة من جملة العشرة وهي بذاتها حاكمة على جميع الأخبار الظاهرة في إرادة الاستمرار لأنها مبنية للمراد
من أقل الحيض وأكثره ولكنها مع ذلك لا تخلو عن اجمال لما يترائى من التنافي بين بعض فقراتها مع بعض فإنه قد استدل صاحب
الحدائق بهذه الرواية لما ذهب إليه من كفاية كون الثلاثة أو أزيد في مدة لا يتخلل بين أبعاض الدم بأقل الطهر مع أن صدر
الرواية كاد ان يكون صريحا في خلافه فلابد أولا من التكلم فيما يقتضيه الجمع بين فقراتها حتى يتضح مفادها ويتنقح القول الذي
يمكن المسير إليه على تقدير العمل بهذه الرواية * (فأقول) * اما صدر الرواية كذيلها فصريح في أن
الطهر لا يكون أقل من عشرة أيام و
سوق الرواية يشعر بان قوله (ع) وذلك أن المرأة [الخ] بمنزلة التعليل لذلك لا انه كلام مستأنف مسوق لبيان مقدار امكان امتداد
دم الحيض قلة وكثرة ولا يبعد ان يكون المناسبة المصححة للعلية هي معلومية عدم تحيض النساء عادة في كل شهر أزيد من مرة وان كان
ربما يعجل الدم بيوم أو يومين ولكنه ليس التحيض في شهر مرتين تامتين عادة النساء فإذا كان المتعارف بينهن ذلك يحسن التعليل
لأنه إذا كان حيض كثيرة الدم عشرة أيام ولم يتعد عنها فكيف يكون الطهر أقل من عشرة مع أنها لا تتحيض في الشهر الامرة واحدة وكيف كان فظاهر
هذه الفقرة بل صريحها كغيرها من الأخبار السابقة ان دم الحيض كثيره يمتد سيلانه عشرة أيام ولا يزيد عليها وقليله يمتد ثلاثة أيام
ولا يقصر عنها والمتبادر منها كغيرها من الروايات ليس إلا إرادة الأيام المتوالية في أكثر الحيض وأقله كما هو المتبادر إلى الذهن بالنسبة
إلى أدنى الطهر ولكنه يفهم من قوله (ع) وإذا رأت المرأة الدم إلى آخره ان التوالي والاستمرار المتبادر منها ليس من مقومات الموضوع
وانما المناط سيلان الدم ثلاثة أيام من جملة العشرة فان رأت يوما أو يومين وانقطع ثم عاد قبل انقضاء عشرة أيام من يوم رأت
الدم ما يتم به ثلاثة أيام فمجموعه حيضة واحدة ويستفاد من هذه الفقرة مضافا إلى ما عرفت أن رؤية الدم في أيام العادة امارة
الحيض فتتحيض المرأة بمجرد الرؤية فان استمر ثلاثة أيام يستقر حيضها وان انقطع بعد أن رأت يوما أو يومين فهي متحيرة لتردد دمها
بين ان يكون حيضا أو دما آخر فيجب عليها [ح] بمقتضى أصالة عدم الحيض ان تصلى وليس في امر الإمام (
ع) بالاغتسال والصلاة
اشعار بكون النقاء المتخلل في أثناء حيضة واحدة طهرا لاحتمال كون الاغتسال المأمور به هو غسل الاستحاضة التي هي الأصل في
الدم الذي ليس بحيض هذا مع أنه لا يجب عليها غسل الحيض ما لم يتحقق موضوعه بل لا يشرع الا من باب الاحتياط وكيف كان
فلا اشعار في هذه الفقرة فضلا عن الدلالة بان أيام النقاء طهر حتى يتكلف في الجمع بينها وبين قوله (ع) أدنى الطهر عشرة بحمل الطهر
على الطهر الواقع بين حيضتين مستقلتين كما تخيله صاحب الحدائق وكذا ليس في قوله (ع) فذلك الذي رأته في أول الأمر مع هذا الذي
رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض دلالة على أن أيام النقاء طهر نعم فيه اشعار بذلك ولكنه لا يلتفت إليه خصوصا بعد التصريح
بأنه لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام وكذا لا يدل قوله (ع) وهو أدنى الحيض على اختصاص مدة الحيض بزمان رؤية الدم لان المراد
ان الدم الذي تم لها ثلاثة أيام هو أدنى دم الحيض وقد صرح (ع) في صدر الرواية بان المناط في الأقلية والأكثرية انما هو بقلة الدم
وكثرته فلا منافاة بين كون هذا الفرد من مصاديق أقل الحيض حقيقة وكونه بمنزلة الأكثر حكما كما يدل عليه قوله (ع) بعد ذلك بلا فاصل
ولا يكون الطهر أقل من عشرة أيام فان مفاده ان ان الانقطاعات المتخللة في أثناء الحيض ليست طهر أو نقاء واقعيا بل هي فترات عارض
في الأثناء منشأها ضعف الدم وقلته وكيف كان فهذه الفقرة كادت تكون صريحة في أنه يعتبر في الحيضة الواحدة وقوع اجزائها
في ضمن العشرة أيام التي ابتدائها من يوم رأت فيه الدم بان يكون مجموعه في ضمن العشرة فهي كالنص في بطلان ما زعمه صاحب الحدائق
من كفاية عدم حصول الفصل بين أبعاض الدم بأقل الطهر وحمل قوله (ع) من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام على إرادة يوم انقطاعه
فيكون المراد من يوم لم تر فيه الدم مع ما فيه من المخالفة للظاهر لا يجدى لصاحب الحدائق بعد أن ورد التنصيص على أنه ان برأت
في تلك العشرة أيام يوما أو يومين حتى يتم بها ثلاثة أيام إذ لا يعتبر صاحب الحدائق كون المتمم مجموعه في تلك العشرة كما هو مقتضى
ظاهر الرواية بل يكتفى بظهور شئ منه في آخر اليوم العاشر من أيام النقاء سواء استمر إلى أن أتم الثلاثة أم انقطع ثم عاد قبل
عشرة أخرى وهذه الفقرة كما تريها ناطقة ببطلان هذا القول مع مخالفته في حد ذاته للاجماع ولا يعارضها ما يتراءى من قوله
فإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت فان رأت بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت
265

عشرة أيام فذلك من الحيض فان المراد منه بقرينة ما تقدم عليه انه لن لم يستكمل عشرة أيام حيضها من يوم طهرت فينطبق [ح] على
ما استفيد مما تقدم عليه ولا يكون [ح] مخالفا لما انعقد عليه الاجماع هذا مع أن إرادة هذا المعنى في حد ذاته أوفق بطاهر قوله (ع)
لم يتم لها من يوم طهرت فان المتبادر منه كون الطرف لغوا متعلقا بلم يتم لا بعامل مقدر كي يكون حالا أو صفة مبنية لمبدء
العشرة هذا ولكن الانصاف انه لو لوحظت هذه الفقرة بنفسها مع قطع النظر عن سابقتها ومخالفتها للاجماع لكان المتبادر منها
عرفا ما زعمه صاحب الحدائق من أن المراد إذا لم يتعد من يوم طهرها عشرة أيام الا انه لا بد من رفع اليد عن هذا الظاهر لما
عرفت مضافا إلى عدم استقامته في حد ذاته فان مفهوم قوله (ع) وان رأت بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام
فهو من الحيض انه ان تم فليس من الحيض مع أنه على هذا التقدير أيضا حيض مستقبل اللهم الا ان يكون اللام للعهد فيكون [ح]
إرادة هذا المعنى انسب كما لا يخفى هذا كله مع أنه نقل شيخنا المرتضى [ره] عن نسخة مصححة مقررة على الشيخ الحر العاملي بدل قوله طهرت
طمثت فعلى هذا التقدير لا اجمال فيها أصلا ومما يؤيد ان المراد من هذه الفقرة هو المعنى الأول بل يعينه مضافا إلى ما عرفت
قوله بعد ذلك تفريعا عليه فان رأت الدم من أول ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام ودام عليها [الخ] فان هذه الفقرة
وان كانت في غاية الاضطراب لفظا ومعنا الا ان المتبادر منها كون العشرة المشار إليها هي العشرة المذكورة في الفقرة المتقدمة
عليها ومن المعلوم ان المراد من هذه العشرة عشرة ابتدائها أول رؤية الدم لا أول يوم الانقطاع فان المراد منها انه ان استمر
الدم الثاني إلى أن استكمل به عشرة أيام الحيض ودام عليها فما زاد على العشرة استحاضة فهذه قرينة على أن المراد من الفقرة السابقة
أيضا انه ان استكمل عشرة أيام حيضها من يوم طهرت والا لما صحت الإشارة إليها في هذا الفقرة فيكون مفاد الفقرة السابقة
مفهوما ومنطوقا بقرينة هذه الفقرة فضلا عن ما يستفاد من الفقرات المتقدمة عليها المعتضدة بالنص والاجماع انه ان
رأت الدم بعد الانقطاع قبل انقضاء عشرة أيام حيضها فهو من الحيض وان رأت بعد انقضائها فليس من الحيض [فح] يكون هذا
الحكم الأخير شاهدا على أن ما يتراءى من ظاهر الفقرة التي بعدها أعني ضم خمسة أيام من أول ما رأت الدم الثاني إلى الخمسة الأولى
التي رأت فيها الدم باسقاط أيام النقاء من البين وجعل ما عدا عشرة أيام رأت في جميعها الدم استحاضة ليس مرادا منها والا
للزم ان يكون بعض ما رأته بعد العشرة التي ابتدائها أول رؤية الدم حيضا وهذا ينافي التحديد في الفقرة السابقة بكونه قبل
انقضاء العشرة لا بعدها هذا مع مخالفته صريحا للفقرة التي بعدها وهي كلما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض اللهم الا
ان يراد من أيام الحيض مالا ينافي ذلك وان كان خلاف الظاهر وكيف كان فالمتعين حمل هذه الفقرة على مالا ينافي سائر الفقرات
المتقدمة المعتضدة بفتوى الأصحاب واجماعهم التي جعل الحكم المذكور في هذه الفقرة متفرعا عليها بان يحمل قوله (ع) عدت من
أول ما رأت الدم الأول والثاني على إرادة انها عدت من أول زمان رأت فيه هذين الدمين أي من ابتداء رؤية الدم وان
أبيت إلا عن ظهور هذه الفقرة فيما زعمه صاحب الحدائق وعدم صلاحية ما ذكر لصرفها عن ذلك * (فنقول) * انه لابد [ح] من
رد علمها إلى أهله إذ لا يمكن اثبات حكم شرعي مخالف لصريح الاجماع والأخبار الكثيرة الظاهرة في أن الحيض لا يكون أكثر من عشرة
أيام متوالية والطهر لا يكون أقل منها بمثل هذه الفقرة مع ما فيها من التشويش والاضطراب وعدم مناسبتها لسائر الفقرات
بل سيتضح لك عدم جواز العمل بهذه الفقرة أصلا ولو على المعنى الأول لما ستعرف من أن ذات العادة كما هو المفروض في هذه
الفقرة إذا تجاوز دمها العشرة ترجع إلى عادتها وتجعل ما عداها استحاضة خلافا لصريح هذه الفقرة فلا بد من طرحها
لابتلائها بالمعارضات التي منها ظاهر الفقرة التي بعدها * (ولنعم) * ما قال شيخنا المرتضى [ره] انه لا يبعد ان يكون ما في الرواية
من الاضطراب ناشيا من ضم الراوي حين كتابة الرواية بعض ما حفظه بألفاظه إلى ما نقله بالمعنى والله العالم فاتضح لك
ان الرواية لا تصلح مستندة لصاحب الحدائق بل هي دالة على بطلان مذهبه من جهات نعم هي صريحة في خلاف المشهور من عدم
اعتبار التوالي في الثلاثة * (وقد) * عرفت حكومتها على غيرها من الاخبار الظاهرة في اعتبار الاستمرار والتوالي وقد أجيب عنها بضعف السند
ونوقش فيه بوثاقته سندها واما إرسالها فلا ضير فيه لان المرسل وهو يونس ممن نقل الاجماع على قبول مراسيله وانها كالمسانيد ولذا قال
شيخنا المرتضى [قده] والأولى في الجواب عنها بأنها مخالفة للمشهور بل شاذة كما عن الروض وجامع المقاصد دعواه بل عن الجامع ان الكل على
خلاف رواية يونس ولكنه استظهر منها ما فهمه صاحب الحدائق فادعى الاجماع على خلافه قال فيما حكى عنه انه لو رأت ثلاثة أيام متفرقة
أو ساعات متفرقة يتلفق منها ثلاثة وكانت وحدها حيضا على رواية يونس وعلى خلافها الكل وقد عرفت ما في هذه الاستفادة من
النظر وكيف كان فالرواية مما لا تأمل في اعراض المشهور عنها الا ان رفع اليد عنها مع وثاقة سندها وعمل الشيخ وغير واحد من القدماء
266

والمتأخرين بها في غاية الاشكال والاعتماد عليها في رفع اليد عن ظواهر الأدلة المتكاثرة أشكل فالاحتياط بتدارك عباداتها بعد انقضاء
العشرة التي رأت في خلالها الدم بمقدار ثلاثة أيام مما لا ينبغي تركه واما تكليفها في تلك الأيام فهو التحيض عند رؤية الدم و
البناء على الطهارة مع النقاء اما في ذات العادة فواضح وفي غيرها أيضا كذلك على الأظهر كما ستعرف والله العالم واستدل
أيضا صاحب الحدائق تبعا لغيره لعدم اعتبار التوالي في الثلاثة باطلاق الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع)
قال إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى وان كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة وموثقة محمد بن مسلم
عن الصادق عليه السلام قال أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام وان رأت الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى وان رأته بعد عشرة أيام
فهو من حيضة أخرى مستقبلة قال في تقريب الاستدلال انهما ظاهرتان في أنه إذا رأت المرأة الدم بعد ما رأته أولا سواء كان الأول
يوما أو أزيد فإن كان بعد توسط عشرة أيام خالية من الدم كان الدم الثاني حيضة مستقبلة وان كان قبل ذلك كان من الحيضة
الأولى وفيه مالا يخفى فان التمسك باطلاق كون الدم الثاني من الحيضة الأولى فرع أحرار كون الأول حيضا وهذا ممالا كلام فيه
وانما النزاع في أنه هل يشترط في كون الأول حيضا ان يستمر ثلاثة أيام أم لا فكيف يتمسك بهذا الاطلاق لنفى ما يشك في اعتباره
في حيضية الأول هذا مع امكان دعوى ظهور الموثقة في حد ذاتها في ما عليه المشهور لما عرفت فيما سبق من ظهور قوله (ع) أقل ما يكون
الحيض ثلاثة أيام في إرادة الاستمرار والتوالي فالمقصود من الرواية على ما هو الظاهر منها ان أقل ما يكون الحيض ان يستمر الدم
ثلاثة أيام فان انقطع بعدها ثم عاد قبل انقضاء العشرة فهو من الحيضة الأولى وان رأته بعد العشرة فهو من حيضة مستقبلة
ثم لا يخفى عليك ان الشرطيتين في هاتين الروايتين ليستا مسوقتين لبيان ان كل دم رأته قبل العشرة فهو دم الحيض ويعد
من الحيضة الأولى وكل دم رأته بعد العشرة فهو من حيضة مستقبلة بل هما مسوقتان لبيان انها لو رأت دم الحيض قبل انقضاء
العشرة فهو من الحيض الأول ولو رأت دم الحيض بعدها فهو من حيضة مستقبلة وليس اطلاقهما وارد البيان جميع ما يعتبر
في مهية الحيض حتى يتمسك به لنفى ما يشك في اعتباره في مهية الحيض من اعتبار التوالي ونحوه ولا سيما الشرطية الثانية في
الموثقة فإنها بحسب الظاهر تعبير عما يفهم من الشرطية الأولى والمقصود الأصلي منها ليس إلا بيان عدم كون الدم المرئي
بعد العشرة من الحيضة الأولى والحكم بكونه حيضا مستقلا جار مجرى الغالب وبهذا ظهر لك جواب آخر عن الاستدلال
بالروايتين لنفى اشتراط التوالي وملخصه ان اطلاقهما مسوق لبيان حكم آخر لا لبيان شرائط الحيض وكذا ظهر لك ضعف استدلال
صاحب الحدائق بهما لا ثبات كون النقاء المتخلل بين الحيضة الواحدة ظهرا وانه يعتبر في الحيضة الواحدة أن لا يتخلل بين أبعاضها
عشرة أيام خالية من الدم نظرا إلى ظهور الروايتين في اتحاد المراد من العشرة التي وقع التفصيل فيها بين رؤية الدم قبلها
فيكون من الحيضة الأولى أو بعدها فيكون من حيضة مستقبلة ولا شبهة ان العشرة التي يحكم يكون الدم المرئي
بعدها حيضة
مستقبلة مبدئها من حين انقطاع الدم لا من حين رؤيته ومقتضى التفصيل الواقع في الروايتين كون الدم المرئي قبل هذه العشرة
التي مبدئها من حين انقطاع الدم من الحيضة الأولى فوجب ان يكون أيام النقاء ظهرا والا للزم ان يكون حيضة واحدة أكثر من
عشرة أيام فيما لو رأت يوما أو يومين أو ثلاثة ثم رأت في اليوم العاشر من حين الانقطاع وهو خلاف النص والاجماع * (وفيه) * ان
المراد من العشرة التي حكم بكون الدم المرئي قبلها من الحيضة الأولى هي العشرة مبدئها من حين رؤية الدم كما هو الظاهر
المتبادر منهما المعتضد بغيرهما من النص والاجماع واما الحكم بكون الدم المرئي بعدها من الحيضة المستقبلة فقد عرفت أنه مبنى على
الاهمال ولم يقصد منه الا كونه من الحيضة المستقبلة بشرط اجتماعه الشرائط الحيضية التي منها حصول الفصل بينه وبين الحيض
الأول بأقل الطهر كاشتراطه بعدم كونه أقل من ثلاثة أيام هذا مع أنه في بعض النسخ التي عثرنا عليها منها نسخة الحدائق الموجودة
عندي رويت الموثقة بتنكير العشرة الثانية هكذا أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام وان رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى
وان رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة أخرى وظاهرها عدم اتحاد العشرتين وكيف كان فلو سلم ظهورها في الاطلاق فلابد اما
من تقييده بقوله (ع) أدنى الطهر عشرة أو من حمل العشرة في خصوص الشق الثاني من الترديد على إرادة ما كان ابتدائها من حين
انقطاع الدم واما الشق الأول فليس المراد من العشرة فيه الا ما كان مبدئها من يوم رأت الدم والا للزم اما كون حيضة واحدة
أكثر من عشرة أيام ان قلنا بان النقاء المتخلل في الأثناء حيض أو كون الطهر أقل من عشرة لو قلنا بأنه طهر وكلاهما مخالف للنص
والاجماع وما ادعاه صاحب الحدائق من أن المراد من الطهر الذي دلت النصوص والفتاوى على أنه لا يكون أقل من عشرة أيام
هو النقاء الواقع بين حيضتين مستقلتين ممالا ينبغي من الالتفات إليه إذ لا نتعقل من الطهر الا الحالة التي حكم عندها بعدم
267

كون المرأة حائضا وقد نص الإمام (ع) في غير واحد من الاخبار بأنه لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام * (منها) * رواية يونس المتقدمة
فإنه (ع) قال فيها أدنى الطهر عشرة أيام إلى أن قال ولا يكون الطهر أقل من عشرة أيام ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع)
قال لا يكون القرء أقل من عشرة أيام فما زاد وأقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم وحمل مثل هذه الأخبار على
إرادة الطهر الواقع بين حيضتين مستقلتين لا مطلق الطهر مجازفة نعم يمكن المناقشة في دلالة الصحيحة بامكان الالتزام
بكون القرء أخص من الطهر وكيف كان ففيما عداها غنى وكفاية هذا مع أن جعل الدماء المتعددة المتخللة بأيام النقاء المحكوم
بكونها طهرا مجموعها حيضة واحدة تحكم فلو ثبت ذلك شرعا نلتزم به بلحاظ بعض اثاره المحض التعبد والا فكل دم [ح] حيض مستقل
ولذا ربما يستظهر من قوله (ع) فان رأت الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى ان النقاء المتخلل حيض حيث إنه يدل على بقاء
الحيضة الأولى إلى زمان خروج الدم الثاني وان النقاء المتخلل ليس موجبا الانقطاع كل من الدمين عن الاخر حتى يعد كل منهما
حيضة مستقلة بل لا ينبغي التأمل في دلالة مرسلة يونس على أن دم الحيض دم خاص يستقر في الرحم فان كانت المرأة كثيرة الدم يخرج
ذلك الدم مستمرا إلى عشرة أيام وان كانت قليلة الدم يخرج في مدة ثلاثة أيام مستمرة أو منقطعة في خلال العشرة وبعد ان صرح
الشارع بان الطهر لا يكون أقل من عشرة يعلم أن المرأة من أول خروج هذا الدم إلى آخره لا تكون طاهرة بل هي حائض ولا يعتبر
في اتصافها بالحائضية السيلان الفعلي وبعد اعتضاد هذه الاستفادة بفتوى الأصحاب واجماعهم لا ينبغي الارتياب في الحكم
والله العالم واستدل صاحب الحدائق أيضا بما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سئلت الصادق (ع)
عن المرأة ان طلقها زوجها متى تملك نفسها فقال إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي تملك نفسها قلت فان عجل الدم عليها
أيام قرئها فقال إذا كان الدم قبل العشرة أيام فهو أملك بها وهو من الحيضة التي طهرت منها وان كان الدم بعد العشرة فهو من
الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها قال في تقريب الاستدلال والتدبر فيها كما مر في صحية محمد بن مسلم * (أقول) * وقد اتضح الجواب عنها فيما مر
وملخصه ان اطلاق مثل هذه الأخبار وارد البيان حكم آخر وعلى تقدير ظهورها في الاطلاق لا بد من التصرف فيها بما لا ينافي غيرها من الأدلة
وقد استشهد لاثبات امكان كون الطهر أقل من عشرة أيام وان مالا يكون أقل هو الطهر الواقع بين حيضتين مستقلتين بموثقة
يونس بن يعقوب قال قلت للصادق (ع) المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة قال تدع الصلاة تصنع ما بينها وبين شهر فان انقطع
عنها الدم والا فهي بمنزلة المستحاضة ورواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن المرأة ترى الدم خمسة أيام والطهر خمسة و
ترى الدم أربعة أيام والطهر ستة أيام فقال إن رأت الدم لم تصل وان رأت الطهر صلت ما بينها وبين ثلاثين يوما الحديث ولا يخفى
ما في هذا الاستشهاد فإنه لو تمت شهادة الروايتين على مدعاه لدلنا على امكان كونها حائضا في شهر خمسة عشر يوما من دون
ان يتحقق الفصل بأقل الطهر فإن كان مجموعها حيضة واحدة للزم كونها أكثر من عشرة والا للزم كون الطهر الواقع بين حيضتين
مستقلتين أقل من عشرة فالوجه في الروايتين تنزيلهما على بيان تكليف من اختلط عليها حيضها في مقام العمل بل هذا هو الظاهر من
سياقهما كما يشهد به الامر بترتيب احكام المستحاضة بعد انقضاء شهر فمقتضى ظاهر الروايتين ان تكليف هذه المرأة ان تترك الصلاة
عند رؤية الدم وتصلى عند انقطاعه احتياطا حتى ينكشف الواقع أو يمضى شهر فتعمل عند رؤية الدم بعده ما تعمله المستحاضة قال المصنف في
محكى المعتبر بعد نقل هذا التوجيه وما يقرب منه عن الشيخ [ره] هذا تأويل لا بأس به ولا يقال الطهر لا يكون أقل من عشرة أيام لأنا نقول
هذا حق ولكن هذا ليس بطهر على اليقين ولا حيضا بل هو دم مشتبه تعمل فيه بالاحتياط انتهى فتلخص لك من جميع ما ذكرنا أنه كما أنه
يمتنع ان تتحقق حيضة واحدة في أقل من ثلاثة أيام كذلك يمتنع ان تتحقق في أكثر من عشرة أيام وان النقاء المتخلل في أثناء حيضة واحدة
حيض لا طهر والا للزم كون الطهر أقل من عشرة أيام وهو باطل نصا واجماعا وظهر لك فيما تقدم ان المتبادر من قوله (ع) أقل الحيض
ثلاثة أيام إرادة استمرار الدم في تلك الثلاثة أيام بان ترى الدم من أول اليوم الأول ويستمر إلى اخر اليوم الثالث ولو رأت في
أثناء اليوم يعتبر استمراره إلى هذا الوقت من اليوم الرابع حتى يستكمل به ثلاثة أيام نظير إقامة العشرة القاطعة لحكم السفر فالليلتان
المتوسطتان وكذلك الليالي المتوسطات في الفرض الأخير داخلة في المحدود ولكنك عرفت حكومة رواية يونس على ذلك ودلالتها
على عدم اعتبار الاستمرار والتوالي الا ان الذي يقتضيه رواية يونس عدم اعتبار الاستمرار والتوالي في الثلاثة لا جواز كون الدم
السائل مدته أقل من ثلاثة أيام فالقول بكفاية رؤية الدم في ثلاثة أيام في الجملة ضعيف في الغاية ومخالف لظواهر جميع الأدلة
فالأقوى اعتبار امتداده زمان سيلانه مقدار ثلاثة أيام ولياليها المتوسطة ولو على تقدير العمل برواية يونس وهل يكفي بناء على العمل
بها التلفيق من الساعات كما ترى الدم ساعة والنقاء أخرى وهكذا إلى أن يتم به مقدار ثلاثة أيام بلياليها المتوسطة فيه اشكال و
268

أشكل منه تلفيق الأيام من ساعات الليل كما لو لم تر الدم في الأيام العشرة ورأت في لياليها لخروج مثل هذه الفروض مما هو المفروض
في الرواية الهم الا ان يدعى استفادة حكمها من الرواية بدعوى ظهورها في امكان خروج دم الحيض شيئا فشيئا في خلال العشرة
مطلقا وان المناط كون الدم الخارج من الكثرة بمكان لا يكون مدة خروجه في خلال العشرة أقل من مقدار ثلاثة أيام من
دون ان يكون لكونه في اليوم مدخلية في حيضيته وفيها مالا يخفى من الاشكال والله العالم ثم إن المراد من الاستمرار انما
هو الاستمرار على الوجه المتعارف عند النسوة بان لم ينقطع الدم بالمرة على وجه يتحقق البياض الذي كانت النسوة ربما يسئلن
عن حكمه عند عروضه في أثناء العادة كما في بعض الأخبار فيستكشف من سواء لهن ان الانقطاع من الباطن بالمرة خلاف المتعارف
وكيف كان فالظاهر كفاية بقائه في الباطن في الجملة ولو في غاية القلة بحيث لو أدخلت القطنة لخرجت متلطخة ولو بالصفرة والحاصل
ان المدار على استمرار الدم ثلاثة أيام على الوجه المتعارف المعهود عند أهله والله العالم
وما تراه المرأة من الدم باي لون كان بعد
يأسها وانقطاع رجائها من الحيض لا يكون حيضا بلا خلاف فيه نصا وفتوى وانما الخلاف فيما به يتحقق اليأس فقيل تيأس المرأة
قرشية كانت أم غيرها ببلوغ ستين سنة كما هو ظاهر المتن وعن بعض كتب العلامة اختياره وعن المحقق الأردبيلي الميل إليه وقيل
في غير القرشية ببلوغ خمسين سنة وفيها ببلوغ ستين والظاهر أن هذا القول مختار معظم الأصحاب بل عن جملة من كتبهم نسبته
إلى المشهور بل عن التبيان ومجمع البيان نسبته إلى الأصحاب وقد الحق جملة من أصحاب هذا القول بالقرشية النبطية فقالوا فيهما
ببلوغ ستين سنة وفيما عداهما بخمسين بل عن بعض دعوى الشهرة عليه بل عن ظاهر بعض نسبته إلى الأصحاب وقيل إنها يتأس [مط]
قرشية كانت أم غيرها ببلوغ خمسين سنة كما عن النهاية والجمل والسرائر والمهذب والمنتهى والمدارك وطلاق الكتاب ومستند
هذا القول اطلاق صحيحة عبدا الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) قال حد التي قد يئست من المحيض خمسون سنة وصحيحته الأخرى
قال قال أبو عبد الله ثلاث يتزوجن على كل حال إلى أن قال والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض قال قلت وما حدها
قال إذا كان لها خمسون سنة ومرسلة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابنا قال قال أبو عبد الله (ع) المرأة التي قد يئست من
المحيض حدها خمسون سنة ولا يعارضها موثقة ابن الحجاج أو حسنته قال سمعت الصادق (ع) يقول ثلث يتزوجن على كل حال التي يئست
من المحيض ومثلها لا تحيض قلت ومتى تكون كذلك قال إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض الحديث و
مرسلة الكافي قال وروى ستون سنة أيضا لقصورهما عن المكافئة للأخبار المتقدمة خصوصا مع قوة الظن يكون المراد من المرسلة
خصوص الموثقة وكون الموثقة متحدة مع الصحيحتين المتقدمتين ووقوع الاشتباه والاختلاف من الرواة كما يشهد به ألفاظ الرواية
وعلى تقدير صدور كلتا الروايتين لا بد من تقييد اطلاقهما بمرسلة ابن أبي عمير التي هي عندهم كالصحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا
بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش وفي الوسائل نقل عن الشيخ في المبسوط أنه قال تياس المرأة إذا بلغت خمسين
سنة إلا أن تكون امرأة من قريش فإنه روى أنها ترى دم الحيض إلى ستين سنة وتقييد اطلاق الستين بهاتين الروايتين وان كان
بعيد الندرة القرشي بالنسبة إلى غيرها ولكنه أولى من الطرح في مقام الجمع وكيف كان فهذا القول هو الأقوى لقوة المرسلة وعدم معارضتها
لشئ من الأخبار المتقدمة وكونها شاهدة للجمع بينها ومرجعا على تقدير العلم باتحاد روايات ابن الحجاج
وعروض الاجمال لها باختلاف
نقلها وعدم المرجح في البين وان كان فرض عدم المرجح مجرد الفرض كما هو ظاهر واما مستند الحاق النبطية بالقرشية فما أرسله
المفيد في المقنعة قال وروى أن القرشية من النساء والنبطية تريان الدم إلى ستين سنة وضعفه مجبور بالأصول ودعوى الشهرة
إليه ولكنه ناقش شيخ مشايخنا المرتضى [ره] في انجبار ضعفه بان الأصول منقطعة بمرسلة ابن أبي
عمير المتقدمة ودعوى الشهرة موهونة
باهمال ذكره من كثير ممن قال بالستين في الهاشمية كالشيخ والصدوق والمحقق في المعتبر فضلا عمن قال بالخمسين مطلقا بل المفيد
الذي هو الأصل في رواية الخبر لم يظهر منه العمل به واطلاق رواية الستين مع معارضتها باطلاق رواية الخمسين لا يعبأ به بعد
تخصيصها بمرسلة ابن أبي عمير فالمسألة محل الاشكال والاحتياط مطلوب فيه على كل حال انتهى * (أقول) * لا يبعد ان يكون فتوى جملة
من كبراء الأصحاب وعملهم بمثل هذه المرسلة كافية في جبرها لان من المستبعد جدا تطرق الاشتباه والوضع فيه فالقول بالحاق
النبطية بالقرشية كما عن المشهور لا يخلو عن قوة والله العالم بقي الكلام في تعيين موضوعهما مفهوما ومصداقا أم القرشية فهي
المرأة المنسوبة إلى قريش وهو بحسب الظاهر على ما صرح به جملة من الأصحاب القبيلة المتولدة من النضر بن كنانة بن خزيمة أحد
أجداد النبي صلى الله عليه وآله والعبرة انما هي بانتسابها إليها بالأب كما عن المشهور لأنه هو المتبادر من قوله (ع) إلا أن تكون امرأة من قريش
واما الاكتفاء بالأم كما استظهره في الحدائق من جملة من الأصحاب واحتمله آخرون اما بدعوى صدق الانتساب عرفا وشرعا واما
269

بدعوى أن للام مدخلا شرعا في لحوق حكم الحيض ففيه مالا يخفى لمخالفة الدعوى الأولى لا هو المتبادر من النص وكون الثانية اجتهادا
في مقابل النص واما النبطية فقال شيخنا المرتضى [قده] لم يذكر أصحابنا لها معنى كما اعترف به في جامع المقاصد * (نعم) * قد اختلف أهل اللغة
في معناها فعن المعين والمحيط والديوان والمغرب وتهذيب الأزهري انهم قوم ينزلون سواد العراق وعن المصباح المنير
انهم قوم كانوا ينزلون سواد العراق ثم استعمل في أخلاط الناس وعن الصحاح والنهاية قوم ينزلون البطائح بين العراقين البصرة و
الكوفة وعن بعضهم انهم قوم من العجم وعن آخر من كان أحد أبويه عربيا والاخر عجميا وعن آخر انهم عرب استعجموا كقوم نعمان بن
منذر أو عجم استعربوا كاهل بحرين وعن آخر انهم قوم من العرب دخلوا العجم والروم اختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم وذلك
لمعرفتهم أنباط الماء أي استخراجه لكثرة فلاحتهم إلى غير ذلك وعلى أي تقدير اعترف جماعة بعدم وجودهم في أمثال ذلك الاياء
وظاهر ذلك انهم كانوا طائفة خاصة متصفة بما ذكره أهل اللغة من نزولهم سواد العراق أو بين البطائح أو غير ذلك لان النبطية
موضوعة لكل من كان كذلك لكن في كشف الغطاء بعد قوله ان النبطية في أصح الأقوال قوم كانوا في زمان صدور الروايات ينزلون
سواد العراق قال والحاق كل نازل بقصد الوطن غير بعيد وذكر كاشف الالتباس انه يخرج النبطية عن حكمها إذا خرت من بلدها
قبل بلوغها انتهى كلام شيخنا المرتضى [قده] والذي يظهر من تفسير معظم اللغويين كونه حقيقة في طائفة مخصوصة واما استعماله في غيره
هذا المعنى على سبيل الحقيقة ولم يثبت بل لم يعلم من أكثر الاستعمالات التي نقلها اللغويون في عرض هذا المعنى معارضتها له وكيف
كان فان استفدنا من كلمات اللغويين وغيرها كونه حقيقة في خصوص قوم فالحاق من عداهم به وان نشأ في وطنهم فضلا عمن يدل
عندهم بقصد التوطن ممالا وجه له وان قلنا باجماله وتردده بين هذا المعنى أعني قوم مخصوصون من أهل السواد وبين ما هو أعم منه
فمقتضى القواعد الاقتصار في تخصيص الأخبار المتقدمة على القدر المتيقن وان بيننا على أن المخصص مجمل مردد بين المتباينين ويسرى
اجماله إلى العام فيسقط العام عن صلاحية الاستدلال ويرجع في موارد الاشتباه إلى استصحاب حالتها قبل بلوغها خمسين سنة
وهي كونها حايضا على تقدير رؤيتها للدم ثلاثة أيام ولا يعارضه استصحاب طهارتها قبل رؤية الدم لكون الأصل الأول حاكما على
هذا الأصل كمالا يخفى واما مصاديق النبطية والقرشية فطريق تشخيصها الرجوع إلى الامارات التي يرجع إليها في تشخيص غيرهما من الأب
ولو اشتبه المصداق فالمرجع أصالة عدم الانتساب المعول عليها لدى العلماء في جميع الموارد التي يشك في تحقق النسبة بل الاعتماد
عليها في مثل ما نحن فيه من الأمور المغروسة في أذهان المتشرعة بل المركوز في أذهان العقلاء قاطبة ولذا لا يعتنى أحد باحتمال كونه قرشيا
مع أن هذا الاحتمال بالنسبة إلى أغلب الاشخاص محقق بل ربما يكون مظنونا ومع ذلك لا يلتفتون إليه ويرتبون اثار خلافه وهذا مما
لا شبهة فيه وانما الاشكال في تعيين وجه عمل العقلاء والعلماء بهذا الأصل وبنائهم على عدم تحقق النسبة المشكوكة وترتيب اثار
خلافها ولا يبعد ان يكون منشأه الغلبة وحكمة اعتبارها لديهم انسداد باب العلم غالبا ولا يعارض هذا الأصل بعد فرض اعتباره شئ
من الأصول والعمومات كأصالة عدم ارتفاع حيضها أو عمومات بعض الأخبار أو قاعدة الامكان على تقدير تسليم امكان التمسك
بعمومها في مثل الفرض لحكومة الأصل المتقدم على جميعها كما لا يخفى وربما يتوهم ان مرجع أصالة عدم الانتساب إلى استصحاب عدم تولد
هذا الشخص من أهل هذه القبيلة ويدفعه انه ليس للمستصحب حالة سابقة معلومة الا ان يراد من العدم العدم الأزلي الذي لا يتوقف
استصحابه على احراز حال الشخص بعد وجوده وهذا مما لا يجدي في اثبات عدم كون الشخص الموجود عنهم فضلا عن اثبات كونه من
غيرهم كما هو المطلوب الا على القول بحجية الأصول المثبتة وهي خلاف التحقيق اللهم الا ان يدعى كونه من اثار المستصحب عرفا بمعنى كون
الواسطة خفية وفيه تأمل وكيف كان فهذا الأصل اجمالا ممالا مجال لانكاره وان خفى علينا مستنده وعلى تقدير الخدشة فيه فالمرجع
أصالة عدم ارتفاع حيضها بمعنى كونها حائضا على تقدير رؤية الدم ثلاثة أيام وقد أشرنا فيما سبق إلى أن هذا الاستصحاب التعليقي حاكم
على استصحاب الطهارة فضلا عن استصحاب وجوب العبادات المشروطة بالطهور واعترض شيخنا المرتضى [ره] على أصالة عدم ارتفاع
الحيض بقوله ان هذا الأصل لا يثبت كون الدم الخارج حيضا نعم ينفع في بعض المقامات كوجوب اعتدادها بعدة من لا تحيض وهي في
سن من تحيض وفيه أولا النقض بما لو شكت في يأسها لأجل الشك في بلوغ الخمسين فان ترتيب جميع اثار الحيض في مثل الفرض بحسب الظاهر مسلم
عنده وحله ان الحالة المستصحبة انما هي كونها حائضا على تقدير رؤية الدم وكون دمها حيضا وقد قررنا في محله عدم الفرق بين الاستصحاب
التقديري والتنجيزي تبعا لشيخنا المرتضى [ره] فراجع وقد ظهر لك فيما تقدم ان دم الحيض لا يكون أقل من ثلاثة أيام فكل دم تراه المرأة دون
الثلاثة فليس بحيض مبتدئة كانت أو ذات عادة أو غيرهما
واما ما تراه المرأة من الدم من الثلاثة إلى العشرة مما يمكن ان يكون حيضا
فهو حيض تجانس أو اختلف بلا خلاف فيه بل عن الفاضلين في المعتبر والمنتهى دعوى الاجماع عليه مستدلين عليه بعد الاجماع بأنه دم في
270

زمان يمكن ان يكون حيضا فيكون حيضا وقضية هذا الدليل كون هذه القاعدة وهي كلما أمكن ان يكون حيضا فهو حيض في حد ذاتها
من المسلمات بحيث يستدل بها لا عليها وعن ظاهر بعض دعوى الاجماع عليها بل في الجواهر انها قصد المعاصرين ومن قاربهم من القطعيات
التي لا تقبل الشك والتشكيك حتى أنهم أجروها في كثير من المقامات التي يشك في شمولها لها ككون حد اليأس مثلا ستون سنة وعدم
اشتراط التوالي في الثلاثة ونحو ذلك من المقامات التي وقع النزاع في امكان كونه حيضا عند الشارع وعدمه وهو لا يخلو من تأمل إذ
الظاهر على ما هو المستفاد من بعضهم كالشهيد في الروضة وغيره انه بعد تسليمها تختص بما علم امكان حيضيته عند الشارع كان تكون المرأة
مثلا بالغة غير يائسة ورأت الدم ثلاثة أيام متواليات ولم يكن مسبوقا بما يمنع من الحكم بحيضيته ولم تكن حبلى عند من اختار ان الحبلى لا تحيض فإنها
تحكم [ح] بالحيضية لأنه زمان يعلم صلاحيته للحيض شرعا انتهى فالمراد من الامكان على ما صرح به الشهيد هو الامكان في الواقع وفي نظر الشارع
كما هو المتبادر من لفظ الامكان لا الامكان الاحتمالي كما تخيله من تمسك بعموم القاعدة في مواقع النزاع ولكن الانصاف ان المعنى الثاني هو
الذي ينسبق إلى الذهن في خصوص المقام بحيث لو كان لنا خبر معتبر بهذا المضمون لكنا نحمله عليه إذ من المستبعد جدا إرادة الامكان الواقعي في
مقام تأسيس قاعدة ظاهرية يرجع إليها الشاك في مقام العمل كيف ولو أريد الامكان الواقعي على الاطلاق كما هو مقتضى ظاهر اللفظ لتعذر الاطلاع
عليه عند الجهل بكون الدم الموجود حيضا إذ لا واسطة في الممكنات بين الامتناع العرضي والوجوب العرضي حيث إنه عند تحقق علة التامة يجب وعند
انتفائها يمتنع فيصير على هذا التقدير معنى كلما لم يمتنع ان يكون حيضا فهو حيض كلما وجب ان يكون حيضا فهو حيض وهو كما ترى وحمل الامكان على
الامكان الواقعي لكن بالنظر إلى الموانع الكلية المقررة في الشريعة كما هو ظاهر الشهيد وغيره لا الموانع الشخصية المحتملة في خصوصيات الموارد
ليس بأولى من إرادة الامكان الاحتمالي بل الامر بالعكس ولكنك خبير بان هذا النحو من الترجيحات انما يتمشى على تقدير احراز كون هذه
الفقرة بلفظها صادرة من الإمام (ع) لا في مثل ما نحن فيه فان مجرد وقوعها في معاقد اجماعاتهم المنقولة لا يكشف عن ذلك خصوصا مع
معلومية عدم التزام كثير من نقلة الاجماع بعموم القاعدة بهذا المعنى وتفسير بعضهم لها بالمعنى الأول وكيف كان فالمتبع هو الدليل والذي
يقتضيه التحقيق ويشهد به التتبع والتأمل في الاخبار وسيرة الناس في جميع الموارد هو ان كل احتمال ينافيه أصالة السلامة لا يلتفت إليه لان
أصل السلامة أصل معتبر معتمد عليه عند العقلاء كافة في جميع أمورهم معاشا ومعادا ومعلوم ان الحيض دم يقذفه الرحم بمقتضى طبعه
واما الاستحاضة فإنه وان قلنا بأنها لا تكون الا من آفة الا ان افتها عامة فلا يبعد ان يقال إنها ليست بحيث ينافيها أصالة السلامة
فلو تردد الدم بين كونه حيضا أو استحاضة وبين كون من قرح أو جرح أو علة أخرى مجهولة الأصل فلا يعتنى بسائر الاحتمالات بل يبنى على
كونه حيضا أو استحاضة هذا إذا لم تكن العلة متحققة واما إذا أحرز وجودها كما لو علم بكون الجوف مجروحا أو مقروحا أو بحصول
الاقتضاض المقتضى لخروج الدم وشك في كون الدم منه أو من الحيض فلا يتمشى الأصل إذ لاشك في عدم السلامة فلا بد [ح] من الرجوع إلى
ما جعله الشارع طريقا لتشخيص كل من الدمين كخروج القطنة مطوقة أو منغمسة أو من الجانب الأيسر ونحوه واما لو تردد الدم بين كونه
حيضا أو استحاضة فيشكل البناء على كونه حيضا لما عرفت من امكان المناقشة في أصالة السلامة النافية لاحتمال كونه استحاضة من حيث
كثرة الابتلاء بها وقد أشرنا إلى أن الاعتماد على أصالة السلامة بالنسبة إلى الآفات العامة البلوى مشكل خصوصا في مثل هذه الآفة
التي لا تعد آفة في العرف والعادة اللهم الا ان يمنع كثرتها ويدعى وضوح كون الاستحاضة في العرف والعادة منشأها اختلال المزاج
فيكون احتمال كون الدم استحاضة على هذا التقدير كسائر الاحتمالات مما لا يعتنى به لدى العقلاء ما لم يقم عليه امارة كما يؤيد هذه الدعوى
بل يقررها التدبر في اخبار الباب وفي أسئلة السائلين وسيرة النساء فان المتأمل فيها لا يكاد يرتاب في أن احتمال كون الدم الخارج
منهن ما عدا دم الحيض لم يكن احتمالا في عرض احتمال كونه حيضا بل لم تكن المرأة ملتفتة إلى سائر
الاحتمالات حتى الاستحاضة الا إذا أحست
خللا في مزاجها كان استمر بها الدم شهرا أو شهرين أو رأت الدم ساعة والطهر أخرى أو رأت الدم ثلاثة أيام أو أربعة والطهر كذلك
وهكذا بحيث لولا الاختلال لما اعتنت باحتمال كون ما تريها من الدم غير حيض أصلا فالانصاف انه لو قيل إن الأصل في دم النساء لديهن
على هو المغروس في أذهانهن هو الحيض بمعنى عدم اعتنائهن لسائر الاحتمالات ما لم يكن عن منشأ عقلائي مانع من جريان أصالة
السلامة لم يكن بعيدا بل ربما يقربه بحيث يكاد يلحق بالبديهيات ملاحظة اخبار متظافرة متكاثرة امرة بترتيب اثار الحيض برؤية الدم
من دون اعتناء بسائر الاحتمالات مثل الأخبار المستفيضة المتقدمة الدالة على أن ما تراه المرأة قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى وما
تراه بعدها فهو من الحيضة المستقبلة ورواية يونس المتقدمة الواردة فيمن ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة وترى الطهر ثلاثة أو أربعة
ورواية أخرى قريبة منها ورواية أخرى فيمن ترى الدم ساعة والطهر كذلك وهكذا وما ورد من تحيض الحامل بالدم معللا بأنه
ربما قذفت المرأة الدم وهي حبلى وما ورد فيما تراه المرأة قبل عادتها من أنه من الحيض معللا بأنه ربما تعجل بها الوقت وما ورد من
271

ان الصائمة تفطر بمجرد رؤية الدم
* (وما) * ورد فيمن نفست فتركت الصلاة ثلاثين يوما ثم طهرت ثم رأت الدم بعد ذلك من أنها تدع
الصلاة لان أيامها أيام الطهر قد جازت مع أيام النفاس فعلل الحكم بالحيضية بمجرد عدم المانع إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع كاخبار
الاستظهار ونحوها وبما أشرنا إليه في تقريب الاستشهاد بمثل هذه الروايات لا يتطرق المناقشة في دلالتها بعدم كون شئ منها مسوقا
لبيان تأسيس الأصل وانما هي مسوقة لبيان حكم آخر والمراد من الدم المأخوذ موضوعا في أغلب هذه الأخبار هو الدم المعهود لا مطلق الدم
فالمراد بالرواية الامرة بافطار الصائمة عند رؤية الدم مثلا انما هو دم الحيض لا مطلق الدم فهي مسوقة لبيان انتقاض الصوم برؤية
دم الحيض ولو في اخر النهار ويكفى في صحة مثل هذا الاطلاق أعني الامر بالافطار بمجرد رؤية دم الحيض امكان معرفته في ابتداء رويته
في الجملة ولو لأجل كونه في أيام العادة * (توضيح) * الاندفاع ان المتأمل في هذه الأخبار المتكثرة لا يكاد يتردد في أن سائر الاحتمالات
لم تكن ملحوظة وملتفتا إليها أصلا لما هو المغروس في أذهانهم من أن الأصل في الدم ان يكون حيضا وإلا لكان على الإمام (ع) أو السائلين
الاستفصال عن حكم صورة الشك في مثل هذه الموارد التي قلما تنفك عن سائر الاحتمالات على تقدير الاعتناء بها خصوصا احتمال
كونها استحاضة فكون المراد من الدم هو الدم المعهود في أغلب هذه الروايات مسلم لكن لم يكن معهوديته الا لكونه أصلا فيه فكما لا
ينتقل الذهن عند السؤال عن حكم الدم الذي تراه المرأة الا إلى إرادة الدم المعهود كذلك لا ينتقل عند رؤيته الا إلى كونه ذلك الدم
وإلا لكان السائل يسئل في مثل هذه الموارد عن حكم صورة الشك * (والحاصل) * ان المتأمل في الاخبار كيفية أسئلة السائلين وفي
أجوبتهم لا يكاد يشك في أن رؤية الدم كانت عندهم امارة الحيض ما لم يتحقق خلافه الا ترى إلى ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئلته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها فقال إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة فإنه ربما تعجل بها الوقت فإن كان
أكثر أيامها التي تحيض فيهن فلتتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضى أيامها فإذا تربصت ثلاثة أيام ولم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع
المستحاضة فان المفروض في السؤال ليس إلا رؤية الدم قبل الوقت بل ظاهرة ان السائل لأجل تغيير الوقت تردد في كونه دم الحيض فأجابه
الإمام (ع) بوجوب التحيض معللا بامكان خروج الحيض قبل وقته دفعا لاستبعاده فكان الكبرى عندهم أعني عدم الاعتناء بسائر الاحتمالات
عند امكان كونه حيضا من الواضحات ويؤيده امره بالتربص ثلاثة أيام فإنه وان كان موافقا للأصل ولكنه لا يخلو عن تأييد وكذا
لم يقع السؤال في جملة من الأخبار المستفيضة الواردة في الحامل إلا عن أن المرأة ترى الدم وهي حامل فأجابه الإمام (ع) بوجوب التحيض
برؤية الدم معللا في بعضها بان المرأة ربما قذفت الدم وهي حبلى وفي بعضها بأنه ربما بقي في الرحم الدم ولم يخرج بل ظاهر السؤال والتعليل
الوارد في هذه الروايات تردد السائل في كونه دم الحيض لزعمه عدم الاجتماع مع الحمل فأجابه (ع) بامكانه ويؤكد المطلوب وضوحا انه لم يقع
السؤال في شئ من الاخبار عما يعرف به دم الحيض عن غيره ولم يرد خبر ابتداء يرشدهم إلى ذلك مع أنه لو لم يكن كونه حيضا هو الأصل على
ما هو المغروس في أذهانهم لكان ذلك من أهم الأمور خصوصا بالنسبة إلى المبتدئة والمضطربة وانما وقع السؤال في جملة من الاخبار
عن حكم صورة الاشتباه عند انقطاع أصالة السلامة التي يتعين بها كون الدم حيضا كما لو اقتضت أو أحست بجوفها قرحة أو استمر
بها الدم مدة لا يمكن ان يكون مجموعة حيضا فامرهم الإمام (ع) في مثل هذه الفروض بالرجوع إلى امارات غالبية لتشخيص دم الحيض عن
غيره وهذا بخلاف ما لو رأت الدم ابتداء فإنه لم يرد الامر في شئ من الاخبار الا بالتحيض برؤية الدم ولولا أنه الأصل في الدم لكان
الواجب على الإمام (ع) ان يكلف المبتدئة مثلا بالاحتياط ثلاثة أيام حتى يتحقق حيضها أو يأمرها بالرجوع إلى معرف شرعي تعبدي
كالأوصاف مع أنه (ع) امرها بترك الصلاة عند رؤية الدم ففي موثقة ابن بكير في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة
قال إنها تنتظر الصلاة فلا تصلى حتى يمضى أكثر ما يكون من الحيض فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة وموثقته الأخرى
عن الصادق (ع) قال إذا رأت المرأة الدم أول حيضها واستمر الدم تركت الصلاة العشرة أيام [الخ] وموثقة سماعة قال سئلته عن الجارية البكر
أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيام يختلط عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء قال فلها ان تجلس وتدع الصلاة
ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة فإذا اتفق شهر ان عدة أيام سواء فتلك أيامها إلى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع فالانصاف
انه لا مجال للتشكيك في أن الأصل في الدم الخارج من الموضع المعتاد مطلقا من دون التفات إلى أوصافه هو ان يكون حيضا خصوصا
بعد ما عرفت من دعوى غير واحد الاجماع عليه وانه لم يعهد من أحد من الأئمة (ع) أو السائلين وكذا من النساء الاعتناء بسائر الاحتمالات
الا بعد احراز مقتضياتها واما اختلاف ألوان الدم وكونه بأوصاف الاستحاضة فليس من الأسباب الموجبة للاعتناء باحتمال كونه
استحاضة إذ قلما ينفك الحيض عن اختلاف اللون مع أنه لم يقع السؤال عن حكمه في شئ من الموارد فيكشف ذلك عن عدم معهودية
الاعتناء بها لديهم وانما يجب الرجوع إليها في الموارد المنصوصة لأجل النص وما ربما يتوهم من كون دم الحيض وكذا الاستحاضة بأوصافها
272

المنصوصة معهودا لدى النسوان فكون الدم بأوصاف الاستحاضة لو لم يكن سببا للعلم بها فلا أقل من كونه منشأ للاعتناء باحتمالها
مدفوع بالمنع كما يشهد به التتبع في الاخبار سؤالا وجوابا وليس في قول المرأة في رواية حفص بن النجترى بعدما سمعت من الإماء
صفات الحيض والله لو كان امرأة ما زاد على هذا وكذا قول المرأة في رواية اسحق لمولاتها بعد أن سمعت الأوصاف اترا كان امرأة
شهادة على معروفية دم الحيض بأوصافها الخاصة لديهن بل سؤالهما في الروايتين يشهد بخلافها وانما وقع التعجب منهما من إحاطة
الإمام (ع) بأوصاف الدم وخصوصياته المنوعة له والا فالمرئة لم تكن عارفة بان أحد القسمين حيض والاخر استحاضة كمالا يخفى على من
تأمل في سؤالها بل اعترفت بجهلها بكون ما تريها حيضا أو دما اخر في الرواية الأولى وفي الرواية الثانية زعمت كون الجميع حيضا
فسئلت عن حكمه فقالت ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها وكيف كان فقد أشرنا إلى أن وجه عدم الاعتناء بسائر الاحتمالات
بحسب الظاهر هو الاعتماد على أصالة السلامة القاضية بكون الدم حيضا فيختص مورده بما إذا جرى هذا الأصل بان لم يكن الاحتمال ناشيا
من علة محققة والا فيرجع في تشخيص أحد المحتملين إلى الطرق المنصوصة ككونه في أيام العادة أو بأوصاف الحيض أو خروج القطنة منغمسة
أو غيرها من الطرق التعبدية مقتصرا في الرجوع إليها على موارد النصوص كما عرفت وجهه سابقا ويحتمل قويا ان يكون وجه اعتبار قاعدة
الامكان لدى العرف والعقلاء الغلبة وعلى هذا التقدير أيضا لا يرجع إليها الا في الموارد الخالية عن امارة مقتضية لخلافها
كما لا يخفى وجهه واما مع وجود ما يقتضى خلافها فالحكم ما عرفت من الرجوع إلى الطرق التعبدية ومع فقدها فالمرجع استصحاب الحالة
السابقة من الطهارة أو الحيض والاحتياط ممالا ينبغي تركه على كل حال والله العالم بحقايق احكامه
* (وتصير) * المرأة ذات عادة بان ترى
الدم دفعة ثم ينقطع أقل الطهر فصاعدا ثم تراه ثانيا بمثل تلك العدة بلا خلاف فيه بل في الجواهر وغيره دعوى الاجماع عليه نقلا وتحصيلا
خلافا لما حكى عن بعض العامة من أنها تصير ذات عادة بمرة واحدة وربما نقل عن بعض أصحابنا موافقته وفيه مالا يخفى بعد مخالفته
للاجماع وصريح النصوص الآتية وربما نوقش فيه بمخالفته لمبدء اشتقاق العادة فإنها من العود ويمكن التفصي عنها بان المراد من كونها
ذات عادة كونها عارفة بمقدار ما يقتضيه طبيعتها من قذف الدم بحسب استعداد مزاجها ويستكشف ذلك استكشافا ظنيا برؤيتها
مرة واحدة فتأمل وكيف كان فلا شبهة في بطلانه بعد مخالفته للنص والفتوى ويدل على صيرورتها ذات عادة برؤية الدم مرتين بالتفصيل
المتقدم مضافا إلى الاجماع موثقة سماعة المتقدمة قال فيها فإذا اتفق شهر ان عدة أيام سواء فتلك أيامها ومرسلة يونس الطويلة التي سيأتي
نقلها بطولها في بيان أقسام المستحاضة [انش‍] وفيها وان انقطع الدم في أقل من سبع أو أكثر من سبع فإنها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلى
فلا تزال كذلك حتى تنظر ما يكون في الشهر الثاني فان انقطع الدم لوقته من الشهر الأولى حتى توالى عليها حيضتان أو ثلث فقد علم
الآن ان ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه وتكون سنتها فيما يستقبل ان استحاضت فقد صارت سنة
إلى أن تجلس أقرائها وانما جعل الوقت ان توالى عليها حيضتان أو ثلث لقول رسول الله صلى الله عليه وآله للتي تعرف أيامها دعى الصلاة أيام أقرائك
فعلمنا انه لم يجعل القرء الواحد سنة لها فيقول لها دعى الصلاة أيام قرئك ولكن سن لها الأقراء وأدناه حيضتان فصاعدا الحديث
وهي كما تريها تدل على أن المرأة تصير عارفة بوقتها وخلقها إذا توالى عليها حيضتان متساويتان من حيث الوقت والعدد بان رأت
مثلا في أول الشهر الأول سبعة وفي أول الشهر الثاني أيضا كذلك وتقييد الحيضتين في الرواية وكذا في موثقة سماعة بكونهما في
شهرين بحسب الظاهر على ما يشهد به سوق قوله (ع) تنظر إلى ما يكون في الشهر الثاني انما هو للجرى مجرى المتعارف فكما أن المرأة تعلم وقتها
وخلقها بما لو رأت الدم في الشهر الثاني مثل ما رأته في الشهر الأول كذلك تعلم وقتها وخلقها بما لو لم تر الدم في الشهر الثاني ورأته في الشهر
الثالث مثل ما رأته في الشهر الأول وقتا وعددا وكذا تعرف عددها لو رأتهما في شهر واحد كان رأت مثلا في أول الشهر أربعة وفي وسطه أيضا
كذلك وتعرف وقتها أيضا لو رأت مثلهما في الشهر الثاني بل الظاهر ثبوت عادتها برؤية الدم في أول الشهر الثاني في الفرض فإنها تعرف
بسبب استواء الطهرين الواقعين بين الحيضات الثلاثة وقتها أيضا كعددها وما يتوهم من أن العادة لا تستقر عرفا بمرتين وانما نلتزم
في مورد النص بها تعبدا واما في سائر الموارد فلا بد من حصول الحيض مرات عديدة متوافقة حتى تستقر لها
العادة عرفا مدفوع مضافا
إلى مخالفته للاجماع ظاهرا أولا بما عرفت من أن التقييد على الظاهر جار مجرى الغالب فالمدار على استواء الحيضتين وقتا وعددا بل عددا
فقط كما هو مقتضى اطلاق الرواية الأولى أو وقتا فقط كما سيتضح لك فيما بعد [انش‍] وثانيا بان سياق الروايتين يأبى عن التعبد بل
ظاهرهما كون مساواة الحيضتين ضابطة لتحديد العادة العرفية التي يستكشف بها وقت الحيض وعدده وثالثا ان الأحكام المترتبة
على كونها ذات عادة ليست دائرة مدار اطلاق ذات العادة عليها حتى يتوقف اثباتها على احراز الصدق العرفي أو التعبد الشرعي
وانما المناط معرفتها أيام أقرائها سواء سميت ذات العادة عرفا أم لا والمراد من الأقراء نصا واجماعا ما يصدق على الحيضتين
273

فصاعدا وقد صرح الإمام (ع) في ذيل الرواية الثانية بعدم كفاية حيضة واحدة في الرجوع إلى أيامها لأجل ان النبي صلى الله عليه وآله لم يجعل القرء
الواحد سنة لها ولكن سن لها الأقراء وأدناه حيضتان * (ثم) * انه ان اتحدت أقرئها وقتا وعددا فعليها إذا استمر بها الدم ان ينزل
الصلاة في ذلك الوقت بعدد أيامها وان اتحدت عددا فعليها ان تتحيض بعدد أيامها وهي المسماة اصطلاحا بذات العادة العددية
وان اختلف عددها واتحد وقتها فهي المسماة بذات العادة الوقتية فعليها ان تتحيض في ذلك الوقت وهل هي من حيث العدد المضطربة
أم لابل يستقر عادتها من حيث العدد أيضا في الجملة بمعنى انه لا يجوز لها ان تتحيض بأنقص من أقل الأقراء ولا بأزيد من أكثرها
فلو رأت الدم مثلا في أول شهر أربعة أيام وفي أول الشهر الثاني ستة وفي الثالث خمسة وفي الرابع مثلا سبعة وهكذا بحيث
لا تقف منها على حد فلو استمر بها الدم لم تقتصر في التحيض على الثلث وإن لم يكن الدم في اليوم الرابع بصفة الحيض لان اليوم الرابع
بمنزلة القدر المتيقن من أيام أقرائها وكذا لا يزيد على السبعة وان وجدت الدم بأوصاف الحيض لما عرفت ولكن يشكل ذلك
بما في ذيل الرواية حيث قال (ع) وان اختلط عليها أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على حد ولا من الدم على لون عملت
باقبال الدم وادباره وليس لها سنة غير هذا فان مفادها ان السنة عند اختلاط الدم وزيادة الأيام ونقصانها الرجوع إلى
الأوصاف وعند التعذر العمل باقبال الدم وادباره [مط] لكن يمكن التفصي عنه بان الرجوع إلى التميز انما هو بالنسبة إلى الأيام
التي لم تقف منها على حد وهي الأيام الواقعة بين أقل حيضها وأكثره واما بالنسبة إلى الأيام التي علمت من عادتها ان حيضها
لا ينقص عنها أو لا يزيد منها فلا بل هي من هذه الجهة بمنزلة ذات العادة العددية بل هي هي ان اتحدت وقت أقرائها السابقة
فإنها في اليوم الرابع من الشهر مثلا كاليوم الأول كانت حايضا في الجميع وفي اليوم العاشر لم تكن حايضا في شئ منها فكما أن
اختلاف عدة الأقراء لا يمنع من معرفة عادتها بحسب الوقت كذلك لا يمنع من معرفتها بالنسبة إلى القدر المتيقن من العدد
وبما أشرنا إليه من اباء سياق الاخبار عن التعبد وان تقييد الحيضتين بكونهما في شهرين جار مجرى العادة وان المراد منها
ليس إلا بيان ان رؤية الدم مكررا على نهج واحد طريق يستكشف به ماء تقتضيه طبيعة المرأة من قذف الدم وقتا وعددا ظهر
لك انه كما تستقر عادة المرأة برؤية الدم مرتين على نهج واحد كذلك يستقر عادتها برؤيتها مختلفة مكررة على نحو مضبوط كان
رأت في أول كل شهر مثلا ثلاثة وفي وسطه أربعة فإنه يثبت لها برؤية الدم بهذه الكيفية الخاصة مكررة عادتان فلو استمر
بها الدم ترجع في أول الشهر إلى أيام أقرائها في أول الشهور وفي وسطه أيضا إلى ما اعتادتها في وسط الشهور فالأظهر إناطة صيرورة
المرأة ذات العادة باستكشاف ما يقتضيه طبيعتها من قذف الدم برؤيته مكررا على طريقة واحدة من دون فرق بين ان يكون الأقراء
المتماثلة متعاقبة أو متخللة بما يخالفها لكن لا على وجه يكون ما في خلالها محلا بطريقية الأقراء المتماثلة وكيف كان فالاحتياط فيما عدا
مورد النص أعني إذا اتفق شهران عدة أيام سواء ممالا ينبغي تركه ما لم يحصل لها وثوق من عادتها بوقت الحيض وعدده والله العالم
ولا غبرة في استقرار العادة باختلاف لون الدم المنقطع على العشرة فان مجموعه حيض كما عرفت فيما سبق فإذا تكرر بمثل ذلك العدد تثبت
عادتها توافقا في اللون أم تخالفا لاطلاق الأدلة فلو حصل الفصل بالنقاء في خلال العشرة فهل يعتبر تكرره بمثل مجموع المدة التي
حكم بكونها حيضا وان كان بعض أيامها المتخللة نقاء أو البعرة بتكرره بمثل أيام الدم أو الاعتبار بتكرره بمثل الأيام التي رأت الدم فيها
مستمرا فلو رأت خمسا وانقطع ثم رأت في العاشر تستقر عادتها بما لو رأت في الشهر الثاني خمسا ولا عبرة بالعاشر وجوه أوسطها أوفق
بالاعتبار وأقرب بالنظر إلى ما يستفاد من رواية يونس المتقدمة في مسألة اعتبار التوالي من أن العبرة في أقل الحيض وأكثره بأيام
الدم والله العالم * (وهل) * تثبت العادة بتكرر ما ثبت حيضيته من المستمر باعتبار الأوصاف فيه وجهان أوجههما العدم لخروج الفرض من
مورد الروايتين وعدم الوثوق بكون واجد الصفات حيضا لا غير لما عرفت من أن الأوصاف امارات ظنية اعتبرها الشارع في
الجملة كعادة نسائها التي ترجع إليها في بعض الصور فلا تكون موجبة للوثوق بمعرفة أيام أقرائها حتى ترجع إليها مسائل خمس * (الأولى) *
ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم اجماعا كما عن غير واحد نقله ومقتضى اطلاق المتن عدم الفرق بين ذات العادة الوقتية
والعددية وهذا بالنسبة إلى الوقتية ممالا شبهة فيه واستدل له مضافا إلى الاجماع بالاخبار الكثيرة التي ادعى تؤاثرها الدالة على أن ما تراه
المرأة في أيام حيضها فهو من الحيض وفيه نظر لان مفاد هذه الأخبار ليس إلا ان ما تراه من الدم في أيام عادتها من صفرة أو كدرة فهو من
الحيض وقد ثبت بالنص والاجماع تقييدها بما إذا لم تكن أقل من ثلاثة أيام فالحكم بتحيضها برؤية الدم مع عدم العلم بأنه يستمر ثلاثة أيام يحتاج
إلى دليل آخر من اجماع ونحوه نعم يتم الاستدلال له بقوله (ع) في مرسلة يونس فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة فان استمر
بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض وكيف كان فهذا ممالا اشكال فيه وانما الاشكال في ذات العادة العددية بل
وكذا الوقتية لو رأت الدم قبل
274

وقتها أو بعده بما لا يتسامح عرفا فإنها بحسب الظاهر كالمبتدئة والمضطربة فكما انه في تحيض المبتدئة والمضطربة برؤية الدم تردد فكذا في ذات
العادة العددية والوقتية التي رأت الدم في غير وقتها والأظهر بالنظر إلى ما مر في تحقيق قاعدة الامكان انها تترك الصلاة والصوم برؤية الدم
في جميع هذه الأقسام واما لو لم نقل بعموم القاعدة لمثل هذه الموارد فيجب عليها في جميع الصور بمقتضى أصالة عدم الحيض ان تحتاط للعبادة بأن
تأتي بها اعتمادا على الأصل حتى تمضى ثلاثة أيام فتترك العبادة بعدها ان استمر بها الدم لاستقرار حيضها [ح] والأولى بل الأحوط ان
تحتاط بالجمع بين تروك الحائض وافعال المستحاضة بل القول بوجوب مراعاة هذا الاحتياط بالنسبة إلى الصلاة ونحوها من الواجبات
لا يخلو عن وجه إذ لولاه لما حصل لها القطع بفراغ ذمتها من التكاليف الثابتة في حقها بمقتضى أصالة عدم الحيض وأصالة عدم كونها
مستحاضة غير مجدية في نفى التكليف المقدمي الناشئ عن حكم العقل بقاعدة الشغل * (وهذا) * الكلام وان كان بلا للنقض والابرام لكن لقائل
أن يقول اجمالا متى وجب عليها الصلاة بمقتضى أصالة عدم الحيض كيف تتقرب بفعلها بلا غسل أو وضوء على ما هو تكليف المستحاضة مع أنها
تعلم تفصيلا ببطلان صلاتها وكونها محدثة لتردد امرها في الواقع بين كونها حائضا أو مستحاضة وسيأتي تمام الكلام في محله [انش‍]
* (هذا) * كله لو لم نعتمد على قاعدة الامكان في مثل هذه الموارد والا فعلى ما اخترناه من عموم القاعدة فالامر واضح كما أنه لا شبهة بناء
عليها في حكم المسألة الثانية وهي ما لو رأت معتادة كانت أم غيرها الدم ثلاثة أيام ولم يكن مسبوقا بحيض أو نفاس مانع من حيضيته ثم انقطع
ورأت قبل العاشر أو في العاشر كان الكل مع النقاء المتخلل حيضا اما كون الدمين حيضا فللقاعدة واما النقاء المتخلل فلما عرفت مفصلا
عند التكلم في أن الطهر لا يكون أقل من عشرة أيام ويدل عليه مضافا إلى ما عرفت الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة وعدم وجدان الخلاف
الا ممن لا يعتد بخلافه بعد وضوح مستنده كصاحب الحدائق حيث زعم أن النقاء المتخلل طهر وقد عرفت ضعفه بما لا مزيد عليه وربما يستدل
لاثبات المطلوب بالنسبة إلى جزئه الأول أعني اطلاق كون ما تراه في الثلاثة حيضا ولو من المعتادة في غير وقت عادتها باطلاق صحيحة
يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة قال تدع الصلاة الحديث وبالنسبة إلى ما تراه قبل انقضاء
العاشر بالأخبار المستفيضة الدالة على أن ما تراه من الدم قبل انقضاء العشرة فهو من الحيضة الأولى ولكون النقاء المتخلل حيضا بما عرفت
وكيف كان فقد أشرنا عند التكلم في قاعدة الامكان ان القدر المتيقن من معاقد اجماعاتهم المنقولة على القاعدة انما هو فيما تراه المرأة
من الثلاثة إلى العشرة تجانس لو الدم أو اختلف وقضية اطلاق معاقد اجماعاتهم شمولها لما إذا رأت المعتادة الدم بعد عادتها
بغير صفات الحيض قال شيخنا المرتضى [ره] ولولا الاجماع لاشكل الحكم في هذا الفرض من جهة ما دل من المستفيضة على أن الصفرة بعد
أيام الحيض ليست حيضا * (أقول) * لا يبعد ان يكون المراد من أيام الحيض في جملة من هذه الأخبار
العشرة التي يمكن ان يكون الدم
المرئي فيها حيضا كما عن جملة من الاعلام تفسير أيام الحيض بذلك ولعل هذا هو المتعين ارادته من مرسلة يونس حيث قال (ع) وكل ما
رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض وكل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض لأنه (ع) صرح في صدر هذه الرواية
بان ما تراه المرأة إلى عشرة أيام فهو من الحيض ومن تأمل في مجموع فقرات الرواية يراها صريحة في عدم الفرق بين ذات العادة وغيرها بل
موردها ذات العادة فالجمع بين مجموع الفقرات لا يمكن الا بإرادة أيام امكان الحيض من أيام الحيض وكيف كان فهذه الأخبار لا بد من
تقييدها أو تأويلها بما لا ينافي اطلاق المستفيضة الدالة على أن ما تراه قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى المعتضدة بالاجماع والله
العالم هذا كله فيما لو انقطع الدم قبل انقضاء اليوم العاشر واما لو تجاوز الدم العشرة أيام رجعت إلى التفصيل الذي نذكره انشاء الله
ولو
تأخر بمقدار عشرة أيام من يوم طهرت ثم رأت الدم كان الأول حيضا منفردا والثاني يمكن ان يكون حيضا مستأنفا فهو حيض بمقتضى القاعدة
المقررة بل قد عرفت أن مقتضاها التحيض برؤية الدم الثاني وان احتملت انقطاعه قبل اكمال الثلاثة كما في المبتدئة والمضطربة على ما اخترناه
ولو تأخر الدم الثاني عن عشرة الحيض ولكن لم يتحقق الفصل بينهما بأقل الطهر فلا يمكن ان يكون الدم الثاني من الحيضة الأولى ولا من حيضة
مستقبلة فهو استحاضة وان كان بصفة الحيض وكان ما رأته أولا بصفة الاستحاضة كما نسب إلى ظاهر الأصحاب واستدل عليه مضافا إلى
ظهور اطلاق الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المنقولة بقول أبى الحسن (ع) في خبر صفوان بن يحيى قال قلت إذا مكثت المرأة عشرة أيام
ترى الدم ثم طهرت فمكثت ثلاثة أيام طاهرا ثم رأت الدم بعد ذلك تمسك عن الصلاة قال لا هذه مستحاضة * (قال) * في الجواهر بعد الاستدلال
للمطلوب بما عرفت ولولاه لأمكن التأمل في مثل المبتدئة مع فرض كون الدم الثاني جامعا والأول غير جامع إذ قاعدة الامكان معارضة
بمثلها فلا ترجيح للأول على الثاني انتهى * (وفيه) * انه لاوجه للمعارضة لان حيضية الأول تحقق قبل وجود الدم الثاني فالثاني وجد في زمان
لا يمسك ان يكون حيضا وكونه لذاته صالحا للحيضية لا يجدى بعد أن وجد مسبوقا بحيض تحقق والحاصل ان مقتضى عموم القاعدة للدم الأول
امتناع كون الثاني حيضا فلا يكون الثاني مشمولا للقاعدة حتى تتحقق المعارضة وإن شئت قلت إن الدم الأول وجد في زمان يمكن
275

ان يكون حيضا فلاوجه لتخصيص القاعدة بالنسبة إليه واما الدم الثاني فخروجه من تحت القاعدة من باب التخصص لا التخصيص وليعلم توطئة للمسألة
الثالثة ان النقاء مطلقا ولو من المعتادة في أيام عادتها امارة الطهر كما أن رؤية الدم في أيام العادة بل مطلقا على الأظهر امارة
الحيض ويستفاد ذلك استفادة قطعية من مراجعة اخبار الباب مثل رواية يونس وغيره الواردة في حكم من ترى الدم ثلاثة أيام أو
أربعة وترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة وما ورد فيمن ترى الدم ساعة والطهر ساعة وقد عرفت تقريب الاستشهاد بهذه الاخبار عند
بيان أقل الطهر من كونها مسوقة لبيان تكليفها في مقام العمل والا فالطهر لا يكون أقل من عشرة أيام ومثل ما دل على أنه إذا انقطع الدم
تغتسل وتصلى تنتظر إلى عشرة أيام فان رأت الدم في تلك العشرة أيام فهو من الحيضة الأولى إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي لا مجال
للتشكيك في دلالتها على المطلوب نعم في استفادة عموم الحكم أعني كون النقاء امارة للطهر مطلقا في حق المعتادة حتى مع ظن العود في
العادة خصوصا مع اعتيادها العود للتأمل مجال وان كان الأظهر بالنسبة إليها أيضا عدم الاعتناء باحتمال العود الا إذا اطمأنت
من عادتها بالعود والا فعليها الاغتسال عند حصول النقاء والاتيان بالصلاة ونحوها من العبادات الواجبة * (هذا) * إذا حصل
النقاء الحقيقي بان انقطع الدم من أصله من الداخل واما إذا انقطع الدم في الظاهر واحتملت بقائه في الداخل عند امكان كونه حيضا
بان كان الانقطاع لدون عشرة أيام فمقتضى الأصل عدم وجوب الفحص عليها وجواز اعتمادها على استصحاب الحيض ما لم تستيقن بانقطاعه
من أصله كما في غيره من الشبهات الموضوعية وربما يقال بوجوب الفحص في مثل هذه الموارد التي يستلزم الرجوع فيها إلى الأصول الوقوع
في مخالفة الواقع كثيرا * (وفيه) * تأمل بل منع لكن لا تأمل في أنها إذا أرادت ان تغتسل ما لم تقطع بنقاء الباطن فعليها الاستبراء بادخال
القطنة ونحوها حتى تطمئن بطهرها والا فهي حائض بحكم الاستصحاب لا يشرع في حقها الغسل فلا يتأتى منها قصد القربة بغسلها فيفسد
نعم لو نوت الاحتياط فصادف الواقع لا يبعد القول بصحته لو لم نقل باعتبار الجزم في النية ولو مع الامكان إذا لظاهر عدم كون الغسل
في حقها حراما ذاتيا فيمكن التقرب بفعله احتياطا على الأظهر ومما يدل على وجوب الاستبراء عند إرادة الغسل مضافا إلى ما عرفت صحيحه
محمد بن مسلم عن الباقر (ع) قال إذا أرادت الحائض ان تغتسل فلتستدخل قطنة فان خرج فيها شئ من الدم فلا تغتسل وإن لم تر شيئا فلتغتسل
وان رأت بعد ذلك صفرة فلتوضأ ولتصل وهذه الصحيحة تريها ظاهرة في الوجوب الشرطي بمعنى ان من شرط الاغتسال الاستبراء واما انه
يجب عليها الفحص وطلب الوثوق ببراءة الرحم إذا انقطع الدم كما هو ظاهر المتن وصريح غيره فلا يكاد يفهم من هذه الصحيحة لكن في الحدائق
نفى الخلاف عنه ظاهرا وعن الذخيرة نسبته إلى ظاهر الأصحاب وفي الجواهر بلا خلاف أجده سوا ما عساه يظهر من المنقول من الاقتصار للتعبير بلفظ
ينبغي المشعر بالاستحباب واستدل له مضافا إلى الصحيحة التي عرفت حالها بمرسلة يونس عن الصادق عليه السلام قال سئل عن امرأة انقطع عنها الدم فلا
تدرى طهرت أم لا قال (ع) تقوم قائمة وتلزق بطنها بحائط وتستدخل قطنة بيضاء وترفع رجلها اليمنى فان خرج على رأس القطنة مثل رأس
الذباب دم عبيط لم تطهر وإن لم يخرج فقد طهرت تغتسل وتصلى ورواية شرحبيل الكندي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت كيف تعرف الطامث
طهرها قال تعمد برجلها اليسرى على الحائط وتستدخل الكرسف بيده اليمنى فإن كان ثم مثل رأس الذباب خرج على الكرسف وموثقة
سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له المرأة ترى الطهر وترى الصفرة أو الشئ فلا تدرى أطهرت أم لا قال فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق
بطنها إلى حائط وترفع رجلها على الحائط كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد أن يبول ثم تستدخل الكرسف فإذا كان ثمة من الدم مثل رأس
الذباب خرج فان خرج دم فلم تطهر وإن لم يخرج فقد طهرت * (وعن) * الفقه الرضوي وإذا رأت الصفرة أو شيئا من الدم فعليها ان تلصق بطنها
بالحائط وترفع رجلها اليسرى كما ترى الكلب إذا بال وتدخل قطنة فان خرج فيها دم فهي حائض وإن لم يخرج فليست بحائض * (و) * في الاستدلال
بما عدا الموثقة لاثبات المطلوب نظر واما الموثقة فالانصاف عدم قصورها عن إفادة الوجوب سند أو دلالة كما أنه لا قصور في الرضوي
أيضا من حيث الدلالة لو اغمض عن سنده أو قيل بانجباره بالشهرة وعدم نقل الخلاف في المسألة لكن ظاهرهما وجوب الاختبار بالكيفية
الخاصة الا انه لا بد من حمل الخصوصية على بيان أفضل الافراد جمعا بينهما وبين صحيحة محمد بن مسلم لان تقييد الصحيحة الواردة في مقام
البيان في مثل هذا الحكم العام البلوى في غاية الاشكال خصوصا مع ما في الاخبار المقيدة الدالة على اعتبار كيفية خاصة من الاختلاف
وهذا هو السر في عدم اعتبار المشهور كما نسب إليهم كيفية خاصة في الاستبراء فالمتعين حمل هذه الأخبار
المقيدة على بيان أفضل الافراد
الموجب لشدة الوثوق ببراءة الرحم فالأظهر ما هو المشهور من وجوب الاستبراء وعدم جواز العمل بالأصل قبل الفحص كما يؤيده النوبة
الذي أشرنا إليه للقول بوجوب الفحص في مثل هذه الموارد خصوصا مع ما علم من اهتمام الشارع بالصلاة ونحوها وعدم رضائه بالمسامحة
في امرها كما يشهد به الاستقراء في نظائر المقام ولكن لا يخفى عليك ان هذا انما هو فيما إذا حصل لها تردد
زائد على ما يقتضيه طبيعة الحيض
في غالب أوقاته إذ ليس دائما ما دام الحيض يسيل الدم على وجه تدركه بل في أكثر أوقاتها ليس لها الا الظن بعدم ارتفاع الحيض ولو وجب عليها
276

تحصيل العلم لتعسر بل تعذر إذ غاية ما يمكنها الاستبراء وهو لا ينفى احتمال كون ما أصاب القطنة آخر ما سال منها من الدم * (والحاصل) * انه
متى حصل لها ترديد زائد عن المتعارف بحيث رأت نفسها متحيرة وجب عليها الاختبار بادخال قطنة ونحوها فان خرجت تقية اغتسلت اجماعا
كما صرح به في المدارك وان كانت متلطخة بالدم ولو بمثل رأس الذباب كما مثل به في الأخبار المتقدمة
صبرت المبتدئة حتى تنفى أو يمضى
عشرة أيام التي يمكن ان يكون الدم فيها حيضا بلا خلاف فيه بل في المدارك دعوى الاجماع عليه ويدل عليه مع موافقته للأصل وقاعدة
الامكان مضافا إلى الاجماع موثقة ابن بكير إذا رأت المرأة الدم في أول حيضها واستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام وفي موثقته
الأخرى قال في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة انها تنتظر بالصلاة فلا تصلى حتى يمضى أكثر ما يكون من الحيض
فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة وفي حكم المبتدئة من لم يستقر لها عادة في العدد لما أشرنا إليه من موافقته
للأصل والقاعدة ويمكن الاستدلال عليه أيضا بموثقة سماعة قال سئلته عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين وفي
الشهر ثلاثة يختلط عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء قال فلها ان تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة الحديث
واما ذات العادة عددا وقتية كانت أم لا فمقتضى الأصل وان كان وجوب تحيضها كغيرها إلى أن ينقطع الدم أو يمضى عشرة أيام وكذا مقتضى
قاعدة الامكان أيضا ذلك على تأمل فيه يظهر وجهه بالتأمل فيما أسلفناه وجها لقاعدة الامكان لكن يظهر من جملة من الاخبار الآتية
ان الشارع أهمل في حقها الأصل والقاعدة فإنه وان كلفها في عدة من الأخبار المستفيضة بل المتواترة بترك العبادة في الجملة الا انه
يظهر من بعض تلك الأخبار ان منشأه الاحتياط الاستصحاب وقاعدة الامكان * (و) * حيث إن اخبار الباب في غاية الكثرة والاختلاف فالأولى
أولا تأسيس ما يقتضيه الأصل بعد الاغماض عن الاستصحاب وقاعدة الامكان كما هو المفروض * (فنقول) * انها بعد تجاوز دمها عن العادة
كما تحتمل انقطاعه في أثناء العشرة كذلك تحتمل تجاوزها فهي متحيرة في امرها فان قلنا بعدم حرمة العبادة على الحائض الا تشريعا فمقتضى
الاحتياط الجمع بين تروك الحائض وافعال المستحاضة لكن لا يجب عليها شئ منها للأصل لأن الشك
بالنسبة إليه مرجعه إلى الشك
في أصل التكليف والمرجع فيه البراءة وان قلنا بحرمة العبادة عليها ذاتا كما هو الأظهر على ما سيتضح لك [انش‍] يدور امرها بين المحذورين
حيث تعلم اجمالا بكونها مكلفة اما بترك الصلاة أو فعلها فهي مخيرة بالأخذ بأحد الاحتمالين عقلا لو لم نقل بتغليب جانب الحرمة كما
ذهب إليه بعض وهل التخيير في مثل المقام بدوي أو استمراري وجهان أوجههما الثاني كما تقرر في محله فهي مخيرة في الاخذ بكل من
الاحتمالين إلى أن يتم لها عشرة أيام هذا إذا لم يكن أحد الاحتمالين أقوى والا فالأخذ به متعين ولا شبهة انه كلما امتد تجاوزه عن
العادة يقوى احتمال كونه استحاضة ويضعف احتمال كونه حيضا فالمتعين عليها عقلا ان تتحيض عند أقوائية احتمال كونها حائضا والبناء
على طهارتها عند ضعف هذا الاحتمال وحيث انا أشرنا إلى حكم العقل بكونها مخيرة في الاخذ بأحد الاحتمالين في الجملة طهر لك امكان ان
يكون تكليفها في مرحلة الظاهر شرعا الاخذ بأحد الاحتمالين مخيرا كما أنه يجوز ان يكلفها الشارع بتغليب أحد الاحتمالين معينا لكونه أهم
بنظره ومتى جاز ذلك شرعا لا يدور مدار تكافؤ الاحتمالين بنظر المكلف بل يدور مدار اطلاقات الأدلة الشرعية إذ من الجايز أن لا
يكون أقوائية أحد الاحتمالين بنظر المكلف سببا التعين الاخذ به عند الشارع وهذا بخلاف ما إذا كان الحاكم العقل فإنه لا يحكم بالتخيير الا
بعد التكافؤ إذا عرفت ذلك فنقول قد استفاضت الاخبار بل تواترت على أن ذات العادة إذا تجاوز دمها العادة تستظهر وتحتاط بترك
العبادة في الجملة ففي بعضها امرها بالاستظهار مطلقا من دون تعيين مدة له وفي بعضها كلفها بان تغتسل بعد يوم فيكون مدة الاستظهار
يوما وفي بعضها بعد يومين وفي بعض بعد ثلاثة أيام وفي غير واحد منها بعد يوم أو يومين وفي بعضها أو ثلاثة وفي جملة منها تستظهر إلى
العشرة وكيف كان فمشروعية الاستظهار أعني جواز ترك العبادة احتياطا لاحتمال كونها حائضا اجمالا ممالا اشكال بل لا خلاف فيه
ظاهرا بل عن جملة دعوى الاتفاق عليه والنصوص الدالة عليه لا يبعد دعوى تواترها وانما الاشكال والخلاف في مقامين أحدهما في
تعيين مدة الاستظهار والاخر في كونه واجبا أو غير واجب ومنشأ الخلاف اختلاف الاخبار ففي مرسلة ابن المغيرة عمن أخبره عن أبي عبد الله (ع)
قال إذا كانت أيام المرأة عشرة لم تستظهر فإذا كانت أقل استظهرت ورواية يونس بن يعقوب عن أبي
عبد الله (ع) تجلس النفساء أيام حيضها
التي كانت تحيض ثم تستظهر وتغتسل وتصلى وفي بعض الأخبار قيده بيوم كرواية إسحاق بن حريز قال سئلتني امرأة منا ان ادخلها على أبي عبد
الله عليه السلام فاستأذنت لها فاذن لها فدخلت إلى أن قال فقالت له ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها قال إن كان أيام حيضها
دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة قالت فان الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة قال
تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين الحديث ومرسلة داود مولى أبى المعز عمن أخبره عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن المرأة تحيض ثم
يمضى وقت ظهرها وهي ترى الدم قال تستظهر بيوم ان كان حيضها دون العشرة أيام فان استمر الدم فهي مستحاضة وان انقطع المد اغتسلت
277

وصلت ورواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال يجب للمستحاضة ان تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك
بيوم وموثقة مالك بن أعين عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم قال نعم إذا مضى له منذ يوم وضعت بقدر أيام
حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس ان يغشاها ان أحب ولا يخفى عليك انه لا معارضة بين هذه الأخبار
والروايات المطلقة إذ
المطلق يحمل على المقيد فلا معارضة بينها وظاهر جميع الأخبار المتقدمة وجوب الاستظهار وبعد تقيد المطلقات بالاخبار المقيدة
يكون مفادها وجوب ترك العبادة بعد انقضاء العادة يوما احتياطا الاحتمال كونها حائضا ثم هي بعد اليوم إذا استمر بها الدم مستحاضة
ومن المعلوم ان المراد من كونها مستحاضة انها ترتب اثار المستحاضة بحسب الظاهر ولا تعتني باحتمال ان ينقطع الدم قبل العشرة فيكون حيضا
لا انها مستحاضة واقعا سواء انقطع الدم قبل العشرة أم لا والا لعارضها مضافا إلى الاجماع والنصوص الدالة على أن ما تراه قبل العشرة
فهو من الحيضة الأولى جميع الأخبار الآتية الدالة على مشروعية الاستظهار بأزيد من يوم كمالا يخفى فيفهم من مجموع هذه الأخبار بالصراحة
مشروعية الاستظهار أي ترك العبادة في اليوم الأول بعد انقضاء عادتها ومشروعية فعلها بعده وظاهرها كون ترك العبادة في اليوم
الأول وفعلها فيما بعده على سبيل الوجوب ولكن يعارضها ظاهرا بالنسبة إلى حكم ما بعد اليوم اخبار كثيرة مثل صحيحة زرارة قلت له النفساء
متى تصلى قال تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين فان انقطع الدم والا اغتسلت إلى أن قال قلت والحائض قال مثل ذلك سواء وموثقة
زرارة تقعد النفساء أيامها التي كانت تقعد في الحيض وتستظهر بيومين فان هاتين الروايتين صريحتان في جواز ترك العبادة يومين
وظاهرتان في كونه على سبيل الوجوب * (و) * موثقة سماعة عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها فقال إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع
الصلاة فإنه ربما تعجل بها الوقت فإن كان أكثر أيامها التي تحيض فيهن فالتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضى أيامها فإذا تربصت ثلاثة
أيام ولم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع المستحاضة * (و) * موثقته الأخرى عن امرأة رأت الدم في الحبل قال تقعد أيامها التي كانت تحيض
فإذا زاد الدم على الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة * (و) * رواية محمد بن عمر بن سعيد عن أبي الحسن الرضا (ع) قال سألته
عن الطامث وحد جلوسها فقال تنتظر عدة ما كانت تحيض ثم تستظهر بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة وهذه الروايات كما تريها ظاهرها
وجوب الاستظهار بثلاثة أيام وصريحها مشروعيته فيمكن الجمع بينها وبين الأخبار السابقة الدالة على أنها تستظهر بيوم ثم هي مستحاضة
وكذا الاخبار الامرة بأنها تستظهر بيومين برفع اليد عن ظاهر كل من هذه الأخبار بنص الاخر فيفهم من هذه الأخبار الأخيرة
مشروعية ترك العبادة استظهارا ثلاثة أيام ومن سائر الأخبار المتقدمة مما عدا مطلقاتها مشروعية فعل العبادة في اليوم الثالث
ومن الطائفة الأولى مشروعيتها في اليوم الثاني أيضا فيكون ملخص مجموع الاخبار انه يجب عليها الاستظهار يوما أو يومين أو ثلاثة فهي بالنسبة
إلى اليوم الثاني والثالث مخيرة بين الاخذ باحتمال كونها حائضا فتترك العبادة أو مستحاضة فتاتي بها والجمع بين الاخبار المتنافية
بارتكاب التأويل في الظاهر لأجل النص وان كان على وفق القواعد المقررة في الأصول ولكن ارتكابه في مثل هذه الأخبار التي يظهر منها
التنافي في بادي الرأي من دون شاهد خارجي في غاية الاشكال والا لجاز الجمع بين الخبرين الذين أحدهما يأمرنا بشئ والاخر ينهانا عنه
بالتقريب المتقدم مع أن هذا الفرض هو القدر المتيقن من مورد الأخبار الواردة في علاج الخبرين المتعارضين الامرة بالرجوع إلى
المرجحات لكن الذي يهون الخطب في المقام ورود التصريح بهذا المضمون الذي ادعينا انه هو الذي يقتضيه الجمع بين الاخبار في غير
واحد من الروايات المعتبرة مثل صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع) قال سئلته عن الحائض كم تستظهر قال تستظهر بيوم أو يومين
أو ثلاثة * (و) * رواية سعيد بن يسار قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن المرأة تحيض ثم تطهر وربما رأت بعد ذلك الدم الرقيق بعد اغتسالها من
طهرها فقال تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة * (ورواية) * حمران بن أعين المروية عن المنتقى عن كتاب الاغتسال لأحمد بن محمد بن عياش
الجوهري وفيها قلت فما حد النفساء قال تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام أقرائها فان هي طهرت والا استظهرت بيومين أو ثلاثة
* (ورواية) * إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين فان هي رأت طهرا اغتسلت وإن لم تر
طهرا اغتسلت * (و) * صحيحة زرارة المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها وتحتاط بيوم أو اثنين ثم تغتسل كل يوم وليلة ثلاث مرات
إلى أن قال فإذا حل لها الصلاة حل لزوجها ان يغشاها * (وصحيحة) * ابن مسلم المروية عن المشيخة لابن محبوب الحائض إذا رأت دما بعد
أيامها التي ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين * (و) * موثقة زرارة المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين وموثقته الأخرى عن
الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع قال تستظهر بيوم أو يومين وهذه الأخبار كما تريها بعضها كالصحيحة الأولى صريحة في أن لها
الخيار في اليوم الثاني والثالث في الاخذ باحتمال كونها حائضا أو مستحاضة وجملة منها تدل على أن
لها الخيار بالنسبة إلى اليوم الثاني
وبعضها تدل على كونها مخيرة في اليوم الثالث فيفهم من مجموع هذه الأخبار ان قوله (ع) في بعض الأخبار المتقدمة تستظهر بيوم فان استمر
278

الدم فهي مستحاضة ليس كونها مستحاضة على سبيل الحتم والالزام بل لها البناء على كونها مستحاضة وعدم الاعتناء باحتمال كونها حائضا كما أن
لها عكس ذلك بمقتضى سائر الاخبار التي كادت تكون متواترة بشهادة المستفيضة الدالة على أنها مخيرة في اليوم
الثاني والثالث
وهذه الأخبار كما تصلح شاهدة لتأويل الأخبار المتقدمة كذلك تصلح قرينة لتعيين المراد من الأخبار المستفيضة
الامرة بانتظارها
إلى اليوم العاشر مثل * (موثقة) * يونس بن يعقوب عن امرأة رأت الدم في حيضها حتى تجاوز وقتها متى ينبغي لها ان تصلى قال تنتظر عدتها
التي كانت تجلس فيها ثم تستظهر لعشرة أيام * (و) * مرسلة عبد الله بن المغيرة عن رجل عن أبي
عبد الله عليه السلام في المرأة ترى الدم ان كان قرئها
دون العشرة انتظرت العشرة وان كان أيامها عشرة لم تستظهر * (و) * رواية أخرى ليونس في امرأة ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت ترى قال (ع)
تقعد أيامها التي كانت تجلس فيها ثم تستظهر بعشرة أيام * (و) * في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال النفساء إذا ابتليت بأيام كثيرة مكثت
مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك ثم تستظهر بمثل ثلثي أيامها الحديث فيفهم من الأخبار الدالة على كونها مخيرة في اليوم الثاني
والثالث ان الامر بانتظارها إلى العشرة مطلقا وكذا باستظهارها بمثل ثلثي أيامها كما في رواية أبي بصير ليس على سبيل الحتم والتعيين
كما يفهم من هذه الأخبار ان ما في بعض الأخبار السابقة من أنها بعد ثلاثة أيام أو يومين تصنع كما تصنع المستحاضة انما هو رخصة
لا غريمة * (نعم) * لا بد من تقييد اطلاق رواية أبي بصير وكذا الأخبار المطلقة الدالة على أنها تستظهر يومين أو ثلاثة أيام بما إذا لم يتجاوز
مدة الاستظهار العشرة بل يفهم هذا التقييد من مادة الاستظهار كما هو ظاهر فتلخص لك انه يفهم من مجموع الاخبار بعد تأويل بعضها
ببعض انه يجب عليها الاستظهار ولكنها مخيرة بين اليوم واليومين والثلاثة إلى أن يتم لها عشرة أيام من يوم رأت الدم وبما ذكرنا في مقام
تأسيس الأصل من حكم العقل بالتخيير في دوران الامر بين المحذورين وتكافؤ الاحتمالين بالأخذ بأحد الاحتمالين وامكان ان يجعل الشارع
التخيير أو الاخذ بأحدهما معينا حكما ظاهريا في مقام العمل * (ظهر) * لك اندفاع ما ربما يتوهم من أن مرجع التخيير إلى جواز فعل الصلاة وتركها
فكيف يعقل اتصافها بالوجوب مع أنه يجوز تركها لا إلى بدل * (توضيح) * الاندفاع ان التخيير بين الاخذ بكل من الاحتمالين غير
التخيير في فعل الصلاة من حيث هي وتركها فهو نظيرا التخيير بين الخبرين المتعارضين أو تقليد المجتهدين المخالفين في الحرمة والوجوب
* (و) * ستعرف كونها مخيرة في البناء على كونها حائضا في كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام في بعض الفروع الآتية فهو نظير ما نحن فيه فكلما
يقال في توجيه أصل التخيير بالنسبة إلى اليوم السابع وفي تصوير كون المأمور به وهو التحيض مرددا بين الأقل والأكثر نقول به ها هنا
وقد أشرنا اجمالا في مقام تأسيس الأصل إلى ما ينحل به شبهة كون التخيير في المأمور به بين الأقل والأكثر كانحلال الشبهة في أصل
التخيير حيث أومأنا إلى كون كل زمان لذاته موضوعا مستقلا للحكم بالتخيير شرعا أو عقلا يدور امر الشارع أو إلزام العقل
بالتخيير أو ترجيح أحد الاحتمالين مدار مكافئة الاحتمالين أو أهمية أحدهما في نظر الامر اما بالنظر إلى نفس المحتمل أو بملاحظة قوة
الاحتمال فلا مانع من أن يكون مراعاة احتمال كونها حائضا في اليوم الأول بنظر الشارع أهم من سائر الأيام كما يساعد عليه الاعتبار
فأوجب فيه الاستظهار دون ما عداه فخيرها فيما عداه بين الاخذ بكل من الاحتمالين * (ان) * قلت هل الامر المتعلق بالاستظهار ثلاثة
أيام مثلا للوجوب أو للندب أو انه مستعمل في مطلق الطلب * (قلت) * لا مانع من حمله على ظاهره من الوجوب غاية الأمر انه ثبت من الخارج ان
خصوصية الفرد غير مقصودة بالالزام وليس هذا مانعا من إرادة الوجوب بالنسبة إلى مطلق الطبيعة كما لو امر المولى عبده بالمشي إلى
مكان خاص وعلم من الخارج ان خصوصية المكان ومقدار المسافة مما لم يتعلق به ارادته الحتمية وانما اختاره عند الامر بالطبيعة لما فيه
من الخصوصية المقتضية لذلك بنظر المولى من دون أن تكون موجبة لإرادته بالخصوص على سبيل الوجوب وكيف كان فربما يقال باستحباب
الاستظهار بل في المدارك نسبه إلى عامة المتأخرين جمعا بين الأخبار المتقدمة الظاهرة في الوجوب وبين جملة من الاخبار التي يدعى
ظهورها في المنع من الاستظهار مثل رواية يونس الطويلة التي سيأتي نقلها بطولها في مبحث الاستحاضة الصريحة في أن المستحاضة المعتادة
لا وقت لها الا أيامها وان السنة في وقتها ان تتحيض أيام أقرائها وقوله (ع) في المضطربة المأمورة بالتحيض سبعا الا ترى ان أيامها لو
كانت أقل من سبع لما قال لها تحيضي سبعا فيكون قد امرها بترك الصلاة أياما وهي مستحاضة ولو كان حيضها أكثر لم يأمرها بالصلاة
وهي حائض الحديث فان المستفاد منه ان الشارع لم يكن ليأمر بترك الصلاة بعد العادة * (و) * في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع)
قال المستحاضة تنتظر أيامها فلا تصلى فيها ولا يقربها بعلها وان جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت وصلت * (و) * موثقة
ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) في المرأة المستحاضة التي لا تطهر قال تغتسل عند صلاة الظهر تصلى إلى أن قال لا بأس يأتيها بعلها متى
شاء الا أيام قرئها * (و) * موثقة سماعة المستحاضة تصوم شهر رمضان الا الأيام التي كانت تحيض فيها * (و) * رواية ابن أبي يعفور المستحاضة
إذا مضت أيام قرئها اغتسلت واحتشت * (و) * رواية مالك بن أعين عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها قال تنتظر الأيام التي كانت تحيض
279

فيها وحيضها مستقيمة فلا يقربها في عدة تلك الأيام * (و) * صحيحة زرارة عن أحدهما قال النفساء تكف عن الصلاة أيامها التي كان تمكث
فيها ثم تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة وفيه أن الرواية الأخيرة لا بد من تقييد اطلاقها بالاخبار المتقدمة واما ما عداها فموردها
صراحة أو ظهورا انما هو ما استمر بها الدم واختلط حيضها بالاستحاضة فالسنة في حق هذه المرأة جعل مصادفة الدم لأيام الحيض
مميزا لحيضها ان كانت لها عادة والا فالرجوع إلى أوصاف الدم ولا يشرع في حقها الاستظهار جزما الا ترى إلى رواية إسحاق بن حريز
المتقدمة حيث امرها بان تستظهر بعد عادتها بيوم قالت فان الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة قال (ع)
تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين واما الاخبار الامرة بالاستظهار فموردها غير هذا الفرض جزما وان كانت قد يتراءى من بعضها الاطلاق
مثل قوله (ع) المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها ثم تحتاط بيوم أو يومين ولكن المتعين صرف مثل هذه الأخبار لو لم نقل بانصرافها
بنفسها إلى إرادة الحكم في الدورة الأولى جمعا بينها وبين غيرها من النصوص والفتاوى الدالة على أن
السنة فيمن استمر بها الدم ليس إلا
الرجوع إلى عادتها ان كانت لها عادة والا فإلى أوصاف الدم والا فإلى الروايات بالتفصيل الآتي فلا يجوز لها الاستظهار في
الفرض فضلا عن أن يستحب كما هو مقتضى هذا الجمع بل لا معنى له حيث لم يثبت سنة في حقها غير ما ورد التنصيص عليها من ترك الصلاة
أيام أقرائها وان علمت بانقطاع الدم قبل انقضاء العشرة فان ما دل على أن ما تراه المرأة قبل انقضاء العشرة فهو من الحيضة الأولى
فالمراد بها ليس إلا بيان الحكم فيها لو رأت الدم قبل انقضاء العشرة من يوم رأت الدم وكذا فتوى الأصحاب بان الدم المنقطع على
العشرة مجموعه حيض تنصرف عن مثل الفرض الذي التزمنا بكون ما رأته في عادتها حيضا من باب التعبد فيشكل [ح] رفع اليد عن ظواهر
الأخبار المتقدمة الدالة بظاهرها على أنها بعد أيام أقرائها مستحاضة [مط] وكذلك الحصر المستفاد من قوله (ع) ليس لها سنة غير أن
تدع الصلاة أيام أقرائها نعم لو قلنا بأنه عند انقطاعه على العشرة من عادتها حيض لأمكن ان يشرع في حقها الاستظهار لكن أدلته
منصرفة عنه والله العالم واضعف منه الجمع بين الاخبار بحمل وجوب الاستظهار على ما إذا كان الدم بصفة الحيض والاخبار الظاهرة في
العدم على ما لم يكن بصفة الحيض بشهادة الأخبار المستفيضة الدالة على أن الصفرة بعد أيام الحيض ليس بحيض * (وفيه) * مضافا إلى ما عرفت
من عدم المعارضة بين الاخبار لتغاير موضوعاتها ان الأخبار السابقة لا يمكن تقييدها بما إذا كان الدم بصفة الحيض لما في بعضها
من التنصيص على أنها رأت دما رقيقا بعد العادة وكذا لا يمكن تنزيل هذه الأخبار المستفيضة الواردة في حكم المستحاضة على ما لو رأت بعد
عادتها صفرة فإنه مخالف لصريح جل هذه الأخبار واما الأخبار الدالة على أن الصفرة بعد أيام الحيض ليس بحيض فقد عرفت في الفرع السابق
انه لا بد من تأويلها أو تقييدها بما لا ينافي الأخبار الدالة على أن ما تريه قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى فالأظهر في مقام الجمع بين الاخبار
هو ما ذكرنا من وجوب الاستظهار في الجملة وكونها مخيرة إلى العشرة ولكن الأحوط والأولى فيما عداه اليوم الأول مراعاة أقوى الاحتمالين
والاخذ بالطرف المظنون بل ربما ينزل اختلاف الاخبار على ذلك فيقال ان الامر بالاستظهار يوما والبناء على كونها مستحاضة بعده انما
هو فيمن ظهر امرها ولو ظنا بمضي يوم اما بانقطاع الدم أو بحصول الظن من غلبة الدم واستمراره بأنه لا ينقطع قبل العشرة وكذا الامر بالاستظهار
يومين كما في بعض الأخبار أو ثلاثة كما في بعض آخر انما هو لمن لم يظهر امرها الا بيومين أو ثلاثة وهكذا إلى العشرة فيجب الاستظهار ما لم
يحصل الظن أو الوثوق بكونها مستحاضة إلى أن ينقضي العشرة فيرتفع [ح] احتمال كونه حيضا والذي يمكن ان يقال في تقريب هذا الجمع
هو ان الروايات المختلفة الصادرة عن أهل بين العصمة صلوات الله عليهم بمنزلة كلام واحد في كون بعضها قرينة لبعض فيكون مجموع
هذه الروايات بمنزلة ما لو قال استظهرت يوما أو يومين أو ثلاثة أو إلى العشرة والمتبادر من الترديد في مثل المقام إرادة التحديدات المختلفة
باختلاف الأنواع لا التخيير بين الأقل والأكثر * (وفيه) * بعد تسليم أظهرية هذا المعنى من التخيير ان هذا انما هو فيما إذا وقع الترديد في رواية
واحدة وكون كلماتهم بمنزلة كلام واحد انما هو باعتبار صلاحية كون بعضها قرينة لبعض وعدم احتمال الخطاء والغفلة في حقهم والا فربما
يكون لنفس الاتصال ووحدة الكلام مدخلية في الظهور وقد يكون تعدد المخاطب مانعا من تنزيل الروايات على بعض المحامل كما فيما نحن
فيه فان من المستبعد جدا بل الممتنع عقلا ان يكون الاستظهار ما دام الشك واجبا ومع ذلك يطلق القول في جواب من سئلته عن حكمها على
الاطلاق بأنها يستظهر بيوم ثم هي مستحاضة ضرورة انه لا يحسن هذا الجواب الا على تقدير مشروعية عمل المستحاضة بعد اليوم حتى لا تقع
في محذور مخالفة الشارع واما ظهوره في كون عمل المستحاضة بعد اليوم واجبا عليها مع كونها في الواقع مخيرة حيث لا يستلزم الوقوع
في مخالفة الشارع فغير ضائر نظير الأوامر المتعلقة بمستحبات الصلاة ونحوها مع كونها ظاهرة في الوجوب فظهر بما ذكرنا أن هذا الجمع
في غاية البعد وان كان مراعاته أحوط وابعد منه تنزيل اطلاق اخبار اليوم على من كانت عادتها تسعة أيام واخبار اليومين على من
كانت عادتها ثمانية واخبار الثلاثة على من كانت عادتها سبعة كمالا يخفى بل لا ينبغي الارتياب في عدم ارادته من الاخبار وكيف
280

كان فان استمر الدم إلى العاشر وعملت ما تعمله المستحاضة من صلاتها وصومها بعد أن استظهرت بيوم أو يومين وانقطع الدم في اليوم
العاشر قضت ما فعلته من صوم حيث انكشف بانقطاع الدم كونها حائضا في مجموع المدة كما تقدم تحقيقه فيما سبق وقد عرفت فيما تقدم
عدم التنافي بينه وبين الأخبار الدالة على أنها بعد أن استظهرت بيوم أو يومين فهي مستحاضة لكون هذه الأخبار مسوقة لبيان تكليفها
في مقام العمل لا انها مستحاضة حقيقة على الاطلاق فراجع وان تجاوز دمها العاشر تبين انها كانت مستحاضة وكان ما أنت به بعد الاستظهار
من الصلاة والصوم موافقا لتكليفها الواقعي فكان مجزيا وإن لم تعلم به حال الاتيان إذ لا يعتبر الجزم بالنية في
صحة العبادة عند التعذر
جزما بل [مط] على الأقوى وما تركته من صلاتها كصومها في مدة الاستظهار قضته حيث علمت بأنها لم تكن حايضا وانها مستحاضة ولا وقت
لها الا أيامها واما ما ادعاه بعض تبعا لصاحب المدارك من ظهور الاخبار الامرة بالاستظهار في عدم وجوب قضاء ما فاتها في مدة
الاستظهار وانها كالحيض * (ففيه) * ان هذه الأخبار ليست مسوقة الا لبيان تكليفها الفعلي عند مجاوزة الدم وجهلها بكونه حيضا أو
استحاضة واما انه بعد انكشاف امرها فهل يجب عليها قضاء ما فاتها من الواجبات المشروطة بالطهور أم لا يجب فليست هذه الأخبار
ناظرة إليه قطعا وانما يستفاد ذلك من الأدلة الخارجية الدالة على أنه يجب عليها قضاء ما فاتها من الصوم مطلقا ومن الصلاة ما لم
تكن حائضا وحيث انكشف انها لم تكن حائضا فيا عدا أيامها وجب عليها قضاء ما فاتها من الصلاة في تلك الأيام إذ لم يخصص عموم
ما دل على وجوب القضاء الا بالنسبة إلى الحائض وقد انكشف انها لم تكن حائضا * (نعم) * لو استفيد من هذه الأخبار انها بعد العادة أيضا
حائض حقيقة إلى أن ينقضي مدة الاستظهار لتم ما ذكر لكن هذه الأخبار بنفسها فضلا عن غيرها من الأخبار الدالة على أن ذات العادة
إذا استحيضت لا وقت لها الا أيامها كادت أن تكون صريحة في خلافه حيث إن مفادها ان ترك العبادة في أيام الاستظهار ليس لعنوان
كونها حائضا وانما تتركها احتياطا واستظهارا فإذا انكشف الخلاف قضت ما فاتها من الصلاة كالصوم ودعوى أنه يفهم من هذه الأخبار
ان أيام الاستظهار ملحق بالحيض حكما في جميع اثاره التي منها عدم قضاء الصلاة ممالا ينبغي الاصغاء إليها وربما يعلل
عدم وجوب القضاء بأنها كانت مأمورة بالترك فلا يستتبعها القضاء وفيه مع ما فيه النقض بما إذا رأت الدم يوما أو يومين في
ابتداء عادتها فتركت ثم انقطع فإنها تعيدها جزما كما في رواية يونس المعللة بعدم كونها حائضا فهذه الرواية بمقتضى عموم
تعليلها شاهدة للمطلوب والله العالم
* (المسألة الرابعة) * إذا طهرت الحايض جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل على المشهور
بل عن الخلاف والانتصار والغنية وظاهر السرائر والتبيان ومجمع البيان واحكام الراوندي دعوى الاجماع عليه وعن ظاهر الصدوق
في أول كلامه المنع منه لكنه ذكر بعد ذلك فيما حكى عنه انه ان كان الزوج شبقا وأراد وطؤها قبل الغسل امرها ان تغسل فرجها
ثم يجامعها فيحتمل ان يكون مراده من المنع الكراهة وكيف كان فيدل عليه مضافا إلى عدم الخلاف فيه ظاهرا إلا عن أهل الخلاف
على ما نسب إليهم بعد عموم الإباحة أو اطلاقها المستفاد من الكتاب والسنة المقتصر في تقييدها أو تخصيصها بما يفهم من قوله [تع‍] فاعتزلوا
النساء في المحيض الظاهر في إرادة مدة الحيض اخبار مستفيضة منها موثقة ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) قال إذا انقطع الدم ولم تغتسل
فليأتها زوجها ان شاء * (و) * موثقة ابن يقطين عن الكاظم عليه السلام قال سئلته عن الحائض ترى الطهر أيقع عليها قبل أن تغتسل قال لا بأس و
بعد الغسل أحب إلى ومرسلة عبد الله بن المغيرة عن العبد الصالح (ع) في المرأة إذا طهرت من الحيض ولم تمس الماء فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل
وان فعل فلا بأس به وقال تمس الماء أحب إلى وهذه الروايات كما تريها صريحة في الجواز لكن على كراهية كما يدل عليها المرسلة بل وكذا سابقتها
وعليها ينزل الاخبار الظاهرة في المنع الموافقة الأكثر العامة على ما قيل مثل موثقة سعيد بن يسار عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له المرأة تحرم
عليها الصلاة ثم تطهر تتوضأ من غير أن تغتسل فلزوجها ان يأتيها قبل أن تغتسل قال لا حتى تغتسل * (و) * موثقة أبي بصير عن أبي عبد -
الله (ع) قال سئلته عن امرأة كانت طامثا فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل قال لا حتى تغتسل قال وسئلته عن امرأة حاضت في السفر
ثم طهرت فلم تجد ماء يوما واثنين أيحل لزوجها ان يجامعها قبل أن تغتسل قال لا يصلح حتى تغتسل والتعبير بنفي الصلاح بعد أن سئله
عن الحلية بنفسه يشعر بالكراهة بل يمكن دعوى ظهوره فيما * (واما) * صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في المرأة ينقطع عنها الدم دم الحيض في اخر
أيامها قال إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسها ان شاء قبل أن تغتسل فلا تصلح شاهده للجمع بين الاخبار بصرف
الاخبار المجوزة على من اصابه شبق والمانعة على من لم يصبه شبق لبعد تنزيل الاخبار المجوزة على ذلك وأقربية حمل المنع المفهوم من الصحيحة
على الكراهة خصوصا مع ما في تلك الأخبار مما يشهد بها مضافا إلى ندرة القائل بالتفصيل حيث لم ينقل ذلك الا من ظاهر الصدوق
هذا مع أنه لا يبعد دعوى أنه لا يفهم من هذه الصحيحة في حد ذاتها الا كراهة الفعل لان تعليق الرخصة بإصابة الشبق الذي هو
عبارة عن شدة الميل انما يناسب الكراهة كمالا يخفى وكيف كان فظاهر الامر بغسل الفرج الوجوب الشرطي فمقتضاه توقف حلية للوطي
281

على غسل الفرج كما عن صريح الغنية وظاهر الخلاف والمبسوط وغيرهما بل في كشف اللثام نسبته إلى ظاهر الأكثر ويدل على الاشتراط أيضا
رواية أبى عبيدة الآتية وحكى عن ظاهر التبيان والمجمع واحكام الراوندي توقفه على أحد الامرين من غسل الفرج ومن الوضوء ولم يتضح
مستندهم في الأخير قال شيخنا المرتضى [ره] لم نعثر على دليل الاعتبار الوضوء عينا أو تخييرا وجوبا أو استحبابا وعن صريح السرائر والمنتهى
والمعتبر والذكرى والبيان والروض الندب ولعله لا يخلو عن قوة لان حمل الامر بالأمر بغسل الفرج في صحيحة محمد بن مسلم على
الاستحباب أهون من تقييد المطلقات الواردة في مقام البيان خصوصا مع تصريح السائل في رواية ابن المغيرة بعدم مسها للماء فان
المتبادر منه وان إرادة الاغتسال الا ان غسل الفرج لو كان واجبا لكان التنبيه عليه في جوابه لازما ولم يكن يحسن اطلاق نفى
البأس في جوابه والتعبير بكون مس الماء أحب المشعر بعدم وجوب مس الماء مطلقا ولو لغسل الفرج ولكن الانصاف ان رفع اليد عن ظاهر
الصحيحة أيضا لا يخلو من اشكال فالاحتياط لا ينبغي تركه واستدل أيضا لجواز الوطي بعد النقاء [مط] بمفهوم قوله [تع‍] ولا تقربوهن حتى
يطهرن بالتخفيف كما عن السبعة فان ظاهره إرادة النقاء عن الحيض واعترض بقراءة التشديد الظاهرة في إرادة الاغتسال كما في اية
الجنب أو غسل الفرج على أبعد الاحتمالين وأجيب بكثرة مجئ تفعل بمعنى فعل ونوقش بان حمل الطهارة على إرادة الطهارة عن حدث الحيض أقرب
من استعمال تفعل بمعنى فعل خصوصا مع اعتضاده بالفقرة اللاحقة وهي قوله تعالى فإذا تطهرن فأتوهن من حيث امركم الله ولكنك
خبير بان هذه الترجيحات انما تتمشى على تقدير تسليم كون الآية المختلف في قرائتها بمنزلة آيتين متواترتين * (وفيه) * كلام سيأتي التعرض
له في كتاب الصلاة [انش‍] ثم لو سلمنا ترجيح ظهور قراءة التشديد على الأخرى وجوزنا الاخذ بالأرجح يجب علينا تأويله بنص أهل البيت (ع)
الذين هم أدرى بما فيه وقد صرحوا في ضمن الأخبار المستفيضة المشهورة بين الأصحاب المخالفة للعامة بجوازه * (ثم) * انه لو قيل بحرمة الوطي
قبل الاغتسال كما حكى عن ظاهر الصدوق في صدر كلامه أو قيل بكراهة كما هو المشهور فهل يباح أو تزول الكراهة بالتيمم أم لا وجهان
من عموم البدلية ورواية أبى عبيدة عن الصادق عليه السلام في الحائض ترى الطهر في السفر وليس معها من الماء وقد حضرت الصلاة قال (ع)
إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي قلت فيأتيها زوجها في تلك الحال قال نعم إذا غسلت فرجها وتيممت فلا
بأس ورواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) إذا تيممت من الحيض هل تحل لزوجها قال نعم ومن ضعف الروايتين سندا وعدم الجدوى
بعموم البدلية بعد تسليمه فان عموم البدلية انما يجدى فيما عدا الجماع الذي يمتنع اجتماعه مع اثر التيمم فلا يعقل أن تكون الطهارة
الحكمية الحاصلة منه مؤثرة في إباحة الوطي المشروطة بوقوعه حال الطهارة عن حدث الحيض * (نعم) * لو قيل بان المحرم أو المكروه انما هو
وطى من كان محدثا بحدث الحيض قبل الوطي لا حينه أو قيل بان التيمم الذي هو يدل من غسل الحيض لا ينتقض بسائر الاحداث لتم ما ذكر
بناء على عموم البدلية لكن في المقدمتين تأمل وان لا تخلو الأخيرة منهما عن وجه كما ستعرفه في مبحث التيمم [انش‍] واما الروايتان فطرحها مشكل
لكن قد يعارضهما ما في الموثق عن أبي عبد الله (ع) عن امرأة حاضت ثم طهرت في سفر فلم تجد الماء يومين أو ثلاثة هل لزوجها ان يقع عليها
قال لا يصلح لزوجها ان يقع عليها حتى تغتسل لان النهى عن المواقعة في اليومين أو الثلاثة يلزمه أن لا يجديها تيممها الصادر منها
لصلاتها اللهم الا ان يقال بعدم كون الموثق ناظرا الا إلى المنع من مواقعتها ما دامت محدثة بحدث الحيض والروايتان
حاكمتان على مثل هذا الاطلاق بل مطلق ما دل على بدلية التيمم من الغسل حاكم عليه لولا المناقشة المتقدمة هذا مع امكان الجمع
بين الروايات على القول بكراهة الوطي بالالتزام بخفته بغسل الفرج والتيمم وعدم ارتفاعها بالمرة الا بالغسل فليتأمل
* (المسألة الخامسة) * إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى من الوقت مقدار أداء الصلاة بحسب حالها من القصر والاتمام والسرعة
في الأفعال والبطؤ والصحة والمرض ونحو ذلك ومقدار فعل الطهارة كذلك من الوضوء والغسل والتيمم بحسب ما هي مكلفة في ذلك الوقت
ولم تفعل وجب عليها القضاء إذا طهرت بلا خلاف فيه في الجملة ويدل عليه مضافا إلى الاجماع موثقة يونس بن يعقوب في امرأة دخل عليها
وقت الصلاة وهي طاهر فاخرت الصلاة حتى حاضت قال (ع) تقضى إذا طهرت وخبر عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلته عن المرأة تطمث بعد
ما تزول الشمس ولم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة قال نعم ويدل عليه في الجملة ما رواه فضل بن يونس عن أبي الحسن (ع) الأول
في حديث قال إذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضى من زوال الشمس أربعة اقدام فلتمسك عن الصلاة فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة
الظهر لان وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهر فضيعت صلاة الظهر فوجب عليها قضاءها وقضية مفهوم
الشرط وان كانت عدم وجوب القضاء ما لم يمض من الزوال أربعة اقدام الا انه لا بد من إهمال الشرطية من المفهوم بقرينة الاجماع و
غيره من الأدلة هذا مع امكان ان يقال إن قوله (ع) فضيعت [الخ] بمنزلة التعليل لوجوب القضاء ومقتضى عموم العلة المنصوصة ثبوت
الحكم بالنسبة إلى جميع افراد المطلوب لصدق التضييع والتفويت في جميع الموارد فيكون عموم التعليل قرينة على عدم إرادة المفهوم من الشرطية
282

فتأمل ثم إن المتبادر من السؤال في الرواية الأولى بل وكذا الثانية إرادة حكم ما إذا أدركت الوقت طاهرة متمكنة من فعل الصلاة
على الوجه المتعارف بشرائطها المتعارفة من الطهارة وستر البدن ونحوهما فأخرتها حتى حاضت والحكم في مثل هذا الفرض مما لا خلاف
فيه بل لا شبهة تعتريه حيث يدل عليه مضافا إلى ما عرفت عمومات الأدلة القاضية بقضاء الفرائض مطلقا المخصصة بالنسبة إلى الفرائض
التي تركتها الحائض وقت حيضها بالأدلة القطعية المنصرفة عن مثل الفرض فإنه وان صدق في المقام حقيقة ان هذه الصلاة مما تركته
الحائض ما دام حيضها لأجل الحيض إذ لم ينحصر وقتها بأول الوقت فكان آخر الوقت أيضا وقتا لها فتركتها في وقتها لأجل الحيض الا
انه لا ينسبق إلى الذهن من الأدلة المخصصة الا حكم ما إذا كان الحيض بنفسه سببا لترك الصلاة بان لم تكن متمكنة من فعلها من
دون حدث الحيض واما لو تمكنت من ذلك فينصرف عنه اطلاقات الأدلة ولا يفهم حكمها منها جزما كما يشهد بذلك مراجعة العرف
وأسئلة السائلين فالمرجع في مثل الفرض ليس إلا عموم الامر بالقضاء * (وقد) * ظهر بما ذكر أنه ان كان
حيضها قبل ذلك بان لم يتأخر عن
وقت الصلاة بمقدار أدائها مع مقدماتها التي يتعارف ايجادها في الوقت كالطهارة والستر لم يجب قضائها كما عن المشهور لعموم ما دل
على أن الحائض لا تقضى صلاتها الشامل للفرض بلا تأمل ويؤيده موثقة سماعة عن أبي عبد الله (ع) عن امرأة صلت الظهر ركعتين ثم إنها
طمثت وهي جالسة قال تقوم من مقامها ولا تقضى تلك الركعتين فتأمل * (و) * عن العلامة في المنتهى الاستدلال عليه بان وجوب الأداء
ساقط الاستحالة التكليف بما لا يطاق ووجوب القضاء تابع لوجوب الأداء وقد صرح بالتبعية المذكورة غير واحد فجعلها دليلا على
وجوب القضاء في الصورة السابقة وعدمه في هذه الصورة بزعم دوران صدق الفوت المعلق عليه وجوب القضاء في جملة من أدلته
مدار وجوبها أداء وهو فرع التمكن فمتى تمكنت من الصلاة في الوقت بان مضى منه مقدار الطهارة والصلاة فقد وجبت فإن لم
يأت بها في وقتها والحال هذه فقد فائتها مصلحة الصلاة الواجبة فعليها قضائها بخلاف ما لو لم تتمكن من ذلك فلم يفتها واجب
كي يجب قضائه * (وفيه) * ان المستفاد من أدلة القضاء انما هو اناطته بعدم اتيان الصلاة في وقتها وان هذا هو المراد من الفوت ولا يتوقف
على ثبوت امر منجز والا لما وجب على النائم والغافل ولا على عدم كون الفعل محرما عليه أداء والا لما وجب على من أكره على ترك الصلاة على وجه
حرم عليه فعلها في وقتها بل المدار ليس الأعلى ترك الصلاة في الوقت بل لا يبعد ان يقال إنه يستفاد من الامر بالقضاء ان الأوامر المتعلقة
بالصلاة من قبيل تعدد المطلوب فكونها في الوقت مطلوب لكن بفوات الوقت لا يفوت المطلوبية ولا ينافي هذا ما هو التحقيق من أن
القضاء بأمر جديد كمالا يخفى * (هذا) * مع أنه يكفي في صدق الفوت مجرد شأنية الثبوت ولو بملاحظة نوع المكلفين وتوهم توقفه على ثبوت مصلحة
فعلية ممكنة الحصول في الوقت الموظف بالنظر إلى خصوص المكلف كما في النائم والغافل * (مدفوع) * بان اطلاق العرف الفوائت على الصلاة
ليس إلا بملاحظة نفسها لا مصلحتها بل ربما لا يلتفتون إلى مصلحتها بل ربما ينكرون المصلحة كالأشاعرة فلا فرق فيما يتفاهم عرفا بين قول
المجتهد لمقلده يجب عليك قضاء ما فاتتك من الصلاة أو قضاء ما لم تأت بها في وقتها هذا مع أن في جملة من الاخبار المعللة لنفى القضاء على
الحائض شهادة بأنه من قبيل رفع التكليف بحيث لولاه لوجب عليها قضاء الصلاة أيضا كالصوم مع أنه
لو تم هذا الدليل بان كان وجوب
القضاء دائرا مدار صدق الفوت وتوقف حصول عنوانه على ثبوت كون الفعل مأمورا به في الوقت لكن المتجه ما حكى عن العلامة في النهاية
من عدم اعتبار وقت يسع الطهارة وكفاية كونه بمقدار مجرد فعل الصلاة بل الأوجه كفاية مضى مقدار صلاة اضطرارية فضلا عن
الاختيارية لأنها مكلفة بذلك في الواقع وإن لم تطلع عليه في مقام تكليفها ولذا لا ينبغي التأمل في أنها لو فرض علمها قبل الوقت بمفاجأة
الحيض بعد الوقت بمقدار يسع صلاة اضطرارية يجب عليها المبادرة إلى تحصيل مقدماتها قبل الوقت والاشتغال بنفس الفعل في
أول الوقت كما عرفت تحقيقه في صدر الكتاب في مسألة وجوب الغسل لصوم اليوم مع أنه لا يظن بأحد ان يلتزم بوجوب القضاء عليها
في مثل الفرض كما أنه لا يظن بأحد ان يلتزم بعدم وجوب الأداء عليها في الصورة المفروضة على تقدير سبق العلم وان استشكل
من استشكل في تصور وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها فإن كان مناط صدق الفوت بزعم المستدل فوات مصلحة الواجب بشرط امكان
ان يحصلها المكلف ففي الفرض محقق وان كان مناطه فوات امتثال الامر الواقعي المتوقف حصوله على ثبوت الامر في الواقع وإن لم يعلم
به المكلف فهو أيضا كذلك وان كان المناط بزعمه تنجز الامر الواقعي لا مجرد تحققه فهذا ممالا يعتبره أحد في وجوب القضاء بل مخالف
للضرورة فالتحقيق ان الحكم بعدم القضاء يدور مدار انصراف الأدلة الخاصة المخصصة للعمومات والمتبادر منها ليس إلا عدم وجوب
قضاء صلاة كان الحيض موجبا لامتناع تحققها صحيحة بحسب حالها في العرف دون ما إذا تمكنت عرفا من فعلها صحيحة قبل أن تحيض وحكى
عن المرتضى وأبى على قدس سرهما القول بكفاية ما يسع أكثر الصلاة واستدل لهما بخبر أبى الورد عن أبي جعفر عليه السلام عن المرأة التي تكون
في صلاة الظهر وقد صلت ركعتين ثم ترى الدم قال (ع) تقوم من مسجدها ولا تقضى الركعتين وان كانت رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد
283

صلت ركعتين فلتقم من مسجدها فإذا تطهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب * (وفيه) * مضافا إلى ما في الرواية من ضعف السند واعراض
الأصحاب عنها واشتمالها على مالا يمكن الالتزام به من قضاء الركعة وحدها ان تطبيقها على مدعاهما لا يخلو عن اشكال لان تقييد
مورد السؤال بما لو اشتغلت المرأة في أول الوقت حقيقة مع اطلاق السؤال تنزيل على الفرد النادر الذي لا يبعد دعوى القطع بعدم
ارادته بالخصوص من اطلاق السؤال والجواب فالأولى رد علم مثل هذه الروايات إلى أهله هذا مع أنه
على تقدير العمل بالرواية يجب الاقتصار
على موردها لان التخطي عنه قياس لا نقول به
وان طهرت قبل آخر الوقت بمقدار تمكنت من الاغتسال وأداء الصلاة جامعة لشرائطها
المعتبرة وجب عليها ذلك لثبوت المقتضى وهو عمومات الأدلة وارتفاع المانع أعني الحيض * (ويدل) * عليه أيضا مضافا إلى ذلك خبر منصور بن
حازم عن الصادق عليه السلام إذا طهرت الحائض قبل العصر صلت الظهر والعصر فان طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر وقوله (ع) في خبر أبي
الصباح الكناني إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء وان طهرت قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر والعصر وقوله (ع)
في خبر عبد الله بن سنان إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وان تطهرت من اخر الليل فلتصل المغرب والعشاء وقول
الباقر عليه السلام في خبر داود الدجاجي إذا كان المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر وان طهرت في اخر الليل صلت
المغرب والعشاء إلى غير ذلك من الاخبار التي سيأتي بعضها [انش‍] وان أخلت بها قضت كما يدل عليه مضافا إلى عموم ما دل على قضاء
الفوائت خصوص ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) أيما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت الصلاة ففرطت
فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها وان رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك
فجاز وقت الصلاة ودخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء وتصلى الصلاة التي دخل وقتها * (وما) * رواه محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال
قلت المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر قال تصلى العصر وحدها فان ضيعت فعليها صلاتان * (وما) *
رواه أبو عبيدة عن أبي عبد الله (ع) قال إذا رأت المرأة الطهر وقد دخل عليها وقت الصلاة ثم أخرت الغسل حتى يدخل وقت الصلاة أخرى
كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها * (وما) * رواه عبد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في المرأة تقوم في وقت الصلاة فلا تقضى طهرها
حتى تفوتها الصلاة ويخرج الوقت أتقضي الصلاة التي فاتتها قال إن كانت توانت قضتها وان كانت دائبة في غسلها فلا تقضى
إلى غير ذلك من الاخبار فلا اشكال في الحكم اجمالا كما أنه لا خلاف فيه عدا انه يظهر من بعض الأخبار
ان وقت الظهر الذي يفوت بفواته
الصلاة انما هو بعد أن يمضى من الزوال أربعة اقدام كما أنه ربما يستشعر ذلك على سبيل الاجمال بل يستظهر من أغلب الأخبار المتقدمة المشعرة
أو الظاهرة في مباينة أوقات الصلاة وعدم اشتراك بعضها مع بعض لكنك ستعرف في مبحث المواقيت انه لا بد من توجيه هذه الأخبار أو رد
علمها إلى أهله وكذا ان أدركت من آخر الوقت بمقدار الطهارة التي لا صلاة الا بها دون غيرها من الشرائط الاختيارية على الأظهر وأداء أقل
ما يجزى اختيارا من ركعة فضلا عن الأكثر وجب عليها الأداء ومع الاخلال القضاء لما ستعرف في باب المواقيت [انش‍] من أن من أدرك ركعة من
الصلاة فقد أدرك الصلاة فهو بمنزلة ادراك الكل في لزوم الأداء الذي يستلزم وجوب القضاء على تقدير الاخلال والعبرة سبعة الوقت للطهارة
المائية فان اخبار الباب كفتاوى الأصحاب على ما صرح به بعضهم ناطقة بذلك بل في الجواهر انه مجمع عليه هنا بحسب الظاهر * (نعم) * لو اقتضى تكليفها
التيمم لا لضيق الوقت بل لمرض ونحوه اعتبر قدرتها عليه إذ المدار على ما يتبادر من الاخبار ليس إلا على ادراكها من الوقت بمقدار تتمكن من الخروج
من عهدة تكليفها الذي هو الصلاة مع الغسل لولا مرض ونحوه فلا يكون الضيق مؤثرا في انقلاب تكليفها إذ لا تكليف مع الضيق لكن لو لم
يكن فرضها الا التيمم ولو مع عدم الضيق فلا يعتبر الا وفاء الوقت بذلك لما أشرنا من إناطة الحكم بكفاية الوقت للقيام بشأنها بحسب ما يقتضيه
تكليفها
واما ما يتعلق به أي الحيض فأشياء الأول يحرم عليها حال الحيض كل ما يشترط فيه الطهارة من الحدث كالصلاة والطواف من غير فرق
بين التطوع والفريضة والتحمل والأصالة وإن لم نقل بكونها شرطا في التطوع من حيث هو بل من حيث اللبث في المسجد وكذا يحرم بعد الانقطاع
قبل الطهارة المائية أوما يقوم مقامها وان كان بين الحرمتين فرق فان الثانية ليست الا تشريعية واما الأولى فالأظهر كونها ذاتية كما
يدل عليه جملة من الأخبار المتقدمة في مطاوي المباحث السابقة * (منها) * كثير من الأخبار الواردة
في باب الاستظهار الدالة على وجوب ترك
العبادة أو جوازه عند احتمال كونه حيضا وقد سماه في بعض تلك الأخبار بالاحتياط فلو لم يكن فعلها حراما ذاتيا لما كان الترك احتياط ابدا
بل كان الاحتياط فعلها برجاء مطلوبيتها في الواقع وقد أشرنا في محله ان وجوب التحيض بعد انقضاء العادة وان كان موافقا للأصل لكن
اخبار الاستظهار ناطقة بعدم كون الامر بترك العبادة من هذه الجهة بل من جهة كونه احتياطا وكون مراعاة احتمال الحيض أرجح بنظر الشارع
من احتمال النقاء وكون الدم استحاضة ولولا الحرمة الذاتية بحيث يدور الامر بين المحذورين لكان الواجب في مقام الاحتياط الاعتناء
باحتمال كونه استحاضة كمالا يخفى * (ومنها) * صحيحة خلف بن حماد المتقدمة الواردة فيمن اشتبه حيضها بدم العذرة فان قول الإمام (ع) بعد أن
284

سئله السائل عن حكمها فلتتق الله [تع‍] فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر وليمسك عنها بعلمها وان كان من العذرة
فلتتق الله [تع‍] ولتتوضأ ولتصل كالصريح في كون الامر دائرا بين المحذورين وان المورد ممالا يمكن فيه الاحتياط ولذا أشكل الامر على
السائل وقال كيف لهم ان يعلموا أيما هو حتى يفعلوا ذلك الحديث ويستشم من تعبير الإمام (ع) كونه تفريضا على فقهاء العامة مثل أبي حنيفة
ونظرائه حيث أمروها بعد أن سألتهم بالاحتياط وقالوا هذا شئ قد أشكل والصلاة فريضة واجبة فلتتوضأ وليمسك عنها زوجها حتى
ترى البياض فإن كان دم الحيض لم تضرها الصلاة وان كان دم العذرة كانت قد أدت الفريضة ومن الواضح انه لو لم تكن الصلاة محرمة
عليها ذاتا لكان الاحتياط في محله ولم يتوجه عليهم التعريض * (و) * يؤيدها ظاهر كلمات الأصحاب وصريح بعضهم وعليه بنى رد ما يذكر في بعض
المقامات من الاحتياط لها بفعل العبادة بأنه معارض بمثله وما يقال من أن حرمتها ذاتا غير متصورة لرجوعها إلى التشريع مع النية
ولا حرمة مع عدمها * (مدفوع) * بأنه لا امتناع في أن يكون اتيانها بقصد الصلاة مثلا مشتملا على مفسدة ذاتية وقبح من حيث التشريع
فلو نوت بفعلها الاحتياط ينتفى موضوع التشريع لكن يبقى مفسدتها الذاتية وحرمتها الواقعية فلا يصح ان يكون عملها الاحتياط و
هذا بخلاف ما إذا لم يكن الا الحرمة التشريعية كما هو ظاهر ومثلها مس كتابة القران واسم الله جل اسمه لما تقدم في باب الوضوء والجنابة
وقد عرفت فيما تقدم ان الحاق الأوصاف الخاصة وكذا أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام بهما لا يخلو عن وجه كما انك عرفت أن المحرم انما
هو مس موضع الكتابة واما مس ما عداه فلا ولكنه يكره لها حمل المصحف ولمس هامشه وما بين سطوره وما عن علم الهدى من حرمة مس
المصحف ولمس هامشه فقد مر ضعفه في الجنابة مستوفى فراجع كي يتضح لك تحقيق المقام مع جملة من الفروع المتعلقة به ولو تطهرت الحائض
عن الحدث الأصغر أو عن حدث الحيض ولو في الفترة المحكوم عليها به لم يرتفع حدثها قطعا ولا ينافيه مشروعية الوضوء أو التيمم لها
أحيانا كما هو ظاهر ويدل عليه مضافا إلى عدم الخلاف فيه حسنة محمد بن مسلم سئل الصادق عليه السلام عن الحائض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله
فقال اما الطهر فلا ولكنها توضأ وقت الصلاة وتستقبل القبلة وتذكر الله واما لو تطهرت عن الحدث الأكبر غير الحيض كالجنابة والمس فهل
يرتفع الحدث الذي تطهرت منه أم لا وجهان أحوطهما الثاني بل عن بعض دعوى الاجماع عليه لكن الأول هو الأظهر كما عرفت الكلام فيه
مفصلا في مبحث تداخل الأغسال في باب الوضوء والله العالم
الثاني لا يصح منها حال الحيض الصوم اجماعا وسنة من غير فرق بين الواجب منه
والمندوب واما بعد الانقطاع وقبل الطهارة ففيه خلاف فعن المشهور انه لا يصلح وتفصيل المقام موكول إلى محله
الثالث لا يجوز لها
الجلوس بل مطلق اللبث في مسجد ووضع شئ فيه ولكن يجوز اخذها منه ومرورها فيه كالجنب بلا خلاف معتد به في شئ منها ظاهرا كما يدل
عليها جملة من الأخبار المتقدمة في الجنابة * (منها) * صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال الحائض والجنب لا يدخلان المسجد الا
مجتازين إلى أن قال ويأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئا الحديث * (و) * لكنه صرح جماعة من الأصحاب كالشيخ والمصنف والعلامة و
الشهيد وغيرهم على ما حكى عنهم بأنه يكره الجواز أي الاجتياز فيه بل عن الشيخ في الخلاف الاجماع عليها وكفى بذلك مستندا لمثلها
مضافا إلى ما في كشف اللثام مرسلا عن الباقر عليه السلام انا نأمر نسائنا الحيض ان يتوضأن عند وقت كل صلاة إلى قوله (ع) ولا يقربن مسجد
ولا يقرأن قرأنا وكيف كان فهذا الحكم مخصوص بما عدا المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله واما المسجدان فيحرم دخولها فيها مطلقا كما يدل
عليه ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في حديث الجنب والحائض ويدخلان المسجد مجتازين ولا يقعدان ولا يقربان المسجدين
الحرمين ولو حاضت فيهما أو دخلتهما عصيانا أو نسيانا وما بحكمه لو تقطعهما الا بالتيمم كما يدل عليه ما رواه في الكافي بسند
فيه رفع عن أبي حمزة قال قال أبو جعفر (ع) إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وآله فاحتلم فاصابته جنابة فليتيمم ولا يمر
في المسجد الا متيمما حتى يخرج منه ثم يغتسل وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك ولا بأس ان يمرا في سائر المساجد
ولا يجلسان فيها ويتضح لك بالتأمل فيما فصلناه في مبحث الجنابة جملة من الأبحاث المتعلقة بالمقام فراجع ولو اضطرت
إلى المكث في سائر المساجد لا يجب عليها التيمم بل لا يشرع لعدم الدليل عليه وانما ثبت في خصوص المورد تعبدا فلا يجوز التخطي عنه
والله العالم
الرابع لا يجوز لها قرأته شئ حتى البسملة من العزائم الأربع كالجنب كما يدل عليه المعتبرة المستفيضة المتقدمة في
احكام الجنب ويكره لها قراءة ما عدا ذلك من القرآن ولا يحرم عليها كما يدل عليه الأخبار المستفيضة
واما الكراهة فيدل عليها المرسلة
المتقدمة التي أوردها في كشف اللثام وفيه أيضا انه روى عنه (ع) لا يقرء الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن وفي خبر السكوني عن
الصادق (ع) عن ابائه عن علي عليه السلام قال سبعة لا يقرؤن القرآن الراكع والساجد وفي الكنيف وفي الحمام والجنب والنفساء والحائض
ويشتد الكراهة فيما زاد على السبع كما يدل عليه ما تقدم في الجنب ولو قيل بصيرورتها أغلظ فيما زاد على السبعين فلا يخلو عن وجه
كما تقدمت الإشارة إليه في حكم الجنب والله العالم * (ثم) * ان المتبادر من الاخبار كلمات الأصحاب لأجل المناسبة المغروسة في
285

الأذهان انما هو كون حدث الحيض كالجنابة مانعا من دخول المساجد وقرأته العزائم من دون فرق بين حال الدم وبين انقطاعه
قبل الغسل فما عن بعض المتأخرين من الفرق بينهما فجوز لها الامرين بعد الانقطاع معللا ذلك بتعليق الحكم فيهما على الحائض وهو
غير صادق في هذا الحال ضعيف والله العالم
ولا يحرم السجدة حال الحيض لعدم اشتراطها بالطهور كما سيأتي في محله بان يجب عليها
ان تسجد لو تلت السجدة عصيانا أو سهوا وما بحكمه وكذا لو استمعت قرائتها أي اصفت على الأظهر
الأشهر بل المشهور لاطلاق ما دل على
وجوبها عند القراءة والاستماع عموما وخصوص صحيحة أبى عبيدة الحذاء سئلت أبا جعفر (ع) عن الطامث تسمع السجدة قال إن كانت
من العزائم فلتسجد إذا سمعتها * (و) * موثقة أبي بصير في حديث والحائض تسجد إذا سمعت السجدة وموثقة أبي بصير أيضا قال قال إذا
قرئ شئ من الغرائم الأربع وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وان كانت المرأة لا تصلى وسائر القرآن أنت فيه
بالخيار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد ولا يعارضها ما رواه في محكى السرائر عن كتاب علي بن
محبوب عن غياث عن جعفر
عن أبيه عليهما السلام قال لا تقضى الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة * (وصحيحة) * البصري عن الحائض تقرء القران وتسجد سجدة إذا سمعت
السجدة قال تقرء ولا تسجد لامكان الجمع بين الروايات بتقييد الاخبار الامرة على ما إذا أضعت والناهية على ما إذا سمعت من دون
اصغاء كما حكى القول بالتفصيل عن جماعة من الاعلام ويشهد لهذا الجمع موثقة ابن سنان عن رجل سمع
السجدة قال لا تسجد إلا أن تكون
منصتا لقرائته مستمعا لها أو تصلى بصلاته الحديث * (واما) * النهى عن السجدة فلا يدل على الحرمة لوروده في مقام دفع توهم الوجوب
ثم على تقدير تسليم المعارضة بين الاخبار فلا بد من طرح الروايتين لشذوذهما وموافقتهما للعامة وعن بعض تقييد الروايتين
بما إذا سمعت سجدة من غير العزائم وعن بعض حمل النهى عن السجدة في الصحيحة على النهى عن ايجاد سببها وهو بعيد بعد أن سئله عن حكم
السماع والأول أيضا لا يخلو عن بعد وان كان يشهد له بعض الروايات المتقدمة ولكنه لا بأس بها في مقام التوجيه ونقل
عن الشيخ في التهذيب والاستبصار القول بالحرمة واشتراطها بالطهارة قال في التهذيب لا يجوز السجود الا لطاهر من النجاسات
بلا خلاف وسيأتي ضعفه في باب الصلاة [انش] وتمام الكلام موكول إلى محله
* (الخامس) * يحرم على زوجها أو سيدها وطؤها في القبل
ويحرم عليها تمكينه من ذلك حتى تطهر بالأدلة الثلاثة قال في المدارك اجمع علماء الاسلام على تحريم وطى الحائض قبلا بل صرح جمع من
الأصحاب بكفر مستحلة ما لم يدع شبهه محتملة لانكاره ما علم من الدين ضرورة ولا ريب في فسق الواطي بذلك ووجوب تعزيره بما يراه
الحاكم مع علمه بالحيض وحكمه ويحكى عن أبي على ولد الشيخ [ره] تقديره بثمن حد الزاني ولم نقف على مأخذه * (انتهى) * وللتكلم فيما يستحقه من
التعزير مقام آخر وقفنا الله للوصول إليه ولا فرق في ذلك بين ما إذا ثبت الحيضية بالعلم أو بقاعدة الامكان ونحوها من الطرق المعتبرة
ويلحق به مدة الاستظهار ان أوجبناه وحيث رجحنا وجوبه في اليوم الأول وكونها مخيرة فيما عدا اليوم الأول إلى العشرة فلها الخيار في التحيض ومنع
الزوج من الوطي والبناء على الطهارة وتمكينه ومتى اختارت التحيض وامتنعت من التمكين هل يحرم على الزوج وطئها وجهان من استصحاب
المنع وكون اختيارها التحيض كاختيار المضطربة عدد أيامها من كل شهر ومن أن تخييرها ليس طريقا عقليا أو شرعيا لاثبات حيضيتها لما
عرفت فيما سبق من أن امر الشارع بالتخيير ليس إلا ترخيصا للاعتناء بكل من الاحتمالين الذين دار امرها بينهما كحكم العقل بالتخيير عند تكافؤ
الاحتمالين فيفهم من كونها مخيرة في عملها ومن جواز ان يطئها زوجها بعد اليوم الذي يجب عليها الاستظهار على ما يفهم من اخباره
ان الشارع أهمل بالنسبة إليهما استصحاب الحيض أو استصحاب حرمة الوطي ونحوه فمقتضى الأصل إباحة وطئها وان جاز للزوجة منعه كما
يجوز لها ترك الصلاة الواجبة ولا يقاس المفروض بأيامها التي تختارها من كل شهر لان مرجع الشك في تلك المسألة إلى الشك في
المكلف به فكان مقتضى الأصل فيها وجوب الاجتناب في مجموع أطراف الشبهة ولكن الشارع خيرها في تعيين موضوع المكلف به فيكون
اختيارها بمنزلة طريق تعبدي شرعي واما فيما نحن فيه فالشك فيه شك في أصل التكليف وبعد ان علم من اخبار الاستظهار عدم كون
الاستصحاب أو قاعدة الامكان مرجعا وانه يجوز له وطئها في الجملة ولم يثبت ان لاختيارها مدخلية في الجواز فالمرجع فيه البراءة وهذا
وان لا يخلو عن قوة ولكن الاحتياط ممالا ينبغي تركه والله العالم
ولو شكت في حيضها لا يجب عليها الفحص وكذا لو شك الزوج كغيره
من الشبهات الموضوعية لكن لو أخبرته بذلك يجب تصديقها بلا اشكال ولا خلاف فيه ظاهرا كما في الحدائق وغيره ما لو تكن متهمة ويدل
عليه مضافا إلى الاجماع * (ما رواه) * الشيخ في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام العدة والحيض إلى النساء * (وما) * رواه الكليني في الحسن عن
زرارة عن الباقر (ع) قال العدة والحيض إلى النساء إذا ادعت صدقت * (وربما) * يستدل له بقوله [تع‍] ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله
في أرحامهن إذ لولا وجوب القبول للغى الاظهار ولم يحرم الكتمان ويمكن الخدشة فيه بامكان ان يكون الوجه فيه حصول الوثوق
من قولها غالبا فلا يجب ان يكون قولها حجته تعبدية هذا مع أنه يكفي وجها لحرمة الكتمان نفوذ قولها في حقها بالنسبة إلى ما يترتب
286

على الكتمان من مصلحتها التي تكتمه لأجلها وإن لم يجب على الزوج تصديقها وبما أشرنا إليه من حصول الوثوق غالبا من قولها ظهر لك مكان
الخدشة فيما يقال من أن الحيض ممالا يعرف الا من قبلها وقد علق الشارع عليه أحكاما كثيرة فوجب ان يكون قولها حجة فيه فتأمل هذا إذا لم
تكن متهمة واما إذا كانت متهمة ففي وجوب تصديقها وعدمه وجهان بل قولان من اطلاق الأدلة المتقدمة ومن أن عمدتها الاجماع والروايتين
اما الاجماع فلا يعم مورد الخلاف واما الروايتان فمنصرفتان عن مثل الفرض لان كون المرأة متهمة في دعويها الحيض فرض نادر و
يؤيده بل يدل عليه رواية إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن أمير المؤمنين عليه السلام قال في امرأة ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلث
حيض فقال كلفوا نسوة من بطانتها ان حيضها كان فيما مضى على ما ادعت فان شهدن صدقت والا فهي كاذبة ورواه الصدوق مرسلا إلا أنه
قال يسئل نسوة ن بطانتها ونوقش في دلالتها على المطلوب بأخصيتها من المدعى الاختصاص موردها إذا ادعت امرا بعيدا خلاف
عادات النساء * (أقول) * الظاهر أن المراد بالمتهمة في المقام هي المرأة التي يبعد دعويها العادات والامارات الخارجية بحيث يكون الزوج منها
بمقتضى العادات والامارات في شك وارتياب فيظن انها كاذبة كما في مورد الرواية ويشعر بإرادتهم هذا التفسير لا قيل إنها هي المرأة
المعروفة بتضييع حق الزوج استدلالهم لعدم قبول قولها الرواية وتصريح بعضهم باشتراط قبول قولها بما إذا لم يظن الزوج كذبها قال
في الحدائق واما لو ظن الزوج كذبها قيل لا يجب القبول واليه مال الشهيد الثاني وقيل يجب وهو اختيار العلامة في النهاية والشهيد في الذكرى
انتهى والظاهر أن مراد المشترطين بعدم الظن بكذبها ليس مطلق الظن الحاصل للزوج ولو من دون مستند بان كان سيئ الظن بل الظن
الحاصل من الامارات الموجبة للارتياب وعلى هذا فالانصاف امكان الاستشهاد له بالرواية كما أنه لا ينبغي الاستشكال في قصور الأدلة
المتقدمة عن اثبات وجوب تصديقها في مثل الفرض والاحتياط مما لا ينبغي تركه والله العالم
ويجوز له أي لزوجها الاستمتاع بما
عدا القبل اما الاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة فمما لا خلاف فيه بل في الجواهر اجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا غاية الاستفاضة
كالسنة مما في خبر عبد الرحمن عن الصادق (ع) عن الرجل ما يحل له من الطامث قال لا شئ له حتى تطهر يجب تأويله أو طرحه واما الاستمتاع
فيما بينهما حتى الوطي في الدبر فيجوز أيضا على الأظهر الأشهر بل في الجواهر دعوى الشهرة عليه شهرة كادت تكون اجماعا بل عن ظاهر بعض دعوى
الاجماع عليه ويدل عليه جملة من الأخبار المعتبرة المستفيضة ففي رواية عبد الملك بن عمر وقال سئلت أبا عبد الله عليه السلام ما لصاحب المرأة الحائض
منها قال كل شئ ما عدا القبل منها بعنيه ورواية أخرى لعبد الملك بن عمر وقال سئلت أبا عبد الله (ع) ما يحل للرجل من المرأة وهي حائض قال كل شئ
غير الفرج قال ثم قال انما المرأة لعبة الرجل والمراد من الفرج خصوص القبل بقرينة الرواية المتقدمة وغيرها مما سيأتي مضافا إلى أنه
هو المتبادر من اطلاقه * (و) * موثقة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن الصادق (ع) قال إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى
موضع الدم * (و) * صحيحة عمر بن يزد قال قلت للصادق (ع) ما للرجل من الحائض قال ما بين أليتيها ولا يوقب * (ورواية) * معاوية بن عمار عن الصادق (ع)
عن الحائض ما يحل لزوجها منها قال ما دون الفرج * (ورواية) * عبد الله بن سنان قال قلت للصادق (ع) ما يحل للرجل من امرأة وهي حائض قال
ما دون الفرج * (و) * موثقة هشام بن سالم عن الصادق في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج يا حائض قال لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع إلى
غير ذلك من الروايات التي كادت تكون صريحة في المدعى لكن لا يخفى عليك ان استفادة جواز الوطي في الدبر حال الحيض من هذه الروايات
مبنية على القول بجوازه حال النقاء كما هو الأشهر بل المشهور عند الخاصة نصا وفتوى عكس العامة * (واما) * لو لم يثبت ذلك بالنسبة إلى حال
النقاء فربما يتأمل في نهوض هذه الأخبار لاثباته لورودها في مقام بيان حكم آخر أعني عدم ممانعة الحيض الا من الوطي في القبل دون سائر
الاستمتاعات فيكون اطلاقها منزلا على بيان ان له حال الحيض جميع ما كان له حال الطهر ما عدا الوطي في القبل لكن المتأمل في الروايات
يراها كالصريح في إرادة الوطي في الدبر وإن لم يكن اطلاقها مسوقا لبيان أصل الاستمتاعات الجايزة فان هذا الفرد اظهر افراد الاستمتاع
بحيث لا يرتاب السامع في ارادته من قوله في جواب من سئله عما لصاحب المرأة الحائض كل شئ منها ما عدا القبل منها بعينه وكذا من قوله فليأتها
زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم بل لا شبهة في ظهور تخصيص القبل وموضع الدم بالذكر في اختصاص الحكم به دون الدبر الذي هو
عديل القبل في هذه الفائدة هذا كله بعد الاغماض عما يدل على جوازه في حد ذاته والا فيأتي [انش] في محله انه لا مجال للتشكيك فيه فعلى
هذا لا ينبغي الاشكال في أنه له الاستمتاع حال الحيض بما عدا القبل مطلقا خلافا لما نقل عن المرتضى [ره] في شرح الرسالة من تحريم الوطي في
الدبر بل مطلق الاستمتاع بما بين السرة والركبة * (و) * استدل له بالنهي عن القرب في الكتاب العزيز والامر باعتزالهن في المحيض بناء على أن المراد
منه وقت الحيض لا موضع الدم فيقتصر في تخصيص الآيتين بما انعقد عليه الاجماع واستفيد من النصوص الآتية التي استدل بها أيضا
لمذهبه منها موثقة أبي بصير قال سئل أبو عبد الله (ع) عن الحايض ما يحل لزوجها منها قال تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج ساقها وله ما
فوق الإزار * (و) * صحيحة الحلبي انه سئل أبا عبد الله (ع) عن الحايض وما يحل لزوجها منها قال تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها ثم له
287

ما فوق الإزار * (و) * رواية حجاج بن الخشاب عن أبي عبد الله (ع) عن الحائض والنفساء ما يحل لزوجها منها قال تلبس درعا ثم تضطجع معه
* (وفيه) * ان المراد من القرب المنهى عنه ليس معناه الحقيقي والا يستلزم التخصيص المستهجن وانما المراد المقاربة المعهودة المتعارفة وهي الجماع
في الفرج ويدل عليه مضافا إلى أنه هو المتبادر منه بعد العلم بعدم إرادة معناه الحقيقي ما عن تفسير العياشي عن عيسى بن عبد الله قال
قال أبو عبد الله (ع) المرأة تحيض يحرم على زوجها ان يأتيها لقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن فيستقيم للرجل ان يأتي امرأة وهي حائض
فيما دون الفرج واما الاخبار المزبورة فهي محمولة على الكراهة ونفى الحلية بمعناها الأخص بقرينة الأخبار المستفيضة المتقدمة
المصرحة بالجواز هذا مع مخالفتها للمشهور وموافقتها لكثير من العامة كما عن الشيخ التصريح بذلك * (وربما) * يناقش في دلالتها على
المنع بأنه لا يفهم منها الا حل الاستمتاع بما فوق الإزار * (واما) * المنع مما دونه فلا إذ لا اعتداد بمفهوم اللقب * (وفيه) * ان ظاهر السؤال
هو الاستفهام عن جميع ما يحل له والجواب مسوق البيان التحديد فلا ينبغي التأمل في ظهوره في المنع لكن يتعين حمل المنع المفهوم
منع على الكراهة بقرينة سائر الأخبار والله العالم
فان وطى الزوج زوجته الحائض في القبل عامدا بان كان عالما بالحكم وموضوعه
وجب عليه خاصة دونها وان كانت مطاوعة الكفارة على قول مشهور بين القدماء على ما نسب إليهم بل عن الانتصار والخلاف و
الغنية دعوى الاجماع عليه * (و) * استدل له باخبار كثيرة * (منها) * رواية داود بن فرقد عن الصادق (ع) في كفارة الطمث يتصدق إذا كان في أوله
بدينار وفي وسطه بنصف دينار وفي آخره بربع دينار قلت وإن لم يكن عنده ما يكفر قال فليتصدق على مسكين واحد والا استغفر الله ولا
يعود فان الاستغفار توبة وكفارة لمن لم يجد السبيل إلى شئ من الكفارة ونحوها الرضوي وعن المقنع أنه قال وروى من جامعها في أول الحيض
فعليه ان يتصدق بدينار وان كان في نصفه فنصف دينار وان كان في آخره فربع دينار * (و) * عن محمد بن
مسلم قال سئلت الباقر (ع) عن الرجل
اتى المرأة وهي حائض قال يجب عليه في استقبال الحيض دينار وفي وسطه نصف دينار * (و) * عن محمد بن مسلم أيضا في الصحيح قال سئلته عمن اتى
امرأته وهي طامث قال يتصدق بدينار ويستغفر الله [تع‍] * (و) * عن أبي بصير في الموثق عن أبي
عبد الله (ع) قال من اتى حائضا فعليه نصف دينار
* (ومنها) * حسنة الحلبي عن الصادق في الرجل يقع على امرأته وهي حائض ما عليه قال يتصدق على مسكين بقدر شبعه فقد حمل الأصحاب اطلاق ما بعد
الرواية الأولى على ما تضمنته الرواية الأولى من التفصيل في افراد الكفارة والخدشة فيها بقصور السند مما لا ينبغي الالتفات إليها بعد
استفاضتها واشتهار العمل بمضمونها واعتضادها بالاجماعات المنقولة فلا يعارضها بعض الأخبار المنافية لها مثل رواية عبد الملك بن عمر و
قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل اتى جاريته وهي طامث قال يستغفر الله ربه قال عبد الملك فان الناس يقولون عليه نصف دينار أو دينار
فقال أبو عبد الله (ع) فليتصدق على عشرة مساكين وروايته الأخرى عن رجل واقع امرأته وهي حائض فقال إن كان واقعها في استقبال الدم
فيستغفر الله ويتصدق على سبعة نفر من المؤمنين بقدر قوت كل رجل منهم ليومه ولا يعد وان كان واقعها في ادبار الدم آخر أيامها قبل
الغسل فلا شئ عليه * (وعن) * علي بن إبراهيم في تفسيره قال قال الصادق (ع) من اتى امرأته في الفرج في أول حيضها فعليه ان يتصدق بدينار وعليه
ربع حدا الزاني خمسة وعشرون جلدة وان اتاها في آخر أيام حيضها فعليه ان يتصدق بنصف دينار ويضرب اثنتي عشر جلدة ونصفا هذا ولكن الانصاف
عدم امكان حمل الأخبار المطلقة الواردة في مقام البيان على ما تضمنته الرواية الأولى لامكان دعوى القطع بعدم إرادة وجوب التصدق
على مسكين واحد من الحسنة لخصوص من لم يكن عنده ما يكفر ولا من الموثقة التصدق بنصف دينار لخصوص من وطائها في وسط الحيض
ولا من الصحيحة خصوص من وطائها في أول الحيض إذ كيف يعقل ان يكون الواجب على الواطي مراعاة هذا التفصيل ومع ذلك يأمره الإمام (ع)
عند الاستفهام عن حكمه بان يتصدق على مسكني بقدر شبعه وقد تقدم غير مرة ان ارتكاب هذا النحو من التقييد في الروايات من أبعد
التصرفات فيجب اما الاخذ بالرواية الأولى وما هو بمضمونها وطرح ما عداها بدعوى قصورها عن المكافئة بعد عمل الأصحاب بالرواية
واعراضهم عما عداها * (أو) * القول باستحباب التصدق وتنزيل اختلاف الاخبار على اختلاف مراتب الاستحباب ولا ريب ان حمله على الاستحباب
أهون من طرح هذه الأخبار الكثيرة التي يمكن دعوى العلم الاجمالي بصدور أغلبها خصوصا مع معارضتها للمستفيضة المصرحة بعدم
الوجوب * (منها) * صحيحة عيص بن القاسم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل واقع امرأته وهي طامث قال لا يلتمس فعل ذلك قد نهى الله ان يقربها
قلت فان فعل أعليه كفارة قال لا أعلم فيه شيئا يستغفر الله * (و) * موثقة زرارة عن أحدهما قال سئلته عن الحائض يأتيها زوجها قال ليس
عليه شئ يستغفر الله ولا يعود * (و) * خبر ليث المرادي قال قال سئلت الصادق (ع) عن وقوع الرجل على امرأته وهي طامث خطاء قال ليس عليه شئ وقد
عصى ربه قال شيخنا المرتضى [ره] والظاهر من الخطاء بقرينة المعصية الخطاء في الفعل ومنه الخطيئة أو الخطاء في الحكم مع التقصير في السؤال
دون الخطاء في الموضوع انتهى * (وحيث) * انك عرفت تعذر الاخذ بظاهر الرواية الأولى وطرح جميع ما عداها فالمتعين اما حمل الامر بالتصدق
في الاخبار على الاستحباب كما يؤيده بل يدل عليه اختلاف الاخبار اختلافا لا يمكن الجمع بينها الا بذلك كما تقدم نظيره في اخبار البئر
288

ويشهد له الخبر المروى عن الدعائم من اتى حائضا فقد اتى مالا يحل له ويستغفر الله ويتوب من خطيئة وان تصدق مع ذلك فقد أحسن
فإنه وان ضعف سنده الا انه يصلح مؤيد لذلك أو الالتزام بصدورها تقية كما يشهد به رواية عبد الملك الدالة على أن القول بالتصدق
بدينار أو نصف دينار كان معروفا بين العامة كما أنه يشهد بذلك أيضا تعبير الإمام (ع) في صحيحة عيص بقوله لا أعلم فيه شيئا فان هذا
التعبير يشعر بان القول بان عليه شيئا كان معروفا بين فقهائهم ولم يستطع الإمام (ع) انكاره بطريق الجزم فقال (ع) لا أعلم آه وبهذا ظهر لك قوة
ما قيل قديما وحديثا بل في الحدائق انه هو المشهور بين المتأخرين من أنه لا يجب عليه الكفارة ولكنها مستحبة للامر بها في المستفيضة المتقدمة
واحتمال حملها على التقية ممالا ينبغي الاعتناء به الا عند تعذر الجمع عرفا وليس لاخبار الوجوب قوة ظهور في تلك حتى يمتنع عرفا تأويلها
وحملها على الاستحباب جمعا بينها وبين الاخبار المصرحة بعدم الوجوب خصوصا مع ما عرفت من وجود الشاهد للجمع هذا كله مع أن
احتمال صدور هذه الأخبار الكثيرة تقية مما يبعده كون المسألة على ما نقل منهم خلافية بينهم فيبعد في مثلها الحكم بالوجوب أو
بعدم الوجوب تقية * (نعم) * لا يبعد التعبير بلا اعلم ونحوه مما يكون ظاهره الافتاء عن رأي واجتهاد والله العالم * (و) * هل يختص الحكم بوطي امرأته
أم يعم الأجنبية وجهان من اطلاق بعض الأخبار ومن امكان دعوى انصراف المطلقات إلى الوطي المباح ذاتا الذي عرضه الحرمة لأجل
الحيض هذا مع ما ربما يخدش في المطلقات بقصور السند وعدم الجابر وكيف كان فلا تأمل في شمولها بل صراحة بعضها كرواية عبد الملك
لوطي أمته بل قد يدعى عدم دلالة الرواية الا عليه وفيه نظر لكن المعروف بين الأصحاب على ما في الجواهر انه يتصدق في وطى جاريته بثلاثة
امداد قال المشهور هنا أيضا وجوبه بل في الانتصار الاجماع عليه وفي السرائر نفى الخلاف فيه وهما مع التأييد بالمنقول عن الفقه الرضوي
الحجة على ذلك انتهى وأنت خبير بان مثل هذه الحجج لا تصلح حجة الا لاثبات الاستحباب مسامحة فيشكل الالتفات إليها بناء على وجوب
الكفارة في رفع اليد عما يقتضيه اطلاق الأدلة واما على المختار من استحبابها فلا مانع من الالتزام بمفاد الجميع والله العالم * (ثم) *
ان الظاهر عدم الفرق بين الزوجة الدائمة والمنقطعة والحرة والأمة كما صرح به غير واحد لعموم الأدلة وصدق المرأة في الجميع * (و) * هل
مختص الحكم بالعامد العالم بالحكم وموضوعه أم يعم [مط] أو بالنسبة إلى جاهل الحكم دون موضوعه لا ينبغي الاشكال في عدم الشمول الجاهل
الموضوع بشهادة تسمية التصدق كفارة في بعض الأخبار والامر بالاستغفار في أغلبها بإرادة من عدا جاهل الموضوع الذي لا
يكون عمله معصية واما جاهل الحكم فربما يدعى انصراف الاخبار عنه وفيه تأمل * (ولا) * يخفى عليك انا وان رجحنا القول بعدم الوجوب بالنظر
إلى ما يقتضيه الجمع بين الاخبار لكن التخطي عن القول الأول المشهور بين قدماء أصحابنا المطلعين على غث الاخبار وسمينها مع كون الالتزام
بمؤداه من دون تدين وتشريع أحوط في غاية الجرئة فلا ينبغي ترك الاحتياط بمتابعتهم وقد عرفت فيما سبق ان المعتمد لديهم هو التفصيل المستفاد
من رواية داود بن فرقد وهو ان الكفارة في أوله دينار وفي وسطه نصف دينار وفي اخره ربع دينار لكن نص في الجواهر على اختصاص هذا
التفصيل بغير وطى الرجل جاريته واما فيه فكفارته ثلاثة امداد كما تقدمت الإشارة إليه والمراد بالدينار على ما في المدارك وغيره المثقال من الذهب
الخالص المضروب وذكروا ان قيمته عشرة دراهم جياد والمراد من المثقال هو المثقال الشرعي على ما نصوا عليه وهل يتعين التصدق بعين الدينار
كما حكى عن جملة من الأصحاب أم يجزى قيمته كما صرح به بعض وجهان أوجههما الثاني فان المتبادر من الامر باعطاء الأثمان عرفا ليس إلا
إرادة مقداره من حيث المالية كما يؤيد ذلك الامر باعطاء نصف دينار أو ربعه فان توهم إرادة تسليط المسكين على نصفه أو ربعه المشاع بمعزل
عما يفهم عرفا كما لا يخفى ومصرف هذه الكفارة مصرف غيرها من الكفارات وهو مستحق الزكاة كما عن صريح جملة من الأصحاب وظاهر غيرهم
ولا يعتبر التعدد كما صرح به جماعة تبعا للروض فيما حكى عنهم لاطلاق النص ويحتمل ان يكون المراد من قوله (ع) في رواية عبد الملك فليتصدق
على عشرة مساكين التصدق بالدينار أو نصف الدينار الذي كان الناس يزعمون أنه يجب عليه وعلى هذا يرتفع التنافي بين هذه الرواية
وبين الاخبار الامرة بالتصدق بدينار أو نصفه ولكن الرواية لا تصلح مستندة للحكم خصوصا على تقدير القول بالوجوب لعدم تعين
إرادة هذا المعنى منها مع أنه لم يقل أحد بمضمونها ثم إن المتبادر من النصوص والفتاوى كما عن تصريح جل الأصحاب ان كل حيض له
أول ووسط واخر بالنسبة إلى أيامها فالأول لذات الثلاثة يوم واحد ولذات الأربعة يوم وثلث وهكذا * (و) * عن المراسم ان الوسط ما بين
الخمسة إلى السبعة * (و) * عن الراوندي [ره] انه اعتبر الأطراف الثلاثة بالنسبة إلى العشرة التي هي أكثر أيام الحيض ولا يبعد ان يكون مرجع الأول أيضا
إلى ملاحظتها بالنسبة إلى العشرة بنحو من المسامحة وعلى التقديرين فقد يخلو بعض العادات من الوسط والاخر ولا يخفى ما فيهما من الضعف
ولو تكرر منه الوطي بحيث يعد في العرف وطئان أو أزيد ففيه أقوال قيل إن كان العدد المتكرر في وقت لا يختلف الكفارة بان وقع مجموعها
في أول الحيض أو وسطه أو اخره لم تتكرر الكفارة بشرط عدم تخلل التكفير كما في المدارك وغيره وقيل بل تتكرر مطلقا كما عن جملة من الأصحاب
وعن السرائر انه لا تتكرر مطلقا وربما استظهر من اطلاقه عدم الفرق بين ما إذا تخلل التكفير أو لم يتخلل لكن التزامه بذلك في صورة التخلل في
289

غاية البعد إذ لا ينبغي التأمل في كون الوطي المسبوق بالتكفير كالمبتدأ في استفادة سببيته للكفارة من عمومات الأدلة وعن نكاح المبسوط
القول بعدم التكرر مطلقا مع تنصيصه على اختصاص الحكم بما إذا لم يتخلل التكفير حجة القائلين بالتكرر [مط] ظهور الأدلة في كون وطى
الحائض [مط] سببا للكفارة ومقتضى اطلاق سببيته تكرر المسبب بتكرره فإنه إذا وجد ثانيا فاما ان يكون مؤثرا أم لا والثاني خلاف
ظاهر الدليل وعلى الأول فاما ان يكون اثره عين ما وجب بالسبب الأول وهو محال أو ايجاب جزاء مستقل وهو المطلوب وقد تقدم
تحقيقه وتوضيحه في مبحث تداخل الأغسال في باب الوضوء بما لا مزيد عليه * (و) * اتضح لك فيما تقدم انه بعد تسليم ظهور الدليل في اطلاق سببيته
الشرط للجزاء بجميع وجوداته لا محيص عن الالتزام بتعدد الأثر وتكرره إذا وجدت الطبيعة في ضمن افراد متعاقبة فللقائلين بعدم التكرر
ليس إلا منع الظهور * (اما) * بدعوى أنه ليس للأدلة اطلاق من هذه الجهة وانما المستفاد منها عموم سببية اتيان الحائض من كل أحد للكفارة
في الجملة واما سببية الاتيان مطلقا للكفارة فلا فإنه لا يفهم من قوله (ع) من اتى حائضا فعليه نصف دينار الا عموم الحكم بالنسبة إلى
افراد الموصول وهي اشخاص المكلفين لا أحوال الصلة أعني افراد الاتيان فمن الجايز ان يكون سببيته مشروطة بعدم مسبوقيته باتيان
آخر فعند الشك في ذلك يرجع إلى أصالة البراءة وهذه الدعوى تصلح مستندة للقول بعدم التكرر [مط] وان تخلل التكفير كما عن
ظاهر السرائر لكنها بينه الضعف فإنه كما أن للموصول عموما كذا للصلة اطلاق إذا كانت القضية واردة في مقام البيان الا ترى أنه
لو اتى حائضا أخرى أو اتى هذه المرأة المرأة في حيض آخر يفهم حكمه من هذا الدليل بلا شبهة بل لا ينبغي التشكيك في فهم العرف من هذا
الخطاب وكذا من غيره من الأدلة المتقدمة حكم ما لو اتاها مكررا مع تخلل التكفير وليس المنشأ لهذه الاستفادة الا فهم الاطلاق من الدليل
مع أنه هو الذي يقتضيه دليل الحكمة كسائر المطلقات واما بدعوى أن تعليق الجزاء على طبيعة الشرط لا يقتضى الا سببية مهية الشرط من
حيث هي بلحاظ تحققها في الخارج [مط] للجزاء من دون ان يكون لافرادها من حيث خصوصياتها الشخصية مدخلية في الحكم ومن المعلوم
ان الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرر وانما المتكرر افرادها التي لا مدخلية لخصوصياتها في ثبوت الجزاء فيكون تحقق الطبيعة في ضمن الفرد
الثاني من الافراد المتعاقبة بمنزلة تحققها في ضمن الفرد الأول بعد حصول المسمى فكما انه لا اثر التحقق
الطبيعة في ضمن الفرد الأول بعد حصول
المسمى عند استدامته إلى الزمان الثاني كذا لا اثر لتحققها في ضمن الفرد الثاني بعد كونه مسبوقا بتحققها في ضمن الفرد الأول نظير سببيته الحدث
للوضوء حيث يجب الوضوء عند تحقق مسماه ولا اثر لاستمراره بعد حصول المسمى ولا لتجدده ثانيا وليس هذا تقييد الاطلاق ما دل على سببية
صرف الطبيعة بلحاظ تحققها الخارجي للوضوء حتى ينفيه أصالة الاطلاق وقد أشرنا إلى أنه إذا لم يكن للخصوصيات الشخصية مدخلية في ثبوت
الجزاء ليس تحقق الطبيعة في ضمن الفرد الثاني الا كتحققها في ضمن الفرد الأول بعد حصول المسمى وصدق وطئين أو أزيد عند تخلل الفصل
المعتد به عرفا دون ما إذا لم يفصل انما يصلح فارقا إذا كان الحكم معلقا على وجودات الطبيعة وتشخصاتها أي افرادها دون ما إذا كان الحكم
معلقا على الطبيعة بلحاظ تحققها الخارجي وبينهما فرق بين فعلى الأول لا يتنجز الامر بالجزاء الا بعد أن يتفرد الفرد بالفردية عرفا بان فرغ منه وان
طالت مدته فيكون مجموع اجزائه مؤثرة في ايجاب الجزاء وعلى الثاني يتنجز التكليف بعد حصول المسمى ولا مدخلية لما زاد عنه في التأثير لكن لا يصح
منه الجزاء ما دام الاشتغال بالفعل لا لعدم الامر كما في الأول بل لبقاء علة الوجوب وإن لم يكن الأثر مستندا إليه بالفعل مثلا لو قلنا بان
مباشرة ماء البئر لبدن الجنب سبب لوجوب نزح أربعين فلو وقع الجنب في البئر يتحقق الوجوب لكن النزح لا يجدى ما دام الجنب في البئر فبقائه
وان يكن علة فعلية للنزح لكنه مانع من تأثير النزح في سقوط التكليف كما هو ظاهر [فح] يتم النقض على الدليل المذكور فان اتصال ماء البئر ببدن
الجنب في الآن الثاني ليس إلا كحدوثه ثانيا في سببيته للنزح فلو كان عدم تأثيره ثانيا في الفرض الثاني في ايجاب جزاء مستقل منافيا لظاهر
الدليل الدال على سببية طبيعة الشرط للجزاء لكان في الفرض الأول من حيث تحقق الطبيعة في الآن الثاني أيضا كذلك وحله ما عرفته من أن
الطبيعة من حيث هي تصدق على القليل والكثير والواحد والمتعدد ومقتضى كونها مؤثرة من حيث هي استناد الأثر إليها باعتبار أول
انات تحققها وكون ما عداه من وجوداتها أسبابا شأنية من دون فرق بين كون سائر الوجودات متصلة بوجودها الأول بحيث يعد
مجموع وجوداتها فردا واحدا مستمرا بنظر العرف أو مفصولة عنه بحيث يتعدد بسببها الافراد نعم لو كان الجزاء مرتبا على وجودات الطبيعة
أي افرادها لكان مقتضى القاعدة تكرر الجزاء بتعدد الفرد من دون فرق بين ما لو وجدت الافراد دفعة أو تدريجا والانصاف ان هذا
الكلام قوى جدا واليه يؤل كلام الحلي ونظرائه ممن أنكر التكرر متمسكا بتعليق الجزاء على طبيعة الشرط وهي امر لا تتكرر وان تكررت اشخاصه
لكن يتوجه على الحلي ان مقتضاه الالتزام بما قواه في المدارك من التفصيل بين ما لو وقع التكرار في وقت لا يختلف فيه الكفارة بشرط
عدم تخلل التكفير وبين غيره ضرورة انه على تقدير اختلاف الوقت يختلف الشرط فلا يتمشى هذا الدليل كما أنه عند تخلل التكفير يجب
الكفارة ثانيا عند حصول سببه الذي هو عبارة عن حصول المسمى نظير أسباب الوضوء ولا يبعد ان يكون مراد الحلي أيضا انكار التكرر
290

في خصوص الفرض لا مطلقا وان أطلق قوله لان تخصيص المدعى بما يقتضيه دليله أولى من نسبة الغفلة البينة إليه خصوصا بالنظر إلى ما تقدمت
حكايته عنه في مبحث التداخل من اختياره التفصيل بين ما لو اتحدت الأسباب المتعددة أو اختلفت فالتزم بالتداخل في الأول دون الثاني
وقد ظهر مما حققناه ان القول الأول أي القول بعدم تكررها بتكرر الوطي في وقت لا يختلف فيه الكفارة كما قواه المصنف [ره] بشرط عدم تخلل
التفكير لا يخلو من وجه وان كان للنظر في دعوى ظهور الشرطية عرفا في المقام في تعلق الحكم على الطبيعة المطلقة بلحاظ تحققها الخارجي
لا بلحاظ ما يتحقق منها في الخارج أعني وجوداتها مجال وعلى تقدير الشك فالمرجع البراءة عن التكليف الزايد المشكوك واما مع تخلل
التكفير فالتكرار أقوى وان اختلف تكررت مطلقا على الأظهر كما يظهر وجهه مما مر ثم إن في المقام فروعا كثيرة لا يهمنا الاهتمام في تنقيحها
بعد البناء على استحباب الكفارة والله العالم بحقايق احكامه
* (السادس) * لا يصح طلاقها إذا كانت مدخولا بها وزوجها حاضر معها
بلا خلاف فيه عندنا كما في الجواهر وغيره قال في المدارك هذا مذهب علمائنا أجمع قال في المعتبر وقد اجمع فقهاء الاسلام على تحريمه وانما اختلفوا
في وقوعه فعندنا لا يقع وقال الشافعي وأبو حنيفة واحمد ومالك يقع واخبارنا ناطقة بتحريمه وبطلانه والحكم مختص بالحاضر وفي حكمه الغائب
الذي يمكنه استعلام حالها أولم تبلغ غيبته الحد المسوغ للجواز انتهى وتفصيل الكلام موكول إلى محله
* (السابع) * إذا طهرت وجب عليها
الغسل للغايات الواجبة المشروطة بالطهور إذ لا يحصل الطهارة التي هي شرط للصلاة الا به اجماعا ونصا فيجب مقدمة لها ولا يجب لنفسه
للأصل بل عن الروض وغيره دعوى الاجماع عليه لكن في المدارك قوى وجوبه لذاته قال بعد أن حكى عن بعض المحققين أنه قال ظاهر انه وجوب
الغسل عليها مشروط بوجوب الغاية فإنه لا خلاف في أن غير غسل الجنابة لا يجب لنفسه واطلاق المصنف [ره] الوجوب اعتمادا على ظهور المراد وأقول
ان مقتضى عبارة الشهيد [ره] في الذكرى تحقق الخلاف في ذلك كما بيناه فيما سبق ويظهر من العلامة [ره] في المنتهى التوقف في ذلك حيث قال
في هذه المسألة بعد أن ذكر ان وجوب الغسل عليها مشروط بوجوب الغاية وان كان للنظر فيه مجال إذا لامر فيه مطلق بالوجوب وقوته ظاهرة
انتهى والأظهر خلافه في غسل الجنابة مع وقوع الخلاف فيه فضلا عن المقام الذي لم يتحقق وجود قائل به لان المتبادر من الامر بالغسل من الاحداث
المانعة من الصلاة وغيرها من العبادات المشروطة بالطهور كالأمر بغسل الثوب والبدن الملاقي للنجس وإراقة الإنائين المشتبهين ونحوها
من الأوامر المتعلقة بشرائط العبادات أو اجزائها ليس إلا الوجوب الغيري لان معهودية وجوبها الشرطي قرينة مرشدة إليه هذا مع أن وجوب
الغسل مقدمة للصلاة ونحوها من الواجبات المشروطة بالطهور معلوم وإرادة تكليف آخر من الأوامر المطلقة غير هذا التكليف المقدمي
غير معلوم فالأصل ينفيه وحيث إن وجوبه الغيري معلوم لا مسرح للتشبث بأصالة الاطلاق التي مرجعها إلى قبح إرادة التكليف الغيري
والسكوت عن ذكر الغير وانما ينصرف الامر المطلق إلى الطلب النفسي فيما إذا كان ترك التقييد والتعرض لكونه غيريا منافيا للغرض الباعث
على الامر وبعد مساعدة دليل منفصل على وجوبه الغيري لا قبح في ترك التقييد والاعتماد على القرينة المنفصلة كجميع الأوامر المطلقة
المتعلقة بغسل الثوب والبدن وتطهير الاناء ونحوها ممالا تحصى
وكيفيته أي غسل الحيض من حيث الشرايط والاجزاء وجواز كونه ترتيبا
وارتماسا مثل غسل الجنابة بلا خلاف فيه ظاهرا كما يدل عليه ما رواه عبد الله بن علي الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال غسل الجنابة
والحيض واحد * (و) * خبر أبي بصير عنه (ع) قال سئلته عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنب قال (ع) نعم * (و) * رواية محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (ع)
قال غسل الجنابة والحيض واحد قال وسئلته عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنب قال نعم هذا كله مضافا إلى انصراف الامر
بغسل الحيض كغيره من الأغسال الواجبة والمسنونة إلى إرادة الكيفية المعهودة التي بينها الشارع في غسل الجنابة التي يعم بها البلوى
فلو كان مراده من غسل الحيض وكذا سائر الأغسال كيفية أخرى لوجب عليه بيانها الا ترى أنه لو امر بصلاة ركعتين تطوعا لا يفهم الا
إرادة ايجادها على النحو المعهود في الفريضة الا ان يصرح فيها بكيفية خاصة لكن اثره ليس مثل اثر غسل الجنابة فإنه لا يستباح به
بمجرده الصلاة ونحوها بل لابد معه من الوضوء على الأشهر بل المشهور بل عن الصدوق في الأمالي الاقرار بان في كل غسل وضوء من دين الإمامية
وحكى عن ابن الجنيد والسيد وجماعة من متأخري المتأخرين كالأردبيلي وأصحاب المدارك والذخيرة والمفاتيح والحدائق كفاية كل غسل
عن الوضوء واستدل للمشهور مضافا إلى العمومات الدالة على سببية البول والغائط والنوم وغيرها من النواقض التي يمتنع تخلفها عن
الحائض عادة لوجوب الوضوء بمرسلة ابن أبي عمير التي هي كالصحيحة عن رجل عن الصادق (ع) قال كل غسل قبله الوضوء الا غسل الجنابة * (و) * رواه
الشيخ بطريق صحيح إليه أيضا عن حماد بن عثمان أو غيره عن الصادق (ع) قال في كل غسل وضوء الا الجنابة وعن ظاهر المختلف انهما روايتان
* (و) * استدل لهم أيضا بخبر علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول (ع) قال إذا أردت ان تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل مع تتميمه بعدم القول
بالفصل ويؤيده المروى عن غوالي اللئالي عن النبي صلى الله عليه وآله كل غسل لابد فيه من الوضوء الا الجنابة وما عن الفقه الرضوي والوضوء في
كل غسل ما خلا غسل الجنابة لان غسل الجنابة فريضة يجزيه عن الفرض الثاني ولا يجزيه سائر الأغسال عن الوضوء لان الغسل سنة
291

والوضوء فريضة ولا يجزى سنة عن فرض وغسل الجنابة والوضوء فريضتان فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزى عن أصغرهما فإذا اغتسلت
لغير الجنابة فابدء بالوضوء ثم اغتسل ولا يجزيك الغسل عن الوضوء فان اغتسلت ونسيت الوضوء فتوضأ واعد الصلاة * (و) * في الحدائق
بعد نقل الرضوي قال وبهذه العبارة بعينها غير الصدوق في النهاية من غير استناد إلى الرواية وهو قرينة ظاهرة في الاعتماد على الكتاب
المذكور والافتاء بعبارته كما جرى عليه أبوه قبله في رسالته إليه أقول وهذا التعليل بنفسه مما يورث قوة الظن بكونه من مضامين
الاخبار إذ من المستبعد وقوع هذا النحو من التعليل والتعبير من غير المعصوم والمناقشة في سند المرسلتين وكذا خبر ابن يقطين بقصور
السند بعد كونها مقبولة عند الأصحاب ممالا ينبغي الاعتناء بها لكن قد يتأمل في دلالتها على المدعى لا لما قيل من عدم دلالة المرسلتين
اللتين هما العمدة في الاستدلال الا على مشروعية الوضوء مع سائر الأغسال وهي أعم من الوجوب فان المقرر في محله كون الجملة الخبرية
كالأمر ظاهرا الوجوب بل قد يدعى أظهريتها من الامر لكونها اخبارا عن الواقع وظاهرها عدم الانفكاك وأقرب مجازاته عدم جواز
التفكيك بل لان مقتضى هذا الظاهر بعد حمل مطلق الاخبار على مقيدها انما هو وجوب كون كل غسل مسبوقا بالوضوء وظاهره الوجوب
الشرطي وهذا مع مخالفته للمشهور ممالا يمكن الالتزام به إذ لا يمكن ارتكاب التقييد في جميع الأوامر المطلقة الواردة في مقام البيان المتعلقة
بالأغسال الواجبة والمسنونة وكذا الأخبار الخاصة الدالة على أن غسل الميت أو غسل الحائض مثل غسل الجنب مع خلو الاخبار المسوقة
لبيان كيفية الغسل عن التعرض له بمثل هذا الظاهر مع مخالفته للمشهور ومعارضته بالموثقة الآتية التي وقع فيها التصريح بأنه ليس على الرجل
ولا على المرأة في شئ من الأغسال لا قبله ولا بعده وضوء التي هي نص في نفى وجوبه الشرطي حيث إنه هو القدر المتيقن من مفادها فيجب اما
حمل الامر بالوضوء قبل الغسل على الاستحباب والالتزام بكون الوضوء السابق كالمضمضة والاستنشاق من سنن الغسل أو حمله على
الوجوب أو الاستحباب النفسي من دون ان يكون للتقديم مدخلية في صحة الغسل ولا في صحة الوضوء وهذا مع بعده في حد ذاته ممالا يظن بأحد ان
يلتزم به أو الالتزام بكون التقديم شرطا في صحة الوضوء ورافعيته للحدث الأصغر وهذا أوضح بطلانا من سابقه أو الالتزام بكون الاخبار
مسوقة لبيان ان ما عدا غسل الجنابة غير مجز عن الوضوء وانما امر بايجاده قبل الغسل لكونه أفضل فردي الواجب المخير وهذا المعنى وان كان موافقا
لما عليه المشهور الا ان حمل الرواية عليه ليس بأولى من حملها على المعنى الأول بل العكس أولى بالنظر إلى ظاهر الرواية حيث إن مقتضاه كون الوضوء
السابق شرطا لصحة الغسل وعند تعذر هذا المعنى حمله على إرادة كونه شرطا لكماله أولى من سائر المحامل مع أنه أوفق بما يقتضيه الجمع بينها وبين
الاخبار الآتية هذا ولكن لمانع ان يمنع تقييد بعض الروايات ببعض ويدعى ان المنساق إلى الذهن من قوله (ع)
في المرسلة الثانية في كل غسل وضوء
الا الجنابة وكذا من رواية الغوالي هو عدم الاجتزاء بالغسل عن الوضوء المعهود للصلاة ولا مقتضى لتقييدها بالمرسلة الأولى لعدم التنافي لامكان
ثبوت كلا الحكمين في الواقع بان لم يكن ما عدا غسل الجنابة مجزيا عن الوضوء وكون الوضوء في حد ذاته مستحبا قبل الغسل أو كونه أفضل من تأخيره
وعلى هذا يتجه الاستدلال بالروايتين كما أنه لو جوزنا الاعتماد على الرضوي ولو بملاحظة انجباره بعبارة الصدوق وفتوى غيره لكان بنفسه
حجة كافية لدلالته صراحة على عدم ارتفاع الحدث الأصغر بالغسل وجوب إعادة الصلاة بدونه ولكن الاشكال في جواز الاعتماد عليه بل وكذا
في الاعتماد على النبوي المروى عن الغوالي إذ لم يثبت اعتماد المشهور عليه حتى يكون جابرا لضعفه واما مرسلة ابن أبي عمير فيغلب على الظن اتحادها
مع مرسلته الأولى فالانصاف ان الاستدلال بهذه الاخبار لمذهب المشهور في غاية الاشكال فالعمدة لاثبات مذهبهم هي العمومات الدالة
على وجوب الوضوء عند عروض أسبابه وتتميمه فيما إذا لم يحدث منه شئ من هذه الأسباب بعدم القول بالفصل ان ثبت وفيه تأمل كما سيأتي
التكلم فيه في غسل المس [انش‍] * (ثم) * ان الاستدلال بالعمومات كاستصحاب الحدث وقاعدة الشغل انما يتم على تقدير الخدشة في أدلة السيد
واتباعه وهي اخبار مستفيضة * (منها) * صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال الغسل يجزى عن الوضوء وأي وضوء أطهر من الغسل * (و) * في الصحيح
عن حكم بن حكيم قال سئلت الصادق (ع) عن غسل الجنابة فقال أفض على كفك اليمنى إلى أن قال قلت إن الناس يقولون يتوضأ وضوء الصلاة
قبل الغسل فضحك فقال أي وضوء أنقى من الغسل وأبلغ فان المتبادر من الغسل في مثل المقام مهية دون خصوص غسل الجنابة الذي وقع
السؤال عنه * (و) * عن سليمان بن خالد في الصحيح عن الباقر (ع) قال الوضوء بعد الغسل بدعة وعن عبد الله بن سليمان قال سمعت الصادق (ع)
يقول الوضوء بعد الغسل بدعة * (و) * عن محمد بن أحمد بن يحيى مرسلا ان الوضوء بعد الغسل بدعة وبهذا الاسناد قال الوضوء قبل الغسل وبعده
بدعة * (و) * مكاتبة عبد الرحمن الهمداني إلى أبي الحسن الثالث سئلته عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة فكتب لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة وغيره
* (وموثقة) * الساباطي عن الصادق (ع) في الرجل إذا اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده فقال لا ليس عليه
قبل ولا بعد فقد أجزأ عنه الغسل والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لاقبل ولا بعد قد أجزئها الغسل
* (و) * مرسل حماد بن عثمان عن الصادق (ع) في الرجل يغتسل الجمعة أو غير ذلك أيجزيه عن الوضوء فقال (ع) وأي وضوء أطهر من الغسل ويعضدها
292

اطلاق الاخبار الامرة بالغسل الواردة في باب الاستحاضة والحيض والنفاس مع ورودها في مقام الحاجة والامر بالصلاة عقيب الغسل في
جملة منها فلو كان الوضوء واجبا لوجب الامر به في مثل هذه الموارد * (و) * يعضدها أيضا اخبار التداخل المشعرة باتحاد مهية الأغسال وما دل
على مماثلة غسل الحيض الغسل الجنابة واتحاده معه * (و) * أجيب عنها اجمالا بان الاخبار كلما كثرت وصحت وصرحت وكانت من الأصحاب بمرئى ومسمع
ومع ذلك قد اعرضوا عنها وأفتوا بخلافها قوى الظن بعدم الاعتماد عليها والركون إليها وكيف مع نسبته الصدوق دين الإمامية إلى خلافها
انتهى وملخص الجواب ان اعراض الأصحاب عنها مع كثرتها وتظافرها يوهنها ويكشف عن خلل فيها اما من حيث الصدور أو جهة الصدور
أو من حيث الدلالة فيسقطها عن درجة الاعتبار هذا مع أن بعض هذه الروايات مما يدل صراحة على عدم شرعية الوضوء قبل الغسل
وبعده كمرفوعة احمد الأخيرة أو ظهورا كصحيحة حكم بن حكيم المتضمنة لضحك الإمام (ع) على قول الناس يتعين صرفه لو لم نقل بانصرافه في
حد ذاته إلى غسل الجنابة بقرينة الأخبار المتقدمة المصرحة باختصاص هذا الحكم بغسل الجنابة وعدم كونه بدعة مع غيره هذا مع أن ما
ذكر في تقريب الاستدلال بالصحيحتين من إرادة المهية من الغسل في قوله (ع) أي وضوء أطهر من الغسل في حد ذاته غير مستقيم لان مقتضى
كون مهية الغسل من حيث هي أطهر من الوضوء كون هذه المهية في حد ذاتها ولو لم تكن لشئ من غاياتها أفضل فردي الواجب المخير مقدمة
للصلاة ونحوها وهذا مما لم يقل به أحد فوجب ان يكون المراد اما مطلق الأغسال المعهودة الثابتة في الشريعة كما يزعمه المستدل أو
خصوص غسل الجنابة ولا أولوية للأول بل الثاني مع كونه هو القدر المتيقن الذي يجب الاقتصار عليه في مثل الفرض هو الأولى لكون غسل
الجنابة أشيع الافراد وأظهرها مع كونه بالخصوص موردا للصحيحة الثانية وتوهم ان المراد من الغسل مهيته لكن لا يكون الغسل غسلا
الا إذا كان صحيحا لان الألفاظ على ما هو التحقيق اسام للصحيحة ولا يكون الغسل صحيحا الا إذا كان مأمورا به لشئ من غاياته مدفوع
بان للمهية الصحيحة التي وضعت الألفاظ لها على القول به هي المهية التامة الأجزاء والشرائط المعتبرة في قوام المهية التي تعلق بها الامر وكونها
مأمورا بها من العوارض اللاحقة للمسمى فلا يعقل ان يتحقق به التسمية وبعد فرض ان هذه المهية تعلق بها الطلب في الجملة من حيث هي أشد
تأثيرا في حصول الطهارة وجب ان يكون ايجادها لتحصيل شرط الصلاة ونحوها أكمل من الوضوء وكفى بذلك دليلا على صحتها ومشروعيتها
وكونها مأمورا بها بالأمر المقدمي لأجل الصلاة ونحوها لكنك عرفت أنه ممالا يمكن الالتزام به فيكشف ذلك عن بطلان الفرض وعدم
إرادة الجنس من قوله (ع) أي وضوء أطهر من الغسل فليتأمل واما موثقة الساباطي فيحتمل قويا إرادة عدم توقف صحة الأغسال من حيث هي على أن
يتوضأ قبلها أو بعدها فمعنى قوله (ع) قد أجزئها الغسل أغناها عما نوته من رفع حدث الحيض وحصول الغرض المطلوب من سائر الأغسال لا
انه أغناها عن الوضوء من حيث ارتفاع الحدث الأصغر وهذا المعنى وان كان خلاف الظاهر لكن لا بد من حمل الرواية عليه بعد اعراض المشهور عن
ظاهرها ومخالفتها للأصول والقواعد الشرعية المعتضدة بالروايات المتقدمة التي وقع في بعضها التصريح بان كل غسل لابد فيه من الوضوء الا
الجنابة وان أبيت عن هذا التوجيه فالمتعين طرح هذه الرواية ورد علمها إلى أهله كغيرها من الروايات المتقدمة التي يتعذر ارتكاب التأويل
فيها بعد أن أعرض الأصحاب عنها هذا ولكن الانصاف ان طرح هذه الأخبار الكثيرة أو تأويلها مع مالها من المعاضدات ومعروفية الفتوى
بمضمونها قديما وحديثا حتى من مثل السيد الذي لا يعمل الا بالقطعيات من دون معارض معتد به في غاية الاشكال وسيأتي بعض التعرض له في
مبحث الاستحاضة [انش‍] لكن مع ذلك رفع اليد عن استصحاب الحدث وقاعدة الشغل فضلا عن عمومات الكتاب والسنة الموجبة للوضوء عند أسبابه بمثل
هذه الروايات التي أعرض عنها المشهور أشكل فما عليه المشهور من عدم كفاية سائر الأغسال عن الوضوء لو لم يكن أقوى فلا شبهة في أنه أحوط وأحوط من
ذلك كما أنه هو الأفضل تقديم الوضوء على الغسل لكن الأقوى عدم وجوبه كما عرفت تحقيقه فيما سبق فللمكلف الخيار في ايجاده قبله أو بعده كما عن المشهور
بل عن السرائر نفى الخلاف فيه لكن لا يخفى عليك انه لو اتى به بعد الغسل ينبغي رعاية الاحتياط فيه بان لا ينوى بوضوئه الا الاحتياط رعاية للمستفيضة
الدالة على كون الغسل مجزيا عن الوضوء وان الوضوء بعده بدعة فيقصد بفعله الاحتياط حتى لا يكون على تقدير عدم مشروعيته مشرعا والله العالم بحقايق
احكامه
ويجب على الحايض قضاء الصوم دون الصلاة كما ورد التنصيص عليه في كثير من الاخبار المشتمل جملة منها على إلزام أبي حنيفة * (و) * في بعضها افحام
أبى يوسف وفي بعضها التعليل بان الصوم في كل سنة شهر والصلاة في كل يوم وليلة فأوجب الله عليها قضاء الصوم ولم يوجب قضاء الصلاة لذلك
* (و) * في رواية فضل بن شاذان عن الرضا (ع) انما صارت الحائض تقضى الصيام ولا تقضى الصلاة لعلل شتى الحديث * (و) * في خبر حسن بن راشد قال قلت لأبي
عبد الله (ع) الحائض تقضى الصلاة قال لا قلت تقضى الصوم قال نعم قلت من أين جاء هذا قال أول من قاس إبليس والظاهر عدم اختصاص الحكم
بالفرائض اليومية بل يعم نوافلها وغيرها من الفرائض المؤقتة التي تصادق أوقاتها أيام الحيض * (و) دعوى أن المتبادر من النصوص والفتاوى
خصوص الفرائض اليومية غير مسموعة والتبادر البدوي لو كان فمنشأه ندرة الوجود وهو ليس بضائر وما في بعض الأخبار من التعليل لعدم وجوب
قضاء الصلاة بعموم الابتلاء بها في كل يوم وليلة لا يدل على أن الحكم مخصوص باليومية لان التعليل انما هو بلحاظ الجنس فلا يجب الابتلاء
293

بكل فرد في كل يوم هذا مع أن مثل هذه العلل بيان للحكم والمقتضيات وليست أسبابا حقيقية يدور مدارها الحكم نفيا واثباتا حتى يؤخذ بمفهوم
العلة ويتقيد به موضوع الحكم وعلى تقدير كون هذه العلة علة حقيقية لا تدل على انتفاء الحكم عن غير موردها إذ لا تنحصر العلة فيها لان
للحكم عللا شتى كما يدل عليه رواية ابن شاذان وقضية عموم بعض العلل المنصوصة في هذه الرواية اطراد الحكم بالنسبة إلى كل صلاة
وان كانت العلل المنصوصة فيها أيضا مقتضيات وحكما كمالا يخفى على المتأمل فالأظهر انما هو عموم الحكم بل عن جامع المقاصد ان
عدم وجوب قضاء الصلاة المؤقتة موضع وفاق وفي عدوله عن اليومية إلى المؤقتة إشارة إلى دخول غيرها في معقد الوفاق * (و) * يؤيده عدم
نقل من يصرح بخلافه
* (ولو) * وجب عليها بنذر أو شبهه صوم أو صلاة في زمان معين فصادف الحيض لم يجب عليها قضائهما الا ان يكون
من قصدها ذلك حين النذر لان النذر يتبع قصدها فان قصدت ايجاده في يوم بالخصوص يكون ايجاده في غير ذلك اليوم غير ما
أوجبته على نفسها فلا يعمه دليل وجوب الوفاء بالنذر وما دل على وجوب قضاء الفوائت من الصلاة والصوم لا يشمل ما كان وجوبه
بنذر أو حلف أو إجارة أو غير ذلك من العناوين الطارية لا لمجرد انصرافه إلى الواجبات الأصلية أو كون الامر بالقضاء كاشفا عن أن
مجعولات الشارع من قبيل تعدد المطلوب بمعنى ان الوقت ليس من مقومات مطلوبيته فلا يتمشى فيما كان وجوبه بجعل المكلف وامضاء
الشارع على حسب ما ألزمه على نفسه بل لان الالزام الشرعي المتعلق بالمنذور ليس إلا بعنوان كونه وفاء بالنذر وهو بهذا العنوان
كعنوان إطاعة الوالد أو الوفاء بالإجارة ونظائرها من الأمور الغير القابلة للتدارك بعد فوت متعلقها وكون ذات الصلاة أو الصوم
من حيث هي قابلة لان يكلف بقضائها غير مجد في أن يعمها عموم ما دل على قضاء الفوائت بعد أن لم تكن هي بذاتها واجبة فالواجب
الفائت وهو والوفاء بالنذر غير قابل لان يقضى والقابل للقضاء وهو ذات الفعل لم يكن بواجب فلا يجب قضائه اللهم الا ان يدل
دليل تعبدي على أنه متى وجب شئ بنذر أو إجارة أو نحوهما فلم يف المكلف بذلك عصيانا أو لمانع وجب عليه قضاء ذلك الشئ بان يأتي به
في وقت آخر وإن لم يحصل به تدارك ما فاته من الوفاء بالنذر أو الإجارة [فح] يجب الالتزام بمفاده تعبدا كما قد يقال بوجوب قضاء الصوم
المنذور المصادف بعض أوقاته يوم العيد استنادا إلى بعض الروايات ولتمام الكلام فيه مقام آخر وتنظير ما نحن فيه عليه مع أنه لا نص فيه ولا
اجماع قياس لا نقول به نعم لو جعلت متعلق نذرها الصوم أو الصلاة على حب ما تعلق بهما الامر الشرعي وجب عليها قضاء ما شرع له القضاء
كالنوافل المرتبة لو لم نقل بشمول ما دل على أن الحائض لا تقضى صلواتها للنوافل دون غيرها مما لم يشرع له القضاء كصوم أيام البيض ونحوه
كما أنه لو جعلت متعلق نذرها من قبيل تعدد المطلوب وجب عليها الاتيان بذلك بعد أن طهرت وتسميته على هذا التقدير قضاء مسامحة هذا
كله مع أن مصادفة النذر المتعين لأيام الحيض تكشف عن عدم انعقاد نذرها من أصله واما يقال من أن
هذا فيما إذا كان متعلق النذر خصوص
هذا اليوم واما لو نذرت صوم كل خميس فصادف بعضه الحيض فلا ففيه ان هذا يكشف عن عدم انعقاد النذر
بالنسبة إلى أيام المصادفة لا [مط]
ثم إنها لو شكت بعد طهرها في كيفية نذرها فلأصل براءة ذمتها عن التكليف والله العالم
* (الثامن) * يستحب للحائض ان تتوضأ في وقت كل صلاة
وتجلس في مصلاها أو غيره وان كان الأول أولى لو كان لها مصلى معهود لوقوع التعبير به في كلام الأصحاب وكفى به وجها للأولوية وان كانت
النصوص الآتية خالية عن التنصيص عليه ولا يبعد عدم ارادته بالخصوص في عبائر الأصحاب أيضا بل غرضهم بيان انه ينبغي لها عند حضور وقت
الصلاة ان تجلس بعد الوضوء كهيئة المصلية كما أنت قبل أيام حيضها من دون ان يكون الخصوص مكانها مدخلية في الحكم كما يؤيد ذلك عموم
الحكم وندرة اختصاصها بمصلى مخصوص يضاف إليها عرفا مع عدم تعرضهم للتعميم على تقدير العدم وكيف كان فليكن جلوسها بمقدار زمان
صلاتها ذاكرة لله تعالى للأخبار المستفيضة منها رواية الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال وكن نساء النبي صلى الله عليه وآله لا يقضين الصلاة إذا حضن ولكن يتحشين
حين يدخل وقت الصلاة ويتوضين ثم يجلس قريبا من المسجد فيذكرن الله [تع‍] عز وجل * (و) * عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال إذا كانت المرأة طامثا
فلا تحل لها الصلاة وعليها ان تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة ثم تقعد في موضع طاهر فتذكر الله عز وجل وتسبحه وتهلله وتحمده
كمقدار صلاتها ثم تفرغ لحاجتها * (و) * عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الحائض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله قال اما الطهر فلا ولكنها
تتوضأ وقت الصلاة ثم تستقبل القبلة وتذكر الله [تع‍] * (و) * عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال تتوضأ المرأة الحائض إذا أرادت ان تأكل و
إذا كان وقت الصلاة توضأت واستقبلت القبلة وهللت وكبرت وتلت القران وذكر الله عز وجل * (و) * عن زيد الشحام قال سمعت أبا عبد الله (ع)
يقول ينبغي للحائض ان تتوضأ عند وقت كل صلاة ثم تستقبل القبلة وتذكر الله مقدار ما كانت تصلى ولا يبعد ان يكون المراد من الذكر ما يعم
الدعاء وطلب الحاجة من الله [تع‍] بل لعل هذا هو المتبادر من الذكر خصوصا في مثل المقام الذي يقتضيه المناسبة فما عن بعض من تخصيص التسبيح و
التهليل والتحميد بالذكر من باب المثال ولا يبعد أن تكون مرادة بالخصوص لكونها أفضل افراد الذكر فيكون اختيارها أشد استحبابا بل قضية
خبر عمار استحباب قراءة القرآن أيضا فتكون هذه الرواية مخصصة لما دل على كراهتها عليها [مط] كما هو ظاهر ثم إن المتبادر من صلاتها التي يقدر
294

الذكر بقدرها هي صلاتها التي كان عليها الاتيان بها على تقدير كونها طاهرة فيلاحظ حالها في ذلك الوقت من حيث كونها مسافرة أم حاضرة
لا حالها قبل الحيض كما قد يتوهم لان المنسبق إلى الذهن ليس إلا كون هذا العمل بدلا من الصلاة ولذا يتبادر إلى الذهن من الأخبار المطلقة
كالمقيدة إرادة ايجاد الذكر مستقبلة القبلة بمقدار الصلاة كما أن هذا هو المتبادر من مطلقات عبائر العلماء كما في المتن فإنه لا يشك
ان المراد جلوسها مستقبلة القبلة مع أنه لم ينص عليه بل لا يبعد بمقتضى المناسبة ان يدعى ان المنسبق إلى الذهن ليس إلا جلوسها
بمقتضى عادتها في مصلاها لو كان لها مصلا معهود ولعل هذا هو الوجه في تعبير الأصحاب بجلوسها في مصلاها وكيف كان فالامر فيه سهل
وعن ابن بابويه القول بوجوب الوضوء والذكر استنادا إلى ظاهر الامر في الأخبار المتقدمة وفيه مع أنه
بحسب الظاهر مخالف للاجماع
على ما نقل ان هذه الأوامر لورودها في مقام توهم الخطر لا ظهور لها في الوجوب مع أنه يمتنع عادة ان يكون مثل هذا الحكم العام
البلوى واجبا من صدر الاسلام وكان معروفا بين نساء النبي صلى الله عليه وآله ولم ينته إلى حد الضرورة فضلا عن صيرورته مخالفا للمشهور أو المجمع
عليه مع أنه لو كان واجبا لم يكن الأئمة عليهم السلام بحسب العادة يتركون التعرض لبيانه عند بيان ان الحائض لا تصلى ولا يجب عليها قضائها
في تلك الأخبار الكثيرة هذا كله مع أن التعبير بلفظ ينبغي في رواية زيد الشحام المتقدمة ظاهرة الاستحباب ولا يبعد كون هذا الظهور
الأقوى من ظهور سائر الروايات في الوجوب ثم إن مقتضى الجمود على ظواهر النصوص والفتاوى استحباب الوضوء لكل صلاة وعدم
كفاية وضوء واحد للجلوس مقدار صلاتين وإن لم يتخلل بينهما حدث بل وان جمعت بينهما في مجلس واحد وهذا لا يخلو من تأمل فان المتبادر
من الوضوء ليس إلا المهية المعهودة المؤثرة في رفع الحدث على تقدير صلاحية المحل فيفهم من امر الحايض بايجاده هذه الطبيعة انها تؤثر
في حقها اثر الا ينافيه حدث الحيض كخفة الحدث أو ارتفاع الأصغر أو التمرين أو غير ذلك فيكون الامر بالوضوء لأجل كونه سببا لحصول
ذلك الأثر لا التعبد المحض ولذا لا شك في عدم الاعتداد بوضوئها لو بالت عقيبه قبل أن جلست في مصلاها فمتى حصل ذلك
الأثر يجوز الاتيان بغايته وهي الجلوس في مصلاها ذاكرة لله تعالى وكون حدث الحيض بنفسه رافعا لذلك الأثر غير معلوم بل المنساق
إلى الذهن من امر الحائض بالوضوء والذكر في وقت كل صلاة جريها على ما كانت عليه في حال طهارتها عدا تبديل صلاتها بالذكر والله
العالم
ويستحب لها الوضوء أيضا عند إرادة الأكل الرواية معاوية بن عمار المتقدمة
ويكره لها الخضاب وهو مذهب علمائنا أجمع كما عن المعتبر
والمنتهى للنهي عنه في جملة من الاخبار منها ما رواه عامر بن خذاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لا تختضب الحائض ولا الجنب
الحديث ورواية أبى جميلة عن أبي الحسن موسى (ع) قال لا تختضب الحائض وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) هل تختضب الحائض قال لا يخاف
عليها الشيطان عند ذلك وعن أبي بكر الحضرمي مثلها إلا أنه قال لأنه يخاف عليها الشيطان وهذه النواهي محمولة على الكراهة لنفى البأس
عنه في جملة من الاخبار منها رواية سهل بن اليسع عن أبيه قال سئلت أبا الحسن (ع) عن المرأة تختضب وهي حائض قال لا بأس به وعن علي بن أبي
حمزة قال قلت لأبي إبراهيم (ع) تختضب المرأة وهي طامث قال نعم ورواية أبى المغراء عن العبد الصالح (
ع) في حديث قال قلت المرأة تختضب وهي
حائض قال ليس به بأس وموثقة سماعة قال سئلت العبد الصالح (ع) عن الجنب والحائض أيختضبان قال لا بأس فما عن ظاهر الصدوق
في الفقيه من عدم الجواز ضعيف ولعله لا يريد به أيضا الا الكراهة والله العالم
* (الفصل الثالث في الاستحاضة) *
وهي في الأصل استفعال من الحيض يقال استحيضت المرأة بالبناء للمفعول فهي تستحاض كك لا تستحيض إذا استمر بها الدم بعد أيامها
فهي مستحاضة ذكره الجوهري على ما في الحدائق وغيره وهو يعطى ان بنائه للمعلوم غير مسموع ولكنك ستسمع في مرسلة يونس الطويلة استعمال
ماضيه بالبناء للفاعل ثم إن شيخنا المرتضى [ره] قال في طهارته وظاهر غير واحد من أهل اللغة منهم الزمخشري والفيروزآبادي ان الاستحاضة
تخرج من عرق يقال له العاذل قال في الفائق كان تسمية ذلك العرق بالعادل لأنه سبب لعذل المرأة أي ملامتها عند زوجها انتهى واطلاقها
على نفس الدم على الظاهر تجوز ولا يبعد صيرورته حقيقة اصطلاحية في عرف الفقهاء وهو أي الفصل الثالث يشتمل على بيان أقسامها واحكامها
اما الأول فدم الاستحاضة في الأغلب على ما يستفاد من مجموع الأخبار المتقدمة في الفصل السابق الواردة في تشخيص دم الحيض عن الاستحاضة
عند الاشتباه اصفر بارد رقيق يخرج بفتور وبعض هذه الأوصاف كخروجه بفتور وإن لم ينص عليه بالخصوص في الاخبار لكن يستفاد ذلك
منها باعتبار اخذ ضده وهو الخروج بقوة ودفع معرفا للحيض في مقام التميز وقد عرفت في مبحث الحيض ان هذه الأوصاف وكذا أوصاف
الحيض ليست أوصافا لازمة بل هي امارات غالبية اعتبرها الشارع في الجملة في مقام التميز وقد يتفق بمثل هذا الوصف حيضا وقد يتفق
عكسه إذا الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطهر طهر نصا واجماعا وقد اتضح لك فيما سبق ان أيام الحيض هي الأيام التي يمكن ان
يكون الدم فيها حيضا وأيام الطهر ما لم يمكن فيه ذلك وتخصيص الصفرة والكدرة بالذكر من بين الأوصاف انما هو التبعية النص المعبر فيه
بمثل هذه العبارة
ثم لا يخفى عل المتتبع في اخبار الباب انه ليس للاستحاضة حقيقة شرعية بل لم تستعمل في شئ من الاخبار بظاهرها الا في معناها
295

اللغوي
ولكن الفقهاء رضوان الله عليهم اصطلحوا فسموا كل دم تراه المرأة بمقتضى طبعها أي من حيث كونها في مقابلة الرجل غير دمى الحيض
والنفاس بالاستحاضة وقيد الحيثية للتحرز عما لو كان من قرح أو جرح ومنه العذرة فان هذا الدم ليس مخصوصا بها من حيث هي وكيف كان
فقد عمموا موضوع الاستحاضة لعموم حكمها وعدم اختصاصه بما يسمى في العرف استحاضة قال في محكى النهاية الاستحاضة قد يعبر بها عن
كل دم تراه المرأة غير دمى الحيض والنفاس خارج من الفرج مما ليس بعذرة ولا قرح سواء اتصل بالحيض كالمجاوز لأكثر الحيض أولم يكن
كالذي تراه المرأة قبل التسع فإنه وإن لم نوجب الاحكام عليها في الحال لكن فيما بعد يجب الغسل أو الوضوء على التفصيل أو نوجب الاحكام
على الغير فيجب النزح وغسل الثوب من قليله وقد يعبر بها عن الدم المتصل بدم الحيض وحده وبهذا المعنى ينقسم المستحاضة إلى معتادة ومبتدئة
وأيضا إلى مميزة وغيرها ويسمى ما عدا ذلك دم فساد لكن الأحكام المذكورة في جميع ذلك لا تختلف انتهى والظاهر عدم الخلاف في عموم
الاحكام الا ممن لا يعتد بخلافه بعد وضوح مستنده مع ما فيه من الضعف كما سيتضح لك تفصيله وعن الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح دعوى
الوفاق عليه ويؤيده ظهور كلمات أساطين الأصحاب مثل المصنف والعلامة وغيرهما في ذلك من دون اشعار في كلماتهم بالتردد والاختلاف
بل لم ينقل الخلاف من أحد الا من صاحب المدارك وبعض من تأخر عنه قال في المدارك في شرح قول المصنف [ره] وكل دم تراه المرأة أقل من
ثلاثة ولم يكن دم قرح ولا جرح فهو استحاضة هذه الكلية انما تتم إذا استثنى دم النفاس ومع ذلك فلا بد من تقييدها بما إذا كان الدم
بصفة دم الاستحاضة الا فيما دل الدليل على خلافه كما تقدم انتهى وقد تبعه في ذلك جملة ممن تأخر عنه وأشار بقوله كما تقدم إلى القاعدة
الكلية التي استظهرها من الأخبار الواردة فيمن اختلط حيضها بالاستحاضة الامرة بالرجوع إلى أوصاف الدم زاعما ان هذه الأخبار
تدل على أن كل ما كان بأوصاف الحيض فهو حيض وكلما كان بأوصاف الاستحاضة فهو استحاضة فلا يرفع اليد عن هذه الكلية الا بدليل
وفيه بعد الاغماض عن مخالفته للاجماع على ما ادعاه في شرح المفاتيح مضافا إلى ما عرفت من كون الأوصاف امارات تعبدية اعتبرها
الشارع في موارد مخصوصة لا يجوز التخطي عنها الا بالدليل ان الأخبار الواردة في بيان أوصاف كل من دمى الحيض والاستحاضة كلها واردة
فيمن استمر بها الدم واختلط حيضها بالاستحاضة وقد عرفت من تنصيص اللغويين كما يشهد به لفظ الاستحاضة ويعضده نفس هذه الأخبار
سؤالا وجوابا ان الاستحاضة عبارة عن استمرار دم الحيض وتجاوزه عن أيامه وقد أشرنا إلى أنها لم تستعمل في الاخبار أيضا الا في هذا المعنى
غاية الأمر ان الشارع بين ان الدم الذي يستعقب الحيض ويسمى استحاضة في العرف ليس دم الحيض بل هو دم آخر له أوصاف مخصوصة واحكام
خاصة وقد صرح بالمغايرة غير واحد من اللغويين أيضا كما عرفت فغاية ما يمكن دعوى استفادته من الاخبار ان هذه الأوصاف من
الخواص اللازمة الدم الاستحاضة وهذا لا يقتضى الحكم بكون كل دم بهذه الأوصاف استحاضة فان تراه المرأة ساعة أو ساعتين غير مسبوق
بحيض حيث لا يسمى في العرف واللغة استحاضة ليس إلا كالدم الخارج من غير فرجها فكما أن تصادق أوصاف دم الاستحاضة على هذا الدم
لا يوجب الحكم بكونه استحاضة فكذا في مثل الفرض * (نعم) * مقتضى كون الأوصاف من الخواص اللازمة تخطئة العرف واللغة في اطلاقهم الاستحاضة
على ما تراه المرأة بعد أيامها مطلقا وعدم تخصيصهم اسم الاستحاضة بواحدة الأوصاف لكن الشارع قد أقرهم على ذلك وحكم بان ما تراه
بعد أيامها في الجملة استحاضة وانها ان عرفت أيامها لا تعتني بأوصاف الدم فيعلم من ذلك أن الشارع بين بعض الأوصاف الغالبية للرجوع
إليها عند الاشتباه واختلاط الحيض بالاستحاضة لا مطلقا والحاصل انه ليس في شئ من هذه الأخبار اشعار أصلا بان كل دم موصوف
بهذه الأوصاف استحاضة * (بل) * غاية ما يمكن ادعائه انما هي هو دلالتها على أن الاستحاضة لا تكون الا بهذه الأوصاف وهذا لا يجدى في الحكم
بكون ما تراه من ليس بسن من تحيض كالصغيرة واليائسة وما تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام وكذا ما تراه بعد النفاس استحاضة إذا كان
بأوصافها كما هو ظاهر * (وانما) * الفقهاء يحكمون بذلك لما ثبت عندهم من أن المرأة في جميع هذه الحالات بمنزلة المستحاضة فعمموا موضوعها
بحيث صارت الاستحاضة لديهم حقيقة في المعنى الأعم ومن المعلوم ان اطلاقات الشارع لا تنزل على هذا المعنى الأعم الحادث في عرف
الفقهاء فتعميم حكم المستحاضة بحيث يعم هذه الموارد يحتاج إلى دليل تعبدي غير الأدلة المسوقة البيان حكم الاستحاضة أو موضوعها فالمتبع
انما هو مقدار دلالة ذلك الدليل ففي جملة من الاخبار انه إذا استمر دم النفاس فهي بمنزلة المستحاضة مطلقا من دون تفصيل بين ما لو كان
الدم اسود أو اصفر فلو كان لنا بالنسبة إلى سائر الموارد أيضا مثل هذا الدليل نقول به وإلا فلا من دون ان يكون الأوصاف الدم مدخلية
في ذلك وكان منشأ الاستدلال بهذه الروايات لنفى كون ما ليس بأوصاف الاستحاضة استحاضة هو الخلط بين المعنى الاصطلاحي واللغوي
الذي عليه تنزل الاخبار * (ثم) * لو سلم إرادة هذا المعنى من الاستحاضة في تلك الأخبار أو قيل إن
الاستحاضة وان استعملت فيها في مفهومها اللغوي
لكن يفهم من سياقها ان موضوع الاحكام نفس دم الاستحاضة من حيث هو فالأوصاف انما هي أوصاف لذلك الدم سواء سمى بالاستحاضة أم لا
فهو غير مجد فيما ادعاه المستدل بل ربما يشهد على ما يقوله المشهور لما فيها من التصريح بأنه انما تقول على الأوصاف من لا تعرف أيامها واما
296

من عرفت أيامها فسنتها الرجوع إلى أيامها من غير اعتناء بأوصاف الدم ومعلوم ان مصادفة الدم لأيامها انما هي امارة لتشخيص الحيض
عما ليس بحيض الذي هو استحاضة فيما هو المفروض موضوعا في تلك الأخبار فالعبرة أولا وبالذات على هذا وانما بقول على الأوصاف من لا يمكنها
تشخيص حيضها عما ليس بحيض بامارة أقوى ككونه في أيام العادة أو بالقطع ككونها في سن من لا تحيض أو كون الدم مسبوقا بحيض أو نفاس محقق
أو غير ذلك وكيف كان فالذي يظهر بالتصفح في كلمات الأصحاب بحيث لا يشوبه شائبة الارتياب ان الدم تختص برؤيته المرأة من حيث
كونها مرأة لا من حيث كونها مقروحة أو مجروحة إذا رأته أقل من ثلاثة أيام ولم يكن من دم النفاس أو رأته بعد اليأس بل وكذا في حال الصغر كونه
بحكم دم الاستحاضة في الجملة من المسلمات بل من ضروريات الفقه بحيث لم يخالف فيه على اجماله أحد بان يقول دم اليائسة مثلا ليس بحكم الاستحاضة
أصلا وكفى بذلك دليلا على استكشاف رأس المعصوم خصوصا في مثل هذا الفرع العام البلوى الذي يمكن دعوى الجزم بان كونه مسلما لديهم
يكشف عن استقرار السيرة عليهم ومعهوديته من صدر الاسلام ووصوله إليهم يدا بيد وحيث انا علمنا بطلان قول المفصل وانه انما صار إليه
لشبهة حصلت له تعين المصير إلى ما صار إليه غيره من الحكم بكون كل ما ليس بحيض ولا نفاس استحاضة من دون تفصيل ويدل عليه مضافا إلى ذلك
استقراء الموارد التي وقع فيها السؤال عن حكم ما تراه المرأة من الدم كرواية أبى المغرا قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الحبلى قد استبان ذلك منها
ترى كما ترى الحائض من الدم قال تلك الهراقة ان كان دما كثيرا فلا تصلين وان كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين والمراد من الدم
القليل هو الدم الذي ليس بحيض كما أن المراد من الدم الكثير هو الدم المستمر الذي يمكن ان يكون حيضا وتوصيفهما بالقلة والكثرة على الظاهر
للجري مجرى العادة وصحيحة الحسين بن نعيم الصحاف قال قلت لأبي عبد الله (ع) ان أم ولدى ترى الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة قال فقال
إلى إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضى عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فان ذلك ليس من الرحم
ولا من الطمث فلتستوضأ وتحتشي بكرسف وتصلى الحديث وظاهرها إرادة الوضوء بسبب الدم فيدل على أن الدم الذي ليس من الطمث
حدث فيتم سائر احكامه بعدم القول بالفصل ومنها مرسلة يونس القصيرة المتقدمة وفيها فان انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين
اغتسلت وصلت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام إلى أن قال وان مر بها من يوم رأت الدم عشرة أيام ولم تر الدم فذلك اليوم
واليومان الذي رأته لم يكن من الحيض انما كان من علة اما من قرحة في جوفها واما من الجوف فعليها ان تعيد الصلاة تلك اليومين التي
تركتها لأنها لم تكن حائضا [الخ] وقد تقدم في مبحث الحيض التنبيه على أن الغسل المأمور به بعد يوم أو يومين لا يمكن ان يكون غسل الحيض
توجب ان يكون غسل الاستحاضة * (ومنها) * رواية إسحاق بن عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين قال إن
كان دما عبيطا فلا تصلى دينك اليومين وان كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين وهذه الرواية لا بد من تأويل صدرها بما لا يخالف النص و
الاجماع والمراد بقوله (ع) وان كان صفرة على ما يشهد به سوق الكلام انه إن لم يكن ذلك الدم العبيط الذي تترك لأجله الصلاة فلتغتسل لان
المتبادر من مثل هذه العبارة كون الموضوع في القضية الثانية نقيض ما هو انما هو لنكتة الغلبة إلى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع
الواردة في دم المرأة التي رتب فيها الشارع عليه اثار الاستحاضة عند انتفاء احتمال كونه حيضا فإنه لا يبعد ان يدعى أنه يستفاد من تتبع الموارد
ولو باعتضاده بالفتاوى ان الدم الذي تراه المرأة ما لم يكن من قرح أو جرح أو نحوهما مطلقا حدث فهو اما
حيض أو نفاس أو استحاضة
فمتى انتفى الأول ان يتعين الثالث فهذا اجمالا ممالا ينبغي الاستشكال فيه وانما الاشكال بل الخلاف في أنه كما يعتبر في الحكم بكون الدم استحاضة
احراز عدم كونه حيضا أو نفاسا كذلك يعتبر العلم بعدم كونه من قرح أو جرح أو دم عارضي آخر بمنزلتهما فلا يحكم بكونه استحاضة الا عند انتفاء
سائر الاحتمالات أو يدل عليه دليل تعبدي بالخصوص من نص أو اجماع كما في الدم المتجاوز عن العادة أو بعد النفاس والا فيرجع إلى الأصول أم
يكفي عدم العلم بكونه من سائر الدماء مطلقا أو يفصل بين احتمال الجرح أو القرح وبين سائر الاحتمالات فلا يعتنى في الثاني دون الأول
لاعتناء الشارع كما عرفته في باب الحيض دون سائر الاحتمالات أو يفصل في ذلك أيضا بين ما لو كان الاحتمال ناشيا من العلم بوجود قرح
أو جرح وبين غيره فلا يعتنى بالاحتمال مطلقا الا عند العلم بوجود القرح أو الجرح كما هو مورد اعتناء الشارع باحتمالهما وجوه بل أقوال
أقواها عدم الاعتناء مطلقا بشرط أن لا يكون منشأ سائر الاحتمالات وجود علة محققه مقتضية لقذف الدم واليه يرجع التفصيل الأخير
فان تخصيص القرح والجرح المعلومين بالذكر على الظاهر ليس إلا لانحصار الاحتمال الناشئ من سبب محقق عادة بكونه منهما وينبغي تقييده
أيضا بما إذا لم يكن احتمال كونه استحاضة مما يبعده العادات والامارات كما لو رأت الصغيرة الدم وهي في سن الرضاع * (وكيف) * كان فيدل على
عدم الاعتناء بساير الاحتمالات فيما اخترناه بناء العقلاء فإنك إذا راجعت العرف لا تكاد تجد امرأة تعتني عند خروج الدم من فرجها ما لم تكن
مجروحة أو مقروحة باحتمال كونه غير الدم الطبيعي الذي يختص برؤيته النساء بل لا ينصرف ذهنها عند رؤيتها للدم الا إلى الدم المعهود كما
لا ينسبق إلى الذهن عند اطلاق قولك المرأة ترى الدم الا إلى الدم المعهود وكان سره أصالة السلامة النافية الساير الاحتمالات القاضية
297

بكون الدم هو الدم الأصلي الذي تقتضيه الطبيعة قذفه وقد أشرنا في مبحث الحيض إلى أن الالتزام بان الاستحاضة أيضا لا تكون الا من علة
لا ينافي امكان احرازها بأصالة السلامة عند انتفاء احتمال الحيضية حيث إنها من العلل العامة التي لا تعد علة بنظر العرف بحيث يحتاج
إلى سبب حادث زائد عن أصل طبيعتها كالقرح والجرح فيكون كونه استحاضة بمنزلة أقرب المجازات في باب الألفاظ وقد أشرنا في محله إلى أن
عمل العقلاء في مباحث الألفاظ بمثل هذه الأمور ليس لامر مخصوص بها وكيف كان فما يؤيد ذلك بل يدل عليه التتبع في اخبار الحيض والاستحاضة
سؤالا وجوابا فإنك لا تكاد تجد في شئ منها الاعتناء لسائر الاحتمالات الا عند تحقق منشأها كالقرح والجرح ودم العذرة واما بدونه
فلا نعم في مرسلة يونس القصيرة ذكر الإمام عليه السلام في مقام إبداء الاحتمال في أن الدم الذي رأته يوما أو يومين ليس بحيض انه من علة اما من
قرحة في جوفها أو من الجوف ولكنك عرفت أنه (ع) في مقام ترتيب الأثر لم يعتن بهذا الاحتمال وأمرها بالاغتسال فهذه الرواية بنفسها من
أقوى الشواهد على ما ادعيناه وقد تقدم في مبحث الحيض عند التكلم في قاعدة الامكان ما يزيدك ايضاحا للمقام * (فراجع) * وحيث انك عرفت أن
كل دم تراه المرأة من حيث هي لو لم يكن حيضا أو نفاسا فهو استحاضة علمت أن ما كان أقل من ثلاثة أيام ولم يكن دم نفاس لا يكون الا
استحاضة وكذا ما يزيد عن العادة ويتجاوز العشرة من غير فرق بين أيام الاستظهار وغيرها على ما تقدم تحقيقه سابقا أو يزيد عن أيام
النفاس كما ستعرفه انشاء الله
أو يكون مع الحمل على القول بعدم اجتماع الحيض معه كما عن المفيد وابن الجنيد والحلي واختاره المصنف [ره] في الكتاب
ونسبه في النافع إلى أشهر الروايات ولكن الأظهر الأشهر بل عن المشهور خلافه بل عن السيد في الناصريات دعوى الاجماع عليه كما يدل عليه جملة من
الاخبار التي لا يبعد دعوى تواترها مثل صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة قال
نعم ان الحبلى ربما قذفت بالدم * (و) * موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الحبلى ترى الدم قال نعم انه ربما قذفت المرأة الدم وهي
حبلى * (و) * صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا الحسن (ع) عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى الدم قبل ذلك في كل شهر هل تترك
الصلاة قال تترك الصلاة إذا دام * (وصحيحة) * محمد بن مسلم عن أحدهما قال سئلته عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما
في كل شهر قال تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها فإذا طهرت صلت * (و) * حسنة سليمان بن خالد قلت لأبي عبد الله (ع) جعلت فداك
الحبلى ربما طمثت قال نعم وذلك أن الولد في بطن أمة غذائه الدم فربما كثر ففضل عنه فإذا فضل دفقته فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة
قال الكليني وفي رواية أخرى فإذا كان كذلك تأخرت الولادة * (و) * رواية زريق عن أبي عبد الله (ع) ان رجلا سئله عن امرأة حامل رأت الدم
قال تدع الصلاة قلت فإنها رأت الدم وقد أصابها الطلق وهي تمخض قال تصلى حتى يخرج رأس الولد فإذا خرج رأسه لم يجب عليها
الصلاة وكلما تركته من الصلاة في تلك الحال لوجع ولما فيه من الشدة والجهد قضته إذا خرجت من نفاسها قال قلت جعلت فداك
ما الفرق بين دم المخاض قال إن الحامل قذفت بدم الحيض وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد فعند ذلك يصير دم النفاس
فيجب ان تدع في النفاس والحيض فاما ما لم يكن حيضا أو نفاسا فإنما ذلك من فتق في الرحم وصحيحة صفوان عن أبي الحسن الرضا (ع)
عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام تصلى قال تمسك عن الصلاة ومرسلة حريز عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام في الحبلى ترى
الدم قال تدع الصلاة فإنه ربما بقي في الرحم الدم ولم يخرج وتلك الهراقة ومضمرة سماعة قال سئلته عن امرأة ترى الدم في الحبل قال تقعد أيامها
التي كانت تحيض فإذا زاد الدم على الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة وقد تقدم بعض
ما يدل عليه أيضا في الفرع
السابق واستدل للقول الأول برواية السكوني عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) أنه قال قال النبي صلى الله عليه وآله ما كان الله ليجعل حيضا مع حبل يعنى انها إذا رأت الدم
وهي حامل لا تدع الصلاة الا ان ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة * (و) * رواية مقرن المحكية عن علل الصدوق
عن أبي عبد الله (ع) قال سئل سلمان [ره] عليا (ع) عن رزق الولد في بطن أمة فقال إن الله تبارك وتعالى حبس عليه الحيضة فجعلها رزقه في بطن أمه
وصحيحة حميد بن المثنى عن أبي الحسن (ع) عن الحبلى ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيام وفى الشهر والشهرين قال تلك الهرقة ليس تمسك
هذه عن الصلاة وأجيب عن الرواية الأولى بضعف السند وعدم صلاحيتها لتخصيص العمومات فضلا عن مكافئتها للأدلة الخاصة المتقدمة
المعتضدة بالشهرة والاجماع المحكى وشهادة النسوان * (هذا) * مع موافقة الرواية لما هو المشهور بين العامة على ما نسب إليهم فلا يبعد صدورها
تقية واما الروايتان الأخيرتان فلا دلالة فيهما على مطلوبهم اما الأولى منهما فإنما تدل على حبس الحيضة عن أن يدفع مجموعها فلا ينافي بقاء
مقدار الكفاية ودفع الزايد كما صرح به في حسنة سليمان بن خالد المتقدمة واما الأخيرة فإنما تنفى حيضية الدفقة والدفقتين وهذا مما يلزم
به كل أحد نعم على القول بعدم اعتبار التوالي في الحيض إلى الثلاثة ينبغي تقييد الرواية بما إذا لم يكن مجموع الدفقات التي تراها في ضمن عشرة
أيام ما يتم به الثلاثة والامر فيه سهل بعد مساعدة الدليل بل امكان دعوى انصراف الرواية عن مثل الفرض والعجب من نسبة المصنف [ره]
القول بمنع الحمل عن الحيض إلى شهر الروايات وكيف كان فربما استدل لهم بالأخبار المستفيضة بل المتواترة الواردة في استبراء السبايا
298

بحيضة وكذا الجواري المستقلة ببيع أو غيره والموطوءة بالزنا والأمة المحللة للغير وفيه أولا انه يكفي حكمة المشروعية الاستبراء غلبة عدم الاجتماع
فالحيض امارة عدم الحمل فاحتاط الشارع للأنساب تارة بثلاث حيضات وأخرى خفف الاحتياط لبعض الحكم مثل تسهيل الامر على الرجل
أو المرأة فاكتفي بحيضة واحدة ولو امتنع اجتماع الحيض والحمل لاكتفى في الكل بواحدة وثانيا انه لا اثر للقول بالاجتماع وعدمه في هذا
المقام بعد أن رأت دما مستمرا صالحا لان يكون حيضا يجب عليها ترتيب اثار الحيضية ويتحقق به الاستبراء في مرحلة الظاهر غاية الأمر
انه يظهر اثر القولين بعد استبانة الحمل بالنسبة إلى بعض عباداتها التي تركتها عند رؤية الدم واما فيما نحن فيه فلا إذ بعد استبانة الحمل
واستكشاف عدم براءة الرحم لا فرق بين ان يحكم بان ما رأته كان حيضا أو استحاضة كمالا يخفى لا يقال إنه على القول بعدم الاجتماع
لا يحكم بالحيضية الا بعد احراز عدم الحمل الذي هو شرطه لأنا نقول فعلى هذا يغفل ان يستكشف براءة الرحم بالحيض والا لدار والحاصل
ان الدم الذي تراه مستمرا إلى ثلاثة أيام محكوم بالحيضية جزما ويتحقق به الاستبراء في مرحلة الظاهر واستكشاف كونه استحاضة بعد
استبانة الحمل ليس إلا كاستكشاف كون الوطي أو العقد الواقع عليها بعد الاستبراء الظاهر مقارنا للحمل فليس المقصود باخبار الاستبراء
الا الاستكشاف الظني وهو حاصل على كلا القولين لكن على القول بالاجتماع يكون طريقه ظنيا وعلى القول بالعدم يكون طريق طريقه كذلك
ثم إن هنا قولين آخرين أحدهما ما حكى عن الشيخ في النهاية وكتابي الاخبار من أن ما تجده المرأة الحامل في أيام عادتها يحكم بكونه حيضا
وما تراه بعد عادتها بعشرين يوما فليس بحيض والقول الاخر ما حكى عنه أيضا في الخلاف من أنه حيض قبل أن يستبين الحمل لا بعده ونقل فيه
الاجماع عليه احتج على القول الأول بقوله (ع) في صحيحة الحسين بن نعيم الصحاف المتقدمة إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضى عشرون يوما من
الوقت الذي كانت ترى فيه الدم في الشهر الذي كانت تقعد فيه فان ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ وتحتشي بكرفس وتصلى فإذا رأت
الحامل قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة قال في المدارك بعد نقل الاستدلال
بالصحيحة لهذا القول وهي مع صحتها صريحة في المدعى فيتعين العمل بها وان كان القول الأول أي المشهور لا يخلو من قرب أيضا انتهى وفيه أن
الحكم بكون ما رأته بعد العادة بعشرين ليس بحيض كالحكم بان ما رأته في العادة حيض ليس إلا بيانا لتكليفها الظاهري في مقام العمل
جريا على ما يقتضيه العادات والامارات لا ان ما تراه في العادة يجب ان يكون حيضا في الواقع وما تراه بعدها يمتنع ان يكون كذلك
في الواقع ولا ريب ان تقييد اطلاق نفى الحيضية في مرحلة الظاهر بما إذا لم يستمر ما رأته بعد العادة ولم يكن دما كثيرا يصلح ان يكون حيضا
بقرينة تلك الأخبار أولى من تقييد قوله (ع) من رواية أبى المعزا ان كان دما كثيرا فلا تصلين وقوله (ع) في صحيحة ابن الحجاج تترك الصلاة
إذا دام بخصوص ما في العادة والمعارضة بينها وبين مثل هذه المطلقات انما هي من قبيل تعارض الظاهرين لا النص والظاهر ولا تأمل
في أن ارتكاب التأويل في الصحيحة أولى من ارتكاب التقييد في معارضاتها المعتضد بعضها ببعض وبموافقة العمومات والقواعد المتقنة
المعتضدة بالعمل ولا ينافيه ما في الصحيحة من التفصيل بين ما رأته في العادة وما رأته بعد العشرين من الحكم بالحيضية في الأول مطلقا و
بعدمه في الثاني كذلك مع اشتراكهما في الحيضية عند الكثرة والاستدامة والعدم عند العدم لجرى الاطلاقين مجرى العادة حسب ما يقتضيه ظاهر
الحال وكيف كان فلا يمكن التأويل في جميع تلك الأدلة بمثل هذه الصحيحة التي أعرض أكثر الأصحاب عن ظاهرها مع قبولها للتوجيه القريب
فالقول بالتفصيل ضعيف واضعف منه التفصيل الاخر أعني الفرق بين قبل استبانة الحمل وبعدها واستدل له أيضا بالصحيحة المتقدمة
وفيه مالا يخفى والله العالم * (تنبيه) * الأظهر ان الحامل لا تتحيض برؤية الدم في غير أيامها الا بعد استقرار حيضها بمضي ثلاثة أيام وهل
تتحيض برؤيته في أيام عادتها وان احتملت انقطاعه قبل مضى الثلاثة وجهان من اطلاق معاقد الاجماعات وبعض النصوص الدالة على أنها
تتحيض برؤية الدم في العادة من دون تفصيل كما يعضده التفصيل في صحيحة الحسين بن نعيم بناء على كونها مسوقة لبيان تكليفها الظاهري
في مقام العمل عند رؤية الدم قبل استبانة الحال بالاستمرار وعدمه ومن انصراف النص ومعاقد الاجماعات من مثل الفرض مع ظهور
جملة من الاخبار في أنها لا تتحيض مطلقا الا بعد احراز كونه دم الحيض مثل قوله (ع) في صحيحة ابن الحجاج تترك الصلاة إذا دام وفي رواية
أبى المعزا ان كان دما كثيرا فلا تصلين وفي رواية ابن مسلم ان كان دما كثيرا احمر فلا تصلى وان كان قليلا اصفر فلتتوضأ وفي رواية
إسحاق بن عمار ان كان دما عبيطا فلا تصلى ذينك اليومين وان كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين وأقرب التوجيهات في مقام
الجمع بين الاخبار ليس إلا الالتزام بأنها لا تتحيض بمجرد رؤية الدم في العادة الا إذا اعتضد حيضيته بالامارات مثل الكثرة والسواد
والامتداد ونحوها فلا يبعد الالتزام به الا ان يكون مخالفا للاجماع ولم يثبت واما مخالفته لقاعدة الامكان فلا فيه فيها بعد مساعدة
الدليل هذا مع ما عرفت في محله من قصور القاعدة عن جريانها في مثل الفرض أي الموارد المحفوفة بامارات بمانعة من الحيضية
والله العالم وحيث انك عرفت انى كل دم طبيعي امتنع ان يكون حيضا أو نفاسا فهو استحاضة علمت أنه
لا فرق في ذلك بين ما لو رأته
299

وهي في سن من تحيض كالفروض السابقة أو رأته وهي في سن من لا تحيض كما إذا كان مع اليأس أو قبل البلوغ والله العالم وإذا
تجاوز الدم أكثر الحيض الذي هو عشرة أيام وهي ممن تحيض فقد امتزج حيضها بطهرها فهي اما مبتدئة بالكسر أي ابتدئت بالدم أو
بالفتح أي ابتدء بها الدم وهي بطاهر ما من لم نسبق بحيض كما عن المعتبر تفسيرها بذلك فتكون المضطربة [ح] أعم من الناسية العادة أو
من لم تستقر لها عادة لكن الذي يظهر من المصنف هنا حيث خص المضطربة بالناسية للعادة ان المراد بالمبتدئة من لم تستقر لها عادة سواء
كان ذلك لابتداء الدم أو لعدم انضباط العادة كما نص عليه بعضهم بل في الروضة انه أشهر وفي المسالك انه المشهور وكيف ان
فلا يترتب على هذا الاختلاف ثمرة معتد بها لان الأحكام الآتية لا يتوقف تشخيص موضوعها على تحقيق مفهوم المبتدئة كمالا يخفى أو ذات
عادة مستقرة وقتا وعددا أو أحدهما أو مضطربة القلب لنسيانها العادة وقتا أو عددا أو معا وقد أشرنا فيما سبق انه ربما تطلق المضطربة
على الأعم منها وممن لم تستقر لها عادة
وكيف كان فالمبتدئة بالمعنى الأعم أي من لم تستقر لها عادة ترجع أولا إلى اعتبار الدم وتمييز كل
من دمى الحيض والاستحاضة بالأوصاف فما شابه دم الحيض في صفاته الثابتة فهو حيض وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة
بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه لكن المتيقن من معقده هي المبتدئة بالمعنى الأخص ويدل عليه مطلقا المعتبرة
المستفيضة الامرة بالرجوع إلى الصفات عند الاختلاط * (منها) * حسنة حفص بن النجترى قال دخلت على الصادق (ع) امرأة فسئلته عن المرأة
يستمر بها الدم فلا تدرى أحيض هو أو غيره قال فقال إن دم الحيض حار عبيط اسود له دفع وحرارة ودم الاستحاضة اصفر بارد فإذا كان
للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة قال فخرجت وهي تقول والله ان لو كان امرأة ما زاد على هذا * (ومنها) * خبر إسحاق بن جرير قال
سئلتني امرأة منا ان ادخلها على أبي عبد الله عليه السلام فاستأذنت لها فاذن لها فدخلت إلى أن قال قالت فان الدم يستمر بها الشهر والشهرين
والثلاثة كيف تصنع بالصلاة قال تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين قالت له ان أيام حيضها تختلف عليها وكان يتقدم الحيض
اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك فما علمها به قال دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ودم الاستحاضة دم فاسد بارد * (و
منها) * خبر معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله (ع) ان دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ان دم المستحاضة بارد وان
الحيض حار والمستفاد من مجموع الاخبار بعد حمل مطلقها على مقيدها ان من لم يستقر لها عادة فسنتها عند اختلاط حيضها بالاستحاضة
الرجوع إلى التميز بأوصاف الدم كما هو المطلوب ولا ينافيها عدا ما يترأى من مرسلة يونس الطويلة من اختصاص الرجوع إلى التميز بالمضطربة
التي لها أيام متقدمة ولذا المبتدئة التي لم تسبق بدم فسنتها ليست الا التحيض في كل شهر ستة أو سبعة وهي ما رواه الكليني عن علي بن
إبراهيم عن أبيه عن محمد بن عيسى عن يونس عن غير واحد انهم سئلوا أبا عبد الله عليه السلام عن الحائض والسنة في وقته فقال (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله
سن في الحيض ثلث سنن بين فيها كل مشكل لمن سمعها وفهمها حتى لا يدع لاحد فيه مقالا بالرأي اما احدى السنن فالحايض التي
لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ثم استحاضت فاستمر بها الدم وهي في ذلك تعرف أيامها ومبلغ عددها فان امرأة يقال لها
فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت قالت أم سلمة فسئلت رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك فقال تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها وقال انما هو غرف
فأمرها ان تغتسل وتستثفر بثوب وتصلى قال أبو عبد الله (ع) هذه سنة النبي صلى الله عليه وآله في التي تعرف أيام أقرائها ولم يختلط عليها الا ترى أنه لم يسئلها
كم يوم هي ولم يقل إذا زادت على كذا يوما فأنت مستحاضة وانما سن لها أياما معلومة كانت لها من قليل أو كثير بعد أن تعرفها وكذلك أفتى
أبى (ع) وسئل عن المستحاضة فقال انما ذلك عرف عامر أو ركضه من الشيطان فلتدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل الصلاة
قيل وان سال قال وان سال مثل المثعب قال أبو عبد الله (ع) هذا تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وهو موافق له فهذه سنة التي تعرف أيام أقرائها
ولا وقت لها الا أيامها قلت أو كثرت واما سنة التي قد كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم وزادت
ونقضت حتى أغفلت
عددها وموضعها من الشهر فان سنتها غير ذلك وذلك أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلى الله عليه وآله فقالت اني أستحاض ولا أطهر فقال النبي صلى الله عليه وآله ليس
ذلك بحيض وانما هو غرف فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلى فكانت تغتسل في وقت كل صلاة وكانت
تجلس في مركن لأختها فكانت صفرة الدم تعلو الماء قال أبو عبد الله (ع) اما تسمع رسول الله صلى الله عليه وآله امر هذه بغير ما امر به تلك الا ترى أنه لم يقل لها
دعى الصلاة أيام أقرائك ولكن قال لها إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلى فهذا يبين ان هذه امرأة قد اختلط
عليها أيامها لم تعرف عددها ولا وقتها الا تسمعها تقول اني أستحاض ولا أطهر وكان أبى (ع) يقول إنها استحيضت سبع سنين ففي أقل من ذلك
تكون الريبة والاختلاط فلهذا احتاجت إلى أن تعرف اقبال الدم من ادباره وتغير لونه من السواد لا غيره وذلك أن دم الحيض اسود
يعرف ولو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم لان السنة في الحيض أن تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيام الحيض
إذا عرفت حيضا كله ان كان الدم اسود أو غير ذلك فهذا يبين لك ان قليل الدم وكثيرة أيام الحيض حيض كله إذا كانت الأيام معلومة
300

فإذا جهلت الأيام وعددها احتاجت إلى النظر [ح] إلى اقبال الدم وادباره وتغير لونه من السواد ثم تدع الصلاة على قدر ذلك ولا أرى النبي صلى الله عليه وآله
قال اجلسي كذا وكذا يوما فما زادت فأنت مستحاضة كما لم يأمر الأولى بذلك وكذلك أبى (ع) أفتى في مثل هذا وذلك أن امرأة من أهلنا استحاضت
فسئلت أبى (ع) عن ذلك فقال إذا رأيت الدم البحراني فدعى الصلاة وإذا رأيت الطهر ولو ساعة من نهار فاغتسلي وصلى قال أبو عبد الله (ع)
وارى جواب أبى ها هنا غير جوابه في المستحاضة الأولى الا ترى أنه قال تدع الصلاة أيام أقرائها لأنه نظر إلى عدد الأيام وقال ههنا إذا
رأيت الدم البحراني فدعى الصلاة وأمرها هنا ان تنظر إلى الدم إذا اقبل وإذا أدبر وتغير وقوله البحراني شبه قول النبي صلى الله عليه وآله ان دم الحيض
اسود يعرف وانما سماه أبى بحرانيا لكثرته ولونه فهذه سنة النبي صلى الله عليه وآله في التي اخلط أيامها حتى لا تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيام وكثيرة قال
واما السنة الثالثة ففي التي ليس لها أيام متقدمة ولم تر الدم قط ورأت أول ما أدركت واستمر بها فان سنة هذه غير سنة الأولى والثانية وذلك أن
امرأة يقال لها خمسة بنت جحش اتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت انى استحضت حيضة شديدة فقال لها احتشى كرسفا فقالت إنه أشد من ذلك
انى أثجه ثجا فقال تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي غسلا وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة
وعشرين واغتسلي للفجر غسلا وأخرى الظهر وعجلى العصر واغتسلي غسلا وأخرى المغرب وعجلي العشاء واغتسلي غسلا قال أبو عبد الله (ع)
فأراه قد سن في هذا غير ما سن في الأولى والثانية وذلك أن امرها مخالف لامر تينك الا ترى ان أيامها لو كانت أقل من سبع وكانت
خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها تحيضي سبعا فيكون قد امرها بترك الصلاة وهي مستحاضة غير حائض وكذلك لو كان حيضها أكثر من
سبع وكانت أيامها عشرا أو أكثر لم يأمرها بالصلاة وهي حائض ثم مما يزيد هذا بيانا قوله لها تحيضي وليس يكون التحيض الا للمرأة التي تريد أن
تكلف ما تعمل الحائض الا تراه لم يقل لها أياما معلومة تحيضي أيام حيضك ومما يبين هذا قوله (ع) في علم الله وان كانت الأشياء كلها
في علم الله فهذا بين واضح ان هذه لم يكن لها أيام قبل ذلك قط وهذه سنة التي استمر بها الدم أول ما تراه أقصى وقتها سبع وأقصى طهرها
ثلث وعشرون حتى يصير لها أيام معلومة فتنتقل إليها فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلث لا تكاد ابدا تخلو من واحدة منهن
ان كانت لها أيام معلومة من قليل أو كثير فهي على أيامها وخلقتها التي جرت عليها ليس فيها عدد معلوم موقت غير أيامها فان اختلطت الأيام
عليها وتقدمت وتأخرت وتغير عليها الدم ألوانا فسنتها اقبال الدم وادباره وتغير حالاته وإن لم يكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت
أول ما رأت فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون فان استمر بها الدم أشهرا فعلت في كل شهر كما قال لها فان انقطع الدم في أقل من سبع أو
أكثر من سبع فإنها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلى ولا تزال كك حتى تنظر ما يكون في الشهر الثاني فان انقطع الدم لوقته من الشهر الأول
حتى توالى عليها حيضتان أو ثلث فقد علم الآن ان ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه وتكون سنتها فيما يستقبل
ان استحاضت فقد صارت سنة إلى أن تجلس أقرائها وانما جعل الوقت ان توالى عليها حيضتان أو ثلث لقول رسول الله صلى الله عليه وآله للتي تعرف أيامها
دعى الصلاة أيام أقرائك فعلمنا انه لم يجعل القرء الواحد سنة لها ولكن سن لها الأقراء وأدناه حيضتان فصاعدا وان اختلطت عليها
أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على حد ولا من الدم على لون عملت باقبال الدم وادباره وليس لها سنة غير هذا القول رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي ولقوله (ع) ان دم الحيض اسود يعرف كقول أبى (ع) إذا رأيت الدم البحراني فإن لم يكن الامر
كذلك ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارة وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة فسنتها السبع والثلث والعشرون لان قصتها
كقصة خمسة حين قالت انى أثجه ثجا * (انتهى) * الخبر الشريف ولا يخفى على من تأمل فيه حق التأمل انه لا منافاة بينه وبين الأخبار السابقة بل هذه الرواية بنفسها
شاهدة على المدعى فان سوق الرواية يشهد بأنه (ع) لم يقصد بهذه الرواية الا بيان ما يستفاد من الاحكام المختلفة الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله في
الوقايع الثلث والتنبيه على أنه يفهم منها سنن ثلث يدور مدارها جميع احكام المستحاضة وهي وجوب تشخيص دم الحيض عن الاستحاضة بمصادفة
أيام العادة إن أمكن بان كانت المرأة معتادة وعارفة بعادتها و [ح] لا يجوز لها الاعتناء بساير الامارات التي يعرف بها فان مصادفة العادة
أقوى الامارات لا يزاحمها غيرها فان الصفرة والكدرة مثلا في أيام الحيض حيض ولذا امرها النبي صلى الله عليه وآله بالرجوع إلى العادة ولم يسن لها الا ذلك
وهذه هي السنة الأولى وعند فقد هذه الامارة احتاجت إلى أن تعرف اقبال الدم من ادباره باعتبار كثرته وقلته وتغيير لونه من السواد
أو اختلاف أحواله من حيث الحرارة والبرودة والخروج بحرقة وكونه عبيطا فأمرها النبي صلى الله عليه وآله بذلك أي تشخيص دم الحيض بالأمارات الظنية عند
حاجتها إليها بمعنى انه (ع) جعل هذه الامارات حجه في حقها وهذه هي السنة الثانية ولا يبعد ان يدعى ان سوق الرواية يشهد بان المجعول في
حقها حجية مطلق الظن الحاصل من الأوصاف المعهودة الدم الحيض ولو لم ينص عليها الشارع بالخصوص بل ولو عهدتها لشخصها بخصوصيتها
الشخصية كما لو استكشف من عادتها المنسية ان لحيضها صفة مخصوصة فحصل لها الظن بان واجد هذه الصفة هو حيضها فلا يبعد القول
باستفادة حجيته من هذه الرواية إذ ليس معرفة اقبال الدم من ادباره مخصوصة بالنظر إلى خصوص تغير لونه من السواد وانما نص الإمام عليه السلام
301

بالخصوص لكونه اظهر الأوصاف والا فللحيض أوصاف عديدة يمتاز بها عن الاستحاضة كما ورد التنصيص عليها في عدة من الروايات المتقدمة فتلك
الروايات شاهدة على أن المقصود ليس تمييز الدم بخصوص السواد وكيف كان فإذا فقدت هذه الامارة أيضا بان لم يمكن معرفة الدم باللون و
نحوه أيضا فقد امرها النبي صلى الله عليه وآله [ح] بان تتحيض في كل شهر في علم الله ستة أو سبعة فهذه هي السنة الثالثة والرواية صريحه في أن هذه السنة هي
تكليف ظاهري عملي فتكون بمنزلة الأصول العملية المجعولة للشاك التي يرجع إليها عند فقد الامارة الشرعية فعلى هذا ليس للمبتدئة الرجوع إلى
رواية الست أو السبع الا إذا تعذر في حقها التمييز بالأوصاف بان استمر دمها على لون واحد وحالة واحدة كما هو الشأن في قصة خمسة على
ما استظهره الصادق (ع) من سؤالها والا فعليها الرجوع [ح] إلى ما سنها للناسية كما أن للناسية الرجوع إلى ما سن للمبتدئة إذا كان قصتها
كقصة خمسة فعلى هذا تكون الناسية والمبتدئة متشاركتين في السنتين فتخصيص الإمام (ع) الثانية بالناسية والثالثة بالمبتدئة لا يبعد
ان يكون لعلمه بان المبتدئة غالبا لا يختلف دمها لونا والناسية عكسها * (وكيف) * كان فالرواية في غاية القوة من حيث الدلالة على ما
عرفت * (وتوهم) * عدم كون الأوصاف كاشفة عن الحيض في المبتدئة أو عدم اعتبار كشفها شرعا فيكون وجودها كالعدم ولذا أطلق الإمام (ع)
السنة الثالثة التي هي بمنزلة أصل عملي للمبتدئة ولا ينافيه اتحاد دم خمسة لونا حيث إن خصوصية المورد لا توجب قصر الحكم عليه * (مدفوع) * بان
قوله (ع) دم الحيض اسود يعرف ظاهره ان السواد معرف [مط] وان الشارع اعتبره لذلك وانما رفعنا اليد عن هذا الظاهر بالنسبة إلى
أيام العادة لما ثبت بالنص والاجماع من أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض كلها هذا مع أن ظاهر ذيل الرواية بل كاد ان يكون صريحه
ان علة امر خمسة بالتحيض ستة أو سبعة انما هو اتحاد لون دمها المستكشف من قوله أثجه ثجا فيدور الحكم مداره كما يؤيده انه ليس في كلام
خمسة ولا في كلام النبي صلى الله عليه وآله اشعار بأنها كانت مبتدئة ولا في كلام الإمام (ع) دلالة على استفادة كونها مبتدئة من كلامهما أو من الخارج فيمكن
ان يكون التمثيل بها للمبتدئة لاشتراكهما فيما هو مناط الحكم هذا كله مضافا إلى أن الأخبار المتقدمة كافية في اثبات كون الأوصاف امارة
معتبرة لغير ذات العادة مطلقا فيكون ظهوره في ذلك دليلا على أن المراد من الامر بالتحيض ستة أو سبعة ليس إلا فيما إذا أطبق الدم عليها
وكانت الاستحاضة دارة على لون واحد وقد اتضح لك مما ذكرنا اندفاع ما توهمه صاحب الحدائق من تخصيص الاخبار الامرة بالرجوع
الا الأوصاف بالناسية دون المبتدئة جمعا بينها وبين هذه الرواية * (وفيه) * مضافا إلى ما عرفت من ظهور الرواية في خلافه ان غاية الأمر تسليم
ظهور هذه الرواية فيما ينافي الأخبار المتقدمة لا صراحتها فيه فيكون المعارضة بينهما من قبيل معارضة الظاهرين الذين يمكن الجمع بينهما بارتكاب
التأويل في كل منهما ومن المعلوم ان ارتكاب التأويل في هذه الرواية بتقييد المبتدئة بما إذا استمر دمها على لون واحد أولى من التصرف في تلك
الروايات المشهورة المعمول بها عند الأصحاب من وجوه * (ويؤيد) * ما ذكرناه في توجيه الرواية ما حققه شيخنا المرتضى [قده] والأولى نقل عبارته بطولها
كي يفيدك مزيد بصيرة قال بعد نقل الخبر الشريف وهو مشتمل على احكام كثيرة للحائض والمستحاضة بل ظاهره حصر سنن المستحاضة في الثلث لاحصر
نفس المستحاضة في الثلث كما في الروض حتى التجأ لذلك إلى ادخال من لم يستقر لها عادة في أحد القسمين الأخيرين ثم رجح ادخالها في أولهما حيث
قال إنه (ع) حصر الأقسام في الناسية والذاكرة والمبتدئة ولا يخفى ان من لم يستقر لها عادة بعد لا تدخل في الناسية ولا في الذاكرة لعادتها فلو لم
تدخل في المبتدئة بطل الحصر الذي ذكره (ع) انتهى * (ثم) * قال معترضا على نفسه لا يقال إن
قوله (ع) في تعريفها يعنى تعريف المبتدئة وإن لم يكن لها أيام
قبل ذلك واستحاضت أول ما رأت يدل على خلاف مطلوبكم لأنه فسر المبتدئة بأنها من تستحاض في أول الدور لأنا نقول إن أول التعريف صادق
على المدعى وان اجرى آخره وهو انها استحاضت أول ما رأت على ظاهره بطل الحصر فلا بد من حمله على وجه يصح معه الحصر وهو ان يريد بالأولية مالا يستقر
معها العادة بعد وهو أول إضافي يصح الحمل عليه وقد دل عليه مواضع من الحديث انتهى وقد دعاه إلى التكليف الذي ذكره في قوله لأنا نقول مع
كونه مخالفا لظاهر اللفظ بل صريح قوله (ع) لم تر الدم قط ورأت أول ما أدركت واستمر بها ما زعمه من دلالة الرواية على حصر المستحاضة في الثلث
ولا يخفى ان ليس في موضع منها دلالة على ذلك وانما تدل على حصر سنن المستحاضة في الثلث واضعف من ذلك ما ذكره المحقق الخونساري
في حاشية الروضة من عدم ظهور الرواية في الناسية وانما المراد بذات السنة الثانية هي من ليس لها عادة بالفعل وان كانت لها سابقا
وان المراد بقوله أغفلت أي تركت لا نسيت وأنت خبير بان عدة مواضع من الرواية تأبى عن ذلك فالتحقيق
دخول الناسية في الرواية
و [ح] فلا بد من الحاق من لم يستقر لها عادة بإحدى الأصناف المزبورة ولا اشكال في عدم لحوقها بالمعتادة فبقيت داخلة في أحد الأخيرين
لكن الظاهر من مساق الرواية عدم اختلاف حكم الأخيرين وان ما وقع في الرواية من الحكم برجوع الناسية إلى التميز والمبتدئة إلى
الروايات انما هو لان الغالب في المبتدئة اتحاد لون الدم وكثرته لقوة زائدة وفي الناسية خلاف ذلك ولذا صرح فيما بعد في الناسية
بقوله وإن لم يكن الامر كذلك ولكن الدم أطبق عليها وكان الدم على لون واحد فسنتها السبع والثلاث والعشرون لان قصتها قصة
خمسة حين حالت انى أثجه ثجا فدلت على أن رجوع خمسة إلى الروايات انما كان لاتحاد لون الدم الذي استفاده (ع) من قولها اني أثجه
302

ثجا فلو فرض اختلاف الدم في المبتدئة فليس لها الرجوع إلى السبع والثلاث والعشرين بمقتضى التعليل المذكور فبحث اما الحاقها بالمعتادة
وهو غير معقول واما خروج سنتها من السنن الثلث وهو [مط] بمقتضى الحصر المنصوص غلبة في مواضع من الرواية فتعين الحاقها بالناسية
في الرجوع إلى التميز مع أن حكمها يمكن ان يستفاد من تعليل رجوع الناسية الفاقدة للتميز إلى الروايات ان قصتها قصة خمسة فدل على أن
كل من كان مثلها لا تدان نرجع إلى الروايات ونقدم في الروايات ان ارجاع خمسة إلى الروايات لمخالفتها للقسمين الأولين في العادة و
التميز فدل على أن التميز كالعادة مقدم على الروايات [مط] والمرجع بعده إلى الروايات مطلقا انصافا مهم هذا مع أن دعوى شمول السنة
الثانية لمن لم يستقر لها عادة لاتج عن شهادة بعض الفقرات له فبينت من ذلك كله ان المبتدئة والناسية لا تختلفان في الحكم المذكور في الرواية
وانما ذكر كلا منهما لمورد على حدة من باب عليه دخول الناسية في موضع التميز ودخول المبتدئة في موضع الروايات ومن هنا ذكر الوحيد في شرح
المفاتيح ان بالتأمل في الرواية يظهر ظهورا تاما ان حكم المبتدئة والمضطربة واحد انتهى ما أردنا نقله من كلام شيخنا المرتضى [ره] وهو في
غاية المتانة الا ان ما اعترضه على المحقق الخونساري لا يخلو من نظر يظهر وجهه بالتدبر في ما ورد في تفسير الناسية في الرواية وفيما بنه عليه
من حكمها في ذيل الرواية فان المتدبر فيها لا يكاد يشك في ظهورها في إرادة ما ذكره المحقق الخونساري واما الناسية بمعنى من بقيت عادتها
في الواقع على ما هي عليه ومحب صورتها عن ذهنها فالظاهر أنها غير مرادة بالرواية بل هي مرد نادر لم يتعرض لحكمها وان كان يفهم حكمها
من الرواية تنقيح المناط بل ستعرف الاشكال في رجوع الناسية بهذا المعنى إلى اعتبار لون الدم [مط] بحيث تتحيض في الشهر ثلاث مرات
مثلا لو رأت ثلاثة اسود مع أن عادتها المنسية لم تكن في الشهر الا مرة * (وكيف) * كان فقد ظهر لك ان المتعين انما هو رجوع المبتدئة أولا
إلى اعتبار الدم بالأوصاف فما شابه دم الحيض فهو حيض وما شابه دم الاستحاضة استحاضة لكن بشرط ان يكون ما شابه دم الحيض مما
يمكن ان يكون حيضا وما عداه استحاضة بان لا ينقص عن ثلاثة أيام ولا يزيد من عشرة ولا يكون الفاقد للصفة الفاصل بين الواجدين
أقل من عشرة أيام والا يلزم ان يكون الحيض أقل من الثلاثة أو أزيد من العشرة أو يكون الظهر أقل من العشرة والكل باطل قطعا كما عرفته في
محله فما توهمه صاحب الحدائق طاعنا على الأصحاب في اشتراطهم هذه الشرائط حيث قال إن ما اشترطوه من أنه لا بقصر ما شابه دم الحيض
عن أقله ولا يتجاوز أكثره لا نساعده الروايات الواردة في هذه المسألة فإنها مطلقة في التحيض بما شابه دم الحيض قليلا كان أو كثيرا
كما في رواية يونس وما اشترطوه من بلوغ الضعيف مع أيام النقاء أقل الظهر لا دليل عليه هنا بل ظاهر الاخبار بردة منها موثقة أبي بصير
عن المرأة ترى الدم خمسة أيام والطهر خمسة الحديث ضعيف في الغاية لان اختار التميز في مقام تميز دم الحيض عن الاستحاضة فوجب
ان يكون ما يحكم بحيضيته قائلا لان يكون حيضا والا فيعلم مخالفته للواقع فكيف يكلف به والمراد بالقليل والكثير في المرسلة القليل
والكثير مما يقبل الحيضية شرعا لا ما يعم الساعة والشهر مثلا ولو فرض دلالتها على ذلك للزم تقييدها بالأدلة القطعية الدالة على
تحديد طرفي الحيض * (واما) * موثقة أبي بصير فقد تقدم توجيهها في مسألة ان الظهر لا يكون أقل من عشرة أيام ولا مدخلته لها بخصوص
المقام ثم إنه على تقدير فقد شئ من الشرائط المذكورة فهل هي كمن استمر بها الدم على نسق واحد في الرجوع إلى عادة نسائها أو الروايات
أو انه يحصل لها التميز بالأوصاف في هذه الصور أيضا في الجملة بمعنى انه لا يجوز الغائها بالمرة وجهان من ظهور أدلة التميز في إرادة غير هذه الفروض
فان ظاهر اخبارها هو التحيض بالقوى وجعل الضعيف استحاضة من دون زيادة على أحدهما من الاخر فمثل هذه الفروض خارج من موردها
ومن انه على تقدير تسليم انصراف الاخبار عن مثل هذه الفروض وظهورها فيما ادعى بفهم حكمها منها عرفا بفهم أوصاف كل من الدمين فإنه
لا يكاد يشك من سمع بهذه الاخبار ان من رأت خمسة عشر يوما اسود ثم خمسة عشر اصفر مثلا ان حيضها ليس إلا في الأسود وكذا لو رأت يومين
اسود ثم اصفر في بقية الشهر ان اليومين من حيضها وهذا الوجه أوجههما بشهادة العرف كما يؤيده تخطى الأصحاب عن موارد النصوص إلى
فروع غير منصوصة ليس استفادة حكمها من هذه النصوص أوضح من هذه الفروض وربما أورد على الحكم بكون اليومين من الحيض في الفرع الأخير
بان مراعاة أدلة التميز في طرف القوى بجعل الناقص حيضا واكماله من الضعيف ليس بأولى من مراعاتها في طرف الضعيف بجعل مجموعه استحاضة
فيخرج الناقص من الحيضية وأجيب عنه بان مراعاة عموم الحكم على الضعيف بالاستحاضة في أدلة التميز يوجب خروج هذا المورد من أدلة
التميز إذا المفروض اختلاط الحيض بالاستحاضة فكيف يعل تمييزها بجعل الجميع استحاضة فيلزم من الرجوع إلى أدلة التميز طرحها والرجوع
إلى غيرها من الاخبار وعادة النساء بخلاف ما لو حكمنا على الناقص بالحيضية وعلى الضعيف بالاستحاضة الا ما يحتاج إليه في تكميل
الناقص فإنه قد حصل التميز من دون تقييد زائد على ما هو المعلوم في كل من الضعيف والقوى من تقييده بصورة القابلية شرعا
ويمكن الجواب عنه أيضا بان سوق الاخبار يشهد بورودها لتمييز الحيض عما ليس بحيض الذي هو استحاضة وانما ذكر أوصاف الاستحاضة
استطرادا لبيان انه ليس بحيض فإذا تبين كون بعض ما رأته بصفة الاستحاضة حيضا باعتبار كونه مكملا لما علم حيضيته بالأوصاف
303

التي اعتبرها الشارع لا ينافيه هذه الأدلة فليتأمل وحيث إن الأظهر عدم جواز إلغاء الأوصاف بالمرة في هذه الفروض
فالكلام يقع في
مقامين الأول انها لو رأت بصفة الحيض أقل من ثلاثة أو أكثر من العشرة فهل تقتصر في جعل الأصفر حيضا بما يكمل به أقل الحيض أي
الثلاثة وكذا تبنى على كون الأسود استحاضة في المقدار الذي يمتنع كونه حيضا أعني ما زاد على العشرة أو انها من هذه الجهة فاقدة
التميز فتكليفها الرجوع إلى عادة أهلها والى الروايات على التفصيل الآتي وجهان أوجههما الثاني ويظهر من كاشف اللثام اختيار
التفصيل بين الزايد والناقص قال في الكشف انه هل يفيد أي الناقص والزايد التحيض ببعض الثاني وبالأول مع اكماله بما في الاخبار
أو بعادة النساء قطع الشيخ بالأول فقال فإذا رأت أولا دم الاستحاضة خمسة أيام ثم رأت ما هو بصفة الحيض باقي الشهر يحكم في أول
يوم ترى ما هو بصفة دم الحيض إلى تمام العشرة أيام بأنه حيض وما بعد ذلك استحاضة وان استمر على هيئة جعلت بين الحيضة الأولى
والحيضة الثانية عشرة أيام طهرا وما بعد ذلك من الحيضة الثانية ثم على هذا التقدير وفي المعتبر والتذكرة والمنتهى والتحرير انه
لا تميز هنا ولا يبعد عندي ما ذكره الشيخ ولا التحيض بالناقص مع اكماله لعموم أدلة الرجوع إلى التميز انتهى ولا يخفى عليك ان كلامه في
تحرير النزاع غير مهذب فان النزاع يقع أولا في أنه هل يفيد اختلاف الوصف التميز في الفرض أم لا وعلى تقدير الإفادة هل يرجع
في تكميل الناقص وتنقيص الزائد إلى الروايات أم يقتصر في رفع اليد عن أوصاف كل من الدمين على قدر الضرورة أم يفصل بين التنقيص
والتكميل فيقتصر في رفع اليد عن أوصاف الحيض على قدر الضرورة ولا يعتنى بأوصاف الاستحاضة في مقام التكميل بل يرجع إلى ما في
الاخبار أو عادة النساء وربما يستشعر من كلامه المتقدم انه زعم أن هذا التفصيل هو من لوازم القول بالإفادة وكيف كان فيرد عليه
ان الرجوع إلى عادة النساء أو الاخبار في الزائد كما في فرض الشيخ أوضح وجها من الرجوع إليهما في الناقص وان كان ذلك هو المتجه
في الجميع اما في الزائد فلان ما رأته في أول الشهر بصفة الاستحاضة في الفرض الذي فرضه الشيخ فقد علم من اخبار التميز انه ليس بحيض
كما هو المفروض فينحصر مورد اختلاط حيضها بالاستحاضة بما عدا أيام الصفرة فتكون المرأة بمنزلة من رأت الدم ابتداء أزيد من عشرة أيام على
هيئة واحدة فكما يفهم من الاخبار ان تكليفها هو الرجوع إلى عادة النساء أو الاخبار كذلك في الفرض وكون الدم في الفرض مسبوقا بدم معلوم
الحال لا يوجب اختلاف مؤديات الأدلة بالنسبة إلى سائر الأيام التي اختلط فيها حيضها بالاستحاضة كما هو ظاهر واما في الناقص فلانه لم يعرف
من اخبار التميز الا كون اليومين مثلا حيضها في الجملة وهذا المقدار من المعرفة لا يوجب خروجها من موضوع الاخبار الامرة بالرجوع إلى عادة
النساء أو الاخبار عند عدم معرفة حيضها بعادة أو امارة وعلى تقدير انصراف الاخبار عن مثل الفرض يفهم حكمه منها عرفا كما يفهم منها
حكم جملة من الموارد التي لا ينسبق إلى الذهن ارادتها من تلك الروايات ووجهه ما أشرنا إليه من أن
هذه الأخبار ليست تعبدية محضة بل
مناطها أمور مغروسة في الأذهان فلذا يفهم عرفا منها حكم جملة عن الموارد التي لا يبعد دعوى انصرافها عنها موضوعا والله العالم وقد
اعترض على ما استظهراه من عدم جواز إلغاء الأوصاف بالمرة وانها يرجع إلى عادة النساء في تكميل الناقص أو تنقيص الزائد بأنه ربما
يكون ما رأته بصفة الحيض في أول الشهر وعادة النساء في آخره * (ويتوجه) * عليه النقض بما لو رأت الدم أول الشهر واستمر بها على صفة واحدة
إلى أن تجاوز العشرة ثم انقطع فان مقتضى اطلاقهم الرجوع إلى عادة نسائها في الفرض وما نحن فيه ليس إلا من هذا القبيل وحله ان الرجوع
إليهن مشروط بالامكان ففي مثل الفرض لا يمكن الرجوع إليهن من حيث الوقت حيث إن الرجوع إلى التميز بالأوصاف مقدم بالرتبة على
الرجوع إلى عادة النساء فيكون ما رأته بعد مجاوزة العشرة بمنزلة ما لو انقطع الدم عنها بمقتضى ما دل على اعتبار الأوصاف [فح] إن أمكن
الرجوع إلى عادة النساء من حيث العدد فهو والا فهي فاقدة للتميز من هذه الجهة أيضا فتكليفها الرجوع إلى الاخبار التعبدية التي هي بمنزلة
الأصول العملية
* (المقام الثاني) * ما لو رأت بصفة الاستحاضة أقل من العشرة ولو مع النقاء بين أسودين صالحين لا ويكون كل
منهما حيضا بحيث لو كان الأصفر عشرة وما زاد لحكمنا بحيضية كل من الأسودين بمقتضى اطلاق النصوص والفتاوى الامرة بالرجوع إلى
الأوصاف [فح] يقع الكلام تارة فيما أمكن كون مجموع الأسودين مع الصفرة المتخللة حيضة واحدة بان لم يتجاوز المجموع عشرة وأخرى
فيما لا يمكن ذلك بان تجاوز العشرة اما إذا أمكن فهل يحكم بكون المجموع حيضة واحدة فيتبعهما الأصفر أو يحكم بكون الأصفر استحاضة
فيتبعه أحد الأسودين وجهان لا يخلو أولهما عن وجه نظرا إلى ما أشرنا إليه من أن سوق اخبار التميز ولو بانضمام المؤيدات الخارجية
التي نبهنا عليها عند تأسيس ما هو الأصل في كل دم ليس بحيض يشهد بأنها مسوقة لبيان تشخيص الحيض عما
ليس بحيض فالحكم بكون الضعيف
الذي هو الأصفر استحاضة وطهرا انما هو لعدم صلاحيته للحيض من حيث تخلفا ما رأته فإذا تحقق امارة الحيض في الطرفين فهي العلامة
لحيضيته الوسط ولو نوقش في ذلك وقيل بان ظاهر الاخبار كون الصفرة علامة الاستحاضة كما أن الحمرة والسواد علامة الحيض فالحكم بكون
الأصفر استحاضة انما هو لوجود علامتها لا لثبوت عدم كونه حيضا لكان المتجه الحكم بكون الأصفر استحاضة وكون الأسود اللاحق تابعا له
304

نظرا إلى اطلاق الأخبار الدالة على اعتبار الأوصاف المقيدة بالامكان فان الأصفر وجد في زمان أمكن كونه استحاضة والأسود اللاحق
وجد في زمان امتنع كونه حيضا الا على تقدير كون الأصفر المتخلل حيضا وحيث إن الأصفر طهر بمقتضى اطلاق الأدلة فالأسود اللاحق
ليس بحيض * (وببيان) * آخر اعتبار وصف الدم اللاحق موقوف على عدم اعتبار صفة الدم السابق فلو كان عدم اعتبار صفة السابق موقوفا
على اعتبار صفة اللاحق لزم الدور وبعبارة ثالثة صيرورة الأسود اللاحق فردا للعمومات المعتبرة للصفات موقوفة على خروج الأصفر المتقدم
عليه من تحتها وخروجه موقوف على كون الأصفر فردا وهو دور واما إذا لم يكن كون المجموع حيضة واحدة فقد يقوى في النظر كون الأسود الأول
حيضا وما عداه استحاضة مطلقا سواء أمكن كون بعض الأسود الثاني مع الأول حيضة واحدة بان كان قبل مضى العشرة من يوم رأت الدم
الأول أم لا وسواء قلنا بان الحكم بكون الأصفر المتخلل استحاضة لوجود علامتها أو لعدم صلاحيته للحيض اما على تقدير امتناع كون بعضه
من الحيضة الأولى فلان الامر يدور بين كون الأول حيضا أو الثاني وقد عرفت انفا ان المتعين في مثل الفرض هو الحكم بحيضيته الأول دون
الثاني الذي يتوقف حيضيته على عدم شمول الأدلة للأول الذي لا مانع من كونه مشمولا لها حين تحققه واما على تقدير امكان كون بعضه من
الحيضة الأولى فان قلنا بان الحكم بكون الأصفر استحاضة لوجود اماراتها لا لفقد علامة الحيض فقد اتضح وجه عدم كون الثاني جزء من الأول
وكونه استحاضة من الحكم بذلك في الفرض السابق الذي أمكن كون المجموع حيضة واحدة مع أن امره اخفى مما نحن فيه * (وان) * قلنا بأنه لفقد
علامة الحيض كما ليس بالبعيد فالامر أيضا كذلك وان كان تصوره لا يخلو من غموض نظرا إلى ما ربما يتوهم من أن مقتضى عموم ما دل على اعتبار
الأوصاف الحكم بحيضية الأسود [مط] الا فيما امتنع كونه كذلك وهو ليس إلا ما زاد من العشرة واما ما يتم به العشرة فلا مانع من أن يكون
حيضا فهو حيض بمقتضى العمومات فالأصفر المحفوف بالأسودين أيضا كذلك لكون سواد الطرفين امارة لحيضية الوسط * (و) * يدفعه ان
فرض شمول ما دل على اعتبار الأوصاف للدم الثاني وجعل بعضه من الحيضة الأولى يستلزم خروجه من مورد اخبار التميز لأن المرأة [ح]
بمنزلة من رأت دما مستمرا على هيئة واحدة إلى أن تجاوز العشرة فتكليفها الرجوع إلى عادة النساء أو الاخبار والرجوع إلى عادة النساء
أو الاخبار موقوف على عدم اختلاف دمها لونا والمفروض خلافه فلا مانع من شمول ما دل على اعتبار الأوصاف الأسود الأول وانما
المانع عن شموله للأسود الثاني حيث يلزم من وجوده عدمه فلا يمكن ان يعمه هذا ولكن لا يبعد ان يقال إن اخبار التميز لا تشمل مثل الفرض
بل وكذا الفرض السابق * (وغاية) * ما يمكن استفادته منها انما هو جعل حيضها من الأسود واما كون الأسود الأول أو الثاني حيضها فلا
نظير الخبرين المتعارضين الذين لا يمكن ان يعمهما أدلة حجية الخبر الا من حيث الدلالة على نفى الثالث فهي فاقدة للتميز من هذه الجهة فترجع
في تشخيص أحد الأسودين إلى عادة أهلها أو الاخبار إن أمكن والا فالتميز أو التخيير مطلقا كما سيأتي تنقيحه في نظائر المقام مما كان للحيض
جهة امتياز واختلاط من حيث الوقت أو العدد فليتأمل وليعلم انه كثيرا ما يتمسك في جملة من هذه الفروع كالحكم بكون الأسودين الحافين
بالأصفر حيضا بقاعدة الامكان * (وفيه) * ان القاعدة انما يعتنى بها في الموارد التي لو خليت المرأة ونفسها لا تعتني بسائر الاحتمالات بان كان شكها
في كون الدم ليس بحيض بدويا غير مسبب عن سبب محقق واما في مثل هذه الفروض مما علم وجود كل من الدمين واختلط أحدهما بالاخر
وتحيرت المرأة في امرها وتشخيص كل منهما من الاخر فلا كما يظهر وجهه بالتدبر فيما أسلفناه في تحقيق قاعدة الامكان
* (تنبيه) * لا اشكال
في حصول التميز بأوصاف الحيض والاستحاضة المنصوصة في النصوص المعتبرة كالسواد والحرارة والدفع وأضدادها واما غيرها كالغلظة و
النتن فربما يستشكل في الاعتماد عليها لكن ظاهر كلمات غير واحد منهم حصول التميز بها بل كونها مثل المسلمات حيث قالوا إن القوة والضعف
تحصل بصفات ثلاث * (الأولى) * اللون فالأسود قوى الأحمر وهو قوى الأشقر وهو قوى الأصفر والا كدر كما عن النهاية وزاد في المسالك ان
الأصفر قوى الا كدر * (الثانية) * الرائحة فذو الرائحة الكريهة قوى قليلها وهو قوى عديمها * (الثالثة) * الثخانة فالثخين قوى الرقيق وفي
طهارة شيخنا المرتضى [ره] ويلزمهم ملاحظة مراتب الصفات فالأشد سوادا أو حرارة أو ثخانة قوى ما دونه وذكروا ان ذا الوصفين قوى
ذي الواحد إذا لم يكن أقوى منهما * (ولعل) * هذا كله لما يستفاد من الاخبار من أن العبرة تقوة الدم وضعفه عند اشتباه الحيض بالاستحاضة
كما يشعر به بل يدل عليه التعبير عن ذلك في المرسلة بالاقبال والادبار وقوله (ع) دم الحيض اسود يعرف وقوله (ع) دم الحيض ليس به خفاء فان الظاهر
من وكوله إلى الوضوح مع أنه لا يتضح عند العرف ولا يمتاز عن الاستحاضة الا بالقوة والضعف [مط] لا خصوص ما نص عليه في الروايات ان
العبرة في التميز بمطلق الامارات المختصة بالحيض غالبا الكاشفة عند العرف عن الحيض كشفا ظنيا لا ان العبرة بمطلق الظن حتى يلزمه اعتبار
الظن ولو من غير الصفات وهو باطل اجماعا * (انتهى) * وقد نبهنا على ما استظهره من الروايات في غير
مورد مما تقدم وهو لا يخلو من قوة
خصوصا بعد اعتضاده بفهم الأصحاب فعلى هذا لو انحصر الدم في القوى والأقوى وتعارضا يرجح الأقوى ولكن الانصاف انه لا يخلو
من اشكال إذا قلما لا يتفاوت الدم في الشهر والشهرين من حيث المرتبة فعلى أي مورد يحمل الاخبار الامرة بالتحيض في كل شهر سبعا أو أقل أو
305

أزيد وكيف كان فلو اجتمع معهما ضعيف وأمكن كونهما حيضا والضعيف استحاضة حكم به العموم ما دل على التحيض بما هو بصفات الحيض وانما
يرجح الأقوى على القوى في الفرض السابق لأجل عدم المناص عن جعل أحدهما استحاضة فيكون الأضعف أولى بذلك هذا مع ما عرفت فيه
من الاشكال والله العالم * (ولو) * وجد في أحد الدمين صفة وفي الاخر أخرى مع تساويهما في القوة ولم يكن التحيض بمجموعهما فعن ظاهر التذكرة
أو محتملها التحيض بالمقدم وحكاه فيها عن الشافعي قال شيخنا المرتضى [ره] ولم يعلم وجه الترجيح ولذا تردد في النهاية أقول قد عرفت أن الأوجه
الحاقها بفاقدة التميز لكن بالنسبة إلى واجد الصفة دون فاقدها فإنه علم كونه استحاضة بمقتضى الاخبار فبقي الاختلاط فيما عداه والله
العالم فتلخص من جميع ما تقدم انه لو رأت المبتدئة بالمعنى الأعم وهي من لم تستقر لها عادة الدم الصالح للحيضية وانقطع على العشرة فالكل
حيض وإذا تجاوز العشرة ولو قليلا جعلت حيضها ما كان بأوصاف الحيض بشرط الامكان وما عداه استحاضة كذلك فان رأت ما هو
بصفة الحيض مكررا وأمكن كون الجميع حيضا اما بكون كل من المكررات حيضة مستقلة كما لو رأت ثلاثة اسود ثم عشرة اصفر ثم ثلاثة
اسود وهكذا أو يكون الأسودين مجموعهما في خلال العشرة فهما مع الأصفر المتخلل بينهما حيض وما بعدهما استحاضة على الأظهر من دون فرق
بين ان يكون كل واحد منهما بنفسه صالحا لان يكون حيضا أم لا وان تعذر ذلك بان تجاوز مجموعهما العشرة كما لو رأت خمسة اسود ثم خمسة
اصفر ثم خمسة اسود وهكذا فالأقوى انه لا تميز لها [ح] بمعنى ان الأوصاف وان أرشدتها إلى أن الأصفر ليس بحيض لكن حيضها مختلط
بالاستحاضة في غير اصفرها على الأظهر وسيأتي حكمها من الرجوع إلى عادة النساء أو الاخبار واحتمال كونها واجدة للتميز فتجعل أول
الأسودين حيضا وثانيها استحاضة وثالثها حيضا إن أمكن وهكذا قد عرفت ضعفه وان لا يخلو من وجه * (تنبيه) * ذكروا ان العادة
كما تستقر بالأخذ والانقطاع كذلك تحصل بالتميز فلو مر بها شهران ورأت فيهما سواء ثم اختلف الدم في باقي الأشهر رجعت إلى عادتها
في الشهرين وفيه اشكال تقدمت الإشارة إليه في مبحث الحيض فراجع
فان فقدت المبتدئة التميز بان كان الدم لونا واحدا مثلا أو لم
يحصل فيه شريطتا التميز بل وكذا الشرط الثالث الذي نبهنا عليه رجعت إلى عادة نسائها على المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع
عليه لكنك عرفت أن الأظهر انها في صورة فقد شئ من الشرائط المذكورة لا ترفع اليد عن الأوصاف بالمرة فهي ترجع إلى عادة النساء
في تكميل الناقص أو تنقيص الزائد * (و) * كيف كان فيدل عليه مضمرة سماعة قال سئلته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي
لا تعرف أيام أقرائها فقال أقرائها مثل أقراء نسائها فان كن نسائها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة وأقله ثلاثة ولا يضرها الاضمار بعد
كونها معمولا بها عند الأصحاب ويدل عليه أيضا رواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال يجب للمستحاضة ان تنظر بعض نسائها
فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم ونوقش فيها بشمولها للمضطربة ولا قائل به كاكتفائها ببعض النسوة والامر باستظهارها بيوم و
يمكن التفصي عنها بمنع الشمول ان أريد من المضطربة من كان لها عادة مستقرة فنسيتها لانصراف الرواية عنها وان أريد منها ما يعم من لم
يستقر لها عادة في مقابل المبتدئة بالمعنى الأخص فبالالتزام بمفادها ودعوى الاجماع على خلافه ممنوعة بل ظاهر جملة من عبائرهم المحكية وصريح
آخرين عموم الحكم بالنسبة إلى المبتدئة بالمعنى الأعم وهي التي لم تستقر لها عادة بل يظهر من العبارة المحكية عن جامع المقاصد كونه من المسلمات
فإنه بعد أن فسر المبتدئة بمعنييه قال إن الأول أي المبتدئة بالمعنى الأعم تجرى عليه احكام الباب فإن لم تستقر لها عادة ترجع إلى النساء
مع فقد التميز كالتي ابتدئت الدم والمضطربة لا ترجع إلى النساء لسبق عادتها انتهى ويؤيده مضمرة سماعة لاشعارها بان علة الرجوع
إلى النساء عدم كونها عارفة بأيام أقرائها واما اكتفائها ببعض النسوة فإنما هو لاستكشاف عادة نسائها بالنظر إلى البعض ولو ظنا
ولا ضير في الالتزام بكفاية النظر إلى البعض الموجب للظن بعادة سائر النساء بل الالتزام بوجوب الفحص عن حال جميع النسوة تفصيلا
وتحصيل العلم باتفاقهن في العادة في غاية الاشكال بل خلاف ما يتبادر عرفا من الامر برجوعها إلى عادة نسائها فان من المستبعد جدا
ان يكون المقصود وجوب الاطلاع على جميعها تفصيلا واما وجوب استظهارها بيوم بعد أيام عادة نسائها فلا مانع من الالتزام به رعاية الاحتمال
اقتضاء طبيعتها لقذف دم الحيض أزيد من طبيعة نسائها بهذا المقدار الذي ربما يتعدى إليه حيض ذوات العادة اللهم الا ان ينعقد الاجماع على
خلافه وكيف كان فلا يوجب شئ من هذه المناقشات طرح الرواية وبما ذكرنا ظهر لك امكان الاستدلال للمطلوب برواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)
النفساء ان كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتلت جلست مثل أيام أمها أو أختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك فان ظاهرها وان كان كفاية
واحدة من المذكورات ولو مع مخالفتها لغيرها في العادة الا انه يتعين حملها على مالا ينافي غيرها جمعا وان كان ارتكاب التأويل فيها بحملها على
ما إذا استكشفت عادة نسائها من عادة أمها أو أختها بعيدا الا انه لا بأس بالالتزام به في مقام التوجيه في مقابل الطرح كما أن المتعين تقييد
اطلاق مرسلة يونس الدالة على أن المبتدئة الفاقدة للتميز لها سنة الا الرجوع إلى روايات الست أو السبع ثم إن المراد بنسائها أقاربها
من الطرفين أو من أحدهما كما صرح به في محكى المعتبر والمنتهى والمسالك بل قيل إنه مما لا خلاف فيه ولا فرق بين الاحياء والأموات ولا بين المتساويات
306

لها في السن والبلد والمتخالفات كما صرح به في المسالك وعن بعض كتب الشهيد اعتبار اتحاد البلد ولا يعبد ان يكون نظره إلى اختلاف
الأمزجة باختلاف البلدان فيوجب ذلك الانصراف وفيه نظر وكيف كان فلا شبهة في أنها ترجع إلى النساء ان اتفقن وقتا وعددا وهل ترجع
إليهن عند اتفاقهن وقتا فقط أو عددا كذلك لا ينبغي الاستشكال في الثاني أي عند اتفاقهن عددا بالنظر إلى ما يتفاهم عرفا من النصوص
والفتاوى فان المتبادر من قوله (ع) أقرائها مثل أقراء نسائها إرادة المماثلة من حيث العدد خصوصا بملاحظة قوله (ع) فان كن مختلفات
فأقلها ثلاثة وأكثرها عشرة كيف ولو أريد المماثلة من حيث الوقت والعدد لوجب تنزيل النصوص والفتاوى على الفرد النادر الذي
قلما يوجد في الخارج واما في الأول أي المماثلة من حيث الوقت فقط فربما يتأمل فيه نظرا إلى انصراف النصوص والفتاوى عنه واندراجه
في موضوع قوله (ع) فان كن نسائها مختلفات [الخ] لكن هذا انما هو في مضمرة سماعة * (واما) * موثقة زرارة ومحمد بن مسلم فهي بظاهرها تعم المفروض
بل لا يبعد دعوى استفادته من المضمرة أيضا بان يقال إن المتبادر من الرواية كون عادة النساء امارة اعتبرها الشارع كاشفة عن
أيام حيضها تعبدا والمقصود من قوله (ع) فان كن نسائها مختلفات [الخ] ليس إلا انه إن لم يمكن استكشاف أيامها من الرجوع إليهن
مطلقا وهو في غير الفرض حيث إنه يستكشف في الفرض أيامها من الرجوع إليهن في الجملة وإن لم يتعين عدده وبهذا الوجه يمكن ان يوجه
القول بالأخذ بالقدر المشترك الذي اتفق كل نسائها عليه وان اختلفن فيما زاد عليه لكن يرد عليه انه قلما يبقى على هذا مورد الاطلاق
الحكم المذكور في النصوص والفتاوى لمن لا تميز لها فالقول بالاعتداد بالقدر المشترك من عادة النساء ضعيف مخالف لظاهر النصوص
والفتاوى اللهم الا ان يحصل لها الوثوق من اتفاقهن على القدر المشترك بان هذا الاتفاق ليس من باب الاتفاق بل انما هو
لاقتضاء طبيعة هذه الطائفة قذف هذا المقدار من الدم وما زاد [فح] لا يبعد دعوى استفادة حكمها من الروايات بتنقيح المناط
على اشكال مع أنه كيف يحصل الوثوق بذلك * (وهل) * يعتبر اتفاق جميع نسائها أم يكفي بعضها أو معظمها وان اختلف من عداهن
ظاهر المضمرة خصوصا بقرينه مقابلتها باختلافهن هو الأول الا ان الأظهر ان مخالفة الفرد النادر غير ضائرة إذا الظاهر ابتناء مثل
هذه الامارات على الظن النوعي الذي لا يمنع من حصوله مخالفة الفرد النادر بل لا يبعد دعوى أنه لا يفهم عرفا من الرواية الا إرادة
المعظم لندرة اتفاق الكل في العادة ولكنها لا تخلو من تأمل وان كان ربما يؤيدها اطلاق الروايتين الأخيرتين فتأمل ثم إنه
هل يعتبر الإحاطة بعادة الجميع أو المعظم والعلم بموافقتها أم يكفي الاطلاع على البعض المورث للظن بموافقة الغير ظاهر الروايتين الأخيرتين
بل كاد ان يكون صرح الأخيرة منهما هو الثاني لما عرفت فيما سبق من أنه يتعين بقرينة النص والاجماع حمل الروايتين على ما إذا استكشفت
عادة نسائها بمراجعة البعض أو أمها أو أختها فتأخذ بعادتهن ما لم تعلم مخالفتها لسائر النساء حيث إنها
امارة نوعية الاستكشاف
عادة غيرهن وقد اعتبرها الشارع بمقتضى الروايتين فيستفاد منها عدم اعتبار احراز الموافقة بالعلم لكن الاعتماد على هذا الظاهر في
غاية الاشكال لتعذر الجمع بينه وبين الأخبار الواردة في حكم المستحاضة التي استمر بها الدم على لون واحد كمرسلة يونس وغيرها من الاخبار
الآتية لتعذر تقييدها بما لا ينافي هذا الظاهر وهذا بخلاف ما لو اقتصرنا على ما يفهم من مضمرة سماعة وقلنا بان المعتبر انما هو اتفاق
جميع النسوة عرفا وانه انما يرجع إليهن بعد العلم بموافقة الجميع فإنه يهون تقييد المطلقات بذلك لندرة موافقة الجميع وبعد الاطلاع
عليها فيصح [ح] اطلاق امر المبتدئة بالرجوع إلى روايات الست أو السبع كما في المرسلة خصوصا بعد ملاحظة ان موافقة الجميع في العادة
يورث الظن القوى بمماثلتها لهن فيزول تحيرها وتخرج من موضوع الحكم بان تتحيض في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة فالأظهر انها
لا ترجع إلى النساء الا بعد الوثوق باتفاقهن في العادة ولو باستكشاف عادتهن من مراجعة البعض كما عليه يحمل الروايتان المتقدمتان
والله العالم
* (تنبيه) * لو انحصر نسائها الاحياء في واحدة أو اثنتين أو ثلاث لا يعتد بعادتها ما لم يحرز موافقتها لأاربها الأموات لانصراف
النص والفتاوى عن مثل الفرض نعم لو كثرت الاحياء فالظاهر كفاية اتفاقهن في العادة ما لم يعلم بمخالفة الأموات لها والله العالم وقيل
بل نسب إلى المشهور انها رجعت إلى عادة نسائها أو عادة ذوات أسنانها من بلدها مرتبة ثانيتهما على فقد النساء أو اختلافهن وظاهر
بعضهم التخيير بينهما وهو بعيد وكيف كان فلا دليل يعتد به على اعتبار عادات ذوات الأسنان وغاية ما يمكن الاستناد إليه حصول الظن
من موافقة الجميع في العادة خصوصا مع كثرتها بكونها مثلهن وفي الاعتماد عليه اشكال اللهم الا ان يدعى حصول القطع من تتبع الموارد
بضميمة ما في بعض اخبار الباب من الاشعارات ولا سيما بملاحظة فتوى المشهور ان الشارع اعتنى في تشخيص موضوع الحيض بمثل هذه الظنون
والعهدة على مدعيه وإن لم يكن بعيدا وربما يتخيل جواز الاستدلال له بمضمرة سماعة المتقدمة الصدق نسائها عليهن إذ يكفي في الإضافة
أدنى ملابسة وفيه مضافا إلى أنه خلاف المتبادر من الرواية ان مقتضى إرادة المجموع من نسائها اعتبار موافقة الجميع من الأقارب وغيرها
في العادة ولا قائل به بل لا يمكن القول به إذ قلما يوجد له موضوع خارجي اللهم الا ان يدعى ان المجموع مراد لكن مرتبا بمساعدة الفهم العرفي
307

لما هو المغروس في أذهان العرف من تعذر إرادة موافقة الكل في كل مورد وكون الأقارب أولى بالمراعاة من ذوات الأسنان فيفهم
من ذلك اعتبار الرجوع إلى الجميع مرتبا وفيه مالا يخفى والاحتياط ممالا ينبغي تركه بان تتحيض في كل شهر في الأيام التي تحيض فيها ذوات
أسنانها مراعية فيها ما يوافقها من الروايات الواردة في حكم المتحيرة والله العالم
فان تعذر العلم بعادة نسائها اما لفقدهن أو تشتتهن
وكذا العلم بعادة ذوات أسنانها على القول به أولم يتعذر ولكن كن مختلفات اختلافا يمتنع معه الرجوع إليهن بان لم يكن مما يتسامح به في
بالعرف جعلت حيضها في كل شهر اما ستة أو سبعة أيام كما في مرسلة يونس الطويلة المتقدمة في صدر المبحث وشبهة امتناع التخيير
بين الأقل والأكثر قد عرفت اندفاعها في مبحث الحيض عند التكلم في مدة الاستظهار أو تتحيض عشرة أيام من شهر وثلاثة أيام من
شهر اخر كما قد يدعى استفادته من مضمرة سماعة المتقدمة وغيرها من الاخبار الآتية مخيرة فيهما أي في الاخذ بمفاد المرسلة أو المضمرة
جمعا بين لاخبار أو اخذا بكل من الخبرين المتعارضين على القول بالمكافئة وامتناع الجمع كما سيأتي توضيحه وهذا القول أي
كونها مخيرة بين الستة والسبعة وبين الثلاثة والعشرة اجمالا هو أشهر الأقوال في المسألة وفيها أقوال متشتتة ربما تنتهي إلى
عشرين فعن بعض تجعل حيضها عشرة وطهرها عشرة وهكذا بناء منه بحسب الظاهر على ضعف اخبار الباب واعتمادا على قاعدة
الامكان ولا يخفى ما فيه وقيل عشرة أي من كل شهر كما هو ظاهر المتن لكن في الجواهر لم نعرف قائله ولعل المراد منه القول المتقدم
وقيل ثلاثة من كل شهر كما عن أبي على وبعض متأخري المتأخرين وعن المصنف في المعتبر اختياره وعن جملة من الاعلام انها تتحيض
في كل شهر سبعة أيام خاصة مطلقا وعن بعض تقييدها بأول الشهر مستندين في تعين السبعة إلى قوله (ع) في المرسلة الطويلة وهذه
سنة التي استمر بها الدم أول ما تراه أقصى دمها سبع وأقصى طهرها ثلث وعشرون وقوله (ع) فيها أيضا وإن لم يكن لها أيام قبل
ذلك واستحاضت أول ما رأت فوقتها سبع وطهرها ثلاثة وعشرون وقوله (ع) في آخرها وإن لم يكن كذلك بل أطبق عليها الدم
على لون فسنتها السبع والثلاث والعشرون ولا يقدح اختصاص موردها بالمبتدئة بالمعنى الأخص أو بها وبالمتحيرة على احتمال لان
المستفاد منها إناطة الحكم بفقد العادة والتميز كمالا يخفى مضافا إلى الاجماع المركب وعدم القول بالفصل بين المبتدئة بالمعنى الأخص
والمتحيرة وبين غيرهما ولا يعارضها قوله (ع) حكاية القول النبي صلى الله عليه وآله لخمسة بنت جحش تحيضي في كل شهر في علم الله ستا أو سبعا واغتسلي وصومي
ثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين الاحتمال كون الترديد من الراوي وعلى فرض كونه تخييرا فالجمع بينه وبينه الفقرات المتقدمة بعيد جدا
فلا بد من الاحتياط لدوران الامرين التخيير والتعيين هكذا قيل في توجيه الاستدلال ويؤيده الاستصحاب ولكن يضعفه مضافا إلى
مخالفة كون الترديد من الراوي للأصل انه يبعده بل يحيله عادة جزم الراوي بمقالة الامام عند ذكره سائر الفقرات وتردده عند نقل
هذه الفقرة فالذي يغلب على الظن كون الترديد من الشارع البيان التخيير وكون الاقتصار على ذكر السبع في سائر الفقرات جريا على
ما يقتضيه قانون المحاورة من الاقتصار بذكر أحد شقى الترديد عند الحاجة إلى التكرير والجري على ما يقتضيه هذا الشق احتضارا
واجتزاء في إفادة حكم الشق الآخر بالمقايسة على هذا الشق كما يشعر بذلك قوله (ع) أقصى دمها سبع ولا ينافيه قوله (ع) أقصى طهرها ثلاث
وعشرون لكون الثلث والعشرين أقصاه على تقدير اختيار السبع حيث إنه ربما يكون على هذا التقدير طهرها أقل من ذلك إذا كان الشهر
ناقصا فالقول بكونها مخيرة بين الست والسبع اظهر وان كان اختيارها للسبع أحوط هذا بالنظر إلى ما يفهم من المرسلة وظاهرها
بل كاد ان يكون صريحها انحصار تخييرها في خصوص العددين كما عن بعض اختياره لكن يعارضه موثقتا ابن بكير أوليهما في المرأة إذا رأت
الدم في أول حيضها فاستمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلى عشرين يوما
إلى فان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين يوما والأخرى في الجارية
أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة انها تنتظر بالصلاة فلا تصلى حتى يمضى أكثر ما يكون من الحيض فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام
فعلت ما تفعله المستحاضة ثم صلت فمكثت تصلى تقية شهرها ثم تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة وتجلس أقل
ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيام فان دام عليها الحيض صلت في وقت الصلاة التي صلت وجعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر
وتركها الصلاة أقل ما يكون من الحيض ونحوهما في المعارضة مقطوعة سماعة المتقدمة في عادة الأهل * (ويمكن) * الجواب عن المعارضات
بقصورها عن المكافئة لما ستعرف من مخالفة ظواهرها لما عليه المشهور فهي من الشواذ التي لا تصلح لمعارضة المرسلة التي كاد ان يكون العمل
بها في الجملة اجماعيا بل لا يبعد أن تكون كذلك بالنسبة إلى سائر فقراتها ويضعفه ان المعارضات أيضا مضافا إلى وثاقة سند الأوليين
منها من الاخبار المقبولة عند جل العلماء لولا كلهم حتى ادعى في محكى الخلاف الاجماع عليها غاية الأمر انه ربما يناقش كما سيأتي في كيفية
فهمهم أو مبهم للاخبار وهذا لا يوهن شيئا منها سندا حتى تضعف عن المعارضة كيف وقد رجح بعضهم هذه الأخبار والالتزام بمفادها
308

معينا كما ستعرف وقد أشرنا فيما سبق إلى أن المشهور عاملون بالجميع جمعا بين المرسلة والموثقات بناء منهم على أن ظاهرها التحيض بثلاثة
أيام من شهر وعشرة من اخر وان اختلفوا بين من خص مفاد المرسلة بخصوص السبعة بالتقريب المتقدم كما هو ظاهر المتن حيث قال
* (والأول) * يعنى القول بجعل حيضها في كل شهر سبعة أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر اظهر وبين من
وزع التخيير المستفاد من المرسلة على
النساء بحسب أمزجتهن كما عن المنتهى والنهاية وبين من خيرهن مطلقا بين عددي المرسلة والموثقات اما معينا لتقديم الثلاثة على العشرة
دائما كما عن الخلاف مدعيا عليه الوفاق أو مخيرا في ذلك كما عن جملة منهم بل عن الدروس ناسبا له إلى أشهر الروايات أو معينا لتقديم العشرة
كما عن به لكن استفادة ما استظهروه من الموثقات من التحيض بالثلاثة في شهر والعشرة من آخر في غاية الاشكال فان مقطوعة سماعة
كما صرح به شيخنا المرتضى [ره] وحكى الاعتراف به عن محشي الروضة وشارحها التخيير بين الثلاثة والعشرة وما بينهما كما عن الصدوق
والسيد اختياره * (ويؤيده) * رواية الخراز عن الكاظم عليه السلام في المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة وكم تدع الصلاة فقال
أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة وتجمع بين الصلاتين وان أبيت إلا عن ظهورهما في إرادة التحيض بخصوص الأقل والأكثر أعني الثلاثة والعشرة
دون ما بينهما فنقول ظاهرهما [ح] أيضا ليس إلا كونها مخيرة في التحيض بالثلاثة والعشرة مطلقا من كل شهر كما عن شارح الروضة اختياره
مضيفا إليهما التحيض بالسبعة لا التحيض بأحدهما في شهر وبالاخر في الاخر كما عليه المشهور واما موثقتا ابن بكير فظاهرها بل كاد ان يكون
صريح الثانية منهما تعين العشرة في الشهر الأول والثلاثة في باقي الشهور كما حكى القول به عن الإسكافي ويحتمل قويا ان يكون مراده وكذا المراد
من الروايتين بالعشرة عشرة التحيض في ابتداء الدم لكونها وظيفة المبتدئة بقاعدة الامكان ونحوها لا لكونها مستحاضة والا فحكم المستحاضة
التحيض بالثلاثة مطلقا كما عن المصنف في المعتبر تقويته ويظهر اثر الامرين في وجوب قضاء ما فاتتها من الصلاة ونحوها بعد استكشاف
كونها مستحاضة فتأمل وقد ظهر لك انه ليس في شئ من هذه الأخبار اشعار بما عليه المشهور فضلا عن الدلالة اللهم الا ان يقال إنه يستفاد
من مقطوعة سماعة التي ادعى في محكى المنتهى ان الأصحاب تلقوها بالقبول جواز التحيض بأقل الحيض وأكثره في الجملة وليس لها اطلاق يمكن
التمسك به لاطلاق تخييرها بين العددين في كل شهر شهر والقدر المتيقن انما هو الاخذ بأحد العددين في شهر وبالاخر في الاخر فلا يجوز
التخطي عنه لكونه من قبيل دوران الامر بين التعيين والتخيير فلا يحصل القطع بالفراغ الا بالعمل بما عليه المشهور وهو لا يخلو من نظر وكان
من زعم تعين التحيض في الشهر الأول بالثلاثة وفي الثاني بالعشرة نظر إلى هذه القاعدة والا فليس في الرواية دلالة عليه كما أن من زعم تعين
العكس استفادة من الموثقتين الآمرتين بان تتحيض في الشهر الأول عشرة وفيما عداه ثلاثة ولا يبعد ان يكون النزاع بينهما لفظيا بتعميم الكلام
لعشرة التحيض في ابتداء الدم وعدمه وكيف كان فلا يخفى عليك ان للتأمل في جميع مقدمات هذه الأقوال مجالا لكن لا مجال للتأمل في جواز
العمل بما عليه المشهور فالوقوف على ما هم عليه أحوط فان مقتضى الانصاف ظهور مضمرة سماعة ورواية خراز في كونها مخيرة بين التحيض بأقل
الحيض وأكثره وما بينهما ما ربما يستأنس بذلك من الترديد الواقع في مرسلة يونس فيكون الروايتان شاهدتين على أن الامر بتحيضها ستا
أو سبعا وكونه سنة مجعولة في حقها وكذا الامر في الموثقتين بجلوسها في كل شهر أقل ما يكون من الطمث انما هو لكونها أفضل افراد الواجب
المخير ولا منافاة بين كون ما في الموثقتين أفضل الافراد وكون ما في المرسلة أيضا كذلك باعتبار اختلاف جهات الفضل إذ لا شبهة في أنه
بملاحظة عدم تعين حيضها في الواقع وكون تحيضها تكليفا ظاهريا بدلا من الواقع عند المخالفة اقتصارها على ما يرتفع به الحاجة في ترك
العبادات كي لا يفوتها مصلحة التكاليف على تقدير ثبوتها في الواقع أولى وكذا اختيار الست أو السبع بملاحظة كونهما الغالب في عادة النساء
من غيرهما من الاعداد وان أبيت إلا عن عدم امكان الجمع فالترجيح مع مرسلة يونس الشهرة العمل بمضمونها من دون تصرف وتأويل وسلامتها
عن شوب الاهمال والاجمال وعلى تقدير التكافؤ فالحكم التخيير في الاخذ بكل من المتعارضات وهل التخيير للمفتي عند افتائه أو عليه ان
يخبر المقلد في الاخذ بمضمونها وجهان أوجههما الثاني كما تحقق في الأصول وقد اتضح لك ان الأقوى ما حكى عن الصدوق والسيد من
التخيير بين الثلاثة والعشرة وما بينهما مطلقا وان اختيارها للسبعة أحوط وأحوط منه التحيض بالثلاثة والجمع بين تروك الحائض و
فعال المستحاضة إلى العاشر وحيث اتضح ذلك لا يهمنا الإطالة في استقصاء ما في المسألة من الأقوال وبيان ما فيها من الضعف ثم إن
الظاهر عدم اختصاص الحكم المذكور بالمبتدئة بالمعنى الأخص بل هو عام في كل من لم يستقر لها عادة لما عرفت من عموم ما يستفاد من
مرسلة يونس بالنسبة إلى الجميع واختصاص مورد ما عداها من الاخبار بالأولى ليس إلا كتخصيص الحكم بها في المرسلة من حيث اخذها عنوانا
للموضوع والا فالمناط في الجميع بحسب الظاهر ليس إلا فقد العادة وانتفاء التميز بل يمكن استفادة ذلك من قوله (ع) في ذيل المرسلة عند بيان
حكم من لم يستقر لها عادة من أن سنتها السبع والثلاث والعشرون لان قصتها قصة خمسة بعد أن مثل للمبتدئة بالمعنى الأخص بجملة
وعلم بمقتضى سائر الروايات انها كان لها الخيار ومع ذلك كله لا ينبغي لغير المبتدئة بالمعنى الأخص ترك الاحتياط بالتخطي عما يفهم من
309

مرسلة يونس التي أوضحنا في محله عمومها والله العالم * (وهل) * تتخير في العدد بين وضعه فيما تشاء من الشهر كما عن جماعة بل في الحدائق نسبته إلى
الأصحاب أم يتعين عليها وضعه في أول الشهر كما عن التذكرة وكاشف اللثام وبعض آخر قولان والحق انه ان أراد القائل بتعين كونه في أول
الشهر انه يجب عليها التحيص من أول كل دورة بان تتحيض في الدورة الثانية مثلا بعد أن انقضى من يوم رأت الدم المستمر شهر فلا يخلو من وجه بل
هذا هو المتجه وان أراد من أول الشهر ما كان أوله من عند رؤية الهلال فلا دليل عليه بل ربما يمتنع ذلك كما لو كان ابتداء رؤيتها للدم في أواخر
الشهر الأول بحيث لا يتخلل بين أقل الحيض منه ومن أول الشهر الثاني بأقل الطهر فان الأظهر بل المتيقن انه يجب عليها في أول الرؤية ان تتحيض
إلى العاشر كما يدل عليه مضافا إلى الاجماع وقاعدة الامكان النصوص الكثيرة التي منها موثقتا ابن بكير المتقدمتان ثم إنه بعد أن تجاوز دمها
العاشر فان صادف المتجاوز عادة أو امارة مرشدة إلى كون المتجاوز حيضا كشف ذلك عن عدم كون ما تحيض به حيضا وإلا فلا مقتضى لرفع
اليد عما ثبت عليها بمقتضى تكليفها الظاهري حيث لم ينكشف خلافه بل الأدلة قاضية بخلافه فإنها انها تصير مستحاضة بعد أن تجاوز دمها العاشر
[و ح] تندرج في موضوع قوله (ع) تحيضي في كل شهر ستا أو سبعا إذ لم يكن سؤال خمسة بالنسبة إلى العشرة الأولى وانما سئلت عن حكمها بعد أن
استمر بها الدم على لون واحد وصارت مستحاضة واما موثقتا ابن بكير فهما صريحتان في أنها تترك الصلاة من أول ما رأت الدم عشرة
أيام ثم تصلى عشرين يوما كما في الموثقة الأولى وبقية شهرها كما في الثانية وليس المراد من شهرها الا الشهر الذي أوله من يوم رأت
الدم فينطبق على الموثقة الأولى ثم تترك الصلاة ثلاثة أيام بمقتضى هاتين الموثقتين وليس في شئ منهما ولا في غيرهما من الاخبار
اشعار فضلا عن الدلالة بان العشرة الأولى التي جلست فيها عن الصلاة لم تكن حائضا وان لها رفع اليد عما بنت عليها وجعل
حيضها فيما عداها من بقية الشهر وعلى تقدير عموم حكم المستحاضة بالنسبة إلى العشرة الأولى فلا معنى له الا ان لها الخيار في أن تختار
العدد من العشرة التي تحيض بها لا ان لها رفع اليد وجعل حيضها فيما عداها كيف والا لجاز لها ترك العبادات من الصلاة والصوم
في جميع الشهر بأن تتحيض أياما ثم ترفع اليد عنها وتجعل حيضها فيما عداها وهكذا إلى أن ينقضي شهرها وهو واضح الضعف مخالف لظواهر
جميع النصوص بل صريحها وقد سمعت التنصيص في الموثقتين على أنها تترك الصلاة في العشرة الأولى ثم تصلى بقية شهرها ثم تترك الصلاة
في ابتداء الشهر الثاني فيعرف من ذلك أن ابتداء حيضها من الشهر الأول أيضا لم يكن الا من أول ما رأت الدم فعلى تقدير عموم احكام
المستحاضة له ليس لها الا اختيار العدد من أول الشهر وبهذا يقيد اطلاق مرسلة يونس الامرة بتحيضها في كل شهر ستا أو سبعا لو لم نقل بانصرافها
إلى ذلك أي اختيار حيضها من أول الدورة وطهرها عقيبه هذا مع امكان دعوى ورود المرسلة ونحوها لبيان حكم آخر فليس لها ظهور في
الاطلاق فظهر لك مما ذكرنا ضعف القول بان لها الخيار في وضع حيضها متى شاءت واضعف منه توهم ان لها رفع اليد بعد تحيضها
خصوصا بعد انقضاء جميع المدة التي لم يبق عنده الامر بالتحيض لحصول الامتثال وحيث إن الأقوى هو القول بالتعيين فلا مجال للنزاع
في وجوب موافقة الشهر الثاني للشهر الأول في الوقت كما عن جماعة التصريح به وعدمه كما عن بعض احتماله وعن اخر ترجيحه كمالا يخفى ثم إن
مقتضى اطلاق الأدلة تخييرها في العدد في جميع الأدوار لا في خصوص الدورة الأولى نعم لو حكمنا بالتخيير لأجل تكافؤ الاخبار لا للجمع بينها
فربما يقال بأنه عند العمل ببعضها يرتفع التخيير فيختص بالدورة الأولى لكن فيه كلام تنقيحه في محله والله العالم
وذات العادة تجعل عادتها
حيضا إذا استمر بها الدم مجاوزا للعشرة ولم يعارضها تميز نصوصا واجماعا كما في الجواهر دعواه تحصيلا ونقلا عن المعتبر والمنتهى وغيرهما
وما سواء استحاضة حتى أيام الاستظهار كما تقدم تحقيقه فيما سبق فان اجتمع لها مع العادة تمييز وكانا متعارضين بان اقتضت حيضية
كل منهما نفى الاخر قيل كما عن المشهور تعمل على العادة وقيل على التميز كما عن ظاهر الخلاف والمبسوط وقيل بالتخيير كما عن ظاهر الوسيلة و
الأول أظهر بل هو المتعين كما عرفت فيما تقدم من أن الأوصاف انما يعتنى بها عند انتفاء العادة كما ورد التنصيص عليه في مرسلة يونس
الطويلة وما يقال وجها للتخيير من الجمع بين ما دل على الرجوع إلى العادة مطلقا وما دل على اعتبار الأوصاف كذلك يدفعه حكومة بعض الأخبار
الدالة على الرجوع إلى العادة على غيرها كمرسلة يونس ومصححة بن جرير الواردة في بيان أوصاف الحيض المصرحتين يتأخر مرتبة
الرجوع إلى الأوصاف عن الرجوع إلى العادة بل يستفاد من المرسلة انه لو فرض امكان كون كل من واجد التميز ومصادف العادة حيضة
مستقلة ولم يكن بينهما معارضة بان تخلل بينهما الفصل بأقل الطهر لا يلتفت أيضا إلى واجد الصفة بل يحكم بأنه استحاضة لما فيها من التصريح
بان سنتها ليست الا ترك الصلاة أيام أقرائها ولا تلتفت إلى اقبال الدم وادباره ومعرفة ألوانه الا إذا لم يكن لها أيام معلومة وكذا
يستفاد منها ومن غيرها أيضا ان وجه تقديم العادة على الأوصاف كونها أقوى الامارات فان الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض
كلما فإذا عرفت أيامها لا تعتني بأوصاف الدم فلا فرق بين ما إذا عرفت أيامها تفصيلا وقتا وعددا بان استقرت عادتها من حيث الوقت
والعدد أو عرفتها من حيث الوقت فقط أو العدد كذلك فإنها تعرف في الأول إذا كانت عادتها في أول كل شهر مثلا ان الصفرة والكدرة
310

في عدة أيام من أول الشهر اما أقل الحيض أو القدر الجامع بين أقرائها حيض كلها اما من حيث تعيين العدد فهي محتاجة إلى معرفة ألوان
الدم فحكمها من هذه الجهة حكم ناسية العدد التي حكمها الرجوع إلى التميز في تعينيه كما ستعرف وكذا إذا استقر لها العادة من حيث
العدد دون الوقت فهي تعرف اجمالا ان حيضها في كل شهر بهذا العدد فعليها ان تتحيض بذلك المقدار سواء ساعد عليه الأوصاف
أم لم يساعد ومن حيث تعيين الوقت حكمها حكم المتحيرة في الرجوع إلى الأوصاف وغيره فما عن بعض من الاستشكال في رجوع ذات
العادة الوقتية إلى وقتها وعدم التفاتها إلى التميز نظرا إلى ظهور الاخبار في إرادة ما عداها ليس بشئ بل المتبادر من جملة من اخبارها
ليس إلا إرادة الامر بترك الصلاة في الوقت المعهود ولذا لم تفهم المرأة التي سئلت أبا عبد الله (ع) في
صحيحة إسحاق بن جرير المتقدمة
في بيان أوصاف الحيض من قول الإمام (ع) تجلس أيام حيضها الا إرادة ذلك فقالت له ان أيام حيضها تختلف عليها وكان يتقدم
الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك فما علمها به قال (ع) دم الحيض ليس به خفاء الحديث فارجعها الإمام (ع) عند اختلاف
وقتها إلى تشخيص حيضها بالأوصاف لكن ليس لها الاتكال على الأوصاف كلية ورفع اليد عن عادتها من حيث العدد لو كان لها
عادة عددا كما قد يترائى من هذه الصحيحة لما ثبت نصا واجماعا من أن العادة تستقر برؤية الدم عدة أيام سواء من شهرين وما زاد
وانه إذا استمر بها الدم ترجع إلى عادتها عند استقرارها فإنما تعتني بالأوصاف من الحيثية التي ليس لها عادة وعليها ينزل اطلاق
الصحيحة جمعا وقد تقدم شطر من الكلام مما يوضح المقام عند التكلم في صيرورة المرأة ذات العادة برؤية الدم مرتين فراجع
وهيهنا
مسائل ينبغي التعرض لها الأولى إذا كانت عادتها مستقرة عددا ووقتا فرأت ذلك العدد متقدما على ذلك الوقت أو متأخرا عنه
تحيضت به والغت الوقت لان العادة بالعدد تتقدم وتتأخر بل
وكذلك لو رأت غير ذلك العدد قبل الوقت أو بعده وأمكن ان يكون
ما رأته حيضا ألغت الوقت نصا واجماعا كما عرفت نقله من المصنف وغيره عند التكلم في قاعدة الامكان ويدل عليه بالخصوص في الجملة
مضمرة سماعة قال سئلته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها قال فلتدع الصلاة فإنه ربما تعجل بها الوقت وما عن الشيخ في المبسوط
من أنه قال متى استقر لها عادة ثم تقدمها الحيض بيوم أو يومين أو تأخر بيوم أو يومين حكمت بأنه من الحيض وان تقدم بأكثر من ذلك
أو تأخر بمثل ذلك إلى تمام العشرة أيام حكم أيضا انه من الحيض فان زاد من على العشرة لم يحكم بذلك لا ينافي ذلك إذ الظاهر أن مراده ما إذا
كانت العادة في خلال ما رأته وكيف كان فلا اشكال في الحكم مذكور سواء كان ما رأته بصفة دم الحيض أو لم يكن كما عرفت تحقيقه فيما
سبق نعم ربما يستشكل فيما لو تحققت المعارضة بين العادتين بان رأت ذلك العدد في غير وقتها وفي وقتها بغير ذلك العدد وأمكن كون
كل منهما حيضا لا كليهما إذ لم يثبت ترجيح احدى العادتين على الأخرى وما يقال من أن العادة بالعدد أولى بالاعتبار مما لا دليل عليه
يعتد به بل الأظهر هو الحكم بحيضية المتقدم بالتقريب الذي تقدم توضيحه فيما لو رأت دمين بصفة الحيض ولم يتخلل بينما أقل الطهر
والله العالم * (وهل) * تتحيض برؤية الدم قبل وقتها أو عليها التربص إلى ثلاثة أيام حتى يستقر حيضها أو يفصل بين ما هو بصفة الحيض
وبين غيره وجوه أوجهها الأول كما سبق تحقيقه في حكم المبتدئة
* (المسألة الثانية) * إذا رأت دما قبل العادة وفي العادة فإن لم يتجاوز
المجموع العشرة فالكل حيض بلا خلاف فيه على الظاهر كما عرفته في مبحث الحيض واما ان تجاوز جعلت العادة خاصة حيضا وكان ما تقدمها
استحاضة لما عرفت من أنه لا سنة لذات العادة الا ترك الصلاة أيام أقرائها من دون فرق بين ما لو عارضها تميز أم لم يعارض و
كذا لو رأت في وقت العادة وبعدها فالجميع حيض إن لم يتجاوز العشرة والا فالعادة حيض وما بعدها استحاضة ولو رأت قبل العادة
وفي العادة وبعدها فإن لم يتجاوز العشرة فالجميع حيض وان زاد على العشرة فالحيض العادة والطرفان استحاضة بلا اشكال في شئ
من هذه الفروع كما عرفت تحقيقها غير مره والله العالم
الثالثة لو كانت عادتها في كل شهر مرة واحدة عددا معينا تعين الوقت مع ذلك
أم لا فرأت في شهر مرتين بعدد أيام العادة وتخلل بينهما أقل الطهر كان ذلك حيضا بل وكذا لو جاء في كل مرة أو في إحديهما أقل أو أزيد
من العادة لكان كل منهما حيضا إذا لم ينقص عن الثلاثة ولم يتجاوز العشرة فان تجاوز العشرة تحيضت بقدر عادتها وكان الباقي
استحاضة بلا اشكال في شئ منها كما عرفت وجهها مرارا لكن ربما يتأمل في رجوعها إلى عادتها عددا على تقدير كون وقتها مضبوطا
فيما رأته على خلاف العادة فإنه ربما يتخيل كونها بالنسبة إلى هذا الدم بحكم المبتدئة والاحتياط مما لا ينبغي تركه وان كان الأول لا يخلو
من قوة نظرا إلى اطلاق النصوص والفتاوى في رجوع ذات العادة إلى عادتها خصوصا بعد التأمل في أن من حكم المبتدئة الرجوع
إلى عادة نسائها ضرورة عدم قصور عادتها عن عادة نسائها من حيث الكاشفية فليتأمل
والمضطربة العادة الناسية لها وقتا
وعددا فلم تحفظ شيئا منهما ترجع إلى التمييز فتعمل عليه من غير نقل خلاف فيه بل ولا اشكال فيه في الجملة لما في رواية السنن من التنصيص
على حكمها لكنك عرفت عند التكلم في مفادها التأمل في إرادة الناسية بهذا المعنى منها بل امكان دعوى ظهورها في إرادة من ذهبت
311

عادتها بطول المدة من الناسية الا انه لا تأمل في استفادة حكمها منها وان تكليفها الرجوع إلى أوصاف الدم لدلالتها على انحصار
احكام المستحاضة في السنن الثلاث وقد تعذر رجوعها إلى عادتها فتعين احدى الاخر بين وقد تحقق في محله ان الرجوع إلى أوصاف
الدم مقدم على الرجوع إلى السنة الثالثة وانما ترجع إليها عند فقد التميز وكيف كان فهذا اجمالا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال
فيما لو ذكرت اجمالا ان عادتها المنسية وقتا وعددا لم تكن في كل شهر أزيد من مرة فرأت بصفة الحيض مرتين أو ثلث وأمكن كون
كل منها حيضا فان مقتضى اطلاق كلماتهم بل كاد ان يكون صريحا التحيض عند واجد الصفة مطلقا وهذا مع أنها تعلم من عادتها
اجمالا ان حيضها لا يكون كذلك في غاية الاشكال بل يمكن ان يقال إنه يفهم من مرسلة يونس وغيرها خلافه فان المتأمل فيها لا
يكاد يشك في أنها انما ترجع إلى أوصاف الدم من الجهة التي لا تعرف حيضها من حيث العادة كما هو شأنها عند
نسيانها أحد الامرين
من الوقت كما ستعرف والمفروض انها عرفت من عادتها ان حيضها لا يكون في شهر أزيد من مرة * (ولعل) * اطلاق الأصحاب منزل على غير
هذا الفرض وان كان بعيدا والله العالم ثم إن مقتضى ظاهر المتن كصريح غيره ان المراد بالمضطربة أعم من الناسية للوقت والعدد
أو الناسية لأحدهما ومن هنا ربما يستشكل في اطلاق الحكم برجوعها إلى التميز وعملها عليه إذ لا يستقيم ذلك عند مخالفة التميز لما ذكرتها
من عادتها عددا عند نسيانها الوقت أو الوقت عند نسيانها العدد ولذا التجأ بعض إلى تفسير مراده برجوعها إلى التميز إذا طابق
تمييزها العادة بقرينة ما ذكره من ترجيح العادة على التمييز واعترضه في المدارك بأنه لا يظهر لاعتبار التمييز [ح] فائدة قال ويمكن ان
يقال باعتبار التمييز في طرف المنسي خاصة أو تخصيص المضطربة بالناسية للوقت والعدد ولعل هذا أولى انتهى وفي الجواهر بعد
نقل عبارة المدارك قال لكن ينافيه تقسيم المصنف بعد ذلك المضطربة عند فقد التميز إلى الأقسام الثلاثة انتهى * (أقول) * فالأظهر ارادتها
بمعناها الأعم واعتبار التميز في طرف المنسي خاصة ففائدته تعين وقت حيضها من ذلك الشهر عند موافقته للعدد المعلوم وتعين العدد
المنسي في الوقت المعين فالمراد من اطلاق القول برجوع الناسية إلى التميز انما هو رجوعها إليه من حيث كونها ناسية فلو ذكرت عادتها
من بعض الجهات والخصوصيات لا تعتني بأوصاف الدم من تلك الجهة وكيف كان فهذا هو الأظهر بالنظر إلى ما يستفاد من مرسلة يونس
الحاصرة لاحكام المستحاضة في السنن الثلث فإنها وان انصرفت عن جملة من افراد المستحاضة الا انه يعرف حكم جميعها بالتدبر فيها فإنه (ع)
بين فيها على ما نص عليه في الرواية جميع احكام المستحاضة لمن عقلها وفهمها وبين فيها كيفية الاستفادة والتدبر في كلماتهم عليهم السلام وقد
أشرنا عند نقلها إلى أنه يستفاد منها بقرينة بعض فقراتها وما فيها من التعليلات وكونها مسوقة لبيان احكام المستحاضة على وجه العموم
بحيث لم يدع لاحد فيها مقالا بالرأي ان السنن الثلث التي سنها النبي () انما هي احكام عامة مجعولة لجميع افراد المستحاضة على سبيل
الترتب بمعنى ان تكليف المستحاضة مطلقا أولا الاخذ بعادتها في تشخيص حيضها مهما أمكن لكونها أقوى الامارات وعند التعذر
اما لفقد العادة أو نسيانها حكمها الرجوع إلى الأوصاف وعند الامتناع تكليفها التحيض بستة أيام أو سبعة فيكون الرجوع إلى العادة
بمنزلة رجوع المجتهد إلى الامارات المنصوبة من قبل الشارع بالخصوص والرجوع إلى الأوصاف بمنزلة الظن المطلق الثابت اعتباره
بدليل الانسداد والرجوع إلى الروايات بمنزلة الأصول العملية المجعولة للمتحير ولو تأملت في الرواية حق التأمل لوجدتها كالصريحة
في إفادة ما ادعيناه فيفهم منها انه لا يجوز العدول عن كل مرتبة إلى لا حقها الا إذا تعذر في حقها الرجوع إلى سابقتها بالمقدار
المتعذر كما هو الشأن في العمل بالامارات المترتبة والحاصل ان الاحكام المستفادة من المرسلة انما هي احكام عامة منزلة على الجهات
بإلغاء الخصوصيات وإلا فلا يمكن استفادة جميع احكام المستحاضة منها بل يبقى للرأي مجال في جملة من فروعها وهو خلاف ما صرح به في الرواية
وكيف كان فرجوعها إلى التمييز مطلقا في تشخيص حيضها في الجهة التي يطلق عليها الناسية بملاحظتها أوفق بظاهر النص وفتاوى الأصحاب
والله العالم
* (تنبيه) * لو قصر واجد الصفة عن عددها المعلوم أو زاد عليها فليس لها رفع اليد عنها بالمرة وجعل حيضها فيما
عداه على الأظهر فعليها تكميل عددها من الفاقد في صورة النقيصة واختيار ذلك العدد من الواجد عند الزيادة كما عرفت تحقيقه في
حكم المبتدئة التي حكمها الرجوع إلى التميز ثم لا يخفى عليك انه لا يعقل كونها ذاكره للوقت تفصيلا ناسية لعددها وانما المتصور كونها
عارفة بوقتها في الجملة اما أوله أواخره أو وسطه أو شئ منه على سبيل الاجمال وقد تقدمت الإشارة إلى أنها بالنسبة إلى القدر المتيقن من
عادتها تتحيض مطلقا سواء كان الدم بصفة الحيض أم لا فهي متحيرة في امرها بالنسبة إلى أوقاتها المشكوكة التي تحتمل كونها من عادتها
وبهذه الملاحظة يطلق عليها الناسية والمضطربة وانما ترجع إلى التميز وتعمل عليها في هذه الأوقات لا في الأوقات التي تعلم بدخولها
في عادتها أو خروجها منها ولا تترك هذه المرأة المتحيرة التي وظيفتها الرجوع إلى التمييز إذا وجدت الدم بأوصاف الحيض الصلاة الا بعد
استقرار حيضها اما بسبق حيض محقق كما لو كانت ذاكرة الأول وقتها تحيرت لنسيانها العدد أو بمضي ثلاثة أيام كغيرها من أقسام المتحيرة
312

على الأحوط وان كان الأظهر ان لها التحيض عند وجود التميز مطلقا هذا لو لم نقل بحرمة العبادة عليها ذاتا والا فالأحوط بل الأقوى
وجوب الترك إذا رأت الدم بصفة الحيض لاطلاق الامر بترك الصلاة عند اتصاف الدم بأوصاف الحيض في الأخبار الدالة على اعتبار
الأوصاف الامرة بالرجوع إليها ففي صحيحة معاوية بن عمار قال (ع) فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة * (وفي) * مرسلة يونس
حاكيا عن رسول الله صلى الله عليه وآله في قضية فاطمة بنت أبي حبيش انه صلى الله عليه وآله قال لها فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت الحيضة فاغسلي
عنك الدم وصلى وقد نبه الصادق (ع) على أنه انما يعرف اقبال الحيضة من ادبارها بتغير ألوان الدم وذلك أن دم الحيض اسود يعرف وفي
المرسلة أيضا حاكيا عن أبيه (ع) أنه قال للمستحاضة إذا رأيت الدم البحراني فدعى الصلاة ويستفاد المطلوب من سائر فقراتها أيضا كما
لا يخفى على المتأمل فان فقدت التمييز بان استمر بها الدم على نهج واحد أو اختلف لكن لا على وجه يمكن جعل بعضها حيضا دون بعض
فهيهنا مسائل ثلث الأولى لو ذكرت العدد ونسيت الوقت فلم تذكر منه شيئا لا تفصيلا ولا اجمالا بان كان العدد
المحفوظ ضالا في
جملة عدد لا يزيد ذلك المحفوظ على نصف ما وقع الضلال فيه ففيه أقوال قيل كما عن الشيخ في المبسوط بوجوب الاحتياط بان تعمل في
الزمان الذي وقع الضلال فيه كله ما تعمله المستحاضة وتترك جميع ما يجب على الحائض تركه كالوطي واللبث في المساجد وقراءة العزائم
وتغتسل للحيض في كل وقت تحتمل انقطاع دم الحيض فيه وتقضى صوم عادتها بعد ارتفاع الشبهة للعلم الاجمالي بصيرورتها حائضا و
مستحاضة واختلاط كل منهما بالاخر فعليها الاتيان بما وجب عليهما فعلا وتركا ما دام لاشتباه من باب المقدمة * (ونوقش) * فيه أولا
باستلزام الاحتياط الجرح والضرر المنفيين في الشريعة وثانيا بمنع وجوب الاحتياط عند اشتباه المكلف به في الأمور التدريجية نظرا
إلى عدم ابتلاء المكلف بجميع أطراف الشبهة فعلا دفعه واحدة وقد تقرر في محله ان من شرط تأثير العلم الاجمالي في تنجيز الخطاب بالواقع المردد
كون أطراف الشبهة مورد الابتلاء المكلف بالفعل ويتوجه عليه بعد تسليم استلزام الاحتياط الضرر والحرج ان ما دل على نفيهما في
الشريعة من الكتاب والسنة لا يدل الا على ارتفاع كل حكم يلزم منه الحرج ولو بملاحظة الغالب على تأمل فيه بل منع ومقتضاه ليس إلا
رفع ايجاب الاحتياط في غسل الحيض مثلا لو كان فيه ضرر أو حرج لا الترخيص في قراءة العزائم أو اللبث في المساجد ونحوهما ممالا يستلزم
الاحتياط فيهما ضررا أو حرجا ودعوى أن ايجاب الاحتياط عليها بتروك الحايض واعمال المستحاضة على اجماله حكم حرجي أو ضرري فهو
منفى في الشريعة مما لا ينبغي الاصغاء إليها إذ ليس تروك الحايض واعمال المستحاضة بعنوانها الاجمالي عنوانا للموضوع الحاكم بوجوبه
العقل حتى ينفيه أدلة نفى الحرج والضرر وانما العقل حاكم بوجوب الخروج من عهدة كل واحد واحد من التكاليف المعلومة بالاجمال
فلو نفى دليل نفى الحرج والضرر وجوب الاحتياط بالنسبة إلى شئ منها يبقى حكمه بالنسبة إلى الباقي بحاله واما منع حكومة العقل بوجوب
الاحتياط في التكليف المردد بين مشتبهات متدرجة في الوجود فقد مر تضعيفه في الشبهة المحصورة وأوضحنا عدم الفرق بين ما لو
كان الابتلاء بأطراف الشبهة دفعة أو تدريجا وبينا ما هو المناط في الابتلاء وعدمه المؤثرين في تأثير العلم وعدمه * (فراجع) * وكيف كان
فإنما يمكن الالتزام بمقالة الشيخ لو لم نقل بحرمة العبادات عليها ذاتا وإلا فلا مجال للاحتياط بالنسبة إلى عباداتها الواجبة
لدوران الامر فيها بين المحذورين فمقتضى الأصل فيها التخيير ما لم يكن أحد الاحتمالين أرجح أو أهم والا فالأخذ به متعين واما العبادات
المستحبة كسائر المحرمات فيجب عليها تركها احتياطا هذا هو الذي يقتضيه الأصول العملية وحيث إن
الأظهر لدينا حرمة الصلاة عليها
ذاتا فالأصل يقتضى في الواجبات منها كونها مخيرة بين الفعل اخذا باحتمال كونها طاهرة والترك بملاحظة احتمال كونها حايضا و
قد تقرر في محله ان التخيير الناشئ من حكم العقل عند دوران الامر بين المحذورين هو التخيير الاستمراري فمقتضاه كونها مخيرة في تمام
الشهر بين فعل الصلاة وتركها لان كل يوم يوم مثلا بنظر العقل موضوع مستقل امرها دائر فيه بين المحذورين غاية الأمر انها
لو اختارت الترك في الجميع عليها تدارك ما فات منها من العبادات بعد أن طهرت لكنك خبير بان جواز الترك في جميع المدة مخالف
للاجماع بل الضرورة بل التفكيك بين الأيام بان تترك يوما وتصلى ويوما أيضا كذلك فليس لها الا اختيار الترك في جميع الشهر بقدر
عادتها من دون تفكيك بين أيامها بل التخيير الذي يحكم به العقل في مثل المقام لا يمكن ان يكون استمراريا لأنا لو لم نقل بكونها مكلفة
في مرحلة الظاهر كالمبتدئة ومن لم يستقر لها عادة من حيث الوقت بان تتحيض أياما وتصلى فيما عداها كما ستعرف قوته فلا أقل من
احتماله فعلى هذا لا يحكم العقل بالتخيير الا ابتداء فإنها إذا اختارت الترك في اليوم الأول من الشهر مثلا ففي اليوم الثاني يرتفع التحير
الذي هو موضوع حكم العقل بالتخيير لان امرها في ما بعد يدور بين التعيين والتخيير فان الترك فيه جائز قطعا اما لكونها مخيرة بين
الامرين أو لكون اختياره متعينا في حقها في مرحلة الظاهر فلا يستقل العقل [ح] بالتخيير بل يتعين عليها الترك إلى أن تنقضى أيامها
فيعكس الامر كما أنه لو اختارت ترك الحيض من أول الشهر إلى أن لا يبقى منه الا عدد أيامها يتعين عليها التحيض فيما بقي لما عرفت
313

من دوران ان الامر بالنسبة إليها بين التعيين والتخيير فلا يحكم العقل الا بالاتيان بالمعين لقاعدة الاشتغال فاتضح لك ضعف القول
المحكى عن الشيخ من وجوب الاحتياط مضافا إلى ابتنائه على عدم استفادة حكم المسألة من الاخبار وستعرف خلافه والأظهر ما
عن الأكثر بل عن المشهور من أنها ترجع إلى عادتها فتتحيض بعددها مخيرة في وضعها من الشهر حيث شاءت ويدل عليه مضافا إلى
موافقته في الجملة للقواعد كما عرفته مفصلا ما يستفاد من مرسلة يونس وغيرها من أنه ليس لذات العادة رفع اليد عنها بل عليها
الرجوع إليها مطلقا ولو من حيث تعيين العدد فلو كان عادتها خمسا وجب عليها التحيض بالخمس لا أقل منها ولا أكثر ففي مرسلة يونس
قال (ع) في تفسير قول رسول الله صلى الله عليه وآله لحسنة بنت جحش تحيضي في كل شهر في علم الله ستة أو سبعة الا ترى ان أيامها لو كانت أقل من سبع و
كانت خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها تحيضي سبعا فيكون قد امرها بترك الصلاة أياما وهي مستحاضة غير حائض وكذلك لو كان حيضها
أكثر من سبع وكانت أيامها عشرا أو أكثر لم يأمرها بالصلاة وهي حائض ثم مما يزيد هذا بيانا قوله صلى الله عليه وآله تحيضي وليس يكون التحيض الا
للمرأة التي تريد أن تكلف ما تعمل الحايض الا تراه لم يقل لها أياما معلومة تحيضي أيام حيضك ومما يبين هذا قوله صلى الله عليه وآله في علم الله [الخ] فإنه
كاد ان يكون صريحا في أنه لو كان لحيضها عدد معلوم كان يأمرها بان تتحيض في علم الله بذلك العدد كما أنه لو كان وقتها مضبوطا كان
يأمرها بترك الصلاة في ذلك الوقت المعين ولم يكن يقول لها تحيضي في علم الله بذلك العدد ويؤيد ذلك ما أشرنا إليه مرارا من أن
الاحكام المستفادة من المرسلة احكام عامة منزلة على الجهات بإلغاء الخصوصيات وإلا فلا يمكن استفادة جميع احكام المستحاضة منها
وهو خلاف ما نص عليه في الرواية ومقتضاه رجوع ذات العادة إلى عادتها من حيث كونها ذات العادة ومن سائر الجهات التي لم
يستقر لها عادة أو تعذر الرجوع إليها لنسيانها تعمل على التمييز وان تعذر في حقها ذلك أيضا تتحيض في مرحلة الظاهر في كل شهر بعدد
أيامها كما أنه لو لم يكن لها أيام معلومة تتحيض ستة أو سبعة على ما في هذه الرواية * (وكيف) * كان فعدم وجوب الاحتياط عليها مما لا ينبغي
الارتياب فيه بل يمكن استفادته أيضا من فحوى عدم وجوبه على المتحيرة التي لم تذكر شيئا من وقتها وعددها فان ذكر العدد لا يوجب
زيادة التكليف قطعا كما أنه يمكن استفادته من حكم ذات العادة العددية التي لم يستقر لها عادة بدعوى القطع بعدم الفرق بينهما فيما هو
منا التكليف لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في مراعاة الظن بجعل عددها المعلوم فيما يظن كونه وقتا لحيضها بل القول بتعين ذلك كما
عن الذكرى والبيان حيث قيد فيهما كونها مخيرة في وضع عددها في أي وقت شاءت من الشهر بعدم الامارة المفيدة للظن بموضع خاص
لا يخلو من قوة لان الحكم بكونها مخيرة ان كان من باب حكومة العقل نظرا إلى أن الأوقات نسبتها إلى عادتها المنسية على حد سواء وحيث
لم يوجب الشارع عليها الاحتياط ولم يقطع النظر عن الواقع فهي مخيرة بحكم العقل فهذا عند انتفاء الظن واما مع وجوده فالأخذ بالمظنون
متعين عقلا وان كان من الاخبار ففي استفادته منها تأمل وعلى تقدير دلالة الاخبار على التخيير فيمكن ان يقال إن مفادها كونها مخيرة
لأجل كونها متحيرة في امرها فيكون التخيير المستفاد منها مساوقا للتخيير الذي يحكم به العقل هذا مع امكان استفادة اعتبار الأمارات الظنية
من الاخبار كما تقدمت الإشارة إليه غير مرة * (نعم) * لا اعتبار بعادة الأهل في المقام لعدم الدليل عليه اللهم ان يظن منها بعادتها
فيكون حالها حال غيرها من الأمارات الظنية التي تقدم الكلام فيها والأولى عند فقد الأمارات الظنية اختيار حيضها من أول
الدورة لو ذكرته بل في كشف اللثام الأقوى التخصيص بالأول لما مر يعنى في المبتدئة حيث قوى فيها ذلك من دون فرق بين ما لو ظن
بخلافه أم لا وقد عرفت فيما تقدم قوته بالنسبة إلى المبتدئة لكنك خبير باختصاص الأدلة المتقدمة بما تقدم اللهم الا ان يقال إن الاخبار
وان كانت منصرفة عن الناسية لكن لما كان المتعين تحيضها في ابتداء رؤية الدم إلى العشرة يتعين عليها جعل حيضها من جملة العشرة
إذ لا دليل على جواز تحيضها ثانيا بعد انكشاف امرها وصيرورتها مستحاضة بل الأدلة قاضية بخلافه كما أشرنا إليه في المبتدئة وإذا
تعين عليها ذلك في الدور الأول يتبعه سائر الأدوار لما يستفاد من جملة من الاخبار من وجوب جعل المستحاضة حيضها قبل طهرها
ومما يؤيد ذلك أن مقتضى تخييرها مطلقا جواز اختيار حيضها في شهر من أواخرها ومن شهر اخر من أوائلها من دون ان يتخلل بينهما الفصل
بأقل الطهر وهو واضح الضعف مخالف لما يستفاد من النصوص والفتاوى فلتأمل وكيف كان فتخصيصها بالأول لو لم يكن أقوى فلا شبهه
في أنه أحوط ما لم يظن بكون عادتها المنسية في غير الأول والا فالأولى بل الأظهر لزوم متابعة الظن كما عرفت والله العالم
* (المسألة
الثانية) * لو ذكرت الوقت ونسيت العدد بان كانت ذاكرة لوقتها في الجملة كي يجتمع مع نسيان العدد فان ذكرت أول حيضها أكملته
ثلاثة أيام بل وما فوقها ممالا تحتمل نقصان عادتها منه واما فما زاد عنه إلى العشرة مما تحتمل كونه من عادتها ففيه وجوه بل أقوال قيل كما عن
العشر والبيان وغيرهما تعمل عمل المستحاضة اقتصارا في ترك العبادات الواجبة على القدر المتيقن وفيه أنه ان أسند في ذلك إلى اطلاق
الامر بالعبادات المقتصر في تخصيصها على الافراد المعلومة ففيه ان الخارج من العمومات انما هو الافراد الواقعية لا المعلومة فيجب
314

في مثل المقام الرجوع إلى سائر القواعد مثل استصحاب الحيض ونحوه لولا الدليل الخاص وان استند إلى قاعدة الشغل ففيه أولا ان
مقتضاها الاحتياط ان جوزناه في مثل المقام بان تجمع بين تروك الحائض وافعال المستحاضة كما هو ظاهر المتن وغيره لا البناء على
الطهارة مطلقا نعم له وجه لو قلنا بقاعدة المقتضى والمانع لكن المتجه بطلان هذه القاعدة كما تقرر في الأصول وثانيا ان استصحاب
الحيض وارد على سائر القواعد ودعوى عدم جريانه لكون الحيض من الأمور الغير القارة التي توجد شيئا فشيئا فالمرجع عند الشك أصالة
عدم زيادة الحيض على المتيقن * (مدفوعة) * بكونه بنظر العرف امرا واحدا مستمرا كالكتابة والقراءة والوعظ ونحوها من الأمور التدريجية
التي لم يزل يستصحب أهل العرف عند الشك وجودها لا عدمها خصوصا في مثل المقام الذي علم بوجود ذلك الامر التدريجي وشك في كونه
من تتمة الفرد الأول أو كونه فردا اخر فإنه ربما يقال في مثل المقام بان مقتضى أصالة عدم حدوث فرد اخر من الدم أعني دم الاستحاضة
يعين كون الدم المشكوك من الدم السابق المعلوم كونه حيضا فليتأمل وكيف كان فلا مانع من استصحاب الحيض في موارد الشك ولذا
ربما يقال كما في الجواهر تقويته بأنها تتحيض إلى أقصى ما تحتمل من عادتها ولو إلى العشرة معتضدا بقاعدة الامكان لكن يتوجه عليه ان
قاعدة الامكان على ما عرفت في محلها لا تجرى في مثل المقام مما استمر بها الدم وامتزج حيضها بالاستحاضة * (واما) * الاستصحاب
فجريانه مبنى على قصور الاخبار عن إفادة حكم المسألة وقد عرفت مرارا عدم قصور مرسلة يونس الطويلة عن إفادة حكمها فان مقتضاها
بالتقريب الذي عرفته فيما تقدم هو الرجوع في الأوقات المشكوكة إلى السنة الثالثة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وآله لمن لا تعرف أيامها من
عادتها ولا من اقبال الدم وادباره وتغير ألوانه من التحيض ستة أيام أو سبعة لكنك عرفت في المبتدئة انه لا يتعين عليها اختيار
الست أو السبع بل لها على الأشهر ان تختار ثلاثة أيام من شهر وعشرة أيام من شهر آخر فلذا ربما يقال فيما نحن فيه أيضا بكونه كذلك
لظهور المرسلة في مساواتهما في الحكم كما تقدم توضيحه لكن يتوجه عليه ان غاية ما يستفاد من المرسلة مساواتهما في جواز تحيض كل منهما
في كل شهر ستا أو سبعا * (واما) * جواز تحيضها ثلاثة أو عشرة فإنما استفيد من دليل اخر قاصر عن شمول الناسية وما يتوهم من استلزام
التفكيك استعمال الامر بتحيض من لا تعرف أيامها ستا أو سبعا مطلقا في معينين الوجوب التعييني والتخييري * (مدفوع) * بعدم كونهما
معينين متباينين بل الامر في مثل الفرض لم يستعمل الا في الالزام بالفعل لكن دل الدليل الخارجي على قيام فعل آخر مقام المأمور به
بالنسبة إلى بعض المصاديق دون بعض فالواجب هو الاقتصار في رفع اليد عن ظاهر الامر على ما يدل عليه الدليل الخارجي فالأظهر
عدم جواز التخطي عما يفهم من المرسلة أي التحيض ستة أيام أو سبعة بل الأولى والأحوط هو الاقتصار على السبعة كما حكى عن ظاهر
الشيخ القول به تعيينا مدعيا في الخلاف الاجماع عليه للامر بالأخذ بها بالخصوص في غير موضع من المرسلة واحتمال كون الترديد في
قول رسول الله صلى الله عليه وآله تحيضي في كل شهر في علم الله ستا أو سبعا من الراوي لكنك عرفت فيما تقدم بعد هذا الاحتمال
فالأظهر عدم تعينها وان كان الاحتياط ممالا ينبغي تركه والله العالم ثم لا يخفى عليك ان جواز تحيضها ستة أو سبعة انما هو فيما
لم تعلم اجمالا بمخالفة عادتها المنسية لهما والا فليس لها الاخذ بهما بل تعمل في الأوقات المشكوكة التي تحتمل كونها من عادتها على ما يقتضيه
الأصول وقد عرفت أنه لا مانع من استصحاب الحيض في مثل المقام والله العالم وان ذكرت الناسية اخره جعلته نهاية الثلاثة التي هي أقل
الحيض أو ما زاد منها مما تعلم اجمالا بكونه من عادتها واما بالنسبة إلى ما عداها من الأوقات المشكوكة إلى العشرة ففيه الوجوه المتقدمة
وقد عرفت أن الأظهر وجوب رجوعها إلى المرسلة والأحوط اختيار خصوص السبعة فتجعل اخره نهاية لها وتغتسل عند حلول الاخر
للحيض غسلا واحدا على جميع الأقوال إذ لا ترديد بالنسبة إلى الاخر في الفرض وهذا بخلاف الفرض الأول وهو ما لو ذكرت أوله فعليها
في هذا الفرض على القول بالاحتياط ان تغتسل للحيض في كل زمان يفرض أي يحتمل فرضا فيه الانقطاع ونقضى على هذا القول في كلا
الفرضين صوم عشرة أيام بل أحد عشر يوما عند احتمال التلفيق احتياطا ما لم يقصر أي لم تعلم قصور الوقت الذي عرفته على سبيل
الاجمال عن العشرة والا فتقتصر على قضاء ما تحتمل كونه من أيامها المنسية كما هو ظاهر وقد ظهر لك مما تقدم حكم ما ان ذكرت وسطه
أو شيئا منه على سبيل الاجمال فان الأظهر في جميع الصور هو الرجوع إلى مرسلة يونس الطويلة فتجعل الوسط على تقدير علمها به وسطا
للستة أو السبعة التي تختارها وعلى تقدير العلم بمخالفة العددين لعادتها المنسية تعمل في الأوقات المشكوكة بما يقتضيه استصحاب الطهارة
والحيض على الأشبه لكن ربما يشكل ذلك فيما لو ذكرت وسطه الحقيقي لاستلزام الرجوع إلى استصحاب الطهارة في أوله واستصحاب
الحيض في اخره مخالفة ما تعلمه تفصيلا وهو كون ما ذكرته وسطا اللهم الا ان يلتزم بجواز مثل هذه المخالفة في مجاري الأصول العملية
كما ليس بالبعيد إذ لا اثر لعلمها في مقام العمل بحيث يستلزم العمل بالأصول مخالفته فليس الأصلان الجاريان في المقام الا كاستصحاب
طهارة البدن وبقاء الحدث فيمن توضأ غفلة بما يع مردد بين الماء والبول كما لا يخفى على المتأمل
* (المسألة الثالثة) * أو
315

نسيتهما أي الوقت والعدد جميعا فلم تحفظ شيئا منهما وهذه هي المسماة بالمتحيرة فهذه تتحيض في كل شهر بسبعة أيام أو ستة مخيرة بينهما حكى
عن بعض أصحابنا وعليه مرسلة يونس المتقدمة بالتقريب المتقدم ولكنك عرفت مرارا ان اختيار السبعة كما عن الخلاف والجمل والعقود والاصباح
والمهذب والكافي والتحرير والتلخيص ومجمع الفائدة وشرح المفاتيح بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه هو الأحوط * (وقيل) * أو عشرة من شهر
وثلاثة من اخر ما دام الاشتباه باقيا كما عن جملة من الأصحاب بل الأكثر كما في كشف اللثام جمعا بين المرسلة وبين ما تقدم في المبتدئة
من موثقتي ابن بكير وقد عرفت فيما تقدم عدم دلالتها في موردها على الثلاثة من كل شهر والعشرة من اخر فضلا عن أن يتعدى عن
موردها إلى المتحيرة ثم إن في المقام أقوالا متشتتة لا تخفى على المتتبع ويظهر ضعف الجميع مما تقدم في المبتدئة والله العالم
* (واما) *
احكامها فهي مختلفة باختلاف أقسامها فيجب تشخيص أقسامها أولا ثم بيان احكامها فنقول دم الاستحاضة اما أن لا يثقب الكرسف
أو يثقبه ولا يسيل أو يسيل فالأول قليلة والثاني متوسطة والثالث كثيرة والكرسف على ما صرحوا به كما عن القاموس القطنة والمراد
بثقب الدم الكرسف على ما نص عليه في المسالك ويظهر من المدارك وغيره غمسه له ظاهرا وباطنا بل في المسالك بعد بيان المراد قال
فمتى بقي شئ منه من خارج وان قل فالاستحاضة قليلة فالمراد بثقب الدم نفوذه في أعماق القطنة على وجه يغمسها ويظهر من طرفها الاخر
وسر إرادة هذا المعنى من الثقب مع أن المتبادر منه عرفا أعم لصدقه عند نفوذ الدم في القطنة وبروزه من الطرف الآخر وإن لم
يستوعب الأطراف هو ان الدم بنفسه لا يكون بمقتضى العادة ثاقبا الا بعد احاطته بأطراف القطنة الملاصقة للباطن فينفذ الدم
فيها شيئا فشيئا إلى أن ترتوي القطنة فيظهر الدم على الجانب الآخر الملاصق للخرقة ولذا عبر جملة منهم كالعلامة في جملة من كتبه وغيره في بيان
مناط القلة وقسيمها بالغمس مع السيلان وبدونه وعدمه مع أن المتبادر من الغمس الاستيعاب وليس في شئ من الاخبار تصريح باعتباره
وعن المصباح ومختصرة ان القليلة مالا يظهر الدم على القطنة والمتوسطة ما يظهر عليها من الجانب الآخر ولا يسيل والمراد بعدم ظهوره
كما هو الظاهر المفسر به في كلام بعض عدم الاستيلاء فيتحد المراد من العبائر الثلث كما صرح به في محكى جامع المقاصد وشرح الجعفرية
واليه يرجع أيضا ظاهرا ما عن المقنعة وبه وسم ووسيلة من التعبير عن القليلة بان ترى الدم غير راشح وعن المتوسطة ان تراه راشحا
غير سائل كما يؤيده ما عن الأول من زيادة عطف عدم الظهور على عدم الرشح الظاهر في كونه للايضاح
وكيف كان فالمدار على تحقق
صدق الثقب والنفوذ ونحوهما من العبائر الواقعة في النصوص وان كان لا ينفك شئ منها عادة عن الغمس فالظاهر اتحاد ما هو المناط
في تثليث الأقسام وانما الشأن في اثبات ما هو المعروف من احكامها وهو انه في الأول وهو القليلة المسماة في عرفهم بالصغرى يلزمها
لدى المشهور تغيير القطنة وتجديد الوضوء عند كل صلاة اما لزوم تغيير القطنة فقد نص عليه جملة من أساطين الأصحاب بل عن الناصريات
دعوى الاجماع عليه وعن المنتهى انه لا خلاف عندنا في وجوب الابدال وعن التذكرة يجب تغيير القطنة والوضوء لكل صلاة ذهب إليه
علمائنا وعن مجمع البرهان كأنه اجماعي واستدل عليه مضافا إلى الاجماعات المحكية بوجوب إزالة النجاسة في الصلاة الا ما عفى عنه ولم يثبت
العفو عن هذا الدم ولو فيما دون الدرهم أو فيما لا يتم فيه الصلاة بل عن الغنية دعوى الاجماع على الحاق دم الاستحاضة والنفاس بالحيض
في عدم العفو وببعض الأخبار المعتبرة الدالة على وجوب التغيير في الوسطى والكبرى مع عدم تعقل الفرق بل عن بعضهم دعوى عدم القول بالفصل
بل في الرياض انه يتم بالاجماع المركب * (منها) * قول أبى الحسن عليه السلام في خبر صفوان بن يحيى هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة و
تجمع بين صلاتين بغسل ويأتيها زوجها وفي خبر البصري وتستدخل كرسفا فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ولا يخفى ما في الجميع
من الضعف إذ بعد تسليم عدم العفو عن دم الاستحاضة قليلة وكثيرة وعدم الفرق بين ما لا يتم به الصلاة وغيره وعدم الفرق بين المحمول وغيره
أو عدم كون القطنة من قبيل المحمول يتوجه عليه مضافا إلى أن تبديلها لا يجدى لتأثرها بالادخال ان هذا انما يؤثر فيما إذا كان في خارج البدن
لا في الباطن كما لو احتقن بالنجس خصوصا إذا كان تأثره من الباطن كما لو استدخل القطنة في معقدته فأصابها العذرة مع أنه لا شبهة
في عدم مانعيتها من الصلاة ما لم تظهر واما الخبر ان فدلالتهما على المدعى في موردهما لا يخلو من تأمل فضلا عن أن يتعدى إلى القليلة بالاجماع
المركب وعدم القول بالفصل لأمكن ان يكون الامر بوضع القطنة الجديدة للحفظ عن تسرية النجاسة إلى الثوب والبدن أو الخرقة
المشدودة عليها أو يكون الوجه فيه كون ظهور الدم بنفسه حدثا موجبا للغسل يجب التحفظ عنه مهما أمكن عند الصلاة كما ستعرف
توجيه هذا مع أنه لا دلالة فيهما على وجوب ذلك عند كل صلاة غاية ما يفهم منهما وجوبه عند الغسل مضافا إلى أنه لا دلالة فيهما على
وجوب التبديل لجواز ان يكون المراد منهما إضافة قطنة على الأول مانعة من ظهور الدم كما يؤيده قول أبى عبد الله (ع) في رواية
ابن أبي يعفور المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت واحتشت كرسفها وتنظر فان ظهر على الكرسف زادت كرسفها وتوضأت
وصلت وعلى تقدير دلالتهما على المدعى في موردهما الحاق القليلة به يحتاج إلى دليل وما ذكره من عدم تعقل الفرق ففيه
316

مالا يخفى وكفى فارقا كون الوسطى والكبرى مؤثرة في ايجاب الغسل دون الصغرى فمن الجائز اختلافهما في الأثر من حيث الخبيثة مضافا
إلى امكان ان يكون التبديل فيهما لظهور النجاسة أو للحفظ عن التعدي واما الاجماع المركب وعدم القول بالفصل فلم يثبت هذا مع أنه
ربما يستفاد من جملة من الاخبار كالرواية المتقدمة اشعارا أو ظهورا عدم وجوب الابدال كما يؤيده خلو الاخبار الامرة بالوضوء
الواردة في مقام البيان من الامر به ففي رواية الجعفي وان هي لم تر طهرا اغتسلت واحتشت ولا تزال تصلى بذلك الغسل حتى يظهر الدم
على الكرسف فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف وخبر الحلبي عن الصادق عليه السلام قال قال أبو جعفر (ع) سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن المرأة
تستحاض فأمرها ان تمكث أيام حيضها لا تصلى فيها ثم تغتسل وتستدخل قطنة وتستثفر بثوب ثم تصلى حتى يخرج الدم من وراء الثوب
[الخ] وصحيحة الصحاف في حديث حيض الحامل إلى أن قال فلتغتسل ثم تحتشي وتستذفر وتصلى الظهر والعصر ثم لتنظر فإن كان الدم فيما
بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها فان طرحت الكرسف عنها
فسال الدم وجب عليها الغسل وان طرحت الكرسف ولم يسل فلتتوضأ ولتصل ولا غسل عليها [الخ] إلى غير ذلك من الاخبار التي يمكن استفادة
عدم وجوب تغيير القطنة منها كما لا يخفى على المتأمل وأنت خبير بان رفع اليد عن ظهور هذه الأخبار
في عدم الوجوب بل كاد ان يكون صريح
بعضها كصحيحة الصحاف ورواية الجعفي بمجرد الشهرة أو اقتضاء عموم مانعية النجس من الصلاة على تقدير التسليم في المقام في غاية الاشكال
ولذا شاع القول بعدم الوجوب بين المتأخرين فان تحقق الاجماع الكاشف عن قول المعصوم الموجب للتصرف في ظواهر الأخبار الكثيرة
فهو والا فالأظهر ما هو الشايع بين المتأخرين من عدم الوجوب ولكن الاحتياط ممالا ينبغي تركه بعد مخالفة
الاعلام وعدم
اعتنائهم بهذه الظواهر مع كونها بمرئى منهم ومسمع والله العالم وأوهن من الاستدلالات السابقة الاستدلال للوجوب بوجوب
الاختبار المستلزم لاخراج القطنة فلا يجوز ادخالها ثانيا لاستلزامه تنجيس الظاهر ومخالفته لظواهر الامر باستدخال القطنة
الظاهرة في إرادة الطاهرة وفيه مع ما فيه أن وجوب الاختبار على تقدير تسليمه وعدم كفاية الاحتياط أو الرجوع إلى الاستصحاب
كما سيأتي التكلم فيه انما هو فيما لو احتملت تبدل حالها وتغيير القطنة فيما نحن فيه لا يدور مدار ذلك كمالا يخفى ثم إنه حكى عن جماعة وجوب
تبديل الخرقة والظاهر ارادتهم الوجوب عند تلوثها بالدم إذ من المستبعد جدا ان يلتزم أحد بوجوبه تعبدا وإن لم يتنجس إذ لا وجه له
أصلا واما على تقدير تلوثها فالقول به متجه بناء على عدم العفو عن مثل ذلك كما أن المتجه وجوب غسل ما ظهر من الفرج لو تنجس وان كان قليلا
بناء على عدم العفو عنه كما سيأتي التكلم فيه في محله إن شاء الله واما تجديد الوضوء عند كل صلاة فلم ينقل الخلاف فيه في الفرايض الا من
ابن أبي عقيل وابن الجنيد فعن الأول انه لا غسل عليها ولا وضوء وعن ابن الجنيد ان عليها في اليوم والليلة غسلا واحدا قال ابن أبي عقيل على ما نقله
في محكى المختلف يجب عليها الغسل عند ظهور دمها على الكرسف لكل صلاتين غسل تجمع بين الظهر والعصر بغسل وبين المغرب والعشاء بغسل
فإذا لم يظهر على الكرسف فلا غسل عليها ولا وضوء وعن ابن الجنيد أنه قال المستحاضة التي يثقب دمها الكرسف تغتسل لكل صلاتين آخر وقت
الأولى وأول وقت الثانية وتصليهما وتفعل للفجر مفردا كك والتي لا يثقب دمها الكرسف تغتسل في اليوم والليلة مرة واحدة ما لم يثقب
وظاهر هاتين العبارتين ان المستحاضة منحصرة في قسمين فادرجا المتوسطة في الكبرى واما الصغرى فابن أبى عقيل لم يرها حدثا فلم يوجب غسلا
ولا وضوء وابن الجنيد أوجب عليها غسلا في اليوم والليلة ويدل على المشهور مضافا إلى عدم الخلاف فيه ظاهرا الا ممن عرفت بل عليه نقل
الاجماع مستفيضا وعن جامع المقاصد انعقاد الاجماع بعد ابني عقيل والجنيد على خلافهما صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام وان
كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء * (و) * موثقة زرارة عن الباقر عليه السلام عن الطامث تقعد بعدد
أيامها كيف تصنع قال تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلى كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم فإذا
نفذ الدم اغتسلت وعن الفقه الرضوي فإن لم يثقب الدم الكرسف صلت صلاتها كل صلاة بوضوء * (و) * في صحيحة الصحاف المتقدمة وان
كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة وفي ما ورد في الحامل من أنها ان
رأت دما كثيرا احمر فلا تصلى وان كان قليلا اصفر فليس عليها الا الوضوء هذا كله مضافا إلى المستفيضة الدالة على وجوب الوضوء مع
صفرة الدم الملازمة غالبا لقلته كما صرح به غير واحد هذا ولولا اعتضاد دلالة هذه الأخبار الأخيرة بسابقتها وبالشهرة والاجماعات
المحكية لأمكن المناقشة فيها بكونها مسوقة لبيان عدم وجوب الغسل عند صفرة الدم وقلته وكون الوضوء المأمور به هو الوضوء
المعهود لأجل الصلاة لا انه يجب الوضوء تعبدا عند كل صلاة بحيث يفهم منه كون الاستحاضة من حيث هي من موجبات الوضوء وكيف
كان فلا يتطرق مثل هذه المناقشات بعد ما عرفت من المعاضدات مع أن الاخبار الأول التي كادت تكون صريحة في المطلوب كافية
لاثباته واستدل لأبي أبى عقيل بالأصل وحصر موجبات الوضوء ونواقضه في الاخبار الحاصرة في غيرها وصحيحة ابن سنان عن الصادق (ع)
317

قال المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلى الظهر والعصر ثم تغتسل عند المغرب وتصلى المغرب والعشاء ثم تغتسل عند الصبح و
تصلى الفجر ففي ترك التعرض للوضوء مع ورودها في مقام البيان دلالة على عدمه * (وفيه) * انه لا بد من رفع اليد عن الأصل والحصر
المستفاد من الاخبار الحاصرة بالأدلة المتقدمة وتنزيل الصحيحة على الاستحاضة الكثيرة بقرينة غيرها ويمكن الاستدلال له بصحيحة
زرارة قال له النفساء متى تصلى قال تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين فان انقطع الدم والا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت
وان جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل وإن لم يجز الدم الكرسف
صلت بغسل واحد قلت والحائض قال مثل ذلك سواء ورواية الجعفي وفيها فان هي رأت طهرا اغتسلت وان هي لم تر طهرا اغتسلت واحتشت
فلا تزال تصلى بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف ويقرب منها خبر عبد الرحمن الآتي وتقريب
الاستدلال بها بان يقال إن مفادها ان دم الاستحاضة لا يكون حدثا الا بعد تجاوزه عن الكرسف وظهوره عليه [فح] يجب عليها
الغسل وقبله لم يجب شئ * (وما) * في ذيل الرواية من أنه إن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد أي الغسل الذي اغتسلته قبل الاحتشاء
والاستثفار وهو غسل النفاس لأنه يجب عليها غسل واحد في كل يوم لصلوته الخمس عند الفجر * (وفيه) * انه لا بد من تقييد هذه الروايات
بما لا ينافي غيرها من النصوص والفتاوى والاجماعات المستفيضة الدالة على أن دم الاستحاضة حدث [مط] فالمراد من الغسل الواحد في
الصحيحة هو الغسل لحدث الاستحاضة كما هو الظاهر منها والله العالم * (و) * استدل لابن الجنيد بصحيحة زرارة المتقدمة فان مقتضى اطلاق
قوله (ع) وإن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد عدم الفرق بين القليلة والمتوسطة وموثقة سماعة المضمرة قال قال المستحاضة إذا
ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة وان أراد
زوجها ان يأتيها فحين تغتسل هذا إذا كان دما عبيطا وان كان صفرة فعليها الوضوء * (وفيه) * انه لا بد من تقييد الاطلاق وتنزيل الروايتين
على كونهما مسوقتين لبيان حكم المتوسطة والكثيرة بقرينة سائر الأدلة هذا مع أن الموثقة بنفسها صريحة في تثليث أقسام المستحاضة وان
عليها الوضوء في القليلة منها وظاهرها إرادة الوضوء لكل صلاة لسبق ذكره في حكم المتوسطة نعم ظاهرها ان الاستحاضة القليلة انما هي
فيما إذا كان الدم اصفر وإذا كان عبيطا فالاستحاضة متوسطة مطلقا ما لم يتجاوز الكرسف وهذا ليس بضائر فيما نحن فيه من اثبات الوجوب
في الجملة كما هو ظاهر فاتضح لك ان الأقوى ما عليه المشهور من أنه يلزمها تجديد الوضوء عند كل صلاة ولا تجمع بين الصلاتين بوضوء
واحد والظاهر عدم الفرق في ذلك بين فرضين أو نقلين أو الفرض كما هو ظاهر معقد الشهرات والاجماعات المحكية وصريح المحكى عن غير
واحد * (ويدل) * عليه عموم صحيحة معاوية بن عمار وموثقة زرارة والفقه الرضوي المتقدمات واستدل له أيضا بأنه يفهم من النصوص والفتاوى
كون دم الاستحاضة [مط] حدثا كما عن بعض دعوى الاجماع عليه فتكون المستحاضة كالمسلوس والمبطون مستمرة الحدث وانما استبيح لها كل
صلاة بوضوء للضرورة فيقتصر على القدر المتيقن استباحتها لها وهو كل صلاة بوضوء * (وفيه) * تأمل إذ غاية ما يمكن استفادته من النصوص
والفتاوى بقرينة ما هو المغروس في أذهان المتشرعة من كون المقصود من الامر بالوضوء وكذا الغسل هو رفع الحدث لا كونه من حيث هو شرطا
تعبديا للصلاة كون الاستحاضة مؤثرة في حدوث حالة مانعة من الصلاة يرفع منعها عند قلتها الوضوء عند كل صلاة فمن الجايز
ان يكون الوضوءات الصادرة منها رافعة لنفس تلك الحالة حقيقة بان يكون الوضوءات مؤثرة في رفع ما يقتضيها حقيقة لا حكما و
ملخصه منع كون طبيعتها من حيث هي حدثا سوغت الصلاة معها الضرورة * (و) * يؤيده ما ستسمعه من أن المستحاضة متى فعلت ما هو واجب
عليها بحكم الظاهر يسوغ لها الاتيان بجميع الغايات المشروطة بالطهور وإن لم يضطر إليها فعلى هذا ربما يقوى القول المحكى عن المبسوط
وغيره من أن المستحاضة إذا توضأت للفرض جاز لها ان تصلى معه من النوافل ما شاءت بدعوى انصراف الأدلة إلى إرادة الوضوء
للصلوات المفروضة كما يؤيده قوله (ع) في صحيحة الصحاف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة ويؤيده أيضا سهولة الشريعة وسماحتها
إذ من المستبعد جدا وجوب الوضوء لكل صلاة من النوافل خصوصا المرتبة منها مع ما فيه من الحرج وتوهم عدم مشروعيتها في حقها
لعدم الضرورة أبعد خصوصا لو لم نقل بوجوب معاقبة الصلاة للوضوء كما سيأتي التكلم فيه فان من المستبعد جدا ان يكون فعل
النوافل مانعا من الدخول في الفريضة التي توضأت لها ولا يكون سائر الاشغال مانعة منه لكن يتوجه النقض على الأخير بما لو
تخلل الفريضة التي توضأت لها بفريضة سابقة عليها وكذا المبعدات الاخر مما لا يلتفت إليها وسهولة الشريعة وسماحتها على تقدير
تسليم كون التكليف حرجيا ينافي وجوبها لا شرطيتها للنوافل التي لا شبهة في أن أفضلها احمرها نعم عدم مشروعية فعل النوافل
لها من المستبعدات التي لا يمكن الالتزام بها وهذا بخلاف وجوب الوضوء عليها لكل صلاة فان تم دعوى الانصراف فهو لكنه في
خبر المنع ولا ينافي عموم سائر الاخبار صحيحة الصحاف الجارية مجرى العادة الامرة بالوضوء في وقت كل صلاة كمالا يخفى فان طهور
318

هو القول بالوضوء لكل صلاة [مط] من دون فرق بين نوافل الفرايض اليومية وغيرها وما ربما يتوهم من الفرق بين نوافل الفرايض
وغيرها نظرا إلى تبعية الأولى للاسم وكونها بمنزلة مقدماتها فيشرع الاتيان بنوافل كل فرض بوضوء ذلك الفرض كما لا يبعد الالتزام
به في المسلوس والمبطون * (مدفوع) * بان التبعية مسامحة غير مجدية في رفع اليد عن عمومات الأدلة المتقدمة التي منها قوله (ع) في صحيحة عمار
دخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء مع أن الظاهر أن الجمع بين الفرضين لم يكن متعارفا في أزمنتهم فيتقوى بذلك إرادة العموم حيث
يظن ارادته بالنسبة إلى كل صلاة مع نافلتها وغيرها من الصلوات التي تأتي بها في المسجد فرضا أم نقلا أداء أو قضاء نعم لا ينبغي الارتياب
في تبعية الركعات الاحتياطية للفرايض وعدم وجوب الوضوء لها بل عدم جوازه إذا استلزم الفعل الكثير فضلا عن الأجزاء المنسية
بل وكذا سجود السهو والله العالم
* (وفي) * القسم الثاني وهو المتوسطة يلزمها مع ذلك أي ما تقدم من تبديل القطنة وتجديد الوضوء لكل
صلاة تغيير الخرقة والغسل لصلاة الغداة لكنك عرفت المناقشة في وجوب تبديل القطنة في القليلة فكذلك الالتزام به في المقام
لا يخلو عن تأمل والاستدلال له ببعض الاخبار كرواية عبد الرحمن الآتية الامرة بالاغتسال ووضع كرسف آخر عند ظهور الدم في المتوسطة
بقرينة قوله (ع) فيما بعد فإذا كان دما سائلا الحديث ورواية الجعفي الامرة بإعادة الغسل وإعادة الكرسف عند ظهور الدم الشاملة
للمقام قد عرفت أنه لا يخلو من مناقشة إذ غاية ما يمكن استفادته من الاخبار انما هو وجوب التبديل عند الاغتسال وستعرف
ان هذا مما لابد منه لا وجوبه عند كل صلاة بل يفهم من جملة من الاخبار خلافه * (ودعوى) * اتمام المدعى بالنسبة إلى سائر الصلوات
التي لم تغتسل عندها بعدم القول بالفصل * (مدفوعة) * بعد الغض عما ستعرف من أن الوجه فيه كون ظهور الدم بنفسه موجبا للغسل في
احتمال قوى بامكان ان يكون الامر بإعادة الكرسف بعد الاغتسال اما للجري على العادة أو للحفظ عن تسرية النجاسة ونحوهما لا لكونه
شرطا في الصلاة حتى يثبت شرطيتها بالنسبة إلى كل صلاة بعدم القول بالفصل على تقدير الثبوت فالقول بالوجوب [مط] كما عن المشهور
لا يخلو عن اشكال وكذا الكلام في لزوم تغيير الخرقة ان قلنا بالعفو عنه اللهم إلا أن تكون المسألة اجماعية كما
عن جملة دعواه بالنسبة
إليهما فالاحتياط ممالا ينبغي تركه والله العالم واما لزوم تجديد الوضوء عند كل صلاة عدا ما اغتسلت عندها أي صلاة الغداة فمما
لا اشكال بل لا خلاف فيه على تقدير أن لا يكون عليها غسل الا للغداة كما هو المشهور والا فالكلام في الاستحاضة الكثيرة
كما سيأتي ويدل عليه مضافا إلى الاجماع موثقة سماعة المضمرة وفيها وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة
وموثقته الأخرى عن الصادق عليه السلام قال غسل الجنابة واجب وغسل الحيض إذا طهرت واجب وغسل الاستحاضة واجب إذا احتشت الكرسف
فجاز دمها الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين وللفجر غسل وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة
الحديث وعن الفقه الرضوي فإن لم يثقب الدم القطن صلت صلاتها كل صلاة بوضوء وان ثقب الدم الكرسف ولم يسل صلت الليل
والغداة بغسل واحد وسائر الصلوات بوضوء وان ثقب وسال صلت الليل والغداة بغسل والظهر والعصر بغسل وتصلى المغرب والعشاء
الآخرة بغسل واما الوضوء لصلاة الغداة التي اغتسلت عندها فسيأتي الكلام فيه في الاستحاضة الكثيرة [انش‍] واما لزوم الغسل عليها
لصلاة الغداة فمما لا خلاف فيه نصا وفتوى كما يدل عليه الأخبار المتقدمة وغيرها وانما الاشكال والخلاف في الاكتفاء به أو غسلين
آخرين للظهرين والعشائين فعن الصدوقين والمشايخ الثلاثة وسلار والقاضي وابن حمزه والحلبي وابن زهرة والحلي والمصنف في غير
المعتبر والعلامة في غير المنتهى والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم الاكتفاء بغسل الغداة وعن ابن الجنيد وابن أبي عقيل انهما سويا
بين هذا القسم وبين الثالث في وجوب ثلاثة أغسال كما عرفت في صدر المبحث وعن المصنف في المعتبر الجزم به فقال والذي ظهر لي انه ان
ظهر الدم على الكرسف وجب ثلاثة أغسال وإن لم يظهر لم يكن عليها غسل وكان عليها الوضوء لكل صلاة وعن العلامة في المنتهى وجملة من
متأخري المتأخرين كالمحقق الأردبيلي وتلميذيه صاحب المعالم والمدارك وشيخنا البهائي وصاحب الذخيرة اختياره واستدل عليه
في المدارك بما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلى فيها ولا يقربها بعلها
فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر تؤخر هذه وتعجل هذه وللمغرب والعشاء غسلا تؤخر هذه و
تعجل هذه وتغتسل للصبح واما رواه الكليني [ره] في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر
تصلى الظهر والعصر ثم تغتسل عند المغرب وتصلى المغرب والعشاء ثم تغتسل عند الصبح فتصلى الفجر ولا بأس بان يأتيها بعلها إذا شاء
الا أيام حيضها فيغر لها زوجها قال وقال لم تفعله امرأة قط احتسابا لا عوفيت من ذلك قال في المدارك وهي مطلقة في وجوب الأغسال الثلاثة
خرج منها من لم يثقب دمها الكرسف بالنصوص المتقدمة يعنى صحيحتي زرارة ومعوية بن عمار الدالة على أن المستحاضة تصلى كل صلاة بوضوء
ما لم ينفذ الدم فيبقى الباقي مندرجا تحت العموم ومثلها صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (ع) تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة وتجمع
319

بين صلاتين بغسل ويأتيها زوجها إذا أراد احتج المفصلون باخبار كثيرة لا يسلم جلها أو كلها من الخدشة منها صحيحة الحسين بن
نعيم الصحاف المتقدمة وفيها ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل
صلاة ما لم تطرح الكرسف فان طرحت الكرسف عنها وسال الدم وجب عليها وان طرحت الكرسف ولم يسل الدم فلتتوضأ ولتصل ولا
غسل عليها قال وان كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فان عليها ان تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات
تقريب الاستدلال انه (ع) علق الأغسال الثلاثة على سيلان الدم من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فاطلاق الغسل فيما إذا طرحت الكرسف
وسال الدم محمول على الغسل الواحد قال شيخنا المرتضى [قده] وفيه أنه لم يظهر من الرواية كون قوله إذا أمسكت الكرسف [الخ] قسيما لقوله
فان طرحت الكرسف وسال بل الظاهر أنه قسيم لقوله فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فقسم كلا من صورتي
طرح الكرسف وامساكها إلى قسمين في أحدهما الوضوء وفي الاخر الغسل فالانصاف ان الرواية لو لم تكن ظاهرة في خلاف المطلوب من
جهة ان الظاهر من لفظ الغسل في قوله (ع) فان طرحت الكرسف وسال الدم هو جنس الغسل نظير التوضي في مقابلة فلا دلالة على المطلوب
انتهى أقول الظاهر أن المفروض في قوله (ع) فان طرحت الكرسف [الخ] انها لو لم تكن تطرح الكرسف لم يكن دمها سائلا كما يدل عليه ما قبله
وما بعده وكونه كذلك من لوازم عدم كونه كثيرة بناء على إناطة الكثرة بسيلانه من خلف الكرسف تحقيقا أو تقديرا كما هو ظاهر النصوص
والفتاوى اللهم الا ان يدعى الخصم ان المناط انما هو ظهور الدم سواء كان باستيلائه على القطنة أو سيلانه وخروجه بلا قطنة
وظهور الرواية في إرادة الغسل الواحد كما يدعيه المستدل ليس بضائر للخصم في مثل الفرض لأنه يجب عليها الاستظهار بعد الاغتسال بادخال
القطنة والمفروض ان الدم لا يستولى على القطنة في حد ذاته ولا يسيل ما لم تطرح فيكون بعد الاستظهار ووضع القطنة بمنزلة ما لو
عادت الكثيرة قليلة وسيأتي ان الأظهر في مثل الفرض انه لا يجب عليها الا غسل واحد ويؤيد ذلك رواية الجعفي المتقدمة وفيها ولا تزال
تصلى بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف فان ظاهرها كونها مسوقة لبيان تكليفها [مط]
وانه مهما ظهر الدم على الكرسف أعادت الغسل وأعادت الكرسف ودعوى اهمالها الا بالنسبة إلى المرة الأولى التي يظهر فيها الدم بعد
غسل الحيض مجازفة نعم هذه الرواية ساكتة عن حكم ما إذا لم يمكن استمساك الدم بالكرسف بان يكون إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلفه صبيبا
لا يرقى فإنها على هذا التقدير بمنزلة المسلوس والمبطون وحكمها الأغسال الثلاثة لا محالة لا للفرق بين الاستحاضة الكثيرة المتوسطة إذ لو
فرض ظهور الدم في الفرض الأول ثانيا أو سيلانه بطرح الكرسف قبل سائر الصلوات أيضا يجب عليها الغسل والاستظهار ويؤيده رواية عبد
الرحمن بن أبي عبد الله قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن المستحاضة أيطأها زوجها وهل تطوف بالبيت قال تقعد قرؤها الذي كانت تحيض فيه فإن كان
قرؤها مستقيما فلتأخذ به وان كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل ولتستدخل كرسفا فان ظهر على عن الكرسف فلتغتسل ثم تضع
كرسفا اخر ثم تصلى فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلى الصلاة ثم تصلي صلاتين بغسل واحد وكل شئ استحلت به الصلاة فليأتها
زوجها ولتطف بالبيت فان ظاهرها ان ظهور الدم على الكرسف حدث وان سيلانه يجعلها بمنزلة المسلوس والمبطون وبما ذكر ظهر عدم امكان
الاستدلال للمطلوب بمفهوم القيد في رواية يونس بن يعقوب فان رأت الدم دما صبيبا فلتغتسل في وقت كل صلاة وكذا بما في رواية محمد بن
مسلم فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين لامكان ان يكون التقييد لبيان انه يجب عليها الأغسال الثلاثة بخلاف ما لو لم يكن
كذلك فإنه لا يجب عليها الا على تقدير ظهوره على القطنة فيجب عليها [ح] الغسل والتبديل وبهذا ظهر لك ان الاخبار التي علق فيها الأغسال الثلاثة
على سيلان الدم ومجاوزته الدالة بمفهومها على العدم عند العدم لا تجدي المستدل فانا نعترف بذلك بل نقول إن الاخبار التي علق فيها
الأغسال على ثقب الكرسف لم يرد منها الا ذلك اعتمادا على الغلبة إذ لا نقول بالأغسال الثلاثة الا على تقدير استدامة الحدث وهي لا تكون الا في
مثل الفرض واما في غيره لا يجب عليها الغسل الا عند تحقق سببه سواء كان في كل يوم مرة أو مرتين أو قبل كل صلاة كما سيأتي تحقيقه في حكم
المستحاضة الكثيرة وملخص الكلام ان للخصم ان يدعى ان دم الاستحاضة انما يكون حدثا أكبر إذا ظهر بنفسه فعند وجود الكرسف يكون المناط
ظهوره عليه وإن لم يجزه وعند عدمه سيلانه ووصوله إلى الخارج كما هو المتبادر من قوله إذا سال فان بقي ظاهر إباق تعذر أو تعسر
استمساكه بالكرسف لكونه صبيبا لا يرقى فعليها الأغسال الثلاثة والا فعليها الاستمساك بعد الأغسال والصلاة بذلك الغسل ما لم يظهر
الدم وإذا ظهر فعليها إعادة الغسل وإعادة الكرسف كما لو رأت دما كثيرا قبل الظهر فعاد قليلا فان الأظهر ان عليها غسل واحد عند إرادة
الصلاة وانما يجب عليها الأغسال الثلاثة على تقدير تحقق السبب لا مطلقا كما سيأتي تحقيقه والانصاف انه لو ادعى ذلك لكان وجها وجيها
للجمع بين شتات الاخبار ويؤيده ظاهر جملة منها ولا يتوهم مخالفته للاجماع وكونه احداث قول جديد فإنه من لوازم القول بمساواة القسمين
أي المتوسطة والكثيرة في الحكم بناء على أن حدوث الكثيرة ولو في غير وقت الصلاة حدث موجب للغسل وان استمرارها بوصف كثرتها
320

شرط في الأغسال الثلاثة كما سيتضح لك ان هذا هو الحق لكن ينافيه صريح موثقتي سماعة المعتضدتين بالرضوي المتقدمات فان صريحها ان
للاستحاضة قسما لا يجب فيه الغسل الا في كل يوم مرة في مقابل قسمها الاخر الذي يجب فيه الأغسال الثلاثة بل الرضوي صريح في تثليث أقسامها
على وجه يوافق المشهور فان اكتفينا به ولو بسبب الانجبار فهو حجة كافية للجمع بين الاخبار والا فالعمدة هي الموثقتان وقد عرفت أن مضمرتهما
أيضا صريحة في تثليث الأقسام وان كان ظاهرها موثقته الأخرى ان المستحاضة ما لم يتجاوز دمها الكرسف فعليها غسل واحد مطلقا
ما لم يكن دمها اصفر والا فعليها الوضوء كما في موثقته المضمرة فيكون الاستحاضة المتوسطة أعم مما عليه المشهور الا انه لا بد من تقييد
اطلاقهما بصحيحتي زرارة ومعوية بن عمار الدالة أوليهما على أن المستحاضة تصلى كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم وثانيتهما انها صلت
كل صلاة بوضوء ما لم يثقب دمها الكرسف فيكون مفادهما بعد التقييد بالصحيحتين ان المستحاضة إذا نفذ أو ثقب دمها الكرسف
ولم يتجاوزه فعليها الغسل في كل يوم مرة وعدم تعيين زمان الغسل غير ضائر اما لانصرافه إلى كونه قبل جميع الصلوات وهي الغداة
لكونه شرطا فيها أولا جل تعينه بالاجماع وكيف كان فالاهمال من هذه الجهة لا يضر بالاستدلال وتوهم ان تقييد الموثقتين بالصحيحتين
ليس بأولى من تقييد الصحيحتين بما في ذيل المضمرة المصرحة بان الوضوء انما هو فيما إذا كان الدم اصفر واما إذا كان عبيطا فيجب
عليها الغسل في كل يوم مرة [مط] ما لم يتجاوز الكرسف * (مدفوع) * باستلزامه مخالفة الأصحاب حيث لم ينقل القول بذلك من أحد
لكن الانصاف ان تقييد الموثقتين بالصحيحتين أو عكسه في غاية الاشكال لاستلزامه على كلا التقديرين تنزيل الرواية الواردة في
مقام البيان على الفرد النادر خصوصا لو قيدنا الموثقتين بالصحيحتين فان تقييد اطلاق قوله (ع) فإن لم يجز الدم الكرسف بما
إذا ثقبه ولم يتعده كما تراه وبهذا ظهر لك ان الاستدلال بما في ذيل صحيحة زرارة المضمرة المتقدمة في استدلال ابن أبي عقيل من قوله (ع)
وإن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد لا يخلو عن اشكال مضافا إلى المناقشة التي عرفتها فيما تقدم من احتمال إرادة غسل
النفاس من الغسل الواحد هذا كله مع أن ارتكاب التقييد في الموثقة المضمرة ولو مع قطع النظر عن كونه تقييدا بالفرد النادر
متعذر لما في صدرها من التنصيص على أن المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا وإن لم يجز الدم
الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة فان المتبادر في مثل المقام كون الموضع في القضية الثانية نقيض ما هو الموضوع في
القضية الأولى فيكون المراد من قوله (ع) إن لم يجز إن لم يثقب والتعبير بلم يجز للجري مجرى الغالب
وادعاه العكس لا يجدى في جواز ارتكاب
التقييد فإنه وان أمكن ان يكون المراد من قوله (ع) إذا ثقب إذا جاز اعتمادا على الغلبة لكن التعبير به عنوانا للموضوع ولو بملاحظة الغلبة مانع
من أن يكون المقصود من قوله (ع) وإن لم يجز خصوص ما إذا ثقب ولم يجز خصوصا مع ما في ذيلها من تأكيد مضمون الجملة ببيان مورد الحكم
حيث قال هذا إذا كان دما عبيطا [الخ] فالانصاف ان الاخذ بظاهر هذه الروايات غير ممكن لمخالفته للنصوص والفتاوى وتنزيلها
على إرادة خصوص ما إذا ثقب الدم ولم يجزه يستلزم قصر المطلق الوارد في مقام البيان على الفرد الذي لا يعلم بإرادته منه الا بأصالة
الاطلاق لو لم نقل بانصرافه عنه خصوصا مع ندرته وجودا هذا فيما عدا مضمرة سماعة واما المضمرة فقد عرفت تعذر هذا الحمل فيها فتقييد
الاخبار الامرة بالوضوء ما لم يثقب الكرسف بما إذا كان قليلا اصفر بقرينة ما في ذيل المضمرة لولا مخالفته لفتاوى الأصحاب أولى
من هذا الجمع وان كان ذلك أيضا بعيدا بل حمل الامر بالغسل في كل يوم مرة بعد تقييد موضوعه بما لم يثقب الكرسف وكان دما
عبيطا على الاستحباب كما يؤيده ترك التعرض له في معظم الاخبار واجمال ما وقع فيه التعرض لبيانه أو عدا الاخبار من المعارضات
التي يرجع فيها إلى المرجحات أولى من هذا النحو من التقييد ولا يخفى ان اخبار الوضوء أرجح لصحة سندها وعدم حصول الاعراض
عنها واما اخبار الغسل فلم ينقل العمل بظاهرها من أحد عدا ابن الجنيد فتأمل اللهم الا ان ان يعتضد التقييد على وجه يوافق المشهور
بموافقتهم وما لفقه الرضوي الكاشف عن معروفية المضمون من الصدر الأول فيورث الظن بوجود القرينة على إرادة المقيد بالخصوص
ومقتضاها ارتكاب التأويل في سائر الاخبار بما لا ينافيها وان بعد * (لكنك) * خبير بان الاعتماد على مثل هذا الظن على تقدير تحققه في
غاية الاشكال فالقول بعدم الفرق بين الكثيرة والمتوسطة على الوجه الذي تقدم تقريبه مع أنه أحوط لا يخلو عن قوة والله العالم ثم إنه
على القول المشهور من أنه لا يجب في المتوسطة الا الغسل في كل يوم مرة فهل يختص ذلك بما إذا رأت الدم قبل صلاة الفجر كما عن ظاهر
أكثر بالفتاوى ومعقدا اجماع الناصريات حيث حكموا بوجوب الغسل في المتوسطة كما في المتن الصلاة الغداة فلو رأته بعدها فلا غسل
في ذلك اليوم للظهرين والعشائين وان احتمل وجوبه لصلاة غداة غدها أو صلاة غداة يومها لو فاتتها وقضيتما في ذلك اليوم فلا تكون
حدثا أكبر الا بالنسبة إلى صلاة الغداة أو انها انما تكون حدثا أكبر لو حدثت في وقت صلاة الصبح فلا تصح الصلاة بعدها [مط]
ما لم تغتسل فلو تركت الاغتسال الصلاة الغداة بان تركت الغداة عمدا أو سهوا أو صلت قبل صيرورتها مستحاضة متوسطة فعليها الغسل
321

لسائر صلواتها كما يؤيد إرادة ذلك تصريح بعضهم به والتزامهم ظاهرا ببطلان صلاتها مطلقا لو أخلت بما عليها من الغسل كما أنه
يؤيد إرادة الأول عد غير واحد منهم الاستحاضة المتوسطة بالنسبة إلى ما عدا صلاة الصبح من موجبات الوضوء واختار شيخنا المرتضى [ره]
كون حدوثها مطلقا موجبا لغسل واحد في كل يوم مرة سواء حدث قبل صلاة الفجر أو قبل سائر الصلوات فلو اغتسلت بعد تحققها سواء
كان لصلاة الفجر أو الصلاة الظهر مثلا لا يجب عليها غسل اخر في ذلك اليوم مستشهدا لذلك باطلاقات الأدلة فإنه ليس في شئ منها ما يقتضى
قصر حدثيتها بما إذا حدثت في الصبح أو في خصوص صلاة الصبح فان قوله (ع) * في رواية الجعفي فإذا ظهر الدم على الكرسف أعادت الغسل وأعادت
الكرسف وكذا غيرها من الروايات يعم ما لو كان ظهور الدم في أثناء اليوم قبل صلاة الظهر * (واما) * ظهور فتاوى الأصحاب فيما ينافيه فقد وجهها
بما لا ينافيه بتنزيل كلماتهم على إرادة ما لو استمر بها الدم المتوسط من أول اليوم بقرينة حكمهم بوجوب أغسال ثلاثة على ذات الدم الكثير
مع أن من الواضح انها لو رأت قبل الظهر واستمر بها إلى الليل لا يجب عليها الا غسلان ولو رأت قبل العشائين لا يجب عليها الا غسل واحد
فكلماتهم المطلقة منزلة على إرادة بيان حكم من استمر بها الدم والانصاف ان ما ادعاه من ظهور الأدلة في الاطلاق حق صريح لا مجال
لانكاره فلا يجوز رفع اليد عنه الا بدليل معتبر فان ثبت اجماعهم على خلافه على وجه علم بإرادة المجمعين ذلك فهو وإلا فلا يجوز التخطي عما
يقتضيه اطلاقات الأدلة نعم لو صححنا العمل بالرضوي ولو بملاحظة انجباره بظاهر الفتاوى ومعقد اجماع الناصريات لكان الأوجه عدم وجوب
الغسل بها الا الصلاة الغداة وارتكاب التأويل فيه بما ذكره قدس سره في توجيه كلمات الأصحاب وان أمكن لكنه خلاف ظاهر اللفظ والله
العالم * (وفي القسم الثالث) * أي الاستحاضة الكثيرة يلزمها مع ذلك أي تغيير القطنة والخرقة والوضوء لكل صلاة والغسل لصلاة الغداة
غسلان اخر ان غسل للظهر والعصر أي لصلاتهما تجمع بينهما وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما اما وجوب الأغسال الثلاثة على المستحاضة
التي سال دمها اجمالا مما لا خلاف فيه نصا وفتوى بل لا يبعد دعوى تواتر النصوص عليه وقد تقدم أكثرها في مطاوي المباحث السابقة
وانما الاشكال والخلاف في تشخيص ما هو المناط في وجوب الأغسال فإنه ربما يدعى ان ظاهر الاخبار انه متى تحققت كثرة الدم في
وقت ما كفى ذلك في وجوب الأغسال الثلاثة وان انقطع بعد ذلك وفيه مالا يخفى وربما يقال إن ظاهر الأخبار الواردة في الباب
ان وظيفة كل حالة عند وجود تلك الحالة في وقت الصلاة الذي هو وقت الخطاب بتلك الوظيفة لا مطلقا فلو رأت دما كثيرا
بعد الفجر يجب عليها غسل للصبح ولو رأت بعد الظهر يجب غسل للظهرين وبعد المغرب غسل للعشائين فلو رأت الدم الكثير في غير
هذه الأوقات فلا شئ عليها فهذا أوهن من سابقه إذ ليس في شئ من الاخبار ما يشعر باختصاص سببية الاستحاضة للغسل بما إذا
حدثت في أوقات الصلاة * (وقد) * يقال إن الأظهر في معنى الاخبار انه متى تحقق الدم الكثير لم تجز الصلاة معه الا بغسل فإذا اغتسلت
ارتفع اثره فلها ان تصلى بعده ما شاءت لو لم تر الدم الكثير في أثناء الغسل أو بعده وإلا فلا اثر لما تراه في الأثناء أو بعده بالنسبة
إلى ما يغتسل له فإنه معفو عنه بالنسبة إليه دون غيره من العبادات * (أقول) * وهذا المعنى هو الأوفق بما استظهرناه من الروايات
عند التكلم في حكم المتوسطة لكن قد تشتت كلمات الاعلام في المقام بل في جملة من احكام المستحاضة ولا أرى أوثق في مثل المقام من
الرجوع أولا إلى اخبار الباب بعد الاغماض عن كلمات القوم والاخذ بمفادها بعد الجمع والترجيح ثم عرض المحصل على كلمات الأصحاب
وافهامهم فان ساعده شئ منها فهو والا فسبيل الاحتياط أوضح سبيل وقد اتضح لك في مطاوي كلماتنا السابقة ما ظهر لدينا من
الاخبار الواصلة الينا * (وملخصه) * ان دم الاستحاضة ما لم يظهر على الكرسف أولم يسل بنفسه عند عدم الكرسف بحيث ظهر في الخارج ظهورا
مسببا عن كثرة الدم وتدافعه حدث أصغر موجب للوضوء كغيره من الاحداث الموجبة له فلو استمر فهي مستمرة الحدث كالمسلوس والمبطون
عليها ان تتوضأ عند كل صلاة وان ظهر على الكرسف أو سال الدم بنفسه من كثرته بعد أن طرحت الكرسف فعليها الغسل فظهوره
على الكرسف وكذا سيلانه وخروجه بنفسه لو لم يكن ثمة كرسف يمنعه من الخروج حدث أكبر موجب للغسل [مط] كالمني ودم الحيض فيجب
عليها [ح] مقدمة للصلاة التحفظ والاغتسال والاحتشاء بكرسف ونحوه فإذا اغتسلت واحتشت تصلى ما لم يظهر الدم على الكرسف
كل صلاة بوضوء بلا تأمل فيما عدا ما اغتسلت له من الصلوات اما بالنسبة إليه أيضا فكذلك على تأمل يأتي التكلم فيه فإذا ظهر الدم أعادت
الغسل وأعادت الكرسف هذا إذا أمكن استمساك الدم بكرسف ونحوه واما ان كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف
صبيبا لا يرقى بان تعذر أو تعسر عليها ضبطه وحفظه من الخروج في زمان يعتد به تغتسل للفجر غسلا وللظهرين غسلا وتجمع بينهما
وللعشائين أيضا كذلك فإن لم يظهر الدم ما دامت متشاغلة بشأنها من الطهارة والصلاة فهو والا فقد عفى عن ذلك بشرط
الجمع بين الصلاتين وعدم فصل يعتد به بين الأغسال والصلوات الواقعة عقيبها كما ستعرف فهي [ح] بمنزلة المسلوس والمبطون
في العفو عما يحدث في خلال الطهارة والصلوات ولكن الشارع اجتزى في المقام بغسل واحد للصلاتين من باب التسهيل والأولى
322

لها عند إرادة الجمع بين صلاتين ان تؤخر الأولى وتجعل بالثانية كي تقعا كلتاهما في وقت الفضيلة كما ورد التنصيص عليه في بعض الأخبار
هذا هو الذي يستفاد من مجموع الاخبار بعد تقييد بعضها ببعض على وجه يساعد عليه الفهم العرفي بحيث لا يعد الكلمات على تقدير
صدورها من متكلم واحد متنافية ولا ينافيه شئ من الروايات بحيث يتعذر ارجاعه إليه عدا موثقتي سماعة وما في ذيل صحيحة زرارة
المضمرة على اظهر الاحتمالين * (لكنك) * عرفت عدم امكان الجمع بينها وبين غيرها من الروايات الا بحمل الغسل في كل يوم مرة ما لم يجز الدم
الكرسف على الاستحباب بعد البناء على جريها مجرى الغالب من إرادة عدم الثقب من عدم التجاوز كما يشهد له بعض القرائن الموجودة
في الموثقة المضمرة وغيرها وعلى تقدير تعذر الالتزام بمثل هذا التأويل فيها فالمتعين طرحها لقصورها عن مكافئة سائر الروايات
كما تقدم الكلام فيها مفصلا نعم ينافي ما استفدناه من الروايات كلمات الأصحاب والفقه الرضوي الذي لا يبعد ان يكون من
جملتها فإنها كادت أن تكون متفقة بل متفقة في خلاف ما استفدناه بالنسبة إلى المتوسطة من سببيتها للغسل مطلقا وعدم الفرق
بينها وبين الكثيرة وان الأغسال الثلاثة انما تجب عند استدامة هذا الحدث وتعذر استمساك الدم وضبطه في زمان يعتد به فيشكل
الامر [ح] في مثل الفرض فان رفع اليد عن ظواهر الاخبار بمجرد ذلك ما لم يحصل القطع من كلماتهم بعثورهم على دليل معتبر غير ما بأيدينا
من الأدلة أو اطلاعهم على قرينة داخلية أو خارجية حالية أو مقالية مقتضية لذلك في غاية الاشكال بل لا ينطبق على أصولنا ودعوى
حصول القطع بذلك من كلماتهم لا تنهض حجة على غير مدعيها لكن الاعراض عن كلمات هؤلاء الجم الغفير الذين هو أرباب الخبرة
والبصيرة في معالم الدين المطلعين على غث الاخبار وسمينها وما فيها من المعاني الخفية والقرائن الحالية والمقالية أشكل والذي
يهون الخطب فيما استفدناه من الروايات أوفقيتها للاحتياط فهو المعول عليه ولا يجوز التخطي عنه نعم قد يخالف ذلك الاحتياط
في الاستحاضة الكثيرة بناء على إناطة الكثرة الموجبة للأغسال الثلاثة بالسيلان التقديري لا الفعلي كما لو اغتسلت للظهرين
في اخر وقتهما وصلت الظهرين فدخل المغرب ولما يظهر الدم على الكرسف لقصر الزمان لا لقلة الدم فصلت العشائين أيضا بذلك
الغسل قبل ظهور الدم * (ولكن) * الالتزام به هين حيث لم يعلم مخالفته للمشهور إذ لا يبعد ان يكون مجاوزة الدم بالفعل شرطا في وجوب
إعادة الغسل لدى كثير منهم حيث لا يأبى عن ذلك عبائرهم بل لعله هو الذي يقتضيه ظواهرها * (لكن) * لا ينبغي ترك الاحتياط
في مثل الفرض بإعادة الغسل والله العالم بحقايق احكامه وقد ظهر لك مما تقدم ان الاستحاضة الموجبة للغسل لا تنفك عما
هو سبب للوضوء لا لما ربما يدعى من أن موجبات الغسل أي الحدث الأكبر نواقض للوضوء نصا واجماعا حتى يمكن ان يتطرق فيه بعض
المناقشات بل لان ظهور الدم على القطنة الذي هو سبب للغسل مسبوق بعدمه الموجب للوضوء و [ح] يقع الكلام في أنه هل يجزى
غسلها بالنسبة إلى الصلاة التي اغتسلت لها عن الوضوء لأجل تلك أم لابد معه من الوضوء كما هو قضية
الأصل من تأثير كل سبب في
ايجاب ما يقتضيه وعدم الاجتزاء بأحد المسببين عن الاخر وليعلم ان النزاع في هذه المسألة لا يتفرع على الخلاف في عموم الاجتزاء بكل
غسل عن الوضوء أو اختصاصه بغسل الجنابة لمكان القول بالفصل فان بعض من قال بالاجتزاء أنكره في خصوص المقام كما عن السيد في الجمل
نظرا إلى ما في جملة من اخبار الباب من الامر بالوضوء مع الغسل كقوله (ع) في موثقتي سماعة وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم
مرة والوضوء لكل صلاة وفي مرسلة يونس الطويلة فلتدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة قيل وان سال قال وان
سال مثل المثعب فإنه وان قلنا إن المتبادر من قوله فلتغتسل غسل الحيض الا انه يفهم من تعميم الحكم بالنسبة إلى الاستحاضة الكثيرة كما يدل عليه
صريح الرواية عدم الاجتزاء بغسلها عن الوضوء وفي ذيل رواية إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله عليه السلام بعد أن سئله عن انه يواقعها
زوجها قال (ع) إذا طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضأ ثم يواقعها ان أراد وعن جملة من الأساطين كالشيخ والصدوقين والقاضي و
الحلبي وابن زهرة وغيرهم عكس القول السابق أي القول بكفاية غسل الاستحاضة عن الوضوء كغسل الجنابة دون سائر الأغسال بل عن
المصنف في المعتبر اختياره والمبالغة في تضعيف القول بعدم الاجتزاء حيث قال وظن غالط من المتأخرين انه يجب مع هذه الأغسال الوضوء
لكل صلاة ولم يذهب إلى ذلك أحد من طائفتنا ويمكن ان يكون غلطه لما ذكره الشيخ في المبسوط والخلاف ان المستحاضة لا تجمع بين
فرضين بوضوء فظن انسحابه على مواضعها وليس على ما ظن بل ذلك مختص بالموضع الذي يقتصر فيه على الوضوء * (انتهى) * وهذا منه عجيب
مع أنه هو مختاره في المتن وفي النافع بل عن ظاهر المختلف نسبته إلى المشهور بل عن المنتهى انه لا خلاف فيه وكيف كان فمما يمكن ان
يستدل به للاجتزاء مضافا إلى الأدلة العامة التي يستدل بها للقول بالاجتزاء مطلقا كما تقدم تفصيلها في غسل الحيض الأخبار المستفيضة
التي كادت تكون متواترة الواردة في مقام بيان تكليف المستحاضة الدالة على أنه إذا جاز دمها الكرسف تعصبت و
اغتسلت ثم صلت الغداة بغسل والظهرين بغسل وتجمع بينهما والعشائين بغسل وتجمع بينهما والالتزام باهمال هذه الروايات بأسرها
323

من هذه الجهة في غاية الاشكال ورفع اليد عن ظاهر هذه الأخبار ليس بأهون من حمل الامر بالوضوء في الأخبار السابقة على الاستحباب
ونحوه بل العكس أولى هذا مع أن دلالة الأخبار السابقة على المطلوب لا تخلو عن تأمل اما الموثقتان فقد عرفت المناقشة في
دلالتهما على إرادة الغسل الواجب على المستحاضة لصلاتها بل موردهما الاستحاضة القليلة والغسل المأمور به فيهما لا يمكن الا ان
يكون مستحبا فيكون كساير الأغسال المستحبة وليستا مسوقتين لبيان انه لو أوجدته قبل الصلاة يجزى غسلها عن الوضوء أم لا غاية الأمر
دلالتهما على عدم الاجتزاء في مثل الفرض بأصالة الاطلاق التي يرفع اليد عنها بأدنى ظهور في التقييد بل لو سلم ظهورها في إرادة
الغسل الواحد في الاستحاضة المتوسطة لا يدل عليه الا من باب أصالة الاطلاق التي يهون تقييده لما ستعرف من أنه على تقدير
القول بالاجتزاء انما يكون ذلك فيما لو اتى بالصلاة عقيب الغسل بلا فصل وتنزيل الرواية على غير هذا الفرض بعد مساعدة
الدليل ولو عموم ما يقتضى الاجتزاء فضلا عن ظهور الأخبار الخاصة في ذلك هين واما مرسلة يونس فالمراد من الامر بالغسل فيها
في هذا المورد هو غسل الحيض والمراد من تعميم الحكم انما هو في أنها تصلى في مقابل أيام أقرائها لا انها تصلى بعد غسل الحيض بالوضوء
[مط] وليس الكلام في هذا المقام لبيان تكليف المستحاضة الا في الجملة فلا ينافيه الاهمال وانما يبين حكم المستحاضة الكثيرة في المرسلة
في قضية خمسة بنت جحش حيث تعرض أبو عبد الله عليه السلام لنقل قول النبي صلى الله عليه وآله وأمره لها بالاغتسال للصوم ولصلاة الفجر وللظهر و
العشائين وأمرها بتأخير الظهر وتعجيل العصر ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وآله بالوضوء فلو كان واجبا عليها لأمرها بذلك خصوصا عند الامر
بالجمع بين الصلاتين الموهم لعدم جواز الفصل بالوضوء خصوصا في أوائل الاسلام التي لا يمكن ادعاء كون مثل هذا الحكم معهودا
لديهم * (واما) * الرواية الأخيرة فأمرها بالوضوء قبل الجماع للاستحباب لا الوجوب كما ستعرفه بل وكذا الغسل على احتمال قوى هذا مع
امكان ان يكون المراد من الغسل غسل الحيض والله العالم والأظهر تفريع هذه المسألة على ما هو المختار في المسألة العامة وهي
الاجتزاء بكل غسل عن الوضوء أو عدمه وما ذكرناه وجها لكل من القولين في المقام ينهض مؤيدا لما هو الراجح في تلك المسألة وقد
عرفت في مبحث الحيض ان القول بالاجتزاء مطلقا لا يخلو عن قوة لكن الاحتياط لا ينبغي تركه فالمقام أولى بمراعاة الاحتياط لما عرفت
من أن القول بعدم الاجتزاء فيه بالخصوص لا يخلو عن وجه وان كان الأوجه خلافه * (ثم) * لا يخفى عليك انا لو قلنا بالاجتزاء فإنما يمكن
الالتزام به فيما ذا صلت عقيب الغسل بلا فصل معتد به بحيث لو كان تكليفها الوضوء مكان الغسل لكان وضوئها في زمان الغسل مبيحا
لتلك الصلاة فلو اغتسلت بعد صيرورة الكثيرة قليلة لرفع حدثها الأكبر وأخرت الصلاة عن غسلها عليها ان تتوضأ لكل صلاة لان ما
يوجد بعد الغسل من الحدث الأصغر وهو الاستحاضة القليلة سبب مستقل للوضوء ولا معنى للاجتزاء عنه بالغسل السابق ومن هذا القبيل
ما لو اغتسلت في الاستحاضة المتوسطة بعد طلوع الفجر لصلاة الغداة واستدلت الكرسف وأخرت الصلاة ولم نأت بها الا بعد زمان
معتد به فعليها الوضوء لصلاة الغداة أيضا كسائر صلواتها كما هو ظاهر * (ومن) * هنا ربما يتخيل الفرق بين غسل الاستحاضة وسائر الأغسال
لو قلنا بكفايتها عن الوضوء بمقتضى الأدلة العامة لا خصوص اخبار الباب نظرا إلى أن هذه الأدلة لا تقتضي الا الاجتزاء بالغسل عن
الوضوء المسبب عن سبب سابق لا السبب الذي يتحقق في أثناء الغسل أو بعده ولذا التزمنا في غسل الجنابة بأنه لو حدث في أثناء الغسل
ما يوجب الوضوء أتم الغسل وتوضأ فغسل الاستحاضة من هذا القبيل نعم لو اغتسلت بعد البرء يكون [ح] كساير الأغسال واما غسلها ما دامت
مستحاضة فلا يكون الا مثل المثال الذي التزمنا فيه بالوضوء وكون حدثها مستمرا لا يقتضى كفاية غسلها عن وضوئها لان قضيته استمرار
الحدث بطلان الوضوء لكن ثبت بالدليل العفو عنه بالنسبة إلى ما يوجد في أثناء الوضوء والصلاة الواقعة عقيبه بالنسبة إلى تلك الصلاة
وهذا امر توفيقي لا يكفي في اثباته عموم ما دل على أن كل غسل مجز عن الوضوء لكن التخيل فاسد لان مقتضى تلك العمومات كون الغسل
أتم تأثيرا في إفادة ما يفيده الوضوء من حيث الطهورية حقيقية كانت أم حكمية ولذا لا ينبغي التأمل في أنه لو اغتسل المسلوس غسل الجنابة
أو الجمعة على القول بالكفاية لأغناه عن وضوئه وكذا المستحاضة لو اغتسلت غسل الجنابة قبل صلاتها فغسل استحاضتها على هذا القول
كغسل الجنابة نعم يبقى الاشكال بالنسبة إلى صلاة العصر والعشاء عند جمعهما مع الظهر والمغرب في الاستحاضة الكثيرة حيث إنك عرفت أنه
لو عادت الكثيرة قليلة اغتسلت وتوضأت لكل صلاة ولها الاتيان بصلاتها الأولى عقيب الغسل والاجتزاء به عن وضوئها دون سائر
صلواتها ومقتضاه عدم الاجتزاء بالغسل لهما عن الوضوء لصلاة العصر إذ غاية الأمر ثبوت العفو عن حدثها المستمر بالنسبة إلى الغسل دون
الوضوء مع أنه لم ينقل الالتزام به من أحد فان الأقوال المنقولة في المسألة ثلاثة الوضوء لكل صلاة والاجتزاء بالغسل عن الوضوء لهما
معا اما الوضوء الصلاة العصر أو العشاء دون الظهر والمغرب فلم ينقل من أحد وحيث لم يثبت العفو عن الحدث المستمر بالنسبة إلى
الوضوء لصلاة العصر وجب عليها ذلك بمقتضى عموم ما دل على سببية الدم للوضوء قبل ظهوره على القطنة فينم القول بالنسبة إلى الظهر
324

بعدم القول بالفصل لكن لقائل ان يعكس الدليل بان يقول ثبوت الاجتزاء عن الوضوء للظهر بالغسل الواقع للصلاتين دليل على العفو
عن الحدث المستمر الواقع في أثنائهما وعدم تأثيره في ايجاب الوضوء للعصر كالغسل له بعدم القول بالفصل هذا مع امكان منع سببية الدم
السائل الذي لا يرقى ولا يمكن استمساكه بمقدار أداء الطهارة وفعل الصلاة للوضوء هذا كله مضافا إلى ظهور الأخبار الكثيرة
الواردة في مقام البيان الامرة بالجمع بين الصلاتين من حيث السكوت في نفيه * (نعم) * لو رجحنا القول بعدم كفاية الغسل عن الوضوء لابد لنا
من رفع اليد عن هذا الظاهر كما ليس بالبعيد لكن انكاره رأسا مجازفة وكيف كان فالاحتياط بفعل الوضوء عند كل صلاة مما لا ينبغي تركه
لكن مع مراعاة عدم حصول الفصل بفعله بين الصلاتين عرفا والأولى ايجاده في أثناء الإقامة كما أن الأحوط والأولى ايجاد الوضوء لصلاة
الظهر قبل الغسل بل قد عرفت في مبحث الحيض ان الأحوط والأولى تقديم الوضوء في كل غسل على الغسل لكن لو اعتنينا بالوجه الاعتباري
الذي ذكرناه فارقا بين غسل الاستحاضة وغيرها لكان الأحوط تأخير الوضوء في الاستحاضة المتوسطة ونحوها مما لم يبق الدم سائلا كي يكون
موجبا لايجاد الصلاة عقيب الغسل بلا فصل حتى يكون تأخير الوضوء منافيا للاحتياط من هذه الجهة والله العالم
وينبغي التنبيه على
أمور * (الأول) * لو وقف الدم السائل بعد الغسل قبل الصلاة بان حصل لها فترة تسع الطهارة والصلاة في وقتها وعلمت بكونها كذلك
أعادت الغسل ولو لم تسعهما فلا إعادة ولو كانت في أثناء الصلاة اعادتهما ولو كانت بعدها مضت صلاتها وكذا المستحاضة القليلة
لو برأت بعد الوضوء قبل الصلاة أو في أثنائها أو حصل لها فترة بان انقطع الدم من الباطن بمقدار فعل الوضوء والصلاة استأنفت
لو علمت بان الفترة تسعهما ولو حصلت بعد الصلاة فلا إعادة ولو علمت من عادتها بحصول البرء أو الفترة بمقدار الطهارة والصلاة
انتظرت وكذا لو ظنت بذلك على الأحوط وقد ظهر تحقيق هذه الفروع في نظائرها من حكم المسلوس وصاحب الجبيرة ونحوها فراجع ولو
احتملت الفترة أو البرء لا يجب عليها الانتظار بل لها البدار ولو لم نقل بذلك في أولى الاعذار لاطلاق الامر بفعل الوضوء أو الغسل و
الصلاة في أوقاتها في الأخبار الكثيرة الواردة في مقام البيان بل في جملة منها الامر بتعجيل العصر والعشاء وجمعهما مع الظهر والمغرب
مع أن الغالب قيام احتمال البرء أو الفترة وتنزيل الاخبار على صورة البأس كما ترى نعم لا يبعد دعوى انصرافها عن صورة ظن البرء والانقطاع
لما هو المغروس في الذهن من كونه تكليفا اضطراريا فيكون هذا الامر الذهني موجبا لصرف الاطلاق عن مثل الفرض كصرفه عن صورة العلم
وان كانت صورة العلم في حد ذاتها فرضا نادرا ينصرف عنه الاطلاق وكيف كان فلو حصل الانقطاع في الأثناء ولم تعلم بسعتها لفعل
الطهارة والصلاة مضت في صلاتها وان احتملت كونه للبرء وليس لها قطع الصلاة لا للنهي عن ابطال العمل حتى يناقش فيه ببعض المناقشات
التي منها الشك في تحقق الموضوع بل لاستصحاب كونها مستحاضة واستصحاب طهارتها السابقة وعلى تقدير الخدشة فيما فلا أقل من استصحاب
كونها مصلية ومن اثاره حرمة ايجاد منافيات الصلاة وفي نظائر المقام استصحابات اخر بعضها مزيف وبعضها مقبول كما تحقق في الأصول
ثم إنه لو انكشف بعد الصلاة كون الانقطاع للبرء أعادت لاختصاص العفو عن الحدث بالمستحاضة وقد تبدل موضوعها ولو كان للفترة
لم تعد وان انكشف سعتها للطهارة والصلاة على الأظهر لصدق المستحاضة واطلاق الامر المقتضى للاجزاء * (ودعوى) * انصرافه عن مثل الفرض
غير مسموعة نعم انما ينصرف الاطلاقات عن صورة العلم بسعة زمان الفترة للطهارة والصلاة اما لكونه فردا
نادرا أو لما أشرنا إليه
من القرينة العقلية لكن الاحتياط في مثل الفرض لا ينبغي تركه والله العالم * (الأمر الثاني) * مقتضى القاعدة فيمن استمر به الحدث من
مثل المسلوس والمبطون والمستحاضة بعد ثبوت وجوب الوضوء أو الغسل عليه والعفو عما يوجد بعده من السبب في الجملة هو الاقتصار
على القدر المتيقن بايجاد الصلاة عقيب الوضوء أو الغسل فورا وعدم الفصل بينهما ولو بمقدمات الصلاة بل لو تمكن في أثناء الصلاة
عند تواتر الحدث من ايجاد مسببه على وجه لا ينافي الصلاة وجب عليه ذلك لولا الحرج والضرر هذا إذا كان الحاكم بالعفو العقل
حيث لا طريق له إلى أزيد من ذلك لكن المستند في المقام هو الاخبار ومقتضاها أوسعية الامر من ذلك كما يؤيدها ابتناء أحكام الشريعة
على التوسعة لكونها منزلة على المتعارف والمتبادر منها وجوب ايجاد الوضوء أو الغسل لكل صلاة وايجاد تلك الصلاة عقيبها على النحو
المتعارف نعم يفهم من الامر بالوضوء لكل صلاة والامر بالجمع بين الصلاتين من دون فصل وغيرهما من الشواهد الداخلية والخارجية
استمرار الحدث وكون العفو عنه في أثناء الطهارة والصلاة لمكان الضرورة فيعلم من ذلك عدم جواز الفصل المعتد به عرفا بين الطهارة
والصلاة أو بين الصلاتين وليس للاخبار الامرة بالوضوء والصلاة اطلاق من هذه الجهة حتى يتمسك باطلاقها لجواز التأخير [مط]
لكن يفهم من عدم الامر بترك الفصل ببعض المقدمات مثل المشي من مكان الغسل أو الوضوء إلى موضع الصلاة أو احضار التربة
أو الأذان والإقامة أو نحوها العفو عما يحدث في خلال هذه المقدمات بل في صحيحة معاوية بن عمار التصريح بذلك قال (ع) توضأت و
دخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء بناء على إرادة الوضوء لأجل الصلاة كما هو المتعارف المعهود لا لدخول المسجد من حيث هو فيفهم
325

من ذلك [ح] ان الرواح إلى المسجد ونحوه من المقدمات القريبة للفعل ممالا بأس به بل لا يبعد ان يكون من هذا القبيل انتظارها للجماعة
لكن الاحتياط بالنسبة إلى مثل هذه الأمور ممالا ينبغي تركه والله العالم
* (الأمر الثالث) * صرح غير واحد بأنه يجب على المستحاضة
الاستخبار بادخال القطنة وتعرف حال الدم من كونها قليلة أو كثيرة أو متوسطة ويمكن ان يوجه بناء على إناطة احكام المستحاضة
على مقدار الدم قلة وكثرة لا على ظهوره على القطنة فعلا وعدمه بأنه من الموضوعات التي لا يمكن معرفتها غالبا الا بالاختبار فلو
عمل المكلف فيها بالأصل من دون فحص لوقع غالبا في محذور مخالفة التكليف لكن للتأمل في وجوب الفحص في مثل المقام بعد تسليم
المقدمات مع كون الشبهة موضوعية مجال وما يتوهم من اختصاص دليل العمل بالأصول قبل الفحص بغير مثل المقام فإنه إن
كان مدركه العقل فالعقل لا يعذر الجاهل المقصر في مثل المقام بل في مطلق الشبهات الموضوعية خصوصا الوجوبية منها كالحكمية
مع التمكن من الاستعلام وان كان الاجماع فلا يعم مثل الفرض الذي نصوا فيه بالوجوب بل يظهر من غير واحد وجوب الفحص في
الشبهات الوجوبية مطلقا وان كان الاخبار فيمكن دعوى انصرافها عن مثل الفرض * (مدفوع) * بعدم الفرق في الشبهات
الموضوعية بين مواردها في عدم وجوب الفحص كما تقرر في محله وكفى نقضا في المقام جواز استصحاب الحدث والخبث والطهارة
منهما بلا فحص من دون فرق بين مجاريها بالضرورة وقد يوجه عدم جواز العمل بالأصل في المقام بثبوت العلم الاجمالي بحدوث امر
مردد بين ان يكون اثره خصوص الوضوء أو مع الغسل أو خصوص الغسل على الخلاف فيجب اما الاحتياط أو تعرف ذلك الامر * (وفيه) * انه مع امكان معرفة
ذلك الامر باستصحاب القلة أو الكثرة لا يبقى لذلك العلم الاجمالي اثر أعني وجوب الاحتياط * (نعم) * كون اثره مرددا بين الأقل والأكثر
لا يجدي في مثل المقام من حيث جريان أصل البراءة بالنسبة إلى الكلفة الزائدة بان يقال تأثير ذلك الامر في ايجاب الوضوء معلوم
وفي ايجاب الغسل مشكوك والأصل براءة الذمة عند لأن استصحاب الحدث بل قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى احراز الطهور مقدمة
للصلاة حاكمة على أصل البراءة لكن يجدى في سلامة استصحاب طهارتها عن الحدث الأكبر واستصحاب عدم حدوث موجب الغسل من
معارضة استصحاب طهارتها عن الحدث الأصغر وأصالة عدم حدوث سبب الوضوء كمالا يخفى * (وبهذا) * ظهر لك ان منع جريان استصحاب
قلة الدم أو كثرته بناء على عدم جريان الاستصحاب في مثله من الأمور التدريجية لا يجدي في ايجاب الفحص بناء على كون المسبب من قبيل الأقل
والأكثر فان المرجع [ح] إلى أصالة الطهارة عن الحدث الأكبر وأصالة عدم حدوث موجبه نعم يجدى على القول بكون الأثر من قبيل
المتباينين وتمام الكلام في الأصول فظهر لك ان القول بوجوب الفحص لا يخلو عن اشكال خصوصا على ما استظهرناه من الاخبار من إناطة
الحكم بظهور الدم وعدمه فإنه على هذا التقدير من الموضوعات التي قلما يشتبه مصاديقها وعلى تقدير القول بوجوب الفحص لو تركته
واتت بتكليفها على ما هو عليه بان صادف المأتي به للواقع من دون اخلال فيه لقصد القربة ونحوه برئت ذمتها عن ذلك التكليف جزما إذ ليس
وجوب الفحص وتعرف حالها على تقدير الالتزام به الا مقدمة للعلم بتكليفها لا شرطا في مهية المكلف به فلا يؤثر الاخلال به من حيث هو
بطلان المأمور به كما هو ظاهر والله العالم
* (الأمر الرابع) * قال في الجواهر يجب على المستحاضة الاستظهار في منع خروج الدم بحسب
الامكان كما إذا لم تتضرر بحبسه بحشو الفرج بقطن أو غيره بعد غسله فان انحبس والا فبالتلجم والاستثفار بان تشد وسطها بتكة مثلا وبأخذ
خرقة مشقوقة الراسين تجعل أحدهما قدامها والاخر خلفها وتشدها بالتكة كما هو صريح جماعة وظاهر آخرين بل لم أجد فيه خلافا انتهى
* (أقول) * اما على ما استفدناه من الاخبار من كون ظهور الدم حدثا أكبر موجبا للغسل وعدم العفو عنه الا فيما تعذر استمساكه أو تعسر
عادة فوجهه ظاهر بل مقتضاه الاستظهار في أثناء الغسل أيضا كما عن بعض التصريح به واما على المشهور من عدم إناطة الحكم بذلك فقد
عللوه بوجوه كثيرة لا يخلو بعضها عن تأمل وعمدتها الأخبار الكثيرة الامرة بذلك وما في بعضها من الامر باستدخال القطنة والتلجم
ونحو ذلك جار مجرى العادة لا لخصوصية فيها بحيث لو حصل الاستيثاق بما يفيد فائدتها لم يجز عنها كما هو الظاهر المتبادر عرفا من
الامر بمثل هذه الأشياء في مثل هذه الموارد كما يؤيده الامر بمطلق الاستيثاق في بعض الروايات ثم إن
ما في رواية الحلبي من الامر
بالاستذفار المفسر في اخر الرواية بان تتطيب وتستجمر بالدخنة ونحو ذلك وكذا ما في بعض الأخبار الأخر
من الأمور التي لا تعرض
لذكرها في سائر الأخبار الواردة في مقام البيان مع كثرتها مثل ترك التحني أي الاختضاب بالحناء أو التحيي أي الصلاة تحية كما أنهما من
محتملات رواية عمار المضطرب مثلها محمول على الاستحباب جزما وكذا الامر بضم الفخذين كما في بعض الروايات ويمكن حمله على ما إذا
توقف التوقي عليه والله العالم
* (الأمر الخامس) * قد ظهر لك فيما تقدم ان دم الاستحاضة حدث مطلقا فما لم يظهر على القطنة فهو حدث
أصغر وان ظهر فحدث أكبر فلا يشرع لها الاتيان بشئ من الغايات المشروطة بالطهور مطلقا كالصلاة والطواف ومس كتابة القران
وما يلحق بها الا بعد رفع اثره حقيقة أو حكما بفعل الوضوء أو الغسل وحيث إن رفع اثره حقيقة ما دام استمرار الحدث غير ممكن حتى
326

يستدل المشروعية ايجاد الوضوء أو الغسل مطلقا بقصد تحصيل الطهارة بعموم ما يدل على رجحان الظهور يشكل حكمها بالنسبة إلى سائر
الغايات المشروطة بالطهور فيما عدا موارد النصوص كمس المصحف ونحوه من جهتين * (الأولى) * من حيث إنه هل يشرع لها الوضوء أو الغسل لهذه
الغايات فيرتفع بهما حدثها حكما كما يرتفع كذلك لو أتت بهما للصلاة الواجبة أم لا الثانية من حيث استباحة سائر الغايات بالوضوء
أو الغسل المأتي به للصلاة فان تجويز سائر الغايات المشروطة بالطهور مما لم يضطر إليها بالطهارة الاضطرارية الحكمية لا يخلو عن
اشكال ولكن الأصحاب رضوان الله عليهم بعد أن بينوا احكام المستحاضة من الوضوءات والأغسال على الوجه الذي عرفته فيما تقدم
نصوا على أنها إذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر من غير خلاف يعرف فيه بل عن جملة دعوى الاجماع عليه نعم عن الشيخ تخصيصه بما عدا
دخول الكعبة وظاهر اطلاقهم انه إذا فعلت المستحاضة هذه الأفعال يرتفع اثر استحاضتها مطلقا لا بالنسبة إلى خصوص الصلاة حتى
يكون الكلام بعد ذكر الفروع السابقة بمنزلة المستدرك وينحصر فائدته في بيان كون طهارتها المكتسبة بالاعمال السابقة حكمية
لا حقيقية بل ظاهر اطلاقهم وعدهم الشيخ مخالفا في المسألة حيث استثنى دخول الكعبة كما صرح به بعضهم انها بهذه الاعمال تصير كمن
لا استحاضة لها مطلقا لكن ينافي هذا الاطلاق ايجابهم تبديل القطنة والخرقة وتحديد الوضوء لكل صلاة الا ان يقال بدخول ذلك
في الاعمال المذكورة فيكون مفاد العبارة انه يرتفع اثر الاستحاضة بالنسبة إلى سائر الغايات مطلقا إذا عملت هذه الأفعال في كل صلاة
نافلة كانت أم فريضة فهي بالنسبة إلى غير الصلاة عند مراعاتها لما هو تكليفها بالنسبة إلى الصلاة بمنزلة من ليس له هذا الحدوث لكن ينافي
ارادتهم ذلك مع بعده في حد ذاته استدلالهم على وجوب إعادة الوضوء عند كل صلاة بان الدم حدث فليقتصر في رفع حكمه على المتيقن
فان مقتضاه وجوب الإعادة لكل امر مشروط بالطهور كالطواف والمس ولذا حكى عن الموجز وشارحه الجزم بلزوم تعدد الوضوء للطواف
وصلاته وعن كاشف الغطاء الجزم بوجوب تكرار الوضوء لتكرار المس وتردده في كفاية وضوء واحد لمس واحد مستمر وينافيه أيضا ما صرح
به بعضهم من وجوب تقديم الغسل على الفجر للصوم معللا بمانعية حدثها من انعقاد الصوم مع أن مقتضى ما ذكر كفاية الوضوء أو الغسل
الذي أتت به لصلاتها السابقة في رفع اثر الاستحاضة * (وكيف) * كان فلا وثوق بإرادتهم هذا المعنى على اطلاقه ولا أقل من قوة احتمال عدم
إرادة جميعهم ذلك حتى يكون اجماعيا والقدر المتيقن ارادتهم انما هو بيان صيرورتها بمنزلة الظاهر ما دام لأعمالها اثر فيفهم منه انه متى
استبيح لها فعل الصلاة بهذه الأفعال يستباح لها مس المصحف وغيره من الغايات لا انه يبقى اثر هذه الاعمال بالنسبة إلى سائر الغايات
بعد زواله بالنسبة إلى الصلاة * (والحاصل) * انه لا يمكن استفادة أزيد من ذلك من الاجماع ولا من غيره من الأدلة فلا بد من الاقتصار في الحكم
المخالف للأصل على مورد الثبوت ثم إن سوق عبارتهم في الفتاوى ومعاقد اجماعاتهم يشهد بعدم كونها مسوقة الا لبيان حكم المنطوق أي كونها
في حكم الطاهر إذا فعلت ما وجب عليها من الوضوء والغسل لا لبيان انحصار سبب كونها بحكم الطاهر فيما لو اتى بتلك الأفعال على ما فصل بان يكون
وضوئها أو غسلها لأجل الصلاة لا غير بحيث يفهم منه عمد تأثيرهما لو أوجدتهما لسائر الغايات كيف والا لما حكموا بالغسل للصوم أو غيره من
الغايات كالوطي لو قلنا بحرمته قبل الاغتسال أو الوضوء لما عدا الصلاة من الغايات وان وجبت فالظاهر أن كلمة إذا في عبايرهم وقتية
لا شرطية وما ربما يتوهم من ظهور الكلام في إرادة الانتفاء عند الانتفاء فليس منشأه استفادة الاشتراط من التعليق بل منشأه ارتفاع
الحكم بارتفاع موضوعه وبقائها على حالتها السابقة بمقتضى الأصل كيف ولو كان ظاهره الاشتراط المقتضى لانحصار السبب لا نسبق
إلى الذهن في بادي الرأي بطلان الوضوء أو الغسل المأتي بهما لسائر الغايات وكان الحكم بجوازه منافيا لذلك مع أن الذهن لا يلتفت
إلى المنافاة أصلا ثم لو سلم ظهورها في التعليق فليس مفادها الا انحصار سبب كونها بحكم الطاهر بما إذا فعلت
تلك الأفعال ومتى لم
تفعل ينتفى هذا الحكم يعنى لا تكون بمنزلة الطاهر فلا يشرع لها الاتيان بالأشياء التي ينافيها حدث الاستحاضة واما الأشياء المنافية
لحدث الاستحاضة فيجب تشخيصها بدليل خارجي ولا يجدى في معرفتها هذا المفهوم كما هو ظاهر لكن ربما يستشعر من بعض عبايرهم في معاقد
اجماعاتهم المحكية انها لو لم تفعل هذه الأفعال فهي بحكم الحايض يحرم عليها ما يحرم على الحايض مثل ما عن الغنية أنه قال ولا يحرم على
المستحاضة شئ مما يحرم على الحايض وحكمها حكم الطاهر إذا فعلت ما ذكرنا بدليل الاجماع المشار إليه انتهى
وعن المعتبر ان مذهب علمائنا أجمع
ان الاستحاضة حدث تبطل الطهارة بوجوده فمع الاتيان بما ذكر من الوضوء ان كان قليلا والأغسال ان كان كثيرا يخرج من حكم الحدث
لا محالة وتستبيح كلما تستبيحه الطاهر من الصلاة والطواف ودخول المساجد وحل وطيها وإن لم تفعل كان حدثها باقيا ولم يجز ان
تستبيح شيئا مما يشترط فيه الطهارة * (انتهى) * وعن التذكرة إذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها من الأغسال والوضوء وتغيير الخرقة صارت بحكم
الطاهر عند علمائنا أجمع إلى اخز ما في المعتبر * (و) * عن الوسيلة إذا فعلت ما تفعله المستحاضة لم يحرم عليها شئ مما يحرم على الحايض الا دخول الكعبة
وعن البيان ولا يحرم عليها شئ من محرمات الحيض إذا أتت باللازم عليها انتهى وقد حكى عن بعض الالتزام بان حدث الاستحاضة بعينه حدث
327

الحيض والأفعال تصيرها بحكم الطاهر نظرا إلى ظهور كلماتهم في نظائر عبائرهم المتقدمة في ذلك والى كون الاستحاضة غالبا هي الدم
المستمر من أيام الحيض مدعيا ان الاخبار تعطى انها بحكم الحائض كما يعطيه لفظ الاستحاضة فإنها استفعال من الحيض وفيه مالا يخفى
اما دعوى ظهور عبائرهم في معاقد اجماعاتهم المحكية في ذلك فهي ممنوعة جدا نعم فيها اشعار بذلك واما مفادها فليس الا ما نص عليه
في المعتبر في ذيل كلامه بأنها إن لم تفعل كان حدثها باقيا لم ولم يجز ان تستبيح شيئا مما يشترط فيه الطهارة ومعلوم ان الوطي وكذا دخول
المساجد وقراءة العزائم والصوم ليس من تلك الأشياء ان أريد كونها مشروطة بالطهارة على الاطلاق وان أريد ما يشترط فيه الطهارة
عن حدث الاستحاضة فلا بد من تعينيه بدليل خارجي * (وكيف) * كان فليس مقصودهم من هذه العبارات بيان انها ما لم تفعل هذه الأفعال
هي بحكم الحائض فلا أقل من الشك في ذلك فكيف يمكن القطع بكونه اجماعيا حتى يكون مستندا لحكم شرعي بل كيف يظن بأحد ان يلتزم بعموم
أحكام الحائض للمستحاضة مثل حرمة طلاقها ووطيها وبطلان صومها في القليلة ما لم تتوضأ لصلاتها واما دعوى استفادة ذلك من
الاخبار ففيها ان جملة من الاخبار مصرحة بالتفصيل بين الاستحاضة والحيض وان الاستحاضة دم اخر وله أوصاف غير أوصاف الحيض واحكام
غير احكامه وعلى تقدير تسليم كونها ذلك الدم كما يعطيه لفظ الاستحاضة لا يجدى في تسرية أحكام الحائض
إليها بعد أن خص الشارع موضوعها
بما إذا لم يتجاوز دمها العشرة ولم يقصر عن الثلاثة وجعل ما عداه قسيما له كمالا يخفى نعم في بعض الأخبار
الآتية القاضية بحرمة وطئها
ما لم تغتسل اشعار بذلك ولكنه لا يلتفت إليه فالشان في المقام انما هو تشخيص الأشياء المحرمة على المستحاضة والقدر المتيقن منها
هي الأشياء المشروطة بالطهور مثل الصلاة والطواف ومس المصحف وما عداه يحتاج إلى الدليل وقد حكى عن المشهور القول بحرمة اللبث
في المساجد ودخول المسجدين ولا يبعد ارادتهم الحرمة فيما لو احتاجت إلى الغسل لبعد التزامهم بذلك في القليلة بل ظاهرهم من الحكم بتوقفه
على الغسل إرادة ما عدا القليلة ففي طهارة شيخنا المرتضى [ره] حكى عن موضع من المصابيح توقف جواز دخولها على الغسل وعن موضع
اخر أنه قال قد تحقق ان مذهب الأصحاب تحريم دخول المساجد وقراءة العزائم على المستحاضة قبل الغسل ثم نقل بعض الأقوال المنافية
لذلك منها جواز دخولها من غير توقف كقرائة العزائم ثم قال ولا ريب في شذوذ هذه الأقوال وحكى عن حواشي التحرير أنه قال واما حدث
الاستحاضة الموجب للغسل فظاهر الأصحاب انه كالحيض وعن شارح النجاة الاجماع على تحريم الغايات الخمس على المحدث بالأكبر عدا
المس ثم قال وظاهرهما الاجماع على وجوب غسل الاستحاضة بدخول المساجد وقراءة العزائم ويستفاد ذلك من الغنية والمعتبر و
التذكرة انتهى * (أقول) * الظاهر أن نسبة كونها كالحيض إلى ظاهر الأصحاب كاستفادة الاجماع من الغنية والمعتبر والتذكرة منشاها
العبائر المتقدمة كما نبه عليه شيخنا المرتضى [ره] وقد عرفت منع ظهور العبائر المتقدمة فيما ادعى وعلى تقدير تسليم الظهور بل صراحتها فيما
ادعى ليس لنا الاعتماد عليه ما لم يحصل الوثوق بصدقه لما تقرر في محله من عدم حجية نقل الاجماع نعم ما حكاه عن شارح النجاة عن الاجماع
على تحريم الغايات الخمس على المحدث بالأكبر عدا المس ليس بالبعيد وان كنا لم نتحققه أيضا وعلى تقدير تحققه فمقتضاه انه يحرم على المستحاضة
بعد أن وجب عليها الغسل ما لم تغتسل جميع ما يحرم على الجنب والحايض من حيث كونها محدثة بالأكبر لا من حيث كونها حائضا فلا يعم
مثل الوطي وبطلان الطلاق ونحوهما فلو قلنا بحرمة وطيها قبل الاغتسال فهو لدليل اخر كما سيأتي التعرض له لا لقاعدة الاشتراك فعلى هذا
لو قلنا بما يدعى استفادته من كلمات العلماء في معاقد اجماعاتهم من إرادة المفهوم انحصار صيرورتها بحكم الطاهر بما لو أتت بتلك الأفعال
على ما فصل فمقتضاه عدم استباحة الأشياء المحرمة على الجنب للمستحاضة وعدم ارتفاع حدثها الأكبر ما دامت مستحاضة وان تبدلت
حالتها وصارت قليلة لا حقيقة ولا حكما الا بالغسل لصلاتها والعمل بما هو وظيفتها عند كل صلاة لكنك عرفت منع دلالتها على
المفهوم بل من المستبعد جدا ارادتهم توقف ارتفاع حدثها الأكبر على الوضوء فضلا عن سائر الأشياء التي
التزموا بوجوبه اما تعبدا
أو لمنافاته للصلاة من حيث الحيثية خصوصا لو وقع غسلها بعد تبدل حالها ووقوف دمها عن السيلان وكيف كان فالأظهر انه
متى وقف دمها عن السيلان ولم يظهر على القطنة وصارت الاستحاضة قليلة يرتفع حدثها الأكبر حقيقة بالغسل سواء قلنا بكفاية كل
غسل عن الوضوء أم لم نقل لان الحق عدم مدخلية الوضوء في رفع الحدث الأكبر كما يظهر ذلك مما أسلفناه وجها لوجوب الوضوء مع كل
غسل مما عدا الجنابة في مبحث الحيض فلها ايجاد الغسل بقصد الكون على الطهارة مطلقا سواء نوت الطهارة لنفسها أو مقدمة
لشئ من غاياتها الراجحة كما أن لها الوضوء بعد انقطاع الدم وحصول البرء للكون على الطهارة كساير الاحداث واما عند استمرار
السبب فلا يرتفع حدثها حقيقة بل يحصل لها بالغسل أو الوضوء طهارة حكمية اضطرارية سوغها الضرورة و [ح] فان استفدنا من الأدلة
كون الضرورة حكمة للحكم لا علة بحيث تدور الطهارة الحكمية مدارها يشرع لها ايجاد الوضوء أو الغسل لغاياتها المسنونة كالواجبة
والا فمقتضى الأصل الاقتصار على القدر المتيقن من ايجادها للغايات الواجبة كما أن مقتضى القاعدة عدم الاتيان بشئ من غاياتها بعد
328

الغسل أو الوضوء عدا ما اضطرت إليها من الواجبات لا غيرها مثل مس المصاحف ودخول المساجد لكنك عرفت عدم الخلاف ظاهرا في أنها
إذا أتت بما عليها من الأفعال جاز لها الاتيان بجميع الغايات في الجملة فيكشف ذلك عن أن طهارتها وان كانت حكمية لكنها بمنزلة الحقيقة
في الأثر وقد تقدمت الإشارة في صدر المبحث إلى أنه لا ينبغي الارتياب في جواز اتيانها بالنوافل لكن يجب عليها عند كل صلاة وضوء
بل الظاهر عدم الخلاف في مشروعيتها وان اختلفوا في كفاية وضوء الفرايض أو غسلها لها أو وجوب تحديد الوضوء لكل صلاة وقد
عرفت أن الثاني هو الأشبه فالظاهر عدم اختصاص مشروعية الوضوء بما لو أتت به لغاية واجبة بل يظهر منهم كونه من المسلمات كما أنه
يظهر منهم كون الغسل أيضا كذلك حيث صرحوا بوجوب الاتيان به لصلاة الليل لمن أراد فعلها وان اختلفوا في كفايته عن غسل الغداة
وعدمها وكيف كان فالظاهر أن جواز فعل الوضوء أو الغسل لسائر الغايات في الجملة من المسلمات بل يمكن استفادته من النصوص خصوصا
الاخبار الآتية في حكم وطيها فالأظهر ان لها الاتيان بالوضوء أو الغسل لكل غاية وانه إذا أتت بشئ منهما لشئ من غاياته يستباح به جميع
غاياته ما دام اثره باقيا والقدر المتيقن من بقاء اثره انما هو ما لم يتحقق الفراغ من الغاية المنوية بشرط اتحادها عرفا واتصالها بالوضوء
أو الغسل والاحتياط لا ينبغي تركه بحال والله العالم بحقايق احكامه
* (اعلم) * انهم اختلفوا في جواز وطى المستحاضة قبل الغسل على أقوال فقيل
بالجواز مطلقا كما عن المعتبر والتذكرة والتحرير والدروس والبيان والمؤجر وشرحه والروض ومجمع الفائدة والمدارك والذخيرة وغيرهم
وعن بعضهم التصريح بجوازه على كراهة وقيل بتوقفه على أفعالها [مط] قليلة كانت أو كثيرة أغسالا كانت أو غيرها كما نسبة في كشف اللثام إلى
ظاهر المقنعة والاقتصار والجمل والعقود والكافي والاصباح والسرائر وحكاه عن ظاهر أبى على ومصباح السيد وعن ظاهر المعتبر والتذكرة والذي
نسبته إلى ظاهر الأصحاب معللين ذلك بأنهم قالوا يجوز لزوجها وطيها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة وقواه صريحا بعض متأخري المتأخرين كصاحبي
الحدائق والرياض وقيل بتوقفه على الغسل والوضوء دون سائر أفعالها كما عن ظاهر الشيخ في المبسوط وقيل بتوقفه على الغسل الخاصة كما عن
ظاهر الصدوقين في الرسالة والهداية بل ربما احتمل تنزيل كلام كل من كان ظاهره أحد القولين المتقدمين عليه لبعد ارادتهم توقفه على
ما عدا الغسل خصوصا مثل تبديل الخرقة والقطنة كما يؤيده ما استظهره شيخنا المرتضى من جامع المقاصد فإنه قال بعد تقويته هذا القول
ويظهر من جامع المقاصد ان الخلاف فيه لاغير وان المراد من الأفعال في عبارتهم الأغسال حيث قال في شرح قول المصنف قده ومع الأفعال
تصير بحكم الطاهر المراد بالأفعال جميع ما تقدم من الغسل والوضوء وغيرهما إلى أن قال ويلوح من مفهوم عبارته انها بدون الأفعال لا يأتيها
زوجها وانما يراد بها الغسل خاصة إذ لا تعلق للوطي بالوضوء واختاره في المنتهى وأسنده إلى ظاهر عبارات الأصحاب واستدل بالاخبار
الدالة على الاذن في الوطي بعد الغسل انتهى ما حكاه الشيخ عن جامع المقاصد وربما يظهر من بعض توقف الوطي على غسل الفرج اما خاصة
أو مع الأفعال السابقة واستدل للجواز بالأصل وعمومات حل الأزواج وما ملكت ايمانهم وخصوص قوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن
فإذا تطهرن فاتوهن وصحيحة ابن سنان ولا بأس ان يأتيها بعلها إذا شاء الا أيام حيضها وقول أبى الحسن (ع) في صحيح صفوان لا هذه
مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة وتجمع بين صلاتين بغسل ويأتيها زوجها ان أراد وفي صحيحة معاوية بن عمار وهذه يأتيها بعلها الا أيام
حيضها وموثقة زرارة فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها ان يغشاها بناء على أن الظاهر من الحل لغة وعرفا حلية الصلاة لها في مقابل حرمتها
عليها لا اجزائها وصحتها في مقابل فسادها ويؤيده ان صحة الصلاة تتوقف على الاحتشاء والاستثفار ولا يتوقف عليهما الوطي وكيف لو أريد
إباحة الدخول من جميع الجهات لا من حيث الإباحة الذاتية للزم توقف الوطي على سائر مقدمات الصلاة التي لا تباح الصلاة بدونها اللهم
الا ان ينزل الرواية على إرادة ما يتوقف عليه إباحة الصلاة من حيث حدث الاستحاضة كما يظهر من قوله (ع) في أول الرواية المستحاضة تكف
عن الصلاة أيام أقرائها ثم تحتاط بيوم أو يومين ثم تغتسل كل يوم وليله ثلاث مرات ولتحتشي الصلاة الغداة وتجمع بين الظهر والعصر
بغسل وتجمع بين المغرب والعشاء بغسل فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها ان يغشاها قال شيخنا المرتضى [ره] بعد تقريب الاستدلال
بالرواية على الوجه المتقدم على الانصاف عدم صحته الاستدلال بها لمذهب الجماعة لو لم يتمسك بها لخلافهم من حيث إن المتبادر عرفا
إباحة الدخول في الصلاة في مقابل المحدث الذي لا يستبيح الصلاة وعدم اباحتها للحائض من هذه الجهة أيضا لا من جهة الحرمة
الذاتية انتهى ويؤيده استدلال صاحب الحدائق بها لمذهبه لكن الانصاف ضعف الاستدلال بها لمذهب الخصم بل ظهورها في المعنى الأول
بإرادة حلية الصلاة لها في مقابل أيام أقرائها الا انه ليس ظهورا يعتد به بحيث يزاحم ما سيأتي دليلا للخصم على تقدير تماميته واستدل
للقول بتوقفه على جميع الأفعال أيضا بالموثقة المتقدمة التي عرفت حالها وبصحيحة محمد بن مسلم التي حالها حال الموثقة في صلاحيتها
للاستشهاد بها لكل من القولين بمعنى امكان تنزيلها على كل منهما لو لم ندع أظهريتها في المعنى الأول وهي ما رواه المحقق في المعتبر من
كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الباقر عليه السلام أنه قال في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى فيها فلتقعد عن الصلاة
329

يوما أو يومين ثم تمسك قطنة فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل ويصيب منها زوجها إذا أحب وحلت لها
الصلاة وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن المستحاضة ايطالها زوجها وهل تطوف بالبيت قال تقعد
قرئها الذي كانت تحيض فيه فإن كان قرئها مستقيما فلتأخذ به وان كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل ولتستدخل كرسفا
فان ظهر على الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلى فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلى الصلاة ثم تصلى صلاتين بغسل
واحد وكل شئ استحلت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت وقد ادعى في الحدائق صحة سندها وصراحتها في المدعى وفيه أن
غايتها الظهور بل الانصاف امكان الخدشة في دلالتها إذ من المستبعد جدا إرادة بيان اشتراط الوطي بما يستباح به الصلاة بل يحتمل
قويا إرادة عدم الفرق بين أحكام الحائض فعند استمرار دمها كل شئ صار علة الاستحلال صلاتها بعينه هي العلة لإباحة وطيها
وطوافها البيت إذ لا تفكيك بين الاحكام نعم احتمال إرادة تأثير ما يؤثر في حلية الصلاة بالفعل في إباحة الوطي والطواف لعله
أقوى على تأمل فيه وقد ادعى شيخنا المرتضى [ره] ظهورها في إرادة خصوص الغسل بناء على ما حققه فيما سبق من أنها إذا اتت بما عليه
من الأغسال فهي بحكم الطاهر من حيث الحدث الأكبر واما بالنسبة إلى الحدث الأصغر فيجب عليها إعادة الوضوء عند كل غاية وحيث إن
مفاد الرواية ان الشئ الذي أباح صلاتها أباح وطيها وطوافها يجب ان يكون المراد من ذلك الشئ هو الغسل لأنه هو الذي
إذا استبيح به الصلاة يبقى اثره فيما بعد ويستباح به سائر الغايات في الجملة واما سائر المقدمات مثل الوضوء وتغيير القطنة والخرقة
ونحوها فيجب اعادتها لأجل الطواف فيستكشف من ذلك أن ما عدا الأغسال غير مراد من عموم الشئ وفيه تأمل ثم لو سلم ظهور
الروايات في اشتراط جواز الوطي باستباحة الصلاة بالفعل بان يكون تحققه بعد الاتيان بجميع أفعالها التي يتوقف عليها صحة صلاتها
بحيث يشرع لها عند إرادة الوطي الاشتغال بفعل الصلاة لوجب حملها على إرادة خصوص الغسل بقرينة الاخبار الآتية الظاهرة في
كفاية خصوص الغسل فان رفع اليد عن هذا الظاهر مع ما فيه من البعد أهون من تقييد الاخبار الآتية واستدل له أيضا بما رواه في
قرب الإسناد عن محمد بن خالد الطيالسي عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن المستحاضة كيف تصنع قال إذا مضى وقت
طهرها الذي تطهر فيه فلتؤخر الظهر إلى آخر وقتها ثم تغتسل ثم تصلى الظهر والعصر فإن كان المغرب فلتؤخرها إلى اخر وقتها ثم تغتسل
ثم تصلى المغرب والعشاء فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلى ركعتين قبل الغداة ثم تصلى الغداة قلت يواقعها زوجها
قال إذا طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضأ ثم يواقعها إذا أراد وفيه مع امكان حمل الغسل المأمور به على غسل الحيض انها لا تدل الا على
ما حكى عن ظاهر الشيخ في المبسوط من توقفه على الغسل والوضوء دون سائر الأفعال هذا مع أنه ربما يوهن ظهورها في إرادة الوضوء
الشرعي شدة المناسبة بين المقام وبين إرادة معناه اللغوي وهو نضح الماء على الفرج الذي هو كناية عن غسله وتنظيفه كما يؤيد ذلك
ما عن الفقه الرضوي والوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل وبعد ان تغتسل وتنظف لان غسلها يقوم مقام الطهر
للحائض فليتأمل ويمكن الاستدلال لمذهب الشيخ أيضا بالاخبار المتقدمة التي استدل بها للقول المتقدم بدعوى انصرافها عن ما عدا
الوضوء والغسل لبعد مدخليتها في إباحة الوطي بل في رفع حدث الاستحاضة بل هي من قبيل الشرائط الخارجية لفعل الصلاة كطهارة
البدن والثوب ويتوجه عليه بعد تسليم الدلالة ان المتعين صرفها عن الوضوء أيضا لو لم نقل بانصرافها عنه كسائر الأفعال جمعا وبينها وبين
الاخبار التي استدل بها للقول بتوقفه على الغسل خاصة وهي موثقة سماعة قال المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين
وللفجر غسلا وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة وان أراد زوجها ان يأتيها فحين تغتسل ونحوها
موثقته المضمرة وصحيحة مالك بن أعين قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها قال ينظر الأيام التي كانت تحيض
فيها وحيضها مستقيم فلا يقربها في عدة تلك الأيام من ذلك الشهر ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيام ولا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل
ثم يغشاها ان أراد وحمل الغسل على غسل الحيض بعيد لان ظاهرها توقف الوطي مطلقا في غير تلك الأيام على الغسل واطلاقها منزل
على ما عدا القليلة إذ لا شبهة نصا وفتوى في أنه إذا حل لها الصلاة جاز لزوجها ان يغشاها وحلية الصلاة في
القليلة لا تتوقف على
الغسل ومن هنا قد يقوى في النظر بالنظر إلى اطلاق الامر بالغش إرادة غسل الحيض وان كان الأول أظهر وابعد من ذلك ارتكاب التأويل
في الموثقتين بحملها على إرادة اتيانها حين تغتسل من حيضها * (نعم) * هذا الحمل غير بعيد في روايته الأخرى عن النفساء يغشاها يغشاها زوجها وهي
في نفاسها من الدم قال نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها يأمرها
فتغتسل ثم يغشاها ان أحب فالقول بوجوب الغسل خاصة لا يخلو عن قوة لكن الاحتياط ممالا ينبغي تركه بالنسبة إلى الوضوء
واما سائر
الأفعال فلا ينبغي الارتياب في عدم وجوبها والله العالم وقد ظهر لك مما سبق انه ان أخلت المستحاضة بذلك أي الأفعال التي أثبتنا
330

وجوبها عليها لم تصح صلاتها ضرورة ظهور الأدلة المتقدمة في الوجوب الشرطي فهذا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال فيما جزموا به انها
ان أخلت بالأغسال الواجبة عليها لصلاتها لم تصح صومها إذ من المستبعد جدا أن لا يكون نفس الحدث من حيث هو مانعا من صحة
الصوم بحيث لو استحاضت قبل الفجر لم يجب عليها الغسل لصومها لكن يبطله الاخلال بالأغسال الواجبة عليها لصلاتها مع أنه لم ينهض
عليه دليل عدا مكاتبه ابن مهزيار قال كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت
وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل كما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها فكتب عليه السلام تقضى
صومها ولا تقضى صلاتها لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك * (و) * في رواية الكليني والشيخ لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان
يأمر فاطمة (ع) والمؤمنات بذلك وفيه لا ينبغي الارتياب في أن ما كتبه الإمام (ع) في الجواب انما هو لبيان حكم الحائض كما يدل عليه قوله (ع)
ولا تقضى صلاتها وقوله (ع) لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر المؤمنات بذلك فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر المؤمنات بذلك بالنسبة إلى
أيام الحيض كما تقدمت حكايته في اخبار الحيض * (واما) * في مفروض السائل فكيف يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله المؤمنات بقضاء الصوم دون الصلاة
مع أنه قضية فرضية لا يبعد عدم تحققه في الخارج اللهم الا ان يكون النبي صلى الله عليه وآله يأمرهن بذلك على تقدير التحقق وفيه مع بعده مالا
يخفى من مخالفته للظاهر مع أنه بظاهره للنص والاجماع لأنه يجب عليها قضاء صلاتها نصا واجماعا فلم يكن النبي صلى الله عليه وآله يأمر بذلك
بلا شبهة اللهم الا ان يكون امره بذلك صوريا لمصلحة أو يكون ذلك حكما منسوخا ولا يناسب شئ منهما التعليل والحاصل ان الرواية
ممالا يمكن العمل بظاهرها فيجب رد علمها إلى أهله وما يقال من أن هذا أي كون بعض فقرات الرواية مطروحة لا يخرجها من الحجية
فيما عداها جمود بحث في مثل المورد إذ لا نقول بحجية الاخبار من باب السببية المخصة تعبدا من حيث السند أو الدلالة حتى نلتزم بمثل هذه
التفكيكات وانما نلتزم بعدم خروج بعض الفقرات من الحجية بخروج بعض اخر إذا تطرق احتمال خلل في الفقرة المطروحة يخصها من نحو
السقط والتحريف والاشتباه والتقية ونحوها واما مثل هذه الرواية التي يشهد سوقها وتعليلها ومخالفة مدلولها للعامة باشتراك
الفقرتين في الاحتمالات المتطرقة وعدم اختصاص ثانيتهما باحتمال يعتد به فالتفكيك في غاية الاشكال وليس ارتكابه مع استلزامه
الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله إن لم يقصد به التورية أهون من نسبة الغفلة أو الاشتباه إلى الراوي في فهم الرواية أو نقلها وملخص الكلام
ان المظنون لو لم نقل بأنه المقطوع به ان هذا الجواب ليس مسوقا الا لبيان حكم الحائض اما توطئة الجواب السائل أو جوابا عن سؤال
مستقل أو بيانا لحكم أيام عادتها من شهر رمضان وقد حصل الاختلال في الرواية من حيث تقطيع الاخبار كما يدل عليه في خصوص المورد
اضمار المسؤول عنه أو غير ذلك من العوارض الموجبة للاختلال مثل سقط القيد المبين الاختصاص الحكم بأيام العادة ونحوه لا يقال إن
فتح هذا الباب أي إبداء احتمال السقط والتحريف ونحوه في الاخبار مشكل لأنا نقول إن هذا الباب في الاخبار مفتوح لكنه لا يجوز
المسير إليه ولا يعتنى بمثل هذا الاحتمال المخالفة للأصول المعتبرة مثل أصالة عدم الغفلة والاشتباه ونحوها لكنه بعد أن علم اجمالا
بوقوع خلل وحصول مخالفة أصل معتبر كما فيما نحن فيه ودار الامر بين ارتكاب هذه المخالفة أو غيرها من المخالفات للقواعد فلا مانع
من الاعتناء بمثل هذا الاحتمال خصوصا مع ما عرفت من المعاضدات التي ربما تورث القطع بتحققه ويحتمل قويا ان يكون المقصود
بالرواية بيان حكم النفساء لأنها هي التي تبتلى بمثل الفرض غالبا دون الحائض التي يندر ابتلائها بذلك فتكون الرواية نظير
الأخبار الكثيرة التي ستسمعها مما ورد فيها امر النفساء بالجلوس أربعين يوما أو ما بين الأربعين والخمسين أو ما دام ترى الدم
وستعرف ان أقرب محاملها التقية فلا يبعد صدور هذه الرواية أيضا تقية كما يؤيد ذلك كونها مكاتبة ولعل العامة كانوا
في عصر الإمام (ع) يقولون في الحائض أيضا بأنها تترك العبادة ما دامت ترى الدم أو إلى أربعين يوما مثلا فصدرت الرواية على
وفق مذاقهم والله العالم ثم إن في الرواية اشكالا آخر وهو اشعارها بان فاطمة سلام الله عليها كانت ترى الدم مع ما تكاثرت به الاخبار
من أنها لم تر حمرة قط لا حيضا ولا استحاضة وربما يجاب عن ذلك باحتمال أن لا يكون المراد بها الصديقة (ع) الطاهرة بل فاطمة بنت أبي حبيش
المشهورة بكثرة الاستحاضة والأولى ان يجاب بان امرها بذلك كان لتعليم المؤمنات كما يشعر بذلك ما في بعض الأخبار المتقدمة
في باب الحيض من أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر بذلك فاطمة (ع) وكانت تأمر بها المؤمنات
وكيف كان فالانصاف ان الاعتماد على هذه الرواية
مع ما فيها من الاختلال والاضمار وعدم وضوح استناد المشهور إليها في الحكم ببطلان صوم المستحاضة التي أخلت بشئ من اعمالها
في غاية الاشكال بل غير سديد لكن الظاهر عدم الخلاف في المسألة نعم حكى صاحب المستند في مستنده عن [ط] والمع التوقف في الحكم واستظهره
أيضا عن جمع من المتأخرين كالمدارك والبحار وشرح القواعد للهندي وشرح الارشاد للأردبيلي والحدائق ثم قال بعد أن ذكر وجه التوقف
من وهن الخبر سندا لاضماره ومتنا لما فيه من الخلل ودلالة لقصوره عن إفادة وجوب قضاء الصوم بل نهايته الرجحان المحتمل للاستحباب
331

واحتمال ان يكون لفظ تقضى من باب التفعل ويكون المعنى ان صومها صحيح دون الصلاة وهو في محله جدا أو الاحتياط لا يترك مهما
أمكن انتهى وأقرب من الاحتمال الذي ذكره احتمال ان يكون تقضى بمعنى تؤدى بان يكون المراد ان المرأة المعهودة تؤدى في شهر رمضان
صومها دون صلاتها أي صومها صحيح دون الصلاة أو يكون يقضى بالتذكير بمعنى يمضى إلى غير ذلك من المعاني التي ذكروها للقضاء
مما يؤدى هذا المعنى وملخص الكلام انه ان تم الاجماع في المسألة كما ليس بالبعيد فهو والا فللنظر فيه مجال ثم إنه هل يتوقف صحة الصوم
على الأغسال النهارية خاصة أو هي مع الليلة السابقة خاصة أو اللاحقة خاصة أو الليلتين أو الفجر خاصة أوجه أجودها الأول لأنه
هو القدر المتيقن الذي يمكن استفادته من النص والاجماع على تقدير تسليمهما واما الأخير وان كان أخص الوجوه ينبغي الاقتصار
عليه لكن احتماله في غاية الضعف بل في الجواهر لم اعرف به قائلا على البت نعم نقل عن العلامة في النهاية انه احتمله انتهى والظاهر أن منشاء
احتماله بعض المناسبات المقتضية للقصر عليه بعد اجمال الدليل ولا ريب في وهنا واضعف منه القول بمدخلية غسل الليلة اللاحقة
خصوصا لو قيل بها خاصة دون سابقتها فإنه لا يكاد يمكن توجيه وهذا بخلاف ما لو قيل بمدخلية مجموع الليلتين فإنه ربما يوجه
بترك التفصيل في النص وكلمات الأصحاب وظاهرها مدخلية المجموع وان كان فيه ما فيه نعم القول بتوقفه على غسل الليلة السابقة بناء على أنه
يجعلها بحكم الطاهر إلى أن يتضيق عليها الامر بالغسل لصلاة الغداة لا يخلو عن مناسبته فعلى هذا لو أخلت به في الليلة السابقة
أو حدثت الاستحاضة الموجبة للغسل قبل الفجر يجب عليها اما تقديم غسل الغداة على الفجر أو الغسل الخصوص الصوم لاستكشاف مانعية
حدث الاستحاضة من انعقاد الصوم فعليها رفعه قبل الفجر لكن ظهر لك مما تقدم وهن كلا البنائين نعم يؤيد القول بوجوب تقديم
غسل الغداة على الفجر أو ايجاد غسل مستقل للصوم كما عن بعض بعض الوجوه الاعتبارية كما أنه يوهنه بعض اخر مما لا يخفى على المتأمل
لكن لا ينبغي الالتفات إلى شئ منها في الأمور التعبدية كما أنه لا ينبغي ترك الاحتياط بحال لكن لا يخفى عليك انها إذا قدمت غسل الغداة
على الفجر يجزيها الصلاة الغد لو وقف الدم عن السيلان قبل الغسل أو اتت صلاة الغد عقيب الغسل بلا فصل معتد به والا أعادت
والله العالم بحقايق احكامه
* (الفصل الرابع) * في النفاس النفاس بكسر النون لغة ولادة المرأة سميت به لاستلزامها
خروج الدم غالبا فهو من النفس بمعنى الدم أو خروج النفس الادمي أي الولد أو من تنفس الرحم من المضايقة بخروج الولد والمراد به في
عرف الفقهاء دم الولادة لأنه هو الذي أنيط به الأحكام الشرعية التي تعلق الغرض بالبحث عنها في المقام وربما يقال بصيرورته حقيقة في عرفهم
وليس قليله حد بلا خلاف فيه بل في الجواهر اجماعا محصلا ومنقولا في الغنية والخلاف والمعتبر والمنتهى والذكرى والروض وغيرها فيجوز
ان يكون لخطة واحدة فيبطل بها صومها وينتقض طهارتها لإناطة احكامه بالمسمى الصادق على القليل والكثير واستدل له مضافا إلى
الاجماع وصدق النفساء على المرأة والنفاس على دمها الذي علق عليه الأحكام الشرعية برواية ليث المرادي عن النفساء كم حد نفاسها
حتى يجب عليها الصلاة وكيف تصنع قال ليس لها حد فان المراد منه في طرف القلة لان في كثيره حدا نصا واجماعا وفيه ما نبه عليه
شيخنا المرتضى [قده] بقوله وفي الاستدلال بها اشكال حيث إن ظاهرها بقرينة قوله حتى يجب عليها الصلاة وقوله كيف تصنع السؤال عن
حده في طرف الكثرة ولعله لذا حمله الشيخ على أنه ليس لها حد شرعي لا يزيد ولا ينقص بل ترجع إلى عادتها وهذا الحمل وان كان بعيدا بالنسبة
إلى الجواب الا ان حمله على حد القلة بعيد بالنسبة إلى السؤال ثم قال وأشكل من ذلك الاستدلال بصحيحة ابن يقطين في النفساء كم
يجب عليها الصلاة قال تدع ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلثين يوما فإذا رق وكانت صفرة اغتسلت انتهى وجه كون الاستدلال
بالصحيحة أشكل من سابقتها لكون اطلاقها مع ما فيه من الاشكال واردا لبيان حكم آخر ولو ولدت ولم تر دما في الأيام التي يحكم
بكونه نفاسا كما حكى اتفاقه في زمان النبي صلى الله عليه وآله لم يكن لها نفاس من حيث الآثار الشرعية وان تحقق موضوعه لغة لان احكامه نصا و
اجماعا معلقة على عدم الولادة لا على نفسها فلو لم ترد مالا يبطل صومها ولا ينتقض طهارتها خلافا لما حكى عن بعض العامة
ولو رأت الحامل
دما قبل الاخذ في الولادة وبروز شئ من الولد لم يكن نفاسا وان كان بعد أن أصابها الطلق بلا خلاف فيه بل عن جماعة دعوى
الاجماع عليه ويدل عليه موثقة عمار المروية عن الكافي عن الصادق (ع) في المرأة يصيبها الطلق أياما أو يوما أو يومين فترى الصفرة
أو دما قال تصلى ما لم تلد فان غلبها الوجع ففاتها صلاة لم تقدر ان تصليها من الوجع فعليها قضاء تلك الصلاة بعد ما تطهر
ورواها الصدوق باسناده إلى عمار مع تغيير يسير * (وخبر) * زريق بن الزبير الخرقاني المروى عن مجالس
الشيخ عن أبي عبد الله (ع) ان
رجلا سئله عن امرأة حامل رأت الدم فقال تدع الصلاة قال فإنها رأت الدم وقد أصابها الطلق فرأته وهي تمخض قال تصلى حتى
يخرج رأس الصبي فإذا خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة وكلما تركته من الصلاة في تلك الحال لوجع أو لما هي فيه من الشدة والجهد
قضته إذا خرجت من نفاسها قال جعلت فداك ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض قال (ع) ان الحامل قذفت بدم الحيض وهذه
332

قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد فعند ذلك يصير دم النفاس فيجب ان تدع في النفاس والحيض
فاما ما لم يكن حيضا ونفاسا
فإنما ذلك من فتق الرحم فلا اشكال في أن ما رأته قبل الولادة لم يكن نفاسا لكن الاشكال في أنه على تقدير جامعيته الشرائط الحيض من
دون ان تتحقق الفصل بينه وبين دم الولادة بأقل الطهر على القول بمجامعة الحيض والحمل كما هو الأظهر هل كان حيضا أم كان طهرا
ولا يجدى في حل الاشكال ما عن الخلاف من دعوى الوفاق على كونه طهرا حيث قال إن الدم الذي يخرج قبل الولادة ليس بحيض عندنا
إلى أن قال دليلنا اجماع الفرقة على أن الحامل المتبين حملها لا تحيض انتهى إذ لا يعتنى بهذا النقل بعد ابتنائه على ما هدمناه وملخص الاشكال
انه هل يشترط في كون ما رأته الحامل حيضا أن لا يتعقبه النفاس من دون ان يتحقق الفصل بينهما بأقل الطهر أم لا يشترط ذلك فربما
يقال بالأول نظرا إلى اطلاق ما دل من النص والاجماع على أن الطهر لا يكون أقل من عشرة وما دل على أن النفاس حيض محتبس فيشرط
فيه جميع ما يشترط في الحيض الا ان يدل دليل على خلافه كعدم التحديد لأقله فوجب أن لا يتقدمه حيض لم يتحقق الفصل بينهما بأقل
الطهر وحيث إن ما رأته عقيب الولادة يتعين كونه نفاسا لزم أن لا يكون ما تقدمه حيضا واطلاق موثقة عمار ورواية زريق
المتقدمتين الدالتين على أن ما رأته في أيام الطلق ليس بحيض سواء أمكن كونه حيضا أم لا وصحيحة ابن المغيرة في امرأة أنفست فتركت
الصلاة ثلثين يوما ثم طهرت ثم رأت الدم بعد ذلك قال (ع) تدع الصلاة لان أيامها أيام الطهر قد جازت مع أيام النفاس
فان ظاهرها ان عدم مضى أيام الطهر مانع من الحكم بحيضية الدم المرئي بعد النفاس كما يؤيد هذا الظاهر بل يدل عليه النصوص
المتواترة الدالة على أن ما بعد أيام النفاس استحاضة فلا يمكن ان يكون حيضا والا لحكم بكونه حيضا للقاعدة فكذا المرئي قبله لعدم القول
بالفصل بين المتقدم والمتأخر كما صرح به في محكى الروض ويمكن المناقشة في الجميع اما ما دل على أن الطهر لا يكون أقل من العشرة فالمراد
به الطهر الواقع بين حيضتين ولذا لا يعتبر الفصل بالعشرة بين نفاسين لو اتفقا في التوأمين بل الظاهر أن المراد به تحديد أقل الطهر
المعبر عنه بالقرء الذي هو زمان اجتماع الدم في الرحم بعد خروجه في المرة السابقة فكونه أقل من العشرة ينفى حيضية اللاحق واما بالنسبة
إلى سابقه فلا اثر له وقد صرح بذلك في محكى النهاية قال فيما حكى عنه لو ولدت قبل عشرة أيام يعنى من الدم الأول فالأقرب انه أي الدم
الأول استحاضة مع احتمال كونه حيضا لتقدم طهر كامل عليه ونقصان الطهر أي الطهر المتأخر عنه انما يؤثر فيما بعده لا فيما قبله وهنا لم
يؤثر فيما بعده لان ما بعد الولد نفاس اجماعا فأولى أن لا يؤثر فيما قبله ونمنع [ح] اشتراط طهر كامل بين الدمين مطلقا بل بين
الحيضتين ولو رأت الحامل الدم على عادتها وولدت على الاتصال من غير تخلل نقاء أصلا فالوجهان انتهى هذا مع أنه لو تم ذلك لدل على
عدم كون الأقل طهرا فمن الجايز ان يكون حيضا ما لم يتجاوز مع أيام رؤية الدم عشرة أيام كالنقاء المتخلل بين حيضة واحدة كما أنه لا ينافي
ذلك حيضية ما رأته متصلا بأيام الولادة من دون تخلل نقاء بينهما واما ما ذكر من أن النفاس حيض محتبس فلعل مستنده الأخبار الواردة
في حيض الحامل وغيرها المصرحة بكون الحيض محبوسا ما دام الحمل لرزق الولد بضميمة ما يستشعر من الاخبار الآتية الدالة
على رجوع النفساء إلى عدد أيامها في الحيض وغيره من المؤيدات كتساويهما في الحكم في الجملة نصا واجماها فإنه يستفاد من مجموع ذلك أن
النفاس حيض محتبس ولا يخفى عليك انه بعد تسليم هذه الاستفادة كما ليس بالبعيد لا يقتضى ذلك الا كون النفاس كالحيض في
احكامه وعدم حصول حيض عقيبه الا بعد الفصل بالعشرة التي هي أقل زمان اجتماع الدم في الرحم بعد خروجه في المرة السابقة واما
اشتراط كونه مسبوقا بطهر فلا كما يكشف عن ذلك جواز وقوعه عقيب نفاس آخر فكونه محبوسا في الباطن يغنيه عن الحاجة إلى مضى
زمان الطهر للاجتماع في الباطن كما في الحيض والحاصل انه لا يستفاد من ذلك كونه مشروطا بان يكون مسبوقا بطهر كامل نعم يستفاد
منه انه لا يستعقبه حيض بلا فصل وهذا ممالا ريب فيه بل الظاهر عدم الخلاف في اعتبار تقدم طهر كامل في الحيض المسبوق بالنفاس
بل في طهارة شيخنا المرتضى [ره] دعوى الوفاق عليه وقد يدعى أنه يستفاد من كونه حيضا محتبسا اشتراط عدم مجاوزته للعشرة فيفصل في الدم
السابق بين ما إذا لم يتجاوز بضميمة النفاس العشرة وبين ما إذا جاوزها فالأول حيض والثاني استحاضة مطلقا وإن لم يمكن كون بعضه
مع النفاس حيضة واحدة كما لو كان النفاس بنفسه أو بضميمة أيام النقاء المتقدم عليه عشرة وان أمكن كون بعضه مع النفاس حيضة
واحدة كما لو رأت الدم عشرة أيام قبل الولادة وخمسة أيام بعدها فهل يحكم في الخمسة المتصلة بأيام النفاس بكونه حيضا أو استحاضة
ففيه وجهان لكنك خبير بان استفادة هذا الشرط من ذلك بحيث يلاحظ بالنسبة إلى مجموع الدمين في غاية الاشكال بل في خبر المنع
بل لولا الأدلة الخاصة الآتية لامتنع استفادة اشتراط الرجوع إلى العادة أو عدم مجاوزة العشرة مما دل على أن النفاس حيض
محتبس إذ من الجايز ان يحتاج في خروجه حين اجتماعه في المحبس إلى زمان أطول مما يقتضيه بالطبع في سائر الأوقات ولا يفهم من تلك
الأدلة الخاصة أيضا الا ان هذا الدم الذي يسمى نفاسا لا يكون زمان خروجه أزيد من العشرة فمن الجايز ان يكون هذا التحديد
333

الزمان خروج هذا الدم المحبوس من حيث هو فلا يضم إليه زمان خروج ما رأته سابقا مما زاد عن رزق الولد والحاصل انه لا يفهم
من ذلك هذا النحو من الشرائط التعبدية التي لا يجوز التخطي عن موردها ولذا لا يتوهم أحد اشتراط عدم مجاوزة النفاسين المتلاحقين
العشرة فمن الجائز ان يكون الحيض المتعقب بالنفاس كالنفاس المتعقب بنفاس اخر فالتفصيل المذكور مما لاوجه له واما الاستدلال لأصل
المدعى بروايتي عمار وزريق ففيه انهما لا تدلان الا على أن ما تراه في أيام الطلق ليس بحيض وهذا لا ينافي امكانه وعدم اشتراطه في الواقع بالفصل
بأقل الطهر بل خبر زريق كاد ان يكون صريحا في امكانه وانما حكم بكونه طهرا ترجيحا للظاهر على ما تقتضيه قاعدة الامكان من الحكم بكونه
حيضا بل قد عرفت في محله ان قاعدة الامكان لا يمكن التشبث بها عند احراز سبب يقتضى خروج دم آخر من الجوف كقرح أو جرح ومن
المعلوم ان إصابة الطلق بمنزلتهما فإنما مظنة فتق الرحم الموجب السيلان الدم كما وقع التعليل به في الرواية ففي مورد الروايتين لولا
الروايتان أيضا لكان مقتضى القاعدة الرجوع إلى استصحاب الطهارة واضعف من الكل الاستدلال له بصحيحة ابن المغيرة فان مضمونها
غير محل الخلاف ودعوى عدم القول بالفصل ممنوعة بل لا يبعد ان يكون كل من هو مخالف في المقام مفصلا بين المسألتين إذا الظاهر
عدم الخلاف في تلك المسألة بل قد عرفت دعوى الوفاق عليها فالأظهر جواز كون ما رأته قبل النفاس حيضا من دون اشتراطه بالفصل
بأقل الطهر ولا بعدم مجاوزته بضميمة النفاس عشرة أيام كما ذهب إليه جماعة منهم صاحب المدارك ونسبه فيه بعد اختياره إلى العلامة
في التذكرة والمنتهى وعن الذخيرة أيضا اختياره ونسب أيضا إلى حواشي الشهيد على القواعد وربما حكى ذلك عن النهاية لكن لا تدل
عبارتها التي تقدمت حكايتها على اختياره بل ظاهرها التردد نعم فيها اشعار بذلك وكيف كان فهل يحكم بكونه حيضا بمجرد امكانه
كما هو قضية استدلال صاحب المدارك وغيره بقاعدة الامكان وجهان أوجههما العدم عند احتمال كونه من فتق في الرحم مع وجود امارته
وهي الطلق كما يدل عليه الروايتان المتقدمتان وقد عرفت عدم التنافي بينهما وبين ما يقتضيه قاعدة الامكان لاختصاص مجريها بغير
مثل الفرض فعند احتمال كونه من فتق في الرحم أو ما هو بمنزلته مثل احتمال كونه من قرح أو جرح محقق يتعذر تمييزه لا يحكم بكونه حيضا
ولا استحاضة بل يستصحب طهارتها السابقة وعند انتفاء هذا الاحتمال يحكم بكونه حيضا لو كان واجدا لشرائطه والا فاستحاضة والله
العالم * (وليعلم) * انه لا فرق في الحكم بكون الدم نفاسا بين ما تراه بعد الولادة أو معها كما عن المشهور بل عن الخلاف ان ما يخرج مع الولد عندنا
يكون نفاسا واختلف أصحاب الشافعي انتهى ويدل عليه رواية زريق المتقدمة ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله ما كان الله ليجعل
حيضا مع حبل يعنى إذا رأت المرأة الدم وهي حامل لا تترك الصلاة الا ان ترى الدم على رأس الولد إذا اخذ بها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة
فان التفسير ان كان من النبي أو الامام صلوات الله عليهما وآلهما فهو دليل والا فهو مؤيد وكون صدرها مؤلا أو مطروحا لدى القائل
بجواز اجتماع الحيض والحمل لا ينافي العمل بذيلها كما هو ظاهر ولا يبعد ان يكون هذا هو المتبادر مما ورد في بيان حكم النفساء من أنها
تترك الصلاة برؤية الدم إذ الظاهر تحقق صدق النفساء عند التلبس بالولادة ورؤية الدم ولا ينافيه مفهوم قوله (ع) في موثقة عمار المتقدمة
تصلى ما لم تلد فان المراد منه كما تشهد به الروايتان المتقدمتان ما لم تأخذ في الولادة لا ما لم تفرع منها بل لعل هذا هو الذي ينصرف
إليه اطلاق المنطوق من حيث هو كمالا يخفى على المتأمل وكيف كان فما عن ظاهر مصباح السيد وحمل الشيخ والغنية والكافي والوسيلة والجامع
من اختصاصه بما تراه بعد الولادة حيث فسروا النفاس بما تراه المرأة عقيب الولادة ضعيف ويحتمل قويا ارادتهم من عقيب الولادة عقيب الاخذ فيها
لا الفراغ منها فان التعبير بذلك عما يعم حين الولادة شايع عرفا بل لعل هذا هو المتبادر منه في مثل المقام لو كان المتعارف خروج دم الولادة
منها والله العالم ثم إن مقتضى تفسيرهم النفاس بدم الولادة كتفسير اللغويين النفاس لولادة المرأة دورانه مدار صدق الولادة عرفا وقد
يتأمل في صدقها في مثل العلقة والمضغة بل مطلق سقط الجنين ما لم يتم خلقه لكن يظهر منهم التسالم على أن دمها نفاس في جميع هذه
الصور بعد أن علم أن ما وضعته مبدء نشوا دمى بل في محكى التذكرة انها لو ولدت مضغة أو علقة بعد أن شهدت القوابل انها لحمة ولد
ويتخلق منه الولد كان الدم نفاسا بالاجماع لأنه دم جاء عقيب حمل انتهى وعن شرح الجعفرية أيضا دعوى الاجماع على كونه نفاسا بعد
العلم بكون ما وضعته مبدء نشو انسان وعن المنتهى لو وضعت شيئا تبين فيه فيه خلق الانسان فرات الدم فهو نفاس اجماعا انتهى فالمراد
بالولادة التي وقعت في تفسير النفاس مطلق وضع الحمل ولو بالسقط وإن لم يصدق عليه اسمها عرفا ويدل على إرادة ذلك وكونه من المسلمات
عندهم انكار بعض كما عن المعتبر والمنتهى وغيرهما تحقق النفاس بوضع العلقة معللا بعدم العلم بكونه مبدء نشوا دمى ومقتضاه عدم الانكار
على تقدير حصول العلم ولذا نفى الخلاف عنه في محكى التذكرة وشرح الجعفرية على تقدير العلم لكن مع ذلك كله أنكر المحقق الأردبيلي
ما محكى شرح الارشاد كون الخارج مع المضغة وبعدها نفاسا فضلا عن العلقة وان علم بكونها مبدء نشو ادمي نظرا إلى عدم العلم
بصدق اسم الولادة والنفاس بذلك وعن المحقق الثاني توقفه في حكم العلقة لأجل ما عرفت وفيه ما عرفت من
دلالة الاجماعات
334

المحكية المعتضدة بظهور كلمات الأساطين في كونه من المسلمات لديهم بما أن المناط مطلق خروج الدم عقيب وضع الحمل وإن لم يصدق
عليه اسم الولادة عرفا ومن هنا أنكر الشهيد في محكى الروض على بعض المحققين في توقفه في العلقة بعد العلم واليقين حيث قال
بعد أن نقل من عن الذكرى انه لو فرض العلم بأنه مبدء نشو انسان بقول أربع من القوابل كان نفاسا وتوقف فيه بعض المحققين
لانتفاء التسمية ولا وجه له بعد فرض العلم ولأنا ان اعتبرنا مبدء النشو فلا فرق بينها وبين المضغة انتهى وكان قدس سره أراد التعريض عليه
بالنقض بالمضغة فكأنه قال إن كان المناط كونه مبدء النشو فلا فرق بين العلقة والمضغة وان كان صدق الاسم ففي كليهما خفاء مع أن
الحكم في الثاني مسلم فيكشف عن أن المناط هو كونه مبدء النشو فلا وجه للتفصيل اللهم الا ان يستند في ذلك إلى الاجماع في الثاني دون الأول
فتأمل وقد حكى عن الشهيد في الذكرى احتمال ثبوت النفاس مع النطفة أيضا مع العلم بكونها مبدء انسان ولا ريب ان الاحتمال في محله
فان المراد من العلم بكونها مبدء انسان احراز استقرارها في الرحم على وجه أطلق عليها اسم الحامل وعلى النطفة الخارجة اسم السقط
والا فمن المعلوم ان النطفة في حد ذاتها مبدأ النشو فلا ريب انه في مثل الفرض احتمال تحقق النفاس قوى كما يعضده ما يقال من أن (ع)
حيض محتبس فان الحمل ولو قبل صيرورته علقة موجب لحبس الحيض والوضع يوجب اطلاقه لكن الذي يهون الخطب في مثل الفرض تعذر حصول
العلم به عادة والله العالم
وأكثر النفاس عشرة أيام كالحيض على الأظهر الأشهر بل المشهور شهرة محققة ومنقولة كما في طهارة شيخنا
المرتضى [ره] وفي الجواهر حكايتها عن جماعة ومرجع هذا القول إلى ما عن كتب العلامة عدا المختلف والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم
من متأخري المتأخرين من أن أكثره عشرة للمبتدئة والمضطربة دون ذات العادة فتتبع عادتها إن لم ينقطع الدم على العشرة والا
كان الكل نفاسا إذا الظاهر أن كل من حدد أكثره بالعشرة لم يرد منه الا ما صرح به هؤلاء الجماعة كما يشهد بذلك تشبيه في عبائرهم
بالحيض والاستدلال عليه بالأخبار الآتية الدالة على رجوع النفساء إلى عادتها في الحيض وبكون النفاس حيضا محتبسا وغير ذلك
من المؤيدات فما عن العلامة والشهيد وبعض متأخري المتأخرين من تفسير مراد الأصحاب بقولهم أكثر النفاس عشرة بان العشرة بتمامها
نفاس مع استمرار الدم وان كانت ذات العادة منظور فيه وكيف كان فمرادنا من تحديد أكثر النفاس بالعشرة ليس إلا ذلك وقيل إن
أكثر ثمانية عشر ونقله في محكى المختلف عن المرتضى والمفيد وابن بابويه وابن الجنيد وسلار لكن حكى عن المفيد أنه قال وقد جاءت اخبار
معتمدة في أن أقصى مدة النفاس مدة الحيض عشرة أيام وعليه اعمل لوضوحها عندي انتهى وقيل بالتفصيل بأنها ان كانت ذات عادة
فعادتها وان كانت مبتدئة فثمانية عشر يوما كما عن العلامة في المختلف قال فيه على ما حكى عنه بعد نقل القولين الأولين والذي اخترناه
نحن في أكثر كتبنا ان المرأة ان كانت مبتدئة في الحيض تنفست بعشرة أيام فان تجاوز الدم فعلت ما تفعل المستحاضة بعد العشرة وإن لم
تكن مبتدئة وكانت ذات عادة مستقرة تنفست بأيام الحيض وان كانت عادتها غير مستقرة فكالمبتدئة والذي نختاره هنا انها
ترجع إلى عادتها في الحيض ان كانت ذات عادة وان كانت مبتدئة صبرت ثمانية عشر يوما انتهى والسبب في اختلاف الأقوال هو اختلاف
الاخبار واختلاف الانظار في الجمع بينها فالأولى نقل اخبار المسألة بأسرها والتكلم في خلالها بما يقتضيه تحقيقها منها صحيحة زرارة المروية
بعدة طرق عن أحدهما قال النفساء تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة ورواها في الكافي
بسند اخر على ما في الحدائق إلا أنه قال فيها تكف عن الصلاة أيام أقرائها التي كانت تمكث فيها الحديث وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال قلت له النفساء متى تصلى قال تقعد قدر حيضها وتستظهر بيومين فان انقطع الدم والا اغتسلت واستثفرت وصلت إلى أن قال قلت
والحائض قال مثل ذلك سواء فان انقطع عنها الدم والا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء ثم تصلى ولا تدع الصلاة على حال فان
النبي صلى الله عليه وآله قال الصلاة عماد دينكم وموثقة يونس عن أبي عبد الله (ع) عن امرأة ولدت فرات الدم أكثر مما كانت ترى قال فلتقعد أيام قرئها
التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام فان رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كل صلاة وان رأت صفرة فلتتوضأ ثم لتصل قال الشيخ
يعنى تستظهر إلى عشرة أيام أقول ويؤيد ما ذكره الشيخ في تفسيرها جملة من الشواهد منها مخالفة وجوب استظهار العشرة بعد أيام
العادة للاجماع وسائر اخبار الباب وتوجيهه على وجه ينطبق على القول بثمانية عشرة تنزيلها على ما لو كانت عادتها ثمانية مع عدم
كونها بالخصوص فردا غالبيا بعيد ورواية مالك بن أعين قال سئلت أبا جعفر (ع) عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم
قال نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها يأمرها فلتغتسل ثم
يغشاها ان أحب وموثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال تقعد النفساء أيامها التي كانت تقعد في الحيض وتستظهر بيومين
وموثقة يونس بن يعقوب قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول تجلس النفساء أيام حيضها التي كانت تحيض ثم تستظهر وتغتسل وتصلى
ورواية عبد الرحمن بن أعين قال قلت له ان امرأة عبد الملك ولدت فعد لها أيام حيضها ثم امرها فاغتسلت واحتشت وأمرها
335

ان تلبس ثوبين نظيفين وأمر بالصلاة فقالت له لا تطيب نفسي ان ادخل المسجد فدعني أقوم خارجا منه واسجد فيه فقال قد امر بذا رسول
الله صلى الله عليه وآله قال فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر وأمر علي (ع) بهذا قبلكم فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر فما فعلت صاحبتكم
قلت ما أدرى وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال النفساء إذا ابتليت بأيام كثيرة مكثت مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك
واستظهرت بمثل ثلثي أيامها ثم تغتسل وتحتشي وتصنع كما تصنع المستحاضة وان كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست بمثل
أيام أمها أو أختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك ثم صنعت كما تصنع المستحاضة تحتشي وتغتسل وحمل بعض الأصحاب الاستظهار
بمثل ثلثي ذلك على ما إذا كانت العادة ستة أيام أو أقل لئلا تزيد أيام العادة والاستظهار عن العشرة * (و) * مرفوعة علي بن إبراهيم قال
سئلت امرأة أبا عبد الله (ع) فقالت انى كنت اقعد في نفاسي عشرين يوما حتى أفتوني بثمانية عشر يوما فقال أبو عبد الله (ع) ولم أفتوك
بثمانية عشر يوما فقال رجل للحديث الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لأسماء بنت عميس حيث نفست بمحمد بن أبي بكر فقال أبو عبد الله (ع)
ان أسماء سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد اتى لها ثمانية عشر يوما ولو سئلته قبل ذلك لأمرها ان تغتسل وتفعل ما تفعل المستحاضة وما رواه
المحقق الشيخ حسن في المنتقى على ما نقله عن في الوسائل وغيره عن كتاب الأغسال لأحمد بن محمد بن عياش الجوهري في الموثق قال قالت امرأة
محمد بن مسلم وكانت ولودا اقرأ أبا جعفر (ع) عنى السلام وقل له انى كنت اقعد في نفاسي أربعين يوما وان أصحابنا ضيقوا على فجعلوها ثمانية
عشر يوما فقال (ع) من أفتاها بثمانية عشر يوما قلت الرواية التي رووها في أسماء بنت عميس انها نفست بمحمد بن أبي بكر بذي الحليفة فقالت
يا رسول الله صلى الله عليه وآله كيف اصنع فقال لها اغتسلي واحتشي وأهلي بالحج فاغتسلت واحتشت ودخلت مكة ولم تطف ولم تسع حتى تقضى الحج
فرجعت إلى مكة فاتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله أحرمت ولم أطف ولم أسع فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وكم لك اليوم فقالت ثمانية
عشر يوما فقال اما الآن فأخرجي فاغتسلي واحتشي وطوفي وأسعى فاغتسلت وطافت وسعت وأحلت فقال أبو جعفر (ع) انها لو سألت رسول
الله صلى الله عليه وآله قبل ذلك وأخبرته لأمرها بما امرها به قلت فما حد النفساء قال تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام قرئها فان هي طهرت والا
استظهرت بيومين أو ثلاثة أيام ثم اغتسلت واحتشت فإن كان انقطع الدم فقد طهرت وإن لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل
لكل صلاتين وتصلى وهذه الطائفة من الاخبار كما تريها صريحة في أن النفساء تقعد بعدد أيامها في الحيض وانها بعدها بمنزلة
المستحاضة لكن في جملة منها الامر بالاستظهار يوما أو يومين أو ثلاثة فما أشبه هذه الأخبار بالأخبار الواردة في حكم الحائض الامرة
برجوعها إلى عادتها وقد عرفت ما يقتضيه الجمع بينها في مبحث الحيض فراجع ويستفاد من هذه الأخبار
شدة المناسبة والارتباط
بين النفاس والحيض بحيث لا يتخطى عدد نفاس المرأة عن حيضها الا بالمقدار الذي يمكن ان يتخلف حيضها اللاحق عن أقرائها السابقة
أعني اليوم واليومين والثلاثة إلى العشرة فإذا جاوزها يكشف عن عدم كون ما رأتها بعد العادة نفاسا كما لو جاوزها في الحيض وهذا
هو السر في استفادة المشهور من هذه الأخبار ان أكثر النفاس عشرة والا فليس في شئ منها التصريح بذلك عدا ما في موثقة يونس على
ما فسره الشيخ ولعل هذه الأخبار هي التي قصدها المفيد بقوله في عبارته المتقدمة وقد جاءت اخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس
مدة الحيض عشرة إذ من المستبعد جدا ان يكون اخبار معتمدة مصرحة بذلك لم يصل الينا منها شئ في الكتب المعتبرة عدا ما أرسله هو
بنفسه إلى الصادق عليه السلام فيما حكاه عنه في كشف اللثام ناقلا عن السرائر قال كاشف اللثام وفي السرائر ان المفيد سئل كم قدر ما تقعد
النفساء عن الصلاة وكم مبلغ أيام ذلك فقد رأيت في كتاب احكام النساء أحد عشر يوما وفي رسالة المقنعة ثمانية عشر يوما وفي كتاب الاعلام
أحد وعشرين يوما فعلى أيها العمل دون صاحبه فأجابه بان قال الواجب على النفساء ان تقعد عشرة أيام وانما ذكرت في كتبي ما روى من
قعودها ثمانية عشر يوما وما روى في النوادر استظهارا بأحد وعشرين يوما وعملي في ذلك على عشرة أيام لقول الصادق (ع) لا يكون دم نفاس
لزمانه أكثر من زمان حيض انتهى فالظاهر أن مرادة من الاخبار المعتمدة هي الأخبار المتقدمة التي عرفت دلالتها على المدعى بالتقريب المتقدم
وأوضح منها دلالة عليه مرسلة ابن سنان التي نقها في الكشف عن الشيخ قال في الكشف بعد نقل صحيحة ابن سنان الآتية قال الشيخ وقد
روينا عن ابن سنان ما ينافي هذا الخبر وان أيام النفاس مثل أيام الحيض انتهى لكن هذه الرواية مع ما فيها من الارسال مقطوعة فيحتمل
ان يكون المروى فتوى ابن سنان فيكون مقصود الشيخ من نقله توهين روايته الصحيحة بعدم التزام راويها بمفادها وهذا الاحتمال
وان كان بعيدا في حد ذاته الا انه ليس في عبارة الشيخ ما ينافيه حتى لا يعتنى به من حيث مخالفته لظاهر الكلام اللهم الا ان يدعى ظهور
لفظ الرواية في عرفهم في كونه من الإمام (ع) كما ليس بالبعيد وعلى تقدير الخدشة فيها متنا وسندا فلا أقل من كونه كفهم المشهور مؤيدة
لما استظهرناه من الأخبار المتقدمة من دلالتها على كون النفاس كالحيض من حيث العدد وان أكثره لا يزيد عن عشرة أيام كما أنه لو
نوقش في دلالة تلك الأخبار فلا أقل من اشعارها بذلك فتكون كفتوى المشهور جابرة لما في مرسلتي المفيد من ضعف السند بالارسال هذا مع
336

امكان ان يقال إنه لا قصور في سنديهما خصوصا الأولى فان قول المفيد قد جاءت اخبار معتمدة في أن
أقصى مدة النفاس مدة الحيض
عشرة أيام لا يكون الا بعد عثوره على عدة اخبار زعم إفادتها لذلك فيكون تصريح المفيد بكونها معتمدة شهادة اجمالية بوثاقة كل
منها ولا تقصر الرواية التي اعتمد عليها مثل المفيد عن الروايات التي اعتمد عليها مثل ابن أبي عمير وأشباهه
ممن أجمعت العصابة على قبول
مراسيله كما قيل فما ظنك بما أخبرك المفيد بعثوره على اخبار معتمدة واحتمال كون مراده من الاخبار المعتمدة هي الأخبار المتقدمة وان كان
قويا لكن يلزمه على تقدير منع دلالة تلك الأخبار على المدعى تخطئة المفيد في فهمه وهو مخالف للأصول المعتبرة فلا يعتنى به اللهم الا ان
يقال إن أصالة عدم الخطاء ونحوها لا يثبت عثوره على روايات أخر غير هذه الروايات إذ لا اعتماد على الأصول المثبتة واعتماد مثل
المفيد انما يصلح جابر الضعف رواية مجهولة الصفة كمرسلته الأخيرة لا مجهولة الذات كالأولى وقد تقدم التنبيه على ذلك عند البحث
عن كيفية تطهير الماء بالقاء الكر دفعة فراجع وكيف كان فلا يعارض الأخبار المتقدمة الأخبار المستفيضة
المشتملة على قصة أسماء
كصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت الباقر عليه السلام عن النفساء كم تقعد قال إن أسماء بنت عميس نفست فأمرها رسول الله (ص) ان تغتسل لثمانية
عشر ولا بأس ان تستظهر بيوم أو يومين وصحيحة زرارة عن الباقر (ع) ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمرها رسول الله (ص) حين أرادت
الاحرام بذي الحليفة ان تحتشي بالكرسف والخرق وتهل بالحج فلما قدموا ونسكوا المناسك فاتت لها ثمان عشرة ليلة فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله
ان تطوف بالبيت وتصلى ولم ينقطع منها الدم ففعلت ذلك وموثقة زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الباقر (ع) ان أسماء بنت عميس
نفست بمحمد بن أبي بكر فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله حين أرادت الاحرام من ذي الحليفة ان تغتسل وتحتشي بالكرسف وتهل بالحج فلما قدموا ونسكوا
المناسك سألت النبي صلى الله عليه وآله عن الطواف بالبيت والصلاة فقال لها منذ كم ولدت فقالت منذ ثمانية عشر يوما فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله ان تغتسل
وتطوف بالبيت وتصلى ولم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك فان هذه الروايات وان كان ظاهرها ان الثمانية عشر يوما حد للنفاس وان
رسول الله صلى الله عليه وآله امر أسماء بنت عميس بالاغتسال بعد ثمانية عشر لانقضاء نفاسها في هذا الحين كما يؤيد إرادة هذا الظاهر نقل هذه القصة
في الجواب عن حكم النفساء ويؤكده قوله (ع) في ذيل صحيحة ابن مسلم ولا بأس ان تستظهر بيوم أو يومين حيث يكشف عن أن امرها بالاغتسال بعد
مضى ثمانية عشر يوما ليس امر إلزام بل بيان الرخصة فيجوز لها التأخير أيضا بيوم أو يومين لكن مرفوعة علي بن إبراهيم وموثقة الجوهري المتقدمتان
حاكمتان على هذا الظاهر لما فيهما من التصريح بان حد النفاس أقل من ثمانية عشر وسبب امر النبي صلى الله عليه وآله في الثمانية عشر انما هو تأخير سؤالها
ولو سئلته قبل ذلك لأمرها بالغسل فيستفاد من ذلك أن اقتصار الإمام (ع) في مقام بيان الحكم على نقل قضية في واقعة يستظهر منها السائل
ما يزعمه بيانا للحكم كان المصلحة من تقية ونحوها فكأنه (ع) قصد بهذه الروايات التورية فالمقصود باستظهارها يوما أو يومين على هذا
التقدير هو الاستظهار الذي صرح به أبو جعفر (ع) في موثقة الجوهري وملخص الكلام ان معارضة هذه الروايات مع المرفوعة والموثقة
من قبيل معارضة النص والظاهر فلا بد من رفع اليد عن الظاهر لأجل النص خصوصا في مثل المقام الذي يكون النص بمدلوله اللفظي
قرينة لطرح الظاهر ولا سيما إذا لم يكن ظهور الظاهر مستندا إلى الوضع بل إلى أصالة الاطلاق أو السكوت في مقام البيان أو الاقتصار
على نقل قضية مجملة الوجه في مقام الجواب فان رفع اليد عن مثل هذا الظاهر بمثل هذا النص من أهون التصرفات في مقام الجمع فلا معارضة
بينها بحيث يرجع فيها إلى المرجحات الخارجية بل ربما يستفاد من مجموع هذه الأخبار مدلول التزامي يصلح شاهد الرفع اليد عن ظاهر
بعض الأخبار الآتية مما كان ظاهره كون حد النفاس ثمانية عشر يوما فإنه يفهم من هذه الأخبار التي اقتصر فيها في الجواب عن حكم
النفساء على نقل قضية الأسماء التي بين تفصيلها في ضمن الروايتين المتقدمتين وجود المقتضى للتورية واظهار هذا القول المخالف
للواقع من تقية ونحوها كما يؤيد ذلك اشعار كلام السائل في المرفوعة والموثقة بمعروفية الفتوى بذلك بسبب الرواية المنقولة عن النبي صلى الله عليه وآله
في قصة أسماء فلا يبعد ان يكون هذه الفتوى من العامة فاتقى منهم الإمام (ع) باظهار الموافقة في الاخبار التي يستظهر منها التحديد
بثمانية عشر * (مثل) * ما عن الصدوق في العلل عن حنان بن سدير قال قلت لأبي عبد الله (ع) لأي علة أعطيت النفساء ثمانية عشر يوما ولم
يعط الأقل ولا أكثر قال لان الحيض أقله ثلاثة أيام وأوسطه خمسة وأكثره عشرة فأعطيت أقله وأوسطه وأكثره وعن العيون فيما كتبه
مولانا الرضا عليه السلام للمأمون قال والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما فان طهرت قبل ذلك صلت وإن لم تطهر حتى
تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت وصلت وعملت بما تعمل المستحاضة ولعله إلى ما يستفاد من هذه الأخبار
يرجع ما سمعه ابن سنان في الصحيح عن أبي
عبد الله (ع) أنه يقول تقعد النفساء تسع عشرة ليلة فان رأت دما تصنع كما تصنع المستحاضة كما أنه يمكن تنزيل ما رواه محمد بن مسلم عن أبي
عبد الله (ع) على مالا ينافيها قال قلت لأبي عبد الله (ع) كم تقعد النفساء قال ثمانية عشرة سبع عشرة ثم تغتسل وتحتشي وتصلى لكن لا يخفى عليك
ان الترديد واختلاف التعبير وعدم التنصيص في شئ من الاخبار على حكم الثمانية عشر مما يؤيد صدورها تقيه كما يشهد به الأخبار المتقدمة
337

بالتقريب الذي عرفته وان أبيت إلا عن عدم امكان الجمع بينها بجعل بعضها قرينة الصرف البعض لتحققت المعارضة بين هذه الأخبار
الظاهرة في كون الحد ثمانية عشر وبين الأخبار المتقدمة الدالة على أنه لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان حيض وان حد النفساء ان
تقعد أيامها التي كانت تطمث فيها فان هي طهرت والا استظهرت بيومين أو ثلاثة فإن لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة والمتعين * (طرح) *
هذه الأخبار لقصورها عن المكافئة من جهات كمالا يخفى نعم لولا مخالفة الاجماع لأمكن الجمع بين بعض الأخبار المتقدمة وهذه الروايات
بالالتزام بكون الثمانية عشر حد النفاس فلو جاوزها الدم لرجعت إلى عادتها لكن يجوز لها بعد العادة ان تعمل عمل المستحاضة اعتناء
باحتمال طهارتها كما أن لها ترك العبادة اعتناء باحتمال انقطاع الدم قبل بلوغ الحد لكن يتوجه على هذا التوجيه مع ما فيه من البعد و
مخالفته لفتاوى الأصحاب وعدم تطرقه بالنسبة إلى جملة من الأخبار المتقدمة التي منها موثقة الجوهري ومرسلة المفيد التي لدينا أصح من
الصحاح وأوهن من هذه الأخبار مكافئة للأخبار المتقدمة رواية الأعمش المحكية عن الخصال عن أبي
عبد الله (ع) قال والنفساء
لا تقعد أكثر من عشرين يوما الا ان تطهر قبل ذلك فإن لم تطهر قبل العشرين اغتسلت واحتشت وعملت عمل المستحاضة وهي شذوذها
واضطراب متنها المشعر بصدورها تقية لا تبلغ مرتبة الحجية فضلا عن أن يتصرف بها في ظواهر الأخبار المتقدمة أو يكافئها في
مقام المعارضة ثم إن ها هنا اخبارا كثيرة قد أعرض منها الأصحاب وحملوها على التقية * (منها) * صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع)
قال تقعد النفساء إذا لم ينقطع عنها الدم ثلثين أو أربعين يوما إلى خمسين * (و) * صحيحة علي بن
يقطين قال سئلت أبا الحسن الماضي (ع) عن
النفساء وكم يجب عليها ترك الصلاة قال تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلثين يوما فإذا رق وكانت صفرة اغتسلت
وصلت إن شاء الله [تع‍] * (و) * حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال النفساء تقعد أربعين يوما فان طهرت والا اغتسلت
وصلت ويأتيها زوجها وكانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلى * (و) * عن الفقه الرضوي قال والنفساء تدع الصلاة أكثر مثل أيام حيضها
وهي عشر أيام وتستظهر بثلاثة ثم تغتسل فإذا رأت الدم عملت كما تعمل المستحاضة وقد روى ثمانية عشر يوما وروى ثلاثة وعشرون يوما
وباي هذه الأخبار من باب التسليم جاز ويمكن تطبيق صدرها على الطائفة الأولى من الاخبار على تكلف وعن المقنع قال روى أنها
تقعد ثمانية عشر يوما قال وروى عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال إن نسائكم ليس كالنساء الأول ان نسائكم أكثر لحما وأكثر
دما فلتقعد حتى تطهر قال وروى أنها تقعد ما بين أربعين يوما إلى خمسين يوما * (انتهى) * ولا يبعد ان يكون مرادة من الرواية الأخيرة
ما روى عن محمد بن يحيى الخثعمي قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن النفساء فقال كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها وما حربت قلت
فلم تلد فيما مضى قال بين الأربعين والخمسين * (أقول) * احتمال التورية في هذه الرواية قوى جدا حيث إنه (ع) أجمل حكمها أولا وقال كما كانت
تكون مع ما مضى من أولادها ولما قال السائل لم تلد فيما مضى قال بين الأربعين والخمسين فلا يبعد ان يكون مقصوده (ع) من التحديد
بما بين الأربعين والخمسين التحديد بالعشرة الواقعة بينهما فراده ان النفاس لا يتجاوز العشرة ونظير هذه الأخبار رواية ليث المرادي
المتقدمة في صدر المبحث الدالة على أنه ليس للنفاس حد وقد عرفت بعد حملها على إرادة نفى الحد من طرف القلة لمخالفته لظاهر السؤال
اللهم الا ان يكون تورية لأجل التقية ومما يؤيد كون هذه الأخبار بأسرها تقية ما عدا الاخبار الامرة بالرجوع إلى عادتها شدة
الحاجة إلى التقية بالنسبة إلى النفساء التي لا يختفي امرها غالبا بل يطلع على عملها عادة لو عملت عمل المستحاضة أغلب نسائها وكيف كان فهذه الأخبار
مما يجب رد عملها إلى أهله والمتعين في المقام هو الاخذ بمفاد الأخبار المتقدمة الامرة بالرجوع إلى عادتها التي عرفت دلالتها
بواسطة جملة من القرائن الداخلية والخارجية على كون النفاس كالحيض من حيث العدد كما صرح به في مرسلة المقيد فيختص النفاس بأيام
العادة لو تجاوز العشرة والا فالكل نفاس فما يظهر من بعض من أن الدم المتجاوز عن العادة مطلقا استحاضة يرده الاخبار الامرة بالاستظهار
وغيرها مما يستفاد منه كونه كالحيض مع أنه لا يبعد مخالفته للاجماع كما يظهر ذلك من الشيخ في محكى الخلاف والتهذيب فعن التهذيب أنه قال
بعد نقل عبارة المفيد المتقدمة المعتمد في هذا انه قد ثبت ان ذمة المرأة مرتهنة بالصلاة والصوم قبل نفاسها بلا خلاف فإذا طرء
عليها النفاس يجب أن لا يسقط عنها ما لزمها الا بدلالة ولا خلاف بين المسلمين ان عشرة أيام إذا رأت الدم من النفاس وما زاد على ذلك
مختلف فيه فلا ينبغي ان تصير إليه الا بما يقطع العذر وكلما ورد من الاخبار المتضمنة لما زاد على عشرة أيام فهي اخبار آحاد لا تقطع العذر
أو خبر خرج من سبب أو لتقية انتهى وعلى تقدير عدم كونه اجماعيا فالظاهر عدم القول بالفصل بين اليوم واليومين والثلاثة بعد العادة
وما بعدها إلى العشرة بجعل اليوم واليومين والثلاثة نفاسا ان انقطع الدم عليها كما يدل عليه الاخبار الامرة بالاستظهار دون
ما عدلها من الأيام وإن لم يبلغ العشرة وعلى تقدير وجود القول به فقد ظهر ضعفه فيما مر نعم ربما يقال في المقام انه لا يستفاد من
الأخبار المتقدمة الا عدم مجاوزة نفاس ذات العادة العددية عن العشرة لكونها هي التي أريدت من تلك الأخبار
بقرينة الأثر
338

بالرجوع إليها ودعوى أنه يستفاد منها ان مدة النفاس لا يريد مطلقا عن العشرة ولو في المبتدئة والمضطربة فمستندها ليس إلا مجرد
استبعاد كون نفاس ذات العادة عشرة فما دون وكون الثمانية عشر مثلا حد النفاس غيرها فلا يلتفت إليه في الأحكام الشرعية؟؟
فتنزل الأخبار الدالة على كون الحد ثمانية عشر على غير ذات العادة واما مرسلة المفيد الدالة على أنه
لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من
زمان حيض اما مطروحة لضعف سندها أو قصورها عن المكافئة أو محمولة على إرادة بيان الحكم في الافراد الغالبة من كونها ذات
العادة كما يشعر بكونها الافراد الغالبة الامر بالرجوع إليها في الأخبار المتقدمة في الجواب عن السؤال عن حكم المستحاضة مطلقا ان قلت
فعلى هذا كيف يحمل اطلاق ما دل على أنها تقعد ثمانية عشر على إرادة تلك الافراد مع ندرتها * (قلت) *
عمدة المستند لهذا القول روايتا
العلل والعيون المتقدمتان وليس في شئ منها اطلاق حتى يستبعد تنزيله على الفرد النادر لان مفاد أوليهما ليس إلا كون أكثر النفاس
ثمانية عشر ككون أكثر الحيض عشرة وثانيتهما صرحت بان النفساء لا تقعد أكثر من ثمانية عشر وليس فيها دلالة على أنها تقعد ثمانية عشر
مطلقا * (واما) * الأخبار المستفيضة الظاهرة في ذلك لاكتفاء الإمام (ع) عن بيان حكم النفساء بذكر قصة أسماء فهي خارجة بسبب خاص أو
لتقية كما نبه عليه الشيخ في العبارة المتقدمة عن التهذيب ويشهد له الروايتان الواردتان في الردع عن الاستشهاد بها فلا يصح الاستدلال
بهذه الاخبار لهذا القول اللهم الا ان يقال بعدم التنافي بدعوى أن المقصود بالروايتين رفع توهم الراوي بل أكثر الناس في ذلك
الزمان بثبوت الثمانية عشر حتى للمعتادة فأجابه (ع) بعدم دلالة ذلك على ثبوت الثمانية عشر [مط] ولذا لما سأله الراوي في رواية المنتقى
اقتصر على بيان ان المعتادة تأخذ عادتها فيكشف ذلك عن اهتمامه (ع) بردعهم عن العمل بقضية أسماء في المعتادة التي هي أغلب افراد النفساوات
والمحصل من ذلك كله ان ليس في روايات الردع عن العمل بقضية أسماء الا رفع الايجاب الكلى والمتيقن منه الردع بالنسبة إلى المعتادة دون
غيرها التي يخصص بها عموم ما دل على الثمانية عشر * (ان قلت) * على هذا التقدير ان كانت أسماء معتادة فلا وجه للاستشهاد بقضيتها الغير المعتادة
وان كانت غير معتادة كان ما دل على الردع عن العمل بقضية أسماء معارضا لما دل على الثمانية عشر * (قلت) * لنا ان نختار الأول ونقول ان
الاستشهاد بها لغير المعتادة لمجرد اشتهار ها بين الناس وكونها مستندا مأثورا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فان مولانا أبا جعفر (ع) كثيرا ما يسند
الحكم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ليقع الحكم في قلوب الخاصة والعامة ولذا كان (ع) قد يسند الحكم إلى جابر بن عبد الله الأنصاري فظهر بذلك كله صحة التمسك
لهذا القول باخبار هذه القضية وعدم التنافي بينها هذا كله مضافا إلى عموم أدلة النفاس والنفساء بناء على صدقه عرفا بعد العشرة وعدم ثبوت
حقيقة شرعية له هذا غاية ما يمكن ان يقال في تأييد هذا القول أعني التفصيل بين ذات العادة وغيرها وقد بالغ شيخنا المرتضى [ره] في تشييده
إلى أن قال فالانصاف ان هذا القول لا يقصر في القوة عن القول المشهور الا ان الشهرة المحققة ونقل الاجماع عليه خصوصا مع ما قيل من
رجوع السيد والمفيد عنه يمنع من مخالفته فالعمل عليه والاحتياط ممالا ينبغي تركه بالجمع بعد العشرة بين وظيفتي النفساء والمستحاضة انتهى
كلامه رفع مقامه لكن الانصاف ان هذا القول أضعف الأقوال بل أوهن الاحتمالات ولا يبعد مخالفته للاجماع حيث لم ينقل ذلك من أحد
عدا العلامة في المختلف واستحسنه في التنقيح واما السيد والمفيد فلم يذهبا إلى ذلك كما يظهر من عبارة الشيخ [ره] إذا القول المعروف
عنهما هو القول بكون الحد ثمانية عشر مطلقا وقد قيل إنهما رجعا عن هذا القول لكن لما كان عمدة مستند هذا التفصيل على ما زعمه [قده]
هي روايتا العلل والعيون اللتين ادعى انجبار ضعفهما بعمل مثل السيد المفيد كان رجوعهما عن قولهما موهنا للمستند فاسناد هذا القول
إليهما انما هو باعتبار موافقتهما فيه في الجملة وكيف كان فيرد عليه أولا انه لم يعلم استناد السيد وغيره من القائلين بكون الحد ثمانية
عشر إلى هاتين الروايتين بل العمدة لديهم على الظاهر الأخبار المعتبرة الواردة في قضية أسماء كما يكشف عن ذلك استدلال العلماء بها
لهذا القول ومجرد مطابقة عملهم لمدلول الرواية لا يكفي عن الانجبار وثانيا ان مفاد هاتين الروايتين كغيرهما من الأخبار الواردة
في قضية أسماء كون الثمانية عشر حد للنفساء مطلقا وتنزيلهما على غير ذات العادة تنزيل على الفرد النادر باعتراف الخصم ودعوى أنه
لا اطلاق في الروايتين * (يدفعها) * ان رواية العلل كادت أن تكون صريحة في العموم فضلا عن الاطلاق حيث قال الراوي لأي علة
أعطيت النفساء ثمانية عشر يوما لا أقل ولا أكثر وقد قرره الإمام (ع) فيما قال وعلله بعلة تعبدية ظاهرة عموم الاعطاء فلو كان
هذا التفصيل حقا لكان ما أعطيت النفساء في الغالب أقل كمالا يخفى ورواية العيون أيضا ظاهرها كونها مسوقة لبيان حكم
النفساء وان مفهوم قوله (ع) لا تقعد النفساء أكثر من ثمانية عشر يوما انها تقعد هذا الحد مطلقا ولو بيننا على اهمالها من حيث
المفهوم لما تم الاستدلال بها لاثبات حد النفاس من حيث هو حتى يدعى ان القدر المتيقن من موردها غير المعتادة ضرورة ان مفهومها
على هذا التقدير ليس إلا ان النفساء يجوز لها القعود إلى الثمانية عشر في الجملة فمن الجايز ان يكون مورد الجواز ما إذا مست الحاجة
إليها لأجل التقية وحيث إن التقية تتأدى بثمانية عشر ولو لأجل القضية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله المعروفة بين الخاصة والعامة فلا
339

تقعد أكثر من ثمانية عشر * (والحاصل) * ان دعوى إهمال الروايتين بعد تسليم سندهما وسلامتهما عن المعارض ضعيفة جدا واضعف
منها دعوى عدم التنافي بين الاستدلال بالأخبار الواردة في قضية أسماء الظاهرة في كون الحد ثمانية عشر والروايتين المانعتين من الاستدلال
بهذه القضية ضرورة ان الاستدلال بها يناقض الردع عنه والاهتمام ببيان عدم كونها دليلا ودعوى أن الاستدلال صوري
لا حقيقة له فكان الإمام (ع) أراد اثبات مدعاه بدليل باطل حتى يقع في قلوب الناس بعد تسليم جوازه يرد عليها أولا ان الالتزام
به ليس بأولى من الالتزام بصدور هذه الأخبار تقية وثانيا ان دلالة هذه الأخبار على التحديد بثمانية عشر انما هو لاستفادته من امن
النبي صلى الله عليه وآله في القضية التي نقلها الإمام (ع) بيانا لحكم المستحاضة لا غير حيث لم يذكر الإمام (ع) في الجواب شيئا وذلك كي يفهم منه التحديد
وقد منع (ع) في ضمن الروايتين المتقدمتين دلالة امر النبي صلى الله عليه وآله في هذه القضية على التحديد فكيف يبقى له بعد المنع والمناقشة في دلالته
ظهور في التحديد حتى يقتصر في تخصيصه على القدر المتيقن نعم لو حدده أولا بثمانية عشر ثم علله بذكر القضية لكان للتوهم المذكور
مجال بدعوى ظهور الحكم المعلل له في ثبوت النسبة في الواقع واستكشاف عدم كون التعليل تعليلا واقعيا بدليل خارجي لا يمنع من
ظهور الكلام المعلل له في إرادة الحكم الواقعي لان بطلان الدليل لا يستلزم فساد المدعى وان كانت هذه الدعوى أيضا مدفوعة بان ظاهر
التعليل كون العلة هي السبب لاثبات الحكم المعلل له فإذا تبين كونه تعليلا صوريا لم يبق للمعلل له ظهور في إرادة الواقع نعم لا ملازمة بين
فساد الدليل وبطلان المدعى لكن الكلام في بقائه على ظاهره بعد العلم بعدم ارادته من التعليل حقيقته فليتأمل وكيف كان فليس لهذا
التوهم مجال في مثل هذه الأخبار التي لم يتعرض فيها الا لنقل القضية فكأنه (ع) لم يرد في هذه الأخبار
الا اثبات ان النفساء لا تقعد أكثر
من ثمانية عشر كما يزعمه العامة استشهادا بأمر النبي صلى الله عليه وآله لأسماء * (واما) * اثبات انها تقعد ثمانية عشر فلم يقصده بذلك كي يتوجه عليه النقض بعد
الدلالة على ما صرح (ع) في الروايتين المتقدمتين فلا يبعد ان يكون اعراضه عن جواب السائل كما هو حقه والاقتصار على بيان عدم قعودها
أكثر من ثمانية عشر لمصلحة من تقية ونحوها أو كان المعهود لديهم ان المقصود بالسؤال تعيين أحد الاعداد التي تشططت فيها أقوال المخالفين
من ثلثين وأربعين وخمسين وستين فأراد الإمام (ع) ان يبين اجمالا بطلان جميع هذه الأقوال بحيث يسلمه الخصم بنقل قضية أسماء والله
العالم وثالثا سلمنا عدم صلاحية الروايتين لصرف ظهور هذه الروايات في إرادة التحديد بثمانية عشرة واقعا لكن نقول كيف يجوز لنا الاعتماد
على هذا الظاهر بعد العلم بخروج أغلب افرادها الشايعة التي منها مورد القضية المعلل بها وكيف كان فهذه الدعوى من الضعف بمكان
ويتلوها في الضعف دعوى قصور الأدلة السابقة عن اثبات الحكم في غير ذات العادة فان منها مرسلة المفيد المصرحة بأنه لا يكون دم
نفاس زمانه أكثر من زمان حيض وقد عرفت انها أقوى من الصحيحة حيث إن ظاهر إرسال المفيد القول عن الصادق (ع) من دون اسناده إلى رواية
ثبوته لديه على سبيل القطع فيكون بمنزلة رواية ادعى تواترها ويؤيد هذا الظاهر تقديمه على ما يعارضه من الأخبار المعتبرة واما سائر
الاخبار الامرة بالأخذ بعادتها فلا تقصر أيضا عن إفادة المطلوب فإنه إذا قيل في الجواب عن السؤال عن مقدار قعود النفساء [مط] تقعد قدر
حيضها أو أيامها التي كانت تحيض أو عدد أيامها التي كانت تجلس في الحيض يفهم منه عرفا ولو لأجل المناسبات المغروسة في الأذهان ارتباط
النفاس بالحيض وان عدد النفاس لا يزيد عن عدد الحيض وانها لو كانت مضطربة فلا يزيد نفاسها عن أقصى أيام حيضها وان نفاس المبتدئة لا يزيد
عن أقصى ما يمكن ان يكون حيضها فتخصيص الرجوع إلى العادة بالذكر في الروايات مع اطلاق السؤال للجري على الغالب وما قيل من أن الحاق
المبتدئة والمضطربة بذات العادة في الحكم المستفاد من الاخبار منشأه مجرد استبعاد الفرق بينهما * (مدفوع) * بان الاستبعاد المذكور امر مغروس
في ذهن كل أحد منشأ لتعميم الحكم المستفاد من الدليل وعدم قصره على الموضوع المذكور في القضية خصوصا مع اطلاق السؤال كما يكشف عن
ذلك فهم المشهور إذ لولا الدلالة لما استفادوا منها ذلك وهل حال المخاطبين في فهم المراد من الألفاظ الا كحال هذه الاعلام فلا ينبغي في مثل
المقام الالتفات في تشخيص المفاهيم العرفية إلى الخدشات الطارية من بعض المدققين من المتأخرين وكيف كان فلا يهمنا الاطناب في هذا المقام
بعد الاعتماد على مرسلة المفيد والله العالم بحقايق احكامه * (وقد) * ظهر لك في مطاوي كلماتنا السابقة تلويحا وتصريحا ان النفساء حكمها حكم الحايض
في الرجوع إلى عادتها وفي الاستظهار بعدها وجوبا أو جوازا لكن الأحوط ترك الاستظهار بأزيد من الثلاثة وان جوزناه في الحايض والأولى
اقتصارها على يوم الا ان يغلب على ظنها الانقطاع فيما بعده فتستظهر بيومين أو ثلاثة * (واما) * المبتدئة والمضطربة التي لم تستقر لها عادة ولو بالنسبة
إلى أكثر حيضها من حيث القدر المتيقن الذي لا يزيد عليه فتتنفس إلى العشرة فان انقطع الدم والا فهي مستحاضة وقيل برجوعهما إلى أوصاف الدم والى
الروايات كالحايض وفيه ما عرفت في محله من أن الرجوع إلى أوصاف الدم والى الروايات من الأحكام التعبدية التي يجب الاقتصار فيها على موردها
وكون النفاس حيضا محتبسا لا يجدى في الرجوع إلى الأوصاف أو الروايات بعد انصراف أدلتها عنه نعم لو استمر بها الدم بعد أيام نفاسها
إلى أن تجاوز أقل الطهر تعمل بما هو وظيفة المستحاضة من الرجوع إلى أوصاف الدم وغيرها كما أن
ذات العادة أيضا بعد حصول الفصل بأقل
340

الطهر ترجع إلى عادتها فتدع الصلاة أيام أقرائها كما هو ظاهر لكن لو قيل برجوع المبتدئة والمضطربة في نفاسها إلى عادة نسائها بعد أن استظهرت
إلى العشرة ولم ينقطع عنها الدم بان تقضى ما فاتها من العبادات الواجبة عليها لكان أحوط نظرا إلى قول الصادق (ع) في موثقة أبي بصير
النفساء إذا ابتليت بأيام كثيرة مكثت مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك واستظهرت بمثل ثلثي أيامها ثم تغتسل تحتشي وتصنع كما تصنع
المستحاضة وان كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك ثم صنعت المستحاضة
تحتشي وتغتسل بناء على إرادة أيام الحيض من أيام نفاسها وكونه محمولا على ما لم يتجاوز المجموع العشرة كي يخالف الاجماع وحيث لا وثوق بشئ من البنائين
لقوة احتمال كونه كساير الأخبار المتقدمة صادرا عن سبب يشكل الاعتماد عليه في اثبات حكم شرعي خصوصا مع شذوذه والله العالم
* (لو) *
كانت حاملا باثنين مثلا وتراخت ولادة أحدهما كان ابتداء نفاسها من الأول وعدد أيامها من وضع الأخير لان كلا من الولادتين
سبب تام لكون دمها إلى عشرة أيام نفاسا ومقتضاه ان يدخل ما بقي من أيام نفاس الأول في عدد الأخير إن لم يتخلل بينهما عشرة أيام والا
كان عدد كل مستوفا تاما مستقلا من غير تداخل فقد يكون [ح] جلوسها عشرين يوما كما إذا وضعت الثاني عند انقضاء العشرة من يوم
وضعت الأول ولا ينافيه كون أكثر النفاس عشرة لأنهما نفاسان مستقلان ولو تأخرت ولادة الثاني عن العشرة كان ما بعدها إلى ولادة
الثاني طهرا وبعد الولادة نفاسا وما استشكله بعض لولا الاجماع في المسألة فيما لو كان الفصل بين النفاسين بأقل من عشرة أيام نظرا إلى
كون النفاس عندهم كالحيض في الاحكام فلا يكون الفصل بينهما بأقل منها بل مقتضاه كون النفاس حيضا محتبسا كما يظهر من تصريحاتهم و
تلويحاتهم عدم كون الطهر المتخلل بين النفاسين أقل من عشرة أيام كما يكشف عن ذلك حكمهم بلحوق أيام النقاء المتخلل بين نفاس واحد بأيام الدم
كما في الحيض استنادا إلى أن الطهر لا يكون أقل من عشرة * (مدفوع) * بان عدم كونه الطهر أقل من عشرة ليس من احكام الحيض بل هو من شرايط امكان
كون الثاني حيضا وقد عرفت فيما سبق اختصاص هذا الشرط بالحيض دون النفاس وكونه حيضا محتبسا لا يقتضى اشتراطه بسبق الطهر نعم مقتضى
كون النفاس حيضا محتبسا أن لا ترى المرأة بعد اطلاق هذا الدم وخروجه من الحبس وقذف الطبيعة إياه حيضا اخر الا بعد الفصل بأقل الطهر
الذي هو أيام اجتماع الدم في الرحم كما أن مقتضاه كون ما تقذفها من الدم بالطبع قبل انقضاء العشرة من الحيضة الأولى وليس مقتضاه أن لا
ترى نفاسا اخر فان بقاء الولد الثاني سبب لحبس الدم لأجله كالأول فيخرج بخروجه ما كان محبوسا له فلا يتوقف ذلك على مضى زمان الطهر
وكيف كان فلا دليل على اشتراط هذا الشرط بين النفاسين وما يقال من أن إلغاء هذا الشرط بعد اجماعهم على مساواة الحايض والنفساء في الحكم
يحتاج إلى الدليل لا اشتراطه * (مدفوع) * بما عرفت من أن سبق أقل الطهر انما هو من شرائط تحقق موضوع الحيض لا من الاحكام حتى يعمه معقد اجماعهم
على المساواة خصوصا مع تصريح المجمعين في المقام بعدم الاشتراط * (نعم) * الحكم بكون النقاء المتخلل بين حيضة واحدة حيضا من اثار حيضية الدم
اللاحق وكونه من الحيضة الأولى ولذا نلتزم بمثله في المقام وهذا بخلاف ما نحن فيه وكيف كان فلا ينبغي الاعتناء بمثل هذه الاستشكالات خصوصا
مع كون الحكم اجماعيا كما يظهر من غير واحد وأوهن من هذا الاشكال ما عن المصنف في المعتبر من التردد في نفاسية الأول لأنها حامل ولا حيض
ولا نفاس مع حمل * (وفيه) * أولا ما عرفت من أن الأظهر امكان اجتماع الحيض مع الحمل وثانيا اختصاص ما دل على المنع بالحيض وكونه حيضا محتبسا لا يجدي
في مدعاه بعد انصراف الدليل عنه وهل يلحق بالتوأمين الولد الواحد إذا وضعته قطعة قطعة بان انفصلت أعضائه فخرجت تدريجا فيه تردد والأقرب
الالحاق إذا كان خروج كل قطعة بنظر العرف بمنزلة ولادة مستأنفة والا فالمجموع نفاس واحد ابتدائه من أول ظهور الجزء الأول كما لو طالت مدة
وضعها اللهم الا ان يقال في مثل الفرض أيضا ان استيفاء العدد انما هو من وضع الجزء الأخير وابتدائه من أول ظهور الجزء الأول كما ربما
يؤيده ظاهر تعبيراتهم في مثل المقام لكنك خبير بما فيه بعد قضاء العرف بل العقل بكون المجموع نفاسا واحدا ثم إنه حكى عن شارح الروضة
وغيره انهم ذكروا انه يترتب الثمرة على تعدد النفاسين ما لو ولدت الثاني لدون عشرة ولم تر بعد ولادة الأول الا يوما واحدا وانقطع في باقي
الأيام المتخللة بينهما فإنه يحكم بكونها طهر وان رأت بعد ولادة الثاني في العشرة وانقطع عليها بخلاف ما لو كان نفاسا واحدا كما يوهمه
ظاهر المتن وغيره فإنه يلزم كون الدمين والنقاء المتخلل بينهما نفاسا كما ستعرفه وظاهرهم ان اللازم من تعدد النفاس كون الدم
بعد ولادة الثاني محسوبا من النفاس الثاني فقط وان رأته فيما دون العشرة من الأول فلا يجدى كونه كذلك في نفاسية النقاء
المتخلل بينه وبين الدم الأول وربما يورد عليهم بأنه خلاف ما تقتضيه سببية الولادة التي هي المنشأ لحكمهم بالتعدد فان مقتضاها
امتداد أيام كل واحد إلى عشرة ويكون الدم في الأيام المشتركة بين الولادتين معدودا من كل من النفاسين له حكم كل منهما فلو رأت الأول
من ولادة الأول والخامس من ولادة الثاني وكان عاشرا من الأول والعاشر من الولادة الثانية كان كل من النقائين المتخللين
نفاسا * (وفيه) * انه بعد أن انقطع الدم الأول ثم ولدت فرأت الدم عقيب الولادة الثانية يستند الدم الثاني عرفا إلى الولادة الثانية
وقضية سببيته الولادة لكون العشر نفاسا انما هي فيما لو رأت دما مستندا إلى هذه الولادة في أثناء العشرة لا فيما لو انقطع دمها
341

ورأت دما اخر لولادة أخرى في أثناء العشرة فإنه ليس إلا كما لو رأت دم الحيض ثلاثة أيام وانقطع أياما ثم ولدت ونفست قبل أن يتم
لها عشرة أيام من يوم حيضها وقد عرفت فيما سبق انه لا دليل على احتساب الدم الثاني من الحيضة الأولى حتى يلزمه كون النقاء المتخلل
حيضا فكما أن الولادة سبب لكون الدم إلى عشرة أيام نفاسا كذلك سبق الحيض سبب لحيضية ما رأته قبل مضى العشرة وقد عرفت أنه
لا يقتضى ذلك كون ما رأته بالولادة من الحيضة السابقة حتى يستلزم كون النقاء المتخلل حيضا فكذا سببية الولادة لكون الدم
المرئي في العشرة نفاسا لا تقتضي كون ما رأته عقيب الولادة الثانية مع كونه مضافا إليها عرفا من النفاس الأول حتى يستلزم نفاسية النقاء
المتخلل نعم لو استمر بها الدم الأول إلى أن ولدت الثاني فلا يبعد استناد نفاسيته في الأيام المشتركة إليهما فيتداخلان من حيث الأثر لكنه
لا يترتب عليه اثر عملي والحاصل ان الحكم يكون النقاء نفاسا أو حيضا يحتاج إلى دليل تعبدي ينزل أوقات عدم الدم منزلة وجوده وما
يدل على ذلك بالنسبة إلى النقاء المتخلل بين حيضة واحدة أو نفاس واحد لا يعم مثل الفرض فالأظهر ان النقاء الحاصل قبل الدم المرئي عند
الولادة الثانية طهر كما أن الأظهر كون النقاء الحاصل بين حيض الحامل ونفاسها أيضا كذلك ولو لم يكن بمقدار أقل الطهر كما تقدم تحقيقه
مفصلا والله العالم
ولو لم تر دما ثم رأت في اليوم العاشر أو قبله كان ذلك نفاسا دون ما قبله من النقاء فإنه ليس بنفاس كما عرفته في
صدر المبحث واما كون ذلك نفاسا فربما يستدل عليه بصدق النفاس عرفا لعدم اعتبار الاتصال بالولادة في صدق كون الدم دم الولادة لكنه
ربما يتأمل في الصدق العرفي خصوصا مع عدم العلم بكونه هو الدم المعهود المحتبس الا ان الظاهر عدم الخلاف فيه كما يظهر من عبارة التهذيب
المتقدمة بل في المدارك ان هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب لكنه مع ذلك ناقش فيه وقال وهو محل اشكال لعدم العلم باستناد هذا
الدم إلى الولادة وعدم ثبوت الإضافة إليها عرفا انتهى * (أقول) * بعد الاعتراف بذلك لا ينبغي الاستشكال فيه فان جزمهم بذلك لو لم يكن كاشفا عن
الصدق العرفي ولا عن موافقه المعصوم فلا قال من تأييده لما يستشعر من جملة من الاخبار كالخبرين الآتيين وغيرهما من أن موضوع الحكم
هو الدم الطبيعي الذي تقذفه المرأة في أيام معينه بعد الولادة من غير فرق بين اتصال الدم بأيام الولادة واستمراره وبين انفصاله عنها
أو انقطاع بعضه عن بعض بتخلل النقاء ولو بنى على الاعتناء بمثل هذه الخدشات واغمض عن كلام الأصحاب واجماعهم بالمرة لاشكل الامر في كثير
من الفروع المسلمة التي لا ينبغي الارتياب فيها بل لعل هذا هو العمدة في اثبات جميع الفروع الآتية وان كان ربما يستدل لها بسائر الأدلة لكن
العمدة فيها اطباق الأصحاب فإنه يورث الجزم بالحكم والوثوق بدلالة بل لولا اطباقهم لاشكل الامر في اعتبار كون مبدء العشرة من حين
الولادة لا من حين رؤية الدم نعم ربما يستدل له برواية مالك بن أعين في النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم قال إذا مضت منذ يوم
وضعت أيام عدة حيضها واستظهرت بيوم فلا بأس ان يغشاها زوجها وقول النبي صلى الله عليه وآله في الروايات المتقدمة لأسماء بنت عميس بعد سؤالها عن
الغسل منذ كم ولدت ولا يبعد دعوى انصرافهما إلى ما إذا رأت الدم من يوم الولادة بحكم الغلبة الا انه بعد كون الحكم من المسلمات لا يسمع مثل هذه
الدعاوى * (وكيف) * كان فالأظهر كما هو مقتضى اطلاق المتن وغيره كون ما رأته في العاشر أو قبله نفاسا [مط] من دون فرق بين ذات العادة وغيرها
سواء انقطع على العاشر أم جاوزه فما في المدارك وغيره تبعا للمحكى عن الذكرى من أن هذا الحكم متجه بناء على ما اختاره في المعتبر من التحيض بالعشرة
مطلقا واما على ما اخترناه من رجوع ذات العادة إلى عادتها عند مجاوزة العشرة فينبغي تقييد في ذات العادة بما إذا كانت عادتها عشرة أو دونها
وانقطع على العاشر واما لو كانت عادتها دون العشرة ورأت الدم في العاشر وجاوزه فلا يتجه الحكم بالنفاسية [ح] للامر بالرجوع إلى العادة
مع التجاوز والفرض عدم الدم فيها انتهى ضعيف في الغاية ضرورة ان امر المعتادة في الحيض والنفاس بالرجوع إلى عدد أيامها وترك الصلاة
في ذلك العدد انما هو فيما لو رأت الدم بعدد أيامها وجاوزها وتجاوز العشرة وأمكن ان يكون ذلك العدد حيضا أو نفاسا واما في غير مثل ذلك
فلا يعقل امرها بالرجوع إلى أيامها كما أن ذات العادة الوقتية لو لم تر دما في وقتها ورأت بعدها ما يمكن ان يكون حيضا لا يعقل ان يكون تكليفها
الرجوع إلى عادتها بل تعمل في هذا الدم على ما يقتضيه القواعد ففيما نحن فيه يجب عليها الرجوع إلى عدد أيامها لو استمر بها الدم وأمكن ان يعمها تلك
الأدلة كما لو كانت عادتها خمسة ورأت الدم في ثالث الولادة مثلا فاستمر بها إلى أن تجاوز العاشر فيجب عليها ان تنفس خمسة أيام من أول ما
رأت الدم لا من أول الولادة المفروض طهارتها فيه واما لو لم تر الدم الا في الثامن مثلا فتجاوز العاشر فلا يعمها الأدلة الامرة بالرجوع إلى عادتها
لتعذره فتعمل فيه على ما يقتضيه القواعد ودعوى أنه يجب عليها احتساب عددها من أول الولادة ولو لم ترفيه دما كما هو مقتضى مدعاهم مع ما فيها من المنع
بعدم دليل يعتد به غير مجدية في مثل الفرض أعني فيما لو كان رؤيتها للدم بعد مضى أيامها متجاوزا للعشرة إذ ليس حالها على هذا التقدير الا كذات العادة
الوقتية التي تأخرت رؤيتها للدم عن وقتها وقد أشرنا ان حكمها [ح] ليس إلا العمل بما يقتضيه القواعد في خصوص هذا الدم كما تقدم في محله وملخص
الكلام ان المستفاد من مجموع الأدلة ليس إلا انه يجب على ذات العادة من النفساء إذا تجاوز دمها العاشر ان تتنفس بعدد أيامها من أول ما رأت
الدم بشرط الامكان سواء اتصلت الرؤية بالولادة أم انفصلت عنها فإذا تعذر ذلك بمقتضى ما دل على أن
مبدء العشرة أيام التي يمكن وأن يكون
342

الدم فيها نفاسا من حين الولادة لامتنع ان يعمها هذا الأدلة الامرة بترك الصلاة عدد أيامها إذا المفروض دلالة الدليل على أن بعض هذه
الأيام ليس بنفاس فالمتعين في مثل الفرض هو الرجوع إلى ما يقتضيه القواعد من الحكم بكون ما رأته في العشرة نفاسا وفيما بعدها استحاضة
لقاعدة الامكان ولا فرق في جريان القاعدة بين الحيض والنفاس لكون النفاس أيضا كالحيض هو الدم الطبيعي الذي تعتاده النساء بمقتضى
طبعها بل قد عرفت تصريحهم بكونه بعينه دم الحيض فتجرى القاعدة فيه كما يظهر وجهه مما سبق بل يظهر من بعضهم عدم الخلاف في أن ما أمكن
ان يكون نفاسا فهو نفاس والله العالم
ولو رأت دما عقيب الولادة ثم طهرت ثم رأت في العاشر أو قبله كان الدمان وما بينما نفاسا
مع عدم تجاوز الدم للعشرة بل ومعه إذا كانت غير ذات عادة بل وإذا كانت كذلك مع كون عادتها عشرة واما إذا كانت عادتها أقل من عشرة
ورأت في العاشر ثم جاوزها فالأول خاصة نفاس والنقاء طهر والدم الثاني استحاضة إذ لو حكمنا بكون ما رأته في العاشر نفاسا للزم
ان يكون نفاس ذات العادة عند تجاوز دمها العشرة أزيد من أيام حيضها وهو خلاف ما يستفاد من الأخبار المتقدمة ودعوى عدم شمول
الأخبار المتقدمة المثل الفرض كما في الفرض المتقدم * (مدفوعة) * بان عدم شمولها لها في الفرض انما هو على تقدير أن لا يكون أيام نقائها
نفاسا واما على تقدير كونه بحكم ما لو رأت الدم فيها كما هو من لوازم نفاسية الدم الثاني فلا مانع من أن
يعمها الأخبار الدالة على أنها
لا تقعد أزيد من عادتها كما أنه لا مانع من أن يعم تلك الأخبار ذات العادة التي تخلل النقاء في الجملة بين أيام
عادتها * (وان) * شئت
قلت إن كون الدم الثاني نفاسا ممتنع شرعا لأنه يلزم من وجوده عدمه حيث إن نفاسية سبب لاندراج المرأة في موضوع الأخبار الدالة
على أنها لا تقعد أزيد من أيامها وان ما تراه بعد أيامها استحاضة * (فليتأمل) * هذا مع أن عمدة المستند في المقام ما يفهم
من الاخبار ولو بضميمة بعضها إلى بعض واعتضادها بفهم الأصحاب وفتاويهم انما هي مشاركة الحائض والنفساء في الاحكام التي منها
تبعية النقاء المتخلل بين أبعاض الدم بطرفيه وعدم كونه طهرا بل مضافا إلى اجماعهم على المشاركة كما عن جماعة دعويه على وجه يدل صريح كلامهم
على إرادة عموم المشاركة بحيث يعم المقام كما يشهد بذلك انهم أرسلوا كون النفاس حيضا محتبسا إرسال المسلمات وقضية ذلك كله ليس ليست
الا كون النفاس كالحيض وقد عرفت في محله انه لو رأت الحائض في عادتها ما يمكن ان يكون حيضا ورأت الدم فيما بعدها مجاوز للعشرة فالأول
حيض والثاني استحاضة [مط] فكذا فيما نحن فيه قضية لقاعدة المشاركة وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف في كون النقاء المتخلل بين أبعاض دم
النفاس بحكم النقاء المتخلل بين دم الحيض فما عن صاحب الحدائق من الاستشكال في نفاسية النقاء المتخلل على الظاهر مبنى على ما تخيله في الحيض
وقد عرفته مع ما فيه
وقد ظهر لك مما تقدم من عدم الخلاف في مشاركة الحائض والنفساء في الاحكام انه يحرم على النفساء ما يرحم على
الحائض وكذا يندب ويكره ويباح للنفساء ما يندب ويكره ويباح لها مما تقدم تفصيله في محله ولا يصح طلاقها كمالا يصح طلاق الحائض
لكونه من الاحكام التي يعمها قاعدة المشاركة وربما يستدل للجميع بكون النفاس حيضا محتبسا فيعمه احكامه ولولا الاجماع على المشاركة
لأمكن المناقشة فيه بدعوى انصراف أدلتها إلى غيره ولو بالنسبة إلى بعضها لكنه لا يلتفت إليها بعد ما عرفت كما لا يعتنى بالخدشة في
أصل الدليل بعد ما سمعت * (و) في المدارك في شرح عبارة المتن قال هذا أي مشاركتهما في الاحكام مذهب الأصحاب بل قال في
المعتبر انه مذهب أهل العلم كافة ولعله حجة وذكر جمع من الأصحاب ان النفساء كالحائض في جميع الأحكام واستثنى من ذلك أمورا
* (الأول) * الأقل اجماعا * (الثاني) * الأكثر فان في أكثر النفاس خلافا مشهورا بخلاف الحيض * (الثالث) * ان الحيض قد يدل على البلوغ بخلاف
النفاس * (الرابع) * انقضاء العدة بالحيض دون النفاس غالبا ولو حملت من زنا ورأت قرئين في زمان الحمل حسب النفاس قرء اخر
وانقضت العدة به * (الخامس) * انه لا يشترط في النفاسين مضى أقل الطهر كما في التوأمين بخلاف الحيض السادس ان النفساء لا ترجع إلى عادتها في
النفاس ولا إلى عادة نسائها بخلاف الحائض انتهى وأنت خبير بان الاستثناء منقطع لان شيئا منها لا ينافي عموم المشاركة في الحكم بل ولا كون
النفاس حيضا محتبسا فتأمل جدا وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أن غسلها كغسل الحايض والجنب بل قد عرفت في مبحث الجنابة ان الأغسال
واجبة كانت أم مسنونة بأسرها متحدة الكيفية شرطا وشطرا نعم نفينا البعد عن أن يكون
لغسل الميت خصوصيات مخصوصة به ولذا استشكلنا في استفادة
اعتبار الترتيب في سائر الأغسال من الأخبار الواردة فيه
والله العالم بحقايق احكامه وصلى الله
على محمد وآله الطيبين الطاهرين
حرره الأقل الأحقر
العاصي ميرزا حسين ناسخيان في شهر ذي حجة 1351
343