الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٣
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٥ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء الثالث
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
ناشر: دار الكتب الاسلامية
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وإذ قد فرغ من
الوضوء شرع في البحث عن الغسل فقال:
(وأما الغسل)
فهو بالضم في الأصل اسم مصدر ثم نقل في العرف الشرعي على الأقوى فيه
وفي نظائره إلى أفعال خاصة تقف عليها إن شاء الله للصحيح منها، أو للأعم منها ومن
الفاسد فسادا لا ينتفي الاسم عرفا بانتفائه من غير فرق بين الشرائط والأجزاء، أو مع
اختصاص الفساد من جهة الأول خاصة، وقد فرغنا من تحرير ذلك كله في غير هذا المقام
وكيف كان (ففيه الواجب والمندوب، فالواجب ستة أغسال، غسل الجنابة
والحيض والاستحاضة التي تثقب الكرسف والنفاس ومس الأموات من الناس قبل
تغسيلهم وبعد بردهم وغسل الأموات) بلا خلاف أجده في شئ منها سوى غسل المس،
فعن المرتضى القول باستحبابه، وستعرف ضعفة مما يأتي إن شاء الله وإن لم يذكره المصنف
في فصل مستقل، وممن نص على وجوبه هنا من القدماء الشيخان والقاضي وابن زهرة
وسلار وأبو الصلاح وابنا إدريس وسعيد، وقد نفى الخلاف عنه بعضهم إلا من المرتضى،
بل في الغنية الاجماع عليه، وأما الخمسة فلا إشكال في وجوبها، ويدل عليها - مضافا
إلى الكتاب في غسل الجنابة والحيض على بعض الوجوه - الاجماع محصلا منقولا،
والأخبار التي كادت تكون متواترة، بل هي كذلك في كثير منها، بل لعل وجوبها
2

بعد من الضروريات في غير غسل الاستحاضة، ويظهر من المتن أنه لا واجب غيرها،
وهو كذلك على الأصح، خلافا لسلار في المراسم، فزاد غسل من تعمد ترك صلاة
الكسوف وقد انكسف القرص كله، وستعرف ضعفه فيما يأتي، كضعف غيره من
إيجاب غسل من سعى إلى مصلوب عامدا بعد ثلاثة أيام وغيره، كما يظهر لك ذلك كله
إن شاء الله في الأغسال المندوبة.
(وبيان ذلك) أي الأغسال الواجبة (في خمسة فصول) بترك ذكر فصل
مستقل لغسل مس الميت.
(الأول في الجنابة)
وهي في اللغة كما قيل البعد، وشرعا ما يوجب البعد عن أحكام الطاهرين
من الانزال أو الجماع الموجب للغسل، ولعل الأقوى ثبوت النقل الشرعي فيها للحالة
المترتبة على السببين المتقدمين، (و) ينحصر (النظر) في البحث فيها في أمور ثلاثة:
(في السبب والحكم والغسل، أما سبب الجنابة فأمران) لا ثالث لهما (الانزال إذا
علم أن الخارج مني) بلا خلاف أجده فيه، بل حكى الاجماع عليه جماعة حكاية تقرب
إلى التواتر كالسنة من غير فرق بين مقارنته الشهوة والدفق والفتور وعدمها، ولا بين
الرجل والامرأة كما صرح بهذا الاطلاق جماعة حاكين عليه الاجماع، بل قد
يظهر من بعضهم دعوى الاجماع عليه من المسلمين، سوى ما ينقل عن أبي حنيفة من
اعتبار مقارنة الشهوة والتلذذ في وجوب الغسل، وهو ضعيف جدا، كالمنقول عن
ظاهر الصدوق في المقنع، حيث قال: وإذا احتلمت المرأة فأنزلت فليس عليها غسل،
وروي أن عليها الغسل إذا أنزلت، ولعله لما تسمعه من بعض الأخبار (1) مع احتمال
أن يريد إذا احتلمت من دون إنزال أو من دون علم بكون الخارج منيا أو نحو ذلك.

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الجنابة - حديث 21
3

ومن هنا ظهر لك أن ما يوجد في بعض كتب أصحابنا من تقييد سبب الجنابة
بإنزال الماء الدافق كما في المقنعة والمبسوط وكافي أبي الصلاح والمراسم والوسيلة وعن
جمل السيد محمول على الغالب، فلا يعتبر المفهوم فيها، بل الظاهر منها جميعا إرادة المني،
أو يراد منها حيث لا يقطع بكونه مني
بدون ذلك، لما قد عرفت من كون الحكم مجمعاعليه عندنا، وأخبارنا به كادت تكون متواترة، كما أنه يجب حمل بعض الأخبار الدالة
على اشتراط جنابة المرأة بخروج المني عن شهوة على ما تقدم أو غيره من الوجوه، كخبر
إسماعيل بن سعد الأشعري (1) عن الرضا (عليه السلام) قال: (إذا أنزلت من شهوة
فعليها الغسل) وخبر محمد بن الفضيل (2) عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: (إذا
جاءتها الشهوة فأنزلت الماء وجب عليها الغسل " ونحوهما غير هما، خصوصا مع ظهور
جميعها في إرادة التميز بذلك، كما يشعر به وقوعه عقيب السؤال من الراوي في أكثرها
عن وقوع الماء منها بعد الملاعبة ونحوها مما يقتضي في الغالب خروج المذي، فكان الشرط
حينئذ لتمييز الخارج منها أنه مني أو لا، فتأمل.
نعم في جملة من الأخبار التي هي صحيحة السند ما يدل على عدم وجوب الغسل
مع خروج المني (منها) خبر عمر بن يزيد (3) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): " الذي يضع ذكره على فرج المرأة فيمني عليها غسل؟ فقال: إن أصابها
من الماء شئ فلتغسله، وليس عليها شئ إلا أن يدخله، قلت: فإن أمنت هي ولم
يدخله قال ليس عليها الغسل " و (منها) خبره الآخر (4) قال: " اغتسلت يوم
الجمعة بالمدينة، ولبست ثيابي، وتطيبت، فمرت بي وصيفة، ففخذت لها، فأمذيت
أنا وأمنت هي، فدخلني من ذلك ضيق، فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 4.
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 4.
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الجنابة - حديث 18 - 20
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الجنابة - حديث 18 - 20
4

ذلك، فقال: ليس عليك وضوء ولا عليها غسل " و (منها) خبر ابن أذينة (1) قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): " المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم، قال:
ليس عليها غسل " ومثله غيره، بل في بعض الروايات ما يدل على كون الحكم بذلك
أي عدم وجوب الغسل بخروج المني منها يقظة معروف مشهور، كما يشعر به السؤال
عن وجه ذلك في صحيح ابن مسلم (2) قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام):
" كيف جعل على المرأة إذا رأت في النوم أن الرجل يجامعها في فرجها الغسل، ولم يجعل
عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج في اليقظة وأمنت؟ قال: لأنها رأت في منامها
أن الرجل يجامعها في فرجها، فوجب عليها الغسل، والآخر إنما جامعها دون الفرج
فلم يجب عليها الغسل، لأنه لم يدخله، ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل
أمنت أو لم تمن " مع ما في خبر عبيد بن زرارة (3) من بيان العلة في عدم وجوب
الغسل على المرأة قال: قلت له: " هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟
قال: لا، وأيكم يرضى أن يرى أو يصبر على ذلك أن يرى ابنته أو أخته أو زوجته
أو أحدا من قرابته قائمة تغتسل، فيقول مالك، فتقول احتلمت وليس لها بعل، ثم قال: لا
ليس عليهن ذلك، وقد وضع ذلك عليكم، قال الله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا)
ولم يقل ذلك لهن ".
وحيث كانت هذه الأخبار مخالفة للمجمع عليه بين الأصحاب، بل قيل بين
المسلمين، ومعارضة للأخبار الأخر التي كادت تكون متواترة وجب طرحها أو تأويلها
إما باشتباه كون الخارج منيا، أو الحمل على أنها رأت في النوم أنها أنزلت فلما انتبهت
لم تجد شيئا كما هو ممكن في بعضها، أو أنها أحست بانتقال المني عن محله إلى موضع

(1) (الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الجنابة - حديث 21.
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الجنابة - حديث 19 - 22.
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الجنابة - حديث 19 - 22.
5

آخر ولم يخرج منه شئ، فإن مني المرأة قل ما يخرج من فرجها، لأنه يستقر في رحمها،
أو يراد بالمني المذي، أو غير ذلك، واحتمل في الوسائل حملها على التقية لموافقتها
لبعض مذاهب العامة، وفيه أنه مناف لما نقله المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى
وغيرهما من كون الحكم مجمعا عليه بين المسلمين، لكن يؤيده اشتمال متنها على ما يشعر به
كالتعليل المجازي في حديث ابن مسلم، والاستدلال الظاهري الاقناعي في خبر عبيد
ابن زرارة وغيره.
نعم قد يتجه حملها على التقية بناء على ما ذهب إليه بعض المتأخرين من أصحابنا
من عدم اشتراط وجود المخالف في ذلك، أو يكفي احتمال وجوده، وقد كانت مذاهبهم في زمن الأئمة (عليهم السلام) منتشرة جدا لا انضباط لها، وحصر مذاهبهم في
الأربعة إنما كان حادثا في سنة الستمائة كما قيل، ولعل الوجه في هذه الأخبار إرادة
إخفاء هذا الحكم عن النساء كي لا يتخذنه علة، كما أشارت إليه بعض الأخبار الدالة
على وجوب الغسل عليهن، كما في صحيح أديم بن الحر (1) قال: سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) " عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل عليها غسل؟ قال: نعم،
ولا تحدثوهن بذلك فيتخذنه علة " ولعل هذه الرواية التي أشار إليها الكليني في الكافي
حيث قال بعد ذكر رواية عبد الله بن سنان الدالة على وجوب الغسل عند الانزال في النوم:
" وفي رواية أخرى قال: عليها غسل ولكن لا تحدثوهن بذلك فيتخذنه علة " انتهى.
ومن المحتمل العمل بهذه الرواية لمكان صحتها وموافقتها للاعتبار، فيحرم حينئذ تحديثهن
بذلك، ويخص بها ما دل على تعليم الجاهل بالحكم، لكنه بعيد جدا. نعم يحتمل
تنزيلها على كراهة التحديث بذلك لهن قبل أن يسألن ويبتلين به خوفا من المحذور
المتقدم، ولم أعثر على من تعرض لما دل عليه هذا الخبر من هذا الحكم في كلام أحد

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الجنابة حديث 12
6

من أصحابنا المتقدمين، فتأمل.
ثم إنه لا ريب ولا إشكال كما هو ظاهر النص والفتوى في أن وجوب الغسل
معلق على خروج المني إلى خارج الجسد لا مجرد الانتقال من محله وإن لم يخرج، لكن
هل المدار على الخروج من الموضع المعتاد على ما هو المشهور في الحدث الأصغر، وهو
خيرة العلامة في القواعد وولده في الايضاح والشهيد في الذكرى والمحقق الثاني وغيرهم
من متأخري المتأخرين للأصل، مع تنزيل المطلقات على المتعارف المعتاد، أو على مطلق
الخروج من غير فرق بين الاعتياد وانسداد الطبيعي وعدمهما؟ ولعله الظاهر من المصنف
وغيره ممن أطلق كاطلاقه، وتنزيله على ما في الحدث الأصغر بعيد، وهو المنقول عن
المنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام، والموجود في الأول لو خرج المني من ثقبة في الإحليل
غير المعتاد أو في خصيته أو في صلبه فالأقرب الوجوب، ونحوه عن نهاية الإحكام،
وفي التذكرة " لو خرج المني من ثقبة الذكر أو الأنثيين وجب الغسل " انتهى. وهي
كما ترى لا إطلاق فيها يقتضي شمول ما فوق الصلب، ولعله من هنا قال المحقق الثاني:
أنه لو خرج من غير الثلاثة المذكورة في المنتهى فاعتبار الاعتياد حقيق بأن يكون مقطوعا
به، قلت: ولعل الوجه خلافه، وذلك لاشتراك الدليل بالنسبة للمجموع، وهو
الاطلاقات كقوله (صلى الله عليه وآله) (1): " إنما الماء من الماء " ونحوه، إذ
لا تفاوت في شمولها لما تحت الصلب وما فوقه، وكيف يكون حقيقا بالقطع مع أنك
قد عرفت قوة القول بنقض الخارج مطلقا في الحدث الأصغر من غير فرق بين الخارج
من تحت المعدة وفوقها، مع كثرة الأخبار (2) الدالة هناك على تقييد الناقض بكونه
الخارج من الذكر والدبر وطرفيك الذين أنعم الله بهما عليك ونحو ذلك، وقلتها هنا،

(1) كنز العمال - ج 5 ص 90 الرقم 1917
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب نواقض الوضوء.
7

فيكون المقام أولى حينئذ.
ومن التأمل فيما تقدم هناك يظهر لك قوة القول الثاني هنا، وضعف ما تمسكوا
به للأول من انصراف المطلقات إلى المتعارف المعهود، بل لعل التأمل يقضي بأن
المسألة في المقام كمسألة الحدث الأصغر، فيجري فيها حينئذ من الاحتمالات ما يجري هناك
لاتحاد المدرك فيهما، فيحتمل القول بالنقض مطلقا، والعدم مطلقا، والتفصيل بالاعتياد وعدمه،
والتفصيل بما دون الصلب وفوقه، كالتفصيل بما تحت المعدة وفوقها، لكنه قد يظهر
من كلام جملة من الأصحاب في المقامين حصول الفرق بينهما، والظاهر خلافه، وطريق
الاحتياط غير خفي، وحكم الخنثى المشكل يظهر مما تقدم، فلا يحكم بجنابتها إلا بالخروج
من الفرجين، أو من أحدهما مع الاعتياد على القول الأول، بخلاف الثاني، فإنه يحكم
بجنابتها بمجرد الخروج من أحدهما وإن لم يحصل الاعتياد، وحكم الممسوح كذلك على
الظاهر، وفيه تأمل.
(فإن حصل ما يشتبه) به المني فإن كان صحيحا (وكان) الخارج (دافقا
يقارنه الشهوة) واللذة (وفتور الجسد) أي انكساره جرى عليه حكم الجنب، فيحرم
حينئذ عليه قراءة العزائم ودخول المساجد و (وجب) عليه (الغسل) وغير ذلك من
الأحكام وإن لم يحصل له القطع من ملاحظتها بكونه منيا، لما ستعرفه من الأدلة، وبها
يحكم على ما دل (1) على عدم نقض يقين الطهارة إلا بيقين الحدث، وظاهر المصنف
اشتراط وجود الثلاثة، فلا يكفي الاعتبار بواحد، كما هو صريح بعض متأخري
المتأخرين وظاهر المعتبر والتحرير والمنتهى والإرشاد ونهاية الإحكام، وربما ظهر من
بعضهم اعتبار كون رائحته كرائحة الطلع والعجين رطبا وبياض البيض جافا مع الأوصاف
السابقة، ويظهر من العلامة في القواعد الاكتفاء بالدفق والشهوة، ومن النافع الاكتفاء

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب نواقض الوضوء حديث 7. الجواهر - 1.
8

بالدفق وفتور البدن، وظاهر الوسيلة وعن النهاية اعتبار الدفق خاصة، وفي كشف اللثام
أنه قد يظهر ذلك من المبسوط والاقتصاد والمصباح ومختصره، وجمل العلم والعمل والعقود والمقنعة
والتبيان والمراسم والكافي والاصباح ومجمع البيان وروض الجنان وأحكام الراوندي.
قلت: وكأنه فهم ذلك من قولهم في سبب الجنابة إنزال الماء الدافق، وإلا
فلم يتعرض في بعض ما حضرني ممن نقل عنهم كالمبسوط والمراسم وغيرها لمسألة التمييز
بذلك عند الاشتباه، لكن لعل التأمل يقضي بأنه لا ظهور لتلك العبارة فيما ذكر،
وصريح المحقق الثاني في جامع المقاصد والشهيد الثاني في الروض والمسالك الاكتفاء
بحصول واحد من الأوصاف الثلاثة، بل في الأولين الاكتفاء بالرائحة فقط مع نفي
الخلاف عنها في جامع المقاصد، فصار الحاصل من جميع ما تقدم هو إما اعتبار الثلاثة
معا، أو الأربعة، أو الدفق والشهوة، أو الدفق وفتور البدن، أو الدفق خاصة أو يكتفى بواحد
من الثلاثة أو الأربعة، فتنتهي حينئذ إلى سبعة أقوال، نعم يمكن إرجاع القول بالاكتفاء
بالاثنين من الدفق والشهوة أو الدفق والفتور إلى شئ واحد، لتلازم الشهوة والفتور،
وكذا العكس، فحينئذ يرجعان إلى اعتبار الثلاثة. فتكون الأقوال خمسة حينئذ، ولعل
ما في الجامع لابن سعيد يكون سادسا، لأنه قال: وعلامة مني الرجل بياضه وثخانته
وريحه ريح الطلع والبيض جافا، وقد يخرج رقيقا أصفر كمني المرأة.
ثم إنه لا خلاف على الظاهر كما قيل في الرجوع إلى هذه العلامات عند الاشتباه
وإن لم تفده يقينا بكونه منيا، بل ربما يظهر من بعض المتأخرين استظهار الاتفاق عليه
من الأصحاب، ولعله لأنه لم يستظهر الخلاف من بعض قدماء الأصحاب حيث إنهم
علقوا الحكم على خروج المني مع عدم ذكرهم الرجوع إلى هذه العلامات عند الاشتباه،
كما أنه لم أعثر على من استظهر ذلك من أحد منهم ولا من نقل خلافا فيه، لكن قد
يظهر للمتأمل في عبارة السرائر عدم اعتبار هذه، بل المدار على العلم بكونه منيا حيث
9

أنه أنكر على الشيخ اكتفاءه بالشهوة بالنسبة للمريض قائلا ما حاصله أن المدار على المني
فلا فرق بين الصحيح والمريض في ذلك، إلا أني لم أعرف أحدا نقل خلافه في المقام.
وكيف كان فيدل عليه مضافا إلى ذلك صحيحة علي بن جعفر (1) عن أخيه
(عليهما السلام) قال: سألته " عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبلها فيخرج المني فما عليه؟
قال: إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل، وإن كان إنما هو شئ لم
يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس " وهي كما أنها دلت على أصل الاعتبار بهذه العلامات
دلت على ما استظهرناه من المصنف وما تقدم من كون المعتبر اجتماع الثلاثة، لا يقال:
أن ظاهر هذه الرواية غير معمول به بين الأصحاب، وذلك لدلالتها على اشتراط هذه
الأمور مع كون الخارج منيا، وقد عرفت أنه ممن لا يقول به أحد من الشيعة، لأنا
نقول: أما أولا فالمنقول عن كتاب علي بن جعفر روايته بدل المني الشئ، فالظاهر
حينئذ أنه اشتباه من النساخ، وثانيا لعل السائل بنى ذلك أي كونه منيا على الظن،
فجاء الجواب مفصلا للحكم رافعا للوهم، أو يراد أنه إذا اشتبه على الانسان فاعتقد أنه
مني فإنه يعتبره بوجود الصفات، وعلى كل حال فصرفه عن هذا الظاهر لمكان الاجماع
لا يقدح في أصل الاستدلال بها على اعتبار الصفات للمشتبه كما هو واضح، لا يقال: إن
قوله (عليه السلام) في آخر الحديث: " وإن كان إنما هو شئ " إلى آخره ينافي ما ذكرته
من الاستدلال بها، على أن نفي الواحدة تكفي في نفي الحكم بالجنابة، لظهورها في اشتراط
نفي الجنابة بنفي الفترة والشهوة معا، بل لعل مقتضى مفهومها حينئذ ثبوت الجنابة بحصول
أحد الوصفين، فتكون معارضة لمدلول صدرها، لأنا نقول: قد يدعى التلازم بين الشهوة
والفترة، فلا يكون عطف قوله ولا شهوة مفيدا فائدة جديدة، إذ انتفاء الفترة يستلزم
انتفاء الشهوة، وأيضا فالمنساق إلى الذهن من الروايات أن المذكور أخيرا إنما هو بعض

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الجنابة حديث 1
10

ما يقتضيه مفهوم الشرط الأول، وليس بشرط مستقل يلحظ مفهومه ومنطوقه
كما هو واضح، كل ذا مع موافقة مقتضى الصدر للأصل، وهو حجة ثانية لهذا المذهب
إذ هو يقتضي أن الشك في الحدث ليس حدثا، فيقتصر في الخروج عن هذا الأصل
على محل اليقين، وهو مع اجتماع الثلاثة بل والأربعة إلا أنه لما لم نعثر على اعتبار الوصف
الرابع وهو الرائحة المذكورة في شئ من الأخبار بل ظاهر هذه الرواية وغيرها عدمه
قوي الظن بعدم مدخليته
ومنه تعرف ضعف القول به منضما ومنفردا، ومن العجيب ما سمعته من جامع
المقاصد من نفي الخلاف في الاعتماد عليها لو حصلت منفردة، وبما ذكرناه مع ما تسمع
يظهر لك قوة القول بكون الثلاثة خاصة مركبة بالنسبة إلى صحيح المزاج، وأما ما ذكره
في جامع المقاصد وغيره من الاكتفاء بأحد الثلاثة أو الأربعة فلا أعرف له مستندا،
وأقصى ما ذكر هو في توجيهه أنها صفات متلازمة إلا لعارض كمرض ونحوه، فوجود
بعضها حينئذ كاف، وكذلك غيره ممن وافقه، فإنه قال: إنها متلازمة غالبا، وإلا
فلو فرض انفكاكها فالواحد منها كاف في ذلك، فيه أنه مصادرة مع فرض تجويز
الانفكاك، وخال عن الدليل مع فرض عدمه، بل ظاهر الصحيحة المتقدمة وغيرها
خلافه، منها الأخبار التي فصلت بين المريض والصحيح كصحيحة ابن أبي يعفور (1)
عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: " الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة
فيستيقظ فينظر فلا يجد شيئا، ثم يمكث الهوين بعد فيخرج، قال: إن كان مريضا
فليغتسل، وإن لم يكن مريضا فلا شئ عليه، قلت فما الفرق بينهما؟ قال: لأن الرجل
إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة قوية وإن كان مريضا لم يجئ إلا بعد " ويقرب منه
غيره، وهو كما أنه دال على انفكاكها بالنسبة للصحيح كذلك دال على نفي الحكم

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الجنابة حديث 3
11

بالجنابة مع نفي الدفق خاصة، وهو أيضا مما يؤيد ما ذكرنا.
فظهر لك بذلك كله ضعف القول بالاكتفاء بواحد منها، كما أن الظاهر ضعف
القول باعتبار الدفق خاصة، إذ ليس في الأدلة ما يدل على أنه يحكم بالجنابة بمجرده،
بل قد عرفت أن فيها ما يخالفه، وأما الاستدلال عليه بقوله تعالى (1): (خلق من
ماء دافق) فضعيف، إذ لا دلالة فيه، على أن لا دافق غيره مما يخرج من الذكر حتى
يكون وجوده دليلا على كونه منيا، وأما ما سمعته من العلامة في القواعد والمصنف في
النافع فقد عرفت أن الظاهر رجوعهما إلى اعتبار الثلاث، لمكان تلازم الشهوة للفتور
وبالعكس، ومع فرض العدم فهما محجوجان بما سمعت. لا يقال: إن المني من الموضوعات
التي يكتفى فيها بالظن ولا ريب في حصوله بواحد من الصفات الثلاثة، بل وبالرائحة
أيضا، ونحو ذلك. لأنا نقول فرق واضح بين تحقق الموضوع وبين معنى الموضوع،
وأقصى ما يكتفى بالظن إنما هو في الثاني دون الأول.
ومما تقدم ظهر لك وجه قول المصنف (ولو كان مريضا كفت الشهوة
وفتور الجسد في وجوبه) مع عدم الخلاف فيه فيما أجد، ولعله لما سمعته من صحيح
ابن أبي يعفور مضافا إلى الحسن كالصحيح عن زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه السلام)
على ما رواه الصدوق في العلل حكاه في الوسائل قال: " إذا كنت مريضا فأصابتك
شهوة فإنه ربما كان هو الدافق، لكنه يجئ مجيئا ضعيفا ليس له قوة، لمكان مرضك
ساعة بعد ساعة قليلا قليلا، فاغتسل منه " وصحيحة معاوية بن عمار (3) قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) " عن الرجل احتلم فلما انتبه وجد بللا قليلا، قال: ليس
بشئ إلا أن يكون مريضا، فإنه يضعف، فعليه الغسل " بل في خبر محمد بن مسلم (4)

(1) سورة الطارق - الآية - 6
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الجنابة حديث 5 - 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الجنابة حديث 5 - 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الجنابة حديث 5 - 2 - 4
12

وجوب الغسل على المريض بالجنابة بمجرد الشهوة واللذة في حال النوم وإن لم يجد شيئا،
قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): " رجل رأى في منامه فوجد اللذة والشهوة،
ثم قام فلم ير في ثوبه شيئا فقال: إن كان مريضا فعليه الغسل، وإن كان صحيحا فلا
شئ عليه " لكنه قال في الحدائق: إنه لم يذهب إلى ذلك ذاهب من الأصحاب ولم يرد
به خبر آخر في الباب. بل ربما دلت الأخبار على خلافه، قلت: وهو كما قال، فوجب
حمل الرواية على ضرب من التأويل إما بأنه لم يجد على ثوبه وإن رأى في رأس ذكره
شيئا أو غير ذلك، أو طرحها.
(ولو تجرد عن الشهوة والدفق مع اشتباهه لم يجب) وهل المرأة كالرجل فيما
ذكرنا من الأوصاف كما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها أو لا؟ الأقوى الثاني، لظهور
ما سمعته من الصحيحة المتقدمة في الرجل، وحينئذ وعلى الثاني فهل يكفي الشهوة من
غير اعتبار غيرها أو أنها لا تلتفت إلى شئ من الأوصاف حتى تعلم أنه مني؟ اختار بعض
متأخري المتأخرين الأول، ولعله لما في بعض المعتبرة (1) " إذا جاءت الشهوة فأنزلت
الماء وجب عليها الغسل " ونحوه غيره، وقد يتأمل في الدلالة على ذلك مع الأصل،
ومنه يظهر وجه الثاني حينئذ، فتأمل.
(وإن وجد) المكلف (على ثوبه أو جسده منيا) لا بللا لا يعلم كونه منيا
(وجب الغسل إذا لم يشركه في الثوب غيره) أي بأن لا يكون مختصا به، فيكون عين
ما عبر به في المعتبر والقواعد والإرشاد والتحرير والذكرى والدروس، إلا أنه لم يذكر
الجسد في المعتبر والتحرير، ولعله لا خلاف من هذه الجهة بل المقصود التمثيل، ولذا
زاد بعضهم الفراش ونحوه، نعم يحتمل ذلك بالنسبة إلى غيرها من العبارات، فوجب
التعرض لجملة منها، قال الشيخ في النهاية: " إذا انتبه فرأى على فراشه أو ثوبه منيا ولم يذكر

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الجنابة - حديث 13
13

الاحتلام وجب عليه الغسل، فإن قام من موضعه ثم رأى بعد ذلك فإن كان ذلك
الثوب أو الفراش مما يستعمله غيره لم يجب عليه غسل، وإن كان مما لا يستعمله غيره
وجب عليه الغسل " انتهى. وظاهره اعتبار التفصيل بالاشتراك والاختصاص بعد القيام
من موضعه، ومن هنا اعترض عليه ابن إدريس وتبعه عليه جملة ممن تأخر عنه بأنه لا
مدخلية للقيام في ذلك وفي المختلف " التحقيق أنه لا تنافي لأن قصد الشيخ وجوب الغسل
مع انتفاء الشركة وعدمه مع ثبوتها، وإنما اعتبر هذا التفصيل مع القيام لأنه الغالب
ولم يعتبره مع عدم القيام لندوره " انتهى.
قلت وكيف كان فالأمر سهل، إذ على تقدير إرادته ذلك فمرحبا بالوفاق،
وإلا كان محجوجا بما تسمع أن شاء الله. نعم ظاهر عبارته اختصاص الحكم في صورة
الانتباه من النوم، كما هو ظاهر المصنف في النافع وصريح الفاضل في الرياض وقضية
إطلاق كثير من الأصحاب خلافه، وفي المنتهى والتحرير ذكر مسألتين، الأولى
لو استيقظ الرائي فوجد المني وجب الغسل، قال: لأنه منه، ولا اعتبار بالعلم
بالخروج في وقته، ثم استدل عليه في الأول برواية عامية (1) وموثقة سماعة الآتية،
ثم قال: إن سماعة فيه قول إلا أن روايته متقبلة عند الأصحاب، والنظر يؤيدها.
الثانية لو رأى منيا في ثوبه قال: فإن اختص به وجب عليه الغسل، ثم استدل برواية
عامية (2) غير الأولى ورواية سماعة أيضا، وعلله بأنه لا يحتمل أن يكون من غيره،
وفي التذكرة قال: " ولو رأى المني على جسده أو ثوبه وجب الغسل إجماعا لأنه منه
وإن لم يذكر الاحتلام، إلى أن قال: ولو رأى في ثوبه المختص منيا وجب عليه الغسل
وإن كان قد نزعه ما لم يشك أنه مني آدمي " انتهى. فلعل مقصوده في الكتب الثلاثة

(1) كنز العمال ج 5 ص 90 الرقم 1919
(2) المغني لابن قدامة الحنبلي ج 1 ص 203
14

من المسألة الأولى أنه حيث يعلم المكلف أن المني خرج منه بهذه النومة مثلا إلا أنه
لم يذكر وقت الاحتلام، فإنه لا إشكال في وجوب الغسل حينئذ ولذا نقل الاجماع
عليه في التذكرة، بخلاف ما نحن فيه من الوجدان في الثوب المختص، فإنه قد يقال:
بالاكتفاء فيه إما للعمل بظاهر الحال كما يقتضيه المنقول من ظاهر نهاية الإحكام، أو غير
ذلك، والذي عثرت عليه في الروايات مما يتضمن هذا الحكم ما رواه الشيخ في الموثق
عن سماعة (1) قال: سألته " عن الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح ولم يكن رأى
في منامه أنه قد احتلم، قال: فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته " وما رواه الكليني
في الموثق أيضا عن سماعة (2) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) " عن الرجل
ينام ولم ير في نومه أنه قد احتلم فوجد في ثوبه وعلى فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال: نعم "
وأما ما في خبر أبي بصير (3) مما يعارض ذلك قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
" عن الرجل يصيب في ثوبه منيا ولم يعلم أنه احتلم قال: ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ "
فقد حمله الشيخ على الثوب المشترك، وغيره على غيره كما ستسمع، وكلام الأصحاب
في المقام لا يخلو من اضطراب.
وكشف الحال أن نقول إن ما ذكروه من وجوب الاغتسال عند الوجدان في
الثوب المختص ونحوه محتمل لوجوه ثلاثة، بل أربعة، (الأول) أن يكون قد
جروا به على وفق القاعدة، ولا خروج فيه بشئ عنها، فلا بد من تقييد الروايات
كما لعله الظاهر من سياقها وكلام الأصحاب بالعلم بخروج المني منه خروجا لم يغتسل منه
بمعنى علم الجنابة وإن لم يذكر وقت خروجه منه، فلا يكون فيه مخالفة لقاعدة نقض
الطهارة بشك ولا غيره، وما يقال: من أنه يبعد حمل كلام الأصحاب عليه، إذ هو
بيان للبديهيات، وكان يمكنهم الاكتفاء بما ذكروه قريبا منه متسالمين فيه أن الجنابة

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 1 - 3
15

تحقق بخروج المني من المكلف من غير اعتبار لشئ آخر أبدا، وأنه حينئذ لا معنى
للفرق بين الثوب المختص والمشترك، إذ المدار على العلم، ولا بين الاشتراك بين كونه
دفعة أو على سبيل التناوب كما وقع من المحقق الثاني والشهيد الثاني يمكن الجواب عنه
بأنه لعل ذلك لمكان تعرض الروايات له، كما هي عادتهم في ذكر أحكام كثيرة مستغنى
عنها، لمكان وجودها في الأخبار، أو لمكان الفروع التي تسمعها في مسألة الثوب
المشترك، أو لما وقع فيها من الخلاف بين العامة، فتعرض ممن عادته التعرض لذلك،
كما يقتضيه عبارة المرتضى المنقولة عنه في السرائر وكلام العلامة في المنتهى وغيره، وتبعهم
غيرهم غفلة عن حقيقة الحال، ولعل فرقهم بين المختص وغيره أنه غالبا يحصل العلم بسببه
بخروج المني منه أو لنحو ذلك، ولعل ذلك وجه الفرق بين الاشتراك النوبي أو الدفعي
كما سمعته من المحقق الثاني، إلا أن الانصاف أن ذلك بعيد في كلامه.
(الثاني) أن يكون مقصودهم خروج هذه المسألة عن القاعدة المعلومة، وهي عدم
نقض اليقين إلا باليقين، فتكون مسألة تعبدية صرفة، فيجب على الواجد الاغتسال
حتى فيما لو احتمل أنه من غيره، كما عساه يظهر من الموجز الحاوي، بل كاد يكون
صريحه كالمنقول عن نهاية الإحكام من التعليل، ولعله ظاهر جامع المقاصد والروض
وصريح الفاضل في الرياض فإنه قال في شرح عبارة النافع: " ويجب أن يغتسل المستيقظ
إذا وجد منيا على جسده أو ثوبه الذي ينفرد به مع إمكان كونه منه وعدم احتماله مني
غيره، للموثق ومثله في آخر وظاهر إطلاقهما جواز الاكتفاء بالظاهر هنا عملا
بشهادة الحال، ونقل القطع به هنا عن الشيخ والفاضلين والشهيد وغيرهم، وعن التذكرة
الاجماع عليه. وينبغي الاقتصار فيه على ظاهر موردهما من وجدانه عليهما بعد الانتباه،
كظاهر المتن اقتصارا فيما خالف الأصل المتيقن من عدم نقض اليقين إلا بمثله الوارد في
الصحاح وغيرها المعتضد بالاعتبار وغيره على القدر المتيقن من الروايتين، فلا يجب
16

الغسل بوجدانه مطلقا، بل في الصورة المزبورة دون غيرها، وعليه يحمل الخبر أي خبر أبي بصير عن الرجل إلى آخره، وحمله على ما سيأتي من الثوب المشترك كما عن الشيخ
بعيد " انتهى.
قلت: وربما يؤيده إطلاق بعض العبارات وما سمعته في الوجه السابق، إلا أن
التأمل في كلام الأصحاب يرشد إلى خلافه كالشيخ في المبسوط، لأنه علل وجوب
الاغتسال بتحقق خروجه منه، وابن إدريس في السرائر، فإنه نقل عن المرتضى أنه
قال: عندنا أن من وجد ذلك في ثوب أو فراش مما لا يستعمله سواه ولا يجوز فيما وجده
من غيره يلزمه الغسل وإن لم يذكر الاحتلام، وجعل ذلك مدار الفرق بين الثوب
المشترك أو المختص، ثم نقل عنه كلاما طويلا يتضمن التعرض لنقل كلام العامة ورده،
وحاصل ما يتحصل من جميع كلامه أن المدار على العلم، لعدم جواز نقض يقين الطهارة
بغيره، إلى أن قال ابن إدريس بعده: وهو واضح سديد في موضعه، وقد سمعت
عبارة المنتهى وتعليله بكونه لا يحتمل من غيره، وقد صرح باعتبار العلم في كشف اللثام
والمدارك والذخيرة وشرح الدروس وغيرها، ويؤيده أيضا تعليلهم في مسألة الثوب
المشترك بعدم نقض اليقين إلا بمثله، مع عدم إشارة منهم إلى خروج المسألة الأولى عن
القواعد، وأنها تعبدية محضة عدى من عرفت، على أنه لا صراحة فيما سمعته من الروايات
باخراجها، بل ولا ظهور، بل المتبادر من سياقها حصول العلم كما يتفق لنا في كثير من
الأوقات بعد الاستيقاظ من النوم سيما رواية رؤيته على الجسد، ولعل السؤال عنها
للرد على بعض العامة الذي لا يوجب الغسل حتى يذكر الاحتلام، أو لحصول الاشتباه
للراوي من عبارة سمعها منهم (عليهم السلام) أنه لا يجب الاغتسال حتى يحصل الشهوة
والدفق والفتور، فتخيل أن ذلك شرط، أو نحو ذلك، فلا ينبغي قطع تلك القاعدة
المعلومة بمثل هذين الخبرين، على أنهما معارضان بخبر أبي بصير المتقدم، وما وقع في
17

عبارة الرياض من أنه نقل القطع به عن الشيخ والفاضلين والشهيد وغيرهم وعن التذكرة
الاجماع عليه لعله سهو منه، وكأنه عول في ذلك على عبارة كشف اللثام كما هي عادته
قال في كشف اللثام بعد أن اعتبر العلم بكونه منه وذكر رواية سماعة وقال بعدها بلا
فاصل: وفي نهاية الإحكام عملا بالظاهر، وهو الاستناد إليه، وهو مما قطع به الشيخ
وابن إدريس والفاضل والشهيد وغيرهم، وفي التذكرة الاجماع عليه انتهى.
قلت: والظاهر أن مراده بالضمير أصل الحكم لا ما نقله عن نهاية الإحكام كما
يرشد إليه استقراء كلمات من نقل عنهم، فإن أكثرها كالصريح في اعتبار العلم سيما
إجماع التذكرة، فإنك قد عرفت أنه ينقله على ما نحن فيه في أحد الوجهين، على أنه
علله بما تقدم، ومن العجيب ما وقع في الرياض أيضا من تقييده أولا بامكان كون المني
وعدم احتماله من غيره، ثم اكتفائه بظاهر الحال، وكأنه تبع في ذلك كاشف اللثام
في مزجه لعبارة القواعد، لكنك قد عرفت أنه لم يكتف بظاهر الحال، بل اعتبر العلم
فصح له ذلك، بخلافه هو، ثم إن اختياره اختصاص ذلك في صورة الانتباه كأنه في
غير محله، بناء على المنقول إليه من إجماع التذكرة وغيره الذي يكون قرينة على التعدي
عن محل سؤال الروايتين، والحاصل أن التعرض لما في كلامه يحتاج إلى تطويل.
(الثالث) أن يراد بكلام الأصحاب ما هو المتعارف الوقوع الكثير الدوران
في غالب أفراد الناس، وهو أنهم يجدون المني في الثوب المختص ويعلمون أنه منهم
لكن لم يعلموه أنه من جنابة سابقة قد اغتسل عنها أو لاحقة متجددة، فإنه حينئذ بمجرد
ذلك أوجبوا الاغتسال، ويكون المدار على نفي احتمال كونه من غيره، كما لعله تشعر
به بعض كلمات بعضهم، لا يقال: إن ذكر ذلك أيضا قليل الفائدة كالوجه الأول،
لأنه من المعلوم أنه إذا علم كون المني منه يجب عليه الاغتسال، لأنا نقول: إنه اشتباه،
لأن العلم بكون المني منه أعم من وجوب الاغتسال، إذ قد يكون من جنابة قد اغتسل
18

عنها ولا ينقض اليقين إلا بيقين مثله، لا يقال: أنه يكون من قبيل من تيقن الطهارة
والحدث ولم يعلم السابق منهما، فإنه يجب عليه الاغتسال حينئذ، وقد ذكروا ذلك في
محله، فأي فائدة لهم في ذكره هنا، لأنا نقول: أنه فرق واضح بين ما نحن فيه وبين
تلك المسألة لأنه في المقام لا يعلم حدوث جنابة غير الأولى، فكان الأصل عدمها كما
هو كذلك في كل ما شك في تعدده واتحاده، بخلاف تلك، فإنه من المعلوم وقوع
الحدث والطهارة، لكنه جهل صفة السبق واللحوق. وهنا لم يعلم أصل الوجود فضلا عن
السبق واللحوق، فحينئذ يكون كلام الأصحاب لبيان مسألة مخالفة للقواعد لمكان الروايات
ولا ينافيه ذكر العلم في كلام جملة منهم، إذ هو أعم من إيجاب الغسل، وكان هذا
الوجه ليس ببعيد بل هو أقرب من سابقه، إلا أن الأقوى في النظر الوجه الأول،
فلا يجب الاغتسال إلا بالعلم بكونه منه وأنه من جنابة جديدة لم يغتسل منها وإن لم يعرف
وقتها، وعليه تنزل الروايات، ويحمل خبر أبي بصير المتقدم الذي ظاهره عدم وجوب
الاغتسال على صورة عدم العلم بكونه من جنابة سابقة أو لاحقة وإن علم بكونه منه،
فإن رؤيته له بثوبه لا يقضي بأزيد من ذلك.
(الرابع) احتمال كون المدار على مجرد احتمال كونه منه تعبدا محضا، ويكون
الفرق بين هذا والوجه الثاني اعتبار المظنة في المتقدم دونه، وإذ قد عرفت ضعفه فهذا
بالطريق الأولى، فكان أصح الوجوه الأول، وحينئذ لا فرق بين كون الثوب مختصا
أو مشتركا تعاقبا أو دفعة، واحتمال كون التعرض لذلك كما هو قضية عبارة المصنف
وغيره من حيث كونه يفيد العلم أو لا يفيده فيه أنه ليس من وظائف الفقيه، إذ هو
مختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، نعم يتجه البحث عن ذلك بناء على خروج
المسألة عن القواعد سيما على الوجه الثاني والرابع، فنقول: إنك قد عرفت أن الموجود
من الروايات (ثوبه)، ومن المعلوم أن المتبادر كون الثوب ثوبه حال الوجدان فلا عبرة
19

بما وجده على ما كان ثوبه وإن علم أنه لم يحدث من الشريك. لكنه لم يعلم كونه منه، كما أنه من المعلوم شمول اللفظ للمملوك العيني والمنفعتي مع الانتفاع فيه فعلا وعدم المشارك فيه،
وهل يدخل فيه المستأجر أو المستعار؟ إشكال، سيما مع قصر الزمان، لصحة السلب
عنه، كالاشكال في المشترك فيه على التعاقب في الحكم بالجنابة على صاحب النوبة أو لا،
وإن كان ظاهر إطلاق الأصحاب وتعليلهم بعدم نقض اليقين إلا باليقين الثاني، واختار
بعضهم الأول، وربما علل بأصالة التأخر، وفيه أنها غير جارية في المقام، لمعارضتها
بأصالة عدم وقوع الحدث منه لاحتمال كونه من الشريك كما هو واضح.
لا يقال: إنه يصدق عليه في هذا الحال أنه ثوبه، لأنا نقول: وإن صدق
الإضافة بأدنى ملابسة لكن حقيقتها خلاف ذلك، وإلا لوجب الحكم بجنابتهما معا حيث
يجدان المني فيه دفعة وإن كان في نوبة أحدهما، لصدق الثوبية على كل واحد منهما،
ومن العجيب ما عن الدروس فإنه استوجه أولا إلحاق ذي النوبة بالمختص، ثم قال:
ولو لم يعلم صاحب النوبة فكالمعية، ولا يخفى ما فيه، لأنه إن كان المدار على العلم كما
هو قضية العبارة سقط ما قاله أولا وإلا فما قاله ثانيا، فتأمل جيدا.
وفروع المسألة بناء على ذلك غير متناهية تخرج بالتأمل، لكن ينبغي أن يقتصر
منها على المتيقن، لمخالفتها للأصول والقواعد، فلا يجري الحكم على الثوب المشترك فيه
دفعة قطعا، وعلى أحد الوجهين في التعاقب وإن قطعا بكونه من أحدهما، لأصالة البراءة
بالنسبة إلى كل واحد منهما، وعدم جواز نقض اليقين إلا بيقين مثله، واحتمال القول
بوجوب غسلهما لصدق إضافة الثوب إلى كل واحد منهما مما لا ينبغي أن يصغى إليه،
للقطع بعدم تناول الروايات لمثله، مع أنك قد عرفت أن صدق الإضافة أعم من حقيقتها
كالقول بالوجوب من باب المقدمة، إذ من المعلوم أنه لا يجب الفعل من مكلف مقدمة
لفعل مكلف آخر، ومن هنا لم أعثر فيه على خلاف بين أصحابنا، بل لعله إجماعي كما
20

عساه يظهر من المنقول في السرائر من خلاف المرتضى (رحمه الله)، وبه صرح بعض متأخري
المتأخرين كصاحب المدارك وغيره، نعم يمكن القول بالاستحباب تخلصا من شبهة الجنابة
كما صرح به في المبسوط والمعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى والدروس والنفلية والروض
وغيرها وعن الاصباح ونهاية الإحكام، بل نسبه في شرح الدروس والذخيرة إلى
الأصحاب مشعرين بدعوى الاجماع عليه ولعل وجهه حسن الاحتياط، وصرح بعض
الأصحاب أنه ينوي الوجوب في غسله، واستغربه آخر من حيث الحكم بالاستحباب
مع نية الوجوب، وفيه أنه لا تنافي بين نية الوجوب الاحتياطية واستحباب هذا الاحتياط.
وهل يكتفي بهذا الغسل حتى لو علم بعد ذلك بأن الجنابة منه أو ما دام مجهول
الأمر؟ استوجه المحقق الثاني وجوب الإعادة لو علم بعد ذلك، وكأنه لعدم الجزم
بالنية في السابق، وساغ لعدم إمكان غيره، أما مع الامكان فلا، وفيه أنه خلاف
ما يظهر من الأدلة وكلام الأصحاب وما يقتضيه أصل مشروعية الاحتياط، على أنه
يبعد تحقق ما قاله في مثل المقام أي في نحو ارتفاع الحدث، فإنه إما أن يكون ذلك
الغسل رافعا له أو لا، فإن كان الأول ثبت المطلوب، وإلا فلا معنى للحكم باستحبابه
مع نية الرفع فيه، وأما القول بأنه يرتفع إلى أن يعلم بالجنابة فيعود فلا تخفى بشاعته،
وإذ قد عرفت عدم وجوب الغسل على كل واحد منهما لتمسكه بأصالة الطهارة وغيرها
إلا أنه هل يقضي ذلك بسقوط حكم الجنابة عنهما بالنسبة إلى كل فعل، فيكون حالهما
كحال الطاهر من سائر الوجوه، أو أنه يسقط بعض أحكامها بالنسبة إلى كل
واحد منهما، وتظهر الثمرة بائتمام كل منهما بالآخر، وبانعقاد الجمعة بهما؟ ظاهر
التذكرة والمنتهى وصريح المدارك والذخيرة وشرح الدروس والرياض الأول،
وخيرة المعتبر والايضاح والدروس والبيان وجامع المقاصد والروض الثاني،
ولعله الأقوى، لحصول العلم حينئذ بالجنب قطعا، ففي مثل الائتمام يعلم أنها
21

إما صلاة جنب أو مع جنب، وكل منهما يفسد، وكذا يعلم فساد صلاة واحد من
العدد، ومن هنا جعل الضابط في الايضاح وجامع المقاصد أن كل فعل توقفت صحته
على صحة فعل الآخر بطل المتوقف خاصة كما في الائتمام، وبطلا معا إن كان التوقف
من الجانبين كما في عدد الجمعة، وأما إذا لم يتوقف صحة صلاة أحدهما على صلاة
الآخر مثلا ولو توقف المعية صحت الصلاتان، ومنع حصول حدث الجنابة إلا مع
تحقق الانزال من شخص بعينه يدفعه أنه مناف لما دل على تسبيب الانزال الجنابة من
غير اشتراط بشرط كما هو واضح، كوضوح فساد الاستدلال عليه بسقوط الغسل عن
كل واحد منهما، إذ ذلك لمكان التمسك بالاستصحاب السالم عن معارضة باب المقدمة،
وهو حجة ظاهرية لا يمنع العلم بحصول الواقع ومانعيته لغير المستمسك، على أن تمسك
المأموم هنا بالاستصحاب بالنسبة إليه وإلى إمامه يذهب المعلوم واقعا، كتمسكه بطهارة
ثوبه بعد إصابة كل من الإناءين له، وكذا ما يقال: إن هذه الجنابة أسقط اعتبارها
الشارع، ولذا أجاز لهما قراءة العزائم واللبث في المساجد ونحو ذلك، إذ فيه أنه مصادرة
إن أريد سقوط اعتبارها حتى في مثل المقام، وما ذكر من الأمثلة خارج عما نحن فيه
قطعا، لما عرفت من جواز تمسكهما بالنسبة إلى أفعالهما الغير الموقوف بعضها على
بعض بالاستصحاب.
نعم قد يقال: إن أقصى ما ثبت من الأدلة اشتراطه بالنسبة إلى الائتمام هو عدم
علم المأموم بفساد صلاة الإمام لا العلم بصحتها، فوجود الجنابة حينئذ واقعا لا يؤثر
فسادا في صلاة المأموم، كما أن عدم العلم بها من خصوص الإمام يصحح الائتمام،
وهو أي عدم العلم لا ينافي احتمال كونها منه، وهو كاف في رفع الجنابة عن المأموم،
ومن هنا لم يظهر خلاف بين الأصحاب في جواز ائتمام الخارج عنهما بكل واحد منهما
بفرضين، كأن يأتم بواحد منهما في الظهر، وفي الآخر بالعصر، مع أنه يعلم حينئذ
22

وقوع الائتمام بالجنب في أحد الفرضين، فإنه لو كانت الجنابة في الواقع مؤثرة في فساد
الائتمام لوجب عليه إعادة أحد الفرضين أو قضاؤه، وبطلان اللازم يظهر من التأمل في كلمات
الأصحاب، كحصر الضابط فيما تقدم من الفخر والمحقق الثاني، لكن قد يقال: إنه
بعد تسليم كون أقصى ما تفيده الأدلة ذلك خروج عن المتنازع فيه، لأن الفرض توقف
صحة فعل المأموم على صحة فعل الإمام واقعا لا ظاهرا، على أنه من المستبعد جدا
إمكان جريان هذه الدعوى في مثل انعقاد الجمعة بهما، لفساد صلاة واحد منهما قطعا.
والحاصل إنا ندعي الفساد في مورد الضابط المتقدم مع تقييد الصحة بالواقعية،
وبذلك يخرج الائتمام، لأن شرط الصحة الظاهرية في حق الإمام مع عدم العلم بخلافها،
بل يمكن دعوى جوازه حتى لو علم المأموم بخلافها بعد فرض دخول الإمام بوجه شرعي،
لكنه لا يخلو من تأمل ونظر، ولتفصيله مقام آخر، ومما ذكرنا ينقدح عدم جواز
استئجارهما عن مشغول الذمة بعبادة واجبة ونحوه، للعلم بفساد صلاة أحدهما، وما
يقال -: إن تمسك كل واحد منهما بالاستصحاب الذي هو حجة شرعية يقضي بصحة فعل
كل منهما واقعا ما دام الواقع غير منكشف، فلا ينافيه وجوب الإعادة بعد الانكشاف،
ولا كون الطهارة شرطا واقعيا - يدفعه ظهور ما دل على شرطية الصلاة مثلا بالطهارة، وأن
الاستصحاب حجة ظاهرية لا يفيد سوى المعذورية، فلا يجوز استئجار مستصحب الطهارة
مع علم المستأجر بمخالفة استصحابه للواقع، فكذلك ما نحن فيه، ولا يصلح الفرق بالعلم
الاجمالي والتفصيلي كما هو واضح عند التأمل، وينقدح أيضا مما ذكرنا وجوب اخراجهما
من المسجد إن قلنا: بوجوب اخراج الجنب على سائر المكلفين للتعظيم، وكذا قراءة
العزائم، فتأمل جيدا.
ولم يتعرض المصنف لما يعيده من الصلاة واجد المني في الثوب المختص، والظاهر
أنه يجب عليه أن يعيد كل صلاة لا يحتمل سبقها على الجنابة، كما صرح به في السرائر
23

والمعتبر والمنتهى والتذكرة والتحرير والقواعد والذكرى والدروس والبيان وجامع المقاصد
والروض والمدارك والذخيرة وشرح الدروس والحدائق والرياض، ووجهه أما بالنسبة
للمعاد فواضح بناء على ما ذكرنا، لحصول العلم حينئذ بوقوعه بعد جنابة، مع أن
الطهارة شرط واقعي، وأما بناء على أن الجنابة من باب التعبد فلعل وجهه الاتفاق
ظاهرا على وجوب إعادة ذلك، ومن هنا جعله بعضهم القدر المتيقن، ولقوله (عليه السلام)
في موثق سماعة المتقدم: (فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته) ولظهور تنزيله
حينئذ منزلة يقين الجنابة التي لم يغتسل منها إلا أنه يعلم الوقت بخصوصه، فأصالة
التأخر حينئذ تقضي بأنه في آخر أوقات إمكانه، وفي الكل نظر، وكان كلامهم
هنا مما يرشد إلى بناء المسألة على ما ذكرنا من العلم بكون المني منه وأنه لم يغتسل منه إلا
أنه لم يعلم الوقت بخصوصه، فيتجه حينئذ وجوب إعادة ما يعلم تأخره عنه، وأما الوجه
في عدم وجوب غيره فلأصالة الصحة، وإصالة عدم تقدم الغسل، وإصالة البراءة في
بعض أفراد المسألة كالقضاء ونحوه، بل يمكن أن يندرج تحت موضوع الشك بعد
الفراغ، ولعله لذا لم يقع فيه خلاف بين الأصحاب عدى الشيخ في المبسوط، فقال: ينبغي
أن نقول: يجب أن يقضي كل صلاة صلاها من آخر غسل اغتسل من جنابة، أو من غسل
يرفع حدث الغسل، ولا أرى له وجها سوى الاحتياط، وفيه أنه لا يقضي بالوجوب
أولا ولا بإعادة جميع ما ذكر ثانيا، للعلم بعدم الجنابة في الصلاة المتخللة بين آخر الأغسال
وأول نومة، مع أن مقتضاه وجوب إعادة ما صلاه قبل الاغتسال، لاحتمال سبق الجنابة
عليه، فيقع ما صلاه حينئذ في الجنابة، اللهم إلا أن يدفع هذا وسابقه بأنه مراده وجوب
قضاء كل ما احتمل تقدم الجنابة عليه، ويكون ذكره لآخر الأغسال من باب المثال.
وربما استدل له بما في موثقة سماعة من الأمر بإعادة صلاته، وهو كما ترى
كالقول بوجوب الاحتياط في المقام للشغل اليقيني، وفيه أنه لا يتأتى بالنسبة للقضاء
24

أولا، مع أن الفراغ اليقيني بأصالة الصحة ونحوها حاصل ثانيا، ولذا حمل بعضهم
كلام الشيخ على إرادة اتصال النوم بآخر الأغسال، وهو بعيد كما لا يخفى على من
لاحظ كلامه، وأبعد منه حمله على إرادة أنه لبس ثوبا ونام فيه ثم نزعه وصلى في غيره
أياما ثم وجد المني فيه على وجه لا يحكم بكونه من غيره، مع أن الأخير لا يوجب إعادة
ما صلاه من آخر الأغسال، بل يوجب إعادة ما صلاه بعد النومة في الثوب المنزوع،
ولعل كلامه يحتمل وجوها غير ذلك لا فائدة في ذكرها، هذا. وعن التلخيص أنه يعيد
ما صلاه من آخر غسل ونوم، فيحتمل أن يكون مراده موافقة الشيخ، أو يريد
المتأخر منهما إذا جوز حدوث الجنابة بعد الغسل الأخير من غير شعور بها، أو يريد
أنه من آخر نومة إن لم ينزع الثوب، وآخر غسل إن نزعه، هذا كله فيما يتعلق
بالحدث، وأما الخبث فسيأتي إن شاء الله أنه لا يجب على الجاهل إعادة الصلاة لا في
الوقت ولا في خارجه، وبناء على عدم المعذورية في الوقت يجب عليه أن يعيد ما صلاه
في الوقت، وانفكاك حكم الخبث عن الحدث هنا يتصور بحصول الغسل مثلا مع الصلاة
في الثوب.
(و) الأمر الثاني من الأمرين المسببين للجنابة (الجماع فإن جامع امرأة في قبلها
والتقى الختانان وجب الغسل) بوجوب غايته من صلاة أو صوم أو نحو ذلك بلا إشكال،
ولا خلاف فيه في الواطئ والموطوء مع اجتماع شرائط التكليف، بل عليه الاجماع
محصلا ومنقولا نقلا مستفيضا كاد يكون متواترا، بل هو كذلك كالسنة، (منها)
ما رواه الشيخ في صحيح زرارة (1) عن الباقر (عليه السلام) قال: " جمع عمر بن
الخطاب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: ما تقولون في الرجل يأتي أهله
فيخالطها ولا ينزل، فقالت الأنصار: الماء من الماء، وقال المهاجرون إذا التقى

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الجنابة - حديث 5
25

الختانان فقد وجب عليه الغسل، فقال عمر لعلي (عليه السلام): ما تقول يا أبا الحسن؟
فقال علي (عليه السلام): أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء،
إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل، فقال عمر: القول ما قال المهاجرون، ودعوا
ما قالت الأنصار " ونحوه غيره، وعليه يحمل ما في بعضها (1) من إيجاب الغسل
بايلاجه، وكذا ما في آخر (2) بادخاله، كما أنه يجب أن يقيد بها مفهوم ما دل على
حصر موجب الغسل في الانزال، كقوله (صلى الله عليه وآله) (3): (إنما الماء من الماء)
ونحوه، وليس في الروايات على كثرتها ما ينافي ما تقدم سوى خبر محمد بن عذافر عن
محمد بن عمر بن يزيد المروي في مستطرفات السرائر من نوادر محمد بن علي بن محبوب (4)
قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) " متى يجب على الرجل والمرأة الغسل،
فقال: يجب عليهما الغسل حين يدخله، وإذا التقى الختانان فيغسلان فرجيهما) وهو -
مع الغض عما في السند وعدم صلاحيته لمعارضة غيره - محتمل (5) لأن يراد من قوله
(عليه السلام): (وإذا) تفسيرا لما قبله، أو يراد بالأول إدخاله تماما، والثاني
إلى التقاء الختانين، كل ذلك مع حمل قوله (عليه السلام): (فيغسلان فرجيهما)
على إرادة فيغسلان فرجيهما ويغتسلان، ويحتمل أن يراد بالتقاء الختانين إنما هو وضع
الختان على الختان من غير إدخال، إلى غير ذلك.
ثم إنه لا فرق بعد التأمل في كثير من الروايات الدالة على حصول الجنابة بالالتقاء
المذكور بين كون الواطئ مكلفا أو غير مكلف، كما أنه بالنسبة للموطوءة كذلك،
فيجب الغسل حينئذ (وإن كانت الموطوءة) مجنونة أو صبية أو (ميتة) مع اجتماع
شرائط الوجوب، نعم هو لا يوجب الغسل شرعا فعلا على غير المكلف، بل معناه

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الجنابة - حديث 8 - 1 - 6
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الجنابة - حديث 8 - 1 - 6
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الجنابة - حديث 8 - 1 - 6
(3) كنز العمال - ج 5 - ص 90 - الرقم 1917.
(5) هكذا في النسخ حتى النسخة الأصلية والعبارة مشوشة والصحيح (محتمل
لأن يكون قوله (ع): (وإذا) تفسيرا لما قبله).
26

أنه مقتض للوجوب ما لم يفقد شرط أو يمنع مانع، ولذا صرح بوجوب الغسل بوطء
الميتة في المبسوط والخلاف والوسيلة والجامع والمعتبر والمنتهى والمختلف والذكرى
والدروس وجامع المقاصد والروض وغيرها، بل هو قضية إطلاق الأصحاب وكذا
إجماعاتهم، ومن هنا ادعى عليه الاجماع في الرياض كما عساه يظهر من غيره حيث لم
ينقل الخلاف فيه إلا من أبي حنيفة.
ويدل عليه - مضافا إلى إطلاق النص والفتوى والاجماع المنقول - الاستصحاب
وغيره من فحوى قوله (عليه السلام): (أتوجبون عليه الحد ولا توجبون عليه صاعا من
ماء) فلا معنى للمناقشة في الحكم كما وقع من بعض متأخري المتأخرين كشارح الدروس
وتبعه صاحب الحدائق، مع أن في بعض الأخبار إشعارا به، كالخبر المروي عن
عبد الرحمان بن التميم الدوسي (1) في تفسير قوله تعالى (2) (والذين إذا فعلوا
فاحشة) إلى آخره والحديث طويل، ملخصه " أن نباشا كان ينبش القبور ويسرق الأكفان
ثم تاب وقبلت توبته، ومن جملة ما فعل أنه نبش قبرا من قبور بنات الأنصار، وسلبها
أكفانها، قال: ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا بصوت من ورائي
يقول: يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في
عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي، وسلبتني أكفاني، وتركتني أقوم جنبة إلى
حسابي، فويل لشبابك من النار " الحديث. فإن مقتضى صيرورتها جنبة بذلك أنه هو
أيضا كذلك، فيجب عليه الغسل حينئذ، نعم الظاهر كما صرح به غير واحد أنه لا
يجب الغسل للميت لا على الولي ولا على سائر المكلفين، لأصالة البراءة وغيرها، لكن
لا يبعد جريان أحكام الجنب الراجعة لغيرها عليها كالمجنونة والطفلة، فلا يجوز وضعها

(1) البحار - المجلد - 3 - الباب - 20 - من كتاب العدل والمعاد - حديث 26
عن عبد الرحمان بن غنم الدوسي.
(2) سورة آل عمران - الآية 129.
27

في المساجد مثلا، ولا مس الكتاب ببعض أجزاء بدنها ونحو ذلك على إشكال ينشأ مما
سمعته من الرواية وظهور الأدلة في تسبيب ذلك وصف الجنابة، وليس من شرائطه
التكليف، ولذا جرى في الطفل والمجنون وغيرهما، ومن أنا وإن قلنا أن وصف الجنابة
من باب الأسباب إلا أن المنساق من الأدلة كونه على الأحياء دون الأموات، والمراد
بالتقاء الختانين الموجود في النص والفتوى تحاذي محل القطع من الرجل والامرأة، كما
صرح به في المبسوط والمعتبر والمنتهى والذكرى والروض وشرح الدروس والذخيرة
وغيرها، لتعذر إرادة الالتقاء بمعنى مماسة أحدهما للآخر، لأن مدخل الذكر أسفل
فرج المرأة، وهو موضع خروج دم الحيض والمني، وأعلى منه على ما قيل ثقبة مثل
الإحليل للذكر، وفوق ذلك لحم نابت كعرف الديك، وهو محل الختان في الامرأة،
فإذا أدخل الذكر في الفرج لم يمكن أن يلاصق ختانه ختانها لما بينهما من الفاصل، وما في
صحيح الحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام) " إذا مس الختان الختان " كصحيح
علي بن يقطين (2) عن أبي الحسن (عليه السلام) " إذا وقع الختان على الختان " يراد
به حينئذ ما ذكرنا من أنه يدخل الذكر إلى حد يكون محل الختان منها مقابلا لمحل الختان
منه بحيث لولا المانع لتماسا ولوقع أحدهما على الآخر، أو لمكان شدة تقاربهما أطلق
عليه اسم المماسة ونحوها، بل قد يتفق حصولها في بعض النساء التي لم يختتن.
وعلى ذلك كله ينبه ما في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (3) عن الرضا
(عليه السلام) بعد قوله: " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فقلت: التقاء الختانين
هو غيبوبة الحشفة؟ قال: نعم " فيكون المدار حينئذ على غيبوبة الحشفة، وبه صرح
في المبسوط والغنية والسرائر والمعتبر والمنتهى والإرشاد والذكرى واللمعة وغيرها
من كتب المتقدمين والمتأخرين بلا خلاف فيه بين الأصحاب على الظاهر، ولعله لاطلاق

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الجنابة حديث 4 - 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الجنابة حديث 4 - 3 - 2
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الجنابة حديث 4 - 3 - 2
28

الصحيح المتقدم المؤيد بفتوى من سمعت يحكم بحصول الجنابة بغيبوبة الحشفة في الفرج
وإن لم يكن في مدخله المعتاد، بل قد يدعى أولويته، لاتفاق حصول المماسة فيه حقيقة،
كما إذا أدخلت المرأة الكبيرة حشفة الطفل الصغير فيما يقابل محل الختان منها، فإن
الظاهر تحقق الغيبوبة بذلك، إلا أن يدعى انصرافه إلى المتعارف، سيما بعد أن
سمعت التصريح بأن المراد بالالتقاء المعنى المجازي، فإرادة المعنى الحقيقي حينئذ مع ذلك
مستلزم لاستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، وحمله على عموم المجاز مجاز مرجوح بالنسبة إلى
المجاز الأول.
ثم الظاهر - كما صرح به غير واحد من الأصحاب بل نسبه بعضهم إليهم مشعرا
بدعوى الاجماع، بل في شرح الدروس الظاهر الاتفاق عليه كما قد يظهر من آخر
نفي الخلاف فيه - إن من لا ختان له كمقطوع الحشفة يتحقق جنابته بدخول ذلك المقدار،
لكون المنساق من الأدلة المشتملة على التقاء الختانين إرادة التقدير بذلك لا الاشتراط،
سيما بعد خروجها مخرج الغالب، وأما احتمال تحقق جنابة نحو ذلك بمطلق الادخال لما
سمعت من الأدلة المحققة للجنابة به مع الاقتصار على المقيد فيمن يكون له ختان فهو - مع
منافاته لما تقدم من الانسياق المذكور المؤيد بفهم الأصحاب واستصحاب الطهارة - ضعيف
جدا، مع عدم صراحة تلك الأدلة بذلك، لاحتمال إرادة إدخال تمام الذكر، لقوله
(عليه السلام) فيها: (إذا أدخله) وفي آخر (ذا أولجه) المتوقف صدقه على إيلاجه
جميعه، ولعد الجزم بإرادة ذلك منهما، لمكان احتمال إرادة الأول يظهر ضعف احتمال
القول بتوقف جنابة المقطوع على إدخال تمام الباقي كاحتمال القول بعدم تحقق الجنابة فيه
أصلا، أخذا بمفهوم قوله (عليه السلام) (إذا التقى الختانان) الصادق بسلب الموضوع،
وبما سمعت من احتمال أن يراد بأخبار الادخال والايلاج اشتراط إدخال التمام المتعذر
في المقام، وخروج ذي الختان لا يقضي بخروج غيره، وفي الكل من الضعف
29

ما لا يخفى، مع إمكان الاستدلال بأخبار الادخال والايلاج على المطلوب بتقرير عدم
إرادة التمام قطعا كما في جامع المقاصد، لمكان تحقق الجنابة بغيبوبة الحشفة، فتعين إرادة
البعض، والمتيقن منه إرادة الحشفة أو مقدارها لفهم الأصحاب.
ومما تقدم يعلم تحقق الجنابة بادخال الذكر في المرأة التي ليس لها محل ختان، لما
عرفت من عدم اشتراط ذلك، بل قد يظهر من المرتضى دعوى الاجماع عليه على ما نقل
عنه، ويؤيده ما تسمعه إن شاء الله تعالى من تحقق الجنابة بالوطئ في الدبر. وأما مقطوع البعض
فيزيد على الاحتمالات المتقدمة احتمال تحقق الجنابة بغيبوبة الباقي منها مطلقا كما عن
التذكرة والموجز الحاوي وجامع المقاصد، والموجود في الأخير اشتراط ما يبقى معه
مسمى الادخال، واختاره في كشف اللثام، ولعله لمكان ما سمعت من التقييد يرجع
إلى القول الثاني من اشتراط عدم ذهاب المعظم كما في الذكرى والروض، والأقوى
خلاف الجميع، بل لا بد من إدخال ما يتم به مقدار الحشفة، إلا أن يكون الذاهب
شيئا لا يعتد به، كما هو قضية إطلاق الأصحاب من اشتراط غيبوبة الحشفة أو مقدارها،
وما يقال: من صدق التقاء الختانين فيه أنك قد عرفت كون المنساق منها إرادة التقدير
كما يشعر به موافقتهم على ذلك حيث يكون الذاهب تمام الحشفة، وبه يعرف ضعف
التمسك باطلاق قوله (عليه السلام): (إذا أدخله) مع ما عرفت سابقا كضعف التمسك
بصدق غيبوبة الحشفة، إذ هو ممنوع إلا مجازا، فالأصل والاستصحاب وما عرفت من
انسياق إرادة التقدير وغيرها يدل على ما اخترناه، والظاهر ترتب الحكم على إيلاج
الملفوف كما صرح به في المنتهى والتذكرة والايضاح والذكرى والدروس وجامع المقاصد
والذخيرة وشرح المفاتيح، بل في الأخير نسبته إلى الفقهاء مشعرا بدعوى الاجماع
عليه، وبه مع ظهور تناول الأدلة له من الالتقاء لكون المراد منها المحاذاة كما عرفت
وصدق اسم الغيبوبة والدخول والوطئ والجماع ينقطع الأصل، فلا يلتفت لما في القواعد
30

من التنظر بذلك لما تقدم، ولاحتمال بقاء الالتقاء على حقيقته مع تسمية مدخل
الذكر بالختان، مضافا إلى كون المنساق من الأدلة خلافه. ونحوه ما في نهاية الإحكام
من احتمال عدم حصول الجنابة، لأن استكمال اللذة يحصل برفع الحجاب. وفيها احتمال
التفصيل بين كون الخرقة لينة لا تمنع وصول بلل الفرج إلى الذكر وحصول الحرارة من
أحدهما إلى الآخر وما ليست كذلك، فتحصل الجنابة بالأولى دون الثانية، وهما كما ترى.
(وإن جامع) بأن أدخل من ذكره ما تحقق به الجنابة في (الدبر) أي دبر
المرأة (ولم ينزل وجب الغسل على الأصح) لوجوه، (منها) صدق اسم الفرج عليه
كما في المصباح المنير ومجمع البحرين وكذا القاموس. وقد نسبه إلى اللغة غير واحد
من الأصحاب، بل عن المرتضى كما في السرائر أنه لا خلاف فيه بين أهل اللغة،
فيدخل حينئذ تحت ما دل على أن الادخال والايلاج والغيبوبة في الفرج موجب للغسل،
واحتمال أنه وإن كان كذلك عند أهل اللغة لكن العرف على اختصاصه بقبل المرأة،
وهو مقدم عليها يدفعه بعد تسليم كون العرف الآن كذلك أنه معلوم الحدوث أو مظنونه
فلا يكون حجة، ويشعر به معلومية إطلاقه في الكتاب والسنة على ذكر الرجل، كقوله
تعالى (1): (والذين هم لفروجهم حافظون) وغيرها من الأخبار مع عدم إطلاقه
الآن عليه، ومما يشعر به أيضا ما عن المرتضى (رحمه الله) من أنه لا خلاف في شمول اسم الفرج
له عند أهل الشرع، وكذا ما نقله غيره من أن الفرج لما يشمل الدبر لغة وعرفا
كالعلامة (رحمه الله)، وبه يظهر حدوث هذا العرف، و (منها) إطلاق قولهم
إذا أدخله وأولجه أو غيب الحشفة فقد وجب الغسل الشامل للدبر، وما يقال: إن
المطلق ينصرف إلى المتعارف يدفعه - بعد تسليم كون ذلك من المتعارف الذي يكون
سببا لحمل اللفظ عليه - أنه كذلك ما لم يعارضه فهم الأصحاب، لانقلاب الظن حينئذ

(1) سورة المؤمنون - الآية - 5
31

بخلافه. و (منها) قوله تعالى (1): (أو لامستم النساء) لصدق اسم الملامسة على
الجماع في الدبر قطعا، فيحتاج الاخراج إلى دليل، ولا ينافيه ما ورد (2) في تفسيره
عن الباقر (عليه السلام) أنه " ما يريد بذلك إلا المواقعة في الفرج " بل يؤيده، لما
عرفت من صدق اسم الفرج عليها. و (منها) قوله (عليه السلام): " أتوجبون عليه الحد ولا توجبون
عليه صاعا من ماء " ونحوه غيره مما دل على التلازم بينهما لا يقال: إن من المعلوم بديهة
ترتب الحد على ما لا يوجب الغسل، لأنا نقول أن المراد ما أوجبه مما يدخل تحت
مسمى الوطء والجماع ونحو ذلك، لا ما أوجبه من القذف ونحوه كما هو واضح.
و (منها) مرسل حفص بن سوقة (3) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) " عن
الرجل يأتي أهله من خلفها، قال: هو أحد المأتيين فيه الغسل " وهو منجبر بما تسمع،
فلا يقدح الارسال.
و (منها) الاجماع المنقول على لسان ابن إدريس والمرتضى، قال الأول:
أنه إجماع بين المسلمين، وقال الثاني على ما نقل عنه: " لا أعلم خلافا بين المسلمين
في أن الوطء في الموضع المكروه من ذكر وأنثى يجري محرى الوطء في القبل مع الايقاب
وغيبوبة الحشفة في وجوب الغسل على الفاعل والمفعول به وإن لم يكن إنزال، ولا
وجدت في الكتب المصنفة لأصحابنا الإمامية إلا ذلك، ولا سمعت ممن عاصرني منهم
من الشيوخ نحوا من ستين سنة يفتي إلا بذلك، فهذه مسألة إجماع من الكل، ولو
شئت أن أقول معلوم ضرورة من دين الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه لا خلاف بين الفرجين في هذا الحكم
فإن داوود وإن خالف في أن الايلاج في القبل إذا لم يكن معه إنزال لا يوجب الغسل،
فإنه لا يفرق بين الفرجين كما لا يفرق باقي الأمة بينهما في وجوب الغسل بالايلاج

(1) سورة النساء - الآية 46
(2) تفسير الصافي - سورة النساء الآية 46.
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الجنابة - حديث 1
32

في كل واحد منهما، واتصل لي في هذه الأزمان عن بعض الشيعة الإمامية أن الوطئ
في الدبر لا يوجب الغسل تعويلا على أن الأصل عدم الوجوب، أو على خبر يذكر أنه
في منتخبات سعد أو غيرها. فهذا مما لا يلتفت إليه، أما الأول فباطل لأن الاجماع
والقرآن وهو قوله (تعالى): (أو لامستم النساء) يزيل حكمه، وأما الخبر فلا يعتمد
عليه في معارضة الاجماع والقرآن، مع أنه لم يفت به فقيه، ولا اعتمده عالم، مع أن
الأخبار تدل على ما أردناه، لأن كل خبر تضمن تعليق الغسل بالجماع والايلاج في
الفرج فإنه يدل على ما ادعيناه، لأن الفرج يتناول القبل والدبر، إذ لا خلاف بين
أهل اللغة وأهل الشرع بذلك " انتهى.
قلت: ويمكن للفقيه تحصيل الاجماع أيضا في هذا الوقت لندرة المخالف، إذ هو
فتوى المبسوط في كتاب النكاح، كظاهر صومه وصوم التهذيب وطهارة الوسيلة وإشارة
السبق والسرائر والجامع والمعتبر والنافع والمنتهى والتحرير والمختلف والإرشاد والقواعد
والشهيد في الذكرى والدروس كما عن سائر كتبه، والمحقق الثاني في جامع المقاصد بل
عن سائر تعليقاته، والشهيد الثاني في الروض والروضة، كما عن المسالك وكشف اللثام
وغيرها، وهو المنقول عن ابن الجنيد، وهو ظاهر الايضاح والتنقيح وكشف الرموز،
ويقرب منهما في الظهور اللمعة، بل عساه الظاهر من المقنعة والجمل والعقود والغنية
والمراسم والمهذب لقوله فيها: اجماع في الفرج بناء على شموله للقبل والدبر، وزاد في
المراسم الفرج إذا غيب الحشفة والتقى الختانان، ولعله لذلك نسب بعضهم إليه الخلاف،
وفيه أنه إلى العدم أقرب، إذ قد يكون قصد بالأول التقدير للدبر، وبالثاني لغيره،
وظاهر طهارة المبسوط والخلاف التردد كبعض متأخري المتأخرين، ولم أعرف فيه
مخالفا على البت، نعم نسبه بعضهم إلى ظاهر الفقيه، ولعله لأنه لم يذكر سوى رواية
الحلبي الآتية، مع أنه لا ظهور فيها أيضا كما ستعرف، ونسبه آخر إلى الشيخ في النهاية،
33

والموجود فيها لا غسل في الجماع في غير الفرج مع عدم الانزال، فيحتمل أن يريد
بالفرج ما يشملهما، وربما قيل إنه ظاهر الكليني، لاقتصاره على مرفوعة البرقي
الآتية الصريحة في عدم الغسل، نعم قد يكون هو ظاهر الشيخ في الاستبصار والتهذيب
لطعنه في مرسلة حفص السابقة وحملها على التقية، وعمله على ما ينافيها من الروايات،
لكن قد عرفت أن غرضه في الاستبصار مجرد الجمع.
وكيف كان فأقصى ما يقال في الاستدلال عليه بعد الأصل صحيحة الحلبي (1)
قال: سئل الصادق (عليه السلام) " عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها غسل إذا
أنزل هو ولم تنزل هي؟ قال: ليس عليها غسل، وأن ينزل هو فليس عليه غسل "
ومرفوعة البرقي (2) عن الصادق (عليه السلام) قال: " إذا أتى الرجل المرأة في دبرها
فلم تنزل فلا غسل عليها،، وإن أنزل فعليه الغسل، ولا غسل عليها " ومرفوعة بعض
الكوفيين (3) عنه (عليه السلام) أيضا " في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة
لم ينقض صومها، ولا غسل عليها " ونحوه مرسل علي بن الحكم (4) ومفهوم قوله
(عليه السلام) (5): " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " وقوله (صلى الله عليه وآله):
" إنما الماء من الماء " خرج ما خرج، وبقي الباقي.
وفي الجميع ما لا يخفى، إذ الأصل لا يعارض ما سبق، وصحيح الحلبي مبني
على اختصاص الفرج في قبل المرأة، وقد عرفت ما فيه، على أنها تكون حينئذ عامة
وما ذكرنا من قبيل الخاص. ولعل حملها على التفخيذ هو المتجه، ومرفوعة البرقي
لا جابر لها، مع احتمالها لعدم إدخال مقدار الحشفة، وكذلك المرسلتان الآخرتان،

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الجنابة - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الجنابة - حديث 2 مع الاختلاف.
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الجنابة - حديث 3.
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الجنابة - حديث 3.
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الجنابة حديث 5.
34

وأما المفهوم فبعد تسليم حجيته في المقام لمكان خروجه مخرج الغالب وظهوره في إرادة
مقدار ما يوجب الغسل في القبل فهو من قبيل العام، وكذا المفهوم الثاني، والحاصل
لا ينبغي لمن له أدنى ممارسة في الفقه التشكيك في المقام بعد ما تقدم، فلا حاجة للاطناب،
فتأمل جيدا.
وكذا الكلام في دبر الغلام، فإنه لم يعرف فيه خلاف بين القائلين بوجوبه في
دبر المرأة سوى ما يظهر من المصنف هنا حيث قال: (ولو وطأ غلاما فأوقبه ولم ينزل
قال المرتضى (رحمه الله): يجب الغسل معولا على الاجماع المركب ولم يثبت) من القول
بالعدم، كصريح المعتبر، وتردد في النافع، والحق خلافه وفاقا للمشهور نقلا وتحصيلا،
بل قد عرفت أنه لم يعرف القائل بالفصل بين المسألتين، ولذا قال في المختلف: إن كل
من أوجبه في دبر المرأة أوجبه في دبر الغلام، ونحوه ما نقله المصنف عن المرتضى
(رحمه الله) وقوله: (لم يثبت) كقوله في المعتبر: (لم أتحققه) لا يصلح لأن يكون ردا بعد
فرض حجية مثل ذلك، مع كون الناقل مثل المرتضى، على أن ما نقله عن المرتضى
(رحمه الله) من التعويل على الاجماع المركب غير ثابت، بل المنقول عن المرتضى كما
سمعت من عبارته الاجماع المحصل بالنسبة إليهما، بل لو سلم أنه قال: كما نقله عنه فهو إجماع
بسيط أيضا، لما عرفت أنه في المرأة ادعى ذلك قطعا، فبعد فرض أن كل من قال به
بالنسبة إليها قال به هنا فهو إجماع بسيط أيضا، نعم يتحقق الاجماع المركب لو كان
هناك مخالف في المرأة.
وكيف كان فيدل عليه - بعد الاجماع المنقول بسيطا كما في السرائر وعن
المرتضى، ومركبا كما في المختلف الذي يشهد لهما التتبع لكلمات الأصحاب - فحوى
إنكار علي (عليه السلام) (1) وإطلاق قوله إذا أدخله وأولجه وغيب الحشفة، مع انجبارها

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الجنابة - حديث 5.
35

بما سمعت، وإطلاق حسنة الحضرمي (2) المروية في الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء
الدنيا " مع عدم صلاحية مستند الخصم للمعارضة، إذ هو الأصل، وبعض المفاهيم
التي قد عرفت ما فيها، وليعلم أنه بناء على المختار من تحقق الجنابة في الدبرين فهو على
حسب تحققه بالنسبة إلى قبل المرأة، فيجزي غيبوبة الحشفة كما هو نص إجماع المرتضى
وابن إدريس، ويجري الكلام في مقطوعها مثلا على حسبه هناك.
ثم إنه لا إشكال في تحقق الجنابة بايلاج الواضح في دبر الخنثى المشكل بالنسبة
للواطئ والموطوء، أما لو أولجت الخنثى في دبر الخنثى فلا تتحقق الجنابة، لأصالة براءة
الذمة لاحتمال الزيادة، وكذلك لو أولجت في قبلها، نعم لو تحقق إنزال مع القول
بعدم اشتراط خصوصية المجرى حصلت الجنابة حينئذ، وكذلك لا تتحقق الجنابة لو
أولج الواضح في قبل الخنثى، لاحتمال كونه ثقبا كما صرح به جماعة من الأصحاب،
واحتمله العلامة في التذكرة، أخذا بظاهر قوله (عليه السلام): (إذا التقى الختانان)
وهو جار في سابقة أيضا، لكنه ضعيف، لظهور العهدية فيهما، وإلا لزم القول به مع
تحقق الرجولية، نعم تتحقق الجنابة لو أولجت في امرأة مع إيلاج الرجل فيها لأنها إن
كانت امرأة فقد أولج فيها، وإن كانت رجلا فقد أولجت، والرجل والامرأة
كواجدي المني في الثوب المشترك، هذا إن قلنا أنه ليس هناك قسم ثالث، وإلا
فيحتمل عدم تحقق الجنابة بذلك أيضا، لكنه لا يخلو من تأمل، ولو توالج الخنثيان
فلا جنابة على أحدهما، لمكان الاحتمال كما هو واضح.
(ولا يجب الغسل) ولا الوضوء (بوطئ البهيمة) في القبل أو الدبر (إذا لم ينزل)
وإن أدخل تمام ذكره على المشهور، كما هو خيرة طهارة المبسوط والمعتبر والمنتهى

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب نكاح المحرم - حديث 1 من كتاب النكاح
36

والإرشاد والقواعد وجامع المقاصد والمسالك والروض، وكاد يكون صريح الوسيلة
والجامع والسرائر، لتقييد هم غيبوبة الحشفة في فرج آدمي، وهو المنقول عن الخلاف
قال: " إن الذي يقتضيه مذهبنا عدم الوجوب " انتهى. لكني لم أجده فيما حضرني
من النسخة، ولعله سقط منها، بل الذي وجدته في باب الصوم منه ما يقضي بظاهره
وجوب الغسل، قال فيه: " إذا أولج في بهيمة ولم ينزل فليس لأصحابنا فيه نص،
لكن مقتضى المذهب أن عليه القضاء، لأنه لا خلاف فيه، وأما الكفارة فلا تلزمه
للأصل، وكذا الحد، بل يجب عليه التعزير " انتهى. فإن مقتضى إيجابه القضاء
تحقق الفساد في ذلك، ومنه يظهر حينئذ وجوب الغسل، ويشعر به استظهارهم من صوم
المبسوط القول بوجوب الغسل، لحكمه بالقضاء كما ستعرف.
وكيف كان فالحجة على عدم الوجوب أصالة البراءة السالمة عن المعارض،
واستصحاب يقين الطهارة، وقضاء مفهوم قوله (عليه السلام) (1): (إذا التقى
الختانان فقد وجب الغسل) ومفهوم ما دل (2) على قصر الغسل على الانزال من
شرط وغيره كالحصر في قوله (صلى الله عليه وآله): (إنما الماء من الماء) ونحوه
على الأصح من العموم في المفهوم، وخروج البعض غير قادح في الحجة خلافا لظاهر
الشيخ في صوم المبسوط لابطاله الصوم بوطئ البهيمة، وصريح العلامة في المختلف والشهيد
الثاني في الروضة، والأستاذ المعظم الآغا في شرحه، وشيخنا الفاضل في الرياض،
وقواه الشهيد في الذكرى، وهو المنقول عن المرتضى (رحمه الله) بل يظهر منه دعوى
الاجماع عليه وكونه من المسلمات، قال على ما حكاه عنه في المختلف عند الكلام على
وجوبه في دبر المرأة وادعائه الاجماع على ذلك: " وأما الأخبار المتضمنة لا يجابه عند

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الجنابة - حديث - 5
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الجنابة
37

التقاء الختانين فليست مانعة من إيجابه في موضع آخر لا التقاء فيه لختانين، على أنهم
يوجبون الغسل بالايلاج في فرج البهيمة، وفي قبل المرأة وإن لم يكن هناك ختان،
فقد عملوا بخلاف ظاهر الخبر، فإذا قالوا البهيمة وإن لم يكن في فرجها ختان فذلك موضع
الختان من غيرها فكذلك من ليس بمختون من الناس " انتهى. وهو ظاهر في دعوى
الاجماع، ويؤيده مضافا إلى ذلك مفهوم الأولوية في قوله (عليه السلام): (أتوجبون
عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء) بل في المرسل المروي في بعض كتب
الأصحاب " ما أوجب الحد أوجب الغسل " وما يقال في المناقشة في الأول بأنه ظاهر
في أن إيجاب الصاع من الماء أولى من إيجاب الحد مع الرجم لا الحد فقط ضعيف، بل
المتبادر خلافه، وذكر الرجم لكونه كذلك في المقام، وإلا فالرجم ليس في جميع أفراد
الزنا، فالمقصود منه بحسب الظاهر أن سبب الحد والغسل متحد، إذ هو مسمى الوطئ،
فيتحد في الدلالة مع المرسل، وبه يظهر ضعف ما يقال في دلالة المرسل من أن كثيرا
من أسباب الحد لا توجب غسلا، على أنه لو سلم ذلك فأقصاه يكون من باب العام
المخصوص، فلا يقدح في حجيته، نعم قد يناقش في الدلالة لو قلنا أن الثابت على
وطئ البهيمة إنما هو تعزير لا حد، ويأتي التحقيق فيه إن شاء الله تعالى، كما في الثاني
بأنه لا جابر له في المقام، وفيه أن ما عرفته من إجماع المرتضى كاف في الجبر، وكان
العمدة في إثبات المطلوب الاجماع، لكنه في استفادته من عبارة المرتضى تأمل وتردد،
وإلا فبعد تسليم الدلالة في بعضها لا تصلح للمعارضة، إذ هي ما بين أصل أو عموم
مفهوم، لكن الظاهر أنه يقتصر في الحكم حينئذ على وطئ البهيمة على معنى كون البهيمة
موطوءة كما هو المتبادر من إضافة المصدر الواقع في الفتوى، أما لو كانت فاعلة
فلم أعرف أحدا من الأصحاب نص عليه عدا الشهيد الأول في الذكرى، والثاني في
الروضة، فإنه يظهر منهما تساوي الحكم في المقامين، ولعل التمسك بالأصل واستصحاب
38

الطهارة وغيرها لا يخلو من قوة، فتأمل جيدا.
(تفريع الغسل) من الجنابة أو غيرها (يجب على الكافر عند حصول سببه)
على نحو المسلم كسائر الفروع، لعموم ما دل على التكليف بها، ولا يمنع من ذلك
عدم التمكن من الصحيح حال الكفر، لأن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار، على أن
الايمان من شرائط الوجود التي يجب على المكلف تحصيلها، فلا مانع من التكليف
حال عدمها مع التمكن منها، وخلاف أبي حنيفة ضعيف كما بين في محله، على أن
ما نحن فيه من الأغسال من قبيل خطابات الوضع التي يجب مسببها حيث يصل الانسان
إلى قابلية التكليف، فلا ينبغي الاشكال حينئذ في وجوبه عليه بعد الاسلام، وعدم
صحة الصلاة بدونه، وإن سلمنا عدم وجوبه عليه حال الكفر، فيكون من قبيل وطئ
الصبي والمجنون ونحوهما، ولعله لما سمعته لم أجد خلافا فيما نحن فيه، بل يظهر من بعضهم
دعوى الاجماع عليه، بل الظاهر تحصيله على الوجوب حال الكفر فضلا عن حال الاسلام.
(لكن لا يصح منه في حال كفره) لعدم التمكن من نية القربة، ونجاسة محل
الغسل، وللإجماع المنقول على شرطية الايمان في صحة العبادات، ومن الأخير يعلم
بطلان عبادة المخالف أيضا وإن كانت موافقة لما عند الشيعة، إذ الظاهر أن المراد
بالايمان هو المعنى الأخص، وهل يسقط عنه إعادته لو استبصر إذا لم يخل بشئ منه
على ما هو عليه من المذهب كغيره من العبادات عدا الزكاة؟ وجهان، من عموم
ما دل (1) على عدم وجوب إعادة شئ من عباداته لو استبصر عدا الزكاة، واحتمال
كون الايمان المتأخر شرطا ولو متأخرا، فيكون حينئذ كاشفا عن صحة ما وقع، سيما
إذا كان ما جاء به على مقتضى مذهبه موافقا لما عند الشيعة، ومن أن المخالف ليس بأولى
من الكافر الأصلي في التحقيق حتى ورد في حقه أن الاسلام يجب ما قبله، ومع ذلك

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب مقدمة العبادات
39

(فإذا أسلم وجب عليه) الغسل عندنا بلا خلاف أجده فيه (ويصح منه) لموافقته
للشرائط جميعها، إذا الظاهر أن المراد بكونه يجب ما قبله إنما هو بالنسبة للخطابات
التكليفية البحتة، لا فيما كان الخطاب فيها وضعيا كما فيما نحن فيه، فإن كونه جنبا يحصل
بأسبابه، فيلحقه الوصف وإن أسلم، فكذا المخالف، ولعل الأول أقوى.
(ولو اغتسل ثم ارتد) الكافر بعد إسلامه واغتساله (ثم عاد لم يبطل غسله)
لعدم الدليل على كون الردة ناقضة للغسل كما هو واضح، ولو حذف قوله: (ثم عاد) لكان
أخصر وأوضح، ولو كان الارتداد عن فطرة فإن قلنا بعدم قبول توبته مطلقا في الظاهر
والباطن فلا إشكال في عدم صحة الغسل منه وإن كان مكلفا به، ولا قبح لأن ما بالاختيار
لا ينافي الاختيار، مع احتمال أن يقال: إنه لا تتوجه إليه الخطابات، لكنه يعاقب عقاب
التارك المختار، وإن قلنا بقبول توبته في الباطن دون الظاهر احتمل القول بصحة الغسل
منه كسائر العبادات وإن جرى عليه حكم الكفر بالنسبة إلى غيرها من الأحكام كالقتل
وعدمه، واحتمل القول بصحته بالنسبة إليه وإن جرت عليه أحكام الجنب بالنسبة إلينا،
وكذلك طهارة بدنة ونجاسته، فتأمل جيدا، ويأتيك التحقيق إن شاء الله في محله.
وإذ قد تقدم منا الإشارة إلى كون غسل الجنابة من قبيل خطابات الوضع وجب
التعرض لبعض الكلام في المسألة، فنقول يظهر من جماعة من الأصحاب بل لا أجد
فيه مخالفا على القطع كونه كذلك، فيجب على الصبي الغسل بعد بلوغه لو أولج في صبية،
أو أولج فيه من صبي أو بالغ، وتجري عليه أحكام الجنب الراجعة لغيره كمنعه من
المساجد مثلا، وقراءة العزائم، ومس كتابة القرآن إن قلنا بوجوب مثل ذلك على الولي
أو عليه وعلى غيره، وكذا يجري عليه حكم كراهة سؤره مثلا، ونحو ذلك من فوائد
النذر واليمين، وبه صرح في المعتبر والمنتهى والدروس والروض، وتوقف فيه في
التذكرة والتحرير والذكرى والذخيرة، وكأن وجه الاشكال هو أن خطابات الجنابة
40

من قبيل الأسباب أو الأحكام.
ومنه ينقدح الاشكال حينئذ في وطئ المجنون والمجنونة وانزالهما، ولعل التأمل
في الأدلة يشرف الفقيه على القطع بكونه من قبيل الأسباب، سيما في مثل الانزال من
المجنون، وكيف مع ورود قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (إنما الماء من الماء) وقوله
(عليه السلام) (2): (فأما المني فهو الذي يسترخي له العظام، ويفتر منه الجسد،
وفيه الغسل) وقوله (عليه السلام) (3) بالنسبة إلى الوطئ في دبر المرأة: (هو
أحد المأتيين، فيه الغسل) وقوله (عليه السلام) (4): " إذا وقع الختان على الختان
فقد وجب الغسل " ونحو ذلك، وما يقال: إن ظاهر الأدلة أنها من التكاليف لمكان
اشتمالها على الأمر ولفظ الوجوب ونحوهما التي هي من أحكام المكلف مع ظهور كون
حصولها عند حصول السبب، ولا يتم ذلك كله إلا في المكلف يدفعه إنا نقول بمقتضى
ظاهرها من الوجوب ونحوه، أقصى ما هنالك أنه غير مخاطب به في ذلك الوقت،
وتخلف مقتضى السبب لفقد شرط أو وجود مانع لا ينافي السببية شرعا، فيكون من
قبيل وطئ الحائض ونحوه، على أنه لا ينبغي التأمل في شمول الخطابات المذكورة له حال
البلوغ، فيدخل تحت قوله (عليه السلام): (إذا التقى الختانان وجب الغسل) ودعوى
أن المراد من المكلفين تقييد للأدلة من غير مقيد، كدعوى أن المراد وجوب الغسل
في وقت الالتقاء، فحيث لا يحصل وجوب في ذلك الوقت لم يكن الخطاب شاملا، وهو
بديهي البطلان، والحاصل أن معنى قوله (عليه السلام): (إذا التقى) إلى آخره
التقاء الختانين موجب للغسل، ولا ريب في شمول ذلك لما نحن فيه.

(1) كنز العمال - المجلد - 5 - ص 90 - الرقم 1917.
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الجنابة - حديث 17
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الجنابة - حديث 1
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الجنابة - حديث 3
41

لا يقال: إنه لا إشكال ولا نزاع في جريان أحكام الجنب عليه بعد البلوغ مثلا،
إنما الاشكال قبله، لأنا نقول أنه لا وجه لذلك، إذ جريان الأحكام عليه بعد البلوغ
إنما هو لحصول وصف الجنابة، والاتصاف بالجنابة غير موقوف على تحقق البلوغ، وإلا
لم يكن سبب الجنابة الانزال والجماع، بل هو مع البلوغ، وهو خلاف ظاهر النص
والفتوى، وبذلك كله تعرف أنه وجه لما يقال: أنه لا أقل من الشك في أن الانزال
والجماع سبب للجنابة مطلقا، أو هو بشرط البلوغ، أو أنه ليس من باب الأسباب
أصلا، بل من قبيل الأحكام، والأصل براءة الذمة مما عرفته من انقطاع ذلك بظاهر
النص والفتوى، ثم إنه قال في الذكرى: " وفي استباحة ما ذكر من الأحكام بغسله
الآن وجهان، وكذا في اكتفائه به لو بلغ، والأقرب تجديده " انتهى. قلت: لا ينبغي
الاشكال في صحة غسله واكتفائه بعد البلوغ به بناء على أن عبادة الصبي شرعية، نعم
يتجه الوجهان بناء على كونها تمرينية، فإنه يحتمل جريان أحكام البالغ على غسله مثلا،
ويحتمل العدم، ولعله الأقوى، كما أنه لا ينبغي الاشكال في وجوب تجديده لو بلغ،
لعدم رفع الحدث بالغسل الأول بعد كونه تمرينيا، فلا يكون قوله الأقرب في محله،
ولعله بناه على الشرعية، فإن له وجها بناء على كون المراد بالشرعية أنه يستحب تشبهه
بالبالغ لا أنه تجري عليه الأحكام، ولذا يجب عليه إعادة الصلاة لو بلغ في الوقت،
ولعل الأقوى خلافه، وفرق بين المثال وما نحن فيه، هذا كله في السبب.
(وأما الحكم فيحرم عليه قراءة كل واحد من) سور (العزائم) كما في المعتبر والمراسم
وغيرهما، وكثير من الأصحاب عبر بلفظ العزائم من دون ذكر لفظ السورة كما في
الهداية وجمل الشيخ ومبسوطه والوسيلة والسرائر والنافع والمنتهى والتذكرة والقواعد
والإرشاد والذكرى والدروس وغيرها، والظاهر أن مراد الجميع سور العزائم، كما يشعر
به قول جملة منهم، وأبعاضها لظهور إرادة أبعاض السورة لا آيات العزائم، بل في
42

الهداية وهي ألم السجدة وحم السجدة إلى آخرها، وفي التذكرة وهي أربع، سورة سجدة لقمان
وحم السجدة إلى آخرها وفي مجمع البحرين: " وعزائم السجود فرائضه التي فرض سبحانه وتعالى
السجود فيها، وهي ألم تنزيل وحم السجدة والنجم واقرأ كذا في المغرب نقلا عنه، وهو
المروي أيضا " انتهى. ولعله بما سمعته منه يظهر أن مراد المرتضى في الانتصار ذلك أيضا
لتعبيره بعزائم السجود، على أن في آخر كلامه ما يشعر بإرادة السور أيضا، وأما ما في
الغنية ويحرم عليه قراءة العزائم الأربع سجدة لقمان وحم السجدة والنجم واقرأ إلى أن
قال: كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه فلعل مراده السور أيضا، ومثله العلامة في
المنتهى، مع أنه قال فيه: يتناول التحريم السورة وأبعاضها، فيكون كاشفا عن إرادته
بالأول السورة، وكذلك الشيخ في الخلاف سور العزائم التي هي سجدة لقمان وحم
السجدة والنجم واقرأ، فإن ذكره أولا السورة قرينة على المطلوب، وكذا الجامع
لابن سعيد، فإنه قال: وعزائم القرآن وهن أربع، سجدة لقمان وحم السجدة والنجم واقرأ،
وكيف كان فلا ريب أن الذي يظهر للمتأمل من كلمات الأصحاب أن مراد الجميع إنما
هو السور لا نفس الآيات، ومن هنا نقل الاجماع على السور في المعتبر والتذكرة والروض،
وفي المدارك أن الأصحاب قاطعون بتحريم السور كلها، ونقلوا عليه الاجماع، انتهى.
ونسب بعضهم نقل الاجماع على ذلك إلى جماعة.
(و) كذا يحرم (قراءة بعضها) كما في المنتهى والقواعد والإرشاد والذكرى
والدروس والروض وغيرها، بل في الذكرى والروض الاجماع عليه، بل قد
يستظهر الاجماع من كل من حكاه على حرمة قراءة السورة، إذ الظاهر عدم إرادة
شرطية الاتمام للسورة، ولا فرق في الحرمة بين سائر الأبعاض (حتى البسملة إذا
نوى بها إحداها) كما في القواعد وغيرها، بل في الروض الاجماع عليه، بل على
لفظة (بسم) أيضا، ولعله أخذه من الاجماع المتقدم على حرمة البعض، لأن البسملة بعد
43

القصد تكون جزء من السورة عندنا، وجزؤها جزء أيضا، فلا إشكال في الحكم هنا
بالنظر إلى كلمات الأصحاب وإجماعاتهم، نعم قد استشكله بعض متأخري المتأخرين
بالنظر إلى الأخبار، إذ الوارد فيه موثق زرارة ومحمد بن مسلم (1) عن الباقر
(عليه السلام) " الحائض والجنب يقرءان شيئا؟ قال: نعم ما شاء إلا السجدة " ونحوه
حسنته أو صحيحته أيضا قال: وهما مع قصور سندهما لا دلالة فيهما على تحريم ما عدا نفس
السجدة، فتكون الحرمة مختصة بها، وفي كشف اللثام " أن ذلك محتمل الإنتصار
والاصباح والفقيه والمقنع والهداية والغنية وجمل الشيخ ومبسوطه ومصباحه ومختصره
والوسيلة " انتهى. قلت: قد عرفت منشأ الاحتمال من التعبير بلفظ العزائم ونحوه،
لكن قد ظهر لك أن المراد خلافه بقرينة الاجماعات المتقدمة. وأما ما ذكره في الروايات
من الطعن في السند فالظاهر خلافه كما هو واضح لمن لاحظ أسانيدها، مع أنه نقل
عن الصدوق في علل الشرائع أنه روى في الصحيح (2) عن زرارة قال: قلت " فهل
يقرءان من القرآن شيئا " إلى آخره، وبعد التسليم فهو منجبر بما سمعت، كما أن ما ذكروه
بالنسبة للمتن كذلك، مع أن الظاهر خلافه أيضا، وذلك لأنه لا بد من تقدير مضاف،
إذ لا يراد السجدة التي هي وضع الجبهة قطعا، وهو إما أن يكون لفظ السورة أو الآية،
ولعل الأول أولى، لاشتهار التعبير عن السور بنحو ذلك من الألفاظ المشهورة
كالبقرة وآل عمران والأنعام والرحمان، مع أنه الموافق لفهم الأصحاب والاجماعات
المتقدمة، ويشهد له أيضا ما في المعتبر، حيث قال: " يجوز للحائض والجنب أن يقرءا
ما شاءا من القرآن إلا سور العزائم الأربع، وهي اقرأ والنجم وتنزيل السجدة وحم
السجدة، روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنى عن الحسن الصيقل (3) عن أبي

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الجنابة - حديث 4 - 7
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الجنابة - حديث 4 - 11
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الجنابة - حديث 4 - 11
44

عبد الله (عليه السلام)، وهو مذهب فقهائنا أجمع " انتهى. وما عن الفقه الرضوي (1)
إلا سور العزائم وعددها، فلا ينبغي الاشكال في الحكم المذكور من هذه، نعم لولا الاجماع
المتقدم على حرمة البعض لأمكن تخصيص التحريم بقراءة السورة خاصة لا البعض، لكون
السورة اسما للمجموع، وبقراءة البعض لا يتحقق الصدق، سيما إذا كان المقصود من
أول الأمر البعض، والظاهر صدق قراءة البعض على الكلمات، وأما الحروف فوجهان،
سيما إذا كان المقصد من أول الأمر ذكر بعض الحروف لاتمام الكلمة، ولعل التفصيل
بذلك - فيقتصر في الحرمة على ما إذا ذكر بعض الحروف بنية الاتمام ثم قطع، دون ما إذا
كان قصده من أول الأمر البعض من الكلمة الخاصة - لا يخلو من قرب، لعدم صدق
اسم القراءة عرفا، ويستفاد من تقييد المصنف حرمة البسملة بما إذا نواها منها عدم الحرمة
إذا نوى خلاف ذلك، أو لم ينو كسائر الألفاظ المشتركة بين العزائم وغيرها، وهو
كذلك، وبه يظهر الفرق بين المختص والمشترك، ولو قرأ لفظة زاعما أنها من المشترك
ثم في أثنائها علم أنها من المختص فهل له إتمامها لأن الباقي يكون حينئذ من البعض الذي
ذكرنا جوازه أو لا؟ وجهان، أقواهما الثاني.
(و) من جملة أحكامه أنه يحرم عليه المس بما يتحقق فيه صدق اسم (مس كتابة
القرآن) بلا خلاف أجده فيه، سوى ما نقل عن ابن الجنيد من الحكم بالكراهة، مع
احتمال إرادته منها الحرمة، ولذا أو لعدم الاعتناء بخلافه نقل الاجماع عليه جماعة منهم
الشيخ في خلافه، والسيد ابن زهرة في الغنية، والمصنف في المعتبر، والعلامة في
المنتهى والتذكرة، والشهيد في الروض، بل في المعتبر والمنتهى نسبته إلى علماء الاسلام،
ومع استثناء داوود في التذكرة، وما في المدارك من نسبة الكراهة إلى الشيخ في المبسوط
لعله سهو، إذ الموجود فيما حضرني من نسخته الحكم بالحرمة، وكذا ما نقله المقداد
عن القاضي، إذ المنقول لنا من عبارة المهذب صريح في الحرمة، اللهم إلا أن يكون

(1) المستدرك - الباب - 11 - من أبواب الجنابة - حديث 1
45

في غيره، لكنه لم ينقل عنه أحد غيره ذلك، ويدل عليه مضافا إلى ما سمعت جميع
ما تقدم في حرمة المس مع الحدث الأصغر من الكتاب والسنة، فلاحظ وتأمل، لتعرف
ذلك وتعرف كثيرا من الأبحاث السابقة مما يتعلق بالمس وبكتابة القرآن وغيرهما،
وكذا ما تقدم بالنسبة إلى وجوب منع الصبي ونحوه عن المس مع الجنابة، فإن فيه قولين
أيضا كما هناك، والدليل الدليل، والترجيح الترجيح، فتأمل جيدا.
(أو شئ عليه اسم الله سبحانه) كما في المبسوط والغنية والمراسم والوسيلة
والمهذب والسرائر والجامع والمعتبر والمنتهى والإرشاد والقواعد والتذكرة والتحرير
والذكرى والدروس وغيرها، بل لا أجد فيه خلافا سوى ما يظهر من بعض متأخري
المتأخرين ممن لا يقدح خلافه في تحصيل الاجماع، ولذا حكاه عليه في الغنية، ونسبه
في المنتهي وغيره إلى الأصحاب مشعرا بدعواه أيضا، وعن نهاية الإحكام نفي الخلاف
فيه، ويدل عليه مضافا إلى ذلك موثقة عمار بن موسى (1) عن الصادق (عليه السلام)
قال: " لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله " ويؤيده مع ذلك أنه المناسب
للتعظيم، وما يقال -: من الطعن في الرواية ومعارضتها بما رواه المحقق نقلا عن كتاب
الحسن بن محبوب عن أبي الربيع (2) عن الصادق (عليه السلام) " في الجنب يمس
الدراهم وفيها اسم الله واسم رسوله صلى الله عليه وآله قال: لا بأس به، ربما فعلت ذلك " وبموثقة
إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (3) قال: سألته " عن الجنب والطامث
يمسان بأيديهما الدراهم البيض، قال: لا بأس " وبما في المعتبر نقلا من جامع البزنطي
عن محمد بن مسلم (4) عن الباقر (عليه السلام) قال: سألته " هل يمس الرجل الدرهم
الأبيض وهو جنب؟ فقال: والله إني لأوتي بالدرهم وآخذه وإني جنب،

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 3
46

وما سمعت أحدا يكره من ذلك شيئا إلا أن عبد الله بن محمد كان يعيبهم عيبا شديدا،
يقول: جعلوا سورة من القرآن في الدرهم، فيعطى الزانية وفي الخمر ويوضع على لحم الخنزير "
ومن أنه لا دليل على وجوب التعظيم فلذا كان الحكم بالكراهة متجها عند بعض المتأخرين -
مما لا ينبغي أن يصغى إليه، أما الطعن فهو على تقدير تسليمه منجبر بما عرفت من
الاجماع المنقول الذي يشهد له التتبع لفتاوى الأصحاب، وبه يتضح عدم مقاومة
الرواية الأولى لها، على أنها غير صريحة في الدلالة على مس الاسم، وكونه فيها أعم
من ذلك، مع عدم الجابر لدلالتها، وأما ما سمعته من المنقول عن جامع البزنطي فهو
مع ابتنائه على معروفية نقش الدرهم الأبيض بلفظ الجلالة لا صراحة فيه في المطلوب،
إذ أخذه أعم من ذلك، وأما ما في ذيله فهو - مع دلالته على جواز مس كتابة القرآن
المنقوشة على الدرهم، وقد عرفت في السابق ما يدل على فساده - محتمل لكونه من غير
الإمام (عليه السلام) ولأمور أخر، بل ينبغي القطع بذلك عند التأمل، وأما ما ذكره
من عدم وجوب التعظيم فهو مسلم إن أريد به زيادة التعظيم، وكذا يمكن تسليمه في
التعظيم الذي لا يكون تركه تحقيرا، وأما التعظيم الذي يكون تركه تحقيرا فلا ينبغي
الاشكال في وجوبه، بل لعله من ضروريات المذهب بل الدين، ولعل ما نحن فيه
فمن هذا القبيل، وإن كان ليس لأهل العرف نصيب في معرفة التحقير بالنسبة للجنابة
ونحوها، إلا أنهم يحكمون بذلك من جهة مؤانسة الشرع، كمنعه من دخول المساجد
ومس كتابة القرآن ونحوهما، على أنه يمكن دعوى وجوب التعظيم الذي لا يكون تركه
تحقيرا من قوله تعالى (1): " ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " نعم أقصى
ما يسلم من عدم وجوبه إنما هو زيادة التعظيم كوضع القرآن مثلا في أعلى الأماكن وأرفعها
ونحو ذلك، لأصالة البراءة وقضاء السيرة به، مع عدم تناهي أفراد زيادة التعظيم فتأمل،

(1) سورة الحج - الآية 33.
47

وهل يختص الحكم بلفظ (الله) خاصة كما في الموجز الحاوي، ومحتمل بل ظاهر
عبارة المصنف وكل من عبر بتعبيره، سيما إذا قلنا أن المتبادر الإضافة البيانية وكذلك
الرواية، أو يجري الحكم في كل اسم من أسمائه، كما لعله الظاهر من الغنية والوسيلة
والجامع، لقوله في الأول أو اسم من أسماء الله تعالى. وفي الثاني كل كتابة معظمة من
أسماء الله، والثالث كل كتابة فيها من أسماء الله، ومحتمل عبارة المصنف ونحوها على
جعل الإضافة لامية، أو يختص الحكم بلفظ الجلالة وما يجري مجراه بالاختصاص به تعالى
كالرحمان؟ وجوه، ولعل التعظيم وإجماع الغنية والاحتياط تؤيد الأوسط.
والأولى حينئذ إلحاق سائر الأعلام في سائر اللغات، كما قيل إن الأولى
تعميم المنع لما جعل جزء اسم كما في عبد الله للاحتياط، وقصد الواضع اسمه تعالى عند
الوضع، واحتمال عموم النص والفتوى، وخصوصا مع بيانية الإضافة، مع احتمال العدم،
بل لعله الأقوى للأصل والخروج عن اسمه بالجزئية.
ثم إن ظاهر عبارة المصنف وما ماثلها بل الرواية أيضا يعطي تحريم مس الشئ الذي
عليه الاسم وإن لم يمس نفس النقش، لكن ينبغي القطع بعدم إرادته، إذ لا يحرم مس
اللوح العظيم مثلا إذا كان مكتوبا في أحد نواحيه لفظ الجلالة، كما يشعر به بل يدل عليه
إطلاق جواز مس أوراق القرآن من دون مس الكتابة، ولذا صرح جماعة بأن المراد
بما عليه في النص والفتوى نفس النقش، وظاهر المصنف وغيره وصريح بعض الأصحاب
اختصاص الحكم باسم الله دون أسماء الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) للأصل السالم
عن المعارض، ولعل الأولى الالحاق، كما في المبسوط والغنية والوسيلة والمهذب
والسرائر والجامع والإرشاد والذكرى والدروس واللمعة وجامع المقاصد والروضة، مع
التقييد في الأخير بمقصودية الكاتب، وحكاه في كشف اللثام عن المقنع وجمل الشيخ
ومصباحه ومختصره والاصباح وأحكام الراوندي والتبصرة، ونسبه في جامع المقاصد
48

إلى الأكثر وكبراء الأصحاب، وفي الغنية الاجماع عليه، وهو الحجة، مضافا إلى
ما سمعته من دعوى تعارف نقش اسم الرسول (صلى الله عليه وآله) على الدرهم، فيدل عليه
حينئذ الموثقة، ويتم بعد القول بالفصل، وإن كان في ذلك ما فيه، ضرورة عدم
اقتضاء تعارف نقشه حرمة مسه بعد اقتصار الموثق على لفظ الجلالة، وإلى أنه المناسب
للتعظيم، لكن الأولى قصر الحكم بما قيده به في الروضة، فلا يجري الحكم بالنسبة
للأسماء المتعارفة الآن عند الناس وإن كان المقصود التشرف بها، مع احتمال التعميم
كما يقتضيه إطلاق الباقين وجعله كاسم الله.
(
و) يحرم على الجنب أيضا (الجلوس في المساجد) كما في السرائر والقواعد، ولعل
مراد هم بالجلوس اللبث والمكث فيها، فيكون عين ما في الخلاف والمنتهى والإرشاد
والذكرى والدروس، بل عن سائر كتبه وجامع المقاصد، بل عن سائر تعليقاته،
وفي المنتهى أنه لا نعرف فيه خلافا إلا من سلار، وفي غيره أنه أطبق عليه الأصحاب
عدا سلار، ولعل ذلك يكون قرينة على كون المراد باللبث والمكث مطلق الدخول عدا
الاجتياز حتى يكون موافقا لما في الفقيه والمقنع والهداية ولما في المبسوط والغنية والوسيلة
والجامع والمعتبر والنافع، لقولهم فيها: أنه يحرم دخول المساجد إلا اجتيازا، وإن
أبيت تنزيل الكلمة على ذلك كان الأقوى الأخير، فيحرم الدخول مطلقا إلا ما استثني
للاجماع في الغنية، بل لعله ظاهر الخلاف أيضا، وقوله تعالى (1): (ولا تقربوا
الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل) لظهور أن المراد
بالنسبة للجنب مواضع الصلاة بقرينة قوله تعالى: (إلا عابري سبيل).
وما يقال: من احتمال أن يراد بعبور السبيل السفر فيكون المعنى لا تقربوا الصلاة
حال كونكم جنبا إلا في السفر، فإن لكم ذلك مع التيمم ففي غاية الضعف، لمخالفة الظاهر

(1) سورة النساء - الآية - 46
49

من الآية، خصوصا والتيمم سيأتي ذكره بقوله تعالى (1) بعد هذه الآية: (وإن كنتم
مرضى أو على سفر) إلى آخره. على أن ذلك غير خاص بالسفر أيضا، بل الحضر
كذلك مع عدم التمكن من الاستعمال، ومع ذلك كله مخالف لما جاء عن أهل بيت
العصمة (عليهم السلام) في تفسيرها، ففي مجمع البيان أن المروي (2) عن أبي جعفر
(عليه السلام) (أن المراد لا تقربوا مواضع الصلاة) ويقرب منه المرسل (3)
عن علي بن إبراهيم في تفسيره. لا يقال: إنه لا يحرم على السكران القرب إلى المساجد
من حيث كونها مساجد، لأنا نقول قد يكون المراد من الصلاة نفسها بالنسبة إلى السكران
وإلى الجنب مواضعها على طريق الاستخدام أو غيره، على أن ذلك اجتهاد في مقابلة النص
ومما يدل على أصل الدعوى وعلى المراد في الآية قول الباقر (عليه السلام)
في صحيح زرارة وابن مسلم (4) قالا: قلنا له (عليه السلام): " الحائض والجنب يدخلان
المسجد أم لا؟ قال: الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين، إن الله تبارك
وتعالى يقول: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " وللمروي (5) عن النبي
(صلى الله عليه وآله) في عدة من الأخبار " إن الله كره لي ست خصال، وكرهتهن
للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي، - وعد منها - إتيان المساجد جنبا " فإن
الظاهر أن المراد بالكراهة الحرمة بقرينة غيره من الأخبار، ويمكن الاستدلال عليه
بما ورد (6) في عدة من الروايات " عن الجنب يجلس في المساجد، قال: لا، ولكن
يمر فيها " فإن الاستدراك ظاهر في حرمة ما عدا المستدرك، والحاصل أن الظاهر من

(1) سورة النساء - الآية 46
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة حديث 20 - 10
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة حديث 20 - 10
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 10
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 9 و 15
(6) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 2 و 5 و 6
50

ملاحظة الأدلة حرمة الدخول مطلقا إلا للاجتياز وغيره مما دل عليه الدليل، فيحرم
حينئذ الدخول لا بعنوان الاجتياز ولا المكث، واحتمال القول أن المحرم إنما هو المكث
واللبث، فيحل غيره قد عرفت فساده،
وأن الظاهر من الأدلة أن المحلل الاجتياز
خاصة والأخذ منها كما ستعرف، وكيف كان فما في المراسم من أنه يندب للجنب أن
لا يقرب المساجد إلا عابري سبيل ضعيف جدا مخالف للكتاب والسنة والاجماع المنقول،
بل قد يدعى تحصيله، لعدم قدح خلافه في ذلك، ولعل مستنده خبر محمد بن القاسم (1)
قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) " عن الجنب ينام في المسجد، فقال: يتوضأ
ولا بأس أن ينام في المسجد ويمر فيه " وهو مع موافقته للتقية ومخالفته للكتاب قاصر
عن مقاومة غيره من الأدلة من وجوه عديدة، على أنه لا دلالة فيه، نعم قد يظهر
من الصدوق العمل به، قال بعد أن ذكر أن الجنب والحائض لا يجوز أن يدخلا المسجد
إلا مجتازين: " ولا بأس أن يختضب الجنب، ويجنب وهو مختضب - إلى أن قال -: وينام
في المسجد ويمر فيه، ويجنب أول الليلة وينام إلى آخره "، انتهى. وهو مع عدم انطباقه
على تمام مدلول الرواية لعدم ذكر الوضوء ضعيف، كسابقه لما سمعت، مع احتمال تأويل
عبارته بما يرجع إلى الأصحاب وإن بعد.
وإذ قد عرفت أن المحلل الاجتياز خاصة فلا ريب في الرجوع إلى تحقيق
معناه إلى العرف كما هو الشأن في غيره من الألفاظ، قيل وهل يدخل فيه التردد في
جوانبها والمشي من غير مكث ولا جلوس؟ ربما ظهر من بعضهم ذلك، قلت:
لا ينبغي الاشكال في عدم صدق اسم الاجتياز عليه، ولعل القائل بجوازه منشأه أن
المحرم اللبث والمكث لا غير الاجتياز، وهذا ليس لبثا، وفيه ما عرفت سابقا من
ظهور الأدلة في حرمة ما عدا الاجتياز، على أنا نمنع عدم صدق اسم اللبث والمكث

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 18
51

عليه، إذ لا يراد منه السكون وعدم الحركة كما هو واضح، وما يقال: من التمسك
على جوازه بخبر جميل (1) عن الصادق (عليه السلام) قال: " للجنب أن يمشي في
المساجد كلها، ولا يجلس فيها إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) "
ضعيف، لما فيه من الطعن في السند أولا، وعدم صلاحيته لمعارضة ما سمعت من الأدلة
ثانيا، فلا بأس بحمل المشي فيها على المشي الاجتيازي، على أنه من قبيل المطلق.
وهل يشترط في الاجتياز الدخول من باب والخروج من أخرى، فلا يشمل
الدخول والخروج من باب واحدة أو لا يشترط؟ وجهان، أقواهما الأول، ولا أقل
من الشك، وقد عرفت عموم الأدلة لمنع ما عدا الاجتياز، فيدخل المشكوك تحت
العموم، فتأمل. وليعلم أنه نقل عن جماعة إلحاق الضرائح المقدسة والمشاهد المشرفة
بالمساجد، ونقله الشهيد في الذكرى عن المفيد في العزية، وابن الجنيد واستحسنه، وربما
نقله بعضهم عن الشهيد الثاني، ومال إليه بعض المتأخرين من أصحابنا، ولا يخلو من
قوة، لتحقق معنى المسجدية فيها وزيادة، وللتعظيم، ولما يظهر من عدة روايات (2)
من النهي عن دخول الجنب بيوتهم في حال الحياة، وحرمتهم أمواتا كحرمتهم أحياء،
بل قد يظهر من ملاحظتها المنع من الدخول فضلا عن المكث، واحتمال حملها على
الكراهة مناف للأمر في بعضها بالقيام والاغتسال، وللنهي في آخر، بل في المنقول عن
الكشي (3) عن بكير قال: " لقيت أبا بصير المرادي فقال أين تريد قلت: أريد
مولاك، قال أنا أتبعك، فمضى فدخلنا عليه (عليه السلام) وأحد النظر إليه، وقال:
هكذا تدخل بيوت الأنبياء وأنت جنب، فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضبك،
وقال أستغفر الله ولا أعود " ما هو كالصريح في الحرمة، واشتمال بعضها على لفظ

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الجنابة - حديث - 5
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الجنابة - حديث - 5
52

(لا ينبغي) ليس صريحا في الكراهة، على أنه قد يكون قال له الإمام (عليه السلام)
لا ينبغي لأن دخوله كان لتعلم العلم ونحوه من غير مكث.
لكن هل يلحق بالجنب الحائض والنفساء؟ إشكال. ولعل التعظيم واشتمالها
على ما في المسجد يؤيد الأول، سيما مع اشتراك الحائض مع الجنب في كثير من الأحكام،
ويحتمل العدم لحرمة القياس، بل لعله مع الفارق، بل قيل إن الظاهر أن الحائض
والنفساء ربما كن يدخلن بيوتهم للسؤال عن المشكلات التي ترد عليهن، والله أعلم.
وهل يقتصر في الحكم حينئذ على نفس الروضة المقدسة أو يلحق بها الرواق ونحوه؟
وجهان، أقواهما الأول.
(و) يحرم على الجنب أيضا (وضع شئ فيها) أي المساجد كما في الفقيه والمبسوط
والجمل والعقود والغنية والوسيلة والمهذب والسرائر والجامع والمعتبر والنافع والمنتهى
والإرشاد والقواعد والمختلف والذكرى والدروس واللمعة والروضة وغيرها من كتب
المتأخرين، بل عليه الاجماع في الغنية كما عن جماعة الاجماع عليه مما عدا سلار، بل في
المنتهى أنه مذهب علماء الاسلام عدا سلار، وظاهر الجميع كون الوضع محرما لنفسه،
بل صرح بعضهم أنه يحرم عليه حتى لو طرح فيه من خارج المسجد، ولعل المستند في
ذلك مضافا إلى ما تقدم ما عن العلل من صحيح زرارة ومحمد بن مسلم (1) من قوله
(عليه السلام) " في الجنب والحائض: يأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئا، قال
زرارة: قلت: فما بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه، قال لأنهما لا يقدران على أخذ
ما فيه إلا منه، ويقدران على وضع ما بيديهما في غيره " وصحيح عبد الله بن سنان (2)
قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) " عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد
المتاع يكون فيه، قال: نعم، ولكن لا يضعان في المسجد شيئا " فما في المراسم من أنه

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 1
53

يندب أن لا يضع ضعيف، وظاهر الصحيحين جواز الأخذ منها كما هو ظاهر الأصحاب
بلا خلاف أعرفه فيه، بل في المنتهى أنه مذهب علماء الاسلام، وفي غيره أنه المجمع
عليه، بل ظاهر إطلاق النص والفتوى أنه يجوز له ذلك وإن استلزم لبثا طويلا، وما
عساه يظهر - من بعضهم أن المراد بجواز الأخذ من حيث كونه أخذا في مقابلة الوضع،
وإلا فلا يحل لأجله ما كان محرما سابقا كاللبث فيما عدا المسجدين والجواز فيهما، بل هما
باقيان على حرمتهما وإن حل الأخذ - مخالف لظاهر النص والفتوى، فتأمل.
والذي يقوى في ذهن القاصر أن حرمة الوضع ليست لكونه وضعا، بل المراد
حرمة الدخول للوضع كما يشعر به ذكره في مقابلة جواز الأخذ منها، إذ من المعلوم أن المراد
الدخول إليه للأخذ منه، ويشعر به أيضا التعليل المتقدم في الرواية، وربما يشير إليه
استدلال المصنف في المعتبر، ونحوه العلامة في بعض كتبه على حرمة الوضع بقوله تعالى
(ولا جنبا إلا عابري سبيل) وليس له وجه يحمل عليه سوى أن يكون المراد منه أن
المفهوم من الآية أنه لا يجوز الدخول للمساجد لغرض من الأغراض إلا لغرض الاجتياز، فيبقى
حرمة الدخول للوضع مشمولا للآية، ومن هنا قال ابن فهد في المقتصر: " أنه لو وضع فيه
شيئا من خارج المسجد حل له قطعا، وقال قبل ذلك: أن المراد بالوضع الوضع المستلزم
للدخول واللبث لا أن الرخصة في الاجتياز خاصة، فلا يباح الدخول لغير غرض
الاجتياز " انتهى. وهو عين ما ذكرنا، وما أورد عليه بعض المتأخرين من أنه قول
بعدم حرمة الوضع، لكون اللبث محرما في نفسه وضع أو لم يضع ففيه أن ذلك لا يصح
للايراد به عليه، بل هو بيان لكلامه، فإن مراده من حرمة الوضع حرمة الدخول
للوضع، وإلا فلو لم يدخل أو دخل بعنوان الاجتياز أو الأخذ فلا يحرم عليه الوضع،
وهو متجه مؤيد بالأصول السالمة عن المعارض سوى ما عرفت، وهو لا ظهور فيه،
وبكثير من الوجوه الاعتبارية، نعم الانصاف أن عبارات كثير من الأصحاب تأبى
54

التنزيل على هذا، فتأمل، وطريق الاحتياط غير خفي.
(و) يحرم على الجنب أيضا (الجواز في المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله
عليه وآله) خاصة) كما هو خيرة الغنية والوسيلة والمهذب والسرائر والجامع والمعتبر
والمنتهى والقواعد والإرشاد والتذكرة والذكرى وغيرها، بل لا أجد فيه خلافا صريحا
بل عليه الاجماع في الغنية والمدارك، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا، ولعل ذلك
يكون قرينة على عدم ظهور الخلاف من المفيد وسلار والشيخ في الجمل، كما عن الاقتصاد
والمصباح ومختصره والكيدري وإن أطلقوا جواز الاجتياز في المساجد، فيكون مرادهم
في غير المسجدين، وما نقله في كشف اللثام عن ظاهر المبسوط بالكراهة لم نتحققه، بل
لعل الظاهر منه القول بالحرمة فيه، قال: " والمكروهات الأكل والشرب - إلى أن قال -:
والمسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله) لا يدخلهما على حال، فإن كان
في واحد منهما فأصابه احتلام خرج منهما بعد أن تيمم من موضعه، ويكره مس المصحف "
فإن مقتضى عدم عطفه له على المكروهات بل ذكر النهي عنه بالخصوص الحرمة كما هو واضح.
وكيف كان فيدل عليه مضافا إلى ذلك المعتبرة المستفيضة المشتملة على الرخصة
في الاجتياز فيما عدا المسجدين المعتضدة باطلاق النهي عن المرور في غيرها، وبذلك
كله يقيد إطلاق الآية وغيرها الدالة على جواز الاجتياز في سائر المساجد، ثم إن ظاهر
بعض الأدلة المتقدمة وغيرها كقول الباقر (عليه السلام) (1) في خبر أبي حمزة
الثمالي في حديث: " إن الله أوحى إلى نبيه أن طهر مسجدك - إلى أن قال -: ولا يمر فيه
جنب " وقول الصادق (عليه السلام) في الحسن: " للجنب أن يمشي في المساجد كلها
ولا يجلس فيها إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) " عدم جواز
مطلق الدخول للمسجدين سواء كان للاجتياز أو لأخذ المتاع، ومن هنا قال في الغنية:

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 4
55

أنه ليس له دخولهما على حال إلى أن قال: كل ذلك بدليل الاجماع، فما يقال -: إن
إطلاق الأصحاب بجواز الأخذ من المساجد شامل للمسجدين، وتنصيصهم على حرمة
الاجتياز لا يقضي بحرمته - ضعيف، لظهور أن تنصيص الأصحاب على ذلك أنما هو
لمكان كون الاجتياز مما لا إشكال في حليته بالنسبة سائر المساجد، والأخذ وإن
كان كذلك لكنه ليس بتلك المكانة من الوضوح، فأرادوا التنصيص على حرمة واضح
الحلية بالنسبة إلى غيرهما، ليستفاد غيره بالأولى، سيما بعد اشتمال الروايات عليه،
وأيضا قد عرفت أن ابن زهرة قال: لا يجوز دخولهما على حال كابن إدريس في السرائر
وكذا ابن فهد في موجزه، وأصرح منه عبارة ابن البراج في المهذب، فإنها كالصريحة
في عدم جواز الدخول الأخذ، ونحوها عبارة المصنف في المعتبر، وما عساه يقال -:
إن ما دل على جواز الأخذ شامل باطلاقه المسجدين، كما أن النهي عن المرور في
المسجدين والمشي ونحوهما أيضا شامل للدخول للأخذ وغيره، فيكون التعارض بينهما
تعارض العموم من وجه، مع ترجيح الأول بأصالة براءة الذمة ونحوها - مدفوع بأنه
لو سلم ذلك لكان الترجيح للثانية، لصراحتها وكثرتها، مع اعتضادها باجماع الغنية
ومناسبة التعظيم، بل قد يشعر حرمة الاجتياز فيهما بحرمة غيره بطريق أولى، على أنه
ما دل على الأخذ إنما سيق لبيان مطلق جواز الأخذ،
من سائر المساجد، كما لا يخفى على من لاحظها.
(ولو أجنب فيهما) كما في الجامع والقواعد (لم يقطعهما إلا بالتيمم) وظاهر
الثلاثة عدم الفرق بين أن تكون الجنابة فيه بالاحتلام أو غيره، بل قد يظهر من الإرشاد
والدروس والبيان وعن موضع من التذكرة تعميم الحكم للمجنب خارج المسجد إذا دخل
إليه عمدا أو سهوا، كما هو نص الشهيد في الذكرى، لكن ظاهر الهداية والفقيه
والمبسوط والسرائر والمعتبر والنافع والمنتهى والتحرير الاقتصار على الاحتلام خاصة،
56

واختاره بعض المتأخرين من أصحابنا، وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في وجوب
التيمم بالنسبة للمحتلم في المسجد. لما تسمعه من الصحيح المعتضد بالعمل، بل في ظاهر
المعتبر والمنتهى الاجماع عليه، خلافا لابن حمزة من القول بالاستحباب. وهو مع خلوه
عن المستند عدا الأصل الذي لا يصلح لمعارضة ما ذكرنا ضعيف، ومن هنا نسبه في
المعتبر والمنتهى إلى علمائنا من غير إشارة إلى خلاف.
نعم وقع ما سمعت من الاختلاف في عبارات الأصحاب، فمنها في الجنب في
المسجد احتلاما أو غيره، ومنها مطلق الجنب ولو في خارج المسجد، ومنها خصوص
الاحتلام، ولعل مستند (الأول) - بعد الفاء الفارق بين الاحتلام في المسجد والجنابة فيه -
صحيح أبي حمزة (1) على ما رواه المحقق في المعتبر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام):
" إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) فاحتلم
أو أصابته جنابة فليتيمم، ولا يمر في المسجد إلا متيمما " والمعروف من روايته في كتب
الأخبار وغيرها (فأصابته جنابة) فيخرج حينئذ عن الاستدلال به لذلك، على أنه
أيضا لا يشمل جميع صور الدعوى بناء على ما هو الظاهر منه من عطفه على قوله (فاحتلم)
إذ لا يشمل حينئذ الجنابة في حال اليقظة، إلا أن روايته بأو أوفق بصحة المعنى من الفاء،
فتأمل. ولعل مستند (الثاني) - بعد عدم تعقل الفرق بين الأفراد كلها أي الاحتلام
وغيره في المسجد أو خارجه، بل قد يكون الضمير في قوله: (ولا يمر) راجعا إلى الجنب
المستفاد من قوله (عليه السلام): (فأصابته جنابة) لا إلى المحتلم - إن التيمم للخروج
على وفق القاعدة، فلا فرق حينئذ، وذلك لمكان الاجماع على الظاهر، والأخبار
على حرمة المرور والمشي للجنب في المسجدين، وقد علم من خارج عموم بدلية التراب
عن الماء، فيجب عليه حينئذ التيمم بدلا عنه للخروج، كما إذا اضطر إلى دخولهما
.

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 3
57

ولعل مستند (الثالث) الجمود على ظاهر النص، بناء على المعروف من روايته،
وما يقال: من عدم تعقل الفرق فيه أنه لو سلم فعدمه بالنسبة إلينا لا يدل على نفيه في الواقع،
ودعوى الوصول إلى حد القطع ممنوعة كل المنع، وكذا ما قيل من الموافقة للقاعدة
المتقدمة، إذ نمنع كون مقتضاها ذلك، لمكان تعارض حرمة اللبث مع حرمة المرور،
وترجيح الثانية على الأولى ترجيح من غير مرجح، سيما مع زيادة زمان اللبث على
زمن الخروج، بل الظاهر إبقاء الحرمتين في الداخل عمدا، فيكون كالداخل في الدار
المغصوبة، نعم إذا أمكن التيمم من غير لبث اتجه القول بوجوبه، لما تقدم.
ومما يرشد إلى عدم كونه موافقا للقاعدة أيضا أنه لو كان كذلك لوجب القول
بوجوب التيمم على الجنب في سائر المساجد، بناء على أن الخروج منه أو الدخول ثم
الخروج من باب واحد لا يدخل تحت مسمى الاجتياز، فيكون قطعه حينئذ محرما على
الجنب، فيجب التيمم حينئذ له، فلو دخل فيه مثلا جنب عمدا أو سهوا ثم أراد الخروج
منه كان الواجب عليه حينئذ التيمم مع أن المصرح به في كلام بعضهم بل هو قضية
كلام الجميع بل كاد يكون مقطوعا به عدم الوجوب، بل عدم المشروعية عدا الشهيد
(رحمه الله) فإنه ذكر استحباب التيمم للمحتلم في غير المسجدين للخروج معللا ذلك
بكونه أقرب حينئذ إلى الطاهر، وأنكر عليه بعض من تأخر عنه مشروعيته فضلا عن
استحبابه، وهو كذلك، اللهم إلا أن يقال: إن عدم ذكرهم لايجاب التيمم لعله من
جهة البناء منهم على أن المحرم في سائر المساجد اللبث والمكث، لا أن المحلل الاجتياز
خاصة، فيكون الخروج ليس بمحرم، فلا يجب التيمم له، نعم لو احتاج الجنب إلى
المكث في المسجد وجب عليه التيمم من غير إشكال، فيكون المكث في سائر المساجد
كالاجتياز بالنسبة للمسجدين، لكن قد عرفت فيما تقدم أن الذي تقتضيه الأدلة من الآية
وغيرها حرمة ما عدا الاجتياز، فيتعين عدم ذكرهم الايجاب للوجه الأول، وهو عدم الوجوب.
58

ومما يرشد أيضا إلى عدم كون التيمم موافقا للقاعدة إطلاق النص والفتوى
بوجوبه من غير تقييد بما إذا لم يتمكن من الاغتسال، مع أنه لا إشكال في اشتراط
التيمم الذي هو على وفق القاعدة بعدم التمكن من الطهارة المائية، بل صرح بعضهم
هنا بوجوب التيمم سواء تمكن من الاغتسال أو لا بزمان مساو للتيمم أو أقصر أو لا،
كما أنه صرح بعضهم أن هذا الموضع أي الخروج من المسجدين مما يختص به وجوب
التيمم عن الاغتسال، نعم ربما ظهر من الشهيد (رحمه الله) فقط القول بوجوب
الاغتسال بشرط مساواة زمانه لزمن التيمم أو أقصر، وربما تبعه عليه بعض من تأخر
عنه معللا ذلك بأن فيه جمعا بين ما دل على وجوب التيمم هنا وبين ما دل على اشتراطه
بعدم الماء، مع أن إطلاق الحكم بوجوب التيمم في الرواية مبني على الغالب من عدم
التمكن من الاغتسال بدون تلويث للمسجد في النجاسة، سيما مع كون مورد الخبر المحتلم،
أو على الغالب من زيادة زمان الغسل على زمن التيمم، وربما يؤيده معروفية كون
التيمم طهارة اضطرارية لا ترتكب إلا مع فقد الماء حتى صار ذلك أصلا بالنسبة للتيمم،
فيكون الاطلاق حينئذ منزلا على القيد المعلوم، وأيضا لا يتصور مانع من جواز الغسل
سوى استلزامه للمكث المحرم، وهو إذا جاز للتيمم مع عدم إذهابه لحدث الجنابة
فليجز بالنسبة للغسل بطريق أولى، بل هو الموافق لقوله (عليه السلام): (ولا يمر
فيه جنب).
وفيه - بعد تسليم عموم الأدلة الدالة على اشتراط كل تيمم بعدم الماء - أنه ينبغي
القول حينئذ بوجوب الغسل طال زمانه على زمن التيمم أو قصر، والاعتذار عن ذلك
بعدم وجود القائل به ضعيف، إذ كما أنه لم يقل أحد قبل هذا القائل بوجوب الاغتسال
مع طوله على زمان التيمم كذلك لم يقل أحد به مع قصره، لاطلاق الأصحاب وجوب
التيمم، وتنزيله كالرواية على الغالب يقضي بوجوب الاغتسال وإن طال، بل المتجه
59

حينئذ وجوبه وإن توقف على مقدمات بعيدة، كاستيجار شخص مثلا للاتيان بالماء من
خارج المسجد وإتيان الماء لإزالة النجاسة حيث يكون محتاجا لذلك على قياس غيره من
التيممات، وفورية الخروج لا ينافي الاشتغال بمقدمات ما توقف الخروج عليه، كما لو فرض
احتياج، التيمم إلى مقدمات من إتيان التراب ونحوه وإن بلغ في زيادة المكث على زمن
الخروج، والظاهر أنه لا يقول بذلك أحد، بل كان الاحتياج إلى التيمم حينئذ من
النادر الذي لا ينبغي أن يؤمر به على الاطلاق، وأيضا إيجاب التيمم مع طول زمان
الغسل قاض بتحكيم الرواية على ما دل اشتراط التيمم بفقدان الماء، وحيث تحكم
فلتحكم باطلاقها الشامل لطول الزمان وقصره، لكونها من قبيل الخاص بالنسبة إلى
ذلك العام، وإلا فتحكيمها بالنسبة إلى بعض مدلولاتها من دون دلالة دليل على ذلك
لا وجه له، على أنه بعد التسليم المتقدم يكون التعارض بينها وبين غيرها من العمومات
تعارض العموم من وجه، ولا ريب في الترجيح لها، لمكان اعتضادها بفتوى الأصحاب
وأقلية أفرادها، بل قد يدعى أن الفهم العرفي قاض بتحكيمها على العمومات كالخاص
بالنسبة للعام، كما يظهر لك من ملاحظة قولنا مثلا يجب التيمم عند فقد الماء وقولنا المحتلم
في المسجد يتيمم ويخرج، فإنه لا ريب في أن الفهم العرفي يحكم الثاني على الأول،
فيكون المعنى إلا الجنب في المسجد، سيما واشتراط فقدان الماء في التيمم صار من قبيل
الأصول والقواعد التي يكفي في الخروج عنها رائحة الدليل، كما في التيمم للنوم ونحوه،
وأيضا فإن أقصى ما يسلم من الاشتراط المذكور إنما هو في التيمم الذي يكون بدلا عن
الماء، والكلام فيما نحن فيه أنه منه أولا، ودعوى أن الأصل في التيمم ذلك لو سلم
يجب الخروج عنه باطلاق الدليل.
بل في مقطوعة أبي حمزة (1) المروية في الكافي بالمتن المتقدم في الصحيحة الأولى

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 3
60

لكن مع زيادة " وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك " ما يعين كونه ليس
بدلا عن الماء، وذلك لأن التيمم بالنسبة للحائض لا يفيدها شيئا، لمكان استمرار
حدثها، وهي وإن كانت مقطوعة إلا أنه عمل بها الخصم وبعض الأصحاب كالعلامة
وغيره، بل يقوى الظن أن سندها هو سند الرواية الأولى كما لا يخفى على من لاحظهما،
على أنها مروية في الكافي الذي هو أضبط كتب الأخبار، وفي المنتهى أنها مناسبة
للمذهب، فما في المعتبر - من القول بالاستحباب استضعافا للرواية مع كون التيمم لا يفيدها
طهارة - ضعيف، بل في الذكرى أنه اجتهاد في مقابلة النص. وكأنه أراد به قوله:
لا يفيدها طهارة، إذ لعل وجوبه من باب التعبد أو يفيدها إباحة بالنسبة للخروج فقط،
وربما يلحق بها النفساء أيضا دون باقي الأحداث الكبر، وعلى كل حال فهو وارد
بالنسبة للخصم في المسألة الأولى، لمكان عمله بهذه الرواية أي رواية الحائض.
فالاستشعار منها بكون هذا التيمم ليس بدلا عن ماء فيصح وإن تمكن من الماء متجه بالنسبة
إليه، هذا كله مع أنا نقول في أصل المسألة أن إيجاب الغسل مع فرض تساوي زمانه
لزمان التيمم أو قصره لا يقضي بكون التيمم على القاعدة حتى يجب تسريته لغير المحتلم،
إذ قد يكون منشأ وجوب الاغتسال استفادته بطريق أولى، بمعنى أنه إذا جاز المكث
للتيمم مع كونه غير رافع لصدق اسم الجنب فليجز ذلك المقدار بالنسبة للرافع بطريق
أولى، فلا يكون منشأه قيام التيمم مقام الماء حتى يثبت للخصم مطلوبا من التسرية لغير
المحتلم، ولعل هذا هو السبب في اشتراط الشهيد (رحمه الله) عدم طول زمانه على زمن
التيمم، هذا أقصى ما يقال في ترجيح الثالث.
والأقوى في النظر أن يقال: وجوب التيمم لسائر أقراد الجنب عدا المحتلم مع
تعذر الاغتسال إذا قصر زمان التيمم عن زمن الخروج، لأنه وإن كان تعارض فيه
حرمة المكث للتيمم وحرمة المشي فيه بدونه لكنه مع فرض زيادة الزمان ترجح حينئذ
61

حرمة الخروج بدونه على تلك الحرمة، بل يمكن أن يقال: إنه لما دلت الأدلة على
حرمة الكون في المسجدين للجنب الصادق في الكون الخروجي والكون للتيمم فمع تعارضهما
وملاحظة تقديرهما بالزمان وجب التيمم حينئذ للزائد من الكون الخروجي، وأما مع
تساويهما فيمكن القول بالخروج بدون التيمم، لأنه مع تعارض الحرمتين وفقد الترجيح
يتمسك حينئذ بأصالة البراءة من وجوب التيمم السالمة عن المعارض، كما أنه يمكن
القول بالتخيير بينه وبين الخروج، ويمكن القول بترجيح الحرمة الخروجية على الكون
للتيمم، لظهور الأدلة في النهي عن المرور جنبا، ولرواية المحتلم، فإنه مع كونه أولى
من غيره بالعذر ومع هذا أمره بالبقاء للتيمم وعدم الخروج إلا متيمما فلعلها تصلح
حينئذ لترجيح إحدى الحرمتين على الأخرى، ومنه ينقدح ترجيحها وإن قصر زمان
الخروج على زمن التيمم كالمحتلم، بل لعله لا يخلو من قوة، وكيف لا وقد عرفت فيما
مضى من مقطوعة أبي حمزة أمر الحائض بالتيمم وعدم الخروج إلا متيممة مع فرض
عدم إفادة التيمم لها طهارة، فيعلم من جميع ذلك أن حرمة المرور جنبا أولى بالمراعاة
من حرمت المكث للتيمم، وبالتأمل في ذلك كله يظهر لك أنه يتجه القول بوجوب
الاغتسال على غير مورد الرواية من الجنب مع قصر زمان الغسل على زمن الخروج،
سيما إذا كان مع ذلك أقصر زمانا من التيمم أو مساويا له، لما سمعته من مراعاة
القاعدة في البعض ومن الترجيح في آخر، بل قد يتعدى الفقيه الماهر إلى مورد
الرواية وهو المحتلم، ويجعل حكمه كذلك أيضا، لكن إن أبيت عن ذلك وجب الجمود
على ظاهر الرواية في خصوص المحتلم وعدم مراعاة شئ مما تقدم فيه، قصر زمانه على
زمن الخروج أو لا، تمكن من الاغتسال أو لا، والرجوع في غيره إلى مقتضى
القواعد كما تقدم.
بقي بحث في أنه هل يفيد هذا التيمم إباحة لغير الخروج من المشروط بالطهارة
62

لو صادف عدم الماء في الخارج أو عدم التمكن من الاغتسال؟ ربما يظهر من بعضهم
العدم، إما لكون هذا التيمم تيمما تعبديا ليس بدلا عن الماء، فلا يجري عليه هذه
الأحكام، أو لأن استباحة الأمور الأخر به مبنية على التداخل، والفرض عدم نية
غير الخروج، اللهم إلا أن نقول به من دون نية، قلت: وكل منهما لا يخلو من نظر،
أما أولا فلما عرفت سابقا من كون هذا التيمم إنما هو على حسب سائر التيممات حيث
يفقد الماء للمشروط سيما بالنسبة إلى غير مورد الرواية من أفراد الجنب، نعم مع الشرط
المتقدم من قصر الزمان ونحوه للطهارة، فما يقال: إنه ليس ببدل عن الماء لا وجه له، وأما
ثانيا فلأنه مع فرض كونه صوريا ولكن صادف المحل واقعا يكون من قبيل وضوء الجنب
والحائض ثم بان عدم الجنابة والحيض فإن الأقوى فيهما صحة الوضوء، لعدم اشتراط
نية الرفع والاستباحة، بل ولا يقدح نية عدمهما، وأما ثالثا فلأن مسألة التداخل
خارجة عما نحن فيه، إذ تلك مسببات لأسباب متعددة، بخلاف ما هنا، فإنه من
باب تداخل الغايات، فيكون كالوضوء المنوي به استباحة الصلاة مثلا، فإنه يستبيح
به غيرها من الأمور الأخر وإن لم ينوها، فتأمل جيدا. فإنه قد أطال بعض المتأخرين
زعما منه بناؤها على ذلك، هذا كله فيمن تيمم وخرج ولم يكن عالما بعد التمكن
من الاغتسال، أما إذا كان عالما بعدم التمكن لمرض أو غيره فهل يتعين عليه التيمم
للخروج ثم إنه يتيمم للدخول أو أنه يكتفي بتيمم واحد ولا يحتاج إلى الخروج بل يستبيح
المكث والصلاة وغير هما بذلك؟ الأقوى الثاني، وما يقال: إن أقصى ما يستفاد من
الأدلة جواز المكث بالتيمم الخروجي دون غيره فيه من الضعف ما لا يخفى، سيما بعد
البناء على أن الخروج من جملة الغايات المشروطة بالطهارة وأن التيمم له لذلك، ولو
اتفق انحصار التمكن من الغسل في المسجد فالظاهر جواز استباحة المكث بالتيمم، لكن
قد يقال: إنه مما يقتضي وجوده عدمه، فلا يجوز، فإنه متى استبيح بالتيمم المكث للغسل
63

انتقض التيمم للتمكن من الماء، ومتى انتقض التيمم حرم الكون للغسل حينئذ، فتأمل.
وإذ قد فرغ المصنف من المحرمات على الجنب شرع في المكروهات فقال:
(ويكره) مسمى (الأكل والشرب) عرفا بلا خلاف أجده بين الطائفة، بل في
الغنية الاجماع عليه، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا، وما في الفقيه والهداية من التعبير
عن ذلك بلفظ (لا يجوز) محمول على الكراهة كما يشعر به تعليلهما بمخافة البرص،
وكذا ما في المقنع من النهي عن الأكل والشرب للتعليل المذكور. ونحوه في النهي
ما في المهذب، ويدل عليه مضافا إلى ذلك خبر السكوني (1) عن الصادق (عليه السلام)
فإن فيه " لا يذوق شيئا حتى يغسل يده ويتمضمض، فإنه يخاف عليه من الوضح "
وصحيح الحلبي (2) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): " إذا كان الرجل جنبا لم
يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ " وما عن الفقيه (3) في باب ذكر جملة من مناهي النبي
(صلى الله عليه وآله) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " نهى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) عن الأكل على الجنابة " وهي وإن كان مقتضاها الحرمة إلا أنه
لما سمعته من الاجماع على الكراهة مع إشعار التعليل في الصحيح الأول بها مع ما في
الموثق (4) قال: سألت الصادق (عليه السلام) " عن الجنب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن،
قال: نعم يأكل ويشرب ويقرأ ويذكر الله عز وجل ما شاء " وجب حملها على الكراهة،
ومن العجيب ما في المدارك من أنه لم يقف على ما يدل على ذلك من الأخبار سوى
صحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله (5) فإن فيه قلت: " أيأكل الجنب قبل أن يتوضأ
قال (عليه السلام): إنا لنكسل ولكن ليغسل يده، والوضوء أفضل " وصحيح زرارة (6)

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 4 - 5
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الجنابة - حديث 2
(5) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الجنابة - حديث 7 - 1
(6) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الجنابة - حديث 7 - 1
64

عن الباقر (عليه السلام) قال: " الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض
وغسل وجهه وأكل وشرب " وهما يقتضيان استحباب الوضوء لمريد الأكل والشرب،
أو غسل اليد خاصة، أو مع غسل الوجه والمضمضة، لا على كراهة الأكل والشرب
بدون ذلك، انتهى. وأنت خبير بما فيه بعد ما سمعت من الأخبار المنجبرة بفتوى
الأصحاب، مع أنه لا منافاة بينها وبين الروايتين، بل قد يدعى اشعارهما بالكراهة أيضا.
نعم وقع هناك اختلاف في عبارات الأصحاب بالنسبة إلى رافع الكراهة وما
يحصل به خفتها، فقال المصنف: (وتخف الكراهة بالمضمضة والاستنشاق) ولم أجد من
وافقه على ذلك صريحا، لكن عبارة السرائر قد تشعر به كالمنقول عن الاقتصاد
والمصباح ومختصره والنهاية، بل المعروف عندهم رفع الكراهة بالأمرين، كما هو ظاهر
المبسوط والغنية والمهذب والوسيلة والجامع والنافع والتذكرة والمنتهى والإرشاد والقواعد،
ونسبه جماعة إلى المشهور، وفي ظاهر الغنية الاجماع عليه، وكذا التذكرة، ولعل
ذلك كاف في المستند، وإلا فلم أعثر في الروايات على ما يدل عليه، بل ليس فيها
تعرض لذكر الاستنشاق، سوى ما عن الفقه الرضوي (1) من ذكرهما مع غسل اليدين
كما هو فتوى الفقيه والهداية وعن الأمالي، ولعله لذا قال في المعتبر بعد ذكر ذلك
ونسبته إلى الخمسة وأتباعهم: " والذي أقوله أنه يكفيه غسل يده والمضمضة، لما رواه
زرارة عن الباقر (عليه السلام) " إلى آخره، وكان عليه زيادة غسل الوجه، لاشتمال
مستنده عليه، كما في النفلية لكن مع زيادة الاستنشاق مع خلو الخبر عنه، ولعله أخذه
من جهة تلازم المضمضة والاستنشاق غالبا، فكان ذكر أحدهما يكفي عن الآخر،
وكان الأولى في المستند للمحقق خبر السكوني المتقدم، وخير في المنتهى والدروس في
رفع الكراهة بين الأمرين والوضوء، ولا أعرف له مستندا واضحا عدا ما ستسمع،

(1) المستدرك - الباب - 12 - من أبواب الجنابة - حديث 2.
65

وما ذكره من الأخبار دليلا لا يمكن حملها عليه، فتأمل. وعن المقنع " لا تأكل ولا
تشرب وأنت جنب حتى تغسل فرجك وتتوضأ " وفي كشف اللثام " إنه موافق لقول
أحمد، ولم أظفر له بمستند " انتهى. وكان جميع ذلك منهم لاختلاف ما سمعت من الأخبار،
ويظهر من بعض المتأخرين العمل بها جميعا، وأنها تزول الكراهة بها كلها لكنها مترقبة
بالفضل، فأكمل الجميع الوضوء، ثم غسل اليد والمضمضة والاستنشاق وغسل الوجه،
ثم الثلاثة الأول، ثم الأولان خاصة، ثم الأول خاصة، وهو أدنى المراتب، وكان
المستند للأول ما دل على أن الوضوء أفضل كما في صحيح عبد الرحمان، وللثاني صحيح
زرارة عن الباقر (عليه السلام) مع زيادة الاستنشاق، وللثالث الرضوي، وللرابع
خبر السكوني، وللخامس ما في صحيح عبد الرحمان أيضا، ولعل التأمل في الروايات
بعد حمل مطلقها على مقيدها وحذف المكرر فيها يقضي بأن رفع الكراهة يحصل بالوضوء
الكامل أي الذي معه المضمضة والاستنشاق، فيدخل حينئذ غسل اليد والوجه في
الوضوء، إلا أنه يستفاد حصول الخفة بغسل اليد، ولعل المراد بها من الزند كما يظهر
منها حيث تطلق، بل يمكن دعوى حصول الخفة بغيرها أيضا بحمل الروايات المشتملة على
ذكر البعض على حصول التخفيف، هذا أن لاحظنا مجموع الأخبار حتى الرضوي من
غير نظر إلى كلام الأصحاب، وأما معه فلعل ما ذكره في المنتهى من التخيير في الرفع
بين الوضوء والمضمضة والاستنشاق لا يخلو من قوة، فيكون دليل الأول الأخبار،
ودليل الثاني الاجماع المدعى، فتأمل جيدا.
ثم إنه صرح جماعة من متأخري الأصحاب بأنه ينبغي أن يراعى في الاعتداد
بهما عدم تراخي الأكل والشرب عنهما كثيرا في العادة بحيث لا يبقى بينهما ارتباط عادة،
وتعدد الأكل والشرب واختلاف المأكول والمشروب لا يقتضي التعدد إلا مع تراخي
الزمان، قلت: ويحتمل قويا أنه حيث ترفع الكراهة بالوضوء لا يحتاج إلى التعدد بتعدد
66

الأكل والشرب وإن تراخى الزمان كما هو قضية المفهوم في قوله (عليه السلام):
(لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ) نعم حتى أحدث بعده احتاج إلى تجديده، واحتمال
القول بعدم ناقضية الحدث له لكونه ليس رافعا له ضعيف جدا، لعموم ما دل على
ناقضية الحدث له، وصحة كل وضوء بحسبه، ونحو ما ذكرنا من احتمال عدم التعدد
في الوضوء يجري أيضا في نحو المضمضة مما يرفع الكراهة أيضا، إلا أنه أضعف من
الأول، لظهور قوله (عليه السلام): (إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض)
إلى آخره في التعدد عند تعدد الإرادة.
(و) يكره للجنب أيضا (قراءة ما زاد على سبع آيات من غير العزائم) كما في
المعتبر والنافع والمنتهى والتذكرة والإرشاد والقواعد والتحرير والدروس وجامع المقاصد
وغيرها، وربما نسب إلى المشهور، ويستفاد من المتن وغيره أمور ثلاثة، الأول
جواز قراءة الجنب ما شاء، والثاني عدم الكراهة في السبع، والثالث الكراهة فيما زاد.
(أما الأول) فلم أقف فيه على مخالف سوى ما ينقل عن سلار من تحريم
القراءة مطلقا، ولعله في غير المراسم كما حكاه عنه في الذكرى في الأبواب، وهو مع
ضعفه - ومخالفته للأصول والعمومات والأخبار التي كادت تكون متواترة، بل هي كذلك
الدالة على جواز قراءة الجنب والحائض ما شاءا من القرآن إلا السجدة، والاجماع
المحصل فضلا عن المنقول في الانتصار والغنية والمنتهى وعن أحكام الراوندي، وربما
نقل عن الخلاف أيضا إلا أن عبارته قاصرة عن ذلك، بل ظاهره الاجماع على أصالة
الإباحة، نعم قد تشعر به عبارة المعتبر - لم أعثر له على مستند صالح لذلك، وأما المروي
عن الخصال عن السكوني (1) عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: " سبعة
لا يقرؤون من القرآن الراكع والساجد وفي الكنيف وفي الحمام والجنب والنفساء والحائض "
والمنقول عن الصدوق عن أبي سعيد الخدري في وصية النبي (صلى الله عليه وآله)

(1) الوسائل - الباب 47 من أبواب قراءة القرآن - من كتاب الصلاة
67

لعلي (عليه السلام) (1) أنه قال: " يا علي من كان جنبا في الفراش مع امرأته فلا يقرأ
القرآن، فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما " فإنهما مع قصورهما عن إفادة
ذلك من وجوه عديدة مع عدم المعارض فكيف مع معارضتهما لما سمعت من الأدلة،
وموافقتهما للعامة كما يشعر به سند الثانية، وكذا ما يقال: من معروفية ترك الجنب
قراءة القرآن في ذلك الزمان كما يقضي به المنقول عن عبد الله بن رواحة، حيث رأته امرأته
مع جاريته، فمضت لتأخذ سكينا، فأنكر عليها ذلك، واحتج عليها بأنه أليس نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقرأ أحدنا وهو جنب، فقالت له: اقرأ فقال:
شهدت بأن وعد الله حق * وإن النار مثوى الكافرينا
وإن العرش من فوق طباق * وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شداد * ملائكة الإله مسومينا
فقالت: صدق الله وكذب بصري، فجاء وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله)
بذلك، فضحك حتى بدت نواجده، فإن إثبات الحرمة بمثل هذه الأمور مخالف
لأصول المذهب، سيما مع المعارضة لما سمعت، ولذا كان هذا القول غير معروف النقل
بين أصحابنا، ولم أقف على من نقله غير الشهيد في الذكرى، نعم المعروف نقله في
لسان الأصحاب تحريم ما زاد على سبع، إذ نقله الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا
ومثله ابن إدريس في السرائر، وكذا غيرهما، لكنا لم نعرف القائل به من المتقدمين
على الشيخ، نعم هو ظاهر ابن البراج في المهذب، حيث قال: ولا يجوز أن يقرأ
منه أزيد من سبع آيات، وقيل إنه قد يظهر أيضا من الشيخ في كتابي الأخبار، وفيه
أن الشيخ في الاستبصار ذكره احتمالا في مقام الجمع بين الأخبار كما ذكره غيره، نعم
قد يظهر منه في التهذيب كما يظهر منه في النهاية، حيث قال فيها: ويقرأ القرآن من
أي موضع شاء ما بينه وبين سبع إلا أربع سور، مع احتمال إرادته ثبوت الكراهة فيما

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الجنابة - حديث 3
68

عدا ذلك، كعبارة المقنعة أيضا، فإنه قال: لا بأس أن يقرأ من سور القرآن ما شاء
ما بينه وبين سبع آيات إلا أربع سور، فإن ثبوت البأس أعم منه، إلا أن الظاهر
أن الشيخ فهم من عبارة المقنعة ثبوت الحرمة في الزائد.
وكيف كان فهو ضعيف كسابقه مخالف للأصول والعمومات وما سمعته من
الاجماعات المنقولة، مع أنه خال عن المستند سوى الموثق عن سماعة (1) قال: سألته
" عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال ما بينه وبين سبع آيات " قال الشيخ: وفي رواية
زرعة عنه سبعين آية، وبذلك عدهما بعضهم روايتين، مع احتمال أن تكون رواية
واحدة مضطربة، وهو مع معارضته لما سمعت لا يصلح لأن يكون مقيدا أو مخصصا
للأخبار الكثيرة التي فيها الصحيح وغيره الدالة على جواز قراءته ما شاء إلا السجدة،
مع أنه بعد فرض كونهما روايتين يحتمل قويا في الثانية إرادة بيان جواز قراءته ما شاء،
وذلك طريق متعارف في إفادة هذا المعنى كما ذكر ذلك في قوله تعالى (2) إن تستغفر
لهم سبعين مرة بل يحتمل إرادة ذلك أيضا في الأولى، لكنه ضعيف كما ذكر في بيان
قوله (صلى الله عليه وآله) (3) " نزل القرآن على سبعة أحرف " ومع ذلك فهما
متعارضتان، إذ مفهوم الأولى حرمة ما عدا السبع، ومفهوم الثانية حليته إلى السبعين،
ومقتضى الجمع بينهما بتحكيم الثانية على الأولى حرمة الزائد على السبعين، مع أن المنقول من القول إنما هو حرمة ما زاد على السبع، بل لم أعرف أحدا قال بحرمة ما زاد
على السبعين، ولا نقله أحد عدا العلامة في المنتهى، فإنه حكاه عن بعض الأصحاب،
نعم في السرائر عن بعض أصحابنا أنه قال بحرمة السبع أو السبعين، وكذا قال الشهيد

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الجنابة - حديث 9
(2) سورة التوبة - الآية 81
- (3) البحار المجلد - 8 - باب تفصيل مثالب عثمان وبدعه - الطعن السابع - ص 327
من طبعة الكمباني.
69

في الذكرى: أنه يشعر كلام الشيخ في التهذيب بحرمة السبع أو السبعين، ومن المعلوم
أن هذا الترديد غير ملتثم بحسب الظاهر، اللهم إلا أن يكون القائل بالحرمة مترددا
غير جازم بأحدهما، وأما احتمال كون الحرمة مقصورة على السبع أو السبعين، أي فلا
يحرم ما دون السبع حتى يبلغ السبع، ولا ما فوقها حتى يبلغ السبعين فضعيف جدا
لا يخفى استبشاعه، وأيضا هما لا ظهور فيهما بالحرمة، لمكان حمل الجملة الخبرية فيهما
على الأمر الذي أقصى مراتبه الندب، فيكون المفهوم حينئذ انتفاء الندب، وهو أعم
من الحرمة بل ومن الكراهة، اللهم إلا أن يقال: إن السؤال فيهما عن مطلق الإذن في
القراءة، فتحمل الجملة الخبرية حينئذ على إرادة ثبوت الإذن بالنسبة إلى هذا المقدار،
فيكون المفهوم انتفاء الإذن، بل لو كان أمر صريح لكان المتجه حمله على الإباحة،
لكونه في مقام توهم الحظر، فتأمل. والحاصل لا ينبغي الاشكال في عدم صلاحيتهما لاثبات
الحرمة، وكيف وستسمع المناقشة من بعض المتأخرين في إثبات الكراهة فضلا عن الحرمة.
(المقام الثاني) عدم كراهة السبع، ولا أعرف فيه خلافا إلا من ابن سعيد في
الجامع، حيث أطلق كراهة قراءة الجنب القرآن، وسلار في المراسم، حيث قال: إنه
يندب له أن لا يقرأ القرآن، بل قد يظهر من الغنية دعوى الاجماع عليه، وهو الذي
يقضي به الأدلة المشتملة على الأمر بقراءة الجنب، فضلا عن عموم ما دل على أصل
الأمر بقراءة القرآن، كقوله تعالى (1) (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) وغيره كتابا
وسنة مع عدم المعارض سوى الروايتين الأولتين اللتين ذكرنا هما سندا للقول بالحرمة،
وهما قاصرتان عن إفادة الكراهة وإن كانت مما يتسامح بها، لمكان ظهورهما في موافقة
العامة ومعارضتهما لفتوى أكثر الأصحاب بعدم الكراهة، بل ظاهرهم البناء على
الندبية كما هو مقتضى بعض أدلتهم، مع أن الاستحباب مما يتسامح في دليله أيضا،

(1) سورة المزمل - الآية 20.
70

فلا يصلحان لقطع الأصل وتقييد الأوامر بقراءة القرآن، على أنهما معارضتان بمفهوم
موثقتي سماعة، إذ ظاهر هما نفي الكراهة في هذا المقدار، فكان القول بالكراهة حينئذ ضعيفا.
(وأما المقام الثالث) وهو الكراهة فيما زاد فهو المشهور، بل لا أعرف فيه خلافا
سوى ما يظهر من صاحبي المدارك والحدائق من القول بعدمها، وربما تشعر به عبارة
الفقيه والهداية وكذا عن المقنع، لمكان إطلاق نفي البأس فيها عن قراءة القرآن كله
خلا العزائم، وقد يراد منه الجواز، فلا خلاف كما يشعر به استثناء العزائم، وقد يشعر
بعدم الكراهة أيضا عبارة العلامة في المختلف وغيرها من عبارات القدماء كالانتصار
والخلاف والسرائر، وخص ابن حمزة الكراهة بما فوق السبعين، وظاهره نفيها فيما
دون، وكيف كان فيدل على الكراهة مضافا إلى كونه فتوى المشهور ظاهر إجماع
الغنية، وموثقة سماعة المتقدمة بحمل المفهوم فيها على نفي الإذن المحمول على الكراهة بعد
عدم صلاحيته للحرمة كما عرفت، وما يقال: إن سماعة واقفي والخبر مقطوع فيه أنه
لا يمنع من ثبوت الكراهة بعد انجباره بفتوى الأصحاب وبإجماع الغنية، وكذا ما في
الحدائق من احتمال حمله على التقية وإن لم ينقل عن العامة القول بمضمونه، لعدم اشتراط
ذلك في الحمل عليها، وقد يستدل عليها أيضا بالروايتين السابقتين بعد تقييد النهي فيهما بذلك،
وحمله على الكراهة بمعونة ما سمعت من امتناع حمله على ظاهره.
(وأشد من ذلك قراءة سبعين) كما في القواعد والإرشاد وشرح الدروس
والرياض، للجمع بين موثقة سماعة المتقدمة وبين موثقته الأخرى بحمل الأولى على الكراهة
والثانية على شدتها، ولعل الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد يقضي بتخصيص الكراهة
فيما زاد على السبعين كما هو الظاهر من ابن حمزة، لكنك قد عرفت أنه مخالف لفتوى
المشهور بل ظاهر إجماع الغنية، فتعين الجمع الأول حينئذ، إلا أن الذي يظهر من
كثير من الأصحاب أن ما زاد على السبع في مرتبة واحدة من الكراهة إلا من حيث
71

كثرة فعل المكروه، لا أنه كراهة مخصوصة، ولعل ذلك منهم لعدم العمل برواية
زرعة عن سماعة، أو أنهم فهموا أنها رواية واحدة، ورجحوا الأولى، أو لغير ذلك.
بقي شئ وهو أنهم ذكروا كراهة ما زاد على السبع، وظاهره عدم الكراهة
فيها، وقد عرفت أن الرواية قد دلت على الإذن بقراءة ما بينه وبين سبع، وفي تنقيح
دلالتها على ذلك تأمل، لكن لا بأس به لمكان الفتوى به، وهل المراد بالكراهة
هنا كراهة العبادة بمعنى أقلية الثواب أو المرجوحية الصرفة؟ لا يبعد الثاني، فإن الأول
لا يرتكب إلا في الشئ الذي لا يمكن أن يقع إلا عبادة، فنلتزم حينئذ بذلك، ودعوى
أن قراءة القرآن من هذا القبيل ممنوعة، إلا أنه يظهر من الاستدلال الواقع من جملة
من الأصحاب على الجواز بقوله تعالى (1): (اقرؤوا ما تيسر منه) ونحو ذلك قاض
بالأول، والظاهر أن المراد بالسبع آيات المتمايزات، فلا يصدق بتكرير الآية الواحدة،
بل الظاهر عدم الكراهة في تكرير السبع أيضا، لعدم صدق الزيادة حينئذ، ولا فرق في
الآيات بين طويلها وقصيرها. ثم إن الظاهر أن مراد المصنف بقوله: (وأشد من ذلك
قراءة سبعين) كغيره ممن عرفت حصول الشدة ببلوغ السبعين، فلو قرأ سبعين إلا آية
بقي على المرتبة الأولى، وتفرد المصنف بثبوت مرتبة ثالثة للكراهة، فقال:
(وما زاد أغلظ كراهية) ولم أعثر على ذلك لغيره، كما أن مدركه لا يخلو من
نظر وتأمل.
(و) يكره للجنب أيضا (مس المصحف) عدا الكتابة منه بما يتحقق به مسمى
المس، أما الجواز فينبغي أن يكون مقطوعا به للأصل والاستصحاب، مع عدم الخلاف
فيه بين أصحابنا، بل كاد أن يكون مجمعا عليه سوى ما ينقل عن المرتضى (رحمه الله)

(1) سورة المزمل - الآية 20
72

من القول بالمنع، لقوله تعالى (1): (لا يمسه إلا المطهرون) وقول أبي الحسن
(عليه السلام) (2) في خبر إبراهيم بن عبد الحميد: " المصحف لا تمسه على غير طهر
ولا جنبا ولا تمس خيطه ولا تعلقه، إن الله يقول: (لا يمسه إلا المطهرون) " وضعفه
واضح كاستدلاله، أما بالآية فلما عرفت من رجوع الضمير فيها إلى القرآن، وهو
غير المصحف، لأنه عبارة عن المقروء، وهو نفس الكتابة، ولعله بذلك يظهر أن
المراد بالمصحف في الرواية أيضا ذلك، كما يشعر به الاستدلال عليه بالآية سيما على نسخة
(ولا خطه) أي كتابته، فيكون عطفا تفسيريا، ومن هنا تعجب صاحب الحدائق من
ذكر بعض الأصحاب لهذه الرواية سندا للكراهة مع خروجها عن المطلوب، سيما مع ذكرهم
لها هناك سندا للمنع عن مس المحدث بالحدث الأصغر. نعم يمكن استفادة الكراهة منها
بفحوى النهي عن التعليق وعن مس الخيط على النسخة الأخرى، ولعل وجه استدلال
الأصحاب بها هو شمول لفظ المصحف للكتابة وغيرها، إلا أنه لما انجبر النهي بفتوى
الأصحاب بالنسبة للكتابة وجب القول بالحرمة، ولم ينجبر بالنسبة إلى غيرها، فوجب
القول بالكراهة، لعدم صلاحية الرواية لاثبات الحرمة لما فيها من الضعف. لا يقال:
إن ذلك استعمال للنهي في حقيقته ومجازه، لأنا نقول لو سلم لا بأس بارتكاب حمله على
عموم المجاز، إذ أقصاه أنه مجاز قرينته ما سمعت، هذا على نسخة ولا خيطه بالياء،
وأما على نسخة الخط فيحتمل أن يقال حينئذ المراد بالمصحف في الأول ما عدا الكتابة
فيحمل النهي الأول على الكراهة، والثاني على الحرمة.
والأولى الاستدلال له للمرتضى (رحمه الله) بصحيح ابن مسلم (3) قال: قال

(1) سورة الواقعة - الآية 78
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الوضوء - حديث 3
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الجنابة - حديث 7
73

أبو جعفر (عليه السلام): " الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب
ويقرءان من القرآن ما شاءا إلا السجدة " إلا أنه لما أعرض الأصحاب عن القول بموجبه
قوي الظن بحمل الأمر على الاستحباب، سيما مع معارضة الرضوي (1) المعتضد
بالأصل وفتوى المشهور، قال على ما نقل عنه: " ولا تمس القرآن إذا كنت جنبا
أو على غير وضوء، ومس الأوراق " إذ ليس الصحيح مع الاعراض أقوى من
الرضوي مع الاعتضاد، وبما سمعته مما تقدم ظهر لك وجه القول بالكراهة مع مناسبة
التعظيم وفتوى المشهور ومقتضى الاحتياط، فلا معنى للمناقشة فيها من بعض متأخري
المتأخرين، ولعل المراد بالمصحف مجموع ما بين الدفتين، فلا تتحقق الكراهة بمس
ما كتب فيه من الآية والآيتين، لكن لا يبعد شمول الحكم لأوراق المصحف وإن
كانت مفردة عنه، لمناسبة التعظيم، فتأمل.
(و) كذا يكره للجنب (النوم حتى يغتسل أو يتوضأ) كما صرح به في المبسوط
والغنية والوسيلة والجامع والنافع والمعتبر والمنتهى والتذكرة والقواعد والإرشاد والدروس
وغيرها، وعليه الاجماع في الغنية والمنتهى، وعلماؤنا كما في المعتبر والتذكرة، فلا ينبغي
الاشكال حينئذ في أصل الجواز، بل الظاهر أنه مقطوع به، فما في المهذب من النهي للجنب
عن النوم حتى يتمضمض ويستنشق يراد منه الكراهة قطعا، ويدل عليه مضافا إلى ذلك
صحيح الأعرج (2) قال: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: " ينام الرجل وهو
جنب وتنام المرأة وهي جنب " ومثله غيره في الدلالة عليه، كما أنه لا ينبغي الاشكال
أيضا في الكراهة، ويدل عليه مضافا إلى ما سمعت صحيح عبد الله الحلبي (3) قال:
سئل الصادق (عليه السلام) " عن الرجل ينبغي له أن ينام وهو جنب؟ قال: يكره

(1) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب الجنابة - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الجنابة حديث 5 - 1
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الجنابة حديث 5 - 1
74

ذلك حتى يتوضأ " كما أنه لا ينبغي الاشكال في ارتفاع الكراهة بالوضوء على ما هو
ظاهر من عرفت ممن ادعى الاجماع وغيره كالصحيح المتقدم، إلا أنه قال في كشف
اللثام: " الظاهر الخفة، لقول الصادق (عليه السلام) (1) في صحيح عبد الرحمان
" عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك؟ قال: إن الله يتوفى الأنفس في منامها ولا
يدري ما يطرقه من البلية، إذا فرغ فليغتسل " ويعطيه كلام النهاية والسرائر " انتهى.
واستحسنه الفاضل في الرياض، قال: ويشعر به الموثق (2) عن سماعة " سألته عن
الجنب يجنب ثم يريد النوم، قال: من أراد أن يتوضأ فليفعل، والغسل أفضل من
ذلك، فإن نام ولم يتوضأ ولم يغتسل فليس عليه شئ إن شاء الله ".
قلت ولعل الأقوى خلافه، لما عرفت من ظاهر الصحيح المتقدم المعتضد
بفتوى الأصحاب، وفيهم من ادعى الاجماع، ولا ينافيه ما ذكر من قول الصادق
(عليه السلام)، إذا أقصاه استحباب تعجيل الاغتسال، وهو لا ينافي ارتفاع الكراهة
بالوضوء وإن تضمن ترك مستحب، وما استشعره الفاضل الثاني من الموثق مما أيد به
ذلك لا يخلو من نظر وتأمل، نعم قد يؤيد بالمروي في العلل كما عن الصدوق عن
أبي بصير (3) عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: " لا ينام
المسلم وهو جنب، ولا ينام إلا على طهور، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد " لعدم
اخراج الوضوء له من وصف الجنابة، لكن فيه أنه يجب تقييده بما عرفت، وأيضا
قد يدخل الوضوء بما قد ذكره من الطهور، ولذا قال الفاضل في الرياض: إنه إن لم
يتمكن الجنب من الطهارتين أي الغسل والوضوء، أمكن استحباب التيمم، للعموم وخصوص

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الجنابة - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الجنابة - حديث 6 - 3 - مع
اختلاف في الأول
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الجنابة - حديث 6 - 3 - مع
اختلاف في الأول
75

الخبر المتقدم، فيعلم منه حينئذ فهم شمول الطهور للوضوء، لكنه لا يخلو من إشكال،
إذ الظاهر إرادة التيمم بدل الاغتسال تمكن من الوضوء أو لا، فلا مانع من القول
بارتفاع الكراهة بأحد أمرين إما بالوضوء أو بالتيمم بدل الاغتسال.
ثم إنه حيث يكون فاقدا لماء الطهارتين يتخير في نية التيمم بين كونه بدل الاغتسال
أو الوضوء، والأول أفضل، لكون مبدله كذلك، وربما يفهم من بعضهم تقييد الكراهة
بما إذا لم يرد الجنب معاودة الجماع، ولعله لما ذكره الصدوق (رحمه الله) بعد رواية الحلبي
المتقدمة، قال وفي حديث آخر (1): " أنا أنام على ذلك حتى أصبح
وذلك أني أريد أن أعود " وتكلف له في الحدائق أن المراد بالعود إنما هو العود في
الانتباه، وأنه لا يموت في تلك الليلة، فلا كراهة بالنسبة إليه، لأن منشأ الكراهة كما
هو مقتضى صحيحة عبد الرحمان احتمال الموت، وهو كما ترى، بل الأولى إما حمله
على الأول إلا أنه يبعده إطلاق كلام الأصحاب، أو يقال: إنه لا دلالة فيه على عدم
الوضوء، فقد يكون (عليه السلام) كان يتوضأ وينام، ولعله الأقرب، فتأمل جيدا.
(و) كذا يكره للجنب (الخضاب) وهو ما يتلون به من حناء وغيره كما في
جامع المقاصد والمدارك والرياض، وقد يناقش في أخذ التلون في حقيقته، نعم لا فرق
في ذلك بين الكف وغيره، وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في الجواز وعدم الحرمة، بل عليه
الاجماع في الرياض، ويشعر به أيضا إجماع الغنية على الكراهة، بل قد يدعى إمكان
تحصيله، فما في المهذب من النهي عنه يراد منه الكراهة قطعا، كما يرشد إليه تعبيره عن
سائر المكروهات بذلك، ومن هنا لم ينقل عنه القول بالحرمة، وما في عبارة المفيد
في المقنعة من التعليل للحكم بالكراهة بمنع الخضاب وصول الماء إلى الجسد قيل قد يشعر
بالمنع أيضا، لكن قال في المعتبر: لعله (رحمه الله) نظر إلى أن اللون عرض

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الجنابة - حديث 2
76

(لا ينتقل) (1) فيلزم حصول أجزاء من الخضاب في محل اللون ليكون وجود اللون
بوجودها، إلا أنها خفيفة لا تمنع الماء منعا تاما، فكرهت لذلك، على أنه لا يلتئم
على ظاهره قطعا لأنه يقتضي المنع من الجنابة بعد الخضاب، مع تصريحه أنه لا حرج
في ذلك مع الاخبار (2) الدالة على نفي البأس عن الاغتسال مع بقاء صفرة الطيب والزعفران.
وعلى كل حال فيدل على ذلك - مضافا إلى الأصل وما سمعت - الأخبار المتضمنة
نفي البأس عن الخضاب حال الجنابة، كقول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي (3):
" لا بأس أن يختضب الرجل وهو جنب " لكن قيل إنه في بعض نسخ الكافي (يحتجم)
(بدل يختضب) فيسقط الاستدلال به حينئذ، وخبر ابن جميلة (4) عن أبي الحسن الأول
(عليه السلام) " لا بأس بأن يختضب الجنب، ويجنب المختضب، ويطلي بالنورة "
ونحوه غيره في الدلالة على ذلك، وأما الكراهة فقد صرح بها في المقنعة والمبسوط
والغنية والوسيلة والجامع والمعتبر والنافع والمنتهى والقواعد والإرشاد والدروس والذكرى
وغيرها، بل في الغنية الاجماع عليه، ولعله كذلك، إذ لم أعثر على مخالف في ذلك
ولا من نسب إليه سوي الصدوق (رحمه الله) فإنه قال: لا بأس كالروايات المتقدمة
مع عدم صراحته، لاحتمال إرادته الجواز في مقابلة احتمال المنع، ويدل عليها - مضافا
إلى ما سمعت - الأخبار المشتملة على النهي عن ذلك، كقول الصادق (عليه السلام) (5)
في خبر كردين " لا يختضب الرجل وهو جنب، ولا يغتسل وهو مختضب " ونحوه
غيره في النهي عنه، إلا أنه يجب حمله فيها على الكراهة، لقصورها عن إفادته سندا،

(1) في نسخة الأصل (ينتقل) وبهامشه (يستقل)
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الجنابة
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الجنابة - حديث 1
(4) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الجنابة - حديث 1 عن أبي جميلة
(5) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الجنابة - حديث 5
77

مع معارضتها بما سمعت، مع أن في بعضها الجواب عن ذلك بلفظ (لا أحب) المشعر
بالكراهة، بل روى الحر في الوسائل عن الحسن بن الفضل الطبرسي في مكارم الأخلاق
نقلا من كتاب اللباس للعياشي (1) عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال:
" يكره أن يختضب الرجل وهو جنب، وقال: من اختضب وهو جنب أو أجنب في خضابه لم
يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء " وهي مصرحة بلفظ الكراهة حاكمة على غيرها من الروايات
بمعونة ما تقدم، وكما دلت على كراهة الخضاب للمجنب كذلك دلت على كراهة الجنابة للمختضب،
كما اشتمل غيرها على النهي عنه أيضا، وصرح به غير واحد من الأصحاب، فلا
مانع من القول به أيضا، لكن في بعض الأخبار ما يدل على ارتفاع الكراهة بما إذا
صبر حتى أخذ الحناء مأخذه كما في خبر أبي سعيد (2) قال: قلت لأبي إبراهيم
(عليه السلام): " أيختضب الرجل وهو جنب؟ قال: لا، قلت: فيجنب وهو
مختضب؟ قال: لا، ثم سكت قليلا، ثم قال: يا أبا سعيد ألا أدلك على شئ تفعله،
قلت: بلى، قال: إذا اختضبت بالحناء وأخذ الحناء مأخذه وبلغ فحينئذ فجامع " وقد
تحمل عبارة المقنعة على ذلك، فإنه قال بعد أن ذكر كراهة الاختضاب بعد الجنابة:
" فإن أجنب بعد الخضاب لم يحرج ذلك " وحملها في المعتبر على وقوع الجنابة اتفاقا
لا اختيارا، وكان ما ذكرناه أولى.
وحيث فرغ المصنف من البحث في سبب الجنابة وأحكامها شرع في الغسل، فقال:
(وأما الغسل)
(فواجباته) المتوقف صحته عليها (خمس الأول النية) إجماعا كما في كل عبادة
سيما ما كان منها مثل الغسل، ولا يعتبر فيها سوى القربة والتعيين مع الاشتراك على الأقوى،

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الجنابة - حديث 10 - 4
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الجنابة - حديث 10 - 4
78

وإن كان الأحوط التعرض فيها لنية الوجه مع رفع الحدث أو الاستباحة، بل الأحوط
التعرض لهما حتى في مستدام الحدث كالمستحاضة، وإن ذكر بعض المتأخرين الاقتصار فيه
على نية الاستباحة دون الرفع، زاعما الفرق بينهما بأن الأول رفع المنع وهو ممكن،
دون الثاني فإنه رفع المانع، ولكن نوقش فيه بأنا لا نعقل معنى للحدث سوى الحالة
التي لا يسوغ معها للمكلف الدخول في العبادة، فمتى ساغ علم الزوال وهو معنى الرفع،
غاية الأمر أن زوالها قد يكون إلى غاية كما في المتيمم ودائم الحدث، وقد يكون
مطلقا، وفيه أن الحدث هو عبارة عن طبيعة المنع المسببة عن ذات الخارج، فلا يتصور
حينئذ تبعض رفعها في الأوقات، إذ مع فرض وجودها في وقت آخر لم تكن الطبيعة
مرفوعة، ولا إشكال في كون المنع المتأخر مسببا عن الأول، وإلا لزم تحقق الحدث
من دون سببه، وتخلف بعض آثار المحدث في بعض الأوقات لا ينافي تحقق طبيعة
الحدث، فتأمل جيدا. وكالمستحاضة المسلوس والمبطون بناء على فساد الغسل بتخلل
الحدث الأصغر، وأنه لا فرق بينهما وبين غيرهما في ذلك، فيجب تجديد الغسل عليهما
بالنسبة إلى كل صلاة.
(و) الثاني (استدامة حكمها إلى آخر الغسل) على ما تقدم في الوضوء من
تفسيرها ودليل وجوبها وغير ذلك، وقضية إطلاق المصنف وغيره أنه يكفيه ذلك
حتى لو أخل بالموالاة، لعدم وجوبها فيه، فلا يجب عليه تجديد نية حينئذ، ولعله
هو الأقوى، فما عن نهاية الإحكام من إيجاب التجديد مع التأخير بما يعتد به، وما في
الذكرى من إيجاب ذلك مع طول الزمان لا يخلو من نظر وتأمل، لعدم الدليل على وجوب
الزائد على النية أو استدامتها، ولعل مرادهما أنه يجب عليه استحضار الاتمام، فلا يكفي
وقوعه منه مع الذهول عن أصل الغسل كما كان يكفي ذلك في الصلاة مثلا، وهو كذلك
فتأمل جيدا. والمراد بوجوب الاستدامة فيه أنه متى وقع بعض الغسل مع عدمها يفسد
79

ذلك لا أصل الغسل، فيجب عليه تجديد النية حينئذ، ثم إعادة ذلك البعض لا الاستيناف
إلا أن يحصل مفسد خارجي، وقد تقدم تحقيق كثير من هذه المباحث في الوضوء.
(و) الثالث (غسل البشرة) فلا يجزي غسل غيرها عنها في غير ما استثني
من الجبيرة ونحوها (بما يسمى غسلا) عرفا، وإن كان من الأفراد الخفية كما إذا كان
مثل الدهن، وعليه يحمل خبر إسحاق بن عمار (1) عن أبي جعفر عن أبيه (عليهما السلام)
أن عليا (عليه السلام) قال: " الغسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزأه من
الدهن الذي يبل الجسد " جمعا بينه وبين غيره، كخبر زرارة (2) عن الباقر (عليه السلام)
قال: " الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيره فقد أجزأه " وصحيح ابن
مسلم (3) في اغتسال الجنب " فما جرى عليه الماء فقد طهر " وغير ذلك، على أنه إن
أريد بهذه الرواية وشبهها إثبات الاجتزاء بذلك وإن لم يتحقق مسمى الغسل ففيه أنه
مناف للكتاب والسنة والاجماع محصلا ومنقولا، بل يمكن دعوى ضرورية اعتبار الغسل
في الغسل، وإن أريد إثبات كون مثل هذا الفرد من الغسل فهو - مع أنه مما لا ينبغي
أن يقع النزاع فيه مناف للوجدان، فتعين الحمل المذكور، وقد تقدم تحقيق ذلك
في الوضوء.
(و) الرابع (تخليل ما لا يصل إليه الماء إلا بتخليله) مقدمة لحصول غسل البشرة
المدلول على وجوب غسلها نفسها في الغسل بالسنة والاجماع المحصل والمنقول مستفيضا، بل
كاد يكون متواترا، فلا يجتزى بغسل الشعر مثلا عنها كما في الوضوء، من غير فرق
بين الكثيف والخفيف، والمراد جميع أجزاء البشرة على التحقيق لا التسامح العرفي،

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب الوضوء - حديث 5 لكن رواه عن
جعفر عن أبيه (عليهما السلام).
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الجنابة - حديث 3
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 1
80

كما يشعر به - مضافا إلى الاجماعات المنقولة - قول الصادق (عليه السلام) (1) في
صحيح حجر بن زائدة: " من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار " على ما هو
المتبادر منه من إرادة مقدار شعرة من الجسد، وقول النبي (صلى الله عليه وآله) (2):
" تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وأنقوا البشرة " والرضوي (3) " وميز الشعر بأناملك
عند غسل الجنابة فإنه يروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن تحت كل شعرة
جنابة، فبلغ الماء تحتها في أصول الشعر كلها، وخلل أذنيك بإصبعيك. وانظر إلى
أن لا تبقى شعرة من رأسك ولحيتك إلا وتدخل تحتها الماء " وصحيح علي بن جعفر (4)
عن أخيه (عليهما السلام) قال: " سألته عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض
ذراعها لا تدري يجري الماء تحتها أم لا كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟ قال:
تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه " إلى آخره. فما في صحيح إبراهيم بن أبي محمود (5)
قال: " قلت للرضا (عليه السلام): الرجل يجنب فيصيب رأسه وجسده الخلوق والطيب
والشئ اللزق مثل علك الروم والطراز وما أشبهه فيغتسل، فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي
في جسده من أثر الخلوق والطيب وغيره، فقال: لا بأس " محمول على إرادة الصبغ،
أو أثر غير مانع، أو حصل له الشك بعد الفراغ، أو نحو ذلك، كخبر إسماعيل بن
أبي زياد (6) عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: " كن نساء النبي
(صلى الله عليه وآله) إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن، وذلك

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الجنابة - حديث 5
(2) كنز العمال - ج 5 - ص 135 - الرقم 2756.
(3) المستدرك - الباب - 17 - من أبواب الجنابة - حديث 3
(4) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الوضوء - حديث 1
(5) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الجنابة حديث 1 مع اختلاف يسير
(6) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الجنابة - حديث 2
81

لأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمرهن أن يصببن الماء صبا على أجسادهن " وإلا فمطرح.
وما في شرح الدروس - من أنه لا يبعد القول بعدم الاعتداد ببقاء شئ يسير
لا يخل عرفا بغسل جميع البدن إما مطلقا أو مع النسيان، ويجعل صحيح إبراهيم دليلا
عليه لو لم يكن الاجماع على خلافه، لكن الأولى أن لا يجتزى عليه - ضعيف جدا،
لما عرفت كتشكيك المقدس الأردبيلي في الحكم مما تقدم ومما دل على إجزاء غرفتين للرأس
أو الثلاثة، لاستبعاد وصول هذا المقدار من الماء إلى تحت كل شعرة سيما إذا كان كثيرا
كثيفا كما في النساء والأعراب وبعض اللحى، فيمكن العفو عما تحت هذه الشعور
والاكتفاء بالظاهر، كما يدل عليه عدم وجوب حل الشعر على النساء، وما رواه في
الكافي عن محمد بن مسلم (1) عن الباقر (عليه السلام) قال: " الحائض ما بلغ بلل
الماء من شعرها أجزأها " قال: إلا أن يقيد بعلم الوصول إلى ما تحت الشعور بالاجماع
ونحوه من الأخبار، فلولا الاجماع كان القول به ممكنا، فالسكوت عنه أولى، إلا
أن النفس غير مطمئنة فيرشح عنها مثله، مع عدم توجه أحد إلى مثله من المتقدمين
والمتأخرين من فحول العلماء، فليس لمثلي النظر في مثله، لكن النفس توسوس ما لم تر
دليلا تنتفع به فتأمل، انتهى. قلت وأي دليل أعظم من الاجماع والأخبار سيما مع
ما ورد من الأمر للنساء بالمبالغة في غسل رؤوسهن، كما في خبر جميل وصحيح ابن مسلم،
وبذلك كله يخص عموم قوله (عليه السلام) (2): " كل ما أحاط به الشعر فليس على
العباد أن يطلبوه ولا أن يبحثوا عنه، ولكن يجري عليه الماء " إن قلنا بشموله لنحو المقام.
ثم إن الظاهر من المصنف كصريح غيره عدم وجوب غسل الشعر مع وصول الماء
إلى البشرة، ففي المعتبر " لا تنقض المرأة شعرها إذا بل الماء أصوله وهذا مذهب

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الجنابة - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الوضوء - حديث 3
82

الأصحاب " ومثله الشهيد في الذكرى، ولا نعرف فيه خلافا كما في المنتهى، وكان
مرادهم بوصول الماء إلى أصول الشعر مقدمة إلى نفس البشرة، وكذا عبارة التهذيب
والغنية وموضع آخر من المعتبر، قال في الأخير: " إن الواجب غسل البشرة وإيصال
الماء إلى أصل كل شعرة " انتهى. وإلا فاحتمال إيجابهم غسل الأصول مع البشرة بعيد
جدا، مع أنه لم يحتمله أحد ممن تأخر عنهم في كلامهم، بل الظاهر من صاحب المدارك
وكشف اللثام وغيرهما أنهم فهموا من هذه العبارات عدم إيجاب غسل الشعر، وكيف
كان فيدل عليه - مضافا إلى ذلك وإلى الأصل وما دل على الاجتزاء بغسل الجسد والبدن
والجلد ولا يدخل الشعر في شئ منها - خبر غياث (1) عن الصادق عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) قال: " لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت " ونحوه رواه الحلبي (2)
مرسلا عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السلام) وقد عرفت حمل الصحيح المتقدم
المشتمل على التوعد بترك غسل شعرة من الجنابة على إرادة المقدار من الجسد، كما يشعر
به قوله (من الجنابة)، وأما النبوي الآمر ببل الشعر وانقاء البشرة فهو - مع قصوره سيما
مع مخالفته لما عليه الأصحاب - محتمل للاستحباب، أو إرادة المقدمة لغسل البشرة،
أو نحو ذلك، وأما ما في حسن جميل (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما
تصنع النساء في الشعر والقرون، قال: لم تكن هذه المشطة، إنما كن يجمعنه، ثم وصف
أربعة أمكنة، ثم قال يبالغن في الغسل " وصحيح ابن مسلم (4) عن الباقر (عليه السلام)
قال: " حدثني سلمى خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: كان أشعار نساء
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرون رؤوسهن مقدم رؤوسهن، فكان يكفيهن من
الماء شئ قليل، فأما النساء الآن فقد ينبغي لهن أن يبالغن في الماء " فمع عدم صراحتهما

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الجنابة - حديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الجنابة - حديث 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 1
83

في خلاف ذلك، بل ولا ظهورهما، بل لعل الثاني في المطلوب أظهر يراد منهما المبالغة
لايصال الماء إلى البشرة، ومع التسليم فيجب طرحهما أو تأويلهما، سيما مع مخالفتهما
للأصحاب وموافقتهما للمنقول عن الشافعي، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من
الاحتياط في غسل الشعر كأنه في غير محله، ولعله لظاهر عبارة المقنعة حيث أمر فيها
الامرأة بحل الشعر إن كان مشدودا، وفيه أن الظاهر إرادته مع توقف الايصال عليه
كما يقتضيه سياقها وفهمه في التهذيب وغيره منها، أو لما قيل من أنه ورد (1) في علة
الغسل من الجنابة " إن آدم (عليه السلام) لما أكل الشجرة دب ذلك في عروقه وشعره
وبشره، فإذا جامع الرجل خرج الماء من كل عرق وشعرة في الجسد، فأوجب الله تعالى
على ذريته الاغتسال من الجنابة " ولعل مراده موضع كل شعرة، وإلا فالمني لا يخرج
من الشعر قطعا.
بقي شئ ينبغي التنبيه عليه، وهو أن الظاهر من بعض متأخري المتأخرين
أنه لا فرق في ذلك بين شعر الرأس واللحية والجسد المستطيل وغيره، والحاصل أنه
لا يجب غسل مسمى الشعر مطلقا، وهو لا يخلو من تأمل بالنسبة إلى ما يدخل منه في
الأمر بغسل الجسد عرفا، ويشهد له ما ذكروه في باب الوضوء من إيجاب غسل الشعر
النابت في اليدين معللين ذلك بدخوله تحت مسمى اليد عرفا وكونه في محل الفرض، بل
صرح بعضهم بوجوب غسله حتى لو كان مستطيلا جدا، وإبداء الفرق بين المقامين
لا يخلو من إشكال، اللهم إلا أن يكون إجماعا كما عساه يظهر من جماعة من المتأخرين
كالشهيد وكشف اللثام وغيرهما، إلا أنه للتأمل فيه مجال.
ثم إنه لا يخفى عليك أن المراد بوجوب غسل البشرة إنما هو غسل الظاهر منها
دون الباطن، كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل نفى الخلاف عنه في المنتهى

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الجنابة - حديث 2
84

والحدائق، ويدل عليه مضافا إلى ذلك قول الصادق (عليه السلام) (1) في مرسل
أبي يحيى الواسطي إذ سأله عن الجنب يتمضمض فقال له: " لا إنما يجنب الظاهر "
وعن الصدوق روايته في العلل مع زيادة ولا يجنب الباطن، والفم من الباطن، وأنه قال: وروى في حديث آخر (2) أن الصادق (عليه السلام) قال في غسل الجنابة:
" إن شئت أن تتمضمض وتستنشق فافعل، وليس بواجب، لأن الغسل على ما ظهر
دون ما بطن " انتهى. وفي خبر زرارة (3) " إنما عليك أن تغسل ما ظهر " ولعل
ما في المقنعة والتذكرة من الأمر بغسل باطن الأذنين يراد به هو ما يظهر للرائي من سطح
باطنهما عند الرؤية لدخوله في الظاهر وإن توقف على التخليل، وقضية الشغل
اليقيني ونحوه وجوب غسل ما شك في كونه من الظاهر أو الباطن على إشكال، فيجب
حينئذ غسل الثقب الذي يكون في الأذن كما عن المحقق الثاني، وفي المدارك كما عن
شيخه الجزم بأنه من البواطن إذا كان بحيث لا يرى باطنه، ولعل الأمر كذلك
فيما فرضه.
(و) الخامس من واجبات الغسل الذي يبطل بتركها عمدا وسهوا (الترتيب) بأن
(يبدأ بالرأس) مقدما على سائر بدنه بلا خلاف أجده، وما نسب إلى الصدوقين
من الخلاف في ذلك كما نسب إلى ابن الجنيد لعله وهم، كما يشعر بالأول عبارة والد
الصدوق المنقولة في الفقيه، وبالثاني عبارته المنقولة في الذكرى، وهي وإن كان أولها
لا يخلو من إشعار إلا أن التدبر فيها جميعها يقضي بخلافه، ولذا أمكن دعوى الاجماع
عليه محصلا، كالمنقول من السيد في الانتصار، وعن الشيخ في الخلاف وابن زهرة في
الغنية والعلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى كما هو ظاهر المنتهى والروض وغيرهما،

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الجنابة حديث 6 - 8
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الجنابة حديث 6 - 8
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الوضوء - حديث 6
85

ويدل عليه - مضافا إلى ذلك وإلى ما تسمعه من الترتيب بين الجانبين - المعتبرة المستفيضة
منها الحسن كالصحيح (1) عن الصادق (عليه السلام) " من اغتسل من جنابة فلم
يغسل رأسه ثم بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدا من إعادة الغسل " وهو وإن لم يكن فيه
دلالة على فساد ما ينافي الترتيب من غسل الرأس مع البدن إلا أنه بضميمة عدم القول
بالفصل - سوى ما عساه يظهر من المنقول عن علي بن بابويه، وهو مع تسليم ظهوره غير
قادح، وبالإجماع المتقدم على الترتيب المقتضي لفساد كل ما ينافيه من تقديم غيره عليه،
أو غسله معه - يتم المطلوب، مضافا إلى غيره من الأخبار (2) الدالة على ذلك، لعطفها
ما عداه عليه بلفظ ثم، وهي للترتيب بالمعنى المتقدم، كقول أحدهما (عليهما السلام)
في صحيح ابن مسلم (3) قال: " سألته عن غسل الجنابة فقال تبدأ بكفيك فتغسلهما
ثم تغسل فرجك، ثم تصب على رأسك ثلاثا ثم تصب على سائر جسدك مرتين، فما
جرى عليه الماء فقد طهر " ومثله في ذلك غيره، فما في بعض الأخبار مما يشعر بخلافه
يجب طرحه أو تأويله، كقول الصادق (عليه السلام) (4) في صحيح زرارة بعد أن سأله
عن غسل الجنابة فقال بعد أن ذكر جملة من المندوبات: " ثم تغسل جسدك من لدن
قرنك إلى قدمك " ونحوه غيره مما تضمن الأمر بإفاضة الماء على الرأس والجسد، على
أنها مطلقة ويجب تنزيلها على المقيد، وتحتمل أيضا الغسل الارتماسي بناء على
صحته في مثل ذلك كما هو مذهب البعض على ما ستسمعه هناك إن شاء الله تعالى،
أو الحمل على التقية.
وأما صحيح هشام بن سالم - (5) قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) فيما

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الجنابة - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الجنابة - حديث 4
(5) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الجنابة - حديث 4
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 5
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 5
86

بين مكة والمدينة، ومعه أم إسماعيل فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها
وتركت رأسها، وقال لها: إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك، ففعلت ذلك "
إلى آخره - فلعل أقرب الوجوه فيه ما قاله الشيخ: من وهم الراوي واشتباهه، قلت:
وذلك لأن هشام بن سالم راوي الحديث قد روى عن محمد بن مسلم (1) خلافه،
قال عنه: " دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) في فسطاطه وهو يكلم امرأة فأبطأت
عليه فقال: ادنه هذه أم إسماعيل جاءت، وأنا أزعم أن هذا المكان الذي أحبط الله
فيه حجها عام أول كنت أردت الاحرام فقلت: ضعوا لي الماء في الخباء فذهبت
الجارية فوضعته، فاستحففتها فأصبت منها، فقلت: اغسلي رأسك وامسحيه مسحا شديدا
لا تعلم به مولاتك، فإذا أردت الاحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فتستريب
مولاتك، فدخلت فسطاط مولاتها، فذهبت تتناول شيئا، فمست مولاتها رأسها،
فإذا لزوجة الماء، فحلقت رأسها وضربتها، فقلت لها: هذا المكان الذي أحبط الله فيه
حجك " وربما حمل بعضهم الأولى على التقية، أو على إرادة غسل الاحرام، وفيهما نظر.
وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في وجوب تقديم الرأس على البدن، والمراد
به في المقام ما يشمل الرقبة كما هو صريح المقنعة وكافي أبي الصلاح وغنية ابن زهرة
والذكرى والدروس واللمعة وجامع المقاصد والروض والروضة والتحرير وكشف اللثام
والحدائق وشرح المفاتيح للأستاذ الأكبر والرياض، بل قد يظهر من الغنية دعوى
الاجماع عليه، وفي الحدائق أنه كذلك من غير خلاف يعرف بين الأصحاب ولا إشكال،
وفي شرح المفاتيح إن الظاهر اتفاق الفقهاء عليه، وعن غيره مما يقرب إلى عصرنا
دعوى الاتفاق عليه، قلت: ولعله استنبطه من عبارات الأصحاب كعبارة المصنف
وغيرها، لظهور دخول الرقبة في الرأس دون أحد الجانبين، وبذلك يدخل حينئذ

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الجنابة - حديث 1
87

تحت معقد الاجماعات المتقدمة، ويشعر به مضافا إلى ذلك صحيح زرارة (1) في حديث
كيفية غسل الجنابة إلى أن قال: " ثم صب على رأسه ثلاث مرات ثم صب على منكبه
الأيمن ثلاث مرات وعلى منكبه الأيسر ثلاث مرات " فإنه ظاهر في إلحاق الرقبة
بالرأس، ونحوه غيره في الدلالة على ذلك، فما وقع في إشارة السبق للحلبي من غسل كل من الجانبين من رأس العنق ليس في محله، مع احتمال إرادة أصله، وكذا ما وقع
من بعض متأخري المتأخرين - من التشكيك في ذلك، لعدم كون الرأس حقيقة فيما
يشمل الرقبة، ولقول الصادق (عليه السلام) (2) في خبر أبي بصير: " ثم تصب
الماء على رأسك ثلاث مرات، وتغسل وجهك، وتفيض الماء على جسدك " لاشعاره
بعدم دخول الوجه في مسمى الرأس، ولذا نص عليه - فإنه في غاية الضعف بعد ما سمعت،
وكون الرأس ليس حقيقة في ذلك غير قادح بعد ما عرفت المراد منه هنا، وكذلك
الرواية، فإنها في الدلالة على المطلوب أولى، فتأمل جيدا.
(ثم) يبدأ بغسل تمام (الجانب الأيمن ثم) من بعده (الأيسر) كما في
الانتصار والخلاف والغنية والتذكرة والمقنعة والمهذب والمراسم والوسيلة والكافي والسرائر
والجامع والمعتبر والمنتهى والقواعد والإرشاد والتحرير والذكرى والدروس وغيرها،
بل في الأربعة الأول الاجماع عليه، وفي المعتبر أنه انفراد الأصحاب، فإنه أفتى
به الثلاثة وأتباعهم وفقهاؤنا الآن بأجمعهم عليه، وفي المنتهى أنه مذهب علمائنا خاصة،
وفي الذكرى أنه من متفرداتنا، وحكى عليه بعضهم الاجماع المركب بعدم قائل بوجوب
الترتيب في الطهارة الصغرى دون الكبرى، وآخر بعدم القائل بوجوب الترتيب في
الرأس دون الجانبين، قلت: ويمكن دعوى تحصيل الاجماع، إذ لم أعثر على مخالف

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الجنابة - حديث 2 مع اختلاف كثير
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 9 الجواهر - 11
88

ولا من نقل عنه ذلك سوى ما عساه يظهر من الصدوقين ومن المنقول عن ابني الجنيد
وأبي عقيل، وهو - مع عدم صراحة كلامهم في الخلاف - غير قادح فيه، ولعل ما في
إشارة السبق - بعد ذكره الترتيب فإن لم يعم الماء صدره وظهره غسلهما وكذا ما في الغنية
وكافي أبي الصلاح بعد إيجاب الترتيب أيضا فإن ظن بقاء شئ من صدره وظهره لم يصل الماء
إليه غسله، مع قوله في الكافي: ويختم بغسل الرجلين - يراد به إرادة الغسل مع مراعاة
الترتيب، فلا يكونون مخالفين فيه، ويحمل قوله في الكافي على إرادة الختم بالرجلين
بالنسبة إلى كل من الجانبين، وكذا ما عن جمل السيد بعد ترتيب غسل الأعضاء
الثلاثة قال: ثم جميع البدن، وفي المراسم بعد ذلك ثم يفيض الماء على جسده فلا يترك
منه شعرة أو يراد به الاستحباب كما صرح به في الوسيلة، فإنه قال بعد أن ذكر الترتيب:
وإن أفاض الماء بعد الفراغ على جميع البدن كان أفضل، أو يقال: إنهم وإن أوجبوا
الترتيب في الأعضاء الثلاثة لكنهم لم يحصروا البدن فيها، فجوزوا غسل شئ من الصدر
والظهر مما لا يدخل في مسمى أحدهما بعد الفراغ.
ويدل عليه - مضافا إلى ذلك وإلى استصحاب بقاء الحدث وأن الشغل اليقيني
محتاج إلى البراءة اليقينية - ما دل على وجوب الترتيب في غسل الميت من الأخبار (1)
والاجماع منضما إلى بعض المعتبرة (2) الدالة على أنه كغسل الجنابة، بل يظهر من
بعضها (3) معروفية كونه كذلك حتى سئل الأئمة (عليهم السلام) عن سبب ذلك أي
أنه لم يغسل الميت غسل الجنابة، بل في بعضها (4) الجواب عنه أن علة ذلك خروج
النطفة التي خلق منها، وأيضا كما أن الوضوء كيفيته واحدة ففي أي مقام أطلق لفظ
الوضوء انصرف إلى هذه الكيفية الخاصة فكذلك الغسل، فلو كان غسل الميت كيفيته

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل الميت حديث - 2 - 5
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل الميت حديث - 2 - 5
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل الميت حديث - 2 - 5
89

مخالفة لغسل الجنابة لوجب في كل مقام أمر فيه بالغسل كالحيض وغيره من الواجب
والمندوب الاستفصال عنه أنه كغسل الميت أو غسل الجنابة، بل يظهر منهم في بحث
تداخل الأغسال بداهة اتحاد الهيئة في جميع الأغسال، على أنه من المستبعد جدا بل
قد يقطع بعدمه أنه لا ترتيب بين الجانبين، ومع ذلك قد خفي على الشيعة علمائهم
وأعوامهم في جميع الأعصار والأمصار مع تكرر الغسل منهم في كل آن، وقد يشعر به
أيضا حسنة زرارة (1) قال " قلت له كيف يغتسل الجنب؟ قال: إن لم يكن أصاب
كفه شئ غمسها في الماء، ثم بدأ بفرجه فأنقاه، ثم صب على رأسه ثلاث أكف،
ثم صب على منكبه الأيمن مرتين، وعلى منكبه الأيسر مرتين، فما جرى عليه الماء فقد
أجزأه " ولعل إضمارها غير قادح كما عرفت غير مرة، على أنه رواها في المعتبر عنه عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، ووجه دلالتها على المطلوب أنه يستفاد منها كون الجسد
في الغسل ثلاثة أجزاء، الرأس والمنكب الأيمن والمنكب الأيسر، ولا أحد ممن يقول
بذلك إلا وهو قائل بالترتيب، إذ القائل بعدمه يدعي أنه جزءان، الرأس والجسد،
أو يقال: إن المنساق إلى الذهن من هذه العبارة مع قطع النظر عن قاعدة الواو الترتيب
كما لا يخفى، هذا كله إن لم نقل أن الواو للترتيب، وإلا فلا إشكال كما هو المنقول
عن جماعة من اللغويين، ولئن سلمنا كونها حقيقة في مطلق الجمع فما سمعت من الاجماعات
وغيرها قرينة على إرادة الترتيب منها هنا ولو مجازا، بل يمكن الاستدلال عليه ببعض
الروايات العامية (2) " كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا اغتسل بدأ بالشق الأيمن
ثم الأيسر " إن قلنا بحجية مثل ذلك بعد الانجبار بالشهرة بين الأصحاب.
وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في وجوب الترتيب، فما وقع من بعض

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 2
(2) صحيح البخاري - باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل - من كتاب الغسل
90

متأخري المتأخرين من الاستشكال في ذلك بل الفتوى بعدمه تبعا لذلك الشاذ من ظاهر
بعض القدماء ليس في محله، وإن كان هو ظاهر جملة الروايات (1) فيها الصحيح
وغيره، إلا أنه - مع إعراض الأصحاب عنها واشتمال جملة منها على عدم الترتيب بين
الرأس والجانبين، مع أنه لا يقول به الخصم، وموافقتها للعامة - لا ينبغي الركون
إليها، على أن كثيرا منها من المطلق الذي يجب تنزيله على المقيد من الاجماعات المتقدمة
وغيرها، لا أقل من الشك بعد تعارض الأدلة، فيجب الترتيب تحصيلا لليقين.
ثم لا يخفى أن ظاهر التثليث في حسنة زرارة (2) وأكثر عبارات الأصحاب
مع عدم التعرض فيها للعورة والسرة يقضي بأن العورتين والسرة داخلة فيهما، بل الظاهر منهما
أن دخولهما على حسب التنصيف كما صرح به بعضهم، فاحتمال كون العورة عضوا
مستقلا لا مدخلية له في أحدهما ضعيف، إلا أنه قد يظهر من ملاحظة أخبار (3) غسل
الميت، لكن ما ذكرناه أحوط، ولعل الأحوط غسلهما مع الجانبين تخلصا من الاحتمالات
الأربعة، إذ هي إما أن تكون من الجانب الأيمن أو الأيسر أو على التوزيع أو خارجة
عنهما، ولا يأتي عليها كلها إلا ذلك، أو غسلها تماما بعد الفراغ من الجانب الأيمن
مع غسل نصفها مع الجانب الأيسر، فتأمل جيدا. والظاهر من عبارة المصنف وغيرها
من عبارات الأصحاب التي حكوا الاجماع عليها عدم وجوب الترتيب في نفس أجزاء
الأعضاء، فلا يجب الابتداء بالأعلى في شئ منها، ويؤيده مضافا إلى الأصل قول
الصادق (عليه السلام) (4) في صحيح ابن سنان: " اغتسل أبي من الجنابة، فقيل

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الجنابة - حديث 4 والباب 26 -
حديث 7 و 10 و 11
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الجنابة - حديث 2
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت حديث 2 و 3 والمستدرك كذلك
(4) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الجنابة حديث 1
91

له: قد بقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال (عليه السلام) ما كان ضرك لو سكت،
ثم مسح تلك اللمعة بيده " قيل ونحوه روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) ولا ينافي
العصمة، إذ ليس فيه أنه نسيه، أو أن القائل أصاب، نعم يمكن القول باستحباب
الابتداء بالأعلى فالأعلى كما استظهره الشهيد (رحمه الله) في الذكرى، وربما يشعر
به حسنة زرارة المتقدمة " ثم صب على منكبه الأيمن مرتين، وعلى منكبه الأيسر
مرتين " بل هو المنساق إلى الذهن من ملاحظة الأدلة المتعارف في الغسل، لكن لا يبعد
عدم استحباب التدقيق في ذلك، وليعلم أيضا أن مقتضى إيجاب الأصحاب الترتيب
بين الأعضاء الثلاثة أنه متى بقيت لمعة أغفلها المغتسل وجب الإعادة عليها وعلى ما بعدها
إلا إذا كانت في الجانب الأيسر، فالواجب غسلها حينئذ فقط، لعدم إيجاب
الترتيب في نفس أجزائه، وبذلك كله صرح جماعة، بل قد يظهر من بعضهم دعوى
الاجماع عليه، وعليه يحمل قول الصادق (عليه السلام) (1) في صحيح أبي بصير:
" اغتسل أبي من الجنابة، فقيل له: قد بقيت لمعة من ظهرك لم يصبها الماء، فقال
له: ما كان عليك لو سكت، ثم مسح تلك اللمعة بيده " فإنه يحتمل أن تكون اللمعة في
الجانب الأيسر أو في الجانب الأيمن ولما يشرع في الجانب الأيسر، فيراد من قوله
(اغتسل) أي في حال الغسل، ونحوه الخبر المروي عن نوادر الراوندي (2) مسندا
عن الكاظم عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال علي (عليه السلام): " اغتسل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جنابة فإذا لمعة من جسده لم يصبها ماء، فأخذ
من بلل شعره فمسح ذلك الموضع ثم صلى بالناس ".
وأما ما رواه في الصحيح (3) عن الباقر (عليه السلام) قال: " قلت له: رجل

(1) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الجنابة - حديث 1
(2) المستدرك - الباب - 30 - من أبواب الجنابة - حديث 2
(3) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الجنابة - حديث 2
92

ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة، فقال: إذا شك وكان به بلة وهو في
صلاته مسح بها عليه، وإن كان استيقن رجع فأعاد عليهما الماء ما لم يصب بلة، فإن
دخله الشك وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شئ عليه، فأما إذا استيقن
رجع فأعاد عليه الماء، وإن رآه وبه بلة مسح عليه وأعاد الصلاة باستيقان، وإن كان
شاكا فليس عليه في شكه شئ فليمض في صلاته " فهو مع ما تراه في متنه قابل للحمل
على أدلة الترتيب أيضا، إذا أقصى ما فيه ترك الاستفصال، وهو وإن كان عقيب
السؤال يفيد العموم إلا أنه غير صالح لمعارضة تلك الأدلة كما هو واضح، وما عساه يقال:
أنه يمكن استثناء ذلك من الترتيب سيما مع عدم صراحة أدلته في شمول هذه الصورة
فيه ما لا يخفى، ومثله ما احتمله بعضهم من الاكتفاء بالمسح لمثل اللمعة أخذا بظاهر
ما تقدم من قوله: (ومسح) ونحوه، وفيه أنه لا وجه للخروج عن أخبار الباب وفتاوى
الأصحاب بمجرد ذلك، وقد عرفت صحة إطلاق لفظ المسح مع تحقق أقل مسمى الغسل
الحاصل بامرار اليد الذي هو كالدهن.
(ويسقط) ما تقدم من (الترتيب بارتماسه واحدة) للاجماع المحصل والمنقول،
وقول الصادق (عليه السلام) (1) في صحيحة زرارة: " ولو أن رجلا جنبا ارتمس في
الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده " ولقوله (عليه السلام) في
حسن الحلبي (2): إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأ ذلك من غسله "
ونحوه مرسله (3) قال: حدثني من سمعه يقول (عليه السلام): إذا اغتمس الجنب
في الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله " وبذلك كله يقيد ما دل على وجوب
الترتيب في غسل الجنابة إن سلم الشمول فيها لنحو المقام، وإلا فلا معارضة حينئذ أصلا،
ومن العجيب ما في الاستبصار من احتمال الجمع بينها بأن المرتمس يترتب حكما وإن لم

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 5 - 12 - 15
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 5 - 12 - 15
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 5 - 12 - 15
93

يترتب فعلا، قال: لأنه إذا خرج من الماء حكم له أولا بطهارة رأسه ثم جانبه الأيمن
ثم جانبه الأيسر، وكان مراده بالتعليل التفسير لنفس الدعوى، ولعل تخصيصه ذلك
بالخروج إنما هو لمكان ظهور ثمرة الطهارة حينئذ دون ما إذا كان تحت الماء، فلا يراد
التخصيص على سبيل الحقيقة، بل المراد أنه متى حصل الارتماس حكم له أولا بطهارة
رأسه ثم الأيمن ثم الأيسر، وما يقال: إنه يحتمل أن يكون مراده أنه لا يحكم له بالطهارة
حتى يخرج، فإذا خرج حكم له بالترتيب المذكور، لمكان خروج رأسه مقدما على
سائر بدنه فبعيد جدا بل لا معنى له، فإنه - مع أنه لا يسمى مرتمسا بعد الخروج وعدم
تعليقه الحكم على خروج الرأس مقدما بل على مطلق الخروج - لا يتم في الجانبين،
لمكان خروجهما دفعة، ولعل هذا الاحتمال بناء على ما ذكرنا من التفسير هو القول
الذي نقله الشيخ في المبسوط وابن إدريس في السرائر وغيرهما عن بعض أصحابنا أن
الارتماس يترتب حكما، والمراد به على ما فسره بعض أصحابنا أنه تجري عليه جميع أحكام
الترتيب فيكون حينئذ بمنزلة المرتب، حتى أنه فرع عليه مسألة النذر واليمين وما لو بقي
من بدنه لمعة، فإنه يغسلها فقط إن كانت في الأيسر، وهي مع الأيسر إن كانت في
الأيمن على حسب ما ذكرنا في الترتيب، ولا يخفى عليك مخالفة ذلك كله للأصل مع
عدم الدليل، بل ظاهر أدلة الارتماس عدمه، ومن هنا نقل الاجماع على بطلان الترتيب
الحكمي، وما يقال: إنه جمع بين الأدلة فيه أنه بعد تسليم تعارضها لا يصلح ذلك جمعا
لها من غير شاهد، وكذا ما يقال: إنه أقرب إلى الترتيب الحقيقي أي بمعنى أن
الترتيب هو الأصل في الغسل، فيقتصر على مقدار الضرورة في مخالفته، كما أنه
لا يخفى عليك ما في التفريع المذكور، أما في النذر واليمين فلأنه يتبع القصد، ومع فقده
لا ينصرف الاطلاق إلى مثل ذلك قطعا، وأما مسألة اللمعة فلأن الترتيب الحكمي بعد
القول به متفرع على صدق الارتماس، ولا ريب في عدم صدقه مع بقائها فكيف يجعل
94

كالترتيب حكما، فلعل الأقوى حينئذ أنه لا ثمرة في ذلك، وإنما ارتكبوه لتخيل
المنافاة بين الأدلة، فذكروا ذلك لرفعها بتقريب أن المرتمس في الماء لمكان اختلاف
سطوح الماء عليه وتعدد جريانها عليه كان بمنزلة الغسل المتعدد، فيجعل الأول للرأس،
والثاني للأيمن، والثالث للأيسر، فسموا ذلك ترتيبا حكميا.
وأما ما وقع لبعضهم وربما أشعرت به عبارة المصنف في المعتبر من أن المراد
بالترتيب الحكمي نية المرتمس واعتقاده الترتيب فهو مما لا ينبغي أن يصغى إليه، فإنه -
مع فساده في نفسه من وجوه غير خفية ومخالفته للأصل وغيره - يأباه ظاهر المنقول
في المبسوط وغيره أنه يترتب حكما بصيغة الفعل اللازم لا المتعدي، وليعلم أن أدلة
الارتماس وإن كان موردها الجنابة إلا أن الظاهر جريانه في جميع الأغسال واجبها
ومندوبها كما صرح به جماعة من الأصحاب، بل نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب،
وفي الذكرى أنه لم يفرق أحد بين غسل الجنابة وغيره في ذلك، قلت: ويؤيده
ما دل (1) على أن غسل الحيض والجنابة واحد وتتبع كلمات الأصحاب، فإنه يظهر منها
أن الغسل هيئة واحدة كالوضوء وإن تعددت أسبابه وغاياته، ولذا تراهم لا يستشكلون
في جريان كثير من أحكام غسل الجنابة في غيره مع ثبوتها فيه من عدم اشتراط الموالاة
وغيره، ولولا ذلك لأمكن المناقشة في ثبوت وجوب الترتيب في كثير من الأغسال،
لعدم الدليل عليه إلا في غسل الجنابة، وعند التأمل ترى الصوم والصلاة والحج وغيرها
من هذا القبيل، فلم يفرقوا فيما يرجع إلى الكيفية بين المندوب والواجب منها كما
هو واضح، فقد يدعى حينئذ أن الأصل ذلك حتى يثبت خلافه، وربما ظهر من بعضهم
إلحاق غسل الميت أيضا لما ذكرنا، ولما ورد (2) أنه كغسل الجنابة، وهو لا يخلو

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الجنابة - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل الميت
95

من قرب وإن كان الجزم به لا يخلو من إشكال سيما بعد انصراف التشبيه إلى الترتيب
في غسل الجنابة لكونه المتعارف، فتأمل.
وهل المراد بالارتماس هو استيلاء الماء على جميع أجزاء البدن أسافله وأعاليه
المحتاج إلى التخليل وغيره في آن واحد حقيقة، فتجب النية حينئذ بناء على أنها الصورة
المخطرة بالبال، وأنه يجب مقارنتها حقيقة لأول العمل عند حصول الانغماس التام، أو يراد
به توالي غمس الأعضاء بحيث يتحد عرفا كما عن المشهور، بل يظهر من بعضهم نسبته
إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه، فتكون النية حينئذ عند أول جزء لاقى الماء
لأنه من أجزاء الغسل، أو أنه لا يعتبر فيه شئ من ذلك، حتى إذا نوى فوضع
رجله مثلا ثم صبر ساعة بحيث نافى الدفعة العرفية فوضع عضوا آخر هكذا إلى أن ارتمس
أجزاؤه كما اختاره بعض متأخري المتأخرين، فتكون النية كسابقه أيضا؟ أوجه بل أقوال،
وربما كان هناك وجه رابع، وهو أن الارتماس مأخوذ من الرمس، وهو التغطية
والكتمان، ومنه رمست الميت إذا كتمته ودفنته، فيراد به تغطية البدن بالماء، فأوله
أول آنات التغطية، وآخره آخر جزء انغسل في تلك التغطية، فلا عبرة بما يغسل قبلها،
كما لا عبرة بما يغسل بعدها، فلا مانع حينئذ من التخليل ونحوه في أثنائها، بل يمكن
القول بصدق الارتماس عرفا وإن لم يحصل التخليل، وإنما أوجبناه لما يظهر من إيجاب
استيعاب البشرة في تلك الغطة.
وقد وقع للأستاذ في شرح المفاتيح كلام ظاهر التدافع إلا على وجه بعيد جدا،
فإنه قال فيه: " إن الارتماس هو إدخال مجموع الجسد من حيث المجموع تحت الماء دفعة
واحدة عرفية، فأول الغسل هو شمول الجميع بالدفعة العرفية، فالأجزاء التي تلاقي
الماء أولا ليست من الغسل في شئ، إلى أن قال: فالارتماس شئ واحد عرفي
ليس له ابتداء وانتهاء، ولا يتصور وقوع الحدث في أثنائه، ثم أورد على من ادعى
96

أن أوله الأجزاء التي تلاقي الماء بأن ذلك يستلزم أن يكون ترتيبا على خلاف المعهود من
الترتيب، لأنه غالبا يكون الابتداء بالرجل بل بباطن الرجل، ويتصور وقوع الحدث
حينئذ في أثنائه وغير ذلك من ثمرات الترتيب الحقيقي، والفقهاء يتحاشون عن مثل
ذلك " انتهى. وقال في مقام آخر: " أنه يشكل حينئذ أمر النية بناء على كونها الصورة
المخطرة بالبال، وأنه يجب مقارنتها لأول العمل إذ الارتماس ليس له أول، بل هو
شمول الجميع ولا زمان له معين، والتزم حينئذ جواز وقوع النية سابقة عند أول جزء
لاقى الماء وإن لم نقل بأنه من الأجزاء، لكنه من المقدمات الواجبة شرعا أو عقلا،
فهي أولى من المستحبات التي جوزوا وقوع النية عندها كغسل اليدين مثلا في الوضوء
والغسل " انتهى. وفيه أنه لا يلتئم دعوى اعتبار الدفعة العرفية مع دعوى أنه ليس له
بداية ولا نهاية، وأنه لا يتصور وقوع الحدث في أثنائه، وأيضا ما ذكره من أمر
النية فيه أن تجويزهم لها عند تلك المستحبات باعتبار أنها أجزاء مستحبة، فليست المقدمات
الخارجة عن العمل بأولى منها حينئذ، وكيف كان فلعل أقوى الوجوه وأحوطها
الرابع، ثم الثاني، أما الأول فينبغي القطع بفساده من وجوه كثيرة، وما أحسن ما قاله
المحقق الثاني فيه: " أنه مخالف لاجماع المسلمين، وأنه لا يوافقه شئ من أصول
المذهب، ولكن لا داء أعيى من الجهل " انتهى. وأما الثالث فقد يدعى انصراف
الأدلة إلى غيره لا أقل من الشك، واستصحاب الحدث محكم، ثم إنه هل يشترط
بناء على المختار توالي الأعضاء بالدفعة العرفية أو يكفي ولو مع التراخي ما دام الغمر
في الماء؟ وجهان.
وكيف كان فعليه متى بقيت لمعة لم تغسل حتى خرج وجب استيناف الغسل
كما هو المنقول عن والد العلامة، واختاره جماعة من متأخري المتأخرين، وقيل يكتفي
بغسلها، وجعله في القواعد أقوى الاحتمالات وظاهره عدم الفرق بين طول الزمان
97

وقصره، وربما احتمل جريان حكم الترتيب عليها، فإن كانت في الأيمن غسلها وأعاد الأيسر
وإن كانت في الأيسر اكتفي بغسلها، ويظهر من المحقق الثاني وغيره التفصيل بين
طول الزمان وقصره، فيجب الإعادة في الأول دون الثاني، ولعل الأقوى الأول،
أما مع عدم صدق الارتماسة الواحدة كما إذا كانت اللمعة واسعة وطال الزمان فواضح،
وأما مع صدق مسمى الارتماسة إن سلم تصور الصدق مع إغفالها كما لو كانت قليلة جدا
كتخليل ما بين بعض الأصابع مثلا. فلأن المفهوم من أدلة الارتماس أنه متى غسل جميع
جسده أي ما كان يغسله في حال الترتيب بارتماسة واحدة إجزاؤه، وفي الفرض وإن صدق
عليه أنه ارتمس ارتماسة واحدة لكن لا يصدق عليه أنه غسل جميع بدنه بارتماسة واحدة
كما هو واضح، ويشعر به ترتب الأجزاء على الارتماسة.
وما يقال في الاستدلال للوجه الثاني: أنه بعد سقوط الترتيب في حقه وقد غسل
أكثر بدنه أجزاه حينئذ ما غسله عنه، لقول أبي عبد الله (عليه السلام) (1): " فما
جرى عليه الماء قليله وكثيره فقد أجزأه " يدفعه ظهوره في الترتيب كما هو صريح غيره
مما ورد بهذه العبارة، لكونه الفرد الشائع المتعارف من الغسل، ونحوه قوله
(عليه السلام) (2): " وكل شئ قد أمسسته الماء فقد أنقيته " ويشعر به قوله
(عليه السلام): (جرى) وكذا (قليله وكثيره) على أن الظاهر إرادة الاجزاء عن
الدلك، وهو إنما يكون في الترتيب، وأيضا لو أريد به اطلاقه لنا في اشتراط الوحدة
العرفية الثابت اشتراطها بالنص والاجماع، فتأمل. مع ما فيه من المنافاة لمفهوم قوله
(عليه السلام) (3): " إذا ارتمس " إلى آخره. ومن أنه يكون حينئذ كالترتيبي بل هو

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الجنابة - حديث 3 لكن رواه عن أبي
جعفر (عليه السلام)
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 5 - 12
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 5 - 12
98

ترتيب بالعكس على أن ما يظهر - من أدلة الارتماس من اشتراط صحة غسل كل جزء
غسل الجميع بارتماسة واحدة - كاف في تقييدها، فتأمل جيدا. وأما الوجه الثالث فقد
عرفت أن مبناه الترتيب الحكمي، وفيه ما تقدم، وأما الوجه الرابع فصدق مسمى
الارتماس، وفيه أنه مبني على التفسير الثالث للارتماس، وهو مع إمكان منعه كما عرفت
محتمل لإرادة توالي الأعضاء بالهيئة العرفية للارتماس، كأن تتوالى للانغماس في الماء
أو فيه لعدم صدقه بدون ذلك، وقد وقع في كشف اللثام في المقام في تفسير القول الذي
اخترناه ما هو محل للبحث والنظر، من أراده فليراجعه.
ثم إن الظاهر من النص والفتوى عدم توقف صدق الارتماس على خروج البدن
خارج الماء، بل يمكن الاكتفاء باستمرار مغموريته في الماء لو نوى الغسل هناك ما لم يكن
قد قصد بابتدائها غسلا آخر لعدم صدق التعدد عرفا، مع احتمال الاكتفاء به أيضا،
كل ذلك للصدق العرفي سيما في الأول، فما وقع في كلام بعض متأخري المتأخرين
من الاشكال فيه في غير محله، سيما مع مكث القليل من بدنه في الماء، بل عن ابن فهد
في المقتصر ما نصه أنه لو انغمس في ماء قليل كحوض صغير أو إجانة ونوى بعد تمام
انغماسه فيه وإيصال الماء إلى جميع البدن ارتفع حدثه إجماعا، ومنه يعلم عدم اشتراط
الكثرة في الارتماس كما هو قضية إطلاق النصوص والفتاوى، فما وقع للمفيد في المقنعة
أنه لا ينبغي له أن يرتمس في الماء الراكد، فإنه إن كان قليلا أفسده، وإن كان كثيرا
خالف السنة فيه أنها دعوى عارية عن الدليل، كتعليله في التهذيب ذلك بأن الجنب
حكمه حكم النجس إلى أن يغتسل، فمتى لاقى الماء الذي يصح فيه قبول النجاسة فسد،
ولعل حمل كلامهما على إرادة الافساد لغير المستعمل بمعنى سلب طهوريته كما هو المنقول
عنهما فيما يرفع الحدث الأكبر أولى من ذلك، لما فيه من المخالفة لما عليه الإمامية،
وقد يشعر به قوله: (ولا ينبغي) أو يراد بالافساد في عبارة المقنعة مع تلوث الجنب
99

بالنجاسة، أو يراد حصول النفرة، أو غير ذلك، واحتمال التمسك لهما بما في الذكرى
من الرواية له الارتماس في الجاري أو فيما زاد على الكر من الواقف لا فيما قل
كالمروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) أنه قال: " لا يبولن أحدكم في الماء
الدائم، ولا يغتسل فيه عن جنابة " يدفعه مع فقدهما لشرائط الحجية أنه لا دلالة فيهما
على الافساد المتقدم، ولعل ذلك دليلهما على سلب الطهورية، وفيه ما تقدم سابقا،
ولولا التسامح في دليل الكراهة كان للنظر في إثباتها بهما مجال سيما الثاني.
وظاهر المصنف هنا والمعتبر كظاهر كثير من القدماء عدم سقوط الترتيب بغير
الارتماس من الجلوس تحت المطر ونحوه، وهو المنقول عن ابن إدريس، واختاره جماعة
ممن تأخر عنه، خلافا للشيخ في المبسوط فألحق بالارتماس الجلوس تحت المجرى والمطر،
وتعدى في التذكرة فألحق الميزاب وشبهه، وعن بعضهم إلحاق الصب بالإناء، ولعل
مستند الأول بعد الأصل واستصحاب حكم الحدث عموم أو إطلاق ما دل (2) على
وجوب الترتيب في الغسل، ومفهوم قوله (عليه السلام) (3): إذا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة
أجزأه " ولعل مستند الثاني - بعد دعوى صدق اسم الارتماس عليه لكونه شمول الماء للبدن
دفعة عرفية - إطلاق الأمر بالاغتسال كاطلاق قوله (عليه السلام) (4): " ما جرى
عليه الماء فقد أجزأه " ونحوه صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) (5)
قال: " سألته عن الرجل يجنب هل يجزيه غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل
رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ قال: إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك "
ومرسلة محمد بن أبي حمزة (6) عن الصادق (عليه السلام) " في رجل أصابته جنابة

(1) كنز العمال - ج 5 - ص 85 - الرقم 1794.
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث - 12 - 2
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث - 12 - 2
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث - 12 - 2
(5) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 10 - 14
(6) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 10 - 14
100

فقام في المطر حتى سال من جسده أيجزيه ذلك من الغسل؟ قال: نعم " بل ربما يتمسك
بالأخبار التي أشرنا إليها سابقا في الترتيب، كقوله (عليه السلام) في صحيح
زرارة (1): " ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك " وفي آخر (2) " ثم أفض على
رأسك وجسدك " ونحوه غيره، قلت: ولعل الأقوى الأول كما أنه أحوط لما تقدم،
مع ضعف مستند الثاني، بل ينبغي القطع بفساد الأول منه أي صدق الارتماس، ويقرب
منه في ذلك الثاني بعد ثبوت الحقيقة الشرعية، وقد عرفت أن قوله (عليه السلام):
(ما جرى) إلى آخره وارد في الترتيبي، وأما الصحيح فلعله في خلاف المطلوب أظهر،
لاشتراط الاجزاء بمشابهة الاغتسال بالماء، وهو غير ممكن إلا في الترتيبي، على أنه
يجب تنزيله على ما دل على وجوب الترتيب، بل الظاهر انصرافه إلى الترتيبي لكونه
المتبادر والفرد الشائع، والارتماس رخصة يجزي عنه، ومنه يعرف الجواب عن المرسلة
مع الغض عن إرسالها، وكذا الأخبار الأخيرة، بل قد عرفت سابقا دعوى ظهور
الاجماع على خلاف ظاهرهما، ولذا لم أجد أحدا استند إليها في المقام، مع معارضتها
بقوله (عليه السلام) (3): " ثم تصب على رأسك ثم تصب على جسدك " وغيره مما
دل على الترتيب، فتأمل جيدا.
ثم إنه هل يشترط في صحة الغسل بنوعية إزالة النجاسة عن محال الغسل عينية أو
حكمية قبل الشروع في أصل الغسل، أو يعتبر جريان ماء الغسل على محل طاهر فيكفي
إزالتها قبل غسل المحل التي هي فيه بآن ما أو يعتبر عدم بقائه نجسا بعد الغسل فيكتفى
بغسل واحد لهما، أو يفرق في ذلك بين الاغتسال بالماء الكثير كالارتماس فيه وما
إذا كانت في آخر العضو وبين ما لم يكن كذلك فيكتفى بالغسل الواحد في الأولين

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 1
101

دون الثاني، أو أنه لا يشترط شئ من ذلك، نعم يعتبر أن لا تمنع عين النجاسة
وصول الماء إلى البشرة، وإلا فيكتفى وإن بقي المحل نجسا؟ وجوه بل أقوال، إلا
أن الأول وإن كان يظهر من عبارة بعض الفقهاء كالحلبي في إشارة السبق والعلامة
وغيرهما، ويؤيده مضافا إلى الاحتياط الأخبار (1) المستفيضة جدا الآمرة بانقاء الفرج
قبل الشروع في الغسل وغسل ما أصاب من البول ثم الغسل، مع عدم قائل بالفصل
بين الفرج وغيره، بل في صحيح حكم بن حكيم (2) " ثم اغسل ما أصاب جسدك من
أذى، ثم اغسل فرجك وافض على رأسك وجسدك فاغتسل " وفي خبر يعقوب بن
يقطين (3) عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: " سألته عن غسل الجنابة فيه وضوء
أم لا فيما نزل به جبرئيل (عليه السلام)؟ قال: الجنب يغتسل يبدأ بغسل يديه إلى
المرفقين قبل أن يغمسهما في الماء، ثم يغسل ما أصابه من أذى، ثم يصب على رأسه
وعلى وجهه " إلى آخره. وربما يظهر من الغنية الاجماع عليه، حيث قال: " وأما الغسل
من الجنابة فالمفروض على من أراده الاستبراء بالبول - إلى أن قال -: وغسل ما في بدنه من
نجاسة ثم النية - إلى أن قال -: كل ذلك بدليل الاجماع ". وعن الصدوق في الأمالي
أنه من دين الإمامية، وفي شرح المفاتيح " أنه هو الظاهر من فتاوى الأصحاب،
لأنهم حين يبينون الغسل يذكرون كذلك، واتفقوا في ذكر غسل الفرج مقدما على
الغسل " انتهى. إلا أن الذي يظهر من ملاحظة جملة من عبارات الأصحاب أن ذلك
ليس محل خلاف، نعم الاشكال في وجوب إزالة النجاسة قبل محلها، ومن هنا
قال في جامع المقاصد: أنه ربما أوهم قول المصنف وجوب إزالة النجاسة قبل غسل
الاغتسال، وليس كذلك قطعا، وفي كشف اللثام أن تقديم غسل الفرج من باب

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 0 - 7
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 0 - 7
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الجنابة - حديث 1
102

الأولى قطعا، وفي الحدائق أنه لا يعقل لوجوب التقديم على أصل الغسل وجه.
قلت وربما يؤيده مضافا إلى الاطلاقات ما في صحيح حكم بن حكيم (1) عن
الصادق (عليه السلام) في حديث كيفية غسل الجنابة، قال " فإن كنت في مكان
نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك، وإن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل
رجليك " فإنه لا يخلو من دلالة على عدم وجوب إزالة النجاسة مقدما على أصل الغسل،
لكن مع ذلك فالانصاف أن القول به لا يخلو من قوة لما سمعت، وإلا فمع الاعراض
عن ذلك يشكل إثبات إيجاب الجريان على محل طاهر وإن قال في جامع المقاصد: إنه الشائع
على ألسنة الفقهاء إذ أقصى ما استدلوا به لذلك أنهما سببان، فوجب تعدد حكمهما،
فإن التداخل خلاف الأصل، وبأن ماء الغسل لا بد أن يقع على محل طاهر، وإلا
لأجزأ الغسل مع بقاء عين النجاسة، وبانفعال القليل، وماء الطهارة يشترط أن
يكون طاهرا إجماعا.
والكل لا يخلو من نظر، أما (الأول) - فبعد تسليم أن الأصل عدم التداخل -
قد يقال: إنه في المقام مما علم ذلك من الأدلة، لما يظهر منها أن المدار في إزالة النجاسات
على تحقق ماهية الغسل بماء طاهر من غير اشتراط لشئ آخر، على أن ذلك لا يقضي
إيجاب سبق الإزالة، وما عساه يقال -: إن السبق لا بد أن يتحقق هنا شرعا، وذلك
لأنه يستفاد من الشارع أن جريان الماء على المحل النجس سبب تام في تطهيره، فحيث
يوجد لا بد من وجود مسببه، وإذا وجد مسببه امتنع حصول التطهير به من الحدث
لأصالة عدم التداخل، ولا فرق في ذلك بين النسيان وغيره - مدفوع بأن فيه مع
إمكان القلب تقييد لأدلة الغسل، كقوله (عليه السلام) (2): " الجنب ما جرى

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الجنابة - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الجنابة - حديث 3
103

عليه الماء فقد أجزأه " ونحوه بما إذا لم يكن ما جرى عليه نجسا من غير دليل، بل ظاهر
الأدلة خلافه، إذ (لكل امرئ ما نوى) (1) ونحوه ينافي صرف الغسل الذي نوى به
المكلف أنه لرفع الحدث إلى إزالة النجاسة دون ما نواه من غير مقتض له، على أنه
لا معنى لأصالة عدم التداخل سوى ما يظهر من الخطابات من التعدد، ولا شك في أن
الظاهر من ملاحظتها في خصوص المقام خلاف ذلك، فإنه إن ارتمس حينئذ في ماء
كثير وكان في بدنه نجاسة لا تمنع وصول الماء إلى البشرة حصلت الطهارتان معا حينئذ فتأمل.
وأما (الثاني) فهو مصادرة واضحة، وما ذكره من اللازم نمنع بطلانه، فلو
فرض أنه كان على بدنه نجاسة لا تمنع وصول الماء إلى البشرة ثم ارتمس في ماء كثير ولم
تزل عين تلك النجاسة حصلت الطهارة من الحدث دون الخبث، وكذا لو فرض أن
بدنه نجس نجاسة تحتاج إلى غسلتين، فيرتفع الحدث بالغسلة الأولى ويبقى الخبث موقوفا
على الثانية.
وأما (الثالث) فهو - مع عدم جريانه في الاغتسال بالماء الكثير ونحوه وابتنائه
على نجاسة ماء الغسالة قبل الانفصال - إنا نمنع الاجماع على اشتراط الطهارة بحيث يشمل
المقام، إذ أقصى ما يمكن تسليمه اشتراط الطهارة قبل تحقق الغسل به، ولعله لذلك كله
قال الشيخ في المبسوط: " وإن كان على بدنه نجاسة أزالها ثم اغتسل، فإن خالف
واغتسل أولا فقد ارتفع حدث الجنابة، وعليه أن يزيل النجاسة إن كانت لم تزل
بالغسل، وإن زالت بالاغتسال فقد أجزأه عن غسلها " انتهى، فإن ظاهره عدم اشتراط
الجريان على محل طاهر مع القول بالتداخل، لكن يظهر منه إيجاب الإزالة أولا،
وكأنه لما سمعت من الأخبار السابقة، ولعله فهم منها الوجوب التعبدي لا الشرطي،
ولذا لم يحكم بفساد الغسل عند المخالفة، وفيه أنه بعد العمل بتلك الأخبار لا ريب في
ظهورها في الوجوب الشرطي، وبالتأمل في جميع ما ذكرنا يظهر لك وجه كل واحد

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات - حديث 10
104

من الأقوال المتقدمة عدا القول بالتفصيل المتقدم، فإنه ليس له وجه ظاهر سالم عن
التأمل والنظر، والاحتياط لا ينبغي أن يترك بحال سيما في مثل المقام، لمكان توقيفية
العبادة، واستصحاب الحدث، واشتهار اشتراط طهارة ماء الغسل والجريان على محل
طاهر، حتى أنه يمكن ادعاء تنزيل إجماع الغنية ونحوه عليه، فينبغي أن يغسل النجاسة
أولا ثم يجري الماء لرفع الحدث، وأحوط منه إزالة النجاسة سابقا على الشروع في الغسل.
وظاهر المصنف عدم وجوب الموالاة في الغسل بمعنييها كما هو المصرح به في
عبارات الأصحاب من غير خلاف يعرف، بل ادعى عليه الاجماع جماعة، كما هو
ظاهر آخرين، ويدل عليه - مضافا إلى ذلك وإلى الأصل والاطلاقات وما تقدم من
قصة أم إسماعيل - خبر إبراهيم بن عمر اليماني (1) عن الصادق (عليه السلام) قال:
" أن عليا (عليه السلام) لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة، ويغسل سائر جسده
عند الصلاة " وصحيحة حريز (2) السابقة في باب الوضوء قال: قلت: " وكذلك
غسل الجنابة، قال: هو بتلك المنزلة، وابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك،
قلت: وإن كان بعض يوم قال: نعم " وما عن الفقه الرضوي (3) " ولا بأس بتبعيض
الغسل تغسل يديك وفرجك ورأسك، وتؤخر غسل جسدك إلى وقت الصلاة، ثم
تغسل إن أردت ذلك " وقضية الاجماعات المتقدمة على نفي وجوبها كما هو قضية الأصل
والاطلاق أنه لا فرق في ذلك بين الأعضاء والعضو الواحد، ولعل أخبار اللمعة تشعر
به أيضا، والمراد بعدم وجوبها إنما هو في أصل الغسل، أما إذا عرض لوجوبها بمعنى
المتابعة عارض خارجي فلا إشكال في الوجوب، كما لو نذرها بناء على استحبابها على
ما صرح به بعضهم، أو ضاق الوقت أو غير ذلك، وقيل إنه منه ما لو خيف فجأة

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الجنابة - حديث 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الجنابة - حديث 3 - 2
(3) المستدرك - الباب - 20 - من أبواب الجنابة - حديث 1
105

الحدث كالسلس والمبطون والمستحاضة، وهو مبني علي فساد الغسل بعروضه في أثنائه
ويأتي التحقيق فيه، مع احتمال عدم الوجوب أيضا كما أنه لا يجب عليهم مراعاة زمان
القلة، أما إذا خاف عروض الحدث الأكبر فربما احتمل الوجوب محافظة على سلامة
العمل من الابطال، وفيه بعد تسليم حرمة الابطال في مثله أنه بطلان لا إبطال، نعم
يجب الاستيناف، أما إذا كان مستمرا فقيل إنه يجب فيه الموالاة، لعدم العفو عن
القدر الضروري كما تقدم مثله في الوضوء، وفيه تأمل يعرف مما سبق.
(وسنن الغسل تقديم النية) بناء على أنها الاخطار، وفد يتأتى ذلك على الداعي
في وجه (عند غسل اليدين) كما في المبسوط والسرائر والتذكرة وعن الاصباح ونهاية
الإحكام، والمراد بغسل اليدين المستحب في الغسل على ما سيأتي التعرض له، ولعل
وجه استحباب التقديم كونه أول أجزاء الغسل المندوبة، وفي المعتبر والقواعد وغيرها
أنه يجوز تقديم النية عند ذلك، وقد يظهر من بعضهم التردد في الجواز فضلا عن الاستحباب
لعدم ثبوت الجزئية، وفيه نظر لما يظهر من ملاحظة الأخبار من إدخاله في كيفية الغسل
حتى أن في بعضها كالخبر المنقول عن مجالس الصدوق (1) التصريح بذلك، حيث
روى عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " لا بأس بتبعيض الغسل، تغسل يدك
وفرجك ورأسك، وتؤخر غسل جسدك إلى وقت الصلاة " إلى آخره، اللهم إلا أن
يقرأ بفتح الغين فيخرج عن الاستدلال حينئذ، نعم ربما يناقش في اقتضاء ذلك
استحباب التقديم، لكن يمكن أن يقال: إنه متى أريد الاتيان باستحباب غسل اليدين
يتعين إتيان النية، إذ تأخيرها عند غسل الرأس يستلزم حصولهما بغير نية، أو إفرادهما
بنية مستقلة، وفي الأول ما لا يخفى، كما أن الثاني لا يخلو من إشكال، وإلا لجاز
إفراد أول الأجزاء الواجبة بذلك، وأيضا الغسل ماهية شاملة للكامل وغيره، فمتى

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الجنابة - حديث 4
106

أريد التقرب بالأول مثلا كان ابتداؤه غسل اليدين، فهو أحد أفراد الواجب المخير
وأفضلها، ولعله لذلك قال في المنتهى: " إن وقتها عند غسل اليدين، لأنه بدء أفعال
الطهارة " انتهى فيراد بمقابل المستحب حينئذ أنه يترك غسل يديه ويجعل النية عند
غسل الرأس، لا أنه يغسل يديه مؤخرا لنيته، لكنه خلاف الظاهر جدا، وعلى كل
حال (فتتضيق عند غسل الرأس) ولعل الأحوط فعلها عند غسل اليدين ثم تجديدها
عند غسل الرأس.
(و) من سننه (إمرار اليد على الجسد) إذا لم يتوقف عليه إيصال الماء إلى
البشرة ولم يختر المكلف الغسل به، وإلا كان واجبا معينا على الأول ومخيرا على الثاني،
وبدون ذلك لا إشكال في عدم وجوبه، بل حكى عليه الاجماع جماعة، وهو الحجة،
مضافا إلى الأصل وصدق الغسل بدونه، وخلو كثير من الأخبار المبينة لكيفية الغسل
عنه، ولما دل على الاجتزاء بجريان الماء كما في صحيح زرارة وغيره (1) وفي خبر
إسماعيل بن زياد (2) " كن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) إذا اغتسلن من الجنابة
يبقين صفرة الطيب على أجسادهن، وذلك لأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمرهن
أن يصببن الماء صبا على أجسادهن " وفي أخبار الارتماس التصريح بالاجتزاء بارتماسة
واحدة وإن لم يدلك جسده، بل لعل ثبوت الاستحباب بالنسبة إلى الغسل الارتماسي
محل نظر، سيما إذا أريد استمرار اليد على سائر الجسد، للأصل مع عدم المعارض،
مع تعسره في غالب الأوقات، وإطلاق الأصحاب منزل على الترتيبي، لأنه هو
الشائع من الغسل، وكان مستنده في الترتيبي مضافا إلى الاجماع في المعتبر وغيره عليه
ما في المروي عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) (3) في السؤال

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة حديث 0 - 11
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الجنابة حديث 2 عن ابن أبي زياد
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة حديث 0 - 11
107

عن الاغتسال بالمطر قال: " إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه إلا أنه ينبغي له أن يتمضمض
ويستنشق ويمر يده على ما نالت من جسده " وما عن الفقه الرضوي (1) بعد ذكر صفة
الغسل ترتيبا. ثم قال: " تمسح سائر بدنك بيديك " والتعليل بالاستظهار في وصول
الماء إلى البشرة كما وقع من جماعة، لكن قد يناقش بأنه لا معنى له بعد حصول العلم،
وقبله يكون واجبا لعدم الاكتفاء بالظن.
ومن هنا ظهر من بعض متأخري المتأخرين القول فيه بالاستحباب التعبدي
للاجماع المنقول من غير مدخلية للاستظهار، قلت: قد يدفع بأنه معقول ولو مع حصول
العلم، لتفاوت مراتب العلم كالظن، نعم قد يتجه ذلك بالنسبة إلى بعض الجسد،
لوصول العلم بتحقق الغسل فيه إلى حد غير قابل للزيادة، أو يقال: إن المستحب له
اختيار الغسل بامرار اليد، فيكون أفضل أفراد الواجب المخير لما فيه من الاستظهار،
نعم لولا سهولة أمر الاستحباب لأمكن المناقشة في ثبوته بالنسبة إلى سائر البدن سيما إذا
كان المنشأ الاستظهار، لكن ربما يؤيد التعبد خبر عمار بن موسى الساباطي (2) سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) " عن المرأة تغسل وقد امتشطت بقرامل ولم تنقض شعرها
كم يجزيها من الماء؟ قال: مثل الذي يشرب شعرها، وهو ثلاث حفنات على رأسها،
وحفنتان على اليمين، وحفنتان على اليسار، ثم تمر يدها على جسدها كله " فإنه لو أريد
الاستظهار لكان ينبغي فعله بعد كل عضو لا بعد تمام الغسل، إذ لو كان في الجانب
الأيمن مثلا شئ لم يكن غسل الأيسر صحيحا، وعلى كل حال فالأمر سهل. (و) منه
يظهر لك أنه يستحب (تخليل ما يصل إليه الماء استظهارا).
(و) من سننه (البول أمام الغسل والاستبراء) وظاهره استحبابهما معا من غير

(1) المستدرك - الباب - 17 - من أبواب الجنابة - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الجنابة - حديث 6
108

فرق بين تقديم كل منهما على الآخر، ولم أعرف له دليلا كما أني لم أعرف من عبر به
غيره من القائلين بالاستحباب إلا ابن فهد في الموجز، بل ولا هو في غير هذا الكتاب،
نعم يقرب منه ما في البيان، ويستحب تقديم الاجتهاد على الأصح بالبول ثم الاجتهاد،
ونحوه ما في الروضة، مع أنه لا دليل عليه أيضا، إذ استحباب الاجتهاد بعد البول
إنما هو من آداب التخلي لا من آداب الغسل، ولعل وجه ما في المتن هو التخلص
من شبهة خلاف الجعفي على ما نقل عنه من إيجابهما معا إن قلنا بصحة مثل ذلك منشئا
لمثله، وفي السرائر والقواعد تقييد الثاني بما إذا لم يتيسر الأول، كما أنه اقتصر على
الثاني أعني الاستبراء بالخرطات في النافع والتحرير، وأطلق الاستبراء في الإرشاد واللمعة.
وكيف كان فالظاهر أن المشهور بين المتأخرين كما حكى ذلك بعضهم عدم وجوب
شئ منهما في صحة الغسل، وهو المنقول عن المرتضى (رحمه الله) للأصل وخلو كثير
من الأغسال البيانية عنه، ومفهوم قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (1): " من
اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا فقد انتقض غسله " وما يستفاد من فحوى
غيره من الأخبار (2) من تعليق إعادة الغسل لمن لم يبل على خروج البلل المشتبه مع
إشعارها بتركه قبل الغسل، خلافا لظاهر الهداية والمهذب والاستبصار وإشارة السبق
من إيجاب البول، وللمقنعة والوسيلة والجامع من إيجاب البول، فإن لم يتيسر فالاجتهاد،
وللمراسم وعن الجعفي من إيجابهما معا مع التصريح في الأول بالاكتفاء بالاجتهاد مع تعذر
البول، وللمبسوط والغنية من التخير بينهما مع زيادة الثاني إيجاب الاستبراء من البول،
وللكافي من إلزام مريد الغسل الاستبراء بحيث يتيقن الاستنجاء على كل حال، وما
عن الكامل والمصباح ومختصره والاصباح والجمل والعقود والكيدرى من الوجوب،
لكن لم تنقل لنا عباراتهم لنعرف كيفيته، وفي الذكرى أنه لا بأس بالوجوب محافظة من

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة حديث 7 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة حديث 7 - 0 -
109

طريان مزيله، ومصيرا إلى قول معظم الأصحاب، وربما مال إليه في جامع المقاصد كالدروس
وكيف كان فقد احتج عليه بما دل (1) على إعادة الغسل مع الاخلال به لو خرج
منه بلل مشتبه، وهو خلاف المدعى، بل قد عرفت أن تلك الأخبار في الدلالة على
المطلوب أظهر من وجوه. والأولى الاستدلال عليه - مضافا إلى الشغل اليقيني في وجه
وإجماع الغنية بصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر (2) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن غسل الجنابة، قال: تغسل يدك من المرفقين إلى أصابعك،
وتبول إن قدرت على البول، ثم تدخل يدك الإناء " إلى آخرها. وضعيفة أحمد بن هلال (3)
قال: " سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول، فكتب أن الغسل بعد البول إلا أن
يكون ناسيا فلا يعيد منه الغسل " وما فيها من الضعف منجبر باجماع الغنية وبذهاب
معظم الأصحاب كما في الذكرى وجامع المقاصد، قلت: ولا ريب أن الأول أقوى،
بل يمكن ادعاء الاجماع على الصحة لما في المختلف بعد نقل القولين " إنهم اتفقوا على أنه
لو أخل به حتى وجد بللا بعد الغسل فإن علم أنه مني أو اشتبه عليه وجب الغسل، وإن
علم أنه غير مني فلا غسل " انتهى. ونحوه غيره في استظهار ذلك، ومنه يعلم حينئذ
إرادة الوجوب التعبدي في كلامهم، فيسقط الاستدلال بالشغل وبالضعيفة الأخيرة،
مضافا إلى اشتمالها على التفصيل الذي لم يعلم به قائل، بل يمكن دعوى أن النزاع لفظي،
وأن مراد الموجبين إنما هو اشتراط عدم إعادة الغسل مع خروج المشتبه بذلك، كما

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 0 - 12
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الجنابة - حديث 3 لكن رواه عن الرضا
(عليه السلام) وفي تنقيح المقال للمامقاني عن النجاشي " أن أحمد بن محمد بن أبي نصر
البزنطي لقي الرضا والجواد (عليهما السلام) " وعن الشيخ " أنه كان من أصحاب الكاظم
والرضا (عليهما السلام) " وعن الفهرست " أنه لقي الرضا (عليه السلام) " وعن
الخلاصة " أن له اختصاص بأبي الحسن الرضا وأبي جعفر الجواد (عليهما السلام) "
(3) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 0 - 12
110

يشعر به استدلاله عليه في الاستبصار بالأخبار المتضمنة لهذا الحكم، وتفريع هذا الحكم
عليه في المبسوط والمراسم والمهذب والجامع، فتحمل باقي العبارات عليه، ولذا قال
في كشف اللثام: " ويمكن انتفاء النزاع لاتفاق الكل على أن الخارج من غير المستبرئ
إذا كان منيا أو اشتبه به لزم إعادة الغسل، ولا شبهة في بقاء أجزائه في المجرى إذا لم
يستبرئ، فإذا بال وظهر منه بلل تيقن خروج المني أو ظنه فوجب إعادة الغسل، ولعله
الذي أراده الموجبون " انتهى. وهو جيد سوى ما يظهر منه من إيجاب الغسل بالبول
لما فيه من خروج المني أو مظنونه، فإنه - مع إمكان منع لزوم خروج شئ مع البول
إذ قد يكون بولا محضا أو يعلم أنه مذي أو وذي أو غير ذلك - فرق بين الاشتباه في
البلل بعد القطع بخروجه وبين الاشتباه في أصل الخروج، فقوله: إذا بال يتيقن أو
يظن خروج المني فيه ما لا يخفى، فإنه مع تسليم حصول الظن غير مجد، فتأمل جيدا.
وأما الصحيحة المتقدمة فهي مع كون الأمر فيها بالجملة الخبرية غير صريحة، لورودها في
سياق الأمر المستحب، مضافا إلى عدم صلاحيتها للاستدلال لما يظهر من بعض العبارات
المتقدمة، إذ لم تقيد بالقدرة على البول، وقد يشعر بالاستحباب النبوي (1) أيضا
" من ترك البول على أثر الجنابة أو شك تردد بقية الماء في بدنه، فيورثه الداء الذي
لا دواء له " ومما عرفت يظهر لك ضعف الظن باجماع الغنية، على أنه منقول على وجوب
البول والاجتهاد فيه ثم الاستبراء من البول، مع أن ما سمعت من عبارات الأصحاب
تشهد بخلافه.
ثم إن المتبادر من النص والفتوى اختصاص استحباب الاستبراء بالمجنب بالانزال،
وبه صرح جماعة، ونسب إلى المشهور، لظهور أن الحكمة في الاستبراء المشار إليها في
الروايات (2) من اخراج أجزاء المني هي في المنزل خاصة، وما في الذخيرة - من الايراد

(1) المستدرك - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 1 مع اختلاف في اللفظ
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة
111

على ذلك بمنافاته لعموم الروايات، ومنع انتفاء الفائدة، إذ عسى أن ينزل ولم يطلع
عليه أو احتبس شئ في المجاري لكون الجماع مظنة لنزول الماء - ضعيف، لعدم
الانصراف لمثل ذلك بعد تسليم إمكان وقوعه سيما مع ملاحظة علامات المني، نعم
احتمل في الذكرى استحباب الاستبراء مع احتمال خروج المني أخذا بالاحتياط، ولا
بأس به، لكن لا يجب عليه الغسل بخروج البلل منه قطعا، كما أنه لا يجب على المرأة
بذلك وإن كانت مجنبة بالانزال استصحابا ليقين الطهارة، مع ظهور اختصاص أدلته
بالرجل خاصة، مضافا إلى ما في صحيح سليمان بن خالد (1) من أنها لا تعيد الغسل له
معللا بأن ما يخرج منها إنما هو من ماء الرجل، ومنه مع الأصل يعلم أنه لا استبراء عليها
كما هو المشهور بين الأصحاب. لظهور أن فائدته ذلك، وهي منتفية، وكأنه لاختلاف
المخرجين، ولعل ما في نهاية الشيخ - من ثبوت الاستبراء لها بالبول، فإن لم يتيسر
فالاجتهاد، والمقنعة من أنه ينبغي لها أن تستبرئ بالبول، فإن لم يتيسر فلا شئ عليها -
لا يلزم منه إثبات حكم البلل المشتبه على الخارج منها، بل هو نزاع في أصل ثبوت
الاستبراء لها بالبول أو الاجتهاد، فما احتمله بعضهم من احتمال جريان حكم البلل على
الخارج منها مطلقا أو إذا لم تستبرئ ضعيف لا يلتفت إليه، ولعل الحكم بالاستحباب
للاستظهار - ولأن المخرجين وإن تغايرا يؤثر خروج البول في خروج ما تخلف إن
كان وخصوصا مع الاجتهاد - لا يخلو من وجه، أما الوجوب فينبغي القطع بعدمه،
وقد يأتي للمسألة تتمة إن شاء الله تعالى، وأما الخنثى المشكل فلا يبعد إلحاقه بالرجل في
الاستبراء والبلل حيث يحصل الانزال منه بآلة الذكر مع حصول الجنابة بذلك على تأمل
ونظر، ومن التأمل فيما تقدم يعلم الحكم في الرجل المعتاد إنزال المني من غير المعتاد، فإن
الظاهر عدم جريان الحكم على بلله كعدم ثبوت الاستبراء بالنسبة إليه.

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 10
112

(وكيفيته) أي الاستبراء من البول والمني (أن يمسح من المقعد إلى أصل
القضيب ثلاثا، ومنه إلى رأس الحشفة ثلاثا، وينتره ثلاثا) فيكون المجموع تسعا
على الترتيب الظاهر من العبارة، كما هو صريح الصدوق فيه وفي التسع أيضا، وكذا
المنتهى والقواعد والتحرير والتذكرة والذكرى والدروس والروض والروضة، وربما
كان هو أي اعتبارها ظاهر المبسوط والنهاية وغير هما خلافا للمفيد، فاكتفى بمسح ما تحت
الأنثيين إلى أصل القضيب مرتين أو ثلاثا، ويمر المسبحة والابهام باعتماد قوي من
أصله إلى رأس الحشفة مرتين أو ثلاثا، ولأبي الصلاح في الكافي لاكتفائه بحلب القضيب
من أصله إلى رأس الحشفة دفعتين أو ثلاثا ويعصرها، وللصدوق في الفقيه لاكتفائه
بالمسح من عند المقعدة إلى الأنثيين ثلاث مرات ثم ينتر ذكره ثلاث مرات، وهو
ظاهر الوسيلة والمراسم والنافع وكذا الغنية والسرائر وغيرها، ومحتمل المبسوط والنهاية
وإشارة السبق، وللمنقول من علم الهدى لاكتفائه بنتر الذكر من أصله إلى طرفه
ثلاث مرات.
وكيف كان فقد عرفت إنا لم نقف على ما يدل صريحا على استحباب هذا القسم
من الاستبراء في خصوص ما نحن فيه أي الجنابة، فضلا عما يدل على كيفيته، ولعله
لأنه لا فرق بينه وبين المذكور في البول كما يظهر من كلمات الأصحاب، فنقول حينئذ
لعل مستند الأول - بعد كونه أبلغ في الاستظهار وأقرب إلى العلم بحصول البراءة الذي
هو معنى الاستبراء - الجمع بين الأخبار من الأمر بنتره ثلاثا، ثم إن سال حتى بلغ
الساق فلا يبالي في خبر حفص بن البختري (1) ومن الأمر بعصر الذكر من أصله إلى
رأسه ثلاث عصرات وبنتر طرفه كما في حسن ابن مسلم (2) وعن مستطرفات السرائر

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب نواقض الوضوء - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام الخلوة - حديث 2
113

أنه رواه عن كتاب حريز، ومن قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الملك بن
عمرو (1): " إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهما ثم
استنجى فإن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي " على أن يكون ضمير بينهما راجعا إلى الأنثيين
للقرب ونحوه. وأما احتمال رجوعه إليهما مع المقعدة - على إرادة غمز ما انتهى إليه خرط
المقعدة فإن ذلك بينهما حقيقة ولغمزة زيادة مدخلية في اخراج المتخلف كما هو مشاهد -
يبعده أنه لم يقل أحد بوجوبه، وقول النبي (صلى الله عليه وآله) في خبر الكاظم
مسندا له عن آبائه (عليهم السلام) كما عن نوادر الراوندي (2): " من بال فليضع إصبعه
الوسطى في أصل العجان ثم يسلها ثلاثا " وبهذا الاسناد قال: " كان النبي (صلى الله
عليه وآله) إذا بال نتر ذكره ثلاث مرات " (3) فإن ملاحظة جميع هذه الأخبار بعد
تحكيم منطوق بعضها على مفهوم الآخر ومقيدها على مطلقها يفيد إثبات التسع، هذا.
مع أن احتمال أن يكون ذلك أيضا مقتضى الأصل، لاجمال لفظ الاستبراء المعلق عليه
عدم الالتفات إلى البلل الخارج بعده.
نعم لا يستفاد من الأخبار إيجاب الثلاثة المتوسطة أن تكون مسحا كما هو ظاهر
المصنف وغيره، بل يكتفى بالعصر والغمز ونحوهما، ولعل ذكره في كلامهم غير مقصود
به التعيين، واحتمال الجمع بين هذه الأخبار - بأن المستحب الاستظهار بحيث لا يتخلف
شئ من أجزاء البول وذلك قابل للشدة والضعف ويتفاوت بقوة المثانة وضعفها - ضعيف
لا محصل له، كالجمع بأن مدارها حصول العلم والاطمئنان ببراءة المجرى من المقعدة إلى
رأس الذكر من أجزاء البول، فيدور مداره وجودا وعدما من غير فرق في العدد
زيادة ونقيصة، فإنه لا شاهد له، بل ظاهر الأخبار يقضي بخلافه، وكيف لا

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب نواقض الوضوء - حديث 2
(2) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب أحكام الخلوة - حديث 3 - 1
(3) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب أحكام الخلوة - حديث 3 - 1
114

وظاهرها حصول الاكتفاء بالمسحات المذكورة بالنسبة إلى عدم اعتبار البلل المشتبه حصل
الاطمئنان ببراءة المجرى أو لا، على أنه متى يحصل العلم وقد يكون هذه الكيفية لها
مدخلية في قطع دريرة البول مع براءة المجرى، وكذا ما يقال: من الجمع بالتخيير في
مضامين تلك الروايات، وهو كأنه خرق للاجماع المركب، ولم نعثر على ما يدل
على ما سمعته من المفيد وأبي الصلاح، بل فيما سمعت من الروايات ما يدل على خلافه.
وأما مختار الصدوق ومن تابعه فقد يستدل له مع الأصل في وجه بصحيح حفص
المتقدم منضما إلى حسن عبد الملك بن عمرو مع حمل الغمز فيه على التثليث الذي في الصحيح
مع عدم القول بالفصل وإعادة ضمير التثنية فيه إلى الأنثيين، وفيه أنه طرح لحسن ابن
مسلم المتقدم عند التأمل، لكن قال في الرياض تبعا لكشف اللثام: أنه لا فرق بين
هذا القول والقول بالتسع، وكأنهما فهما منه إرادة الجمع بين مسح القضيب من أصله
إلى رأسه مع نتره كذلك بأن يضع مسبحته تحت القضيب وإبهامه فوقه مثلا، ويمسح
باعتماد قوي من الأصل إلى الرأس ناترا له في هذا الحال من أصله إلى رأسه، ولا يخفى
ما فيه من التكلف، مع أن التأمل في عباراتهم يأباه أيضا سيما ما اشتمل منها على لفظة
(ثم) المفيدة للترتيب، على أن حسن ابن مسلم المتقدم (وينتر طرفه) يشعر بخلافه أيضا،
كما أن ظاهر كلام أهل التسع العمل به، لتعبيرهم بنتر الذكر الصادق بنتر طرفه،
ولا يشترطون نتر الذكر من أصله، نعم لا يبعد في النظر الاكتفاء بالطريق المذكور وإن
كان الأحوط مراعاة التسع منفصلة غير مفصول بين آحادها، والظاهر عدم إيجاب
ما وقع في عبارات بعضهم من مسح ما بين المقعدة بالوسطى وكذا وضع المسبحة والابهام
في الثلاثة المتوسطة، للأصل مع إطلاق الأدلة السالمة عما يصلح للحكم عليها، وما في خبر
الراوندي محمول على الاستحباب، وكأن هذا التقدير في كلام الأصحاب إنما هو
لكونه أمكن في حصول الاستظهار، ومما سمعت تعرف ضعف مستند المرتضى من
115

الصحيح المتقدم، لمعارضته بغيره من الأخبار، مع أن كلامه محتمل للتنزيل على المختار،
فتأمل. وكذا ما نقل عن علي بن بابويه من الاكتفاء بمسح ما تحت الأنثيين ثلاثا لحسن
عبد الملك بن عمرو، وقد عرفت أن الأولى فيه إرجاع الغمز إلى الأنثيين، فيخرج
عن الاستدلال به له، وربما زاد بعضهم في الاستبراء التنحنح ثلاثا، ولا دليل عليه.
وفائدة الاستبراء بالنسبة للبول الحكم بعدم ناقضية الخارج من البلل المشتبه بعده،
بخلاف ما إذا كان قبله بلا خلاف أجده فيهما، كما نفاه عنه فيهما ابن إدريس، وما
عساه يظهر من الاستبصار من الخلاف في الثاني ضعيف جدا، ويظهر من بعضهم دعوى
الاجماع على خلافه، ويدل عليه مضافا إلى ذلك السنة (1) ويستفاد منها أيضا خبثيته
كحدثيته للأمر فيها بالاستنجاء منه وغير ذلك، وبها ينقطع أصالة الطهارة وقاعدة
اليقين، وما في بعضها مما ينافي ذلك محمول على ضرب من التأويل، وحكم المرأة في
استحبابه لها وأمر البلل الخارج منها ما تقدم سابقا في الخارج منها بعد الانزال، وربما
ألحق بعض مشائخنا بالاستبراء طول المدة وكثرة الحركة بحيث لا يخاف بقاء شئ في
المجرى، وهو لا يخلو من وجه بعد حصول القطع بذلك، وإلا فاطلاق الأدلة ينافيه،
بل يمكن المناقشة حتى في صورة القطع، لاحتمال مدخلية الكيفية الخاصة في قطع دريرة
البول، لكنها ضعيفة، ولعل الظاهر عدم سقوطه بقطع الحشفة، بل ولا ثلاثة النتر،
نعم لو كان الذكر مقطوعا من أصله أمكن الاجتزاء بثلاثة المقعدة، والظاهر عدم اشتراط
المباشرة في الاستبراء، فيجزي التوكيل، بل والتبرع، وهل يدور الحكم في البلل
مدار اشتباهه عند من خرج منه البول، فحيث لا يعلم منه ذلك لم يحكم بنجاسته مثلا،
كما لو خرج بلل من غير المستبرئ وكان مجنونا أو كان نائما لا يعلم به وعلم به الغير
ونحو ذلك، أو لا؟ الأقرب الثاني، لما عساه يظهر من الأدلة أن الأصل في البلل

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة
116

الخارج قبل الاستبراء إلحاقه بالبول، وعليه حينئذ فلو خرج من غير المستبرئ بلل
وكان بحيث لا يمكن اختباره إما لظلمة أو غير ذلك وجب عليه إجراء حكم البول من
حدثية وخبثية، بل يمكن إلحاق الأخير بالمشتبه، إذ هو أعم من الاشتباه بعد الاختبار.
(و) من سنن الغسل أيضا من غير خلاف يعرف فيه بل حكى عليه الاجماع
بعضهم (غسل اليدين ثلاثا قبل إدخالهما الإناء) لكن هل هو من الزندين كما عساه
يظهر من إطلاق لفظ اليدين في النص (1) والفتوى، وصريح كثير من الأخبار (2)
بالكفين، وصريح الرضوي (3) وقضية جمعه مع الغسل من حدث النوم والغائط (4)
كما تقدم في الوضوء، أو من نصف الذراع كما لعله يظهر من مرسل يونس (5) وربما
يرجع إليه في وجه موثقة سماعة (6) " فليفرغ على كفيه فليغسلهما دون المرفق " أو من
المرفق كما في صحيحة يعقوب بن يقطين وغيرها (7) وجمع بينها بعض المتأخرين بتفاوت
مراتب الفضيلة، فأفضلها من المرفق، ثم من نصف الذراع، ثم من الزندين، وهو
بعيد جدا، بل كاد يكون كلام الأصحاب صريحا بخلافه، كموثقة سماعة المتقدمة في احتمال
أن يراد بقوله (عليه السلام): (دون المرفق) غسل المرفق لا التحديد للمسافة،
ولذا لم ينقل الفتوى باستحباب الغسل من المرفق والنصف إلا عن الجعفي، لكن أمر
الاستحباب هين، ولولا مخافة الخروج عن كلام الأصحاب لأمكن دعوى أنه يتحصل
من الأخبار أن استحباب غسل الكفين إنما هو من حيث مباشرة ماء الغسل لمكان توهم

(1) المستدرك - الباب - 17 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة
(3) المستدرك - الباب - 17 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الوضوء - حديث 2
(5) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الجنابة - حديث 1
(6) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 8
(7) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الجنابة - حديث 1 و 3
117

النجاسة، ولذا كان في بعضها (1) " أنه إن لم يكن أصاب كفه شئ غمسها في الماء "
إلى آخره وأما الغسل من المرفق فهو مستحب من حيث الغسل فيكون كالمضمضة مثلا.
وكيف كان فظاهر المصنف كظاهر غيره من الأصحاب اشتراط التثليث في ذلك،
بل في المعتبر وعن الغنية الاجماع مع التعبير بعبارة المصنف كالرضوي، وخبر حريز (2)
ومرسل الفقيه (3) " اغسل اليد من حدث الجنابة ثلاثا " وفي الصحيح المتقدم (4)
سابقا في باب الوضوء عن الصادق (عليه السلام) أنه قال " واحدة من حدث البول،
واثنتان من الغائط، وثلاث من الجنابة " وبه يقيد الاطلاقات، فلا يجتزى بالمرة
والمرتين حينئذ إلا أن القول بالاجتزاء لا يخلو من قوة، وأن التثليث مستحب في
مستحب، لضعف نحو هذا المفهوم بحيث يصلح للتقييد المذكور.
ثم إن ظاهر عبارة المصنف اختصاص الاستحباب المذكور فيما إذا كان الاغتسال
بالاغتراف من إناء لا ما إذا كان من الماء الكثير، أو كان الغسل ارتماسيا أو تحت
المطر، خلافا للمنقول عن العلامة فأثبته مطلقا، وقد يشهد له ما يظهر من بعض
الأخبار (5) من استحباب ذلك للغسل مطلقا، ولعله لا يخلو من قوة، وتقدم في
الوضوء ما له نفع في المقام، فلاحظ وتأمل.
(و) كذا يستحب (المضمضة والاستنشاق) بلا خلاف أجده فيهما هنا، بل حكى
عليه الاجماع جماعة، ويدل عليه مضافا إلى ذلك الأخبار الكثيرة (6) وما في بعضها
(7) مما يعارض ذلك لتضمنها كونهما ليسا من الغسل محمول على أنه ليس من واجباته

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الوضوء - حديث 3 - 4 - 1
(3) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الوضوء - حديث 3 - 4 - 1
(4) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الوضوء - حديث 3 - 4 - 1
(5) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة حديث 1
(6) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الجنابة - حديث 0 - 6
(7) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الجنابة - حديث 0 - 6
118

كما هو المنقول عن كثير من العامة، وكذا ما في بعضها (1) ليستا من السنة أي مما
وجب بالسنة، وفي الوسيلة والسرائر والتحرير والذكرى كما عن غيرها استحباب ذلك
ثلاثا ثلاثا، ولم نقف لهم على ما يدل عليه سوى ما ينقل من عبارة الفقه الرضوي (2)
" وقد نروي أن يتمضمض ويستنشق ثلاثا وروي مرة مرة تجزيه وقال: الفضل الثلاث
وإن لم يفعل فغسله تام " إلى آخرها. وتقدم في الوضوء ما له نفع في المقام. فلاحظ وتأمل.
ثم إن الظاهر من بعض الأخبار (3) هنا ترتيب المضمضة والاستنشاق على غسل
اليدين وإن كان لا ترتيب بينهما، ومقتضاه عدم حصول الاستحباب إن خالف ذلك،
لكنه لا يخلو من إشكال.
(و) يستحب أن يكون (الغسل بصاع) إجماعا محصلا ومنقولا خلافا للمنقول
عن أبي حنيفة فأوجبه، ولذا وجب حمل قول أبي جعفر (عليه السلام) (4) في صحيح
زرارة أن " من أنفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع " على ضرب من التأويل كالحمل
على الاستحباب، واشتراط تحصيل هذه الوظيفة بالصاع أو غير ذلك، لما عرفت من
الاجماع، ولما دل من الاجتزاء بحصول مسمى الغسل ولو كالدهن وغيره، وأما ما يقضي
به مفهومه حينئذ - من عدم الاستحباب مع الاشتراك كما هو ظاهر صحيح معاوية بن
عمار (5) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يغتسل بصاع، وإذا كان معه بعض نسائه يغتسل بصاع ومد " وصحيح
محمد بن مسلم (6) عن أحدهما (عليهما السلام) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الوضوء - حديث 6
(2) المستدرك - الباب - 15 - من أبواب الجنابة
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الجنابة - حديث 1 و 2
(4) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب الجنابة حديث 4 - 3
(5) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب الجنابة حديث 4 - 3
(6) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب الجنابة - حديث 1
119

يغتسل بخمسة أمداد بينه وبين صاحبته " وصحيح زرارة (1) قال: قال أبو جعفر
(عليه السلام): " اغتسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو وزوجته من خمسة
أمداد من إناء واحد، فقال زرارة كيف صنع، فقال: بدأ هو فضرب بيده الماء
قبلها، فأنقى فرجه - إلى أن قال -: وكان الذي اغتسل به رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ثلاثة أمداد والذي اغتسلت به مدين، وإنما أجزأ عنهما لأنهما اشتركا
فيه جميعا، ومن أنفرد بالغسل " إلى آخره. ونحوها غيرها - فهو وإن كان معارضا
لظاهر كلام الأصحاب بل الاجماع على الظاهر كما في المعتبر والمنتهى وغيرهما لكن يمكن
تقييده بغير صورة الاشتراك لمكان هذه الأخبار، ولذا قال في الجامع: إنه يستحب
الغسل بصاع، والرجل والمرأة معا يغتسلان بخمسة أمداد، إلا أن ظاهره الاقتصار على
الرجل والمرأة، ولعل الأولى خلافه. لعدم ظهور الخصوصية، بل التعليل بالشركة
ومفهوم قوله (عليه السلام): (من أنفرد) يدلان على خلافه، هذا ويمكن أن يقال:
إنه لا صراحة فيها بعدم الاستحباب عند الاشتراك، وفعل النبي (صلى الله عليه وآله)
أعم من ذلك، سيما مع ما ستعرف أن الصاع منتهى غاية الاستحباب في الاسباغ لا أنه
أول مراتبه. والتعليل في الرواية الأخيرة يراد بها أنه مع الاشتراك اجتزيا لأنهما يتحفظان
على الماء غير حالة الانفراد، فتأمل جيدا.
وقد يظهر مما سمعت من الأخبار أن الصاع منتهى الغاية في الاستحباب كما استظهر
من المقنعة والنهاية والمبسوط والسرائر والخلاف، بل في الأخير الاجماع، ويقضي
مع ذلك به المرسل عن الفقيه (2) قال صلى الله عليه وآله: " الوضوء بمد والغسل بصاع، وسيأتي أقوام
من بعدي يستقلون ذلك، أولئك على خلاف سنتي، والثابت على سنتي معي في حظيرة

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب الجنابة - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الوضوء - حديث 6
120

القدس " إلا أنه في الوسيلة والمهذب والمعتبر والمنتهى وعن غيرها أنه يستحب الغسل
بالصاع فما زاد، بل في الأخير الاجماع عليه كما في سابقه نفي الخلاف فيه عندنا، ولعل
ذلك يكفي في إثبات استحباب مثله، ولا صراحة فيما نسب إليها الخلاف في ذلك
كالمقنعة وغيرها، لأن الاسباغ لا يقضي بأن الزايد ليس إسباغا، فكان الأقوى
حينئذ حصول الاستحباب بالزائد، نعم ينبغي تقييده بما قيده في الذكرى بعدم حصول
السرف، ولعل المرسل يحمل على أهل الوسواس، والظاهر مما تقدم من الأخبار
دخول ماء غسل الفرج بالصاع، وربما يلحق به مستحبات الغسل من المضمضة والاستنشاق
وتثليث غسل الأعضاء، والمراد بالصاع على المشهور بل كاد يكون لا خلاف فيه وربما
حكي الاجماع عليه وهو الأصح أربعة أمداد، والمد رطلان وربع بالعراقي، ورطل
ونصف بالمدني، فهو تسعة بالأول، وستة بالثاني، والرطل العراقي على المشهور كما
قيل أحد وتسعون مثقالا، وهو نصف المكي ثلثا المدني، والمثقال الشرعي هو الدينار،
وهو عبارة عن درهم وثلاثة أسباع، فيكون كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية
وهو على ما قيل ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، والدرهم ستة دوانيق، والدانق على
المشهور كما قيل وزن ثمان حبات من أوسط حب الشعير، وقد ضبطه الأستاذ الأكبر
في كشف الغطاء بالعيار العطاري النجفي، فبلغ حقتين وأربعة عشر مثقالا وربعا،
وذلك لأنك بعد أن عرفت أن الرطل أحد وتسعون مثقالا شرعيا، وهي ثمانية وستون
مثقالا صيرفيا وربع، لما تقدم أن الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي فينقص حينئذ عن
الأوقية العطارية النجفية سبعة مثاقيل إلا ربعا، لأنها خمسة وسبعون مثقالا صيرفيا، فيكون
الصاع عبارة عن ستمائة مثقال صيرفي وأربعة عشر مثقالا وربع وعن حقتين بالعطاري
وأربعة عشر مثقالا وربع، فتأمل.
ثم ليعلم أنه قد زاد بعض الأصحاب على ما ذكر المصنف من السنن، فذكر الموالاة
121

بمعنى المتابعة، والدعاء حال الاغتسال وبعد الفراغ منه، والتسمية عند الغسل، وتكرار
الغسل ثلاثا في كل عضو كما في الميت، وتخليل ما يصل إليه الماء بدون التخليل كالشعر
الخفيف استظهارا، بل ذكر الأستاذ في كشف الغطاء أضعاف ذلك من المستحبات،
من أراد فليراجعها، والأمر سهل، ولعل الظاهر عدم خصوصية فيما ذكرنا من
المستحبات لغسل الجنابة إلا ما ظهر من الدليل اختصاصه، كغسل اليدين من حدث
الجنابة، لما عرفت سابقا أن ما يرجع إلى نفس الغسل وإن كان مورده الجنابة مثلا
فالظاهر شموله لجميع أفراد الغسل.
(مسائل ثلاث: الأولى إذا رأى المغتسل) عن الجنابة بالانزال (بللا بعد
الغسل) فإن علم أنه مني فلا إشكال في وجوب الغسل، بل عليه الاجماع محصلا فضلا
عن المنقول، خلافا لبعض العامة، وإن علم أنه بول خالص فلا إشكال أيضا كذلك
في وجوب الوضوء خاصة، وكذا لو علم أنه غيرهما فلا إشكال في عدم وجوب شئ
عليه، وأما إذا لم يعلم شيئا من ذلك (فإن كان) المغتسل (قد بال) ثم استبرأ بعد البول
فلا إشكال أيضا في عدم وجوب شئ عليه من الغسل والوضوء، بل حكى عليه الاجماع
جماعة نصا وظاهرا، ويؤيده التتبع لكلمات الأصحاب، ويرشد إليه - مضافا إلى
ذلك وإلى ما دل على عدم نقض اليقين بالشك - ما تسمع من الصحاح (1) المستفيضة
حد الاستفاضة الدالة على سقوط الغسل عن من استبراء بالبول، وللأخبار (2) المعتبرة
الدالة على عدم الالتفات لما يخرج من الذكر بعد الاستبراء بالاجتهاد وإن بلغ الساق،
فما في صحيح ابن عيسى (3) من أنه " كتب إليه رجل هل يجب الوضوء عما يخرج

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 1 و 5 و 6
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب نواقض الوضوء - حديث 2 و 3
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب نواقض الوضوء - حديث 9
122

من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب نعم " فهو مع إضماره وكونه مكاتبة محمول على العلم
بكونه بولا أو على الاستحباب أو التقية أو غير ذلك، كاطلاق الأخبار (1) الدالة على
الأمر بالوضوء من البلل الخارج بعد البول للاستبراء من المني كما ستسمعها، فإنه يجب
تنزيلها على عدم حصول الاستبراء من البول بالاجتهاد، كما لعله الظاهر منها جمعا بينها
وبين ما دل (2) على عدم المبالاة مع ذلك وإن بلغ الساق من غير فرق بين أن يكون
البول للاستبراء من المني وعدمه، وما يقال: إن بينهما تعارض العموم من وجه يدفعه
أنه بعد التسليم فالترجيح للأخيرة، للأصل والاجماع محصلا ومنقولا وغيرها.
ومما سمعت تعرف أنه يتجه وجوب الوضوء خاصة لو ترك الاستبراء بالاجتهاد
بعد البول وهي الصورة الثانية من صور المسألة، أما عدم وجوب إعادة الغسل فللأصل
وللإجماع المحصل والمنقول، وما تسمعه من الصحاح (3) المستفيضة الدالة على سقوط
الإعادة مع البول، وأما وجوب الوضوء فهو المعروف بين الأصحاب، بل يظهر من
بعضهم دعوى الاجماع عليه كما هو صريح بعضهم، ويظهر من السرائر وعن غيرها
نفي الخلاف فيه في باب الاستنجاء، ولعله كذلك، إذ لم أقف على من يظهر منه
ذلك أو نقل عنه سوى الشيخ في الاستبصار والتهذيب، وعساه يظهر أيضا من الصدوق
أيضا بالأولى لما تسمع من خلافه. وكيف كان فهو ضعيف جدا لا يلتفت إليه، ويدل
عليه مضافا إلى ما سمعت صحيح الحلبي (4) قال: " سئل أبو عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل قال: يتوضأ،
وإن لم يكن بال قبل أن يغتسل فليعد الغسل " ونحوه في ذلك صحيح محمد بن مسلم (5)

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 1 و 7 و 8
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب نواقض الوضوء - حديث 2
(3) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 0 - 1 - 7
(4) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 0 - 1 - 7
(5) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 0 - 1 - 7
123

وموثقة سماعة (1) وخبر معاوية بن ميسر (2) كل ذلك مضافا إلى ما يفهم من الروايات (3)
المستفيضة المذكورة في باب الاستنجاء، ومن ذلك كله تعرف أنه يجب تنزيل صحيح
ابن أبي يعفور (4) قال " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل بال ثم
توضأ وقام إلى الصلاة فوجد بللا قال: لا يتوضأ إنما ذلك من الحبائل " ونحوه إطلاق
الصحيح الآخر (5) على أن ذلك قبل الاستبراء (6) لما عرفت.
وأما إذا استبرأ بالاجتهاد ولم يبل فظاهر المصنف أنه لا غسل عليه كالبول،
لقوله: (أو استبرأ لم يعد) كظاهر المبسوط والنافع، وقيد ذلك في المقنعة بما إذا
تعذر البول كما في المراسم والسرائر والجامع والتذكرة والدروس والبيان والذكرى
وجامع المقاصد وغيرها، بل نسبه في الأخيرين إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع
عليه، وربما ظهر من التهذيب كما عن النهاية عدم الإعادة مع تعذر البول مطلقا أي مع
الاستبراء وعدمه، خلافا لما يظهر من بعضهم كالشيخ في الخلاف وغيره، لاطلاقهم
وجوب إعادة الغسل مع خروج البلل إن لم يبل، بل في الأول الاجماع، واختاره
جماعة من متأخري المتأخرين، ولعل الأقوى في النظر لاطلاق المعتبرة (7) المستفيضة
حد الاستفاضة المتقدم بعضها على وجوب الإعادة على من لم يبل المعتضدة بما سمعته من
إجماع الخلاف وبالاعتبار، فإنه من المستبعد كون الاستبراء بالاجتهاد مع إمكان البول
لا يصلح لإزالة أجزاء المني بخلافه مع التعذر، وبذلك كله ينقطع مستند ما تقدم
من الأصل، وكذا ما يقال: إنها أي الأقوال المتقدمة قضية الجمع بين هذه الأخبار

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 8 - 9
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 8 - 9
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب نواقض الوضوء - حديث 0 - 1
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب نواقض الوضوء - حديث 0 - 1
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب نواقض الوضوء - حديث 10
(6) في نسخة الأصل " قبل الاستبراء " والصحيح " بعد الاستبراء ".
(7) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 5
124

وبين ما دل على عدم وجوب إعادة شئ بخروج البلل الشاملة باطلاقها ما قبل البول،
منها خبر عبد الله بن هلال (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
يجامع أهله ثم يغتسل قبل أن يبول ثم يخرج منه شئ بعد الغسل، قال: لا شئ عليه
إن ذلك مما وضعه الله عنه " وخبر زيد الشحام (2) عن الصادق (عليه السلام) قال:
" سألته عن رجل أجنب ثم اغتسل قبل أن يبول ثم رأى شيئا، قال لا يعيد الغسل
ليس ذلك الذي رأى شيئا " بحمل الأولى على عدم الاستبراء بالاجتهاد، والثانية عليه
كما هو مقتضى القول الأول، وعليه مع قيد التعذر وعدمه كما هو مقتضى القول الثاني،
وعلى التعذر وعدمه كما هو مقتضى الثالث، وذلك لأنهما - مع الطعن في سنديهما بعبد الله
ابن هلال في الأولى، وأبي جميلة في الثانية. واحتياج مثل هذا الجمع إلى شاهد لعدم إشارة
في اللفظ إليه - غير صريحة في المخالفة، لكون الجماع والجنابة أعم من الانزال، والشئ
أعم من البلل، ولعلهما محمولان في نفي الوسوسة. كما لعله يشعر به الخبر الثاني.
وما عساه يقال في تأييد القول الثاني: إن الضعف سندا ودلالة منجبر بالشهرة
العظيمة بين الأصحاب التي كادت أن تكون إجماعا يدفعه أنه لا يحصل للفقيه بملاحظة
ذلك الظن بالمراد بهما، وإذ يكون الأمر كذلك نمنع الاعتماد عليها، وكذا ما يقال
في التأييد للقول الأول بروايات الاستبراء من البول، لشمولها تخلل الجنابة بين البول
والاستبراء، فيدخل نحو ذلك تحت مدلولها، وفيها أنه لا يلتفت وإن بلغ الساق،
وذلك لأن الظاهر من ملاحظتها الاختصاص أي أن ذلك ينفي احتمال البولية خاصة،
وكذا ما يقال من التأييد الثالث بما نقل من الفقه الرضوي (3) " إذا أردت الغسل من
الجنابة فاجتهد أن تبول حتى يخرج فضلة المني من إحليلك، وإن جهدت ولم تقدر فلا

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 13 - 14
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 13 - 14
(3) المستدرك - الباب - 17 - من أبواب الجنابة - حديث 2
125

شئ عليك " لعدم ثبوت حجيته، مع احتماله أن المراد نفي الإثم.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من المختار بين الناسي وغيره، لكون ذلك من باب
الأسباب التي لا يفرق فيها بين الناسي وغيره، ولذا لم أجد أحدا من الأصحاب فرق
في ذلك سوى ما عساه يظهر من الشيخ في الاستبصار، مع أنه ذكره احتمالا في خبر
أحمد بن هلال (1) قال: " سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول، فكتب أن الغسل
بعد البول إلا أن يكون ناسيا " فهو مع إضماره وضعفه جدا لا دلالة فيه على شئ مما
نحن فيه، نعم هو دال على اشتراط صحة الغسل بتقديم البول عليه، وقد عرفت الكلام
عليه سابقا، وأما خبر جميل بن دراج (2) قال " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتى يغتسل، ثم يرى بعد الغسل شيئا أيغتسل
أيضا؟ قال لا قد تعصرت ونزل من الحبائل " فهو - مع أن في السند علي بن السندي
وعموم الجنابة فيه للمنزل وغيره، والشئ للبلل وغيره - لا يصلح لمعارضة غيره من
الأدلة، على أنه ليس في الجواب إشعار بتقييد ذلك بالنسيان، بل قد يظهر منه خلافه،
فيكون حينئذ مخالفا لما ستعرف من الاجماع المحكي وغيره، هذا كله فيما إذا خرج
البلل وكان قد استبرأ ولم يبل أو بالعكس.
أما إذا تركهما معا وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله: (وإلا كان عليه الإعادة)
بلا خلاف أجده إلا من الفقيه فالوضوء خاصة، وربما مال إليه بعض متأخري المتأخرين
كالأردبيلي والكاشاني، وهو ضعيف، بل عن العلامة الاجماع على بطلانه كما هو
الظاهر من الشيخ وغيره، وفي السرائر نفي الخلاف فيه، ويدل عليه مضافا إلى ذلك
ما سمعته من المعتبرة (3) السالفة الدالة منطوقا ومفهوما على وجوب الإعادة لمن لم يبل،

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة حديث 12 - 11
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة حديث 12 - 11
(3) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 5
126

وبذلك كله ينقطع الأصل، ويظهر عدم صلاحية مرسل الفقيه للمعارضة، قال في
الفقيه بعد رواية الحلبي الدالة على وجوب الإعادة: ما هذا لفظه، وروى في حديث
آخر (1) " إن كان قد رأى بللا ولم يكن بال فليتوضأ ولا يغتسل إنما ذلك من الحبائل "
قال مصنف هذا الكتاب: " إعادة الغسل أصل، والخبر الثاني رخصة " انتهى.
ولا يخفى عليك ما فيه، مع أن قضية التعليل بكونه من الحبائل عدم الوضوء، فتأمل جيدا.
ثم إنه هل يحكم بجنابة من هذا حاله بمجرد البول أو أنه يوقف على خروج بلل
مشتبه؟ ربما يظهر من بعض الأصحاب وكذا الأخبار (2) الأول، معللين ذلك بأنه
لا بد من بقية أجزاء المني في المخرج، فبخروج البول تخرج فيجب عليه الغسل، ولعل
الأقوى في النظر الثاني، ترجيحا للأصل على الظاهر، وقد يشعر به تصفح كلماتهم
سيما فرضهم في أول المسألة الخارج خالصا مما يدل على الانفكاك، وهل يتوقف وجوب
الغسل في المقام وغيره من مقامات البلل على خروج بلل اختبر فاشتبه، أو على مجرد
خروج البلل، وتظهر الثمرة في الخارج في الظلمة وغيرها؟ لا يبعد الثاني، لتعليق الحكم
في الروايات على خروج البلل، وتعليق الحكم في بعض كلمات الأصحاب على البلل
المشتبه إن لم تنزل على المختار لا يلتفت إليه بعد معارضة الأدلة، نعم لو شك في الخارج
أنه بلل أو غيره من ريح أو غيرها فالظاهر عدم الإعادة للأصل من غير معارض، وما
في بعض الأخبار (3) من التعليق على الشئ فهو مع معارضته بغيره لا يلتفت إليه سيما
بعد تعليق الأصحاب الحكم على البلل.
ثم ليعلم أنا حيث نوجب الإعادة في المقام وغيره من مقامات خروج البلل مرادنا
إعادة الغسل خاصة، فلا يعيد ما وقع منه من صلاة وغيرها قبل خروج البلل، وذلك

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 2 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 10
127

لأن الحدث عبارة عن الخروج لا التحرك عن محله من غير فرق في ذلك بين الأصغر
والأكبر، وكذلك الكلام لو حبسه حتى صلى مثلا بلا خلاف أجده في ذلك بين
أصحابنا، بل قد يظهر من بعضهم الاجماع عليه، وبه صرح الحلبي والمصنف والعلامة
والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم، نعم نقل في المنتهى قولا عن بعض علمائنا بالإعادة ولم
نعرفه، ولعل مستنده ما في صحيح ابن مسلم (1) المشار إليه سابقا " عن الرجل يخرج
من إحليله بعد ما اغتسل شئ، قال: يعيد الغسل ويعيد الصلاة " ولا دلالة فيها على
كون الصلاة قبل الخروج حتى ترك الاستفصال لعدمه في السؤال، فوجب تنزيلها على
ما يوافق المختار، فتأمل جيدا
بقي شئ ينبغي التنبيه عليه، وهو أنه لا إشكال عندهم بحسب الظاهر في كون هذا
الغسل الذي أعيد للبلل المشتبه غسل جنابة، ويجري عليه حكم غسل الجنابة من الاجتزاء
عن الوضوء وغيره كما أنه يجري على المكلف أحكام الجنابة قبل فعله، وعساه الظاهر
من الأخبار (2) لأمرها بإعادة الغسل الأول، ولم يتضمن شئ منها أمرا بالوضوء
لاحتمال البولية. لكن هل ذلك مخصوص بما كان مشتبها من كل وجه كما هو الغالب،
أو أنه شامل لكل ما احتمل فيه أنه مني وإن قطع بدورانه بينه وبين البول؟ يحتمل
الأول فيبقى غيره على مقتضى القواعد، وهي تقتضي في نحو ما ذكرنا من المقطوع
بكونه إما منيا أو بولا إيجاب الغسل والوضوء، لأن الشغل اليقيني محتاج إلى الفراغ
اليقيني، لكن يشكل أن مقتضى ذلك الحكم بالدائر بين المني والمذي عدم الالتفات،
للأصل وقاعدة اليقين ونحو ذلك. ومنه ينقدح قوة القول بأن المستفاد من الأدلة كون
الأصل في الخارج قبل الاستبراء بعد الجنابة منيا حتى يعلم الخلاف، من غير فرق بين
أن يكون مجهولا من كل وجه أو من بعضها، كما أنه ينقدح أن الأصل يقضي بكون

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 6 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الجنابة - حديث 6 - 0 -
128

الخارج بعد الاستبراء بالبول مثلا أن لا يكون منيا حتى يعلم الخلاف من غير فرق كذلك،
فيكون الحاصل أن المقطوع بكونه إما منيا أو بولا إما أن يكون خارجا قبل الاستبراء أو
بعده، فإن كان الأول حكم بالجنابة واكتفي بالغسل، وإن كان الثاني وجب الوضوء
خاصة، وهو لا يخلو من وجه بل من قوة، ومنه يعرف ما في كلام الشهيد في التمهيد
من إيجاب الغسل والوضوء مما قطع بكونه إما منيا أو بولا على إطلاقه، نعم يتجه ذلك
في المستبرئ من الجنابة بالبول، ومن البول بالخرطات، ثم خرج منه ما يقطع بكونه
أحدهما، فإنه لا مرجح لأحدهما فيجبان معا، ومما ذكرنا تعرف حال الخارج بعد
الاستبراء من البول وقبله.
المسألة (الثانية إذا غسل بعض أعضائه) لرفع الجنابة ترتيبا أو ارتماسا إن قلنا
بامكان تخلل الحديث فيه (ثم أحدث) فإن كان بجنابة أيضا أعاد اتفاقا كما في كشف اللثام،
ولعله لا ريب فيه أيضا بالنسبة إلى كل حدث تخلل في أثناء رافعه، إذ لا إشكال في
إيجاب المتخلل مقتضاه لعموم ما دل عليه، ولا وجه للاتمام والتكرير، لعدم تصور
التبعيض في المتجانس على ما هو الظاهر، وبذلك ينقطع استصحاب الصحة فيما غسل،
نعم يستثنى من ذلك المستحاضة وغيرها، فإنه لا يقدح حدوث كل قسم في أثناء رافعه
لأنه كالمسلوس، بخلاف حدوث الوسطى أو الكبرى في أثناء رافع الصغرى، لتضمن
الأكبر الأصغر فيكون كحدوث الأصغر في أثناء رافعه فلا يكتفي حينئذ بالوضوء الأول،
وكذا كل أكبر عرض في حدوث رافع الأصغر كالمس في أثناء الوضوء مثلا، وكذا
لو حدثت الكبرى في أثناء رافع الوسطى فإن الأقوى نقض الغسل أيضا، إذ ليس
هما من قبيل الحدثين المتمايزين ليجري فيهما ما تسمع، وأما إذا كان العارض في أثناء
رافع الأكبر غير المرفوع وكان غير حيض كحدوث المس في أثناء غسل الحيض مثلا
فلعل الأقوى عدم النقض في غير غسل الجنابة، لما عرفت سابقا أنها أحداث متمايزة
129

لا تداخل قهري فيها، فيكون من قبيل المحدث بالحدثين وقصد رفع أحدهما، وأما
فيه فالظاهر جريان الوجوه الثلاثة التي ستسمعها في تخلل الأصغر في أثنائه إن قلنا بكفاية
غسل الجنابة عن الوضوء مع اجتماعه مع أحدها، وذلك لجريان ما تسعه من الوجوه
فيه، نعم لو قلنا بعدم الاكتفاء اتجه عدم النقض، أما لو عرضت الجنابة في أثناء رافع
غيرها فالظاهر عدم النقض للاستصحاب من غير معارض، وما وقع من بعضهم من
دعوى الاجماع على فساد غسل الجنابة لو تخلل في أثنائه حدث أكبر قد يراد به في المجانس
منه دون غيره، لاستبعاد دعوى الاجماع فيه، وأما إذا كان العارض الحيض فالظاهر
من كثير من الأصحاب النقض، بل صرح به بعضهم بالنسبة إلى غسل الجنابة، ولعله
لقوله (عليه السلام) (1): " قد جاءها ما يفسد الصلاة " ونحوه، إلا أنه قد يقال:
لا دلالة فيه عليه، بل الظاهر منه إرادة الإرشاد لمكان عدم الفائدة في الغسل حينئذ،
لاشتراك الحائض مع الجنب في كثير من الأحكام إن لم نقل بكلها، وإلا فلا فرق
بين جواز الغسل للجنابة مع بقاء حدث الحيض بعد انقطاع الدم وجوازه كذلك قبل
الانقطاع، لكنه لا يخلو من تأمل ونظر، لتوقفه على ثبوت الخطاب من الشارع ولو
ندبا برفع حدث الجنابة مثلا، وهو مشكل، ولا يدخل تحت ما دل على الكون من
طهارة لعدم تيسرها، ولعله بذلك يفرق بين حال انقطاع الدم وعدمه، فتأمل جيدا،
ويأتي تمام الكلام فيه في باب الحيض، هذا كله إذا كان المعروض فيه غير غسل
الاستحاضة المبيح وأما فيه فقد يقال: إنه ينتقض بمجرد عروض المس فيه مثلا، وذلك
لوجوب تقديم غسله عليه وتأخير غسل الاستحاضة عنه، لمكان وجوب المبادرة بعد
غسل الاستحاضة إلى الصلاة، فتأمل جيدا.
وأما إذا كان حدثه بالأصغر في أثناء الأكبر فإن كان في غير غسل الجنابة

(1) الوسائل - - الباب - 22 - من أبواب الحيض - حديث 1
130

فالظاهر عدم النقض، بناء على عدم الاكتفاء بشئ منها عن الوضوء من غير فرق في
ذلك بين تقدم الوضوء وتأخره عنها، وتخيل إمكان جريان ما تسمعه من الوجوه الثلاثة
في غسل الجنابة لكون الوضوء جزءا رافعا ضعيف جدا كما هو واضح وإن كان غسل
جنابة، (فقيل يعيد الغسل من رأس) كما في الهداية والفقيه والمبسوط، واختاره
العلامة والشهيد وغيرهما، بل عن المحقق الثاني في حاشية الألفية نسبته إلى الأكثر،
واختاره جماعة من متأخري المتأخرين استصحابا للحدث وللشغل مع توقيفية العبادة،
ولأنه لو تأخر عن تمام الطهارة لأبطل إباحتها الصلاة، فللبعض بطريق أولى، ولضعف
القول بالاتمام مع الاجتزاء لما فيه من منافاة ما دل على إيجاب الأصغر الطهارة، والقول
بالاتمام ثم الوضوء لمنافاته لما دل على أن غسل الجنابة يجزي عن الوضوء، لظهور أنه متى
تحقق غسل الجنابة أجزأ عن الوضوء، فتعين الثالث، لعدم القول بالفصل، ولاستبعاد
الاجتزاء بالغسل مع وقوع الأحداث الكثيرة في أثنائه ولو ببقاء جزء يسير من البدن،
ولما روي عن الفقه الرضوي (1) " فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح بعد
ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله " وهو عين عبارة
الصدوق في الهداية كما نقله في الفقيه عن رسالة والده، فتكون هي مع ما نقل من فتوى
الشيخ في النهاية مؤيدة له لأنهما على ما قيل متون أخبار حتى كانوا إذا أعوزتهم النصوص
رجعوا إليهما وأمثالهما، مضافا إلى ما في الذكرى والمدارك، ففي الأول قيل إنه مروي
عن الصادق (عليه السلام) في كتاب عرض المجالس للصدوق، وفي الثاني أنه روى
الصدوق في كتاب عرض المجالس (2) عن الصادق (عليه السلام) قال: " لا بأس
بتبعيض الغسل، تغسل يدك وفرجك ورأسك، وتؤخر غسل جسدك إلى وقت الصلاة،

(1) المستدرك - الباب - 20 - من أبواب الجنابة - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الجنابة - حديث 4
131

ثم تغسل جسدك إذا أردت ذلك، فإن أحدثت حدثا " إلى آخر ما تقدم عن الفقه
الرضوي، وفي الوسائل أنه رواه الشهيدان وغيرهما من الأصحاب.
(وقيل: يقتصر على إتمام الغسل) كما هو خيرة ابن إدريس، ووافقه المحقق
الثاني وغيره من متأخري المتأخرين، وربما مال إليه في الذخيرة، وهو المنقول عن ابن
البراج استصحابا لصحة الغسل وعدم قابلية تأثير الحدث، وللإجماع على أن ناقض
الصغرى لا يوجب الكبرى، ولقوله تعالى (1): (وإن كنتم جنبا) إلى آخره.
ولاطلاق ما دل على الغسل كقوله (عليه السلام) (2): " كل شئ أمسسته الماء فقد
أنقيته " ونحوه، بل كاد ما دل على جواز تفريق الغسل كخبر أم إسماعيل (3) والخبر
الوارد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (4) في جواز التفريق ولو إلى الظهر أو بعده
يكون كالصريح في عدم البأس بالحدث، لاستبعاد عدم التخلل في مثل ذلك، فلاحظ.
وحيث ثبت أن مثل ذا داخل تحت مسمى الغسل لم يكن للوضوء عقبه وجه، لما علم
من السنة وغيرها أنه مجز عن ذلك (5) وأنه بنفسه طهارة، بل في بعضها (6) أن
الوضوء معه بدعة.
(وقيل: يتمه ويتوضأ للصلاة وهو الأشبه) كما هو خيرته في المعتبر والنافع،
ووافقه عليه الشهيد الثاني في المسالك والروضة، وسبطه في المدارك، والفاضل الهندي
والمقدس الأردبيلي والكاشاني في مفاتيحه، والبهائي ووالده على ما نقل هو عنه
واختاره العلامة الطباطبائي في منظومته، وقواه في كشف الرموز، وهو المنقول

(1) سورة المائدة - الآية 9
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - حديث 5
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 3
(5) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الجنابة - حديث 0 - 5
(6) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الجنابة - حديث 0 - 5
132

عن علم الهدى، ولعله الأقوى جمعا بين ما دل على صحة مثل هذا الغسل من الاستصحاب والاطلاقات وغيرها وبين ما دل على إيجاب الأصغر الوضوء، ولم يثبت أخذ الاجزاء
في طبيعة الصحيح منه، كما لم يثبت إجزاؤه حتى عن المتخلل في أثنائه، وملاحظة
الأخبار لا يستفاد منها ذلك، ولا هي مساقة في بيان ما هنالك، على أنه ليس من
الأفراد المتعارفة حتى يكون مشمولا لاطلاقها، كما أن ما نقل من رواية المجالس - مع
عدم ثبوتها كما نقل عن جماعة من المتأخرين عدم العثور عليها في هذا الكتاب، ويشعر
به نسبة الشهيد له إلى القيل - فاقدة لشرائط الحجية، ولا شهرة محققة حتى تجبرها،
مع ظهور عدم كونها منشئا لفتوى كثير منهم، ولذا لم تقع الإشارة إليها قبل الشهيد، مع
مخالفتها الاحتياط في نفي الوضوء، فتكون كالقولين الأخيرين من نفي الإعادة، فلا
يقين فراغ بواحد من الأقوال، وبه يظهر فساد دعوى حصول الفراغ اليقيني بالأول،
اللهم إلا أن يقال: إنه بنية الابطال للغسل يبطل، فيكون غسلا جديدا مستأنفا فيجزي
وهو لا يخلو من إشكال وتأمل، لأن أقصى ما في نية القطع إنما هو فوات الاستدامة
وهي ليست شرطا في صحة ما سبق فلا يقدح، نعم هي شرط في صحة اللاحق خاصة،
على أن الاستصحاب وحصول الامتثال للتكليف بغسل الجزء مثلا يقضي بذلك أيضا.
ثم إنه بناء على عدم الافساد فهل يصح له غسل إذا أعاد ولو بالتلفيق في الأجزاء
من الفعل الأول والثاني، أو يلتزم بالإعادة على النية الأولى حتى يصدق أنه جاء
بالعمل بنية واحدة؟ وجهان، أقواهما الاجتزاء، إذ لا دليل على شرطية ما زاد على
تعقب غسل الأجزاء اللاحقة بنية في صحة السابقة، فتأمل جيدا فإنه دقيق، ولعلك
في التأمل في جميع ما ذكرنا تستغني عن التعرض لفساد جميع ما ذكرنا من المرجحات
للقولين السابقين.
نعم بقي شئ لم نذكره سابقا وهو أنه لا إشكال في رافعية غسل الجنابة لما تقدمه
133

من الأحداث الصغر ولما تضمنه حدث الجنابة من ذلك، فحينئذ يتوجه أن يقال:
إنه حيث يتخلل في أثنائه فهل يبقى على الحال الأول أولا؟ فإن كان الأول اتجه كلام
ابن إدريس، إذ لا يتصور التبعيض في رفع الأصغر، وإن كان الثاني خالفت ما سلمته
أولا، ولعل التحقيق في الجواب عنه اختيار الثاني وعدم تسليم ذلك على إطلاقه،
لا يقال: إنه بعد تسليم رافعية الغسل للأصغر فتخلل الحدث في أثنائه ينقضه لكونه
من قبيل تخلل الحدث في أثناء رافعه، لأنا نقول: أما أولا فبمنع الرافعية، بل هو
من باب الاسقاط. وأما ثانيا فبعد التسليم نخص البطلان في رافعية الأصغر، ودعوى
تلازمهما ممنوعة، فتأمل جيدا.
بقي الكلام في مقارنة الحدث لحصول الغسل تماما كما يتصور في الارتماس بالدفعة
الحكمية، أو الجزء الأخير كما يتصور في الترتيبي عند غسل آخر أجزائه، ولعله لا إشكال
فيه بناء على المختار من الصحة مع إيجاب الوضوء، نعم قد يكون فيه تأمل ونظر بالنسبة
للقولين الأخيرين، ولعل الأحوط إعادة الغسل ثم الحدث بعده والوضوء، وأحوط
منه إيجاد مفسد قهري لما تقدم من الغسل بجنابة جديدة أو غيرها، وذلك لما في الاجتزاء
بالإعادة من دون ما ذكرنا من الاشكال بعدم تأثير نية القطع في إفساد ما تقدم، مع
عدم قابلية إتمامه بالمتجدد، لكون نيته غير النية الأولى، لا يقال: إنه يتم الاحتياط
باتمام الغسل الأول ثم استقباله من رأس ثم الوضوء، لأنا نقول: إن فيه احتمال عدم
الاجتزاء من جهة عدم وجود الجزم بالنية، كما تخيله بعض متأخري المتأخرين وإن كان
في غاية الضعف، فتأمل جيدا.
(الثالثة لا يجوز أن يغسله غيره مع الامكان) على ما قدمناه في الوضوء، إذ
لا فرق على الظاهر بينهما كما يستفاد مما تقدم، (و) نحوه أنه (يكره أن يستعين فيه)
فلاحظ وتأمل.
134

(الفصل الثاني) من الفصول الخمس:
(في الحيض)
(وهو يشتمل على بيانه وما يتعلق به، أما الأول فالحيض) لغة على ما صرح
به كثير من الأصحاب هو السيل من قولهم حاض الوادي إذا سال، وربما اعتبر فيه
السيل بقوة، وفي القاموس حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا سال دمها. كما
هو الظاهر من الجوهري أيضا، وفي المغرب ومجمع البحرين إذا سال دمها في أوقات
معلومة، وإذا سال في غير أيام معلومة من غير عرق المحيض، قلت: استحيضت فهي
مستحاضة، وكيف كان فالذي يظهر بعد إمعان النظر والتأمل في كلمات أهل اللغة
وغيرها أن الحيض اسم لدم مخصوص مخلوق في النساء لحكم أشارت إلى بعضها الأخبار (1)
منها تغذية الولد وغيره يعتاد النساء في أوقات مخصوصة، فهو حينئذ كلفظ المني والبول
والغائط من موضوعات الأحكام الشرعية التي يرجع فيها إلى غيره، وكان معروفا
بهذا الاسم في السابق قبل زمان الشرع على ما قيل، ويشير إليه قوله تعالى (2)
(يسألونك) عن المحيض وبغيره كالطمث والقرء وغيرهما، وكان لخروجه أحكام أيضا
مترتبة عليه عند بعض الأمم السابقة حتى أن منهم من كان يهاجر الحائض مهاجرة تامة،
نعم قد يحصل الاشتباه في بعض أفراده، فميزه الشارع بأشياء تعرفها إن شاء الله تعالى،
وليس له نقل شرعي إلى معنى جديد، واحتماله كاحتمال أن الحيض في اللغة اسم من
أسماء المعاني هو السيل، أو سيل دم مخصوص، وهو الذي رتب الشارع على خروجه
الأحكام ضعيفان، وإن كان الثاني أقوى من الأول، وما في بعض العبارات مما

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الحيض - حديث 3 - والباب 30 - حديث
13 و 14
(2) سورة البقرة - الآية 222
135

يوهم الأول لا بد من تأويله كما يشهد به ملاحظة ما ذكروه له من التعاريف، أو الاعراض عنه
(منها) ما ذكره المصنف من أنه (هو الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة،
ولقليله حد) وإن كان ليس بجار على قياس التعاريف التي تذكر لكشف المعرف بقرينة
ذكر الأحكام الموقوفة على معرفة كونه حيضا فيه، ولكن لفظ الدم فيه بمنزلة الجنس،
لشموله لسائر الدماء الخارجة من الفرج، وما بعده بمنزلة الفصل، لخروج ما عدا
النفاس به، فإنه لا تعلق لشئ منها لا لظهوره ولا لانقطاعه بالعدة، وبالأخير يخرج
النفاس، فإن له تعلقا بانقضاء العدة في الحامل من زنا لاحتسابه بحيضة إلا أنه ليس لقليله
حد، ومنه يعرف ما في تعريف التذكرة وأحد تعريفي المبسوط والمنتهى حيث اقتصرا
على ما عداه، وكان ما ترك أولى في الاقتصار عليه لسلامته طردا وعكسا. و (منها)
ما في الوسيلة من أنه الدم الأسود الغليظ الخارج عن المرأة بحرارة وحرقة على وجه له
دفع، وفيه أنه قد لا يكون كذلك، اللهم إلا أن يريد الغالب كما في السرائر. (ومنها)
ما في الكافي من أنه الدم الحادث في أزمان عادية، أو الأحمر الغليظ في زمان
الالتباس، وما في المهذب من أنه دم أسود حار يخرج من المرأة بحرارة على وجه يتعلق
بظهوره أو انقطاعه على الخلاف في ذلك انقضاء عدة المطلقات، وما في المراسم من
أنه دم غليظ يضرب إلى السواد بحرقة وحرارة، وما في التحرير من أنه الدم الأسود
الغليظ الذي يخرج بحرقة وحرارة غالبا، ولقليله حد يقذفه الرحم مع بلوغ المرأة، ثم
يصير لها عادة في أوقات متداولة بحسب مزاجها لحكمة تربيته الولد، فإذا حملت صرفه
الله تعالى إلى غذائه، فإذا وضعت أزال الله عنه صورة الدم، وكساه صورة اللبن
ليغتذي به الطفل مدة رضاعه، فإذا خلت من الحمل والرضاع بقي الدم لا مصرف له
فيستقر في مكان، ثم يخرج غالبا في كل شهر ستة أيام أو سبعة أو أقل بحسب قرب
مزاجها من الحرارة وبعده، إلى غير ذلك مما يظهر أن مرادهم به كشف المعنى بعبارة
136

أوضح، والإشارة إلى الدم المخصوص المعروف عند سائر النساء، وليس المقصود التعريف الحقيقي الكاشف عن الحقيقة، فلا حاجة إلى التطويل بالتعرض لانتقاضها طردا وعكسا
وعدمه، فتأمل جيدا.
وإذ قد عرفت أن دم الحيض دم معروف فيما بين النساء إلا أنه قد يقع الاشتباه
في بعض أفراده فاحتيج إلى التمييز ببعض صفاته الغالبة، لحصول المظنة به عندها،
واكتفى الشارع بها كما في غير ذلك من المقامات، (و) من هنا قال المصنف أنه (في
الأغلب يكون أسودا غليظا حارا يخرج بحرقة) كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه
خلافا، بل قد عرفت أن منهم من أخذه في تعريف الحيض، ويدل عليه أيضا الصحيح
أو الحسن عن حفص البختري (1) قال: " دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)
امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم، فلا تدري أحيض هو أو غيره؟ قال: فقال لها:
أن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا
كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة، قال: فخرجت وهي تقول: والله لو كان
امرأة ما زاد على هذا " وصحيح معاوية (2) عن الصادق (عليه السلام) " إن دم
الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد، إن دم الاستحاضة بارد، وإن
دم الحيض حار " وموثق إسحاق بن جرير (3) قال: سألتني امرأة منا أن أدخلها
على أبي عبد الله (عليه السلام)، فاستأذنت لها فأذن لها، فدخلت - إلى أن قال -:
فقالت له: ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها؟ فقال: إن كان أيام حيضها

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 2 لكن رواه عن حفص
ابن البختري كما هو الصحيح ولعل عدم ذكر لفظ (ابن) من سهو النساخ إذ هو (قدس سره)
نقل رواية في التعليقة (1) من الصحيفة 113 عن حفص بن البختري.
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3
137

دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة، قالت: فإن الدم يستمر بها
الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال: تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل
صلاتين، قالت له: إن أيام حيضها تختلف عليها، وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين
والثلاثة ويتأخر مثل ذلك، فما علمها به، قال: دم الحيض ليس به خفاء، هو دم
حار له حرقة، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد، قال: فالتفتت إلى مولاتها فقالت:
أتراه كان امرأة " وفي الوسائل " ورواه في السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب
إلا أنه قال أترينه كان امرأة " انتهى. وخبر يونس بن عبد الرحمان (1) عن غير
واحد سألوا أبا عبد الله (عليه السلام)، والحديث طويل، وفيه " إن الحيض أسود
يعرف " وفي آخر (2) " إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة، ثم قال: وإنما سماه أبي
بحرانيا لكثرته ولونه " وفي السرائر كما عن المعتبر والتذكرة أنه الشديد الحمرة والسواد،
وفي كشف اللثام " إن البحراني كما في كتب اللغة الخالص الحمرة شديدها منسوب
إلى بحر الرحم أي قعره " انتهى. ومنه - مع ما في بعض الأخبار المرسلة كقوله
(عليه السلام) (3) في الحبلى: " إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصل، وإن كان
أصفر فليس عليها إلا الوضوء " وقوله (ع) في آخر (4): " إذا بلغت المرأة خمسين سنة
لم تر حمرة " الخبر - يظهر أغلبية كونه أحمر أيضا، فكان على المصنف أن يقول: أسود
أو أحمر كما في النافع، ولعل مراد المصنف بالأسود ما يشمل الأحمر كما قد يدعى
ظهور ذلك من الأخبار المتقدمة، ويشعر به مقابلته بالأصفر، لكنه بعيد، ولعل

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 4
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 16
(4) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الحيض - حديث 2
138

الظاهر أن الغالب فيه أن يكون أحمر شديد الحمرة جدا بحيث يميل إلى السواد، فصح
وصفه بهما.
وكيف كان فقد قال في المدارك تبعا لجده في الروض: أنه يستفاد من هذه
الروايات أن هذه الأوصاف خاصة مركبة، فمتى وجدت حكم بكون الدم حيضا، ومتى
انتفت انتفى إلا بدليل من خارج، وإثبات هذا الأصل ينفع في مسائل متعددة من هذا
الباب، وتبعهما على ذلك بعض من تأخر عنهما كصاحبي الذخيرة والحدائق، واعترضه
في الرياض تبعا لشرح المفاتيح بما حاصله أنه لا دلالة في هذه الأخبار على ذلك، بل
المستفاد الرجوع إليها عند الاشتباه بينه وبين الاستحاضة خاصة، ومن هنا تراهم عند
الاشتباه بينه وبين العذرة أو القرحة مثلا لم يذكروا شيئا من ذلك، على أنك قد عرفت
أن منشأ هذه الأوصاف إنما هو مجرد الغلبة، وإلا فقد تتخلف، فكيف تكون خاصة،
وستعرف أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، ومن هنا قيد بالأغلب، كما
أنك قد عرفت أن دم الحيض من الموضوعات التي لا مدخلية للشرع فيها، وأنه دم
معروف كالمني والبول وغيرهما، فلو قطع بكون مسلوب الصفات حيضا ما كان لنفيه
معنى والحكم له بغيره.
قلت: هو متجه، لكنه لا ريب في كون المستفاد منها تمييزه عن الاستحاضة
بذلك وإن كانت أغلبية، وهو مناف لما ستعرفه من الأصحاب من أن كل ما أمكن
كونه حيضا فهو حيض، وتظهر الثمرة بينهما في عدة مقامات، منها ما لو رأت المبتدأة
دما ليس في صفات الحيض، فإنه بناء على الاعتداد بها لا يحكم بحيضيته ابتداءا بخلافه
على الثانية، وكذا لو رأت ذات العادة الوقتية دما كذلك قبل العادة، ولعل الأقوى
في النظر البناء عليها بالنسبة إلى هذه المقامات وما أشبهها، وقد يكون ذلك مرادهم وإن
قصرت عبارتهم عنه، وتعرف فيما يأتي إن شاء الله زيادة تحقيق له، وأما دعوى اختصاص
139

التمييز بهذه الصفات في صورة استمرار الدم خاصة فهو في غاية البعد مناف للظاهر المتبادر
منها، وما في أسؤلة بعضها لا يصلح للحكم على ما في أجوبتها كما هو مقرر في محله.
ثم إنه حينئذ هل يشترط اجتماع ما سمعته من الصفات أو يكفي وجود الواحدة
منها إن قلنا بانفكاكها؟ لا يبعد اعتبار المظنة، فيدور الحكم مدارها وجودا وعدما،
وهو مختلف بالنظر إلى الصفات لا ضابطة له، فتأمل جيدا.
(و) على كل حال فالصفات المذكورة إنما هي للتمييز بينه وبين الاستحاضة، أما
غيرها فإنه (قد يشتبه بدم العذرة) أي البكارة كما لو افتضت البكارة فسال الدم ثم طرأ
الاشتباه إما لكثرته أو استمراره أو نحوهما أن ذلك لحدوث دم الحيض وانقطاع دم
العذرة، أو أنهما اختلطا، أو أنه دم عذرة فقط، وكذا فيما إذا وقع الشك ابتداءا،
واحتمال التمسك في الأول بالاستصحاب وسقوط وجوب الاختبار ضعيف بعد ظهور
الرواية فيه، (فيعتبر ب‍) ادخال (القطنة) ونحوها (فإن خرجت مطوقة فهو العذرة)
وإن خرجت منغمسة فهو الحيض كما في المبسوط والمهذب والوسيلة والسرائر والجامع
والمنتهى والذكرى وغيرها، بل لا أجد فيه خلافا في الأول، بل لعله متفق عليه
كالثاني، سوى ما يظهر من المصنف هنا والنافع والمعتبر كظاهر القواعد من عدم الحكم
بالحيض إذا خرجت مستنقعة لاحتمال غيره، وهو ضعيف جدا لما تسمعه من الأخبار (1)
المعتبرة المعمول بها بين الطائفة، على أن مفروض المسألة فيما كان الاشتباه في العذرة
خاصة، فحيث تنتفي يتعين الثاني، ولو سلم فرض المسألة فيما هو أعم فلا يتجه بناء على
ما عندهم من أن كل ما أمكن كونه حيضا فهو حيض، سيما وقد نقل عن المصنف دعوى
الاجماع عليها، اللهم إلا أن يكون المراد من هذه القاعدة غير ما هو المتبادر منها كما
ستعرف إن شاء الله.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الحيض
140

وكيف كان ففرض المسألة أن الاشتباه في خصوص دم العذرة، وهو مما
لا ينبغي الاشكال فيه، لصحيح خلف بن حماد (1) عن أبي الحسن موسى بن جعفر
(عليهما السلام) فإنه بعد أن سأله عن ذلك وذكر له اختلاف القوابل فيه قال: " فالتفت
يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد، ثم نهد إلى، فقال: يا خلف سر
الله فلا تذيعوه، ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله، بل ارضوا لهم ما رضي الله
لهم من ضلال، قال: ثم عقد بيده اليسرى تسعين، ثم قال: تستدخل القطنة ثم تدعها
مليا ثم تخرجها إخراجا رفيقا، فإن كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة، وإن كان
مستنقعا في القطنة فهو من الحيض " الحديث. ومثله في ذلك صحيح زياد بن سوقة (2)
وما نقل عن الفقه الرضوي (3) وقضية الحكم بكونه دم العذرة مع التطويق وإن كان
بصفات الحيض كالعكس مع الانغماس وإن لم يكن بالصفات بعد فرض انحصار الاشتباه،
فما عساه يظهر من الأردبيلي من الخلاف في ذلك وأن العمدة الصفات لا ينبغي أن يصغي إليه.
هذا كله فيما افتضت البكارة ثم بقي الدم سائلا فلم يعلم على حسب ما ذكرنا،
أما لو كانت حائضا سابقا ثم افتضت البكارة وبقي الدم سائلا ثم شك فقد يظهر من
بعض مشائخنا الحكم بأصالة الحيض واستصحابه ولا يرجع للاختبار المذكور، وفيه منع
ظاهر، لظهور الأدلة في اعتبار هذا الوصف في نفسه بامتياز الحيض عن العذرة، ومنه
يظهر قوة اعتباره أيضا حتى فيما لو شكت في أصل افتضاض البكارة، وإن كان الأقوى
عدم الوجوب لكون المعلوم من النص والفتوى وجوب ذلك في صورة العلم بالافتضاض.
ثم اعلم أنه قد ذكر الشهيد الثاني في كيفية إدخال القطنة أنها تستلقي على ظهرها
وترفع رجليها ثم تستدخل القطنة وتصبر هنيئة، وليس فيما عثرنا عليه من الروايات

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2
(3) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب الحيض
141

التعرض لغير الاستدخال والصبر كما اعترف بذلك جماعة أيضا، ولعله (رحمه الله)
لم يرد بذلك على سبيل الوجوب، أو أن منشأه ما تسمعه من الأخبار في المسألة الثانية
فتأمل جيدا. وليعلم أن ظاهر الأصحاب والأخبار وجوب الاختبار المذكور، فلو فعلت
بدونه لم يكن عملها صحيحا إلا أن يقع على وجه معذورة فيه، أما إذا لم تتمكن من
الاختبار المذكور لكثرة الدم أو غيره فيحتمل البناء على الحيضية لأصالتها عندهم وعدمها،
والأقوى الفرق بين الصور بسبق الحيض أو العذرة، وحيث لا سبق فالظاهر وجوب
العمل عليها ثم الاختبار بعد ذلك، فتأمل جيدا.
(وكل ما تراه الصبية) من الدم وإن كان في صفات الحيض (قبل بلوغها
تسعا) من حين الولادة (فليس بحيض) للأصل والاجماع بقسميه والأخبار، منها
موثقة عبد الرحمان بن الحجاج (1) عن الصادق (عليه السلام) قال: " ثلاث يتزوجن
على كل حال - إلى أن قال -: والتي لم تحض ومثلها لا تحيض، قلت: ومتى يكون
كذلك؟ قال: ما لم تبلغ تسع سنين، فإنها لا تحيض ومثلها لا تحيض " ونحوها صحيحة
عبد الرحمان (2) وغيرها (3) وفي بعضها (4) " إذا كمل لها تسع سنين أمكن حيضها "
والظاهر أن المراد بما قبل التسع تحقيقا لا تقريبا كما صرح به بعضهم لأصالة الحقيقة،
كما أن الظاهر أن المراد بالسنة حصول الدور إلى ذلك الوقت من اليوم التي ولدت فيه
من الشهر المعين، كأن ولدت مثلا عند الظهر من اليوم الخامس من رجب، فإذا دار
الدور إلى خصوص ذلك الوقت من ذلك اليوم فتلك سنة، وهكذا، ولا يقدح في
ذلك التلفيق كما لا يقدح نقيصة الأشهر وزيادتها، والمحكم في ذلك العرف، فتكون

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب العدد - حديث 5 من كتاب الطلاق
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب العدد - حديث 4 - 0 - من كتاب الطلاق
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب العدد - حديث 4 - 0 - من كتاب الطلاق
(4) الوسائل - الباب - 44 - من كتاب الوصايا - حديث 13 مع الاختلاف،
ولم نعثر على هذا النص بعد التتبع في كتب الأخبار.
142

حينئذ كلها هلالية، لأن ذلك هو الأصل في الشهر والسنة، لقوله تعالى (1) (يسألونك
عن الأهلة) وغيره، وأما احتمال جعل هذا المنكسر شهرا عدديا دون باقي الأشهر كاحتمال
جعل السنة كلها عددية بسبب ذلك فضعيفان، ومثله في ذلك احتمال عدم جريان التلفيق
في اليوم. فلا يحتسب أو يحتسب أو يفرق بين القليل والكثير في الاحتساب أو
التلفيق، والتحقيق ما ذكرناه، نعم قد يقال في المقام ونحوه أن المراد الحكم بعد بلوغها
حتى تتحقق صدق تسع سنين حقيقة، وحينئذ يكون المنكسر كله خارجا عن التسع،
فلا يحكم بالبلوغ إلا بالتسع بعد المنكسر، نحو ما يقال في ثلاثة الخيار وعشرة الإقامة
بل وثلاثة الحيض وعشرته وعشرة الطهر وأجل المتوفى عنها زوجها، بل يكون ذلك
ضابطا في نحو ذلك في الخطابات الشرعية، إلا أني لم أجده لأحد من الأصحاب،
فتأمل. هذا كله في مضبوطة تاريخ الولادة، أما مجهولة ذلك فلعل الظاهر كما عن جماعة
من الأصحاب الحكم بحيضيتها مع خروج الدم في الصفات، أو مطلقا بناء على قاعدة
الامكان، وبه يظهر ثمرة جعلهم الحيض من علامات البلوغ، وينقطع أصالة عدم
البلوغ تسعا، فلا منافاة حينئذ ولا دور، وبشهادة أغلب النساء، فإنه يعرفنه كما يعرفن
البول والغائط وإن لم يعرفن مبدأ الولادة، وإلا لو اشترط في الحكم بالحيضية العلم باكمال
التسع لم يكن لذلك وجه وثمرة للاكتفاء بالتسع حينئذ،
وما يقال: إنه يحكم بالحيضية بالخروج بعد التسع وإن قلنا أن البلوغ العددي
عشر سنين فيه أنه لا يلتئم على ما هو المعروف من أنه بلوغ تسع، مع ما فيه من
الاشكال من الحكم بالحيضية قبل البلوغ مع التصريح من بعضهم أنه شرط في الحيض،
هذا. وربما ظهر من بعضهم أن حاصل البحث أن الأدلة دلت على أن الخارج قبل التسع
ليس بحيض، فيكفي في إثبات ذلك قاعدة الامكان أو جامعية صفات الحيض، وفيه

(1) سورة البقرة - الآية 185
143

ما لا يخفى، بل التحقيق أنه لا يحكم بالحيضية مع الجهل لقاعدة الامكان ونحوها، لعدم
ظهور ما تسمعه من أدلتها في نحو ذلك، وكيف لا مع جعل بعض الأصحاب البلوغ
أحد شرائط التمسك بها مضافا إلى ما سمعته من الخبر في اشتراط الامكان بالاكمال،
فالأولى حينئذ أن يقال: إن جعلهم الحيض من علامات البلوغ لا ينافي ما ذكروه هنا
من عدمه فيما تراه الصبية، إذ هو مبني على العلم بالحيضية، ودعوى توقفه على العلم
باحراز التسع ممنوعة وإن كانت هي لازمة لتحققه، لا العلم به متوقف على العلم بحصولها
كما هو واضح.
(و) كذا أي وكالدم الخارج قبل التسع في عدم الحيضية (قيل) وهو المشهور نقلا
وتحصيلا (فيما يخرج من الجانب الأيمن) عند اشتباهه بدم القرحة بعد العلم بأصل
وجودها والجهل بمكانها، كما هو الظاهر لما تسمعه من الخبر فإنه يختبر بأن تستلقي على
قفاها، ثم تستدخل إصبعها فإن كان من الأيمن فهو ليس بحيض، وإن كان من الأيسر
فهو حيض، كما هو خيرة الفقيه والمقنع والمبسوط والنهاية والمهذب والسرائر والوسيلة
والجامع والقواعد والإرشاد وجامع المقاصد وغيرها، عملا بما رواه الشيخ في التهذيب
عن محمد بن يحيى رفعه عن أبان (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
فتاة منا بها قرحة في جوفها والدم سائل لا تدري من دم الحيض أم من دم القرحة،
فقال: مرها تستلق على ظهرها وتستدخل إصبعها الوسطى، فإن خرج الدم من الجانب
الأيمن فهو ليس من الحيض، وإن خرج من الأيسر فهو من الحيض " ويؤيده بعد انجبار سنده وغيره بالشهرة المحصلة والمنقولة، بل نسبه في جامع المقاصد إلى الأصحاب،
وبفتوى مثل الصدوق ناقلا له عن رسالة والده إليه، وفتوى الشيخ في النهاية التي
قيل إنها متون أخبار كرسالة علي بن بابويه، فإنه على ما قيل إنهم كانوا إذا أعوزتهم

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الحيض - حديث 2
144

النصوص رجعوا إليها وأمثالها، والمنقول عن الفقه الرضوي (1) فإنه كالخبر المتقدم في
ذلك، قيل وبما روي (2) " أن الحائض إذا أرادت أن تستبرئ ألصقت بطنها إلى جدار
ورفعت رجلها اليسرى " فإنه يشعر بأن الحيض في الأيسر، وفيه أن الموجود في مرسلة
يونس (3) في كيفيته أنها ترفع رجلها اليمني، ومن هنا كان المتجه تخيرها في ذلك كما
يأتي في محله، وبما ينقل من شهادة النسوة بذلك، وبذلك كله يظهر أن الرواية المتقدمة
أضبط مما في الكافي (4) " إن كان من الأيمن فهو من الحيض، وإن كان من الأيسر
فليس بحيض " كما عن ابن الجنيد الفتوى به.
وربما توقف بذلك جماعة كظاهر المصنف، بل قد يظهر من بعضهم الميل إليه
مرجحا له بقدم الكليني وحسن ضبطه على ما يشاهد من كتابه الذي لم يوجد مثله،
عكس الشيخ فإنه قد عثر له على كثير من الخلل، كل ذا مع نقل الشهيد في الذكرى
أن كثيرا من نسخ التهذيب موافقة لرواية الكليني، بل فيها أن ابن طاووس نسب
كون الحيض من الأيسر إلى بعض نسخ التهذيب الجديدة، وقطع بأنه تدليس، ومن
هنا قال المصنف في المعتبر: أن الرواية مقطوعة مضطربة لا أعمل بها، ويؤيده الاعتبار
فإن القرحة تكون في كل من الجانبين، ويدفع ذلك كله أنه لو سلم أضبطية الكليني إلا
أن الظاهر أن الشيخ في خصوص المقام أضبط لما عرفت، وبه يندفع الاضطراب. إذ لا
وجه له مع وجود المرجح بل المرجحات، وما نقله الشهيد عن كثير من نسخ التهذيب
كالظاهر من ابن طاووس من نسبته إلى القديمة لم نتحققه، وينافيه فتوى الشيخ في
المبسوط والنهاية بما سمعت، وعدم ذكر أحد من المحشين على التهذيب لها على ما نقل،

(1) المستدرك - الباب - 14 - من أبواب الحيض - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 2
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 2
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الحيض - حديث 1
145

مع أن ديدنهم التعرض لمثل ذلك وإن كانت نادرة، ومن هنا نقل عن بعض المحققين
أنه قال: اتفقت نسخ التهذيب على المشهور، ولعل خلقة النساء إذا استلقين على القفاء
يميل الرحم على وجه لا يخرج دم القرحة إلا من الأيمن، كما لا يخرج الحيض إلا من
الأيسر، والله هو العالم بذلك، بل المحكي عن كثير من النساء العارفات أن الحيض
مخرجه من ذلك، وبذلك كله يندفع ما سمعت من الاعتبار، وما عساه يحتمل من
الرجوع إلى الصفات أو قاعدة الامكان ضرورة كون الخارج من الأيمن حينئذ كالدم
قبل التسع لا يمكن أن يكون حيضا وأن جمع الصفات، ولكن مع ذلك طريق الاحتياط
غير خفي.
ثم إنه بناء على اعتبار الجانب فهل يعتبر ذلك في الحيض مطلقا أو في خصوص الاشتباه
بالقرحة؟ وتظهر الثمرة على المختار في الخارج من الأيمن حال عدم وجودها، فإنه
لا يحكم بالحيضية على الأول بخلاف الثاني، ولعل الأولى كما هو الظاهر من المصنف
وصريح غيره الأول أخذا بظاهر الرواية المتقدمة، واحتمال اختصاصها بذات القرحة
بعيد، وكون السؤال فيها عن ذلك لا يقضي بالاختصاص، لمكان ظهورها في كون
ذلك من لوازم الحيض في نفسه، وبما سمعت ينقطع الرجوع إلى الصفات أو قاعدة
الامكان كما عرفت، وما يقال: - لعل هذه الصفة كغيرها من الصفات منشأها الغلبة
بل هي أولى منها، لوضوح ما تقدم سابقا من أدلتها دونها، ومع ذلك لا يقدح تخلفها
في الحكم بالحيضية لقاعدة الامكان - يدفعه - بعد تسليم تحكيم قاعدة الامكان في مسلوب
الصفات في غير ما دل عليه - أنه ثبت تخلفها لما ورد من الحكم بكون الصفرة
والكدرة حيضا في أيام الحيض، بخلاف ما نحن فيه، نعم الظاهر أنه لا يجعل ذلك
مميزا لغير دم القرحة، فإنه ليس في الأدلة ما يدل على عدم خروج غير الحيض من
الجانب الأيسر، فيكون الحاصل أنه لا يقطع على الخارج من الأيسر من حيث كونه
146

كذلك بحيضيته، نعم لو كان الاشتباه منحصرا في القرحة خاصة كان التمييز بذلك
متجها، وبالتأمل فيما ذكرناه في المسألة المتقدمة يظهر لك جريان جملة مما ذكرناه هناك في
المقام، منها إمكان جريان اعتبار هذا التمييز مع الشك في أصل وجود القرحة كما ذكرناه
في العذرة، خلافا لما يظهر من بعض مشائخنا فتأمل، والظاهر أن المدار في مخرج الحيض
هو ما تقدم في مخرج سائر الأحداث، ويجري فيه الكلام من التفصيل بالاعتياد وعدمه،
ويشهد له في الجملة أخبار السلفعية (1) وهي التي تحيض من دبرها.
(وأقل الحيض ثلاثة أيام) فلا يحكم بحيضية الناقص عنها (وأكثره عشرة)
فلا عبرة بالزائد إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا كاد يكون متواترة كالسنة (2) وما في
بعض الأخبار (3) إن أكثر ما يكون الحيض ثمان لا يلتفت إليه، سيما مع نقل الشيخ
في التهذيب والاستبصار إجماع الطائفة على خلافه معتضدا بنقل غيره أيضا ذلك ممن
تقدمه وتأخر عنه، وبالأخبار الكثيرة المعتبرة التي فيها الصحيح وغيره، (منها) صحيح
يعقوب بن يقطين (4) عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: " أدنى الحيض ثلاثة،
وأقصاه عشرة " ونحوه غيره، فوجب حمل الأكثرية فيه حينئذ على العادة والغالب
لا في الشرع، أو على من استمر بها الدم وكانت عادتها الثمان، أو يطرح.
(وكذا أقل الطهر) إجماعا كما في الانتصار والخلاف والمنتهى والتذكرة والذكرى والروض
وغيرها، ويدل عليه مضافا إلى ذلك الأخبار المعتبرة، (منها) صحيح محمد بن مسلم (5)
عن الباقر (عليه السلام) قال: " لا يكون القرء في أقل من العشر فما زاد، وأقل

(1) المستدرك - الباب - 37 - من أبواب الحيض - حديث 10 و 11 و 12
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 14
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 14
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 10
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الحيض - حديث 1
147

ما يكون عشرة من حين تطهر " ونحوه غيره في إفادة ذلك.
فما في صحيح يونس بن يعقوب (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام، قال: تدع الصلاة، قلت: فإنها ترى الطهر
ثلاثة أيام أو أربعة أيام، قال: تصلي، قلت: فإنها ترى الدم ثلاثة أو أربعة، قال:
تدع الصلاة، قلت فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة، قال: تصلي، قلت: فإنها
ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة، قال تدع الصلاة، تصنع ما بينها وبين شهر، فإن
انقطع عنها، وإلا فهي بمنزلة المستحاضة " وخبر أبي بصير (2) قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن المرأة ترى الدم خمسة أيام، والطهر خمسة أيام، وترى
الدم أربعة أيام والطهر ستة أيام، فقال: إن رأت الدم لم تصل، وإن رأت الطهر
صلت ما بينها وبين ثلاثين يوما، وإذا تمت ثلاثون يوما فرأت صبيبا اغتسلت
واستثفرت واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة، فإذا رأت صفرة توضأت "
فهما - مع قصورهما عن مقاومة ما ذكرنا لوجوه غير خفية - قد حملها الشيخ في
الاستبصار على امرأة اختلطت عادتها في الحيض، وتغيرت عن أوقاتها، وكذلك أيام
أقرائها، واشتبهت عليها صفة الدم ولا يتميز لها دم الحيض عن غيره، فإنه إذا كان
كذلك ففرضها أن تترك الصلاة عند رؤية الدم، وتصلي عند النقاء إلى أن تعرف عادتها،
وكأن مراده أن مثل هذه المرأة المتحيرة التي لا طريق لها إلى معرفة دم الحيض من غيره،
فتحتمل في كل دم تراه أن يكون حيضا فرضها ذلك، فليس ذا طهر يقينا، ولذا استجوده
المصنف في المعتبر، وعليه يحمل ما في الفقيه والمبسوط وعن المقنع والنهاية من الفتوى
بذلك، ولعله لم يفهم العلامة من الاستبصار ما ذكرنا، بل تخيل أنه استثناء من الحكم
بأن أقل الطهر عشرة، ولذا توقف فيه في المنتهى، أو لأن القاعدة تقتضي في مثل

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 3
148

ذلك التحيض بالدم الأول وكل ما أمكن من غيره إلى العشرة، وما عداه استحاضة.
لكن لا يخفى عليك أنه لا وجه للاعتماد عليها بعد معارضتها لما سمعته من صريح
الصحيح المعمول به عندهم، فتأمل جيدا. وبذلك كله يظهر لك ما في الحدائق
من اختيار جواز أقل الطهر أقل من عشرة في مثل مفروض سؤال الخبرين ونحوه، نعم
هو لا يجوز أن يكون أقل في نحو الحيضتين المستقلتين إلا بعد إكمال العدد، وكأن
الذي دعاه إلى ذلك ما تسمعه إن شاء الله في المسألة الآتية من اشتراط التوالي في الأيام
التي هي أقل الحيض، فإنه اختار عدم الاشتراط واكتفى بكونها في جملة العشرة، وفاقا
للشيخ في النهاية، وظن أن القائل بذلك يلتزم بكون أيام النقاء المتخللة فيما بينها أيام الدم
طهر، وهو أقل من عشرة، وهو اشتباه في اشتباه تبع به غيره كما ستعرفه إن شاء الله،
على أنه لا يخفى عليك ما في قوله: أنه يشترط ذلك في الحيضتين المستقلتين دون الواحدة،
وعليه نزل الروايات، لأن صحيح يونس مما لا يمكن فيه جعل سائر الدم حيضة واحدة،
لزيادته على أكثر الحيض، وكذلك قضية الجواب في خبر أبي بصير، فتأمل.
وكيف كان فلا ينبغي الالتفات إليه بعد ما سمعت من الاجماعات وغيرها. ثم إنه مما
تقدم في صحيح ابن مسلم المتقدم من قوله (عليه السلام): (فما زاد) يظهر لك أنه
لا حد لأكثر الطهر كما هو المشهور بين الأصحاب، بل حكم العلامة عليه الاجماع،
كما نفى عنه الخلاف ابن زهرة، ولعل الأمر فيه كما ذكر، وما ينقل عن أبي الصلاح
من تحديده بثلاثة أشهر فلعل ذلك بناء منه على غالب العادة كما استظهره منه في المختلف
وجزم به في التذكرة، والأمر سهل وإن كان فيه ما فيه.
(و) حيث عرفت أن أقل الحيض ثلاثة فلا يحكم بحيضية الناقص عنها، لكن
(هل يشترط التوالي) لرؤية الدم (في الثلاثة) فلا يحكم بحيضية ما تراه من اليوم
الأول ثم الرابع والسابع مثلا، فضلا عن قدر الثلاثة في الساعات مثلا كما هو المشهور
149

نقلا وتحصيلا، بل قد يظهر من اطلاق الجامع نفي الخلاف عنه، قال فيه: " ولو رأت
يومين ونصفا وانقطع لم يكن حيضا بلا خلاف بين أصحابنا، وخيرة الهداية والفقيه
ناقلا له عن رسالة والده، والمبسوط والجمل والعقود وإشارة السبق والسرائر والجامع
والمعتبر والنافع والمنتهى والقواعد والمختلف والتحرير والإرشاد والذكرى والدروس
واللمعة والبيان وجامع المقاصد، بل عن سائر تعليقاته، والروضة والمدارك والذخيرة
وشرح المفاتيح والرياض وغيرها، بل عساه يظهر من الوسيلة كالغنية وكافي أبي الصلاح،
وهو المنقول عن علم الهدى وابن الجنيد، لأصالة عدم الحدث، وقاعدة اليقين،
وعموم ما دل على التكليف بالصلاة والصوم ونحوهما من الكتاب والسنة، واستصحاب
أحكام الطاهرة من المكث في المساجد وجواز المس وقراءة العزائم ونحوها، واستصحاب
بقاء قابليتها للتكليف بالصلاة مثلا، وربما استدل أيضا بما في الفقه الرضوي (1) " فإن
رأت الدم يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر الدم ثلاثة أيام متواليات "
إلى آخره بعد انجباره بالشهرة العظيمة، بل في الرياض أنه لا دليل سواه، قال: وما
زعم - من ثبوت الصلاة في الذمة فلا يسقط التكليف إلا مع تيقن السبب، ولا
يقين مع عدم التوالي، وإصالة عدم تعلق أحكام الحائض - ضعيفان، أما الأول فبمنع
ثبوتها في الذمة في المقام، كيف لا وهو أول الكلام، مع أن مقتضى الأصل عدمه،
والتمسك بدليل الاستصحاب - في صورة رؤيتها الدم المزبور بعد دخول الوقت ومضى
مقدار الطهارة والصلاة وإلحاق ما قبله به لعدم القائل بالفرق - معارض بالتمسك به في
صورة رؤيتها إياه قبل الدخول، ويلحق به ما بعده بالاجماع المزبور، هذا، مع ضعف
هذا الأصل من وجوه أخر لا تخفى على من تدبر. وأما الثاني فبمعارضته بأصالة عدم
التكليف بالعبادات المشروطة بالطهارة " انتهى.

(1) المستدرك - الباب 10 - من أبواب الحيض - حديث 1
150

ولا يخفى عليك أنه لا يرد شئ مما ذكره على ما ذكرناه من الأصول والقواعد
والعمومات، مضافا إلى ما في منعه الأول ودعوى أن الأصل عدم الشغل، ومعارضة
ما ذكره من الاستصحاب أولا بالاستصحاب في صورة رؤيتها الدم قبل الوقت، وثانيا
بأصالة عدم التكليف بالعبادة المشروطة بالطهارة، وذلك لأن المراد من ثبوتها في الذمة
إنما هو بالخطاب التعليقي المتحقق التكليف به قبل دخول الوقت، إذ ليس قوله: (صل
إن دخل الوقت) مجرد إخبار كما عساه يتخيل، بل هو خطاب وتكليف بالفعل عند
دخول الوقت، ومن هنا يصدق على العبد الذي أمره سيده بفعل معلق أنه مكلف
ومخاطب، ولذا يجب على المكلف في بعض الصور حفظ ما يتوقف عليه الفعل قبل دخول
الوقت إذا علم عدم وجوده بعده، على أن التمسك باستصحاب البراءة قبل دخول الوقت
في نفي الشغل بعده لا يخلو من تأمل ونظر، كيف لا مع أنا نعلم أن براءتها قبل الوقت
إنما هو لعدم دخول الوقت الذي ينقطع بمجرد دخول الوقت، نعم لو كان الشك في
كون الآن الثاني من الوقت مشغلا لها بنفسه وكانت بريئة قبله أمكن جريان هذا
الاستصحاب، ومنه يعلم فساد ما ذكره أخيرا من التمسك بأصالة العدم، على أنه كيف
يتصور جريانه مع استصحاب الطهارة، فتأمل جيدا.
فإن قلت كيف لا يتجه الاستدلال بما ذكرت أولا مع دوران الأمر بين
الحيض والاستحاضة، إذ كما أن الأصل عدم الحيض فالأصل عدم الاستحاضة أيضا.
قلت: أما أولا نمنع الحكم بالاستحاضة بمجرد انتفاء الحيض، بل نقول: إن الأصل
عدمهما كما يشعر به مرسل يونس الآتي (1) حيث قال (عليه السلام) فيه: " إنما كان
من علة إما قرحة في جوفها وإما من الجوف " وأما ثانيا فبدعوى أن الاستحاضة من
الأمور المرتبة على عدم الحيض، فيكون حينئذ شرطها عدميا. فلا مانع حينئذ من

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الحيض - حديث 2
151

التمسك بأصالة عدم الحيض مع الحكم بالاستحاضة، ولعله الظاهر من تصفح كلماتهم
وأخبار الباب للحكم بالاستحاضة بمجرد انتفاء الحيض، ولم نعهد أحدا منهم عارض
أصالة عدم الحيض بأصالة عدم الاستحاضة لا في المقام ولا في غيره، ومن هنا تعرف
أن الاستحاضة أصل بعد انتفاء الحيض حتى يعلم أنه من قرحة أو نحوها، وأما ثالثا
فبعد التسليم فلا ينقطع جملة مما ذكرنا كاستصحاب بقاء قابليتها للتكليف والعمومات ونحوها،
إذ الاستحاضة لا ترفع ذلك بخلاف الحيض، على أنه يمكن التمسك بأصالة البراءة من
الزائد عند اختبار الدم ورؤيته قليلا بحيث لو كان استحاضة لكان صغرى، لكون
الغسل تكليفا زائدا، وأما رابعا فالمتعين عليها حينئذ الاحتياط بترك المكث في المساجد
ونحو ذلك من أفعال الطاهرة، بل الظاهر أنه حينئذ يجب عليها الاغتسال والصلاة
والصوم ثم الصوم بدله.
لا يقال: إن الاحتياط غير ممكن بالنسبة للصلاة والصوم لكون تركها عزيمة
على الحائض، لأنا نقول: أولا نمنع الحرمة الذاتية. وإنما هي تشريعية ترتفع بالاحتياط،
وثانيا إن الظاهر من الأصحاب ترجيح الفعل هنا على الترك كما في نظائر المقام، ولعله
لأن مراعاة الوجوب في نحو الصلاة أهم من مراعاة الحرمة أو لغير ذلك، ومع التنزل
عن ذلك كله فالقاعدة تقتضي التخيير، مع أنه لا يلتزم أحد من الأصحاب بشئ
من ذلك لا القائلين بالتوالي ولا بعدمه، وكيف كان فلا ريب في صحة ما ذكرنا
من الأصول والقواعد، نعم لا يتجه الاستدلال على ما نحن فيه بتبادر التوالي من قوله
(عليه السلام) (1): (أدنى الحيض ثلاثة أيام) كما وقع من صاحب المدارك وغيره،
أما أولا فلمنع ذلك كما يوضحه تعلق النذر واليمين، وأما ثانيا فلأنه إنما يتجه أن لو قلنا
بكون المتخلل من النقاء بناء على عدم اشتراط التوالي طهرا، وهو غير معلوم بل المعلوم

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 10
152

عدمه كما سيجئ، لما عرفت من الاجماعات على أن أقل الطهر عشر، فتعين أن الجميع
حيض، فليس الاستدلال في محله، إذ الكلام حينئذ يرجع إلى اشتراط التوالي في
الثلاثة الأول من أكثر الحيض مثلا أم لا، وإلا فالأقل لا بد فيه منه إجماعا، لا يقال:
إن قوله (عليه السلام): (أدنى الحيض ثلاثة أيام) ظاهر في إرادة وجود الدم،
فلا عبرة بالمحكوم بكونه حيضا كالبياض المتخلل، لأنا نقول: بعد التسليم أنه مخصوص
بالأقل ولا كلام لنا فيه، إذ نحن نشترط في الأقل ذلك، فتأمل. على أن قوله بعده:
(وأكثره عشرة) يشعر بخلافه، لعدم اشتراط توالي الدم فيها قطعا.
وكيف كان فهل يشترط في الحيض ذلك لما ذكرنا (أم يكفي كونها في جملة
العشرة) كما في النهاية والاستبصار والمهذب وظاهر مجمع البرهان وصريح كشف اللثام
والحدائق ناقلا له عن بعض علماء البحرين والحر في رسالته، لأصالة عدم الاشتراط،
وإطلاق النصوص، وأصل البراءة من العبادات، وقاعدة الامكان سيما مع جمعه
الصفات، والاحتياط، وقول الصادق (عليه السلام) في مرسل يونس بن يعقوب (1):
" وإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة، فإذا استمر بها الدم ثلاثة أيام
فهي حائض، وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت وانتظرت
من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام، فإن رأت في تلك العشرة من يوم رأت الدم يوما
أو يومين حتى يتم له ثلاثة أيام فذلك الذي رأته مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة
فهو من الحيض، وإن مر بها من يوم رأت عشرة أيام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان
الذي رأته لم يكن من الحيض، إنما كان من علة إما قرحة في جوفها وإما من الجوف
فعليها أن تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها، لأنها لم تكن حائضا، فيجب أن
تقضي ما تركت من الصلاة في اليوم واليومين، وإن تم لها ثلاثة أيام فهو من الحيض،

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الحيض - حديث 2
153

وهو أدنى الحيض، ولم يجب عليها القضاء، ولا يكون الطهر أقل من عشرة أيام،
وإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت، فإن رأت
بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة،
وإن رأت الدم من أول ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام ودام عليها عدت من
أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام، ثم هي مستحاضة تعمل ما تعمله المستحاضة،
وقال: كل ما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، وكل ما رأته
بعد أيام حيضها فليس من الحيض " وإطلاق الصحيح أو الحسن (1) عن الباقر
(عليه السلام) " إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى، وإن كان
بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة " ونحوه غيره.
وفي الكل نظر، لرجوع الأول إلى الثاني، والثاني قد عرفت ما فيه إن أريد
بها نصوص الثلاثة، وإن أريد بها إطلاق أخبار الحيض والصفات فقد عرفت سابقا أن
المراد بالحيض إنما هو دم معروف لا كل دم سائل، فمع الشك فيه فالأصل عدمه،
وأخبار الصفات - مع معارضتها بفاقدها وبناء الاحتجاج بها على الرجوع إليها مطلقا
لا في خصوص الاستمرار - قد عرفت أن منشأ الاستناد إليها إنما هو حصول الظن لمكان
الغلبة، وهو مفقود في المقام سيما بعد كون الشهرة العظيمة المنجبرة بما سمعت على أن التوالي
من جملة الأوصاف اللازمة له التي لا تفارقه، فكان الظن بالعكس، وعرفت أيضا
ما في التمسك بأصل البراءة وكذا قاعدة الامكان، مع أن الظاهر عدم جريانها في نحو
المقام مما شك في أصل إمكان حيضيته، لعدم الدليل عليها في نحو ذلك، والاحتياط
معارض بمثله، وأما الخبر - فمع إرساله وجهالة حال بعض رجاله كما قيل وهو إسماعيل
ابن مرار، وعدم الجابر له، ورجوع الشيخ عنه في غير النهاية، وهو أبصر به من

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الحيض - حديث 3
154

ابن البراج، مع أن النهاية لم يعلم كونها كتاب فتوى، واشتماله على ما لا يقول به
الأصحاب من الحكم بحيضية العشرة لذات العادة إذا تجاوزها الدم، وعدم سلامته من
التناقض، للتصريح فيه بأن الطهر لا يكون أقل من عشرة مع ظهور بعضه فيه، إلى غير
ذلك - لا ينبغي أن يقطع به ما سمعت، ويجترى به على مخالفة هذه الشهرة العظيمة التي
كادت تكون إجماعا، مع اعتضادها بفتوى مثل الصدوقين وابن الجنيد وعلم الهدى على
ما نقل عنهما وأما الصحيح المتقدم فلا دلالة فيه على شئ من المدعى، إذ كون اليوم
أو اليومين حيضا حتى يلحق به ما تراه قبل مضي العشرة أول الكلام.
ولذلك كله قال المصنف: (الأظهر الأول) وإن كان الاحتياط لا ينبغي أن
يترك بحال، سيما مع ملاحظة قوة المرسلة من جهة كون المرسل يونس، وهو على ما قيل
ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، ولعل إسماعيل بن مرار الذي رمي
بالجهالة يقرب إلى الوثاقة، لعدم استثناء القميين ممن يروي عن يونس غير محمد بن
عيسى العبيدي على ما حكي، لكن الأقوى الأول، لما تقدم، هذا كله إن لم نقل
أن القائلين بعد الاشتراط يجعلون النقاء المتخلل بين الأيام الثلاثة طهرا، وإلا فإن
كان كذلك كما زعمه في الروض وعن شرح الإرشاد للفخر والهادي وصرح به في الحدائق
بعد أن اختار عدم الاشتراط فهو من الفساد حينئذ بمكانة، لمخالفته مع ذلك ما دل على
أن أقل الطهر عشرة من الاجماع والسنة حتى المرسل السابق، وإن أشعر صدره بخلافه
مع عدم صراحته، لاحتمال إرادة أدنى الدم لا مع المحكوم بحيضيته، وغير ذلك، وما
في الحدائق - من الجمع بين صدره وذيله والأخبار الدالة على أن أقل الطهر عشرة
بحمل الطهر فيها على ما كان بين حيضتين مستقلتين لا الحيضة الواحدة، فإن النقاء فيها
طهر، مستشهدا لذلك بصحيح ابن مسلم (1) وغيره (2) مما دل على إلحاق ما رأته قبل

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الحيض - حديث 3
(2) المستدرك - الباب - 9 - من أبواب الحيض - حديث 1
155

العشرة بالحيضة الأولى، وإن كان بعدها فهو من الحيضة الثانية، إذ المراد بالعشرة
إنما هو من حين انقطاع الدم لا أول رؤيته، وإلا لزم أن يراد بالعشرة الثانية كذلك،
لظهور اتحاد مبدئهما، وهو فاسد كما هو واضح، فتعين الأول، وهو يقضي بكون
النقاء المتخلل طهرا، وإلا لزم أن يكون أكثر الحيض أزيد من عشرة - في غاية
الضعف، لما فيه من تقييد إطلاق الأخبار (1) الصحيحة التي كادت تكون كالنص
المعتضدة باطلاقات الاجماعات التي هي كذلك، بل بصريح كلام الأصحاب فيما يأتي
إن شاء الله تعالى، لحكمهم فيمن رأت ثلاثة أيام دما فانقطع ثم رأت العاشر أو قبله يوما
ونظائره بحيضية الجميع، بل حكى الشيخ في الخلاف الاجماع فيما لو رأت دما ثلاثة أيام
وبعد ذلك يوما وليلة نقاء، ويوما دما إلى تمام العشرة على حيضية الجميع النقاء والدم،
مع التصريح في المرسل بكون مبدأ العد من أول رؤية الدم في بعض الصور مع عدم الشاهد
المعتبر له على هذا التصرف.
وما في مرسل أبي المعزي العجلي (2) من ظهور ذلك لا يلتفت إليه، لفقده شرائط
الحجية، ثم إنه كيف ساغ له الأقدام على تخصيص هذه القاعدة ولم يسغ له الأقدام على
نقض قاعدة أكثرية الحيض حتى جعل لزوم بطلانها شاهدا له على ما ادعاه، مع أن
منشأهما واحد، فالأولى ارتكاب التصرف في هذه الأخبار إما باختلاف مبدأ العشرتين
أو بكون المبدأ فيها أول الدم والحكم بحيضية ما أمكن منها لا الزائد على العشرة، كما يظهر
من المرسل أو نحو ذلك، وقد تقدم لك جملة من الكلام سابقا في صحيح يونس المتقدم
في مسألة أقل الطهر، فظهر لك من ذلك كله أن الأقوى ما ذكرنا من اشتراط التوالي
وأن القول بالعدم ضعيف، كالقول المحكي عن الراوندي بالتفصيل بين الحامل فالثاني،

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الحيض - حديث 1 و (المعزى) بالقصر وقيل بالمد
156

وغيرها فالأول، ولعله للجمع بين خبر يونس والأدلة بحمل المتقدم على الحامل،
لخبر إسحاق بن عمار (1) أنه " سأل الصادق (عليه السلام) عن المرأة الحبلى ترى
الدم اليوم واليومين، قال: إن كان دما عبيطا فلا تصل ذينك اليومين، وإن كان
صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين " وهو كما ترى.
ثم إنه بناء على المختار فهل يراد بالتوالي استمرار الدم ولو في باطن الرحم بحيث
كل ما وضعت الكرسف تلوث كما هو ظاهر الكافي والغنية والسرائر وصريح جامع
المقاصد وعن المحرر لابن فهد، وقواه في الرياض، وقد يظهر من الجامع نفي الخلاف
فيه، قال: لو رأت يومين ونصفا وانقطع لم يكن حيضا لأنه لم يستمر بلا خلاف من
أصحابنا، كما يظهر من المبسوط والمنتهى أنه لا إشكال فيه بناء على الاشتراط، ولعل
الأمر فيه كما ذكرا، لظهور عباراتهم فيه، كالنصوص الدالة على أن أقل الحيض
ثلاثة أيام، إذ هو المتبادر من ذكر الظرف مجردا عن حرف الجر، أو يكفي وجوده
في كل يوم آنا ما كما نسب إلى ظاهر الأكثر، ومال إليه بعض متأخري المتأخرين
متمسكا بصدق رؤيته ثلاثة أيام لأنها ظرف له، ولا يجب المطابقة بين الظرف والمظروف،
ولعله بهذا الاعتبار نسبه إلى ظاهر الأكثر، ويؤيده ما عن التذكرة والنهاية من أن
لخروج الدم فترات معهودة لا تخل بالاستمرار، مع نقل الاجماع في الأول عليه،
أو أنه يشترط رؤيته في أول الأول وآخر الثالث وأي وقت من الثاني، كما عن السيد
حسن ابن السيد جعفر معاصر الشهيد الثاني، وربما مال إليه البهائي في حبله؟ ولا ريب
أن الأقوى الأول، لكثير من الأصول والقواعد والعمومات المتقدمة سابقا، مضافا
إلى ما سمعته هنا، ومنه تعرف ما في نسبة الثاني إلى الأكثر والاستدلال عليه بظاهر
النصوص، ولذا قال في جامع المقاصد: " إن المتبادر إلى الأفهام من كون الدم ثلاثة

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 6
157

أيام حصوله فيها على الاتصال بحيث متى وضعت الكرسف تلوث به، وقد يوجد في
بعض الحواشي الاكتفاء بحصوله فيها في الجملة، وهو رجوع إلى ما ليس له مرجع "
انتهى. وهو جيد جدا، ويؤيده - مضافا إلى ما تقدم وإلى ما قد يدعى أنه الغالب في
النساء - أنه لو اكتفي بذلك لم يصدق أن أقل الحيض ثلاثة بل يوم وساعتين مثلا، ولعل
هذا منشأ القول الثالث، فإنه به تكون جميع الثلاثة حيضا وإن لم يحصل الاستمرار،
لكنه في غاية الضعف، بل قد يدعى الاجماع على خلافه، ولا ينافي المختار ما سمعته
عن التذكرة والنهاية من فترات الدم، إذ لعل الظاهر بقرينة الاجماع عدم الخروج خارجا
لا عدم بقاء شئ حتى في باطن الرحم، ويمكن دعوى اشتراط ما ذكرنا حتى على القول
بعدم اشتراط التوالي، إذ الاكتفاء بكونها في جملة العشرة لا ينافي ذلك، كما أن
ما فرعه في المبسوط وغيره - من جريان التلفيق عندهم فيما لو رأت ساعة طهرا وساعة
دما وهكذا إلى تمام العشرة - لا ينافيه أيضا، بل يؤكده، إذ حاصله تلفيق ثلاثة
أيام كاملة من المجموع، وإن كان المتبادر من ثلاثة أيام في ضمن العشرة خلاف هذا
التلفيق، فكان الأقوى عدمه بناء عليه، نعم لا يبعد جريان التلفيق الذي يعده أهل
العرف كالحقيقي حتى على المختار، كأن يكون قد جاءها الدم عند الظهر وانقطع في
الثالث عنده ونحو ذلك، ومنه تعرف أنه لا وجه للتلفيق بالمخالف كتلفيق النهار بالليل
لعدم مساعدة العرف له، بل قد عرفت سابقا الاشكال فيما ذكرناه من التلفيق،
فلاحظ وتأمل.
ثم الظاهر أنه لا عبرة بالليلة الأولى والثالثة في صدق الثلاثة، كما في سائر
مقامات التحديد بنحو ذلك في أكثر الحيض وأقل الطهر والاعتكاف والإقامة ونحوها،
واختاره جماعة من متأخري المتأخرين، ولعل ما في المنتهى والتذكرة من أن الأقل
ثلاثة أيام بلياليها، بل في الثاني أنه لا خلاف فيه بين فقهاء أهل البيت (ع) ليس خلافا فيما
158

نحن فيه وإن حكاه بعضهم عنهما هنا، وإلا للزم أن يكون أقل الحيض أربعة أيام
وثلاثة ليالي لو فرض رؤيتها الدم صبح يوم الخميس، لعدم صدق الأيام بلياليها بدون
ذلك، لأن المفروض كون ليلة الخميس بياضا، أو يجعل يوم الخميس ليلته ليلة الجمعة،
ويوم الجمعة ليلته ليلة السبت، ويوم السبت ليلته ليلة الأحد، وهما معا كما ترى، بل
مراده أن الأقل أيام مبدؤها صبح يوم الخميس مثلا، ولياليها ليس إلا الليلتين
المتوسطتين في مقابلة ما نقله من خلاف العامة العمياء، كأحد قولي الشافعي أن أقله يوم
وليلة، وعلى ذلك يحمل نفي الخلاف في كلامه، وكذا يحمل ما في جامع المقاصد والروض
من أن الليالي معتبرة في الأيام إما لكونها داخلة في مسمى اليوم، أو للتغليب على إرادة
المتوسطتين كالمنقول عن ابن الجنيد، ولا يلزم من ذلك نفي حقيقة اليوم الذي هو لغة
وعرفا من الصبح إلى الغروب، ويشهد له قوله تعالى (1): (سبع ليال وثمانية أيام)
فلو سلم إرادة ما شمل الليل منه في المتوسطات في الإقامة والاعتكاف وأقل الحيض والطهر
وغير ذلك للقرينة ونحوها لا يقتضي تغير حقيقته في غيرها، ضرورة معلومية عدم
اطراد المجاز، كما هو واضح. فيرتفع الخلاف من البين، ومن ملاحظة ما ذكرنا
سيما نفي الخلاف الذي في التذكرة مع العرف يظهر أنه لا ينبغي التوقف في دخول الليلتين
المتوسطتين كما في نظائره، فما عساه يظهر من بعض مشائخنا من التوقف في ذلك في
غير محله، وكأنه لصدق حقيقة اللفظ إلا أنه كما ترى.
ثم الذي يظهر من تتبع كلمات الأصحاب وفحاويهم وإن لم ينصوا عليه بالخصوص
مع جملة من الأصول السابقة أن المراد بالثلاثة المتوالية في كلامهم إنما هي أول الحيض،
فلا يكفي وجودها في ضمن العشرة في تحيض ما تقدمها من الدم وإن قل، كأن يكون
رأت ساعة دما من اليوم الأول ثم رأت السابع والثامن والتاسع فيحكم بحيضية الجميع

(1) سورة الحاقة - الآية 7.
159

لذلك، كلا وإن تخيله بعض المحصلين من المعاصرين، وأعجب منه التمسك له بقاعدة
الامكان. وهي إن سلمت لا تجري في غير معلوم الإمكانية سيما بعد ملاحظة كلام
الأصحاب، بل كاد يكون كالصريح من بعضهم، فإنه لا إشكال عندهم بناء على اشتراط
التوالي في أنه متى انقطع الدم لأقل من ثلاثة قطعت أنه ليس بحيض كما نص عليه في
المبسوط وغيره، ولعله نشأ الاشتباه مما في كشف اللثام من الاجماع على أن أقل الحيض
ثلاثة أيام متواليات، ومن المعلوم أن ذلك منه مبني على حيضية الأيام المتخللة عند
القائلين بعدم اعتبار التوالي، ضرورة كون الفرض عندهم من أكثر الحيض لا من أقله
الذي هو بمعنى أن الامرأة لم تر غيره أصلا، فإنه لا بد أن يكون ثلاثة قطعا، ضرورة
عدم حيضية الأقل منه، ومن ذلك تعرف ما في استدلال سيد المدارك على اعتبار
التوالي بدعوى التبادر من قوله (عليه السلام) (1): (أدنى الحيض ثلاثة) ضرورة
عدم الخلاف في اعتباره في الأقل بالمعنى المزبور، بل هو عندهم من المستحيل لا أنه
من المتبادر، نعم بناء على أن الأيام المتخللة بين الثلاثة في ضمن العشرة طهر عند
القائلين بعدم اعتبار التوالي كما سمعت ترجيحه من بعضهم، بل لعله ظاهر المرسل الذي
هو مستندهم يتجه الاستدلال بتبادر التوالي من الاطلاقات في غيره، فيقع التعارض
بينه حينئذ وبينها، على أنه مناف لقاعدة أقل الطهر عشرة المصرح بها في المرسل، بل
وللإجماع على حيضية النقاء المتخلل بين الثلاثة وما بقي من العشرة لو انقطع عليها،
اللهم إلا أن يلتزموا اختصاص أقلية الطهر بين الحيضتين لا الحيضة الواحدة التي هي
مجموع الثلاثة، واختصاص حيضية النقاء المتخلل بين الثلاثة وما بقي من العشرة لا الثلاثة
نفسها، إلا أن الجميع كما ترى مناف لظاهر الأدلة فتأمل.
(وما تراه المرأة) من الدم بأي لون كان (بعد يأسها) وانقطاع رجائها

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 10
160

من الحيض ولو بالقرائن المفيدة لذلك عند جهل مبدأ ولادتها (لا يكون حيضا) إجماعا
محصلا ومنقولا
(وتيأس المرأة) أمة كانت أو حرة (ببلوغ ستين) سنة من مبدأ
ولادتها كما عن العلامة في بعض كتبه، استصحابا لبقاء قابليتها فيما دونها، ولقاعدة
الامكان، ولأخبار الصفات، ولخبر عبد الرحمان بن الحجاج (1) عن الصادق
(عليه السلام) قال: " قلت: قلت التي يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، قال: إذا
بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض " ومرسل الكافي (2) أنه
" روي ستون سنة " وقيل ببلوغ خمسين مطلقا أيضا، كما هو خيرة السرائر وطلاق
الكتاب والمدارك وعن الجمل والنهاية وابن البراج، وربما مال إليه في النافع والمنتهى،
للأصل بل للأصول والعمومات التي تقدمت الإشارة إليها في مسألة التوالي، وقول
الصادق (عليه السلام) في الصحيح (3): " حد التي يئست من المحيض خمسون سنة "
ونحوه صحيحه الآخر على كلام في سهل (4) ومرسل أحمد بن محمد بن أبي نصر (5)
المروي في الكافي والتهذيب بطريق فيه سهل أيضا، لكن رواه المحقق في المعتبر من
كتاب أحمد.
(وقيل) كما في الفقيه والمبسوط والمعتبر والوسيلة والجامع والتذكرة والقواعد
والإرشاد والذكرى والبيان والدروس وغيرها، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا (في
غير القرشية) أي المنتسبة إلى النضر بن كنانة بالأبوين أو بالأب وحده لا الأم وحدها
وإن احتمل بل مال إليه بعضهم، لكون المعتبر في الحيض تقارب الأمزجة، ومن ثم
اعتبر العمات والخالات وبناتهن فيما يأتي، لكن الأوجه خلافه لعدم الدليل، نعم
لا فرق في ذلك بحسب الظاهر بين النسب الشرعي وغيره ولا بين ما يثبت به الأول

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الحيض - حديث 8 - 4 - 1
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الحيض - حديث 8 - 4 - 1
(3) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الحيض - حديث 8 - 4 - 1
(4) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 3
(5) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 3
161

من الاقرار والشياع والقرعة وغيرها على إشكال في البعض، كما أنه لا فرق في القرشية
بين الهاشمية وغيرها وإن كان لا يعرف في هذا الزمان سوى الأول، بل خصوص
من انتسب إلى أبي طالب والعباس، نعم لا يبعد إلحاق الحكم على القبيلة المعروفة
الآن بقريش. (و) ألحق في الوسيلة وما بعدها بل نسبه في جامع المقاصد إلى الأصحاب
تارة وإلى الشهرة أخرى (النبطية) بل ستسمع ما في المقنعة من نسبتها إلى الرواية،
والمراد منها المنتسبة إلى النبط، وهم كما عن مروج الذهب ولد نبطة بن ماس بن آدم
ابن سام بن نوح، وقيل هم قوم كانوا ينزلون سواد العراق كما عن العين والمحيط
والديوان والمغرب والتهذيب للأزهري، وفي الصحاح والقاموس وعن النهاية قوم
ينزلون البطائح بين العراقين، وفي جامع المقاصد أن الذي كثر في كلام أهل اللغة أنهم
جيل كانوا ينزلون البطائح بين الكوفة والبصرة، وفي كشف اللثام قال السبعاني: أنهم
قوم من العجم، وقيل من كان أحد أبويه عربيا والآخر عجميا، وقيل عرب استعجموا
أو عجم استعربوا، وعن ابن عباس نحن معاشر قريش حي من النبط، وقال الشعبي
في رجل قال لآخر: يا نبطي: لا حد عليه، كلنا نبط، وعن المصباح المنير أنه " قيل إنهم
قوم من العرب دخلوا في العجم والروم، واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم، وذلك
لمعرفتهم بانباط الماء أي استخراجه لكثرة فلاحتهم " انتهى. وفي الصحاح في كلام
أيوب بن القرية أهل عمان عرب استنبطوا، وأهل البحرين نبط استعربوا، ولعل
الأقوى قي النظر الثاني، وقد يشعر به بعض الأخبار المنقولة في المصباح المنير، وكيف
كان فقد صرح بعض الأصحاب أنهم لا يعرفون في هذا الزمان، وفيه تأمل بناء على
ما ذكرنا، ثم المدار على تحقق النسبة وإن لم يكونوا في ذلك المكان مع احتمال الاقتصار
عليه، بل كون السكنى فيه هي المدار حتى أن الخارج عنه الذي قد أعرض وسكن بنية
التوطن غيره لا يجري عليه الحكم، والداخل فيه بنية التوطن يجري عليه ذلك (ببلوغ
خمسين سنة).
162

وأما فيهما فبلوغ ستين، ولعله الأقوى للجمع بين ما سمعته من الأخبار بشهادة
مرسل ابن أبي عمير (1) عن الصادق (عليه السلام) قال: " إذا بلغت المرأة خمسين
لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش " وهو يجري عندهم مجرى الصحيح سيما في
المقام، لانجباره بما سمعت من الشهرة المحصلة والمنقولة، بل عن التبيان والمجمع نسبته في
القريشية إلى الأصحاب مؤذنين بدعوى الاجماع عليه كما سمعته من جامع المقاصد في
النبطية، ومع ذلك كله فهو قضية ما فهمه البعض من قاعدة الامكان. لا يقال:
لا صراحة في المرسل بالستين كما لا صراحة فيه بالحيضية، على أنه خاص بالقريشية،
لأنا نقول: أما الأول فيدفعه عدم القائل بغيرها، مع أنه قال في المقنعة (2): " وقد روي أن القرشية والنبطية من النساء تريان الدم إلى الستين ". وبذلك مع انجباره بما تقدم يندفع
ذلك كالثالث أيضا مع التأيد بقاعدة الامكان، وبما دل على التحيض للمرأة بمجرد
رؤية الدم ونحوه، وإن كان الاحتياط فيها لا ينبغي أن يترك بحال، وأما الثاني فلا
ريب في ظهور الرواية بذلك، وهو كاف في المطلوب، وعساك بالتأمل فيما ذكرنا
تستغني عن التعرض لابطال القولين المتقدمين سيما الأول منهما، فإنه في غاية الضعف
لضعف دليله مع قلة القائل به، وكذا احتمال الجمع بين النصوص بالتفصيل بين العدة
والعبادة، فالستون للأولى مطلقا، والخمسون للثانية كذلك، إذ هو كما ترى لا يرجع
إلى حاصل، والله العالم.
(وكل دم تراه المرأة) جامعا للصفات أولا وكان (دون ثلاثة) أيام (فليس
بحيض) إجماعا إن لم يحصل به ما يتمها في ضمن العشرة، وعلى الأقوى فيه أيضا كما
عرفت (مبتدأة كانت أو ذات عادة) أو غيرهما، ومما تقدم تعرف التفصيل.
(و) أما (ما تراه) المرأة من الدم (من الثلاثة إلى العشرة مما يمكن أن يكون حيضا فهو

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 9
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 9
163

حيض تجانس أو اختلف) إجماعا كما في المعتبر والمنتهى مع التعليل فيهما بعد الاجماع
بأنه زمان يمكن أن يكون حيضا فيكون حيضا، ويستفاد منه قاعدة، وهي أن كل دم
تراه المرأة وكان يمكن أن يكون حيضا فهو حيض كما صرح بها في القواعد والبيان وغيرهما،
وكادت تكون صريح المبسوط والسرائر وغيرهما، بل قد يظهر من بعضهم دعوى
الاجماع عليها، كما أنها عند المعاصرين ومن قاربهم من القطعيات التي لا تقبل الشك
والتشكيك، حتى أنهم أجروها في كثير من المقامات التي يشك في شمولها لها ككون
حد اليأس مثلا ستين سنة، وعدم اشتراط التوالي في الثلاثة ونحو ذلك من المقامات
التي وقع النزاع في إمكان كونه حيضا عند الشارع وعدمه، وهو لا يخلو من تأمل،
إذ الظاهر على ما هو المستفاد من بعضهم كالشهيد في الروضة وغيره أنه بعد تسليمها
تختص بما علم إمكان حيضيته عند الشارع، كأن تكون المرأة مثلا بالغة غير آئسة ورأت
الدم ثلاثة أيام متواليات، ولم يكن مسبوقا بما يمنع من الحكم بحيضيته، ولم تكن حبلى
عند من اختار أن الحبلى لا تحيض، فإنها تحكم حينئذ بالحيضية، لأنه زمان يعلم
صلاحيته للحيض شرعا، أما ما وقع الشك في أصل صلاحيته كاشتراط التوالي وحد
اليأس والحبلى ونحو ذلك فليس للمثبت التمسك بها في مقابلة النافي، كما أنه يشكل
التمسك بها أيضا في حال عدم إحراز ما علم شرطيته في الحيض واقعا، وما نعيته منه
كذلك، كبلوغ التسع مثلا، وعدم بلوغ ما ثبت من حد اليأس كالخمسين والستين،
وإن كان الثاني لا يخلو من وجه، ونحوه التمسك بها قبل استقرار الامكان، كما
إذا رأت المبتدأة دما ولم تعلم أنه يستمر إلى ثلاثة فيكون ممكن الحيضية، أو ينقطع فلا
يمكن، ومن هنا قام النزاع بينهم في تحيض المبتدأة برؤية الدم حتى أن من نقل الاجماع
على تلك القاعدة كالمصنف في المعتبر اختار عدم التحيض، ونحوه ابن إدريس، ولعله لذلك
قيد بعض متأخري المتأخرين الامكان بكونه إمكانا مستقرا غير معارض بامكان حيض آخر.
164

وكيف كان فأقصى ما يمكن من الاستدلال عليها - بعد أصالة الحيض في دم
النساء بمعنى الغالب إذ هو الدم الطبيعي المخلوق فيهن لتغذية الولد وتربيته، بخلاف
الاستحاضة وغيرها فإنه لآفة، وإجماعي المعتبر والمنتهى المتقدمين مع اعتضادهما بالشهرة
المدعاة في المقام، والأخبار (1) المستفيضة الدالة على جعل الدم المتقدم على العادة حيضا
معللة ذلك بأنه ربما تعجل بها الوقت، مع التصريح في بعضها بكونه بصفة الاستحاضة،
والأخبار (2) الدالة على ترتب أحكام الحائض بمجرد رؤية الدم منها - ما في الخبر (3)
" أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر " وفي آخر (4) " وإنما فطرها من الدم " وإطلاق
أخبار الاستظهار لذات العادة (5) إذا رأت ما زاد عليها الشامل لغيرها بطريق أولى،
والأخبار (6) الدالة على إلحاق ما تراه قبل العشرة بالحيضة الأولى، منها الموثق " إذا
رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى " ومثله الحسن، والأخبار (7) المتقدمة
سابقا في الاشتباه بالعذرة والقرحة من الحكم بالحيضية مع الاستنقاع وخروجه من الأيمن
أو الأيسر على الخلاف، إذ لو لم يعتبر الامكان لم يحكم بكونه حيضا، لعدم اليقين،
والأخبار (8) الدالة على حيضية ما تراه الحبلى معللة ذلك بأن الحبلى ربما قذفت الدم،
والأخبار (9) الدالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض سيما على ما فسره

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الحيض والباب 13 - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الحيض
(3) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 7
(4) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 7
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض.
(6) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 11 والباب - 11 -
حديث 3 والباب - 13 - حديث 1.
(7) الوسائل - الباب - 2 و 16 - من أبواب الحيض
(8) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 1 و 10 و 17
(9) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض
165

في المبسوط من أن المراد بأيام الحيض الأيام التي يمكن فيها ذلك، من غير فرق بين أيام
العادة وغيرها، مع نقله الاجماع على ذلك في الخلاف، ومنه يظهر أن التمييز بالصفات
مبني على هذه القاعدة أيضا، لما عرفت من جواز انتفائها، ولأنه لو لم يعتبر الامكان
لما حكم بحيض لعدم اليقين، والصفات إنما تعتبر عند الحاجة لا مطلقا، للنص والاجماع
على جواز انتفائها.
وفي الكل نظر، أما الأول فبعد تسليمه وتسليم اعتباره شرعا مداره حصول
الظن بذلك للغلبة، وتحققه في جميع صور هذه القاعدة ممنوع، كما في المبتدأة مثلا إذا
رأت الدم بصفات الاستحاضة وكذلك المعتادة إذا رأته متقدما على عادتها بكثير،
كيف وقد عرفت ما دل (1) على الصفات من الأخبار المعتبرة المشتملة على الاعجاز،
لا أقل من أن يكون منشأها الغلبة التي تعارض تلك وترجح عليها، وأما الاجماعان
فأقصى مفادهما حيضية ما تراه من الثلاثة إلى العشرة، ولعلنا نسلمه بعد معرفة كون
الثلاثة الأول حيضا، لدلالة بعض الروايات (2) عليه كما ستسمع، فيكون ذلك حينئذ
مورد الاجماعين كما يشعر به استدلاله في المعتبر والمنتهى على هذا الحكم بعد دعوى
الاجماع بما دل على إلحاق ما تراه قبل العشرة بالحيضة الأولى، ويشعر به أيضا ما في
الذكرى فإنه قال: " وما بين الأقل والأكثر حيض مع امكانه لاستصحابه، ولخبر
سماعة (3) عن الصادق (عليه السلام) " تستدخل الكرسف، فإن خرج الدم لم تطهر "
وكذا لو لم تر هذه العاشر أو رأته متفرقا بعد الثلاثة، لخبر محمد بن مسلم (4) عن الصادق

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 2 و 3
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الحيض - حديث 2
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الحيض - حديث 4
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 11
166

(عليه السلام) (إذا رأته قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى) " انتهى. فإنه كالصريح
في أن محل هذه القاعدة بعد إحراز الحيضية في الثلاثة ونحوها، وأين هذا من التعميم
المدعى سابقا، وأما أخبار تقدم الدم العادة - فمع عدم اشتمال الكثير منها على التعليل
المتقدم، بل لم أعثر عليه إلا في خبر سماعة (1) ولا صراحة فيه بكون الدم في غير صفات
الحيض، بل ظاهر لفظ الدم فيه يقتضي خلافه لتعارف إطلاقه في الروايات في مقابلة
الصفرة والكدرة، مع اشتماله أيضا على ما عساه ينافي هذه القاعدة، للحكم فيه " إذا رأته أكثر
من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها ثم هي مستحاضة "
إذ قد يفرض ذلك في غير المتجاوز للعشرة كاشتمال غيره (2) من هذه الأخبار من
اشتراط الحيضية بتقدمه على العادة بقليل أو في العادة، والحكم في بعضها (3) بأن
" ما تراه من الصفرة والكدرة بعد أيام حيضها ليس من الحيض " على ما استفاضت به
الأخبار، بل كادت تكون متواترة، وفي بعضها (4) أنها " لا غسل عليها من صفرة
تراها إلا في أيام طمثها، فإن رأت صفرة في أيام طمثها تركت الصلاة كتركها للدم "
الخبر. - إن أقصى ما يستفاد منها حيضية الدم أو الصفرة مع تقدمة على العادة بقليل كاليوم
واليومين أو فيها، وهو لا يصلح مستندا لتلك القاعدة العظمى، كالأخبار الدالة على
التحيض بمجرد روية الدم، نحو ما في الخبر المتقدم " أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر "
فإنها - مع عدم صراحتها في شمول الفاقد بل يظهر منها خلافه لما عرفت - ظاهرة في
إرادة الحيض من لفظ الدم، كما عساه يشعر به تعريفه باللام مع كونه مساقا لبيان
ناقضية الحيض في كل وقت لا لبيان أن كل دم تراه فهو حيض، كما هو ظاهر لكل

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 3
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 3
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 8
167

من أعطى النظر حقه، ومن هنا رد في المعتبر من استدل بها على تحيض المبتدأة بمجرد
رؤية الدم قائلا إن الظاهر منها إرادة الدم المعهود.
وأما أخبار الاستظهار لذات العادة فهي بالدلالة على خلاف المطلوب أولى، لما
في بعضها (1) من الرجوع إلى التحيض بأيام العادة عند التجاوز، مع أن قضية القاعدة
العشرة حينئذ، وفي بعضها (2) الحكم بأنها تعمل عمل المستحاضة بمجرد التجاوز، وفي
آخر (3) الأمر بانتظار يوم، إلى غير ذلك مما يقضي بخلافها، بل في مرسل يونس (4)
" إن كل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض " وأما ما دل (5) على إلحاق ما تراه قبل
مضي العشرة بالحيضة الأولى كما في الموثق والحسن - فمع احتماله أو ظهوره في الجامع للصفات
التي علمت أنه حيض، إلا أنه لا يحكم بكونه حيضا مستقلا لعدم مضي أقل الطهر،
ولذا حكمت به كذلك بعد مضيه، ويشعر به كونه مساقا لبيانه - أنه يمكن أن يسلم
مقتضاها كما هو قضية إجماعي المعتبر والمنتهى، ولا يستفاد منه تلك القاعدة، ومن
العجيب الاستدلال عليه بأخبار العذرة والقرحة، مع ما فيه أولا من فرض انحصار
الاشتباه فيهما، فعند نفي العذرة مثلا يتعين الثاني من غير نظر إلى القاعدة، وثانيا
أنه لو كان البناء على قاعدة الامكان المقررة عندهم لكان المتجه الرجوع إليها من غير
اختبار بالتطوق ونحوه، وأيضا فقد عرفت أن المحقق (رحمه الله) ناقل الاجماع على
هذه القاعدة قد توقف في الحكم بالحيضية مع الاستنقاع، وهو ينافي ذلك ويقضي أن

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 3
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 11 والباب 11 حديث 3
والباب 12 حديث 1
168

ليس مقصوده منها ما عند المتأخرين من أصحابنا، أما أخبار الحامل (1) فملاحظة
كثير منها يقضي بخلاف هذه القاعدة كما لا يخفى على من أعطاها حق النظر، فلا نطيل
بذكرها مع ابتناء الاستدلال بها على مجامعة الحيض للحمل، وأما ما دل (2) على أن
الصفرة في أيام الحيض حيض فلا تقضي بتلك إلا على تفسير الشيخ الذي تقدم سابقا،
ولعل ذلك منشأ اشتهار هذه القاعدة عند من تأخر عنه، وهو ممنوع، بل الظاهر
منها إرادة أيام عادتها، كما كاد يكون صريح ما في مرسل يونس (3) حيث قال
(عليه السلام) في المضطربة: " أنها لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون
الدم، لأن السنة في الحيض أن تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيام الحيض إذا
عرفت حيضا " إلى آخره. وكذلك غيره كما لا يخفى على من لاحظها.
ويشير إليه أيضا استدلالهم فيما يأتي على حيضية الصفرة المتقدمة على أيام الحيض
بمثل هذه الروايات (4) على أن في بعضها " أن الصفرة قبل أيام الحيض وفي أيام الحيض
حيض، وبعد أيام الحيض ليست بحيض " وهي لا تنطبق على تفسيره، ولذلك كله
اعترف في الذكرى بظهور إرادة أيام العادة في خبر محمد بن مسلم (5) " عن المرأة ترى
الصفرة في أيام حيضها " ومن هنا يضعف الظن باجماعه الذي ادعاه في الخلاف، لأن
الظاهر أنه حصله من الروايات بعد أن فهم منها ذلك، وإلا فما وصل إلينا من كلام
المتقدمين عليه من أهل الفتاوى خال عن ذلك، ولا نقله أحد ممن يتعاطى نقله،
ولجميع ما ذكرنا توقف جماعة من متأخري المتأخرين كالمحقق الثاني وصاحب المدارك
وغيرهما في هذه القاعدة، واستوجه بعضهم الرجوع إلى الصفات في غير ما دل الدليل

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 0 - 1
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 0 - 1
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 0 - 1
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 0 - 1
169

عليه كالصفرة والكدرة في أيام الحيض، وهو لا يخلو من وجه. لما عرفت من ظهورها
واشتمالها على الاعجاز، مع موافقتها لأصول القاضية بعدم الحيضية، وكثرة الشواهد
في الأخبار على ما ينافي عموم تلك القاعدة على الوجه الذي فهموه، بل قد يقطع بعدمه.
لكن ينبغي استثناء ما تراه قبل أن يمضي أقل الطهر بعد الحيض مما أمكن أن
يكون حيضا، فإنه ملحق بالحيض الأول للموثق والحسن المتقدم (1) وإجماعي المعتبر
والمنتهى، وقد ينزل عليه إجماع الشيخ في الخلاف، وإن أمكنت المناقشة فيما تراه من
الصفرة والكدرة بعد أيامها بل في سائر الدم الذي تراه بعد العادة وأيام الاستظهار،
للأخبار (2) الدالة على نفي الحيض في ذلك، لكن الأقوى ما ذكرنا واستثناء ما تراه
قبل العادة بيوم أو يومين من الصفرة والكدرة للأخبار (3) أيضا، وأين هذا من
تلك القاعدة المجملة أي إجمال، لكن الجرأة على خلاف ما عليه الأصحاب سيما بعد
نقلهم الاجماع نقلا مستفيضا معتضدا بتتبع كثير من كلمات الأصحاب لا يخلو من إشكال،
وخصوصا بعد ما سمعت من الإشارات المتقدمة في الروايات، إلا أنه ينبغي القطع بعدم
إرادة العموم منها على الوجه الذي فهمه بعض متأخري المتأخرين حتى تمسك بها في نفي
الشرائط حيث تدعى كالتوالي ونحوه وفيما يرى من الدم قبل إحراز ما علم شرطيته
ونحو ذلك، لعدم الدليل حتى الاجماع المدعى، فالأولى حملها حينئذ على إرادة ما علم
إمكانية حيضة، كأن تراه البالغة غير الآئسة مثلا ثلاثة أيام ولم يكن معارضا بامكان
حيض آخر فإنه حيض، وأما ما لم يعلم حاله أنه ممكن أو مستحيل لعدم العلم باحراز
الشرط فلا يحكم بحيضيته، وقد يدعي أن هذا هو معنى القاعدة، إذ ليس المراد أن
الامكان مجرد الاحتمال الناشئ من جهل الشخص مثلا، بل المراد أنه بعد العلم باتصاف

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 11 والباب 11 حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض.
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض.
170

الدم بصفة الامكان، وفي مثل الفرض المذكور لم يكن كذلك، فتأمل جيدا.
(وتصير المرأة ذات عادة) بتكرر الحيض منها على الوجه الذي تسمعه مرتين
فصاعدا لا بالمرة الواحدة إجماعا محصلا ومنقولا كما عن أكثر العامة، خلافا لبعضهم
فاجتزى بها، وربما نقل عن بعض أصحابنا أيضا، وهو مع منافاته لمبدأ اشتقاق العادة
باطل عندنا لما سمعت، وللأخبار (1) المعتبرة، كاشتراط الثلاثة، فإنه لا يشترط
باتفاقنا كما في الذكرى، ومنه يظهر أنه لا وجه لإحالة ذلك على العرف كما في غير عادة
الحيض، مضافا إلى الروايات، (منها) ما في مرسل يونس (2) عن الصادق (عليه السلام)
حيث قال في المبتدأة: " فإن انقطع في أقل من سبع أو أكثر فإنها تغتسل ساعة ترى
الطهر وتصلي، فلا تزال كذلك حتى تنتظر ما يكون في الشهر الثاني، فإن انقطع الدم
لوقته في الشهر الأول سواء حتى توالى عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن أن ذلك قد
صار لها وقتا وخلفا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه - (إلى أن قال -: وإنما جعل الوقت
أن توالي عليها حيضتان أو ثلاث لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) للتي تعرف
أيامها: دعي الصلاة أيام أقرائك، فعلمنا أنه لم يجعل القرء الواحد سنة، فيقول لها:
دعي الصلاة أيام قرئك، ولكن سن لها الأقراء، وأدناه حيضتان فصاعدا " إلى آخره.
(ومنها) موثق سماعة بن مهران (3) " إذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيامها ".
فتحصل منهما مع الاجماع السابق أن المرأة تكون ذات عادة بالمرتين، وذلك
(بأن ترى الدم دفعة ثم ينقطع على أقل الطهر فصاعدا ثم تراه ثانيا بمثل تلك العدة) فإن
كان ذلك مع اتحاد الوقت كأن يكون في أول الشهر مثلا كانت وقتية عددية، وإلا كانت
عددية فقط، وقد تكون وقتية كذلك فيما إذا رأته مع اتحاد الوقت واختلاف العدد،
لكن لا تدخل هذه في عبارة المصنف إلا أن الأقوى ثبوتها وجريان حكم التحيض

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 2 - 1
171

بمجرد رؤية الدم فيه عليها، نعم لا يجري عليها حكم الرجوع إلى أيام العادة مع تجاوز
الدم العشرة كما كان يجري ذلك في العددية، نعم هما معا يجريان على الوقتية العددية،
ولذا كانت أنفع الأقسام الثلاثة.
وما عساه يظهر من بعضهم بل كاد يكون صريح السرائر من حصر العادة فيها
ضعيف جدا، لمنافاته إطلاق اسم العادة وأخبارها الواردة فيها وخصوص الخبرين
المتقدمين وكلام الأصحاب، كاحتمال قصر ذات العادة على العددية فقط من غير نظر إلى
الوقت، وأنه يدور عليه حكم التحيض بمجرد الرؤية ونحوه من أحكامها، كما عساه يظهر
من المصنف وغيره، ويشهد له إطلاق الرواية السابقة، وعدم انضباط وقت خاص
للعادة، إذ هي قد تتقدم وتتأخر، وذلك لأنه يؤول إلى التزام أحد أمرين، إما ثبوت
عادة في الوقت من غير تكرير، وهو كما ترى مخالف لصدق اسم العادة، ولصريح
كلام الأصحاب، ولما عساه يظهر من الأخبار، سيما مرسل يونس الطويل كما لا يخفى
على من لاحظه بتمامه، وإما عدم ثمرة لذلك بأن يقال إن أقصاها التحيض برؤية الدم
في ذلك الوقت، ونحن نقول به وإن لم يتكرر الوقت، كما إذا جاءها الدم في أول
الشهر مثلا عددا معينا، ثم في وسط الشهر الثاني كذلك، فإنا نحكم بتحيضها في الثالث
بمجرد الرؤية وإن كان في الآخر، لصيرورة الشهر لها مثلا أو مضي أقل الطهر فصاعدا
كالوقت، ولأنها ليست من المبتدأة قطعا ولا من المضطربة.
وفيه أنه مع التسليم لا تنحصر الفائدة في ذلك وإن ذكرها بعضهم ثمرة هنا، بل
لها فوائد أخر لا تقوم عادة العدد مقامها، (منها) أنه لو تجاوز الدم في المرأة ورجعناها
إلى مقدار من العدد فإنه حيث لا تكون لها عادة في الوقت كانت مخيرة في وضعها أين
ما شاءت من أيام الدم، بخلاف ما إذا كانت لها عادة في الوقت، فإنا نوجب عليها
مراعاة الوقت، و (منها) تعارض العادة مع التمييز، كما لو فرض كون الجامع
172

للصفات متقدما مثلا على معتادها من الوقت، فإنه يجئ الخلاف في تقديم التمييز عليها
وعدمه، إلى غير ذلك، فظهر أن الأقوى ثبوت الأقسام الثلاثة كما صرح به جماعة
من المتأخرين، ويظهر من مطاوي كلمات غيرهم كما أنه يظهر ذلك من فحاوي كثير من
أخبار الباب، وإن مدارها على التكرر مرتين، إن وقتا فوقتا وإن عددا فعددا، مضافا
إلى صدق اسم العادة وأيام أقرائها، ونحو ذلك من إطلاق الأدلة.
ومنه ينقدح إمكان إثبات عادات أخر كتكرر آخر الحيض مثلا مرتين، كأن
ينقطع في السابع من الشهر، ثم ينقطع في الشهر الثاني كذلك وإن اختلف العدد،
إذ لا فرق بين انضباط أول الحيض وانضباط آخر الحيض، وكذلك بالنسبة إلى وسط
الحيض إلا إني لم أعثر على أحد من الأصحاب أثبت ذلك أو رتب حكما عليه مع تصور
بعض الثمرات له، فتأمل جيدا. نعم لا يثبت الوقتية عددية كانت أيضا أو لا إلا
بحصول التكرر مرتين في الشهرين فصاعدا هلاليين، إذ لا يمكن اتحاد الوقت في الشهر
الواحد بخلاف العددية، فإنها تثبت بالشهر الواحد، كما لو رأت في أوله خمسة مثلا
ثم مضى أقل الطهر ورأت خمسة وانقطع، فإنها تثبت بذلك، وما ذكر في الروايتين
من الشهرين فخارج مخرج الغالب في النساء، وكل ما كان كذلك من قيد أو صفة
أو غيرهما لا عبرة بمفهومه، ولذا يحكم بحصول العادة برؤية الدمين المتساويين فيما يزيد
على شهرين، فما ينقل عن بعضهم من اشتراط الشهرين الهلاليين فصاعدا في تحقق العادة
لظاهر الخبرين المتقدمين ضعيف، لصدق اسم العادة وتصريح كثير من الأصحاب
به، ومثله في ذلك ما عساه يظهر من آخر من الاجتزاء بالشهر الواحد في مطلق أقسام
العادة، لما عرفت من عدم إمكان تماثل زماني الدم إلا بالشهرين الهلاليين فصاعدا،
وما يقال: أن المراد بالشهر في النص والفتوى إنما هو الشهر الحيضي أي ثلاثة عشر يوما
لا الهلالي يدفعه أنه ارتكاب للتجوز من غير قرينة، بل مع ظهور خلافها، لما عرفت
173

من أن الغالب في النساء إنما هو في كل شهر حيضة كما هو المعروف، وأشارت إليه
بعض الأخبار (1) ويشهد له الحكم بتحيض المتحيرة في كل هلالي مرة، وغير ذلك،
على أنه ينبغي انحصار الوقتية مثلا في من رأت أول الشهر الحيضي مرتين، أما لو رأت
في أول هلاليين أو غير ذلك فلا، وهو كما ترى يمكن تحصيل الاجماع على خلافه،
واحتمال القول أن المراد بالشهر الأعم من الهلالي والحيضي يدفعه أنه لو جاز مثل ذلك
على عموم المجاز لكنه موقوف على القرينة، وهي مفقودة.
ولعل الأقوى في النظر ارتفاع النزاع في المقامين على أن يكون مراد المانع من
حصول العادة بالشهر الواحد إنما هو الوقتية، ومراد المثبت إنما هو العددية كما لا يخفى
على من أعطى النظر حقه في كلماتهم، ومنه يظهر لك كثير خبط وخلط في كلام جملة
من متأخري المتأخرين، نعم قد يظهر من الشيخ في المبسوط ثبوت العادة الوقتية بتساوي
الحيض والطهر مرتين من دون النظر إلى الهلالي، فإنه قال: " إذا رأت المبتدأة دم
الحيض خمسة أيام وعشرة أيام طهرا بعد ذلك، ثم رأت خمسة أيام دم الحيض، ثم رأت
عشرة أيام طهرا، ثم استحيضت فقد حصل لها عادة في الحيض والطهر، تجعل أيام
حيضها خمسة أيام وأيام طهرها عشرة أيام، وكذلك إن رأت دم الحيض خمسة أيام
وخمسة وخمسين يوما طهرا، ثم رأت خمسة أيام حيضا وخمسة وخمسين يوما طهرا، ثم
استحيضت تجعل حيضها في كل شهرين خمسة أيام، لأن ذلك صار عادتها " انتهي.
وفيه مع إمكان تأويله أن المستفاد من الأدلة كالخبرين السابقين وغيرهما إن تكرر الحيض
مرتين مثبت عادة فيه، وأما إن ذلك يثبت عادة في الطهر أيضا لو فرض تساويهما
كالحيض فممنوع لا دليل عليه، وكيف مع أن أقصى عادة وقت الحيض إنما هو إثبات
حيضية ما فيها، وأنها مقدمة على غيرها عند التعارض، وإلا فهي لا تنفي حيضية ما أمكن

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الحيض
174

من غيرها، فحينئذ ترجع من استمر بها الدم فيما فرضه من المثال الثاني بعد أن تحكم
بحيضية خمسة ومضي أقل الطهر إلى ما يقتضيه الأدلة من الأوصاف أو غيرها، فتأمل جيدا.
لكن الانصاف أنه مع تكرر ذلك أي الطهر المتساوي والحيض لها زمانا كثيرا.
يحصل به الاعتياد العرفي لا أرى مانعا من الالتزام به، إذ يصدق عليها حينئذ أنها
تعرف أيامها ووقتها وأقرائها، بل قد تكون هذه أقوى من غيرها في معرفة ذلك،
كما إذا مضى عليها السنون المتعددة في هذا الحال، وحينئذ يحمل ما في الروايات على
إرادة الاعتياد الشرعي، وهو التكرر مرتين، وذلك مخصوص بالحيض، وإلا فالاعتياد
العرفي لا ينضبط، فلا يكون حينئذ فيها دلالة على نفي ذلك، فتأمل فإنه نافع جدا.
وكيف كان فهل يشترط في تحقق الوقتية تكرر الطهرين متساويين وقتا كما
عساه يظهر من الشهيد في الذكرى، ومقتضاه عدم ثبوتها إلا بالدور الثالث، فإن انتهى
الطهر الثاني بانتهاء الطهر الأول ثبتت، وإلا فلا؟ الأقوى عدمه، لصدق معرفة الوقت
وانضباطه بدونه، وهو الظاهر من ملاحظة الأخبار (1) أيضا، وقال في الذكرى
بعد أن نقل عن العلامة ما اخترناه من عدم الاشتراط: " وتظهر فائدته لو تغاير الوقت
في الثالث، فإن لم يعتبر استقرار الطهر جلست لرؤية الدم، وإن اعتبرناه فبعد الثلاثة
أو حضور الوقت، هذا إن تقدم، ولو تأخر أمكن ذلك استظهارا، ويمكن القطع
بالحيض، لأن تأخر وقته يزيده انبعاثا " انتهى. وتبعه في ذلك شيخنا في الرياض،
وفيه أن إثبات الوقتية بما ذكرناه لا يستلزم تحيضها برؤية الدم ولو في غير الوقت، بل
أقصاه ثبوت ذلك فيه، وأما في غيره فهي كالمبتدأة أو المضطربة كما يقتضيه ظاهر
بعض كلمات الأصحاب، وصرح به في جامع المقاصد وغيره، كما أنه هو أي الشهيد
لا يحيضها بالرؤية في غير الوقت في الدور الرابع مثلا وإن تكرر الطهر متساويا وصارت به وقتية.

(1) الوسائل - الباب - 7 و 15 - من أبواب الحيض.
175

نعم تظهر الثمرة بين القولين بالنسبة للتحيض في الرؤية بما إذا رأت بعد الدور
الثالث الذي فرض فيه الاختلاف دما في وقت الحيضتين الأولتين، فإنا نحيضها بمجرد
الرؤية وإن لم يستقر الطهر بخلافه هو، وهناك ثمرات أخر لا تخفي على المتأمل، هذا.
مع احتمال أن يكون مراد الشهيد باشتراط تساوي الطهرين وقتا إنما هو بالنسبة للتحيض
بمجرد الرؤية في الدور الثالث، فإنه بدون ذلك كما لو انتهى الطهر الثاني قبل انتهاء
الأول بأن رأت الحيض قبل وقته مثلا لا يحكم بالتحيض، بل يجب عليها الصبر إلى
ثلاثة إن أوجبناه في المبتدأة، فحينئذ يرتفع الخلاف، بل لعله الظاهر من كلامه كما
لا يخفى على من تأمل عبارة الذكرى حق التأمل، فإنها في المقام في غاية الاشكال تركنا
التعرض لها خوف الإطالة، وكأن الذي حداه على ذلك مع أنه لا محصل له هو ما ظنه
من العلامة من أنه لا يشترط في الوقتية تساوي الطهرين وقتا بحيث يحيضها بمجرد رؤية
الدم الثالث وإن لم يكن في الوقت، وهو وإن كان اشتباها في كلام العلامة لكنه
يرتفع به خلافه حينئذ، وليتأمل جيدا فإن كلامهم في المقام لا يخلو من اضطراب،
والتحقيق ما ذكرنا.
ثم إن الظاهر من الخبرين (1) المتقدمين سيما مرسل يونس أنه يشترط في العادة
وقتية كانت أو عددية توالي الحيضتين المتحدتين بحيث لا يفصل بينهما حيضة تنافي
ذلك، وبه صرح غير واحد من الأصحاب، فحينئذ لا يتم ما ذكره في المنتهى وغيره
من ثبوت العادة بتكرر المختلف، كأن ترى الدم مثلا في شهر ثلاثة وفي آخر خمسة
وفي الثالث سبعة، ثم ترى ثلاثة أشهر على هذا الترتيب، لعدم تحقق التوالي في حيضتين
منها، وتحققه بالنسبة للمجموع غير مجد، نعم لو تكرر ذلك منها مرارا متعددة بحيث
يثبت بها الاعتياد العرفي أمكن أن يدعى ذلك كما ذكرناه سابقا في كلام الشيخ المتقدم،

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الحيض.
176

إذ يصدق عليها أنها تعرف وقتها وأيام أقرائها، ويحمل حينئذ ما في الروايات على إرادة
ضبط الاعتياد شرعا، وإلا فالعرفي موكول إلى العرف، ولا يكون المقصود منها نفي
هذا الضبط العرفي، فتأمله جيدا فإنه نافع جدا في مثل هذه المقامات.
(و) هل يثبت أقل العدد المتكرر كما في كل ما كان من هذا القبيل من تكرر
العدد المختلف كأن رأت مثلا خمسة أيام ثم رأت سبعة؟ وجهان، أقواهما العدم،
لعدم صدق الاستواء والانقطاع لوقته الموجود في الروايتين المتقدمتين المؤيد بما يظهر من
غيرهما من الروايات، خلافا لما عساه يظهر من بعضهم من الاكتفاء بذلك، للتكرر
وعموم خبر الأقراء (1) وهما كما ترى، وكذلك لا يثمر في أقوى الوجهين تكرر
بعض الوقت في ثبوت الوقتية إذا لم يحصل الاتحاد في الأول، بأن يكون رأت مثلا في
أول شهر ستة ثم رأته في آخر سابقا على أوله بثلاثة، فإنه لا يجدي في صيرورة الثلاثة
التي اتفقن فيهما عادة في أول الشهر،
نعم (لا عبرة) في ثبوت كل من أقسام العادة
(باختلاف لون الدم) بعد فرض انقطاعه عن العشرة والحكم بحيضيته، كما لا عبرة
بالكسور زيادة ونقيصة في وجه، بل ولا بالنقاء المتخلل بعد الحكم بحيضيته وإن كان
الأقوى عدم احتسابه في أيام العادة، لظهور نصوص العادة في الدم الحيضي لا في
التحيض الشرعي.
ثم هل تثبت العادة في مستمرة الدم التي يدور تحيضها على الأوصاف برؤيتها للجامع
مثلا في أول الشهرين عدة أيام سواء؟ وجهان، يظهر من بعضهم الأول، فيكون
المدار حينئذ على تكرر ما تثبت حيضيته من المستمر باعتبار الأوصاف، إما لجامعيته مع
سلب غيره أو لأكثريته أو لاشتماله على الأشد أو نحو ذلك، بل يكفي وجوده في
أول هذا الشهر أسود وفي الآخر أحمر أو أشقر أو نحو ذلك مع فرض عدم معارضته

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض
177

بغيره، وفيه من الاشكال ما لا يخفى، لعدم تناول الخبرين السابقين له، مع ظهور
غيرهما في عدمه، كالأخبار (1) الآمرة بالرجوع إلى الأوصاف، إذ هي متناولة
باطلاقها ما لو تكرر الجامع مثلا مرتين ثم اختلف محله أو عدده في الدور الثالث، فإنه
يجب اتباع الأوصاف أين ما كانت تكررت أولا، ومنه تعرف ضعف التفصيل بين
الجامع وغيره فتثبت العادة بالأول دون غيره، لمكان حصول الظن بالحيضية من
جهته بخلاف غيره، وفيه - مع منع انحصار الظن به فقط لحصوله في الأشد والأكثر
أيضا وإن كان في الأول أقوى - إنا نمنع ابتناء أمر العادة على الظنون بالموضوع، بل
إنما هي حكم تعبدي يدور مدار الدليل، وهو في المقام مفقود، بل الظاهر أنه على
عدمه موجود، لكن نقل عن العلامة في المنتهي نفي الخلاف عن ثبوت العادة بالتمييز،
فإن تم إجماعا وإلا فللنظر فيه مجال، مع أنه لو ثبت العادة بمثل ذلك لوجب ثبوتها أيضا
بالرجوع إلى عادة نسائها مرتين، بحيث لو حصل لها التمييز بعد ذلك لا تلتفت إليه،
وفيه ما لا يخفى. اللهم إلا أن يقال: إن ذلك من التحيض الشرعي لا الحيض الحقيقي
وأخبار العادة في الثاني لا الأول، وهو شامل باطلاقه ولو بضميمة نفي الخلاف المزبور
الحيض الحاصل بالتمييز، والله العالم.
* (مسائل خمس: (الأولى) ذات العادة) * وقتا وعددا (تترك الصلاة والصوم
برؤية الدم) في وقت العادة (إجماعا) كما في المعتبر والمنتهى والتذكرة وغيرها، ولصحيح
ابن مسلم (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة ترى الصفرة في
أيامها فقال: لا تصلي حتى تنقضي أيامها " ومرسل يونس (3) عنه (عليه السلام)
أيضا " كل ما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض " ونحوهما

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3
178

غيرهما، حتى أنه قال في جامع المقاصد: " قد تواترت الأخبار (1) عن النبي
(صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بوجوب الجلوس برؤية الدم أيام
الأقراء " قلت: ويؤيده أن المعتاد كالمتيقن، ومنه يظهر أن مثلها في هذا الحكم
معتادة الوقت دون العدد كما صرح به بعضهم ويستفاد من إطلاق بعض الأخبار (2)
بل قد يدعي دخولها في معقد إجماع المنتهي وغيره، حيث قال: وتترك ذات العادة
الصلاة والصوم برؤية الدم في وقت عادتها، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم، على أنه
من المعلوم أنه لا مدخلية لانضباط العدد في تحيض المتقدمة، بل ليس إلا انضباط
الوقت كما هو واضح.
نعم يقع الاشكال في معتادة العدد، فإن ظاهر المصنف دخولها في هذا الحكم،
بل قد عرفت أن عبارته الأولى سابقا كالصريحة في كون مدار العادة على انضباط
العدد، مع أن المتجه فيها كما هو ظاهر بعض وصريح آخر أن تكون كالمبتدأة والمضطربة،
بل هي قسم من الثانية بالنسبة للوقت على بعض التفاسير لها، كما أنها بالنسبة للأولى
كذلك أيضا، اللهم إلا أن يستأنس له بعد الاجماع المدعي في العبارة، وصدق اسم
ذات العادة عليها بما دل على التحيض بمجرد الرؤية في معتادة الوقت لو رأت ذلك قبل
وقتها، كخبر علي بن أبي حمزة (3) قال: " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا
حاضر عن المرأة ترى الصفرة، فقال: ما كان قبل الحيض فهو من الحيض، وما كان
بعد الحيض فليس منه " ومضمرة معاوية بن حكيم (4) قال: " قال: الصفرة قبل
الحيض بيومين فهو من الحيض، وبعد أيام الحيض ليس من الحيض، وهي في أيام
الحيض حيض " وموثقة أبي بصير (5) عن الصادق (عليه السلام) " في المرأة ترى

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض.
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض.
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 6 - 2
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 6 - 2
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 6 - 2
179

الصفرة فقال: إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، وإن كان بعد الحيض
بيومين فليس من الحيض " وخبر سماعة (1) قال: " سألته عن المرأة ترى الدم قبل
وقت حيضها، قال: فلتدع الصلاة، فإنه ربما تعجل بها الوقت " بتقريب أن يقال:
إنه لو كان مدار التحيض بالرؤية على الوقت لما حكم في هذه بذلك وإن لم تره فيه.
ثم إنه يستفاد منها أيضا التحيض لذات العادة الوقتية بمجرد الرؤية وإن تقدم على العادة،
قيل ومثله لو تأخر، بل هو أولى لأن تأخره يزيده انبعاثا، فيكون الحاصل حينئذ
تحيض ذات العادة العددية بمجرد الرؤية، وكذا الوقتية عددية كانت أولا لو رأته
متقدما على وقتها أو متأخرا من غير فرق بين جامعية الدم للصفات وعدمها، وسواء قلنا
بتحيض المبتدأة والمضطربة بمجرد الرؤية أو لم نقل، وهو لا يخلو من نظر بالنسبة للقسم
الأول إن لم يثبت إجماع كالثالث أيضا. وما يقال: إن تأخره يزيده انبعاثا فيه أنه
لا يصلح لأن يكون مدركا لحكم شرعي مناف للأصول والقواعد القاضية بعدم الحيضية
سيما بعد ما ورد أن الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض ليست بحيض، كقول الصادق
(عليه السلام) (2): " إن رأت المرأة صفرة في غير أيامها توضأت وصلت " ونحوه
غيره في إفادة ذلك، ويشهد له مفهوم مرسل يونس (3) " إذا رأت المرأة الدم في
أيام حيضها تركت الصلاة، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض " ومنه يظهر أن
الاشكال في اطلاق القسم الثاني فيما لم يكن مشمولا للأدلة السابقة من المتقدم على العادة
بكثير، فإنه وإن كان بعضها مطلقا لكن منها ما يشك في شموله للصفرة كالخبر الأخير،
ومنها ما ليس كذلك كبعض أخبار الصفرة (4) إلا أن الظاهر منه بقرينة غيره إرادة

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 5
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الحيض - حديث 2
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 5
180

ما كان قبل الحيض بقليل، لا أقل من أن يكون من المطلق والمقيد، بل احتمل في
جامع المقاصد حمل هذا المطلق على إرادة ما إذا رأت قبل وقتها وعلمته حيضا أو مضى
ثلاثة أيام، وحمل المقيد على الأخبار عن الغالب، أي إن كان قبل الحيض بيومين
ففي الغالب هو من الحيض، فلا دلالة حينئذ فيهما على ترك العبادة، على أنه يحتمل في
كثير منها إرادة قبل انقضاء الحيض، نعم يتم ذلك كله إن قلنا في المبتدأة بالتحيض
عند رؤية الدم، إما لقاعدة الامكان أو لاطلاق بعض الأخبار أو غير ذلك، والكلام
هنا الآن في الحكم بالتحيض وإن لم نقل بالتحيض هناك كما هو المفروض في كلمات بعض
الأصحاب، فما وقع من بعضهم من الاستدلال عليه بأدلة المبتدأة ليس في محله.
وكيف كان فلم نجد دليلا تختص به المعتادة العددية فقط أو الوقتية إذا تقدم
رؤية الدم بما لا يدخل تحت مضمون الأخبار المتقدمة مما يتسامح فيه ذوات العادة
كاليوم واليومين ونحوهما، أو تأخر كذلك عن المبتدأة بحيث يثبت الحكم فيها وإن لم نقل
بالثانية، نعم هما يشتركان فيما ستسمعه من الأدلة، فلا يتجه حينئذ الحكم بالتحيض في
الأولى والتردد في الثانية، بل المتجه إحالتها عليها كما صرح به بعضهم لكن كان عليه
استثناء اليوم واليومين ونحوهما في التقدم والتأخر مما يتعارف في ذوات العادات، بل
لعل مثله يدخل فيما دل على العادة إذ المراد بأيام حيضها وبوقته أوانه وحينه.
(وفي) تحيض (المبتدأة) بمجرد رؤية الدم مطلقا أو حتى يمضي ثلاثة أيام
كذلك أو يفصل بين الجامع وغيره أو بين الأفعال والتروك أقوال، منها ومن أدلتها
يكون الفقيه في (تردد) كما في النافع، ويظهر الأول من الهداية والمبسوط والجامع
وعن الاصباح كما هو صريح غيرها، بل نسبه في الرياض إلى الشهرة تبعا للمولى الأعظم
شارح المفاتيح، كما أن الثاني صريح الكافي والسرائر والمعتبر والتذكرة وجامع المقاصد،
وهو المنقول عن ابن الجنيد وعلم الهدى وسلار، وقد يظهر الثالث من بعض عبارات
181

المقنعة ومن المختلف والمنتهى وصريح المدارك والكفاية وعن الذخيرة والمفاتيح، بل في
المدارك أن محل النزاع في الجامع دون غيره، وقد يظهر من المختلف ذلك، فإنه بعد
أن ذكر محل النزاع فيما تراه المبتدأة ولم يقيده واختار التحيض استدل عليه بأخبار الصفات
لكن يحتمل ذلك منه إنما هو لإرادة إثبات بعض المطلوب، وتتميمه بعدم القول بالفصل.
وكان الرابع يظهر من الشهيد في البيان والدروس وغيره، ولعل الأقوى في النظر
التحيض بالرؤية في الجامع للصفات أخذا بأخبارها، فإنها كالصريحة في ذلك، وما يقال:
أنها ظاهرة في مستمرة الدم يدفعه أن ذلك إنما وقع في أسؤلة بعضها، فلا يصلح لأن
يحكم على ما في الجواب عنه فضلا عن غيره، ولذا استدل بها العلامة وغيره، وكذا
ما يقال: إنها محمولة على ذات العادة أو مستمرة الثلاثة، فإن ملاحظتها ينفي ذلك وأما
الفاقد فالظاهر فيه وجوب الانتظار إلى ثلاثة، للأصول والقواعد القاضية بنفي الحيضية،
ومفهوم قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حفص (1): " إن دم الحيض حار
عبيط أسود، له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة
ودفع وسواد فلتدع الصلاة " ونحوه غيره، ومفهوم قوله (عليه السلام) في مرسل
يونس في وجه: " فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة، فإن استمر بها
الدم ثلاثة أيام فهي حائض " إلى آخره. ولظهور كثير من الروايات في عدم جريان أحكام
الحيض على ما تراه المرأة من الصفرة كقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (2):
" إن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت " وخبر إسحاق بن عمار (3) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحبلى ترى الدم اليوم واليومين، قال: إن

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 6
182

كان الدم عبيطا فلا تصلي ذينك اليومين، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين "
إلى غير ذلك من الأخبار (1) بل يظهر من بعضها (2) عدم دخول الصفرة تحت إطلاقات
الدم، لمقابلته بها في بعضها.
ومنه تعرف ما في استدلال كثير منهم للقول الأول بما دل على الافطار ونحوه
برؤية الدم، كقول الباقر (عليه السلام) (3) في الموثق وقد سئل عن المرأة التي ترى
الدم في النهار في شهر رمضان غدوة أو ارتفاع النهار أو الزوال قال: (تفطر) ونحوه
ما في آخر (4) عنه (عليه السلام) أيضا وفيه " إنما فطرها من الدم " إلى غير ذلك
من الأخبار كقوله (عليه السلام) (5): " أي ساعة ترى المرأة الدم فهي تفطر الصائمة
إذا طمثت " وربما استدل أيضا بموثقة سماعة (6) قال: " سألته عن الجارية البكر أول
ما تحيض تقعد في الشهر يومين، وفي الشهر ثلاثة، يختلط عليها لا يكون طمثها في
الشهر عدة أيام سواء، قال: فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز
العشرة، فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيامها " وموثقة ابن بكير (7) عن
الصادق (عليه السلام) قال: " إذا رأت المرأة الدم في أول حيضها واستمر الدم
تركت الصلاة عشرة أيام " إلى آخرها. وموثقته الأخرى (8) قال: " في الجارية أول
ما تحيض يدفع عليها الدم، فتكون مستحاضة، إنها تنتظر بالصلاة، فلا تصلي حتى
يمضي أكثر ما يكون من الحيض، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله
المستحاضة " إلى آخرها وبقاعدة الامكان، وبأخبار التمييز (9) مع التتميم بعدم القول بالفصل.

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 8
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 8
(3) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 7 - 3
(4) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 7 - 3
(5) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 7 - 3
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الحيض - حديث 1
(7) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 5
(8) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 5
(9) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض.
183

وفي الكل نظر، أما الأولى فمع الاشكال في دخول الصفرة تحت إطلاق الدم
أن المساق منها إرادة الحيض كما يقضى به تعريف الدم، بل لعله المنساق والمتبادر كما
يشهد له ملاحظة العرف في هذا الزمان، كقولهم جاء المرأة الدم وانقطع الدم عنها ونحو
ذلك، ويشعر به أيضا أنها مساقة لبيان أن الحيض يفطر الصائمة في سائر أوقات النهار،
على أن الاستدلال في جملة منها إنما هو بترك الاستفصال عن كون الدم جامعا أولا،
وكونها ذات عادة أولا، ولا يخفى على من لاحظ السؤال ظهور كون المراد أن الحيض
يفطر الصائمة في أي وقت رأته من النهار، بل كاد يكون ذلك مقطوعا به، فمن
العجيب ما وقع لبعضهم من الاستدلال بها سيما بالرواية الأخيرة مع قوله (عليه السلام)
فيها: (إذا طمثت) إلى آخره. وأما موثقة سماعة فهي مع جريان ما قدمنا فيها ظاهرة في أن الجارية عارفة بكونه طمثا، لكنها لما لم ينضبط عدد أيامها لم تعرف مقدار ما تقعد
وتترك الصلاة، فأجاب (عليه السلام) (أنها تجلس) إلى آخره، على أنها محتملة لأن
تكون ذات عادة وقتية وإن لم تضبط عددها، كما لعله يشير إليه السؤال. وأما موثقة
ابن بكير فهي بالدلالة على خلاف المطلوب أولى، لما فيها من اشتراط الترك باستمرار،
وقوله (عليه السلام): (أول حيضها) وكذلك الموثقة الأخرى، على أنه ليس فيها بيان ابتداء ترك
الصلاة، والحاصل أنه لا ينبغي الاشكال في عدم دلالة شئ من هذه الروايات على ما نحن
فيه سيما الروايات الأخيرة كما لا يخفى على من لاحظ ذيولها، فأنا لم ننقله خوف
الإطالة. مضافا إلى معارضتها بما سمعت من الأخبار وغيرها، لا أقل من أن يكون لفظ
(الدم) و (الحيض) فيها منصرفا إلى الغالب، وهو الجامع دون غيره، وأما التمسك بقاعدة
الامكان فقد عرفت سابقا أن أقصى ما يمكن تسليمها إنما هو بعد استقرار الامكان ومعرفة
كونه متصفا به لا مع احتمال كونه مستحيلا.
لا يقال: إن قضية ذلك عدم الحكم بالحيضية حتى لو تمت الثلاثة، لاحتمال تجاوزه
184

عن العشرة، ورؤيتها للجامع للصفات بعد ذلك فتحيض به، بل مقتضاه أيضا عدم
الحكم حتى في المنقطع قبل العشرة، لاحتمال رؤيتها أيضا قبل ذلك ما تتحيض به. لأنا
نقول: أما أولا فبإمكان التزام ذلك لو لم يكن الاجماع على خلافه. وأما ثانيا فبما أجاب
به المصنف في المعتبر، وحاصله أن المقتضي لصلاحية كونه حيضا من توالي الثلاثة قد
تحقق، واحتمال وجود ما ينافيه من التجاوز منفي بأصالة عدمه سيما بعد حصول الانقطاع.
وما يقال: إنه حسن لكنه لا يفيد اليقين بالحيضية الذي هو مدار استدلاله على عدم
التحيض باستصحاب شغلها بالعبادة، ولا يسقط إلا بيقين المسقط ضعيف، للاكتفاء
باليقين الشرعي، والحاصل أن التوالي شرط يحكم بالحيضية بدونه، والتجاوز مانع
يمكن نفيه بالأصل. وأما ثالثا فبالفرق، وذلك لأن النقصان عن الثلاثة كاشف عن
استحالة كونه حيضا، بخلاف التجاوز وإن حكم شرعا بكون الزائد على العادة مثلا
ليس بحيض من جهته، لكن ذلك لا ينافي إمكانه، إذ هو حكم شرعي ظاهري،
وإلا ففي الواقع ممكن أن يكون حيضا إلى العشرة ثم امتزج به دم الاستحاضة بخلاف
النقصان، فتأمل. وأما الاستدلال بأخبار الصفات مع التتميم المذكور فقد عرفت أنه
لا يرد على المختار، للالتزام بالقول بمضمونها، وما يقال: من عدم القول بالفصل
ممنوع، وكيف يدعى مثل ذلك في مثل هذه المسألة وهي مما يقطع بعدم حصول رأي
المعصوم (ع) فيها بشئ، مع أنه يمكن حمل كلام العلامة في المختلف والمنتهى عليه، لاستدلاله
على المطلوب بأخبار الصفات، واحتمال إرادته إثبات بعض المطلوب معارض باحتمال
عدمه، مع أنك قد عرفت أن صاحب المدارك صرح أن محل النزاع بينهم إنما هو في
الجامع ناسبا له إلى صريح المختلف وغيره، وإنا وإن لم نقف على ذلك لكن كاد يكون
صريحه في آخر كلامه، وكذلك العلامة في المنتهي، بل يمكن حمل عبارات الأصحاب
عليه، لانصراف لفظ الدم إليه، وبعد ذلك كيف يمكن دعوى القطع بشئ من ذلك،
185

فظهر لك حينئذ من جميع ما ذكرناه أنه لا وجه لاطلاق الثاني، أي الحكم بعدم التحيض
حتى في الجامع، لما عرفت من ظهور الروايات فيه، بل كادت تكون صريحة بحيث
لا تقبل التأويل بإرادة تركها الصلاة ونحوها بعد الثلاثة أيام، وإن احتمله فيها بعض
متأخري المتأخرين، لكنه بعيد جدا، وكذلك تعرف ما في القول الرابع من الفرق
بين الأفعال والتروك، ومرجعه إلى الاحتياط، ولا يخفى عليك ما فيه إن أريد به
الوجوب في كل منهما، لعدم الدليل عليه في غير ما ذكرناه من المختار.
وإذ قد عرفت ذلك كله كان (الأظهر أنها) يجب عليها أن (تحتاط للعبادة)
في غير الجامع (حتى تمضي لها ثلاثة أيام) بخلاف الجامع وإن أمكن القول بأولوية
الاحتياط فيه خروجا من شبهة الخلاف على إشكال ينشأ من كون الترك عزيمة على الحائض،
ومن أنه لم يعلم كونها حائضا قبل حصول التوالي أيضا وإن ألزمناها بأحكام الحائض عند
الرؤية، ومن ظهور أن النزاع هنا في الوجوب وعدمه، والأقوى في النظر أنه لا يتجه
لها الاحتياط بعد حصول الظن للفقيه بكونها حائضا برؤية الجامع، وسيما بعد اشتمال
أخبار الصفات على الأمر بالترك عند وجودها الذي هو حقيقة في الوجوب، فما يظهر من
الفاضل المعاصر في الرياض من مشروعية ذلك لها على هذا التقدير لا يخلو من نظر،
ثم إن الظاهر إلحاق المضطربة بالمبتدأة فيما ذكرناه من المختار، لتناول ما عرفته من الأدلة
في كل من قسمي المختار، ويأتي التنبيه عليه من المصنف، وربما فرق في البيان
والدروس بينها وبين المبتدأة، فجعل تحيضها بما ظنته أنه حيض وإن قلنا بالتربص
للمبتدأة، وهو ضعيف.
وعرفت من ذلك كله حكم من لم يعرف لها عادة في الوقت، بل قد تدخل
هذه في اسم المضطربة في بعض التفاسير أو عرفت ولم تره فيها بل كان متقدما عليها بما
لم يتسامح فيه أو متأخرا عنه كذلك، لما ظهر لك أنه لا دليل على شئ منها يختص به
186

عنها، بل قد يظهر من بعض الأخبار خلافه، (منها) ما تقدم، و (منها) مفهوم قول
الصادق (عليه السلام) في خبر الحسن بن نعيم الصحاف (1): " إذا رأت الحامل
الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من
الحيضة " فكان المتجه فيها ما تقدم من المختار، ولا ينافي ذلك ما ذكره الأصحاب فيما
يأتي، بل ادعي بعضهم عليه الاجماع من أنها لو رأت ذات العادة المستقرة وقتا وعددا
ذلك العدد متقدما على ذلك الوقت تحيضت بالعدد وألغت الوقت، لأن العادة قد
تتقدم وتتأخر، إذ لسنا نخالف في ذلك، إنما الكلام في تحيضها بمجرد الرؤية أو الانتظار
إلى الثلاثة حيث تراه متقدما أو متأخرا بما لا تسامح في مثله، وفرق واضح بين المسألتين
فتأمل جيدا، فإن كلام الأصحاب في المقام لا يخلو من تشويش واضطراب.
المسألة * ((الثانية) لو رأت) * المرأة معتادة كانت أو غيرها (ثلاثة ثم انقطع) فلا
إشكال في كونه حيضا، وقد قطع به في التذكرة، ويدل عليه صحيح يونس بن
يعقوب (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو
أربعة، قال: تدع الصلاة " الحديث. ولا فرق بين كونه جامعا أو لا بناء على الكلية
السابقة. (و) كذا لو (رأت) بعد ذلك (قبل العاشر) أو العاشر نفسه من أول
يوم ما رأت الدم ثم انقطع (كان الكل) من الدمين والنقاء (حيضا) بلا خلاف أجده
بين الأصحاب، بل يظهر من بعضهم دعوى الاجماع عليه، كما هو صريح آخر من
غير فرق بين الجامع وغيره، ولا بين ذات العادة وغيرها، ففي التذكرة " إذا رأت

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 3 لكن رواه عن الحسين
ابن نعيم الصحاف وما ذكر (الحسن بن نعيم) في الرجال والصحيح هو (الحسين) كما أنه
" قدس سره " نقل رواية عن (الحسين) فيما يأتي قريبا.
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الحيض - حديث 2
187

ثلاثة أيام متواليات فهو حيض قطعا، فإذا انقطع وعاد قبل العاشر وانقطع فالدمان
وما بينهما حيض " وفي الخلاف " الاجماع على حيضية الجميع من الدم والنقاء فيما لو رأت
دما ثلاثة أيام، وبعد ذلك يوما وليلة نقاءا، ويوما دما إلى تمام العشرة " وربما استدل
عليه مضافا إلى ذلك بالكلية المدعاة سابقا القاضية بكون الدمين حيضا، فيتعين حينئذ
حمل ما بينهما من النقاء عليه، لما دل (1) على أن الطهر لا يكون أقل من عشرة، وهو
لا يخلو من تأمل، والأولى الاستدلال عليه بما في الصحيح أو الحسن (2) عن الباقر
(عليه السلام) قال: " إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى،
وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة، ونحوه غيره (3) في إفادة ذلك، وقد
عرفت سابقا ضعف ما في الحدائق مما ينافي بعض ما نحن فيه، كدعوى كون مثل هذا
النقاء طهرا، وكذا ما عساه يقال أيضا من الاشكال فيما إذا كان الدم الثاني أصفر
وكان بعد أيام العادة، لما دل (4) على أن الصفرة بعد أيام الحيض ليست بحيض،
بل وفيما تراه من الدم وإن لم يكن صفرة بعد الاستظهار لذات العادة بيوم أو يومين أو
قبله، كل ذلك لما عرفت من أنه لا مجال للشك عند الأصحاب في جريان الكلية
المذكورة في مثل المقام، وقد سمعت دعوى الاجماع عليها من جماعة، مضافا إلى ما سمعته
من الصحيح المتقدم، ونحوه غيره مما يدل على بعض ذلك، لكن ذلك كله إذا لم
يستمر الدم مجاوزا للعشرة، (أما لو تجاوز العشرة رجعت إلى التفصيل الذي نذكره)
إن شاء الله.
ولو أنقطع للعشرة أو ما دونها ولما يفصل أقل الطهر ثم رأت بعد انقضاء العشرة

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 3
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 3
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 11
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض
188

دما فالظاهر من إطلاق الأصحاب هنا بل إجماعهم المدعى أنه يحكم باستحاضته، ولا
ينتقض ما حكمنا بحيضيته من الدم الأول وإن كانت الامرأة مبتدأة أو مضطربة والدم
الأول غير جامع والثاني جامعا، ويدل عليه مضافا إلى ذلك قول أبي الحسن (عليه السلام)
في خبر صفوان بن يحيى (1) قال: " قلت: إذا مكثت المرأة عشرة أيام ترى الدم
ثم طهرت فمكثت ثلاثة أيام طاهرا ثم رأت الدم بعد ذلك أتمسك عن الصلاة؟ قال: لا،
هذه مستحاضة " إلى آخره. ولولاه لأمكن التأمل في مثل المبتدأة مع فرض كون الثاني
جامعا والأول غير جامع، إذ قاعدة الامكان معارضة بمثلها، فلا ترجيح للأول على الثاني.
(و) أما (لو تأخر بمقدار عشرة أيام) التي هي أقل الطهر (ثم رأت كان الأول
حيضا منفردا والثاني يمكن أن يكون حيضا مستأنفا) إذا توالى ثلاثة أيام على المختار من
محل القاعدة المتقدمة، وفي تحيضها حينئذ بمجرد رؤياه وعدمه التفصيل الذي قد تقدم،
فتأمل جيدا.
المسألة * ((الثالثة) إذا انقطع) * ظهور دم الحيض في المعتادة وغيرها (لدون عشرة)
لا بعد تمامها، فإنه لا تجب عليها الاستبراء لكونها أكثر الحيض، وكانت مع ذلك
تحتمل بقاءه في داخل الرحم (ف‍) الواجب (عليها) حينئذ بلا خلاف أجده سوى ما
عساه يظهر من المنقول عن الاقتصاد للتعبير بلفظ (ينبغي) المشعر بالاستحباب (الاستبراء)
أي طلب براءة الرحم (ب‍) ادخال (القطنة) ونحوها كما في الفقيه والهداية والمقنعة
والمبسوط والوسيلة والجامع والمعتبر والقواعد والمنتهى وجامع المقاصد وغيرها، بل نسبه
في الذخيرة إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه، وفي الحدائق الظاهر أنه
لا خلاف فيه، لصحيح ابن مسلم (2) عن الباقر (عليه السلام) قال: " إذا أرادت

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الحيض - حديث 1
189

الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة، فإن خرج فيها شئ من الدم فلا تغتسل، وإن
لم تر شيئا فلتغتسل، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضأ ولتصل " ونحوه غيره (1)
في الأمر لها بذلك، ومنه مع اعتضاده بفتوى الأصحاب يعرف ضعف ما سمعته عن
الاقتصاد، إلا أن الظاهر قصره كغيره على احتمال وجود الدم، إذ احتمال التعبد
المحض بعيد جدا، بل المستفاد منها خلافه، نعم قد يشكل الاعتماد على عادتها من
الانقطاع إن لم يفدها ذلك قطعا.
ثم إن الظاهر من الصحيح المتقدم كالعبارة وغيرها من عبارات الأصحاب بل
صرح به جماعة عدم إيجاب كيفية خاصة لوضع القطنة، ويؤيده مع ذلك الأصل مع
اختلاف ما في ذلك من الأخبار وقصور بعضها عن الحجية، ففي مرسل يونس (2)
عن الصادق (عليه السلام) " إنها تقوم قائما، وتلزق بطنها بحائط، وتستدخل قطنة
بيضاء، وترفع رجلها اليمني، فإن خرج على رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط
لم تطهر، وإن لم يخرج فقد طهرت تغتسل وتصلي " وفي خبر شرجيل الكندي (3)
عنه (عليه السلام) أيضا " أنها تعمد برجلها اليسرى على الحائط، وتستدخل الكرسف
بيدها اليمني " ونحوه في رفع اليسرى ما عن الفقه الرضوي (4) وفي خير سماعة (5)
عنه (عليه السلام) أيضا أن " المرأة ترى الطهر وترى الصفرة أو الشئ فلا تدري
أطهرت أم لا؟ قال: فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط، وترفع رجلها
كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد أن يبول، ثم تستدخل الكرسف " فكان الأخذ
باطلاق الصحيح المتقدم هو المتجه، وما عساه يظهر من المنقول عن المقنع من الفتوى

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 3 - 4
(4) المستدرك - الباب - 15 - من أبواب الحيض - حديث 1
(5) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 3 - 4
190

بمضمون خبر سماعة مع زيادة تقييد الرجل باليسرى ضعيف، وكذا ما يظهر من الفقيه
من الجمع بين الأخبار بحمل الصحيح الأول على ما إذا لم تر صفرة، وما في خبر سماعة
من الكيفية المخصوصة على ما إذا رأت الصفرة، والأولى حمل هذه الأخبار على
الاستحباب وزيادة الاستظهار مع تأكده إذا رأت الصفرة ونحوها مما تحصل به الريبة.
وكيف كان فهل هذا الاستبراء شرط في صحة الغسل فلا يقع بدونه حتى
لو استبرأت بعد ذلك ورأت النقاء ما لم تعلم تقدمه بل ولو علمت، لاحتمال كونه شرطا
تعبديا أولا؟ لم أعثر على كلام صريح للأصحاب في ذلك، إلا أنه قد يظهر الأول
من ملاحظة عباراتهم، ويؤيده استصحاب أحكام الحائض، وما يظهر من النص
والفتوى، ولعله الأقوى، كما أنه يؤيد الثاني إطلاق ما ورد في كيفية الغسل، لكن
ينبغي القطع بصحة الغسل مع فرض وقوعه على وجه تعذر فيه، كنسيان الاستبراء ونحوه ثم
استبرأت بعد ذلك فوجدت النقاء وعلمت مع ذلك تقدمه، إذ احتمال الشرطية التعبدية
حتى بالنسبة إلى ذلك بعيدة جدا، ثم إنه على تقدير توقف صحة الغسل عليه فهل يسقط
مع التعذر كعمي مع فقد المرشد ونحوه؟ وجهان أيضا، ويحتمل إيجاب الغسل عليها
ثم العبادة احتياطا حتى تقطع بحصول النقاء فتعيد الغسل، فتأمل جيدا.
(فإن خرجت) القطنة (نقية) من الدم والصفرة (اغتسلت) وجوبا لما يجب
فيه ذلك إجماعا في صريح المدارك وظاهر غيره، وهو الحجة، مضافا إلى ما تقدم من
الصحيح وغيره، وإلى ما دل على وجوب المشروط به، فلا استظهار هنا قطعا، وما
يظهر من السرائر من وجود القائل بذلك بل عن الشهيدين توهمه من عبارة المختلف
لا يلتفت إليه، نعم يمكن القول به مع ظن العود كما في الدروس، مع أن الأقوى
خلافه، إلا أن يكون لها اعتياد في هذا النقاء المتخلل بحيث تطمئن نفسها بعود الحيض
فإن تكليفها بالغسل حينئذ مع ذلك لا يخلو من تأمل بل منع، للشك في شمول الأدلة لمثلها.
191

(وإن كانت) القطنة (متلطخة) ولو بمثل رأس الذباب بالدم أو الصفرة قطعا
في الأول وعلى الأظهر في الثانية كما صرح به في الروض وغيره، وهو المنقول عن
صريح سلار، وقد يكون مراد من عبر بالدم أيضا، لاستصحاب أحكام الحائض
وغيره، واحتمال اقتصار الاستظهار الآتي على خروج الصفرة والكدرة مثلا ظاهرا فلا
يدخل فيه نحو ما يخرج على رأس القطنة، للشك في شمول أدلته له، كاحتمال اقتصاره
على الدم العبيط، فلا يلتفت للصفرة مثلا مطلقا حتى لو خرجت بنفسها ظاهرا سيما إذا
كان بعد انقضاء أيام العادة ضعيفان، لما عرفته من الاستصحاب، وإطلاق الأدلة
مع الحكم بحيضية ما تراه من الصفرة في هذا الحال لقاعدة الامكان، ولقول الصادق
(عليه السلام) في صحيح سعيد بن يسار (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن المرأة تحيض ثم تطهر وربما رأت بعد ذلك الشئ من الدم الرقيق بعد اغتسالها من
طهرها، فقال: تستظهر بعد أيامها بيوم أو يومين أو ثلاثة، ثم تصلي " ولتعليق الاغتسال
في صحيح ابن مسلم (2) المتقدم على عدم رؤية شئ، ولا ينافيه قوله (عليه السلام)
فيه بعده (وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضأ ولتصل) لامكان تنزيله على معلومية عدم
الحيض وغير ذلك، كما أنه لا ينافيه أيضا ما في مرسل يونس (3) المتقدم سابقا من
تعليق وجوب الغسل على (خروج شئ) (4) من الدم العبيط على القطنة، إذ قد
تدخل الصفرة فيه ولو مجازا، أو ينزل على الغالب، أو غير ذلك، مع كونه غير جامع

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 8 - ولا يخفى أن لفظة
(بيوم) ليس في الوسائل ولكنه موجود في الاستبصار في باب الاستظهار للمستحاضة حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2
(4) كذا في نسخة الأصل والصحيح (عدم خروج شئ) لأن وجوب الغسل في
المرسل معلق على عدم الخروج.
192

لشرائط الحجية، نعم قد ينافيه ما في جملة من الأخبار (1) التي مر بعضها أن الصفرة
التي بعد الحيض ليست بحيض، لكن يحتمل تنزيلها على إرادة مضي أيام الحيض مع
أيام الاستظهار، ولذا قال في الرياض: إنها مخالفة للاجماع بسيطا أو مركبا، ولأخبار
الاستظهار، فكان المتجه حينئذ حملها على ما ذكرنا.
وكيف كان فإنه متى خرجت القطنة متلطخة (صبرت المبتدأة) عن الاغتسال
وفعل العبادة (حتى تنقى أو تمضي عشرة أيام) كما في القواعد والتحرير والإرشاد
والمدارك وكشف اللثام والرياض، وهو الظاهر من السرائر والمعتبر وغيرهما، بل
في المدارك أنه إجماع، وفي الدروس أنه ظاهر الأصحاب في الدور الأول، ويدل
عليه - مضافا إلى ذلك وإلى قاعدة الامكان إن أجريناها في مثل هذا المقام لأصالة عدم
التجاوز، وإلى أخبار الصفات (2) في الجامع مع عدم القول بالفصل هنا - خصوص
قول الصادق (عليه السلام) في موثق ابن بكير (3): " إذا رأت المرأة الدم في أول
حيضها واستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام " وفي موثقه الآخر (4) قال في الجارية
أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة: " إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى
يمضي أكثر ما يكون من الحيض، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله
المستحاضة " وقد يلحق بالمبتدأة من لم يستقر لها عادة في العدد، وربما فسرت بما
يشملها، وقد يشير إلى الحكم فيها مضافا إلى بعض ما تقدم موثق سماعة (5) قال:
" سألته (عليه السلام) عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين وفي الشهر

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض.
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 5
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 5
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الحيض - حديث 1
193

ثلاثة يختلط عليها لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء، قال: فلها أن تجلس وتدع
الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة " إلى آخره. ثم إنه هل يختص الحكم المذكور
بالمبتدأة مثلا بالدور الأول أو يشمله والدور الثاني، فيجب عليها الصبر حتى تنقي أو
تمضي عشرة؟ وجهان، يؤيد الأول ما سمعته من الدروس أن ظاهر الأصحاب الدور
الأول، مضافا إلى ما عساه يظهر من أخبار المستحاضة (1) أي المستمر بها الدم، كما أنه
يؤيد الثاني قاعدة الامكان وغيرها.
(و) أما (ذات العادة) عددا وقتية كانت أولا فل‍ (تغتسل) عند النقاء أو
مضي العشرة إن كانت عادتها بلا خلاف أجده، بل الظاهر أنه إجماع، وهو المستفاد
من قول الصادق (عليه السلام) في مرسل عبد الله بن المغيرة (2): " إذا كانت أيام
المرأة عشرة لم تستظهر، فإذا كانت أقل استظهرت " ونحوه غيره (3) ومنه يستفاد
كغيره من الأخبار بل كاد يكون متواترا مضافا إلى الاجماع محصلا ومنقولا ثبوت
الاستظهار لها بترك العبادة، وتأخير الغسل إن كانت أيامها أقل من عشرة، لكن
هل تغتسل حينئذ بعد مضي يوم واحد، لقول الصادق (عليه السلام) في موثق
إسحاق بن جرير (4): " إن كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد "
ونحوه مرسل داود (5) مولى أبي المعزى، أو بيومين كما رواه زرارة في الحسن
كالصحيح (6) مضمرا في الكافي ومسندا إلى الباقر (عليه السلام) عن التهذيب،
أو بثلاثة كما عن الصدوق، ورواه سماعة (7) في الموثق مضمرا، ومحمد بن عمرو بن
سعيد عن الرضا (عليه السلام) (8)، أو (بعد) مضي (يوم أو يومين من عادتها)

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 2
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 2
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 3 - 4
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 3 - 4
(6) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 13 - 1 - 10
(7) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 13 - 1 - 10
(8) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 13 - 1 - 10
194

كما في النهاية والنافع والقواعد والتحرير والمختلف وظاهر الوسيلة وعن الصدوق والمفيد،
بل قيل إنه المشهور لقول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة (1): " والمستحاضة
تستظهر بيوم أو يومين " وفي خبره الآخر (2) قال: " سألته عن الطامث تقعد بعدد
أيامها كيف تصنع؟ قال: تستظهر بيوم أو بيومين ثم هي مستحاضة " وقوله (عليه السلام)
أيضا في صحيح محمد بن مسلم (3) المروي في المعتبر من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب
في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها: (فلتقعد عن الصلاة
يوما أو يومين) وقوله (عليه السلام) أيضا في خبر إسماعيل الجعفي (4): المستحاضة
تقعد أيام قرئها، ثم تحتاط بيوم أو يومين " أو مع زيادة الثلاثة كما في السرائر وعن
التذكرة وغيرها، ورواه سعيد بن يسار في الصحيح (5) عن الصادق (عليه السلام)
وأحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح (6) عن الرضا (عليه السلام)، أو أنها تنتظر
العشرة كما هو ظاهر المقنعة وعن المرتضى وأبي علي وظاهر الجمل، ورواه عبد الله
ابن المغيرة (7) مرسلا عن الصادق (عليه السلام)، ويونس بن يعقوب في الصحيح (8)
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): " امرأة رأت الدم في حيضها حتى تجاوز وقتها
متى ينبغي لها أن تصلي؟ قال: تنتظر عدتها التي كانت تجلس، ثم تستظهر بعشرة
أيام " وكذا رواه يونس عنه (عليه السلام) أيضا في الصحيح (9) في النفساء، والمراد
إلى عشرة كما فهمه الشيخ منها وجوه، بل ما عدا الأول منها أقوال.
ولعل الأقوى في النظر في الجمع بين الأخبار المتقدمة بعد تحكيم بعضها على بعض

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 14 و 13 و 15
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 14 و 13 و 15
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 14 و 13 و 15
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 7 - 8 - 9
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 7 - 8 - 9
(6) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 7 - 8 - 9
(7) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 11 - 12
(8) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 11 - 12
(9) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 3
195

ثبوت الاستظهار إلى عشرة أيام لصلاحية كل من الأخبار المتقدمة لاثبات ما اشتملت
عليه، إذ هي بين موثق معتضد بغيره وصحيح كذلك، وقد يؤيد باستصحاب أحكام
الحائض، وبقاعدة الامكان التي قد عرفت نقل الاجماع عليها بما يشمل المقام، وبما دل
عليه الموثق والحسن (1) من أن (كل ما تراه قبل العشرة فهو من الحيضة السابقة)
وبأصالة الحيض في دم النساء، وباطلاق الاستظهار في جملة من الأخبار، فإن المراد به
بحسب الظاهر طلب ظهور الحال من الحيض وعدمه، وذلك لا يحصل إلا بالانتظار إلى
العشرة، وبما في مرسل يونس (2) عن الصادق (عليه السلام) قال: " إذا حاضت
المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت، فإن رأت بعد ذلك
ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض، فلتدع الصلاة " إلى آخره.
إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة كأخبار الصفات (3) مع التتميم بعدم القول بالفصل
وغيرها، وبذلك كله يظهر لك ما في الرياض من التنظر فيه بقصور سند أدلته وقلة عدده
والعامل به، مع احتمالها الورود مورد الغالب، وهو كون العادة سبعة أو ثمانية،
فتتحد مع غيرها من الأخبار، وذلك لما عرفت من عدم القصور في غير المرسل المتقدم،
وهو مع اعتضاده بغيره من الصحيحين السابقين غير قادح كدعوى قلة العدد. وكيف
والمتحد حجة فضلا عن المتعدد المعتضد بما سمعت، وأما قلة العامل فقد عرفت أنه ظاهر
المفيد (رحمه الله) وقد يظهر من الصدوقين وغيرهما، وهو المنقول عن المرتضى
وأبي على والشيخ، وقد أجازه المصنف في المعتبر، والشهيد في الدروس والذكرى
والبيان وإن احتاط بقول المشهور في الأول، واشترط ظن الحيض في الأخيرين،

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 11 - والباب - 11 - حديث 3
والباب - 12 - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الحيض - حديث 2
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض
196

وقد يظهر أيضا من المحقق الثاني في جامع المقاصد، والشهيد في الروض، والمقدس
الأردبيلي والفاضل المحدث البحراني في الحدائق وغيرهم، وقواه في الذخيرة، وأما
احتمال ورودها مورد الغالب فهو معارض بمثله بالنسبة إلى تلك الأخبار، وما عساه
يقال: - إنه يخلو ما عدا الغالب حينئذ عن النص بالاستظهار إلا أن إلحاقه بالاجماع
المركب كاف في ثبوته فيه، والاجماع لا يتم إلا في الناقض عن الثلاثة، فتبقى هي
كالزائد عليها إلا العشرة خالية عن الدليل، فيرجع حينئذ إلى مقتضى الأصل، وهو
عدم مشروعية الاستظهار، فتعين القول بالأول - ففيه أن المراد بالحمل على الغالب
إبقاء ما دل على العشرة على إطلاقه، وحمل أخبار الثلاثة مثلا على الغالب في أيام العادة
فلا تنفي غير الغالب، فتبقي حينئذ داخلة فيما دل على الأول، على أنه يكفي في ثبوت
الاستظهار في غير الغالب الأخبار المطلقة الآمرة به، وما عرفته سابقا من الاستصحاب
والأصل وقاعدة الامكان ونحو ذلك مما تقدم، وبه يظهر لك ما في دعوى أن الأصل عدم
مشروعية الاستظهار، فتأمل جيدا، فكان الأظهر حينئذ ثبوت الاستظهار للعشرة.
وكيف كان فهل الاستظهار على أي تقدير واجب كما صرح به في السرائر،
ونقل عن ظاهر الأكثر، ويشهد له التتبع، أو مندوب كما صرح به بعض المتأخرين،
بل نقله في المدارك عن عامتهم وإن لم نتحققه، أو أنه مباح كما يظهر من المصنف في
المعتبر، واختاره في الذخيرة؟ ويشهد للأول - مضافا إلى كثير مما تقدم سابقا والاحتياط
في ترك العبادة لكونه عزيمة على الحائض - ظاهر الأمر به في المعتبرة المستفيضة حد
الاستفاضة، ولا يقدح فيه كونه في بعضها بالجملة الخبرية بعد ظهورها في ذلك، كما يشهد
للثاني أنه قضية الجمع بين أخبار الاستظهار وبين ما دل على حيضية أيام العادة فقط كقوله
(صلى الله عليه وآله) (1): (تحيضي أيام أقرائك) وقول الصادق (2) (عليه السلام):

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الحيض حديث 2 مع اختلاف في اللفظ
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1
197

" المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها، فإذا جازت أيامها ورأت الدم
يثقب الكرسف اغتسلت للظهر - إلى أن قال -: وإن كان الدم لا يثقب الكرسف
توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء، وهذه يأتيها بعلها إلا في أيام
حيضها " إلى غير ذلك من المعتبرة المستفيضة (1) الدالة على تحيضها بها دون غيرها،
مضافا إلى ما في أخبار الاستظهار من الترديد الذي ينافي الوجوب، مع أن اختلافها
ذلك الاختلاف الذي لا يرجى جمعه، واشتمال بعضها على لفظ الاحتياط أقوى شاهد
على إرادة الاستحباب، لا أقل من تعارض الأخبار من الجانبين، فتبقي أصالة البراءة
سالمة عن المعارض في البين، ويشهد للثالث أن أوامر الاستظهار واردة في مقام توهم
الحظر في ترك الصلاة مثلا التي هي عماد الدين ومن ضروريات شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله،
فلا تفيد إلا الإباحة، على أنها معارضة بما سمعت من الأوامر بتحيضها أيام العادة،
فينتفي بذلك وبالأصل الوجوب كالاستحباب، مع أنه لا وجه له في ترك العبادة لكون
الرجحان من مقوماتها.
ولعل الأقوى في النظر الأول، فيتحصل حينئذ من المختار هنا وفي المسألة
السابقة وجوب الاستظهار للعشرة، واختاره الفاضل الطباطبائي في منظومته، كما هو
قضية الاستصحاب وإصالة الحيض، ولكثير مما تقدم من أدلة قاعدة الامكان من
الاجماعات وغيرها ولنفس القاعدة أيضا، ولما في الموثق والحسن ومرسل يونس التي
تقدمت الإشارة إليها، وغيرها مما دل على حيضية ما قبل العشرة، وللأمر بالاستظهار
من غير تقييد، إذ المراد به ظهور الحال، وهو لا يكون إلا بالعشرة، وما يقال:
إن الاستظهار لا ينافي فعل العبادة مثلا في أيامه مدفوع بأنه غير خفي على من لاحظ
أخبار الباب وكلام الأصحاب كون المراد بالاستظهار ترك العبادة لظهور الحال لا فعلها.

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض
198

لا يقال: إنه بناء على ذلك لم يظهر وجه لما وقع في بعض المعتبرة (1) من التفصيل بين
من كانت عادتها عشرة وبين ما كانت أقل، فخصت الاستظهار بالثانية دون الأولى.
لأنا نقول: إنه لا فرق في ذلك بناء على المختار، بل الفرق أن الأولى لا استظهار لها
باعتبار أن عادتها عشرة، فلا يظهر باستمراره أنها ليست بحائض، بخلاف الثانية التي
تستظهر بانقطاعه وباستمراره، ومن هنا أمرها بالاستظهار، وإلا فهي مشتركة معها
في سائر أحكام الحائض، ومما يؤيده أيضا غاية التأييد ما ستسمعه من ظهور أخبار
الاستظهار (2) بالحكم باستحاضة ما بعدها، وهو لا يتجه إلا على ذلك على ما ستعرف،
بل يؤيده أيضا اختلاف الأخبار بالأمر باليوم في بعض (3) وباليومين في آخر (4) وبالثلاثة
في ثالث (5) وبالعشرة في رابع (6) إذ المراد منها - بعد تأليفها وجعلها كالكلام الواحد
فإنهم (عليهم السلام) بمنزلة ذلك وإن تعددوا - استظهار حالها باليوم الواحد، وإلا
فباليومين، وإلا فبالثلاثة، وإلا فبالعشرة، ثم هي مستحاضة، وهو أولى من حملها
على إرادة الواجب التخييري كما عساه يشهد له الترديد بين اليوم واليومين في بعض (7)
والثلاثة في آخر (8) لما فيه من المجاز في الأمر فيها، مع أنه لا يتجه في قول الصادق
(عليه السلام) (9) في صحيح الحسين بن نعيم الصحاف: " وإن لم ينقطع الدم عنها إلا
بعد ما تمضي الأيام التي كانت ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل ثم تحتشي "
إلى آخره. لظهور كون الترديد فيه على حسب الترديد في غيره، وهو لا يقبل الحمل
على التخيير، بل لعله ظاهر فيما قلنا، فكان الأولى حينئذ حمل الترديد في تلك الأخبار

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 3 - 7
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 2 و 3 و 4
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 3 - 7
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 3 - 7
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 12
(6) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 12
(7) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 7 - 9
(8) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 7 - 9
(9) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 7
199

على إرادة ما ذكرنا، و لعله الذي أراده العلامة في المنتهى، قال بعد أن استوجه عدم
إرادة التخيير: " بل المراد التفصيل اعتمادا على اجتهاد المرأة في قوة المزاج وضعفه
الموجبين لزيادة الحيض وقلته ".
قلت: لم أعثر على أحد ممن قال بالوجوب صرح بدعوى الوجوب التخييري،
بل هو شئ تخيله المتأخرون من الترديد في كلام القائلين بالوجوب كالأخبار، ومن
المحتمل بل لعله الظاهر إرادة المردد منهم ما ذكرناه في الأخبار، على أن الحمل على
الوجوب التخييري لا يصلح إلا على إرادة التخيير في الحيض والاستحاضة، ويتبعهما
حينئذ ما يترتب عليهما، وإلا فلا معنى للتخيير بين الواجب وعدمه، ولا يخفى ما فيه
من البعد من مدلول الأخبار، بل يمكن دعوى القطع بعدمه، لعدم الإشارة إليه في
شئ منها، بل قد يظهر منها خلافه، إذ قضيتها جواز الترك لها في اليوم واليومين مثلا،
وقضية هذا التخيير تحقق الوجوب عليها، والإثم بمجرد اختيارها الطهارة، كحرمة
العبادة بمجرد اختيارها الحيض، على أنه لم يعلم حينئذ أنها هل تجري عليها جميع أحكام
الطاهرة من المواقعة والطلاق ودخول المساجد وقراءة العزائم ونحو ذلك بمجرد الاختيار
المذكور، أو أنه في خصوص العبادة إلى غير ذلك من الأحكام الكثيرة اللازمة لهذا
الوجه مع عدم الإشارة في شئ من الأدلة إليها، على أنه كيف يتجه الترديد على إرادة
التخيير فيما يظهر به حالها الذي هو مفاد الأمر بالاستظهار مع كون المظهر هو تجاوز
العشرة وعدمه عندهم كما يشير إليه تفصيلهم الآتي فيه.
ومن ذلك كله تعرف ما في حملها على الاستحباب التخييري، لاشتراكه مع
القول بالوجوب في جميع ما ذكرناه مما يرد عليه، وعرفت ما في تأييده بما تقدم من
اشتمال الأخبار على الترديد الذي لا يجامع الوجوب، لما ظهر لك أن المراد به على المختار
200

بالنسبة إلى ظهور الحال لا بالنسبة للوجوب، مع أنه وارد بالنسبة للاستحباب، إذ
لا يرتفع الاشكال بالنسبة للصلاة وعدمها بدعواه، نعم إنما يرتفع بدعوى التخيير
المذكورة، وهي مشتركة بينهما، وكذلك تأييده باختلاف الأخبار، وهو غير صالح
لذلك، سيما بعد ما عرفت أنه المنقول عن ظاهر الأكثر، وباشتمال بعض أخبار الاستظهار
على لفظ الاحتياط الظاهر فيه، لمنع ظهوره في ذلك بعد أن كان واقعا بصيغة الأمر
التي هي مقتضي الوجوب، وأما ما يقال: من أن القول بالاستحباب هو مقتضى الجمع
بين أخبار الاستظهار (1) والأخبار (2) الآمرة بالرجوع لأيام العادة الدالة على حيضية
ما فيها واستحاضة الزائد عليها، ففيه مع أنها موافقة للعامة عدا ما حكاه في المنتهى أن
ظاهر جملة منها (3) بل كاد يكون صريحها إرادة المستمرة الدم التي تجاوز دمها العشرة
كما اعترف بها المولى الأعظم في حاشية المدارك وشرح المفاتيح، وتسمى بالدمية،
والمستحاضة، بل لعل الناظر في الأخبار يقطع بأن المراد بالمستحاضة إذا أطلقت الدمية،
نعم قد يأبى تنزيل بعض هذه الأخبار على ذلك بالنسبة للدور الأول، لكن لا نأباه
بالنسبة للدور الثاني، فحينئذ لا تعارض في شئ من الروايات، على أنه قد يقال:
أنها مخصصة بغير أيام الاستظهار قطعا، لكونه لازما للقائلين بالوجوب والاستحباب.
ومن العجيب ما في الرياض من أن الأقوى الاستحباب لا لما ذكر (بل) (4) لتصادم
الأخبار من الطرفين مع عدم المرجح في البين، بل للأصل السليم عن المعارض حينئذ،
وفيه مع ما عرفت من أن الأصل والقاعدة والاستصحاب وغيرها تقتضي الاستظهار،

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض
(4) كذا في نسخة الأصل والصحيح زيادة لفظ (بل) لأنه مخل بالمعنى مع أنه
ليس موجود في الرياض
201

فظهر لك من ذلك كله قوة القول بالوجوب، وضعف القول بالندب كالإباحة أيضا،
فإنها - مع قلة القائل بها وعدم وجود ما يدل عليها سوى ما عرفته من توهم الحظر، وأنه
لا وجه لاستحباب العبادة وللوجوب بعد المعارضة بما تقدم من الأخبار، وفي الأول
مع إمكان المنع، وقيام مثله بالنسبة للأخبار المعارضة - أن مقتضاه كون العبادة مباحة،
فيقع فيما فر منه من القول بالاستحباب، اللهم إلا أن يدعى مرجوحية الاستظهار،
فيراد حينئذ بالأمر بالاستظهار المرجوحية أي الكراهة، وهو كما ترى، وقد عرفت
أن الثاني لا نقول به، كما أنه لا تعارض بين الأخبار، هذا. وربما تسمع ما يؤيد
المختار أيضا فيما يأتي.
وكيف كان (فإن استمر) الدم (إلى العاشر وانقطع) ظهر بذلك أن كله
كان حيضا و (قضت ما فعلته من صوم) بعد اليوم أو اليومين للاستظهار إن لم يكونا
تمام العشرة، لتبين فساده بلا خلاف أجده عندهم في ذلك، وبه صرح المصنف
والعلامة والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم، بل قد يظهر من بعضهم دعوى الاجماع
عليه كما عن صريح آخر، ويدل عليه مضافا إلى ذلك قاعدة الامكان، وما دل عليها
مما تقدم من الاجماع والموثق والحسن " إذا رأت المرأة قبل عشرة أيام فهو من الحيضة
الأولى " (5) والمرسل السابق، واستصحاب أحكام الحائض إلى غير ذلك مما مرت
إليه الإشارة عن قريب، ومع ذلك كله فقد توقف فيه في المدارك، وتبعه بعض من
تأخر عنه كصاحب المفاتيح والحدائق قائلا إنه لا دليل عليه، بل ظاهر أخبار الاستظهار
الحكم باستحاضة ما بعدها حتى لو انقطع على العشرة، واعترف به في الرياض، بل
ادعى وضوحها في ذلك، لكن قال: إن قوة احتمال ورودها مورد الغالب يوجب

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 11 والباب 11 - حديث 3
والباب - 12 - حديث 1
202

ظهورها في انتهاء أيام الاستظهار إلى العشرة وانقطاعها عليها، وعلى هذا يحمل لفظ
(أو) على التنويع وبيان ما هو الغالب من الأفراد كما فعله في المنتهى، لا التخيير
كما هو المشهور، فلا تشمل حينئذ المقام، ولا يخفى عليك أن هذا المقام مما يؤيد
ما اخترناه سابقا، فإنه لا إشكال بناء على أن نهاية أيام الاستظهار العشرة، إذ يتجه
حينئذ الحكم فيها بأن ما بعدها استحاضة، فيخرج حينئذ هذا الظهور الذي في أخبار
الاستظهار كما اعترفا به وهو كذلك أيضا شاهدا على ما ادعيناه، وأن المراد بأو
التنويع لا التخيير كما تقدم الكلام فيه مفصلا، بل هو من أقوى الشواهد عليه، فإن
اتفاق هذه الأخبار على الأمر بالاستظهار مع عدم التعرض في شئ منها لذكر الانقطاع
على العشرة وأنها يجب عليها إعادة ما فعلته بعده كالصريح في كون المراد بأيام الاستظهار
إلى العشرة، فتأمل جيدا.
وكأن الذي أوقعهم في الاشكال ما اختاروه في أيام الاستظهار، ولذا صدر
من صاحب الرياض ما سمعت مما يوافق المختار، وكيف كان فلا ينبغي التوقف في
الحكم المذكور بعد ما عرفت مع عدم ما يصلح للمعارضة سوى ما يظهر من الأخبار
الآمرة بالرجوع للعادة، وأن الزائد عليها استحاضة، وقد عرفت فيما مضى ظهورها
في المستحاضة الدمية التي قد استمر دمها وتجاوز العشرة، وبعد التسليم فهي محمولة على
ما عدا أيام الاستظهار، لما عرفت من الاجماع وغيره على ثبوته، على أنه لا تقاوم
ما ذكرناه من الأدلة، سيما بعد ظهور الاجماع المعتضد بصريح المحكي منه في المقام،
ويشهد له ما تقدم عند قول المصنف: (لو رأت ثلاثة ثم انقطع) إلى آخره.
هذا كله فيما إذا انقطع الدم على العشرة فما دون (و) أما (إن تجاوز) ولو قليلا
(كان ما أتت به) بعد الاستظهار إن قلنا بانتهائه قبل العشرة من الصوم والصلاة
(مجزءا) لتبين كونها طاهرة، وعلى المختار لا تأتي بشئ حتى يكون مجزءا، وعلى كل
203

حال فالظاهر أنه يجب عليها قضاء ما تركته في أيام الاستظهار من الصلاة كما في المنتهى
والذكرى والدروس والبيان وجامع المقاصد والروض وغيرهم، وهو المشهور نقلا وتحصيلا
بل لعله لا خلاف فيه سوى ما عساه يظهر من المنقول عن العلامة في النهاية، حيث
استشكل في وجوب القضاء لمكان عدم وجوب الأداء، بل حرمته بناء على وجوب
الاستظهار، ومن صاحب المدارك حيث توقف بل استظهر عدمه، وتبعه بعض من تأخر
عنه، لظهور أدلة الاستظهار في عدم وجوب قضاء ما فاتها وأنها كالحيض، وإليه
مال الفاضل في الرياض، لكن قد يستدل للمشهور بلفظ الاستظهار الوارد في الأخبار
فإن المراد منه طلب ظهور الحال وانكشافه في كون هذا الدم الزائد حيضا أو استحاضة،
فيلحقه حكم كل منهما، ولا مظهر ولا كاشف سوى ما ذكره الأصحاب، على أن
الأخبار كادت تكون صريحة في كون الكشف بأيام الاستظهار إنما هو بحالتي القطع
والاستمرار مع الحكم بكونها مستحاضة في الحالة الثانية.
والحاصل بناء على ما ذكروه من إلحاق أيام الاستظهار بالحيض لم يكن له معنى
محصلا سيما على المختار من الوجوب إلى العشرة أو الجواز، على أنه قد اعترف في الرياض
بكون أخباره محمولة على ذلك لمكان الغلبة، فكيف يتجه له معنى الاستظهار، وأيضا
قد يدعى أن لفظ الاستظهار من موضوعات الأحكام الشرعية التي يرجع في مثلها إلى
الفقهاء كالاقعاء ونحوه، هذا. مع إمكان أن يستدل عليه أيضا بما دل على الرجوع إلى
العادة عند التجاوز والتحيض بالأقراء وجعل ما عداه استحاضة، كمرسلة يونس (1)
الطويلة وغيرها (2) كما أنه يمكن الاستدلال عليه أيضا بما دل (3) على أن ما بعد أيام
العادة ليست بحيض، أقصى ما خرج منها ما قام الاجماع على خلافه، وهو الزائد إذا
انقطع على العشرة، ويبقى غيره، وبما دل (4) على أن المستحاضة تجلس أيام حيضها

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 0 - 5
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 0 - 5
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 0 - 5
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض - حديث 2
204

فحسب بضميمة ما دل (1) على أن المستظهرة ولما ينقطع الدم مستحاضة، وبذلك كله
يظهر لك ما في المستند السابق لهم، إذ عدم وجوب الأداء أو حرمته لا يقتضي سقوط
القضاء لكونه بفرض جديد، وكذا ما في دعوى ظهور أدلة الاستظهار في ذلك، فإن
أقصاها عدم التعرض، ولا دلالة فيه، كما أنه لم يتعرض فيها لقضاء ما فات من الصوم
فيها، مع أنه من المقطوع بوجوب قضائه، وكأن ترك ذلك اعتمادا على الأدلة
الخارجية. فبان لك حينئذ صحة ما عليه الأصحاب من التفصيل، ويؤيده الاعتبار،
فإنه بانقطاعه على العشرة يظن كونه حيضا لكونها أكثره، بخلاف ما إذا تجاوز، فإنه
يقطع بعدم الحيضية في الزائد، ومنه ينقدح الظن بعدم حيضية ما قبله، لمكان اتصاله
وكونه دما واحدا، فإنه يستبعد أنه عند تمام العشرة حدث سبب الاستحاضة.
بقي شئ وهو أن الظاهر من النص والفتوى اختصاص الاستظهار المتقدم بالدور
الأول دون الدور الثاني، كما إذا فرض استمرار الدم فيها إليه، ولعله كذلك لما
دل (2) على التحيض للمستحاضة بأقرائها وبأيام حيضها، لكن لا يبعد استحباب ذلك
لها باليوم واليومين، لما عساه يظهر من بعض الأخبار (3) كما أنه يمكن دعوى
استحباب الاستظهار بيوم للمبتدأة عند الرجوع إلى عادة نسائها مع القول بعدم انتظارها
العشرة في الدور الثاني، لقوله (عليه السلام) في رواية محمد بن مسلم وزرارة (4).
" يجب للمستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها، ثم تستظهر بيوم " وظاهر
الشهيد في الذكرى العمل به، فتأمل جيدا، والله أعلم.
المسألة * ((الرابعة) إذا طهرت) * المرأة أو الأمة من حيضها طهرا كاملا (جاز
لزوجها) وسيدها (وطؤها قبل الغسل) بلا خلاف متحقق أجده. بل عليه الاجماع

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 0
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 0
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 7 - 5
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 7 - 5
205

في الخلاف والانتصار والغنية وظاهر السرائر وعن التبيان ومجمع البيان وأحكام الراوندي،
ويشهد له التتبع لكلمات الأصحاب عدا ما عساه يظهر من الصدوق في أول كلامه،
ولذا نسب إليه ذلك، لكنه قال بعده: " إن كان الزوج شبقا وأراد وطأها قبل
الغسل أمرها أن تغسل فرجها ثم يجامعها " قيل وهو يعطي إرادة شدة الكراهة، كما أنه
يحتمل قصره الجواز على ذلك، وكيف كان فيدل عليه - مضافا إلى ما تقدم وإلى
الأصل وعموم أو إطلاق ما دل على إباحة الوطء من الكتاب (1) والسنة (2) وما يشعر به
(فاعتزلوا النساء في المحيض) (3) - قول الصادق (عليه السلام) في موثق ابن بكير (4):
" إذ انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء " ونحوه رواه علي بن يقطين (5) عنه
(عليه السلام) أيضا، كما أنه روى عن الكاظم (عليه السلام) أيضا في الموثق (6)
" سألته عن الحائض ترى الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال: لا بأس،
وبعد الغسل أحب إلي " ومرسل عبد الله بن المغيرة (7) عن العبد الصالح (عليه السلام)
" في المرأة إذا طهرت من الحيض ولم تمس الماء فلا يقع عليها زوجها تغتسل، وإن
فعل فلا بأس به، وقال: تمس الماء أحب إلي " وقد يدل عليه في الجملة قول الباقر
(عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم (8): " إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها
فلتغسل فرجها ثم يمسها إن شاء قبل أن تغتسل " ولعله مستند الصدوق فيما تقدم من التقييد
إلا أنه لا يخفى عليك قصوره عن مقاومة ما ذكرنا من وجوه متعددة سيما بعد كون الغالب
عدم الشبق، فيبعد حمل تلك المطلقات على تقييد هذا الخبر، فاتجه حمل مفهومه على

(1) سورة البقرة - الآية 223 - 222
(2) الوسائل - الباب - 79 - من أبواب مقدمات النكاح وآدابه من كتاب النكاح
(3) سورة البقرة - الآية 223 - 222
(4) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الحيض - حديث 3
(5) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الحيض - حديث 3
(6) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 4 - 1
(7) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 4 - 1
(8) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 4 - 1
206

الكراهة أو شدتها بدون ذلك، كالنهي في موثق أبي بصير (1) وسعيد بن يسار (2)
عن الصادق (عليه السلام)، مع احتمالهما النفي للإباحة بالمعنى الأخص، والتقية،
واستفادة الكراهة من غيرهما، مع ظهور الاتفاق عليها كما في كشف اللثام، ولذا
قيد المصنف الجواز بقوله: (على كراهية).
وبذلك كله يظهر لك دلالة قوله تعالى (3): (حتى يطهرن) في قراءة التخفيف
على الجواز أيضا المؤيدة بما يشعر به لفظ (المحيض) في السابق، وعدم ثبوت الحقيقة في
لفظ الطهر بالنسبة للكتاب، وبما ورد أن غسل الحيض سنة في مقابلة الواجب من
الكتاب، وهي وإن كانت معارضة بقراءة التشديد المؤيدة بقوله تعالى (4): (فإذا تطهرن
فأتوهن) وبإمكان إرجاع قراءة التخفيف إليها بإرادة الطهارة الشرعية سيما على القول
بثبوت الحقيقة الشرعية، لكن ارتكاب التأويل في الثانية أرجح لما عرفت، فتحمل
عليه، لمجئ (تفعل) بمعنى (فعل)، نحو تطعمت بمعنى طعمت، قيل ومنه المتكبر
في أسماء الله بمعنى الكبير، وربما أولت بحمل النهي فيها على الكراهة على أن يراد
النهي عن المباشرة بعد انقطاع الدم لسبق العلم بتحريمها حالة الحيض من صدر الآية،
أو يراد مطلق المرجوحية التي هي أعم منها ومن الحرمة على عموم المجاز، بل لعله أولى
لما فيه من المحافظة على توافق القراءتين، ويراد بالمعلق في قوله تعالى: (فإذا تطهرن)
الإباحة بالمعنى الأخص، وإن أبيت عن ذلك كان المتجه التخيير، لكونها بمنزلة الخبرين
وهو موافق للمطلوب، وربما حملت قراءة التشديد على إرادة غسل الفرج، وهو
مبني على اشتراط حلية الوطء بذلك، كما هو صريح الغنية وظاهر الخلاف والمبسوط
وغيرهما، بل نقل في كشف اللثام عن ظاهر الأكثر، وربما استظهر من الأول الاجماع

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 7
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 7
(3) سورة البقرة - الآية 222
(4) سورة البقرة - الآية 222
207

عليه، لكن الذي صرح به في المعتبر والمنتهى والتحرير والذكرى والبيان والروض الندب،
بل في الأخير أنه مذهب أكثر المجوزين، ولعله الأقوى، للأصل وخلو أكثر
الأخبار عنه، مع إشعار مرسل ابن المغيرة وموثق إسحاق المتقدمين بعدم الوجوب،
فيحمل الصحيح المتقدم الذي هو مستند الأول على الاستحباب، وظاهر السرائر
حمله على رفع الكراهية، وهو غير بعيد، وطرق الاحتياط غير خفي، وعن ظاهر
مجمع البيان والتبيان وأحكام الراوندي توقف حلية الوطئ على غسل الفرج أو الوضوء،
بل في الأول أنه مذهبنا. ولم نعثر له على دليل.
ثم إن المتجه بناء على وجوب الاغتسال للوطئ إيجاب التيمم عند فقد الماء لعموم
البدلية، وقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي عبيدة (1) في فاقدة الماء: " إذا غسلت
فرجها وتيممت فلا بأس " كقوله (عليه السلام) أيضا في خبر عمار الساباطي (2)
" عن المرأة إذا تيممت من الحيض هل تحل لزوجها؟ قال: نعم " وفيهما شهادة سيما
الأول على وجوب الاغتسال للوطئ، كما أنه في الأول شهادة على غسل الفرج، بل
قد يشهد أيضا على ما نقلناه عن مجمع البيان، إلا أنهما لا ينبغي الالتفات إليهما في شئ
من ذلك بعد ما سمعت، سيما بعد الطعن في السند والدلالة والموافقة للمنقول عن أبي حنيفة
في الجملة، نعم يمكن تنزيلهما على رفع الكراهة بذلك، حيث يقع لغير الوطئ مع احتماله
فيه إن قلنا بتوقف رفعها الاغتسال، وعن العلامة أنه استقرب عدم وجوب التيمم
للوطئ عند فقد الماء وإن قلنا بوجوب الاغتسال له، وهو بعيد، نعم يمكن القول بجواز
الوطئ على كل حال مع فقد الطهورين على إشكال أيضا، بل الأقوى عدمه، والله أعلم.
المسألة * ((الخامسة) إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى) * من الوقت
(مقدار) أداء ما يجب عليها فيه من (الصلاة) بحسب حالها من القصر والاتمام والسرعة

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2
208

في الأفعال والبطء والصحة والمرض ونحو ذلك (و) مقدار فعل ما يجب عليها من فعل
(الطهارة) كذلك من الوضوء والغسل أو التيمم بحسب ما هي مكلفة به في ذلك الوقت
ولم تفعل (وجب عليها القضاء) بعد ذلك إذا طهرت بلا خلاف محقق أجده فيه، بل
في كشف اللثام أنه إجماع على الظاهر، وفي المدارك أنه مذهب الأصحاب، لصدق
اسم الفوات، وقول الصادق (عليه السلام) في موثق يونس بن يعقوب (1) " في
امرأة دخل عليها وقت الصلاة وهي طاهر فأخرت الصلاة حتى حاضت قال: تقضي
إذا طهرت " وخبر عبد الرحمان بن الحجاج (2) " سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول
الشمس ولم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال: نعم " ويستفاد من سؤال
الأول كما يشعر به الثاني اعتبار إحراز سائر ما يتوقف عليه فعل الصلاة من الطهارة
وغيرها كإزالة النجاسة وتحصيل الساتر ونحو ذلك، كما نص عليه في جامع المقاصد
والروضة وبعض ما تأخر عنها. وهو ظاهر المبسوط والمعتبر والنافع والمنتهى والذكرى
والبيان وغيرها، لاعتبارهم التمكن كما عن ظاهر الأكثر، خلافا لكشف اللثام في باب
الصلاة، فاعتبر الطهارة خاصة وفاقا لظاهر ما في المتن والقواعد والدروس من الاقتصار
على ذكر الطهارة، لكن لعله منزل على الغالب من فعلية إحرازها لغير الطهارة دونها،
وإلا فلا فرق بحسب الظاهر بين الجميع في توقف صدق اسم الفوات، ولا أمر غيره
وغير ما سمعته من الخبرين ونحوهما مما ظاهره التضييع والتفريط، وهو غير صادق
كالأول إلا بعد مضي زمان يمكن وقوع الفعل المكلف به فلم تفعل، واحتمال الفرق
بين الطهارة وغيرها بأنه لا يصح الفعل بدونها بخلاف غيرها غير مجد مع توقف التكليف
هنا على الجميع، لمعلومية امتناع قصور الوقت عن ما كلف به فيه.
وما يقال: من منع توقفه عليه في الواقع هنا أيضا فإنه لو علمت أنها تحيض بعد

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 5
209

مضي الزوال بمقدار لا يسعها إزالة النجاسة مثلا وفعل الصلاة لا تجب عليها الإزالة،
وصح الفعل منها معها كتضيق الوقت ضعيف بل ممنوع، للفرق الظاهر بين تضييق
الوقت وغيره، فلا يقاس عليه بعد دلالة الدليل على الأول دون الثاني، وكيف مع
أنه لو كان كذلك لوجب تحقق القضاء عليها إذا مضى مقدار الصلاة وفعل الطهارة الترابية
فحسب، وهو مخالف للاجماع بحسب الظاهر ولظاهر بعض الأخبار اللهم إلا أن يدعى
الفرق، وهو ممنوع أيضا، نعم لا إشكال في عدم اعتبار اتساع الوقت لو كانت محرزة
كالطهارة أيضا كما صرح به غير واحد من الأصحاب، خلافا لما يوهمه المحكي في
كشف اللثام عن نهاية الإحكام من احتمال العدم، ولا ريب في ضعفه، وما أبعد
ما بينه وبين ما عنه في موضع آخر أيضا من الاشكال في اعتبار مضي زمن الطهارة في
وجوب القضاء عليه لامكان تقدمها علي الوقت إلا المستحاضة والمتيمم، وفيه أن الطهارة
لكل صلاة موقتة بوقتها، ولا يعارضه إمكان كونه قد تطهر لغيرها، نعم في كشف اللثام
أنه إن أوجبنا التيمم لضيق الوقت أمكن اعتبار مقدار التيمم والصلاة، وفيه ما عرفت
من أنه مخالف للاجماع بحسب الظاهر.
فظهر لك حينئذ أنه إن كان الحيض بعد مضي وقت كانت تتمكن فيه من فعل
الصلاة والطهارة وسائر ما تتوقف عليه بحسب حالها في ذلك الوقت من القصر والاتمام
والجبيرة والتيمم وغيرها وجب عليها القضاء. (وإن كان قبل ذلك) أي قبل مضي وقت
يسع الطهارة والصلاة أو هي وسائر الشرائط (لم يجب) كما هو المشهور نقلا وتحصيلا
للأصل مع عدم الدليل، واستتباع القضاء عدم النهي الذاتي عن الأداء لتوقف اسم
الفوات عليه من غير فرق بين سعة الوقت لأكثر الصلاة وعدمه، فما ينقل عن المرتضى
وأبي علي من الاجتزاء بما يسع أكثر الصلاة ضعيف، كالذي سمعته عن العلامة في نهاية
الإحكام من عدم اعتبار وقت يسع الطهارة، بل لم أعثر لهما على مستند سوى خبر
210

أبي الورد (1) للأول " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المرأة التي تكون في صلاة
الظهر وقد صلت ركعتين ثم ترى الدم، قال: تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين،
وإن كانت رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلت ركعتين فلتقم من مسجدها،
فإذا تطهرت فلتقض الركعة التي فاتتها " وهو - مع الطعن في سنده واختصاصه بالمغرب
ومخالفة ظاهره لدعواهما - محتمل لإرادة المفرطة في المغرب مع إرادة قضاء المغرب بقضاء
الركعة، وسوى ما يقال للثاني: من صدق اسم الفوات لامكان فعل الطهارة قبل الوقت،
وهو ممنوع لعدم الوجوب عليها قبله، ومثلهما في الضعف ما عساه يظهر من المنقول عن
النهاية من الاكتفاء بالقضاء بمجرد طمثها بعد الزوال، ولعله لاطلاق خبر عبد الرحمان
ابن الحجاج (2) المتقدم وغيره (3) وهو - مع شهادة خبر أبي الورد المتقدم على عدمه،
كموثق سماعة (4) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة صلت الظهر ركعتين
ثم إنها طمثت وهي جالسة، فقال: تقوم من مقامها ولا تقضي الركعتين " وغيرهما (5)
من الأخبار - ظاهر في إرادة المتمكنة، وعكسه ما عساه يظهر من المنقول عن المقنع
من عدم القضاء إذا طمثت بعد الزوال.
وكيف كان فقد استقر المذهب الآن على خلاف هذه الأقوال، بل حكى
الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة على أن من لم يدرك من أول الوقت مقدار ما يؤدي
الفرض لم يلزمه إعادته في الحائض والنفساء وغيرهما، كما أنه يظهر منه الاجماع على
وجوب القضاء على من أدرك ذلك، نعم نص بعضهم على كون المعتبر في المختار سعة
مقدار الواجب من الصلاة والطهارة مخففا، فلا عبرة بالمندوبات، ولا بأس به لصدق

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 5 - 4
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 5 - 4
(3) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 5 - 4
(4) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الحيض - حديث 6
(5) المستدرك - الباب - 33 - من أبواب الحيض - حديث 2
211

اسم الفوات بذلك، وهل يعتبر أقل الواجب المخير كما في التخيير بين القصر والاتمام
والتسبيحة الواحدة مع الفاتحة؟ لا يبعد ذلك، بل جزم به في الذكرى وكشف اللثام،
كما أنه لا يبعد إيجاب القضاء بمضي ما تقدم وإن كانت ممنوعة عن الأداء بحسب الظاهر
كما لو كان فرضها التيمم مثلا لعدم الماء وقلنا بعدم الصحة إلا عند ضيق الوقت فأخرت
بانتظار ذلك فصادفها الحيض، لصدق اسم الفوات عليه بسبب التكليف في الواقع،
وعدم العلم إنما يرفع الإثم، واحتمال تعليق القضاء على التضييع والتفريط كما عساه يظهر
من بعض الأخبار (1) ضعيف، لعدم صلاحيتها لاثبات ذلك.
هذا كله بالنسبة إلى حكم حصول الحيض (و) أما حكم ارتفاعه فهو (إن طهرت
قبل آخر الوقت بمقدار الطهارة) وسائر الشرائط المفقودة (وأداء) أقل الواجب من
(ركعة) فضلا عن الأكثر (وجب عليها الأداء) بلا خلاف أجده فيه بالنسبة إلى
العصر والعشاء والصبح، بل في الخلاف والمدارك الاجماع عليه، وفي المنتهى نفي
الخلاف فيه بين أهل العلم، بل لم يفرقا في الأخيرين فيما حكياه بين الثلاثة المتقدمة
وغيرها من الظهر والمغرب، فيجب حينئذ الظهران والعشاءان بادراك الخمس ركعات
من آخر الوقت كما هو المشهور نقلا وتحصيلا، بل في الخلاف نفي الخلاف عنه، لكنه
نقل عن طهارة المبسوط الحكم بالاستحباب كما عن المهذب وعن الاصباح استحباب فعل
الظهرين بادراك خمس قبل الغروب، والعشاءين بادراك أربع قبل الفجر، وعن الفقيه
أنه إن بقي من النهار مقدار ما يصلي ست ركعات بدأ بالظهر، وكيف كان فالذي
عثرنا عليه من الأخبار مما يدل على ما نحن فيه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في
خبر الأصبغ بن نباتة (2): " من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الحيض - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب المواقيت - حديث 2 من كتاب الصلاة
212

الغداة تامة " وقوله (عليه السلام) (1) أيضا: " من أدرك ركعة من العصر قبل
أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " إلا أني لم أعثر على الأخير في طرقنا، كالنبوي (2)
" من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " بل في المنتهي نسبة الأخير إلى رواية
الجمهور كما هو الظاهر منه أيضا في سابقه، لكن الشيخ في الخلاف بعد أن ذكر روايتي
أمير المؤمنين (عليه السلام) السابقتين مسندا لهما إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
وكذلك روى عن أئمتنا (عليهم السلام) (3) وفي كتاب الصلاة من المدارك بعد أن
روى النبوي المتقدم والمرتضوي وغيرهما قال: وهذه الأخبار وإن ضعف سندها إلا
أن عمل الطائفة عليها، ولا معارض لها، فتعين العمل بها، وعلى كل حال فلا يبعد
جواز العمل بهذه الأخبار بعد ذكر أصحابنا لها وانجبارها بما سمعت، ومنها قول الصادق
(عليه السلام) في خبر منصور بن حازم (4): " إذا طهرت الحائض قبل العصر
صلت الظهر والعصر، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر " وقوله
(عليه السلام) أيضا في خبر أبي الصباح الكناني (5): " إذا طهرت المرأة قبل طلوع
الفجر صلت المغرب والعشاء، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر والعصر "
وقوله (عليه السلام) أيضا في خبر عبد الله بن سنان (6): " إذا طهرت المرأة قبل
غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر، وإن تطهرت من آخر الليل فلتصل المغرب
والعشاء " وقول الباقر (عليه السلام) في خبر داود الدجاجي (7): " إذا كانت
المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر، وإن طهرت من آخر

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب المواقيت - حديث 5 - 4 من
كتاب الصلاة.
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب المواقيت - حديث 5 - 4 من
كتاب الصلاة.
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب المواقيت - حديث 1 و 3 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 7
(5) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 7
(6) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - حديث 10 - 11
(7) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - حديث 10 - 11
213

الليل صلت المغرب والعشاء " إلى غير ذلك من الأخبار.
وهي باطلاقها حجة على ما سمعته من المبسوط والمهذب والاصباح والفقيه إن أراد
الاشتراط بالست، سيما بعد انجبارها بما سمعت من الاجماع ونفي الخلاف وغيرهما، على
أن في دعوى الاستحباب ما لا يخفى بعد فرض إمكان إدراكها الفرضين كما هو مسلم
عند الخصم، وبالإجماع من الجميع مع الأخبار يسقط ما عساه يقال: إنه بناء على
اختصاص آخر الوقت بمقدار أربع ركعات بالعصر والعشاء لا يصح وقوع بعض الفرض
في غير وقته، إذ هي أقوى مما دل (1) على الاختصاص بمراتب لو سلم شمول تلك لنحو
المقام، نعم الظاهر أنه لا يجب العشاءان بمجرد إدراك أربع من آخر الوقت كما عن بعض
العامة مخرجا له أنه يبقي للعشاء ركعة يدرك بها تمام وقته، لما دل على اختصاص العشاء
بذلك مع عدم بقاء ركعة من وقت المغرب الذي يفيد في دخوله تحت العموم المتقدم فتأمل.
(و) إذ قد ظهر لك وجوب الأداء بما ذكرنا فلا إشكال حينئذ في أنه يجب
عليها حينئذ (مع الاخلال القضاء) لصدق اسم الفوات، بل هو مجمع عليه نقلا وتحصيلا،
ويشير إليه قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبيد بن زرارة (2): " أيما امرأة
رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة
أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت في وقتها، وإن رأت الطهر في وقت
صلاة فقامت في تهيأة ذلك فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء
وتصلي الصلاة التي دخل وقتها " ونحوه خبر أبي عبيدة (3) عنه (عليه السلام)، وفي
خبر محمد بن مسلم (4) عن أحدهما (عليهما السلام) قال: " قلت: المرأة ترى الطهر
عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر قال: تصلي العصر وحدها، فإن

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت - حديث 7 و 18 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 4 - 5
(4) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 4 - 5
214

ضيعت فعليها صلاتان " ويستفاد منها جميعا اشتراط سعة الوقت للطهارة المائية كما هو مجمع
عليه هنا بحسب الظاهر حتى أن خلاف العلامة سابقا لا يتأتي هنا، لعدم تمكنها منها
هنا، إنما الكلام في اعتبار سعة الوقت لغيرها من الشرائط، كما نص عليه في جامع
المقاصد والروضة وعن الموجز الحاوي والروضة، وهو ظاهر الدروس، وعدمه كما
عساه يظهر من المصنف هنا والنافع والعلامة في القواعد، واختاره في الرياض مؤيدا له
بأنه لا دليل على اعتبار سائر الشروط الملحقة به فيه، مع اقتضاء عمومات الأوامر
بالصلاة وإطلاقاتها العدم، فلا يتوقف وجوب الصلاة حينئذ عليها، وقد يؤيد الأول
بأن الأصل في كل شرط انتفاء المشروط بانتفائه، مع الشك في شمول ما دل على سقوطه
عند الاضطرار لمثل المقام الذي هو ابتداء تكليف، إذ هو متوقف على سعة الوقت
للفعل مع شرائطه، بل أقصاه في المكلف الذي ضاق عليه الوقت مثلا، ومن هنا لا يجب
القضاء ولا الأداء على مثل الحائض والصبي ونحوهما عند ارتفاع عذرهما قبل مضي الوقت
بما يتمكنون فيه من الطهارة الترابية دون المائية.
وكيف كان فلا إشكال في عدم وجوب شئ عليها لو أدركت أقل من ركعة
بل عن الخلاف والمختلف نفي الخلاف فيه، لمفهوم قوله (عليه السلام): (من أدرك)
وغيره مما تشعر به بعض الأخبار السالفة، وبه يقيد ما عساه يظهر من غيرها مما تقدم
أيضا من إيجاب الصلاة عليها بمجرد تمكنها من الطهارة والشروع فيها، حتى أن المصنف
في المعتبر قال بعد ذكر جملة منها: أنه لو قيل بذلك لكان مطابقا لمدلولها، إذ قد عرفت
أنه لو سلم ذلك لم يكن للركون إليه بعد استقرار كلمة الأصحاب وجه وجيه، بل لا يخلو
الحكم باستحباب القضاء لأجلها من إشكال وإن نقل الفتوى به عن كتابي الحديث
والتذكرة ونهاية الإحكام وغيرها، لاستلزامه استعمال ما تضمنه من الأمر في الرجحان
الشامل للوجوب والاستحباب بالنسبة للقضاء والأداء على عموم المجاز، ومع إمكان
215

القطع بعدمه فيها موقوف على قرينة وليست، نعم لا بأس به لفتوى من سمعت مع
التسامح فيه، فظهر لك ضعف القول بالوجوب، كضعف المنقول عن النهاية من لزوم
قضاء الصبح إذا طهرت قبل طلوع الشمس على كل حال، وإن كان ربما يشعر به
خبر عمار (1) عن الصادق (عليه السلام) " فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس
فليتم الصلاة وقد جازت صلاته، وإن طلعت قبل أن يصلي ركعة فليقطع الصلاة ولا
يصل حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها " لوجوب تنزيله على المفرط ونحوه، والله أعلم.
وحيث فرغ من الكلام على الأول شرع في الثاني فقال: (وأما ما يتعلق به)
أي الحيض (فثمانية أشياء: (الأول) يحرم عليها) حال الحيض (كل ما يشترط فيه
الطهارة كالصلاة والطواف) إجماعا محصلا ومنقولا، بل كاد يكون من ضروريات
الدين في الأول منهما من غير فرق بين التطوع والفريضة والتحمل والأصالة، بل وكذا
يحرم بعد الانقطاع قبل الطهارة المائية أو ما يقوم مقامها وإن أمكن الفرق بين الحرمتين
بالذاتية والتشريعية، وما يقال: من عدم تصور الذاتية في الأولى أيضا لرجوعها إلى
التشريع مع النية، ولا حرمة مع عدمها مدفوع بعد التسليم بأنه لا مانع من اجتماع
الحرمتين مع النية أخذا بظاهر النهي وكلام الأصحاب في المقام، بل صرح به بعضهم،
وعليه بني رد ما يذكر في بعض المقامات من الاحتياط لها بفعل العبادة بأنه معارض بمثله، لكون الترك بالنسبة إليه عزيمة.
(
و) مثلهما (مس كتابة القرآن) على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا،
بل هي كذلك ما حكاه جماعة، لعدم قدح خلاف ابن الجنيد فيه، أو إمكان إرادته
بالكراهة الحرمة، ويدل عليه مضافا إلى ذلك ما تقدم في الوضوء والجنابة، فلاحظ

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب المواقيت - حديث 3 من كتاب الصلاة
216

كي تعرف ذلك مع جملة مما تقدم من الأبحاث هناك التي منها حرمة مس اسم الله بل
أسمائه بل أسماء الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) بناء على اشتراط الحل بالطهارة لمناسبة
التعظيم، ولأن الحيض أعظم من حدث الجنابة كما صرح به خبر سعيد بن يسار (1) و ظهور
اتفاق الأصحاب على اشتراك الحائض مع الجنب في أحكامه، بل عن الفقيه الاجماع
على حرمة مس الحائض اسم الله وأسماء الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) كما أنه نقل
التصريح بأصل الحكم عن المقنعة والنهاية والكافي والمهذب والوسيلة والغنية والإشارة
والجامع والمنتهى ونهاية الإحكام والذكرى والبيان والدروس وجامع المقاصد والروض
ومعالم الدين وشارع النجاة وعيون المسائل، قلت: وربما يشعر به ما دل (2) على نهي
الحائض عن مس التعويذ بيدها، لاشتمال التعويذ غالبا على غير القرآن من أسماء الله
وأنبيائه والأئمة (عليهم السلام) فظهر لك بذلك أن ما ينقل عن سلار من ندبية ترك
مس ما فيها اسم الله ضعيف جدا سيما بعد قوله بالحرمة في الجنب، وأعجب منه أنه قال
على ما نقل عنه قبيل ذلك: وكان ما يجب تركه على الجنب يجب تركه على الحائض،
وتقدم في الجنابة ما له نفع تام في المقام، فلاحظ كي يظهر لك ذلك.
(و) كذلك يظهر لك أيضا أنها (يكره) لها (حمل المصحف ولمس هامشه) وما بين
سطوره كما هو المشهور شهرة كادت تكون إجماعا أيضا، بل في المعتبر الاجماع على كراهية
حمله بغلافه، فما يظهر من المنقول عن علم الهدى من حرمة مس المصحف ولمس هامشه
ضعيف كما مر بيانه في الجنابة مستوفى، فلاحظ وتأمل.
(ولو تطهرت) الحائض عن الحدث الأصغر أو عن حدث الحيض حال الحيض
ولو في الفترة المحكوم عليها به (لم يرتفع حدثها) إجماعا وقولا واحدا، ولا ينافيه

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الحيض - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب الحيض
217

ما دل (1) على جواز الوضوء لها أو التيمم (2) إذا حاضت في أحد المسجدين مثلا
لكونه ليس طهارة، ويشير إلى ذلك خبر محمد بن مسلم (3) قال: " سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن الحائض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله تعالى، فقال: أما
الطهر فلا، ولكنها توضأ وقت الصلاة " الخبر. وكذا لو كان الحدث غير الحيض كالجنابة
والمس على ما قد يظهر من المصنف وغيره من الأصحاب كالمبسوط والسرائر والجامع
والمنتهى والقواعد والذكرى والمدارك وكشف اللثام والنافع والمعتبر وغيرها ظهورا كاد
يكون كالصريح في أكثرها سيما في الأخير، فإنه قال: ولا يرتفع لها حدث، وعليه
الاجماع، ولأن الطهارة ضد الحيض، لكن يجوز أن تتوضأ لذكر الله، وأن تغتسل
لا لرفع الحدث كغسل الاحرام والجمعة، بل نص عليه في التحرير والمنتهى وغيرهما
بالنسبة للجنابة، بل يظهر من المدارك دخوله تحت دعوى الاجماع في المقام، و يؤيده
مضافا إلى ظاهر الخبر المتقدم صحيح الكاهلي (4) عن الصادق (عليه السلام) قال:
" سألته عن المرأة يجامعها زوجها فتحيض وهي في المغتسل تغتسل أو لا تغتسل؟ قال:
قد جاءها ما يفسد الصلاة، فلا تغتسل " وموثق أبي بصير (5) عنه (عليه السلام)
أيضا قال: " سئل عن رجل أصاب من امرأة ثم حاضت قبل أن تغتسل، قال:
تجعله غسلا واحدا " وخبر سعيد بن يسار (6) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
" المرأة ترى الدم وهي جنب أتغتسل من الجنابة أو غسل الجنابة والحيض واحد؟
فقال: قد أتاها ما هو أعظم من ذلك "

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 3
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 1 - 2
(6) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الجنابة - حديث 5
218

لكن لولا ظهور اتفاق كلمة الأصحاب عليه لكان للنظر فيه مجال، أما أولا
فلظهور هذه الأخبار في غسل الجنابة خاصة، وأما ثانيا فلاحتمال كون النهي فيها لرفع
الوجوب، لكون المقام مقام توهمه كما يشعر بذلك التعليل المتقدم، وأما قوله (عليه السلام):
(تجعله غسلا واحدا) فلا بد من تأويله بإرادة الرخصة ونحوها، لمنافاته ما دل (1)
على كون التداخل رخصة لا عزيمة، وأما ثالثا فلما رواه سماعة بن مهران (2) عن
الصادق وأبي الحسن (عليهما السلام) قالا: " في الرجل يجامع امرأته فتحيض قبل أن
تغتسل من الجنابة، قال: غسل الجنابة عليها واجب " ولما رواه عمار (3) في الموثق
عن الصادق (عليه السلام) أيضا أنه سأل " عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن
تغتسل، قال: إن شاءت أن تغتسل فعلت، وإن لم تفعل فليس عليها شئ، فإذا
طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض والجنابة " ومن هنا نقل عن الشيخ في كتابي
الأخبار جوازه بالنسبة للجنابة، ويؤيده عموم أو إطلاق ما دل (4) على الأمر بالغسل،
ولا ينافي ذلك ما اخترناه من كون الغسل واجبا لغيره، إذ لا مانع من كونه مع ذلك
مستحبا لنفسه، اللهم إلا أن يمنع ذلك في حال الحيض، نعم قد يشكل بالنسبة إلى
غسل الجنابة خاصة بأنه متى صح أجزأ عن الوضوء، وهو غير ممكن هنا، لكن تقدم
لك سابقا منع ذلك، وأن المختار عدم توقف صحة الغسل على ذلك كما بيناه فيما لو تخلل
الأصغر في أثناء الغسل، وتقدم هناك ما له نفع تام في المقام، وكيف كان فلا ينبغي
الاشكال في صحة الأغسال المستحبة لها كما نص عليه في السرائر والمعتبر سواء كان
استحبابها لنفسها أو لغيرها مع عدم سقوط الخطاب به حال الحيض.

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الجنابة - حديث 7
(2) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الجنابة - حديث 8 - 7
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الجنابة - حديث 8 - 7
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الجنابة
219

((الثاني) لا يصح منها) حال الحيض (الصوم) إجماعا محصلا ومنقولا وسنة
من غير فرق بين الواجب منه والمندوب: وأما بعد الانقطاع قبل الطهارة فهو المشهور
لما رواه أبو بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) قال: " إن طهرت بليل من حيضها
ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت كان عليها قضاء ذلك اليوم " خلافا للمنقول
عن العلامة في النهاية، ومال إليه بعض متأخري المتأخرين، وتردد فيه المصنف في
المعتبر، ويأتي الكلام فيه في باب الصوم إن شاء الله تعالى.
(الثالث) لا يجوز لها الجلوس في المسجد) كما في القواعد، والمراد اللبث
كما في الإرشاد والمعتبر والمنتهى مع الاجماع عليه في الأخيرين، وهو الحجة، مضافا
إلى ما في الصحيح (2) " الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين " ويفهم منه
حرمة مطلق الدخول عدا الاجتياز كما ذكرناه في الجنب، فما في المدارك من جواز
التردد في جوانب المسجد ضعيف، لعدم دخوله تحت مسماه، بل قد يدخل تحت مسمى
اللبث والمكث الذي حكي الاجماع على حرمته، كضعف ما ينقل عن سلار من ندبية
اعتزالها المسجد، مع عدم صراحته في الخلاف، كما يرشد إليه نفي الخلاف عن الحرمة
في التذكرة غير مستثنى لسلار كالاجماعين السابقين.
نعم يجوز (و) لكن (يكره الجواز) أي الاجتياز (فيه) عدا المسجدين
فإنه محرم، أما الجواز فللصحيح المتقدم، ونحوه غيره (3) بل عليه الاجماع في المعتبر
والمنتهى، وهو الحجة على ما ينقل عن الفقيه والمقنع والجمل والعقود والوسيلة من إطلاق
حرمة الدخول، مع إمكان تنزيله على غيره، أو عليه مع التلويث للمسجد بالنجاسة،
وأما الكراهة فمع تصريح جماعة من الأصحاب ممن لا يتهم في الفتوى بها من غير دليل

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 10 - 17
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 10 - 17
220

كالشيخ والمصنف والعلامة والشهيد وغيرهم، ومناسبتها للتعظيم قد ادعى الشيخ في
الخلاف الاجماع عليها، وكفى بذلك مستندا لمثلها، مضافا إلى ما رواه في كشف اللثام
مرسلا (1) عن الباقر (عليه السلام) " إنا نأمر نساءنا الحيض أن يتوضأن عند وقت
كل صلاة - إلى قوله (عليه السلام) -: ولا يقربن مسجدا " إلى آخره. فما وقع من
بعضهم من التردد فيها أو تعليلها بما يصلح لذلك في غير محله، وأما حرمته فيهما فمع
أني لم أجد فيها خلافا محققا، بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا به بدعوى
الاجماع عليه يدل عليه قول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم أو حسنه (2):
" الجنب والحائض يدخلان المسجد مجتازين، ولا يقعدان فيه، ولا يقربان المسجدين
الحرمين " وهو المناسب لزيادة شرفهما وتعظيمهما، فاطلاق المصنف كما عن جماعة
الكراهة من غير استثنائهما كاطلاق آخرين الجواز بدونه قد نزل على إرادة غيرهما،
وكان ذلك من المصنف للإحالة على ما ذكره في الجنب، لظهور كونها أسوء حالا منه،
واشتراكهما في كثير من الأحكام، كما أنه لم يتعرض هنا لحرمة الوضع في المساجد كما
نص عليه هنا غيره من الأصحاب، بل هو أيضا في غير الكتاب، للنهي عن ذلك في
جملة من المعتبرة (3) وقد تقدم الكلام فيه في باب الجنابة، كما أنه تقدم أيضا الكلام
في جواز الدخول لأخذ شئ من المسجد على ما هو المستفاد من بعض الأدلة (4) فلاحظ
وتأمل كي تعرف ذلك، وتعرف أيضا إلحاق المشاهد المشرفة بالمساجد، فيحرم غير
الاجتياز، أو غيره وغير الدخول لأخذ شئ منها، بل يمكن دعوى إلحاقها بالمسجدين
المحرمين في الحرمة مطلقا حتى الاجتياز بعد فهم كون مدارها على الشرف والتعظيم. وهي

(1) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب الحيض - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 17
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الجنابة
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الجنابة
221

أولى من غيرها في ذلك، فلاحظ وتأمل، ولاحظ أيضا ما مر لنا سابقا من إيجاب
التيمم للجنب في أحد المسجدين للخروج، فإنا قد ذكرنا ذلك بالنسبة للحائض إذا
حاضت فيه كما هو نص الرواية (1) المعمول عليها هناك، كما أنا ذكرنا هناك أنه
مجرد تعبد شرعي، وإلا فالتيمم، لا يفيدها شيئا، ولذا لو اضطرت إلى دخول غيرهما
من المساجد لا نوجب عليها التيمم، إذ هو لا يفيدها شيئا، فيبقى الأصل لا معارض
له، والله أعلم، وبالجملة فقد تقدم هناك ما يغني تأمله عن إطالة الكلام في المقام.
((الرابع) لا يجوز لها) حال الحيض (قراءة شئ من العزائم) الأربع،
إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا كالنصوص (2) على حسب ما مر في الجنب (و) يجوز
للأصل والعمومات والنصوص (3) المعتبرة المستفيضة المعتضدة بنفي الخلاف، بل بالاجماع
المدعى صريحا وظاهرا،
لكن (يكره لها ما عدا ذلك) من القرآن على المشهور، بل
ظاهر المصنف دعوى الاجماع عليها من غير فرق بين السبع والسبعين وغيرهما، لما
روي (4) عنه (صلى الله عليه وآله) " لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن "
ولقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني (5) المروي عن الخصال: " سبعة
لا يقرؤون القرآن - وعد منها - الجنب والنفساء والحائض " وفي كشف اللثام أنه أرسل
عنه (عليه السلام) (6) في بعض الكتب " لا تقرأ الحائض قرآنا " وعن أبي جعفر
(عليه السلام) (7) " إنا نأمر نساءنا الحيض أن يتوضأن عند وقت كل صلاة - إلى قوله

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الجنابة - حديث 4 و 7 و 11
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الجنابة
(4) كنز العمال - ج 5 - ص 97 - الرقم 2091
(5) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب قراءة القرآن من كتاب الصلاة
(6) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3
(7) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3
222

(عليه السلام) -: ولا يقربن مسجدا ولا يقرأن قرآنا " وهي كما ترى قاصرة عن إفادة
الحرمة سيما بعد معارضتها بما عرفت غير قاصرة عن إثبات الكراهة سيما بعد انجبارها
بالشهرة، بل بظاهر الاجماع من المصنف، لكن مقتضاها عدم الفرق بين السبع والسبعين
وغيرهما كما هو قضية إطلاق الأكثر، فما عن سلار في الأبواب من القول بالحرمة
كالمنقول عن ابن البراج من تقييدها بالزائد على السبع ضعيفان سيما الثاني، كضعف
القول بعدم الكراهة مطلقا، أو بتقييدها بالسبع أو السبعين لما عرفت، وكأن
مستند الأخير ما ورد في الجنب (1) لكنه فيه - مع أنه قياس لا نقول به - أنها أسوء
حالا منه لكن قد يقال: إنه وجه الجمع بين ما تقدم وبين ما ورد (2) في بعض الأخبار
الآتية في ذكر الحائض من الأمر لها " أن تتوضأ وقت كل صلاة - إلى أن قال -:
وتلت القرآن وذكرت الله عز وجل " فليتأمل.
ثم إن الظاهر من ملاحظة كلام الأصحاب عدم الفرق فيما سمعت من الحرمة
في قراءة العزائم ودخول المساجد بين حال الدم وبين انقطاعه قبل الغسل، استصحابا للمنع،
ولأنها أحكام لحدث الحيض المتحقق في الفرض، لكن في المدارك عن بعض المتأخرين
الفرق بينهما، فجوز لها الأمرين بعد الانقطاع قبل الغسل معللا ذلك بتعليق الحكم فيهما
على الحائض، وهو غير صادق في هذا الحال، لانتفاء التسمية عرفا وإن قلنا بعدم
اشتراط صدق المشتق ببقاء مبدئه كالمؤمن والكافر والحلو والحامض، وهو ضعيف.
(و) لا يحرم عليها أن (تسجد لو تلت السجدة) وإن حرم ذلك (وكذا لو
استمعت على الأظهر) الأشهر، بل يجب عليها كما هو صريح بعضهم وظاهر آخرين

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الجنابة - حديث 10
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض - حديث 5
223

لاطلاق الأمر بالسجود والاستصحاب، وصحيح أبي عبيدة الحذاء (1) " سألت أبا
جعفر (عليه السلام) عن الطامث تسمع السجدة، فقال: إن كانت من العزائم
فلتسجد إذا سمعتها، وقول الصادق (عليه السلام) في موثق أبي بصير (2) أيضا في
حديث: " والحائض تسجد إذا سمعت السجدة " ومضمره الآخر (3) على ما في الكافي
والتهذيب مسندا إلى الصادق (عليه السلام) على ما في كتب جملة من الأصحاب " إذا
قرئ شئ من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت
جنبا وإن كانت المرأة لا تصلي، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار، إن شئت سجدت
وإن شئت لم تسجد " خلافا للمفيد والشيخ في التهذيب والاستبصار والنهاية والوسيلة
وعن المهذب، بل في الثاني كما عن بعض نسخ المقنعة لا يجوز السجود إلا لطاهر من
النجاسات بلا خلاف، ويؤيده صحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله (4) عن الصادق
(عليه السلام) قال: " سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت
السجدة؟ قال: تقرأ أولا تسجد " وخبر غياث (5) المنقول عن مستطرفات السرائر
من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) " لا تقضي
الحائض الصلاة، ولا تسجد إذا سمعت السجدة " وهما - مع موافقتهما للتقية وقصور
سند الثانية، واحتمال الأولى الانكار، أو النهي عن سبب السجود أي قراءة العزائم
كاحتمالها التخصيص بغير العزائم، أو بالسماع دون الاستماع إن قلنا به على أن يراد
بالنهي رفع الوجوب - قاصران عن مقاومة ما ذكرنا سيما بعد الاعتضاد بالشهرة المحكية
في المقام، وبها يوهن ما سمعته من نفي الخلاف، مع أنه نقل عنه في المبسوط موافقة

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3 - 2
(3) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3 - 2
(4) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 5
(5) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 5
224

المشهور، بل قال في التهذيب والاستبصار بعد أن ذكر الرواية الدالة على الوجوب: إنها
محمولة على الاستحباب، وهو مناف لما حكاه من نفي الخلاف عن عدم الجواز، اللهم
إلا أن يريد بالاستحباب سجود آخر غير سجود التلاوة، وهو كما ترى،
نعم يحتمل قويا سيما في الاستبصار إرادته من عدم الجواز نفي الوجوب جمعا بين الخبرين،
وربما يوهمه ظاهر جملة من كلمات الأصحاب، لتعبيرهم عن ذلك بالجواز، وإن كان
الظاهر أن المراد به الوجوب كما تقضي به أدلتهم، وهل السماع كالاستماع؟ وجهان
بل قولان، ينشئان من إطلاق بعض الأخبار المتقدمة ومن الأصل، وما رواه عبد الله
ابن سنان (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل سمع السجدة قال: لا
يجب إلا أن يكون منصتا لقراءته مستمعا أو يصلي بصلاته، فأما أن يكون في ناحية
وأنت في أخرى فلا تسجد إذا سمعت " ولعل الثاني أقوى، وبه يجمع بين الأخبار
المتقدمة، ويأتي تمام الكلام فيه في باب الصلاة إن شاء الله، إذ الظاهر عدم اختصاص
المقام بذلك.
((الخامس) يحرم على زوجها) ونحوه مع علمه بالحيض وحكمه وتعمده (وطؤها)
في القبل، كما أنها يحرم عليها تمكينه من ذلك أيضا (حتى تطهر) إجماعا بل ضرورة
من الدين، فيحكم بكفر مستحله منهما على حسب غيره من الضروريات، كما أنه لا
إشكال بدونه في الفسق والعصيان، وقد صرح جماعة بثبوت التعزير بنظر الحاكم معللا
له بعضهم بأنه لا تقدير له في الأدلة، فيناط بنظره كما في كل ما كان كذلك، وحكي
عن أبي علي ولد الشيخ تقديره باثني عشر سوطا ونصف ثمن حد الزاني، واعترف في
المدارك وغيرها تبعا لجامع المقاصد بعدم الوقوف له على مأخذ، ولعل الأولى للحاكم
اختيار التعزير بربع حد الزاني سيما إذا كان في أول الحيض، لما في خبر الفضل

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب قراءة القرآن - حديث 1 من كتاب الصلاة
225

الهاشمي (1) " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل أتى أهله وهي حائض،
قال: يستغفر الله ولا يعود، قلت: فعليه أدب، قال: نعم خمسة وعشرون سوطا
ربع حد الزاني وهو صاغر، لأنه أتى سفاحا " وفي خبر محمد بن مسلم (2) عن الباقر
(عليه السلام) " سألته عن الرجل أتى المرأة وهي حائض، قال: يجب عليه في
استقبال الحيض دينار، وفي وسطه نصف دينار. قلت: جعلت فداك يجب عليه شئ؟
قال: نعم خمسة وعشرون سوطا ربع حد الزاني، لأنه أتى سفاحا " وفي المرسل (3)
عن الصادق (عليه السلام) المروي عن تفسير علي بن إبراهيم " من أتى امرأته في
الفرج في أول أيام حيضها فعليه أن يتصدق بدينار، وعليه ربع حد الزاني خمسة وعشرون
جلدة، وإن أتاها في آخر أيام حيضها فعليه أن يتصدق بنصف دينار، ويضرب اثني
عشر جلدة ونصفا " وبه يقيد إطلاق الخبر الأول وفي الأخير شهادة على بعض ما نقل
عن أبي علي، ويأتي إن شاء الله تمام الكلام فيه في باب الحدود.
وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في عدم الإثم عليه مع جهل الحيض أو نسيانه،
وأما مع جهل الحكم فقد صرح غير واحد من الأصحاب بأنه كذلك أيضا، ولعله
لا يخلو من تأمل مع تنبهه وتقصيره في السؤال إن جاز خفاء مثل هذا الحكم عليه مع كونه
من الضروريات، ولعل مرادهم نفي حرمة الوطئ في الحيض عنه لا حرمة التقصير في
السؤال، إلا أنه مبني على عدم العقاب للجاهل المتنبه على خصوص ما يقع فيه من
المحرمات، لعدم تحقق العصيان فيه وإن استحق العقاب على تركه الحث في السؤال.

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب بقية الحدود والتعزيرات - حديث 2
من كتاب الحدود
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب بقية الحدود والتعزيرات - حديث 1 من
كتاب الحدود. لكن في الوسائل (وفي استدباره) بدل (وفي وسطه).
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الحيض - حديث 6
226

ثم إنه لا ينبغي الاشكال أيضا في إلحاق المحكوم بحيضيته شرعا بمعلومها كالمبتدأة
ونحوها إن قلنا بتحيضها بمجرد الرؤية، كذا أيام الاستظهار بناء على المختار من الوجوب
إلى العشرة، وكذا بناء على القول بالوجوب التخييري بين اليوم واليومين مثلا،
لكن يتبع اختيارها في الزائد على اليوم، فإن اختارت الجلوس وجب عليه الاجتناب
وإلا فلا، لكن هل له الوطئ قبل العلم باختيارها أو مع خروجها عن قابلية بجنون ونحوه؟
إشكال، أقواه الجواز، وأما بناء على استحباب الاستظهار فربما ظهر من بعض استحباب
الاجتناب له أيضا، وفيه تأمل سيما إن قلنا أن المراد بالاستحباب بالنسبة إلى اختيارها
أي يستحب لها اختيار الحيض، ثم يلحقها أحكامه حينئذ إن اختارت كما هو أحد
الاحتمالين في التخلص من شبهة استحباب ترك العبادات الواجبة، وحينئذ يشكل
إطلاق الاستحباب زيادة على إشكال أصل ثبوته أيضا وإن لم نقل بذلك، لعدم التلازم
بين حكمها وحكمه، اللهم إلا أن يدعى استفادته من أدلة الاستظهار، أو يستند إلى بعض
الأخبار (1) المعلقة نفي البأس بالنسبة للوطء على الاستظهار ونحو ذلك، ومن جميع
ما تقدم يظهر لك ما في إطلاق جملة من المتأخرين جواز الوطئ فيها من دون تفصيل بما
ذكرنا، ولعله للبناء منهم على عدم لحوقها بأيام الحيض أما مطلقا أو في خصوص الوطئ
ونحوه، فيتجه لهم حينئذ ذلك، وأما احتمال القول بحرمة الوطئ حتى بعد البناء المتقدم
تمسكا بباب المقدمة لامتثال التكليف باجتناب الحائض من جهة احتمال انقطاعه على
العشرة أو ما دون فضعيف، لعدم الاشكال في جريان أصل البراءة في نحو ذلك من
سائر ما اشتبه فيه الموضوع ما لم يكن شبهة محصورة، نعم لا بأس برجحان الاجتناب لذلك.
ثم إنه لا إشكال عندهم بل لا خلاف في قبول قول المرأة في الحيض إن لم تكن
متهمة، بل أطلق بعضهم وجوب القبول من غير تقييد، كما أنه صرح آخر بذلك حتى

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 8 و 12 و 14
227

مع ظن الزوج الكذب، ولعله لقوله تعالى (1): (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله
في أرحامهن) إذ لولا وجوب القبول لما حرم الكتمان، لكن لا يخلو الاستدلال بها
على المطلوب من نظر وتأمل، فالأولى الاستدلال بقول الباقر (عليه السلام) في صحيح
زرارة (2) أو حسنه: " العدة والحيض إلى النساء، إذا ادعت صدقت " ولأنه شئ
يعسر إقامة البينة عليه، إذ مشاهدة الدم أعم من كونه حيضا. ولعل وجه التقييد بالتهمة
بعد الأصل وعدم تبادر المتهمة مما ذكرنا ما يشعر به قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (3)
" في امرأة ادعت أنها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض، فقال: كلفوا نسوة من
بطانتها أن حيضها كان فيما مضى على ما ادعت، فإن شهدن صدقت، وإلا فهي كاذبة "
ومن هنا كان التقييد لا يخلو من وجه، لكن ينبغي قصره على نحو مضمون الخبر،
كالاستناد إلى ما هو محل الريبة ونحوه، لا الاكتفاء بمجرد ظن الزوج الكذب وإن
لم تستند إلى شئ من ذلك.
(ويجوز للزوج) والسيد (الاستمتاع بما عدا القبل) ما فوق السرة وتحت
الركبة إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا غاية الاستفاضة كالسنة (4) فما في خبر عبد الرحمان
" سألت الصادق (عليه السلام) عن الرجل ما يحل له من الطامث؟ قال: لا شئ
له حتى تطهر " محمول على إرادة لا شئ له من الوطئ في الفرج أو غير ذلك، وكذا
فيما بينهما حتى الوطئ في الدبر على المشهور في الجملة شهرة كادت تكون إجماعا، بل عن
ظاهر التبيان ومجمع البيان الاجماع على الدبر، كما في صريح الخلاف الاجماع أيضا على
جواز الاستمتاع بما بينهما في غير الفرج، ولعله يريد به القبل كالمنقول عن الاقتصاد

(1) سورة البقرة - الآية 228.
(2) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الحيض - حديث 12
228

والنهاية والمبسوط أيضا، بل كادت تكون عبارة الخلاف كالصريحة فيما ذكرنا على
ما يشعر به استدلاله، خلافا للمنقول عن المرتضى في شرح الرسالة من تحريم الوطئ في
الدبر، بل مطلق الاستمتاع بما بين السرة والركبة، ولم أعثر على موافق له في ذلك
سوى ما عساه يظهر من الأردبيلي من الميل إليه، ولا ريب أن الأقوى الأول، ويدل
عليه - مضافا إلى ما تقدم وإلى الأصل بل الأصول وعموم أو إطلاق ما دل على جواز
الاستمتاع بالمرأة وعلى جواز الوطئ في الدبر الشامل للمقام من الكتاب والسنة -
خصوص المعتبرة المستفيضة غاية الاستفاضة، منها قول الصادق (عليه السلام) (1)
بعد أن سئل عن الحائض ما يحل لزوجها منها؟: (ما دون الفرج) ونحوه غيره (2)
والظاهر أن المراد به القبل كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) أيضا في مرسل ابن
بكير (3): " إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم " وفي خبر
عبد الملك بن عمرو (4) بعد أن سأله أيضا " ما لصاحب المرأة الحائض منها فقال
(عليه السلام): كل شئ عدا القبل منها بعينه ".
وبذلك كله يظهر لك ضعف ما يستدل به للمرتضى من النهي عن القرب في
الكتاب العزيز (5) كالأمر بالاعتزال في المحيض على أنه يراد به وقت الحيض، وقول
الصادق (عليه السلام) في موثق أبي بصير (6) بعد أن سئل عن الحائض ما يحل لزوجها
منها؟: " تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج ساقيها وله ما فوق الإزار " ونحوه صحيحة
الحلبي (7) عنه (عليه السلام) أيضا " تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها ثم له

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الحيض حديث 5 - 1
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الحيض حديث 5 - 1
(5) سورة البقرة - الآية 222
(6) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 1
(7) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 1
229

ما فوق الإزار، قال: وذكر عن أبيه (عليه السلام) أن ميمونة كانت تقول: إن النبي
(صلى الله عليه وآله) كان يأمرني إذا كنت حائضا أن أتزر بثوب ثم أضطجع معه
في الفراش " وهي مع قصورها عن مقاومة ما ذكرنا من وجوه محتملة للحمل على التقية،
لأنه كما قيل مذهب كثير من العامة أو الاستحباب أو نحو ذلك، ولا دلالة في الآيتين
بل هما في خلاف المطلوب أظهر، كخبر عمر بن حنظلة (1) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
" ما للرجل من الحائض؟ قال: ما بين أليتيها، ولا يوقب " إذ هو بعد ضميمة
ما ادعي هنا من الاجماع المركب على عدم الفصل بين الدبر وغيره متعين في إرادة النهي
عن الايقاب في القبل سيما بعد كونه الغالب المعهود، فتأمل.
وكيف كان (فإن وطأ) الزوج زوجته في محل الحيض (عامدا عالما) على
ما هو الظاهر المتيقن من النص والفتوى مع التصريح به من بعضهم، بل في الخلاف
أنه لا شئ على الجاهل بالحيض أو بتحريم ذلك، ثم ذكر أن العالم يأثم ويستحق العقاب
ويجب عليه التوبة، وقال: بلا خلاف في جميع ذلك (وجبت عليه) خاصة دونها
وإن كانت مطاوعة (الكفارة) كما هو خيرة كبراء الأصحاب من الصدوقين
والشيخين وعلم الهدى وبني حمزه وزهرة وإدريس وسعيد وغيرهم، ونسبه الشهيدان
إلى الشهرة "، وغيرهما إلى الأكثر، بل عليه الاجماع في الانتصار والخلاف والغنية،
بل أرسله في الرياض عن الحلي أيضا وإن لم أجده، ويدل عليه مضافا إلى ذلك صحيح
محمد بن مسلم (2) " سألته عمن أتى امرأته وهي طامث، قال: يتصدق بدينار ويستغفر
الله تعالى " ونحوه المروي عن تفسير علي بن إبراهيم (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الحيض - حديث 8 لكن رواه عن
عمر بن يزيد.
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 6
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 6
230

وموثق أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) أيضا " من أتى حائضا فعليه نصف
دينار " وخبر محمد بن مسلم (2) " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل أتى المرأة
وهي حائض، قال: يجب عليه في استقبال الحيض دينار، وفي وسطه نصف دينار "
وبه مع الاجماعات السابقة يقيد إطلاق الدينار ونصفه فيما تقدم، مضافا إلى رواية داود
ابن فرقد (3) عن الصادق (عليه السلام) أيضا في كفارة الطمث أنه " يتصدق إذا كان
في أوله بدينار، وفي وسطه نصف دينار، وفي آخره ربع دينار " ونحوها المنقول عن
الفقه الرضوي (4).
(وقيل لا تجب) كما هو خيرة المعتبر والمختلف والمنتهى والروض وجامع المقاصد
والمدارك والمحكي عن نهاية الشيخ، للأصل، وصحيح العيص بن القاسم (5) " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل واقع امرأته وهي طامث، قال لا يلتمس
فعل ذلك قد نهى الله أن يقربها، قلت: فإن فعل أعليه كفارة؟ قال: لا أعلم فيه
شيئا، يستغفر الله ولا يعود " وموثق زرارة (6) عن أحدهما (عليهما السلام) قال:
" سألته عن الحائض يأتيها زوجها، قال: ليس عليه شئ يستغفر الله ولا يعود "
وخبر ليث المرادي (7) عن الصادق (عليه السلام) في وقوع الرجل على امرأته وهي
طامث خطأ قال: (ليس عليه شئ وقد عصى ربه) ولاختلاف أخبار الوجوب اختلافا

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الحيض - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب بقية الحدود والتعزيرات - حديث 1 من
كتاب الحدود لكن في الوسائل (وفي استدباره) بدل (وفي وسطه).
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الحيض - حديث 1
(4) المستدرك - الباب - 23 - من أبواب الحيض - حديث 1
(5) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2 - 3
(6) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2 - 3
(7) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2 - 3
231

لا يلائمه، منه ما تقدم، ومنه قول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي (1): " يتصدق
على مسكين بقدر شبعه " ومنه خبر عبد الملك بن عمرو (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل أتى جاريته وهي طامث، قال: يستغفر الله ربه، قال عبد الملك: فإن
الناس يقولون: عليه نصف دينار أو دينار، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
فليتصدق على عشرة مساكين " ومنه يستفاد حمل تلك الأخبار على التقية كما ارتكبه
بعضهم، كل ذا مع قصورها في السند سيما الرواية التي اشتملت على تمام التفصيل، مع
أن آخرها معارض بالمرسل (3) أيضا عن الصادق (عليه السلام) المروي عن تفسير علي
ابن إبراهيم " أن في الوطئ آخر الحيض نصف دينار.
(والأول أحوط) بل أظهر، لقوة ما سمعته من أدلة الوجوب، وقصور
غيرها عن مقاومتها لانقطاع الأصل، وخروج الخبر الثالث مع الطعن في سنده وعدم
الجابر له عن محل النزاع، لتقييده المواقعة بالخطأ، والكلام في العالم العامد، واحتمال
إرادة ذلك منه لنسبة العصيان إليه فيه بعيد، إذ لعله لمكان جهله بالحكم وتقصيره في
السؤال أو نحو ذلك، والقول بكون الكفارة دائرة مدار الحرمة مطلقا كالقول بها
بمطلق الوطئ في الحيض وإن لم يقع على وجه محرم ضعيف، بل لعل الاجماع على بطلان
الثاني كما أرسله بعضهم على بطلان الأول، وقد سمعت نفي الخلاف المتقدم، وأما
الخبران الآخران فهما وإن اعتبر سندهما لكنهما لا يقاومان ما تقدم من الاجماعات التي
هي بمنزلة الأخبار الصحيحة والروايات المتقدمة المعتبرة في نفسها أو بالانجبار بها، سيما
مع موافقتهما لفتوى الشافعي في الجديد ومالك وأبي حنيفة وأصحابه وربيعة والليث
ابن سعد على ما نقله عنهم في الانتصار، مع اشتهار فتوى أبي حنيفة في زمن الصادق (ع)

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 2 - 6
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 2 - 6
232

ومنه تعرف فساد نسبة أخبار الوجوب للتقية، كل ذا مع إعراض من سمعت من
الأصحاب عنهما، وفيهم من يعمل إلا بالقطعيات، مضافا إلى أنهم البصيرون الناقدون
للروايات، لكونها خرجت من أيديهم، وهم أعرف بها من غيرهم.
وأما ما ذكر أخيرا ففيه أن الاختلاف في الدينار ونصفه بالاطلاق والتقييد،
ومثله لا يكون قرينة على الاستحباب، وأما غيره كالتصدق على العشرة وعلى مسكين
ونحوهما فهو مع كونه في بعض الأخبار الغير المعتمدة قد حصل الاعراض عنه من الأصحاب
القائلين بالوجوب أو الاستحباب، عدا ما عساه يظهر من المنقول عن الصدوق في المقنع
كما ستسمع، ومعه لا يصلح لأن يكون قرينة على ذلك، إذ لو كان هو منشأ الاستحباب
لكان الحكم باستحباب الجميع متجها، وأيضا فأقصى ما يفيده مثل هذا الاختلاف إشعار
لا يقاوم ما سمعت من الاجماعات وغيرها، مع أن رواية العشرة إنما اشتملت على
حكم من وطأ جاريته، ولم يقل أحد بمضمونها فيها، بل المعروف بين الأصحاب
التصدق بثلاثة أمداد سواء كان في أوله أو وسطه أو آخره، اللهم إلا أن تنزل على
ذلك، وهو كما ترى، والمشهور هنا أيضا القول بالوجوب، بل في الانتصار الاجماع
عليه، وفي السرائر نفي الخلاف فيه، وهما مع التأييد بالمنقول عن الفقه الرضوي (1)
الحجة على ذلك، ولعله مما يؤيد القول بالوجوب في المسألة السابقة لعدم الفصل بينهما
ولذا بني الوجوب والاستحباب هنا في جامع المقاصد على تلك وإن كان لا يخلو من تأمل،
لأن المنقول عن النهاية في المقام الوجوب، لكن لعل عبارته غير صريحة، أو أنه
لا يخل بالاجماع المركب، فيتجه حينئذ تأييد تلك بأدلة هذه وبالعكس، فتأمل. إلا
أن الظاهر قصر الثلاثة أمداد على ما إذا كانت الموطوءة أمته، لاختصاصها بما سمعت
من الدليل، دون ما إذا كانت أمة غيره خلافا لما يظهر من الأستاذ في كشف الغطاء،

(1) المستدرك - الباب - 23 - من أبواب الحيض - حديث 1
233

نعم لا فرق في أمته بين أن تكون قنة أو مدبرة أو أم ولد، بل ومكاتبة مشروطة
أو مطلقة ما لم يتحرر منها شئ، فتدخل حينئذ في الأولى أيضا كما في كل مبعضة لعدم
صدق الإضافة، وبه يعرف حكم المشتركة أيضا وإن كان الحكم فيهما معا لا يخلو من إشكال.
(و) كيف كان فقد ظهر لك أن الأقوى الوجوب فيهما، كما أنه ظهر لك أيضا
كون (الكفارة) بالنسبة للأولى (في أوله دينار، وفي وسطه نصف دينار، وفي
آخره ربع دينار) للمرسلة المنجبرة باجماعي المرتضى وابن زهرة المؤيدين بالتتبع لكلمات
الأصحاب، فلم نعثر على مخالف في هذا التقدير سوى ما عساه يظهر من المنقول عن
المقنع من جعل الكفارة ما يشبع مسكينا، ونسبة الأول للرواية عكس ما في الفقيه،
وهو غير قادح، ثم إن المتبادر من ذلك في النص والفتوى تقسيم أيام الحيض مع لياليه
أثلاثا متساوية ولو مع الكسور، فالثلث الأول من الأربعة مثلا أول يوم مع الثلث
الأول من اليوم الثاني، والثلث الثاني هو بقية اليوم الثاني مع الثلثين الأولين من الذي
بعده، والباقي هو الثلث الثالث، وهكذا، فما عن سلار من تحديد الوسط بما بين
الخمسة إلى السبعة فقد يخلو حينئذ بعض الحيض عن الوسط، والأخير ضعيف لا دليل
عليه، كالمنقول عن الراوندي أن اعتبار ذلك بالنسبة إلى أكثر الحيض خاصة، فقد
يخلو عنهما أيضا كالأول، ثم المدار على ما تحقق في الخارج أنه حيض زاد على العادة
أو نقص، كما أنه يتبع اختيارها بالنسبة إلى التحيض في الروايات إن اختارت قبل الوطئ،
وإلا فيشكل وجوب الكفارة لو اختارت بعده، لعدم صدق الوطئ في الحيض عالما
عامدا، بل قد يشكل هذا الصدق في سابقه فضلا عنه، لعدم ثبوت كونه حيضا، كما
يشعر به قول الصادق (عليه السلام) في تفسير قول النبي (صلى الله عليه وآله):
" تحيضي في علم الله بستة أو سبعة " في مرسل يونس الطويل (1) فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 3
234

وكيف كان فالمدار بالنسبة إلى ذلك على الواقع بعد الاستقرار، فلا مدخلية
لظن أو لقطع أنه الثلث الأول مثلا بعد انكشاف خطائه، وهل يلحق بالزوج وطئ
الأجنبي؟ وجهان بل قولان، أقواهما في النظر العدم، وكونه أشد حرمة لا يقضي
بالكفارة، إذ لعله بشدته لا كفارة له أو له كفارة غير تلك. نعم قد يستند إلى إطلاق
بعض الروايات كقوله (عليه السلام) (1): (من أتى حائضا) لكن يشك في شمولها
لنحو المقام، كالشك أيضا في شمولها لمن حصل لها حيض في غير الفرج، كأن يكون
لها مخرج معتاد غيره ثم وطأها في الفرج، ومثله الشك في شمول الأدلة للخنثى المشكل،
وكذلك للوطئ في حال الحياة والموت، بل المتجه في جميع ذلك التمسك بأصالة البراءة
السالمة عن المعارض، خلافا لما يظهر من الأستاذ في كشف الغطاء، نعم يمكن تعميم
الحكم للوطئ مع الانزال وعدمه، وإدخال تمام الذكر وعدمه بعد إدخال الحشفة، بل قد يظهر من
الأستاذ المتقدم تعميمه حتى لادخال بعض الحشفة، وفيه إشكال، ولا فرق بحسب الظاهر
بين كون الزوجة دائمة أو منقطعة، والمراد بالدينار على ما صرح به بعض الأصحاب
هو المثقال من الذهب الخالص المضروب، كما أنه صرح بعضهم أن قيمته عشرة دراهم
جياد، بل في جامع المقاصد أنه المعروف بين الأصحاب هنا وفي باب الدية، وظاهر
هؤلاء كصريح بعض الاجتزاء بالقيمة، وأولى منها الاجتزاء بالمثقال من الذهب وإن
لم يكن مضروبا، وربما يؤيده ذكر النصف والربع لظهور كونهما ليسا بمضروبين، كما
أنه يؤيد العدم ما قيل إن قيمة الدينار لا تدخل تحت اسم الدينار، مضافا إلى أن حال
الكفارات الاقتصار على مورد النص، ولعل الأقوى في النظر الأول خلافا لجماعة من
الأصحاب، لكن هل يعتبر القيمة في ذلك الوقت فلا عبرة بالزيادة والنقصان في غيره؟
لا يبعد في النظر ذلك، نعم يجتزى بالدينار نفسه زادت قيمته أو نقصت، فتأمل

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الحيض - حديث 4
235

جيدا. ثم إن مصرف هذه الكفارة مصرف غيرها من الكفارات، ولا يشترط التعدد
بلا خلاف أجده فيها، نعم يمكن اشتراط المساكين الثلاثة في كفارة وطئ الأمة،
لما عرفت أن العمدة إجماع الانتصار المعتضد بنفي الخلاف، ومعقدهما ما ذكرنا.
(ولو تكرر منه الوطئ) بحيث يعد في العرف أنه وطآن (في وقت) واحد كالثلث
الأول ونحوه مما (لا تختلف) و (فيه الكفارة لم تتكرر) كما هو خيرة السرائر، وقواه
في المبسوط للأصل، وتعليق الكفارة على مسمى الوطئ مثلا الصادق في
الواحد والمتعدد، ولذا لم تتعدد الكفارة بتعدد الأكل مثلا في شهر رمضان، (وقيل
بل تتكرر) لأصالة عدم التداخل بعد الفهم العرفي من مثل هذه الخطابات تكرر المأمور
به عند تكرر الشرط، ولأن الوطئ الثاني بعد تحققه إما أن يكون سببا أو لا، والثاني
باطل قطعا لشمول ما دل على السببية لمثله. وإذا كان سببا فلا بد من ترتب المسبب عليه،
وإلا لم يكن سببا، ولا معنى لأن يكون مسببه ذلك الذي تعلق بذمة المكلف أولا
للزوم تحصيل الحاصل وتقدم المسبب على السبب، مع أن ظاهر الأدلة هنا كقوله
(عليه السلام) (1): (فعليه) ونحوه مقارنته له لا حصوله قبله، فلم يبق إلا المطلوب،
(والأول أقوى) إن لم يسبق التكفير، كما أن الثاني أقوى مع السبق وفاقا للعلامة
والشهيد والمقداد وغيرهم، أما الأول فللشك في السببية حينئذ، فلا يجري أصالة
عدم التداخل مع منع الفهم العرفي من مثله التكرر، بل الظاهر من هذه الخطابات حكم
قضية مهملة، وهي أن الوطئ في الجملة في أول الحيض مثلا يوجب ذلك، لا أن المراد
كل وطئ، ولا مانع من التزام أنه مع سبقه بالسبب الأول لا يؤثر أثرا كالحدث بعد
الحدث والنجاسة بعد النجاسة ونحوهما، فيراد بسببيته حينئذ أنه قابل للتأثير لو استقل،
ومنه يظهر وجه الثاني، وذلك لوجود المقتضي وارتفاع المانع، فيكون كالحدث

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الحيض - حديث 4
236

بعد ارتفاع الأول والنجاسة بعد ارتفاع السابقة.
هذا كله مع اتحاد الكفارة لاتحاد الوقت (و) أما (إن اختلفت) لاختلافه
(تكررت) من غير فرق بين سبق التكفير وعدمه، بل ظاهر العبارة أنه لا خلاف فيه
ولعله كذلك وإن أطلق بعضهم عدم التكرير، لكن لعله يريد مع اختلاف الوقت،
وإلا فلا وجه للنزاع، لتغير الموجب والموجب هنا، فلا ينبغي الاشكال فيه كما هو
واضح، واعلم أنه ألحق بعضهم النفساء بالحائض، قيل وعليه يمكن اجتماع زمانين بل
ثلاثة في وطئ واحد، نظرا إلى إمكان قلة زمان النفاس، فيلتزم حينئذ بالكفارات
الثلاثة، وهو لا يخلو من إشكال، لعدم صدق الأول والوسط والآخر، ولا الوطئ
فيهما بمجرد الاستدامة الحاصلة، فالمتجه حينئذ مراعاة أول آنات مسمى الوطئ بادخال
الحشفة أو الأقل إن قلنا به، ومنه يعرف الاشكال فيما عساه يقال من احتمال إيجاب
الكفارتين معا بالنسبة للحائض إذا اتفق الوطئ في آخر زمان الثلث الأول مثلا وفي
أول زمان الثلث الثاني، لما عرفت من عدم تعدد الوطئ، بل هو وطئ واحد،
فينبغي مراعاة أول آنات تحقق مسماه، نعم قد يشكل الحال مع فرض اشتراك زمان
التحقق، ولعل المتجه فيه إيجاب الكفارتين، تحصيلا للبراءة اليقينية للقطع بشغل ذمته،
إذ احتمال سقوط الكفارة مقطوع بعدمه، فتأمل جيدا. ثم إن الظاهر من ذيل مرسلة داود (1) سقوط الكفارة مع العجز، والرجوع إلى الاستغفار، بل جعله السبيل إلى
كل كفارة عجز عنها، وهو لا يخلو من قوة بناء على الاستحباب، كما أنه لا يخلو من
إشكال بناء على الوجوب، لعدم الجابر لها في خصوص ذلك، بل ينبغي انتظار
اليسار كما في غيره من الكفارات، وبناء عليه ينبغي ملاحظة العجز عن التعلق دون
المتجدد، لمكان شغل الذمة به سابقا، والله أعلم.

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الحيض - حديث 1
237

(السادس) يحرم بل (لا يصح طلاقها) إجماعا من المسلمين في الأول كما
حكاه في المعتبر والمنتهى وغيرهما، ومن الفرقة المحقة في الثاني (إذا كانت مدخولا
بها وزوجها حاضر معها) أو في حكمه لا غائبا أو في حكمه، وكانت حائلا لا حاملا
إجماعا محصلا ومنقولا صريحا في الذكرى وجامع المقاصد وكشف اللثام وغيرها، وظاهرا
في المنتهي والمعتبر والمدارك وغيرها، خلافا للمنقول عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك
وأحمد من الصحة وإن حرم، نعم وقع خلاف بيننا في تحديد الغيبة بشهر أو ثلاثة أو
العلم بانتقالها من طهر المواقعة إلى طهر آخر بحسب عادتها، ولتحرير ذلك مقام آخر
كتحرير توقف تحقق الغيبة على السفر الشرعي أو أنها تحصل بدونه، فتأمل.
(السابع) إذا) استبرأت نفسها فعلمت أنها (طهرت وجب عليها الغسل)
عند وجوب المشروط به إجماعا محصلا ومنقولا دون عدمه وإن قلنا بوجوب غسل الجنابة
لنفسه، ولذا نفى عنه الخلاف هنا في جامع المقاصد، وحكى في الروض عليه الاجماع،
لكن جعل في المنتهى للنظر فيه مجالا لاطلاق الأمر، ونحوه القاضي بوجوبه لنفسه،
وفي المدارك أن قوته ظاهرة، وقد تشعر عبارة الذكرى في باب الجنابة بوجود المخالف
كما أنه يشعر بعضها أيضا بعدمه، والأقوى خلافه في الجنابة فضلا عن المقام
(و) كيف كان ف‍ (كيفيته مثل غسل الجنابة) واجباته ومندوباته، بلا خلاف أجده إلا فيما
ستسمع، بل في المدارك أنه مذهب العلماء كافة، وهو الحجة مع قول الصادق (عليه السلام)
في الموثق (1) والمرسل (2) عن الفقيه والمقنع والمجالس: " غسل الجنابة والحيض واحد "
ونحوه غيره (3) وخبر أبي بصير (4) عنه (عليه السلام) أيضا قال: " سألته أعليها
غسل مثل غسل الجنابة، قال: نعم يعني الحائض " ونحوه غيره (5) أيضا مضافا إلى

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3 - 7
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3 - 7
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3 - 7
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 5
(5) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الحيض - حديث 6 - 5
238

ما دل (1) على التداخل سابقا، وقضية ذلك كله التساوي في جميع الواجبات والمندوبات
في الترتيب والارتماس وغيرهما، وهو كذلك، لكن قال في النهاية: " وتستعمل في
غسل الحيض تسعة أرطال من ماء، وإن زاد على ذلك كان أفضل، وفي الجنابة وإن
استعمل أكثر من ذلك جاز " إلا أنه يحتمل إرادته الأول من الثاني، كما أنه يحتمل
تخصيصها بذلك الاسباغ لمكان شعرها وجلوسها في الحيض أياما، وفي الرياض أو أنه
لاحظ مكاتبة الصفار (2) " كم حد الماء الذي يغسل به الميت كما رووا أن الجنب يغتسل
بستة أرطال والحائض بتسعة " أو الخبر (3) " عن الحائض كم يكفيها من الماء؟ قال: فرق "
وهو كما قاله أبو عبيدة بلا اختلاف بين الناس ثلاثة أصوع، وفيه أن الأول لا يوافق
ما تقدم عن النهاية.
ثم إنك قد عرفت أن قضية الأدلة السابقة جواز الارتماس أيضا كما صرح به
بعضهم في المقام والجنابة، وقد أوضحناه هناك بما لا مزيد عليه، ولا ينافيه قول
العلامة في المنتهى هنا: يجب فيه الترتيب، وحكى عليه الاجماع، لأنه قال بعد ذلك:
" واعلم أن جميع الأحكام المذكورة في غسل الجنابة آتية هنا ليتحقق الوحدة إلا شيئا واحدا
وهو الاكتفاء به عن الوضوء فإن فيه اختلافا " قلت: وينبغي أن يستثنى مسألة
تخلل الحدث الأصغر في أثنائه، لأنه ينبغي القطع كما عن العلامة في التذكرة والنهاية
بعدم قدحه في المقام بناء على عدم الاستغناء عن الوضوء مع عدم مدخليته في رفع الأكبر،
نعم قد يتجه البحث فيه بناء على أحدهما، كما أنه يمكن القول بالفساد هنا بناء على
الأول أيضا إن قلنا به في غسل الجنابة مستندين إلى الرواية المرسلة المتقدمة هناك بضميمة

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب غسل الميت - حديث 2
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الحيض - حديث 3
239

ما دل على اتحادهما مما سمعته الآن لا إلى غيرها من التعليلات المتقدمة هناك، فتأمل
جيدا فإنه دقيق، لكن أطلق في جامع المقاصد أن في تخلل الأصغر في أثنائه قولين
مبنيين علي الخلاف في غسل الجنابة، ثم نقل فيه عن الذكري تعليل عدم القادحية بأن
الطهارتين في غسل الحيض أي الصغرى والكبرى يشتركان في رفع الحدثين، وهو
كما ترى مع ضعف الاشتراك في نفسه كما ستسمع أن شاء الله أن اقتضاء ذلك الفساد
أقرب من اقتضاءه الصحة اللهم إلا أن يريد بالاشتراك من جانب الصغرى بمعنى أن
الوضوء له مدخلية في رفع الأكبر مع استقلاله في رفعه الأصغر، فحينئذ يتجه له عدم
قدح تخلله في أثناء الغسل بعد تعقيبه بالوضوء.
وكيف كان فلا إشكال في انفراد غسل الحيض عن غسل الجنابة بالنسبة للوضوء
للاجماع محصلا ومنقولا مستفيضا غاية الاستفاضة كالنصوص (1) على إجزاء الثاني عنه،
بل الظاهر عدم استحبابه فيه وفاقا للمحكي عن المشهور، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب،
وفي المنتهى عندنا، وخلافا للشيخ في التهذيب لظاهر خبرين (2) وحملهما على التقية
أولى، وأما الأول ففيه خلاف، وقد اختار المصنف العدم، ولذا قال: (لكن لا بد
له من وضوء) كغيره من الأغسال وفاقا للمحكي عن الأكثر على لسان جماعة، بل
في الذكرى أنه المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، كما عن الصدوق في الأمالي نسبته
الاقرار في كل غسل وضوء إلى دين الإمامية، قلت: والأمر فيه كما ذكرا إذ هو
خيرة الفقيه والهداية (3) والمقنعة والتهذيب والمبسوط والنهاية والغنية والمراسم والوسيلة

(1) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الجنابة
(2) التهذيب - باب (حكم الجنابة وصفة الطهارة منها) حديث 84 و 85
(3) ينبغي أن الحظ الهداية لأن الظاهر عدم سلامة ما حضرني من نسختها من
الغلط (منه رحمه الله).
240

والسرائر وكافي أبي الصلاح وإشارة السبق والجامع والمعتبر والنافع والمنتهى والتحرير
والإرشاد والمختلف والموجز الحاوي والذكرى والدروس والبيان والتنقيح وجامع المقاصد
وكشف اللثام ومنظومة الطباطبائي وشرح الآغا للمفاتيح والرياض وكشف الغطاء وغيرها،
بل لا أجد فيه خلافا سوي ما ينقل عن أبي علي وعلم الهدى مع اختلاف في النقل عن
الثاني، فبين ناقل الاجتزاء عن الوضوء بكل غسل واجب أو مندوب كما في المعتبر وغيره،
وفي المختلف عنه وعن أبي علي ذلك، ونقل عنه في كشف اللثام أنه خص في الجمل
الاجزاء بالواجب، قلت: مع أنه نقل هو عنه أيضا في الاستحاضة أنه أوجب في الجمل
الوضوء مع الغسل لكل صلاتين.
وكيف كان فلم أعثر لهما على موافق سوى جماعة من متأخري المتأخرين
كالأردبيلي وتلميذه صاحب المدارك، وتبعهما في الذخيرة والمفاتيح والحدائق، والأقوى
الأول، ويدل عليه - مضافا إلى ما سمعته من الأمالي المؤيد بتلك الشهرة العظيمة، وفيها
من لا يعمل إلا بالقطعيات، وما هو كمتون الأخبار كالنهاية والفقيه والهداية، وهو
المنقول عن والد الصدوق أيضا، مع أنه علله في الفقيه والهداية مما ينبئ عن ذلك،
حيث قال في الأول: " يجزئ غسل الجنابة عن الوضوء، لأنهما فرضان اجتمعا،
فأكبرهما يجزئ عن أصغرهما، ومن اغتسل لغير جنابة فليبدأ بالوضوء ثم يغتسل،
ولا يجزؤه الغسل عن الوضوء، لأن الغسل سنة والوضوء فرض، ولا تجزئ سنة
عن فرض " ونحوه في الهداية، كالمنقول عن فقه مولانا الرضا (عليه السلام) (1)
مع زيادة تأكيد لعدم الاجزاء - الاستصحاب في بعض الأحوال، وعموم وإطلاق
ما دل (2) على إيجاب البول ونحوه من أسباب الوضوء مع التتميم بعدم القول بالفصل

(1) المستدرك - الباب - 25 - من أبواب الجنابة - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب نواقض الوضوء
241

حيث لا يحصل إلا الأكبر مثلا، وقوله تعالى (1): (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم) إلى آخره مع التتميم المذكور أيضا، فلا ينافيه حينئذ ما يقال: إن المراد
به إذا قمتم من النوم كما فسرت به محكيا عن بعضهم عليه الاجماع، كالقول بأن (إذا)
من أدوات الاهمال فلا عموم فيها، فإنه مع شهادة العرف على عدمه فيه اخراج لكلام
الحكيم عن الفائدة التامة، ويدل عليه أيضا الصحيح إلى ابن أبي عمير عن رجل (2)
عن الصادق (عليه السلام) قال: " كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة " وهو - مع
قبول مراسيله عند الأصحاب وأنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وأنه
لا يروي إلا عن ثقة كما عن العدة - منجبر بما عرفت، فلا يلتفت للمناقشة في سنده
وكذا في متنه من عدم الصراحة في الوجوب، هذا. مع أنه قد روى الشيخ بطريق
صحيح إليه أيضا عن حماد بن عثمان أو غيره (3) عن الصادق (عليه السلام) " في كل
غسل وضوء إلا الجنابة " ولعلهما بذلك يكونان روايتين كما هو الظاهر من المختلف،
ويؤيده اختلاف متنيهما، وما عساه يظهر من التهذيب من جعلهما كذلك أيضا، بل
في المختلف والذكرى حذف لفظ (أو غيره)، ووصفه بالحسن، ولعلهما وقفا على ما لم
نقف عليه، وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في حجية مثل هذه الرواية سيما مع الانجبار
المتقدم، والتأييد بالمروي عن غوالي اللئالي (4) عن النبي (صلى الله عليه وآله) " كل
غسل لا بد فيه من الوضوء إلا الجنابة " وبخبر علي بن يقطين (5) عن أبي الحسن الأول
(عليه السلام) قال: إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل " مع تتميمه بعدم
القول بالفصل بناء على المشهور من النقل عن المرتضى وأبي علي من الاجتزاء بكل غسل

(1) سورة المائدة - الآية 8
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 2 - 3
(4) المستدرك - الباب - 25 - من أبواب الجنابة - حديث 3
242

عن الوضوء، وربما يؤيد المختار مضافا إلى ذلك ببعض ما سيأتي في باب الاستحاضة مما
دل (1) على وجوب الوضوء مع الأغسال الثلاثة، بل في الروض هناك أن فيه
أخبارا صحيحة.
وبذلك كله يظهر لك ما في مستند الثاني من أصالة البراءة عن الوضوء سيما مع
عدم وجود سبب غير الأكبر، وهو مقطوع بما تقدم، ومن صحيح ابن مسلم (2)
عن الباقر (عليه السلام) " الغسل يجزئ عن الوضوء، وأي وضوء أطهر من الغسل "
ومرسل حماد بن عثمان (3) عن الصادق (عليه السلام) " في الرجل يغتسل للجمعة أو
غير ذلك أيجزؤه من الوضوء؟ فقال (عليه السلام) وأي وضوء أطهر من الغسل "
وصحيح حكم بن حكيم (4) عن الصادق (عليه السلام) بعد أن سأله عن كيفية غسل
الجنابة قال: " قلت: إن الناس يقولون: يتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل، فضحك،
وقال: أي وضوء أنقى من الغسل وأبلغ " على إرادة الماهية في لفظ الغسل دون العهدية،
ومكاتبة عبد الرحمان الهمداني (5) إلى أبي الحسن الثالث (ع) سأله " عن الوضوء للصلاة في
غسل الجمعة، فكتب لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة وغيره " وموثق الساباطي (6) عن

(1) وهو قوله تعال في سورة المائدة - الآية 8: " إذا قمتم إلى الصلاة " إلى آخره
وقوله (عليه السلام) المروي في الوسائل في الباب - 35 - من أبواب الجنابة - حديث 2:
" في كل غسل وضوء " وأولوية الكثيرة من القليلة والمتوسطة في إيجاب الوضوء، وإصالة
عدم إغناء هذه الأغسال عن الوضوء.
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الجنابة - حديث 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الجنابة - حديث 4
(5) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الجنابة - حديث 2 لكن رواه عن محمد
ابن عبد الرحمان الهمداني.
(6) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الجنابة - حديث 3
243

الصادق (عليه السلام) " في الرجل إذا اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد هل
عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال: ليس عليه قبل ولا بعد، قد أجزأ عنه الغسل
والمرأة مثل ذلك، إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل
ولا بعد قد أجزأها الغسل " وبما ورد (1) مستفيضا أن " الوضوء بعد الغسل بدعة "
وبما تشعر به أخبار الباب (2) والاستحاضة (3) والنفاس (4) لاشتمالها على الغسل خاصة
من غير تعرض للوضوء معه، مع أنها في مقام البيان والحاجة، وبما يشعر به أيضا
أخبار التداخل (5) وما دل (6) على مماثلة غسل الحيض لغسل الجنابة ووحدته معه.
وفيه مع الطعن ففي سند بعضها ولا جابر أن الأخبار كل ما كثرت وصحت وصرحت
وكانت من الأصحاب بمرأى ومسمع ومع ذلك فقد أعرض عنها الأصحاب وأفتوا
بخلافها قوي الظن بعدم الاعتماد عليها والركون إليها، وكيف مع نسبة الصدوق دين
الإمامية إلى خلافها، فالمتجه حينئذ طرح ما لا يقبل التأويل منها إن كان، وتأويل
القابل لذلك إما بحمل الغسل على غسل الجنابة، كما عساه يشير إليه بعض أخبار المتقدمة
كبعض آخر يفيد أنه هو المبحوث عنه بيننا وبين العامة، وأنه الذي نسب العامة إلى
علي (عليه السلام) فيه الوضوء، وقال الإمام (عليه السلام) (7): " إنهم كذبوا
على علي (عليه السلام) ما وجدوا ذلك في كتابه، قال الله تعالى: (وإن كنتم جنبا

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الجنابة - حديث 6 و 9 و 10
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الجنابة
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب النفاس
(5) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الحيض - حديث 1 و 3 و 7
(6) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الحيض - حديث 4
(7) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الجنابة - حديث 5
244

فاطهروا) (1) " أو بأن يراد نفي مدخلية الوضوء في رافعية الغسل للأكبر وأن الاتيان به
على هذا الوجه بدعة، كما ستعرف أنه بناء على المختار لا مدخلية للوضوء في رافعية الغسل
للأكبر، ومما يؤيده أن الخصم على ما نقل عنه في الرياض إنما ينفي الوجوب، وإلا
فالرجحان والمشروعية مجمع عليها في الجملة، فوجب حينئذ حمل البدعية على ما ذكرنا،
وأما ما ذكر أخيرا من عدم التعرض للوضوء في أخبار الباب والاستحاضة ونحوها ففيه
- مع ممنوعيته كما ستعرف - أنه لعله في بيان الرافع لخصوص هذه الأحداث دون باقي
الشرائط، وبذلك أيضا تتم المماثلة لغسل الجنابة ويحصل التداخل، فيسقط ما ذكر
أخيرا، فتأمل.
نعم تتخير في وضع الوضوء (قبله) أي الغسل (أو بعده) كما في المبسوط
والنهاية والوسيلة والسرائر والمعتبر والقواعد وغيرها، كما أنه هو قضية إطلاق آخرين
وهو المشهور نقلا وتحصيلا، بل في السرائر نفى عنه الخلاف بعد أن حكى القول باحتياج
غير غسل الجنابة إلى الوضوء إما قبله أو بعده عن المحققين المحصلين الأكثرين من
أصحابنا، قال: " وقد يوجد في كتب أصحابنا في كيفية غسل الحيض مثل كيفية
غسل الجنابة، ويزيد بوجوب تقدم الوضوء على الغسل، وهذا غير واضح من قائله،
بل الزيادة على غسل الجنابة أن لا تستبيح الحائض إذا طهرت بغسل حيضها وبمجرده الصلاة
كما يستبيح الجنب، سواء قدمت الوضوء أو أخرت، فإن أراد يجب تقديم الوضوء
على الغسل فغير صحيح بغير خلاف " انتهى. وكأنه أشار بذلك إلى ما في الفقيه
والغنية والكافي وموضع من المبسوط لظهورها في إيجاب التقديم، بل في الذكرى أنه
الأشهر ولم نتحققه، وقال في الأخير: يلزمها تقديم الوضوء ليسوغ لها استباحة
الصلاة على الأظهر من الروايات، فإن لم تتوضأ قبله فلا بد منه بعده " انتهى. وهو

(1) سورة المائدة - الآية 9
245

يفيد أنه ليس التقديم شرطا في الصحة وإن قلنا بوجوبه، بل في الرياض عن بعض
المشائخ نفي الخلاف في ذلك، قلت: ولعله يظهر أيضا من التأمل في عبارة السرائر،
ويؤيده إطلاق كثير من الأخبار (1) الآمرة بالغسل من غير تعرض فيها لتقديم الوضوء
مع أنها في مقام البيان، لكن قد يلتزمه القائلون بوجوب التقديم، لأشعار مرسلة
ابن أبي عمير المتقدمة به، ومثله خبر حماد بن عثمان، بل هو أصرح منه كالنبوي
المتقدم أيضا عن غوالي اللئالي، فإنهما وإن كانا مطلقين بالنسبة للقبلية لكنهما مشعرين
بالشرطية، مع وجوب حملها بالنسبة للأول على المقيد، بل عن الأمالي نسبة كل
غسل فيه وضوء في أوله إلا غسل الجنابة إلى دين الإمامية، إلا أن المشهور بين الأصحاب
بل قد عرفت نفي الخلاف عنه في السرائر عدم الوجوب فضلا عن الشرطية، وسمعت
ما عن بعض المشائخ المنقول عنهم في الرياض من نفي الخلاف في الثاني.
ويؤيده أيضا ما عن الفقه الرضوي (2) فإنه وإن اشتمل أوله على الأمر بالبدأة
بالوضوء قبل الغسل لكن قال (عليه السلام) في آخره: " فإن اغتسلت ونسيت الوضوء
توضأت فيما بعد عند الصلاة " وهو كالصريح في إرادة وجوب الوضوء إنما هو لتحقق
غاياته، ولا تعلق له بالغسل، ودعوى اختصاصه بصورة النسيان مقطوع بعدمها، فلا
إشكال في ضعف احتمال شرطية التقديم، كالقول بوجوبه مع عدم الشرطية، وإن
اختاره شيخنا الآغا في شرح المفاتيح، لكونه قضية الجمع بين الاطلاق والتقييد بين
الأخبار المتقدمة، مع ما سمعته من الأمالي، مضافا إلى ما ورد (3) من كونه بعد
الغسل بدعة، لكن قطع الأصل وتقييد المطلق منها بذلك مع إعراض المشهور بل نفي

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 4 و 7 و 12
(2) المستدرك - الباب - 25 - من أبواب الجنابة - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الجنابة - حديث 9
246

الخلاف المتقدم في السرائر مشكل، بل الأقوى عدمه، فلا يبعد أن يكون المراد
بتلك الأخبار عدم إغناء غير الجنابة عن الوضوء، بل لا بد منه إما قبله أو بعده أو
أنها تحمل على الاستحباب كما صرح به جمع من الأصحاب على إرادة أفضل فردي
الواجب المخير، فلا ينافي حينئذ الاستدلال بها فيما تقدم على وجوب أصل الوضوء في
الغسل، مع أن دليل الوجوب غير محصور بذلك، بل يكفي فيه ما دل على تسبب
البول ونحوه كما تقدمت الإشارة إليه سابقا. لا يقال: إنه لا يعم جميع أفراد النزاع
كما لو فرض عدم وقوع غير الأكبر، لأنا نقول: أما أولا فيتم بعد القول بالفصل،
وأما ثانيا فبالاكتفاء بقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة) في أحد الوجهين، وباطلاق
قوله (عليه السلام) في الخبر الأخير: (في كل غسل وضوء) المؤيد بالنبوي المتقدم
ونحوه، فظهر لك حينئذ من جميع ذلك أن المتجه عدم وجوب التقديم، وأنه لا مدخلية
له في صحة الغسل.
يبقى الكلام في شئ لا ارتباط له فيما تقدم، وهو أن الغسل والوضوء تقدم أو
تأخر مشتركان في رفع الحدثين أو أنهما على التوزيع، فالغسل للأكبر والوضوء
للأصغر، وتظهر الثمرة في ترتب أحكام كل منهما بمجرد فعله قبل فعل الآخر لم أجد
نصا في كلام أحد من الأصحاب على شئ من ذلك سوى ما في المدارك، قال:
" حدث الحيض وغيره من الأحداث الموجبة للوضوء والغسل عند القائلين به هل هو
حدث واحد أكبر لا يرتفع إلا بالوضوء والغسل أو حدثان أصغر وأكبر؟ ثم إن قلنا
بالتعدد فهل الوضوء ينصرف إلى الأصغر والغسل إلى الأكبر أم هما معا يرفعان الحدثين
على سبيل الاشتراك؟ احتمالات ثلاثة، وليس في النصوص دلالة على شئ من ذلك "
انتهى. وسوى ما في الذكرى من احتمال مدخلية الوضوء في تحقق غايات الأغسال
بل ظاهره احتمال ذلك حتى في الأغسال المندوبة فضلا عن غيرها، واحتمل أيضا العدم
247

وأنه شرط بالنسبة إلى غاياته كالصلاة والطواف دونها، ونقل عنها في جامع المقاصد
استبعاد القول بالتوزيع أي توزيع الغسل للأكبر والوضوء للأصغر، وقال بعد نقل
ذلك: " أنه لا ريب في ضعف القول بالتشريك - كما أنه نقل عن ابن إدريس أيضا - أنه
لا يجوز نية الرفع في الوضوء إذا تقدم، نظرا إلى أن الرفع إنما يتحقق برفع الحدث
الأكبر، فإن تقدم الوضوء فهو باق، وإن تأخر فقد زال - ثم قال -: وظهور ضعفه
يغني عن رده " انتهي. وفي البيان بعد ما نقل عن ابن إدريس ذلك أيضا قال:
" وهو يعطي توزيع الوضوء والغسل على الأصغر والأكبر، وليس كذلك " انتهى.
قلت: والموجود في السرائر في باب الحيض أن الحائض تنوي بالغسل الرفع تقدم أو
تأخر، وبالوضوء الاستباحة تقدم أو تأخر، وعلله بالنسبة إلى الوضوء أنه قبل الغسل لا رفع
لمكان بقاء الحدث الأكبر. وبعده بأن الحدث ارتفع، وهو الذي نقله عنه في التحرير،
قال فيه بعد أن حكم بلزوم الوضوء في غسل الحيض قبله أو بعده: " وتنوي بالمتقدم استباحة
الصلاة، وهل تنوي رفع الحدث أو بالتأخر لا غير؟ فيه نظر، وابن إدريس قال: ينوي
بالغسل رفع الحدث تقدم أو تأخر، وبالوضوء الاستباحة تقدم أو تأخر " انتهى. وفي المنتهى
بعد أن ذكر النظر المتقدم علله بأن " الحدث لا يرتفع إلا بهما، فكان الأول غير
رافع، فلا ينوي به الرفع أو أنه مع التأخر كالجزء فجازت نية رفع الحدث، وكان أبي
يذهب إلى الأول، وعندي فيه توقف " انتهى. هذا ما وقفت عليه من كلماتهم في
هذا المقام، ولهم كلام آخر في باب الاستحاضة يأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى في محله
والذي يختلج في النظر القاصر هنا هو أن المستفاد من ملاحظة النصوص والفتاوى
أن الحدث الأكبر حالة تحصل للمكلف يمتنع بها عن فعل سائر ما ثبت توقفه على فعل
الطهارة الصغرى وزيادة كاللبث في المساجد للجنب والحائض وقراءة العزائم ونحوهما،
248

وهو معنى استلزام الأكبر للأصغر، نعم قد يشكل استفادة هذا التعميم بالنسبة إلى
مس الأموات خاصة، وقد ذكرناه في أول الكتاب. ولا إشكال بحسب الظاهر في
استباحة ذلك الزائد بمجرد الغسل من غير حاجة إلى الوضوء، فلا يتوقف جواز اللبث
في المساجد مثلا للحائض لو اغتسلت على الوضوء، وكذا الوطئ إن قلنا بتوقفه على
الغسل، وقراءة العزائم ونحوهما لظهور الأدلة في استباحة ذلك كله بمجرد الغسل، فهي
به حينئذ تكون كغير الحائض الغير المتوضئة، وأما ما اشتركا فيه كالصلاة والطواف
ونحوهما فلا إشكال في توقف استباحته على الوضوء والغسل، فلا الوضوء وحده رافع له
بتمامه ولا الغسل، بل هما مسببان لسبب واحد، فلا معنى لنية الرفع في كل منهما إن
أريد بها التمام، كما أنه لا مانع منه إن أريد بها ملاحظة الجهة الخاصة، واحتمال القول
أن الحدث سبب للغسل خاصة - وأما الوضوء فيوجبه قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة)
ونحوه، ولا مدخلية للحدث فيه كما تشعر به عبارة ابن إدريس السابقة، ولذا جوز
نية الرفع في الغسل تقدم أو تأخر دون الوضوء تقدم أو تأخر أيضا - ضعيف بل باطل،
سيما مع الانضمام إلى الأكبر بعض الأحداث الصغر.
نعم يحتمل الفرق بين الوضوء والغسل بنحو آخر، وهو أن يقال: إن إيجاب
هذا السبب لهذين المسببين ينحل إلى أصغر وأكبر، لكن لما لم يتصور رفع الأصغر
مع بقاء الحدث الأكبر إذ ليس لنا موضوع في الخارج متطهر من الأصغر غير متطهر
من الأكبر بخلاف العكس كان المتجه حينئذ في غير الواجدة إلا لماء الوضوء مثلا التيمم
وسقوط حكم الماء، لما عرفت من عدم إمكان الأصغر مع بقاء الأكبر، بخلاف
ما لو وجدت ماء الغسل، فإنه يجب عليها الاغتسال والتيمم بدل الوضوء، هذا. مع أنه للتأمل والنظر فيه مجال، بل المتجه بناء على ما ذكرنا فعل ما تمكنت منه وقيام التراب
مقام المتعذر، لاطلاق ما دل (1) على وجوب الوضوء، ولأنه " لا يسقط الميسور

(1) سورة المائدة - الآية 8
249

بالمعسور " (1) و " ما لا يدرك كله لا يترك كله " (2) و " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه
ما استطعتم " (3) ونحوها (4) إذ لا ارتباط لأحدهما بالآخر، ولعدم، تناول أدلة
التيمم لمثله، وما ذكر من تضمن الأكبر للأصغر وأنه (ليس) إلى آخره لا حقيقة له عند
التأمل إلا إرادة إيجاب السبب لهما معا، وغيره لا يصلح لأن يكون مدركا لحكم شرعي،
على أنه لو روعي ما ذكر لكان اللازم حينئذ تأخير الوضوء عن الغسل حال وجدان الماء
لها، لعدم تصور تأثيره مع بقاء الأكبر، وهو مخالف للاجماع بحسب الظاهر،
ودعوى أنه لا يؤثر أثرا حال التقديم إلا بعد إيقاع الغسل فيكون حينئذ من قبيل وجود
المقتضي مع حصول المانع منه ممنوعة، لمخالفتها لظاهر الأدلة الدالة على سببية الوضوء
المقتضية لمقارنة حصول مسببه بحصوله، وعلى تقدير التسليم فلم لا يقوم حينئذ التيمم
مقام الغسل في ذلك، ومن هنا نص جماعة من الأصحاب في نحو الفرض السابق في
باب التيمم على وجوب الوضوء ثم التيمم بدل الغسل، منهم الشهيد في الذكرى، وأبو
العباس في الموجز، والعلامة الطباطبائي في المنظومة، بل هو قضية المحكي من عبارة
نهاية الإحكام أيضا، بل لا أجد فيه خلافا ولا ترددا مما عدا الأستاذ في كشف الغطاء
فلم يجوز الوضوء، بل يمكن دعوى تحصيل الاجماع عليه بملاحظة كلامهم في باب التيمم.
(تنبيه) قال في الذكرى وجامع المقاصد: " إن الأقرب كون ماء الغسل على
الزوج، لأنه من جملة النفقة فيجب نقله إليها، وبذل العوض لو احتاج كما في الحمام
ونحوه مع تعذر الغير دفعا للضرر " وفي المنتهى أن الأقوى التفصيل بين غنائها وفقرها
فلا يجب في الأول، ويجب النقل أو التخلية بينها وبينه في الثاني، قلت: وظاهر

(1) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
(2) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
(3) تفسير الصافي - سورة المائدة - الآية 101
(4) سنن البيهقي - ج 1 - ص 215
250

الأولين عدم الفرق بين الحيض وغيره، وللنظر في أصل الوجوب سيما في غير الجنابة
مجال، للأصل مع الشك في دخولها تحت النفقات، وتوجه الخطاب إليها بالغسل،
وعلى تقديره فلا نعرف وجها لما ذكره في المنتهى من التفصيل، لكونه إما من النفقات
أولا، والأول لا يتفاوت فيه الغنى والفقر، والثاني لا دليل على وجوبه بالتفصيل
المذكور، وأما الأمة فقد قيل إنها كالزوجة بل أولى، لأنه مؤنة محضة، مع استبعاد
انتقالها إلى التيمم والماء موجود، ولأنه كما تجب فطرتها يجب ماء طهارتها، ويحتمل
العدم أيضا. وتنتقل إلى التيمم حينئذ كالانتقال إلى الصوم في دم المتعة، وليست
الطهارة كالفطرة لاختلاف الأمر فيهما، فتأمل جيدا.
(و) يجب على الحائض إذا طهرت (قضاء الصوم دون الصلاة) إجماعا محصلا
ومنقولا مستفيضا من الفرقة المحقة، بل في السرائر والمعتبر والمنتهى من المسلمين إلا
الخوارج في الأخير، بل كاد يكون ضروريا، والنصوص به (1) كادت تكون
متواترة، وقد اشتملت على إلزام أبي حنيفة بابطال القياس، لكن المتبادر من النص
والفتوى كون المراد بالصوم إنما هو شهر رمضان، وبالصلاة اليومية، فيشكل حينئذ
دخول غيره في ذلك من الصوم الواجب الموقت غيره الذي صادف وجوبه وقت الحيض،
كالمنذور مثلا إن قلنا باختصاص دليل القضاء في ذلك، كما أنه يشكل دخول الواجب
من الصلاة الموقتة غير اليومية كالكسوف والخسوف، وكذا الواجبة المنذورة في وقت
خاص في ذلك أن قلنا بشمول دليل القضاء له لولاه، نعم لا إشكال في غير الموقت،
بل هو ليس من القضاء في شئ لأن وقته العمر، لكن قد يقال: إنا وإن قلنا
أن القضاء يحتاج إلى أمر جديد لكن لا نخصه بقوله (عليه السلام) (2): (الحائض
تقضي الصوم) ونحوه مما يدعى تبادرها فيما ذكر، بل الدليل عليه هو ما دل على قضاء

(1) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 4
(2) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 4
251

مثل ذلك، كعموم (1) (من فاتته) ونحوه، فاتجه حينئذ القول بصحة قضاء الصوم
المتقدم وإن لم يشمله الدليل الذي هنا، كما أنه اتجه الحكم بصحة قضاء الصلاة المذكورة
بعد فرض تبادر اليومية خاصة من قوله (عليه السلام): (2) (لا تقضي الصلاة)
وفيه إمكان منع شمول ذلك الدليل ما نحن فيه، لظهور اسم الفوات ونحوه فيمن فاته
مع بقاء قابلية المكلف على صفة التكليف، وإن سلم الشمول فلا يشمل المكلف بالعدم
كالحائض، فإنها بعد أن حرم الصوم والصلاة عليها لم يفتها شئ، ولعله لذا صرح في
البيان وجامع المقاصد والروض والمدارك بأنه لا فرق في الصلاة الموقتة بين اليومية وغيرها
في عدم وجوب القضاء، بل قد تشعر عبارة جامع المقاصد بالاجماع عليه، إلا أنه
استقرب في المنذورة في وقت معين وقد صادفها الحيض فيه وجوب القضاء، ولعله
يفرق بين الموقت بالأصل أو بالعارض، وهو كما ترى، إذ الظاهر حينئذ انكشاف
فساد النذر، ومنه تعرف أن المتجه عدم القضاء في الصوم الموقت بالنذر وشبهه، لكن
صرح الشهيد في البيان بوجوب القضاء فيه، ولعله لاطلاق قوله (عليه السلام):
(تقضي الصوم) وقد عرفت ما فيه، كالاستناد إلى غيره من عمومات القضاء (3)،
اللهم إلا أن يكون فيها ما يشمله، ولم يسعني الآن ملاحظتها، فتأمل جيدا. وبذلك
كله يظهر لك الحال في المستحب المشروع قضاؤه من الصوم والصلاة، فتأمل.
* ((الثامن) يستحب) * على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل في الخلاف
الاجماع كما عساه يظهر من غيره، للأصل مع عموم البلوى به، منضما إلى خبر
زيد الشحام (4) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ينبغي للحائض أن

(1) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب قضاء الصلاة - حديث 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الحيض حديث 4
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قضاء الصلاة من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض - حديث 3
252

تتوضأ عند وقت كل صلاة، ثم لتستقبل القبلة وتذكر الله تعالى " وعليه يحمل ما يظهر
منه الوجوب بقرينة ما تقدم، كقول الباقر (عليه السلام) في الحسن كالصحيح (1):
" وعليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة ثم تقعد في موضع طاهر، فتذكر
الله عز وجل وتسبحه وتهلله وتحمده كمقدار صلاتها، ثم تفرغ لحاجتها " وقول الصادق
(عليه السلام) (2) في خبر عمار: " تتوضأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل، وإذا
كانت وقت الصلاة توضأت واستقبلت القبلة وهللت وكبرت وتلت القرآن وذكرت
الله عز وجل " وكذا غيرهما (3) فما نقله الصدوق عن والده من وجوب ذلك لظاهر
ما تقدم ضعيف، بل لعل مراده من لفظ الوجوب تأكد الاستحباب أو الثبوت،
كالمرسل (4) في الهداية الصادق (عليه السلام)، والمنقول عن الفقه الرضوي (5)
وكذا ما عساه يظهر من عنوان الكليني ذلك بقوله: " باب ما يجب على الحائض "
إلى آخره. ومن العجيب ميل بعض متأخري المتأخرين كصاحب الحدائق إليه مع ما عرفت.
فلا ريب أن الأقوى أنه يستحب لها (أن تتوضأ في وقت كل صلاة) كما في
الخبرين السابقين، وقد يستفاد منهما عدم الاكتفاء بوضوء واحد للظهر والعصر، وكذا
المغرب والعشاء وإن لم يقع منها ما ينقضه، اللهم إلا أن يقال باندراج مثل ذلك تحتهما
سيما مع إطلاق غيرهما الوضوء وقت الصلاة، لكن ينبغي القطع بعدم الاكتفاء به مع
اختلاف الوقت كالصبح والظهر مثلا، وهل ينتقض مثل هذا الوضوء بالنواقض المعهودة غير الحيض إلى الفراغ؟ وجهان ينشئان من إطلاق أو عموم ما دل على ناقضيتها، ومن

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض - حديث 5 عن معاوية بن عمار
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض - حديث 4
(4) المستدرك - الباب - 29 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2
(5) المستدرك - الباب - 29 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2
253

ظهورها في الوضوء الرافع دون غيره، ولعل الأقوى الأول سيما إن قلنا أن فيه نوعا
من الرفع، إذ رفع كل وضوء بحسب حاله، فهو رافع لحكم الحدث بالنسبة إلى هذا
الذكر، بل حدث الحيض فضلا عن غيره، ولا ينافيه دوامه كما في المسلوس، فتأمل.
(وتجلس في مصلاها) أو غيره كما في المعتبر والمنتهى وظاهر غيرهما، وإن قيد بالأول
في المبسوط والخلاف والوسيلة والجامع والنافع وغيرها، ونحوه ما في السرائر، وعن
المراسم من الجلوس في محرابها، وقيد بالثاني في المقنعة، حيث قال: تجلس ناحية
من مصلاها، لاطلاق الأخبار (1) المتقدمة وغيرها، بل لم نقف على ما يدل على الأول
سوى دعوى التسامح في السنن، وهو يقتضي الاطلاق، اللهم إلا أن يحمل على
الآكدية والأشدية، لكنه لم يفهم من أحد الفتوى به، وسوى ما في الخلاف حيث
قال: " يستحب للحائض وضوء الصلاة عند كل صلاة، وتقعد في مصلاها وتذكر الله
تعالى بمقدار زمانها، ولم يوافقنا على هذا أحد من الفقهاء - إلى أن قال -: دليلنا إجماع
الفرقة وأخبارهم " ولعله يريد بالنسبة إلى أصل مشروعية الوضوء، نعم قد يشعر بالثاني
ما في خبر الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام) " كن نساء النبي (صلى الله عليه وآله)
لا يقضين الصلاة إذا حضن، ولكن يتحشين حين يدخل وقت الصلاة ويتوضأن،
ثم يجلس قريبا من المسجد فيذكرن الله تعالى " وفيه أنه لعله من جهة عدم جواز المكث
في المساجد أو يراد بالمسجد فيها محل السجود، فيكون القريب إنما هو المصلى أي محل
الجلوس للصلاة، فتأمل. فالأقوى حينئذ الاطلاق، ويؤيده غلبة عدم المكان المخصوص
للصلاة بالنسبة إلى أغلب النساء.
(بمقدار زمان صلاتها) بلا خلاف أجده فيه للخبرين، السابقين، لكن هل
المعتبر زمان الصلاة السابقة على الحيض أو المقدرة حاله؟ وتظهر الثمرة في الاختلاف

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 1
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض - حديث 0 - 1
254

بالقصر والاتمام، ولعل الأقوى ملاحظة التمام على كل حال، لانصراف الاطلاق
بالنسبة إليه سيما بالنسبة للنساء (ذاكرة لله تعالى) بالتكبير والتهليل والتحميد ونحوها مما
يسمى ذكرا كما هو قضية إطلاق جملة من العبارات، كاطلاق خبري الحلبي (1) وزيد
الشحام (2) المتقدمين وكذا الحسن كالصحيح عن محمد بن مسلم (3) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله، قال: أما الطهر فلا
ولكن تتوضأ في وقت الصلاة، ثم تستقبل القبلة وتذكر الله تعالى " وعليه يحمل خبرا
زرارة (4) وعمار (5) المتقدمان، وإن ذكر في الأول مع الذكر التسبيح والتهليل
والتحميد، وفي الثاني التهليل والتكبير وتلاوة القرآن، فما عن المراسم من الاقتصار
على التسبيح كما في المقنعة أنها تحمد الله وتكبره وتهلله وتسبحه، وفي النفلية التسبيح
بالأربع مستغفرة مصلية على النبي (صلى الله عليه وآله) يراد به التمثيل، وإن كان
الأولى لها اختيار خصوص ما عرفت من الذكر الوارد في الأخبار، ولذا قال في البيان:
وليكن الذكر تسبيحا وتهليلا وتحميدا وشبهه، إلا أن ما ذكره في النفلية من الصلاة على
النبي (صلى الله عليه وآله) والاستغفار لم نقف على ما يدل عليه بالخصوص، ولعله فهم من الأخبار إرادة
مطلق المشغولية بنحو ذلك من العبادة، كما عساه يشعر به ملاحظتها في بعض الأخبار
المتقدمة، وهو غير بعيد، كما أنه لا يبعد إرادة التسبيح بالكيفية المخصوصة الواردة
في جبر الصلاة (6) المقصورة من الذكر لمكان قيام ذلك مقام البعض فيها فليقم مقام الكل،
ولعله وجه حسن فيما سمعت من الأخبار، بل لعل في عبارة البيان المتقدمة إشارة إلى
ذلك، والأمر سهل.

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 2
(4) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 2
(5) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الحيض - حديث 5 عن معاوية بن عمار
(6) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة المسافر من كتاب الصلاة
255

ثم إنه كان على المصنف أن يقيد الجلوس باستقبال القبلة كما قيده بعضهم، لدلالة
بعض الأخبار المتقدمة كما أنه دل أيضا على استحباب التحشي لكن لعل حملهما على
المستحب في المستحب لا الشرطية لا يخلو من قرب، سيما بالنسبة للثاني والله أعلم.
ثم من المعلوم أنه لا يقوم مقام هذا الوضوء الغسل وإن قلنا باجزاء المندوب منه
عن الوضوء، لظهور أن مراد القائل به هنا الاجتزاء عن الرافع منه للحدث لا مثل هذا
الوضوء، إذ ليس هو كذلك، ولذا لا يصح فيه نية رفع الحدث بل ولا استباحة الصلاة،
نعم ينوى فيه القربة المحضة كما صرح به في المنتهى وغيره لكن قال في كشف اللثام:
" أنه لا يرفع حدثا ولا يبيح ما شرطه الطهارة بالنسبة إلى غير هذا الذكر، وأما بالنسبة
إليه فوجهان، وإن لم يشترط فيه ارتفاع الحدث لكن يجوز اشتراط فضله به، ولا ينافي
دوام حدث ارتفاع حكمه أو حكم غيره " انتهى. وهو كما ترى مخالف لظاهر قوله
(عليه السلام): (أما الطهر فلا) ولما هو المصطلح في معنى رفع الحدث، لكن الأمر
سهل، ولعل ذلك اختلاف لفظي، فتأمل. وهل يقوم التيمم مقام هذا الوضوء عند
فقد الماء مثلا؟ وجهان بل قيل قولان، إلا أنه لم نعثر على قائل بالأول هنا، ونص
في التحرير والمنتهى وجامع المقاصد والمدارك على الثاني، لأن التيمم طهارة اضطرارية،
ولا اضطرار هنا، نعم نقل عن نهاية الإحكام أنه استشكل، قلت: ولعله مما تقدم
ومن عموم ما دل (1) على تنزيل التراب منزلة الماء، وهو لا يخلو من قوة، بل ظاهر
جامع المقاصد أو صريحه اختياره في مبحث الغايات، ومنه ينقدح جواز التيمم بدل
الأغسال المندوبة ونحوها، فتأمل جيدا.
(ويكره لها الخضاب) وهو مذهب علمائنا أجمع كما في المعتبر والمنتهى، جمعا

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التيمم - حديث 3
256

بين ما دل على الجواز من الأصل وخبر علي بن أبي حمزة (1) عن أبي إبراهيم
(عليه السلام) وأبي المعزى (2) وسماعة (3) عن العبد الصالح (عليه السلام) وبين
ما دل على المنع من خبر عامر بن جذاعة (4) وأبي جميلة (5) عن الصادق والكاظم
(عليهما السلام) ونحوها غيرها (6) مع التعليل في بعضها (7) بالخوف عليها من الشيطان،
فما في الفقيه من التعبير عن ذلك بعدم الجواز ضعيف، ولعله يريد الكراهة أيضا كما
عساه يشعر به عدم استثنائه في المعتبر والمنتهى، وعلل المفيد الكراهة بمنع وصول الماء،
وأشكله في الذكرى باقتضائه المنع، ولعله لا يريد المنع التام، ثم إنه يستظهر من
إطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين الخضاب بالحناء وغيرها ولا بين اليد والرجل
وغيرهما، لكن ينقل عن المراسم التخصيص بالحناء، كما في المقنعة التخصيص في اليد
والرجل لا بشعورهن، قلت: وقد يؤيدهما أنه المتيقن المتبادر من النص والفتوى
لكن التسامح فيها ينافيه، فتأمل جيدا.
(الفصل الثالث في الاستحاضة)
وهي في الأصل استفعال من الحيض، يقال: استحيضت المرأة أي استمر بها
الدم بعد أيامها، فهي مستحاضة كما في الصحاح، قيل وهو ظاهر في عدم وجود البناء
للمعلوم منه، والمستحاضة من يسيل دمها لا من المحيض بل من عرق العاذل كما في القاموس
(وهو) أي الفصل (يشتمل على) بيان (أقسامها وأحكامها، أما الأول فدم
الاستحاضة) أو الاستحاضة نفسها لتعارف إطلاقها على نفس الدم مجازا أو حقيقة

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الحيض - حديث 7 - 8
(5) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الحيض - حديث 7 - 8
(6) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 3
(7) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 3
257

اصطلاحية (في الأغلب) كما في النافع والتحرير والمنتهى والقواعد واللمعة والروضة
والبيان والدروس وغيرها، بل هو مراد من تركه، لما ستعرف من أنه قد تكون
الاستحاضة بأوصاف الحيض كالعكس (أصفر بارد رقيق يخرج بفتور) على ما يستفاد
من مجموع النصوص (1) والفتاوى في المقام وفي ذكر أوصاف الحيض لظهور المقابلة في
إرادة التميز عنه، وإن اقتصر على الأولين في المصباح والذكرى وظاهر المعتبر وعن
غيرها، كخبر حفص (2) عن الصادق (عليه السلام) " دم الاستحاضة أصفر بارد "
وعلى الثاني فقط في الصحيح أو الحسن (3) عنه (عليه السلام) أيضا " أن دم الاستحاضة
بارد " وعليه مع زيادة الفساد في خبر إسحاق بن جرير (4) " دم الاستحاضة فاسد بارد "
وعلى الأول والثالث في صحيح ابن يقطين (5) عن الكاظم (عليه السلام) في النفساء
" فإذا رق وكان صفرة اغتسلت " وعلى الثلاثة الأول في الوسيلة والنافع والمنتهى وعن
التبيان وروض الجنان والمراسم والغنية والمهذب والكافي والاصباح، وعلى الأربعة
في القواعد والتحرير والبيان واللمعة والروضة وغيرها، وعلى الأولين مع الرابع في
المبسوط وإن عبر عنه فيه بأنه لا تحس المرأة بخروجه، وعلى الثاني والرابع في الهداية
والفقيه ناقلا له عن رسالة والده، كما عن المقنع مع التعبير عن الرابع فيها بنحو ما في
المبسوط أيضا، وعلى الثاني والثالث مع زيادة الصفاء في المقنعة، لكن ينافيه جعل
الأكدر غالبا أيضا كالأصفر في الدروس وغيرها، اللهم إلا أن يريد به الملازم للرقة غالبا.
وكيف كان فلا إشكال في غلبة هذه الأوصاف وإن ظهر من المعتبر والذكرى
التردد في الثالث، لنسبته فيهما إلى الشيخين، لكن يدل عليه - مضافا إلى ما تقدم وإلى

(1) الوسائل والمستدرك - الباب - 3 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 1 - 3
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 16
258

ما عساه يشعر به خبر سعيد بن يسار (1) عن الصادق (عليه السلام) في المرأة تحيض
ثم تطهر وربما رأت الشئ من الدم الرقيق بعد اغتسالها، فقال: تستظهر بعد أيامها
بيوم أو يومين أو ثلاثة، ثم تصلي " - ما ذكر في وصف الحيض من العبيط في النص (2)
والفتوى، فإنه وإن فسر بالخالص الطري لكنه قد يشعر بالغلظ، كما يومي إليه قول
الكاظم (عليه السلام) في صحيح ابن يقطين المتقدم وما في المدارك من عدم الوقوف
على مستند للرابع لكن قد عرفت أنه مع التصريح به في كثير من عبارات الأصحاب
مستفاد من اعتبار الدفع والخروج بقوة في الحيض في النص والفتوى، وما يقال: إنه
لا دلالة فيه على ثبوت الضد في الاستحاضة مدفوع بظهوره فيه من ذكره للتمييز بينهما،
كما أنه يستفاد حينئذ من ذكر السواد والبحراني ونحوهما في الحيض غلبة غيرهما في
الاستحاضة، لا خصوص الأصفر وإن كان هو أغلب الغالب، بل في جامع المقاصد
" أنه قد يكون دم الاستحاضة أبيض، وهو لون يختص به " انتهى.
(و) إنما قيد المصنف بالأغلب لأنه (قد يتفق) دم الاستحاضة بأوصاف الحيض
كما أنه قد يتفق (بمثل هذا الوصف حيضا إذ الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض)
إجماعا محصلا ومنقولا، ونصوصا (3) في أيام العادة، بل وفي غيرها مما حكم بكون
ما فيها حيضا كالمتخلل بين العادة والعشرة مثلا مع الانقطاع، لما عرفت من قاعدة
الامكان وغيرها، بل في الخلاف الاجماع عليه كما تقدم، ومن هنا احتمل إرادة
المصنف بأيام الحيض ما يشملهما ولو تغليبا، فما في المدارك من أولوية التفسير الأول

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 8 مع الاختلاف كما
تقدم تفصيله في التعليقة " 1 " من الصحيفة 192
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 2
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض
259

لاعتبار الأوصاف في غير العادة ضعيف لا يصغى إليه على إطلاقة، كالذي فيها من
جعل هذه الأوصاف خاصة مركبة،
وقد مر نظيره في الحيض (و) هما بل السواد
والحمرة أيضا (في أيام الطهر طهر) قطعا وإجماعا عن الناصريات والخلاف، وما في
إطلاق بعض الأخبار (1) مما ينافي الأول أو الثاني مطروح أو مؤل كما مر بيان ذلك
كله مستقصى في المباحث المتقدمة، وكأن المصنف كغيره من الأصحاب اقتصر على
ذكر الصفرة والكدرة فقط تنبيها بها على أولوية غيرهما من الأوصاف في هذا الحكم،
وإن كان الحكم بحيضية الجامع لجميع أوصاف المستحاضة في غير أيام العادة أو بعد معلوم
الحيضية مع الانقطاع على العاشر أو قبله لا يخلو من إشكال ونظر كما تقدمت الإشارة
إليه في قاعدة الامكان، نعم لا ينبغي الاشكال باستحاضة ما ثبت أنه ليس بحيض
(و) إن كان جامعا لجميع صفات الحيض كما في (كل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة)
ولم يأت ما يتمها في ضمن العشرة، بل وفيه أيضا على الأقوى لاشتراط التوالي.
(و) لكن هل يشترط في الحكم باستحاضته العلم بأنه (لم يكن دم قرح ولا جرح)
أو يكفي فيه بعد انتفاء الحيضية عدم العلم بكونه منهما، فيكون الضابط إن كل دم ليس
بحيض ولا نفاس (فهو استحاضة) حتى يعلم أنه من قرح أو جرح، أو يفرق بين
الواجد لوصف الاستحاضة فالثاني، وعدمه فالأول، أو بين العلم بوجود القرح
والجرح وعدمه فعكس سابقه؟ وجوه، يظهر من القواعد والبيان وجامع المقاصد
وكشف اللثام وكذا التحرير والإرشاد والمتن الأول، ويؤيده بعد الأصل وقاعدة
اليقين ما في مرسل يونس (2) المتقدم في اشتراط التوالي في من رأت يوما أو يومين
وانقطع ليس من الحيض " إنما كان من علة إما قرحة في جوفها وإما من الجوف،

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 8
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الحيض - حديث 2
260

فعليها أن تعيد الصلاة تلك اليومين " والأقوى في النظر الثاني سيما في الجامع لأوصافها
كما هو المستفاد من استقراء أخبار الباب على كثرتها، للحكم فيها بالاستحاضة بمجرد
انتفاء الحيضية، منها أخبار الاستظهار (1) ومنها أخبار المستمر دمها (2) إلى غير ذلك (3)
مضافا إلى أصالة عدم وجود سبب غيرها، وأغلبيته في النساء بعد الحيض، بل لعله
كالطبيعي لهن، وبذلك ينقطع الأصل والقاعدة، ويسقط المرسل، مع أنه غير جامع
لشرائط الحجية، ويشتمل على ما لا نقول به كما تقدم بيانه، ومحتمل لإرادة نفي
الحيضية خاصة، فاحتمال التفصيل - بين أقسام المستحاضة ففي الناقص عن الثلاثة
يشترط العلم بكونه لا من قرح ولا جرح، دون غيره من المتجاوز للعشرة ونحوه،
جمعا بين المرسل وغيره كما عساه يحتمل من الإرشاد، وكذا التحرير - ضعيف جدا،
كضعف ما في المدارك من عدم الحكم باستحاضة غير المتصف بصفاتها ولو علم انتفاء الدماء
الأربعة إلا فيما دل الدليل، وقضيته وجود دم غير الخمسة يمنع من الحكم بها، وهو كما
ترى، بل يظهر من الأستاذ الأعظم في شرح المفاتيح وغيره الاجماع على خلافه،
ويشهد له التتبع لكلمات الأصحاب، للحكم بها عند انتفاء الأربعة من غير إشكال
ولا خلاف يعرف، كما أنه المستفاد من الأخبار أيضا.
(وكذا) الكلام فيما تراه م‍ (ما يزيد عن) أيام (العادة و) لكن بشرط
أن (يتجاوز) عن (العشرة) من غير فرق بين أيام الاستظهار وغيرها على ما تقدم
تحقيقه سابقا (أو) ما (يزيد عن أيام النفاس) لما ستعرفه إن شاء الله تعالى.
(أو يكون) الدم (مع الحمل) مطلقا (على الأظهر) من عدم اجتماع الحيض
معه كما عن الإسكافي والتلخيص، وفي النافع أنه أشهر الروايات، ونقله في المنتهي

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض
261

عن المفيد وابن إدريس للأصل وقاعدة اليقين، وخبر السكوني (1) عن جعفر عن
أبيه (عليهما السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): " ما كان الله تعالى ليجعل
حيضا مع حبل، يعني أنه إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصلاة إلا أن ترى الدم على
رأس الولد، وضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة " وقول أبي الحسن الأول
(عليه السلام) في صحيح حميد بن المثنى (2) " عن الحبلى ترى الدفعة والدفعتين من الدم
في الأيام وفي الشهر والشهرين، فقال: تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة "
وللأخبار الكثيرة (3) بل قيل إنها متواترة الواردة في الاستبراء بالحيض والعدة به، ولما
عساه يشعر به ما دل (4) على أن الحيض غذاء الولد في الرحم، ولتعارف عدم حصوله
في هذا الحال فيحصل الظن بعدمه، ولعل مراد المصنف بالحمل استبانته كما لعله المتبادر
من نحو العبارة، ويشعر به نسبته له في النافع إلى أشهر الروايات، بل كاد يكون صريحه
في المعتبر، فيوافق ما في الخلاف والسرائر وعن الاصباح، ويستدل حينئذ بالاجماع
المحكي في الأول على عدم الحيضية مع الاستبانة، وبما في الثاني بعد نسبته إلى الأكثرين
المحصلين من الاجماع على بطلان طلاق الحائض، وصحة طلاق الحامل ولو في حال الدم.
وفي الكل نظر فالأقوى مجامعة الحمل للحيض من غير فرق بين الاستبانة وعدمها،
كما هو خيرة الناصريات والفقيه والمنتهى والمختلف والقواعد والدروس والتنقيح وجامع
المقاصد وغيرها، وهو المشهور نقلا في الأخير وغيره وتحصيلا، بل في الأول
الاجماع عليه، وهو الحجة، مضافا إلى أصالة بقاء قابليتها لذلك وإلى أخبار الصفات (5)

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 12 - 8
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 12 - 8
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب العدد - من كتاب الطلاق
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 13
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض
262

وإلى أخبار العادة (1) وقاعدة الامكان في وجه، كأخبار التحيض (2) بالرؤية
في آخر وإلى المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة، (منها) صحيح عبد الله بن سنان (3)
عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل " عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة؟ فقال:
نعم، إن الحبلى ربما قذفت بالدم " و (منها) صحيح عبد الرحمان بن الحجاج (4) قال:
" سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى
قبل ذلك، هل تترك الصلاة؟ قال: تترك الصلاة إذا دام " و (منها) حسن سليمان بن
خالد (5) عن الصادق (عليه السلام) قال: " قلت: جعلت فداك الحبلى ربما طمثت
قال: نعم، وذلك أن الولد في بطن أمه غذاؤه الدم، فربما كثر ففضل عنه، فإذا
فضل دفعته، فإذا دفعته حرمت عليها الصلاة " و (منها) خبر محمد بن مسلم (6) في
خصوص المستبين حملها قال: " سألته عن الحبلي قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض
من الدم، قال: تلك الهراقة من الدم، إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي وإن كان
قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء " وصحيح أبي المعزى (7) قال: سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الحبلى قد استبان منها ترى كما ترى الحائض من الدم، قال: تلك
الهراقة إن كان دما كثيرا فلا تصلين، وإن كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين "
إلى غير ذلك (8) من الأخبار.
وهي - مع اعتبارها واعتضادها بما سمعت ومخالفتها للمشهور بين العامة من عدم
الحيضية المنقول عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وجابر بن يزيد وعكرمة ومحمد بن

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الحيض
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2 - 14
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2 - 14
(5) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2 - 14
(6) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 16 - 5 - 0 -
(7) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 16 - 5 - 0 -
(8) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 16 - 5 - 0 -
263

المنكدر والشعبي ومكحول وحماد والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وابن المنذر وأبي عبيد
وأبي ثور والشافعي في القديم - لا يصلح معارضتها بما تقدم من الأصل المنقطع، وخبر
السكوني الذي لا جابر له، مع ما فيه من إمارات الموافقة لأولئك، والصحيح الآخر
المعارض بما عرفت مع ظهوره في عدم حصول أقل الحيض، وأخبار الاستبراء والعدة
المتعارضة في نفسها، لاشتمال بعضها على الاستبراء بثلاثة قروء القاضية بجواز اجتماع
الواحدة والثنتين معه المحتملة لأولوية الاستدلال بها على المختار، مع الذب عن المشتمل
منها على الواحدة المنافي لذلك باحتمال اعتبار الشارع المظنة في المقام الحاصلة بها من غلبة
عدم الاجتماع، والاشعار من كونه غذاء للولد الغير الصالح لمعارضة شئ مما ذكرنا،
سيما بعد قوله (عليه السلام) في بعضها: أنه ربما يزيد على الولد فتقذفه، والظن الناشئ
من الغلبة المعارض بمثله في الجامع للأوصاف ونحوه، مع عدم الدليل على اعتباره،
والاجماع الذي لم نتحققه بل المتحقق خلافه، كالنسبة في السرائر إلى الأكثرين
المحصلين، وكالاجماع الثاني الممنوع في المقام، بل المسلم منه ممنوعية الطلاق في الحائل
دون الحامل، فكان الأقوى حينئذ ما تقدم.
نعم قد يخص المختار بما إذا رأته في العادة أو مع التقدم قليلا لا ما إذا تأخر عنها
عشرين يوما مثلا، لصحيح الحسين بن نعيم الصحاف (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): إن أم ولدي ترى الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة؟ قال: فقال:
إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر
الذي كانت تقعد فيه فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث، فلتتوضأ وتحتشي وتصلي، وإذا
رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 3
264

فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها " وربما يشهد له بعض الإشارات في الأخبار المتقدمة،
كقوله (1): (كما كانت ترى) ونحوه، وعن النهاية الفتوى بمضمونه، وربما
مال إليه المصنف في المعتبر، وفي المدارك أنه لا يخلو من قوة، وفي الجامع " إن رأته
الحامل في أيام عادتها واستمر ثلاثة أيام كان حيضا، انتهى. وفي الاستبصار عند الجمع
بين الأخبار " إنما يكون الحيض ما لم يستبن الحمل، فإذا استبان فقد ارتفع الحيض،
ولأجل هذا اعتبرنا أنه متى تأخر عن عادتها بعشرين يوما فليس ذلك دم حيض " ثم
استدل بالصحيح، وهو كما ترى مخالف لظاهر الخبر، لكن اختصاص تلك الأدلة
الكثيرة بمجرد هذا الصحيح المعرض عنه بين أكثر الأصحاب الذي بينه وبين ما دل
على اعتبار الصفات في المقام وغيره تعارض العموم من وجه لا يخلو من تأمل ونظر،
سيما بالنسبة لغير ذات العادة أيضا، فتأمل، مع ما فيه من إجمال لفظ قبل العادة
الممكن التحقق بعد مضي المقدار المذكور الذي نفي فيه الحيضة، فيحصل حينئذ مقتضاها
ومقتضى عدمها.
نعم قد يجمع بين الأخبار بحمل ما دل على التحيض على الرؤيا في العادة، أو فيما
تقدمها بقليل مثلا، وعلى الجامع للصفات، وحمل ما دل على العدم على خلافهما،
كالتأخر عن العادة كثيرا أو الفاقد لها، وله شواهد فيما تقدم من الأخبار كقوله
(عليه السلام): (إن كان دما أحمر كثيرا) وكقوله: (كما كانت
ترى) ونحو ذلك، اللهم إلا أن يرد بأنه إحداث قول جديد، لكنه ممنوع، بل
لا دلالة في كلام الأصحاب، فإنهم وإن أطلق أكثرهم من غير تقييد بذلك إلا أن
الظاهر إرادتهم إثبات إمكان أصل الاجتماع في مقابلة من نفاه، وربما يؤيده بالنسبة
إلى اعتبار الصفات ما عن الفقه الرضوي (2) " والحامل إذا رأت الدم كما كانت تراه

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 2
(2) المستدرك - الباب - 25 - من أبواب الحيض - حديث 1
265

تركت الصلاة أيام الدم، فإن رأت صفرة لم تدع الصلاة " وربما يؤيده أيضا ما تقدم
سابقا في قاعدة الامكان، مع أنه قد يقال هنا لا ظن من جهتها في الفاقد في خصوص
الحامل، إذ هو نادر في نادر، بل ربما يظهر في الفقيه أن المدار على الصفات من غير
نظر إلى العادة وغيرها، قال فيه: " والحبلى إذا رأت الدم تركت الصلاة، فإن
الحبلى ربما قذفت الدم، وذلك إذا رأت الدم كثيرا أحمر فإن كان قليلا أصفر
فلتصل، فليس عليها إلا الوضوء " انتهى، فتأمل جيدا.
(أو) ما تراه المرأة (مع اليأس) كما في القواعد والإرشاد والنافع والتحرير
وجامع المقاصد وكشف اللثام والرياض (أو قبل البلوغ) كما في الخمسة الأخيرة، إلا
إني لم أعثر على ما يدل على استحاضتهما بالخصوص في النصوص، بل قد يظهر من
الإرشاد وكذا القواعد نفيه في الثانية، للاقتصار على الأول، كما أنه قد يتوهم أيضا
مما قيل من إطلاق الأصحاب تقسيم المستحاضة إلى المبتدأة والمعتادة والمضطربة، بل قد
يتوهم نفيهما معا من إطلاق الأخبار والأصحاب تحيضها بأيامها أو بالتميز أو نحوهما، لكن
قد يرشد إليه فيهما ما عرفته من الأصل على إشكال في جريانه في الصغيرة، للشك في
أصل قابليتها للاستحاضة، وانحصار الدماء عند الأصحاب في الخمسة، والتوهم السابق
من الاطلاق يرفعه ما عن نهاية الإحكام " الاستحاضة قد يعبر بها عن كل دم تراه المرأة
غير دمي الحيض والنفاس خارج من الفرج مما ليس بعذرة ولا قرح سواء اتصل بالحيض
كالمجاوز لأكثر الحيض، أو لم يكن كالذي تراه المرأة قبل التسع. فإنه وإن لم نوجب
الأحكام عليها في الحال لكن فيما بعد يجب الغسل أو الوضوء، ونوجب الأحكام على
الغير، فيجب النزح وغسل الثوب من قليله، وقد يعبر بها عن الدم المتصل بدم
الحيض وحده، وبهذا المعنى تنقسم المستحاضة إلى معتادة ومبتدأة، وأيضا إلى المميزة
وغيرها، ويسمى ما عدا ذلك دم فساد، ولكن الأحكام المذكورة في جميع ذلك
لا تختلف " انتهى.
266

(وإذا تجاوز الدم) أكثر الحيض الذي هو (عشرة أيام وهي ممن تحيض فقد
امتزج حيضها) ظاهرا وواقعا (بطهرها) كذلك، وحينئذ (فهي إما مبتدأة) بالكسر
أي ابتدأت بالدم، أو بالفتح أي ابتدأها الدم، وهي من لم تسبق بحيض كما في المعتبر
ويعطيه ظاهر اللفظ، وذيل مرسل يونس الطويل (1) فتكون المضطربة حينئذ أعم
من الناسية أو من لم تستقر لها عادة، لكن الذي يظهر من المصنف هنا حيث خص
المضطربة في القسم الأول أن المراد بالمبتدأة من لم تستقر لها عادة سواء كان ذلك لابتداء
الدم أو لعدم انضباط العادة كما نص عليه بعضهم، بل في الروضة أنه أشهر، وفي المسالك
أنه المشهور، ولعل الاختلاف في ذلك لفظي، لعدم تعليق حكم في الأخبار على لفظ
المبتدأة، وما في الروضة والرياض أن فائدته رجوع القسم الثاني من المبتدأة إلى أهلها
وعدمه ضعيف، لتبعية الحكم للدليل لا لمجرد الاصطلاح، نعم ستسمع فيما يأتي أن
الظاهر من كثير من الأصحاب إرادة الثاني من المبتدأة. (أو ذات عادة مستقرة)
وقتا وعددا أو أحدهما (أو مضطربة) القلب لنسيانها العادة وقتا أو عددا أو معا،
وتسمى حينئذ المتحيرة، وربما تطلق المضطربة على ما يشملها ومختلفة الدم، فلم تستقر
لها عادة كما عرفت ذلك مما تقدم في المبتدأة.
وكيف كان (فالمبتدأة) بالمعنى الأعم (ترجع) أولا (إلى اعتبار الدم،
فما شابه دم الحيض) في صفاته الثابتة له (فهو حيض، وما شابه دم الاستحاضة) في
صفاتها كذلك (فهو استحاضة) كما في المبسوط والوسيلة والسرائر والجامع والمعتبر
والنافع والقواعد والمنتهى والتحرير والدروس والبيان وجامع المقاصد وغيرها، بل
لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين، بل في المعتبر نسبته إلى فقهاء أهل البيت (ع) والمنتهى
والتذكرة إلى علمائنا مع زيادة (أجمع) في الأخير، لكن معقده فيها المبتدأة، والمتيقن

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 3
267

منها المعنى الأخص كالمتيقن من إجماع الفرقة المحكي في الخلاف أيضا، ويدل عليهما
مضافا إلى ذلك المعتبرة المستفيضة الدالة على اعتبار الصفات، (منها) الحسن كالصحيح
عن حفص بن البختري (1) قال: " دخلت على الصادق (عليه السلام) امرأة فسألته
عن المرأة يستمر بها الدم، فلا تدري أحيض هو أو غيره؟ قال فقال إن دم
الحيض حار عبيط أسود. له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان
للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة، فخرجت وهي تقول: والله أن لو كان امرأة
ما زاد على هذا " و (منها) خبر معاوية بن عمار (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام):
إن دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد، إن دم الاستحاضة بارد، وإن
دم الحيض حار " و (منها) خبر إسحاق بن جرير (3) قال: " سألتني امرأة منا
أن أدخلها على أبي عبد الله (عليه السلام) - إلى أن قال -: قالت: إن أيام حيضها
تختلف عليها، وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك، فما علمها
به، قال: دم الحيض ليس به خفاء، هو دم حار تجد له حرقة، ودم الاستحاضة
دم فاسد بارد، قال: فالتفتت إلى مولاتها، فقالت: أتراه كان امرأة مرة "
إلى غير ذلك.
وخصوص سؤال الأخير لا يصلح للحكم على جوابه فضلا عن غيره، فهذه
الأخبار - مع اعتبارها في نفسها واشتمالها على ما هو كالمعجز، واعتضادها بما سمعت
من الاجماعات التي يشهد لها التتبع لكثير من كلمات الأصحاب - تحسم مادة التوقف
في هذا الحكم بالنسبة إليهما معا، سيما مع عدم معارض لها سوى ما عساه يظهر من ذيل
مرسل يونس الطويل (4) من اختصاص الرجوع للتمييز بالمضطربة التي كانت لها أيام

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 1 - 3
(4) الفروع (باب جامع في الحائض والمستحاضة) حديث 1 من كتاب الحيض
268

متقدمة، ثم اختلط عليها من طول الدم، فزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها
من الشهر، وأن المبتدأة التي لم تسبق بدم تكلف أبدا بالتحيض في علم الله بستة أو سبعة،
وهو - مع إعراض الأصحاب عنه في خصوص ذلك فلا جابر له بالنسبة إليه، والتشوش
في متنه الذي يظن معه أن فيه تصرفا من الراوي كما لا يخفى على من لاحظ ذيله بتمامه
ومعارضته بغيره - لا يقاوم ما تقدم، ومن هنا كان المتجه تنزيلها على ما إذا كان الدم
بلون واحد كما عساه يشعر به التشبيه في ذيله بقصة حميئة بنت جحش، بل قد يفهم من
قوله (عليه السلام) في آخره (وإن اختلط) إلى آخره الدلالة على المطلوب، كقوله
(عليه السلام): (وإن لم يكن الأمر كذلك) في أحد الاحتمالات، وإن كان الأظهر
فيه إرادة بيان المضطربة (1)

(1) قال فيه: " وهذه السنن الثلاثة لا تكاد أبدا تخلو من واحدة منهن إن كانت لها
أيام معلومة من قليل أو كثير فهي على أيامها وخلقها الذي جرت عليه ليس فيه عدد
معلوم موقت غير أيامها. وإن كان اختلطت الأيام عليها وتقدمت وتأخرت وتغير عليها
الدم ألوانا فسنتها إقبال الدم وإدباره وتغير حالاته، وإن لم يكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت
أول ما رأت فوقتها سبع، وطهرها ثلاث وعشرون، وإن استمر بها الدم أشهرا فعلت
في كل شهر كما قال صلى الله عليه وآله لها، فإن انقطع الدم في أقل من سبع أو أكثر فإنها تغتسل ساعة
ترى الطهر وتصلي، فلا تزال كذلك حتى تنظر ما يكون في الشهر الثاني، فإن انقطع الدم
لوقته في الشهر الأول سواء حتى توالى عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم أن ذلك قد صار
لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه - إلى أن قال -: وإن اختلط عليها
أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف على حد ولا من الدم على لون عملت باقبال الدم
وإدباره، وليس لها سنة غير هذا، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إذا أقبلت
الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي " ولقوله (صلى الله عليه وآله) " إن
دم الحيض أسود يعرف " كقول أبي (عليه السلام): " إذا رأيت الدم البحراني " فإن
لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارة وكان الدم على لون
واحد وحالة واحدة فسنتها السبع والثلاث والعشرون، لأن قصتها كقصة حميئة حين
قالت: إني أثجه ثجا " فتأمل جيدا. " منه رحمه الله "
269

وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في الحكم لذلك بعد ما عرفت، فما وقع لصاحب
الحدائق - من الاشكال فيه بالنسبة إلى المبتدأة لهذا المرسل وللأخبار (1) الواردة فيها
إذا استمر بها الدم الآمرة لها بالرجوع للعشرة في الدور الأول، والثلاثة في الدور
الثاني، ويقرب منها غيرها مع عدم ذكر الرجوع للصفات في شئ، وتخصيصها بأخبارها
ليس بأولى من العكس - لا ينبغي أن يلتفت إليه، إذ لا أقل من أن يكون كلام
الأصحاب وإجماعاتهم سببا للأولوية، مضافا إلى قوة أخبار الصفات من جهات، وكذا
ما يظهر من ابن زهرة في غنيته من عدم ذكر التمييز للمبتدأة، بل جعل مدارها على
أكثر الحيض وأقل الطهر، وما يظهر من أبي الصلاح في الكافي من جعل مدار المبتدأة
على عادة نسائها، وكذا المضطربة التي لا تعرف زمان حيضها من طهرها، لكن ذكر
في الثانية أنها إن لم يكن لها نساء تعرف عادتهن اعتبرت صفة الدم، كل ذلك لما عرفت.
نعم (بشرط) في رجوعها إلى التمييز (أن يكون ما شابه دم الحيض
لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة) كما في المبسوط والمعتبر والمنتهى والقواعد
والتحرير والدروس والبيان والتذكرة وجامع المقاصد وغيرها، بل في أول الأخيرين
الاجماع، كما عساه يظهر من المعتبر، وفي الآخر نفي الخلاف فيه، وقضية ذلك أنها
لا تتحيض بالناقص ولو باكماله، ولا بالزائد ولو بتنقيصه، وهو مما ينبغي القطع به مع
عدم الاكمال أو التنقيص، لما دل على أن أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة من
النصوص (2) والاجماعات، وبها مضافا إلى ما سمعت هنا بل في كشف اللثام الاتفاق

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 5 و 6
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض
270

عليه أيضا يقيد إطلاق أخبار الصفات، فما في الحدائق - من الاشكال في ذلك لاطلاق
أخبار الصفات سيما مرسل يونس الطويل للتصريح فيه بالرجوع إليها قلت أو كثرت -
لا ينبغي أن يصغى إليه، لورود أكثرها في بيان الوصف لا بيان المقدار، وعدم
الصراحة في المرسل، لاحتمال إرادة أقل الحيض وأكثره، ومع التسليم يجب طرحه
في مقابلة ما ذكرنا، والأمر واضح.
نعم قد يقال: إن مقتضى الجمع بين ما دل على التميز وبين ما دل على أقلية
الحيض وأكثريته هو تكميل الناقص بما يبلغ الأقل، وتنقيص الزائد بما يمكن حيضيته،
وفيه أنه ليس بأولى من الجمع بين ما دل على الأقلية وما دل على أن الفاقد استحاضة
باستكشاف عدم حيضية الناقص، ولا بأولى من أن يقال في صورة الزيادة: إنه قد
امتزج الحيض بالطهر فلم يعلم، وترجيح أحدهما على الآخر ترجيح من غير مرجح،
لكن قال في كشف اللثام: " إنه هل يفيد أي الناقص والزائد التحيض ببعض الثاني،
وبالأول مع إكماله بما في الأخبار (1) أو بعادة النساء؟ قطع الشيخ في المبسوط بالأول،
فقال: إذا رأت أولا دم الاستحاضة خمسة أيام ثم رأت ما هو بصفة الحيض باقي الشهر
تحكم في أول يوم ترى ما هو بصفة الحيض إلى تمام العشرة بأنه حيض، وما بعد ذلك
استحاضة، وإن استمر على هيئته جعلت بين الحيضة والحيضة الثانية عشرة أيام طهرا،
وما بعد ذلك من الحيضة الثانية، ثم على هذا التقدير - إلى أن قال -: ولا يبعد
عندي ما ذكره الشيخ، ولا التحيض بالناقص مع إكماله، لعموم أدلة التميز، وتبعه
في الرياض معللا لهما بذلك " وفيه - مع منافاته للأصل وللشرطية التي قد عرفت دعوى
الاجماع عليها المعتضد بنفي الخلاف، إذ قضيتها أنها تكون حينئذ بمنزلة الفاقدة للتمييز -
أنه مناف في الصورة الأولى لما دل على عادة النساء، إذ قد تكون أقل من عشرة،

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض
271

وقد تكون في أول الشهر مثلا، بل ولما دل على التحيض بالروايات، لما ستسمع أن
مقتضى الجمع بينها الثلاثة في شهر وعشرة في آخر، أو سبعة في كل شهر، لا الالزام
بالعشر بعد مضي أقل الطهر دائما، على أنك قد عرفت أن أدلة التمييز لا بد من تقييدها
بما ذكرنا، فلا تصلح مدركا لذلك، وكيف وقد تقدم أن دلالة الواجد على التحيض
ليس بأولى من دلالة الفاقد على عدمه، وأيضا فقضية كلام الشيخ إلزامها بالعشر فيما
إذا لم تر إلا الجامع وقد استمر، مع أنه مورد الرجوع إلى عادة النساء والتحيض
بالروايات، كما أن قضية كلام كاشف اللثام إلزامها بوضع عادة النساء أو الروايات بمجرد
رؤياها الساعة والساعتين من السابع مثلا، وكل ذلك مخالف لما تقتضيه الأدلة، ودعوى
أنه قضية الجمع بين ما دل على التمييز وبين ما دل على عادة النساء أو الروايات ممنوعة،
لعدم الشاهد عليه، بل تعليق الرجوع إلى عادة النساء مثلا في كلام الأصحاب على فقد
التمييز يقتضي عدمه، ومجرد الاعتبار لا يصلح لذلك في الجمع بين الأخبار كالاحتياط
مع أنه غير تام في جميع الصور، فالأقوى حينئذ أنها فاقدة التمييز كما في المعتبر والمنتهى
والتحرير وعن التذكرة، ويعطيه كلام غيرهم، فتأمل.
ثم إن قضية اقتصار المصنف كبعض الأصحاب على الشرطين عدم اشتراط غيرهما
لكن صرح بعضهم مضافا إلى ذلك باشتراط عدم قصور الضعيف عن أقل الطهر، وفي
كشف اللثام الشرط الرابع عدم قصور الضعيف المحكوم بكونه طهرا عن أقله، وهو
العشرة، وهو مما لا خلاف فيه، وفي الرياض أنه حكي عليه الاجماع، قلت: ينبغي
القطع إن أريد بذلك عدم الحكم بحيضية الأسودين مثلا المتخلل بينهما أصفر ناقص عن
أقل الطهر مع الحكم بكونه طهرا، لما فيه من منافاة ما تقدم من الأدلة السابقة على أن
أقله عشرة، واحتمال استثناء خصوص المقام من ذلك لأدلة التمييز ضعيف، وإن كان
272

ربما يظهر من بعض قدماء الأصحاب كالشيخ وغيره، للفتوى بمضمون خبر يونس
ابن يعقوب (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المرأة ترى الدم ثلاثة أيام
أو أربعة، قال: تدع الصلاة، قلت: فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة، قال:
تصلي، قلت: فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة، قال: تدع الصلاة، قلت:
فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة، قال: تصلي، قلت: فإنها ترى
الدم ثلاثة أيام أو أربعة قال: تدع الصلاة تصنع ما بينها وبين شهر، فإن انقطع
الدم عنها، وإلا فهي مستحاضة " وخبر أبي بصير (2) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المرأة ترى الدم خمسة أيام، والطهر خمسة أيام، وترى الدم أربعة
أيام، وترى الطهر ستة، فقال: إن رأت الدم لم تصل، وإن رأت الطهر صلت
ما بينها وبين ثلاثين يوما، فإذا تمت لها ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت " الخبر.
لكن قد عرفت سابقا أنه وإن نزلهما الشيخ على امرأة اختلطت عادتها في الحيض
وتغيرت عن أوقاتها ولم يتميز لها دم الحيض من غيره، أو ترى ما يشبه دم الحيض
أربعة أيام وترى ما يشبه دم الاستحاضة مثل ذلك، فإن فرضها ترك الصلاة كل ما رأت
ما يشبه دم الحيض، وتصلي كل ما رأت ما يشبه دم الاستحاضة إلى شهر إلا أن مراده
كما يظهر من المصنف في المعتبر أنه ليس طهرا يقينا ولا حيضا يقينا، بل هو دم مشتبه
تعمل فيه بالاحتياط، فلا منافاة فيه حينئذ لما دل على أقلية الطهر، فظهر لك حينئذ
أنه لا وجه للانكار على الأصحاب بالنسبة إلى هذا الشرط إن أريد به ما ذكرنا،
وكيف مع أن ما دل على أقل الطهر أو أكثر الحيض أقوى بمراتب.
نعم ربما يناقش فيه إن أريد باشتراطه اخراج نحو ذات الضعيف المتخلل بين
أسودين يمكن حيضية كل منهما عن التميز كما لو رأت ثلاثة أسود، وثلاثة أصفر،
وثلاثة أسود، ثم انقلب أصفر واستمر، فإن الحكم بكون مثلها فاقدة التمييز لا يخلو

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 3
273

من إشكال كالحكم بكون حيضها الأسود الثاني فقط، إذ يمكن القول بل لعله الأقرب
بحيضية الأسودين مع المتخلل بينهما، قضاء لأدلة التمييز المستلزمة لحيضية المتخلل، لعدم
قصور أقل الطهر عن عشر، واحتمال القول أنه ليس بأولى من الحكم بطهارة المتخلل
قضاء لأدلته المستلزم للحكم بكون أحد الأسودين طهرا، ومن تعارضهما يتجه حينئذ
كون مثلها فاقدة التمييز مدفوع بأن احتمال الحيضية مقدم على غيره، كما يوضحه ما تقدم
سابقا من الحكم بحيضية النقاء الذي هو أولى من الصفرة في الطهر المتخلل بين الدمين
الممكني الحيضية في العشرة إذا انقطع، ولعله لأن الحيض يثبت بمجرد إمكانه دون
الطهر، اللهم إلا أن يفرق بالاجماع ونحوه، كظهور النص بل صريحه بكون الجامع
دم حيض، والفاقد دم الاستحاضة، وغير ذلك، وحينئذ يتجه كون مثلها فاقدة التمييز
وأولى منها في فقده ما لو رأت ثلاثة دم الحيض وثلاثة دم الاستحاضة، ثم رأت الأسود
واستمر إلى الستة عشر، فإنه لا يمكن الحكم بحيضيتهما معا، لتجاوز أكثر الحيض،
ولا بالأول فحسب، للزوم الترجيح بلا مرجح كالثاني فقط أيضا، ولم يثبت الترجيح بالأسبقية
كما لم يثبت بالأكثرية، فما في المبسوط من أن حيضها في المفروض العشرة وأن الستة
السابقة استحاضة ضعيف، وأن وجهه المصنف بأنه لما حكم بأن الثلاثة استحاضة خرج
ما قبله، فإنه لا ترجيح لاخراج السابق على اخراج اللاحق، فتأمل. ولذا كان الأقرب
في مثل ذلك كما في كشف اللثام وعن التذكرة واستحسنه المصنف أنها فاقدة التمييز،
فترجع إلى عادة النساء أو الروايات.
نعم يشكل مثل ذلك فيما ذكرناه أولا، وأشد منه إشكالا ما لو كان الأسود
مستمرا تمام العشرة مثلا إلا ساعة أو ساعتين تخللتا في الرابع أو الخامس أو نحوهما،
وكذا فيما لو رأت ثلاثة أسود مثلا، ثم أصفر إلى التاسع، فرأته أسود يوما أو يومين
ثم عاد إلى الأصفر، فإن الحكم بجميع ذلك أنها فاقدة التمييز لقصور الضعيف عن أقل
274

الطهر لا يخلو من إشكال ونظر كما عرفت، ولعل مراد من اشترط ذلك أنه لا يحكم
بحيضية الأسودين وأن ما بينهما طهر إلا أن يكون الضعيف أقل الطهر، فتأمل جيدا،
فإني لم أعثر على تنقيح لذلك في كلامهم، والله أعلم، ولعله لذلك ترك اشتراطه بعضهم
كالمصنف وغيره لبداهة بعض ما يخرج به واستغنائه باشتراط عدم تجاوز أكثر الحيض
عن بعض آخر، وإمكان منع غيرهما، فتأمل، وربما اشترط بعضهم زيادة على ما تقدم
عدم المعارضة بالعادة، وكأن المصنف استغني عنه لفرضه المسألة في المبتدأة، كما أنه
استغنى بفرضه الاشتباه بالاستحاضة عن اشتراط عدم الخروج من الأيسر، بناء على
عدم خروج الحيض منه، وكاستغنائه أيضا بفرضه المسألة في المتجاوز عن العشرة عن
اشتراطه التجاوز في الرجوع للتمييز، وكذا ما اشترط بعدم المعارضة بصفة أقوي،
فإنه ليس في الحقيقة شرطا للتميز أو الرجوع إليه، لتحققهما مع المعارضة المذكورة،
لكنها ترجع إلى الأقوى على القول به كما ستسمع.
فنقول إن بعضهم اشترط في التمييز اختلاف الدم، وكأنه مستغني عنه، لعدم
تحقق التمييز بدونه، ولا إشكال في التمييز بالنسبة إلى الصفات المستفادة من الأدلة
المتقدمة سابقا في الحيض والاستحاضة، لكن اعتبر بعضهم هنا التمييز مضافا إلى ذلك
بالرائحة، فذو الكريهة حيض، وفاقدها استحاضة، ولم أعثر على ما يدل على ذلك،
نعم قيل إنه تشهد به التجربة وبعض الأخبار العامية (1) وفي الاعتماد عليهما نظر،
اللهم إلا أن يفهم من الأدلة أن المدار على ظن الحيض، ولعله لذلك اعتبر بعضهم
القوة والضعف بالنسبة إلى الصفات المنصوصة، فجعل الأسود قويا بالنسبة للأحمر،
والأحمر قويا بالنسبة للأشقر، والأشقر قويا بالنسبة إلى الأصفر والأكدر،
والأصفر قويا بالنسبة للأكدر أيضا، بل ربما اعتبر القوي بالنسبة إلى غير اللون من

(1) كنز العمال - ج 5 - ص 97 - الرقم 2098
275

الصفات كالحرارة ونحوها فجعل الأقوى حرارة مثلا مقدما على ضعيفها، ومنه ينقدح
اعتبار القوة أيضا في اللون الواحد كالأشد سوادا بالنسبة إلى الأسود، كما أنه صرح
بأن ذا الثلاثة قوي بالنسبة لذي الاثنين، وهو قوي بالنسبة لذي الواحدة، وهو قوي
بالنسبة للفاقد، أما لو اتصف بعض بصفة وآخر بأخرى احتمل الترجيح بالتقدم
وعدمه، أو الترجيح بالنسبة إلى الصفتين إن أمكن، كما أنه ينبغي مراعاة الميزان أيضا
عند تعارض القوة والأجمعية، وفي اعتبار شئ من ذلك مما لا يرجع إلى النصوص
نظر وتأمل، ودعوى استفادة اعتبار مطلق الظن منها لاختلاف أخبار الصفات، وما
عساه يشعر به ذيل مرسل يونس الطويل وغيره ممنوعة، مع المناقشة في حصولها في
بعضها كدعوى ابتنائه على حجية كل ظن حصل للمجتهد، إذ أقصى ما يسلم منه فيما
كان منصب المجتهد كالأحكام الشرعية والوضعية التي هي كذلك، لا الشئ الذي هو
وغيره فيه على حد سواء فتأمل جيدا. فكان الأصل حينئذ يقتضي عدم الالتزام بشئ
من ذلك مما كان مبناه المظنة المتقدمة، بل لعل ظاهر قوله (عليه السلام) (1): إذا
رأيت الدم البحراني) وقوله (عليه السلام) (2): (إذا كان للدم سواد ودفع) ونحوهما
يقتضي خلافها، لكن مهما أمكن الاحتياط كان أولى، نعم قد يحصل اطمئنان في الحيضية
من ملاحظة لوازمه العرفية في بعض الأوقات، ولا بأس بالاعتماد عليه وإن لم ينص
عليها بالخصوص، والله أعلم.
ثم إنه بناء على ما تقدم إذا اختلف مراتب الدم فاجتمع الأقوى مع الأضعف
منه بمرتبة مثلا أو بمراتب ثم الأضعف منهما، كما لو رأت الأسود ثلاثة أيام، والأحمر
ثلاثة، ثم الأصفر فاستمر، فهل الحيض الأسود فقط، أو هو مع الأحمر؟ وجهان
ينشئان من الأصل وأن الأحمر مع الأسود لو انفردا طهر فكذا إذا انضم مع الأصفر،

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 2
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 4 - 2
276

ومن قوتهما بالنسبة إلى الأصفر وإمكان حيضيتهما وإصالة عدم الاستحاضة، ولذلك
اختلف كلام الأصحاب، فاختار الأول في المعتبر والمنتهى وموضع من التذكرة،
والثاني في الرياض مرسلا له عن نهاية الإحكام وموضع آخر من التذكرة، قلت: ولا
يخلو من قوة في خصوص المثال، لكون السواد والحمرة معا من صفات الحيض، أما
لو فرض المثال بتبديل الأحمر فيه بالأصفر، والأصفر بالأكدر مستمرا فإن الظاهر
خلافه، وإن كان قضية كلامه التزامه، لكونهما معا قويين بالنسبة إلى الأكدر بناء
على ما تقدم من قوة الأصفر عليه، لكنه كما ترى يكاد يكون مخالفا لصريح النص
والفتوى، كما أن إطلاق الأول لا يخلو من إشكال في بعض صوره فلاحظ وتأمل.
بقي شئ ينبغي التنبيه عليه، وهو هل يشترط في الرجوع إلى التمييز كون كله
أو بعضه في ضمن العشرة، أو يكفي ولو كان خراجها؟ كما لو رأت مثلا أحد عشر
أصفر، ثم ثلاثة أسود، ثم انقلب أصفر، فهل تتحيض بالثلاثة فحسب، أو تكون
فاقدة التمييز؟ لم أر تنقيحا لذلك في كلامهم، إلا أنه قد يظهر من تعليقهم الرجوع
للتمييز أو عادة النساء أو الروايات بمجرد تجاوز العشرة الثاني، وكذا مما يفهم من
مطاوي كلماتهم في الاستظهار للمبتدأة وغيرها أن الزائد على العشرة استحاضة، وأنه
من أيام الطهر التي يحكم بكون الدم فيها طهرا وإن كان أسود، بل لعله المنساق من
نحو عبارة المصنف قد امتزج حيضها بطهرها، وقال في الوسيلة في المقام: " إذا رأت
المبتدأة ثلاثة أيام متواليات عرفت يقينا أنه دم حيض، فإذا استمر إلى تمام عشرة
أيام وجب عليها أن تعمل عمل الحائض، فإذا زاد على عشرة ثلاثة عرفت يقينا أنه
استحاضة، فإذا لم ينقطع جوزت أن ذلك دم حيض، لانقضاء أقل الطهر والحيض،
فيلزمها تعرف الحال بالتمييز، فإن لم يتميز فعادة نسائها " إلى آخره. وتأمله مع التدبر
يشعر ببعض ما ذكرنا، كما أنه ربما يشير إلى ذلك ما في المبسوط قال: " إذا رأت
277

المبتدأة ما هو بصفة الاستحاضة ثلاثة عشر يوما ثم رأت ما بصفة الحيض بعد ذلك واستمر
كان ثلاثة أيام من أول الدم حيضا، والعشرة طهرا، وما رأته بعد ذلك من الحيضة
الثانية " انتهي. وقال المصنف بعد ذكر ذلك عن المبسوط: " فيه إشكال لأنه لم يتحقق
لها تمييز، لكنه إن قصد أنه لا تمييز لها وأنه يقتصر على الثلاثة لأنه اليقين كان وجها "
انتهي. ونحوه عن التذكرة، وأصرح من هذه العبارات عبارة الشهيد في الدروس،
حيث قال في المقام: " أما المبتدأة فظاهر الأصحاب أنها تمكث في الدور الأول إلى
العشرة، فإذا تجاوزت اعتبرت التمييز فيما مضى، ثم ذكر شروطه - إلى أن قال -: فإن
فقدته جعلت عادة نسائها، فإن فقدت رجعت إلى الروايات، فإذا جاء الدور الثاني
اعتبرت التمييز وعادة النساء والروايات في نفس العشرة " انتهي. فإن قوله فيما مضى
ونحوه كاد يكون كالصريح في اعتبار الأمور الثلاثة في نفس العشرة، فتأمل. لكن
قد يظهر من الذكرى وجامع المقاصد خلاف ذلك، حيث قالا: إنه قد تترك ذات
التمييز العبادة عشرين يوما، كما لو رأت عشرة أيام أحمر، ثم انقلب أسود تمام
العشرة الثانية إذا فرضها حينئذ الرجوع إلى الأقوى، بل في الأخير إمكان الزائد
على ذلك أيضا فيما لو فرض مجئ الأقوى من الثاني، وربما يؤيده إطلاق ما دل على
التمييز المتحقق في ضمن العشرة وغيرها، والمسألة لا تخلو من إشكال، نعم الظاهر
من كلمات الأصحاب وغيرها الاكتفاء في تحقق التمييز بمضي أقل الطهر، فلا يحتاج
مضي شهر أو أكثر، وعليه حينئذ يمكن أن تتحيض المرأة به في الشهر الواحد ثلاث
مرات، كما لو رأت أسود ثلاثة أيام، ثم أصفر عشرة، ثم أسود ثلاثة أيام، ثم عشرة أصفر، ثم جاءها
الأسود إلا أنه قد يشكل بما دل (1) على أن الحيض في الشهر مرة، ويشعر به أيضا أخبار التحيض (2)

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض
278

بالروايات المتضمنة لأخذ مقدار مخصوص في كل شهر، لكن قد يرجح عموم أدلة التمييز
عليه بفهم الأصحاب.
وكيف كان (فإن) فقدتاه بأن (كان) الدم (لونا واحدا ولم يحصل
فيه شريطتا التمييز) أو أحدهما (رجعت) المبتدأة (إلى عادة نسائها) كما في المبسوط
والخلاف والجامع والسرائر والنافع والقواعد والدروس واللمعة والروضة والتنقيح
وشرح المفاتيح وغيرها، بل في الأخير الاجماع وفي سابقه نفي الخلاف فيه، كما
عساه تشعر به أيضا عبارة السرائر كاشعار نسبته إلى علمائنا في التذكرة، ونسبة مضمرة
سماعة الآتية إلى الأصحاب في المنتهى وغيره بالاجماع، وفي المعتبر أن عليه اتفاق
الأعيان من فضلائنا، بل حكي عن الخلاف الاجماع عليه في موضعين، وإن كان
الظاهر أنه وهم، نعم قد تحتمله عبارته، تدبر ويدل عليه - مضافا إلى ذلك وإلى حصول الظن به
من تقارب الأمزجة المحتمل اعتباره في خصوص المقام - مضمر سماعة (1) قال: " سألته
عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام أقرائها، فقال:
أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كن نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام، وأقله
ثلاثة " وقول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة ومحمد بن مسلم (2): " يجب للمستحاضة
أن تنظر بعض نسائها، فتقتدي بأقرائها، ثم تستظهر بيوم على ذلك " مؤيدا بقول
الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (3): " النفساء إن كانت لا تعرف أيام
نفاسها فابتليت جلست مثل أيام أمها أو أختها أو خالتها، واستظهرت بثلثي ذلك " والمناقشة
في هذه الأخبار - بقصور السند، والاضمار في الأول، وشمول الأخيرين للمضطربة
ولا قائل به، كاكتفائهما ببعض النسوة بل كاد يكون صريح الثاني - لا يصغي إليها

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 20
279

بعد الانجبار بما عرفت، مع أن الأخيرين من قسم الموثق، وهو حجة عندنا، وعدم
قدح الاضمار في نفسه كما تقدم غير مرة، بل في الرياض " أنه يمكن إرجاعهما إلى ما عليه
الأصحاب بدفع الأول بتقييده بالمبتدأة، والثاني بانحصار النسوة بالبعض أو عدم التمكن
من استعلام حال الباقيات للتشتت " انتهي.
قلت: وظاهره تخصيص هذا الحكم عند الأصحاب بالمبتدأة بالمعني الأخص كما
صرح به في أول كلامه، وهو لا يخلو من نظر وتأمل، إذ قد عرفت سابقا أن
المبتدأة تطلق في عبارات الأصحاب في مقابلة المتحيرة، فتشمل حينئذ من لم تستقر لها
عادة، بل قد عرفت أنه نسبه إلى المشهور في المسالك، وإلى الأشهر في الروضة، وإلى
العلامة ومن تأخر عنه في الحدائق، وأنه الظاهر من المصنف بل من المبسوط والوسيلة
والسرائر والجامع والموجز الحاوي والقواعد والمنتهى والتذكرة وغيرها كما لا يخفى على
من لاحظ عبارات هؤلاء، مع ما فيها من الشواهد على ذلك من حصر أقسام المستحاضة
بالمبتدأة وذات العادة ونحو ذلك، بل كاد يكون كالصريح من بعضهم، ولذا قال في
جامع المقاصد: " إن ظاهر العبارة أن المبتدأة من لم يسبق لها عادة في الحيض، لأنها مقابل
المعتادة، وأن المضطربة من سبق لها عادة في الحيض ونسيتها - ثم ذكر تفسير المعتبر لها
بأنها التي تبتدئ الدم، وللمضطربة بالتي لم تستقر لها عادة، قال -: وهذا التفسير
صحيح إلا أن الأول تجري عليه أحكام الباب، فإن من لم تستقر لها عادة ترجع إلى
النساء مع فقد التمييز كالتي ابتدأت الدم، والمضطربة لا ترجع إلى النساء لسبق عادتها "
انتهي. كل ذا مع شمول الموثقين المتقدمين له، وعدم صلاحية المرسل المتقدم لتقييدهما به،
إذ لا منافاة بينهما، بل لعل قول السائل فيه: (فلا تعرف أقرائها) يشعر بأن علة
الرجوع إلى عادة النساء ذلك لا كونها مبتدأة، مع أنه الموافق للاعتبار المتقدم أيضا.
280

على أن في تقييد خبر النفساء بالمبتدأة ما لا يخفى، بل وسابقه أيضا، لما في قصر
المطلق على الفرد النادر، وما أدري ما الذي دعاه إلى تخصيص المبتدأة بالمعني الأول،
وكأنه لتصريح جملة من الأصحاب في خصوص المقام بخروج المضطربة عن هذا الحكم
وتخصيصه بالمبتدأة أو لأن ثبوت اختلافها مع نسائها يمنع من الرجوع إليها عند الاشتباه
لكن عرفت أن مرادهم بالمضطربة المتحيرة، كما يشعر به تعليله في الذكرى وغيرها
ذلك بأنها قد سبقت لها عادة ونسيتها، وهو لا يشمل ما نحن فيه، والثاني مجرد اعتبار
لا يصلح مدركا للأحكام الشرعية، مع عدم تماميته في جميع الصور، كما لو لم يجئها
الدم إلا مرة واحدة وافقت به نساءها ثم استمر بالمرة الثانية، وأيضا فمثله وارد بالمبتدأة
بالمعنى الأخص إذا اتفق تمييزها بالدورين الأولين مخالفا لنسائها ولم يثبت لها عادة فإنها
إذا فقدته في الدور الثالث ترجع إلى نسائها وإن ثبت اختلافها معهن، ودعوى الفرق
بين الاختلاف التمييزي وغيره ممنوعة، لكون التمييز عندهم يجري مجرى الحيض المعلوم،
ولهذا تثبت العادة به لو اتفق تكريره جامعا لشرائطها.
فظهر لك من ذلك كله أن الأقوى ثبوت هذا الحكم للمبتدأة بالمعنى الأعم فضلا
عن المعنى الأخص، وما في رواية السنة (1) من ظهور رجوع المبتدأة بالمعنى الأخير
فضلا عن الأول إلى التحيض في علم الله في كل شهر بستة أو سبعة لا بد من تقييده،
لعدم مكافاته لما تقدم، كغيره من الأخبار التي ستسمعها إن شاء الله في المرتبة الثالثة،
وهو التحيض بالروايات، بل احتمل في الذكرى أن المراد بعلم الله أي فيما علمك من
عادة النساء، فإنه الغالب عليهن، وهو وإن كان بعيدا في نفسه لكن لا بأس به في
المقام، فما يظهر من المصنف في المعتبر من التردد في الحكم وتبعه بعض متأخري المتأخرين
ضعيف، كالمنقول من الخلاف فيه كما تقدم من الغنية، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 3
281

ثم إن ظاهر النص والفتوى إطلاق الرجوع إلى عادة النساء أو الأهل من غير
تقييد بالوقت أو العدد خاصة، سوى ما عن المسالك من التقييد بالثاني، لكنه
لا يخلو من نظر، لما عرفت من الاطلاق القاضي بالزامها بالرجوع إلى عادة نسائها فيهما
معا، وكأنه أخذه من تبادر العدد في خصوص المقام، على أنه لو اعتبر الاتفاق فيهما
لكفى في صدق الاختلاف الذي علق عليه زوال هذا الحكم بالوقت فقط وإن انضبط
العدد، وإلا لوجب الرجوع إلى الوقت عند انضباطه وإن اختلف العدد، وهما معا
بعيدان، إلا أنه قد يدفع ذلك بأنه لا تلازم بين وجوب الرجوع إلى الوقت والعدد
عند الاتفاق، قضاءا للتشبيه وعدم صدق الاختلاف إلا بالعدد خاصة وإن اتفقن في
الوقت، فتأمل فإنه دقيق.
ثم إنه هل يعتبر في هذا الحكم اتفاق جميع نسائها من الأبوين أو أحدهما كما عساه
يشعر به قول المصنف: (إن اتفقن) وهو ظاهر المعتبر واختاره بعض متأخري المتأخرين
ويعطيه بعض عبارات الأصحاب كظاهر المنقول عن نهاية الإحكام من أنه لو كن نساؤها
عشرا فاتفق تسع رجعت إلى الأقران، أو يكفي اتفاق الأغلب منهن كما هو صريح
الذكرى، أو يكفي البعض ولو واحدة كما يقتضيه الموثقان المتقدمان، أو بشرط عدم
التمكن من استعلام الباقي؟ احتمالات، لكن ينبغي القطع بفساد الأول منها لتعذره
أو تعسره سيما إن أريد الأحياء والأموات والقريب والبعيد، كما أنه ينبغي القطع بفساد
الاكتفاء بالواحدة ولو علم الاختلاف، لعدم القائل به مع عدم العلم بالاختلاف فضلا
عن أن يكون معه، مع ظهور لفظ النساء وتعليق الحكم على الاختلاف في خلافه، نعم
لا يبعد في النظر الاكتفاء بالأغلب مع عدم العلم بالخلاف، بل وبالبعض المعتد به سيما
إذا كان الطبقة القريبة وإن لم تكن أغلبا، لظهور الموثقين (1) السابقين فيه، وشمولهما

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 1 والباب - 3 - من
أبواب النفاس - حديث 2
282

لما لا نقول به لا يخرجهما عن الحجية، مع عدم صراحة قوله لفظ النساء بإرادة شرطية
الاستغراق، بل قد عرفت أنه ينبغي القطع بعدمه، نعم يستفاد من قوله: (فإن كن
مختلفات) أن الاختلاف مانع لا أن الاتفاق شرط، بل لم يثبت كونه مانعا مع اتفاق
الأغلب لالحاق المشكوك فيه بالأعم الأغلب، بل الظاهر تناول لفظ النساء لذلك،
فكان الأظهر حينئذ الاكتفاء بالأغلب مطلقا وبالبعض المعتد به مع عدم العلم بالاختلاف
سيما مع قرب الطبقة أو عدم التمكن من استعلام حال الباقي، فتأمل. كما أن الأقوى
أيضا عدم اعتبار اتحاد البلد في ذلك وإن ظهر من الشهيد في الذكرى اختياره، لاطلاق
ما سمعته من الأدلة السابقة، ودعوى تبادره من لفظ نسائها كدعوى ظهور مدخليته
بالنسبة إلى الأمزجة ممنوعتان، وأن الأقوى أيضا أنه مع تحقق صدق الاختلاف المعتد
به لا يثمر اتفاقهن على القدر المشترك بينهن من العدد، فلا يرجع إليه وإن كان محتملا
إلا أن الظاهر ذلك لصدق اسم الاختلاف الذي علق الانتقال إلى الروايات عليه،
وكذا لا يثمر اتفاقهن في الوقت كما أشرنا إليه سابقا لذلك أيضا ونحوه.
(وقيل) كما هو خيرة النافع والبيان والدروس من دون تقييد في الأول بالبلد
وعن التلخيص وظاهر المنقول عن المهذب (أو عادة ذوات أسنانها من بلدها) بل هو
المشهور نقلا وتحصيلا، إلا أنه بالترتيب على فقد النساء أو اختلافهن، وإن اختلفت
عباراتهم بالنسبة إلى ذلك، فما بين معلق له عليهما معا بدلا كالمبسوط والقواعد والإرشاد
وعن الاصباح ونهاية الإحكام، وآخر على الأول خاصة كالوسيلة والسرائر والتحرير
والمختلف وعن جمل الشيخ واقتصاده وغيرها، لكن مع التقييد باتحاد البلد في الأولين
كالكتب المتقدمة عليهما، وثالث على الأخير خاصة كاللمعة، ولعله أجود من غيره،
اللهم إلا أن يراد بفقد النساء فقد العلم بعادتهن بموت أو نحوه، وكيف كان فلا
دليل على أصل الحكم سوي ما يقال: من حصول الظن بالمساواة معه، واحتمال شمول
283

لفظ نسائها لصدق الإضافة بأدنى ملابسة، وقول الصادق (عليه السلام) في مرسل
يونس (1): " إن المرأة أول ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم فيكون حيضها عشرة
أيام، فلا تزال كل ما كبرت نقصت حتى ترجع إلى ثلاثة " لظهوره في توزيع الأيام
على الأعمار، وما عن بعض النسخ من تبديل الهمزة في أقرائها في مقطوعة سماعة (2)
وموثقة ابن مسلم (3) بالنون، وبه حينئذ يظهر قوة الدخول تحت نسائها، كل ذا
مع الانجبار بالشهرة.
وفي الكل نظر لعدم ثبوت اعتبار مثل هذا الظن في خصوص المقام، بل ثبوته
هنا يقضي بسقوط الرجوع إلى الروايات، لندرة اختلاف غالب أقرانها إن اعتبرناه
فضلا عن مطلق البعض إن قلنا بالاكتفاء، وصدق الإضافة بأدنى ملابسة لا يقتضي
تبادرها، على أن ذلك يقضي بالاكتفاء بالاتحاد بالسن أو البلد كما أنه يقتضي عدم
الترتيب، وهو خلاف المشهور كما عرفت، ومنع إشعار المرسل بحيث يصلح للحجية،
كما أنه ينبغي القطع بفساد ما ينقل عن بعض النسخ في نحو مقطوعة سماعة (4) كما لا يخفى
على من تأملها على تقدير ذلك، نعم لعل له وجها في مثل الموثقة المتقدمة (5) مع شهادة
لفظ نسائها للهمزة، بل هو المناسب للتفريع كما لا يخفى على المتأمل فيها، وأيضا فلا
يصلح شئ مما ذكر للترتيب، بل قضيتها التخيير، وهو خلاف المشهور، كما أنه لا شئ
يقتضي اشتراط اتحاد البلد سوى دعوى أنه المتيقن وأن له تأثيرا في اختلاف الأمزجة،
ودعوى استفادة الترتيب من تبادر الأهل من لفظ نسائها، ومن اتفاق الأعيان على
الأهل دونه، والتصريح به في خبر أبي بصير كما ترى، نعم قد يقال: إن جانب

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الحيض - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2 - 1
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 1 - 2 - 1
284

الظن بالأهل أقوى، وبأنه طريق الجمع بين الأخبار على تقدير قراءة النون، وغير
ذلك من التعليلات له ولأصل الحكم التي يشكل الاعتماد عليها سيما على المختار من عدم
حجية كل ظن حصل للمجتهد، ومن هنا أنكره في المعتبر والمنتهى، وتبعهما جماعة ممن
تأخر عنهما، بل في المنتهى أن الصدوق والسيد لم يذكرا الأقران، قلت: وكذا
الخلاف والجامع كما عن الكافي لأبي الصلاح، وهو الذي تقتضيه مقطوعة سماعة
المتقدمة وغيرها من الروايات التي ستسمعها، بل عن الشيخ في الخلاف الاجماع على
مضمون مقطوعة سماعة، فتأمل جيدا، فالأولى اسقاط هذه المرتبة، والاقتصار
على التمييز وعادة النساء.
(فإن) فقد العلم بعادتهن أو (كن مختلفات) اختلافا يمتنع الرجوع معه
(جعلت) المبتدأة بالمعنى الأعم بل والمتحيرة عند المصنف في جميع أدوارهما (حيضها
في كل شهر سبعة أيام أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر مخيرة فيهما) لكنه خير في
المتحيرة في القسم الأول بين الستة والسبعة كما ستسمع، واقتصر على الثاني هنا، وكان
الأولى له العكس لما ستعرف (وقيل عشرة) من كل شهر، ولم نعرف قائله، وقد
يريد به المنسوب إلى ابن زهرة من جعل العشرة حيضا والأخرى طهرا (وقيل ثلاثة)
ثلاثة وهو المنقول عن أبي علي، ومال إليه في المعتبر وبعض متأخري المتأخرين (والأول
أظهر) لأنه بعد كون الفرد الأول من فردي التخيير الغالب في عادات النساء وجه
الجمع بين ما ورد من الأخبار في المقام من قوله (عليه السلام) في مرسل (1) يونس
الطويل - الذي هو كالصحيح، لكون الارسال فيه عن غير واحد، وكون المرسل
يونس الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، بل نقل الشيخ في الخلاف

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 3 مع الاختلاف وفي
الوسائل (حمنة) بدل (حميئة)
285

الاجماع على روايته في خصوص ما نحن فيه، مضافا إلى ما يظهر من ملاحظته من
كثرة الشواهد الدالة على صحته - للمبتدأة: " تحيضي في كل شهر في علم الله ستة أو
سبعة أيام، ثم اغتسلي وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين يوما - ثم قال
الصادق (عليه السلام) فيه بعد ذلك -: وهذه سنة التي استمر بها الدم أول ما تراه
أقصى وقتها سبع، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون - وقال (عليه السلام) أيضا -: وإن
لم يكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت أول ما رأت فوقتها سبع وطهرها ثلاثة وعشرون
- وقال (عليه السلام) فيه أيضا - في التي اختلط عليها أيامها وزادت ونقصت حتى
لم تقف منها على حد ولا من الدم على لون: إنها إن أطبق الدم عليها فلم تزل الاستحاضة
دارة وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة فسنتها السبع والثلاث والعشرون، لأن
قصتها كقصة حميئة حين قالت: إني أثجه ثجا " وبين موثق عبد الله بن بكير (1) قال
" في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة: إنها تنتظر بالصلاة، فلا
تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت
ما تفعله المستحاضة، ثم صلت فمكثت تصلي بقية شهرها، ثم تترك الصلاة في المرة
الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة، وتجلس أقل ما يكون من الطمث، وهو ثلاثة أيام،
فإن دام عليها الحيض صلت في وقت الصلاة التي صلت، وجعلت وقت طهرها أكثر
ما يكون من الطهر، وتركها الصلاة أقل ما يكون من الحيض ".
وموثقة الآخر (2) عن الصادق (عليه السلام) قال: " المرأة إذا رأت الدم في
أول حيضها فاستمر بها الدم ذلك تركت الصلاة عشرة أيام، ثم تصلي عشرين
يوما، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام، وصلت سبعة وعشرين
يوما " وفي الخلاف الاجماع على روايته، ومضمر سماعة (3) قال: " سألته عن جارية

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 6 - 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 6 - 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 6 - 2
286

حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام أقرائها، فقال: أقراؤها
مثل أقراء نسائها، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة، وأقله ثلاثة أيام "
وقول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر الحسن بن علي بن زياد الخزاز (1) قال:
سألته عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة؟ وكم تدع الصلاة؟
فقال: أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة، وتجمع بين الصلاتين "
وما في المعتبر من المناقشة بكون الروايتين ضعيفتين يعني بذلك مرسلة يونس
ورواية ابن بكير الأخيرة معللا ذلك بما ذكره ابن بابويه عن ابن الوليد أنه لا يعمل بما
تفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس، وبأن ابن بكير فطحي لا يلتفت إليه،
لما عرفته من قوة تلك المرسلة من وجوه متعددة، بل في الذكرى أنها مشهورة النقل
مفتى بمضمونها حتى عد إجماعا، وفي الخلاف دعوى الاجماع على مضمونها بالنسبة للمبتدأة
كرواية ابن بكير، مع أن الفطحية لا تمنع من العمل عندنا، بل عنده أيضا كما لا يخفى
على من لاحظ كتابه، مع أن ما نقله عن ابن الوليد معرض بما نقل عن النجاشي أنه
جليل في أصحابنا ثقة عين كثير الرواية حسن التصانيف، مع ما يظهر من الأصحاب
قولا وفعلا من إنكار ما قاله ابن وليد، بل في حاشية المدارك للأستاذ الأعظم أنه
" اتفق علماء الرجال والحديث والفقهاء على عدم قدح ذلك " انتهى.
فمن العجيب طرحه لهذين الروايتين ورجوعه إلى الثلاثة مطلقا، حيث قال:
والوجه عندي أن تتحيض المبتدأة بالمعنى الأعم ثلاثة أيام، لأنه اليقين في الحيض،
وتصلي وتصوم بقية الشهر استظهارا، وعملا بالأصل في لزوم العبادة كالمنقول عن أبي
علي، مع ما فيه من إمكان منع اقتضاء القواعد ما ذكر بعد طرح الروايتين، لعدم إطراد
إصابة لزوم العبادة، بل قد يكون الأصل البراءة منها، سيما بعد ملاحظة استصحاب

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 4
287

الحيض وقاعدة الامكان ونحوهما، ومعارضة الاحتياط في العبادة بمثله، بل لعل المنقول
حينئذ عن ابن زهرة وغيره من جعل الحيض عشرا والطهر كذلك أولى، وإن كان
فيه أيضا طرح لما عرفته من الأخبار (1) المعمول بها بين الأصحاب، ومنافاة لما دل (2)
من الأخبار على أن الحيض في كل شهر مرة التي يشهد لها الوجدان، على أنه لم أعرف لهما
مستندا حينئذ بالنسبة إلى تعيين الثلاثة أو العشرة في أول الشهر أو غيره.
وقضية القواعد فيه حينئذ ترك جميع ما كان في تركه الاحتياط في سائر زمان
الدم كما في غير الصلاة من دخول المساجد والوطئ وقراءة العزائم ونحوها، وأما الصلاة
ونحوها مما تعارض فيه الوجوب والحرمة فيحتمل تغليب جانب الحرمة، كاحتمال العكس في
خصوص الصلاة لشدة أمرها وأنها عماد دينكم، ودعوى احتمال الرجوع إلى اختيارها
في التعيين لا دليل عليه، لكون الفرض طرح العمل بالأخبار، كدعوى احتمال التعيين
في أول الحيض لمكان أسبقيته، وكدعوى احتمال التمسك بما يقتضيه الأصل بالنسبة إلى جميع
ما مر، لرجوعه إلى الشبهة الغير المحصورة، فيجوز دخولها المساجد ونحوه، وأما بالنسبة
للصلاة والصوم فبأصالة براءة ذمتها من حرمة ذلك فيما أرادت تعيينه فإنه كما ترى.
ومن ذلك كله يظهر لك زيادة ضعف ما قالاه، لما فيه من العسر والحرج
في بعض الأحوال، ومنافاته لسهولة الملة وسماحتها، مع أن الباري (عز وجل) أجل
من أن يجعل مثل هذا الحكم العام البلوى مخفيا، ولم يبينه على لسان صاحب الشريعة،
كضعف المنقول عن الجامع من تحيض كل منهما بسبعة أو ثلاثة عملا بالرواية واليقين،
فإنه لا يكاد يفهم لهذا الجمع وجه يعتد به، مع استلزامه لطرح ما سمعته من خبري ابن
بكير وغيرهما، ومنه يظهر ضعف ما اختاره في الرياض تبعا لبعض متأخري المتأخرين

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الحيض
288

من التحيض لهما بسبعة سبعة للمرسل المتقدم، وطرح ما سواه قائلا بعد ذكره روايتي ابن
بكير: " وليس فيهما مع اختصاصهما بالمبتدأة دلالة على التحيض بذلك في جميع الأدوار،
بل ظاهرهما الاختصاص بالدور الأول، ومع ذلك تضمنا تقديم العشرة ولم أر عاملا
بهما سوى الإسكافي على ما حكاه بعض، وربما حكي عنه القول بتعين الثلاثة مطلقا
فالرواية حينئذ شاذة، فالاستدلال بها لذلك والقول بالتخيير بينهما وبين ما تقدم للجمع
بينهما وبين ما مر ضعيف، مضافا إلى عدم تكافؤهما للأول، وعلى تقدير التكافؤ فهو فرع
وجود شاهد عليه، وليس فيبطل، فالقول الأول متعين ولا تخيير " انتهي.
وفيه أما أولا ما عرفت من أن المرسل قد اشتمل على الترديد بين الست والسبع
مكررا صريحا وضمنا، وهو يقتضي التخيير كما عن جماعة الفتوة به، بل عن الذكرى
نسبته إلى المشهور، وفي الخلاف دعوى الاجماع على روايته، وبه مع شهادة ملاحظته
له يندفع احتمال كونه من الراوي، كما أنه يندفع الاشكال فيه من جهة استلزامه للتخيير
بين الواجب وتركه بأنه تخيير في سبب الوجوب، ولا مانع منه كما تقدمت الإشارة
إليه سابقا، وكذا يندفع ما عساه يقال أيضا من التأييد للسبع بقول الصادق (عليه السلام) (1)
بعد ذلك في المبتدأة: " أقصى وقتها سبع وأقصى طهرها ثلاث وعشرون " إذ لو جاز
الاقتصار على الست لما كان ذلك أقصى، بل الأربع والعشرون، وبقوله
(عليه السلام) (2) أيضا في المضطربة: " فسنتها السبع والثلاث والعشرون " بناء على
اشتراكهما في ذلك كما عساه يشعر به أيضا التشبيه بقصة حميئة، إذ بملاحظة ما سمعت
يقوى كون مراد الصادق (عليه السلام) ذكر أحد الفردين اتكالا على ما سبق، وأنه
أقصى إذا كان الحيض سبعا كما يشعر به مقارنته له فيه، أو يراد به أقصى بالنظر إلى
ما دون، بل لعل إرادة التفضيل منه يعين ذلك، كما أن إرادته من قوله (عليه السلام):

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 3
289

(أقصى وقتها سبع) يشعر بوجود مرتبة أخرى دونها، فيقوى حينئذ إرادة العهد بما
ذكره في المضطربة إلى ما تقدم في المبتدأة من كون السبعة أحد الفردين، ويجعل التشبيه
مؤكدا لذلك، فتأمل. نعم قد يقال إن الأحوط اختيار السبع للاتفاق على جوازها
عند القائلين بذلك، كما أنه يمكن القول بأن الأولى للمبتدأة اختيار الستة في شهر،
والسبعة في آخر بناء على التخيير لها بذلك، وبالثلاثة في شهر وعشرة في آخر حتى
يتوافق عدة أيام حيضها في الشهرين بالنسبة إلى مجموع الروايات، فتأمل جيدا.
وأما ثانيا فلأنك قد عرفت أن رواية ابن بكير مما لا يسوغ للفقيه طرحها،
وكيف مع اشتمالها على شرائط الحجية، ونقل الشيخ في الخلاف الاجماع على مضمونها،
بل لعلها أولى من المرسل لمخالفتها للعامة بخلافه، ولذا قال ابن بكير بعدها: (هذا
مما لا يجدون منه بدا) مريدا به التعريض لهم في ذلك، وقد أفتي بمضمونها في الجملة
جماعة من رؤساء الأصحاب، بل لعل مشهورهم ذلك أن لم يكن إجماعهم سوى ممن
لا يعتد بخلافه في ذلك وإن اختلفوا في فهم المستفاد منها، وأما ما ذكره من أنه لا شاهد
لهذا الجمع المقتضي للتخيير فهو مع ابتنائه على أن المراد به التخيير الحكمي لا العملي يمكن
القول بعدم الاحتياج إليه في خصوص المقام، لانتقال الذهن إلى التخيير عند الأمر
بشيئين متضادين في وقت واحد من آمر واحد أو ما هو بمنزلته، كما أنه يندفع ما عساه
يقال أيضا إن ظاهرهما الاختصاص بالدور الأول، لظهور إرادة المثال، مع إمكان
استفادته من مضمرة سماعة (1) وخبر الخزاز (2) بعد صرفهما عن ظاهرهما من إرادة
التخيير من الثلاثة إلى العشرة في كل الأدوار وإن نقل الفتوى به عن المرتضى وظاهر
الصدوق، لكنه لمعارضته ما سمعت يقوى تنزيله على ما ذكرنا، كل ذا مع عدم القول
بالفرق بين الدور الأول وغيره من الأدوار في ذلك سوى ما ينقل عن أبي علي من

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 4
290

الفتوى بمضمون مقطوعة ابن بكير أي التحيض بعشر في الدور الأول ثم ثلاثة ثلاثة
لكنه مع أنه نقل عنه خلاف ذلك من التحيض بثلاثة ثلاثة فقط معرض عن دليله بين
الأصحاب، مع عدم صراحته فيما ادعاه، لاحتمال إرادته التحيض بالعشر في الشهر
الرابع، فلاحظ وتأمل.
ومما ذكرنا يظهر لك اندفاع المناقشة أيضا بتضمنهما تقديم العشرة مع عدم ظهورهما
في إرادة الالزام، بل لعله من جهة جلوسها في أول الدور عشرة من جهة انتظارها
انقطاع الدم واستمراره، نعم قد يشكل الحكم المذكور باختصاص روايتي ابن بكير في
المبتدأة بالمعني الأخص دون المتحيرة والقسم الثاني من المبتدأة، ومن هنا قد يقال:
باختصاص التخيير بها دونهما، وقصرهما على المرسل، لكن قد تستفاد المساواة بينهما
بعد نسبتها للمشهور من بعضهم، بل أرسل آخر عن الخلاف الاجماع على تحيض المتحيرة
بالستة أو السبعة أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر إلا أني لم أجده فيه، بل الموجود
فيه الاجماع على السبعة خاصة من التشبيه بقصة حميئة في المرسل لإفادته أنها كالمبتدأة،
ومن خبر الخزاز بعد التنزيل المذكور، مع ما عرفت من قرب مدلول المرسل للروايتين
بالنسبة إلى أيام الحيض في الشهرين، إذ هي ثلاثة عشر يوما أو أربعة عشر، فيقوى
في الظن حينئذ أن المراد قيام الثلاثة والعشرة في الشهرين مع موافقتها للاعتبار في الجملة
بالجمع بين الأقل والأكثر الموافقين لقاعدة الامكان واليقين مقام السبعة في كل شهر
شهر، فتأمل جيدا، إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة، ولعله الأقوى وإن كان
سابقه أحوط منه وفاقا للمصنف في الكتاب والنافع، وللعلامة في القواعد، والشهيدين
في الدروس واللمعة والبيان والروضة، والمحقق الثاني في جامع المقاصد وغيرهم، بل لعله
المشهور نقلا وتحصيلا بين المتأخرين على اختلاف في عباراتهم بالنسبة إلى الفرد الأول
من فردي المخير في الاقتصار على السبعة أو التخيير بينه وبين الستة، وقد عرفت أن
الأقوى الثاني.
291

وبقي في المقام مضافا إلى ما عرفته في مطاوي البحث أقوال متشتة لا دليل يعتد
به في مقابلة ما ذكرنا على شئ منها، كالمنقول عن الاقتصاد من تحيض المضطربة
بسبعة في كل شهر، أو بثلاثة في الشهر الأول وعشرة في الثاني، والمبتدأة بسبعة
خاصة. وهو كالمستغرب بالنسبة إلى المبتدأة وإلى تخصيص الأول بالثلاثة والثاني بالعشرة،
وكالمنقول عن الجمل والعقود والمهذب والاصباح من العكس، وهو وإن خلا عن
الاستغراب الأول لكنه غير خال عن الثاني، اللهم إلا أن يريدوا المثال، فيقرب
حينئذ إلى ما عساه يظهر من المنقول عن الخلاف من تحيض المضطربة بسبعة خاصة،
والمبتدأة بستة أو سبعة أو بثلاثة وعشرة، ويظهر لك وجهه مما تقدم مع ما فيه،
وكالمنقول عن موضع من المبسوط من القطع بتخير المبتدأة بين السبعة أو الثلاثة والعشرة
مع إلزامه المتحيرة العمل بالاحتياط والجمع بين عملي الحيض والاستحاضة، كما عن النهاية
والاستبصار في المتحيرة أنها تدع الصلاة كل ما رأت الدم، وتصلي كل ما رأت الطهر
إلى أن ترجع إلى حال الصحة ونقله عن موضع آخر من المبسوط في المبتدأة إلى أن
تستقر لها عادة، ولعله لخبري أبي بصير (1) ويونس بن يعقوب (2) المتضمنين لذلك،
وقد تقدم البحث فيهما سابقا غير مرة، مع أن فيهما (أنها تصنع ذلك ما بينها وبين ثلاثين
يوما ثم هي مستحاضة) ولا مقاومة فيهما لما ذكرنا من وجوه متعددة كما لا يخفى، مع
قصورهما عن إفادة تمام ما ذكر، بل عن الشهيد في البيان أن العمل بالاحتياط ليس
مذهبا لنا، إلى غير ذلك من الأقوال التي لا فائدة مهمة في التعرض لها، وربما أنهاها
بعضهم إلى ثمانية وعشرين قولا، أربعة عشرة في المبتدأة، ومثلها في المضطربة.
وكيف كان فقد عرفت فيما مضى أنه لا إشكال في التخيير بين الست والسبع
كما هو ظاهر المرسل، إذ هو تخيير في سبب الوجوب والحرمة من التحيض وعدمه،

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 2
292

فما وقع للعلامة في المنتهى والنهاية - من الاشكال في ذلك حتى أنه حمل لفظ (أو) في
المرسل على التفصيل في الرد إلى اجتهادها ورأيها مما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى الحيض
إما من عادتها أو عادة نسائها أو ما يكون أشبه بلونه - ضعيف جدا مع عدم اطراده،
إذ قد تفقد ذلك كله، ومنه يرتفع الاشكال في التخيير في غيره من الأعداد، نعم
هل تلتزم ذلك بمجرد اختيارها قبل العمل بمقتضاه أو لا؟ وجهان، أقواهما العدم،
للاطلاق والاستصحاب، كما أنها لا تلتزم برواية السبع مثلا بمجرد اختيارها في سائر
الأدوار، بل لها أن تعدل إلى رواية الثلاث والعشر، نعم يحتمل قويا القول بالزامها
بذلك بالنسبة إلى الشهر الثاني إن اختارت السبع في الأول، كما أنها إذا اختارت
الثلاث في الأول تلتزم العشرة في الثاني، فيكون تمام دورها الشهران، وبعد تمامهما
ترجع إلى التخيير حينئذ بين رواية السبع أو الثلاث والعشر، للاطلاق والاستصحاب،
فما وقع في جامع المقاصد من أن تخييرها في ذلك منحصر في الدور الأول دون غيره
ضعيف كدليله، ومثله احتمال جواز تلفيق الدورين من الروايتين كأن تجلس في شهر
عشرة وفي آخر سبعة، فتأمل.
ثم إن الظاهر ثبوت التخيير لها وإن لم يستمر الدم شهرا فضلا عن أشهر وإن كان
ظاهر الروايات ذلك، لكنه موردا لا شرطا كما لو انقطع على الحادي عشر مثلا
فتحيض حينئذ إما بسبع أو بثلاث أو بعشر على إشكال في الأخيرين، فتأمل. وكيف
كان فهل يتعين عليها وضع ما تختاره من العدد في أول الدم كما عن التذكرة واختاره
كاشف اللثام، أو هي مخيرة في سائر الشهر كما هو المنقول عن جماعة؟ قولان، أحوطهما
بل أقواهما الأول، لاقتضاء الجبلة، ولما عساه يظهر من روايتي ابن بكير ومن مرسل
يونس (عدت من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام، ثم هي مستحاضة)
ولأن عليها أول ما ترى الدم ويجوز كونه حيضا أن تتحيض به، على أنه قد يشكل
293

الحكم بجواز جعلها خارج العشرة، وبما عرفته سابقا أنها ترجع إلى معرفة حالها بمجرد
تجاوز الدم العشرة من التمييز أو عادة النساء مثلا أو الروايات، وإلا فلا تبقى منتظرة
إلى تمام الشهر، فتأمل جيدا.
ومن هذا الأخير ينقدح الكلام في مسألة غير محررة في كلام الأصحاب ربما
أشرنا إليها فيما سبق، وهي إن رجوع ذات الروايات إليها هل هو بمجرد تجاوز الدم
لعشر أو بعد تمام الثلاثين؟ وعلى الأول فهل يتعين عليها وضع ما تختاره من العدد في
ضمن العشرة أولها جعلها في خارجها وإن لم تعلم باستمرار الدم؟ وعلى الثاني فهل تعمل
في هذه المدة عمل المستحاضة ونحوه مما يقتضيه الاحتياط أولا يجب عليها شئ منه؟
كل ذلك غير منقح في كلماتهم، وإن كان الأقوى الأول، كما أنها بالدور الثاني
كذلك ما لم تصادف تمييزا فيه أو علما بعادة نساء كما صرح به بعضهم، وإن أطلق
آخرون، فتأمل جيدا. ثم إن الظاهر أن ليس لها أن تعدل عن وضعها العدد في العشر
الأول إن أرادت وضعه في العشر الثاني على إشكال.
هذا كله في المبتدأة والمتحيرة (و) أما (ذات العادة) وقتا وعددا فل‍ (تجعل
عادتها حيضا) إذا استمر بها الدم مجاوزا للعشرة ولم يعارضها تمييز إجماعا محصلا ومنقولا
في المعتبر والمنتهى وغيرهما ونصوصا (1) (و) حينئذ يكون (ما سواه استحاضة) حتى
أيام الاستظهار كما تقدم تحقيقه سابقا، ويأتي تحقيق الكلام إن شاء الله في المستقرة
أحدهما، لكن ينبغي أن يعلم أن الظاهر أن رجوعها إلى عادتها إنما هو في ضمن كل شهر
لا بمجرد فصل أقل الطهر، عملا بما دل (2) على أنه في كل شهر مرة، نعم لو قلنا
بامكان استقرار العادة في الطهر كما مر سابقا أمكن مراعاته هنا، فقد يكون لها حينئذ

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الحيض
294

في ضمن كل شهرين حيضة فتأمل. (فإن اجتمع لها مع العادة تمييز) وكان معارضا
بحيث يستلزم حيضية كل منهما نفي الآخر (قيل) كما هو المشهور نقلا وتحصيلا (تعمل
على العادة وقيل على التمييز) ونسب للشيخ في النهاية ولم يثبت، نعم هو الظاهر منه
في الخلاف والمبسوط (وقيل بالتخيير) كما هو ظاهر الوسيلة (والأول أظهر) لعموم
ما دل (1) على الرجوع إليها المؤيد بما سمعته من الشهرة العظيمة، وبأن الصفرة والكدرة
في أيام الحيض حيض، وبأن العادة أفيد للظن، لكونها من الأمور الجبلية،
ولاطرادها في غير المقام إجماعا دون التمييز إجماعا أيضا، ولما عساه يشعر به موثق
إسحاق بن جرير (2) الوارد في التمييز من اشتراط الرجوع إليه بفقد العادة، كما هو
ظاهر مرسلة يونس الطويلة، بل كاد يكون صريحها، وبذلك كله يقيد إطلاق ما
دل (3) على التمييز وإن كان بينه وبين أخبار الرجوع إلى العادة عموم من وجه، لما
عرفته من الرجحان من وجوه، سيما الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، لرجوع
الشيخ عن المخالفة في باقي كتبه كما قيل، بل قال في المبسوط والخلاف بعد ذلك أنه
لو قيل بتقديم العادة مطلقا لكان قويا، وبهما يوهن ما ادعاه من الاجماع في الثاني على
تقديم التمييز، لعدم إمكان مجامعته لقوة الثاني، كما أنه بجميع ما تقدم يوهن ما عساه
يقال للقول بالتخيير من الجمع بين الأمارتين والعمومين به.
ثم إن قضية ما ذكرناه كما هو قضية إطلاق الفتاوى وصريح بعضها أنه لا فرق
في العادة الحاصلة من الأخذ والانقطاع أو التمييز، لكنه صرح في جامع المقاصد بتقديم
التمييز على الثانية، ولعله لعدم زيادة الفرع على الأصل مع الشك في تناول الأدلة
السابقة، وهو لا يخلو من وجه، وإن كان الأوجه خلافه، نعم قد يشكل الحال في

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 3 - 0 -
295

تقديم العادة على التمييز إذا كانت وقتية خاصة، لظهور الأدلة في غيرها، هذا كله
مع فرض التعارض بحيث كان الحكم بحيضية أحدهما يستلزم نفي الآخر كما سمعت من
تقييدنا لعبارة المصنف، أما مع عدمه كأن فصل أقل الطهر بينهما أو كان مجموع العادة
والجامع للتمييز لم يتجاوز العشرة فقد صرح جماعة بحيضيتهما معا، بل أرسل في الرياض
الاجماع على الثانية، كما في ظاهر التنقيح نفي الخلاف فيه، وقد تشعر به عبارة المنتهى
أيضا، كما أنه نقل عن ظاهره الاتفاق في الصورة الأولى. وقد تشعر به عبارة المدارك،
وكأنه لقاعدة الامكان ولعدم التنافي بين عمومي العادة والتمييز، فيعمل بهما معا،
وظهور أدلة الاقتصار على العادة أو التمييز في غير ذلك، ولأن أقصى ما يمكن إثباته
أن العادة مثبتة لحيضية ما فيها لا أنها تنفي ما عداه، ولأنه كما إذا لم يستمر الدم مجاوزا
للعادة وفصل أقل الطهر ثم رأت، لكنه قد يشكل بعموم أخبار العادة، وبما عرفت
من اشتراط الرجوع للتمييز بفقدها في المرسل، والشك في شمول الامكان لمثل ذلك،
ويؤيده إطلاق الأصحاب الرجوع إليها خاصة مع التجاوز، واستحاضة ما عداها الشامل
لبعض صور المقام، ولعل الأول لا يخلو من قوة في كلا الصورتين.
(و) إذا تبين ذلك فنقول: (ها هنا مسائل: (الأولى) إذا كانت عادتها مستقرة
عددا ووقتا فرأت ذلك العدد متقدما على ذلك الوقت أو متأخرا عنه تحيضت بالعدد)
تقدم العدد على الوقت وبالعكس لمستقرتهما (وألغت الوقت، لأن العادة تتقدم
وتتأخر) اتفاقا كما هو الظاهر على ما في كشف اللثام، ويشهد به الوجوه والاعتبار،
وقاعدة الامكان والنصوص (1) منها مضمرة سماعة (2) قال: " سألته عن المرأة ترى
الدم قبل وقت حيضها قال فلتدع الصلاة، فإنه ربما يعجل بها الوقت " إلا أنه عن الشيخ

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الحيض - حديث - 0 - 2
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الحيض - حديث - 0 - 2
296

في المبسوط " متى استقر لها عادة ثم تقدمها الحيض بيوم أو يومين أو تأخر بيوم أو يومين
حكمت بأنه من الحيض، وإن تقدم بأكثر من ذلك أو تأخر بمثل ذلك إلى تمام العشرة
أيام حكم أيضا أنه من الحيض. فإن زاد على العشرة لم يحكم بذلك " ولعله أراد أنها إذا
رأت العادة مع ما قبلها أو ما بعدها كان الجميع حيضا إن لم يتجاوز الجميع، وإلا فالعادة.
وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في الحكم بناء على ما تقدم من قاعدة الامكان
(سواء) كان ما (رأته بصفة دم الحيض أو لم تكن) نعم قد يستشكل بالنسبة إلى تحيضها به
بمجرد الرؤية أو التربص إلى ثلاثة، وقد تقدم في المبتدأة أن التحقيق التفصيل بين
الجامع وعدمه، وأنه لا فرق بينها وبين ذات العادة إذا رأته متقدما أو متأخرا وإن ظهر
من بعضهم ذلك، لكن قد عرفت ضعفه، كضعف الفرق بين التقدم والتأخر بكون
الثاني يزيده انبعاثا، فتتحيض به بخلاف التقدم، إلا أنه قد تقدم لك سابقا اشتراط
كون التقدم والتأخر معتدا به لا ما يتسامح بمثله بالنسبة للعادات كاليوم واليومين ونحوهما،
ولصدق الرؤية في وقت الحيض بنحوه، وبما يشير إليه خبر إسحاق بن عمار (1)
عن الصادق (عليه السلام) " في المرأة ترى الصفرة إن كان قبل الحيض بيومين فهو من
الحيض " وما في الروض - من أن ذلك يستلزم جوازه مطلقا، لانحصار الخلاف في
المنع مطلقا وعدمه كذلك، فالتقييد باليومين إحداث قول ثالث - ضعيف، إذ المدار
في حجية ذلك على القطع برأي المعصوم، وهو مما يقطع بعدم حصوله في مثل هذه
المسائل، ولذا قال في جامع المقاصد بعد ذكره الخبر السابق: " أنه يمكن الفرق بين
ذات العادة وغيرها إذا تقدم دمها العادة اليوم واليومين، عملا بهذه الرواية لتقييدها

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 2 وهو خبر إسحاق بن
عمار عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) كما نقله " قدس سره " عن أبي بصير في
التعليقة " 5 " من الصحيفة 179
297

وإطلاق غيرها. ولا يحضرني قائل بذلك " انتهى.
((الثانية) إذا رأت) دما (قبل العادة و) استمر (في) تمام (العادة
فإن لم يتجاوز العشرة فالكل حيض) بلا خلاف معتد به أجده لكن بشرط الاتصال
بل وكذا إذا كان مفصولا ببياض مع كون السابق أقل حيض، أما مع عدمه كما إذا
رأت قبل العادة بيوم أو يومين ثم فصل ببياض فيشكل الحكم بحيضية الجميع، لما تقدم
سابقا من اشتراط تقدم أقل الحيض، فاطلاق المصنف كغيره منزل على ذلك، فتأمل.
(و) أما (إن تجاوز جعلت العادة) خاصة مراعية للوقت والعدد مع فرضهما، وإلا
كان المضبوط منهما (حيضا وكان ما تقدمها استحاضة) لما عرفته سابقا من الاجماع
والنصوص (1) إذا لم يعرضها تمييز، بل وإن عارض على الأقوى، كما أنك قد
عرفت الكلام في صورتي عدم المعارضة، فتأمل جيدا.
(وكذا) الكلام (لو رأت في وقت العادة وبعدها) من غير فرق بينهما أصلا
(و) نحوه (لو رأت قبل العادة وفي العادة وبعدها ف‍) إنه (إن لم يتجاوز العشرة فالجميع حيض) لقاعدة الامكان وغيرها
خلافا للمنقول عن أبي حنيفة، فقصره على العادة، وهو ضعيف. (وإن زاد على
العشرة فالحيض وقت العادة، والطرفان استحاضة) خلافا للمنقول عن الشافعي بناء
على قوله بأن أكثر الحيض خمسة عشر، فاعتبر مجاوزتها، ولأبي حنيفة. فجعل العادة
وما بعدها حيضا إن لم يتجاوز مجموعهما العشرة، ولعل وجهه استصحاب الحيضية، وبه
حينئذ يفرق بين المتقدم والمتأخر عنها، لكنه ينافي ما سبق له آنفا، ولا ريب في
ضعفه عندنا لاطلاق الأدلة في الرجوع للعادة.
((الثالثة) لو كانت عادتها في كل شهر مرة واحدة عددا معينا) تعين الوقت
مع ذلك أم لا (فرأت في شهر مرتين بعدد أيام العادة) وفصل أقل الطهر (كان ذلك

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض
298

حيضا) من غير ريب، لقاعدة الامكان، ولقوله (عليه السلام) في رواية محمد بن
مسلم (1): " وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة " وغيرهما، بل (و) كذا
(لو جاء في كل مرة أزيد من العادة لكان حيضا) لما تقدم (إذا لم يتجاوز العشرة،
فإن تجاوز تحيضت بقدر عادتها وكان الباقي استحاضة) بلا إشكال في جميع ذلك، كما
هو المستفاد من كلمات الأصحاب.
(والمضطربة العادة) الناسية لها وقتا وعددا فلم تحفظ شيئا منهما (ترجع إلى التمييز) بشرائطه المتقدمة (فتعمل عليه) بلا خلاف أجده
لاطلاق أدلته، ولرواية السنن (2) الصريحة في ذلك، سوى ما ينقل عن أبي الصلاح
من رجوع المضطربة إلى النساء، ثم التمييز، ثم سبعة سبعة، وهو ضعيف، كضعف
المنقول عن ابن زهرة من عدم الالتفات إلى شئ من ذلك، بل تتحيض بعشرة بعد
الفصل بأقل الطهر، لكن قد يشكل على ظاهر عبارة المصنف ونحوها ممن أطلق بأن
المضطربة هي التي اختلف عليها الدم ونسيت عادتها إما عددا أو وقتا أو عددا ووقتا كما
نص عليه بعضهم، ويشعر به كلامه الآتي بأن الحكم برجوع الجميع للتمييز لا يستقيم،
لأن ذاكرة العدد الناسية للوقت لو عارض تمييزها عدد أيام العادة لم يرجع إلى التمييز بناء
على ترجيح العادة، وكذا القول في ذاكرة الوقت الناسية للعدد، وربما اعتذر عن
ذلك بأن المراد برجوعها ما إذا طابق تمييزها العادة بدليل ما ذكره من ترجيح العادة،
واعترضه في المدارك بأنه لا يظهر لاعتبار التمييز حينئذ فائدة، قال: ويمكن أن يقال:
باعتبار التمييز في طرف المنسي خاصة أو تخصيص المضطربة بالناسية للوقت والعدد، ولعل
هذا أولى، قلت: لكن ينافيه تقسيم المصنف بعد ذلك المضطربة عند فقد التمييز إلى
الأقسام الثلاثة.

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الحيض - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 4
299

وكيف كان ففذلكة الكلام في جميع صور المستحاضة أن يقال: إنها إما مبتدأة
بالمعنى الأعم أي من لم تستقر لها عادة وقتا ولا عددا سواء سبقت بالدم أم لا، وإما
ذات عادة فيهما أو في أحدهما، وإما مضطربة ناسية لهما أو لأحدهما، أما الأولى فقد
عرفت أنها ترجع إلى التمييز، وإلا فعادة النساء، وإلا فمخيرة في كل شهر بين سبعة
سبعة أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر، والأحوط لها تقديم العشرة في الدور الأول
وأحوط منه الاقتصار على الأول سيما القسم الأول، وأما الثانية وهي ذات العادة فتأخذ
عددها في وقتها، وتجعله حيضا إذا لم يعارضها تمييز، بل وإذا عارضها كما تقدم الكلام
فيه وفي صورتي عدم المعارضة، وما سواه استحاضة بالنسبة إلى كل شهر فما دون ما لم
تستقر لها عادة في الطهر إن قلنا به، وإلا اتبعته، هذا مع مطابقة الوقت للعدد، أما إذا
لم تر تمام العدد في الوقت كأن تكون عادتها في أول الشهر عشرة وقد رأت قبله
الدم مثلا بعشرة إلى اليوم الخامس وانقطع أخذت ما كان في الوقت، وأكملته
بالمتقدم، وكذا إذا كان ابتداء رؤيتها في اليوم الخامس من الشهر ثم استمر فإنه تكمله
ببعض المتأخر، ونحوهما ما لو كان رؤيتها جميع الدم خارج الوقت أخذت العدد وألغت
الوقت، فيكون الحاصل أنها تراعي الوقت مهما أمكن، وإلا اقتصرت على العدد،
أما لو تعارض أخذ تمام العدد وملاحظة الوقت بمعنى عدم إمكان التلفيق كما لو تخلل
بياض فهل تقتصر على حيضية ما في الوقت مع إمكانه وتلغي غيره وإن لم يبلغ تمام العدد،
أو أنها تأخذ تمام العدد من غيره وتلغي اعتبار الوقت؟ احتمالان، ومنه يعلم اشتراط
ما قدمناه من الصور السابقة في التلفيق من السابق أو اللاحق بما أمكن فيه ذلك، فتأمل
جيدا فإن في المقام صورا متشتتة لا تخفي على من له خبرة بأصول الباب.
هذا كله في الوقتية العددية أما إذا كانت وقتية خاصة فقد ظهر لك أنه يجب
عليها مراعاة ذلك الوقت مهما أمكن، وقد عرفت سابقا الاشكال في تقديمها على التمييز
300

مع فرض المعارضة، لكن هل تتحيض بالنسبة إلى العدد بالروايات بادئ بدء أو أنه
بعد فقد عادة النساء؟ لا يبعد الثاني، وهل تتخير في الروايات أو تقتصر على رواية
السبع؟ إشكال، بل لعل أصل رجوعها إلى الروايات لا يخلو من إشكال، لعدم ظهورها
في شمولها، فينبغي فيها حينئذ ملاحظة القواعد، ولعلها تقتضي التحيض بالعشر هنا
لقاعدة الامكان وللاستصحاب، لمكان تيقن حيضيتها بالنسبة إلى أول الوقت وربما
تلحق هذه بمن نسيت العدد وحفظت الوقت، وستسمع الكلام فيها، هذا كله إذا
رأته في الوقت، أما إذا رأته خارج الوقت فيحتمل قويا رجوعها للمبتدأة في المراتب
كلها، فليتأمل.
وأما إذا كانت العادة عددية خاصة فلا إشكال في تبعيتها عددها، لتناول
أخبار ذات العادة لها، وهل تلتزم وضعه في الجامع للتمييز مع موافقته لتمام العدد، بل ومع
عدمها فتكمل من غيره مع النقصان، أو تنقص مع الزيادة وإن لم يتجاوز العشر بناء على
ترجيح العادة عليه في مثل ذلك أيضا كما تقدم، أو لا؟ لا يبعد الأول للجمع بين
الأدلة، ولعله الظاهر من رواية إسحاق بن جرير (1) الواردة في التمييز، كما أنه
لا يبعد وضعه في أول الدم مع عدم التمييز على ما تقدم منا سابقا في التحيض بعدد الروايات.
وأما المضطربة فهي التي ذكرها المصنف هنا، وقد عرفت ما في اطلاقه الرجوع
إلى التمييز في جميع صورها، كاطلاقه التربص ثلاثة أيام، فقال: (ولا تترك الصلاة
إلا بعد مضي ثلاثة أيام على الأظهر) لعدم تماميته في الضابطة للوقت الناسية للعدد إذ
هي تتحيض برؤية الدم فيه قطعا، نعم هو متجه بالنسبة لناسيتهما معا أو ناسية الوقت
خاصة، بل قد عرفت أن الأقوى مساواتها للمبتدأة في التفصيل بين الجامع للصفات
وعدمه، وربما فرق بعضهم بينهما فاحتاط في المبتدأة بالثلاثة، وجعل المدار هنا على الظن،

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 3
301

مستدلا برواية إسحاق بن عمار (1) عن الصادق (عليه السلام) " في المرأة ترى
الصفرة إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض " بتقرير أن الحكم بذلك إنما هو
لمكان الظن من جهة التقدم باليومين، وفيه أن قوله (عليه السلام): (قبل الحيض)
ينافي ما نحن فيه من المضطربة، نعم هو دال على حكم المعتادة مع التقدم باليومين، فتأمل.
وكيف كان (فإن فقدت التمييز) فلا رجوع إلى عادة نساء أو أقران لعدم
الدليل، بل هو على العدم موجود، ولذا قال:
(فهنا مسائل ثلاث: (الأولى) لو
ذكرت العدد) تاما (ونسيت الوقت) فلم تذكر شيئا منه وكان العدد المذكور ضالا
في جملة عدد لا يزيد ذلك المذكور على نصف ما وقع الضلال فيه، بل هو إما يساويه
أو يقصر عنه كالخمسة أو الأربعة في ضمن العشرة (قيل) كما في المبسوط والإرشاد
والحدائق بالاحتياط، وهو بأن (تعمل في الزمان كله ما تعمله المستحاضة، وتغتسل
للحيض في كل وقت يحتمل انقطاع دم الحيض فيه، وتقضي) بعد ذلك (صوم عادتها)
لعدم تشخيصها الحيض في وقت خاص مع أدلة الاحتياط، وقيل وهو المشهور كما في
الحدائق، ومذهب الأكثر كما في المدارك أنها تتخير في وضع عددها في أي وقت
شاءت من الشهر، واختاره في المختلف والقواعد والمسالك وغيرها وفي الذكرى والبيان
اشترط ذلك بعدم الأمارة المفيدة للظن بموضع خاص، وفي الذخيرة أنه لو قيل بجلوسها
في الشهر الأول من أول الدم مقدار حيضها ثم إنها تجري الأحكام في باقي الشهور
لم يكن بعيدا من الصواب، ومن العجيب ما في الخلاف " من أن ناسية الوقت أو
العدد تترك الصلاة والصوم في كل شهر سبعة أيام، وتغتسل وتصلي الباقي وتصوم فيما بعد

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 2 وهو خبر إسحاق
ابن عمار عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) كما تقدم تفصيله في الصحيفة 297
302

ولا قضاء عليها - إلى أن قال -: دليلنا إجماع الفرقة " قلت: لا ينبغي التوقف في
رجوعها إلى عددها في كل شهر، لما في التكليف بالاحتياط من العسر والحرج المنفيين
بالآية (1) والرواية (2) بل قد يقطع بعدمه إذا لوحظ خلو الأخبار عنه، مع اشتمالها
على خلاف ذلك في التي هي أسوء حالا منها كالناسية للوقت والعدد على ما صرح به
في مرسلة يونس الطويلة، بل قد يدعي شمول بعض ما فيها كقوله (عليه السلام) (3):
" تجلس قدر أقرائها وأيامها " ونحو ذلك لمثلها كالأخبار المستفيضة (4) الآمرة بالجلوس
أيام الحيض وقدر الأقراء، ودعوى كون المراد منها معلومة الوقت ممنوعة، وإن كان
ربما يظهر من ملاحظة مرسلة يونس الطويلة، فإنه لا إشكال عندهم في الحكم لمستقرة
العادة عددا فقط، بل في الرياض دعوى الاجماع عليه، واحتمال الفرق بينهما بالنسيان
فيما نحن فيه وعدم الاستقرار في تلك ضعيف، مع أنا لو أعرضنا عن ذلك كله كان
في اقتضاء القواعد العمل بالاحتياط - بأن تكلف أحكام الحائض من ترك اللبث ونحوه
سيما الأحكام المتعلقة بالزوج كالوطئ ونحوه - نظر وتأمل. نعم قد يقال: بوجوب
أغسال المستحاضة عليها حينئذ خاصة حتى يمضي الشهر، فإذا مضى قضت صوم عادتها
خاصة، فتأمل جيدا.
وكيف كان فلا ريب أن الأقوى ما ذكرنا، نعم لا يبعد إيجاب وضع العدد
عليها في أول الدم مع عدم التمييز كما قلناه في السابقة وفاقا لكاشف اللثام، ولعله المنساق
من التدبر في الأخبار بعد فرض شمولها لها، ولاستلزام التخيير لها في ذلك أحكاما

(1) سورة البقرة - الآية 181 وسورة الحج - الآية 77
(2) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الوضوء - حديث 5
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض - حديث 1 مع اختلاف في اللفظ
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الحيض
303

كثيرة لم يدل على شئ منها الأخبار، بل لعلها تدل على عدم بعضها، منها نقض
ما تحيضت به في نفس العشرة وغيره، نعم لو جاءها في الأثناء تمييز انكشف فساد
حكمها الأول مع احتمال عدمه إذا كان بعد مضي العشرة كما ذكرناه في المبتدأة سابقا،
فليتأمل جيدا فإن كلام الأصحاب غير منقح كما أشرنا إلى بعضه فيما تقدم، هذا كله
مع فرض كون العدد المحفوظ ناقصا عن نصف ما وقع الضلال فيه أو مساويا، أما إذا
كان زائدا فهو مثل الأول أيضا بالنسبة إلى الاحتياط وعدمه في كل ما لم يتيقن فيه
الحيضية أو عدمها، نعم يفرق بينهما بأنه لا بد وأن يحصل اليقين بشئ من الحيض، وهو ما
زاد به على النصف وضعفه ولو كسرا دون الأولى، وهي قاعدة مطردة، فلو أضلت
أربعة أو خمسة في ضمن عشرة فلا يقين، أما لو أضلت ستة في ضمن عشرة فالخامس
والسادس يقين حيض، أو سبعة في ضمنها فالرابع والخامس والسادس والسابع يقين
حيض، وهكذا من غير فرق بينما كان الزائد يوما أو كسرا، فلو أضلت خمسة في
ضمن تسعة كان الخامس يقين حيض، ونحو ذلك ما لو قالت حيضي عشرة والثاني
عشر حيض بيقين، فما وقع الضلال فيه حينئذ تسعة عشر يوما من الشهر، للقطع
بطهرية اليومين الأولين والتسعة الأخيرة، فالعشرة زائدة على النصف بنصف يوم،
فيوم كامل حينئذ حيض، وهو الثاني عشر.
ومن هنا يعلم مسائل الامتزاج المسماة بالخلط عند العامة، منها لو قالت حيضي
ستة وكنت أمزج أحد نصفي الشهر بالآخر بيوم فهذه أضلت ستة في العشرة الأواسط
فلها يومان يقين حيض، وهما الخامس عشر والسادس عشر، والعشرة الأولى طهر
بيقين، ولو قالت لي في كل شهر حيضتان كل واحدة ثمانية فلا بد بينهما من الطهر،
فالمضلة ما عدا ستة أيام من الثالث إلى الثامن، لأنه لا يمكن تأخير الحيض الأول
304

عن أول اليوم الخامس، ولا تأخير مبتدأ الحيض الثاني عن الثالث والعشرين، والمتيقن
في الحيضة الأولى من أول الخامس إلى آخر الثامن وفي الثانية من الثالث والعشرين إلى
السادس والعشرين، والمتيقن من الطهر من أول الثالث عشر إلى آخر الثامن عشر،
والضال من الحيض ثمانية من كل واحدة أربعة، وقد ترجع هذه إلى القاعدة
المتقدمة أيضا عند التأمل، وذلك لأنها تؤول إلى أنها أضلت ثمانية في اثني عشر،
فيزيد على النصف بيومين، فهما وضعفهما حيض، وهو من أول الخامس إلى آخر
الثامن، فتأمل جيدا. ولو قالت كان حيضي عشرة وكنت أمزج شهرا بشهر أي كنت
آخر الشهر وأول ما بعده حائضا فالمتيقن من الحيض لحظة من آخر كل شهر ولحظة من
أوله، والمتيقن من الطهر اللحظة الأخيرة من اليوم العاشر إلى أول لحظة من اليوم
الحادي والعشرين، فتضل العشرة في عشرين يوما تنقص لحظتين، وهي ما بين
اللحظة من أول الشهر واللحظة من آخر العاشر وما بين اللحظة من أول ليلة الحادي
والعشرين واللحظة من آخر شهر، فتزيد عن نصفها بلحظة، فلحظتان باقيتان، إلى
غير ذلك من مسائل الامتزاج، ولقد أكثر منها الأصحاب (رضوان الله عليهم) سيما
الشيخ في المبسوط من أرادها فليراجعها، ومن المعلوم أنه في جميع ما ذكرنا يختلف
الحال بالنسبة إلى الاحتياط وعدمه، فإنه قد يبلغ في اليوم الواحد ثمانية أغسال مع عدم
التداخل، لاحتمال انقطاع الحيض ما لم تكن عالمة بوقت مخصوص لانقطاعه كالطهر مثلا
وبناء على التخيير تكون مخيرة بين إكمال ما علمته من السابق أو اللاحق أو مع التلفيق
مع الامكان، كما أنه بناء على المختار يتعين عليها الاكمال من السابق مع الامكان أيضا.
المسألة ((الثانية) لو ذكرت الوقت ونسيت العدد ف‍) فيها صور أربع: (الأولى)
(إن ذكرت أول حيضها أكملته ثلاثة) لتيقن كونها حيضا ويبقي الزائد إلى تمام العشرة
مشكوكا فيه ما لم تعلم انتفاء بعضها، فيحتمل حينئذ اقتصارها على الثلاثة فقط، وتعمل
305

فيما عداها عمل الاستحاضة لأصالة شغل ذمتها بالعبادة، واختاره في البيان وعن المعتبر،
واستحسنه في المدارك كما أنه احتمله في الذكرى، ولعله الظاهر من موضع من المبسوط
وابن حمزة في الوسيلة، ويحتمل رجوعها إلى الروايات إما بأخذ السبعة تعيينا كما هو
ظاهر الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الاجماع، أو التخيير بين السبعة والستة أو ثلاثة من شهر
وعشرة من آخر، واختاره الشهيد الثاني وغيره من بعض متأخري المتأخرين، لصدق
النسيان الموجب للحكم في حديث السنن (1) ويحتمل القول بالاحتياط بأن تجمع بين عمل
الاستحاضة وانقطاع الحيض، فقد يجتمع حينئذ عليها مع كثرة الدم وعدم التداخل
ثمانية أغسال، وهو ظاهر ابن سعيد في الجامع والعلامة في التذكرة، بل نقل عنه في
جملة من كتبه، كما أنه نقل عن الشيخ في المبسوط وفي الذكرى أن الاحتياط في هذه
ونظائرها مشهور، قلت: لكن ينبغي لها حينئذ تقديم غسل الحيض لوجوب المبادرة
إلى الصلاة بعد غسل الاستحاضة، ويحتمل تحيضها بالعشرة في كل شهر ما لم تعلم انتفاء
بعضها، وإلا فبالممكن منها، لاستصحاب الحيض وقاعدة الامكان وغيرها مع عدم
اطراد العمل بالروايات لها في كل وقت كما ستسمع، وهو لا يخلو من قوة.
(الثانية) أن تذكر اليوم الذي هو آخره، وهي التي أشار إليها المصنف بقوله:
(فإن ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة) إذ هي حيض قطعا (وعملت في بقية الزمان)
السابق واللاحق (ما تعمله المستحاضة) أما اللاحق فلأنه طهر قطعا، وأما السابق
فكذلك عدا المكمل للعشرة منه، وأما فيها فللاحتياط أو للحكم باستحاضة ما عدا
الثلاثة، ولم تظهر ثمرة هنا بين هذين القولين بالنسبة إلى الأغسال، لعدم احتمال انقطاع
الحيض فيما مضى لمكان حفظ الآخر، فقول المصنف: (وتغتسل للحيض في كل
زمان يفرض فيه الانقطاع) إنما يتجه بالنسبة لليوم الآخر إن لم تعلم وقت الانقطاع فيه

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 4
306

بالخصوص، نعم تظهر الثمرة بالنسبة إلى باقي الأمور إن قلنا بدخولها على القول بالاحتياط
كترك اللبث في المساجد ونحوها. (و) في أنها (تقضي صوم عشرة أيام احتياطا ما لم
يقصر الوقت الذي عرفته عن العشرة) على القول بالاحتياط، وأما بناء على التحيض
بالثلاث فلا، وكذا على القول بأن تحيضها باكمال ما علمته من الحيض بالروايات على
الاختلاف المتقدم، إلا إذا اختارت التحيض بالعشر، فإنها يجب حينئذ عليها قضاء
ذلك في وقت الطهر، لكن تظهر الثمرة حينئذ بينه وبين السابق بأمور أخر كثيرة جدا.
ويظهر لك وجه الجميع مما تقدم كما أنه يظهر أيضا وجه التحيض بالعشر أيضا،
وقد عرفت سابقا أن الأقوى الرجوع إلى الروايات، لكن قد يشكل بما لو علمت
انتفاء مضامينهن من السبع أو العشر، واحتمال قصرها حينئذ على رواية الثلاثة فيه
أنها أي الثلاثة إنما تصح إذا صح التحيض بالعشر في الشهر الآخر، نعم يتجه حينئذ
إما القول بالاحتياط أو بحيضية الثلاثة فقط لا من جهة الأخبار أو الحكم بحيضية ما أمكن فقط.
الصورة (الثالثة) أن تعلم اليوم الذي هو وسط الحيض، فإن علمته أنه وسط
بمعنى أنه محفوف بمثليه كما تقدم في الوسط في الكفارة فهي معلومة الحيض حينئذ من
غير فرق بين أن يكون المذكور يوما أو أزيد، وإن علمت بأنه وسط بمعنى كونه محفوفا
بمتساويين فهو مع سابقه ولاحقه يقين حيض، وما عداها مشكوك فيه يجري فيها
ما تقدم، منها الاكمال بالروايات، قيل لكن ينبغي هنا حينئذ اختيار السبعة أو الثلاثة
ليوافق الوسطية المحفوظة، وفيه أن اختيارها الثلاثة في شهر يوجب عليها العشرة في
آخر، مع أنه قد يكون المحفوظ وسطا لا يوافق شيئا من الروايات، كما إذا انضم إلى
اليوم بعض الكسور، فلعل ذلك مما يؤيد ما تقدم سابقا من أن المتجه لها هنا وفيما تقدم
التحيض بما أمكن، بناء على قاعدة الامكان مراعية لحفظ الوسطية المتقدمة وإن استلزم
تكسيرا، ويؤيده زيادة على ما تقدم أنه قد يكون المحفوظ من عادتها مما لا يطابق شيئا
307

من الروايات، كما لو علمت أنها لا تزيد على التسعة ولا تنقص عن الثمانية، أو لا تزيد
عن الخمسة ولا تنقص عن الأربعة، أو مع انضمام بعض الكسور في العادة ونحو ذلك،
وفي الرياض " إنها إن علمت وسطه المحفوف بمتساويين وإنه يوم حفته بيومين واختارت
السبع لتطابق الوسطية، ويومان حفتهما بمثلهما، فتيقنت أربعة واختارت هنا الستة،
مع احتمال الثمانية بل والعشرة بناء على تعين السبعة وإمكان كون الثامن والعاشر حيضا،
فتجعل قبل المتيقن يوما أو يومين أو ثلاثة وبعده كذلك " انتهى. وكأنه لا يرجع
إلى محصل إلا أن يريد ما ذكرنا، وأما إن علمت أنه وسط بمعنى أنه في أثناء الحيض
تحيضت به وبما علمته من سابقه ولاحقه، وجرى في الزائد ما تقدم، هذا إن لم تكن
حافظة معه شيئا يحصل به العلم بتمام حيضها، كما إذا قالت إني كنت ثاني الشهر حائضا
ورابعه طاهرة، فإن ذلك يعلم به أن حيضها الثلاثة فقط.
الصورة (الرابعة) أن تعلم أنه يوم حيض من غير معرفة بشئ من أوصافه
كالأولية والآخرية والوسطية جعلته حيضا وجرى ما تقدم من الوجوه في غيره فتأمل جيدا.
المسألة * ((الثالثة) لو نسيتهما جميعا) * أي الوقت والعدد فلم تحفظ شيئا منهما
(فهذه تتحيض في كل شهر) مع عدم ثبوت عادة لها في طهرها إن قلنا بذلك (بسبعة
أيام أو ستة أو عشرة في شهر وثلاثة من آخر ما دام الاشتباه باقيا) على الأصح
كما تقدم البحث فيه سابقا في المبتدأة، وفي المدارك والمسالك أن رجوعها إلى الروايات
هو المعروف من المذهب، بل في الأول أنه ادعى في الخلاف الاجماع عليه، وفي
الذكرى أن ظاهر الأصحاب العمل بالروايات، قلت: وفيها أقوال أخر قد أشرنا
إلى بعضها فيما سبق، لكن أكثرها مشتركة في الضعف سيما القول بالرد إلى أسوء
الاحتمالات وهو فرض الحيض بالنسبة إلى ما يحرم في حاله أو يجب عدا الصوم والصلاة
وفرض الاستحاضة بالنسبة إلى كل ما يجب عليها عند انقطاعه، إذ هو - مع ما فيه من
308

العسر والحرج ومنافاته لما تقتضيه حكمة الباري تعالى وندرة القائل بل في البيان أنه ليس
قولا لنا، ويؤيده ما عن المنتهى من نسبته إلى الشافعي - أن فيه طرحا للمرسل المعمول به
بين الأصحاب مع كثرة الشواهد منه ومن غيره على صحة مضمونه، وقد تقدم الكلام
فيه سابقا. وما في الذخيرة من عدم دلالته على المضطربة غفلة عن ملاحظة آخره، نعم
لا يبعد الاقتصار في العمل عليه خاصة بالنسبة إلى المضطربة، فتختص حينئذ بالفرد
الأول من فردي التخيير، بل بالسبعة منه، لما عرفت سابقا من عدم وضوح دليل على
ثبوت الفرد الآخر أي العشرة من شهر وثلاثة من آخر في غير المبتدأة إلا أنه قد تقدم
منا سابقا ما يحصل منه الظن بالمساواة سيما مع ملاحظة ما سمعته الآن من الشهيدين
وصاحب المدارك إن أرادوا بالروايات في كلامهم ما يشمل الروايتين لا جنس الرواية
في مقابلة القول بالرد إلى أسوء الاحتمالات وإن كان هذا أظهر في كلامهم، لعدم عثورنا
على الاجماع الذي نقله في المدارك عن الخلاف على غير مضمون المرسل، وظاهر الشهيد
الأول العمل عليه خاصة، فتأمل لكن لا بأس بالعمل بالاحتياط مع إمكانه، وهو
يحصل بثمانية أمور أو باثني عشر تستخرج بالتأمل وإن كان بعضها متعلقا بالزوج،
فتأمل هذا.
وليعلم أن المهم في جميع هذه الصور المتقدمة تنقيح ما تقتضيه القواعد العامة حتى
يرجع إليها عند الشك في كثير من الصور في شمول الأدلة لها، قد أشرنا إلى جملة منها
سابقا، ولعل المتجه في كل ما لا يتأتي فيه استصحاب الحيضية أو قاعدة الامكان بعد
البناء عليها بشرط عدم معارضتها بجريان مثلها في باقي الدم البناء على الطهارة في نفس
الشهر، ثم قضاء متيقن الحيض بعده في متيقن الطهر، لا الاحتياط، لعدم الدليل
على وجوبه هنا، وباب المقدمة يشكل جريانه في مثل الزمان الذي ينقضي تدريجا،
والرجوع إلى متيقن الحيض خاصة في نفس الشهر يحتاج إلى دليل بالنسبة إلى تعيينه في
309

خصوص أيام ذلك الشهر، فتأمل جيدا جدا.
وإذ قد فرغ المصنف من بيان أقسام المستحاضة شرع في بيان أحكامها، فقال:
(وأما أحكامها فنقول) إن لدم الاستحاضة مراتب ثلاثة على المشهور بين الأصحاب
نقلا وتحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا، والمستفاد من ملاحظة مجموع الأخبار كما
ستسمعها في مطاوي المبحث صغرى ووسطى وكبرى، فما عن ابن أبي عقيل من إنكار
القسم الأول فلم يوجب له وضوءا ولا غسلا ضعيف نادر، بل في جامع المقاصد إن إجماع
الأصحاب بعده على خلافه، كضعف ما ينقل عنه أيضا وعن ابن الجنيد وعن الفاضلين
في المعتبر والمنتهى من إدخال الثانية في الثالثة، فأوجبوا تعدد الأغسال فيها كما سيظهر
لك ذلك كله إن شاء الله، نعم في كثير من الأخبار قصور عن إفادتها تماما، لكنه
صريح المنقول عن الفقه الرضوي (1) ويقرب منه خبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2)
المنقول عن حج التهذيب، قال فيه: " ولتستدخل كرسفا، فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل
ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي، فإن كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلى الصلاة، ثم
تصلي صلاتين بغسل واحد " الخبر. ولا فرق فيما ذكرنا من المراتب الثلاثة بين الدم
والصفرة، فما يظهر من جملة من الأخبار (3) أن ليس للصفرة إلا الوضوء، بل كاد
يكون صريح موثقة سماعة (4) محمول على القليلة، إذا الغالب كما قيل إنه متى كانت
صفرة تكون قليلة بخلاف الدم، وإلا كانت مطرحة للاجماع بحسب الظاهر على عدم
الفرق، فتأمل.
ثم إنه صرح جماعة من الأصحاب بوجوب اعتبار الدم عليها ومعرفته على أي

(1) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 8 - 6
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 1 و 7 و 8
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 8 - 6
310

حال، وكأنه لمكان العلم بالحدث إجمالا وإمكان تعرفه من أي الأحداث مع اختلاف
الأحكام، وللأمر بالاعتبار في بعض الأخبار (1) لكن ينبغي القطع بعدم إرادتهم
أنها إن لم تعتبر حالها بطلت صلاتها، ولو كان ما فعلته موافقا للواقع مشتملا على نية
التقرب، لعدم وضوح دليل عليه، كما أنه يشكل دعوى وجوب التعرف عليها حتى
لو أرادت العمل بأسوء الاحتمالات، ويشكل أيضا دعوى الوجوب عليها لو كان معها
استصحاب يشخص حالها، كما لو اختبرت حالها قبل الوقت فكانت صغيرة كل ذلك مع
إمكانها التعرف والاعتبار، أما مع تعذره إما لعمى مع فقد المرشد ولو بالاستيجار
ونحوه فلا إشكال في سقوط ذلك عنها مع عدم سقوط الصلاة، لكن هل لها الأخذ
بالمتيقن من وجوب الوضوء ونفي الزائد بالأصل أو أنها يتعين عليها الأخذ بأسوء الاحتمالات
تحقيقا للفراغ اليقيني؟ وجهان، أقواهما الثاني.
وكيف كان فلا إشكال في ثبوت ما ذكرناه من المراتب الثلاثة، لأن (دم
الاستحاضة إما أن لا يثقب الكرسف أو يثقبه ولا يسيل أو يسيل) كما في الفقيه
والخلاف والسرائر والدروس وغيرها، ولعله يرجع إلى ذلك ما في عبارات البعض
من التعبير عن الأولى بعدم الظهور أو الرشح، والثانية بالظهور عليه من الجانب الآخر
أو الرشح، مع عدم السيلان على إشكال بالنسبة إلى الرشح، نعم قد تظهر المخالفة في
مثل التعبير عن الأول بعدم الغمس، وعن الثانية بالغمس مع عدم السيلان كما في
القواعد واللمعة وعن غيرها، لكون الثقب أعم من الانغماس، فنقيضه أخص من
نقيضه، فيدخل حينئذ في الصغرى بعض أفراد الوسطى، لكنه قطع في جامع المقاصد
أن مراد الجميع واحد، وأن المراد بالثقب والظهور استيعاب ظاهر القطنة وباطنها،
فيكون معنى الانغماس حينئذ ونحوه ما في المسالك وقد يؤيده تعبير بعضهم عن الصغرى بعدم

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة
311

الثقب، وعن الوسطى بالغمس مع عدم السيلان، ولعل التعبير بما في الكتاب أولى،
لأنه الموافق لخبر عمار (1) عن الصادق (عليه السلام) " وإن كان الدم لا يثقب الكرسف
توضأت ودخلت المسجد " وخبر زرارة (2) " وتصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم
فإذا نفذ اغتسلت " وغيرهما (3) ودعوى اقتضاء النفوذ الاستيعاب لكونه مأخوذا من
نفذ السهم من الرمية إذا خرقها ممنوع، مع عدم دلالة ما ذكر من التعليل عليه، نعم
لو أمكن دعوى إرادة الجميع معنى واحدا بحمل الغمس على ما يشمل الثقب وإن لم يستوعب
تمام الكرسف لكان متجها إلا أنه بعيد، والمراد بالكرسف القطن كما نص عليه في
القاموس وغيره من الأصحاب، فهو حينئذ كقول أبي الحسن (عليه السلام) (4)
وأبي عبد الله (عليه السلام) (5): (وتستدخل قطنة) إلا أنه قد يلحق به ما كان
مثله مما لا يمنع صلابته أو صلابة جزء منه نفوذ الدم، ومن هنا قيد بعضهم القطنة بكونها
مندوفة، وإن كان في استفادة مثل هذا القيد من النصوص تأمل.
ثم إنه من المعلوم أن ذلك إنما هو عند الاختبار لحالها، وإلا فهي حيث ينكشف
حالها لا إشكال في جواز احتشائها بغير القطن، كما أنه لا ينبغي الاشكال في الاجتزاء
بالتقدير مع عدم القطنة، بمعنى تقدير أنه لو كان المحتشى به قطنا لثقبه الدم مثلا،
ولم نقف في شئ من الفتاوى على تقدير زمان إبقاء القطنة أو مقدارها، ولعل الثاني
مستغنى عنه لا حالته على المتعارف، وأما الأول فالذي يظهر من ملاحظة أخبار الباب
أنها لا تقدير له، بل تبقي محتشية به حتى تنتقل من حالة إلى أخرى إن كانت،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1 وهو خبر معاوية
ابن عمار كما ينقله (قدس سره) عنه قريبا
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 9 - 7 - 3
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 9 - 7 - 3
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 9 - 7 - 3
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الحيض - حديث 2
312

أو تغيرها عند كل صلاة كما ستسمع.
(و) كيف كان ف‍ (في الأول) وهي المسماة بالصغرى عندهم (يلزمها
تغيير القطنة وتجديد الوضوء عند كل صلاة) أما الأول فقد نص عليه في الناصريات
والغنية والمنتهى والتذكرة والإرشاد والمعتبر والنافع والجامع والسرائر والتحرير والذكرى
واللمعة والدروس وجامع المقاصد والروض وغيرها، وهو المشهور نقلا وتحصيلا، بل
في صدر عبارة الأول ظاهر الاجماع، بل قد يدخل تحت صريح الاجماع في عجزها
كالثاني أيضا، وفي الثالث نفي الخلاف عنه، وفي الرابع يجب تغيير القطنة والوضوء
لكل صلاة ذهب إليه علماؤنا، وفي مجمع البرهان كأنه إجماعي، ويدل عليه - مضافا
إلى ذلك وإلى عدم ثبوت العفو عن قليل هذا الدم وكثيره، بل عن الغنية دعوى
الاجماع على إلحاق دم الاستحاضة والنفاس بالحيض في عدم العفو كما عن السرائر نفي
الخلاف عن ذلك - بعض الأخبار المعتبرة (1) الدالة على وجوب التغيير في الوسطى
والكبرى مع عدم تعقل الفرق، بل قال بعضهم: إنه لا قائل بالفرق، وفي الرياض
إنه يتم بالاجماع المركب، منها قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر صفوان بن
يحيى (2): " هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة، وتجمع بين صلاتين
بغسل، ويأتيها زوجها "
فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من الاشكال في هذا الحكم لعدم الدليل
على بطلان الصلاة بحمل النجاسة مطلقا، مع أنها مما لا تتم الصلاة بها منفردة وكون
النجاسة ملحقة بالبواطن لا يلتفت إليه في مقابلة ما تقدم، نعم قد يناقش فيه بقول
أبي جعفر (عليه السلام) في خبر الجعفي (3): " وإن هي لم تر طهرا اغتسلت واحتشت

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 8 و 3
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 3
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 10
313

فلتصل بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت
الكرسف " وبخبر الحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام) قال: " أبو جعفر
(عليه السلام): سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المرأة تستحاض فأمرها
أن تمكث أيام حيضها لا تصلي فيها، ثم تغتسل وتستدخل قطنة وتستثفر بثوب ثم تصلي
حتى يخرج الدم من وراء الثوب " وبقول أبي عبد الله (عليه السلام) في صحيح
الصحاف (2) في حديث حيض الحامل إلى أن قال: " فلتغتسل ثم تحتشي وتستذفر
وتصلي الظهر والعصر ثم لتنظر، فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف
الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف، فإن طرحت
الكرسف عنها فسال الدم وجب عليه الغسل، وإن طرحت الكرسف ولم يسل الدم
فلتوضأ ولتصل ولا غسل عليها، قال: وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل
من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فإن عليها أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات،
وتحتشي وتصلي وتغتسل للفجر وتغتسل للظهر والعصر وتغتسل للمغرب والعشاء الآخرة "
الحديث. وبقول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعقوب (3): " المستحاضة
إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت واحتشت كرسفا وتنظر، فإن ظهر على الكرسف
زادت كرسفا وتوضأت " وبمفهوم قوله (عليه السلام) أيضا في خبر عبد الرحمان بن
أبي عبد الله (4) المروي عن حج التهذيب: " فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل ثم تضع
كرسفا آخر ثم تصلي " إلى غير ذلك مما يشعر به إطلاق بعضها أيضا، كل ذا مع ما في

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 2 - 7
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 2 - 7
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 13 وهو خبر ابن أبي
يعفور كما ينقله (قدس سره) عنه في التعليقة " 5 " من الصحيفة 316
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 8
314

وجوب الابدال في نحوها من المشقة مع عدم ظهور فائدة لذلك، إذ بوضع الجديدة
تتنجس كنجاستها، فمن ذلك كان القول بعدم الوجوب لا يخلو من قوة، ولعله لذا
لم يذكره الصدوقان والقاضي على ما قيل، فتأمل.
ومنه يظهر أنه ينبغي القطع بعدم وجوب تغيير الخرقة كما هو ظاهر المصنف وغيره
وصريح جماعة خلافا للمقنعة والمبسوط والسرائر والجامع وغيرها، بل نسبه في كشف
اللثام إلى الأكثر لما عرفته من عدم وصول الدم في القليلة إليها، مع أصالة البراءة
وخلو الأخبار عنه، لكن قد يقطع بعدم إرادة الوجوب التعبدي حتى لو لم تتنجس
الخرقة، فينزل حينئذ على اتفاق وصول النجاسة إليها ولو على بعض ما تقدم من التفسير
للقليلة مما لا ينافي وصول الدم إلى الخرقة، فحينئذ يتجه وجوب الابدال أو الغسل إن
لم نقل بالعفو عن مثل ذلك، فتأمل جيدا. كما أنه يتجه القول بوجوب غسل ما تنجس
من ظاهر الفرج وإن كان قليلا، بناء على عدم العفو عنه، ولعل عدم تعرض المصنف له
للإحالة على وجوب إزالة النجاسة عن البدن، لكنه نص عليه هنا المفيد في المقنعة
والشهيدان في البيان والمسالك والروضة والمحقق الثاني في جامع المقاصد والأردبيلي في
مجمع البرهان، بل في الأخير أنه كأنه إجماعي، ولعل مقصود الجميع ما ذكرنا، والمراد
بظاهر الفرج هو ما يبدو منه عند الجلوس على القدمين كما في المسالك وشرح المفاتيح،
وأما تجديد الوضوء لكل صلاة أو فريضة فهو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا
بل في الناصريات والخلاف والغنية الاجماع عليه، وفي المعتبر نسبته إلى الخمسة وأتباعهم،
وفي جامع المقاصد أن الاجماع بعد ابني أبي عقيل والجنيد على خلافهما، وفي التذكرة
نسبته إلى علمائنا، قلت: ولعله كذلك، إذا لم أجد فيه خلافا سوى ما ينقل عن
العماني من عدم إيجابه وضوءا ولا غسلا، مع أن المنقول من عبارته محتمل لإرادة عدم
الايجاب عند عدم رؤية شئ، وما عن ابن الجنيد من إيجابه الغسل في كل يوم بليلته،
315

وأما ما نقله في المسالك عن المفيد من الاجتزاء بالوضوء الواحد للفرضين فالظاهر أنه اشتباه
كما لا يخفى على من لاحظ المقنعة، فانحصر الخلاف في القولين، وهما نادران ضعيفان
محجوجان بما تقدم، وبقول الباقر (عليه السلام) في موثق زرارة (1): " عن الطامث
تقعد بعدد أيامها كيف تصنع. قال: تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة، فلتغتسل
وتستوثق من نفسها، وتصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفد الدم، فإذا نفذ اغتسلت
وصلت " وبقول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار (2): " المستحاضة
تنظر أيامها - إلى أن قال -: وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت
المسجد وصلت كل صلاة بوضوء " الخبر. إلى غير ذلك من الأخبار (3) التي قد تقدم
بعضها كصحيح الصحاف على أحد الوجهين فيه وغيره. والأخبار (4) الكثيرة الآمرة بالوضوء
في الصفرة الشاملة لنحو المقام، بل قد عرفت سابقا أن الغالب كما قيل فيها أن تكون
قليلة، بل كاد بعضها يكون صريحا في ذلك هنا لاشتمالها على نفي الغسل.
وبذلك كله يسقط ما عساه يستدل به للأول من الأصل ومن حصر موجبات
الوضوء ونواقضه في بعض الأخبار في غيرها، ومن مفهوم قوله (عليه السلام) في
خبر ابن أبي يعفور (5): " المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت واحتشت
كرسفا وتنظر، فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها وتوضأت وصلت " مع احتمال
أن يراد بالظهور على باطن القطنة، فيكون نصا فيما نحن فيه، وإلا فهو لا يوافق ما نقل
عنه من إيجابه الأغسال الثلاثة عند ظهور الدم على الكرسف.

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 9 - 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 9 - 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 6 و 7
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الحيض - حديث 1 و 7 و 8
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 13
316

وقد يستدل له أيضا بقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (1):
" المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر، ثم تغتسل عند المغرب فتصلي
المغرب والعشاء، ثم تغتسل عند الصبح " من حيث ترك التعرض لما يوجب الوضوء
منها مع أنه في مقام البيان، فدل على عدمه، وفيه أن ذلك لا ينافي الثبوت بغيره من
الأخبار، ولو قرر الاستدلال به له بغير ذلك بل بتعليق الحكم بالاغتسال على طبيعة
المستحاضة لكان الجواب عنه أنه محمول على غيره من الأخبار. إذ هو لا يوافق بظاهره
المنقول عنه من عدم إيجابه في تلك الحالة شيئا، فيجب حينئذ تقييده بغير القليلة قطعا،
نعم هو موافق لما احتمله من عبارته في كشف اللثام من إيجابه الأغسال الثلاثة في جميع
الأحوال، وكيف كان فلا إشكال في ضعفه وإن أمكن الاستشهاد له باطلاق بعض
الأخبار (2) لكنها منزلة على المختار قطعا، كضعف ما سمعته عن ابن الجنيد، وإن
أمكن الاستشهاد له أيضا بمضمرة سماعة (3) " المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت
لكل صلاتين وللفجر غسلا، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة
والوضوء لكل صلاة " مع عدم صراحته فيه، بل هو ممكن التنزيل على المتوسطة كما
ستسمعه فيما يأتي إن شاء الله.
ثم إن ظاهر المصنف بل كاد يكون صريحه لقوله: (ولا تجمع بين صلاتين
بوضوء واحد) مؤكدا لما سبق من عبارته عدم الفرق في ذلك بين الفرض والنفل،
فكما لا يجوز جمع فرضين بوضوء كذلك الفريضة والنفل، بل هو ظاهر معقد الشهرات
والاجماعات المتقدمة عدا الخلاف، لتقييده عدم جواز الجمع بالوضوء الواحد للفرضين،
بخلاف غيره فأوجب الوضوء لكل صلاة من غير تقييد، وبه صرح في المعتبر والمنتهى

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 6
317

وجامع المقاصد والتذكرة، بل في الأخير لا تجمع المستحاضة بين صلاتين في وضوء
واحد عند علمائنا، سواء كانا فرضين أو نفلين، ويدل عليه - مضافا إلى ذلك وإلى
أنها مستمرة الحدث، فيقتصر على مقدار الضرورة المتيقن استباحتها له، وهو الفرض
الواحد - الموثق (1) والصحيح (2) المتقدمان (تصلي كل صلاة بوضوء) لكن قال
في المبسوط: أنه إذا توضأت المستحاضة للفرض جاز أن تصلي معه ما شاءت من النوافل
وتبعه في المهذب، وربما كان قضية من لم يوجب معاقبة الصلاة للوضوء كالعلامة في
المختلف وتبعه العلامة الطباطبائي في مصابيحه، وهو - مع مخالفته لما سمعت - لا دليل
عليه سوى بعض إطلاقات في الأمر بالوضوء لا تصلح لمعارضة ما تقدم، مع أنه لا يقول
بمقتضاها بالنسبة للفرضين، اللهم إلا أن يفرق فيدعي دخول نوافل كل فرض في اسمه،
فلا ينافيه حينئذ قوله (عليه السلام): (كل صلاة بوضوء) سيما بعد احتمال إرادة وقت
كل صلاة، بل قد يدعي ظهوره، لكنه ينبغي حينئذ اختصاص إرادته النوافل لكل
فرض لا مطلق النوافل، ويؤيده سهولة الملة وسماحتها، إذ في التجديد لكل ركعتين
كما يقتضيه التعميم المتقدم من المشقة ما لا يخفى، واحتمال عدم مشروعية النوافل بالنسبة
إليها باعتبار أن طهارتها اضطرارية ولا ضرورة بالنسبة إليها ضعيف بل مقطوع بعدمه،
وقد يستأنس له مضافا إلى ذلك ببعض ما دل (3) في غير هذه الحالة على جواز صلاتها
الفريضة والنافلة بغسل واحد، وبما ستسمعه من أن المستحاضة متى فعلت ما هو واجب
عليها كانت بحكم الطاهر، فتأمل.
ومن ذلك كله ينقدح الكلام في شئ قد أشرنا إلى نظيره في المسلوس،
وهو أنه هل يستباح بمثل هذا الوضوء باقي ما اشترط بالطهارة كمس كتابة القرآن؟ وكذا

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 9
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1 - 15
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1 - 15
318

الكلام بالنسبة إلى غاياته المستحبة كقراءة القرآن وغيرها، وما مقدار ما يستباح منه؟
ولو أمكن القول بعدم نقض حكم هذا الوضوء بعد حصوله بمثل هذا الاستمرار للحدث
لكان متجها كما ادعاه بعضهم في المسلوس، وربما يومي إليه من جوز الفصل بين
الوضوء والصلاة بغير ما يتعلق بالصلاة كالعلامة في المختلف ويأتي له تتمة إن شاء الله
وإن قلنا بوجوب تجديده هنا للفرض الثاني للدليل، فتأمل جيدا.
(وفي الثاني) أي ثقب الدم للكرسف أو غمسه أو الظهور عليه على الاختلاف
المتقدم في التعبير عن الوسطى وهي الحالة الثانية (يلزمها مع ذلك) أي ما تقدم في
الصغرى من تغيير القطنة بلا خلاف صريح أجده فيه هنا سوى ما سمعته من المناقشة
السابقة لبعض متأخري المتأخرين من جهة كونه مما لا تتم به الصلاة، بل عن شرح
الإرشاد لفخر الاسلام إجماع المسلمين عليه، وهو الحجة مضافا إلى ما تقدم سابقا في
(القليلة من) نفي الخلاف وغيره. لدلالته عليه هنا بطريق أولى قطعا، كل ذا مع سلامته
هنا مما سمعته منا من المناقشة في الأولى من جهة الأخبار، لظهور بعضها في المقام بوجوب
الابدال ظهورا كاد يكون صريحا في خبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (1) عن الصادق
(عليه السلام) قال فيه: " فلتحتط بيوم أو بيومين. ولتغسل ولتستدخل كرسفا،
فإن ظهر عن الكرسف فلتغتسل، ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي، فإذا كان دما سائلا
فلتؤخر الصلاة، ثم تصلي صلاتين بغسل واحد " وفي خبر الجعفي (2) " فإن هي رأت
طهرا اغتسلت، وإن هي لم تر طهرا اغتسلت واحتشت، فلا تزال تصلي بذلك الغسل
حتى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف " مضافا إلى
ما دل (3) عليه في الكبرى لعدم القائل بالفرق، كما أنه لم يقل أحد به أيضا بالنسبة
إلى الصلوات، فلا يضر حينئذ عدم دلالة الخبرين المتقدمين عليه سيما بعد انجبارهما

(1)
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 8 - 10 - 13
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 8 - 10 - 13
319

بالفتوى بالنسبة إلى ذلك وبما دل عليه بالنسبة إلى كل صلاة من خبر أبي بصير (1) في
الكثيرة كما عرفت من عدم قائل بالفرق، كما لا يضر إشعار بعض الأخبار (2) بعدم
وجوب الابدال، منها ما تقدم سابقا في الأولى، لوجوب عدم الركون إليه في
مقابلة ما سمعت.
وبذلك كله يتضح الدليل على ما ذكره المصنف وجماعة بل نسبه في كشف اللثام
إلى الأكثر من وجوب (تغيير الخرفة) إذ هو أولى من القطنة قطعا لصغرها، ولكونها
كالملحقة بالبواطن بخلافها، من غير فرق بين تنجسها بكثير الدم أو قليله، بناء على
عدم العفو عنه خصوصا في المقام، ولا دلالة في عدم ذكر السيدين له كما عن القاضي على
عدم الوجوب، ومع فرضها فهم محجوجون بما تقدم، كما أنه لا دلالة في خلو الأخبار
عنها على ذلك أيضا فتدبر، ومن الوضوء لكل صلاة كما في المقنعة والسرائر والجامع
والوسيلة والقواعد والتحرير والإرشاد واللمعة والروضة وغيرها، وهو المشهور، بل
لعله لا خلاف فيه بالنسبة إلى غير الغداة، كما يرشد إليه دعوى الاجماع في الناصريات
والخلاف والغنية على ما يتناولها، بل ولا فيها وإن أوهمته هذه الكتب الثلاثة والمبسوط
كالمنقول عن الصدوقين والقاضي وأبي الصلاح وغيرها، لمكان اقتصارهم على الأمر
بالوضوء لغيرها، لكنها تحتمل جميعا إرادة إنما يجب عليها الغسل لصلاة الغداة، وإنما
يجب عليها لغيرها الوضوء، فلا ينافي حينئذ وجوب الوضوء لها كما ذكره المحقق في
نكت النهاية على ما نقل عنه في تفسير عبارتها، وإن أبيت فهم محجوجون بقول الصادق
(عليه السلام) في موثقة سماعة (3) الآتية: " وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الحيض - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الجنابة - حديث 3
320

كل يوم مرة، والوضوء لكل صلاة " ونحوه مضمره الآخر (1) وبكثير مما ذكرناه سابقا
من وجوب الوضوء مع غير غسل الجنابة، منها قوله (عليه السلام) (2): " في كل غسل
وضوء إلا غسل الجنابة " وما في كشف اللثام من أنه لا يدل على إيجابه في كل صلاة
مدفوع أولا بما في الرياض من الاجماع المركب، فتأمل. وثانيا بأنه قد دل الخبر
على أن كل موجب للأكبر موجب للأصغر لا يجتزي عنه بالغسل فيجب الوضوء حينئذ
لصلاة الغداة، وقد عرفت أنه لا إشكال في غيرها، مع امكان تقرير الدليل فيها أيضا،
كل ذا مع ضعف ما عساه يتمسك به للخصم لو كان من الأصل، ويمكن معارضته بمثله
وحصر النواقض في الأخبار في غيرها، وفيه مع عدم صلاحيته لمعارضة ما سبق أن
الحصر فيها إضافي سيما بالنسبة إلى موجبات الكبير مع الصغير، ومن إغناء كل غسل
واجب عنه على ما ذهب إليه السيد، وفيه مع ما عرفته في محله أنك قد عرفت أن السيد
هنا صرح بالوضوء لغير الغداة، بل ولها في الجمل كما حكاه في كشف اللثام، ولعل
ترك بعضهم التعرض له هنا إنما هو لايكاله على ما تقدم سابقا من إيجابه مع كل غسل،
فتأمل جيدا.
(و) كيف كان فيجب عليها مع ذلك (الغسل لصلاة الغداة) كما في الفقيه
والهداية لكنه مع ضم صلاة الليل معها فيهما والمقنعة والناصريات والغنية والخلاف
والمبسوط والوسيلة والسرائر والجامع والنافع والقواعد والتحرير والمختلف والإرشاد
والدروس والبيان والذكرى واللمعة والروضة وجامع المقاصد وغيرها، وظاهر الجميع
بل صريحهم عدم وجوب غيره من الأغسال، فيكون حينئذ ما في الناصريات والخلاف
والغنية من الاجماع حجة على ما ينقل عن ابني أبي عقيل والجنيد من وجوب الأغسال

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 6
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الجنابة - حديث 2
321

الثلاثة، فأدخلوا هذا القسم في الثالث، وإن اختاره المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى، وتبعهما
بعض متأخري المتأخرين كصاحب المدارك ناقلا له عن شيخه المعاصر الأردبيلي، ويدل على
المختار مضافا إلى ما تقدم وإلى الأصل مضمر زرارة (1) في الصحيح " فإن جاز الدم الكرسف
تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل، والظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء
بغسل، وإن لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد " والمناقشة فيه باضماره مع أن مثله
غير قادح عندنا سيما من مثل زرارة مدفوعة بأن الشيخ قد أسنده إلى أبي جعفر
(عليه السلام) في أثناء الاستدلال، كالمناقشة في الدلالة بشموله للاستحاضة القليلة،
إذ خروجها بالأدلة السابقة غير قادح في الحجية في غيرها، وكذا المناقشة أيضا بعدم
صراحته بكون الغسل للغداة، بل ولا للاستحاضة، بل لعله للنفاس، لاندفاع الأول
بعدم القول بعد ثبوت الغسل الواحد لغيرها، ويكفي فيه الاجماعات السابقة، والثاني
بظهوره ظهورا كاد يكون كالصريح في كون الغسل للاستحاضة، كما يقتضيه ذكر الفاء
وغيرها، على أن اشتراطه الأغسال الثلاثة بجواز الدم الكرسف الذي هو ظاهر في التعدي
كاف في إثبات المطلوب.
ومضمر سماعة (2) في الموثق قال: المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف
اغتسلت لكل صلاتين، وللفجر غسلا، وإن لم يجز الدم فعليها الغسل كل يوم مرة،
والوضوء لكل صلاة - إلى أن قال -: هذا إن كان دما عبيطا، وإن كان صفرة فعليها
الوضوء " وهو ظاهر في المدعى، لأن المراد بالجواز إنما هو التعدي، ونفسه وإن
كان أعم من الوسطى لكن لا يقدح في المطلوب، على أنه لا بد من تنزيله على الوسطى
لعدم قائل بوجوب غسل في الصغرى سوى ما سمعته عن ابن الجنيد، وهو ضعيف
جدا لا ينبغي حمله عليه، فيثبت المطلوب حينئذ، ويراد بالثقب في صدره إنما هو

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 5 - 6
322

التعدي، ولذا أوجب الأغسال الثلاثة، ولعل الأمر بالوضوء في الصفرة في ذيله كناية
عن الصغرى، لما عرفت سابقا من غلبة العلة فيها، فيكون الخبر حينئذ مشتملا على
بيان الأقسام الثلاثة للمستحاضة، فتأمل جيدا.
وصحيح الصحاف (1) المتقدم سابقا، وفيه مواضع للدلالة على المطلوب،
(منها) ما في آخره من اشترط الأغسال الثلاثة إذا كان الدم يسيل من خلف
الكرسف صبيبا لا يرقى. و (منها) ما في أوله فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا
يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة، إذ هو متناول للوسطى
لعدم تحقق السيلان فيها، ولا ينطبق ذلك إلا على مذهب المشهور من عدم إيجاب الغسل
عليها للمغرب والعشاء كالقليلة، فما في المدارك - أن محل الدلالة فيه (وإن طرحت
الكرسف فسال الدم فعليها الغسل) وهو غير محل النزاع، إذ هو فيما لم يحصل السيلان،
مع أنه لا إشعار فيه بكون الغسل للفجر، ويمكن حمله على الجنس ويكون تتمة الخبر
كالمبين - ليس على ما ينبغي، لما عرفت، على أنه قد يقال بالدلالة فيما ذكره أيضا من
جهة الاشتراط بالسيلان، بل قد يدعى إرادة المتوسطة منه لاشعاره بكونه سيلانا قليلا،
ولذا تحقق مع طرح الكرسف، ويشعر به أيضا مقابلته لما بعده فيكون حينئذ
مساويا للمتوسطة، لأنها هي التي يظهر دمها من الكرسف مع احتشائها به ولو طرحته
لتحقق مثل هذا السيلان، لظهور الفرق بين حالتي الاحتشاء وعدمه، ويدفع حينئذ
عدم التعرض فيه لكون الغسل للفجر بما سمعته سابقا فتأمل.
وخبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) الذي هو كالصحيح عن الصادق
(عليه السلام) قال: " وإن كان قرؤها فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، ولتغتسل

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 7
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 8
323

وتستدخل كرسفا، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي،
فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة، ثم تصلي صلاتين بغسل واحد " الخبر. وهو
كالصريح في إرادة الوسطى من قوله (عليه السلام): (فإن ظهر) سيما بعد مقابلته
بالدم السائل، مع أن فيه دلالة أخرى من جهة الشرطية بالنسبة للصلاتين بغسل.
وموثق زرارة (1) عن الباقر (عليه السلام) وفيه " تستظهر بيوم أو يومين،
ثم هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم،
فإذا نفذ اغتسلت وصلت " لظهور صدقة بالغسل الواحد للغداة، كخبر الجعفي (2)
عنه (عليه السلام) أيضا " وإن هي لم تر طهرا اغتسلت واحتشت ولا تزال تصلي بذلك
الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل والكرسف " ومفهوم
قول الصادق (عليه السلام) في خبر يونس بن يعقوب (3): " فإن رأت الدم دما صبيبا
فلتغتسل في وقت كل صلاة " كخبر محمد بن مسلم (4) المروي في المعتبر عن كتاب
المشيخة للحسن بن محبوب عن الباقر (عليه السلام) " فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع
بين كل صلاتين بغسل " وموثق سماعة (5) عن الصادق (عليه السلام) قال: " غسل
الجنابة واجب، وغسل الحيض إذا طهرت واجب، وغسل الاستحاضة واجب إذا
احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين، وللفجر غسل،
وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة، والوضوء لكل صلاة " الحديث.
والتقريب كما سبق، ويؤيد الجميع ما في الفقيه الرضوي (6) " فإن لم يثقب الدم القطن

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 9 - 10
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 9 - 10
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 11 - 14
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 11 - 14
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الجنابة - حديث 3
(6) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1
324

صلت صلاتها كل صلاة بوضوء، وإن ثقب الدم الكرسف ولم يسل صلت الليل والغداة
بغسل واحد، وسائر الصلوات بوضوء، وإن ثقب وسال صلت الليل والغداة بغسل،
والظهر والعصر بغسل، وتصلي المغرب والعشاء الآخرة بغسل " وهو مع الاجماعات
السابقة والاجماع المركب دال على أن المراد بالغسل إنما هو غسل الغداة.
كل ذا مع ضعف متمسك الخصم، إذ هو ليس إلا إطلاقات جملة من الصحاح (1)
في أن المستحاضة تغتسل ثلاثة أغسال، وهي كما أنها عند الخصم مقيدة بالقليلة، كذلك
عندنا بالمتوسطة، لما سمعت إن لم نقل أنها من الأفراد النادرة التي لا ينصرف إليها
الاطلاق، وسوي ما في بعضها من إيجاب الأغسال الثلاثة عند ثقب الدم الكرسف (منها)
ما تقدم في صدر مضمرة سماعة (2) السابقة و (منها) صحيحة معاوية بن عمار (3) عن
الصادق (عليه السلام) " فإذا جازت ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر
تؤخر هذه وتعجل هذه، وللمغرب والعشاء غسلا تؤخر هذه وتعجل هذه، وتغتسل
للصبح، وتحتشي وتستثفر ولا تجبي وتضم فخذيها في المسجد، وسائر جسدها خارج،
وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء "
الخبر. ولعل الظاهر أن المراد بالثقب فيه إنما هو الجواز والتعدي كما عرفته سابقا في
مضمرة سماعة، وإن كان مقتضى المقابلة خلافه، لكن قد يشعر به هنا الأمر بالاحتشاء
المفسر بوضع قطنة محشوة للتحفظ من تعدي الدم والاستثفار والنهي عن الانحناء أو
الاجباء وضم الفخذين في حال السجود وسائر جسدها خارج، وإشعار جواز الدخول
للمسجد في مقابلتها عدمه فيها، وكأنه لكثرة الدم وعدم الأمن من التلويث، هذا.
وأجاب عنها وعن سائر أدلتهم من المطلقات في شرح المفاتيح، وتبعه في الرياض.

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 12 و 14 و 15
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 6 - 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 6 - 1
325

" أن المتوسطة من الأفراد النادرة التي لا ينصرف إليها الاطلاق، إذ قل ما يكون الدم
ثاقبا للكرسف ولم يتعده، ولذا خلا كثير من الأخبار عن التعرض لها، بل وكذا
لقليلة " انتهى. قلت: وفيه أن ذلك يقضي بفساد كثير من الأدلة السابقة على
المطلوب من المفاهيم وغيرها، وهما ممن استدلا بها أيضا، لكن لعل في غيرها من
الاجماعات وغيرها مما لا يتأتى فيه ذلك كفاية في ثبوت المختار، فتأمل جيدا.
ثم إن الظاهر عدم إلزامها في هذا القسم بتقديم الغسل على الوضوء أو العكس،
للأصل وإطلاق الأدلة، فما عساه يظهر من المقنعة من إيجاب التقديم ضعيف، كما تقدم
سابقا في البحث عن الوضوء مع غير غسل الجنابة، وكذا احتمال إلزامها بالتأخير حذرا
عن الفصل بينه وبين الصلاة بالغسل، لعدم الدليل على قدح مثل ذلك، بل قد
عرفت أن الاطلاق يقضي بخلافه.
(و) كيف كان ف‍ (في) الحال (الثالث) وبه تسمى الكبرى (يلزمها مع
ذلك) أي ما تقدم من تغيير القطنة والخرقة أو تطهير هما من غير خلاف أجده فيها هنا
لما تقدم سابقا مع الأولوية في المقام، مضافا إلى ما تدل عليه هنا بعض الأخبار (1)
ومن الوضوء لكل صلاة وفاقا للسرائر والجامع والنافع والقواعد والإرشاد والذكرى
والروضة وجامع المقاصد وغيرها، بل في المدارك أن عليه عامة المتأخرين، وعن الروض
أن به أخبارا صحيحة (2) وخلافا لما عساه يظهر من ترك التعرض له، والاقتصار على
الأغسال من عدم وجوبه لشئ من الصلوات من الصدوقين والشيخ في بعض كتبه
والسيد في الناصرية والحلبي وبني حمزة والبراج وزهرة على ما نقل من بعضهم، بل لعله

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 10
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1 و 6 و 9 و 13
لكنها في غير الكثيرة إلا الأخير
326

يكون حينئذ داخلا تحت دعوى الاجماع من بعضها كالناصريات والخلاف والغنية،
ومال إليه بعض متأخري المتأخرين، وللمفيد والمصنف في المعتبر وعن السيد في الجمل
وأحمد بن طاووس من تعدده بتعدد الأغسال دون الصلوات، واختاره في شرح
المفاتيح والرياض، وبالغ المحقق في المعتبر في إنكار القول الأول، فقال: " وظن
غالط من المتأخرين أنه يجب على هذه مع هذه الأغسال الوضوء لكل صلاة، ولم يذهب
إلى ذلك أحد من طائفتنا، ويمكن أن يكون غلطه لما ذكره الشيخ في المبسوط والخلاف
أن المستحاضة لا تجمع بين فرضين بوضوء، فظن انسحابه على مواضعها، وليس على
ما ظن، بل ذلك مختص بالموضع الذي يقتصر فيه على الوضوء " انتهى. وهو منه عجيب
بعد ما سمعت، مع أنه هو مختاره هنا والنافع وظاهر المختلف نسبته إلى المشهور، بل قد
يظهر منه في المنتهى أنه لا خلاف فيه.
وكيف كان فقد يحتج للأول بقوله تعالى (1): (إذا قمتم إلى الصلاة) وبما
تقدم سابقا من إيجاب الوضوء مع سائر الأغسال، منها قوله (عليه السلام) (2) (في
كل غسل وضوء) وبأولوية هذا القسم من السابقين في إيجاب ذلك، وبأصالة عدم
إغناء هذا الغسل عن الوضوء، لكن قد يناقش في الأول بعدم العموم في الآية، بل
أقصاه الاطلاق المنصرف إلى غير محل البحث، أعني الحدث الأصغر، بل ورد في
المعتبرة (3) تفسيرها بالقيام من النوم، بل نقل عن المفسرين ذلك أيضا، ولو سلم
فلا عموم فيها بالنظر إلى الأشخاص، لكون المستفاد منها الحكم بالنسبة إلى الرجال،
فالحاق النسوة بهم إنما هو بالاجماع، وهو مفقود في المقام، وفي الثاني بأن أقصاه بعد

(1) سورة المائدة - الآية 8
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الجنابة - حديث 2
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب نواقض الوضوء - حديث 7
327

القول فيه إيجاب الوضوء في كل غسل لا كل صلاة، وفي الثالث بمنع الأولوية بعد إيجاب
الغسل في المقام، وفي الرابع بأنه إنما يتجه بعد ثبوت الدليل على الالزام بالوضوء، أما
مع عدمه فلا أصل، وقد يدفع الأول بعد تسليم إرادة الحدث الأصغر بأن استمرار
حدث الاستحاضة بعد الغسل منه، لظهور الاتفاق على حدثيته في هذا الحال، مع
عدم إيجاب الغسل له، فيتعين كونه أصغر بالنسبة إلى ذلك، وإلحاق النسوة إنما هو
بالاجماع على أصالة الاشتراك في التكاليف، فلا يقدح وقوع الخلاف في المقام كالحضور
والغيبة، والثاني بظهور ما قدمناه سابقا في محله أن الغسل لا يغني عن الوضوء، كظهور
قوله: (في كل غسل وضوء) إن كل موجب للأكبر موجب للأصغر، وربما يظهر
من ملاحظة الأدلة أن دم الاستحاضة حدث، بل في المختلف دعوى الاجماع عليه،
ويرشد إليه مضافا إلى ذلك إيجاب الغسل والوضوء لهذا الدم المستمر كالمغرب مثلا،
على أنه لا معنى لدعوى حدثية الابتداء دون الاستدامة، فيتحصل حينئذ من مجموع
ذلك إيجاب الوضوء والغسل عند كل صلاة، وسقوط الثاني بالاجماع ونحوه لا يقضي
بسقوط الأول، على أن إسقاطه الوضوء إما لا غناء الغسل عنه، أو لا غناء الوضوء الأول
عنه، أو لأنه لم يثبت حدثية هذا الدم في هذا الحال، والكل كما ترى قد ظهر لك
بطلانه، كما أنه ظهر لك منه أيضا بطلان باقي ما تقدم من المناقشات الأخر، وبطلان
ما عساه يستند به للثاني من الأصل والبناء على الاجتزاء بالغسل عنه، كما ذهب إليه
علم الهدى من خلو النصوص عن التعرض للوضوء، واقتصارها على الأغسال الثلاثة
في مقام البيان، كما أنه قد يشعر التفصيل في بعضها بذلك، لكنك خبير أن ذلك
لا يعارض ما دل على وجوب الوضوء مع كل غسل، بل لعل الترك فيها كترك التعرض
له هنا من بعض قدماء الأصحاب إنما هو للايكال على ما ذكروه من إيجاب الوضوء مع
328

كل غسل عدا الجنابة، ومن جميع ذلك ظهر لك مستند القول الثالث، وهو الاكتفاء
بالغسل والوضوء لصلاتين، لما دل على أن في كل غسل وضوء مع عدم الدليل على
الزيادة، وربما يؤيده تعليق الأمر بالوضوء لكل صلاة على عدم ثقب الدم الكرسف في
صحيحة معاوية بن عمار وغيرها، وهو لا يخلو من قوة وإن كان الأول أقوى لما عرفت.
وكيف كان فيجب عليها مع ذلك (غسلان، غسل للظهر والعصر تجمع بينهما،
وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما) بلا خلاف أجده كما نفاه عنه غير واحد، بل
حكي عليه الاجماع مستفيضا كالسنة (1) وقد تقدم سابقا جملة منها، وفيها الصحيح
وغيره، وهل يعتبر في إيجاب الأغسال الثلاثة استمرار الدم الموجب لذلك إلى العشاءين
مثلا، فإن استمر إلى الظهرين فاثنان، وإلا فواحد كما عساه تشعر به عبارة العلامة في
القواعد، وأصرح منها عبارة جامع المقاصد، كالمنقول عن الروض، وفي الحدائق
أنه الظاهر من الأخبار، أو يكفي فيها الاستمرار أو الحدوث قبل فعل الصلاة ولو
لحظة كما في الرياض، حيث قال: " وتجب الثلاثة مع استمرار الكثرة من الفجر إلى
الليل أو حدوثها قبل فعل الصلاة ولو لحظة، ومع عدم استمرارها أو حدوثها كذلك
فاثنان إن استمر أو حدث إلى الظهر، أو واحد إن لم يستمر ولم يحدث كذلك " انتهى.
أو أنه يكفي في إيجاب الثلاثة استمرار الدم ولو لحظة بعد كل من غسلي الصبح والظهرين
مثلا ما لم يكن الانقطاع للبرء، كما أنه يكفي في إيجاب الغسلين استمرار الدم ولو لحظة
بعد غسل الصبح، ومع عدمها فغسل واحد كما في كشف اللثام ناقلا له عن التذكرة
قال: قال فيها: لو كان الدم كثيرا فاغتسلت أول النهار وصامت ثم انقطع قبل الزوال
لم يجب غسل آخر عند الزوال لا للصوم ولا للصلاة إن كان للبرء، وإن كان لا له
وجب لتحقق السيلان الموجب للغسل باطلاق النصوص والفتاوى، كما أنها إذا انتفت

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة
329

عند أحد الأغسال من غير عود لم يجب غسل آخر لانتفاء موجبه؟
قلت: الأخير لا يخلو من قوة، بل لعله مراد الجميع سيما سابقه وإن قصرت
العبارة عن ذلك، لما سمعته من إطلاق النصوص والفتاوى. وما يقال: إن ظاهر
الأخبار الاستمرار قد يمنع إن أراد به الاشتراط، نعم قد تشعر به ما في بعضها (1) من
الأمر بالاحتشاء والاستذفار وإطلاق الدمية ونحو ذلك، لكن لا ظهور فيها بالاشتراط
أي اشتراط وجوب الأغسال بالاستمرار المتقدم حتى تصلح مقيدة لغيرها، سيما مفهوم
قوله (عليه السلام) في خبر الصحاف (2): " فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب
لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة " وفي كشف اللثام
" ولا يدفعه قوله (عليه السلام) (3): " فإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل
من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فإن عليها أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات "
فإن (إذا) لا تفيد الاستمرار والكلية " انتهى. فتأمل. بل لولا مخافة خرق ما عساه
يظهر من الاجماع وتشعر به بعض الأخبار (4) لأمكن القول بايجابه الأغسال الثلاثة
وإن لم يستمر لحظة بعد الغسل للاطلاق المتقدم، فيكون حينئذ هذا الدم حدثا يوجب
أغسالا ثلاثة وإن لم يستمر، نعم قد يتجه بناء على المختار عدم الفرق بين كون الانقطاع
للبرء وعدمه إذا لم يتعقبه غسل بعد انقطاعه، كما إذا انقطع للبرء بعد فعل الصلاة مثلا
ولم نقل بوجوب إعادة الطهارة والصلاة أو كان في خارج الوقت بالنسبة للصبح مثلا،
سيما بعد ثبوت كون هذا الاستمرار من دم الاستحاضة حدثا وعدم ثبوت إجزاء الغسل
المتقدم عليه عنه، اللهم إلا أن يثبت إجماع على عدمه، والظاهر عدمه، كما تأتي

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1 و 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 7
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 7 - 4
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 7 - 4
330

الإشارة إليه إن شاء الله في البحث عن الغسل للانقطاع للبرء، على أنه لم يعقل الفرق
بين الانقطاع للبرء وعدمه، لأنه إن كان الموجب للغسل إنما هو ما وقع من الحدث
قبل انقطاعه فهو موجود في الحالتين، وإلا فلا يفيده ما تجوز مجيئه من الحدث، اللهم
إلا أن يقال ببقاء وصف المستحاضة كبرى مثلا في الثاني دون الأولى، وللنظر فيه
مجال سيما مع عدم اطمئنانها بالعود، فتأمل جيدا.
ثم لا يخفى أن ما ذكرناه من إيجاب الغسل بذلك مبني على الاجتزاء بوجود الدم
الموجب لذلك قبل فعل الصلاة التي يقع الغسل لها سواءا كان في الوقت أو لا كما في سائر
مراتب الاستحاضة، فيجب الغسل للظهرين بمجرد حصول الكثرة قبل الوقت وإن
طرأت القلة فيه، وفاقا لجماعة من متأخري المتأخرين منهم الشهيد الثاني، وربما مال إليه
في جامع المقاصد هنا للاطلاق المتقدم من النصوص والفتاوى، ولأنه كغيره من الأحداث
التي لا يشترط في تأثيرها دخول الوقت، ولعله الظاهر من خبر الصحاف المتقدم،
وخلافا لما عساه يظهر من الشهيد في الدروس، وربما مال إليه في جامع المقاصد في مبحث
الغايات، وقال: إنه الذي يلوح من الأخبار، قال في الأول: والاعتبار بكمية الدم
بأوقات الصلاة في ظاهر خبر الصحاف وفي الذكرى بعد أن ذكر خبر الصحاف: هذا
مشعر بأن الاعتبار بوقت الصلاة، فلا أثر لما قبله، واعترضه سائر من تأخر عنه
بأنه لا ظهور فيه بذلك، بل ظاهره العكس كما عرفت، قلت: وهو كذلك إلا أن
يكون مقصوده أمرا آخر يصعب استقامته أو يكون أخذه مما في آخره من اشتراط
كونه دما صبيبا لا يرقى أو نحو ذلك من الأمارات التي يشكل الاعتماد عليها، ولذا كان
ظاهره في البيان ما قلناه، قال فيه: لو اختلفت دفعات الدم عمل على أكثرها ما لم
يكن لبرء، لكن لا يخلو ما فيه من التقييد من النظر، سيما إذا كان الاختلاف في
الدفعات التي تعقبها البرء بعد الوقت، بل قد يظهر منه فيه أيضا خلافه، فلاحظ وتأمل.
331

وقال في الذكرى في المقام: " قيل الاعتبار في الكثرة والقلة بأوقات الصلاة،
فلو سبقت القلة وطرأت الكثرة انتقل الحكم، فلو كانت الكثرة بعد الصبح اغتسلت
للظهرين - إلى أن قال -: أما بالنسبة إلى الظهرين فلا يجب إن كثر بعدهما غسل لهما، بل
إذا استمر إلى العشاءين اغتسلت لهما قطعا، وكذا إن انقطع مظنونا عوده أو مشكوكا
فيه لأصالة البقاء، وإن شفيت منه بني على ما مر، ولو سبقت الكثرة في الصبح
اغتسلت له، فلو قل عند الظهرين توضأت، ولو جوزت عود الكثرة فالأجود الغسل
لأنه كالحاصل، فإن علمت الشفاء كفاها الوضوء " انتهى. وفيه مواضع للتأمل يظهر
بعضها مما تقدم وبعضها مما يأتي.
وحيث انجر بنا الكلام إلى البحث في أن انقطاع دم الاستحاضة يوجب شيئا
أو لا فنقول: قد أطلق الشيخ في مبسوطه وخلافه كما عن الاصباح والمهذب ايجاب الوضوء
للانقطاع قبل الشروع في الصلاة، وظاهره عدم الفرق بين مراتب الاستحاضة وبين
كون الانقطاع للبرء والشفاء وعدمه وإن كان في كلامه ما عساه يشعر بالثاني، وقيده
العلامة في القواعد وغيره بالبرء كما أن الشهيد في البيان قيده بما إذا كان قبل الانقطاع
موجبا للوضوء، وإلا فالغسل، وقد اعترف الشهيد في الذكرى بعدم الوقوف على نص
في المسألة، وهو كذلك، وتفصيل الحال وبالله التوفيق أن يقال: إنه لا إشكال في
حكم انقطاع دم الاستحاضة قبل أن تفعل موجبه من وضوء أو غسل سواء كان الانقطاع
انقطاع فترة أو برء، وذلك لأنه يجب فعل ما خوطبت به من الوضوء أو الغسل
حينئذ من غير زيادة للانقطاع، سواء كان ذلك في الوقت أو قبله بناء على ما تقدم
من المختار، وأما إذا كان الانقطاع بعد فعل الصلاة فإن كان برء احتمل وجوب
الإعادة لانكشاف فساد الأول، واحتمل العدم لحصول الامتثال واقتضاء الأمر الاجزاء
وإطلاق الأدلة، ولعله الأقوى، وإن كان لفترة فلا إشكال حيث لا تسع الطهارة
332

والصلاة، وأما إذا كانت كذلك فهي كالأول، بل عدم الإعادة فيها أولى.
ثم إنه بناء على عدم الوجوب بالنسبة إلى الصلاة السابقة فهل يجب للصوم أم لا؟
وجهان، اختار أولهما في الذكرى، وفيه نظر لتبعية الصوم للصلاة، فلا يجب له
مستقلا فتأمل. وأما إذا حصل الانقطاع بعد فعل الطهارة قبل فعل الصلاة فهو إما أن يكون انقطاع
برء أو فترة أو لم تعلم، فإن كان الأول فقد عرفت أن قضية كلام الشيخ وغيره وجوب
تجديد الوضوء عليها، وعلله في المبسوط بأن دم الاستحاضة حدث، فإذا انقطع وجب
منه الوضوء، ومراده أنه يظهر بانقطاعه حكم حدثية استمراره المتخلل بين الانقطاع
والطهارة، لا أن الانقطاع نفسه حدث كما ظن، وثبوت العفو عن مثله في حال الاستمرار
كما هو المنساق من الأخبار (1) لا يستلزم ثبوت العفو عنه في حال الانقطاع ولا أولية،
وفي الذكرى في الرد على المحقق " لا أظن أحدا قال: بالعفو عن هذا الدم الخارج
بعد الطهارة مع تعقب الانقطاع " انتهى. قلت: لكن قضية ذلك كله إيجاب موجبه
سابقا من غسل أو وضوء لا الوضوء خاصة، ومن هنا كان الأقوى كما اختاره في
الذكرى والبيان وتبعه المحقق الثاني وغيره عدم الاقتصار على الوضوء إلا إذا كان موجبه
سابقا كذلك. وإلا فالغسل، بل قد يظهر من الأول كونه مجمعا عليه، حيث قال:
" وهذه المسألة لم نظفر فيها بنص خاص من قبل أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن
ما أفتى به الشيخ هو قول العامة بناء منهم على أن حدث الاستحاضة يوجب الوضوء
لا غير، فإذا انقطع بقي على ما كان عليه، ولما كان الأصحاب يوجبون به الغسل
فليكن مستمرا " انتهى.
قلت: ويمكن تنزيل كلام الشيخ على إرادة القليلة كما عساه يظهر من ملاحظة
كلامه، لكن قال في كشف اللثام بعد نقله كلام الشيخ وابن إدريس وغيرهما: " ولم

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 6
333

يوجب أحد منهم الغسل للانقطاع، ونص المصنف في النهاية على العدم " قلت: ولعله
للأصل، والفرق بينه وبين الوضوء، لأن هذا الدم يوجب الوضوء مطلقا ولا يوجب
الغسل إلا مع الاستمرار الخاص فعلا أو قوة، ويظهر لك ضعفه مما تقدم، كضعف
ما في المعتبر من أنه يمكن القول بأن خروج دمها بعد الطهارة معفو عنه، فلم يكن مؤثرا
في نقض الطهارة، والانقطاع ليس بحدث، وربما يظهر من الجامع موافقته لما تقدم لك
سابقا من أنه لم يثبت العفو في هذا الحال مع عدم شمول الاطلاقات لمثله إن لم تكن ظاهرة
في عدمه، ولا أولوية ولا استصحاب لا للطهارة ولا للعفو عن هذا الدم، لانقطاع الأول
بحدثية هذا الدم التي هي مجمع عليها بحسب الظاهر، ففي المختلف أن دم الاستحاضة حدث
إجماعا، وأوضح منه في ذلك ما في شرح المفاتيح، وعدم إمكان جريان الثاني، هذا.
لكن الانصاف أنه لا يخلو من قوة لولا ظهور اتفاق الأصحاب على عدمه، كما سمعته
من الشهيد في الذكرى، إذ يمكن تأييده مع عدم إشارة في شئ من النصوص إليه بما
سيأتي من قولهم: إذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها كانت بحكم الطاهر، وإمكان
تصحيح الاستصحابين المتقدمين، على أنه قضية كون الأمر يقتضي الاجزاء، مع أنه
لم يتصور الفرق بين انقطاعه بعد الصلاة وبينه بعد الطهارة، فتأمل جيدا.
وأما إذا كان الانقطاع للفترة فهي إن لم تكن تسع الطهارة والصلاة فلا يلتفت
إليه قطعا، وكأن إطلاق الشيخ ومن تابعه منزل على غيرها، وأما إذا كان بحيث
تسع الطهارة والصلاة فالأقوى وجوب الإعادة وفاقا للشهيد والمحقق الثاني وعن العلامة
في نهاية الإحكام، وربما يظهر من بعضهم العدم، وهو ضعيف، ومما ذكرنا ينقدح
أنه يجب على المستحاضة انتظار الفترة حيث تكون لها إلا مع حصول المشقة لارتفاع عذرها
وإمكان فعلها الصلاة مرفوعة الحدث، مع الشك في تناول الأخبار لمثلها إن لم يكن
ظاهر العدم.
334

وأما إذا لم تعلم أنه انقطاع برء أو فترة فيحتمل القول بوجوب الطهارة، كما
عساه يظهر من المنقول عن نهاية الإحكام تمسكا بأصالة عدم عوده والاحتياط، لعدم
العلم بصحة ما وقع من الطهارة الأولى، ويحتمل العدم تمسكا باستصحاب صحة ما وقع،
وإصالة عدم الشفاء، واستصحاب العفو عما وقع من الدم، ولعله الأقوى، ومثل
هذا الحكم ما لو علمت أنه لفترة لكن لم تعلم أنها تسع الطهارة والصلاة أولا، بل لعل
عدم وجوب الإعادة هنا أولى، لما في التكليف بمجرد هذا الاحتمال من المشقة والحرج
الذي لا يتحمل عادة، مع أن أصل مشروعية هذا الحكم للتخفيف، بل لعل الأخبار
المكتفية بأفعال المستحاضة ظاهرة فيما قلنا، لتحقق الفترات غالبا، مع أنها لم تعتبر فيما
وصل إلينا من الأخبار.
ثم إنه هل يجب عليها إذا انكشف بعد ذلك أنه انقطاع برء إعادة ما فعلته من
الصلاة بالطهارة الأولى أو لا؟ وجهان أيضا، ينشئان من اقتضاء الأمر الاجزاء،
ومن أنه تكليف ظاهر عذري، وإلا فقد انكشف فساد طهارتها بذلك المتخلل الذي
تعقبه هذا الانقطاع، ولعله الأقوى، ولا ينافي ذلك ما تقدم منا سابقا من الحكم بعدم
الإعادة لو حصل الانقطاع بعد الصلاة، لظهور الفرق بينهما بشمول الاطلاقات القاضية
بالاجتزاء للأول دون ما نحن فيه فتأمل جيدا. ومما ذكرنا من المختار هنا يظهر الحال
فيما تقدم أيضا، وهي ما لو علمته أنه انقطاع فترة لكنها لم تعلم أنها فترة تسع الطهارة
والصلاة أولا ثم انكشف بعد ذلك أنها كذلك، مع احتمال الفرق بينهما بأن الفترة إنما
تعتبر لو علمت بها، أما مع عدم العلم وتجويزها مجئ الدم في كل آن فلا، مع أصالة
براءة الذمة من القضاء وغيره، ولعله الأقوى أيضا، ويشعر به ما عن العلامة في نهاية
الإحكام، حيث قال: " ولو أنقطع لا للبرء بل كان من عادتها العود أو أخبرها به
العارف فإن قصر الزمان عن الطهارة والصلاة لم يجب إعادة الطهارة، بل تشرع في الصلاة
335

ولا عبرة بهذا الانقطاع، لأن الظاهر عدم دوامه، فإن صلت فطال زمانه فالوجه الاجزاء
لأنها دخلت في الصلاة بأمر شرعي فكان مجزءا " انتهى. ويقرب منه ما في الذكرى أيضا.
هذا كله إذا انقطع الدم بعد الطهارة قبل فعل الصلاة أما لو انقطع في أثنائها فقد
أطلق الشيخ في المبسوط والخلاف صحة الصلاة وعدم إيجاب الطهارة مع حكمه بفساد
الطهارة لو حصل قبل فعل الصلاة، ووافقه العلامة في المنتهى والمختلف والشهيد في البيان،
وأنكر عليه ابن إدريس ذلك معللا بأنه إذا كان انقطاع دم الاستحاضة حدثا فهو مفسد
للصلاة مع تخلله فيجب الاستيناف، قلت: وهو في محله، إذ لا نعرف وجها يختص به
الانقطاع في أثنائها عن الانقطاع قبلها، إذ هو إن كان إطلاق ما دل على العفو عن هذا
الدم فهو - مع عدم شموله بحسب الظاهر لمثل هذا الفرد النادر الذي قل ما يتحقق الاطلاع عليه
في أثناء الصلاة - جار في الحالين. فلا ينبغي الفرق من جهته، وإن كان لمكان الاستصحاب
فهو - مع إمكان المناقشة في جريانه في مثل تخلل الحدث في أثناء الصلاة لانقطاعه بما دل
على بطلانها بذلك، وبه يظهر الفرق بعد الاجماع المحكي وغيره بين ما نحن فيه وبين
وجدان الماء للمتيمم في أثناء الصلاة، لعدم الحدث فيه بخلافه هنا، مع استصحابها
للنجاسة المغلظة هنا دونه، بناء على بطلان الصلاة للمتيمم لو كان على ثوبه أو بدنه
نجاسة كذلك - جار أيضا فيهما من غير فرق بين حالتي الانقطاع في الأثناء أو
قبله، على أنه بعد ما كانت الأدلة الدالة على العفو عن هذا الدم ظاهرة في غير هذا
الفرد، فلم تثبت صحة لتلك الطهارة حتى تستصحب فليس حينئذ إلا الرجوع لغيرها،
وهي تقتضي فسادها لأن دم الاستحاضة حدث، والتمسك باستصحاب صحة الصلاة غير
متجه حينئذ، على أنه لا يستلزم الصحة مطلقا، بل أقصاه عدم البطلان، وقد يكون
حينئذ تكليفها الطهارة ثم البناء أو غير ذلك فتأمل جيدا. وإن كان لأنه قد دخل
336

في صلاته دخولا مشروعا فوجب عليه الاكمال لقوله تعالى (1): (ولا تبطلوا أعمالكم)
فهو - مع عدم صلاحيته لمعارضة ما دل على بطلانها بحصول الحدث في أثنائها وعدم شمول
الآية للبطلان القهري بعد الغض عن صحة التمسك في أصل ذلك، لظهور سياقها في
إرادة النهي عن إحباط العمل بالارتداد ونحوه - أنها لا تستلزم الصحة على الاطلاق،
فلم لا يجوز حينئذ الطهارة والبناء مثلا.
ولقد أجاد المصنف في المعتبر فساوى بين الانقطاع في أثنائها وبين السابق عليها
لكنه في عدم الناقضية والعفو عنه، ومال إليه في المدارك مستدلا عليه بعموم الإذن لها
في الصلاة بعد الوضوء المقتضي للعفو عما يخرج من الدم بعد ذلك، وقد عرفت فيما
تقدم ما فيه، بل في الذكرى إني لا أظن أحدا قال: بالعفو عن هذا الدم الخارج بعد
الطهارة مع تعقب الانقطاع، إنما العفو عنه مع قيد الاستمرار، قلت: وما سمعته من
المدارك من دعوى العموم يدفعه أنا لم نجد في الأدلة عموما يتناول مثل ما نحن فيه، ولذا
كان المتجه حينئذ التساوي بينهما، لكن في الناقضية كما هو صريح جماعة منهم الشهيد
في الدروس والمحقق الثاني في جامع المقاصد وعن العلامة في نهاية الإحكام وظاهره في القواعد
والتحرير، وصرح بعضهم ببطلان الصلاة، بل لم أعثر على من احتمل الصحة ثم التجديد
والبناء هنا كما ذكر في المبطون، ولعله لأن الانقطاع ليس حدثا حتى يكون من قبيل
الحدث المتخلل في أثناء الصلاة ليجئ فيه ذلك على أحد الوجهين، بل هو مظهر لحكم
حدثية الدم السابق المتخلل بين الطهارة والانقطاع، فيفسد المتقدم حينئذ، فما عساه
يظهر من شيخنا الأكبر في شرح المفاتيح من جعله كالحدث المتخلل في أثناء الصلاة
لم يتضح لنا وجهه، فتأمل جيدا. هذا بالنسبة إلى البحث في أصل الفرق بين الأثناء
والسبق. بقي الكلام في البحث عن نفس الانقطاع إنه لبرء أو غيره. ولا أظنه يخفى

(1) سورة (محمد) صلى الله عليه وآله - الآية 35
337

عليك شئ منه بعد ملاحظة ما سبق لنا من التفصيل، كما أنه لا يخفى عليك حال
الانقطاع في أثناء الطهارة، فتأمل.
كما أنه بقي الكلام في عدة أمور ينبغي التنبيه عليها (منها) أنك قد عرفت أن
حدث الاستحاضة إنما يوجب أفعالها بالنسبة إلى ما تعقبه من الصلوات دون ما تقدمه،
فلو رأت الكبرى بعد صلاة الصبح مثلا لم يجب الغسل لها قطعا. نعم يجب بالنسبة إلى
الظهرين استمر إليهما أو لم يستمر، بناء على عدم اشتراط حدثيته بما بعد الوقت، ولو
رأت الوسطى بعد صلاة الصبح فلا غسل لها قطعا كالسابقة، ولكن هل يجب غسل
للظهرين إذا استمر إليهما أو لم يستمر على الوجهين، وكذا العشاءين مع استمراره إليهما
أو حصوله بعد الظهرين؟ ظاهر كلام الأصحاب عدمه، كما صرح به في جامع المقاصد
في مبحث الغايات، والشهيد في الروضة هنا بل لعل المتأمل في كلماتهم يمكنه تحصيل
الاجماع على ذلك، لتخصيصهم الغسل بكونه للغداة مع عدم تعرض أحد منهم لذكر
تعدد الأغسال فيها بالنسبة إلى شئ من صورها، وقد سمعت فيما تقدم سابقا أن جماعة
من الأصحاب نقلوا الاجماع على ذلك، كما أنهم حيث استدلوا بالأخبار على إيجاب
الغسل الواحد فيها تمموا دلالتها على كون المراد الغسل للغداة بالاجماع، منهم الأستاذ
الأكبر في شرح المفاتيح لما ذكر موثقة سماعة (1) الدالة على الغسل في كل يوم مرة
إن لم يجز الدم الكرسف قال: " وأما كون الغسل لصلاة الغداة فلعدم قائل بالفصل،
إذ لم يقل أحد بأن المتوسطة عليها غسل واحد وليس لخصوص صلاة الصبح، فكل من
قال بالمتوسطة وهم المعظم قال كذلك، والشاذ الذي جعلها من الكثيرة أوجب الأغسال
الثلاثة، بل ربما كان بديهي المذهب أنه لو كان غسل واحد فموضعه صلاة الصبح "
انتهى. وهو كالصريح فيما قلناه، وقال العلامة الطباطبائي في مصابيحه: " المعروف

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الجنابة - حديث 3
338

في الاستحاضة الوسطى وجوب غسل واحد لصلاة الغداة، وظاهر عبائرهم في المقام
أن هذا الغسل غايته خصوص صلاة الغداة، فلا يتوقف صحة باقي الصلوات، وربما
احتمل أن يكون ذلك لجميع الخمس، فيتوقف عليه صحة الجميع، وعلى هذا التقدير فلو
رأته في غير وقت الفجر احتمل وجوب الغسل، والأصل والعمومات تنفي ذلك،
وقد صرح بعضهم بنفيه، وهو ظاهر كلام الباقين " انتهى. وهو كالصريح أيضا
فيما ذكرنا، وكان الحكم من الواضح الذي لا يعتريه الشك، نعم قد يستشكل في
إيجابه الغسل لصلاة الغداة المستقبلة فيما ذكرنا من الفرض مع عدم استمراره أو حدوثه
قبلها من دون تخلل صلاة فرض، والظاهر خلافه، لاطلاق ما دل على ايجابه الغسل
المنزل على إرادة الغداة سواء تخلل الفصل بصلاة غيرها بينه وبينها أولا، بناء على عدم
اعتبار وقت الصلاة في حدثيته، اللهم إلا أن يدعى انسياق غداة ذلك اليوم، والفرض
حصول الحدث بعدها، فلا غسل له حينئذ فتأمل.
ومن العجب ما وقع للمولى في الرياض من الحكم بوجوب الغسل للظهرين
والعشاءين في الفرض المتقدم. قال فيه في المتوسطة بعد أن اختار عدم دخولها تحت
الكثيرة في الحكم، خلافا لابن الجنيد ومن وافقه: " ثم إن وجوب الغسل للصبح
مشروط بالثقب قبله ومع عدمه له حكمه. نعم بعده يجب الغسل للظهرين أو العشاءين إذا
استمر إليهما أو حدث قبلهما، كالصبح من اليوم الآخر إذا استمر إليه، واستدل على
ذلك بكونه حدثا بالنظر إلى جميع الصلوات اليومية، ويرتفع بالغسل الواحد، غاية الأمر
لزومه وقت الصبح، وذلك لا يدل على اختصاص حدثيته بالنظر إليه خاصة " قلت:
وهو كما ترى، مع مخالفته لما سمعت وللأصل وظاهر الأخبار (1) الموجبة غسلا واحدا

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الجنابة - حديث 3 - والباب - 1 - من
أبواب الاستحاضة - حديث 5 و 6
339

وتنزيلها على غير ما نحن فيه لا دليل عليه، ودعوى ظهورها في المستمر دمها - مع أنه
لا يقضي بكون ابتداء رؤيتها له سابقا على الصبح، وهو الذي يثمر في تضمنها الاكتفاء
بالغسل الواحد لها - مصادرة محضة، على أنه لو سلم مدخلية هذا الحدث في باقي الصلوات
فهو لا يقضي بأزيد من اشتراط صحة باقي الصلوات بالغسل للصبح لو حصل قبله، فلو أخلت به
لم تصح حينئذ صلواتها، فيجب أن تغتسل حينئذ للظهرين، لبقاء الحدث بالنسبة إليهما على
إشكال فيه أيضا، لعدم ثبوت مشروعيته بعد فوات المحل الموظف شرعا، لا أنه يوجب
غسلا لو حدث بعد انقضاء الصبح كما هو المفروض، لعدم ثبوت الاحتياج إلى الغسل
في هذا الحال حتى يحتاج إلى إيجاده، فتأمل.
وبذلك يظهر لك ما في تأييده لما ادعاه من كونه حدثا بالنسبة إلى جميع الصلوات
بالأمر بالجمع بين الصبح وبين صلاة الليل بالغسل في الرضوي (1) فلولا عموم حدثيته
لأخر فيه، للاكتفاء في صلاة الليل بالوضوء، وفيه - مضافا إلى ما تقدم وبعد الغض
عما في الاعتماد عليه خصوصا في المقام - أن ملاحظته تقضي بكونه أظهر فيما قلنا، لاطلاقه
الحكم بغسل واحد لصلاة الليل والغداة من غير تعدد في الأغسال لباقي الصلوات في
مقابل الكثيرة التي فيها ثلاثة أغسال، ولا تعيين لابتداء حدوث الدم قبل العشاءين
أو قبل الظهرين أو غير ذلك، فهو باطلاقه حجة عليه، إذ المتجه على مختاره تعدد الأغسال
حينئذ، اللهم إلا أن ينزله على رؤيتها ذلك بعد العشاءين، وهو تحكم، على أن ظاهره
يقضي بكون الحكم بذلك أي الغسل لصلاة الليل والغداة في جميع الليالي، وكأنه
مقطوع بعدمه، لما ستعرفه فيما يأتي إن شاء الله أن المستحاضة متى فعلت ما يجب عليها
من الأفعال كانت بحكم الطاهر، فلا إشكال حينئذ في استباحتها صلاة الليل في الليلة
الثانية بالوضوء مجردا، وتنزيله على أول ليلة خاصة واضح الفساد، فتعين حملها حينئذ

(1) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1
340

على إرادة الرخصة من الأمر لها في تقديم الغسل على الفجر بمقدار صلاة الليل، لكونه
في مقام توهم الخطر، ويؤيده ما يأتي من ظهور كلام من تعرض لجواز تقديمها الغسل
في الرخصة دون الشرطية في صحة الليل، أو أنه يحمل على الندب أو غير ذلك.
فظهر لك ما في تأييده لمختاره به كالذي ذكره بعده أيضا من أنه " يومي إليه
إطلاق الأمر بالغسل هنا فيما تقدم في مقابلة الأمر بالاغتسال مع التجاوز، فكما أن
موجبها حدث بالنظر إلى الصلاة مع الاستمرار فكذا موجبه بدونه حدث بالنسبة إليها،
والفارق بينهما الاكتفاء بالغسل الواحد في جميعها في الثاني مع الاستمرار وعدمه، ولزوم
الثلاثة معه في الأول، نعم لا فرق بينهما حينئذ مع رؤية الدم مطلقا في وقت الصلاتين
ظهرين أو عشاءين، كما أنه لا فرق بينهما مع رؤيته كذلك في وقت صلاة الصبح "
انتهى. وفيه ما عرفت، ولا أظنك تصغي إلى شئ من ذلك بعد ما تقدم، إذ مرجعه
إلى تقييد النصوص (1) والفتاوى الدالة على إيجاب الغسل الواحد بما إذا كان سابقا على
الصبح من غير دليل صالح لذلك، وكيف يتصور إغفال الأصحاب والأخبار لمثله
وإطلاق الحكم بالغسل الواحد من غير إشارة أحد منهم إليه، وإن هو إلا تدليس،
ومن العجيب ذكره دام ظله هذا الحكم مسلما، ولا يبعد أن يكون ذلك من بعض
تلامذته، واشتبه النساخ فيها لا منه لخلو بعض نسخ الرياض عن ذلك كله، والله أعلم.
و (منها) أنه قد يستظهر من عبارة المصنف وما ماثلها كظاهر الأخبار (2) إيجاب
الجمع للكثيرة بين الصلاتين بغسل، فليس لها حينئذ فعل كل من الصلاتين بغسل
مستقل، وربما كان صريح المفيد في المقنعة ومال إليه في الرياض لظاهر الأخبار، لكن

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الجنابة - حديث 3 - والباب - 1 - من
أبواب الاستحاضة - حديث 5 و 6
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة
341

صرح جماعة من الأصحاب منهم العلامة في المنتهى والمحقق الثاني في جامع المقاصد وصاحب
المدارك والذخيرة وشيخنا الأكبر في شرح المفاتيح بجواز ذلك، بل في جامع المقاصد
والمدارك أنه جائز قطعا. وقد قيل إنها ممن لا يعمل إلا بالظنيات تجري مجرى الاجماع،
وقد يؤيد بما في بعض الروايات (1) الموثقة (تغتسل عند كل صلاة) وفي مرسلة
يونس الطويلة (2) " أن فاطمة بنت أبي جيش كانت تغتسل في كل صلاة " وبقوله
(عليه السلام) في خبر الحلبي (3): " تغتسل المرأة الدمية بين كل صلاتين " مع أنه
قد يقال: أن المنساق من أخبار الجمع (4) كونه رخصة للارفاق بحالها لا عزيمة، وإلا
فتعدد الغسل أولى لكونه أبلغ في التطهير، ومن هنا جعله في المنتهى وغيره مستحبا
مستدلا عليه بقوله (عليه السلام) (5): " الطهر على الطهر عشر حسنات " ومما ذكرنا
يظهر لك الحال فيما لو اتفق حدوث الكثيرة بعد الظهر أو المغرب. فيجب الغسل حينئذ
لخصوص العصر أو العشاء، وكأنه لا خلاف فيه وإن قلنا بعدم جواز التفريق في
السابق، فتأمل.
و (منها) أنه صرح جماعة من الأصحاب بوجوب معاقبة الصلاة للغسل، بل
لم أعرف مخالفا فيه كما عساه يشعر بنفيه ما في المدارك من نقله في القليلة بالنسبة للوضوء
دونه، كالمحكي عن الحدائق وغيرها، كما أنه يشعر بالحكم ما في النص (6) والفتوى
بالجمع بين الصلاتين بتأخير الظهر وتعجيل العصر، إذ لو كان ذلك جائزا لم يكن في تأخير

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 11
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الحيض - حديث 4
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 2
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1 و 4 و 5
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الوضوء - حديث 3
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1
342

العصر عن الظهر بأس، ولا ينافي ذلك ما تقدم منا سابقا من ظهور إرادة الرخصة في
أخبار الجمع دون العزيمة، إذ ذاك بالنسبة إلى اتحاد الغسل وتعدده، وإلا فلا ريب
في ظهورها في إرادة الوجوب الشرطي بمعنى إن أريد فعل الصلاتين بغسل واحد كان
هذا الجمع واجبا، فليتأمل. وقد يؤيده أيضا ما في أخبار الجمع من الباء كقوله (عليه السلام) (1):
(تجمع بين صلاتين بغسل) لاشعارها بمقارنة الغسل لها، وما في خبري أبي المعزى (2)
وإسحاق بن عمار (3) " إنها تغتسل عند كل صلاتين " ونحوه غيره (4) وفي خبر
عبد الله بن سنان (5) عن الصادق (عليه السلام) " المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر
وتصلي الظهر والعصر، ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء، ثم تغتسل عند
الفجر فتصلي الفجر " وهو - مع اشتماله على لفظ (عند) التي ستسمع فيما يأتي أن ابن إدريس
ادعى صراحتها في ذلك عند الكلام في وضوء القليلة، حتى أن من تأخر عنه ممن خالفه
في ذلك لم ينكر عليه ذلك، بل أنكر وجود رواية مشتملة عليها - قد اشتمل على لفظ
الفاء التي هي للتعقيب من غير مهلة، ويؤيده مع ذلك كله أنه الموافق لمقتضى الحكم
بحدثية دم الاستحاضة، فيقتصر فيه حينئذ بالنسبة للعفو عنه على محل اليقين.
هذا مع ما عرفته سابقا من ظهور عدم الخلاف فيه سوى ما في كشف اللثام،
وتبعه العلامة الطباطبائي من جواز الفصل بينه وبين الصلاة، ولعله للأصل وإطلاق
بعض الأخبار (6) وقول الصادق (عليه السلام) في خبر إسماعيل بن عبد الخالق (7)
المروي عن الحميري في قرب الإسناد " فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 3 - 4
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 3 - 4
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 5 - 15
(7) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 5 - 15
343

ثم تصلي ركعتين قبل الغداة، ثم تصلي الغداة " وخبر ابن بكير (1) " فإذا مضى عشرة
أيام فعلت ما تفعله المستحاضة ثم صلت " وهي للتراخي، ولإباحة دخول المسجد والطواف
قبل الصلاة، ولأن سائر الغايات كالطواف وقراءة العزائم والوطئ على القول بتوقفه
على الغسل يجوز فيها الفصل، ولأن أكثر الغايات مما لا تجتمع في وقت واحد، فإذا
اغتسلت لها وللصلاة فلا بد من تحقق الفصل في البعض، والقول بتعدد الغسل وإفراد
كل عبادة بغسل خلاف الاجماع كما قيل.
وفيه أن الأولين لا يعارضان ما ذكرنا، وكذا الثالث، إذ هو مع الغض
عن سنده لا دلالة فيه على أزيد من جواز الفصل بركعتي النافلة، وقد نلتزمه إما في
سائر النوافل لكونها من توابع الصلاة ومقدماتها، وقد صرح جمع من الأصحاب
بعدم القدح في الفصل بشئ من مقدمات الصلاة كالستر والاجتهاد في القبلة والأذان
والإقامة، بل في الدروس وانتظار الجماعة، نعم قد يظهر من الخلاف منع ما عدا
الأذان والإقامة من مقدماتها، أو في خصوص المقام لمكان قلتها، وفحوى ما تسمعه
من جواز تقديم الغسل في خصوص الغداة لصلاة الليل، وكذا الرابع - مع إضماره بل
في المنتهى وضعفه - قد يراد به نفس الترتيب من غير ملاحظة التراخي، ولعله المنساق
هنا، ويظهر لك الحال فيما يأتي إن شاء الله عند البحث في أن المستحاضة متى فعلت
ما أوجب عليها من الأغسال والوضوء للصلاة كانت بحكم الطاهر، فتستبيح حينئذ
غيرها من الغايات من غير تجديد غسل مثلا، وتعرف حينئذ منع ما ينبغي أن يمنع مما
ادعى هنا من الخامس وما بعده وما لا ينبغي منعه، مع عدم منافاته لما نحن فيه،
فتأمل جيدا.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 5
344

فظهر من ذلك أن الأقوى الأول، ومنه تعرف عدم جواز تقديم الأغسال
على الوقت مع استمرار الدم، إلا أن يدخل عند الفراغ، فإن الظاهر حينئذ ما عن
نهاية الإحكام من الاجزاء، لكن ينبغي أن يستثنى من ذلك التقديم لصلاة الليل كما
ذكره جماعة من الأصحاب، ونسبه في كشف اللثام إلى الصدوقين والسيد والشيخين
والأكثر، بل في الذخيرة أني لا أعلم فيه خلافا، ونسبه غيره إلى الأصحاب مشعرا
بدعوى الاجماع عليه، لكن قد استشكله بعض متأخري المتأخرين بعدم الدليل عليه،
وربما استدل له باطلاق ما دل على الجمع بين كل صلاتين بغسل، وهو كما ترى. نعم
قد يستند له بما في الفقه الرضوي (1) لكنه مع اختصاصه بالمتوسطة يشكل الاعتماد عليه
لعدم ثبوت حجيته، إلا أنه قد عرفت كون الحكم مسلما عندهم، بل لعله يدخل تحت
معقد إجماع الخلاف، فإنه لما ذكر أحكام المستحاضة التي من أقسامها الكبرى قال:
" إنها تجمع بين صلاة الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، والفجر وصلاة الليل بغسل،
قال: وتؤخر صلاة الليل إلى قرب الفجر وتصلي الفجر بها - إلى أن قال -: دليلنا إجماع الفرقة
وأخبارهم " انتهى. ومما ذكره أخيرا يعلم أنها ليس لها أن تقدمه زائدا على الغرض من
صلاة الليل، ويؤيده الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن، لكن ذكر في الروض
أنها لو زادت على ذلك فهل يجب إعادته؟ يحتمل: لما مر في الجمع بين الصلاتين،
وعدمه للإذن في التقديم، وفيه أنه لم نجد إطلاقا في ذلك حتى يستند إليه سوى الفقه
الرضوي، مع أنه ليس فيه إلا (أنها تغتسل لصلاة الليل والغداة بغسل) ولعل المنساق
منه ما سمعته من الخلاف.
ثم إن الظاهر قصر جواز التقديم المذكور على الغاية المتقدمة أعني صلاة الليل،
فليس لها حينئذ أن تقدمه بدون ذلك، بل لو فعلته بهذه النية إلا أنه عرض لها ما منعها

(1) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1
345

من فعلها مثلا لم تكتف به واحتاجت إلى إعادته على إشكال فيه، بل وفي سابقه أيضا
إذ يمكن أن يقال: إن هذا الحكم مما يكشف عن جواز تقديم الغسل بهذا المقدار من
الزمان، وإلا فلا وجه للحكم بكونها محدثة إن لم تصل، وليست بمحدثة إن صلت فتأمل.
هذا كله بالنسبة إلى الغسل،
أما ما أوجب منها الوضوء كالاستحاضة القليلة
بل والوسطى بالنسبة إلى الظهرين والعشاءين فالأقوى أنه كالغسل، فمتى توضأت في
أول الوقت ثم صلت في آخره مثلا لم يصح، كما صرح به في المبسوط والخلاف والسرائر
والجامع والبيان وغيرها، وعن الوسيلة والاصباح، بل لا أجد فيه خلافا صريحا إلا
من العلامة في المختلف، وتبعه العلامة الطباطبائي في مصابيحه مدعيا فيها أنه ظاهر الأكثر
حيث لم ينصوا على وجوب المعاقبة بين الطهارة وغاياتها المتعددة، مع اكتفائهم بالطهارة
الواحدة في الجميع، ويرشد إلى الأول - مضافا إلى الاحتياط اللازم مراعاته في خصوص
المقام في وجه تحصيلا للبراءة اليقينية، وإلى عدم ظهور الفرق بينه وبين الغسل في ذلك،
وقد تقدم ما يدل عليه هناك، وإلى عدم ثبوت العفو عن هذا الدم في الزائد على هذا
المقدار، وإلى احتمال وجوب تخفيف الحدث بالنسبة إلى الصلاة كالخبث، وإلى دعوى
أنه المنساق إلى الذهن من الأمر بالوضوء لكل صلاة، سيما ما كان منها مقرونا بالباء،
كقوله (عليه السلام) (1): " تصلي كل صلاة بوضوء " فتأمل - إيجاب تجديد الوضوء لكل
صلاة، إذ لو لم تقدح الفاصلة لم تجب إعادته، والتزام صيرورة استمراره حدثا بمجرد
فعل الصلاة لا مع عدمها كما ترى، وقوله (عليه السلام) في خبر الصحاف (2):
" فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة " بناء على تعليق الظرف بالأول. ولم نجد غيرها
من الأخبار قد اشتملت على لفظ عند، لكن في السرائر بعد أن ذكر وجوب المعاقبة
قال: لأن قولهم (عليهم السلام): (يجب الوضوء عند كل صلاة) يقتضي المقارنة،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 9 - 7
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 9 - 7
346

لأن (عندا) في لسان العرب لا تصغر، فهي للمقارنة كما أن قبيلا وبعيدا للمقارنة فكذلك
(عند)، لأنها مع ترك التصغير بمنزلة بعيد وقبيل في التصغير، ولعله عثر على ما لم نعثر
عليه من الأخبار، فلا وجه للانكار عليه بعدم الوجدان كما وقع من بعضهم، ويؤيده
زيادة على ذلك ما عساه يظهر من الخلاف من دعوى الاجماع عليه، حيث قال:
" المستحاضة ومن به سلس البول يجب تجديد الوضوء عند كل صلاة، ثم ذكر
أحكام المستحاضة - إلى أن قال -: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم " قلت: وقد يعين
أن مراده دخول ذلك تحت الاجماع قوله حيث تعرض لخصوص ما نحن فيه من المسألة،
ثم قال: " دليلنا ما قدمناه من أنه يجب عليها تجديد الوضوء عند كل صلاة، وذلك
يقتضي أن تعقبه الصلاة " انتهى. فإن استدلاله بما تقدم من العبارة الأولى كالصريح
في كونها مدلولة للاجماع والأخبار، فتأمل.
وبذلك كله يظهر لك الحال فيما عساه يستند به للثاني من الأصل، والعمومات
وورود الأخبار بالوضوء للصلاة أو عند وقتها، وخبر ابن بكير المتقدم (1) " فعلت
ما تفعله المستحاضة، ثم صلت " و (ثم) للتراخي، وفي المصابيح " أنه قد تقرر في
محله ما يدل عليه في الجمع بين الفريضة والنافلة بوضوء واحد، وكذا ما دل على جواز
الطواف وصلاته بوضوء واحد " انتهى. لعدم صلاحية الأولين لمعارضة ما ذكرنا
كالثالث إن لم ندع أن المنساق منها ما قلناه، وتقدم الكلام في الرابع، وفي المنتهى بعد
ذكره هذا الخبر على جواز الفصل قال: إلا أن الرواية ضعيفة السند، وابن بكير
لم يسندها إلى إمام (ع) فنحن في هذا من المتوقفين، ونحوه عن المعتبر، وفيه أنه ليس
المانع من العمل بها ذلك إنما هو ظهورها في إرادة الترتيب خاصة من غير تعرض لغيره
كما ذكرنا، وإلا فغيرها من الروايات مثلها موجود، كقول الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الحيض - حديث 5
347

في خبر يونس (1) في النفساء: " وإن رأت صفرة فلتتوضأ ثم لتصل " فتأمل جيدا.
وستعرف فيما يأتي حال ما ذكره في المصابيح، على أنه لا يستفاد منه مطلق جواز الفصل.
ثم إنه قد صرح جماعة من الأصحاب بأنه لا يقدح الاشتغال ببعض مقدمات
الصلاة كالستر والاجتهاد في تعرف القبلة، وهو حسن ما لم يستلزم طول زمان، لكن
ظاهر كلام الخلاف منعه، ويظهر من الشهيد في الذكرى أنه لا إشكال في جواز الفصل
بالأذان والإقامة، وهو كذلك، وأما انتظار الجماعة فقد استثناها أيضا بعض
الأصحاب، وهو لا يخلو من نظر، والأولى عدم الفصل بما يعتد به عرفا وينافي
المقارنة العرفية مطلقا حتى فيما يتعلق بالصلاة عدا ما يكون التلبس بها تلبسا في الصلاة
كالآذان والإقامة ونحوهما، ثم ليعلم أن ما ذكرناه هنا والمسألة السابقة من عدم جواز
الفصل إنما هو مع استمرار الدم لا مع انقطاعه قبل الوضوء ولو لغير برء، فلو توضأت
ولم تصل ومع ذلك لم يخرج شئ من الدم فلا إشكال في صحة صلاتها بذلك الوضوء،
ولعل إطلاق بعض كلمات الأصحاب مما ينافي ذلك منزل عليه أو على بعض الوجوه
التي لا تنافيه، فتأمل جيدا.
و (منها) أنه يجب على المستحاضة الاستظهار في منع خروج الدم بحسب الامكان
كما إذا لم تتضرر بحسبه بحشو الفرج بقطن أو غيره بعد غسله، فإن انحبس وإلا فبالتلجم
والاستثفار بأن تشد وسطها بتكة مثلا وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الرأسين تجعل أحدهما
قدامها والآخر خلفها وتشدهما بالتكة، كما هو صريح جماعة وظاهر آخرين، بل
لم أجد فيه خلافا، بل لعله تقضي به بعض الاجماعات السابقة في تغيير الخرقة ونحوها،
ويدل عليه - مضافا إلى ما دل (2) على اشتراط طهارة ظاهر البدن في الصلاة ووجوب

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب النجاسات
348

تقليل النجاسة في أقوى الوجهين - المعتبرة المستفيضة (1) حد الاستفاضة، وقد تقدم
أكثرها في مطاوي الباب، وعن بعضهم تعليله زيادة على ذلك بحدثية هذا الدم،
فيجب عليها الاستظهار في منعه، وقضيته بطلان الطهارة بخروجه إذا كان لتقصير في
الشد كما صرح به في الذكرى، قال: " ولو خرج دم الاستحاضة بعد الطهارة
أعيدت بعد الغسل والاستظهار إن كان لتقصير فيه، وإن كان لغلبة الدم فلا للحرج "
انتهى. وفي استفادة ذلك من الأدلة نظر، بل مقتضاها العفو عن حدثيته بعد الطهارة
نعم يستفاد منها شرطيته بالنسبة للصلاة خاصة، فلعل الأقوى حينئذ عدمه، كما أن
الأقوى أيضا عدم إيجاب كون الاستظهار قبل الوضوء في القليلة والمتوسطة بالنسبة إلى غير
الغداة، وإن ذكره بعضهم قائلا إنه قضية الأخبار.
نعم قد يستفاد من صحيح الصحاف (2) وخبر عبد الرحمان (3) المروي عن
حج التهذيب كونه بعد الغسل، لعطفه عليه بثم، ومع ذلك فايجابه فيه أيضا محل نظر
لأولوية فعله في أثناء الغسل عليه بعده، ولانصراف الذهن إلى عدم إرادة الايجاب
من ذلك، بل هو لغلبة حصول مشقة الفعل في الأثناء، وللعطف في كثير (4) من
الأخبار بالواو وإن قدم فيها ذكر الغسل عليه مرتبا بثم على غيره، ولعله وقع الوهم من
بعض حتى قال: إن قضية الأخبار وكلام الأخيار كون الاستظهار بعد الغسل، وعلله
مع ذلك بعدم إمكان الغسل مسبوقا بالاستظهار، وفيه منع واضح كمنع ما وقع في الذكرى
أيضا ناسبا له إلى قطع الفاضل من وجوب هذا الاستظهار تمام النهار على الصائمة، نظرا
إلى إشعار توقف صحته على الغسل بتأثره بالدم، إذ لا دليل عليه، بل قد تشعر
الأدلة بخلافه، نعم هو واجب إلى تمام الصلاة، فمتى ظهر الدم في الأثناء لتقصير في

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 0 - 7 - 8
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 0 - 7 - 8
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 0 - 7 - 8
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1 و 3 و 5
349

الشد اتجه البطلان، أما إذا كان لغلبة الدم فهو إن لم يكن لانتقال الاستحاضة إلى أعلى
منه فلا بأس به على الأظهر، وأما إذا كان له كحدوث الوسطى مثلا على الصغرى أو
الكبرى عليها أو على الوسطى اتجه إعادة الطهارة والصلاة حتى إذا اتفقا في الأثر، لكونها
حدثا آخر لا يجزئ عنه الأول، فيجب حينئذ الغسل بمجرد حدوث الكثيرة مثلا
في أثناء الصلاة أو قبلها وإن كان قد اغتسلت للوسطي سابقا، وكذا الوضوء بالنسبة
إلى عروض الوسطى على القليلة بالنسبة إلى صلاة الظهر مثلا، وربما احتمل الاجتزاء مع
اتفاق الأثر غسلا أو وضوءا لعدم وجوب نية كون الغسل مثلا منه، وهو ضعيف،
فتأمل جيدا.
ثم إنه نص جماعة هنا منهم الشيخ والعلامة والشهيد على وجوب الاستظهار أيضا
في المبطون والمسلوس للنص (1) في الثاني وفحواه وبعض ما تقدم سابقا في الأول،
ونحو المسلوس بولا ما يقطر منه الدم للنص (2) أيضا لكن صرح جماعة بالفرق بينهما
وبين الاستحاضة في وجوب تغيير الشداد فيها دونهما، معللين ذلك بالنص فيها،
والتعدي قياس، وتقدم سابقا ما يرشد إليه في تغيير الخرقة، لكن ينبغي تقييده بما
إذا تنجس كما عرفت فيما مضى، والأحوط التغيير أيضا فيهما كالمستحاضة، كما أن
الأولى أيضا حشو الإحليل بقطن مع إمكانه، ثم إن الأقوى في النظر عدم وجوب
خصوص الاستثفار مع إمكان التوقي بغيره مما يساويه في المنع، لاطلاق الأمر بالاستيثاق
في بعض المعتبرة (3) وانصراف الذهن من الأمر بالتلجم والاستثفار إلى إرادة منع
خروج الدم، كما أن الأقوى أيضا عدم وجوب الاستذفار بالذال المعجمة إن فسر بغير
الاستثفار، بل ينبغي القطع به، فلعل ما في رواية الحلبي (4) من (أنها تستذفر بثوب)

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب نواقض الوضوء - حديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب نواقض الوضوء - حديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 9 - 2
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 9 - 2
350

يراد بها الاستثفار أو يحمل على الاستحباب، لكن في آخرها " إن الاستذفار إن
تتطيب وتستجمر بالدخنة وغير ذلك والاستثفار أن تجعل مثل ثفر الدابة " وظاهره
أن ذلك من الإمام (عليه السلام)، لكن يحتمل قويا أن ذلك من الكليني كما احتمله
في الوافي، وقال فيه أيضا: " وربما يقال باتحاد معنييهما، وأنه قلب الثاء ذالا " انتهى.
والأمر سهل بعد إمكان القطع بعدم وجوبه من خلو الفتاوى وأكثر النصوص عنه،
اللهم إلا أن يتوقف عليه التوقي من خروج الدم، كما أن الظاهر أيضا عدم وجوب
التحشي المفسر بربط خرقة محشوة بالقطن، يقال لها المحشي على عجيزتها، للأصل
وخلو الفتاوي والنصوص عنه عدا خبر ابن عمار (1) عن الصادق (عليه السلام) " من أنها تغتسل للصبح وتحتشي وتستثفر وتحني وتضم فخذيها في المسجد وسائر جسدها خارج "
إلا أن يتوقف عليه أيضا التوقي كما تقدم، وعن بعض النسخ تحتبي بالتاء المثناة من فوق،
والباء الموحدة من الاحتباء، وهو جمع الساقين والفخذين إلى الظهر بعمامة ونحوها،
ليكون ذلك موجبا لزيادة تحفظها من تعدي الدم، وعن بعض النسخ ولا تحنى بزيادة
لا وبالنون وحذف حرف المضارعة أي لا تختضب بالحناء، وأرسل عن العلامة أنها
بالياءين التحتانيتين، أولهما مشددة أي لا تصلي تحية المسجد فهي مع هذا الاضطراب
وخلو غيرها من النصوص ككلام الأصحاب غير صالحة للحكم من جهتها بالايجاب إلا
مع التقييد المذكور، والأولى حملها على الاستحباب كضم الفخذين، فليتأمل.
(و) (منها) أن المستحاضة (إذا فعلت) جميع (ذلك) مما تقدم من الواجبات
عليها بحسب حالها من قلة الدم وكثرته (كانت بحكم الطاهرة) لها ما لها وعليها ما عليها
من غير خلاف أجده سوى ما ستسمعه من ابن حمزة وعن الشيخ خاصة بالنسبة إلى دخول
الكعبة، بل حكى عليه الاجماع جماعة، والذي يظهر بعد إمعان النظر في عبارة المصنف

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1
351

وما ماثلها من عبارات الأصحاب المحكي عليها الاجماع من بعضهم، وفيما تقتضيه الضوابط
الشرعية في الباب وغيرها أن المراد أن المستحاضة مطلقا صغرى كانت أو غيرها إذا
فعلت ما يجب عليها كانت بحكم الطاهر مما كانت متلبسة به من حدث الاستحاضة،
وارتفع به ما ثبت مانعيته منه على حسب حاله من القلة والكثرة، فلا دلالة في هذه
العبارة ونحوها على أنها مع الاخلال بشئ من أفعالها ولو كانت صغرى مثلا تكون بحكم
الحائض مثلا، أو أنه يتوقف جواز وطئها على فعل الوضوء حيث تكون كذلك،
أو أن المراد بحسب الظاهر أنها مع فعلها لما وجب عليها حتى تغيير الخرقة والقطنة تكون
بحكم الطاهر من كل وجه مثل التي لم تتلبس بشئ من هذا الدم، ومع الاخلال بشئ
من ذلك لا تكون كذلك وإن جاز لها مس كتابة القرآن وقراءة العزائم بدون
التغيير المذكور، لعدم الدليل على اشتراط غير الصلاة به، فيكون المراد رفع الايجاب
الكلي الذي يكفي في صدقه حينئذ عدم صحة الصلاة مثلا، أو أن المراد كونها بحكم
الطاهر بالنسبة إلى الصلاة التي وجبت هذه الأفعال لها على معنى أنه لا يقدح استمرار
الدم فيها، وحينئذ فالمفهوم بطلان الصلاة إن أخلت بشئ من ذلك من دون تعرض لغيره،
وهذا هو المناسب كما حكي من الاجماع ونفي الخلاف، ضرورة كونه بهذا المعنى مفروغا
منه منطوقا ومفهوما، بل لعله متيقن في عبارة المصنف والقواعد وما شابههما، للنص
فيه على الصلاة الدال على إرادته في المنطوق.
هذا كله إن لم نقل أن المراد بالشرطية في عبارات الأصحاب إنما هو منطوقها
خاصة، لكونه معقد إجماع وأمر متيقن بالنسبة إلى صيرورتها كالطاهر من غير نظر إلى
المفهوم، وهو كثيرا ما يستعمل في عبارات الفقهاء، إلا أن عبارات الأصحاب في
المقام لا تخلو عن إجمال، لكنها لا تأبي الانطباق على بعض ما ذكرنا، فجماعة عبروا
352

بنحو عبارة المصنف، وفي المدارك في شرحها أن المشار إليه بذلك فيها جميع ما تقدم من
الغسل والوضوء وتغيير القطنة والخرقة بحسب اختلاف حال الدم، والمراد من كونها
بحكم الطاهر أن جميع ما يصح من الطاهر من الأمور المشروطة بالطهارة يصح منها، فتصح
صلاتها وصومها ودخولها المساجد مطلقا ويأتيها زوجها إن شاء، وهذا مما لا خلاف
فيه بين العلماء، ثم ذكر الاختلاف في جواز وطئها قبل ذلك، وأشار إليه بالنسبة إلى
دخول المساجد، وفي الغنية ولا يحرم على المستحاضة ولا منها شئ مما يحرم على الحائض
ومنها، بل حكمها حكم الطاهر إذا فعلت ما ذكرناه، بدليل الاجماع المشار إليه، وفي
المعتبر " إذا فعلت ذلك صارت طاهرا، مذهب علمائنا أجمع أن الاستحاضة حدث
تبطل الطهارة بوجوده، فمع الاتيان بما ذكره من الوضوء إن كان قليلا والأغسال إن
كان كثيرا يخرج عن حكم الحدث لا محالة، ويجوز لها استباحة كل ما تستبيحه الطاهر
من الصلاة والطواف ودخول المساجد وحل وطئها، وإن لم تفعل ذلك كان حدثها
باقيا ولم يجز أن تستبيح شيئا مما يشترط فيه الطهارة " ونحوه عبارة المنتهى، وفي التذكرة
" إذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها من الأغسال والوضوءات والتغيير للقطنة والخرقة
صارت بحكم الطاهر، ذهب إليه علماؤنا أجمع " إلى غير ذلك من عبارات الأصحاب التي
يقرب بعضها من بعض، والوجه فيها جميعا بحسب الظاهر ما تقدم، وإلا فقد يسبق
إلى بعض الأذهان من ملاحظة بعضها أن المستحاضة ولو كانت صغرى لا يجوز لها دخول
المساجد مثلا ولا الصوم ولا قراءة العزائم متى أخلت ببعض ما وجب عليها ولو تغيير
قطنة مثلا، نظرا إلى مفهوم الشرط في بعضها أنها متى أخلت بشئ من ذلك كانت
كالحائض، وهو مما لا ينبغي الالتفات إليه كما يرشد إليه زيادة على خلو الأدلة عن الإشارة
إلى شئ من ذلك مع الأصول حصرهم غايات الوضوء في غير ذلك من دون إشارة أحد
منهم إلى شئ من هذه الأمور، سيما مع نص بعضهم عليها بالنسبة إلى أغسال المستحاضة
353

إلى غير ذلك من القرائن الكثيرة التي تدل على ما ذكرنا، اللهم إلا أن يقال: إنما لم يذكر
ذلك في الغايات لكونه في الحقيقة ليس غاية، إذ هو أمر تابع للمحافظة على أفعال
الصلاة، وإلا فلا تشرع هذه الأفعال ابتداء لغيرها، فتأمل وانظر فإنك ستسمع له
مزيد تحقيق.
وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في صيرورتها بحكم الطاهر مع إتيانها بالأفعال،
فيصح لها ما يصح لها وعليها ما عليها بلا خلاف أجده من أحد سوى من ابن حمزة في
الوسيلة، وربما نقل عن الشيخ حيث حرم عليها دخول الكعبة وإن جاءت بالأفعال،
ولعله لما في مرسل يونس (1) عن الصادق (عليه السلام) " المستحاضة تطوف بالبيت
وتصلي ولا تدخل الكعبة " وهو مع مخالفته لما سمعت من الاجماعات المتقدمة والأصول
الشرعية قاصر عن إثبات ذلك، لمكان إرساله وعدم الجابر، فلذا كان المتجه حمله
على الكراهة وفاقا لابني إدريس وسعيد وغيرهما، لشدة الاعتناء في التحفظ عليها
من التلوث أو غير ذلك، كما أنه لا ينبغي الاشكال في عدم جواز وقوع ما كان مشروطا
بالطهارة منها مع إخلالها بما تحصل به صغرى كانت أو غيرها كالصلاة والطواف ومس
كتابة القرآن ونحوها، إنما الاشكال في توقف بعض الأمور على ذلك، للاشكال
في مانعية حدث الاستحاضة منه حتى يتوقف على رفعه لها، (منها) اللبث في المساجد
والجواز في المسجدين، فالمشهور بين الأصحاب كما في موضع من المصابيح توقف
جواز دخوله على الغسل، وفي آخر قد تحقق أن مذهب الأصحاب تحريم دخول المساجد
وقراءة العزائم على المستحاضة قبل الغسل إلى أن نقل بعض الأقوال المنافية لذلك منها
جواز دخولها ذلك من دون توقف كقراءة العزائم أيضا، ثم قال: ولا ريب في
شذوذ هذه الأقوال، وحكى هو عن حواشي التحرير أنه قال: وأما حدث الاستحاضة

(1) الوسائل - الباب - 90 - من أبواب الطواف - حديث 2 من كتاب الحج
354

الموجب للغسل فظاهر الأصحاب أنه كالحيض، وعن شارع النجاة الاجماع على تحريم
الغايات الخمس على المحدث بالأكبر مطلقا عدا المس ثم قال: وظاهرهما الاجماع
على وجوب غسل الاستحاضة لدخول المساجد وقراءة العزائم، ويستفاد ذلك أيضا من
الغنية والمعتبر والتذكرة فيما تقدم من عباراتهم، انتهى.
قلت: ويؤيده أيضا إطلاق جملة من الأصحاب كالمصنف والعلامة وغيرهما
وجوب الغسل للغايات الخمس في مبحث الغايات من غير فرق بين الأسباب الموجبة له،
كما عن آخرين أيضا حيث استثنوا مس الميت خاصة، ومع ذلك كله فقد اختار في
الرياض جواز الدخول لها بدون الأفعال تبعا للمدارك والذخيرة وشرح المفاتيح لشيخنا
الأعظم ومجمع البرهان وعن روض الجنان ناسبا له في الأخير إلى الدروس أنه أطلق
الجواز، وربما استدل بخبر زرارة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) " إن أسماء بنت
عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أرادت
الاحرام من ذي الحليفة أن تغتسل وتحتشي بالكرسف وتهل بالحج، فلما قدموا ونسكوا
المناسك سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن الطواف بالبيت والصلاة، فقال لها:
منذ كم ولدت؟ فقالت: منذ ثماني عشرة، فأمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أن تغتسل وتطوف بالبيت وتصلي ولم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك " ولكنه كما ترى
لا دلالة فيها على ذلك، نعم هي دالة على جواز إدخال النجاسة المسجد إذا لم تتعد،
فالعمدة حينئذ الأصل مع عدم دليل معتد به مخرج عنه، وما سمعته من النسبة إلى
الأصحاب أنها مع عدم الغسل كالحائض قد يناقش فيه بأنه مع ابتنائه على المفهوم الذي
قد تقدم الكلام فيه أن جملة من العبارات كعبارة المصنف لا دليل فيها سوى أنها إن لم
تفعل لم تكن بحكم الطاهر، والأخرى لا صراحة فيها، بل ولا ظهور في أنها مع

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 19
355

عدم الأفعال يحرم عليها سائر ما يحرم على الحائض.
ومن العجيب نسبة العلامة الطباطبائي استفادة الاجماع على ذلك مما سمعته من
عبارة الغنية والمعتبر والتذكرة، على أن اعتبار مثل هذا المفهوم يقضي بعدم الاقتصار
على حدث الاستحاضة الموجب للغسل خاصة، لشمول المفهوم لحدث الاستحاضة الموجب
للوضوء أيضا خاصة، ولم أعرف أحدا قال بوجوبه بالنسبة إلى دخول المساجد وقراءة
العزائم ونحو ذلك، وكيف كان فلا ريب في ضعف الظن الحاصل من النسبة المذكورة
كالذي نقله عن حواشي التحرير بعد أن علم أن مأخذها من نحو هذه العبارات، بل
وكذا ما حكاه عن شارع النجاة مع إمكان إرادة غير غسل الاستحاضة، نعم لا تخلو
بعض عبارات الأصحاب من نوع إشعار به إلا أنه بحيث يكون مدركا شرعيا يقطع به
الأصل الشرعي لا يخلو من إشكال سيما ممن لم يقل بحجية كل ظن حصل للمجتهد،
ولكن الاحتياط لا ينبغي أن يترك، ومن ذلك يظهر لك الحال في قراءة العزائم
ونحوها، فتأمل جيدا.
و (منها) جواز الوطئ، وفي توقفه على أفعالها مطلقا قليلة كانت أو كثيرة
أغسالا كانت أو غيرها، أو على الغسل خاصة، أو مع تجديد الوضوء، وعدمه
فلا يتوقف على شئ من ذلك؟ أقوال، نسب أولها في الرياض إلى الشهرة العظيمة
بعد أن اختاره، وحكاه في كشف اللثام عن ظاهر الاقتصاد والمقنعة والجمل والعقود
والكافي والاصباح والسرائر بل ظاهر المعتبر والتذكرة والذكرى نسبته إلى ظاهر الأصحاب
معللين ذلك بأنهم قالوا يجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة، كما عساه
يظهر أيضا من المنتهى في أحد موضعيه أو نسختيه، والثاني إلى ظاهر الصدوقين في
الرسالة والهداية، وربما احتمل تنزيل غيره عليه، لاستبعاد مدخلية غير الغسل من
الوضوء وغيره في حلية الوطئ، والثالث إلى الشيخ في المبسوط، والرابع إلى جماعة
356

من الأصحاب منهم الفاضلان والشهيد وغيرهم، ولعله الأقوى لكن على كراهة مع ترك
الأغسال كما صرح بها بعضهم، أما الجواز فللأصل وإطلاق ما دل على إباحة وطئ
النساء وخصوصا بعد نقائهن من الحيض قبل الغسل منه أو بعده من الكتاب (1) والسنة (2)
وخصوص قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن عمار (3): " وهذه يأتيها
بعلها إلا في أيام حيضها " وصحيح ابن سنان (4) " ولا بأس أن يأتيها بعلها إذا شاء
إلا أيام حيضها " قيل ومثلها موثقته (5) وقول أبي الحسن (ع) في صحيح صفوان (6):
" لا هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة، وتجمع بين صلاتين بغسل،
ويأتيها زوجها إن أراد " ونحوها غيرها (7).
وقد يقال: إن المراد من هذه الأخبار إنما هو بعد فعلها الأفعال كما عساه يشعر به
تقديم ذكر ذلك على ذكر إباحة الوطئ فيها، ولما سمعته من دعوى الشهرة العظيمة حتى
نسب إلى الأصحاب من جهتها، ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمان (8)
حيث سأله " عن المستحاضة أيطأها زوجها؟ وهل تطوف بالبيت؟: تقعد قرئها التي
كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به، وإن كان فيه خلاف فلتحتط
بيوم أو يومين، ولتغتسل وتستدخل كرسفا - إلى أن قال بعد ذكره عمل المستحاضة -:
وكل شئ استحلت به الصلاة فليأتها زوجها، ولتطف بالبيت " وقول أحدهما (عليهما السلام)
في خبر زرارة وفضيل (9): " المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها، وتحتاط

(1) سورة البقرة - الآية 222
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الحيض
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الحيض - حديث 1
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 4
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 4
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 3
(7) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 8
(8) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 8
(9) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 12
357

بيوم أو يومين - ثم قال بعد أن ذكر عمل المستحاضة -: فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها
أن يغشاها " وقول الباقر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1) المروي في المعتبر عن
كتاب المشيخة للحسن بن محبوب في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها إلى أن قال بعد
ذكر أيام الاستظهار: " فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل،
ويأتيها زوجها إذا أحب وحلت لها الصلاة " وقول الصادق (عليه السلام) في خبر
إسماعيل بن عبد الخالق (2) المروي عن قرب الإسناد، وفيه قلت: " يواقعها
زوجها، قال: إذا طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضأ ثم يواقعها إن أراد " والمضمر في
موثق سماعة (3) وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل " وما عن الفقه الرضوي (4)
حيث قال بعد ذكر المستحاضة: " والوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل
وبعد أن تغتسل وتتنظف، لأن غسلها يقوم مقام الغسل للحائض " وقول الباقر
(عليه السلام) في خبر مالك بن أعين (5) عن النفساء: " ثم تستظهر بيوم فلا بأس
بعد أن يغشاها زوجها يأمرها فتغتسل ثم يغشاها إن أحب " وخبره الآخر (6) قال:
" سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال: تنظر
الأيام التي كانت تحيض فيها وحيضتها مستقيمة فلا يقربها في عدة تلك الأيام من ذلك
الشهر، ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيام، ولا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل ثم
يغشاها إن أراد ".
وما فيها من القصور في السند أو الدلالة مجبور بما سمعت من دعوى الشهرة المتقدمة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 14
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 15 - 6
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 15 - 6
(4) المستدرك - الباب - 3 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 4
(6) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1
358

لكن قد يناقش في ذلك كله بمنع ظهور التقييد المزبور فيما ذكرنا من الأخبار، إذ قوله
(عليه السلام): (ويأتيها زوجها) فيها هي إما جملة مستأنفة لبيان حكم المستحاضة أو
معطوفة على الجملة السابقة، وهي على كلا التقديرين ظاهرة فيما قلنا، والواو ليست
للترتيب على الأصح، وخبر عبد الرحمان مع الطعن في سنده لا دلالة فيه على الاشتراط
المذكور إلا بالمفهوم الضعيف في نفسه فضلا عن المقام، كما هو واضح، مع احتمال
إرادة تعليق الإباحة السالمة عن الكراهة أو غير ذلك، وكذا خبر زرارة الذي بعده،
مع أنه قد يقال فيه زيادة على ذلك بأن المراد إذا حلت لها الصلاة أي صارت مستحاضة
بعد أن كانت حائضا، لصدق حلية الصلاة عليها حينئذ لسبب ارتفاع مانع الحيض،
وإن لم تكن متطهرة فعلا كالمرأة المحدثة بالأصغر مثلا، بل لعله الظاهر منها، فتكون
للمختار حينئذ لا عليه، كصحيح ابن مسلم الذي بعده، بأن يجعل قوله (عليه السلام):
(ويأتيها زوجها) فيه بيان حكم المستحاضة في نفسه، وهو قريب جدا، مع إمكان
تأيده أيضا بأنه لو أريد منه حيلة الصلاة فعلا لكان لا يجوز أن توطأ المستحاضة مع فعلها
الأفعال وصلت بها ثم إنه دخل وقت الصلاة الثانية، وذلك لعدم حلية الصلاة لها فعلا،
لوجوب تجديد الأفعال لها، وهو مناف لقولهم: أنها إذا فعلت ذلك كانت بحكم
الطاهر، ودعوى تقييد ذلك بما لم يدخل وقت الثانية مثلا لا وجه لها ولا شاهد عليها،
إذ أقصي ما يستفاد من كلمات الأصحاب أنها متى أخلت بالأفعال لم تكن بحكم الطاهر،
وهذا غير صادق عليها في هذا الحال، إذ الفرض اتساع الوقت، فلا يقدح عدم
مبادرتها لذلك، ولا تكون بمجرد ذلك بحكم الحائض، فلا ينتقض حكم طهارتها الأولى
حينئذ بالنسبة للوطئ ونحوه إلا إذا خرج الوقت ولم تفعل ما وجب عليها، فتأمل.
فلعل الأظهر حينئذ أن تكون الرواية لنا لا علينا، مع أنه لا دلالة فيها على توقف
إباحة الوطئ على غير الغسل.
359

ونحوه خبر إسماعيل بن عبد الخالق مع الطعن في سنده، والتعليق على ما لا يقول
به الخصم من طول الزمان، بل كان حمله على الاستحباب لازم حتى منه، وذلك
لظهوره في كون المراد غسلا ووضوءا للوطئ، فلا يكتفى بما عملته سابقا، وهو مجمع
على بطلانه بحسب الظاهر، وحمله على إخلالها بأفعال المستحاضة بعيد إن لم يكن
ممنوعا. ومثلها موثقة سماعة، إذ قوله: (فحين تغتسل) لا دلالة فيه على المنع بدون
ذلك، لاحتمال كون المراد الجواز الذي لا كراهة فيه، أو غير ذلك، والرضوي
كاد يكون تعليله كالصريح في المختار، لما عرفت سابقا من جواز وطئ الحائض قبل
الغسل، ومنه ينقدح زيادة تأييد لما قلنا، إذ من المعلوم أن حدث الحيض أعظم من
الاستحاضة سيما الصغرى، ومع ذلك لم يمنع من جواز الوطئ فالاستحاضة أولى،
واحتمال إبداء الفرق بانقطاع الدم فيها دونها ضعيف، لأن الغسل والوضوء لا يزيل
نفس الدم في المستحاضة، إنما يزيل حكمه، وهو الحدث الحاصل منه، فيكون المنع حينئذ
مستندا إليه، فيتم ما ذكرنا، ومنه يظهر فساد الاستدلال أيضا بكون دم الاستحاضة
أذى، فيمتنع الوطئ معه، إذ الأفعال لا ترفع الدم إنما ترفع حكمه.
وقد أجاد في الذكرى فقال: وما أقرب الخلاف هنا من الخلاف في وطئ الحائض
قبل الغسل، وخبر مالك مع أنه بالجملة الخبرية ظاهر في كون الغسل عن حدث الحيض،
فيتجه حينئذ حمله على الاستحباب، لما تقدم في محله كخبره الآخر، ولا دلالة فيه على
كون الغسل غسل الاستحاضة، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي تقدح في الدلالة
فيها بالنسبة إلى ذلك، وكأن المستدل بها لاحظ في استدلاله إشعارا ما ينقدح عند
تلاوتها، بل هو في كثير منها مبني على كون الواو للترتيب ونحوه من الأمور المعلومة
الفساد من غير نظر إلى ما يقتضيه التأمل فيها، وإلا فبعده يظهر عدم دلالتها على ذلك،
360

بل في بعضها الدلالة على المختار، وأما ما ذكر أخيرا من دعوى إصلاح جميع ذلك مما
في السند والدلالة بالشهرة العظيمة ففيه أما أولا فبإمكان معارضته بالشهرة المتأخرة من
زمن المصنف إلى زماننا هذا، وأما ثانيا فبمنع الشهرة المذكورة، إذ كثير من الأصحاب
عبر كعبارة المصنف إذا فعلت المستحاضة كانت بحكم الطاهر، وهي مع تسليم إرادة
المفهوم منها على الوجه الذي يريده الخصم فلا يقتضي إلا أنها مع الاخلال لا تكون بحكم
الطاهر، وهذا لا يستلزم حرمة الوطئ، لعدم اشتراط الطهارة فيه، وجملة منها (أنها
لا يحرم عليها شئ مما يحرم على الحائض إذا فعلت ما وجب عليها) وهو أيضا مع تسليم
أن المفهوم فيها أنها إن لم تفعل حرم عليها سائر ما يحرم على الحائض لا يقضي بحرمة الوطئ
إلا مع تقييد الحائض في المفهوم بوجود الدم، نعم وقعت بعض عبارات من بعضهم
ظاهرها ذلك، لكنه ينبغي القطع بعدم إرادتهم شرطية وضوءات الصغرى وتغيير القطنة
أو الخرقة أو الاستثفار أو نحو ذلك، اللهم إلا أن يريدوا ما ستسمعه قريبا من أن
أفعال المستحاضة إنما غايتها الصلاة ويباح الوطئ حينئذ تبعا، وإلا فلا يراد فعل هذه
الأمور ابتداء للوطئ، فتأمل جيدا. ولو سلم فدعوى وصول هؤلاء إلى الشهرة العظيمة
في ذلك لم نتحققها، بل لعل المتحقق عندنا عدمها، وكيف كان فمن أعطى النظر
حقه في المقام علم أن القول بمدخلية سائر أفعال المستحاضة صغرى كانت أو غيرها في جواز
الوطئ في غاية البعد. نعم قد يقال ذلك بالنسبة إلى خصوص الأغسال، لكن الأقوى
ما تقدم، والاحتياط لا ينبغي تركه، بل لعل الأحوط أيضا غسل جديد لخصوص
الوطئ، وأما الكراهة فيعرف وجهها مما سمعت من الأخبار، كاستحباب الغسل المستقل
للوطئ، بل مع الوضوء، وقد يؤيد إن شاء الله فيما يأتي من الزمان في كتابة رسالة
مستقلة في المسألة تشتمل على عبارات الأصحاب وبيان ما يفهم من كل واحدة منها مع
الإحاطة بجميع أطراف المسألة، وفيها فوائد مهمة ربما تسمع الإشارة إلى بعضها، نسأل
الله التوفيق.
361

ثم إن العلامة الطباطبائي بعد أن ذكر نص العلامة وغيره من الأصحاب على نحو
عبارة المصنف من أن المستحاضة إذا أتت بالأفعال كانت بحكم الطاهر قال: " وقضية
ذلك عدم وجوب تجديد الوضوء والغسل لغير الصلاة من الغايات كالطواف والمس
ودخول المساجد وقراءة العزائم ونحوها، ويظهر ما قلناه من كلامهم في الصوم والوطئ،
وينبغي القطع به على القول بجواز فصل العمل عن الوضوء والغسل، ومن البعيد وجوب
إعادة الغسل عليها لصلاة الطواف بعد الغسل للطواف، ومن المعلوم عدم وجوب استقلال
دخول المساجد بغسل غير غسل الطواف، وكلام الأصحاب غير محرر في هذا المقام
فتدبر " انتهى. قلت: لا ينبغي الاشكال في ظهور عبارات الأصحاب بعدم وجوب
تجديد شئ من ذلك عليها بعد فرض محافظتها على ما وجب عليها من الأفعال للصلاة،
لأنها تكون حينئذ بحكم الطاهر من هذا الدم، فلا يؤثر استمراره أثرا، نعم تحتاج
إلى الوضوء أو الغسل مع عروض أسباب أخر موجبة لهما من الجنابة والبول ونحوهما،
إنما الاشكال في أن صيرورتها بمنزلة الطاهر من حدث هذا الدم موقوفة على تلك
الأفعال للصلاة خاصة، فلا يشرع حينئذ فعلها تلك الأفعال مستقلة لغير الصلاة، ولا
تفيدها طهارة بالنسبة إليه ولا إلى غيره قد يشعر تصفح عباراتهم في المقام وفي توقف
الصوم على ذلك بأن طهارتها واستباحتها لتلك الغايات تابع للأفعال الصلاتية، نعم
قد يلحق بالصلاة الطواف لكونه صلاة، وللأخبار (1) الواردة به في نفاس أسماء بنت عميس.
وعلى هذا فلو استحاضت المرأة في غير وقت الصلاة لم يكن لها استباحة شئ
من الغايات التي تتوقف على رفعه قبل أن يدخل وقت الصلاة، فتعمل ما عليها من
الأعمال ثم تستبيح بذلك غيرها، ولا يجزئها الاغتسال أو الوضوء قبل ذلك لتلك
الغاية مثلا، وقد يرشد إليه زيادة على ما يظهر من مطاوي كلماتهم خصوصا في توقف

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 6 و 11 و 19
362

الصوم والوطئ عدم ذكر جملة منهم ما يتوقف على أغسال المستحاضة ووضوءاتها في غايات
الوضوء والغسل، ولعله لما ذكرنا، إذ ليست حينئذ هي غايات مستقلة تشرع الأفعال
لها ابتداء، بل هي أمور تابعة لتكليفها الصلاتي، فتكون حينئذ من قبيل الأحكام لها،
لكن الجرأة على الجزم بذلك اعتمادا على مثل هذه الاشعارات لا يخلو من إشكال ونظر
إلا أنه يرتفع الاشكال بناء عليه في منافاة حكمهم بكون المستحاضة بحكم الطاهر مع الأفعال
لما تقدم من أن المشهور عندهم عدم جواز الفصل بين الوضوء أو الغسل عن الصلاة،
معللين ذلك بما يظهر منه أنه مع التأخير ينقض الوضوء والغسل، مع إمكان رفعه أيضا
بوجه آخر، وهو أن صيرورتها بحكم الطاهر مع الأفعال لا ينافي إيجاب معاقبة الصلاة
للفعلين تمسكا بما يظهر من الأخبار (1) من الاغتسال مثلا عند الصلاة، فحينئذ يتجه
وجوب إعادة الأفعال للصلاة مع الفصل وإن جوزنا استباحة غيرها من الغايات بذلك
الغسل مثلا، ولا بعد في كون هذه الطهارة كالمنقوضة بالنسبة إلى الصلاة دون غيرها،
ويتجه بناء على هذا الأخير أنه يجوز فعل هذه الأفعال ابتدءا لغير الصلاة من الغايات،
فتستباح حينئذ بها وإن أخلت بها للصلاة، لكن هل تكون بمنزلة الطاهر بالنسبة إلى
سائر الغايات غير الصلاة، أو يقتصر على خصوص تلك الغاية التي فعلت الأفعال لها
اقتصارا على المتيقن؟ لا يبعد الأول، كل ذلك في كلمات الأصحاب غير محرر،
وعباراتهم كتعليلاتهم في مقامات متعددة مضطربة، إلا أن الذي يمكن تحصيله من
مجموعها ما تقدم سابقا من أن المراد أن فعلها للأفعال المذكورة إنما هو للصلاة، ويباح
الوطئ حينئذ وغيره تبعا لها، بناء على اشتراطها بها فلا يستبعد حينئذ دعوى توقف
جواز الوطئ مثلا على تغيير القطنة أو الخرقة أو نحو ذلك، لكون المراد به بالنسبة
للصلاة لا له، فتأمل جيدا كي يظهر لك الحال في ذلك وفي حكمها بالنسبة إلى صلاة النوافل

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 5 و 9 و 11
363

والقضاء والتحمل ونحو ذلك من الصلوات، ولعل قضية قولهم: إنها مع الأفعال تكون
بحكم الطاهر جواز ذلك كله من دون تجديد لغسل أو وضوء، اللهم إلا أن يفرق بين
الصلاة وغيرها من الغايات لما تقدم من الأخبار (1) الآمرة بالوضوء مثلا عند كل
صلاة، وفي شمولها لمثل المقام نظر.
(و) كيف كان فلا إشكال في أنها (إن أخلت ب‍) شئ من (ذلك) الذي
قد أثبتنا سابقا وجوبه عليها (لم تصح صلاتها) فيجب عليها الإعادة أو القضاء للأدلة
المتقدمة الظاهرة في الوجوب الشرطي، وما في مكاتبة ابن مهزيار (2) الآتية من أنها
" تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة " شاذ معرض عنه بين الأصحاب أو محمول على
ما لا ينافي ذلك (و) كذا لا إشكال في الجملة في أنها (إن أخلت بالأغسال) اللازمة
عليها (لم يصح صومها) من غير خلاف أجده فيه، بل في جامع المقاصد وعن حواشي
التحرير ومنهج السداد والطالبية والروض الاجماع عليه، مع التصريح في الأول بعدم
الفرق بين حالتي الوسطى والعليا كالمحكي عن غيره، فما في البيان وعن الجعفرية والجامع
من التقييد بالكثيرة شاذ أو محمول على ما يقابل القلة، مع أن الموجود في الأخير في
المقام على ما حضرني من نسخته لا تقييد فيه، ويدل على أصل الحكم - مضافا إلى ما تقدم
وإلى الشغل في وجه - صحيح ابن مهزيار قال: " كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو نفاسها
من أول شهر رمضان، ثم استحاضت وصلت وصامت شهر رمضان من غير أن تعمل
ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين، فهل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب
تقضي صومها ولا تقضي صلاتها، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر
فاطمة (عليها السلام) والمؤمنات من نسائه بذلك ".

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 1 و 6 و 7
(2) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الحيض - حديث 7
364

والمناقشة فيها - بالاضمار أولا، وباشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب من
عدم قضاء الصلاة ثانيا، وبمخالفتها للأخبار (1) المعتبرة الدالة على أن فاطمة (عليها السلام)
لم تكن تر من ذلك شيئا ثالثا - مدفوعة بما مر غير مرة من عدم قدح الأول في الأخبار
سيما في المقام، ومن أن خروج بعض الخبر عن الحجية لا يخرجها تماما عنها، إذ هو
بمنزلة أخبار متعددة، فلا يبعد وهم الراوي في بعض دون بعض، سيما في مثل الكتابة
التي هي مظنة ذلك، فلا حاجة حينئذ إلى ارتكاب التكليفات البعيدة والتمحلات التي
ليست بسديدة في علاج ذلك، كما وقع من بعضهم مع عدم صحة بعضها، فتأمل.
وباحتمال أن المراد بفاطمة إنما هي فاطمة بنت أبي جيش، لأنها التي كانت كثيرة
الاستحاضة فتسأل عنها، أو أن المراد أنه (صلى الله عليه وآله) يأمر فاطمة
(عليها السلام) أن تأمر المؤمنات، كما عساه يظهر من صحيح زرارة (2) الوارد
في قضاء الحائض للصوم دون الصلاة، هذا مع أن المروي (3) عن الفقيه والعلل خال
عن ذكر فاطمة، بل فيه (لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر المؤمنات
من نسائه بذلك) فلا وجه للتوقف في هذا الحكم من نحو هذه المناقشات في الرواية، كما
وقع لسيد المدارك قائلا إنه قد يظهر التوقف من الشيخ في المبسوط في هذا الحكم حيث
أسنده إلى رواية الأصحاب، وهو في محله، إذ قد عرفت أنه في غير محله بعد ما سمعت
من اتفاق الأصحاب على أن ما استظهر من الشيخ لتلك العبارة محل منع، سيما بعد
ملاحظة طريقته وطريقة مشاركيه من العاملين بأخبار الآحاد حيث يسندون الحكم إلى
رواية الأصحاب مع عدم التعرض لطعن أو قدح أنه في غاية الاعتماد عندهم، بل ذلك
من الشيخ مؤيد للمختار لكونه إما رواية مستقلة أو إشارة إلى الصحيحة المتقدمة، وعلى

(1) المستدرك - الباب - 37 - من أبواب الحيض - حديث 3 و 4 و 16
(2) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 7
(3) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الحيض - حديث 2 - 7
365

كل حال فالتأييد به متجه.
ثم إن ظاهر المصنف بل كاد يكون صريحه كظاهر غيره إنما هو توقف الصوم على خصوص الأغسال، لكن قد يظهر من السرائر كما عن صوم النهاية والمبسوط
توقفه على غيره أيضا من أفعالها، لتعليق الفساد فيها على الاخلال بما عليها، فيشمل
حينئذ الوضوء وتغيير القطنة والخرقة، وكذا يظهر من طهارة المبسوط توقفه على الأغسال
وتجديد الوضوء ناسبا للقضاء مع الاخلال بذلك إلى رواية أصحابنا، ولعله للاشعار في
سؤال الرواية السابقة بأن المدار على أفعال المستحاضة وإن اقتصر على ذكر جمع الصلاتين
بغسل واحد، والأقوى الأول. وعلى كل حال فهل تتوقف صحة الصوم على الأغسال
النهارية خاصة، أو هي مع الليلة السابقة خاصة، أو اللاحقة خاصة،
أو الليلتين، أو الفجر خاصة؟ أوجه، أجودها الأول، وأضعفها الأخير، بل لم
أعرف به قائلا على البت، نعم نقل عن العلامة في نهاية الإحكام أنه احتمله، ثم دونه
في الضعف ما قبله من الوجهين، لمكان اعتبار غسل الليلة المستقبلة، وقد قطع جماعة
بعدم اعتباره لمكان سبق انعقاد الصوم، وهو كذلك، وإن أمكن تجشم توجيهه مع
تأييده باطلاقهم فساد الصوم باخلالها بالغسل، نعم قد يتجه ثانيهما كالسابق على أولهما
باعتبار الليلة الماضية، إلا أنه لا دليل عليه أيضا مع الاجتزاء بما في النهار عنه، وعن
الروض أنه فصل بتقديم غسل الفجر ليلا وعدمه، فاجتزى بالأول عن غسل العشاءين
دون الثاني، فيبطل الصوم حينئذ لو أخرته إلى الفجر هنا، وإن لم يبطل لو لم يكن غيره،
والأقوى عدم التوقف على غير الأغسال النهارية، كما أن الأقوى أيضا عدم وجوب
تقديم غسل الفجر عليه وفاقا لظاهر المعظم وصريح البعض، لتبعية حصوله للصوم لحصوله
للصلاة، إذ لم يثبت اشتراط الزيادة على ذلك، كما تشعر به الصحيحة السابقة ككلمات
الأصحاب، وخلافا لما عن الذكرى ومعالم الدين من إيجاب التقديم، لكونه حدثا
366

له مدخلية في صحة الصوم، فيجب تقدمه كالحائض المنقطع دمها قبل الفجر، ويدفعه منع
التلازم بين المدخلية المذكورة ووجوب التقديم إذ لا إشكال في توقفه على غسل الظهرين
مع عدم تصور تقديمه، وبذلك يمتاز حكم هذا الحدث عن حدث الحيض، وقد تقدم
في مبحث الغايات ما له نفع تام في المقام، ويأتي إن شاء الله في باب الصوم ما هو كذلك.
(الفصل الرابع) من الفصول الخمسة.
(في النفاس)
(النفاس) بالكسر لغة ولادة المرأة إذا وضعت، فهي نفساء على ما في
الصحاح والقاموس ومجمع البحرين، وعن الغريبين يقال: نفست المرأة بضم النون
وفتحها وفي الحيض بالفتح لا غير كما قيل، فهي نفساء، والجمع نفاس بكسر النون
مثل عشراء وعشار، ولا ثالث لهما كما في الصحاح والقاموس، ويجمع أيضا على نفساوات
من تنفس الرحم أو من النفس بمعنى الولد أو بمعنى الدم، لمكان استلزام خروج الدم
غالبا، ولعله أولى من سابقيه، بل عن المطرزي أن اشتقاقه من تنفس الرحم أو خروج
النفس بمعنى الولد ليس بذاك، ولذا كان في عرف الفقهاء على ما نص عليه غير واحد
من الأصحاب وإن كان في إثبات كونه كذلك شرعا نظر، يقال ل‍ (دم) يقذفه الرحم
بسبب (الولادة) في أيام مخصوصة، ومن هنا كانت الولادة من غير دم وإن خرج
الولد تاما ليست بنفاس إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا حد الاستفاضة، بل لعله متواتر،
وبه يخرج عن الأخبار بناء على شمولها لمثله، لمكان بقائه على اللغوي، مع إمكان
المناقشة فيه ولو قلنا بذلك، لكونها منصرفة إلى غيره من الأفراد الغالبة المتبادرة كما
عساه يلوح من تصفحها، خصوصا صحيح ابن يقطين (1) الآتي أيضا لا أقل من
الشك، فيقتصر فيما خرج عن الأصل على اليقين، فما عن الشافعي في أحد قوليه
وأحمد في إحدى الروايتين عنه مما يخالف ذلك ليس في محله.

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 16
367

(وليس لقليله حد) إجماعا محصلا ومنقولا في الغنية والخلاف والمعتبر والمنتهى
والذكرى والروض وغيرها، مضافا إلى الأصل (فيجوز أن يكون لحظة واحدة) ففي
الخبر (1) " عن النفساء كم حد نفاسها حتى يجب عليها الصلاة؟ وكيف تصنع؟ فقال:
ليس لها حد " والمراد في جانب القلة للاجماع والنصوص (2) في ثبوت التحديد في
طرف الكثرة (و) في صحيح ابن يقطين (3) عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام)
في النفساء " كم يجب عليها الصلاة؟ قال: تدع ما دامت ترى الدم العبيط " فيدخل فيه
ما لو لم تر إلا لحظة،
كما أنه قد يشعر بما تقدم آنفا من أنه (لو ولدت ولم تر دما) في
الأيام التي يحكم به لو وجد فيها (لم يكن لها نفاس) بلا خلاف وإن كان الولد تاما كما
مر بيانه ودليله.
(و) كذا (لو رأت) دما (قبل) تحقق (الولادة) بأن لم يبرز
شئ من الولد فإنه ليس بنفاس بلا خلاف كما في الخلاف، وإجماعا كما في المدارك
والرياض، وهو الحجة بعد الأصل والنصوص، ففي موثق عمار (4) المروي في الكافي
عن الصادق (عليه السلام) " في المرأة يصيبها الطلق أياما أو يوما أو يومين فترى
الصفرة أو دما، قال: تصلي ما لم تلد " وكذا رواه الصدوق باسناده إلى عمار (5)
مع تغيير يسير، وخبر زريق بن الزبير الخرقاني (6) المروي عن مجالس الشيخ قال:
" سأل رجل الصادق (عليه السلام): عن امرأة حامل رأت الدم، فقال: تدع
الصلاة، قال: فإنها رأت الدم وقد أصابها الطلق فرأته وهي تمخض، قال: تصلي حتى
يخرج رأس الصبي، فإذا خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة، وكل ما تركته من الصلاة

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النفاس - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 0 - 16
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 0 - 16
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب النفاس - حديث 1 - 3
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب النفاس - حديث 1 - 3
(6) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 17
368

في تلك الحال لوجع أو لما هي فيه من الشدة والجهد قضته إذا خرجت من نفاسها، قال:
جعلت فداك ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض؟ قال: إن الحامل قذفت بدم الحيض
وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس،
فيجب أن تدع في النفاس والحيض، فأما ما لم يكن حيضا ونفاسا فإنما ذلك من فتق
الرحم " فلا إشكال حينئذ في كونه ليس بنفاس.
لكنه هل هو استحاضة أو حيض مع إمكانه؟ أطلق المصنف فقال: (كان
طهرا) وهو متجه بناء على مختاره من عدم مجامعة الحيض الحمل، كالذي في الخلاف
الدم الذي يخرج قبل الولادة ليس بحيض عندنا، إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة
على أن الحامل المستبين حملها لا تحيض، وكذا يتجه بناء على المختار أيضا من جواز
الاجتماع إذا لم يمكن الحكم بحيضيته كما إذا فقد التوالي ثلاثة أيام أو لم يتخلل بينه وبين
النفاس أقل الطهر بناء على اشتراط ذلك فيهما كما بين الحيضتين، لكون النفاس دم
حيض احتبس للحمل، ولما دل (1) على مساواة حكم النفاس للحيض، ولخبري
زريق وعمار المتقدمين، ولما دل (2) على أن أدنى الطهر عشرة، ولاطلاق الأخبار (3)
والفتاوى بأن دمها إذا جاوز أكثر النفاس حكم بالاستحاضة، ولو جازت معاقبة
الحيض النفاس من غير تخلل أقل الطهر حكم بالحيضية إذا أمكنت خصوصا إذا صادف
العادة. وعن الخلاف نفي الخلاف عن اشتراط تخلل أقل الطهر بين الحيض والنفاس،
فما عساه يظهر من المنتهى - كالمنقول عن النهاية وظاهر التذكرة واختاره في المدارك من
عدم اشتراط ذلك، فيحكم بحيضية ما قبل الولادة وإن لم يتخلل نقاء أقل الطهر، لأن

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 5
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الحيض - حديث 2
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 1 و 7 و 11
369

نقصان الطهر إنما يؤثر فيما بعده لا فيما قبله، وهنا لم يؤثر فيما بعده، لأن ما بعد الولد
نفاس إجماعا، فأولى أن لا يؤثر فيما قبله، فيمنع حينئذ اشتراط طهر كامل بين الدمين
مطلقا، بل بين الحيضتين - ضعيف لما عرفت، ولا فرق فيما ذكرنا من الحكم بالاستحاضة
بين ما كان الحكم بالحيضية مستلزما لأقلية الطهر من عشرة وبين ما لا يكون كذلك،
كما لو كان الدم المرئي قبل الولادة متصلا بها، مع عدم المنافاة بين حيضيته ونفاسية
ما بعده، كما لو رأت ثلاثة أيام متوالية قبل الولادة ثم ولدت ورأت دم النفاس وانقطع
في اليوم الخامس، واحتمال الحكم هنا بالحيضية لعدم استلزامه صيرورة الطهر أقل من
عشرة ولا غير ذلك مما ينافيها ممكن، إذ ليس في الأدلة ما يدل على وجوب تخلل
أقل الطهر بين الحيض والنفاس، بل أقصاها كون الطهر لا يقصر عن عشرة، نعم
حيث كان النفاس حيضا احتبس اعتبر فيه أن لا يتجاوز هو مع سابقه العشرة، أما مع
التجاوز فلا بد من الحكم باستحاضة السابق، لكون ما بعد الولادة نفاسا إجماعا حتى
تنتهي الأيام التي يمكن فيها النفاسية، وقد تحمل بعض عبارات من لم يشترط تخلل النقاء
على هذا، لا الحكم بطهرية النقاء المتخلل وإن قصر عن العشرة، بل المراد أنه لا مانع
من تعقب النفاس للحيض من دون تخلل نقاء، لكن الظاهر من ملاحظة كلام من
تعرض لذلك عدم الفرق بين الصورتين أي صورة الاتصال وعدمه، كما لعله الأقوى،
ولذا نقل عن العلامة أنه قال: " ولو رأت الحامل الدم على عادتها وولدت على الاتصال
من غير تخلل نقاء أصلا فالوجهان " انتهى.
قلت: ولعله لكون النفاس عندهم بمنزلة حيضة مستقلة لا مدخلية لها بالحيضة
الأولى، ابتداؤها من حين رؤية الدم بعد الولادة، فيجب حينئذ أن يتخلل بين الحيضة
الأولى وبين النفاس أقل طهر، وإلا لزم جواز تعاقب الحيضتين من دون تخلل الطهر،
مضافا إلى ما سمعته من الأخبار المتقدمة، لظهورها في استحاضة الدم المتصل بدم النفاس،
370

ولو أمكن القول باستحاضة دم الطلق على كل حال لكان وجها لما تقدم، خصوصا
خبر زريق، إلا أنه لم أره لأحد، ولعله لندرة تحقق الطلق مع اجتماع شرائط الحيض
من التوالي وتخلل النقاء، إذ الغالب وجود الطلق قبل الولادة بيوم أو يومين ونحوهما،
فمن هنا حكم باستحاضته، هذا كله في المرئي قبل الولادة، أما ما كان بعدها فلا إشكال
في نفاسيته إجماعا ونصوصا (1) وأما المصاحب لها فالمشهور نقلا وتحصيلا أنه كذلك،
بل لعله لا خلاف كما يشعر به قوله في الخلاف (عندنا) لاحتمال تنزيل ما في الوسيلة
والجامع كالمنقول عن كافي أبي الصلاح ومصباح المرتضى من أن الدم الذي تراه المرأة
عقيب الولادة على إرادة خروج جزء من الولد أو على الغالب أو غيره كبعض الأخبار
المعلقة للنفاس على الولادة، منها ما تقدم في موثق عمار (أنها تصلي ما لم تلد) وذلك
لضعفها عن مقاومة خبر زريق المتقدم المعتضد بالشهرة العظيمة بل بظاهر إجماع الخلاف
كخبر السكوني (2) عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: " قال النبي
(صلى الله عليه وآله): ما كان الله ليجعل حيضا مع حبل، يعني إذا رأت المرأة الدم
وهي حامل لا تترك الصلاة إلا أن ترى على رأس الولد إذا أخذها الطلق ورأت الدم
تركت الصلاة " بناء على أن (يعني) من كلام المعصوم (ع) كما هو الظاهر، وبدونه
فهو مؤيد لما قلنا وإن لم يكن حجة، هذا. واستدل جماعة من الأصحاب على المختار
مضافا إلى ذلك بتناول اسم النفاس له، إذ هو دم خرج بسبب الولادة، فيشمله إطلاق
النصوص، وفيه نظر واضح يعرف مما تقدم سابقا في معنى النفاس، إلا أن الأمر سهل.
ثم إنه لا إشكال في تحقق النفاس مع صدق اسم الولادة سواء كان المولود تاما
أو ناقصا ولو سقطا، أما ما كان مثل المضغة فالمعروف بين الأصحاب بل لم أجد فيه
خلافا أنها كذلك، بل في التذكرة الاجماع عليه، قال فيها: " فلو ولدت مضغة أو علقة

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب النفاس - حديث 0 - 2
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب النفاس - حديث 0 - 2
371

بعد أن شهد القوابل أنه لحمة ولد ويتخلق منه الولد كان الدم نفاسا بالاجماع، لأنه دم
جاء عقيب حمل " انتهى. وأرسل عن شرح الجعفرية الاجماع أيضا عليها لكن مع التقييد
بما قيدها به في الذكرى والروضة من اليقين، قلت: وكأنه مستغنى عنه بعد تعليق
الحكم على المضغة كالمتقدم في التذكرة إن قلنا أنه قيد فيها للمضغة، ولعله للعلقة كما
عساه يشعر به كلامه في العلقة المشتبهة.
وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في إلحاق المضغة بعد ما عرفت وإن لم يصدق
اسم الولادة معها، مع إمكان منع ذلك أيضا، وربما يظهر من الكلام في المضغة الكلام
في العلقة، لما فيه من الاشعار بعدم دوران النفاس على اسم الولادة بل على مبدأ نشو
آدمي، وهو متحقق في العلقة، ومن هنا صرح بتحقق النفاس معها جماعة منهم العلامة
والشهيدان، بل قد عرفت دعوى الاجماع عليه في التذكرة كما عن شرح الجعفرية لكن
مع التقييد في الجميع بالعلم بكونها كذلك بشهادة القوابل أو غيرها، ولعله به يرتفع
الخلاف فيها، لتعليل من منع النفاس معها كما في المعتبر والمنتهى وغيرها بعدم اليقين
للحمل بذلك، فهو يشعر بتحققه مع اليقين، فلا خلاف حينئذ، ومن هنا أنكر في
الروض على المحقق الثاني توقفه في العلقة بعد العلم واليقين، حيث قال بعد أن نقل
عن الذكرى أنه لو فرض العلم بأنه مبدأ نشو انسان بقول أربع من القوابل كان نفاسا:
" قال: وتوقف فيه بعض المحققين لانتفاء التسمية، ولا وجه له بعد فرض العلم، ولأنا
إن اعتبرنا مبدأ النشؤ فلا فرق بينها وبين المضغة " انتهى. فما في المدارك من الانكار
على جده بأن التوقف لعدم صدق اسم الولادة ليس في محله، بل قد يظهر من الذكرى
احتمال ثبوت النفاس مع النطفة بعد العلم بكونها كذلك، ولا بأس به إلا أن فرض
العلم به متعسر إن لم يكن متعذرا، فظهر لك من ذلك كله أن الأقوى تحقق النفاس
مع المضغة والعلقة، وبه ينقطع الأصل لو لم نقل أن الأصل يقضي بما قلنا، فتأمل جيدا.
372

(و) لا ريب أن (لأكثر النفاس) حدا إجماعا ونصوصا (1) فما في بعض
الأخبار (2) من أنه لا حد للنفاس مطرح أو يراد الأقل، وكذا ما في آخر مروي
عن المقنع (3) عن الصادق (عليه السلام) " إن نساءكم لسن كالنساء الأول، إن
نساءكم أكثر لحما وأكثر دما فلتقعد حتى تطهر " نعم وقع الخلاف بين الأصحاب في
تحديده لاختلاف الروايات، فقيل (عشرة أيام) كالحيض، واختاره المصنف
بقوله: (على الأظهر) كما هو خيرته في المعتبر وظاهر النافع حيث نسبه إلى أشهر الروايات
وفاقا للمقنعة على ما حضرني من نسختها والتهذيب والخلاف والمهذب والغنية والوسيلة
وإشارة السبق والسرائر والجامع وغيرها، وحكاه في المختلف عن علي بن بابويه،
وربما مال إليه في المبسوط كما أنه عساه يظهر من المنقول عن المقنع، بل هو المشهور على
ما حكاه جماعة، وفي ظاهر الخلاف أو صريحه كالغنية الاجماع عليه، ولعله يرجع
إليه ما في كتب العلامة عدا المختلف والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم من متأخري
المتأخرين من أن أكثره عشرة للمبتدأة والمضطربة دون ذات العادة، فتتبع عادتها إن
لم ينقطع الدم على العشرة، وإلا كان الكل نفاسا كما صرح به في القواعد، إذ الظاهر
أن مراد الأولين بكون العشرة أكثره إنما هو تحديد لأقصى ما يمكن فيه النفاس،
لا إرادة العشرة الفعلية في كل ما تجاوز الدم، فلا ينافيه حينئذ رجوع ذات العادة
إلى عادتها عند تجاوز الدم، كما يرشد إلى ذلك تشبيههم له بالحيض، وظاهر استدلالهم
عليه بالروايات (4) الكثيرة المتضمنة لرجوع ذات العادة إلى عادتها، وبأنه حيض
احتبس لتغذية الولد، ونسبته في المقنعة إلى الأخبار المعتمدة وإلى أشهر الروايات في النافع

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 0 - 27
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النفاس - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 0 - 27
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس
373

وليس إلا أخبار العادة، كحكاية الشهرة على ما سمعت من التفصيل من المحقق الثاني
وغيره، وهي لا تتم إلا بإرادة المتقدمين ذلك، فيكون حينئذ قولهم: إن أكثر
النفاس نحو قولهم: أكثر الحيض عشرة، أي أقصى إمكان الحيض لا أنها بتمامها دائما
حيض، ولذا حكموا برجوع ذات العادة إلى عادتها، والمبتدأة والمضطربة إلى التمييز
والنساء والروايات، فإذا كان المراد بأكثر الحيض ذلك كان ما نحن فيه أيضا كذلك
لتشبيههم له به.
لكن الذي يظهر من العلامة في المختلف والشهيد في الذكرى وتبعهما بعض متأخري
المتأخرين أن مراد الأصحاب بقولهم: أكثر النفاس عشرة أن العشرة بتمامها نفاس
مع استمرار الدم وإن كانت ذات عادة، ومن هنا قال الشهيد في الذكرى:
" الأخبار (1) الصحيحة المشهورة تشهد برجوعها إلى عادتها في الحيض، والأصحاب
يفتون بالعشرة، وبينهما تناف ظاهر " انتهى. وقد يؤيده ما عساه يظهر من التهذيب حيث
قال: " إنه لا خلاف بين المسلمين أن عشرة أيام إذا رأت المرأة من النفاس، وما زاد
على ذلك مختلف فيه " ثم قال: " ويدل على ما ذكرنا من أن أقصى أيام النفاس عشرة
ما أخبرني به الشيخ أيده الله " وساق الأخبار المستفيضة التي تضمنت الرجوع إلى العادة،
وكذا يؤيده إطلاق بعضهم أن أكثر النفاس عشرة من دون بيان القدر الذي تتنفس
فيه من العشر لو استمر، وكذا ذكرهم لذلك في سياق سائر الأقوال التي ذكروها
في تحديد الأكثر لكون النفاس تمام المدة على تلك الأقوال، وأصرح من ذلك كله
ما في المعتبر، فإنه بعد أن نقل الأقوال في المسألة واختار العشرة مستدلا عليها بلزوم
العبادة ترك العمل به في العشرة إجماعا، وبأن النفاس حيض حبس للاحتياج إلى
الغذاء، وأيده بالنقل المستفيض عن أهل البيت (عليهم السلام) وذكر بعض أخبار

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس
374

الرجوع إلى العادة، ثم قال بعد ذلك: " ويعتبر حالها عند انقطاعه قبل العشرة،
فإن خرجت القطنة نقية اغتسلت، وإلا توقعت النقاء أو انقضاء العشرة " واستدل
عليه بما روى (1) أن النفساء تقعد بأيام قرئها، ثم تستظهر بعشرة أيام، ثم قال في جملة
فروع أوردها: " لا ترجع النفساء مع تجاوز الدم إلى عادتها في النفاس ولا إلى عادتها
في الحيض ولا إلى عادة نسائها، بل تجعل عشرة نفاسا، وما زاد استحاضة حتى تستوفي
عشرة، وهي أقل الطهر " انتهى.
لكنك خبير بأن الذي يقتضيه التدبر في كلام الأصحاب بعد تحكيم محكمه على
متشابهه هو ما ذكرناه أولا وأن ما ذكره في المعتبر اختيار منه، لا أن كلام الأصحاب
كذلك على أنه ممكن التأويل بما لا ينافيه من إرادته وجوب الاستظهار إلى العشرة،
مع إلحاق أيامه بالنفاس ككلام الشيخ في التهذيب على أن يكون مراده أيضا من نفي
الخلاف عن كون العشرة أكثر إمكانه.
وكيف كان فالمشهور في أكثر النفاس ذلك مطلقا، وقيل ثمانية عشرة مطلقا
كما في الفقيه والانتصار ناسبا له إلى انفراد الإمامية والمراسم وظاهر الهداية، وحكاه في
المختلف عن المفيد وابن الجنيد، وقيل بالتفصيل بين ذات العادة وغيرها كما هو خيرة
العلامة في المختلف قال فيه بعد نقله الأقوال: " والذي اخترناه نحن في أكثر
كتبنا أن المرأة إن كانت مبتدأة في الحيض تنفست بعشرة أيام، فإن تجاوز الدم فعلت
ما تفعله المستحاضة بعد العشرة، وإن لم تكن مبتدأة وكانت ذات عادة مستقرة
تنفست بأيام الحيض، وإن كانت عادتها غير مستقرة فكالمبتدأة، والذي نختاره هنا
أنها ترجع إلى عادتها في الحيض إن كانت ذات عادة في الحيض، وإن كانت
مبتدأة صبرت ثمانية عشر يوما " انتهى. واستحسنه المقداد في التنقيح كما ربما مال
إليه بعض متأخري المتأخرين، وقيل بأن أكثره أحد وعشرون، وهو المنسوب

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 3
375

إلى ابن أبي عقيل، لكن عبارته المحكية عنه لا تخلو من تناف ظاهر قال: " وأيامها
عند آل الرسول (صلوات الله عليهم) أيام حيضها، وأكثره أحد وعشرون يوما،
فإن انقطع دمها في أيام حيضها صلت وصامت، وإن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوما
ثم استظهرت بيوم أو يومين، فإن كانت كثيرة الدم صبرت ثلاثة أيام ثم احتشت
واستثفرت وصلت " إذ قوله: (أيام حيضها) مناف لقوله: (أحد وعشرون)
ولا يخفى ما في قوله أيضا: (صبرت ثمانية عشر) مع أنها ليست بأكثره عنده،
وإلا فلا وجه لقوله: (صبرت ثلاثة) فتأمل.
وكيف كان فلا ريب أن الأقوى عدم إمكان زيادته على العشر، كما أن
الأقوى رجوع ذات العادة إليها مع التجاوز لا مع عدمه، وغيرها إلى العشرة، أما
الأول فللأصل في وجه كالاحتياط، ولاجماعي الخلاف والغنية المعتضدين بالشهرة
العظيمة التي كادت تكون إجماعا كما عرفت وتعرف، ولما تشعر به الأخبار المستفيضة
حد الاستفاضة الآمرة بالرجوع إلى العادة، خصوصا ما اشتمل منها (1) على الأمر
بالاستظهار باليوم أو اليومين أو الثلاثة أو بعشرة، على أن يراد بالباء معنى (إلى)
كما صرح به الشيخ، إذ لا ريب في ظهورها وكون المنساق منها مساواة النفاس للحيض
في ذلك، وقد ورد (2) نظيرها فيه مع إمكان تتميمها أيضا بالاجماع المركب، إذ لم يقل
أحد ممن قال بأن أكثر النفاس ثمانية عشر مطلقا بالرجوع إلى العادة، وبأن يقال:
إنها أمرت بالرجوع إلى العادة، وأقصاها عشرة فأقصاه عشرة، فتأمل. أو بأن يراد بأيامها
الأيام التي يمكن أن يكون الدم فيها حيضا، كما لعله يكشف عنه الرضوي (3) قال: " النفساء

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 2 و 3 و 4 و 11
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 5
(3) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب النفاس - حديث 1
376

تدع الصلاة، أكثره مثل أيام حيضها، وهي عشرة " لكنه بعيد بالنسبة إلى جميعها،
إلا أن الرضوي مؤيد آخر للمطلوب وأيضا فقد عرفت فيما مضى أن الذي يقتضيه
التدبر في أخبار الاستظهار ثبوته للعشرة، كما أنه هنا كذلك، ومن المعلوم أن المراد
بالاستظهار طلب ظهور الحال، فلو لم يكن أكثره عشرة لما كان في انتظارها ظهور
للحال، وذلك واضح، ولما في المقنعة أنه جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس
هو عشرة أيام، وهو يرشد إلى ما قلناه في أخبار العادة إن أراد الإشارة إليها كما هو
الظاهر، إذ لم نجد في كتب الأخبار غيرها، ويؤيده استدلال بعض أساطين الأصحاب
بها على ذلك، وإن أراد غيرها كان حجة مستقلة، إذ ليس ما يحكيه إلا كما يرويه،
كالمروي (1) في التهذيب عن ابن سنان " إن أيام النفساء مثل أيام الحيض " ولما يشعر
به صحيح زرارة (2) زيادة على الرجوع إلى العادة قال: " قلت له النفساء متى تصلي
فقال: تقعد بقدر حيضها، وتستظهر بيومين، فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت
واستثفرت - إلى أن قال -: قلت: والحائض، قال: مثل ذلك سواء فإن انقطع
عنها الدم وإلا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء، ثم تصلي ولا تدع الصلاة على
حال، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الصلاة عماد دينكم " وهو وإن كان
مضمرا في الكافي لكنه مسند إلى أبي جعفر (عليه السلام) في رواية الشيخ كما في
الوسائل، ولما يشعر به مساواة النفساء للحائض في جل الأحكام كما ستعرف، ولأن
النفاس حيض احتبس لغذاء الولد كما ذكره غير واحد من الأصحاب. ولعله يستفاد
من الأخبار (3) وللمرسل عن الصادق (عليه السلام) على ما حكاه في كشف اللثام

(1) التهذيب - ج 1 - ص 178 من طبعة النجف
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - حديث 5
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الحيض - حديث 13 و 14 والمستدرك
الباب - 37 - حديث 8
377

عن السرائر عن المفيد، وإن كان لم أجده فيها، قال: سئل المفيد كم قدر ما تقعد
النفساء عن الصلاة؟ وكم تبلغ أيام ذلك؟ فقد رأيت في كتاب أحكام النساء أحد
عشر يوما، وفي المقنعة ثمانية عشر يوما، وفي كتاب الأعلام أحد وعشرين يوما،
فعلى أيها العمل دون صاحبه؟ فأجابه بأن قال: الواجب على النفساء أن تقعد عشرة
أيام، وإنما ذكرت في كتبي ما روي (1) من قعودها ثمانية عشرة يوما، وما روي
في النوادر استظهارا بأحد وعشرين يوما، وعملي في ذلك على عشرة أيام لقول الصادق
(عليه السلام) " لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان حيض " وستعرف فيما يأتي
ما يدل عليه من أخبار أسماء (2) أيضا.
هذا كله مع أنا لم نعثر للخصم على ما يصلح لمعارضة شئ مما ذكرنا، إذ الأخبار
- (منها) (3) وهو الكثير حتى أنه روى ثقة الاسلام في الكافي والشيخ في التهذيب
والاستبصار نحوا من عشرة أحاديث - صريحة في رجوع النفساء إلى أيامها في الحيض،
والأكثر منها متكرر في الأصول، و (منها) (4) ما دل على جلوسها ثلاثين، ولم يقل
به أحد من الأصحاب، بل الاجماع محصل ومنقول على خلافه، وكذا ما دل منها (5)
على الأربعين، ومثلهما (6) المتضمن لما بين الأربعين إلى الخمسين، ونحوه آخر (7)
ثلاثين أو أربعين إلى الخمسين، ولذا قال في الفقيه: والأخبار التي رويت في قعودها
أربعين يوما وما زاد إلى أن تطهر معلولة كلها، وردت للتقية لا يفتي بها إلا أهل
الخلاف، وقال في التذكرة على ما حكي عنها " قال الشافعي: أكثره ستون يوما،

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 26
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 6 و 7 و 11
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 16 - 17
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 16 - 17
(6) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 18 - 13
(7) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 18 - 13
378

وهو رواية لنا، وبه قال عطاء والشعبي وأبو ثور، وحكي عن عبد الله بن الحسن
العنبري والحجاج بن أرطاة - إلى أن قال -: وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد
وإسحاق وأبو عبيدة أكثره أربعون يوما، وهو رواية (1) لنا أيضا، وحكى
ابن المنذر عن الحسن البصري أنه قال: خمسون يوما، وهو رواية (2) لنا، وحكى
الطحاوي عن الليث أنه قال: من الناس من يقول: إنه سبعون يوما " انتهى.
و (منها) ما دل (3) على سبع عشر ليلة، ولم أعرف أحدا عاملا به، ونحوه المروي (4)
عن الصادق (عليه السلام) " كم تقعد النفساء حتى تصلي؟ قال: ثمان عشرة سبع عشرة
ثم تغتسل وتحتشي وتصلي " إن أريد التخيير، وليس بحجة في خصوص الثمان عشر إن كان
شكا من الراوي، و (منها) ما دل (5) على الثمان عشر، ولم نعثر على غيرها مما
يدل على مذهب ابن عقيل من الواحد والعشرين، ولذا كان ساقطا، بل في المبسوط
أنه لا خلاف في أن ما زاد على الثمانية عشر حكمه حكم الاستحاضة، كما هو قضية
إجماع الانتصار وغيره، مع ما عرفت من تساقط عبارة القائل، واحتمال الاستدلال
له بما في صحيح ابن مسلم (6) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن النفساء
كم تقعد؟ فقال: إن أسماء بنت عميس أمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن
تغتسل لثمان عشرة، ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين " كما ترى لا ينطبق على
تمام ما تقدم من دعواه، بل لم أعثر على عامل به جميعه عدا ما ينقل عن الصدوق في
الأمالي، نعم قد يستدل له بمرسل البزنطي المروي في المعتبر، قال بعد نقله عبارة
القائل: قد روى ذلك البزنطي في كتابه عن جميل عن زرارة ومحمد بن مسلم عن

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 17 - 18
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 17 - 18
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 14 - 12 - 22
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 14 - 12 - 22
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 14 - 12 - 22
(6) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 15
379

الباقر (عليه السلام)، وعن التذكرة بعد إيراد تلك العبارة كما رواه البزنطي في الصحيح
عن الباقر (عليه السلام) وهو على تقدير تسليمه لا يصلح لمعارضة ما تقدم من وجوه
غير خفية، وبذلك كله يظهر لك انحصار البحث في الثمانية عشر وغيرها من أخبار العادة،
ولا ريب في ترجيح الثانية لوجوه:
(منها) قلة المفتي بالأولى حتى أن عمدة القائلين بذلك كالمفيد والمرتضي قد
نقل عنهما في السرائر الفتوى بالمختار في كتاب أحكام النساء من شرح كتاب الأعلام
والخلاف للمرتضى، وقد عرفت ما عن الصدوق في المقنع، كما أنك قد عرفت فيما مضى
أن ما حضرني من نسخة المقنعة ومتن التهذيب على الظاهر موافقة المشهور، حيث قال
فيها: " وقد وردت أخبار معتمدة تدل على أن أكثر النفاس عشرة، وعليها أعمل لوضوحها
عندي " لكنه يظهر من الذكرى أن هذه العبارة للشيخ في التهذيب، والله أعلم، وقد
سمعت فيما مضى ما حكاه كاشف اللثام عن السرائر في نقله عن المفيد، كما أنه قد يشعر
ما نقله في السرائر عن خلاف الثاني بدعوى الاجماع عليه، حيث قال فيه: " عندنا
أن الحد في نفاس المرأة أيام حيضها التي تعهدها، وقد روي أنها تستظهر بيوم ويومين،
وروي في أكثره خمسة عشر يوما، وروي أكثر من هذا، والأول أثبت " انتهى.
وبه مع ما سمعت سابقا من نسبة المختار لمن عرفت حتى ادعي الاجماع عليه يوهن ما في
الانتصار من دعوى الاجماع على الثمانية عشر، فإنه نسبه أولا فيه إلى انفراد الإمامية
معللا ذلك بأن باقي الفقهاء يخالفون فيه ويجعلونه أزيد، ثم قال: " والذي يدل على صحة
ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد ذكره، وأيضا فإن النساء يدخلن في عموم الأمر بالصلاة
والصوم، وإنما يخرج النفساء من الأيام التي راعتها الإمامية باجماع الأمة على خروجها
دون ما زاد عليه - إلى أن قال -: وأيضا فإن الأيام التي ذكرناها مجمع على أنها نفاس،
وما زاد عليها لا يجوز إثباته لنا بأخبار الآحاد والقياس - ثم قال: وقد تكلمنا في هذه
380

المسألة في جملة ما خرج لنا في مسائل الخلاف " انتهى وهو بعد ما سمعته منه في الخلاف
عجيب اللهم إلا أن يكون مقصوده القطع بعدم نفاسية الزائد عليها في مقابلة الرد على
العامة، فتأمل. وكيف كان فلا يخفى عليك ما في دعوى الاجماع في المقام، بل يمكن
دعوى الاجماع على خلافه كما سمعته من الخلاف والغنية على الظاهر.
و (منها) قلة العدد، فإنك قد عرفت أن أخبار الرجوع إلى العادة تقرب
من نحو عشرة أخبار معتبرة، وكثير منها متكرر في الأصول، وأخبار الثمانية عشر
لم نقف منها على ما يدل على المطلوب في الكتب الأربعة إلا على صحيحتي العلاء عن
محمد بن مسلم (1) ومرسل الفقيه (2) ولعل الأولين رواية واحدة وإن اختلف الطريق
إلى العلاء كما يشعر به اتحادهما في المتن، قال فيها: " سألت أبا جعفر (عليه السلام)
عن النفساء كم تقعد؟ فقال: إن أسماء بنت عميس أمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أن تغتسل لثمان عشرة، فلا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين " نعم له صحيحة ثانية
تقدمت آنفا مشتملة على الترديد بين السبع عشر والثمان عشر، وقد بينا أنه لم يعمل
بها أحد إن أريد التخيير، وغير دالة على المطلوب إن كان شكا من الراوي، مع أنه
يحتمل اتحادها مع روايتيه وأن النقل بالمعنى دون اللفظ كما هو شائع في الأخبار، وفي
الفقيه (3) " إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر في حجة الوداع، فأمرها
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تقعد ثمانية عشر يوما - ثم قال -: وقد روي (4)
أنه صار حد قعود النفساء عن الصلاة ثمانية عشر يوما، لأن أقل أيام الحيض ثلاثة،
وأكثرها عشرة، وأوسطها خمسة، فجعل الله عز وجل للنفساء أقل الحيض وأوسطه

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 15
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 21
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 21
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 22
381

وأكثره " ونحوه (1) ما رواه في الوسائل عن العلل مسندا إلى حنان بن سدير، قال:
" قلت: لأي علة أعطيت النفساء ثمانية عشر يوما " وذكر نحوه، وعن عيون الأخبار بإسناده
عن الفضل بن شاذان (2) عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون قال:
" والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما " الحديث. وعن المقنع (3) أنه قال: " وروي أنها تقعد ثمانية عشر يوما ".
وأنت خبير أن العمدة إنما هو صحيح ابن مسلم، وإلا فالاستصحاب لا يتم في
جميع صور المقام، كما لو لم تر دما إلا بعد العاشر، وهو - مع تضمنه للاستظهار باليومين
المنافي لكون الثمانية عشر أكثره، إذ لا وجه للاستظهار بعد استيفاء الأكثر - غير
صالح لمعارضة ما تقدم من أخبار العادة وغيرها، سيما بعد معارضته بغيره مما دل على
قصة أسماء بنت عميس مما ينافيه، كمرفوعة إبراهيم بن هاشم (4) قال: " سألت
امرأة أبا عبد الله (عليه السلام) فقالت إني كنت أقعد في نفاسي عشرين يوما
حتى أفتوني بثمانية عشر يوما، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ولم أفتوك بثمانية
عشر يوما؟ فقال رجل: للحديث الذي روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر، فقال أبو عبد الله
(عليه السلام): إن أسماء سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد أتى لها ثمانية
عشر يوما، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل ما تفعله المستحاضة " وما رواه
المحقق الشيخ حسن في منتقى الجمان على ما نقله عنه غير واحد عن كتاب الأغسال لأحمد
ابن محمد بن عياش الجوهري في الموثق كالصحيح عن حمران بن أعين (5) قال:

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 23
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 24 - 26
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 24 - 26
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 7 - 11
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 7 - 11
382

" قالت امرأة محمد بن مسلم وكانت ولودا: إقراء أبا جعفر (عليه السلام) السلام وقل له إني
كنت أقعد في نفاسي أربعين يوما وإن أصحابنا ضيقوا علي فجعلوها ثمانية عشر يوما،
فقال أبو جعفر (عليه السلام): من أفتاها بثمانية عشر يوما؟ قال: قلت: للرواية
التي رووها في أسماء بنت عميس أنها نفست بمحمد بن أبي بكر بذي الحليفة، فقالت:
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف أصنع؟ فقال لها: اغتسلي واحتشي وأهلي
بالحج، فاغتسلت واحتشت ودخلت مكة ولم تطف ولم تسع حتى تقضى الحج، فرجعت
إلى مكة فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله (صلى الله
عليه وآله) أحرمت ولم أطف ولم أسع، فقال: لها رسول الله (صلى الله عليه وآله):
وكم لك اليوم؟ فقالت: ثمانية عشر يوما، فقال: أما الآن فاخرجي الساعة فاغتسلي
واحتشي وطوفي واسعي، فاغتسلت وطافت وسعت وأحلت، فقال أبو جعفر
(عليه السلام): إنها لو سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل ذلك وأخبرته
لأمرها بما أمرها به، قلت: فما حد النفساء؟ قال: تقعد أيامها التي كانت تطمث
فيهن، فإن هي طهرت، وإلا استظهرت بيومين أو ثلاثة ثم اغتسلت واحتشت، فإن
كان انقطع الدم فقد طهرت، وإن لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل
صلاتين وتصلي ".
قلت: وبهذه الروايتين يظهر لك عدم صحة الاستدلال ببعض الأخبار المشتملة على قصة
أسماء غير صحيح ابن مسلم المتقدم، إذ ليس فيها سوى أنه سألته بعد أن مضى
لها ثمانية عشر، فأمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، بل في بعضها ما يظهر
منه أنه أمرها قبل الثمانية عشر.
و (منها) أن أخبار العادة أبعد عن مذاهب العامة بخلاف الثمانية عشر، فإنه
لم يذهب إلى الأولى أحد منهم بخلاف الثمانية، فإنه وإن لم يكن القول به معروفا بينهم
383

إلا أنه يظهر من الشيخ وغيره، كما في المصابيح وجود القائل بها منهم، وربما كان في
الأخبار اشعار بذلك، على أنه قد يقال: لما كانت قصة أسماء وولادتها من
الأمور المقررة الثابتة في أخبار القوم ورواياتهم بحيث لا سبيل لهم إلى إنكارها أمكن
تأدي التقية بذلك من حيث كون الحكم بما اقتضته مخالفا لما هو المعروف بين الخاصة
موافقا لما هو مروي من طرق المخالفين، بحيث لا يضعف التعلق به في مقام الاحتياج
وإن لم يوجد قائل به من العامة، وقد يشعر به تكرير حكايتها في الأخبار، بل ربما
أجابوا عن سؤال من سألهم بنفس الحكاية من دون تصريح بالحكم، كما في صحيحة
ابن مسلم، وأيضا فعدولهم عن التصريح بالجواب إلى نقل رواية أو ذكر حكاية مما يفوح
منه رائحة التقية كما لا يخفى على المتتبع العارف بأساليب الكلام، إلى غير ذلك من
المرجحات الكثيرة لأخبار العادة على هذه مما يظهر لك بالتأمل فيما ذكرنا سابقا.
كما أنه يظهر لك بالتأمل فيه أيضا ضعف ما ذكره العلامة من التفصيل إن لم نقل
إنه خرق للاجماع المركب، مضافا إلى عدم الشاهد عليه، واقتضائه حمل أخبار الثمانية
عشر على الفرد النادر من المبتدأة المتنفسة والمضطربة من دون إشعار في شئ من ذلك
في السؤال والجواب، بل مع التصريح في بعضها كما سمعت بأن ذلك حد جعله الله
للنفساء يجمع مراتب الحيض، وأيضا فإن أسماء بنت عميس تزوجت بأبي بكر بعد موت
جعفر بن أبي طالب كما قيل، وكانت قد ولدت منه عدة أولاد، ومن المستبعد أن
لا يكون لها في تلك المدة كلها عادة في الحيض، ومع ذلك فقد حكم (صلى الله عليه وآله)
بالقعود ثمانية عشر يوما من دون استفصال عن حالها مع شدة ظهور قيام الاحتمال،
ومثل ذلك لا يقصر عن التصريح بالحكم كما لا يخفى، كل ذا مع إشعار ما تضمن
384

الاستظهار من أخبار العادة بكون أكثر الحيض عشرة مطلقا زيادة على إشعار جميع
أخبارها بكون النفاس كالحيض، كما هو الأصل عندهم بالنسبة إلى مشاركة الحائض لها
في جميع أحكامها حتى أنهم نقلوا الاجماع على ذلك، فلا ينبغي الاشكال في سقوط
ما ذكره العلامة سيما بعد ما عرفت من خروج أخبار الثمانية عشر عن الحجية للتعارض
الواقع فيها، فتأمل جيدا.
بقي الكلام في الأمر الثاني وهو رجوع ذات العادة إليها مع تجاوز الدم العشرة
وإلى العشرة مع الانقطاع عليها كالحائض فيهما، بخلاف غير ذات العادة من المبتدأة
والمضطربة، فإن لهما العشرة مع التجاوز، وإلا فما انقطع الدم عليه من الأيام، فنقول
أما ما ذكرناه من حكم الأولى فهو المصرح به على لسان جملة من الأعيان، ويرشد إليه
- زيادة على ما تكرر ذكره من كون النفاس حيضا احتبس لغذاء الولد، كما هو قضية
أصالة مشاركة النفاس للحيض في الأحكام إلا ما خرج والمنساق من سبر ما جاء من
الأخبار مما يتعلق بذات العادة من الحائض والنفساء، فإن الجميع على نسق واحد من
إطلاق بعضها الرجوع إلى عادتها، وبعضها مع الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة أو
بعشرة على جعل الباء بمعنى (إلى) على نحو ما جاء في الحائض من غير فرق أصلا -
أنه وجه الجمع في هذه الأخبار بحمل ما دل منها على الرجوع إلى العادة من غير ذكر
الاستظهار على ما تضمنه منها، وحمل أخبار الاستظهار المتضمنة لليوم أو اليومين أو الثلاثة
على إرادة الاستظهار إلى العشرة، لقول الصادق (عليه السلام) (1) ليونس:
" تنتظر عدتها التي كانت تجلس، ثم تستظهر بعشرة " بناء على كون الباء بمعنى (إلى)
كما ذكره الشيخ، فيكون الترديد فيها باليوم أو اليومين أو الثلاثة باعتبار اختلاف عادات
النساء بالسبعة والثمانية والتسعة ونحو ذلك لا للتخيير كما تقدم الكلام فيه في الحائض،

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحيض - حديث 12
385

واعترف به بعضهم هنا، فحيث كان الأمر كذلك ظهر إنه لا إشكال في نفاسية الجميع
مع الانقطاع للعشرة، تحقيقا لمعنى الاستظهار، إذ المراد به على الظاهر أنها تطلب
ظهور حالها في هذه المدة، فلو لم يكن الانقطاع مظهرا لحالها بما قلنا لم يكن له معنى
محصل ما يشير إليه موثق حمران بن أعين عن الباقر (عليه السلام) المروي عن منتقى
الجمان عن كتاب الأغسال للعياشي، وقد ذكرناه فيما مضى، وفيه " ما حد النفساء؟
قال (عليه السلام): تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام قرئها، فإن هي طهرت
وإلا استظهرت بيومين أو ثلاثة أيام ثم اغتسلت واحتشت، فإن كان انقطع الدم فقد
طهرت، وإن لم ينقطع فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل صلاتين " إلى آخره. فإن
قوله (عليه السلام): (فإن كان انقطع الدم) كالصريح في إلحاق أيام الاستظهار
بأيام النفاس مع الانقطاع.
هذا كله مع ما يقتضيه إلحاقها بالحائض من الحكم بنفاسية جميع ما يمكن كونه
كذلك كالحيض، مضافا إلى استصحاب حكم النفاس، ويرشد إليه زيادة على ذلك
كله ما ستسمعه عند الكلام على قوله: " ولو لم تر دما إلا العاشر " فظهر لك حينئذ
أنه لا ينبغي الاشكال في الحكم بنفاسية الجميع مع الانقطاع على العشرة فما دون وإن زاد
على العادة، فما عساه يظهر من بعضهم من التوقف في ذلك لمكان إطلاق بعض أخبار
الرجوع إلى العادة ضعيف، لما عرفت من أنها محمولة على ما اشتمل منها على الاستظهار،
والمراد منها بعد ما سمعت من الجميع المتقدم إلى العشرة، كما مر نظير ذلك كله في الحيض،
ومنه يظهر وجه ما في النافع والمعتبر من أن النفساء إذا انقطع عنها الدم ظاهرا اعتبرت
ذلك بادخال قطنة، فإن خرجت نقية اغتسلت، وإلا صبرت للنقاء أو مضي العشرة
من غير فرق بين المعتادة وغيرها، بل في الثاني ما هو كالصريح في تناول الحكم للمعتادة
حيث استدل علي الحكم المذكور بأن هذه المدة هي أكثر الحيض فتكون أكثر النفاس،
386

لأن النفاس حيض، وأيده بما رواه يونس بن يعقوب (1) عن الصادق (عليه السلام)
" ثم تستظهر بعشرة أيام، فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كل صلاة، وإن رأت
صفرة فلتتوضأ " إلى آخره. قال: " ولو قيل: قد رويتم أنها تستظهر بيوم أو يومين
قلنا: هذا يختلف بحسب عوائد النساء، فمن عادتها تسع تستظهر في النفاس بيوم، ومن
عادتها ثمان تستظهر بيومين، وضابطه البقاء على حكم النفاس ما دام الدم مستمرا حتى
يمضي لها عشرة ثم تصير مستحاضة " انتهى.
قلت: وهو نص فيما ذكرناه هنا وفي باب الحيض، لكن قد يرد عليه أنه قد
ذكر الخبر في استظهار الحائض دليلا لمن قال باستظهارها إلى عشرة، ورده برجحان
أخبار الاستظهار بيوم أو يومين قوة وكثرة وشبها بالأصل وتمسكا بالعبادة، وقد يدفعه
ما في كشف اللثام " من افتراق الحائض والنفساء بالاجماع على رجوع الحائض إلى عادتها،
وعدم الدليل عند المحقق على رجوع النفساء إليها " انتهى. والأمر سهل، لكن في
المنتهى بعد أن ذكر الاعتبار بادخال القطنة قال: " إنها إن خرجت ملوثة صبرت إلى
النقاء أو تمضي مدة الأكثر وهي عشرة أيام إن كانت عادتها، وإلا صبرت عادتها
خاصة واستظهرت بيوم أو يومين، وكذا البحث لو استمر بها الدم، وبعض المتأخرين
غلط ها هنا فتوهم أن مع الاستمرار تصبر عشرة، ولا نعرف فيه دليلا سوى ما رواه
يونس - وذكر الخبر ثم قال -: وهو غير دال على محل النزاع، إذ من المحتمل أن
يكون عادتها ثمانية أو تسعة، ويدل على ما اخترناه من الأحاديث التي قدمناها، فإنها
دالة على حوالة النفساء على الحائض في الأيام والاستظهار بيوم أو يومين " انتهى.
قلت: كأنه عرض بذلك إلى المحقق (رحمه الله)، لكنك قد عرفت في
الحيض قوة القول بجواز الاستظهار إلى العشرة وكثرة الشواهد عليه، على أنه لا معنى

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 3
387

للاقتصار على اليوم واليومين بعد دلالة الدليل على الأزيد كالثلاثة، كما أنه لا يقدح
ما ذكر من الاحتمال في ظهور الخبر بما قلنا، وأيضا فليس ما ذكره بأولى من أن يقال:
إن أخبار اليوم واليومين محمولة على ما إذا كانت العادة تسعة أو ثمانية كما ذكره المحقق،
بل هذا أولى من وجوه قد أشرنا إليها سابقا، فظهر لك من ذلك كله سقوط ما اعترض
به على المحقق من هذه الجهة، نعم يتجه عليه أن ظاهر قوله: (وضابطه) إلى آخره
الحكم بنفاسية العشرة وإن تجاوز الدم كما صرح به بعد في جملة فروع ذكرها، حيث
قال: " لا ترجع النفساء مع تجاوز الدم إلى عادتها في النفاس، ولا إلى عادتها في الحيض
ولا إلى عادة نسائها، بل تجعل عشرة نفاسا، وما زاد استحاضة حتى تستوفي عشرة،
وهو أقل الطهر، وفي رواية (1) " تجلس مثل أيام أمها وأختها وخالتها، وتستظهر
بثلثي ذلك " والرواية ضعيفة السند شاذة " انتهى.
قلت: ولم أعرف أحدا صرح بذلك ممن تقدمه أو تأخر عنه، بل صرح
بعضهم برجوعها إلى عادتها حينئذ، كما هو قضية مساواتها للحائض في ذلك على ما يستفاد
من ملاحظة أخبار الطرفين، ويشعر به زيادة على ذلك ذكر الاستظهار، إذ لولا أنه
يظهر حالها من عدم الانقطاع على العشرة بحيث ترجع إلى عادتها لم يكن لاطلاق الاستظهار
عليها معنى محصل، على أن الرجوع إلى العادة هو قضية الأخبار المطلقة الآمرة بالرجوع
إليها، وخروج صورة الانقطاع على العشرة فما دون عنها لا يقدح في ذلك " وقد مر
في باب الحيض عند الكلام على نحو ذلك ما له نفع تام في المقام، ولعل ما ذكره المحقق
إنما كان لخلو كلام الأصحاب عن الرجوع إلى عادتها، وإطلاقهم أن الأكثر عشرة
وثمانية عشر، ونقل الشيخ في الخلاف الاجماع على كون العشرة نفاسا، وللاستصحاب
ومخالفة الحيض في الاسم وفي بعض الأحكام وإن كان هو دم الحيض حقيقة واحتباسه،

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 20
388

واحتمال أخبار الرجوع إلى أيام أقرائها أن أكثره العشرة كالحيض، ولا يخفى ضعف
الجميع، نعم قد يستدل له بما عساه يظهر من الأخبار من إلحاق أيام الاستظهار بما قبلها
تجاوز الدم أو انقطع، وقد سبق أن الاستظهار عنده إلى العشرة، لكنك قد عرفت
هنا وفي باب الحيض ما يدفع ذلك وإن أعيى على بعض المعاصرين، فتأمل.
ومن العجيب ما في الذكرى حيث قال: الأخبار الصحيحة المشهورة تشهد
برجوعها إلى عادتها في الحيض، والأصحاب يفتون بالعشرة، وبينهما تناف ظاهر،
ولعلهم ظفروا بأخبار غيرها، وفي التهذيب قال: جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى
النفاس عشرة، وعليها أعمل لوضوحها عندي، ثم ذكر الأخبار الأول ونحوها، حتى
أن في بعضها (1) عن الصادق (عليه السلام) " فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس
ثم تستظهر بعشرة أيام " قال الشيخ: يعني إلى عشرة، إقامة لبعض الحروف مقام
بعض، وهذا تصريح بأن أيامها أيام عادتها لا إلى العشرة، وحينئذ فالرجوع إلى
عادتها كقول الجعفي في الفاخر وابن طاووس والفاضل أولى، وكذا الاستظهار كما هو
هناك، نعم قال الشيخ: لا خلاف بين المسلمين أن عشرة أيام إذا رأت المرأة الدم من
النفاس، والذمة مرتهنة بالعبادة قبل نفاسها فلا يخرج عنها إلا بدلالة، والزائد على العشرة
مختلف فيه، فإن صح الاجماع فهو الحجة، ولكن فيه طرح للأخبار الصحيحة أو
تأويلها بالتقييد " انتهى.
وفيه مواضع للنظر تظهر مما تقدم لنا سابقا، (منها) قوله: " إن الأصحاب
يفتون بالعشرة " مستظهرا ذلك من قولهم: إن أكثر النفاس عشرة، وإلا فلم نعرف
أحدا نص على ذلك قبل المحقق كما اعترف به في كشف اللثام، وقد عرفت فيما مضى
أنه لا تنافي بين الرجوع إلى العادة والفتوى بالعشرة، فإنهم إنما يفتون بأنها أكثره

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 3
389

لا بكونها كلها نفاسا إذا تعداها الدم وإن كانت ذات عادة، ويحتمل قريبا بل لعله الظاهر
من إمارات كثيرة أنهم فهموا من تلك الأخبار مجموع الأمرين أعني الرجوع إلى العادة
وكون الأكثر عشرة، ولم يصرحوا بالأول هنا، بل اكتفوا بتشبيه النفساء بالحائض
في الأحكام غير ما استثنوه، وبحكمهم برجوع المستحاضة إلى عادتها، و (منها) ما ادعاه
من تصريح ما ذكره من الخبر بأن أيامها أيام عادتها ممنوع، إذ لا معنى لاستظهارها
إلى عشرة إلا أنها تستكشف حالها بعد أيام العادة إلى العشرة، وهو - مع ظهوره فيما
إذا تعدى الدم، ونحن نعترف بالرجوع إليها خاصة في هذا الحال - كما يحتمل خروج
ما بعدها عن النفاس مع التعدي يحتمل الدخول احتمالا متساويا. و (منها) أنه لا جهة
لاستدراكه بنفي الشيخ الخلاف في كون العشرة نفاسا، فإنه في مقام الاحتجاج على
أقوال العامة من كون أكثره أربعين أو خمسين أو ستين أو سبعين إلى غير ذلك.
هذا كله في ذات العادة، وأما غيرها من المبتدأة والمضطربة فالأقوى تحيضهما
بالعشرة للاستصحاب وغيره، وفاقا لظاهر القواعد والإرشاد وعن صريح التذكرة
ونهاية الإحكام، بل في الذكرى أن المشهور هنا عود المبتدأة والمضطربة إلى العشرة،
وخلافا للبيان، حيث إنه جعل الأقرب رجوع المبتدأة إلى التمييز ثم النساء ثم العشرة،
والمضطربة إلى العشرة مع فقد التمييز، وهو ضعيف وإن كان ربما يشعر به مساواتها
للحائض في الحكم، بل في كشف اللثام " أنه يجوز تعميم أيام الأقراء المحكوم بالرجوع
إليها لجميع ذلك " انتهى. لكن قد يفرق بينهما بأن النفاس متيقن الابتداء، إذ الدم
المتعقب للولد نفاس قطعا بخلاف الحيض، ويؤيده خلو النصوص والفتاوى عن الإشارة
إلى شئ من ذلك مع تعرضهم لنظيره، على أنك قد عرفت سابقا أن التحيض بالروايات
إنما هو بملاحظة تعادل الأدوار، فهو إما ستة أو سبعة من كل شهر، أو ثلاثة من
شهر وعشرة من آخر، وكان المتجه بناء على ما ذكره الجلوس بستة أو سبعة كالحائض،
390

ومن هنا قال في المنتهى في المقام: " أنه يمكن أن يقال: إنها تجلس ستة أيام أو سبعة،
لأن الحائض تفعل ذلك فكذلك النفساء، لأنه حيض في الحقيقة، ولأن قوله
(عليه السلام) (1): " تجلس أيام حيضها التي كانت تحيض " كما يتناول الماضي
يتناول المستقبل " ولا يخفى ضعفه، نعم يحتمل في خصوص المبتدأة الرجوع إلى نسائها
لقول الصادق (عليه السلام) (2) في الموثق: " وإن كانت لا تعرف أيام نفاسها
فابتليت جلست مثل أيام أمها أو أختها أو خالتها، واستظهرت بثلثي ذلك، ثم صنعت
كما تصنع المستحاضة " الحديث. واشتماله على ما لا نقول به من الاستظهار مع إمكان
فرضه بما لا ينافي المختار غير قادح في الحجية، والظاهر أن مراده (عليه السلام) بقوله
أيام نفاسها أيام حيضها كما يشعر به أوله، وإلا فلا رجوع لها إلى أيام النفاس كما صرح
به غير واحد وإن أشعر بذلك خبر محمد بن يحيى الخثعمي (3) لكنه شاذ، بل لعل الأول
أيضا كذلك كما سمعته سابقا من المصنف في المعتبر، ولعله لظهوره في غير المبتدأة، وهي
لا ترجع إلى ذلك في الحيض فضلا عن النفاس، والأقوى ما تقدم.
ثم إنه إذا استمر الدم في النفساء وجلست الأيام الموظفة لها فهل يعتبر بالنسبة إلى
ما عليها من أحكام مستمرة الدم فصل أقل الطهر فحسب، ثم ينتقل إلى تعرف حال دمها
أو مضي شهر؟ يظهر من بعض الأصحاب كالمصنف في المعتبر الأول، ويحتمل الثاني،
ويظهر وجهه مما تقدم لنا في المباحث السابقة في الحيض، كما أنه تقدم أيضا البحث عن
استحباب الاستظهار ووجوبه، فتأمل جيدا.
(ولو كانت حاملا باثنين) مثلا (وتراخت ولادة أحدهما كان ابتداء نفاسها من
الأول) عند علمائنا كما في المنتهى وعن التذكرة، (و) استيفاء (عدد أيامها من وضع الأخير) فيدخل فيه ما بقي من عدد أيام النفاس الأول إن لم يتخلل بينهما عشرة

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 8 - 20 - 18
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 8 - 20 - 18
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 8 - 20 - 18
391

أيام، وإلا كان عدد كل مستوفى تاما مستقلا من غير تداخل، فقد يكون حينئذ
جلوسها عشرين يوما، كما إذا وضعت الثاني بعد عشرة أيام، ولا ينافيه كون أكثر
النفاس عشرة، لأنهما نفاسان، لصدق النفاس مع كل منهما، وهو مع عدم العثور
على مخالف من الأصحاب فيه مدرك الحكم في المقام، وبه صرح في المبسوط والانتصار
والسرائر والجامع والمنتهى والقواعد والإرشاد وجامع المقاصد وغيرها كما عن الناصرية
والخلاف والوسيلة والمهذب والجواهر والاصباح، فما في المعتبر من التردد في نفاسية
الأول لأنها حامل ولا حيض ولا نفاس مع حمل ضعيف، لما تقدم من المختار في
مجامعة الحيض للحمل أولا، وإمكان منع انتفاء النفاس خاصة ثانيا، نعم قد يتردد
في أصل الحكم بالنفاسين مع عدم تخلل أقل الطهر بينهما بأن النفاس كالحيض عندهم في
الأحكام، وخصوصا في ذلك كما يشعر به حكمهم بعدم حيضية الدم السابق على الولادة
بدون تخلل أقل الطهر حتى في المتصل منه الممكن الحكم بالحيضية كما أشرنا إليه سابقا،
وكذا اللاحق بعد انتهاء مدة النفاس وإن صادف العادة في كل منهما، وما ذكره في
كشف اللثام من أنه لا دليل على امتناع تعاقب النفاسين بلا تخلل يدفعه أن التعاقب
محتاج إلى الدليل، لا امتناعه بعد المساواة المذكورة التي هي المستند لهم في كثير من
أحكام الباب، مضافا إلى ما دل على عدم قصور أقل الطهر عن عشرة، كما لو فرض
وضع الثاني بعد مضي زمان بعد العشرة يقصر عن أقل الطهر، اللهم إلا أن يستند في دفع
ذلك كله إلى الاجماع، وهو جيد لو تم، كما هو ظاهر نسبته له في المصابيح إلى المعروف
من مذهب الأصحاب ناقلا عن ظاهر التذكرة إجماع علمائنا عليه، ومع ذلك كله
فتماميته أي الاجماع لا يخلو من إشكال، بل قد يشعر ما في الانتصار بعدمه، حيث قال:
لست أعرف لأصحابنا نصا صريحا في هذه المسألة، وما في السرائر حيث قال بعد
392

أن ذكر المسألة: فليلحظ ذلك ويحقق، فقد شاهدت جماعة ممن عاصرت من أصحابنا
لا يحقق القول في ذلك، وما في المعتبر من التردد المتقدم بل ربما توهم من عبارة المصنف
ونحوها مما يقرب منها أن المراد ابتداء عدد أيام النفاس من الأول مع تكميلها من أيام وضع
الثاني، فلا يكون حينئذ للثاني نفاس إلا مقدار ما يكمل به الأول فقط، وعلى هذا فلو
فرض وضع الثاني بعد العشرة مثلا لم يكن له نفاس كما هو المنقول عن بعض العامة
وعن آخر منهم أن ابتداء النفاس من الثاني، لكن ذلك كله مما ينبغي القطع بعدم
إرادته لأحد من الأصحاب وأن المراد بالعبارة كما هو المصرح به في كلام جملة من
الأصحاب استيفاء تمام عدة النفساء من وضع الثاني وإن كان ما عدته بعد الأول نفاسا
أيضا، وليس المراد أن مجموع أيام نفاس هذه المرأة أي الحامل باثنين من وضع الأخير
كما عساه يتوهم من ظاهر العبارة أيضا حتى تتوجه المنافاة بين هذا الحكم والحكم بأن ابتداء
نفاسها من وضع الأول وإن كان هذا الوهم أقرب من الوهم السابق بالنسبة إلى العبارة.
وكيف كان فالعمدة في المقام الاجماع لو تم، وإلا فلم نعرف لهم دليلا هنا
سوى صدق اسم النفاس، وهو لا يرفع ما سمعت من الاشكال، وأشكل منه ما فرعه
في الذكرى والدروس فاحتمل فيه ذلك أيضا. قال: " ولو سقط عضو من الولد وتخلف
فالدم نفاس على الأقرب، ولو وضعت الباقي بعد العشرة أمكن جعله نفاسا آخر كالتوأمين،
وعلى هذا لو تقطع بفترات تعدد النفاس، ولم أقف فيه على كلام سابق " انتهى.
وشمول النصوص لمثل ذلك لا يخلو من تأمل، ويحتمل هنا توقف النفاس على خروج
المجموع وإن اكتفينا ببروز الجزء مع الاتصال، للفرق بينه وبين الانفصال فتأمل جيدا.
ثم اعلم أنه بعد ما عرفت من الحكم السابق وهو أن ذات التوأم يحكم لها بنفاسين
إلا أن استيفاء تمام العدد من وضع الثاني فهل المراد أن نفاسية الأول تنتهي بتحقق الثاني
أو أن الأول يشارك الثاني فيما بقي من عدده وينفرد الثاني بالزائد؟ احتمالان، أقواهما
393

الثاني كما هو الظاهر من بعضهم، لصدق اسم النفاس عليه بالنسبة للأول، واجتماع
سبب آخر معه لا ينافيه، أقصاه أنه يكون حينئذ من باب التداخل، نعم قد يتم ذلك
فيما لو علم أن الدم الثاني بسبب الولادة الثانية من غير مدخلية للأولى، أما مع عدمه
فالمتجه ما ذكرنا، وتترتب على ذلك ثمرات، منها ما لو رأت بياضا بعد الولادة الثانية
ثم رأت دما بعد ذلك في أيام يمكن أن تكون من نفاسية الأول، فبناء على المختار يحكم
بنفاسية البياض لكونه مكتنفا بين دمي نفاس واحد بخلافه على الثاني، إذ هو
ابتداء نفاس واحد، واحتمال القول بأنا نحكم بنفاسية مثل ذلك على كل حال، وإلا
لزم صيرورة الطهر أقل من عشرة يدفعه أن ذلك غير ممنوع بالنسبة إليهما كما أشرنا إليه
سابقا، فهو كما لو وضعت الثاني بعد انتهاء عدد الأول ثم إنها رأت بياضا بعد ولادة الثاني،
وكما لو ولدت الثاني بعد يوم أو يومين من انتهاء عدة الأول، فتأمل جيدا حتى تظهر
لك ثمرات أخر في المقام.
(ولو لم تر دما ثم رأت في العاشر كان ذلك نفاسا) خاصة دون ما قبله من النقاء
كما في السرائر والجامع والمعتبر والمنتهى والتحرير والإرشاد وغيرها، بل في المدارك
أن هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، قلت: ولعله لكونه دما بعد الولادة في
أيام النفاس مع عدم ثبوت اشتراط معاقبته بلا فصل، بل لعل الثابت عدمه كما يرشد
إليه نص الأصحاب في المسألة الآتية، ولأن النفاس أمر طبيعي عادي، فيجب الحكم
به مع الاشتباه كما في الحيض، ومنه ينقدح إمكان جريان قاعدة الامكان فيه، نعم
يتجه عدم نفاسية الأيام السابقة، لعدم الدم فيها، وهو موقوف عليه، ولا يقدح
قصورها عن العشرة بعد اتصالها بالطهر السابق على الولادة، وفي المدارك أن هذا الحكم
مشكل لعدم العلم باستناد هذا الدم إلى الولادة، وعدم ثبوت الإضافة عرفا " انتهى.
وهو كما ترى بعد ما عرفت وتعرف في المسألة الآتية.
394

ثم إن ظاهر إطلاق المصنف وغيره عدم الفرق في هذا بين المعتادة وغيرها تجاوز
الدم العاشر أو انقطع عليه، وهو متجه بناء على ما اختاره في المعتبر من التحيض بالعشرة
مطلقا، وأما بناء على ما اخترناه من الرجوع إلى العادة فينبغي تقييد الحكم المذكور بما
إذا انقطع على العاشر أو كانت مبتدأة أو مضطربة أو ذات عادة هي عشرة، أما إذا
لم يكن كذلك كما لو كانت عادتها دون العشرة ورأت الدم في العاشر ثم استمر الدم
متجاوزا فلا يتجه الحكم بالنفاسية حينئذ للأمر بالرجوع إلى العادة مع التجاوز، والفرض
عدم الدم فيها، لكن قد يشك في شمولها لمثل المقام، لظهور أخبارها فيمن رأت الدم
في العادة وخارجها واستمر، فتبقى قاعدة الامكان وغيرها سالمة عن المعارض، سيما
بعد إطلاق الأصحاب الحكم، فيسقط حينئذ ما في الذكرى وإن تبعه عليه بعض من
تأخر عنه، حيث قال بعد أن ذكر الحكم كما ذكره الأصحاب: " وعلى اعتبار العادة
ينبغي أن يكون ما صار فيها نفاسا دون ما زاد عليها، ويحتمل اعتبار العشرة إذا
لم يتجاوز، كما لو انقطع دم المعتادة على العشرة، أما مع التجاوز فالرجوع إلى العادة
قوي " انتهى. بل ظاهر أول كلامه عدم الحكم بالنفاسية حتى لو انقطع على العاشر مع
فرض خروجه عن العادة، ولا يخفى ضعفه، كضعف ما في الرياض، حيث أنه
استشكل أيضا في المعتادة دون العشرة مع رؤيتها الدم في العاشر خاصة وانقطع قائلا
للشك في صدق دم الولادة عليه مع كون وظيفتها الرجوع إلى أيام العادة التي لم تر فيها شيئا
بالمرة، إذ هو - مع ظهور مخالفته لما هو المجع عليه بين الأصحاب أو كالمجمع عليه - يرد
عليه مثله بالنسبة إلى أولى جهتي شكه فيما لو كانت العادة عشرة أو دونها ورأت الدم في
آخرها خاصة، ويشكل بالنسبة إلى ثاني الجهتين بدم الأمر لها بالرجوع إلى العادة في
هذا الحال.
ثم إن ظاهر الأصحاب الاقتصار على نفاسية العاشر خاصة دون ما اتصل به مما
395

بعده حتى لو كانت معتادة، فليس لها استيفاء تمام عادتها مما بعد العشرة وإن قلنا به
بالنسبة للحائض، ولعله لعدم وجود النفاس عندهم فيما زاد عليها، إذ مبدأ حساب
أكثره إنما هو من حين الولادة كما عن نهاية الإحكام ومعطى كلام السرائر، ولذا
لو لم تر إلا بعد العاشر لم يكن نفاسا كما نص عليه غير واحد من الأصحاب، ويدل
على ابتداء الحساب من الولادة قول أبي جعفر (عليه السلام) لمالك بن أعين (1):
" إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثم تستظهر بيوم " وفي خبر
الفضلاء (2) " إن أسماء سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن الطواف بالبيت والصلاة
فقال لها: منذ كم ولدت؟ " وأيضا لو لم تبتدئ منها لم تتحدد مدة التأخر عنها، لكن مع
ذلك كله والمسألة لا تخلو من إشكال، لظهور الروايتين في واجدة الدم لا فيما كان
من نحو المقام، وإمكان الفرق بين ما لو رأته بعد العشرة وبينه فيها إما بالاجماع إن تم
أو بغيره، فيحكم بتكملة العادة مثلا في الثاني كما هو قضية مساواتها للحائض دون الأول،
ولعله لتحقق النفاس فيه ولو بجزء من العشرة فيستصحب دونه، على أنه لا دليل على
عدم وقوع النفاس خارج العشرة في مثل المفروض، وقولهم: إن أكثره عشرة لا يقضي
به، إذ المفروض عدم نفاسية السابق من النقاء، اللهم إلا أن يدعي انسياق الذهن
من قولهم: إن أكثر النفاس عشرة أن مبدأ الحساب من حين الولادة وإن لم تر دما،
كما عساه يظهر من إطلاق بعض الأخبار (3) إن قلنا بشمولها لمثله على ندرته،
فتأمل جيدا.
وأشكل من هذا ما لو أمكنها تكميل العادة ببعض العشرة وإن تجاوز الدم، كما
لو رأت رابع الولادة مثلا وسابعها لمعتادتها واستمر إلى أن تجاوز العشرة، فلعل الأقوى
حينئذ تكميل العادة بالثلاثة الأخيرة لقاعدة الامكان والاستصحاب ومساواة الحائض،

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 4 - 19 - 4
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 4 - 19 - 4
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النفاس - حديث 4 - 19 - 4
396

فما في الرياض تبعا للروضة من اختصاص النفاس بأربعة العادة لا يخلو من نظر، كما أنه
لا يخلو ما فيهما أيضا من أنها لو رأته في السابع خاصة وتجاوز فهو النفاس، إذ يمكن
القول بتتميمه ببعض العشرة وإن لم يف بتمام العادة بناء على عدم عبور النفاس العشرة
لما عرفت، نعم لو رأته من أول السبعة والسابع وتجاوز العشرة اتجه الاقتصار على العادة
خاصة، إذ هي كما لو رأت تمام العادة دما لكون هذا النقاء المتخلل نفاسا، ولو رأته
أولا وبعد العادة وتجاوز فلعل الأقوى الاقتصار على نفاسية الأول خاصة كما في الروضة،
لعدم تمامية ما يتصور من احتمال غيره بناء على عدم نفاسية المتعقب للعادة بعد تجاوزها.
(و) أما (لو رأت عقيب الولادة ثم طهرت ثم رأت في العاشر أو قبله كان الدمان وما
بينهما نفاسا) مع عدم تجاوز الدم للعشرة، بل ومعه إذا كانت غير ذات عادة، بل
وإذا كانت كذلك مع كونها عشرة، أما إذا كانت ذات عادة دون العشرة ثم تجاوز
الدم في محل الفرض فالنفاس الأول خاصة كما سمعته آنفا، للأمر بالرجوع إليها مع
التجاوز، وليس إلا الأول خاصة، وقد تقدم الاشكال فيه سابقا بالنسبة إلى شمول
الأدلة لمثله، وكيف كان فلم نعرف خلافا بين الأصحاب فيما ذكرناه من الحكم الأول،
بل قد يظهر من الأردبيلي دعوى الاجماع. ولعل الأمر فيه كما ذكر، فما في الحدائق
من الاشكال في نفاسية النقاء كما أنه استشكل فيه أيضا بالنسبة إلى الحيض بناء منه على
عدم اشتراط العشرة في نحوه من الطهر المتخلل بين الحيضة الواحدة أو نحوها ضعيف،
نعم قد يقال هنا: إن عدم اشتراط تخلل الطهر بين النفاسين عندهم يقضي بعدمه في نحو
المقام، بل لعله أولى، ويدفع بالفرق بين النفاس الواحد والنفاسين، ونحوه ما عن
الذخيرة حيث قال بعد الحكم المذكور: وإن لم يثبت إجماع على الكلية المذكورة كان
للتأمل في الحكم المذكور مجال، وكأنه أشار بالكلية إلى قاعدة الامكان، وقد تقدم
الكلام فيها، كما أنه قد يقال: إن الحكم بنفاسية الدم الثاني ليس لقاعدة الامكان،
397

بل إنما هو إما للاجماع على الظاهر أو لتحقق مسماه معه، إذ هو متعقب للولادة في
ضمن العشرة، فيلزم الحكم بنفاسية النقاء بناء على عدم قصور الطهر عن عشرة مطلقا إلا في
التوأم، وهو غير قادح في أصل القاعدة.
(ويحرم على النفساء ما يحرم على الحائض)
من اللبث في المساجد وقراءة العزائم وغيرهما (وكذا ما) يندب لها من الوضوء للذكر
ونحوه
و (يكره) ويباح (لها) مما تقدم ذكره سابقا بلا خلاف أجده فيه كما في التذكرة
بل بين أهل العلم كما في المنتهى، وفي المعتبر أنه مذهب أهل العلم لا أعلم فيه خلافا،
فحكم النفساء حكم الحائض في جميع الأحكام اللازمة للحائض بغير خلاف كما في السرائر
وفي الغنية " والنفساء والحائض سواء في جميع الأحكام إلا في حكم واحد، وهو أن
النفاس ليس لأقله حد، وذلك بدليل الاجماع السالف " انتهى. قلت: ولعله
لم يستثن المصنف هنا وكذا من عبر بنحو عبارته مثل الأقل وغيره مما اختلف فيه النفاس
مع الحيض، لعدم تناول العبارة لمثل ذلك، إذ هي ظاهرة في إرادة المساواة بالنسبة
للأحكام الشرعية من الحرمة والإباحة ونحوهما لا ما يتعلق في الأقل والأكثر والرجوع
إلى العادة ونحو ذلك، فلا حاجة حينئذ إلى ما ذكر ما يفترق به الحيض عن النفاس من
التحديد لأقل الأول بالثلاثة دون الثاني، وكالخلاف في أكثره دون الأول، وعدم
الرجوع إلى عادة النفاس ولا عادة النساء فيه ولا في الحيض ولا الروايات بالنسبة للمبتدأة
والمضطربة، وعدم الدلالة به على البلوغ بخلاف الحيض، وبانقضاء العدة فيه دون النفاس
إلا نادرا كما في الحامل من زنا، وعدم اشتراط تخلل أقل الطهر بين النفاسين وإن كان
بعضها محلا للنظر والتأمل، إلا أن الأمر سهل حيث لا إشكال عندهم في مساواة النفساء
للحائض في الأحكام، وفي أصل التساوي أيضا بالنسبة إلى باقي الأمور وإن خرج
ما مرت الإشارة إليه في مطاوي البحث، ولعله لذلك لم يستثن شيئا من ذلك بعض
الأصحاب هنا،
وإذ قد عرفت ذلك كله كنت في غنية عن قول المصنف: (ولا يصح
398

طلاقها) إذ هو من الأحكام التي ساوت الحائض فيها، فيعتبر حينئذ ما تقدم سابقا
في الحيض من الشرائط المتقدمة،
بل وعن قوله: (وغسلها كغسل الحائض) سواء
وجوبا وكيفية، وكذا البحث في الاستغناء به عن الوضوء وعدمه، والله سبحانه
ورسوله والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم) أعلم بحقائق الأحكام.
إلى هنا تم الجزء الثالث من كتاب جواهر الكلام
وقد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته بالنسخة
الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف (قدس روحه
الشريف) ويتلوه الجزء الرابع في أحكام الأموات
بحول الله خالق البريات.
عباس القوچاني
399