الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٤٢
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تصحيح وتحقيق وتعليق : محمود القوچاني
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٣٦٧ ش
المطبعة: مروي
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات:

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء الثاني والأربعون
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه
تحقيق وتعليق وتصحيح
محمود القوچاني
الناشر
دار الكتب الاسلامية
1

ناشر: دار الكتب الاسلامية
تيراژ: دو هزار جلد
نوبت چاپ: سوم
چاپ از: چاپخانه مروى
تاريخ انتشار: 1367
2

صورة فتوغرافية من الصفحة الأولى من كتاب القصاص
للنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه
3

صورة فتوغرافية من الصفحة الأولى من كتاب القصاص للنسخة الأصلية المخطوطة
بقلم المصنف طاب ثراه التي هي محفوظة في خزانة مكتبة آية الله الفقيد السيد الحكيم
قدس سره (العامة) في النجف الأشرف ونقدم شكرنا المتواصل إلى مديرها
حيث ساعدنا في مراجعة موارد الحاجة عند الشبهة واختلاف النسخ
4

صورة فتوغرافية من الصفحة الأخيرة من كتاب القصاص
للنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه
5

صورة فتوغرافية من الصفحة الأخيرة من كتاب القصاص للنسخة الأصلية المخطوطة
بقلم المصنف طاب ثراه التي هي محفوظة في خزانة مكتبة آية الله الفقيد السيد الحكيم قدس سره
(العامة) في النجف الأشرف
6

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين
كتاب القصاص
بالكسر فعال من قص أثره إذا تتبعه، والمراد به هنا استيفاء أثر
الجناية من قتل أو قطع أو ضرب أو جرح، فكان المقتص يتبع أثر
الجاني فيفعل مثل فعله، ويقال: اقتص الأمر فلانا من فلان إذا اقتص
له منه.
والأصل فيه - قبل الاجماع والسنة المتواترة (1) قوله تعالى: (ولكم
في القصاص حياة يا أولي الألباب) (2).
(من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس
أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيى
الناس جميعا) (3).

(1) الوسائل الباب 1 وغيره من أبواب القصاص في النفس.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 179
(3) سورة المائدة: 5 الآية 32.
7

" كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى
بالأنثى، فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان
ذلك تخفيف من ربكم ورحمة، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم (1) ".
(ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " (2).
" ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا، فلا يسرف في القتل
إنه كان منصورا " (3)
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف
والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو
كفارة له " (4).
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على المطلوب ولو بالعموم، نحو قوله
تعالى: " ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل " (5).
" وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله، إنه
لا يحب الظالمين " (6).
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير
للصابرين " (7). والحرمات قصاص " (8).

(1) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(2) سورة الأنعام 6 الآية 151.
(3) سورة الإسراء: 17 الآية 33.
(4) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(5) سورة شورى: 42 الآية 40.
(6) سورة شورى: 42 الآية 40.
(7) سورة النحل: 16 الآية 126.
(8) سورة البقرة: 2 الآية 194.
8

وعلى كل حال فالقتل للمؤمن ظلما من أعظم الكبائر، قال الله
تعالى (1): " ومن يقتل مؤمنا " الآية.
وفي خبر جابر بن يزيد (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) عن
النبي (صلى الله عليه وآله) " أول ما يحكم الله عز وجل فيه يوم القيامة
الدماء، فيوقف ابني آدم فيفصل بينها ثم الذين يلونهما من أصحاب
الدماء حتى لا يبقى أحد من الناس بعد ذلك حتى يأتي المقتول بقاتله
يشخب دمه في وجهه، فيقول: أنت قتلته فلا يستطيع أن يكتم الله حديثا ".
ومر النبي (صلى الله عليه وآله) (3) بقتيل فقال: (من لهذا؟
فلم يذكر له أحد، فغضب ثم قال: والذي نفسي بيده لو اشترك فيه
أهل السماء والأرض لأكبهم الله في النار ". وعنه (صلى الله عليه وآله)
أيضا (4): " لو اجتمعت ربيعة ومضر على قتل امرئ مسلم قيدوا به ".
وعن الصادق (عليه السلام) (5) " أنه وجد في ذؤابة سيف
رسول الله (صلى الله عليه وآله) صحيفة، فإذا فيها مكتوب بسم الله
الرحمن الرحيم إن أعتى الناس على الله يوم القيامة من قتل غير قاتله
وضرب غير ضاربه ".
وعنه (عليه السلام) أيضا (6) " في رجل قتل رجلا مؤمنا قال:
يقال له: مت أي ميتة شئت: إن شئت يهوديا وإن شئت نصرانيا وإن
شئت مجوسيا ".

(1) سورة النساء: 4 الآية 93.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب القصاص في النفس الحديث 6.
(3) المستدرك الباب 2 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 - 3.
(4) المستدرك الباب 2 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 - 3.
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب القصاص في النفس الحديث 4.
(6) الوسائل الباب 3 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
9

وعنه (عليه السلام) أيضا (1) " لا يدخل الجنة سافك دم ولا
شارب خمر ولا مشاء بنميم ".
و " لا يزال المؤمن في فسحة من ذنبه ما لم يصب دما حراما،
قال: ولا يوفق قاتل المؤمن عمدا للتوبة " (2).
وعن ابن مسلم (3) " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله
عز وجل من قتل نفسا بغير نفس الآية فقال: له مقعد لو قتل الناس
جميعا لم يرد إلا ذلك المقعد ".
وفي آخر (4) عنه (عليه السلام) أيضا قلت له: (كيف كأنما
قتل الناس جميعا وإنما قتل واحدا؟ فقال: يوضع في موضع من جهنم
إليه ينتهي شدة عذاب أهلها، لو قتل الناس جميعا لكان إنما يدخل ذلك
المكان، قلت: فإنه قتل آخر، قال: يضاعف عليه ".
ونحوه خبر حنان بن سدير (5) عن الصادق (عليه السلام) في
تفسيرها أيضا قال: " هو واد في جهنم لو قتل الناس جميعا كان فيه،
ولو قتل نفسا واحدة كان فيه ".
إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على المبالغة في أمر القتل، بل
وعلى تفسير الآية المزبورة بما عرفت، ولعله أوجه من جميع ما قيل فيها
من الوجوه في التشبيه المعلوم عدم إرادة حقيقته، ضرورة منافاته الحس
والعقل والعدل، وحاصله المبالغة في شأن القتل والاحياء، ولا ينافي
ذلك زيادة العقاب والثواب على من فعل المتعدد منهما كما أشار (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب القصاص في النفس الحديث 9 - 8 وفي الثاني " في فسحة من دينه.. ".
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب القصاص في النفس الحديث 9 - 8 وفي الثاني " في فسحة من دينه.. ".
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2 - 10.
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2 - 10.
(5) الوسائل الباب 10 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2 - 10.
10

إليه بقوله: (يضاعف عليه) وإن اتحدوا جميعا في واد واحد وفي مقعد
كذلك.
وكيف كان فهو قسمان:
الأول في قصاص النفس
والنظر فيه يستدعي فصولا.
الأول في الموجب
" وهو إزهاق النفس المعصومة " وإخراجها من التعلق بالبدن
(المكافئة) والمساوية لنفس المزهق في الاسلام والحرية وغيرهما من
الشرائط الآتية أو الأعلى (عمدا عدوانا).
وترك الأخير في النافع، قيل: ولعل للاستغناء عنه بالمعصومة،
فإن المقتول قصاصا أو دفاعا غير معصوم الدم بالنسبة إلى القاتل وإن كان
معصوما بالنسبة إلى غيره، فلا يصدق على نفسه إطلاق المعصومة المنساق منه
الكل، والصبي والمجنون خارجان بالعمد الذي لا يتحقق منهما بعد أن كان
عمدهما خطأ، كما اعترف به فيما يأتي من كلامه.
ولكن فيه أنه حينئذ لا يشمل المقتول ظلما وإن كان عليه قصاص
لغير القاتل، فالأولى إرادة العصمة ذاتا، فلا بد حينئذ من زيادة العدوان
ولو لأنه حينئذ أوضح من احتمال إرادة المعصومة بالنسبة إلى القاتل
المحتاج إلى قيد، والأمر سهل.
11

وحينئذ فلو قتل غير معصوم الدم كالحربي والزاني المحصن والمرتد
وكل من أباح الشرع قتله فلا قصاص وإن أثم في بعض الصور، باعتبار
كون قتله حدا مباشرته للحاكم وإن كان غير معصوم الدم في نفسه، وكذا
لو قتل غير المكافئ له، كالمسلم يقتل الذمي والحر العبد والأب الابن
بخلاف العكس الذي يكون المقتول فيه أعلى.
(و) على كل حال فلا إشكال ولا خلاف في أنه (يتحقق
العمد بقصد البالغ العاقل إلى القتل) ظلما (بما يقتل غالبا) بل
وبقصده الضرب بما يقتل غالبا عالما به وإن لم يقصد القتل، لأن القصد
إلى الفعل المزبور كالقصد إلى القتل، قيل يفهم من الغنية الاجماع
عليه، ولعله كذلك، بل يعضده المعتبرة المستفيضة.
كالصحيح (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " سألناه عن رجل
ضرب رجلا بعصا فلم يرفع عنه الضرب حتى مات أيدفع إلى أولياء
المقتول؟ قال: نعم، ولكن لا يترك يعبث به، ولكن يجهز عليه
بالسيف " ونحوه خبر سليمان بن خالد (2) وخبر موسى بن بكير (3)
وغيرهما من النصوص الشاملة باطلاقها لمن قصد القتل بالمفروض الذي هو
مما يقتل مثله غالبا وعدمه ولكن قصد الفعل.
بل يكفي قصد ما سببيته معلومة عادة وإن ادعى الفاعل الجهل به،
إذ لو سمعت دعواه بطلت أكثر الدماء، كما هو واضح.
بل الظاهر عدم تحقق العمد الذي هو عنوان القصاص إلا مع جمع
القيود المزبورة عدا الأخير، ضرورة كون عمد الصبي والمجنون خطأ
شرعا وكذا لو قتله بعنوان أنه حيوان أو جماد أو نحو ذلك.

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 - 12 - 10
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 - 12 - 10
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 - 12 - 10
12

نعم (لو قصد القتل بما يقتل نادرا فاتفق القتل) به (ف‍) - إن
فيه على ما قيل قولين، ولكن (الأشبه) بأصول المذهب وقواعده
التي منها صدق إطلاق الأدلة أن عليه (القصاص) بل الأشهر، بل
لعل عليه عامة المتأخرين كما اعترف به في الرياض، بل لم أجد فيه
خلافا وإن أرسل، بل في كشف اللثام نسبته إلى ظاهر الأكثر، ولكن
لم نتحققه.
نعم يظهر من اللمعة نوع تردد فيه، ولعله مما عرفت وقول الصادق
(عليه السلام) في صحيح الحلبي (1) " العمد كل ما اعتمد شيئا فأصابه
بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة فهذا كله عمد، والخطأ من اعتمد
شيئا فأصاب غيره ".
وصحيح عبد الرحمان بن الحجاج (2) " قال لي أبو عبد الله (عليه
السلام): يخالف يحيى بن سعيد قضاتكم؟ قلت: نعم، قال: هات
شيئا مما اختلفوا فيه، قلت: اقتتل غلامان في الرحبة فعض أحدهما
صاحبه، فعمد المعضوض إلى حجر فضرب به رأس الذي عضه فشجه
فكبر فمات، فرفع ذلك إلى يحيى بن سعيد فأقاده، فعظم ذلك على ابن
أبي ليلى وابن شبرمة وكثر فيه الكلام، وقالوا: إنما هذا الخطأ فوداه
عيسى بن علي من ماله، قال: فقال: إن من عندنا ليقيدون بالوكزة،
وإنما الخطأ أن يريد الشئ فيصيب غيره ".
وفي صحيحه الآخر (3) عنه (عليه السلام) أيضا " إنما الخطأ أن
تريد شيئا فتصيب غيره، فأما كل شئ قصدت إليه فأصبته فهو العمد ".

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3 - 1.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3 - 1.
(3) لم نعثر على هذه الصحيحة في كتب الأخبار، وليس لعبد الرحمان في تفسير قتل العمد
والخطأ إلا روايتان: الأولى ما تقدمت، والثانية ما ستأتي عن تفسير العياشي.
13

وفي خبره المروي عن تفسير العياشي (1) عن أبي عبد الله (عليه
السلام) " إنما الخطأ أن تريد شيئا فتصيب غيره، فأما كل شئ قصدت
إليه فأصبته فهو العمد ".
وقول أحدهما (عليهما السلام) في المرسل (2) كالصحيح: (قتل
العمد كل ما عمد به الضرب فعليه القود، وإنما الخطأ أن تريد الشئ
فتصيب غيره).
وقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (3): " لو أن رجلا
ضرب رجلا بخزفة أو بآجرة أو بعود فمات كان عمدا " مؤيدا ذلك كله
بعدم مدخلية الآلة لغة وعرفا في الصدق.
ومن قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي العباس (4) " قلت
له: أرمي الرجل بالشئ الذي لا يقتل مثله، قال: هذا خطأ، ثم
أخذ حصاة صغيرة فرمى بها، قلت: أرمي الشاة فأصيب رجلا، قال:
هذا الخطأ الذي لا شك فيه، والعمد الذي يضرب بالشئ يقتل بمثله ":
والمرسل عن ابن سنان (5) " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطأ شبه العمد أن يقتله
بالسوط أو بالعصا أو بالحجارة: إن دية ذلك تغلظ، وهي ماءة من الإبل ".
وخبر زرارة وأبي العباس (6) عنه (عليه السلام) أيضا قال:
(إن العمد أن يتعمده فيقتله بما يقتل مثله، والخطأ أن يتعمده ولا يريد
أن يقتله فقتله بما لا يقتل مثله، والخطأ الذي لا شك فيه أن يتعمد شيئا
آخر فيصيبه ".

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 18 - 6 - 8 - 7 - 11 - 13.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 18 - 6 - 8 - 7 - 11 - 13.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 18 - 6 - 8 - 7 - 11 - 13.
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 18 - 6 - 8 - 7 - 11 - 13.
(5) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 18 - 6 - 8 - 7 - 11 - 13.
(6) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 18 - 6 - 8 - 7 - 11 - 13.
14

ومرسل ابن أبي عمير (1) المروي عن تفسير العياشي عن أحدهما
(عليهما السلام) " مهما أريد تعين القود، وإنما الخطأ أن تريد الشئ
فتصيب غيره " فإن الحصر المزبور ظاهر في المطلوب، بل قوله (عليه
السلام): " مهما " إلى آخره كذلك أيضا بناء على أن المراد ما يراد به
القتل عادة منه فتأمل.
وخبر زرارة (2) المروي فيه أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" الخطأ أن تعمده وتريد قتله بما لا يقتل مثله، والخطأ ليس فيه شك
أن تعمد شيئا آخر فتصيبه ".
وخبره الآخر (3) عنه (عليه السلام) أيضا " العمد أن تعمده
فقتله بما مثله يقتل ".
ومرسل يونس (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إن ضرب
رجل رجلا بعصا أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلم فهو
شبيه العمد، فالدية على القاتل، وإن علاه وألح عليه بالعصا أو بالحجارة
حتى يقتله فهو عمد يقتل به، وإن ضربه ضربة واحدة فتكلم ثم مكث
يوما أو أكثر من يوم فهو شبيه العمد ".
مؤيدا ذلك كله بالاحتياط، وبأن الآلة لما كانت مما لا تقتل عادة
فمجامعة القصد معها كعدمه، بل هو كالقصد بلا ضرب، وبامكان حمل

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 16 وفيه " كلما أريد
به ففيه القود... " كما في البحار ج 104 ص 95 وتفسير العياشي ج 1 ص 264.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 17 وفيه " إن الخطأ
أن يعمده ولا يريد قتله... " كما في المستدرك الباب 11 من تلك الأبواب الحديث 5
والبحار ج 104 ص 395 وتفسير العياشي ج 1 ص 264.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 20 - 5
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 20 - 5
15

العمد في النصوص المتقدمة على شبيه العمد، لمقابلته بالخطأ المحض.
لكي لا يخفى عليك أن الاحتياط لا يجب مراعاته بعد ظهور الأدلة،
وربما كان معارضا لحق الغير، والتعليل المزبور لا حاصل له، وأن
الجمع المزبور مناف لما تضمنه بعضها من التصريح بالقود في العمد،
وأنه ليس بأولى من حمل هذه النصوص على صورة عدم القصد إلى القتل،
كما هو الغالب في الضرب بما لا يقتل إلا نادرا وإن كان في بعضها " يريد
قتله " بل هذا أولى من وجوه لا تخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه،
وبعد ضعف جملة منها ولا جابر، ومعتبر السند منها غير مقاوم لتلك من
وجوه أيضا.
وقد بان لك من ذلك كله أن العمد يتحقق به كسابقه.
وهل يتحقق أيضا مع القصد إلى الفعل الذي يحصل
به الموت وإن لم يكن قاتلا في الغالب إذا لم يقصد به القتل أو قصد
العدم كما لو ضربه بحصاة أو عود خفيف؟ فيه روايتان (1) أشهرهما
عملا كما في النافع والمسالك (أنه ليس بعمد يوجب القود) بل لا أجد
فيه خلافا بين المتأخرين، بل عن الغنية الاجماع عليه، للنصوص السابقة (2)
المنجبرة والمعتضدة هنا بما سمعت مضافا إلى ظهورها في ما نحن فيه ولو من
الغلبة التي ذكرناها، فتترجح حينئذ بذلك كله على إطلاق النصوص
الأولة المقابلة لها أو عمومها، فتقيد أو تخصص بها.
خلافا للمحكي عن المبسوط من أنه عمد أيضا كالسابق، إما مطلقا كما
حكاه عنه بعض، لاطلاق النصوص السابقة المعارض لاطلاق الأخرى
المرجح عليه هنا بالاعتضاد بالشهرة والاجماع المحكي، وإما في الأشياء
المحددة خاصة، كما هو مقتضى عبارته المحكية عن مبسوطه في كشف اللثام

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس.
16

على طولها، فإن محصلها كما اعترف هو به الفرق بين المحدد وغيره،
فلا يعتبر في عمد الأول القصد بخلاف الثاني.
وهو شئ غريب إن أراد به من حيث العرف، وإن أراد من حيث
الشرع فلم نجد ما يشهد له سوى خبر عبد الله بن زرارة (1) عن الصادق
(عليه السلام) " إذا ضرب الرجل بحديدة فذلك العمد " الذي لا يصلح
به نفسه الخروج عما عرفت من وجوه مع احتماله القصد إلى القتل بذلك
أيضا، وأما بعض النصوص السابقة المطلقة فلا إشارة في شئ منها إلى
التفصيل المزبور. ومن ذلك يعلم الاتفاق على عدم العمل به، فلا بد من
تقييده بذلك أو بما عليه الأصحاب من الحمل على صورة القصد إلى القتل،
ولعل الثاني أولى لما عرفته من الوجوه السابقة.
ولكن الانصاف مع ذلك كله عدم خلو الفرق بين الصورتين بالقصد
وعدمه من الاشكال بعدم مدخلية القصد في صدق القتل عرفا.
اللهم إلا أن يقال هو كذلك في صدق القتل بخلاف العمد إلى
القتل، فإنه مع عدم القصد إليه ولا إلى فعل ما يحصل به القتل غالبا
لا يصدق العمد إليه، بل لا يقال قتله متعمدا أي إلى قتله.
أو يقال: إنه لا فرق بينهما في الصدق العرفي، ولكن الأدلة الشرعية
تكفي في الفرق بينهما في الأحكام، فأجرت على الأخير حكم الخطأ شبه
العمد بخلاف الأول.
والعمدة في تنزيل إطلاق النصوص المزبورة على ذلك الشهرة المحققة
والمحكية والاجماع المحكي، ولولا ذلك لكان المتجه فيه القصاص، لصدق
القتل عمدا على معنى حصوله على جهة القصد إلى الفعل عدوانا الذي حصل

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 9 وهو خبر الفضل
ابن عبد الملك بسند الصدوق (قده) كما في الفقيه ج 4 ص 77 الرقم 239.
17

به القتل وإن كان مما يقتل نادرا، إذ ليس في شئ من الأدلة العمد إلى
القتل، بل ولا العرف يساعد عليه، فإنه لا ريب في صدق القتل عمدا
على من ضرب رجلا عاديا غير قاصد للقتل أو قاصدا عدمه فاتفق ترتب
القتل على ضربه العادي منه المتعمد له.
وربما يشهد لذلك ما تسمعه منهم من إجراء حكم العمد على الضرب
بالآلة التي لا يقتل مثلها ولكن اتفق سرايتها حتى قتلت، وليس ذلك
إلا للصدق المزبور وليس في الأدلة ما يخرجه كما ستسمع تحريره.
وقد تحصل من ذلك أن الأقسام ثلاثة: عمد محض، وهو قصد
الفعل الذي يقتل مثله، سواء قصد القتل مع ذلك أو لا، وقصد القتل
بما يقتل نادرا، وشبه العمد قصد الفعل الذي لا يقتل مثله مجردا عن قصد
القتل، والخطأ أن لا يقصد الفعل ولا القتل أو يقصده بشئ فيصيب غيره.
(ثم العمد قد يحصل بالمباشرة، وقد يحصل بالتسبيب)
وأما الشرط فلا يجب به قصاص أصلا، ولكن قد تجب به الدية بالشروط التي
ستعرفها إن شاء الله، ولعله لعدم صدق القتل به عمدا، إذ المراد به
ما يقف عليه تأثير المؤثر، ولا مدخل له في العلة للزهوق، أي لا تأثير له،
كحفر البئر بالنسبة إلى الوقوع فيها، إذ الوقوع مستند إلى علته، وهي
التخطي، بخلاف العلة التي يستند الازهاق إليها ابتداء أو بواسطة،
كالجراحات القاتلة بالسراية، فإنها تولد السراية، والسراية مولدة للموت
أو بوسائط، كالرمي المولد للجرح المولد للسراية المولدة للموت.
وربما قيل: إنها المباشرة، ولكن الظاهر أن المراد بها إيجاد أقرب
العلل إلى الزهوق، أي المؤدية إليه ابتداء.
وأما السبب فهو ما له أثر في التوليد للموت كما للعلة، ولكن يشبه
الشرط من وجه، ومراتبه ثلاثة: الاكراه وشهادة الزور وتقديم الطعام
18

المسموم للضيف، وسيأتي للمصنف التعرض لها في الأثناء وإن أطنب الفاضل
في القواعد فيها.
ولكن التحقيق عدم الثمرة لذلك بعد صدق اسم القتل عمدا أو خطأ
بهما، إذ ليس في شئ من الأدلة عنوان الحكم بلفظ المباشرة والسبب،
وإنما الموجود (قتل متعمدا) ونحوه، فالمدار في القصاص مثلا على صدقه،
نعم ما لا يحصل فيه الصدق المزبور يحتاج إلى الدليل في ضمانه القصاص
أو الدية، وينبغي الاقتصار عليه وعلى ما يلحق به مما يستفاد من فحوى
دليله أو من الاجماع أو من غيره كما أطنبنا في ذلك في كتاب الغصب (1)
فلاحظ وتأمل، فإن المقام قريب منه.
وكان ذكر السبب والمباشرة هنا لفائدة الاشتراك في الثاني وغيره مما
تعرفه في مطاوي البحث، وإلا فمع صدق القتل بهما عمدا لا فرق بينهما،
كما هو واضح.
(أما المباشرة فكالذبح والخنق) باليد (وسقي السم القاتل)
بايجاره في حلقه (والضرب بالسيف والسكين والمثقل والحجر الغامز)
الكابس على البدن لثقله (والجرح في المقتل ولو بغرز الإبرة) ونحو
ذلك مما يرجع إلى صدق القتل مباشرة.
ولكن أطنب في القواعد وشرحها للإصبهاني فيها وقالا: " إنها
نوعان: الأول أن يضربه بمحدد، وهو ما يقطع ويدخل في البدن كالسيف
والسكين والسنان وما في معناها مما يحدد فيجرح ويقطع من الحديد
والرصاص والنحاس والذهب والفضة والزجاج والحجر والقصب والخشب،
فهذا كله إذا جرح به جرحا كبيرا يقتل مثله غالبا، فهو قتل عمدا إذا
تعمده، وإن جرحه بأحد ما ذكر جرحا صغيرا لا يقتل مثله غالبا كشرطة

(1) راجع ج 37 ص 46 - 53.
19

الحجام أو غرزه بإبرة أو شوكة فإن كان في مقتل كالعين والفؤاد والخاصرة
والصدغ وأصل الأذن والأنثيين والمثانة ونقرة النحر فمات فهو عمد أيضا، لأنه
مما يقتل غالبا، وإن كان في غير مقتل فإن كان قد بالغ في إدخالها فهو كالكبير
من الجرح، لأنه قد يشتد ألمه ويفضي إلى القتل، فإذا بالغ مبالغة كذلك فقد
فعل ما يقتل غالبا وإن كان الغرز يسيرا أو جرحه جرحا يسيرا كشرطة الحجام
فإن بقي المجروح من ذلك ضمنا أي مريضا زمنا حتى مات أو حصل
بسببه تشنج أو تأكل أو ورم حتى مات فهو عمد كما في المبسوط، لتحقق
العلم بحصول القتل بفعله، كما إذا سرى الجرح فمات، فإنه يوجب القصاص،
فالضابط في القصاص العلم العادي بتسبب موت المقتول من فعله المعتمد
به. الثاني أن يضربه بمثقل يقتل مثله غالبا كاللت أي الدبوس وهو
فارسي والمطرقة والخشبة الكبيرة والحجارة الكبيرة أو يضربه بحجر
صغيرا أو عصا، أو يلكزه بها في مقتل أو في حال ضعف المضروب
بمرض أو صغر أو في زمن مفرط في الحر والبرد، وبالجملة بحيث يقتله
بتلك الضربة غالبا بحسب الزمان وحال المضروب ومحل الضرب، أو يكرر
الضرب عليه حتى يقتله بما يقتل من العدد غالبا عادة، وهو أيضا
يختلف باختلاف الزمان وباختلاف حال المضروب كما في المبسوط، وكل
ذلك يوجب القود وإن لم يقصد القتل بذلك أو ادعى الجهل بافضائه
إلى القتل عادة، فإنه لو سمع منه ذلك أدى إلى إهدار دماء المسلمين،
أما لو ضربه بشئ صغير جدا كالقلم والإصبع في غير مقتل أو مسه
بالكبير من غير ضرب ولا مس عنيف ولم يكن مما يقتل مثله وبالجملة
فعل ما لا يحتمل استناد القتل إليه عادة ولا نادرا فلا قود ولادية،
لأنه لم يقتل عمدا ولا خطأ، وإنما اتفق موته مع فعل من أفعاله، وكذا
يجب القصاص بالذبح ونحوه مما لا يدخل في الضرب بمحدد أو مثقل،
20

والخنق الذي هو كذلك ".
ولكن ذلك كله كما ترى لا يرجع إلى محصل بعد ما عرفت أن المدار
على صدق القتل عمدا، سواء كان مباشرة أو تسبيبا، بل لم نجد شيئا
منهما عنوانا في شئ من الأدلة، كما أن جملة مما ذكروه في السبب يعد
مباشرة عرفا، وقد ذكر الفاضل الخنق تارة بالمباشرة وأخرى بالتسبيب،
ونحوه وقع للمصنف، نعم ما سمعته من الضابط المزبور في القصاص
موافق لما ذكرناه، هذا كله في المباشرة.
(وأما التسبيب فله مراتب:
الأولى انفراد الجاني بالتسبيب
المتلف، وفيه صور:
الأولى لو رماه بسهم فقتله قتل) لا (لأنه
مما يقصد به القتل غالبا) ضرورة كونه أعم من ذلك، بل لما سمعته
من صدق القتل عمدا وإن لم يقصد القتل به، بل وإن قصد عدمه فاتفق
القتل، بل لو أراد برميه غير المقتل فأصاب المقتل، فإن ذلك كله من
العمد الموجب للقصاص لما عرفته، ولا يرد التأديب ونحوه مما لم يكن
عاديا فيه، نعم خرج من ذلك الصورة المزبورة خاصة للأدلة المذكورة.
(وكذا لو رماه بحجر المنجنيق، وكذا لو خنقه بحبل ولم يرخ عنه
حتى مات أو أرسله منقطع النفس) وإن لم يكن ميتا (أو) غير منقطع
بل تردد ولكن بقي (ضمنا) زمنا في جسده بلاء من الخنق المزبور
(حتى مات) بل في كشف اللثام " طالت المدة قدرا يقتل الخنق في
مثله غالبا أو لا، قصد القتل أو لا لما عرفت " أي من الضابط المزبور.
لكن في المتن متصلا بذلك
أما لو حبس نفسه يسيرا لا يقتل
مثله) لمثله (ثم أرسله فمات ففي القصاص تردد) ينشأ مما سمعته سابقا.
(و) لكن (الأشبه) بأصول المذهب وقواعده (القصاص
إن قصد القتل، والدية إن لم يقصد أو اشتبه القصد) لما تقدم، إذ ذلك
21

فرع من المسألة السابقة كما اعترف به في المسالك وغيرها، بل قد عرفت
عدم الخلاف فيه بناء على أن المحكي عن الشيخ إنما هو في المحدد دون
غيره، نعم لو كان ضعيفا لمرض أو صغر يموت بمثله فهو عمد وإن لم
يقصد القتل، كما صرح به بعضهم.
وفي القواعد " وكذا لو داس بطنه أو عصر خصيتيه حتى مات أو
أرسله منقطع القوة أو ضمنا حتى مات " وفي كشف اللثام " فالقصاص
أتى منهما بما يقتل غالبا أو لا، قصد القتل أو لا، وإن أتى بما يقتل
نادرا ومات عقبه من غير أن يتعقبه ضمنه، فإن قصد القتل فالقصاص
وإلا الدية، وهما يختلفان بالشدة والضعف وطول المدة وقصرها، وضعف
المقتول وقوته ".
وهذا صريح في الفرق في ما لا يقتل مثله بين أن يعقب مرضا
وعدمه، فالأول القصاص وإن لم يقصد القتل به، وإلا فإن قصد
فالقصاص، ومع عدمه الدية، وربما كان ظاهر المصنف أيضا وستسمع
تحقيقه.
الصورة الثانية: إذا ضربه بعصا مكررا ما لا يحتمله مثله
بالنسبة إلى بدنه وزمانه) من حيث الضعف والمرض والصغر ونحوها
والحر البرد (فمات فهو عمد) بلا خلاف نصا وفتوى ولا إشكال
سواء قصد القتل أو لا.
قال الصادق (عليه السلام) في مرسل يونس (1) السابق: (وإن
علاه وألح عليه بالعصا أو بالحجارة حتى يقتله فهو عمد يقتل به).
وفي الصحيح (2) " سألت الصادق (عليه السلام) عن رجل ضرب
رجلا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات أيدفع إلى ولي المقتول فيقتله؟

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 - 2.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 - 2.
22

قال: نعم " الحديث. ونحوهما غيرهما من النصوص (1).
(ولو ضربه دون ذلك فأعقبه مرضا ومات فالبحث) فيه (كالأول)
وفي القواعد وشرحها التصريح بأن عليه القصاص كالمخنوق المرسل ضمنا
حتى مات.
وفي المسالك " لأن ضربه وإن لم يكن قاتلا غالبا ولا قصده إلا أن
إعقابه للمرض الذي حصل به التلف صير الأمرين بمنزلة سبب واحد،
وهو مما يقتل غالبا وإن كان الضرب على حدته مما لا يقتل، ويؤيده ما سيأتي
من أن سراية الجرح عمدا يوجب القود وإن كان الجرح غير قاتل، وهذا
من أفراده، لأن المرض مسبب من الجرح، ومنه نشأ الهلاك، فكان
في معنى السراية، وبهذا الحكم صرح في القواعد والتحرير، ولا يخلو من
إشكال، لأن المعتبر كما تقدم إما القصد إلى القتل أو فعل ما يقتل غالبا،
والمفروض هنا خلاف ذلك، وإنما حدث القتل من الضرب والمرض
المتعقب له، والمرض ليس من فعل الضارب وإن كان سببا فيه، ولأجل
هذا الاشكال فسر بعضهم " الأول " في قول المصنف: " فالبحث كالأول " بما
فصله سابقا في الصورة الأولى من قوله: " أما لو حبس نفسه يسيرا
لا يقتل مثله غالبا إلى قوله: أشبهه القصاص إن قصده القتل، والدية
إن لم يقصد " فيكون الحكم هنا أن الضرب المتعقب للمرض عمدا إن قصد
به القتل فالقصاص، ويوجب الدية إن لم يقصد، لا أنه عمد مطلقا،
وهذا التفسير وإن وافق الظاهر من الحكم إلا أنه غير مراد للمصنف، لأنه
حكمه وحكم غيره في خصوص هذه المسألة بكونه عمدا مطلقا، والعلامة
فرض المسألة على وجه لا يحتمل سوى ذلك، وإن كانت عبارة المصنف
بقرب المسألة الأخرى محتملة احتمالا مرجوحا ".

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب القصاص في النفس.
23

قلت: هو كذلك حتى لو كانت السراية فيه نادرة، ولكن لعل
الوجه فيه ما ذكرناه من كون الجميع عمدا لما عرفته من الصدق العرفي
من غير اعتبار قصد القتل ولا كون الشئ مما يقتل مثله غالبا، إذ ذاك عمد
إلى القتل لا قتله عامدا، والعنوان في الأدلة الثاني الذي تشهد له النصوص
السابقة لا الأول الذي وإن شهدت له النصوص الأخر في الجملة إلا أنه
لا جابر لها، لكن خرج عن ذلك صورة عدم تعقب المرض،
النصوص المزبورة، وبقيت هي تحت الضابط ولو لعدم انجبار تلك
النصوص بالنسبة إلى هذه الصورة المؤيدة بنصوص سراية الجرح الغير
القاتل مثله والاتفاق ظاهرا هنا، لا ما سمعته من كونه مع السراية مما
يقتل غالبا ولا فحوى سراية الجرح، إذ هما معا كما ترى، والله العالم.
(ومثله لو حبسه ومنعه الطعام والشراب فإن كان مدة لا يحتمل
مثله البقاء فيها) صحة ومرضا وشبعا وجوعا وريا وعطشا (فمات
فهو عمد) بلا خلاف ولا إشكال، وإن لم يكن كذلك، بل كان مدة
يحتمل مثله البقاء فيها ولكن أعقبه ذلك مرضا علم أنه مسبب عنه مات به
أو ضعف قوة كذلك حتى تلف فيه فهو عمد وإن لم يرد القتل، لما
عرفته وإن لم يكن تولد ذلك غالبا منه، ويختلف ذلك باختلاف الناس
قوة وحالا وزمانا.
نعم في ثبوت القصاص مع جهل الجاني بالحال في القواعد إشكال،
ولعله من تحقق القتل مما يقتل مثله عادة وتعمده، من الجهل بأنه ممن
يقتله. وفيه أن مقتضى ما ذكرناه القصاص، ضرورة صدق العمد إلى
فعل يترتب عليه الموت.
بل فيها أيضا " فإن نفيناه ففي إيجاب كل الدية أو نصفها إحالة
للهلاك على الجوعين إشكال " ونحوه في جريان الاشكالين ضرب المريض
24

بما يقتله مع الجهل بحاله.
ولكن فيه أن مقتضاه عدم القصاص فيه في صورة العلم إلا مع رد
نصف الدية في متابعة الجوع الأول الذي هو غير مضمون على الجاني،
وهو معلوم العدم، فالتحقيق ثبوت الدية كلا للصدق مع عدم دليل على
التوزيع في مثله، ولعله لذا استضعف النصف في محكي التحرير، والله العالم.
الصورة (الثالثة: لو طرحه في النار فمات يقتل به) إذا كان
على وجه لا يتمكن من التخلص لكثرتها أو لضعفه، أو لأنه في وهدة
أو نحو ذلك، أو لأنه منعه هو منه.
بل في المتن (ولو كان قادرا على الخروج) بمعنى عدم مانع
ظاهر من نحو ما عرفت ولكن يمكن عدم خروجه (لأنه قد يشده و)
يدهش (لأن النار قد تشنج الأعصاب بالملاقاة) مثلا (فلا يتيسر
الفرار) ومقتضاه ثبوت القصاص حينئذ كالمحكي عن الارشاد والتلخيص.
وفي المسالك توجيهه بعد فرض موضوع المسألة في من مات فيها
واشتبه الحال هل كان قادرا فتركه تخاذلا أم لا بأن (التسبب المقتضي
للضمان وهو الالقاء متحقق مع الشك في المسقط، وهو القدرة على الخروج
مع التهاون فيه، ولا يسقط الحكم بثبوت أصل القدرة ما لم يعلم التخاذل
عن الخروج، لاحتمال أن يعرض له ما يوجب العجز من دهشة وتحير أو
تشنج أعضائه ونحو ذلك ".
وعلى كل حال فمقتضى الجميع ثبوت القصاص، ولكن عن الخلاف
القطع بعدمه، بل هو ظاهر القواعد أو صريحها أيضا، قال: (ولو تركه
في نار فتمكن من التخلص منها لقلتها أو لكونه في طرفها يمكنه الخروج
بأدنى حركة فلم يخرج فلا قصاص، وفي الضمان للدية إشكال، أقربه
السقوط إن علم أنه ترك الخروج تخاذلا، ولو لم يعلم ذلك ضمنه وإن
25

قدر على الخروج، لأن النار قد ترعبه وتدهشه وتشنج أعضاءه بالملاقاة،
فلا يظفر بوجه التخلص ".
ومن هنا قال في كشف اللثام: (إنها تعطي القطع بعدم القصاص
مطلقا والتردد في سقوط الدية، ثم استقر به إذا علم الاهمال تخاذلا ثم
قال: ومبني الوجهين على تعارض ظاهرين وأصلين، فإن الظاهر من
حال الانسان أن لا يتخاذل عن الخروج حتى يحترق وظاهر النار المفروضة
سهولة الخروج عنها، وأنه لا يحترق بها إلا من تعمد اللبث فيها،
والأصل براءة الذمة، والأصل عدم الشركة في الجناية، والاحتياط يقوى
ما في الكتاب ".
قلت: قد يقال: إن مبنى المسألة على تحقق صدق قتله، فإن
حصل اتجه القصاص حينئذ مع فرض كون الشئ مما يقتل مثله غالبا وإلا
فمع قصد القتل به أو إذا لم يقصد عدم القتل به وإن لم يحصل فالمتجه
سقوطهما معا.
ودعوى أن مجرد الالقاء سبب للضمان واضحة المنع، ضرورة عدم
دليل على كونه كذلك، فليس هنا إلا صدق قتله، والاحتياط في الدماء
لو سلم عدم اقتضائه للقصاص ولو للشبهة بناء على أنه كالحد في ذلك
لكنه لا يقتضي ضمان الدية مع عدم العلم بالترك تخاذلا، فالتحقيق مراعاة
الصدق المذكور على الوجه المزبور ولو بملاحظة الظاهر الذي لا ينافيه
بعض الاحتمالات، هذا كله مع عدم العلم.
(أما لو علم أنه ترك الخروج تخاذلا) بالقرائن أو باقراره
(فلا قود) قطعا (لأنه) هو الذي (أعان على نفسه) بلبثه
الذي هو كون غير كون الالقاء، فيستند القتل إليه لا إلى الجاني.
(و) منه (ينقدح أن لا دية له أيضا، لأنه مستقل باتلاف
26

نفسه) وإن كان الجاني قد جنى عليه بالالقاء فيها، إلا أن ذلك ليس
سببا مقتضيا للضمان مع فرض قدرته على التخلص.
(ولا كذلك لو جرح فترك المداواة فمات) المتفق على ضمان
الجاني فيه (لأن السراية) المزهقة للنفس (مع ترك المداواة من)
آثار (الجرح المضمون) على الجاني ابتداء وسراية، والتقصير بترك
المداواة لا ينافي استناد السراية إلى الجرح وكونها من آثاره.
(و) أما (التلف بالنار) ف‍ (ليس بمجرد الالقاء)
ولا بأثره (بل بالاحراق) بالنار (المتجدد) بعد الالقاء (الذي
لولا المكث لما حصل) فهو شئ غير الأول، نعم على الملقي ضمان
ما شيطته النار عند وصوله إليها إلى أن يخرج منها في أول أوقات الامكان:
ولو لم يمكنه الخروج إلا إلى ماء مغرق فخرج فغرق ففي القواعد
في الضمان إشكال، ولو لم يمكنه إلا بقتل نفسه فالاشكال أقوى، والأقرب
الضمان، لأنه صيره في حكم غير مستقر الحياة، ووافقه عليه في ظاهر
كشف اللثام، لكن فيه مع فرض بقائه على اختياره عدم صدق
نسبة القتل إلى الأول لا مباشرة ولا تسبيبا، ضرورة عدم كون ذلك من
توليد الأول.
(وكذا البحث لو طرحه في اللجة) فإن كان على وجه لا يتمكن
من التخلص من الغرق فعمد قطعا، ولو ألقى العالم بالسباحة في ماء مغرق
فترك السباحة حتى مات ولكن لم يعلم أنه عن تخاذل أو عن دهشة ونحوها
ففيه البحث السابق الذي منه يعلم الحكم في باقي الصور، إذ لا فرق بين
النار والماء.
ولو غرقه آخر لقصد التخليص من التلف أو من زيادة الألم ففي
القواعد الأقرب الحوالة بالضمان على الأول، فإن كان وارثا منع من
27

الإرث، وكذا في صورة ضمان الثاني.
وفيه أنه لا وجه للمنع من الإرث بعد عدم صدق أنه القاتل،
وخصوصا على تقدير ضمان الثاني الذي مبناه أنه القاتل لا الأول، ودعوى
كون المانع له التهمة وإزالة استقرار الحياة حكما لا حاصل لها بعد عدم
ثبوت عنوان الممنوع، كما أنه لا حاصل لدعوى كون الضمان على الأول
وإن كان الذي غرقة الثاني، لأنه الذي صيره غير مستقر الحياة بخلاف
الثاني الذي هو محسن، ضرورة حصول الموت بفعل الثاني لا الأول
الذي زال أثر فعله، فهو في الحقيقة كما لو قتله الآخر لتخليصه من
زيادة الألم، فإنه لا إشكال في كون الضمان عليه لا الأول، والله العالم.
(ولو فصده فترك) هو (شده) فنزف دما حتى مات
(أو ألقاه في ماء فأمسك نفسه تحته مع القدرة على الخروج فلا قصاص
ولا دية) بلا خلاف ولا إشكال في الأخير، لأنه القاتل دون الملقي
باعتبار أن الكون المتأخر عن كون الالقاء مستند إليه.
وأما الأول ففي القواعد الاشكال فيه، وفي كشف اللثام " من استناد
الموت إلى تفريطه، وكون الفصد غير مهلك عادة، وأصل عدم وجوب
الشد على الفصاد إلا مع نقص المفصود لصغر أو جنون أو إغماء، وهو
خيرة الارشاد والتلخيص، ومن استناده إلى سراية الجرح فهو كغيره
من الجراحات التي يهمل المجروح مداواتها، وربما احتمل تضمين الطبيب
إذا كان بأمره، فإنه معالجة " ونحوه في المسالك ومجمع البرهان.
قلت: ظاهر المصنف وغيره ممن ذكر المسألة هنا فرض المسألة في
الفصد عدوانا لا مداواة، ولعل الفرق بينه وبين السراية بترك المداواة
أن الفصد بنفسه غير قاتل، وإنما الذي قتله خروج الدم المستند كونه
إلى إبقائه، فهو كاللبث في النار في استناد الموت إلى أمر لم يكن من فعل
28

الجاني ولا من آثاره، بخلاف سراية الجرح نفسه التي هي من آثار الجرح
وإن ترك المداواة إثما، أو يقال: إن الفارق بينهما العرف، والله العالم.
الصورة (الرابعة: السراية عن جناية العمد توجب القصاص مع
التساوي) بلا خلاف أجده فيه، بل الظاهر الاتفاق عليه، كما اعترف
به في كشف اللثام، بل فيه أن إطلاقهم يشمل كل جراحة، قصد بها القتل
أم لا، كانت مما تسري غالبا أم لا.
وعلى كل حال (فلو قطع يده عمدا فسرت قتل الجارح، وكذا
لو قطع إصبعه عمدا بآلة تقتل غالبا فسرت) لكن لم يظهر لنا وجه
للتقييد المزبور، كما اعترف به الكركي في حاشية الكتاب، وذلك لما عرفت
من إيجاب السراية القصاص على كل حال من غير فرق بين الآلات والجراحات
والنيات.
ولعله لذا غير الفاضل في القواعد التعبير المزبور، قال: " لو سرت
جناية العمد ثبت القصاص في النفس، فلو قطع إصبعه عمدا لا بقصد
القتل فسرت إلى نفسه قتل الجارح " نعم في كشف اللثام " ولكن فيه
نظر ".
وقد سبقه إلى ذلك في المسالك، فإنه بعد أن ذكر أن مقتضى
الاطلاق عدم الفرق بين كون الجناية مما توجب السراية غالبا أو القتل
كذلك وعدمه، ولا بين أن يقصد بذلك القتل وعدمه، وأن الفاضل
صرح بهذا التعميم قال: " وتمشية هذا الاطلاق على قاعدة العمد السابقة
لا تخلو من إشكال ".
قلت: قد مضى ما يستفاد منه ذلك وإن كان الانصاف عدم خلوه
عن النظر أيضا.
الصورة (الخامسة: لو ألقى نفسه من علو على انسان عمدا وكان
29

الوقوع مما يقتل غالبا) أو أنه قصد القتل به (فهلك الأسفل فعلى
الواقع القود) لما عرفت (ولو لم يكن يقتل غالبا) ولا قصد به
القتل (كان خطأ شبيه العمد، فيه الدية مغلظة و) على كل حال
(دم الملقي نفسه هدر).
لكن لا يخفى عليك ما في إطلاقه، اللهم إلا أن يريد به البناء على
ما سبق، ومن هنا صرح بالتقييد في القواعد " ولو وقع لا عن عمد
فلا شئ " كما في كش اللثام.
لخبر عبيد بن زرارة (1) عن الصادق (عليه السلام) " سألته عن
رجل وقع على رجل فقتله، فقال: ليس عليه شئ ".
وفي صحيح ابن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما السلام) " في الرجل
يسقط على الرجل فيقتله، قال: لا شئ عليه، قال: ومن قتله
القصاص فلا دية له ".
وفي خبر عبيد بن زرارة الآخر (3) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل وقع على رجل من فوق البيت فمات أحدهما، قال: ليس
على الأعلى شئ ولا على الأسفل شئ ".
وظاهر الجميع عدم شئ عليه حتى الدية، ولعله لعدم صدور
فعل منه ينسب إليه ولو خطأ، بخلاف النائم والساهي ونحوهما ممن يصدر
الفعل منهم ولو من دون شعور، وربما يأتي إن شاء الله زيادة تحقيق لذلك،
ولو ألقاه غيره قاصدا للأسفل أن يقتله أقيد الدافع به وبالواقع إن
كان الوقوع مما يقتل الواقع غالبا أو قصد قتله أيضا، ولو قصد قتله
بالدفع أو كان الوقوع مما يقتل غالبا ولم يقصد إيقاعه على الأسفل ضمن

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2 - 3.
30

ديته، لأنه من الخطأ المحض وقتل بالواقع.
ولكن في خبر ابن رئاب وعبد الله بن سنان (1) عن الصادق
(عليه السلام) " في رجل دفع رجلا على رجل فقتله، فقال: الدية
على الذي وقع على الرجل فقتله لأولياء المقتول، قال: ويرجع المدفوع
بالدية على الذي دفعه، قال: وإن أصاب المدفوع شئ فهو على الدافع
أيضا ".
وفي كشف اللثام هو محمول على أنه لم يعلم إلا وقوعه ولم يعلم تعمده
ولا دفع غيره له.
ولكنه كما ترى، ضرورة صراحة الخبر في خلافه أولا، وعدم
وجوب الدية على الوجه الزبور بعد التسليم ثانيا، خصوصا بعد ما سمعته
منه من عدم شئ عليه مع الوقوع لا عن عمد وهذا منه، لأن الفرض
كونه مدفوعا للغير، فالوجه الرجوع بالدية على الدافع، خصوصا بعد
معلومية مثل ذلك في المال، بل ذكروا في كتاب الغصب أن الضمان من
أول وهلة على المكره دون المكره بالفتح وإن كان قد أتلف هو المال
ولكن بالاكراه، وليس هو كقاعدة الغرور، فلاحظ وتأمل. اللهم إلا
أن يقال: إن ذلك هنا كذلك تعبدا، وربما يأتي إن شاء الله في الأثناء
تتمة له.
هذا وفي صحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره ويعقر دابة رجل آخر، قال: هو
ضامن لما كان من شئ " وهو موافق للضوابط.
ولكن في خبر أبي بصير (3) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2 - 3.
31

عن رجل كان راكبا على دابة فمس رجلا ماشيا حتى كاد أن يوطئه
فزجر الماشي الدابة عنه فخر عنها فأصابه موت أو جرح، قال: ليس
الذي زجر بضامن، إنما زجر عن نفسه ".
وقد يشكل بأن زجره عن نفسه لا ينافي ضمانه بعد نسبة الفعل إليه
إذ الإذن الشرعية إنما تدفع الإثم، نحو ما سمعته في تأديب الولد وغيره،
وليس ذا من الدفاع الذي لا يتعقبه ضمان سيما بعد إمكان تنبيه صاحب
الدابة وإمكان التنحي عنها وغير ذلك، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك
كتقصير الراكب المكلف بعدم إضرار دابته الغير فتأمل، وربما يأتي
إن شاء الله زيادة تحقيق لذلك، والله العالم.
الصورة (السادسة: قال الشيخ: لا حقيقة للسحر) لقوله
تعالى (1): " وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله " وقوله تعالى (2):
(يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى " وقوله تعالى (3): " سحروا أعين
الناس " بل عن التبيان له " كل شئ خرج عن العادة الجارية لا يجوز
أن يتأتى من الساحر، ومن جوز للساحر شيئا من هذا فقد كفر، لأنه
لا يمكنه مع ذلك العلم بصحة المعجزات الدالة على النبوة، لأنه أجاز
مثله من جهة الحيلة والسحر ".
(و) لكن (في الأخبار ما يدل على أن له حقيقة) وأن
منه ما هو من المطبب تأثيرا وعلاجا (4) بل فيها ما يدل على وقوعه في
زمن النبي (صلى الله عليه وآله) حتى قيل: إنه سحر بحيث يخيل إليه

(1) سورة البقرة: 2 الآية 102.
(2) سورة طه: 20 الآية 66.
(3) سورة الأعراف: 7 الآية 116.
(4) البحار ج 63 ص 21.
32

كأنه فعل الشئ ولم يفعله، وفيه نزلت المعوذتان (1) بل لعل قوله تعالى (2):
" فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه " دال عليه، بل تأثيره
أمر وجداني شائع بين الخلق قديما وحديثا.
والتحقيق كما ذكرناه في محله أنه أقسام: فمنه تخييلي ومنه مؤثر
حقيقة، ولا ينافي ذلك الاقرار بالمعجزات التي يجب على الله تعالى بيان
حالها عند الدعوى الكاذبة، على أن التخييلي منه أيضا مؤثر ولو تأثيرا
تخييليا، وهو شئ وجداني وإن كان ما يراه هو ليس كما يراه في الواقع.
ولكن مع ذلك قال المصنف: (ولعل ما ذكره الشيخ قريب،
غير أن البناء على الاحتمال أقرب.)
وعلى كل حال (فلو سحره فمات لم يوجب قصاصا ولا دية على
ما ذكره الشيخ،
وكذا لو أقر أنه قتله بسحره) لأن المفروض عدم
الحقيقة له، فهو كما لو قال: قتلته بنظري أو نحو ذلك مما يعلم عدم أثر له.
(وعلى ما قلناه من الاحتمال يلزمه الاقرار لعموم دليله، بل
في المسالك " لا طريق إلى معرفته بالبينة، لأن الشاهد لا يعرف قصده
ولا شاهد تأثير السحر، وإنما يثبت باقرار الساحر، فإذا قال: قتله
سحري فمن قال لا تأثير له لم يوجب بالاقرار عليه شيئا، والأقوى الثبوت
على القولين، عملا باقراره وإلغاء للمنافي على القول به، ثم من قال مع
ذلك: إن سحره مما يقتل غالبا فقد أقر بالعمد، وإن قال: نادرا
استفسر، فإن أضاف إليه قصده قتله فهو عمد أيضا، وإلا فهو شبيه
العمد، وإن قال: أخطأت من اسم غيره إلى اسمه فهو إقرار بالخطأ،
فيلزمه حكم ما أقر به، ولكن في صورة الخطأ لا يلزم إقراره العاقلة،

(1) البحار - ج 63 ص 25.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 102.
33

بل تجب الدية في ماله، نعم لو صدقوه أخذناهم باقرارهم ".
قلت: قد يناقش (أولا) بامكان إثباته بالبينة برؤية عمل السحر الذي
يشاهد أثره ويعرفه من له معرفة بالسحر من الثقات أيضا، وحينئذ
فلا يحتاج إلى تعرف قصده واستفساره ولا إلى غير ذلك مما ذكر (وثانيا)
بأن ما ذكره من الأقوى خروج عن المسألة، ضرورة عدم كون البحث
في العبارة المزبورة المشتملة على تعقب الاقرار بما ينافيه، إذ يمكن تفسيرها
على وجه لا يصدر منه إلا نسبة القتل إلى سحره.
ومن الغريب ما في مجمع البرهان من تبعيته في ثبوت القصاص به
على التقديرين وإن لم يكن بالعبارة المزبورة، أخذا بعموم " إقرار
العقلاء " (1) مع جواز القتل به خوفا وإن لم يكن له حقيقة، وهو كما
ترى واضح الوهم وإن نشأ مما في المسالك، لكن قد عرفت أن مراده
مسألة تعقب الاقرار بالمنافي، لا أن السحر قد يقتل خوفا وإن قلنا بأنه
لا حقيقة له، فإنه بناء على أنه لا حقيقة له لا يؤثر شيئا حتى الخوف
فضلا عن أن يؤدي إلى القتل وإن كان القول المزبور قد عرفت ما فيه،
على أنه يمكن فرض المسألة لو قال: قتلته بسحر لم يحدث فيه خوفا ولكن
أحدث فيه موتا أو مرضا قاتلا له وإن كان هو في بلاد بعيدة عن الساحر.
وبالجملة التحقيق ما عرفته.
ولو قال: قتله دعائي أو حسدي أو نحو ذلك فلم أجد به تصريحا
لكن الأصل البراءة من الضمان بذلك، لعدم معرفته وعلى تقديرها
لا يخلو القول بالضمان من وجه، بل قد يثبت القصاص.
اللهم إلا أن يقال: إن ذلك ونحوه ليس من الأسباب المتعارف

(1) الوسائل الباب 3 من كتاب الاقرار الحديث 2 والمستدرك الباب 2
منه الحديث 1.
34

التضمين بها، بل يمكن نحو ذلك القول في السحر مع القول بتأثيره،
إلا أن ظاهرهم الانفاق على الضمان به مع القول بأنه مؤثر والعلم بحصول
الأثر فيه ولو بالاقرار، ومثله يأتي في الدعاء والحسد ونحوهما، هذا
تفصيل الكلام في السحر من حيث إطلاق الأدلة.
(و) أما ما (في الأخبار) (1) من أنه (يقتل الساحر)
ففي المتن (وقال) الشيخ (في الخلاف: يحمل ذلك على قتله حدا
لفساده، لا قودا) وهو كذلك، لعدم تقييد قتله بذلك، بل ظاهرها
قتله من حيث سحره وإن لم يقتل به أحدا، والله العالم.
(المرتبة الثانية) من مراتب السبب (أن ينضم إليه مباشرة
المجني عليه، وفيه) أيضا (صور:)
(الأولى: لو قدم له طعاما مسموما) بما يقتل مثله
غالبا أو قصد القتل به أو أعقب مرضا فمات به الآكل (فإن علم)
به (وكان مميزا) وإن لم يكن بالغا بل ومختارا كما تعرف ذلك في
المرتبة الرابعة (فلا قود ولا دية) بلا خلاف ولا إشكال، لكونه
هو القاتل نفسه بمباشرته عالما بالحال لا المقدم (و) وإن كان تقديمه
مؤثرا في الجملة، لكن تأثير شرطية كمناولته السكين لمن ذبح نفسه بها
عاقلا (وما وقع من الحسن والرضا (عليهما السلام) (2) من الاقدام
على الطعام المسموم محمول على علم خارج عن علم التكليف أو غير ذلك
مما هو مذكور في محله) (3).

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بقية الحدود من كتاب الحدود والتعزيرات.
(2) البحار ج 44 ص 153 - 154 و ج 49 ص 294 و 301.
(3) ما بين القوسين جاء في النسخة الأصلية المبيضة بعد قوله: " بالغرور واضح
الضعف " الآتي في ص 36، وفي النسخة الأصلية المخطوطة بقلم المصنف (قده)
جاءت هذه الجملة في الهامش، لكن أشير بالعلامة لموضع التخريج في موردين:
أحدهما ما جاء في هذه الطبعة، الثاني ما جاء في سائر الطبعات والنسخة الأصلية
المبيضة، والموضع المناسب له هو ما جاء في هذه الطبعة.
35

نعم (لو (إن خ ل) لم يعلم) بالحال (فأكل فمات
فللولي القود) عندنا (لأن حكم المباشرة سقط بالغرور) سواء
خلطه بطعام نفسه وقدمه إليه أو أهداه إليه أو خلطه بطعام الآكل ولم
يعلم أو بطعام أجنبي وندبه إليه من غير شعور أحد من الآكل والأجنبي، ولو
علم الأجنبي وشارك في التقديم كان شريكا في الجناية، فما عن الشافعي من
قوله بنفي القود ترجيحا للمباشرة التي عرفت سقوطها بالغرور واضح
الضعف.
هذا وفي مجمع البرهان " لو قدم شخص إلى غيره طعاما مسموما
فأكله ذلك الغير عالما بالسم وكونه قاتلا لا شئ على المقدم من القصاص
والدية، لأنه السبب القوي بل المباشر، فهو القاتل لنفسه لا غير، وإن
جهل أحدهما يكون المقدم قاتل عمد، فعليه القصاص مع علمه بهما،
والدية عليه مع جهله بأحدهما ".
وفيه منع كون المقدم قاتل عمد مع فرض علم المتناول بأن في الطعام
شيئا قاتلا ولكن لم يعلم أنه سم، ضرورة عدم مدخلية جهله بالسم في
إقدامه على قتل نفسه، بل قد يشك في ذلك لو علم بأن فيه سما خاصة،
حيث إنه أقدم على ما يحتمل فيه القتل.
وكذا منع ثبوت الدية مع جهل المقدم بالحال بأن كان الواضع غيره،
للأصل وأولوية المباشرة مع التساوي، وضمان الطبيب للمريض المختار
في التناول إنما هو للدليل، ولا ينافي ذلك ما تسمعه من المصنف والفاضل
وغيرهما من ثبوت الدية في ما لو حفر بئرا في داره فدعا غيره فوقع في
36

البئر وإن كان ناسيا لضعف المباشرة بالغرور، لوضوح الفرق بينهما بكونه
الفاعل للسبب وإن كان قد نسيه، بخلاف الفرض الذي هو أولى أو مساو
لما ذكروه من عدم الضمان على الدافع الجاهل لشخص فوقع في البئر المحفورة
بالطريق عدوانا، معللين له بقوة السبب الذي هو حفر البئر على دفع
الجاهل ووقوع المدفوع.
ومن ذلك يعلم النظر في ما سمعته منه إن أراد ما يشمل ذلك من
الجهل بأحدهما، بل لا يخفى عليك ما فيه من إطلاق ثبوت الدية بذلك
مع أن من أفراده ما لو علم بكونه قاتلا ولكن لم يعلم أنه سم، فإن المتجه
فيه القصاص لا الدية، بل وكذا لو علم بأنه سم وجهل بكونه قاتلا
وقصد القتل به أو أعقب مرضا أدى إلى ذلك اتجه أيضا القول بالقصاص.
ولو كان السم الموضوع في الطعام مما لا يقتل غالبا ولم يقصد القتل
به ولم يعقب مرضا أدى إلى موته به ففيه البحث السابق.
ولو اختلف هو والولي في جنسه أو قدره فالقول قوله، وعلى الولي
البينة، فإن قامت وثبت أنه مما يقتل غالبا فادعى الجهل بأنه كذلك فعن
التحرير احتمل القود، ولأن السم من جنس ما يقتل غالبا فأشبه ما لو
جرحه وقال: لم أعلم أنه يموت به، وعدمه لجواز خفائه، فكان شبهة
في سقوط القود، فتجب الدية، وفي كشف اللثام " الأقوى الثاني إذا
حصلت الشبهة ".
قلت: قد يقال: إن الأقوى الأول بعد فرض ثبوت العمد إلى
القتل منه، لعموم " النفس بالنفس " (1) وصدق القتل عمدا وغير ذلك.
ولو قصد بالتقديم قتل غير الآكل بأن قدم إليه بظن أنه الغير لكونه
في ظلمة أو من وراء حجاب أو نحو ذلك ضمن دية الآكل، لأنه خطأ.

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
37

(ولو جعل السم) القاتل مثله غالبا (في طعام صاحب المنزل)
أو مع قصد ذلك به أو المعقب مرضا يترتب عليه الموت (فوجده
صاحبه فأكله فمات قال) الشيخ (في الخلاف والمبسوط: عليه
القود) بل في المسالك نسبته إلى الأشهر لضعف المباشرة بالغرور، ولصدق
القتل عامدا لغة وعرفا، بل لعله نحو التقديم الذي هو ليس إلجاء،
وإنما هو داع للأكل والطريق المتعارف في القتل بالسم الذي هو كالآلة.
ومن هنا قال في مجمع البرهان: (وينبغي التفصيل، وهو أنه إن
كان الملقي عالما بأنه سم قاتل وأكل الآكل جاهلا بذلك فعليه القصاص،
لأنه تعمد القتل أو أدى إليه غالبا، لأن إلقاءه مع عدم مانع من أكله بمنزلة
فعل السبب، ولأنه لو لم يكن مثل هذا موجبا للقود للزم منه وجود
قتل كثير مع عدم القصاص، بل يلزم عدم القود في مقدم الطعام المسموم
أيضا، إذ لا إلجاء أيضا، وكذا في أمثال ذلك، وهو ظاهر البطلان
وفتح للفساد والقتل الكثير، وهو مناف لحكمة شرع القصاص، فتأمل.
وإن أكل عالما لا شئ عليه، فإن الآكل هو القاتل نفسه لا غير، وإن
فعل جاهلا فعليه الدية، لعدم قصد القتل ولا إلى موجبه التام ولو نادرا،
فلا يكون عامدا، مع ثبوت عدم إبطال دم امرء مسلم، وعدم اعتبار
القصد والعمد في الدية، فتأمل). وإن كان لا يخلو بعضه من نظر
يعلم مما قدمناه سابقا إلا أنه جيد في ثبوت القصاص (و) إن قال
المصنف: (فيه إشكال) لقوة المباشرة وعدم إلجائه إلى الأكل ولا
قدمه إليه.
نعم تثبت الدية لترتب القتل على فعله وعدم بطلان دم امرء مسلم،
فهو حينئذ كحفر البئر إن لم يكن أقوى وإن كان لا يخفى عليك ما فيه
بعد الإحاطة بما ذكرناه. وأضعف منه ما عن بعض العامة من القول
38

بانتفاء الضمان رأسا.
نعم هو كذلك لو جعل السم في طعام نفسه وجعل في منزله فدخل
انسان فأكله عاديا، فلا ضمان بقصاص ولا دية، للأصل بعد أن كان
الآكل متعديا بدخول دار غيره وأكله من طعامه، بل لو قصد قتله
بذلك لم يكن عليه شئ، مثل أن يعلم أن ظالما يريد هجوم دار فيترك
السم في الطعام ليقتله مع فرض توقف دفعه على ذلك.
بل لعله كذلك لو دخل رجل بإذنه فأكل الطعام المسموم بغير إذنه،
لأنه المتعدي بأكله، بل في كشف اللثام وإن كان ممن يجوز له الأكل
من بيوتهم، ولكن لا يخلو من نظر، نعم لا ضمان لو سم طعاما ووضعه
في منزل الآكل ولم يخلطه بطعامه ولا جعله حيث يشتبه عليه بل أكله
وهو يعلم أنه ليس له، ولو جعله بحيث يشتبه عليه كان عليه الدية، كما
في كشف اللثام.
الصورة (الثانية: لو حفر بئرا بعيدة) القعر (في الطريق)
مثلا يقتل الوقوع فيها غالبا (ودعا غيره مع جهالته) على وجه
يسقط فيها بمجيئه فجاء (فوقع فمات فعليه القود، لأنه مما يقصد به القتل
غالبا) ولأن ذلك ونحوه كيفية القتل به عادة، فيندرج في عنوان
القاتل عمدا، بل وكذا إن كان مما يقتل نادرا وقصد به القتل أو أعقبه
مرضا مات به، أما إذا لم يقصد ولم يعقبه زمانة ففيه البحث السابق،
وكذا الكلام لو جعل البئر في ملك الواقع، إذ هو نحو وضع السم في
طعام الغير.
ولو كان دعاؤه إياه لا على وجه يقتضي وقوعه فيه ولا تقصد ذلك
إلا أنه اتفق مجيئه في طريق وقع فيه بلا شعور منه فالظاهر الدية وإن
كان قد أطلق المصنف وغيره، بل ربما منه وقع إشكال للأردبيلي،
39

حيث قال: " لكن يرد على أمثاله شئ، وهو أن الموجب للقصاص هو
قتل العمد المحض، وهو قصد القتل أو الفعل القاتل غالبا، وتحققهما
في كل ما أوجبوا فيه القتل محل التأمل، فتأمل " وفيه أن ذلك كله
كذلك مع ملاحظة التقييد المزبور، والله العالم.
الصورة (الثالثة: لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمي ف‍) في
المسالك " إن كان الجرح الأول متلفا وقد انتهى المجروح إلى حركة
المذبوح فالأول هو القاتل " وهو كذلك مع فرض صحة الفرض
و (إن) لم يكن كذلك بل لم يكن الجرح متلفا بنفسه وإنما
(كان) الدواء السمي (مجهزا) على وجه يسند القتل إليه
(فالأول جارح والقاتل هو المقتول ف‍) لا قصاص حينئذ بل
و (لا دية له و) لكن (لوليه القصاص في الجرح إن كان الجرح
يوجب القصاص وإلا كان له أرش الجراحة) لعدم جناية له غير ذلك،
فهو مثل ما لو جرحه شخص وقتله آخر، فإن الجارح عليه جرحه وعلى
القاتل القتل.
(وإن لم يكن مجهزا وكان الغالب فيه السلامة فاتفق الموت به)
وبالجرح الأول (سقط ما قابل فعل المجروح) لعدم ضمانه على
الجارح (وهو نصف الدية) كما في نظائره (و) حينئذ ف‍ (للولي
قتل الجارح بعد رد نصف الدية) لأن ذلك هو الثابت شرعا في
كيفية استيفاء نصف القتل الذي هو مقتضى جنايته.
(وكذا لو كان غير مجهز وكان الغالب معه التلف) لما عرفت
وتعرف إن شاء الله من الاشتراك في الجناية بين الجانين لا الجنايات وإن
تعددت من واحد واتحدت من آخر من غير فرق بين القوي والضعيف
فيها بعد العلم باستناد الموت إليهما أو عدم العلم باستناده إلى أحدهما بناء
40

على إسناده حينئذ إلى الجميع عرفا لانتفاء المرجح وإن كان لا يخلو
من نظر.
نعم عن العامة قول بنفي القصاص، لأن إحدى الجنايتين غير مضمونة،
وآخر بنفي القصاص إذا كان الغالب مع السم السلامة، لحصول الموت من
عمد وخطأ شبيه به، ولا ريب في ضعفهما.
(وكذا الكلام (البحث خ ل) لو خاط) نفسه أو غيره
بأمره (جرحه في لحم حي فسرى منهما) فمات فإن كانت مجهزة
فلا قود وإلا (سقط) بإزائها (ما قابل فعل المجروح، وكان
للولي قتل الجارح بعد رد نصف الدية) لما عرفت، وللعامة ما سمعت،
ولو كانت الخياطة في لحم ميت فالظاهر عدم السراية لها، والله العالم.
المرتبة (الثالثة: أن ينضم إليه مباشرة حيوان، وفيه صور:)
(الأولى: إذا ألقاه إلى البحر) الذي يقتل مثله غالبا أو قصد به
القتل (فالتقمه الحوت قبل وصوله) إليه (فعليه القود) عند
الشيخ والفاضلين وغيرهما (لأن الالقاء في البحر إتلاف بالعادة) وإن
لم يبتلعه الحوت، فهو كما لو ألقى من علو يقتل مثله فأصابته سكين
فقتلته، فكأنه ابتلعه بعد الغرق، ولأن القصد إلى السبب المعين يستلزم
القصد إلى مطلق القتل، ضرورة وجود المطلق في المقيد ومطلق القتل
صادق في المعين.
(وقيل) وإن كنا لم نتحقق منا قبل المصنف: (لا قود،
لأنه لم يقصد إتلافه بهذا النوع) الذي هو المتيقن من عنوان القود،
فهو حينئذ كما لو رمي من شاهق فاستقبله غيره فقده. (و) من هنا
قال المصنف: (هو قوي) نعم تتعين الدية.
لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من صدق القاتل
41

عمدا على مثله فضلا عن قوله تعالى (1): " النفس بالنفس " ونحوه مما
لا إشكال في شموله لمثل ذلك الذي هو في الحقيقة كما لو وصل إلى البحر
فالتقمه الحوت بعد وصوله الذي صرح الفاضل بكونه عمدا وإن استشكل
في الأول لوصوله قبله إلى المهلك، بل لعل التلف بالالقاء إلى البحر من
أفراده ذلك وإن كان الغالب منها الغرق.
نعم لو اختطفه طير ونحوه مما لا مدخلية له في التلف بالالقاء في البحر
أمكن حينئذ عدم القود، وتعين الدية على إشكال فيه بعد أن كان المقصود
الفعل القاتل وإن قتل بغيره مما هو نادر أيضا فضلا عن الغالب، ولعل
الفرق بين المقام وبين المقدود نصفين بعد إلقائه من شاهق كون القاد
قابلا للضمان قصاصا أو دية بخلافه في الفرض الذي هو كفصل في البئر،
اللهم إلا أن يدعى عدم الفرق عرفا في نسبة القتل بين الجميع، وفيه منع.
نعم لو ألقاه في ماء قليل لا يغرق غير قاصد بذلك قتله فأكله سبع
لوقوعه فيه أو التقمه حوت أو تمساح كان عليه الدية للتسبيب، دون
القود، لعدم قصده ما يقتله، هذا كله في قصد الالقاء إلى البحر.
(أما لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود) بلا خلاف ولا
إشكال (لأن الحوت ضار بالطبع فهو كالآلة) التي يصدق معها اسم
القتل عمدا، كما هو واضح.
الصورة (الثانية: لو أغرى به كلبا عقورا) مثلا مما يقتل
غالبا أو قصد القتل به مع ندرته فضلا عن عدم العلم بحاله (فقتله
فالأشبه) بأصول المذهب وقواعده أن عليه القود، لأنه كالآلة)
التي لا ينسب القتل إليها، فالقاتل عمدا هو لا هي وإن كان الكلب له
شبه اختيار به ينسب القتل ظاهرا إليه، لكن القاتل حقيقة المغري عرفا دونه.

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
42

(وكذا لو ألقاه إلى أسد) ضار مثلا (بحيث لا يمكنه
الاعتصام) منه ولو بفرار ونحوه (فقتله سواء كان في مضيق أو
برية) خلافا لبعض العامة، ففرق بينهما، وهو واضح الضعف بعد
وضوح نسبة القتل إليه عرفا، وكون الأسد كالآلة نحو ما سمعته في إغراء
الكلب، نعم لو كان الأسد لا يفترس غالبا كان الالقاء إليه من الأسباب
النادرة، أما لو جهل حاله ولم يقصد القتل أمكن كونه كالضاري، لأن
فيه صفة الافتراس، ولصدق أنه قاتل عمدا، وخروج النادر للدليل
لا يقتضي خروج المجهول كما عرفت تحقيقه في ما تقدم.
هذا وفي القواعد متصلا بما عرفت " ولو فعل به الأسد ما لا يقتل
غالبا ضمن الدية ولا قصاص " وفي كشف اللثام " إذ لم يصدر منه
مباشرة للقتل ولا تسبيب لما يقتل غالبا إلا إذا قصد به القتل فكما تقدم
غير مرة ".
وفيه أن مفروض البحث الالقاء والجمع المؤديان إلى ذلك غالبا،
فهو حينئذ كالضرب بالسيف قاصدا المقتل فاتفق وقوعه في ما لا يقتل
إلا نادرا لو مات به.
الصورة (الثالثة: لو أنهشه حية) نهشا (قاتلا) بأن
قبضها وألقمها شيئا من بدنه ضغطها أم لا (فمات قتل به) وإن
لم يقصد القتل بذلك، لكونه مما يقتل غالبا.
(و) كذا (لو طرح عليه حية) طرحا (قاتلا فنهشته
فهلك ف‍ (إن (الأشبه) أيضا (وجوب القود، لأنه مما جرت
العادة بالتلف معه) بل هو الكيفية المتعارفة في القتل بها، فيصدق
حينئذ أنه القاتل عمدا، بل وكذا لو جمع بينه وبينها في مضيق لا يمكنه
الفرار منها، خلافا لما عن العامة من عدم القود به، لأنها تهرب من
43

الانسان في المضيق بخلاف السبع، بل في كشف اللثام هو ظاهر المبسوط،
وقد أشار في التحرير إلى احتماله لقوله: " فالأشبه ذلك " يعني القود،
ولكن في الجميع ما لا يخفى، والله العالم.
الصورة (الرابعة: لو جرحه ثم عضه الأسد وسرتا لم يسقط
القود) عندنا خلافا لبعض العامة.
(و) لكن (هل يرد فاضل الدية) أي النصف؟
(الأشبه نعم) لاستناد موته إلى سببين إنما فعل أحدهما، وقد يحتمل
العدم، لأن الجرح الآخر غير مضمون، وهو واضح الضعف، وحينئذ
فإن عفا الولي على الدية فإنما عليه نصفها، ولو نهشته مع ذلك حية فمات
من الجميع فعليه الثلث من الدية مع العفو، وإن اقتص منه رد عليه
الثلثان، لاستناد الموت إلى أسباب ثلاثة، وقد يحتمل أن يكون عليه
النصف، ولا ينظر إلى عدد الحيوان، لاشتراك الكل في عدم الضمان،
فيعد غير المضمون من الجراحات وإن تكثرت واحدة إلا أنه خلاف ما
عليه الأصحاب، بل وخلاف الاعتبار، نعم هو كذلك في الجراحات
المتعددة من حيوان واحد نحو ما سمعته في الانسان.
(وكذا لو شاركه) في الجناية (أبوه) الذي لا يقتص
منه
(أو اشترك عبد وحر في قتل عبد) فإن القصاص يجب على
الأجنبي والعبد، خلافا لأبي حنيفة دون الأب والحر، لكن يؤخذ منهما
نصف الدية أو نصف القيمة وتدفع إلى المقتص منه، ولو عفا الولي على
الدية أخذ من كل نصفها، وكذلك العامد إذا شاركه الانسان المخطئ
فيدفع عاقلة المخطئ نصف الدية إلى العامد ويقتص منه، خلافا للمحكي
عن ابن سعيد.
الصورة (الخامسة: لو كتفه وألقاه في أرض مسبعة فافترسه
44

الأسد اتفاقا فلا قود، و) لكن (فيه الدية) ونحوه في القواعد
وفي كشف اللثام " فإن الالقاء المذكور ليس مما يغلب أداؤه إلى الافتراس "
وفي المسالك: " لأن فعل السبع يقع باختياره، وطبعه مختلف في ذلك
اختلافا كثيرا، فليس الالقاء في أرضه مما يقتل غالبا، نعم تجب الدية
لكونه سببا في القتل "
وفيه أن ذلك يجري حتى لو ألقاه إلى السبع، كما أن في الأول أن
فرض كونها مسبعة يقتضي ذلك، ولو سلم فالمتجه القصاص أيضا مع
قصد احتمال حصول الافتراس، لصدق أنه القاتل عمدا عرفا، بل هو
كذلك أيضا لو لم يفترسه الأسد ولكن جرحه جرحا لا يقتل مثله ومات
بسرايته، ولعله لذا قال في مجمع البرهان: (ويحتمل القود أيضا، لأنه
قتل نفسا بالتسبيب، فيدل " النفس بالنفس " (1) عليه، وهو بعيد
إذا لم يكن قاصدا للقتل وإلقائه في فم السبع، وإلا فليس ببعيد، فإن
إلقاء المربوط في محل السبع ولو كان مجيئه إليه نادرا لا يخلو عن قصد
القتل، بل ولو ثبت عدم قصده، فإن فعله موجب لذلك، وينبغي
التأمل في ذلك، وهو فرع التأمل في معنى العمد، وقد مر فتذكر "
وإن كان لا تخلو عبارته من تشويش في الجملة.
(المرتبة الرابعة: أن ينضم إليه مباشرة انسان آخر، وفيه صور:)
(الأولى: لو حفر واحد بئرا فوقع آخر بدفع ثالث فالقاتل
الدافع دون الحافر) بلا خلاف أجده فيه، لأنه المباشر للقتل بما يقتل
وهو الالقاء، دون الحافر الذي هو السبب البعيد وبمنزلة الشرط.
(وكذا لو ألقاه من شاهق فاعترضه آخر فانقد) بسيف مثلا
(نصفين قبل وصوله) إلى (الأرض ف‍) إن (القاتل)

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
45

عرفا (هو المعترض) وإن كان لو لم يعترضه لقتل أيضا بسقوطه
إلى الأرض إلا أنه صار كالشرط بعد أن طرأ عليه مباشرة مستقلة،
ومن هنا لم يكن فرق بين علم الملقي بالحال وعدمه إلا إذا قصد اعتراضه
بالسيف وكان المعترض مجنونا مثلا فإن القود حينئذ عليه، إذ هو كالقائه
إلى السبع، وهو واضح.
(ولو أمسك واحد وقتل الآخر فالقود على القاتل) لأنه المباشر
(دون الممسك لكن الممسك يحبس أبدا) بلا خلاف أجده في شئ
من ذلك، بل عن الخلاف والغنية وغيرهما الاجماع عليه، للمعتبرة
المستفيضة.
منها صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجلين أمسك أحدهما وقتل الآخر قال:
يقتل القاتل، ويحبس الآخر حتى يموت غما، كما كان حبسه عليه حتى
مات غما ".
وخبر سماعة (2) قال: " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في
رجل شد على رجل ليقتله والرجل فار منه فاستقبله رجل آخر فأمسكه
عليه حتى جاء الرجل فقتله، فقتل الرجل الذي قتله، وقضى على الآخر
الذي أمسكه أن يطرح في السجن أبدا حتى يموت فيه، لأنه أمسك على
الموت " وغيرهما من النصوص.
وعن المقنعة بعد أن ينهك عقوبة، وفي خبر أبي المقدام (3) " أن
الصادق (عليه السلام) أمر به فضرب جنبه، وحبسه في السجن، ووقع
على رأسه يحبس عمره، ويضرب كل سنة خمسين جلدة ".

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2.
(3) المستدرك الباب 16 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 عن دعائم الاسلام
مرسلا.
46

(ولو نظر لهما ثالث) أي كان عينا لهم وربية (لم يضمن
لكن تسمل عيناه أي تفقأ) بالشوك أو تكحل بمسمار محمي، للاجماع
في محكي الخلاف، ولخبر السكوني (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
المنجبر بعمل الأصحاب، بل قيل: إنه مقطوع به في كلامهم، قال
فيه: " إن ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): واحد
منهم أمسك رجلا، وأقبل الآخر فقتله، والآخر رآهم، فقضى في
الرؤية وفي نسخة " الرئية " وفي الثالثة " الربية " أن تسمل عيناه،
وفي الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسك، وقضى في الذي قتل
أن يقتل " والله العالم.
الصورة (الثانية: إذا أكرهه على القتل) بأن توعده الظالم
القادر بالقتل مثلا إن لم يقتله (ف‍) الحكم فيه عندنا نصا (2)
وفتوى بل الاجماع بقسميه عليه أن (القصاص على المباشر) الكامل
(دون الآمر) المكره بل ولا دية، بل ولا كفارة، بل ولا يمنع
من الميراث وإن استشكل فيه القواعد، وذلك لأن الاكراه وإن ولد
في المكره داعية القتل التي سببها من المكره ولكن الأصل في
القصاص كونه على المباشر الذي هو المكره، لأنه القاتل لغة وعرفا.
بل (لا يتحقق الاكراه) شرعا عندنا (في القتل) بعد
استحقاق القتل شرعا على المباشر، فلم يدفع عنه شيئا شرعا بفعل ما أكره
عليه كي يكون من الاكراه المرفوع عن الناس حكمه
(و) لكن (يتحقق
في ما عداه) من قطع اليد والجرح ونحوهما بخلاف القتل، فإنه إنما
يتحقق إذا جاز دفع الخوف بفعل المكره عليه ولا يخاف من شئ أعظم

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب القصاص في النفس.
47

من القتل (و) لا يجوز هنا دفع الخوف على النفس بذلك، بل في
الصحيح (1) " إنما جعلت التقية ليحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدم فلا
تقية " ونحوه الموثق (2) فهو حينئذ قاتل عمدا ظلما لاستبقاء نفسه كقتل
شخص ليأكله في المخمصة الذي لا يعد به أنه مضطر.
نعم (في رواية علي بن رئاب) الصحيحة عن زرارة (3)
عن أبي جعفر (عليه السلام) (يحبس الآمر بقتله حتى يموت)
قال ": في رجل أمر رجلا بقتل رجل فقتله، قال: يقتل به الذي
ولي قتله، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت " ولا بأس بالعمل
بها بعد صحتها وعمل غير واحد من الأصحاب بها، فما عساه يظهر من
المتن من التوقف في ذلك في غير محله.
ولو وجبت الدية للعفو أو عدم التكافؤ كانت على المباشر أيضا،
ومن العامة من نفى عنهما القود والدية، ومنهم من أوجب القود على
المكره وحده، وللشافعي قولان: أحدهما اشتراكهما في الجناية، فعليهما
القصاص، وعند العفو الدية نصفين، والآخر القود على المكره،
وعلى المباشر نصف الدية، وعند العفو على المكره أيضا نصف الدية،
وضعف الجميع واضح عندنا.
نعم (هذا) الحكم الذي ذكرناه (إذا كان المقهور بالغا
عاقلا، و) أما (لو كان غير مميز كالطفل والمجنون فالقصاص
على المكره) بلا خلاف ولا إشكال (لأنه) ما (بالنسبة إليه
كالآلة) في نسبة القتل، ولا يرد عدم القطع على السيد لو أمرهما

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الأمر والنهي الحديث 1 - 2 من كتاب الأمر بالمعروف.
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الأمر والنهي الحديث 1 - 2 من كتاب الأمر بالمعروف.
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
48

بالسرقة، لوضوح الفرق بعدم صدق السرقة عليه بالأمر بخلاف صدق
القتل الذي يحصل بالمباشرة والتسبيب.
(ويستوي في ذلك الحر والعبد) لكن في خبر إسحاق بن عمار (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا
فقتله، فقال: يقتل السيد به " وفي خبر السكوني (2) عنه (عليه السلام)
أيضا: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أمر عبده أن يقتل
رجلا فقلته، فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام): وهل عبد الرجل
إلا كسوطه أو كسيفه؟ يقتل السيد ويستودع العبد في السجن " وفي الفقيه
" حتى يموت " بعد أن رواه باسناده إلى قضايا علي (عليه السلام):
بل عن الخلاف " اختلفت روايات أصحابنا في أن السيد إذا أمر
عبده بقتل غيره فقتله فعلى من يجب القود، فروي في بعضها أن على
السيد القود، وفي بعضها أن على العبد القود، ولم يفصلوا إلى أن قال:
والوجه في ذلك أنه إن كان العبد مميزا عاقلا يعلم أن ما أمر به معصية فإن
القود على العبد، وإن كان صغيرا أو كبيرا لا يميز واعتقد أن جميع ما
يأمر به سيده واجب عليه فعله كان القود على السيد ".
وجعلهما في التهذيب مخالفين للقرآن حيث نطق أن " النفس بالنفس " (3)
ثم أولهما بمن كانت عادته أن يأمر عبده بقتل الناس ويغريهم بذلك ويلجئهم
إليه، فإنه يجوز للإمام أن يقتل من هذا حاله، لأنه مفسد في الأرض،
قيل: ووافقه الحلبيان على ذلك، كما أنه المحكي عنه في الاستبصار، ويكون
جمعا بينهما وبين الصحيحة السابقة.
إلا أنه كما ترى في غاية البعد، مع أنه إنما يرفع التعارض بالإضافة

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2.
(3) سورة المائدة: 5 الآية 45.
49

إلى ما دلا عليه من قتل السيد، وأما بالإضافة إلى ما دلا عليه من تخليد
العبد في السجن فلا، بل ظاهر الصحيحة يقتضي قتله دونهما، والأوفق
بالأصول ترجيح الصحيحة وإن حمل الخبران على صورة إفساد السيد فإن
إفساده بمجرده لا يدرأ القتل عن العبد بعد مباشرته له، مضافا إلى منع
اقتضاء فعل الافساد المزبور القتل حدا إلا أن يكون محاربا.
ولعله لذا قال الكاشاني في الوافي: (أقول: في مخالفتهما للقرآن نظر،
ولا سيما بعد تعليله (عليه السلام) بأن العبد بمنزلة الآلة، وفي التأويل
بعد، بل لا ينافيان شيئا من المحكمات حتى يحتاجا إلى مثل هذه التكلفات،
للفرق البين بين العبد والأجنبي " إلى آخره وإن كان لا يخفى عليك ما
فيه أيضا.
بل وما في ذلك كله بعد المفروغية من الحكم المزبور حتى ما في
الخلاف من معذورية الجاهل وأن القود على السيد، والخبران المزبوران
مطرحان أو محمولان على ما قيل من كون العبد صغيرا كالآلة وإن كان
فيه أنه لا يتم في أحدهما المشتمل على تخليد العبد في السجن، إذ لم نجد
قائلا به كذلك في العبد الصغير الذي هو مع تمييزه عمده خطأ فضلا عما
إذا كان آلة لفقده التمييز أو غير ذلك، والله العالم.
(ولو كان) المباشر (مميزا عارفا غير بالغ وهو حر فلا قود)
على أحد منهما، كما في القواعد وغيرها، لعدم بلوغ المباشر وعدم كونه
آلة (و) لكن (الدية على عاقلة المباشر) الذي عمده خطأ إلا
أنه قد يناقش بأن الظاهر تحقق الاكراه بالنسبة إليه فإنه لا يقاد منه إذا
قتل، وإذا تحقق فالسبب أقوى، فينبغي القود، نعم إذا لم يتحقق إلا
الأمر اتجه ما ذكر، فتأمل جيدا.
وقال بعض الأصحاب كالشيخ في محكي المبسوط والنهاية
50

وابن البراج في محكي المهذب والجواهر: (يقتص منه إن بلغ عشرا)
مستندا في الأول إلى أنه قضية عموم أخبارنا، بل يؤيده ما دل (1) على
جواز عتقه وصدقته وطلاقه ووصيته، وعن الوسيلة " أن المرهق كالعاقل "
وعن المقنع والمقنعة " يقتص منه إن بلغ خمسة أشبار، لقول أمير المؤمنين
(عليه السلام) في خبر السكوني (2): " إذا بلغ الغلام خمسة أشبار
اقتص منه، وإذا لم يكن بلغ خمسة أشبار قضي بالدية ".
(وهو) مع أنه ضعيف (مطرح) عند المعظم كالقول
الأول، للأصل والاحتياط وعموم النصوص الناطقة بأن عمد الصبي وخطأه
واحد (3) ورفع القلم عن الصبي حتى يبلغ (4) ونصوص حد البلوغ (5)
وغير ذلك، فالعمل حينئذ على المشهور، هذا كله في الحر المميز غير
البالغ.
(و) أما الكلام (في المملوك المميز) غير البالغ فالذي
يقتضيه أصول المذهب وقواعده أن حكمه نحو ما ذكرناه في الحر، فإن
كان مكرها كان القصاص على المكره الذي هو أقوى من المباشر وإلا
فلا (تتعلق الجناية برقبته، ولا قود عليه) لأن الفرض عدمه بلوغه،
ولا على الآمر لعدم مباشرته ولا إكراهه، وليست هي حينئذ إلا كغيرها
من جناية الخطأ الصادرة منه بالغا.

(1) الوسائل الباب 15 من كتاب الوقوف والصدقات الحديث 1 والباب 44
من كتاب الوصايا والباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 و 6 من كتاب الطلاق
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب العاقلة الحديث 2 من كتاب الديات.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10.
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات والباب 12 من كتاب الحجر.
51

(و) لكن (في الخلاف) ومحكي السرائر (إن كان
المملوك صغيرا أو مجنونا سقط القود) عنهما معا (ووجبت الدية)
على السيد الآمر وإلا أطللنا دم المقتول.
وعن المبسوط أن اضطرب كلامه، فتارة أوجب القود على الآمر
حرا كان المأمور أو عبدا، وأخرى أوجب الدية على عاقلة المأمور حرا
أو عبدا.
وعن الوسيلة " أن المأمور إن كان حرا بالغا عاقلا أو مراهقا اقتص
منه، وإن كان حرا صبيا أو مجنونا ولم يكره لزمت الدية عاقلته، وإن
أكره كان نصف الدية على عاقلته ونصفها على الآمر المكره، وإن كان
عبدا للآمر صغيرا أو كبيرا غير مميز اقتص من الآمر وإلا فمن القاتل
قال: وإذا لزم القود المباشر خلد الآمر في الحبس، وإن لزم الآمر
خلد المباشر فيه إلا أن يكون صبيا أو مجنونا ".
وعن أبي علي " لو أمر رجلا عاقلا عالما بأن الآمر ظالم بقتل رجل
أقيد القاتل به وحبس الآمر في السجن حتى يموت، وإن كان المأمور
عبدا أو جاهلا أو مكرها لا يأمن بمخالفته إتلاف نفسه أزلت القود عنه
وأقدت الآمر وحبست القاتل حتى يموت بعد تعزير له، وأمرته بالتكفير
لتولي القتل بنفسه ".
ولا يخفى عليك ما في الجميع من النظر من وجوه، خصوصا بعد
أن لم نعثر على مستند لذلك ولا لبعضه إلا الخبرين (1) المزبورين في العبد
المعارضين بالأقوى منهما من وجوه، ولذا قال المصنف: (والأول أظهر)
لكن قد عرفت ما في إطلاقه وغيره في الحر والعبد المميزين غير البالغين،
والتحقيق ما سمعته.

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 و 2.
52

بل الظاهر تخليد السيد في السجن بأمره، لما عرفته من النص السابق،
اللهم إلا أن يمنع شموله لنحو الفرض، وفيه أن الظاهر تخليد الآمر مطلقا
في السجن حتى في صورة عدم القود من المباشر لصغره وإن توقف فيه
بعض الأفاضل، ولكن في غير محله، والله العالم.
(فروع:)
(الأول:)
(لو قال) كامل لآخر مثلا: (اقتلني أو لأقتلنك لم يسغ
القتل) بلا خلاف بل ولا إشكال (لأن الإذن لا ترفع الحرمة)
الحاصلة من نهي المالك الحقيقي (و) لكن (لو) أثم و (باشر
لم يجب القصاص) عند الشيخ في محكي المبسوط والفاضل في التلخيص
والإرشاد، بل في المسالك أنه الأشهر (لأنه أسقط حقه بالإذن فلا يتسلط
الوارث) الذي هو فرع على المقتول.
ومنه ينقدح عدم الدية حينئذ التي تنتقل من الميت ولو في آخر جزء
من حياته إلى الوارث لا ابتداء، بدليل نفوذ وصاياه وقضاء ديونه منها،
إذ لو كانت للوارث ابتداء لم يكن كذلك.
نعم قد يناقش في أصل سقوط القصاص بكون الإذن غير مبيح
فلا يرتفع به العدوان، كما لو قال: اقتل زيدا وإلا قتلتك، فيدخل في
عموم أدلة القصاص، نحو ما لو أكره على قتل الغير، اللهم إلا أن
يشك في شمول أدلة القصاص بل والدية لمثله، والأصل البراءة، ولا أقل
من أن يكون ذلك شبهة يسقط بها قتله بناء على أنه كالحدود في ذلك،
لكن لا يخفى عليك ما في الجميع، إلا أن يندرج في الدفاع، فيتجه حينئذ
53

سقوط القصاص والدية والإثم.
ولو قال الكامل للناقص ذلك لم يكن قصاص، لنقصه لا لقوله،
والدية على البحث السابق، وبالعكس لا إشكال في ثبوت القصاص، وأما
الناقصان فالثابت الدية، كما هو واضح.
ولو كان الآمر المكره هو الوارث للمقتول كان له القصاص، لعموم
الأدلة، ولا يسقط حقه باكراهه.
(الثاني:)
(لو قال: اقتل نفسك) من غير إكراه له على ذلك ففعل
(فإن كان) المأمور (مميزا فلا شئ على الملزم) أي الآمر
وإن كان سببا إلا أن المباشر أقوى منه (وإلا) يكن مميزا (فعلى الملزم
القود) كما في القواعد وغيرها، لقوة السبب حينئذ على المباشر، وخصوصا
مع الاكراه المتصور في حقه (و) إن كان (في تحقق إكراه العاقل
هنا إشكال) باعتبار أنه لا معنى للاضطرار إلى قتل نفسه خوفا من قتله،
لكن في المسالك وكشف اللثام " نعم لو كان التخويف بنوع من
القتل أصعب من النوع الذي قتل به نفسه فدفعه به اتجه حينئذ تحقق
الاكراه، وترتب القصاص حينئذ على المكره الذي هو أقوى من المباشر ".
وقد يناقش بأن ذلك لا يقتضي جواز قتله لنفسه المنهي عنه،
فلا حكم لاكراهه المزبور، وحينئذ يكون المباشر أقوى من السبب،
واحتمال الجواز باعتبار شدة الأمر المتوعد به مناف لاطلاق دليل المنع،
وإلا لجاز للعالم بأنه يموت عطشا مثلا أن يقتل نفسه بالأسهل من ذلك،
فتأمل جيدا.
54

(الثالث:)
(يصح الاكراه في ما دون النفس) لعموم دليله المقتصر في
تخصيصه على المتيقن الذي هو النفس (فلو) قال: اقطع يد هذا
وإلا قتلتك كان له قطعها دفعا لاتلاف نفسه بما ليس إتلافا فلا قصاص
حينئذ عليه، لعدم العدوان، نعم هو على المكره الذي هو أقوى حينئذ
من المباشر.
لكن في القواعد الاشكال فيه من ذلك ومن عدم المباشرة، فتجب
عليه الدية دون القصاص، وفيه أن وجوبها ليس إلا لقوة السبب على
المباشرة، وهو مقتض للقصاص دونها، كما هو واضح.
(ولو قال: اقطع يد هذا أو هذا أو لأقتلنك فاختار المكره
أحدهما ففي القصاص) على الآمر (تردد، منشأه أن التعيين عرى
عن الاكراه) فيكون المباشر مختارا في ذلك، إذ الأمر بالكلي الذي
منه الأمر الاكراهي ليس أمرا بجزئي من جزئياته على التعيين وإن كان هو
لا يتحقق إلا بأحدها.
(و) لكن (الأشبه) بأصول المذهب ثبوت (القصاص
على الآمر) كما عن التحرير (لأن الاكراه تحقق، والتخلص غير
ممكن إلا بأحدهما) فاختياره حينئذ من ضرورة الاكراه الملجأ إلى إبراز
الكلي في الوجود الذي لا يتم إلا بايجاده في شخص معين، نحو الاكراه
على معين من غير تعيين وقت فاختاره المكره، ومع الاغضاء عن ذلك
كله فالعرف كاف في ثبوت المطلوب، كما هو واضح.
الرابع لو أكرهه على صعود شجرة مثلا فزلق رجله ومات وجب
55

الضمان على المكره، ولكن الأقرب ثبوت الدية لا القصاص كما عن
التحرير، نعم إن كان الغالب في مثل الفرض السقوط المهلك فالاكراه
عليه كالاكراه على تناول السم، وإلا فإن لم يقصد به القتل فلا إشكال
في سقوط القصاص عنه، وإن قصد فبناء على ما تقدم عليه القصاص،
ويحتمل الفرق بين فعل ما يقتل نادرا والاكراه عليه، والله العالم.
(الصورة الثالثة: لو شهد اثنان) مثلا (بما يوجب قتلا
كالقصاص) والارتداد ونحوهما (أو شهد أربعة بما يوجب رجما
كالزنا وثبت أنهم شهدوا زورا بعد الاستيفاء لم يضمن الحاكم) الآمر
(ولا الحداد) المباشر (وكان القود على الشهود، لأنه تسبيب
متلف بعادة الشرع) فكان أقوى من المباشرة التي أخرجها التسبيب
المزبور عن كونها عدوانا، وكانت هي من توليده.
وفي مرسل ابن محبوب (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ثم رجع أحدهم بعد ما قتل
الرجل، فقال إن قال الراجع: وهمت ضرب الحد وغرم الدية، وإن
قال: تعمدت قتل ".
وفي خبر مسمع (2) عنه (عليه السلام) أيضا " أن أمير المؤمنين
(عليه السلام) قضى في أربعة شهدوا على رجل أنهم رأوه مع امرأة
يجامعها فرجم ثم رجع واحد منهم، قال: يغرم ربع الدية إذا قال: شبه
علي فإن رجع اثنان وقالا: شبه علينا غرما نصف الدية، وإن رجعوا
وقالوا: شبه علينا غرموا الدية، وإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا
جميعا ".

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 64 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
56

وفي خبر الفتح بن يزيد الجرجاني (1) عن أبي الحسن (عليه السلام)
" في أربعة شهدوا على رجل أنه زنى فرجم ثم رجعوا وقالوا: قد وهمنا
يلزمون الدية، وإن قالوا: إنما تعمدنا قتل أي الأربعة شاء ولي المقتول
ورد الثلاثة ثلاثة أرباع الدية إلى أولياء المقتول الثاني، ويجلد الثلاثة كل
واحد منهم ثمانين جلدة، وإن شاء ولي المقتول أن يقتلهم رد ثلاث
ديات على أولياء الشهود الأربعة، ويجلدون ثمانين كل واحد منهم، ثم
يقتلهم الإمام " إلى غير ذلك من النصوص.
(نعم لو علم الولي) بزور الشهود وباشر القصاص كان
القصاص عليه دون الشهود، لقصده إلى القتل العدوان من غير غرور)
فهو أقوى من السبب، ولو لم يباشره وإنما باشره حداد القاضي فالقصاص
على الشهود على إشكال من استناد القتل إلى الشهادة والطلب جميعا، فالولي
والشهود شركاء في الدم، ومن أن الشهادة أقرب وأقوى من المباشرة فمن
الطلب أولى، ولأنها السبب في سببية الطلب.
ولكن ذلك كله كما ترى، بل يمكن دعوى قوة الطلب عليها،
وصيرورتها كالشرط بالنسبة إليه، فيختص القصاص به حينئذ، فلا أقل
من المساواة المقتضية للتشريك، وعليه ففي التنصيف للضمان أو التقسيم على
رؤسهم إشكال من أن شهادتهما معا سبب واحد، ومن صدور الجناية
منهم، فتوزع عليهم كجراحات صدرت من ثلاثة فسرت، ولعل الثاني
أقوى، وكذا الكلام لو شهدا ثم رجعا واعترفا بتعمد الكذب بعد القتل،
فعليهما القصاص.
ولو أمر نائب الإمام (عليه السلام) العام أو الخاص بقتل من ثبت
قتله بالبينة وهو يعلم فسق الشهود ففي القواعد وشرحها للإصبهاني " هو

(1) الوسائل الباب 64 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
57

شبهة في حقه من حيث إن مخالفة السلطان تثير فتنة عظيمة، ومن كون
القتل ظلما في علمه " وفي الأخير " فلو اعترف بعلمه فعليه القصاص إلا
أن يعتذر بتلك الشبهة، فيدرأ عنه، وتثبت الدية ".
قلت: لعل الظاهر وجوب الامتناع عليه والحاكم لا يكلفه بذلك
بعد علمه بالحال، وحينئذ فلو باشر كان عليه القصاص، والله العالم.
الصورة (الرابعة: لو جنى عليه فصيره في حكم المذبوح وهو
أن لا تبقى حياته مستقرة) فلا إدراك ولا نطق ولا حركة له اختياريين
(وذبحه الآخر فعلى الأول القود) لأنه القاتل (وعلى الثاني دية
الميت) التي ستعرفها إن شاء الله، لأنه قطع رأس من هو بحكم الميت.
(ولو كانت حياته مستقرة فالأول جارح) يلحقه حكم الجرح
أرشا أو قصاصا (والثاني قاتل، سواء كانت جناية الأول مما يقضي
معها بالموت غالبا كشق الجوف والأمة أو لا يقضي به كقطع الأنملة)
لأنه أي الثاني قطع سراية جراحة الأول بلا خلاف أجده في شئ من
ذلك إلا من مالك، فجعل الأول قاتلا إذا كانت جراحته تقضي بالموت
ولو بعد يوم أو يومين مثلا، وهو واضح الضعف.
نعم لو فعلا معا وكان فعل كل منهما مزهقا فهما معا قاتلان، وكذا
لو لم يكونا مزهقين ولكن مات بهما، ولو كان أحدهما المزهق دون الآخر
فهو القاتل.
هذا وفي القواعد " ولو قتل مريضا مشرفا وجب القود " وهو
كذلك، لصدق القتل عرفا، لكن في كشف اللثام " وإن لم يكن بقيت
له حياة مستقرة، لصدق القتل، والفرق بينه وبين من جنى عليه جناية لم
تبق له حياة مستقرة وقوع جنايتين مضمونتين عليه، وإنما نوجب القصاص
على أدخلهما في تلف النفس، لا أن المريض ربما انتهى إلى مثل تلك الحالة
58

ثم برأ للاشتراك، نعم يصلح ضميمة إلى ما قلناه ".
وفيه ما لا يخفى بناء على ما يظهر منهم من أن المراد بعدم استقرار
الحياة ما عرفت، فمع فرض كون المريض كذلك لا وجه للقود فيه، "
ومن الغريب قوله: " لا أن " إلى آخره، ضرورة عدم برء لهما مع الحال
المزبور، والله العالم.
الصورة (الخامسة: لو قطع واحد يده) مثلا (وآخر رجله
فاندملت إحداهما ثم هلك) بسراية الأخرى (فمن اندمل جرحه فهو
جارح، والآخر قاتل يقتل) ولكن (بعد رد دية الجرح المندمل)
لأن الفرض كمال الجاني ونقص المقتول الذي أخذ أو استحق عوض العضو
البائن الذي لم يبرأ جرحه قصاصا أو دية فيرد عليه حينئذ نصف الدية،
ونحوه في القواعد ولكن قال: " على إشكال " ولعل منشأه أن الدية
للنفس وحدها وإلا سقط القصاص عمن قتل مقطوع اليدين أو الرجلين.
قلت: قد يفرق بين ذلك وبين المقام بأن الجرحين كانا مضمونين
عليهما على وجه لو سريا وقتل أحدهما استحق نصف الدية من الآخر بخلاف
المقطوع سابقا، اللهم إلا أن يقال: إنه بعد الاندمال صار كالجرح
السابق، والاستحقاق مع السراية لا يقتضي ثبوته مع عدمها، ضرورة
وضوح الفرق بينهما، والله العالم.
(فرع:)
(لو جرحه اثنان) مثلا (كل واحد جرحا فمات فادعى
أحدهما اندمال جرحه وصدقه الولي) نفذ على نفسه (ولم ينفذ
تصديقه على الآخر ل‍ (أن الاقرار حجة على المقر خاصة، مضافا إلى
59

ما في المتن (من أنه قد يحاول أخذ دية الجرح من الجارح والدية من الآخر،
فهو متهم في تصديقه، ولأن المنكر مدع للأصل) الذي هو عدم الاندمال
(فيكون القول قوله مع يمينه) فلا يتسلط الولي عليه بالقصاص مجانا ولا
بالدية تماما بناء على انفراده بالقتل، وإنما يتسلط عليه بقدر قسطه من الدية،
بناء على سراية الجرحين فيأخذه خاصة منه أو يرده عليه، ويقتص منه
بعد يمينه أنه ما اندمل الجرح الآخر، وليس له أن يأخذ من المقر له
إلا أرش جناية ما صدقه عليه من الجرح الغير الساري أو يقتص منه في
خصوص ذلك العضو، كما هو واضح، وبه صرح في القواعد وكشف
اللثام وغيرهما.
لكن قد يناقش في ما سمعته من التهمة بأنه لا يتم بناء على دفع
عوض المندمل إلى المقتص منه دون الولي. بل منه تنقدح المناقشة أيضا
في غير ذلك مما سمعته. نعم لو قلنا بأن الدية تامة أو القصاص للولي
مضافا إلى ما يأخذه من عوض المندمل اتجه ذلك.
اللهم إلا أن يفرق بين القصاص والدية، فيدفع عوض المندمل إلى
المقتص منه إن أريد القصاص، وأما إذا أريد الدية فلا يدفع إليه شئ،
بل تؤخذ منه تامة مضافا إلى عوض المندمل، وحينئذ تتجه التهمة المزبورة.
ولكن في الفرق نظر بل ومنع، على أنك قد سمعت التفريع على
ذلك بأنه ليس له المطالبة بالاقتصاص مجانا، فالكلام حينئذ غير منقح،
والتحقيق ما عرفته أولا من عدم استحقاق المقتص منه على المندمل
جرح شيئا إلا أن إقرار الولي لا ينفذ في حقه، لكونه من الاقرار في
حق الغير بالنسبة إلى ذلك.
ولو صدقه الشريك دون الولي نفذ في حقه دون الولي، وفي كشف
اللثام " فليس له المطالبة بشئ من الدية إذا أريد الاقتصاص منه،
60

ولا الامتناع من كمال الدية إذا طولب به " وهو مبني على عدم مطالبته
بدية المندمل، والأمر سهل.
الصورة (السادسة:) التي هي أيضا من صور اشتراك الاثنين
فما زاد في الجناية التي تقدم أكثر أحكامها، ومنها ثبوت القصاص
عليهما لو مات بسرايتهما معا، ولكن قد وقع الشك في بعض أفرادها، وهي
ما إذا دخلت الأولى في الثانية كما (لو قطع) أحدهما (يده من
الكوع) مثلا (وآخر ذراعه فهلك) وفي كشف اللثام من تلك
اليد أو غيرها، وفيه أنه خلاف مفروض المسألة بل ودليلها.
ومن هنا كان الأظهر عند المصنف أنه متى كان كذلك (قتلا به،
لأن سراية الأول لم تنقطع بالثانية) بشياع ألمه قبل الثانية) على وجه
تأثرت به الأعضاء الرئيسة ثم انضم إليه ألم الثانية، فأشبه ما إذا أجاف
أحدهما جائفة وجاء آخر ووسعها فمات، فإن القصاص عليهما، والاحتمال
الآخر المقابل لذلك اختصاص القصاص بالثاني، لانقطاع سراية الجرح الأول
بالثاني، لدخوله في ضمنه، والألم السابق لم يبلغ حد القتل، نعم يلحق
الأول حكم جنايته خاصة، نحو ما لو جرحه شخص وأزهق نفسه آخر.
(و) فيه أن ما نحن فيه (ليس كذا) أي (لو قطع
واحد يده وقتله الآخر، لأن السراية انقطعت بالتعجيل) للازهاق
بخلاف القطع من المرفق مثلا، فإن الروح معه باقية والألم الحادث على
النفس والأعضاء الرئيسة باق من الجنايتين.
وحاصل الفرق أن الجرحين إن كان إهلاكهما بالسراية كالقطعين
والاجافتين فالقود عليهما، وإلا بل كان أحدهما القتل والآخر الجراحة
السارية فالقود على القاتل، وعلى الجارح الآخر القصاص في الطرف
أو ديته.
61

(و) لكن مع ذلك (في الأولى إشكال) كما عن التحرير،
لمنع بقاء سراية الأول، بل الظاهر انقطاعها واضمحلالها إلا إذا كانت
بآلة مسمومة يسري جراحها عادة، ولعله لا يخلو من قوة ما لم يعلم بقاء
أثر الأولى على وجه يسند القتل إليه وإلى الثانية.
(ولو كان الجاني) في الفرض (واحدا دخلت دية الطرف
في دية النفس إجماعا منا) بقسميه إذا كانت قد ثبتت أصالة. وأما إذا
ثبتت صلحا فالاشكال مع إطلاق الصلح عليها عوض القصاص ينشأ من
دخول قصاص الطرف في النفس وعدمه، كما ستسمع إن شاء الله.
(وهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس؟ اضطربت
فتوى الأصحاب) فيه (ففي النهاية) ومحكي التحرير والإرشاد
والتلخيص (يقتص منه إن فرق ذلك، وإن ضربه، ضربة واحدة لم
يكن عليه أكثر من القتل) واختاره في المسالك والروضة، بل نسبه
في الأخير إلى أكثر المتأخرين.
(وهي رواية محمد بن قيس (1) عن أحدهما (عليهما السلام))
" في رجل فقأ عين رجل وقطع أنفه وأذنيه ثم قتله، فقال: إن كان
فرق ذلك اقتص منه ثم يقتل وإن كان ضربه ضربة واحدة ضربت
عنقه ولم يقتص منه ".
بل قيل وحسنة حفص بن البختري (2) سأل الصادق (عليه السلام)
" عن رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره واعتقل لسانه ثم مات
فقال: إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتص منه ثم قتل وإن كان أصابه
هذا من ضربة واحدة قتل ولم يقتص منه " وإن كان قد يناقش بأنها
ظاهرة في السراية التي ليست هي محل البحث، اللهم إلا أن يقال: إن

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2
62

إطلاق الجواب فيه شامل لصورة المسألة.
نعم قد يدل عليه أيضا التعليل في ما تسمعه من صحيح أبي عبيدة (1)
مؤيدا ذلك كله بما قيل من ثبوت القصاص في الأولى عند فعلها، والأصل
عدم زواله بخلاف ما إذا اتحدت الضربة وإن كان ستعرف ما فيه.
هذا (وفي) موضع من (المبسوط والخلاف يدخل قصاص
الطرف في قصاص النفس) وهو خيرة المحكي عن التبصرة والجامع
(وهي رواية أبي عبيدة (2)) الصحيحة (عن أبي جعفر (عليه
السلام)) " سأله عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه
ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ وذهب عقله،
فقال: إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال
ولا ما قيل له فإنه ينتظر به سنة، فإن مات في ما بينه وبين السنة أقيد
به ضاربه، وإن لم يمت في ما بينه وبين سنته ولم يرجع إليه عقله أغرم
ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله، قال: فما ترى في الشجة شيئا،
قال: لا، لأنه إنما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته
أغلظ الجنايتين، وهي الدية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان
جنايتين لألزمته جناية ما جنى كائنا ما كان إلا أن يكون فيهما الموت،
فيقاد به ضاربه بواحده، ويطرح الأخرى، قال: وإن ضربه ثلاث
ضربات واحدة بعد واحدة فجنت ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت
الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت، فيقاد به
ضاربه، قال: وإن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته
تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات كائنة ما كانت ما لم يكن فيها

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب ديات المنافع الحديث 1 من كتاب الديات.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب ديات المنافع الحديث 1 من كتاب الديات.
63

الموت " ولما روى (1) من أنه إذا مثل انسان بغيره وقتله لم يكن عليه
إلا القتل ولم يجز التمثيل به.
(وفي موضع آخر من الكتابين) لا يدخل قال فيهما (: لو
قطع يد رجل ثم قتله قطع ثم قتل) بل قيل: هو خيرة السرائر ونكت
النهاية، وإليه مال ابن زهرة، للأصل والعمومات التي منها قوله
تعالى (2): " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ".
(والأقرب) عند المصنف في الكتاب وإن توقف في النافع
كالمختلف وظاهر القواعد وإن نفى البأس في الأول عما سمعته من ابن إدريس
(ما تضمنته النهاية ل‍ (ما عرفته من (ثبوت القصاص بالجناية
الأولى) والأصل عدم التداخل (ولا كذا لو كانت الضربة واحدة).
(وكذا لو كان) الموت (بسراية) جرح‍ (ه كمن قطع
يد غيره فسرت إلى نفسه، فالقصاص في النفس لا في الطرف) بلا خلاف
كما في كشف اللثام، بل الاتفاق محكي عليه في الرياض، وحينئذ فلو قطع
يده وسرى فمات بذلك اقتيد منه بضرب عنقه، وليس عليه قطع يده،
لكن في كشف اللثام " نعم لو قطع الولي يده ثم ضرب عنقه لم يكن
عليه شئ " قلت: لا يخلو من نظر.
وعلى كل حال فقد يناقش في ما ذكره المصنف دليلا للأقرب بأن
أدلة القصاص شاملة لاتحاد الضربة وتعددها، وخروج السراية بالاجماع
وغيره لا يقتضي خروج الفرض، ودعوى أنه من باب السراية التي
لا ينافيها عموم الأدلة لقضاء العرف بأنه ما جنى عليه إلا جناية واحدة
فيكون قتله خاصة اعتداء بما اعتدى والزائد تعد خارج واضحة المنع

(1) الوسائل الباب 62 من أبواب القصاص في النفس.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 194.
64

في مفروض المسألة وإن تم ما ذكر في السراية.
نعم قد يقوى ذلك، لاتفاق أكثر النصوص والفتاوى عليه،
فتخصص العمومات حينئذ بذلك، بخلاف ما لو تعدد الضرب الباقي على
مقتضى العمومات والاستصحاب بل والاعتبار، ضرورة عدم اقتضاء
التداخل فيه أنه لو قطع يده مثلا في سنة ثم يده الأخرى في أخرى ثم
رجله كذلك ثم قتله عدم لزوم غير القود عليه أو دية النفس، فينبغي
اشتراط اتحاد الوقت أو تقاربهما، ولكنه غير منضبط.
ولا يعارض جميع ذلك الصحيح الواحد الذي عارضه المصنف في
نكت النهاية بخبر إبراهيم بن عمر (1) " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)
في رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه
وانقطع جماعه وهو حي بست ديات " وإن كان وجه المعارضة في مفروض
المسألة غير واضح، اللهم إلا أن يكون وجهه أن ليس ذلك إلا لتعدد
الجنايات وإن كانت الضربة واحدة، ولا فرق بين حالي الحياة والموت
وإن كان فيه أن النص والفتوى فارقان، نعم يمكن حمل الصحيح المزبور
على الموت بالسراية من الضربات المتعددة، فإنه يدخل قصاص الطرف
في قصاص النفس حينئذ، ولعل قوله (عليه السلام) (2): " إلا أن
يكون فيهما الموت أو فيها " ظاهر في ذلك أو لا يأبى الحمل عليه،
خصوصا بعد الالتفات إلى ما في غيره، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب ديات المنافع الحديث 1 من كتاب الديات.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب ديات المنافع الحديث 1 من كتاب الديات.
65

(مسائل:) في الاشتراك:
(الأولى:)
(إذا اشترك جماعة في قتل واحد قتلوا به) مع الكمال
(و) لكن على معنى أن (الولي بالخيار بين قتل الجميع بعد أن
يرد عليهم ما فضل عن دية المقتول، فيأخذ كل واحد منهم ما فضل
من ديته عن جنايته، وبين قتل البعض ويرد الباقون دية جنايتهم)
على ولي المقتول قصاصا (وإن فضل للمقتولين فضل قام به الولي)
الذي هو قد استوفى أزيد من حقه بلا خلاف أجده في شئ من ذلك،
بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى معلومية كون شرع القصاص لحقن
الدماء فلو لم يجب عند الاشتراك لاتخذ ذريعة إلى سفكها، وإلى صدق
كون المجموع قاتلا، فيندرج في قوله تعالى (1): " ومن قتل مظلوما
فقد جعلنا لوليه سلطانا " إلا أنه منهي عن الاسراف في القتل، ولعل
منه قتلهم أجمع من دون رد ما زاد على جنايتهم عليهم، ضرورة ظهور
النصوص (2) التي هي دليل المسألة أيضا في توزيع النفس على الجانين،
فيجب على كل واحد منهم بنسبة الجميع، فإن كانوا اثنين فعلى كل واحد
النصف، أو ثلاثة فالثلث وهكذا.
فلو قتل الولي الاثنين مثلا كان المساوي لحقه واحدا مركبا منهما،
إذ على كل واحد منهما نصف نفس، فيبقى لكل واحد منهما عليه نصف
نفس لا تدارك لها إلا بالدية، فيرد على ولي كل منهما نصف دية، وهكذا

(1) سورة الإسراء: 17 الآية 33.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب القصاص في النفس.
66

في الثلاثة فصاعدا، فلو قتل واحدا من الثلاثة أدى له الاثنان ثلثي ديته.
ولو قتل منهم اثنين ففي المسالك " أدى إلى أولياء كل واحد نصف
ديته وأخذوا من الثالث ثلث دية " فيجتمع لكل واحد من أولياء المقتولين
ثلثا ديته، ويسقط ما قابل جنايته، وهو الثلث، وفي كشف اللثام في
الفرض " أي الثالث ثلث الدية والولي ثلثي الدية ".
وفيه أن المتجه ما سمعته من المسالك من تأدية الثالث ثلث الدية
عوضا عما يخصه من الجناية، ويضيف إليه الولي دية كاملة، فيصير لكل
واحد من المقتولين ثلثا دية، وهو فاضل ديته عن جنايته، ولأن الولي
استوفى نفسين بنفس، فيرد دية نفس، ولعل المراد مما في كشف اللثام
تأدية الولي ما يكمل به لكل منهما ثلثا الدية، وليس هو إلا الدية الكاملة
مضافة إلى الثلث الذي أداه الثالث، فإنه حينئذ يكون لكل من المقتولين
ثلثا ديته، وهو الزائد على قدر جنايته.
وعلى كل حال فلا إشكال في الحكم المزبور عندنا، لقاعدة لا ضرر
ولا ضرار منضمة إلى عموم أدلة القصاص، وللاجماع بقسميه عليه،
وللنصوص المستفيضة.
قال ابن يسار (1): " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) في عشرة
قتلوا رجلا، فقال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعا وغرموا تسع ديات،
وإن شاؤوا تخيروا رجلا وأدى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الآخر عشر
الدية كل رجل منهم، قال: ثم الوالي بعد يلي أدبهم وحبسهم ".
وقال ابن مسكان (2): " قال الصادق (عليه السلام) في رجلين
قتلا رجلا: إذا أراد أولياء المقتول قتلهما أدوا دية كاملة وقتلوهما،
وتكون الدية بين أولياء المقتولين، فإن أرادوا قتل أحدهما فقتلوه أدى

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب القصاص في النفس الحديث 6 - 4.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب القصاص في النفس الحديث 6 - 4.
67

المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول ".
وقال هو (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي (1) " في عشرة
اشتركوا في قتل رجل: تخير أهل المقتول، فأيهم شاؤوا قتلوا، ويرجع
أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدية ".
إلى غير ذلك من النصوص التي تقدم بعضها أيضا، بل ظاهرها أو
صريحها تعلق ما زاد على جناية المقتول بغيره من الجاني المتروك دون الولي
وإن كان مقتضى القواعد التزام الولي بها، لأنه المباشر للاتلاف وإن كان
له حق على الآخر، فيؤدي هو له، ويرجع بما يستحقه على الآخر.
بل ظاهرها أيضا عدم اعتبار تقديم الأداء في الاقتصاص، نعم ظاهر
المصنف وغيره اعتباره من المقتص لو أراد قتل الجميع، كما هو ظاهر
لفظ " ثم " في صحيح أبي مريم (2) الذي ستسمعه في المسألة الثانية
فلاحظ وتأمل، وستسمع إن شاء الله بعض الكلام فيه في ما يأتي
إن شاء الله.
وعلى كل حال فما عن بعض العامة من أنه ليس للولي إلا قتل
واحد منهم ويأخذ حصة الآخرين، ولا يقتل الجميع واضح الفساد
عندنا وإن كان مرويا في طرقنا، كحسن أبي العباس (3) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " إذا اجتمع العدة في رجل واحد حكم أن يقتل أيهم
شاء وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد، إن الله عز وجل يقول (4):
ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا، فلا يسرف في القتل إنه كان

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب القصاص في النفس الحديث 8.
(4) سورة الإسراء: 17 الآية 33.
68

منصورا، وإذا قتل الثلاثة واحدا خير الولي أي الثلاثة شاء أن يقتل
ويضمن الآخران ثلثي الدية لورثة المقتول " ولكنه شاذ قاصر عن معارضة
غيره من وجوه، فليحمل على الندب أو التقية أو غيرهما.
وكذا ما عن آخر منهم أيضا من استحقاق الولي دم كل واحد منهم
مجانا من غير رد، كما إذا قذف جماعة واحدا واستوفى الحد من الجميع.
وما عن ثالث منهم أيضا من فض القصاص عليهم، على معنى
استحقاق الولي عشر الدم في العشرة إلا أنه لا يمكن استيفاؤه إلا باستيفاء
الباقي، وقد يستوفى من المتعدي غير المستحق عليه إذا لم يكن استيفاء
المستحق إلا به، كما لو أدخل الغاصب المغصوب في بيت ضيق واحتيج
في رده إلى قلع الباب وهدم الجدار، والضرر هو الذي أدخله على نفسه،
إذ هما أيضا كما ترى مجرد تهجس وتخمين لا يوافق عقلا ولا نقلا.
(و) كيف كان ف‍ (تتحقق الشركة) مثلا (بأن يفعل
كل منهم ما يقتل لو انفرد) كأن أمسكوه جميعا فألقوه من شاهق أو
في النار أو البحر أو جرحوه جراحات قاتلة أو اشتركوا في تقديم الطعام
المسموم (أو ما يكون له شركة في السراية) كل ذلك (مع
القصد) من كل منهم (إلى الجناية).
ولو اتفق جمع على واحد وضربه كل واحد سوطا فمات وجب
القصاص على الجميع بلا فرق بين ضارب السوط الأول وضارب الأخير،
لاستواء الكل في سببية الموت، إذ كما أنه لو اكتفى الأول لم يمت
فلو لم يكن الأول لم يمت بالأخير.
وعن العامة قول بأنه لا قصاص، وآخر إذا وقع منهم اتفاقا دون
ما إذا تواطؤوا عليه، وهما معا كما ترى.
نعم قد يشك في ثبوت القصاص على الجميع لو فرض ترتب الأسواط
69

وكان موته من السوط الأخير، بل ينبغي الجزم بعدمه لو فرض كونه
على وجه يسند إليه الموت نحو إسناده في الجرح الذي يحصل به الموت
دون سرايته للمجروح سابقا، وبالجملة المدار على صدق الاشتراك والاتحاد.
(و) على كل حال ف‍ (لا يعتبر التساوي في) عدد
(الجناية، بل لو جرحه واحد جرحا والآخر مائة) أو ضرباه
بسوط كذلك (ثم سرى الجميع فالجناية) قصاصا (عليهما بالسوية)
على الوجه الذي عرفت (ولو طلب الدية كانت) الدية (عليهما
نصفين).
وكذا لا يعتبر التساوي في جنس الجناية، فلو جرحه أحدهما جائفة
وآخر أمه بل لو جرحه أحدهما وضربه الآخر فمات كان الحكم كذلك.
المسألة (الثانية:)
(يقتص من الجماعة في الأطراف كما يقتص في النفس) بلا خلاف
ولا إشكال (فلو اجتمع جماعة على قطع يده أو قلع عينه فله الاقتصاص
منهم جميعا بعد رد ما يفضل لكل واحد منهم عن جنايته، وله الاقتصاص
من أحدهم، ويرد الباقون دية جنايتهم) نحو ما سمعته في النفس،
لفحوى ما سمعته فيها، ولصحيح أبي مريم الأنصاري (1) عن أبي جعفر
(عليه السلام) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل، قال: إن أحب
أن يقطعهما أدى إليهما دية يد يقتسمانها ثم يقطعهما، وإن أحب أخذ منهما
دية يد، وإن قطع يد أحدهما رد الذي لم يقطع يده على الذي قطعت
يده ربع الدية ".

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
70

(و) بالجملة لا إشكال في اتحاد الطرف والنفس في ذلك،
نعم يفترقان في أن الاشتراك في الأخير يتحقق بموته بالأمرين أو الأمور
سواء اجتمعت أو تفرقت بخلاف الأول فإنه لا (تتحقق الشركة في
ذلك) إلا (بأن يحصل الاشتراك في الفعل الواحد) المقتضي للقطع
كأن يشهدوا عليه بما يوجب القطع ثم يرجعوا أو يكرهوا انسانا على قطعه
أو يلقوا صخرة على طرفه فتقطعه أو يضعوا حديدة على المفصل ويعتمدوا
عليها أجمع ونحو ذلك.
(ف‍) أما (لو انفرد كل واحد بقطع جزء من يده لم
يقطع يد أحدهما، وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده والآخر تحت يده
واعتمدا حتى التقتا فلا قطع في اليد على أحدهما، لأن كلا منهما منفرد
بجنايته لم يشاركه الآخر فيها) حتى الجزء الأخير الذي تحصل به الإبانة
التي هي من جملة القطع لا شئ خارج عنه كالموت، وحينئذ (فعليه
القصاص في جنايته حسب) إن أمكن، وإلا فلا قصاص، كما هو
واضح. فلا شركة حينئذ إلا مع الاشتراك في القطع على الوجه الذي
عرفت حتى يكون الحكم فيه نحو ما سمعته في النفس.
وكذا تتحقق الشركة لو قطع أحدهم بعض اليد من غير إبانة والثاني
في موضع آخر كذلك والثالث في موضع ثالث وسرى الجميع حتى
سقطت اليد، نحو تحققها في النفس إذا جرحوه جراحات فسرت الجميع،
كما صرح به الفاضل في القواعد وشرحها للإصبهاني، فتأمل.
71

المسألة (الثالثة:)
(لو اشترك في قتله امرأتان قتلتا به ولا رد، إذ لا فاضل لهما
عن ديته) وسأل محمد بن مسلم (1) في الصحيح أبا جعفر (عليه
السلام) عن ذلك فقال: " يقتلان به، ما يختلف فيه أحد ".
(ولو كن أكثر كان للولي قتلهن بعد رد فاضل ديتهن) يقسم
عليهن (بالسوية إن كن متساويات في الدية) بأن كن جميعا حرائر
مسلمات (وإلا) بأن كان فيهن مثلا ذمية أو أمة لا تبلغ قيمتها دية
الحرة (أكمل لكل واحدة) منهن (ديتها) على اختلافها (بعد
وضع أرش جنايتها).
فلو كن ثلاثا قتلهن ورد دية امرأة إلى الجميع، وله قتل اثنتين
منهن فترد الثالثة دية الرجل إليهما بالسوية، لأن كلا منهن جنت
الثلث، وله قتل واحدة فترد الباقيتان عليها ثلث ديتها، وعلى الولي
نصف دية الرجل، فإن جنايتهما توازي ثلثي دية الرجل، وأولياؤه
استوفوا بقتل امرأة نصفها، بقي لهم النصف الآخر يأخذونه من الباقيتين
وكل منهن إنما جنت الثلث فزادت دية كل على جنايتها بقدر ثلث ديتها.
ولو قتل الرجلان امرأة فلأوليائها القصاص بعد رد فاضل دية
الرجلين عن جنايتهما وهو دية ونصف عليهما فيرد إلى كل واحد
ثلاثة أرباع ديته، وهو واضح.
(ولو اشترك رجل) حر (وامرأة) كذلك في قتل رجل
حر مسلم (فعلى كل واحد منهما نصف الدية) مع الاتفاق عليها

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 15.
72

(وللولي قتلهما) معا بعد رد نصف الدية الذي هو زائد على حقه
(و) لكن (يختص الرجل ب‍) ه أي (الرد) المزبور
وفاقا للأكثر بل المشهور، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما تسمعه من المقنعة،
إذ لا فاضل عن قدر جنايتها، والمستوفى من الرجل ضعف جنايته،
فيكون الرد مختصا به.
بل قد يدل عليه في الجملة خبر أبي بصير (1) عن أبي جعفر (عليه
السلام) قال: " سئل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلا خطأ،
فقال: إن خطأ المرأة والغلام عمد، فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما
قتلوهما، ويردون على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم، وإن أحبوا أن
يقتلوا الغلام قتلوه وترد المرأة على أولياء الغلام ربع الدية، وإن أحب
أولياء المقتول أن يقتلوا المرأة قتلوها، ويرد الغلام على أولياء المرأة ربع
الدية، قال: وإن أحب أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كان على الغلام
نصف الدية، وعلى المرأة نصف الدية " وإن كان هو مختل المتن من
وجوه لا تخفى.
(و) قال المفيد (في المقنعة: يقسم الرد بينهما أثلاثا) بناء
على تقسيم الجناية بينهما كذلك، لأن الجاني نفس ونصف نفس جنت على
نفس فيكون الجناية بينهما أثلاثا بحسب ذلك (و) لكنه كما ترى (ليس
بمعتمد) بل هو واضح الفساد.
(و) حينئذ ف‍ (لو قتل) الولي (المرأة فلا رد)
لعدم استيفاء أزيد من جنايتها التي هي نصف نفس (و) يبقى له
(على الرجل نصف الدية، ولو قتل الرجل ردت المرأة عليه) أو
على وليه (نصف ديته) الذي هو قدر جنايتها بلا إشكال بل

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
73

(و) لا خلاف إلا ما (قيل) عن النهاية والمهذب من (نصف
ديتها، وهو ضعيف) بل في نكت النهاية وهم، ولعله كذلك وإن
دل عليه خبر أبي بصير (1) السابق المختل من وجوه هذا أحدها، بل
ربما وجه بمثل ما وجه به كلام المفيد من أنها جنت نصف جناية الرجل
إلا أنه أيضا كما ترى.
(و) كيف كان ففي المتن والقواعد أن (كل موضع يوجب
الرد فإنه يكون مقدما على الاستيفاء) ولعله لزيادة المستوفى على الحق
قبل الرد.
لكن في كشف اللثام " ويعارضه أنه لا يستحق الفاضل ما لم يستوف،
ولذا كان أكثر الأخبار وفتاوى الأصحاب إنما تضمنت الرد على الورثة
أو الأولياء ".
قلت: هو كذلك في النصوص (2) حيث يكون الرد من الشريك،
وأما إذا كان من ولي المقتول فقد سمعت صحيح أبي مريم (3) وستسمع
في ما يأتي إن شاء الله في الشرائط النصوص الدالة على تقديم فاضل دية
الرجل إذا أريد قتله بالمرأة (4) المعتضد بقول الأصحاب: " اقتص منهم
بعد رد الفاضل " كما أشرنا إلى ذلك سابقا، ولعل وجه الأول أن
الشركة في الفعل اقتضت الضمان المزبور قهرا على الشريك، لأن فعل كل
منهما باعتبار صار كأنه فعل الآخر بخلاف ما إذا أراد قتل الجميع، إذ
لم يكن له حتى يدفع كي يستحق استيفاء حقه، لقاعدة لا ضرر ولا ضرار،
وفي الحقيقة هو كالتقابض في المعاوضة، فتأمل جيدا.

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 0 -
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 0 -
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(4) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس.
74

المسألة (الرابعة:)
(إذا اشترك عبد وحر في قتل حر عمدا قال في النهاية: للأولياء أن
يقتلوهما ويؤدوا إلى سيد العبد ثمنه أو يقتلوا الحر، ويؤدي سيد العبد
إلى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم، أو يسلم العبد إليهم، أو يقتلوا
العبد وليس لمولاه على الحر سبيل) ونحوه عن المقنعة والاصباح والمهذب.
إلا أنه كما ترى شئ غريب لا ينطبق على قاعدة ولا اعتبار، بل
هما معا على خلافه، ضرورة اقتضائهما في الأولى رد نصف دية الحر على
وليه، لأن جنايته ليست إلا نصفا وعدم رد شئ على مولى العبد إلا
ما يزيد على قدر جنايته، وفي الثانية يرد مولى العبد على ولي الحر العبد
يسترقه أو منه قدر جنايته، فإن كان ذلك نصف الدية وإلا أكمله الولي،
أو يرد مولى العبد العبد على ولي المقتول يسترقه أو منه قدر جنايته،
وهو يغرم نصف الدية لولي المقتول، وفي الثالثة يرد الولي على المولى
ما زاد على قدر جنايته ويبقى له على الحر نصف دية، أو يرد الحر ذلك
فإن زاد رجعه إلى الولي.
(و) من هنا قال المصنف وغيره: (الأشبه) بأصول
المذهب وقواعده (أن مع قتلهما يؤدون إلى الحر نصف ديته) الذي
هو الزائد على قدر جنايته (ولا يرد على مولى العبد شئ ما لم يكن
قيمته أزيد من نصف دية الحر، فيرد عليه الزائد) ما لم يتجاوز دية
الحر، فإن تجاوزها رد إليهما ولم يرد على مولاه إلا نصفها.
وإن قتلوا الحر خاصة ففي القواعد وغيرها " أدى مولى العبد نصف
دية الحر أو يدفع العبد ليسترقه ورثته، وليس لهم قتله ".
75

وإليه يرجع ما في المسالك من أنه " إن كان المقتول الحر خاصة
فالمردود على وليه نصف ديته، وهو واضح، وأما مولى العبد فيلزمه
أقل الأمرين من جنايته وهو نصف الدية ومن قيمة عبده، لأن
الأقل إن كان هو الجناية فلا يلزم الجاني سواها، وإن كان هو قيمة العبد
فلا يجني على أكثر من نفسه، ولا يلزم مولاه الزائد، ثم إن كان الأقل
هو قيمة العبد فعلى ولي المقتول كمال نصف الدية لأولياء الحر ".
قلت: قد يقال: إن المتجه بحسب القواعد ضمان الولي للحر نصف
الدية، ويبقى له الحق على العبد، فإن شاء استرقه إذا كانت قيمته قدر
جنايته، وإلا استرق منه ما يقابلها وبقي الزائد لمولاه، وإن نقصت فليس له
على المولى شئ، لأنه لا يجني على أكثر من نفسه، وذلك لعدم دليل
يقتضي استحقاق ولي الحر المقتول على العبد شيئا إلا القياس على ما جاء في
الأحرار، وليس من مذهبنا، اللهم إلا أن يكون من التنقيح المعلوم
باجماع ونحوه أو يكون مستنده خبر أبي بصير (1) الذي عرفت اختلاله
من وجوه.
(وإن قتلوا العبد) خاصة وكانت قيمته مساوية لجنايته أي
نصف دية الحر أو أقل فلا شئ لمولاه، ويبقى للولي على الحر نصف
الدية (و) إن (كانت قيمته زائدة عن نصف دية المقتول أدوا
إلى مولاه الزائد) ولو مما يأخذونه من نصف الدية من الحر (فإن
استوعبت الدية) بتمامها دفع كله إليه، وإن زاد عليها رد إليها، لعدم
تجاوز قيمة العبد في الجناية دية الحر (وإلا) تستوعبها قيمته بل
كانت أقل دفع للمولى الزائد على قدر الجناية (وكان تمام الدية لأولياء
الأول).

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
76

(وفي هذه اختلاف للأصحاب): منها ما سمعته من النهاية
وغيرها، ومنها ما عن الكافي والسرائر من أنه يقتلهما ويرد قيمة العبد على
سيده وورثة الحر.
ولكن في كشف اللثام: " يمكن بناؤه على مساواة قيمته دية الحر،
فيرد نصفها على سيده ونصفها على ورثة الحر ".
وهو كما ترى في غاية البعد، خصوصا بعد قولهما: " وإن اختار
قتل الحر فعلى سيد العبد نصف ديته لورثته، وإن اختار قتل العبد قتله
وأدى الحر إلى سيده نصف قيمته " وإن كان يمكن تنزيله أيضا على ما
لا ينافي ذلك، ومن هنا قال في المسالك: " ولا يخفى ضعف ذلك على
إطلاقه ".
قلت: وأما ما سمعته من النهاية ومحكي المقنعة والمهذب والاصباح
من أنه في صورة قتل العبد خاصة ليس للمولى على الحر سبيل، بل عن
ابن زهرة نسبته إلى الأكثر وأنه الظاهر في الروايات فإن كان المراد به
ما أشرنا إليه من عدم رجوع للمولى على الشريك وإنما رجوعه على الولي
القاتل فهو حسن، وإلا فلا وجه له في صورة زيادة قيمته على قدر
جنايته.
(و) كيف كان ف‍ (ما اخترناه أنسب ب‍) قواعد
(المذهب) في الجنايات، وعليه عمل المشهور، بل ما سمعته من
الأقوال السابقة لا يفي به إلا نصوص خاصة لم نعثر على شئ منها، نعم
في خبر إسحاق بن عمار (1) " إن شاء قتل الحر وإن شاء قتل العبد،
فإن اختار قتل الحر ضرب جنبي العبد " وليس فيه شئ مما سمعته منهم.
وعن الاستبصار أن قوله (عليه السلام): " ضرب " إلى آخره

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب القصاص في النفس الحديث 7.
77

لا يدل على أنه لا يجب على مولاه أن يرد على ورثة المقتول الثاني نصف
الدية أو يسلم العبد إليهم، لأنه لو كان حرا لكان عليه ذلك على
ما بيناه، فحكم العبد حكمه على السواء، وإنما يجب مع ذلك التعزير كما
يجب على الأحرار.
وبالجملة لا إشكال في شئ منها بحمد الله إلا ما أشرنا إليه من
مساواة حكم شركة الأحرار للمقام، وعليه فلا إشكال في أنه ليس لأولياء
الحر المقتول قصاصا قتل العبد مع دفعه إليهم، لعدم تعلق حق جناية لهم
في رقبته، وإنما كانت للمقتول الأول الذي فرض عدم إرادة وليه
القتل، وعن الغنية الاجماع على ذلك، وقد سمعت القطع به من الفاضل
أيضا، والله العالم.
المسألة (الخامسة:)
التي تعلم مما سمعته في سابقتها وهي ما (لو اشترك عبد وامرأة في
قتل حر) مسلم (فللأولياء قتلهما) بلا خلاف ولا إشكال (ولا رد)
على المرأة) لعدم بقاء شئ لها زائد على جنايتها التي هي نصف نفس
(ولا على العبد إلا أن تزيد قيمته عن نصف الدية) الذي هو قدر
جنايته (فيرد) حينئذ (على مولاه الزائد) ما لم يتجاوز دية
الحر التي يرد إليها.
(ولو قتلت المرأة به) خاصة (كان لهم استرقاق العبد)
كما في غيره من جناية العمد (إلا أن يكون قيمته زائدة عن نصف
دية المقتول) الذي هو جناية العبد (فيرد على مولاه ما فضل)
إن شاء، وإلا بقي على ملكه مشتركا معهم.
78

وإن فداه ورضي الولي ففي كشف اللثام " فداه بقيمته إن لم تزد
على النصف، وإلا فبالنصف " وفيه أن ذلك يتبع التراضي ولو بالزائد
على النصف، اللهم إلا أن يدعي أن الفداء شرعا كذلك، فمع الرضا به
يتعين عليه القبول على الوجه المزبور أو أن إطلاقه يقتضي ذلك، والله العالم.
(وإن قتلوا العبد) خاصة (وقيمته بقدر جنايته) أي
نصف الدية (أو أقل فلا رد) على مولاه لعدم فوات شئ زائد على
قدر الجناية عليه (وعلى المرأة دية جنايتها) أي النصف الآخر تؤديه
إليهم (وإن كانت قيمته أكثر من نصف الدية ردت عليه المرأة ما
فضل من قيمته، فإن استوعب دية الحر) فذاك (وإلا كان الفاضل
لورثة المقتول أولا) نحو ما سمعته سابقا، وذلك كله واضح بعد
الإحاطة بما ذكرناه سابقا.
مع أن صحيح ضريس (1) دال على بعض ذلك، قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة وعبد قتلا رجلا خطأ، فقال:
إن خطأ المرأة والعبد مثل العمد، فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما
قتلوهما، قال: فإن كان قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا
على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم، وإن أحبوا أن
يقتلوا المرأة ويأخذوا العبد أخذوا إلا أن تكون قيمته أكثر من خمسة
آلاف درهم، فليردوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم
ويأخذوا العبد أو يفتديه سيده، وإن كانت قيمة العبد أقل من خمسة
آلاف درهم فليس لهم إلا العبد " وإن كان في متنه بعض الاختلال،
كالحكم بأن خطأ المرأة والعبد عمد، وإطلاق دفع الزائد وأخذ العبد الذي
ينبغي تقييده برضا المولى، كاطلاق فداء المولى الذي ينبغي تقييده برضا

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
79

الأولياء، إلا أن ذلك لا ينافي الاستدلال على بعض الأحكام المزبورة
التي قد صرح فيه بها في صورة العمد، والله العالم.
المسألة السادسة:
لو اشتراك رجل وخنثى في قتل رجل فللولي قتلهما بعد رد الفاضل
من ديتهما وهو النصف من الرجل والربع من الخنثى التي ديتها ثلاثة
أرباع دية الرجل أي نصف دية المرأة ونصف دية الرجل.
ولو كان معهما امرأة قتلوا ورد عليهم دية وربع، للرجل ثلثا
دية، وللمرأة سدسها، وللخنثى ثلثها ونصف سدسها.
ويظهر ذلك بفرض الدية اثني عشر جزء، فدية المرأة ستة، ودية
الخنثى تسعة، وكل منهما ومن الرجل إنما جنى الثلث، ففضل للرجل
الثلثان ثمانية أجزاء، وللمرأة جزءان، وللخنثى خمسة، والمجموع خمسة عشر.
وقال المفيد في ما حكي عنه بناء على مختاره من تقسيم الجناية على
الرجل والمرأة أثلاثا: (فيكون للرجل ثلث وتسع من اثني عشر ألف درهم
وخمسمائة درهم، وهو خمسة آلاف درهم وخمسمائة درهم وخمسة وخمسون
درهما ونصف وحبتان وثلثا حبة، وللخنثى الثلث، وهو أربعة آلاف
درهم ومائة وستة وستون درهما وثلثا درهم، وللمرأة خمس وتسع خمس،
فيكون ألفي درهم وسبعمائة وسبعة وسبعين درهما وأربعة دوانيق وخمس
حبات وثلث حبة، فذلك تكملة الاثني عشر ألف درهم وخمسمائة درهم "
انتهى.
قيل: وذلك لأن للرجل ضعف ما للأنثى، وللخنثى نصف ما
للرجل ونصف ما للأنثى، فإذا جزأنا ما يرد عليهم خمسة وأربعين كان
80

للرجل عشرون، وللمرأة عشرة، وللخنثى خمسة عشر، وذلك ما ذكره،
وأراد بالحبة حبة شعير.
ولو اشترك رجل وخنثى في قتل امرأة قتلا بعد رد ثلاثة أرباع
الدية إلى الرجل، لأنه إنما جنى بقدر نصف ديتها، ورد نصف الدية
إلى الخنثى لذلك.
وإن جامعهما امرأة رد عليهم قدر دية رجل وخنثى
موزعة على الجميع كل على نسبته وقتلهم.
وبما ذكرناه وذكره المصنف ظهر لك الحال في جميع صور المباشرة
والتسبيب انفرادا واجتماعا وإن أطنب بها في القواعد وغيرها على وجه
يفيد الناظر فيها تشويشا، ولكن حاصلها لا يخرج عما ذكرناه، والحمد
لله تعالى.
الفصل الثاني
(في الشروط المعتبرة في القصاص)
(وهي خمسة:)
(الأول:)
(التساوي في الحرية أو الرق) على معنى عدم قتل الحر بالعبد
لا العكس، كما ستعرف إن شاء الله (فيقتل الحر بالحر) كتابا (1)

(1) سورة البقرة: 2 الآية 178.
81

وسنة (1) وإجماعا بقسميه، بل وضرورة،
بل (وبالحرة) ولكن
(مع رد فاضل ديته) النصف بلا خلاف فيه، بل الاجماع بقسميه
عليه، مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة التي مر بعضها.
(ومنها) خبر أبي بصير (2) عن أحدهما (عليهما السلام) " إن قتل
رجل امرأة وأراد أهل المرأة أن يقتلوه أدوا نصف الدية إلى أهل الرجل "
و (منها) خبر أبي بصير (3) عن أحدهما (عليهما السلام) أيضا
" قلت له: رجل قتل امرأة، فقال: إن أراد أهل المرأة أن يقتلوه
أدوا نصف ديته وقتلوه، وإلا قبلوا نصف الدية ".
و (منها) خبر أبي مريم (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) " أتى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) برجل ضرب امرأة حاملا بعمود
الفسطاط فقتلها، فخير رسول الله (صلى الله عليه وآله) أولياءها أن
يأخذوا الدية خمسة آلاف وغرة وصيف أو وصيفة للذي في بطنها، أو يدفعوا
إلى أولياء الرجل القاتل خمسة آلاف ويقتلوه " إلى غير ذلك من النصوص.
ولو امتنع الولي من رد الفاضل أو كان فقيرا ففي القواعد " الأقرب
أن له المطالبة بدية الحرة وإن لم يرض القاتل، إذ لا سبيل إلى طل الدم ".
وفيه أن المتجه العدم بناء على أن الأصل فيها القود، والدية إنما تثبت
صلحا موقوفا على التراضي، فمع عدم رضا القاتل تقف مطالبته بالقصاص
على بذل الولي الزائد، وامتناعه عن ذلك لا يوجب الدية، بل وكذا
فقره، بل أقصاه التأخير إلى وقت الميسرة، وليس مثل ذلك طلا،
كما هو واضح.

(1) الوسائل الباب 19 و 31 من أبواب القصاص في النفس.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 6 - 7 - 5.
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 6 - 7 - 5.
(4) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 6 - 7 - 5.
82

(و) كذا تقتل (الحرة بالحرة وبالحر) كتابا (1)
وسنة (2) مستفيضة أو متواترة وإجماعا بقسميه، وما في بعض النصوص (3)
عن جعفر (عليه السلام) " أن رجلا قتل امرأة فلم يجعل علي (عليه
السلام) بينهما قصاصا وألزمه الدية " محمول على نفيه من دون رد،
أو على جواز الصلح على الدية في ما فيه القصاص أو غير ذلك.
(و) على كل حال فإذا قتلت الحرة بالحر (لا يؤخذ ما
فضل) من دية الحر من تركتها أو من الولي كما في الخبر (4) الآتي
(على الأشهر) بل المشهور، بل لا نجد فيه خلافا وإن أشعرت به
عبارة المتن وغيره، مع احتمال إرادة الأشهر رواية، فإن في صحيح
الحلبي (5) عن الصادق (عليه السلام) " إن قتلت المرأة الرجل قتلت
به، وليس لهم إلا نفسها " وفي صحيح ابن سنان (6) " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في امرأة قتلت زوجها متعمدة: إن
شاء أهله أن يقتلوها قتلوها، وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه "
وفي خبر هشام بن سالم (7) عنه (عليه السلام) أيضا " في المرأة تقتل
الرجل، قال: لا يجني الجاني على أكثر من نفسه " إلى غير ذلك من
النصوص الموافقة لقوله تعالى (8): " أن النفس بالنفس " وغيره من
أدلة القصاص.
بل لم نعثر على ما ينافيها من النصوص إلا خبر أبي مريم (9) عن

(1) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(2) الوسائل الباب 19 و 33 من أبواب القصاص في النفس.
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 16 - 17 - 3 - 1 - 10 - 17.
(4) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 16 - 17 - 3 - 1 - 10 - 17.
(5) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 16 - 17 - 3 - 1 - 10 - 17.
(6) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 16 - 17 - 3 - 1 - 10 - 17.
(7) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 16 - 17 - 3 - 1 - 10 - 17.
(8) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(9) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 16 - 17 - 3 - 1 - 10 - 17.
83

أبي جعفر (عليه السلام) قال " في امرأة قتلت رجلا، قال: تقتل،
ويؤدي وليها بقية المال " المخالف للكتاب (1) والسنة (2) والقاصر
سندا ولا جابر له، بل رماه غير واحد بالشذوذ الموافق مع ذلك للعامة
المحتمل للانكار والاستحباب، ومع ذلك قد عرفت عدم قائل بمضمونه،
كما اعترف به غير واحد، بل حكى آخر الاجماع خلافه.
نعم قيل: يحكى عن الراوندي حمل الرواية على يسار المرأة والصحاح
على إعسارها، وظاهره المخالفة في الجملة، وعن تفسير علي بن إبراهيم (3)
" أن قوله تعالى (4): الحر بالحر.. والأنثى بالأنثى ناسخ لقوله
تعالى (5): النفس بالنفس " وظاهر أنه لا يكتفى بالقصاص منها.
وفي المروي عن رسالة المحكم والمتشابه باسناده (6) عن علي (عليه
السلام) في حديث " ومن الناسخ ما كان مثبتا في التوراة من الفرائض
في القصاص، وهو قوله تعالى (7): وكتبنا عليهم فيها أن النفس
بالنفس والعين بالعين إلى آخرها فكان الذكر والأنثى والحر والعبد
شرعا، فنسخ الله ما في التوراة بقوله تعالى (8): كتب عليكم القصاص
في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فنسخت هذه الآية
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ".
وفي الوسائل " النسخ هنا بمعنى التخصيص، فلا ينافي ما مر من
أنها محكمة، لبقاء العمل بها بعده " وأشار بذلك إلى موثق زرارة (9) عن
أحدهما (عليهما السلام) " في قول الله عز وجل (10): النفس بالنفس والعين

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 0 - 19 - 11.
(3) المستدرك الباب 30 من أبواب القصاص في النفس الحديث 4.
(4) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(5) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(6) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 0 - 19 - 11.
(7) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(8) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(9) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 0 - 19 - 11.
(10) سورة المائدة: 5 الآية 45.
84

بالعين والأنف بالأنف الآية قال: هي محكمة ".
وهو حسن، وإلا فطرح الرواية الأولى متعين، للاجماع بقسميه
على جواز قصاص الذكر من الأنثى وبالعكس، مضافا إلى النصوص
المستفيضة أو المتواترة (1) وخبر أبي مريم (2) على تقدير العمل به لا ينافيه،
إذ هو أمر آخر.
وأغرب من ذلك ما عن بعض من أن قوله تعالى (3): " الحر
بالحر " الآية منسوخ بقوله تعالى (4): " النفس بالنفس " الذي هو
حكاية ما في التوراة، مع أن الأصل عدم النسخ، ولا منافاة بينهما،
وعلى تقديره فهو بالتعميم والتخصيص، فيخص حينئذ قوله تعالى:
" النفس بالنفس " إلى آخرها بقوله تعالى: " الحر بالحر ".
وبالجملة لا تأمل في الحكم المزبور، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه،
مضافا إلى ما عرفت.
هذا كله في النفس، أما الأطراف فلا خلاف ولا إشكال في أنه
يقتص للرجل منها من دون رجوع له زائد عن الجرح.
(و) كذا لا خلاف ولا إشكال في أنه (يقتص للمرأة من
الرجل في الأطراف من غير رد،
وتتساوى ديتهما) في ذلك (ما لم يبلغ) جراحة المرأة (ثلث دية الجرح) أو تتجاوزه على خلاف
تسمعه إن شاء الله.
(ثم) إنها إذا بلغة أو تجاوزته دية أو جناية (ترجع إلى
النصف) من الرجل فيهما معا (ف‍) لا (يقتص لها منه) إلا

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 0 - 17.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 0 - 17.
(3) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(4) سورة المائدة: 5 الآية 45.
85

(مع رد التفاوت) على حسب ما سمعته في النفس، للنصوص (1)
المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب من غير خلاف محقق أجده فيه، بل
عن الخلاف الاجماع عليه.
قال أبان بن تغلب في الصحيح (2): " قلت: لأبي عبد الله (عليه
السلام): ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال:
عشر من الإبل، قلت: قطع اثنتين، قال: عشرون، قلت: قطع
ثلاثا، قال: ثلاثون، قلت: قطع أربعا، قال: عشرون، قلت: سبحان
الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون
إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله، ونقول: الذي جاء به
شيطان، فقال: مهلا يا أبان، إن هذا حكم رسول الله (صلى الله عليه
وآله) إن المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت
إلى النصف يا أبان إنك أخذتني بالقياس، والسنة إذا قيست محق الدين ".
وفي حسن جميل أو صحيحه وغيره (3) " سأله بين المرأة والرجل
قصاص، قال: نعم في الجراحات حتى يبلغ الثلث سواء، فإذا بلغت
الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة " إلى غير ذلك من النصوص.
نعم عن الشيخ في النهاية ما لم تتجاوز الثلث، قال فيها:
" وتتساوى جراحهما ما لم تتجاوز ثلث الدية، فإذا بلغ ثلث الدية نقصت
المرأة ويزيد الرجل ".
ولعله لنحو قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور (4):
(فإذا جاز الثلث كان في الرجل الضعف) وفي خبر أبي بصير (5)

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب قصاص الطرف الحديث 0 - 3 - 4 - 2.
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 من كتاب الديات.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب قصاص الطرف الحديث 0 - 3 - 4 - 2.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب قصاص الطرف الحديث 0 - 3 - 4 - 2.
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب قصاص الطرف الحديث 0 - 3 - 4 - 2.
86

جراحات المرأة والرجل سواء إلى أن تبلغ ثلث الدية، فإذا جاز ذلك
تضاعف جراحة الرجل على جراحة المرأة ضعفين " وفي الصحيح (1)
" الرجال والنساء في القصاص السن بالسن والشجة بالشجة والإصبع
بالأصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية، فإذا جازت الثلث جرت
دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية ودية النساء ثلث الدية " إلى غير
ذلك من النصوص.
وفي كشف اللثام " وأخبار الأول أكثر وأصح، لكن ربما يمكن
فهم التجاوز من نحو قوله (عليه السلام): " فإذا بلغت الثلث ارتفع
الرجل " فإن مثل هذه العبارة ليست بعزيزة في إرادة المجاوزة، ولعله
للإشارة إليه وقع ما سمعته من عبارة النهاية. وعلى الجملة فلعل الاجماع
منعقد على التساوي قبل بلوغ الثلث، وعلى أنه إذا بلغته أو جاوزته
كانت المرأة على النصف ".
وفيه منع تعارف التعبير عن المجاوزة بذلك، وستسمع احتمال المراد
في النهاية، ودعوى كون الاجماع على الوجه الذي ذكره واضحة المنع،
خصوصا بعد ملاحظة عدم الفائدة في جعل الشرط أحدهما، ضرورة
الاستغناء بأولهما عن ثانيهما، واحتمال كون المراد من الاجماع المزبور أن
الشرط أحد الأمرين على القولين بمعنى لا قائل بغيرهما لا يفيد شيئا
في تحقيق المسألة، فليس إلا الترجيح فيها، ولا ريب في كونه الثلث
لأن النصوص المعارضة مع قصور سند جملة منها وعدم مكافأتها لما مر
من وجوه شتى غير واضحة الدلالة إلا من حيث مفهوم اشتراط الجواز
في الذيل، وهو معارض بمفهوم الغاية في الصدر، والجمع بينهما كما يمكن
بصرف مفهوم الغاية إلى الشرط كذا يمكن بالعكس، فلا يمكن الاستدلال

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب قصاص الطرف الحديث 16.
87

بها إلا مع المرجح المفقود في المقام إن لم نقل بوجوده على الخلاف من
جهة الشهرة والصحاح المستفيضة وحكاية الاجماع المتقدمة. وبالجملة
فدلالة النصوص على خلافها غير واضحة، لتعارض المفهومين فيها
بلا شبهة.
ومن هنا ينقدح وجه التردد في نسبة الخلاف إلى النهاية، وقريب
منها عبارة الارشاد، ولولا شهرة نسبة الخلاف إلى النهاية لأمكن القول
بأن النص بالتجاوز عن الثلث فيها إنما وقع مسامحة أو نظرا إلى كون
البلوغ إلى الثلث من دون زيادة ولا نقيصة من الأفراد النادرة غاية
الندرة، بل قد يقال بعد فرض تعارض الأدلة وتكافئها من كل وجه:
إن الأصل كون المرأة على الضعف من الرجل ولو باستقراء غير المقام.
فقد ظهر لك أنه لو قطع الرجل إصبعا أو إصبعين أو ثلاثا من
المرأة قطع مثلها منه قصاصا من غير رد، ولو أخذت الدية أخذت كدية
أصابعه، ولو قطع أربعا منها لم تقطع الأربع منه إلا بعد رد دية إصبعين،
ولو أخذت منه الدية أخذت منه عشرين بعيرا دية إصبعين منه، كما سمعت
التصريح به في خبر أبان بن تغلب (1).
وهل لها إذا قطع الأربع منها القصاص في إصبعين منه من دون
رد؟ إشكال من تحقق العمل بمقتضى التفاوت بينهما وهو الأخذ لها بالنصف
مما له، وأنه كان لها قطعهما إذا قطعت منها اثنتان فقط فلها ذلك إذا
قطعت منها أربع، لوجود المقتضي وهو قطع اثنين وانتفاء المانع، فإن
الزائد لا يصلح مانعا، ومن أنه خارج عن فتوى الأصحاب والأخبار،
فإن الوارد فيها إما أخذ الدية عشرين من الإبل مثلا أو القصاص ورد
عشرين عليه، وهو ليس شيئا منهما، وقصاص البعض ليس قصاصا، ومنع

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 من كتاب الديات.
88

انتفاء المانع، فإن الزيادة في الجناية كما منعت أخذ ثلاثين من الإبل فلم
لا تمنع القصاص في إصبعين.
ولكن لا يخفى عليك ما في الأخير، ضرورة اقتضاء إطلاق ما في
النص والفتوى من الرجوع إلى النصف مع التجاوز أن لها القصاص في
الإصبعين.
اللهم إلا أن يقال: إن التنصيف في الأربعة مشاع فلا طريق إلى
استيفائه إلا بدفع الفاضل وقطع الأربع، وإلا فالاثنان ليس نصف الأربعة
على الوجه المزبور الذي هو بعد التجاوز استحقاقها في كل إصبع نصفا،
نحو قتل النفس المقتضي لاستحقاق قتل نصف نفس الرجل.
وفيه أن الدليل غير منحصر في التنصيف المزبور، بل هو غيره مما
عرفت، مضافا إلى صدق التنصيف بذلك عرفا، نعم يقوى الاشكال
لو طلبت القصاص في ثلاث والعفو عن الرابع، بل الظاهر العدم،
لكونه مخالفا للتنصيف الحاصل بالزيادة المزبورة، فليس لها إلا الإصبعان
قصاصا أو دية، لانحصار حقها فيهما فتتخير حينئذ بين قطعهما وبين قطع
الأربع ورد الزائد.
نعم قد يقال: إن لها مع الرد بناء على تخييرها فيه بين رد
دية الإصبعين وقطع الأربع وبين رد دية واحد وقطع الثلاث، كما أنها
مخيرة في القصاص من دون رد بين قطع الإصبعين وبين قطع واحد
وأخذ دية الآخر وإن كنت لم أجد من صرح بذلك.
وعلى كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه ليس للرجل الامتناع
من ذلك بأن يقول لها: إما أن تأخذي الدية ولا تقطعي شيئا من أصابعي
أو تقطي الأربع وتردي علي دية اثنين، وإن احتمل بناء على أن الثابت
لها بالأصالة إنما هو الدية أو القصاص في الأربع مع رد الفاضل، وأما
89

القصاص في اثنين فهو عوض عنهما فلا يثبت لها إلا صلحا، ولكنه كما
ترى بعد الإحاطة بما ذكرنا.
ولو طلبت الدية لم يكن لها أكثر من دية إصبعين، وليس لها أن
تطلب دية ثلاث وتعفو عن الرابع، لمخالفته ما سمعته من النص والفتوى.
نعم الظاهر أن الحكم المزبور إذا كان القطع للأربع بضربة واحدة،
وأما لو كان بأربع ضربات يقطع بكل واحدة إصبعا أو بضربتين يقطع
بكل منهما إصبعين فالظاهر ثبوت دية الأربع أو القصاص في الجميع من
غير رد كما صرح به غير واحد، إذ كل ما جنى عليها جناية يثبت لها
حكمها، ولا دليل على سقوطه بلحوق جناية أخرى، والجناية الأخيرة
إنما هي قطع ما دون الأربع فلها حكمها، ولا تسقط بسبق أخرى،
والله العالم.
(ويقتل العبد بالعبد) كتابا (1) وسنة (2) وإجماعا في الجملة
(وبالأمة، والأمة بالأمة وبالعبد) إذا كانا لمالك واحد واختار
القصاص، تساويا قيمة أو تفاوتا، لأنه معنى القصاص، ومقتضى إطلاق
" النفس بالنفس " (3) و " العبد بالعبد " (4) وسأل إسحاق بن عمار (5)
الصادق (عليه السلام) " عن رجل له مملوكان قتل أحدهما صاحبه أله
أن يقيده به دون السلطان إن أحب ذلك؟ قال: هو ماله يفعل فيه
ما شاء، إن شاء فعل، وإن شاء عفا ".
وكذا لو كانا لمالكين وتساويا بالقيمة أو تفاوتا وكان القاتل الناقص،

(1) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب القصاص في النفس.
(3) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(4) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(5) الوسائل الباب 44 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
90

أما العكس ففي القواعد الأقرب أنه لا بد من الرد، وتبعه عليه غيره، لأن
القيمة في المملوك بمنزلة الدية في غيره، وقواه في المسالك، وظاهره في
التحرير التوقف كاللمعتين، ولكن فيه أنه كالاجتهاد في مقابلة إطلاق
النص كتابا (1) وسنة (2) والفتوى، بل عن الوسيلة التصريح بالقصاص
من غير رد، كما هو مقتضى إطلاق غيره، نعم لو لم يقتل وأراد
الاسترقاق استرق منه بقدر قيمة عبده، كما ستعرف إن شاء الله البحث فيه.
(ولا يقتل حر) ولو أنثى فضلا عن الذكر والخنثى (بعبد
ولا أمة) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع عليه بقسميه، مضافا
إلى ظاهر الآية (3) وقول النبي (صلى الله عليه وآله) (4) " لا يقتل
حر بعبد " وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (5): " من السنة أن
لا يقتل حر بعبد " وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي
وغيره (6): " لا يقتل الحر بالعبد " وإلى غير ذلك من غير فرق بين
عبد نفسه وعبد غيره والقن والمدبر وأم الولد والمكاتب المشروط والمطلق
حتى إذا أدى الكثير بناء على عدم خروجه عن حكم الرق بالنسبة إلى
ذلك، وسواء كانت قيمة العبد أقل من دية الحر أو أكثر أو مساوية،

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب القصاص في النفس.
(3) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(4) المستدرك الباب 36 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 وسنن البيهقي
ج 8 ص 35.
(5) سنن البيهقي ج 8 ص 34.
(6) الوسائل الباب 40 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 و 3 و 5.
91

فما عن أبي حنيفة من أنه يقتل بعبد غيره (و) النخعي وبعبد نفسه
واضح الفساد عندنا.
نعم (قيل) والقائل الشيخ في كتابي الأخبار وابنا حمزة وزهرة
وسلار وأبو الصلاح على ما حكي: (إن اعتاد الحر قتل العبيد) له
أو لغيره (قتل حسما للجرأة) وللفساد، بل عن كشف الرموز نسبته
إلى الشيخ وأتباعه وإن قيل: إنه أوهمه فيه بعض من تأخر عنه، بل
عن الغنية نفي الخلاف فيه على الظاهر، وعن أبي علي أنه أطلق قتله إذا
اعتاد قتل عبيده، وقال في عبيد الغير: إذا عرف بقتلهم قتل في الثالثة
أو الرابعة.
وعلى كل حال فذلك لما عرفت، ولخبر الفتح بن يزيد الجرجاني (1)
عن أبي الحسن (عليه السلام) " في رجل قتل مملوكه أو مملوكته قال:
إن كان المملوك له أدب وحبس إلا أن يكون معروفا بقتل المماليك
فيقتل به ".
وخبر يونس (2) عنهم (عليهم السلام) قال: " سئل عن رجل
قتل مملوكه، قال: إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضربا شديدا
وأخذ منه قيمة العبد، فتدفع إلى بيت مال المسلمين، وإن كان معودا
بالقتل قتل به ".
وخبر السكوني (3) عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) " إن
عليا (عليه السلام) قتل حرا بعبد " بناء على تنزيله على المعتاد،

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2.
والأول عن أبي الفتح الجرجاني ولكن الموجود في الكافي ج 7 ص 303 والتهذيب ج 10
ص 192 والاستبصار ج 4 ص 273 عن الفتح بن يزيد الجرجاني.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) الوسائل - الباب 40 من أبواب القصاص في النفس الحديث 9.
92

ولكنها مع أنها ظاهرة في قتل مماليكه لا الأعم منهم ومن غيرهم
ضعيفة ولا جابر، ودعوى أنه نفى الخلاف المزبور بعد تبين عدمه
كما ترى.
وما في الرياض من أنه حسن والنصوص شاهدة عليه، ولا منافاة
بينها وبين ما مر من الأدلة بعدم قتل الحر بالعبد، لظهورها في النفي
على جهة القصاص ونحن نقول به، ولكن لا ينافي ثبوته من جهة الفساد
يدفعه أنها قاصرة عن ثبوته أيضا من هذه الجهة، ضرورة أنك قد عرفت
عدم القتل حدا بمطلق الفساد، بل هو في المحارب الذي لا يندرج فيه
مثل ذلك، وعلى تقديره فهو خروج عما نحن فيه.
وحينئذ فالمتجه عدم قتله به مطلقا، كما هو المحكي عن الشيخين
والصدوق وابن أبي عقيل والجعفي وابني البراج وحمزة والصهرشتي والطبرسي
وابن إدريس والفاضلين وغيرهم، بل عليه كافة الأصحاب عدا من عرفت.
وعلى تقديره فلا رد للفاضل من ديته على قيمة المقتول إذا قتل به
لاعتياده وإن حكي عن المراسم والوسيلة والجامع، لظهور كلامهم، بل
هو صريح المحكي عن ابن زهرة منهم في أن ذلك حد لا قصاص كي
يتجه الرد، واحتماله حتى على الأول واضح الفساد.
لكن في القواعد الاشكال في ذلك، ولعله للاشكال في أنه قصاص
كما يشعر به لفظ " به " في الأخبار - أو حد، كما عن الشيخ وغيره، ولكن
المحكي عن أكثر القائلين به عدم ذكر الرد، فلا بأس بحمل الباء على
السببية، والله العالم.
(ولو قتل المولى عبده) القن عمدا (كفر) كفارة الجمع
(وعزر ولم يقتل به) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل
93

ولا إشكال في الأول، لعموم الأدلة وخصوص النصوص (1) المصرح
فيها بأنها كفارة جمع، ولا ينافيها ما في بعضها (2) من ظهور التخيير
أو الاستحباب الذي يمكن إرجاعه إلى غيره، ويكون الحكم مفروغا منه،
وكذا في الثاني الذي نص عليه خبرا يونس والجرجاني المتقدمان (3)
وغيرهما، وفي بعضها (4) " ضربه مائة وحبسه " بل عن الجامع ما في خبر
جابر (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) من نفيه عن مسقط رأسه.
(و) إنما الكلام في ما (قيل) من أنه (يغرم قيمته
ويتصدق بها) والقائل المشهور، بل في غاية المراد (هو قريب من
المتفق عليه، فإن أكثر الأصحاب نصوا على الصدقة بثمنه، كالشيخين
وسلار وأبي الصلاح وابن البراج والصهرشتي وابن حمزة والطبرسي وابني
زهرة وإدريس، وهو قول صاحب الفاخر إلا أنه ذكره عقيب قتله
تقريبا، وما وجدت فيه مخالفا إلى ابن الجنيد، فإنه أورده بصيغة
وروي " وعن الغنية نفي الخلاف فيه، وفي كشف الرموز " لا أعرف
فيه مخالفا " وعن المهذب البارع " أنه قريب من الاجماع " وفي المسالك
" لم يخالف صريحا إلا ابن الجنيد، فإنه أورده بصيغة وروي " وهو المحكي
أيضا عن فخر المحققين، قيل: وكأنه مال إليه الآبي وأبو العباس.
لكن ومع ذلك كله قال المصنف: (وفي المستند ضعف)
سندا ودلالة مشعرا بالميل إلى العدم كالفاضل والمقداد، بل هو صريح
ثاني الشهيدين في المسالك وظاهر الأردبيلي أو صريحه، وذلك لأن مستنده

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب القصاص في النفس الحديث 0 - 5 - 9.
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 و 3.
(3) الوسائل الباب 38 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 و 2.
(4) الوسائل الباب 37 من أبواب القصاص في النفس الحديث 0 - 5 - 9.
(5) الوسائل الباب 37 من أبواب القصاص في النفس الحديث 0 - 5 - 9.
94

خبر يونس (1) المتقدم المرسل بناء على إرادة الصدقة مما فيه من أخذ
القيمة وجعلها في بيت المال وخبر مسمع (2) عن الصادق (عليه السلام)
(أن أمير المؤمنين (عليه السلام) رفع إليه رجل عذب عبده حتى
مات فضربه مائة نكالا، وحبسه سنة، وغرمه قيمة العبد، فتصدق
بها عنه " وفي طريقها سهل بن زياد، وضعفه مشهور، ومحمد بن الحسن
ابن شمون، وهو غال ضعيف جدا، وعبد الله بن عبد الرحمان الأصم،
وهو ضعيف وليس بشئ، المشتمل مع ذلك على الحبس سنة ولا قائل
به، بل هو قضية عين فيمن عذب عبده حتى مات، وهو أخص من
المفروض، فلا يصلحان قاطعين للأصل المعتضد بخلو النصوص المعتبرة
المستفيضة (3) الواردة في مقام البيان والحاجة عن ذلك.
ولكن في ذلك كله مع أن الرواية المزبورة رواها في الفقيه بطريقه
إلى السكوني الذي لا يخفى سكون الأصحاب إلى روايته، وخصوصا في
هذه الأبواب، ولذا عد بعض خبره من القوي أنه مناف لما تحقق
في الأصول من جبر نحوهما بالأقل مما عرفت، فضلا عنه وعن عمل
ابني زهرة وإدريس اللذين لا يعملان إلا بالقطعيات، وخلو المعتبرة عنه
غير قادح بعد اشتمالهما عليه، بل أقصاه أنه كالاطلاق والتقييد، واشتمال
الخبر على الحبس الذي لم يقل به أحد غير قادح في الحجية في غيره بعد
انجباره، على أنه يمكن أن يكون ذلك من التعزير المنوط بنظر الحاكم.
كل ذلك مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (4) الآتية الدالة على عدم
قتل الحر بالعبد، وأنه يلزم الجاني بالقيمة ويعزر، فإنها مطلقة

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 - 0.
(3) الوسائل الباب 37 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 - 0.
(4) الوسائل الباب 40 من أبواب القصاص في النفس.
95

لا تنصيص في شئ منها بكون الجاني مولى للمجني عليه أم غيره فينسحب
الحكم فيها بتغريمه القيمة إلى هنا أيضا، غاية الأمر سكوتها عن مصرفها،
وحيث ثبتت القيمة باطلاقها كان مصرفها الفقراء إجماعا، ولعل الوجه
في عدم استدلالهم بها تخيل اختصاصها بحكم التبادر بالجاني غير المولى،
وأثره بعد تسليمه مندفع بفتوى الأصحاب على العموم، كما اندفع بها ما توجه
على ما مر النصوص، فالمسألة بحمد الله خالية عن الاشكال.
(و) على كل حال ف‍ (في بعض الروايات (1) وأفتى
به بعض الأصحاب أنه (إن اعتاد ذلك قتل به) وقد عرفت تحقيق
الحال فيه، والله العالم.
(ولو قتل) الحر (عبدا لغيره عمدا أغرم قيمته يوم قتل و)
لكن (لا يتجاوز بها دية الحر ولا بقيمة المملوكة دية الحرة) بلا خلاف
معتد به أجده في شئ من ذلك، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى
النصوص.
ففي خبر أبي بصير (2) عن أحدهما (عليهما السلام) إلى أن قال:
" ولا يقتل حر بعبد، ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم ثمنه دية العبد ".
وفي خبره الآخر (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " لا يقتل
حر بعبد وإن قتله عمدا، ولكن يغرم ثمنه ويضرب ضربا شديدا إذا قتله
عمدا، وقال: دية المملوك ثمنه ".
وفي خبر سماعة (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " يقتل العبد
بالحر ولا يقتل الحر بالعبد، ولكن يغرم ثمنه ويضرب ضربا شديدا حتى لا يعود ".

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب القصاص في النفس.
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 5 - 3.
(3) الوسائل الباب 40 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 5 - 3.
(4) الوسائل الباب 40 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 5 - 3.
96

وفي الصحيح (1) عنه (عليه السلام) أيضا (لا يقتل الحر بالعبد،
وإذا قتل الحر العبد غرم ثمنه وضرب ضربا شديدا).
وفي آخر (2) عنه (عليه السلام) أيضا (إذا قتل الحر العبد غرم قيمته
وأدب، قيل: فإن كانت قيمته عشرين ألف درهم، قال: لا يجاوز
بقيمة العبد دية الأحرار).
وفي خبر ابن مسكان (3) عنه (عليه السلام) أيضا (دية العبد قيمته وإن
كان نفيسا فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم، ولا يجاوز به دية الحر).
وفي خبر الحسن بن صالح (4) عنه (عليه السلام) أيضا (في
رجل حر قتل عبدا قيمته عشرون ألف درهم، فقال: لا يجوز أن
يجاوز بقيمة عبد أكثر من دية حر) إلى غير ذلك من النصوص.
فما عن ابن حمزة منا من ردها إلى أقل من دية الحر ولو بدينار
والشافعي ومالك من اعتبار القيمة ما بلغت واضح الفساد، بل لا نعلم
مستندا للأول إلا الفرق بين الحر والمملوك، وهو كالاجتهاد في مقابلة
النص، وإلا دعوى ما تسمعه من مرسل الإيضاح (5) (أن العبد لا يتجاوز
بقيمته دية مولاه) بناء على إرادة البلوغ من التجاوز فيه، ولكنه كما
ترى لا يستأهل أن يسطر.
نعم لم أجد في شئ مما وصل إلي من النصوص ذكر الأمة،
ولكن ظاهر الأصحاب بل صريح جماعة بل قيل إنه إجماع أنها كذلك
ما لم تتجاوز دية الحر، ولولاه لأشكل الحال، ضرورة كون الأصل
عدم الرد، مضافا إلى ظاهر النصوص السابقة من عدم تجاوز دية الحر

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 - 4.
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 - 4.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب ديات النفس الحديث 2 - 5 من كتاب الديات
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب ديات النفس الحديث 2 - 5 من كتاب الديات
(5) إيضاح الفوائد ج 4 ص 583.
97

لا الحرة، فلا يجدي حينئذ إرادة الأمة من العبد كما حكي عن القاموس،
إذ مقتضاه حينئذ ما ذكرناه، ومرسل الإيضاح الذي لم نجده في شئ
من نصوصنا يقتضي عدم تجاوز قيمة العبد الذكر دية مولاته إذا كانت
أنثى، وعدم تجاوز قيمة الأمة دية مولاها الذكر، وهو معلوم العدم،
فليس حينئذ إلا الاجماع المزبور.
ولو جنى عليه جناية فنقصت قيمته ثم مات من تلك الجناية ضمن
قيمته كملا، ولا يكتفى منه بأرش الجناية والقيمة يوم الموت، فقد يكون
أقل من تمام قيمة، والنقص إنما حصل من فعله.
(ولو كان) المقتول (ذميا) مملوكا (لذمي) أو
أمة ذمية لذمية (لم يتجاوز بقيمة الذكر دية مولاه ولا بقيمة الأنثى
دية الذمية) بلا خلاف أجده فيه، بل كأنه إجماع، وهو العمدة،
وإلا فلا دليل له من (في خ ل) النصوص السابقة، نعم في المسالك
ومحكي الإيضاح إرسال خبر (أن العبد لا يتجاوز بقيمته دية مولاه) (1)
ولم نجده في ما حضرنا من النصوص كما اعترف به في كشف اللثام، مع
أنه لا يتم في صورة ملك الذكر للأنثى وبالعكس، كما عرفت.
ولو كان للذمي عبد مسلم وجب بيعه عليه، فإن قتل قبل ذلك
بالأقرب أن ديته قيمته ما لم تتجاوز دية الحر المسلم وإن تجاوزت دية
مولاه، لاطلاق النص والفتوى مع ماله من شرف الاسلام. وربما احتمل
اعتبار عدم الزيادة على دية مولاه، لعدم استقرار الذمي على ملك المسلم،
ولما عن الإيضاح من عموم الخبر (أن العبد لا يتجاوز بقيمته دية مولاه) (2)
وفي المسالك نسبته إلى الرواية. ولا يخفى عليك ما في ذلك بعد الإحاطة
بما ذكرناه.

(1) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 583.
(2) إيضاح الفوائد: ج 4 ص 583.
98

و
العبد الذمي للمسلم كالمسلم في أن ديته قيمته ما لم تتجاوز دية الحر
المسلم كما نص عليه الفاضل وغيره، لاطلاق النصوص السابقة، وخصوص
خبر الإيضاح (1) وكون الرد على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على اليقين.
فما عساه يظهر من عبارة النافع بل هو المحكي عن صريح الأردبيلي
من اعتبار عدم تجاوز دية الحر الذمي والحرة الذمية لا يخلو من نظر،
ومن الغريب ما في الرياض حيث إنه بعد أن ذكر المختار قال: فإن تم
إجماعا وإلا فوجهه غير واضح، إذ قد عرفت أن الأمر بالعكس،
والله العالم.
(ولو قتل العبد حرا قتل به، ولا يضمن المولى جنايته، لكن
ولي الدم بالخيار) فيه (بين قتله واسترقاقه) بلا خلاف أجده في
شئ من ذلك، بل الاجماع بقسميه عليه، وهو الحجة بعد استفاضة
النصوص المعتبرة فيه.
ففي الصحيح (2) عن أحدهما (عليهما السلام) (في العبد إذا قتل
الحر دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا استرقوه).
وفي مرسل أبان بن تغلب (3) عن الصادق (عليه السلام) (إذا
قتل العبد الحر دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا
حبسوه، وإن شاؤوا استرقوه يكون عبدا لهم).
وفي خبر يحيى بن أبي العلاء (4) عنه (عليه السلام) أيضا (إذا قتل
العبد الحر فلأهل المقتول إن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا استعبدوا).
وفي خبر ابن مسكان (5) عنه (عليه السلام) أيضا (إذا قتل

(1) إيضاح الفوائد ج 4 ص 583.
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 1 - 2 - 4 - 6.
(3) الوسائل الباب 41 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 1 - 2 - 4 - 6.
(4) الوسائل الباب 41 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 1 - 2 - 4 - 6.
(5) الوسائل الباب 41 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 1 - 2 - 4 - 6.
99

العبد الحر فدفع إلى أولياء الحر فلا شئ على مواليه).
إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة بالنسبة إلى الأخير بما دل من
النصوص أيضا على أن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه (1) وأن المولى
لا يضمن جناية عبده (2) وأن العبد لا يغرم أهله وراء نفسه شيئا (3)
وبالنسبة إلى الأول بالاجماع وغيره.
(و) حينئذ ف‍ (ليس لمولاه فكه مع كراهية الولي)
لما سمعته من النصوص الظاهرة في كون التخيير إليه، وخبر الوابشي (4)
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم ادعوا على عبد جناية تحيط
برقبته فأقر العبد بها، قال: لا يجوز إقرار العبد على سيده، فإن أقاموا
البينة على ما ادعوا على العبد أخذ العبد بها أو يفتديه مولاه) لا صراحة
فيه في كون الجناية عمدا، وعلى تقديره فهو قاصر عن معارضة ما عرفت
من وجوه.
ولا ريب في ظهوره أيضا بعدم توقف استرقاقه على رضا المولى،
كما هو ظاهر الأصحاب بل عن الغنية الاجماع عليه، واحتماله لأن قتل
العمد يوجب القصاص، ولا يثبت المال عوضا عنه إلا بالتراضي، واسترقاقه
من جملة أفراده كالاجتهاد في مقابلة ظاهر التخيير في النصوص المقتضي
لعدم اعتبار رضاه، مؤيدا بالاعتبار، وهو أن الشارع سلطه على إتلافه
بدون رضا المولى المستلزم لزوال ملكه عنه، فإزالته مع إبقاء نفسه أولى،

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 و 10 و 18.
(2) الوسائل الباب 8 و 9 و 10 من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب ديات النفس الحديث 2 من كتاب الديات.
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب ديات النفس الحديث 1 من كتاب الديات والباب
41 من أبواب القصاص في النفس الحديث 4.
100

لما يتضمن من حقن دم المؤمن المطلوب للشارع، والله العالم.
(ولو جرح حرا) جرحا موجبا للقصاص (كان للمجروح
الاقتصاص منه) كتابا (1) وسنة (2) وإجماعا (فإن طلب الدية فكه
مولاه بأرش الجناية) بالغا ما بلغ، أو بأقل الأمرين منه ومن قيمته
على القولين اللذين مر الكلام فيهما في باب الاستيلاد.
(ولو امتنع) المولى (كان للمجروح استرقاقه إن أحاطت به
الجناية، وإن قصر أرشها كان له) عليه (أن يسترق منه بنسبة
الجناية من قيمته، وإن شاء طالب ببيعه وله من ثمنه أرش الجناية، فإن
زاد ثمنه فالزيادة للمولى.)
لكن لم يحضرني من النص ما يدل على ذلك إلا صحيح الفضيل بن
يسار (3) عن الصادق (عليه السلام) (في عبد جرح حرا قال: إن
شاء الحر اقتص منه، وإن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته،
وإن كانت الجراحة لا تحيط برقبته افتداه مولاه، فإن أبى مولاه أن يفتديه
كان للحر المجروح من العبد بقدر دية جراحته والباقي للمولى، يباع
العبد فيأخذ المجروح حقه ويرد الباقي على المولى).
وصحيح زرارة (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) (في عبد جرح
رجلين، قال: هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته) الحديث.
وهما معا غير دالين على تمام ما سمعت، بل ظاهرهما عدم اعتبار
رضا المولى في استرقاق الجميع مع الإحاطة، نعم في أولهما اعتبار إباء
المولى عن الفداء في استرقاق قدر الجناية منه مع فرض عدم الإحاطة،

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(4) الوسائل الباب 45 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
101

وليس فيه أن للمجني عليه طلب البيع، وإنما فيه (يباع) إلى آخره، والمراد
منه بيان كونه مشتركا بينهما، فمع فرض اتفاقهما على بيعه يكون الثمن
بينهما على قدر استحقاقهما.
ومن ذلك يعلم ما في القواعد أيضا من أن الأقرب أن له الافتكاك
وإن كره المجروح إذا أراد الأرش، بل قيل: إنه يحكى عن المبسوط،
وقواه في الإيضاح والشهيد في حواشيه، لأصالة عدم تسلط الغير على
مال الغير، ولأن الواجب في العمد القصاص، ضرورة منافاته في الجملة
للخبر (1) المزبور، بل ولما سمعته في القتل.
وما في كشف اللثام من الفرق بأن لولي المقتول التسلط على إزالة
ملك المولى عنه بالقتل فكذا الاسترقاق، وليس للمجروح التسلط على
الإزالة، فإن القصاص في الجرح لا يزيل الملك، فإذا رضي بالأرش
رضي عن القصاص بالدية من مال المولى، فله الخيار في أي مال له
يضعها لا يرجع إلى حاصل يعول عليه في الأحكام الشرعية فضلا عن
أن يعارض الصحيح المزبور مؤيدا بما في صحيح زرارة (2) عن أبي جعفر
(عليه السلام) (في عبد جرح رجلين قال: هو بينهما إن كانت جنايته
تحيط بقيمته) مع إمكان تقرير نحوه في المقام أيضا بالنسبة إلى العضو
ولعله لذا قال في القواعد في قصاص الأطراف: (وله استرقاقه
إن ساوت قيمته الجناية أو قصرت، وله ما قابلها إن زادت، ولا خيار
للمولى) بل وكذا ما فيها أيضا من أنه (لو لم يفتكه المولى كان للمجروح
بيعه أجمع إن أحاطت الجناية برقبته، وبيع ما يساوي الجناية منه إن لم
تحط) ضرورة عدم دلالة الصحيح المزبور على ذلك، اللهم إلا أن يريد

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 45 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
102

كان له ذلك بعد استرقاقه أجمع أو القدر.
ومن ذلك يظهر لك أن المتجه التعبير بمضمون صحيحه الفضيل (1)
بل قد يقال: إن له استرقاق ما قابل الجناية قهرا على المولى كما سمعته
من القواعد، بل ظاهر كشف اللثام موافقته على ذلك هناك، وفلا بأس
حينئذ بحمل ما في الصحيح المزبور على ضرب من الندب أو غيره.
وعلى كل حال فليس للمجروح قتله وإن أحاطت الجناية برقبته، كما
ليس للرجل قتل المرأة إذا قطعت إحدى يديه أو كلتيهما، ولا قتل الرجل
إذا قطع يديه أو ورجله، لأن (الجروح قصاص) (2) وهو واضح،
كوضوح عدم الفك للمولى قهرا لو طلب المجروح القصاص، والله العالم
(ولو قتل العبد عبدا عمدا فالقود لمولاه) بلا خلاف ولا إشكال
كتابا (3) وسنة (4) (فإن قتل) حينئذ (جاز، وإن طلب الدية
تعلقت برقبة الجاني (لظهور النصوص في أن جناية العبد في رقبته (5)
ومنه يعلم عدم تعين القصاص على المولى، بل له العفو عنه، وأخذ
حقه من نفس الرقبة، ولو لفحوى ما سمعته في جناية العبد على الحر
الذي هو أولى من العبد في ذلك وإن قلنا: إن الواجب في الأحرار
القصاص، والدية لا تثبت إلا صلحا، وقد سمعت تصريح النصوص أن

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(2) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(3) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(4) الوسائل الباب 44 من أبواب القصاص في النفس.
(5) الوسائل الباب 41 و 45 من أبواب القصاص في النفس والباب 3 من أبواب
قصاص الطرف.
103

دية العبد قيمته (1) فحينئذ إذا عفا المولى عن القصاص لم يكن له إلا
قيمة عبده التي هي ديته في رقبة العبد، ومعنى كونها فيها أن له استرقاقه
عوضها إن شاء ولو بمعونة ما سمعته في جنايته على الحر، وليس ذلك
من القياس الباطل، بل هو من فهم لحنهم (عليهم السلام) ولو بمعونة
كلام الأصحاب.
(وحينئذ فإن تساوت القيمتان كان لمولى المقتول استرقاقه)
مع عدم فداء المولى له، بل ومعه إذا لم يرض ولي المقتول، كما صرح به
الفاضل وغيره، لظهور النصوص في الحر (2) في كون الخيار بيد ولي
المجني عليه في العمد، ولأن له قتله وإزالة ملكه عنه، فالاسترقاق أولى،
ودعوى أن العفو على المال يقتضي التخيير في المال إلى سيد القاتل لا حاصل
لها بعد ما ذكرناه.
(و) على كل حال ف‍ (لا يضمنه مولاه) بلا خلاف
ولا إشكال، لما عرفت من أن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، وأن
السيد لا يعقل عبده و (لكن لو تبرع فكه بقيمة الجناية) أو بأقل
الأمرين منها ومن قيمة العبد على القولين، إلا أنه مع رضا ولي المجني
عليه، إذ لا دليل على أن الخيار في ذلك لسيد القاتل، بل قد عرفت
في الحر ظهور الأدلة في كون الخيار في جناية العمد بيد ولي المجني عليه،
كما عرفت أن فحواها يقتضي ذلك هنا أيضا.
(وإن كانت قيمة القاتل أكثر فلمولاه منه بقدر قيمة المقتول)
التي هي ديته وصار حقه منحصرا فيها، فليس له التعدي وإن قلنا بكون

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب القصاص في النفس.
104

القصاص له من غير رد، لظاهر قوله تعالى (1): (العبد بالعبد).
(وإن كانت قيمته أقل فلمولى المقتول قتله أو استرقاقه) قهرا
على المالك، لما عرفت من الفحوى في الحر وغيرها.
(و) على كل حال فقد عرفت أنه (لا يضمن مولى القاتل)
الذي لا يجني على أكثر من (نفسه شيئا، إذ المولى لا يعقل عبدا) لو
قتل حرا فضلا عن العبد، هذا كله في العمد.
(و) أما (لو كان القتل خطأ) فليس إلا الدية في رقبة
الجاني، ولكن (كان مولى القاتل بالخيار) بلا خلاف ولا إشكال
(بين فكه بقيمته) مطلقا أو بأقل الأمرين منها ومن قيمة المقتول
التي هي ديته على القولين اللذين تقدم البحث فيهما (ولا تخيير لمولى
المجني عليه) في ذلك فيلزم بالقبول (وبين دفعه) إلى أولياء المقتول
يسترقونه، لأن حقهم تعلق برقبته لا في ذمة المولى وإن كان له التخيير
المزبور.
لكن في صحيح ابن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) (عن
مكاتب قتل رجلا خطأ، قال: فإن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه
إن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المملوك يدفع إلى أولياء المقتول،
فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا باعوا) الحديث. وظاهره تعين الدفع،
إلا أنه شاذ لم أجد عاملا به، مضافا إلى ما فيه من القتل خطأ، واحتمال
حمله على إرادة ما يقابل الصواب يخرجه عن مفروض المسألة،
ولعل الصواب ما عن الفقيه (إن شاؤوا استرقوه وإن شاؤوا باعوه).
(و) على كل حال فإذا اختار الدفع كان (له منه ما يفضل

(1) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
105

عن قيمة المقتول) التي ليس لوليه غيرها، إذ هي ديته فيكون الزائد
عليها للمالك (وليس عليه ما يعوز) لما عرفت من أن السيد لا يعقل
عبده.
(ولو اختلف الجاني ومولى العبد في قيمته يوم قتل فالقول قول
الجاني مع يمينه إذا لم يكن للمولى بينة) للأصل وخبر أبي الورد أو
حسنه (1) (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل عبدا خطأ،
قال: عليه قيمته، ولا يتجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم، قلت ومن
يقومه وهو ميت؟ قال: إن كان لمولاه شهود أن قيمته كانت يوم قتله
كذا وكذا أخذ بها قاتله، وإن لم يكن له شهود على ذلك كانت القيمة
على من قتله مع يمينه يشهد بالله تعالى بأنه ماله قيمة أكثر مما قومته، فإن
أبى أن يحلف ورد اليمين على المولى حلف المولى، فإن حلف المولى أعطى
ما حلف عليه، ولا يتجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم) والله العالم.
(والمدبر كالقن) في الجناية، لاطلاق الأدلة أو عمومها، ضرورة
عدم خروجه بالتدبير الذي هو وصية بالعتق أو كالوصية به عن المملوك
الذي هو عنوان الجناية.
(و) حينئذ ف‍ (لو قتل عمدا) على وجه يترتب عليه
القصاص (قتل) لعموم دليله (وإن شاء الولي استرقاقه كان له)
ذلك على الوجه الذي سمعته في غيره.
(ولو قتل خطأ) كان له الحكم السابق أيضا.
(وحينئذ فإن فكه المولى بأرش الجناية) أو بأقل الأمرين منه
ومن قيمته بقي على التدبير إجماعا بقسميه، وكذا في صورة العمد مع
التراضي بالفداء (وإلا سلمه) لولي المجني عليه (للرق ف‍) يسترقه

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب ديات النفس الحديث 1 من كتاب الديات.
106

على الوجه السابق.
إنما الكلام في أنه (إذا مات الذي دبره) بعد أن استرقه ولي
المجني عليه في صورتي العمد والخطأ (هل ينعتق) لبقاء حكم التدبير
وإن انتقل عن ملك الأول إلا أنه انتقل مدبرا؟ (قيل) والقائل
ابن إدريس وأكثر المتأخرين بل في الرياض عامتهم (لا، لأنه)
وصية أو (كالوصية و) الفرض أنه (قد خرج عن ملكه بالجناية)
المقتضية لاستحقاق الاسترقاق المفروض تحققه ومن المعلوم بطلان الوصية
بنحو ذلك (فيبطل التدبير) ومن هنا جعله في كشف الرموز الأشبه
أي بأصول المذهب، بل صرح بذلك في محكي المهذب البارع.
كل ذلك مضافا إلى صحيح أبي بصير (1) عن أبي جعفر (عليه السلام)
(سألته عن رجل مدبر قتل رجلا عمدا، فقال: يقتل به، قلت:
وإن قتله خطأ قال: يدفع إلى أولياء المقتول، فيكون لهم، فإن شاؤوا
استرقوه، وليس لهم قتله ثم قال: يا أبا محمد إن المدبر مملوك)
وهو مع النظر إلى ذيله وإلى ما سمعته في نصوص المكاتب (2) نص في
الباب كما اعترف به غير واحد.
فما في كشف اللثام بعد الاعتراف بأنه كذلك (وعندي فيه نظر)
لا يخفى عليك ما فيه، وعلى تقدير تسليمه فالشهرة السابقة جابرة لدلالته،
وكذا ما فيه أيضا قبل ذلك من منع بطلان التدبير بالانتقال، قال:
(وقد مر في التدبير) مع أنه على ما قيل لم يذكر في التدبير إلا قوله:
(وسيأتي في الجنايات الخلاف) كما أنك قد عرفت في محله (3) أنه

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب القصاص في النفس.
(3) راجع ج 34 ص 218 - 220.
107

وصية أو كالوصية.
(وقيل) والقائل الشيخان في المقنعة والنهاية والصدوق على ما
حكي عنه: (لا يبطل) التدبير بل ينعتق ولعله لازم ما حكي
عن أبي علي من أنه يدفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت مولاه،
ثم يستسعى في قيمته، واختاره في كشف اللثام (استصحابا للتدبير إلى
أن يعلم المزيل، ولحسن جميل (1) سأل الصادق (عليه السلام) (عن
مدبر قتل رجلا خطأ من يضمن عنه؟ قال: يصالح عنه مولاه، فإن
أبى دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبره، ثم يرجع حرا
لا سبيل عليه) ولخبر هشام بن أحمد (2) بالدال أو بالراء على ما عن
الكافي وبعض نسخ الاستبصار وعلى التقديرين هو غير مذكور في كتب
الرجال، نعم عن بعض الأخبار (3) أنه الذي اشترى أم الرضا لأبي الحسن
(عليهما السلام) قال: (سألت الحسن (عليه السلام) عن مدبر قتل
رجلا خطأ، قال: أي شئ رويتم في هذا الباب؟ قال: روينا عن
أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: يتل برمته إلى أولياء المقتول،
فإذا مات الذي دبره عتق، قال: سبحان الله فيطل دم امرء مسلم،
قلت: هكذا روينا، قال: غلطتم على أبي يتل برمته إلى أولياء المقتول،
فإذا مات الذي دبره استسعى في قيمته).
وفيه أن الاستصحاب مقطوع بما عرفت، وحسن جميل قاصر عن
معارضة الصحيح (4) المعتضد بما سمعت وبقاعدة عدم بطلان دم امرء
مسلم لو فرض موت مولاه بعد دفعه بلحظة وبغيرها، مع أنه لا صراحة

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب ديات النفس الحديث 1 - 5 من كتاب الديات
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب ديات النفس الحديث 1 - 5 من كتاب الديات
(3) البحار ج 49 ص 7 - 8.
(4) الوسائل الباب 42 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
108

فيه بالاسترقاق، لأعمية الدفع إليهم منه ومن الدفع للخدمة على أن يكون
المراد احتسابها عن الدية مع بقاء العبد على الملكية، بل يمكن حمل الخبر
الثالث الذي لا جابر له على ذلك.
وحينئذ يكون كما ذكره المصنف في كتاب التدبير (1) من أنه لمولاه
أن يبيع خدمته إن ساوت الجناية، فيبقى على تدبيره، وإن كان قد عرفت
الكلام في بيعها أو الصلح عليها سابقا، وقد يقال: إن المراد الدفع على
الوجه المزبور صلحا عن جنايته. كل ذلك بعد قصورهما عن المعارضة
لما عرفت من وجوه.
بل لا ظهور فيهما في ما يقوله الخصم من الاسترقاق ثم العود حرا
بموت السيد، وإنما ظاهرهما الدفع للخدمة إلى أن يموت السيد، فيكون
أمرا خارجا عن القولين، ومقتضاه حينئذ بقاء التدبير لبقاء العبد على
ملك مالكه، وإنما للمجني عليه استخدامه لا استرقاقه.
وعن ابن إدريس إنه يمكن حمل الرواية على أنه كان التدبير عن
نذر واجب لا يجوز الرجوع فيه، ثم قال: (والأقوى عندي في الجميع
أنه يسترق سواء كان عن نذر أم لم يكن، لأن السيد ما رجع عن التدبير،
وإنما صار عبدا بحق) وفيه أنه يمكن القول بالتزام السيد الفداء في صورة
الخطأ مع فرض النذر.
(و) كيف كان ف‍ (مع القول بعتقه) بموت سيده
(هل يسعى في فك رقبته) أو لا يستسعى؟ (فيه خلاف)
وفي المتن (الأشهر أنه لا يسعى (2) إلا أني لم أجده لأحد غير

(1) راجع ج 34 ص 240.
(2) الموجود في الشرائع: الطبعة الحجرية وطبعة النجف الأشرف والمطبوع على هامش
كتاب المسالك " الأشهر أنه يسعى ".
109

ما يظهر من المفيد وإن كان يشهد له خبر جميل (1) السابق، لكنه
مناف لقاعدة الضرر وغيرها.
(وربما قال بعض) وهو الشيخ في المحكي من نهايته وكتابي
الأخبار: يسعى في دية المقتول) لأنها المضمونة عليه.
(و) لكن (لعله وهم) ضرورة صيرورة رقبته ملكا لهم
عوضا عنها، فمع فوات الرقبة يكون عليه قيمتها. ومن هنا كان المحكي
عن الصدوق وأبي علي الاستسعاء في قيمة نفسه، لظاهر الخبر المزبور (2)
ولما عرفت من أنها هي التي عوض عنه.
بل الظاهر السعي في قيمة ما استرقوه منه كلا أو بعضا ولذلك
اختار في المسالك وكشف اللثام ومحكي الإيضاح الاستسعاء في أقل الأمرين
من قيمة نفسه ودية المقتول لو مات سيده قبل استرقاقه، بل لعل الظاهر
إرادة الصدوق وأبي علي الاستسعاء في ما يقابل دية المقتول من القيمة إن
زادت عليها لو مات المولى قبل استرقاقه، لعدم بطلان التدبير بالجناية
التي لا تقتضي الخروج عن ملك المالك والفرض تعلقها برقبته فمع فرض
تعذر الاسترقاق يسعى في فك نفسه بالأقل من الأمرين إن لم تكن الجناية
موجبة لقتله أو كانت ولم يرد قتله.
بل قيل: يمكن إرادة الشيخ من دية المقتول قيمة العبد الذي
لا يطالب بأكثر من نفسه، ولا بأس به وإن استبعده بعضهم.
وبذلك كله ظهر لك أن الأقوى بطلان التدبير بالاسترقاق قبل موت
المولى، كما أن الأقوى على القول بعدم البطلان الاستسعاء في فك ما استرق
من رقبته كلا أو بعضا نحو ما لو مات مولاه قبل أن يسترق الذي
قد عرفت حكمه أيضا، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب ديات النفس الحديث 1 - 5 من كتاب الديات
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب ديات النفس الحديث 1 - 5 من كتاب الديات
110

(والمكاتب) المطلق (إن لم يؤد من مكاتبته شيئا أو كان
مشروطا فهو كالقن) لما سمعته في الصحيح السابق (1) من أنه (إن
كان مولاه اشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المماليك)
إلى آخره الذي قد سمعت الكلام فيه سابقا، ولكن الحكم لا خلاف فيه،
وفي صحيح أبي ولاد الحناط (2) (فإن لم يكن أدى من مكاتبته شيئا
فإنه يقاص للعبد منه، ويغرم المولى كل ما جنى المكاتب، لأنه عبده ما لم
يؤد من مكاتبته شيئا) ولعل المراد بالغرامة ما سمعته في حكم جناية المملوك
وقد تقدم في الكتابة (3) تمام الكلام في ذلك.
(وإن كان مطلقا وقد أدى من مال الكتابة شيئا تحرر منه
بحسابه) بلا خلاف ولا إشكال (فإذا قتل) حينئذ (حرا)
أو مساويا في قدر الحرية أو أزيد (عمدا قتل به) قطعا (وإن قتل
مملوكا) أو أقل منه حرية (فلا قود) لعدم التساوي، ولما سمعته
في صحيح أبي ولاد (4) ومفهوم قوله تعالى (5): (العبد بالعبد)
(و) لكن (تعلقت الجناية) العمدية بذمته و (بما فيه من
الرقية مبعضة، فيسعى في نصيب الحرية) إن لم يكن عنده مال بأداء
ما بإزائها من المقتول، كما هو الضابط في كل مقام في التبعيض.
وفي كشف اللثام (كما ينص عليه صحيح أبي ولاد الحناط (6) سأل
الصادق (عليه السلام) (عن مكاتب اشترط عليه مولاه حين كاتبه جنى
إلى رجل جناية، فقال: إن كان أدى من مكاتبته شيئا غرم من جنايته

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(3) راجع ج 34 ص 348 - 350.
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(5) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(6) الوسائل الباب 7 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
111

بقدر ما أدى من مكاتبته للحر، فإن عجز من حق الجناية شيئا أخذ
ذلك من مال المولى الذي كاتبه، قال: فإن كانت الجناية بعبد فقال:
على مثل ذلك يدفع إلى مولى العبد الذي جرحه المكاتب، ولا تقاص بين
العبد وبين المكاتب إذا كان المكاتب قد أدى من مكاتبته شيئا).
وفيه أن ظاهر صدر الخبر المزبور كون المكاتب مشروطا، ومن
المعلوم عدم تحرر شئ منه بأداء البعض، نعم عن الفقيه روايته بهذا
السند (عن مكاتب جنى على رجل جناية) إلى آخره، وهو أوضح في
الدلالة بالنسبة إلى ذلك وإن كان فيه إشكال أيضا من غير هذه الجهة،
ولكن الأمر سهل لكون الحكم مفروغا منه في المقام وغيره.
(ويسترق الباقي منه) لأنه يحكم المملوك (أو يباع في نصيب
الرق) من قيمته وإن أمكنه أو كان في يده ما يفي بقيمة المقتول، لأنه
لما فيه من الرقية يتعلق من جنايته ما بإزائها برقبته.
نعم ينبغي أن يراد البيع برضاهما بعد الاسترقاق كما سمعته سابقا،
وإلا فلم أجد دليلا عليه إلا ما سمعته من صحيح ابن مسلم (1) السابق
الذي هو غير نقي، بل لا دليل على أصل الحكم إلا ما تقدم سابقا في
نصوص المملوك (2) بدعوى شمولها للمملوك ولو بعضا، أو بفحواها ولو
بمعونة فتوى الأصحاب.
وعلى كل حال فتبطل الكتابة فيه حينئذ، لانتقاله إلى مالك آخر،
ولا ينافيه عدم بطلان التدبير على القول به للنص (3) والله العالم.
(ولو قتل) قنا أو حرا أو مبعضا (خطأ فعلى الإمام بقدر

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب القصاص في النفس.
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
112

ما فيه من) الحرية لأنه عاقلته إن لم يكن له عاقلة، قال أبو جعفر
(عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1) الذي تقدم صدره سابقا:
(وإن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط وكان قد أدى من مكاتبته شيئا
فإن عليا (عليه السلام) كان يقول: يعتق من المكاتب بقدر ما أدى
من مكاتبته، وأن على الإمام أن يؤدي إلى أولياء المقتول من الدية بقدر
ما أعتق من المكاتب، ولا يبطل دم امرء مسلم، وأرى أن يكون ما بقي
على المكاتب مما لم يؤده فلأولياء المقتول يستخدمونه حياته بقدر ما بقي
عليه، وليس لهم أن يبيعوه) وهو صريح في المطلوب.
(و) أما الجزء الآخر ف‍ (المولى بالخيار بين فكه ب‍) بذل
الأرش عن (نصيب الرقية من الجناية) أو بأقل الأمرين على
القولين وبين (تسليم حصة الرق) لولي المقتول (ليقاص بالجناية)
نحو ما سمعته في قتل القن خطأ، إذ لا فرق بين المملوك كلا أو بعضا
في ذلك، فتبطل الكتابة حينئذ لما عرفت، وبالجملة فما ذكره المصنف
في حكم المكاتب هو الذي يقتضيه أصول المذهب وقواعده، كما اعترف به
غير واحد، وفي كشف الرموز نسبته إلى الشيخ في النهاية وأتباعه والمتأخرين،
بل في المسالك إلى أكثر المتأخرين، بل عن التنقيح إلى أكثر الأصحاب
والحلبيين، بل في مجمع البرهان إلى المشهور.
(و) لكن مع ذلك كله (في رواية علي بن جعفر (2) عن
أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) إذا أدى نصف ما عليه فهو
بمنزلة الحر) قال فيها: (سألته عن مكاتب فقأ عين مكاتب أو كسر
سنه ما عليه؟ قال: إن كان أدى نصف مكاتبته فديته دية حر، وإن

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب ديات النفس الحديث 3 من كتاب الديات.
113

كان دون النصف فبقدر ما عتق، وكذلك إذا فقأ عين حر، وسألته عن
حر فقأ عين مكاتب أو كسر سنه ما عليه؟ قال: إن كان أدى نصف
مكاتبته يفقأ عين الحر أو ديته إن كان خطأ فهو بمنزلة الحر، وإن كان
لم يؤد النصف قوم فأدى بقدر ما أعتق منه، وسألته عن المكاتب إذا
أدى نصف ما عليه، قال: هو بمنزلة الحر في الحدود وغير ذلك من
قتل وغيره، وسألته عن مكاتب فقأ عين مملوك وقد أدى نصف مكاتبته،
قال: يقوم المملوك ويؤدى المكاتب إلى مولى المملوك نصف ثمنه).
(و) في المتن وغيره من كتب المتأخرين عن المصنف أن الشيخ
(قد رجحها في الاستبصار وضعفها (رفضها خ ل) في غيره)
لكن في كشف اللثام (واعلم أن الذي في الاستبصار أن حكمه حكم الحر
في دية أعضائه ونفسه إذا جنى عليه لا في جناياته وإن تضمنها الخبر،
فيحتمل أن يكون إنما يراه كالحر في ذلك خاصة، كما يرى الصدوق مع
نصه في المقنع على ما سمعته في موضعين متقاربين، قال: وإذا فقأ حر
عين مكاتب أو كسر سنه فإن كان أدى نصف مكاتبته فقأ عين الحر أو
أخذ ديته إن كان خطأ، فإنه بمنزلة الحر، وإن كان لم يؤد النصف قوم
فأدى بقدر ما أعتق منه، وإن فقأ مكاتب عين مملوك وقد أدى نصف
مكاتبته قوم المملوك وأدى المكاتب إلى مولى العبد نصف ثمنه).
قلت: المعروف في الحكاية عنه ما عرفت، والمحكي عنه أنه روى في
أول الباب خبر محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) (قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب قتل يحتسب منه ما عتق منه،
فيؤدي دية الحر ومارق منه دية العبد) ثم قال: (ولا ينافي هذا الخبر
ما رواه علي بن جعفر (2) وساق الخبر إلى قوله (عليه السلام):

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب ديات النفس الحديث 2 - 3 من كتاب الديات
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب ديات النفس الحديث 2 - 3 من كتاب الديات
114

(من قتل وغيره) ثم جمع بينهما بحمل الخبر الأول على التفصيل الذي
تضمنه الخبر الأخير فقال: (يحتسب فيؤدي منه بحساب الحرية ما لم
يكن أدى نصف ثمنه، فإذا أدى ذلك كان حكمه حكم الأحرار على
ما تضمنه الخبر الأخير) وظاهره المطابقة لما هو المشهور عنه في الحكاية.
وعلى كل حال فلم نجد عاملا بالخبر المزبور عداه فيه، مع إمكان
أن يكون ذكره فيه جمعا بين الأخبار لا قولا في المسألة، وعلى تقديره
فهو شاذ، بل في المسالك (في طريق الرواية جهالة تمنع من العمل بها)
وإن كان لا يخلو من نظر، إلا أنها على كل حال لا تصلح للخروج بها
عن الأصول، وكذا ما سمعته في ذيل صحيح ابن مسلم (1) وإن حكي
عن ظاهر المفيد، ونفى البأس في المختلف.
ويمكن أن يراد بالصحيح منعهم عن بيعه كله لا ما تملكوه من
الحصة، بل لعل ظاهر الاستخدام فيه يقتضي الملكية، ولعله إلى ذلك
أشار في المسالك بقوله: (في بعض الأخبار دلالة على المشهور) وإن
قال في الرياض: (لم أقف عليه، بل في الصحيح ما ينافي جواز بيعه)
لكن قد عرفت إمكان ما سمعته منه، والله العالم.
بل وكذا ما عن المقنع من أن المكاتب إذا قتل رجلا خطأ فعليه
من الدية بقدر ما أداه من مكاتبته، وعلى مولاه ما بقي من قيمته، فإن
عجز المكاتب فلا عاقلة له، فإنما ذلك على إمام المسلمين) وإن وافقه
خبر عبد الله بن سنان (2) عن الصادق (عليه السلام) (عليه من ديته
بقدر ما أعتق، وعلى مولاه ما بقي من قيمة المملوك، فإن عجز المكاتب
فلا عاقلة له، وإنما ذلك على إمام المسلمين) لكنه قاصر عن معارضة

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب ديات النفس الحديث 1 من كتاب الديات.
115

ما عرفت من وجوه، بل قيل: يمكن حمل ما فيه من قوله: (على
المولى) إلى آخره على أن المراد تخيير مولاه بين فكه وتسليمه، ليوافق
الصحيح بالمعنى المزبور والأصول والمشهور، ويخرج عن موافقة المقنع
وإن كان لا يخفى عليك ما فيه.
نعم قد عرفت قصور الخبر المزبور عن معارضة ما عرفت،
خصوصا بعد قدح بعض بإسماعيل بن مرار في طريقه وإن كان قيل:
إن الشواهد الدالة على حسن حاله كثيرة، إلا أنه على كل حال قاصر عن
إثبات الحكم المزبور المخالف للأصول والقواعد.
وكذا ما عن المراسم من أن على الإمام أن يزن عنه بقدر ما عتق
منه ويستسعى في البقية وإن نفى عنه البأس في كشف اللثام، ثم قال:
(فإن لم يسع ولم يفكه المولى استرق بذلك القدر) ضرورة عدم موافقته
لشئ من النصوص ولا للقواعد، فالأصح حينئذ ما عرفت، والله العالم.
(والعبد إذا قتل مولاه) عمدا (جاز للولي قتله) بلا خلاف
ولا إشكال، وجاز له العفو عنه، ولا استرقاق هنا، لأنه من تحصيل
الحاصل وإن كان ربما قيل به، وتظهر ثمرته لو كان مرهونا، فإنه
حينئذ يسترقه بحق الجناية المقدم على الرهانة كي تبطل بذلك، لأنه سبب
جديد غير الأول، إلا أنه كما ترى.
وكذا لو كان للحر عبدان فقتل أحدهما الآخر كان مخيرا بين
قتل القاتل وبين العفو) كما تقدم الكلام فيه في أول المبحث (1) وقد
سمعت خبر إسحاق بن عمار (2) عن الصادق (عليه السلام) ولا استرقاق
له، لما عرفت كما هو واضح.

(1) ص 90.
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
116

وأوضح منه حكم الخطأ، وقد تقدم في بحث المكاتبة (1) كثير من
أحكام جنايته والجناية عليه، كما تقدم في بحث الاستيلاد (2)
حكم جناية أم الولد خطأ.
ومنه يعلم الحال في العمد الذي هو أولى من الخطأ في التعلق بالرقبة،
ولذا كان الخيار فيه بيد المجني عليه أو وليه دون الخطأ، نعم ذلك كله
بالنسبة إلى الأجنبي.
وأما بالنسبة إلى السيد فإذا قتلته خطأ تحررت من نصيب ولدها،
لعدم استحقاق السيد على ماله مالا، ولخبر غياث بن إبراهيم (3) عن
جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: (قال علي (عليه السلام):
إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ فهي حرة ليس عليها سعاية) وخبر
وهب بن وهب (4) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) أنه كان يقول:
(إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ فهي حرة، ولا تبعة عليها، وإن قتلته
عمدا قتلت به).
نعم خبر حماد بن عيسى (5) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)
قال: (إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ سعت في قيمتها) ولم أجد به
عاملا، وعن التهذيب حمله على الخطأ الشبيه بالعمد، لأنه الذي يتعلق
برقبتها، فأما الخطأ المحض فإنه يلزم المولى، وفيه ما لا يخفى، كالمحكي
عنه في الاستبصار من حمله على ما إذا مات ولدها، والأولين على ما إذا
كان باقيا، ضرورة عدم موافقة شئ منهما للضوابط التي منها عدم استحقاق
ذي المال على ماله مالا.

(1) راجع ج 34 ص 345 - 357.
(2) راجع ج 34 ص 382 - 383.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب ديات النفس الحديث 2 - 3 - 1.
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب ديات النفس الحديث 2 - 3 - 1.
(5) الوسائل الباب 11 من أبواب ديات النفس الحديث 2 - 3 - 1.
117

وعلى كل حال لا وجه لما عن بعضهم من استثناء هذين الصورتين
من حرمة جواز بيع أم الولد: وهما ما إذا جنت على مولاها جناية تستغرق
قيمتها وما إذا قتلته خطأ، إذ هو كما ترى ونحوه استثناء مطلق جنايتها
على الغير عمدا أو خطأ، فإن ذلك لا يقتضي جواز بيعها، بل في الأول
للمجني عليه أو وليه استرقاقها، وهو غير البيع المنهي عنه سيدها، وفي
الثاني للمولى الفداء، فإن أبى استرقها المجني عليه.
وعلى كل حال ليس بيعا من السيد لها كي يكون منهيا عنه، بل
ولا غيره من النواقل الاختيارية الملحقة بالبيع، وقد سمعت سابقا أنه ليس
من أحكام الجناية البيع في الجناية من السيد، ولا من المجني عليه قبل
الاسترقاق، وما في بعض النصوص وبعض العبارات من أن للمجني عليه
المطالبة بالبيع محمول على ما إذا استرق، وعلى تقديره فليس بيعا من
السيد الذي هو المنهي عنه، فتأمل جيدا.
نعم إذا استرقها المجني عليه ملكها ملكا تاما له بيعها، لأنه ليست
أم ولد بالنسبة إليه، بل لا يبعد جواز شراء المولى إياها منه، ولا يلحقها
حكم الاستيلاد، لأنه ملك جديد بسبب جديد غير الملك الأول الذي كان
ناقصا بالاستيلاد، وبذلك يظهر لك النظر في كثير مما ذكر في بيع
أم الولد، فلاحظ وتأمل.
(مسائل ست:)
(الأولى:
لو قتل حر حرين) فصاعدا (فليس لأوليائهما إلا قتله)
بلا خلاف أجده فيه، بل عن المبسوط والخلاف الاجماع عليه كما ستعرف،
118

للأصل ولما سمعته من النص (1) على أن الجاني لا يجنى على أكثر من
نفسه، والدية في موجب القصاص لا تثبت إلا صلحا، فإذا اصطلحوا
معه كان لكل مقتول ديته (و) إلا ف‍ (ليس لهما المطالبة بالدية)
التي قد عرفت عدم وجوبها إلا صلحا وخصوصا إذا قتلاه معا، بأن
وكلا من يقتله استيفاء لهما أو تمكنا من ضرب عنقه دفعة على وجه
يسند القتل إليهما. خلافا لبعض العامة فأوجب الدية أيضا.
وأي الوليين بدر استوفى حقه، سواء قتلهما معا أو على التعاقب،
وسواء بدر ولي السابق أو اللاحق وإن أساء لو بادر ولي المتأخر على
ما عن التحرير مستشكلا فيه بتساوي الجميع في سبب الاستحقاق، وهو
في محله.
نعم لو تشاح الأولياء قدم ولي الأول وإن قتلهما دفعة أو أشكل
الأمر أقرع إذا لم يقتلاه معا على الوجه الذي ذكرناه وإلا فهو أولى.
وكيف كان فبناء على ما ذكرناه لو قتله أحدهما دون الآخر ولو
لأنه أراد القود ولم يرده الآخر ففي استحقاق الثاني الدية من تركة المقتول
قولان: أحدهما نعم، كما عن ابني الجنيد وزهرة، وفي القواعد (هو
الأقرب) وفي المسالك (هو الوجه) بل هو المحكي عن فخر الدين
والمقداد، والثاني لا، كما عن المبسوط والخلاف والنهاية والوسيلة والسرائر
والجامع وكتابي المصنف، بل هو المشهور، بل ظاهر محكي المبسوط
الاجماع عليه، بل في كشف اللثام حكايته عنه وعن الخلاف صريحا،
للأصل بعد ظهور الأدلة في أن الواجب القصاص وقد فات محله.
وكان مبنى الأول كما هو ظاهر المسالك وغيرها أن الواجب أحد

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 و 10 و 18.
119

الأمرين: القصاص أو الدية، كما دلت عليه الرواية (1) وذهب إليه
جمع من الأصحاب، مؤيدا بأن فيه جمعا بين الحقين، وأنه لولاه لزم
بطلان دم المسلم المنهي عنه بقوله (عليه السلام) (2): (لا يطل دم
امرء مسلم). فالتحقيق حينئذ هنا مبني على التحقيق في تلك المسألة،
وستسمع الكلام فيها إن شاء الله، إذ مراد المصنف وغيره هنا بيان أن
ليس للأولياء مع طلبهم القود إلا القتل، وليس لهم مع ذلك دية،
بتقريب أن عليه نفسين أو أزيد، فنفسه عوض أحدهما والدية من ماله
عوض الأخرى يشتركان فيها بعد أن اشتركا في القتل، إذ هو كما ترى
اعتبار لا يطابق قواعد الإمامية، ومن هنا اتفق الأصحاب على ما عرفت
هذا كله في القتل.
(
و) أما القطع ف‍ (لو قطع يمين رجل ومثلها من آخر
قطعت يمينه بالأول ويسراه بالثاني) بخلاف أجده فيه، بل عن
صريح الخلاف والغنية الاجماع عليه، مؤيدا بما يظهر منهم من الاجماع
أيضا على أن من قطع يمينا ولا يمين له قطعت يسراه.
كل ذلك مضافا إلى خبر حبيب السجستاني (3) عن الباقر (عليه
السلام) المنجبر بما سمعت قال: (سألته عن رجل قطع يدي رجلين
اليمينين، فقال: تقطع يمينه أولا وتقطع يساره للذي قطع يمينه أخيرا،
لأنه إنما قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأول، قال حبيب:

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب القصاص في النفس.
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 والباب 46
منها الحديث 2 والباب 2 من أبواب دعوى القتل الحديث 1 والباب 9
من أبواب ديات النفس الحديث 5 وفي الجميع " لا يبطل دم امرء مسلم ".
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
120

فقلت: إن عليا (عليه السلام) إنما كان يقطع اليد اليمنى والرجل
اليسرى، قال: فقال: إنما يفعل ذلك في ما يجب من حقوق الله تعالى
فأما ما كان من حقوق المسلمين فإنه يؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد
باليد إذا كان للقاطع يدان والرجل باليد إن لم يكن للقاطع يدان،
فقلت له: أما توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وتترك رجله؟ فقال:
إنما نوجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان،
فثم نوجب عليه الدية، لأنه ليس له جارحة فيقاص منها) وبذلك كله
يخص أو يقيد ما دل على اعتبار المماثلة في اليمنى.
(فلو قطع يد ثالث قيل) والقائل ابن إدريس وتبعه ثاني الشهيدين:
(سقط القصاص إلى الدية) لفوات المحل. (وقيل) والقائل
المشهور: (قطعت رجله) اليمنى (بالثالث، وكذا لو قطع رابعا)
يده قطعت رجله اليسرى، بل عن الخلاف والغنية الاجماع على ذلك،
للخبر (1) المنجبر بما سمعت بناء على جهالة حبيب فيه، وإلا فقد وصفه
غير واحد بالصحة، وحمله على اطلاعهم على حال حبيب أولى من حمله
على إرادة الصحة إليه التي لا تفيد الخبر حجية، فوسوسة ثاني الشهيدين
حينئذ في غير محلها، هذا كله مع وجود الجارحة.
(أما لو قطع ولا يد له ولا رجل) أو قطع يد خامس ولم
يرض الأربعة إلا بالقصاص (كان عليه الدية) بلا خلاف ولا إشكال
للخبر (2) المزبور أيضا و (لفوات محل القصاص) الذي لا تفوت
الدية بفواته في الأعضاء كما سمعته نصا وفتوى.
نعم ينبغي أن يعلم أن ما ذكرناه من القصاص عن اليد بالرجل
للخبر المنجبر (3) بما عرفت، فيقتصر عليه في مخالفة العمومات، كما

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
121

صرح به بعض الأفاضل ناسبا له إلى قطع الفاضل في التحرير وغيره به،
قال: خلافا للحلبي فعمم الحكم، فقال: (وكذلك في أصابع اليدين
والرجلين والأسنان) ولعله نظر إلى ما في الرواية من العلة.
قلت: لا عبرة بها بعد عدم العمل بها، نعم قد يقال: يستفاد
منها بل ومن إطلاق (العين بالعين) (1) مثلا القصاص عن اليمنى
باليسرى حال استحقاق اليمنى أو عدمها، وهكذا في جميع الأعضاء التي
هي كذلك دون الانتقال من عضو إلى آخر لا يندرج تحت المطلق إلا في
مثل اليد والرجل للخبر (2) المزبور، بل قد يقال بالقصاص عن اليسرى
باليمنى أيضا مع فقد اليسرى أو استحقاق القصاص فيها، لصدق (العين
بالعين.. والسن بالسن) (3) ونحو ذلك حال فقد المماثل، فتأمل
جيدا فإني لم أجد ذلك، وربما يأتي له تتمة إن شاء الله.
(ولو قتل العبد حرين) دفعة اشترك فيه ولياهما بلا خلاف
كما في كشف اللثام، بل في المسالك وغيرها اتفاقا و (على التعاقب كان
لأولياء الأخير) عند الشيخ في النهاية، لانتقاله بالجناية الأولى إلى ولي
الأول، فإذا جنى الثانية انتقل منه إلى الثاني وهكذا، لخبر علي بن عقبة (4)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحدا
بعد واحد، قال: هو لأهل الأخير من القتلى إن شاؤوا قتلوه، وإن
شاؤوا استرقوه، لأنه إذا قتل الأول استحق أولياؤه، فإذا القتل الثاني
استحق منهم فصار لأولياء الثاني، فإذا قتل الثالث استحق من أولياء
الثاني فصار لأولياء الثالث، فإذا قتل الرابع استحق من أولياء الثالث

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
(3) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(4) الوسائل الباب 45 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.
122

فصار لأولياء الرابع إن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقوه).
(و) لكن في طريقها ضعف، ولا جابر له كي يصلح معارضا
لما (في رواية أخرى) صحيحة (يشتركان فيه ما لم يحكم به للأول)
وهي صحيحة زرارة (1) عن الباقر (عليه السلام) (في عبد جرح
رجلين قال: هو بينهما إن كانت الجناية محيطة بثمنه (بقيمته خ ل)،
قيل له: فإن جرح رجلا في أول النهار وجرح آخر في آخر النهار،
قال: هو بينهما ما لم يحكم به الوالي في المجروح الأول، فإن جنى بعد
ذلك جناية فإن جنايته على الأخير).
(و) لا ريب أن (هذه أشبه) بأصول المذهب وقواعده،
ضرورة عدم انتقاله بمجرد الجناية، وإنما هي سبب في استحقاق الاسترقاق
كالثانية، بل يمكن حمل الخبر الأول عليه، ومن هنا كان ذلك خيرة
المشهور، بل الشيخ أيضا في الاستبصار.
(و) على كل حال ف‍ (يكفي في الاختصاص أن يختار الولي
استرقاقه ولو لم يحكم له الحاكم) بذلك، لاطلاق أدلة الاسترقاق (2)
بلا خلاف أجده عدا ما يحكى عن ظاهر الاستبصار من اعتباره لظاهر
الصحيح (3) المزبور الذي يمكن حمله كما عن المختلف على ما يجب
أن يحكم به، وهو الانتقال المستند إلى الاختيار، لقصوره عن معارضة
ظاهر غيره من النصوص المعتضد بعمل الأصحاب وغيره.
(و) حينئذ (مع اختيار ولي الأول) استرقاقه (لو
قتل بعد ذلك كان للثاني) وهكذا، ضرورة اندراجه حينئذ في مملوك
جنى فيلحقه حكمه، ولما سمعته في الصحيح السابق (4) من غير فرق في

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب القصاص في النفس.
(3) الوسائل الباب 45 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1
(4) الوسائل الباب 45 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1
123

ذلك بين العمد والخطأ وإن توقف الاسترقاق في الثاني على عدم فداء
السيد له، كما هو واضح.
هذا وفي كشف اللثام (بقي هنا شئ: وهو أن الوليين أو المجروحين
إذا تساويا في الاستحقاق المستوعب للرقبة لوقوع الجنايتين دفعة أو مطلقا
على المختار فهل لأحدهما المبادرة إلى الاسترقاق؟ قضية الفرق بين وقوعهما
دفعة أو على التعاقب حيث خصوا التفصيل باختيار الأول الاسترقاق وعدمه
بالتعاقب أن لا تجوز المبادرة في صورة وقوعهما دفعة، ويجوز عند
التعاقب، وظاهر تخصيص الاختيار بالأول والاختصاص بالثاني أنه عند
التعاقب لا يجوز للأخير المبادرة، وعندي إنا إذا حكمنا بالتساوي في
الاستحقاق مع التعاقب وبدونه لا فرق بين الصورتين في جواز المبادرة
أو عدمه، ولا بين الأول والأخير عند التعاقب وإن كان الأول أولى
لسبقه، وحينئذ فالتفصيل المذكور جار في الصورتين، فنقول: إذا قتل
حرين دفعة اشتركا فيه ما لم يسبق أحدهما بالاسترقاق، فإن سبق اختص
بالآخر، ونقول عند التعاقب: إذا اختار أي من المجنيين أو الوليين
الاسترقاق اختص بالآخر، بقي الكلام في صحة المبادرة مع التساوي في
الاستحقاق وجهان: من عدم المرجح وعدم استحقاق أحد منهما جميع
الرقبة، كما أن أحدا من ديان المفلس لا يستحق جميع أمواله وإن استوعبها
دينه، ومن صحيح زرارة (1) المتقدم وفتوى الأصحاب وأن المبادرة
هنا لا تضر بالآخر بل تنفعه، ويزيد في القتل عدم انحصار الحق في
الاسترقاق).
قلت: قد يقال: إن ظاهر الصحيح المزبور الاشتراك في الدفعي،
فليس لأحد استرقاقه أجمع بعد اختيارهما الاسترقاق، ولو فعل واختار

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
124

الثاني ذلك أيضا كان شريكا له، لاطلاق قوله (عليه السلام): (هو
بينهما) وكذا في التعاقب إذا لم تكن الجناية الثانية متأخرة عن استرقاق
الأول بجنايته، فإنه حينئذ للثاني استرقاقه واختصاصه، أما إذا تعاقبت
الجنايتان قبل اختيار الأول الاسترقاق فهو بينهما وإن سبق أحدهما سواء
كان الأول أو الأخير إلى الاسترقاق، لكن إذا أراده مع ذلك كان شريكا،
لاطلاق البينية في الصحيح، وحينئذ فيتحد حكم الدفعة والتعاقب بالمعنى
المزبور.
ولعل الأصحاب لم يذكروا الفرق بينهما من هذه الجهة، وإنما
ذكروه في مقابلة ما سمعته من الشيخ في النهاية، وأنه لا يتصور فيها تعقب
الجناية لاسترقاق الأول بخلاف صورة التعاقب التي قد عرفت وقوعها على
وجهين، وأما قولهم: (فإن اختار الأول) إلى آخره، فليس مقصودهم
اختصاصه بالاختيار، بل لكل منهما ذلك، لكنه لا يجدي بعد فرض
وقوع الجنايتين قبله لكون العبد حينئذ بينهما، نعم لو اختار الأول ثم
جنى على الثاني اختص به، ومن هنا قيد المصنف وغيره ذلك بما إذا
قتل بعد اختيار الأول، فتأمل جيدا. وربما تسمع لذلك تتمة في المسألة
الرابعة إن شاء الله.
المسألة (الثانية):
لا خلاف أجده بيننا في أن (قيمة العبد مقسومة على أعضائه،
كما أن دية الحر مقسومة على أعضائه) ففي خبر السكوني (1) عن جعفر
عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (جراحات العبيد على نحو جراحات

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب ديات الشجاج والجراح الحديث 2 من كتاب الديات
125

الأحرار في الثمن " أي (فكل ما فيه منه واحد ففيه كمال قيمته كاللسان
والذكر والأنف، وما فيه اثنان ففيهما قيمته، وفي كل واحد نصف
قيمته، وكذا ما فيه عشر) كالأصابع (ففي كل واحد عشر قيمته)
إلى غير ذلك مما هو معلوم في الحر الذي يجري مثله في العبد، إلا أنك
قد سمعت النص والفتوى على أن قيمة العبد ديته ما لم تتجاوز دية الحر.
وبذلك يظهر وجه دلالة مقطوع يونس (1) على المطلوب، قال:
(وإذا جرح العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته) أي كما أنه إذا جرح
الحر فقيمة جراحته من حساب ديته، فإن قيمة العبد بمنزلة الدية في الحر.
(وبالجملة الحر أصل للعبد في ما له دية مقدرة) بلا خلاف
ولا إشكال
(و) أما (ما لا تقدير له) فالعبد أصل للحر فيه،
وذلك لأنه إذا جرح الحر ولا تقدير له (ففيه الحكومة) بلا خلاف
ولا إشكال، وهي لا تتحقق إلا بفرض الحر عبدا خاليا من النقص
الطارئ بسبب الجناية، ويقوم حينئذ بأن يقال لو كان هذا عبدا فقيمته
كذا ثم تفرضه متصفا بالنقص الحاصل منها وتقومه كذلك ويثبت التفاوت
بين القيمتين بنسبة إحداهما إلى الأخرى، ويأخذ التفاوت بينهما فيؤخذ
من الدية بقدره من القيمة العليا، وبهذا المعنى كان العبد أصلا للحر
في ما لا مقدر له.
وكيف كان (فإذا جنى الحر على العبد بما فيه ديته) كالأنف
واللسان (فمولاه بالخيار بين إمساكه ولا شئ له، وبين دفعه وأخذ
قيمته،) وكذا (لو قطع) يديه أو (يده ورجله دفعة ألزمه
القيمة أو أمسكه ولا شئ له) بلا خلاف أجده في ذلك، بل الاجماع

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب ديات الشجاج والجراح الحديث 4.
126

بقسميه عليه، وهو الحجة بعد خبر أبي مريم (1) المنجبر بما عرفت عن
أبي جعفر (عليه السلام) (قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في
أنف العبد أو ذكره أو شئ يحيط بقيمته أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد
ويأخذ العبد) مؤيدا بقاعدة عدم الجمع بين العوض والمعوض.
نعم استثنى الأصحاب من ذلك الجاني الغاصب الذي يؤخذ بأشق
الأحوال ومنه الجمع بين العوض والمعوض وقوفا في ما خالف الأصل
على المتيقن، خلافا للشافعي، وقد مر الكلام فيه في محله (2) وأما غير
الغاصب فقد عرفت الحال فيه واستبعاده كالاجتهاد في مقابلة النص،
هذا كله في قطع ما فيه الدية.
(أما لو قطع يده) خاصة (فللسيد إلزامه بنصف القيمة)
وليس له دفعه إلى الجاني والمطالبة بقيمته سليما خلافا للمحكي عن
أبي حنيفة، ولا للجاني ذلك لو أراده إلا أن يتفقا فيكون بيعا أو نحوه.
(وكذا) الكلام في (كل جناية لا تستوعب قيمته) ضرورة
كون ذلك مقتضى القواعد التي لا فرق فيها بين الجنايات، كما هو واضح.
(ولو قطع يده قاطع ورجله آخر قال بعض الأصحاب) وهو
الشيخ في المبسوط: (يدفعه إليهما ويلزمهما الدية) أي القيمة (أو
يمسكه) بلا شئ (كما لو كانت الجنايتان من واحد) وفيه أن
الحكم مخالف للأصل، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن نصا وفتوى،
وهو غير الفرض.
(و) من هنا كان (الأولى) القول ب‍ (أن له إلزام كل
واحد منهما بدية جنايته ولا يجب دفعه إليهما) وفاقا لغيره من الأصحاب.

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب ديات الشجاج والجراح الحديث 3.
(2) راجع ج 37 ص 116 - 119.
127

وكذا الكلام لو تعدد الجانون وإن اجتمع عند المولى أضعاف قيمته،
بل لعل ذلك ليس من الجمع بين العوض والمعوض، لانفراد كل جناية
بحكمها، بل وكذا لو اشترك المتعدد في قطع ما فيه الدية وإن أمكن
اندراجه في الخبر (1) إلا أنه لا جابر له في غير الجاني المتحد، بل
قد يقال بذلك أيضا إذا كانت الجناية متعددة من واحد، للأصل المزبور
، والله العالم.
المسألة الثالثة:)
(كل موضع نقول يفكه المولى فإنما يفكه بأرش الجناية زادت
عن قيمة المملوك الجاني أو نقصت، وللشيخ قول آخر أنه يفديه بأقل
الأمرين، والأول مروي (2)) ولكن الثاني أصح، كما تقدم الكلام
فيه مرارا، وخصوصا في الكتابة (3) فلاحظ وتأمل.
المسألة (الرابعة:)
(لو قتل عبد واحد عبدين كل واحد) منهما (لمالك) دفعة اشتركا
فيه قصاصا واسترقاقا، لكن لو بادر أحدهما فقتله أساء في وجه،
والأقوى خلافه، وعلى التقديرين لا يضمن شيئا، للأصل ولأن الشركة
في القصاص على هذا الوجه، ضرورة عدم قابليته للتبعيض، فيراد منها

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب ديات الشجاج والجراح الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب ديات النفس الحديث 5 من كتاب الديات.
(3) راجع ج 34 ص 349 - 353.
128

أن لكل منهما القصاص، ولا يختص بواحد، بخلاف الشركة في الاسترقاق
الذي مرجعه إلى مال قابل للتبعيض.
وحينئذ فإذا قتله أحدهما لم يضمن حق الآخر بفوات محله، واحتمال
غرم نصف القيمة لاشتراكهما في تعلق الحق بالرقبة واضح الفساد، ضرورة
عدم تملكه النصف بمجرد الجناية، وتعلق الحق بالرقبة إنما هو على أن
يكون القصاص لكل منهما كما عرفت، لعموم دليله.
نعم لما لم يتعقل استرقاقا لكل منهما له وتعقل الاشتراك فيه على
التبعيض كان بينهما على قدر استحقاقهما لو استرقاه، بل لو استرق أحدهما
منه مقابل عبده لم يسقط استحقاق القود للآخر، فله قتله من غير رد
مقابل الجناية.
وليس منه ما لو قتل عبدا لاثنين أو لجماعة فطلب بعضهم القيمة
الذي ذكر المصنف وغيره فيه أنه كان له منه بقدر قيمة حصته من المقتول،
وكان للباقين القود بعد رد حصة نصيب من طلب الدية عليه، ضرورة كون
المقتول واحدا، فليس على القاتل إلا نفسه، فمع فرض رضا بعض
الشركاء بالقيمة ينقص ما عليه، فلا وجه للقود منه بدون رد، فما توهمه
بعض الناس أنه من المسألة في غير محله، كما هو واضح.
ولو كان قد قتلهما على التعاقب (فإن اختار القود قيل) والقائل
الشيخ في محكي المبسوط: (يقدم الأول، لأن حقه أسبق، ويسقط)
حق (الثاني بعد قتله لفوات محل الاستحقاق).
ولفظه (فأما إن قتل عبد واحد عبدين لرجلين لكل واحد منهما
عبد ينفرد به فإن عفوا على مال تعلق برقبته قيمة كل واحد منهما،
ويكون سيده بالخيار على ما فصلناه إذا قتل عبدا واحدا، فإن اختارا
القود قدمنا الأول، لأن حقه أسبق، فإذا قتله سقط حق الثاني، لأن
129

حقه متعلق برقبته، فإذا هلك سقط حقه، كما لو مات، وإن اختار
الأول العفو على مال تعلقت قيمة عبده برقبته، وكان سيد الثاني بالخيار،
فإن عفا على مال تعلقت قيمته أيضا، فصارت القيمتان في رقبته،
ويكون لسيده الخيار على ما فصلناه في الواحد، وإن اختار الثاني القصاص
فعل، فإذا قتله سقط حق الأول عن رقبته، لأنه تعلق بها لا غير، فإذا
هلك تلف حقه، كما لو مات) انتهى.
(وقيل: يشتركان فيه) قصاصا واسترقاقا (ما لم يختر مولى
الأول استرقاقه قبل الجناية الثانية) أو يعفو عنه مجانا أو على مال ضمنه
مولاه كذلك ف‍) إنه (يكون للثاني) خاصة إن شاء قتله وإن
شاء استرقه وإن شاء عفا عنه مجانا أو على مال يضمنه مولاه برضاه،
ضرورة كونه حينئذ عبدا جنى على عبده ولا شركة لأحد معه فيه.
(وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده، إذ بدون ذلك يستوي
الجنايتان في إثبات الاستحقاق برقبته وإن تعاقبتا، لاطلاق الأدلة وخصوص
ما سمعته في جناية العبد على الحرين.
هذا ولكن في كشف اللثام (عندي أنه لا مخالفة للمبسوط لغيره،
لأن عبارته التي سمعتها نص في اشتراكهما فيه قصاصا واسترقاقا، لكنها
تتضمن أمرين: الأول أنهما إذا اختارا القصاص فأيهما قتله سقط حق
الآخر، وكذا إذا اختار أحدهما القصاص سقط حق الآخر،، كما مر في
أولياء الأحرار، والمصنف وغيره موافق له في هذا السقوط، والثاني
أنهما إذا اختارا القود قدمنا الأول، لأن حقه أسبق، فهو أولى باستيفاء
حقه، وهو كما مر النقل عنه في أولياء الحر المقتول، وهنا أيضا إن بادر
الثاني فاستوفى القصاص أساء، وليس عليه شئ، وسقط حق الأول
كما مر، ولم يذكره اكتفاء بما ذكره هناك، والأمر كذلك في كل موضع
130

اشترك فيه القصاص إذا لم يجتمعا على القتل دفعة).
قلت: يكفي في الخلاف أنه لا أولية للأول باستيفاء حقه من
القصاص وإن كان هو السابق، وإلا لكان أولى أيضا باستيفاء حقه بالاسترقاق
ويمكن أن يكون من حكى الخلاف فهم من تعليل الشيخ الخلاف أيضا في
الاسترقاق، فيقدم الأول لسبق حقه ثم الثاني، والأمر سهل بعد أن
عرفت أن الأصح الاشتراك.
وحينئذ (فإن اختار الأول المال) عن قيمة عبده (وضمن
المولى) على وجه تخلص رقبة العبد ويكون المال في ذمة المولى بصلح
ونحوه (تعلق حق الثاني برقبته) بلا مشارك (وكان له القصاص)
والاسترقاق والعفو مجانا، وعلى مال في ذمة السيد برضا السيد (فإن
قتله بقي المال في ذمة مولى الجاني) للأول، إذ لا مدخلية له في بقاء
العبد، وله استرقاقه بتمامه إذا كان مساويا لعبده بالقيمة وإن لم يكن له
سابقا إلا النصف لمكان مزاحمة الأول، فلما ارتفعت بقيت الجناية على
استحقاقها، وكذا الكلام لو كان الأمر بالعكس بأن اختار الثاني المال
على الوجه المزبور، فإنه يبقى حق الأول على الوجه الذي سمعته.
(ولو لم يضمن) المولى (ورضي الأول باسترقاقه تعلق به)
حقه و (حق الثاني) جميعا، ضرورة عدم سقوط حق الثاني باسترقاق
الأول، بل هو باق على تخييره (فإن قتله) الثاني (سقط حق
الأول) لفوات محله ولا تركة له كالحر ليأتي فيه ما سمعته سابقا من
احتمال أخذ الدية من تركته، وكذا إن رضي الثاني بتملكه فقتله الأول
سقط حقه.
وظاهر المصنف والفاضل وغيرهما ممن تعرض لذلك أنه لا يغرم من
اختار القصاص منهما للآخر قيمة ما استرقه، ولكن في كشف اللثام (وفيه
131

نظر، لأنهما لما اشتركا في رقبته كان الظاهر أنه لا يجوز لأحد منهما قتله
إلا إذا دفع إلى الآخر نصف قيمته، فإنه مال مشترك بينهما، وليس
كالحر، وقد سبقه إلى ذلك الشهيد في المحكي من حواشيه إلا أنه قال:
إن احتمال الضمان لم أقف عليه في مصنفات الأصحاب، ولا سمعته من
العلماء الأنجاب وإن كان غير بعيد من الصواب).
قلت؟ قد سلف منا ما يعلم منه فساد الاحتمال المزبور، وذلك
لاطلاق ما دل على التخيير لولي المقتول في القصاص وغيره، واسترقاق
أحدهما له لا يرفع ذلك، لأن الحق متعلق بعينه، وأدلة القصاص عامة.
ثم لا يخفى عليك أن ما وقع من المصنف وغيره من ضمان المولى
يراد به ما أشرنا إليه من شغل ذمة المولى بمال عن حق المجني عليه المتعلق
برقبة العبد بصلح ونحوه، وإلا فلا وجه للضمان المصطلح، إذ ليس هو
في ذمة العبد، كما لا وجه لالتزام المولى بمجرد تعهده بذلك، ضرورة
كونه كالوعد الذي لا يجب الوفاء به، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه، كما
أن المراد من عفو المجني عليه على مال إسقاط حقه من القصاص، فيبقى
له الفرد الآخر وهو الاسترقاق، فمع فرض صلح المولى عنه بمال يسقط
ذلك الحق، ويتشخص له المال في ذمة المولى، فما أطنب فيه في المسالك
لا يخفى عليك ما فيه.
(و) على كل حال ف‍ (إن لم يختر القصاص و (استرق
اشترك الموليان) كما سمعته من المبسوط وصرح به الفاضل وغيره، ولم
يختص بالثاني وإن كان اختيار استرقاق الأول أقدم، إذ ليس له إلا
استرقاق مقدار ما يخصه من الشركة.
ولكن عن التحرير الوجه عندي أنه للثاني بعد استرقاق الأول له،
وهو مبني على تعلق استرقاقه بتمامه، فإذا اختار الاسترقاق أيضا انتقل
132

منه إليه، ومال إليه في المسالك.
وفيه أن فحوى ما سمعته في الخبر (1) يقتضي كونه مشتركا بينهما
ما لم تكن الجناية الثانية بعد استرقاق الأول، وبذلك يتضح لك ما ذكرناه
سابقا في كلام كشف اللثام، فلاحظ وتأمل. بل من ذلك يظهر لك
ما في المسالك من التشويش، والله العالم والهادي.
بقي شئ: وهو أن الاشتراك المزبور بين الموليين على التنصيف مع
فرض استيعاب قيمة كل من عبديهما لقيمة المجني عليه (2) وإن تفاوتاهما بالقيمة
مع احتمال كون الاشتراك فيه على حسب قيمة عبديهما، لكنه بعيد، نعم
لو تفاوت عبداهما على وجه يساوي أحدهما نصفه والآخر جميعه أمكن
القول باشتراكهما فيه على التفاوت، فيكون ثلثه لذي النصف وثلثاه لذي
الكل، لقاعدة لا ضرر ولا ضرار، أما لو كان قيمة أحدهما تساوي ثلثه
والآخر ثلثيه فلا إشكال في اشتراكه بينهما على التفاوت فتأمل جيدا،
فإني لم أجد ذلك محررا في كلامهم، وفي بعض العبارات إطلاق استحقاق
النصف، ويمكن حملها على ما إذا كان مقتضى الشركة ذلك لتساوي
العبدين مثلا، والله العالم.
(ولو قتل عبدا لاثنين) مثلا اشتركا في القود والاسترقاق
ف‍) إن (طلب أحدهما القيمة) ولم يدفعها المولى له (ملك
منه بقدر قيمة حصته من المقتول، ولم يسقط حق الثاني من القود مع
رد قيمة حصة شريكه) ضرورة عدم استحقاقه تمام نفسه بعد عفو
الشريك.
وعن العامة قول بسقوط حقه، لأن القود لا يتبعض، وهو واضح
الضعف عندنا بعد مشروعية الرد عندنا في نظائره.

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(2) هكذا في النسختين الأصليتين: المسودة والمبيضة، والصحيح " لقيمة الجاني ".
133

ولو فكه مولاه بقليل أو كثير وجب على القاتل رد نصيب من
عفا من قيمته على مولاه لا ما دفعه مولاه، والله العالم.
المسألة (الخامسة:)
(لو قتل عشرة أعبد) كل واحد لمولى (عبدا فعلى كل واحد
عشر قيمته) أي العبد المقتول في رقبته، وللسيد الخيار بين قتل الجميع
أو البعض والاسترقاق (فإن قتل مولاه العشرة أدى إلى مولى كل
واحد ما فضل عن جنايته) إن كان (و) إلا ف‍ (لو لم تزد
قيمة كل واحد عن جناية (التي هي عشر قيمة العبد المقتول (فلا
رد) ولكن لو زادت قيمة المقتول عن دية الحر فالوجه ردها إليها،
ويجعل أصلا، ويكون على كل عبد عشرها، وكذا يرد قيمة كل واحد
من العشرة إليها إن زادت، لاطلاق ما دل من النص (1) والفتوى
على ذلك.
(وإن طلب الدية ف‍) في المتن والتحرير (مولى كل واحد
بالخيار بين فكه بأرش جنايته وبين تسليمه ليسترق) وقد عرفت سابقا
أن الخيار بيد مولى المجني عليه بين استرقاق ما قابل الجناية من كل منهم
وبين الرضا من المولى بالأرش.
ويمكن حمل العبارة على ما إذا جعل ولي المقتول إليه الخيار، وحينئذ
يتجه استحقاق مولى المجني عليه أرش الجناية بالغا ما بلغ لا أقل الأمرين،
ضرورة كون الأمر إليه كما أشرنا إليه سابقا، نعم لو كان الخيار بيد
المولى كما في الخطأ لم يجب عليه إلا أقل الأمرين من أرش الجناية ومن

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.
134

قيمة العبد، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، كما أنه لا يستحق
ولي المجني عليه أزيد من أرش جنايته.
وعلى كل حال ف‍ (إن) اختار مولى المجني عليه الاسترقاق
و (استوعبت جناية العبد قيمته) استرقه أجمع ولا شئ لسيده، كما
لا شئ عليه لو زادت (وإلا كان لمولى المقتول من كل واحد بقدر
أرش جنايته) ويبقى الباقي للسيد (أو يرد على مولاه) مع التراضي
(ما يفضل عن حقه، ويكون) العبد بأجمعه (له) أو بالعكس
مع التراضي فيبقى العبد بأجمعه لمولاه، إذ عرفت غير مرة أن الجناية تتعلق
برقبة العبد، فليس لمولى المجني عليه إلزام مولى الجاني بالقيمة قهرا،
كما أنه ليس لمولى الجاني إلزام مولى المجني عليه بالرضا بالقيمة قهرا،
كما هو واضح.
(ولو قتل المولى بعضا جاز) بلا خلاف ولا إشكال، لأن له
القصاص من كل واحد (و) لكن (يرد كل واحد) من موالي
الباقين على مولى المقتول قودا (عشر الجناية) إن كان البعض الذي
قتله واحدا، وإلا رد من يبقى منهم مقدار ما عليه، ويغرم مولى المجني عليه
الباقي فإن لم ينهض ذلك بقيمة من يقتل لعلو قيمته أو لتعدده
(أتم مولى المقتول ما يعوز) لأنه هو القاتل (أو اقتصر على قتل
من ينهض الرد بقيمته) كي لا يغرم شيئا كذا ذكره المصنف وغيره ممن
تعرض لهذا الفرع.
لكن قد أشرنا سابقا أن المتجه غرامة مولى المجني عليه تسعة أعشار
قيمة المقتول قودا لو كان واحدا مثلا وإن استحق هو من الجانين الباقين
استرقاقا ما قابل جناية كل واحد منهم، وليس لولي المقتول قودا استرقاقهم،
لعدم كونهم جانين على عبده، كما ليس عليه قبول ذلك لو دفعه المقتص
135

إليه لاستحقاقه القيمة، اللهم إلا أن يكون ذلك مقتضى الشركة في الجناية
كما أشرنا إليه سابقا، وذلك كله واضح بعد الإحاطة بما أسلفناه وإن
أطنب فيه الفاضل في القواعد وشرحها للإصبهاني. ومنه قوله فيها:
(لا يجبر فاضل أحدهم بنقصان الآخر إلا أن يكونا لمالك واحد) وفيه
أن المتجه عدم الجبر مطلقا، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه،
فكل منهم يلاحظ لنفسه، والله العالم.
المسألة (السادسة:)
(إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه صح) لبقائه على ملكه،
وعموم أدلة الترغيب فيه، وبناء على التغليب، وكون الأصل في قضية
العمد القصاص دون الاسترقاق. (و) من المعلوم أنه (لم يسقط
القود) بذلك، ولأن العتق أقوى من الجناية، لنفوذه في ملك الغير،
وهو الشريك بخلافها.
(و) لكن مع ذلك (لو قيل: لا يصح لأن لا يبطل حق
الولي من الاسترقاق كان حسنا) بل في النافع هو الأشبه، وفي المسالك
الأقوى واختاره الحلي والآبي وأبو العباس والفخر والمقداد على ما
حكي عن بعضهم، بل عن الخلاف الاجماع عليه، وهو الحجة للقائل
بعد ما عرفت من اقتضاء العتق بطلان الحق المتعلق بعينه، وهو الاسترقاق
الذي هو لازم جنايته، وبطلان اللازم يقتضي بطلان الملزوم.
نعم لو قيل ببقاء حق الاسترقاق له كما في التحرير وعن كفارات
المبسوط ارتفع المحذور المزبور. قال في الأول: (فإن اقتص منه أو استرقه
بطل عتقه، وإن عفا على مال أو افتكه مولاه عتق، وكذا لو عفا عنه)،
136

لكن يلزم منه محذور آخر كما في الرياض، وهو كون العتق موقوفا
مع أن من شرطه التنجيز وعدم التعليق، اللهم إلا أن يمنع من ضرر مثل
هذا التعليق، ويختص الممنوع منه بما يذكر في صيغة العتق لا ما كان
موجبا لتوقفه من خارج، كما نحن فيه فتدبر، وهو كما ترى، ضرورة
عدم كون ذلك من التعليق قطعا، بل هو من الكشف أو عدم اللزوم
وهما معا ليسا من التعليق، ولعل قوله فيه: (بطل) يقتضي الثاني،
فيجزئ حينئذ لو كان عن كفارة، لصدق الامتثال وإن عادت إلى
الرق بعد ذلك.
نعم قد يقال: إن الأولى من ذلك القول بالعتق المنجز اللازم ترجيحا
لأدلة العتق المبني على التغلب، والمعلوم كون الأصل فيه اللزوم، بل
ربما كان من المعلوم عند الشرع عدم عوده إلى الرق بعد حصوله، وتنزيلا
لأدلة التخيير في العبد الجاني على ما إذا كان عبدا مؤيدا ذلك بما ذكروه في
المبيع بالخيار المشترك من نفوذ العتق لو وقع من المشتري، بل قيل إنه
لم يعرف القول بالبطلان فيه إلا لبعض الشافعية كالقول بتوقفه على إذن
ذي الخيار.
وربما كان هذا أولى مما في كشف اللثام، فإنه بعد أن ذكر أن
الصحة بمعنى المراعاة: (وعندي الأظهر الصحة منجزة إذا كان
المقتول حرا، ولا يبقى للولي إلا القود، ولا يبطل به العتق، والمراعاة
إذا كان المقتول عبدا، فإنه ما لم يبطل العتق لم يقتص منه له، كما لا يسترق).
وفيه أن مقتضى ما ذكرناه عدم الفرق، ولا استبعاد في سقوطهما
معا، كالذمي إذا قتل ذميا وأسلم، نعم يمكن القول فيه وفي السابق بضمان
السيد القيمة باعتبار إتلافه جهة المالية، ولقاعدة الضرر كما لو قتله، الذي
صرح في القواعد بضمانه القيمة فيه وفي قتل الأجنبي، بل صرح فيها
137

بالضمان مع التفريط في حفظه حتى هرب، وأولى منه ما لو هربه هو،
وربما يشهد له ما تسمعه في صورة الخطأ، وهو لا يخلو من قوة وإن
لم أجد به مصرحا. ثم إن قوله: (فإنه ما لم يبطل العتق) مناف
لما صرح به الفاضل في القواعد بل وله في شرحها أيضا من أنه لو قتل
العبد عبدا عمدا، فأعتق القاتل لم يسقط القصاص اعتبارا بحال الجناية،
فلاحظ وتأمل.
هذا وفي المتن (وكذا البحث في بيعه وهبته) وفي القواعد
(لو باعه أو وهبه وقف على إجارة الولي) وفي شرحها للإصبهاني (لتعلق
حقه بالرقبة، فلا ينتقل إلى الغير بدون إذنه، ولا يكفي علم المشتري
والمتهب بالحال، كما لا يكفي في الرهن، وهنا قولان آخران: أحدهما
الصحة منجزة والآخر البطلان، وموضع التفصيل المتاجر).
قلت: قد ذكرنا هناك (1) أن الأقوى الصحة، لعموم الأدلة،
وعدم ثبوت مانعية الحق المزبور لها، إلا أن المتجه بقاء حق الاسترقاق
له، فإن الانتقال إلى مالك آخر لا ينافيه بعد تعلقه بالعين، كتعلق حق
الدين بالتركة الذي لا يمنع من نفوذ بيع الوارث وإن تسلط الديان على
الفسخ مع عدم الوفاء، وحينئذ فينتقل العبد الجاني إلى المشتري مستحقا
استرقاقه، فمع علمه لا خيار، وإلا كان له الخيار كما أوضحناه في محله.
وفرق واضح بين البيع والهبة وبين العتق بناء على أن الحر لا يعود
رقا بخلافهما، فإنه يثبت فيهما تزلزل الملك.
بل قد يقال: بلزوم البيع للأصل مع ضمانه القيمة، نحو ما قلناه
في المبيع بالخيار وإن كان بعيدا، لقوة تعلق حق الجناية وكونه في اليمين
لا في العقد كالخيار.

(1) راجع ج 25 ص 134 - 135.
138

نعم قد يقال هنا: إن للمجني عليه الاسترقاق، ولا يبطل البيع،
لأنه استرقه وهو في ملك المشتري، بل لا رجوع له بالثمن مع علمه
بالحال، أما مع عدم علمه فقد يقال: له تفاوت ما بين قيمته مستحقا عليه
الاسترقاق وسليما عن ذلك، كما أن له الفسخ لو علم بذلك قبل أن
يسترقه المجني عليه، لأنه بحكم المعيب فتأمل جيدا، فإني لم أجد ذلك
محررا، بل ربما تقدم في المتاجر منافاة له في الجملة، ولكن لا يخفى
عليك قوته، هذا كله في القتل عمدا.
(و) أما (لو كان) القتل (خطأ) ف‍ (قيل)
والقائل الشيخ في محكي النهاية: (يصح العتق ويضمن المولى الدية على
رواية عمرو بن شمر عن جابر (1) عن أبي جعفر (عليه السلام)) قال:
(قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في عبد قتل حرا خطأ فلما قتله
أعتقه مولاه، قال: فأجاز عتقه وضمنه الدية) (و) لكن (في
عمرو ضعف) ومع ذلك مرسلة ولا جابر لها.
(و) من هنا (قيل) والقائل ابن إدريس: (لا يصح
إلا أن يتقدم ضمان الدية أو دفعها).
ولكن فيه أن تقدم الضمان بدون رضا المجني عليه غير مجد، بل
ومع رضاه إلا أن يكون المراد به التزام السيد له في الذمة بصلح ونحوه،
بل فيه أن ضعف الخبر المزبور غير مضر بعد أن كان مضمونه موافقا
للضوابط التي أشرنا إليها في صورة العمد التي لا ريب في أولوية الخطأ
منها بذلك، وحينئذ يتجه نفوذ العتق وضمان السيد الدية باعتبار إتلافه
الحق المالي.
ولا مدخلية لاعساره وملاءته في الضمان بذلك وإن اعتبرها الفاضل

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب ديات النفس الحديث 1 من كتاب الديات.
139

في القواعد في الصحة، قال: (وإلا فالأقرب المنع) وكأنه راعى في
ذلك الجمع بين أدلة العتق وعدم ضياع الحق، وهو حاصل لو كان مليا
بخلاف ما إذا كان معسرا. وفيه أنه يمكن كونه مماطلا مع ملاءته فلم يحصل
الاحتياط لصاحب الحق، واحتمل في كشف اللثام الصحة مع الاستسعاء،
والكل تهجس، والتحقيق ما عرفت من نفوذ العتق، أما البيع والهبة
فالظاهر مراعاة لزومهما بالأداء، نحو تركة الميت التي تعلق بها الدين،
(والله العالم.
(مسائل (فروع خ ل) في السراية:)
(الأولى:)
(إذا جنى الحر على المملوك) جناية فلا قصاص عليه، لعدم
المكافأة، ولكن لمولاه قيمة الجناية (ف‍) إن كانت يدا كان له نصف
القيمة ولو (سرت إلى نفسه فللمولى كمال قيمته) ما لم تتجاوز دية
الحر بلا خلاف ولا إشكال.
(ولو تحرر وسرت إلى نفسه) لم يجب القصاص الذي يعتبر
فيه وقت الجناية، إلا أنه (كان) على الجاني دية حر لأنه مات حرا
و (للمولى) منها (أقل الأمرين من قيمة الجناية أو الدية عند
السراية) وذلك لأن القيمة إن كانت أقل فهي المستحقة له، والزيادة
حصلت بعد الحرية فلا يملكها المولى، وإن نقصت مع السراية لم يلزم
الجاني تلك النقيصة، لأن دية الطرف تدخل في دية النفس) إذ الفرض
أنه مات بتلك الجناية التي كانت تقتضي على تقدير الرقية تمام القيمة،
لكونها جناية مضمونة لكنها سرت وهو حر، فلا تكون سرايتها له،
140

وإنما له قيمة جنايته، نعم لو فرض أن قيمتها تمام الدية كما لو كانت
أنفا أو يدين مثلا وفرض أن قيمته ألف دينار أخذها المولى ولم يكن
للوارث شئ، فالمراد بالدية حينئذ في كلام المصنف وغيره دية ذلك
العضو، كما صرح به الأردبيلي، لا دية النفس، إلا أن يكون في الجناية
ذلك كما فرضناه في الأنف واليدين.
لكن في كشف اللثام ما يظهر منه منافاة للمعنى المزبور، قال في
تفسير عبارة القواعد التي هي كعبارة المتن بعد أن جعل قوله فيها:
(عند السراية) ظرفا للأقلية: (وذلك لأن الدية إن كانت أقل فليس
له غيرها، لما عرفت من أن القيمة إنما تعتبر إذا لم تتجاوزها، فإن
تجاوزتها ردت إليها، وليس منها لوارث المجني عليه شئ، فإن المولى
استحقها حين الجناية، وإن كانت قيمة الجناية أقل فليس له غيرها،
فإن السراية إنما حصلت بعد الحرية، وليس للمولى مما يلزم بعدها شئ،
بل ما زاد منها على قيمة الجناية لوارث المجني عليه، والمراد بالدية
دية النفس، إذ حين الجناية وإن لم تجب إلا دية العضو لكن سقط حكمها
بالسراية، فإن من قطع إصبعا من رجل لم يكن عليه إلا دية الإصبع،
فإن سرت فمات وجبت دية النفس، ومن قطع يدي رجل ورجليه كانت
عليه ديتان، فإن سرت لم تكن عليه إلا دية واحدة، وقال المصنف:
لأن القيمة يعني قيمة الجناية إن زادت عند السراية، وذلك لزيادة الدية
عليها، فإنها عند السراية تدخل في دية النفس فسبب الحرية ولا شئ
له فيها أي في زمان الحرية أي ما يلزم عندها أو لأجلها أو في الزيادة
التي لها أو للزيادة لها، فمعنى هذه العبارة ما ذكرناه من قولنا وإن كانت
قيمة الجناية أقل إلى آخره وإن نقصت قيمة الجناية عند السراية عما
كانت عليه ولا يتصور إلا إذا جنى عليه غيره بعد التحرير وسرت الجنايتان
141

أو الجنايات لم يلزم الجاني تلك النقيصة، بل نقصت على المولى لدخول
دية الطرف في دية النفس عند السراية كما عرفت، فإذا كانت قيمة
الجناية بقدر الدية ثم نقصت عنها حين السراية لم يكن للمولى إلا الناقص
فأولى إذا كانت ناقصة عنها ابتداء ثم مثل لنقصانها حين السراية عما
كانت عليه حتى الجناية بقوله: فلو قطع يده) إلى آخر ما ذكره
الفاضل نحو ما ذكره المصنف.
ويمكن أن يريد بقوله: (والمراد بالدية) إلى آخره، ولو بقرينة
تعليله أنه بعد السراية ليس إلا دية النفس، لأن دية العضو تدخل فيها،
وحينئذ يرجع كلامه إلى ما ذكرناه.
وأما احتمال كون العضو المقطوع ولو يدا فيه دية النفس لو فرض
أن العبد يساوي أربعة آلاف دينار مثلا ونصف قيمته ألفان فللعضو منها
ألف دينار، لأنها لا تتجاوز دية الحر فيدفعه أن الحر أصل للعبد في
كل ما له مقدر، بمعنى أنه يرجع إليه عند التجاوز، فكما لا تتجاوز
قيمته أجمع دية الحر كذلك أيضا لا تتجاوز قيمة أطرافه دية الحر فيها،
فلا يستحق ليده حينئذ مثلا إلا خمسمائة دينار بالغا ما بلغت قيمته، لأنها
لا تتجاوز دية الحر، وليس لليد إلا نصفها. وبذلك يظهر لك النظر
في بعض الكلمات.
هذا وفي المسالك بعد أن ذكر وجوب دية الحر على الجاني في
مفروض المسألة قال: (وتكون بين المولى والوارث، وأما الذي يثبت
للمولى منها ففيه وجهان، أصحهما وهو الذي قطع به المصنف ولم
يذكر غيره وقبله الشيخ في المبسوط أن الواجب له أقل الأمرين من
كل الدية ومن أرش الجناية، وهو في مثالنا نصف القيمة، لأن الأقل
إن كان هو نصف القيمة بأن كانت قيمته عبدا مائة دينار فليس له
142

الزيادة عليها، لأن الزيادة حدثت بالسراية حال الحرية، ولا حق له
في ما زاد حالتها، وإن كان نصف القيمة أكثر من الدية كما لو كانت
قيمته تزيد على ألف دينار فله كمال الدية لا غير، لأن الواجب بالجناية
نقص بالسراية حال الحرية فكان من حق السيد والباقي له بعد النقصان،
لأن قيمة العبد لا تتجاوز دية الحر، والثاني أن الواجب أقل الأمرين
من كل الدية وكل القيمة، لأن الجناية حصلت بجناية مضمونة للسيد،
وقد اعتبرنا السراية حيث أوجبنا دية النفس، فلا بد من النظر إليها في
حق السيد، فيقدر موته رقيقا وموته حرا، ونوجب للسيد أقل العوضين
فإن كانت الدية أقل فليس على الجاني غيرها، وإعتاق السيد سبب
النقصان وإن كانت القيمة أقل فالزيادة وجبت بسبب الحرية، وهي من
فعل السيد، فليس للسيد إلا قدر القيمة الذي كان يأخذه لو مات رقيقا،
ويعبر عن هذا الوجه بأن للسيد الأقل مما يلزم الجاني أخيرا بالجناية على
الملك أولا، ومن مثل نسبته من القيمة).
قلت: كان وجه التعبير المزبور النظر إلى اتحاد الجاني وتعدده،
فالأول للأول والثاني للثاني الذي يلحظ فيه نسبة جنايته إلى جناية غيره
بالنسبة إلى قلة الجانين وكثرتهم، فإنك قد عرفت سابقا أن الاعتبار
بالجانين لا بالجنايات، فيلحظ حينئذ نسبة الأول إليهم، ويأخذ من
الدية أقل الأمرين منها ومن قيمة العبد.
وإليه أشار المصنف بقوله متصلا بما سمعت: (مثل أن يقطع
واحد يده وهو رق، فعليه نصف قيمته، فلو كانت قيمته ألفا كان
على الجاني خمسمائة، فلو تحرر وقطع آخر يده وثالث رجله) أي بعد
أن قطع الأول إحدى يديه وهو رق (ثم سرى الجميع سقطت دية
الطرف وثبتت دية النفس وهي ألف) لما عرفت من دخولها فيها
143

(فيلزم الأول الثلث بعد أن كان يلزمه النصف، فيكون للمولى
الثلث) من الدية إن كان هو قيمة جنايته، وإلا كان له أقل الأمرين
كما تحقق سابقا (وللورثة الثلثان من الدية) فإن مقصوده من ذلك
التمثيل للنقصان بالسراية.
لكن في مجمع البرهان (هنا إشكال، وهو أنه إذا كان الاعتبار
بالجناية حال الجرح لا حال السراية كيف يكون على الجاني الأول أقل
الأمرين من أرش جناية العضو وديته حال السراية، بل ينبغي أن يكون
أرش الجناية متعينا، فإنه إذا قطع الإصبع أو اليد لزم قيمة الجناية على
الجاني وإن أعتق، فإنه لا اعتبار بعد ذلك بشئ).
وفيه أن المراد بأقل الأمرين هو قيمة جناية العضو ما لم تزد على
دية عضو الحر، بمعنى أن ذلك يؤخذ للمولى من الدية، لأن من المعلوم
دخول الطرف في النفس، ولما قطع صار عليه دية الطرف، ولما سرت
هذه دخل دية الطرف في النفس، وقد وجد حينئذ متلفات أخر وسرت
الجميع، فينظر حينئذ إلى الجرح الأول، لأن الذي سرى ليس هو
فقط، بل مع اثنين آخرين، فعليه ثلث هذه النفس، ولكن يلزم حينئذ
إلزامه بثلث الدية لا بأقل الأمرين وهو مقتضى إطلاق المصنف، بل
حكاه بعضهم قولا له.
ولكن فيه أنه ليس للمولى من سراية الجرح حال الحرية حظ
ونصيب في الزيادة الحاصلة بالعتق، وهي الفاضل من القيمة، فليس
له إلا ثلث القيمة إلا أن يتجاوز ثلث دية الحر فيتجه القول بالأقل.
ولعل إطلاق المصنف منزل على ما ذكره سابقا أن للمولى الأقل،
فيكون المراد أن الأول عليه ثلث الدية للمولى إن كانت قيمة جنايته
تبلغ ذلك، وإلا فليس له إلا قيمة جنايته دون سرايتها، فتأمل جيدا،
144

فإن المسألة غير محررة في كلامهم، بل فيها خبط كثير، والذي تقتضيه
القواعد ما ذكرناه.
(و) منه يعلم النظر في ما (قيل) والقائل الشيخ في محكي
الخلاف: (له أقل الأمرين هنا من ثلث القيمة) أي قيمة العبد
لا العضو (وثلث الدية) لأنه لو جنى عليه وهو في ملك هذا المولى
ثم جنى عليه الآخران وقد انتقل إلى ملك الغير وسرت الجنايات فمات عبدا
كان على الأول للمولى الأول ثلث القيمة إن لم يزد على ثلث الدية، فإن
زاد عليه فثلث الدية، فكذا إذا تحرر بعد الجناية الأولى، فإن أرش الجناية
إن زاد بالحرية فلا شئ للمولى من الزيادة.
وفيه أنه لا موجب للتثليث في المسألة إلا بعد الحرية، ولا قيمة
للحر بخلاف الفرض، فالفرق واضح. ولذا قال المصنف: (والأول
أشبه) بأصول المذهب التي مقتضاها عدم استحقاق السيد إلا قيمة جنايته
دون سرايتها.
هذا وعن المبسوط (أن له أقل الأمرين من أرش الجناية أو ثلث
الدية، إذ لا حق للسيد في الجنايتين الأخيرتين، فالجناية الأولى في حقه
بمنزلة المنفردة، وهي لو انفردت وسرت كان على الجاني أقل الأمرين من
الأرش وكمال الدية، فإذا شاركه الآخران كان عليه أقل الأمرين من
الأرش وثلثها).
وتوقف في المختلف بين ما في الخلاف والمبسوط، وكأنه في المسالك
فهم من المبسوط ما سمعته أولا من المصنف، ولذا حكاه عنه، فإن
كان كذلك فهو، وإلا كما عساه ظاهر عبارته المقتضي أن للسيد أرش
الجناية مع سرايتها كان محلا للنظر.
والانصاف أن عباراتهم لا تخلو من تشويش حتى عبارة المصنف
145

والفاضل في القواعد وغيرهما، والتحقيق ما عرفته، فإنه قد ذكرنا ما يستفاد
منه توضيح المسألة.
وحاصله أن الجناية على العبد الذي تحرر فسرت إن كانت متحدة فليس
على الجاني إلا دية حر، ويستحق المولى منها قيمة تلك الجناية غير
سارية ما لم تزد على دية الحر فيرد إليها، وهو المراد بأقل الأمرين،
كما أن المراد من دخول دية الطرف في النفس، بمعنى أنه لا يغرم الجاني
للمولى قيمة يد عبد وللوارث دية حر، بل ليس عليه إلا دية الحر،
والمولى يتبعه فيها بقيمة الجناية على الوجه المزبور، وليس له من السراية
شئ، ضرورة حصولها عليه وهو حر، فلا تتبع حينئذ السراية هنا
الجناية - واحتماله كما هو مقتضى ما سمعته من الوجه الثاني المذكور في
المسالك واضح الضعف.
وأما مع تعددها بتعدد الجانين مثلا ثم سرت الجميع فيدخلها النقص
عن حال انفرادها، لاستناد الموت إليها أجمع، فليس للمولى من الجناية
الحاصلة حال الحرية نصيب، كما ليس له من سراية الأولى أيضا شئ،
وإنما له في نصيب الجناية الأولى التي هي نصف الدية أو ثلثها أو ربعها
قيمة الجناية ما لم تزد على قيمة تلك الجناية في الحر على حسب ما سمعته
في حال الانفراد، فتأمل جيدا، فإن المسألة في غاية التشويش في كلامهم،
وربما كان منشأه إطلاق الدية في كلامهم المنصرف إلى دية النفس، وقد
عرفت أن المراد دية ذلك العضو، أو توهم تبعية سراية الجناية حال الحرية
لأصلها الذي كان حال الرق فيستحقها المولى، وقد عرفت فساده، وأن
التحقيق كون الزيادة بسبب الحرية للوارث، والنقيصة بسببها عليه، لأنها
من فعله، فلا تقدر الجناية الأولى مع سرايتها حال الحرية أنها جناية
سارية على مملوك كي يستحقها مع سرايتها المولى، بل تقدر نفس الجناية
وتختص به، فكأنها مندملة في حقه، فلا تلحظ سرايتها، بل لو كانت
146

موجبة لتمام القيمة كالأنف مع فرض كون قيمته تبلغ دية الحر ثم جنى
عليه بعد العتق آخر أو آخرون ثم سرى الجميع لم يكن له إلا نسبة الجناية
الأولى مع غيرها بالنسبة إلى الجانين نصف أو ثلث أو ربع، إذ النقصان
قد حصل من تحريره، فتأمل جيدا، والله العالم والهادي.
المسألة (الثانية:)
(لو قطع حر يده فأعتق ثم سرت فلا قود) بلا خلاف أجده
فيه ل‍ (لأصل وعدم صدق (الحر بالحر) (1) لو قتل به،
ولذا اعتبر فيه (التساوي) المفقود في الفرض (و) لكن (عليه
دية حر مسلم، لأنها جناية مضمونة) حين وقوعها (فكان
الاعتبار ب‍ (مقدار (ها حين الاستقرار) لأن الجناية ضمانها
حينها، واستقرار المقدار باستقرارها، والفرض أنها حاله تحقق بها إزهاق
نفس حر، فلذا وجب عليه الدية لها، ويدخل فيها دية الطرف كما في
غيره من الجراحات على ما عرفت تحقيقه سابقا (و) لكن (للسيد)
منها (نصف قيمته وقت الجناية) ما لم تتجاوز نصف دية الحر وإلا
ردت إليها (ولورثة المجني عليه ما زاد) على ذلك كما عرفت تحريره.
(فلو قطع حر آخر رجله بعد العتق وسرى الجرحان فلا قصاص
على الأول في الطرف) الذي يدخل في النفس (ولا في النفس ل‍) ما
عرفت من عدم التساوي بعد فرض وقوعها حال الرقية وإن كان قد
سرت حال الحرية ف‍ (إنه) إذا (لم يجب القصاص في) ابتداء
(الجناية فلم يجب في سرايتها، وعلى الثاني القود بعد رد نصف ديته)

(1) سورة البقرة: 2 الآية 178.
147

لأن عليه نصف نفس، ولا يمكن استيفاؤه منه إلا بالرد كنظائره (ولم
يسقط القود) عن قاطع الرجل (لمشاركة الآخر في السراية) والفرض
عدم قود عليه، فإن ذلك لا يقتضي السقوط عنه بعد إطلاق الأدلة (كما
لا يسقط بمشاركة الأب للأجنبي وبمشاركة المسلم للذمي في قتل الذمي)
وإن لم يكن قصاص على الأب ولا على المسلم، كما هو واضح.
المسألة (الثالثة:)
(لو قطع) قاطع (يده وهو رق ثم قطع) ذلك القاطع
(رجله وهو حر) وقد اندملتا معا (كان على الجاني) في الجناية
الأولى (نصف قيمته وقت الجناية لمولاه) ما لم يتجاوز نصف دية
الحر، وإلا رد إليه (و) ليس عليه قصاص لما عرفت من عدم
التساوي، نعم (عليه القصاص في الجناية حال الحرية) لحصول المساواة
حينها (فإن اقتص المعتق) بالفتح (جاز، وإن طالب بالدية كان
له نصف الدية يختص به دون المولى) كما أن المولى اختص بالأولى
دونه.
(ولو سرتا فلا قصاص في الأولى) قطعا (لعدم التساوي،
و) لكن يثبت (القصاص في) قطع (الرجل) المفروض
وقوعه حال الحرية (لأنه) حينئذ (مكافئ).
(وهل يثبت القود) بذلك أيضا بعد فرض السراية بها وبالسابقة؟
(قيل) والقائل الشيخ في المبسوط: (لا) يثبت (لأن السراية
عن قطعين أحدهما لا يوجب القود) منهما كما لو استند التلف إلى
عمد وخطأ.
148

(والأشبه ثبوته) لما عرفت من إطلاق الدليل الذي لا ينافيه
سقوط القود عن الشريك كالأب والأجنبي والمسلم والذمي في قتل الذمي،
نعم له ذلك ولكن (مع رده ما يستحقه المولى) من الجاني من قيمة
الجناية نصف الدية أو أقل.
(ولو اقتصر الولي على الاقتصاص في الرجل أخذ المولى نصف
قيمة المجني عليه وقت الجناية) فإن كان تمام دية اليد فذاك (و) إلا
(كان الفاضل للوارث، فيجتمع له الاقتصاص وفاضل دية اليد إن
كانت ديتها زائدة عن نصف قيمة العبد) كما هو المفروض، وهو واضح.
هذا وفي القواعد (ولو جرح عبد نفسه وأعتق ثم مات فلا دية،
كما لو أتلف عبدا ثم أعتق) وشرحها في كشف اللثام (ولو جرح عبد
نفسه وأعتق بعد ذلك ثم مات فلا دية عليه، لأن العبرة بحال الجناية،
كما لو أتلف مالا حال كونه عبدا ثم أعتق لم يكن عليه الضمان اعتبارا
بحال الجناية).
وفيه أن ضمان العبد المال على وجه يتبع به بعد العتق مفروغ منه،
بل لعله كذلك حتى لو كان المال لسيده.
ثم إن ظاهر التشبيه كون مفروض المسألة رفع (عبد) ونصب (نفسه)
وربما احتمل جرح المولى عبد نفسه على أن يكون المراد من التشبيه أنه
كما لو جنى المولى على عبده بالمتلف ثم أعتقه، فإنه لا ضمان هنا فكذلك
الجرح، وهو كما ترى، والله العالم.
149

(الشرط الثاني:)
(التساوي في الدين، فلا يقتل مسلم بكافر) مع عدم الاعتياد
(ذميا كان أو مستأمنا أو حربيا) بلا خلاف معتد به أجده فيه بيننا،
بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض حد الاستفاضة أو
متواتر كالنصوص: منها قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر محمد
ابن قيس (1): (لا يقاد مسلم بذمي في القتل ولا في الجراحات، ولكن
يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم) وغيره
على وجه لا يقدح في الأول خلاف الصدوق في المقنع، ولا في الثاني
ما تسمعه من النصوص (2) الواردة بالمساواة بين المسلم والذمي المخالفة
لقوله تعالى (3): (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) إن
كان الوارث كافرا، ويتم بعدم القول بالفصل، المحمولة على المتعود أو
على التقية من بعض العامة، منهم أبو يوسف الذي يقول فيه الشاعر:
يا قاتل المسلم بالكافر * جرت وما العادل كالجائر
يا من ببغداد وأطرافها * من فقهاء الناس أو شاعر
جار على الدين أبو يوسف * بقتله المسلم بالكافر
فاسترجعوا وابكوا على دينكم * واصبروا فالأجر للصابر
(ولكن يعزر) لو قتل من يحرم قتله عليه بخلاف الحربي منهم
حتى إذا لم يستأذن الإمام (عليه السلام) في ذلك وإن توقف الجهاد،
لكن فرق بينه وبين قتله بدونه، بل (ويغرم دية الذمي) منهم

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 - 0
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 - 0
(3) سورة النساء: 4 الآية 141.
150

بلا خلاف (و) لا اشكال في شئ من ذلك نصا وفتوى.
نعم (قيل) والقائل المشهور: (إن اعتاد) المسلم (قتل)
أهل الذمة) قتل، بل عن المهذب البارع أنه قريب من الاجماع، بل
عن ظاهر الغنية نفي الخلاف فيه، بل عن الإنتصار وغاية المراد والروضة
الاجماع عليه، بل قد يشهد للشهرة المزبورة أنه محكي عن أبي علي والصدوق
والشيخين وعلم الهدى وسلار وبني حمزة وزهرة وسعيد والمصنف في النافع
والفاضل في بعض كتبه، والشهيدين كذلك، وأبي الفضل الجعفي صاحب
الفاخر والصهرشتي والطبرسي والكيدري والحلبي، ومن هنا قال في غاية
المراد: (الحق أن هذه المسألة إجماعية، فإنه لم يخالف فيها أحد منا
سوى ابن إدريس، وقد سبقه الاجماع، ولو كان هذا الخلاف مؤثرا
في الاجماع لم يوجد إجماع أصلا، والفخر إنما هو متأخر عن ابن إدريس،
وظاهر المتن والقواعد واللمعة التردد، وليس خلافا).
كل ذلك مضافا إلى النصوص المنجبر ما يحتاج إليه منها سندا ودلالة
بذلك، منها أخبار الهاشمي وفيها الصحيح.
ففي أحدها (1): (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المسلم هل
يقتل بأهل الذمة؟ قال: لا إلا أن يكون تعود بقتلهم، فيقتل وهو
صاغر).
وفي الآخر (2): (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دماء
اليهود والمجوس والنصارى هل عليهم وعلى من قتلهم شئ إذا غشوا
المسلمين وأظهروا العداوة لهم؟ قال: لا إلا أن يكون معتادا لذلك
فلا يدع قتلهم، فيقتل وهو صاغر).

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث 6 - 1 وفي الثاني سقط.
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث 6 - 1 وفي الثاني سقط.
151

وفي ثالث (1) عنه (عليه السلام) أيضا: (قلت: رجل قتل رجلا
من أهل الذمة، قال: لا يقتل به إلا أن يكون متعودا للقتل). ونحوه
صحيح محمد بن الفضيل (2) عن الرضا (عليه السلام).
بل قد يحمل على ذلك خبر ابن مسكان (3) عنه (عليه السلام)
أيضا (إذا قتل المسلم يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا فأرادوا أن يقيدوا
ردوا فضل دية المسلم وأقادوه).
وموثق سماعة (4) عنه (عليه السلام) أيضا: (في رجل مسلم يقتل
رجل من أهل الذمة، فقال: هذا حدث شديد لا يحتمله الناس، ولكن
يعطي الذمي دية المسلم ثم يقتل به المسلم).
وخبر أبي بصير (5) عنه (عليه السلام) أيضا: (إذا قتل المسلم
النصراني فأراد أهل النصراني أن يقتلوه قتلوه وأدوا فضل ما بين
الديتين).
وفي خبر أبي بصير (6): (سألته عن ذمي قطع يد مسلم، قال:
يقطع إن شاء أولياؤه ويأخذون فضل ما بين الديتين، وإن قطع المسلم يد
المعاهد خير أولياء المعاهد، فإن شاؤوا أخذوا ديته، وإن شاؤوا قطعوا
يد المسلم وأدوا إليه فضل ما بين الديتين، وإذا قتله المسلم صنع كذلك).
ولعله لهذه النصوص قال المرتضى والشيخان وابنا حمزة وسعيد وسلار
والشهيدان: (جاز الاقتصاص) منه (بعد رد فاضل ديته)
بل ربما كان من معقد إجماع الأول، بل قيل: والشهيد في غاية المراد،
بل ظاهر اقتصار المصنف وغيره على نقل الأول عدم العبرة بغيره.

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 7 - 1 - 2 - 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 7 - 1 - 2 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 7 - 1 - 2 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 7 - 1 - 2 - 3 - 4.
(5) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 7 - 1 - 2 - 3 - 4.
(6) الوسائل الباب 22 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1
152

وعلى حال فتخص آية نفي السبيل (1) وعموم (لا يقاد المسلم
بالكافر) (2) بذلك، وما عن ابن إدريس من الاجماع إن أراد به ما يشمل
محل النزاع فهو ممنوع، وإن أراد غيره فلا يفيد، وأقصاه العموم
المخصص كالخبر المزبور.
وعلى كل حال لم يحك القول بالقتل حدا في غاية المراد إلا عن
أبي علي والتقي. نعم في كشف اللثام حكايته عن المختلف وظاهر الغنية،
بل وعن الفقيه أنه يقتل عقوبة لخلافه على الإمام، قال: (والخلاف
على الإمام والامتناع عليه يوجبان القتل فما دون ذلك، كما جاء في المولى
إذا وقف بعد أربعة أشهر أمره الإمام بأن يفئ أو يطلق، فمتى لم يفئ
وامتنع من الطلاق ضربت عنقه، لامتناعه على إمام المسلمين، وقد قال
النبي (صلى الله عليه وآله): من آذى ذمتي فقد آذاني (3) فإذا كان
في إيذائهم إيذاء النبي (صلى الله عليه وآله) فكيف في قتلهم) بل
فيه عنه أيضا وجوب القتل على من قتل واحدا من المعاهدين عمدا،
لخلافه على الإمام لا لحرمة الذمي، مستندا إلى ما سمعته من خبر أبي بصير (4)
وقصر النهي عن قتله بالذمي على ما إذا لم يكن على شريطة الذمة. وعنه
في المقنع أنه سوى بين الذمي والمسلم في أن الولي إن شاء اقتص من قاتله
المسلم بعد رد فاضل الدية، وإن شاء أخذ الدية.
وهما معا كما ترى لا يستأهلان ردا كما عرفت، بل وسابقهما أي

(1) سورة النساء: 4 الآية 141.
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 وفيه " لا يقاد
المسلم بذمي ".
(3) الفقيه ج 4 ص 93 الرقم 302.
(4) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث 4.
153

القتل حدا بعد النصوص المزبورة المعتضدة بما عرفت، ولولاهما لأمكن
القول به على معنى إيكال أمر ذلك إلى الإمام، خصوصا بعد خبر سماعة (1)
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسلم قتل ذميا، فقال: هذا
شئ شديد لا يحتمله الناس، فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل
السواد وعن قتل الذمي، ثم قال: لو أن مسلما غضب على ذمي فأراد
أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم إذن يكثر في الذميين،
ومن قتل ذميا ظلما فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميا حراما، آمن
بالجزية وأداها ولم يجحدها) الذي جعله الشيخ شاهدا على الجمع بين ما دل
على أن ديته ثمانمائة درهم (2) وبين ما دل على أنها أربعة آلاف أو دية
المسلم (3) بحمل الأول على غير المتعود وغيره على المتعود الذي يرجح في
تنكيله إلى ما يراه الإمام صلاحا.
مؤيدا ذلك بأن ظاهر بعض النصوص (4) المزبورة استيفاء الكافر
منه ذلك، ولا ريب في أنه سبيل له، وستعرف أنه حيث يكون للكافر
قصاص على المسلم في طرف يستوفيه الإمام دونه، كما تسمعه في مسألة
المرتد.
بل وبغير ذلك مما دل على عدم قتل الواحد من الشيعة بألف من
العامة إذا قام الحق (5) المستفاد من فحواها عدم قتل الواحد منهم بألف
من الكفار وغيره.

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب ديات النفس الحديث 1 من كتاب الديات.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب ديات النفس الحديث 2 و 4 من كتاب الديات.
(4) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
(5) الوسائل الباب 27 من أبواب حد القذف الحديث 2 من كتاب الحدود.
154

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك كله لا يقابل ما عرفت من النص (1)
والفتوى على قتله به قصاصا لا حدا، وفائدة ذلك واضحة، ضرورة
سقوطه بالعفو وعدم استيفائه منه إلا بعد طلب الولي ورد الأولياء فاضل
الدية على الأول بخلاف الثاني.
ومن الغريب ما في الروضة من احتمال القول بالقتل حدا مع رد
فاضل الدية، إذ هو مع أنه إحداث قول يمكن دعوى الاجماع المركب
على خلافه وإن سبقه إليه الكركي في حاشية الكتاب غير واضح الوجه،
ومناف لما سمعته من النصوص، فليس حينئذ إلا القول بقتله قصاصا.
نعم هو بعد تحقق التعود منه الذي هو عنوان قتله كذلك، بل
الظاهر أنه يقتل بالأخير الذي يتحقق به صدق التعود وإن كان ما سبق له
مدخلية في تحقق ذلك، إلا أن ظاهر النصوص المزبورة ما ذكرناه، بل
هو مقتضى الأصل أيضا، فحينئذ يرد أولياؤه الفاضل دونهم، ويسقط
بعفوهم دونهم.
نعم لو قتل متعددا بعد تحقق التعود كان لأولياء كل منهم القود على
نحو ما سمعته في المسلم إذا قتل مسلمين متعددين.
والمرجع في التعود العرف، والظاهر عدم تحققه بالثانية وإن ثبت
ذلك في الحيض لدليله، والله العالم.
(و) كيف كان فلا خلاف أجده في أنه (يقتل الذمي)
بالذمي وإن اختلفت ملتهما، لعموم (النفس) (2) وكون الكفر ملة
واحدة، ولخبر السكوني (3) عن الصادق (عليه السلام) (أن

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
(2) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(3) الوسائل الباب 48 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
155

أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: يقتص لليهودي والنصراني
والمجوسي بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم ببعض إذا قتلوا عمدا).
بل (و) كذا يقتل (بالذمية) لكن (بعد رد فاضل
الدية) كالمسلمة
(والذمية بالذمية، وبالذمي من غير رجوع عليها
بالفضل) نحو ما سمعته في المسلمين الذين هم ملة واحدة أيضا، فما عن
أبي حنيفة من عدم قتل الذمي بالمستأمن واضح الضعف، ومناف لأدلة
القصاص كقوله تعالى (1): (النفس بالنفس) وغيره، فلا فرق حينئذ
بين جميع الصور في ذلك.
نعم في كشف اللثام لا يقتل الذمي ولا المستأمن بالحربي، ولعله
لأن الحربي غير محقون الدم، إلا أن مقتضى ذلك عدم القود ولو قتله
حربي، والتزامه مشكل وإن جزم به الفاضل في القواعد، فإن أهل
الذمة في ما بينهم كالحربيين، إذ لا لبعضهم على بعض، فالعمدة
حينئذ الاجماع إن كان.
(ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول،
وهم مخيرون بين قتله وبين استرقاقه) على المشهور بين الأصحاب
نقلا وتحصيلا، بل في الإنتصار والسرائر والروضة وظاهر النكت
الاجماع عليه، وهو الحجة بعد صحيح ضريس (2) عن أبي جعفر (عليه
السلام) (في نصراني قتل مسلما يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا
قتلوا، وإن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا استرقوا، وإن كان معه عين
مال له دفع إلى أولياء المقتول هو وماله) وفي حسنه عنه (عليه السلام)

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
156

أيضا (1) وحسن عبد الله بن سنان (2) عن الصادق (عليه السلام)
(في نصراني قتل مسلما فلما أخذ أسلم، قال: أقتله به، قيل: فإن
لم يسلم، قال: يدفع إلى أولياء المقتول هو وماله ".
والظاهر أن ذلك حكم قتله المسلم لا لخروجه بذلك عن الذمة
المبيح لنفسه قتلا واسترقاقا ولماله كما في كشف اللثام، بل وعن التقي
وابن زهرة والكيدري، وإلا لجاز لغير أولياء المقتول، وهو خلاف
النص والفتوى.
نعم ظاهر المصنف وغيره من الأصحاب بل هو صريح المحكي عن
التحرير عدم الفرق في أمواله بين ما ينقل منها وما لا ينقل، ولا بين
العين والدين، ولعله للحسن الأخير الذي لا ينافيه ما في الأول من العين
الذي لم يسق لإرادة ما يقابل العين ما فيه من الشرط.
ولا بين المساوي لفاضل دية المسلم والزائد عليه المساوي للدية والزائد
عليها. خلافا للمحكي عن الصدوق من أنه يؤخذ من ماله فضل ما بين
دية المسلم والذمي، وللمحكي عن الحلبيين من جواز الرجوع على تركته
وأهله بدية المقتول أو قيمته إن كان مملوكا.
ولا بين اختيار الأولياء قتله أو استرقاقه، خلافا لابن إدريس،
فلم يجز أخذ المال إلا مع الاسترقاق، لأن مال المملوك لمولاه وإن قال
في كشف اللثام: (ويحتمله الخبر وكلام الأكثر) إلا أنه كما ترى، ضرورة

(1) أشار إليهما في الوسائل الباب 49 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1
وذكرهما في التهذيب ج 10 ص 190 الرقم 750 وفيه " وإن كان معه عين مال... "
نعم روى الكليني (قده) في الكافي ج ص 310 عن ضريس عن أبي جعفر (عليه
السلام) وليس فيه كلمة " عين " إلا أن حسن عبد الله بن سنان لم يروه غير
الشيخ (قده) في التهذيب.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
157

عدم موافقته نصوص المقام ولا قاعدة تقتضيه، فإن الاسترقاق لا يقتضي
ملكية مال المسترق، للأصل وغيره وإن خرج بالاسترقاق عن استدامة
الملك، لكن ذلك لا يقتضي ملكية المسترق له، بل يبقى فيئا أو ملكا
للإمام (عليه السلام) أو غير ذلك (و) أما نصوص المقام فلا إشعار
في شئ منها بتوقف ملك المال على الاسترقاق، بل ظاهرها خلافه كما
هو واضح.
نعم (في استرقاق ولده الصغار تردد أشبهه بقاؤهم على الحرية)
وفاقا لابن إدريس ومن تأخر عنه، للأصل بعد خلو النصوص عن ذلك
مع أنها في مقام البيان، خلافا للمحكي عن المفيد وسلار وابن حمزة من
استرقاقهم أيضا للتبعية، ولأنه بخروجه عن الذمة التحقق بأهل الحرب،
ومن أحكامهم استرقاق أولادهم الصغار.
وفيه منع التبعية في ذلك، وجناية الأب لا تتخطاه، إذ لا تزر
وازرة وزر أخرى، ومنع استلزم القتل خرق الذمة وإلا لاقتضى عدم
اختصاص أولياء المقتول بذلك، كما هو واضح.
هذا كله في النفس، وأما الطرف فقد سمعت ما في خبر أبي بصير (1)
وربما يأتي بعض الكلام فيه إن شاء الله في قصاص الطرف فانتظره.
(ولو أسلم قبل الاسترقاق لم يكن لهم إلا قتله كما لو قتل وهو
مسلم) بلا خلاف ولا إشكال للحسن (2) المتقدم.
(ولو قتل الكافر كافرا وأسلم القاتل لم يقتل به) لعدم المساواة
وألزم الدية إن كان المقتول ذا دية.)
ويقتل ولد الرشيدة بولد الزنية بعد وصفه الاسلام (لتساويهما

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
158

في الاسلام) عندنا نعم من حكم بكفره من الأصحاب وإن أظهر الاسلام
لا يقتله به، بل قيل لا يقتل به وهو صغير، لعدم إسلامه التبعي بعدم
الأبوين له شرعا إلا أن يسبى، بناء على صحة سبي مثله، فيحكم حينئذ
باسلامه تبعا للسابي، وكأنه مبني على اشتراط المساواة في الدين في
القصاص، للاجماع ونحوه، وإلا فما سمعته من النصوص (1) عدم قتل
المسلم بالكافر، وولد الزنا قبل وصفه الاسلام لا يحكم بكفره، ولذا قلنا
بطهارته، فيندرج في قوله تعالى (2): (النفس بالنفس) وغيره مما دل
على القصاص، والله العالم.
(مسائل من لواحق هذا الباب:)
(الأولى:)
(لو قطع مسلم يد ذمي عمدا فأسلم وسرت إلى نفسه فلا قصاص)
في الطرف (ولا قود) في النفس. (وكذا لو قطع يد عبد ثم
أعتق وسرت، لأن التكافؤ) في الاسلام والحرية (ليس بحاصل وقت
الجناية) كي يصدق قتل المسلم والحر عمدا.
(وكذا الصبي لو قطع يد بالغ ثم بلغ وسرت جنايته لم يقطع، لأن الجناية)
في الجميع (لم تكن موجبة للقصاص حال حصولها) فلا يتجدد لها
للأصل (و) غيره مما عرفت.
نعم (تثبت) في الجميع (دية النفس) تامة في ذمة الأولين
وعاقلة الأخير (لأن الجناية) حال حصولها (وقعت مضمونة)

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس.
(2) سورة المائدة: 5 الآية 45.
159

بالمال (فكان الاعتبار بأرشها حين الاستقرار) الذي هو المعتبر في
مقدار المضمون، وبه يحصل الفرق بين الدية والقصاص، وذلك كله
واضح في كل جناية موجبة للضمان بالمال حين صدورها، فتجدد لها حال
لمقدارها، والوجه فيه أنه يكفي في الدية استناد القتل إليه ولو بالتسبيب
الذي لا ريب في حصوله هنا بالسراية المتولدة من فعله التي بها حصل
إزهاق النفس المسلمة، والله العالم.
المسألة (الثانية:)
(لو قطع يد حربي أو يد مرتد فأسلم ثم سرت فلا قود) قطعا
لما عرفت، (بل ولا دية، لأن الجناية لم تكن مضمونة) بقصاص
ولا دية (فلم تضمن سرايتها) كالقطع بالسرقة والقصاص، وكذا في
كل جناية غير مضمونة حال وقوعها فتجدد لها حال يضمن به ابتداؤها.
وقد يحتمل ضمان الدية اعتبارا بحال الاستقرار، بل لعله لا يخلو
من قوة، بناء على ما عرفت من تحقق عنوانها بنسبة القتل إليه ولو
بالسراية المتولدة من فعله، ويزيده تأييدا ما تسمعه من الحكم بالدية لو رماه
بسهم حربيا فأصابه مسلما، ضرورة اتحاد السراية مع الإصابة في التوليد
من فعله، وعدم الدية بسراية السرقة والقصاص لدليله، وإلا فلا منافاة
بين الإذن في الجناية مع الضمان بالسراية، بل لو قلنا بمنع جرحه المرتد
على وجه يتحقق فيه ضمان للدية باعتبار تفويض قتله إلى الإمام اتجه حينئذ
اعتبار المقدار حال الاستقرار فيه كالمسألة السابقة.
(ولو رمى ذميا بسهم فأسلم ثم أصابه فمات فلا قود) فيه لعدم
العمد إلى قتل المسلم (و) لكن (فيه الدية) تامة لصدق قتل المسلم.
160

(وكذا لو رمى عبدا فأعتق وأصابه فمات) في عدم القود
وثبوت دية الحر، لما عرفت (أو) عدم طل دم امرء مسلم، بل
ربما احتمل القود، لتحقق التكافؤ عند الجناية مع تعمدها وإن كان هو
كما ترى.
ولو (رمى حربيا أو مرتدا فأصابه بعد إسلامه فلا قود) أيضا
(و) لكن (تثبت الدية) هنا (لأن الإصابة صادفت مسلما
محقون الدم) وربما احتمل العدم اعتبارا بحال الرمي، وهو ضعيف.
ومنه يعلم وجه القود في السراية بعد إسلامه، اللهم إلا أن يكون الحكم
إجماعا بينهم، وإلا فالمتجه ما سمعت.
ولو حفر بئرا فتردى فيه مسلما كان مرتدا مثلا عند الحفر وجب
الضمان، لأن الأول الجناية حين التردي، والله العالم.
المسألة (الثالثة:)
(إذا قطع المسلم يد مثله فسرت مرتدا سقط القصاص في النفس)
والدية لحصول السراية فيها (و) هي هدر فلا مكافأة، نعم (لم
يسقط القصاص في اليد) وفاقا للفاضل وغيره (لأن الجناية حصلت
موجبة للقصاص، فلم يسقط باعتراض الارتداد) وللأصل (و) غيره
نعم (يستوفى القصاص فيها وليه المسلم) دون الكافر الذي لم يجعل الله
له سبيلا على المؤمنين (فإن لم يكن استوفاه الإمام (عليه السلام)
خلافا لبعض العامة فجعله للإمام مطلقا بناء منه على أن المرتد كافر
لا يرثه المسلم، فيكون وليه الإمام (عليه السلام) وهو كما ترى.
(وقال في المبسوط: الذي يقتضيه مذهبنا أنه لا قود) حتى في
161

اليد (ولا دية، لأن قصاص الطرف وديته يدخلان في قصاص النفس
وديتها، والنفس هنا ليست مضمونة) قصاصا ولا دية فكذا ما دخل فيها.
(وهو يشكل بما أنه لا يلزم من دخول) قصاص (الطرف
في قصاص النفس) على القول به مع الاستيفاء (سقوط ما ثبت من
قصاص الطرف) لعموم (والجروح قصاص) (1) وغيره مع سقوط
القود (لمانع يمنع من القصاص في النفس) إذ المسلم من الدخول إن
قلنا به حال استيفاء النفس لا مطلقا، للأصل وغيره، بل لا معنى للدخول
في الساقط إلا السقوط وهو عين المتنازع فيه.
هذا كله إذا مات مرتدا (أما لو عاد إلى الاسلام فإن كان قبل
أن تحصل سراية ثبت القصاص في النفس) بلا خلاف أجده فيه بل
ولا إشكال، للتكافؤ عند الجناية وفي تمام أوقات السراية.
(وإن حصلت سرايته وهو مرتد ثم عاد وتمت السراية حتى صارت
نفسا ففي القصاص تردد، أشبهه ثبوت القصاص) وفاقا للفاضل وغيره،
بل وللمحكي عن أبي علي والشيخ في الخلاف (لأن الاعتبار في الجناية
المضمونة بحال الاستقرار) والفرض أنه مسلم حالته، فلا يسقط الضمان
بالارتداد المتخلل بين الابتداء والاستقرار بعد تحقق عنوان القصاص.
(وقيل) والقائل الشيخ في محكي المبسوط: (لا قصاص، لأن
وجوبه مستند إلى الجناية وكل السراية وهذه بعضها هدر، لأنه حصل في
حال الردة) فلم تكن السراية بأجمعها مضمونة بعد فرض مقارنة بعضها
لحال الارتداد، والقصاص لا يتبعض.
وكذا لو قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع ومات مرتدا فلا قود
عليه،
وكذا لو قطع يد مرتد وأسلم المقطوع ومات مسلما فلا قود أيضا

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
162

ولكن تثبت الدية لئلا يبطل دم المسلم، ولوقوع الجناية مضمونة والعبرة
في المقدار باستقرارها.
وعن بعض العامة أنه أوجب نصف الدية بناء على استناد الموت إلى
مضمون وغير مضمون، كما إذا قطع يده فارتد فقطع آخر يده الأخرى
وهو مرتد، وربما احتمل أيضا القود بعد رد نصف الدية.
والجميع كما ترى. ضرورة أن التخلل المزبور بعد عدم قدحه في
تحقق عنوان القصاص وهو قتل المسلم عمدا لا يصلح مانعا ولا موجبا لرد
النصف ولا بسقوطه.
(و) من هنا (لو كانت الجناية خطأ ثبتت الدية، لأن الجناية
صادفت محقون الدم و) قد عرفت غير مرة أن العبرة في المقدار
بالاستقرار ف‍ (كانت مضمونة في الأصل) والله العالم.
المسألة (الرابعة:)
(إذا قتل مرتد ذميا ففي قتله تردد) كما في القواعد (منشأه
تحرم المرتد بالاسلام) المانع من نكاحه الذمية، ومن إرث الذمي له،
ومن استرقاقه، والمقتضي لوجوب قضاء الصلاة عليه لو أسلم (و) لكن
مع ذلك (يقوى أنه يقتل) وفاقا للفاضل وغيره ممن تأخر عنه، بل
وللمحكي عن المبسوط والخلاف (للتساوي في الكفر، كما يقتل النصراني
باليهودي، لأن الكفر كالملة الواحدة) ولاطلاق أدلة القصاص المقتصر
في الخروج عنها على عدم قتل المسلم بالكافر، إذ لا دليل على اعتبار
التساوي على وجه يقتضي خروج المفروض، بل لعل المراد من اشتراط
163

التساوي في عبارة الأصحاب ولو بقرينة التفريع هو عدم قتل المسلم بالكافر.
ومن ذلك يعلم عدم أثر لما سمعته من أحكام المرتد في سقوط القود
عنه الذي يمكن مقابلته بما يقتضي كونه أسوأ حالا من الذمي، كوجوب
قتله مع عدم التوبة دونه، وعدم حل ذبيحته إجماعا بخلاف الذمي الذي
اختلف فيه، وعدم إقراره بالجزية وغير ذلك. نعم هذا كله مع بقائه
على الارتداد.
(أما لو رجع إلى الاسلام فلا قود) قطعا وإن تكافئا حال
الجناية، لعموم (لا يقاد مسلم بكافر) (1) ولجب الاسلام الذي يعلو
ولا يعلى عليه ما قبله (و) لكن (عليه دية الذمي) كما في
القواعد وغيرها مع إمكان القول بعدمها أيضا إن لم يكن إجماعا، باعتبار
كون الواجب عليه القصاص، والفرض سقوطه عنه بالاسلام، اللهم
إلا أن يستفاد من الأدلة قيامها مقامه في كل مقام تعذر استيفاؤه على وجه
يشمل الفرض، وربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله.
المسألة (الخامسة:)
(لو جرح المسلم نصرانيا ثم ارتد الجارح وسرت الجراحة فلا قود)
بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له (لعدم التساوي حال الجناية)
التي لها مدخلية في إزهاق نفسه مع السراية، فلا يصدق عليه كافر تعمد قتل
كافر، ومن هنا لم تكف الكفاءة في إحدى الحالتين دون الأخرى،
ولذا لم يقتص منه لو جرح مرتدا ثم أسلم، ففي الفرض لا يتغير الحكم

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 وفيه " لا يقاد
مسلم بذمي ".
164

بتغير حال الجارح إلى حالة تقتضي الكفاءة للنصراني كالارتداد بناء عليه.
(و) لكن لما كانت الجناية مضمونة (عليه) في الحالتين
والمغير (والمعتبر خ ل) في مقدارها مع كونها مضمونة بحال السراية
ضمن له (دية الذمي)
ونحوه لو قتل مسلم ذميا ثم ارتد، فإنه
لا يقتل به وإن قتلنا به المرتد اعتبارا بحال الجناية، كذا ذكروه مرسلين
له إرسال المسلمات، فإن كان إجماعا فلا تجب وإلا أمكن المناقشة، لعموم
أدلة القصاص المقتصر في الخروج عنها على عدم قتل المسلم بالكافر،
ولا دليل يدل على اعتبار المساواة في حال الجناية وسرايتها، ولا ريب
في عدم صدق ذلك في الفرض،
بل ولا في ما لو قتل مسلم ذميا ثم
ارتد وعدم القصاص عليه في تلك الحال، لوجود الاسلام المانع من اقتضاء
المقتضي وهو إزهاق النفس، فمع فرض عدمه يتجه العمل بما يقتضيه،
وخروج المسلم الذي قتل وهو كافر لجب الاسلام ما قبله، ولقوله (عليه
السلام): (1) (لا يقاد مسلم بكافر) فالمانع حينئذ متحقق وإن تحقق
المقتضي، وهو (النفس بالنفس) (2) وغيره، فتأمل جيدا.
المسألة (السادسة:)
(لو قتل ذمي مرتدا) ولو عن فطرة (قتل به) بلا خلاف
أجده فيه بل ولا إشكال (لأنه محقون الدم بالنسبة إلى الذمي) فيندرج
في عموم أدلة القصاص، فما عن الشافعية من القول بالمنع، لأنه مباح

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5 وفيه " لا يقاد
مسلم بذمي ".
(2) سورة المائدة: 5 الآية 45.
165

الدم، فلا يجب القصاص بقتله كالحربي، وكما لو قتله مسلم، وتحريم
قتله بغيره مع كونه مباح الدم لكفره لا يوجب إفادة القائل به، كما
لو قتل الزاني المحصن غير الإمام، وبهذا فارق من عليه القصاص إذا قتله
غير المستحق، لأنه معصوم الدم بالنسبة إليه واضح الضعف، ضرورة
عدم كونه مباح الدم لكل أحد.
وفي المسالك (يمكن بناء هذين الوجهين على ما تقدم في السابقة
من أن المرتد أسوأ حالا من الذمي أو بالعكس).
وفيه ما أشرنا إليه سابقا من عدم اعتبار ذلك، إذ لا دليل على
اعتبار المساواة في القصاص بالنسبة إلى ذلك، وإنما بناء المسألة على كونه
مهدور الدم في نفسه وإن أثم غير الإمام بقتله، فلا قصاص على قاتله
بل ولا دية، لعدم احترام نفسه، أو أنه كذلك بالنسبة إلى الإمام دون
غيره، أو أنه بالنسبة للمسلمين غير محترم وإن أثموا أيضا بقتله من دون
إذن الإمام، بخلاف غيرهم، فإن الاحترام الموجب للضمان باق،
وستسمع بعض الكلام في ذلك.
وعلى كل حال فهذا كله في قتل الذمي له
(أما لو قتله مسلم فلا قود قطعا) لعدم المكافأة
(وفي الدية تردد، والأقرب) عند المصنف والفاضل وغيرهما (أنه لا دية) للأصل وعدم احترام نفسه وإن أثم غير الإمام بقتله، ولكن قد يناقش بأن ذلك يقتضي عدم القود
في الأول، فإن دعوى اختصاص عدم الاحترام بالنسبة للمسلمين خاصة
لا دليل عليها، ومن هنا احتمل وجوب الدية، لأنه محقون الدم بالنسبة
إلى غير الإمام.
لكن في المسالك (وهو ضعيف، بل غاية ما يجب بقتله بدون
إذنه الإثم كغيره ممن يتوقف قتله على إذنه من الزاني واللائط وغيرهما).
166

وفيه ما عرفت من اقتضاء ذلك عدم القود على الذمي كما سمعت.
بل ينبغي عدم القود أيضا بقتل المرتد مرتدا مع أنه جزم به الفاضل
في القواعد وشارحه الإصبهاني في كشفه معللا في الأخير بالتكافؤ مع
تحرمهما بالاسلام الموجب لعصمة الدم، نعم جزما فيهما بعدم قتل الحربي
بالحربي، لأن المقتول غير معصوم الدم، وقد عرفت الاشكال فيه سابقا.
وبالجملة فالمدار على احترام النفس على وجه يجب على المكلف
حفظها، ومرجع ذلك إلى الاستظهار من الأدلة، وإلا فمجرد وجوب
القتل حدا لا يقتضي ذلك، خصوصا مع توبة المحدود وندمه وأسفه إذا
كان بحيث لا يسقط عنه الحد، كما لو فرض توبته بعد إقامة البينة عليه
وحكم الحاكم عليه، فإن دعوى عدم احترام نفسه مع هذا الحال بحيث
يكون كبعض الحيوانات التي هي غير محترمة من جهة وجوب القتل عليه
حدا لا يخفي عليك ما فيها، نعم قد يستظهر من بعض الأدلة في بعض
الأفراد وخصوصا في بعض أفراد الارتداد ونحوه مما يوجب القتل
ذلك وإن لم يجز تولي قتلهم أيضا إلا للإمام (ع) باعتبار كون إقامة الحد له
لا لاحترامهم، وهذا وإن اقتضى سقوط الدية في المسلم أيضا لكنه يقتضي
سقوطها والقود أيضا في غيره، والله العالم.
(ولو وجب على مسلم قصاص فقتله غير الولي كان عليه القود)
بلا خلاف (و) لا إشكال، لعموم أدلة القصاص التي لا ينافيها
استحقاق القصاص عليه لآخر، فإن ذلك لا يقتضي سقوط احترام
نفسه مطلقا.
نعم (لو وجب قتله بزنا أو لواط فقتله غير الإمام) (عليه
السلام) لم يكن قود ولا دية، لأن عليا (عليه السلام) قال
167

لرجل قتل رجلا وادعى أنه وجده مع امرأته: عليك القود إلا أن
تأتي ببينة (1).
وعن سعيد بن المسيب (2) (أن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري
أن ابن أبي الحسين وجد رجلا مع امرأته فقتله وقد أشكل فسأل لي
عليا (عليه السلام) عن هذا الأمر، قال أبو موسى: فلقيت عليا (عليه السلام) قال: فقال:
والله ما هذا في هذه البلاد يعني الكوفة، ولا هذا بحضرتي، فمن أين
جاءك هذا؟ قلت: كتب إلى معاوية أن ابن أبي الحسين وجد مع امرأته
رجلا فقتله وقد أشكل عليه القضاء فيه فرأيك في ذلك، فقال: أنا
أبو الحسن إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد وإلا دفع برمته).
ولكن قد يشكل ذلك باختصاص الزوج في الحكم المزبور وإن قال
في القواعد: (وهذا حكم ينسحب على كل قريب للرجل أو ولد أو
مملوك، وهل ينسحب على الأجانب؟ إشكال، إلا أنه لا دليل عليه مع
فرض عدم اندراجه في الدفاع، فالعمدة حينئذ ما سمعته أولا من دعوى
ظهور الأدلة في عدم كونه محترم النفس إن ثبت مطلقا أو في بعض
الأحوال لمطلق الناس أو لخصوص المسلمين، ولم يحضرني الآن من
النصوص ما يشخص ذلك بجميع أفراده، والله العالم.

(1) الظاهر أن المحقق (قده) نظر إلى خبر سعيد بن المسيب المروي في الموضع المشار إليه من
الوسائل وفي المستدرك الباب 54 من تلك الأبواب وسنن البيهقي ج 8 ص 337.
(2) ذكر بعضه في الوسائل الباب 69 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2
وتمامه في التهذيب ج 10 ص 314 الرقم 1168 وفيهما ابن أبي الجسرين بدل ابن أبي الحسين.
168

(الشرط الثالث:)
(أن لا يكون القاتل أبا، فلو قتل) والد (ولده لم يقتل
به) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى
النصوص من الطرفين.
منها قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر حمران (1): (لا يقاد
والد بولده، ويقتل الولد إذا قتل والده عمدا).
وقول الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل بن يسار (2):
(لا يقاد الرجل بولده إذا قتله، ويقتل الولد إذا قتل والده).
كقوله (عليه السلام) أيضا في خبره الآخر (3): (لا يقتل
الوالد بولده، ويقتل الولد بوالده) الحديث.
وعن كتاب ظريف (4) (قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه
قود لولد أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطع
وغيره وتكون له الدية ولا يقاد) ومنه يعلم عدم الفرق بين النفس والطرف.
إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى القطع بذلك منها إن
لم تكن متواترة اصطلاحا.
(و) لكن (عليه الكفارة) لعموم الأدلة، بل كفارة الجمع
(والدية) لمن يرثه (والتعزير) بما يراه الحاكم، ولكن في خبر
جابر (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) (في الرجل يقتل بابنه أو عبده،
قال: لا يقتل به، ولكن يضرب ضربا شديدا، وينفى عن مسقط رأسه)

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 3 - 4 - 10 - 9 والثالث عن علاء بن فضيل.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
169

ولعله محمول على أن ذلك بعض أفراد ما يراه الحاكم.
(وكذا لو قتله أب الأب وإن علا) كما صرح به غير واحد،
بل عن ظاهر الخلاف أو صريحه الاجماع عليه، بل لم أجد فيه خلافا،
نعم تردد فيه المصنف في النافع وبعض الناس، لكنه في غير محله بناء
على تناول الاطلاق له لغة وعرفا، بل وإن لم يكن كذلك، ولكن في
المقام يمكن إرادته من نحو قول الصادق (عليه السلام) (1): (لا يقتل
الأب بابنه) بمعونة كلام الأصحاب وبأولوية الجد أو مساواته للأب في
ذلك، فلا يقتل الجد حينئذ وإن علا بالأحفاد سواء قربوا أم بعدوا.
بل مقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين المتكافئين في الاسلام
والحرية ونحوهما.
نعم للجلاد والغازي أن يقتلا أباهما مع أمر الإمام (عليه السلام)
للعمومات وعصمة الإمام عندنا، بل عن التحرير أنهما لا يمنعان
مع ذلك من الميراث، لأنه قتل سائغ، بل قد يقال بالجواز في الغازي
بدون أمر الإمام (عليه السلام) (و) تمام الكلام فيه في كتاب
الجهاد (2).
نعم (يقتل الولد بأبيه) إجماعا بقسميه ونصوصا (3) عموما
وخصوصا مضافا إلى الكتاب (4).
(وكذا الأم تقتل به) بلا خلاف أجده فيه بيننا إلا من الإسكافي
الذي وافق العامة هنا على ذلك قياسا على الأب واستحسانا.
(ويقتل بها) أيضا بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب القصاص في النفس الحديث 6 - 0
(2) راجع ج 21 ص 25.
(3) الوسائل الباب 32 من أبواب القصاص في النفس الحديث 6 - 0
(4) سورة المائدة: 5 الآية 45.
170

عليه أيضا، مضافا إلى العموم، وخصوص صحيح أبي عبيدة (1) (سألت
أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل أمه، قال: يقتل بها صاغرا،
ولا أظن قتله كفارة، ولا يرثها) بل ظاهر النص والفتوى عدم رد
فاضل ديته عليه وإن لم أجد مصرحا به.
وكذا الأقارب كالأجداد والجدات من قبلها والأخوة من
الطرفين والأعمام والعمات والأخوال والخالات) بلا خلاف أجده بيننا
إلا من أبي علي والعامة في الأجداد والجدات، والله العالم.
(فروع:)
(الأول: إذا ادعى اثنان ولدا مجهولا) كاللقيط (فإن قتله
أحدهما قبل القرعة فلا قود، لتحقق الاحتمال في طرف القاتل) فلم
يثبت شرط القصاص الذي هو انتفاء الأبوة في الواقع، مضافا إلى إشكال
التهجم على الدماء مع الشبهة. (و) كذا (لو قتلاه) معا
بلا خلاف أجده بين من تعرض له هنا فيهما معا (ف‍) إن (الاحتمال
بالنسبة إلى كل واحد منهما باق).
(و) لكن (ربما خطر) في البال (الاستناد إلى القرعة) بل في
كشف اللثام وغيره احتماله قويا، لاطلاق النص (2) والفتوى بالالحاق
بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل، وعدم طل دم امرء مسلم، وعموم أدلة
القصاص، منع كون انتفاء الأبوة شرطا، بل أقصى الأدلة كون الأبوة كالمانع،
فلا يتحقق مع الجهل بها، مضافا إلى معلومية تعلق القصاص بأحدهما في

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5.
(2) الوسائل الباب 57 من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.
171

صورة قتلهما معا، كمنع انتفاء محل القرعة بالنسبة إلى ذلك خاصة دون
ميراثه وغيره.
(و) لكن في المتن وغيره (هو تهجم على الدم فالأقرب
الأول) وفيه أن الأقرب بقاء حكم القرعة إن لم يكن إجماعا كما لو
تقدمت القتل، فإنه لا إشكال ولا خلاف في القصاص بها على من لم
تخرجه القرعة مع رد نصف الدية في صورة الاشتراك وبدونه في صورة
الانفراد، ودعوى الفرق بين ما قبل القتل وبعده بأن القصاص في الأول
تابع دون الثاني لا حاصل لها، كما هو واضح.
(ولو ادعياه ثم رجع أحدهما وقتلاه توجه القصاص على الراجع)
بناء على انتفائه عنه بالرجوع ولو في حقه الذي منه القصاص إذا كان
مستند اللحوق الدعوى، فيقتص منه حينئذ لكن (بعد رد ما يفضل
عن جنايته، وكان على الأب نصف الدية) بعد انتفاء القصاص عنه
(وعلى كل واحد كفارة القتل بانفراده) لا كفارة واحدة بينهما،
لصدق القتل على كل منهما. ولو قتله الراجع خاصة اختص بالقصاص.
ولو رجعا معا اقتص منهما الوارث بعد رد دية نفس عليهما، بل الظاهر
كون الحكم كذلك مع الرجوع بعد القتل، بل لو رجع من أخرجته
القرعة كان أيضا كذلك بقي الآخر على الدعوى أو رجع، وإن حكى عن
المبسوط اشتراط صحة رجوع من أخرجته القرعة ببقاء الآخر على الدعوى
وإلا لم يصح. هذا كله في ولد التداعي من دون شئ آخر.
(و) أما (لو ولد مولود على فراش مدعيين له كالأمة)
المشتركة (أو الموطوءة في الشبهة في الطهر الواحد) أو غير ذلك
مما يحتاج لحوقه بأحدهما إلى القرعة حتى على مختار الشيخ في المحكي عن
مبسوطه في المطلقة ثلاثا فنكحت في عدتها ثم أتت بولد لتمام أكثر مدة
172

الحمل من طلاق الأول ولستة أشهر من وطئ الثاني من احتياج الالحاق
بأحدهما إلى القرعة (فقتلاه قبل القرعة لم يقتلا) عند المصنف
وغيره ممن عرفت (ل‍) ما تقدم من (تحقق الاحتمال بالنسبة إلى
كل واحد منهما) وكذا لو قتله أحدهما، ولا تكفي القرعة بعد القتل
(و) فيه ما عرفت.
نعم (لو رجع أحدهما ثم قتلاه) فعن الشيخ في المبسوط (لم
يقتل الراجع) بل هو المشهور على ما في المسالك بخلاف الأول.
(والفرق أن البنوة هنا تثبت بالفراش لا بمجرد الدعوى) ولذا
لا ينتفي عن الجاحد بجحوده.
(و) لكن (في الفرق تردد) كما في الارشاد من احتمال
الانتفاء أيضا، بل جزم الكركي في حاشية الكتاب بقتل الراجع أيضا،
وفي غاية المراد (التمثيل بالأمة ووطئ الشبهة تنبيه على ما سمعته من تمثيل
الشيخ الذي مذهب الفاضلين فيه أنه للثاني من دون قرعة، فعدلا عنه
إلى التمثيل بما سمعت، ووجه النظر فيه واضح مما عرفت ومن أن
الرجوع هنا صحيح قطعا ناف للنسب عن الراجع من غير لعان فتنتفي
الأبوة المانعة من القصاص، فيثبت عملا بمقتضى الأدلة وعدم المانع،
وأما على ما مثله الشيخ فلا يتوجه نظر، لأن النفي هنا من غير لعان
لا يمكن فعله، لاستناده إلى كل واحد منهما، فتحصل الشبهة الدارئة،
والعجب أن الفاضل في التحرير صورها في وطئ الشبهة، ثم علل بأن
البنوة ثابتة للفراش لا تنتفى إلا باللعان، مع وقوع الاتفاق على أنه لا لعان
في وطئ الشبهة، وقد ذكر هو في باب اللعان من ذلك الكتاب ومن
غيره، والأصح أنه على تمثيل الشيخ ومذهبه الفرق حاصل قبل اللعان
قطعا، وعلى تمثيلها لا فرق قطعا).
173

قلت: قد تقدم في كتاب اللعان (1) وفي كتاب الاقرار (2) ما
يعلم منه صحة الرجوع في المفروض وعدمها، وأنه قد يمنع انتفاؤه بالنفي،
سيما بعد الاقرار به في خصوص الأمة التي علم وطؤها على وجه يصلح
لكون الولد منه فضلا عن وطئ الشبهة والانقطاع إذا كان كذلك وإن
أطلقوا أن الأمة مثلا والمنقطعة ينفى ولدها بالنفي، لكن يمكن تنزيله على
غير الفرض، بل قد تقدم في كتاب الاقرار (3) احتمال عدم انتفاء من
أقر بأنه ولده بنفيه، لقوله (عليه السلام) (4): (إذا أقر بالولد ساعة
لم ينف عنه أبدا) فلاحظ وتأمل.
وعلى كل حال فبناء المسألة على ذلك في مثال الشيخ وغيره، وحينئذ
يشكل قتل الراجع، ولعله لذا جزم الشيخ بل والفاضل في غير الارشاد
من كتبه بعدم قتله، واحتمال أن قتله أخذ باقراره وإن لم ينتف عنه
بنفيه واضح الفساد.
وكيف كان فمما ذكرنا يظهر لك النظر في ما في كشف اللثام قال:
(وتردد فيه أي الفرق في الارشاد كالشرائع من احتمال الانتفاء
بالرجوع حتى في مثال المبسوط بناء على القرعة، ويؤيده عموم أدلة
القصاص والأخذ بالاقرار، نعم لا يتجه فيه الحكم بالانتفاء إن رجعا
جميعا، لثبوت البنوة لأحدهما قطعا بالفراش) إذ هو كما ترى، فإن هذا
الفراش إن كان مانعا من الانتفاء فالفرض حصوله لكل منهما، وإلا قبل
الرجوع من كل منهما، ومبنى قول الشيخ على الأول، فلا وجه للاحتمال
في مثاله، بل ولا وجه له في غيره أيضا بعد تحقق الفراشية المزبورة

(1) راجع ج 34 ص 39 - 52.
(2) راجع ج 25 ص 160 و و 162.
(3) راجع ج 25 ص 160 و و 162.
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 4 من كتاب الفرائض.
174

المقتضية للحوق، ومشروعية اللعان في موضعه لا يقتضي الانتفاء في
غيره بمجرد النفي حتى في مثل الفرض الذي تحقق فيه الوطئ المحتمل
للتولد، فإن النافي ليس له النفي وتمام الكلام في ذلك في كتاب اللعان (1)
فلاحظ وتأمل لتعرف ذلك وغيره أيضا.
ومنه ما لو نفى مولودا على فراشه باللعان ثم قتله قتل به أخذا
باقراره، ولانتفائه عنه شرعا، فانتفى المانع من القصاص.
فإن عاد بعد اللعان واعترف به ثم قتله ففي القواعد الأقرب
القصاص، ولعله للأخذ بالاقرار، ولعموم أدلة القصاص مع الشك في
المانع، وفي كشف اللثام (ويحتمل العدم احتياطا في الدم وبناء على
الاشتراط بانتفاء الأبوة مع الشك فيه، لاختلاف قوليه).
وفيه أن ذلك لا يقتضي سقوط القصاص الثابت بالأدلة الشرعية
وإن ألزم بمقتضى الاقرار في حقه، نعم لو قتل لقيطا مجهول النسب
ولم يكن قد نفاه عن نفسه ثم استلحقه لم يقتص منه، لالحاقه به شرعا
بمجرد الاستلحاق الخالي عن المعارض مع الاحتياط في الدم، وعدم
الاختلاف في قوله في الاستلحاق وعدمه، وقد تقدم تمام الكلام في
هذه المسائل في محالها، والله العالم.
(ولو قتل الرجل زوجته هل يثبت القصاص) عليه (لولدها
منه قيل) والقائل الشيخ والفاضل بل المشهور على ما في المسالك:
(لا) يثبت إرثا كما لا يثبت أصالة (لأنه لا يملك أن يقتص من
والده) له فضلا عن مورثه المنافي للمصاحبة بالمعروف.
(ولو قيل يملك هنا أمكن اقتصارا بالمنع على مورد النص (2)

(1) راجع ج 34 ص 39 - 52.
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
175

الذي لا شك في انسياق غير الفرض منه، والأولوية ممنوعة، وما في
المسالك من أن استيفاء القصاص موقوف على مطالبة المستحق، وإذا
كان هو الولد وطالب به كان هو السبب في القود، فيتناوله عموم
النص أو إطلاقه واضح الضعف، ضرورة ظهور قوله (عليه السلام) (1):
(لا يقاد والد بولد) في كون المراد عدم قتله بقتله.
(وكذا البحث لو قذفها الزوج) فماتت قبل اللعان والحد
(ولا وارث) لذلك (إلا ولده منها) فإنه لا يملك استيفاء الحد
من أبيه، لأنه لا يملك إذا قذفه فأولى أن لا يملكه هنا، وفيه ما عرفت،
اللهم إلا أن يدعى اقتضاء فحوى الدليل فيهما ذلك على وجه ينطبق على
أصول الإمامية، أو يقال: إن مقتضى الأمر (2) بالمصاحبة بالمعروف
ولو كانا كافرين وغيره مما تضمنته الآية والرواية (3) سقوط ذلك،
ونحوه في حق الوالد، فيحتاج الخارج للدليل لا العكس، ولتحقيق
ذلك واستيعاب مقاماته مقام آخر، هذا كله في ولده منها.
(أما لو كان لها ولد من غيره فله القصاص بعد رد نصيب
ولده من الدية وله استيفاء الحد كاملا) لأنه لا يوزع على الورثة
كما عرفته في محله بلا خلاف أجده في شئ من ذلك ولا إشكال،
لعموم الأدلة.
(ولو قتل أحد الولدين أباه ثم الآخر أمه فلكل منهما على الآخر
القود) مختصا به، لأن القاتل لا يرث قصاصا من مقتوله ولا دية
(فإن تشاحا في الاقتصاص) مع اتحادها في وقت الجناية (أقرع

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(2) سورة لقمان: 31 الآية 15.
(3) الكافي ج 2 ص 157 - 163.
176

بينهما، وقدم في الاستيفاء من أخرجته القرعة) ثم يقتص ورثة المقتول
من الآخر، وإنما فائدة القرعة التعجيل في قتل أحدهما.
(و) حينئذ ف‍ (لو بدر أحدهما فاقتص) قبل القرعة
(كان لورثة الآخر الاقتصاص منه) وإن أثم هو بالمبادرة المزبورة
إلا أنه استوفى حقه مع احتمال عدم الإثم، فإن لكل منهما استيفاء حقه
من الآخر بمقتضى إطلاق الأدلة. ومنه ينقدح عدم وجوب القرعة، نعم
قد يقال بوجوبها عند تشاحهما في ذلك عند الحاكم، كما أنه قد يقال بتقديم
الاقتصاص من الاقدام جناية إذا لم يقترنا، والله العالم.
(الشرط الرابع:)
(كمال العقل، فلا يقتل المجنون) إجماعا بقسميه ونصوصا عموما
كحديث (1) رفع القلم وغيره وخصوصا (2) مستفيضا حد الاستفاضة
(سواء كان المقتول (قتل خ ل) عاقلا أو مجنونا و) سواء كان
مطبقا أو أدوارا إذا قتل حال أدواره،
نعم (تثبت الدية) عندنا (على عاقلته) لأن عمده خطأ.
قال الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد (3): (كان أمير المؤمنين
(عليه السلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمدا).

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 والباب 4
من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11.
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب القصاص في النفس والباب 11 من أبواب
العاقلة من كتاب الديات.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب العاقلة الحديث 1 من كتاب الديات.
177

وقال الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني (1): (إن محمد
ابن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأله عن رجل
مجنون قتل رجلا عمدا فجعل الدية على قومه وجعل عمده وخطأه سواء)
إلى غير ذلك.
فإن لم تكن له عاقلة فعن النهاية والمهذب والجامع أن الدية على بيت
المال، وفي كشف اللثام (ويوافقه خبر بريد العجلي (2) الآتي) وفيه
مع أنه لا صراحة فيه بل ولا ظهور في كونه قاتلا مجنونا يمكن أن يكون
المراد بيت مال الإمام، لأنه الوارث له، ولذا كان المحكي عن السرائر أنها
على الإمام دون بيت المال.
وكذا الصبي لا يقتل بصبي ولا ببالغ) لأن البلوغ شرط في
المشهور أيضا، بل عليه عامة المتأخرين، بل نسبه بعض إلى الأصحاب
مشعرا بالاجماع عليه، بل عن الغنية دعواه عليه صريحا، بل عن الخلاف
عليه إجماع الفرقة وأخبارهم، للأصل والاحتياط في الدماء، ولحديث
رفع القلم (3) المجمع عليه كما عن السرائر.
وخصوص قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (4): (عمد الصبي وخطؤه واحد).
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار (5):

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب العاقلة الحديث 5 - 2 - 3 من كتاب الديات.
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1
(3) الوسائل الباب 36 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 والباب 4
من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11.
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب العاقلة الحديث 5 - 2 - 3 من كتاب الديات.
(5) الوسائل الباب 11 من أبواب العاقلة الحديث 5 - 2 - 3 من كتاب الديات.
178

(عمد الصبيان خطأ تحمله العاقلة).
كقوله في المروي عن قرب الإسناد (1): (عمد الصبي الذي لم
يبلغ خطأ تحمله العاقلة).
وكأن المصنف اكتفى بذكر اشتراط كمال العقل عن ذكره بالخصوص
باعتبار عدم كمال العقل فيه شرعا إلا بعد البلوغ، والأمر سهل بعد معلومية
كونه شرطا كالعقل الذي عرفت فيه عدم القصاص من المجنون مع صدور
القتل منه مجنونا.
(أما لو قتل العاقل ثم جن لم يسقط عنه القود) بلا خلاف
أجده بيننا سواء ثبت القتل بالبينة أو الاقرار وإن فرق بينهما في الرجم
بالزنا، نعم عن بعض العامة منع الاقتصاص منه حال جنونه، وآخر
إن جن قبل أن يقدم للقصاص وإلا اقتص منه.
وهما معا كما ترى منافيان للأصل ولخبر بريد العجلي (2) (إن
أبا جعفر (عليه السلام) سئل عن رجل قتل رجلا عمدا فلم يقم عليه
الحد ولم تصح الشهادة حتى خولط وذهب عقله ثم إن قوما آخرين شهدوا
عليه بعد ما خولط أنه قتله، فقال: إن شهدوا عليه أنه قتله حين قتله
وهو صحيح ليس به علة من فساد عقل قتل به، وإن لم يشهدوا عليه
بذلك وكان له مال يعرف دفعت إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل،
وإن لم يترك مالا أعطي الدية من بيت المال ولا يطل دم امرء مسلم).
وكيف كان فلا إشكال في الحكم المزبور، كما لا إشكال معتد به في
أن حكم الصبي ما عرفت.

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 وهو نقل بالمعنى
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 وفيه " لا يبطل
دم امرء مسلم " إلا أن الموجود في التهذيب ج 10 ص 232 الرقم 915 " لا يبطل
دم امرء مسلم ".
179

(و) لكن (في رواية) مقطوعة ومرسلة في الكتب
(يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا) وإن حكي عن الشيخ في النهاية
والمبسوط والاستبصار الفتوى بمضمونها إلا أنه لم نظفر بها مسندة كما
اعترف به غير واحد من الأساطين، نعم النصوص (1) المسندة بجواز
طلاقه ووصاياه وإقامة الحدود عليه موجودة، ولعل من رواها أراد هذه
النصوص بادخال القصاص في الحدود، أو أن مبنى ما تضمنته على ثبوت
البلوغ بذلك، ولا فرق بينه وبين القصاص، وكيف كان فلم نقف عليها
بالخصوص.
نعم في المروي عن سليمان بن حفص والحسن بن راشد (2) عن
العسكري (عليه السلام (أنه إذا بلغ ثمان سنين فجائز أمره في ماله،
وقد وجبت عليه الفرائض والحدود) ولم نجد به عاملا.
(وفي) رواية (أخرى إذا بلغ خمسة أشبار) اقتص منه
وهي رواية السكوني (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن رجل وغلام اشتركا في قتل رجل،
فقال؟ إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه، وإذا لم يكن قد بلغ خمسة
أشبار قضي بالدية) إلا أنه زاد في المتن وغيره ومحكي النهاية (وتقام
عليه الحدود).

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق والباب 44
من كتاب الوصايا ولم نعثر عاجلا على نص يدل على إقامة الحدود عليه.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب حد السرقة الحديث 13 من كتاب الحدود والباب
15 من كتاب الوقوف والصدقات الحديث 4.
(3) الوسائل الباب 36 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
180

وعلى كل حال ففي كشف اللثام حكاية العمل بها عن الشيخين
والصدوقين وجماعة وإن كنا لم نتحقق الجماعة، لأن المحكي عن الاتباع
موافقة المشهور.
(و) على كل حال ف‍ (الوجه أن عمد الصبي خطأ محض
يلزم أرشه العاقلة حتى يبلغ) الصبي (خمس عشرة سنة) وفاقا لمن
عرفت، لما سمعت، بل في المسالك (هذه الروايات مع ضعف سندها شاذة
مخالفة للأصول الممهدة، بل لما أجمع عليه المسلمون إلا من شذ
فلا يلتفت إليها).
كل ذلك مضافا إلى ما مر في الحجر من النص (1) والفتوى على
عدم حصول البلوغ إلا بأماراته المعلومة التي يمكن حمل خبر السكوني (2)
على ما إذا وجد أحدها مع الخمسة، بل وخبر العشر وإن كان نادرا،
بل هي كافية في رده إن كان مراد القائل تحقق البلوغ بالعشر وبالخمسة
أشبار، ضرورة قصورها عن تخصيصها بها من وجوه، وإن كان المراد
أنه صبي يقتص منه فقد عرفت قصورها عن تقييد ما دل (3) على أن
عمده خطأ من وجوه.
فمن الغريب وسوسة الأردبيلي في الحكم المزبور من تخصيص القرآن
الكريم والأخبار المتواترة بالاجماع وأخبار الآحاد، مع أن بناء الفقه عليه،
ومن احتمال اختصاص حديث (4) رفع القلم بغير القصاص الذي قد

(1) الوسائل الباب 2 من كتاب الحجر.
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب العاقلة من كتاب الديات.
(4) الوسائل الباب 36 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 الباب 4
من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11.
181

يقال: إنه من القلم الوضعي الذي لم يرفع عن الصبيان، ولذا يضمن
لو أتلف مال الغير، ومن احتمال الجمع بين النصوص بحمل ما دل على
الاقتصاص منه في صورة القصد، وحمل ما دل على عدمه على صورة
عدم القصد، والكل كما ترى كاد يكون خرافة بعد ما عرفت.
وأغرب من ذلك أنه غير موافق لما هو المعلوم من احتياطه وتقدسه
المانعين من التهجم على الدماء بمثل ذلك، خصوصا بعد عدم الموافق له
على ما ذكره من القصاص من الصبي مطلقا.
نعم في كشف اللثام (أطلق ابن زهرة أن ظاهر القرآن الاقتصاص
من الصغير) والموجود في غنيته (ومنها أي شروط القصاص: أن
يكون القاتل بالغا كامل العقل، فإن حكم العمد ممن ليست هذه حاله
حكم الخطأ بدليل إجماع الطائفة، ومنها: أن لا يكون المقتول مجنونا
بلا خلاف، ومنها: أن لا يكون صغيرا على خلاف بينهم، وظاهر
القرآن يقتضي الاستقادة به) ونحوها عن عبارة السرائر، وهما صريحان
في خلاف ذلك، وإنما استند إلى ظاهر القرآن فيما إذا قتله البالغ،
لا فيما إذا قتل غيره.
وأما صحيح أبي بصير (1) المتقدم في مسألة اشتراك الرجل والمرأة
في القتل المتضمن أن خطأ المرأة والغلام عمد جواب السؤال عن الغلام
لم يدرك وامرأة قتلا رجلا فهو محمول على قضية في واقعة يعلم الإمام (عليه السلام) حالها وأن الغلام فيها مدرك، وأنهما تعمدا القتل،
أو غير ذلك.
وبالجملة فالمسألة خالية من الاشكال على وجه لا يشكلها أمثال هذه
النصوص المحتملة وجوها عديدة مع شذوذها والاعراض عنها، نعم

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
182

ما عن التحرير من اشتراط الرشد مع البلوغ لا وجه له، إلا أن يريد به
كمال العقل لا الرشد بالمعنى المصطلح، والله العالم.
(فرع:)
(لو اختلف الولي والجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته فقال) ولي
المجني عليه: (قتلت وأنت بالغ أو أنت عاقل فأنكر) وقال: قتلته
وأنا صبي أو قبل الإفاقة وكان ذلك ممكنا (فالقول قول الجاني مع
يمينه) بلا خلاف أجده بين من تعرض له (لأن الاحتمال متحقق،
فلا يثبت معه القصاص) المنافي لأصل البراءة، والمتوقف على حصول
شرطه، وهو البلوغ والعقل، والفرض عدم معلوميتهما (و) لكن
(تثبت) فيه (الدية) في مالهما، للاعتراف بالقتل الذي يمضي
في حقهما دون العاقلة.
ولا فرق في ذلك بين الجهل بالتأريخ وبين العلم بتأريخ أحدهما
والجهل بالآخر، كما هو مقتضى إطلاق الأصحاب في المقام وفي غيره من
نظائره، وهو مما يؤيد ما ذكرناه غير مرة من عدم اعتبار تأخر مجهول
التأريخ عن معلومه، فيحكم حينئذ بالقصاص مع فرض الجهل بتأريخ
البلوغ والإفاقة، وفرق واضح بين المقام وبين التداعي في البيع ونحوه مما
كان فيه دعوى الفساد بعد الاعتراف بالبيع من تعقيب الاقرار بالمنافي.
نعم لو لم يعهد للقاتل حال جنون فادعاها كان القول قول المدعي،
لأن الأصل السلامة، ولعله لذا قال المصنف وغيره: (بعد إفاقته)
لكن ومع ذلك في المسالك احتمال تقديم قول الجاني أيضا، لقيام الاحتمال
المانع من التهجم على الدماء. وفيه أن مثله أيضا لا يبطل به دماء المسلمين.
183

وكأن التقييد في المتن بما بعد البلوغ احتراز عما لو قال القاتل أنا
صغير فعلا وكان ممكنا، فإن القول قوله أيضا، لكن بدون يمين،
لعدم إمكان تحليفه، لأن التحليف لاثبات المحلوف عليه، ولو ثبت صباه
بطلت يمينه، فما عن الشهيد من احتمال تحليفه أو القول به واضح
الضعف، بل الظاهر تأخر إثبات الدية إلى زمن العلم ببلوغه، فإن مضى
على الاقرار أخذت منه وإلا فلا، والله العالم.
(ولو قتل البالغ الصبي قتل به على الأصح) وفاقا للمشهور
نقلا وتحصيلا، بل في المسالك هو المذهب، وفي محكي السرائر هو
الأظهر بين أصحابنا والمعمول عليه عند المحصلين منهم، بل لم أجد فيه
خلافا بين المتأخرين منهم، بل ولا بين القدماء عدا ما يحكى عن الحلبي
من عدم قتله به، وهو مع أنه مناف لعموم الأدلة وخصوص مرسل (1)
المنجبر بما عرفت (كل من قتل شيئا صغيرا أو كبيرا بعد أن يتعمد فعليه
القتل) قال في كشف اللثام: لم نظفر له بمستند، والحمل على
المجنون قياس، ولا دليل على أنه يقتص من الكامل الناقص (و) إن
كان قد يناقش بما تسمعه في صحيح أبي بصير (2) نعم هو قاصر عن
معارضة ما عرفت من وجوه فيحمل على خصوص المجنون.
نعم لا (يقتل العاقل بالمجنون) حال قتله بلا خلاف أجده
فيه، كما عن الغنية وغيرها الاعتراف به، بل في كشف اللثام نسبته إلى
قطع الأصحاب، بل عن كشف الرموز الاجماع عليه، وهو الحجة بعد
صحيح أبي بصير (3) (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل
قتل رجلا مجنونا، فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب القصاص في النفس الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 28 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
184

فلا شئ عليه من قود ولا دية، ويعطى ورثته الدية من بيت المال المسلمين
قال: وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد
منه، وأرى أن على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون، ويستغفر
الله عز وجل ويتوب إليه).
وفي خبر أبي الورد (1) (قلت لأبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما
السلام): أصلحك الله رجل حمل عليه رجل مجنون بالسيف فضربه
المجنون ضربة فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه وقتله، قال:
أرى أن لا يقتل به ولا يغرم ديته، وتكون ديته على الإمام).
وبالجملة فالحكم مفروغ منه ولو كان القاتل أدواريا فقتل حال عقله
آخر كذلك لكن حال جنونه عملا باطلاق النص والفتوى وإن كان لا يخلو
من نظر.
(و) على كل حال فلا خلاف في أنه حال سقوط القود (يثبت
على القاتل الدية إن كان عمدا أو شبيها بالعمد، وعلى العاقلة إن كان خطأ
محضا) بل (و) لا إشكال.
نعم (لو قصد العاقل دفعه) وكان متوقفا على قتله (كان
هدرا) لا قصاص ولا دية على القاتل ولا على عاقلته بل ولا غيرهم
كما عن النهاية والمهذب والسرائر وكشف الرموز والتنقيح والمقتصر وروض
الجنان ومجمع البرهان وغيرها، بل عن غاية المرام أنه المشهور للأصل
(و) فحوى نصوص الدفع (2)، لكن قد سمعت ما (في رواية)
أبي بصير (3) من أن (ديته في بيت المال) وعن المفيد والجامع

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب القصاص في النفس.
(3) الوسائل الباب 28 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 - 1
185

الفتوى به، ولعله لا يخلو من وجه بناء على انسياق نصوص (1) الدفع
لغيره من المحارب الظالم، فلا معارض للصحيح إلا الأصل المقطوع به،
بل يمكن تخصيص نصوص الدفع (2) بناء على شمولها به أيضا، ولا ينافيه
خبر أبي الورد (3) بعد حمله على الدفع، لامكان إرادة على الإمام تأديته
من بيت المال منه، واحتمال العكس وإن كان ممكنا أيضا إلا أن إرجاعه
إلى الصحيح أولى منه، خصوصا بعد عدم قائل به، والله العالم.
(وفي ثبوت القود على السكران) الآثم في سكره (تردد)
وخلاف (و) لكن (الثبوت أشبه) وفاقا للأكثر، كما في المسالك،
بل قد يظهر من غاية المراد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالاجماع عليه،
بل في الإيضاح دعواه صريحا عليه ناسبا له مع ذلك إلى النص، ذكر
ذلك في مسألة شارب المرقد والمبنج.
ولعله أراد بالنص خبر السكوني (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: (كان قوم يشربون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم، فرفعوا إلى
أمير المؤمنين (عليه السلام) فسجنهم فمات منهم رجلان وبقي رجلان، فقال:
أهل المقتولين: يا أمير المؤمنين أقدهما بصاحبينا، فقال علي (عليه السلام)
للقوم: ما ترون؟ قالوا: نرى أن تقيدهما، قال علي (عليه السلام):
فلعل ذينك اللذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه، قالوا: لا ندري،
فقال علي (عليه السلام): بل أجعل دية المقتولين على قاتل الأربعة،
وآخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين) فإن قوله (عليه السلام):
(فلعل) إلى آخره، ظاهر في المفروغية عن كون القود عليهما لو فرض

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب القصاص في النفس.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب القصاص في النفس.
(3) الوسائل الباب 28 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب موجبات الضمان الحديث 2 من كتاب الديات.
186

العلم بأن الباقين قتلا هما.
ولعله (ل‍) ذا قال الشيخ وغيره: (إنه كالصاحي في تعلق
الأحكام) مؤيدا بكونه ممنوعا من ذلك أشد المنع، فهو حينئذ من
الجارح عن الاختيار بسوء اختياره المعامل المختار في اجراء الأحكام
حتى طلاق زوجته وغيره من الأحكام، وإنما قضى عليه في الأربعة بما
ذكره لعدم العلم بالحال، كصحيح محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر
(عليه السلام) (قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في أربعة شربوا
فسكروا فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا، فقتل اثنان وجرح اثنان،
فضرب كل واحد منهم ثمانين جلدة، وقضى بدية المقتولين على المجروحين، وأمر
أن يقاس جراحة المجروحين فيرفع من الدية، وإن مات أحد المجروحين
فليس على أحد من أولياء المقتولين شئ).
ولكن مع ذلك كله في المسالك لعل الأظهر عدم القصاص وفاقا
للفاضل في الارشاد بل والقواعد وإن قال: على إشكال مما عرفت من انتفاء
العمد والاحتياط في الدم، إلا أن الأقوى ما عرفت. نعم لا قود عليه
لو كان السكر بعذر شرعي، للأصل بعد انتفاء القصد المعتبر، هذا كله
في السكران.
(أما من بنج نفسه) بما لا يعد مسكرا (أو شرب مرقدا)
كذلك (لا لعذر فقد ألحقه الشيخ بالسكران) في ثبوت القصاص
عليه، بل عنه أيضا إلحاق شارب الأدوية المبنجة بغير عذر، كل ذلك
للتساوي في زوال القصد بالاختيار لا لعذر، ووافقه الفخر في الإيضاح.
(و) لكن (فيه تردد) بل منع، لعدم الدليل على
الالحاق بعد فرض عدم صدق السكران على شئ منهم وإمكان الفرق

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب موجبات الضمان الحديث 1 من كتاب الديات.
187

بشدة التوعد عليه دون غيره.
وكيف كان فلا (خلاف (و) لا إشكال نصا (1) وفتوى في
أنه (لا قود على النائم) بل الاجماع بقسميه عليه (لعدم القصد)
الذي يدرجه في اسم العمد (وكونه معذورا في سببه و) لكن (عليه
الدية) في ماله عند الشيخين ويحيى بن سعيد والفاضل على ما حكي عن
بعضهم، بل عن السرائر نسبته إلى أصحابنا، قال: (لأنهم جميعا
يوردونه في ضمان النفوس، وذلك لا تحمله العاقلة بلا خلاف) لأنه شبيه
عمد، وللمرسل (2) المنجبر بما سمعت، ولأصالة الضمان على المتلف دون
غيره، وعلى العاقلة عند أكثر المتأخرين، بل قيل: عامتهم حتى المصنف
في كتاب الديات، لأنه خطأ محض في الفعل والقصد.
هذا كله في النائم غير الظئر، وأما هي ففيها أقوال ثلاثة: ثالثها
التفصيل من الأظئار للفخر والعزة وبينه للحاجة، فالأول في مالها، والثاني
على العاقلة، وتمام الكلام في ذلك كله في كتاب الديات إن شاء الله.
(وفي الأعمى تردد) وخلاف (أظهره) عند المصنف وأكثر
المتأخرين (أنه كالمبصر في توجه القصاص بعمده) للعمومات (و) لكن
(في رواية الحلبي (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن جنايته خطأ
تلزم العاقلة) قال: (سألته عن رجل ضرب رأس رجل بمعول،
فسالت عيناه على خديه فوثب المضروب على ضاربه فقتله، فقال (عليه
السلام): هذان متعديان جميعا، فلا أرى على الذي قتل الرجل قودا،
لأنه قتله حين قتله وهو أعمى، والأعمى جنايته خطأ تلزم عاقلته يؤخذون

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11.
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب القصاص في النفس الحديث 4.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب العاقلة الحديث 1 من كتاب الديات.
188

بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية
ما جنى في ماله يؤخذ بها ثلاث سنين، ويرجع الأعمى على ورثة ضاربه
بدية عينيه).
وعن أبي علي والشيخ والصهرشتي والطبرسي وابني البراج وحمزة بل
والصدوق في ظاهره العمل بها، بل في غاية المراد هذا القول مشهور بين
الأصحاب، وبه هذا الأثر، فجاز مخالفة الأصل له، وعن ثاني الشهيدين
في روض الجنان موافقته على ذلك.
ويؤيده أيضا خبر أبي عبيدة (1) عن الباقر (عليه السلام) (سألته
عن أعمى فقأ عين رجل صحيحة متعمدا، فقال: يا أبا عبيدة إن عمد
الأعمى مثل الخطأ، هذا فيه الدية من ماله، فإن لم يكن له مال فإن
دية ذلك على الإمام، ولا يبطل حق مسلم).
ولكن في المسالك (هاتان الروايتان مشتركتان في الدلالة على أن عمد
الأعمى خطأ وفي ضعف السند، ومختلفتان في الحكم، ومخالفتان للأصول،
لاشتمال الأولى على كون الدية تجب ابتداء على العاقلة ومع عدمها تجب
على الجاني، وهذا مخالف لحكم الخطأ، وفي الثانية مع جعله الجناية كالخطأ
أوجب الدية على الجاني، ومع عدم ماله على الإمام ولم يوجبها على العاقلة
ثم قال: إنها ليس صريحة في مطلوبهم أيضا، لجواز كون قوله
(خطأ) حالا، والجملة الفعلية بعده الخبر، وإنما يتم استدلالهم بها على
تقدير جعله مرفوعا على الخبرية، وأما نصف (خطأ) على التمييز كما
فعله بعضهم فهو خطأ واضح).
وعن المختلف الجواب عن الرواية الأولى بالحمل على قصد الدفع،
وفيه مع أنه مناف لظاهر الترتيب أنه مخالف لما فيه من إلزام العاقلة

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1
189

الدية، بل لا شئ فيه حينئذ، كما أن في احتمال النصب منافاة لقوله
(عليه السلام): (هذان متعديان) وللاستدلال، بل ولقوله: (فوثب
المضروب).
بل لعل المناقشة في السند ضعيفة، لأن الأولى رواها في الفقيه عن
العلاء بن عن الحلبي، وطريقه إليه صحيح، والثانية موثقة بعمار،
واختلافهما في الخارج عن موضوع المسألة غير ضائر، خصوصا بعد اتفاق
القائلين على أنه على العاقلة عدا الصدوق في ظاهره، لأنه روى رواية
الحلبي، ومقتضاه إن كان باقيا على ما قدمه في كتابه من العمل بما يرويه
فيه العمل به، وعلى تقديره فهو شاذ، لأن المعروف بين القائلين كونه
على العاقلة كعمد الصبي والمجنون، وعلى كل حال لا قدح في الرواية
من هذه الجهة.
ودعوى عدم صلاحية أخبار الآحاد وإن صحت لتخصيص الكتاب
قد ذكرنا فسادها في الأصول، ولكن الانصاف مع ذلك كله عدم الجرأة
بها على تخصيص العمومات بعد مخالفة المتأخرين واحتمال إرادة أن
الأعمى غالبا لا يعلم تعمده إلا باقراره منها، والله العالم.
(الشرط الخامس:)
(أن يكون المقتول محقون الدم احترازا عن المرتد بالنظر إلى
المسلم، فإن المسلم لو قتله لم يثبت القود) وإن أثم بعدم الاستئذان ممن
إليه القتل، بل وإن تاب وكان مرتدا عن فطرة وقلنا بقبول توبته وبقي
القتل عليه حدا.
(وكذا) الزاني واللائط وغيرهما من (كل من أباح الشرع
190

قتله) حدا، لكن قد عرفت البحث في ذلك (1) وفي غيره ممن حده
القتل بالنسبة للمسلم والكافر وإن كان ظاهر المصنف هنا اختصاص ذلك
بالمسلم دون الكافر.
ولذلك في كشف اللثام بعد أن ذكر الشرط المزبور وهو كون
المقتول معصوم الدم مفرعا عليه عدم القصاص من المسلم من كل من أباح
الشرع قتله قال: (وهذا أحد الوجهين في المسألة، وقد مر خلافه
في بعض الصور).
لكن في الرياض (والأصل في هذا الشرط بعد الاجماع الظاهر
المصرح به في كثير من العبائر كالغنية والسرائر الاعتبار والمعتبرة
المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر، ففي الصحيح وغيره (2) (عن رجل
قتله القصاص له دية، فقال: لا لو كان ذلك لم يقتص من أحد،
وقال: من قتله الحد فلا دية له) وبمعناهما كثير من المعتبرة، ونحوها
النصوص (3) الواردة في إباحة الدفاع وقتل المحارب).
قلت: لا إشكال ولا خلاف في عدم القصاص بقتل مثل هؤلاء
الذي أشار إليه المصنف وغيره بقوله: (ومثله من هلك بسراية القصاص
أو الحد) وقد سمعت النصوص (4) الواردة فيها وفي المقتول دفاعا،
بل وساب النبي (صلى الله عليه وآله) الذي قد ورد إهدار دمه لكل
من سمعه بل والأئمة (عليهم السلام) (5) ما لم يخش الفتنة من قتل

(1) راجع ص 11 - 12.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 بطريقين.
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب القصاص في النفس.
(4) الوسائل الباب 24 و 22 من أبواب القصاص في النفس.
(5) الوسائل الباب 27 من أبواب حد القذف من كتاب الحدود.
191

برئ ونحوه.
إنما الكلام في من كان عليه القتل حدا كالزاني المحصن واللائط
والمرتد عن فطرة ولو بعد التوبة يسقط القصاص عن قاتله المسلم أو مطلقا،
وليس في شئ مما وصل إلينا من النصوص تعرض لذلك فضلا عن
تواترها، نعم ظاهر الأصحاب الاتفاق على ذلك بالنسبة للمسلم، وقد
تقدم الكلام في ذلك، والله العالم.
الفصل الثالث
(في دعوى القتل وما يثبت به)
ولكن قد تقدم في كتاب القضاء (1) البحث في اعتبار الجزم
بالدعوى واقعا أو إبرازا، كما أنه لا خلاف ولا إشكال في أنه
يشترط في المدعي البلوغ لسلب عبارة غير البالغ، بل في المتن
وغيره (والرشد) بل لا أجد خلافا بينهم فيه، وهو لا يخلو من
وجه لو كان متعلق الدعوى مما حجر عليه فيه، أما لو كانت قصاصا
مثلا فالظاهر صحة دعواه به، لعدم الحجر عليه فيه، نعم لو أراد
الصلح عليه بمال اعتبر إذن الولي، بل قد يقال بصحة دعواه في ما
يتعلق بالمال منه وإن كان لا يدفع إليه ولا يقع الصلح معه، ضرورة عدم
اقتضاء الحجر عليه أزيد من التصرف في المال.

(1) راجع ج 40 ص 153 - 157.
192

اللهم إلا أن يقال: إن الدعوى به نوع تصرف فيه، إذ قد يتوجه
عليه اليمين مثلا فينكل عنه، فلا تصح منه، بل ولا في القصاص
الذي قد يؤول إلى المال، ولعل ذلك هو الوجه في إطلاق المصنف وغيره
اعتباره في المدعي كالبلوغ، ولكن الانصاف عدم خلو الاطلاق مع ذلك
من إشكال، خصوصا بعد ما تسمعه من صحة للدعوى عليه به.
أما المدعى عليه فلا يشترط فيه شئ منهما عندنا، بل ولا العقل،
فلو ادعى على مجنون أو طفل صحت، وتولى الحكومة الولي، وترتب
عليه الأثر من دية أو قصاص خلافا للعامة، فاشترطوا فيه البلوغ والعقل.
وأولى من ذلك صحتها على السفيه المصرح بها في القواعد وغيرها
لكماله وصلاحيته للخطاب، نعم قال فيها: (ويقبل إقراره بما يوجب
القصاص لا الدية، ولو أنكر صح إنكاره لإقامة البينة، ويقبل يمينه
وإن لم يقبل إقراره، لانقطاع الخصومة بيمينه) وهو صريح في صحة
الدعوى عليه حتى بالمال، إلا أنه يصح إنكاره لأجل إقامة البينة عليه
إن كانت، وتقبل يمينه إن حلف، وتنقطع الخصومة به وإن لم يقبل
إقراره بل ولا رد اليمين بناء على أنه كالاقرار منه.
ومن هنا قال في كشف اللثام: (إن نكل فإن جعلنا اليمين المردودة
كالاقرار لم يصح الرد هنا، وإن جعلناها كالبينة ردت، فإذا حلف المدعي
فكأنه أقام بينة، وللعامة قول بعدم عرض اليمين بناء على أنه قد ينكل،
فلا يمكن الرد لكون اليمين المردودة كالاقرار) وظاهره المفروغية من
الحكم عندنا، ومن ذلك يتوجه ما سمعته سابقا من صحة الدعوى منه أيضا.
وكيف كان فالمراد من اعتبار ما سمعته في المدعي (حالة الدعوى
دون وقت الجناية) فلو كان صبيا أو مجنونا حالة القتل صحت عند
الكمال (إذ قد تتحقق صحة الدعوى بالسماع المتواتر) مثلا إن
193

اعتبرنا الجزم فيها وإلا لم يحتج إليه.
نعم لا خلاف (و) لا اشكال في إنه يعتبر في صحتها (أن
يدعي على من يصح منه مباشرة الجناية، فلو ادعى على غائب) وقت
الجناية أنه القاتل (لم يقبل) للعلم بكذبها (وكذا لو ادعى على
جماعة يتعذر اجتماعهم على قتل الواحد كأهل البلد.)
(و) لكن مع ذلك (تقبل دعواه لو رجع إلى الممكن)
ولو بأن يفسر قتل الغائب بارسال سم إليه ونحوه، وقتل أهل البلد بقتل
الواحد بينهم مع عدم دفعهم عنه أو بغير ذلك، لاطلاق ما يقتضي صحة
دعواه الثانية من قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (البينة على المدعي)
وغيره كما هو واضح.
(و) كذا لا خلاف ولا إشكال في (أنه لو حرر الدعوى
بتعيين القاتل وصفة القتل ونوعه سمعت دعواه) فلو ادعى على جماعة
مجهولين لم تسمع.
(وهل تسمع منه مقتصرا على مطلق القتل) من
دون ذكر صفته التي هي المباشرة والتسبيب ونحوها ولا نوعه من العمد
والخطأ وشبه العمد؟ (فيه تردد) وخلاف (أشبهه) عند المصنف
(القبول) كما تسمع تحقيقه في المسألة الثانية إن شاء الله.
(ولو قال: قتله أحد هذين) مثلا من دون تعيين لأحدهما بل
قال: لا أعرفه عينا وأريد يمين كل واحد (سمع) وفاقا للفاضل
وولده والشهيدين وأبي العباس والأردبيلي على ما حكي عن بعضهم (إذ
لا ضرر) عليهما (في إحلافهما) مع حصوله عليه بالامتناع، ولزوم
إهدار المسلم، ولا أنه طريق يتوصل به إلى معرفة القاتل واستيفاء الحق منه،
ولأن القاتل يسعى في إخفاء القتيل كي لا يقصد ولا يطالب، وتعسر

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 من كتاب القضاء.
194

معرفته على الولي لذلك، فلو لم يسمع دعواه هكذا لتضرر، وهما
لا يتضرران باليمين الصادقة، إلا أن الجميع كما ترى لا يقتضي استحقاق
السماع على وجه يترتب عليه استحقاق اليمين.
نعم لو قلنا بحصول اللوث بالنكول أمكن ذلك، نحو ما ذكره
المصنف (و) غيره من أنه (لو أقام بينة) على أن أحدهما
القاتل (سمعت لاثبات اللوث إن لو خص الوارث أحدهما) بعد ذلك،
كما صرح به غير واحد، فتثبت الدعوى حينئذ باليمين، كما تسمعه في
محله إن شاء الله، لكن مقتضاه أنه لو لم يعينه بعد ذلك لم تكن فائدة
لها، فإنه لا يثبت الحق عليهما ولا على أحدهما بخصوصه، كما صرح به
في المسالك، بل هو ظاهر غيره أيضا.
لكن في كتاب بعض المعاصرين (فتثبت الدية عليهما موزعة أو
بالقرعة) بل قال فيه أيضا: (إنه معها لا تسمع منهم اليمين حينئذ،
لأنهم قد يحلفون جميعا فيكذبون البينة) ثم احتمل الحلف من كل منهم
وأنه لا تكذيب فيه، فإنه يحلف على براءة ذمته لا ذمة صاحبه.
وما أدري ما الوجه في ما ذكره أولا من الالزام بالدية مع حلفهم
أو عدمه؟! وكأن هذا الوهم نشأ عليه من مسألة اليمين إذا نكلا معا
أو أحدهما، فإنه قال بلزوم الدية، ولكن هل يقرع بينهم أو يوزع؟
احتمالان، والأظهر الثاني، ولا يثبت بذلك إلا الدية وإن كانت الدعوى
العمد، لأنه لا يعلم القاتل، ثم احتمل القصاص من الناكل إذا كان أحدهما،
وإن نكلا معا كان الولي بالخيار، كما في صورة تعدد القاتل.
وجميعه كما ترى لا يستأهل أن يسود به الأوراق، خصوصا ما ذكره
أخيرا، ضرورة الفرق بين الشركاء في القتل وبين المقام، حتى لو قال
المدعي: إن القاتل له إما أحدهما أو مجموعهما.
195

ومن ذلك يعلم أنه لا حكم لنكولهما إلا اللوث بناء على ترتبه عليه،
وكذا لو كان الناكل أحدهما خاصة فحلف المدعي أن القاتل أحدهما، بل
لو أقر بأن القاتل واحد منا ولا نعلمه بعينه، لأن كل واحد منا رماه ببندقة
مثلا ولم تصبه إلا واحدة منها لا نعلمها أو قامت بينة بذلك لم يجب
قصاص ولا دية، وفرق واضح بين المقام وبين قيام بينتين على شخصين
الذي قيل فيه: إنهم ذكروا توزيع الدية عليهما عملا بالبينة، ضرورة
اقتضاء كل منهما وجوبها على معين ولا ترجيح، فليس إلا التوزيع،
كقسمة العين بالنصف بين المتداعيين عند تعارض البينتين، فتأمل جيدا.
بل لعل المتجه بناء على ما ذكرناه عدم سماع الدعوى المزبورة إلا
بالبينة بناء على عدم حصول اللوث بالنكول، ضرورة عدم ترتب أثر
حينئذ للنكول، اللهم إلا أن يراد الالزام باليمين، كدعوى التهمة بناء
على قبولها التي ليس للمدعي فيها أخذ المال من المتهم بنكوله إلا أن يقر،
أو قلنا يقضى به عليه مطلقا حتى في دعوى التهمة على وجه يكون المال
عوضا عن النكول عن حق اليمين، فهو حينئذ من المباح شرعا على
هذا الوجه لا على عوض المال المدعى به، لكنه كما ترى دون إثباته خرط
القتاد، وقد تقدم الكلام في كتاب القضاء (1).
بل لعل الظاهر عدم كون المقام من دعوى التهمة، فإن الفرض
ابراز المدعي الجزم بكون القاتل أحدهما، وكونها تنحل إلى إبهام كل
منهما لا يقتضي إجراء حكم دعوى التهمة. ومن هنا يتجه القبول في المقام
وإن قلنا بالعدم في دعوى التهمة.
بقي شئ: وهو أن الفاضل في القواعد بعد أن ذكر سماع الدعوى
في المقام والبينة قال: (وكذا دعوى الغصب والسرقة، أما القرض

(1) راجع ج 40 ص 153 - 157.
196

والبيع وغيرهما من المعاملات فاشكال ينشأ من تقصيره بالنسيان، والأقرب
السماع أيضا) وتبعه عليه غيره.
وفيه أنه لا لوث في المقام، فالبينة على أن زيد الغاصب أو عمرو
لا فائدة فيها، اللهم إلا أن يقال: إن فائدتها انحصار الحق في أحدهما
بالخصوص لو علم بعد ذلك براءة أحدهما ولو باعتراف الآخر بناء على
الاكتفاء به في مثل ذلك، إلا أنه كما ترى شك في شك.
وكذا لو نكلا أو أحدهما عن اليمين وحلف المدعي على أن أحدهما
الغاصب، فإنه ليس له على كل واحد منهما بالخصوص سبيل، لأصل
براءة ذمته، ويحتمل أن يريد أصل سماع الدعوى بحيث يتوجه اليمين
على كل منهما نحو يمين دعوى التهمة، فتأمل جيدا.
(مسائل:)
(الأولى:)
(لو ادعى) على شخص مثلا (أنه قتل مع جماعة لا يعرف
عددهم) فإن كان ذلك منه على وجه لا يتصور اجتماعهم على القتل
لم تسمع للعلم بكذبها، وإن لم يكن كذلك إلا أنه لم يحصرهم، فإن ادعى
قتلا يوجب الدية (سمعت دعواه) وإن لم يثبت على المدعى عليه
شئ معين، ضرورة توقف ذلك على معرفة عدد الشركاء والفرض
عدمه، فليس حينئذ إلا الصلح.
بل (و) كذا لو كانت الدعوى القتل عمدا فإنه (لا يقضي)
بالقود ولا بالدية) لتوقف الأول على رد ما فضل من ديته عن جنايته،
197

وهو موقوف على معرفة عدد الشركاء، نعم يتجه ذلك بناء على ما يحكى
عن بعض العامة من استحقاق القتل مع الاشتراك بغير رد، فيثبت حينئذ
القود، ولكنه معلوم الفساد عندنا نصا (1) وفتوى، كذا قيل.
ولكن قد يقال بناء على ما عندنا يثبت القود له أيضا وإن ثبت
عليه بعد استيفائه رد الفاضل المفروض عدم معلوميته، فيرجع إلى الصلح،
بل لو قلنا بتقديم الرد أمكن القضاء بينهم بالصلح القهري ثم استيفاء
القصاص، وليس في الأدلة ما يقتضي الاشتراط على وجه إن لم يعلم
سقط القصاص.
وتظهر الثمرة في ما لو فرض عصيان الولي واقتص منه قبل رد
الفاضل، فإن الظاهر عدم ترتب غير رد الفاضل عليه، بل قد يقال:
إنه ليس على القاتل منه شئ، وإنما هو في ذمة الشركاء، كما سمعت
ظهور النصوص (2) فيه، وحينئذ تكون لأوليائه الخصومة معهم، والمراد
الاستحقاق من حيث الدعوى وإلا فلو فرض بذل ولي المجني عليه المتيقن
مما يفضل عن جنايته ولو الدية تماما إلا شيئا كان له القصاص، هذا
كله في القود.
وأما عدم القضاء بالدية فواضح بناء على أنها لا تجب في العمد،
إلا صلحا بل وعلى غيره أيضا (لعدم العلم بحصة المدعي عليه من
الجناية و) لكن ذلك كله لا ينافي سماع الدعوى فإنه (يقضى)
حينئذ (بالصلح) قهرا (حقنا للدم) المعلوم شدة أمره عند
الشارع، ولذلك خالفت الدعوى فيه الدعوى في المال في أمور كثيرة.
ومن ذلك يعلم ضعف احتمال بطلان الدعوى المزبورة باعتبار إبهامها
كالمال، ولذا لم يذكره المصنف، بل قيل وغيره من أرباب المتون، نعم

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب القصاص في النفس.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب القصاص في النفس.
198

ذكره بعض الشارحين.
وعلى كل حال فما عرفت هو إذا لم يحصرهم بحيث يمكن الحكم
على المعين بحصته من الدية أو الفاضل، وإلا حكم له بالمتيقن، كما لو
قال: قتله مع جماعة لا يزيدون على عشرة مثلا، فعشر الدية حينئذ
متيقن يحكم به للولي على الجاني، بل لو أراد قتله في صورة العمد كان
له ذلك بعد رد تسعة أعشار الدية عليه، والله العالم.
المسألة (الثانية:)
(لو ادعى القتل ولم يبين عمدا أو خطأ) محضا أو شبيها
بالعمد على وجه الانفراد أو الاشتراك (الأقرب أنها تسمع،
و) لكن
(يستفصله القاضي، وليس ذلك تلقينا بل تحقيقا للدعوى) خلافا
لبعض العامة فجعله تلقينا. وفيه منع بعد أن لم يكن مقصودا له.
وفي المسالك (لأن التلقين أن يقول له: قتل عمدا أو خطأ جازما
بأحدهما ليبني عليه المدعي، والاستفصال أن يقول: كيف قتل عمدا أو
خطأ؟ لتتحقق الدعوى) وفيه أن الثاني ضرب من التلقين أيضا إذا
قصده.
وكيف كان ففي القواعد جعل من شرائط سماع الدعوى أن تكون
مفصلة، لكن قال أيضا: (فلو أجمل استفصله الحاكم) وفيه أن مقتضى
كون ذلك شرطا أن للحاكم الاعراض عنه حتى يذكرها مفصلة، إلا أن
ظاهر قول المصنف: (الأقرب) إلى آخره أنها على إجمالها مسموعة،
ولكن مع الاستفصال، بل هو ظاهر الفاضل أيضا، فالمتجه أن يقال
199

بعد لزوم الاستفصال مع فرض سماعها مجملة، نعم لو لم نقل بسماعها
مجملة أمكن القول حينئذ بسماعها مع الاستفصال، لأن الأصل في الدعوى
القبول حتى يتحقق أنها مجملة، فإذا استفصلها الحاكم وبان أنها مجملة عند
المدعي أعرض عنها وإلا فلا.
ومن ذلك يعلم ما في المسالك من تفريع الاستفصال والاعراض على
القول بسماع المجملة.
كما أن منه يعلم كون الاحتمال مانعا عند القائل به، لا أن التفصيل
شرط، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله: (ولو لم يبين قيل)
والقائل الشيخ في محكي المبسوط: (طرحت دعواه وسقطت البينة بذلك
إذ لا يمكن الحكم بها) بدون العلم بالصفة من عمد أو خطأ، فلا تفيد
الشهادة على مقتضاها ولا يمين.
(و) لكن (فيه تردد) ونحوه ما في القواعد وغيرها مما
عرفت ومن أن مقتضى الاطلاقات سماعها وإن رجع حينئذ إلى الدية في
وجه أو الصلح عن الحق الثابت له في آخر، إذ قد يعلم الولي بصدور
القتل من شخص ويجهل صفته، فلو لم تسمع دعواه لزم ضياع الحق
وطل الدم، بل ظاهر المصنف اختياره في ما تقدم، بل ينبغي الجزم
بذلك بناء على ما سمعته في المسألة السابقة.
نعم لو فرض كون الدعوى مجملة على وجه لا يترتب حكم على
مجملها اتجه عدم سماعها، وقد تقدم تحقيق البحث في ذلك في كتاب
القضاء (1).
بل لا وجه لعدم السماع هنا بناء على ترتب الدية مع ثبوت أصل
القتل احتياطا في الدماء واقتصارا على المتيقن وإن كان قد يشكل بمنع

(1) راجع ج 40 ص 153 - 157.
200

كون ذلك هو المتيقن، لأن القتل أعم من كونه موجبا للدية أو القتل،
لكن يمكن دفعه بأنه يستفاد من استقراء النصوص منها (لا يطل دم امرء
مسلم) (1) ثبوت الدية مع عدم العلم بالصفة، وليس ذلك لاثبات كونه
خطأ أو شبيه عمد كي يشكل بأنهما كالعمد بالنسبة إلى ما يقع في الخارج،
بل هو أمر آخر مستفاد من الأدلة، فما عساه يظهر من بعض من إمكان
تنقيح ذلك بالأصول لا يخلو من نظر، والله العالم.
المسألة (الثالثة:)
(لو ادعى على شخص) مثلا (القتل منفردا ثم ادعى على
آخر لم تسمع الثانية، برأ الأول أو أشركه، لاكذابه نفسه بالدعوى
الأولى) وفي القواعد جعل من شرائط صحة الدعوى عدم التناقض
وفرع عليه ذلك، بل لو لم يحلف على الأولى ولم يمض الحكم بها لم يمكنه
العود إليها أيضا، لتكذيبه إياها بالثانية، فمقتضى مؤاخذته باقراره عدم
سماعهما معا، نعم لو أن الثاني صدقه في دعواه ففي القبول وجهان: أحدهما
أنه ليس له أن يؤاخذه بموجب تصديقه، لأن في الدعوى الأولى اعترافا
ببراءة غير المدعى عليه، وأصحهما كما في المسالك وأقربهما في القواعد
المؤاخذة، لأن الحق لا يعدوهما، ويمكن أن يكون كاذبا في الأولى أو
غالطا أو ساهيا.

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 والباب 46
منها الحديث 2 والباب 2 من أبواب دعوى القتل الحديث 1 والباب 8
منها الحديث 3 والباب 10 - منها الحديث 5 وفي الجميع " لا يبطل دم
امرء مسلم " إلا أن الموجود في التهذيب ج 10 ص 167 و 332 " لا يطل دم
امرء مسلم ".
201

هذا وفي المتن في أصل المسألة (وفيه للشيخ قول آخر) وظاهره
أنه قول بسماع الثانية، لكن في المسالك (الموجود في كلام الشيخ وغيره
الخلاف في هذا القسم، وهو ما إذا صدقه الثاني على دعواه، وأن المرجح
قبول دعوى المدعي الثانية، وحينئذ فيكون هذا القول مخالفا لاطلاق
الأول عدم سماع الثانية المتناول لما إذا صدق المدعى عليه ثانيا وما إذا
كذب، وأما القول بأن الدعوى الثانية مسموعة مطلقا مع كونها مكذبة
للأولى فلا يظهر به قائل).
قلت: يمكن القول بسماع الثانية إذا أظهر للأولى عذرا يقبل في حقه
كما في غير المقام وإن لم أجد من ذكره هنا، بل لعل كلامهم في.
المسألة (الرابعة:)
يرشد إليه وهي (لو ادعى قتل العمد ففسره بالخطأ لم تبطل أصل
الدعوى، وكذا لو ادعى الخطأ وفسره بما ليس بخطأ) فإنه قد اعترف
في المسالك بأنها كالمتفرعة على السابقة قال: (وإنما فصلها عنها وحكم
بالقبول، لأن كل واحد منهما قد يخفى مفهومه على كثير من الناس فقد
يظن ما ليس بعمد عمدا فيتبين بتفسيره أنه مخطئ في اعتقاده، وبالعكس،
وأيضا فقد يكذب في الوصف ويصدق في الأصل فلا ترد أصل الدعوى،
ويعتمد على تفسيره ويمضي حكمه).
ولا يخفى عليك أن ذلك ليس إلا لامكان العذر في حقه، وإلا فهو في
دعوى العمد معترف ببراءة العاقلة، فلا يتمكن من مطالبته ولا تسمع
دعواه عليه، وفي دعوى الخطأ المحض معترف ببراءة الجاني، فلا تسمع
دعواه بعد ذلك عليه. ومن هنا احتمل غير واحد عدم السماع أيضا،
202

ولكن المعروف في الفتوى السماع الذي مبناه ما عرفت، وهو مشترك
بين المقامين.
ولو ادعى القتل فصالح على مال ثم قال بعد ذلك: ظلمته بأخذ
المال مفسرا له بأن الدعوى كانت كاذبة استرد المال منه أخذا باقراره،
وأما لو فسره بأنه حنفي لا يرى القسامة وقد أخذه منه بها لم يسترد، لأن
النظر في الحكم إلى رأي الحاكم المحق، وهو يرى الاستحقاق بها لا إلى
رأي الخصمين، فالمال له شرعا وإن كان يزعم خلافه.
ودعوى أن ذلك لا يوافق أصولنا كما عن الأردبيلي بل يوافق أصول
أبي حنيفة الذي يرى انقلاب الواقع بحكم الحاكم واضحة الفساد كما حررناه
في كتاب القضاء (1) وغيره، وقلنا: إن ذلك هو معنى قولهم: (إن
الفتوى تنقض بالحكم دون العكس) نعم هو كذلك في الموضوع والحكم
القطعيين، فإنه لا يتغير الواقع بحكم الحاكم بخلاف الحكم الاجتهادي والتقليدي.
ولو قال: هذا المال حرام مفسرا له بعدم ملك الباذل له فإن عين
له مالكا دفعه إليه، وإلا ففي إفرازه في يده مضمونا عليه أو لا أو أخذ
الحاكم منه وحفظه لمالكه وجهان، وقد تقدم الكلام في نظيره في الاقرار (2)
والغصب (3) وغيره من الكتب السابقة وعلى كل حال فليس على الباذل
شئ من غير بينه.
(و) كيف كان فلا خلاف كما لا إشكال في أنه (تثبت
الدعوى) بالقتل (بالاقرار أو البينة أو القسامة،
أما الاقرار فيكفي) فيه (المرة) وفاقا للأكثر، بل عليه عامة المتأخرين عدا نادر،

(1) راجع ج 40 ص 94 - 103.
(2) راجع ج 35 ص 58 - 62.
(3) راجع ج 37 ص 230 - 231.
203

للعموم وخصوص ظاهر المرسل المرفوع (1) الآتي وغيره
(و) لكن بعض الأصحاب كالشيخ وابني إدريس والبراج والطبرسي ويحيى
ابن سعيد على ما حكي عنهم (يشترط الاقرار مرتين) ولا نعرف
له وجها إلا الاحتياط في الدماء الذي لا يعارض الأدلة مع أنه معارض
بمثله، وعدم بطلان دم المسلم، ولذا قبلت فيه في الجملة شهادة النساء
والصبيان وقسامة المدعى تحقيقا لقوله تعالى (2): (ولكم في القصاص
حياة) وإلا القياس على السرقة الممنوع عندنا، على أنه مع الفارق،
ضرورة كونها من الحقوق الإلهية المبنية على التخفيف والمسامحة (و) لذا
يسقط بالتوبة بخلاف حقوق الآدميين.
نعم (يعتبر في المقر البلوغ وكمال العقل والاختيار والحرية)
فلا عبرة باقرار الصبي وإن راهق ولا المجنون ولا المكره ولا الساهي
والغافل والنائم والسكران ولا العبد الذي إقراره يكون في حق المولى،
كما سأل الصادق (عليه السلام) أبو محمد الوابشي (3) الذي لم يذكر
علماء الرجال على ما قيل فيه سوى أنه من أصحاب الصادق (عليه السلام)
إلا أنه وصفه في الرياض بالقرب من الصحيح بناء منه على صحة الخبر
برواية أحد من أصحاب الاجماع له، وهو أصل فاسد، بل قيل: إنه
هو رجع عنه، فهو حينئذ غير صحيح، ولكنه معتضد بالفتوى والقاعدة،
قال: (سألته عن قوم ادعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقر العبد بها،
فقال: لا يجوز إقرار العبد على سيده).
بل لو أعتق ففي مؤاخذته باقراره وجهان، كما سمعت الكلام فيه في

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب دعوى القتل الحديث 1.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 179.
(3) الوسائل الباب 41 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.
204

كتاب الاقرار (1) بل وفي ما لو صدقه مولاه، وأنه يقبل لأن الحق
لا يعدوهما، وربما احتمل ضعيفا عدم القبول، بل وفي ما لو أقر عليه
مولاه دونه، فإنه يقبل ولكن يجب المال ويتعلق برقبة الجاني دون
القصاص، فلاحظ وتأمل.
ولا فرق في العبد بين المدبر وأم الولد والمكاتب وإن انعتق بعضه
ونفذ إقراره في نصيب الحرية لكن لا يقاد منه، بل يؤخذ الدية بالحساب،
فإن لم يؤدها حتى انعتق أقيد منه كما تقدم الكلام في ذلك كله في محله.
ولو أقر العبد المرهون لم ينفذ إقراره إلا مع تصديق المرتهن وإن
صدقه المولى، لتعلق حقه به، نعم لو أقر الأجير الخاص فالظاهر نفوذ
إقراره وإن لم يصدقه المستأجر، لأنه لا يكون بذلك كالرهن وإن كان
لا يجوز له العمل لغير المستأجر إلا أنه تكليف في ذمته لا حق يتعلق
بعينه، فيقتص منه وتبطل إجارته، هذا كله في ما سمعت من المحجور عليهم.
(أما المحجور عليه لسفه أو فلس فيقبل إقراره بالعمد) لعدم
الحجر عليه، فتشمله العمومات (ويستوفى منه القصاص) في الحال
من غير انتظار لفك حجره (وأما الخطأ) الشبيه بالعمد ونحوه مما يوجب
عليه الدية (فيثبت) المال في ذمته باقرار المفلس به (ولكن
لا يشارك الغرماء) مع عدم تصديقهم وإن أسنده إلى ما قبل الحجر
على إشكال تقدم الكلام فيه في كتاب المفلس (2) فلاحظ وتأمل كي
تعرف الفرق بين الجناية والاتلاف وبين غيرهما من المعاملات الاختيارية
بالنسبة إلى الثبوت بالبينة والاقرار والاسناد إلى ما بعد الحجر وقبله،
والله الهادي

(1) راجع ج 35 ص 108 - 110.
(2) راجع ج 25 ص 293 و 352.
205

(ولو أقر واحد بقتله عمدا وآخر بقتله خطأ تخير الولي) في
(تصديق أحدهما) كما صرح به غير واحد، بل عن الإنتصار الاجماع
عليه، لأن إقرار كل منهما سبب في إيجاب مقتضاه على المقر به، ولا يمكن
الجمع بين الأمرين، فيتخير وإن جهل الحال (وليس له على الآخر
سبيل.)
ويدل عليه مضافا إلى ذلك خبر الحسن بن صالح (1) (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وجد مقتولا فجاء رجلان إلى
وليه، فقال أحدهما: أنا قتلته عمدا، وقال الآخر: أنا قتلته خطأ،
فقال: إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ
سبيل، وإن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل).
فما عن بعض العامة من قتلهما أو أخذ الدية منهما واضح الفساد،
بل وكذا ما عن الغنية والاصباح من تخير الولي بين قتل المقر بالعمد
وأخذ الدية منهما نصفين، والله العالم.
(ولو أقر بقتله عمدا فأقر آخر أنه هو الذي قتله ورجع الأول
درئ عنهما القصاص والدية وودي المقتول من بيت المال) كما هو
المشهور، بل في كشف الرموز أن الأصحاب ذهبوا إلى ذلك ولا أعرف
مخالفا، بل عن الإنتصار الاجماع عليه، بل قال أيضا: إنا نسند ما ذهبنا
إليه إلى نص وتوقيف.
(و) لعله (هو قضية الحسن (عليه السلام)) التي رواها
علي بن إبراهيم عن أبيه (2) قال: (أخبرني بعض أصحابنا رفعه إلى
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتي أمير المؤمنين (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب دعوى القتل الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب دعوى القتل الحديث 1.
206

برجل هو في خربة وبيده سكين متلطخ بالدم فإذا رجل مذبوح متشحط
بدمه، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ما تقول؟ قال: أنا
قتلته يا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: اذهبوا به فأقيدوه، فلما
ذهبوا به ليقتلوه أقبل رجل مسرعا، فقال: لا تعجلوا وردوه إلى
أمير المؤمنين (عليه السلام) فردوه فقال: والله يا أمير المؤمنين ما هذا
قتل صاحبه أنا قتلته، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) للأول:
ما حملك على إقرارك على نفسك؟ فقال: يا أمير المؤمنين (عليه السلام)
وما كنت أستطيع أن أقول، وقد شهدوا علي أمثال هؤلاء الرجال
وأخذوني وبيدي سكين ملطخ بالدم والرجل متشحط في دمه وأنا قائم
عليه وخفت الضرب فأقررت، وأنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة
شاة، فأخذني البول فدخلت الخربة فوجدت الرجل يتشحط في دمه
فقمت متعجبا، فدخل علي هؤلاء فأخذوني، فقال (عليه السلام):
خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن (عليه السلام) وقولوا: ما الحكم
فيهما؟ قال: فذهبوا إلى الحسن (عليه السلام) وقصوا عليه قصتهما،
فقال الحسن (عليه السلام): قولوا لأمير المؤمنين (عليه السلام):
إن كان هذا ذبح هذا فقد أحيا هذا، وقد قال الله تعالى: ومن أحياها
فكأنما أحيا الناس جميعا (1) فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ذرية
بعضها من بعض فخلى عنهما، وأخرج دية المذبوح من بيت المال).
وفي التنقيح وغاية المرام عليها عمل الأصحاب، وعن السرائر نسبتها
إلى رواية أصحابنا، ولم نجد مخالفا في ذلك إلا ثاني الشهيدين وأبا العباس
في ما حكي عنه، لارسال الخبر المزبور المنجبر بما عرفت على وجه
يصلح قاطعا للأصل، ولاقتضاء ذلك إسقاط حق المسلم، لجواز التواطؤ

(1) سورة المائدة: 5 الآية 32.
207

من المقرين على قتله وإسقاط القصاص والدية، وهو كما ترى مجرد اعتبار
لا يعارض ما سمعت من النص والفتوى المشتمل على الكرامة للحسن
(عليه السلام) باعتبار أنه لو كان غيره لأخذ بقاعدة الاقرار، إلا أنه
لما كان مؤيدا بروح القدس ومسددا بتسديداته والفرض أن الحكم عند
الله تعالى شأنه على خلاف قاعدة الاقرار للحكمة التي ذكرها أبو محمد
(عليه السلام) قضى فيها بما سمعت، وأراد أمير المؤمنين (عليه السلام)
إظهار أمر الحسن (عليه السلام) وأنه من معادن أسرار الله تعالى.
ثم إن ظاهر التعليل المزبور عدم الفرق بين وجود بيت المال وعدمه،
بل لعله ظاهر الفتاوى أيضا وإن أشكله في المسالك والرياض باقتضائه
حينئذ ذهاب حق المقر له، بل مقتضى التعليل ذلك أيضا وإن لم يرجع
الأول عن إقراره، إلا أن ظاهر الفتاوى تقييده بذلك، ويؤيده قاعدة
الاقتصار في ما خالف الأصول على المتيقن، بل لولا ظهور الاتفاق
على النص المزبور المشتمل على كرامة الحسن (عليه السلام) أمكن حمل
ما وقع من الحسن (عليه السلام) على أنه قضية في واقعة أو غير
ذلك، والله العالم.
(وأما البينة فلا يثبت ما يجب به القصاص) في النفس أو الطرف
(إلا بشاهدين) عدلين عند المصنف هنا
(و) حينئذ (لا يثبت بشاهد وامرأتين) فضلا عن شهادة النساء منفردات.
وقيل والقائل الشيخ في المبسوط والفاضل وغيرهما: يجب به القود
بل هو مختار المصنف في كتاب الشهادات.
(وقيل) والقائل الشيخ أيضا في النهاية وابن الجنيد وأبو الصلاح
والقاضي والفاضل في المختلف: (يثبت) ذلك، ولكنه تجب (به الدية)
دون القصاص جمعا بين الأدلة (و) لكن قال المصنف: (هو شاذ)
208

مع أن القائل به جماعة، وقد تقدم تحقيق الحال في ذلك في كتاب الشهادات.
(و) كذا تقدم البحث في أنه (لا) يثبت (بشاهد
ويمين) كما هو المشهور، بل في الرياض الاتفاق عليه، أو يثبت بهما
كما عن الشيخ وابن إدريس، فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه (يثبت بكل
منهما (بذلك خ ل) ما موجبه الدية كقتل الخطأ) الشبيه بالعمد وغيره
(والهاشمة والمنقلة وكسر العظام والجائفة) لكون الشهادة على المال
الذي يثبت بشهادة النساء منفردات، بل وبالامرأتين مع اليمين، كما تقدم
تحقيق ذلك كله في كتاب الشهادات أيضا.
ولو عفا من له القصاص على مال لم يثبت بشهادة النساء وإن
انضممن بناء على عدم ثبوت القصاص، فإن المال ليس من المشهود به،
وإنما هو طرأ من خارج، وعن العامة وجه بالقبول إذا رجع إلى المال
قبل الاثبات، كأن يقول: عفوت عن القصاص فاقبلوا مني شهادة رجل
وامرأتين، وضعفه واضح.
ولو شهد الرجل والامرأتان على هاشمة مسبوقة بايضاح بضربة واحدة
ففي القواعد والإرشاد ومحكي حواشي الشهيد الأول وروض الجنان عدم
القبول في الهشم الموجب للأرش، أي لم يترتب على الهشم أرش أصلا،
لأنها شهادة واحدة ردت في بعضها، وهو الايضاح الموجب للقصاص،
فلا تقبل في الباقي، ولأن الهشم لا ينفصل من الايضاح الممتنع بالشهادة
فيمتنع ما لا يتم إلا به.
وفيه أنه لا بعد في ثبوته مع عدم ثبوت الايضاح نحو ما سمعته في
السرقة التي يثبت فيها المال بذلك دون الحد، كما أنه يمكن حصول الهشم
بدون إيضاح، ولعله لذا تردد في عدم القبول في التحرير وغيره، بل
209

عن المبسوط أنه قوى القبول، ومال إليه في كشف اللثام.
ولو شهدوا أنه رمى زيدا عمدا فمرق السهم فأصاب عمرا خطأ
ثبت الخطأ دون العمد، لأنهما جنايتان، فإنه لا إشكال في قبول الثانية
لو شهدوا أولا بأنه ضربه فأوضحه ثم ضربه ثانيا فهشمه للتعدد، وما في
بعض الكتب من المناقشة في ذلك، وأنها شهادة واحدة بضربة واحدة،
فإما أن تقبل فيهما أو ترد كذلك واهية.
(و) على كل حال ففي المتن وغيره أنه (لا تقبل الشهادة)
بالقتل (إلا صافية عن الاحتمال كقوله: ضربه بالسيف فمات أو فقتله
أو فأنهر دمه) من باب الافعال لا الانفعال، قال في القاموس:
(أنهر الدم: أظهره وأساله) (فمات في حاله أو فلم يزل مريضا
منها حتى مات وإن طالت المدة) وزاد في التحرير في الأول (من
الضربة) وفي الثالث (من ذلك) ومقتضى عبارة المتن والقواعد والإرشاد
ومحكي المبسوط عدم اعتبار ذلك، ولعله لأن الفاء للتسبيب الدال على أن
موته بسبب ذلك، وكأنه في التحرير لم يكتف بها في الصراحة كما استظهره
في المسالك، ومن هنا قال: (عبارة التحرير في هذا الباب أجود ".
لأنه اقتصر على أمثلة صريحة).
قلت: لا ريب في عدم الصراحة التي ينتفي معها الاحتمال، لكن
قد يشكل اعتبار ذلك إن لم يكن إجماعا بمعلومية حجية ظواهر الألفاظ،
نعم لو فرض كون الاحتمال على وجه يفيد اللفظ الاجمال اتجه ذلك،
لعدم الظهور حينئذ، أما مع عدمه فالمتجه اعتبار الظاهر وإن لم يكن
صريحا، ومن ذلك ينقدح الاشكال في أصل الشرط المزبور، وعلى تقديره
فلا ريب في عدم الصراحة بقوله: ضرب فمات، ويمكن بقرينة ما سمعته
من التمثيل إرادة نحو اعتبار هذه الظواهر في الشهادة بالقتل، خصوصا
210

القصاص منه في مقابلة بعض الظواهر الذي يكون ظهوره اجتهاديا، لا أن
المراد الصراحة التي ينتفى معها الاحتمال، فتأمل، والله العالم بحقيقة الحال.
(ولو أنكر المدعى عليه ما شهدت به البينة لم يلتفت إلى إنكاره)
قطعا (وإن صدقها) في الشهادة بالجناية (و) لكن (ادعى
الموت بغير الجناية) التي شهدت البينة بها (كان القول قوله مع يمينه)
للأصل وغيره، نعم لو تضمن ذلك تكذيب الشهادة كما لو صرح
الشاهدان بموته منها لم يلتفت إلى دعواه.
(وكذلك الحكم في الجراح) الذي هو كالقتل في اعتبار
الشرط المزبور
(فإنه لو قال الشاهد: ضربه فأوضحه) أو اتضح
من ضربته أو نحو ذلك (قبل) للصراحة في حصول الايضاح من
جنايته.
(و) أما (لو قال: اختصما ثم افترقا وهو مجروح أو ضربه
فوجدناه مشجوجا لم يقبل، لاحتمال أن يكون من غيره) إذ لا ظهور
في عبارة الشاهد فضلا عن الصراحة في كون ذلك منه، بل (وكذا
لو قال:) ضربه (فجرى دمه) ما لم يقل من تلك الضربة.
(أما لو قال:) ضربه (فأجرى دمه قبلت) في الجراح
(ولو قال: أسال دمه فمات قبلت في الدامية) قطعا (دون
ما زاد) بناء على عدم صراحة قوله: (فمات) في التسبيب، لكنه
مناف لما سمعته سابقا منه من جعل قوله: (ضربه فمات) من العبارة
الصافية عن الاحتمال، ونحو ذلك وقع للفاضل بل وللشيخ في المحكي من
مبسوطه، والأمر سهل بعد أن عرفت تحقيق الحال.
(ولو قال) الشاهد: (أوضحه ووجدنا فيه موضحتين)
وعجز الشاهد عن تعيين موضحة المشهود عليه (سقط القصاص،
211

لتعذر المساواة في الاستيفاء) إذ من المعلوم اعتبار تعيين محل الجراحة
(و) مساحتها في ثبوت القصاص ف‍ (يرجع) حينئذ (إلى
الدية) بعد تعذر القصاص، بناء على أنها أحد الفردين في مطلق
القصاص، أو في خصوص الجراح، أو في حال التعذر.
(وربما خطر) في البال في الفرض أن له (الاقتصاص
بأقلهما) بناء على أنه المتيقن (وفيه ضعف) ظاهر (لأنه استيفاء
في محل لا يتحقق توجه توجه القصاص فيه) فلا متيقن حينئذ بعد اشتباه المحل.
(وكذا لو قال) الشاهد: (قطع يده ووجد مقطوع
اليدين) في عدم جواز القصاص منه حتى يقول: هذه اليد (ولا
يكفي قوله) أي الشاهد: ضربه (فأوضحه ولا شجه حتى يقول:
هذه الموضحة أو هذه الشجة) وإن لم يكن في رأسه إلا واحدة
(لاحتمال غيرها أكبر أو أصغر) فلا قصاص حتى يعينها، نعم تجب
الدية كما عرفته سابقا، واحتمل عدمها بناء على أن الواجب القصاص
وقد تعذر، وهي لا تثبت إلا صلحا، وهو ضعيف.
(و) لا خلاف كما لا إشكال في أنه (يشترط فيهما) أي
الشاهدين (التوارد على الوصف الواحد) كما في غير المقام (فلو
شهد أحدهما أنه قتله غدوة والآخر عشية أو بالسكين والآخر بالسيف
أو بالقتل في مكان معين والآخر في غيره لم يقبل) لأن كلا من
الفعلين غير الآخر، ويمتنع وقوع القتل عليهما، وأحدهما لا يثبت به
القتل.
(و) لكن (هل يكون ذلك لوثا؟ قال في المبسوط:
نعم لاتفاقهما على حصول القتل، وربما وافقت إحدى الشهادتين
الدعوى، وسيأتي أن اللوث يحصل بشهادة الواحد (وفيه إشكال
212

لتكاذبهما) المقتضي لتساقطهما، ولقاعدة الاقتصار على المتيقن في اللوث
المخالف للقواعد، والمسلم منه شهادة الواحد بلا معارض، من غير
فرق بين حصول الظن للحاكم من أحدهما بكونه أضبط وأعدل أو لا،
فالأظهر حينئذ عدم اللوث كما في المسالك وغيرها.
(أما لو شهد أحدهما بالاقرار والآخر بالمشاهدة لم يثبت) القتل
لاختلاف المشهور به (و) لكن (كان لوثا لعدم التكاذب) بل التعاضد
والله العالم.
(وهنا مسائل:)
(الأولى:)
(لو شهد أحدهما بالاقرار بالقتل مطلقا وشهد الآخر بالاقرار
عمدا ثبت القتل) الذي اتفقا عليه دون الوصف الذي انفرد به أحدهما
(وكلف المدعى عليه البيان، فإن أنكر القتل لم يقبل منه، لأنه
إكذاب للبينة وإن قال: عمدا قتل) مع تصديق الولي له لاقراره (وإن
قال: خطأ وصدقه الولي فلا بحث، وإلا فالقول قول الجاني مع
يمينه لأنه من التفسير الذي يرجع به إليه، ولأنه كذي اليد على
صفة فعله.
وحينئذ فلا فرق بين دعوى الخطأ والعمد لو فرض إنكار الولي،
ومن هنا قال الفاضل في القواعد: (وإن فسر بمهما كان أي من العمد
والخطأ قبل، والقول مع اليمين إذا لم يصدقه الولي) فلا يتوهم
من إطلاق المتن القبول في العمد والتفصيل في الخطأ الاختلاف بينهما
في ذلك، ضرورة عدم الفرق، وحينئذ فإن حلف وإلا جعل ناكلا
213

وحلف الولي، نعم مع ثبوت الخطأ بيمينه تكون الدية في ماله دون
العاقلة الذي لا ينفذ إقرار الغير في حقه، وكذا لو ثبت باليمين المردودة
وإن قلنا إنها كالبينة لكن في حق المتخاصمين دون غيرهما مع أن التحقيق
كونهما أصلا برأسه، كما تقدم تحقيقه في محله.
(ولو شهد أحدهما بالقتل عمدا والآخر بالقتل المطلق وأنكر القاتل
العمد وادعاه الولي كانت شهادة الواحد لوثا و) حينئذ ف‍ (يثبت
الولي دعواه بالقسامة إن شاء) لعدم التكاذب بين الشاهدين، ضرورة
عدم تضمن شهادة الآخر الصفة، فكان الآخر كالشاهد الواحد ابتداء
من غير أن يشهد معه غيره، بخلاف ما إذا تضمنت شهادة الآخر المناقضة
الذي تقدم الكلام فيه آنفا، بل وبخلاف المسألة السابقة التي مبناها على
الاقرار الذي لا يثبت به اللوث المخالف للأصل، كما تعرفه في محله
إن شاء الله.
ولو شهد أحدهما بالقتل عمدا والآخر بالقتل خطأ ففي القواعد (في
ثبوت أصل القتل إشكال) ولعله من الاتفاق عليه، ومن التكاذب وإن
كان لا يخفى عليك ما في الأول المشترك بين جميع صور التكاذب في
كيفيات الفعل وزمانه ومكانه.
كما أنه يخفى عليك حال ما في التحرير من كون شهادة الواحد
هنا لوثا بعد ما عرفت سابقا من عدم اللوث به مع المعارض، بل ولا
ما في دفع الاشتراك المزبور بأن الاختلاف في المكان مثلا اختلاف في
فعل واحد، والتكاذب فيه ظاهر، فليس هناك أمر مشترك بخلاف العمد
فإن هناك أمرين: القتل وكونه عمدا، إذ قصد القتل واختياره وتعمده
غيره، فصارا كأنهما اتفقا في القتل واختلفا في فعل آخر وهو القصد،
فأحدهما يدعيه والآخر ينفيه، فأحدهما يقول قصد القتل، والآخر يقول
214

ما قصده، مع اتفاقهما على صدور القتل عنه، أو بأن مرجع العمد
والخطأ إلى القصد، وهو قد يخفى بخلاف الآلة والمكان ونحو ذلك، فإن
الاختلاف اختلاف في أمرين وجوديين، ولهذا استشكل في العمد والخطأ
دونها، إذ هما معا كما ترى، ضرورة تحقق التناقض في الاختلاف بكل
ما يجعل قيدا أو وصفا للفعل من غير فرق بين الفرض والآلة وغيرهما،
لامتناع الصدق فيهما معا وهو معنى التناقض، والخفاء وعدمه لا يجدي
بعد شهادة العدل به، والله العالم.
المسألة (الثانية:)
(لو شهدا) أي العدلان مثلا (بقتل على اثنين فشهد المشهود
عليهما على الشاهدين أنهما هما القاتلان على وجه لا يتحقق معه التبرع)
ولا وقوع الشهادة على الدعوى قبل تحريرها (أو) قلنا إن الشهادة
في الحسبة التي منها ذلك (إن تحقق) التبرع بها أو حصلت قبل
تحرير الدعوى (لا يقتضي إسقاط الشهادة) أو غير ذلك مما يصح
معه تصوير المسألة من تعدد الوكيل ونحوه سأل الحاكم الولي (فإن صدق
الولي الأولين حكم له وطرحت شهادة الآخرين) التي لم يدع بها أحد
والمشتملة على العداوة والتهمة بالتخلص عن مقتضى شهادة الأولين (وإن
صدق الجميع) في وقتين مثلا (أو صدق الآخرين سقط الجميع)
للتكذيب وللتهمة كما ذكره غير واحد، بل لم أجد فيه خلافا بين من
تعرض له، وهو كذلك مع فرض حصول الدعوى من المدعي بمقتضى
شهادة الأولين وعدمه، ضرورة لزوم ذلك على كل تقدير.
نعم لو فرض إمكان ارتفاع التهمة عن الأخيرين وقلنا تقبل شهادتهما
215

حسبة قبل تحرير الدعوى أمكن حينئذ الفرق بين سبق الدعوى وعدمه،
فيتم ما ذكره المصنف على فرض سبق الدعوى، لحصول تكذيب الأولين
معه بخلاف ما إذا لم تسبق الدعوى، فإنه حينئذ يكون مخيرا في الأخذ
بكل منهما ما لم يكن مصدقا لأحدهما، وإلا أخذ بها من غير فرق بين
الأولين والأخيرين.
هذا ولقد أطنب في محكي المبسوط في تصوير المسألة باعتبار أن الشهادة
على القتل لا تسمع إلا بعد تقديم الدعوى وتحريرها، ولا بد فيها من تعيين
القاتل، فكيف يسأل المدعي بعد شهادة الفريقين، وباعتبار عدم سماع
الشاهد قبل أن يستشهد أيضا.
وتبعه في المسالك وأقصى ما ذكر في الجواب عنه إما بأن تقديم
الدعوى على الشهادة إنما يشترط إذا كان المدعي ممن يعبر عن نفسه دون
غيره كالصبي والمجنون، والمشهود له هنا القتيل، ولذا تقضى ديونه من
ديته وتنقذ وصاياه، وهو لا يعبر عن نفسه، وإما بأن المسألة مفروضة
في ما إذا لم يعلم الولي القاتل، والشهادة قبل الدعوى مسموعة والحال
هذه، وإما بأن ذلك يورث ريبة للحاكم فيسأله الحاكم احتياطا في الدماء،
وإما بأن تفرض في ما إذا وكل المدعي وكيلين على الدعوى فادعى أحدهما
على اثنين والآخر على اثنين، وشهد كل اثنين على الآخرين.
وإن كان قد يشكل الأول بعدم تماميته في دعوى القصاص، وبمنافاته
إطلاقهم عدم قبول الشهادة حسبة في حقوق الآدميين، المحضة، والثاني
بامكان أعلام الشاهد المستحق للقتل حتى يقدم الدعوى ثم يشهد الشاهدان،
فالأخيران حينئذ أولى الأربعة.
ولو شهد المشهود عليهما بالقتل عمدا أو خطأ به على غير الشاهدين
لم يقبل أيضا، للتهمة بدفع الضرر عن أنفسهما بالقصاص أو الدية، والله العالم.
216

المسألة (الثالثة:)
(لو شهدا لمن يرثانه أن زيدا جرحه بعد الاندمال قبلت)
بلا خلاف (و) لا إشكال لعموم الأدلة، نعم (لا تقبل) لو
شهدا (قبله، لتحقق التهمة) باحتمال السراية فتكون الشهادة حينئذ
جارة نفعا يشبه به الشهادة لنفسه، ولكن قال المصنف: (على تردد)
وهو في محله وإن لم أجده لغيره، ولعله مما عرفت ومما أسلفناه في كتاب
الشهادات من عدم ثبوت الرد بمطلق التهمة، بل هو في أشياء خاصة
لا يدخل فيها المفروض.
(و) كيف كان ف‍ (لو اندمل) الجرح (بعد الإقامة
فأعادا الشهادة قبلت: لانتفاء التهمة) حينئذ خلافا لبعض العامة فلم يقبلها
للرد السابق، وهو مناف للعمومات.
(ولو شهدا لمن يرثانه) بالمال (وهو مريض قبلت، والفرق
أن الدية يستحقانها ابتداء) إذ لا تثبت إلا بعد الموت الذي يمنع ملك
المثبت لها (و) أما (في) الصورة (الثانية) ف‍ (يستحقانها
عن ملك الميت) ضرورة ملك المريض للمال حال مرضه، وربما
تصرف فيه بحيث لا يرجع إلى الوارث بخلاف الدية، وتعلق ديونه ونفوذ
وصاياه فيها للدليل.
ولو شهدا بالجرح، وهما محجوبان عن الإرث ثم مات الحاجب في
حياة المجروح أو بالعكس فالنظر إلى وقت الشهادة لا موت المجروح
ولا حكم الحاكم، وتبطل مع التهمة لا بدونها، والله العالم.
217

المسألة (الرابعة:)
(لو شهد شاهدان من العاقلة بفسق شاهدي القتل فإن كان القتل
عمدا أو شبيها به أو كانا ممن لا يصل إليهما العقل) لوجود الأقرب
(حكم بهما) للعمومات (وطرحت شهادة القتل) بالجرح (وإن
كانا ممن يعقل عنه لم تقبل، لأنهما) حينئذ (يدفعان عنهما الغرم)
فتتحقق التهمة المانعة عن القبول.
ولو كانا من فقراء العاقلة عند الشهادة قبلت كما عن المبسوط،
لعدم الضمان عليهما، فلا تهمة، وكذا لو كانا من الأباعد الذين لا يعقلون
عند الشهادة لوجود الأقارب، واحتمال أن الفقير قد يتحمل لو أيسر
والبعيد كذلك لو مات القريب فهما متهمان بدفع ضرر متوقع يدفعه عدم
دليل يقتضي تحصيص ما دل على قبول شهادة العدل بذلك.
وربما فرق بين الفقير والبعيد فلا يقبل في الأول ويقبل في الثاني،
لقرب احتمال الغنى بخلاف الموت، وهو كما ترى مجرد اعتبار وإن كان
ربما يوهمه ظاهر اقتصار المتن، بل حكي عن التحرير التصريح به، لكنه
واضح الضعف، بل لا يوافق أصول الإمامية، والله العالم.
المسألة (الخامسة:)
(لو شهد اثنان أنه قتل) عمدا منفردا (و) شهد (آخران
على غيره أنه قتله) كذلك منفردا وقلنا بصحة التبرع بالشهادة بالدم،
أو كان للمدعي وكيلان فادعى كل منهما، أو قلنا أن للمدعى عليه براءة
218

نفسه بإقامة البينة على أن القاتل غيره وبالجملة حيث يصح التصوير
ولا رجحان لإحداهما على الأخرى، أو قلنا لا دليل على اعتبار الترجيح
بينهما في المقام كما يقتضيه إطلاقهم، ولعله للاحتياط في الدماء كما أنه
لم يعتبر أحد القرعة هنا، ولعله لذلك أيضا وكيف كان فعن الشيخين
والقاضي والصهرشتي وأبي منصور الطبرسي والفاضل في بعض كتبه وولده
وأبي العباس أنه إذا كان الأمر كذلك (سقط القصاص ووجبت الدية
عليهما نصفين، ولو كان خطأ) محضا (كانت الدية على عاقلتهما،
ولعل) وجه‍ (ه الاحتياط في عصمة الدم لما عرض من الشبهة
بتصادم البينتين).
وتفصيل ذلك أن القصاص يسقط بعدم معلومية مورده بعد تعارض
البينتين فيه، فلا يمكن التهجم عليه بقتل واحد منهما فضلا عن قتلهما
معا الذي قد حكى الاجماع غير واحد على عدمه في المقام فضلا عن
قول: (قطعا) من غير واحد أيضا، وهو كذلك خصوصا بعد العلم ببراءة
أحدهما الذي يجب ترك أخذ الحق مقدمة له، لا العكس مقدمة لوصول
الحق، فلا يقتص منهما ولا من أحدهما، لعدم الأولوية، فليس إلا السقوط
سيما مع القول بكون القصاص كالحد في السقوط بالشبهة، بل وإن
لم نقل به مطلقا فلا بد من القول به في المقام، لما عرفت بعد أن لم يكن
دليل على التخيير في العمل بأيهما على وجه يشمل المقام إلا القياس على
تخيير المجتهد في الخبرين المتعارضين أو على ما تسمعه في المسألة الآتية من
التخيير مع تعارض البينة والاقرار، وهو معلوم البطلان عندنا.
وأما ثبوت الدية عليهما فلعدم بطلان دم المسلم، وتساويهما في قيام
البينة على كل منهما، وفحوى التنصيف في المشهود به عند تعارضهما.
وإلى بعض ما قلنا يرجع الاستدلال بأنه إن لم نقل بذلك يلزم أحد
219

محالات ثلاثة: إما طل دم المسلم إن لم نوجب شيئا، أو إيجاب شئ
بغير سبب إن أوجبناه على غيرهما، أو الترجيح بلا مرجح إن أوجبناه
على أحدهما بعينه، فليس إلا الوجوب على أحدهما لا بعينه أو عليهما،
والثاني هو المطلوب، والأول إن لم يرد به الثاني فهو المحال الأول.
ولكن فيه مع أن ذلك لا يرجع إلى دليل شرعي معتبر، ضرورة
إمكان أن له حكما شرعا لا نصل إليه أنه يمكن التخيير في الرجوع
على كل منهما، كما عن المحقق الثاني الجزم به، بل لعله محتمل ما تسمعه
من عبارة المصنف في النكت، أو على بيت المال المعد لمثل ذلك، أو
القرعة التي هي لكل أمر مشكل، وعدم بطلان دم المسلم أعم من ذلك
كله ومن غيره مما هو عند الشارع مما لا نعرفه، والتساوي في إقامة
البينة لا يقتضي التوزيع المزبور الخارج عن البينتين، بل ولا غيره،
والحمل على التنصيف في المشهود به قياس لا نقول به.
فالتحقيق عدم انطباق ذلك على القواعد الشرعية، نعم يمكن أن
يكون لهم به رواية لم تصل إلينا، بل عن السرائر والتحرير التصريح
بها، بل في المسالك أن عبارة الشيخين تقتضي ذلك، بل قيل: إن
الذي يشهد به التتبع لما في المقنعة والنهاية ذلك، إلا أن ذلك كله لا يجوز
معه الفتوى بذلك وإن ظنه بعض الناس قائلا أنه خبر مرسل منجبر
بفتوى من عرفت، لكنه ليس فقها يعتد به، خصوصا بعد احتمال إرادتهما
الرواية التي تسمعها في المسألة الآتية، وهي صريحة في خلاف الشيخ،
نعم فيها أنه لو أراد الولي الدية كانت عليهما بالسوية إلا أنها في غير
المفروض، والقياس عندنا محرم.
فتحقق من ذلك كله أن المتجه بحسب القواعد سقوط القود والدية
حتى يتبين الحال، ودعوى أن ذلك خرق للاجماع المركب واضحة الفساد
220

لمن أحاط بأطراف المسألة، وخصوصا بعد ذكر الشيخ في ما حكي عنه
ذلك احتمالا، بل هو الذي اختاره في المسالك.
(و) أما ما ذكره المصنف من أنه (يحتمل هذا وجها آخر،
وهو تخير الولي في تصديق أيهما شاء، كما لو أقر اثنان كل واحد بقتله
منفردا) فهو وإن كان محكيا عن ابن إدريس محتجا عليه بقوله
تعالى (1): (فقد جعلنا لوليه سلطانا) إذ نفي القتل عنهما ينافي ذلك،
وبأن البينة قائمة على كل منهما بوجوب القود فلا وجه لسقوطه، وبأنا
قد أجمعنا على أنه لو شهد اثنان على واحد بأنه القاتل فأقر آخر بالقتل
يتخير الولي في التصديق والاقرار كالبينة لكنه كما ترى، ضرورة
دلالة الآية على ثبوت السلطان للولي مع علم القاتل لا في مثل المقام الذي
لا إشكال في كونه إسرافا في القتل إذا قتلهما، خصوصا مع براءة أحدهما،
بل وكذا لو قتل أحدهما المحتمل أنه برئ، والبينتان قد كذبت كل منهما
الأخرى، والاجماع الذي ذكره مع أنه ممنوع لا يمكن قياس المقام عليه بعد
حرمته في مذهبنا (و) لذا قال المصنف (الأول أولى) وقد
عرفت البحث فيه.
هذا وللمصنف تفصيل في نكت النهاية تبعه عليه تلميذه الآبي في
كشف الرموز وأبو العباس في ما حكي عنه والمقداد، بل كأنه مال إليه
الشهيدان، فإنه بعد أن أورد كلام السائل عن عبارة النهاية موردا عليها
بأنه لم يعمل بشئ من الشهادتين فايجاب الدية عليهما حكم بغير بينة
ولا إقرار، ثم الشهادة ليست بأنهما اشتركا، قال: (الجواب الوجه
أن الأولياء إما أن يدعوا القتل على أحدهما أو يقولوا: لا نعلم، فإن
ادعوه على أحدهما قتلوه، لقيام البينة على الدعوى، وتهدر البينة الأخرى،

(1) سورة الإسراء: 17 الآية 33.
221

فلا يكون لهم على الآخر سبيل، وإن قالوا: لا نعلم فالبينتان متعارضتان
على الانفراد لا على مجرد القتل، فيثبت القتل من أحدهما ولا يتعين،
والقصاص يتوقف على تعيين القاتل فيسقط، وتجب الدية، لأنه ليس
نسبة القتل إلى أحدهما أولى من نسبته إلى الآخر) انتهى.
وفيه أنه تخصيص لكلام الشيخين والجماعة بالصورة الثانية، وهو
مناف لاطلاقهم المبني ظاهرا على اعتبار البينة الثانية وإن كانت على
التبرع، وعليه يتجه التعارض حينئذ وإن صدق الولي أحدهما، بل لو لم
نقل باعتبارها أمكن تصوير المسألة في الوكيلين، وأما احتمال عدم اعتبارها
في خصوص المقام وإن قلنا باعتبارها في غيره فلا أعرف له وجها وإن
حكى في كشف اللثام القطع به عن المصنف في النكت.
ثم إنه احتمل غير واحد من أتباع المصنف في ما عرفت ثبوت
اللوث أو ادعى الولي عليهما، وهي صورة لم يذكرها المصنف في ما
سمعت من عبارته المشتملة على صورة دعوى الولي على أحدهما أو يقول:
لا علم لي، أما إذا ادعى عليهما معا فيتجه ثبوت اللوث باعتبار اتفاق
الأربعة على القتل والقاتل وإن اختلفوا في التعيين، فيحلف حينئذ الولي
ويثبت له القصاص مع رد فاضل الدية عليهما.
وفيه أن مقتضاه الثبوت أيضا في تكاذب الشاهدين في المكان أو
الزمان أو الآلة، ضرورة الاتفاق منهما أيضا على القتل والقاتل ولكن اختلفا
في الزمان أو المكان أو الآلة، بل لعله أولى من المقام الذي فيه التكاذب
في تعيين القاتل دونهما، وقد عرفت عدم اللوث فيه للتكاذب فهنا أولى.
وبذلك كله ظهر لك أن المسألة لم يستقر على شئ منها إجماع محقق
كي يقال إن ما ذكره خرق له، ضرورة بقائها في قالب الاشكال عندهم،
حتى أن الفاضل في الرياض لم يخرج منها على حاصل معتد به، كما لا يخفى
222

على من تأمله فلاحظ وتأمل، والموافق للضوابط ما سمعت، ولكن الاحتياط
مهما أمكن لا ينبغي تركه، والله العالم.
المسألة (السادسة:)
(لو شهدا أنه قتل زيدا عمدا فأقر آخر أنه هو القاتل وبرأ
المشهود عليه ف‍) عن الشيخين وأبي علي والحلبي والقاضي والكيدري
ويحيى بن سعيد وابني حمزة وزهرة أن (للولي قتل المشهود عليه ويرد
المقر نصف ديته، وله قتل المقر ولا رد، لاقراره بالانفراد، وله قتلهما
بعد أن يرد على المشهود عليه نصف ديته دون المقر، ولو أراد الدية
كانت عليهما نصفين) بل هو الظاهر من الآبي أيضا، ومال إليه الشهيدان،
بل هو المشهور قطعا، بل في الرياض (قد صرحوا بشهرة الرواية
مشعرين ببلوغها درجة الاجماع، ولعله كذلك، فقد أفتى به الشيخ وأتباعه
والإسكافي والحلبي وغيرهم، بل لم نر لهم مخالفا عدا من مر، وعبائرهم
غير صريحة في المخالفة عدا الحلي وفخر الدين) إلى آخره.
(و) الأصل في (هذه) الأحكام المخالفة للضوابط
(رواية زرارة (1) في الصحيح (عن أبي جعفر (عليه السلام):)
قال (سألته عن رجل شهد عليه قوم أنه قتل عمدا فدفعه الوالي إلى أولياء
المقتول ليقاد به، فلم يبرحوا حتى أتاهم رجل فأقر عند الوالي أنه قتل
صاحبهم عمدا، وأن هذا الذي شهد عليه الشهود برئ من قتل صاحبكم،
فلا تقتلوه وخذوني بدمه، فقال أبو جعفر (عليه السلام): إن أراد
أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقر على نفسه فليقتلوه ولا سبيل لهم على

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب دعوى القتل الحديث 1.
223

الآخر، ولا سبيل لورثة الذي أقر على نفسه على ورثة الذي شهد عليه،
فإن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوه ولا سبيل لهم على الذي
أقر، ثم ليؤد الذي أقر على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف
الدية، قلت: أرأيت إن أرادوا أن يقتلوهما جميعا؟ قال: ذلك لهم،
وعليهم أن يردوا إلى أولياء الذي شهدوا عليه نصف الدية خاصة دون
صاحبه ثم يقتلوهما به، قلت: فإن أرادوا أن يأخذوا الدية، فقال:
الدية بينهما نصفان، لأن أحدهما أقر والآخر شهد عليه، قلت: وكيف
جعل لأولياء الذي شهد عليه على الذي أقر نصف الدية حين قتل ولم
يجعل لأولياء الذي أقر على أولياء الذي شهدوا عليه ولم يقر؟ فقال:
(عليه السلام): لأن الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقر، الذي
شهد عليه لم يقر ولم يبرئ صاحبه، والآخر أقر وبرأ صاحبه، فلزم الذي
أقر وبرأ ما لم يلزم الذي شهد عليه ولم يبرئ صاحبه).
(و) لا ريب في مخالفتها للقواعد من وجوه، إذ (في
قتلهما) معا (إشكال، لانتفاء الشركة) في القتل كما هو مقتضى
البينة والاقرار، وخصوصا مع علم المدعي بعدم ذلك (وكذا) الاشكال
(في إلزامهما بالدية نصفين) بعد عدم ثبوت المقتضي لاشتراكهما،
بل هو مقتض للعدم، بل وفي إلزام المقر برد النصف، ضروة أنه إن
كان ذلك لاعترافه ببراءة المقتول فالمتجه رد الجميع، وإلا فلا وجه لرد
النصف، بل وغير ذلك.
ومن هنا قال المصنف: (والقول بتخيير الولي في) قتل
(أحدهما) خاصة كالاقرارين (وجه قوي) بل اختاره في السرائر،
وتبعه عليه الفاضل في التحرير وولده في الإيضاح وأبو العباس في المهذب
والمقتصر، بل والمقداد في التنقيح على ما حكي عنهم، ونفي عنه البأس
224

في المختلف (غير أن الرواية من المشاهير) رواية كتب الاستدلال
وعملا، فلا بأس بالخروج بمثلها عن القواعد، كما في غير المقام، بل
لعل طرحها والعمل بما تقتضيه القواعد كالاجتهاد في مقابلة النص.
بقي الكلام في ما ذكره المصنف في نكت النهاية، فإنه بعد أن ذكر
المسألة قال: (هذا كله بتقدير أن يقول الورثة لا نعلم القاتل، أما لو
ادعوا على أحدهما سقط الآخر) وتبعه على ذلك أبو العباس والمقداد
والفاضل الإصبهاني، ولعله كذلك وإن خلت عنه أكثر العبارات،
ضرورة أنه مع فرض كون الدعوى على المقر لا عبرة بالبينة بعد توافق
من له الحق وعليه على خلافها، كما لا عبرة بالاقرار بعد دعوى المدعي
على غيره وقيام البينة له بذلك وعلمه بكذب المقر، أما إذا لم يكن
دعوى من المدعي ولا طريق له إلا البينة والاقرار فالحكم ما عرفت،
والله العالم.
المسألة (السابعة:)
(قال في المبسوط: لو ادعى قتل العمد وأقام شاهدا وامرأتين)
وقلنا بعدم ثبوت القصاص بهما (ثم عفا) عن حقه (لم يصح، لأنه
عفا عما لم يثبت، وفيه إشكال) ظاهر (إذ العفو لا يتوقف على
ثبوت الحق عند الحاكم) لاطلاق دليله المقتضي للسقوط بصدور صيغته
من صاحب الحق وإن لم يثبته عند الحاكم، بل وإن لم يعلم به على إشكال
فيه يظهر من بعض النصوص، وتظهر الفائدة في سقوط الدعوى به بعد
ذلك والابراء من الدية بحكم العفو، كما أن غير القصاص من الحقوق التي
تسقط بالاسقاط مثله في ذلك، والله العالم.
225

(وأما القسامة) فهي الأيمان تقسم على جماعة يحلفونها كما في
الصحاح. أو الجماعة الذين يحلفونها كما في القاموس، ولا يبعد صدقها
عليهما كما عن المصباح، وعن غير واحد أنها لغة اسم للأولياء الذين
يحلفون على دعوى الدم، وفي لسان الفقهاء اسم للأيمان، وعلى التقديرين
هي اسم أقيم مقام المصدر، يقال: أقسم إقساما وقسامة، وهي الاسم
له، يقال: أكرم إكراما وكرامة، ولا اختصاص لها بأيمان الدماء
لغة، ولكن الفقهاء خصوها بها.
وصورتها أن يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله ولا تقوم
عليه بينة ويدعي الولي على واحد أو جماعة ويقترن بالواقعة ما يشعر بصدق
الولي في دعواه فيحلف على ما يدعيه، ويحكم له بما ستعرف إن شاء الله،
وعن ابن الأثير أن القسامة جاهلية وأقرها الاسلام، وقيل: ربما يظهر
من أخبارنا (1) أنها من وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وستسمع الخبر (2) المشتمل على لفظ (من قبل) المحتمل قراءته على وجهين،
ولكن لا فائدة في ذلك.
وكيف كان (فيستدعي البحث عنها مقاصد):
(الأول في اللوث:)
وهو لغة القوة أو من التلوث، وهو التلطخ، وعلى كل حال فهو
مناسب لما تسمعه من المراد به هنا في لسان الفقهاء وإن لم نجده في شئ
مما وصل إلينا من النصوص،
إلا أنه لا ريب في اعتباره عندنا فيها.
من غير فرق بين النفس والأعضاء وإن حكى عن الشيخ في المبسوط

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب دعوى القتل الحديث 0 - 5.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب دعوى القتل الحديث 0 - 5.
226

عدم اعتباره في الثاني، لكن لم نتحققه، لما قيل من أنه وقع فيه بعض
العبارات الموهمة لذلك على لسان العامة، بل عن السرائر أن عليه في النفس
إجماع المسلمين وفي الأعضاء إجماعنا، وفي محكي الخلاف " إذا كان مع
المدعي للدم لوث وهو تهمة على المدعى عليه بأمارات ظاهرة بدأ به في
اليمين يحلف خمسين يمينا، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم) وفي الغنية
" والقسامة لا تكون إلا مع التهمة بأمارات ظاهرة، يدل على ذلك إجماع
الطائفة " وعن ابن الأثير أن " في حديث القسامة ذكر اللوث " وعن
مجمع البحرين " القسامة تثبت مع اللوث " ولم نجد مخالفا في ذلك من
من العامة والخاصة إلا عن الكوفي منهم، فإنه قال: " لا أعتبر اللوث
ولا أرى بحثه، ولا أرى جعل اليمين في جانب المدعي " وكم له من نحو
ذلك وإلا فهي من الضروريات بين علماء المسلمين، والنصوص فيها من
الطرفين متواترة أو قطعية المضمون.
قال العجلي (1): (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القسامة
فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا في
الدم خاصة، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينما هو بخيبر إذ
فقدت الأنصار رجلا منهم فوجدوه قتيلا، فقالت الأنصار: إن فلان
اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للطالبين:
أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقده به برمته، فإن لم تجدوا شاهدين
فأقيموا قسامة خمسين رجلا أقده برمته، فقالوا: يا رسول الله ما عندنا
شاهدان من غيرنا، وإنا لنكره أن نقسم على ما لم نره، فوداه رسول الله
(صلى الله عليه وآله) من عنده، وقال: إنما حقن دماء المسلمين
بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرجة من عدوه حجزه مخافة

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 3.
227

القسامة أن يقتل به فيكف عن قتله، وإلا حلف المدعى عليه قسامة
خمسين رجلا ما قتلناه ولا علمنا قاتلا وإلا أغرموا الدية إذا وجدوا
قتيلا بين أظهرهم إذا لم يقسم المدعون).
وقال أبو بصير (1): (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
القسامة أين كان بدؤها؟ فقال: كان من قبل رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لما كان بعد فتح خيبر تخلف رجل من الأنصار عن أصحابه
فرجعوا في طلبه فوجدوه متشحطا في دمه قتيلا، فجاءت الأنصار إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت؟ يا رسول الله قتلت اليهود
صاحبنا، فقال: ليقسم منكم خمسون رجلا على أنهم قتلوه، فقالوا:
يا رسول الله أنقسم على ما لم نره؟ قال: فيقسم اليهود، فقالوا:
يا رسول الله من يصدق اليهود؟ فقال: أنا إذا أدي صاحبكم، فقلت
له: كيف الحكم فيها؟ قال: إن الله حكم في الدماء ما لم يحكم في شئ
من حقوق الناس لتعظيمه الدماء، لو أن رجلا ادعى على رجل عشرة
آلاف درهم أو أقل من ذلك أو أكثر لم يكن اليمين على المدعي وكانت
اليمين على المدعى عليه، فإذا ادعى الرجل على القوم الدم أنهم قتلوا
كانت اليمين لمدعي الدم قبل المدعى عليهم، فعلى المدعي أن يجئ بخمسين
رجلا يحلفون أن فلانا قتل فلانا فيدفع إليهم الذي حلف عليه، فإن
شاؤوا عفوا وإن شاؤوا قبلوا الدية، وإن لم يقسموا كان على الذين
ادعي عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا ولا علمنا له قاتلا، فإن
فعلوا أدى أهل القرية الذين وجد فيهم، وإن كان بأرض فلاة أديت

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب دعوى القتل الحديث 5 وفيه " لا يبطل
دم امرء مسلم " وكذلك في الكافي ج 7 ص 362 إلا أن الموجود في التهذيب ج 10 ص 167
الرقم 663 " لا يطل دم امرء مسلم ".
228

ديته من بيت المال، فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول:
لا يطل دم امرء مسلم).
وقال زرارة (1): (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القسامة،
فقال: هي حق، إن رجلا من الأنصار وجد قتيلا في قليب من قلب
اليهود، فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله
إنا وجدنا رجلا منا قتيلا في قليب من قلب اليهود، فقال: ائتوني
بشاهدين من غيركم، قالوا: يا رسول الله ما لنا شاهدان من غيرنا،
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فليقسم خمسون رجلا منكم
على رجل ندفعه إليكم، قالوا: يا رسول الله وكيف نقسم على من لم
نره؟ قال: فتقسم اليهود، قالوا: يا رسول الله وكيف نرضى باليهود
وما فيهم من الشرك أعظم؟ فوداه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال زرارة: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنما جعلت القسامة
احتياطا لدماء الناس لكي ما إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلا أو يغتال
رجلا حيث لا يراه أحد خاف ذلك، فامتنع من القتل).
وقال (عليه السلام) أيضا في خبره الآخر (2): (إن الله حكم
في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم، حكم في أموالكم أن البينة على
المدعي واليمين على المدعى عليه، وحكم في دمائكم أن البينة على من
ادعي عليه واليمين على من ادعى لكيلا يطل دم امرء مسلم).
وفي الحسن أو الصحيح (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قد

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب دعوى القتل الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 4 عن أبي بصير، وفيه " لئلا
يبطل دم امرء مسلم ".
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 2.
229

سأله عن القسامة كيف كانت؟ فقال: (هي حق، وهي مكنونة عندنا،
ولولا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضا ثم لم يكن شئ، وإنما القسامة
نجاة للناس).
وفي خبر عبد الله بن سنان (1) المشتمل على قتل الأنصاري أيضا
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قلت: كيف كانت القسامة؟ فقال:
أما إنها حق، ولولا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضا، وإنما القسامة
حوط يحاط به الناس).
إلى غير ذلك من النصوص التي قد يتوهم من ظاهرها عدم اعتبار
اللوث فيها وإن كان المورد في بعضها وجدان القتيل في قلب اليهود أو
القرية أو نحوهما مما فيه لوث أو كاللوث، لكن ذلك لا يدل على
الاشتراط على وجه يخص به عموم الروايات التي سمعتها. ومن هنا أشكل
الحال على الأردبيلي حتى قال: (كأن لهم على ذلك إجماعا أو نصا
ما اطلعت عليه).
قلت: قد عرفت في ما تقدم ما يقوم بذلك، مضافا إلى معلومية
مخالفة القسامة للقواعد المعلومة بكون اليمين على المدعي، وتعدد الأيمان
فيها، وجواز حلف الانسان لاثبات حق غيره، وعدم سقوط الدعوى
بنكول من توجهت عليه اليمين إجماعا على ما في المسالك، بل ترد
اليمين على غيره، وغير ذلك، بل عنه (صلى الله عليه وآله) (2)
(لو يعطى الناس بأقوالهم لاستباح قوم دماء قوم وأموالهم).
فالمتجه الاقتصار فيها على المتيقن، خصوصا بعد ما سمعت، مضافا
إلى ما في الرياض من أن النصوص أكثرها في قضية عبد الله بن سهل المشهورة

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب دعوى القتل الحديث 1.
(2) سنن البيهقي ج 10 ص 252 مع اختلاف في اللفظ.
230

وفيها اللوث بلا شبهة، وغيرها بين ما مورد الأسئلة فيها وجدان القتيل
في محل التهمة، وهي كالأولة، وبين مطلقة، ولكن إطلاقها لبيان أصل
المشروعية لا لبيان ثبوتها على الاطلاق، فهو حينئذ من قبيل المجملات
بلا شبهة.
هذا مع أن عدم اعتبار اللوث يستلزم عدم الفرق بين قتيل يوجد
في قرية أو محلة أو نحو ذلك من الأمثلة الآتية وقتيل يوجد في سوق أو
فلاة أو جهة، مع أن الفتاوى والنصوص مطبقة بالفرق بينهما بثبوت
القسامة في الأول دون الثاني.
ومن جملة تلك النصوص صحيح مسعدة (1) عن الصادق (عليه
) السلام) (كان أبي إذا لم يقم المدعون البينة على من قتل قتيلهم ولم
يقسموا بأن المتهمين قتلوا حلف المتهمين بالقتل خمسين يمينا بالله ما قتلناه
ولا علمنا له قاتلا، ثم تؤدى الدية إلى أولياء القتيل ذلك إذا قتل في
حي واحد، فأما إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة تدفع الدية إلى أوليائه
من بيت المال). وفيه دلالة من وجهين كما لا يخفى على من تدبر سياقه.
قلت: وأظهر منه قول الصادق (عليه السلام) في خبر زرارة (2):
(إنما جعلت القسامة ليغلظ بها في الرجل المعروف بالشر المتهم، فإن شهدوا
عليه جازت شهادتهم) ولكن العمدة ما عرفته من الاجماع السابق،
ضرورة منع الاجماع في الاطلاقات المزبورة الفارقة بين الدماء والأموال،
وصحيح مسعدة (3) لا ظهور فيه في الاشتراط على وجه إن لم تحصل
أمارة للحاكم لم تشرع القسامة، ولا الخبر الآخر (4) والفرق المزبور
بين قتيل الزحام وغيره إنما هو بالنسبة إلى أداء الدية لا في اللوث، كما
ستعرفه في نصوصه، فتأمل جيدا.

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث - 6 - 7 - 6 - 7
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث - 6 - 7 - 6 - 7
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث - 6 - 7 - 6 - 7
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث - 6 - 7 - 6 - 7
231

(و) على كل حال ف‍ (لا قسامة مع ارتفاع التهمة و)
عدم الأمارة التي تورث ظنا بصدق المدعي بلا خلاف فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه ف‍ (للولي إحلاف المنكر يمينا واحدة) كما في غيره
من الدعوى (ولا يجب التغليظ) عليه فيها عددا أو قولا أو غيرهما
وإن دعاه إليه الولي أو الحاكم، خلافا للنافع في أحد قوليه، فأوجب
خمسين يمينا على منكر القتل مطلقا، وهو واضح الضعف.
(ولو نكل فعلى ما مضى) في كتاب القضاء (من القولين)
حينئذ: القضاء عليه بالنكول أو مع يمين المدعي كما أشبعنا الكلام فيه
في محله (1) فلاحظ (و) تأمل.
ثم المراد ب‍ (اللوث أمارة يغلب معها الظن) للحاكم (بصدق
المدعي) وإلا فالمدعي الحالف على دعواه لا بد من الجزم فيه قطعا
(كالشاهد ولو واحدا، وكما لو وجد متشحطا بدمه وعنده ذو سلاح
عليه الدم، أو في دار قوم أو في محلة منفردة عن البلد لا يدخلها غير
أهلها) وإن لم يكن بينهم وبينه عداوة، نعم لو كانت المحلة يدخلها
غير أهلها نهارا لا ليلا فإن وجد قتيلا فيها ليلا ثبت اللوث دون النهار
وبالعكس، وعن جماعة اعتبار العداوة مع ذلك، كما عن آخر التفصيل
بين من يطرقها غير أهلها وبين من لم يطرقها، وستعرف التحقيق إن شاء الله
(أو في صف مقابل الخصم بعد المراماة).
(ولو وجد في قرية مطروقة أو) في (حلة من حلال العرب
أو في محلة (منفردة خ) مطروقة، إن انفردت فإن كان هناك
عداوة فهو لوث وإلا فلا لوث، لأن الاحتمال متحقق هنا) على وجه
لا يغلب الظن معه بخلافه مع العداوة، بل لعله قضية عبد الله بن سهل

(1) راجع ج 40 ص 182 - 189.
232

مع أهل خيبر من ذلك، ضرورة كون اليهود أعداء للأنصار، وليس
أخبار القتيل لوثا، كما صرح به بعضهم مع احتماله في بعض الأفراد.
(ولو وجد) قتيلا (بين القريتين فاللوث لأقربهما إليه ومع
التساوي في القرب فهما سواء في اللوث) كما صرح به جماعة، بل عن
الغنية الاجماع عليه لحسن الحلبي (1) بإبراهيم بن هاشم وخبر سماعة (2)
أو موثقه عنه (عليه السلام) أيضا (سألته عن الرجل يوجد قتيلا في
القرية أو بين قريتين، قال: يقاس ما بينهما فأيهما كانت أقرب ضمنت)
مؤيدا بخبر محمد بن قيس (3) أو صحيحه (سمعت أبا جعفر (عليه
السلام) يقول: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل قتل في
قرية أو قريبا من قرية أن يغرم أهل تلك القرية إن لم توجد بينة على
أهل تلك القرية إنهم ما قتلوه).
وفي صحيح ابن مسلم (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجل
وجد في قبيلة وعلى باب دار قوم فادعى عليهم، قال: ليس عليهم
شئ، ولا يبطل دمه) ونحوه ما في صحيحي ابن سنان.
لكن في محكي التهذيب والاستبصار بعد نقل الخبرين الأولين (إنما
يلزم أهل القرية أو القبيلة إذا وجد القتيل بينهم إن كانوا متهمين بالقتل
وامتنعوا من القسامة، فأما إذا لم يكونوا متهمين أو أجابوا إلى القسامة
فلا دية عليهم، ويؤدى من بيت المال) مستشهدا على ذلك بصحيح
مسعدة (6) السابق وبخبر علي بن الفضيل (7) عن أبي عبد الله (ع)

(1) الوسائل الباب الثامن من أبواب دعوى القتل الحديث 4.
(2) الوسائل الباب الثامن من أبواب دعوى القتل الحديث 4.
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب دعوى القتل الحديث 5 - 1.
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب دعوى القتل الحديث 5 - 1.
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب دعوى القتل الحديث 1 بطريقين.
(6) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 6 - 5.
(7) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 6 - 5.
233

(إذا وجد رجل مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعا ما قتلوه، ولا يعلمون
له قاتلا، فإن أبوا أن يحلفوا غرموا الدية بينهم في أموالهم سواء بين
جميع القبيلة من الرجال المدركين).
ونحو ذلك ما عن النهاية والمراسم من التقييد بالتهمة الظاهرة، بل
وكذا عن ابن إدريس نافيا عنه البأس في محكي المختلف.
وفي كشف اللثام تقييد الفرض الأول بأن لا يطرقهما غير أهلهما
ولا عداوة بينه وبينهم أو كانت العداوة بينه وبين أهلهما جميعا وإن كان
يطرقهما غير أهلهما، والثاني أي المساواة بما إذا لم يثبت العداوة لإحداهما
دون الأخرى، وإلا كان اللوث لها وإن كانت أبعد
وعن الشهيد في حواشيه اشتراط العداوة في جميع هذه المسائل إلى
غير ذلك من كلماتهم المحكية في أمثلة متعددة التي توجب تشويشا للناظر فيها.
ولم يظهر لنا وجه معتد به لذلك، ضرورة أنه بعد أن ذكروا كون
المدار في اللوث على حصول أمارة تفيد الحكم ظنا بصدق المدعي من غير
اعتبار أمارة خاصة لم يكن فائدة في التعرض للأمارات، فإن قرائن
الأحوال مختلفة أشد اختلاف لا يمكن حصرها، والنصوص المزبورة
لا تعرض فيها للقسامة، وإنما اقتصرت على وجوب الدية، ومقتضى الجمع
بينها ما تضمنه صحيح مسعدة (1) وخبر الفضيل (2) من وجوب الدية
إلا إذا علم الأولياء برأتهم وأن القاتل غيرهم، وهذا حكم آخر غير القسامة،
نعم لما كان اللوث أمارة تفيد الحاكم ظنا بصدق المدعي لو ادعى فهناك
يجري حكم القسامة، بخلاف ما إذا لم يدع، فإن الدية حينئذ عليهم إلا
مع البينة على أن القاتل غيرهم أو القسامة أو براءة الأولياء لهم.
ولو وجد مقطعا في قبائل فديته على من وجد وسطه وصدره فيها،

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 6 - 5.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 6 - 5.
234

لخبر فضيل بن عثمان الأعور (1) عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام)
(في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ووسطه وصدره في قبيلة والباقي
في قبيلة، قال: ديته على من وجد في قبيلته صدره وبدنه).
ومنه يعلم حصول اللوث لو ادعاه الولي، كما أفتى به الفاضل في
القواعد، ضرورة كونه أمارة، ولذا وجبت الدية، وكان الوجه في
ذكر الأصحاب هذه الأشياء بخصوصها لأنها منصوصة، ولأنها أمارات
توجب الظن، فيترتب عليها اللوث أو ادعاه الولي فتأمل.
وظاهر الخبر المزبور أن ذلك حكم خارج عن حكم القريتين، كما
هو ظاهر الفاضل في القواعد والمفيد في المقنعة.
لكن عن السرائر روى أصحابنا أنه إذا كانت القريتان متساويتين
إليه في المساحة كانت ديته على أهل الموضع الذي وجد فيه قلبه وصدره،
وليس على الباقين شئ إلا أن يتهم آخرون، فيكون الحكم فيهم إما إقامة
البينة أو القسامة.
وهو كما ترى غير ما سمعته من الخبر المزبور الذي مضمونه هو المحكي
عن المقنعة، نعم زاد فيها إلا أن يتهم أولياء المقتول أهل موضع آخر،
فلاحظ وتأمل فإني لم أعثر على من تعرض للفرع المزبور إلا من عرفت،
كما أني لم أجد مصرحا بما ذكرناه من وجوب الدية في المقامات المزبورة
على من عرفت من دون بينة أو إقرار أو قسامة من المدعي أو امتناع
عنها من المدعى عليه، بل ظاهر كلامهم في انحصار المثبت للدم في ذلك
خلافه، نعم ذكروا أن ذلك موجب للوث المقتضي لثبوت الحق بالقسامة
من المدعي أو الامتناع عنها من المدعى عليه، كما تسمعه من الشيخ
(رحمه الله) وغيره فتأمل جيدا. هذا كله في المقتول في الأماكن التي سمعتها.

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب دعوى القتل الحديث 6
235

(أما من وجد) قتيلا (في زحام على قنطرة أو بئر أو جسر
أو مصنع فديته على بيت المال) ما لم يحصل لوث على معين (وكذا
لو وجد في جامع عظيم أو شارع، وكذا لو وجد في فلاة) بلا خلاف
أجده في شئ من ذلك، بل عن الغنية الاجماع عليه، مضافا إلى النصوص
المستفيضة أو المتواترة.
منها: خبر عبد الملك (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (من مات في زحام الناس يوم
الجمعة أو يوم عرفة أو على جسر لا يعلمون من قتله فديته من بيت
المال).
وخبر ابني سنان (2) وبكير عنه (عليه السلام) أيضا (قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل وجد مقتولا لا يدري من قتله،
قال: إن كان عرفت له أولياء يطلبون ديته أعطوا ديته من بيت مال
المسلمين ولا يبطل دم امرء مسلم إلى أن قال: وقضى (عليه السلام)
في رجل زحمه الناس يوم الجمعة فمات أن ديته من بيت مال المسلمين).
وخبر محمد بن مسلم (3) عن الباقر (عليه السلام) (ازدحم
الناس يوم الجمعة في إمرة علي (عليه السلام) بالكوفة فقتلوا رجلا
فودى ديته إلى أهله من بيت مال المسلمين).
وخبر السكوني (4) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (قال
علي (عليه السلام): من مات في زحام جمعة أو عيد أو عرفة أو على

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب دعوى القتل الحديث 5 - 1 - 2 والأول عن مسمع بن عبد الملك.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب دعوى القتل الحديث 5 - 1 - 2 والأول عن مسمع بن عبد الملك.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب دعوى القتل الحديث 5 - 1 - 2 والأول عن مسمع بن عبد الملك.
(4) أشار إليه في الوسائل الباب 6 من أبواب دعوى القتل الحديث 5 وذكره في الفقيه
ج 4 ص 122 الرقم 427.
236

بئر أو على جسر لا يعلمون من قتله فديته على بيت المال).
وخبر أبي بصير (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (إن وجد
قتيل بأرض فلاة أديت ديته من بيت المال، فإن أمير المؤمنين (عليه
السلام) كان يقول: لا يطل دم امرء مسلم).
وخبر سوار (2) عن الحسن (عليه السلام) (أن عليا (عليه السلام) لما هزم
طلحة والزبير أقبل الناس منهزمين، فمروا بامرأة حامل على ظهر الطريق،
ففزعت منهم وطرحت ما في بطنها حيا، فاضطرب حتى مات، ثم
ماتت أمه من بعده، فمر بها علي (عليه السلام) وأصحابه وهي
مطروحة وولدها على الطريق، فسألهم عن أمرها، قالوا له: إنها كانت
حاملا ففزعت حين رأت القتال والهزيمة، قال: فسألهم أيهم مات
قبل صاحبه، قالوا: إن ابنها مات قبلها، قال: فدعى بزوجها أب
الغلام الميت فورثه من ابنه ثلثي الدية، وورث أمه ثلث الدية، ثم
ورث الزوج من امرأته الميتة نصف ثلث الدية الذي ورثته من ابنها
الميت، وورث قرابة الميت الباقي، قال: ثم ورث الزوج من دية
امرأته الميتة نصف الدية، وهو ألفان وخمسمائة درهم، وورث قرابة
الميتة نصف الدية، وهو ألفان وخمسمائة درهم، وذلك أنه لم يكن لها
ولد غير الذي رمت به حين فزعت، قال: وأدى ذلك كله من بيت
مال البصرة).
ومن ذلك يعلم أن المراد من قوله (عليه السلام) في خبر السكوني (3):

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب دعوى القتل الحديث 3 وفيه " لا يبطل
دم امرء مسلم ".
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب موانع الإرث الحديث 3 من كتاب الفرائض.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب دعوى القتل الحديث 3.
237

(ليس في الهايشات عقل ولا قصاص، والهايشات الفزعة تقع بالليل
والنهار فيشج الرجل فيها أو يقع قتيل لا يدرى من قتله وشجه) أي
على غير بيت المال، بل يشهد له ما عن الكافي متصلا بالخبر المزبور،
وقال أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث آخر (1) رفع إلى
أمير المؤمنين (عليه السلام): (فوداه من بيت المال).
إلى غير ذلك من النصوص المعلوم كون المراد منها ذلك مع عدم
اللوث على معين وادعاه الولي وإلا ترتب حكمه، وكأن الاطلاق فيها
مبني على الغالب، كاطلاق الدية على من عرفت في قتيل القرية ونحوها،
ضرورة عدمها مع عدم التهمة أيضا، ولكن يترتب اللوث لو ادعاه عليها
أو على غيرها مع فرض تحققه، وذلك كله واضح بحمد الله.
(و) لكن قد يشكل ما ذكره المصنف وغيره من أنه (لا يثبت
اللوث بشهادة الصبي ولا الفاسق ولا الكافر ولو كان مأمونا في نحلته،
نعم لو أخبر جماعة من الفساق أو النساء مع ارتفاع المواطأة) منهم
قطعا (أو مع ظن ارتفاعها كان لوثا) معللين للأول بعدم اعتبار
أخبارهم شرعا، بل في كشف اللثام زيادة المرأة وإن كانت ثقة معللا
لها بما عرفت.
إلا أن ذلك كله كما ترى، ضرورة كون المدار على الظن لا على
المعتبر فيه شرعا، وإلا لم يفد أيضا أخبار الجماعة المزبورين الذين منهم
الفساق. ومن هنا قال في المسالك: (ولو شهد جماعة ممن تقبل رواياتهم
كالعبيد والنسوة وأفاد خبرهم الظن فهو لوث وإن احتمل التواطئ على
الكذب كاحتماله في شهادة العدل، وإن لم تقبل رواياتهم كالصبي والفسقة
وأهل الذمة فالمشهور عدم، إفادة قولهم اللوث، لأنه غير معتبر شرعا، ولو

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب دعوى القتل الحديث 4.
238

قيل بثبوته مع إفادتهم الظن كان حسنا لأن مناطه الظن، وهو قد
يحصل بذلك).
وأشكل من ذلك قولهم: (ولو كان الجماعة صبيانا أو كفارا لم
يثبت اللوث ما لم يبلغ حد التواتر) مع أن بلوغه حد التواتر يوجب
ثبوت القتل لا اللوث، وحمله في كشف اللثام على الشياع.
وفيه أنه لا دليل على اعتباره أيضا لما سمعته من النصوص الدالة
باطلاقها على سماع دعوى المدعي في الدماء، أقصى ما تقيدت من جهة
الاجماع وغيره بعدم القسامة مع عدم أمارة توجب ظنا، وحينئذ فمتى
حصل الظن بصدق المدعي من أمارة من أماراته سمعت دعواه بالقسامة
من غير فرق بين أسباب الظن، بل وأفراده، إذ الظاهر إرادة حصول
الظن من قول المصنف وغيره: (يغلب) إلى آخره في تعريف اللوث،
لا اعتبار الظن الغالب، نحو ما عبروا به في الشك في عدد الركعات
من غلبة الظن نصا (1) وفتوى، وإلا كان منافيا لاطلاق الأدلة، بل
ولما ذكروه من الأمارات التي تفيد الظن، لا الظن الغالب، ومنه المتاخم
للعلم، نعم لا بد من الانتقاد للأفراد المشتبهة بالظن، فإن بعض أفراد الشك
قد تشتبه به، وإلا فمتى حصل ثبت الحكم، واحتمال القول بأن الاطلاق
علم تقييده باللوث، والمتيقن منه ظن مخصوص يدفعه ما عرفت من عدم
وجود لفظ اللوث، وعلى تقديره فقد عرفت ما ذكروه في تفسيره وما
ذكروه من الأمثلة له، وأنه على تقديره لا دليل عليه، وليس المقام
من التقييد بالمحل، كما هو واضح، نعم لا بد من وجود أمارة تقتضي
الظن بصدق المدعي.
(و) من هنا قال المصنف وغيره: (يشترط في اللوث

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من كتاب الصلاة.
239

خلوصه عن الشك، فلو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح ملطخ بالدم
مع سبع من شأنه قتل الانسان بطل اللوث، لتحقق الشك) بتعارض
الأمارتين.
(ولو قال الشاهد) فضلا عن الشاهدين: (قتله أحد هذين
كان لوثا) عند الشيخ، فإذا عين الولي أحدهما كان عليه القسامة،
قال: (ولو قال:) إن فلانا (قتل أحد هذين) القتيلين (لم
يكن لوثا) لأن ذلك لا يوقع في القلب صدق ولي أحدهما إذا ادعى
القتل عليه بالتعيين.
(و) لكن (في الفرق تردد) كما ذكره المصنف وغيره،
إلا أن ذلك محتمل، لكونه لا لوث في شئ منهما، للاشتراك في الابهام
المانع من حصول الظن بالمعين، ومحتمل لكونه لوثا فيهما باعتبار حصول
الأمارة على دعوى المدعي ولو في الجملة.
ولكن في المسالك (الظاهر هو الفرق، لأن قول الشاهد: إن
الشخص المعين قتل أحد هذين يفيد الظن بكونه قاتلا من غير اعتبار
التعيين، فحلف أحد الوليين بأنه القاتل يوافق ما ظن فيه، بخلاف
شهادته على أحد الرجلين أنه قاتل المعين، فإنه لا يحصل الظن بأحدهما
على الخصوص ليثبت عليه القتل ومقتضاه حصول اللوث بالثاني عكس
ما سمعته من الشيخ).
وفيه منع واضح، بل هو مناف لما ذكره هو وغيره في المسألة
السابعة، وهي لو أقام البينة على أحدهما، واحتمال القول إن إطلاق
الأدلة يقتضي سماع دعوى المدعي في نحو ذلك لعدم معلومية خروج هذا
الفرد منها يدفعه مع أن مقتضاه عدم الفرق بينهما ما عرفته من الاجماع
على اعتبار الأمارة التي تشهد بصدق المدعي المقيد للاطلاق المزبور،
240

ولا ريب في عدم حصولها على المعين منها للاشتراك، فلا بد من أمارة
أخرى على المعين حتى يكون لوثا، وإلا فلا يكفي القدر المشترك، إلا أن
ذلك يقتضي الاشكال في المسألة السابعة التي حكموا فيها بسماع البينة على
أحدهما لاثبات اللوث.
لكن قد يقال: إن ظاهر قضية عبد الله بن سهل التي هي الأصل
في مشروعية القسامة بل وغيرها مما ذكر نصا (1) وفتوى من ثبوت اللوث
في القرية والقريتين والمحلة والدار ونحو ذلك مما لوثه ليس إلا على القدر
المشترك دون تعيين الاكتفاء بالقسامة على المعين بوجوده قتيلا في قليب
من قبلهم مثلا أو في القرية أو في الدار، بل هو صريح بعضها، مع
أن الأمارة قد كانت على أصل قتل اليهود له لا على رجل معين منهم،
فليس هو إلا للاكتفاء بالقدر المشترك.
ولعل ذلك هو الوجه في ما ذكروه في المسألة السابعة من ثبوت
اللوث مع دعوى المدعي على المعين بعد إقامة البينة على أن القاتل أحدهما،
بل لعله هو الذي دعى الشيخ إلى التفصيل بين المثالين باعتبار ظهور النص
في الأول بخلاف الثاني، وإن كان قد يناقش بأن ذلك فيها مثال لحصول
الأمارة الشاهدة بصدق المدعي من غير فرق في ذلك بين القاتل والمقتول،
وكأن المصنف وغيره لحظوا ذلك فذكروا التردد في الفرق، فيكون المراد
لهم أنه لوث فيهما لا أنه ليس لوثا فيهما فتأمل.
(ولا يشترط في اللوث وجود أثر القتل على الأشبه) بأصول
المذهب وإطلاق الأدلة، بل لا أجد فيه خلافا بيننا إلا من أبي علي،
إذ قد يخلو القتل عن ذلك، نعم عن أبي حنيفة اشتراطه، فقال: إن
لم يكن جراحة ولا دم فلا قسامة، وإن كان جراحة ثبتت، وإن لم يكن

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب دعوى القتل.
241

وكان دم فإن خرج من أذنه ثبتت، لا إن خرج من أنفه، وهو كما
ترى وإن حكى عن الشيخ في المبسوط أنه قواه.
(و) كذا (لا) يشترط (في القسامة حضور المدعى
عليه) كما في غير المقام من أفراد الحكم على الغائب، خلافا لبعض العامة
ممن لم ير الحكم على الغائب مطلقا أو في خصوص الدم في القسامة احتياطا
فيه واستضعافا للوث، وعن التحرير عدم القطع به، بل جعله أقرب
مشيرا إلى احتمال الاشتراط، والأصح ما عرفت، والله العالم.
(مسألتان:)
(الأولى:)
(لو وجد قتيلا في دار فيها عبده كان لوثا) عندنا لاطلاق
الأدلة (و) حينئذ ف‍ (للورثة القسامة) إذا ادعوا على العبد
أنه القاتل عمدا أو خطأ (لفائدة التسلط ب‍) ذلك على (القتل،
أو لافتكاكه بالجناية لو كان رهنا) لتقدم حق الجناية على الرهن،
خلافا لبعض العامة، فمنع من القسامة، ولا وجه له لو أريد بها إثبات
الأول، أما الثاني فقد يشكل إن لم يكن إجماعا بعدم اندراج نحوه في
روايات الاسترقاق الذي يتبعه بطلان الرهانة، ضرورة ورودها في الجاني
على غير المالك الذي لا يتصور في حقه استرقاق رقيقه، فلاحظ وتأمل.
242

المسألة (الثانية:)
(لو ادعى الولي أن واحدا من أهل الدار قتله) بعد أن وجد
مقتولا فيها (جاز إثبات دعواه بالقسامة) لوجود اللوث، لكن
ذلك بعد العلم بكون المدعى عليه في الدار ولو ببينة أو إقرار (فلو
أنكر كونه فيها وقت القتل كان القول قوله مع يمينه) للأصل وغيره
(ولم يثبت اللوث، لأن اللوث يتطرق إلى من كان موجودا في تلك
الدار) وقت القتل (ولا يثبت ذلك إلا باقراره أو البينة) كما هو
واضح.
ومما ذكره المصنف هنا وما تقدم في تكاذب الشاهدين ويأتي يعلم
ما يسقط به اللوث وما يثبت به وإن لم ينضمها بعدد مخصوص كما في
القواعد، فإنه قد جعل مسقطات اللوث أمورا ستة مع أن في عد بعضها
مسقطا توسعا، فلاحظ وتأمل.
المقصد (الثاني في كميتها)
(وهي في) قتل (العمد خمسون يمينا) فتوى ونصا (1)
مستفيضا أو متواترا كالمحكي من الاجماع المشعر بعدم الاعتداد بخلاف
ابن حمزة، حيث قال: إنها خمسة وعشرون في العمد إذا كان هناك شاهد
واحد، وهو مع ندرته غير واضح الوجه عدا ما قيل من أنه مبني على
أن الخمسين بمنزلة شاهدين، وهو اعتبار ضعيف لا تساعده الأدلة، بل

(1) الوسائل الباب 9 و 10 و 11 من أبواب دعوى القتل.
243

إطلاقها على خلافه (ف‍) لا ريب في سقوطه، وأنه لا بد من الخمسين.
نعم (إن كان له) أي المدعي (قوم) جازمون بما ادعاه
(حلف كل واحد يمينا إن كانوا عدد القسامة) إجماعا محكيا عن الخلاف
والغنية، مضافا إلى ما تقدم من النصوص (1) التي مقتضى إطلاقها
كاطلاق الفتاوى ومعقد الاجماع عدم الفرق بين الوارث للقصاص أو الدية
وغيره، بل صرح به بعضهم مرسلا له إرسال المسلمات، نعم ينبغي تقييد
ذلك بما إذا لم يحصل من خبرهم تواتر، وفي كشف اللثام تبعا للروضة
(وإن زادوا أحلف منهم عدد القسامة، وإليهم الخيرة) ولم أجده لغيرهما،
ولعله لاطلاق النصوص (2) الخمسين، لكن عن الشهيد أنه قال: (لو
كانوا أكثر من خمسين حلف كل واحد يمينا) وهو مناف لظاهر
النصوص (3) والفتاوى.
(وإن نقصوا عنه) أي المدعي وقومه الباذلون لليمين (كررت
عليهم الأيمان حتى يكملوا القسامة) كما صرح به غير واحد، بل عن
الغنية الاجماع عليه، بل عنها وعن الخلاف أنه إن كان الولي واحدا أقسم
خمسين إجماعا، بل زاد في الثاني نسبته إلى أخبار الفرقة أيضا إلا أن
التكرير المزبور يقسم عليهم بالسوية أو على حسب حصصهم على ما سيأتي
من الخلاف، ومع ثبوت الكسر عليهم الاتمام كيف شاؤوا. وعن
الشهيد (لو كانوا تسعة وأربعين أقرع بينهم على اليمين الباقين).
وفيه أنه لا إشعار في شئ من النصوص بالقرعة، وإنما هو حق
لهم مختارون فيه، حتى أن لهم جميعا الامتناع منه، فلا إشكال حينئذ
كي يكون محلا للقرعة، فلو كانوا ثلاثة مثلا حلف كل منهم ستة عشر

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب دعوى القتل.
(2) الوسائل الباب 9 و 10 و 11 من أبواب دعوى القتل.
(3) الوسائل الباب 9 و 10 و 11 من أبواب دعوى القتل.
244

يبقى اثنتان يحلفهما اثنان منهم، فإن كان ولي الدم منهم واحدا أو اثنين
حلفهما ولي الدم، ولا حاجة إلى أن يحلف كل منهم سبع عشرة كما عن
المبسوط والوسيلة وإن كان يمكن أن يكون وجهه أن القسمة بينهم بالسوية
ولا تكون مع استيفاء القسامة إلا بذلك وإن اقتضى ذلك الزيادة على
الخمسين، فإنها غير منافية، ولعل الأول أولى بناء على ظهور الأدلة
في إرادة الخمسين منهم كيف شاؤوا، والفرض أن الحق لهم، فإن لم
يفعلوا ضاع الحق الذي لهم.
نعم في اعتبار حلف خصوص الولي على وجه لا يجزؤه يمين غيره
إشكال، وكذا الكلام في المنكر من أن ذلك هو الأصل في اليمين سواء
كانت من المدعي لاثبات دعواه أو من المنكر لاسقاطها، وأقصى ما خرج
هنا بالأدلة حال الاجماع، ومن إطلاق النصوص (1) حلف الخمسين على
وجه يكون كالكفائي بالنسبة إلى الولي وقومه، من غير فرق بين صدورها
منهم أجمع على التوزيع أو على التفريق، ولا بين الولي وغيره، ولعله
لا يخلو من قوة، بل ربما كان هو الظاهر من بعض النصوص (2)
المشتملة على أن المدعي يجئ بخمسين يحلفون أن فلانا قتل فلانا، وظاهره
كون الخمسين غيره أو الأعم فلاحظ وتأمل.
نعم في قسامة الجروح يحلف هو مع الستة أو بعضهم كما تسمعه
في رواية ظريف (3) إن كان قوله في الكافي: (وتفسيره) منها لا منه،
ولعله غير ما نحن فيه من قسم الولي فتأمل.
ولو لم يكن له قوم أو كانوا فامتنعوا من الحلف علموا بالحال

(1) الوسائل الباب 9 و 10 و 11 من أبواب دعوى القتل.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب دعوى القتل الحديث 5.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب دعوى القتل الحديث 2.
245

أو لا حلف المدعي خمسين يمينا كما ذكره غير واحد، بل في الرياض
نفي الخلاف فيه وفي المدعى عليه إذا لم يقسم المدعي، بل عن الغنية
الاجماع عليه.
وحينئذ فكيفيتها أن يحلف المدعي وأقاربه أولا، فإن بلغوا العدد
المعتبر حلف كل واحد منهم يمينا، وإلا كررت عليه الأيمان بالسوية أو
التفريق، والتخيير إليهم، كما لو زاد عددهم عن العدد المعتبر، ولو لم
يكن للمدعي قسامة أو امتنعوا كلا أو بعضا لعدم العلم أو اقتراحا حلف
المدعي ومن وافقه إن كان، وإلا كررت عليه الأيمان حتى يأتي بالعدد
كملا، ولو لم يحلف وكان للمنكر من قومه قسامة حلف كل منهم حتى
يكملوا العدد، ولو لم يكن له قسامة يحلفون كررت عليه حتى يأتي
تمام العدد.
وهذا التفصيل كما هو وإن لم يستفد صريحا من أخبار القسامة إلا أنه
لا خلاف أجده فيه، بل عليه الاجماع عن الغنية كما عرفت، بل يمكن
استفادته أيضا من التأمل في النصوص، فإنه وإن ذكر في بعضها (1)
الأمر بأن يقسم خمسون رجلا إلا أن في آخر (2) (فليتموا قسامة خمسين
رجلا) وهو مع قراءته بالإضافة يكون ظاهرا في إرادة خمسين يمينا،
بل لعل صحيح مسعدة (3) السابق ظاهر أيضا فيه، بل لعل غيره من
النصوص كذلك ولو بمعونة الاتفاق المزبور، نعم في بعض النصوص (4)

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب دعوى القتل الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 2 وفيه " فأقيموا قسامة
خمسين رجلا ".
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 3.
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب دعوى القتل الحديث 1 وسنن البيهقي
ج 8 ص 119.
246

قصة عبد الله بن سهل تقديم حلف المدعى عليه أولا ثم المدعي، ولكن
غيره من النصوص والفتاوى والاجماع بقسميه على العكس، فيحمل ذلك
على عدم إرادة الترتيب منه كما هو واضح.
وكيف كان فلا بد من الخمسين في قتل العمد حتى إذا لم يكن
إلا الولي حلفها أجمع بلا خلاف ولا إشكال، وستسمع ما يدل عليه في
الجملة في قسامة الأعضاء.
(
و) أما (في الخطأ المحض والشبيه بالعمد) ف‍ (خمس
وعشرون يمينا) على الوجه الذي عرفته في العمد للصحيح أو الحسن
كالصحيح (1) قال أبو عبد الله (عليه السلام): (في القسامة خمسون
رجلا في العمد، وفي الخطأ خمسة وعشرون رجلا) وفي خبر أبي عمرو
المتطبب (2) المشتمل على عرضه ما أفتى به أمير المؤمنين (عليه السلام)
في الديات على الصادق (عليه السلام) إلى أن قال: (والقسامة جعل
في النفس على العمد خمسين رجلا وجعل في النفس على الخطأ خمسة وعشرين
رجلا) مؤيدا ذلك بمناسبته لا خفية الخطأ الموجب للدية من العمد الموجب
للقود، ونحوه حسن يونس (3) عن الرضا (عليه السلام).
(و) لكن مع ذلك (من الأصحاب من سوى بينهما)
وهو المفيد والديلمي والحلي وغيرهم، واختاره الفاضل وولده والشهيدان،
بل في الروضة نسبته إلى الشهرة، بل عن السرائر الاجماع عليه وإن كنا
لم نتحققهما (وهو) وإن كان (أوثق في الحكم) باعتبار زيادة
الأيمان التي مقتضى الأصل عدم الثبوت إلا بها (و) لكن (التفصيل
أظهر في المذهب) وفاقا للشيخ والقاضي والصهرشتي وابن حمزة والفاضل

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب دعوى القتل الحديث 0 - 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب دعوى القتل الحديث 0 - 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب دعوى القتل الحديث 0 - 1 - 2.
247

في بعض كتبه، كالشهيدين والمقداد وغيرهم على ما حكي عن بعضهم،
بل هو المشهور كما اعترف به الفاضل، بل عن الغنية نسبته إلى رواية
الأصحاب مشعرا بالاجماع عليه، بل عن الشيخ دعواه عليه صريحا، وهو
الحجة بعد ما سمعته من النصوص (1) التي لا معارض لها إلا ما تقدم
من نصوص عبد الله بن سهل (2) الظاهرة أو الصريحة في كون الدعوى
فيه قتل العمد، مع أنها قضية في واقعة، وكذا غير ذلك من النصوص (3)
المشتمل على حكمة شرعية القسامة، كل ذلك مع أن أقصاه الاطلاق المقيد
بما عرفت، وأما دعوى أنه أحوط ففيه أنه كذلك مع بذل الزائد على
ذلك، أما مع الامتناع فلا احتياط.
(و) كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أنه (لو كان
المدعون جماعة قسمت عليهم الخمسون بالسوية في العمد والخمس والعشرون
في الخطأ) أو بالتفاوت لو فرض كونهم وارثين.
لكن التحقيق عدم اقتضاء التفاوت فيه التفاوت في الأيمان، كما أن
التحقيق كون القسمة المزبورة راجعة إلى اختيارهم باعتبار كون الحق لهم،
فهم مختارون فيه وفي كيفية إثباته على حسب ما عرفته سابقا.
لكن أطلق المصنف هنا القسمة بينهم بالسوية، وتبعه الفاضل في
القواعد، بل في شرحها للإصبهاني ذكورا كانوا أم إناثا أو مختلفين
وارثين بالسوية أو لا بها أو غير وارثين، لاشتراكهم في الدعوى وانتفاء
دليل على التفاضل ولا يفيده التفاضل في الإرث، على أنه ليس بشرط.
وفيه (أولا) أن النصوص صريحة في كون الحالف خمسين رجلا.

(1) الوسائل الباب 9 و 10 من أبواب دعوى القتل.
(2) سنن البيهقي ج 8 ص 117 - 125.
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل.
248

و (ثانيا) من ليس بوارث لا دعوى له، وإنما يحلف عن أهل الدعوى.
و (ثالثا) ليس في شئ من النصوص القسمة المزبورة على وجه الالزام
لهم بها بحيث إن لم تحصل الأيمان كذلك لم يثبت الحق، بل يمكن دعوى
صراحة النصوص بخلافه، إذ قد عرفت أن المستفاد منها ما ذكرناه من
توقف الحق على حصول الخمسين يمينا من المجموع: المدعي وقومه.
ومن ذلك يظهر لك أيضا ما في المحكي عن المبسوط من قسمتها
بينهم على حسب الحصص، واحتمله الفاضل في القواعد، لأنهم يحلفون
خلافة عن القتيل، فيحلف كل بقدر خلافته، ولذا ترى الأيمان تنقص
بحساب نقص ديات الجراحات والأعضاء عن دية النفس، فيحلف الذكر
حينئذ ضعف الأنثى من تكميل المنكسر، فلو فرض أن الولي ابن وبنت
حلف الابن أربعا وثلاثين والبنت سبع عشرة وهكذا، فإن جامعهما خنثى
احتمل مساواته للذكر وإن أخذ من الدية أقل، لاحتمال الذكورية،
فلا تثبت دعواه يقينا بأقل، فيحلف كل منه ومن الذكر عشرين والأنثى
عشرا، ويحتمل أن لا يحلف إلا الثلث، كما لا يرث سواه، وهو
سبع عشرة بتكميل المنكسر، والذكر ثلاثا وعشرين بتكميله أيضا، والأنثى
اثنا عشر بتكميله أيضا، فإن مات وارث للقتيل بسطت حصته من الأيمان
على ورثته كذلك أيضا.
إلا أن ذلك كما ترى لا إشارة في شئ من النصوص السابقة إليه،
بل يمكن دعوى القطع من التأمل فيها بخلافه، فلاحظ وتأمل، فإن
الكلمات في المقام لا يخلو من تشويش واضطراب، خصوصا بعد ملاحظة
ما يأتي لهم في الغائب والصغير وغيرهما.
وكيف كان فلو فرض أن في الحالفين غير وارث ولا مدع وكان
عدلا متعددا أمكن حينئذ إقامته بينة على ثبوت القتل، ولا يحتاج إلى
249

القسامة، وكذا الكلام في قوم المنكر الذي يكتفى ببينته لو أقامها عن
قسامته ولو بأن يقيمها أنه في حال القتل كان في مكان كذا، والله العالم.
(ولو كان المدعى عليهم) في القتل (أكثر من واحد ففيه)
أي الاكتفاء منهم بالخمسين لو لم يحلف المدعي (تردد) وخلاف
(أظهره) وفاقا للمبسوط وغيره ممن تأخر عنه (أن على كل
واحد خمسين يمينا) منه أو من قومه الذين يحلفون على براءته (كما
لو انفرد) في الدعوى عليه (لأن كل واحد منهم تتوجه عليه دعوى
بانفراده) فهو حينئذ منكر يلزم باليمين، والفرض أنها هنا خمسون.
خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف فاكتفى بالخمسين منهم أجمع
مدعيا عليه الاجماع وإن كنا لم نقف على ما يشهد بصحة ذلك، نعم قد
سمعت ما في بعض النصوص (1) من أنه (إذا ادعى الرجل على القوم
أنهم قتلوا كانت اليمين لمدعي الدم قبل المدعى عليه، فعلى المدعي أن
يجئ بخمسين يحلفون أن فلانا قتل فلانا فيدفع إليهم الذي حلف عليه..
وإن لم يقسموا فإن على الذين ادعى عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا)
وظاهره كفاية الخمسين وإن كان المدعى عليهم القوم، بل لعل إطلاق
غيره أيضا كذلك.
لكن فيه مع أنه لا جابر له في محل البحث، لعدم تحقق ما سمعته
من الاجماع، بل لعل المحقق خلافه أنه يمكن دعوى ظهوره في العكس وإن
ذكر فيه القوم كما يشعر به عبارة قسامة المدعي.
وحينئذ فالمراد من الدعوى على القول باعتبار كونها على واحد منهم،
والنصوص (2) الواردة في قضية سهل وإن كان في جملة منها الدعوى على

(1) الوسائل الباب - 10 من أبواب دعوى القتل الحديث 5.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب دعوى القتل وسنن البيهقي ج 8 ص 117 - 125.
250

اليهود إلا أن التدبر فيها أجمع يقتضي كون المراد واحدا منهم من الدعوى
عليهم، حتى أن في الصحيح (1) منها (فقدت الأنصار رجلا منهم
فوجدوه قتيلا، فقالت الأنصار: إن فلان اليهودي قتل صاحبنا) والفرض
أن القضية واحدة، فلا بد من الجمع بينها بما ذكرناه، وحينئذ يبقى ما تقتضيه
القاعدة من حلف المنكر على حالها.
ولا يشكل ذلك بما إذا تعدد المدعون باعتبار اشتراكهم في الميراث
مع أن القسامة منهم أجمع خمسون اتفاقا ولا يراد من كل مدع منهم ذلك،
لامكان الفرق بينهما بالنصوص أولا، وبأن الحق للقتل وينتقل منه إلى
وارثه، وهو واحد ثانيا.
(و) كيف كان ف‍ (لو كان المدعى عليه واحدا فأحضر
من قومه خمسين يشهدون ببراءته) ولم يكن فيهم بينة مقبولة (حلف
كل واحد منهم يمينا) إن شاؤوا، وحكم ببراءته قصاصا ودية (ولو
كانوا أقل من الخمسين كررت عليهم الأيمان حتى يكملوا العدد) على
حسب ما عرفته في المدعي.
(و) كذا قد عرفت أيضا أنه (لو لم يكن للولي) المدعي
(قسامة ولا حلف هو كان له إحلاف المنكر خمسين يمينا إن لم تكن
له قسامة من قومه، وإن كان له قوم كان كأحدهم) بلا خلاف
ولا إشكال في شئ من ذلك إلا في اعتبار خصوص حلف الولي معهم
الذي عرفت البحث فيه سابقا.
كما لا خلاف ولا إشكال في براءته مع القسامة، وما في صحيح
مسعدة (2) السابق يراد منه أداء الدية من بيت المال، ضرورة كونه
حينئذ قتيلا لم يعرف له قاتل، والفرق بينه وبين قتيل العسكر أو السوق

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 3 - 6.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 3 - 6.
251

أن الأخير تؤخذ ديته من بيت المال ابتداء لا بعد القسامة بخلافه، فإنه
بعد القسامة.
نعم قد يقال في قتيل القرية مثلا: إنه بالقسامة يبرأ المعين لا أهل
القرية أجمع، فتؤخذ ديته منها حينئذ إذا لم يعين الولي ولم يحصل
قسامة، لاطلاق ما تقدم من النصوص السابقة. ويمكن حمل صحيح
مسعدة (1) على ذلك.
لكن فيه أنه بعد تعيين الولي المعين فهو إقرار منه بعدم قتل غيره
من أهلها له، فإذا فرض براءته بالقسامة لم يكن له على أهلها سبيل،
بل لعله كذلك بالنسبة إلى بيت المال وإن أرسله في الرياض إرسال
المسلمات مستدلا عليه بصحيح مسعدة (2) السابق، إلا أني لم أجد المسألة
محررة في كلامهم، فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (لو امتنع) المنكر (عن القسامة)
ولو يمينا واحدة (ولم يكن له من يقسم) عنه من قومه (ألزم
الدعوى) بمجرد النكول كما عن السرائر والجامع، بل قيل إنه الأشهر،
وعليه عامة متأخري أصحابنا، وهو كذلك بناء على القضاء بمجرد
النكول في غير المقام الذي تقدم البحث فيه مفصلا في كتاب القضاء (3)
بل لعله كذلك، وإن لم نقل به هناك، لقوله (عليه السلام) في الصحيح
السابق (4): (وإلا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلا ما قتلنا
ولا علمنا له قاتلا وإلا أغرموا الدية إذا وجد قتيلا بين أظهرهم إذا
لم يقسم المدعون) والخبر الآخر (5) أيضا المنجبر سندا بما عرفت،

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 6.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 6.
(3) راجع ج 40 ص 182 - 189.
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 3 - 5.
(5) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 3 - 5.
252

وفيه أيضا (إذا وجد مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعا ما قتلوه ولا يعلمون
له قاتلا، فإن أبوا أن يحلفوا أغرموا الدية في ما بينهم في أموالهم سواء
بين جميع القبيلة من الرجال المدركين) مؤيدا ذلك كله بأن اليمين هنا
على المدعي أصالة، وإنما حلف المنكر بنكول المدعي أو رده، فإذا نكل
لم يعد إلى المدعي.
لكن (و) مع ذلك (قيل) والقائل الشيخ في المبسوط:
(له رد اليمين على المدعي) كما في غير المقام، لعموم أدلته وخصوصا
فيه، للاحتياط في الدماء، بل في ظاهر عبارته الاجماع عليه وإن كان
هو كما ترى.
وعليه فهل ترد القسامة أم يكتفى بيمين واحدة؟ وجهان، وظاهر
عبارته المحكية عنه في كشف اللثام على طولها يعطي رد القسامة، وربما
قيل: إن قلنا: إن الخمسين يمين واحدة فله الرد وإلا فلا، والجميع
واضح الضعف بعد الإحاطة بما عرفت وإن أطنب في المبسوط بذكر ما يقتضي
ذلك، لكنه لا حاصل له على وجه يعارض ما ذكرناه.
ولا خلاف عندنا بل (و) لا إشكال في أنه (تثبت القسامة
في الأعضاء) كالنفس، بل في التنقيح عن المبسوط عندنا، كالمحكي عن
الخلاف، للاشتراك في حكمة مشروعيتها، وللنصوص الخاصة (1) التي
تسمعها إن شاء الله.
نعم يعتبر فيها نحو ما سمعته في القتل أن تكون (مع التهمة)
أي اللوث كما صرح به غير واحد، بل عن السرائر الاجماع عليه، وهو
الحجة بعد ما سمعته سابقا من أدلة اللوث، خلافا للمحكي عن المبسوط،
فلم يعتبره، كما عن أكثر العامة أو جميعهم عدا الشافعي في تفصيل له،

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب دعوى القتل الحديث 2.
253

ولعله لاطلاق النصوص (1) السابقة كون اليمين على المدعي في الدم
المقتصر في تقييدها باللوث على النفس دون الأعضاء. (و) لكن
فيه أنه مقيد بما عرفت ولو للاجماع فيهما.
إنما الكلام في أنه (كم قدرها) فيها؟ ف‍ (قيل) كما عن
المفيد في محكي كتاب النساء وسلار وابن إدريس (خمسون يمينا) كالنفس
(احتياطا) في الدماء (إن كانت الجناية تبلغ الدية) كالأنف
والذكر (وإلا فبنسبتها من خمسين يمينا) في العمد وفي الخطأ خمس
وعشرون بناء على القول بها فيه، بل قيل: إنه خيرة أكثر المتأخرين
لكنهم لم يذكروا الخمس وعشرين في الخطأ، وإنما أطلقوا ذكر الخمسين
وفي المسالك أنه مذهب الأكثر بقول مطلق، بل عن غيرها أنه المشهور،
بل عن السرائر الاجماع عليه، لكن قيل: يحتمل أن يريد منه أن الثبوت
بالخمسين مجمع عليه.
(وقال آخرون) وهم الشيخ وأتباعه: (ست أيمان في ما فيه دية
النفس وبحسابه من ست في ما فيه دون الدية، وهي رواية أصلها ظريف)
وغيره كما يقضى به ملاحظة الكافي والتهذيب والفقيه، بل قيل: إنه الأشهر
بل في كشف اللثام وغيره أنه المشهور، بل عن الخلاف والمبسوط ظاهر الاجماع،
بل عن الغنية الاجماع عليه صريحا، وهو الحجة بعد المروي عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) (2) في الكافي والتهذيب والفقيه بطرق فيها الصحيح
والموثق والحسن وغيرها من أنه (جعل القسامة في النفس على العمد
خمسين رجلا، وفيها على الخطأ خمسة وعشرين رجلا، وعلى ما بلغت
ديته من الجراح ألف دينار ستة نفر، فما كان دون ذلك فبحسابه من

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب دعوى القتل الحديث 2.
254

ستة نفر إلى أن قال: وتفسير ذلك) إلى آخر ما ذكره مما هو نحو
ما عند الأصحاب، إلا أن الظاهر كون قول: (وتفسير ذلك) إلى
آخره من الكليني لا من الرواية، كما لا يخفى على من تأمل، وقد اعترف به
بعض الأفاضل، لكن يكفينا في الاستدلال ما قبل قوله: (وتفسيره)
مؤيدا ذلك بأن الجناية هنا أخف، فناسبها التخفيف في اليمين.
ولا معارض لذلك سوى دعوى مخالفة القسامة للأصل، فيقتصر
فيها على المتيقن الذي هو الخمسون مطلقا أو في خصوص العمد والخمس
والعشرون في الخطأ التي هي كما ترى بعد الحجة الشرعية، وسوى
إطلاق بعض النصوص (1) إن القسامة في العمد خمسون، وفي الخطأ
خمس وعشرون الواجب تقييده بما عرفت، وسوى دعوى الاجماع المزبور
المعتضد بدعوى الشهرة المذكورة التي قد سمعت احتمال إرادة أن الثبوت
بالخمسين متيقن منها، بل لعله الظاهر، وإلا كان بين الخطأ، ضرورة
كون المشهور بين من تقدم عليه خلافه، نعم ربما كان ذلك مشهورا
بعده، مع أنه غير محقق أيضا، لأنه خيرة الفاضل في بعض كتبه
والشهيدين والمقداد، وعلى تقديره فهو معارض بالشهرة القديمة المحققة
التي لا يقدح فيها خروج المفيد والديلمي، وربما كان العذر لابن إدريس
عدم عمله بأخبار الآحاد وإن صحت، أما غيره فلا عذر له إلا ظن ضعف
الخبر، كما في المسالك، وقد عرفت فساده، وأنه مروي بطرق فيها
الصحيح والموثق وغيرهما، مضافا إلى اعتضاده بما عرفت، فلا ريب
في أنه الأقوى.
وكيف كان فإن كان في العضو أقل من دية فبحساب النسبة إليها
من خمسين على الأول إلى أن يبلغ خمس عشر الدية أو أقل، ففيه يمين

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب دعوى القتل الحديث 1.
255

واحدة، لأنها لا تتبعض، وكذا إن بلغ ثلث عشر الدية، فإن فيه حينئذ
يمينين وهكذا. وعلى المختار بحساب النسبة من الستة إلى أن يبلغ سدس
الدية أو ينقص ففيه يمين واحدة.
وأما احتمال عدم اعتبار النسبة في الأقل ويكون فيه القسامة خمسون
أو ستة أو تنتفى رأسا ويكون كسائر الدعاوي فلم نعثر على قائل به وإن
كان هو محتملا، خصوصا في الأول، إلا أن الأقوى ما عرفت من
ملاحظة النسبة مطلقا.
وإن كان كسر في اليمين أكمل بيمين، لعدم تبعضه، ففي اليد
الواحدة خمس وعشرون على الأول، وثلاثة على الثاني، وفي الإصبع
الواحدة خمس أيمان على الأول، لأنها عشر الخمسين، كما أن دية
الإصبع عشر الدية، ويمين واحدة على الثاني، لأنه لا عشر للسنة إلا
الكسر الذي عرفت عدم تبعضه، فلا بد من يمين.
وكذا الكلام في الجراح، ففي الموضحة ثلاث أيمان على الأول،
لأن ديتها نصف عشر ونصف عشر الخمسين يمينان ونصف، وقد عرفت
عدم تبعضه، وعلى الثاني يمين واحدة لذلك أيضا وهو واضح،
والله العالم.
(و) لا خلاف أيضا كما لا إشكال في أنه (يشترط في
القسامة علم المقسم) كما في غيرها (ولا يكفي الظن) وإن كان
غالبا، ولذا لم يقسم الأنصار، وقد مر في كتاب القضاء (1) تحقيق
ذلك فلاحظ، ولكن في كشف اللثام عن الشيخ في المبسوط الاكتفاء
بالظن، وهو بعيد. قلت: كأنه (رحمه الله) لحظ أول كلامه الذي هو
للعامة، وإلا فإنه قد صرح في المقام وغيره في ما حكي عن مبسوطه

(1) راجع ج 40 ص 242.
256

بأنه لا يجوز عندنا أن يحلف إلا على علم.
(وفي قبول قسامة الكافر على) دعواه على (المسلم) في
الخطأ والعمد في النفس وغيرها (تردد) وخلاف (أظهره) عند المصنف
(المنع) وفاقا للشيخ والفاضل وولده ووالده وغيرهم على ما حكي عن
بعضهم، لأنها على خلاف الأصل، ومورد النص (1) قسامة المسلم، بل
في الحسن كالصحيح (2) (إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة) وفي آخر (3)
(إنما جعلت القسامة احتياطا لدماء المسلمين) ففي الكافر تبقى على أصالة
عدم ثبوت الحق بها، ولأنها يثبت بها القود في القتل عمدا والكافر
لا يستحقه على المسلم، وعن الخلاف (ولو أوجبنا عليه الدية لأوجبنا
بيمين كافر ابتداء على مسلم مالا، مع علمنا بأنهم يستحلون دماء المسلمين
وأموالهم، ولأنها سبيل منفي عن الكافر على المسلم، ولتقرير النبي (صلى
الله عليه وآله) الأنصار على آبائهم قبول قسامة اليهود، ولذا أداه
هو (صلى الله عليه وآله) من بيت المال).
ولكن الجميع كما ترى، ضرورة الخروج عن الأصل باطلاق قوله
(عليه السلام): (القسامة حق، ولولاها لقتل الناس بعضهم بعضا) (4)
(والقسامة نجاة للناس) (5) وغير ذلك مما يظهر منه مشروعية القسامة
للناس كافة الذي هو مقتضى أصالة الاشتراك، وليس المراد من الخبرين
الأولين أنها شرعت لهم خاصة كي يكون معارضا بها، فيحتاج فيه إلى
الجمع بالاطلاق والتقييد، كما تخيله بعض مشائخنا، وعدم ثبوت القود بها
لعدم استحقاق الكافر له على المسلم لا ينافي ثبوت القتل عمدا بها لاستحقاق

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 0 - 3.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 0 - 3.
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل الحديث 1 - 8 - 2 وفي الأول " إنما جعلت القسامة احتياطا للناس ".
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 3.
257

الدية، كما لو قامت البينة، ووجوب المال بها ابتداء على المسلم كالشاهد
واليمين غير مناف لشئ من الأدلة، بل إطلاقها يقتضيه. ومنه يعلم
عدم كونها سبيلا، ضرورة عدم كون الحق على الوجه الشرعي سبيلا
منفيا، وتقرير النبي (صلى الله عليه وآله) الأنصار على الآباء وأدائه
من نفسه إنما كان سياسة، لا لعدم جواز قسامتهم، وإلا لم يأمر (صلى
الله عليه وآله) بها، فإن ذلك صريح في ثبوتها، بل هو دليل على
المشروعية بناء على اتحاد الدعوى مع الانكار في القبول كما هو واضح،
فالأقوى حينئذ ثبوتها في الكافر كالمسلم وفاقا للشيخ في محكي المبسوط وغيره
من الأصحاب، والله العالم.
(ولمولى العبد) والأمة (مع اللوث إثبات دعواه) على القتل
عمدا أو خطأ (بالقسامة ولو كان المدعى عليه حرا) لا يثبت عليه
إلا المال ولا تتعلق الجناية برقبته (تمسكا بعموم الأحاديث) خلافا
للمحكي عن أبي علي للأصل المقطوع بما عرفت، ولأن العبد كالحيوان
الذي مرجعه إلى القياس، ضرورة ثبوتها في دماء الناس أحرارا وعبيدا
وإن كانوا أموالا لا غيرهم، بل الظاهر ترتبها لو أقام المولى شاهدا
على قتل مملوكه قتلا يوجب الدية، ولا تكفي اليمين الواحدة معه، وإن
استشكل فيه الفاضل لدخوله في المال، لكن الأقوى ما عرفت.
(ويقسم المكاتب) المطلق والمشروط (في) قتل (عبده)
مع اللوث (ك‍) ما يقسم (الحر) لأنه بحكم الحر ما دام مكاتبا،
فيندرج في إطلاق الأدلة وعمومها، نعم لو نكل عن الحلف وفسخت
الكتابة بموت أو عجز لم يكن لمولاه القسامة، أما لو عجز أو مات قبل
نكوله يحلف ويثبت حقه، ولعله لانتقال حق القسامة حينئذ إلى السيد
كسائر الورثة بخلاف الأول الذي هو كوارث المدعي الحر الناكل عن القسامة.
258

والقسامة في أعضاء العبد كالقسامة في نفسه في تولي السيد لها،
ولا يتولاها العبد، لعدم حق له بعد أن كان مملوكا للسيد.
ولو وجد العبد مجروحا فأعتقه مولاه ثم مات بالسراية وجبت ديته
كما عرفت. ولكن للسيد أقل الأمرين من الدية أو القيمة، فإن كانت
الدية أقل حلف السيد مع اللوث خاصة، لأنه المستحق، وإن كانت القيمة
أقل حلف السيد للقيمة والوارث للفاضل.
ولو أوصى المولى بقيمة العبد المقتول لا برقبته حلف الوارث القسامة
كما في القواعد وشرحها، ولعله لأن الرقبة كانت ملكا له، وقد عرفت
أن للسيد القسامة، ولا ينافي ذلك أن ما يثبت بحلفه يكون ملكا للموصى له،
إذ لا يمتنع أن يحلف على إثبات حق إذا ثبت كان لغيره، كما لو خلف
الرجل تركة ودينا له وعليه، فإن وارثه يحلف على الدين وإن كان إذا
ثبت كان لغيره.
إلا أنه لا يخلو من نظر، لكونه من الحلف لاثبات مال الغير،
وفرق بينه وبين المثال الذي يملكه الوارث وإن استحق عليه، وفي القواعد
أيضا (فإن امتنع الوارث ففي إحلاف الموصى له إشكال) ولعله من أنه
أجنبي عن الرقبة كما هو واضح وعن القيمة، فإنها ما لم تثبت ولم
تنتقل إلى الوارث لم تنتقل إليه، كما أنه لو لم يقتل وبيع انتقل الثمن إلى
البائع وهو الوارث ثم إليه كما عن المبسوط، ومن أن القيمة حق له مع
ما في توقف استحقاقه هنا على الانتقال إلى الوارث من المنع، فإن القيمة
ملك له بحسب الوصية، ومن أنك قد عرفت إشكال حلف الوارث الذي
ذكرناه، بل لا يخلو الجزم بالأول والاشكال في الأخير من تناف في
الجملة، والله العالم.
(ولو ارتد الولي منع القسامة) كما صرح به الفاضل وولده
259

والشهيدان وغيرهم على ما حكى عن بعض، نعم لم أجده لمن تقدم على
المصنف إلا للشيخ في محكي المبسوط، قال: (الأولى أن لا يمكن الإمام
من القسامة مرتدا لئلا يقدم على يمين كاذبة، فمتى خالف وقعت موقعها،
لعموم الأخبار، وقال شاذ: لا يقع وهو غلط، لأنه اكتساب، فهو
غير ممنوع منه في مدة الامهال، وهي ثلاثة أيام). والظاهر أن نظر
المصنف إليه
(و) لذا قال: (لو خالف وقعت موقعها، لأنه
لا يمنع) من (الاكتساب) وحمل قوله: (الأولى) على لزوم ذلك
لا ندبه.
ولكن قال وتبعه تلميذه الفاضل: (ويشكل هذا بما أن الارتداد
يمنع الإرث، فيخرج عن الولاية فلا قسامة) فلا يتم حينئذ إطلاقه
الحكم المزبور الشامل للمرتد بقسميه والولي الوارث والسيد لو فرض
ارتداده ولما إذا كان الارتداد بعد القتل أو قبله ولما إذا كان المدعى عليه
مسلما أو كافرا.
ولا ريب في توجه الاشكال المزبور على الاطلاق المذكور، ضرورة
عدم الحق له في الإرث لو فرض أن ارتداده كان قبل القتل فلا قسامة،
كما أنه لو فرض كون ارتداده عن فطرة لم يستحقه ولو بعد القتل لخروج
جميع ماله بالارتداد عن ملكه، فلا قسامة حينئذ وإن كان المقتول عبدا،
إلى غير ذلك مما لا يخفى تطبيقه على القواعد المعلومة في الوارث والسيد
وفي الفطري والملي وفي تقدم الردة على القتل وتأخرها عنه.
نعم قد يقال: إن التأمل في عبارة الشيخ ولو في آخرها يقتضي
كون الموضع الملي، لأنه الذي يمهل ثلاثة أيام لا الفطري، وأن ارتداده
قد كان بعد القتل، وحينئذ لا يتجه الايراد المزبور، ضرورة عدم
خروجه بالارتداد عن الملك السابق، فهو باق على ولايته المستحق بها
260

القسامة ولو كان المدعى عليه مسلما.
ودعوى منعه منها للاقدام على اليمين الكاذبة يدفعها عدم البأس
مع الاستحقاق، ولذا تقبل أيمان الكفارة في كل دعوى يتوجه بها عليهم،
مع أنه يمكن فرضه حال عدم علم الحاكم بارتداده إلا بعد حلفه، بل وفي
كون الحالف غيره بناء على الاجتزاء بيمين الغير عن الولي.
وكذا دعوى كون محجورا عليه بالتصرف الذي منه القسامة، ضرورة
عدم دليل على منعه من التصرف على وجه يشمل القسامة التي ليست من
التصرف المتلف للمال، بل هي من المحققة له، وحينئذ فإن عاد إلى
الاسلام استوفى حقه بما حلقه في الردة من غير حاجة إلى الاستئناف،
وإن مات أو قتل فيها انتقل إلى ورثته عندنا.
ولو تخللت الردة بين الأيمان فإن اشترطنا فيها الموالاة لأنها يمين
واحدة كان عليه الاستئناف إن أخلت بالموالاة وإلا فلا.
وإن كان الولي قد ارتد لا عن فطرة فإن عاد الاسلام قبل قسمة
الميراث كان له الحلف وإلا فلا.
وبذلك كله ظهر لك ما يثبت فيه القسامة للمرتد وما لا يثبت في
السيد والوارث على وجه لا ينافي ما تقدم لنا من ثبوت القسامة للكافر
على المسلم وإن ظنه بعض الناس لكنه في غير محله.
بقي شئ: وهو أن من المعلوم عدم صحة القسامة إلا بإذن الحاكم،
فمع فرض وجوب منعه منها لا يتصور وقوعها مع المخالفة على وجه تصادق
موقعها، وفرض ذلك في حال عدم علم الحاكم بارتداده خلاف ظاهر
العبارة أو صريحها، فليس إلا حمل الأولوية على ضرب من الرجحان مع
إمكانه، فمع مخالفته وحلف تكون القسامة واقعة موقعها، وحينئذ
لا ينبغي الحكاية عن الشيخ وجوب المنع، على أنه مناف لاستحقاقه لها
261

وإلا لم تقع موقعها، فكيف يتجه لزوم منعها منه مع طلبه لها واستحقاقه
إياها؟ فتأمل جيدا.
(ويشترط في اليمين ذكر القاتل والمقتول، والرفع في نسبهما
بما يزيل الاحتمال، وذكر الانفراد أو الشركة، ونوع القتل) من
عمد أو خطأ كما في بعض كتب الفاضل وبعض متأخري المتأخرين، ولكن
الأصل في ذلك ما في محكي المبسوط من احتياج اليمين التي يقسم بها إلى
أربعة أشياء وذكر ما سمعته، نعم عنه ما في كشف اللثام من الاكتفاء
بالإشارة، وفي الأخير منهما لا يكفي الاضمار ولو صرح بالاسم أو الإشارة
قبله، لاحتمال الرجوع إلى الله تعالى شأنه.
وقال في محكي المبسوط أيضا: إنه يحتاج في يمين المدعى عليه إلى
ذكر ستة أشياء: يقول ما قتل فلانا، ولا أعان على قتله، ولا ناله
من فعله، ولا بسبب فعله شئ، ولا وصل بشئ إلى بدنه، ولا أحدث
شيئا مات منه، أما القتل فلا بد منه، وقوله: (ولا أعان) لدفع
الشركة، وقوله: (ولا ناله) لأنه قد يرميه بسهم أو غيره فيقتله،
وقوله: (ولا بسبب فعله) لأنه قد يرميه بحجر فيقع على حجر فيطفر
الثاني فيصيبه فيقتله، وقوله: (ولا وصل إلى بدنه بشئ) لرفع سقيه
السم، وقوله: (ولا أحدث سببا مات منه) لأنه قد ينصب سكينا
أو يحفر بئرا فيتلف بسببه) ثم اعترض على نفسه بأن الدعوى إذا لم تسمع
إلا محررة فإذا حلف على ما تحررت عليه كفى، وأجاب بوجهين: (أحدهما
أن هذه اليمين مفروضة في ما إذا أطلقت الدعوى وقلنا: إنها تسمع
مطلقة، والثاني أنها في من لا يعبر عن نفسه لصغر أو جنون، فينصب
الحاكم له أمينا يستوفى له اليمين، فيحتاط له كالاحتياط باليمين في الدعوى
عليه مع البينة).
262

إلا أن ذلك كما ترى، بل لم أجده لغيره في المدعى عليه، نعم
قد عرفت موافقة غيره له في ما سمعته منه في المدعي، وكأن الذي دعاه
إلى ذلك كله ما في النصوص (1) هنا من التعرض لصفة اليمين في الجملة،
نحو إن فلانا قتل فلانا، وفي المدعى عليه ما قتلنا ولا علمنا له قاتلا إلى
آخر ما سمعته في النصوص.
لكن من المعلوم إرادة الاستظهار في ذلك من حيث كون الدعوى
في الدماء، لا أن اليمين في المقام مخالفة لها في غيره من المقامات.
على أنه إن أريد بذلك التحرز عن التورية التي تكون في قلب
الحالف ففيه أن ذلك وأضعافه غير مجد في دفع ذلك، ومن هنا كان في
الإثم وغيره على نية المحلف دون الحالف.
ولعله لذا اقتصر غير من عرفت من أساطين الأصحاب على ذكر
كيفية اليمين هنا بما هو كالصريح في أنه كغيره من الدعاوي، بل ينبغي
الجزم بذلك بعد تحرير الدعوى على وجه لا اشتباه في شئ منها ووقوع
اليمين على مقتضاها، كما اعترف به الفاضل، بل قد سمعت ما في محكي
المبسوط من أن ذلك في الدعوى المطلقة بناء على صحتها
و (أما الاعراب ف‍) في القواعد ومحكي المبسوط وغيره أنه (إن كان من
أهله كلف وإلا قنع بما يعرف معه القصد) أي وإن رفع قوله:
(والله) أو نصبه، بل عن التحرير أنه أطلق الاجتزاء به مرفوعا وإن كان
لحنا، لعدم تغير المعنى به، ولعل ترك الأكثر التعرض لذلك للاتكال
على ما ذكروه في غير المقام في الصيغ من اعتبار ذلك مع القدرة،
ضرورة اتحاد ما هنا معه في أصالة عدم ترتب الحكم على غير المعهود
والمتيقن في جميع الصيغ التي منها صيغة اليمين في المقام، بخلاف غير

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب دعوى القتل.
263

القادر المستفاد الاكتفاء بما يتمكن منه من فحوى الاجتزاء بإشارة الأخرس،
كما أوضحناه في محله بل أوضحنا أيضا جملة من أحكام اليمين في كتاب
القضاء (1) والحمد لله.
(وهل) يعتبر أيضا أن (يذكر) الحالف (في اليمين
أن النية نية المدعي) بكسر العين على معنى نيته حين حرر الدعوى
أو فتحها على معنى الدعوى؟ (قيل: نعم دفعا لتوهم الحالف)
أن النية في ذلك إليه، فيغير اليمين عن وجهها، وعن التحرير نسبته
إلى قوم، ولكن لم نعرف أحدا منهم، نعم نسبة غير واحد إلى الشيخ
في المبسوط، وعبارته المحكية عنه أنه بعد أن ذكر احتياج اليمين إلى
الأربعة قال: (والرابع يذكر نوع القتل من العمد والخطأ، والنية في
اليمين نية الحاكم، والفائدة في اعتبار هذه الصفات أن كل أحد لا يعلم
أن الأمر هكذا، فربما يعتقد أن النية نية الحالف، فيغير اليمين عن
جهتها، فلهذا يحلف بهذه الأوصاف).
وظاهره كون الواو استئنافا لا عطفا، مؤيدا ذلك كله بمعلومية
كون ذلك من الأحكام الشرعية، ولا مدخلية لذكر الحالف له المحتمل
أيضا التورية فيه، ومراده بقوله: (والفائدة) إلى آخره دفع ما عساه
يقال من عدم احتياج ذكر الأمور الأربعة بعد انصراف اليمين إلى ما ينويه
الحاكم، وهو ما ادعاه المدعي سواء قيدت بما يصرفها إليه أو لا، فأجاب
بأنه وإن كان كذلك لكن ربما يعتقد أن له أن ينوي بها ما يشاء حين
الحلف من القيود التي ادعاها غيرها، بل التورية أيضا، فيحتاط لدفع
ذلك بذكر القيود في ألفاظ الأيمان.
وهو وإن كان فهي ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا إلا أنه

(1) راجع ج 40 ص 225 - 303
264

أجنبي عن اشتراط ذكر ذلك في اليمين، وإلا كان خامسا لا رابعا.
(و) على تقديره فلا ريب في أن (الأشبه) بأصول
المذهب وقواعده التي منها إطلاق الأدلة فضلا عما تعرض لخصوص صفة
اليمين من النصوص السابقة (أنه لا يجب) كغيره من الأيمان، كما
هو واضح، والله العالم.
(المقصد الثالث في أحكامها)
التي منها عندنا نصا (1) وفتوى ثبوت القصاص بها في العمد إجماعا
بقسميه، خلافا لأبي حنيفة والشافعي في الجديد. فأوجبا بها الدية مغلظة
في مال الجاني، وهو اجتهاد في مقابلة النص النبوي (2) وغيره (3)
وثبوت الدية على القاتل في عمد الخطأ بلا خلاف أجده فيه بل ولا إشكال
وعلى العاقلة في الخطأ المحض كما هو المشهور على ما في كشف اللثام، لظهور
النصوص في أنها كالبينة في ذلك.
لكن في محكي التحرير وإن كان القتل خطأ ثبتت الدية على القاتل
لا على العاقلة، فإن العاقلة إنما تضمن الدية مع البينة لا مع القسامة،
وعن الشهيد في الحواشي أنه قواه، بل قد يؤيده خبر زيد (4) عن
آبائه (عليهم السلام) (لا تعقل العاقلة إلا ما قامت عليه البينة) إلا أنه
لا جابر له، والظاهر إرادة ما قابل الاقرار من الحصر المزبور فيه،
وإلا كان معارضا بظاهر ما دل على إثبات الدعوى بها مما هو أرجح منه

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل
(2) سنن البيهقي ج 8 ص 117
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب دعوى القتل
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب العاقلة الحديث 1 من كتاب الديات.
265

من وجوه، كما هو واضح.
و (لو ادعى على اثنين) مثلا (وله على أحدهما لوث حلف
خمسين يمينا وثبتت دعواه على ذي اللوث) بلا خلاف ولا إشكال،
لاطلاق الأدلة (وكان على الآخر يمين واحدة كالدعوى في غير الدم)
أو فيه بلا لوث، واحتمال وجوب الخمسين هنا مع عدم دعوى اللوث
كما توهمه بعض الناس في غاية السقوط، وحينئذ فإذا حلفها اندفعت عنه
الدعوى كما في كل منكر، فإن رد اليمين على المدعي حلف، وكذا لو
نكل بناء على عدم القضاء بمجرده، وعلى كل حال لا يتقدم المدعي هنا
إجماعا كما عرفت الكلام فيه سابقا.
نعم في المسالك في دخوله في جملة الخمسين أو كونه خارجا عنها
القولان السابقان في ما إذا تعدد المدعى عليه.
وفيه أن القولين في ما إذا تعدد المدعى عليه مع وجود اللوث لا في
مثل الفرض الذي فيه اليمين المردودة أو يمين النكول التي لا مدخلية لها
في يمين اللوث، فالمتجه عدم دخولها على القولين، كما هو واضح، بل
هو أيضا غير اليمين المردودة على مدعي اللوث، فإن احتمال وجوب
الخمسين فيه أيضا لا يخلو من وجه.
(ثم إن أراد قتل ذي اللوث) بعد الثبوت عليه بالقسامة (رد
عليه نصف ديته) لاعترافه بأنه أحد القاتلين، وكذا لو ثبت على الآخر
باليمين المردودة وأراد قتله.
(ولو كان أحد الوليين غائبا وهناك لوث حلف الحاضر) وحده
أو مع قومه (خمسين يمينا ويثبت حقه) لاطلاق الأدلة المقتضي لعدم منع غيبة
الشريك الحاضر عن إثبات حقه بالعدد المزبور الذي لو لم يكن الشريك
غائبا لم يتعين عليه حلفه أجمع، إلا أنه لما كانت الدعوى ولو جزء منها
266

لا تثبت مع افتتاح القسامة إلا بتمامها تعين عليه ذلك، فله حينئذ استيفاء
حقه بعد الاثبات (ولم يجب) عليه (الارتقاب) وإن كان قودا
بناء على عدم حبسه إلى قدوم الغائب وإن احتمل لكنه ضعيف جدا،
لأنه إذا جاز القصاص مع عفو الباقين فمع الغيبة أولى، وللمحكي من
إجماع الشيخ في الخلاف وظاهر المبسوط والسيدين علم الهدى وأبي المكارم،
ولقاعدة تسلط كل ذي حق على حقه، وعدم الضرر والضرار وغير ذلك.
(و) على كل حال ف‍ (لو حضر الغائب) وأراد استيفاء
حقه (حلف بقدر نصيبه، وهو) في الفرض (خمس وعشرون
يمينا).
وإن كان الوارث ثلاثة أحدهم غائب حلف الحاضران خمسين كل
منهما خمسة وعشرون، فإذا حضر الثالث حلف الثلث وجبر المنكسر،
فيحلف سبع عشرة، ولو كان الحاضر منهم واحدا حلف خمسين وأخذ
نصيبه. ثم إن حضر الآخران معا حلف كل منهما سبع عشرة، وإن
حضر أحدهما حلف خمسا وعشرين، إذ قد لا يحضر الثالث أو لا يدعي،
فإذا حضر الثالث حلف سبع عشرة، وعليه فقس.
وفي المسالك (ونظير ذلك ما إذا حضر أحد الشركاء، فإنه يأخذ
جميع المبيع بالشفعة، فإذا قدم آخر شاركه بالنصف، فإذا حضر ثالث
كان المبيع بينهما أثلاثا وهكذا، إلا أن الفرق بينها فورية الشفعة
بخلاف المقام، فليس له فيها أن يقول: لا آخذ إلا بقدر حصتي، فإن
الشفعة تبطل بذلك بخلاف المقام، فإن له تأخير القسامة حتى يقدم الغائب).
لكن لا يخفى عليك أنه بعد فرض الحكم بذلك في النظير كما عرفت
الكلام فيه في محله لا يقتضي ثبوت الحكم هنا كذلك، ضرورة عدم
انطباقه على الضوابط، لأن القسامة إن كانت كالبينة في إثبات الحق كما
267

هو مقتضى ما سمعته سابقا من النص والفتوى وأن من مخالفتها للقواعد
ثبوت الحق بيمين آخر وإن لم يكن شريكا معه فيه بناء على الاكتفاء
بقسامة القوم دونه فالمتجه حينئذ عدم احتياج الغائب إلى يمين مع فرض
تصديقه الحاضر، لحصول الخمسين المثبتة للحق في نفسه وإن كانت هي
كذلك في حق خصوص المدعي دون غيره، فالمتجه حينئذ حلف الآخر
تمام الخمسين، لعدم مدخلية ما وقع من الأول في إثبات حقه، وأن
ما وقع منه مقدمة منه ليأخذ نصيبه، إذ لو حلف بعضا منها ولو أكثرها
لم يثبت الحق، ضرورة اتفاق النص والفتوى على أن المثبت تمامها دون
البعض، فلا تكفي الخمس وعشرون للثاني، كما لم تكن تكفي الأول.
واحتمال الفرق أن إلزام الأول بالخمسين لاحتمال عدم حلف الآخر
وعدم دعواه، فتوقف إثبات نصيبه على تمام القسامة، بخلاف الثاني الذي قد
سبقه الأول بتمام القسامة إلا أنه قد كان لاثبات نصيبه فليس على الغائب
إلا المقدار الذي عليه لو كان حاضرا مع الأول كما ترى مناف لما يظهر
من نصوص القسامة، بل وما سلف من الفتاوى من أنها متى حصلت
ثبت الحق لأهله من غير فرق بين الحالف منهم وغيره مع فرض كونه
مدعيا، وأنه لا يعتبر فيها حصول الأيمان منهم موزعة عليهم على قدر
نصيبهم على وجه إن لم يحصل اليمين من بعضهم على قدر استحقاقه لم
يثبت له حق ولا أن كل ذي حق منهم يحلف تمام الخمسين على وجه تبلغ
ألف يمين أو أزيد الذي يمكن القطع بعدمه من النصوص والفتاوى.
ومن هنا احتمل الأردبيلي الاكتفاء بقسامة الحاضر في حق الغائب،
ولكن احتمل مع ذلك إلزامه بتمام الخمسين لاثبات حقه كالحاضر، ولعله
لأن دعواه غير دعوى الأول، فلا بد له من الحلف تمام الخمسين كالأول،
إذ لا قسامة مثبتة للحق دون ذلك وإن كان في الأخير منافاة أيضا لما سمعته.
268

اللهم إلا أن يدعي أن المتيقن من النص والفتوى الاكتفاء بالخمسين
للمدعين دون من لم يدع منهم لصغر أو جنون أو غيبة، فإنه حينئذ على
دعواه، وطريق إثباتها كاثبات غيرها بالبينة أو الاقرار أو القسامة اقتصارا
في ما خلف عدم ثبوت حق لشخص بيمين آخر على خصوص المدعين
دون غيرهم.
إلا أن هذا أيضا مناف لما سمعته منهم من حلف الغائب نصف
القسامة إن كانوا اثنين، أو ثلثها إن كانوا ثلاثة وكان الحاضر منهم
واحدا والغائب اثنين (اثنان خ ل) وقد حضرا معا، وإلا حلف الحاضر
منهما خمسا وعشرين وأخذ حقه اكتفاء بما قسمه الأول، ولاحتمال عدم
حلف الآخر، فإن كان إجماعا كما يقضى به إرسال من تعرض له من
الشيخ والفاضلين والشهيدين وغيرهم من الشارحين إرسال المسلمات فهو
الحجة، وإلا كان المتجه ثبوت الحق بالقسامة لكل مدع حاضر أو غائب،
بل وللصغير والمجنون مع قيام الولي عنهما بالدعوى، بل لا يبعد كونها
كالبينة بالنسبة إلى ذلك.
هذا وقد ألحق الفاضل وغيره الصبي والمجنون بالغائب. وإليه
أشار المصنف بقوله: (و) كذا (لو كان أحدهما صغيرا) وهو
كذلك بناء على كون الحكم كذلك في الغائب، نعم ينبغي تقييده بما إذا
لم يدع الولي عنهما مع المدعين فتأمل.
ثم قال في كشف اللثام بعد تمام الكلام في المسألة على حسب ما
سمعته من الأصحاب: (هذا إذا استوفى الحاضر حقه من الدية وأما إذا
اقتص فلا يمين على الغائب إذا حضر).
ولا ريب في عدم تمام إطلاقه، ضرورة أن الغائب لا يخلو إما أن
يصدق الحاضر أو لا، وعلى الأول إما أن يرضى بفعله أو لا، فإن لم
269

يصدقه دفع المقتص إلى ورثة المدعى عليه الفاضل عن نصيبه، وإن صدقه
ورضي بفعله فيحتمل عدم القسامة عليه للورثة، كما أنه ليس له حينئذ
مطالبتهم ولا مطالبة أخيه بشئ مع احتمال أن للورثة إلزامه باليمين أو
مطالبة أخيه بنصيبه، وإن صدقه ولم يرض بالقصاص كان له أن يحلف
القسامة ويطالب أخاه أو الورثة بنصيبه أو يتخير في الرجوع على كل
منهما، فإن رجع على الورثة رجعوا على أخيه، وجوه ستعرف تحقيق
الحال فيها، وأن الأقوى منها الأول، ولعل في عبارته سقطا، لكن
عثرت على نسخة الأصل فوجدته قد ألحق بما سمعته (إن اعترف به
الحاضر ولم يأخذ نصيبه من الدية من تركة القاتل) والظاهر عدم وفائه
بما ذكرنا، والله العالم.
(ولو أكذب أحد الوليين صاحبه) بأن قال: لم يقتله، بل
كان غائبا يوم القتل، وإنما قتله فلان أو اقتصر على نفي القتل عنه أو
قال: إنه برئ من الجراحة ومات حتف أنفه (لم يقدح ذلك في اللوث،
وحلف لاثبات حقه خمسين يمينا) كما عن الخلاف والمبسوط والقواعد
والمسالك وغيرها، لعموم أدلة القسامة عند اللوث، وإمكان كون كذب
المكذب عن خطأ أو سهو أو عداوة أو غرض، ولأنه لو منع التكذيب
لاشترطت القسامة بعدمه، فلا تصح إذا كان بعض الورثة غائبا أو صغيرا
حتى يحضر أو يكمل فلا يكذب، ولأنه كسائر الدعاوي التي لا تسقط
بتكذيب أحد الوارثين حق الآخر منها، إذ اللوث دلالة تنقل اليمين إلى
حقية المدعي، فتكذيب أحد الوارثين لا يمنع الآخر من اليمين، كما
لو ادعى أحد الوارثين دينا للمورث وأقام عليه شاهدا واحدا وكذبه
الثاني، فإن التكذيب لا يمنعه من أن يحلف مع شاهده.
لكن مع ذلك قد استشكل فيه الفاضل، ولعله مما عرفت ومن أن
270

إنكار الثاني يدل على أنه ليس بقاتل، لأن النفوس مجبولة على الانتقام
من قاتل المورث، وإذا ذهب ظن القتل بطلت القسامة.
وبذلك يفرق بين المقام الذي مداره الظن وبين الحلف مع الشاهد،
بل وبين المكذب وبين الصغير والغائب وغيرهما ممن لم يكذب فإن للمدعي
أن يقسم اتفاقا، إلا أنه كما ترى، ضرورة عدم استلزام ذلك ذهاب الظن
بعد ما سمعته من الاحتمالات المزبورة، نعم ربما يذهب الظن في بعض
المقامات، وليس الكلام فيه، إنما الكلام في الفرض من حيث التكذيب،
والأصح ما عرفت.
وحينئذ فلو قال أحدهما: قتل أبانا زيد وقال الآخر: بل عمرو أقسم
كل واحد على من عينه بعد ثبوت اللوث ولو بالبينة على أن القاتل أحدهما،
وأخذ نصف الدية، ولو قال أحدهما: قتله زيد وآخر: لا أعرفه وقال
الآخر: قتله عمرو وآخر: لا أعرفه فلا تكاذب، لاحتمال الآخر في الأول
عمرا وفي الثاني زيدا، ولكن يأخذ كل منهما ممن عينه ربع الدية بعد
القسامة إن أوجبت الدية، ولو قال الأول بعد ذلك: تبين لي أن الذي لم
أكن أعرفه عمرو حلف وطالبه بربع آخر، وكذا لو قال الثاني: تبين
لي أن الذي لم أكن أعرفه زيد، ولو قال كل منهما: تبين لي أن الآخر
غير الذي ذكره أخي حصل التكاذب، فإن قلنا تبطل القسامة رد إلى
كل واحد منهما ما أخذ منهما، وإلا أقسم كل واحد منهما على من عينه
ثانيا، وأخذ منه ربع الدية حيث تكون هي الواجب.
ولو قال أحدهما: قتله هذا وحده وقال الثاني بل هذا مع آخر
فعلى المختار من عدم الابطال حلف الأول على الذي عينه واستحق نصف
الدية، وحلف الثاني عليهما واستحق النصف: على كل واحد الربع.
نعم بناء على الابطال بالتكاذب يحتمل أن يقال: إنه حصل في
271

النصف فلا يستحقانه بالقسامة، فيحلف الأول على الذي عينه ويأخذ
الربع ويحلف الآخر عليه ويأخذ الربع، ولا يحلف على الآخر، لتكذيب
الأخ له في شركته، ويحتمل سقوط حكم اللوث من أصله كما إذا شهد
لشخصين فردت شهادته لأحدهما سقطت الشهادة للآخر على وجه،
والله العالم.
(وإذا مات الولي) قبل أن يحلف (قام وارثه مقامه)
بلا خلاف ولا إشكال، لانتقال الحق وحججه إليه كسائر الحقوق
(فإن مات في أثناء الأيمان قال الشيخ (رحمه الله): يستأنف الأيمان، لأنه
لو أتم لأثبت حقه بيمين غيره) إذ الحق انتقل إليه بعد ما كان لمورثه
ولم يكن شريكا له في الدعوى، ولأن الخمسين كيمين واحدة، ولو مات
في أثنائها لزم الوارث استئنافها.
لكن قد يناقش كما عساه يشعر به نسبة المصنف وغيره إليه
بمنع كون القسامة كاليمين الواحدة في جميع اللوازم، ولذا توزع على
جماعة، ولا يجب الاستئناف لو تخلل الجنون، وثبوت الحق بيمين الغير
من شأن القسامة، اللهم إلا أن يقال: إنها كذلك لكن الوارث لم
يكن مستحقا إلا بعد موت المورث، على أن الحق إذا كان للمقتول
والورثة يحلفون بحكم الخلافة وضممنا أيمان بعضهم إلى بعض لاثبات حق
الموروث فأولى أن يكمل يمين المورث في إثبات حقه بيمين الوارث.
نعم قد يقال: إن الثبوت بالقسامة على خلاف الأصل والمتيقن من
دليلها غير الفرض، ومن ذلك احتمل بعض اعتبار الموالاة فيها وإن
كان إطلاق الأدلة يقتضي خلافه.
ولو مات بعد كمال العدد ثبت للوارث حقه من غير يمين.
وإذا مات من لا وارث له فلا قسامة، لأن وارثه الإمام (عليه السلام)
272

وإحلافه كفر، والله العالم.
(مسائل:)
(الأولى:)
(لو حلف) المدعي (مع اللوث واستوفى الدية ثم شهد اثنان
أنه كان غائبا في حال القتل غيبة لا يتقدر (لا يقتدر خ ل) معها القتل)
أم مريضا أو محبوسا كذلك ففي القواعد وغيرها (بطلت القسامة واستعيدت
الدية) تقديما للبينة على اللوث الذي هو أمر ظني، بل في كشف اللثام
(وكذا لو اقتص بالقسامة أخذت منه الدية ما لم يعترف بتعمد الكذب
وإلا اقتص منه) نعم في المسالك (لو قال الشهود: لم يقتله هذا واقتصروا
عليه لم تقبل شهادتهم).
قلت: قد يناقش في أصل الحكم بأنه مناف لذهاب اليمين بما فيها،
كما في غير المقام من الدعاوي، كما أنه قد يناقش في ما سمعته من المسالك
باطلاق ما دل على قبول شهادة العدلين وإن كانت هنا نفيا، لاحتمال
صدقها بما يرجع إلى إثبات وإن لم يذكراه فتأمل جيدا.
المسألة (الثانية:)
(لو حلف واستوفى الدية ثم قال: هذه حرام) سئل (فإن
فسره بكذبه في اليمين) عمدا أو سهوا (استعيدت منه) الدية
(وإن فسره بأنه) حنفي (لا يرى القسامة لم) يكن للمدعى
عليه أن (يعترضه) بمطالبته بإعادة الدية، لتقدم اجتهاد الحاكم على
273

زعمه، نعم لو ردها إليه باختياره أخذها منه.
(وإن فسر) ذلك (بأن الدية ليست ملكا للباذل فإن عين
المال ألزم دفعها إليه) مؤاخذة له باقراره الذي هو حجة عليه نفسه
(و) لذا (لا يرجع على القاتل بمجرد قوله) إلا إذا صادقه،
فإن له الرجوع عليه حينئذ كما لو ادعاها المالك وأقام بينة.
(وإن لم يعينه) ففي القواعد وغيرها (أقرت في يده) نعم
في المسالك لو رأى الحاكم أخذها منه لأنه مال مجهول المالك جاز، ولكن
قد تقدم تحقيق الحال في ذلك في كتاب الاقرار (1) فلاحظ.
المسألة (الثالثة:)
(إذا استوفى بالقسامة) أو لم يستوف بعد أن حلفها (فقال
آخر: أنا قتلته منفردا قال) الشيخ (في الخلاف: كان الولي بالخيار)
بين البقاء على مقتضى القسامة وبين العمل على مقتضى الاقرار (و) قال
(في المبسوط: ليس له ذلك، لأنه لا يقسم إلا مع العلم، فهو مكذب
للمقر) ومقر بأنه لا يستحق عليه شيئا فكيف له أن يأخذ منه. وفي
المسالك جعل محل البحث ما إذا صدقه، وإلا فلا إشكال في عدم رجوعه
عليه مع تكذيبه له.
وفيه أنه لا وجه للرجوع على الأول بعد تصديق الثاني في ما أقربه،
ضرورة اعترافه حينئذ بأن يمينه خطأ ودعواه باطلة، وإن أريد بالتصديق
العمل بمقتضى إقراره وإن لم يعلم صدقه ففيه أنه مناف لما وقع منه من

(1) راجع ج 35 ص 59 - 63.
274

الحلف المقتضي لعلمه بما حلف عليه، وفرض عروض الشك له بعد
الاقرار والاتيان بالقسامة يقتضي عدم الرجوع على الأول أيضا، لأن
الثابت من صحة القسامة الأخذ بها لمن هو باق على مقتضاها.
وفي المسالك بعد أن حكى عن الشيخ التخيير لليمين والاقرار قال:
(وأجيب عن الأول بأن كذب الحالف ممكن، وإكذابه إنما لم يسمع إذا
تضمن إنزال ضرر بالغير لا بمجرد إقرار ذلك الغير، وهنا لم يضر الثاني
بغير إقراره، ولأنه لو أقر بقبض وديعته من المستودع فأنكر ثم رجع
عن إقراره كان له مطالبة المستودع لاعترافه، ولو أقر له بشئ فأنكر
تملكه ثم عاد وادعاه قبل، فحينئذ لا تنافي بين الاقرار بالمنافي وبين
الرجوع عنه ثم قال: وفيه نظر، لأن غاية هذا أن يجوز الرجوع
على الثاني، أما التخيير بمجرد الشهوة فلا، نعم لو أكذب نفسه وأراد
الرجوع على المقر ينبغي أن لا يمنعه الشارع، لتمكين المقر له باقراره
كنظائره السابقة وغيرها، وعلى التقديرين إذا أكذب نفسه وجب عليه
رد ما أخذه من المحلوف عليه وإن لم نقل برجوعه على المقر، لاعترافه
بعدم استحقاقه شيئا على الأول) وقد تبع بذلك كله ما في غاية المراد،
ومرجعه في الحقيقة إلى عدم التخيير.
وفي كشف اللثام جعل التخيير بين أن يصدقه ويكذب نفسه وبين
أن يكذبه ويثبت على ما كان عليه، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم
جائز، فإذا أكذب نفسه فقد أقر بعدم استحقاق شئ على الأول،
ولما أقر الثاني بالقتل أخذ باقراره.
والجميع كما ترى مناف لظاهر التخيير المقتضي جواز رجوعه على
كل منهما نحو البينتين والاقرارين، وذلك لا يتم إلا إذا قلنا بعدم اعتبار
الحلف من الولي وأن له الأخذ بوقوعها من قومه مثلا أو مع غيرهم ممن
275

حلف من الأولياء، فإنه حينئذ ليس بحالف ولا عالم، وإنما له أمارتان
يتخير في الأخذ بكل منهما، نحو ما سمعته في الاقرارين والبينتين مع عدم
الدعوى منه بمقتضى واحد منهما.
وعلى هذا يتجه ما في الخلاف، كما أنه يتجه ما في المبسوط في خصوص
الحالف العالم الذي هو مكذب للمقر باقراره المستمر على ذلك، وحينئذ
لا خلاف بين الكتابين.
ونظيرة يتفرع على ما عند العامة من جواز الحلف بالظن، فإذا
حلف وثبت حقه بالقسامة فأقر آخر كان له الرجوع على كل منهما،
لحصول الأمارتين له، والفرض عدم علم له بما ينافي، كما أنه لا إشكال
في جواز الرجوع له على المقر بعد تكذيب نفسه ومصادقة المقر له على
ذلك، لأن الحق لا يعدوهما فتأمل جيدا.
المسألة (الرابعة:)
(إذا اتهم) رجل بالدم (والتمس الولي) الحاكم (حبسه
حتى يحضر بينته ففي إجابته تردد) ولكن المحكي عن الشيخ وأتباعه
والصهرشتي والطبرسي ذلك، وتبعه الفاضل في القواعد وغيره (ومستند
الجواز رواية السكوني (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن النبي
(صلى الله عليه وآله) كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام، فإن جاء
الأولياء ببينة) ولفظ الخبر (أولياء المقتول) (ثبتت وإلا خلى
سبيلهم) ولفظ الخبر (سبيله).

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب دعوى القتل.
276

(و) لكن في (المستند (السكوني خ ل) ضعف) بالسكوني
يمنع من العمل به في ما خالف أصل البراءة وغيره، إذ هو تعجيل عقوبة
لا مقتضي له، ولذا كان خيرة الحلي والفخر وجده وغيرهم على ما حكي العدم.
وفي محكي المختلف (التحقيق أن نقول: إن حصلت التهمة للحاكم
بسبب لزم الحبس ستة أيام عملا بالرواية وتحفظا للنفوس عن الاتلاف،
وإن حصلت لغيره فلا عملا بالأصل) وفيه أنه خروج عن إطلاق الرواية.
كتقييد المصنف أصل الحكم بالتماس المدعي الخالي عنه لفظ الخبر بل وفتوى
الشيخ، نعم لو لم يرد حبسه لم يكن للحاكم ذلك، ضرورة كون الحق
له، ولعل المصنف أخذ ذلك من اعتبار طلب ذي الحق في الأخذ له بحقه.
وعلى كل حال فلا يخلو العمل بالخبر المزبور هنا من قوة، لاعتضاده
بعمل من عرفت، وحكاية الاجماع على العمل بأخبار الراوي المزبور
الذي في غالب رواياته التوقيع عنه المؤيد بتتبع كثير من المقامات المنفرد
في روايتها، وبغير ذلك مما يقتضي السكون إلى رواياته، وخصوصا في المقام
المطلوب فيه الاحتياط والتحفظ.
بل عن الإسكافي الحبس سنة وإن لم نجد له شاهدا، ويمكن قراءته
بالتاءين لا بالنون، فيكون موافقا للشيخ أيضا، كالمحكي عن ابن حمزة
من التقييد بالثلاثة، فإنه لا شاهد له سوى القياس على التأجيل بها في
غير المقام.
نعم الظاهر اختصاص الحكم بالقتل دون الجراح اقتصارا في ما خالف
الأصل على المتيقن من الخبر المزبور، بل لعله الظاهر منه بقرينة آخره
وإن أطلق الدم في صدره، والله العالم.
277

(الفصل الرابع)
(في كيفية الاستيفاء)
لكن لا بد أن يعلم أنه لا خلاف معتد به بيننا في أن (قتل العمد
يوجب القصاص لا الدية) عينا قطعا بل ضرورة، ولا تخييرا، بل
عن ابن إدريس نفي الخلاف فيه تارة ونسبته إلى الأصحاب أخرى
والاجماع عليه ثالثة، بل قال: (إنه ظاهر الكتاب (1) والمتواتر من
الأخبار (2) وأصول مذهبنا) وفي المبسوط أنه الذي نص عليه أصحابنا
واقتضته أخبارهم، بل عن الخلاف عليه اجماع الفرقة وأخبارهم، بل
في الغنية الاجماع عليه أيضا، بل هو محصل، إذ لم يحك الخلاف إلا عن
العماني والإسكافي، بل الأول منهما لا صراحة في كلامه فيه، قال: (فإن
عفا الأولياء لم يقتل وكانت عليه الدية لهم) وهي محتملة للوجوب عليه
حفظا للنفس لا التخيير كما ستعرفه ولذا اقتصر غير واحد على نسبة
الخلاف فيه إلى الثاني، وعبارة المقنعة والنهاية والمراسم وإن أوهم
صدرها ذلك حتى توهمه بعض الناس فشدد النكير لكنها صريحة بعد
ذلك في موافقة الأصحاب.
ويدل عليه مضافا إلى ذلك ظاهر قوله تعالى: (النفس

(1) سورة البقرة: 2 الآية 194 وسورة المائدة: 5 الآية 45.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب القصاص في النفس.
278

بالنفس) (1). (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (2)
وغيرها من آيات القصاص الذي معناه فعل المماثل والنصوص المتواترة (3)
المتضمنة لوجوب القود من غير إشعار بالتخيير الذي مقتضى الأصل
عدمه أيضا، وخصوص المعتبرة التي منها صحيح ابن سنان (4) عن الصادق
(عليه السلام) (من قتل مؤمنا متعمدا أقيد منه إلا أن يرضى أولياء
المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية
اثنا عشر ألف) الخبر.
وإلى قاعدة الاتلاف المقتضية للضمان بالمثل، وغير ذلك مما لا يكافؤه
النبويان اللذان لم نجدهما في طرقنا: أحدهما (5) (من قتل له قتيل فهو
بخير النظرين إما أن يفدى وإما أن يقتل) والثاني (6) (من أصيب بدم
أو خبل والخبل الجراح فهو بالخيار بين إحدى ثلاث: إما أن
يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو) الواجب تقييدهما بما عرفت في العقل
والفداء على معنى وأراد القاتل ذلك، كخبر العلاء بن الفضيل (7)
عن الصادق (عليه السلام) إنه قال: (والعمد هو القود أو يرضى
ولي المقتول) بل لعله ظاهر في إرادة وجوب القود أو تحصيل رضا
الولي، وهو لا نزاع فيه.
كما أنه لا إشكال في حمل المطلق المزبور على المقيد في صحيح

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 194.
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب القصاص في النفس.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب ديات النفس الحديث 19 - 13 من كتاب الديات.
(5) سنن البيهقي ج 8 ص 52.
(6) سنن البيهقي ج 8 ص 53.
(7) الوسائل الباب 1 من أبواب ديات النفس الحديث 19 - 13 من كتاب الديات.
279

ابن سنان الذي سمعته خصوصا مع ملاحظة غلبة رضا الجاني بالدية إذا
طلبها الولي.
وأما الاستدلال له بأن ولي الدم إذا رضي بالدية وأمكن القاتل
دفعها كان ذلك ذريعة إلى حفظ نفسه فيجب عليه حفظها كما يجب اقتداؤها
بالمال مع القدرة حيث يتوقف عليه مطلقا ففيه أولا أنه لا يقتضي ثبوت
التخيير للولي أصالة بين القصاص والدية، بل هو أمر آخر إن تم اقتضى
وجوب بذل الزائد عليها ولو أضعافها مع القدرة ورضا الولي.
ومن هنا مال جماعة من أصحابنا المخالفين لابن الجنيد في القول
المزبور إلى القول بوجوب البذل على الجاني، كالفاضل وولده، حيث
قربا الوجوب، بل عن الشهيد في الحواشي نفي البأس عنه تارة، وفيه
قوة أخرى، بل حكاه عن ابن إدريس، وفي اللمعة (وفي وجوبها على
الجاني بطلب الولي وجه، لوجوب حفظ نفسه) ونفى عنه البأس في
الروضة وإن ظنه أنه قول ابن الجنيد، لكنه اشتباه، وظاهر المسالك
القول به أو الميل إليه، وعن الكركي أنه جيد، ونفى عنه البعد في
مجمع البرهان، بل أطنب بعض مشائخنا في المفروغية من وجوب ذلك
عليه عقلا ونقلا وجبره عليه وأكثر من نقل العبارات والأمارات، إلا أنه
بعد التأمل لم يأت بشئ يعتد به.
بل ظاهر ما تسمعه من المصنف إن شاء الله والفاضل في القواعد
والإرشاد أو صريحه بل وصريح التحرير عدم الوجوب، بل هو الذي
فهمه غير واحد من المشهور، بل هو مقتضى الصحيح المزبور والأصل
وغيره، ولا دليل على وجوب حفظ النفس في المقام بعد تعلق حق
الغير بها والأمر باعطاء القصاص، وعلى كل حال فالفرض أنه بعد تسلميه
لا مدخلية له في ما ذكره ابن الجنيد من التخيير الأصلي للولي، ضرورة
280

كونه تكليفا على الجاني لاحقا للولي عليه، كما هو واضح.
وكيف كان (فلو عفا الولي على مال لم يسقط القود،
ولم تثبت الدية إلا مع رضا الجاني) عندنا خلافا لما سمعته من أبي علي من كونه
أحد فردي التخيير الذي يسقط بالاسقاط ويبقى الآخر، كما عن الشافعي
وأحمد وجماعة من العامة من وجوب الدية بالعفو وإن لم يرض الجاني.
إنما الكلام في المراد من العفو على مال الذي اشتهر التعبير به، فإن
كان المراد تعليق عفوه على الدية فلا ريب في بطلانه للتعليق وإن رضي
الجاني بذلك، وإن أريد به الشرطية الالزامية في صيغة إنشاء العفو كما هو
مقتضى قول المصنف: (ولو عفا) ولم يشترط فهو مبني على لزوم
الشرط في الايقاع مع رضا المشترط عليه، وهو لا يخلو من بحث بل منع
إلا في مثل الخلع ونحوه مما ثبت بالأدلة، ولذا ذكر غير واحد أنه على
المختار لا تثبت الدية إلا صلحا، بل يمكن في الفرض المزبور حصول
العفو وعدم لزوم الشرط على الجاني وإن كان الأقوى خلافه، باعتبار
اقتران قصد العافي بالمال ولو على جهة الشرطية الالزامية، ولذا قلنا في
العقود إن بطل الشرط بطل العقد، فتأمل جيدا، فإن مبنى صحة ذلك
ولزومه على دعوى استفادته من الأدلة وإن كان لم يحضرنا منها ما يدل
عليه بالخصوص، نعم قد يقال: إن إطلاق النصوص (1) صحة العفو
على مال المنزل على ما إذا رضي الجاني يدل عليه، مؤيدا باطلاق
أدلة العفو الشامل للفرض وغيره.
(ولو عفا ولم يشترط المال سقط القود، ولم تثبت الدية) عندنا
لما عرفته من أن الواجب القصاص، فمع فرض سقوطه من دون اشتراط
للمال لم يجب بعد شئ، رضي الجاني أو لم يرض، أطلق العفو أم صرح

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب القصاص في النفس.
281

بنفي المال، لانحصار الحق في القصاص، فإذا عفا فقد عفا عن كل ما
وجب له، فما عن العامة من القول بثبوت الدية مع إطلاق العفو واضح
الفساد، نعم يأتي ثبوت الدية على قول الإسكافي، لعدم انحصار الحق
عنده في القود الذي هو أحد فردي التخيير، فسقوطه لا ينافي بقاء الآخر.
(ولو بذل الجاني القود لم يكن للولي غيره) عندنا لما عرفت
(و) لكن (لو طلب الدية) أو الأقل أو الأكثر (فبذلها
الجاني صح) بلا خلاف ولا إشكال
(و) أما (لو امتنع لم يجبر) على البذل كما في القواعد والإرشاد للأصل وغيره مما سمعته سابقا
من تعلق الحق به ونحوه، وحينئذ فإما أن يقتص منه أو يعفو عنه مجانا،
إذ لا يجب عليه إلا بذل نفسه كما في التحرير، وهو صريح في ما ذكرناه
من عدم وجوب حفظ النفس، وإلا لاتجه جبره على ذلك مع امتناعه،
وعلى كل حال لا يجبر الولي على القبول لو بذل الجاني ولو أضعاف الدية
بلا خلاف (و) لا إشكال.
نعم (لو لم يرض الولي بالدية) بل طلب الزائد (جازت
المفاداة بالزيادة) ولو أضعاف الدية بلا خلاف ولا إشكال، ولكن
لا يجب بناء على ما عرفت من عدم الجبر الذي ذكره المصنف وغيره
ممن سمعت، بل لعل إطلاق المشهور وجوب بذل النفس على الجاني يقتضي
ذلك، ضرورة أن المتجه عليه بناء على وجوب حفظ النفس عدم بذلها
إلا مع الانحصار، وهو معلوم العدم.
(ولا يقضى بالقصاص) في النفس بسراية الجرح (ما لم يتيقن
التلف بالجناية) ولو بالبينة العادلة أو الاقرار (ومع الاشتباه يقتصر
على القصاص) أو الأرش (في الجناية لا في النفس) التي لم يثبت
استحقاق القصاص فيها، ضرورة أعمية الجناية من ذلك كما هو واضح.
282

(ويرث القصاص من يرث المال) كما عن المبسوط والسرائر
في موضع منها والتحرير والمختلف والإرشاد والإيضاح واللمعة والمسالك
والروض والروضة، بل عن المبسوط نسبته إلى الأكثر، بل قد يظهر
من ابن فضال الاجماع عليه كما ستسمع، من غير فرق بين الذكور
والإناث المتقربين بأنفسهم أو بالذكور أو بالإناث، لعموم أدلة الإرث
من آية أولي الأرحام (1) وغيرها، وإطلاق قوله تعالى: (2): (فقد
جعلنا لوليه سلطانا) بناء على إرادة الوارث من الولي فيها وغيرها مما
هو نحو من سائر نصوص القصاص.
(عدا الزوج والزوجة، فان‍) هما لا يستحقان قصاصا إجماعا
بقسميه نعم (لهما نصيبهما من الدية) إن أخذت الدية صلحا مثلا (في عمد
أو) أصلا في (خطأ) محض أو شبه العمد والعمد الذي يوجب
الدية كقتل الوالد الولد ونحوه بلا خلاف ولا إشكال، بل الاجماع بقسميه
عليه، بل لم أجد فيه مخالفا من العامة إلا من ابن أبي ليلى بناء منه على
زوال الزوجية بالوفاة، ولا ريب في فساده، لما عرفت، بل قد يعطيه
عموم نصوص الإرث أيضا، ولا ينافي ذلك ما في خبر السكوني (3) من
أن أمير المؤمنين (عليه السلام) (لا يورث المرأة من دية زوجها شيئا،
ولا يورث الرجل من دية امرأته ولا الإخوة من الأم من الدية شيئا)
بعد ضعفه ولا جابر واحتماله التقية أو كون القاتل أحدهما خطأ.
(وقيل) والقائل الشيخ في محكي النهاية والاستبصار ومختصر
الفرائض: (لا يرث القصاص إلا العصبة دون الإخوة والأخوات من

(1) سورة الأنفال: 8 الآية 75.
(2) سورة الإسراء: 17 الآية 33.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب موانع الإرث الحديث 4 من كتاب الفرائض.
283

الأم ومن يتقرب بها وهو الأظهر) عند المصنف كما عن الشهيد في
الحواشي، بل عن الحلي في موضع من السرائر إن كلالة الأم لا ترث
الدية ولا القصاص ولا القود بلا خلاف، بل قيل: إنه قد يظهر من
المقنعة والخلاف والكافي بناء على أن إرث القصاص مترتب على إرث
الدية، قلت: بل ينبغي على ذلك أن يكون خيرة غيرها أيضا، لما ستعرفه
من أن الأكثر أو المشهور على عدم إرث المتقرب بالأم لها لكن ستعرف
إمكان الفرق بين القصاص والدية بما ستسمع.
(وقيل: ليس للنساء) وإن تقربن بالأب (عفو ولا قود)
ولكن لم أعرف القائل به وإن حكي عن المبسوط وكتابي الأخبار إلا أني
لم أتحققه، نعم عن المهذب والايجاز وجنايات الخلاف أنه لا يرث الدية
النساء ممن يتقرب بالأب كما لا يرثها من يتقرب بالأم مطلقا، ومن المعلوم
أولوية القصاص من ذلك، فالعفو حينئذ منهن في غير محله، وفي كشف
اللثام حكاه الشيخ في المبسوط عن جماعة من الأصحاب، ورواه علي بن
الحسن بن فضال بسنده عن أبي العباس (1) أنه قال للصادق (عليه
السلام): (هل للنساء قود أو عفو؟ قال: لا، وذلك للعصبة)
قال علي بن الحسن: (هذا خلاف ما عليه أصحابنا) قلت: هو كذلك
بل خلاف مقتضى الأدلة أيضا.
(وكذا يرث الدية من يرث المال) من غير استثناء، كما عن
جراح المبسوط والخلاف في الميراث والوسيلة والمقتصر والمختلف والإرشاد
في الجنايات والروض، بل نسبه غير واحد إلى السرائر أو موضع منها
وإن أطنب في الرياض في فساد هذه النسبة، ولكن المثبت غير النافي،

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب موجبات الإرث الحديث 6 من كتاب الفرائض.
284

مع أن الأمر فيه سهل، لعموم الأدلة وإطلاق موثقة عمار (1) وغيره
وما عن العميدي من أن سنده الرواية فإن أراد المطلقة فهو حق وإن
أراد رواية خاصة صريحة فلم نعثر عليها.
(و) من هنا (كان البحث فيه كالأول، غير أن الزوج والزوجة
يرثان من الدية على التقديرات) كلها بلا خلاف ولا إشكال، بل
الاجماع بقسميه عليه، إنما الكلام في غيرهما، والكلام فيه كالكلام في
القصاص عند المصنف.
بل حكي استثناء المتقرب بالأم هنا عن المقنعة والنهاية والخلاف
والكافي والسرائر في الميراث وموضع من الجنايات والرسالة البصرية
والتنقيح وتعليق النافع والمسالك وغيرها من كتب متأخري المتأخرين، بل
نسبه غير واحد إلى الأكثر، بل عن الخلاف الاجماع عليه، مضافا إلى ما سمعته
من السرائر، للنصوص المستفيضة التي فيها الصحيح والموثق وغيرهما.
ففي الأول (2) (يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن
على المقتول دية إلا الإخوة والأخوات من الأم، فإنهم لا يرثون من
ديته شيئا) ونحوه آخران (3) لكن بدون ذكر الأخوات فيهما.
وفي الموثق (4) (لا يرث الإخوة من الأم من الدية شيئا).
وفي الخبر (5) (هل للإخوة من الأم من الدية شئ؟ قال: لا)

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب موانع الإرث الحديث 1 من كتاب الفرائض وهو
خبر إسحاق بن عمار كما تقدم في ج 39 ص 45 وأشار (قده) إليه أيضا في ص 47 منه.
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب موانع الإرث الحديث 1 - 5 - 6 من كتاب الفرائض.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب موانع الإرث الحديث 4 بطريقين من كتاب
الفرائض.
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب موانع الإرث الحديث 1 - 5 - 6 من كتاب الفرائض.
(5) الوسائل الباب 10 من أبواب موانع الإرث الحديث 1 - 5 - 6 من كتاب الفرائض.
285

إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بما عرفت المتمم ما فيها من خصوص
الإخوة والأخوات من الأم بعدم القول بالفصل وإن احتمله بعض،
وبأولويتهم من المتقرب بها من غيرهم، لظهورها في العرف الذي هو
المناط في حجيتها وإن كان قد يناقش في حجيته مثل هذه الأولوية، ولعله
لذا تردد فيها بعضهم، إلا أن الأول كاف في إثبات المطلوب، وبه
يقيد ويخص إطلاق وعموم ما دل على إرث الجميع لها.
بقي الكلام في شئ: وهو الجمع بين خيرة الأكثر هنا وبين خيرتهم
إرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة الظاهر في عدم الفرق
بين المتقرب بالأم وغيرها كما صرح به بعضهم، بل وبين قولهم: إن
الدية التي تثبت صلحا في القصاص يرثها من يرث المال مطلقا، وليس
إلا الفرق بين القصاص وديته وبين دية الخطأ وغيره مما تثبت فيه الدية
أصالة، بدعوى ظهور نصوص المقام فيها خاصة، أو اقتصارا على ما
خالف عموم أدلة الإرث واطلاقه على المتيقن الذي عرفته دون القصاص
والدية التي تثبت عنه. ومنه يعلم حينئذ عدم استفادة حكم إرث القصاص
من حكمه في الدية بدعوى المساواة أو الأولوية الذي منه أفتى المصنف
بما سمعت، فتأمل جيدا، فإن كلامهم لا يخلو من تشويش، وقد تقدم
بعض الكلام في المسألة في كتاب المواريث (1) فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (إذا كان الولي) للقصاص (واحدا
جاز له المبادرة) من غير إذن الإمام (عليه السلام) أو نائبه، كما
عن موضع من المبسوط واختاره الفاضل وولده والشهيدان وأبو العباس
والمقدس الأردبيلي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل في المسالك
نسبته إلى الأكثر، وفي الرياض إلى أكثر المتأخرين بل عامتهم.

(1) راجع ج 39 ص 47 - 48.
286

وفي محكي الخلاف (لا ينبغي أن يقتص بنفسه، لأن ذلك للإمام (عليه السلام) أو من يأمره بلا خلاف) وعن الغنية ولا يستقيد إلا
سلطان الاسلام أو من يأذن له في ذلك، وهو ولي من ليس له ولي، إلى
أن نفى الخلاف في ذلك كله، وفهم منهما بعض الناس اعتبار الإذن مائلا
إليه، وهو القول الآخر المحكي عن المقنعة والمهذب وموضع آخر من
المبسوط واختاره الفاضل في القواعد.
ولعل وجهه ما سمعته من الغنية والخلاف وما في بعض الأخبار من
الاشعار كما في الرياض وهو قول الباقر (عليه السلام) (1):
(من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة) وقريب
منه غيره مؤيدا بالاحتياط وبما قيل من أنه يحتاج في إثبات القصاص
واستيفائه إلى النظر والاجتهاد، ولاختلاف الناس في شرائطه وفي كيفية
استيفائه، لخطر أمر الدماء.
وإن كان هو كما ترى، ضرورة كون المفروض اعتبار الإذن بعد
العلم بحصول مقتضى القصاص، وعلم المستوفي بالشرائط عند مجتهده على
وجه لم يفقد إلا الإذن، والاحتياط غير واجب المراعاة عندنا، ونفي
الخلاف المزبور غير محقق المعقد، لاحتمال إرادة الكراهة منه، بل قيل:
إنه الظاهر. قلت: خصوصا بعد أن كان المتجه المحكي عنه فيه عدم
التعزير على ذلك، ولو كان محرما وجب التعزير عليه، وعلى تقديره
فهو موهون بمصير أكثر المتأخرين إلى خلافه، وبأنه ليس بحجة، وكذا
الكلام في معقد نفي الخلاف في الغنية الذي هو في نفسه غير موثوق به
ولا بإرادة الاجماع منه على المطلوب، بل قيل: إنه ظاهر في خصوص
من اعتاد قتل العبيد وأهل الذمة الذي هو من الحدود لا القصاص،

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب القصاص في النفس الحديث 8.
287

والاشعار المزبور بعد تسليمه لا يصلح للحجية، فلا دليل حينئذ يعتد به
في معارضة إطلاق الأدلة أو عمومها المقتضي كونه كالشفعة وغيرها من
الحقوق التي لا يعتبر في استيفائها إذن الإمام (عليه السلام).
(و) لكن مع ذلك (الأولى) والأحوط (توقفه على
إذن الإمام (عليه السلام) خروجا عن شبهة الخلاف واحتياطا في
الدماء (و) أما ما (قيل) من أنه (تحرم المبادرة) كما
سمعته فلا دليل معتد به عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه.
(و) على كل حال فليس المراد من الحرمة بناء على القول بها
إلا أنه (يعزر لو بادر) وإلا فلا قصاص عليه ولا دية بلا خلاف
ولا إشكال، ضرورة أنه قد استوفى حقه وإن أثم بترك الاستئذان، بل عن
الشيخ في الخلاف نفي التعزير عنه أيضا، وهو غير مناسب للحرمة،
فذلك قرينة منه على إرادة الكراهة من معقد نفي خلافه كما ذكرناه سابقا.
(و) كيف كان ففي المتن وغيره أنه (تتأكد الكراهة في
قصاص الطرف) ومنه يعلم ثبوت الكراهة بمخالفة الأولوية المزبورة،
والوجه فيهما ما عرفته من الخلاف في ذلك، فيكون فعله شبهة منهيا
عنها نهي تنزيه، وخصوصا في الطرف المحكي عن المهذب والمقتصر
الاجماع على توقف الاقتصاص فيه على الإذن وإنما الخلاف في النفس
وإن كان التتبع لكلمات الأصحاب يشهد بخلاف الاجماع المزبور الذي يحتمل
أنه استنبطه حاكيه من توهم كون قصاص الطرف من الحدود المعلوم
توقفها على ذلك، ولجواز التخطي فيه مع كون المقصود معه بقاء النفس
بخلاف القتل، ولكونه في معرض السراية، ولئلا تحصل مجاحدة، إلى
غير ذلك مما يناسب شدة الكراهة في استيفائه بدون إذن الإمام (عليه
السلام) لا المنع، إذ هي جميعا كما ترى، فالاجماع المزبور حينئذ
288

في غير محله، والله العالم.
(وإن كانوا) أي الأولياء (جماعة لم يجز الاستيفاء إلا بعد
الاجتماع) مع الإذن من الإمام (عليه السلام) على القول به عند الفاضل
والشهيدين والمقداد والأردبيلي والكاشاني، بل في غاية المرام أنه المشهور
على معنى استيفائهم إياه أجمع (إما بالوكالة) لأحد خارج عنهم
(أو بالإذن لواحد) منهم لا أن المراد ضرب كل واحد منهم إياه،
نعم قد يتصور في بعض الأفراد ضرب الجميع إياه بالسيف ضربة واحدة.
فإن وقعت المنازعة في الإذن لمن يستوفيه منهم وكانوا كلهم من
القادرين على استيفائه أقرع، ولو كان فيهم من لا يحسنه كالامرأة والمريض
والضعيف فالأقرب إدخاله في القرعة أيضا ولو بأن يوكل في استيفائه.
(وقال الشيخ) في المبسوط والخلاف: (يجوز لكل منهم المبادرة،
ولا يتوقف على إذن الآخر) وهو المحكي عن أبي علي وعلم الهدى والقاضي
والكيدري وابني حمزة وزهرة، بل في مجمع البرهان نسبته إلى الأكثر،
بل عن المرتضى والخلاف والغنية وظاهر المبسوط الاجماع عليه، بل عن
الخلاف نسبته إلى أخبار الفرقة أيضا، وهو الحجة بعد تأييده ببناء
القصاص على التغليب، ولذا إذا عفا الأولياء إلا واحدا كان له القصاص
مع أن القاتل قد أحرز بعض نفسه، وبأنه إذا جاز القصاص مع عفو
الباقين وإحراز القاتل بعض نفسه فمع السكوت أو الجهل وعدم الاحراز
أولى، وبأن ثبوت السلطان للولي يقتضي تسلط كل واحد منهم على ذلك
منفردا، كما هو مقتضى الإضافة، وإلا لم يتم له السلطان، وبأن الباقين
إما أن يريدوا قتله أو الدية أو العفو، والفرض أن الأول قد حصل، والدية
مبذولة من القاتل، والعفو باق في محله، فإن المقصود به المثوبة وهي
موجودة، وبأنه مخالف لما أجمع عليه العامة أو معظمهم الذين جعل الله
289

الرشد في خلافهم، وبأن اشتراك الحق المزبور ليس على حسب غيره من
الأموال التي لا يجوز التصرف فيها بدون إذن الشريك، بل المراد من
اشتراكه أن لكل واحد منهم استيفاءه لا كونه بينهم على الحصص،
ولا أنه حق للمجموع من حيث كونه كذلك، ضرورة عدم تعقل الأول،
ومنافاة الثاني لبقائه مع عفو البعض، وغرم الدية إنما هو لدليله لا لاشتراكه،
بل لعل ذلك ظاهر كل ما يستفاد من كون القصاص لأوليائه من كتاب
أو سنة بعد العلم بعدم إرادة المجموع من حيث كونه كذلك، ولعله لذا
نسبه في ما سمعته من الخلاف إلى أخبار الفرقة.
ومن ذلك يعلم ما في دليل الأول الذي هو الاشتراك في حق لا يقبل
التبعيض، فلا بد من اتفاق الجميع على استيفائه، بل لا دليل لهم غيره،
إذ قد عرفت أن ذلك يقتضي استبداد كل واحد منهم نحو الخيار والشفعة
الموروثين، لا اعتبار الاجتماع في استيفائه الذي قد يترتب عليه ضرر لو
كان الشريك غائبا أو قاصرا، ولذا حكي عن ظاهر المبسوط الاجماع أيضا
على عدم اعتبار الإذن فيه، بل هو مندرج في معقد إجماع الغنية، بل
عن الخلاف دعوى إجماع الفرقة وأخبارهم عليه أيضا، وستسمع الكلام
فيه إن شاء الله.
ومن الغريب بعد ذلك كله معارضة ما سمعت بما عن غاية المرام
من الشهرة التي إن لم تحتمل إرادة المتأخرة كانت خطأ قطعا، مضافا
إلى معارضتها بما سمعته من الأردبيلي من دعواها على خلافه، بل وإلى
ما يظهر من كلمات القدماء وإجماعاتهم من كون ذلك معلوما من مذهبهم
في مقابلة العامة، وأنه مفروغ منه عندهم حتى ردوهم بكونه مجمعا عليه
عندنا، فلو سلم اقتضاء قاعدة الشركة ذلك كان المتجه الخروج عنها
ببعض ما عرفت فضلا عن جميعه.
290

وحينئذ فلا إشكال في جواز الاستيفاء من دون إذن (لكن
يضمن) حينئذ (حصص من لم يأذن) بلا خلاف ولا إشكال،
بل الاجماعات المزبورة كلها عليه، نعم قد يقال بظهورها في اعتبار
الضمان قبل القتل، إلا أن الأقوى كونه ضمانا شرعيا على معنى كون
الاستيفاء المزبور من أسباب الضمان على المستوفي فلا وجه لاعتبار سبقه.
هذا كله على المختار.
أما على الأول فيحتمل كونه كذلك وإن أثم، بل هو الأقوى،
ضرورة عدم اندراجه في موضع القصاص بعد أن كان من المستحقين له،
لكن مع ذلك احتمله الفاضل وتبعه غيره، لأنه استوفى أكثر من حقه،
فهو عاد في الزائد على حقه فيترتب عليه القصاص، بل قد يقال بعد
عدم جواز الاستيفاء له إنه يكون كقتل الأجنبي له الذي لا ريب في
ترتب القصاص عليه.
وحينئذ يتجه وجوب دية الأب المقتول أولا في تركة الجاني بناء
على وجوبها كذلك بفوات محل القصاص، لأنه لم يقع قتل الجاني قصاصا،
فيكون كما لو قتله أجنبي، فإن اقتص وارث الجاني من الابن القاتل أخذ
وارث المقتص منه والابن الآخر الدية من تركة الجاني وكانت بينهما نصفين،
وإن عفا على الدية فللأخ الذي لم يقتل نصف الدية في تركة الجاني،
وللأخ القاتل النصف أيضا ولكن عليه دية الجاني بتمامها، ويقع الكلام
في التقاص فقد يصير النصف بالنصف قصاصا ويأخذ وارث الجاني النصف
الآخر، وقد يختلف المقدر بأن يكون المقتول رجلا والجاني امرأة،
فيحكم في كل منهما بما يقتضيه الحال.
والأمر في ذلك سهل بعد سقوط ذلك من أصله على المختار، ضرورة
عدم القصاص عليه بعد أن كان مستوفيا لحقه، وعدم صدق القتل ظلما عليه
291

وغير ذلك مما هو واضح، ولا أقل من أن يكون شبهة دارئة عنه ذلك ولو
لأجل الخلاف فيه، قال الشهيد في غاية المراد: (ويتفرع على القولين
التعزير لو قتل وعدمه، أما القتل فالأقرب عندنا أنه لا يقتل لأنه مهدر
بالنسبة إليه في بعضه، ولأنه شبهة، لتجويز علماء المدينة والشيخ استبداد
كل وارث، والخلاف في إباحة السبب شبهة).
نعم في المسالك تبعا للقواعد في رجوع أخيه بالنصف المستحق له
أوجه: أحدها على أخيه القاتل، لأنه المستوفى لحقه، نحو ما إذا أودع
انسان وديعة ومات عن اثنين فأتلفها أحدهما من دون تفريط من المودع،
فإنه يختص بالرجوع عليه دون المودع. ثانيها الرجوع على تركة الجاني،
لأنه بتعديه في القتل صار كما لو قتل أجنبي، فإن الرجوع حينئذ على
تركة الجاني بفوات محل القصاص، وفرق واضح بين ذلك وبين مسألة
الوديعة بعدم ضمان الوديعة على المودع، بخلاف نفس الجاني المضمونة
عليه لو مات أو قتله أجنبي، ولأنه لو كانت دية المقتول أولا أقل من دية
القاتل بأن كان مسلما والجاني ذميا فقتله أحد ابني المسلم لأن له قتله وله استرقاقه
فالواجب على الابن القاتل نصف دية الذمي، والثابت لأخ القاتل نصف
دية المسلم، فإن قلنا: إنه يأخذ حقه من أخيه لم يكن له أن يأخذ مجموع
حقه، فلا رجوع له حينئذ إلا على تركة الجاني وإن كان على المستوفي
أن يؤدي إلى ورثة المقتول ما زاد على حقه وهو نصف ديته. وثالثها
التخيير بين أخذ حقه من أخيه ومن تركة الجاني تنزيلا لهما منزلة الغاصب
والمتلف من يده، وهذا أقوى، وهو الذي رجحه في القواعد وولده
في الشرح، ولكن إن رجع على تركة الجاني كان على المستوفي أن يرد
على ورثته ما زاد على حقه، وإن رجع على المستوفي وكان القاتل أقل
دية من المقتول الأول كان للمستوفي أخذ الفاضل من تركة القاتل).
292

قلت: قد يقال: إن الثاني منهما مناف لما سمعته من الاجماع على
ضمان الأخ حصص الباقين، واحتمال إرادة تأدية المقتص له ولوالي ورثة
المقتص منه من الضمان خلاف الظاهر، بل يمكن القطع بعدمه، بل لعله
مناف للثالث أيضا، ضرورة تعلق الحق بذمته بعد أن كان مأذونا في
الاستيفاء على الوجه المزبور، بل لا وجه للرجوع على تركة الجاني بعد
استيفاء تمام الحق منه على الوجه الشرعي كما هو المفروض.
على أنك قد عرفت أن الضمان المزبور على خلاف مقتضى القواعد
وإنما كان لدليله المستفاد من حكم العفو وغيره مما سيأتي أو من الاجماع
المحكي أو غير ذلك، فيكون هو المتبع، ومقتضاه تعلق ضمان الحصص
بذمة المستوفي، فتأمل جيدا.
وحينئذ فلو أبرأ أخاه برئ، بخلاف ما لو أبرأ وارث الجاني الذي
لا حق له عليه، نعم لو أبرأ وارث الجاني الابن القاتل من الدية إذا
قلنا بثبوتها له عليه لم يسقط النصف الذي ثبت عليه لأخيه، وأما النصف
الثابت للوارث فيبني على أن التقاص هل يحصل في الديتين بنفس الوجوب
أم لا؟ فإن قلنا به فالعفو لغو، لحصول السقوط، وإن قلنا لا يحصل
حتى يتراضيا صح الابراء وسقط ما وجب للوارث على الابن القاتل من
النصف في تركة الجاني، وإن قلنا: إن حق الذي لم يقتل في تركة
الجاني لا على أخيه فلوارث الجاني على الابن القاتل دية تامة،
وله في تركة الجاني نصف الدية، فيقع النصف في التقاص، ويأخذ
وارث الجاني منه النصف، وحينئذ فابراء الذي لم يقتل أخاه لاغ،
لأنه لا شئ له عليه، ولو أبرأ وارث الجاني صح، ولو أسقط وارث
الجاني الدية عن الابن القاتل فإن قلنا يحصل التقاص بنفس الوجوب فقد
سقط النصف كما وجب، ويؤثر الاسقاط في النصف الآخر، فلا يبقى
293

لأحدهما على الآخر شئ، وإن قلنا: لا يقع التقاص إلا بالتراضي سقط
حق الوارث باسقاطه وبقي للابن القاتل نصف الدية في تركة الجاني،
كذا في المسالك، ولا يخلو بعضه من نظر فتأمل جيدا.
(وينبغي للإمام (عليه السلام) ونائبه (أن يحضر عند
الاستيفاء شاهدين) عارفين (فطنين) بمواقعه وشرائطه (احتياطا) في
الدماء (ولإقامة الشهادة إن حصلت مجاحدة) بين المقتص وأولياء
المقتص منه فيؤدي ذلك إلى أخذ الدية أو قضاء القاضي بعلمه مع احتمال
اتهامه، وقد عبر غير واحد بالاستحباب، ويمكن أن يكون المراد مما في
المتن ونحوه وإن كنا لم نعثر على أثر فيه بالخصوص، وما سمعته أقصاه
الارشاد الذي يمكن منع كونه مستحبا مع عدم ورود الأمر به، ولكن
الأمر في الندب سهل للتسامح.
(و) أن (يعتبر الآلة لئلا تكون مسمومة) مفسدة للبدن
بتقطع ونحوه مما يحصل به هتك حرمته وتعسر غسله ودفنه، ولا ريب
في عدم وجوب الاعتبار للأصل وغيره.
نعم قد يظهر من المصنف وغيره ممن عبر كعبارته عدم جواز
الاستيفاء بالآلة المسمومة، وبه صرح في القواعد والمسالك ومحكي المبسوط،
ولكن لا شئ عليه من دية أو غيرها إلا التعزير الذي صرح به في
المبسوط قال: (لأنه بمنزلة جناية عليه بعد استيفاء القصاص، فهو كما
لو قتله ثم عاد فقطعه أو حرقه) ولكن عن موضع آخر منه بعد الحكم
بأنه لا يقتص بالمسموم لعدم إمكان تغسيله، قال: (إن مقتضى المذهب
الجواز، لأنه يغسل أولا ويكفن ثم يقام عليه القود، ولا يغسل بعد
موته).
قلت: لكن ذلك لا يدفع هتك الحرمة الحاصل بالتهري ونحوه،
294

نعم لو لم يحصل ذلك منه عادة إلا بعد الدفن اتجه جوازه، لعدم زيادة
العقوبة وعدم هتك الحرمة فيبقى على إطلاق الأدلة. و (خصوصا) إذا كان
قد قتل بها وإن كان الأولى العدم مطلقا. هذا كله في قصاص النفس.
أما (في قصاص الطرف) فلا خلاف ولا إشكال في تحريمه.
لأن المقصود معه بقاء النفس، والمسموم يجهز عليه غالبا (و) حينئذ
ف‍ (لو كانت) الآلة (مسمومة فحصلت منها جناية بسبب السم
ضمنه) الولي المباشر مع العلم بلا خلاف ولا إشكال، فيدفع نصف
الدية إليه، لأن موته كان من أمرين: أحدهما مضمون والآخر غير
مضمون، أو يقتل بعد رد نصف الدية إليه، نحو ما سمعته سابقا في ما
لو جرح مرتدا فأسلم ثم جرحه آخر فمات من سراية الجرحين، وكذا
الحال لو سرى السم فجنى على عضو آخر ولم يؤد إلى الموت، فإنه يضمن
ما جنى عليه السم دية وقصاصا.
ومن ذلك كله يعلم ما في المسالك من أنه لا قصاص عليه لو مات به،
لأن تلفه من مستحق وغير مستحق فيجب عليه نصف الدية، وأنه لو علم
أن مثله يوجب الموت اقتص منه بعد أن يرد عليه نصف الدية.
ولو كان المستوفي غير الولي فالضمان على الولي إن دفع إليه الآلة
المسمومة، وهو لا يعلم، ولو علم فكالولي. هذا ولكن في قواعد الفاضل
(وإن كانت الجناية طرفا وحصلت جناية بالسم ضمنه المباشر إن علم،
وإلا فلا يضمنه إلا أن يكون هو الولي فيضمن، أما غيره فالحوالة في
الضمان على الولي إن دفع إليه آلة مسمومة ولم يعلم) ولعل وجه الفرق
بينهما أن على الولي البحث عن حال السيف، فهو مفرط بتركه، وأما
غيره فهو بمنزلة آلة له ليس عليه إلا استعمال السيف الذي تناوله، قيل:
وأما إن لم يكن السيف مما ناوله الولي إياه بل كان سيف نفسه أو تناوله
295

من غيره فعليه البحث، وعليه الضمان، ولكن لا يخفى عليك ما في
ذلك، والله العالم.
(ويمنع من الاستيفاء بالآلة الكالة تجنبا للتعذيب) بلا خلاف
أجده للنبوي (1) (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) وللأمر باراحة الذبيحة
وتحديد الشفرة للذبح (2) ففي الآدميين أولى
(و) لكن (لو فعل أساء) وعزر (ولا شئ عليه) من دية ونحوها، وظاهر الأصحاب
أو صريحهم عدم الفرق في ذلك بين من قد قتل بالكال أو لا، ولكن
في المسالك بعد اعترافه بأن الأصحاب على ما سمعت احتمل جواز قتله
بالكال حينئذ، لعموم الأمر (3) بالعقوبة المماثلة التي ستعرف الحال في
نظائرها.
(ولا يقتص إلا بالسيف،
ولا يجوز التمثيل به، بل يقتصر على ضرب عنقه ولو كانت جنايته بالتغريق أو بالتحريق أو بالمثقل أو
بالرضخ) وفاقا للأكثر كما في المسالك، بل المشهور كما في غيرها،
بل عن المبسوط (عندنا) تارة (ومذهبا) أخرى، بل عن الغنية
(لا يستقاد إلا بضرب العنق، ولا يجوز القتل بغير الحديد وإن فعل
ذلك بلا خلاف) بل في التنقيح والروضة الاجماع عليه، بل في محكي
الخلاف إجماع الفرقة وأخبارهم على أنه إذا قتل غيره بما فيه القود من
السيف والحرق والغرق والخنق أو منع من الطعام والشراب أو غير ذلك
فإنه لا يستقاد منه إلا بحديدة، ولا يقتل مثل ما قتله.
وهو الحجة بعد النهي في أخبار كثيرة عن المثلة به (4) وأنها

(1) سنن البيهقي ج 8 ص 60.
(2) سنن البيهقي ج 8 ص 60.
(3) سورة النحل: 16 الآية 126.
(4) الوسائل الباب 62 - من أبواب القصاص في النفس والمستدرك الباب 51 منها.
296

لا تجوز في الكلب العقور (1) وأنها من الاسراف في القتل المنهي عنه (2).
وخبر موسى بن بكير (3) عن الكاظم (عليه السلام) (في رجل
ضرب رجلا بعصا فلم يرفع العصا حتى مات، قال: يدفع إلى أولياء
المقتول، لكن لا يترك يتلذذ به، ولكن يجاز عليه بالسيف) ونحوه
حسن الحلبي (4) وصحيح الكناني (5) (سأل الصادق (عليه السلام)
عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه حتى مات أيدفع إلى ولي
المقتول فيقتله؟ قال: نعم، ولا يترك يعبث به، ولكن يجيز عليه)
ومثله من دون تفاوت صحيح سليمان بن خالد (6) إلى غير ذلك من
النصوص.
ولم نجد خلافا في ذلك إلا ما يحكى عن أبي علي من جواز قتله بمثل
ما قتل مطلقا في رواية، وإن وثق بأنه لا يتعدى في أخرى، وربما حكي عن
ابن أبي عقيل أيضا، وعن الجامع أنه يقتص بالعصا ممن ضرب بها، كل
ذلك للآية (7) والنبوي (8) (من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه)
وفي آخر (9) (أن يهوديا رضخ رأس جارية بالحجارة فأمر (صلى الله
عليه وآله) فرضخ رأسه بالحجارة).
نعم في المختلف بعد الاستدلال له بالآية (وهو وجه قريب) وفي

(1) الوسائل - الباب - 62 من أبواب القصاص في النفس والمستدرك الباب 51 منها
(2) الوسائل الباب 62 من أبواب القصاص في النفس.
(3) الوسائل - الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 10 - 12.
(4) الوسائل الباب 11 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
(5) الوسائل الباب 11 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
(6) الوسائل - الباب 11 من أبواب القصاص في النفس الحديث 10 - 12.
(7) سورة البقرة: 2 الآية 194.
(8) سنن البيهقي ج 8 ص 43.
(9) سنن البيهقي ج 8 ص 42.
297

المسالك (لا بأس به) وفي مجمع البرهان (الظاهر الجواز إن لم يكن
إجماع، والظاهر عدمه كما يفهم من شرح الشرائع) مع أنه قال في الروضة:
(هو متجه لولا الاتفاق على خلافه) قلت: بل ومع عدمه (1) ضرورة
عدم الجابر للنبوي الأول (2) المعارض بغيره من النصوص (3) التي فيها
النبوي وغيره، والآخر (4) قضية في واقعة في اليهودي، والآية (5)
بعد خروج كثير من أفراد الاعتداء منها وما سمعته من النصوص وغيرها
يجب حملها على إرادة المماثلة في أصل الاعتداء في القتل، فلا ريب في
ضعف القول المزبور، وإن جنح إليه من عرفت.
بل الظاهر الاقتصار في الكيفية المزبورة على ضرب الرقبة، كما هو
الموجود في عبارات الأصحاب من المقنعة إلى الرياض، فإن ضرب بالسيف
لا عليها فإن كان عن عمد عزر، ولكن لا يمنع بعد من الاستيفاء إن
أحسنه، وإن ادعى الخطأ صدق بيمينه إن كان قد وقع في ما يخطئ
بمثله، كما إذا وقع على الكتف ونحوه، وإن كان بموضع لا يقع الخطأ
بمثله كأن وقع بوسطه أو رجله لم يسمع وعزر، ولكن على كل حال
لا يمنع من الاستيفاء إن أحسنه، خلافا لما عن بعض العامة فمنعه، ولا ريب
في ضعفه.

(1) هكذا في النسختين الأصليتين: المسودة والمبيضة، والعبارة مشوشة، والأولى
هكذا " قلت: بل لا يمكن الالتزام به مع عدمه " أي عدم الاجماع والاتفاق، فإن
قوله (قده): " ضرورة عدم الجابر " إلى آخره تمهيد لاسقاط القول بالجواز.
(2) سنن البيهقي ج 8 ص 43.
(3) الوسائل الباب 62 من أبواب القصاص في النفس وسنن البيهقي ج 8 ص 63.
(4) سنن البيهقي ج 8 ص 42.
(5) سورة البقرة: 2 الآية 194.
298

وعلى كل حال فالأولى مراعاة الرقبة، بل الأولى كونه بالسيف
كما في أكثر العبارات وإن زيد في النافع ومحكي المبسوط (وما جرى
مجراه) وعبر في محكي النهاية والخلاف والغنية بالحديد، بل ظاهر
الأصحاب اعتبار الضرب دون النحر والذبح، نعم في الروضة تقييده بما
إذا كان الجاني أبانه، وإلا ففي جوازه نظر من صدق استيفاء (النفس
بالنفس) (1) ومن بقاء حرمة الآدمي، قلت: لعل الأقوى الأول،
هذا وليعلم أنه لو خالف لم يترتب عليه غير التعزير في جميع ذلك.
ثم إن الظاهر استثناء القتل بالسحر الذي عمله محرم على قول ابن الجنيد،
وكذا القتل بالجماع قبلا ودبرا وبايجار الخمر، وعن العامة قول بأنه إذا
أوجره خمرا يوجره ماء حتى يموت، ولو قتله باللواط اتخذ آلة شبيهة
بآلة اللواط فيصنع به مثل ذلك حتى يموت مراعاة لما يمكن من الماثلة
التي من المعلوم عدم وجوب مراعاتها من كل وجه كما عرفت، ولكن
لو فعل كذلك لم يكن عليه إلا الإثم دون الضمان، لأنه مهدور الدم
بالنسبة إليه، نعم ستعرف الكلام في خصوص من جرح جراحات
للاقتصاص حتى ظن أنه مات ثم برئ.
وكذا لا ضمان أيضا على من اقتص من الملتجئ إلى الحرم وإن أثم
لعموم آيات الأمن (2) والاجماع، كما عن الخلاف وقوله (صلى الله
عليه وآله) (3): (إن أعتى الناس على الله القاتل غير قاتله والقاتل
في الحرم) ولكن يضيق عليه في المطعم والمشرب إلى أن يخرج منه ثم

(1) سورة المائدة: الآية 45.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 126 وسورة آل عمران الآية 97 وسورة إبراهيم: 35
الآية 14 وسورة القصص: 57 الآية 28 وسورة العنكبوت: 67 الآية 29.
(3) المستدرك الباب 8 من أبواب القصاص في النفس الحديث 7.
299

يستوفي منه.
بل عن النهاية والمهذب إلحاق مشاهد الأئمة (عليهم السلام) بل
لعله ظاهر المحكي عن السرائر أيضا، ولا بأس به.
نعم لو جنى في الحرم اقتص منه فيه كما لم ير له حرمة، والاحرام
لا يقتضي التأخير، لعدم الدليل.
ولو التجأ إلى بعض المساجد غير المسجد الحرام أخرج منه وأقيم عليه
القود حذرا من تلويث المسجد، فإن طلب القصاص في المسجد تعجيلا
كان له ذلك ومع من التلويث، بأن يفرش فيه الأنطاع ونحوه إن لم
يحرم إدخال النجاسة مطلقا وإلا لم يجب إليه.
ولو هرب إلى ملك إنسان أخرجه الحاكم أو الولي بإذنه أو قلنا
باستقلاله، واستوفى منه خارجا مع عدم إذن المالك للمنع عقلا وشرعا
من شغل ملك الغير من دون إذنه، والله العالم.
(وأجرة من يقيم الحدود) ويستوفى القصاص إذا لم يستوفه الولي
ولا تبرع به (من بيت المال) لأنها من المصالح العظيمة المعد لها
(فإن لم يكن بيت المال أو كان هناك ما هو أهم) منه كالجهاد
(كانت الأجرة على المجني عليه) دون المستوفي كما عن الخلاف،
لأنها من مؤونة التسليم الواجب على الجاني فهي كأجرة الكيال الواجبة
على البائع، ولعل الأقوى وجوبها على المستوفي كما عن المبسوط، لأنه
عامل له، فأجرته عليه، وإنما على الجاني التمكين لا الفعل، ولذا لو أراد
أن يقتص من نفسه لم يمكن منه إلا بإذن الولي، وعلى الأول ففي القواعد
(إن لم يكن له مال فإن كان القصاص على النفس استدان الإمام على
بيت المال، وإن كان على الطرف استدان على الجاني) ولكن لا يخلو من
نظر، وفي كشف اللثام (وعلى قول المبسوط إن لم يكن للمستوفي مال
300

استدان) قلت: يأتي مثله في الأول أيضا.
ولو قال الجاني: أنا استوفي له القصاص مني ولا أبذل أجرة
احتمل عدم القبول، لأنه للتشفي، وإنما يحصل بالمستحق أو من ينوب
عنه، فصار كدافع المبيع إذا قال: أنا أتولى الكيل ولا أدفع أجرة،
فإنه لا يقبل منه، لاحتمال الخيانة، ويحتمل القبول لتعين الفعل والمحل
والقصد إلى إتلافه عوضا عن المجني عليه، ولا يتفاوت باختلاف الفاعل،
والفرق بينه وبين الكيل بعدم إمكان الخيانة فيه بخلافه، ولو قال المستحق
أعطوني الأجرة من بيت المال أو من مال الجاني وأنا استوفي بنفسي أجيب
إليه، لأنه عمل يستحق به الأجرة غير لازم عليه، كما لو قال المشتري
أو البائع أعطوني الأجرة لأكتال حقي من المبيع أو الثمن، والله العالم.
(ولا يضمن المقتص) في الطرف (سراية القصاص) بلا خلاف
ولا إشكال، للأصل وقول الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني (1):
(من اقتص منه فهو قتيل القرآن) وفي حسن الحلبي (2) (أيما رجل
قتله الحد أو القصاص فلا دية له) وسأله الشحام (3) أيضا (عن رجل
قتله القصاص هل له دية؟ فقال: لو كان لم يقتص من أحد) إلى غير
ذلك من النصوص (4) التي يمكن دعوى تواترها أو القطع بمضمونها
(نعم لو تعدى) في اقتصاصه بأن زاد في ما له مثلا (ضمن)
أيضا بلا خلاف ولا إشكال، لصدق الجناية حينئذ بغير حق (فإن
قال: تعمدت اقتص منه في الزائد) إن أمكن
(وإن قال: أخطأت
أخذ منه دية العدوان) هذا إذا لم يكن المستحق نفسا، وإلا كما لو كانت
الجناية قطع طرف سرى إلى النفس مثلا فاقتص الولي بقطع الطرف لكنه

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 - 9 - 1 - 0
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 - 9 - 1 - 0
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 - 9 - 1 - 0
(4) الوسائل الباب 24 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 - 9 - 1 - 0
301

تعدى حتى سرى إلى غيره أو النفس فلا ضمان، لأنه مهدورة بالنسبة إليه،
وهو واضح.
(ولو خالفه المقتص منه في دعوى الخطأ كان القول قول المقتص
مع يمينه) لأنه أعرف بنيته وللأصل، ولو ادعى حصول الزيادة
باضطراب المقتص منه أو بشئ من جهته ففي كشف اللثام قبل ولم يضمن،
وفيه ما لا يخفى.
(وكل من يجري بينهما القصاص في النفس يجري في الطرف)
للاشتراك في المقتضي والشرائط التي عرفتها سابقا المقتضية اتحاد حكم الجملة
والأبعاض سواء اتفقوا في الدية أو اختلفوا، لاطلاق الأدلة، وإن كان
لو اقتص من الكامل دفع إليه الفاضل، وعن أبي حنيفة اشتراط التساوي.
(ومن لا يقتص له في النفس لا يقتص له في الطرف) لما عرفته
من اتحاد حكم الجملة والأبعاض نصا وفتوى، والله العالم.
(وهنا مسائل:)
(الأولى:)
(إذا كان) القتيل (له أولياء) كاملون (لا يولى عليهم
كانوا شركاء في القصاص) على الوجه الذي قد عرفت البحث فيه
سابقا (1) بالنسبة إلى اعتبار الإذن في استيفاء كل واحد له وعدمه.
(فإن حضر بعض وغاب الباقون) عن البلد أو عنه (قال
الشيخ) في الخلاف ومحكي المبسوط: (للحاضر الاستيفاء بشرط أن
يضمن حصص الباقين من الدية) إن أرادوا نصيبهم منها (وكذا

(1) راجع ص 289 - 290.
302

لو كان بعضهم صغارا) أو مجنونين، بل عن الخلاف إجماع الفرقة
وأخبارها عليه، وعن المبسوط عندنا، بل هو من معقد إجماع الغنية،
وهو واضح الوجه بناء على عدم اعتبار الإذن، أما عليه فلعل وجهه ترتب
الضرر على الحاضر أو الكامل بالتأخير الذي هو معرض زوال الحق،
وحبسه إلى أن يقدم الغائب ويبلغ الصبي ويفيق المجنون أو يموتوا فيقوم
ورثتهم مقامهم أو يرضى الحاضر الكامل بالدية ضرر على القاتل وتعجيل
عقوبة لا دليل عليه وإن احتمله الفاضل في القواعد مقدمة لحفظ حقوقهم
وجمعا بين مصلحة التعيش والاستيثاق، بل مقتضى إطلاقه ذلك وإن لم
يرج إفاقة المجنون منهم، إلا أنه كما ترى.
(وقال) الشيخ فيهما أيضا (لو كان الولي صغيرا) أو مجنونا
قتلت أمه مثلا (وله) ولي (أب أو جد) أو غيرهما (لم
يكن لأحد أن يستوفى القصاص (حتى يبلغ) الصبي أو يفيق
المجنون أو يموتا (سواء كان القصاص في الطرف أو النفس) بل
عن الخلاف منهما وظاهر المبسوط الاجماع عليه، ولعله لعدم ثبوت الولاية
على مثل ذلك مما لا يمكن تلافيه كالعفو عن القصاص ولو على مال
والطلاق والعتق، فهو على استحقاقه بعد الكمال.
(و) لكن (فيه إشكال) لعموم الولاية مع المصلحة أو
عدم المفسدة المقتضية للجواز، كما هو المحكي عن الفاضل في الارشاد
وحجر القواعد، وولده في الإيضاح هنا وفي الحجر، والشهيدين في
الحواشي والروضة والمسالك، والكركي في حجر جامع المقاصد، والكاشاني
في المفاتيح وإن كنا لم نتحقق بعض ذلك، كما لم نتحقق ما في الروضة
من نسبة مراعاة المصلحة إلى الشيخ وأكثر المتأخرين، وكذا ما عن لقطة
التذكرة والتحرير والإرشاد وجامع المقاصد ومجمع البرهان والمسالك من
303

جواز القصاص للإمام (عليه السلام) في ما إذا جنى على طرف اللقيط،
بل عن الأخير نسبته إلى الأكثر، نعم هو الأقوى في النظر، لما عرفته
من عموم الولاية كتابا نحو قوله تعالى (1): (ويسألونك عن اليتامى)
وغيره (2) وسنة (3).
(وقال) الشيخ أيضا بناء على المنع: (يحبس القاتل حتى
يبلغ الصبي ويفيق المجنون) لما عرفته من الجمع بين الحقين وكونه
مقدمة لحفظ حقوقهم.
(وهو أشد إشكالا من الأول) وخصوصا في المجنون الذي
لا ترجى إفاقته، ضرورة كونه ضررا وتعجيل عقوبة لا دليل عليهما وأشد
من ذلك إشكالا احتمال تجويز العفو على مال ثم تجويز القصاص للصغير،
كما هو واضح. وقد تقدم في كتاب الحجر (4) واللقطة (5) بعض
الكلام في ذلك، فلاحظ وتأمل.
المسألة (الثانية:)
قد عرفت أنه لا خلاف ولا إشكال في أن الأولياء (إذا زادوا
على الواحد فلهم القصاص) على الوجه الذي تقدم (ولو اختار
بعضهم الدية وأجاب القاتل) إلى ذلك (جاز) بلا خلاف ولا إشكال

(1) سورة البقرة: 2 الآية 220.
(2) سورة الأنعام: 6 الآية 152.
(3) الوسائل الباب 15 و 16 من أبواب عقد البيع من كتاب التجارة.
(4) راجع ج 26 ص 108.
(5) راجع ج 38 ص 190.
304

(فإذا سلم) ذلك إليه أو صار في ذمته على وجه ارتفع حقه
من القصاص (سقط القود) عن الجاني بالنسبة إلى غيره أيضا (على
رواية) متعددة فيها الصحيح وغيره لكنها في خصوص العفو.
(منها) صحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله (1) سئل الصادق
(عليه السلام) (عن رجلين قتلا رجلا عمدا وله وليان فعفا أحد الوليين،
فقال (عليه السلام): إذا عفا بعض الأولياء درئ عنهما القتل وطرح
عنهما من الدية بقدر حصته إن عفا، وأديا الباقي من أموالهما إلى الذين
لم يعفوا).
و (منها) قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر إسحاق: (2)
(من عفا عن الدم من ذي سهم له فيه فعفوه جائز، ويسقط الدم،
ويصير دية، وترفع عنه حصة الذي عفا).
و (منها) خبر زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) (في
رجلين قتلا رجلا عمدا وله وليان فعفا أحد الوليين، فقال: إذا عفا عنه
بعض الأولياء درئ عنهما القتل وطرح عنهما من الدية بقدر حقه إن عفا،
وأديا الباقي من أموالهما إلى الذي لم يعف، وقال: عفو كل ذي سهم
جائز).
وخبر أبي مريم (4) عنه (عليه السلام) أيضا (قضى أمير المؤمنين
(عليه السلام) في من عفا من ذي سهم، فإن عفوه جائز، وقضى في
أربعة إخوة عفا أحدهم، قال: فتعطى بينهم الدية وترفع عنهم حصة
الذي عفا).

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب القصاص في النفس الحديث - 1 - 4 - 3 - 2 وفي الأول والثالث " وطرح عنهما من الدية بقدر حصة من عف‍.... ".
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
305

وخبر أبي ولاد (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
قتل وله أولاد صغار وكبار أرأيت إن عفا أولاده الكبار، فقال: لا يقتل،
ويجوز عفو الأولاد الكبار في حصصهم فإذا كبر الصغار كان لهم أن
يطلبوا حصتهم من الدية).
وفي الفقيه (روى أنه إذا عفا واحد من أولياء الدم ارتفع
القود) (2).
والجميع كما ترى قد تضمنت العفو، ولعل استدلال المصنف بها
على الفرض بناء على منه على عدم الفرق بين الأمرين، لكن ينافيه الجزم
بعد ذلك بعدم سقوط القصاص بعفو البعض الذي نسبه في المسالك وغيرها
إلى الأصحاب، وفي محكي الخلاف إلى إجماع الفرقة وأخبارها، كما عن
ظاهر المبسوط وغاية المرام وصريح الغنية الاجماع على المفروض أيضا
مؤيدا بعدم العثور فيه على مخالف منا، كما اعترف به غير واحد وإن
كان قد يشعر به نسبة بعض له إلى الأشهر وآخر إلى المشهور، بل قد
يشعر ما في المتن من نسبته إلى رواية بنوع تردد فيه كنسبته إلى الرواية
من الصدوق أيضا، بل وفيه أيضا
(والمشهور أنه لا يسقط، وللآخرين
القصاص بعد أن يردوا عليه نصيب من فأداه) لكنه في غير محله إذ
قد عرفت أن النصوص المزبورة في صورة العفو التي لم يحك فيها خلاف
ولا تردد المحمولة (3) على التقية أو الندب أو على ما إذا لم يرد من
يريد القود نصيب العافي من الدية إلى أولياء المقتص منه أو على درء

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب 54 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5.
(3) هكذا في النسختين الأصليتين، والعبارة غير نقية، وكلمة " المحمولة... " صفة
للنصوص، ولو كانت " ومحمولة... " حتى تكون خبرا بعد خبر كان أولى.
306

القتل في حصة العافي أو على رضا الباقين بحصتهم من الدية أو غير ذلك
مما لا بأس به بعد إعراض الطائفة عنها ومعارضتها بغيرها مما هو أقوى
منها من وجوه كما ستسمع.
وعلى كل حال فالمسألة مفروغ منها، سواء دفع الجاني مقدار نصيب
العافي من الدية أو أقل أو أكثر لم يسقط حق الآخر من القصاص بعد
بذل مقدار نصيب الشريك من الدية إلى المقتص منه أو وليه (و) إن
كان الذي بذله أزيد من ذلك، كما صرح به غير واحد.
بل (لو امتنع) الجاني (من بذل نصيب من يريد الدية جاز
لمن أراد القود أن يقتص بعد رد نصيب شريكه) من الدية إليه
بلا خلاف ولا إشكال حتى على القول بعدم جواز المبادرة بدون إذن
الشريك، ضرورة سقوط حقه من القود بعد عفوه على الدية، نعم لو لم
يصرح بالعفو واقتصر على طلب الدية احتمل توقف استيفاء الآخر على
الإذن منه على القول المزبور، لأصالة بقاء حقه، مع احتمال العدم أيضا، لسقوطه
بطلب الدية، وعلى كل حال لو فعل لم يكن عليه إلا مقدار نصيب
الآخر من الدية، كما هو واضح.
(ولو عفا البعض) مجانا (لم يسقط القصاص) بلا خلاف
(و) لا إشكال فحينئذ (للباقين أن يقتصوا بعد رد نصيب من عفا
على القاتل) بل لم أجد من تأمل أو تردد فيها وإن كانت النصوص
المزبورة فيها، بل الاجماع صريحا وظاهرا من غير واحد عليه، مضافا
إلى صحيح أبي ولاد (1) سأل الصادق (عليه السلام) (عن رجل قتلته
امرأة وله أب وأم وابن، فقال الابن: أنا أريد أن أقتل قاتل أبي،

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 وفيه " عن رجل قتل
وله... "
307

وقال الأب: أنا أعفو، وقالت الأم أنا آخذ الدية، فقال (عليه
السلام): فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية، ويعطي ورثة القاتل
السدس من الدية حق الأب الذي عفا وليقتله).
وروى جميل بن دراج (1) عن بعض أصحابه يرفعه إلى أمير المؤمنين
(عليه السلام) (في رجل قتل وله وليان فعفا أحدهما وأبى الآخر أن
يعفو فقال: إن الذي لم يعف إن أراد أن يقتله قتل، ورد نصف
الدية على أولياء المقاد منه).
ومنه يستفاد عدم وجوب تقديم ذلك في القصاص وإن كان ذلك
ظاهر كثير من العبائر، بل ربما كان في الصحيح الأول نوع إشعار به،
ولا ريب أنه أحوط وإن كان في تعينه نظر وقد مر بعض الكلام في
نظيره سابقا.
وكيف كان فلا إشكال في استحقاق القصاص للباقين، نعم عن
بعض العامة سقوطه وتعين الدية حينئذ، وعليه ما سمعته من النصوص (2)
والله العالم.
المسألة (الثالثة:)
(إذا أقر أحد الوليين أن شريكه عفا عن القصاص على مال لم
يقبل إقراره على الشريك) لأنه إقرار في حق الغير (ولا يسقط
القود في حق أحدهما، وللمقر أن يقتل لكن بعد أن يرد نصيب شريكه)
من الدية (فإن صدقه فالرد له، وإلا كان للجاني، والشريك على حاله

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب القصاص في النفس.
308

في شركته في القصاص) ونحوها عبارة القواعد والإرشاد ومحكي التحرير.
ولا يخفى عليك ما فيها أجمع من الغش، وقد تنبه إلى بعضه في
المسالك، فقال: (وقوله: (والشريك) إلى آخره بعد تفصيله الرد
على تقدير قتل الشريك إما مبني على عدم وقوع القصاص أو يريد بشركة
القصاص ما يشمل القود وأخذ عوض النفس اللازمة لاستحقاقه على
تقدير فواته) ولم يتنبه إلى فرض موضوع المسألة الظاهر في كون الدعوى
على الشريك أنه أسقط حقه من القصاص بالمال المؤدى له من الجاني أو
من شريكه إن أراد القصاص، فإن ذلك يكفي في سقوط حقه من القصاص
واستحقاقه الدية من الشريك إن أراد القصاص، كما سمعته في صحيح
أبي ولاد (1) وحينئذ فالمتجه في ذلك إذا فرض كونه قبل الاقتصاص
دفع المقر مقدار النصيب للشريك مع التصديق، ومع التكذيب يدسه في
ماله وإن ظلم باستيفاء القصاص معه، لا أنه يدفع للجاني أو وليه.
اللهم إلا أن يكون عوض مظلمة المقتص منه باقتصاصه منه بعد عفوه
عنه بزعم المقر، وليس على الجاني أو وليه في ذلك شئ وإن لم يعلم
صدقه، لأنه مقر بالاستحقاق لهم نحو المقر لزيد مثلا بمال، فإن له
أخذه وإن لم يعلم صدقه.
ولكن فيه أن الثابت للمقتص منه حينئذ بزعم المقر القصاص على
الشريك العافي لا الدية، وأيضا قد كان دفع النصيب من المقر ليستقل
بالقتل، فمع فرض اشتراكهما في استيفاء القصاص مباشرة منهما يتوجه
عدم استحقاق النصيب المزبور على المقر لا للشريك ولا للمقتص منه.
وعلى كل حال يكون الغرض من المسألة بيان استحقاق النصيب من
الدية وإن اشترك الوليان في استيفاء القصاص عملا بالاقرار وإن كان

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
309

فيه ما عرفت، لا أن المراد من موضوع المسألة العفو على مال بمعنى
الصلح مع المقتص منه، وإلا لوجب التعرض لتصديقه في ذلك وتكذيبه
ودفعه المال إليه وعدمه بل وغير ذلك مما ينبغي التعرض له على التقدير
المزبور، فعدمه منهم دليل على عدم فرض موضوع المسألة كذلك.
ومنه يعلم ما في شرحها في المسالك بل وغيرها.
كما أن الظاهر فرضها قبل وقوع الاقتصاص من المقر كي يتجه ما
ذكروه من الشركة في القصاص مع فرض عدم التصديق، إذ حمله على
إرادة ما يشمل أخذ العوض كما سمعته من المسالك في غاية البعد، ولو
فرض استقلال الشريك بالقصاص كان للمقر نصيبه من الدية على الشريك
أو في مال الجاني أو على التخيير على البحث السابق، وكذا لو كان
المستقل فيه المقر بظاهر الشرع وفي الواقع ليس له إلا المال على المقر
إن صدق في ما ذكره عنه، بل الظاهر عدم التغرير عليه بمبادرته من
دون إذن الشريك وإن قلنا به في غيره للشبهة بادعائه العفو على شريكه
المسقط لمراعاة إذنه، فتأمل جيدا، فإن المسألة غير محررة في كلامهم،
مع أنه لا مدرك لها إلا القواعد العامة، والله العالم.
المسألة (الرابعة:)
(إذا اشترك الأب والأجنبي في قتل ولده أو المسلم والذمي في
قتل ذمي فعلى الشريك القود) لعدم سقوطه عنه بعدم ثبوته على الآخر،
ضرورة كونه كعفو البعض الذي لا يسقط القصاص للآخر (و) لكن
(يقتضي المذهب أن يرد عليه الآخر نصف ديته) لأنه شريك في
القتل وإن لم يكن عليه قصاص من حيث كونه والدا أو مسلما، إلا أن
310

ذلك لا يرفع ضمان النصف للمقتص منه الذي ليس عليه إلا نصف
بمقتضى الشركة.
(وكذا لو كان أحدهما عامدا والآخر خاطئا كان القصاص على
العامد بعد الرد) على المقتص منه نصف ديته (ولكن هنا الرد من
العاقلة) التي هي الضامنة للخطأ المحض، نعم لو كان خطأ شبيها بالعمد
كان الرد من الجاني.
(وكذا لو شاركه سبع) ونحوه ممن لم يكن له أهلية الضمان
(لم يسقط القصاص) عن الشريك (لكن يرد عليه الولي نصف
ديته) بلا خلاف نجده في شئ من ذلك عندنا نصا (1) وفتوى لبناء
القصاص على التغليب، فلا يسقط حينئذ عمن له شركة فيه وإن لم يستند
القتل إليه، نعم إن لم تكن شركة بأن كانت جناية العامد مثلا خدشة
ونحوها مما لا أثر لها في القتل لم يكن إلا أرشها، وكذا لو كان الآخر
هو المستقل في القتل كما لو جرحه أحدهما وقطع رقبته آخر فإن القصاص
على القاطع لاستقلاله بالقتل.
وكأن المصنف أشار بذلك إلى خلاف بعض العامة، فمنهم من
قال في اشتراك العامد والخاطئ: إنه لا قود على أحدهما، بل وكذا
العمد وشبه العمد، ومنهم من قال في شريك الأب: إنه لا قصاص على
أحدهما، ووافق في مسألة الخاطئ والعامد، ومنهم من ألحق شريك
السبع بشريك الخاطئ في نفي القصاص عنه، كل ذلك منهم لقياس أو
استحسان أو نحوهما مما هو معلوم البطلان عندنا، وقد تقدم بعض الكلام
في ذلك (2) فلاحظ.

(1) الوسائل الباب 12 و 34 من أبواب القصاص في النفس.
(2) راجع ص 44.
311

المسألة (الخامسة:)
لا خلاف بيننا في أن (للمحجور عليه لفلس أو سفه استيفاء
القصاص، لاختصاص الحجر) عليهما (بالمال و) ذلك ليس منه
حتى على القول بأن الواجب في العمد أحد الأمرين، فإن ذلك لا يجعله
ماليا، بل لا يجب على الأول اختيار الدية، إذ هو تكسب لا يجب عليه،
كما أنه ليس استيفائهما القصاص تصرفا ماليا كي يمنعا منه.
نعم (لو عفا) المفلس (على مال) أقل من الدية أو أكثر
أو مساو (ورضي القاتل قسمه على الغرماء) كغيره من الأموال
التي يكتسبها، ولهما العفو مجانا فضلا عن العفو على الأقل من الدية بناء
على المختار من عدم وجوب غير القود بقتل العمد، أما على القول بأن
الواجب أحد الأمرين فالمتجه عدم جواز عفوهما عن المال منهما كما هو
واضح.
(ولو قتل وعليه دين فإن أخذ الورثة الدية صرفت في ديون
المقتول ووصاياه ك‍) باقي (ماله) بلا خلاف معتد به ولا إشكال
بل الاجماع بقسميه عليه، كما يشهد له ملاحظة كلماتهم في المواريث
والوصايا والحجر والرهن وغيرها.
قال عبد الحميد بن سعيد (1): (سألت أبا الحسن الرضا (عليه
السلام)
عن رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا وأخذ أهله الدية من
قاتله أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال: نعم، قلت: وهو لم يترك شيئا،

(1) أشار إليه في الوسائل الباب 24 من أبواب الدين والقرض الحديث 1 من كتاب
التجارة وذكره في التهذيب ج 6 ص 192 الرقم 416.
312

قال: إن أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين) ونحوه غيره (1) في
الدلالة على أن الدية وإن أخذت صلحا حكمها حكم تركة الميت كما تقدم
الكلام في المواريث (2) وغيرها، فلاحظ وتدبر كي تعرف أن القول بأنها
لا تصرف في الدين شاذ غير معروف القائل، وكذا القول بالفرق بين
دية الخطأ فيقضي منها ديونه وبين دية العمد فلا تقضى، وإن كان قد
يشهد لهما بعض الاعتبارات، إلا أنه كالاجتهاد في مقابلة النصوص والفتاوى
والاجماع، والله العالم.
(وهل للورثة استيفاء القصاص من دون ضمان ما عليه من الديون)
التي لا تركة عنده في مقابلها؟ (قيل) والقائل ابن إدريس ومن
تأخر عنه، بل عن ظاهر الأول أو صريحه الاجماع وإن كنا لم نتحققه:
(نعم تمسكا ب‍) الأصل والعمومات التي منها (الآية) (3)
وهي (فقد جعلنا لوليه سلطانا) وغيرها من الكتاب (4) والسنة (5)
(وهو أولى) بل أصح، ولا ينافي ذلك كون الدية تركة لو أخذت،
كما هو واضح.
(وقيل) والقائل الشيخ في النهاية: (لا) يجوز، بل في
غاية المراد حكايته عن أبي علي والقاضي وأبي الصلاح وابن زهرة والصهرشتي
والكيدري وصفي الدين محمد بن معد العلوي، بل في الدروس نسبته إلى
المشهور، بل عن الغنية الاجماع عليه.

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الدين والقرض الحديث 1 من كتاب التجارة.
(2) راجع ج 39 ص 44 - 46.
(3) سورة الإسراء: 17 الآية 33.
(4) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(5) الوسائل الباب 19 من أبواب القصاص في النفس.
313

(و) كيف كان ف‍ (هو مروي) في خبر أبي بصير (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في الرجل يقتل وعليه دين وليس له
مال فهل للأولياء أن يهبوا دمه لقاتله؟ فقال: إن أصحاب الدين هم
الخصماء للقاتل، فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل فجائز وإن أرادوا القود
فليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدية للغرماء) إلا أنه مع موافقته للعامة
ضعيف لا يصلح للخروج عن عموم الأدلة وإطلاقها، كما اعترف به
المصنف في النكت، بل عنه فيها نسبة قول الشيخ إلى الندرة.
وعن الطبرسي حمله على ما إذا بذل القاتل الدية، فإنه يجب حينئذ
قبولها، ولا يجوز للأولياء القصاص إلا بعد الضمان، فإن لم يبذلها جاز
القود من غير ضمان.
وفيه مع أنه خرق للاجماع المركب أنه لا فرق بين البذل وعدمه
بالنسبة إلى عموم الأدلة، نعم الخبر المزبور مختل المتن باعتبار فرقه بين
الهبة وبين القود، فجوز للوارث الأول دون الثاني، وهما معا مشتركان
في تفويت حق الدين، بل وباعتبار قوله (عليه السلام) فيه: (إن
أصحاب الدين هم الخصماء) المناسب لتفريع عدم جواز الهبة.
كل ذلك مع أن المحكي عن أبي علي في المختلف أنه قال: (لا يجوز
للأولياء العفو إلا إذا ضمنوا الدية) ونقلوا خلافه في المقام، وليس
ذلك إلا لاتحاد الحكم في المقامين.
ولكن عبارة النهاية لا تخلو من تشويش في الجملة، قال: (لم يكن
لأوليائه القود إلا بعد أن يضمنوا الدية عن صاحبهم، فإن لم يفعلوا
لم يكن لهم القود، وجاز لهم العفو بمقدار ما يصيبهم) ويمكن أن يريد
عفوهم عن الزائد على مقدار الدين مما يصيبهم.

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الدين والقرض الحديث 2 من كتاب التجارة.
314

وبالجملة ما فيه من الفرق المزبور في غاية الاشكال، خصوصا بعد
ما عن المبسوط من (أن الذي رواه أصحابنا أنه لم يكن لوليه العفو على
غير مال ولا القود إلا أن يضمنوا حق الغرماء).
بل وبعد ما في خبر أبي بصير (1) الآخر أيضا المروي في التهذيب
والفقيه قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قتل وعليه
دين وليس له مال فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين، فقال:
إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا
الدية للغرماء وإلا فلا).
بل وخبره الآخر (2) المروي عن الفقيه أيضا عن أبي الحسن موسى
ابن جعفر (عليهما السلام) (قلت له: جعلت فداك رجل قتل رجلا
متعمدا أو خطأ وعليه دين ومال وأراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل،
فقال: إن وهبوا دمه ضمنوا الدين قلت: فإنهم أرادوا قتله، قال:
إن قتل عمدا قتل قاتله وأدى عنه الإمام الدين من سهم الغارمين، قلت:
فإن هو قتل عمدا وصالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى من الدين؟ على أوليائه
من الدية أو على إمام المسلمين؟ قال: بل يؤدوا دينه من ديته التي صالح
عليها أولياؤه، فإنه أحق بديته من غيره) فإنه على العكس من الأول.
وبذلك يظهر لك عدم الوثوق بهذه النصوص وإن أمكن القول بأن
ما دل منها على الضمان في خصوص القود مجبور بالشهرة المحكية في
الدروس والاجماع المحكي في الغنية، بل قد يقال بذلك أيضا في صورة
العفو بناء على عدم الفرق بين المسألتين، إلا أن الجرأة على مخالفة

(1) الوسائل الباب 59 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 - 2.
والثاني خبر علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) كما في
الفقيه ج 4 ص 83.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
315

العمومات المزبورة - المعتضدة بالأصل وببعض ما في النصوص المذكورة
وبالشهرة المتأخرة، بل وبما يظهر من نسبة المصنف ما في النهاية إلى
الندرة من الشهرة المتقدمة التي يوهن بها إجماع ابن زهرة في غاية
الصعوبة ولا أقل من الشك، وقد عرفت أن الأصل يقتضي العدم،
والله سبحانه هو العالم.
المسألة (السادسة:)
(إذا قتل) الواحد (جماعة على التعاقب ثبت لولي كل
واحد منهم القود) بلا خلاف ولا إشكال لصدق سببه في كل واحد
(و) حينئذ ف‍ (لا يتعلق حق واحد بالآخر) للأصل وغيره،
بل يتعلق حق الجميع به، فإن اجتمعوا على المطالبة فقتلوه مباشرة منهم
أو وكلوا أجمع من يقتله فقد استوفوا حقوقهم بلا خلاف فيه بيننا بل
ولا إشكال، إذ ليس لهم عليه إلا نفسه، لأن الجاني لا يجني على أكثر
منها، خلافا لعثمان البستي (البثي خ ل) فإنه قال: (إذا قتلوه سقط
من الديات واحدة وكان لهم في تركته الباقي من الديات) ولا دليل
عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه.
وإن لم يجتمعوا فهل الحق للسابق أو لمن تخرجه القرعة أو يكون لكل
واحد منهم المبادرة إلى قتله؟ وجوه منشأها استحقاق السابق القصاص
منفردا من غير معارض، وكون السبب الموجب للقصاص هو قتل النفس
المكافئة، وهو متساو في الكل من غير فرق بين المتقدم والمتأخر فتتعين
القرعة، وأنه لا إشكال بعد فرض استحقاق كل منهم إزهاق نفسه مجانا،
316

ولعل أقواها الأخير، فلو اقتص المتأخر حينئذ بلا قرعة لم يكن عليه
إساءة ولا تعزير بخلافه على الأولين، وذلك ثمرة الوجوه، إذ لا شئ
عليه غيرها قطعا، ضرورة استيفائه حقه، فإن احتمال استحقاق القصاص
للأول منهم دون غيره أو لمن أخرجته القرعة كذلك معلوم العدم
نصا (1) وفتوى.
وحينئذ (فإن استوفى الأول) مثلا لسبقه أو بالقرعة أو
لمبادرته (سقط حق الباقين لا إلى بدل) كما عن الشيخين وبني حمزة
والبراج وسعيد وإدريس والشهيد، بل عن المبسوط والخلاف الاجماع
عليه، لأن الواجب القصاص عندنا وقد فات محله، والدية لا تجب إلا
صلحا، والفرض عدمه، وثبوتها في من قتل وهرب ومات وفي من
خلصه أولياء المقتول لدليله، فلا يقاس عليه ذلك، وليس المقام من
اشتراك الأولياء في القصاص المقتضي لضمان المستوفي حصص الباقين كما
عرفت، ضرورة استحقاق كل منهم القصاص مستقلا لا مدخلية له في
الآخر كما هو واضح. ولكن قال المصنف على تردد.
بل عن أبي علي والفاضل في الارشاد وموضع من القواعد وولده
في موضعين من الإيضاح والمقداد أن لغيره الدية، لأن الجاني قد أتلف
على كل واحد منهم نفسا كاملة لا تعلق لها بباقي النفوس المتلفة وإنما يملك
الجاني بدلا واحدا، فكان لمن لم يقتص الدية، لتعذر البدل، ولئلا
يبطل دم امرء مسلم، ولفحوى ما تسمعه لو قتله أجنبي أو مات، ولأن
الولي لو انفرد كان له القصاص أو العفو على الدية.
وفيه أنه وإن كان قد أتلف على كل واحد منهم نفسا كاملة إلا أنه
لم يرتب الشارع عليه غير بذل نفسه، لأن الجاني لا يجني على أكثر منها،

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
317

وعدم بطلان دم المسلم مع أنه لا يقتضي كونه على تركة الجاني ومعارض
بالخبر المزبور المعتضد بالأصل وإجماعي الخلاف والمبسوط وغيرهما يمكن
تنزيله على غير الفرض الذي عرض له البطلان بفوات المحل، وأما الأخير
فواضح الفساد بناء على ما عرفت من عدم وجوب غير القود بقتل
العمد، وأن الدية إنما تثبت صلحا، فإن أريد ثبوتها هنا كذلك
فلا إشكال، إلا أن المفروض خلافه، كما هو واضح.
(ولو بادر أحدهم) غير الأول (فقتله فقد أساء) بناء
على ترجيح السابق عليه (و) لكن (سقط حق الباقين) أيضا
(وفيه الاشكال) السابق بل الخلاف (من تساوي الكل في سبب
الاستحقاق) ولكن ذلك لا يقتضي ثبوت الدية في مال الجاني بعد عدم
تقصيره واستيفاء الحق منه وصيرورة المال بموته لوارثه، ولا ضمان المستوفي
لحقه الدية للباقين المعلوم عدمه هنا في مذهب الإمامية، ضرورة عدم
الاشتراك في حق القصاص الذي عرفت الكلام فيه سابقا.
وبذلك كله ظهر لك أنه لو عفا بعض المستحقين على مال أو بدونه
كان للباقين القصاص من غير ضمان لشئ، وفي صحيح عبد الرحمان بن
أبي عبد الله (1) (سألته عن رجل قتل رجلين عمدا ولهما أولياء فعفا
أولياء أحدهما وأبى الآخرون، فقال: يقتل الذين لم يعفوا وإن أحبوا
أن يأخذوا الدية أخذوها).
ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين قتل الواحد الجماعة دفعة بأن ألقى
عليهم جدارا مثلا أو على التعاقب إلا في تقديم السابق في الاقتصاص
وإلا فالقود أيضا ثابت لكل واحد منهم مستقلا، وليس اتحاد السبب
موجبا للاشتراك في القصاص المقتضي للضمان لو استوفى أحدهم، كما هو

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.
318

واضح، وحينئذ فالبحث الأول جار بعينه.
ولو قتله أجنبي خطأ ففي القواعد كان للجميع الدية عليه بالسوية
وأخذ ولي كل واحد منهم من تركته كمال حقه على إشكال، وفيه ما لا يخفى
وإن وافقه عليه الإصبهاني في شرحه لها، ضرورة كون دية الخطأ من
جملة التركة، فالكلام في تعلق حق من له القصاص بعد فوات محله في
غير المسألة المنصوصة هو الكلام السابق.
واحتمال القول إن الدية عوض الرقبة التي كانت مستحقة لهم فينتقل
العوض إليهم نعم في التكملة الاشكال المزبور يدفعه عدم اقتضاء ذلك
انتقال العوض، إذ ليست هي مالا، وإنما هي عوض شرعي يستحقه
الوارث، ولا دليل على انتقاله لمن يكون له القصاص، وأولى من ذلك
ما لو قتله أجنبي عمدا ودفع الدية صلحا مع الورثة، اللهم إلا أن يكون
إجماعا أو دليلا معتدا به في إثبات ذلك، والله العالم.
المسألة (السابعة:)
(لو وكل في استيفاء القصاص) فإنه لا خلاف ولا إشكال
في صحته، بل الاجماع بقسميه عليه، كما تقدم الكلام فيه في كتاب
الوكالة (1).
وحينئذ (ف‍) لو (عزله قبل) استيفائه (القصاص ثم استوفى
فإن علم) الوكيل بالعزل ومع ذلك استوفاه (فعليه القصاص)
بلا خلاف ولا إشكال، ضرورة تحقق عنوانه فيه، نعم لو ادعى النسيان
قيل: إنه لا يقتل وتكون الدية في ماله، وفيه بحث.

(1) راجع ج 27 ص 382.
319

(وإن لم يعلم) بالعزل (فلا قصاص) عليه (ولا دية)
قطعا، تمكن الموكل من إعلامه ولم يفعل أو لا، بناء على عدم الانعزال
إذا لم يبلغه العزل، وكذا لو قلنا بتوقفه على الاشهاد والفرض عدمه،
أما على القول بالانعزال بمجرد العزل فلا قصاص قطعا، لعدم تحقق
عنوانه، ولكن عليه الدية للمباشرة، ويرجع بها على الموكل للغرور،
كما أن الموكل يرجع على ورثة الجاني على ما في كشف اللثام ومحكي
التحرير، ولا يخلو من نظر بل عن مجمع البرهان الظاهر أنه لا شئ
على الوكيل، ولعله لأنه السبب فيه أقوى من المباشر ولو ادعى الولي
عليه العلم فالقول قول الوكيل بيمينه. هذا كله في العزل.
(أما لو عفا الموكل) عن القصاص فإن كان بعد استيفائه
فلا حكم، وكذا لو اشتبه، لأصالة بقاء الحق وبراءة المستوفي عن القصاص
والدية، وإن كان قبله وقد علم به الوكيل واستوفاه فعليه القصاص.
وإن كان قد عفا (ثم استوفى) الوكيل (ولما يعلم فلا قصاص
أيضا) لعدم العدوان (و) لكن (عليه الدية للمباشرة، ويرجع
بها على الموكل لأنه غار) كمن قدم الطعام المغصوب، وكونه محسنا
بالعفو لا ينافي ترتب حكم الغرور عليه خصوصا مع إمكان إعلامه بالعفو
فلم يفعل، بل ربما احتمل رجوع ورثة الجاني عليه ابتداء وإن كان
فيه منع، كمنع الفرق بين صورتي التمكن من الاعلام ولم يفعل وعدمه،
فيرجع عليه في الأولى دون الثانية، ضرورة ترتب الغرور على فعله مطلقا.
وعلى كل حال فاحتمال عدم وجوبها على المستوفي لأنه عفا بعد
خروج الأمر من يده فيكون لغوا كعفوه بعد خروج السهم من يده مثلا
ولأن القتل يباح له في الظاهر فلا يتجه التضمين به واضح الفساد،
إذ هما معا كما ترى، ضرورة خروجه في الأول عن الاختيار دون القرض،
320

وإباحة الدم في الظاهر لا تنافي التضمين كما في نظائره، بل الظاهر وجوب
الكفارة أيضا حتى على القول بعدم وجوب الدية، لعموم دليلها، ولكن
لا رجوع بها على الموكل وإن توقف فيه الفاضل باعتبار كونه معذورا،
لحكم الحاكم له بذلك.
هذا وفي المسالك (ثم إن كان الموكل قد عفا مجانا أو مطلقا وقلنا:
إن العفو مطلقا لا يوجب الدية فلا شئ، وإن عفا على الدية أو قلنا:
إن إطلاق العفو موجب لها فله الدية في تركة الجاني إن أوجبنا بقتل الوكيل
الدية، وإن لم نوجب وأهدرنا دم الجاني فلا دية للموكل، لخروج العفو
على هذا التقدير عن الإفادة ووقوعه لغوا).
وفيه نظر، ولعله يريد ما في كشف اللثام، فإنه بعد أن ذكر
ما سمعته في العفو قال: (هذا إذا عفا مجانا، أما لو عفا على مال فلا ضمان
على الوكيل، لأنه لا يصح إلا صلحا إلا أن يكون برضا الجاني ولم
يعلم به الوكيل، فتجري فيه الأوجه الثلاثة) أي ضمان الوكيل والرجوع
على الموكل، أو عدم الضمان، أو الضمان بدون رجوع، ولكن قد عرفت
أن الأصح الأول، ولكن يضمن الدية ويرجع بها لا خصوص المصالح عليه.
ولو اقتص الوكيل بعد موت الموكل جاهلا بموته ففي القواعد (إن
كان بإذن الحاكم فالدية في بيت المال، ولعله لأنه من خطأ الحكام،
ولكن لا يخلو من بحث، وفي كشف اللثام (وإلا فعليه الدية، ويرجع بها
على تركة الموكل، أو لا يرجع ولورثة الموكل الدية من تركة الجاني إن لم
يسقط الاستحقاق بفوات المحل) فتأمل، والله العالم.
321

المسألة (الثامنة:)
(لا يقتص من الحامل حتى تضع ولو تجدد حملها بعد الجناية) وكان
من زنا بلا خلاف أجده، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، لكونه
اسرافا في القتل، ولغير ذلك مما هو واضح ومعلوم من روايات
الحدود (1) وغيرها، نعم هو كذلك مع تحقق الحمل بالأمارات الدالة عليه،
فإن لم يكن ولا ادعته فلا إشكال في القصاص منها وإن احتمل، للأصل وغيره.
فإن ادعت الحمل وشهدت لها القوابل) الأربعة بذلك
(ثبت) الحمل (وإن تجردت دعواها قيل: لا يؤخذ بقولها، لأن
فيه دفعا للولي عن السلطان) مع أن الأصل عدمه.
(ولو قيل يؤخذ) بقولها فيؤخر حتى يعلم حالها (كان
أحوط) احتياط يلزم مراعاته، كما جزم به الفاضل في الارشاد وولده
والشهيدان والكركي والأردبيلي على ما حكي عن بعضهم، لأن للحمل أمارات
تظهر وأمارات تخفى، وهي عوارض تجدها الحامل من نفسها وتختص
بمراعاتها على وجه يتعذر إقامة البينة عليها، فيقبل قولها فيه كالحيض
ونحوه مما دل عليه الأدلة (2) في قبول قولها فيهما، بل لعل قوله تعالى (3):
(ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) ظاهر في تصديقها
ولا أقل من الشبهة المقتضية تأخير ذلك إلى أن يعلم الحال.
بل لم نجد مخالفا صريحا، فإن المصنف والفاضل في القواعد والشيخ

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 1 و 4 و 5 و 6 و 7.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
(3) سورة البقرة: 2 الآية 228.
322

في محكي المبسوط وإن ذكروا أن الأولى الاحتياط لكن يمكن إرادتهم
الاحتياط اللازم، بل لعله الظاهر من عبارة المتن.
ثم إن الظاهر أيضا عدم جواز قتلها بعد الوضع حتى يشرب الصبي
اللبا الذي ذكر غير واحد ما ذكره الشيخ والفاضل والشهيد وغيرهم من
أنه لا يعيش الصبي بدونه وإن كان الوجدان يشهد بخلافه، كما اعترف به
في المسالك، إلا أنه يمكن أن يكون ذلك غالبا، ويكفي حينئذ في تأخير
القتل عنها.
بل الظاهر عدم جواز قتلها أيضا إذا توقف حياة الصبي عليها لعدم
وجود ما يعيش به غيرها، لأنه إذا وجب الانتظار احتياطا للحمل فبعد
الوضع وتيقن وجوده أولى،
بل احتمل غير واحد القصاص عليه لو بادر
إلى القصاص والحال هذه عالما بالحال، لصدق قتله التسببي، نحو ما لو حبس
رجلا ومنعه الطعام أو الشراب حتى مات جوعا أو عطشا، ويحتمل العدم،
لعدم صدق التسبيب إلى قتله على وجه يترتب عليه القصاص، لأنه كمن
غصب طعام رجل أو سلبه فتركه حتى مات جوعا أو بردا لكن يمكن
حصول الغذاء له إلا أنه اتفق العدم.
ومنه ينقدح احتمال وجوب المبادرة إلى القصاص إلا أن الأقوى العدم
فيه، نعم قد يقوى عدم القصاص عليه بموت الطفل إذا لم يكن قد قصد
بذلك قتله أو لم يكن مثله سببا معتادا في قتله وإن أثم بالمبادرة إلى القصاص
من أمه وترتب عليه موت الطفل، ولكن الظاهر ثبوت الدية عليه، لعدم
إبطال دم المسلم، ولترتبها على الشرائط التي هي أضعف من ذلك، كحفر
البئر ونحوه، هذا كله إذا لم يوجد ما يعيش به.
أما مع وجوده ولو من شاة أو مراضع متعددة يتناوبن عليه أو نحو
ذلك فالظاهر أن له القصاص وإن قيل استحب له الصبر لئلا يفسد خلقه
323

ونشوؤه بالألبان المختلفة، بل ربما احتمل العدم لذلك حتى لو وجدت
مرضعة راتبة، لأن لبن أمه أوفق بطبعه وإن كان فيه منع واضح حتى
مع القول بمثله في الحدود التي مبناها التخفيف، بخلاف حقوق الناس
التي لا يجوز تأخيرها مع طلب أهلها بمثل هذه الاعتبارات.
وإلى ذلك كله أشار المصنف بقوله: (وهل يجب على الولي
الصبر حتى يستقل الولد بالاغتذاء؟ قيل: نعم دفعا لمشقة اختلاف
اللبن، والوجه تسليط الولي إن كان للولد ما يعيش به غير لبن الأم،
والتأخير إن لم يكن) ما يعيش به وإن كنا لم نجد القائل المزبور،
نعم ذكره غير واحد احتمالا.
ولو طلب الولي المال من الحامل أو ذات الولد الرضيع فلم يجب
عليها إجابته كغيرها.
وكذا لا يجوز أن يقتص من الحامل في الطرف حذرا من موتها
بالسراية فيهلك ولدها أو سقوط الحمل بألمها، بل لا يجوز القصاص
منها بعد الوضع أيضا ما لم يوجد المرضع أو يستغني الولد بالغذاء حذرا
من السرية إلى نفسها.
(ولو قتلت المرأة قصاصا فبانت حاملا فالدية على) الولي
(القاتل) لها بدون إذن الحاكم، بل ومع إذنه مع علمهما بالحال أو
جهلهما أو علم القاتل دون الحاكم، لأنه المباشر، وأما الإثم فعلى من علم منهما.
هذا وفي المسالك وجهان آخران في صورة علمهما: أحدهما ضمان
الحاكم، لأن الاجتهاد والنظر إليه، والبحث والاحتياط عليه، وفعل
الولي صادر عن رأيه واجتهاده، فهو كالآلة، والثاني الضمان عليهما
بالسوية، لأن الأول مباشر وأمر الحاكم كالمباشرة فيشتركان في الضمان.
وهما معا كما ترى، بل تعليل الأول منهما لا يناسب فرض علمهما بالحال.
324

ثم قال فيها أيضا: (وكذا الوجوه الثلاثة في صورة جهلهما بالحال)
ولا يخفى عليك ما في الأخيرين أيضا، ضرورة قوة المباشرة على غيرها،
وكذا ما عن التحرير من كون الدية في بيت المال مع جهلهما.
وأغرب من ذلك احتمال الوجهين في الحاكم أيضا مع جهله (و) علم
الولي المباشر، لتقصيره في البحث، فيشارك المباشر أو يختص، إذ هو
واضح الضعف بل الفساد.
نعم (لو كان المباشر جاهلا به وعلم الحاكم ضمن الحاكم) الآذن
في القصاص للغرور، مع أنه احتمل فيه ضمان المباشر لقوة المباشرة،
بل هو الذي يقتضيه إطلاق المحكي عن المبسوط إلا أنه واضح الضعف مع
فرض استناد المقتص إلى حكم الحاكم بأنها خلية.
ثم ضمان الدية على الولي حيث يكون في شبه العمد من ماله، وفي
الخطأ المحض على العاقلة، وضمان الحاكم مع الخطأ المحض على بيت المال،
وفي العمد في ماله.
ولو لم يعلم الحاكم بالحمل فأذن ثم علم فرجع عن الإذن ولم يعلم
الولي برجوعه فقتل ففي المسالك بني على ما إذا عفا الولي عن القصاص
ولم يعلم الوكيل، وقد تقدم. قلت: المتجه كونه على المباشر أيضا،
إذ هو كالجاهلين، والله العالم.
المسألة (التاسعة:)
(لو قطع يد رجل ثم قتل آخر قطعناه أولا ثم قتلناه) جمعا
بين الحقين (وكذا لو بدأ) الجاني (بالقتل) ثم القطع (توصلا
إلى استيفاء الحقين) فإن سبق ولي المقتول فقتله أساء واستوفى حقه
325

ولا ضمان عليه، وأخذت دية اليد من تركته بناء على وجوب الدية في
مثله، فتأمل.
(ولو سرى القطع في المجني عليه والحال هذه) فإن كان قبل
القصاص تساوى وليه وولي المقتول في استحقاق القتل، وصار كما لو
قتلهما، وقد سبق حكمه، وإن كانت السراية بعد القصاص ففيه أقوال:
أحدها وهو المحكي عن المبسوط أنه (كان للولي) أي ولي المقطوع
(نصف الدية من تركة الجاني، لأن قطع اليد بدل عن نصف الدية و)
الثاني ما (قيل) من أنه (لا يجب) له (في تركة الجاني
شئ، لأن الدية لا تثبت في العمد إلا صلحا) والفرض عدمه،
والقصاص قد فات محله، والثالث الرجوع بالدية أجمع، لأن للنفس
دية على انفرادها، والذي استوفاه في العمد وقع قصاصا، فلا يتداخل،
وفي المسالك اختار هذا العلامة في التحرير، وهو متجه، بل في كشف
اللثام أنه المشهور، قلت: المتجه الوسط للأصل وغيره.
(ولو قطع يديه فاقتص) منه (ثم سرت جراحة المجني عليه
جاز لوليه القصاص في النفس) لوجود سببه، ولا ينافيه القطع السابق
الواقع عوضا عن بدله، بل لا شئ له عوضه بعد أن كان قد وقع
قصاصا وإن كان لولا الاستيفاء لدخل في النفس كما هو واضح.
(ولو قطع يهودي يد مسلم فاقتص المسلم ثم سرت جراحة المسلم
كان للولي قتل الذمي) بلا رد، لعموم الأدلة (و) لأن السراية
جناية خارجة لم يقع بإزائها قصاص، نعم (لو طالب بالدية) ففي
المبسوط (كان له دية المسلم إلا دية يد الذمي، وهي أربعمائة درهم)
عوض اليد التي استوفاها وكانت تدخل في النفس لو لم تستوف، ولو
كان القصاص في اليدين معا وطلب الدية كانت له إلا ثمان مائة درهم.
326

(وكذا) قال أيضا في ما (لو قطعت المرأة يد رجل فاقتص
ثم سرت جراحته كان للولي القصاص) في النفس بلا رد (و) لكن
(لو طالب بالدية كان له ثلاثة أرباعها) والربع الآخر عوض اليد
التي استوفاها، وعن العامة قول بنقص نصف الدية بناء على أنه
باقتصاص يد اليهودي والمرأة رضي أن يكون ذلك عوضا عن يده.
(ولو قطعت يديه ورجليه فاقتص) منها (ثم سرت جراحاته
كان لوليه القصاص في النفس) بلا رد لما عرفت. (و) لكن (ليس
له) المطالبة ب‍ (الدية) هنا (لأنه استوفى ما يقوم مقام الدية)
وكذا قال أيضا في رجل قطع يدي رجل فاقتص منه ثم سرت كان لوليه
القصاص دون الدية التي استوفى ما يقوم مقامها، ثم قال: (وليس
هاهنا قتل أوجب قودا، ولا يعفى عنه على مال إلا هذه المسألة).
(و) لكن في المتن وغيره (في هذا كله تردد، لأن
للنفس دية على انفرادها) أوجبتها السراية التي هي جناية أخرى (وما
استوفاه وقع قصاصا) عن جناية غيرها، فلا يقوم مقام شئ منها
فضلا عنها، وظاهرهم التوقف في خصوص ذلك، مما ذكره الشيخ
دون غيره، مع أنه قد يتوقف في ما ذكره في الذمي الذي قد عرفت
أنه بقتله المسلم يدفع هو وماله للمسلم، فإن شاء استرقه وإن شاء قتله،
بل قد يتوقف أيضا في ما ذكره من الدية التي عرفت أنها لا تجب إلا
صلحا، فقد تزيد وقد تنقص وقد تساوى، فما ذكره من النقصان المزبور
الظاهر في تسلط الولي على الدية قهرا على الجاني ولكن ليست تامة،
بل لا بد من تنقيصها المقدار كما ترى.
بل قد يتوقف أيضا في القصاص من غير رد شئ بعد أن بان أن
ما استوفاه من قطع اليد قد وقع في غير محله باعتبار السراية المقتضية
327

لدخول قصاص الطرف في النفس وكذا الدية، فلا بد مع إرادته القصاص
أن يرد دية اليد التي قد بان أن استيفاءها كان في غير محله.
وبه يتضح نقصان ديتها من الدية لو أرادها، خصوصا بعد ما عرفته
هناك من عدم الفرق بين القصاص والدية، فتدخل دية الطرف في دية
النفس حيث يدخل قصاصه في قصاصها، والفرض في المقام أن القطع
الأول قد سرى فيدخل الطرف فيه قصاصا ودية بخلاف يد زيد التي بان
أن قطعها قد كان في غير محله، فلا بد من دية لها لعدم دخولها في
الاقتصاص منه، ولو قلنا بعدم الدخول اتجه عدم نقصان الدية، فقول
الشيخ بنقصان الدية دون الرد في القصاص منه لا يخلو من تدافع.
لكن قد يجاب عن الأول بامكان القول بأن دفع الذمي وماله إلى
المسلم باختياره، فإن لم يختر ذلك وأراد معاملته معاملة غيره كان له.
ولكن فيه أنه خلاف ظاهر دليله، نعم قد يقال: إن المراد نقصان
الأربعمائة درهم من ماله الذي يأخذه معه، إلا أنه خلاف ظاهر العبارة
المتضمنة وجوب دية المسلم عليه إلا ذلك، فالأولى أن يقال: إن ذلك
قد وقع من الشيخ في البحث مع العامة جريا على ما عندهم لا ما عندنا
وإن تبعه عليه غيره غفلة عن حقيقة الحال.
وعن الثاني بامكان فرضه بالعفو على ما يستحقه من الدية شرعا برضا
المجني عليه وقلنا بصحة ذلك.
وأما التهاتر فلا بد من القول فيه بمنع الدخول مع فرض الاستيفاء
فلا يكون واقعا في غير موقعه، فيكون له القصاص بلا رد وله الدية
تامة لا ناقصة كما ادعاه الشيخ، ضرورة انفراد النفس بالدية التي جنايتها
السراية دون القطع، وهو جيد، ولكن الظاهر عدم موافقته لكلام
جماعة منهم في غير المقام، فلاحظ وتأمل.
328

المسألة (العاشرة:)
(إذا هلك قاتل العمد) ولو بدون تقصير منه بهرب ونحوه
ولا تفريط بعدم التمكين (سقط القصاص) قطعا
(وهل تسقط الدية) أيضا؟ (قال في المبسوط: نعم) وأنه الذي يقتضيه مذهبنا
(وتردد) فيه (في الخلاف) ولكن عنه أنه استحسنه في آخر
كلامه، بل هو المحكي عن ابن إدريس والكركي وظاهر المختلف وغاية
المراد ومجمع البرهان وغيرها، لما عرفته من أن الواجب في العمد القصاص،
وأن الدية لا تجب إلا صلحا، فالأصل حينئذ بل الأصول فضلا عن
ظاهر الأدلة يقتضي ذلك.
ولكن في القواعد والإرشاد والتبصرة وجوبها في تركة الجاني، بل
قيل: إنه خيرة الخلاف في أول كلامه، لقولهم (عليهم السلام) (1):
(لا يبطل دم امرء مسلم) ولقوله تعالى (2): (فقد جعلنا لوليه
سلطانا) ولأنه كمن قطع يد رجل ولا يد له، فإن عليه الدية، فكذا النفس.
إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء (عدم ظ) بطلان
دم المسلم بعد تسليم شموله للفرض كون الدية في تركة الميت التي هي للوارث
الذي مقتضى الأصل براءة ذمته من ذلك، والسلطان إنما هو على القتل
لا على الدية (و) القياس على مقطوع الطرف مع وضوح الفرق

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 والباب 46
منها الحديث 2 والباب 2 من أبواب دعوى القتل الحديث 1 والباب 8 منها الحديث 3
والباب 10 منها الحديث 5 والباب 4 من أبواب العاقلة الحديث 1 من كتاب الديات
(2) سورة الإسراء: 17 الآية 33.
329

ليس من مذهبنا، فلا دليل معتد به حينئذ يخرج به.
نعم (في رواية أبي بصير) الموثقة (1) المروية في التهذيب
والكافي بتفاوت يسير (إذا هرب فلم يقدر عليه حتى مات أخذت من
ماله، وإلا فمن الأقرب فالأقرب) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال:
إن كان له مال أخذت الدية من ماله، وإلا فمن الأقرب فالأقرب، فإن
لم يكن له قرابة أداه الإمام، فإنه لا يبطل دم امرء مسلم) ونحوه خبر
البزنطي (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) أو مرسله لعدم رواية البزنطي
عن الباقر (عليه السلام) أو أن المراد بأبي جعفر هنا الجواد (عليه
السلام) (في رجل قتل رجلا عمدا ثم فر فلم يقدر عليه حتى مات،
قال؟ إن كان له مال أخذ منه، وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب) وفي
الفقيه رواه كذلك بسند متصل إلى أبي بصير (3) عن أبي جعفر (عليه
السلام).
وعلى كل حال فلا دلالة في شئ منها على مطلق الهلاك، ومن هنا
كان المحكي عن أبي علي وعلم الهدى والشيخ في النهاية وابن زهرة والقاضي
والتقي والطبرسي وابن حمزة والكيدري وغيرهم الفتوى بمضمونه، بل في
غاية المراد والمسالك والتنقيح نسبته إلى أكثر الأصحاب تارة وإليهم أخرى،
بل عن الغنية الاجماع عليه، وهو الحجة بعد تبينه واعتضاده بالنصوص
التي لا يحتاج الموثق منها إلى جابر، وغيره مجبور بما عرفت، بل وبالاعتبار،
لأنه بهربه أخذ بدفع الواجب عليه حتى تعذر، فكأنه باشر التفويت،

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب العاقلة الحديث 1 - 3 من كتاب الديات.
(2) أشار إليه في الوسائل الباب 4 من أبواب العاقلة الحديث 1 وذكره في الفقيه
ج 4 ص 124 الرقم 430.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب العاقلة الحديث 1 - 3 من كتاب الديات.
330

فوجب عليه عوضه، كما دل عليه صحيح حريز (1) سأل الصادق (عليه
السلام) عن رجل قتل رجلا عمدا فرفع إلى الوالي فدفعه إلى أولياء
المقتول فوثب قوم فخلصوه من أيديهم، فقال: أرى أن يحبس الذين
خلصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل، قيل: فإن مات
القاتل وهم في السجن، قال: فإن مات فعليهم الدية) وإشكاله بأنه
لا يتم في من مات فجأة من دون تقصير بهرب ونحوه يدفعه ما ستعرفه
من اختصاص الحكم عندنا بذلك.
وعلى كل حال فما في السرائر من أن قول الشيخ غير واضح،
لأنه خلاف الاجماع وظاهر الكتاب (2) والمتواتر من الأخبار (3) وأصول
المذهب، وهو أن موجب قتل قتل العمد القود دون الدية، فإذا فات محله
وهو الرقبة فقد سقط لا إلى بدل، وانتقاله إلى مال الميت أو مال أوليائه
حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، ولن نجده أبدا، وهذه أخبار آحاد
وشواذ أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا، وقد رجع عن هذا
القول في مسائل خلافه وأفتى بخلافه، وهو الحق اليقين لا يخفى عليك
ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.
ولقد كفانا مؤونة الجرأة عليه الفاضل في المختلف، فإنه شدد النكير
عليه في دعوى مخالفة الاجماع والمتواتر من النصوص وإن كان الظاهر
إرادته ذلك بالنسبة إلى أصل إيجاب القود بقتل العمد لا في خصوص
المسألة.
ومنه يعلم حينئذ ما في نسبة دعوى الاجماع على خلاف المختار،

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 178 وسورة المائدة: 5 الآية 45.
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب القصاص في النفس.
331

نعم ما فيه من دعوى رجوع الشيخ عن ذلك في الخلاف ليس في محله،
ضرورة كون الشيخ مترددا أو مائلا إلى العدم أولا، وثانيا في غير
مفروض المسألة كما عرفت، لا في ما نحن فيه من الهرب حتى مات،
ودعوى عدم الفرق بين الموضوعين واضحة المنع.
ومنه يعلم ما في عنوان غير واحد من المتأخرين المسألة بمن هلك
ونحوه، خصوصا الشهيد في اللمعة فإنه قال: (ولو هلك قاتل العمد
فالمروي أخذ الدية من ماله وإلا فمن الأقرب فالأقرب) مع أنه صرح
في غاية المراد بنسبة تخصيص الحكم في الهارب حتى يموت إلى الروايات
وأكثر كلام الأصحاب، بل الظاهر منها ذلك بالنسبة إلى الأقرب
فالأقرب من الورثة الذي هو أيضا من معقد إجماع الغنية، وما في المسالك
من أن المتأخرين على عدمه لم نتحققه، بل ادعى غير واحد الاجماع
المركب على ذلك منهم، ولا استبعاد في الحكم الشرعي، خصوصا بعد
أن كان إرثه لهم.
ودعوى أن ذكر الهرب والموت في بعض النصوص المزبورة (1)
في سؤاله لا في الجواب، بل خبر أبي بصير (2) لا ذكر فيه للموت في
السؤال فضلا عن الجواب ومن هنا جعل غير واحد العنوان الهالك يدفعه
عدم استقلال في الجواب على وجه يخصصه ما في السؤال، لكن قيل
إن التعليل فيها بعدم بطلان دم المسلم يقتضي ذلك، وفيه أنه في
كونه تعليلا لتأدية الإمام (عليه السلام) له لا أصل الحكم، ولعله لذا
كان ظاهر الأصحاب الاقتصار على خصوص الهارب الميت، نعم يمكن

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب القصاص في النفس والباب 4 من أبواب
العاقلة من كتاب الديات.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب العاقلة الحديث 1 من كتاب الديات.
332

إلحاق غير الهرب من أحوال الامتناع به مع أن المسألة مخالفة لما عرفته
من الأصل وغيره، فيناسبها الاقتصار على المتيقن، والله العالم.
المسألة (الحادية عشرة:)
(لو اقتص من قاطع اليد) مثلا (ثم مات المجني عليه
بالسراية ثم الجاني وقع القصاص بالسراية موقعه) ضرورة كونه حينئذ
كمن باشر قتله بعد موت المجني عليه.
(وكذا لو قطع يده ثم قتله
فقطع الولي يد الجاني ثم سرت إلى نفسه) فإنه أيضا قد وقع القصاص
بها موقعه بلا خلاف أجده في شئ منهما بين من تعرض لذلك كالشيخ
والفاضلين والشهيدين بل في المسالك أنه لواضح.
لكن قد يقال: إن السراية على الجاني هدر، ولذا لو مات وبقي
المجني عليه لم يكن له شئ إجماعا، فلا تقوم مقام النفس المضمونة
بالجناية وسرايتها، فيحتمل أن يكون عليه نصف الدية، لأنه استوفى
ما يقوم مقام النصف الآخر، أو الدية على المشهور، فإنه لا ضمان
للنفس إلا دية مستقلة كما في القواعد وإن لا يكون له شئ لا لوقوع
القصاص موقعه بل لفوات محل القصاص، وقد يجاب بأن السراية وإن
لم تكن مضمونة إلا أن يسند الفعل بسببها إلى المقتص فيصدق عليه أنه
قتله بعد جنايته، فتأمل جيدا، فإنه دقيق.
(أما لو سرى القطع إلى الجاني أولا ثم سرى قطع المجني عليه
لم تقطع سراية الجاني قصاصا، لأنها حاصلة قبل سراية المجني عليه فتكون
هدرا) لا قصاصا لكونها غير مضمونة بلا خلاف أجده بين من تعرض له
333

من الشيخ والفاضلين والشهيدين، إذ لا يكون القصاص سلفا.
وحينئذ فاحتمال كونه كالأول في الوقوع موقعه بل عن المبسوط
حكايته عن بعض العامة، لأنه كما لو قتله المجني عليه ثم سرى قطعه،
فإنه لا رجوع على تركة الأول شئ، ولأنه جرح مماثل فلا يزيد حكم
أحدهما على الآخر واضح الضعف، ضرورة الفرق بين القتل والقطع،
فإنه مع القتل يصير جانيا بعد أن كان مجنيا عليه بخلاف القاطع قصاصا
السائغ له، فلا يقوم مقام القتل المتعقب له، وتماثل الجرحين في الماهية
لا يمنع من تخالفهما في بعض العوارض إذا حصل مقتضية، وهو هنا
موجود، فإن الجرح الأول سبب لازهاق نفس معصومة فيجب ضمانها،
وليس الآخر بإزاء النفس، بل بإزاء الطرف وسرايته غير مضمونة،
فتبقى النفس بغير عوض، فليس حينئذ إلا ما سمعته أولا، وكأنه صريح
في ترتب الدية كلا أو بعضا على المجني عليه وإلا فلا فائدة في بيان
عدم احتسابه قصاصا.
ولكن في المسالك (ثم على الأول هل يلزم الجاني شئ أم لا؟
يبنى على ما تقدم من أن فوات محل القصاص هل يوجب الانتقال إلى الدية
أم لا؟ فإن لم نقل به فات، وإن قلنا بالدية احتمل رجوع ولي المجني عليه
على تركة الجاني بنصف الدية، لأنه استوفى ما يقوم مقام نصف الدية
وأن يرجع بمجموع الدية، لأن ما استوفاه وقع قصاصا عن اليد قبل أن
تدخل في النفس، فإذا فاتت النفس على وجه مضمون وجب بدلها حيث
فات محل القصاص بتمام الدية، وقد تقدم القول في نظيره).
قلت: قد تقدم بناء وجوب الدية في المقام ونظائره على المسألة
السابعة التي هي فوات محل القصاص بعد تعلقه بخلاف ما لو حصل بوجه
ولا محل له، كمن قطع يد شخص ولا يد له المفروغ من ثبوت الدية له،
334

كما يقضى به إرساله إرسال المسلمات، والمقام منه. ولعل منه أيضا ما في
كشف اللثام من أنه لو مات الجاني لا بالسراية، فلم يقتص منه في النفس
مع استحقاقه عليه فتؤخذ الدية من تركته على المشهور كلها، وفي المبسوط
نصفها لاستيفاء ما يقوم مقام النصف وإن أنكر بعض الناس عليه الشهرة
إلا أنه في غير محله، بل يمكن دعوى الاتفاق عليه، فتأمل جيدا.
المسألة (الثانية عشرة:)
(لو قطع يد انسان فعفا المقطوع) عن يده (ثم قتله القاطع
فللولي القصاص في النفس) لعموم أدلته لكن (بعد رد دية اليد)
لأنه لا يقتل الكامل كمثل هذا بالناقص إلا بعد ذلك، لما تسمعه من خبر
سورة (1) وغيره، لا للقياس على المرأة الذي هو باطل عندنا، كما لا يؤخذ
منه إلا دية الناقص والفرض أن المقطوع بعد عفوه صار كذلك، وفي
القواعد ذلك أيضا على إشكال، ولعله مما سمعت ومن أن القتل بعد العفو
عن القطع كالقتل بعد اندمال الجرح، فللولي كمال الدية أو القصاص
بلا رد، بل في كشف اللثام هو عندي أقوى.
قلت: هو كذلك لولا ما تسمعه من النص (2) المعتضد بما ستعرف،
وكذا ما عن المبسوط من الفرق بين القصاص والدية، فيقتص منه بلا رد
بخلاف الدية، ناسبا له إلى مذهبنا، قال: أما القصاص فلأن قصاص
الطرف لا يدخل في النفس، بدليل أنه لو قطع يده فسرى إلى نفسه
كان لوليه القطع والقتل معا، فلما عفا عن القصاص في الطرف لم يدخل
في قصاص النفس، فكان له القصاص منها، ويفارق الدية، لأن أرش

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 50 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
335

الطرف يدخل في بدل النفس بدليل أنه لو قطع يده فسرى إلى نفسه
كان فيه دية النفس لا غير، ولم يستحق دية اليد ودية النفس أيضا،
فلهذا دخل أرش الطرف في دية النفس، فأوجبنا عليه نصف الدية،
فبان الفصل بينهما) إذ هو كما ترى دليله عين دعواه وإن حكى عن الفخر
خاصة موافقته على ذلك، وقد عرفت سابقا تحقيق الحال في دخول
الطرف في النفس، والفرق بين الضربة الواحدة والمتعددة.
وأضعف منه ما حكاه فيه أيضا وجها من احتمال نفي القصاص
رأسا وثبوت نصف الدية، أما سقوط القصاص فلأن القتل بعد القطع
بمنزلة السراية، فهو كالجناية الواحدة عفا عن بعضها، فيسقط القصاص
عن جميعها، وأما نصف الدية فلأن العفو قد استوفى بعضها، وظني أنه
للعامة الذين هم محل هذه الخرافات، وإلا فأصحابنا أجل من ذلك،
وإن تبعه في حكايته احتمالا في غاية المراد والمسالك، لكنه واضح الفساد
مخالف للكتاب والسنة والاجماع، ضرورة إزهاقه نفسا مكافئة معصومة،
وهو عنوان القصاص، والعفو عن القطع لا يقتضي العفو عن القتل أو
قطع آخر، وليس هو إلا كقتل شخص آخر له، نعم لو مات بسراية
ما عفا عنه أمكن ذلك إذا ظهر منه العفو عن جميع ما يترتب على الجرح،
كما هو واضح.
كل ذلك مضافا إلى المرسل (1) (في رجل شج رجلا فوضحه
ثم طلبها منه فوهبها له ثم انتفضت به فقتلته، فقال: هو ضامن للدية
إلا قيمة الموضحة، لأنه وهبها ولم يهب النفس) وحينئذ فالتحقيق
ما سمعته من النص المعتضد بما تسمع الذي به يخرج عن مثل قوله تعالى (2)

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب ديات الشجاج والجراح الحديث 1.
(2) سورة المائدة: 5 الآية 45.
336

(النفس بالنفس) لو كان فيه منافاة للرد، كما أن منه يظهر الفرق بين
فاقد اليد خلقة وبين العافي عن يده.
(وكذا لو قتل مقطوع اليد قتل بعد أن يرد عليه دية يد) لكن
(إن كان المجني عليه أخذ ديتها أو قطعت في قصاص، ولو كانت قطعت
في غير جناية ولا أخذ لها دية قتل القاتل من غير رد، وهي رواية
سورة بن كليب (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سئل
عن رجل قتل رجلا عمدا وكان المقتول أقطع اليدين، فقال: إن كانت
قطعت في جناية جناها على نفسه أو كان قطع يده وأخذ دية يده من الذي
قطعها فأراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدوا إلى أولياء قاتله دية يده التي قيد
منها ويقتلوه، وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يده وأخذوا الباقي، قال:
وإن كان يده قطعت من غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا
قاتله ولا يغرم شيئا، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة، هكذا وجدنا في
كتاب علي (عليه السلام).
وهي صحيحة إلى سورة، وأما هو فقد يظهر من بعض النصوص
حسن حاله (2) بل قد يظهر من رواية الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم
عنه في عرق الحائض (3) اعتمادها عليه، فهي حسنة كما في المسالك،
مضافا إلى رواية الشيخ لها في التهذيب، بل عمل بها ابن إدريس الذي
لا يعمل إلا بالقطعيات، بل لم نعرف من ردها صريحا إلا ما سمعته من
الشيخ، ويحكى عن الفخر، نعم توقف فيه غير واحد.
مؤيدة مع ذلك بخبر الحسن بن الجريش (4) عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(2) رجال الكشي ص 322 (240).
(3) الوسائل الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 1 من كتاب الطهارة.
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1 والصحيح الحسن بن الحريش.
337

الذي أشار المصنف إلى مضمونه بقوله: (وكذا لو قطع كفا بغير
أصابع قطعت كفه بعد رد دية الأصابع) قال: (قال أبو جعفر
الأول (عليه السلام) لعبد الله بن عباس: يا بن عباس أنشدك الله هل
في حكم الله اختلاف؟ قال: لا، قال: فما ترى في رجل ضربت
أصابعه بالسيف حتى سقطت فذهب فأتى رجل آخر فأطار يده فأتي به
إليك وأنت قاض كيف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع: أعط
دية كفه، وأقول لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت أو أبعث إليهما
ذوي عدل، قال: فقال له: جاء الاختلاف في حكم الله، ونقضت
القول الأول، أبى الله أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود وليس تفسيره
في الأرض، أقطع يد قاطع الكف أصلا ثم اعط دية الأصابع، هكذا حكم
الله عز وجل).
ونحوه ما عن الكليني من المرسل (1) في باب شأن إنا أنزلناه في
ليلة القدر وتفسيرها من كتاب الحجة من الكافي عن الصادق عن أبيه
(عليهما السلام) وقد عمل به الشيخ والمصنف وغيرهما، بل عن المبسوط
أنه رواه أصحابنا، بل في غاية المراد والمسالك عمل به الأكثر، بل عن
الخلاف والمبسوط الاجماع على أن من قطع ذراع رجل بلا كف كان
للمجني عليه القصاص ورد دية، بل عن الخلاف منهما نسبته إلى أخبار
الفرقة أيضا، بل عن الغنية الاجماع على أنه إذا كانت يد المقطوع ناقصة
أصابع أن له قطع يد الجاني ورد الفاضل.
بل لم نعرف له رادا إلا ابن إدريس بناء منه على أصله، فقال:
(إنه مخالف لأصول المذهب، إذ لا خلاف بيننا أنه لا يقتص العضو
الكامل للناقص إلى أن قال: والأولى الحكومة في ذلك وترك القصاص

(1) الكافي ج 1 ص 247.
338

وأخذ الأرش) نحو ما سمعته من ابن عباس المخالف لقوله تعالى (1):
(والجروح قصاص) وغيره، والفاضل في المختلف وإن نفى البأس عنه لكن قال:
(ونحن في هذه المسألة من المتوقفين) فانحصر الخلاف فيه خاصة بناء
على أصله.
وحينئذ فضعف الخبر المزبور بسهل والحسن إن كان منجبر بما عرفت،
كما أن احتمال ضرب الأصابع فيه مفسر بخبر سورة (2) السابق المراد من
الأخذ فيه ما يشمل صورة العفو ولو باعتبار أنه أخذ للعوض الذي هو
الثواب، بل يظهر من غير المقام تنزيل العفو منزلة الأداء، وبذلك كله
تخص العمومات إن قلنا بظهورها في عدم الرد، وإلا فلا منافاة، بل
قد يظهر من الأخير أن ذلك هو مقتضى الجمع بين قوله تعالى (3):
(والجروح قصاص) (والنفس بالنفس) (4) وبين قاعدة الضرر والضرار
والتساوي في الاقتصاص المبني على التغليب، فيكون عاما لمحل الخبر وغيره،
فتأمل جيدا، فإنه نافع جدا.
(ولو ضرب ولي الدم الجاني قصاصا وتركه ظنا) منه (أنه
قتله وكان به رمق فعالج نفسه وبرئ لم يكن للولي القصاص في النفس حتى
يقتص منه بالجراحة أولا، وهذه رواية أبان بن عثمان (5) عمن أخبره
عن أحدهما (عليهما السلام) أنه قال: (أتي عمر بن الخطاب برجل
قتل أخا رجل فدفعه إليه وأمره بقتله، فضربه الرجل حتى رأى أنه قتله،
فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقا فعالجوه حتى برأ، فلما خرج أخذه أخو
المقتول، وقال له: أنت قاتل أخي ولي أن أقتلك، فقال له: قد قتلتني

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(2) الوسائل الباب 50 من أبواب القصاص في النفس الحديث 5.
(3) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(4) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(5) الوسائل الباب 61 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
339

مرة فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله، فخرج وهو يقول: أيها الناس قد
والله قتلني مرة فمروا به إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخبروه خبره،
فقال: لا تعجل عليه حتى أخرج إليك، فدخل على عمر، فقال: ليس
الحكم فيه هكذا، فقال: ما هو يا أبا الحسن؟ قال: يقتص هذا
من أخي المقتول الأول ما صنع به ثم يقتله بأخيه، فنظر أنه إن اقتص
منه أتى على نفسه فعفا عنه وتتاركا).
(و) لكن (في أبان ضعف) بالناووسية (مع إرساله
السند).
(و) من هنا كان (الأقرب) عند المصنف وجميع من
تأخر عنه (أنه إن ضربه الولي بما ليس له الاقتصاص به) كالعصا
ونحوها (اقتص منه) إن كان الجرح مما فيه القصاص وأخذ أرشه
إن لم يكن كذلك (وإلا) بأن اقتص منه بالسيف مثلا ولكن جرحه به
جراحات (كان له قتله) ثانيا (كما لو ظن أنه أبان عنقه)
بضربة (ثم تبين خلاف ظنه بعد انصلاحه، فهذا له قتله ولا يقتص
من الولي) بما وقع فيه من الضرب بالسيف (لأنه فعل سائغ) له
ودمه هدر بالنسبة إليه، بل صرح غير واحد بامكان حمل الخبر المزبور
عليه، لعدم صراحته في الاطلاق، مع كونه قضية في واقعة لا عموم فيها.
لكن فيه أنه مناف لما تقدم من أنه لو خالف المقتص الكيفية
المذكورة في القصاص أثم ولا شئ عليه، لأنه مهدور الدم بالنسبة إليه،
بل قد يشكل إطلاقهم عدم الاقتصاص في الأول في صورة فعل الجاني
بالأول كذلك.
ولذا قال في السرائر: (من قتل غيره فسلمه الوالي إلى أولياء
المقتول ليقتلوه فضربه الولي ضربات وجرحه جراحات عدة فتركه ظنا منه أنه
340

مات وكان به رمق والرمق بقية الحياة فحمل ودووي ثم جاء الولي وطلب
منه القود كان له ذلك بعد أن يرد عليه دية الجراحات التي جرحه أو
يقتص منه، هذا إذا لم يكن جرح المجني عليه المقتول الأول جراحات عدة،
بل قتله بضربة واحدة، أما إذا كان جرحه جراحات عدة فللولي أن
يقتص منه بعد ذلك ويقتله) ولكنه كما ترى غير ما ذكره المصنف.
وكذا ما في الوسيلة، قال: (وليس له المثلة بالمقتص منه ولا
تعذيبه ولا ضربه حتى يموت وإن فعل هو بصاحبه ذلك، فإن ضربه عمدا
على غير المقتل وقتله في الحال عزر، وإن تركه حتى برئ ثم أراد أن
يستقيد منه لم يكن له ذلك إلا بعد أن يقتص منه في الجرح إن كان مما
يدخله القصاص أو يدفع إليه الأرش إن لم يدخله القصاص) وفي محكي
النهاية وإن لم أجده في ما حضرني من نسختها (إذا جاء الولي وطلب منه
القود كان له ذلك وعليه أن يرد عليه دية الجراحات التي جرحه أو
يقتص له منه).
وكيف كان فلا يخفى عليك أن هذا كله وتفصيل المصنف ومن تأخر
عنه لا يخلو عن العمل بالخبر المزبور في الجملة، ضرورة اقتضاء الاعراض
عنه عدم ضمان شئ من جراحات الجاني لا قصاصا ولا دية سواء كانت
بآلة القصاص أو بغيرها كما ظنه عمر بن الخطاب، لأنه مهدور الدم بالنسبة
إليه، كتابا (1) وسنة (2) وإجماعا نعم تحرم المثلة عندنا، وتجب
كيفية خاصة في الاقتصاص منه، ولكن ذلك كله من الأحكام الشرعية
التي لا يترتب عليها غير التعزير والإثم لا الضمان ولم نجد بذلك قائلا،
فلا محيص عن العمل بالخبر المزبور مع الاقتصار فيه على نحو محله،

(1) سورة البقرة: 2 الآية 178.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب القصاص في النفس.
341

لا مطلق الجرح وإن لم يكن بالحال المخصوص.
ولا بأس به خصوصا بعد رواية المحمدين الثلاثة له وعمل مثل
ابن إدريس به ونسبة العمل به إلى الشيخ وأتباعه وعدم تحقق ناووسية
أبان، بل عن بعض الأفاضل أنه أطنب في بيان حسن حاله.
بل عن الأردبيلي أن الموجود في نسخة الكشي التي عنده كان من
القادسية: قرية معلومة لا من الناووسية: الفرقة المطعونة، على أن ناووسيته
قد أخبر بها ابن فضال الذي هو مثله في فساد العقيدة، فإن قبل خبره
فيه مع فساد عقيدته قبلنا خبره هنا مع فساد عقيدته، على أنه معارض
بما عن الكشي من أن العصابة قد أجمعت على تصحيح ما يصح عنه
والاقرار له بالعفة بناء على ظهور ذلك في كونه إماميا، وإلا فالجمع
بينهما يقتضي كونه موثقا) وهو حجة، فلم يبق إلا ارسال المنجبر بما
عرفت.
على أنه قيل: قد رواها في الفقيه بسند صحيح إلى أبان بلا إرسال
بعده، لأنه قال: وفي رواية أبان بن عثمان أن عمر بن الخطاب إلى
آخره (1).
وبالجملة فالخبر المزبور صالح للعمل، بل يمكن دعوى الاجماع على
العمل به في الجملة كما عرفت، فالأولى حينئذ العمل به باطلاقه،
والله العالم.

(1) الفقيه ج 4 ص 128 الرقم 452.
342

(القسم الثاني)
(في قصاص الطرف)
وهو ما دون النفس وإن لم يتعلق بالأطراف المشهورة من اليد
والرجل والأنف وغيرها، كالجرح على البطن والظهر ونحوهما، ولا خلاف
كما لا إشكال في أصل القصاص فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا
إلى الكتاب عموما (1) وخصوصا (2) والسنة المتواترة (3).
(وموجبه الجناية بما يتلف العضو غالبا) قصد الاتلاف به أو
لم يقصده (أو الاتلاف بما قد يتلف لا غالبا مع قصد الاتلاف)
على حسب ما سمعت الكلام فيه وفي المباشرة والتسبيب في قتل العمد،
ضرورة عدم الفرق فيه بين النفس والطرف.
(و) كذا (يشترط في جواز الاقتصاص) فيه ما يشترط
في قصاص النفس من انتفاء الأبوة ومن (التساوي في الاسلام والحرية
أو يكون المجني عليه أكمل) لما عرفت سابقا من أن من لا يقتص
منه في النفس لا يقتص منه في الأطراف بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بل
ولا إشكال، بل عن صريح الغنية وظاهر غيرها الاجماع عليه، بل هو محصل، مضافا إلى

(1) سورة البقرة: 2 الآية 178 و 194.
(2) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(3) الوسائل الباب 12 و 13 من أبواب قصاص الطرف.
343

ما في النصوص السابقة من ظهور اعتبار التساوي في الحرية في القصاص
طرفا ونفسا: كقوله (عليه السلام) (1) في أم الولد: (يقاص منها
للمماليك، ولا قصاص بين الحر والعبد) بل وغير الحرية مما تقدم
سابقا (2) كما هو واضح.
وحينئذ (فيقتص) فيه (للرجل من) الرجل بل ومن
(المرأة، ولا يؤخذ) له (الفضل) على نحو ما سمعته في
النفس (3)
(ويقتص لها منه‍) ا ومن الرجل ولكن (بعد رد
التفاوت في النفس والطرف) كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا (4)
بل وفي تساوي ديتهما ما لم تبلغ ثلث دية الحر ثم يرجع إلى النصف
فيقتص لها منه مع رد التفاوت في ما تجاوز ثلث دية الرجل، ولا رد
في ما نقص عن الثلث وفي ما بلغه خلاف، فلاحظ وتأمل.
(ويقتص للذمي من الذمي) والحربي
(ولا يقتص له من مسلم) لعدم التكافؤ
(وللحر من العبد) إن شاء وإن شاء استرقه
إن أحاطت جنايته بقيمته، والخيار له في ذلك لا للمولى كما صرح به
الفاضل في القواعد هنا، لظاهر قول الباقر (عليه السلام) في صحيح
زرارة (5) (في عبد جرح رجلين هو بينهما إن كانت جنايته تحيط
بقيمته) وأظهر منه ما في صحيح الفضيل (6) عن الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(2) راجع ص 81 - 192.
(3) راجع ص 83 - 85.
(4) راجع ص 83 - 85.
(5) الوسائل الباب 45 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(6) الوسائل الباب 3 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
344

(إن شاء اقتص منه وإن شاء أخذه إن كانت الجناية تحيط برقبته)
الحديث.
وبهما يخرج في العبد عن قاعدة إيجاب جناية العمد القصاص دون
الدية، نحو ما سمعته في جنايته على النفس التي حكي الاجماع عليها، مضافا
إلى ظاهر النصوص المستفيضة فيها (1).
ودعوى الفرق بين القتل والجرح بأن له إزالته عن ملك المالك
بالقتل فبالأولى تكون له إزالته بالاسترقاق بخلاف الجرح، فإن القصاص
فيه لا يزيل الملك كالاجتهاد في مقابلة النصوص، ونحوها الاستناد إلى
قاعدة القصاص التي قد عرفت وجوب الخروج عنها بما سمعت، وقد
تقدم الكلام في ذلك كله، وقلنا هناك: إن ظاهر خبر الفضيل اعتبار
إحاطة الجناية بالرقبة في ذلك بخلاف ما إذا لم تحط، كما أنه ذكرنا أيضا
خلاف الفاضل وغيره في ذلك، فلاحظ وتأمل.
(ولا يقتص للعبد من الحر) في الطرف وإن ساوت قيمته دية
الحر أو زادت (كما لا يقتص له منه في النفس) لعدم المكافئة المعتبرة
في القصاص بلا خلاف أجده، بل الاجماع بقسميه عليه، كما عرفت
الكلام فيه سابقا (2).
ويقتص للعبد من المساوي له في رق الكل، وكذا من الأمة، ولها
منه بعد رد الفاضل إن بلغت الثلث أو جاوزته، كما صرح به في كشف
اللثام بناء منه على مساواة الأمة للحرة في ذلك، لقول أمير المؤمنين
(عليه السلام) في خبر السكوني (3) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام):

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(2) راجع ص 91 - 93.
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
345

(جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن) ولاطلاق صحيح
جميل (1) السابق الذي يمكن حمله على غيره من النصوص (2) الواردة في
الحر والحرة، فلا رد حينئذ، خصوصا بعد أن لم نجد ذلك لغيره، بل
ولا من حكى عنه.
بل لعل أصل المسألة لا تأتي في العبد، ضرورة أن الدية في الحر
لها مقدر، فالمرأة تقاص من الرجل ما لم تبلغ الثلث من الدية، فإذا بلغته
سفلت المرأة وارتفع الرجل وصارت على النصف بخلاف العبد، لأن ديته
قيمته، وهي مختلفة باختلاف العبيد، وربما تكون الأمة أعلى منه قيمة.
اللهم إلا أن يفرض في عبد وأمة متساويي القيمة أو أن العبد أعلى،
فحينئذ يقال: إن الأمة تقاصه ما لم تبلغ ثلث قيمة العبد، فإذا بلغته
سفلت الأمة وارتفع العبد، وصارت على النصف من قيمة العبد، وهو
شئ يمكن القطع بعدمه من النص والفتوى، وما في خبر السكوني يراد
منه المساواة في جراحات الأحرار والعبيد، بمعنى أن الجرح في الحر الذي
له نصف دية الحر مثلا له في العبد نصف قيمته، وهكذا. لا ما يشمل
ما نحن فيه، كما هو واضح، فالمتجه حينئذ بقاء العبد والأمة على المقاصة
في القيمة كيف ما كانت.
ويجوز لمولى المجني عليه الصلح على ما تراضيا به، وفي كشف اللثام
(ومنه استرقاق ما بإزاء نسبة عضو عبده إلى قيمته إن لم تزد على دية
الحر) ولعله بناء على اعتبار ذلك في قيمة القاطع على نحو قيمة المقطوع،

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب قصاص الطرف الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس والباب 1 من أبواب
قصاص الطرف.
346

بدعوى ظهور النصوص (1) في عدم تجاوز قيمة العبد دية الحر في باب
الجناية قاطعا كان أو مقطوعا، ولكن لا يخلو من نظر وبحث باعتبار
انسياق المجني عليه منها لا مطلقا، فلاحظ وتأمل.
على أن المسألة مفروضة في الصلح، وهو لا يتقدر بقدر، بل يجب
ما يتراضيان به، فله حينئذ استرقاق كله به وإن زادت قيمة عضوه على
كل قيمة المجني عليه، لكونه حينئذ كالصلح عن الكثير بالقليل، أما ما
قابل الجناية منه فقد عرفت عدم احتياجه إلى الصلح، بل له استرقاقه قهرا.
ولا يقتص للقن من المكاتب إذا تحرر بعضه كغيره من المبعضين،
ويقتص له من المدبر وأم الولد، لبقائهما على الرقية، ويجوز استرقاق
المدبر كلا أو بعضا، وفي بطلان التدبير وعدمه الخلاف السابق.
ولمن انعتق منه أكثر القصاص من الأقل عتقا، كما أن للمساوي
القصاص من مثله، كما تقدم ذلك في قصاص النفس (2).
بل قد تقدم أيضا (3) الكلام في اشتراط التساوي في القيمة أو نقص
الجاني، على معنى إن زادت قيمة الجاني لم يكن لمولى الآخر الاقتصاص
إلا بعد رد التفاوت، لأن القيمة في المملوك بمنزلة دية الحر، وكما تنقسم
الدية على أعضاء الحر فكذا القيمة، وكما يجب الرد إذا زادت دية عضو
الجاني كالرجل على دية عضو المجني عليه كالمرأة فكذا القيمة وعدمه،
لاطلاق نحو (والجروح قصاص) (4).
(و) بالجملة كل ما عرفته من شرائط القصاص في النفس

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب القصاص في النفس.
(2) راجع ص 111.
(3) راجع ص 104.
(4) سورة المائدة: 5 الآية 45.
347

معتبر في القصاص في الطرف ويزيد اعتبار (التساوي في السلامة)
من الشلل وفي المحل وفي الأصالة والزيادة
(فلا تقطع اليد الصحيحة) مثلا (بالشلاء) بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به بعضهم،
بل عن ظاهر المبسوط أو صريحه وصريح الخلاف الاجماع عليه، وهو
الحجة بعد إطلاق قول الصادق (عليه السلام) في خبر سليمان بن خالد (1):
(في رجل قطع يد رجل شلاء أن عليه ثلث الدية) بل قيل: وقوله
تعالى (2): (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (وإن عاقبتم فعاقبوا
بمثل ما عوقبتم به) (3) وإن كان فيه أن الظاهر المماثلة في أصل الاعتداء
والعقاب على وجه يصدق كونه مقاصة، فلا ينافي ما دل على القصاص
من قوله تعالى (4): (والجروح قصاص) وغيره، إلا أن الأمر سهل
بعد عدم انحصار الدليل فيه، إذ الحكم مفروغ منه عندهم وقد حكي
الاجماع صريحا وظاهرا عليه.
بل هو كذلك (ولو بذلها الجاني) كما صرح به الفاضل والشهيدان
فإنه لا يكفي في التسويغ كما إذا رضى الحر القاتل للعبد بالقود لم يجز
أن يقاد منه، نعم في القواعد وكشف اللثام (ولكن لا يضمن القاطع
مع البذل شيئا وإن أثم واستوفى حقه كما في المبسوط للأصل) وإن كان
هو لا يخلو من إشكال بل منع، ضرورة عدم حق له غير الدية كي
يكون مستوفيا له، بل قد يشكل أيضا ما قيل من احتمال ضمان ثلث الدية،
لأن دية الشلاء سدس الدية، والصحيحة نصفها بأن المتجه ترتب القصاص

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 من كتاب الديات.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 194.
(3) سورة النحل: 16 الآية 126.
(4) سورة المائدة: 5 الآية 45.
348

على القاطع لا الدية إلا إذا قلنا بعدمه مع الإذن من ذي اليد بالقطع
ابتداء من دون قصاص.
(وتقطع الشلاء بالصحيحة) لعموم الأدلة، بل لا يضم إليها
أرش، للأصل وغيره بعد تساويهما في الجرم ونحوه، وإنما اختلافهما في
الصفة التي لا تقابل بالمال، كالرجولية والأنوثة والحرية والعبودية
والاسلام والكفر، فإنه إذا قتل الناقص منهم بالكامل لم يجبر بدفع
أرش خصوصا بعد قولهم (عليهم السلام) (1): (إن الجاني لا يجني
على أكثر من نفسه).
فحينئذ لا إشكال في قطع الشلاء بالصحيحة (إلا أن يحكم أهل
الخبرة أنها لا تنحسم) لو قطعت، لبقاء أفواه عروقها مفتحة أو
احتملوا ذلك احتمالا راجحا أو مساويا على وجه يتحقق الخوف المعتد به
(ف‍) لا تقطع بل (يعدل) حينئذ (إلى الدية تفصيا من
خطر السراية) على النفس التي هي أعظم من الطرف، وكذا لو كان
كل منهما شلاء بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل عن الغنية الاجماع
عليه، بل ولا إشكال، ضرورة وجوب المحافظة على النفس مما يزيد على
أصل القطع من العوارض التي منها الشلل المزبور، لكن نسبة غير
واحد له إلى الشهرة قد يشعر بالخلاف إلا أنا لم نتحققه.
نعم قيل: إن المشهور قطع يد المحارب والسارق وإن كانت شلاء
من غير اعتبار حكم أهل الخبرة، بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه.
وربما فرق بأن المراد القطع فيهما وإن استلزم تلف النفس بخلاف
القصاص المبني على حرمة أخذ الزائد على الحق وإن كان قد يناقش بأن
الحدود أولى بمراعاة ذلك من جهة بنائها على التخفيف، فالأولى حمل

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب القصاص في النفس الحديث 10.
349

الاطلاق المزبور على ما صرح به غير واحد من اعتبار المراعاة فيه أيضا.
وكيف كان فالمراد بالشلل يبس اليد والرجل بحيث لا تعمل وإن
بقي فيها حس أو حركة ضعيفة، وعن بعضهم اعتبار بطلانهما، ولذا
تسمى اليد الشلاء ميتة. وفيه أنه إطلاق مجازي، ضرورة أنها لو كانت
كذلك لأنتنت.
هذا ولكن في المسالك (من شرائط القصاص في الطرف تساويهما
في السلامة لا مطلقا، لأن اليد الصحيحة تقطع بالبرصاء، بل المراد سلامة
خاصة، وهي التي تؤثر التفاوت فيها أو يتخيل تأثيره كالصحة والشلل).
قلت: لا كلام في عدم القصاص بين الصحيحة والشلاء بعد
الاتفاق عليه نصا وفتوى، أما ما لا يصدق عليه اسم الشلل مما هو مؤثر
فيها أيضا فلا دليل على عدم القصاص به بعد قوله تعالى (1): (والجروح
قصاص) وصدق (اليد باليد) (2) نعم يجبر ضرر المقتص منه بدفع
التفاوت من المقتص بناء على ما أشرنا إليه من خبر الحسن بن الجريش (3)
المشتمل على قضية ابن عباس، لكن لم أجد من أقعد القاعدة المزبورة
على وجه يعمل عليها في غير محل النص.
وعلى كل حال فظاهرهم الاتفاق على أنه لا أثر للتفاوت في البطش
ونحوه، فتقطع يد الأيد بيد الضعيف، ورجل المستقيم برجل الأعرج،
كما ستعرف إن شاء الله.
ولو كان بعض أصابع المقطوع شلاء ففي القواعد وكشف اللثام

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1 والصحيح الحسن بن
الحريش كما في كتب التراجم.
350

ومحكي المبسوط لم يقتص من الجاني الصحيح الأصابع في الكف، بل في
أربع الأصابع الصحيحة، ويؤخذ منه ثلث دية إصبع صحيحة عوضا عن
الشلاء، وحكومة ما تحتها وما تحت الأصابع الأربع من الكف، وهو
كذلك بناء على إلحاق كل ما فيه شلل باليد.
ولو كان الأمر بالعكس فكانت أصابع المجني عليه صحيحة وإصبع
من أصابع الجاني في اليد الموافقة للمقطوعة شلاء قطعت كف الجاني،
لأن الناقص يقطع بالكامل، نعم إن خيف السراية لشلل تلك الإصبع
اقتص منه في الأصابع الصحيحة، وأخذ دية إصبع صحيحة وحكومة
في الكف أجمع كالسابقة، ولا تتبع الكف الأصابع.
(و) أما اعتبار التساوي في المحل مع وجوده فلا خلاف فيه،
بل ربما ظهر من محكي الخلاف نفيه بين المسلمين، بل في كشف اللثام
الاتفاق عليه ف‍ (تقطع اليمين باليمين) واليسار باليسار والابهام
بمثلها وهكذا.
نعم عن الأكثر بل المشهور بل عن الخلاف (و) الغنية إجماع
الفرقة عليه مع زيادة أخبارهم عليه في الثاني أنه (إن لم تكن
يمين قطعت يساره، ولو لم يكن) له (يمين ولا يسار قطعت رجله
استنادا إلى الرواية) التي هي صحيحة حبيب السجستاني (1) المروية
في الكتب الثلاثة بل والمحاسن على ما قيل
قال: (سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين، فقال: يا حبيب
تقطع يمينه للذي قطع يمينه أولا، وتقطع يساره للذي قطعت يمينه أخيرا،
لأنه إنما قطع يد الرجل الآخر ويمينه قصاص للرجل الأول، قال:
فقلت: إن عليا (عليه السلام) إنما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى،

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
351

فقال: إنما كان يفعل ذلك في ما يجب من حقوق الله تعالى، فأما ما يجب
من حقوق المسلمين فإنه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص، اليد باليد
إذا كانت للقاطع يدان، والرجل باليد إذا لم تكن للقاطع يد، فقلت له:
أما توجب عليه الدية وتترك رجله؟ فقال: إنما نوجب عليه الدية إذا
قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان، ثم نوجب عليه الدية،
لأنه ليست له جارحة يقتص منها).
وهي معلومة الصحة إلى حبيب وأما هو ففي المسالك لا نص على
توثيقه، قال: (وحينئذ فاطلاق جماعة من الأصحاب صحة الرواية
مدخول أو محمول على الصحة الإضافية، كما تقدم في نظائره، وهذا
هو السر في نسبة المصنف الحكم إلى الرواية من غير ترجيح).
قلت: قد يقال بكفاية شهادة وصفها بالصحة في المختلف والإيضاح
والمهذب البارع والتنقيح، بل في الروضة نسبة وصفها بذلك إلى الأصحاب،
على أن المذكور في ترجمته أنه كان شاريا ورجع إلى الباقر والصادق
(عليهما السلام) وانقطع إليهما، بل عن صاحب البلغة الحكم بكونه ممدوحا،
بل عن الفاضل المتبحر وحيد عصره وخصوصا في الحديث والرجال
الآغا محمد باقر عن جده أنه حكم بأنه ثقة.
كل ذلك مضافا إلى انجباره بما عرفت، بل لم نعثر على راد له غير
الحلي وثاني الشهيدين في بعض المواضع من بعض كتبه على أصليهما الفاسدين
والفخر في خصوص قطع الرجل باليد.
بل وإلى تأييده بما قيل من أنه استيفاء لمساوي الحق مع تعذر اليمين
كالقيمة في المتلفات، والدية مع تعذر القصاص، والمساواة الحقيقية لو
اعتبرت لما جاز التخطي من اليد اليمنى إلى اليد اليسرى كما لا يجوز
لو كانت الجناية واحدة.
352

وإن كان قد يناقش بأنه لو كفت المساواة دية لجاز قلع العين إذا
فقدت اليدان والرجلان، وقياس الرجل على اليد التي يمكن دعوى حصول
المقاصة فيها باعتبار الصدق ومن هنا حكى عليه الاجماع في المسالك
ومحكي المهذب البارع والمقتصر، ونفي فيه الخلاف في التنقيح والرياض
لا وجه له، لكن العمدة ما عرفت.
نعم ليس في الخبر المزبور ترتيب في الرجلين، وإنما هو موجود
في معقد إجماع الخلاف والغنية، ولعله كاف في إثبات ذلك بعد عدم
العلم بخطأه.
وأما قطع اليد اليمنى باليد اليسرى مع عدم اليمين له فقد ذكره
بعضهم، ويمكن استفادته من النص والفتوى أيضا.
بل قد يقال أيضا بقطع اليد بالرجل إذا لم يكن له رجلان عكس
الأولى، لفحوى الخبر المزبور، بل لعل التعليل فيه ظاهر في ذلك.
هذا كله في خصوص اليدين والرجلين دون غيرهما، لقاعدة الاقتصار
على المتيقن في ما خالف العمومات، كما صرح به غير واحد، خلافا
للحلي فعمم الحكم، حيث قال: (وكذلك القول في أصابع اليدين
والرجلين والأسنان) ولعله نظر إلى العلة في الرواية التي ظاهر الأصحاب
عداه عدم العمل بها في ذلك، حتى في العينين مثلا، فلا تقلع اليمنى
باليسرى مع عدمها، وبالعكس وإن كان لولا ذلك لأمكن القول به،
للخبر المزبور المؤيد باطلاق قوله تعالى (1): (العين بالعين) مثلا بعد
تخصيص اعتبار الترتيب بصورة الامكان، فتأمل.
(و) على كل حال ف‍ (كذا) الكلام في ما (لو قطع
أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه بالأول فالأول، وكان لمن

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
353

يبقى الدية) كما لو جنى فاقد اليدين والرجلين، ضرورة اتحاد المدرك
في المسألتين، وقد تقدم الكلام في هذه سابقا فلاحظ وتأمل وتدبر،
والله سبحانه العالم.
(ويعتبر التساوي بالمساحة في الشجاج طولا وعرضا) بلا خلاف
أجده فيه، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، بل في كشف اللثام الاتفاق
عليه مضافا إلى أدلة القصاص والعدل، فلا تقابل ضيقة بواسعة (و) لا
يقنع بضيقة عن واسعة.
نعم قد صرح غير واحد بأنه (لا يعتبر نزولا بل يعتبر (يراعى خ ل)
حصول اسم الشجة) بل ظاهر كشف اللثام ومحكي المفاتيح الاجماع،
بل في الرياض أن عليه إجماعنا المصرح به في جملة من العبائر (لتفاوت
الرؤوس في السمن) والهزال وغلظ الجلد ورقته على وجه لو اعتبر انتفى
القصاص، فقطع النظر عنه كما قطع عن الصغر والكبر في الأطراف،
ومن هنا قال في محكي المبسوط: (العمق في الشجاج كالمساحة في الأطراف،
والمساحة في الشجاج كالاسم في الأطراف) ومقتضاه أنه لو كان عمق
المتلاحمة مثلا نصف أنملة جاز في القصاص الزيادة عليه ما لم ينته إلى
السمحاق، وهو خلاف العدل، كما أن اختلاف الرؤوس في ما سمعت
لا يقتضي سقوط اعتباره، ضرورة إمكان القول باعتبار الممكن وأخذ
الأرش للزائد كما ذكروا في المساحة طولا من أنه لا بد من اعتبار التساوي
فيها وإن استلزم استيعاب رأس الجاني لصغره، ولا يكمل الزائد من القفا
ولا من الجبهة، بل يقتصر على ما يحتمله العضو. ويأخذ للزائد بنسبة
المتخلف إلى أصل الجرح من الدية، فإن كان الباقي ثلثا مثلا فله ثلث
دية تلك الشجة، وهكذا. فالعمدة حينئذ الاجماع إن تم، كما هو واضح.
(
ولا يثبت القصاص في ما في) قصاص‍ (ه تغرير) بنفس
354

أو طرف (كالجائفة والمأمومة) اللتين لا خلاف نصا وفتوى في عدم
القصاص فيهما، بل الاجماع بقسميه عليه، وفي المقطوع (1) (الجائفة
ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلا الحكومة) ونحوه في آخر (2).
كل ذلك مضافا إلى وجوب المحافظة على النفس والطرف المحترمين،
فيتعذر حينئذ استيفاء الحق مع حصول التغرير عليهما به، بل وكذا التغرير
بالزيادة عليه باعتبار تعسر حصول المماثلة أو تعذرها إذ هو من التغرير أيضا.
واحتمال الاقتصار على الأقل مع دفع الأرش للزائد ممكن، بل جزم به
المصنف في كتاب الديات، كالمحكي عن المبسوط وقواعد الفاضل وتحريره،
لكن عن الخلاف عدم جوازه مستدلا باجماع الفرقة وأخبارهم، وفي
الرياض (ظاهر الأصحاب على الظاهر المصرح به في المسالك الاقتصار
على الدية مطلقا). قلت: (و) لعله لعدم صدق القصاص فيه.
نعم (يثبت في الحارصة والباضعة والسمحاق والموضحة وفي كل
جرح لا تغرير في أخذه) بزيادة على الحق أو بتلف طرف آخر
(وسلامة النفس معه غالبة) لعموم الأدلة المعتضد بالاجماع بقسميه
عليه، بل وبالمحكي من نفي الخلاف فيه دون ما كان فيه التغرير المزبور.
(فلا يثبت في الهاشمة ولا المنقلة ولا في كسر شئ من العظام
لتحقق التغرير) الذي ذكرناه فيه ولقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (3):
(لا قصاص في عظم) وفي المقطوع (4) (والمنقلة وهي ينتقل منها
العظام وليس فيها قصاص إلا الحكومة) بل عن المبسوط والخلاف
والغنية والسرائر نفي الخلاف في الجميع.
ولعله كذلك، فإني لم أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن الشيخين

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1 - 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1 - 2 - 1.
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب قصاص الطرف - الحديث 2.
(4) الوسائل الباب 16 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1 - 2 - 1.
355

وابن حمزة وسلار في المقنعة والنهاية والوسيلة والمراسم، مع أن الأولين
وإن أثبت فيهما القصاص في جميع الجراح إلا أنه استثنى المأمومة والجائفة
فيهما، معللا ذلك بأن فيهما تغريرا بالنفس، ومقتضاه تعديته في كل
ما فيه ذلك، ولا ريب في تحققه في الهاشمة والمنقلة.
ومن هنا اعتذر الفاضل في المختلف عن الشيخين بأن الهشم والنقل
خارجان عن الجراح الذي أثبتنا فيه القصاص، وحينئذ فيرتفع الخلاف
منهما وينحصر في ابن حمزة المصرح بثبوت القصاص في الهاشمة والمنقلة.
وهو مع ندرته واضح الضعف، كوضوح الاعراض عن إطلاق
الموثق (1) كالصحيح (وأما ما كان من الجراحات في الجسد فإن فيها
القصاص أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها) وعما في الصحيح (2)
(عن السن والذراع يكسران عمدا ألهما أرش أو قود؟ فقال: قود،
قلت: فإن أضعفوا الدية، قال: إن أرضوه بما شاء فهو له) وإن
حكي عن ظاهر الشيخين العمل به مقيدا بما إذا كان المكسور لا يرجى
صلاحه.
ولعله لمرسل جميل (3) عن أحدهما (عليهما السلام) (في رجل
كسر يد رجل ثم برئت يد الرجل، قال: ليس في هذا قصاص) الذي
هو مستند ما في محكي المراسم من أنه لا قصاص في ما يبرأ ويصح، وإنما
القصاص في ما لا يبرأ، إلا أنه مناف في الجملة لما فيها أيضا من أنه
لما عد الجراحات قال: (لا قصاص في شئ منها إلا في سبع منها
ما عدا الجائفة والمأمومة، لأن فيهما تغريرا بالنفس) ضرورة أن كثيرا
منها قابلة للبرء، ويمكن إرادته خصوص المكسور فيكون موافقا لما سمعته

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب قصاص الطرف الحديث 5 - 4.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب قصاص الطرف الحديث 5 - 4.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
356

من الشيخين وعن أبي الصلاح، وأما الكسر والمنقل والمنجبر والجرح الملتئم
والمأمومة والجائفة وما يجري مجراه فلا قصاص في شئ منها.
إلا أن ذلك كله كما ترى لا يصلح للخروج به عما يقتضيه عموم الأدلة
من جواز القصاص مع عدم التغرير المزبور من غير مدخلية للبرء وعدمه،
ومن عدمه مع التغرير المزبور ولو بتعذر المماثلة أو تعسرها بعد الاعتضاد
بما سمعت من حكاية نفي الخلاف والاجماع وغير ذلك، وحينئذ فالمدار
عليه، والله العالم.
(وهل يجوز الاقتصاص قبل الاندمال؟ قال في المبسوط: لا،
لما لا يؤمن من السراية الموجبة لدخول الطرف فيها) فلم يعلم حينئذ
قبل العلم بحالها أن حقه القصاص في الطرف أو النفس وفي موثق إسحاق
أو حسنه (1) عن جعفر (عليه السلام) (أن عليا (عليه السلام)
كان يقول: لا يقضى في شئ من الجراحات حتى تبرأ).
(وقال في الخلاف بالجواز) لكن (مع استحباب الصبر،
وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده التي منها العمل بعموم قوله تعالى:
(والجروح قصاص) (2) (فمن اعتدى) (3) (وإن عاقبتم) (4)
خصوصا بعد ما قيل من دلالة الفاء على ذلك بلا مهلة وإن كان فيه نظر
واضح، ومنها أصالة البراءة من وجوب الصبر، وأصالة عدم حصول
السراية، بل وأشهر، بل لم نجد فيه مخالفا عدا ما سمعته من المبسوط
مع أن المحكى عنه أنه قال: (التأخير فيه أحوط) وهو بعينه الاستحباب

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب موجبات الضمان الحديث 2 من كتاب الديات.
(2) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(3) سورة البقرة: 2 الآية 194.
(4) سورة النحل: 16 الآية 126.
357

الذي أشار إليه في الخلاف، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف، والموثق
محمول على إرادة عدم القضاء في الجرح الذي لا يعلم حال إفساده حتى
يبرأ، لا الجرح الذي تحقق فيه موجب القصاص وشك في حصول المسقط.
ومنه يعلم ما في الأول المبني على أن السراية كاشفة عن عدم حق له
إلا قصاص النفس، وهو ممنوع، ضرورة تحقق الموجب حتى لو علم
السراية كان له القصاص فعلا لحصول الموجب، نعم لو لم يفعل فاتفق
حصولها دخل قصاص الطرف فيه، ومن هنا لا يجب عليه رد دية العضو
بعد حصولها لو فرض قطعه قبلها، كما تقدم بعض الكلام في ذلك سابقا.
(و) حينئذ ف‍ (لو قطع عدة من أعضائه) عمدا كان له
المبادرة إلى القصاص قبل الاندمال أو السراية لما عرفت.
ولو كان (خطأ جاز أخذ دياتها) أجمع (ولو كانت أضعاف
الدية) لما عرفت من وجود المقتضي وانتفاء المانع بالأصل، بل قيل:
لو كان ظن السريان أو وهمه موجبا لزوال ما ثبت في الواقع لكانت القوة
فعلا، وهو غير جائز، ولأنه لولاه لم يستقر استحقاق فإنه لا استحقاق
إلا ويمكن براءة المستحق عليه منه، والتالي باطل، ولأنه يلزم منع المستحق
عن حقه المالي بمجرد الشبهة مع ثبوت الموجب، ولا أثر للشبهة في سقوط
المال، ولأن شرط البقاء على الجنايات شرط في استمرار الملك لا في ابتدائه
وأخذ شرط في غيره من الأغلاط وإن كان لا يخفى عليك ما في الجميع
من المصادرة بعد الإحاطة بما ذكرناه، ضرورة بناء ذلك كله على أن
السراية مسقطة لا كاشفة، وهو محل البحث بل المنع عند الخصم.
(و) من هنا (قيل) والقائل الشيخ في المبسوط وابن البراج
في المهذب والفاضل في التحرير والإرشاد والشهيد في غاية المراد
والأردبيلي على ما حكي عن بعضها: (يقتصر على دية النفس)
358

المعلوم استحقاقها له على كل حال (حتى يندمل ثم يستوفى الباقي أو
يسرى، فيكون له ما أخذ) بل في المسالك أنه الأشهر، بل في مجمع
البرهان أنه المشهور، بل في محكي المبسوط أنه الذي يقتضيه مذهبنا، بل
في المتن هنا (وهو أولى، لأن دية الطرف تدخل في دية النفس
وفاقا) محكيا مستفيضا بل محصلا، فلا يتسلط على المال بمجرد ظن
البقاء أو احتماله الذي لا يعارض يقين البراءة.
ولكن ذلك لا يقتضي الكشف، فإنه أعم منه ومن الاسقاط الذي
يمكن كونه مفاد الأدلة، فإن أدلة إيجاب الدية في الخطأ تقتضي ترتبها
بحصول السبب، وذلك لا ينافي التداخل عند حصول السراية إلا أن ذلك
يقتضي مثله في القصاص، ولذا كان المحكي عن المبسوط فيهما عدم الجواز،
نعم يشكل ذلك على غيره ممن قال بجواز المبادرة إلى القصاص وإن قلنا
بالدخول دون الدية كالمصنف وغيره. ويمكن إرادة المصنف الأولوية
الندبية.
لكن قد عرفت أنه في القصاص لم يحك الخلاف فيه إلا عن المبسوط،
وهو غير متحقق، بخلافه في المقام الذي قد سمعت حكاية الشهرة على
عدم الجواز، بل لعل ظاهر محكي المبسوط الاجماع، اللهم إلا أن يفرق
بين القصاص والدية، وهو مشكل جدا فتأمل. وعلى كل حال فالأمر
منحصر عندنا في القولين.
وأما القول بأنه ليس له المطالبة بشئ فالظاهر أنه للعامة وإن حكاه
بعض أصحابنا، بل ربما احتمل في عبارة المبسوط، إلا أنه لوضوح
فساده ضرورة ثبوت دية له على كل حال يجب تنزيه الشيخ عنه.
ثم على القول بتعجيل الأخذ ثم حصلت السراية يجب إرجاع الزائد
عن دية النفس وما اندمل من الجراح لما عرفته من الدخول، كما هو
359

واضح، والله العالم.
(وكيفية القصاص في الجراح أن) يحلق الشعر الذي على المحل
إن كان عليه شعر يمنع من سهولة استيفاء المثل، وأن يربط الرجل الجاني
على خشبة أو غيرها بحيث لا يضطرب حالة الاستيفاء ثم (يقاس)
محل الشجة (بخيط وشبهه، ويعلم طرفاه في) مثله وهو (موضع
الاقتصاص) من الجاني (ثم يشق من إحدى العلامتين إلى الأخرى،
فإن شق على الجاني) الاستيفاء دفعة (جاز أن يستوفي منه في أكثر
من دفعة) وإن لم يمكنه الاستيفاء وكل غيره.
فإن زاد المقتص في جرحه لاضطراب الجاني فلا شئ عليه، لاستناد
التفريط إليه باضطرابه، وإن لم يكن يضطرب اقتص من المستوفي إن
تعمد، وطولب بالدية مع الخطأ.
ويقبل قوله في دعوى الخطأ مع اليمين، وإن ادعى الاضطراب
قدم قول الجاني للأصل، وإن كان الأصل البراءة ترجيحا للمباشرة.
وفي قدر المأخوذ منه مع الخطأ إشكال ينشأ من أن الجميع موضحة
واحدة حقيقة، فيقسط ديتها على الأجزاء، فيلزمه ما قابل الزيادة
منها حسب، كما لو أوضح جميع الرأس ورأس الجاني أصغر، فإنا
نستوفي القصاص في الموجود، ولا يلزمه بسبب الزيادة دية موضحة
بكمالها، بل تقسط، ويلزمه منها ما قابل الزيادة حسب، وعن الكركي
أنه استجوده، ومن أنها موضحة كاملة برأسها، لأن الزيادة جناية وليست
من جنس الأصل شرعا، فإنه قصاص بخلاف مستوعب الرأس بالايضاح
في المثال، فإن هناك موضحة واحدة حقيقة وشرعا، فإنها بجميعها جناية
كما عن المبسوط، ولعله لا يخلو من قوة.
(ويؤخر) استيفاء (القصاص في الأطراف من شدة الحر والبرد إلى
360

اعتدال النهار) حذرا من السراية ولما سمعته في الحدود، بل الظاهر
وجوب ذلك كما هو المستفاد من عبارة المصنف وغيرها، نعم الظاهر
اختصاص ذلك في قصاص الطرف دون النفس المراد إزهاقها على كل
حال، فما عن بعض من كون ذلك على الاستحباب كما عن آخر من عدم
الفرق بين الطرف والنفس في ذلك كما ترى.
(ولا يقتص إلا بحديدة) حادة غير مسمومة ولا كالة مناسبة
لاقتصاص مثله كالسكين ونحوها لا بالسيف والكال ونحوهما.
(ولو قلع عين انسان فهل له قلع عين الجاني بيده؟) الظاهر
ذلك، لاطلاق الأدلة، بل لا أجد خلافا بيننا في أصل الجواز وإن قال
المصنف: (الأولى انتزاعها بحديدة معوجة فإنه أسهل) بل في القواعد
الأقرب ذلك، لكنه ليس إشارة إلى خلاف كما اعترف به في كشف اللثام
وغيره، نعم عن الشافعي في أحد قوليه عدم جواز القصاص إلا بحديدة،
بل قد يكون القلع باليد أسهل من الحديدة، فيصير حينئذ أولى من الحديدة،
وخصوصا مع فرض كون الجاني قلعها بيده، فإن المماثلة فيه حينئذ أتم.
نعم لو فرض أن الجاني قلعها بحديدة وفرض كونه أسهل كان الأولى
مراعاة المماثلة وإن كان لو لم يراعها لم يستحق عليه تعزيرا وتأديبا، كما
في كشف اللثام، ولعله لعدم الدليل على حرمته بعد أن لم يكن مثلة،
وقد أطلق (العين بالعين) (1) من دون اعتبار كيفية خاصة، ولكن
لا يخلو من نظر مع فرض زيادة العقاب، فإنه إيلام غير مستحق يندرج
في الظلم، بل الأولى للمجني عليه مراعاة الأسهل وإن جنى عليه بالأصعب،
ولكن لو استوفاه بالأصعب المماثل لم يكن عليه شئ، أما لو جنى عليه
بالأسهل فاستوفاه بالأصعب كان عليه التعزير، والله العالم.

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
361

(ولو كانت) مساحة (الجراحة) في المجني عليه (تستوعب
عضو الجاني وتزيد عليه) لصغره (لم يخرج في القصاص إلى العضو
الآخر) ولا يجرح ذلك العضو جرحا آخر كي يساوي الجناية بلا خلاف
أجده فيه، للأصل بعد عدم صدق اسم القصاص عليه.
(و) حينئذ فمتى كان كذلك (اقتصر) في القصاص (على
ما يحتمله العضو، وفي الزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح) الدية
فمع فرض كونه موضحة قد سرت مساحتها وقسطت الدية عليها، فإذا
كان المتخلف ثلثا أو ربعا أعطي من دية الموضحة ذلك، ولو لم يكن
للجرح دية مقدرة أعطي ما قابل المتخلف مما تقتضيه الحكومة في ديته ولو
بفرضه مملوكا وتقويمه صحيحا بغير جراحة ثم يقوم مجروحا بتلك الجراحة
كلها ثم تقاس زيادة الجراحة بالنسبة إلى الجميع، فإن كانت نصفها أخذ
نصف الأرش وهكذا.
ويحتمل أن يقوم مجروحا بتلك الزيادة خاصة ويؤخذ جميع ما قابلها،
بل لعل هذا أولى، ضرورة عدم اعتبار المستوفاة، وعلى كل حال فهو
كمن قطع كفا كاملة وكانت كفه تنقص إصبعا مثلا اقتص منه وأخذ
دية الإصبع.
فما عن بعض العامة من التخيير بين الدية أو الاقتصاص بلا رد كما
يقتص لليد الكبيرة من اليد الصغيرة واضح الضعف، خصوصا بعد ما
عرفت أن المساحة في الشجاج عندنا كالاسم في الأطراف، فلا يتحقق
تمام القصاص بها إلا بمراعاة المساحة فيها بخلاف اليد مثلا الصادق تحقق
القصاص فيها بقطعها صغيرة أو كبيرة، ولذا أطلق (العين بالعين) (1)
مع شدة اختلافها صغرا وكبرا وغيرهما.

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
362

(و) من هنا (لو كان المجني عليه صغير العضو) بأن
كان مساحة رأسه على النصف من رأس الجاني (فاستوعبته الجناية لم
يستوعب في المقتص منه واقتصر على مقدار مساحة الجناية) وإن كانت
في المجني عليه في تمام الرأس وفي الجاني في النصف والتخيير في ذلك من
الرأس إلى المقتص أو الحاكم أو من حيث ابتدأ الجاني وجوه.
وكذا العكس بأن كان نصف رأس المجني عليه مثلا يستوعب رأس
الجاني وقد استوعبت الجراحة النصف فأريد القصاص استوعب رأس الجاني،
لأنه مثله في المساحة وإن كانت في إحداهما في تمام الرأس والأخرى في
نصفه.
وحينئذ فلو أوضح جميع الرأس بأن سلخ الجلد واللحم عن جملة الرأس
فإن تساوى الرأسان في القدر فعل به ذلك، وإن كان الجاني أكبر شبح
من رأسه بذلك القدر، والخيار إلى المقتص في المقدم والمؤخر والوسط،
كما في القواعد، لعدم المرجح، ويحتمل التفويض إلى الحاكم أو الابتداء
بما ابتدأ منه الجاني واختاره في المسالك، ولعل الأقوى الأول، ولو
كان أصغر استوفى القدر الموجود وغرم المفقود على حسب ما عرفته من
التقسيط، ولو اختصت الجناية بجانب من الرأس اختص القصاص به.
نعم لو كان رأس الجاني صغيرا وكانت الجناية في المقدم مثلا ففي
المسالك وكشف اللثام يمد الجرح في القصاص إلى المؤخر إن اقتضت
المساواة في المساحة ذلك وبالعكس، لأن الرأس عضو واحد وإن اختص
بعضه باسم، ويحتمل قويا الاقتصار على ما يسعه المقدم وغرامة الزائد على
النسبة، وكون الرأس اسما للمجموع لا يقتضي التجاوز عن محل القصاص
المعتبر عدمه في تحققه عرفا، فإنه المدار في ذلك، والظاهر عدم تحققه
في الفرض.
363

نعم لو كانت الجناية مستوعبة لرأس المجني عليه لصغره كان له
القصاص من أي جانب من رأس الجاني، فإن الجميع قصاص بالنسبة إليه
لأن الفرض استيعابها رأس المجني عليه، فلا فرق بين المقدم والمؤخر.
وبالجملة فالمدار على الصدق عرفا والاسم العام لذي الأجزاء المختلفة
كالرأس واليد والرجل لا مدخلية له.
وأولى من ذلك خروج الوجه فلا تكمل جنايته من الرأس ولا العكس
وإن كانت خيرة المصنف في الديات ومحكي التحرير أنه مع الرأس عضو
واحد، بل في خبر الحسن بن صالح الثوري (1) (أن الوجه من الرأس)
لكن ذلك لا يقتضي ما عرفت.
وحينئذ فلو أوضح جبينه ورأسه بضربة واحدة فهما جنايتان، فله
القصاص في إحداهما والدية عن الأخرى، وكذا لو قطع الإذن فأوضح
العظم المتصل بها.
ولو شجه في رأسه مثلا بضربة واحدة فأوضحه في بعضها خاصة
فله دية الموضحة التي هي أبعد عمقا، إذ لا تتفاوت ديتها بتفاوتها طولا
وقصرا، قيل: وليست جنايتين ليكون له دية موضحة ودية أخرى
لما دونها.
وقد يشكل بأنها كذلك ولو مع اتحاد الضربة، ولذا لو أراد
القصاص استوفى في الموضحة وفي الباقي مثل، بل قالوا: لو أوضحه
اثنتين وبينهما حاضر متلاحم اقتص منه كذلك، وإن أخذ الدية أخذ دية
موضحتين ومتلاحمة، فتأمل، والله العالم.
(ولو قطعت أذن انسان ف‍) ألصقها المجني عليه بالدم الحار
لم يسقط بذلك القصاص بلا خلاف أجده فيه إلا من الإسكافي، لوجود

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب ديات الشجاج والجراح الحديث 1 من كتاب الديات.
364

المقتضي الذي لا دليل على عدم اقتضائه بالالصاق الطارئ، خصوصا
مع عدم الاقرار عليه، فليس له حينئذ الامتناع حتى تزال كما عن المبسوط
والمهذب لأن الأمر في إزالتها مع إمكانها إلى الحاكم أو من يتمكن من
ذلك من باب النهي عن المنكر باعتبار كونها ميتة لا يجوز معها الصلاة،
بل لو قلنا للجاني حق الإزالة باعتبار المساواة في الشين لم يمكن له الامتناع
من القصاص الذي تحقق مقتضيه بذلك فما يظهر من بعض الناس من
تفريع ذلك على القولين في غير محله.
ولو (اقتص) منه (ثم ألصقها المجني عليه) ففي المتن
والنافع ومحكي المقنعة (كان للجاني إزالتها لتحقق المماثلة) في الشين
المستفادة من حسن إسحاق بن عمار أو موثقه (1) عن أبي جعفر عن
أبيه (عليهما السلام) الذي هو الأصل في المسألة قال: (إن رجلا
قطع من بعض أذن الرجل شيئا فرفع ذلك إلى علي (عليه السلام)
فأقاده فأخذ الآخر ما قطع من أذنه فرده على إذنه بدمه فالتحمت وبرئت،
فعاد الآخر إلى علي (عليه السلام) فاستقاده، فأمر بها فقطعت ثانية،
وأمر بها فدفنت، وقال (عليه السلام): إنما يكون القصاص من
أجل الشين).
وفي محكي الخلاف (إذا قطع أذنه قطعت أذنه، فإن أخذ الجاني
أذنه فألصقها فالتصقت كان للمجني عليه أن يطالب بقطعها وإبانتها،
وقال الشافعي: ليس له ذلك، لكن وجب على الحاكم أن يجبره على
قطعها، لأنه حامل نجاسته، دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم).
وفي محكي المبسوط (لو قال المجني عليه قد ألصق أذنه بعد أن

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1 عن جعفر
عن أبيه (عليهما السلام).
365

ابنتها أزيلوها روى أصحابنا أنها تزال ولم يعللوا).
وفي التنقيح (لا خلاف في جواز إزالتها، لكن اختلف في العلة،
فقيل: ليتساويا في الشين، وقيل: لكونه ميتة، ويتفرع على الخلاف
أنه لو لم يزلها الجاني ورضي بذلك كان للإمام إزالتها على القول الثاني،
لكونه حامل نجاسة، فلا تصح الصلاة مع ذلك).
ولا يخفى عليك عدم المنافاة بين التعليلين بعد قضاء الأدلة بهما،
وهي الخبر المزبور المعتضد بما عرفت المنجبر بالعمل كما في الرياض،
وما دل على نجاسة القطعة المبانة من حي وعدم جواز الصلاة بمثلها، وإن
كان ولي المطالبة على الأول المجني عليه، وعلى الثاني غيره كباقي أفراد
النهي عن المنكر، نعم قد يظهر من اقتصار بعض على إحداهما عدم
النظر إلى الآخر.
ولعله لذا قال المصنف: (وقيل) والقائل الحلي والفاضل في
التحرير على ما حكي عنهما: (لا) يثبت له طلب الإزالة،
بل إن كانت فهي للحاكم أو لمن يتمكن (لأنها ميتة) تمنع من صحة
الصلاة.
والتحقيق الالتفات إليهما، فمع العضو يبقى حق النجاسة، ومع
سقوط النجاسة إما لعدم انفصالها تماما فلا تكون مبانة من حي أو لحصول
ضرر يسقط وجوب الإزالة بالنسبة إلى الصلاة دون غيرها يبقى حق المساواة
في الشين، بل لا يكون حق غيره بناء على عدم جريان حكم الميتة عليها
بعد التحامها ونفوذ الروح فيها، بل قد يمنع بطلان الصلاة بها لكونها
كالمحمول. وعلى كل حال فذلك أمر خارج عما نحن فيه.
(وكذا الحكم لو قطع بعضها) شحمتها أو غيرها، ضرورة
عدم الفرق بين الكل والبعض في جميع ما ذكرناه.
366

بل (و) كذا (لو قطعها) أو بعضها (فتعلقت بجلدة)
ثم ألصقها المجني عليه (ثبت القصاص) أيضا (لأن المماثلة ممكنة)
فيندرج في جميع ما دل عليه، خلافا لما عن بعض العامة من عدم جواز
المقاصة هنا لتعذر المماثلة وأنه لو ألصقها سقط القصاص والدية عن الجاني،
ويرجع الأمر إلى الحكومة، حتى لو قطع آخر الإذن بعد الالتصاق لزمه
القصاص أو الدية الكاملة، وهو واضح الضعف.
نعم لا نجاسة هنا، لعدم الإبانة، وفي طلب الإزالة مع فرض عدم
الالتصاق في الجاني البحث السابق، فتأمل جيدا.
ولو جاء آخر فقطعها من ذلك الموضع بعد الالتحام ثبت القصاص،
كما لو شجه آخر أو جرحه في موضع الشجة والجرح بعد الاندمال،
لعموم الأدلة، وربما احتمل العدم، إذ ليس في عضو قصاصان، وهو
واضح المنع.
(ويثبت القصاص في العين) بلا خلاف ولا إشكال (ولو كان
الجاني أعور خلقة) أو بآفة سماوية أو بجناية، لعموم الأدلة (وإن)
كان لو اقتص منه (عمى، فإن الحق أعماه) قال محمد بن قيس (1):
(قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أعور فقأ عين صحيح قال: تفقأ
عينه، قال: قلت: يبقى أعمى، قال: الحق أعماه) وفي مرسلة أبان (2)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (سألت عن أعور فقأ عين صحيح
متعمدا، قال: تفقأ عينه، قلت: فيكون أعمى، قال: الحق أعماه)
والسند منجبر بالاتفاق ظاهرا عليه، بل عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارها

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(2) أشار إليه في الوسائل الباب 15 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1 وذكره في
الكافي ج 7 ص 321 والتهذيب ج 10 ص 276.
367

عليه. (ولا رد) للأصل وظاهر قوله تعالى (1): (العين بالعين)
بل والخبرين (2) وإن كان لو جنى عليه ابتداء كان له تمام الدية
نصا (3) وفتوى.
(أما لو قلع عينه الصحيحة) أعور مثله اقتص منه من غير
رد بلا خلاف ولا إشكال.
ولو قلعها (ذو عينين اقتص له بعين واحدة إن شاء، وهل له
مع ذلك نصف الدية؟ قيل) كما عن المفيد والحلي والفاضل في التحرير:
(لا) رد وإن كنا لم نتحققه فيه وإن قال: فيه قوة، بل المحكي
عن الأول منهم القول الآخر، فلعل له قولين (ل‍) لأصل وظاهر
نحو (قوله تعالى (4): (والعين بالعين)).
(وقيل) كما عن النهاية والمبسوط والوسيلة والجامع والإيضاح
وغاية المراد والمقتصر وظاهر المقنع والمهذب البارع، بل هو المحكي عن
أبي علي والقاضي والطبرسي والصهرشتي، بل وعن المفيد وأبي الصلاح، بل عن
المختلف نفي البأس به، بل مال إليه في النافع وحواشي الشهيد والروض
والروضة والمفاتيح والرياض على ما حكي عن بعضها: (نعم تمسكا
بالأحاديث) الدالة على ذلك.
كصحيح محمد بن قيس (5) قال: (قال أبو جعفر (عليه السلام):
قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أعور أصيبت عينه الصحيحة
ففقئت أن تفقأ إحدى عيني صاحبه، ويعقل له نصف الدية، وإن شاء

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب قصاص الطرف.
(3) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(4) الوسائل الباب 227 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 0 - 2 من كتاب الديات.
(5) الوسائل الباب 227 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 0 - 2 من كتاب الديات.
368

أخذ دية كاملة ويعفى عن عين صاحبه).
وخبر عبد الله بن الحكم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(سألته عن رجل صحيح فقأ عين رجل أعور، فقال: عليه الدية كاملة،
فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتص من صاحبه، ويأخذ منه خمسة آلاف
درهم فعل، لأن له الدية كاملة وقد أخذ نصفها بالقصاص) وبهما يقطع
الأصل ويخص العموم في قوله تعالى: (العين بالعين) لو كان وقلنا
إنها مقررة في شرعنا.
مضافا إلى معلومية وجوب الدية تامة بعين الأعور خلقة أو بآفة
من الله، بل نفى عنه الخلاف غير واحد، بل عن الخلاف والغنية والمختلف
وغاية المراد والتنقيح والمهذب البارع والرياض الاجماع عليه، وهو الحجة
بعد ما في حسنة العجلي (2) وخبر أبي بصير (3) في عين الأعور الدية،
فوسوسة الأردبيلي ومن تأخر عنه في ذلك في غير محلها، وحينئذ تتجه له
المطالبة بالنصف.
نعم لو كان قد ذهبت عينه بجناية جان لم يكن له إلا نصف الدية
بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه، وعن ديات
كشف اللثام أنه اتفاقي، وهو الحجة، مضافا إلى الاعتبار وإطلاق
النصوص (4) أن في العين نصف الدية، ووضوح الفرق بين الخلقي
وما ألحق به المشابه للأنف ونحوه مما هو عضو واحد وبين المستوفي عوضها
مثلا، وإطلاق النصوص منزل على ذلك لما عرفت.
(و) على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا أن هذا لا (الأول

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4 - 1 - 3 من كتاب الديات والثاني حسنة الحلبي.
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4 - 1 - 3 من كتاب الديات والثاني حسنة الحلبي.
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4 - 1 - 3 من كتاب الديات والثاني حسنة الحلبي.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء من كتاب الديات.
369

أولى) من وجوه، بل يبعد القول بأن فيها الدية كاملة وإذا اقتص
تجزؤه عين واحد بلا رد.
وعن أبي علي تخيير الجاني (1) بين قلع عيني صاحبه ودفع خمسمأة دينار
وقلع إحداهما وأخذ ذلك، وهو مع شذوذه وعدم وضوح مستنده ومخالفته
لظاهر النص السابق غريب، فإن العينين إما أن تساويا عينه فلا رد وإلا
فلا قلع.
ونحوه ما في المسالك من أن (القول الأول لا يخلو من قوة، والرواية
تصلح شاهدا مؤيدا بوجوب الدية لهذه الجناية كاملة على تقدير الخطأ)
ضرورة صراحتها في القصاص، فمع فرض كونها صالحة دليلا فهي حجة
فيه، وإلا فلا فيهما معا.
وفرق واضح بين الرد من الأنثى للاقتصاص من الذكر في الشئ
الواحد لا في الاثنين بواحد باعتبار أنها نصف الرجل وبين المقام، ولذا
لو اقتص للرجل منها لم يكن له أزيد من الطرف الواحد بالآخر كما هو
واضح.
ثم إن الظاهر كون التخيير للأعور بين أخذ الدية كاملة وبين القصاص
بإحدى العينين وأخذ نصف الدية، كما صرح به غير واحد، بل قيل:
إنه المشهور بين المتقدمين حتى كاد أن يكون إجماعا منهم، بل عن الخلاف
الاجماع عليه، وهو الحجة بعد ظهور الخبرين (2) في ذلك الذي لا داعي
إلى حمله على التراضي إلا ما سمعته في قصاص النفس من كون الواجب
القود وأنه لا تجب الدية إلا صلحا الذي يمكن تخصيصه بما عرفت، بل
قد يقال بذلك في مطلق قصاص الطرف، لتضمن كثير من نصوصه
التخيير المزبور الذي لا داعي إلى حمله على صورة التراضي، فلاحظ وتأمل.

(1) هكذا في النسختين الأصليتين: المسودة والمبيضة، والصحيح " تخيير المجني عليه ".
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 و 4 من كتاب الديات.
370

وعلى كل حال فليس له قلع العينين بعينه قطعا نصا (1) وفتوى
إلا ما سمعته من الإسكافي، كما أنه لا يقتضي ما ذكرناه هنا الرد عليه
عند الاقتصاص منه، ضرورة وضوح الفرق بينهما بما أشار إليه (عليه
السلام) من أن (الحق أعماه) (2) ولعله لكونه عاديا هناك لم يستحق
شيئا بخلافه هنا فإنه معتدى عليه.
ولو قلع عينا عمياء قائمة فلا قصاص لها من عين صحيحة اتفاقا،
لنقصها، وعليه ثلث ديتها أو الربع كما ستعرف في محله إن شاء الله.
نعم لا فرق في ثبوت القصاص بين الصحيحة والحولاء والعمشاء
والخفشاء والجهراء والعشياء، فتقلع كل منهما (منها خ ل) بالأخرى،
لكون التفاوت بينها بالنفع، إذ الحول إعوجاج، والعمش خلل في الأجفان
يقتضي سيلان الدمع غالبا، والخفش عدم حدة في البصر بحيث يرى من
بعد أو عدم البصر في الليل خاصة أو في يوم غيم أو فساد الأجفان أو
صغر العين، والجهر عدم البصر نهارا ضد العشاء الذي هو عدم البصر
ليلا، فيندرج الجميع تحت قوله تعالى (3): (العين بالعين) كما هو
واضح.
(ولو) جنى عليه ف‍ (أذهب ضوء العين دون الحدقة توصل
في المماثلة) بالطرف التي لا تقتضي تغريرا بعضو آخر أو بنفس أو بزيادة
كالذر فيها بالكافور ونحوه.
(و) لعل منه ما (قبل) من أنه (يطرح على الأجفان
قطن مبلول) لئلا تحترق الأجفان (ويقابل بمرآة محماة مواجهة للشمس

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 من كتاب الديات
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
(3) سورة المائدة: 5 الآية 45.
371

حتى تذوب الناظرة وتبقى الحدقة) وهي رواية رفاعة (1) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: (إن عثمان أتاه رجل من قبيس بمولى له قد لطم
عينه فأنزل الماء فيها وهي قائمة ليس يبصر بها شيئا، فقال له: أعطيك
الدية فأبى، قال: فأرسل بهما إلى علي (عليه السلام) وقال: احكم
بين هذين، فأعطاه الدية فأبى، قال: فلم يزالوا يعطونه حتى أعطوه
ديتين، فقال: ليس أريد إلا القصاص، قال: فدعا علي (عليه السلام)
بمرآة فحماها، ثم دعا بكرسف فبله، ثم جعله على أشفار عينيه وعلى
حواليها ثم استقبل بعينيه عين الشمس، قال: وجاء بالمرآة، وقال:
انظر فنظر، فذاب الشحم وبقيت عينه قائمة وذهب البصر).
بل ربما استظهر من الشيخ وغيره تعيين الاستيفاء بذلك، بل لعل
نسبة المصنف والشهيد له إلى القيل مشعر بذلك، بل قيل: وفي الخلاف
(عليه إجماع الفرقة وأخبارهم) وفي الروضة (القول باستيفائه على هذا
الوجه هو المشهور) وإن كان هو واضح الضعف، ضرورة عدم دلالة
في الخبر على التعيين على وجه يصلح مقيدا لاطلاق الأدلة بعد أن كان قضية
في واقعة، والمحكي عن الشيخ في المبسوط أنه قال: (يستوفى بما يمكن
من حديدة حارة أو دواء يذر من كافور وغيره).
وعلى كل حال فالظاهر عدم المنافاة بين ما في العبارة ونحوها وبين
ما في الخبر المزبور من مواجهة الجاني للمرآة المواجهة للشمس أو مواجهته
أولا للشمس ثم يؤتى بالمرآة المحماة كما في الخبر، إذ من المعلوم كون المراد
ما يستعمل الآن في الاحراق بالمنظرة المقابلة لقرص الشمس، ولكن إذا
أريد السرعة في ذلك حمئت المنظرة في النار ثم فتحت عين الجاني في
مقابل عين الشمس ثم يجاء بالمنظرة الحارة ويقابل بها قرص الشمس

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1.
372

لتستفيد حرارتها فتذيب شحمة العين وتبقى الحدقة، ولو فرض عدم
التمكن إلا باحراق الحدقة أو الأجفان سقط القصاص وانتقل إلى الدية،
كما في نظائره.
ولو كانت عين المجني عليه شاخصة بيضاء وأمكن الاقتصاص منه
بحيث يساويه في ذلك فعل ولو بعلاج بعد القصاص بما يورث العين
بياضا وشخوصا، ولو لم يمكن العلاج فلا شئ، ضرورة كونه حينئذ
كاختلاف صورة شجة المقتص منه والمقتص بعد الاندمال في الحسن والقبح،
والله العالم.
(ويثبت) القصاص (في الحاجبين وشعر الرأس واللحية)
والأهداب ونحوها، لعموم الأدلة، وعن التحرير القطع بذلك، إلا
الأهداب فلم يتعرض لها، وعن حواشي الشهيد على القواعد المنقول أنه
(لو جنى على اللحية والرأس حتى أزال الشعر والجلد فإنه يقتص فيهما،
وإن لم يكن للجاني شعر اقتص منه في الجرح وأخذ منه الدية في الشعر،
وإن جنى على الشعر خاصة كان في شعر الرأس الدية وكذا اللحية، وإن
نبتت ثانيا فلا قصاص وفيه الأرش، ويثبت في بقية الشعر الأرش دون
القصاص) إلى آخره.
وفي القواعد (ويثبت القصاص في الأهداب والأجفان أي مجتمعين
ومنفردين للعموم، وفي شعر الرأس واللحية والحاجبين على إشكال ينشأ
من أنه إن لم يفسد المنبت فالشعر يعود، وإن أفسده فالجناية على البشرة
والشعر تابع، أي فإن كان إفساده بما يمكن الاقتصاص له اقتص، وهو
قصاص للبشرة لا الشعر، وإلا تعينت دية الشعر على التفصيل الآتي في محله
وأرش البشرة إن جرحت).
ولكن فيه أن ذلك بعينه جار في الأهداب، وعوده لا ينافي القصاص فيه،
373

نعم في خبر مسمع (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قضى أمير المؤمنين
(عليه السلام) في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة، فإذا نبتت
فثلث الدية) ونحوه خبر السكوني (2).
وفي مرسل علي بن خالد أو حديد (3) عنه (عليه السلام) أيضا
(قلت له: الرجل يدخل الحمام فيصب عليه صاحب الحمام ماء حارا
فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت، قال: عليه الدية كاملة) ونحوه خبر
سليمان بن خالد (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا.
وفي خبر سلمة بن تمام (5) قال: (إهراق رجل قدرا فيها مرق
على رأس رجل فذهب شعره فاختصموا في ذلك إلى علي (عليه السلام)
فأجله سنة، فجاء فلم ينبت شعره فقضى عليه بالدية) وظاهرها ولو
بترك الاستفصال ثبوت الدية في الشعر على كل حال، ولعله لعدم التمكن
من المماثلة فالمتجه كون المدار على ذلك.
ثم المراد من الحاجبين في المتن الشعر النابت على العظم، ولذا لم
يقل شعر الحاجبين لكن في القاموس الحاجبان: العظمان فوق العينين
بلحمهما وشعرهما، أو الحاجب الشعر النابت على العظم، وكلامهم في
الديات يعطي إرادة نفس الشعر من الحاجبين. وكيف كان فالحكم فيهما
واضح.

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 - 2 - 3 من كتاب الديات.
(2) أشار إليه في الوسائل الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 من كتاب
الديات وذكره في الفقيه ج 4 ص 112.
(3) الوسائل الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 - 2 - 3 من كتاب الديات.
(4) أشار إليه في الوسائل الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 وذكره في
الفقيه ج 4 ص 111 والتهذيب ج 10 ص 250.
(5) الوسائل الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 - 2 - 3 من كتاب الديات.
374

نعم لو كان حاجب المجني عليه لا شعر فيه وأريد القصاص فيه
من الجاني الذي على حاجبه شعر أشكل الحال فيه باعتبار اقتضاء القصاص
التغرير بالشعر الذي هو كالعضو الآخر، ولذا يثبت له دية مستقلة.
وكذا الكلام في الأجفان التي لا إشكال في ثبوت القصاص فيها
مع التساوي للعموم.
أما لو خلت أجفان المجني عليه عن الأهداب ففي القواعد في
القصاص إشكال، قيل: من تبعيتها للأجفان كالنابت على الأيدي من
الشعور فيقتص كما يقتص من اليد الشعراء، وكما يقتص للمرأة من الرجل
نفسا وطرفا، وهو كما ترى، ضرورة وضوح الفرق بين ذلك وبين
الفرض، وذلك أن لها وحدها دية، فهي كعضو برأسه، وسيأتي الكلام
في أن فيها الدية أو الأرش، وفي أن فيها شيئا إذا كانت مع الأجفان
أو لا، وعلى كل حال فإن أوجبناه رجع الجاني بالتفاوت دية أو أرشا
تحرزا من الظلم، ولكن قد عرفت أن المتجه سقوط القصاص، للتغرير
بغير المجني عليه، ونحوه يجري في الحاجب.
وعلى كل حال (فإن نبت) الشعر المجني عليه قبل الاستيفاء
(فلا قصاص) كما في القواعد، ولعله لخوف أن لا ينبت، وإلا فلا
بعد في القصاص فيه، وعلى تقدير عدم القصاص فالأرش، والله العالم.
(و) يثبت القصاص أيضا (في قطع الذكر) بلا خلاف،
بل في كشف اللثام ومحكي التحرير الاجماع عليه، لعموم الأدلة.
(ويتساوى في ذلك) له أيضا (ذكر الشاب) ولو رضيعا
(والشيخ والصبي والبالغ والفحل والذي سلت خصيتاه) إذا لم
يؤد إلى شلل فيه، كما عن الخلاف والسرائر (والأغلف والمختون)
بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بيننا، بل ولا من غيرنا إلا من مالك،
375

فلم يثبت القود بين الفحل ومسلول الخصيين، لأنه لا منفعة فيه، وفيه
أن ذلك نقص في الماء لا فيه، فيندرج في العموم بعد الاشتراك في
الاسم والخلقة والسلامة.
(نعم لا يقاد الصحيح بذكر العنين) كما صرح به الفاضل
وثاني الشهيدين وغيرهما، ولعله لكون العنن من الشلل أو بحكمه المانع
من القصاص، كما سمعته في اليد المحمولة على المثال.
لكن في خبر السكوني (1) (في ذكر العنين الدية) وهو مشعر
بالمساواة (و) فيه أنه أعم، فإن المجنون لا يقتل بالعاقل، مع
أن في قتله الدية،
مع أن المشهور كما قيل على أنه (يثبت بقطعه
ثلث الدية) بل عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارها عليه، ويأتي
إن شاء الله تمام الكلام فيه، فالخبر حينئذ غير معمول به.
ولكن يقطع بالصحيح كما سمعته في اليد، وفي التفاوت ما عرفت،
ولا يقطع الصحيح بالمشلول بلا خلاف.
والمراد به أن يكون منقبضا لا ينبسط ولو في الماء الحار، أو
منبسطا لا ينقبض ولو في الماء البارد، وإن التذ صاحبه وأمنى بالمساحقة
وأولد، وهو معنى ما في محكي المبسوط من أنه قد استرسل فلا ينتشر
ولا يقوم ولا ينقبض ولا ينبسط كالخرقة.
ويقطع الأشل بالأشل وبالصحيح إلا إذا خيف منه عدم الانحسام
على حسب ما سمعته في اليد.
ويثبت القصاص أيضا ببعضه كالكل، لعموم الأدلة. والظاهر أن
الحشفة عضو برأسها، فتقطع بمثلها، صغرت أو كبرت، وفي بعضها
على النسبة إن نصفا فنصف وهكذا كغيرها من أصل الذكر، إذ لا عبرة

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 من كتاب الديات.
376

بالمساحة هنا، وإلا لأفضت إلى قطع جميع القصير ببعض الطويل.
(و) كذا يثبت (في الخصيتين القصاص) بلا خلاف بل
ولا إشكال للعموم، بل (وكذا في إحداهما) مع التساوي في المحل
(إلا أن يخشى ذهاب منفعة الأخرى) فلا يجوز بلا خلاف أجده
فيه أيضا بل ولا إشكال للتغرير الذي سمعته سابقا (فتؤخذ ديتها)
حينئذ أما مع عدم الخشية فلا بأس بالقصاص لما عرفت، سواء كان
المجني عليه صحيح الذكر أو عنينا، لثبوت أصل المماثلة وإن كان النقص
في عضو آخر، ودعوى أن منشأ العنانة في الأنثيين لم نتحققها، على أن
قطعهما لا يبطل من الذكر سوى الايلاد وقد أبطله الجاني من المجني عليه أيضا،
نعم لو خيف منه على الذكر الشلل أو التعنن ولم يحصل ذلك في المجني
عليه بل كان كذلك أو بقي على الصحة فالدية.
ولو قطع الذكر والخصيتين اقتص له سواء قطعهما دفعة أو على
التعاقب، بدأ بالذكر أو الخصيين، أدى قطع الخصيين إلى تعنن أو شلل
في الذكر أو لا، فلا يتوهم أنه إن قطع الأنثيين فشل الذكر ثم قطع
الذكر لم يقتص له من ذكره الصحيح، لأن الشلل إنما جاء من جنايته،
وفي كشف اللثام (نعم إن كان أدى دية شلله استردها، وعن بعض العامة
أنه إذا قطع الخصيان أولا لم يكن في الذكر إلا الحكومة، لأنهما إذا قطعتا
ذهبت منفعته، إذ لا يخلق الولد من مائه) وهو كما ترى، والله العالم.
(ويثبت) القصاص أيضا (في الشفرين كما يثبت في الشفتين)
بلا خلاف أجده فيه بيننا، للعموم نعم عن بعض العامة عدمه بناء على
أنهما لحم ليس له حد ينتهي إليه كالأليتين ولحم العضد والفخذ، وهو
واضح الفساد، لظهور حدهما عرفا، فإن المراد بهما اللحم المحيط بالفرج
إحاطة الشفتين بالفم.
377

ولا فرق في ثبوت القصاص بين البكر والثيب والصغيرة والكبيرة
والصحيحة والرتقاء والقرناء والعفلاء والمختونة وغيرها والمفضاة والسليمة،
لعدم التفاوت فيهما، فإن البكارة والرتق والافضاء وأضدادها إنما تتعلق
بالباطن، والختن إنما يكون فوق الفرج في الهيئة الشبيهة بعرف الديك.
ولو أزالت بكر بكارة أخرى بإصبعها اقتص منها من إمكان المساواة
وإلا فالدية، وعن الفخر والشهيد إطلاق تعينها، ولعله للتغرير باعتبار
عدم إدراكها بالبصر لأنه من البواطن.
نعم (ولو كان الجاني) على الامرأة (رجلا فلا قصاص) عليه
كالعكس
لو قطعت الذكر أو الخصيين بلا خلاف أجده فيه، لعدم المحل
(و) لكن (عليه ديتها، و) عليها ديته.
نعم (في رواية عبد الرحمان بن سيابة (1) عن أبي عبد الله (عليه
السلام) إن لم يؤد ديتها قطعت لها فرجه) قال: (إن في كتاب علي
(عليه السلام) لو أن رجلا قطع فرج امرأة لأغرمنه لها ديتها، فإن
لم يؤد إليها ديتها قطعت لها فرجه) (وهي متروكة) هنا كما في
كشف اللثام وإن لم يكن في سندها من يتوقف فيه إلا عبد الرحمان،
وعن البلغة أنه ممدوح، بل عن تعليق الإغارة أنه يروي عنه الاجلاء،
وأنه مقبول الرواية، وأنه هو الذي أمره الصادق (عليه السلام) بتفريق
المال في عيال من أصيب مع زيد (2) وما رواه الكشي (3) عنه فلعله
كان في أول حاله، على أنه قابل للتوجيه، وطريقه غير صحيح.
(ولو كان المجني عليه خنثى فإن تبين أنه ذكر فجنى عليه رجل

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
(2) رجال الكشي ص 287 الرقم 169 - 171 وأمالي الصدوق المجلس 54 الحديث 13
(3) رجال الكشي ص 334 الرقم 253.
378

كان في ذكره وأنثييه القصاص، وفي الشفرين الحكومة) بلا خلاف
ولا إشكال للعمومات في الأول، ولكون الشفرين حينئذ لحما زائدا
(ولو كان الجاني) على المزبور (امرأة كان في المذاكير الدية)
لعدم المحل (وفي الشفرين الحكومة) أيضا (لأنهما) كما عرفت
(ليسا أصلا) فيه، بل هو لحم زائد، إذ الفرض تبين كونه ذكرا.
(ولو تبين أنه امرأة فلا قصاص على الرجل فيهما) معا،
لعدم المحل (و) لكن (عليه في الشفرين ديتهما) كغيرها من
النساء (وفي المذاكير الحكومة) بلا خلاف (و) لا إشكال، لأنها
حينئذ فيها لحم زائد.
نعم (لو جنت عليه امرأة كان في الشفرين القصاص) لعموم
الأدلة (وفي المذاكير الحكومة) بلا خلاف ولا إشكال.
ولو كان الجاني خنثى مشكلا أيضا لم يكن له قصاص إلا مع العلم
بحالهما، لاحتمال المخالفة، وأصل البراءة، والشبهة، وعدم صدق الذكر
بالذكر مثلا بعد اشتباه الحال (و) عموم (والجروح قصاص) (1)
بعد العلم بإرادة قصاصها على الوجه المزبور غير مجد، كما هو واضح.
نعم (لو لم يصبر حتى يستبان حاله فإن طالب بالقصاص لم يكن
له) سواء كان من مثله أو من معلوم الذكورة أو الأنوثة وكذا لو
طلب الذكر أو الأنثى القصاص منه قبل ظهور حاله (ل‍) اشتراط
المماثلة ولم تعلم مع (تحقق الاحتمال و) قبل ظهور الحال.
نعم (لو طالب بالدية أعطى اليقين، وهو) مقدار (دية
الشفرين) أو الذكر أو الخصيتين، لأن له دية نفس على كل حال
(و) حينئذ ف‍ (لو تبين بعد ذلك أنه رجل أكمل له دية الذكر
والأنثيين والحكومة في الشفرين) فإن ذلك هو المستحق له، وقد وصل

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
379

إليه من ديته، فيبقى له دية أخرى وحكومة في الشفرين (أو تبين أنه
أنثى) كان له ما أخذه من الدية و (أعطى الحكومة في الباقي)
الذي هو الذكر والخصيتان كما هو واضح.
(ولو قال: أطالب بدية عضو) من الثلاثة (مع بقاء
القصاص في الباقي لم يكن له) لأن أحد الثلاثة زائد قطعا لا قصاص
فيه ولا دية، فلا يتم له الجمع بين الدية (و) القصاص في الثلاثة.
نعم (لو طالب بالحكومة) لعضو (مع بقاء القصاص)
في غيره (صح) لأن ذلك له في الواقع فطالب ما هو حق له
(و) لكن (يعطي أقل الحكومتين) على تقدير كون المذاكير
زائدة أو كون الشفرين زائدين، فأقل الأمرين ثابت على كل تقدير،
فإذا أخر القصاص إلى أن يتبين الحال فظهر ذكرا وكان أقل الحكومتين
النقص بالشفرين اقتص بالمذاكير، وإن كان أقلهما نقص المذاكير أكمل
له حكومة الشفرين واقتص في المذاكير، وعلى هذا القياس لو ظهر أنثى.
ويحتمل أن يريد المصنف بالعضو مجموع المذاكير أي الذكر والخصيان
ومجموع الشفرين، وعدم إجابته حينئذ لو طلب الدية في أحدهما معينا له
والقصاص في الآخر للتناقض، فإنه إنما يستحق دية عضو له فيه القصاص،
وإذا استحقه في عضو لم يستحقه في الباقي، ولما لم يعف عن الباقي
المعين احتمل ظهور أصالته فيه فيستحق القصاص فيه فلا يستحق دية
الآخر، نعم إن ظهرت أصالته ما أخذ ديته لغا استيفاؤه القصاص في
الباقي، وكانت له الحكومة فيه إلا أن يوجد في الجاني مثله.
ولو قال: أطلب حكومة في عضو مع القصاص في الباقي أجيب
إليه، وأعطي أقل الحكومتين، لموافقته الواقع، فإنه يستحق القصاص
في أحدهما والحكومة في الآخر، لكن إن ظهرت أصالة ما أخذ حكومته
380

التي هي الأقل اقتص له فيه، وحبست الحكومة للآخر وأكملت أو أكملت
الحكومة دية لذلك العضو.
وعن العامة قول بأنه لا يعطى حكومة للجهل، وآخر بأنه يعطى
حكومة ما قطع منه أخيرا، لأن القيمة بعد الجناية أقل منها قبلها،
والأصح ما ذكرناه.
وإن بقي الاشكال وآيس من الوضوح لم يقتص له في عضو، وكان
له نصف دية كل عضو والحكومة في نصفه مراعاة للاحتمالين، كما صرح
به هنا في كشف اللثام، وله نظائر فيها وفي غيرها، ولكنه لا يخلو
من بحث.
هذا وفي القواعد ومحكي المبسوط أنه لا قصاص في الأليتين، لتعذر
المماثلة، إذ لا ينفردان عن سائر الأعضاء بمفصل ونحوه، ولذلك لا يجري
في أبعاضهما أيضا ولكن عن التحرير الثبوت فيهما، ويناسبه ثبوت الدية
فيهما ونصفها في إحداهما كما سيأتي، وعدم الانفصال ممنوع، فإنهما
ناتيان عن استواء الفخذ والظهر، ولعله الأقوى، والله العالم.
(ويقطع العضو الصحيح بالمجذوم إذا لم يسقط منه شئ)
لعموم الأدلة المقتصر في تخصيصها على خصوص الشلل، وفي محكي
الوسيلة والتحرير أن ذكر المجذوم إذا لم يسقط منه شئ يساوي المقابل،
ونحوه في الارشاد ومجمع البرهان.
لكن في القواعد وشرحها للإصبهاني (ولا يقطع العضو الصحيح
بالمجذوم وإن لم يسقط منه شئ، فإنه معرض له، ويقطع المجذوم
بالصحيح ولا يضم إليه أرش، ولا يشترط تساوي خلقة اليد ومنافعها
وفي سائر العلل من البرص ونحوه والصحة فيها، لعموم الأدلة والفتاوى).
وفيه أن ذلك يقتضي قطع الصحيح بالمجذوم، ضرورة عدم دليل
381

يخصه بعد أن لم يكن داخلا في الشلل، بل لعله كذلك وإن سقط منه
شئ لا يخرجه عن اسم اليد الكاملة، ودعوى عدم صدق الاعتداء والعقاب
بالمثل مع منعها تقتضي السلامة من سائر الأمراض، وهو معلوم
العدم، ولو سلم فالمتجه بناء على ما سمعته في خبر الحسن بن الحريش (1)
المشتمل على قضية ابن عباس قطع الصحيح به ودفع التفاوت لو كان
لا عدم القصاص به، فلاحظ وتأمل، فإن كلامهم لا يخلو في المقام
من اضطراب في الجملة، لكنه متفق بالنسبة إلى قطع المجذوم بمثله
وبالصحيح، نعم هو كذلك بالنسبة إلى قطع الصحيح بالمجذوم الذي قد
سمعت ما في القواعد وشرحها، وستسمع ما في كشف اللثام في الأنف.
(وكذا يقطع الأنف الشام بالعادم له كما يقطع الإذن
الصحيحة بالصماء) بلا خلاف ولا إشكال، ضرورة كون الخلل في
الشم والسمع إنما هو في الدماغ والصماخ ونحوهما لا في نفس العضو،
ويستوي في ذلك الأقنى الأفطس والكبير والصغير للتساوي، بل في
كشف اللثام (ويستوي الصحيح والعليل، فيقتص من الصحيح للجذوم
ما لم يتناثر منه شئ، فإن تناثر بعضه ثبت القصاص بالنسبة إلى الباقي)
وهو مناف لما سمعته منه سابقا، مع أن في إطلاقه القصاص في الباقي
الشامل لما إذا ذهب طرفه بحثا.
وفي قطع الصحيح بالمستحشف من الأنف والإذن إشكال كما في
القواعد، لكن قد يقوى العدم بناء على أنه شلل، فيجري عليه الحكم
السابق في اليد، وعن حواشي الشهيد المنقول عدم القصاص، بل عن
ظاهر ديات المبسوط الاجماع على أنه يجب على قاطعها ثلث الدية، وعن
الخلاف الاجماع والأخبار على أنه لو ضربها فاستحشفت كان عليه ثلثا

(1) راجع ص 350.
382

ديتها، وعن المحقق الثاني عدم القصاص في الأنف المستحشف.
ويجري القصاص في المارن كله أو بعضه، كما صرح به في القواعد
وغيرها، لانفصاله عن القصبة انفصال الكف عن الساعد، إذ المراد به
ما لان من الأنف ثم قال في القواعد: (ولو قطع معه القصبة فاشكال،
من حيث انفراده عن غيره، فأمكن استيفاؤه قصاصا، ومن أنه ليس له
مفصل معلوم) وعن المبسوط أن القصاص في المارن أو كمال الدية،
والحكومة في القصبة، ومال إليه أو قال به في كشف اللثام، بل عن
الكركي اختياره، وعن حواشي الشهيد أنه المنقول.
ولعل الأقوى القصاص في الجميع فضلا عن المارن خاصة، لامكان
المماثلة عرفا، ولعله لذا جزم به في محكي التحرير، بل لعل الاشكال فيه
في القواعد مناف لما جزم به من ثبوت القصاص في المارن، نعم لو قطع
بعض القصبة لم يكن له القصاص إلا في المارن، لعدم المفصل فيها،
وكونها من العظام التي لا قصاص في كسرها، فتتعين الحكومة فيها
حينئذ.
ولو قطع المارن شخص فقطع القصبة آخر لأنفه مارن ففي كشف
اللثام لم يقتص منه، كما لا يقتص من ذي أصابع قطع كفا بلا أصابع،
وفيه البحث السابق الذي سمعته في خبر الحسن بن الجريش (1) المشتمل
على قضية ابن عباس.
ولو قطعها فاقد المارن ففي القواعد وكشف اللثام احتمل القصاص
للانفراد عن الغير وعدمه، لعدم المفصل، وقد عرفت أن الأقوى
القصاص.
(ولو قطع بعض الأنف) وعن المبسوط بعض مارنه (نسبنا

(1) راجع ص 350.
383

المقطوع إلى أصله) على وجه يعلم أنه صنف أو ثلث (و) هكذا
ثم (أخذنا من الجاني بحسابه) أي ما نسبته إلى أنفه أو مارنه نسبة
المقطوع من أنف المجني عليه إلى أنفه أو مارنه، ولم يؤخذ من الجاني
ما يساوي في المساحة المقطوع من المجني عليه (لئلا يستوعب أنف
الجاني بتقدير أن يكون صغيرا) وأنف المجني عليه كبيرا، فالنصف
من أنف الجاني أو مارنه بالنصف من ذلك من المجني عليه ساواه في
المساحة أو زاد أو نقص، والثلث بالثلث. وبالجملة لا يراعى المساحة
بين الأنفين حتى يقتص بقدر ما قطع وإن كان تمام الآخر، بل إنما يراعى
النسبة، كذا ذكره من تعرض لذلك كالشيخ والفاضل وثاني الشهيدين
والإصبهاني.
ولكنه لا يخلو من بحث، ضرورة اقتضائه قطع القليل بالكثير
وبالعكس، بل لعله مناف لما سمعته سابقا في الشجاج من أنه لو كان
رأس الشاج صغيرا استوعبناه وأخذنا أرش الزائد بنسبة المتخلف إلى
أصل الجرح، بل ومناف لما سمعته من كون المدار على الاسم في الأطراف
والمساحة في الشجاج، ضرورة خروج الفرض عنهما، فإنه لا اسم ولا
مساحة، اللهم إلا أن يدعى استفادة النسبة المزبورة مما ورد من قوله تعالى (1):
(الأنف بالأنف) مثلا، ولكنه كما ترى، أو يدعى صدق القصاص
بذلك عرفا، ولعل الأولى فيه التقاص بما يمكن منه عرفا والرجوع في
غيره إلى الدية، والله العالم.
(وكذا يثبت القصاص في أحد المنخرين) بلا خلاف أجده
بين من تعرض له مع تساوي المحل يمينا وشمالا، لعموم الأدلة الشامل
لذلك، لأن له حدا ينتهي إليه، كأحد الأصابع.

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
384

وكذا يثبت في الحاجز بينهما كما صرح به بعضهم، وهو المسمى
بالروثة، أو بالوترة، وأن الروثة هي الأربية، أي طرف الأنف.
(وكذا البحث في الأذن) التي لا خلاف في القصاص فيها
مضافا إلى الكتاب (1) والسنة (2) والاجماع بقسميه (و) يستوي
في ذلك الصغير والكبير كسائر الأعضاء،
بل (تؤخذ الصحيحة بالمثقوبة) ثقبا يعد كمالا لا نقصا.
نعم لو كان بحيث صار نقصا فكالخرم الذي أشار إليه المصنف بقوله:
(وهل تؤخذ) الصحيحة (بالمخرومة؟ قيل) كما عن الشيخ
وابن حمزة: (لا) تؤخذ بها، لأنه ظلم (و) لكن (يقتص
إلى حد الخرم والحكومة في ما بقي) وتبعهما الفاضل وثاني الشهيدين،
وربما احتمل بعض الناس الانتقال إلى الدية.
(و) كذا الكلام في المنقوبة نقبا يلحق بالخرم والمقطوع بعضها
إلا أنه (لو قيل: يقتص إذا رد دية الخرم كان حسنا) وفي كشف
اللثام هو أشبه، لعموم (الأذن بالأذن) (3).
قلت: مضافا إلى ما سمعته سابقا في خبر الحسن بن الجريش (4)
المشتمل على قضية ابن عباس، وحينئذ فالمتجه جريانه في جميع أمثال
ذلك كما أشرنا إليه سابقا، إلا أن حملة من كلام الأصحاب ينافي ذلك
في كثير من الأفراد، بل يمكن دعوى الاجماع منهم على خلافه، ومن
ذلك يعلم عدم خلو كلامهم عن الاضطراب، فلاحظ وتأمل.
(و) كذا يثبت (في السن القصاص) في الجملة كتابا (5)

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب قصاص الطرف والمستدرك الباب 9 منها الحديث 3
(3) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(4) المتقدم في ص 338. راجع التعليقة في ص 337.
(5) سورة المائدة: 5 الآية 45.
385

وسنة (1) وإجماعا بقسميه، والمراد به العظم المعروف، ثمان وعشرون
واحدا: اثنتا عشر في مقاديم الفم: ثنيتان من فوق، وهما وسطها،
ورباعيتان خلفهما، ونابان خلفهما، ومثلها من أسفل، والمآخير ستة عشر:
وهي في كل جانب ضاحك، وثلاثة أضراس، ومثلها من أسفل، فتكون المآخير
اثنتا عشر رحى وأربع ضواحك، وزاد الشافعي أضراس العقل، وهي
النواجد أربعة، فتكون اثنين وثلاثين، لكنه ليست غالبة في العادة.
وعلى كل حال (فإن كانت) المقلوعة (سن مثغر) وهو من
سقط سنه من أصله الذي يكون مدفونا في اللحم وجب القصاص بلا خلاف
ولا إشكال، ضرورة اندراجه بعدم اعتياد عوده في ما دل على ذلك
كتابا (2) وسنة (3) وإجماعا بقسميه،
بل الظاهر ثبوته في كسر الظاهر منه وإن كان لا قصاص في كسر غيره من العظام، لعدم إمكان المماثلة،
إلا أنه لما كان مشاهدا من أكثر جوانبه أمكن حصول المماثلة فيه، نعم
لا يضرب بما يكسره، لامكان التفاوت بين الضربين وأداء هذا الضرب إلى
انقلاع الأصل أو ضعفه، ولكن يقطع بآلة حادة على وجه لا يحصل
ذلك، فإن لأهل الصنعة آلات صالحة لذلك، بل وكذا لو كسر البعض.
ولو حكم أهل الخبرة بعوده لم يقتص إلى أن تمضي مدة يحصل معها
اليأس كما صرح به جماعة، بل عن ظاهر المبسوط وغاية المراد عدم الخلاف
فيه، فإن لم تعد ثبت القصاص حينئذ.
وإن لم يحكم أهل الخبرة أو حكموا بعدم العود استوفى الحق، فإن
لم يعد فلا كلام
(و) إن (عادت) قبل القصاص بعد اليأس
أو قبله (ناقصة أو متغيرة كان فيها الحكومة) كما صرح به جماعة

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب قصاص الطرف الحديث 4.
(2) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب قصاص الطرف الحديث 4.
386

وهي الأرش أي تفاوت ما بين قيمته بسن تامة لو فرض عبدا وبها متغيرة
في الدية كما عن بعض، أو تفاوت ما بين كونه مقلوع السن مدة ثم
تنبت متغيرة وبين كونه بسن في تلك المدة وبعدها غير متغيرة كما في غاية
المراد، وتبعه في المسالك وغيرها، لأنه نقص حصل في تلك المدة،
ولأنه لولا اعتباره لم يمكن توجه الأرش إذا عادت كهيئتها، فإن ذلك
الأرش لا يمكن إلا بأن يفرض عبدا مقلوع السن مدة ثم يعود وغير
مقلوعها أصلا.
قلت: مقتضى ذلك عدم الأرش مع فرض عدم التفاوت، فلا يترتب
عليه إلا التعزير، بل ومع التفاوت في وجه ستعرفه.
(و) على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك الحكم (إن عادت
كما كانت ف‍) إنه (لا قصاص ولا دية) بلا خلاف محقق أجده
فيه، للأصل وغيره.
نعم في المتن (ولو قيل بالأرش كان حسنا) وتبعه من تأخر
عنه منهم الشهيد في غاية المراد قال: (والتحقيق أن يقوم مقلوعها
مدة وغيره مقلوعها أصلا، وإنما كان ذلك هو الوجه، لأنه نقص
دخل على المجني عليه بسبب الجاني، فلا يهدر للحديث (1) ولزوم
الظلم، وعود السن نافى القصاص أو الدية لا ذلك النقص، لاستحالة
إعادة المعدوم، وهو فتوى الخلاف محتجا بالاجماع، لكنه فرضه في
الصغير، وفي المبسوط وقيل: لا أرش، لعودها كما كانت، وربما ظن
أنه لابن البراج، ويشكل بأنه نفى أن يكون فيها قصاص ودية، وهما
لا يستلزمان نفي الأرش، على أنه (رحمه الله) تابع الشيخ، فإنه حكم في
المبسوط أنه لا قصاص ولا دية ثم قوى وجوب الأرش عقيبه بلا فصل،
وجعله أرش ذلك الجرح الحاصل بالقلع، وفي الديات لم ينفهما ولم

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
387

يثبتهما وأوجب الأرش).
قلت: لعل المتجه في ذلك عدم ترتب غير التعزير مع فرض عدم
التفاوت ومعه أيضا، للأصل وعدم كون الحر مالا يدخله النقص في مثل
ذلك، وكون العبد أصلا له في ما ليس له مقدر إنما هو في الجراحات،
وليس ذلك منها، بل لا يبعد عدم ضمان مثل ذلك في العبد إذا لم يكن
غاصبا، إذ هي كما لو جنى عليه بما يقتضي فقد الصحة مدة ثم عادت،
وكونه ظلما لا يقتضي غرامة مال، بل يكفي فيه التعزير.
نعم لو قلنا بأن عود السن المتجددة هبة جديدة من الله تعالى اتجه
حينئذ ثبوت القصاص لا الأرش، إلا أني لم أجده لأحد من أصحابنا
اللهم إلا أن يكون مستفادا مما تسمعه في الصغير من النص (1) والفتوى
بثبوت الأرش في سنة وإن عاد، بناء على عدم الفرق بينهما وإلا فلا وجه
لثبوته وإن قال في المسالك تبعا لما في غاية المراد: (وفي المسألة وجه
ثالث بعدم سقوط القصاص معه، لأنه لم تجر العادة بانبات سن المثغر،
وما اتفق نعمة وهبة جديدة من الله تعالى، فلا يسقط حقه به على الجاني،
وعلى هذا فلا ينتظر، ولا يعرض على أهل الخبرة، ويناسب هذا الوجه
ما سيأتي في دية الأسنان من حكم المصنف بأن سن المثغر إذا عادت بعد
أخذ ديتها لم تستعد الدية، محتجا بأن الثانية غير الأولى، وهو يخالف
ما حكم به هنا، وكذا صنع في القواعد).
قلت: لعل هذا من جملة الاضطراب الواقع لهم في المسألة، والتحقيق
عدم القصاص والدية مع عودها كاملة، سواء حكم بها أهل الخبرة أو لم
يحكموا، وسواء كان عودها بعد اليأس أو قبله، للأصل وفحوى ما ثبت
في سن غير المثغر العائدة كالأولى فإن الاجماع على عدم القصاص والدية،
388

بل هو إما الأرش أو التعزير كما ستعرف الكلام فيه مع القطع بأنها غير
الأولى، وليس ذلك إلا لأن العود مسقط لهما من غير فرق بين كونه
عاديا أو غير عادي، فإن غير المعتاد بعد حصوله يكون كالمعتاد في الحكم،
ومن هنا ثبت القصاص في سن غير المثغر إذا اتفق تخلف العادة عن عوده،
ولا أقل من الشك في ثبوت القصاص والدية في المفروض، والأصل البراءة.
نعم يتجه استعادة الدية لو كان قد أخذها كما عن المهذب، بل يتجه
غرامة الدية للجاني لو كان قد اقتص منه، لظهور بطلان الاستيفاء المزبور
إلا إذا عادت أيضا سن الجاني كما كانت، فلا غرامة، فما عن الشيخ
والفاضلين من عدم غرامة الدية في غير محله، وأولى من ذلك رد الدية
لو كان قد أخذها منه ولم يقتص منه، ودعوى أن العائد هبة جديدة
من الله تعالى تفسد جملة من الأحكام السابقة كما أشرنا إليه سابقا، وحينئذ
فلو جنى عليه الجاني الأول، وقلعها جديدا كان عليه ديتها، إذ لا مثل لها
فيه، لأن الفرض الاقتصاص سابقا.
وفي القواعد (ولو عاد سن المجني عليه بعد القصاص فقلعه الجاني
ثانيا فإن قلنا: إنه هبة فعليه ديتها، إذ لا مثل لها فيه، وإن قلنا: إنه
بدل فالمقلوعة كسن طفل، لكل منهما دية على صاحبه ويتقاصان، وعلى
الجاني حكومة) ونحوه عن المبسوط، لكنه كما ترى مجرد زبد لا حاصل
له، والتحقيق ما عرفت من كونها بدلا، فيتجه حينئذ ما ذكره أخيرا
إلا إذا نبت للجاني أيضا فيتجه فيه القصاص لوجود المماثل، هذا كله في
سن المثغر.
(أما سن الصبي) الذي لم يثغر (ف‍) لا خلاف في أنه
(ينتظر بها، فإن عادت ففيها الحكومة) بلا خلاف أجده فيه أيضا،
بل عن الخلاف والسرائر الاجماع عليه، وقال أحدهما (عليهما السلام)
389

في مرسل جميل (1): (في سن الصبي يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت،
قال: ليس عليه قصاص، وعليه الأرش).
والمراد بها كما عن جماعة تفاوت ما بين كونه فاقد السن زمن ذهابها
وواجدها لو كان عبدا.
لكن عن المبسوط أن المراد بها حكومة الجرح وإسالة الدم، قال:
(وإن عادت كما كانت فيه من غير تغيير ولا نقصان فلا دية فيها ولا
قصاص، فأما إسالة الدم فإن كان عن جرح في غير مغرزها وهو اللحم
الذي حول السن ومحيط بها ففيه حكومة، لأنه جناية على محل السن،
وإن كان الدم في غير مغرزها قال قوم: فيه حكومة، وقال آخرون:
لا حكومة فيها ولا شئ عليه، والأول أقوى، ومن قال بالثاني قال
لأنه لم يجرح محل الدم، فهو كما لو لطمه فرعف، فإنه لا حكومة).
قلت: هو قريب مما ذكرناه سابقا إلا أن المتجه هنا لاطلاق النص
والفتوى ثبوته مع فرض تحققه لو كان المجني عليه عبدا، أما مع فرض
عدمه فيتجه عدم ثبوت غير التعزير عليه، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (إن لا) تعد أصلا (كان فيها
القصاص) عند المشهور بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل
لا أجد فيه خلافا محققا وإن حكى في المسالك قوله بالعدم، لأن سن
الصبي فضلة في الأصل نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرة بعد أخرى،
(و) سن البالغ أصلية، فلا تكون مماثلة لها، إلا أنه لم يعرف
القائل به.
نعم (قيل) عن المهذب والغنية والكافي والوسيلة والاصباح
وديات المبسوط (في سن الصبي بعير مطلقا) بل عن الأخير هذا الذي

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
390

رواه أصحابنا ولم يفصلوا، بل عن ظاهر الغنية الاجماع عليه، وفي محكي
المختلف عليه عمل الأكثر مفسرا لعدم التفصيل في المبسوط بالقود وعدمه
واختاره، لخبري مسمع (1) والسكوني (2) عن الصادق (عليه السلام)
(أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في سن الصبي قبل أن يثغر
بعيرا في كل سن) إلا أنهما ضعيفان ولا جابر لهما محقق، بل لعل الموهن
متحقق في صورة اليأس من العود، لما عرفت من الشهرة على ثبوت
القصاص، بل وفي صورة العود التي قد عرفت حكاية الاجماع فيها
على الحكومة.
ولعله لذا قال في السرائر: (ما قاله في المبسوط لم يذهب أحد
من أصحابنا إليه، ولا أفتى به، ولا وضعه في كتابه على ما أعلم) وإن قال
في المختلف: (هذا جهل منه وقلة تحصيل، وأن أصله من شيخنا، وقد
وضعه في كتابه، وكذا ابن الجنيد وأبو الصلاح وابن حمزة كلهم أفتوا
بقول شيخنا في المبسوط).
قلت: إن ابن الجنيد وإن حكى عنه في غاية المراد ذلك أيضا إلا
أن المحكي عنه في غيرها أنه فصل بين عودها فبعير، وعدمها مع اليأس
منها فالدية، وكان وجهه الجمع بين الأدلة بحمل خبري البعير (3) على
حال العود، فتكون حكومة منصوصة وإن كان فيه ما فيه نحو المحكي
عن الشيخ في احتمال الجمع بين البعير والحكومة معا، إذ هو واضح
الفساد.
وأما غيره فلم نعلم منهم ذلك حتى في صورة اليأس منها المتجه فيها
وجوب القصاص، نعم لا يبعد إرادتهم ذلك في خصوص العائدة فيكون

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 2 و 3.
391

ذلك تقديرا للحكومة شرعا نحو ما سمعته من ابن الجنيد ولا بأس بحمل
الخبرين على صورة موافقة البعير لها أو عدم العلم بالحال أما لو علم كونها
على خلاف ذلك أشكل الاعتماد على الخبرين المزبورين بعد ضعفهما ووهنهما
بما عرفت من الاجماع وغيره.
بقي شئ: وهو أنه أطلق المصنف وغيره مدة انتظار العود، وظاهرهم
الرجوع فيه إلى العادة، لكن في القواعد (ولو كان غير مثغر انتظر
سنة) وفي الارشاد (ولو عادت سن الصبي قبل السنة فالحكومة،
ولو مات قبل اليأس فالأرش).
وفي غاية المراد (التقييد في سن الصبي بالعود قبل السنة غريب
جدا، فإني لم أقف عليه في كتب أحد من الأصحاب مع كثرة تصفحي
لها، ككتب الشيخين وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس وابن سعيد
وغيرهم من القائلين بالأرش مع العود، وابن الجنيد ومن تبعه من
القائلين فيه بالبعير مطلقا ولا في رواياتهم، ولا سمعته من واحد من
الفضلاء الذين لقيتهم، بل الجميع أطلقوا الانتظار بها أو قيدوه بنبات
بقية أسنانه بعد سقوطها، وهو الوجه، لأنه ربما قلع سن ابن أربع والعادة
قاضية أنها لا تنب إلا بعد مدة تزيد على السنة قطعا، وإنما هذا شئ
اختص به المصنف (رحمه الله) في ما علمته في جميع كتبه التي وقفت
عليها، حتى أنه في التحرير علله بأنه الغالب، ولا أعلم وجه ما قاله،
وهو أعلم بما قال: نعم في رواية أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن
عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (السن
إذا ضربت انتظر بها سنة، فإن وقعت أغرم الضارب خمسمائة درهم،
وإن لم تقع واسودت أغرم ثلثي الدية) وهذه وإن كانت صحيحة إلا أنها

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 4
392

لا تدل على المطلوب، إذ موضوعها (من ضربت ولم تسقط) ويمكن
أن يعتذر له بأن المراد إذا قلعها في وقت تسقط فيه أسنانه، فإنه ينتظر به
سنة ولا ريب أن هذا إذ ذاك غالب).
وعنه أيضا في حواشيه على القواعد (الانتظار سنة لم أجده في لفظ
أحد منا خلا كتبه، ولو قرأ هنا سنة بالتشديد أمكن، وإلا فالحس
يشهد بأن الصبي يثغر بلحوق سبع أو ثمان، وربما كان قلع الجاني قبله
بخمس أو ست).
قلت: لعل الأمر في ذلك سهل بعد معلومية إرادة الفاضل التحديد
بحسب العادة.
(و) على كل حال ف‍ (لو مات) الصبي المجني عليه
(قبل اليأس من عودها قضي لوارثه بالأرش) كما في القواعد ومحكي
التحرير والإرشاد، وفي محكي المبسوط والمهذب عليه الدية، لأن القلع
محقق والعود متوهم، فلا يسقط حقه بأمر متوهم، وظاهره إرادة الدية،
وفي كشف اللثام تفسير الأرش بها لا الحكومة، كما عن التنقيح الجزم به.
وكيف كان فقد أشكله في غاية المراد بتقابل أصل البراءة من جانب
وأصل عدم العود من آخر، قلت: لعل المتجه ملاحظة الأرش بمعنى
التفاوت الملاحظ فيه غلبة العود، وبذلك يتجه إرادة الأرش من الدية
لا العكس.
ولو عادت ماثلة عن محلها أو متغيرة اللون أو قصيرا أو منثلما ففي
القواعد وكشف اللثام (عليه الحكومة عن الأولى لقلعها وقد عادت،
وعن نقص الثانية، لأن الظاهر أنه من فعله) ونحوه عن المبسوط، ولكنه
لا يخلو من نظر كما في كشف اللثام، لامكان منع كونه من فعله، والظهور
393

المزبور لو سلم لا يقتضي الضمان بعد أن لم يكن على صحته دليل،
والله العالم.
(ولو اقتص البالغ بالسن) من مثله (فعادت سن الجاني)
دون المجني عليه (لم يكن للمجني عليه إزالتها) وفاقا لابن إدريس
والفاضل والشهيدين والأردبيلي على ما حكي عن بعضهم لا حسبة كما سمعته
في الأذن (لأنها ليست بجنسه) ولا حقا بناء على أنها هبة من الله
تعالى، ضرورة كونه قد استوفى حقه بالقصاص، بل في القواعد وكشف
اللثام (وبناء على أنها بدل الفائت، لزيادة الألم، وللشبهة، لاحتمال
أن تكون هبة مجددة، إلا أنه لا يكون المجني مستوفيا لحقه، لأن
سنة مضمون بالدية، لأنها لم تعد، وسن الجاني غير مضمونة بالدية،
لأنها في الحكم كسن طفل غير مثغر ففيها الحكومة، فتنقص أي الحكومة
عن دية سن ويغرم الباقي) وزاد في الأخير (وإن أزال المجني عليه
العائدة أيضا كانت عليه ديتها، وله دية سنة، فيتقاصان، وعليه الحكومة
لقلعه الأول الذي فعله بزعم القصاص).
قلت: لعل المتجه بناء على أنها بدل الفائت القصاص فيها، ضرورة
تبين بطلان الاستيفاء الأول بظهور كونها سن غير مثغر، فيقلعها حينئذ،
ويضمن الحكومة، ولعله لذا قال في محكي الخلاف والمبسوط والوسيلة بأن له
إزالتها أبدا، بل في المبسوط أنه الذي يقتضيه مذهبنا، بل في الأول أن
عليه إجماع الفرقة وأخبارهم، وإن قال في السرائر: (إنه يضحك
الثكلى يا سبحان الله من أجمع معه على ذلك؟ وأي أخبار لهم فيه؟!
وإنما أجمعنا في الأذن لأنها ميتة لا تجوز الصلاة معها، لأنه حامل نجاسة
ولاجماعنا وتواتر أخبارنا، فالتعدية إلى السن قياس، وهو باطل عندنا،
ولأنه هبة محددة من الله خلقة ليست تلك المقلوعة، فكيف تقلع أبدا؟!
394

وهذا منه إغفال في التصنيف، فإنه قد رجع عنه في المبسوط).
لكن في المختلف (هذا جهل منه وقلة تأمل وعدم تحصيل، وذلك
لقصور فهمه وشدة جرأته على شيخنا وكثرة سوء أدبه مع قصوره أن
يكون أقل تلاميذ شيخنا، وقوله: قد رجع عن ذلك في مبسوطه افتراء
عليه، فإنه قد نقل فيه ثلاثة أقوال، وقال: إن هذا هو الذي يقتضيه
مذهبنا).
قلت: ويمكن أن يكون الشيخ أشار بالأخبار إلى ما سمعته في الأذن
من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (1): (إنما يكون القصاص من أجل
الشين) الصريح في أن إزالتها لذلك لا لنجاستها، بل وإلى ما ورد (2)
في سن غير المثغر التي أنبتت من عدم القصاص بها، إذ ليس هو إلا
لانباتها، فلا يقلع بها سن المثغر التي لم تعد في العادة إن قلعت، وبنبات
السن من المثغر في الفرض يظهر أنها بحكم غير المثغر وإن كان على خلاف
العادة، فلا تصلح أن تكون قصاصا عن سن المثغر، وإلا لشرع القصاص
لها بسن المثغر، فالمتجه حينئذ ما ذكره الشيخ، وهو الموافق لما ذكرناه
في مطاوي البحث، والله العالم.
(ويشترط في) قصاص (الأسنان) كغيره من الأعضاء
(التساوي في المحل) حتى بالنسبة إلى الأصالة والزيادة بلا خلاف
أجده فيه، بل ولا إشكال، ضرورة توقف صدق القصاص عليه فضلا
عن الاعتداء والعقاب بالمثل (فلا يقلع سن بضرس) طاحنة (ولا
بالعكس) ولا ثنية برباعية أو ناب أو ضاحك ولا بالعكس، ولا رباعية
مثلا من أعلى أو من الجانب الأيمن بمثلها من أسفل أو من الأيسر وإن

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1 من كتاب الديات.
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 من كتاب الديات.
395

فقد المماثل من الجاني كما عرفت ذلك في اليد.
(ولا أصلية بزائدة) قطعا بل في القواعد (ولا بالعكس مع
تغاير المحل) ومقتضاه جواز قلع الزائدة بالأصلية مع اتحاد المحل بأن
تنبت مع الأصلية من منبت واحد، لأنه حينئذ أخذ للناقص بدل الكامل،
ولعله لذا ترك ذكر العكس في المتن بل وغيره، وفي التفاوت ما عرفت
سابقا.
ولكن في محكي التحرير (ولا بالعكس وإن اتحد المحل) ولعله لعدم
كفاية النبات من منبت واحد في اتحاد المحل، إلا أنه لا يخلو من منع)
ضرورة شهادة العرف بتحقق زائدة متحدة المنبت مع الأصلية على وجه
تعد مساوية لها في المحل عرفا، فلا حاجة إلى ما قيل من تصويرها بأن
تقلع الأصلية ثم تنبت سن مكانها مع حكم أهل الخبرة بعدم العود وقلنا
إنه هبة، وفيه مع وضوح فساده أن مقتضى ذلك كون دية هذا السن
ثلث دية الأصلية، لأن الفرض كونها زائدة، وذلك ديتها، وهو مناف
لما يظهر منهم أن دية النابتة دية الأصلية، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه،
ومع فرض عدم تحقق ذلك فالمتجه ما سمعته من التحرير، والله العالم.
(وكذا لا تقلع زائدة بزائدة مع تغاير المحلين) بلا خلاف
ولا إشكال فيه كالقصاص فيها مع الاتحاد للعموم.
(وكذا حكم الأصابع الأصلية والزائدة) ضرورة اتحاد المدرك
في الجميع
(و) حينئذ ف‍ (تقطع الإصبع بالأصبع مع تساويهما)
في المحل وفي الأصالة والزيادة على حسب ما عرفته في الأسنان، هذا.
وقد ظهر مما تقدم أنه لا خلاف نصا وفتوى كما اعترف به في
كشف اللثام.
بل (و) لا إشكال في أن (كل عضو يؤخذ قودا
مع وجوده تؤخذ الدية مع فقده، مثل أن يقطع إصبعين وله واحدة)
396

فيقطع واحدة وتؤخذ منه دية الأخرى (أو يقطع كفا تاما وليس للقاطع
أصابع) وهكذا، والله العالم.
(مسائل:)
(الأولى:)
(إذا قطع يدا كاملة ويده ناقصة إصبعا كان للمجني عليه)
الدية تامة أو (قطع الناقصة) بلا خلاف ولا إشكال (و) لكن
مع اختيار الثاني (هل تؤخذ دية الإصبع) المفقود من اليد التي قطعها
قصاصا؟ (قال في الخلاف) وموضع من المبسوط: (نعم)
تؤخذ مطلقا سواء كانت مفقودة خلقة أو بآفة أو قصاصا أو بجناية قد
استوفى أو استحق ديتها.
وتبعه الفاضل في التحرير وثاني الشهيدين والكركي وغيرهم على ما
حكي عن بعضهم بل ادعى في الخلاف الاجماع عليه، لأنه أقرب إلى المثل
بعد تعذر الصورة، ولما عرفته من القاعدة، وهي كل عضو يؤخذ قودا
لو كان تؤخذ الدية مع فقده، وعدم أخذ التفاوت في الشلاء لو قطعت
بدل الصحيحة لأن الاختلاف في الصفة مع بقاء الجرم، فكانت كقتل
العبد بالحر والمرأة بالرجل، بخلاف الفرض الذي قيل هو كمن أتلف
عليه صاعي حنطة ووجد للمتلف صاعا، فإن لصاحب الحق أخذه
والمطالبة ببدل الفائت دون ما لو وجد له صاعي حنطة ردية مثلا، فإنه
ليس له أخذهما والمطالبة ببدل الفائت وإن كان فيه نظر واضح.
(و) قال (في المبسوط: ليس له ذلك إلا أن يكون أخذ
ديتها) أو استحقها، أما إذا كانت مفقودة خلقة أو بآفة لم يستحق
397

المقتص شيئا، وتبعه ابن البراج في محكي المهذب والجواهر، لما سمعته من
خبر سورة بن كليب (1) في القاتل إذا كان أقطع اليد، ولكن مقتضاه
أن المقطوعة قصاصا بحكم المأخوذ ديتها كما عن موضع من المبسوط، بل
يناسبه ما جزموا به في غير المقام في ما لو قطع إصبعا من رجل ويدا من آخر
من أنه يقتص للأول في الإصبع وللآخر في اليد مع دفع دية الإصبع.
وعلى كل حال فقد عرفت أن الخبر المزبور مقصور على محله
وإلا لكان مقتضاه عدم شئ على من قطع يدا مثلا ولا يد له خلقة، وهو
معلوم البطلان، فلا ريب في أن الأقوى الأول لا الثاني.
وأضعف منه ما يوجد في كلام بعض متأخري المتأخرين من عدم
رد شئ مع قطعها مطلقا سواء كانت مفقودة خلقة أو بآفة أو أخذ
ديتها، لصدق (اليد باليد) (2) إذ هو مع أنه خرق للاجماع واضح
الفساد، لعدم صدق المقاصة مع فرض الاختلاف المزبور.
ولو كان الأمر بالعكس بأن كان النقصان في يد المجني عليه ففي
القواعد والمسالك ومحكي التحريم لم يقطع يد الجاني، بل يقطع منها الأصابع
التي قطعها ويؤخذ منه حكومة الكف، وزاد في الثاني ويؤخذ دية الجميع
مع التراضي ثم قال: (وربما قيل بالمنع من القصاص على هذا الوجه
لعدم المماثلة، فلا نجيز أن تلقى حديدة القصاص في غير الموضع الذي
ألقى عليه حديدة الجاني، ولعل هذا القول هو المحكي عن ابن إدريس،
بل هو الذي فهمه بعضهم من عبارة الارشاد (يقتص للكامل من الناقص،
ولا يضم أرش، ولا يجوز العكس فتثبت الدية).
ولكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا
عند قول المصنف في المسألة الثانية عشر: (وكذا لو قطع كفا بغير

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
398

أصابع قطعت كفه بعد رد دية الأصابع) من ظهور خبر الحسن بن
الجريش (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) في ذلك، بل يظهر منه
أنه مقتضى العمومات أيضا، بل عرفت دعوى الشيخ الاجماع على نحوه، بل
تقدم غير ذلك أيضا، فالمتجه الفتوى به في المقام كما عن الغنية والاصباح،
بل في الأولى منهما الاجماع عليه كما تقدم تحرير ذلك مفصلا، فلاحظ
وتأمل.
وكذا الكلام لو نقصت بعض أصابع المقطوع أنملة وإن كان مقتضى
ما سمعته أولا من الفاضل وغيره عدم قطع الجاني أيضا، بل إما الدية
أو يقطع ما قابل الأصابع الكاملة، ويؤخذ دية باقي الإصبع الباقية
وحكومة الكف، ولكن فيه ما عرفت، والمتجه أن له قطعها مع دفع
دية الأنملة.
ولو نقصت أصابع القاطع أنملة قطعت يده، وفي الأنملة المفقودة
ما عرفته في الإصبع.
وكذا الكلام لو كانت أصابع القاطع أو المقطوع بغير أظفار أو
بعضها فإن الحكم في الجميع متحد بناء على التعدية المستفادة من خبر
الحسن بن الجريش (2) إلى غير المفروض فيه، كاتحاده على القول الآخر.
لكن في الارشاد (لو كان ظفر المجني عليه متغيرا أو مقلوعا
اقتص في الإصبع لكمال ديتها من غير ظفر) ومعناه أن له القصاص
من غير رد أرش، وعن الروض موافقته على ذلك، وكذا عن الأردبيلي
على تأمل له، ولا يخفى عليك ما فيه بعد ما ذكرنا، والله العالم.
(ولو قطع إصبع رجل) مثلا (فسرت إلى كفه) بحيث

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب قصاص الطرف الحديث 1 وهو خبر الحسن
ابن الحريش كما ذكرناه في التعليقة ص 337 و 350.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
399

قطعت (ثم اندملت ثبت القصاص فيهما) بلا خلاف معتد به أجده
فيه، لعموم الأدلة بعد كون السراية من فعله، بل عن المبسوط أنه
الذي يقتضيه مذهبنا، لكن عنه في موضع آخر أنه أثبت في السراية
الدية دون القصاص، وهو واضح الفساد، وأوضح منه فساد ما عن
أبي حنيفة من أنه لا حكم للسراية أصلا.
(وهل له القصاص في الإصبع وأخذ الدية في الباقي) وإن
لم يرض الجاني؟ (الوجه لا) وفاقا للفاضل (لامكان القصاص
فيهما) مع تعمد الجناية عليهما، إذ السراية من توابع جنايته، فهو
كمقطوع الكف عمدا بضربة واحدة في عدم جواز اقتراح ذلك له، بل
لعل دخول الإصبع في الكف نحو دخول اليد مثلا في النفس لو جنى
عليه بها فسرت إلى نفسه، فإنه ليس للولي القصاص في اليد وأخذ الدية
عن النفس، بل في المسالك وغيرها (ولأن الواجب في العمد القود،
والدية لا تثبت إلا صلحا أو بسبب عارض، وهو مفقود هنا، حيث
يمكن القود) وإن كان ذلك لا يخلو من نظر في قصاص الطرف،
ولعل وجه الجواز تغاير المحل وكون الجناية على أحدهما بالمباشرة وعلى
الآخر بالسراية التي هي في قوة السبب، فهما كجنايتين، لكنه كما ترى.
(ولو قطع يده) مثلا (من مفصل الكوع ثبت القصاص)
بلا خلاف ولا إشكال، لعموم الأدلة بعد معلومية كون القصاص في ما
دون النفس بجرح يشق أو عضو يقطع، والمراد به كل عضو ينتهي إلى
مفصل، لأن له حدا ينتهي إليه، فلا تغرير في القصاص.
(ولو قطع معها بعض الذراع اقتص في اليد) من الكوع
بلا خلاف أجده (وله الحكومة في الزائد) دون القصاص، لعدم
المفصل واختلاف أوضاع العروق والأعصاب وعدم القصاص في كسر العظام.
400

ولعل المراد بالحكومة هنا ما لا ينافي المحكي عن ابن إدريس من
اعتبار المساحة، فلو قطع نصف الذراع كان عليه نصف ديته وهكذا
وإن كان خلاف الظاهر، بل قد يشكل ما ذكره بعدم الدليل عليه، فإن
ثبوت الدية للعضو لا يقتضي التوزيع المزبور، فالأولى الأول، لكن
ستعرف في كتاب الديات المفروغية من التوزيع المزبور الذي قد يقال إنه
المفهوم من التقدير عرفا، مضافا إلى بعض النصوص (1) الدالة على ذلك
بالخصوص، فلاحظ وتأمل.
نعم قد يشكل ما عن أبي علي من أن له القصاص من المرفق بعد
رد الفاضل بأنه استيفاء زائد على الحق يخرج به عن أدلة القصاص ومن
هنا لولا ظهور الاتفاق أمكن القول بالانتقال إلى الدية، لتعذر القصاص
من محل الجناية، ولا دليل على ثبوته في غيرها، اللهم إلا أن يقال إنه
قطع للكف وزيادة.
هذا وفي محكي التحرير (وهل له أن يقطع الأصابع خاصة ويطلب
الحكومة في الكف؟ الأقرب أنه ليس له ذلك، لامكان أخذه قصاصا،
فليس له الأرش) قلت: قد يقال بالجواز بعد عدم إمكان القصاص
كاملا وجواز التبعيض له، فكما يجوز أخذ الكف يجوز أخذ الأصابع
خاصة.
(ولو قطعها من المرفق اقتص منه) بلا خلاف ولا إشكال
(ولا يقتص في اليد، ويأخذ أرش الزائد) كما قلناه في السابقة
(و) ذلك لأن (الفرق بين) باعتبار تعذر استيفاء القصاص
في الأولى من محل الجناية بخلافه في الثانية التي لم يتعذر فيها استيفاء الحق،
ولا دليل على التبعيض المزبور، بل ظاهر الأدلة خلافه، خصوصا على

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 من كتاب الديات.
401

القول بأن الواجب في مثله القصاص ولا ينتقل إلى الدية إلا مع الاتفاق
أو العجز عن استيفاء الحق، وهما معا منتفيان، بل لا يخلو جوازه مع
التراضي منهما من إشكال.
وكذا لو قطعها من المنكب اقتص منه وليس له القصاص من المرفق
وأخذ أرش الزائد.
نعم لو قطعها من العضد فلا قصاص منه، لما عرفت. بل يقتص
من المرفق وفي الباقي الحكومة، نحو ما سمعته في السابقة، وفي جواز
القصاص له من الكوع أو الأصابع والحكومة في الباقي الكلام السابق.
ولو خلع عظم المنكب الذي هو المشط فإن حكم أهل الخبرة بامكان
الاستيفاء بالمثل اقتص منه، وإلا فالدية أو الاستيفاء والأرش في الباقي
كما في كشف اللثام ومحكي المبسوط والتحرير، نعم الظاهر اعتبار عدلين من
أهل الخبرة كما في غير المقام.
ثم لا يخفى عليك جريان جميع ما ذكرناه في اليد في الرجل، ضرورة
كون القدم كالكف، والساق كالذراع، والفخذ كالعضد، والورك
كعظم الكتف.
كما أنه لا يخفى عليك بعد ما ذكرنا حكم ما لو قطع نصف الكف،
فإنه ليس له القصاص من موضع القطع لعدم المفصل كنصف الذراع،
ولكن له قطع الأصابع والمطالبة بالحكومة في الباقي أو يعفو عنها، وفي
جواز قطع الأنامل والمطالبة بالحكومة للباقي الكلام السابق، وليس له
قطع الأنامل ثم يكملها بقطع الأصابع، لزيادة الألم، ولكن لو فعل أساء
ولا ضمان عليه، ولكن عليه التعزير حتى لو كان الجاني قد فعل به كذلك
في وجه للمثلة، وفي آخر لا بأس به، لأنه اعتداء بالمثل، والله العالم.
402

المسألة الثانية:
قد عرفت أنه لا خلاف في اعتبار التساوي في الأصالة والزيادة
أو الزيادة في الجاني في القصاص، بل الظاهر الاتفاق عليه، كما اعترف به
في كشف اللثام، فلا تقطع أصلية بزائدة اتحد المحل أو اختلف، لأن
الكامل لا يؤخذ بالناقص، ولا زائدة بأصلية مع اختلاف المحل، لأن
الاتحاد شرط، وتقطع بمثلها في الزيادة والمحل، وبالأصلية مع التساوي
في المحل وفقدان الأصلية، لجواز أخذ الناقص بالكامل، وفي المطالبة
بفصل دية الأصلية الكلام السابق في اليد الشلاء، وعن المبسوط التصريح
بالعدم هنا، ولا تقطع زائدة بمثلها مع تغاير المحل وجد المثل المساوي في
المحل أو لا، فلا تقطع اليد الزائدة اليسرى بالزائدة اليمنى وجدت زائدة
يمنى أو لا، قصرا لخلاف الأصل على موضع النص والفتوى مع احتمال
الانسحاب، بل عمومها للزائدة.
و (إذا كان للقاطع) كفا مثلا (إصبع زائدة) في محل
مخصوص من يمناه مثلا (وللمقطوع كذلك ثبت القصاص، لتحقق
التساوي) في الزائدة ومحلها كما هو المفروض، لا أن الزيادة لأحدهما
في اليمنى وللآخر في اليسرى، ولا أن لأحدهما إبهاما وللآخر خنصرا،
وربما احتمل في نحو عبارة المتن عدم اعتبار تساوي المحل، فيكفي الزيادة
في كل منهما وإن كانت في أحدهما إبهاما وفي الآخر خنصرا، وهو في غير
محله، لتصريح المصنف بذلك في اعتباره، مضافا إلى توقف اسم
القصاص عليه.
(ولو كانت) الإصبع (الزائدة للجاني) خاصة (فإن
403

كانت خارجة عن الكف) بأن تكون على الساعد مثلا (اقتص منه)
فيه (أيضا) بلا خلاف ولا إشكال (لأنها تسلم للجاني) فلا تمنع
حينئذ من استيفاء الحق (وإن كانت في سمت الأصابع منفصلة ثبت
القصاص في) الأصابع (الخمس دون الزائدة ودون الكف) لأنها
أزيد من الحق فلا حق له فيها، وسقط القصاص من الكف أيضا للتغرير
بها، وهو كذلك إن لم يعمل بخبر الحسن بن الجريش السابق (1) وإلا
اتجه له القطع ودفع الزائد. وبذلك ونحوه يظهر لك الاضطراب في كلامهم
باعتبار الفتوى به تارة والاعراض عنه أخرى.
وعلى كل حال فعلى الأول يتجه ما سمعت (وكان) للمجني عليه
(في الكف) الذي تعذر القصاص فيه للتغرير بالأصبع الزائدة
(حكومة).
(ولو كانت) الزائدة (متصلة ببعض الأصابع جاز الاقتصاص
في ما عدا الملتصقة، وله دية الإصبع) التي تعذر القصاص فيها بالتصاق
الزائدة فيها (والحكومة في الكف).
ولو كانت نابتة على إصبع وأمكن قطع بعضها مع الأربع كما إذا
كانت نابتة على الأنملة الوسطى من إصبع تقطع الأنملة العليا مع الأربع، ويأخذ ثلثي دية إصبع.
وعن العامة قول بأن الأصابع يتبعها ما تحتها من الكف، فما يقتص
منها لا حكومة في ما تحتها، وما يؤخذ بدلها الدية لا يؤخذ إلا ديتها،
ولا يضاف إليها حكومة ما تحتها، وهو كما ترى مناف للعدل، ولعل مثله ما في
كشف اللثام من أنه لو أمكن قطع ما تحت الأربع من الكف قطع،
وكانت الحكومة في باقي الكف، ضرورة عدم جواز القطع عندنا من

(1) المتقدم في ص 338 راجع التعليقة في ص 337.
404

غير المفصل، هذا كله إذا كانت الزائدة في الجاني خاصة.
(أما لو كانت الزائدة في المجني عليه) خاصة (فله
القصاص) في الكف من الكوع (و) له (دية) الإصبع
(الزائدة، وهو ثلث دية الأصلية) وإن أخذ الدية كان له دية
الكف ودية الزائدة بلا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك، نعم احتمل
بعض الناس سقوط دية الزائدة، لأنها لحم زائد كالسمن، وهو كما ترى.
(ولو كان له) أي المجني عليه (أربع أصابع أصلية وخامسة
غير أصلية لم تقطع يد الجاني إذا كانت أصابعه كاملة أصلية) بلا خلاف
(و) لا إشكال، لعدم قطع الكامل بالناقص المستلزم للزيادة في
استيفاء الحق، نعم (كان للمجني عليه القصاص في أربع) لعموم الأدلة
(وأرش الخامسة) أي ديتها بتعذر استيفائها وحكومة الكف كذلك
أو لا يقتص ويطالب بدية الجميع.
(أما لو) انعكس الأمر بأن (كانت) بعض (الأصابع
التي ليست أصلية للجاني) خاصة (ثبت القصاص) في الكف
(لأن الناقص يؤخذ بالكامل) ولكن يشترط كون الزائدة في سمت
الأصلية بمعنى مساواتها لها في المحل الذي عرفته (و) ذلك لأنه
(لو اختلف محل الزائدة لم يتحقق القصاص كما لا يقطع إبهام بخنصر).
ولو كانت الزائدة في يد الجاني غير متميزة عن الأصلية باعتبار
كونها في سمت أصابعه وعلى نسقها كما وكيفا لم تقطع اليد من الكوع،
للزوم قطع الزائدة التي هي غير مستحقة له، بل في القواعد وغيرها
ولا أربع من الخمس غير الابهام أو شئ من الأربع، لاحتمال قطع الزائدة،
ولكن يقطع الابهام ويطالب بدية باقي الأصابع، وحكومة الكف الخالية
من الابهام، فلو بادر وقطع الكف من الكوع استوفى حقه وأساء للزيادة،
405

وعليه ديتها، ولو قطع الابهام وأربعا منها أساء أيضا، لعدم جواز ذلك
له، ولكن استوفى حقه ولو ناقصا، لجواز أن تكون فيها زائدة، وهي
لا تؤخذ بالأصلية إلا مع فقد الأصلية، لمخالفتها الأصلية محلا وصفة،
ويطالب بحكومة الكف.
وكذا لو قطع شخص إصبعا منها يحتمل الزيادة والأصالة لم يكن
عليه قصاص، لاحتمال أخذ الأصلية بالزائدة، وفي وجوب دية الزائدة
عليه لأصالة البراءة من الزائد أو نصف الديتين، وهي ستة وستون دينارا
وثلثان لتكافؤ الاحتمالين، فيكون كجنين ولجته الروح واحتمل فيه
الذكورة والأنوثة، فإن على قاتله نصف الديتين؟ وجهان أقواهما الثاني
بملاحظة نظائره.
وفي القواعد ويحتمل سدس دية الكف وسدس دية الزائدة، لأن
الكف لو قطعت ضمنت بدية يد ودية إصبع زائدة، فعند الاشتباه
قسطت الدية ودية الزائدة على الجميع.
ولو قطع صاحب الأصابع المفروضة إصبعا من يد لا زيادة فيها
فلا قصاص مع اشتباه مثل المقطوعة منه بالزائدة، وعليه دية الإصبع
الكاملة، فلو بدر المقطوع وقطع إصبعا أساء واستوفى حقه ناقصا،
لاحتمال الزيادة.
هذا وقد يقال في أصل المسألة: إن له القصاص في ما قابل
المقطوع من الأصابع المتعددة المتساوية، لكونها جميعها أصلية، فيكون له
سبابتان مثلا، نعم لو علم أن فيها أصلا وزائدا واشتبه اتجه حينئذ عدم
القصاص.
ولعله لذا قال في الارشاد: (ولو كان لقاطع اليد ست أصابع
قطع خمس أصابعه، ودفع حكومة اليد، ولو كان فيها زائدة فاشتبهت
406

فلا قصاص) ونحوه عن الروض ومجمع البرهان، بل والتحرير، ولكن
فيه أن المراد بكونها زائدة عدم الموافقة لغالب نوع الانسان.
بل قد يشكل القصاص أيضا بعدم تساوي المحل في الفرض، ضرورة
تفاوت ذلك في كل إصبع منها، ودعوى عدم اشترطه هنا واضحة الفساد،
ضرورة توقف اسم القصاص عليه، فتأمل جيدا.
(ولو كان للأنملة طرفان فقطعهما) قاطع (فإن كان للجاني
أنملة مساوية) في ذلك (ثبت القصاص) بلا خلاف ولا إشكال
(لتحقق التساوي وإلا اقتص وأخذ أرش الطرف الآخر) لأنه لم
يستوف تمام حقه، نعم عبر غير واحد بالأرش كالمتن، وفي القواعد
ومحكي التحرير أخذ دية الزائدة، وهي ثلث دية الأنملة الأصلية، وعن
المبسوط والمهذب أخذ الحكومة، ولعل مراد الجميع الدية المزبورة، نعم
لو لم يكن الطرف أنملة مثلا على وجه لا يدخل في ما ثبت له مقدار
اتجه الأرش الذي هو بمعنى الحكومة بخلاف الأول الذي ستسمع تصريح
المصنف فيه بثلث دية الأنملة.
(ولو كان الطرفان) المزبوران (للجاني) خاصة فإن
تميزت الأصلية وأمكن قطعها منفردة اقتص، لعموم الأدلة، وإلا
(لم يقتص منه) للتغرير بزيادة على الجناية (وكان للمجني عليه
دية أنملته، وهو ثلث دية إصبع) أو نصفها على ما تعرفه في محله
إن شاء الله كما صرح به الشيخ والفاضلان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم
بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له منهم، لكن قد يأتي احتمال
قطع الجميع ودفع دية الزائدة بناء على ما سمعته في خبر الحسن بن
الجريش (1) الذي تكرر الكلام فيه، ويأتي للمصنف قريبا الفتوى بما

(1) المتقدم في ص 338 راجع التعليقة في ص 337.
407

يناسبه، بل قد يأتي احتمال قطع أحد الطرفين مع إمكانه، نحو ما سمعته
في الأصابع الزائدة، إلا أني لم أجد من أفتى بغير ما سمعته من المصنف،
والله العالم.
(ولو قطع من واحد الأنملة العليا ومن آخر الوسطى فإن سبق
صاحب العليا) وطالب بحقه (اقتص له وكان للآخر الوسطى)
فله القصاص فيها وله العفو (وإن سبق صاحب الوسطى) بالمطالبة
(أخر) حقه إلى انتهاء حال الآخر (فإن اقتص صاحب العليا
اقتص لصاحب الوسطى بعده، وإن عفا) على مال أو بدونه (كان
لصاحب الوسطى اقتصاص إذا رد دية العليا) مقدمة لتحصيل حقه،
كما عن الشيخ والفاضل في بعض كتبه، لخبر الحسن بن الجريش (1)
وغيره مما تقدم مؤيدا بكونه كعفو أحد الشريكين، وكرد الامرأة الزائد
على الرجل، وغير ذلك من النظائر.
لكن قد يشكل ذلك بما ذكروه في المقام من عدم جواز الاعتداء،
بغير المثل، وباشتراط جواز القصاص في عضو بعدم التغرير بآخر،
وإعراضهم عما في خبر الحسن (2) في كثير من الأفراد، ومن هنا
تردد في الحكم المزبور الفاضل في القواعد، بل في المسالك مال إلى
العدم، بل هو المحكي عن الكركي في القواعد، بل في كشف اللثام هو أقوى،
فإن شاء صاحب الوسطى أخذ الدية، وإن شاء صبر إلى أن يذهب العليا
من الجاني بآفة أو جناية فيقتص، وقد عرفت غير مرة أن الأولى العمل
بالخبر المزبور في غير محل الاجماع، كما أشرنا غير مرة.
نعم قد يناقش بناء عليه في اطلاقه تأخير صاحب الوسطى إلى
انتهاء ذي العلياء في ما لو تضرر بذلك بعد أن كان له طريق إلى الاستيفاء

(1) راجع التعليقة في ص 337.
(2) راجع التعليقة في ص 337.
408

بدفع الدية الذي لا دليل على اشتراطه بعفو الآخر، والله العالم.
(ولو بادر صاحب الوسطى فقطع) قبل ذي العليا (فقد)
أساء بناء على ما سمعته، ولكن قد (استوفى حقه وزيادة، فعليه دية
الزائد، ولصاحب العليا على الجاني دية أنملته) بلا خلاف أجده بين
من تعرض له، بل لم أجد من احتمل جواز رجوع ذي العليا على ذي
الوسطى باعتبار كونه المتلف لحقه بالاستيفاء قبله فضلا عن احتمال
تعين ذلك.
وإن قطع العليا من سبابتي يمنى رجلين مثلا فللسابق منهما القصاص،
وهل للاحق القصاص من اليسرى؟ احتمال، لورود قطع اليسرى باليمنى (1)
كما عرفت، واليد تشمل الكل والأبعاض، ويحتمل العدم اقتصارا في ما
خالف الأصل على اليقين، قيل: ويعطيه كلام المبسوط، وبنى عليه أنه
إن قطع عليا سبابه رجل ثم العليا والوسطى من سبابة آخر قدم صاحب
العليا، فإن عفا كان للآخر القصاص، وإن اقتص كان للآخر القصاص
الباقية، وأخذ دية العليا وإن انعكس قدم صاحب العليا والوسطى، فإن
عفا كان لصاحب العليا القصاص وإلا الدية، وذلك كله واضح.
المسألة الثالثة:
إذا قطع يمينا فبذل شمالا لما أريد القصاص قد (فقطعها
المجني عليه من غير علم) بأنها الشمال (قال في المبسوط: يقتضي
مذهبنا سقوط القود) لأن اليسار تكون بدلا عن اليمين في الجملة،
ولصدق (اليد باليد) (2).

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب قصاص الطرف الحديث 2.
409

(و) لكن (فيه تردد) بل منع كما عن المهذب، بل هو
خيرة أكثر المتأخرين، بل عن المبسوط أنه قوي أيضا، وذلك (لأن
المتعين) للقصاص (قطع اليمين، فلا تجزئ اليسرى مع وجودها،
وعلى هذا يكون القصاص في اليمنى باقيا، و) لكن (يؤخر حتى
يندمل اليسار توقيا من السراية) على النفس (بتوارد القطعين)
المضمون أحدهما دون الآخر على ما في كشف اللثام، قال: (فيضمن
نصف السراية، بخلاف ما لو قطع يدين، فإنه يوالي بين قطع يديه،
فإن السراية إن حصلت فعن غير مضمون).
وفيه نظر أما (أولا) فلاحتمال عدم الضمان فيهما في الفرض،
للجهل بالأول والاستحقاق في الثاني. وأما (ثانيا) فقد يقال بضمانه هنا
النفس وإن كان الجرحان معا غير مضمونين باعتبار اشتراط استيفاء
القصاص في الطرف بعدم التغرير بها، فإذا اقتص مغررا بها ضمنها وإن
لم تكن الجناية مضمونة لو اندملت فهو كما لو قطع اليد الشلاء التي حكم
أهل الخبرة بعدم انحسامها. ولكن مع هذا كله والمسألة لا تخلو من إشكال.
(و) على كل حال فلا قصاص بقطع اليسار على المقتص قطعا
كما في المسالك، لأن الفرض جهله وكون الباذل المقتص منه، فلا عمد
فيه إلى قطعها عدوانا كي يتحقق موضوع القصاص.
ف‍ (أما الدية فإن كان الجاني سمع الأمر باخراج اليمين و) مع
ذلك (أخرج اليسار مع العلم بأنها لا تجزئ وقصده إلى إخراجها فلا دية
أيضا) كما عن المبسوط والفاضل وغيرهما، لأن السبب فيه أقوى من
المباشر، نحو تقديم الطعام للضيف وغيره.
وما في المسالك من إشكاله بأن الحكم في تقديم الطعام ونظائره
مستند إلى العادة الغالبة مع اتفاق المسؤول والمبذول، والأمر في المتنازع
410

ليس كذلك، فإن المسؤول إخراج اليمنى والمبذول اليسار، ولأن الإذن
في هذا الفعل لا يؤثر في الإباحة، بخلاف الأمثلة المذكورة، فكان القول
بثبوت الدية أوجه، وتبعه بعض من تأخر عنه يدفعه عدم كون المنشأ
الإذن منه ونحوه، بل ما عرفته من قوة السبب فيه على المباشر التي
يكون الضمان بها على القوة من غير فرق بين المال والنفس.
بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين علم الباذل وجهله بالموضوع
لدهشة ونحوها وبالحكم، فإن القوة المزبورة مع جهل المستوفى بالحال
متحققة، اللهم إلا أن يقال بوجوب معرفة كونها يمينا على المقتص،
ولا يجدي بذل المقتص منه لها في تعينها، فهو مقصر في قطعها اعتمادا
على ذلك، ولكن لا قصاص عليه، لعدم العدوان عمدا فيه بخلاف الدية،
(و) يمكن دفعه بأنه يكفي إقرار من عليه الحق بأنها اليمين، لعموم
أدلة الاقرار، فتأمل.
نعم (لو قطعها) المجني عليه (مع العلم) بكونها اليسار
ضمنها قطعا، لعموم الأدلة الذي لا يعارضه الإذن من ذي اليد صريحا
فضلا عن الفعل الدال عليها بعد إلغاء الشارع لها وكونها بمنزلة العدم،
لأنه لم يجعل الأمر في البدن إليه.
ولكن في غاية المراد (هي هدر، لأنه أخرج بينة الإباحة، ولا يضمن
السراية، ويعزران لحق الله تعالى) وهو كما ترى. وأغرب من ذلك
قوله فيها متصلا بما سمعت: (ولو سكت ولم يخرجها فقطعها والحال
هذه أي عالما بأنها اليسار فكالاخراج، لأنه سكوت في محل يحرم فيه
بخلاف السكوت عن المال). وعلى كل حال إشكال في عدم هدريتها.
نعم (قال في المبسوط: سقط القود إلى الدية، لأنه بذلها
للقطع و) بذلك (كانت شبهة في سقوط القود، وفيه إشكال)
411

بل منع واضح (لأنه أقدم على قطع ما لا يملكه) إذ الفرض علمه
(ف‍) كيف (يكون) شبهة، بل هو (كما لو قطع عضوا
غير اليد) بإذن منه، ولا يكفي في الشبهة تولد الداعي فيه إلى قطعها
ببذلها، بل الظاهر عدم مدخلية الجهل بالحكم الشرعي في جميع صور
المسألة من غير فرق بين الباذل ولقاطع، لأنه غير معذور في ذلك على
كل حال، وحينئذ فالمتجه في المقام ثبوت القصاص عليه بها، كما أن
المتجه بقاء القصاص له في يمينه، وكون اليسار تقطع عن اليمين مع
فقدها لا يقتضي بدليتها عنها في المقام وإن اتفقا عليه، كما هو واضح.
ولكن احتمل في غاية المراد الرجوع إلى نية المقتص، فإن قال:
عرفت أن اليسار لا تجزئ ولكن قصدت جعلها عوضا من تلقاء نفسي
قوي السقوط، وإن قال: ظننت الاجزاء ففيه وجهان من حيث البناء
على ظن خطأ وإن تضمنه العفو، ويلتفت هذا إلى أخذ العوض بلا تلفظ
بالعفو، أما لو قال: استبحته بإباحته فالأقوى البقاء، فعلى الأول له
قطع اليمين قصاصا بعد الاندمال حذرا من توالي القطعين بخلاف ما لو
قطع يديه، والفرق مشاركة المضمون، وإن سرى إلى نفسه تثبت الدية
في ماله على ما قاله الشيخ.
وهو كما ترى لا حاصل معتد به له، بل وكذا باقي كلامه في المسألة
فإنه أطنب فيها، ولكنه بلا حاصل معتد به وإن تبعه بعض من تأخر عنه.
(و) على كل حال ف‍ (كل موضع تضمن اليسار فيه)
دية أو قصاصا (تضمن سرايتها) كذلك لما عرفته من تبعية السراية
للجناية في ذلك (و) حينئذ ف‍ (لا يضمنها) أي السراية
(لو لم يضمن الجناية) لأن ما لا يضمن أصله لا تضمن سرايته،
لكن قد عرفت سابقا الاشكال القوي في ما لو اقتص في الطرف مع
412

خوف السراية بسبب شلل في الطرف مثلا، اللهم إلا أن يقال بضمان
الطرف حينئذ باعتبار تعين الدية له دون القصاص، ولكنه كما ترى مع
فرض اندمال الجرح وعدم السراية، فتأمل جيدا أو يقال: إنه بسرايته
ينكشف ضمان أصل الجناية في الطرف وإن دخل هو في النفس حينئذ،
وعلى كل حال فالكلية في اليسار تامة مع إرادة عدم الضمان من حيث
تلك الجناية لا ما إذا فرض حصول الاسراء بسبب آخر من دواء أو جنايته
أخرى أو غير ذلك، والله العالم.
(ولو اختلفا فقال) المجني عليه للجاني: (بذلتها) أي
اليسار (مع العلم) بأنها اليسار مجانا (لا بدلا) عن قطع اليمين
بزعم جوازه (فأنكر الباذل) ذلك (فالقول قول الباذل)
ليساره بيمينه (لأنه أبصر بنيته) ولأن الظاهر عدم بذل العاقل
كذلك، ولأن الأصل ثبوت العوض لقطع العضو المحترم، فإن حلف
أخذ الدية وإن نكل حلف الآخر إن احتيج إلى الرد، وذهبت هدرا كما
عن المبسوط وفيه نظر كما في كشف اللثام، ولعله لأنه مع تسليم دعوى
المجني عليه لا يسقط الضمان عن المقتص مع علمه، فإن إباحته بمنزلة
العدم بعد أن لم يجعل الشارع السلطان له على ذلك، ودعوى سقوط
الضمان عنه بذلك وإن بقي حق الله يدفعها عدم الدليل على سقوطه به بعد
عموم أدلته، ويمكن فرض الاختلاف المزبور على القول بسقوط الضمان
على التقدير المزبور، ومن هنا قال في المسالك: (فائدة هذا النزاع تظهر
على القول بسقوط القصاص والدية مع علم الباذل بكونها اليسار وأن
المطلوب شرعا قطع اليمين سواء قلنا: إنها تقع بدلا بقصده أم لا).
(و) كيف كان ف‍ (لو اتفقا على بذلها بدلا لم تقع بدلا)
لكونه اتفاقا فاسدا بعدم الإذن شرعا في ذلك، ضرورة عدم مشروعية
413

القصاص في غير محل الجناية، بل هو ليس قصاصا ولا إذن من الشارع
للانسان في بدنه.
(و) من هنا (كان على القاطع ديتها) مع اشتباهه وإلا
فعليه القصاص (وله القصاص في اليمين لأنها موجودة) وقد بطل
الاتفاق المزبور فهو على استصحاب بقاء حقه.
(و) لكن (في هذا تردد) من ذلك ومن تضمنه العفو
عما له من القصاص وإن يصح الاتفاق المزبور، ولعل من ذلك يحصل
الاشكال أيضا في القصاص لليسار أو الدية، إذ احتمال ثبوت أحدهما
على المقتص مع سقوط حقه أصلا في اليمين واضح الضعف، نعم قد
يحتمل سقوط حقه من القصاص خاصة والانتقال إلى الدية فيتقاصان
حينئذ مع التساوي وإلا كما لو كان أحدهما رجلا والآخر المرأة أعطي
التفاوت من كان عليه.
وكيف كان فقد ظهر لك بالتأمل في ما ذكرناه حكم جميع الصور
المذكورة في المقام، فإنه وإن جعلها في غاية المراد والمسالك بل وكشف
اللثام ثمانية لكن جعلوا محل الكلام فيها مقامات ثلاث: التعزير وسقوط
القصاص عن اليمين وضمان اليسرى، ومن المعلوم أن التعزير لا يكون
إلا مع العلم الموجب للإثم دون الجهل، كمعلومية عدم سقوط القصاص
عن اليمنى مع الانفاق عليه منهما فضلا عن غيره وإن ذكروا وجوها في
خلافه إلا أنها واضحة الضعف، كما عرفت الكلام فيه وفي ضمان اليسرى
في حال علم القاطع. ومنه يعلم أن المدار على علم القاطع وجهله، لا المقتص
منه، كما هو المحكي عن الشيخ، وعلى الجهل بالموضوع دون الحكم الشرعي.
وبذلك كله يظهر لك حال ما أطنب به في غاية المراد وكشف اللثام
وغيرهما من حكاية كلام الشيخ وغيره، فلاحظ وتأمل.
414

(ولو كان المقتص) طفلا أو (مجنونا فبذل له الجاني غير
العضو) أو العضو (فقطعه ذهب هدرا) وبقي ما عليه من الاستحقاق
بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له بل ولا إشكال، وكذا النفس
(إذ ليس للمجنون) ولا للطفل (ولاية الاستيفاء) ولأن
السبب فيه أقوى من المباشر (فيكون الباذل مبطلا حق نفسه) من
غير فرق بين علم الباذل بالحكم الشرعي وجهله، نعم لو لم يعلم بجنونه
وبذل له العضو الذي يراد منه القصاص أمكن القول بثبوت الدية على
عاقلته، كما لو قطع من غير بذل، ويمكن العدم، لأن ضمان العاقلة
على خلاف الأصل، والفرض أنه الباذل، وعدم علمه بجنونه لا يرفع
قوة السبب فيه.
(ولو قطع يمين مجنون فوثب المجنون فقطع يمينه قيل) وإن
كنا لم نعرف القائل منا: (وقع الاستيفاء موقعه) لأنه كما لو كان
له وديعة فهجم عليها فأتلفها.
وفيه أنه في غير موقعه بعد أن لم يكن له أهلية الاستيفاء، ضرورة
كونه حينئذ كالأجنبي، وعدم الضمان في الوديعة لعدم التفريط، لا لأنه
استيفاء وإن كان هو مالا هنا له بخلاف اليمين، فإنه لا يسقط عنه
الضمان وإن تلفت بغير تفريط.
(و) من هنا (قيل) والقائل الشيخ في محكي المبسوط:
(لا يكون) ذلك (قصاصا، لأن المجنون ليس له أهلية الاستيفاء
وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده وفاقا للفاضل وثاني الشهيدين
وغيرهما (و) حينئذ (يكون قصاص المجنون باقيا على الجاني)
كما في القواعد. (ودية جناية المجنون على عاقلته) بلا خلاف فيه
بيننا بل ولا إشكال.
415

إنما الكلام في الأول، ففي كشف اللثام (يعني من يساره أو من رجليه،
فإن فقد الجميع فالدية، وأطلق في المبسوط والتحرير بقاء الدية له)
وكأنه أخذه مما عن الإيضاح وحواشي الشهيد من أن المراد ببقاء قصاص
المجنون أحد أمرين: إما على القول بأنه إذا فقدت اليمين التي وجب
القصاص فيها تقطع اليسار، أو بمعنى أنه ينتقل إلى حكم العمد مع فوات
المحل، فعلى القول بسقوطه كما قاله بعضهم يسقط هنا، وعلى القول
بالدية فهنا كذلك، فمع الصلح ظاهر، ومع امتناعه كما هو مقرر شرعا،
لكن فيه أن من شرط القصاص نفسا وطرفا العقل، فلا يقتص منه،
ولعله لذا أطلق الدية في المبسوط، على أن الخلاف المزبور إنما هو في
النفس دون الطرف الذي لا معنى لتنزيل نحو العبارة عليه، ضرورة أنه
لا وجه للبقاء على القول بسقوطه قصاصا ودية فلا يبعد إرادة المصنف
وغيره من القصاص الدية، والله العالم.
المسألة الرابعة:
(لو قطع يدي رجل ورجليه) مثلا (خطأ) شبيها بالعمد
(واختلفا فقال الولي: مات بعد الاندمال) فيستحق من القاطع
ديتين (وقال الجاني: مات بالسراية) كي لا يجب عليه إلا دية واحدة
لدخول الطرف في النفس (فإن) اتفقا على المدة و (كان الزمان
قصيرا لا يحتمل الاندمال) عادة (فالقول قول الجاني) كما عن
الشيخ والفاضل والشهيدين وغيرهم، لأصل البراءة المعتضد بالظاهر،
وأصالة عدم حدوث سبب آخر، مع أنه لم يدعه الولي، بل توقف غير
واحد في استحقاق اليمين للعلم بكذب دعواه في الاندمال ولم يدع سببا
416

آخر وإن قال المصنف هنا تبعا للمحكي عن الشيخ: إن القول قوله (مع
يمينه) لعموم قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (واليمين على من
أنكر) وغيره مما يدل عليه، ولجواز أن يكون الموت بسبب حادث كلدغ
حية وشرب سم مدنف، لكن قد يشكل أصل تقديم قول الجاني إذا لم
يعلم استناد الموت إلى جنايته بأصالة بقاء استحقاق الديتين عليه بعد ثبوت
سببه، وعدم العلم بالسراية، وظهور الكذب بدعوى الاندمال لقصر
الزمان لا يقتضي ثبوت السراية المقتضية لسقوط استحقاق الديتين، نعم
لو قيل بعدم الاستحقاق باعتبار المراعاة اتجه ذلك، لكن قد عرفت
سابقا أن السراية مسقطة لا كاشفة عن عدم الاستحقاق.
وعلى كل حال (ف‍) هذا مع قصر الزمان، وأما (إن)
كان الزمان طويلا و (أمكن الاندمال) فيه (فالقول قول الولي،
لأن الاحتمالين متكافئان والأصل وجوب الديتين) ولم يعلم السراية
المسقطة، ودعوى أن ثبوتها مراعى وظهوره ظهور وهمي متزلزل لا عبرة به
فلا استصحاب يدفعها أنه مبني على كون السراية كاشفة لا مسقطة، وقد
عرفت سابقا فساده، فلاحظ وتأمل.
(ولو اختلفا في المدة) فقال الجاني: مات قبل أن تمضي مدة
يندمل في مثلها إما مطلقا أو مع تعينها بالأيام، وقال الولي: بل مضت
مدة تندمل في مثلها كذلك (ف‍) في المسالك وفاقا للمتن (القول
قول الجاني) مع اليمين كما في القواعد وغيرها لأن الأصل بقاء لمدة حتى
يعلم انتفاؤها وبقاء الجناية والسراية حتى يعلم برؤها. وفيه نظر يعرف مما
سبق ويأتي، مضافا إلى عدم صحة الأصلين المزبورين بحيث يثبت منهما قوله
ويقطعان أصالة ثبوت استحقاق الديتين، فتأمل جيدا.

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب كيفية الحكم الحديث 3 من كتاب القضاء.
417

(أما) لو كانت المسألة بالضد من الفرض الأول كما (لو
قطع يده فمات وادعى الجاني الاندمال) حتى لا يغرم إلا دية اليد
(وادعى الولي السراية) حتى يستحق دية النفس (فالقول قول الجاني
إن مضت مدة يمكن) فيها (الاندمال) وفي اليمين البحث السابق،
ولكن هل يحلف أنه لم يمت بغير السراية؟ وجهان من الاحتمال ومن
انحصار دعوى الجاني في الاندمال، وعلى كل حال فيقدم قوله، لأن
الأصل البراءة، ولا يعارضه أصل عدم الاندمال الذي لا يقضي بالسراية.
ومنه يعلم صحة ما ذكرناه سابقا من ترجيح قول الولي في السابقة
ولو مع قصر الزمان، ضرورة أن ظهور كذبه بدعوى الاندمال لقصر
المدة لا يقتضي تحقيق السراية المسقطة التي مقتضى الأصل عدمها، مضافا
إلى أصل ثبوت الديتين، ودعوى معارضة الأول بأصل البراءة وعدم
حدوث سبب آخر من لدغ حية ونحوه والثاني بأنه مراعى فلا يستصحب
يدفعها انقطاع أصل البراءة بثبوت مقتضى الديتين، وأصالة عدم حدوث
سبب آخر لا يقتضي الموت بالسراية، إذ لعله مات حتف أنفه، وما عرفته
سابقا من كون السراية مسقطة لا كاشفة، فلا مراعاة حينئذ.
هذا ولكن في المسالك في المقام (قد تعارض أصلا عدم الاندمال
وبراءة ذمة الجاني عما زاد عن النصف، فيقدم قول الجاني بشهادة الظاهر
مع الأصل) وفيه أنه لا ظهور بامكان المدة بالبرء، وعلى تقديره لا دليل
على صحة الظهور المزبور، كما لا ظهور في الموت مع قصرها بالموت
بالسراية، إذ لعله مات بسبب آخر، فتأمل جيدا.
وإن لم تمض مدة كذلك بأن كان الزمان قصيرا، فظاهر كلامهم
أن القول قول الولي، لما عرفته من الظهور المزبور، ولكن فيه البحث
السابق مع عدم العلم باستناد الموت إلى جنايته على وجه يتحقق صدق أنه
418

قتله، وستسمع ما يؤيده، والله العالم.
(ولو اختلفا) في المدة فقال الجاني: قد مضت مدة يندمل في
مثلها وقال الولي: ما مضت (ف‍) في المبسوط أن (القول قول
الولي) لأن الأصل عدم مضي المدة، فالولي هذه كالجاني في تلك
(و) لكن (فيه تردد) لأصالة البراءة عما زاد على نصف الدية،
منه يعلم صحة ما ذكرناه سابقا في الصورة الأولى.
(ولو ادعى الجاني أنه شرب سما) أو لدغته حية أو نحو ذلك
(فمات وادعى الولي موته من السراية) ففي القواعد (قدم قول
الولي مع قصر الزمان) ولعله لأن الأصل عدم حدوث غير الجناية، ولكن
فيه أن ذلك لا يقتضي الموت بالسراية (ف‍) المتجه أن (الاحتمال
فيهما سواء) إذ السراية أمر حادث، والأصل عدم شرب السم مثلا
كذلك.
(ومثله الملفوف في كساء) مثلا (إذا قده) قاد (نصفين
وادعى الولي أنه كان حيا وادعى الجاني أنه كان ميتا إذ الاحتمالان) فيه
أيضا (متساويان) لا ترجيح لأحدهما على الآخر بمقتضى الأصول،
لأن استصحاب حياته لا يقتضي أنه قده حيا إلا بالأصل المثبت الذي هو
غير حجة كما تقرر في محله، وحينئذ موته بالقد أو بسبب آخر بالنسبة
إلى الأصول على حد سواء (ف‍) المتجه الرجوع إلى أصل آخر
غيرهما، وهو يقضي أن (يرجح قول الجاني) كما عن الخلاف
والجواهر (لأن (بما أن خ ل) الأصل عدم الضمان).
(و) لكن مع ذلك (فيه احتمال آخر ضعيف) وإن اختاره
في الأول في القواعد، للأصل الذي قد عرفت البحث فيه، ولذا كان خيرة
كشف اللثام ومحكي التحرير فيه تقديم قول الجاني لما عرفت، وفي الثاني
419

في محكي السرائر، لأصالة الحياة التي قد عرفت عدم اقتضائها كون القد
نصفين وقع عليه حالها، إلا هو ليس من أحكام المقدود كي يستصحب
وإن استصحب حياته في وجوب النفقة عليه ونحوه مما هو من أحكامه
شرعا بخلاف الفرض الذي هو ضده من قتله ونحوه من الأحكام العرفية،
ولذا كان خيرة من عرفت تقديم قول الجاني أيضا فيه.
وأضعف من الاحتمال المزبور ما يحكى في الثاني عن العامة من أنه
إن كان ملفوفا في الكفن قدم قول الجاني، لظهور الموت، وإلا فقول
الولي، إذ هو مجرد اعتبار.
ولو ادعى الجاني شلل العضو المقطوع من حين الولادة أو عمى عينه
المقلوعة كذلك وادعى المجني عليه الصحة فإن كان العضو ظاهرا كالعين
والرجل ففي القواعد ومحكي المبسوط والخلاف قدم قول الجاني، لأصالة
البراءة، وإمكان إقامة المجني عليه البينة على السلامة، وإن كان مستورا
كالمذاكير ففي القواعد احتمل تقديم قول الجاني أيضا، للأصل المزبور،
وقول المجني عليه كما عن المبسوط والخلاف، لأصل الصحة، وفيه أنه
لا يقتضي وقوع الجناية عليه كذلك.
وفي كشف اللثام (ويكفي في البينة إذا قامت أن تشهد بالسلامة قبل
الجناية مطلقا) وفيه أن استصحابها لا يثبت وقوع الجناية عليها أيضا
سالمة فأصل البراءة حينئذ حكم.
اختلف في المستور فقيل ما أوجب الشارع ستره، وقيل ما أوجبته
المروة، فيشمل الفخذ والسرة والركبة، وفي كشف اللثام هو أظهر
سواء وافق المروة فستره أو خالفها، إذ كما أن المروة تقتضي ستره كذلك
تقتضي الغض عنه.
وفيه أنه ليس في شئ من الأدلة العنوان المزبور كي يحتاج في تفسيره
420

إلى ما سمعت، كما أنه ليس في شئ منها مراعاة الاعتبار المذكور، ومن
هنا كان المحكي عن ابن إدريس تقديم قول المجني عليه مطلقا مدعيا عليه
الاجماع، وهو لو تم كان حجة، وإلا ففيه البحث السابق، وعن بعض
العامة تقديم قول الجاني مطلقا، وقد عرفت قوته، والله العالم.
ولو ادعى الجاني تجدد العيب قبل الجناية احتمل تقديم الجاني مطلقا
للأصل المزبور، وقول المجني عليه كذلك كما في كشف اللثام، وعن
المبسوط لأصالة الصحة والفرق بين الظاهر والباطن، ولعل الأول لا يخلو
من قوة، لما عرفت، وحينئذ فلا بد للبينة أن تشهد هنا بالسلامة حين
الجناية.
ولو اقتصر الجاني على دعوى الشلل عند الجناية فإن أقام المجني عليه
البينة بالسلامة عندها فلا كلام، وإن أقامها بها قبلها ففي كشف اللثام القول
قوله إذا حلف أنه لم يتجدد للاستصحاب إلا إذا قام الجاني البينة، وفيه
منع اقتضاء الاستصحاب السلامة عندها وإن لم تكن بينة فكدعوى الشلل
خلقة، لكن قيل: لا بأس هنا بتقديم قول المجني عليه مطلقا، لعدم
امتداد الوقت المشهود بالسلامة فيه، واختصاصه بوقت الجناية الذي يكون
في الخلوات غالبا، فيتساوى فيه الظاهر والباطن في عسر إقامة البينة
على حالهما.
ولو ادعى الجاني صغره وقت الجناية قدم قوله مع الاحتمال، لأصالة
البراءة من القصاص، ولكن لو ادعى العاقلة بلوغه فالأصل حينئذ براءة
ذمتهم، فتؤخذ الدية حينئذ من ماله لأنه الجاني.
ولو اختلفا في الوقت فادعى الجاني تقدم الجناية على البلوغ تعارض
أصلا البراءة من القصاص وتأخر الجناية، والبراءة أقوى. وفي الدية
ما عرفت.
421

ولو ادعى الجنون وقتها وعرف له حال جنون ففي القواعد قدم
قوله وإلا فلا، ولعل للأصل فيهما، ولكن لا يخلو من بحث.
ولو اتفقا على زوال العقل حال الجناية لكن ادعى المجني عليه
السكر والجاني الجنون قدم قول الجاني وإن لم يعرف حالة جنون،
لأصل عدم العصيان وأصل البراءة خصوصا الغافل.
ولو أوضحه في موضعين وبينهما حاجز ثم زال الحاجز واتحدا فادعى
الجاني زواله بإزالته وشقه مثلا لئلا يكون عليه إلا دية موضحة واحدة،
وادعى المجني عليه زواله بالإزالة منه لا من الجاني ليكون له دية موضحتين
قدم قول المجني عليه استصحابا للتعدد وثبوت دية موضحتين عليه.
ولو اتفقا على أن الجاني أزاله لكن قال المجني عليه: بعد الاندمال
ليكون عليه ثلاث موضحات وقال الجاني: قبله ليكون عليه أرش موضحة
واحدة فالقول في الموضحتين قول المجني عليه، لأن الجاني يدعي سقوط
المطالبة بأرش إحداهما وفي الموضحة الثالثة قول الجاني، لأن المجني عليه
يدعي وجود الاندمال قبلها، والأصل عدمه، ويدعي أرش موضحة
ثالثة، والأصل البراءة. وليس هذا عملا بمتناقضين، لابتناء ثبوت
أرش موضحتين على تقدم الاندمال على زوال الحاجز، والبراءة من
أرش الثالثة على تأخره، لأنهما مبنيان على أصل واحد، وهو الاستصحاب
لثبوت ما ثبت والبراءة عما لم يثبت، أو لاحتمال النقيضين من غير عمل
بهما، أو لأن مثل ذلك في الأصول كثير
ولو قتل من عهد كفره أو رقه فادعى الولي سبق الاسلام أو العتق
قدم قول الجاني ولو اختلفا في أصل الكفر والرق احتمل تقديم قول
الجاني، لأصالة البراءة والشبهة، واحتمل تقديم قول الولي في دار
الاسلام، لأن الظاهر فيها الاسلام والحرية، ولأنهما الأصل، نعم
422

يعارضه ظهور الكفر في دار الكفر.
ولو داوى الإصبع المقطوعة فتأكل الكف فادعى الجاني تأكله
بالدواء والمجني عليه تأكله بالقطع قدم قول الجاني مع شهادة أهل الخبرة
بذلك، وإلا ففي القواعد قدم قول المجني عليه وإن اشتبه الحال، لأنه
المداوي، فهو أعرف بصفته، ولأن العادة قاضية بأن الانسان لا يتداوى
بما يضره، وفيه بحث، ولعل الأقوى كونه كالأول، والله العالم. المسألة الخامسة:
(لو قطع إصبع رجل) من يده اليمنى مثلا (و) من
بعد قطع (يد) رجل (آخر) يمينه (اقتص الأول) عن
إصبعه، لعموم الأدلة (ثم للثاني ورجع بدية إصبع) ضرورة كونه
كما إذا قطع يده الكاملة ذو يد ناقصة إصبعا فيرجع عليه بدية إصبع إما
مطلقا أو مع كون الإصبع قطعت باستحقاق كما مر.
(ولو) انعكس بأن (قطع اليد أولا ثم الإصبع من آخر
اقتص للأول وألزمه الثاني دية الإصبع) إذ هو حينئذ بمنزلة من قطع
إصبعا ولا إصبع له يماثلها بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بين من
تعرض للمسألة كالشيخ والفاضلين والشهيدين وغيرهم، نعم في عبارة
القواعد بل والإرشاد تعقيد في بيان المعنى المزبور، بل ربما بسببه وقع
الوهم من بعض الناس، والمراد ما عرفت، كما أنك عرفت سابقا (1)
البحث في وجوب تقديم من تقدم في القصاص وعدمه وأنه على تقديره
لو سبق المتأخر يأثم ولكن يقع ما فعله موقعه، لأنه استيفاء لحقه أيضا،

(1) راجع ص 316 - 319.
423

ففي الصورة الأولى لو قطع ذو اليد أولا أساء ورجع صاحب الإصبع
بالدية، وفي الثانية لو قطع ذو الإصبع أولا أساء ورجع ذو اليد بعد
القطع بدية الإصبع، بل قد عرفت سابقا احتمال عدم الإساءة وإن تقدم
المتأخر، والله العالم.
المسألة (السادسة:)
(إذا قطع إصبعه فعفا المجني عليه قبل الاندمال فإن اندملت
فلا قصاص) إن كانت عمدا (ولا دية) إن كانت شبيه عمد
(لأنه إسقاط لحق ثابت عند الابراء) فيكون العفو عنه من أهله في
محله بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك هو اتفاق، بل عن الخلاف
إجماع الفرقة وأخبارهم عليه، نعم يحكى عن المزني من العامة عدم صحته
بناء على أن العبرة في الجناية بحال الاندمال الذي هو حال الاستقرار
فلا حكم للعفو قبله، وهو مخالف للكتاب (1) والسنة (2) والاجماع،
ولذا لو باع عبدا قد قطعت يده قبل الاندمال كان عوض الجناية للبائع
لا للمشتري.
(ولو) كانت الجناية عمدا و (قال عفوت عن الجناية سقط
القصاص) ضرورة كون المراد العفو عن موجبها الذي هو القود
(والدية لأنها لا تثبت إلا صلحا) والفرض عدمه، بل لعله كذلك
على القول بأن الواجب أحد الأمرين، لأن العفو عنها يقتضي العفو عن
موجبها الذي هو التخيير فيسقط بغير دية، نعم لو قال: عفوت عن

(1) سورة البقرة: 2 الآية 178 وسورة الشورى: 42 الآية 40.
(2) الوسائل الباب 57 من أبواب القصاص في النفس.
424

القصاص لم تسقط الدية وبالعكس.
فما عن المبسوط من الفرق بين ما لو قال: عفوت عن الجناية فقط
وبين قوله: عفوت عن عقلها وديتها لا يخلو من نظر على القولين،
لما عرفت.
بل وكذا ما في كشف اللثام قال: (ثم إن صدر العفو عنها مع
الصلح على الدية تثبت الدية، وإلا فلا، صرح باسقاطها أو لا وإن
قال: إنما أردت العفو عن القصاص على الدية بناء على أنها لا تثبت إلا
صلحا وتثبت على القول الآخر ما لم يصرح باسقاطها) إذ قد عرفت
سقوطهما مع إطلاق العفو عن الجناية على القولين.
ولو قال: عفوت على الدية لم تثبت الدية على القول الأول إلا
بالرضا منه بذلك، ولا يحتاج إلى صلح، فإن الظاهر مشروعية العفو
المزبور على الوجه المذكور ولو لاطلاق الأدلة الشامل للمطلق والمشروط،
أما على القول الآخر فهو اختيار لأحد الفردين.
ولو تنازعا فادعى الجاني العفو لا على مال والمجني عليه العفو على
مال فالظاهر تقديم قول الجاني، لأن الأصل عدم ذكر الشرط مضافا
إلى أصل براءته من الدية على المختار، ولذا قال في كشف اللثام: (على
المشهور من أن قضية العمد القصاص وحده يقدم قول الجاني للأصل،
وعلى الآخر قول الآخر للأصل أيضا، وفي المبسوط أنه يقدم قوله،
لأنهما مختلفان في إرادته، وفيه أن الإرادة لا تكفي على الأول) قلت:
بل وعلى الثاني بناء على ما ذكرناه، ومنه يعرف النظر في ما سمعته منه.
نعم قد يقال: إن الأصل عدم سقوط حق المسلم إلا بقوله،
ودعوى الاطلاق في الحقيقة رجوع إلى دعوى التقييد، ضرورة كونه
كالقيد بالنسبة إلى إفادة المجانية، على أنه يمكن صدوره منه لا على وجه
425

الشرطية التي تنفى بالأصل، بل قال: أريد المال مثلا وأصالة براءة ذمة
الجاني عن الدية لا يقتضي صدور العفو مطلقا، فتأمل جيدا فإن فيه
بحثا أيضا.
(و) كيف كان ف‍ (لو قال: عفوت عن الجناية ثم سرت
إلى الكف) خاصة (سقط القصاص في الإصبع) بلا خلاف
ولا إشكال، لأن الفرض العفو عنه دون ما استحقه بالسراية التي هي
لم تكن حال العفو، فهي كالجناية الجديدة (و) من هنا كان (له
دية الكف) كما في المسالك ومحكي الارشاد والروض ومجمع البرهان،
بل هو المحكي عن المبسوط أيضا وإن كان تعليله لا يخلو من نظر بل منع
واضح، قال: ليس له القصاص في باقي الأصابع، بل وفيها، والكف
تابع لها إلى أن قال: لأنه لا قصاص في الأطراف بالسراية) ضرورة
ثبوت القصاص في النفس بها، ففي الطرف بطريق أولى، ومن هنا عدل
بعضهم عن التعليل المزبور إلى أن في قطع الكف تغريرا بالأصبع المعفو
عنه، فيسقط القصاص فيه، ضرورة كونه كقطع كف كامل بناقص.
واحتمال جواز القطع له مع رد دية الإصبع المعفو عنه كما سمعته في
خبر الحسن (1) المشتمل على قضية ابن عباس لم نجده لأحد من أصحابنا
هنا، ولعله لعدم التعدية فيه إلى هذا الفرض.
وقد يناقش بأنه لا يتم مع فرض مساواة كف الجاني للمجني عليه،
فإنه يتجه حينئذ بقاء القصاص في الكف، كما أنه يتجه بقاؤه في الأصابع
التي سقطت بسقوط الكف وتبقى الحكومة في الكف.
ولعله لذا قال في القواعد: (ولو أبرأه عن الجناية فسرت إلى
الكف فلا قصاص في الإصبع، بل في الكف إن ساواه في النقص، أو في

(1) المتقدم في ص 338 راجع التعليقة في ص 337.
426

الباقي من الأصابع، ويطالب بالحكومة أي في الكف إن لم يساوه) بل
في كشف اللثام هو واضح، نعم قد يقال: إن عدم ذكر المصنف ومن
عبر عبارته القسم الأول باعتبار ذكرهم سقوط القصاص المقتضي لوجود
الإصبع في كف الجاني، بل لعل اقتصار المصنف على دية الكف مشعر
بثبوت القصاص في ما بقي من الأصابع، والأمر سهل بعد وضوح المراد،
والله العالم.
(ولو سرت) جناية الإصبع التي فرض العفو عنها (إلى
نفسه كان للولي القصاص في النفس) بلا خلاف ولا إشكال فيه عندنا،
كما اعترف به غير واحد، بل عن المبسوط هو الذي رواه أصحابنا، بل
عن الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارهم، ضرورة اندراجه في جميع ما دل
على القصاص من قوله تعالى (1): (النفس بالنفس) وغيره، والعفو
عن الجناية السابقة لا يقتضي العفو عن السراية، نعم به يكون كما لو قتل
كامل ناقصا، فيقتص منه (بعد رد دية ما عفا عنه) من الإصبع.
لكن في القواعد الاشكال فيه، وتبعه ولده والشهيد والمقدس
الأردبيلي في ما حكي عنهم ولم أجده لغيرهم، نعم عن التحرير ذلك
أيضا إلا أنه لم نتحققه. وكيف كان فلعله من دخول الطرف في النفس،
فهو كقتل كامل بمن قطع يده غيره أو تلف بآفة، أو لأنه بعفوه عنه
كأنه اقتص منه، فكما لا يغرم لو سرى الجرح بعد اقتصاصه عوضه
فيقتله بالسراية من غير رد لما استوفاه فكذا المقام، إلا أنهما معا كما ترى.
وأضعف منه ما عن الأردبيلي من احتمال سقوط القصاص، لأنه
قد عفا عن هذه الجناية فصار ما ثبت لها ساقطا، وباقي أثرها معفو عنه
تبعا، لأنه غير مضمون حينئذ، لأن المتبادر من العفو عن الجناية العفو

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
427

عنها وعن جميع لوازمها، قال: (وهذا يجري في الكف، نعم لو قيل:
إن علم أن المراد العفو عن الواقع فقط أو أن العفو عن السراية لم يصح
اتجه ذلك وإلا ففيه تأمل).
إذ هو كما ترى أيضا لا يرجع إلى حاصل، فإن كون الجرح غير
مضمون بالعفو لا يقتضي عدم الضمان بالسراية، وما اشتهر من أن غير
المضمون لا تضمن سرايته إنما هو في غير المضمون ابتداء، كالواقع بحق
مثلا، ودعوى اقتضاء الاطلاق ذلك واضحة المنع لو قلنا بصحة العفو
عن السراية، مع أنك ستعرف بطلانه.
ونحو ذلك ما عن الشافعي من سقوط القصاص بالعفو عن العضو،
لأن القصاص لا يتبعض، ضرورة أن العفو عن الطرف لا يقتضي عدم
المكافئة بالنفس، ولذا يقتص للأقطع من الكامل، لحصول المكافئة في
النفس دون الطرف، ومن هنا قلنا بالرد، فالمسألة حينئذ لا إشكال
فيها بحمد الله تعالى.
(ولو صرح بالعفو) عن الجناية وعن سرايتها (صح)
العفو (مما كان ثابتا وقت الابراء، وهو دية الجرح) أو القصاص فيه.
(أما القصاص في النفس أو الدية ففي) صحة (العفو)
والابراء عنهما (تردد) وخلاف، فعن الشيخ في الخلاف الأول، قيل:
وكأنه مال إليه أو قال به الشهيدان في غاية المراد والروض والمقدس
الأردبيلي في مجمع البرهان، لعموم قوله تعالى (1): (فمن تصدق به
فهو كفارة له) وثبوت الابراء عن الجناية قبلها شرعا للطبيب والبيطار،
فبينها وبين السراية أولى، ولأن الأصل صحة العفو المناسبة لما ورد (2)

(1) سورة المائدة: 5 الآية 45.
(2) الوسائل الباب 57 من أبواب القصاص في النفس.
428

من الترغيب فيه شرعا ترغيبا يكون به عبادة، فيناسبه الصحة، ولأن
الجناية على الطرف سبب لفوات النفس التي لا تباشر بالجناية، ووجود
السبب كوجود المسبب، ولوجوب الوفاء بالوعد، وعموم (المؤمنون
عند شروطهم) (1).
وعن أبي علي والشيخ في المبسوط والفاضل وولده وغيرهم الثاني
(لأنه إبراء مما لا يجب) أنه وصية للقاتل، وفي جوازها وعدمه
الخلاف المعروف وإسقاط لحق الغير، وهو الولي.
(و) من هنا قال (في الخلاف: يصح العفو عنها وعما
يحدث عنها، فلو سرت كان عفوه ماضيا من الثلث، لأنه بمنزلة
الوصية) وإن كان لا يخفى عليك ما فيه من منع كون العفو وصية أولا،
ولو سلم فهي باطلة. خلافا للمحكي عن المبسوط لو صرح بها، ضرورة
صحتها في ما هو للميت، والفرض أن القصاص للوارث لا له، بل
والدية وإن تعلقت بها وصاياه وديونه للدليل، اللهم إلا أن يقال: إن
عوض نفسه قصاصا أو دية له، ومن ينتقل إلى الوارث، ولكن فيه
أيضا أنه لا وجه للوصية به قبل استحقاقه إياه المتوقف على إزهاق روحه،
ووجود الجناية أعم من ثبوته حالها، ضرورة استناده إلى سرايتها التي
هي غيرها، اللهم إلا أن يقال بصحة الوصية بمثل ذلك، للعمومات
الشاملة له ولما يملكه بعد موته كالذي يصيده في شبكته التي نصبها حال
جنايته. ولكن الجميع محل نظر وبحث.
ودعوى تناول (من تصدق به) (2) ونحوه لمثله ممنوعة، وثبوت
الابراء للطبيب على القول به لا يقتضي الثبوت هنا بعد حرمة القياس،

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
(2) سورة المائدة: 5 الآية 45.
429

كمنع أصالة صحة العفو بعد عدم تناول العموم لمثله، والترغيب فيه لمن
هو أهل له لا يقتضي ذلك، وكونه عبادة واضح المنع، مع أنه لا يقتضي
الصحة في الفرض.
وكذا دعوى أن وجود السبب بمنزلة وجود المسبب على وجه يثبت
المطلوب، والوعد لا يجب الوفاء به كما هو مفروغ منه في محله، مع أن
الفرض ليس منه، وكذا عموم (المؤمنون عند شروطهم) (1) المراد به
ما يلتزمونه بالملزم الشرعي لا به نفسه. فالتحقيق حينئذ عدم صحته،
وحينئذ لا يترتب عليه شئ.
فما عن أبي علي من سقوط القصاص به وإن كان باطلا والانتقال
إلى الدية لا وجه له، كما أنه لا وجه لسقوط القصاص بالعفو ولو قلنا
بأنه وصية، ضرورة كون حق القصاص بناء على أنه للمجني عليه كباقي
ما هو له إنما له فيه الثلث، وحينئذ بعفوه يكون كعفو أحد الشركاء
في القصاص يؤدي للمقتص منه مقدار ما عفا الشريك ثم يقتص، اللهم
إلا أن يقال إنه أوصى بالقصاص أجمع للمقتص منه فيغرم للوارث من
ثلثه من غيره كغيره مما يوصى به، ولكن الجميع كما لا ترى ينطبق على
فقه الإمامية، والتحقيق ما عرفت، والله العالم.
المسألة (السابعة:)
(لو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته فإن قال) المجني
عليه للعبد: (أبرأتك) من ذلك (لم يصح) كما عن المبسوط وغيره،

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
430

بل قيل: إنه المشهور، لأنه لا حق له في ذمته كي يكون مورد الابراء،
إذ هو مال للغير.
لكن مع ذلك ففي القواعد (لم يصح على إشكال) وفي كشف اللثام
(من تعلق الحق برقبته، ومن أن رقبته حق للمولى فهو إبراء من لا حق
له عليه).
قلت: لا يخفى عليك ما في الوجه الأول بعد ما ذكرناه، ومن هنا
قال في الكشف: (الأقرب أنه إن استحق تملك الرقبة خاصة فلا معنى
لابرائه، إذ لا معنى للابراء عن النفس، وإن استحق القصاص تخير
بينه وبين الاسترقاق كلا أو بعضا، فإذا أبرأه صح وانصرف إلى القصاص،
فإنه الذي يصح إبراؤه عنه، وبقي له الاسترقاق ما لم يبرأ السيد، إلا أن
يريد إسقاط القصاص والاسترقاق جميعا، فإنه لا يصح إلا أن يتجوز
بذلك عن إبراء السيد) وإن كان هو أيضا فيه ما فيه بناء على ما عرفت
من أن محل الابراء الحقوق التي في الذمم، وليس الفرض منها، فلا فرق
بين استحقاق تملك الرقبة خاصة، كما في الجروح التي لا قصاص فيها
وبين ما إذا كان مخيرا بينه وبين القصاص، إلا أن يقال: إن حق
القصاص شئ يتعلق بذمة المكلف فيصح أن يكون موردا للابراء كما إذا
أبرأ الحر منه، ومع ذلك لا يخلو من إشكال، فإنه ليس تعلق دين،
بل هو خطاب شرعي يشك في تعلق الابراء به، والأصل العدم بعد عدم
عموم يتمسك به.
بل وعلى ما ذكرنا يأتي الاشكال أيضا في ما في القواعد ومحكي
المبسوط (و) غيره من أنه (إن أبرأ السيد صح، لأن الجناية
وإن تعلقت برقبة العبد فإنه ملك للسيد) وفي كشف اللثام (صح ذلك
إن استحق الاسترقاق خاصة أو مع القصاص، فإنه كان استحق عليه
431

أخذ العبد منه واسترقاقه أو بحيث إن شاء اقتص وإن شاء استرق، فإذا
أبرأه سقط حقه) إلا أن ذلك كله كما ترى.
(و) لذا قال المصنف: (فيه إشكال) كالمحكي عن التحرير
(من حيث إن الابراء إسقاط لما في الذمة و) ليس ذلك منه، نعم
(لو قال: عفوت عن أرش هذه الجناية) أو موجبها (صح)
ولا يجري فيه الاشكال المذكور، لأن العفو لا يختص بما في الذمة،
واحتمال تنزيل الابراء المزبور على ذلك جيد إن حصلت قرينة تدل عليه
غير حمله على الوجه الصحيح، وإلا فمشكل.
ولو كان القتل عمدا لخطأ وأبرأ الولي العاقلة لم يبرأ القاتل،
ضرورة كونه إبراء لمن ليس عليه الحق، نعم لو قلنا كما عن قول للعامة
من كون الدية على القاتل والعاقلة يتحملون عنه اتجه ذلك، لكنه معلوم
الفساد عندنا، فيكون إبراء لمن لم يكن عليه حق.
كما لو أبرأ القاتل في الخطأ المحض الثابت بالبينة أو إقرار العاقلة،
فإنه لا تبرأ العاقلة، نعم لو أبرأ القاتل في الأول أو قال: عفوت عن
هذه الجناية أو أرشها ونحوه صح، كما هو واضح.
وبذلك يظهر لك ما في بعض نسخ الشرائع، إذ الموجود عندنا
ما عرفته، وفي آخر (ولو أبرأ قاتل الخطأ المحض لم يبرأ ولو أبرأ
العاقلة أو قال: عفوت عن أرش هذه الجناية صح، ولو كان القتل
شبيه العمد فإن أبرأ القاتل أو قال عفوت عن أرش هذه الجناية صح، ولو
أبرأ العاقلة لم يبرأ القاتل) إذ هو عين ما ذكرناه سابقا، والله العالم.
تم كتاب القصاص والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله.
432

إلى هنا والحمد لله تم الجزء الثاني والأربعون من
كتاب جواهر الكلام، وقد بذلنا الجهد في تنميقه وتحقيقه
والتعليق عليه وتصحيحه، فنشكره تعالى على ما وفقنا لذلك،
ونسأله أن يديم توفيقنا لاخراج الجزء الأخير وهو الجزء
الثالث والأربعون في كتاب الديات، وبه ختام هذه الموسوعة
الكبيرة.
النجف الأشرف محمود القوچاني
433