الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ١٦
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ربيع الآخر ١٤١٩
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-١٢٥-٧
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف العلامة الفقيه
المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء السادس عشر
تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

الطبعة: الأولى - ربيع الآخر - 1419 ه‍
المطبعة: ستارة. قم
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

بسم الله الرحمن الرحيم
وعليه توكلي
5

كتاب النكاح
7

وهو في اللغة: عقد التزويج خاصة على الأصح، لتبادره عرفا،
وأصالة عدم النقل، وكون العقد مستحدثا ممنوع، بل لكل دين وملة عقد.
وقيل: حقيقة في الوطء خاصة (1).
بل هو الأشهر كما قيل (2).
بل عليه الإجماع عن المختلف (3).
لظهور ذلك من جماعة من أهل اللغة، ومنهم: الجوهري (4).
ويرد بمعارضته مع تصريح جمع آخر بخلافه، منهم: الراغب (5)
والزجاج (6).
وقيل: حقيقة بينهما، لاستعماله فيهما (7).
ويرد بأعميته لو سلم.
وقيل: مجاز كذلك، لأخذهما من الضم والاختلاط والغلبة (8).

(1) المختلف: 523.
(2) انظر كشف اللثام 2: 6، الرياض 2: 68.
(3) المختلف: 523.
(4) الصحاح 1: 413.
(5) مفردات الراغب: 505.
(6) معاني القرآن 1: 295.
(7) انظر المصباح المنير للفيومي: 624.
(8) انظر المصباح المنير: 624.
9

ويرد بعدم ثبوت المأخذ.
نعم، لو ثبت لتم مطلوبه بضميمة أصالة عدم النقل، ولا يلزم منه
حقيقية الوطء لوجود أحد المعاني فيه، لأنها موقوفة على إرادته من حاق
اللفظ وفهم الخصوصية من الخارج، وليس الكلام فيه.
ومما ذكر - بضميمة أصالة عدم النقل - يظهر أنه حقيقة في العقد
أيضا خاصة في الشرع، وتؤيده غلبة استعماله فيه كذلك، لكونها مظنة
التبادر واشتهاره، بل دعوى الإجماع عليه، كما عن الشيخ والحلي
والإيضاح (1).
وفيه أيضا قولان آخران: العكس، والاشتراك، ودليلهما ضعيف.
وها هنا فصول:

(1) الشيخ في عدة الأصول 1: 170، الحلي في السرائر 2: 524، الإيضاح 3: 2.
10

الأول
في المقدمات
اعلم أن النكاح سنة سنية من سنن المرسلين، وهو من عدو الله
حصن حصين، وهو مستحب لمن اشتاقت نفسه إليه من الرجال والنساء،
بالكتاب (1)، والسنة (2)، والإجماع.
والقول بوجوبه - كما حكي عن بعضهم (3) - شاذ، بل للإجماع
مخالف، وبه تخرج العمومات الظاهرة في الوجوب عن ظواهرها، مضافا
إلى شمولها لغير السابق المنتفي في حقه الوجوب قطعا، فيعارض التجوز
بإرادة الندب التخصيص، وأولوية الثاني - كما اشتهر - غير معلومة.
وفي استحبابه - لمن لم يشتق - قولان.
أشهرهما وأصحهما ذلك، وإن لم يقدر على أهبة النكاح إذا قدر على
إيقاعه ولم يكن مزاحما لواجب، لوجوه عديدة عمدتها: عموم أكثر
النصوص.
خلافا للمبسوط (4) وابن حمزة (5)، فقالا باستحباب تركه له، إما مطلقا

(1) النساء: 3، النور: 32.
(2) الوسائل 20: 13 و 43 أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب 1 و 11.
(3) حكاه في المغني والشرح الكبير 7: 334 عن أبي بكر بن عبد العزيز، ونسبه
الشيخ في الخلاف 4: 246 إلى داود.
(4) المبسوط 4: 160.
(5) الوسيلة: 289.
11

كالأول، أو مع عدم القدرة على أهبة النكاح كالثاني، لوجوه غير تامة.
لو تعارض مع الفراغة لسائر العبادات فهل هو أفضل، أم هي؟
فيه خلاف، والأشهر الأقوى: الأول، لأنه أيضا في نفسه عبادة، وما
يتبعه من أداء حقوق الزوجة - وهو المزاحم للتفرغ - عبادات أخر شاقة،
ويزيد ذلك من سائر العبادات بمزيد التأكيدات والترغيبات سيما بما يدل
على أفضليته من غيره:
كرواية ابن ميمون: " ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من
زوجة مسلمة " الحديث (1).
وابن مهران: " ما من شئ أحب إلى الله من بيت يعمر في الإسلام
بالنكاح " (2).
وفي رواية: " شرار موتاكم العزاب " (3).
ولا يعارضها ما ورد في فضيلة بعض العبادات، كالصلاة والجهاد
ونحوهما، لأن الكلام في أفضليته عن نفس التفرغ لا عن جميع سائر
العبادات.
ويتأكد رجحانه مع خوف الوقوع في المحرم بتركه، بل صرح جماعة
بوجوبه حينئذ (4)، والدليل لا يساعده.

(1) الكافي 5: 327 / 1، الفقيه 3: 246 / 1168، التهذيب 7: 240 / 1047،
المقنعة: 497، الوسائل 20: 40 أبواب مقدمات النكاح ب 9 ح 10.
(2) الكافي 5: 328 / 1، الوسائل 20: 16 أبواب مقدمات النكاح ب 1 ح 10.
(3) الكافي 5: 329 / 3، الفقيه 3: 242 / 1148، التهذيب 7: 239 / 1045،
الوسائل 20: 19 أبواب مقدمات النكاح ب 2 ح 3، وفي الجميع: " أرذال " بدل:
" شرار "، وفي الفقيه: " أراذل "، والتعبير بالشرار موجود في المقنعة: 497.
(4) كالعلامة في القواعد 2: 2، فخر المحققين في الإيضاح 3: 3، الشهيد الثاني في
الروضة 5: 85.
12

والظاهر نقص الرجحان بما إذا صعبت معه المعيشة، روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " إذا أتى على أمتي مائة وثمانون سنة - أي من هجرتي -
فقد حلت لهم العزوبة والعزلة والترهب على رؤوس الجبال ".
وفي حديث آخر: " يأتي على الناس زمان لا تنال المعيشة فيه إلا
بالمعصية، فإذا كان ذلك الزمان حلت العزوبة " (1).
وله وللدخول بالزوجة آداب مستحبة:
أما آداب النكاح:
فمنها: اختيار البكر من النساء، الولود، العفيفة، الكريمة الأصل،
بكونها من أهل بيت الإيمان أو الصلاح، أو غير الناشئة هي أو
آباؤها أو أمهاتها من زنى أو حيض وشبهة، أو البعيدة هي وأبواها عن
الألسن.
كل ذلك للروايات (2) والاعتبارات.
ومنها: أن يقصد بالنكاح اتباع السنة والولد الصالح والمعونة على
الطاعة والمحافظة عن المعصية كلا أو بعضا - دون التلذذ أو نحوه من
الأمور الدنيوية - ليكون فعله موردا للثواب وإطاعة لله سبحانه.
ولو قصد الأمرين من الدينية والدنيوية فمع استقلال أحدهما في

(1) التحصين لابن فهد الحلي: 4، مستدرك الوسائل 11: 387 أبواب جهاد النفس
ب 51 ح 19، بتفاوت.
(2) الوسائل 20: 27 أبواب مقدمات النكاح ب 6.
13

المطلوبية فالحكم له، ومع استقلال كل منهما فالظاهر كونه مؤديا للسنة
مستحقا للثواب، ومع عدم استقلال شئ منهما فلا يكون مثابا، لأن
المركب من الدينية والدنيوية ليس دينيا.
ومنها: أن بعد قصد السنة بالنكاح يتبعها في تعيين الزوجة أيضا،
فيرجح بالمرجحات الواردة في السنة من العفيفة الكريمة، لا بالمرجحات
الدنيوية من الحسن والجمال والثروة والمال..
ففي حسنة هشام: " إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وكل إلى
ذلك، وإذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال " (1).
وفي رواية العجلي: " من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير
فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله إليه، فعليكم
بذات الدين " (2).
ومقتضى الروايتين: كراهة قصد المال والجمال خاصة، كأن يرجح
ذات المال أو الجمال الغير العفيفة على العفيفة مثلا، فلو قصدهما مع
ما يترجح بالسنة لم يكن مكروها، كأن يرجح ذات المال أو الجمال العفيفة
على العفيفة الكريهة إذا لم يكن المال أو الجمال مستقلا في التعيين،
إذ ليس قصد المركب من العفة والمال مثلا قصد المال فلا تشمله
الحسنة ونحوها، مع أنها لو شملته يجب التخصيص بمفهوم رواية
العجلي.

(1) الكافي 5: 333 / 3، الفقيه 3: 248 / 1180، التهذيب 7: 403 / 1609،
الوسائل 20: 49 أبواب مقدمات النكاح ب 14 ح 1.
(2) التهذيب 7: 399 / 1592، الوسائل 20: 50 أبواب مقدمات النكاح ب 14
ح 4.
14

ولذا عبر جماعة منهم الروضة بقوله: ولا يقتصر على الجمال أو
الثروة من دون مراعاة الأصل والعفة (1).
ومنها: أن يصلي قبل تعيين المرأة ركعتين ويحمد الله تعالى.
ثم يدعو بالمأثور في رواية أبي بصير: " إذا هم بذلك فليصل ركعتين
ويحمد الله تعالى ويقول: اللهم إني أريد أن أتزوج فقدر لي من النساء
أعفهن فرجا، وأحفظهن لي في نفسها وفي مالي، وأوسعهن رزقا،
وأعظمهن بركة، وقدر لي منها ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد
موتي " (2).
ومنها: إيقاع العقد معلنا في حضور شاهدين.
لمكاتبة المهلب: " التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين " (3).
وصحيحة زرارة: عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود، فقال:
" لا بأس بتزويج البتة فيما بينه وبين الله، إنما جعل الشهود في تزويج البتة
من أجل الولد، لولا ذلك لم يكن به بأس " (4).
ورواية محمد: " إنما جعلت البينة في النكاح من أجل المواريث " (5).

(1) الروضة 5: 87.
(2) الكافي 5: 501 / 3، الفقيه 3: 249 / 1187، التهذيب 7: 407 / 1627،
الوسائل 20: 113 أبواب مقدمات النكاح ب 53 ح 1.
(3) التهذيب 7: 255 / 1101، الإستبصار 3: 146 / 529، الوسائل 21: 34
أبواب المتعة ب 11 ح 11.
(4) الكافي 5: 387 / 1، التهذيب 7: 249 / 1077، الوسائل 20: 98 أبواب
مقدمات النكاح ب 43 ح 3.
(5) التهذيب 7: 248 / 1076 و 409 / 1635، الوسائل 20: 99 أبواب مقدمات
النكاح ب 43 ح 6.
15

وصحيحة محمد: " إنما جعلت البينات للنسب والمواريث " (1).
ولأنه أنفى للتهمة وأبعد عن الخصومة.
وهل استحبابه مخصوص بالدائم؟ كما في الروضة وشرح
القواعد (2)، وغيرهما (3)، للأصل، واختصاص الروايتين الأوليين بل
الأخيرتين أيضا، إذ لا ميراث لغير الدائم بالدائم، بل نفي مفهوم الأوليين
عن غيره.
أو مطلق؟ كما يقتضيه إطلاق النافع والقواعد واللمعة (4)، وغيرها (5)
- وإن أمكن حمله على الشائع الغالب - لإمكان التهمة والخصومة في غير
الدائم أيضا، بل لعموم الروايتين الأخيرتين، إذ الميراث لا يختص بإرث
الزوجة، بل يرث ولد المتمتعة أيضا، وبهما يندفع الأصل، وأما المفهومان
فلا اعتبار بهما، لكونهما وصفين، فالتعميم أولى.
ولا يشترط الإشهاد في صحة العقد إجماعا في غير الدائم، وعلى
الأصح الأشهر فيه أيضا، بل بالإجماع أيضا، كما عن الانتصار والناصريات
والخلاف والغنية والسرائر والتذكرة والتنقيح والمسالك (6).

(1) رواها في الكافي 5: 387 / 2، والوسائل 20: 97 أبواب مقدمات النكاح ب 43 ح 1،
بإسناده عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ولا توجد روايتها
عن محمد بن مسلم.
(2) الروضة 5: 88، جامع المقاصد 12: 13، كشف اللثام 2: 7.
(3) كما في النهاية: 450، السرائر 2: 550، 603، 620، التحرير 2: 4.
(4) النافع: 171، القواعد 2: 2، اللمعة (الروضة البهية 5): 88.
(5) كما في الشرائع 2: 267 والارشاد 2: 4.
(6) حكاه عنهم في كشف اللثام 2: 7، الإنتصار: 118، الناصريات (الجوامع
الفقهية): 21، الخلاف 4: 261، 262، الغنية (الجوامع الفقهية): 610، السرائر
2: 550، 603، 620، التذكرة 2: 571، التنقيح 3: 12، المسالك 1: 432.
16

للأصل، وعموم بعض الروايات، وخصوص الصحيحة المتقدمة.
ورواية محمد بن الفضيل: قال: قال أبو الحسن موسى (عليه السلام) لأبي
يوسف القاضي: إن الله تبارك وتعالى أمر في كتابه بالطلاق ووكده فيه
بشاهدين ولم يرض بهما إلا بعدلين، وأمر في كتابه بالتزويج فأهمله
بلا شهود فأثبتم شاهدين فيما أهمل وأبطلتم الشاهدين فيما أكد " (1)، فإن
النكاح الدائم هو الذي أثبتوهما فيه.
خلافا للمحكي عن العماني (2).
للمكاتبة المتقدمة المردودة بالقصور دلالة على الوجوب، لمكان
الجملة الخبرية، والضعف لأجل الشذوذ، والمعارضة مع ما ذكر،
المرجوحة بالنسبة إليه، لموافقة العامة (3)، كما صرح به جمع الخاصة (4)،
ودلت عليها الرواية الأخيرة.
ومنها: أن يخطب الزوج أو وليه أو وكيله أمام العقد، للتأسي،
واستفاضة الأخبار في خطبة الأطهار أمام الأنكحة، وليس بواجب إجماعا،
وتصرح به رواية عبيد بن زرارة (5).
ويتحقق بالحمد والصلاة والاستغفار، بل الحمد خاصة أيضا، كما
صرح به في رواية القداح: " إن علي بن الحسين (عليهما السلام) كان يتزوج وهو

(1) الكافي 5: 387 / 4، الوسائل 20: 98 أبواب مقدمات النكاح ب 43 ح 5.
(2) حكاه عنه في المختلف: 535.
(3) انظر بداية المجتهد 2: 17، المغني 7: 339، مغني المحتاج 3: 144.
(4) كالشيخ في الخلاف 4: 261، الشهيد الثاني في المسالك 1: 431، صاحب
الحدائق 23: 33.
(5) الكافي 5: 368 / 1، التهذيب 7: 249 / 1078 و 408 / 1629، الوسائل 20:
96 أبواب مقدمات النكاح ب 41 ح 1.
17

يتعرق عرقا يأكل فما يزيد على أن يقول: الحمد لله وصلى الله على محمد
وآله، ويستغفر الله، وقد زوجناك على شرط الله، ثم قال علي بن
الحسين (عليهما السلام): إذا حمد الله فقد خطب " (1).
ومقتضاها: حصولها بمطلق الحمد ولو بغير العربية.
وأكملها الخطب المروية عنهم (عليهم السلام) وهي كثيرة (2).
وهذه الخطبة غير الخطبة - بالكسر - وهي: التماس قبول المرأة
التزويج قبل إرادة العقد، ويستحب فيها أيضا الخطبة - بضم الخاء - كما
فعله الأئمة وأبو طالب وغيره، فتكون قبل النكاح خطبتان.
ومنها: إيقاعه ليلا.
كما في صحيحة الوشاء: " إن من السنة التزويج في الليل " (3)،
وفي رواية ميسر: " تزوج بالليل " (4).
والتزويج هو النكاح.
ومنها: أن يجتنب إيقاعه والقمر في برج العقرب.
لخبر حمران: " من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى " (5).

(1) الكافي 5: 368 / 2، التهذيب 7: 408 / 1630، الوسائل 20: 96 أبواب
مقدمات النكاح ب 41 ح 2، والعرق، بالفتح فالسكون: العظم الذي أخذ عنه اللحم
- مجمع البحرين 5: 213.
(2) انظر الوسائل 20: 97 أبواب مقدمات النكاح ب 42.
(3) الكافي 5: 366 / 1، التهذيب 7: 418 / 1675، الوسائل 20: 91 أبواب
مقدمات النكاح ب 37 ح 3.
(4) الكافي 5: 366 / 3، الوسائل 20: 91 أبواب مقدمات النكاح ب 37 ح 1.
(5) الفقيه 3: 250 / 1188، التهذيب 7: 407 / 1628 و 461 / 1844، المقنعة:
514، الوسائل 20: 114 أبواب مقدمات النكاح ب 54 ح 1.
18

وكذا في محاق الشهر، وهو زمان كون القمر تحت شعاع الشمس.
لمرسلة الفقيه: وروي أنه يكره التزويج في محاق الشهر (1).
وكذا في ساعة حارة من أنصاف النهار.
لرواية ضريس، وفيها: " ما أراهما يتفقان " (2).
وأما آداب الدخول بالزوجة:
فمنها: أن يتوضأ الزوج قبل وصول الزوجة إليه ويصلي ركعتين،
ويأمر من مع الزوجة أن يأمروها بصلاة ركعتين بعد أن تتوضأ قبل وصولها
إليه، ثم الزوج يمجد الله ويصلي على محمد وآله، ثم يدعو الله بالدعاء
المأثور، ويأمر من معها أن يؤمنوا على دعائه.
كما ورد كل ذلك في صحيحة أبي بصير (3)، فهي الحجة عليه.
وأما ما في الروضة والقواعد (4) وغيرهما (5) - من دعاء الزوجة أيضا
بهذا الدعاء - فلا يستفاد من هذا الحديث ولا من غيره، وكذا ما في طائفة
من الكتب من كون ذلك عند إرادة الدخول بالزوجة إن أريد به الوقاع، وأما
إن أريد به الوصول واللقاء - كما هو ظاهر القواعد، حيث عبر بقوله: عند
الدخول - فهو كذلك.

(1) الفقيه 3: 250 / 1189، الوسائل 20: 115 أبواب مقدمات النكاح ب 54 ح 2.
(2) الكافي 5: 366 / 1، الوسائل 20: 93 أبواب مقدمات النكاح ب 38 ح 1.
(3) الكافي 5: 500 / 1، التهذيب 7: 409 / 1636، الوسائل 20: 115 أبواب
مقدمات النكاح ب 55 ح 1.
(4) الروضة 5: 92، القواعد 2: 2.
(5) كالنافع: 171، الكفاية: 152، الرياض 2: 71.
19

أما في صلاة الزوج: فللتصريح به في الصحيح.
وأما في صلاة الزوجة: فبقرينة قوله: مرهم أن يأمروها فيه، إذ لو
كانت واصلة إليه لم يحتج إلى أمر أهلها بأمرها.
ومنها: أن يكون الزفاف ليلا.
لقول الصادق (عليه السلام): " زفوا عرائسكم ليلا " (1).
ومنها: أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة، ويدعو بالمأثور.
ومنها: أن يسمي الله تعالى عند الجماع أبدا، وأن يدعو بالمأثور،
ويسأل الله تعالى أن يرزقه ولدا ذكرا سويا صالحا.
ومنها: أن يولم عند التزويج يوما أو يومين، والأفضل أن يكون في
الضحى، كما صرح به الشيخ في النهاية (2)، ويكره ما زاد على اليومين.
كل ذلك للروايات (3).
وأما ما في بعض الروايات الواردة في كتاب المطاعم: إن أبا الحسن
أولم على بعض ولده ثلاثة أيام (4)، فليس صريحا في كونه في التزويج، بل
الظاهر كونه في الولادة أو الختان، مع أن الفعل لا يعارض القول.
ويستحب أن يكون بعد التزويج، لأن النبي أولم بعده كما في
الروايات.
والظاهر من الأخبار أنها مستحبة للتزويج، وأما استحبابها عند الزفاف

(1) الكافي 5: 366 / 2، الفقيه 3: 254 / 1203، التهذيب 7: 418 / 1675،
الوسائل 20: 91 أبواب مقدمات النكاح ب 37 ح 2.
(2) النهاية: 481.
(3) الوسائل 20: 94 أبواب مقدمات النكاح ب 40.
(4) الكافي 6: 281 / 1، الوسائل 24: 307 أبواب آداب المائدة ب 31 ح 2.
20

- كما في كثير من العبارات (1) - فلا تساعده الأخبار.
ولا تجب الإجابة إلى الدعوة إلى وليمة العرس عند علمائنا أجمع
- كما في شرح القواعد (2) - بل تستحب.
ومنها: أن يجتنب المجامعة مطلقا بعد الظهر.
لمرسلة الفقيه: " يا علي، لا تجامع زوجتك بعد الظهر، فإنه إن قضي
بينكما ولد في ذلك الوقت يكون أحول، والشيطان يفرح بالحول " (3).
وفي النافع والقواعد واللمعة (4) وغيرها (5): عند الزوال.
واستند بعضهم له بذلك الحديث، وهو أعم، بل غير دال، لأن بعد
الظهر عرفا مغاير لعند الزوال، ولم أعثر على مستند آخر إلا أن يثبت الحكم
بفتاواهم تسامحا في أدلة السنن.
وحينئذ، فيستثنى منه عند زوال يوم الخميس، كما ذكره جماعة (6).
لتلك المرسلة أيضا، فقال: " وإن جامعتها يوم الخميس عند زوال
الشمس عند كبد السماء فقضي بينكما ولد، فإن الشيطان لا يقربه حتى
يشيب، ويكون قيما، ويرزقه الله عز وجل السلامة في الدين والدنيا ".
وعند الغروب حتى يغيب الشفق، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس،

(1) كما في الشرائع 2: 267 والقواعد 2: 2 والكفاية: 153.
(2) جامع المقاصد 12: 19.
(3) الفقيه 3: 359 / 1712، الوسائل 20: 251 أبواب مقدمات النكاح ب 149 ح 1.
(4) النافع: 171، القواعد 2: 2، اللمعة (الروضة البهية 5): 93.
(5) كالشرائع 2: 268.
(6) منهم الشهيد الثاني في الروضة 5: 93، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 8،
صاحب الرياض 2: 71.
21

وليلة الخسوف، ويوم الكسوف، وفي اليوم أو الليل اللذين تكون فيهما
الريح السوداء أو الحمراء أو الصفراء أو الزلزلة.
كل ذلك لصحيحة سالم (1).
ومقتضى التخصيص والأصل اختصاص الكراهة في الخسوف بالليل
وفي الكسوف بالنهار، فلا يكره في يوم الخسوف وليلة الكسوف، كما إذا
انكسفت الشمس ابتداء الغروب وغربت منكسفة.
ولا تختص الكراهة بما إذا وقعا، فلو علم أحد بوقوع أحدهما في
ليلة أو يوم بحساب النجوم يكره قبل الوقوع أيضا.
وفي أول ليلة من كل شهر - إلا شهر رمضان - ووسطه وآخره.
لدلالة الروايات على كل ذلك (2).
وعاريا.
لمرسلة الفقيه: أجامع وأنا عريان؟ فقال: " لا، ولا تستقبل القبلة ولا
تستدبرها " (3).
ومقتضى الأصل: اختصاص الكراهة بكون الزوج عريانا، فلا كراهة
في الزوجة.
وتؤيده رواية إسحاق بن عمار: في الرجل ينظر إلى امرأته وهي
عريانة، قال: " لا بأس بذلك، وهل اللذة إلا ذاك " (4).

(1) الكافي 5: 498 / 1، المحاسن: 311 / 26، طب الأئمة: 131، الوسائل 20:
125 أبواب مقدمات النكاح ب 62 ح 1.
(2) الوسائل 20: 128 أبواب مقدمات النكاح ب 64.
(3) التهذيب 7: 412 / 1646، الوسائل 20: 119 أبواب مقدمات النكاح ب 58 ح 2.
(4) الكافي 5: 497 / 6، التهذيب 7: 413 / 1652، الوسائل 20: 120 أبواب
مقدمات النكاح ب 59 ح 1.
22

وعقيب الاحتلام قبل الغسل.
لمرسلة الفقيه: " يكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل
من احتلامه الذي رأى " (1).
ومقتضاها: اختصاص ارتفاع الكراهة بالغسل خاصة، كما عن الحلي
وفي المفاتيح (2).
فالاجتزاء بالوضوء أيضا مطلقا - كما في النافع والقواعد وشرحه
واللمعة (3)، وعن النهاية والمهذب والوسيلة (4) - أو مع تعذر الغسل - كما
عن ابن سعيد (5) - خلاف مفهومها ولا يتضح دليله، وفتوى الفقهاء إنما
تنفع في إثبات الاستحباب أو الكراهة دون رفعهما.
ولا تكره معاودة الجماع بغير غسل، للأصل.
وأما ما في الرسالة الذهبية لمولانا الرضا (عليه السلام): " الجماع بعد الجماع
من غير فصل بينهما بغسل يورث الولد الجنون " (6).
فليس صريحا فيه، لاحتمال فتح الغين، فغايته استحباب غسل
الفرج، كما نفى عنه الخلاف في المبسوط مع ضم وضوء الصلاة (7).
وتدل على الوضوء رواية التميمي: في الجارية يأتيها ثم يريد إتيان

(1) الفقيه 3: 256 / 1212، الوسائل 20: 139 أبواب مقدمات النكاح ب 70 ح 1.
(2) الحلي في السرائر 2: 606، المفاتيح 2: 286.
(3) النافع: 171، القواعد 2: 2، جامع المقاصد 12: 24، اللمعة (الروضة البهية
5: 94.
(4) النهاية: 482، المهذب 2: 222، الوسيلة: 314.
(5) الجامع للشرائع: 453.
(6) الرسالة الذهبية: 28، البحار 59: 321.
(7) المبسوط 4: 243.
23

أخرى توضأ (1).
فيكره قبل غسل الفرج والوضوء، لما ذكر.
والحكم بالكراهة قبل الغسل للإلحاق بالاحتلام واحتمال الضم
لا وجه له وإن احتملت المقام المسامحة، إذ لم يثبت هذا القدر من
التسامح.
والمجامعة وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما
ونفسهما.
لرواية الحسين بن زيد (2).
بل يتعدى إلى غير سامع الكلام والنفس إذا رأى أيضا.
للمروي في طب الأئمة: " إياك والجماع حيث يراك صبي يحسن أن
يصف حالك " (3).
وفي بعض الكتب عن الصادق (عليه السلام): " نهى أن توطأ المرأة والصبي
في المهد ينظر إليهما " (4).
بل يمكن التعدي إلى مطلق الصبي وإن لم يكن يرى، كما هو
مقتضى إطلاق كلام النهاية (5) وغيره (6).

(1) التهذيب 7: 459 / 1837، الوسائل 21: 200 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 84
ح 2.
(2) الكافي 5: 500 / 2، الوسائل 20: 133 أبواب مقدمات النكاح ب 67 ح 8.
(3) طب الأئمة " ع ": 133، الوسائل 30: 134 أبواب مقدمات النكاح ب 67 ح 8.
(4) دعائم الإسلام 2: 213 / 784، 781، مستدرك الوسائل 14: 227 أبواب
مقدمات النكاح ب 50 ح 1 بتفاوت يسير.
(5) النهاية: 482.
(6) المراسم: 151.
24

لرواية راشد: " لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت
صبي " (1).
ومقتضى إطلاق بعض تلك الأخبار وتصريح بعضها: عدم اختصاص
الحكم بالصبي المميز، بل يتعدى إلى غيره ولو كان رضيعا أيضا، كما عليه
المحقق (2) وجماعة (3)، بل هو مقتضى إطلاق أكثر الأصحاب.
فالتقييد بالمميز - كما عن بعضهم (4) - لا وجه له، والتوصيف بقوله:
" يحسن أن يصف حالك " في الثانية لا يوجب تقييد المطلق وطرح
الصريح، لأنه وصف لا يعتبر مفهومه، وكذا التوصيف بسماع الكلام
والنفس في الأولى، إن جعلناه مشعرا بالتمييز كما في الروضة (5).
ثم تلك الروايات وإن اختصت بالصبي، إلا أنه يتعدى إلى غيره
بالفحوى وعدم الفصل، ولعل التخصيص لندرة المجامعة في حضور غير
الصبي.
ومقتضى صريح الأخيرة وإطلاق الثانية بل الثالثة: عموم الكراهة
لجماع الحرة والأمة، كما صرح به بعضهم (6)، ويقتضيه إطلاق كلام

(1) الكافي 5: 499 / 1، المحاسن: 317 / 42، الوسائل 20: 132 أبواب مقدمات
النكاح ب 67 ح 1.
(2) المختصر النافع: 171.
(3) كالعلامة في التحرير 2: 4، الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 5): 94، الفاضل
الهندي في كشف اللثام 2: 8.
(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 435.
(5) الروضة 5: 95.
(6) انظر التنقيح الرائع 3: 20.
25

جماعة، منهم: النافع والقواعد واللمعة (1).
وعن المشهور: الاختصاص بالحرة (2).
لصحيحة ابن أبي يعفور: عن الرجل ينكح الجارية من جواريه ومعه
في البيت من يرى ذلك ويسمعه، قال: " لا بأس " (3).
وفيه: أن نفي البأس لا ينفي الكراهة.
ثم إن منهم من قيد الكراهة بما إذا لم ير العورة، قال: وإلا فيحرم (4).
وفيه نظر، لأن حرمة النظر إلى العورة أو كشفها لا يحرم الجماع.
والنظر إلى فرج المرأة عند المجامعة.
لموثقة سماعة (5).
ومرسلة الفقيه في وصايا النبي (صلى الله عليه وآله): " لا ينظرن أحد إلى فرج امرأته
وليغض بصره عند الجماع، لأن النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد " (6).
بل مطلقا كما قال جماعة (7) - وإن جعلوا المقيد أشد كراهة - لظهور
المرسلة في الإطلاق.
ولا يقيده قوله: " عند الجماع "، لأن الأصل رجوع القيد إلى الأخير.

(1) النافع 1: 171، القواعد 2: 2، اللمعة (الروضة البهية 5): 94.
(2) كما في المقنعة: 515، المراسم: 151، المفاتيح 2: 287، الحدائق 23: 137.
(3) التهذيب 8: 208 / 735، الوسائل 21: 194 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 75 ح 1.
(4) الرياض 2: 72.
(5) التهذيب 7: 414 / 1656، الوسائل 20: 121 أبواب مقدمات النكاح ب 59
ح 3.
(6) الفقيه 3: 359 / 1732، الوسائل 20: 121 أبواب مقدمات النكاح ب 59 ح 5.
(7) كالشهيد الثاني في الروضة: 95 وصاحب الرياض 2: 72.
26

ولا التعليل، لاحتمال كونه لغض البصر، حيث إن فتحه معرض
النظر، أو المراد بالغض: غضه عن النظر إلى الفرج، وحينئذ يتضح وجه
الأشدية، لأنها مقتضى ذكر الخاص بعد العام.
ولا يحرم ذلك على الأشهر، بل بالإجماع كما عن الخلاف (1)، خلافا
لابن حمزة (2)، وهي - مع عدم صراحتها - معارضة بنفي البأس عنه في
الموثقة وفي رواية أبي حمزة (3).
والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها.
لما مر.
وللمرسلة: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الجماع مستقبل القبلة
ومستدبرها " (4).
والإجماع على عدم الحرمة أوجب صرف النهي إلى الكراهة.
والتكلم عند الجماع.
لقوله: " اتقوا الكلام عند ملتقى الختانين " (5).
وتشتد الكراهة مع تكثيره الكلام.
للمرسلة الواردة في الوصية لعلي (عليه السلام): " لا تتكلم عند الجماع

(1) الخلاف 4: 249.
(2) الوسيلة: 314.
(3) الكافي 5: 497 / 5، التهذيب 7: 413 / 1651، الوسائل 20: 120 أبواب
مقدمات النكاح ب 59 ح 2، في النسخ: ابن حمزة، وما أثبتناه من المصادر.
(4) الفقيه 1: 180 / 851، الوسائل 4: 319 أبواب القبلة ب 12 ح 3.
(5) الكافي 5: 498 / 7، التهذيب 7: 413 / 1653، الوسائل 20: 123 أبواب
مقدمات النكاح ب 60 ح 1.
27

كثيرا " (1).
وجعلها دليلا على أشدية الكراهة في الرجل مطلقا أو مع الكثرة غير
جيد، لعدم دلالتها عليها.
واستثنى جماعة (2) من الكلام: ذكر الله سبحانه، والروايتان مطلقتان.
ولعله لقوله (عليه السلام): " ذكر الله حسن على كل حال " (3).
أو لما ورد من استحباب التسمية عند الجماع.
وللمرتضوي: " إذا جامع أحدكم فليقل: اللهم جنبني الشيطان " إلى
آخر الدعاء (4).
ولكن الأول عام ينبغي تخصيصه بما مر، والثاني ظاهر في إرادة
الجماع كما يستفاد من روايات أخر (5).
إلا أن يقال: إن الأول أعم من وجه مما مر، فيرجع في محل
التعارض إلى أصالة عدم الكراهة.

(1) الفقيه 3: 359 / 1712، الوسائل 20: 123 أبواب مقدمات النكاح ب 60 ح 3.
(2) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 314، الحلي في السرائر 2: 606، المحقق في
النافع: 171، الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 5): 96.
(3) الكافي 2: 497 / 6، الوسائل 1: 310 أبواب أحكام الخلوة ب 7 ح 2.
(4) الكافي 5: 503 / 3، الوسائل 20: 136 أبواب مقدمات النكاح ب 68 ح 3.
(5) الوسائل 20: 135 أبواب مقدمات النكاح ب 68.
28

الفصل الثاني
في بعض الأحكام واللواحق لهذا الباب
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الأصل وإن كان جواز نظر كل أحد إلى كل شئ،
إلا أنه خرج منه نظر الرجل إلى عورة غير الأهل، رجلا كان أو امرأة، حرة
أو أمة، محرما أو غير محرم.
بالإجماع، بل الضرورة الدينية، والكتاب.
قال الله سبحانه: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا
فروجهم) * (1).
قال الصادق (عليه السلام) كما في مرسلة الفقيه: " كل ما كان في كتاب الله من
ذكر حفظ الفرج فهو من الزنى، إلا في هذا الموضع، فإنه الحفظ من أن
ينظر إليه " (2).
وهو عام شامل لجميع الفروج والناظرين.
وفي مرسلة أخرى له طويلة مشتملة على جملة من مناهي
رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ونهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم، ونهى أن
تنظر المرأة إلى عورة المرأة " إلى أن قال: " ومن نظر إلى عورة أخيه المسلم

(1) النور: 30.
(2) الفقيه 1: 63 / 235، الوسائل 1: 300 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 3.
29

أو عورة غير أهله متعمدا أدخله الله النار مع المنافقين " الحديث (1).
وفي رواية جابر: " لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا ينظر إلى فرج امرأة
لا تحل له " (2).
وفي مرسلة محمد بن جعفر: " ليس للوالد أن ينظر إلى عورة الولد،
وليس للولد أن ينظر إلى عورة الوالد " (3).
وفي المروي في عقاب الأعمال: " من اطلع في بيت جاره فنظر إلى
عورة رجل أو شعر امرأة أو شئ من جسدها كان حقا على الله أن يدخله
النار مع المنافقين " (4).
ويستفاد من الأخيرة: حرمة النظر إلى شعور النساء وجزء من
أجسادهن مطلقا أيضا.
ويدل على ذلك أيضا - مضافا إلى الإجماع - المروي في العلل:
" حرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وإلى غيرهن، لما فيه
من تهيج الرجل و [ما] يدعو إليه التهييج من الفساد والدخول فيما لا يحل،
وكذلك ما أشبه الشعور " الحديث (5).
أي أشبهها في تهييج الشهوة، ولا شك أن العورة بل جميع أجسادهن

(1) الفقيه 4: 5 / 1، الوسائل 1: 299 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 2.
(2) الكافي 5: 559 / 14، الوسائل 20: 191 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 3.
(3) الكافي 6: 503 / 36، الوسائل 2: 56 أبواب آداب الحمام ب 21 ح 1.
(4) عقاب الأعمال: 282، الوسائل 20: 194 أبواب مقدمات النكاح ب 104
ح 16.
(5) العلل: 564 / 1، الوسائل 20: 193 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 12، وما
بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
30

كذلك.
وصحيحة الحسن بن السري: " لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا
أراد أن يتزوجها ينظر إلى خلفها ووجهها " (1).
دلت بمفهوم الشرط على حرمة النظر إليها إذا لم يرد تزوجها، والنظر
يتحقق برؤية جزء من جسدها، فيكون حراما.
واحتمال أن يكون قوله: " ينظر إلى خلفها ووجهها " بيانا للنظر،
فيكون النظر المحرم إلى الخلف والوجه لا يضر، للتعدي إلى الباقي
بالإجماع المركب.
ويدل على حرمة النظر إلى غير الوجه والكفين من النساء اللاتي
لا يراد تزوجها مفهوم الشرط في حسنة هشام وحماد وحفص: " لا بأس بأن
ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها " (2).
والمعصم: موضع السوار من اليد.
دلت بالمفهوم على حرمة النظر بدون إرادة التزويج إلى الوجه
والمعصم، فيحرم غيرهما أيضا بالطريق الأولى والإجماع المركب.
وإنما قلنا: إنها تحرم النظر إلى غير الوجه والكفين، لأن المفهوم
حرمة النظر إلى مجموع الوجه والمعصم، وحرمة ذلك يستلزم حرمة غير
الوجه والكفين منفردة بما مر، ولكن لا يستلزم حرمة النظر إلى الوجه أو
الكفين منفردا، لانتفاء الإجماع المركب.
ولا يتوهم أن المعصم جزء من الكف، لأنه موضع السوار وهو غير

(1) الكافي 5: 365 / 3، الوسائل 20: 88 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 3.
(2) الكافي 5: 365 / 2، الوسائل 20: 88 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 2.
31

الكف، ولذا أفرد كلا منهما بالذكر عن الآخر في صحيحة علي بن جعفر
المروية في قرب الإسناد: عن الرجل ما يصلح أن ينظر من المرأة التي
لا تحل له؟ قال: " الوجه والكفان وموضع السوار " (1).
ولذا قال بعضهم - بعد ذكر هذا الخبر دليلا على جواز النظر إلى
وجوه الأجنبيات وأكفهن -: إنه لا يقدح فيه زيادة موضع السوار مع عدم
جواز النظر إليه، لكونه من باب العام المخصص (2).
والاستدلال على حرمة النظر إلى جزء من جسدهن مطلقا بقوله
سبحانه: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) * وفي غير المحارم بقوله
تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) * الآية (3).
ليس بجيد، لإجمال الأول من جهة موضع النظر، فلعله العورة،
وحمله على العموم لا وجه له.
والقول - بأن الأمر بغض البصر مطلق لا يحتاج إلى تقدير، خرج منه
ما خرج باطل، لإيجابه خروج الأكثر.
ولاحتمال إرادة نفس الزينة من الثاني، فيكون المراد النهي عن إبداء
مواضع الزينة حال كونها مزينة، حيث إنه مهيج للشهوة.
هذا حكم الرجل الناظر.
ومنه يظهر حكم المرأة الناظرة، إذ لا فارق بينهما عند الأصحاب
ظاهرا، فيحرم نظرها إلى العورة مطلقا، وإلى كل ما يحرم من المرأة نظر

(1) قرب الإسناد: 227 / 890.
(2) انظر الرياض 2: 74.
(3) النور: 31.
32

الرجل إليه.
للإجماع المركب على الظاهر، مضافا في العورة إلى الآية، وحديث
المناهي (1).
وفي سائر الأجزاء إلى رواية البرقي: استأذن ابن أم مكتوم على
النبي (صلى الله عليه وآله) وعنده عائشة وحفصة، فقال لهما: " قوما فادخلا البيت " فقالتا:
إنه أعمى، فقال: " إن لم يركما فإنكما تريانه " (2).
والمروي في عقاب الأعمال: " اشتد غضب الله على امرأة ملأت
عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم معها " (3).
وإن كان في دلالة الأولى على الوجوب نظر، إذ القيام والدخول في
البيت ليس واجبا قطعا، وجعلها مجازا عن عدم الرؤية ليس بأولى من
حملها على الاستحباب ترغيبا على غاية المباعدة.
بل في دلالة الثانية، لأن ملأ العين تجوز يحتمل معناه المجازي
وجوها كثيرة.
نعم، روي أن أم سلمة قالت: كنت أنا وميمونة عند النبي (صلى الله عليه وآله) فأقبل
ابن أم مكتوم فقال: " احتجبا عنه " فقلنا: إنه أعمى، فقال: " أفعمياوان
أنتما؟! " (4).
وهو يدل على الوجوب، وضعفه بالعمل مجبور.

(1) المتقدم في ص: 27.
(2) الكافي 5: 534 / 2، الوسائل 20: 232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 1.
(3) عقاب الأعمال: 286، الوسائل 20: 232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 2.
(4) مكارم الأخلاق 1: 498، الوسائل 20: 232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 4.
33

ومما ذكر ظهرت حرمة نظر كل من الرجل والمرأة إلى جزء من أجزاء
جسد الآخر، ولكن هذا إنما هو من باب الأصل، وقد استثنيت منه مواضع
تأتي.
هذا حكم الرجال والنساء.
وأما الصبيان، فالظاهر جواز النظر إلى غير عوراتهم مطلقا، سواء
كانوا مميزين أو غير مميزين.
للأصل الخالي عن الصارف، لاختصاص الموانع بالرجل والنساء
والمرأة، التي هي حقائق في البالغ.
وتدل عليه أيضا صحيحة البجلي: عن الجارية التي لم تدرك متى
ينبغي لها أن تغطي رأسها ممن ليس بينها وبينه محرم - إلى أن قال -:
" لا تغطي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة " (1).
وأما بعض الأخبار المانعة عن تقبيل الصبية التي لها ست سنين أو
وضعها على الحجر أو ضمها، فلا يدل على منع النظر (2).
وأما العورات فلا يجوز النظر إليهم إن كانوا مميزين، أي الحد الذي
يعتاد فيه التميز لأكثر الصبيان.
لإطلاق بعض الموانع.
وأما إن لم يكونوا مميزين فالظاهر الجواز.
لإطباق الناس في الأعصار والأمصار على عدم منع هؤلاء عن كشف

(1) الكافي 5: 533 / 2، العلل: 565 / 2، الوسائل 20: 228 أبواب مقدمات
النكاح ب 126 ح 2.
(2) انظر الوسائل 20: 228 أبواب مقدمات النكاح ب 127.
34

العورات ونظرهم إليها.
وأما نظرهم إلى الغير فلا شك في جوازه مطلقا مع عدم تمييزهم.
وأما مع التميز فلا يجوز نظرهم إلى العورة، للأمر باستئذان الذين لم
يبلغوا الحلم في الآية عند العورات الثلاث التي كانوا يضعون فيها الساتر
للعورة (1).
وتؤيده الروايتان:
إحداهما: " والغلام لا يقبل المرأة إذا جاز سبع سنين " (2).
والأخرى: في الصبي يحجم المرأة، قال: " إن كان يحسن أن يصف،
لا " (3).
وهل المراد بعدم الجواز هنا: حرمته ووجوب الاستئذان على الصبي
نفسه؟
أو الوجوب علي الولي أمره ونهيه؟
أو وجوب تستر المنظور إليه عنه؟
الظاهر هو: الأول، ولا بعد فيه، لأخصية دليله عن أدلة رفع القلم
عن الصبي.
وأما غير العورة، فمقتضى الأصل الخالي عن المعارض جوازه،
وبعض العمومات - إن كان - مخصص بغير الصبي، لعمومات رفع القلم عنه.

(1) النور: 58.
(2) الفقيه 3: 276 / 1311، الوسائل 20: 230 أبواب مقدمات النكاح ب 127
ح 4.
(3) الكافي 5: 534 / 1، الوسائل 20: 233 أبواب مقدمات النكاح ب 130 ح 2،
بتفاوت يسير.
35

وتدل عليه رواية البزنطي: " يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع
سنين، ولا تغطي المرأة شعرها عنه حتى يحتلم " (1).
ولا تعارضها رواية الحجامة، لعدم دلالتها على الحرمة.
ولا قوله سبحانه: * (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات
النساء) * (2)، حيث قيد تعالى شأنه جواز الإبداء للطفل بقوله: * (لم
يظهروا) * أي لم يميزوا.
لعدم صراحته في ذلك المعنى، لجواز أن يراد: لم يقووا على
عوراتهن كما قيل (3)، مع أنه على فرض الصراحة تكون دلالته على
المنع بمفهوم الوصف الذي ليس بحجة على الأظهر، إلا أنه صرح في
شرح القواعد بنفي الخلاف بين العلماء في أنه كالبالغ (4)، فالأحوط: المنع
أيضا.
المسألة الثانية: يستثنى مما مر من حرمة النظر مواضع:
منها: نظر الرجل إلى امرأة يريد نكاحها، ولا خلاف في جواز النظر
إلى وجهها ويديها إلى الزند، واستفاضت عليه حكاية الإجماع (5)، بل
تحقق، فهو الحجة فيه مع ما مر من صحيحة ابن السري وحسنة هشام
وحفص وحماد (6)..

(1) الفقيه 3: 276 / 1308، الوسائل 20: 229 أبواب مقدمات النكاح ب 126 ح 3.
(2) النور: 31.
(3) انظر مجمع البيان 4: 137، جامع المقاصد 12: 36.
(4) جامع المقاصد 12: 38.
(5) كما في التذكرة 2: 573، المسالك 1: 435، المفاتيح 2: 374، الرياض 2: 72.
(6) المتقدمة جميعا في ص: 31.
36

وحسنة محمد: عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إليها؟ قال:
" نعم " (1).
ومرسلة الفضل: أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى
شعرها ومحاسنها؟ قال: " لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذا " (2)، والوجه
والكفان من المحاسن.
وموثقة غياث: في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها،
قال: " لا بأس " (3).
ويظهر من الأخيرتين جواز النظر إلى شعرها ومحاسنها أيضا، فهو
الأقوى وفاقا للمشايخ الثلاثة (4)، مضافا في الشعر إلى صحيحة ابن سنان:
الرجل يريد أن يتزوج المرأة أفينظر إلى شعرها؟ قال: " نعم " (5).
لا يقال: إن في لفظ المحاسن إجمالا، ففسره بعضهم بالمواضع
الحسنة من الجسد (6)، فيشمل جميع ما عدا العورتين.
وآخر بمواضع الزينة (7)، فيشمل الوجه والأذن والرقبة واليدين
والقدمين.

(1) الكافي 5: 365 / 1، الوسائل 20: 87 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 1.
(2) الكافي 5: 365 / 5، الوسائل 20: 88 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 5.
(3) التهذيب 7: 435 / 1735، الوسائل 20: 89 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 8.
(4) الصدوق في الفقيه 3: 260 / 1239، المفيد في المقنعة: 80، الطوسي في
النهاية: 484.
(5) الفقيه 3: 260 / 1239، التهذيب 7: 435 / 1734، الوسائل 20: 89 أبواب
مقدمات النكاح ب 36 ح 7.
(6) انظر جامع المقاصد 12: 28.
(7) انظر الروضة 5: 97.
37

وفي السرائر بالوجه والكفين والقدمين (1).
ويظهر من التذكرة: أنه الوجه والكفان (2)، فلا يثبت الزائد مما وقع
عليه الإجماع والشعر، وعدم الفصل بين الشعر والمحاسن غير ثابت.
لأنا نقول: إنه على ذلك تكون عمومات المنع مخصصة بالمجمل،
فلا تكون حجة في موضع الإجمال، فيبقى ما عدا المجمع عليه - وهو
العورة - تحت أصل جواز النظر.
ويشترط في الجواز: صلاحيتها للنكاح (وتجويز إجابتها، لأنه
المتبادر من النصوص، ولتوقف الإرادة المعلق عليها الحكم عليه) (3)،
فلا يجوز في ذات البعل أو المحرمة مؤبدا أو لنكاح أختها ونحوهما.
وقيل: في ذات العدة البائنة أيضا (4).
وفيه نظر، لعدم تبادر غيره، وإن كان الإرادة في حقها وإن لم يمكن
بالفعل.
ولا يرد مثله في ذات البعل، لعدم تحقق الإرادة فيها عرفا.
وفي اشتراط الاستفادة بالنظر ما لا يعرفه قبله للجهل أو النسيان أو
احتمال التغير، قول اختاره جماعة (5).
استنادا إلى أنه المتبادر من النصوص، سيما مع ملاحظة التعليل

(1) السرائر 2: 609، وليس فيه: والقدمين.
(2) التذكرة 2: 572.
(3) ما بين القوسين ليس في " ق ".
(4) انظر الروضة 5: 98.
(5) منهم الشهيد الثاني في الروضة 5: 98، السبزواري في الكفاية: 153، الفاضل
الهندي في كشف اللثام 2: 8، صاحب الرياض 2: 72.
38

بالاستيام أو الأخذ بأغلى الثمن.
وأنه المتيقن الذي يجب الاقتصار عليه فيما خالف الأصل.
ويضعف الأول: بمنع التبادر من اللفظ، وإنما هو أمر يسبق إلى
الذهن من استنباط العلة أو الإشارة إليها، ومثله لا يقيد إطلاق اللفظ.
والثاني: بمنع تيقن مقتضى الإطلاق أيضا.
وهل يشترط تعين الزوجة التي يريد نكاحها؟
أم لا، بل يجوز النظر إلى نسوة متعددة ليتزوج من يختار منهن؟
الظاهر: الثاني، إذ يقصد نكاح كل واحدة لو أعجبته فهو مريد
نكاحها لو أعجبته كما في الواحدة.
وهل يلحق بالرجل المرأة في جواز نظرها إليه للتزوج لو لم نقل
بالجواز في الوجه والكفين مطلقا؟
صريح جماعة: نعم (1)، لاتحاد العلة، بل الأولوية، حيث إن الرجل
يمكنه الطلاق لو لم يستحسنها، بخلاف الزوجة.
وقيل: لا (2)، لكون العلة مستنبطة، وهو الأقوى لذلك.
وجعل العلة قطعية باطل، لجواز كونها إيجاب الصداق والإنفاق، كما
تومئ إليه الأخبار.
ومنها: نظره إلى وجه أمة يريد شراءها وكفيها وشعرها وسائر
جسدها ومسها مع إذن المولى، وكذا النظر إلى الوجه والكفين ولو بدون

(1) منهم العلامة في القواعد 2: 2، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 29،
الشهيد الثاني في المسالك 1: 435.
(2) الرياض 2: 72.
39

إذنه، اتفاقا كما حكاه جماعة (1).
له، ولرواية أبي بصير: الرجل يعترض الأمة ليشتريها، قال: " لا بأس
بأن ينظر إلى محاسنها ويمسها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه " (2).
والأظهر: جواز نظره إلى شعرها أيضا، كما قال به جماعة (3)، بل إلى
محاسنها، كما قال به جمع آخر (4)، بل هو الأشهر، بل إلى ما عدا عورتها،
كما قاله بعض الأصحاب (5).
كل ذلك للرواية المتقدمة، بضميمة ما مر من عدم حجية العام
المخصص بالمجمل في موضع الإجمال وبقاء الأصل فيه خاليا عن المزيل.
مع تأيده واعتضاده في الأول بأن جوازه في المرأة يقتضيه هنا
بالطريق الأولى.
وفيه وفي الثاني بنقل الإجماع في المسالك والمفاتيح (6).
وفيه وفي الثالث إلى رواية الخثعمي: إني اعترضت جواري المدينة
فأمذيت، فقال: " أما لمن يريد الشراء فلا بأس، وأما لمن لا يريد أن
يشتري فإني أكرهه " (7).
ورواية الجعفري: " لا أحب للرجل أن يقلب جارية إلا جارية يريد

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 435، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 8.
(2) الفقيه 4: 12 / 9، التهذيب 7: 75 / 321، الوسائل 18: 273 أبواب بيع
الحيوان ب 20 ح 1.
(3) كما في المقنعة: 520 والنهاية: 484 والشرائع 2: 269.
(4) كما في السرائر 2: 610 والقواعد 2: 2 والكفاية: 153.
(5) كالعلامة في التذكرة 2: 573 والكاشاني في المفاتيح 2: 373.
(6) المسالك 1: 435، المفاتيح 2: 373.
(7) التهذيب 7: 236 / 1029، الوسائل 18: 273 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 2.
40

شراءها " (1).
والمروي عن قرب الإسناد - بضميمة الإجماع المركب -: " إن عليا (عليه السلام)
كان إذا أراد أن يشتري الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها " (2).
وفي الجميع إلى إذن المولى بشاهد الحال، وبظهور انصراف إطلاق
أخبار المنع إلى ما عداهن أو إليهن في غير محل البحث.
وإنما جعلناها مؤيدة لا أدلة - كما فعله بعضهم - لضعف الأول بمنع
الأولوية.
والثاني بمنع الحجية.
والثالث بمنع الدلالة، لتحقق الإمذاء بالنظر إلى الوجه أيضا.
والرابع بمنع الصراحة، لعدم صراحة التقليب في المطلوب.
والخامس بالضعف الخالي عن الجابر.
[والسادس] (3) والسابع بالمنع.
ومنها: النظر إلى وجوه أهل الذمة وشعورهن وأيديهن، على الحق
الموافق للشيخين والقاضي والفاضلين (4)، وأكثر المتأخرين (5)، بل هو

(1) التهذيب 7: 236 / 1030، الوسائل 18: 274 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 3.
(2) قرب الإسناد: 103 / 344 بتفاوت يسير، الوسائل 18: 274 أبواب بيع الحيوان
ب 20 ح 4.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(4) المفيد في المقنعة: 521، الطوسي في النهاية: 484، حكاه عن القاضي في
المختلف: 534، المحقق في الشرائع 2: 269، العلامة في القواعد 2: 2.
(5) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 31، الشهيد الثاني في الروضة 5:
98، السبزواري في الكفاية: 153، صاحب الرياض 2: 73.
41

المشهور، كما صرح به جماعة (1).
لرواية السكوني: " لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن
وأيديهن " (2).
ويتعدى إلى الوجه بعدم الفصل.
ورواية ابن صهيب: " لا بأس بالنظر إلى أهل تهامة والأعراب وأهل
البوادي من أهل الذمة والعلوج، لأنهن لا ينتهين إذا نهين " (3).
والمتبادر من النظر إلى شخص: النظر إلى وجهه مع أنه أقل ما يحتمل
هنا.
ولفحوى مرسلة الفقيه: " إنما كره النظر إلى عورة المسلم، وأما النظر
إلى عورة الذمي ومن ليس بمسلم هو مثل النظر إلى عورة الحمار " (4).
ومرسلة ابن أبي عمير: " النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك
إلى عورة الحمار " (5).
وضعفهما غير ضائر مع أنه بما مر منجبر، مضافا إلى أن الثانية مما
صح عمن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه.
خلافا للحلي والمختلف (6)، لإطلاق قوله تعالى: * (قل للمؤمنين

(1) كما في المسالك 1: 436، الكفاية: 153، الحدائق 23: 58.
(2) الكافي 5: 524 / 1، الوسائل 20: 205 أبواب مقدمات النكاح ب 112 ح 1.
(3) الكافي 5: 524 / 1، الفقيه 3: 300 / 1438، العلل: 565 / 1، الوسائل 20:
206 أبواب مقدمات النكاح ب 113 ح 1.
(4) الفقيه 1: 63 / 236، الوسائل 2: 36 أبواب آداب الحمام ب 6 ح 2.
(5) الكافي 6: 501 / 27، الوسائل 2: 35 أبواب آداب الحمام ب 6 ح 1.
(6) الحلي في السرائر 2: 610، المختلف: 534.
42

يغضوا من أبصارهم) * (1).
ويجاب عنه: بأنه مجمل، ومع التسليم على الوجوب غير دال، وعلى
التسليم غايته العموم الواجب تخصيصه بما مر، كغيره من العمومات.
ومقتضى المرسلتين: تجويز النظر إلى سائر جسدهن، بل عوراتهن
وعورات رجال الكفار، فتعارضان أدلة المنع بالعموم المطلق أو من وجه،
الموجب للرجوع إلى الأصل، مع اختصاص كثير منها (سيما الآية) (2)
بالمؤمن أو المسلم، إلا أني لم أعثر على مصرح بالتجويز فيه، فإن ثبت
الإجماع وإلا فالظاهر الجواز.
ومنها: النظر إلى ما عدا العورة من المحارم اللاتي يحرم نكاحهن
مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة، والمراد بها: القبل والدبر.
أما في وجوههن وأكفهن وأقدامهن فبالإجماع.
وأما في ما عدا ذلك فعلى الحق المشهور، كما صرح به جماعة (3)،
بل قيل: إنه مقطوع به في كلام الأصحاب، بل حكي عن بعضهم عليه
الإجماع (4).
وقيل بالمنع، وهو ظاهر التنقيح.. إلا في الثدي حال الإرضاع (5).
وقال ثالث بالإباحة في المحاسن خاصة (6)، وفسرها بمواضع الزينة.

(1) التوبة: 30.
(2) ما بين القوسين ليس في " ق ".
(3) منهم صاحب الرياض 2: 73.
(4) كما في المفاتيح 2: 373 وكشف اللثام 2: 9.
(5) التنقيح 3: 22.
(6) انظر الرياض 2: 73.
43

لرواية السكوني: " لا بأس أن ينظر الرجل إلى شعر أمه أو أخته أو
بنته " (1).
ويتعدى إلى سائر المحارم بالإجماع المركب والأصل السالم عما
يصلح للمعارضة، إذ لم نعثر على مانع خاص أو عام يشمل مورد النزاع،
سوى المرويين في العلل وعقاب الأعمال المتقدمين (2)، المعارض في الشعر
مع رواية السكوني بالعموم المطلق، فيجب تخصيصهما بغير المحارم.
ومن تخصيص النساء والمرأة - اللتين أضاف إليهما الشعر فيهما -
يلزم تخصيصهما (في المشهور) (3) في ما أشبه الشعور، لأنه مقتضى التشبيه
بقوله: " كذلك " وفي الضمير للجسد، لأنهما لمن تقدم، وهو مخصوص
بغير المحرم.
وسوى حسنة هشام وصحيحة ابن السري المتقدمتين أيضا (4)،
ومرجع الضمير في أولاهما غير معلوم، فلعله غير المحارم (5)، [والثانية] (6)
فيحتمل أن يكون المراد بالنظر فيها: النظر إلى الخلف والوجه، ويكون
قوله: " ينظر " بيانا للنظر، ويصلح ذلك قرينة لإرادة المقيد من النظر.
وعلى هذا فيكون النظر المحرم في من لا يراد تزوجها النظر إلى
الخلف والوجه، وحرمته في المحارم منتفية قطعا، وإن احتمل إرادة المطلق
أيضا، ولكن لصلاحية جزئه الأخير لكونه قرينة للتقييد لا يحمل على

(1) الفقيه 3: 304 / 1461، الوسائل 20: 193 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 7.
(2) في ص: 28.
(3) ما بين القوسين ليس في " ق ".
(4) في ص: 28 و 29.
(5) في بعض النسخ زيادة: والعموم مخصوص بغير المحارم.
(6) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
44

المطلق، لعدم جريان أصالة الحقيقة فيه وإن لم يحمل على المقيد أيضا.
هذا، مضافا إلى احتمال آخر فيها، وهو كون قوله: " إذا أراد " إلى
آخره شرطا لما تأخر عنه، وهو قوله: " ينظر إلى خلفها ووجهها " ومفهومه
حينئذ: أنه إذا لم يرد لا ينظر، وهو عن إفادة الحرمة قاصر.
وتؤيد المطلوب - بل تدل على جملة منه - الآية، وهي قوله تعالى:
* (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) * إلى آخر الآية.
وما ورد في جواز تغسيل المحارم مجردات إلا أنه يلقي على عورتهن
خرقة (1).
دليل المانع: كونهن عورة، خرج ما وقع الاتفاق عليه، فبقي الباقي،
وعموم المرويين المتقدمين.
قلنا: أي دليل على حرمة النظر على العورة بذلك المعنى على كل
شخص حتى المحارم؟! والعموم مخصوص بغير المحارم كما مر.
حجة الثالث: الجمع بين الآية المتقدمة وبين قوله تعالى: * (قل
للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) *.
والخبر المروي في تفسير القمي في تفسير الزينة في الآية: " فهو
الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار، والزينة ثلاث: زينة
للناس وزينة للمحرم وزينة للزوج، فأما زينة الناس فقد ذكرناه، وأما زينة
المحرم فموضع القلادة فما فوقها والدملج وما دونه والخلخال وما أسفل
منه، وأما زينة الزوج فالجسد كله " (2).

(1) الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت ب 20.
(2) تفسير القمي 2: 101، مستدرك الوسائل 14: 274 أبواب مقدمات النكاح
ب 85 ح 3. والدملج: شئ يشبه السوار تلبسه المرأة في عضدها - مجمع البحرين
2: 301.
45

ويرد الأول بمنع دلالة الآية الثانية على وجوب [غض] (1) النظر عن
المحارم حتى يحتاج إلى الجمع.
والثاني بأن الخبر لا يدل إلا على أن موضع القلادة فما فوقها والدملج
والخلخال وما دونهما زينة المحارم، وأما أن ما عداها ليس زينة لهم
فلا يدل عليه إلا بمفهوم اللقب، الذي هو من أضعف المفاهيم.
نعم، يدل التفصيل القاطع للشركة بين الزوج والمحرم أن الجسد كله
ليس زينة للمحرم ولا كلام فيه، لأن العورة من الجسد.
ومنها: النظر إلى وجه سائر النساء الأجنبيات وأكفهن، فإنه يجوز ولو
مكررا عند الشيخ في النهاية والتبيان وكتابي الحديث (2)، بل الكليني (3)،
وجماعة من المتأخرين (4).
للآية بضميمة الروايات، كالمروي في تفسير القمي المتقدم.
ورواية زرارة: في قول الله تعالى: * (إلا ما ظهر منها) * قال: " الزينة
الظاهرة: الكحل والخاتم " (5).
وأبي بصير: عن قول الله عز وجل: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر
منها) * قال: " الخاتم والمسكة وهي القلب " (6).

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(2) النهاية: 484، التبيان 7: 428 - 429.
(3) الكافي 5: 521.
(4) منهم السبزواري في الكفاية: 153، الكاشاني في المفاتيح 2: 375.
(5) الكافي 5: 521 / 3، الوسائل 20: 201 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 3.
(6) الكافي 5: 521 / 4، الوسائل 20: 201 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 4.
46

والقلب بالضم: السوار.
والمروي في قرب الإسناد: سئل عما تظهر المرأة من زينتها، قال:
" الوجه والكفان " (1).
ولصحيحة علي المتقدمة في صدر المسألة (2).
ورواية مروك: ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن
محرما؟ قال: " الوجه والكفان والقدمان " (3).
ورواية جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر الأنصاري: " قال: خرج
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يريد فاطمة وأنا معه فلما انتهينا إلى الباب وضع يده عليه
فدفعه ثم قال: السلام عليكم، فقالت فاطمة: عليك السلام يا رسول الله،
قال: أدخل؟ قالت: أدخل يا رسول الله، قال: أدخل ومن معي؟ فقالت:
يا رسول الله ليس علي قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فتقنعي
به رأسك، ففعلت، ثم قال: السلام عليكم، قالت: وعليك السلام يا رسول
الله، قال: أدخل؟ قالت: نعم يا رسول الله، قال: أنا ومن معي؟ قالت:
ومن معك، قال جابر: فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودخلت وإذا وجه فاطمة (عليهما السلام)
أصفر كأنه بطن جرادة " إلى أن قال: " قال جابر: فوالله لنظرت إلى الدم
ينحدر من قصاصها حتى عاد وجهها أحمر " (4).

(1) قرب الإسناد: 82 / 270، الوسائل 20: 202 أبواب مقدمات النكاح ب 109
ح 5.
(2) في ص: 29.
(3) الكافي 5: 521 / 2، الخصال: 302 / 78، الوسائل 20: 201 أبواب مقدمات
النكاح ب 109 ح 2.
(4) الكافي 5: 528 / 5، الوسائل 20: 215 أبواب مقدمات النكاح ب 120 ح 3.
47

ورواية داود بن فرقد: عن المرأة تموت مع رجال ليس فيهم ذو
محرم هل يغسلونها وعليها ثيابها؟ فقال: " إذا يدخل ذلك عليهم ولكن
يغسلون كفيها " (1).
ونحوها رواية أبي سعيد: في المرأة إذا ماتت مع قوم ليس لها فيهم
محرم - إلى أن قال -: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): " بل يحل لهن أن يمسسن منه
ما كان يحل لهن أن ينظرن منه إليه وهو حي " الحديث (2).
دلت على حلية النظر على بعض أعضائه، ولا أقل من الوجه والكفين
إجماعا.
ورواية مفضل: في المرأة تكون في السفر مع رجال ليس فيهم لها ذو
محرم ولا فيهم امرأة، فتموت المرأة، ما يصنع بها؟ قال: " يغسل منها ما
أوجب الله عليه التيمم ولا يمس ولا يكشف شئ من محاسنها التي أمر الله
بسترها "، فقلت: كيف يصنع بها؟ قال: " يغسل بطن كفيها ثم يغسل
وجهها ثم يغسل ظهر كفيها " (3).
ولا يعارض تلك الأخبار ما نطق بانتفاء الغسل عنها، لأن ما أمر به
ليس غسلا وإنما هو غسل بعض المواضع.
واشتمال بعض تلك على ما لا يجوز النظر إليه إجماعا - كالقدمين

(1) الكافي 3: 157 / 5، الفقيه 1: 93 / 428، التهذيب 1: 442 / 1428،
الإستبصار 1: 202 / 713، الوسائل 2: 523 أبواب غسل الميت ب 22 ح 2.
(2) التهذيب 1: 342 / 1001، الإستبصار 1: 204 / 721، الوسائل 2: 525 أبواب
غسل الميت ب 22 ح 10.
(3) الكافي 3: 159 / 13، الفقيه 1: 95 / 438، التهذيب 1: 342 / 1002،
الوسائل 2: 522 أبواب غسل الميت ب 22 ح 1.
48

وموضع السوار - غير قادح، إذ خروج بعض خبر بدليل لا يوهن في غيره،
كما أن ضعف بعض تلك الأخبار سندا لا يخرجها عن الحجية عندنا، سيما
مع انجبارها باشتهار الجواز ولو في الجملة، أي مرة.
وتؤيد المطلوب الأخبار المتضمنة لرؤية سلمان يدي سيدة النساء
دامية عند إدارة الرحى (1).
ونحو ذلك فحاوي أخبار كثيرة واردة في أبواب النظر إلى النسوة،
المتضمنة لحكمه منعا وجوازا وسؤالا وجوابا، من جهة كون محط الحكم
فيها بطرفيه هو الشعر والرأس والذراعان، وبالجملة ما عدا الوجه والكفين
مع أنها أولى ببيان الحكم، لشدة الابتلاء به، فالسكوت عن حكمها مطلقا
كاشف عن وضوح حكمها من الجواز، وإلا لكان حكم المنع فيها أخفى.
وتؤيده أيضا الأخبار الواردة في باب ما يجوز أن تلبسه المحرمة من
كتاب الحج (2)، المصرحة بكشف الوجه، المستلزم لرؤية غير المحارم لها،
وفي بعضها كشف الإمام بنفسه عن وجه امرأة ستره بمروحة، بل قد يجعل
ذلك دليلا، ولكن فيه جواز كون المرأة محرما له (عليه السلام)، إذ لا عموم فيها
ولا إطلاق.
فالاستدلال به ضعيف، كالاستدلال بصحيحة ابن سويد: إني مبتلى
بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها، فقال: " يا علي: لا بأس إذا
عرف الله من نيتك الصدق " (3).

(1) بحار الأنوار 43: 28 / 33.
(2) الوسائل 11: 493 أبواب تروك الإحرام ب 48.
(3) الكافي 5: 542 / 6، الوسائل 20: 308 أبواب النكاح المحرم ب 1 ح 3.
49

فإن الظاهر من الابتلاء: الاضطرار إليه وعدم إمكان التحرز، وقد
يحمل على الاتفاقي أيضا.
ثم بما ذكرنا من الأدلة تخصص أصالة الحرمة المتقدمة، لأن دليلها
في غير العورة عام بالنسبة إليها، إذ ليس إلا روايتي العلل وعقاب
الأعمال (1)، وعمومهما ظاهر، وصحيحة ابن السري (2)، والنظر فيها أيضا
يحتمل الإطلاق وإن احتمل إرادة النظر إلى الخلف والوجه بقرينة ما بعده،
ولكنه ليس قرينة صارفة لا يتعين معها الحمل على الحقيقة. هذا، مع
احتمال آخر فيها قد مر يسقط به الاحتجاج على الحرمة.
مع أن في دلالة الروايتين أيضا نظرا، لإمكان منع كون الوجه والكفين
مما أشبه الشعور، وظهور الجسد في غيرها.
مضافا إلى أنه لو قطع النظر عن جميع ذلك وقلنا بالتعارض يجب
تقديم أدلتنا، لموافقة ظاهر الكتاب.
وعلى هذا، فيبقى الأصل الأول - وهو الإباحة - خاليا عن المعارض
بالمرة، فيكون هو دليلا مستقلا على المطلوب، فالمسألة بحمد الله
واضحة.
خلافا لمن حرمه مطلقا، وهو المحكي عن التذكرة والإيضاح (3)،
ومال إليه الفاضل الهندي (4).
لخوف الفتنة.

(1) المتقدمتين في ص: 28.
(2) المتقدمة في ص: 28.
(3) التذكرة 2: 573، الإيضاح 3: 6.
(4) كشف اللثام 2: 9.
50

وإطلاق الأمر بالغض والنهي عن إبداء الزينة إلا للمحارم.
والأخبار المانعة المتقدمة.
والإطباق في الأعصار على المنع من خروجهن سافرات، أو إنما
يخرجن مستترات.
وصرف النبي وجه الفضل عن الخثعمية (1).
وبعض وجوه اعتبارية ضعيفة أخر.
ورد الأول بالمنع على سبيل الإطلاق، ولو سلم فلا يوجب الحرمة.
والثاني بإجمال الآية، ولو سلمت دلالته فهو - كالثالث - مقيد بقوله:
* (إلا ما ظهر) *.
والقول - بعدم تعين ما ظهر - مردود بما ظهر من الخبر الذي ضعفه
- لو كان - قد انجبر، مع أنه على فرض عدم التعين يكون مجملا، فخص
به الإطلاقان، والمخصص بالمجمل ليس بحجة.
والرابع بما مر من عدم دلالة الأخبار ووجود المعارض الأقوى.
والخامس بمخالفته الوجدان والعيان، لأن الناس في ذلك مختلفة في
الأمكنة والأزمان، مع احتمال استناده إلى الغيرة أو الاحتجاب عن الناظر
بشهوة.
والسادس بعدم الدلالة لو لم يدل على الخلاف.
ولمن حرم الزائد على النظر مرة واحدة، أي في وقت واحد عرفا،
وهو المحقق والفاضل في أكثر كتبه (2)، وجمع آخر (3).

(1) كما في سنن النسائي 5: 118.
(2) المحقق في الشرائع 2: 269، الفاضل في القواعد 2: 3 والتحرير 2: 3.
(3) كالشهيدين في اللمعة والروضة البهية 5: 99.
51

للنبوي: " لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك والثانية عليك " (1).
ومرسلة الفقيه: " لك أول نظرة والثانية عليك ولا لك " (2).
والأخرى: " النظرة لك والثانية عليك والثالثة فيها الهلاك " (3).
وحسنة الكاهلي: " النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى
بها لصاحبها فتنة " (4).
والجواب عنها - مضافا إلى عدم صراحتها في التحريم -: أن النظرة
فيها مجملة، فلعل المراد من النظرة الأولى: الاتفاقية الواقعة على ما يحرم
النظر إليه مما عد الوجه والكفين.
ثم إن ما ذكر إنما هو في الحرائر.
وأما الإماء، فالحكم فيهن أظهر.
لاختصاصهن ببعض الأخبار أيضا (5)، ولذا جوز النظر إليهن بعض من
لم يجوزه في الحرائر، كالتذكرة (6).
ومنها: نظر المملوك ولو كان فحلا إلى مالكته.

(1) سنن أبي داود 2: 246 / 2149، سنن الدارمي 2: 298، مسند أحمد 5:
357.
(2) الفقيه 4: 11 / 4، الوسائل 20: 194 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 13.
(3) الفقيه 3: 304 / 1460، الوسائل 20: 193 أبواب مقدمات النكاح ب 104
ح 8.
(4) الفقيه 4: 11 / 3، الوسائل 20: 192 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 6.
(5) الوسائل 20: 207 أبواب مقدمات النكاح ب 114.
(6) التذكرة 2: 574.
52

لقوله سبحانه: * (أو ما ملكت أيمانهن) * (1).
وقوله تعالى: * (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) * إلى قوله:
* (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم) * (2).
حكي عن المبسوط الميل إليه (3)، ويظهر من بعض المتأخرين الميل
إليه أيضا (4).
فإن كان الكلام فيه في نظره إلى الوجه والكفين فيظهر مما ذكر في
غير المملوك وجه الجواز، بل هو أولى، لخصوص الروايات من الصحاح
وغيرها، كروايات البصري وابن عمار والهاشمي ومرسلة الكافي ورواية
الفضيل، وأكثرها صحيحة.
إحداها: المملوك يرى شعر مولاته، قال: " لا بأس " (5).
والأخرى: " لا بأس أن يرى المملوك الشعر والساق " (6).
والثالثة: المملوك يرى شعر مولاته ساقها، قال: " لا بأس " (7).
والرابعة في المملوك: " لا بأس أن ينظر إلى شعرها إذا كان
مأمونا " (8).

(1) النور: 31.
(2) النور: 58.
(3) المبسوط 4: 161.
(4) كما في جامع المقاصد 12: 37، كشف اللثام 2: 9.
(5) الكافي 5: 531 / 1، الوسائل 20: 224 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 4.
(6) الكافي 5: 531 / 2، الوسائل 20: 224 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 5.
(7) الكافي 5: 531 / 3، الوسائل 20: 223 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 3.
(8) الكافي 5: 531 / ذ. ح 4، الوسائل 20: 223 أبواب مقدمات النكاح ب 124
ح 2.
53

والخامسة: عن المرأة هل يحل لزوجها التعري والغسل بين يدي
خادمها؟ قال: " لا بأس ما أحلت له من ذلك ما لم يتعده " (1).
هذا إذا جعل: " لزوجها " متعلقا ب‍ " التعري " أي تعري الزوجة لزوجها
وغسلها بين يدي خادمها، ولو جعل متعلقا بقوله: " يحل " أي تعري الزوج
وغسله، ويكون المراد بالخادم: الأمة، يخرج عن المسألة.
السادسة: في قول الله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم) *
إلى أن قال: " هم المملوكون من الرجال والنساء " إلى أن قال: " يدخل
مملوككم وغلمانكم من بعد هذه الثلاث عورات بغير إذن إن شاءوا " (2).
وروى الشيخ في المبسوط وغيره: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى فاطمة بعبد
قد [وهبه لها] وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت
به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تلقى، قال: إنه
ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك " (3).
وهي وإن لم تتضمن الوجه والكف، إلا أنها تدل عليهما بالطريق
الأولى وعدم الفصل.
وأما صحيحة ابني عمار ويعقوب: " لا يحل للمرأة أن ينظر عبدها
إلى شئ من جسدها إلا إلى شعرها غير متعمد لذلك " (4).
فلا تمنع من النظر إلى الوجه والكفين، لأن الظاهر أن المراد من

(1) التهذيب 1: 372 / 1139، الوسائل 2: 36 أبواب آداب الحمام ب 7 ح 1.
(2) الكافي 5: 530 / 4، الوسائل 20: 217 أبواب مقدمات النكاح ب 121 ح 2.
(3) المبسوط 4: 161، التذكرة 2: 574، سنن البيهقي 7: 95، وبدل ما بين
المعقوفين في النسخ: وهبها، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
(4) الكافي 5: 531 / 4، الوسائل 20: 223 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 1.
54

الجسد غيرهما.
وإن كان الكلام في محرميته، حتى يجوز له النظر إلى ما يجوز
للمحارم، كما يستفاد كون الكلام فيها من الخلاف والمبسوط والسرائر
والتذكرة (1)، حيث جعلوا الخلاف في محروميته، ففي الخلاف: الإجماع
على العدم، وفي المبسوط: أنه الأشبه بالمذهب، فإن ثبت الإجماع المدعى
فهو، وإلا فالآيتان والأخبار المتقدمة بين صريحة وظاهرة في الجواز.
ولا معارض لها سوى صحيحة ابني عمار ويعقوب المتقدمة، ورواية
الصيقل: عن كشف الرأس بين يدي الخادم، وقالت له: إن شيعتك اختلفوا
علي في ذلك، فقال بعضهم: لا بأس، وقال بعضهم: لا يحل، فكتب:
" سألت عن كشف الرأس بين يدي الخادم، لا تكشفي رأسك بين يديه،
فإن ذلك مكروه " (2).
حيث إن الظاهر أن المراد بالخادم فيها: المملوك، إذ لا اختلاف في
غيره. ولا ينافي قوله: " مكروه " الحرمة، لأن الكراهة في اللغة أعم من
الحرمة، فلا يخرج به النهي عن حقيقته.
وهما مرجوحان بالنسبة إلى ما تقدم، لاستفاضته، واشتماله على
الصحاح، وموافقته لآيتين من الكتاب - وما قيل من أن المراد بقوله: * (أو
ما ملكت أيمانهن) * الإماء (3) لم يثبت - بل مخالفته لأكثر العامة، لأن

(1) الخلاف 4: 249، المبسوط 4: 161، السرائر 2: 609، التذكرة 2: 574.
(2) التهذيب 7: 457 / 1828، الوسائل 20: 224 أبواب مقدمات النكاح ب 124
ح 7.
(3) كما في التبيان 7: 430، مجمع البيان 4: 138، الشرائع 2: 269.
55

مذهب أبي حنيفة (1) وأحد قولي الشافعي (2) وأحمد (3) عدم المحرمية.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن الترجيح بهذه الأمور إنما ثبت بالعمومات،
والمرجح هنا خاص، وهو رواية الصيقل المصرحة بتقديم رواية الحرمة،
فلا مناص عن ترجيحها، مع أن الآيتين غير صريحتين في الجواز.
أما الأولى، فلما في الخلاف والمبسوط والسرائر أنه روى أصحابنا
أن المراد ب‍ * (ما ملكت أيمانهن) *: الإماء (4)، ومع ذلك لا يكون ظاهرا في
العموم، لأن قولهم بمنزلة رواية مرسلة منجبر ضعفها بالشهرة والعمل.
وأما الثانية، فلعدم صراحتها في النظر، مع أن الظاهر انعقاد إجماعنا
على عدم المحرمية، فالقول بالمنع - سيما في غير الشعر والساق - أظهر.
ومنها: نظر الخصي إلى غير محارمه، فإن فيه خلافا بين أصحابنا:
فالإسكافي جوزه مطلقا (5)، حرا كان الخصي أو مملوكا، مالكته كانت
المنظور إليه أو غيرها. وقواه طائفة من المتأخرين، منهم: صاحب
الكفاية (6).
وخص في المختلف (7) جواز نظر المملوك منه إلى مالكته، وقواه
المحقق الثاني (8).

(1) انظر التفسير الكبير 23: 207 وتفسير روح المعاني 18: 143.
(2) كما في تفسير روح المعاني 18: 143.
(3) انظر المغني والشرح الكبير على متن المقنع 7: 457.
(4) الخلاف 4: 249، 250، المبسوط 4: 161، السرائر 2: 610.
(5) حكاه عنه في المختلف: 534.
(6) كفاية الأحكام: 154.
(7) المختلف: 534.
(8) جامع المقاصد 12: 38.
56

ومنع الشيخ في الخلاف (1) والحلي والمحقق (2) والفاضل في
التذكرة (3) والصيمري عن نظره مطلقا.
واستشكل في التحرير (4).
والكلام هنا أيضا كما في المسألة السابقة:
فإن كان في النظر إلى الوجه والكفين فالجواز ظاهر، لما مر
بلا معارض.
وإن كان فيما يجوز للمحارم النظر إليه فالحق المنع، لما أثبتنا من
أصالة الحرمة، مضافا إلى الاستصحاب.
وفي غير مالكته إلى رواية النخعي: عن أم الولد هل يصلح أن ينظر
إليها خصي مولاها وهي تغتسل؟ قال: " لا يحل ذلك " (5).
محمد بن إسحاق: يكون لرجل الخصي يدخل على نسائه فينا ولهن
الوضوء فيرى شعورهن، قال: " لا " (6).
دليل الجواز: قوله تعالى: * (غير أولي الإربة من الرجال) * (7).
وعمومات الجواز في المملوك (8).

(1) الخلاف 4: 249.
(2) الحلي في السرائر 2: 609، المحقق في الشرائع 2: 269.
(3) التذكرة 2: 574.
(4) التحرير 2: 3.
(5) الكافي 5: 532 / 1، الوسائل 20: 225 أبواب مقدمات النكاح ب 25 ح 1.
(6) الكافي 5: 532 / 2، الفقيه 3: 300 / 1434، التهذيب 7: 480 / 1925،
الإستبصار 3: 252، / 902، الوسائل 20: 226 أبواب مقدمات النكاح ب 125 ح 2.
(7) النور: 31.
(8) الوسائل 20: 223 أبواب مقدمات النكاح ب 124.
57

وخصوص صحيحة ابن بزيع: عن قناع الحرائر من الخصيان، فقال:
" كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن ولا يتقنعن " قلت: فكانوا أحرارا؟
قال: " لا " قلت: فالأحرار يتقنع منهم؟ قال: " لا " (1).
والجواب عن الأول بعدم ثبوت كون * (أولي الإربة) * شاملا لما نحن
فيه، فإنه فسر بمعنى لا يشمله كما يأتي.
وعن الثاني بأخصيته عن المدعى، مضافا إلى ما مر من عدم انتهاضه
لإثبات المطلوب في الخاص أيضا.
وعن الثالث بمعارضته مع ما مر، وترجيح ما مر بمخالفته لما عليه
سلاطين العامة، وموافقته للتقية، كما يشعر به ما في حديث آخر: أنه لما
سئل عن هذه فقال: " أمسك عن هذا " (2) وفي قوله: " كانوا يدخلون " إيماء
إلى ذلك أيضا.
مع أن الخصيان في الصحيحة يحتمل الصغار منهم أيضا، ولا عموم
فيها ولا إطلاق.
فروع:
أ: الظاهر عدم الخلاف في تحريم مس ما يحرم النظر إليه من المرأة
للرجل، ومن الرجل للمرأة.

(1) الكافي 5: 532 / 3، التهذيب 7: 480 / 1926، الإستبصار 3: 252 / 903،
عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 18، الوسائل 20: 226 أبواب مقدمات النكاح
ب 125 3.
(2) التهذيب 7: 480 / 1927، الوسائل 20: 227 أبواب مقدمات النكاح ب 125
ح 6.
58

وتدل عليه أيضا العلة المنصوصة المتقدمة في رواية العلل (1).
بل التهيج في المس أقوى منه في النظر.
وقوله (عليه السلام) في رواية أبي سعيد المتقدمة صدرها، قال بعد ما مر:
" فإذا بلغن الموضع الذي لا يحل لهن النظر إليه ولا مسه وهو حي صببن
الماء عليه صبا " (2).
فإن المستفاد منه مع صدرها: أن كلما [لا] (3) يحل النظر إليه لا يحل
مسه.
ويؤيده قوله (عليه السلام) في رواية زيد بن علي في تغسيل النساء الغير
المحارم للرجل: " ولا يلمسنه بأيديهن " (4).
وفي رواية مفضل في عكسه: " ولا يمس ولا يكشف شئ من
محاسنها التي أمر الله بسترها " (5).
وأما ما يجوز النظر إليه، فإن كان من المحارم فيجوز مسه، للأصل،
ويومئ إليه بعض الأخبار أيضا (6).. وإن كان من غيرهم فمقتضى العلة
المتقدمة - الخالية عن المعارض فيه - الحرمة.

(1) المتقدمة في ص: 28.
(2) التهذيب 7: 342 / 1001، الإستبصار 1: 204 / 721، الوسائل 2: 525
أبواب غسل الميت ب 22 ح 10.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(4) التهذيب 1: 342 / 1000، الإستبصار 1: 201 / 711، الوسائل 2: 523
أبواب غسل الميت ب 22 ح 3.
(5) الفقيه 1: 95 / 438، التهذيب 10: 342 / 1002، الإستبصار 1: 200 / 705،
الوسائل 2: 522 أبواب غسل الميت ب 22 ح 1.
(6) الوسائل 20: 207 أبواب مقدمات النكاح ب 115.
59

ويدل عليه أيضا النهي عن مصافحة غير المحارم:
ففي موثقة سماعة: " لا يحل للرجل أن يصافح المرأة إلا مرأة يحرم
عليه أن يتزوجها " (1).
وفي حديث المناهي: " من صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بغضب
من الله عز وجل " (2).
وحمله في المفاتيح على المصافحة بشهوة، ولا حامل له، فإطلاق
الحرمة أظهر.
ب: الظاهر جواز النظر إلى كل ما لا يجوز النظر إليه في المرآة والماء
ونحوهما، لانصراف النظر إلى الشائع والمتعارف، ولعدم العلم بكونه نظرا
إلى المرء والمرأة، لجواز كون الرؤية فيهما بالانطباع.
وكذا يجوز النظر إلى الصور المنقوشة وإلى عورات البهائم.
كل ذلك للأصل.
ج: يجوز النظر إلى وجوه البرزة اللاتي لا يتسترن ولا ينتهين إذا
نهين.
للعلة المنصوصة في رواية ابن صهيب المتقدمة (3).
د: كل ما ذكر فيه جواز النظر فقد قيده الأكثر بعدم التلذذ والريبة..
المفسرة تارة: بما يخطر بالبال من المفاسد.
وأخرى: بخوف الوقوع في المحرم.

(1) الكافي 5: 525 / 1، الوسائل 20: 208 أبواب مقدمات النكاح ب 115 ح 2.
(2) الفقيه 4: 8 / 1، الوسائل 20: 195 أبواب مقدمات النكاح ب 105 ح 1.
(3) في ص: 39.
60

وثالثة: بخوف الفتنة والفساد والوقوع في موضع التهمة.
بل عليه حكاية الإجماع في بعض المواضع مستفيضة (1)، بل تحقق
عليه الإجماع في الحقيقة.
ويدل عليه مفهوم قوله: " إذا لم يكن متلذذا " في مرسلة الفضل
المتقدمة (2).
والعلة المنصوصة في رواية العلل السابقة، حيث إن النظر بالتلذذ
والريبة مهيج للشهوة داع إلى الفساد.
وقوله: " غير متعمد لذلك " في صحيحة ابني عمار ويعقوب
المذكورة (3)، حيث إن المراد منه ليس غير قاصد للنظر، إذ لا اختصاص
لذلك بالشعر، بل المراد قصد النظر إلى الشعر بخصوصه، ومثل ذلك لا
ينفك عن قصد التلذذ أو الريبة غالبا.
وقوله: " إذا كان مأمونا " في الرواية الرابعة من روايات نظر المملوك (4).
وحسنة ربعي: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسلم على النساء ويرددن عليه،
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يسلم على النساء وكان يكره أن يسلم على الشابة
منهن، وقال: أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل من الإثم علي أكثر مما
طلبت من الأجر " (5).

(1) كما في الإيضاح 3: 6، المسالك 1: 436، كشف اللثام 2: 8.
(2) في ص: 34.
(3) في ص: 51.
(4) راجع ص: 50.
(5) الكافي 5: 535 / 3، الفقيه 3: 300 / 1436، الوسائل 20: 234 أبواب
مقدمات النكاح ب 131 ح 3.
61

دلت على أن الإعجاب يوجب الإثم.
إلا أن هذه الوجوه لا تثبت المطلوب بالكلية.
أما الإجماع، فلأن المنقول منه غير حجة، والمحقق لم يثبت إلا في
الجملة، فإن تحققه في المراد تزوجها وشراؤها، والذميات والصور
الانعكاسية والمنقوشة وغير الإنسان من البهائم حين السفاد والأجزاء
المفصولة ونحو ذلك غير معلوم، وغاية ما ادعينا تحقق الإجماع فيه:
الإنسان المسلم غير المراد تزوجه وشراؤه.
ولا يثبت من المفهوم المذكور أيضا الزائد عليه، بل الثابت منه أقل
من ذلك، إذ مفاده البأس في النظر إلى مجموع شعر من يراد تزوجها
ومحاسنها لا غير، وإنما يتعدى إلى غير ذلك بالأولوية وعدم الفصل،
وجريانهما في جميع المواضع ممنوع، بل لا يثبت منه - في غير الشعر
والمحاسن والعورة من غير المراد تزوجها من الأجنبيات والمحارم - شئ.
مع أنه يعارض أدلة جواز النظر فيما له دليل سوى الأصل بالعموم من
وجه، فيرجع إلى الأصل، فلا يثبت منه في مثل ذلك شئ أصلا، وفيما
كان الجواز فيه بالأصل لا أولوية ولا إجماع مركب.
ومن ذلك يظهر ما في العلة المنصوصة في رواية العلل أيضا، لأن
دلالتها بالعموم أيضا، مضافا إلى أن العلة فيه هو مجموع التهيج وما يدعو
إليه من الفساد، وتحقق ذلك - في كل نظر بتلذذ، أو النظر إلى كل شئ،
أو بالنسبة إلى كل شخص - غير معلوم.
وأما قوله: " غير متعمد لذلك "، فدلالة مفهومه على المنع في التعمد
تابعة لجواز النظر إلى شعرها غير متعمد، وقد عرفت انتفاءه، فينفي التابع
62

أيضا، مع أن في إرادة التلذذ من التعمد نظرا.
ومنه يظهر ضعف دلالة مفهوم قوله: " إذا كان مأمونا ".
وأما حسنة ربعي، فلو دلت فإنما هي باعتبار قوله: " من الإثم " وأكثر
النسخ خال عنه، فلا دلالة فيها معتبرة.
ومن ذلك ظهر أن تحريم النظر بتلذذ مطلقا لا مستند له، بل اللازم
الحكم به في موضع ثبت فيه الإجماع، وهو غير الزوجة ومن يراد تزوجها
من النساء المسلمات مطلقا، سواء كان النظر إلى الوجه أو الكف أو
غيرهما، وسواء كان إلى المحارم أو غيرهن، أو كان سببا للتهيج وداعيا إلى
الفساد وكذا الريبة.
ه‍: لا ريب في جواز النظر إلى ثياب النساء الأجنبيات وجلابيبهن
وإن كانت عليهن بدون تلذذ وريبة، وأما معها فمحل إشكال، والظاهر
الحرمة إن كان مهيجا للشهوة داعيا إلى الفساد والفتنة، لما مر.
وكذا النظر خلف النساء، ولكنه مكروه، لبعض الروايات (1).
و: كلما ذكر فيه جواز نظر الرجل إلى المرأة يجوز فيه العكس.
بالإجماع المركب في غير الزوجة التي يراد تزويجها أو الأمة التي
يراد شراؤها.
وبالأصل فيهما وفي البواقي أيضا، لفقد الصارف عنه، سوى الإجماع
المركب المنتفي في المقام، والخبر الضعيف الغير المنجبر فيه (2).
ز: يجوز للرجل أن ينظر إلى مثله ما عدا العورة، شيخا كان أو شابا،

(1) الوسائل 20: 199 أبواب مقدمات النكاح ب 108.
(2) الكافي 5: 534 / 2، الوسائل 20: 232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 1.
63

قبيحا أو حسنا، بلا فرق بين الأمرد وغيره عندنا.
إلا إذا كان بتلذذ مهيج للشهوة داع إلى الفتنة بل بتلذذ مطلقا.
لظاهر الإجماع.
نعم، يستحب ترك النظر إلى الأمرد الحسن الوجه، للتأسي بالنبي،
كما ورد أنه (صلى الله عليه وآله) أجلسه من ورائه (1).
وكذا يجوز للمرأة نظرها إلى مثلها ما خلا العورة، من غير فرق بين
المسلمة والكافرة.
خلافا للمحكي عن الشيخين الطوسي والطبرسي في تفسيريهما (2)،
والراوندي في فقه القرآن (3)، فمنعوا عن نظر الكافرة إلى المسلمة، قيل:
حتى الوجه والكفين (4)، وقواه بعض الأجلة (5).
لقوله تعالى: * (أو نسائهن) * (6) أي المؤمنات.
ولرواية البختري (7).
والأول: تخصيص بلا دليل.
والثاني: غير دال على الحرمة، لتضمنه لفظة: " لا ينبغي ". فبهما

(1) رواه ابن قدامة في المغني 7: 463 عن أبي حفص.
(2) تفسير التبيان 7: 430، تفسير مجمع البيان 4: 138.
(3) فقه القرآن 2: 128.
(4) نقله في المسالك 1: 436 عن الشيخ في أحد قوليه.
(5) كما في كشف اللثام 2: 9.
(6) النور: 31.
(7) الكافي 5: 519 / 5، الفقيه 3: 366 / 1742، الوسائل 20: 184 أبواب
مقدمات النكاح ب 98 ح 1.
64

لا يترك الأصل.
ح: يجوز نظر كل من المرء والمرأة إلى الآخر ومسه له حتى العورة
في موضع الضرورة، أي موضع اضطر إليه أو أوجب تركه العسر والمشقة،
لانتفاء الضرر والحرج في الشريعة.
وأما بدون الاضطرار أو العسر فلا يجوز وإن كان يدعو إليه نوع
حاجة، كتحمل الشهادة فيما لا اضطرار إليه، أو علاج يمكن بغيره أيضا،
وإن كان ذلك أفضل من الغير.
ط: الأجزاء المنفصلة - كالشعور - حكمها حكم الأجزاء المتصلة،
فيحرم النظر إليها فيما يحرم متصلا.
لا للاستصحاب، لمعارضته هنا مع استصحاب عدم الحرمة في
المنفصل المعلوم قبل شرع الحرمة.
بل لإطلاق مثل قوله: " حرم النظر إلى شعورهن " (1).
والقول بعدم ظهور النظر إلى المنفصل من الإطلاقات.
غير جيد في الشعر، لعدم تبادر المتصل من الشعر، ولا من شعر
المرأة، ولا من النظر إلى الشعر، ولا من النظر إلى شعر المرأة، كما لا يتبادر
ذلك من النهي عن النظر إلى شعر المعز.
نعم، لا ينصرف الإطلاق في غير الشعر من الأجزاء المنفصلة، لندرة
وجودها منفصلة بحيث يتبادر منها المتصل، فيحرم في الشعر دون غيره،
وعدم الفصل غير ثابت.

(1) راجع ص: 28.
65

ولا بأس بالنظر إلى شعر المحارم وغير البالغة والذمية منفصلة ولو
بالتلذذ.
لعدم دليل على المنع، مع أن التلذذ منه غالبا ليس لأجل الشعر
خاصة.
ويجوز النظر إلى شعر غير البالغة المنفصل قبل البلوغ بعده.
للاستصحاب.
وعدم صدق شعر المرأة.
وكذا إلى شعر الزوجة المنفصل قبل الطلاق بعده، وإلى شعر الزوجة
المنفصل قبل التزويج بعده.
لصدق كونه شعر زوجته.
ولا يحرم المس في المنفصل.
للأصل.
المسألة الثالثة: ذهب جماعة إلى تحريم سماع صوت الأجنبيات من
غير ضرورة مطلقا.
وهو ظاهر إطلاق القواعد والشرائع والإرشاد والتحرير (1) والتلخيص،
ونسب إلى المشهور (2).
والظاهر أن مرادهم: استماعه، وإلا فالسماع بدونه لا يحرم قطعا.

(1) القواعد 2: 3، الشرائع 2: 269، الإرشاد 2: 5، التحرير 2: 3.
(2) كما في الحدائق 23: 66.
66

ثم حكمهم بالحرمة لأنه عورة.
ولرواية الصدوق: " ونهى أن تتكلم المرأة عند غير زوجها وغير ذي
محرم منها أكثر من خمس كلمات مما لا بد منه " (1).
وصحيحة هشام: " النساء عي وعورة، واستروا العورات بالبيوت،
واستروا العي بالسكوت " (2).
ورواية غياث: " لا تسلم على المرأة " (3).
وما في بعض الأخبار من النهي عن الابتداء بالتسليم عليهن (4).
ويضعف الأول بالمنع.
والبواقي بعدم الدلالة، لأن النهي عن تكلمها والأمر بسكوتها لعيها
والنهي عن التسليم عليها لو سلم لم يدل على تحريم استماع الصوت
بوجه.
مضافا إلى ما في الأخير من عدم الدلالة على الحرمة.
وفي رواية الصدوق إلى ما قيل (5) من مخالفتها للإجماع من جواز
سماع (6) صوتهن زائدا على خمس كلمات مع الضرورة، فمنعها عما زاد
منها معها مخالف للبديهة، إلا أنه مبني على جعل لفظة: " من " في قوله:

(1) الفقيه 4: 3 / 1، الوسائل 20: 197 أبواب مقدمات النكاح ب 106 ح 2.
(2) الكافي 5: 535 / 4، الفقيه 3: 247 / 1172، الوسائل 20: 66 أبواب
مقدمات النكاح ب 24 ح 4.
(3) الكافي 5: 535 / 2، الوسائل 20: 234 أبواب مقدمات النكاح ب 131 ح 2.
(4) الوسائل 20: 234 أبواب مقدمات النكاح ب 131.
(5) الرياض 2: 75.
(6) في " ق ": استماع.
67

" مما لا بد منه " تبعيضية، ولو أخذت بيانية [لا يلزم] (1) ذلك المحذور.
وإلى ما في الجميع من المعارضة بحسنة ربعي المتقدمة (2).
ورواية أبي بصير: كنت جالسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخلت عليه أم
خالد، فقال: " أيسرك أن تسمع كلامها؟ " فقلت: نعم، قال: " فأذن لها "
فأجلسني معه على الطنفسة، قال: ثم دخلت فتكلمت فإذا هي امرأة
بليغة (3).
وبما ثبت قطعا من تكلم النساء مع النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة في محضر من
الأصحاب، وسؤالهن عنهم، وتقريرهم إياهن عليه.
وما تواتر من تكلم سيدة النساء مع سلمان (4)، وإتيانها بالخطبة
الطويلة المروية في الاحتجاج بمحضر من الخلق الكثير (5).
وتكلم أخوات الحسين (عليه السلام) مع الأعادي في مواضع عديدة (6).
ولو كان السماع حراما لحرم تكلمهن، لأن سبب الحرام حرام
ومعاونة على الإثم.
بل يعارضه الإجماع القطعي، حيث جرت على ذلك طريقة العلماء
من الصدر الأول إلى زماننا هذا، بل أدلة نفي العسر والحرج.

(1) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: لا يدفع، والظاهر ما أثبتناه.
(2) في ص: 57.
(3) الكافي 8: 101 / 71، الوسائل 20: 197 أبواب مقدمات النكاح ب 106 ح 1.
والطنفسة: البساط الذي له خمل رقيق، وهي ما تجعل تحت الرحل على كتفي
البعير - مجمع البحرين 4: 82.
(4) البحار 28: 175 ب 4 وأيضا 43: 19 ب 3.
(5) الإحتجاج: 97.
(6) الإحتجاج: 307، البحار 45: 108 و 117 و 127 و 133.
68

ولذا خالف فيه جماعة، فقيدوا التحريم بالتلذذ والريبة، وبه قطع في
التذكرة (1)، واستجوده الشهيد الثاني وصاحب الكفاية والمفاتيح (2).
استنادا في الجواز بدون التلذذ إلى الأصل وسائر ما مر.
وفي المنع معه إلى الإجماع المنقول في كلام بعض المتأخرين (3).
والحسنة المتقدمة.
والعلة المنصوصة في رواية العلل.
ويرد الإجماع المنقول بعدم الحجية.
والحسنة بعدم الدلالة على الحرمة.. إلا على النسخة المتضمنة للفظ
" الإثم "، وثبوتها غير معلوم.
والعلة لا تفيد الكلية، بل إذا كان مهيجا للشهوة داعيا إلى الفساد
فكلما كان كذلك يحرم وإلا فلا، نعم يكره قطعا.
وأما استماع الأجنبية صوت الأجنبي فلا حرمة فيه أصلا.
ومن الغرائب: فتوى اللمعة بحرمته (4)، مع أنها تقرب مما يخالف
الضرورة.
فإن تكلم النبي والأئمة وأصحابهم مع النساء مما بلغ حدا لا يكاد
يشكك فيه.
ومن الضروريات: استحباب صلاة الجماعة للنساء وصلاتهن مع

(1) التذكرة 2: 573.
(2) الشهيد الثاني في المسالك 1: 438، الكفاية: 154، المفاتيح 2: 347.
(3) انظر الرياض 2: 75.
(4) اللمعة (الروضة البهية 5): 99.
69

النبي والولي.
وقضية أم فروة - حيث دعاها الإمام لاستماع المراثي - مشهورة (1).
وسؤال السائلين في أبواب الدور وصياح الرجال في الأزقة ونحوها
متكثرة.
المسألة الرابعة: يجوز الوطء في دبر الزوجة والأمة على الأظهر
الأشهر بين من تقدم وتأخر، بل بالإجماع كما في الخلاف والتذكرة وعن
الانتصار والسرائر والغنية (2).
للأصل.
والمستفيضة المصرحة بأن " ذلك له " كما في بعضها (3).
أو بأنه " لا بأس به " كما في أخرى (4).
أو بأنه " أحلتها آية من كتاب الله، قول لوط: * (هؤلاء بناتي) * (5) "
كما في ثالثة (6).

(1) انظر كامل الزيارات: 104.
(2) الخلاف 4: 336 - 338، التذكرة 2: 576، الإنتصار: 125، السرائر 2:
606، الغنية (الجوامع الفقهية): 612.
(3) الكافي 5: 540 / 2، التهذيب 7: 415 / 1663، الوسائل 20: 145 أبواب
مقدمات النكاح ب 73 ح 1.
(4) التهذيب 7: 415 / 1662، الإستبصار 3: 243 / 871، الوسائل 20: 147
أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 5.
(5) هود: 78.
(6) التهذيب 7: 414 / 1659، الإستبصار 2: 243 / 869، الوسائل 20: 146
أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 3.
70

أو بأنه " لا بأس إذا رضيت " كما في رابعة (1).
أو بأنه " ليس عليك شئ ذلك لك " كما في خامسة (2).
أو بأنه " ليس به بأس وما أحب أن يفعل " كما في سادسة (3).
أو بأنه أصغى إلي ثم قال: " لا بأس به " كما في سابعة (4).
بل يدل عليه قوله سبحانه: * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * (5) فإن
كلمة: * (أنى) * إنما وضعت للتعميم في المكان، واستعمالها في قوله
سبحانه: * (أنى يكون لي ولد) * (6) بمعنى: كيف، لا يضر، لأنه أعم من
الحقيقة.
مع أنه استشهد به للحلية أيضا في الرواية الرابعة، حيث إن السائل
سأل - بعد قول الإمام: " إذا رضيت " -: فأين قول الله عز وجل: * (فأتوهن
من حيث أمركم الله) * (7) قال: " هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث
أمركم الله، إن الله تعالى يقول: * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى
شئتم) * ".

(1) التهذيب 7: 414 / 1657، الإستبصار 3: 242 / 867، الوسائل 20: 146
أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 2.
(2) التهذيب 7: 460 / 1842، الإستبصار 3: 244 / 873، الوسائل 20: 147
أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 8.
(3) التهذيب 7: 416 / 1666، الإستبصار 3: 244 / 876، الوسائل 20: 147
أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 6.
(4) التهذيب 7: 415 / 1661، الإستبصار 3: 243 / 870، الوسائل 20: 146
أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 4.
(5) البقرة: 223.
(6) آل عمران: 47.
(7) البقرة: 222.
71

وجعل الآية الأخيرة استشهادا على أن المراد بالآية الأولى: طلب
الولد - كما في الوافي (1) - خلاف الظاهر.
ومع أن في تفسير العياشي عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام):
عن إتيان النساء في أعجازهن، قال: " لا بأس " ثم تلا هذه الآية (2).
وفيه عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: * (نساؤكم
حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * قال: " حيث شاء " (3).
ولا ينافيه تعليل الحكم في الآية بأنهن حرث، حيث إن مقتضى
الحرث الإتيان من موضع ينبت فيه الزرع، لمنع اقتضاء الحرثية ذلك، إذ لا
يتعين كون دخول الحرث دائما للحرث.
نعم، ظاهر صحيحة معمر ينافي ذلك، قال أبو الحسن (عليه السلام): " أي
شئ يقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟ " قلت له: بلغني أن أهل
المدينة لا يرون به بأسا، فقال: " إن اليهود كانت تقول: إذا أتى الرجل
المرأة من خلفها خرج ولده أحول فأنزل الله عز وجل: * (نساؤكم حرث
لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * من خلف أو قدام، خلافا لقول اليهود،
ولم يعن في أدبارهن " (4).

(1) الوافي 22: 697.
(2) تفسير العياشي 1: 110 / 330، الوسائل 20: 147 أبواب مقدمات النكاح
ب 73 ح 10.
(3) تفسير العياشي 1: 111 / 331، الوسائل 20: 148 أبواب مقدمات النكاح
ب 73 ح 11.
(4) التهذيب 7: 460 / 1841، الإستبصار 3: 244 / 877، الوسائل 20: 141
أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 1.
72

ولكنها مرجوحة بالنسبة إلى ما مر، لموافقتها العامة (1).
وأما ما قيل من أنها لا تنافي ثبوت الحكم من الآية بالعموم (2).
فإنما يتم لولا قوله: " ولم يعن في أدبارهن " ردا على أهل المدينة.
خلافا للمحكي عن القميين (3) وابن حمزة (4)، فحرموه.
للاستصحاب.
ولقوله سبحانه: * (فأتوهن من حيث أمركم الله) *.
وصحيحة معمر المتقدمة.
ورواية هاشم وابن بكير: قال هاشم: " لا تعرى ولا تفرث "، وابن
بكير قال: " لا تفرث " أي لا تؤتى من غير هذا الموضع (5).
ورواية سدير: " محاش النساء على أمتي حرام " (6).
ومرسلة الفقيه: " محاش نساء أمتي على رجال أمتي حرام " (7).
ومرسلة أبان: عن إتيان النساء في أعجازهن، قال: " هي لعبتك
لا تؤذها " (8).

(1) انظر المغني والشرح الكبير على متن المقنع 8: 132.
(2) الرياض 2: 75.
(3) حكاه عنهم في المسالك 1: 438.
(4) الوسيلة: 313.
(5) التهذيب 7: 416 / 1665 بتفاوت يسير، الإستبصار 3: 244 / 875، الوسائل
20: 142 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 3.
(6) التهذيب 7: 416 / 1664، الإستبصار 3: 244 / 874، الوسائل 20: 142
أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 2.
(7) الفقيه 3: 299 / 1430، الوسائل 20: 143 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 5.
(8) الكافي 5: 540 / 1، الوسائل 20: 143 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 4.
73

ويرد الأول بما مر.
والثاني بعدم تعين ما أمر الله به، فإنه بمعنى: أباح، فيمكن شموله
للدبر أيضا، مع أنه لو كان المراد به القبل لا تثبت منه حرمة الغير، لأن
صيغة الأمر للإباحة، والمطلوب رفع الحظر الحاصل بسبب الحيض، مضافا
إلى تصريح الرواية الرابعة بعدم دلالته على التحريم كما مر.
والثالث - مضافا إلى ما سبق - بأن عدم دلالته على الحلية لا يثبت
دلالته على الحرمة.
والرابع بعدم الدلالة.
والبواقي بمرجوحيتها عما مر (1) بموافقته للأصل والآية والشهرة
العظيمة والإجماعات المنقولة، ومخالفته لأكثر العامة.
نعم، تثبت منها الكراهة، بل الشديدة منها، كما صرح به جماعة (2)،
ويدل عليه قوله: " ما أحب أن يفعله " أيضا.
المسألة الخامسة: الظاهر عدم الخلاف في جواز العزل عن الأمة
والدائمة مع إذنها، أو شرطه حين العقد وفي صورة الاضطرار، أو الضرورة
بلا كراهة، وكذا المتمتع بها، وإن كان مقتضى إطلاق كلام بعضهم
- كاللمعة (3) وغيره (4) - وقوع الخلاف فيها أيضا.

(1) في " ح " زيادة: لأكثريته و...
(2) كالمحقق في الشرائع 2: 270، الشهيد الأول في اللمعة (الروضة البهية 5):
101، الشهيد الثاني في الروضة 5: 101، السبزواري في الكفاية: 154.
(3) اللمعة (الروضة البهية 5): 102.
(4) كالشرائع 2: 270.
74

واختلفوا في العزل عن الحرة الدائمة:
فالحق المشهور: الجواز.
للأصل.
والمستفيضة من الصحاح والموثقات وغيرها (1)، وفي بعضها صرح
بالحرة، وفي آخر بما إذا أحبت أو كرهت.
نعم، يكره ذلك.
لفتوى الجماعة (2).
ولصحيحة محمد: عن العزل فقال: " أما الأمة فلا بأس، وأما الحرة
فإني أكره ذلك، إلا أن يشترط عليها حين تزوجها " (3).
وظاهر الإطلاق شموله للمتمتع بها أيضا، ولا بأس به.
وذهب جماعة إلى التحريم، حكي عن ظاهر القواعد وعن المبسوط
والخلاف (4) مدعيا فيه الإجماع، وبه أفتى في اللمعة (5).
للإجماع المنقول.
والصحيحة المتقدمة.
والنبويين العاميين (6).
ومفهوم رواية الجعفي: " لا بأس بالعزل في ستة وجوه: المرأة التي

(1) الوسائل 20: 149 أبواب مقدمات النكاح ب 75.
(2) كما في السرائر 2: 607، الروضة 5: 102، المفاتيح 2: 288.
(3) التهذيب 7: 417 / 1671، الوسائل 20: 151 أبواب مقدمات النكاح ب 76 ح 1.
(4) القواعد 2: 25، المبسوط 4: 267، الخلاف 4: 359.
(5) اللمعة (الروضة البهية 5): 102.
(6) سنن ابن ماجة 1: 620 / 1928، سنن البيهقي 7: 231.
75

أيقنت أنها لا تلد، والمسنة، والمرأة السليطة، والبذية، والمرأة التي
لا ترضع ولدها، والأمة " (1).
ومنافاته حكمة النكاح، وهي الاستيلاد.
ويرد الأول بعدم الحجية، سيما مع مخالفته الشهرة، مضافا إلى أن
ظاهر بعض عباراته - كما قيل (2) - أن الإجماع إنما هو على استحباب الترك
دون التحريم.
والثاني بأعمية الكراهة عن الحرمة.
والثالث بعدم الحجية.
والرابع بأن المفهوم إما عددي أو وصفي، وشئ منهما ليس بحجة.
والخامس بمنع انحصار الحكمة، مع أنه أخص من المدعى، لعدم
جريانه في الحامل والعقيم واليائسة ونحوها، مع أنه لو تم لجرى مع الإذن
والشرط أيضا، إذ ليس للمرأة تفويت غرض الشارع، بل لا يكون الشرط
صحيحا.
هذا، مع أن مقتضى الدليل اقتضاء النكاح لترك عزل في الجملة، وأما
الجماع فليس الحكمة فيه مطلقا الاستيلاد.
والجميع بالمعارضة مع ما مر من الأدلة الراجحة بالصراحة، وموافقة
الأصل والعمل.
ثم على المنع تحريما أو كراهة، فهل تجب فيه دية، أم لا؟

(1) الفقيه 3: 281 / 1340، التهذيب 7: 491 / 1972، الوسائل 20: 152 أبواب
مقدمات النكاح ب 76 ح 4.
(2) انظر الرياض 2: 75.
76

الحق: الثاني، للأصل الخالي عن المعارض.
وقيل: نعم، فيه عشرة دنانير للمرأة (1)، بل عن الخلاف الإجماع
عليه (2)، له، ولما في كتاب علي - كما في الصحيح - أنه أفتى في مني الرجل
يفرغ عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك: نصف خمس المائة دية
الجنين عشرة دنانير (3).
وفيه: أنه غير المتنازع فيه.
ودعوى ظهور أن العلة هي التفويت المشترك.
مردودة بمنع الظهور أولا.
ومنع اعتبار هذا الظهور ثانيا.
وثبوت الفارق بين جناية الوالد وغيره ثالثا.
المسألة السادسة: لا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر
على الحق المشهور.
بل على المعروف من مذهب الأصحاب، كما في الكفاية (4)
وغيره (5).

(1) اللمعة (الروضة البهية 5): 103.
(2) الخلاف 4: 359.
(3) الكافي 7: 342 / 1، الفقيه 4: 54 / 194، التهذيب 10: 285 / 1107،
الوسائل 29: 312 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 1.
(4) الكفاية: 154.
(5) كالرياض 2: 76.
77

بل هو موضع وفاق، كما في المسالك (1).
بل إجماعي، كما في المفاتيح (2) وشرحه.
لصحيحة صفوان: عن الرجل يكون عنده المرأة الشابة فيمسك عنها
الأشهر والسنة لا يقربها ليس يريد الإضرار بها يكون لهم مصيبة، أيكون
في ذلك آثما؟ قال: " إذا تركها أربعة أشهر كان آثما بعد ذلك " (3).
ونحوها روايته الأخرى، وزاد في آخرها: " إلا أن يكون بإذنها " (4).
وفي صحيحة البختري: " إذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير
يمين أربعة أشهر استعدت عليه، فإما أن يفئ أو يطلق " (5).
ويؤيده: كون هذه المدة مدة تربص الزوجة في الإيلاء.
والروايتان عامتان للمتمتعة والدائمة، والمشهور اختصاصها بالأخيرة.
وظاهر الكفاية التردد (6)، وهو في موقعه، والتعميم أظهر، لما مر.
ويختص عدم الجواز بصورة عدم العذر، وأما معه فيجوز الترك مطلقا
إجماعا.
لأن الضرورات تبيح المحظورات.

(1) المسالك 1: 439.
(2) المفاتيح 2: 290.
(3) الفقيه 3: 256 / 1215، التهذيب 7: 412 / 1647، الوسائل 20: 140 أبواب
مقدمات النكاح ب 71 ح 1.
(4) التهذيب 7: 419 / 1678، الوسائل 20: 140 أبواب مقدمات النكاح ب 71
ح 1.
(5) الكافي 6: 133 / 12، الوسائل 22: 343 أبواب الايلاء ب 1 ح 2.
(6) الكفاية: 154.
78

ومن العذر: خوف الضرر، وعدم الميل المانع عن انتشار العضو، إذ
مع عدمه لا يمكن الوطء، وأما ما دون الوطء مما يتمكن منه فلم يثبت
وجوبه.
وكذا يختص بصورة عدم إذنها، وأما معه فيجوز.
للرواية المذكورة.
ولا فرق في إذنها بين أن يكون لعدم ميلها، أو لأخذ عوض له، أو
لتخييرها بين التطليق والعفو.
وكذا يختص بالحاضر عند الزوجة.
لظاهر الإجماع.
ولأنه من العذر.
بل هو مقتضى قوله في الصحيحة: " يكون عنده المرأة "، والمسافر
ليست المرأة عنده.
وهل يشترط في الوجوب حضور الزوج في تمام الأربعة أشهر؟
أو تحسب أيام السفر فيها أيضا، حتى لو سافر شهرين وحضر
شهرين وجب عليه؟
الظاهر: الأول.
لما مر من عدم ثبوت الوجوب من الصحيحة إلا في حق المرأة التي
كانت عنده في تمام المدة.
وظاهر الصحيحة اختصاص الحكم بالشابة، كما مال إليه في المفاتيح
79

وشرحه والكفاية (1)، فالتعدي إلى مطلقهن لا دليل عليه.
وورود الشابة في السؤال غير ضائر، لنفي الحكم عن غيرها
بالأصل.
والإجماع على التعميم غير معلوم.
والرواية الأخيرة وإن كانت مطلقة إلا أنها عن إفادة الحرمة قاصرة
جدا.
والواجب هو الوطء دون الإنزال.
للأصل.
وعدم ثبوت الزائد من قوله: " لا يقربها ".
بل لولا الإجماع لجرى الكلام في الوطء أيضا.
المسألة السابعة: لا يجوز الدخول بالمرأة قبل إكمالها تسع سنين.
بالإجماع المحقق، والمحكي مستفيضا (2).
والمستفيضة من الأخبار (3)، وهي بكثرتها وإن كانت قاصرة عن إفادة
الحرمة - لورود الجميع بالجملة المنفية أو المحتملة لها، فليست بأنفسها
صريحة في الحرمة - إلا أنها تحمل عليها بقرينة الإجماع.
ثم إنها هل تحرم عليه مؤيدا ولو بدون الإفضاء؟ كما عن النهاية

(1) المفاتيح 2: 290، الكفاية: 154.
(2) كما في التنقيح 3: 25، الكفاية: 154، الرياض 2: 76.
(3) الوسائل 20: 101 أبواب مقدمات النكاح ب 45.
80

والتهذيب والسرائر مدعيا فيه نفي الخلاف (1)، بل نقله بعضهم عن المفيد
أيضا (2)، ونسبه في الكفاية إلى جماعة (3)، وظاهر المفاتيح (4) وشرحه نوع
ميل إليه.
ويدل عليه إطلاق مرسلة يعقوب: " إذا خطب الرجل المرأة فدخل
بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم تحل له أبدا " (5).
والمشهور بين الأصحاب: عدم التحريم بدون الإفضاء.
للأصل.
وضعف الخبر مع خلوه عن الجابر في المورد.
والأصل يدفع بالخبر.
والضعف بدعوى نفي الخلاف يجبر، مع أنه غير ضائر مع وجوده
في الأصل المعتبر.
ولا تضر - للجبر بالدعوى المذكورة - مخالفة الأكثر ممن تأخر (6)،
كما لا تضر نسبة بعضهم المشهور إلى الحلي في النسبة الأولى أيضا (7)، ولا

(1) النهاية: 481، التهذيب 7: 311، السرائر 2: 530.
(2) وهو الفاضل المقداد في التنقيح 3: 26.
(3) الكفاية: 154.
(4) المفاتيح 2: 290.
(5) الكافي 5: 429 / 12، التهذيب 7: 311 / 1292، الإستبصار 4: 295 / 111،
الوسائل 20: 494 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ب 34 ح 2.
(6) كالمحقق في الشرائع 2: 270، العلامة في القواعد 2: 16، فخر المحققين في
الإيضاح 3: 76، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 330.
(7) انظر التنقيح 3: 26.
81

فتوى الشيخ بخلاف ما في الكتابين في كتاب آخر (1).
المسألة الثامنة: يكره للمسافر أن يدخل إلى أهله من سفره ليلا.
لرواية ابن سنان: " يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلا
حتى يصبح " (2).
ومقتضى إطلاقها: ثبوت الحكم مطلقا، سواء أعلمهم بالحال أم لا،
وفي تمام الليل.
واحتمل بعضهم تعلقه بما بعد المبيت وغلق الأبواب (3)، لأن الطرق
في كلام أهل اللغة يطلق على الأمرين.
ولا يخفى أنه لو ثبت ذلك للزم الاقتصار على المتيقن، وهو ما بعد
المبيت.
للأصل.
وأما المسامحة في المكروهات فلا تصير مجوز الحكم بكراهة
المحتمل.
إلا أن في إطلاقه على الأمرين نظرا، إذ ظاهر كلام الصحاح
والقاموس التعميم (4).
وما يوهم إشعاره بالاختصاص من كلام ابن الأثير، حيث قال: قيل:

(1) انظر الإستبصار 4: 294 - 295.
(2) الكافي 5: 499 / 4، التهذيب 7: 412 / 1645، الوسائل 20: 131 أبواب
مقدمات النكاح ب 65 ح 1.
(3) كالشهيد الثاني في الروضة 5: 106.
(4) الصحاح 4: 1515، القاموس 3: 265.
82

أصل الطروق من الطرق، وهو: الدق، سمي الآتي بالليل طارقا لاحتياجه
إلى دق الباب (1).
فلا إشعار فيه، لأن غلق الباب لا ينحصر بوقت المبيت، مع أنه لا
يلزم الاطراد في علة التسمية.

(1) النهاية 3: 121.
83

الفصل الثالث
في النكاح الدائم
وفيه فصول:
الفصل الأول
في العقد
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تجب في النكاح الصيغة، باتفاق علماء الإسلام،
بل الضرورة من دين خير الأنام، له، ولأصالة عدم ترتب آثار الزوجية
بدونها.
ولا بد فيها من إيجاب وقبول لفظيين، بالإجماع، وأصالة الفساد في
المعاملات، فلا يحكم بترتب الأثر ما لم يعلم تحقق التزويج والنكاح، ولا
يعلم تحققهما بدون اللفظ.
وتؤيده رواية العجلي: عن قول الله سبحانه: * (وأخذنا منكم ميثاقا
غليظا) * (1) قال: " الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح " (2).
ثم إنهم بعد الاتفاق على ذلك اختلفوا في اللفظ المنعقد به النكاح من
وجوه كثيرة، لا بد في تحقيق المقام فيه من تقديم مقدمات:

(1) النساء: 19.
(2) الكافي 5: 560 / 19، الوسائل 20: 262 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 4.
84

إحداها: ما مر في صدر كتاب البيع مفصلا، ونقول هنا إجمالا: إن
الشارع رتب أحكاما على التزويج والنكاح، وأثبت أمورا لكل من الزوج
والزوجة والناكح والمنكوحة، فلو كنا نعلم لهذه الألفاظ معاني لغوية أو
عرفية للشارع يصح إرادتها لكان اللازم الحكم بثبوت هذه الأحكام لكل من
صدق عليه تلك الألفاظ، كما في البيع.
ولكن معنى التزويج في اللغة أمر غير مراد هنا، ولا نعلم في عرف
الشارع أو العام له معنى مضبوطا معينا بخصوصه وإن علمنا القدر المجمع
عليه منه.
وأما النكاح، فقد عرفت أنه العقد، ولكن المراد من العقد هنا غير
معلوم لنا.
وكذا قد تترتب الآثار على مثل قوله: امرأته أو حليلته، والإضافة وإن
أفادت الاختصاص لكن جهة الخصوصية لنا غير معلومة.
وعلى هذا، فيجب في الحكم بتحقق الزوجية والنكاح الاقتصار على
ما دل دليل على تحقق النكاح به.
الثانية: اعلم أن ها هنا أخبارا يمكن أن يستفاد منها اللفظ المتحقق
به النكاح، وهي كثير:
الأولى: صحيحة زرارة الواردة في تزويج آدم وحواء، وفيها بعد أمر
الله سبحانه آدم أن يخطب إليه جل شأنه حواء وقول آدم: " إني أخطبها
إليك، فقال عز وجل: وقد شئت ذلك وقد زوجتكها فضمها إليك، فقال
لها آدم: إلي فأقبلي " الحديث (1).

(1) الفقيه 3: 239 / 1133، الوسائل 20: 261 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 1.
85

الثانية: رواية الهاشمي في تزويج خديجة، وفيها - بعد أن خطب
أبو طالب إلى عمها وتلجلج العم -: قالت خديجة لعمها: " فلست أولى بي
من نفسي، قد زوجتك يا محمد نفسي والمهر علي في مالي، فمر عمك
فلينحر ناقة فليولم بها، وادخل على أهلك " (1).
الثالثة: مرفوعة البغدادي في جواب أبي عبد الله (عليه السلام) خطبة نكاح،
قال (عليه السلام) بعد الخطبة: " أما بعد، فقد سمعنا مقالتكم وأنتم الأحبة والأقربون
نرغب في مصاهرتكم ونسعفكم بحاجتكم ونضن بإخائكم، فقد شفعنا
شافعكم وأنكحنا خاطبكم، على أن لها من الصداق ما ذكرتم، فنسأل الله الذي
أبرم الأمور بقدرته أن يجعل عاقبة مجلسنا إلى محابه، إنه ولي ذلك والقادر
عليه " (2).
الرابعة: مرسلة الفقيه الواردة في تزويج الجواد بنت المأمون، وفيها:
لما تزوج أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) ابنة المأمون خطب لنفسه ثم
ذكر الخطبة إلى أن قال: " وهذا أمير المؤمنين زوجني ابنته على ما فرض الله
عز وجل للمسلمات " إلى أن قال: " وبذلت لها من الصداق ما بذله رسول
الله (صلى الله عليه وآله) " إلى أن قال بعد ذكر الصداق: " زوجتني يا أمير المؤمنين؟ " قال:
بلى، قال: " قبلت ورضيت " (3)
الخامسة: رواية القداح: " إن علي بن الحسين (عليهما السلام) كان يتزوج وهو

(1) الكافي 5: 374 / 9، الوسائل 20: 263 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 9.
(2) الكافي 5: 372 / 5.
والضنة: البخل وعدم الإعطاء، أي لا نعطي إخاءكم لغيرنا - انظر الوافي 3:
ج 12: 61.
(3) الفقيه 3: 252 / 1199، الوسائل 20: 261 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 2.
86

يتعرق عرقا يأكل فما يزيد على أن يقول: الحمد لله وصلى الله على محمد
وآله ويستغفر الله وقد زوجناك على شرط الله " (1).
السادسة: رواية عبيد بن زرارة: عن التزويج بغير خطبة، فقال:
" أوليس عامة ما يتزوج فتياننا، ونحن نتعرق الطعام على الخوان نقول: يا
فلان زوج فلانا فلانة، يقول: نعم قد فعلت " (2).
السابعة: موثقة سماعة في عقد التمتع: لا بد من أن يقول فيه هذه
الشروط: أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما نكاحا غير سفاح
على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) الحديث (3).
الثامنة: رواية أبان بن تغلب: كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال:
تقول: أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه لا وارثة ولا مورثة كذا وكذا
يوما " إلى أن قال: " فإذا قالت: نعم فقد رضيت، فهي امرأتك " وفي بعض
النسخ: فإذا قالت: نعم قد رضيت فهي امرأتك " وأنت أولى الناس بها "
قلت: فإني أستحيي أن أذكر شرط الأيام، قال: " هو أضر عليك " قلت:
وكيف؟ قال: " إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام، ولزمتك النفقة في
العدة، وكانت وارثة، ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة " (4).

(1) الكافي 5: 368 / 2، التهذيب 7: 408 / 1630، الوسائل 20: 263 أبواب
عقد النكاح ب 1 ح 8.
(2) الكافي 5: 368 / 1، التهذيب 7: 249 / 1078، الوسائل 20: 96 أبواب
مقدمات النكاح ب 41 ح 1.
(3) الكافي 5: 455 / 2، التهذيب 7: 263 / 1138، الوسائل 21: 44 أبواب
المتعة ب 18 ح 4.
(4) الكافي 5: 455 / 3، التهذيب 7: 265 / 1145، الإستبصار 3: 150 / 551،
الوسائل 21: 43 أبواب المتعة ب 18 ح 1.
87

التاسعة: حسنة ثعلبة: تقول: أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة
نبيه (صلى الله عليه وآله) نكاحا غير سفاح، الحديث (1).
العاشرة: مرسلة الفقيه: عن مؤمن الطاق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن أدنى ما يتزوج به الرجل المتعة، قال: " كف من بر، يقول لها:
زوجيني نفسك متعة على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) نكاحا غير سفاح "
الحديث (2).
الحادية عشرة: صحيحة هشام: كيف يتزوج المتعة؟ قال: " يقول: يا
أمة الله أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما " (3).
الثانية عشرة: روايته، وفيها: قلت: ما أقول لها؟ قال: " تقول لها:
أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، والله وليي ووليك، كذا وكذا شهرا
بكذا وكذا درهما ". الحديث (4).
الثالثة عشرة: رواية أبي بصير: " لا بأس بأن تزيدك وتزيدها إذا
انقطع الأجل فيما بينكما، تقول لها: استحللتك بأجل آخر، برضا منها "
الحديث (5).

(1) الكافي 5: 455 / 4، التهذيب 7: 263 / 1137، الوسائل 21: 43 أبواب
المتعة ب 18 ح 2.
(2) الفقيه 3: 294 / 1398، الوسائل 21: 44 أبواب المتعة ب 18 ح 5. والبر:
القمح الواحدة - المصباح المنير: 43.
(3) الكافي 5: 455 / 5، الوسائل 21: 44 أبواب المتعة ب 18 ح 3.
(4) التهذيب 7: 267 / 1151، الإستبصار 3: 152 / 556، الوسائل 21: 45
أبواب المتعة ب 18 ح 6.
(5) الكافي 5: 458 / 1، التهذيب 7: 268 / 1152، الوسائل 21: 54 أبواب
المتعة ب 23 ح 2.
88

الرابعة عشرة: رواية بكار: الرجل يلقى المرأة فيقول لها: زوجيني
نفسك شهرا، ولا يسمي الشهر بعينه، ثم يمضي فيلقاها بعد سنين، قال:
فقال: " له شهره إن كان سماه وإن لم يكن سماه فلا سبيل له عليها " (1).
الخامسة عشرة: رواية الفتح بن يزيد: عن الشروط في المتعة، فقال:
" الشرط فيها بكذا وكذا إلى كذا وكذا، فإن قالت: نعم، فذاك له جائز " (2).
السادسة عشرة: موثقة عبيد: " إذا قال الرجل لأمته: أعتقك
وأتزوجك وأجعل مهرك عتقك فهو جائز " (3).
السابعة عشرة: صحيحة علي: عن الرجل قال لأمته: أعتقتك
وجعلت عتقك مهرك، قال: " أعتقت، وهي بالخيار إن شاءت تزوجت وإن
شاءت فلا، فإن تزوجته فليعطها شيئا، فإن قال: قد تزوجتك وجعلت
مهرك عتقك، فإن النكاح واقع ولا يعطيها شيئا " (4).
والثامنة عشرة: رواية السكوني: " جاءت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت:
زوجني (عليهم السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لهذه؟ فقام رجل " إلى أن قال:
" قال: قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن، فعلمها إياه " (5).

(1) الكافي 5: 466 / 4، الفقيه 3: 297 / 1410، التهذيب 7: 267 / 1150،
الوسائل 21: 72 أبواب المتعة ب 35 ح 1.
(2) الكافي 5: 464 / 3، التهذيب 7: 269 / 1156، الإستبصار 3: 153 / 559،
الوسائل 21: 70 أبواب المتعة ب 33 ح 6.
(3) الكافي 5: 476 / 3، الوسائل 21: 96 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 11 ح 1.
(4) الفقيه 3: 261 / 1244، التهذيب 8: 201 / 710، الإستبصار 3: 210 / 760،
الوسائل 21: 98 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 12 ح 1، في النسخ تفاوت
واضطراب في الرواية، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
(5) الكافي 5: 380 / 5، التهذيب 7: 354 / 1444، الوسائل 21: 242 أبواب
المهور ب 2 ح 1، وفي الجميع: عن محمد بن مسلم.
89

الثالثة: اعلم أنهم قد يحكمون بكفاية بعض الألفاظ في النكاح الدائم
- مثلا - مستدلين بأن اللفظ حقيقة فيه، ومستندين إلى دلالته على المقصود.
وقد يحكمون بعدم كفاية بعض الألفاظ فيه، مستدلين بكونه مجازا،
أو بعدم دلالته على المقصود.
ويرد على الأول: أنه إن أريد أن للحقيقية مدخلية في الصحة فهو مما
لا دليل عليه، ويلزمه عدم صحة الصيغ الإخبارية، لمجازيتها في الإنشاء.
وإن أريد [أن] (1) الحقيقية توجب الدلالة على المقصود والمستفاد
من الأخبار كفاية كلما يدل على المقصود، فلا يحسن الاقتصار على لفظ
خاص، بل تجب صحة الإتيان بكل مجاز مع القرينة المقالية أو الحالية،
نحو: استحللت فرجها دائما، أو: جعلتها حليلتي أو زوجتي، ونحو ذلك.
والظاهر أنهم لا يقولون به.
هذا كله، مضافا إلى ما يرد عليهم من مطالبة الدليل على كفاية كل
لفظ حقيقي فيه، أو كل لفظ دال على المقصود.
وعلى الثاني: أنه إن أريد أن للمجازية مدخلية في عدم الصحة فهو
مما لا دليل عليه، ويلزمه عدم صحة الصيغ الإخبارية.
وإن أريد أن المجازية توجب عدم الصراحة في المقصود، فيلزم
صحة كل مجاز مقترن بالقرينة، فلا يصح نفي صحة بعض الصيغ مطلقا،
استنادا إلى مجازيته، بل يلزم نفي صحته بدون القرينة.
وبالجملة: كلامهم في المقام خال عن النظام.
إذا عرفت تلك المقدمات فاعلم: أنه لا خلاف في انعقاد إيجاب

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
90

النكاح الدائم بلفظي التزويج والنكاح العربيين الماضيين المتقدم إيجابهما
على القبول المقارن له، بل هو إجماعي محققا ومنقولا في كفاية " زوجتك "
و " أنكحتك " عن الناصريات والانتصار والتذكرة والروضة (1)، وعن ظاهر
المسالك والكفاية (2) وغيرهما (3).
فهو الدليل في كفايتهما، مضافا إلى استفادة الانعقاد بالأول من كثير
من الأخبار المتقدمة، وبالثاني من الثالثة.
وقد وقع الخلاف في الانعقاد بغير اللفظين، أو بغير العربي - أي
الترجمة - أو بغير الماضي منهما، أو من غيرهما ومع تقديم القبول أو تراخيه.
فالحق في الأول: عدم الانعقاد، وفاقا للإسكافي والسيد والحلبي
والحلي وابن حمزة (4) والمختلف والتذكرة والروضة (5)، بل للأكثر، كما
صرح به جمع ممن تأخر (6)، بل عن السيد في المسائل الطبريات: الإجماع
عليه (7).
للأصل المستفاد من المقدمة الأولى، الموجب للاقتصار على ما علم

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 210، الإنتصار: 119، التذكرة 2: 581،
الروضة 5: 108.
(2) المسالك 1: 442، الكفاية: 154.
(3) كالتنقيح 3: 7.
(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 533، السيد في الناصريات (الجوامع
الفقهية): 210، الحلبي في الكافي: 293، الحلي في السرائر 2: 550، ابن
حمزة في الوسيلة: 291.
(5) المختلف: 533، التذكرة 2: 581، الروضة 5: 108.
(6) كالعلامة في التذكرة 2: 581، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 69،
الشهيد الثاني في المسالك 1: 442.
(7) حكاه عنه في الرياض 2: 68.
91

الانعقاد به ولم يعلم الانعقاد بغير اللفظين.
وأما ما في الرواية الثالثة عشرة من كفاية قوله: " استحللت " فإنما هو
في المتعة، وعدم الفصل هنا غير ثابت، ولو سلم فالرواية بالشذوذ
مطروحة، مضافا إلى أنها مروية عن أبي بصير غير مسندة إلى إمام، وقوله
ليس بحجة.
ومن بعض ما ذكر يظهر الجواب عن رواية الهاشمي أيضا: " جاءت
امرأة إلى عمر فقالت: إني زنيت فطهرني، فأمر بها أن ترجم، فأخبر بذلك
أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: كيف زنيت؟ قالت: مررت بالبادية وأصابني
عطش شديد، فاستسقيت أعرابيا، فأبى أن يسقيني إلا أن أمكنه من نفسي،
فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي، فقال
أمير المؤمنين: تزويج ورب الكعبة " (1).
فإنها - مع أنها لو دلت لدلت في المتعة، كما حملها عليها في
الوافي (2)، ومعارضته فيها أيضا مع الأخبار الكثيرة الدالة على اشتراط تعيين
الأجل باللفظ وعدم كفاية المرة، سيما مع استفادتها من الإطلاق - شاذة،
ولعمل الأصحاب مخالفة، فهي به مطروحة.
ومع ذلك وردت الواقعة بسند آخر، وفيها بعد إخبارها عن التمكين،
فقال له علي (عليه السلام): " هذه ما قال الله تعالى: * (فمن اضطر غير باغ ولا
عاد) * (3) هذه غير باغية ولا عادية " (4) فخلى سبيلها، فدفع الحد بالاضطرار

(1) الكافي 5: 467 / 8، الوسائل 21: 50 أبواب المتعة ب 21 ح 8.
(2) الوافي 15: 528.
(3) البقرة: 173.
(4) الفقيه 4: 25 / 60، التهذيب 10: 49 / 186، الوسائل 28: 111 أبواب حد
الزنا ب 18 ح 7.
92

دون التزويج.
وخلافا للنهاية والشرائع والنافع والإرشاد والقواعد واللمعة (1)،
فجوزوا الإيجاب بقوله: متعتك، لبعض ما مر مع ضعفه في المقدمة الثالثة،
ولعدم دليل على الحصر في لفظ.
وفيه: أن المحتاج إلى الدليل هو الكفاية دون الحصر.
ثم مرادنا من اللفظين ليس هما بخصوصهما، بل أعم منهما ومما
يفيد مفادهما ويقيم مقامهما، أي إيجاد معنى التزويج أو النكاح مع الصورة
الماضوية، نحو: بلى، أو: نعم، بعد قوله: زوجتني، أو: نعم فعلت، بعده
أو بعد الأمر بالتزويج، أو: أوقعت التزويج، ونحو ذلك، فيصح لو عقد
كذلك، للروايات: الرابعة والسادسة والثامنة.. فإنه ليس المراد بقوله:
" زوجتني " أو " زوج " التلفظ بلفظ زوجتك، بل المراد إيجاد هذا المعنى،
وقوله: " بلى " و " فعلت " إيجاد له، فكل ما دل على إيجاده يكون كافيا.
وكذا في الثاني مع القدرة على العربية، وفاقا لغير من شذ وندر، بل
بإجماعنا، كما في التذكرة (2) وعن المبسوط (3)، لما مر من الأصل.
واحتمال اقتصارهم في التوقيف على العربي - لكونه عرفهم، فلا
يمنع عن جواز غيره - حسن مع وجود دليل على صحة غير العربي عموما
أو خصوصا، وهو مفقود.

(1) النهاية: 450، الشرائع 2: 273، النافع: 169، الإرشاد 2: 6، القواعد 2:
4، اللمعة (الروضة البهية 5): 108.
(2) التذكرة 2: 582.
(3) حكاه عنه في التنقيح 3: 11، وهو في المبسوط 4: 194.
93

خلافا للمحكي عن ابن حمزة (1)، فاستحب العربية، واختاره في
المفاتيح (2) وشرحه، واستقربه في الكفاية (3).
لأن الغرض إيصال المعنى المقصود إلى الغير، فيتأدى ذلك بأي لغة
اتفقت، مع أن غير العربية من اللغات من قبيل المترادف الذي يصح أن
يقوم مقام العربية.
ورد بمنع كون الغرض إيصال المعنى فقط، لجواز أن يكون للفظ
العربي مدخلية، وكذا بمنع جواز قيام المترادف.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن المراد من قوله: " زوجتني " في الرواية
الرابعة، ومن قوله: " زوج " في السادسة استفهام إيقاع هذا المعنى والأمر
به، لا اللفظ قطعا، ومعنى قوله: " بلى " و: " نعم قد فعلت " أنه أوقعت
المعنى، والمتبادر من وقوع المقصود بعده ترتبه على إيقاع المعنى من غير
مدخلية لعربية قوله: " بلى " و: " قد فعلت "، فالظاهر كفاية ما يفيد إيقاع
التزويج بغير العربية، إلا أن الأحوط ما ذكرنا أولا.
وأما مع عدم القدرة على العربية - ولو بالتعلم بلا مشقة أو بالتوكيل -
فالأكثر على الجواز، بل قيل: قطع به الأصحاب (4).
لدفع الحرج.
وفحوى الاجتزاء بإشارة الأخرس.
ويرد بمنع لزوم الحرج، فإن تعلم كلمة واحدة ليس بأشق من تعلم

(1) الوسيلة: 291.
(2) المفاتيح 2: 260.
(3) الكفاية: 155.
(4) كما في كشف اللثام 2: 12.
94

جميع أجزاء الصلاة بالعربية وعمدة مسائل النكاح.
ودلالة الفحوى عليه ممنوعة، فالظاهر - كما هو ظاهر بعض الأجلة (1)
- تساوي صورة العجز وغيرها.
وكذا الثالث، فلا يجزي الإيجاب بغير الماضي أو ما يفيد مفاده،
نحو: بلى، و: نعم، بعد قوله: زوجتني مستفهما، وفاقا لابني حمزة
وسعيد (2)، بل الأشهر كما عن المسالك (3).
لما مر من الأصل.
وقيل: يجوز بلفظ المستقبل قاصدا به الإنشاء (4).
لصحة قصده منه.
وفيه: عدم الملازمة بين الصحتين.
ولوقوعه في كثير من الأخبار المتقدمة.
وفيه: إن الواقع فيها إنما هو في القبول دون الإيجاب، والإجماع
المركب غير ثابت وإن ادعاه بعضهم (5)، كيف؟! وظاهر القواعد بل الشرائع
والنافع (6) اختصاص القول بالجواز بالقبول، ولا أقل من احتمال اختصاصه
به، بل هو الظاهر من الأكثر، حيث ذكروا المستقبل في القبول.
وأما الرابع، فإن كان المراد به المقارنة الحقيقية الحاصلة بعدم تخلل

(1) انظر كشف اللثام 2: 12.
(2) ابن حمزة في الوسيلة: 291، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 436.
(3) المسالك 1: 442.
(4) المفاتيح 2: 260.
(5) انظر الرياض 2: 69.
(6) القواعد 2: 4، الشرائع 2: 273، النافع: 169.
95

أمر بين الإيجاب والقبول - ولو مثل: ابتلاع ريق، أو التكلم بلفظ - فالحق:
عدم التوقف عليه، للرواية الثالثة المتضمنة لتخلل الخطبة وكلمات أخر من
متعلقاتها بين الإيجاب والقبول المتقدم، بل الثامنة المتضمنة لتخلل قوله:
" على كتاب الله " وما تعقبه بينهما.
بل المستفاد منهما جواز تخلل كلام كثير، وهو كذلك إذا كان ذلك
الكلام من متعلقات ذلك الأمر، كالخطبة له وذكر الصداق والشروط
ونحوها.
بل يمكن أن يستدل له بعموم قوله في الثامنة: " فإذا قالت: نعم " فإنه
يشمل التراخي أيضا.
وأما تخلل غير ذلك - مما ينافي المقارنة العرفية - فلا يجوز، للأصل
المذكور، وعدم ظهور تام في العموم المتقدم.
ومنهم من فرق بين اتحاد المجلس وتفريقه (1).
وأما الخامس، فالأظهر الأشهر كما قيل (2) بل بالإجماع كما عن
المبسوط والسرائر (3): عدم التوقف عليه، فيجوز تقدم القبول، سواء كان
المراد به ما يكون من جانب الزوج أو ما يتضمن معنى القبول، نحو:
قبلت، و: تزوجت، ونحوهما.
للروايات الثلاثة الأولى، حيث إن تعقيب الأمر بالضم في الأولى
وبالنحر في الثانية وكونه جوابا في الثالثة يدل على تقدم القبول، وكذا

(1) كالعلامة في التذكرة 2: 583.
(2) انظر الكفاية: 155.
(3) المبسوط 4: 194، السرائر 2: 574.
96

الرواية الثامنة، وبهذه الروايات يخرج عن الأصل دون سائر ما قيل في
المقام من الوجوه الضعيفة.
وأما ما قيل من أن القبول إنما هو رضى بمضمون الإيجاب، فلا
معنى له مع التقدم (1).
ففيه - مع أنه اجتهاد في مقابلة الرواية -: منع عدم معقوليته مع
التقدم، إذ المؤخر هو لفظ الإيجاب، وأما الرضا بإيقاعه فقد وقع بالإذن في
التزويج، وهذا القدر كاف في معقولية القبول، فيقبل القابل ما سيوجبه
الموجب.
نعم، لو قيل بما لا يتم معناه بدون الإيجاب اتجه تأخره، نحو:
قبلت، و: رضيت، بدون ذكر التزويج أو النكاح، وأما لو قال: قبلت
تزويج فلانة لفلان، أو: رضيت بتزويج فلانة بفلان، فلا بأس.
ومنهم من منع من تقديم نحو لفظ: قبلت ورضيت مطلقا، لعدم
صدق المعنى (2). وضعفه ظاهر.
هذا كله في الإيجاب، وأما القبول فهو أيضا كالإيجاب في الأول،
فيجب كونه قبولا للتزويج أو النكاح، نحو قوله: نكحت، أو: تزوجت،
أو: قبلت النكاح أو: التزويج، أو: رضيت به، أو: قبلت، أو: رضيت
مطلقا، بعد تقدم إيجاب التزويج أو النكاح، فلا يجوز: تمتعت، أو:
قبلت التمتع، أو نحو ذلك، للأصل المذكور.
وكذا يجب كونه عربيا على الأحوط.

(1) كما في جامع المقاصد 12: 74.
(2) انظر الروضة 5: 110، الرياض 2: 69.
97

وأما الماضوية فالظاهر عدم اشتراطها، فيصح: أتزوجك.
لا لجميع الروايات المتضمنة له في عقد التمتع، لاختصاصها به،
وعدم الفصل غير ثابت، بل صرح بعض شراح المفاتيح بذهاب جماعة من
أصحابنا إلى جواز المستقبل في المتعة خاصة.
بل لخصوص الرواية الثامنة، المصرحة: بأنه لو لم يذكر الأجل يصير
تزويج مقام.
وكذا: زوج نفسك، بصيغة الأمر، للرواية السادسة.
وأما غير المستقبل والأمر - كالاستفهام بأن يقول: هل زوجت؟ بدون
ذكر قبول بعده - فلا دليل على كفايته.
فروع:
أ: يجب أن يكون الإيجاب من جانب الزوجة والقبول من جانب
الزوج.
لأنها التي تأخذ العوض.
ولأنه الوارد في الأخبار، فيعمل في غيره بالأصل المتقدم.
ب: يجب قصد الإنشاء في كل من الإيجاب والقبول، بالإجماع.
وهو يحصل بمجرد قصد أنه يوقع النكاح أو قبوله بهذا اللفظ وإن لم
يعلم معنى الإنشاء والإخبار.
ج: الظاهر وجوب فهم كل من المتعاقدين معنى الصيغة التي يتلفظ
بها، ولو بالتلقين والتعليم.
98

د: لو لحن في الصيغة، فإن كان مغيرا لمعناها لم يصح، وإلا فكذلك
على الاحتياط إن كان في نفس لفظ الإيجاب أو القبول، دون ما إذا كان في
سائر ما يذكر، كذكر الصداق والشروط ونحوها.
المسألة الثانية: يشترط في العاقد - سواء كان أحد الزوجين أو وكيله
أو وليه - الكمال بالبلوغ والعقل.
فلا يجوز عقد الصبي ولا المجنون في حال جنونه، للأصل المتقدم،
وفقد دليل خاص أو عام.
ولا يتوهم إطلاق بعض الأخبار المتقدمة المتضمنة لكفاية قول:
أتزوجك، لأنها إما متضمنة للرجل، أو خطاب إلى البالغ العاقل فلا يشمل
غيره، مع أنها في مقام بيان حكم آخر، وهو يوهن في الإطلاق.
ولا السكران، لما ذكر، إلا السكري إذا أجازت بعد الإفاقة، فيصح
عقدها لنفسها لا للغير، وفاقا للصدوق والنهاية والقاضي واختاره في
الكفاية (1) وشرح المفاتيح.
لصحيحة ابن بزيع: عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوجت
نفسها رجلا في سكرها، ثم أفاقت وأنكرت، ثم ظنت أنه يلزمها ففزعت
منه، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، أحلال هو لها أم التزويج
فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال (عليه السلام): " إذا قامت معه بعد
ما أفاقت فهو رضا منها " قلت: ويجوز ذلك التزويج عليها؟ قال:
" نعم " (2).

(1) الصدوق في المقنع: 102، النهاية: 468، القاضي في المهذب 2: 196،
الكفاية: 155.
(2) الفقيه 3: 259 / 1230، التهذيب 7: 392 / 1571، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)
2: 18، الوسائل 20: 294 أبواب عقد النكاح ب 14 ح 1.
99

وحملها على سكر لم يبلغ حد عدم التحصيل - كما في المختلف (1) -
بعيد.
وعلى صورة جهل الزوج بالسكر وإرادة الحلية الظاهرية له - كما قاله
بعض الأجلة (2) - أبعد، ويأباه لفظ: ويجوز ذلك التزويج عليها؟ واشتمالها
على الإنكار أولا، فلا يفيد الرضا بعده.
والرضا لمظنة اللزوم - وهو غير الرضا المعتبر - غير ضائر، لعدم كونه
من قبيل الفضولي، الذي يجب فيه عدم مسبوقية الإجازة بالإنكار، مع أن
العبرة بعموم الجواب، فلا يضر خروج هذا الفرد الذي في السؤال بدليل لو
كان.
واحتمال أن يكون حكم الإمام بالجواز لمحض رضاها لا لأجل ما
فعل في حال السكر، فيفيد عدم اشتراط لفظ، ويضعف الخبر بالشذوذ.
مردود بأنه وإن احتمل بعيدا ولكن شذوذه في صورة مسبوقيته بنحو
هذا التزويج أيضا غير معلوم.
خلافا للأكثر، للأصل، وضعف الرواية بمخالفتها الأصول القطعية
والشهرة العظيمة.
والأصل يندفع بالرواية، والأصول إنما تصير قطعية بالأدلة الشرعية،
فكيف يقبل الأصل مع مخالفته لها؟!
والشهرة إنما توجب الضعف لو بلغت حدا يكون مخالفها شاذا، وهو

(1) المختلف: 538.
(2) انظر كشف اللثام 2: 14.
100

في المقام غير معلوم، كيف؟! ومذهب أكثر القدماء فيه غير محقق.
هذا، ثم إنه عطف في النافع والروضة (1) الدخول بالسكري وإقرارها
إياه بعد الإفاقة على التزويج والإفاقة في النسبة إلى الرواية، والرواية عنه
خالية.
ولا يلحق بالسكري السكران، للأصل.
وكذا يشترط في العاقد: الحرية.
أو إذن المولى ولو بشاهد الحال.
للأصل المتقدم.
وعدم وجود دليل شامل لغير المأذون من المماليك.
وقد يقال: إن عقد المملوك تصرف في ملك الغير بغير إذنه، فيكون
منهيا عنه، والنهي موجب لفساد المعاملة.
وفيه: منع دليل على حرمة مثل ذلك التصرف بدون إذن المولى.
ولا تشترط فيه الذكورية، فيصح عقد الأنثى أصالة ووكالة، إيجابا
وقبولا.
بالإجماع المحقق، والمحكي (2).
ولرواية تزويج خديجة وكثير من الروايات المتقدمة في المسألة
الأولى (3)، وهي وإن دلت على الجواز في الجملة، إلا أنه يتم المطلوب
بعدم الفصل.

(1) النافع: 170، الروضة 5: 112.
(2) كما في المفاتيح 2: 260، كشف اللثام 2: 13.
(3) في ص: 77 و 78.
101

المسألة الثالثة: يشترط في صحة النكاح تعيين الزوج والزوجة
بالإشارة الذهنية أو الخارجية، أو الاسم أو الوصف القاطعين للشركة.
ولا بد في الإشارة الذهنية من أمر خارجي دال على المعين الذهني،
كإضافة، أو لام، أو تقديم ذكر، أو مثل: التي قصدناها، وأما بدون ذلك
فلا يصح، كما لو قصد الولي الكبرى واتفق قصد الزوجة لها أيضا
بالإجماع، له، وللأصل المتقدم.
فلو لم يتعين أحدهما عند أحد العاقدين بطل النكاح، فإن اختلفا:
فإما أن يكون الاختلاف في تعيين الزوجة أو الزوج.
وعلى التقديرين: إما يكون الاختلاف بين الزوجين أو بين وليهما.
أو بين الزوج وولي الزوجة.
أو بالعكس إذا كان الزوج صغيرا.
والحكم في الجميع الرجوع إلى القواعد المقررة للمرافعات في
أحكام المدعي والمنكر، مثلا: إذا اختلف ولي الزوجة والزوج في تعيين
الزوجة فله ثلاث صور:
إحداها: أن يتفقا على التعيين عندهما وتنازعا في المعين مع اتفاقهما
على التعيين عندهما في الواقع، كأن يقول الزوج للأب: عينا الصغرى
وعقدنا عليها، وقال الولي: عينا الكبرى وعقدنا عليها، فحينئذ إن ادعى
الزوج نكاح الصغرى يكون الولي منكرا فيحلف وتتخلص الصغرى، فإن
لم يتكلم الولي في حق الكبرى بدعوى فلا نزاع، وإن ادعى في حقها
يكون الزوج منكرا فيحلف.
102

والثانية: أن يتفقا على التعيين عندهما، ولكن اختلفا واقعا في المعين
من غير نزاع، كأن يقصد الولي الكبرى والزوج الصغرى، وصدق كل منهما
الآخر في ذلك القصد، والنكاح حينئذ. باطل، لعدم ورود الإيجاب والقبول
على محل واحد.
والثالثة: أن يتعين عند الولي دون الزوج، ولكن علم الزوج تعينها عند
الولي وقبل ما عينه، ثم اختلفا فيمن عينه، فقال الولي: إني قصدت الكبرى،
وقال الزوج: بل أنت قصدت الصغرى، والحكم حينئذ كما في الصورة
الأولى.
ومن ذلك تظهر كيفية الحكم والمرافعة في سائر الصور.
وقد خالف في صورة الاختلاف مع ولي الزوجة في التعيين جماعة،
منهم: النهاية والقاضي والشرائع والنافع والفاضل واللمعة (1)، بل الأكثر كما
في المسالك (2)، فقالوا بالتفصيل فيه، بأنه: يقدم قول الولي مع حلفه إن
كان الزوج رآهن جميعا، ويبطل العقد إن لم يكن رآهن.
واستندوا فيه إلى صحيحة الحذاء (3).
وهي مردودة لا بما قيل من أنها مخالفة للقواعد المرعية من التفرقة
بين صورة الرؤية وعدمها، لأن القواعد كما بالأدلة الشرعية تؤسس كذلك
بها تخصص.

(1) النهاية: 468، القاضي في المهذب 2: 196، الشرائع 2: 247، النافع:
170، الفاضل في القواعد 2: 4، اللمعة (الروضة البهية 5): 113.
(2) المسالك 1: 445.
(3) الكافي 5: 412 / 1، الفقيه 3: 267 / 1268، التهذيب 7: 393 / 1574،
الوسائل 20: 294 أبواب عقد النكاح ب 15 ح 1.
103

بل بالإجماع، لاحتمالها كلا من الصور الثلاث، فيكون معنى قوله
فيها: فقال الزوج: إنما تزوجت منك الصغيرة، على الأولى: أن قرارنا كان
على الصغيرة وكان قصدك وقصدي الصغيرة، فهي التي صارت زوجتي
وإن لم يسم حين التزويج حتى يسمعه الشهود.
وعلى الثانية: أن مقصودي كان الصغيرة وتزوجتها ويظهر من
إدخالك الكبرى أنك قصدتها.
وعلى الثالثة: أن مقصودك هي الصغيرة فهي صارت زوجتي بقبولي
تزوج من قصدت دون الكبيرة.
وعلى هذا، فلا تكون الرواية حجة في شئ من الصور وإن كانت في
أحد الوجهين الأولين أظهر، لمكان قوله: " وعليه فيما بينه وبين
الله تعالى ".
مسألة: المعتبر في التعيين: القصد، فلا عبرة بالاسم لو أخطئ فيه
ويرجع النكاح إلى المقصود.
لرواية محمد بن شعيب: كتبت إليه: أن رجلا خطب إلى عم له ابنته،
فأمر بعض إخوانه أن يزوجه ابنته التي خطبها، وإن الرجل أخطأ باسم
الجارية فسماها بغير اسمها، وكان اسمها فاطمة فسماها بغير اسمها، وليس
للرجل ابنة باسم التي ذكر المزوج، فوقع: " لا بأس به " (1).
المسألة الرابعة: اختلفوا في ثبوت ولاية الأب على البكر البالغة

(1) الكافي 5: 562 / 24، الفقيه 3: 268 / 1270، الوسائل 20: 297 أبواب عقد
النكاح ب 20 ح 1.
104

الرشيدة في النكاح الدائم على ثلاثة أقوال:
الأول: سقوطها عنها واستقلالها.
وهو مذهب السيد والإسكافي والحلي والمفيد في أحكام النساء
والديلمي والمحقق والفاضل والشهيدين (1) وشرح القواعد والتنقيح (2)، بل
في الانتصار والناصريات (3) الإجماع عليه.
ونسب هذا القول إلى التبيان والوسيلة (4) - والحق: قصور كلامهما
عن الدلالة عليه - وهو مذهب أبي حنيفة من العامة (5).
الثاني: ثبوتها عليها واستقلال الأب.
وهو مختار الصدوق والعماني والصهرشتي (6) والنهاية والتهذيب
والاستبصار والخلاف والمبسوط (7) والقاضي والراوندي في فقه القرآن (8)،
وهو ظاهر موضع من الوسيلة (9) - حيث جعل نكاح البكر الرشيدة على نفسها

(1) السيد في الإنتصار: 122، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 534، الحلي في
السرائر 2: 561، أحكام النساء (مصنفات الشيخ المفيد 9): 36، الديلمي في
المراسم: 148، المحقق في النافع: 173، الفاضل في التحرير 2: 6، الشهيدين
في اللمعة والروضة 5: 116.
(2) جامع المقاصد 12: 83، 85، 123، 127، التنقيح 3: 31.
(3) الإنتصار: 122، الناصريات (الجوامع الفقهية): 210.
(4) التبيان 2: 250، 273، الوسيلة: 299.
(5) انظر بداية المجتهد 2: 8، والمغني والشرح الكبير على متن المقنع 7: 337.
(6) الصدوق في الهداية: 68، حكاه عن العماني في المختلف: 534، حكاه عن
الصهرشتي في الحدائق 23: 211.
(7) النهاية: 465، التهذيب 7: 379، الإستبصار 3: 234، الخلاف 4: 250،
المبسوط 4: 162.
(8) القاضي في المهذب 2: 193، فقه القرآن 2: 138.
(9) الوسيلة: 300.
105

مع حضور وليها فضوليا موقوفا على الإجازة - والكفاية وشرح النافع
لصاحب المدارك (1)، وجمع من علمائنا البحرانيين (2)، والمحدث الكاشاني
في رسالة أفردها للمسألة، ويميل إليه كلام الهندي في شرح القواعد (3)،
وإليه ذهب مالك والشافعي من العامة (4).
الثالث: عدم استقلال واحد منهما، بل اشتراكهما.
وهو الذي ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة والحلبي وابن زهرة (5)،
وقد ينسب إلى التهذيبين أيضا (6)، وهو المحكي عن الحدائق (7)، بل عن
المسالك: إنه متين (8)، وقواه في شرح المفاتيح.
دليل الأول: الأصل.
والآيات:
كقوله سبحانه: * (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن
بالمعروف) * (9).
وقوله تعالى: * (حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما

(1) الكفاية: 155، حكاه عن شرح النافع في الحدائق 23: 211.
(2) انظر الحدائق 23: 211.
(3) كشف اللثام 2: 18.
(4) انظر الأم 5: 13، بداية المجتهد 2: 8.
(5) المقنعة: 510، الحلبي في الكافي: 292، ابن زهرة في الغنية (الجوامع
الفقهية): 609.
(6) نسبه إليهما في كشف اللثام 2: 18.
(7) راجع الحدائق 23: 226.
(8) المسالك 1: 452.
(9) البقرة: 234.
106

أن يتراجعا) * (1).
فإن المراد: التراجع بالعقد، وإلا فالرجعة من عمل الزوج.
وقوله عز شأنه: * (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) * (2).
والروايات وهي كثيرة:
منها: صحيحة الفضلاء: " المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة
والمولى عليها إن تزويجها بغير ولي جائز " (3).
وجه الاستدلال: أن غير السفيهة - إلى آخره - إما بيان للتي ملكت
نفسها بكونه صفة موضحة أو بدلا أو عطف بيان، أو يكون استثناء، وعلى
التقديرين لا يمكن أن يكون المولى عليها المولى عليها في التزويج أو
الأعم منه ومن التصرف في المال، لأن غير المولى عليها حينئذ من
جاز تزويجه بغير ولي، فيصير المعنى: من يجوز تزويجها بغير ولي
يجوز تزويجها بغير ولي، وحزازته معلومة، فالمراد: المولى عليها في
المال.
فالمعنى على الأول: التي ملكت نفسها - وهي غير السفيهة
والمحجور عليها في المال - يجوز تزويجها بغير ولي، سواء كانت باكرة
أم لا.
وعلى الثاني: التي ملكت نفسها - أي كانت بالغة - يجوز تزويجها
بغير ولي.. إلا إذا كانت سفيهة أو مولى عليها في المال.

(1) البقرة: 230.
(2) البقرة: 232.
(3) الكافي 5: 391 / 1، الفقيه 3: 251 / 1197، التهذيب 7: 377 / 1525،
الإستبصار 3: 232 / 837، الوسائل 20: 100 أبواب مقدمات النكاح ب 44 ح 2.
107

ومنها: خبر زرارة: " إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق
وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت، فإن أمرها جائز، تزوج إن شاءت بغير
إذن وليها، وإن لم يكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بإذن وليها " (1).
فإن الظاهر منها أن قوله: " تبيع " وما عطف عليه جملة مفسرة،
وقوله: " فإن أمرها " جزاء الشرط، فدلالتها ظاهرة.
ومنها: خبر أبي مريم: " الجارية التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها "
وقال: " إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت من شاءت " (2).
وموثقة البصري: " تتزوج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها،
فإن شاءت جعلت وليا " (3).
فإن المراد ب‍: " المالكة أمرها " التي لا ولي عليها في المال، بقرينة
خبر زرارة المتقدم.
ومنها: صحيحة ابن حازم: " تستأمر البكر وغيرها ولا تنكح إلا
بأمرها " (4).
ومنها: خبر سعدان: " لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن
أبيها " (5).
ومنها: العاميان، أحدهما: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر

(1) التهذيب 7: 378 / 1530، الإستبصار 3: 234 / 842، الوسائل 20: 285
أبواب عقد النكاح ب 9 ح 6.
(2) الكافي 5: 391 / 2، الوسائل 20: 273 أبواب عقد النكاح ب 4 ح 2.
(3) الكافي 5: 392 / 3، الوسائل 20: 270 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 4.
(4) التهذيب 7: 380 / 1535، الوسائل 20: 284 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 1.
(5) التهذيب 7: 380 / 1538، الإستبصار 3: 236 / 850، الوسائل 20: 285
أبواب عقد النكاح ب 9 ح 4.
108

تستأذن في نفسها وإذنها صماتها " (1).
والآخر: إن جارية بكرا جاءت إليه (صلى الله عليه وآله) فقالت: إن أبي زوجني من
ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة، فقال (صلى الله عليه وآله): " أجيزي ما صنع أبوك "
فقالت: لا رغبة لي فيما صنع أبي، قال: " فاذهبي فانكحي من شئت "
فقالت: لا رغبة لي عما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس
للآباء في أمور بناتهم شئ (2).
أقول: أما الأصل فيرد عليه المنع، لأن المراد: إما أصالة عدم اختيار
الأب، أو عدم ترتب الأثر على فعله، أو أصالة جواز نكاح البنت، والكل
معارض بأصالة عدم ثبوت اختيار التزويج للبنت، لأنه أمر شرعي يحتاج
إلى مثبت، وأصالة عدم ترتب الأثر على فعلها، وأصالة جواز نكاح الأب إن
أريد من الجواز الإباحة، ورجوعه إلى ترتب الأثر إن كان المراد الصحة
وأصالته ممنوعة، مع أن الأصل الاستصحابي مع ثبوت الولاية له وصحة
فعله وعدم اختيارها، بل أصل العدم أيضا، لأن الأصل عدم ثبوت الاختيار
للبكر.
وأما الآيات فيرد عليها جميعا: أن النسبة كما تصح مع استقلالهن
تصح بدونه أيضا، مع أن المعروف في الأولى يصرفها عن الإطلاق لو كان،
إذ لا يعلم أن النكاح بدون إذن الولي معروف، مع أنها واردة في المعتدة،
وهي لا تكون إلا مدخولة.
ومفاد الثانية - على فرض التسليم -: أنها لا تحل حتى تنكح بنفسها

(1) صحيح مسلم 2: 1037 / 1421، سنن أبي داود 2: 232 / 2098. والأيم:
الذي لا زوج له من الرجال والنساء. الجمع: الأيامى - مجمع البحرين 6: 15.
(2) سنن النسائي 6: 86، سنن ابن ماجة 1: 602 / 1874، بتفاوت يسير.
109

زوجا، لا أن لها نكاح نفسها مطلقا، فلو ثبتت الولاية عليها تكون حلية
الباكرة المطلقة ثلاثا بعد تزويج الأب بدليل خارجي، ونمنع كون عقد
نفسها نكاحا حينئذ، ثم التراجع بعد هذا النكاح لا يكون إلا للمدخولة.
والأخيرة واردة في المعتدة المطلقة أيضا، وهي مدخولة.
وأما الروايات، فالأخيرتان منها عاميتان، وعن حيز الحجية خارجتان
ولو قلنا بأنهما بنحو من الشهرة منجبرتان، لأن الجبر إنما يفيد في رواياتنا
وأما في العاميات فلا، كيف وأمرنا بترك رواياتهم، بل ترك ما يوافق
رواياتهم من رواياتنا.
والبواقي عامة بالنسبة إلى صورة عضل الأب إياها وغيبته المضرة لها،
بل غير خبر سعدان عام بالنسبة إلى البكر والثيب، بل بالنسبة إلى فاقدة
الأب وواجدته.
والضمير في قوله: " إذا كانت " في خبر أبي مريم لا يجب أن يكون
راجعا إلى الجارية التي لها أب، بل راجع إلى الجارية.
كما أن الولي في قوله: " بغير إذن وليها " في خبر زرارة لا يتعين أن
يكون أبا، لإطلاق الولي على أقرب الناس، كالأخ والعم والخال أيضا كما
يظهر من أولياء الصلاة على الميت، مع أنه لو كان المراد الأب ليس صريحا
في وجود الأب لها وإن كان له نوع إشعار به، فيمكن أن يكون ذلك في
مقام الرد على ما ورد من أنه لا نكاح إلا بإذن الولي، فيصح أن يقال: من
لا ولي لها يجوز نكاحها بدون إذن الولي.
ومنه يظهر ثبوت هذا العموم لخبر سعدان أيضا.
هذا، مع ما في صحيحة الفضلاء من عدم الدلالة، إذ لا دليل على
اختصاص المولى عليها في القيد بالمولى عليها في المال، بل يمكن أن
110

يكون الأعم أو خصوص التزويج.
ولا يلزم حزازة أصلا، إذ ليس معنى غير المولى عليها: من يجوز
تزويجها بغير ولي، بل: من لا ولي لها، إما لسقوط الولاية عليها أو لفقد
الولي، فيكون المعنى: التي ملكت نفسها - وهي غير السفيهة وغير من لها
ولي، أو البالغة سوى السفيهة وسوى من لها ولي - يجوز تزويجها بغير
ولي.
وتكون الفائدة: الرد على عموم قول من قال: لا نكاح إلا بولي، أو
دفع توهم أنه لا يجوز نكاح غير المولى عليها، لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه: " لا نكاح إلا بولي " (1).
هذا، مع احتمال أن يكون المراد ب‍ " المولى عليها " الباكرة، أو من
[لها أب] (2)، لجواز شيوع استعماله فيها، وهو ليس بأبعد من إرادة البالغة
من: " التي ملكت نفسها "، ويتأكد إرادة من لا أب لها منها بملاحظة رواية
أبي مريم، حيث جعل المالكة لأمرها مقابلة للتي لها أب.
ومنه يظهر الخدش في رواية زرارة أيضا، لمنع ظهور كون قوله:
" تبيع " وما بعده مفسرا، بل يجوز أن يكون خبرا ثانيا.
والقول - بأنه لا داعي لذلك - مردود بأن الاحتمالين بالنسبة إليه
متساويان، وليس الأول موافقا لأصل حتى يحتاج الثاني إلى الداعي.
والمراد ب‍: " المالكة أمرها ": الخالية عن الولي في النكاح أو الثيب،
فلا حزازة في العبارة كما مر، ويناسبه قوله: " فإن أمرها جائز " حيث فسره

(1) دعائم الاسلام 2: 218 / 807، مستدرك الوسائل 14: 317 أبواب عقد النكاح
ب 5 ح 1.
(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: لا أب لها.
111

بقوله: " تزوج إن شاءت "، دل على أن المراد بالأمر: التزويج، وفائدة:
" تبيع " وما عطف عليه إخراج السفيهة، كما نص عليه في الصحيحة
الأولى.
ومن هذا يظهر الخدش في رواية أبي مريم والموثقة أيضا، مع أن
التقابل في الرواية كالتصريح بأن المراد بالمالكة أمرها: من لا أب لها،
وتخصيص البكر بالصغيرة خلاف الظاهر وتخصيص بلا موجب.
بل لا يخلو الاستدلال بصحيحة ابن حازم عن نظر، لأنها لا تثبت
أزيد من استحباب استئمارها وعدم نكاحها إلا مع أمرها، لمكان الجملة
الخبرية، مع أنه لو سلمت دلالتها على الوجوب لم يثبت منها استقلالها،
لجواز التشريك.
ودعوى ظهور: " لا تنكح إلا بأمرها " في استقلالها إنما يتم لو كانت
الباء سببية، وهي ممنوعة، بل الظاهر كونها للمصاحبة، ومقتضى الحصر
ليس إلا حصر النكاح الجائز أو المستحب بما كان مع أمرها، لا حصر الأمر
في أمرها.
نعم، مقتضى إطلاق مفهوم الاستثناء جواز النكاح مع أمرها، سواء
كان معه أمر آخر أو لا، ولكن في إطلاقه نظرا، ولو سلم فغايته العموم
الإطلاقي.
هذا كله، مع ما في كثير من هذه الروايات من اشتمالها للفظ المرأة
وصدقها على الباكرة محل نظر، بل قيل: إنها تختص بالثيب، ويشعر به
بعض الروايات الآتية.
ثم على تقدير تسليم دلالة الجميع، فلا تدل إلا على جواز نكاح
البنت وكفاية إذنها، لا على عدم جواز نكاح الأب وعدم كفاية إذنه، كما هو
112

أحد جزئي مطلوبهم.
حجة القول الثاني - بعد بعض الاعتبارات -: الاستصحاب.
وأصالة عدم اختيارها في التزويج.
وعموم قوله سبحانه: * (وأنكحوا الأيامى منكم) * (1).
وقوله تعالى: * (الذي بيده عقدة النكاح) * (2).
والنصوص المستفيضة:
الأولى: صحيحة محمد: " لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ليس
لها مع الأب أمر " وقال: " يستأمرها كل أحد عدا الأب " (3).
والمراد بالجارية: البالغة، بقرينة قوله: " مع الأب "، فإن الصغيرة
ليس لها أمر سواء كانت مع الأب أم لا، وبقرينة قوله: " يستأمرها "، فإن
الضمير للجارية المتقدمة، والصغيرة لا يستأمرها أحد، بل لا يزوجها غير
الأب، بل يدل ذلك على عدم كونها سفيهة، ولا تضر الجملة الخبرية هنا
أيضا، إذ جواز عدم استئمارها كاف لإثبات المطلوب.
والثانية: موثقة البقباق: " لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أن
يزوجها هو أنظر لها، وأما الثيب فإنها تستأذن وإن كانت بين أبويها " (4)،
والمراد: الجارية الكبيرة الرشيدة بالتقريب المتقدم.

(1) النور: 32.
(2) البقرة: 237.
(3) الكافي 5: 393 / 2، التهذيب 7: 380 / 1537، الإستبصار 3: 235 / 849،
الوسائل 20: 273 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 4 ح 3.
(4) الكافي 5: 394 / 5، الوسائل 20: 269 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 3
ح 6. والثيب: يقال للإنسان إذا تزوج، وإطلاقه على المرأة أكثر، لأنها ترجع إلى
أهلها بغير الأول - مجمع البحرين 2: 21.
113

والثالثة: صحيحة ابن الصلت، وفيها: عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء
ألها مع أبيها أمر؟ قال: " لا ما لم تثيب " (1)، هذا على نسخ التهذيب.
وفي بعض نسخ الكافي: " ما لم تكبر " مقام: " ما لم تثيب ".
والظاهر أن الأول هو الأصح، لما في الثاني من فهاهة المعنى، ولذا
اقتصر في الوافي على الأول (2) مع نقله من الكافي أيضا.
والرابعة: حسنة الحلبي: في الجارية يزوجها أبوها بغير رضاها، قال:
" ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة " (3).
وظاهر التقييد بقوله: " مع أبيها " وقوله: " وإن كانت كارهة " أنها بالغة.
الخامسة: رواية عبيد: " لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، فإذا
كانت ثيبا فهي أولى بنفسها " (4).
السادسة: رواية ابن ميمون: " إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها
مع أبويها أمر، وإن كانت قد تزوجت لم يزوجها إلا برضا منها " (5).
والمراد بها هنا وفي السابقة: الكبيرة، بقرينة التقييد بقوله: " مع
أبويها "، والرشيدة بقرينة قوله: " إلا برضا منها " وقوله: " فهي أولى بنفسها ".
السابعة: رواية أبان: " إذا زوج الرجل ابنه كان ذلك إلى ابنه، وإذا

(1) الكافي 5: 394 / 6، التهذيب 7: 381 / 1540، الإستبصار 3: 236 / 851،
الوسائل 20: 276 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 6 ح 3.
(2) الوافي 31: 406 / 2.
(3) الكافي 5: 393 / 4، التهذيب 7: 381 / 1539، الوسائل 20: 285 أبواب
عقد النكاح وأولياء العقد ب 9 ح 7.
(4) التهذيب 5: 385 / 1547، الوسائل 20: 271 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد
ب 3 ح 13.
(5) التهذيب 7: 380 / 1576، الإستبصار 3: 235 / 848، الوسائل 20: 284
أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 9 ح 3.
114

يزوج ابنته جاز ذلك " (1)، والمراد بالابن: الكبير قطعا، فكذا البنت.
وبمضمونها موثقة البقباق، وفيها: " إذا زوج الرجل ابنه فذلك إلى
ابنه، وإذا زوج الابنة جاز " (2).
الثامنة: صحيحة ابن أبي يعفور: " لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلا
بإذن آبائهن " (3).
وهي بالمنطوق وإن لم يثبت سوى رجحان الإذن من الأب، إلا أن
مفهوم الاستثناء: أنهن ينكحن بإذن آبائهن وإن لم يكن معه إذنهن.
التاسعة: صدر رواية أبي مريم المتقدمة (4)، والتقريب كما في
السابقة.
العاشرة: الرواية المتقدمة في تزويج الجواد (عليه السلام) (5)، بضميمة أصالة
عدم توكيلها أبيها.
الحادية عشرة والثانية عشرة: صحيحة زرارة (6) وموثقة محمد (7):
" لا ينقض النكاح إلا الأب ".
الثالثة عشرة: المروي في كتاب علي: عن الرجل هل يصلح أن

(1) التهذيب 7: 393 / 1576، الوسائل 20: 293 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد
ب 13 ح 3.
(2) الكافي 5: 400 / 1، الوسائل 20: 277 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 6 ح 4.
(3) الكافي 5: 393 / 1، الفقيه 3: 250 / 1190، التهذيب 7: 379 / 1531،
الإستبصار 3: 235 / 845، الوسائل 20: 277 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 6 ح 5.
(4) في ص: 108.
(5) راجع ص: 86.
(6) الكافي 5: 392 / 8، التهذيب 7: 379 / 1532، الإستبصار 3: 235 / 846،
الوسائل 20: 272 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 4 ح 1.
(7) التهذيب 7: 379 / 1533، الإستبصار 3: 235 / 847، الوسائل 20: 273
أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 4 ح 5.
115

يزوج ابنته بغير إذنها؟ قال: " نعم، ليس يكون للولد أمر إلا أن يكون امرأة
قد دخلت بها قبل ذلك، فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن تستأمر " (1).
الرابعة عشرة: صحيحة الحذاء المتقدمة (2)، الحاكمة بتقديم قول
الأب مع الاختلاف في التعيين، فإن الظاهر منها وقوع النكاح بدون إذن
البنت كما لا يخفى.
الخامسة عشرة: مفهوم الشرط في مرسلة ابن بكير: " لا بأس أن
تزوج المرأة نفسها إذا كانت ثيبا بغير إذن أبيها إذا كان لا بأس بما
صنعت " (3) أي لم تكن سفيهة.
السادسة عشرة إلى العشرين: مفهوم صحيحتي الحلبي (4) وصحيحة
ابن سنان (5) وموثقة البصري (6) وروايتي عبد الخالق (7) وابن زياد (8): في

(1) مسائل علي بن جعفر: 112 / 31، الوسائل 20: 286 أبواب عقد النكاح وأولياء
العقد ب 9 ح 8.
(2) في ص: 103.
(3) التهذيب 7: 386 / 1549، الإستبصار 3: 235 / 844، الوسائل 20: 272
أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 3 ح 14.
(4) الأولى في: الكافي 5: 392 / 5، التهذيب 7: 377 / 1527، الوسائل 20:
269 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 3 ح 4.
الثانية في: الوسائل 20: 271 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 3 ح 11.
(5) التهذيب 7: 385 / 1546، الوسائل 20: 269 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد
ب 3 ح 4.
(6) التهذيب 7: 384 / 1545، الوسائل 20: 271 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد
ب 3 ح 12.
(7) الفقيه 3: 251 / 1195، الوسائل 20: 268 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد
ب 3 ح 2.
(8) الكافي 5: 392 / 6، التهذيب 7: 378 / 1528، الإستبصار 3: 233 / 840،
الوسائل 20: 269 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 3 ح 4.
116

شاءت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت رجلا قبله ".
ويدل عليه أيضا عموم المستفيضة الواردة في نكاح الأب والجد.
كرواية السكوني: " إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه، ولابنه
أيضا أن يزوجها " الحديث (1).
وصحيحة هشام: " إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول " (2).
وموثقة عبيد: الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ويريد جدها
أن يزوجها من رجل آخر، فقال: " الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم
يكن الأب زوجها قبله " (3) إلى غير ذلك.
وتؤيده أيضا الأخبار الكثيرة الواردة في باب الكفاءة وغيرها،
المتضمنة لأمرهم عليهم السلام بعض الآباء بتزويج البنات (4).
والجواب عن هذه الأخبار - بالحمل على الندب أو المتعارف، مع
إباء بعضها عنهما - مردود بأنه خلاف الأصل والظاهر، مع أنه يجري في
كثير من أخبار القول الأول أيضا، فلا وجه لارتكابه في ذلك بخصوصه.
أقول: أما الاستصحاب والأصل، فلا يخلوان عن المعارض.
وأما الآيتان، فغير تامتين، كما يظهر على المتأمل.
وأما الروايات العشرون، فالخامسة عشرة إلى آخر الأخبار لا تثبت

(1) الكافي 5: 395 / 2، التهذيب 7: 390 / 1561، الوسائل 20: 289 أبواب
عقد النكاح ب 11 ح 1.
(2) الكافي 5: 395 / 4، الفقيه 3: 250 / 1193، التهذيب 7: 390 / 1562،
الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح ب 11 ح 3.
(3) الكافي 5: 395 / 1، الفقيه 3: 250 / 1192، التهذيب 7: 390 / 1560،
الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح ب 11 ح 2.
(4) الوسائل 20: 61 أبواب مقدمات النكاح ب 23.
117

استقلال الأب، وإن كان ظاهرها ينفي استقلال البنت.
والرابعة عشرة محتملة لكون البنات المذكورة فيها صغارا.
والثالثة عشرة ضعيفة غير صالحة للاستناد.
والمتقدمتان عليها غير دالتين إلا على نقض الأب النكاح في الجملة،
فيمكن أن يكون ذلك في الصغيرة أو السفيهة.
فلم تبق إلا العشرة الأولى، وهي وإن كانت دالة، إلا أن الأخيرتين
منها عامتان بالنسبة إلى ضم إذن البنت وعدمه والصغيرة والسفيهة.
بل الحق احتمال عموم الكل بالنسبة إلى السفيهة، وما مر دليلا
للاختصاص بالرشيدة لم يثبت أزيد من احتماله لدوران الأمر بين تخصيص
الجارية بها أو تخصيص المستتر، فالكل محتمل، بل الكل - سوى صحيحة
ابن الصلت - أعم من الصغيرة أيضا، وما مر دليلا على التخصيص بالكبيرة
فإنما كان بمفهوم غير معتبر. والصحيحة أيضا موهونة باختلاف النسخ كما مر.
وعلى هذا، فلو كان بين الفريقين من الأخبار تعارض فيعارض هذه
الأخبار مع ما كان دالا من أخبار القول الأول - كخبر سعدان وصحيحة
منصور - ولا مرجح مقبولا لأحدهما، لأنه لا موافق تاما لأحدهما من
الكتاب، ولا مخالفة تامة لأحدهما للعامة، بل كل يوافق فريقا منهم.
والشهرة المحققة - سيما من القدماء - على أحد الطرفين غير معلومة
بحيث توجب الترجيح، وأما المحكية منها ومن الإجماع فصلاحيتهما
للترجيح غير ثابتة، مع أن الظاهر أن الشهرة رواية - التي هي المرجح
حقيقة - مع القول الثاني، وكذا الأصحية، إلا أن الحكم بالترجيح بهما
مشكل جدا.
وعلى هذا، فإما يجب الرجوع إلى أصالة عدم ترتب الأثر على نكاح
118

واحد منهما، ومقتضاه القول بتشريكهما.
وتؤيده أيضا موثقة صفوان: استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر
(عليه السلام) في تزويج ابنته لابن أخيه، فقال: " افعل ويكون ذلك برضاها، فإن لها
في نفسها نصيبا " قال: واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر (عليه السلام) في
تزويج ابنته علي بن جعفر، فقال: " افعل ويكون ذلك برضاها، فإن لها في
نفسها حظا " (1).
أو القول بالتخيير، بمعنى: صحة عقد كل منهما وكفايته وإن لم يأذن
الآخر.
ولكن المرجع عند اليأس عن الترجيح عند أهل التحقيق هو التخيير،
فهو الحق عندي في المسألة، ولا يضر عدم قول أحد ممن تقدم به لو
سلم، لظنهم ترجيح أحد الطرفين وحكم الإمام بالتخيير عند التعارض، مع
أن قوله في الواقع ليس إلا أحد المتعارضين.
مع أن ها هنا كلاما آخر، وهو: أنه لا تعارض بين هذه الأخبار أصلا.
إذ أخبار الأول لم تدل إلا على تجويز نكاح البنت وكفايته، من غير
دلالة ولا إشعار بعدم تجويز نكاح الأب وكفايته.
وأخبار الثاني لم تدل إلا على تجويز نكاح الأب وكفايته، من غير
دلالة على عدم جواز نكاح البنت.
ولا منافاة بين الحكمين أصلا، لجواز كفاية نكاح كل منهما، كما في
الأب والجد في نكاح الصغيرة.
ولا يتوهم أن قوله: " ليس لها مع أبيها أمر " - في الروايات الأولى والثالثة

(1) التهذيب 7: 379 / 1534، الوسائل 20: 284 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد
ب 9 ح 2.
119

والرابعة والسادسة من روايات القول الثاني - يدل على نفي اختيارها، إذ
المراد: أنه ليس مع إذن أبيها أمر، وهو كذلك، ألا ترى أنه إذا وكل أحد
زيدا وعمروا مستقلا في أمر يصح أن يقال: ليس لزيد مع إذن عمرو أمر
وبالعكس.
أو المراد: أنه ليس لها منضمة مع أبيها أمر، وليس المراد أنه ليس لها
مع وجود أبيها أمر، إذ قوله: " إذا كانت بين أبويها " كان دالا على وجود
الأب، فلا معنى لقوله: " مع الأب " بل يكون لغوا.
فالمراد: أنه إذا كانت بين أبويها فليس مع إذن الأب أو تزويجه أو
حضوره أو انضمامه أمر، وهو كذلك، ولا أقل من احتمال ذلك، فلا يدل
على انتفاء الأمر لها مطلقا، وإنما يدل على انتفائه مع الأب.
وكذا لا يتوهم أن قوله: " لا تنكح إلا بأمرها " (1) أو: " لا تنكح إلا بإذن
آبائهن " (2) [يدلان] (3) على انتفاء استقلال أحدهما، إذ غاية ما يدلان عليه
رجحان ذلك، وهو مسلم.
ولا أن قوله في الرواية السادسة عشرة وما بعدها: " هي أملك بنفسها
بعد أن نكحت قبله " يدل على عدم اختيارها، إذ مفهومه أن قبل النكاح
ليست بأملك، وهو كذلك، لأن الأب أيضا مالك لها.
نعم، مفهوم قوله في الخامسة عشرة: " لا بأس أن تزوج نفسها إذا
كانت ثيبا " أنها إذا كانت بكرا يكون بأس في تزويجها، وإذا لوحظ ذلك مع

(1) راجع ص: 98.
(2) راجع ص: 104.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
120

خبر سعدان (1) يصير قرينة على أن المراد بالبأس هو الكراهة.
وعلى هذا، فلا يكون تعارض بين الأخبار، ولا وجه لرفع اليد عن
أحد القسمين، بل يجب العمل بكليهما، فيحكم باستقلال كل منهما.
لا يقال: إن بضم الإجماع المركب مع كل منهما يصير معارضا مع
الآخر، وحاصله: أن القول باستقلال أحدهما لا يجتمع مع استقلال الآخر
بالإجماع المركب.
قلنا: من أين نعلم الإجماع على ذلك ومتى نسلمه، كيف؟! وكلام
الفقيه (2) لا يدل إلا على جواز نكاح الأب والجد على الباكرة وثبوت
ولايتهما لها، ولا يدل على عدم جواز نكاحها أصلا، فإنه في مقام تعداد
الأولياء لا في مقام بيان حكم البنت، فلعله يرى استقلال البنت أيضا.
وكذا التهذيب (3)، بل وكلام كثير من الفقهاء الذين لم يذكروا إلا أحد
طرفي المسألة، فإنه يمكن أن يكون قائلا باستقلال كل منهما وذكر أحدهما
ردا على من لا يجوز نكاحه.
ويظهر من الوافي أيضا هذا القول (4)، حيث حمل روايات الطرفين
على الرخصة.
ولا يتوهم أن موثقة صفوان المتقدمة (5) تدل على التشريك فينفي
استقلال كل منهما.
لأنها لا تدل على أزيد من جواز نكاح الأب، لأن " افعل " فيها ليس

(1) المتقدم في ص: 98.
(2) الفقيه 3: 250 / ذ. ح 4.
(3) التهذيب 7: 384.
(4) الوافي 21: 409.
(5) في ص: 108.
121

للوجوب قطعا، ورجحان كون ذلك برضا البنت، لأن الجملة الخبرية
لا تفيد أزيد منه، وقوله: " إن لها نصيبا أو حظا " لا يدل على أزيد من إثبات
حظ لها، فيمكن أن يكون هو القدر الذي يقتضي رجحان الاستئذان منها،
أو جواز نكاحها أيضا.
ومن ذلك يظهر دليل القول بالتشريك وجوابه أيضا، واحتج له في
الغنية بطريقة الاحتياط (1).
وجوابه: أنه ليس بواجب.
ثم بما ذكرنا يظهر الحكم في النكاح المنقطع وأنه جواز نكاح كل
منهما.
لما مر بعينه.
مضافا في جواز نكاحها فيه إلى مرسلة القماط (2) وحسنة الحلبي (3).
وفي جواز نكاحه إلى مفهوم الاستثناء في رواية أبي مريم: " العذراء
التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها " (4).
وكذا يظهر حكم الجد، وهو جواز نكاحه أيضا.
لما مر من صحيحة هشام وموثقة عبيد ورواية السكوني (5).

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 609.
(2) التهذيب 7: 254 / 1097، الإستبصار 3: 145 / 525، الوسائل 21: 33 أبواب
المتعة ب 11 ح 6.
(3) التهذيب 7: 254 / 1098، الإستبصار 3: 145 / 526، الوسائل 21: 34
أبواب المتعة ب 11 ح 9.
(4) الفقيه 3: 293 / 1394، التهذيب 7: 254 / 1099، الإستبصار 3: 145 / 527،
الوسائل 21: 35 أبواب المتعة ب 11 ح 12، وفي الجميع: لا تتزوج متعة..
(5) المتقدمة جميعا في ص: 106.
122

فروع:
أ: لو ذهبت بكارتها بغير الوطء فحكمها حكم البكر.
للاستصحاب.
ولإمكان صدق الباكرة عليها، لأنها من لم تمس.
ولعدم صدق الثيب، لأنها من تزوجت.
ومنه يظهر الحكم فيمن ذهبت بكارتها بالزنى أيضا، فتكون ولاية
الأب باقية عليها.
لعدم معلومية صدق الثيب فيستصحب الحكم، مع أن في بعض
الأخبار المتقدمة تعليق الحكم بانتفاء الولاية على النكاح والتزويج.
ولو تزوجت ومات زوجها أو طلقها قبل الوطء لم تسقط الولاية.
للإجماع.
وصدق الباكرة والجارية.
ب: لو عضلها الولي - أي منعها - فلم يزوجها من الأكفاء مع رغبتها،
فالمعروف من مذهب الأصحاب استقلالها وسقوط ولايته على القول
بانفراده بالاستقلال، بل في الخلاف والنافع والتذكرة والقواعد (1) وغيرها (2):
الإجماع عليه، والظاهر كونه إجماعيا، وهو الحجة عليه.
لا ما ذكره في شرح المفاتيح وغيره (3) من انتفاء العسر والحرج
والضرر، لأخصيته من المدعى، ولإمكان دفع العسر بمراجعة الحاكم مع

(1) الخلاف 4: 279، النافع: 173، التذكرة 2: 585، القواعد 2: 6.
(2) كالغنية (الجوامع الفقهية): 609.
(3) كالرياض 2: 80.
123

وجوده وعدول المسلمين مع عدمه.
وعلى هذا، فاللازم الاقتصار على موضع الإجماع، وهو ما إذا لم
يزوجها ويدعها معطلة، كما يستفاد من بعض العبارات، حيث عبر بالمنع
من الأكفاء (1) لا مجرد أن لا يزوجها من كفو أو كفوين لأجل التزويج بعده
بغيره.
إلا أنه يمكن أن يقال: إنك قد عرفت أن غاية ما تدل عليه أخبار
استقلال الأب هو: جواز نكاحه لا عدم جواز نكاحها، ولو قيل به لكان
للإجماع المركب، وهو في صورة العضل مطلقا غير ثابت، فلها التزويج
معه مطلقا.
ج: ذكر الشيخ في الخلاف (2) وبعض آخر (3): أن الغيبة المنقطعة
للأب بحكم العضل، فيجوز لها تزويج نفسها.
وقد يستدل له بنفي العسر والحرج.
وقد عرفت ما فيه.
فالأولى الاستدلال له بما ذكرنا من انتفاء الإجماع المركب الدال على
عدم جواز نكاحها على القول باستقلاله.
المسألة الخامسة: لا ولاية في النكاح لأحد على أحد، سوى الأب
والجد له والمولى والحاكم والوصي، إجماعا منا محققا، ومحكيا مستفيضا
في غير الأم والجد لها (4)، ووفاقا لغير الإسكافي فيهما أيضا (5).

(1) انظر المهذب 2: 193، القواعد 2: 6.
(2) الخلاف 4: 278.
(3) كصاحب الرياض 2: 80.
(4) انظر الرياض 2: 77.
(5) حكاه عنه في المختلف: 536.
124

للأصل الخالي عما يصلح لدفعه جدا، إذ ليس إلا بعض الأخبار في
بعض ذوي الأنساب، الذي إن سلمت دلالته وخلوه عن المعارض يكون
مردودا بالشذوذ ومخالفة الشهرة العظيمة، بل مهمل رواته.
المسألة السادسة: ولاية الأب والجد (1) ثابتة على الصغيرة والصغير،
وفاقا للجميع في الأب، ولغير العماني في الجد (2).
أما دليل ولاية الأب على الصغيرة - فبعد الإجماع المحقق -: عموم
الأخبار المتقدمة في ولايته على البكر أو إطلاقها، وخصوص المستفيضة:
كصحيحة ابن الصلت: عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها، ألها أمر
إذا بلغت؟ قال: " لا " (3).
وابن بزيع: عن الصبية يزوجها أبوها وهي صغيرة، فتكبر قبل أن
يدخل بها زوجها، أيجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال: " يجوز عليها
تزويج أبيها " (4)، وغير ذلك.
وأما دليل ولايته على الصغير - فبعد الإجماع -: موثقة البقباق: عن
الرجل يزوج ابنه وهو صغير، قال: " لا بأس " (5).
وصحيحة محمد: في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال: " إذا كان

(1) في " ح " زيادة: له.
(2) حكاه عنه في المختلف: 535.
(3) الكافي 5: 394 / 6، التهذيب 7: 381 / 1540، الإستبصار 3: 236 / 851،
الوسائل 20: 276 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 3.
(4) الكافي 5: 394 / 9، الفقيه 3: 250 / 1191، التهذيب 7: 381 / 1541،
الإستبصار 3: 236 / 852، عيون أخبار الرضا " ع " 2: 17 / 44، الوسائل 20:
275 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 1.
(5) الكافي 5: 400 / 1، التهذيب 7: 389 / 1559، الوسائل 21: 287 أبواب
المهور ب 28 ح 2.
125

أبواهما اللذان زوجاهما فنعم " (1).
وصحيحة الحذاء الآتية.
وتؤيده أيضا موثقة عبيد (2) وصحيحة محمد (3) المثبتتين للمهر على
الأب مع تزويجه ابنه.
وصحيحة الحلبي: الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره،
أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ قال: " أما التزويج فصحيح، وأما طلاقه
فينبغي أن يحبس عليه امرأته حتى يدرك فيعلم أنه كان قد طلق، فإن أقر
بذلك وأمضاه فهي واحدة بائنة وهو خاطب من الخطاب، وإن أنكر ذلك
وأبى أن يمضيه فهي امرأته " قلت: فإن ماتت أو مات؟ فقال: " يعزل
الميراث حتى يدرك أيهما بقي، ثم يحلف بالله ما دعاه إلى أخذ الميراث إلا
الرضا بالنكاح، ثم يدفع إليه الميراث " (4).
وأما دليل ولاية الجد عليهما - فبعد ظاهر الإجماع أيضا، لعدم قدح
مخالفة من ذكر فيه، ولذا ادعى الإجماع عليه في الناصريات والتذكرة (5)
ونفى الخلاف عنه في السرائر (6) -:
صحيحة هشام: " إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول، فإن كانا

(1) التهذيب 7: 388 / 1556، الوسائل 20: 292 أبواب عقد النكاح ب 12 ح 1.
(2) الكافي 5: 400 / 2، التهذيب 7: 389 / 1558، الوسائل 21: 287 أبواب
المهور ب 28 ح 1.
(3) الكافي 5: 400 / 3، التهذيب 7: 389 / 1557، نوادر أحمد بن محمد بن
عيسى: 136 / 354، الوسائل 21: 288 أبواب المهور ب 28 ح 3.
(4) الفقيه 4: 227 / 722، الوسائل 26: 220 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 4.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 211، التذكرة 2: 587.
(6) السرائر 2: 561.
126

جميعا في حالة واحدة فالجد أولى " (1).
ورواية أبي العباس: " إذا زوج الرجل فأبى ذلك والده فإن تزويج
الأب جائز، وإن كره الجد ليس هذا مثل الذي يفعله الجد ثم يريد الأب أن
يرده " (2).
وموثقة عبيد: الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ويريد جدها
أن يزوجها من رجل آخر، فقال: " الجد أولى بذلك " إلى أن قال: " ويجوز
عليها تزويج الأب والجد " (3).
ورواية السكوني: " إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ولابنه
أيضا أن يزوجها " فقلنا: فإن هوى أبوها رجلا وجدها رجلا آخر، قال:
" الجد أولى بنكاحها " (4).
وموثقة البقباق: " إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد
مرضيا جاز " قلنا: فإن هوى أبو الجارية هوى وهوى الجد هوى، وهما
سواء في العدل والرضا، قال: " أحب إلي أن ترضى بقول الجد " (5).
والتزويج في الأوليين مطلق شامل لتزويج الصغير والصغيرة، وفي

(1) الكافي 5: 395 / 4، التهذيب 7: 390 / 1562، الوسائل 20: 289 أبواب
عقد النكاح ب 11 ح 6.
(2) الكافي 5: 396 / 6، التهذيب 7: 390 / 1563، الوسائل 20: 291 أبواب
عقد النكاح ب 11 ح 6.
(3) الكافي 5: 395 / 1، الفقيه 3: 250 / 1192، التهذيب 7: 390 / 1560،
الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح ب 11 ح 2.
(4) الكافي 5: 395 / 2، التهذيب 7: 390 / 1561، الوسائل 20: 289 أبواب
عقد النكاح ب 11 ح 3.
(5) الكافي 5: 396 / 5، التهذيب 7: 391 / 1564، الوسائل 20: 290 أبواب
عقد النكاح ب 11 ح 4.
127

البواقي وإن اختص بالصغيرة إلا أنه لا قائل بالفصل.
ثم بهذه الأخبار يخصص عموم ما دل على عدم ولاية غير الأب،
كقوله (عليه السلام): " يستأمرها كل أحد عدا الأب " (1)، أو على أنهن لا يتزوجن إلا
بإذن آبائهن (2)، مع أن إرادة ما يشمل الجد من الأب ممكنة.
ثم الجد في بعض تلك الأخبار وإن كان مطلقا شاملا لأب الأم وأب
أم الجد للأب، إلا أنه خرج الأول بالإجماع، بل - كما قيل - بعدم تبادر غير
أب الأب منه (3)، وأما الثاني فلا دليل على خروجه، بل عن التذكرة النظر
في حقه مع عدم أب الأب (4)، بل وكذا معه أيضا، إلا أن الاحتياط يقتضي
الاقتصار على الأول.
فروع:
أ: ثبوت ولايتهما على الصغيرة عام للباكرة والثيبة بالزنى أو غيره.
لظواهر الأخبار المثبتة لولايتهما عليها وعلى الجارية الشاملتين
بإطلاقهما لهما، ولا دلالة فيما مر من الأخبار النافية لها عن الثيب منافاة له
بعد ما مر من عدم ظهور الثيب في غير المتزوجة، ونسبة التزويج والنكاح
فيما تضمنهما بقوله: ما لم تتزوج وبعد أن نكحت إلى نفسها، الدالة على
عدم صغرها.
ب: الحق اشتراط بقاء الأب في ولاية الجد.

(1) انظر ص: 103.
(2) تقدم في ص: 103 و 104.
(3) انظر المسالك 1: 462.
(4) التذكرة: 587.
128

وفاقا للصدوق والشيخ في الخلاف والنهاية بل مطلقا (1)، والإسكافي
والحلبي والديلمي - على ما حكي عنه - والصهرشتي والراوندي وابني زهرة
وحمزة (2)، ومال إليه الفاضل الهندي من المتأخرين (3)، وفي الخلاف
الإجماع عليه.
للأصل.
واختصاص أخبار ولايته طرا بما إذا كان الأب حيا.
ومفهوم الشرط في موثقة البقباق المتقدمة. وجعله تنبيها على الفرد
الأخفى خلاف الأصل.
خلافا للمحكي عن المفيد والسيد والحلي وصاحب الجامع
والفاضلين والفخري (4)، ونسبه الأخير إلى الديلمي أيضا.
للاستصحاب.
وكونه أقوى من الأب عند التعارض، ولا يفوت الأقوى بفوت
الأضعف.
وصحيحة ابن سنان: " الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها " (5).

(1) الصدوق في الهداية: 68، الخلاف 4: 265، النهاية: 466، المبسوط 4:
164، التهذيب 7: 390.
(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 535، الحلبي في الكافي في الفقه: 292،
الديلمي في المراسم: 148، الراوندي في فقه القرآن 2: 138، ابن زهرة في الغنية
(الجوامع الفقهية): 609، ابن حمزة في الوسيلة: 299، 300.
(3) كشف اللثام 2: 15.
(4) المفيد في المقنعة: 511، السيد في الإنتصار: 121، الحلي في السرائر 2:
561، الجامع للشرائع: 438، المحقق في المختصر النافع: 173، العلامة في
التحرير 2: 6، فخر المحققين في الإيضاح 3: 17.
(5) التهذيب 7: 392 / 1570، الوسائل 20: 282 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد
ب 8 ح 2.
129

ولا خلاف في أن الجد ولي أمرها.
والأول: مردود بمعارضته باستصحاب حال العقل، ومدفوع بالمفهوم
المتقدم.
والثاني: بأنه اجتهاد ضعيف في مقابلة الأصل والنص.
والثالث: بأنه أعم مطلقا من المفهوم، فيجب تخصيصه به.
وقد يرد بعدم الدلالة أيضا، لاحتمال أن تكون الرواية مسوقة لبيان
ولي الأمر دون الذي بيده عقدة النكاح أولا.
أو أن يكون المراد بولي الأمر: ولي الأمر في النكاح، فتكون الرواية
مسوقة لبيان من بيده عقدة النكاح، الذي له العفو عن الصداق ثانيا.
أو أن يكون المراد بالذي بيده عقدة النكاح: الذي له العفو لا من بيده
التزويج، يعني: من له العفو هو ولي الأمر.
ويدل على ذلك الأخبار المتكثرة المصرحة بأن من بيده النكاح الأخ
والوصي والوكيل في المعاملات (1).
وفيه: أن الأول - مع كونه خلاف الظاهر من السياق ومن الروايات
المتكثرة المشتملة على السؤال عمن بيده عقدة النكاح - مثبت للمطلوب
أيضا، إذ بعد ثبوت أن ولي الأمر من بيده عقدة النكاح وثبوت أن الجد ولي
الأمر يعلم أن بيده عقدته أيضا.
والأخيرين مجازان مخالفان للأصل، فلا يصار إليهما من غير دليل.
ج: لا خيار للصبية مع البلوغ لو زوجها الولي قبله، بلا خلاف فيه

(1) الوسائل 20: 282 أبواب عقد النكاح ب 8.
130

كما قيل (1)، بل إجماعا كما حكاه جماعة (2).
للأصل.
وصحيحتي ابني الصلت وبزيع المتقدمتين (3).
وفي صحيحة ابن يقطين: إذا بلغت الجارية فلم ترض فما حالها؟
قال: " لا بأس إذا رضي أبوها أو وليها " (4).
وفي صحيحة الحذاء: فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟
قال: " يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام، والمهر على الأب
للجارية " (5).
ولا ينافيه صدرها المثبت لهما الخيار بعد الإدراك مع تزويج الولي
لهما، لأن ذيلها هذا قرينة على أن المراد بالولي في الصدر: المعنى
العرفي، وهو أقرب الناس بهما، دون الشرعي.
وأما ما في صحيحة محمد: الصبي يزوج الصبية، قال: " إن كان
أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز، ولكن لهما الخيار إذا أدركا " (6).
وحسنة الكناسي الطويلة، وفيها: " فإن زوجها قبل بلوغ تسع سنين

(1) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 609.
(2) منهم صاحب الرياض 2: 77.
(3) في ص: 114.
(4) التهذيب 7: 381 / 1542، الإستبصار 3: 236 / 853، الوسائل 20: 277
أبواب عقد النكاح ب 6 ح 7.
(5) الكافي 7: 131 / 1، التهذيب 7: 388 / 1555، الوسائل 26: 219 أبواب
ميراث الأزواج ب 11 ح 1.
(6) التهذيب 7: 382 / 1543، الإستبصار 3: 237 / 855، الوسائل 20: 277
أبواب عقد النكاح ب 6 ح 8.
131

كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين " إلى أن قال: " إن الغلام إذا زوجه أبوه
ولم يدرك كان له الخيار إذا بلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو
ينبت في عانته قبل ذلك " (1).
فلا يصلحان لمعارضة ما مر، لشذوذهما، بل مخالفتهما الإجماع،
وأشهريته رواية وأحدثيته.
وكذا الصبي عند الأكثر، لأصالة بقاء الصحة، وصحيحة الحذاء
المتقدمة، وصحيحة محمد السابقة (2) المثبتة لتوارثهما، المنافي ذلك
للإلحاق بالفضولي، وما دل على أن التزويج للجد إذا تعارض مع الأب ولو
كان له الخيار كان منوطا باختياره.
خلافا للمحكي عن النهاية والحلي والقاضي وابن حمزة (3)، فأثبتوا
التخيير له بعد البلوغ.
لعموم رواية أبان السالفة (4)، ونحوها رواية البقباق، وفي آخرها:
" إذا زوج الرجل ابنه فذلك إلى ابنه، وإذا زوج الابنة جاز " (5).
وخصوص صحيحة محمد وحسنة الكناسي السابقتين.
والأولان عامان بالنسبة إلى صحيحة الحذاء، لشمولهما الكبير أيضا،

(1) التهذيب 7: 382 / 1544، الإستبصار 3: 236 / 853، الوسائل 20: 278
أبواب عقد النكاح ب 6 ح 9.
(2) راجع ص: 1808.
(3) النهاية: 467، الحلي في السرائر 2: 568، القاضي في المهذب 2: 197،
ابن حمزة في الوسيلة: 300.
(4) في ص: 104.
(5) الكافي 5: 400 / 1، التهذيب 7: 389 / 1559، الوسائل 21: 287 أبواب
المهور ب 28 ح 2.
132

فيخصصان به.
ورد الثالث أيضا بأنه لا قائل به في الصغيرة، فيجب رده، لعدم قبوله
التخصيص، لأن إرادة المفرد من التثنية ليس تخصيصا.
والرابع باشتماله أيضا على أحكام كثيرة مخالفة للإجماع.
أقول: الاشتمال على مثل ذلك لا يوجب خروج الباقي عن الحجية،
وعدم القول به في الصغيرة أيضا لا يوجب رد الخبر في الصغير، غاية الأمر
أنه لا يكون من باب التخصيص، بل يكون من قبيل ما لجزء منه معارض
دون الآخر.
هذا، مع ما في أخبار اللزوم أيضا من ضعف الدلالة وخفائها.
فتتعارض أدلة الطرفين، والتخيير بينهما في المقام غير ممكن،
فيجب الرجوع إلى الأصل، وهو مع القول الأول، لأن الأصل الصحة،
لصحيحة الحلبي المتقدمة (1) المصرحة بذلك، والأصل ترتب الأثر على
فعل الأب والجد، حيث إنه التزويج الثابت شرعيته، فتستصحب الصحة
إلى أن يعلم المزيل، ولم يعلم كون رد الولد مزيلا.
وأما جعل الأصل مع الثاني، حيث إن الأصل عدم اللزوم وعدم ترتب
الأثر.
ففيه: أن ثبوتهما في النكاح الثابت شرعا يقيني، فالذي للولد - على
فرض ثبوته - هو خيار الفسخ، وثبوته أمر خلاف الأصل، لا أن يكون
رضاه جزء السبب، لعدم دليل عليه، فهو أيضا مخالف آخر للأصل.
هذا، مع أن صحيحة الحلبي دالة على اللزوم أيضا.

(1) في ص: 115.
133

المسألة السابعة: لا يجوز تزويج فاسد العقل لسفه أو جنون، ذكرا
كان أو أنثى، مع البلوغ بغير ولي، إجماعا، بل ضرورة، بل بالأخبار التي
تشير إليها.
ويجوز بإذن الولي كذلك أيضا.
لمفهوم صحيحة الفضلاء ومنطوق خبر زرارة، المتقدمتين في أدلة
القول الأول من المسألة الرابعة (1).
ثم ولاية الأب والجد مع وجودهما عليه مع اتصال الفساد بالصغر
ثابتة عند الأصحاب، كما في بعض العبارات (2).
وبلا خلاف كما في بعض آخر (3).
وإجماعا كما في كلام جماعة (4).
بل هو إجماع محققا، وهو الدليل عليه.
مضافا إلى عمومات ولايتهما على الباكرة أو الجارية أو البنت (5)،
الخالية عن معارضة ما تضمن استقلالها (6)، لانتفاء الاستقلال في حق
المجنون من جهة التفصيل بين التزويج والطلاق، وإثبات الخيار في الثاني.
وخصوص مفهوم الرواية الخامسة عشرة من أخبار القول الثاني من

(1) راجع ص: 97.
(2) انظر الكفاية: 156.
(3) كما في المفاتيح 2: 265.
(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 452.
(5) انظر الوسائل 20: 275 أبواب عقد النكاح ب 6.
(6) راجع ص: 97 و 98.
134

المسألة الرابعة (1)، دلت على عدم البأس في تزويج البنت بإذن أبيها إذا كان
بأس بما صنعت، أي كانت فاسدة العقل.
بل صحيحة الفضلاء وخبر زرارة السابقة لكون الأب والجد وليا
عرفا، لأن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض.
وللإجماع على ولايتهما في ماله، كما في التذكرة (2) وغيره (3).
ولأن الأب بيده عقد النكاح، كما صرح به في الأخبار الكثيرة (4)،
والذي بيده ذلك ولي الأمر، لصحيحة ابن سنان المتقدمة (5).
ويثبت الحكم في الابن بضميمة عدم القول بالفصل، مضافا إلى
عموم الرواية الثالثة عشرة (6)، المنجبر ضعفها بما ذكر.
وكذا مع تجدد الجنون، وفاقا لجماعة، منهم: النافع والقواعد
والتحرير والتذكرة (7)، بل عن ظاهر [بعضهم] (8) الإجماع عليه.
لا لبعض الاعتبارات الاستحسانية - التي ذكرها بعضهم - لعدم
اعتبارها.
بل للعمومات المشار إليها.

(1) المتقدمة في ص: 105 و 106.
(2) التذكرة 2: 80.
(3) كالكفاية: 113.
(4) الوسائل 20: 272، أبواب عقد النكاح ب 4، وأيضا ج 21: 315 أبواب المهور
ب 52.
(5) في ص: 118.
(6) المتقدمة في ص: 105.
(7) النافع: 173، القواعد 2: 5، التحرير 2: 8، التذكرة 2: 587.
(8) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
135

خلافا لمن قال: إن الولاية حينئذ للحاكم - ومنهم: صاحب المدارك
في شرح النافع - لأصالة عدم عود ولاية الأب والجد.
وفيه: أن ولاية الحاكم أيضا خلاف الأصل، فهما بالنسبة إلى الأصل
متساويان.
فرعان:
أ: لا خيار لفاسد العقل بعد الإفاقة، إجماعا كما في المسالك (1).
للأصل.
ب: لا شك في اشتراط جواز التزويج له بانتفاء المفسدة له.
وهل يشترط بوجود المصلحة له، كما في التذكرة وعن المحقق
الثاني (2)؟
أو لا، كما يقتضيه إطلاق الأكثر؟
الظاهر: الثاني، لإطلاق ما مر.
المسألة الثامنة: ولاية الملك ثابتة للمولى على رقيقه، ذكرا كان أو
أنثى، صغيرا أو كبيرا، عاقلا أو مجنونا، دواما أو متعة، إجماعا محكيا
مستفيضا (3) ومحققا، فتوى ودليلا، كتابا وسنة.
قال عز شأنه: * (والصالحين من عبادكم وإمائكم) * (4).

(1) المسالك 1: 452.
(2) التذكرة 2: 609، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 111.
(3) كما في المفاتيح 2: 268 والرياض 2: 82.
(4) النور: 32.
136

وقال جل جلاله: * (فانكحوهن بإذن أهلهن) * (1).
وقال سبحانه: * (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) * (2).
وفي صحيحة زرارة: " المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن
سيده " (3).
ورواية العقرقوفي في العبد، وفيها: " لا يقدر على طلاق ولا نكاح
إلا بإذن مولاه " (4).
وأبي بصير: " لا يصلح نكاح الأمة إلا بإذن مولاها " (5).
والبقباق: عن الأمة تتزوج بغير إذن أهلها؟ قال: " يحرم ذلك عليها
وهو زنى " (6)، إلى غير ذلك.
ولأن بضعهما من المنافع المملوكة للمولى والناس مسلطون على
أموالهم كما ورد (7)، فله أن يتصرف فيه كيف شاء من دون اختيار له فيه.
ومقتضى إطلاق الأكثر: أن للمولى إجباره على النكاح، فليس له
الامتناع.

(1) النساء: 25.
(2) النحل: 75.
(3) الفقيه 3: 350 / 1673، التهذيب 7: 347 / 1419، الإستبصار 3:
214 / 780، الوسائل 22: 101 أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ب 45 ح 1.
(4) التهذيب 7: 347 / 1421، الإستبصار 3: 215 / 782، الوسائل 21: 184
أبواب نكاح العبيد والإماء ب 66 ح 2.
(5) الكافي 5: 359 / 3، التهذيب 7: 335 / 1373، الإستبصار 3: 219 / 793،
الوسائل 21: 120 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 29 ح 4.
(6) الكافي 5: 479 / 2، التهذيب 7: 348 / 1424، الإستبصار 3: 219 / 794،
الوسائل 21: 120 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 29 ح 2.
(7) غوالي اللآلئ 3: 208 / 49.
137

ويدل عليه أيضا قوله سبحانه: * (لا يقدر على شئ) *.
وللولي تزويج أمة المولى عليه وعبده إذا كانت فيه مصلحة.
لعمومات جواز تصرفه في ماله.
خلافا لبعض العامة (1).
ولا يكون له فسخه بعد الكمال، كسائر تصرفاته في أمواله.
وليس له الولاية على المبعض، بمعنى إجباره عليه، وإن ثبتت له
بمعنى عدم استقلاله به بدون إذنه إجماعا، كما عن التذكرة (2).
المسألة التاسعة: في ولاية الوصي للأب أو الجد له في النكاح
للصغير أو الصغيرة أقوال:
الأول: نفي الولاية مطلقا.
اختاره في موضع من المبسوط والشرائع والنافع والقواعد والتذكرة
واللمعة والكفاية (3)، بل هو المشهور كما في المسالك والروضة (4).
الثاني: ثبوتها كذلك.
وهو للمبسوط أيضا (5)، وعن المختلف وشرح الإرشاد للشهيد
والروضة (6).

(1) انظر المغني والشرح الكبير على متن المقنع 7: 358 / 5173.
(2) التذكرة 2: 590.
(3) المبسوط 4: 59، الشرائع 2: 277، النافع: 173، القواعد 2: 5، التذكرة 2:
592، اللمعة (الروضة البهية 5): 116، الكفاية: 156.
(4) المسالك 1: 453، الروضة 5: 118.
(5) لم نعثر عليه في المبسوط، ولكن حكاه عنه في المختلف: 540.
(6) المختلف: 541، الروضة 5: 118.
138

الثالث: ثبوتها إذا نص الموصي على النكاح وعدمه بدونه.
وهو المحكي عن الخلاف والجامع والمحقق الثاني (1) وغيرهم (2).
حجة الأول: أصالة عدم الولاية وعدم انتقالها من الموصي مع
انقطاعها عنه بموته.
ومفهوم صحيحتي محمد المتقدمتين (3)، المتضمنتين لقوله: " إن كان
أبواهما اللذان زوجاهما فنعم ".
ومنطوق صحيحته الأخرى المتقدمة (4): " ويستأمرها كل أحد عدا
الأب ".
وما صرح: بأنهن لا ينكحن إلا بإذن آبائهن (5).
وصحيحة ابن حازم: " تستأمر البكر وغيرها ولا تنكح إلا بأمرها " (6).
ومقطوعة ابن بزيع الصحيحة: رجل مات وترك أخوين وبنتا،
والبنت صغيرة، فعمد أحد الأخوين الوصي فزوج الابنة من ابنه، ثم مات
أبو الابن المزوج، فلما أن مات قال الآخر: أخي لم يزوج ابنه فزوج
الجارية من ابنه، فقيل للجارية: أي الزوجين أحب إليك: الأول أو الآخر؟
قالت: الآخر، ثم إن الأخ الثاني مات وللأخ الأول ابن أكبر من الابن
المزوج، فقال للجارية: اختاري أيهما أحب إليك: الزوج الأول أو الزوج

(1) الخلاف 4: 254، الجامع للشرائع: 438، المحقق الثاني في جامع المقاصد
12: 99.
(2) كالتنقيح الرائع 3: 33.
(3) في ص: 114 و 120.
(4) في ص: 103.
(5) راجع ص: 104 و 105.
(6) التهذيب 7: 380 / 1535، الوسائل 20: 284 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 1.
139

الآخر؟ فقال: " الرواية فيها: أنها للزوج الآخر، وذلك أنها قد كانت أدركت
حين زوجها، وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها " (1).
ودليل الثاني: صحيحة ابن أبي عمير: في قول الله عز وجل: * (أو
يعفو الذي بيده عقدة النكاح) * (2) قال: " هو الأب والأخ والرجل يوصى
إليه، والرجل يجوز أمره في مال المرأة، فيبيع لها ويشتري، فإذا عفا
جاز " (3).
ونحوها موثقة سماعة (4) ورواية أبي بصير (5) وصحيحة محمد (6)، إلا
أن فيها: " الموصى إليه ".
وصحيحة ابن سنان المتقدمة (7): " الذي بيده عقدة النكاح ولي
أمرها ".
ودليل الثالث: ما مر، مضافا إلى أن مع التفويض ينتقل فلا ينقطع
بالموت، وإلى أنه تثبت الوصية بالمال وتنفذ فكذا في النكاح.
ولعموم قوله سبحانه: * (فمن بدله) * (8).
أقول: الآية مخصوصة بالوصية للوالدين والأقربين بما ترك من

(1) الكافي 5: 397 / 3، التهذيب 7: 387 / 1554، الوسائل 20: 282 أبواب
عقد النكاح ب 8 ح 1.
(2) البقرة: 237.
(3) الكافي 6: 106 / 3، التهذيب 8: 142 / 493، الوسائل 21: 315 أبواب
المهور ب 52 ح 1.
(4) الكافي 6: 106 / 2، الوسائل 21: 315 أبواب المهور ب 52 ح 1.
(5) التهذيب 7: 393 / 1573، الوسائل 20: 283 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 4.
(6) التهذيب 7: 484 / 1946، الوسائل 20: 283 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 5.
(7) في ص: 118.
(8) البقرة: 181.
140

الخير، والتلازم بين نفوذ الوصية بالمال والنكاح غير ثابت، والقياس باطل،
والانتقال مع الوصية ممنوع، لأن الأصل عدمه.
فلم يبق للقول الثالث إلا الأخبار، وغير صحيحة ابن سنان منها
مجملة، لاشتمالها على الوكيل في المال، ولا شك أنه ليس بيده عقدة
النكاح، وتخصيصه بالوكيل في النكاح أضا ليس بأولى من إرادة من له
العفو ممن بيده عقدة النكاح، بل هو الظاهر، مع أنها مشتملة على الأخ
أيضا، ولا بد له من ارتكاب تجوز أو تخصيص، فتصير الروايات مجملة،
مع أن المراد بالرجل الذي يوصى إليه أيضا يمكن أن يكون وصي المرأة
المطلقة قبل المس، فإن له العفو أيضا بعد موتها.
وأما حمل هذه الأخبار على الاستحباب - فمع بعده عن السياق
للسؤال عن المراد عن الذي بيده عقدة النكاح في الآية - لا يلائم اشتمالها
على الوكيل في المال، لعدم استحباب الاستئذان منه قطعا، وأبعد منه حمل
الوصي على الإمام أو الجد كما قيل (1).
نعم، تتم دلالة صحيحة ابن سنان عليهما لولا معارضتها بالعموم من
وجه مع المفهومين، وبالعموم المطلق مع الصحيحة الأخيرة، ولكن
معارضتها معها تمنع من العمل بها.
فلا يبقى لهذين القولين دليل يركن إليه.
فالحق هو: الأول، لأن غير المفهومين والصحيحة والأصل من أدلته
وإن كان محل الخدش، والمفهومين وإن يعارضا صحيحة ابن سنان بالعموم
من وجه، ولكن الصحيحة الأخيرة والأصل كافيان في إثباته.

(1) انظر الرياض 2: 81.
141

المسألة العاشرة: الحق: ولاية الوصي في النكاح للبالغ فاسد
العقل، وفاقا لمن تثبت له الولاية على الصغير، ولجمع آخر غيرهم، منهم:
الفاضلان، بل الأكثر كما قيل.
لا لما قيل (1) من الضرورة مع عدم توقع زوال العذر وخوف المرض
أو الوقوع في الزنى، لإمكان اندفاعها بولاية الحاكم مع وجوده، أو عدول
المسلمين مع عدمه.
بل لصحيحة ابن سنان الخالية هنا عن معارضة المفهومين ومكاوحة
الصحيحة.
المسألة الحادية عشرة: لا ولاية للحاكم - والمراد به في زمان
الغيبة: نائب الإمام العام - على من له أب أو جد مطلقا، سواء كان صغيرا
أو كبيرا، فاسد العقل المتصل فساده بالبلوغ أو المتجدد، ذكرا أو أنثى،
إجماعا في الصغير، بل كما قيل في غير المتجدد (2)، وإن نسب الخلاف في
المتصل جنونه إلى المحقق (3)، وعلى المختار فيه.
للأصل الخالي عن المعارض، إذ ليس إلا ما يدل على اختيار الولي،
والولي فيها الأب والجد كما مر، مضافا في الصغير إلى المفهومين
المتقدمين.
ولا على الصغيرين الخاليين عن الأب والجد على الحق المشهور.

(1) كما في كشف اللثام 2: 15.
(2) انظر الرياض 2: 81.
(3) نسبه إليه في المسالك 1: 453.
142

للمفهومين.
ولا على فاسد العقل المتصل فساده مع الوصي أيضا.
لما مر من ولايته له.
وله ولاية النكاح على فاسد العقل الخالي عن الأب والجد والوصي
مطلقا، والمتجدد فساده مع الوصي أيضا، بلا خلاف بين علمائنا يعلم، كما
في التذكرة (1)، بل بالإجماع كما قيل (2).
لصحيحة ابن سنان المتقدمة الخالية عن المعارض.
وللنبوي المروي في كتب أصحابنا - المنجبر ضعفه بالاشتهار -:
" السلطان ولي من لا ولي له " (3).
والمراد: من له السلطنة والنائب العام كذلك وإن لم ينفذ سلطانه على
الفساق والظلمة.
المسألة الثانية عشرة: يصح توكيل كل من الزوجين أو وليهما أو
أحدهما في عقد النكاح.
لظاهر الإجماع.
وفي التذكرة في توكيل الولي: لا نعرف فيه خلافا (4).
وتدل عليه أيضا المستفيضة من الأخبار:
كموثقة البصري: " تزوج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها وإن

(1) التذكرة 2: 592.
(2) انظر الرياض 2: 81.
(3) كما في التذكرة 2: 592، المسالك 1: 453، كشف اللثام 2: 15.
(4) التذكرة 2: 595.
143

شاءت جعلت وكيلا " (1).
وفي بعض النسخ " وليا "، وهو أيضا يثبت المطلوب، إذ الولي الذي
تجعله ليس إلا الوكيل.
ورواية البزنطي، وفيها: " وإن قالت: زوجني فلانا، فليزوجها ممن
ترضى " (2).
وموثقة الساباطي، وفيها: فإن وكلت غيره بتزويجها منه؟ قال: " نعم " (3).
ورواية محمد بن شعيب المتقدمة (4) في مسألة الخطأ في تعيين
الزوجة.
ومرسلة ابن بكير: في رجل أرسل يخطب عليه امرأة وهو غائب،
فأنكحوا الغائب وفرض الصداق، ثم جاء خبره بعد أنه توفى - إلى أن قال
-: " وإن كان أملك قبل أن يتوفى فلها نصف الصداق، وهي وارثة وعليها
العدة " (5).
وصحيحة أبي ولاد: عن رجل أمر رجلا أن يزوجه امرأة بالمدينة
وسماها له والذي أمره بالعراق، فخرج المأمور وزوجها إياه، ثم قدم العراق
فوجد الذي أمره قد مات، قال: " ينظر في ذلك، فإن كان المأمور زوجها

(1) الكافي 5: 392 / 3، الوسائل 20: 270 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 8.
(2) الكافي 5: 393 / 3، الفقيه 3: 251 / 1196، التهذيب 7: 386 / 1550،
الإستبصار 3: 239 / 856، الوسائل 20: 268 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 3.
(3) التهذيب 7: 378 / 1529، الإستبصار 3: 233 / 841، الوسائل 20: 288
أبواب عقد النكاح ب 10 ح 4.
(4) في ص: 94.
(5) الكافي 5: 415 / 1، التهذيب 7: 367 / 1489، الوسائل 20: 305 أبواب
عقد النكاح ب 28 ح 2.
144

إياه قبل أن يموت الآمر ثم مات الآمر بعده فإن المهر في جميع ذلك
الميراث بمنزلة الدين " الحديث (1).. وغير ذلك.
ويدل عليه مثل ما تقدم (2) من قولهم: " يستأمرها كل أحد عدا
الأب ".
وقولهم: " تستأمر البكر ولا تتزوج إلا بأمرها " (3).
ومثل مرسلة الكافي: عن رجل يريد أن يزوج أخته، قال: " يؤامرها،
فإن سكتت فهو إقرارها " (4).
وقوله في مرسلة ابن بكير (5) - السابقة في أخبار استقلال الأب -:
" تولي أمرها من شاءت " (6).. وغير ذلك.
وتمام المطلوب يثبت بالإجماع المركب.
ولا بد للوكيل حينئذ من الإيجاب أو القبول للموكل، فلا يصح لو
نسبه إلى نفسه، أو لم يذكر المنسوب إليه وإن نواه، للأصل المتقدم ذكره،
فلا يعلم ترتب الأثر إلا بما علم الأثر معه، ولم يعلم إلا مع النسبة إلى
الموكل.
نعم، لو تأخر القبول عن الإيجاب وذكر المنسوب إليه في الإيجاب
يكفي الاقتصار بنحو قوله: قبلت، لأن تقدم ذكره يجعل القبول له أيضا.

(1) الفقيه 3: 271 / 1290، الوسائل 20: 305 أبواب عقد النكاح ب 28 ح 1.
(2) في ص: 103.
(3) المتقدم في ص: 127.
(4) الكافي 5: 393 / 3، الوسائل 20: 268 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 3.
(5) لم يسبق عن ابن بكير رواية بهذا المضمون، ولعل الصحيح: رواية ابن زياد.
(6) راجع ص: 106.
145

وهل يجوز للموجب أن يقول: زوجت من موكلك، ناويا كون
التزويج لموكله من غير ذكره؟
فيه نظر، والأصل يعطي العدم.
المسألة الثالثة عشرة: لو وكلت أحدا في التزويج للغير نصا أو ما
في حكمه لا يجوز للوكيل تزويجها لنفسه إجماعا، له.
وللأصل.
وصحيحتي الحلبي والكناني (1).
ولو وكله لتزويجه من منفسه كذلك يجوز على الأظهر الأشهر، بل
لظاهر الإجماع.
للأصل الثابت من عمومات التوكيل (2).
وقيل بالمنع (3).
لإيجابه كون واحد موجبا وقابلا.
ولأصالة بقاء الحرمة.
ولموثقة عمار: عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها
أهلها، يحل لها أن توكل رجلا يريد أن يتزوجها تقول له: قد وكلتك
فاشهد على تزويجي؟ قال: " لا "، قلت: وإن كانت أيما؟ قال: " وإن كانت
أيما " قلت: فإن وكلت غيره بتزويجها منه؟ قال: " نعم " (4).

(1) الكافي 5: 397 / 1، الفقيه 3: 50 / 171، التهذيب 7: 391 / 1565، الوسائل
20: 287 أبواب عقد النكاح ب 10 ح 1.
(2) الوسائل 20: 287 أبواب عقد النكاح ب 10.
(3) انظر الحدائق 23: 252.
(4) التهذيب 7: 378 / 1529، الإستبصار 3: 233 / 841، الوسائل 20: 288
أبواب عقد النكاح ب 10 ح 4.
146

ويرد الأول بمنع الإيجاب.
والثاني باندفاعه بما مر.
والثالث بمنع الدلالة، إذ لعل عدم الحلية بتزويجها من نفسه لإطلاق
قولها: " قد وكلتك " من غير تصريح أو نصب قرينة على توكيله في التزويج
لنفسه أيضا، وإرادته تزويجها لا يدل على علمها بها أيضا، ولو دلت عليه
ولو بالعموم لا يدل على إرادتها من قولها: " وكلتك " أو نصبها قرينة،
وزعم السائل - أن المنع لنفس توكيله لا للإطلاق حيث قال بعده: " فإن
وكلت غيره " - لا يثبت أن الأمر كذلك في الواقع، وإرجاع نفي الحلية إلى
التوكيل في الإشهاد خاصة بعيد.
ولو وكله مطلقا، فالأظهر الأشهر - كما قيل (1) - عدم جواز التزويج
لنفسه.
لشيوع التوكيل في التزويج للغير، وتبادره منه، لكثرة وقوعه في
ذلك.. ولا أقل من صلاحية هذا قرينة لإرادة الغير، فلا يجري فيه أصل
الإطلاق، ويصير محل الشك، فيصار إلى مقتضى الأصل.
ولموثقة عمار المتقدمة.
وكذا لو وكله عموما، نحو: زوجني ممن شئت.
للدليل الأول.
ومنه يظهر أنه لو ظن شمول العموم له نفسه من خارج جاز.
لانتفاء صلاحية الحال حينئذ للقرينة.

(1) انظر الرياض 2: 81.
147

المسألة الرابعة عشرة: هل يجوز للوكيل تولي طرفي العقد أصالة أو
ولاية في أحدهما، أو وكالة فيهما، أو للولي ولاية فيهما؟
ذهب الفاضلان وفخر المحققين والشهيدان إلى الجواز (1)، بل هو
الأشهر كما قيل (2)، وعن المسالك: نفي الخلاف فيه (3).
واستدل له بعموم أدلتي الولاية والوكالة، فإن المستفاد من الأولى:
جواز تزويج الولي مطلقا، فيجوز تزويج شخص واحد كان وليا للزوجين.
ومن الثانية: جواز توكيل كل واحد ولو كان وكيلا للآخر أو وليا
عليه.
ولا يشترط تغاير المتعاقدين حقيقة.
لكفاية المغايرة الاعتبارية.
وعدم دليل على اعتبار الحقيقية.
بل عن الخلاف: الاتفاق على عدمه عندنا (4).
ويرد عليه أنه: إن عموم أدلة الولاية يفيد أن الولي ولو كان واحدا
لهما إذا زوج من له الولاية عليه يصح، ولكن لم يثبت أن العقد الذي يوقعه
منهما بنفسه يكون تزويجا، إذ ثبوته فرع صحته، ولم يثبت بعد.

(1) المحقق في الشرائع 2: 278، العلامة في القواعد 2: 7، فخر المحققين في
الإيضاح 3: 26، الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 5): 120، الشهيد الثاني في
الروضة 5: 123.
(2) انظر الرياض 2: 81.
(3) المسالك 1: 342 وفيه: وجواز تولي الواحد الطرفين عندنا.
(4) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 22.
148

وكذا يستفاد من عموم أدلة الوكالة: أن لهما توكيل كل أحد، ولو
وكيل الآخر أو وليه في التزويج، ولم يثبت كون العقد الصادر طرفاه من
واحد تزويجا، مع أنه لا دليل عاما في توكيل الزوج، وإنما هو بالإجماع
المركب الغير الثابت تحققه في المورد.
ولذا ذهب بعض علمائنا - كما صرح به في الإيضاح (1) - إلى المنع.
وهو الأقوى.
لأصالة الفساد.
وعدم دليل على الصحة.
وعدم الدليل على اعتبار المغايرة الحقيقية إنما يفيد لو كان هناك دليل
على الجواز، وليس.
المسألة الخامسة عشرة: لو ادعى رجل زوجية امرأة:
فهي إما مالكة لأمرها.
أو مزوجة للغير.
فعلى الأول:
إما تصدقه.
أو تكذبه.
أو تقول: لا أدري. وهو إنما يكون إذا ادعى الزوج تزويجها بإذن
وليها حين ولايته عليها.

(1) الإيضاح 3: 26.
149

فإن صدقته يحكم بالعقد ظاهرا.
لانحصار الحق فيهما.
وعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.
فليس لأحد مزاحمتهما، إلا المدعي الحسبي إذا ادعى حرمة أحدهما
على الآخر - لرضاع بينهما، أو نكاح في عدة، أو جماع حين يزوجها
لغيره، ونحوها - فيسمع ادعاؤه إن كانت له بينة وإلا فلا، ولا يمين على
المنكر، لعدم كونه حقا للمدعي.
وإن كذبته يطلب منه البينة، فإن أقامها يحكم بزوجيتها له، فيجب
عليهما مراعاة حقوق الزوجية ظاهرا، وإلا فله تحليفها.
لعموم: " البينة على المدعي واليمين على المنكر " (1).
قالوا: ويحكم قبل التحليف عليه بمقتضى اعترافه، ولها بمقتضى
إنكارها، فيحكم عليه بكل ما يكفي فيه اعترافه، فيمنع من تزويج
الخامسة، ومن أختها وأمها وبنت إخوتها بدون إذنها، وباشتغال ذمته
بالمهر، ولكن ليس لها مطالبته، لأنه مقتضى إنكارها، ولا لغيرها ولو كان
حاكما، لأنه لو كان فهو حقها وليس للغير المطالبة بدون إذنها. ويلزمهم أن
لوارثها المطالبة لو ماتت، لأنهم لم ينكروه، وأن لهم نصيبها من إرثه لو ماتا
معا.
والحق: عدم ثبوت الاشتغال، إذ القدر الثابت أن الاعتراف بحق الغير
يوجب الشغل به إذا لم يصادفه إنكارها، لأن الأول كما يوجب الثبوت،
الثاني يوجب عدمه، لأنه أمر بين اثنين، ففي الحقيقة أقرت هي أيضا بعدم

(1) الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم ب 3.
150

اشتغاله بحقها، ولأن الاشتغال لازمه وجوب الأداء، وتحققه يتوقف على
جواز الأخذ.
ولذا يعد قوله: أعط زيدا درهما، ولزيد: لا تأخذه، تناقضا، ولأجل
ذلك ليس لوارثها المطالبة، ولا يرثون نصيبها أيضا، لذلك، إلا إذا ادعوا
زوجيتها له لا من جهة اعترافه السابق، بل ادعوا علمهم بها وبكذبها في
الإنكار، واعترف الزوج بعد دعواهم أيضا، فيكون الترافع معهم حينئذ،
ويحكم فيه بمقتضى أحكام المرافعة.
ومن ذلك يظهر عدم ثبوت اشتغاله بالإنفاق والقسم ونحوهما مع
قطع النظر عن عدم تمكينها أيضا.
وكذا يحكم لها بكل ما يلزم إنكارها، بخلوها عن المانع، وجواز
تزويجها بالغير، وفاقا للروضة (1).
للأصل.
واستصحاب الحكم السابق.
وإيجابه الحرج في الجملة.
ويظهر من الروضة وجود قول بمنعها.
لتعلق حق الزوجية في الجملة.
ولمنع تزويجها من نفوذ إقرارها به على تقدير رجوعها، لأنه إقرار
حق الزوج الثاني.
ويرد الأول بمنع التعلق.

(1) الروضة 5: 124.
151

والثاني بمنع صلاحيته للمنع، إذ لا مانع من عدم نفوذ الإقرار.
ثم إن رجعت إلى الاعتراف فيؤخذ به، وإن استمرت على الإنكار: فإن
حلفت يحكم لها، وإن نكلت له وإن ردته فله إن حلف ولها إن نكل.
لعموم أدلتهما.
وفي القواعد: عدم الالتفات إلى دعوى الزوج إلا بالبينة (1).
وظاهره عدم تسلطه على تحليفها.
ولا وجه له، كما صرح به المحقق الثاني (2).
هذا كله إن كان قبل تزويجها للغير.
وإن كان بعده فيرجع إلى الدعوى على المزوجة، ويأتي حكمه.
وإن قالت: لا أدري..
فإن ادعى عليها العلم علما أو ظنا، فله حلفها على نفي العلم.
لأنه دعوى يستلزم تحقق المدعى به لثبوت حق له، فيدخل في
عموم: البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
ولكن لا يسقط به أصل الدعوى، فتسمع بينته لو أقيمت بعد ذلك.
لأن الحلف على نفي العلم، ولازمه عدم سماع بينة العلم لا بينة
الزوجية.
وإن لم يدع عليها العلم، فلا تسلط له عليها بالزوجية إلا بعد قيام
البينة.
للأصل الخالي عن المعارض بالمرة.

(1) القواعد 2: 8.
(2) جامع المقاصد 12: 91.
152

ولا بالحلف.
للأدلة المصرحة بأن الحلف على البت:
كصحيحة هشام: " لا يحلف الرجل إلا على علمه " (1).
وفي مرسلة ابن مرار: " لا يقع اليمين إلا على العلم " (2).
وفي رواية أبي بصير: " لا يستحلف الرجل إلا على علمه " (3).
فلو لم تكن له بينة سقطت دعواه، بمعنى: عدم ترتب أثر عليها في
حقه، إذ لم يثبت من الشارع في حق المدعي سوى البينة أو التحليف،
وهما منفيان في المقام، والأصل عدم تحقق مقتضاها، فيحكم به.
وتدل عليه أيضا - في بعض موارد عدم علم المدعى عليه - موثقة
سماعة: عن رجل تزوج أمة أو تمتع بها، فحدثه ثقة أو غير ثقة، فقال: إن
هذه امرأتي وليست لي بينة، قال: " إن كان ثقة فلا يقربها، وإن كان غير ثقة
فلا يقبل " (4).
وحسنة عبد العزيز: إن أخي مات وتزوجت امرأته، فجاء عمي
فادعى أنه كان تزوجها سرا، فسألتها عن ذلك فأنكرت أشد الإنكار، فقالت:
ما كان بيني وبينه شئ قط، فقال: " يلزمك إقرارها ويلزمه
إنكارها " (5).

(1) الكافي 7: 445 / 1، التهذيب 8: 280 / 1020، الوسائل 23: 246 أبواب
الأيمان ب 22 ح 1.
(2) الكافي 7: 445 / 4، التهذيب 8: 280 / 1022، الوسائل 23: 247 أبواب
الأيمان ب 22 ح 4.
(3) الكافي 7: 445 / 2، التهذيب 8: 280 / 1021، الوسائل 23: 247 أبواب
الأيمان ب 22 ح 2.
(4) التهذيب 7: 461 1845، الوسائل 20: 300 أبواب عقد النكاح ب 23 ح 2.
(5) الكافي 5: 563 / 27، الوسائل 20: 229 أبواب عقد النكاح ب 23 ح 1.
153

ورواية يونس: عن رجل تزوج امرأة في بلد من البلدان، فسألها ألك
زوج؟ فقالت: لا، فتزوجها، ثم إن رجلا أتاه فقال: هي امرأتي، فأنكرت
المرأة ذلك، ما يلزم الزوج؟ فقال: " هي امرأته إلا أن يقيم البينة " (1).
دلت هذه الروايات على عدم قبول قول مدعي الزوجية في سقوط
حق الزوج الثاني مع أن الزوج الثاني غير عالم به، كما يدل عليه الفرق بين
الثقة وغيره في الأول، وسؤاله عن حالها في الثانيين وأنه لا حلف عليه.
وأما قوله في الأول: " إن كان ثقة فلا يقربها " فلا يفيد أزيد من
الكراهة، ولذا خصه بالمقاربة دون سائر الأمور ولم يحكم بزوجية الأول
بمجرده واختصاصها بمورد آخر غير ضائر، إذ لا فرق بين الحقوق.
وأما ما قد يذكر في كتاب القضاء، فيما إذا كان جواب المدعى عليه:
لا أعلم، من احتمال رد الحاكم أو المدعى عليه الحلف إلى المدعي.
فهو أمر مخالف للأصل، محتاج إلى التوقيف، ولم نجده، بل
- كما عرفت - وجد غيره.
ولا يتوهم عموم بعض روايات اليمين، لأنها بين مجملة ومبينة بكون
اليمين على المدعى عليه، والمبين حاكم على المجمل.
مع أن في صحيحة العجلي: " الحقوق كلها: البينة على المدعي واليمين
على المدعى عليه، إلا في الدم خاصة " الحديث (2).
وفي رواية أبي بصير: " لو أن رجلا ادعى على رجل عشرة آلاف
درهم أو أقل من ذلك أو أكثر لم يكن اليمين على المدعي " الحديث.

(1) التهذيب 7: 468 / 1874، الوسائل 20: 300 أبواب كيفية الحكم ب 23 ح 3.
(2) الكافي 7: 361 / 4، الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم ب 3 ح 2.
154

وفي موثقته: " إن الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم،
حكم في أموالكم: أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه "
الحديث (1).
فلو كان إطلاق يجب التقييد بهذه الأخبار.
ولا يتوهم دلالة إطلاق أخبار رد اليمين، لأن الرد إنما يكون فيما
تعلق اليمين بالمدعى عليه، فإذا لم يتعلق لا يكون رد.
وأما ما قيل في وجهه من أنه لولاه لزم عدم سماع دعوى مسموعة
بلا جهة (2).
فواه، لأن طلب البينة أو التحليف على نفي العلم لو ادعاه عين
سماعها.
نعم، يلزم عدم ثبوت تسلط منها في بعض الصور، وما الضرر فيه
كما في مورد الروايات الثلاث؟! حيث إن الظاهر عدم الخلاف فيها أيضا
وفيما إذا كان المدعى عليه وارثا.
مع أنه ورد في الروايات: " إن أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة
عادلة أو يمين قاطعة أو سنة ماضية من أئمة الهدى " (3).
وفي الصحيح: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنما أقضي بينكم بالبينات
والأيمان " (4).

(1) الكافي 7: 415 / 2، التهذيب 6: 229 / 554، الوسائل 27: 234 أبواب كيفية
الحكم ب 3 ح 3.
(2) انظر الإيضاح 3: 40.
(3) الكافي 7: 432 / 20، التهذيب 6: 287 / 796، الخصال: 155 / 195،
الوسائل 27: 231 أبواب كيفية الحكم ب 1 ح 6.
(4) الكافي 7: 414 / 1، التهذيب 6: 229 / 552، معاني الأخبار: 279، الوسائل
27: 232 أبواب كيفية الحكم ب 2 ح 1.
155

وفي مرسلة يونس: " استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين
عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، فإن لم يكن فرجل ويمين
المدعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدعى عليه، فإن لم يحلف ورد
اليمين على المدعي فهي واجبة عليه أن يحلف ويأخذ حقه، فإن أبى أن
يحلف فلا شئ عليه " (1).
وبين في سائر الروايات: أن اليمين على المدعى عليه وأنه على
العلم، فإذا خص الشارع القضاء بذلك الأنحاء فمن أين يتعدى إلى غيره
بلا دليل؟! غاية الأمر صيرورة دعواه لاغية، فلتكن كذلك، وما الضرر فيه
بعد كونها مخالفة للأصل؟!
ولا يتوهم أنه يمكن إلزام المدعى عليه بلا يمين مردودة أيضا لعدم
المعارض لقول المدعي، لأن الأصل من أقوى المعارضات، ومن أين ثبتت
حجية قول المدعي وصلاحيته لدفع الأصل الثابت من الشرع؟!
فإن قيل: لأجل وجوب حمل أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحة
والصدق.
قلنا: من أين ثبت ذلك؟! سيما حمل أقوالهم على الصدق إذا كانت
مخالفة للأصل مثبتة للحق على الغير، ولم نعثر إلى الآن على دليل تام على
ذلك، بل ولا على حمل الأفعال على الصحة، كما بينا في كتاب عوائد
الأيام وكتاب مناهج الأحكام (2).

(1) الكافي 7: 416 / 3، التهذيب 6: 231 / 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية
الحكم ب 7 ح 4.
(2) عوائد الأيام: 73.
156

ولو سلمنا، فغاية ما نسلمه: أنه لا يكذب في ادعاء علمه، ولكن من
أين ثبتت حجية علمه علينا؟!
فإن قيل: ورد في رواية البصري - المتضمنة لحكم الدعوى على
الميت -: " فإن ادعى ولا بينة له فلا حق له، لأن المدعى عليه ليس بحي
ولو كان حيا لألزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه " (1).
دلت على أنه لو كان حيا لتعلق به أحد الثلاثة، ولما لم يمكن اليمين
أو رده هنا فتعين الإلزام بالحق.
قلنا: يجب إما تخصيص الحي بالعالم، أو تخصيص الإلزام والرد به،
ولا مرجح، فيحصل الإجمال المسقط للاستدلال.
وعلى الثاني - وهو أن تكون مزوجة، سواء زوجت قبل ادعائه أو
بعده وقبل طي الدعوى -: ففيه الصور الثلاث المتقدمة أيضا.
فإن صدقته.
فإما يوافقها الزوج الثاني في التصديق أيضا.
أو لا.
فعلى الأول: فالحكم ظاهر.
وعلى الثاني: فلا مرافعة له مع الزوجة، بل يحكم عليها بمقتضى
اعترافها، وهو ثبوت كل ما يتعلق به مما يختص بنفسها، ولا مدخلية للغير
فيه، إذ لم يثبت إلا نفوذ الاعتراف وتأثيره فيما يختص به، فلو طلقها الثاني
أو مات لم يجز لها التزويج بغير الأول، وليس لها على الثاني مهر ولا نفقة،

(1) الكافي 7: 415 / 1، الفقيه 3: 38 / 128، التهذيب 6: 229 / 555، الوسائل
27: 236 أبواب كيفية الحكم ب 4 ح 1.
157

كما مر.
نعم، تبقى المرافعة مع الزوج الثاني، فإن كانت له بينة فيحكم
بمقتضاها، وإلا فللأول تحليفه، فإن حلف فيحكم له بكل ما تقتضيه
زوجيته لها مما لا ينافيه تصديقها الأول، فلا تجوز له الخامسة ولا نكاح
أمها ونحوها، ويسلط على جماعها ومنعها من الخروج، ويجوز إجبارها
على التمكين والإطاعة، لأنهما حقان ثابتان له عليها، فلا يزولان إلا بمزيل
إجماعا.
وإن لم يحلف يقضى بالنكول.
وإن كذبته.
فإن أقام البينة فيحكم له.
والمراد بالبينة المعتبرة هنا وفي صورة تصديق الزوجة أيضا: من
شهد على العقد للأول، أو اعترافها به قبل العقد، أو الاعتراف للثاني.
وإلا فقيل: تنقطع دعواه عليها في الزوجية بلا خلاف (1).
للروايات الثلاث المتقدمة.
ولا حلف عليها، لإطلاقها، بل للأصل، لأن المتبادر من عمومات
الحلف ورده إنما هو الموضع الذي لو لم يحلف المنكر ثبت الحق،
ولا يثبت هنا حق له.
بل قيل: تنقطع دعواه فيما يترتب على الزوجية أيضا (2).
للأصل.

(1) انظر الرياض 2: 70.
(2) انظر الرياض 2: 70.
158

وإطلاق الروايات.
وخالف فيه جماعة (1)، فأوجبوا اليمين عليها بالإضافة إليه.
لعمومات اليمين.
ورد بعدم عموم فيها يشمل ما نحن فيه، نظرا إلى أن المتبادر منه
لزوم الحلف لقطع أصل الدعوى لا لوازمه، والعمدة في التعدية إليه هو
الإجماع، ولم يثبت هنا.
أقول: لمانع أن يمنع التبادر المذكور، بل لو سلمنا اختصاص اليمين
بما تنقطع به الدعوى فإنما هو بالإجماع المنتفي في المقام، فتبقى
العمومات بلا مخصص.
فالحق: توجه اليمين عليها بالنسبة إلى ما يترتب على الزوجية إن
كان، بل الظاهر توجهها إليها بالنسبة إلى الزوجية أيضا، للعمومات
المذكورة الدافعة للأصل، مع منع التبادر الذي ادعوه فيها أيضا، بل
الاختصاص الذي ذكروه إنما هو بالإجماع، وهو هنا منفي.
وأما الروايات الثلاث، فلا تثبت إلا أنها امرأة الثاني ولو حلفت،
لا أنه ليس عليها الحلف وقد يريد الزوج المدعي تحليفها تشفيا له على
إنكارها.
هذا، مع أن مورد الروايات ما لم يكن الزوج الثاني عالما ولم يدع
المدعي علمه وقد يدعي عليه العلم علما أو ظنا أيضا، فعلى هذا يلزم أن
لا يكون للمدعي تحليف واحد منهما، إذ لا تثبت بتصديق أحدهما
الزوجية.

(1) كفخر المحققين في الإيضاح 3: 40 والشهيد الثاني في الروضة 5: 131.
159

والتحقيق أن يقال: لو ادعى على الزوجة فقط واعترف بعدم علم
الزوج فليس له تحليفها، إذ الحلف إنما يكون في مورد يمكن إثبات الحق
بالنكول أو الرد، وهو منتف في المقام، ولو تركت الحلف لم يترتب عليه
أثر.
ولو لم يعترف بعدم علم الزوج فله تحليفها على نفي الزوجية أيضا،
وثمرته: أنه مع النكول أو الرد تثمر دعواه على الزوج وتثبت الزوجية له
بنكوله أو رده أيضا.
ثم إن للمسألة صورا كثيرة أخرى - كما إذا كانت الزوجة مولى عليها،
فادعى على وليها وغير ذلك - يستخرج حكمها مما يذكر في كتاب القضاء
إن شاء الله تعالى.
المسألة السادسة عشرة: لو ادعت امرأة زوجية رجل فتجري فيه
الصور المتقدمة في المسألة السابقة، ونظير ما إذا كانت الدعوى على الزوجة
ما إذا كان الزوج مزوجا بما لا يجتمع مع زوجته هذه، كأختها أو بنتها
وكالأربع، ويظهر حكم الجميع مما ذكر.
المسألة السابعة عشرة: لو ادعت امرأة مزوجة زوجية رجل آخر:
فإن صدقها ذلك الرجل يقضي عليهما بما يختص بكل منهما، وتبقى
لها دعوى مع زوجها الأول:
فإن صدقها فحكمه ظاهر.
وكذا إن قال: لا أدري.
160

وإن كذبها فيكون منكرا، لأن الزوجة حينئذ مدعية لفساد نكاح هذا
الزوج:
فإن أقامت الزوجة البينة التي شهدت بالتفصيل المتقدم فيحكم لها.
وكذا إن حلفت اليمين المردودة.
وإلا فيحلف الزوج الأول ويحكم له.
وإن كذبها الثاني فعليها البينة، فإن أقامتها فيحكم لها، وإلا فلها
تحليفه، فإن حلف وإلا فيحكم لها.
وثمرته تظهر فيما يترتب على الزوجية وفي الدعوى على الزوج
الأول، وعلى جميع التقادير يؤخذ بما يختص بها باعترافها بفساد نكاح
الأول.
ومنه يظهر الحكم لو ادعى رجل له زوجة زوجية من لا يجتمع مع
هذه الزوجة، كامها أو أختها أو الخامسة.
المسألة الثامنة عشرة: لو اجتمعت دعويان غير ممكن الاجتماع
صدقهما في الزوجية:
كأن تدعي امرأة زوجية رجل ورجل آخر زوجيتها.
أو ادعى رجل زوجية امرأة وأختها أو بنتها أو خامستها أيضا
زوجيته.
وكان الرجل الأول في الدعوى الأولى والمرأة الأولى في الثانية منكرا،
لأن مع تصديقه يرجع إلى المسألة السابقة، سواء كان التصديق مسبوقا
بإنكار فرجع أو لا.
161

فتكون هناك دعويان، تكون المرأة والرجل الثاني في المثال الأول
والرجل والمرأة الثانية في الثاني مدعيين في إحدى الدعويين منكرين في
الأخرى، فلا يخلو:
إما أن تكون للمدعيين البينة.
أو لا تكون لشئ منهما بينة، أو تكون لأحدهما خاصة..
فعلى الأخير: تكون لذي البينة إقامة بينة ولفاقدها حلف المدعى
عليه على الأقوى..
فإن سبق الأول في إقامة البينة وحكم له، يكون الثاني من باب مسألة
دعوى المزوجة زوجا آخر، أو دعوى الرجل زوجية المزوجة، أو دعوى
المرأة زوجية رجل له زوجة لا تجتمعان، أو الرجل زوجية امرأة لا تجتمع
مع زوجته، وقد مر حكم الجميع، إلا أنه لا تطلب البينة هنا من ذي البينة
الذي أقامها ثانيا فيما كان الحكم في السابق طلب البينة منه، لأنه قد أقامها
أولا.
وإن سبق الثاني في الحلف، فإن حلف المنكر فحكمه ظاهر، وإن
نكل أو رد تثبت دعوى المدعي.
وترجع المسائل الأربع - الحاصلة باعتبار المثالين والمدعيين - إلى
بعض المسائل المتقدمة التي ظهر حكمها أيضا..
مثلا: لو نكل الرجل الذي تدعي [المرأة] (1) زوجيته قبل إقامة الرجل
الآخر البينة على زوجيتها، تصير من باب مسألة مدعي زوجية المزوجة،
وهكذا، ولا يمين على ذي البينة حينئذ فيما شهدت له البينة، للأصل.

(1) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الرجل، والصحيح ما أثبتناه.
162

وتوهم شيخنا الشهيد الثاني في الروضة حكم المصنف به (1)، فنسبه
إليه وتبعه بعض آخر (2)، ولم يذكره أحد قبله كما صرح به في الروضة، مع
أن الظاهر أن مراد المصنف: الحلف للدعوى الآخر، لا على ذي البينة، كما
فهمه الشارح وحمل الآخر على ذي البينة، مع أن المراد منه الادعاء الآخر.
وعلى الثاني - وهو إن لم يكن لهما بينة -: فلكل واحد منهما
تحليف المدعى عليه، ولا يخلو:
إما يحلفان.
أو يحلف أحدهما والآخر يرد أو ينكل.
أو هما معا يردان أو ينكلان.
فإن حلفا فالحكم ظاهر.
وإن حلف أحدهما ورد الآخر أو نكل، فإما يسبق التحليف أو الرد
والنكول..
فإن سبق التحليف فترجع المسائل الأربع إلى أربع من المسائل
المتقدمة..
مثلا: [إن] (3) حلفت المرأة لمدعي زوجيتها أولا، ثم حلفت هي
اليمين المردودة من الرجل الآخر المنكر زوجيتها، يرجع إلى ما إذا ادعت
المرأة التي ليس زوج لها زوجية رجل وحلفت يمينا مردودة. وإن حلف
الرجل المدعي لأخت من يدعي زوجيتها يرجع إلى ما إذا ادعى الرجل
زوجية امرأة لا مانع لها، وهكذا.

(1) الروضة 5: 130 و 132.
(2) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 14.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
163

وإن سبق الرد والنكول التحليف يرجع إلى مسائل أربع أخرى من
المسائل المتقدمة..
مثلا: إن نكلت الزوجة أولا ثم أرادت حلف الرجل المدعى عليه
يرجع إلى مسألة دعوى المرأة المزوجة زوجية رجل آخر، وهكذا.
وإن ردا أو نكلا معا فيرجع إلى أربع مسائل أخرى من المسائل
المتقدمة..
مثلا: لو نكل الرجل الذي يدعي عليه أخت الزوجة التي يدعي هو
عليها بعد رده الحلف، تصير مسألة ما إذا ادعى الرجل المزوج زوجية من
لا يجتمع مع زوجته، وهكذا.
وعلى الأول - وهو أن تكون لكل منهما بينة -:
فإما تكونان مؤرختين فيعمل بالسابق، ووجهه ظاهر، مضافا إلى قوله
في ذيل رواية الزهري الآتية: " إلا بوقت قبل وقتها ".
أو أحدهما خاصة، فيعمل بمقتضاه خاصة.
لأصالة تأخر الحادث.
ولرواية الزهري الشاملة بإطلاقها لما إذا كانت بينة الزوج مؤقتة، بل
ظهورها فيها من جهة قوله: " لأن الزوج قد استحق بضع هذه المرأة "
وقوله: " قبل وقتها "، فإنهما ظاهران في توقيت بينة الزوج.
أوليس شئ منهما مؤرخا، فتتعارضان.
وظاهر أنه لا يمكن العمل بالبينتين، للتناقض.
ولا بأحدهما من دون مرجح، لبطلان الترجيح بلا مرجح.
فمقتضى القاعدة:
164

إما طرحهما، فتصير مثل ما إذا لم تكن لهما بينة أصلا، وقد عرفت
حكمه.
أو يقرع بينهما إن جازت القرعة إذا تعارضت البينتان، لأنها لكل أمر
مشكل.
إلا أنه ورد في رواية الزهري: في رجل ادعى على امرأة أنه تزوجها
بولي وشهود، وأنكرت المرأة ذلك، وأقامت أخت هذه المرأة على هذا
الرجل البينة أنه تزوجها بولي وشهود ولم توقت وقتا: " إن البينة بينة الزوج
ولا تقبل بينة المرأة، لأن الزوج قد استحق بضع هذه المرأة، وتريد أختها
فساد هذا النكاح ولا تقبل بينتها إلا بوقت قبل وقتها أو دخول بها " (1).
وضعفها منجبر بالشهرة، بل دعوى عدم الخلاف والإجماع (2)،
ومقتضاها: استثناء صورة من توقيت إحدى البينتين وصورة من انتفاء
التوقيت فيهما عن الحكم الذي ذكرنا، وهي ما إذا كان الزوج قد دخل
بالمدعية.
فإنه حينئذ تقدم بينة الزوجة، سواء وقت بينة الزوج أم لا، لأن
الظاهر كون الدخول لزوجته، فيقدم الظاهر على الأصل في الصورة
الأولى، ويقدم المقارن للظاهر على الفاقد له في الثانية بالنص المذكور،
لأنه إما ظاهر في صورة توقيت بينة الزوج - كما مر - فيثبت الحكم في
الأولى بالصراحة وفي الثانية بالأولوية، أو شامل لها فيثبته في الصورتين
بالإطلاق.

(1) الكافي 5: 562 / 26، التهذيب 7: 433 / 1729، الوسائل 20: 299 أبواب
عقد النكاح ب 22 ح 1.
(2) كما في الرياض 2: 70.
165

ولا يرد الإشكال: بأن الزوج منكر فلا وجه لتقديم بينته، لأنه مدع
بالنسبة إلى المرأة الأخرى وهي منكرة، كما صرحت به الرواية، فاعتبار
بينته إنما هو بالإضافة إليها، لكونه مدعيا في مقابلها.
ولكن الحكم مخصوص بمورد الرواية - أي ما كان الرجل مدعيا
على امرأة وأختها عليه - ولا يتعدى إلى غيره، حتى إلى ما إذا كانت المدعية
على الرجل بنتها أو أمها، بل الحكم في سائر الشقوق بأجمعها ما ذكرنا من
القواعد.
فالقول بالحكم للمدعية في المثال الثاني مع يمينها في صورة انتفاء
البينة وتحقق الدخول بها ترجيحا للظاهر على الأصل مطلقا، وله مع البينتين
مطلقا، لرجحان بينته على بينتها، لإنكارها فعله الذي لا يعلم إلا من قبله،
فلعله عقد على المنكرة قبل عقده على المدعية.
غير صحيح، لمنع ترجيح الظاهر على الأصل بإطلاقه، ومنع عدم
إمكان العلم إلا من قبله، مع أنه غير جار في صورة توقيت البينتين بوقتين
متساويين.
ثم إن بعد تقديم بينة المنصوص هل عليه اليمين أيضا؟
الحق: لا، للأصل، فإن مشروعية اليمين توقيفية، ولم يوقف في
المورد.
وقيل: نعم، لجواز وقوع لم يطلع عليه البينة (1).
قلنا: هذا القدر غير كاف في إثبات اليمين، بل اللازم في إثباتها
الدليل الشرعي، والجواز - بعد حكم الشارع بالتقديم - غير مضر، وإلا فمع

(1) انظر المسالك 1: 447.
166

اليمين أيضا لا ينتفي الاحتمال.
نعم، لو ادعى عليه سبق عقد حتى تتحقق دعوى أخرى اتجه الحكم
باليمين.
مسألة: الظاهر وجوب مراعاة الولي عدم المفسدة في النكاح.
لظاهر الإجماع.
وعمومات نفي الضرر، المعارضة مع عمومات لزوم تزويج الولي،
الراجحة عليها بموافقة الكتاب والسنة وأصالة عدم ترتب الأثر، فلا يجوز
معها، ولو زوج والحال هذه بطل.
وهل تجب مراعاة المصلحة في النكاح؟
الظاهر: لا، للأصل، والعمومات.
نعم، لو قلنا بوجوب مراعاة المصلحة في التصرفات المالية يجب
على الزوج مراعاتها في المهر، بل يحتمل التعدي إلى الإنفاق أيضا،
والمصلحة المراعاة إنما هي بحسب وقت النكاح لا ما يتجدد بعده.
مسألة: لا يشترط في تزويج المولى عليها أن يكون بمهر المثل أو
أزيد، للأصل، وإطلاقات تزويج الولي.
ولا يتوهم أن الأصل عدم تحقق التزويج، إذ لا كلام في أن الاختلاف
هنا ليس لعدم صدق التزويج.. فلو زوج بدونه صح العقد ولزم وإن لم
تراع فيه مصلحتها ما لم تكن لها فيه مفسدة، للإطلاقات، والعمومات:
كصحيحة الحلبي: في الجارية يزوجها أبوها بغير رضا منها، قال:
" ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة " (1).

(1) الكافي 5: 393 / 4، التهذيب 7: 381 / 1539، الوسائل 20: 285 أبواب
عقد النكاح ب 9 ح 7.
167

وصحيحة ابن الصلت وصحيحة ابن بزيع وغيرها، المتقدمة في
بحث ولي العقد (1).
ولا يعارضها ما دل على ثبوت الخيار - كصحيحة محمد (2) - لما مر
من مرجوحيتها.
وربما قيل ببطلان العقد مع عدم رعاية المصلحة، لأنه عقد جرى
على خلاف المصلحة.
وفيه: أن وجوب عدم كون العقد مخالفا للمصلحة غير معلوم، بل
هو أول النزاع، مع أن عدم رعاية المصلحة غير كونه خلاف المصلحة.
وقيل: بأن لها خيار فسخه، لفساد المهر الذي جرى عليه العقد،
لعدم رضائها به.
وفيه أولا: منع اقتضاء فساد المهر للخيار في النكاح، للرجوع إلى
مهر المثل.
وثانيا: منع فساده المهر، بل الحق صحة المهر المسمى ولزومه
أيضا، لمثل ما ذكر من الأصل، والعمومات، وعمومات لزوم المهر
المسمى كملا أو نصفا، المذكورة في أبواب ما يوجب المهر وما إذا ماتت
المرأة أو طلقت قبل الدخول.
المعتضدة كلها بقوله تعالى: * (أو يعفو الذي بيده عقدة
النكاح) * (3)، فإذا ساغ له العفو فنقصه ابتداء أولى، وفاقا للمحكي عن

(1) راجع ص: 114.
(2) المتقدمة في ص: 120.
(3) البقرة: 237.
168

المبسوط والخلاف (1).
وقيل بالبطلان - نقله في المبسوط (2) - لأن عليه مراعاة القيمة في
مالها ففي بضعها أولى.
وهو ممنوع.
وعن المحقق وفي القواعد والتحرير (3): إثبات الخيار لها فيه، سواء
اعتبرت فيه المصلحة أم لا، لأنه عوض لها في بضعها، فالنقص فيه ضرر
منفي في الشرع، فينجبر بتخييرها في فسخ المسمى والرجوع إلى مهر
المثل.
وفيه: أن النكاح ليس في الحقيقة معاوضة، ولذا لا يشترط فيه المهر
أيضا، فإذا قبل الخلو عنه يقبل النقص بالطريق الأولى، وليس المهر عوضا
حتى يلزم من نقصه الضرر، بل المطلوب الأصلي في النكاح بقاء النسل
وتحصين الفرج، فلا ينظر إلى ما يقابله من العوض الواقع بالعرض.
وفي الروضة قوى اللزوم في المسمى مع مراعاة المصلحة، والخيار
مع عدم مراعاتها (4)، واستوجهه في المفاتيح (5) وشرحه، لأن الأصل في
تصرف الولي: مراعاة مصلحة المولى عليه، فحيث أوقعه على خلاف
المصلحة كان لها الخيار.
وفيه: منع الأصل في المورد، للأصل.

(1) المبسوط 4: 179، الخلاف 4: 392.
(2) المبسوط 4: 179.
(3) المحقق في الشرائع 2: 278، القواعد 2: 7، التحرير 2: 6.
(4) الروضة 5: 140.
(5) المفاتيح 2: 269.
169

مسألة: لو زوج الولي المولى عليه بأكثر من مهر المثل:
فإن كان من مال الولي صح ولزم بلا خلاف - كما قيل - وإن دخل
المهر حينئذ في ملك المولى عليه ضمنا.
وكذا إن كان ذلك مقتضى مصلحة، لأنها للضرر جابرة.
وإلا فالحق ثبوت الخيار له، لأنه إضاعة للمال، وضرر منفي في
الشرع ومفسدة، فيجب دفعه، وهو بالخيار يدفع.
بل يمكن أن يقال: إنه مناف للمصلحة التي يستفاد من الأخبار لزوم
مراعاتها على قيم الصغار، بل لم يثبت من دليل جواز مثل ذلك التصرف
في أموالهم، فيبطل أصل المهر.
ويحتمل ضمان الولي له إن كان أبا.
لإطلاق قوله في صحيحة الحذاء: " والمهر على الأب للجارية " (1).
وفي صحيحة محمد: " فإن المهر على الأب " (2).
خرجت عنه الصور التي تتعلق بذمة المولى عليه بالدليل، فيبقى
الباقي، ومنه المورد، سيما إذا كان أطلق ولم يصرح بتعلقه بمال الصبي.
ثم إن قلنا ببطلانه أو بثبوت الخيار له ولم يجزه بل أبطله، فهل يبطل
العقد؟
أو لا يبطل ويكون لازما ويثبت لها مهر المثل؟
أو يثبت لها الخيار فيه؟
الأول: مقتضى تبعية العقود للمقصود.

(1) المتقدمة في ص: 120.
(2) المتقدمة في ص: 120.
170

والثاني: مبني على عدم فساد النكاح بفساد المهر أو الشرط.
والثالث: لا وجه له، لأنه إن ثبت عموم صحة النكاح مع فساد المهر
أو الشرط بحيث يشمل المورد فالثاني وإلا فالأول، ويأتي تحقيقه في بحث
المهور.
هذا إذا لم تعلم المرأة فساد المهر، أو تخير الزوج حين النكاح.
وأما لو علمته، فيصح النكاح ويلزم البتة.
لعدم المقتضي للبطلان أو الخيار، فإن مع علمها لا يعلم قصدها
النكاح بالمهر المخصوص البتة، فلا يؤثر فساد المهر، كما بينا وجهه مفصلا
في عائدة: العقود تابعة للقصود من كتاب عوائد الأيام (1).
مسألة: لو زوج الولي الأنثى أو الذكر بمن فيه أحد العيوب الموجبة
للفسخ، كان للمولى عليه الفسخ بعد الاطلاع والكمال، سواء علم به الولي
حين العقد أو لا، وسواء كان العقد مقتضى المصلحة أم لا.
لأدلة ثبوت الخيار مع أحد هذه الأوصاف والجهل به:
كصحيحة الحلبي: " يرد النكاح من البرص والجذام والجنون
والعفل " (2).
وقريب منه في صحيحتيه الأخريين (3).

(1) عوائد الأيام: 52.
(2) التهذيب 7: 424 / 1693، الإستبصار 3: 246 / 880، الوسائل 21: 210
أبواب العيوب والتدليس ب 1 ح 10.
العفل والعفلة: بالتحريك فيهما: شئ يخرج من قبل النساء. الصحاح 5: 1769.
(3) الأولى في: الكافي 5: 406 / 6، الفقيه 3: 273 / 1299، التهذيب 7:
426 / 1701، الإستبصار 3: 247 / 886، الوسائل 21: 209 أبواب العيوب
والتدليس ب 1 ح 6.
الثانية في: نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 80 / 171، الوسائل 21: 216
أبواب العيوب والتدليس ب 4 ح 2.
171

وغيرها من أخبار العنين والمجنون الآتية في بحثها.
وقد يستشكل في خيار المولى عليه مع علم الولي بالعيب، لأنه إن
راعى الغبطة مضى تصرفه وإلا كان باطلا أو فضوليا.
ويضعف بمنع الشرطيتين، لإطلاق أدلة التخيير بالعيوب، وعدم
الدليل على اعتبار الغبطة زيادة على التزويج، والتضرر بالعيب المنفي يجبر
بالخيار ولا معارض غيره.
وعن ظاهر الخلاف: عدم الخيار (1).
ولا وجه له بعد ما عرفت.
وقد يوجه: بأنه مبني على وجوب اعتبار المصلحة على الولي، فبعد
رعايتها لزم العقد ورفع الاختيار.
وفيه: منع الوجوب أولا، وعدم إيجابه لتخصيص أدلة الخيار ثانيا.
مسألة: لو زوجها الولي بغير كفو:
فإن كان عدم الكفاءة مما يوجب الخيار - كالإعسار الذي لا يقدر معه
على الإنفاق على القول بالخيار فيه - كان لها الخيار أيضا.
وإن كان مما يمنع عن التزويج - كالكفر ونحوه - بطل العقد.
والوجه فيهما ظاهر.
مسألة: الوكيل إن كان مقيدا تجب عليه متابعة القيد، فإن خالف وقع
فضوليا.

(1) الخلاف 4: 284.
172

وإن كان مطلقا يختار ما شاء ومن أراد، إلا أن تدل قرينة حالية على
إرادة قيد فيجب اتباعه، وإن خالفه فيكون كما إذا خالف المقيد.
مسألة: النكاح الفضولي صحيح غير لازم، يلزم بالإجازة من ولي
العقد، فإن أجاز لزم وإلا بطل في الحر والعبد.
وفاقا للمفيد والعماني والسيد والنهاية والتهذيب والاستبصار
والديلمي والقاضي (1) (والحلبي والحلي والفاضلين) (2)، وجميع من تأخر
عنهما، بل هو على الأشهر الأظهر، بل في الناصريات الإجماع عليه
مطلقا (3)، وفي السرائر في الأول، وعن الخلاف في الثاني (4).
للمستفيضة من النصوص، منها في الأول، كموثقة البقباق، وفيها:
" إذا زوج الرجل ابنه فذلك إلى ابنه " (5).
وصحيحة الحذاء، وفيها: عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما
غير مدركين، فقال: " النكاح جائز، وأيهما أدرك كان له الخيار "
الحديث (6).
وفي ذيلها ما يصرح بأن المراد بالولي غير الأب.

(1) المفيد في المقنعة: 511، حكاه عن العماني في المختلف: 535، السيد في
الإنتصار: 121، النهاية: 465، التهذيب 7: 351 و 386، الإستبصار 3: 239،
الديلمي في المراسم: 148، القاضي في المهذب 2: 195.
(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 292، الحلي في السرائر 2: 564، 565، المحقق في
الشرائع 2: 278، العلامة في القواعد 2: 7. وما بين القوسين غير موجود في: " ق ".
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 211.
(4) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 22، وهو في الخلاف 4: 266.
(5) الكافي 5: 400 / 1، الوسائل 20: 277 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 4.
(6) الكافي 5: 401 / 4، التهذيب 9: 382 / 1366، الوسائل 26: 219 أبواب
ميراث الأزواج ب 11 ح 1.
173

وإثبات الخيار وإن لم يكن صريحا في الفضولي - لجواز إرادة خيار
الفسخ - ولكنه يثبت المطلوب بضميمة الأصل.
لأن خيار الفسخ مع الفضولي مشتركان في كثير من الأحكام، ويزيد
الأول بأحكام مخالفة للأصل، فثبت المشترك، وينفى الزائد بالأصل.
مع أن تتمة الصحيحة، وهي قوله: " وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث
بينهما ولا مهر إلا أن يدركا ورضيا " قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟
قال: " يجوز ذلك عليه إن هو رضي " قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل
الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية، أترثه؟ قال: " نعم
يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا
رضاها بالتزويج " الحديث.
صريح في أن النكاح فضولي، إذ لو كان المراد خيار الفسخ لكان عدم
الفسخ كافيا في التوريث من غير حلف ولم يسقط التوارث بالموت قبل
الإدراك.
ورواية محمد: رجل زوجته أمه وهو غائب، قال: " النكاح جائز، إن
شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك، وإن ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم
لأمه " (1).
وصحيحة ابن بزيع المتقدمة في تزويج الوصي (2).. وغير ذلك.
ومنها في الثاني، كحسنة زرارة: عن مملوك تزوج بغير إذن سيده،
فقال: " ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما "، فقلت: أصلحك

(1) الكافي 5: 401 / 2، التهذيب 7: 376 / 1523، الوسائل 21: 305 أبواب
المهور ب 47 ح 1.
(2) راجع ص: 127.
174

الله، إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إن أصل
النكاح فاسد فلا تحل إجازة السيد إليه، فقال أبو جعفر (عليه السلام): " إنه لم يعص
الله، إنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز " (1).
وروايته: عن رجل تزوج عبده بغير إذنه، فدخل بها ثم اطلع على
ذلك مولاه، فقال: " ذلك إلى مولاه، إن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز
نكاحهما " الحديث (2).
وتدل عليه أيضا صحيحة ابن وهب (3) المروية بطرق عديدة،
وصحيحته الأخرى أيضا (4)، وروايتا علي بن جعفر (5) وعبيد بن زرارة (6)،
وغيرها مما يظهر للمتتبع في الموضعين.
خلافا لأحد قولي الشيخ في الخلاف والمبسوط، فأفسد الفضولي
هنا من أصله (7).
ولفخر المحققين، فأفسده في جميع العقود التي منها النكاح (8).

(1) الكافي 5: 478 / 3، الفقيه 3: 350 / 1675، التهذيب 7: 351 / 1432،
الوسائل 21: 114 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 24 ح 1.
(2) الكافي 5: 478 / 2، الفقيه 3: 283 / 1349، التهذيب 7: 351 / 1431،
الوسائل 21: 115 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 24 ح 2.
(3) الكافي 5: 478 / 6، التهذيب 8: 269 / 978، الوسائل 21: 117 أبواب نكاح
العبيد والإماء ب 26 ح 2.
(4) الكافي 5: 478 / 4، التهذيب 8: 204 / 719، الوسائل 21: 117 أبواب نكاح
العبيد والإماء ب 26 ح 1.
(5) التهذيب 7: 352 / 1433، الوسائل 21: 118 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 27 ح 1.
(6) الفقيه 3: 289 / 1374 بتفاوت يسير، التهذيب 8: 207 / 732، الوسائل 21:
116 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 25 ح 1.
(7) الخلاف 4: 257، 258، المبسوط 4: 163.
(8) الإيضاح 3: 27.
175

للأصل، وبعض الأخبار العامية (1)، والروايات الخاصية:
منها: الروايات المتقدمة المتضمنة لقوله (عليه السلام): " ولا تنكح إلا
بأمرها " (2).
وقوله: " لم يزوجها إلا برضا منها " (3).
وقوله: " لا تزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن " (4) ونحوها.
ومنها: رواية البقباق: الأمة تتزوج بغير إذن أهلها، قال: " يحرم ذلك
عليها وهو الزنى " (5).
والأخرى الرجل يتزوج الأمة بغير علم أهلها، قال: " هو زنى، إن الله
يقول: * (فانكحوهن بإذن أهلهن) * " (6).
والأصل يندفع بما مر.
والعاميات مردودة بعدم الحجية.
والخاصيات المتقدمة كلها عن الدال على الحرمة خالية، مع أنها أعم
مطلقا من أدلة الجواز - لاشتمالها الفضولي وغيره - فتخصص بها.
وروايتا البقباق غير ناهضتين، إذ لا شك أن التزويج ليس زنى،

(1) كما في سنن أبي داود 2: 299 / 2083، سنن ابن ماجة 1: 605 / 1879، سنن
الترمذي 2: 280 / 1108.
(2) راجع ص: 127.
(3) المتقدم في ص: 104.
(4) راجع ص: 104.
(5) الكافي 5: 479 / 1، الوسائل 21: 120 أبواب عقد نكاح العبيد والإماء ب 29 ح 2.
(6) الفقيه 3: 286 / 1361، التهذيب 7: 348 / 1424، الإستبصار 3:
219 / 794، تفسير العياشي 1: 234 / 91، الوسائل 21: 119 أبواب عقد نكاح
العبيد والإماء ب 29 ح 1، والآية في: النساء: 25.
176

فيكون المراد منه الوطء، وحمل الزنى على أنه مثله مجازا ليس بأولى مما
ذكرنا.
مع أنهما معارضتان بصحيحة ابن حازم: في مملوك تزوج بغير إذن
مولاه، أعاص لله؟ قال: " عاص لمولاه "، قلت: حرام هو؟ قال: " ما أزعم
أنه حرام، قل له: أن لا يفعل إلا بإذن مولاه " (1).
ولا يتوهم دلالة مفهوم صحيحة محمد المتقدمة - القائلة بأنه: " إن
كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز ولكن لهما الخيار إذا أدركا "
الحديث (2) - على عدم جواز الفضولي من غير الأبوين، لاحتمال كون المراد
خيار الفسخ دون الرد أو الإجازة في الفضولي.
ولمن أبطل الفضولي في المملوك خاصة.
لرواية عامية مردودة.
ولقبح التصرف في ملك الغير بدون إذنه وكونه منهيا عنه.
ويرد بمنع النهي عن هذا بعد ما مر، بل منع كون ذلك تصرفا فيه.
ثم على المشهور المختار، فهل يصح الفضولي مطلقا، أي من كل من
كان؟
أو يختص بالبعض؟
المشهور هو: الأول، لما مر.
وعن ابن حمزة (3): اختصاصه بتسعة مواضع: عقد البكر الرشيدة

(1) الكافي 5: 478 / 5، الوسائل 21: 113 أبواب عقد نكاح العبيد والإماء ب 23 ح 2.
(2) راجع ص: 120.
(3) الوسيلة: 300.
177

على نفسها مع حضور وليها، وعقد الأبوين على الابن الصغير، وعقد الجد
مع عدم الأب، وعقد الأخ والأم والعم على صبيته، وتزويج الرجل عبد
غيره بغير إذن سيده، وتزويجه من نفسه بغير إذن سيده، لتوقيفية العقود،
واختصاص ما مر بهذه المواضع ولا دليل في غيرها.
وهو كذلك، فإني إلى الآن لم أعثر على خبر يتجاوز عنها، بل
لا يبعد اختصاص قول (1) القدماء أيضا ببعض المواضع، لخلو كلام كثير
منهم عما يفيد التعميم.
ولعل مستند المشهور في التعدي: الإجماع المركب أو تنقيح المناط.
والثاني منظور فيه.
وأما الأول، فإن ثبت - كما هو المظنون - فهو، وإلا فللتأمل في
التعميم مجال واسع، وأمر الاحتياط واضح.
بل في صحيحة الحذاء: في رجل أمر رجلا أن يزوجه امرأة من أهل
البصرة من بني تميم، فزوجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم، قال:
" خالف أمره وعلى المأمور نصف الصداق لأهل المرأة ولا عدة عليها
ولا ميراث بينهما " (2).
وهي - بترك الاستفصال - تدل على بطلان التزويج ولو قبله الزوج.
نعم، في عموم روايتي عباد وعبيد الآتيتين (3) - الحاصل بترك
الاستفصال - دلالة على جواز نكاح غير من ذكر مطلقا الصغيرة فضولا،

(1) في " الأصل " و " ح " زيادة: بعض.
(2) الفقيه 3: 264 / 1259، التهذيب 7: 483 / 1944، الوسائل 20: 302 أبواب
عقد النكاح ب 26 ح 1.
(3) في ص: 173 و 174.
178

ومعه تقرب دعوى الإجماع المركب في الجميع، إذ الظاهر - بعد التجاوز
عن التسعة - عدم القول بالفصل.
وعلى الاختصاص تكون فضولية التسعة إنما هو على القول بعدم
استقلال البكر، وعدم ولاية الأب على الابن، ولا الجد مع عدم الأب.
وأما على الأقوال الأخر فتنقص مواضع الفضولي عن التسعة.
فروع:
أ: المراد بالعقد الفضولي: الصادر عمن لا يملك أمر المعقود عليه
أصالة أو ولاية أو وكالة، فالصادر عن أحد الثلاثة لا يكون فضوليا.
وهل يجوز لأحد الأخيرين إيقاعه فضوليا فيما له فيه الاختيار، بأن
يقصد إيقاعه من جانب المعقود عليه، فإن شاء أجاز وإن شاء رد؟
الظاهر: لا، لعدم ثبوت جواز الفضولي عنه، ولأن قصده لا يؤثر في
سقوط اختياره للأصل، ومع الاختيار لا يكون في النكاح خيار.
نعم، لو أوقع أحدهما ما ليس له فيه الاختيار فضوليا - كتجاوز الوكيل
عما وكل فيه، أو الولي فيما له فيه الولاية، كالعقد بأزيد من مهر المثل -
جاز وإن لم يجز ولاية.
ب: هل يشترط في صحة الفضولي قصد كونه فضوليا، أو عدم قصد
كونه بالاختيار، أم لا؟
وتظهر الفائدة فيما إذا ظن الفضولي - كالأم أو الأخ - كونه وليا أو
الوكيل عموم وكالته، أو الولي عموم ولايته لما يفعل أيضا، ولم يكن
كذلك.
179

الظاهر: الأخير، لإطلاقات أخبار الفضولي.
ج: الظاهر عدم الخلاف في عدم اشتراط التصريح بالفضولية في
اللفظ، ولو قال الوكيل المتعدي عما له الوكالة فيه فضولا: زوجت موكلتي،
جاز، لصدق كونها موكلة، وكذا الولي، ولو قال من ليس له وكالة أصلا
كذلك لم يصح، إلا إذا صح التجوز وقصد المعين.
د: لو سبق العقد الفضولي بالإنكار أو إظهار الكراهة - كأن استأمر من
يريد تزويجه فلم يأذن وأنكر - فهل [لا] (1) يؤثر الفضولي عنه بعده - إلا
بعد مضي زمان أو حدوث أمر جوز معه الرضا - أم لا؟
ه‍: يشترط في تحقق الإجازة علم المجيز بالخيار، فلو لم يعلمه
وظن اللزوم ولأجله رضي ومكن لم يسقط خياره ولم يكن ذلك إجازة،
لعدم الصدق، واستصحاب الخيار.
و: ليس الخيار في الفضولي فوريا، فلو اطلع وسكت، له الخيار كلما
أراد، للأصل، والاستصحاب، بل الإطلاق.
ز: لو قبل العقد الفضولي وأجازه لزم من جهته.
وليس له بعده رده إلا بالطلاق إجماعا.
ولو رده لم تؤثر بعده الإجازة، للبطلان بالرد بالإجماع، فلم يبق شئ
تؤثر معه الإجازة.
ح: الإجازة كاشفة لا استئناف للعقد.
كما تدل عليه صحيحة الحذاء (2)، الحاكمة بالتوارث مع لحوق

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(2) المتقدمة في ص: 157 و 158.
180

الإجازة الموت.
خلافا للمحكي عن النهاية (1)، وقد تأول بما يؤول معه إلى الأول.
والمراد بكونها كاشفة: أنها تكشف عن تحقق الزوجية حال العقد،
ولا ينافيه توقفها على الإجازة، وذلك إذ كما أنه يجوز أن يكون الإيجاب
المقارن للإجازة سببا للزوجية الحالية يمكن أن يجعل الشارع العقد
المتعقب للإجازة ولو بعد ذلك سببا للزوجية الحالية.. بمعنى: أنه يكون
السبب العقد المتصف بهذا التعقيب، ولما كان في الواقع إما تعقبها أم
لا فهي في الواقع إما حاصلة أو لا، وتعلم الحقيقة بحصول التعقيب وعدمه.
مسألة: لا تنكح الأمة إلا بإذن المولى، رجلا كان المولى أو امرأة،
دائما كان النكاح أو منقطعا.
إجماعا في الأول، وعلى الأشهر الأظهر في الثاني مطلقا، بل
بلا خلاف كما عن الحلي (2)، بل بالإجماع، لعدم قدح مخالفة الشيخ في
النهاية فيه (3)، سيما مع رجوعه عنه في المسائل الحائريات (4).
للأدلة القطعية من العقل والكتاب والسنة، المانعة عن التصرف في
ملك الغير بغير إذنه، والروايات المستفيضة، بل المتواترة في المقام،
المانعة منطوقا أو مفهوما عن تزويج أمة الغير بدون إذنه (5).
ويؤيده - بل يدل عليه أيضا - مثل رواية أبي هلال: عن الرجل هل

(1) النهاية: 476.
(2) السرائر 2: 595.
(3) النهاية: 490.
(4) المسائل الحائريات (الرسائل العشر): 293.
(5) الوسائل 21: 119 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 29.
181

تحل له جارية امرأته؟ قال: " لا، حتى تهبها له " (1).
وموثقة الساباطي: في المرأة تقول لزوجها: جاريتي لك، قال:
" لا يحل فرجها إلا أن تبيعه أو تهب له " (2).
دلتا بالمفهوم على عدم حلية فرجها بمثل ما نحن فيه.
وخالف فيه الشيخ في النهاية.
لصحيحة سيف بن عميرة المروية عن الصادق (عليه السلام) بلا واسطة تارة:
" لا بأس بأن يتمتع الرجل بأمة المرأة، وأما أمة الرجل فلا يتمتع بها إلا
بأمره " (3).
وبواسطة داود بن فرقد أخرى: عن الرجل يتزوج بأمة بغير إذن
مواليها، فقال: " إن كانت لامرأة فنعم، وإن كانت لرجل فلا " (4).
وبواسطة علي بن المغيرة ثالثة: عن الرجل يتمتع بأمة امرأة بغير
إذنها، قال: " لا بأس به " (5).
وهي - مع اضطرابها لاختلافها سندا ومتنا - مردودة بالشذوذ كما نص
عليه جماعة (6).

(1) التهذيب 7: 463 / 1857، الوسائل 21: 129 أبواب نكاح العبيد ب 32 ح 6.
(2) التهذيب 7: 243 / 1061، الإستبصار 3: 137 / 494، الوسائل 21: 129
أبواب نكاح العبيد والإماء ب 32 ح 5.
(3) الكافي 5: 464 / 4، التهذيب 7: 258 / 1116، الإستبصار 3: 219 / 797،
الوسائل 21: 39 أبواب المتعة ب 14 ح 1.
(4) التهذيب 7: 258 / 1115، الإستبصار 3: 219 / 896، الوسائل 21: 39
أبواب المتعة ب 14 ح 3.
(5) التهذيب 7: 257 / 1114، الإستبصار 3: 219 / 795، الوسائل 21: 39
أبواب التمتع ب 14 ح 2.
(6) منهم الشهيد الثاني في الروضة 5: 143، الكاشاني في المفاتيح 2: 268،
الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 12، صاحب الرياض 2: 82.
182

مضافا إلى احتمال إرجاع ضمير: إذنها، - في الأخيرة - إلى
الأمة، وظهور التزويج في الثانية في الدائم المجمع على عدم جوازه بدون
الإذن مطلقا، وعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للتمتع في العقد المنقطع،
فيحتمل أن يراد الوقاع بعد العقد مع الإذن، ويكون المطلوب جوازه من
دون استبراء في أمة المرأة، دون الرجل، فيحتاج فيه إلى إذنه أو إخباره
بعدم وقاعه.
مسألة: لو أذن المولى لعبده في التزويج:
فإن أطلق المرأة والمهر، تزوج من شاء بمهر مثلها أو أقل.
لعدم انصراف الإطلاق إلى غير مهر المثل، فقرينة الحال مقيدة
للإطلاق، بل لا يبعد تقييد المرأة بمن يليق بحاله، لما ذكر.
وإن عين المرأة خاصة، تزوجها خاصة بمهر المثل أو أقل.
وإن عين المهر، تزوج به من شاء وإن تزوج من مهر مثلها دونه.
وإن عينهما تعينا.
ومما ذكرنا - من تقييد الإطلاقين بمهر المثل واللائق بالحال - يندفع
الاستشكال في جواز الإطلاق لتفاوت المهر تفاوتا فاحشا، فيشكل التزامه
على السيد، مع أنه لو لم نقل بالتقييدين فقد قدم السيد بنفسه عليه، حيث
أطلق له الإذن.
ثم مع تعيين المهر صريحا أو بشاهد الحال لو زاد عنه، فقيل: النكاح
صحيح، لصحته مع عدم المهر أو فساده فهنا أولى، والزائد على المأذون
فيه في ذمة العبد يتبع به بعد الحرية. نسب إلى المبسوط (1)، واختاره في

(1) نسبه إليه في كشف اللثام 2: 23.
183

القواعد واللمعة (1).
وفيه إشكال، إذ لم يثبت إذن المولى في مثل هذا النكاح، بل تعيين
المهر أو شاهد الحال مما يصلح قرينة لتقييد إذنه بغير الزائد، فلم يعلم إذن
المولى فيه، فيقع إما باطلا أو فضوليا.
وهو الأظهر كما مر.
وأيضا إن أريد تعلق الزائد بذمة العبد حينئذ فهو لكونه ملكا للغير
يتوقف على إذنه.
وإن أريد تعلقه بعد الحرية ففساده ظاهر، مع أن الزوجة أيضا إن
جهلت بالحال أو الحكم فإنما رضيت بالمسمى على أن يكون معجلا لها
في ذمة المولى أو في كسبه.
ولا يرد: أن التقصير على جهلها.
إذ لا مؤاخذة على الجهل بأحكام المعاملات.
وأما غير الزائد - وهو القدر المأذون فيه - فمع تصريح المولى بجعله
على إحدى الذمتين فيتعلق به، وكذا النفقة، ووجهه ظاهر.
وإن أطلق، فذهب الحلي وابن حمزة والفاضلان والشهيدان (2) - بل
الأكثر (3) - إلى أنهما يستقران في ذمة المولى، لأن الإذن في العقد إذن في
لوازمه، ومنها المهر والنفقة، وحيث إن العبد لا يقدر على شئ كان الإذن

(1) القواعد 2: 7، اللمعة (الروضة البهية 5): 144.
(2) الحلي في السرائر 2: 595، ابن حمزة في الوسيلة: 306، المحقق في الشرائع
2: 309، العلامة في التحرير 2: 22، الشهيدان في اللمعة والروضة 5: 144.
(3) كالمحقق في الشرائع 2: 309، العلامة في القواعد 2: 27، المحقق الثاني في
جامع المقاصد 12: 164، الكاشاني في المفاتيح 2: 283.
184

موجبا لالتزام ذلك في ذمة المولى.
والحاصل: أنه يستحق بالعقد ولو لم يجب على المولى لم يمكن
استحقاقه، فإن ذمة العبد الآن مشغولة بتمامها بحقوق المولى فلا يتعلق بها
شئ، وتجويز أن يتبع به بعد العتق يؤدي إلى حرمانها رأسا إذا لم يعتق،
ولم يقل به أحد.
ولرواية علي بن أبي حمزة الصحيحة ممن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه: في رجل يزوج مملوكا له امرأة حرة على مائة
درهم، ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها، فقال: " يعطيها سيده من ثمنه
نصف ما فرض لها، إنما هو بمنزلة دين استدانه بإذن سيده " (1).
والدين المستدان بإذن السيد على ذمته، كما في صحيحة أبي بصير:
رجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين، قال: " إن كان أذن له أن
يستدين فالدين على مولاه، وإن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شئ على
المولى ويستسعى العبد في الدين " (2).
وقد يستدل أيضا بموثقة الساباطي: في رجل أذن لعبده في تزويج
امرأة حرة فتزوجها، ثم إن العبد أبق فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من
مولى العبد، فقال: " ليس لها على مولاه نفقة وقد بانت عصمتها منه، فإن
إباق العبد طلاق امرأته " الحديث (3).

(1) الفقيه 3: 289 / 1375، التهذيب 8: 210 / 745، الوسائل 21: 196 أبواب
نكاح العبيد والإماء ب 78 ح 1.
(2) الكافي 5: 303 / 3، التهذيب 6: 200 / 445، الإستبصار 3: 11 / 31،
الوسائل 18: 373 أبواب الدين والقرض ب 31 ح 1.
(3) الفقيه 3: 288 / 1372، وفي التهذيب 8: 207 / 731 والوسائل 21: 192
أبواب نكاح العبيد والإماء ب 73 ح 1 بتفاوت يسير.
185

حيث إن قوله: " قد بانت " في حكم التعليل لنفي النفقة عن المولى،
فيدل على ثبوتها مع عدم حصول مقتضاه، بل فيها إشعار من جهة أخرى
أيضا، وهي ظهورها في شيوع مطالبة الموالي بنفقات زوجات العبيد.
وبرواية زرارة: عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها - إلى أن
قال -: " وإن فرق بينهما فللمرأة ما أصدقها، إلا أن يكون اعتدى فأصدقها
صداقا كثيرا " الخبر (1).
فإنها ظاهرة في تعلق الصداق بذمة المولى، إذ لولاه لما كان لاشتراط
عدم الزيادة والكثرة وجه.
وتعضده أيضا رواية شريح: في عبد بيع وعليه دين، قال: " دينه
على من أذن له في التجارة وأكل ثمنه " (2).
فإن الإذن في التجارة إذا كان موجبا لتعلق الدين الحاصل منها بذمة
الآذن فكذا النكاح.
ثم هذه الأخبار وإن اختصت بالمهر أو النفقة، إلا أن عدم الفصل
يوجب التعدي إلى الآخر أيضا.
خلافا للمحكي عن المبسوط والقاضي وابن سعيد (3) وقواه بعض
المتأخرين (4)، فقالوا: إنه على كسب العبد:

(1) الكافي 5: 478 / 2، الفقيه 3: 283 / 1349، التهذيب 7: 351 / 1431،
الوسائل 21: 115 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 24 ح 2.
(2) التهذيب 8: 248 / 897، الإستبصار 4: 20 / 63، الوسائل 23: 90 أبواب
العتق ب 55 ح 2.
(3) المبسوط 4: 167، القاضي في المهذب 2: 220، ابن سعيد في الجامع
للشرائع: 442.
(4) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 24.
186

إن كان مكتسبا - أي في ما يتجدد من كسبه بعد النكاح - وإن كان
المهر إلى أجل ففي ما يتجدد من كسبه بعد الأجل.
وإن لم يكن مكتسبا، فإما على المولى أو على ذمته، فيقال لزوجته:
إن زوجك معسر بالمهر، فإن صبرت وإلا فلك خيار الفسخ.
وعلى هذا، فيجب على المولى أن يخلي عبده للتكسب نهارا
والاستمتاع ليلا، وليس له استخدامه إلا أن يلتزم المولى أن ينفق عليه وعلى
زوجته من ماله، فله أن يستخدمه بشرط أن لا يزيد أجرة خدمته عما أنفق
عليهما، فلو زادت عليه وجب عليه بذل الزائد إليه ليصرفه في المهر، وله
أيضا استخدامه بقدر الإنفاق خاصة وإطلاقه في الزائد ليكتسب وتصرف في
المهر.
واستدل له بأن الأصل براءة ذمة المولى، والإذن في النكاح لا يستلزم
تعلق لازمه بالذمة، وإنما يستلزم الإذن في لازمه، وهو الكسب للمهر
والنفقة، وأيضا فغاية العبد المكتسب إذا أذن في النكاح أن يصير في المهر
والنفقة بمنزلة الحر المكتسب.
وقيل: تتعلق النفقة - أو مع المهر كما يظهر من البعض - برقبة العبد،
لأن الوطء كالجناية (1).
واختاره الفاضل وقال: إنه أليق بمذهبنا، فإن أمكن أن يباع منه كل
يوم بقدر ما يجب عليه من النفقة فعل وإلا بيع كله - كما في الجناية -
ووقف ثمنه ينفق عليها (2).

(1) انظر المبسوط 4: 168.
(2) المختلف: 581.
187

أقول: القول الأخير ضعيف دليلا، إذ ليس له دليل سوى الحمل على
الجناية، وهو قياس مردود.
وأما قوله في رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة: " يعطيها سيده من
ثمنه "..
فلا يدل على تعيين ذلك، فيمكن أن يكون من باب ذكر أحد أفراد
المخير المتيقن حضوره، ولذلك ذكره.
وأما القول الثاني، فهو الموافق دليله للأصل، كما يظهر وجهه، إلا
أنه كان حسنا لولا أدلة القول الأول..
وهي أيضا وإن كانت قاصرة غير رواية علي بن أبي حمزة، أما الأول
فلأن الإذن في النكاح يستلزم الإذن في لازمه، ولكن لازمه حيث يطلق
تعلق المهر والنفقة على الزوج لا غيره، وهو الأصل الثابت من الأدلة.
نعم، لكون ذمة الزوج هنا مشغولة بحق المولى وغير قادر على شئ
يستلزم تخلية ذمته عن حقه بهذا القدر وقدرته عليه، لأنه يقدر بعد إذن المولى.
وبهذا التقرير يندفع ما قيل في تتميم الدليل المذكور من أنه حيث
كان المهر والنفقة لازمين للنكاح، والعبد لا يملك شيئا، وكسبه من جملة
أموال المولى، كان الإذن فيه موجبا لالتزام ذلك، من غير أن يتقيد بنوع
خاص من ماله - كباقي ديونه - فيتخير بين بذله من ماله ومن كسب العبد إن
وفى به، وإلا وجب عليه الإكمال (1). انتهى.
فإن اللازم للنكاح المهر والنفقة على الزوج، فكان الإذن فيه موجبا
لالتزام ذلك في هذا النوع الخاص من المال.

(1) انظر الرياض 2: 119.
188

وأما الموثقة، فلجواز كون التعليل لسقوط النفقة مطلقا لا عن المولى
خاصة، فإن السقوط المطلق يوجب السقوط عن المولى لو كان عليه أيضا،
وإشعاره بشيوع ذلك ممنوع، لجواز أن يكون ذلك المولى ينفق عليها
لكسب العبد وخدمته أو تبرعا، فلذلك طلبتها الزوجة.
وأما رواية زرارة، فظاهرة، لأن المفروض فيها غير المأذون
ولا المخير، ولا مهر عليه إجماعا.
وأما رواية شريح، فلابتنائه على حمل النكاح على التجارة، وهو
قياس باطل.
إلا (1) أن دلالة رواية ابن أبي حمزة على هذا القول واضحة، سيما
بملاحظة صحيحة أبي بصير، ولا يضر قوله: " يعطيها سيده من ثمنه "، لأنه
لا يدل على وجوب ذلك مع أن الثمن أيضا مال المولى.
ولذلك يترجح ذلك القول على القولين الآخرين، فهو الراجح.
مسألة: إذا زوج الولي المولى عليه ثبت من جهته التوارث بلا خلاف
نعرفه - كما قيل (2) - حتى ممن خير الصبي عند الإدراك.
قال المحقق في نكت النهاية: إن الخيار عند البلوغ لا ينافي
التوارث (3).
لأنه عقد صحيح شرعا يصيران به زوجة وزوجا، فثبت لهما
التوارث، لإطلاق أدلة توارث المتزاوجين، والأصل بقاء الصحة إلى طرو
المعارض، وهو اختيار الفسخ عند البلوغ.

(1) هذه تتمة قوله في الصفحة السابقة: وهي أيضا وإن كانت قاصرة...
(2) انظر كشف اللثام 2: 22.
(3) النهاية ونكتها 2: 315.
189

وذلك بخلاف الفضولي، فإنه لا تتحقق الزوجية قبل الإجازة، ولذا
لا يقال لرده فسخا، وهو هنا ممتنع.
ويدل عليه - مع ذلك - الصحيحان: في الصبي يتزوج الصبية
يتوارثان؟ قال: " إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم " (1).
مسألة: التزويج الفضولي إما يكون من طرف واحد أو الطرفين.
وعلى التقديرين: إما يكون في الكبيرين أو الصغيرين أو المختلفين.
فهذه ستة أقسام.
وحكم الجميع - مع بقاء الطرفين حتى أجاز الفضولي منهما أو رد -
واضح.
ولو مات المعقود عليه فضولا قبل الإجازة بطل العقد والمهر
والميراث ولو كان أحد الفضوليين، سواء بقي الآخر الغير الفضولي أو
الفضولي بعد الإجازة أو قبلها، ولا مهر ولا ميراث.
للأصل.
ولأن شرط الصحة الإجازة، ولم يتحقق، وبعبارة أخرى: لم تتحقق
العلة التامة للزوجية - ولو لفقد أحد جزئيها وهو الإجازة - أو لم تنكشف لنا
الصحة.
ولقوله في صحيحة الحذاء: فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت
أيرثها الزوج المدرك؟ قال: " لا، لأن لها الخيار إذا أدركت " (2).
ورواية عباد بن كثير: عن رجل زوج ابنا له مدركا من يتيمة في

(1) المتقدمان في ص: 125 و 131.
(2) الكافي 7: 131 / 1، الوسائل 21: 326 أبواب المهور ب 58 ح 2 و 26: 219
أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.
190

حجره، قال: " ترثه إن مات ولا يرثها، لأن لها الخيار ولا خيار عليها " (1).
وقريب منها في رواية عبيد الآتية.
وهي وإن اختصت بموارد خاصة، إلا أن التعليل بقوله: " لأن لها
الخيار " يثبت الحكم في جميع الموارد، ويبطل بموت ذي الخيار مطلقا.
ولو مات أحد الفضوليين بعد الإجازة وقبل إجازة الآخر أو رده، أو
مات غير الفضولي في صورة فضولية أحد الجانبين قبل إجازته أو رده،
فمقتضى الأصل أيضا: بطلان العقد.
لأن الأصل عدم ترتب الأثر على الإجازة بعد موت أحد الطرفين، فإن
جريان أدلة صحة الفضولي إلى مثل المقام غير معلوم.
مع أن بعد موت أحد الطرفين لا معنى لتأثيرها، إلا على القول بكون
الإجازة كاشفة، وهو أيضا أمر على خلاف الأصل غير معلوم إلا من جهة دليل،
لعدم قبول المحل حين الإجازة للزوجية، وعدم تحقق الزوجية قبل
الإجازة.
إلا أنه ثبت بالنص الصحيح وغيره تأثير إجازة الحي الحاصلة بعد
موت الآخر إذا كان لازما من طرف الميت، بمعنى: أنها تكشف عن تحقق
الزوجية أولا لا بمعنى تحققها حينئذ، وإلا لما ثبت التوريث.
وهو صحيحة الحذاء، وفيها: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية
ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال: " نعم، يعزل
ميراثها منه حتى تدرك، فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها

(1) الكافي 7: 132 / 2، التهذيب 9: 383 / 1367، الوسائل 26: 219 أبواب
ميراث الأزواج ب 11 ح 2.
191

بالتزويج، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر " (1).
ورواية عبيد بن زرارة: في الرجل يزوج ابنه يتيمة في حجره والابن
مدرك واليتيمة غير مدركة، قال: " نكاحه جائز على ابنه، فإن مات عزل
ميراثها منه حتى تدرك، فإذا أدركت حلفت بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث
إلا رضاها بالنكاح، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر " قال: " وإن ماتت
هي قبل أن تدرك وقبل أن يموت الزوج لا يرثها الزوج، لأن لها الخيار عليه
إذا أدركت، ولا خيار له عليها " (2).
وتدل عليه أيضا رواية عباد المتقدمة في صدر المسألة، وذيل
صحيحة الحلبي (3) المتقدمة في مسألة ولاية الأب على الصغير، ولا يضر
كون صدرها في بيان حكم الطلاق الفضولي، إذ ظاهر أن قوله: " حتى
يدرك أيهما بقي فيحلف بالله " وقوله: " إلا الرضا بالنكاح " لا ربط له
بالطلاق، فهو أيضا من أحكام النكاح الفضولي.
وهذه النصوص وإن كانت واردة في موارد خاصة، إلا أن منهم من
خص الحكم بصورة كون المعقود عليهما صغيرين فضوليين مع موت
الزوج. ومنهم من تعدى إلى سائر الموارد بتنقيح المناط، حيث يعلم أنه
لا مدخلية لشئ من الخصوصيات في تأثير الإجازة.
نعم، مقتضى هذه النصوص بعد رد مطلقها إلى مقيدها: أنه يشترط
أن يكون القبول لأجل الرضا بالنكاح، بل هو مقتضى الأصل أيضا، لأن
المؤثر هو إجازة النكاح لا غير.

(1) الكافي 7: 131 / 1، الوسائل 21: 326 أبواب المهور ب 58 ح 2 و 26: 219
أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.
(2) الفقيه 4: 227 / 721، الوسائل 21: 330 أبواب المهور ب 58 ح 14.
(3) الفقيه 4: 227 / 722، الوسائل 26: 220 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 4.
192

وأنه لا يقبل قول المجيز في كون الإجازة للنكاح إلا بعد الحلف،
والظاهر المتبادر أن الحلف إنما هو في القبول ظاهرا، وأما بالنسبة إلى
الواقع فلا يحتاج التأثير إلى الحلف، فلو أجازت الجارية واقعا ولم تحلف
تحرم على ابنه وتجب عليها العدة لو كان المقام مقام العدة، ولو أجاز
الزوج ولم يحلف تحرم عليه أمها وعليه أداء مهرها.
وحينئذ، فهل توقف القبول على الحلف عام، أو يختص بموارد
التهمة وما احتمل فيه ابتناء القبول على غير الرضا بالنكاح؟
المتبادر هو: الأول (1)، لظهور أن الحلف إنما هو لبيان الواقع، فإذا
كان الواقع معلوما فلا تترتب على الحلف فائدة، وذلك كما إذا أجاز
أحدهما قبل اطلاعه على موت الآخر وقد مات واقعا، أو مع زعمه خلوه
عن الإرث أصلا ثم ظهر له مال، أو إذا كان الحي زوجا وكان ما يجب عليه
من المهر أضعاف ما يأخذه من الإرث ولم يتعلق غرض بإثبات أعيان
التركة.
والحاصل: أن المناط القطع بعدم ابتناء الإجازة إلا على الرضا
بالنكاح.
وعلى هذا، فتعدي الحكمين - أي ثبوت النكاح بالإجازة بعد موت
من يلزم من جانبه، وتوقف الحكم به ظاهرا على الحلف مع ثبوت التهمة -
إلى جميع موارد المسألة، من كون الزوجين صغيرين أو كبيرين، أو
أحدهما صغيرا والآخر كبيرا، مع كونهما فضوليين، أو أحدهما فضوليا
والآخر أصالة أو ولاية أو وكالة، ودليل التعدي تنقيح المناط.

(1) كذا ولعل الصحيح: الثاني.
193

ومنهم من خص بما إذا كان المعقود عليه فضولا الصغير، وعمم
الطرف الآخر بالنسبة إلى الصغير المعقود عليه فضولا أو ولاية أو الكبير
المعقود عليه أصالة أو وكالة.
والحاصل: أنه خص أحد الطرفين بالصغير الفضولي، وهو مختار
القواعد والمسالك والروضة (1).
واستدل له بفحوى الخطاب، للزوم العقد هنا من الطرف الآخر، فهو
أقرب إلى الثبوت وأولى منه مما هو جائز من الطرفين، كما في الصغيرين.
ومنهم من خص بالصغيرين الفضوليين مع تعميم الحكم بالنسبة إلى
موت الزوج والزوجة.
إذ من المعلوم أن الإرث هنا ليس إلا للزوجية، ولا يعقل الفارق بين
الزوج والزوجة، وأيضا إذا ثبتت الزوجية لها بعد موته فأولى أن تثبت له،
للزوم المهر عليه (2).
ومنهم من استشكل مع هذا التخصيص في صورة موت الزوجة
أيضا.
لاختصاص النص - وهو صحيحة الحذاء - بصورة موت الزوج.
ويناقش ذلك في جميع ما مر دليلا للتعميم مطلقا أو في بعض موارد
المسألة بأن الحكم إنما هو على خلاف الأصل، فيحكم فيما خرج عن
المنصوص ببطلان العقد متى مات أحد المعقود عليهما بعد اللزوم من طرفه
وقبل إجازة الآخر.

(1) القواعد 2: 7، المسالك 1: 459، الروضة 5: 145.
(2) انظر كشف اللثام 2: 23.
194

والتعدي إنما يتم لو علمنا علة الحكم المنصوص، وهي غير
معلومة، لأنها في غير منصوص العلة إما تعلم بالعقل أو الإجماع، والأول
لا مدخلية له في المقام، والثاني مفقود.
وعدم تعقل الفارق لا يدل على عدم تحققه.
وثبوت الأولوية المدعاة أيضا موقوف على العلم بالعلة، وهو غير
متحقق.
فينحصر الحكم بما إذا كان المعقود عليهما صغيرين ومات الزوج.
أقول: لا يخفى أنه لو كان اللازم القصر على المنصوص لما اختص
بهذه الصورة أيضا، لثبوت الحكم - فيما إذا كان الزوج كبيرا أيضا - من
روايتي عباد وعبيد، وفي صورة موت الزوجة بصحيحة الحلبي.
بل يثبت الحكم في جميع الموارد بالعلة المنصوصة في رواية عباد
بقوله: " لأن لها الخيار ولا خيار عليها ".
فإنها تدل على توريث كل من كان له الخيار بعد موت من لا خيار
له، وظاهر أنه لا يكون إلا بعد الإجازة.
مع أن في عدم جريان تنقيح المناط في الموارد أيضا نظرا.
ولا يلزم من عدم القطع بالعلة بالدليل العقلي ولا بالإجماع عدم القطع
به أصلا.
إذ قد يعلم بالاستقراء أو عدم معهودية اعتبار مثل ذلك الفرق في
الأحكام الشرعية، وأكثر ما ينقح فيه المناط من ذلك القبيل.
فالحق: تعميم الحكم بالنسبة إلى جميع الموارد وثبوت الأحكام
الواقعية المترتبة على الزوجية فيما بينه وبين الله سبحانه، ولا يختص
195

الحكم بمجرد التوريث ودفع المهر، إذ من الظاهر أن سببه ليس إلا حصول
الزوجية، إذ لا سبب آخر له، مع أنه لا قائل بالفرق.
نعم، بقي الكلام في الاحتياج إلى الحلف في غير موارد النص
بالحلف وعدمه.
والتحقيق: أن التعدي إلى غير المنصوص إن كان لأجل العلة
المنصوصة لم يحتج إلى الحلف، لأنها تدل على أن الخيار وعدم الخيار
علة للتوريث وعدمه، غاية الأمر أنه ضم إليه الإجازة أيضا بالإجماع، وضم
الغير لا دليل عليه، إلا فيما ثبت الحلف أيضا بالنص.
وإن كان لأجل تنقيح المناط خاصة احتاج إليه، والوجه ظاهر.
فروع:
أ: الحلف مختص بصورة التهمة والاحتمال كما مر.
لما مر من التبادر.
ب: الحلف إنما هو لحكم الغير بالزوجية والتوارث.
وأما لو لم يحتج إلى حكم الغير - كأن تكون التركة بيد الباقي ولم
يعلم به غيره - فلا حاجة في توريثه إلى حلفه بعد ما علم من نفسه أن
الرضا إنما هو بالنكاح.
لإطلاق قوله في رواية عباد: " ترثه إن مات ".
واختصاص صور الحلف بما إذا احتاج إلى دفع الغير.
لقوله: " ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر ".
ج: المحلوف عليه وإن كان أخذ الميراث - للتقييد في النصوص بقوله:
196

" ما دعاها إلى أخذ الميراث " - ولكن دفع المهر أيضا يتوقف عليه.
للحكم في النصوص بدفع نصف المهر بعد الحلف، للإتيان بلفظة:
" ثم " الدالة على التعقيب.
د: وإذ عرفت أن مقتضى إطلاق العلة: ثبوت التوريث الذي هو أمارة
الزوجية بمجرد الإجازة، وأن الحلف إنما هو لحكم الغير في دفع الإرث
والمهر..
تعلم أنه لا حاجة إليه في غيرهما، فثبت المهر على الزوج إذا كان هو
الباقي خاصة بمجرد الإجازة من دون الحلف، مع أن الإجازة كالإقرار في
حق نفسه بالنسبة إلى ما يتعلق به كالمهر، وإنما كان يتوقف دفع الإرث
والمهر على اليمين لقيام التهمة وعود النفع إليه محضا، فثبت ما يعود عليه
دون ماله.
ولا بعد في تبعض الحكم وإن تنافى الأصلان الموجبان لهذين
الحكمين - أي الزوجية وعدمها - وله نظائر كثيرة:
منها: ما مر فيما إذا اختلفا في تحقق النكاح، فإن مدعيه يحكم عليه
بلوازم الزوجية دون المنكر، وإطلاق النص بتوقف الإرث على حلفه
لا ينافي ثبوت المهر عليه بدليل آخر.
فإن قيل: ليس هناك دليل آخر مثبت للمهر، إذ لا دليل على تأثير
الإجازة في الزوجية بعد موت أحد الطرفين إلا أخبار التوريث، من جهة أن
التوريث لا يكون إلا للزوجية، فثبوت الزوجية ليس إلا بواسطة ثبوت
التوريث، فهي موقوفة عليه، والتوريث فيما فيه الحلف موقوف على
الحلف، فثبوت الزوجية الموجبة للمهر موقوف على الحلف.
197

قلنا: لا نسلم أن التوريث موقوف على الحلف في الواقع، بل
الموقوف عليه هو دفع الميراث لأجل التهمة.
والحاصل: أنه إن كان صادقا في الرضا بالنكاح يرث، ولكن لما لم
يعلم صدقه في موضع التهمة إلا بتوسط حلفه فالدفع إليه يتوقف عليه، أما
فيما ليس موضعا للتهمة - كدفعه المهر - فلا حاجة إليه، فهو زوج بإقراره وإن
لم نعلمه واقعا، فيترتب عليه ما يكفي فيه إقراره لا ما يتوقف على علمنا.
ثم إنه هل يرث من ذلك المهر حتى يكون اللازم عليه أداء نصف ما
عليه من المهر، أو لا؟
الظاهر هو: الأول، كما عن فخر المحققين (1) وجماعة (2)، إذ إقراره
لا يثبت إلا ذلك.
والحاصل: أن وجوب دفع المهر ليس إلا للإقرار بالزوجية،
والزوجية سواء كانت إقرارية أو واقعية لا تثبت إلا نصف المهر، فالمدعى
أنه لم يثبت إلا النصف، لا أنه ثبت الجميع ويرث نصفه بالزوجية، حتى
يرد أن الإرث يتوقف على اليمين، وكيف؟! مع أنه لا يخلو إما أن يكون
صادقا في الإجازة أو كاذبا، فإن كان صادقا فالمهر نصفه له، وإلا فكله.
ه‍: لو مات الباقي بعد الإجازة وقبل اليمين فيما فيه اليمين، فالظاهر
عدم استحقاق وارثه شيئا من إرث الطرف الآخر.
لأن استحقاقه فرع استحقاق مورثه، الموقوف على الحلف، الممتنع
تحققه حينئذ، وعدم توقيف حلف وارثه ولو ادعى العلم، وتمام الزوجية

(1) الإيضاح 3: 28.
(2) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 23 وصاحب الرياض 2: 83.
198

بمجرد الإجازة - بحسب علمنا - في مقام التهمة ممنوع.
و: لو جن الباقي قبل الأمرين أو أحدهما:
فمع اليأس عن الإفاقة فكالميت.
ومع رجائه يعزل نصيبه إلى أن يفيق فيحلف.
لإطلاق الروايات بالعزل إلى الحلف.
ز: لو كانت تركة الطرف الميت ما لا يمكن عزل نصيب الباقي
خاصة، بأن يكون مما لا يقبل القسمة، يتصرف فيه ولي الطرف الآخر مع
سائر الورثة بما أمكن.
والتوضيح: أن المراد بالعزل ليس طرحه وإبقاؤه مهملا من جميع
الوجوه، بل المراد: عزله عن القسمة، فلا يقسم بين الورثة، ويكون الحال
فيه مشتبها في أنه هل مال الوارث أو الطرف الآخر ليس إلا، فينبغي أن
يتصرف فيه المأذون عنهما بما يصلح بأن يقوم على أحدهما أو على ثالث
أو نحو ذلك مما يجوز للولي.
وكذا إذا كان المال مما يضيع بالإبقاء، ولو لم يتفقا على أمر واحد
يرجع إلى الحاكم الشرعي.
ح: النكاح إذا كان فضوليا من طرف واحد وبالمباشرة لنفسه أو
لموكلة أو لمن يلي أمره من طرف آخر، يلزم من ذلك الطرف ولا خيار له.
لما مر في الأخبار المتكثرة من قوله: " ولا خيار عليها " (1).
ط: إذا كان أحد طرفي العقد فضوليا والآخر لازما، صرح جماعة

(1) راجع: 174.
199

- منهم: الفاضل في القواعد والهندي في شرحه (1)، وطائفة من
معاصرينا (2) - بأنه يثبت تحريم المصاهرة في حق اللازم، بمعنى: أنه في
حكم المتزوج بالعقد اللازم من الطرفين، فيحرم عليه ما يحرم عليه..
فإن كان اللزوم من جانب الزوج يحرم عليه تزويج أخرى دائما إن
كانت هذه رابعة وتزويج أخت هذه المرأة وبنتها وأمها.
وإن كان من جانب الزوجة فلا يجوز لها التزويج بغيره.
كل ذلك لصدق التزويج والنكاح على ذلك وإن كان فضوليا من الطرف
الآخر، فإنه نكاح صحيح، بل لازم من ذلك الطرف، بل صرح في الروايات بأنه
نكاح صحيح، وأنه نكاح جائز، وأنه تزويج، ونحو ذلك، فتشمله أخبار حرمة
نكاح أخت المنكوحة وأمها وبنتها وخامستها ونكاح المتزوجة ونحو ذلك.
فإن قيل: فعلى هذا يلزم ثبوت تحريم المصاهرة في حق غير اللازم
أيضا وكذا الفضوليان، لصدق النكاح.
قلنا: إتيان الفضولي بما يحرم على اللازم رد للعقد فلذا يجوز، مع
أن لنا أن نسلم اللازم لولا الدليل على خلافه، ولكنه قائم، وهو الإجماع
على عدم التحريم من جانب الفضولي، بل تدل عليه أيضا الأخبار
المصرحة بصحة العقد الأخير أيضا إذا زوج فضوليان على واحد وبأنه لو
أجاز الأخير يلزم (3)، ولو كان يحرم على الفضولي ما يحرم على اللازم لكان
العقد الأخير باطلا لا تنفع فيه الإجازة.

(1) القواعد 2: 7، كشف اللثام 2: 23.
(2) كصاحب الحدائق 23: 288 وصاحب الرياض 2: 83.
(3) الكافي 5: 397 / 3، التهذيب 7: 387 / 1554، الوسائل 20: 282 أبواب
عقد النكاح ب 8 ح 1.
200

وأما توهم أن سبب الفرق بين الجانب اللازم وغير اللازم في تحريم
المصاهرة في الأول لزوم العقد بالنسبة إليه.
فليس بجيد، إذ لو كان النظر إلى صدق التزويج والنكاح فنسبته إليهما
سواء، ولو كان إلى تبادر التزويج اللازم فلو سلم فالمتبادر هو اللازم من
الطرفين، وأما من الطرف الواحد فكالمتزلزل من الطرفين، فالسبب في
عدم التحريم في جانب غير اللازم هو ما مر.
إلا أنه يمكن أن يقال أيضا: إن المتبادر من النكاح والتزويج والزوجة
والعقد هو ما كان لازما من الطرفين أو واقعا منهما أصالة أو وكالة دون نحو
ذلك (1).
مع أنه لو أفاد هذا الصدق لزم حرمة تزويج المعقودة فضولا على أب
الزوج وابنه ونحو ذلك مما هو باطل قطعا، وإلا لأمكن لكل أحد تحريم
كل امرأة على أبيه أو ابنه، ونحو ذلك لو أراد.
وقد يستدل على تحريم المصاهرة بأنه قد صرح في الأخبار المتقدمة
بأنه: " لا خيار عليها " ومقتضى جواز المصاهرة ثبوت الخيار، إذا لو جازت
لجاز له نكاح بنتها وأمها ووطؤهما، ولو وطئ إحداهما لم تؤثر إجازة
المعقودة، لحرمة بنت الموطوءة وأمها، وهو عين ثبوت الخيار عليها،
ويثبت تمام المطلوب بعدم الفصل.
وفيه: أن هذا يتم لو كان الوطء سابقا على العقد الفضولي، وأما بعده
فلا نسلم الحرمة.

(1) في " ح " زيادة: سيما على القول بالكشف مع أصالة عدم تحقق الزوجية.
201

وقد يستدل أيضا بأنه يمكن أن يكون النكاح اللازم واقعا فكشفت
عنه الإجازة.
وفيه: أن الأصل عدم وقوعه وعدم تحقق الإجازة.
وبالجملة: لا دليل تاما على تحريم المصاهرة، وأقرب الأدلة إلى
التمام هو: الأول من صدق الزوجية والنكاح، فينبغي أن يكون هو الدليل،
ويمنع التبادر المذكور، سيما مع أن الفضولي كثير، كما تشهد به الأخبار،
ويستند فيما يقطع بعدم تحريمه من تزويج الأب والابن ونحوهما
بالإجماع.
ي: لو فسخ المعقود فضولا العقد، فلا شك في حلية جميع ما مر
من المصاهرات حتى تزويج البنت.
لكون الأم غير مدخولة.
إلا في الأم، فإن فيها إشكالا، يعني: إذا كانت المعقودة فضولا البنت
ففي تحريم أمها - بعد تحقق الفسخ من البنت - إشكال.
نظرا إلى أن حرمة أم الزوجة ليست مشروطة بالدخول ببنتها على
الأصح، ولا ببقاء زوجية البنت، بل هي محرمة أبدا، ويصدق عليها أنها أم
زوجته بالعقد الصحيح.
وإلى أن الفسخ يرفع النكاح من أصله، فهو كاشف عن الفساد من
أصله، سواء قلنا: إن الإجازة كاشفة أو ناقلة، فوجود النكاح كعدمه.
وأيضا تحريم الأم إنما هو بالعقد الصحيح، وهو موقوف على إيجاب
وقبول صحيحين، والمفروض عدمه عن جانب الزوجة، فوجوده حينئذ
كعدمه، ولا ينفع القبول وحده.
202

والأظهر هو: الأول.
لما مر من صدق أم الزوجة بالعقد الصحيح اللازم بالنسبة إليه،
ولا يضر كشف الفسخ عن الفساد من أصله، لأن المسلم من الكشف أنه
ينكشف عدم تحقق الزوجية اللازمة من الطرفين، أو عدم تحقق ما تترتب
عليه جميع الآثار أولا، لا أنه لم يتحقق نكاح وزوجية أصلا، كيف؟! وهو
أمر مشاهد أنه تحقق العقد الفضولي من جانب اللازم من آخر وكانت له
آثار مترتبة عليه قطعا، من تأثير الإجازة لو تعقبته، وتحريم المصاهرة على
الطرف اللازم قبل الفسخ، ونحو ذلك.
وهذا القدر من صدق التزويج والنكاح كاف، ولولا كفايته يلزم عدم
تحريم المصاهرة مطلقا قبل الفسخ أيضا..
أما على كون الإجازة ناقلة، فلعدم تحقق الجزء، وعدم تحقق
الإيجاب والقبول الصحيحين.
وأما على كونها كاشفة، فلعدم العلم بتحقق الزوجية، فيستصحب
عدم تحققها، وحلية الأخت والبنت وغيرهما.
والعجب من بعض من يقول بتحريم المصاهرة قبل الفسخ (1)،
مستدلا بأنه نكاح صحيح لازم من جانبه، وعدم تحريم الأم بعد الفسخ،
تمسكا بعدم حصول الإيجاب والقبول الصحيحين.
ومن هذا يظهر عدم جواز نكاح الأم لو ماتت الزوجة قبل الرد أو
الإجازة أيضا.
يا: إذا كان العقد لازما من جانب الزوج فضوليا عن الزوجة، فهل

(1) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 159، 160.
203

يصح للزوج الطلاق قبل إجازة الزوجة أم لا؟
قيل: لا، لأن وضع الطلاق إنما هو لرفع نكاح ثابت، والفضولي ليس
كذلك، إذ النكاح الثابت لا يحصل إلا بإذن المرأة أولا أو إجازتها ثانيا،
ولا معنى لثبوته من طرف واحد.
وأما ما قيل من أن النكاح لازم من جهة الزوج وله طريق إلى رفعه
بالطلاق، لأنه لا معنى لثبوت نكاح ولزومه مع عدم جواز الطلاق، ولم يرد
مثله في الشرع.
ففيه: أن المسلم مما ورد في الشرع جواز الطلاق على النكاح الثابت
من الطرفين لا من طرف واحد، وعدم تصريح الشرع بعدم الجواز
لا يستلزم التصريح بجوازه، والمحتاج إليه في التوقيفيات هو الثاني.
وأما ما قد يقال من أنا إن قلنا: إن الإجازة كاشفة، نقول: إن الطلاق
حينئذ يكون مراعى، فإن أجازت فقد وقع الطلاق، وإن فسخت تبين
بطلان النكاح والطلاق معا.
ففيه: منع صحة الطلاق مراعى بالإجازة، بل الظاهر أن بطلانه
إجماعي.
أقول: المسلم أن وضع الطلاق إنما هو لرفع النكاح الصحيح، وأما
أنه رفع النكاح اللازم من الطرفين فلا، وأي دليل يدل عليه؟!
فإن قيل: الجواز يحتاج إلى دليل.
قلنا: الدليل إطلاق مثل قوله: " إنما الطلاق بعد النكاح "، و:
" لا يكون طلاق إلا بعد نكاح " (1)، ونحو ذلك، فإن شككت في صدق

(1) راجع الوسائل 22: 31 أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ب 12.
204

النكاح على ذلك أو ظننت تبادر اللازم من الطرفين منه، فيلزم عليك مثله
في تحريم المصاهرة قبل الفسخ، مع أن هذا القائل يحرمها، لصدق النكاح
والزوجة ونحوهما.
وبالجملة: إني لا أفهم فرقا من حيث التوقف على النكاح بين هذا
الفرع وبين فرع تحريم المصاهرة.
نعم، يمكن التفرقة من وجه آخر، وهو أن ثمرة الطلاق - بل معناه -
هو جعل الزوجة خلية مختارة لنفسها مطلقة عنانها، وهي هنا كذلك قبل
الطلاق أيضا، فلا معنى لوقوع الطلاق عليها.
مضافا إلى ما في موثقة سماعة: " ولا طلاق إلا بعد ما يملك
الرجل " (1).
وفي رواية محمد بن قيس: " لا يطلق إلا ما يملك " (2).
ولا ريب أنه ما دامت الزوجة مختارة ولم يلزم النكاح من جانبها
لا يصدق أنه يملك، فلا يكون طلاق، ومن هذا الطريق يقوى جانب عدم
صحة الطلاق.
يب: لو زوج أحد امرأة فضولا، ولم تعلم به الامرأة، فتزوجت بغيره
لزوما، فلا ينبغي الريب في صحة ذلك العقد كما مر.
ثم إذا اطلعت على أنه عقد عليها فضولا أيضا، فهل يجوز لها إمضاء
الفضولي وفسخ النكاح المتأخر؟
أو لا، بل المتأخر لازم؟

(1) الكافي 6: 63 / 2، الوسائل 22: 33 أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ب 12
ح 5، بتفاوت يسير.
(2) الكافي 6: 63 / 5، الوسائل 22: 32 أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ب 12 ح 2.
205

الظاهر هو: الثاني، إذ تأثير الإجازة في لزوم الفضولي إذا لم يمنع منه
مانع، وهو هنا موجود، لاستلزامه إما تزويج زوجة واحدة بزوجين في زمان
واحد، أو بطلان نكاح لازم، أو تحقق خيار الفسخ فيه من غير دليل،
والكل باطل.
فإن قيل: عمومات تأثير الإجازة تصلح دليلا له.
قلنا: أين العموم الشامل لمثل ذلك المورد؟! غايته العموم بتوسط
ترك الاستفصال الغير الجاري في الفروض النادرة قطعا، سيما مع قيام
القرائن في أكثر تلك الموارد أو جميعها على عدم كونها مما نحن فيه، ولو
كانت الإجازة مؤثرة في المقام لأثرت فيما إذا وقع الفضولي بعد النكاح
اللازم أيضا، وبطلانه ظاهر.
ومنه يظهر الحال فيما لو زوج الفضولي رجلا بامرأة، وزوج هو نفسه
أمها أو أختها جهلا.
مسألة: إذا كان هناك جد وأب وزوجا من عليه الولاية لهما
بشخصين: فإن اختلفا زمانا فالعقد للسابق منهما وإن كان أبا، سواء علم كل
منهما بعقد الآخر أم لا، بالإجماع كما عن السرائر والغنية والتذكرة (1).
لصحيحة هشام وابن حكيم: " إذا زوج الأب والجد كان التزويج
للأول، فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجد أولى " (2).
وموثقة عبيد: الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ويريد جدها
أن يزوجها من رجل آخر، فقال: " الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم

(1) السرائر 2: 561، الغنية (الجوامع الفقهية): 409، التذكرة 2: 594.
(2) الكافي 5: 395 / 4، الفقيه 3: 250 / 1193، التهذيب 7: 390 / 1562،
الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 11 ح 3.
206

يكن الأب زوجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجد " (1).
وإن اقترنا ثبت عقد الجد إجماعا أيضا، كما عن الكتب الثلاثة، وفي
الروضة: لا نعلم فيه خلافا (2).
للروايتين المتقدمتين، والمذكور فيهما وإن كان مجرد الأولوية - وهي
غير صريحة في التعيين - إلا أنها مرجحة لعقد الجد ودالة على صحته، وأما
صحة عقد الأب فغير معلومة.
والتوضيح: أن مع اقتران العقدين لا يمكن الحكم بصحتهما:
فإما يبطلان معا.
أو يصح أحدهما لا على التعيين، بمعنى: تخير المعقود عليه في
التعيين.
أو يصح أحدهما معينا.
والأول خلاف الأصل - وإنما كان يحكم به في عقدي الوكيلين
المقترنين، لعدم المرجح، وهو هنا موجود، وهو تصريح الشارع بأولوية
عقد الجد - بل خلاف مدلول الأخبار أيضا.
والثاني أيضا خلاف الأصل، لأن تأثير اختيار المعقود عليه في صحة
العقد أمر مخالف للأصل.
فتعين الثالث، ولا ضير فيه، وعدم إمكانه في عقد الوكيلين لاستلزامه
الترجيح بلا مرجح، وهو هنا غير لازم، فيجب ترجيح ما رجحه الشارع،

(1) الكافي 5: 395 / 1، الفقيه 3: 250 / 1192، التهذيب 7: 390 / 1560،
الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 11 ح 2.
(2) الروضة 5: 149.
207

لمعلومية صحته دون غيره.
ولو تشاحا قبل العقد، قالوا: يقدم اختيار الجد، بل عليه الإجماع عن
الانتصار والخلاف والمبسوط والسرائر والتذكرة (1).
وتدل عليه الموثقة السابقة، وصحيحة محمد: فقلت: فإن هوى
أبوها رجلا وجدها رجلا، فقال: " الجد أولى بنكاحها " (2).
وليس مرادهم بتقديم اختياره سقوط ولاية الأب، للاتفاق على صحة
عقده لو سبق على الجد وعقد.
فالمراد: إما وجوب تقديمه الجد، أو استحباب ذلك، والأخبار
قاصرة عن إفادة الأول، فالظاهر هو الثاني، أي يستحب للأب ترك التشاح
وتفويض الأمر إلى الجد، ويشعر بذلك قوله في آخر الموثقة: " ويجوز
عليها تزويج الأب والجد " بعد تصريحه بأولوية الجد.
بل تصرح به موثقة البقباق: فإن هوى أبو الجارية هوى وهوى الجد
هوى وهما سواء في العدل والرضا، قال: " أحب إلي أن ترضى بقول
الجد " (3).
مسألة: لو وكلت رجلين وزوجاها بشخصين:
فإن سبق أحدهما بالنكاح فالعقد له مطلقا وبطل المتأخر كذلك،

(1) الإنتصار: 121، الخلاف 4: 269، المبسوط 4: 176، السرائر 2: 561،
التذكرة 2: 594.
(2) الكافي 5: 395 / 2، التهذيب 7: 390 / 1561، الوسائل 20: 289 أبواب
عقد النكاح وأولياء العقد ب 11 ح 1.
(3) الكافي 5: 396 / 5، التهذيب 7: 391 / 1564، الوسائل 20: 290 أبواب
عقد النكاح وأولياء العقد ب 11 ح 4.
208

دخل بها المتأخر أم لا، لوقوع الأول صحيحا، والثاني باطلا لوقوعه عليها
وهي في عصمة الأول، وتعاد إلى الأول حينئذ مع عدم الدخول، وبعد
انقضاء العدة من الثاني لوطء الشبهة مع جهلهما أو جهل الواطئ خاصة مع
الدخول، ويكون المهر لها على الأول أو جهلها خاصة دون الثاني، لكونها
بغيا لا مهر لها، وكذا مع علمهما.
وهل ما يكون لها هو مهر المثل، كما عن جماعة، منهم: المبسوط
والتحرير (1)؟
أم المسمى، كما عن محتمل التذكرة (2)؟
مقتضى الأصل: الأول، لعدم دليل على لزوم المسمى، وإقدامها
بالرضا به لا يفيد، للأصل، وإناطة الرضا بالصحة لا مطلقا فهو الأظهر.
وأما ما في خبر محمد بن قيس: " إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في
امرأة أنكحها أخوها رجلا، ثم أنكحتها أمها رجلا بعد ذلك، فدخل بها
فحبلت فاحتقا فيها، فأقام الأول الشهود فألحقها بالأول وجعل لها الصداقين
جميعا، ومنع زوجها الذي حقت له أن يدخل بها حتى تضع حملها، ثم
ألحق بأبيه الولد " (3).
المحمول على صورة وكالة العاقدين، وإن كان الظاهر منه المسمى،
إلا أنه - لكونه قضية في واقعة مخصوصة - يحتمل أن يكون المسمى هو
مهر المثل، كما هو الغالب أيضا، فلا يفيد شيئا.

(1) المبسوط 4: 182، التحرير 2: 8.
(2) التذكرة 2: 597.
(3) الكافي 5: 396 / 1، التهذيب 7: 386 / 1552، الإستبصار 3: 240 / 859،
الوسائل 20: 280 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 7 ح 2.
209

وإن اقترنا زمانا بطلا إجماعا - فيما عدا الأخوين - لامتناع الحكم
بصحتهما، ولا بصحة أحدهما معينا، لاستلزامه الترجيح بلا مرجح،
ولا غير معين بأن يكون لها التخيير، لأصالة عدم تأثير التخيير في التعيين.
ولا مهر على أحد ولا ميراث لأحد منهما ولا منه.
وعن المختلف: نفي البعد عن أن يكون لها الخيار الذي يكون في
الفضولي، لزوال ولاية كل منهما، لوقوع عقده حال عقد الآخر فيكونان
فضوليين (1).
وفيه: منع إيجاب ما ذكر لزوال الولاية.
وأما في الأخوين ففيه يأتي.
مسألة: لو زوجها الأخوان برجلين:
فإن لم يكونا وكيلين فالعقدان فضوليان، اختارت أيهما شاءت وإن
شاءت فسخهما، اقترنا زمانا أو اختلفا.
ولكن ينبغي لها اختيار من عقد عليه الأكبر منهما مع تساوي المعقود
عليهما في الرجحان الشرعي، كما ذكره جماعة (2).
لخبر وليد: عن جارية كان لها أخوان زوجها الأكبر بالكوفة وزوجها
الأصغر بأرض أخرى، قال: " الأول بها أولى، إلا أن يكون الأخير قد دخل
بها، فهي امرأته ونكاحه جائز " (3).

(1) المختلف: 537.
(2) منهم العلامة في التحرير 2: 7، الشهيد الثاني في الروضة 5: 51، صاحب
الرياض 2: 83.
(3) الكافي 5: 396 / 2، التهذيب 7: 387 / 1553، الإستبصار 3: 239 / 858،
الوسائل 20: 281 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 7 ح 4.
210

وفي دلالته نظر، لاحتمال أن يكون الترجيح باعتبار الأولية دون
الأكبرية، إلا أن فتوى جمع من الأصحاب - سيما مع ما ورد من أن: " الأخ
الأكبر بمنزلة الأب " (1) - [تقتضي أن يكون الاعتبار بالأكبرية] (2).
ثم إن كل ذلك إذا لم تدخل بأحدهما.
وأما معه قبل الإجازة بلفظ ونحوه، ثبت عقد من دخلت به وبطل
الآخر.
لأنه أقوى الإجازات.
ولرواية الوليد المذكورة.
وإن كانا وكيلين فكالأجنبيين الوكيلين على الأظهر الأشهر، وقد مر.
خلافا للمحكي عن النهاية والقاضي (3)، فالعقد عقد أكبرهما مطلقا،
اقترنا زمانا أم اختلفا، إلا مع دخول من عقد عليه الأصغر - لا مع سبق عقد
الأكبر - فيقدم عقد الأصغر.
وعن ابن حمزة (4)، فيقدم عقد الأكبر مع الاقتران مطلقا.
وعن التهذيبين والمختلف وابن سعيد (5)، فكذلك، إلا مع دخول من
عقد عليه الأصغر.
ولم أعثر على دليل لشئ من هذه الأقوال، إلا خبر وليد المذكور.

(1) التهذيب 7: 393 / 1576، الإستبصار 3: 240 / 860، الوسائل 20: 283
أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب 8 ح 6.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(3) النهاية: 466، القاضي في المهذب 2: 195.
(4) الوسيلة: 300.
(5) التهذيب 7: 387، الإستبصار 3: 240، المختلف: 537، ابن سعيد في
الجامع للشرائع: 437.
211

وفيه - مع عدم انطباقه على شئ من الأقوال - أن مبنى الاستدلال
عليه على كون المراد من الأول الأخ الأكبر وكون الأخوين فيه وكيلين،
ولا إشعار بشئ من الأمرين فيه أصلا، فيحتمل كونهما فضوليين، كما
يقتضيه الأصل والإطلاق والظاهر وأصول المذهب، إذ يصح الحكم حينئذ
بتقديم من حصل في حقه الدخول، لكونه إجازة، ويرفع الإشكال في
تقديم الأول مع عدم الدخول، لكونه على سبيل الاستحباب.
مسألة: لو زوج الوكيلان أو الوليان وجهل السبق والاقتران، أو علم
السبق وجهل السابق منهما ابتداء أو نسيانا:
فعن المبسوط والتحرير: أنه يوقف النكاح حتى يتبين، لأنه إشكال
يرجى زواله (1).
وذهب جماعة إلى عدم الإيقاف، لأنه ربما لا يزول، وفيه إضرار
بالمرأة عظيم (2).
وهو بالأدلة القطعية منفي.
ثم على القول بعدم الإيقاف:
ففي بطلان النكاح.
أو الرجوع إلى القرعة.
أو فسخ الحاكم للنكاحين.
أو جبرهما على الطلاق.

(1) المبسوط 4: 181، التحرير 2: 8.
(2) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 25 وصاحب الرياض 2: 84.
212

احتمالات أربعة، ذكرها في الكفاية (1) وغيره (2).
والأول محكي عن المبسوط والتحرير (3).
والثاني جوزه في القواعد والتذكرة (4).
والأخيران في القواعد (5)، وقوى في التذكرة الأخير (6).
والحق: أن المجهول إن كان السبق والاقتران وكان العاقدان غير الأب
والجد معا لا يجب الإيقاف ويبطل النكاح.
لأصالة عدم سبق أحدهما فيقترنان فيبطلان.
ولأصالة عدم تحقق الزوجية وعدم حلية البضع إلى أن يتيقن النكاح
الصحيح.
وكون الاقتران مخالفا للظاهر لا يفيد، لترجيح الأصل على الظاهر.
وأصالة عدم صحة نكاح آخر إذا وقع بعدهما لاحتمال صحة أحد
النكاحين غير نافعة، لأن الأصل الأول مزيل لذلك الأصل، فإن بعد جريان
الأصل الأول لا يبقى شك في صحة النكاح اللاحق، وهذا من باب تعارض
الأصلين اللذين يكون أحدهما مزيلا للآخر ولا عكس، فيجب تقديم
المزيل.
وإن كان المجهول السبق والاقتران في عقد الأب والجد معا، أو كان

(1) الكفاية: 157.
(2) كالمسالك 1: 462.
(3) المبسوط 4: 181، التحرير 2: 8.
(4) القواعد 2: 8، التذكرة 2: 597.
(5) القواعد 2: 8.
(6) التذكرة 2: 597.
213

المجهول السابق مع العلم بسبق أحدهما، فإن يرج زوال الاشتباه من غير
ضرر وحرج يجب، لعدم الدليل على أمر آخر غيره حتى القرعة، لعدم
كون مثل ذلك مشكلا بل ولا مجهولا، فيستصحب كونها مزوجة لأحدهما.
وإن لم يرج - إما مطلقا، أو إلا مع ضرر، أو حرج ومشقة - لا يوقف،
لنفي هذه الأمور في الشريعة، بل تجب القرعة، لأنها لكل أمر مشكل، وفي
رواية محمد بن حكيم: " في كل أمر مجهول القرعة " (1)، فيحكم بزوجية
من وقعت عليه ويرد الآخر، ولا يصغى إلى من ينفيها، لكون المقام مقام
الاحتياط، ولا يحصل العلم من القرعة، لأنه اجتهاد في مقابلة الدليل، ولو
صح ذلك لزم عدم الحكم باليمين والبينة في الأنكحة أيضا.
وأما الاحتمالان الآخران، فلا دليل عليهما مع كونهما مخالفين للأصل
محتاجين إلى التوقيف.
والاستدلال لثانيهما بتوقف اندفاع الضرر عليه، وهو لا يمكن إلا
بالطلاق فيجبر عليه، وإذ لا مخصص لأحدهما بالإجبار فيجبران، وإجبار
الحاكم بمنزلة الاختيار، ولأولهما بدعاء الضرورة إليه وسلامته من الإجبار
المنفي بالطلاق.
ضعيف، لمنع التوقف، ومنع كون إجبار الحاكم بدون دليل بمنزلة
الاختيار، ومنع دعاء الضرورة لما ذكر.
ثم بعد القرعة، هل يؤمر من لم تقع له القرعة بالطلاق ومن وقعت له
بتجديد النكاح - كما في القواعد (2) - لما في أمر النكاح من الاحتياط؟

(1) الفقيه 3: 52 / 174، التهذيب 6: 240 / 593، الوسائل 27: 259 أبواب كيفية
الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 11.
(2) القواعد 2: 8.
214

الحق: لا، للأصل.
مسألة: لو ادعي السبق فلا يخلو:
إما يدعيه أحد الزوجين.
أو كلاهما.
فإن ادعاه أحدهما:
فإما يصدقه الآخر.
أو يقول: لا أدري.
وعلى التقديرين:
فإما تصدقه الزوجة.
أو تكذبه.
أو تقول: لا أدري.
فإن صدقاه فالحكم واضح.
وإن قال الآخر: لا أدري، وصدقت الزوجة المدعي، فالزوجة
لمدعي السبق، لاعتراف الزوج والزوجة بالزوجية، وعدم معارض ولا مدع
لخلافها.
وكذا عكسه إن قالت: لا أدري وصدقه، لسقوط حق الآخر
بالتصديق، فينحصر الحق في المدعي.
وإن كذبته يرجع إلى ما إذا ادعى رجل زوجية امرأة وادعت هي
زوجية الآخر، سواء صدقه أو قال: لا أدري، وقد مر حكمه.
وإن قالا: لا أدري (1)، فالحكم القرعة، لما مر.

(1) في بعض النسخ: أدري، بدل: لا أدري.
215

وإن ادعى كل منهما سبق عقده:
فإما تصدق الزوجة أحدهما.
أو تنكر السبق مطلقا وتدعي الاقتران.
أو تقول: لا علم لي.
وعلى الأخير:
إما يدعيان عليها العلم.
أو يدعيه أحدهما.
أو لا يدعيه شئ منهما.
فإن صدقت أحدهما، فعن المبسوط (1): أنه يثبت نكاحه، لأن
الزوجين إذا تصادقا على الزوجية تثبت، ولم يلتفت إلى دعوى الزوجية من
الآخر إلى أن يقيم البينة، وأنها بمنزلة من في يده عين تداعاها اثنان
فاعترف لأحدهما.
واستشكل فيه في القواعد (2)، للفرق بينه وبين من ادعى زوجية امرأة
عقد عليها غيره أو تصادقا سابقا على الزوجية من غير معارض، من حيث
إن التخاصم بينهما قد سبق اعترافها هنا، فيشكل قطع التداعي باعترافها مع
تعلقه بحق الغير ومساواته لحق المقر له.
والتحقيق: أنه ليس لمن صدقته الزوجة دعوى معها وله الدعوى مع
الزوج الآخر، وكل منهما مدع لسبق عقده ومنكر لسبق الآخر، فإن كانت
لأحدهما بينة تقبل، وإن كانت لهما يرجع إلى حكم تعارض البينتين.

(1) المبسوط 4: 182.
(2) القواعد 2: 8.
216

وإن لم تكن بينة فلكل منهما حلف الآخر، فإن حلفا أو نكلا يشكل
الأمر، فيرجع إلى القرعة، فإن وقعت على من صدقته فتمت الدعوى، وإن
وقعت على الآخر يحتمل التمام أيضا، لعدم تأثير لتصديق الزوجة.
وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، فإن كان الحالف من صدقته الزوجة
فتمت الدعوى، وإن كان الآخر فيحتمله أيضا.
وإن أنكرت السبق مطلقا فهي امرأة يدعي رجلان زوجيتها وهي
منكرة لهما، فإن كانت بينة وإلا فتحلف لهما.
وإن قالت: لا أدري، فإن ادعيا عليها العلم أحلفاها وسقطت دعواهما
عنها وبقي التداعي بينهما، وإن لم يدعيانه انحصر التداعي بينهما، وإن
ادعاه أحدهما أحلفها.
ويحتمل في جميع الصور انحصار التداعي بهما، لعدم ترتب أثر
على تصديق الزوجة.
217

المقصد الثاني
في أسباب التحريم
وهي أمور: النسب والرضاع، فها هنا فصول:
218

الفصل الأول
في النسب
ويحرم به كل قريب عدا أولاد العمومة والخؤولة، وتفصيله أصول
كل أحد وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل آخر.
فالأول: الآباء والأمهات وإن علوا.
والثاني: البنون والبنات وإن سفلوا.
والثالث: الإخوة والأخوات وإن نزلوا.
والرابع: الأعمام والعمات والأخوال والخالات له أو لأحد أصوله،
لا مطلق أعمام العمومة وأخوال الخؤولة.
وتحريم هؤلاء مجمع عليه بين الأمة، بل عليه الضرورة الدينية،
ومصرح به في الجملة في الكتاب (1) والسنة (2).
وهاهنا مسألتان:
المسألة الأولى: تحريم النكاح بالنسب إنما يثبت به مطلقا..
سواء كان نسبا شرعيا، وهو اتصال النسب بالوطء الصحيح الشرعي
من نكاح أو تحليل أو ملك أو وطء شبهة، ولو عرضه التحريم بحيض أو
صيام أو إحرام أو نحوها ما لم يخرج به عن أصل الحلية.

(1) النساء: 23.
(2) الوسائل 20: 361 أبواب ما يحرم بالنسب ب 1، 2، 3، 4، 5.
220

والمراد بوطء الشبهة: الوطء الذي ليس بمستحق مع عدم العلم
بالتحريم، فيدخل فيه وطء المجنون والنائم وشبههما، ولو اختصت الشبهة
بأحد الطرفين اختص به الولد، ووطء المنكوحة التي لم يعلم بكونها
منكوحة يثبت النسب وإن أثم في الوطء.
أو نسبا غير شرعي، وهو اتصاله بالزنى.
إجماعا قطعيا - بل ضرورة دينية - في الأول.
وإجماعا محكيا - حكاه الشيخ في الخلاف والفاضل في التذكرة
والمحقق الثاني في شرح القواعد والهندي فيه أيضا (1)، وفي الكفاية:
لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب (2)، وفي المفاتيح (3): نسبه إلى ظاهر
أصحابنا - في الثاني.
كل ذلك - بعد الإجماع فيما ثبت فيه الإجماع - لصدق النسبة عرفا
ولغة، وأصالة عدم النقل فتشمله الآية، ويتعدى إلى غير من ذكر فيها - إن
لم يشمل الجميع - بالإجماع المركب.
ولا يضر عدم ثبوت سائر أحكام النسب بالنسب الحاصل من الزنى
- كالتوارث، وإباحة النظر، والانعتاق، وارتفاع القصاص، وتحريم حليلة
الابن، والجمع بين الأختين، ونحوها - لأنه إنما هو بدليل خارجي دال على
تعلقها بالنسبة الشرعية خاصة.
ومنه يظهر ما في كلام بعض المتأخرين من أن المعتبر في تحقق

(1) الخلاف 4: 305، 310، التذكرة 2: 632، جامع المقاصد 12: 190، الهندي
في كشف اللثام 2: 26.
(2) الكفاية: 158.
(3) المفاتيح 2: 234.
221

النسبة إن كان هو الصدق العرفي واللغوي للزم ثبوت سائر الأحكام النسبية
المذكورة، لدخوله بسبب الصدق المعتبر تحت العمومات المفيدة لذلك.
وإن كان هو الصدق الشرعي خاصة للزم انتفاء جميع الأحكام
المترتبة على النسبة، فتخصيص الحكم بتحريم النكاح مما لا وجه له،
سوى ادعاء بعضهم الإجماع عليه، وهو كما ترى (1). انتهى.
فإنا نجيب: بأن المعتبر هو الأول، بل لا حقيقة شرعية للنسبة، وأما
انتفاء الأحكام الأخر فإنما هو بدليل آخر من إجماع وغيره مذكورة في
مظانها.
نعم، لو ثبتت الحقيقة الشرعية في النسب أو ألفاظ النسبة من الأم
والأب وغيرهما لكان اللازم الاقتصار على النسب الحاصل من الوطء الصحيح،
ويلزمه عدم ثبوت تحريم النكاح أيضا، لعدم دليل تام آخر عليه سوى
الإجماع، ومحكيه غير حجة، ومحققه غير ثابت، لاستشكال جمع من
المتأخرين (2).
وأما ما ذكره الحلي - بعد أن نقل قول الشيخ بتحريم النسب الحاصلة
من الزنى، مستدلا بأنه إذا زنى بامرأة حرمت عليه بنتها وهذه بنتها، وبعموم
قوله تعالى * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) * (3) وهي بنته لغة، ورده
بأن عرف الشرع طار على اللغة - أن وجه التحريم: أن البنت المذكورة
كافرة، لأن ولد الزنى كافر، والزاني إذا كان مؤمنا لا يجوز له نكاح الكافرة،

(1) انظر المسالك 1: 463.
(2) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 191، الشهيد الثاني في المسالك
1: 463.
(3) النساء: 23.
222

فمن هذا الوجه تحرم، لا من الوجهين اللذين ذكرهما الشيخ (1).
فضعيف جدا، لمنع كفر ولد الزنى.
ثم على ما ذكرنا يثبت تحريم النكاح بالنسب من الزنى أيضا في
جميع الأنسباء المذكورين، وإن كان كلام الأكثر مخصوصا بتحريم البنت
الحاصلة من الزنى والابن الحاصل منه، ولكن الظاهر أن مرادهم التعميم،
ولذا زاد بعضهم بعد ذكر البنت قيد: مثلا.
المسألة الثانية: لو اجتمع سببان شرعيان، كالمطلقة التي وطئها غير
المطلق بالشبهة أو النكاح بعد العدة، فأتت بولد، يثبت النسب لمن أمكن
في حقه دون غيره.
فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين الطلاق فهو للأول، وكذا
لو أتت به لأقل منها من وطء الثاني، ولأقصى الحمل فما دون من
الطلاق.
وإن أتت به لزيادة من أقصى مدة الحمل من الطلاق، ولستة أشهر
فما زاد إلى أقصى الحمل من وطء الثاني فهو للثاني.
وإن أتت به لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ولأكثر من أقصى
الحمل من وطء الأول فهو منتف عنهما.
والوجه في الكل ظاهر، وفي الأخبار الآتية دلالة على بعضها.
ومع الإمكان فيهما - كما لو أتت به فيما بين الحدين للأول والثاني،
بأن كانت الولادة لستة أشهر من وطء الثاني ولأقل من أقصى مدة الحمل

(1) السرائر 2: 526.
223

من وطء الأول - فعن المبسوط (1): الرجوع إلى القرعة، مشعرا بالإجماع
عليه، لأن القرعة لكل أمر مجهول وهذا منه.
ولصحيحة ابن عمار: " إذا وطئ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد
فولدت فادعوه جميعا، أقرع الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد ولده " (2)،
وقريبة منها أخبار أخر (3).
وذهب جماعة - منهم: المحقق والفاضل في القواعد (4)، بل الأكثر
كما في الكفاية (5) وغيره (6) - إلى أنه للثاني، لأصالة التأخر، ورجحانه
بالفراش الثابت، وللمستفيضة من الأخبار من الصحاح وغيرها:
كصحيحة الحلبي: " إذا كان للرجل منكم الجارية يطأها فيعتقها
فاعتدت ونكحت، فإن وضعت لخمسة أشهر فإنه من مولاها الذي أعتقها،
وإن وضعت بعدما تزوجت لستة أشهر فإنه لزوجها الأخير " (7).
ورواية زرارة الصحيحة، عن ابن محبوب - الذي أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه -: عن الرجل إذا طلق امرأته ثم نكحت وقد
اعتدت ووضعت لخمسة أشهر: " فهو للأول، وإن كان ولدا ينقص من ستة
فلأمه ولأبيه الأول، وإن ولدت لستة أشهر فهو للأخير " (8).

(1) المبسوط 5: 290.
(2) الفقيه 3: 52 / 176، الوسائل 27: 261 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 14.
(3) الوسائل 27: 257 أبواب كيفية الحكم ب 13.
(4) المحقق في الشرائع 2: 281، القواعد 2: 9.
(5) الكفاية: 158.
(6) كالمسالك 1: 464.
(7) الكافي 5: 491 / 1، الوسائل 21: 173 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 58 ح 1.
(8) التهذيب 8: 167 / 581، الوسائل 21: 383 أبواب أحكام الأولاد ب 17 ح 11.
224

ومرسلة جميل: في المرأة تزوج في عدتها، قال: " يفرق بينهما
وتعتد عدة واحدة منهما جميعا، فإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو
للأخير، وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول " (1).
وهذا هو الأظهر، لما ذكر.
وأما أخبار القرعة فهي أعم مطلقا من تلك الأخبار، لشمولها لما يعلم
تقدم بعض أو لا يعلم.

(1) الفقيه 3: 301 / 1441، التهذيب 8: 168 / 584، الوسائل 21: 383 أبواب
أحكام الأولاد ب 17 ح 13.
225

الفصل الثاني
في الرضاع
وفيه مقدمة وأبحاث.
المقدمة
لا خلاف بين علماء الإسلام في حصول نظائر العلاقات والقرابات
الحاصلة بالنسبة والقرابة بالرضاع أيضا، ونص به في الجملة الكتاب
العزيز، إذ يقول عز قائلا: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من
الرضاعة) * (1).
وتضافرت الأخبار على إثبات النظائر النسبية بالرضاع، كما لا يخفى
على المتتبع.
وورد في السنة المقبولة عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " الرضاع لحمة كلحمة
النسب " (2).
وقد تواتر عنه أنه (عليه السلام) قال: " يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب " (3)، ومنه يعلم حصول التحريم بواسطة الإرضاع في الجملة، كما
يأتي تفصيله.

(1) النساء: 23.
(2) تفسير الصافي 1: 403.
(3) الوسائل 20: 271 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1.
226

والقرابات النسبية الإناثية تسع: الأمهات.
والجدات.
والبنات.
وبنات الأولاد.
والأخوات.
وبنات الإخوة.
وبنات الأخت.
والعمات.
والخالات.
فتحصل هذه التسع بسبب الرضاع أيضا.
فالقرابة الأولى: وهي الأم من الرضاعة امرأة أرضعته، وصاحب اللبن
أبوه من الرضاعة.
والقرابة الثانية: وهي جداته الرضاعية، هن أمهات أمه وأبيه
بلا واسطة أو واسطة أو وسائط.
ولما كان كل من الأم والأب قسمين: نسبي ورضاعي، والأمومة لكل
من الأربعة أيضا على قسمين: نسبية ورضاعية، فتحصل للجدات ثمان
شعب.
ولما كان صدق الرضاعة موقوفا على توسط رضاع تخرج شعبتان
منهما، وهما اللتان لا يداخلهما الرضاع.
إحداهما: شعبة الأمهات النسبية للأم النسبية.
وثانيتهما: شعبة الأمهات النسبية للأب النسبي.
227

وبقيت ست شعب أخر:
الأولى: الأمهات النسبية للأم الرضاعية.
الثانية: الأمهات الرضاعية للأم الرضاعية بلا واسطة، أو بواسطة
إحدى من أمهاتها النسبية أو الرضاعية.
الثالثة: الأمهات النسبية للأب الرضاعي.
الرابعة: الأمهات الرضاعية للأب الرضاعي بلا واسطة، أو بواسطة
إحدى من أمهاته النسبية أو الرضاعية.
الخامسة: الأمهات الرضاعية للأم النسبية بلا واسطة، أو بواسطة
إحدى من أمهاتها النسبية أو الرضاعية.
السادسة: الأمهات الرضاعية للأب النسبي كذلك.
والقرابة الثالثة: وهي بناته الرضاعية امرأة ارتضعت من لبنه، ولو كان
المرتضع رجلا فهو ابنه الرضاعي.
والرابعة: وهي بنات الأولاد، هن بنات بناته أو بنات أبنائه بلا واسطة
أو وسائط.
ولما كان كل من البنت والابن قسمين: النسبي والرضاعي، والبنتية
لكل من الأربعة أيضا على قسمين: النسبية والرضاعية، فتحصل لبنات
الأولاد أيضا الشعب الثمان، وتخرج منها الشعبتان اللتان لا يداخلهما
الرضاع، وتبقى الست الباقية على قياس ما مر في الجدات.
الخامسة: وهي الأخوات الرضاعية، هن بنات أبويه أو أحدهما.
ولما كانت البنات على قسمين: نسبية ورضاعية، وكذلك الأبوان،
فتحصل هنا أربع شعب، تخرج منها واحدة - وهي البنات النسبية للأبوين
228

النسبيين - وتبقى ثلاثة أخرى داخلة بأجمعها في الأخوات الرضاعية.
ولو كان المرتضع رجلا فهو أخوه الرضاعي.
السادسة: بنات الأخ، وهي بنات أخيه من النسب أو الرضاع
بلا واسطة، أو بواسطة أو وسائط.
وإذ عرفت أن الأخ قسمان والبنت على قسمين فتحصل لبنات الأخ
أيضا أربع شعب، تخرج منها شعبة واحدة هي للآباء النسبية: البنت النسبية
للأخ النسبي، وتبقى ثلاث شعب أخرى.
السابعة: بنات الأخت، وتعلم أقسامها وشعبها بالقياس إلى بنات
الأخ.
الثامنة: العمات، وهن أخوات أبيه.
وإذ عرفت أن الأخوات على قسمين والأب أيضا على قسمين
فتحصل للعمات أربع شعب: واحدة نسبية والبواقي رضاعية.
ويدخل في هذه القرابة أيضا التقسيمان المشار إليهما في الأخوات.
وتدخل في هذه القرابة أيضا أخوات أبي أبيه.
التاسعة: الخالات، وهن أخوات أمه، ولهن الشعب الأربع، تخرج
منها واحدة ويبقى الباقي.
فهؤلاء النسوة هي القرابات الرضاعية من الإناث، وتعلم بالقياس
إليهن القرابات الذكورية للرجال وللنساء أيضا.
فيحرم على كل رجل هؤلاء القرابات التسع، وعلى المرأة نظائرهن
من الرجال مطلقا، سوى الأخوات أو الإخوة الرضاعية من جهة الأم خاصة
إذا انتسبوا إليها بالرضاع دون الولادة، وبناتهن فإنهن لا يحرمن إلا على قول
229

الطبرسي (1)، وكذلك الخالات والأخوال والعمات والأعمام إذا لم يكن
لبنهن مع الأم الرضاعية أو الفحل من فحل واحد، على ما سبق (2) تفصيله.

(1) مجمع البيان 2: 28.
(2) لم يسبق منه (رحمه الله) تفصيل في ذلك ولكنه سيجيئ في ص: 234 و 235.
230

البحث الأول
في شروط الرضاع الشرعي الموجب للتحريم
وهي أمور:
الشرط الأول: أن يكون اللبن حاصلا من وطء مجوز شرعا، من
نكاح دوام أو متعة أو تحليل أو ملك يمين.
فلا يحصل الرضاع المحرم للنكاح باللبن الحادث من الرنى.
إجماعا محققا، ومحكيا في السرائر والتذكرة وشرحي القواعد
للمحقق الثاني والهندي وشرح النافع للسيد والمفاتيح (1) وشرحه، وظاهر
المسالك والكفاية (2) وغير ذلك (3).
ولا يقدح فيه خلاف الإسكافي - حيث قال: لو أرضعت امرأة من لبن
من زنى حرمت وأهلها على المرتضع وكان تجنبه أهل الزاني أولى
وأحوط (4).
انتهى - لشذوذه.
فهو الدليل عليه.
مضافا إلى إشعار به في صحيحة ابن سنان: عن لبن الفحل، قال:

(1) السرائر 2: 520، التذكرة 2: 615، جامع المقاصد 12: 204، كشف اللثام
2: 27، المفاتيح 2: 237.
(2) المسالك 1: 464، الكفاية: 158.
(3) كالحدائق 23: 323.
(4) حكاه عنه في المختلف 2: 520.
231

" هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك [ولد] امرأة أخرى " (1).
حيث خصت لبن الفحل بما يحصل من امرأته من لبنه ولبن ولده.
إلا أنه يقدحه أنه لا يشترط كون المرضعة زوجة لصاحب اللبن، بل
يكفي كونها مملوكة أو محللة أو متعة، مع عدم تبادرهن من لفظ:
" امرأتك "، فلا يكون حقيقيا ومجازه متعدد.
ويمكن أن يقال: إن غايته لزوم التخصيص في لبن الفحل، إذ تخرج
منه المذكورات بالدليل، فيبقى الباقي حجة. واحتمال التجوز غير ضائر،
لأنه مرجوح عن التخصيص.
وربما تشعر به صحيحة العجلي أيضا، وفيها - بعد الاستفسار عن
معنى قوله (صلى الله عليه وآله): " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ": - " كل امرأة
أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع
الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) " الحديث (2).
وهل تنشر الحرمة باللبن الحاصل من وطء الشبهة، أم لا؟
المشهور: الأول، لصدق مسمى الرضاع فتشمله العمومات، ويؤيده
إلحاق الشبهة بالعقد في النسب.
وعن الحلي: التردد فيه (3).

(1) الكافي 5: 440 / 1، التهذيب 7: 319 / 1316، الإستبصار 3: 199 / 719،
الوسائل 20: 389 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 4.
(2) الكافي 5: 442 / 9، الفقيه 3: 305 / 1467، الوسائل 20: 388 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 6 ح 1.
(3) السرائر 2: 552.
232

ويظهر نوع ميل إليه من المسالك والكفاية (1).
وكأنه للأصل مع منع العموم، لانصرافه إلى غير الشبهة لندرتها.
وفيه: منع ندرة الشبهة بحيث يصرف عنها الإطلاق، فإنها شاملة
للأنكحة الفاسدة، وهي كثيرة جدا.
وقد يجاب أيضا: بأن أصل الإباحة معارض بأصالة الحرمة السابقة
على المناكحة، ولا يفيد ما دل على إباحة نكاح النسوة، لانصرافه إلى غير
الشبهة، وبعد التعارض يرجع إلى أصالة الحرمة للشهرة، وبعد فرض
التساقط تحتاج الإباحة إلى دليل.
وفيه: أنه كانت في السابق على الرضاع جائزا نكاحها فيستصحب،
فتأمل.
الشرط الثاني: أن يكون اللبن من ذات ولد.
فلو در اللبن من الخالية عنه [لا يحرم] (2) وإن كانت منكوحة نكاحا
صحيحا.
إجماعا محققا، ومحكيا في التذكرة (3) وغيره (4)، له.
ولموثقة يونس بن يعقوب: عن امرأة در لبنها من غير ولادة
وأرضعت جارية وغلاما بذلك اللبن، هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من
الرضاع؟ قال: " لا " (5).

(1) المسالك 1: 464، الكفاية: 158.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(3) التذكرة 2: 615.
(4) كما في المسالك 1: 464.
(5) الكافي 5: 446 / 12، الفقيه 3: 308 / 1484، الوسائل 20: 398 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 9 ح 1.
233

وقريبة منها رواية يعقوب بن شعيب (1).
وهل يشترط انفصال الولد؟
أم يكتفى بالحمل؟
الحق: الأول، وفاقا للمحكي عن الخلاف والغنية والسرائر والتحرير
والتذكرة والنهاية (2)، وفي شرح القواعد للمحقق الثاني (3) وشرح النافع
للسيد، وصرح بعضهم بأنه الأشهر، بل عن الثلاثة الأول: الإجماع عليه.
وهو الحق، للأصل، من جهة عدم انصراف المطلق إليه للندرة.
وللموثقة والرواية المتقدمتين.
وخلافا للمحكي عن المحقق وموضع من المبسوط (4) وفي القواعد
والمسالك والروضة (5)، فاختاروا الثاني، للعمومات.
ويجاب عنها - بعد التسليم - بوجوب تخصيصها، لما مر.
ولا يشترط البقاء على الحبالة، فلو طلقها أو مات عنها وهي حامل
منه أو مرضع فأرضعت من لبنه ولدا نشر الحرمة كما لو كانت في حبالته في
العدة أو بعدها، طال الزمان أم قصر، استمر اللبن أم انقطع، طال زمان
الانقطاع أم قصر.. إلا إذا طال بقدر علم أنه در بنفسه لا من الأول، تزوجت

(1) التهذيب 7: 325 / 1339، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 9
ح 2.
(2) الخلاف 2: 325، الغنية (الجوامع الفقهية): 609، السرائر 2: 520، التحرير
2: 9، التذكرة 2: 615، راجع النهاية: 461.
(3) جامع المقاصد 12: 204.
(4) المحقق في الشرائع 2: 282، المبسوط 5: 310.
(5) القواعد 2: 9، المسالك 1: 464، الروضة 5: 156.
234

بغيره أم لا، فتنشر الحرمة من الأول.
كل ذلك للعمومات المؤيدة بدعوى الإجماع.
وكذا لو حملت من الثاني أيضا وإن زاد اللبن بعد الحمل، لأن الأصل
عدم حدوث اللبن من الثاني، وإمكان زيادته لا من جهة الحمل.. إلا إذا
انقطع انقطاعا طويلا ثم عاد في وقت يمكن أن يكون للثاني.
وقد يحد زمان الإمكان بمضي أربعين يوما من الحمل، فيكون اللبن
حينئذ للثاني، فينشر الحرمة له على نشر الحرمة حال الحمل.
بل يمكن القدح في ذلك في صورة الانقطاع مطلقا، لأن الأصل
حينئذ وإن كان بقاء الحالة المدرة للبن من الأول وعدم حدوثها من الثاني،
ولكن لا شك أن الانقطاع أيضا يكون إما لزوال الحالة الأولى، أو حدوث
حالة مانعة لها مع بقاء الحالة الأولى والأصل عدمها أيضا، إلا أن يتمسك
حينئذ باستصحاب الحكم، وهو نشر الحرمة بإرضاع هذه المرأة.
ومنه يعلم القدح ودفعه في صورة زيادة اللبن أيضا.
ولو ولدت من الثاني واتصل لبنها من الأول إلى زمان الوضع، فما
قبل الوضع للأول، لما مر، وما بعده للثاني، بإجماع أهل العلم - كما قيل -
فإن ثبت الإجماع، وإلا فلا دليل تاما عليه، سوى إضافة المسبب إلى أقوى
السببين - أي ولادة الثاني واستمرار الأول - وأن اللبن لبن الثاني عرفا
فيحكم به.
وكلاهما ضعيفان، لمنع صلاحية قوة ولادة الثاني في السببية أولا،
ومنع صلاحية مثل ذلك للترجيح ثانيا، وإمكان الاستناد إلى السببين ثالثا،
ومنع حكم العرف مع اطلاعه بالاتصال.
235

ومنه يعلم الحكم فيما لو در اللبن بنفسه واتصل إلى زمان الحمل
والولادة، فلو ثبت الإجماع في الأول ثبت الحكم في الثاني أيضا بالطريق
الأولى، وإلا فالإشكال جار هنا أيضا.
فرع: هل اللبن الموجود بعد السقط حكمه حكم الولادة، أم لا؟
الظاهر: أنه - إن كان الساقط بحيث يصدق عليه الولد، وعلى وضعه
الولادة بأن تمت خلقته مع ولوج الروح - يحرم.
وإن كان مضغة أو علقة - بل غير تام الخلقة - لم يحرم.
وفيما إذا تمت الخلقة ولم يولجه الروح إشكال، والأصل يقتضي عدم
الحرمة.
الشرط الثالث: أن تكون المرضعة حية.
بالإجماع كما عن ظاهر التذكرة والصيمري (1).
فلو ماتت في أثناء الرضاع وأكمل النصاب حال الموت باليسير ولو
جرعة لم ينشر حرمة وإن صدق عليه اسم الرضاع.
حملا له على الأفراد المعهودة المتعارفة.
ولتعليق الحكم على الإرضاع (2) أو لبن الامرأة ونحوها في الأخبار.
والأول في الميتة منتف.
وصدق الثاني عليها مجاز.
وعلى هذا، فلا ينفع الاستصحاب أيضا، لتبدل الموضوع.

(1) التذكرة 2: 615، حكاه عن الصيمري في الرياض 2: 86.
(2) في " ق ": الرضاع.
236

الشرط الرابع: أن يبلغ مقدارا معينا.
فإن مطلق الرضاع ومسماه غير كاف في نشر الحرمة، بل لا بد له من
مقدار معين زائد على أصل المسمى.
وهو مجمع عليه بين الطائفة إجماعا محققا، ومحكيا مستفيضا (1)،
والأخبار به مستفيضة بل متواترة، كما تأتي إلى بعضها الإشارة، وبها تقيد
مطلقات الرضاع وتخصص عموماتها.
وأما المكاتبة الصحيحة: عما يحرم من الرضاع؟ فكتب (عليه السلام): " قليله
وكثيره حرام " (2).
فلا يعلم منافاتها لها، لما فيها من الإجمال في الدلالة، لأن المذكور
فيها الرضاع الحرام، وكلامنا في الرضاع الموجب للحرمة، وهو ليس
بحرام، فالمراد من السؤال والجواب غير معلوم. ويمكن أن يكون السؤال
عن الرضاع بعد الفطام.
مضافا إلى أنها على فرض الدلالة غير حجة، لمخالفتها لإجماع
الطائفة، ومعارضتها للأخبار المتواترة، وموافقتها لمذهب مالك وأبي
حنيفة (3).
ثم إن نصاب سبب التحريم مقدر في الشرع بتقديرات ثلاثة: الأثر،
والزمان، والعدد.
أما الأول: فهو ما أنبت اللحم وشد العظم، واعتباره متفق عليه، بل

(1) كما في التذكرة 2: 619، المسالك 1: 465، الحدائق 23: 330.
(2) التهذيب 7: 316 / 1308، الإستبصار 3: 196 / 711، الوسائل 20: 377
أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 10.
(3) كما في المغني والشرح الكبير 9: 193.
237

صرح جماعة بالإجماع عليه (1)، وفي الإيضاح: إن عليه إجماع المسلمين (2).
وتدل عليه المستفيضة:
كصحيحة ابن سنان: " لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشد
العظم " (3).
وروايته: قلت له: يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان والثلاث؟
فقال: " لا، إلا ما اشتد عليه العظم ونبت اللحم " (4).
ورواية مسعدة: " لا يحرم من الرضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم،
فأما الرضعة والرضعتان والثلاث حتى بلغ عشرا إذا كن متفرقات
فلا بأس " (5).
وصحيحة ابن رئاب: ما يحرم من الرضاع؟ قال: " ما أنبت اللحم
وشد العظم "، قلت: فيحرم عشر رضعات؟ قال: " لا، لأنه لا تنبت اللحم
ولا تشد العظم عشر رضعات " (6).
ومقتضى تلك الأخبار: اعتبار الأثرين معا، كما هو الأظهر المحكي

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 465، الفيض في المفاتيح 2: 237،
صاحب الرياض 2: 86.
(2) الإيضاح 3: 47.
(3) الكافي 5: 438 / 1، التهذيب 7: 312 / 1293، الإستبصار 3: 193 / 698،
الوسائل 20: 382 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 3 ح 2.
(4) الكافي 5: 438 / 6، التهذيب 7: 312 / 1295، الإستبصار 3: 193 / 700،
الوسائل 20: 381 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 20 ح 23.
(5) الكافي 5: 439 / 10، التهذيب 7: 313 / 1297، الإستبصار 3: 194 / 702،
الوسائل 20 380 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 19.
(6) التهذيب 7: 313 / 1298، الإستبصار 3: 195 / 704، الوسائل 20: 374
أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 2.
238

عن الأكثر (1).
وفي اللمعة: الاكتفاء بأحدهما (2)، ونسبه في شرح النافع إلى جمع
من الأصحاب، ولعله للتلازم بين الأثرين كما قيل (3).
ولمفهوم الاستثناء في صحيحة حماد: " لا يحرم من الرضاع إلا ما
أنبت اللحم والدم " (4).
ومنطوق رواية عبيد: عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال: " ما
أنبت اللحم والدم "، ثم قال: " ترى واحدة تنبته؟ "، فقلت: اثنتان أصلحك
الله، قال: " لا "، فلم أزل أعد عليه حتى بلغت عشر رضعات (5).
وصحيحته: فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال: " ما أنبت اللحم
والدم "، فقلت: ما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال: " كان يقال: عشر
رضعات "، قلت: فهل يحرم عشر رضعات؟ فقال: " دع ذا " الحديث (6).
وجوابه: ثبوت (7) التلازم عندنا، وتخصيص الأخبار الثانية بالأولى
وإن كان التعارض بين منطوق الأولى ومفهوم الثانية بالعموم من وجه،
بمعنى: أن العرف يفهم من مثل ذلك الكلام التخصيص، فإنه إذا قال

(1) انظر المسالك 1: 466 والرياض 2: 86.
(2) اللمعة (الروضة البهية 5): 156.
(3) كما في نهاية المرام 1: 103.
(4) الكافي 5: 438 / 5، التهذيب 7: 312 / 1294، الإستبصار 3: 193 / 699،
الوسائل 20: 382 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 3 ح 1.
(5) الكافي 5: 438 / 3، الوسائل 20: 380 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 21.
(6) الكافي 5: 439 / 9، التهذيب 7: 313 / 1296، الإستبصار 3: 194 / 701،
الوسائل 20: 379 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 18.
(7) كذا في النسخ، والظاهر: عدم ثبوت التلازم عندنا.
239

المولى لعبد: لا تشتر إلا اللحم، ثم قال: لا تشتر إلا لحم البقر، يفهم إرادة
لحم البقر، ويذم لو اشترى لحم الإبل.
والمرجع في حصول الأثرين إلى قول أهل الخبرة، لأنه من
الموضوعات.
وهل يشترط فيه التعدد والعدالة، أم لا؟
ظاهر الأكثر: نعم، للأصل.
وقيل: لا، بل يكفي العدل الواحد (1)، واختاره السيد الداماد، لأنه من
باب الخبر دون الشهادة، ولحصول الظن.
وفيه: أنه مطالب بالدليل على حجية مطلق الخبر وعلى كفاية مطلق
الظن، بل يقدح في كفاية العدلين أيضا لعدم ثبوت كفاية شهادة العدلين
مطلقا، بل الأولى جعله منوطا بالعلم كما في السرائر والنهاية (2).
وأما ما قيل من أن المستفاد من بعض الأخبار - سيما صحيحة ابن
رئاب - أن التقدير بالمدة والعدد بيان للتقدير بالأثرين، فالأصل هو التقدير
بالأثر، والعلم به يتحقق بالتقديرين الأخيرين، فلا حاجة إلى الرجوع إلى
أهل الخبرة (3).
ففيه: أنه لا يستفاد ذلك من الأخبار أصلا، وحكم الشرع بحصول
النشر برضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة لا يدل على أنه لأجل
إيجابهما الأثرين، فلعلهما بنفسهما أيضا علتان مستقلتان.
بل في صحيحة محمد قال: " إذا رضع الغلام من نساء شتى فكان

(1) انظر المسالك 1: 465.
(2) السرائر 2: 551، النهاية: 461.
(3) انظر كشف اللثام 2: 23.
240

ذلك عدة أو نبت لحمه ودمه عليه حرم عليه بناتهن كلهن " (1) دلالة على
المغايرة، حيث جعل أحدهما قسيم الآخر.
نعم، تدل الصحيحة على عدم حصول الأثرين بعشر رضعات
فلا يحرم، لعدم كونها سببا لحصول الأثرين ولا علة مستقلة.
وعلى هذا، فيجب الرجوع إلى أهل الخبرة فيما زاد على العشر،
فيحكم بالنشر به إذا علم تحقق الأثرين به وإن لم يبلغ خمس عشرة
ولا يوما وليلة، ويحصل التعارض في العشر وما دونها بين قول أهل الخبرة
لو أخبروا بتحقق الأثرين وبين الصحيحة، وقول المعصوم مقدم.
فالحق: اشتراط التجاوز عن العشر في اعتبار الأثرين.
نعم، لو فرض حصول العلم بهما فيما دونها يحكم بالتحريم ويحمل
قول الإمام على الغالب، ولكنه فرض نادر.
ولا تعارض الصحيحة مرسلة ابن أبي عمير: " الرضاع الذي ينبت
اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يمتلي ويتضلع وينتهي نفسه " (2).
وخبر ابن أبي يعفور: عما يحرم من الرضاع؟ قال: " إذا رضع حتى
يمتلي بطنه فإن ذلك ينبت اللحم والدم وذلك الذي يحرم " (3).
إذ مدلولهما ليس أزيد من أن الرضعة الكذائية تنبت اللحم، وأما
إيجابها لشد العظم - الذي هو أثر الآخر أيضا - فلا يستفاد منهما، مع أنه

(1) الكافي 5: 446 / 15، الوسائل 20: 403 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 15 ح 2.
(2) الكافي 5: 445 / 7، التهذيب 7: 316 / 1306، الإستبصار 3: 195 / 707،
الوسائل 20: 383 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 4 ح 2.
(3) التهذيب 7: 316 / 1307، الإستبصار 3: 195 / 708، الوسائل 20: 383
أبواب ما يحرم بالرضاع ب 4 ح 1.
241

فيهما في مقام بيان الكمية المقدارية للرضاع المنبت للحم، فلا يعتبر إطلاقه
بالنسبة إلى الكمية العددية.
ولا موثقة عبيد المتقدمة، لعدم تصريحها بإنبات اللحم بعشر رضعات
من نفسه.
فرع: المعتبر الإنبات والشد الفعليان، فلا عبرة بما من شأنه ذلك
ومنعه مانع - كالمرض - بل يرجع فيه إلى العدد.
وأما الثاني - أي المدة -: فهو إرضاع يوم وليلة، وظاهر التذكرة
الإجماع على التقدير به (1)، وفي بعض شروح المفاتيح: وكونه ناشرا
للحرمة أيضا مما لا خلاف فيه.
واستدلوا له بموثقة زياد بن سوقة: هل للرضاع حد يؤخذ به؟ فقال:
" لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة
متواليات من امرأة واحدة، من لبن فحل واحد، لم يفصل بينها رضعة امرأة
غيرها " الحديث (2).
ويخدشها: أن دلالتها بمفهوم الوصف، الذي في اعتباره نظر.
فالمناط فيه: الإجماع إن ثبت، وإلا كما يستفاد من بعض شروح
النافع، حيث قال: وعلى القول بالاكتفاء باليوم والليلة يعتبر إرضاعه فيه
كلما طلبه. انتهى.
فإن فيه دلالة على وجود القول بعدم الاكتفاء.. فلا يكون دليل على

(1) التذكرة 2: 620.
(2) التهذيب 7: 315 / 1304، الإستبصار 3: 192 / 696، الوسائل 20: 374
أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 1.
242

التقدير به، بل مقتضى الأخبار المتقدمة - المصرحة بأنه: " لا يحرم من
الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشد العظم " - انتفاؤه لو لم يعلم حصول الأثرين
في إرضاع اليوم والليلة، وبها تعارض الموثقة على فرض دلالتها أيضا،
والتعارض بالعموم من وجه.
إلا أن بعد التعارض إما يرجح مفهوم الموثقة بالموافقة للشهرة
والإجماعات المنقولة، كما يرجح مفهوم تلك الأخبار المعارض مع منطوق
الموثقة في التحريم مع حصول الأثرين بذلك أيضا.
أو يرجع إلى الأصل، ومقتضاه أيضا التحريم بكل منهما، لعمومات
نشر مطلق الإرضاع الحرمة ومطلقاته، فيجب الحكم به ما لم يعلم الدليل
على الانتفاء، فلو تمت دلالتها لم يضرها المعارض، ولكن في دلالتها ما
عرفت.
فيبقى منطوق الأخبار المذكورة - في عدم التحريم ما لم يعلم الأثران -
خاليا عن المعارض المعلوم في التحديد باليوم والليلة، فالتقدير به مشكل
جدا وإن كان الأحوط غالبا اعتباره.
ثم على القول باعتباره، هل يعتبر مطلقا، كما عن المشهور (1)؟
أو بشرط عدم انضباط العدد؟ كما عن المبسوط وفي النهاية
والتذكرة (2)؟
وتظهر الثمرة مع عدم حصول الأثرين ونقصان العدد في اليوم
والليلة:

(1) الحدائق 23: 334.
(2) المبسوط 5: 292، النهاية: 461، التذكرة 2: 620.
243

فإن جعلنا المستند الموثق واعتبرنا مفهوم الوصف فإطلاقه يقتضي
الأول.
وإن جعلناه الإجماع خاصة وقلنا بثبوته فوجوب الاقتصار على
المجمع عليه يقتضي الثاني، والاحتياط غالبا مع الأول.
ويشترط في نشر الحرمة به - على القول به - ارتضاعه وشربه اللبن
كلما أراد حتى يروى ويصدر، لأنه المتبادر من رضاع يوم وليلة، بل هو
معناه.
ولا فرق في اليوم أو الليلة بين الطويل والقصير، لانجباره بالآخر
أبدا.
وفي الاكتفاء بالملفق إشكال، والأصل يقتضي العدم.
ويشترط عدم الارتضاع في الأثناء من لبن آخر، لانتفاء صدق إرضاع
اليوم والليلة معه.
وأما الثالث - وهو العدد -: فاعتباره في التقدير إجماعي، ونقل
الإجماع عليه مستفيض (1)، إلا أنهم اختلفوا في العدد المقدر به على أقوال:
الأول: أنه عشر رضعات.
وهو المحكي عن العماني والمفيد والسيد والحلبي والقاضي
والديلمي والحلي في أول كتاب النكاح (2)، وابني زهرة وحمزة والمختلف

(1) كما في المسالك 1: 465.
(2) حكاه عن العماني في المختلف: 518، المفيد في المقنعة: 502، حكاه عن
السيد في المختلف: 518، الحلبي في الكافي: 285، القاضي في المهذب 2:
190، الديلمي في المراسم: 149، الحلي في السرائر 2: 520.
244

والإيضاح واللمعة والسيد الداماد وابن فهد (1)، بل هو الأشهر كما صرح به
جماعة، منهم: الشهيد الثاني (2) والصيمري والسيد الداماد.
للاقتصار - في الخروج عن الأصل المستفاد عن مطلقات نشر الحرمة
بمطلق الإرضاع - على المتيقن، وهو ما عدا العشر، لضعف اعتبار ما دونها
كما يأتي.
ولحصول الأثرين بالعشر، كما تدل عليه صحيحة عبيد المتقدمة (3).
ولرواية الفضيل: " لا يحرم من الرضاع إلا المجبورة أو خادم أو ظئر،
ثم ترضع عشر رضعات يروى الصبي وينام " (4).
ولمفهوم الشرط في رواية مسعدة المذكورة (5).
وفي موثقة عمر بن يزيد: عن الغلام يرضع الرضعة والرضعتين،
فقال: " لا يحرم "، فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات، فقال: " إذا
كانت متفرقة فلا " (6).
ويمكن القدح في الجميع:

(1) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 609، ابن حمزة في الوسيلة: 301،
المختلف: 518، الإيضاح 3: 47، اللمعة (الروضة البهية 5) 157، المهذب
البارع 3: 241.
(2) المسالك 1: 466.
(3) في ص: 215.
(4) التهذيب 7: 315 / 1305، الإستبصار 3: 196 / 709، الوسائل 20: 377
أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 11. سميت المرضعة ظئرا لأنها تعطف على الرضيع
- مجمع البحرين 3: 386.
(5) في ص: 214.
(6) الكافي 5: 439 / 8، التهذيب 7: 314 / 1302، الإستبصار 3: 194 / 703،
الوسائل 20: 375 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 5.
245

أما الأصل الحاصل من العمومات، فبوجوب تخصيصها بما يأتي،
كما خص بما دون العشر.
وأما حصول الأثرين، فبالمنع منه.
والصحيحة غير تامة الدلالة عليه، لنسبته إلى القيل الغير الثابت
حجيته، بل المشعر بعدم الرضا به، مع ما في آخرها من قوله: " دع ذا "،
فلو كان حكم العشر حقا لما نسبه إلى غيره أولا، ولم يعرض عنه ثانيا،
مجيبا بما لا دخل له بالمقام، فيفهم منه أن ما ورد في النشر بالعشر ورد
تقية، أو لمصلحة أخرى.
هذا، مع معارضتها مع صحيحة ابن رئاب السالفة الناصة على عدم
الإنبات بالعشر، ومع الأخبار الأخر الآتية المصرحة بعدم النشر به المستلزم
لعدم الإنبات.
وأما البواقي، فبمعارضتها مع ما هو أكثر منها عددا وأصح سندا
وأوضح دلالة: كصحيحة ابن رئاب وموثقة زياد المتقدمتين (1).
وموثقة عبيد: " عشر رضعات لا يحرمن شيئا " (2).
وابن بكير: " عشر رضعات لا تحرم " (3).
مضافا إلى ما في رواية الفضيل من اشتمالها على أمرين مخالفين
للإجماع: اشتراط المجبورة، واشتراط النوم، مع اضطرابها باختلاف

(1) في ص: 214 و 218.
(2) التهذيب 7: 313 / 1299، الإستبصار 3: 195 / 706، الوسائل 20: 374
أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 3.
(3) التهذيب 7: 313 / 1300، الإستبصار 3: 195 / 706، قرب الإسناد:
170 / 622، الوسائل 20: 375 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 4.
246

ألفاظها، لروايتها تارة كما تقدم، وأخرى بغيره، وثالثة بسند صحيح مع
خلوها عن ذكر العدد، رواها في الفقيه (1)، الذي هو أضبط.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن الحكمين داخلان في المنطوق، وأما مفهوم
الاستثناء - الذي هو المفيد في المقام - فلا يتضمن حكما مخالفا للإجماع،
مع أن دخولهما في المنطوق أيضا غير ضائر، إذ غايته تخصيص بعض
أفراد المنطوق بالإجماع، وهو أمر غير عزيز.
مضافا إلى أنه يمكن أن يكون اشتراط الأول لأن التوالي - الذي هو
أيضا من الشروط - لا يتحقق غالبا إلا في تلك النسوة، والثاني لأنه يكون
مثل ذلك الإرضاع منوما، أو المعنى يكون من شأنه ذلك.
وأما حديث الاضطراب، ففيه: أنه وإن اختلف بعض عبارات
الرواية، إلا أنه لا مدخل له في مقام الاستدلال، الذي هو قوله: " ثم ترضع
عشر رضعات "، كما لا يضر خلوها على بعض أسنادها عن ذكر هذا العدد،
لأن الزيادة مقدمة على النقصان.
فلا قدح في هذه الرواية من هذه الجهات، كما لا قدح فيها وفي
الأخرين من حيث ضعف السند، لانجباره بالشهرة القديمة المحققة
والمحكية مستفيضة، بل صحة بعضها على بعض الطرق، كما فصله السيد
الداماد في رسالته.
بل يمكن رفع القدح عنها من جهة المعارض أيضا، لكون الثلاثة
أخص مطلقا من معارضاتها، لاختصاص الأولى بقوله: " حتى يروى
الصبي "، والثانيتين بغير المتفرقات، وعموم المعارضات بالنسبة إليهما،

(1) الفقيه 3: 307 / 1474، الوسائل 20: 376 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 7.
247

والخاص المطلق مقدم ولو كان موافقا للعامة، والعام مخالفا له، مع أن
العشر أيضا مخالف لجميع العامة، فإنهم بين قائل بالنشر بالمسمى (1) وقائل
بالنشر بالخمس (2).. فيتساويان من هذه الجهة، فالترجيح للخاص، ولولا
الترجيح لكان الحكم النشر بالعشر أيضا، للأصل الثابت بالعمومات.
ومن ذلك تظهر تمامية أدلة ذلك القول.
والثاني: أنه خمس عشرة رضعة.
اختاره الشيخ في النهاية والمبسوط وكتابي الأخبار والحلي في أول
باب الرضاع والمحقق والفاضل في بعض كتبه والمحقق الثاني في شرح
القواعد والشهيد الثاني (3)، ولعله المشهور بين المتأخرين، بل نسبه في كنز
العرفان إلى الأكثر مطلقا (4).
للأصل، فيقتصر على موضع الوفاق.
وموثقة زياد (5).
وثبوت التقدير بالعدد بالإجماع وانتفاؤه عن العشر بالأخبار، فلم تبق
إلا خمس عشرة رضعة.
والأصل مردود بالعمومات والخصوصات.
والموثقة بما مر من أعميتها مطلقا عما دل على حصول التحريم

(1) انظر المغني والشرح الكبير 9: 193.
(2) كما في المغني والشرح الكبير 9: 193.
(3) النهاية: 461، المبسوط 5: 292، التهذيب 7: 314، الإستبصار 3: 194،
السرائر 2: 551، المحقق في الشرائع 2: 282، الفاضل في التحرير 2: 9،
المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 217، الشهيد الثاني في المسالك 1: 466.
(4) كنز العرفان 2: 183.
(5) المتقدمة في ص: 218.
248

بالعشر المتوالية.
وانتفاؤه عن العشر بما مر من ثبوته بها.
والثالث: أنه رضعة واحدة كاملة.
حكي عن الإسكافي (1).
للعمومات.
وللمكاتبة الصحيحة.
ومرسلة ابن أبي عمير.
وخبر ابن أبي يعفور.
المتقدمة جميعا (2).
ورواية زيد بن علي: " الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحل له
أبدا " (3).
والعمومات مخصصة بما مر.
والمكاتبة غير دالة كما سبق.
بل وكذلك المرسلة والخبر على ما مر، والرواية محتملة لإرادة عدم
حلية الرضعة الواحدة بعد الفطام، فإن مرجع الضمير المجرور غير معلوم،
فلعله الفطيم.
هذا، مع أن الكل على فرض الدلالة مخالفة للشهرة القديمة
والجديدة، بل الإجماع، فعن حيز الحجية خارجة، ومع ذلك مع الروايات

(1) حكاه عنه في المختلف: 518.
(2) في ص: 212 و 217.
(3) التهذيب 7: 317 / 1309، الإستبصار 3: 197 / 712، الوسائل 20: 378
أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 12.
249

الغير العديدة معارضة، وبموافقة العامة مرجوحة.
ولا يتوهم موافقتها للكتاب - حيث قال: * (وأمهاتكم اللاتي
أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) * (1) - لعدم ثبوت حصول الأمومة
والأخوة بالرضعة الواحدة.
ومن بعض ما ذكر يظهر الجواب عن بعض أخبار أخر واردة في
الباب، الدالة على اعتبار رضاع حولين (2) أو سنة (3)، مع تحملهما
لاحتمالات أخر أيضا.
الشرط الخامس: أن يكون المرتضع في أثناء الحولين وقبل
استكمالهما.
فلا عبرة برضاعة بعدهما.
إجماعا محققا، ومحكيا عن الخلاف والغنية (4)، وفي التذكرة
والمختلف والقواعد وشرحه والإيضاح ونكت الشهيد والمسالك (5) وشرح
الصيمري وغيرها، وفي شرح المفاتيح: من غير خلاف، وهو الحجة فيه.
دون ما ورد في المستفيضة من أنه: " لا رضاع بعد فطام " (6) - ويفسر
الفطام في بعض الروايات بالحولين - وأن: " الرضاع قبل الحولين قبل أن
يفطم "، وأنه: " لا رضاع إلا ما كان في الحولين "، وإن استدل به أكثر

(1) النساء: 23.
(2) الوسائل 20: 379 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 16 و ب 5 ح 8 و 10.
(3) الوسائل 20: 378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 13 و 17.
(4) الخلاف 2: 320، الغنية (الجوامع الفقهية): 609.
(5) التذكرة 2: 619، المختلف: 519، القواعد 2: 10، جامع المقاصد 12:
221، الإيضاح 3: 48، المسالك 1: 469.
(6) الوسائل 20: 384 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5.
250

الأصحاب.
لاحتماله من وجهين:
أحدهما: باعتبار الحولين، حيث يحتمل أن يكون بالنسبة إلى
المرتضع وأن يكون بالنسبة إلى ولد المرضعة.
ولا يفيد تفسيره بالأول في الكافي والفقيه (1)، لعدم حجية قولهما،
مع احتمال غيره بحسب اللغة، سيما مع معارضته بتفسيره بالثاني في كلام
ابن بكير، كما نقله في التهذيبين بسند معتبر (2)، ويظهر منهما ارتضاؤه
أيضا لذلك التفسير، وحمل جمع من الأصحاب على ذلك بعض الأخبار
المشترط لعدم الفطام أيضا (3).
وثانيهما: باعتبار الرضاع المنفي بعدهما أو المثبت قبلهما، إذ ظاهر
أنه ليس المراد الرضاع الحقيقي لغة، والحقيقة الشرعية غير ثابتة، فيمكن
أن يكون نفي الرضاع المجوز، أو الوارد في الكتاب، أو غير ذلك من
المجازات، وكذلك في الإثبات.
ولا فرق في التحريم الحاصل بالرضاع قبل الحولين بكونه بعد الفطام
أو قبله، للأصل الثابت من العمومات.
خلافا للمحكي عن العماني (4)، فلم يحرم بما كان قبلهما بعد الفطام،
لبعض تلك الروايات المجملة.
كما لا فرق في عدمه بعدهما بينهما، للإجماع.

(1) الكافي 5: 444، الفقيه 3: 306.
(2) التهذيب 7: 317 / 1311، الإستبصار 3: 197 / 714.
(3) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 301، الحلبي في الكافي: 285.
(4) حكاه عنه في المختلف: 519.
251

خلافا للمحكي عن الإسكافي (1)، فحرم بما كان بعدهما متصلا قبل
الفطام، لبعض الروايات المذكورة المانع إجماله عن الاستدلال، مضافا إلى
شذوذها لو كان دالا.
والمراد بكون الرضاع قبل الحولين: عدم وقوع شئ من القدر
المعتبر بعد تمام الحولين.
وبالحولين: الهلاليتان، لأنها المتعارف المتبادر شرعا، وابتداؤهما من
حين انفصال تمام الولد، ولو كان في أثناء الشهر يتم المنكسر من الشهر
الخامس والعشرين ثلاثين يوما، للأصل المتقدم.
والحق: عدم اعتبار الحولين في ولد المرضعة، فينشر الحرمة لو وقع
الرضاع بعد حوليه إذا كان قبل حولي المرتضع، وفاقا للأكثر، بل ادعى
بعضهم عليه الإجماع (2).
لعموم أدلة نشر الحرمة بالرضاع.
وللاستصحاب.
خلافا للمحكي عن الحلبي وابني حمزة وزهرة (3)، بل عن الأخير
الإجماع عليه، له.
وللأصل.
وما نقل عن ابن بكير.
وظهور الأخبار المتقدمة في العموم.

(1) حكاه عنه في المختلف: 519.
(2) كما في الرياض 2: 88.
(3) الحلبي في الكافي: 285، ابن حمزة في الوسيلة: 301، ابن زهرة في الغنية
(الجوامع الفقهية): 609.
252

والأول ممنوع وبمثله معارض.
والثاني بالعمومات مدفوع.
والثالث ليس بحجة، ومع ذلك يعارضه ما ذكره الكليني والصدوق.
والرابع مردود بالإجمال وانتفاء العموم.
مع أنه لو حمل على العموم - بأن يراد الإرضاع بعد شئ من الحولين
أو شئ من الفطام - يلزمه خروج الأكثر، إذ لا يبقى له مورد سوى حولي
هذا المرتضع وولد مرضعته وفطامه، ويخرج جميع سائر الأفراد، فتأمل.
الشرط السادس: أن تكون الرضعة كاملة في الرضعات العددية
والزمانية.
أما في الأولى، فلأنها المتبادر إذا أضيف مثلها إلى العدد، فلا يقال:
عشر رضعات، إلا مع كون كل واحدة كاملة، ولو نقص بعضها يصح
السلب ويقال: إنها ليست بعشر.
ولتقييد عشر رضعات في رواية الفضيل السالفة (1) بالتي تروي الصبي
- أي كل واحدة منها - ولا يضر اشتمالها على اليوم أيضا، كما مر.
وأما في الثانية، فلما عرفت من عدم دليل تام على التقدير الزماني،
سوى الإجماع إن ثبت، فيجب الاقتصار فيه على المجمع عليه، وهو ما إذا
كانت الرضعات في اليوم والليلة كاملة.
وأما في حصول الأثرين، فصرح بعضهم بعدم اعتبار كمال
الرضعة (2)، بل يحرم لو علم حصولهما بالرضعات الناقصة - كما إذا

(1) في ص: 220.
(2) كما في الرياض 2: 87.
253

انحصرت رضعاته في أيام كثيرة بالناقصات - لصدق حصول الأثرين.
ولا تنافيه مرسلة ابن أبي عمير وخبر ابن أبي يعفور المتقدمين (1)،
لأن مدلولهما عدم حصول الإنبات بدون كمال الرضعة، فلو فرض حصول
العلم به بدونه يجب حمل الرواية على الغالب أو محمل آخر، وإن لم
يحصل العلم فلا تنافي.
ومنهم من استدل على اعتبار الكمال في الرضعات العددية والزمانية
بهاتين الروايتين، مع تصريحه بعدم اعتباره في الوصفية (2).
وهو غير جيد جدا، لأن مفادهما اعتبار الكمال في حصول الوصف
لا في العدد والزمان، والأصل عدم تعلقه بهما، مع أنه إذا لم يعتبر ذلك في
الوصف - الذي هو صريح الروايتين - كيف يعتبر في غيره لأجلهما؟!
والمراد بالرضعة الكاملة: ما عده العرف كاملا، وهو الذي يروي
الصبي وكان من شأنه إنامته كما في رواية الفضيل، والذي يتضلع معه
الصبي وتنتهي نفسه، فهما مع ما يعده العرف متحدان أو متقاربان.
ثم إنه تحسب الرضعات المتخللة بينها لفظ الثديين للتنفس أو الملاعبة
أو المنع من المرضعة مع المعاودة وحصول الكمال بعدها رضعة واحدة إن لم
يطل الفصل، وإلا احتسب الجميع كالآحاد رضعات ناقصات، فلا ينشر حرمة.
الشرط السابع: أن لا يفصل بين الرضعات رضاع من امرأة أخرى
في الرضعات العددية.
فلو تخللت رضعة أخرى بينها - كأن يرتضع من امرأة تسع رضعات

(1) في ص: 217.
(2) انظر الرياض 2: 87.
254

ومن أخرى رضعة، ثم من الأولى رضعة أخرى - لم ينشر الحرمة.
إجماعا كما في التذكرة وعن الخلاف والغنية (1).
للتصريح في روايتي مسعدة وعمر بن يزيد (2) ب‍: أن الرضعات
المتفرقات لا تحرم، واشتراط التوالي في موثقة زياد السابقة (3).
وأما تخلل غير الرضاع من المأكول والمشروب فغير مانع عن نشر
التحريم هنا، كما هو ظاهر المقنعة والنهاية والتذكرة والنافع وصريح السرائر
والقواعد (4)، وشرح النافع لصاحب المدارك، وغيرها (5)، بل في الثاني
الإجماع عليه، بل لعله إجماعي، فإن ثبت فهو، وإلا فإثبات التحريم مع
تخلل الأكل والشرب بدليل آخر مشكل.
إذ ليس إلا موثقة زياد، حيث خص الفصل بالرضعة.
وما قالوا من عدم صدق التفرق إلا مع تخلل الرضعة، كما يصدق
صيام الأيام المتتالية ما لم يتخلل عدم صوم يوم آخر، ولا يضر تخلل
الليلة، فإن المتبادر من المتفرقات ما تخلل بينها من جنسها، وإلا فتوقف
حصول التعدد على تخلل شئ ظاهر.
وفي الأول: أنه لم يخص بالرضعة، بل ذكر أولا قوله: " متواليات ".
وكون ما بعده تفسيرا لذلك غير معلوم.

(1) التذكرة 2: 620، الخلاف 2: 319، الغنية (الجوامع الفقهية): 609.
(2) المتقدمتين في ص: 214 و 220 - 221.
(3) في ص: 218.
(4) المقنعة: 502، النهاية: 461، التذكرة 2: 620، النافع: 175، السرائر 2:
520، القواعد 2: 10.
(5) كالمسالك 1: 468.
255

وفي الثاني: منع عدم صدق التفرق وعدم التوالي مع تخلل المأكول
والمشروب، سيما مع طول مدة التخلل.
ولا يرد: أنه لو لم يعلم عدم صدق التفرق فلا يعلم التفرق أيضا،
فيبقى تحت عمومات التحريم بمطلق الرضاع بلا معارض.
إذ على هذا تبقى (1) عمومات عدم التحريم ما لم ينبت اللحم والعظم
أيضا بلا معارض، وهي أخص من الأولى، والمسألة مشكلة جدا
والاحتياط لا يترك.
هذا في الرضعات العددية.
وأما الزمانية، فصرح الأكثر بأنه يشترط فيها أن لا يفصل بين
الرضعات رضعة ولا مأكول ولا مشروب آخر (2).
لعدم صدق رضاع اليوم والليلة مع تخلل رضعة أخرى أو أكل أو
شرب، إذ معنى رضاع اليوم والليلة من امرأة: أن الرضاع المتعارف في
اليوم والليلة يكون منها، ومع تخلل أكل أو شرب لا يكون كذلك، مع أن
الدليل التام على اعتباره الإجماع لو ثبت، وما ثبت اعتباره بالإجماع ما لم
يتخلل شئ أصلا.
وأما في حصول الأثرين، فلا يشترط عدم تخلل أصلا، كما صرح به
في شرح النافع والمسالك (3)، بل ينشر مع حصول العلم بالإنبات من هذا
اللبن الخاص ولو تخلله رضعة أو مأكول أو مشروب، للأصل، وصدق الوصف.

(1) في النسخ زيادة: ولا يضره، وقد أسقطناها لاستقامة المتن.
(2) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 468، السبزواري في الكفاية: 159، صاحب
الرياض 2: 87.
(3) المسالك 1: 468.
256

ولكن في حصول العلم بذلك مع التخلل إشكالا، بل الظاهر - كما
قيل (1) - عدم حصول الإنبات حينئذ باللبن الواحد وحده، ولذا صرح
بعضهم باشتراط عدم التخلل في الرضعات الوصفية أيضا (2).
وهل يشترط في منع الرضعة المتخللة عن نشر الحرمة كونها كاملة
كما في التذكرة (3)؟
أو لا، بل يحصل بأقل الرضعة أيضا، كما في القواعد والمسالك
والروضة (4)؟
الظاهر هو: الثاني، لصدق التفرق مع غير الكاملة أيضا، وتبادر
الكاملة - كما قيل (5) - ممنوع.
وهل يشترط في التوالي اتحاد المرضعة؟
أم يكفي اتحاد الفحل؟
الحق هو: الأول.
لظاهر موثقة زياد.
وصدق التفرق مع تخلل لبن امرأة أخرى.
وللتصريح في بعض الأخبار بأنه: " لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع
من ثدي واحد " (6).
ولا يضر زيادة حولين أو سنة بعد ما ذكر مع أنه خلاف الإجماع، إذ

(1) انظر كشف اللثام 2: 29.
(2) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 29.
(3) التذكرة 2: 620.
(4) القواعد 2: 10، المسالك 1: 468، الروضة 5: 163.
(5) انظر المسالك 1: 468، الرياض 2: 87.
(6) الفقيه 3: 307 / 1476، التهذيب 7: 317 / 1310، الإستبصار 3: 197 / 713،
الوسائل 20: 386 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 8 و ب 2 ح 13 و 17.
257

فساد جزء من الخبر لا يفسد غيره، مع أن فساده غير معلوم، لإمكان
الحمل على محامل صحيحة.
فرع: لو أرضعت امرأة خمسا كاملة ثم واحدة ناقصة ثم خمسا
كاملة، فهل ينشر، أو يستأنف النصاب؟
الظاهر: الأول، لعدم صدق التفرق.
الشرط الثامن: أن يرتضع من الثدي.
فلو وجر في حلقه أو سعط به أو احتقن أو أكله جبنا لم ينشر
الحرمة.
على المشهور بين الأصحاب، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه (1)،
وفي المسالك: لا نعلم فيه خلافا لأحد من أصحابنا إلا ابن الجنيد (2).
لأنه المتبادر من الإرضاع، بل لا يحصل مسمى الرضاع والإرضاع
والارتضاع إلا بذلك، فإنه لا يقال لمن شربه من غير الثدي: إنه ارتضع،
فكيف بمن احتقن به أو أكله جبنا؟! بل يقال للوجور: أشربه اللبن.
ولذا ورد في مرسلة الصدوق الآتية: أن الوجور بمنزلة الرضاع،
فليس هو نفس الرضاع.
ولذا لم يستعمل في الصحيحين الآتيين - المتضمنين لسقي الزوجة
زوجها أو جاريته - الرضاع، بل استعمل السقي.
ويؤيده أيضا ما ورد في الصحيحين:

(1) التذكرة 2: 617.
(2) المسالك 1: 468.
258

أحدهما: " لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين
كاملين " (1).
والآخر: " لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد
سنة " (2).
وفي الآخرين، أحدهما: عن امرأة حلبت من لبنها فسقت زوجها
لتحرم عليه، قال: " أمسكها وأوجع ظهرها " (3).
والآخر: إن امرأتي حلبت من لبنها في مكوك فسقته جاريتي، فقال:
" أوجع امرأتك وعليك بجاريتك " (4).
وإنما جعلناها مؤيدة لا أدلة - كما فعله بعضهم (5) - إذ لا دلالة في قوله:
" من ثدي " في الأولين على المص منه، لصدقه مع كون اللبن منه كيف ما
شرب، ولأن الظاهر من الثانيين وقوع الشرب بعد الحولين وعدم وصوله
أحد المقدرات الثلاثة وإن أمكن التعميم بترك الاستفصال، ولكنه بعيد
جدا.
خلافا للمحكي عن الإسكافي (6)، فاكتفى بالوجور، وهو مختار

(1) المتقدم في ص: 231.
(2) التهذيب 7: 318 / 1315، الإستبصار 3: 198 / 718، الوسائل 20: 378
أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 13.
(3) الكافي 5: 443 / 4، الوسائل 20: 385 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 3.
(4) الكافي 5: 445 / 5، الوسائل 20: 393 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 7 ح 1.
والمكوك: المد، وقيل: الصاع، والأول أشبه لما جاء مفسرا بالمد - مجمع
البحرين 5: 289.
(5) كالعلامة في المختلف: 520.
(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 519.
259

مواضع من المبسوط (1)، مدعيا في بعضها ما يظهر منه الإجماع، وإن وافق
المشهور في موضع آخر منه (2). وقواه في المفاتيح (3) وشرحه.
لأن الغاية المطلوبة - التي هي إنبات اللحم وشد العظم - قد تحصل منه.
ولمرسلة الصدوق: " وجور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع " (4).
ويرد الأول: بمنع كون الغاية هو الإنبات من حيث هو هو خاصة،
لاحتمال كون الرضاع والمص من الثدي له مدخلية في نشر الحرمة، كما أن
للولادة أو الحمل مدخلية فيه، وليست العلة بنفس الإنبات منصوصة،
وتعليل عدم التحريم بعدم الإنبات في بعض الروايات (5) لا يدل على تعليل
التحريم بالإنبات.
نعم، يستفاد من الأخبار نشر الحرمة من الرضاع الموجب للإنبات،
وغاية ما يمكن أن يقال فيه العلة المستنبطة، وهي عندنا غير
حجة.
والثاني: بمنع الدلالة، لأنها فرع ثبوت عموم المنزلة، وهو ممنوع،
فيمكن أن يكون في حرمة الرضاع بعد الفطام.
الشرط التاسع: أن يرتضع المرتضع الحد المعتبر من لبن فحل
واحد من مرضعة واحدة.

(1) المبسوط 5: 294.
(2) المبسوط 5: 295.
(3) المفاتيح 2: 238.
(4) الفقيه 3: 308 / 1485، الوسائل 20: 394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 7 ح 3.
(5) التهذيب 7: 313 / 1298، الإستبصار 3: 195 / 704، الوسائل 20: 374
أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 2.
260

فلو حصل القدر المعتبر من لبن فحلين من مرضعة واحدة أو من لبن
مرضعتين ولو من فحل واحد لم ينشر حرمة أصلا، لا بواسطة الأمومة
ولا الأبوة ولا ما يتفرع عليهما.
فلو أرضعته امرأة واحدة الرضاع المعتبر من لبن فحلين، كأن أرضعته
من لبن زوجها خمس رضعات، ثم انقطع لبنها وعاد بعد مدة طويلة من
غير وطء، فأرضعته من اللبن الثاني خمسا أخر.
أو فارقها الزوج الأول فتزوجت بغيره فأكملت الرضعات من الثاني،
ويتصور ذلك بأن يستقل الولد بالمأكول أو شرب اللبن وجورا في المدة
المتخللة، وقلنا بأن ذلك غير ضائر في التفرق.
لم تصر المرضعة أما للمرتضع، ولا ينشر الحرمة بينهما ولا بينه وبين
أولادها النسبية أو الرضاعية.
وكذا لو كان لفحل امرأتين مرضعتين، وارتضع صبي بعض العدد
المعتبر من لبن امرأة وأكمله من أخرى، لم يصر الفحل أبا له ولم ينشر
الحرمة، مع أن الفحل متحد.
فلا تحصل الأمومة لمرتضع من لبن فحلين ولو اتحدت المرضعة،
ولا الأبوة من لبن مرضعتين له ولو اتحد الفحل.
بالإجماع في الحكمين على ما حكي عن التذكرة (1)، وقيل: بلا خلاف
فيه (2).

(1) التذكرة 2: 620.
(2) انظر الرياض 2: 88.
261

إلا أن بعض شراح المفاتيح نسب الخلاف هنا إلى الطبرسي أيضا،
ولم يثبت.
والوجه فيه - بعد التأيد بعدم تصور أم لشخص لا أب له، ولا أب
لمن لا أم له، ولا أخ أو أخت بدون الأبوين، ولا أب في الأول، لعدم
حصول العدد المعتبر من فحل واحد، ولا أم في الثاني، لعدم حصوله من
امرأة واحدة:
موثقة زياد بن سوقة المتقدمة، حيث دلت على أن كل رضاع أقل من
رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متوالية من امرأة واحدة من لبن
فحل واحد لا يوجب حرمة أصلا، خرج منها ما خرج من العشر وما فوقها
إذا كانت من امرأة واحدة من فحل واحد، فيبقى الباقي.
ويدل عليه أيضا ما صرح بأن العشر المتفرقة لا تحرم، فإن الرضعات
في الصورتين متفرقة فلا توجب تحريما، ويثبت الحكم في جميع الموارد
بعدم الفصل.
وتدل عليه أيضا صحيحة العلاء: " لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع
من ثدي واحد سنة " (1).
دلت على اشتراط اتحاد المرضعة، فلا ينشر التحريم بالعشر،
الحاصل من مرضعتين ولو من فحل، وأما الحاصل من مرضعة من فحلين
فهو إما غير متصور على ما اخترنا من اشتراط عدم تخلل الأكل والشرب
أيضا، أو نادر على القول الآخر لا اهتمام بشأنه، مع أن بعد الثبوت في أحد

(1) الفقيه 3: 307 / 1475، التهذيب 7: 318 / 1315، الإستبصار 3: 198 / 718،
الوسائل 20: 378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 13.
262

الطرفين يثبت في الآخر بالإجماع المركب.
الشرط العاشر - وهو شرط لحصول التحريم بالأخوة الرضاعية بين
المرتضعين -:
أن يكون رضاعهما معا إلى الحد المعتبر من لبن فحل واحد،
ولا تكفي الأخوة من جهة الأم خاصة في ثبوت التحريم، فلو ارتضع أحد
الصغيرين من امرأة من لبن فحل القدر المعتبر، والآخر منها من لبن فحل
آخر القدر المعتبر، لم يثبت التحريم بينهما.
ولا يشترط اتحاد المرضعة بعد اتحاد الفحل، بل تكفي الأخوة
الرضاعية من جهة الأب، فلو ارتضع مائة من لبن فحل واحد كل القدر
المعتبر حرم بعضهم على بعض ولو تعددت المرضعات، كما لو كانت
منكوحات فحل مائة أرضعت كل واحدة رضيعا واحدا، فيحرم بعضهم
على بعض والكل على الفحل.
والحاصل - كما ذكرنا -: أنه لا تكفي الأخوة من جهة الأم خاصة في
التحريم وتكفي من جهة الأب.
أما المطلب الأول، فهو الحق المشهور بين الأصحاب، بل في
التذكرة: إجماعنا عليه (1)، وكذلك في المسالك (2)، وفي شرح القواعد: إنه
لا خلاف فيه بين أصحابنا (3)، بل قيل: ادعى جمع من الأصحاب عليه
الإجماع (4).

(1) التذكرة 2: 621.
(2) المسالك 1: 469.
(3) جامع المقاصد 12: 223.
(4) انظر الكفاية: 159.
263

للمستفيضة من الروايات:
منها صحيحة الحلبي: عن رجل يرضع من امرأة وهو غلام أيحل له
أن يتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟ فقال: " إن كانت المرأتان رضعتا من
امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل، وإن كانت المرأتان رضعتا من
امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك " (1).
وموثقة الساباطي: عن غلام رضع من امرأة أيحل له أن يتزوج أختها
لأبيها من الرضاعة؟ قال: فقال: " لا، قد رضعتا جميعا من لبن فحل واحد
من امرأة واحدة "، قال: قلت: فيتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟ قال:
فقال: " لا بأس بذلك إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي
أرضعت الغلام فاختلف الفحلان فلا بأس " (2).
وصحيحة العجلي، وفيها: فقلت له: أرأيت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب " فسر لي ذلك، قال: " كل امرأة أرضعت
من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع الذي قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد
من جارية أو غلام، فإن ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وإنما هو من نسب ناحية الصهر
رضاع ولا يحرم شيئا، وليس هو سبب رضاع من ناحية الفحولة فيحرم " (3).

(1) الكافي 5: 443 / 11، التهذيب 7: 321 / 1323، الإستبصار 3: 201 / 726،
الوسائل 20: 389 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 3.
(2) الكافي 5: 442 / 10، الإستبصار 3: 200 / 724، الوسائل 20: 388 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 6 ح 2.
(3) الكافي 5: 442 / 9، الفقيه 3: 305 / 1467، الوسائل 20: 388 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 6 ح 1.
264

قيل - في وجه الاستدلال بها -: إن الظاهر كون: " واحدا بعد واحد "
مفعولا ل‍: " أرضعت " و: " من جارية أو غلام " بيانا لهما، ولا يحتمل
الحالية عن الفحلين، لأنه لا يستفاد منه شئ زائد عما استفيد قبله، فيكون
تأكيدا، والتأسيس أولى منه، ولأنها توجب إما تقدير المفعول، أو جعل
الجار زائدة، وكلاهما خلاف الأصل، أو جعله مجموع الجار ومدخوله،
وهو خلاف الظاهر (1).
وفيه: أنه على الأول: يكون قوله: " من جارية أو غلام " أيضا لا يفيد
غير التأكيد، والتأسيس أولى منه، وكون تقدير المفعول بعد تقدمه خلاف
الأصل غير ظاهر.
مع أنه على الأول أيضا يحتاج إلى خلاف أصل في الحكم، إذ حينئذ
وإن لم يثبت التحريم بين المرتضعين، ولكنه يثبت بين أحدهما وبين
المرضعة أو الفحل وما يتفرع عليهما، فلا بد من ارتكاب التخصيص في
قوله: " ولا يحرم شيئا وليس هو سبب رضاع من ناحية الفحولة "، وهذان
يخصصان، مع أنه تفسير للرضاع المحرم، وهذا أيضا رضاع محرم..
فلا تم قوله: " فإن ذلك ليس بالرضاع الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".
والحمل على تفسير الرضاع المحرم كليا تحريما عاما حتى لأحد
الرضيعين على الآخر لا أصل التحريم ولو كان جزئيا.
بعيد جدا، فالظاهر تساوي الاحتمالين وسقوط الاستدلال بأحدهما
من البين.

(1) انظر الرياض 2: 89.
265

نعم، يتم الاستدلال بها من جهة التعليل المذكور في ذيل الصحيحة
بقوله: " وإنما هو من نسب ناحية الصهر " إلى آخره، إذ مع تعدد الفحل
يصدق كون الأخوة من ناحية الصهر لا من ناحية لبن الفحولة.
بل يمكن الاستدلال بها بأنه على الاحتمال الثاني يدل من جهة
فحوى الخطاب على المطلوب، إذ بعد دلالتها على [عدم] (1) حصول البنوة
من جهة الأمومة خاصة فلا تحصل الأخوة من جهتها بطريق أولى.
ومنه يظهر إمكان الاستدلال بما استدل به للشرط السابق أيضا،
ويؤيده أيضا ما دل على [عدم] (2) اعتبار اللبن الخالي عن
النكاح.
وقد يستدل لذلك القول بصحيحة مالك بن عطية: في الرجل يتزوج
المرأة فتلد منه، ثم ترضع من لبنها جارية، أيصلح لولده من غيرها أن
يتزوج بتلك الجارية التي أرضعتها؟ قال: " لا، هي بمنزلة الأخت من
الرضاعة، لأن اللبن لفحل واحد " (3).
وصحيحة الحلبي، وفيها: عن امرأة رجل أرضعت جارية أتصلح لولده
من غيرها؟ قال: " لا "، قلت: فنزلت بمنزلة الأخت من الرضاعة؟ قال:
" نعم، من قبل الأب " (4)، وما في معناهما من الأخبار.
وفيه نظر، لأن مقتضاها: أن الاشتراك في لبن الفحل الواحد يوجب

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(3) الفقيه 3: 306 / 1473، الوسائل 20: 393 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6
ح 13.
(4) الكافي 5: 444 / 4، الوسائل 20: 403 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 15 ح 1.
266

التحريم، أي كفاية الأخوة من جهة الأب - وهو المطلب الثاني - لا انحصار
جهة التحريم فيه وعدم كفاية الأخوة من جهة الأم فقط.
ثم إنه خالف في ذلك الشيخ أبو علي الطبرسي - صاحب التفسير -
فاعتبر الأخوة للرضاعة من جهة الأم خاصة أيضا (1)، وحكي عن الراوندي
في فقه القرآن (2)، وقواه صاحب المفاتيح (3) وشارحه، واستجوده في
المسالك (4)، ونسبه السيد الداماد في رسالته إلى فقهاء العامة كما نسبه جمع
آخر على ما حكي (5).
لعموم * (وأخواتكم من الرضاعة) * (6).
ونحو قوله (صلى الله عليه وآله): " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " (7).
ورواية محمد بن عبيد الهمداني، وفي آخرها: فقال لي
أبو الحسن (عليه السلام): " ما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من
قبل الأمهات، وإنما حرم الله الرضاع من قبل الأمهات وإن كان لبن الفحل
أيضا يحرم " (8).
والجواب عن العمومات: أنها مخصصة بما مر.

(1) مجمع البيان 2: 28.
(2) فقه القرآن 2: 90.
(3) المفاتيح 2: 235.
(4) المسالك 1: 470.
(5) انظر الرياض 2: 89.
(6) النساء: 23.
(7) الفقيه 3: 305 / 1467، الوسائل 20: 271 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 1.
(8) الكافي 5: 441 / 7، التهذيب 7: 320 / 1322، الوسائل 20: 391 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 6 ح 9.
267

مع أنه قيل: في كون المرتضعة بلبن هذه المرضعة من فحل آخر أختا
رضاعية نظر، لأن الأخت الرضاعية أمر شرعي، وكون المذكورة مندرجة
تحتها محل النزاع، فلا بد من دليل يدل عليه، فشمول الآية له غير معلوم،
بل وكذلك كونها أختا أميا رضاعية، فلا يعلم شمول: " يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب " أيضا (1).
وفيه نظر، لأنا نعلم أن الأخت والأخ الأميين هما المتحدان في الأم،
وهذه المرضعة أمه إجماعا، بل نصا..
ففي صحيحة ابن سنان: عن امرأة أرضعت غلاما مملوكا لها من
لبنها حتى فطمته هل لها أن تبيعه؟ قال: فقال: " لا، هو ابنها من
الرضاعة " (2).
مضافا إلى استعمال الأخت في الأمية الرضاعية في صحيحة الحلبي
وموثقة الساباطي المتقدمتين.
وعن الرواية: أنها قاصرة مجملة، لأن محط الاستدلال قوله: " وإنما
حرم الله الرضاع من قبل الأمهات "، وليس باقيا على معناه الظاهر،
إذ لم يحرم الله سبحانه الرضاع من قبل الأمهات أصلا، بل المراد معنى
آخر.
وأما أنه يحرم الرضاع من قبل الأمهات فليس بمعلوم.
سلمنا أن المراد ذلك، ولكن لا عموم فيه أصلا، إذ غايته أن الرضاع

(1) كفاية الأحكام: 160.
(2) الكافي 5: 446 / 16، الوسائل 20: 405 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 17 ح 1.
268

يحرم شيئا من قبل الأمهات أيضا، وهو مسلم، لأنه يحرم المرضعة وكذا
أولادها النسبية إجماعا كما في السرائر وفي الكفاية (1)، وأما أنه يحرم كلما
يتصور تحريمه بسبب الرضاع فكلا.
وبعبارة أخرى: الأمهات حقيقة في النسبية، ومعنى تحريم الرضاع من
قبل الأمهات: أنه يحرم من أرضعته أمك النسبية.
سلمنا عموم التحريم، ولكنه يعارض ما مر، وهو راجح بكونه أشهر
رواية ومخالفا للعامة، وقد ورد في علاج التعارض: أنه خذ بما اشتهر
بين أصحابك وبما خالف العامة (2).
وأما المطلب الثاني - وهو كفاية الأخوة من جهة الأب خاصة في
ثبوت التحريم - فهو إجماعي بيننا، وتدل عليه المتواترة من الأخبار، منها:
رواية محمد بن عبيد وصحيحتا مالك والحلبي المتقدمة جميعا (3)، ومنها:
صحيحة البزنطي (4) وموثقة سماعة (5)، وغير ذلك.
فرعان:
أ: ما ذكرنا من عدم كفاية الأخوة من جهة الأم خاصة إنما هو في
المرتضعين، أي الإخوتين الرضاعيتين.

(1) السرائر 2: 553، الكفاية: 160.
(2) كما في الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
(3) في ص: 239 و 240.
(4) قرب الإسناد: 369 / 1323، الوسائل 20: 390 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 7.
(5) الكافي 5: 440 / 2، التهذيب 7: 319 / 1317، الإستبصار 3: 199 / 720،
الوسائل 20: 390 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 6.
269

أما إذا كان أحدهما نسبيا فيثبت التحريم بينهما إجماعا، كما في
السرائر والكفاية.
وتدل عليه رواية محمد بن عبيد المتقدمة.
وصحيحة محمد: " إذا رضع الغلام من نساء شتى فكان ذلك عدة أو
نبت لحمه ودمه عليه حرم عليه بناتهن كلهن " (1).
وصحيحة جميل: " إذا أرضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شئ
من ولدها وإن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه، وإذا أرضع
من لبن الرجل حرم عليه كل شئ من ولده وإن كان من غير المرأة التي
أرضعته " (2).
ب: يحرم على المرتضع: أم المرضعة وأختها وعمتها وخالتها نسبية
كانت أو رضاعية.
بالإجماع في النسبية.
وعلى الأظهر الأشهر في الرضاعية إذا كانت ارتضاعهن مع المرضعة
من فحل واحد، بل نسب إلى إطلاقات كلام الأصحاب، بل صريحهم في
المسألة (3).
لعموم: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ".
وخصوص صحيحة الحلبي وموثقة عمار المتقدمتين في أختها

(1) الكافي 5: 446 / 15، الوسائل 20: 403 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 15 ح 2.
(2) التهذيب 7: 321 / 1325، الإستبصار 3: 201 / 728، الوسائل 20: 403
أبواب ما يحرم بالرضاع ب 15 ح 3.
(3) انظر الرياض 2: 90.
270

الرضاعية.
خلافا للقواعد والمحقق الثاني، فنفيا التحريم في المنتسبات إليها
بالرضاع مطلقا (1)، سواء كان رضاعهن معها من فحل واحد أو فحلين،
لعدم اتحاد الفحل بين المرتضع والنسوة المزبورات.
قال في شرح القواعد ما خلاصته: قد حققنا أن حرمة الرضاع لا
تثبت بين مرتضعين إلا إذا كان اللبن لفحل واحد، وحكينا خلاف الطبرسي،
فلو كانت لمن أرضعت صبيا أم من الرضاع لم تحرم تلك الأم على الصبي،
لأنها نسبتها إليه بالجدودة إنما تتحصل من رضاعه من مرضعة ورضاع
مرضعته منها، ومعلوم أن اللبن في الرضاعين ليس لفحل واحد، فلا تثبت
الجدودة بين المرتضع والأم المذكورة.
ومن هذا يعلم أن أختها من الرضاع وعمتها منه وخالتها منه لا يحرمن
وإن حرمن بالنسبية.
ولو كان المرتضع أنثى لا يحرم عليها أبو المرضعة من الرضاع
ولا أخوها منه ولا عمها منه ولا خالها منه، لمثل ما قلناه. انتهى.
وفساده واضح جدا، إذ ما اعتمدا عليه - في تخصيص عمومات تحريم
الرضاع من الموثقة والصحيحة المتقدمتين - يتضمن تحريم الخالة
الرضاعية، واشتراط اتحاد الفحل إنما هو في حصول البنوة والأخوة
لا مطلقا، ولو كان المراد ما ذكراه ما كان للتعليل - كالحكم بسببه - وجه،
لعدم اتحاد فحلي المرتضع والخالة الرضاعية، بل لم تحرم العمة وأم الأب

(1) القواعد 2: 11، جامع المقاصد 12: 257، 258.
271

الرضاعية، لعدم اتحاد الفحل بهذا المعنى، بل اتحاد الفحل في الخالة
والجدة ونحوهما لا يكاد تعقل صحته.
272

البحث الثاني
في بيان المحرمات بالرضاع بعد استكمال الشرائط
وفيه مقدمة ومطلبان:
المقدمة
في بيان معنى قوله: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " أو: " من
القرابة " (1).
والمراد منه: أن كل حرمة تنشأ من النسب فهي تنشأ من الرضاع
أيضا، فاللبن له تأثير كتأثير المني، ولذلك ورد: " إن الرضاع لحمة كلحمة
النسب " (2)، فكل عنوان له اسم في الأنساب وحكم في السنة والكتاب
بتحريمه فاجعل في حذائه ما يشبهه مما حصل منه الرضاع، إلا فيما استثني
من اشتراط اتحاد الفحل وغيره.
فالمراد: أنه يحرم من جهة الارتباط الحاصل من الرضاع ما يحرم من
جهة الارتباط الحاصل بالنسب، ومفاده: أن كل وصف نسبي يوجب
التحريم يوجب نظيره من الوصف الرضاعي، كالولد والأخ والأخت
والأم والأب وغير ذلك.

(1) التهذيب 7: 291 / 1222، الوسائل 20: 271 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1
ح 2.
(2) راجع ص: 204.
273

وأما الارتباط والوصف الحاصلان بسبب المصاهرة فلم يثبت التحريم به
بواسطة الرضاع، بل يثبت بثبوت أصل الارتباط والوصف أيضا،
فمرضعة الولد لا تصير زوجة رضاعية، ولا أمها أم الزوجة الرضاعية.
فلا دلالة في الرواية على أن ما يحرم بالمصاهرة الحقيقية يحرم
بالمصاهرة الرضاعية أيضا، ولا أن ما يحرم بالنسب والمصاهرة يحرم
بالرضاع أيضا.
بل مدلولها: أن ما يحرم بالنسب يحرم نظيره بالرضاع، فلا بد في كل ما
يراد الحكم بتحريمه بالرضاع بواسطة هذه الرواية أن ينظر إلى الوصف
الحاصل منه بالرضاع، فإن كان المتصف بهذا الوصف مما يحرم بسبب
النسب وثبتت حرمته بدليل يحرم بالتحريم بالرضاع أيضا، وإلا فلا.
274

المطلب الأول
في بيان من يحرم
ومن يحرم بكليتها ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: من يحرم بسبب القرابة خالصة، وهن القرابات
النسبية، فإن نظائرهن يحرمن بالرضاع، والقرابات النسبية الإناثية تسع، إلى
آخر ما مر في المقدمة في صدر المبحث.
أما دليل حرمة هؤلاء القرابات كلا - بعد الإجماع - قوله في صحيحة ابن
سنان: " يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة ".
وفي صحيحتي الكناني (1) والحلبي (2) وروايتي داود (3) وأبي بصير (4):
" يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ".
بل هذه العبارة واردة في روايات أخرى عديدة، بل ثابتة عن الحجة

(1) الكافي 5: 437 / 2، التهذيب 7: 291 / 1223، الوسائل 20: 271 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 1 ح 3.
(2) التهذيب 7: 292 / 1225، الوسائل 20: 273 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1
ح 8.
(3) الكافي 5: 437 / 3، التهذيب 7: 292 / 1224، الوسائل 20: 272 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 1 ح 4.
(4) التهذيب 7: 292 / 1226، الوسائل 20: 373 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 8.
275

بإجماع الأمة.
وفي صحيحة عبيد بن زرارة: " ما يحرم من النسب فهو يحرم من
الرضاع " (1).
والتشكيك في إفادته العموم، لكون لفظة " ما " موصوفة، بعد اتفاق
الفريقين على التمسك بعمومه.
في غير موقعه.
مع أنه لولا عمومه لما صح الاستناد إليه في مورد.
مع أن الإمام استدل به في موارد مختلفة..
كما في رواية عثمان، عن أبي الحسن (عليه السلام)، وفيها - بعد السؤال عن
حلية تزوج الجارية التي أرضعتها امرأة أخي -: قال: " لا، إنه يحرم من
الرضاعة ما يحرم من النسب " (2).
وفي مرسلة ابن سنان الواردة في السؤال عن امرأة أرضعت غلاما هل
يحل بيعه - إلى أن قال -: " لا، أليس رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب؟! " (3).
مضافا إلى أن لفظة: " ما " في صحيحة عبيد متضمنة لمعنى الشرط،
وهي مفيدة للعموم.

(1) الكافي 5: 439 / 9، التهذيب 7: 313 / 1296، الوسائل 20: 372 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 1 ح 5.
(2) التهذيب 7: 323 / 1332، الوسائل 20: 373 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1
ح 10.
(3) الكافي 5: 446 / 16، الوسائل 20: 405 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 17 ح 1.
276

هذا، مع التصريح بحرمة بعض تلك القرابات بخصوصها، كالأمهات
الشاملة للجدات أيضا والأخوات في الآية الشريفة (1) والمستفيضة من
الروايات (2).
وبنات الأخوة والأخوات في صحيحة ابن سنان: " لا يصلح للمرأة أن
ينكحها عمها ولا خالها من الرضاعة " (3).
وفي رواية مسعدة الآتية.
وفي روايات امتناع رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن تزوج ابنة حمزة، قائلا: إنها
ابنة أخي من الرضاعة (4)، وغير ذلك.
والبنات في صحيحة ابن سنان: " ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن
ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام " (5).
والعمة والخالة في رواية مسمع: " ثمانية لا يحل نكاحهن " إلى أن
قال: " أمتك وهي عمتك من الرضاعة، وأمتك وهي خالتك من الرضاعة،
وأمتك وهي أختك من الرضاعة " الحديث (6).

(1) النساء: 23.
(2) كما في الوسائل 20: 394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8.
(3) الكافي 5: 445 / 10، التهذيب 7: 292 / 1228، الوسائل 20: 396 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 8 ح 5.
(4) كما في الكافي 5: 437 / 5، المقنع: 111، الوسائل 20: 394 أبواب ما يحرم
بالرضاع ب 8 ح 1، والكافي 5: 445 / 11، التهذيب 7: 292 / 1229، الوسائل
20: 396 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8 ح 6.
(5) الكافي 5: 440 / 1، التهذيب 7: 319 / 1316، الوسائل 20: 389 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 6 ح 4.
(6) الكافي 5: 447 / 1، التهذيب 7: 293 / 1230، الوسائل 20: 396 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 8 ح 4.
277

ورواية مسعدة: " يحرم من الإماء عشر " إلى أن قال: " ولا أمتك وهي
عمتك من الرضاعة، ولا أمتك وهي خالتك من الرضاعة، ولا أمتك
وهي أختك من الرضاعة، ولا أمتك وهي ابنة أختك من الرضاعة " (1).
فهذه هي القرابات التسع المتقدمة، فتحرم كلها.
فذلكة: ركن محل التحريم بهذه القرابات ثلاث: المرتضع،
والمرضعة، والفحل.
فيحرم على الأول: المرضعة، ومن يحرم بسببها من الأمهات والأخوات
والعمات والخالات، ومن يحرم بسبب الفحل ممن ذكر أيضا وأولاد
المرضعة والفحل بالتفصيل المتقدم.
ويحرم على الفحل والمرضعة: المرتضعة أو المرتضع وأولادهما،
ولا يحرم غير ذلك بواسطة القرابة أصلا.
تكملة: اعلم أنه - كما عرفت - يحرم من الرضاع كل ما يحرم من
النسب، وهن القرابات المذكورة، ولا يستثنى من هذه الكلية شئ.
وأما ما ذكره في التذكرة من أنه يستثنى من قاعدة: " يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب " صور أربع، الأولى: أم الأخ والأخت، والثانية: أم ولد

(1) الفقيه 3: 286 / 1360، الخصال: 438 / 27، الوسائل 20: 397 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 8 ح 9.
278

الولد، والثالثة: جدة الولد، والرابعة: أخت الولد (1).
ففيه: أن شيئا من هذه الأوصاف ليست مؤثرة في التحريم بالنسب،
وسبب التحريم أمر آخر مفقود في الرضاع، فلا حاجة إلى الاستثناء، بل
هي خارجة عن القاعدة، ولكن الصورة الأخيرة منها محرمة بدليل آخر،
كما يأتي.
الصنف الثاني: من يحرم بواسطة القرابة المنضمة مع
المصاهرة.
وتوضيحه: أنهم قالوا: إنه يحرم بعض القرابات النسبية المنضمة مع
الرضاعية، وهو إذا كانت القرابة رضاعية والمصاهرة حقيقية، بخلاف ما
لو كانتا معا رضاعية أو المصاهرة خاصة رضاعية، فلا يتعدى التحريم
إلى مثله.
كما قالوا: إن الأم الرضاعية للزوجة الحقيقية محرمة، والزوجة الحقيقية
للابن الرضاعي محرمة، بخلاف الأم الحقيقية للزوجة الرضاعية، أي أم
مرضعة الولد أو الأم الرضاعية للزوجة الرضاعية.
وقالوا في وجه التفرقة ما أشير إليه من أنه لم يثبت مشابه الارتباط
بالمصاهرة بواسطة الرضاع ولا تحريمه، فلم تثبت زوجة رضاعية، فلا
وجه لتحريم أمها، بخلاف الأم الرضاعية، فإنها ثابتة، فإذا كانت الزوجة
حقيقية تكون أمها الرضاعية أم الزوجة فتحرم.

(1) التذكرة 2: 614.
279

ثم إن الحكم بتحريم هذا الصنف مصرح به في كلام الأصحاب، بل
ظاهر الكفاية: اتفاق الأصحاب عليه (1)، بل صرح بعضهم باتفاق الطائفة
عليه (2)، وصرح آخر بنفي الخلاف فيه (3)، وفي شرح المفاتيح الإجماع
عليه، وقد دلت النصوص المستفيضة عليه في خصوص أم الزوجة (4).
ويستدل عليه تارة بالإجماع.
وأخرى بالنصوص المذكورة.
وثالثة: بقوله: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ".
ورابعة بأنه بعد ضم القرابتين - الرضاعية والمصاهرة الحقيقية - يصدق
عليه العنوان الذي ثبت تحريمه كتابا أو سنة، كأمهات النساء وحلائل
الأبناء وزوجة الأب إذا كانت الزوجة له حقيقية وإن كان الأب رضاعيا.
أقول: أما الإجماع فمع ثبوته - كما هو الظاهر - فلا كلام فيه.
وأما سائر الأدلة ففي تماميتها نظر:
أما الأول، فلأن النصوص مخصوصة بأم الزوجة، فالتعدي إلى سائر
الموارد يتوقف على الدليل، إلا أن يتعدى بالإجماع المركب، ولا بأس به.
وأما الثاني، فلأن مدلول الرواية: أنه يحرم بالرضاع ما يحرم من جهة
النسب، وظاهره كون النسب علة تامة، وفي القرابات المنضمة مع
المصاهرة الحرمة ناشئة من النسب والمصاهرة معا، فلم يحرم من جهة

(1) الكفاية: 161.
(2) كما في الرياض 2: 91.
(3) انظر السرائر 2: 556.
(4) انظر الوسائل 20: 394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8.
280

النسب خاصة شئ، فإن أم الزوجة تحرم بسبب زوجية البنت وأمومة
الأم معا، ولذا لا تحرم تلك الأم لولا مصاهرة الزوجة، فسبب تحريم أم
الزوجة ليس هو النسب خاصة.
ولذا استشكل في الكفاية في دلالته على تحريم هذا الصنف (1).
وأما الثالث، فلأن المتبادر من الابن والأم والأب ونحوهم: الحقيقي،
وانصرافهم عند الإطلاق إلى الرضاع أيضا غير معلوم.
فالمتبع في هذا الصنف هو الإجماع، والله العالم.
الصنف الثالث: أولاد صاحب اللبن والمرضعة.
فإنهم يحرمون على أب المرتضع مطلقا، سواء كان ولده أم المرتضع
أو غيرها على الأظهر الأشهر.
أما الأول، فلصحيح علي بن مهزيار: إن امرأة أرضعت لي صبيا فهل
يحل لي أن أتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي: " ما أجود ما سألت، من هاهنا
يؤتى أن يقول الناس: حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو
لبن الفحل لا غيره "، فقلت له: إن الجارية ليست ابنة المرأة التي
أرضعت لي، هي ابنة غيرها، قال: " لو كن عشرا متفرقات ما حل لك
منهن شئ وكن في موضع بناتك " (2).

(1) الكفاية: 162.
(2) الكافي 5: 441 / 8، التهذيب 7: 320 / 1320، الوسائل 20: 391 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 6 ح 10.
281

وأما الثاني، فلصحيحة عبد الله بن جعفر: امرأة أرضعت ولد الرجل،
هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة، أم لا؟ فوقع (عليه السلام):
" لا، لا تحل له " (1).
وصحيحة أيوب: امرأة أرضعت بعض ولدي، هل يجوز أن
أتزوج بعض ولدها؟ فكتب: " لا يجوز ذلك، لأن ولدها صار بمنزلة
ولدك " (2).
خلافا لجمع، منهم: الشيخ في المبسوط والقاضي (3).
استنادا إلى أصالة الإباحة.
وإلى أن المحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب، وهذا ليس من المحرمات
بالنسب.
وفيه: أن الأصل مدفوع بما مر.
وأن عدم كون ذلك من المحرمات بالنسب يقتضي عدم ثبوت حرمته
من مثل قوله: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "، وذلك لا ينافي
ثبوتها من غيره.
فرعان:
أ: قالوا: إن تحريم أولاد المرضعة مخصوص بأولادها ولادة.

(1) الكافي 5: 447 / 18، الفقيه 3: 306 / 1471، الوسائل 20: 404 أبواب ما
يحرم بالرضاع ب 16 ح 2.
(2) الفقيه 3: 306 / 1470، التهذيب 7: 321 / 1324، الإستبصار 3:
201 / 727، الوسائل 20: 404 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 16 ح 1.
(3) المبسوط 5: 293، القاضي في المهذب 2: 190.
282

وأما تحريم أولاد صاحب اللبن فيعم أولاده ولادة ورضاعا.
أما الأول فهو مقتضى الأصل.
وأما الثاني ففي التذكرة إجماع علمائنا عليه (1).
وظاهر الكفاية نوع تردد، حيث تأمل في شمول الصحيحة الأولى
للأولاد الرضاعية (2).
وهو في موضعه، لعدم صدق الابنة حقيقة إلا على الابنة النسبية،
واحتمال كون المشار إليه في قوله: " هذا لبن الفحل لا غيره " هذا المورد
الخاص.
وعلى هذا، فلو لم يثبت الإجماع لكانت المسألة مشكلة.
ب: لا يحرم على أب المرتضع بواسطة الرضاع غير ذلك، فتحل له
المرضعة، لعدم المقتضي له.
ولا أمها ولا أختها ولا أم صاحب اللبن ولا أخته.
كل ذلك للأصل، وقد صرح به في أم المرضعة الشيخ في المبسوط
وابن حمزة (3) وأكثر المتأخرين (4).
فإن قيل: إذا كان ولد المرضعة بمنزلة ولد أب المرتضع تكون أمها
بمنزلة جدة ولده، وجدة الولد محرمة، وكذا أم صاحب اللبن، وأما أخته

(1) التذكرة 2: 622.
(2) الكفاية: 161.
(3) المبسوط 5: 305، ابن حمزة في الوسيلة: 302.
(4) منهم العلامة في المختلف: 520 والسبزواري في الكفاية: 161.
283

فهي عمة ولده، وعمة الولد حرام، لأنها أخت الأب، فيلزم التحريم.
قلنا: حرمة جدة الولد وعمته ليست لأنها جدته وعمته ولذا يحرمان
قبل ولادة الولد أيضا، [بل] (1) لأنها أم الزوجة أو أخت نفسه، والأمران
مفقودان في المورد، مع أن الوارد في النص: أن أولاد المرضعة وصاحب
اللبن بمنزلة الولد، فتكون أم المرضعة جدة من بمنزلة الولد لا جدة الولد،
ولا نسلم حرمة جدة من بمنزلة الولد، وكذا العمة وغيرها.
وقد حكي الخلاف في أم المرضعة عن الحلي (2).
لعموم: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "، حيث زعم أنه من
التحريم بالنسب نظرا إلى الأمومة.
وفساده ظاهر، لأنها وإن كانت أم الزوجة ولكن حرمة أم الزوجة
بسبب المصاهرة بين الزوج والزوجة، [لا أنها] (3) أم الزوجة.
وعن المختلف أيضا.
تمسكا بأن المستفاد من التعليل بقوله: " بمنزلة ولدك " اعتبار المنزلة،
وهذه أيضا بمنزلة جدة الولد (4).
وفيه أولا: أن المعتبر من المنزلة لعل هي المنزلة الخاصة التي ذكرها
في النص.
وثانيا: أن كونها بمنزلة جدة الولد ممنوع كما مر.

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(2) السرائر 2: 555.
(3) في النسخ: لأنهما، والصحيح ما أثبتناه.
(4) المختلف: 520.
284

الصنف الرابع: الأم الرضاعية للزوجة.
فإنها تحرم على الزوج، للروايات المستفيضة:
كصحيحة الحلبي: " لو أن رجلا تزوج جارية رضيعا فأرضعتها امرأته
فسد نكاحه " (1).
والأخرى: في رجل تزوج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أم ولده،
قال: " تحرم عليه " (2).
وقريبة منهما صحيحتا ابن سنان (3) ومحمد (4).
والفاسد نكاحه في هذه الروايات وإن كانت مجملة، إلا أنه يظهر
مورده عن رواية ابن مهزيار: قيل له: إن رجلا تزوج جارية صغيرة
فأرضعتها امرأته ثم أرضعته امرأة له أخرى، فقال ابن شبرمة: حرمت عليه
الجارية وامرأتاه، فقال أبو جعفر (عليه السلام): " أخطأ ابن شبرمة، حرمت عليه
الجارية وامرأته التي أرضعتها أولا، فأما الأخيرة لم تحرم عليه، كأنها
أرضعت ابنته " (5).
ضابطة: ضابط من يحرم بالرضاع في الصنفين الأولين أن يقال: إنه

(1) الكافي 5: 444 / 4، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 1.
(2) الكافي 5: 445 / 6، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 2.
(3) التهذيب 7: 293 / 1231، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10
ح 1.
(4) الفقيه 3: 306 / 1472، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10
ح 1.
(5) الكافي 5: 446 / 13، الوسائل 20: 402 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 14 ح 1.
285

تحرم المحارم كلهن من غير استثناء.
نعم، يجب أن يكون ما أشير إليه - من أنه لا تحصل نظائر القرابات
الصهرية بواسطة الرضاع - نصب عينيك، وتحصل القرابات النسبية كلها
بواسطته، فلو اجتمع نظير القرابة بالرضاع يحصل التحريم، سواء كانت
منفردة أو مع حصول القرابة الصهرية الحقيقية.
وإذا ضم ما ذكر مع ما في الصنف الثالث يكون الضابط: المحارم مع
تحريم أولاد المرضعة والفحل على أب المرتضع.
286

المطلب الثاني
في ذكر من اختلفوا في حرمته وليس بمحرم
وتحقيق المقال فيه: أنه لا شك أن المتبع هو أصل الإباحة، إلا فيما دل
دليل على التحريم، ومقتضى حصول التحريم بالرضاع - الذي هو
ضروري الدين - ليس إلا التحريم في الجملة، وأما ثبوته لخصوص
المحال فيحتاج إلى الدليل.
والدليل المعين لموارد التحريم منحصر فيما مر من الإجماع.
وقوله: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ".
وما ورد في خصوصيات تلك القرابات كما مر.
وما سبق من الأخبار الدالة على تحريم أولاد الفحل والمرضعة على
أب المرتضع.
وما سبق مما دل على تحريم الأم الرضاعية للزوجة، لا غير ذلك.
فيجب على الفقيه الاقتصار على الموارد المذكورة.
إلا أن منهم من تعدى إلى غيرها..
إما لعدم تدبره في قوله: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "
ورأي بعض المحرمات، وتوهم أنه بواسطة النسب فحكم بمثله في
الرضاع.
287

أو لملاحظته التعليل المذكور في صحيحتي ابن مهزيار وأيوب: إنهم
بمنزلة ولدك (1)، فأثبت المنزلة في غير ذلك أيضا لذلك وحكم فيه
بالتحريم.
أو لعموم المنزلة المذكورة، فأثبت جميع أحكام الولد لمن هو
بمنزلته.
وأما المتأمل حق تأمله فيما ثبت من هذه الأمور لم يتعد عما ذكر.
بيان ذلك: أن المراد بقوله: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " أن
ما يحرم من جهة النسب وبسببه، يحرم بحصول مثل ذلك النسب من
الرضاع بالرضاع، والمحرم من جهة النسب ليس إلا القرابات التسع،
فلا يتعدى إلى غيرهن، ولا يشمل ما يحرم بواسطة النسب والمصاهرة معا
كالجدة الأمية للولد، فإنها ليست محرمة بالنسب خاصة، بل به
وبالمصاهرة، فإن حرمتها لأجل أنها أم الزوجة، والزوجة متقربة إلى الزوج
بالمصاهرة، وأمها إليها بالنسب، فإنها تتقرب إلى الزوج بهما معا
لا بالنسب (2) خاصة.
وكذا لا يثبت التحريم بواسطة وصف في بعض المنتسبات ليس ذلك
الوصف سببا للتحريم، كأخت الأخ، فإنها ليست محرمة بواسطة أنها
أخت الأخ، بل بواسطة أنها أخت، فلا تحرم الأخت الرضاعية للأخ،
لأنها ليست أختا للأخ الآخر.
وأما تعليل المنزلة فلا تثبت منه علية مطلق المنزلة حتى منزلة غير الولد

(1) المتقدمتين في ص: 252 و 253.
(2) في النسخ زيادة: بل لا يكون.
288

أيضا، إلا باستنباط علة ليس عندنا حجة، وأما عموم المنزلة فهي غير
ثابتة، فلا يحرم غير ما ذكر مما اختلفوا فيه أصلا.
ونحن نذكر بعضها ليكون أنموذجا للباقي:
فمنها: أنه يجوز لأخوة المرتضع نسبا وأخواته نكاح أخواته وأخوته
رضاعا، أي أولاد الفحل نسبا ورضاعا وأولاد المرضعة نسبا.
وفاقا للحلي والقاضي والمحقق والفاضل في أكثر كتبه والصيمري
وفخر المحققين والشهيدين (1)، بل الأكثر، كما صرح به جماعة (2).
للأصل السالم عن المعارض.
وموثقة إسحاق بن عمار: في رجل تزوج أخت أخيه من الرضاعة،
فقال: " ما أحب أن أتزوج أخت أخي من الرضاعة " (3).
وهو ظاهر في الكراهة، لعدم تأدية المحرم بمثل هذه العبارة.
خلافا للمحكي عن الخلاف والنهاية والمبسوط وابن حمزة وقواه في
الكفاية (4)، فقالوا بالتحريم.

(1) الحلي في السرائر 2: 555، القاضي في المهذب 2: 191، المحقق في الشرائع
2: 285، الفاضل في التحرير 2: 9 والقواعد 2: 11 ونفى عنه البأس في
المختلف: 520. فخر المحققين في الإيضاح 3: 50، الشهيد في اللمعة (الروضة
البهية 5): 171، الشهيد الثاني في الروضة 5: 171.
(2) منهم السبزواري في الكفاية: 161، الكاشاني في المفاتيح 2: 236، صاحب
الرياض 2: 91.
(3) الكافي 5: 444 / 2، الوسائل 20: 368 أبواب ما يحرم بالنسب ب 6 ح 2.
(4) الخلاف 2: 318، النهاية: 462، المبسوط 5: 292، ابن حمزة في الوسيلة:
302، الكفاية: 161.
289

استنادا إلى أن التعليل المتقدم في صحيحتي ابن مهزيار وأيوب
يقتضي كون أولاد الفحل والمرضعة بمنزلة أولاد أب المرتضع، فيكونون
أخوة، فيحرم بعضهم على بعض.
ولأن أخت الأخ من النسب محرم فكذا من الرضاع، للعموم
المتقدم.
ولأن كونهم بمنزلة الولد يقتضي ثبوت جميع أحكام الولد لهم، لعموم
المنزلة، ومن جملة أحكام الولد: تحريم أولاد الأب عليه.
ويضعف الأول: بأن مقتضى العلة كونهم بمنزلة الولد، وهي في محل
النزاع مفقود، غايته أنهم يكونون بمنزلة الأخوة، والثابت هو حرمة من
بمنزلة الولد لا من بمنزلة الأخوة، مع أن كونهم بمنزلة الأخوة أيضا
ممنوعة.
والثاني: بمنع حرمة أخت الأخ مطلقا، كما إذا كان له أخ من أبيه وللأخ
أخت من أمه، فإنها غير محرمة.
نعم، تحرم عليه إذا كانت أختا له، وهو في المقام مفقود.
والثالث: بمنع عموم المنزلة كما بينا في الأصول، مع أنه لو سلم
فالمسلم منه عمومها بالنسبة إلى أب المرتضع، أي ثبوت جميع أحكام
الولدية بالنسبة إليه لا مطلقا، ولو سلم مطلقا فيجب التخصيص بغير هذا
المورد، للموثقة المتقدمة الظاهرة في نفي الحرمة.
ومنها: أم المرضعة بالنسبة إلى أب المرتضع كما مر ذكره.
ومنها: أخوات المرتضع النسبية بالنسبة إلى الفحل.
290

فيجوز له نكاحهن على الأشهر الأظهر، كما صرح به بعضهم (1).
للأصل.
وحكي التحريم هنا عن الخلاف والنهاية والحلي (2).
لعموم التعليل بثبوت المنزلة، فقالوا: إنهن بمنزلة أولاد الفحل أيضا،
لأن أولاد الفحل بمنزلة أولاد أب المرتضع بالنص.
وجوابه: منع التلازم.
وهذه الموارد الثلاثة هي عمدة ما وقع الخلاف فيه، وأما ما عداها
فلا خلاف يعتد به فيه بين الأصحاب في عدم الحكم بالحرمة.
ومنها: جدات المرتضع بالنسبة إلى صاحب اللبن.
فإنه يجوز له تزويجهن، صرح به الشيخ في المبسوط والمحقق
الشيخ علي (3).
وحكى السيد الداماد في رسالته الرضاعية التحريم عن الحلي والفاضل
في المختلف والتذكرة وولده في الإيضاح والشهيد في غاية المراد وصاحب
التنقيح (4)، واختاره هو أيضا.
لكونهن بمنزلة جدات الولد النسبي، فهي محرمة إما بمدلول: " يحرم

(1) كما في الرياض 2: 91.
(2) الخلاف 2: 318، النهاية: 462، الحلي في السرائر 2: 555.
(3) المبسوط 5: 305، المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 12: 243، 244،
246 ورسالته الرضاعية (رسائل المحقق الكركي 1): 215.
(4) الرسالة الرضاعية (كلمات للمحققين): 9، الحلي في السرائر 2: 555،
المختلف: 520، التذكرة 2: 622، الإيضاح 3: 53، التنقيح 3: 53.
291

من الرضاع ما يحرم من النسب " أو لعموم التعليل.
وجوابهما يظهر مما سبق.
ومنها: المرضعة بالنسبة إلى جد المرتضع.
فإنه يجوز له نكاحها.
وربما يتوهم التحريم، نظرا إلى أنها تصير أم ولد الولد، وهي إما بنت
جد المرتضع أو زوجة ولده، وكلتاهما محرمتان.
ودفعه ظاهر مما مر.
ولو كانت تلك المرضعة زوجة لهذا الجد، كأن ترضع زوجتك ولد
ولدها ذكرا كان أو أنثى تصير زوجتك جدة ولدك، لأن الرضيع يصير
ولدك.
ويلزم على ما توهم تحريم زوجتك عليك، لأن جدة الولد محرمة،
بل يلزم التحريم لو أرضعت ولد ولدها من غيرك، لذلك.
وفساده واضح.
ومن هذا الباب أيضا: ما أن ترضع امرأتك بلبنك أخاك أو أختك أو
أخاها أو أختها، فإنها على الأول تصير أم أخيك، وعلى الثاني أخت
ولدك.
أو أرضعت ولد أخيها، فتصير عمة ولدك.
أو ولد أختها، فتصير خالة ولدك.
أو أرضعت عمها أو عمتها، فتصير بنت أخ ولدك.
292

أو خالها أو خالتها، فتصير بنت أخته.
أو عمك أو عمتك فتصير أم عمك أو عمتك.
إلى غير ذلك من الصور المتصورة.
ولا تحريم في شئ منها، لما مر.
293

البحث الثالث
في سائر الأحكام المتعلقة بالرضاع
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الرضاع الذي يحرم النكاح على تقدير سبقه عليه
يبطله على تقدير لحوقه.
بلا خلاف كما صرح به بعضهم (1)، واتفاقا كما قاله بعض آخر (2)، بل
هو إجماعي حقيقة، فهو الحجة فيه.
مضافا إلى عموم النصوص وخصوص المستفيضة المتقدمة (3) في
تحريم الزوجتين المرتضعة إحداهما من الأخرى على الزوج بضميمة عدم
الفصل.
ويترتب على ذلك مسائل كثيرة:
منها: تحريم زوجة أب المرتضع عليه لو أرضعته جدته لأمه، سواء
كان بلبن جده أو غيره، أو أرضعته بعض نساء جده لأمه بلبنه وإن لم تكن
جدة للمرتضع.
وهو يترتب على تحريم الصنف الثالث، لأن الزوجة على الأول

(1) انظر الرياض 2: 92.
(2) انظر كشف اللثام 2: 31.
(3) في ص: 255.
294

تكون من أولاد المرضعة، وعلى الثاني من أولاد الفحل، وقد عرفت
تحريمهما على أب المرتضع.
ومنها: ما لو تزوج أحد صغيرة، وكانت له زوجة كبيرة، فأرضعت
الكبيرة الصغيرة، قالوا:
فإن كان بلبنه حرمتا عليه مؤبدا مطلقا، لصيرورة الكبيرة الأم الرضاعية
للزوجة الحقيقية، والصغيرة بنتها، بل ولده..
وإن كان بلبن غيره حرمتا كذلك مع الدخول بالكبير، لصيرورة
الكبيرة أم الزوجة والصغيرة بنتها، وتحرم البنت مع الدخول بالأم،
وحرمت الكبيرة خاصة مع عدم الدخول، لعدم تحريم البنت بمجرد العقد
على الأم.
أقول: الوجه في تحريم الصغيرة مؤبدا على الفرضين الأولين واضح،
لصيرورتها بنتا له على الأول، وبنت الزوجة المدخولة على الثاني.
وكذا في تحريم الجمع بينهما على الثالث، لاستلزامه الجمع بين الأم
والبنت.
وأما الوجه الذي ذكروه في تحريم الكبيرة على الأولين وتحريم كل
منهما منفردة أيضا على الثالث فغير معلوم عندي، أما الأولان فلأن
صيرورة الكبيرة أم الزوجة موقوفة على كون الصغيرة زوجة في آن
صيرورة الكبيرة أما لها، وكون الصغيرة زوجة على عدم صيرورة الكبيرة
أما، فيمتنع اجتماعهما في آن.
والحاصل: أنه ترتفع زوجية الصغيرة وتتحقق أمومة الكبيرة في آن
295

واحد، فلم تكن الكبيرة أم الزوجة أصلا.
ومنه يظهر وجه الخدش في الثالث أيضا.
ولذا حكم بعضهم بحرمة إحدى الزوجتين خاصة في جميع الصور
واحتمل القرعة، فمن أخرجتها صح نكاحها وفسد نكاح الأخرى.
ورد: بأن الروايات المتقدمة في الصنف الثالث (1) تدل على حرمة
نكاحهما من غير فرقة (2).
أقول: أكثر الروايات المتقدمة الواردة في تلك المسألة غير ناهضة
لإثبات تمام الحكم، لإجمال مرجع الضمير.
نعم، تدل رواية ابن مهزيار (3) على حرمتهما معا، إلا أنها مخصوصة
بصورة الدخول بقرينة الحكم بتحريمهما معا، بل بصورة كون اللبن منه،
لقوله أخيرا: " كأنها أرضعت ابنته " كما في التهذيب، وهو الصحيح، لا:
" ابنتها " كما في بعض النسخ الأخر.
فلا شك في تحريمهما معا فيما إذا كان اللبن من هذا الزوج، لأجل
الرواية، ولا في جمعهما مطلقا، ولا في تحريم الصغيرة مع الدخول وإن
كان الرضاع بلبن غيره.
بقي الكلام في تحريم الكبيرة مع إرضاعها بلبن الغير مع الدخول، وفي
تحريم كل منهما منفردة حينئذ مع عدم الدخول، ولا دليل تاما عليه،
والقياس بصورة كون اللبن منه باطل، وما يتوهم تعليلا لحرمتهما في

(1) راجع ص: 253.
(2) انظر الرياض 2: 92.
(3) المتقدمة في ص: 256.
296

موردها مستنبط، والإجماع على الحكمين - كما عن الإيضاح (1) - غير
ثابت.
فالحق: عدم تحريم الكبيرة مع كون اللبن عن الغير وإن دخل، ولا كل
منهما منفردة مع كون اللبن من الغير وعدم الدخول، فلا يفسد نكاح
الكبيرة في الأول، وله تجديد نكاح كل منهما أراد في الثاني.
نعم، لا يمكن أخذ إحداهما حينئذ بالنكاح السابق، لاستلزامه
الترجيح بلا مرجح، إلا أن يقال بالتخيير، ولا بأس به.
ومنها: ما لو طلق زوجته المرضعة وتزوجت بصغير فأرضعته، فتحرم
على الصغير، لصيرورته ولدها.
وقالوا: تحرم على الزوج الأول، فلا يجوز له نكاحها ثانيا، لأنها زوجة
ولده.
ويظهر الخدش فيه أيضا مما مر.
المسألة الثانية: لو شك في عدد الرضاع أو الإنبات أو إتمام اليوم
والليلة، لا يحرم، للعمل بالأصل.
ولو شك في كونه في الحولين أو بعده:
فإن علم مبدأ ولادة الطفل يحكم بأصالة تأخر الرضاع.
وإن علم وقت الرضاع يحكم بأصالة تأخر حلول الحولين،

(1) الإيضاح 3: 51 و 52.
297

ولا تعارضها أصالة الإباحة وحرمة النظر، لأن الأصل الأول رافع لذلك
الأصل مزيل له.
وإن لم يعلم شئ منهما يحكم بعدم الحرمة، للأصل.
ولو شك في تخلل الأكل أو رضعة أخرى فالأصل عدمه.
ولو شك في كمال الرضعة فيعارض استصحاب الارتضاع حتى يروى
واستصحاب عدم المص الجديد وعدم حصول بقية الارتضاع، فيرجع إلى
أصل الإباحة.
المسألة الثالثة: لا تقبل الشهادة بالرضاع إلا مفصلة، للاختلاف
الكثير في الشرائط المعتبرة فيه، إلا مع العلم بالاتفاق في الشرائط.
وهل يشترط أن يضيف إلى ذلك وصول اللبن إلى جوفه؟
فيه قولان، والأقرب: العدم.
إذ لا طريق إلى العلم به إلا بمشاهدة الامتصاص وحركة الحلق وقد
شهد بهما.
نعم، لا بد مع ذلك من التصريح بحصول الرضاع، ولا تكفي حكاية
القرائن.
ولا يشترط التفصيل في الإقرار.
لعموم: " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ".
وكذا في الشهادة على إقرار المقر به.
298

الفصل الثالث
في المصاهرة
وهي علاقة تحدث بين الزوجين وبين أقرباء كل منهما بسبب النكاح
توجب الحرمة، ويلحق بالنكاح: الوطء والنظر واللمس على وجه
مخصوص.
فهاهنا فصول:
الفصل الأول
في الحرمة الحاصلة بالمصاهرة الحقيقية
أي النكاح الذي هو حقيقة في العقد.
والمحرم بسببه على قسمين:
لأنه إما يحرم به عينا، أي يحرم حراما مؤبدا لا يحل
أبدا.
أو جمعا، أي يحرم جمعه مع المعقود عليها أولا وإن جاز نكاحه
منفردا. وهذا أيضا على قسمين:
لأنه إما يحرم جمعا مطلقا.
أو يحرم الجمع بدون رضاء المعقود عليها أولا ويحل معه.
299

فهذه ثلاثة أقسام:
القسم الأول: في بيان من يحرم نكاحها بمجرد العقد عينا.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تحرم بمجرد العقد تحريما مؤبدا زوجة الأب
والجد وإن علا من الأب والأم، وزوجة الابن فنازلا وإن كان ابن البنت وإن
لم يدخل بها.
بالإجماع من المسلمين، وهو الحجة المغنية عن مؤنة تكثير
الأدلة.
مضافا إلى قوله سبحانه: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) * (1).
والنكاح حقيقة في العقد، كما مر.
وقوله سبحانه: * (وحلائل أبنائكم) * (2).
والحليلة هي: المعقودة عليها لحلية وطئها.
وفي صحيحة محمد: " ولا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده " (3).
المسألة الثانية: تحرم أم المعقودة عليها، سواء دخل ببنتها أو لا،

(1) النساء: 22.
(2) النساء: 23.
(3) الكافي 5: 420 / 1، التهذيب 7: 281 / 1190، الإستبصار 3: 155 / 566،
الوسائل 20: 412 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 2 ح 1.
300

فلا يجدي فراقها في استحلال الأم.
على الأشهر الأصح، بل عليه الإجماع عن الناصريات والغنية (1)، بل
يمكن أن يقال: إنه إجماع محقق،
وهو الحجة فيه، مضافا إلى الكتاب والسنة.
أما الكتاب: عموم: * (أمهات نسائكم) * في الآية الكريمة، كما هو
مقتضى إضافة الجمع إلى الضمير من دون تقدم معهود.
وأصالة تعلق الاستثناء بقوله: * (اللاتي دخلتم بهن) * إلى الجملة
الأخيرة، بمقتضى القاعدة الأصولية على ما هو التحقيق.
مع تعيينه في هذه الآية من جهة.
أنه إن جعل الوصف مجرد قوله: * (اللاتي دخلتم بهن) * لزم الفصل
بين الصفة وموصوفها بأجنبيات.
وإن جعل مجموع قوله: * (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) * تكون
لفظة: * (من) * بيانية باعتبار الأولى، وابتدائية باعتبار الثانية، فيلزم استعمال
المشترك في معنييه، وهو غير جائز.
وجعلها اتصالية من باب عموم المجاز وجعل المجموع حالا عن
أمهات النساء والربائب أيضا مجاز مخالف للأصل، بل غير جائز عند
جمهور الأدباء، لاستلزامه اختلاف العامل في الحال.
هذا، مع دلالة الأخبار المعتبرة هنا على الرجوع إلى الأخيرة خاصة، بل
كون ذلك قاعدة كلية جارية في أمثال الآية.

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 209، الغنية (الجوامع الفقهية): 609.
301

كالمروي في تفسير العياشي: عن رجل تزوج امرأة وطلقها قبل أن
يدخل بها أتحل له ابنتها؟ قال: فقال: " قد قضى في هذا أمير المؤمنين (عليه السلام)،
لا بأس به، إن الله تعالى يقول: * (وربائبكم اللاتي في حجوركم من
نسائكم اللاتي دخلتم بهن) * ولكنه لو تزوج الابنة ثم طلقها قبل أن يدخل
بها لم تحل له أمها " قال: قلت: أليس هما سواء؟ قال: فقال: " لا، ليس
هذه مثل هذه، إن الله تعالى يقول: * (وأمهات نسائكم) * لم يستثن في هذه
كما اشترط في تلك، هذه هاهنا مبهمة ليس فيها شرط، وتلك فيها
شرط " (1).
ورواية إسحاق: " إن عليا (عليه السلام) كان يقول: الربائب عليكم حرام مع
الأمهات اللاتي قد دخل بهن، هن في الحجور وغير الحجور سواء،
والأمهات مبهمات دخل بالبنات أم لم يدخل بهن، فحرموا [ما حرم
الله] وأبهموا ما أبهم الله " (2).
وصحيحة منصور: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه رجل فسأله عن
رجل تزوج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها، أيتزوج بأمها؟ فقال
أبو عبد الله (عليه السلام): " قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا " فقلت: جعلت فداك ما
تفخر الشيعة إلا بقضاء علي (عليه السلام) في الشمخية التي أفتاها ابن مسعود: أنه
لا بأس بذلك، ثم أتى عليا (عليه السلام) فسأله، فقال له علي (عليه السلام): " من أين

(1) تفسير العياشي 1: 230 / 74، الوسائل 20: 465 أبواب ما يحرم بالمصاهرة
ب 20 ح 7.
(2) التهذيب 7: 273 / 1165، مجمع البيان 2: 27، تفسير العياشي 1:
231 / 77، الوسائل 20: 458 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 3، وما بين
المعقوفين أضفناه من تفسير العياشي.
302

أخذتها؟ " فقال: من قول الله عز وجل: * (وربائبكم اللاتي في حجوركم
من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) * الآية، فقال علي (عليه السلام): " إن هذه مستثناة
وهذه مرسلة: * (وأمهات نسائكم) * " فقال أبو عبد الله (عليه السلام) [للرجل]: " أما
تسمع ما يروي هذا عن علي (عليه السلام)؟ " فلما قمت ندمت وقلت: أي شئ
صنعت؟ يقول هو: " قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا " فأقول أنا: قضى
علي (عليه السلام) فيها، فلقيته بعد ذلك فقلت: جعلت فداك، مسألة الرجل إنما
كان قلت يقول زلة مني فما تقول فيها؟ فقال: " يا شيخ، تخبرني أن عليا
(عليه السلام) قضى فيها وتسألني ما تقول فيها؟! " (1).
وضعف بعض هذه الأحاديث منجبر بالشهرة العظيمة والإجماعات
المحكية، مع دلالة الصحيحة منها باشتهار الحكم بين الشيعة وافتخارهم
به، لصدوره عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل فيها إشعار، بل دلالة، لورود
خلافه مورد التقية.
وأما السنة: فالأخبار المذكورة.
مضافة إلى موثقة غياث بن إبراهيم: " إذا تزوج الرجل المرأة
حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأم، فإذا لم يدخل بالأم فلا بأس
أن يتزوج بالابنة، فإذا تزوج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها فقد
حرمت عليه الأم " وقال: " الربائب عليكم حرام، كن في الحجر أو لم
يكن " (2).

(1) الكافي 5: 422 / 4، التهذيب 7: 274 / 1169، الإستبصار 3: 157 / 573،
الوسائل 20: 462 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 1، وما بين المعقوفين
أضفناه من المصادر.
(2) التهذيب 7: 273 / 1166، الإستبصار 3: 157 / 570، الوسائل 20: 459
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 4.
303

وأبي بصير: عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فقال:
" تحل له ابنتها ولا تحل له أمها " (1).
خلافا للعماني وحكي عن الصدوق والكليني أيضا (2)، وعن المختلف
التوقف (3) كشرح النافع للسيد وآيات الأحكام للأردبيلي (4)، فجعلوا البنت
للأم متساوية في اشتراط الدخول بها للحرمة العينية.
لأصالة الإباحة.
والآية الشريفة، بناء على إرجاع القيد إلى الجملتين.
والأخبار المستفيضة، منها: الصحيحة المتقدمة.
وصحيحة جميل وحماد: " الأم والابنة سواء إذا لم يدخل بها " يعني: إذا
تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فإنه إن شاء تزوج أمها وإن شاء
تزوج ابنتها (5).
ومرسلة جميل: عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها هل
تحل له ابنتها؟ قال: " الأم والابنة في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما

(1) التهذيب 7: 273 / 1167، الإستبصار 3: 157 / 571، الوسائل 20: 459
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 5.
(2) حكاه عن العماني في المختلف: 522، الصدوق في المقنع: 104، الكليني في
الكافي 5: 421.
(3) المختلف: 522.
(4) راجع زبدة البيان: 526، نهاية المرام 1: 133.
(5) التهذيب 7: 273 / 1168، الإستبصار 3: 157 / 572، الوسائل 20: 463
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 3.
304

حلت له الأخرى " (1).
وصحيحة محمد بن إسحاق المضمرة، وفيها: فرجل تزوج امرأة
فهلكت قبل أن يدخل بها، تحل له أمها؟ قال: " وما الذي يحرم عليه منها
ولم يدخل بها؟! " (2).
أقول: أما الأصل، فمردود بما مر.
وأما الآية، فغير دالة كما سبق.
وأما الصحيحة الأولى، فعلى خلاف مطلوبهم أدل، بل هي دالة على
كون مطلوبهم موافقا للتقية، كما تؤكده نسبته إلى جمع من العامة،
كمجاهد وأنس وبشر وداود وغيرهم (3).
وأما الثانية، فمجملة، لاحتمال أن يكون المعنى: إذا تزوج الأم ولم
يدخل بها فالأم والبنت سواء في الإباحة، إن شاء دخل بالأم وإن شاء
فارقها وتزوج بالبنت، ويؤيده إفراد الضمير الراجع إلى الأم على ظاهر
السياق.. والتفسير المذكور فيه غير معلوم كونه من الإمام، وتفسير
الراوي غير حجة.
وأما المرسلة، فهي أعم مطلقا من أدلة التحريم، لأن قوله: " إحداهما "
أعم من الأم والبنت، سواء حملت التسوية فيها على ما هو مطلوبهم

(1) الفقيه 3: 262 / 1247، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 100 / 241،
الوسائل 20: 464 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 6.
(2) التهذيب 7: 275 / 1170، الإستبصار 3: 158 / 574، الوسائل 20: 464
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 5.
(3) انظر التذكرة 2: 630، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5: 106.
305

وجعل قوله: " إذا لم يدخل بها " إلى آخره، جملة مفسرة للتسوية، أو
حملت التسوية على ما ذكرنا من الإباحة، وجعلت الجملة الأخيرة
تعليلية.
وأما الصحيحة الأخيرة، فدلالتها إنما هي على جعل الاستفهام
إنكاريا - كما هو الظاهر - ولكنه ليس بمتعين، بل في ظهوره أيضا
كلام، لأن الظاهر اتحاد مرجعي الضميرين المجرورين وأنه المرأة الهالكة،
فيمكن أن يكون قد اتقى (عليه السلام) فعدل عن الجواب الصريح إلى الاستفهام،
وقال: وما الذي يحرم على الرجل من جهة نكاح المرأة حال عدم الدخول
بها؟
أو يكون الاستفهام للإثبات والتقرير، فكأنه قال: لو حلت أمها فما
الذي يحرم عليه من جهة المرأة مع عدم الدخول، مع أن حصول الحرمة
في الجملة لأجلها ظاهر؟!.
هذا، مع أنه لو قطع النظر عن ذلك كله لكان الترجيح للأخبار
المتقدمة بموافقة عموم الكتاب ومخالفة طائفة من العامة والمعاضدة
للشهرة المحققة والإجماعات المحكية، وكون الأخبار المخالفة في جانب
العكس في الكل.
مع أنها - كما صرح به الشيخ - شاذة، وفيها مضعفات أخر في الجملة،
من نوع اضطراب في سند، أو متن، أو إضمار، كما ذكره الشيخ في
التهذيب والاستبصار (1).

(1) التهذيب 7: 275، الإستبصار 3: 158.
306

فرعان:
أ: لا فرق في تحريم الأم بتزويج البنت بين تزويجها دائما
أو متعة.
للإطلاقات.
ولا في المتعة بين قصد الاستمتاع منها أو عدمه.
لعدم اشتراط ذلك في صحة التمتع.
نعم، يشترط قصد حصول حلية التمتع، فهو شرط.
وهل يشترط إمكان التمتع، أم لا؟
سيأتي تحقيقه في بحث العقد المنقطع.
وبالجملة: المناط في تحريم الأم: صحة عقد النكاح أو التمتع لا غير.
وعلى هذا، فلو لم يقصد من العقد حصول الزوجية الدائمية أو المنقطعة
ولا التحليل، بل كان المقصود مجرد محرمية الأم - كما يتفق كثيرا - لم
يصح العقد.
ولكن قد يشتبه الأمر هنا، فيخلط بين المقصود من العقد والمقصود من
الزوجية، فإنه قد يقصد بالعقد الزوجية ولكن المطلوب من الزوجية
ليس هي نفسها، بل لوازمها - كميراث أو كثرة أقوام - وهذا صحيح
قطعا.
وقد لا يقصد الزوجية، بل يقصد من العقد نفس اللوازم من غير التفات
307

إلى الملزوم وقصد تحققه، وهذا باطل.
ب: صرح الأكثر بأن الحكم ثابت لأم الأم وجداتها من
الطرفين (1).
والظاهر أن المستند فيه الإجماع المركب، وإلا فإثبات المطلوب من
غير جهة الإجماع مشكل.
القسم الثاني: في بيان من يحرم نكاحها بمجرد العقد خاصة على
غيرها جمعا لا عينا مطلقا.
وفيه أيضا مسألتان.
المسألة الأولى: تحرم بنت المعقود عليها بدون دخل بها جمعا معا
لا عينا.
فيجوز نكاح البنت مع العقد على الأم بعد مفارقتها قبل الدخل،
إجماعا في الموضعين، وهو الحجة فيهما.
مضافا في الثاني إلى صريح الآية الكريمة: * (فإن لم تكونوا دخلتم بهن
فلا جناح عليكم) * (2).
والأخبار المستفيضة التي قد تقدم كثير منها.
وكذا تحل بنت البنت وبنت الابن مع عدم الدخول بالجدة عينا لا جمعا،

(1) منهم الشيخ في المبسوط 4: 196، المحقق في الشرائع 2: 287، الشهيدان في
اللمعة والروضة 5: 177.
(2) النساء: 23.
308

للأصل.
المسألة الثانية: تحرم أخت المعقود عليها جمعا لا عينا، سواء كانت
الأخت لأب أم لأم أم لهما، وسواء دخل بالأخت الأولى أم لا.
بإجماع جميع المسلمين، له.
ولصريح الآية: * (وأن تجمعوا بين الأختين) * (1).
والأخبار المتواترة المتضمنة لتحريم الأخت قبل انقضاء عدة الأخت
الأخرى.
ولا فرق في ذلك بين العقد الدائم والمنقطع، إجماعا محققا
ومحكيا (2).
للإطلاقات.
وللمروي في قرب الإسناد: عن الرجل تكون عنده امرأة أيحل له أن
يتزوج بأختها متعة؟ قال: " لا " (3).
ولصحيحة يونس: الرجل يتزوج المرأة متعة إلى أجل مسمى فيقضى
الأجل بينهما، هل له أن ينكح أختها قبل أن تنقضي عدتها؟ فكتب:
" لا يحل له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها " (4).

(1) النساء: 23.
(2) كما في كشف اللثام 2: 40.
(3) قرب الإسناد: 366 / 1313، الوسائل 20: 477 أبواب ما يحرم بالمصاهرة
ب 24 ح 4.
(4) الكافي 5: 431 / 5، التهذيب 7: 287 / 1209، الإستبصار 3: 170 / 622،
الوسائل 20: 480 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 27 ح 1.
الوسائل 20: 480 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 27 ح 1. الوسائل 20: 480
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 27 ح 1. الوسائل 20: 480 أبواب ما يحرم
بالمصاهرة ب 27 ح 1. الوسائل 20: 480 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 27 ح 1.
309

وأما رواية الصيقل: " لا بأس بالرجل أن يتمتع بأختين " (1).
فالمراد أن يكون ذلك في وقتين واحدة بعد أخرى، دون الجمع.
والعدة الرجعية في حكم الزوجية، فلو طلق امرأة وأراد نكاح أختها
فلا يجوز له تزوج الأخت حتى تخرج الأولى من العدة، إلا إذا كان الطلاق
بائنا، فيجوز بمجرد الطلاق.
وتدل على الحكمين - منطوقا ومفهوما - صحيحة ابن أبي عمير: في
رجل طلق امرأته أو اختلعت أو بارأت، أله أن يتزوج بأختها؟ قال: فقال:
" إذا برئت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها " (2).
وصحيحة أبي بصير: عن رجل اختلعت منه امرأته أيحل له أن يخطب
أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال: " نعم، قد برئت عصمتها
منه وليس له عليها رجعة " (3).
وعلى الأول: رواية علي بن أبي حمزة: عن رجل طلق امرأته أيتزوج

(1) التهذيب 7: 288 / 1211، الإستبصار 3: 171 / 624، الوسائل 20: 481
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 27 ح 2.
(2) الكافي 5: 432 / 7، التهذيب 7: 286 / 1206، الوسائل 22: 270 أبواب
العدد ب 48 ح 2، وفي الجميع: عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي.
(3) الكافي 6: 144 / 9، التهذيب 8: 137 / 477، الوسائل 22: 270 أبواب العدد
ب 48 ح 1.
310

أختها؟ قال: " لا، حتى تنقضي عدتها " (1).
ورواية محمد بن قيس: " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في أختين نكح
إحداهما رجل، ثم طلقها وهي حبلى، ثم خطب أختها فجمعها قبل أن
تضع أختها المطلقة ولدها، فأمره بأن يفارق الأخيرة حتى تضع أختها
المطلقة ولدها، ثم يخطبها ويصدقها صداقها مرتين " (2).
وموثقة زرارة: في رجل طلق امرأته وهي حبلى، أيتزوج أختها قبل
أن تضع؟ قال: " لا يتزوجها حتى يخلو أجلها " (3).
وبالصحيحتين الأولتين يخصص إطلاق الثلاثة الأخيرة بالعدة الرجعية.
وعدة المتعة كالرجعية.
لصريح صحيحة يونس المتقدمة.
وأما إذا فسخ نكاح الأخت - لعيب يوجبه، أو ظهر فساد نكاحها - فله
تزويج الأخرى دفعة.
للأصل.
وعدم صدق الجمع.

(1) الكافي 5: 432 / 9، التهذيب 7: 287 / 1210، الوسائل 22: 270 أبواب
العدد ب 48 ح 3.
(2) الكافي 5: 430 / 1، وفي الفقيه 3: 269 / 1277: " فنكحها "، بدل:
" فجمعها "، التهذيب 7: 284 / 1202، الوسائل 20: 476 أبواب ما يحرم
بالمصاهرة ب 24 ح 1.
(3) الكافي 5: 432 / 8، التهذيب 7: 286 / 1208، الإستبصار 3: 170 / 621،
الوسائل 20: 481 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 28 ح 2.
311

وأما صحيحة زرارة: عن رجل تزوج بالعراق امرأة، ثم خرج إلى الشام
فتزوج امرأة أخرى، فإذا هي أخت امرأته التي بالعراق، قال: " يفرق بينه
وبين المرأة التي تزوجها بالشام، ولا يقرب العراقية حتى تنقضي عدة
الشامية " (1).
فلا تفيد أزيد من الكراهة، كما أفتى به في القواعد (2).
ولو ماتت الأخت جاز نكاح الأخرى من ساعته.
للأصل.
ورواية علي بن أبي حمزة: عن رجل كانت له امرأة فهلكت أيتزوج
أختها؟ فقال: " من ساعته إن أحب " (3).
ولو طلقها رجعيا وأسقط الزوج حق الرجوع بوجه لازم شرعي، وقلنا
بعدم جواز الرجوع حينئذ، فهل يجوز تزويج الأخت قبل انقضاء العدة،
أم لا؟
مقتضى الاستصحاب وإطلاق الروايات الثلاث الأخيرة: عدم الجواز.
ومقتضى الصحيحتين: الجواز، وهو الأقرب لذلك، فإن بهما تخصص
الإطلاقات ويدفع الاستصحاب، سيما الثانية، التي هي أخص مطلقا من
المطلقات، لاختصاصها بما قبل انقضاء العدة.

(1) الكافي 5: 431 / 4، التهذيب 7: 285 / 1204، الإستبصار 3: 169 / 617،
الوسائل 20: 478 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 26 ح 1.
(2) القواعد 2: 16.
(3) الكافي 5: 432 / 9، التهذيب 7: 287 / 1210، الوسائل 22: 270 أبواب
العدد ب 48 ح 3.
312

إلا أن يقال: إن المذكور في الصحيحتين براءة العصمة وانتفاء الرجعة،
والمسلم حينئذ الأخير دون الأول، ولذا يتوارثان وتكون لها النفقة ونحوها،
فلا يعلم تحقق براءة العصمة، فتكون المطلقات والاستصحاب باقية على
حالها، فلا يجوز الجمع، وهو الأحوط، بل الأقرب.
القسم الثالث: في بيان من يحرم نكاحها بمجرد العقد خاصة جمعا
لا عينا، إلا مع رضاء المعقود عليها أولا، فيجوز جمعا أيضا.
وفيه مسائل.
المسألة الأولى: يحرم الجمع في النكاح بين امرأة عقد عليها أولا
وبين بنت أختها أو بنت أخيها، إلا مع إذن الخالة أو العمة، يعني: إذا تزوج
أولا امرأة لا يجوز تزويج بنت أختها أو بنت أخيها بدون رضاء الزوجة.
أما عدم الجواز بدون الإذن فهو الأظهر الأشهر، كما في الكفاية (1)، بل
بإجماع أصحابنا كما في الروضة (2).
للمستفيضة:
منها رواية علي: عن امرأة تزوجت على عمتها وخالتها، قال:
" لا بأس " وقال: " تزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت،
ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضاء منهما، فمن فعله

(1) الكفاية: 163.
(2) الروضة 5: 181.
313

فنكاحه باطل " (1).
ورواية الكناني: " لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين
المرأة وخالتها " (2).
ورواية السكوني: " إن عليا (عليه السلام) أتي برجل تزوج امرأة على خالتها
فجلده وفرق بينهما " (3).
والمروي في علل الصدوق: " إنما نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن تزويج
المرأة على عمتها وخالتها، إجلالا للعمة والخالة، فإذا أذنت في ذلك
فلا بأس " (4).
وتؤيدها مستفيضة أخرى، كموثقة محمد: " لا تزوج ابنة الأخ ولا ابنة
الأخت على العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما، وتزوج العمة والخالة على
ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما " (5).
وقريبة منها موثقته الأخرى (6).

(1) التهذيب 7: 333 / 1368، الإستبصار 3: 177 / 645، قرب الإسناد:
248 / 979، الوسائل 20: 487 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 3.
(2) التهذيب 7: 332 / 1366، الإستبصار 3: 177 / 643، الوسائل 20: 489
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 7.
(3) التهذيب 7: 332 / 1367، الإستبصار 3: 177 / 644، الوسائل 20: 488
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 4.
(4) العلل: 499 / 1، الوسائل 20: 489 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 10.
(5) الكافي 5: 424 / 1، الفقيه 3: 260 / 1238، العلل: 499 / 2، الوسائل 20:
487 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 1.
(6) التهذيب 7: 332 / 1365، الإستبصار 3: 177 / 642، الوسائل 20: 488
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 6.
314

ورواية الحذاء: " لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها إلا بإذن
العمة والخالة " (1).
وفي المروي في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: " لا تنكح المرأة على
عمتها ولا على خالتها إلا بإذن العمة والخالة، ولا بأس أن تنكح العمة
والخالة على بنت أخيها وبنت أختها " (2).
وأما الجواز معه فهو الحق المشهور أيضا، بل عن الانتصار والناصريات
والخلاف والغنية ونهج الحق والتذكرة: الإجماع عليه (3).
لعموم قوله سبحانه: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * (4).
وخصوص أكثر الأخبار المتقدمة.
خلافا في الأول للقديمين فجوزا له مطلقا (5)، ونفى عنه البعد في
الكفاية (6).
للأصل.
وعموم الآية.
وصدر رواية علي المتقدمة.

(1) الكافي 5: 424 / 2، الوسائل 20: 487 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 2.
(2) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 105 / 257، الوسائل 20: 490 أبواب ما
يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 13.
(3) الإنتصار: 116، الناصريات (الجوامع الفقهية): 210، الخلاف 4: 296،
الغنية (الجوامع الفقهية): 609، نهج الحق: 522، التذكرة 2: 638.
(4) النساء: 24.
(5) حكاه عنهما في المختلف: 527.
(6) الكفاية: 163.
315

والأول مردود.
والثانيان مخصصان بما مر، وضعف المخصص سندا غير ضائر،
سيما بعد الانجبار بالشهرة المحققة والإجماع المحكي، مع أنه - كما قيل (1)
- تنزيل كلامهما على صورة الإذن ممكن.
وفي الثاني للمقنع (2)، فحرمه كذلك.
لإطلاق بعض الأخبار المتقدمة وغيرها الواجب تقييده بما ذكر، حملا
للمطلق على المقيد، مع كون الإطلاق موافقا لمذهب العامة (3).
فروع:
أ: الأقرب - كما صرح به في الكفاية والقواعد (4)، وغيرهما (5)، بل هو
الأشهر كما صرح به بعض من تأخر (6) - اختصاص الحكم بتحريم
الجمع بينهما بالزوجية، فلا يحرم الجمع في الوطء بملك اليمين.
للأصل.
والعمومات.
واختصاص دليل المنع عن الجمع بالأول.

(1) انظر كشف اللثام 2: 35.
(2) المقنع: 110.
(3) كما في الإنصاف 8: 122.
(4) الكفاية: 163، القواعد 2: 17.
(5) كالتحرير 2: 13.
(6) كصاحب الرياض 2: 94.
316

وأما قوله: " لا يحل أن يجمع " في رواية الكناني فهو ليس بعام
ولا مطلق، إذ مثل ذلك ليس جمعا حقيقيا، بل هو مجاز، فيقتصر على
المعلوم.
خلافا للمحكي عن فخر المحققين، فقال بالتعميم، لعموم قوله:
" لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها "، والنكاح حقيقة في الوطء (1).
وجوابه: أن النكاح حقيقة في العقد، مع أنه جملة خبرية عن إفادة
التحريم قاصرة.
ب: وفي اعتبار استئذان العمة والخالة الحرتين لو أدخل عليها بنت الأخ
أو بنت الأخت بالملك وجهان.
أقربهما: العدم.
لما مر من الأصل والعمومات.
وقد يقال بالاعتبار، لتوهم الأولوية هنا، وهي ممنوعة، لعدم
استحقاقهما الاستمتاع.
وأولى من ذلك عدم اعتبار استئذانهما فيما إذا ملك العمة والخالة وأراد
تزويج بنت الأخ أو بنت الأخت.
لا يقال: عمومات المنع من تزويج البنتين على المرأتين تشمل المورد.
لأنا نمنع كون ذلك تزويجا عليهما، لأن المتبادر من التزويج عليهما
كونهما زوجة أيضا.

(1) انظر الإيضاح 3: 81.
317

ج: يجوز إدخال العمة أو الخالة على بنت الأخ أو الأخت ولو كره
المدخول عليها مع علم العمة أو الخالة بالحال على الأقوى الأشهر، بل
عن التذكرة الإجماع عليه (1).
للأصل.
والعمومات.
وكثير من الروايات المتقدمة وغيره.
خلافا للمحكي عن المقنع (2)، فأطلق المنع هنا أيضا.
وهو ضعيف جدا، مدفوع بما مر صريحا.
د: يعم الحكم العمة والخالة الرضاعيتين أيضا، كما صرح في القواعد
وغيره (3)، وحكي التصريح به عن المبسوط والمهذب (4)، وغيرهما (5).
لعموم: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "، والجمع بينهما
بدون الإذن يحرم من النسب فكذا من الرضاع.
وصحيحة الحذاء: " لا ينكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على
أختها من الرضاعة " (6).

(1) التذكرة 2: 638.
(2) المقنع: 110.
(3) القواعد 2: 17، وانظر التحرير 2: 12.
(4) المبسوط 4: 206، المهذب 2: 188.
(5) كالكفاية: 164.
(6) الكافي 5: 445 / 11، الفقيه 3: 260 / 1236، التهذيب 7: 333 / 1369،
الإستبصار 3: 178 / 646، الوسائل 20: 489 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 8.
318

ويمكن منع دلالة الأول بما مر في بحث الرضاع من عدم كون ذلك
محرما بالنسب خاصة.
والثاني باحتمال تعلق قوله: " من الرضاعة " بالأخير مع قصورها عن
إفادة الحرمة، إلا أن الظاهر كون المسألة إجماعية.
ه‍: هل يختص الحكم بالبنتين؟
أو يتعدى إلى بنتيهما أيضا، فلا يجوز نكاح بنت بنت الأخ أو بنت
ابنه، وكذا الأخت بدون رضاء الزوجة؟
صرح بالتعدي في المبسوط.
للاحتياط.
ولأن الحكمة في المنع إجلال العمة والخالة.
فالمنع في النازلة أولى.
ولشمول بنت الأخ وبنت الأخت للنازلات أيضا (1).
والاحتياط غير واجب.
والحكمة يمكن أن تكون مختصة ببنت الأخ والأخت.
والتعدي قياس باطل.
والشمول المذكور ممنوع، بل لا تصدق بنت الأخ على بنت ولد الأخ
إلا مجازا.

(1) المبسوط 4: 205.
319

ولذا استشكل في القواعد في التعدي (1)، وظاهر الكفاية التوقف أيضا (2)،
وهو في موضعه، بل مقتضى الأصل والعمومات: العدم، وهو الأقوم.
و: لو كانت عنده العمة أو الخالة فبادر إلى العقد على بنت الأخ أو
الأخت بغير إذنهما:
فإن كان مع منع العمة أو الخالة بطل العقد إجماعا.
وإن كان لا مع منعهما ولا إذنهما فللأصحاب فيه أقوال:
الأول: بطلان عقد الداخلة من غير تأثير لرضاء العمة أو الخالة، بل
يستأنف العقد لو رضيت، وبقاء الأول على اللزوم.
اختاره المحقق (3) وبعض آخر (4).
والثاني: تزلزل عقد الداخلة خاصة، فيقع موقوفا على رضاء العمة أو
الخالة، وتتخيران بين الفسخ والإمضاء.
حكي عن الفاضل في جملة من كتبه واختاره في الروضة (5)، وربما
نسب إلى المحقق أيضا (6)، والموجود في كتبه: الأول.
والثالث: تزلزل العقدين السابق والطارئ، أي عقد المدخول عليها
والداخلة، فللعمة والخالة فسخ كل من العقدين وإمضاء كل منهما وفسخ

(1) القواعد 2: 17.
(2) الكفاية: 163.
(3) الشرائع 2: 288.
(4) كالحلي في السرائر 2: 545.
(5) انظر التذكرة 2: 638، التحرير 2: 12، الروضة 5: 181.
(6) نسبه إليه المحقق الكركي في جامع المقاصد 12: 358.
320

واحد وإمضاء الآخر.
حكي عن الشيخين (1) وأتباعهما (2).
والرابع: بطلان عقد الداخلة وتزلزل السابق.
نقل عن الحلي (3).
والخامس: تزلزل العقدين وعدم خيار المدخول عليها في فسخ عقد
الداخلة، بل للزوج سلطنة فسخ عقدها من غير طلاق، فإن فسخ أو رضيت
المدخول عليها وإلا فللمدخول عليها الخيار بين الرضاء وبين فسخ عقد
نفسها من دون طلاق.
حكاه في شرح المفاتيح عن القاضي وابن حمزة (4).
والحق هو: الأول.
للنهي المقتضي للفساد ولو في المعاملات والأنكحة على الأقوى.
وللتصريح به في رواية علي المتقدمة (5)، وحملها على البطلان بدوام
عدم الإذن تخصيص بلا مخصص، وكونه الأغلب الذي ينصرف إليه
المطلق ممنوع، وورود مثله في بعض الأخبار بدليل لا يثبت الاطراد.
ولتفريق أمير المؤمنين (عليه السلام) الظاهر في التفريق من غير طلاق، كما

(1) المفيد في المقنعة: 505، الطوسي في النهاية: 459.
(2) كالديلمي في المراسم: 150.
(3) نقله عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد 12: 356.
(4) القاضي في المهذب 2: 188، ابن حمزة في الوسيلة: 293.
(5) في ص: 279.
321

في رواية السكوني السابقة (1).
وضعف الروايتين سندا عندنا غير ضائر.
هذا، مع أن الحكم بصحة مثل هذا العقد المنهي عنه يحتاج إلى دليل من
إجماع أو نص خاص أو عام، وبعض الأوامر المطلقة بالنكاح لا يشمل
المورد، للتناقض بين الأمر والنهي، كما أن بعض المطلقات أيضا
كذلك، لصراحته أو ظهوره في العقد اللازم المنفي هنا إجماعا.
وأما الأمر بالوفاء بالعقود فغير دال على أصالة اللزوم في جميع
العقود، كما بينا في موضعه، مع أن وجوب الوفاء منتف هنا قطعا، لأن هذا
العقد إما باطل أو متزلزل.
دليل الثاني:
أما على تزلزل الطارئ: فلأنه عقد صدر بدون إذن من يعتبر إذنه في
صحته، فكان موقوفا على إذنه كسائر العقود الموقوفة على إذن الغير.
وأما على لزوم السابق: فلأصالة البقاء الخالية عما يصلح للقدح فيها.
وفيه: أن بعد تسليم اعتبار الإذن في الصحة فلا يقع العقد أولا صحيحا،
لعدم مقارنته الإذن، وصيرورته صحيحا بالإذن اللاحق محتاج إلى الدليل.
إلا أن يقال: إن المسلم هو اعتبار مطلق الإذن في صحته لا الإذن
المقارن، ويكون الدليل حينئذ صحيحا، ويكون مرجعه عمومات صحة
العقد، خرج منه ما لم يلحقه إذن أصلا، فيبقى الباقي.
ولكن يجاب عنه حينئذ: أن مقتضى رواية علي أنها إذا كرهت حين

(1) في ص: 279.
322

التزويج أو لم تعلم به لم يصح، لصدق كونه تزويجا بدون رضاء منها،
ولا يفيد الرضاء اللاحق في جعل ذلك تزويجا بالرضاء، بل يكون
التزويج تزويجا بغير رضاء، فلو رضيت بعد ذلك يكون رضاها في
الإبقاء، وهو غير مفيد.
نعم، لو علمت بالنكاح حين صدوره يصح أن يقال: إنا لا نعلم أن
النكاح بدون رضاء منها، لاحتمال رضاها، فيبقى مراعى إلى أن يعلم
الحال، والمفيد حينئذ أيضا هو الرضاء حال العقد لا الطارئ بعده.
ودليل الثالث: صحة العقدين، فيتدافعان، فيتزلزلان.
وفيه: منع صحة العقدين، وهل الكلام إلا في ذلك، ولو سلم فالمسلم
من صحة الطارئ هو مع التزلزل فلا يدافع الأول.
ودليل الأخيرين: غير واضح، بل ضعفهما واضح.
ز: لا فرق في بطلان العقد بدون الإذن بين علم الزوج والزوجة اللاحقة
بالتوقف على الإذن، وبين جهلهما أو جهل أحدهما، فيبطل مطلقا،
للإطلاقات.
ولو تحقق الدخول مع الجهل يرجع إلى مهر المثل، ويكون الولد
ولد شبهة، يلحقه حكم الأولاد.
ح: لو تزوج رجل أحد البنتين المذكورتين، ثم تنازع مع زوجته
السابقة، فادعى الرجل الإذن وأنكرته الزوجة، فالزوج حينئذ يكون مدعيا
والزوجة منكرة، لأنه يدعي الإذن وهي تنكره.
وأما ادعاء الزوجة فساد العقد فلا يوجب صيرورتها مدعية، لأن
323

الفساد أمر مترتب على عدم الإذن، فتكون البينة على الزوج، فإن أقامها ثبت
العقد، وإلا فعلى الزوجة اليمين.
وكذا على القول بالتخيير، فهي وإن طلبت خيارها وادعته إلا أنه أيضا
أمر مترتب على عدم الإذن، فهي في الحقيقة منكرة للإذن وإن كانت في
صورة المدعي، حيث إنها المطالبة وإنها لو تركت تركت..
إلا أن حقيقة دعواها مركبة من ثلاثة أمور:
الأول: زوجيتها للزوج وتوقف العقد الطارئ على إذنها.
والثاني: عدم تحقق الإذن.
والثالث: فساد العقد.
وفي الأول وإن كانت مدعية صرفا، إلا أنه ثابت مفروغ عنه.
وفي الثاني منكرة.
والثالث من لوازم الأولين.
وأيضا كلية دعواها: أن بنت الأخ مثلا ليست زوجته وهو يدعي زوجيتها
الموقوفة على الإذن، وذلك مثل ما إذا كان مال عن أحد في يد غيره
فطلبه فادعى البيع وأنكره ذلك، فإن اليمين على منكر البيع مع أنه
يطلب المال حقيقة.
فإن قيل: الحق منحصر بين الرجل وابنة الأخت - مثلا - وكلاهما
معترفان بالحق، فما فائدة إنكار الزوجة؟! ولا يكون يمين لنفي حق الغير
عن الغير ولا إثباته له.
324

قلنا: كون ابنة الأخت ضرة (1) نوع إهانة وإيذاء وفي انتفائها إجلال كما
صرح به في الرواية (2)، فباليمين تنفي المذلة عن نفسها.
مع أنه على التخيير يثبت لها خيار الفسخ أيضا.
ط: القدر المعتبر في صحة العقد هو رضاء العمة أو الخالة وإن لم
تصرحا بالإذن لفظا، فيكفي العلم برضاهما بشاهد الحال أو الفحوى.
لصدق الرضاء المصرح به في رواية علي.
وأما مفهوم الشرط في رواية العلل (3)، المتضمنة للفظ الإذن الظاهر
في التصريح.
فهو وارد مورد الغالب، فلا حجية فيه.
مع أنه على فرض الحجية يتعارض مع مفهوم الاستثناء في رواية
علي بالعموم من وجه، والترجيح لصحة النكاح، للأصل.
ي: هل المعتبر الرضاء حال العقد واقعا؟
أو علم الزوج؟
أو مع بنت الأخ أو الأخت برضاها حال العقد؟
وتظهر الثمرة فيما لو تزوجها من غير علم بالرضاء وعدمه ثم ظهر
رضاها حال العقد..

(1) الضرائر - جمع ضرة -: هن زوجات الرجل، لأن كل واحدة تضر بالأخرى
بالغيرة والقسم - مجمع البحرين 3: 374.
(2) المتقدمة في ص: 279.
(3) المتقدمة في ص: 279.
325

يحتمل: الأول، لأن الألفاظ للمعاني النفس الأمرية.
والثاني، لأنها تقيد بالعلم في مقام التكاليف، كما في المورد، حيث
نهي عن التزويج بدون الرضاء أو الإذن، فيكون منهيا عنه، فيكون فاسدا،
وهو الأظهر.
ولو انعكس فعقد بظن الرضاء ثم تبين عدمه، بطل، لقوله: " فمن فعله
فنكاحه باطل ".
يا: رضاء العمة أو الخالة أعم من أن يكون من تلقاء أنفسهما أو من
جهة خارجية توجب رضاها بذلك - كبذل مال أو نحوه - ومنه رضاها
لأجل عدم تطليقها، فلو رضيت خوفا من طلاقها صح، وكذا كل أمر
مشروع يوجب وجوده أو عدمه رضاها.
يب: اعتبار رضاها يعم عقد الدوام والانقطاع من الجانبين أو من
أحدهما.
للإطلاقات.
يج: لو طلق العمة أو الخالة بائنا يجوز تزويج البنتين بدون رضاهما
في العدة قطعا.
لعدم المانع.
ولو طلقها رجعيا فهل يعتبر رضاها في أثناء العدة؟
الظاهر: نعم.
لأن المعتدة رجعية زوجة، كما يستفاد من الأخبار.
يد: قد عرفت جواز عقد العمة أو الخالة على بنت الأخ والأخت - وإن
326

كرهتا - لو علمت العمة أو الخالة بالحال.
ولو جهلتا بالحال، ففي بطلان عقد الداخلة، أو تخييرها في فسخ عقدها
أو في فسخ عقد المدخول عليها أو في فسخ أحد العقدين، أو بطلان
عقد المدخول عليها، أو بطلان العقدين، أو صحتهما ولزومهما من غير
خيار للفسخ. احتمالات.
نسب ثانيها إلى المشهور (1).
وذهب جماعة من المتأخرين إلى الأخير (2).
وهو الأظهر.
للأصل.
والاستصحاب.
والإطلاقات المتقدمة.
ولا دلالة لإطلاق رواية الكناني (3) على بعض سائر الاحتمالات، لوجوب
تخصيصها بنكاح البنتين على العمة والخالة، للتصريح في الروايات الأخر
بجواز العكس من غير تقييد.
ولا لوجوب إجلال العمة والخالة، لأن المعلوم منافاته للإجلال هو نكاح
البنتين عليهما دون العكس، فإنه إذلال للبنتين.

(1) نسبه إلى الأكثر في المختلف: 528.
(2) منهم المحقق في الشرائع 2: 288، النافع: 176، صاحب الرياض 2: 94.
(3) المتقدمة في ص: 279.
327

الفصل [الثاني] (1)
في بيان من يحرم بالوطء
وهو إما حلال أو حرام نبين أحكامه في مسائل:
المسألة الأولى: إن كان الوطء حلالا - من تزويج أو ملك أو تحليل
أو شبهة - يحرم به عينا كل من كان يحرم بالعقد خاصة عينا.
وهن: أم الموطوءة وإن علت، وموطوءة الأب وإن علا، والابن وإن
سفل.
أما تحريمهن إن كان بالتزويج فوجهه ظاهر.
وأما إن كان بملك اليمين أو التحليل فبالإجماع، والمستفيضة من الأخبار.
أما في أم الموطوءة فمنها: ما مر من قوله في مرسلة جميل: " إذا لم يدخل
بإحداهما حلت له الأخرى " (2)، دل بالمفهوم على عدم الحلية بعد الدخول.
ورواية إسحاق بن عمار، وفيها: " سبحان الله كيف تحل له أمها وقد
دخل بها " (3) فتأمل.

(1) ما بين المعقوفين ليس في الأصل و " ق "، وفي " ح ": الأول.
(2) راجع ص: 279.
(3) التهذيب 7: 275 / 1170، الإستبصار 3: 158 / 574، الوسائل 20: 464
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 5.
328

ورواية رزين: في رجل كانت له جارية فوطئها ثم اشترى أمها وابنتها،
قال: " لا تحل له الأم والبنت سواء " (1).
ورواية أبي بصير: الرجل تكون عنده المملوكة وابنتها فيطأ إحداهما
فتموت وتبقى الأخرى، أيصلح له أن يطأها؟ قال: " لا " (2).
ومكاتبة الحسين: رجل كانت له أمة يطأها فماتت أو باعها ثم أصاب
بعد ذلك أمها، هل له أن ينكحها؟ فكتب: " لا يحل له " (3).
ومرسلة أخرى لجميل: الرجل كانت له جارية فوطئها ثم اشترى أمها
أو ابنتها، قال: " لا تحل له " (4).. إلى غير ذلك.
وأكثر هذه الروايات وإن اختصت بمملوكته، إلا أن رواية أبي بصير
ومرسلة جميل تشملان المحللة أيضا.
وأما في موطوءة الأب والابن فمنها: مرسلة يونس: عن أدنى ما إذا فعله
الرجل بالمرأة لم تحل لابنه ولا لأبيه، قال: " الحد في ذلك المباشرة
ظاهرة أو باطنة مما يشبه مس الفرجين " (5).

(1) التهذيب 7: 279 / 1183، الإستبصار 3: 161 / 586، الوسائل 20: 469
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 14.
(2) التهذيب 7: 276 / 1172، الإستبصار 3: 159 / 576، الوسائل 20: 468
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 11.
(3) التهذيب 7: 276 / 1173، الإستبصار 3: 159 / 577، الوسائل 20: 467
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 7.
(4) الكافي 5: 431 / 3، الوسائل 20: 465 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21
ح 1.
(5) التهذيب 7: 468 / 1877، الإستبصار 3: 155 / 568، الوسائل 20: 421
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 6.
329

وصحيحة البختري: عن الرجل تكون له جارية أفتحل لابنه؟ قال:
" ما لم يكن من جماع أو مباشرة كالجماع فلا بأس " (1).
وحسنة زرارة: " إذا زنى رجل بامرأة ابنه أو بجارية ابنه فإن ذلك
لا يحرمها على زوجها ولا يحرم الجارية على سيدها، إنما يحرم ذلك منه
إذا أتى الجارية وهي حلال، فلا تحل تلك الجارية أبدا لأبيه ولا لابنه "
الحديث (2).. إلى غير ذلك. مضافا في موطوءة [الابن] (3) إلى قوله سبحانه:
* (وحلائل أبنائكم) * (4).
وهذه الأخبار وإن لم تشتمل على المرتفعين والمرتفعات والسافلين
والسافلات حقيقة، إلا أن الإجماع القطعي كاف في إثبات الحكم فيهم.
وأما إن كان بالشبهة فعلى الأظهر الأشهر، بل عن المبسوط: عدم
الخلاف فيه (5)، وعن التذكرة: الإجماع عليه (6).
ويدل عليه:
أما في أم الموطوءة: فإطلاق مرسلة جميل ورواية إسحاق وأبي بصير
المتقدمة.

(1) الفقيه 3: 287 / 1364، التهذيب 7: 284 / 1199، الوسائل 20: 423 أبواب
ما يحرم بالمصاهرة ب 5 ح 3.
(2) الكافي 5: 419 / 7، الفقيه 3: 264 / ذ. ح 1256، التهذيب 7: 281 / 1189،
الإستبصار 3: 155 / 565، الوسائل 20: 419 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4
ح 1.
(3) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الأب، والصحيح ما أثبتناه.
(4) النساء: 23.
(5) المبسوط 4: 208.
(6) التذكرة 2: 631.
330

وأما في موطوءة الأب والابن: فإطلاق مرسلة يونس وحسنة
زرارة.
خلافا للنافع والحلي (1)، ونسب إلى جماعة.
للأصل.
والعمومات.
واختصاص المحرم بالنكاح الصحيح.
والأولان مدفوعان بما مر.
والثالث ممنوع كما مر.
والظاهر اختصاص التحريم بما إذا كان الوطء قبل العقد، فلا يحرم
بوطء الشبهة العقد السابق.
لاستصحاب الحل.
وظهور المطلقات في العقد اللاحق.
وخصوص صحيحة زرارة: " وإن كان تحته امرأة فتزوج أمها أو بنتها
أو أختها فدخل بها ثم علم فارق الأخيرة والأولى امرأته " (2).
وتدل على الحكم صحيحة أخرى لزرارة أيضا (3).
ويظهر من بعض وجود القول بتحريم السابق أيضا، حيث جعل

(1) النافع: 177، الحلي في السرائر 2: 535.
(2) الفقيه 3: 263 / 1256، الوسائل 20: 429 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 6.
(3) الكافي 5: 416 / 4، التهذيب 7: 330 / 1359، الوسائل 20: 429 أبواب ما
يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 3.
331

الأقوال في المسألة ثلاثة: التحريم المطلق، وعدمه، والتفصيل بين اللاحق
والسابق (1).
المسألة الثانية: وتحرم أيضا بالوطء إذا كان حلالا بنت
الموطوءة.
أما بالتزويج فبالإجماع المحقق.
والآية.
والأخبار المتكثرة المتقدمة كثير منها في المسألة الثانية من الفصل
الأول.
وأما بالملك والتحليل فبالإجماع أيضا.
مضافا في الأول إلى مرسلة جميل الأولى، والروايات الثلاث المتعقبة
لها، ومرسلة جميل الثانية، المتقدمة جميعا في المسألة السابقة.
وصحيحة محمد: رجل كانت له جارية فأعتقت وتزوجت فولدت،
أيصلح لمولاها الأول أن يتزوج ابنتها؟ قال: " لا، هي عليه حرام، هي
ابنته، والحرة والمملوكة في هذا سواء " (2).
وصحيحته الأخرى، وهي مثل الأولى وفي آخرها: ثم قرأ هذه الآية:
* (وربائبكم اللاتي في حجوركم) * (3).

(1) انظر الكفاية: 164.
(2) التهذيب 7: 277 / 1176، الإستبصار 3: 160 / 582، الوسائل 20: 467
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 6.
(3) تفسير العياشي 1: 230 / 72، الوسائل 20: 467 أبواب ما يحرم بالمصاهرة
ب 21 ح 6.
332

وغير ذلك، كروايات الحسين بن بشر (1) وسعيد بن يسار (2) وعبيد
بن زرارة (3).
وأما روايتا رزين (4) وخبر الفضيل (5) - المجوزة لذلك - فمطروحة
بالشذوذ، ومخالفة شهرة الرواية، بل الكتاب.
وفي الثاني إلى بعض العمومات المتقدمة.
وأما بالشبهة فعلى الأصح.
لبعض الإطلاقات المتقدمة.
فروع:
أ: حكم بنت البنت وبنت الابن فنازلا حكم البنت، بالإجماع، وإن
لم يستنبط حكمهما من الأخبار.
ب: لا فرق في تحريم بنت الموطوءة بين كونها في حجر الواطئ

(1) الكافي 5: 433 / 11، الوسائل 20: 466 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21
ح 2.
(2) التهذيب 7: 277 / 1177، الإستبصار 3: 160 / 580، الوسائل 20: 468
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 12.
(3) الكافي 5: 433 / 12، الوسائل 20: 466 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 3.
(4) الأولى في: التهذيب 7: 278 / 1182، الإستبصار 3: 161 / 585، الوسائل
20: 469 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 16.
الثانية في: التهذيب 7: 278 / 1181، الإستبصار 3: 161 / 586، الوسائل
20: 461 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 16.
(5) التهذيب 7: 279 / 1184، الإستبصار 3: 161 / 587، الوسائل 20: 469
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 15،
333

وحضانته أم لا.
للإجماع.
والمستفيضة من الأخبار.
والتقييد في الآية خرج مخرج الغالب، مع أنه لا حجية في مفهوم
الوصف.
ج: لا فرق في بنات الموطوءة بين الموجودات قبل الوطء أو
المتولدات بعده إجماعا.
للإطلاقات.
المسألة الثالثة: إن كان الوطء بالزنى، ففي تحريم من كان يحرم
بالوطء الحلال وعدمه قولان.
الأول: محكي عن النهاية والخلاف والقاضي والحلبي والكليني وابني
زهرة وحمزة والمختلف والتذكرة وفخر المحققين والفاضل المقداد
والصيمري وفي اللمعة والروضة (1) والسيد في شرح النافع، ونسبه في
المختلف إلى أكثر أصحابنا، وفي التذكرة إلينا، الظاهر في الإجماع في
الإكراه على الزنى، وفي الغنية: الإجماع على تحريم موطوءة الرجل على

(1) النهاية: 452، وانظر الخلاف 4: 306 - 308، القاضي في المهذب 2: 183،
الحلبي في الكافي في الفقه: 286، الكليني في الكافي 5: 415، حكاه عن ابن
زهرة في المختلف: 522، ابن حمزة في الوسيلة: 292، المختلف: 522،
التذكرة 2: 632، فخر المحققين في الإيضاح 3: 68، الفاضل المقداد في التنقيح
3: 70، اللمعة والروضة 5: 182.
334

أبيه وابنه.
والثاني: مختار المقنع والمقنعة والناصريات والطبريات والديلمي
والإرشاد والنافع والكفاية والشيخ في التبيان في أم المزني بها وابنتها،
ونحوه الحلي (1)، وظاهر التذكرة: أشهريته عندنا (2)، بل عن الطبريات:
الإجماع عليه، وكذا في الناصريات والسرائر في حلية أم المزني بها وبنتها.
دليل الأولين: صدق أم النساء والربائب على أمها وابنتها، لصدق
الإضافة بأدنى ملابسة.
والمستفيضة من الأخبار:
كصحيحة منصور: في رجل كان بينه وبين امرأة فجور، هل يتزوج
ابنتها؟ فقال: " إن كان قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها، وإن كان جماعا فلا
يتزوج ابنتها " (3).
وصحيحة محمد: عن رجل فجر بامرأة، أيتزوج أمها من الرضاعة أو
ابنتها؟ قال: " لا " (4).
والأخرى: عن رجل نال من خالته في شبابه ثم ارتدع، أيتزوج

(1) المقنع: 108، المقنعة: 504، الناصريات (الجوامع الفقهية): 209، نقله عن
الطبريات في الرياض 2: 96، الديلمي في المراسم: 149، الإرشاد 2: 21،
النافع: 177، الكفاية: 163، التبيان 3: 160، الحلي في السرائر 2: 523.
(2) التذكرة 2: 632.
(3) التهذيب 7: 330 / 1357، الإستبصار 3: 167 / 608، الوسائل 20: 424
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 4.
(4) الكافي 5: 416 / 8، التهذيب 7: 331 / 1360، الإستبصار 3: 167 / 611،
الوسائل 20: 427 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 7 ح 1.
335

ابنتها؟ فقال: " لا " فقال: إنما لم يكن أفضى إليها إنما كان شئ دون
شئ، فقال: " لا يصدق ولا كرامة " (1).
وصحيحة عيص: عن رجل باشر امرأة وقبل غير أنه لم يفض إليها ثم
تزوج ابنتها، فقال: " إذا لم يكن أفضى إلى الأم فلا بأس، وإن كان أفضى
إليها فلا يتزوج ابنتها " (2).
وحسنة الكاهلي: عن رجل اشترى جارية ولم يمسها، فأمرت امرأته
ابنه - وهو ابن عشرين سنة - أن يقع عليها فوقع عليها، فما ترى فيه؟
فقال: " أثم الغلام وأثمت أمه، ولا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع
عليها " (3).
وصحيحة أخرى: عن رجل يفجر بامرأة أيتزوج ابنتها؟ قال: " لا،
ولكن إن كانت عنده امرأته ثم فجر بأمها أو بنتها أو أختها لم تحرم عليه
امرأته، إن الحرام لا يفسد الحلال " (4).
وصحيحة الكناسي: إن رجلا من أصحابنا تزوج امرأة، فقال لي:
أحب أن تسأل أبا عبد الله (عليه السلام) وتقول له: إن رجلا من أصحابنا تزوج امرأة
قد زعم أنه كان يلاعب أمها ويقبلها من غير أن يكون أفضى إليها، قال:

(1) الكافي 5: 417 / 10، فقه الرضا " ع ": 67، الوسائل 20: 432 أبواب ما يحرم
بالمصاهرة ب 10 ح 1.
(2) الكافي 5: 415 / 2، التهذيب 7: 330 / 1356، الوسائل 20: 424 أبواب
ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 2.
(3) الكافي 5: 418 / 4، فقه الرضا " ع ": 68، الوسائل 20: 419 أبواب ما يحرم
بالمصاهرة ب 4 ح 2.
(4) الكافي 5: 415 / 1، الوسائل 20: 428 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 1.
336

فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: " كذب، مره فليفارقها "، قال: فرجعت من
سفري فأخبرت الرجل بما قال أبو عبد الله (عليه السلام)، فوالله ما دفع ذلك عن
نفسه وخلى سبيلها (1).
وصحيحة الكناني: " إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها "
الحديث (2).
ورواية علي بن جعفر: عن رجل زنى بامرأة هل يحل لابنه أن
يتزوجها؟ قال: " لا " (3).
ورواية عمار: في الرجل تكون له الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن
يطأها الجد، أو الرجل يزني بالمرأة هل يحل لابنه أن يتزوجها؟ قال: " لا،
إنما ذلك إذا تزوجها الرجل فوطئها ثم زنى بها ابنه لم يضره، لأن الحرام لا
يفسد الحلال، وكذلك الجارية " (4).
وصحيحة أبي بصير: عن الرجل يفجر بالمرأة أتحل لابنه؟ أو يفجر
بها الابن أتحل لأبيه؟ قال: " إن كان الأب أو الابن مسها وأخذ منها فلا
تحل " (5).

(1) الكافي 5: 416 / 9، الوسائل 20: 424 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 5.
(2) التهذيب 7: 329 / 1353، الإستبصار 3: 166 / 604، الوسائل 20: 430
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 8.
(3) التهذيب 7: 282 / 1195، الإستبصار 3: 163 / 594، قرب الإسناد:
247 / 974، الوسائل 20: 431 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 9 ح 2.
(4) الكافي 5: 420 / 9، التهذيب 7: 282 / 1196، الإستبصار 3: 164 / 597،
الوسائل 20: 420 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 3.
(5) التهذيب 7: 282 / 1194، الإستبصار 3: 163 / 593، الوسائل 20: 430
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 9 ح 1.
337

ويمكن أن يجاب عن الآية: بمنع الصدق، وصحة الاستعمال لو
سلمت لا تثبت الحقيقة، التي هي المفيدة في المقام.
وعن الثلاث الأولى من الروايات وحسنة الكاهلي: بعدم الدلالة على
الحرمة، لعدم اشتمالها على النهي الدال عليها، بل ورد بلفظ النفي أو ما
يحتمله، الغير المثبت للحرمة، بل غايته الكراهة ونفي الإباحة، التي هي
تساوي الطرفين.
مضافا إلى أن صحيحة محمد الأخيرة مخصوصة بالخالة، فلا يثبت
الحكم في غيرها، لوجود القول بالفصل.
وأما صحيحة عيص، فهي وإن دلت على الحرمة بواسطة التفصيل
القاطع للشركة، إلا أنها أعم من الإفضاء حلالا أو حراما، فلا تعارض ما
يأتي مما يختص بالثاني.
وقد يجاب عن صحيحة الكناسي أيضا: بأنه يمكن أن يكون المراد
بقوله: " كذب " تكذيبه فيما ذكره من أنه يحب أن يسأل أبا عبد الله (عليه السلام)،
حيث علم الإمام أنه من المخالفين الذين مذهبهم التحريم بذلك، فأجاب
بما يوافق التقية من الأمر بالمفارقة، ويكون معنى: ما دفع ذلك عن نفسه،
أي المخالفة وعدم كون سؤاله عن الإمام تعنتا.
ولا يخفى بعده، بل هو مناف لقول الراوي: إن رجلا من أصحابنا.
والأخيرتان أيضا مختصتان ببعض صور المسألة التي يتحقق فيها
القول بالتفصيل، [فهما أيضا لا تفيان] (1) بتمام المطلوب.

(1) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: فهي أيضا لا تفي، والظاهر ما أثبتناه.
338

وصحيحة الكناني متنها مشتمل على ما يخالف الإجماع، وفي سندها
محمد بن الفضيل المشترك بين الثقة وغيره.
وحجة الآخرين: استصحاب حلية العقد.
وأصالة عدم التحريم.
وعموم: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * (1).
وسائر العمومات القرآنية والخبرية.
وعموم قولهم (عليهم السلام) في روايات كثيرة من الصحاح المستفيضة
وغيرها: " إنه لا يحرم الحرام الحلال ".
ولا يضر اختصاص مواردها، لكون العبرة بعموم اللفظ لا خصوص
المحل.
وخصوص المستفيضة، كصحيحة ابن المثنى: رجل فجر بامرأة
أتحل له ابنتها؟ قال: " نعم، إن الحرام لا يفسد الحلال " (2).
وروايته: عن الرجل يأتي المرأة حراما أيتزوجها؟ قال: " نعم، وأمها
وبنتها " (3).
وموثقة حنان: عن رجل تزوج امرأة سفاحا، هل تحل له ابنتها؟

(1) النساء: 23.
(2) التهذيب 7: 328 / 1350، الإستبصار 3: 165 / 601، الوسائل 20: 426
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 10.
(3) التهذيب 7: 326 / 1343، الإستبصار 3: 165 / 600، الوسائل 20: 425
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 7.
339

قال: " نعم، إن الحرام لا يحرم الحلال " (1).
وصحيحة سعيد: عن رجل فجر بامرأة أيتزوج ابنتها؟ قال: " نعم يا
سعيد، إن الحرام لا يفسد الحلال " (2).
ورواية زرارة: رجل فجر بامرأة هل يجوز له أن يتزوج بابنتها؟ قال:
" ما حرم حرام حلالا قط " (3).
وصحيحة صفوان: عن الرجل يفجر بالمرأة وهي جارية قوم آخرين
ثم اشترى ابنتها، أيحل له ذلك؟ قال: " لا يحرم الحرام الحلال "، ورجل
فجر بامرأة حراما أيتزوج ابنتها؟ قال: " لا يحرم الحرام الحلال " (4).
وصحيحة مرازم: عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه
فوقع، فقال: " أثمت وأثم ابنها، وقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة
فقلت له: أمسكها إن الحلال لا يفسد الحرام " (5).
وحسنة زرارة المتقدمة في المسألة الأولى (6)، المتضمنة للتفصيل

(1) التهذيب 7: 328 / 1351، الإستبصار 3: 165 / 602، الوسائل 20: 426
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 11.
(2) التهذيب 7: 329 / 1354، الإستبصار 3: 166 / 605، الوسائل 20: 425
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 6.
(3) التهذيب 7: 329 / 1355، الإستبصار 3: 166 / 606، الوسائل 20: 426
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 9.
(4) التهذيب 7: 471 / 1889، الوسائل 20: 427 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6
ح 12.
(5) التهذيب 7: 283 / 1197، الإستبصار 3: 164 / 598، الوسائل 20: 420
أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 4.
(6) راجع ص: 292.
340

القاطع للاشتراك بين الحلال والحرام، وغير ذلك.
وأجاب الأولون:
أما عن الأصل والعمومات: بالاندفاع والتخصيص بما مر.
ولا يخفى أنه هو إنما يتم لو تمت دلالة ما مر على التحريم مطلقا
وسلم عن معارضة أدلة الآخرين أو يرجح عليها، والكل ممنوع.
وأما عن الروايات:
فتارة: بضعف السند.
وأخرى: بحمل الفجور والإتيان فيها على نحو اللمس والقبلة، دون
الدخول.
وثالثة: بحمل المسؤول عن حليتهن على أنهن زوجات له قبل
الزنى.
ورد الأول: بالمنع، فإن فيها الموثق والصحيح، ثم لو سلم ينجبر بما
مر من الإجماعات المنقولة وغيرها.
والأخيران: بمخالفتهما الظاهر جدا، خصوصا الأول، وقد وقع مثله
في أكثر أخبار القول الأول، ولم يفهموا منه شيئا غير الدخول، مع أن
المذكور في حسنة زرارة لفظ الزنى، ومع منافاة الثاني لأكثرها المتضمن
للفظ: " يتزوج " الموضوع للمستقبل، على أن في صحيحة صفوان أتى
بلفظة: " ثم " الدالة على التعقيب، إلا أنها في الاشتراء، وهو غير الوطء.
ومن ذلك تظهر تمامية هذه الأدلة، إلا أن أكثرها يختص بحلية بنت
الموطوءة أو أمها، الموجبة لحلية الأخرى أيضا بالإجماع المركب.
341

ولا تدل على حلية الموطوءة على أب الواطئ أو ابنه سوى الأخيرتين
المثبتتين حلية الأوليين أيضا، لعدم القول بالفصل.
فالكل دالة على حلية بنت الموطوءة وأمها.
والروايات الدالة على الحرمة في الأم والبنت أربعة: صحيحة محمد
والعيص والكناني والكناسي.
والأولى مخصوصة بصورة لحوق العقد، ومن هذه الجهة وإن كانت
أخص مطلقا من صحيحة المثنى وموثقة حنان، ولكنها تباين رواية المثنى
وصحيحة سعيد ورواية زرارة وذيل صحيحة صفوان، والترجيح لأخبار
الحلية بموافقة الكتاب، ومخالفة العامة، وموافقة الأصل والاستصحاب.
والثانية لأعميتها من المباشرة حلالا وحراما واختصاصها بما إذا سبق
الزنا العقد وبما إذا كان دخل، أعم من وجه من صحيحة المثنى، لشمولها
السبق واللحوق، ولعدم صراحة الفجور في الزنى لغة ولا عرفا، بل في
صحيحة منصور الأولى دلالة على أعميتها، وفهمهم عنه الزنى في أخبار
التحريم ليس لأنه مدلوله، بل للشمول.
وكذا عن موثقة حنان، وكذا عن صحيحة سعيد وصفوان ورواية
زرارة، لعمومها باعتبار الفجور، والترجيح لأخبار الحلية، لما مر.
والثالثة مباينة لصحيحة المثنى، بل الموثقة، وأعم مطلقا من البواقي،
لأعميتها من اللحوق والسبق، ولكن لما لم يكن معنى لحملها على صورة
سبق العقد فتكون مباينة للجميع، والترجيح للحلية.
والرابعة أيضا أعم من الحلال والحرام والسبق واللحوق، فهي أيضا
342

أعم مطلقا من كثير من أخبار الحلية، فيجب التخصيص.
فلا شئ يعارضها في نفي التحريم فيهما، سوى صحيحة الكناني،
وظاهر أنها لا تقاوم هذه الأخبار الكثيرة، بل الترجيح لهذه الأخبار
بالأشهرية رواية، والأوفقية لعموم الكتاب، وللتقية، لكون التحريم هو
المشهور بين العامة - كما يفهم من التذكرة (1) - ومنهم: أصحاب أبي حنيفة
المشهور رأيه في الأزمنة السالفة (2).
وكل ذلك من المرجحات المنصوصة المؤيدة بمرجحات أخر، كالشهرة
القديمة، والإجماع المنقول (3)، مع أنه لولا الترجيح لكان المرجح الأصل
والاستصحاب، وهما مع الحلية، فهي في بنت الموطوءة وأمها واضحة بحمد الله.
وأما حلية الموطوءة على أب الواطئ وابنه فهي وإن كانت مدلولة
للروايتين الأخيرتين، إلا أنهما تشملان حصول الزنى بعد وطء الأب أيضا،
بل هما ظاهران في ذلك، سيما الأولى، لقوله: " لا يفسد ".
والروايتان الأخيرتان للقول الأول خاصتان بصورة سبق الزنى، فيجب
تخصيص الأوليين بهما، سيما مع تأيدهما بالإجماع المنقول عن الغنية
وخلو الأوليين عن ذلك التأيد، لاختصاص الإجماعات المنقولة على الحلية
بأم الموطوءة وابنتها.
بل وكذا تأيدهما بالشهرة المحكية في السرائر (4)، فإن ظاهره: أن

(1) التذكرة 2: 632.
(2) انظر بداية المجتهد 2: 34.
(3) راجع ص: 296.
(4) انظر السرائر 2: 524، وحكاه عنه في الرياض 2: 96.
343

حرمة المزني بها على أب الزاني وابنه مذهب الأكثر، بل المحققة، لأن أكثر
القدماء المصرحين بالحلية صرحوا بها في الأم والبنت خاصة، كالمقنعة
والناصريات والسرائر (1).
فالظاهر أن المذهب المشهور هو التفصيل، أي حرمة المزني بها على
أب الزاني وابنه، وحلية أمها وابنتها على الزاني.
وهو الحق الحقيق بالاتباع، فعليه الفتوى.
فرعان:
أ: الحق: عدم التفرقة في حلية البنت بين كون المزني بهما (2) عمة
أو خالة أو غيرهما، وفاقا للحلي والكفاية (3).
لعموم أدلة الحلية.
خلافا لكثير ممن قال بالحلية في غيرهما، فاستثنوا بنت الخالة والعمة،
بل عن الانتصار والتذكرة (4): الإجماع عليه، وفي شرح السيد للنافع: أنه
مقطوع به بين الأصحاب.
للإجماعات المنقولة.
وصحيحة محمد المتقدمة (5).

(1) المقنعة: 77، الناصريات (الجوامع الفقهية): 209، السرائر 2: 523.
(2) كذا والظاهر: بها.
(3) الحلي في السرائر 2: 523، الكفاية: 163.
(4) الإنتصار: 108، التذكرة 2: 633.
(5) في ص: 297.
344

والأول مردود بعدم الحجية. والثاني: أولا: بعدم الدلالة على
الحرمة.
وثانيا: بخروجها عن المسألة، لتصريحها بعدم الإفضاء والمواقعة
وعدم حصول الحرمة بما دونه، وأما قوله عليه السلام: " لا يصدق "
فلا يدل على حصول المواقعة، مع أن عدم التصديق مخالف لإجماع
الأمة.
ب: ما سبق من نشر التحريم بالزنى إنما هو إذا كان سابقا على
العقد.
ولو كان لاحقا:
فإن لحق العقد والدخول لم ينشر حرمة إجماعا، للأصل.
واختصاص أدلة التحريم بصورة السبق.
وخصوص النصوص المستفيضة، كحسنة زرارة وصحيحة مرازم (1)،
وصحاح محمد (2) والحلبي (3) وزرارة (4)، وروايتي زرارة (5).
وكذا إن لحق العقد خاصة على الأظهر الأشهر، بل ادعى جماعة عليه

(1) المتقدمتين في ص: 292 و 301.
(2) المتقدمة في ص: 297.
(3) الكافي 5: 415 / 3، التهذيب 7: 330 / 1358، الوسائل 20: 428 أبواب ما
يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 2.
(4) المتقدمة في ص: 293.
.
(5) الأولى: تقدمت في ص: 300 و 301 الثانية في: الكافي 5: 416 / 6، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 96 / 229،
الوسائل 20: 429 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 4.
345

الإجماع (1).
لإطلاق أكثر الأخبار المتقدمة.
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فخص عدم النشر بتحقق الدخول (2)،
لمفهوم الشرط في رواية عمار السابقة (3).
ورواية الكناني المتقدم صدرها (4)، فقال بعده: " وإن كان قد تزوج
ابنتها قبل ذلك ولم يدخل بها فقد بطل تزويجه، وإن هو تزوج ابنتها ودخل
بها ثم فجر بأمها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأمها نكاح ابنتها إذا
هو دخل بها ".
ويردان بالشذوذ المانع عن الحجية، ولولاه لكان القول بمقتضاهما
حسنا، والاحتياط أحسن.
المسألة الرابعة: تحرم أخت المزني بها جمعا، أي لا يجوز له
وطؤها إلا بعد انقضاء عدة المزني بها.
بلا خلاف ظاهر، بل بالإجماع، له.
وللنصوص، منها: صحيحة العجلي المتضمنة لحكاية امرأة دلست
نفسها على زوج أختها حتى واقعها، قال: " ولا يقرب امرأته التي تزوج

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 480 وصاحب الحدائق 23: 479.
(2) حكاه عنه في المختلف: 524.
(3) في ص: 298.
(4) في ص: 298.
346

حتى تنقضي عدة التي دلست نفسها " (1).
المسألة الخامسة: لا تحرم المزني بها على الزاني.

(1) الكافي 5: 409 / 19، الوسائل 21: 222 أبواب العيوب والتدليس ب 9 ح 1.
347