الكتاب: كتاب الطهارة
المؤلف: الشيخ الأنصاري
الجزء: ٢
الوفاة: ١٢٨١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: صفر المظفر ١٤١٨
المطبعة: مؤسسة الهادي - قم
الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري
ردمك:
ملاحظات:

كتاب الطهارة
1

كتاب الطهارة
للشيخ الأعظم أستاذ الفقهاء والمجتهدين
الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره)
1214 - 1281 ه‍
الجزء الثاني
اعداد
لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
3

المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية
لميلاد الشيخ الأنصاري (قدس سره)
قم - ص. ب 3654 - 37185 - ت: 744810
الكتاب: كتاب الطهارة / ج 2
المؤلف: الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره
تحقيق: لجنة التحقيق
الطبعة: الأولى / صفر المظفر 1418 ه‍. ق
صف الحروف: مجمع الفكر الإسلامي
الليتوغراف: نگارش - قم
المطبعة: مؤسسة الهادي - قم
الكمية المطبوعة: 1000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة
للأمانة العامة للمؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
4

بسم الله الرحمن الرحيم
5

الفصل * (الثالث) * (1)
* (في كيفية الوضوء) *
وهي أفعاله الواقعة في جواب قول السائل: كيف يتوضأ؟
لا ما هو أحد الأعراض التسعة.
* (و) * الأفعال فروض وسنن:

(1) تقدم الفصل الأول والثاني في المجلد الأول، الصفحة 393 و 416.
7

[فروض الوضوء]
أما * (فروضه) * - والمراد بها مطلق الواجبات، أو المستفاد وجوبها
من الكتاب ولو عموما كآية الإخلاص (1) - فهي * (خمسة) *.
ولم يعد منها المباشرة والترتيب والموالاة، لأنها قيود مأخوذة في تلك
الأفعال ليس لها وجود مستقل ممتاز عنها، وليست معتبرة في المركب من
حيث هو، ولذا لم يذكروا هذه الأمور في واجبات الصلاة.
أو لأنها شروط وهو بصدد الأجزاء، لكنه ينتقض بالنية، فإنها عند
المصنف قدس سره أشبه بالشرط بل شرط (2).
أو لأن وجوب ما عداها غير مستفاد من الكتاب، وينتقض
بالمباشرة، فالوجه هو الأول.
ومنه يظهر أن تخميسها أولى من الزيادة بإدخال " الترتيب "
و " الموالاة " كما في النافع (3) والقواعد (4)، أو زيادة " المباشرة " كما في

(1) وهي قوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * البينة: 5.
(2) صرح به في المعتبر 1: 138.
(3) المختصر النافع 1: 6.
(4) القواعد 1: 203 - 204.
9

الذكرى، حيث قال: إن واجباته المستفادة من نص الكتاب ثمانية (1).
وتكلف في استفادة " الترتيب " من الكتاب بما لا يخفى على من راجعه.
وحكى عن الشيخ الاستدلال على الموالاة بإفادة الأمر للفور وارتضاه في
الجملة في آخر كلامه (2).
وكيف كان، فالأوجه ما فعله المصنف قدس سره، والأمر سهل.

(1) الذكرى: 79.
(2) الذكرى: 90 - 92.
10

* (الأول) * من الفروض * (النية) *
* (وهي) * واجبة في الوضوء إجماعا محققا ومستفيضا. والمحكي عن
الإسكافي من الاستحباب (1) محمول على الصورة المخطرة أو شاذ مطروح.
وقد اشتهر الاستدلال على ذلك قبل الإجماع بقوله تعالى: (وما أمروا
إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (2)، وقوله صلى الله عليه وآله: " إنما الأعمال
بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " (3)، وقوله عليه السلام: " لا عمل إلا بنية " (4).
والآية ظاهرة في التوحيد ونفي الشرك من وجوه:
منها: لزوم تخصيص العموم بأكثر من الباقي.
ومنها: عطف إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على العبادة الخالصة عن
الشرك، وهو التوحيد، فالحصر إضافي بالنسبة إلى العبادة الغير الخالصة عن
الشرك.

(1) حكاه عنه الشهيد في الذكرى: 80.
(2) البينة: 5.
(3) الوسائل 1: 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 7.
(4) الوسائل 1: 33، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث الأول.
11

وبما ذكرنا فسره جماعة، فعن مجمع البيان: (مخلصين له الدين) أي
لا يخلطون بعبادته عبادة من سواه (1). وعن البيضاوي: أي لا يشركون به (2).
وعن النيسابوري: تفسيره بالتوحيد (3)، وجزم بذلك شيخنا البهائي في
الأربعين (4).
وكيف كان، فلا إشكال في أن الآية لا تدل على انحصار المأمور به في
العبادة ليستفاد منه أن الأصل في كل واجب أن يكون عبادة - كما زعمه
بعض (5) - لينفع فيما نحن فيه، وإنما يمكن أن يدعى دلالتها على أن العبادة
لم يؤمر بها إلا على جهة الإخلاص، ولهذا استدل الفاضلان - في ظاهر
المعتبر (6) وصريح المنتهى (7) - بها على وجوب الإخلاص في الواجب المفروغ
كونها عبادة.
لكنه أيضا مبني على كون المراد ب‍ " الدين " الطاعة أو الأعم منها
ومن العبادة، ليدل على وجوب إخلاص عبادة الله عن عبادة الأوثان،
وطاعته تعالى عن الرياء ونحوه.
لكن الظاهر بقرينة عطف " الصلاة " و " الزكاة ": إرادة الإخلاص

(1) مجمع البيان 5: 523، وفيه: " عبادة ما سواه ".
(2) أنوار التنزيل 2: 570.
(3) حكاه عنه الشيخ البهائي في الأربعين: 448.
(4) نفس المصدر: 448 - 449.
(5) هو السيد المجاهد قدس سره في مفاتيح الأصول: 132.
(6) المعتبر 1: 139.
(7) المنتهى 2: 9.
12

في العبادة وهو التوحيد، فقد حكى الله سبحانه في الآية الشريفة من
تكاليف أهل الكتاب أهم أصول الدين وفروعه. ومن تأمل نظائر الآية
مما ذكر فيه العبادة على وجه الإخلاص - مثل قوله تعالى: (قل الله أعبد
مخلصا له ديني) (1)، وقوله تعالى: (فاعبد الله مخلصا له الدين * ألا لله
الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا
إلى الله) (2) إلى غير ذلك من الآيات - ظهر له ما استظهرناه من إرادة
التوحيد في مقابل الشرك.
وأما الأخبار، فحملها على ظاهرها ممتنع، وعلى نفي الصحة - بمعنى
ترتب الأثر - موجب للتخصيص الملحق للكلام بالهزل، إلا أن يراد من
" النية " مطلق قصد الفعل، فيراد من الروايات أن الفعل الغير المقصود
لا يعد من أعمال الفاعل، لأنه صادر بغير قصده وإرادته، فإن من أكرم
رجلا لا بقصد أنه زيد لم يكن إكرام زيد بهذا العنوان من أفعاله
الاختيارية، فالعمل عمل من حيث العنوان المقصود دون غيره من العناوين
الغير المقصودة، لكن هذا المقدار لا ينفع فيما نحن فيه، لأنا نطالب بدليل
وجوب كون الوضوء بعنوانه الخاص عملا اختياريا للمكلف ثم لا يكتفى
- كغسل الثوب - بحصوله من المكلف ولو من دون قصد لعنوانه، بأن يقصد
الفعل بعنوان آخر فيتبعه حصول هذا العنوان من دون قصد.
فدعوى بقاء هذه الأخبار على ظواهرها من إرادة الحقيقة والتمسك
بها لما نحن فيه، خطأ فاحش، مع أن إرادة ظاهرها يشبه الإخبار

(1) الزمر: 14.
(2) الزمر: 2 و 3.
13

عن الواضحات، مع أن في بعض تلك الروايات ما يمنع عن ذلك،
مثل قوله عليه السلام: " لا قول إلا بعمل، ولا عمل إلا بنية، ولا نية
إلا بإصابة السنة " (1)، وفي آخر: " لا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة
السنة " (2).
فالأظهر في هذه الأخبار حمل النبويين (3) منها على إرادة نفي الجزاء
على الأعمال إلا بحسب النية، فالعمل لا يكون عملا للعبد يكتب له أو عليه
إلا بحسب نيته، فإذا لم يكن له نية فيه لم يكتب أصلا، وإذا نوى كتب على
حسب ما نواه حسنا أو سيئا.
وأما قوله: " لا عمل إلا بنية "، فالظاهر منه إرادة العمل الصالح،
وهي العبادة المنبعثة عن اعتقاد النفع فيه.

(1) التهذيب 4: 186، الحديث 520.
(2) المحاسن: 222، الحديث 134، وأورده في الوسائل 1: 33، الباب 5 من أبواب
مقدمة العبادات، الحديث 2 عن الكافي باختلاف يسير.
(3) الوسائل 1: 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 6 و 7.
14

[تعريف النية]
ثم النية لغة وعرفا وشرعا: * (إرادة) * الشئ والعزم عليه والقصد
إليه، ففي الصحاح: نويت كذا إذا عزمت عليه (1).
وقد تضاف - كالإرادة - إلى محل الفعل المراد، كما يقال: " أرادني
فلان بسوء " أي أراد السوء بي، ومنه ما في المنتهى: أنه يقال: نواك الله
بخير أي: قصدك (2)، وهي مقارنة للمراد تارة، ومنفصلة عنه أخرى، بأن
يكون مقيدا بأمر مترقب، كما إذا أراد السفر غدا.
وقد يدعى صيرورة النية حقيقة في إرادة الفعل الغير المقيد بقيد
مترقب فيلزمه المقارنة للدخول فيه فيكون النية أخص من الإرادة.
لكن هذه الدعوى لم تثبت وإن ادعاها غير واحد. قال في المبسوط:
ووقت النية عند أول جزء من الصلاة، وأما ما يتقدمها فلا اعتبار بها، لأنها
تكون عزما (3)، انتهى.
وظاهر آخر العبارة مغايرة النية للعزم.
وعن فخر الدين قدس سره - في الإيضاح -: التصريح بأن النية حقيقة في
الإرادة المقارنة (4).

(1) صحاح اللغة 6: 2516، مادة: " نوى "، وفيه: " نويت نية ونواة، أي عزمت ".
(2) المنتهى 2: 14.
(3) المبسوط 1: 101.
(4) إيضاح الفوائد 1: 101.
15

وفي الذكرى: أن الإرادة المتقدمة عزم لا نية (1).
وعن فخر الدين قدس سره أيضا - في رسالة النية -: أنه عرفها المتكلمون
بأنها إرادة من الفاعل للفعل مقارنة له، والفرق بينها وبين العزم أنه مسبوق
بالتردد دونها، ولا يصدق على إرادة الله أنها نية، فيقال: أراد الله،
ولا يقال: نوى الله، وعرفها الفقهاء بأنها: إرادة إيجاد الفعل المطلوب شرعا
على وجهه (2)، انتهى.
وظاهر كلامه عموم تعريف الفقهاء للمقارن وغيره، إلا أن يريد بيان
المغايرة من حيث المتعلق فقط. وحينئذ فيمكن أن يحمل على تحديد النية
الصحيحة، كما نراهم يأخذون شرائط الصحة في تحديد غيرها من العبادات
والمعاملات. ويحتمل أن يبنى على وضع هذه اللفظة عند الشارع أو المتشرعة
للصحيحة كغيرها من ألفاظ العبادات، بل المعاملات عند جماعة (3).
ثم وصف الإرادة بأنها * (تفعل بالقلب) * توضيحي، إذ لا محل لها
غيره.
ويمكن أن يكون تعريضا على من استحب التلفظ بها - كما عن بعض
الشافعية - أو أوجبه (4).

(1) الذكرى: 80.
(2) الرسالة الفخرية (كلمات المحققين): 423.
(3) منهم الشهيد الأول في القواعد والفوائد 1: 158، والشهيد الثاني في المسالك
2: 159، وصاحب الفصول في الفصول الغروية: 52، ومال إليه أخوه في حاشية
المعالم، انظر هداية المسترشدين: 114.
(4) انظر مغني المحتاج 1: 150، والفقه على المذاهب الأربعة 1: 214.
16

ويمكن أن يحترز عن إرادة الله سبحانه، فإنها لا تسمى نية، وقد
تقدم عن المنتهى " نواك الله بخير " (1)، فراجع وتأمل.
ويمكن أن يكون إشارة إلى أن النية هي الإرادة التفصيلية التي تعد
فعلا للقلب، وهي التي تجب في أول كل عمل، كما هو صريح المشهور،
دون الأمر المركوز في الذهن الموجود في الذهن في أثناء العمل،
وهي (2) التي يعبر عنها المتأخرون ب‍ " الداعي " ويجعلونها النية،
كما حكي ذلك عن المحقق الأردبيلي (3) وشيخنا البهائي (4) والمحقق
صدر الدين الشيرازي (5) والمحقق الخوانساري (6) وجماعة ممن تأخر
عنهم (7)، بل استقر عليه المذهب في هذا العصر.

(1) راجع الصفحة 15.
(2) كذا في النسخ، والصواب: " وهو الذي يعبر عنه... ويجعلونه " لأن مرجع الضمائر
" الأمر المركوز ".
(3) لم نقف على الحاكي، ولم نجد التعبير بالداعي في كلام الأردبيلي، وإليك نص
عبارته: " ما عرفت وجوب شئ من النية التي اعتبرها المتأخرون على التفصيل
المذكور في شئ من العبادات إلا قصد إيقاع الفعل الخاص مخلصا لله ". انظر مجمع
الفائدة 1: 98.
(4) لم نجد التعبير بالداعي في كلامه أيضا، انظر الأربعين: 231.
(5) لم نقف عليه في شرح أصول الكافي، لكن نقل كلامه المحدث البحراني في الحدائق
واستجوده، انظر الحدائق 2: 185 - 186.
(6) لم نقف على التعبير بالداعي في كلامه، انظر مشارق الشموس: 92 و 93.
(7) كالمحقق القمي في الغنائم: 176، والسيد الطباطبائي في الرياض 1: 222، والمحقق
النراقي في المستند 1: 82.
17

توضيح محل الخلاف: أنه لا خلاف بين العقلاء في أن الفعل
الاختياري لا بد وأن يسبقه متصلة به إرادة باعثة عليه منبعثة عن تصوره
مشتملا على منفعة أو دفع مضرة.
ثم لا فرق بين الجزء الأول من الفعل وما عداه من الأجزاء في كون
كل منها حركة اختيارية وفعلا اختياريا كالكل، إلا أنه يكفي في اتصاف
ما عداه بكونه أمرا اختياريا بما يبقى مركوزا في الذهن من التصور والقصد
المنفصلين المذكورين المتعلقين بمجموع الفعل أولا، وإن شئت فسمه إرادة
متصلة تستمر الحركة باستمرارها، ولذا قال المحقق الطوسي قدس سره في
التجريد: والحركة إلى مكان تتبع إرادة بحسبها، وجزئيات تلك الحركة تتبع
تخيلات وإرادات جزئية يكون السابق من هذه علة للسابق المعدة لحصول
حركة أخرى فتتصل الإرادات في النفس والحركات في المسافة إلى
آخرها (1)، انتهى.
ثم المراد بأجزاء الفعل ما كان مربوطا به بجامع بحكم العادة
النوعية أو الشخصية، مثلا إذا تصور المختار المشي إلى السوق لأجل
شراء اللحم فقام للبس ثيابه ونعله، كفى القصد المقتضي في أول قيامه،
وأما لبس ثيابه ونعله - فضلا عن أول جزء من المشي - فيكفي فيها
الأمر المركوز في الذهن وإن ذهل عن هذه الأفعال تفصيلا، لكنها
أفعال اختيارية صادرة عن قصد واختيار يترتب عليها ما يترتب على
الفعل الاختياري لو فرض صدوره من أوله إلى آخره بالقصد والتصور
التفصيليين.

(1) تجريد الاعتقاد: 136.
18

نعم، لو لم تكن الحركة اللاحقة مرتبطة بالسابق لم يكتف بقصد المجموع
في أول الأمر بعد تصوره، فمن أراد شراء اللحم ثم زيارة مؤمن لم يكتف في
صدور زيارة المؤمن التصور والقصد المتعلقان (1) في أول الشروع بالشراء
والزيارة، بل لا بد عند الاشتغال بالمشي للزيارة من تصور وقصد
متجددين.
إذا عرفت هذا، فنقول: إن من تصور الصلاة مع مقدماتها - من
الأذان والإقامة مشتملة على غاية هي إطاعة أمر الله سبحانه بها - فقام
واشتغل بالأذان والإقامة، فأذن وأقام وكبر وقرأ وركع وسجد وفعل ذلك
في الركعة الأخرى، فلا فرق بين مجموع العمل المصاحب بعضه للتصور
والقصد المنفصلين وبين الجزء الأول منه المأتي به معهما وبين باقي الأجزاء
التي لم يوجد فيها قصد وتصور تفصيلي أصلا، في كون كل من الثلاثة أمورا
اختيارية صادرة عن إرادة واختيار.
فالخلاف حينئذ في أن النية هي الإرادة التفصيلية المنبعثة عن تصور
الفعل وغايته المقارنة لأول الجزء المفقودة فعلا في ما عداه وإن كان حكما
مستداما - على ما يأتي من تفسير الاستدامة الحكمية - أو أنها أعم منها
ومن ذلك الأمر المركوز في الذهن - المعبر عنه في لسان المتأخرين
ب‍ " الداعي إلى الفعل والباعث عليه " الذي هو أيضا من قبيل الإرادة،
كما عرفت من المحقق الطوسي (2) - وإن لم يشعر به الفاعل، فيكون كل جزء
من العمل واقعا عن إرادة مقارنة، إما تفصيلية كما في الجزء الأول،

(1) كذا في النسخ، والصواب: " لم يكتف... بالتصور والقصد المتعلقين ".
(2) راجع الصفحة السابقة.
19

وإما إجمالية كما فيما عداه؟
وبعبارة أخرى: كما يجوز الإرادة عند غسل اليدين في الوضوء
ولا يقدح عزوبها عند غسل الوجه ويكون العمل الواجب - وهو الوضوء
الذي أوله غسل الوجه - واقعا مع النية، فلا بأس بتقديم النية عند
إحضار الماء للوضوء أو أخذ الإبريق للصب، ولا يقدح عزوبها عند غسل
اليدين.
ويمكن أن يجعل خلافهم - بعد اتفاقهم على كون النية هي الإرادة
التفصيلية المتوقفة على الإخطار - في أن المعتبر مقارنة تلك الإرادة لنفس
المأمور به، أو يكفي مقارنتها لما يتعلق به بما يعد معه فعلا واحدا. والأظهر
في كلماتهم جعل محل الخلاف هو الأول.
إذا عرفت هذا علمت أن ما نسب إلى المشهور من أن النية هي
الصورة المخطرة بالبال، وأنها عندهم حديث نفسي ممتد، وأنها عندهم
مركبة لا بسيطة (1)، لا يخلو عن شئ، لأن النية عند هؤلاء هي الإرادة
المنبعثة عن تصور الفعل وتصور غايته، فالصورة المخطرة مقدمة للنية
لا نفسها.
نعم، ربما يظهر من بعض كلماتهم: أن النية أمر ممتد زماني، كما لا يخفى
على من راجع ما في الذكرى (2) وغيرها (3) من الثمرات المذكورة لجزئية النية
وشرطيتها.

(1) لم نقف على من نسب ذلك إلى المشهور.
(2) انظر الذكرى: 176.
(3) انظر جامع المقاصد 2: 217 - 218، والمدارك 3: 309.
20

وأضعف من ذلك ما ظن استناد المشهور وركونهم إليه في
ما اختاروه، قال في مفتاح الكرامة: أظن أن الباعث لهم على ما ذكروه
حصر القوى الباطنة في الحواس الخمسة المشهورة، فلما حصروا القوى
الباطنة المؤثرة في حدوث الأشياء والعلة الغائية الموجدة لها
في المخطر بالبال، إذ لو لم تكن حاضرة في البال لم يصدر منها شئ،
لعدم حضورها في الذهن، والمعدوم لا يؤثر، وكذا إذا كانت موجودة
في الذهن إلا أنها في الحافظة لا في البال، لأن الساهي والناسي
لتلك الصورة والغافل عن تلك العلة الغائية كيف يصدر عنه معلولها
المتوقف عليها؟ فلا بد أن تكون ملحوظة حتى تؤثر. ثم قال: وليس الأمر
كما ذكروه، لأنه كثيرا ما لا تكون العلة الغائية والداعي حاضرا في بال (1)،
بل يكون في أوائل الحافظة أو الخيال، ومع ذلك توجد أثرا بينا ظاهرا
شديدا (2) مثل الصادر عن المخطر بالبال من غير تفاوت أصلا، ونحن نشاهد
بالعيان أن الفعل الكثير الأجزاء لا يصدر عن المخطر إلا الجزء الأول منه،
والباقي يحدث من الموجود في أوائل الحافظة، بل كثيرا ما يقع مجموع الفعل
عنه (3)، انتهى.
ولا يخفى على المتأمل ما فيه، فضلا عما في ارتباطه بمذهب المشهور.
وأضعف من الكل ما قيل (4): من أن حاصل الفرق بين القول بالداعي

(1) كذا، وفي المصدر: ببالنا.
(2) كذا في النسخ، والمناسب: " سديدا " - بالسين - كما في مفتاح الكرامة.
(3) مفتاح الكرامة 1: 213، مع اختصار واختلاف في بعض الألفاظ.
(4) القائل هو صاحب الجواهر قدس سره، كما سيأتي كلامه.
21

والقول بالإخطار: أن مرجع الثاني (1) إلى إيجاب العلم بالحضور وقت الفعل،
بخلاف الأول، فإنه يكتفى بالحضور من دون علم والتفات.
وما عساه يظهر من بعضهم من أنه بناء على الداعي يكتفى بوجوده
وإن غاب عن ذهنك (2) حال الفعل - ولذا لم يفرقوا بين الابتداء والاستدامة -
مما لا ينبغي الالتفات إليه ويقطع بفساده، وكيف يعد مثل هذا الفعل في
العرف بمجرد هذا العزم السابق منويا ومقصودا؟
وإما بأن يفرق بينهما (3): أن المراد بالداعي إنما هو العلة الغائية الباعثة
للمكلف على إيجاد الفعل في الخارج، وهو ليس من النية [في شئ] (4) بناء
على تفسيرها بالقصد والإرادة، فإطلاق لفظ " النية " عليها (5) في لسان
بعضهم إنما هو بحسب الاصطلاح المتأخر. فنقول حينئذ: يكتفى بقيام الداعي
في المكلف، لكن لا بد من حصول الإرادة حين الفعل (6) وإن غفل عن
الداعي في ذلك الوقت لكن بحيث لو سئل يقول: أفعل هذا لذلك الداعي.
وبهذا تظهر الثمرة بينه وبين القول بالإخطار، ولعل الأولى أن يجعل (7) المدار

(1) كذا في " ع " وهو الصواب، وفي سائر النسخ: " الأول... بخلاف الثاني ".
(2) كذا، وفي المصدر: " الذهن ".
(3) في المصدر: " أو يقال في الفرق بينهما ".
(4) من المصدر.
(5) كذا في النسخ، وفي المصدر: " عليه ".
(6) في المصدر: " الإرادة للفعل حين التعقل ".
(7) كذا في مصححة " ح " و " ع " والمصدر، وفي سائر النسخ: " ولعله الأولى بناء على
أن يجعل ".
22

- بناء على الداعي - على ما لا يعد في العرف (1) أنه فعل ساه خال عن
القصد ليكتفي (2) بذلك (3)، انتهى.
ولم أجد لما ذكره من الفرقين بين القولين محصلا، وليت شعري!
هل اعتبر القائل بالإخطار العلم بالخطور؟ أو اعتبر القائل بالداعي
الخطور؟ ومتى فرق القائل بالداعي بين غيبة الداعي عن الفعل وغيبة
نفس الفعل؟
ثم لم أجد فرقا بين ما ارتضاه أخيرا وجعله الأولى، وبين ما ذكره
وقطع بفساده آخر (4)، مع أنه الحق الذي لا محيص عنه، ولم يعرف من
القائلين بالداعي غيره، وإن قطع هذا القائل بفساده أيضا فيما سيجئ في
مسألة الاستمرار الحكمي، كما سيجئ.
وكيف كان، فالأقوى ما اختاره المتأخرون، وحاصله: أن العبادة
لا تتوقف شرعا على أزيد مما تتوقف عليه عقلا، إلا أن الغاية فيها هي
الإطاعة والتقرب. ولعل هذا مذهب كل من أهمل ذكر النية من القدماء،
اتكالا في اعتبار أصلها على حكم العقل باعتبارها في كل فعل اختياري،
وفي اعتبار غاية التقرب إلى ما هو اللازم من فرض كونه من العبادات
المأخوذ فيها قصد التعبد والإطاعة.
ويدل عليه - مضافا إلى أصالة عدم اعتبار أمر زائد على ما يصدق

(1) كذا في نسخة بدل " ع " والمصدر، وفي النسخ: " في العقل ".
(2) في النسخ: " فيكفي "، والصواب ما أثبتناه من المصدر.
(3) الجواهر 2: 80، مع اختلافات أخرى غير ما أشرنا إليه.
(4) كذا في النسخ، والظاهر أن كلمة " آخر " زائدة، والمناسب: " أولا ".
23

معه الإطاعة والعبادة - جميع ما دل على اعتبار النية في العمل من
قوله صلى الله عليه وآله: " إنما الأعمال بالنيات " (1) وقوله عليه السلام: " لا عمل
إلا بالنية " (2) وقوله: " لكل امرئ ما نوى " (3) فإن ظاهر الكل اعتبار النية
في كل جزء من العمل، خصوصا مع عده عملا، كما في مجموع الأجزاء
الواجبة من الوضوء، فإنه عمل قطعا، فيعتبر تلبسه بالنية، ولا يكون متلبسا
بها فعلا إذا قدمت عند غسل اليدين، إلا إذا جعلنا النية أعم من الأمر
المركوز الذي لا ينافيه الغفلة والذهول التفصيلي.
ومن هنا اعترفوا بأن مقتضى الدليل اعتبار استمرار النية فعلا إلى
آخر العمل، لعدم اختصاص اعتبار النية بالجزء الأول، إلا أن تعذر ذلك
أوجب الاكتفاء بالاستمرار الحكمي الآتي تفسيره.
قال الشهيد قدس سره في قواعده: قضية الأصل استحضار النية فعلا في
كل جزء من أجزاء العبادة، لقيام دليل الكل في الأجزاء، لأنها عبادة (4)
ولكن لما تعذر ذلك في العبادة البعيدة المسافة وتعسر في القريبة اكتفي
بالاستمرار الحكمي (5)، انتهى.
ولولا اعترافهم بذلك أمكن أن يوجه اكتفاؤهم بالاستمرار الحكمي

(1) الوسائل 1: 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 7.
(2) الوسائل 1: 33، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث الأول، وفيه:
" لا عمل إلا بنية ".
(3) الوسائل 1: 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 10.
(4) في المصدر: " فإنها عبادة أيضا ".
(5) القواعد والفوائد 1: 93، الفائدة الثالثة عشرة.
24

بأن لفظ " النية " في الأدلة المذكورة كلفظ " الإرادة " و " القصد " ظاهر في
القصد التفصيلي، إلا أن مقتضاها تلبس الفعل بالنية، ويكفي في ذلك كون
العمل عن نية، ولا يعتبر وجودها في كل جزء منه.
ولكن هذا لا ينفعهم فيما ذكرنا عليهم، إذ اللازم حينئذ الاكتفاء بتقدم
النية عند مقدمات العمل الخارجة عنه كإحضار الماء وأخذ الإبريق للصب،
إذ يصدق معه أيضا كون الوضوء عن نية.
ثم إنهم اختلفوا في جزئية النية وشرطيتها وذكروا لكل منهما وجوها
لا أظنها تامة في المطلوب.
والأقوى - عقلا ونقلا - كونها شرطا.
أما العقل، فلحكمه بتوقف الفعل عليها لا تركبه منها ومن غيرها.
وأما النقل، فلأنهم عرفوا النية - كما تقدم سابقا (1) - بالإرادة المقارنة
للعمل.
إلا أن يقال: إنه لا خلاف في خروج النية عن حقيقة المنوي،
وإنما الخلاف في العمل الشرعي المعدود من العبادات هل هو الفعل مع
نيته؟ أو بشرط كونه منويا؟ لكن المتعين مع ذلك كونها شرطا،
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " تحريمها التكبير " (2) وقوله: " افتتاحها التكبير " (3).
وأما قوله عليه السلام: " لا عمل إلا بنية " (4) ونحوه، فيحتمل كونه من قبيل

(1) في الصفحة 15 و 16.
(2) الوسائل 4: 715، الباب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام، الحديث 10.
(3) مستدرك الوسائل 4: 136، الباب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام، الحديث 4.
(4) تقدم في الصفحة 24.
25

" لا صلاة إلا بطهور " (1) وقوله: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " (2).
والثمرة تظهر في اشتراطها بشروط الصلاة، مثل الطهارة والستر
والاستقبال والقيام.
ورده الشهيد بأن المقارنة المعتبرة فيها للتكبير تنفي هذه (3).
وفيه: أن المقارنة لا توجب إلا اعتبار هذه الأمور في الجزء الأخير
منها دون مجموعها، إلا أن يقال: إن النية هي القصد البسيط المتأخر في
الوجود عن تصور المقصود، فهي غير قابلة لأن يختلف مع [كون] (4) أول
التكبير في القيام والاستقبال، فضلا عن الطهارة والستر.
هذا كله على مذهب المشهور، وأما على ما اختاره المتأخرون
فلا إشكال في كونها شرطا.
هذا حقيقة النية البسيطة في نفسها.

(1) الوسائل 1: 256، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(2) مستدرك الوسائل 4: 158، الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 5.
(3) الذكرى: 176، وفيه: " إذ المقارنة المعتبرة للجزء تنفي هذه الاحتمالات،
ولو جعلناها شرطا ".
(4) من " ج ".
26

[كيفية النية]
* (و) * أما * (كيفيتها) * باعتبار المنوي، فهي * (أن ينوي) * إيقاع
الفعل المتصور له ولو إجمالا [بجميع قيوده المشخصة له التي لها دخل في
تعلق الأمر به لأجل الغاية التي بها تكون العبادة عبادة (1) مأمورا بها،
والحاجة إلى تصور الفعل] (2) بجميع القيود المذكورة لتصحيح كون تلك الغاية
داعية إلى الإيقاع، إذ لو لم يتصوره بجميع تلك القيود لم يتصور كونه مأمورا
به، لأن المتصور حينئذ غير المأمور به، فلا يتصور كون الداعي إليه تلك
الغاية، لأنها لا تدعو إلى غير ما يترتب عليه.
والخلاف هنا في مقامين:
أحدهما: في وجوب ملاحظة بعض القيود المشخصة للفعل.
الثاني: في اعتبار ملاحظة * (الوجوب أو الندب) * أو وجههما في
الغاية، بأن يوقع الفعل لأجل وجوبه أو ندبه قربة إلى الله تعالى.
أما المقام الأول، فتوضيحه: أن القيود المأخوذة في متعلق الأمر على
أقسام:
أحدها: ما يكون محققا لنفس العنوان المأمور به، كما لو كلف بقضاء
صلاة نيابة عن زيد، فإن قصد كون الصلاة عنه مقوم لنفس الموضوع، لأن
الموضوع حقيقة هي النيابة عن زيد في تدارك ما فات، والفعل بدون قصد

(1) لم ترد " عبادة " في " ح ".
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من " ع ".
27

النيابة لا يكون نيابة، ونحوه الأمر بضرب اليتيم تأديبا، فإن الموضوع حقيقة
هنا (1) التأديب، فلو قصد التشفي أو مجرد الإيلام كان ظلما، ولا كلام في
وجوب قصد مثل هذا القيد.
الثاني: ما يكون مميزا له عن فرد آخر من العنوان، كتقييد الظهرية في
قوله: " صل صلاة الظهر ".
وهذا على قسمين:
لأن ذلك المميز إما مأخوذ قيدا للعنوان في الأدلة الشرعية، كقوله:
" صل صلاة الظهر " وقوله: " صل نافلة الفجر " وكغسلي الجنابة والجمعة
وغير ذلك.
وإما أن لا يكون كذلك، كما إذا أمر وجوبا بصوم يوم، فإن صوم يوم
يعلم أنه في نفسه غير متصف بالوجوب وإلا لوجب صوم كل يوم، بل
لخصوصية ملحوظة فيه مفقودة في الزائد عليه.
والأول على قسمين:
أحدهما: أن يكون الفرد الآخر مأمورا به بالفعل، كما إذا كان عليه
صلاة مندوبة أو منذورة متحدة مع صلاة الظهر.
والثاني: أن يكون الفرد الآخر غير مأمور به بالنسبة إلى المخاطب،
كما إذا لم يكن عليه إلا صلاة الظهر.
أما الأول من القسم الأول، فالظاهر الاتفاق على وجوب تعيينه
بالقيد المأخوذ فيه، إذ بدون ملاحظة القيد لا يقع امتثالا لشئ من الأمرين
لأن الموضوع في كل منهما عنوان مقيد.

(1) كذا في " أ " و " ب " ومصححة " ح " و " ج "، وفي " ع ": " هذا ".
28

هذا، مضافا إلى ما سيجئ في القسم الثاني، وهو ما إذا لم يكن الفرد
الآخر مأمورا به بالفعل، كما إذا لم يكن عليه إلا صلاة الظهر، فإن الظاهر
فيه أيضا عدم كفاية القصد إلى مطلق الصلاة كما هو المعروف، ولم ينقل فيه
خلاف حتى من العامة، لأن مطلق الصلاة ليس موضوعا للوجوب، لأنها
قد تقع مندوبة ولو بالنسبة إلى غير هذا المكلف أو بالنسبة إليه في غير هذا
الوقت، فالوجوب حقيقة معلق بالصلاة المقيدة التي هي المشتملة على
المصلحة الوجوبية دون غيرها، فهي المأمور بها وهي التي تدعو الغاية
الحاصلة من فعل المأمور به إلى فعلها دون فعل مطلق الصلاة.
ومما ذكرنا يندفع توهم أن المحوج إلى قصد القيد هو اشتراك
العنوان بين فردين مأمور بهما فعلا ليتميز امتثال أحد الأمرين عن الآخر
كما في القسم الأول، أما إذا لم يكن عليه إلا صلاة واحدة فلا حاجة
إلى المميز.
وحاصل الدفع: أن المحوج إلى المميز هو لزوم تصور الفعل على الوجه
الذي صار متعلقا للأمر، إذ تصوره وقصده على غير ذلك الوجه لا يصح
معه كون الداعي إلى فعله هو القرب.
هذا، ولكن لا يخفى عليك أن ما استند إليه في اعتبار التعيين في هذا
القسم وسابقه إنما يثبت لزوم إحضار القيد المأخوذ في العنوان إذا لم يعين
موضوع الأمر بوجه آخر، [أما لو تميز بوجه آخر] (1) كما لو كان الاشتراك
في القسم الأول بين واجب ومستحب فقصد إلى الصلاة الواجبة، أو قصد في
القسم الثاني ما وجب عليه بالفعل، مع عدم الالتفات في القسمين إلى كونه

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في " ع ".
29

ظهرا أو مع الجهل به والتردد بينه وبين غيره، أغنى ذلك عن استحضار قيد
الظهرية.
قال في الذكرى: لو نوى فريضة الوقت أجزأ عن نية الظهر أو العصر
[مثلا] (1) لحصول التعيين [به] (2)، إذ لا مشارك لها.
هذا إذا كان في الوقت المختص، أما في المشترك فيحتمل المنع،
لاشتراك الوقت [بين الفرضين] (3) ووجه الإجزاء أن قضية الترتيب تجعل
هذا الوقت (4) مختصا بالأول ولو صلى الظهر ثم نوى بعدها (5) فريضة الوقت
أجزأ وإن كان في المشترك (6)، انتهى.
وأما القسم الثالث: وهو ما لم يكن القيد المأخوذ واقعا في موضوع
الأمر مذكورا مع عنوان المأمور به، كما إذا أمر وجوبا بصلاة ركعتين، فيجب
أن يعلم أولا أنه لا يتصور فيه إلا القسم الثاني من القسمين المتصورين في
القسم الأول، لأن اشتغال الذمة في زمان واحد بفعلين مختلفين في نظر الآمر
متحدين في جميع الخصوصيات المذكورة في الخطاب المتوجه بكل منهما غير
صحيح، بأن يقول: " صم يوما " ويقول أيضا: " صم يوما " لأنهما إن كانا
على وجه الوجوب رجعا إلى قوله: " صم يومين " فلا اختلاف في

(1) من المصدر ومصححة " ع ".
(2) من " ع ".
(3) من المصدر ومصححة " ع ".
(4) في غير " ع ": " يجعل الوقت ".
(5) " بعدها " من " ع ".
(6) الذكرى: 177.
30

موضوعهما حتى يحتاج كل منهما إلى قصد مميزه، وإن كان أحدهما على وجه
الوجوب والآخر على وجه الاستحباب، فإن كانا مما لا يوجدان إلا تدريجا
كان الموجود أولا واجبا والآخر مندوبا، ففي كل زمان لا يوجد إلا تكليف
واحد فلا اشتراك للصوم فعلا بين الواجب والمندوب، لأن طبيعة صوم اليوم
إذا فرضت مطلوبة على وجه لا يرضى بتركه فالمنطبق عليها ليس إلا الفرد
الواقع أولا، أما الواقع ثانيا فهو مرضي الترك قطعا.
ولو فرض الفعلان المختلفان بالوجوب والاستحباب مما يمكن إيجادهما
دفعة، كإعطاء درهم [وإعطاء درهم] (1) آخر، رجع الأمر إلى كون (2) إعطاء
الواحد لا بشرط الزيادة واجبا وإعطاء الواحد بشرط الزيادة أفضل
أفراده، فيصير كصورة التدريج في اختصاص الزمان الأول بالوجوب والثاني
بالاستحباب.
فتحصل مما ذكرنا: أن اشتراك الفعل في هذا القسم بين الفردين
المختلفين اشتراك بالقوة دون الفعل، ومنه يظهر أن وصفي الوجوب والندب
لا يقع الحاجة إليهما في صورة (3) اشتراك ما في ذمة المكلف فعلا بين الواجب
والمندوب، لما عرفت أن الاشتراك الفعلي إنما يكون مع تقيد عنوان كل منهما
أو أحدهما في الأدلة الشرعية بقيد، ومعه يكفي ملاحظة القيد في التميز عن
ملاحظة الوجوب والندب، كما يكفي ملاحظتهما عن ملاحظة القيد كما عرفت
فيما تقدم، فالحاجة إليهما إنما هي مع اشتراك العبادة بحسب قابليتها في نفسها

(1) من غير " ع ".
(2) في " ج " و " ح ": " كونه ".
(3) لم ترد " صورة " في " ع ".
31

ولو مع قطع النظر عن هذا المكلف أو هذا الوقت بين فردين.
والمشهور اعتبارهما، بل ظاهر الفاضلين في المعتبر والتذكرة عدم
الخلاف فيه إلا من بعض العامة، حيث حكى في المعتبر عن ابن أبي
هريرة (1) خاصة: أن نية الظهر تكفي عن نية الفرضية (2) مستندا إلى أن الظهر
لا يكون إلا فرضا، ثم رده بأن جنس الفعل لا يستلزم وجوهه إلا بالنية
وكل ما أمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد
الوجوه إلى النية، فينوي الظهر ليتميز عن بقية الصلوات، والفرضية (3) ليتميز
عن إيقاعه ندبا كمن صلى منفردا ثم أدرك الجماعة، وكونها أداء ليتميز عن
القضاء (4)، انتهى.
وقد سبقه إلى اعتبار الفرضية في صلاة الظهر للتميز عن المعادة ندبا
مع الجماعة في المبسوط (5). وفي التذكرة: أما الفرضية والندبية فلا بد من
التعرض لهما عندنا، لأن الظهر تقع على وجهي الفرض والندب كصلاة الصبي
ومن أعادها للجماعة فلا يتخصص لأحدهما إلا بالقصد، ثم حكى عن أبي
حنيفة وابن أبي هريرة أنه يكفي صلاة الظهر عن الفرض لأن الظهر
لا تكون إلا واجبة قال وتقدم بطلانه (6)، انتهى.

(1) كذا في المصدر، وفي النسخ: " ابن هريرة ".
(2) في " ح " و " ع ": " الفريضة ".
(3) في " ع ": " الفريضة ".
(4) المعتبر 2: 149.
(5) المبسوط 1: 101.
(6) التذكرة 3: 101.
32

لكن هؤلاء الأساطين اكتفوا في المبسوط (1) والشرائع (2) والتحرير (3)
بكفاية القربة في صوم رمضان، وغاية توجيه ما ذكروه من لزوم التميز عن
الفرد المغاير له في الوجه - وإن لم يكن ذلك في ذمة المكلف - ما أشرنا إليه
في أول المسألة: أنه يجب أن يتصور المكلف متعلق الأمر حتى يكون الداعي
له هو القرب الحاصل من فعل المأمور به، ومن المعلوم أن تصور صلاة الظهر
من حيث هي ليس تصورا للمأمور به، بل هي مشترك‍ [- ة] بين ما هو
واجب في نظر الشارع كما بالنسبة إلى المكلف الذي لم يصل وما هو مندوب
كالصبي المميز ومن صلى منفردا فأدرك الجماعة، ومن المعلوم أن اختلاف
الأفراد في الوجوب والندب لا يكون إلا لخصوصية موجودة في إحداهما
مفقودة في الأخرى، فالموضوع للوجوب هي صلاة الظهر مع تلك
الخصوصية، ولما لم تكن معلومة بالتفصيل للمكلف وكان وصف الوجوب
معرفا لها كاشفا عنها وجب القصد إلى الفعل المتصف بوصف الوجوب، نعم
لو لم يلتفت المكلف إلى اشتراك الفعل بحسب القابلية بين الواجب وغيره أو
اعتقد عدمه أو شك فيه، واستكشف من ظاهر الأمر الموجه إليه أن الواجب
هو عنوان المأمور به كفى قصد العنوان، لأنه الموضوع في زعم المكلف.
ومما ذكرنا يظهر ما في كلام شارح الروضة حيث قال - بعد منع أن
الوجوب والندب من وجوه الفعل وإنما هما من وجوه الأمر (4)، في رد

(1) المبسوط 1: 276.
(2) الشرائع 1: 187.
(3) التحرير: 76.
(4) في غير " ع " هنا زيادة: " قال ".
33

الاستدلال على وجوب قصد الوجه، بوجوب إيقاع الفعل على وجهه -: أنه
إن أريد وجوب إيقاع الفعل على وجوهه وصفاته وخواصه التي تعلق الأمر
بالفعل مقيدا بها فهو مسلم لكن الوجوب والندب ليسا من ذلك، وإن أريد
إيقاعه على وجوه الأمر فغير مسلم بل لا محصل له (1).
توضيح ما في هذا الكلام: أن الوجوب والندب معرفان لتلك (2)
الخصوصيات كما أوضحنا، لا من نفس تلك القيود.
فإن قلت: ما يتصوره المكلف من مطلق صلاة الظهر مختصة بالواجبة
بملاحظة هذا الفاعل الخاص والزمان الخاص، فالخصوصيات المشخصة
لمتعلق الأمر المميزة له عن متعلق الندب موجودة فيه، فهي ممتازة في نفسها.
قلت: تصور المكلف الفعل من حيث صدوره عن خصوص الفاعل
وفي خصوص ذلك الزمان تصور له بعنوان وصف الوجوب، لأن ملاحظة
خصوص صنف الفاعل ككونه بالغا غير مؤد للفرض إنما هو من أدلة
وجوب الفعل على البالغ وندبه على غيره فهو مسبوق بملاحظة وجوب الفعل
أو ندبه، ولو لم يتصوره من حيث صدوره عن خصوص الفاعل لم يتصور
الموضوع.
هذا، ولكنك خبير بأن غاية ما ثبت من هذا الوجه - مضافا إلى
انتقاضه بصوم اليوم الذي هو من رمضان الذي عرفت اكتفاءهم فيه بمجرد
القربة، مع أنه يقع أيضا مستحبا من الصبي والشاك في الهلال، وحراما من
الحائض والمسافر - وجوب القصد إلى العنوان المذكور في الخطاب بوصف

(1) المناهج السوية (مخطوط)، الورقة 142.
(2) العبارة في غير " ع " هكذا: " معرفان لتلك الفرض والخصوصيات ".
34

أنه مطلوب بهذا الطلب الشخصي، ليكون قصد هذا الوصف المعرف
للخصوصيات المأخوذة في وجوبه (1) المميزة له عن الفرد المستحب بمنزلة
قصدها، أما توصيفه بخصوص الوجوب أو الندب فلا. بل لو قصد خصوص
أحدهما بحضور جنس الطلب لكون المكلف عالما بالوجه التفصيلي ذاكرا له
فهو، وإلا كفى في إحراز موضوع المأمور به توصيفه بالطلب الشخصي
الموجود واقعا، وهذا المقدار لا يفي بما ادعوه في هذا المقام من وجوب
استحضار وصف الوجوب أو الندب ولو لم يحضر إلا بإعمال روية ووجوب
استعلامه بالاجتهاد أو التقليد كما صرح به العلامة قدس سره في غير واحد من
كتبه (2)، وهو ظاهر غيره ممن أطلق وجوب قصد الوجه الظاهر في وجوبه
المطلق المستلزم لوجوب معرفته من باب المقدمة، بل صرحوا بوجوب الجزم
في جميع مشخصات النية فلا يجزي التردد بين الواجب والندب.
ومما ذكرنا يظهر أنه لو نوى الوجوب في المندوب جهلا وبالعكس
صح العمل، لأن المقصود الأصلي إتيان الفعل من حيث إنه مطلوب للمولى
بالطلب الثابت له واقعا إلا أنه اعتقد ذلك الطلب على خلاف ما هو عليه
فهو كمن قصد الاقتداء بالشخص الحاضر من حيث هو حاضر إلا أنه
اعتقده زيدا فبان عمروا.
وأولى بالصحة ما لو نوى الندب مع الشك في دخول الوقت
والوجوب مع الشك في خروجه لأجل الاستصحاب فبان الخلاف، لوجود

(1) كذا في " ع "، وفي غيره: " وضوئه ".
(2) القواعد 1: 269، ولم نعثر عليه في سائر كتبه. نعم، استحضار أصل الوجوب
والندب موجود فيها.
35

الأمر الشرعي في الظاهر، بخلاف الصورة السابقة.
وصرح في التذكرة بوجوب الإعادة مع التمكن من تحصيل الظن، وكذا
لو نوى الوجوب أو الندب في الثاني عملا بالظن وظهر الخطأ، فصرح
بالإعادة مع التمكن (1) من العلم [ولعلهما مبنيان على عدم جواز الاعتماد على
الاستصحاب مع التمكن من الظن، وعدم جواز العمل بالظن مع التمكن من
العلم] (2).
والأخير حسن، والأول محل تأمل، وغاية ما يوجه: أن جواز العمل
بالاستصحاب لا ينافي الإعادة لتقصيره في الفحص، كما في الصائم
المستصحب الليل، وفيه ما فيه.
هذا مع الجهل بالحكم، أما لو تعمد (3) نية الخلاف فالأولى البطلان لكونه
تشريعا.
وما عن المحقق قدس سره من أن الإخلال بنية الوجوب ليس مؤثرا في
بطلان الوضوء ولا إضافتها مضرة، وما يقوله المتكلمون: من أن الإرادة
تؤثر في حسن الفعل وقبحه، فإذا نوى الوجوب والوضوء مندوب فقد قصد
إيقاع الفعل على غير وجهه، كلام شعري، ولو كان له حقيقة لكان الناوي
مخطئا في نيته ولم يكن النية مخرجة للوضوء عن التقرب (4)، انتهى، فكأنه
محمول على غير صورة التعمد، وتوجيهه على ما ذكرنا من أن حقيقة القصد

(1) التذكرة 1: 149.
(2) ما بين المعقوفتين من غير " ع ".
(3) كذا في " ب " ومصححة " ع "، وفي سائر النسخ: " تعمدا ".
(4) المسائل الطبرية (الرسائل التسع): 317، المسألة الخامسة عشرة.
36

تعلق بموافقة الطلب الشخصي المتعلق بالفعل، قال شارح الروضة - بعد
حكاية هذا عنه -: إن كلامه في غاية السقوط، إذ من أوضح الأشياء أن نية
الوجوب فيما ندب الله إليه وعكسها مناقضة ومعارضة له تعالى فكيف
لا تنافي القربة، ثم قال: ويجوز أن يكون مراده ما وقع سهوا أو غفلة
أو خطأ في الاجتهاد، ولي في غير الأخير تأمل (1)، انتهى.
أقول: والأمر في الأخير واضح، لأن المجتهد مأمور بالوجه الظاهري
بل هو الوجه في حقه، وتوجيهه فيما عداه على ما ذكرنا.
نعم، صرح في الذكرى بأن قصد الخلاف عمدا صحيح على عدم
اعتبار قصد الوجه (2)، فلو عدل شارح الروضة عن المحقق إليه في الاعتراض
كان أولى.
ولو علم بوجوب الوضوء مع اشتغال ذمته بواجب، وندبه بدونه، إلا
أنه اعتقد عدم الاشتغال أو نسيه فنوى الاستحباب النفسي للوضوء أو
الغيري لأجل مندوب، فإن قصده بوصف أنه مطلوب بهذا الطلب الموجود
فيه فعلا إلا أنه اعتقده ندبا لاعتقاده عدم سبب الوجوب، فهو كما تقدم في
الجهل بالحكم.
وإن قصده بعنوان ذلك المستحب لاعتقاد تحقق ذلك العنوان هنا، ففي
الصحة إشكال وإن قلنا بكفاية الوضوء المندوب للدخول في العبادة الواجبة،
من حيث إن ما نواه غير موجود والموجود غير منوي، قال في البيان:

(1) المناهج السوية (مخطوط)، الورقة: 143 عند قول الماتن: " مشتملة على قصد
الوجوب ".
(2) الذكرى: 82.
37

ولو نوى مشغول الذمة بواجب الندب، لم يجز، وكذا العكس. وقيل: يصح
العكس، لأنه يؤكد الندب (1)، انتهى.
وكلامه يحتمل الجهل بالحكم والموضوع، وكذا الإشكال فيما لو نوى
التجديد فبان واجبا إلا أن الصحة هنا لا تخلو عن بعد.
ومما ذكرنا - أيضا - يظهر أنه لو شك في الحدث بعد اليقين بالطهارة
فتوضأ احتياطا فانكشف كونه محدثا أجزأت طهارة (2)، إذ المقصود من
الاحتياط فعل ما احتمل وجوبه واقعا، فالوجوب على تقدير ثبوته واقعا
ملحوظ للمحتاط، لكن المصرح به في القواعد (3) والبيان (4) وجامع المقاصد (5)
البطلان، بناء على اعتبار نية الوجوب في الواجب.

(1) البيان: 44.
(2) كذا في النسخ.
(3) القواعد 1: 200.
(4) البيان: 44.
(5) جامع المقاصد 1: 207 و 208.
38

المقام الثاني: في اعتبار ملاحظة الوجوب والندب غاية، وهو مذهب
كثير، وفي الروضة في باب الصلاة: أنه مشهور (1)، وإن اختلفوا بين من يظهر
منه الاقتصار على أخذهما غاية كالحلبي في الكافي (2)، والعلامة في القواعد (3)،
والإرشاد (4)، وابن فهد في الموجز (5)، وبين من يظهر منه اعتبار أخذهما
وصفا مميزا وغاية كالغنية (6) والوسيلة (7) والسرائر (8) والمنتهى (9) وكل من استدل
على اعتبارهما بحصول التميز عن المندوب ووجوب إيقاع الفعل على الوجه
الذي كلف بإيقاعه عليه بناء على دلالة الوجه الأخير على لزوم اعتبار
الوجه غاية كما فهمه الشهيدان (10)، ونسبه في الذكرى في باب الصلاة إلى
المتكلمين، قال: إنهم لما أوجبوا إيقاع الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه جمعوا
بين الأمرين يعني الوصف والغاية، فينوي الظهر الواجب لكونه واجبا (11)، انتهى.

(1) الروضة البهية 1: 590.
(2) الكافي في الفقه: 132.
(3) القواعد 1: 199.
(4) الإرشاد 1: 222.
(5) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 40.
(6) استفادة أخذهما وصفا وغاية من بعض الكتب المذكورة مشكلة جدا، انظر الغنية: 54.
(7) الوسيلة: 51.
(8) السرائر 1: 98.
(9) المنتهى 2: 15.
(10) انظر الذكرى: 177، وروض الجنان: 28 و 257.
(11) الذكرى: 177.
39

والذي ينبغي أن يقال: إنه إما أن يراد من " الوجوب والندب
المجعولين غاية " الشرعيان، وهو طلب الشارع على وجه الحتم أو عدمه،
فهو راجع إلى جعل الغاية موافقة إرادة الله التي هي عين القربة المجعولة
غاية بالاتفاق، فالقربة مغنية عنه كما أنه مغن عنها، ولذا احترز في النهاية
عن إتيان الفعل لوجوبه أو ندبه أو وجههما عن الإتيان به للرياء وطلب
الثواب (1)، وحكى هذا الاحتراز في الروض (2) عن بعض تحقيقات الشهيد قدس سره
وإن تأمل فيه الحاكي.
وإما أن يراد بهما العقليان الثابتان للأفعال في أنفسها مع قطع النظر
عن أمر الشارع كما هو ظاهر إطلاقات المتكلمين مثل قولهم: إنه يشترط في
التكليف زيادة على حسن الفعل - يعني عدم الحرج - أن يكون فيه صفة،
بأن يكون واجبا أو مندوبا إن كان التكليف بفعل [و] (3) يشترط أيضا
علم المكلف بصفات الفعل لئلا يأمر باجتناب واجب أو مندوب (4) إلى غير
ذلك من موارد استعمال الوجوب والندب، وصرح به الشيخ أيضا في
مواضع من العدة، قال في إثبات النسخ ما لفظه: إن الشئ لا يجب بإيجاب
موجب وإنما يجب بصفة هو عليها تقتضي وجوب ذلك الشئ، وإنما يدل
إيجاب الحكيم على أن له صفة الوجوب لا بأن يصير واجبا بإيجاب لأن
إيجاب ما ليس له صفة الوجوب يجري في القبح مجرى إيجاب الظلم

(1) نهاية الإحكام 1: 447.
(2) روض الجنان: 28.
(3) الزيادة اقتضتها العبارة.
(4) راجع كشف المراد: 322، وشرح التجريد للقوشجي: 351، وغيرهما.
40

والقبيح... ثم أخذ في الاستدلال على كون وجه الوجوب في السمعيات
كونها ألطافا ومصالح (1)، ويظهر منه هذا أيضا في مسألة أن الأمر للوجوب
وغيرها.
وكيف كان، فلا دليل على اعتبار هذا المعنى في الغاية، كيف؟ وأكثر
العوام بل بعض الخواص يعتقدون عدم وجوب كون الفعل الواجب واجبا
عقليا، بل يكفي في التكليف حسنه، ولا يتوقف على حسن المكلف به
والذي يجب وجوده فيه هو خصوصية مرجحة لوقوعه في حيز التكليف
الابتلائي، بأن كان حسن التكليف مشروطا بتعلقه بهذا الفعل.
وبعبارة أخرى: تكون المصلحة في التكليف بهذا الفعل دون غيره.
والحاصل: أنه ليس علينا في العبادات إلا تصور الفعل بجميع قيوده
الداخلة في تعلق الأمر به والقصد إلى فعله طاعة لله، وهذا مما يحصل على
مذهب العدلية والأشاعرة المنكرين للوجوب العقلي، والزائد على ذلك
- الذي يختص تحققه بمذهب العدلية - لا دليل على اعتباره، مع أن ظاهر من
اعتبر الوجوب والندب في الغاية أنه أراد بهما الشرعيين دون العقليين، ولذا
فسر في جامع المقاصد (2) وشراح الروضة (3) وجه الوجوب والندب بما هو
سبب إيجاب الشارع أو ندبه.
نعم، استدلالهم على المطلب بما نسب إلى العدلية وصرح به بعضهم

(1) عدة الأصول: 193.
(2) جامع المقاصد 1: 202.
(3) كذا في النسخ، ولعله مصحف " شرح الروضة "، انظر المناهج السوية (مخطوط)،
الورقة 143، ذيل قول الماتن: (مشتملة على قصد الوجوب).
41

كالمحقق الطوسي: من أنه يشترط في استحقاق الثواب على الواجب
والمندوب الإتيان به لوجوبه أو ندبه أو وجههما (1) مع أن ظاهرهم إرادة
العقليين، ربما يوهم إرادة المستدلين أيضا بهما.
وعلى أي حال، فجعل الوجوب الشرعي غاية موافقة إرادة الشارع
وجعل الوجوب العقلي كذلك راجعا إلى اعتبار القربة بأحد معانيها، لم يدل
عليه دليل، وما اشتهر عن العدلية يمكن منع دلالته على اشتراط جعل
الوجوب غاية، وإن ادعاه الشهيدان في الذكرى والروض (2)، بل مرادهم
ملاحظته على جهة التوصيف، بأن يأتي بالواجب من حيث إنه واجب عقلي
ليطابق غرض الشارع، حيث إن غرضه حمل العباد على الواجبات في العقل
من حيث أنفسها كالعدل ونحوه، أو لتقربها فيما هو واجب في نفسه
كالواجبات السمعية التي اشتهر أنها لطف في الواجبات العقلية.
فالموضوع في الواجب الشرعي هو الواجب العقلي، والموضوع
للواجب العقلي هو وجهه المقتضي له، فاللطف موضوع للوجوب العقلي، فإذا
قصد المكلف بإتيانه وجه الوجوب فقد قصد الموضوع الحقيقي، وإذا قصد
الوجوب العقلي قصد ما هو لازم مساو للموضوع.
وبالجملة، فالمظنون كل الظن إرادة المتكلمين ملاحظة الوجوب
والندب العقليين أو وجههما في إتيان ما أمر به ليؤتى به على وجه عنوانه
الذي أمر به في الحقيقة، فأين هذا من جعل الوجوب الشرعي غاية كالقربة؟
حتى أنه حكى الشهيدان عن بعض الإشكال في عبارة النية وهي: " أفعل

(1) تجريد الاعتقاد: 301.
(2) الذكرى: 177، روض الجنان: 28 و 257.
42

كذا لوجوبه قربة إلى الله "، من حيث اشتمالها على غايتين بلا عاطف (1)،
فتفصى عنه بوجوه، منها: أن الوجوب غاية للفعل والقربة غاية للفعل المغيى
بالوجوب. ومنها: التزام تجويز ترك العطف في مثل ذلك كما سمع عن
بعضهم. ومنها غير ذلك.
ثم إن المراد من وجه الوجوب والندب - كما ذكره جامع المقاصد (2)
وشارح الروضة (3) - علة شرع الحكم والسبب الباعث عليه، وحكى الثاني
عن الشهيد في رسالته: أن المتكلمين فيه على أربعة أقوال، الأول: أنه
لا وجه له إلا الأمر، وهو مذهب الأشاعرة، الثاني: أنه اللطف في
الواجبات والمندوبات العقلية، الثالث: أنه الشكر، قال: وهو راجع إلى
اللطف لكنه لا في التكليف العقلي مطلقا بل في نوع منه وهو الشكر، الرابع:
أنه وجود المصلحة في الفعل والمفسدة في الترك. ثم حكى عن الشهيد في
تلك الرسالة موافقة ما في الغنية من أن الوجه في وجوب الوضوء استباحة
الصلاة (4).
والأولى أن لا يقصد من يريد قصد وجه الوجوب إلا الوجه الواقعي
المعلوم عند الله للوجوب والندب، إذ ليس على الوجوه المذكورة دليل
يطمئن. نعم، قوله تعالى: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء

(1) الذكرى: 176، روض الجنان: 257.
(2) جامع المقاصد 1: 202.
(3) المناهج السوية (مخطوط)، الورقة: 143، عند قول الماتن: (مشتملة على قصد
الوجوب).
(4) الغنية: 54.
43

والمنكر) (1) ربما يدل على تعليل الوجوب باللطف، ويؤيده قوله تعالى: (إنما
يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم
عن ذكر الله وعن الصلاة) (2).
ويمكن التفصيل بين فعل العبادات وترك المحرمات، وتوجيه الأول
باللطف والثاني بدفع المفسدة، وكأن هذا أظهر من الكتاب والسنة الواردة في
بيان علية شرع الواجبات والمحرمات.
* (و) * قد تلخص مما ذكرنا أنه لا يعتبر شئ في الوضوء على وجه
الغائية إلا * (القربة) * التي هي أعلى الغايات وأشرفها لمن يطع الله لتحصيل
الفوائد والغايات، وإلا فالإنسان الكامل لا يقصد بطاعته القربة من حيث
إنها فائدة عائدة إليه، بل الباعث له أهلية المطاع للإطاعة، فيريد التقرب
إليه لأنه محبوب عنده، فلا داعي له على الفعل إلا القيام بما يستحقه المطاع
من حيث ذاته لا من حيث إحسانه إليه.
ودونه: من يقصد بطاعته أداء بعض ما يستحقه الله عليه من الشكر،
ولا يقصد بها عود فائدة إليه، ولو أراد من شكره مزيد النعم أو دوام
الموجود خرج عن غاية الشكر.
ودونه: من يقصد مجرد الرفعة والتقرب عنده فلا شئ أحب إليه منه،
وهذا أول مراتب الطالبين بإطاعتهم تحصيل الفوائد لأنفسهم.
ودونه: من يطلب بطاعته التفصي عن البعد من الله.
وهاتان الفائدتان حاصلتان من الإغماض عن الجزاء.

(1) العنكبوت: 45.
(2) المائدة: 91.
44

ودونهما: من يطلب ما يبذل على العمل.
ودونه: من يقصد بها التقرب لدخول الجنة، لأن في تركها البعد
الموجب لدخول النار.
وحيث إن التقرب في الصورتين الأخيرتين غير مقصود لذاته بل
لأجل التوصل إلى الملاذ النفسانية أو دفع المنافرات، قيل بعدم صحة العبادة
فيهما.
قال في القواعد: أما نية الثواب والعقاب فقد قطع أكثر الأصحاب
بفساد العبادة بقصدهما (1).
وعن أجوبة المسائل المهنائية للعلامة قدس سره: اتفقت العدلية على أن
من فعل فعلا لطلب الثواب أو لخوف العقاب لا يستحق بذلك ثوابا،
والأصل في ذلك أن من فعل فعلا ليجلب نفعا أو يدفع به ضررا فإنه
لا يستحق المدح على ذلك، والآيتان المذكورتان في السؤال، أعني قوله
تعالى: (لمثل هذا فليعمل العاملون) (2) وقوله تعالى: (وفي ذلك فليتنافس
المتنافسون) (3) لا دلالة فيهما على كون غرضهم لفعله مثل ذلك (4)، انتهى.
وعن الرازي في تفسيره الكبير اتفاق المتكلمين على عدم صحة هذه
العبادة (5)، وما أبعد ما بين هذا القول وتفسير ابن زهرة للقربة بأنها طلب

(1) القواعد والفوائد 1: 77، الفائدة الثانية، وليس فيه كلمة: " أكثر ".
(2) الصافات: 61.
(3) المطففين: 26.
(4) أجوبة المسائل المهنائية: 90.
(5) التفسير الكبير 14: 134.
45

المنزلة الرفيعة [عنده بنيل ثوابه] (1) (2).
وعن الحلبي من أنه يستحب للمصلي أن يرجو بفعلها مزيد الثواب
والنجاة من العقاب (3).
وكيف كان، فهو ضعيف ولذا نسبه في الذكرى إلى توهم قوم (4)، لأن
القدر الثابت من أدلة وجوب الإطاعة والعبادة هو أن يكون الفعل لأجل
أمر الله سبحانه، وأما إيجاب الفعل بهذا الداعي فربما يكون لداع آخر، فإنه
لا يشترط في صدق الإطاعة أن لا يكون الغرض منها شيئا آخر، ويشهد
له صدق المطيع على الخدام والعبيد القائمين بالخدمة، ولا دليل على اعتبار
أزيد من ذلك.
ثم المدح على هذا النحو من الإطاعة ثابت إذا قيس هذا الشخص إلى
من لا يعتني بثواب الله ولا يبالي بعقابه، لضعف اعتقاده بهما أو لغلبة شهوته
على عقله القاطع بوجوب تحمل الكلفة العاجلة لدفع المضرة العظيمة وإن
كانت آجلة، فضلا عما لو كان في تلك الكلفة مع ذلك منفعة عظيمة آجلة.
فالإنصاف: أن من يطيع لرجاء الثواب أو لخوف العقاب أو لهما معا
يحصل له من جهة رجائه وخوفه منزلة عند الله يكون إليها معراج الراجين
والخائفين، فقد تحقق من الشخص المفروض عنوان الإطاعة وحصل له
التقرب وإن لم يكن التقرب مقصودا له بالذات، لما عرفت من أن نفس

(1) من المصدر.
(2) الغنية: 53. وقد وردت العبارة في النسخ هكذا: " عند غسل ثوبه ".
(3) الكافي في الفقه: 139.
(4) الذكرى: 79.
46

العمل راجيا أو خائفا متقرب (1) وإن كان الداعي إلى فعله هو الخوف،
فالعامل لأجل الخوف مستحق للثواب لقربه وإن لم يقصد بعمله (2) حصول
الثواب، فإن من عظم السلطان خوفا يستحق ما يستحقه الطامعون، وليس
هذا إلا لاستحقاقه المدح، ولذا مدح الله الراجين والخائفين، فما ذكره العلامة
في أجوبة المسائل من أن هذا الشخص لا يسمى جوادا (3) حق، إلا أنه
يوصف بحسن اليقين وكونه مطمئنا بما وعد الله خائفا مما أوعده غير مغرور
بملاذ الدنيا، ولا ريب في استحقاق هذا الشخص للمدح والثواب.
نعم، من خاف ولم يرد بعمله دفع الخوف ولم يرد بعمله جلب المرجو،
بل عمل لله ورجى الدفع والجلب من تفضله لا مجازاته، كان أعلى مرتبة
من ذلك.
ولا ينبغي دعواها إلا لمن ادعاها بقوله صلوات الله عليه: " ما عبدتك خوفا
من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك " (4)،
والمراد إني وإن كنت طامعا خائفا لكن لا أريد بعبادتي جلب المرجو
ولا دفع المخوف.
هذا كله مضافا إلى الآيات والأخبار الواردة في بيان ثواب الطاعات
وعقاب العاصي، والأمر بتحصيل ثواب الله ودفع العقاب، مضافا إلى
ما دل (5) على أن العبادة على ثلاثة: عبادة الأجراء، وعبادة العبيد، وعبادة

(1) كذا، والصحيح: " مقرب ".
(2) في غير " ع ": " لعمله ".
(3) أجوبة المسائل المهنائية: 90.
(4) البحار 70: 186.
(5) الوسائل 1: 45، الباب 9 من أبواب مقدمة العبادات.
47

الأحرار، وهي أفضل، فإن التفضيل يدل على صحة الأولين.
وملخص الكلام: أن الثابت من أدلة وجوب التعبد فيما ثبت كونها
عبادة هو لزوم صدق الإطاعة أو حصول غرض الشارع من الأمر بهذه
العبادات وهو القرب، والأول مستلزم للثاني، لما ذكرنا من أن المطيع يحصل
له بترجيح داعي الأمر على داعي الهوى، والاعتناء بوعد الشارع ووعيده
قرب (1) فيكفي تحقق الثاني وإن لم يصدق الأول كما فيمن يفعل الفعل لأجل
المصلحة الكافية الداعية إلى إيجاب الشارع له إذا كانت مما يتعلق بأمر
الآخرة، لأن مرجعه حينئذ إلى حصول القرب به وإن لم يصدق هنا الإطاعة
إلا أن الغرض منها حاصل. نعم، المصلحة الموجودة فيه من قبيل الخواص
الراجعة إلى الأمور الدنيوية كأن علم بالتجربة أن صلاة الليل يدر الرزق مع
قطع النظر عن أمر الشارع لم يصح (2) العمل إذا فعله لذلك. نعم، لو ترتب
ذلك الأمر الدنيوي على إطاعة الله عز وجل في مثل صلاة الحاجات التي
يتوصل بطاعة الله إليها وليس المقصود هي الحاجات نفسها، بل لو قصد
الثواب على هذا الوجه أيضا وكان الداعي على فعل العبادات مجرد الثواب
لا لأنه أمر به المولى، كان العمل فاسدا، ولعله مراد من ذكر بطلان العبادة
بقصدهما. قال في محكي النهاية في باب الصلاة: ويجب إيقاع الواجب
لوجوبه والمندوب لندبه أو لوجههما لا للرياء وطلب الثواب وغيرهما (3)،
انتهى. فيحتمل موافقة من تقدم إليهم الإشارة.

(1) لم ترد " قرب " في " ع ".
(2) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: " يصحح ".
(3) نهاية الإحكام 1: 447.
48

وما ذكرنا من إرادة الثواب يعني مطلق العوض من الله، لا من حيث
الإطاعة كالأجير على العمل، فإن الفرق بينه وبين الخادم الذي يخدم لأجل
انتظام معاشه واضح، فإن الأول يطلب العوض بإزاء العمل والثاني بإزاء
الإطاعة، ويحتمل أن يريد من الثواب العوض العائد عليه عن المخلوقين، من
حيث كونه في اعتقادهم من أهل الصلاح الذين أمر الله بصلتهم والإحسان
إليهم، فيكون تفسيرا للرياء.
ثم إن ظاهر قوله قدس سره: " لوجوبه أو لوجهه " إرادة الغاية الأصلية
التي هي القربة، ولذا احترز بها عن الرياء وطلب الثواب، ففيه تأييد
لما قدمنا في الوجوب الغائي من كونه بالمعنى الشرعي راجعا إلى قصد
القربة (1)، ولما ذكرنا من أنه يكفي عن قصد الأمر قصد الوجه الموجب
لإيجاب الشارع.
* (وهل تجب) * في الوضوء المبيح للصلاة لا مطلق الوضوء
- لعدم اعتبارهما فيه اتفاقا كما ستظهر (2) - مع ما ذكر من الوجه والقربة
* (نية رفع الحدث) * كما عن بعض كتب الشيخ (3) * (أو) * يجب نية
* (استباحة) * الصلاة أو غيرهما * (مما اشترط بالطهارة (4)) * كما هو ظاهر
اللمعة (5) تبعا للمحكي في غاية المراد عن السيد (6)، أو أحدهما كما في

(1) تقدم في الصفحة 40.
(2) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: " كما سيظهر ".
(3) راجع الرسائل العشر: 142.
(4) العبارة في الشرائع هكذا: " أو استباحة شئ مما يشترط فيه الطهارة ".
(5) اللمعة الدمشقية: 18.
(6) غاية المراد 1: 32، ولم نعثر على كلام السيد.
49

المبسوط (1) وموضع من الوسيلة (2) والسرائر مدعيا عليه إجماعنا (3)، والمعتبر (4)
وأكثر كتب العلامة (5) والشهيد (6)، وفخر الدين في رسالة النية (7) وغيرهم (8)،
أو كلاهما كما هو ظاهر الكافي (9) والغنية (10) وموضع آخر من الوسيلة (11)
وحكي عن الإصباح (12) والرازي (13) والمصري (14) والقاضي (15)، أو لا يجب
شئ منهما كما هو ظاهر النهاية (16) والمحكي عن البشرى (17)، أقوال.

(1) المبسوط 1: 19.
(2) الوسيلة: 56.
(3) السرائر 1: 105.
(4) المعتبر 1: 139.
(5) كالقواعد 1: 199، والنهاية 1: 29، والمختلف 1: 274.
(6) كالدروس 1: 90، والبيان: 43.
(7) لا توجد لدينا، وحكاه عنها السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 214.
(8) انظر جامع المقاصد 1: 201 و 202 (قاله: في ما عدا المتيمم ودائم الحدث).
(9) الكافي في الفقه: 132.
(10) الغنية: 53.
(11) الوسيلة: 51.
(12) إصباح الشيعة: 28.
(13) لم نعثر عليه.
(14) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 218.
(15) المهذب 1: 43.
(16) النهاية: 15.
(17) حكاه عنه الشهيد رحمه الله في الذكرى: 80.
50

و * (الأظهر) * منها عند المصنف قدس سره الأخير، و * (أنه لا يجب) *
شئ منهما، وعليه جماعة من متأخري المتأخرين (1)، للاتفاق على أنه لا
يجب أن ينوى في الفعل ما عدا مشخصاته وغايته ولا شئ منهما غاية له
ولا مشخصا، لأنهما أثران مترتبان على إيقاع الوضوء بقيوده المشخصة
لغاية القربة، فالرفع والإباحة من أحكام امتثال الأمر بالوضوء وإتيانه على
الوجه الذي أمر به، لا من الوجوه التي يقع الوضوء عليها حتى يجب أخذه
قيدا للفعل ليوقع الفعل المقيد به قربة إلى الله، فالوضوء المعين المأتي به قربة
إلى الله رافع للحدث ومبيح للصلاة، لا أن الوضوء المعين الرافع للحدث أو
المبيح للصلاة مأتي به قربة إلى الله، كيف؟ ولو كان الفعل المعين في نفسه
رافعا للحدث أو مبيحا للصلاة لم يشترط في صحة الوضوء قصد القربة، لأن
رفع الحدث حينئذ كرفع الخبث يكفي في سقوط الأمر مجرد وجوده في
الخارج بأي غاية كان.
ومن هنا يظهر فساد الاستدلال على اعتبار أحدهما (2) بما دل على
وجوب الوضوء من حيث كونه طهورا، مثل قوله: " إذا دخل الوقت وجب
الصلاة والطهور " (3)، فيجب قصد العنوان المأمور به، لعدم تحقق الامتثال
بدونه، بل عرفت سابقا وجوب قصد قيود العنوان، فلا بد أن يقصد إلى هذه
الأفعال بعنوان حصول الطهارة ورفع الحدث بها.

(1) كالسيد العاملي رحمه الله في المدارك 1: 189، والمحقق الخوانساري في مشارق
الشموس: 90، والمحقق النراقي في المستند 2: 63.
(2) في " ج " و " ح ": " أحدها ".
(3) الوسائل 1: 261، الباب 4 من أبواب الوضوء، الحديث الأول، وفيه: " وجب
الطهور والصلاة ".
51

توضيح الفساد: أنه لو فرض الأمر متعلقا بعنوان التطهير أعني رفع
الحدث أو استباحة الصلاة كان ذلك الأمر توصليا قطعا، إذ لا يقصد منه
عدا حصول التطهير في الخارج ولو لم يقصده ولم يشعر به، إذ بعد حصوله
على أي وجه يسقط الأمر جزما، فالمأمور به بالأمر التعبدي المدخل له في
العبادات المعتبر فيها قصد القربة هي الأفعال التي تصير سببا لحصول التطهر
في الخارج بعد إتيانها في الخارج منويا بها - بعد تعينها بجميع مشخصاتها -
التقرب إلى الله تعالى.
ونظير الأمر بالتطهر كل أمر يعنون بعنوان مترتب على عبادة، كأوامر
الإطاعة وما في معناها كقول الآمر: " أبرئ ذمتك مما عليك "، فإن هذه
كلها أوامر توصلية لم تصدر لغرض التعبد بمضمونها وإنما أريد حصول
مضمونها في الخارج.
فتحصل مما ذكرنا: أن الفعل المأمور به على جهة التعبد لم يؤخذ فيه
رفع الحدث، والذي أخذ فيه رفع الحدث لم يؤمر به على جهة العبادة.
ومن هنا أيضا يظهر ضعف ما استدل به في المعتبر (1) والمنتهى (2)
وغيرهما (3) على اعتبار الاستباحة - التي تتحقق تارة برفع المانع وهو الحدث
وأخرى برفع منعه كما في المستحاضة والسلس ونحوهما - بقوله تعالى: (إذا
قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) (4)، قالوا: إن الظاهر منه كون ذلك

(1) المعتبر 1: 139.
(2) المنتهى 2: 14.
(3) كالسيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 219 و 223.
(4) المائدة: 6.
52

لأجل الصلاة، كما يقال: " إذا لقيت الأسد فخذ سلاحك " و " إذا لقيت
الأمير فخذ أهبتك " فلا بد من إيقاع الأفعال لأجل الصلاة أي إباحتها.
وجه الضعف: أنه لا يفهم هذا التعليل في الآية كالأمثلة إلا من تعليق
وجوب الفعل على إرادة القيام إلى الصلاة، إذ لا وجه لوجوب الفعل عند
إرادة ذلك الفعل إلا توقف ذلك المراد على ذلك الفعل، لأن إرادة الشئ
لا يكون سببا لمطلوبية فعل قبله إلا لارتباط بينهما، ومن المعلوم أن الذي
يتوقف عليه الصلاة هو إيقاع هذه الأفعال المشخصة بجميع قيودها لغاية
الإخلاص، فكأنه قال - والله العالم -: إذا أردتم القيام وجب عليكم من
أجل الصلاة هذه الأفعال مع النية المشتملة على المميزات والغاية، وبعبارة
أخرى: يجب عليكم لأجل الصلاة الوضوء بجميع شرائطه (1)، لا أنه يجب
عليكم هذه الأفعال المقيدة بقيد أنها للصلاة على أن يكون قصد كونه
للصلاة من مشخصات الفعل، لأن هذا مما لا يقتضيه سببية الشرط للجزاء
ولا مقتضي لإرادته من الكلام غير قضية (2) السببية.
وأضعف من الكل الاستدلال على ذلك بقوله صلى الله عليه وآله: " إنما لكل
امرئ ما نوى " (3)، فإذا لم ينو رفع الحدث لم يقع وإلا كان له ما لم ينو.
وجه الضعف: أن معنى قوله صلى الله عليه وآله: " أن له ما نوى " أي يرجع
فائدته إليه، وفائدة هذه الأفعال المنوية هي الطهارة ورفع الحدث والفائدة
لا تحتاج إلى نية، ألا ترى أنه إذا نوى استباحة الصلاة يباح له غيرها مما
يشترط فيه الطهارة ويكمل له ما يشترط في كماله وإن لم يخطر ذلك بباله.

(1) كذا في " ب "، وفي سائر النسخ: " شرائطها ".
(2) كذا في " أ "، " ب " و " ح "، وفي سائر النسخ: " قضيته ".
(3) عوالي اللآلي 2: 11، الحديث 20.
53

بقي في نية الوضوء أمور لا بد من التنبيه عليها:
الأول
مقتضى ما ذكرنا كون الطهارة - يعني الرفع أو الاستباحة - متفرعة
على تحقق الوضوء على وجه العبادة، والمفروض أنه لا يكون عبادة إلا بعد
الأمر ليتمكن فيه قصد موافقة إرادة الشارع، ولا أمر بالوضوء لأجل
الصلاة إلا على وجه الوجوب الغيري المختص بالمقدمات، حيث إن رفع
المانع وهو الحدث أحد (1) المقدمات فتحقق الأمر الغيري يتوقف على كونه
مقدمة، ومقدميته بمعنى رفعه للمانع متوقفة على إتيانه على وجه العبادة
المتوقفة على الأمر به، فيلزم الدور.
وبعبارة أخرى: إيجاب الوضوء لأجل الصلاة يتوقف على كون
الوضوء في نفسه مقدمة لها، وهو مناف لما التزمنا من أن رفع الحدث الذي
باعتباره صار الوضوء مقدمة من أحكام الإتيان بالوضوء امتثالا للأمر،
فلا بد إما من التزام أمر آخر غير الوجوب الغيري فيكون امتثاله محصلا
لمقدمية الوضوء فيجب من حيث المقدمية بالوجوب الغيري، وإما من التزام
كون الرفع ملحوظا في الوضوء قبل الأمر الغيري فيصير منشأ له، لكن
الأول خلاف الفرض، والثاني مستلزم لعدم اعتبار القربة في الوضوء من
جهة توقف رفع الحدث عليها، بل كان رفع الحدث كرفع الخبث من لوازم
الفعل، وهو مخالف للإجماع.

(1) في " ع " زيادة: " من ".
54

ويمكن دفع الإشكال بوجهين:
أحدهما: أن الوضوء في نفسه له عنوان واقعي راجح في ذاته رافع
للحدث بشرط القصد إلى ذلك العنوان وإتيان الفعل من حيث كونه بذلك
العنوان، فهي مقدمة مع قطع النظر عن الأمر فيؤمر به أمرا غيريا، ولما كان
ذلك العنوان مجهولا لا يمكن القصد إليه وجب القصد إليه إجمالا بإتيان ذلك
الفعل لأجل إرادة الشارع، فإن إرادته وأمره به من حيث ذلك العنوان،
فالقصد إلى موافقة أمر الشارع قصد إجمالي إلى ذلك العنوان.
وأما حصول التقرب للفاعل فباعتبار رجحانه الذاتي الذي لولا
الوجوب الغيري لكان مستحبا نفسيا، بل هو كذلك مع الوجوب الغيري
عند بعض (1).
والقول بأن الوجوب الغيري لا يصير منشأ للتقرب، والاستحباب
فعلا غير موجود حتى يتقرب بامتثاله، لأن المفروض إيقاع الفعل لوجوبه.
مدفوع بمنع عدم حصول التقرب بالواجب الغيري إذا كان في نفسه
عبادة مطلوبة ندبا، نظير الصوم الذي يجب مقدمة للاعتكاف المنذور، غاية
الأمر عدم زيادة ثوابه لأجل هذا الوجوب، فإنه لا يوجب الثواب
ولا يزيله، لكن يبقى الإشكال في التيمم بناء على عدم رجحانه في نفسه
فلا منشأ لحصول التقرب فيه، فتأمل.
الثاني: أن الفعل في نفسه ليست مقدمة فعلية وإنما هو يصير مقدمة إذا
أتي به على وجه العبادة، فإذا أراد الشارع الصلاة المتوقفة على تلك المقدمة
الموقوفة مقدميتها على الأمر وجب الأمر به مع نصب الدلالة على وجوب

(1) لم نعثر عليه.
55

الإتيان به على وجه العبادة، بناء على أن وجوب قصد التعبد في الأوامر إنما
فهم من الخارج لا من نفس الأمر، فهذا الأمر محقق لمقدميته مغن عن أمر
آخر به بعد صيرورته مقدمة، والمسألة محتاجة إلى التأمل.
[الأمر] الثاني
حكى في الحدائق عن بعض متأخري المتأخرين: أن من ليس من
نيته فعل الصلاة بعد الوضوء لا يجوز له الوضوء ولو فعله كان باطلا بل
لو كان من نيته فعل الصلاة ولم يفعلها تبين بطلانه (1)، انتهى.
أقول: الكلام هنا في مقامات:
الأول: جواز الوضوء بنية الوجوب وعدمه لمن لم يرد فعل الفريضة.
الثاني: جواز الوضوء له مطلقا.
الثالث: أنه لو نواها ولم يفعلها، فهل ينكشف بذلك بطلان الوضوء، أم لا؟
أما المقام الأول:
فصريح كلام جماعة عدم الاعتبار، منهم العلامة في جملة من كتبه
كالتذكرة (2) والمنتهى (3) والنهاية (4) والقواعد (5)، حيث ذكر: أن من ليس عليه

(1) الحدائق 2: 218.
(2) التذكرة 1: 148 و 149.
(3) المنتهى 2: 20.
(4) النهاية 1: 32.
(5) القواعد 1: 201.
56

واجب فنوى بالوضوء الوجوب وصلى به أعاد الصلاة، فإن تعددتا يعني
الصلاة والطهارة مع تخلل الحدث أعاد الأولى، انتهى.
فإن صحة نية الوجوب من دون التفات إلى اشتغال ذمته بواجب
تقتضي صحته مع الالتفات وإن لم يرد الفعل بطريق أولى، وقد حكي هذا
عن ولده فخر الدين قدس سره، بل قيل: إنه هو الذي نبه والده على ذلك بعد
أن أفتى بوجوب إعادة الكل (1).
نعم، ناقشها جامع المقاصد وغيره (2) في صحة نية الوجوب مع عدم
اعتقاده بل اعتقاده عدمه، لكن هذا أجنبي عما نحن فيه.
وهو أيضا صريح الذكرى، قال فيها: من عليه موجب ينوي الوجوب
في طهارته ما دام كذلك فلو نوى الندب عمدا أو غلطا بنى على اعتبار
الوجه، والحدث يرتفع وإن لم يقصد فعل ما عليه من الواجب، لأن وجوب
الوضوء مستقر هنا عند سببه (3)، انتهى.
بل هو ظاهر الشهيد الثاني (4) وجماعة ممن تأخر عنه (5)، بل نسب إلى
المشهور (6) من أن الوضوء في وقت اشتغال الذمة بالواجب لا يكون

(1) حكاه الوحيد البهبهاني قدس سره على ما نقله عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة
1: 233.
(2) جامع المقاصد 1: 211، كشف اللثام 1: 67.
(3) الذكرى: 82.
(4) روض الجنان: 28.
(5) منهم السيد العاملي في المدارك 1: 188، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 23.
(6) الناسب هو المحقق الخوانساري في حاشية الروضة: 30.
57

إلا واجبا، وعلل ذلك كاشف اللثام بأنه لما اشتغلت ذمته بواجب مشروط
[بالطهارة] (1) وجب عليه وإن كانت موسعة، فكيف ينوي بها الندب؟ وإن
كان يقصد إيقاع ندب مشروط [بها، وبعبارة أخرى: كيف ينوي من وجب
عليه الوضوء ورفع حدثه أنه يتوضأ ندبا وإن قصد فعل ما يكفيه الوضوء
المندوب؟] (2) فإن معنى الندب أنه لا يجب عليه مع أنه وجب، وليس هذا
كمن عليه صلاة واجبة (3) فيصلي ندبا إن جوزناه، لتنافي (4) الصلاتين (5)،
انتهى.
لكن يحتمل أن يريدوا من هذا الكلام مجرد عدم ندب الوضوء في حق
من اشتغلت ذمته بواجب مشروط به، لا جواز نية الوجوب وإن لم يرد
الإتيان بذلك المشروط، فلعلهم مانعون من الوضوء مطلقا لمن لم يرد فعل
الواجب، كما هو ظاهر ما حكاه صاحب الحدائق فيما تقدم (6)، فتأمل.
وممن صرح بعدم اعتبار قصد الصلاة في صحة فعل الوضوء الواجب
صاحب الحدائق إلا أن بعض كلامه ربما يشعر بأنه أخطأ محل الكلام، فإنه
بعد ما حكى عن بعض أن من لم يكن من نيته فعل الصلاة بعد الوضوء
لم يجز له الوضوء ولو فعله كان باطلا، وحكى عن الأصحاب ما يناسب

(1) من المصدر.
(2) ما بين المعقوفتين من " ع ".
(3) العبارة في غير " ع " هكذا: " كمن عليه واجب ".
(4) في نسخة بدل " ع ": " تباين "، وفي المصدر: " لتباين ".
(5) كشف اللثام 1: 66.
(6) تقدم في الصفحة 56.
58

هذا القول وما ينافيه، و (1) نسب هذا القول إلى الضعف والقصور مستندا إلى
عدم الدليل عليه، قال: لا يخفى أن الواجب هو الوضوء والصلاة، والإتيان
بأحد الواجبين وإن لم يأت بالآخر بعده غير مضر بصحته، فمن أين لا يجوز
له الوضوء وهو مخاطب به وواجب عليه؟ غايته أنه يجب عليه الصلاة معه
ولكن وجوب الصلاة موسع عليه، وحينئذ فلو توضأ أول الوقت لأجل
الصلاة في آخره فلا مانع من صحته (2)، انتهى.
ولا يخفى أنه لم ينكر أحد صحة الوضوء في أول الوقت لأجل أن
يصلي في آخره ولا يقبل الإنكار، وإنما الكلام في أن من لم يرد الصلاة
إلا بوضوء آخر بعد نقض هذا الوضوء، كمن أراد الوضوء في أول الوقت
لقراءة القرآن وهو قاصد إلى النوم بعد القراءة ثم القيام إلى الصلاة، فإن
الامتثال بالواجب الغيري والإتيان به لأجل أمر (3) الشارع توصلا إلى إباحة
الصلاة مع عدم قصد التوصل به إلى الغير بل لغرض آخر لا يعد إطاعة
وموافقة لذلك الأمر، ولا يصلح لأن يكون هذا الفعل إطاعة لذلك الأمر
الغيري، ألا ترى أنه إذا أمر المولى بتحصيل المال لأجل شراء اللحم
الواجب عليه فحصل العبد المال لغرض آخر لا دخل له بشراء اللحم لم يعد
تحصيله هذا بداعي أمر المولى ولم يمكن أن ينبعث عنه، وهذا ما قويناه أولا
وإن كان مؤداه مغايرا لإطلاق ما تقدم حكايته في كلام صاحب الحدائق،
كما لا يخلو عن قوة.

(1) " الواو " من " ع ".
(2) الحدائق 2: 218.
(3) كلمة " أمر " من " ع ".
59

إلا أن يقال بملاحظة ما ذكرنا سابقا: إن قصد التقرب في الوضوء إنما
هو باعتبار رجحانه الذاتي لا باعتبار وجوبه المقدمي، فإذا لم يكن هذا
الوجوب داعيا إليه لم يقدح ذلك في صحته واتصافه بالوجوب.
نعم، الوجوب يكون ملحوظا فيه على وجه التوصيف لا العلة الغائية،
فتأمل، فما ذكر الأكثر كما عرفت لا يخلو عن وجه.
وربما استظهر بعض من عاصرناه (1) من كلمات الأصحاب في تقسيم
الوضوء إلى واجب ومندوب، وجعل الواجب ما كان لصلاة واجبة
أو طواف واجب - كما في عبارة الشرائع والجعفرية (2) - أو الوضوء للصلاة
أو الطواف المفروضين - كما في عبارة الجامع (3) - أو الذي يؤدى به صلاة (4)
مفروضة، - كما في عبارة المراسم (5) -: أن مجرد وجوب الغاية لا يؤثر في
كون الوضوء المأتي به واجبا ولو لم يوجد لأجل تلك الغاية، بل الواجب
ما وجد لأجل الغاية الواقعة، لكن الظاهر أن قوله في الشرائع: " ما كان
للصلاة " أي ما ثبت في الشريعة لأجل الصلاة، وبهذا الاعتبار يكون واجبا
للغير لا ما تحقق في الخارج من المكلف لأجل الصلاة.
ويدل على ذلك: إطلاق قول كلا المحققين فيما بعد: ويجب الغسل إذا
بقي من طلوع الفجر من يوم يجب صومه بقدر ما يغتسل الجنب ولصوم

(1) لم نعثر عليه.
(2) الشرائع 1: 11، والرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 81.
(3) الجامع للشرائع: 31.
(4) في النسخ: " يؤدى بصلاة "، والصواب ما أثبتناه.
(5) المراسم: 31، وفيه: " فما يؤدى به الواجب فهو واجب ".
60

المستحاضة (1) حيث لم يقيداه بصورة إرادة الجنب والمستحاضة صوم ذلك
اليوم.
هذا، مع أن جعل الواجب من الوضوء والغسل هو الفرد الموجود في
الخارج المنوي به الصلاة لا ينفك عن القول بوجوب نية استباحة الصلاة،
والحال أن المحقق في الشرائع قائل بعدم وجوب الاستباحة ولا رفع الحدث
في الوضوء الواجب (2).
وأما عبارة الجامع، فلم تحضرني حتى أنظر فيما قبلها وما بعدها.
وأما عبارة المراسم، ففيها مسامحة واضحة، لأن ما يؤدى به الواجب
قد يكون واجبا وقد لا يكون، وكذلك ما يؤدى به المندوب.
مع أن ظاهر هذه الكلمات معارضة بظهور أكثر كلماتهم في أن وجوب
الوضوء لأجل الصلاة، وبذلك يكون واجبا للغير، ففي المبسوط بعد التقسيم:
فالواجب هو الذي يجب لاستباحة (3) الصلاة أو الطواف [و] (4) لا وجه لوجوبه
إلا هذين (5)، ونحوها عبارة السرائر (6)، وهما صريحان في أن الصلاة غاية
لوجوب الوضوء لا أن الوجوب يعرض للوضوء المأتي به لأجل الصلاة،

(1) الشرائع 1: 11، والرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 81، والعبارة
للأول.
(2) الشرائع 1: 20.
(3) في " ع ": " لاستباحته ".
(4) من المصدر.
(5) المبسوط 1: 4.
(6) السرائر 1: 57.
61

فقولهما: " هو الذي... الخ " حصر للواجب في قسمين باعتبار غاية
الوجوب.
ونحوهما في جعل الغاية غاية للوجوب عبارات العلامة في كتبه
كالقواعد والتحرير والنهاية والإرشاد (1).
وقد أطال المعاصر المتقدم قدس الله روحه (2) في حمل عبارتي المبسوط
والسرائر وما وافقهما على مطلبه بما لا يخلو عن نظر ومنع، مضافا إلى
ما تقدم (3) في عبارة الشرائع من أن اللازم من جعل الواجب هو الفرد
المأتي به لأجل الصلاة هو اعتبار نية الاستباحة في الوضوء الواجب
فما لم يرد به الصلاة لا يكون واجبا مأمورا به، مع أن الشيخ (4) والحلي (5)
وصاحب الجامع (6) والعلامة (7) لا يتعين عندهم في الوضوء واجبا كان
أو مندوبا قصد الاستباحة، بل يكتفون عنه برفع الحدث، فتأمل.
وأما المقام الثاني:
فاعلم أن بعض متأخري المتأخرين جوز الوضوء بنية الندب في وقت

(1) القواعد 1: 177، التحرير 1: 4، نهاية الإحكام 1: 19، الإرشاد 1: 220.
(2) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة 60.
(3) في الصفحة 60.
(4) المبسوط 1: 19.
(5) السرائر 1: 105.
(6) الجامع للشرائع: 35.
(7) نهاية الإحكام 1: 29.
62

وجوب المشروط به (1)، ولكن ظاهر كلمات أكثر من تقدم أنه لا يجوز
الوضوء بنية الندب لمن عليه وضوء واجب وإن لم يقصد إلا غاية يستحب
لها الطهارة، ولازم ذلك أن مثل هذا يقصد الوجوب ويشكل حينئذ بناء
على اعتبار الوجوب غاية، حيث إن الداعي ليس وجوب الوضوء، بل هو
جهة الندب الموجودة، إلا أن يلتزم بأن هذا الذي لا يقصد الإتيان
بالواجب المشروط بالطهارة لا يشرع له الوضوء، لأن الإتيان بغاية الندب
غير صحيح لعدم الندب، والإتيان به لوجوبه خلاف مقصود الفاعل،
فالوضوء المندوب عندهم بمنزلة صلاة النافلة لمن عليه فريضة ولا يريد
الاتيان بها على القول بحرمة التنفل.
نعم، لو اعتقد وجوبه لغاية مندوبة كالتأهب أو لنفسه فصادف وجوبه
الواقعي لاشتغال ذمته بغايته وقع منه الوجوب في محلها كما تقدم من
الجماعة، أو بمنع اعتبار نية الوجه إلا على وجه التوصيف بأن يقصد إتيان
هذا الوضوء الواجب عليه لأجل غاية لا يوقعها لها لكن يوقعها لغاية
الندب ولا يظن بهم التزامه.
وأما على ما استوجهناه من عدم جواز نية الوجوب إلا عند إرادة
الواجب المشروط، ففي جواز إيقاع الوضوء بنية الندب وجهان مبنيان على
جواز اجتماع الوجوب والاستحباب الفعليين في الشئ الواحد.
والأقوى: المنع منه وإن جوزناه في غير المقام، نظرا إلى وحدة حقيقة
الوضوء الواجب والمستحب، ولذا لا يجوز الإتيان بأحدهما عقيب الآخر

(1) يفهم هذا من كلام سلطان العلماء عند قول الشارح: " لأنه في وقت العبادة
الواجبة المشروطة به... "، انظر حاشية سلطان العلماء على الروضة البهية: 6.
63

بناء على أن الوضوء المندوب رافع الحدث، فكأن ماهية رفع الحدث اجتمع
فيها جهتا الوجوب والندب، نظير اجتماعهما في قتل زيد مثلا وغيره من
الأمور الغير القابلة للتكرار.
نعم، لو فرضنا المندوب غير رافع كالوضوء للنوم، بل مطلق الوضوء
المندوب لغاية غير مشروطة برفع الحدث على القول بعدم جواز الدخول به
في العبادة، جاز اتصافه بالندب، لأنه فرد مغاير للفرد الواجب، فيصير من
قبيل صلاة النافلة في وقت الفريضة على القول بجوازها.
ومن هنا يتجه ابتناء ما ذكروه من عدم كون الوضوء في وقت
الواجب المشروط به إلا واجبا، على اتحاد حقيقة الواجب والمندوب حتى
يمتنع اتصافه بهما معا، وليس تعدد عنوانه من حيث كونها مقدمة لواجب
ومقدمة لمستحب مجوزا لذلك، لأن المفروض عدم تفاوت العنوانين، فهما
عنوانان لشخص واحد.
وعلى ما ذكرنا من عدم كونه مندوبا بالفعل، فهل يجوز الإتيان به لمن
لا يريد غاية الوجوب موافقة لجهة ندبه الموجودة فيه بالفعل وإن لم يكن
الندب موجودا، أو لا، فلا يشرع الوضوء لهذا الشخص لعدم قصده الواجب
المصحح لإتيانه على وجه الوجوب وعدم استحبابه فعلا ليصح الإتيان به
على وجه الندب؟
الأقوى: الأول، إذ القدر اللازم في الامتثال الموجب لاستحقاقه
الثواب ملاحظة جهة الطلب الموجودة في الفعل وإن كان نفس الطلب
المتفصل بتجويز الترك مفقودا لوجود الجهة المانعة من الترك، فإن فقده على
هذا الوجه لا ينافي كون ملاحظته منشأ لاستحقاق الثواب كما هو واضح
بملاحظة طريقة العقلاء في مثل المقام، فراجع، وهذا الوضوء له حكم
64

المندوب وإن كان واجبا، لانطباقه على ما أمر به وجوبا وليس من باب
إسقاط الواجب بالمستحب.
ولنشر إلى بعض ما وجدنا من كلمات المتأخرين من المانعين لما تقدم
عن الشهيد الثاني وغيره، بل نسب إلى المشهور من أن الوضوء لا يكون في
وقت العبادة المشروطة به إلا واجبا (1).
فمنهم: صاحب المدارك على ما حكي عنه، حيث إنه نسبه (2) إلى
المتأخرين، قال: ولم يقم دليل على ذلك عندنا (3).
ومنهم: المحقق المدقق السلطان في حاشية الروضة، حيث ذكر عند
قول الشهيد: " لأنه في وقت العبادة الواجبة لا يكون إلا واجبا " ما لفظه:
فيه نظر، لأنا لا نسلم أنه لا يكون في وقت العبادة الواجبة إلا الوضوء
الواجب لأن الوضوء في كل وقت مستحب (4)، انتهى.
وحكي عنه في حاشية أخرى أنه قال: إن الظاهر بناء (5) ما ذكره
الشارح على مذهب من يقول: إن في وقت العبادة الواجبة لا يصح الإتيان
بالمستحب (6)، انتهى.

(1) تقدم المطلب بتمامه في الصفحة 57 - 58، فراجع.
(2) في " أ "، " ب "، " ج " و " ح " زيادة: " ذلك ".
(3) المدارك 1: 188.
(4) حاشية سلطان العلماء على الروضة البهية: 6 - 7.
(5) في النسخ زيادة " على "، ولعلها سهو من النساخ.
(6) حاشية سلطان العلماء على الروضة البهية: 6، (ذيل قول الشارح: إلا أنه لا
اشتراك في الوضوء حتى في الوجوب والندب).
65

واعترض جمال الدين في حاشية الروضة بأن هذا التحقيق ذكره
الشارح وغيره في خصوص الوضوء ولو جعل بناءه على ما ذكره
فلا اختصاص له بالوضوء (1)، انتهى.
وقال بعد حكاية الحاشية الأولى عن السلطان: ولا يخفى ما فيه، لأنه
إذا وجب عليه الوضوء لوجوب الصلاة فكيف يكون مستحبا؟ ولعل مراده
أن للوضوء في كل وقت غاية يستحب الوضوء لها كالكون على الطهارة
فحينئذ يجوز للمكلف الإتيان بالوضوء المندوب لها وإن وجب أيضا عليه
لغاية أخرى، وحينئذ فقصد الندب فيه ليس بمعنى كونه مندوبا في نفسه
مطلقا حتى يكون فاسدا باعتبار كونه واجبا بل بمعنى كونه مندوبا لتلك
الغاية.
والحاصل: أنه يقصد الوضوء ندبا للكون على الطهارة لكون الوضوء
مندوبا له من غير قصد إلى كونه واجبا عليه من جهة أخرى، ولا دليل على
عدم جواز الوضوء على هذا الوجه.
واعلم أن القول بأن الوضوء في حال واحد لا يكون واجبا وندبا
مشهور بين الأصحاب، والظاهر أن مرادهم أنه لا يجوز الوضوء بقصد
الندب مع اشتغال الذمة بواجب مشروط به، ويتوجه عليه ما أشرنا إليه،
إلا أن يقال إن بناء كلامهم على اشتراط قصد الوجوب والندب والنية بمعنى
وجوب قصد حال الفعل في نفسه مطلقا من غير نظر إلى خصوص غاية
غاية، إذ لا شك في وجوب الوضوء عليه حال اشتغال ذمته بمشروط به،
فإذا وجب عليه ولم يقصد ذلك وقصد الندب باعتبار بعض غاياته لم يصح،

(1) حاشية الروضة: 30 (ذيل قول الشارح: لأنه في وقت العبادة الواجبة...).
66

لكن إثبات شرط قصد الوجوب والندب على هذا الوجه دونه خرط
القتاد (1)، انتهى.
ثم حكى عن والده قدس سره في شرح الدروس جواز الوضوء ندبا مع
اشتغال ذمته بموجب الوضوء، فإن جوزنا التداخل كما هو الظاهر يكون
كافيا عن الواجب أيضا، وإلا فلا بد من وضوء آخر للواجب (2)، انتهى.
ولا يخفى أن مبنى كلام والده قدس سره كالسلطان في الحاشية الأولى على
تعدد حقيقة الواجب والمندوب، ومبنى كلام المشهور على منع الندب الفعلي،
ومبنى كلام جمال الدين قدس سره على ما ذكرنا من ملاحظة جهة الندب، فتدبر.
وأما المقام الثالث:
فاعلم أن ظاهر المشهور أنه متى وقع الوضوء الواجب الرافع للحدث
المبيح للصلاة يترتب عليه أثره وهو ارتفاع الحدث منجزا من غير تعليق (3)
على تحقق الصلاة بعده، فإن المقدمة إذا تحققت تحققت واجبة ويترتب عليها
أحكام الواجب وإن لم يحصل ذو المقدمة في الخارج.
وقد خالف هنا بعض في المسألة الفرعية والأصولية في هذا المقام.
أما في الأولى، فقد حكى في الحدائق عمن تقدم عنه: أنه لا يجوز
فعل الوضوء لمن لم يكن من نيته فعل الصلاة، وأنه لو كان من نيته فعل
الصلاة ولم يفعلها تبين بطلانه (4)، انتهى.

(1) حاشية الروضة: 30.
(2) حاشية الروضة: 30.
(3) في غير " ب ": " تعلق ".
(4) الحدائق 2: 218.
67

وأما في المسألة الأصولية فقد حكى بعض المعاصرين (1) في حاشيته
على المعالم: أنه ربما يتوهم أن المقدمة إنما تتصف بالوجوب إذا تعقبها
ذو المقدمة وتوصل بها إليه فإذا لم يحصل ذو المقدمة لم يكن المقدمة موجودة
على صفة الوجوب، وقد زيفه المحشي الحاكي إلا أنه ارتضاه بعض آخر من
المعاصرين (2)، وبالغ فيه في مواضع من كتابه وأن عدم تحقق ذي المقدمة
يكشف عن عدم اتصاف المقدمة بالوجوب، فقاس المقدمات بلوازم الواجب
في أنها إذا لاحظها الطالب بوصف التجرد والانفراد عن الواجب لم تكن
مطلوبة له أصلا.
هذا، ولكن الحق ما عليه المشهور في المسألتين.
أما المسألة الفرعية، فظاهرهم الاتفاق على أن الوضوء بنية
رفع الحدث أو استباحة الصلاة متى وقع على وجهه جامعا لشرائط الصحة
ارتفع به الحدث وإن لم يتحقق معه الصلاة التي نواها بل مطلق
الصلاة.
ويدل عليه - مضافا إلى أصالة عدم اشتراط الصحة بتعقب
المشروط -: قوله عليه السلام: " إذا توضأت فإياك أن تحدث وضوءا حتى
تستيقن أنك قد أحدثت " (3).
ويحتمل بعيدا استناد هذا القائل إلى ما دل على أن الطهور ثلث

(1) هو الشيخ محمد تقي الأصفهاني قدس سره في هداية المسترشدين: 219.
(2) هو شقيقه الشيخ محمد حسين قدس سره في الفصول: 86.
(3) الوسائل 1: 176، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 7، ولفظ
الحديث: " إذا استيقنت أنك قد أحدثت فتوضأ، وإياك... ".
68

الصلاة (1)، ونحوه مما دل على كونه بمنزلة الجزء (2) حتى في بطلانه إذا لم يلحقه
باقي الأجزاء لكنه كما ترى.
وأما المسألة الأصولية، فقد تحققت في محلها وأن وجوب المقدمة لمعنى
موجود فيها بالفعل غير معلق على حصول ذيها وهو توقف الواجب عليها
وأداء تركها إلى تركه، فكلما تحقق في الخارج اختيارا بعد الطلب خصوصا
لداعي الطلب فقد وقعت مطلوبة. نعم، لصاحب المعالم في مسألة الضد كلام
في وجوب المقدمة (3)، فليراجع.
وكيف كان، فالظاهر أن الوضوء المنوي به الواجب المراد به الإتيان
بصلاة أو غيرها مما يتوقف عليه يقع (4) رافعا للحدث وإن لم يحصل الفعل
بعده.
الأمر الثالث
اشتراط نية الرفع عند القائل به لا يتعقل في الوضوء المجامع للحدث
الأكبر كوضوء الجنب والحائض، ولا في وضوء المتطهر كالمتجدد.
وهل يختص بالوضوء الذي يراد لأجل الصلاة وشبهها مما يتوقف على
الطهارة، أو يعم مطلق الوضوء الصادر من المحدث بالحدث الأصغر ولو لغير
ما يتوقف على الطهارة كالتلاوة ودخول المساجد ونحوهما، فلا يترتب

(1) الوسائل 1: 257، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث 8.
(2) الوسائل 1: 256، الباب 1 من أبواب الوضوء، الأحاديث 3، 4 و 7.
(3) معالم الأصول: 70 - 71.
(4) لم ترد " يقع " في " ب ".
69

عليها غايتها بدون نية الرفع؟ ظاهر جماعة من المتأخرين كصاحب
المدارك (1)، وغيره (2) هو الأول، حيث عنونوا الخلاف في جواز الدخول في
الصلاة بالوضوءات المندوبة، واستدلالهم على الجواز بدعوى أن مطلق
الوضوء المشروع رافع للحدث. والاعتراض على هذا الاستدلال بأن
المشروعية لا تستلزم رفع الحدث كما في الأغسال المندوبة، إذ لو اعتبر في
صحتها نية رفع الحدث لم يكن وجه للخلاف في جواز الدخول بها في
الصلاة، لأن الحدث عندهم معنى واحد إذا ارتفع جاز الصلاة، ولم يكن
وجه للاستدلال على الجواز بالدعوى المذكورة ولا للاعتراض عليه بأن نية
الرفع غير (3) متحققة بالفرض.
وهذا هو الظاهر من كلام الحلي في السرائر أيضا، حيث قال: إجماعنا
منعقد على أنه لا يستباح الصلاة إلا بنية رفع الحدث أو استباحة الصلاة،
فأما إن توضأ الإنسان بنية دخول المساجد أو الكون على طهارة أو الأخذ
في الحوائج - لأن الإنسان يستحب له [أن يكون] (4) في هذه الأحوال
[على] (5) طهارة - فلا يرتفع بذلك حدثه ولا يستبيح بذلك الدخول في
الصلاة (6)، انتهى.

(1) المدارك 1: 13.
(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 225 - 227، والجواهر 1: 29.
(3) " غير " من " ع ".
(4) من المصدر.
(5) من المصدر.
(6) السرائر 1: 105.
70

وظاهره: أن الوضوءات المذكورة مشروعة غير رافعة، ويحتمل بعيدا
إرادة فساد هذه الوضوءات بهذه النيات وعدم حصول غاياتها إلا بنية رفع
الحدث.
وظاهر جماعة هو الثاني، بل يستفاد من جامع المقاصد أنه ظاهر كل
من اشترط نية الرفع أو الاستباحة، وإنما يكتفي بعضهم بقصد الغاية
المستحب لها الوضوء بدعوى أن قصدها قصد لرفع الحدث. قال بعد ذكر
الوضوءات المندوبة: هل يعتبر في الوضوء لواحد من الأمور المذكورة نية
الرفع أو الاستباحة لمشروط بالطهارة ليتحقق غايته، أم يكفي قصد الغاية؟
ينبغي أن يقال: بابتناء ذلك على أن نية الطهارة مكملة له هل هي كافية في
رفع الحدث أم لا؟ فإن قلنا بالأول، كفت الغاية، وإلا فلا بد من أحد
الأمرين، وبدونه لا يقع الوضوء صحيحا، كما يظهر من كلامهم في نية الوضوء،
بناء على اشتراط نية الرفع أو الاستباحة. ويحتمل الاكتفاء بنية الغاية تمسكا
بعموم " ولكل امرئ ما نوى " (1)، ويظهر من المصنف قدس سره في الوضوء
للتكفين، فإنه استحبه وتردد في جواز الدخول به في الصلاة (2)، انتهى.
أقول: ما استظهره من المصنف قدس سره في الوضوء للتكفين من عدم
الملازمة بين استحباب الوضوء وبين ارتفاع الحدث به وجواز الدخول به في
الصلاة، هو الذي استظهرناه من السرائر، وهو الذي اختاره المستظهر في
مسألة الوضوء لتكفين الميت (3) وجزم به فخر الدين في الإيضاح (4).

(1) الوسائل 1: 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 10.
(2) جامع المقاصد 1: 71.
(3) جامع المقاصد 1: 389.
(4) إيضاح الفوائد 1: 61 و 62.
71

وأما ما استظهره من كلامهم، فالمراد به: إطلاقهم القول باشتراط نية
الرفع أو الاستباحة في الوضوء، فإن ظاهره كونها كسائر الشرائط معتبرة في
جميع أفراد الوضوء.
ويؤيده: ظواهر كلماتهم الأخر، قال في المبسوط في نية الوضوء:
وكيفيتها أن ينوي رفع الحدث أو استباحة فعل من الأفعال [التي لا يصح
فعلها إلا بطهارة مثل الصلاة والطواف، فإذا نوى استباحة شئ من ذلك
أجزأ، لأنه لا يصح شئ من هذه الأفعال إلا بعد الطهارة، ومتى ينوى
استباحة فعل من الأفعال] (1) التي ليس من شرطها الطهارة لكنها مستحبة
مثل قراءة القرآن طاهرا ودخول المسجد وغير ذلك [فإذا نوى استباحة
شئ من هذا] (2) لم يرتفع حدثه لأن فعله ليس من شرطه الطهارة، وحكم
الجنب في هذا الباب حكم المحدث سواء إلا أن في حق (3) الجنب في بعض
أفعاله يشترط الطهارة مثل دخول المسجد والجلوس فيه (4)، فإنه ممنوع منه (5)
ولا يجوز له (6) إلا بعد الغسل، وليس كذلك المحدث، فإذا نوى الجنب
استباحة دخول المسجد والجلوس فيه ارتفع حدثه، وأما الاجتياز فيه
فحكم الجنب وحكم المحدث (7) فيه سواء (8)، انتهى.

(1) ما بين المعقوفتين من " ع ".
(2) ما بين المعقوفتين من " ع ".
(3) " في حق " من " ع ".
(4) لم ترد " والجلوس فيه " في المصدر.
(5) لم ترد " منه " في " ح ".
(6) في المصدر: " منه " بدل " له ".
(7) في " أ "، " ب " و " ج ": " فحكم المحدث ".
(8) المبسوط 1: 19.
72

فإن بعض الفحول (1) وإن فهم منه أن مراده أن الوضوء الذي يتوضأ
للصلاة لا بد من قصد أحد الأمرين لا مطلق الوضوء، لكن هذا مناف
لتسوية حكم غسل الجنب مع الوضوء معه (2)، فإن الغسل للاجتياز في
المسجد إن ارتفع معه الحدث فلا معنى لعدم جواز الدخول به في المسجد
والجلوس فيه، وإن لم يرتفع به الحدث وقع فاسدا لا مشروعا غير رافع،
فالغسل للاجتياز عنده نظير الوضوء لقراءة القرآن.
ولكن قد يقال: إن المفروض في كلام الشيخ الوضوء والغسل بنية
استباحة ما لا يتوقف على الطهارة، فلعل الفساد من هذه الجهة ولا ريب فيه.
وفيه: أن الظاهر إرادته من الاستباحة مجرد الدخول في القراءة
لا إحراز جوازه، ولذا حكم الفاضلان في المعتبر (3) والمنتهى (4) والتذكرة (5)
بصحة الوضوء والغسل في الفرض الذي ذكره الشيخ، وفي الوضوء للكون
على الطهارة مستدلين بتحقق قصد رفع الحدث، وتبعهما الشهيد في الذكرى (6)
فإن هذا الاستدلال يدل منهم على تسليم اعتبار نية الرفع في مطلق الوضوء
إلا أنهم مدعون تحققها في الفروض المذكورة.
أقول: لا يخفى أن أدلة اشتراط نية رفع الحدث أو الاستباحة التي

(1) لم نعثر عليه.
(2) شطب عليه في " ع ".
(3) المعتبر 1: 140.
(4) المنتهى 2: 16.
(5) التذكرة 1: 145 و 148.
(6) الذكرى: 81.
73

ذكروها لا تدل على اعتبارها في مطلق الوضوء، كيف؟ ولا يعقل في بعض
أفراده، فإذا ورد الأمر بالوضوء لأجل غاية فإن لم يعلم منه مطلوبيته
لأجل مطلوبية رفع الحدث في تلك الغاية، فلا دليل على اعتبار قصد رفع
الحدث فيه.
ثم إن قلنا بأن كل وضوء مشروع للمحدث يقتضي رفع الحدث - كما
سيجئ - فيرتفع الحدث وإن لم ينوه، وإلا كان من قبيل الأغسال المندوبة
المطلوبة لغاياتها وإن علم مطلوبيتها لأجل مطلوبية ارتفاع الحدث في تلك
الغاية.
فإن قصد بالوضوء رفع الحدث فلا إشكال في صحة الوضوء بمعنى
ترتب جميع آثاره عليه، لارتفاع الحدث، كما سيجئ التنبيه عليه في كلام
المحقق الثاني.
وإن قصد نفس الغاية: فإن قصد جوازها الوضعي بمعنى الصحة أو
التكليفي بمعنى الإباحة في مقابل الحرمة، فهذه النية لغو، لجواز الفعل بدون
الوضوء، فلا يصلح جعله غاية.
وإن قصد كمال الغاية فقد قصد ما يتوقف على الطهارة، فلا فرق بينه
وبين صلاة النافلة في توقفهما على الوضوء.
وإن علم أن الأمر بالوضوء ليس لمطلوبية ارتفاع الحدث في الغاية
فالوضوء صحيح ولا يرتفع به الحدث، لعدم قصده ولا قصد ما يستلزمه،
لكن هذا الوضوء في المحدث بالحدث الأصغر لم يوجد له مورد.
ومما ذكرنا ظهر أن المراد بالصحة المجعولة - في القواعد والذكرى (1)

(1) القواعد 1: 200، الذكرى: 81.
74

ونحوهما - محلا للخلاف في الوضوء لقراءة (1) القرآن ونحوه ترتب جميع الآثار
عليه، لارتفاع الحدث به، كما اعترف به المحقق الثاني في مسألة الوضوء
لتكفين الميت (2).
إذا عرفت هذا ظهر لك أن الأقوى أن كل وضوء مندوب يقع من
المحدث بالأصغر فهو رافع لحدثه.
توضيح ذلك: أن الوضوءات المندوبة على أقسام:
منها: ما يفعله لغاية يترتب جوازها على ارتفاع الحدث كصلاة
النافلة ومس كتابة القرآن ندبا ويلحق به الوضوء للتأهب. وهذا لا خلاف
في ارتفاع الحدث به واستباحة الدخول به في الصلاة وغيرها، وإن كان
يظهر من صاحب الحدائق وجود الخلاف فيما فعل لغير الصلاة من الغايات
المتوقفة على الطهارة (3)، لكنه غير صحيح كما تقدم من المبسوط والسرائر (4).
ومنها: ما يفعل لغايات لا يتوقف على الطهارة وهو على أقسام:
منها: ما يتوقف فضيلة الغاية المقصودة على ارتفاع الحدث كقراءة
القرآن المجعولة غاية للوضوء، ومثله كل عمل مندوب توقف فضله على
ارتفاع الحدث، وأولى منه ما كان نفس الغاية فيه ارتفاع الحدث كالكون
على الطهارة.

(1) في " ب "، " ج " و " ح ": " كقراءة ".
(2) جامع المقاصد 1: 390.
(3) الحدائق 2: 194.
(4) تقدم في الصفحة 72 و 70.
75

ومنها: ما لم يثبت توقف الغاية المقصودة فيه إلا على نفس الوضوء
دون الطهارة بمعنى رفع الحدث، كما في السعي إلى قضاء الحاجة والنوم
وبعض أفعال الحج التي لم يدل الدليل إلا على استحباب الوضوء فيها دون
عنوان الطهارة بمعنى رفع الحدث، وهذا الوضوء غير متحقق على وجه
اليقين، لأن الظاهر في جميع موارد استحباب الوضوء استحباب الطهارة
ورفع الحدث.
ومنها (1): الوضوء المأتي به استحبابا عقيب مثل المذي والتقبيل
وشبههما مما يستحب الوضوء منه.
ومنها: الوضوء المأتي به للتجديد إذا انكشف سبق الحدث ويلحق به
الوضوء المأتي به احتياطا.
ومنها: الوضوء المأتي به استحبابا باعتقاد الحيض فيكشف (2) عدمه
وثبوت الحدث الأصغر.
وهنا قسم خامس (3)، وهو ما لو نوى المحدث بالأصغر وضوءا مطلقا،
ذكره الفاضلان (4) والشهيد في الذكرى (5) مقابلا للوضوء للغايات حتى الكون
على الطهارة، وحكموا فيه بالبطلان، ولم يعلم مرادهم منه، ولو أريد به
الوضوء المأتي به لا لغاية ولا للكون على الطهارة خرج عن المقسم وهو
الوضوء المندوب، لكونه على هذا الوجه تشريعا محرما.

(1) في النسخ: " وفيها "، والصواب ما أثبتناه كما في مصححة " ع ".
(2) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: " فينكشف ".
(3) كذا، والظاهر: قسم سادس.
(4) المحقق في المعتبر 1: 140، والعلامة في المنتهى 2: 16.
(5) الذكرى: 81.
76

ثم الأقسام كلها محل الخلاف، وفي المدارك نسب القول المختار إلى
المعروف بين الأصحاب، بل حكى عن بعض الاجماع (1)، وفيه ما لا يخفى
على المتتبع، فإن القول بعدم ارتفاع الحدث بالوضوء لقراءة القرآن - الذي
هو أولى الأقسام الأربعة بالصحة - قد اختاره جامع المقاصد (2) بعد أن حكى
عن الشيخ والحلي وجماعة، وفي الروض: أن المشهور عدم كفاية المجدد إذا
ظهرت الحاجة إليه (3)، بل عرفت من الحلي دعوى الإجماع على عدم
كفايته (4) إلا أن يحمل كلام المجوزين على الوضوء المندوب المشروع
ويعترفون بعدم مشروعية الوضوء لعدم نية رفع الحدث ويكون مراد المانعين
اعتبار رفع الحدث في صحة الوضوء المندوب، فلا خلاف بينهم حينئذ في
جواز الدخول في الصلاة بالوضوء المندوب الصحيح إلا أن خلافهم في
الصحة، لكن هذا خلاف ما عرفته سابقا من أن النزاع في ذلك بعد الفراغ
عن المشروعية بدون نية رفع الحدث، فافهم.
وكيف كان، فما حكاه في المدارك عن بعض الأصحاب من الإجماع
على الصحة (5) فلعل منشأه عبارة أخرى للحلي في السرائر، حيث قال: ويجوز أن
يؤدى بالطهارة المندوبة الفرض من الصلاة بإجماع أصحابنا (6)، انتهى.

(1) المدارك 1: 13.
(2) جامع المقاصد 1: 207.
(3) روض الجنان: 16.
(4) تقدم منه في الصفحة 70.
(5) المدارك 1: 13.
(6) السرائر 1: 98.
77

ومن نظر في مساق العبارة المذكورة ولاحظ السرائر ظهر له
- ولو بقرينة ما تقدم من دعوى (1) الإجماع على المنع - أن مراده بالطهارة
المندوبة هي المأتي بها بنية الندب لصلاة النافلة ونحوها، والعبارة المذكورة
بعينها ذكرها ابن زهرة في الغنية واستدل عليه أيضا بالإجماع، ثم ذكر
أن من خالف في ذلك من أصحابنا فغير معتد به (2)، وربما يجعل هذه الفقرة
قرينة على إرادة مطلق المندوب، نظرا إلى أنه لا خلاف بين أصحابنا ظاهرا
في جواز الدخول في الفريضة بالوضوء المأتي به لصلاة النافلة، لكن
الإنصاف: أن ظهور سياق كلامه فيما ذكرنا أقوى من ظهور هذه الفقرة
فلاحظ.
ونظير إجماع الغنية والسرائر في الإيهام المذكور: ما في التذكرة
والمنتهى، ففي الأول: يجوز أن يصلي بوضوء واحد جميع الصلوات فرائضها
وسننها ما لم يحدث سواء كان الوضوء فرضا أم نفلا وسواء توضأ لنافلة
أو لفريضة قبل وصول وقتها أو بعده مع ارتفاع الحدث بلا خلاف، أما مع
بقاء الحدث فقولان سيأتي تحقيقهما (3)، انتهى.
وفي المنتهى: ويصلي بوضوء واحد ما شاء من الصلوات، وهو مذهب
أهل العلم (4)، انتهى.
ولا يخفى أن مساقهما أجنبي عما نحن فيه.

(1) في " أ " و " ب ": " دعواه ".
(2) الغنية: 54.
(3) التذكرة 1: 205، وفيها: " سيأتي بحثهما ".
(4) المنتهى 2: 133.
78

وكيف كان، فالظاهر أن كثيرا من الأصحاب على خلاف ما استظهره
في المدارك منهم وإن كان الأقوى في النظر ما اختاره قدس سره.
أما في القسم الأول، فلأن المفروض أنه توضأ وضوءا نوى به
ما يتوقف على ارتفاع الحدث وهي فضيلة القراءة (1)، فلا فرق بينه وبين نية
جواز مس كتابة القرآن وإباحة الدخول في الصلاة.
وبعبارة أخرى: استحباب قراءة القرآن مرفوع الحدث يدل على
استحباب نية رفع الحدث لها بالوضوء (2)، فإذا أتى بالوضوء كذلك حصل
الغاية المقصودة منه أعني رفع الحدث، وهذا معنى ما في المنتهى (3) تبعا
للمعتبر (4) من أنه نوى شيئا من لوازمه صحة الطهارة وهو إيقاع القراءة على
وجه الكمال ولا يتحقق إلا برفع الحدث فيكون رفع الحدث منويا.
واعترضه في جامع المقاصد بأن المفروض نية القراءة لا النية على هذا
الوجه المعين إذ لو نواه على هذا الوجه ملاحظا ما ذكر لكان ناويا رفع
الحدث، فلا يتجه في الصحة إشكال، فعلى هذا الأصح في المتنازع فيه
البطلان، وإليه ذهب الشيخ والحلي وجماعة، هذا بناء على اعتبار نية الرفع
أو الاستباحة فعلى القول بعدم اعتبارهما في النية فلا إشكال في الصحة (5)،
انتهى.

(1) في " ح " و " ع ": " القرآن ".
(2) في " ج "، " ح " و " ع ": " في الوضوء ".
(3) المنتهى 2: 16.
(4) المعتبر 1: 140.
(5) جامع المقاصد 1: 207.
79

أقول: لا يفهم للوضوء بنية قراءة القرآن معنى غير قصد وقوع
القراءة على الوجه الأكمل وهو (1) كون القارئ مرتفع الحدث فنية القراءة
ترجع إلى نية رفع الحدث. نعم، لو فرض أن مجرد كون القارئ متوضئا وإن
لم يرتفع حدثه مستحب، فهو وإن كان خلاف المستفاد من أدلة القراءة
والكون على الطهارة، مع كونه مستلزما لكون (2) استحباب القراءة مرتفع
الحدث آكد... فيستحب الوضوء بنية رفع الحدث، إلا أن لما ذكره قدس سره من
انفكاك نية القراءة عن نية رفع الحدث على هذا الفرض وجه (3)، ويتجه به
أيضا ما ذكره في الإيضاح (4) في وجه عدم صحة هذا الوضوء من أنه يعني
نية القراءة مثلا غير مستلزم لرفع الحدث، لأن كل ما كان مستلزما للشئ
منع اجتماعه مع نقيضه، وهنا يمكن اجتماعه مع الحدث حتى يكون ناويه غير
ناو لرفع الحدث.
هذا، ولكن المفروض أن المستفاد من الأدلة كون فضيلة القراءة
موقوفة على ارتفاع الحدث.
ثم الكلام في الفرض المذكور - وهو ما إذا ثبت استحباب الوضوء
لأجل القراءة وإن لم يرتفع حدثه - داخل في القسم الثاني، والحق فيه أيضا
ارتفاع الحدث به، بناء على أن الوضوء المشروع الواقع من المحدث بالأصغر
رافع لحدثه لا محالة.

(1) في غير " ع ": " هو " بدل " وهو ".
(2) في " ع ": " بكون ".
(3) في مصححة " ع ": " وجها ".
(4) إيضاح الفوائد 1: 37.
80

ويدل على هذا المبنى وجوه:
الأول: أن الأمر بالوضوء في الكتاب والسنة أمر مقدمي يفيد وجوبه
للغير، وقد أشرنا في الأمر الأول إلى أن اللازم من هذا كون الوضوء في
نفسه مقدمة للصلاة رافعا لمانعها وصيرورة هذا منشأ لوجوبه، وقد أشرنا
إلى الجمع بين هذا وبين عدم كون الوضوء رافعا لمانع الصلاة إلا بعد تعلق
الأمر به وإتيانه امتثالا لذلك الأمر، لكن المناسب لهذا الاستدلال الوجه
الأول من وجهي الجمع المتقدمين (1)، فراجع.
ويؤيد ذلك: ما ورد في علة استحباب الوضوء للصلاة من قول
أبي الحسن الرضا عليه السلام: " وإنما أمر بالوضوء وبدئ به لأن يكون العبد
طاهرا إذا قام بين يدي الجبار [عند مناجاته] (2) إياه مطيعا له فيما أمره نقيا
من الأدناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس [وتزكية
الفؤاد للقيام] (3) بين يدي الجبار " (4).
فإن الرواية ظاهرة، بل صريحة في أن رفع الحدث من قبيل الخاصية
المترتبة (5) على ذات الوضوء وهو المنشأ للأمر به، فثبت أن ماهية الوضوء لما
كانت رافعة للحدث أمر بها، لا أن الوضوء المأمور به لأجل الصلاة المأتي به
لأجلها رافع.

(1) في الصفحة 55.
(2) كذا في المصدر، وفي النسخ: " لما جاءه ".
(3) من المصدر.
(4) الوسائل 1: 257، الباب الأول من أبواب الوضوء، الحديث 9.
(5) كذا في نسخة بدل " ب "، وفي النسخ: " المترتب ".
81

الثاني: أن الوضوء مستحب في نفسه وهو رافع للحدث ومبيح
للدخول في الصلاة، فكل ما أمر به ندبا لغاية ترتب عليه ذلك الأثر وهو
رفع الحدث، مع قابلية المحل لا في مثل الحائض والجنب، لأن المأمور به في
الأوامر الغيرية هو المأمور به في الأمر النفسي.
واحتمال تغاير حقيقتي المأمور به في الأوامر الغيرية والمأمور به في
الأمر النفسي، يدفعه ظواهر الأدلة في المقامين، فالأمر الغيري المتعلق
بالوضوء في الحقيقة أمر يحصل ذلك الأثر المترتب على فعل الوضوء.
أما استحباب الوضوء في نفسه، فالظاهر أنه مما لا خلاف فيه كما في
كشف اللثام (1)، وقد صرح به الحلي والفاضلان والشهيدان (2) وغيرهم (3)،
ويدل عليه الأخبار الآتية.
وأما أنه رافع للحدث، فلظهور الأدلة الدالة على استحبابه في ذلك
مثل قوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) (4) فإنه يدل على
استحباب التطهر في نفسه، والتطهر إما خصوص التطهر من الحدث وإما أعم
منه ومن التطهر من الخبث.
ومثل قول علي عليه السلام: " الوضوء على الطهور عشر حسنات

(1) كشف اللثام 1: 8.
(2) السرائر 1: 105، المعتبر 1: 140، القواعد 1: 176، الدروس 1: 86، روض
الجنان: 15.
(3) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 70، والسيد العاملي في المدارك 1: 12،
وصاحب الجواهر في الجواهر 2: 18.
(4) البقرة: 222.
82

فتطهروا " (1)، فإن ظاهر الأمر الاستحباب النفسي ولا اختصاص له بمورده
من الوضوء التجديدي.
ومثل قوله عليه السلام حكاية للحديث القدسي: " من أحدث ولم يتوضأ
فقد جفاني، ومن يتوضأ ولم يصل ركعتين فقد جفاني، ومن توضأ وصلى
ركعتين ودعاني ولم أجبه فيما سألني (2) من أمر دينه أو دنياه فقد جفوته،
ولست برب جاف " (3)، فإن الظاهر من الرواية استحباب التوضي للمحدث
لمجرد رفع الحدث لا لأجل صلاة ركعتين، فظاهره أن ترك الوضوء جفاء
وترك الصلاة جفاء آخر، فهما مطلوبان مستقلان، لا أن المقصود من الوضوء
الصلاة كما لا يخفى.
ومثل ما عن الأمالي من قوله صلى الله عليه وآله: " يا أنس أكثر من الطهور
يزد الله في عمرك، وإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة
فافعل، فإنك إذا مت على طهارة مت شهيدا " (4).
ومنه يظهر جواز الاستدلال بما عن نوادر الراوندي عن
أمير المؤمنين عليه السلام: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بالوا
توضأوا أو تيمموا مخافة أن تدركهم الساعة " (5)، فإن الظاهر بقرينة رواية

(1) الوسائل 1: 265، الباب 8 من أبواب الوضوء، الحديث 10. وفيه: " الوضوء بعد
الطهور ".
(2) في النسخ: " سأله ".
(3) الوسائل 1: 268، الباب 11 من أبواب الوضوء، الحديث 2، مع اختلاف يسير.
(4) الأمالي، للمفيد رحمه الله: 60، المجلس السابع، الحديث 5.
(5) مستدرك الوسائل 1: 298، الباب 11 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
83

أنس مخافة إدراك ساعة الموت على غير طهارة فيفوتهم ثواب الشهادة.
هذا، ولكن لا يخفى أن هذا الوجه موقوف على ورود الأمر أولا
بالتوضي والعلم بترتب الأثر عليه من الخارج، أما لو فرض ورود الأمر
أولا بالتطهر من الحدث فيدل ذلك على الأمر من باب المقدمة بالتوضي،
فيكشف ذلك عن كون الوضوء في نفسه مقدمة ويترتب عليه الأثر، فيرجع
هذا الوجه إلى الوجه الأول، فتدبر.
الثالث: إنا قد بينا عدم اشتراط نية الرفع أو الاستباحة في الوضوء
وكفاية نية القربة، وكلما قلنا بكفاية نية القربة ارتفع الحدث بالوضوء
المندوب، لظهور الإجماع المركب وعدم القول بالفصل من جماعة، منهم:
فخر الدين (1) والمحقق الثاني (2)، حيث نفيا الإشكال في صحة الوضوءات
المذكورة بناء على كفاية نية القربة وعدم اعتبار نية الرفع أو الاستباحة.
ومنهم: الشيخ والحلي في عبارتهما المتقدمة من المبسوط والسرائر (3)، حيث
فرعا عدم ارتفاع الحدث بالوضوءات المذكورة على انعقاد الإجماع على
اعتبار نية الرفع أو الاستباحة.
الرابع: بعض الأخبار الظاهرة في هذا المعنى، مثل ما يظهر منه إطلاق
الطهور على الوضوء بقول مطلق، ولازمه ترتب أحكام الطهور عليه، مثل:
ما عن الخصال في حديث الأربعماءة: " إذا توضأ أحدكم فليسم... إلى أن

(1) إيضاح الفوائد 1: 36.
(2) جامع المقاصد 1: 207.
(3) تقدمت عبارة السرائر في الصفحة 70، وعبارة المبسوط في الصفحة 72،
إلا أنه ليس في العبارة المنقولة عن المبسوط ادعاء الإجماع، فراجع.
84

قال: فإذا فرغ من طهوره قال كذا... الخ " (1).
ومثل: ما استدل به صاحب المدارك (2) على هذا المطلب، من
قوله عليه السلام في موثقة ابن بكير: " إذا استيقنت أنك قد أحدثت فتوضأ
وإياك (3) أن تحدث وضوءا [أبدا] (4) حتى تستيقن أنك [قد] (5) أحدثت " (6)،
دلت على النهي عن الوضوء بقصد الوجوب أو رفع الحدث عقيب اليقين
بالوضوء من دون تفصيل بين أفراد الوضوء المتيقن، فدل على كفاية كل
وضوء.
ويمكن أن يقال: إنه مسوق لبيان كفاية عدم اليقين بالحدث بعد اليقين
بالوضوء، بعد الفراغ عن كون الوضوء المتيقن رافعا للحدث، فافهم.
وما استدل به غيره (7) من قوله عليه السلام: " لا ينقض الوضوء
إلا حدث " (8)، فإنه دال على كون الحدث ناقضا للوضوء بقول مطلق، ولازم
ذلك كون الوضوء أيضا رافعا للحدث، إذ لو جامعه لم ينقض به، لعدم
التنافي.

(1) الخصال 2: 628، ولفظ الحديث: " ولا يتوضأ الرجل حتى يسمي... ".
(2) المدارك 1: 14.
(3) كذا في الوسائل، والعبارة في النسخ هكذا: " إنك توضأت فإياك ".
(4) من الوسائل.
(5) من الوسائل.
(6) الوسائل 1: 176، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 7.
(7) لم نعثر على من استدل به غير صاحب المدارك نفسه، فإنه استدل به أولا ثم أيده
بموثقة ابن بكير، راجع المدارك 1: 14.
(8) الوسائل 1: 180، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 4.
85

ويمكن أن يمنع الملازمة كما في الأغسال المندوبة الصحيحة مع الحدث
الأصغر، مع انتقاضه به على أقوى القولين.
وأضعف من الكل ما استدل به ثالث (1) من حسنة زرارة، قال:
" قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرجل يصلي بوضوء واحد صلاة الليل والنهار؟
قال: نعم، ما لم يحدث " (2).
وفيه: أن السؤال عن صحة أن يصلي بوضوء واحد أزيد من واحدة
بعد الفراغ من جواز صلاة واحدة به، والكلام فيما نحن فيه في صحة أصل
الصلاة بالوضوءات المذكورة.
وكيف كان، فالعمدة في إثبات المطلب الوجه الأول، ويؤيده الباقي،
فافهم.
ومن هذه الوجوه بأسرها يعلم الصحة في القسم الثالث، وهو الوضوء
التجديدي، وفاقا للشيخ (3) والمحقق (4) وجماعة (5)، إلا أن الأخبار هنا أوضح
دلالة، مثل ما تقدم من قوله عليه السلام: " الوضوء بعد الطهور عشر حسنات
فتطهروا " (6)، وفي مرسلة سعد أن: " الطهر على الطهر عشر حسنات " (7)، فإن

(1) لم نظفر عليه بعد التتبع في مظانه.
(2) الوسائل 1: 263، الباب 7 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(3) المبسوط 1: 25.
(4) المعتبر 1: 140.
(5) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع: 37، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1:
123، والسيد العاملي في المدارك 1: 260.
(6) تقدم في الصفحة 82 - 83.
(7) الوسائل 1: 264، الباب 8 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
86

إطلاق الطهر على الوضوء التجديدي يكشف عن كونه مثل الوضوء الأول
في إحداثه نظافة باطنة لو صادفت الحدث رفعه.
[ويوضح] (1) هذا المعنى: ما ورد من أنه " نور على نور " (2)، وإطلاق
التجديد عليه في النص (3) والفتوى (4)، ويؤيده: ما نسبه في الذكرى إلى ظاهر
الأخبار والأصحاب من أن شرعية المجدد للتدارك فهو منوي به تلك
الغاية (5).
وتوضيحه: أنه إذا كان الحكمة في تشريعه تأثيره فعلا لو كان المكلف
محدثا - لعدم الطهارة رأسا أو لخلل في السابقة - فالمكلف ناو إجمالا لرفع
الحدث به لو فرض كونه محدثا، ولذلك قال الشيخ بصحته مع اشتراطه لنية
الرفع والاستباحة، وطعن عليه الحلي (6) وتعجب منه العلامة (7)، وانتصر له في
غاية المراد: بأن نية الاستباحة إنما تعتبر مع التذكر، أما إذا ظن المكلف
حصولها فلا، فإذا جدد فصادف حدثا في نفس الأمر كان مرتفعا، كيف!
وهم يعللون شرعية المجدد باستدراك ما عساه فات في الأول، ومثله
استحباب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان تلافيا لما عساه فات من

(1) كذا صححناه، وفي النسخ: " وتوضيح ".
(2) الوسائل 1: 265، الباب 8 من أبواب الوضوء، الحديث 8.
(3) الوسائل 1: 264، الباب 8 من أبواب الوضوء، الحديث 6 و 7.
(4) كما في المبسوط 1: 25، والمعتبر 1: 140.
(5) الذكرى: 99.
(6) السرائر 1: 105.
(7) المختلف 1: 309.
87

الأغسال الواجبة، والاتفاق واقع على إجزاء يوم الشك ندبا [عن
الواجب] (1)، والصدقة بدرهم تمرا تلافيا لما جاز لزومه في الإحرام (2)،
انتهى.
لكن هذا التوجيه لا يصلح في مقابل العلامة الذي لا يقول بكفاية
الوضوء الاحتياطي المنوي به التدارك صريحا، فضلا عن هذا الوضوء
الذي يكون حكمته الاحتياط والتدارك.
فالأولى أن يقال: إن قصد تجديد الوضوء قصد لإحداث تلك النظافة
التي ذكرنا أن المستفاد من الأخبار كونها من جنس النظافة الأولى، فترفع
الحدث لو صادفته.
نعم، التوجيه الذي ذكره في غاية المراد حسن جدا لو قصد بالوضوء
التجديدي الاحتياط والتدارك صريحا، بأن يلتفت إلى احتمال خلل في
الطهارة الأولى فتوضأ بداعي التجديد على تقدير عدم الخلل، والتدارك على
تقدير الخلل، فإن الظاهر صحة هذه النية كما يستفاد من النصوص الواردة (3)
في نظائره التي ذكر الشهيد جملة منها (4).
ومن هنا يظهر حكم الوضوء المستحب عقيب المذي وأخويه، حيث

(1) من المصدر.
(2) غاية المراد 1: 39.
(3) راجع الوسائل 2: 952، الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة، و 7: 12،
الباب 5 من أبواب وجوب الصوم ونيته، و 9: 283، الباب 3 من أبواب بقية
كفارات الإحرام، و 10: 234، الباب 20 من أبواب العمرة.
(4) ذكره في كلامه المتقدم آنفا.
88

إن الظاهر أن المطلوب بالوضوء فيها تكميل النقص الداخل على الطهارة
بسبب هذه الأمور.
والإنصاف: أن التجديد بملاحظة حكمه أولى برفع الحدث من هذا
الوضوء، فتأمل.
ويظهر أيضا حكم الوضوء المأتي به لمحض الاحتياط مع كون المكلف
محكوما ظاهرا بالطهارة، لاستصحاب أو شك بعد الفراغ ونحو ذلك، فإن
الأقوى صحته وارتفاع الحدث به لو صادفه، وهو أولى بذلك من الوضوء
التجديدي.
ثم إن المحقق في المعتبر ذكر في الوضوء التجديدي: أن الوجه فيه
الصحة إذا نوى بالثانية الصلاة، لأنها طهارة شرعية قصد بها فضيلة
لا تحصل إلا بها، وذكر: أنه لو نوى به وضوءا مطلقا لم يصح (1)، قال في
الذكرى: إن هذا الفرق يشعر بأن المجدد عنده قسمان (2)، انتهى.
وقد تقدم عن المحقق في الوضوء للقراءة: أنه إن نوى وضوءا مطلقا
لم يصح، فلا بد من التأمل في مقصوده.
ثم إن الكلام (3) في الوضوء المجدد جهة أخرى، وهي نية الوجه، فإن
من يعتبر نية الوجه لا بد له بعد القول بصحة هذا الوضوء والإغماض عن
اعتبار نية الرفع والاستباحة من التفصيل بين ما إذا اتحد المتجدد والمتجدد (4)

(1) المعتبر 1: 140.
(2) الذكرى: 99.
(3) كذا في النسخ، ويحتمل كونه في الأصل هكذا: " ثم إن للكلام في الوضوء... ".
(4) ليس في " ع ": " والمتجدد ".
89

في الوجه، وبين ما إذا اختلفا، وكذلك الكلام في الوضوء الاحتياطي،
والأقوى عدم اعتبار ذلك وإن قلنا باعتبار نية الوجه، ويظهر وجهه
مما تقدم في نية الوجه.
وأما القسم الرابع وهو وضوء الحائض والجنب إذا ظهر عدم الحدثين
حال الوضوء، فلم يتعرض له الأكثر. نعم، في البيان: ولا يجزي وضوء
الحائض ولو ظهر بعد الوضوء انقطاعه (1)، والأقوى فيه الصحة بناء على
ما استفدناه من الأخبار من أن الوضوء حقيقة واحدة له تأثير واحد، وهي
نظافة معنوية، فإن وجدت محلا قابلا للتأثير أثرت، وإن لم يكن المحل قابلا
فإن كان لوجود الأثر قبل الوضوء أكده، كما في الوضوء المجدد.
ثم التأثير يكون بارتفاع الحدث إذا كان أصغر، وبتخفيف الحدث
الأكبر مطلقا أو لبعض الأفعال كالنوم والأكل والذكر في أوقات الصلاة،
فالمؤثر في المحدث بالأصغر والأكبر شئ لكن يختلف أثره باعتبار المحل،
فإذا تبين كون الحائض منقطعة الدم أثر الوضوء أثره. نعم، من يعتبر نية
الوجه أو نية الرفع أو الاستباحة فيشكل عليه الحكم بالصحة، فافهم.
والمسألة محتاجة إلى التأمل، وإنما أطلنا زمام الكلام في هذا المقام
لكون المطلب حقيقا بالاهتمام.
ولما ذكر المصنف اعتبار النية في الوضوء وعدم رفعه الحدث إلا بها
تفطن لحال إزالة الخبث * (و) * قال: إنه * (لا تعتبر النية) * يعني مطلق
القصد، فضلا عن قصد التقرب * (في إزالة النجاسات (2)) *، لأن المقصود منها

(1) البيان: 44.
(2) العبارة في الشرائع هكذا: " في طهارة الثياب، ولا غير ذلك مما يقصد به رفع الخبث ".
90

زوال النجاسة وقد علم من الشرع حصوله بمجرد إصابة المطهر (1) للنجس ولو
من دون قصد ولا شعور من أحد، مثل قوله: " كل شئ يراه المطر فقد
طهر " (2)، وقوله - مشيرا إلى غدير من الماء -: " إن هذا لا يصيب (3) شيئا إلا
وقد طهره " (4)، وقوله: " كل ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر " (5).
هذا كله مضافا إلى إطلاقات الأمر بالغسل عن النجاسات (6)، فإن
ظاهر الأمر سقوط التكليف بإتيان المأمور به بأي وجه كان.
نعم، قد يقال: إن ظاهر تلك الأوامر اعتبار المباشرة، وكل واجب
اعتبر فيه المباشرة اعتبر فيه النية.
وفيه - مضافا إلى ظهور كثير من أدلة تطهير النجاسات في عدم لزوم
المباشرة -: أن الإجماع بل الضرورة قائمة على عدم وجوب المباشرة في
إزالة النجاسات.
ومما ذكر ظهر: أنه لا وجه للاستشكال في المقام حتى قال في
المدارك: إن الفرق بين ما يجب فيه النية من الطهارات ونحوها وما لا يجب
فيه من إزالة النجاسة وما شابهها ملتبس جدا، لخلو الأخبار من هذا

(1) في " أ "، " ج " و " ح ": " المتطهر ".
(2) الوسائل 1: 109، الباب 6 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
(3) في " ع ": " لا يصيبه ".
(4) مستدرك الوسائل 1: 198، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 8.
(5) الوسائل 2: 1043، الباب 29 من أبواب النجاسات، الحديث 5.
(6) راجع الوسائل 2: 1001، الباب الأول من أبواب النجاسات وما بعده من
الأبواب.
91

البيان (1)، انتهى.
فإن ظاهر الأمر عدم اعتبار النية ووجوب مباشرة المأمور به وهما
متنافيان، لأن كل فعل وجب فيه المباشرة وجب فيه النية بالإجماع
والاستقراء، إلا أنه بعد ما ثبت من الخارج عدم اعتبار المباشرة بقي ظاهر
اللفظ من عدم اعتبار النية سليما عن المعارض. نعم، ربما ادعي أن الأصل
الثانوي المستفاد من أدلة اعتبار النية في جميع الأعمال - مثل قوله تعالى:
(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (2)، وقوله صلى الله عليه وآله:
" إنما الأعمال بالنيات " (3)، وقوله عليه السلام: " لا عمل إلا بنية " (4) - يقتضي كون
كل عمل متوقفا على النية إلا ما خرج، وقد أوضحنا في الأصول (5) وأشرنا
هنا في أول مسألة النية إلى عدم تمامية هذا الأصل، فراجع (6).

(1) المدارك 1: 184 - 185.
(2) البينة: 5.
(3) الوسائل 1: 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 7.
(4) الوسائل 1: 33، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث الأول.
(5) مطارح الأنظار: 61.
(6) راجع الصفحة 11 - 14.
92

[ضم مقصد مباح إلى نية التقرب]
* (ولو ضم) * المتوضئ * (إلى نية التقرب) * بالوضوء * (إرادة) *
شئ آخر، فلا يخلو إما أن يكون مباحا مثل * (التبرد) * والتسخن
ونظافة العضو * (وغير ذلك (1)) * من المقاصد المباحة، وإما أن يكون محرما
كالرياء والسمعة أو محرما آخر، وإما أن يكون راجحا شرعا، فالكلام
في مقامات ثلاثة:
أما المقام الأول: فالمحكي في قواعد الشهيد عن ظاهر الأكثر (2)
والمصرح به في المبسوط (3) والمعتبر (4) وبعض كتب العلامة (5): أنه لا يخل
ذلك في الصحة، و * (كانت طهارته مجزية) *، واستدل له جماعة (6) بما في
المبسوط والمعتبر من أنه نوى الواجب وزيادة. وزيد عليه (7) أن هذه الضمائم
من اللوازم، فهي حاصلة وإن لم تقصد.

(1) في الشرائع: " أو غير ذلك ".
(2) القواعد والفوائد 1: 79.
(3) المبسوط 1: 19.
(4) المعتبر 1: 140.
(5) المنتهى 1: 56.
(6) لم نعثر على جماعة استدلوا بما في المبسوط والمعتبر، لكن في الجواهر (2: 95) بعد
ما نقل صحة الوضوء مع نية التبرد عن الشيخ والمحقق والعلامة والجامع والمدارك،
قال: " محتجين عليه بأنه ضميمة زيادة غير منافية... الخ "، فراجع.
(7) القواعد والفوائد 1: 79، جامع المقاصد 1: 203.
93

وأورد عليه بمنع حصول الواجب مع عدم الإخلاص المعتبر فيه
المقتضي لكون الأمر هو الداعي بالاستقلال، وحصول اللازم لا يستلزم
قصده، والقادح هو القصد دون الحصول، كما أن مقصود المرائي - وهو
مدحه - حاصل مع أن قصده قادح إجماعا، ولذا اختار العلامة في بعض
كتبه (1) تبعا لجماعة كما في الروض البطلان (2)، وتبعه عليه فخر الدين (3)
والشهيدان في البيان (4) والقواعد (5) والروض (6) والمحقق الثاني (7) وصاحب
الموجز (8) وغيرهم (9)، ولهم مضافا إلى ما ذكر من اعتبار الإخلاص المنافي
لاشتراك الداعي ما دل على حصر العباد في من يعمل طمعا في الثواب،
ومن يعمل خوفا من العقاب، ومن يعمل حبا لله (10)، فإن ظاهر الحصر
بطلان عبادة غيرهم، وما عدا الحب من الأمور الراجعة إلى الله عز وجل
راجع إليه بأدنى تأمل.
وهنا تفصيل احتمله الشهيد في قواعده، ونسبة الجزم إليه سهو، قال

(1) نهاية الإحكام 1: 33.
(2) روض الجنان: 30.
(3) إيضاح الفوائد 1: 36.
(4) البيان: 44.
(5) القواعد والفوائد 1: 79.
(6) روض الجنان: 30.
(7) جامع المقاصد 1: 203.
(8) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 40.
(9) كالمحقق الأردبيلي قدس سره في مجمع الفائدة 1: 99.
(10) الوسائل 1: 45، الباب 9 من أبواب مقدمة العبادات.
94

بعد ترجيح مذهب المتأخرين: ويحتمل أن يقال: إن كان الباعث الأصلي
هي القربة (1) ثم طرأ التبرد عند الابتداء بالفعل لم يضر، ولو كان الباعث
الأصلي هو التبرد فلما أراده ضم القربة لم يجز، وكذا إذا كان الباعث مجموع
الأمرين، لأنه لا أولوية حينئذ فتدافعا وتساقطا، فكأنه غير ناو (2)، انتهى.
وحكي الجزم بهذا التفصيل عن غير واحد من المتأخرين (3)، وزاد
الفاضل الهندي، فنزل إطلاق الأصحاب على ذلك (4).
أقول: الظاهر أن مراد الشهيد بالباعث الأصلي هو المستقل في البعث،
وبالطاري ما أكده من غير أن يكون له مدخل في البعث. نعم، ثمرة تأكيده
ربما يظهر في مقامات أخر مثل ما إذا طرأ على الباعث الأصلي ما يزاحمه في
البعث لولا تأكده بهذه الضميمة لكنه في ذلك الفرض أيضا يخرج عن الاستقلال.
والحاصل: أن فرض مدخلية الضميمة يوجب تركب الباعث وقد
حكم فيه بالفساد، وحينئذ فلا يبعد ما في شرح الفاضل من تنزيل إطلاق
الأصحاب عليه، كما يشعر به عنوان المسألة هنا، بضم نية التبرد إلى نية
التقرب الظاهر في حصول نية التقرب الذي فسر المصنف قدس سره الإخلاص
بها في المعتبر (5)، واستدلاله فيه تبعا للمبسوط (6) على الصحة بكون نية التبرد

(1) في المصدر: " هو القربة ".
(2) القواعد والفوائد 1: 80.
(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة (1: 222)، عن شرح الفاضل وعن
المشكاة للسيد بحر العلوم.
(4) كشف اللثام 1: 64.
(5) المعتبر 2: 149.
(6) تقدم عنهما في الصفحة 93.
95

زيادة غير منافية، فإن ظاهره عدم دخلها في أصل الفعل.
ثم إنه يدخل في عبارة الشهيد قدس سره ما لو كان تركب الباعث من
مجموع التقرب والتبرد من حيث كون كل منهما جزءا غير قابل في نفسه
للاستقلال في البعث لو انفرد عن الآخر وما كان التركيب فيه باعتبار كون
كل منهما لو خلي وطبعه باعثا مستقلا في البعث إلا أن اجتماعهما أوجب
- بمقتضى استحالة اجتماع علتين على معلول واحد وامتناع الترجيح
بلا مرجح - استناد الفعل إلى المجموع المركب.
وربما يقرب الصحة في الثاني تبعا لكاشف الغطاء (1)، ولعله لدعوى
صدق الامتثال حينئذ وجواز استناد الفعل إلى داعي الأمر، لأن وجود
الداعي المباح وعدمه حينئذ على السواء.
نعم، يجوز استناده إلى الداعي المباح أيضا لكن القادح عدم جواز
الاستناد إلى الأمر لا جواز الاستناد إلى غيره، ألا ترى أنه لو أمر المولى
بشئ وأمر الوالد بذلك الشئ فأتى العبد به مريدا لامتثالهما بحيث يكون
كل منهما كافيا في بعثه لو انفرد عد ممتثلا لهما.
وفيه: منع جواز استناد الفعل إلى كل منهما، لامتناع وحدة الأثر
وتعدد المؤثر، ولا إلى أحدهما، للزوم الترجيح بلا مرجح، بل هو مستند
إلى المجموع والمفروض أن ظاهر أدلة الإخلاص واعتبار القربة ينفي مدخلية
شئ آخر في العمل.
وأما المثال المذكور فيمتنع (2) فيه صدق امتثال كل من المولى والأب.

(1) كشف الغطاء: 90.
(2) في " أ " و " ب ": " فنمنع ".
96

نعم، لما اجتمع الأمران في فعل شخصي واحد لا يمكن التعدد فيه لم يكن بد
من الإتيان به مريدا لموافقة الأمرين، وهذا غاية ما يمكن في هذا الفرض
من موافقة الأمر، بخلاف ما نحن فيه فإنه يمكن تخليص الداعي لموافقة الأمر
وتحصيل التبرد بغير الوضوء إن أمكن وإلا فعليه تضعيف داعي التبرد
وتقوية داعي الإخلاص، فإن الباعثين المستقلين يمكن ملاحظة أحدهما دون
الآخر، كما لو أمر الشارع بانقاذ ولده الغريق فإنه قد ينقذه لمحض محبة الولد
من غير ملاحظة أمر الشارع، وإن كان ينقذه لو كان غير ابنه لمحض الأمر
ولو تكلفا لا عن شوق، وقد يكون الأمر بالعكس، فيكون الباعث المستقل
أمر المولى وإن كان الداعي الآخر موجودا بالفعل، بحيث لولا أمر المولى
لفعله بهذا الداعي، كجميع ما كان يصدر عن أمير المؤمنين عليه السلام من
المشتهيات والملاذ النفسانية حيث كانت تصدر منه عليه السلام لموافقة أوامر الله
المتعلقة بها باعتبار من الاعتبارات مع وجود الداعي المستقل الآخر، بحيث
لو فرضنا عدم رجحان ارتكابه شرعا من وجه من الوجوه كان يرتكبه
بمقتضى الداعي النفساني الموجود فيه، وقد يكون أحد الداعيين مستقلا
والآخر مؤكدا ولا كلام فيه أيضا، إنما الكلام فيما إذا اشتركا في التأثير الفعلي
وأمكن للمكلف تخليص القربة في البعث.
ثم إن محل الخلاف هي الضميمة المباحة الدخيلة في أصل العمل،
وأما الموجبة لاختيار بعض أفراده على بعض فلا إشكال ولا خلاف في
عدم قدحها، ضرورة أن مقتضى التخيير في أفراد الكلي تفويض
الخصوصيات إلى الدواعي النفسانية للمكلف، فاختيار الوضوء بالماء البارد
في الصيف والحار في الشتاء لأجل التبرد أو التسخين غير قادح في الامتثال
قطعا.
97

وأما المقام الثاني: فاعلم أن المعروف بين الأصحاب بطلان العمل
بضميمة الرياء.
ويدل عليه - مضافا إلى حرمة الرياء الثابتة بالنص (1) والإجماع
الموجبة لفساد العمل المتحد معه في الوجود وعدم الإخلاص المقتضي لعدم
حصول الإطاعة مع الضميمة المباحة كما عرفت، فضلا عن المحرمة -:
الأخبار الدالة على كون العمل المرائي فيه مردودا مكتوبا في صحائف
السيئات، مثل رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: قال
النبي صلى الله عليه وآله: إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به فإذا صعد بحسناته
يقول الله عز وجل: إجعلوها في سجين فإنه ليس إياي أراد بها " (2)، فإن تعليل
ثبت العمل في كتاب الفجار بعدم (3) انحصار مراد العامل في الله عز وجل صريح
في المطلب.
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: " يجاء بالعبد يوم القيامة
قد صلى فيقول (4): يا رب قد صليت ابتغاء وجهك فيقال له: بل (5) صليت
ليقال ما أحسن صلاة فلان، اذهبوا به إلى النار. ثم ذكر مثل ذلك في القتال
وقراءة القرآن والصدقة " (6).

(1) الوسائل 1: 51، الباب 12 من أبواب مقدمة العبادات.
(2) الوسائل 1: 52، الباب 12 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 3.
(3) في غير " ع ": " لعدم ".
(4) كذا في الوسائل، وفي النسخ: " فقال ".
(5) كذا في الوسائل، وفي النسخ: " هل ".
(6) الوسائل 1: 53، الباب 12 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 10.
98

ورواية علي بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: يقول
الله عز وجل: فمن أشرك (1) معي غيري في عمل لم أقبله إلا ما كان لي
خالصا " (2).
وفي رواية سفيان بن عيينة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال:
العمل (4) الخالص، الذي لا تريد أن يحمدك عليه إلا الله عز وجل " (5).
وفي صحيحة زرارة وحمران عن أبي جعفر عليه السلام: " لو أن عبدا عمل
عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضا أحد من الناس
كان مشركا " (6)، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
وقد اشتهر عن السيد قدس سره: أن دخول الرياء في العمل موجب
لسقوط ثوابه، لا لعدم إجزائه بمعنى وجوب فعله ثانيا والعقاب على تركه (7).
ويمكن أن يستدل له - بعد سقوط الأخبار الدالة على عدم قبول العمل
المرائي فيه (8) بما قرره قدس سره من أن القبول أخص من الإجزاء فعدمه أعم -:
بأن منشأ الفساد إن كان مجرد تركب الداعي لم يقدح ذلك كما تقدم في

(1) كذا في الوسائل، وفي النسخ: " من اشترك ".
(2) الوسائل 1: 53، الباب 12 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 11.
(3) كذا في الوسائل، وفي النسخ: " عنبسة ".
(4) كذا في الوسائل، وفي النسخ: " افعل ".
(5) الوسائل 1: 43، الباب 8 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 4.
(6) الوسائل 1: 49، الباب 11 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 11.
(7) الإنتصار: 17.
(8) لم ترد " فيه " في " ب ".
99

الضميمة المباحة عن ظاهر الأكثر، وإن كان حرمة الرياء المتحد مع العمل في
الوجود الخارجي فهو مبني على كون الرياء هو العمل المقصود به الخلق دون
الخالق وامتناع اجتماع الأمر والنهي، أما لو كان هو قصد ذلك فالمحرم هو
قصد ذلك لا العمل المقصود به ذلك.
ولو قلنا بجواز اجتماع العبادة في الوجود مع ما هو محرم - كما نسب
إلى السيد - لم يقدح تحريم نفس العمل أيضا. نعم، يمكن الاستدلال حينئذ
بمثل قوله: " لا عمل إلا بنية " (1)، و " إنما الأعمال بالنيات " (2)، إلا أن القول
بعدم قدح الضميمة المباحة يوجب توجيه هذه الأدلة بما يسقط معه
الاستدلال بها في هذا المقام أيضا.
هذا، ولكن المذهب ما عليه المشهور، لأن ظاهر عدم القبول عرفا هو
الفساد وعدم الإجزاء، وكثرة استعماله في عدم الثواب الكامل لا يوجب
رفع اليد عن الحقيقة، وبعض الأخبار المتقدمة ظاهرة في العقاب على العمل
من حيث نفس العبادة (3) فلا يسمع دعوى كون الرياء هو نفس القصد،
ولا ينفع القول بجواز اجتماع الأمر والنهي، لأن اختلاف متعلق الأمر والنهي
بحسب الداعي، فإن المنهي هي الصلاة لداعي الرياء، فتأمل.
نعم، يمكن المناقشة في بعض الروايات السابقة بعدم دلالتها على حرمة
العمل، فإن أظهرها رواية السكوني، فإنها ظاهرة بقرينة ابتهاج الملائكة به
في استجماعه لشرائط الصحة، إذ لا يخفى عليهم الشرائط المعتبرة في العبادة،

(1) الوسائل 1: 33، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث الأول.
(2) الوسائل 1: 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 7.
(3) مثل روايتي السكوني وأبي بصير المتقدمتين في الصفحة 98.
100

كالوضوء المأتي به لمحض التبرد والتسخين، وكذلك المأتي به لمحض مدح
الناس، فلا بد من حمل الرد فيها على عدم القبول الكامل من جهة الرياء
الخفي الذي لا يمكن إلزام كل أحد بدفعه وإبطاله للعمل، فتحمل الرواية على
مكلف خاص يكون هذا العمل منه كالسيئة وإن كانت من غيره حسنة، فإن
حسنات الأبرار سيئات المقربين، ويكون المراد ب‍ " السجين " المحل الهابط
السافل مقابل العليين بالنسبة إلى هذا المكلف، ويشهد له تفسير " السجين "
في بعض الروايات بالأرض السابعة و " العليين " بالسماء السابعة (1).
وكيف كان، فالاستدلال بها لا يخلو عن الإشكال بعد الإغماض عن
كونها رواية السكوني إلا أن العمل على المشهور غير محتاج إليها.
وهنا أمور:
الأول
أنه لا فرق بين كون الرياء علة مستقلة أو جزءا من العلة مستقلا
لو تجرد عنه أو غير مستقل.
أما لو كان تبعا - بالمعنى المتقدم وهو التأكيد للداعي الذي استظهرنا
سابقا أنه مراد المجوزين - للضميمة ففي بطلان العبادة به إشكال:
من إطلاق قوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة (2): " ثم أدخل فيه
رضا أحد من الناس "، فإنه يصدق على مثل ما نحن فيه، لأن الفعل مستند
إلى الداعي المتأكد، فللمؤكد دخل في هذا الداعي الشخصي.

(1) تفسير القمي 2: 410.
(2) المتقدمة في الصفحة 99، وفيها: " وأدخل... ".
101

ويؤيده قوله عليه السلام: " للمرائي ثلاث علامات: ينشط إذا رأى
الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويحب أن يحمد في جميع أموره " (1)، فإن
الظاهر من نشاطه بمرئى الناس شوقه وتأكد داعيه إلى العمل، والمراد من
الكسل عند الخلوة وقوع العمل عنه متكاسلا، وهو عين ما نحن فيه.
ومن أن ظاهر أكثر أدلة الرياء الاختصاص بصورة استقلاله في البعث
أو تركب الباعث، فيراد حينئذ من " الإدخال " - في صحيحة زرارة -
إدخاله في الباعث على وجه الجزئية لا التأكيد، ومن " النشاط " و " الكسل "
- في رواية سفيان المتقدمة (2) - الهمة على العمل والتقاعد عنه، والمسألة
لا تخلو عن إشكال.
[الأمر] الثاني
أن ضم الرياء إنما يبطل الفعل الذي انضم إليه، فإذا كان جزءا لعبادة
بطل فإن أمكن تداركه فهو وإلا بطل الكل، فإذا غسل اليد اليسرى غسلة
ثانية مستحبة بقصد الرياء بطل الوضوء من جهة امتناع المسح بالماء الخارج
عن الوضوء، وإذا كان من الأجزاء المستحبة ولم يتداركه لم يلزم من بطلانه
إلا بطلان المركب من حيث كونه فردا مستحبا من الواجب، فلا يبطل
ما عدا ذلك الجزء من الأجزاء التي تلتئم منها أقل الواجب بل يصدق أنه
أتى بالفرد الواجب بمحض القربة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المنوي

(1) الوسائل 1: 54، الباب 13 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث الأول، وفيه
" ثلاث علامات للمرائي ".
(2) المتقدمة في الصفحة 99.
102

ابتداء هو ذلك الفرد المستحب وأن يبدو له ذلك عند إرادة الإتيان بذلك
الجزء، لأن نية الفرد الخاص لا يوجب البقاء عليها، لأن ما لا يجب نيته
ابتداء لا يجب البقاء عليه، فكأنه عدل عن الفرد المستحب إلى أقل
الواجب، بل لو (1) نوى ابتداء الرياء بذلك الجزء المستحب لم يكن إلا كما
لو نوى تركه.
وربما يتخيل البطلان خصوصا (2) في الصورة الأولى، حيث إنه نوى
بمجموع ما نوى التعبد به الرياء ولو باعتبار جزئه، ويقويه ظاهر ما تقدم
من قوله عليه السلام: " ثم أدخل فيه رضا أحد من الناس "، وقوله عليه السلام
حكاية عنه تعالى: " من عمل لي ولغيري تركته لغيري " (3)، فإنه يصدق
على ما نحن فيه أنه عمل لله سبحانه ولغيره فيكون متروكا لغيره.
ويدفعه: أنه يصدق أيضا أنه أتى بأقل الواجب تقربا إلى الله تعالى،
ومقتضى ذلك إعطاء كل بمصداق حكمه، فالمركب من حيث إن الجزء
المستحب داخل في حقيقته متروك فاسد ليس له ثواب ويستحق (4) عليه
العقاب باعتبار جزئه، وما عدا ذلك الجزء من حيث إنه مصداق الكلي أتى
به تقربا صحيح على أحسن الأحوال.
هذا كله إذا قلنا إن مرجع استحباب الأجزاء إلى استحباب الفرد
المشتمل عليها بأن يكون أجزاؤه واجبة للفرد الأفضل كما هو الظاهر من

(1) لم ترد " لو " في " أ "، " ج " و " ح "، والعبارة في " ب ": " بل خصوصا لو ".
(2) لم ترد " خصوصا " في " ب ".
(3) الوسائل 1: 53، الباب 12 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 7، مع اختلاف
يسير في العبارة.
(4) في غير " ع ": " يستحب "، وفي هامش " ب ": " يستحق - خ ل ".
103

استحباب الشئ على وجه الجزئية، أما إذا كان الشئ مستحبا نفسيا في
العبادة فالأمر أوضح، إذ لا تركيب للواجب منه حينئذ أصلا.
[الأمر] الثالث
لا فرق في بطلان العمل بضم الرياء بين دخله في أصل العمل أو في
ترجح بعض أفراده على بعض، فليس الرياء كالضميمة المباحة التي تقدم
أنها لا يقدح في ترجيح بعض الأفراد على بعض، والوجه فيه واضح، فإن
الأمر بالكلي إنما يلزم منه التخيير في الأفراد المباحة دون مطلق الأفراد
حتى المحرمة، مع أنه يصدق عليه أنه عمل هذا العمل الخاص لغير الله.
ولا يتوهم استلزام ذلك للاعتراف بفساد الفرد المشتمل على الجزء
المستحب المرائي فيه، لأن متعلق النهي حقيقة هو هذا الجزء المغاير لباقي
الأجزاء في الوجود، ووجود الكل في ضمن باقي الأجزاء مغاير لوجوده في
ضمن المشتمل عليه، فلا محذور في اتصاف أحدهما بالوجوب والآخر بالحرمة
بخلاف الفرد المتشخص بالخصوصية المقصود بها الرياء، فإنه متحد مع المحرم.
وبعبارة أخرى: المنهي عنه لجزئه إنما يرجع النهي إلى جزئه، والمنهي
عنه لوصفه المشخص لوجوده يرجع النهي إلى محل الوصف وهو نفس الفرد
الموجود. نعم، لو وقع الرياء في بعض الخصوصيات الخارجة عن الفرد من
حيث الوجود لم يقدح وإن انتزع عنه صفة قائمة بالفرد، فاستقبال القبلة في
حال الوضوء رياء لا يبطل الوضوء وإن صدق أنه توضأ مستقبلا، وكذا
التحنك في الصلاة.
ومن هنا يفرق في الكون في مكان خاص رياء بين الصلاة فيبطل،
وبين الوضوء فلا يبطل.
104

وأما الزمان فالظاهر عدم الفرق فيه بينهما، فمن توضأ قبل الوقت
للتهيؤ رياء يبطل.
[الأمر] الرابع
الرياء - كما ذكره بعض علماء الأخلاق -: طلب المنزلة عند غيره
تعالى بالعبادة (1)، وظاهره اختصاصه بداعي مدح الناس، فلو قصد بذلك
دفع الذم عن نفسه، كما لو راعى في القراءة آدابها الغير الواجبة دفعا لنسبة
النقص إليه بجهله بطريقة (2) القراء لم يكن بذلك بأس، وظاهر الأخبار
الواردة في باب الرياء أيضا الاختصاص بذلك. نعم، لو كان دفع الضرر
داعيا مستقلا إلى أصل العمل دون الخصوصيات فسد، ولو كان جزء
الداعي بني على ما تقدم في الضميمة المباحة لأنه أحد أفرادها.
وقال الشهيد قدس سره في قواعده: ويتحقق الرياء بقصد مدح الرائي
والانتفاع به أو دفع ضرره... ثم قال: فإن قلت: فما تقول في العبادة المشوبة
بالتقية؟ قلنا: أصل العبادة واقع على وجه الإخلاص، وما فعل فيها تقية
فإن له اعتبارين: بالنظر إلى أصله فهو قربة، وبالنسبة إلى ما طرأ من
استدفاع الضرر فهو لازم لذلك فلا يقدح في اعتباره. أما لو فرض إحداثه
صلاة تقية فإنه من باب الرياء (3)، انتهى.
وقوله: " أو دفع ضرره " عطف إما على الانتفاع فيكون كلاهما غاية
للمدح، وإما على المدح فيكون غاية مستقلة، وعلى هذا فمطلق الرياء ليس

(1) انظر المحجة البيضاء 6: 148.
(2) في " ع ": " بطريق ".
(3) القواعد والفوائد 1: 76، الفائدة الثانية.
105

محرما، لأن التوصل إلى دفع الضرر ولو بطلب المنزلة عند الناس وطلب
مدحهم له لا دليل على تحريمه بل قد يجب، وظاهر الأخبار حرمة الرياء
بقول مطلق، فالأجود تخصيص حقيقة الرياء بما هو ظاهر التعريف الأول
من طلب المنزلة بتحصيل ما لم يكن حاصلا من المنافع المحرمة أو المباحة،
فدفع الضرر من الضمائم الغير المحرمة وحكمه يعلم منها (1)، فما ذكره قدس سره في
القواعد يحتاج إلى تأمل.
نعم، يبقى على ما ذكرنا طلب المنزلة عند الناس لتحصيل غاية
راجحة كترويج الحق وإماتة الباطل بكلمته المسموعة، فالظاهر عدم دخوله
في الرياء، لأن مرجعه إلى طلب المنزلة عند الله، ولو نوقش في الصدق
منعنا حرمته، لأن عموم حرمة الرياء معارض بعموم رجحان تلك الغاية.
ثم إن السمعة - وهي أن يقصد بالعمل سماع الناس به فيعظم رتبته
عندهم - من أفراد الرياء، وأما حب استماع الناس لعمله من دون أن يفعله
لذلك فهو كحب رؤية الغير لعمله وسروره بذلك من دون أن يعمل لذلك
مما ورد عدم البأس به، ففي حسنة زرارة: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يعمل العمل من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك، فقال: لا بأس
ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن يصنع ذلك
لذلك " (2)، قوله: " ما من أحد " محمول على إرادة ذلك من حيث الفطرة
والجبلة، أو على أن أكثر أفراد الإنسان لا يخلو عن ذلك، غاية الأمر أن
المخلصين إنما يحبون ذلك لأغراض راجحة شرعا كما سيجئ، وغيرهم يحبه

(1) كذا في " ب "، وفي سائر النسخ: " منهما ".
(2) الوسائل 1: 55، الباب 15 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث الأول. والرواية
في الوسائل عن أبي جعفر عليه السلام.
106

لقلة الوثوق باطلاع المعبود تعالى عليه، وهو خلق ذميم يفضي إلى الرياء،
لأن من أحب شيئا مال إلى تحصيله، لكنه لا يفسد العمل، لأنه خارج عنه
وغير قادح في غرض العامل.
وعن بعض الكتب: " أنه قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أستر
العمل لا أحب أن يطلع عليه أحد فيطلع عليه أحد فيسرني،
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لك أجران أجر السر وأجر العلانية " (1) والمراد بأجر
العلانية إما ما حصل له من حب الناس له باطلاعهم على حسن باطنه،
فيكون قد حصل له ثواب الآخرة بإخلاصه، وكراهة اطلاع الغير على
ما بينه وبين الله، وثواب الدنيا بحسن ذكره بين الناس، وإما ما حصل له
بسروره على اطلاع الغير عليه من حيث صيرورته سببا لاقتداء الغير به من
أجر من أعلن بالعمل إرادة لاقتداء الناس به في الخير.
ثم إن الكلام في الضميمة المحرمة غير الرياء والسمعة يعلم مما تقدم
فيهما، فإن الضميمة إن كانت من قبيل العنوان فلا إشكال في كون قصده
مبطلا لصيرورة الفعل الواحد عنوانا لواجب ومحرم فيكون حراما، وإن
كانت من قبيل الغاية كان قصدها منافيا للإخلاص، مع أن الفعل لأجل
الغاية المحرمة محرم ولو مقدمة، فيلزم اجتماع الواجب والحرام.
ومنه يعلم أنه لا فرق بين كون الحرام غاية لأجل العمل أو لترجيح
بعض خصوصياته على بعض.
المقام الثالث: في الضميمة الراجحة، والظاهر أنها لا تخل بالعبادة،
وفي المدارك: عدم الخلاف في الصحة هنا (2)، وعن شرح الدروس: الاتفاق

(1) إحياء العلوم للغزالي 3: 290.
(2) لم نجد فيه التصريح بعدم الخلاف، انظر المدارك 1: 191.
107

عليه (1)، وهو غير بعيد، لأنها تؤكد القربة المقصودة بها لتأكد الطلب المتعلق
بها من حيث تخل (2) تحصيل راجحين بها، لكنها إنما توجب التأكيد إذا كان
المقصود الأصلي هو الوضوء، والضميمة من قبيل المشوق والمرغب إليه.
أما لو انعكس الأمر وكان ذلك الراجح هو المقصود الأصلي، ففي
تحقق الإطاعة بالوضوء نظر.
ثم إن مسألة جواز قصد الضمائم المباحة لا دخل له بمسألة جواز
التداخل في التكاليف التي اختلفوا فيها كما قد يتوهم، لأن الكلام هنا في
مفهومين متغايرين يتصادقان في موضوع خارجي واحد قد أمر بكل واحد
منهما أمرا مستقلا موجبا لثواب مستقل على الموافقة وعقاب مستقل على
المخالفة، ولا إشكال في تحقق امتثال الأمر بهما إذا قصد ذلك. نعم، قد يشكل
إذا لم يكن أحد العنوانين مقصودا بالأصالة.
والكلام في مسألة التداخل - كما سيتضح في مسألة تداخل الوضوءات
والأغسال - يقع تارة في اتحاد التكليف وتعدده، وأخرى في أنه على فرض
التعدد هل يكون بينهما تباين جزئي حتى يتصادقا، أو لا يتصادقا ولا بد
من التعدد؟
فإذا ثبت وحدة التكليف كما في أسباب الوضوء فلا إشكال في
التداخل القهري، وإذا ثبت التعدد مع التباين فلا إشكال في عدم التداخل،
وإذا ثبت التعدد مع التصادق صار كمسألة الضميمة الراجحة، فافهم.

(1) مشارق الشموس: 98.
(2) كذا في جميع النسخ، إلا أنه في " ع " زيادة: " إنه لا " قبل كلمة " تخل "
تصحيحا، ولا يخفى ما فيه أيضا. ولعل الأصل في العبارة هكذا: " من حيث تحقق
تحصيل راجحين بها ".
108

[وقت النية]
* (و) * اعلم أن * (وقت النية) * - بناء على المشهور من أنها الإرادة
التفصيلية المقارنة للفعل -: هو أول أفعال الوضوء المعدودة فعلا واحدا،
فإذا قصد المكلف الإتيان بالفرد الكامل وهو المشتمل على الأجزاء المستحبة
فلا بد من تقديمها * (عند) * أول جزء من هذا الفرد الكامل، وهو
* (غسل اليدين (1)) * المأمور به في الوضوء كما عن المشهور (2)، ونسب
إلى الشيخ وأكثر الأصحاب (3)، ولا إشكال فيه بناء على ما ذكر من كون
غسلهما أول الأفعال، من جهة أنه كيف ينوي الوجوب ويقارنه بما ليس
بواجب ويجعله داخلا فيها، لأن نية الوجوب في الفرد المشتمل على المندوب
ولو أشكلت لم يفرق بين كون المندوب أول الأفعال وبين عدمه، وكل ما
يقال في الأجزاء المستحبة المتخللة فهو جار في الجزء الأول المستحب،
كما لا يخفى.
والمناسب لمذهب المشهور - من اعتبار قصد الوجه -: هو أن ينوي
في (4) الإتيان بالفرد الكامل الإتيان بالواجب لوجوبه وبالمندوب لندبه، وهو
الذي يظهر من كلام بعضهم كالعلامة، حيث قال في الإرشاد: ويجب معرفة

(1) في الشرائع: " الكفين ".
(2) كما في الذكرى: 80.
(3) كما في المدارك 1: 192.
(4) " في " من " ع ".
109

واجبات الصلاة من مندوباتها ليوقع كلا على وجهه (1)، وحينئذ فالمقارنة
معتبرة بالنسبة إلى مجموع النيتين ومجموع العمل، فكما لا يقدح مع وجوب
أول الأجزاء عدم مقارنة نية المندوبات بفعلها، كذلك لا يقدح مع استحباب
أول الأجزاء عدم مقارنة نية الواجبات لها.
ويظهر من الروض في مسألة تداخل الأغسال كفاية نية الوجوب في
الفرد المشتمل على الأجزاء المستحبة (2)، وفيه نظر.
ثم إن كون غسل اليدين من الأجزاء المستحبة للوضوء بالشروط
الآتية هو المشهور، إلا أن مستنده غير واضح، فإن ما استدل به على
الاستحباب (3) مثل صحيحة بكير وزرارة: " أنهما سألا أبا عبد الله عليه السلام (4)
عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله، فدعا بطست أو بتور فيه ماء فغسل كفه
ثم غمس كفه اليمنى في التور (5) فغسل وجهه بها " (6) لا دلالة لها على
الجزئية، فلعل الغسل لرفع النجاسة المتوهمة، فيكون مقدمة مستحبة لغسل
الأعضاء، فمرجعه إلى استحباب صيانة ماء الوضوء وأعضائه عن النجاسة
المحتملة.

(1) إرشاد الأذهان 1: 251.
(2) روض الجنان: 19.
(3) في غير " ع " زيادة: " لا يدل ".
(4) في الوسائل: " أبا جعفر عليه السلام ".
(5) " التور " بالفتح فالسكون: إناء صغير من صفر أو خزف يشرب منه ويتوضأ فيه.
مجمع البحرين 3: 234 مادة: " تور ".
(6) الوسائل 1: 275، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 11.
110

مع أن ظاهر بعض الأخبار ذلك، مثل رواية الهاشمي: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبول ولم يمس يده اليمنى شئ أيدخلها في
وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال: لا حتى يغسلها، قلت: فإنه استيقظ من نومه
ولم يبل أيدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها؟ قال: لا، لأنه لا يدري
حيث باتت يده، فليغسلها " (1).
وهذا نظير الأمر به وجوبا إذا كان اليد متيقن النجاسة، فإنه لا يعد
بذلك من الأجزاء الواجبة.
ولو قيل: إن رفع النجاسة المتوهمة حكمة للحكم، ولذا (2) يكون
مستحبا مع القطع [بعدم] (3) النجاسة.
قلنا: على تقدير التسليم لا يصير بذلك من أجزاء الوضوء أيضا بل
مستحب تعبدي للاغتراف باليد والاستعمال (4) بها [للغسل] (5).
وبالجملة، فاستحباب غسل اليدين يحتمل وجوها أربعة:
الاستحباب النفسي، نظير السواك.
والاستحباب الغيري، وهو:
إما على أن يكون مرة مستحبا نظير الغسلات الثانية في الوجه واليدين.

(1) الوسائل 1: 301، الباب 27 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(2) في النسخ: " وكذا "، وما أثبتناه من مصححة " ع " ونسخة بدل " ب ".
(3) من مصححة " ع ".
(4) كذا في " ع "، وفي سائر النسخ: " الاشتمال ".
(5) من مصححة " ع "، وقد وردت في " أ " مكانها كلمة لا تقرأ، ولم ترد في سائر
النسخ، إلا أن في بعضها مكانها بياض.
111

وإما على أن يكون على وجه الشرطية لكون ماء الوضوء أو أعضائه
على الوجه الكامل أعني متيقن الطهارة.
وإما على أن يكون على وجه شرط الكمال لاستعمالها في الاغتراف
والغسل تعبدا.
وظاهر الأخبار أحد الأخيرين، والذي يجدي هو الثاني، وقد حكي
عن السيد في بعض كلماته الاكتفاء بالنية عند غسلهما (1) مع تسليم
الاستحباب على الوجه الثالث، والحكم من فحوى ذلك بكفاية النية عند
غسل اليدين إذا وجب لإزالة النجاسة المتيقنة، وفيه ما لا يخفى.
ولأجل ما ذكرنا توقف جماعة في الحكم المشهور، منهم صاحب
البشرى على ما حكاه الشهيد رحمه الله (2)، بل ظاهر الحلي في السرائر إنكار ذلك
في الوضوء، لكنه قال به في غسل الجنابة (3).
ومما ذكرنا ظهر أنه لا يجوز تقديم النية عند التسمية والسواك، لأنهما
إنما استحبا لوقوع الوضوء على الوجه الكامل، كما يدل عليه قوله عليه السلام:
" من سمى على وضوئه طهر جميع بدنه " (4)، فإن هذا وأمثاله ظاهر في كون
التسمية أمرا خارجا موجبا لتأثير كل فعل من أفعال الوضوء كمال أثره،
نظير التسمية على كل أمر في صيرورتها سببا لبركته وبعد الشيطان عنه، ففي

(1) لم نقف عليه.
(2) الذكرى: 80.
(3) السرائر 1: 98.
(4) وردت بهذا المضمون عدة روايات، انظر الوسائل 1: 298، الباب 26 من أبواب
الوضوء.
112

رواية العلاء بن فضيل: " إذا توضأ أحدكم ولم يسم كان للشيطان في
وضوئه شرك، وإن أكل أو شرب أو لبس وكل شئ صنعه ينبغي أن يسمي
عليه فإن لم يفعل كان للشيطان فيه شرك " (1) ونحوها غيرها من الروايات (2).
وأما السواك فهو مستحب مؤكد أمام الوضوء.
وما ورد من أن: " السواك شطر الوضوء " (3) معارض بقوله عليه السلام:
" الاستياك قبل أن يتوضأ " (4)، والحمل فيه أولى.
وأما المضمضة والاستنشاق، فالظاهر كونهما من الوضوء، بل عن
نهاية الإحكام: لا خلاف في أنهما من سنن الوضوء (5)، وفي بعض
الروايات: أنهما من الوضوء (6)، ونفي كونهما منه في بعض آخر (7) محمول على
الوضوء الواجب، وعليه فلا إشكال في جواز النية عندهما إلا أنه يحتمل أن
يكونا منظفين مستحبين لأجل الصلاة قبل الوضوء، لا أنهما من أجزاء
الوضوء.
* (و) * لذا (8) كان الأولى تأخير النية إلى ما * (تتضيق) * فيه إجماعا

(1) الوسائل 1: 300، الباب 26 من أبواب الوضوء، الحديث 12.
(2) نفس المصدر، الحديث 13.
(3) الوسائل 1: 354، الباب 3 من أبواب السواك، الحديث 3.
(4) الوسائل 1: 354، الباب 4 من أبواب السواك، الحديث الأول.
(5) لم نجد فيه التصريح بعدم الخلاف، انظر نهاية الإحكام 1: 55.
(6) الوسائل 1: 303، الباب 29 من أبواب الوضوء، الحديث 4.
(7) الوسائل 1: 303، الباب 29 من أبواب الوضوء، الحديث 5، 8، 9 وغيرها.
(8) في " ب ": " وكذا ".
113

وهو * (عند غسل الوجه) * كما عن البيان (1) والنفلية (2) والمحقق الأردبيلي قدس سره (3)
وتلميذيه صاحبي (4) المدارك (5) والمعالم (6) وغيرهم (7).
* (و) * اعلم أنه لا خلاف عند المشهور - حيث فسروا النية بالإرادة
التفصيلية، كما عرفت - في أنه * (يجب استدامة حكمها) * في كل جزء من
الوضوء، ولا يضر انقطاعها في الأثناء مع عدم الاشتغال بفعل اتفاقا كما سيجئ.
ثم إن الوجه في وجوب هذه الاستدامة ما دل على اعتبار النية في
العمل (8)، إذ مع عدم الاستدامة يقع الجزء الواقع حاله غير منوي، وأما كفاية
الحكمية وعدم إيجاب الاستدامة الفعلية فلتعذرها أو تعسرها.
وتخيل بعضهم أن الدليل على وجوب الحكمية أنه لما تعذرت الفعلية
لم تسقط الحكمية لقاعدة " الميسور لا يسقط بالمعسور "، فأخذ في الرد عليها
تارة وعدم جريانها في المقام أخرى (9).
نعم، قد يورد عليه: أن اللازم من تعذر الفعلية دائما مراعاتها بقدر
الإمكان، لكن الإنصاف أنه عسر جدا وأن اللازم من تعذر الفعلية عدم

(1) البيان: 43.
(2) الألفية والنفلية: 93.
(3) لم نجد فيه التصريح بالأولوية، انظر مجمع الفائدة 1: 100.
(4) في " ب ": " تلميذه صاحب ".
(5) المدارك 1: 192.
(6) لا يوجد لدينا.
(7) كالسيد الطباطبائي في الرياض 1: 221.
(8) الوسائل 1: 33، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات.
(9) انظر الجواهر 2: 106.
114

وجوب إخطار المنوي بقيودها التفصيلية، فلم لا يكفي بإخطاره بعنوان
إجمالي؟
وفيه: أن العسر إنما هو بالتزام الإخطار وعدم الذهول والغفلة عنه.
وكيف كان، فلا غبار في وجوب هذا المقدار، وإنما البحث مع المشهور
في اعتبار الزائد من ذلك في أول العمل، وهلا جعلوا النية الفعلية هذه التي
سموها حكمية.
وكيف كان، فالمراد بها - كما عن الشيخ (1) والفاضلين (2) والمحقق
والشهيد الثانيين (3) وغيرهم (4) -: أن لا ينتقل من تلك النية إلى نية تخالفها،
فإنه إذا كان كذلك كان حكم النية السابقة يعني أثرها العقلي والشرعي
والعرفي مستمرا غير منقطع.
ثم اللازم من عدم الانتقال إلى نية الخلاف أنه كلما توجه ذهنه إلى
الفعل المنوي في أثناء الاشتغال به تجدد له قصد تفصيلي وعزم على إتيان
الفعل على النحو المنوي سابقا، لأن صدور الفعل الاختياري من المتردد
غير معقول كما عرفت سابقا، والمفروض أنه غير ناو للخلاف، فلا يبقى
إلا كونه عازما على المضي في الفعل قاصدا له تفصيلا.
نعم، الفرق بين هذا القصد التفصيلي والنية الابتدائية كون النية في
الابتداء مشتملة على قيود الفعل والغاية تفصيلا، وهذا مشتمل عليهما إجمالا

(1) المبسوط 1: 19.
(2) المعتبر 1: 139، التذكرة 1: 143.
(3) جامع المقاصد 1: 200، روض الجنان: 29.
(4) كالسيد العاملي في المدارك 1: 192.
115

وإن كان القصد تفصيليا، لكونه مع الشعور والالتفات، وأما العزم والقصد
الإجمالي المجامع لعدم الشعور فهو موجود دائما وإن لم يتوجه الذهن
ولم يلتفت إلى الفعل، لما عرفت من كلام المحقق الطوسي وغيره من أنه
يحدث آنا فآنا إرادة جزئية بحسب الحركات وإن لم يشعر الفاعل بها (1).
وبالجملة، فهناك أمور ثلاثة:
النية التفصيلية، وهي إرادة الفعل مع الشعور به وبجميع مشخصاته
وغايته، وهي معتبرة في أول العمل.
وإرادة تفصيلية مع الشعور به بعنوان إجمالي من حيث المشخصات.
وإرادة إجمالية من دون شعور بالفعل أصلا.
فإذا تحقق الأول من هذه الأمور ولم يحدث بعدها الانتقال إلى خلافها
حصل الأمران الأخيران، لكن الأول منهما موقوف على توجه الذهن إلى
الفعل وتذكره له.
ثم إن حكم المشهور بوجوب الاستدامة بذلك المعنى مختص بحال
تذكرة (2) الفاعل للفعل والتفاته، إذ وجوبها حال ذهوله وعدم تذكره للفعل
تكليف للغافل، وإيجاب التذكر عليه دائما كر على ما فر منه من التعذر
والقناعة بالاستدامة الحكمية عن الفعلية.
إذا عرفت ذلك سهل عليك إرجاع ما ظاهره المنافاة لتفسير المشهور
إليه.
أما ما ذكره في الذكرى من أن معنى الاستدامة البقاء على حكمها

(1) تقدم في الصفحة 18.
(2) في " أ " و " ب ": " تذكر ".
116

والعزم على مقتضاها (1)، فهو وإن جعله الشهيد والمحقق الثانيان مقابلا
للمشهور إلا أن مراده عند التأمل: أن الواجب على المكلف هو البقاء
والعزم، وإنما يصير المكلف موردا لتكليفه بهما ووجوبهما عليه إذا توجه
ذهنه إلى الفعل، فمعناه: أنه يجب على المكلف إذا ذكر الفعل في أثناء
الاشتغال به أن يبقى على حكم النية الأولى ويعزم على مقتضاها، وقد
عرفت أن هذا لا ينفك عن عدم نية الخلاف الذي هو تفسير المشهور
ووجوب عدم نية الخلاف لا ينفك عن وجوب العزم والمضي على النية
الأولى بعد بداهة عدم إمكان صدور الحركة الاختيارية بدون إرادة.
ولأجل ما ذكرنا نسب الفاضل المقداد - الذي هو أحد تلامذة
الشهيد، ولا يخفى عليه موارد مخالفته للأصحاب - تفسير الشيخ للاستدامة
إلى الفقهاء (2) مشعرا باتفاقهم عليه، وإنما دعا الشهيد إلى تفسيرها بذلك لأن
عدم نية الخلاف أمر عدمي لا ينبغي أن يفسر به الاستدامة ولا أن يجعل في
حيز الوجوب، وهو كذلك، فإن تفسير الشيخ ومن تبعه عند التأمل لا يخلو
عن مسامحة من هذه الجهة، فإن استدامة النية نظير إحداثها أمر وجودي
واقع في حيز الوجوب عند التفات المكلف إلى الفعل وخطوره في ذهنه، لكن
وجوب إحداثها مطلق بالنسبة إلى الإخطار، فيجب إخطار الفعل بمشخصاته
لأجل إرادة (3) المقارنة، ووجوب استدامتها مشروط بخطور الفعل في ذهن
المكلف وتذكره له، إذ لو وجب الإخطار مقدمة لها يرجع إلى الاستدامة الفعلية.

(1) الذكرى: 81.
(2) التنقيح الرائع 1: 77.
(3) في " أ " و " ب ": " إرادته ".
117

وربما يوهم هذا المعنى تفسير الاستدامة في الغنية والسرائر بأن يكون
المكلف ذاكرا لها غير فاعل لنية تخالفها (1)، لكنه بظاهره خلاف الإجماع،
فينبغي أن يجعل قوله: " غير فاعل " تفسيرا للذاكر كما قيل (2)، أو يجعل
قوله: " ذاكرا " حالا لا خبرا، فمعنى الاستدامة: أن يكون الشخص في حال
التذكر للنية السابقة والالتفات إليها غير فاعل لنية تخالفها، فافهم، ولذا
لم يجعل أحد هذا التفسير تفسيرا ثالثا لتفسيري المشهور والشهيد مع دعوى
القائل به الإجماع عليه.
ومما ذكرنا يظهر اتحاد التفسيرين المحكيين في قواعد الشهيد قدس سره،
فإنه بعد بيان الاكتفاء بالاستمرار الحكمي قال: وفسر بتجديد العزم كلما
ذكر، ومنهم من فسره بعدم الإتيان بالمنافي، وقد فسرناه في رسالة الحج (3)،
انتهى.
وليس في كلام الشهيد إلا تعدد العبارة في التفسير، ولا دلالة فيه على
اختلاف بينهما في المعنى، فإن الكل متفقون على وجوب تجدد العزم إذا ذكر،
إذ لو لم يتجدد العزم عند التذكر وقع ذلك الجزء لا محالة بنية مخالفة لنية
الوضوء، لأن وقوع الحركة الاختيارية لا بنية ممتنعة، ونية الوضوء مفروض
العدم.
وكيف كان، فتجدد العزم عند الذكر لا بد منه مع فرض عدم نية
الخلاف، وأما اختصاص وجوبه بصورة التذكر فلأن وجوبه مطلقا يستلزم

(1) الغنية: 54، السرائر 1: 98.
(2) قاله الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 1: 63.
(3) القواعد والفوائد 1: 93.
118

وجوب التذكر مقدمة، فيرجع إلى الاستدامة الفعلية.
وظهر مما ذكرناه (1): ضعف الفرق بين قول الشهيد والمشهور بوجوب
تجديد العزم كلما ذكر على الأول دون الثاني، لأن تجديد العزم عند التذكر
واجب اتفاقا كما عرفت.
ومما يشهد لما ذكرنا من اتحاد التفاسير كلها: أنه لا خلاف في عدم
وجوب إخطار الفعل بعد النية الأولى، ولا في أن العزم التفصيلي على الفعل
يتوقف عقلا على خطوره في الذهن، ولا في أن مجرد عدم نية الخلاف
ليس قابلا لتعلق التكليف به خصوصا حال الذهول عن الفعل، ولا في أنه
إذا خطر الفعل في ذهنه في الأثناء وجب عليه العزم على الفعل على الوجه
المنوي أولا وترك العدول إلى إتيان الفعل بنية أخرى.
وبالجملة، فلا أظن في المقام اختلافا إلا في التعبير.
وربما يجعل الثمرة بين تفسيري الشهيد والمشهور بطلان العبادة بالتردد
في أثنائها على الأول دون الثاني، وفيه ما لا يخفى، فإن الكلام في استدامة
النية في أفعال الوضوء لا في أحوال الوضوء اتفاقا.
توضيح ذلك: أن اعتبار المصنف وجماعة استدامة النية * (إلى) * عند
* (الفراغ) * ربما يوهم أن نية القطع أو الخلاف في الأثناء مخل بالوضوء وإن
فعل كل جزء منها بالنية الأولى، لانقطاع الاستدامة، وليس كذلك، لأن النية
ابتداء واستدامة إنما تعتبر في العمل وهو المركب من الأجزاء، فمقتضى
" لا عمل إلا بنية " (2): عدم وقوع شئ من العمل إلا عن نية، فالاستمرار

(1) في " أ " و " ب ": " ذكرنا "، وفي " ج " و " ح ": " ذكره ".
(2) الوسائل 1: 33، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث الأول.
119

في كلامهم إنما يلاحظ بالنسبة إلى الفعل المعدود أمرا مستمرا متصلا في
مقابل انقطاعها في أثناء العمل المستلزم لوقوع جزء منه بلا نية، لا بالنسبة
إلى الأكوان المتخللة بين أجزاء العمل حتى يقدح (1) فيه نية القطع في بعض
تلك الأكوان فضلا عن التردد، فالاستدامة بجميع تفاسيرها على تسليم
تخالفها في المعنى إنما تلاحظ في أفعال الوضوء لا أحواله بلا خلاف، فأخذ
الثمرة المذكورة لا وجه له.
نعم، ذهب جمع إلى التزام ذلك في الصلاة (2)، بناء على ما استفيد من
أن الأكوان المتخللة بين أجزائها من الأكوان الصلاتية يعتبر فيها ما يعتبر في
أجزائها من الطهارة والستر والاستقبال، فخلو بعض هذه الأكوان عن النية
مخل، وتمام الكلام في محله.
نعم، لو قلنا بحرمة إبطال العمل على وجه يشمل الوضوء كان استمرار
النية واجبا، بمعنى وجوب إتمام الوضوء وحرمة إبطاله، وسيجئ التعرض
لذلك في الموالاة.
ثم إنا قد أشرنا في أول المسألة إلى أن البحث عن الاستدامة كمسألة
المقارنة المتقدمة إنما هو على القول بالإخطار، وأما على القول بالداعي
فالبحث عنها ساقط، لقضاء ضرورة العقل بلزوم المقارنة والاستدامة الفعلية
للنية بهذا المعنى إلى آخر الفعل.
وتخيل بعضهم جريان المسألتين على القول بالداعي، بناء على ما ذكره

(1) كذا في " أ " و " ب "، وفي سائر النسخ: " يقع ".
(2) منهم الشيخ في المبسوط 1: 102، والمحقق في الشرائع 1: 78، والعلامة
في القواعد 1: 31.
120

هنا، وتقدم منه في أول النية من أنه يعتبر بناء على القول بالداعي الخطور
في الابتداء دون العلم به، وأن ذلك مدار الفرق بينه وبين الإخطار وإلا
فلا فرق بينهما بالنسبة إلى عدم الاعتداد بعبادة الغافل في الابتداء، فيكون
الفرق بين الابتداء والأثناء على الداعي أن الغفلة والذهول الماحيين لخطور
الصورة يقدحان في الابتداء دون الأثناء، فتأمل جدا.
أو يقال - بناء على القول بالداعي -: لا بد في الابتداء من القصد إلى
الفعل وإن لم يلتفت الذهن إلى الداعي، بخلاف الأثناء، فإنه يكتفى به وإن
وقع من غير قصد.
ثم اعترض على ما حكاه عن الرياض تبعا للمحقق الخوانساري
والوحيد البهبهاني وصاحب الحدائق بما حاصله سقوط مسألتي المقارنة
والاستدامة الحكمية بناء على القول بالداعي: بأن فيه ما لا يخفى، لأنه مع
مخالفة بعض ما هو مجمع عليه - ظاهرا - مستلزم لصحة وقوع العبادة بعد
حصول الداعي مع الغفلة الماحية لأصل الخطور، كما يتفق في الأثناء، وهو
بعيد جدا. أو أنهم يلتزمون فساد ما وقع فيها في أثناء ذلك وهو أبعد.
ثم قال: وما أدري ما الذي دعاهم إلى ذلك مع أن القول بالداعي
لا يقتضيه كما تقدم (1)، انتهى.
أقول: ما ذكره هنا وفيما تقدم منه في أول النية (2) من وجهي الفرق بين
القولين واستبعاد صحة العبادة مع الذهول عنه في أولها بل قطعه بفساد ذلك
فيما تقدم منه، يظهر ما فيه بمراجعة ما تقدم منا في تحرير محل الخلاف.

(1) الجواهر 2: 107 - 108.
(2) راجع الصفحة 22.
121

ومحصله: أن أهل الداعي لا يزيدون في أمر النية على ما يتوقف
صدور الأفعال الاختيارية عليه عقلا وهي الإرادة المسبوقة بتصور الفعل
وغايته المقرونة بأول جزء من الحركات المعدودة في العادة فعلا واحدا
كالقيام للذهاب إلى السوق واشتراء اللحم، والقعود للوضوء، وأخذ الإبريق
للصب، والاستقبال بالأذان والإقامة للصلاة، فلا يقدح غفلته بالمرة وذهوله
عن الفعل والداعي حين الشروع في المشي، أو في أفعال الوضوء، أو في
إحرام الصلاة، كما لا يقدح غفلته فيما بعد ذلك من أجزاء العمل، لأن النية
عندهم أعم من الإرادة التفصيلية المتوقفة على الخطور، ومن المركوزة في
الذهن مع عدم شعور الفاعل بها.
وأما القائلون بالإخطار، فيلتزمون بوجوب (1) الإرادة التفصيلية
مقارنة لأول المأمور به ولا يجوزون الغفلة عنده وإن قارنته بعض مقدماته
المعدودة معه فعلا واحدا، ويكتفون فيما بعد ذلك بالإرادة الإجمالية المنفكة
عن الشعور.

(1) في " أ " و " ب ": " وجوب "، وفي " ج " و " ح ": " لوجوب "، وفي هامش
" ج ": " فيلتزمون به - ل ".
122

[تداخل الأسباب والمسببات]
* (تفريع) *: يأتي على كل من القولين المتقدمين (1) في اعتبار رفع
الحدث، وهو أنه * (إذا اجتمعت) * في المكلف * (أسباب) * للحدث الأصغر
* (مختلفة) * نوعا دفعة أو مترتبة * (توجب) * أي تثبت * (الوضوء) * في
الشرع وجوبا أو استحبابا لكمال واجب كالقئ والرعاف * (كفى وضوء
واحد) * إجماعا، بل ضرورة عند العلماء، ويكتفى في غاية هذا الوضوء بعد
توصيفه بالوجوب أو الندب عند المصنف هنا * (بنية التقرب ولا يحتاج (2)
إلى) * ضم رفع الحدث إليه فضلا عن * (تعيين الحدث) * الواحد أو المتعدد
* (الذي تطهر (3) منه) * لأن الحدث المسبب عن الأسباب المختلفة أمر واحد
لا تعدد فيه - كما في الأحداث الموجبة للغسل - حتى يتوقف صحة الوضوء
على قصد رفع كل ما وقع منها، فلا يرتفع ما لم ينو رفعه، ليترتب أنه متى
قصد رفع حدث واحد فإن لم يقع هذا الحدث بطل الوضوء، نظير نية رفع
الجنابة في غسل الحيض، وإن وقع مع غيره اختص الواقع بالرفع إن لم
يقصد (4) عدم ارتفاع غيره، وإلا ففيه وجوه قيل ببعضها، واحتمل الباقي رفع
الكل، وخصوص المنوي، وعدم الرفع أصلا.
ثم الاكتفاء بالوضوء الواحد ليس من باب تداخل المسببين كما

(1) لم ترد " المتقدمين " في " ب ".
(2) في الشرائع: " ولا يفتقر ".
(3) في الشرائع: " يتطهر ".
(4) كذا استظهرناه، وفي النسخ: " إن لم يقصده ".
123

سيجئ في تداخل الأسباب، ولذا لم يجز تعدد الوضوء بتعدد الحدث إلا من
باب تداخل السببين في التأثير والتسبيب. وكما لا تداخل في الوضوء
بالنسبة إلى أسبابه كذا لا تداخل بالنسبة إلى غاياته، بل الوضوء فعل واحد
يطلب لأمور متعددة يترتب جميعها على رفع الحدث بالوضوء.
ولا فرق بين الغاية الواجبة والمندوبة والملفقة، ولا بين الأسباب
الملزمة له كالأحداث الخمسة، والموجبة لرجحانه كالقئ والرعاف،
وربما استوجه كون التداخل في مثل ذلك كالأغسال المندوبة رخصة
لا عزيمة، والأوجه خلافه.
واعلم أن المصنف قدس سره ذكر مسألة تداخل الأغسال هنا استطرادا،
لأن أسباب الغسل عنده كأسباب الوضوء كما سيأتي من المعتبر (1)، ولذا
قال: * (وكذا لو كان) * الواجب * (عليه) * أو الثابت شرعا بالنسبة إليه
ولو استحبابا * (أغسال) * متفقة في الوجه أو مختلفة كفى عنها غسل واحد
بلا خلاف في ذلك في الجملة، والأصل في ذلك - مع مخالفته للأصل - قول
أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة المروية في السرائر عن كتاب محمد بن
علي بن محبوب وعن كتاب حريز: " إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك
غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة، فإذا
اجتمعت حقوق لله عليك أجزأها عنك غسل واحد، قال: ثم قال: وكذلك
المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها
وعيدها " (2).

(1) المعتبر 1: 361.
(2) السرائر 3: 588 و 608، والوسائل 1: 525، الباب 43 من أبواب الجنابة،
الحديث الأول.
124

وفي رواية ابن عيسى عن علي بن حديد عن جميل بن دراج عن
بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام: " إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر
أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم " (1).
وفي رواية شهاب بن عبد ربه: " وإن غسل ميتا توضأ ثم أتى أهله،
ويجزيه غسل واحد لهما " (2).
وفي غير واحد من الروايات كفاية غسل واحد للجنابة والحيض (3).
وقد يضاف إلى ذلك كله أصالة التداخل في المسببات هنا، بناء على
أن امتثال كل من أوامر هذه الأغسال يحصل بغسل واحد وإن لم نقل
بتداخل الأسباب في التأثير، واستلزامه كون التداخل قهريا كأسباب
الوضوء وهو هنا خلاف الفرض، لمخالفته لإطلاق أدلة سببيتها، بخلاف
التداخل في أمثال المسببات، فإنه مقتضى الإطلاق في الأوامر الواردة
بالمسببات بعد تحقق أسبابها وغير موجب للتداخل القهري، بل هو نظير
تداخل كليين في فرد واحد كما في " أضف فقيرا وأكرم هاشميا "، وقد استدل
بهذا غير واحد تبعا للعلامة قدس سره في بعض كلماته.
وفيه: أن التداخل في المسببات في أمثال المقام أسوأ حالا من
التداخل في الأسباب، نظرا إلى أن التداخل في الأسباب مخالف لظاهر أدلتها
كما مر في منزوحات البئر (4).

(1) الوسائل 1: 526، الباب 43 من أبواب الجنابة، الحديث 2.
(2) الوسائل 1: 526، الباب 43 من أبواب الجنابة، الحديث 3.
(3) انظر الوسائل 1: 526، الباب 43 من أبواب الجنابة.
(4) راجع الجزء الأول: 247 - 248.
125

وأما التداخل في المسببات بعد تسليم استقلال الأسباب في التأثير،
فغير ممكن، لأن الفردين المتحدين مفهوما لا يعقل اتحادهما، لأن كونهما
في الخارج فردين إنما هو بتعدد الوجود. وقياسهما على المفهومين مثل
" أكرم هاشميا " و " أضف فقيرا " واضح الفساد، لإمكان اتحاد المفهومين
في الخارج بتصادقهما في فرد واحد، وأما الفردان من مفهوم واحد فلا يعقل
اتحادهما.
والسر فيه: أن فرض تعدد المسبب يتوقف على تغاير بينهما، إما في
الذهن وإن حصل الاتحاد في الخارج كما في المفهومين، وإما في الخارج كما في
فردين من مفهوم واحد، وأما الوجود الواحد لمفهوم (1) واحد فلا يعقل فيه
تعدد حتى يفرض فيه استقلال كل سبب بمسببه.
ودعوى: أن الفردين المسببين للسببين كالجنابة والمس مثلا، ليس كل
منهما سببا من حيث مفهومه المشترك بينه وبين الفرد المسبب للسبب الآخر
وإلا لم يتخالفا في الآثار، فتخالفهما في الآثار يدل على كون كل فرد منهما
معرفا لعنوان يترتب عليه تلك الآثار، فيرجع الأمر إلى مفهومين يمكن
اتحادهما في فرد واحد يتصادقان فيه.
مدفوعة: بأن اللازم من ذلك عدم جواز تداخلهما لعدم العلم بكون
ذينك المفهومين قابلا للتصادق في فرد واحد. نعم، ربما يقال: إن ظاهر أدلة
الأغسال اتحاد حقيقة الغسل الذي يوجبه أسبابه، فما يوجبه الجنابة من
الغسل عين ما يوجبه الحيض، فيكشف ذلك عن اتحاد حقيقة هذه الأسباب

(1) كذا في " ب "، وفي " أ " و " ع ": " الموجود الواحد لمفهوم واحد "، وفي " ج "
و " ح ": " الموجود الواحد المفهوم واحد ".
126

ورجوعها إلى حدث واحد كما في أسباب الوضوء، فمرجع أصالة عدم
التداخل حينئذ إلى وجوب تكرار هذه الحقيقة الواحدة بتكرر أفراد الحدث
الواحد، وهذا خلاف الإجماع، فإن تعدد الأغسال بتعدد أسبابها وعدم
الاكتفاء فيها بواحد مبني على اختلاف حقائق الأحداث والأغسال وعدم
كونها كموجبات الوضوء، كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم.
لكن الإنصاف: أنه لا ظهور معتد به لتلك الأدلة في اتحاد حقيقة
الأغسال وإن كان يوهمه إطلاقاتها، مع أن هنا ما يدل على تعدد ما يجب
على المكلف عند تعدد الأسباب، فيدل على اختلاف حقائقها لما ادعي من
الإجماع على عدم التعدد على تقدير اتحاد حقيقة الأغسال والأحداث، مثل
قوله عليه السلام: " إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد " (1)،
فإن ظاهر " الحقوق " وظاهر قوله " أجزأها عنك " المتضمن لمعنى الإسقاط:
تعدد الواجب.
ومثل قوله عليه السلام في غسل الحيض والجنابة: " تجعلهما غسلا
واحدا " (2)، فإن استناد الاتحاد إلى جعل المكلف في مقام الأداء والامتثال
ظاهر في تعددهما في أنفسهما.
وقوله: " أجزأ من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم " (3)، فإنه ظاهر في
تعدد الأغسال.

(1) تقدم في الصفحة 124.
(2) الوسائل 1: 527، الباب 43 من أبواب الجنابة، الحديث 5 و 6 وفيهما: " تجعله
غسلا واحدا ".
(3) الوسائل 1: 526، الباب 43 من أبواب الجنابة، الحديث 2.
127

وقوله: " كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة " (1)، فإن ظاهره
اختلاف أنواع الغسل.
وتوهم أنه يمكن أن يكون الاختلاف إضافيا فيتحد الحقيقة، مدفوع
بأن المراد مجرد تمايز كل من الأغسال عن غيره، وأن غسل الحيض والجنابة
ليسا كغسلي جنابة متعاقبين يكون الثاني بحسب المفهوم عين الأول لا تغاير
بينهما إلا في الوجود، وهذا المقدار كاف في عدم جواز التداخل، وليس
المراد بالنوع النوع المنطقي المقابل للصنف.
هذا، مع أن الشك في المسألة بوهن الإطلاقات بأمثال هذه الأمارات
كاف في الأصل الذي قررناه.
فالمستند في ثبوت التداخل في مورده هي الأخبار المتقدمة، فلا بد من
تشخيص مدلولها من حيث عمومها لجميع صور اجتماع الأغسال
واختصاصها ببعضها، فنقول: إن الأغسال المجتمعة إما واجبة أو مندوبة
أو مختلفة (2) فهنا مسائل:
الأولى
أن يجتمع أسباب وجوب الغسل، وله صور:
الأولى: أن ينوي الجميع، والظاهر دلالة الأخبار المذكورة على
التداخل فيها، بل هو المتيقن من مدلولها كما ستعرف، والظاهر أنه موضع
وفاق كما مر عن شرح الدروس (3). نعم، ربما يتوهم الخلاف ممن اعتبر في

(1) الوسائل 1: 516، الباب 35 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
(2) في " ج "، " ح " و " ع " زيادة: " فيها ".
(3) لم نقف عليه.
128

تداخل الأغسال التي أحدها الجنابة نية الجنابة كما في السرائر (1)، لكن
الظاهر أنه أراد منه الجنابة لا بشرط في مقابل نية خصوص غيرها، لا نية
الجنابة بشرط عدم نية الغير.
الصورة الثانية: أن ينوي رفع الحدث أعني ما في المكلف من الحالة
المانعة عن الدخول في المشروط بالطهارة، والظاهر أنه لا خلاف في
التداخل فيه أيضا كما في شرح الجعفرية (2)، لأن مرجعها إلى الصورة الأولى.
الصورة الثالثة: أن ينوي خصوص غسل الجنابة، والمشهور الاجتزاء
به عما عداه، بل صريح السرائر (3) وجامع المقاصد (4) الاجماع عليه، وفي شرح
الجعفرية: عدم الخلاف فيه (5)، وكذا في شرح الموجز (6) رادا بذلك على من
حكى قولا بعدم الاجتزاء به من غسل الاستحاضة، ولعل في هذه
الإجماعات كفاية.
وربما يستدل عليه بالأخبار المتقدمة أيضا، ولا يخلو عن نظر، لأن
الظاهر منها نية الجميع، كما لا يخفى. نعم، ربما كان في مرسلة جميل: " إذا
اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأه غسله ذلك عن كل غسل يلزم عليه
في ذلك اليوم " (7) ظهور في كون الرافع من الجنب غسل الجنابة.

(1) السرائر 1: 123.
(2) الفوائد العلية في شرح الجعفرية (مخطوط)، وفيه: " ولا خلاف في إجزاء غسل الجنابة عن غيره إذا كان هو المنوي ".
(3) السرائر 1: 123.
(4) جامع المقاصد 1: 87.
(5) كشف الالتباس 1: 181.
(6) الفوائد العلية في شرح الجعفرية (مخطوط)، وفيه: " ولا خلاف في إجزاء غسل الجنابة عن غيره إذا كان هو المنوي ".
(7) الوسائل 1: 526، الباب 43 من أبواب الجنابة، الحديث 2، مع اختلاف في الألفاظ.
129

واستدل جامع المقاصد عليه - مضافا إلى الأخبار والإجماع - بأن
الحدث الذي هو عبارة عن النجاسة الحكمية متحد وإن تعدد أسبابه، فإذا
نوى ارتفاعه بالسبب الأقوى ارتفع بالإضافة إلى غيره (1)، وهو استدلال
حسن بناء على جعل الأسباب كأسباب الحدث الأصغر، ولا يحتاج معه إلى
دعوى الأقوائية والأضعفية مع كونها في محل المنع.
واستدل شارح الدروس عليه بصدق الامتثال عرفا، قال: لأنه إذا
طلب شئ من أحد ثم أتى بذلك المطلوب وإن لم يكن إتيانه به من جهة
ذلك الطلب لم يسغ في العرف أن يقال له - معترضا عليه -: أنك لم (2) تأت
بذلك المطلوب، خصوصا إذا كان إتيانه به من جهة طلب آخر من ذلك
الطالب كما فيما نحن فيه. نعم، القدر المسلم على تقدير تمامية دليله أنه لا بد
من الإتيان في الأوامر الإلهية التي من قبيل العبادات بالمأمور به متقربا إلى
الله فالمأمور به في الحقيقة امتثال الطبيعة المقيدة بكونه على وجه الإخلاص
والتقرب، ولا شك أن الإتيان بالمطلوب فيما نحن فيه للتقرب، ولا نسلم أنه
يلزم أن يكون المنظور ذلك الطلب بخصوصه.
ثم أورد على نفسه بمنافاة ذلك لما ورد من أن " الأعمال بالنيات "،
وأن " لكل امرئ ما نوى ". وأجاب - بعد المنع عن دلالتهما على أن غير
المنوي لا يحصل له - بأنه يمكن أن يقال فيما نحن فيه: لا نسلم أنه لم ينو في
الفرض المذكور امتثال أمر مما عدا الجنابة، لأن الامتثال كما عرفت يحصل
بإتيان الفعل مع الإخلاص، فعند قصد ذلك الفعل يقصد الامتثال أيضا

(1) جامع المقاصد 1: 87.
(2) في المصدر ونسخة بدل " ع ": " لم لم ".
130

ضمنا، ولا نسلم ظهور الروايات في اعتبار القصد الصريح.
ثم قال: فإن قلت: مع حصول الامتثال وسقوط الذم والعقاب وعدم
بقاء توجه التكليف، فهل يحصل الثواب والأجر على ذلك الفعل؟ قلت:
الظاهر على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين - كما هو الحق - استحقاق مدح
وثواب على ذلك الفعل، لأن الفعل لا بد أن يكون له في نفسه حسن حتى
يؤمر به، وحسنه لا بد أن لا يكون مشروطا بشئ وإلا لأمر بذلك الشرط
أيضا، غاية الأمر تسليم اشتراط ذلك الأمر بالقربة، وأما اشتراط أن يكون
الإتيان بخصوص ذلك الأمر فلا، فلا بد أن يحصل للمكلف ما يترتب على
ذلك الفعل من المنافع الدنيوية أو الأخروية. نعم، لا نأبى من أن يكون
الإتيان بقصد ذلك الأمر بخصوصه حسنا، لحكم العقل به ظاهرا وقد فاته
ذلك الحسن.
ثم استدل على المطلب بعموم الروايات المتقدمة، ثم قال ما ملخصه:
أنه لولا الدليل الأول المثبت لكفاية الفعل الواحد لامتثال جميع الأوامر
أشكل التمسك بالروايات، لكونها معارضة بأدلة وجوب غسل الحيض الدالة
على وجوب امتثالها، فيدور الأمر بين تقييدها بغير صورة إتيان غسل
الجنابة وتقييد هذه الروايات بصورة نية الجميع، والثاني أولى، لكثرة
المعارضات وأرجحية سندها، مع أن ظاهر رواية الكفاية بقاء وجوب
الأغسال وكفاية غسل واحد لها لا سقوط بعضها، وكذا لو شككنا في تحقق
امتثال الجميع للشك حينئذ في تخصيص أدلة وجوب غسل الحيض (1)، انتهى
موضع الحاجة ملخصا.

(1) مشارق الشموس: 62.
131

أقول: ما ذكره قدس سره أضعف مما ذكره المحقق الثاني قدس سره (1)، لأنه إذا
ثبت تعدد التكليف والمكلف به كما حققنا سابقا واعترف هذا المحقق في آخر
كلامه وفيما قبله من كون امتثال أمر غسل ما عدا الجنابة حسنا بالاستقلال،
وأن لذلك الغسل حسنا مستقلا، وعلم من العقل والعرف أن الامتثال لأمر
يجب امتثاله لا يتحقق إلا مع قصد عنوان المأمور به وإتيانه للأمر به، فكيف
يعقل أن يكون امتثال أحد الأمرين امتثالا للأمر الآخر وإن لم يقصده ولا
التفت إلى متعلقه؟ وهل يكون ذلك إلا مع رفع اليد عن تعدد المكلف به،
والتزام كون الأوامر المتعددة راجعة إلى فعل واحد، ومع دعوى عدم اعتبار
القصد إلى الأمر والمأمور به في تحقق الامتثال؟ والأول خلاف الفرض
والثاني خلاف العقل والنقل كما لا يخفى.
وأضعف من هذا ما فرعه على قاعدة التحسين والتقبيح من المدح
والثواب على الفعل الغير المقصود، فإن القاعدة المذكورة - مع تسليم دلالتها
على اعتبار ثبوت الحسن في المأمور به وعدم كفاية وجود الحسن في نفس
التكليف - أن المتصف بالحسن والقبح لا يكون إلا العنوان المقصود الملتفت
إليه دون العنوان المتحقق في ضمن عنوان مقصود من دون التفات، فإن
إكرام زيد إذا لم يلتفت الفاعل إلى تصحبه لإكرام عمرو ولم يقصده
لا يترتب عليه مدح ولا ذم، بل لو تحقق فإنما يتحقق من غير اختيار
فلا يتصف بالحسن والقبح أصلا.
وأما ما ذكره أخيرا من أنه لولا دليل الامتثال أشكل التمسك
بالروايات من جهة المعارضة، ففيه: أنا في سعة من هذه المعارضة بدعوى

(1) راجع الصفحة 130.
132

ظهور الأخبار في نية الجميع، فتكون هذه الأخبار حاكمة على أصالة عدم
التداخل كاشفة عن كون الأغسال المتعددة قابلة للتصادق في فعل واحد.
نعم، لو عممناه لصورة نية البعض لظهور أدلة الأغسال ورواية الحقوق (1) في
تعدد التكليف كشف أخبار التداخل (2) الدالة بالفرض على كفاية نية البعض
عن اتحاد حقيقتها وحقيقة الأحداث الموجبة لها، لكن لا يبعد تقديم أخبار
التداخل وحكومتها على تلك الأدلة، وسيجئ تفصيل الكلام في ذلك.
ثم الظاهر عدم الحاجة إلى الوضوء، لأن غسل الجنابة يكفي عن
الوضوء المسبب عن أي سبب كان كما هو ظاهر قوله تعالى: (وإن كنتم
جنبا فاطهروا) (3)، حيث إنه تعالى فصل بين الجنب وغيره، كما لا يخفى.
ويؤكد الاستدلال بها ما رواه محمد بن مسلم، قال: " قلت
لأبي جعفر عليه السلام: أن أهل الكوفة يروون أن عليا عليه السلام كان يأمر
بالوضوء قبل غسل الجنابة، قال عليه السلام: كذبوا، ما وجدوا ذلك في كتاب
علي عليه السلام، إن الله عز وجل يقول: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) " (4)، فإن
الإمام عليه السلام استشهد بالآية على عدم وجوب الوضوء على الجنب.
ويمكن الاستدلال بما ورد من أن غسل الجنابة ليس قبله ولا بعده
وضوء (5)، بناء على أن المنفي هو مطلق الوضوء الشامل للمسبب عن أسباب

(1) الوسائل 1: 525، الباب 43 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 1: 525، الباب 43 من أبواب الجنابة.
(3) المائدة: 6.
(4) الوسائل 1: 516، الباب 34 من أبواب الجنابة، الحديث 5، مع اختلاف في
الألفاظ.
(5) الوسائل 1: 515، الباب 34 من أبواب الجنابة، الحديث 2.
133

الغسل، لا مدخلية الوضوء في رافعية غسل الجنابة كما هو الظاهر حتى
لا ينافي ثبوت الوضوء بأسبابه الأخر، وقال شارح الدروس - بعد الإشكال
في سقوط الوضوء لولا الإجماع -: أنه لو قيل بأن كفاية غسل الجنابة
ليس من جهة امتثال الجميع بل لسقوط غيره به، كان عدم وجوب الوضوء
ظاهرا من غير مناقشة، كما لا يخفى (1)، انتهى.
وهو متجه لو كان معنى سقوط غيره به ارتفاع الحدث الآخر به، أما
لو أريد سقوط غسل آخر به فلا ينافي بقاء وجوب الوضوء عليه.
ثم إن ظاهر كلمات الأصحاب عدم الفرق في كفاية غسل الجنابة
عما عداه بين عدم الالتفات إلى ذلك الغسل وبين الالتفات إليه وقصد
سقوطه وبين قصد عدم سقوطه، ونوقش في شرح الدروس والمفاتيح في
شمول الإجماع للصورة الأخيرة (2)، وهو في محله لو كان دليل المسألة الإجماع
المحقق، أما الإجماع المدعى في السرائر وجامع المقاصد (3) فهو مطلق
كالأخبار على تقدير دلالتها، إلا أن يدعى انصراف المطلق في معقد الإجماع
ومورد النص إلى غير هذه الصورة، لكن الأرجح في النظر شمول فتوى
المجمعين لهذه الصورة وإن كان إطلاقهم منصرفا إلى غيره، لأن ظاهرهم
المصرح به بعضهم (4) كون غسل الجنابة رافعا لحدث الحيض، والرفع

(1) مشارق الشموس: 63.
(2) مشارق الشموس: 62، ومصابيح الظلام (مخطوط): 362.
(3) تقدم منهما في الصفحة 129.
(4) انظر جامع المقاصد 1: 86 - 87.
134

غير متوقف على ما ذكر. نعم، يشكل الأمر عند من استشكل ذلك في (1)
الحدث الأصغر إذا نوى عدم ارتفاع بعض الأحداث.
الصورة الرابعة: أن يقصد ما عدا غسل الجنابة كغسل الحيض، وهو
تارة يفرض مع غسل الجنابة، وأخرى مع غيره.
أما الأول: فالكلام فيه في مقامين:
الأول: صحة هذا الغسل على ما نواه، وفيه إشكال من حيث
إطلاقات الأمر بذلك الغسل واقتضاء الأمر للإجزاء، وقوله: " لكل
امرئ ما نوى " (2)، ومما سيجئ من عدم كفايته عن الجنابة، فارتفاع
الأضعف مع بقاء الأقوى غير معقول، وإطلاقات الأوامر غير شاملة لما نحن
فيه، لأن وجوب غسل الحيض هنا عينا خلاف الإجماع المنعقد على جواز
الاقتصار على غسل الجنابة المتعين عليه، فإن تعين الشئ على المكلف مع
تعيين ما يسقطه عليه لغو، وتخييرا غير معقول، إذ لا بدل له إلا على القول
بعدم كفاية الجنابة مع قصد عدم ارتفاع حدث الحيض، والإشكال وارد على
من لا يقول بذلك وهم الأكثر، وسيأتي في المقام الثاني ما يدفع به هذا
الإشكال ويظهر منه صحة هذا الغسل بالنسبة إلى نفسه.
المقام الثاني: في كفايته عن غسل الجنابة، واختاره المصنف هنا وفي
المعتبر (3). وتبعه المحقق الثاني (4) والشهيدان (5)، ونسبه شارح الجعفرية إلى

(1) لم ترد " في " في " ج " و " ع ".
(2) الوسائل 1: 35، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 10.
(3) المعتبر 1: 361.
(4) جامع المقاصد 1: 87 - 88.
(5) الدروس 1: 88، المسالك 1: 35.
135

المشهور (1)، وهو غير ثابت كما ستعرف.
واستدل عليه في المعتبر بأنه - يعني الغسل بنية خصوص الحيض -
غسل صحيح نوى به الاستباحة فيجزي.
وأوضحه في جامع المقاصد بما تقدم منه في الاستدلال على كفاية
غسل الجنابة عن غيره من اتحاد الحدث وإن تعدد أسبابه، وزاد على ذلك
وجهين: أحدهما: إطلاق الأخبار المتقدمة، والثاني: الدليل الذي قرره على
وجهين وجعل أوضحهما أنه لو لم يجز غسل الحيض عن الجنابة عند وجوبهما
امتنع وجوبه، والتالي واضح البطلان، بيان الملازمة: أن وجوب الفعل
يقتضي القطع بترتب الإجزاء على الإتيان به مشتملا على جميع وجوه
الوجوب وسقوط الطلب عن المكلف، وغسل الحيض على ذلك التقدير لا
يترتب على فعله الإجزاء ولا سقوط الطلب، وإنما يترتب الإجزاء على فعل
الغسل المقارن له وهو الجنابة، ووجوده كعدمه فيكون التكليف به تكليفا بما
لا يجزي، وهو ممتنع.
أو يقال: وجوب غسل الحيض على تقدير عدم إجزائه عن غسل
الجنابة ليس أحد أقسام الوجوب فيجب انتفاؤه، بيان الملازمة: أن الوجوب
ينقسم باعتبار الفعل إلى الحتمي والمرتب والمخير، ووجوب غسل الحيض في
الفرض المذكور على تقدير عدم إجزائه عن الجنابة ليس واحدا منها، فينتفي
وجوبه، وإذا انتفى وجوبه على تقدير عدم الإجزاء عن الجنابة وجب - بحكم
العكس - أن يجزي على تقدير الوجوب (2)، وهو المطلوب، انتهى كلامه رفع
مقامه.

(1) الفوائد العلية في شرح الجعفرية (مخطوط)، ويأتي عنه - أيضا - في الصفحة 144.
(2) جامع المقاصد 1: 88.
136

* (وقيل) * بعدم الكفاية وأنه * (إذا نوى غسل الجنابة أجزأ عن غيره،
وإذا نوى (1) غيره لم يجز عنه) * نسب إلى الشيخ (2)، وهو صريح السرائر (3)
والوسيلة (4) وبعض كتب العلامة (5) والإيضاح (6) والموجز (7) وشرحه (8)، بل أكثر
من تعرض للمسألة، بل ربما يستظهر من السرائر شمول الإجماع المدعى فيه
على كفاية غسل الجنابة، لعدم كفاية غيره، قال: إن كانت المرأة حائضا ثم
طهرت فقبل أن تغتسل جامعها زوجها فالواجب عليها أن تغتسل غسل
الجنابة دون غسل الحيض، لأن غسل الجنابة له مزية وقوة وترجيح على
غسل الحيض، لأنه لا خلاف في أنه يستباح بمجرده الصلاة وليس كذلك
غسل الحيض، وأيضا غسل الجنابة عرف وجوبه من القرآن وغسل الحيض
عرف وجوبه من السنة.
ثم ضعف الوجه الأخير بعدم الفرق بين ما ثبت من الكتاب وما ثبت
بالسنة المتواترة، ثم قال: والمعتمد في ذلك الإجماع (9)، انتهى.
فإن الظاهر أن التعليلين المذكورين لأجل مزية غسل الجنابة الكاشفة

(1) في الشرائع: " ولو نوى ".
(2) انظر المبسوط 1: 40.
(3) السرائر 1: 123.
(4) الوسيلة: 56.
(5) كنهاية الإحكام 1: 112، والقواعد 1: 179.
(6) إيضاح الفوائد 1: 13.
(7) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 42.
(8) كشف الالتباس 1: 181.
(9) السرائر 1: 123.
137

عن عدم كفاية غيره عنه، وإلا فكفايته عن غيره يكتفى فيه تساوي
الغسلين ولا يحتاج إلى إثبات الترجيح، فالعدول عن كلا التعليلين
أو أحدهما إلى الإجماع ظاهر في إرادة الإجماع على الترجيح، فيثبت
مرجوحية غسل الحيض وعدم كفايته وهو المطلوب، فافهم.
وكيف كان، فهذا القول هو الأقوى، للأصل، وضعف ما استدلوا به
على الكفاية، إذ لم يثبت اتحاد الحدث ولا شاهد عليه بل الشاهد على
خلافه، فإن حدث الحيض يوجب حرمة الوطء ء أو كراهته بخلاف حدث
الجنابة، وقد تقدمت الأمارات الدالة على اختلاف حقائق الأغسال.
وأما الإطلاقات، فقد عرفت ظهورها في قصد الجميع مع معارضتها
بالموثق، كالصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام: " في رجل
جامع امرأته فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة، قال: غسل الجنابة عليها
واجب " (1).
ورواه في السرائر عن كتاب ابن محبوب (2)، وظاهرها عدم كفاية
غسل الحيض عن غسل الجنابة.
وما في شرح الدروس من أن وجوب غسل الجنابة عليها لا ينافي
سقوطه بغسل الحيض، والثمرة تظهر في استحقاق عقابين على تركهما (3)، ففيه:
أن ظاهرها وجوب الغسل عليها (4) بعنوان أنه غسل الجنابة.

(1) الوسائل 1: 527، الباب 43 من أبواب الجنابة، الحديث 8، مع اختلاف في
الألفاظ.
(2) السرائر 3: 611.
(3) مشارق الشموس: 65.
(4) كذا في مصححة " ع "، وفي النسخ: " عليه ".
138

وأما ما ذكره جامع المقاصد أخيرا، ففيه: أن معنى اجتماع وجوب
غسل الحيض والجنابة وجوب رفع الحدثين، وهو قد يتحقق بغسل واحد
منوي به رفعهما أو خصوص الجنابة، وقد يتحقق بفعل غسل الحيض أولا
فيرتفع به حدث الحيض، ويترتب عليه آثاره من ارتفاع حرمة الوطء ء
أو كراهته وجميع أحكام الطاهر من الحيض، ويبقى رفع الجنابة بغسل آخر،
فغسل الحيض أحد فردي الواجب التخييري بالنسبة إلى أحد الواجبين،
وهو رفع حدث الحيض، لا بالنسبة إلى وجوب رفع الحدث المطلق
واستباحة الصلاة. نعم، لو لم يترتب على غسل الحيض أثر لا يتوقف على
غسل الجنابة أمكن دعوى لغوية إيجاب غسل الحيض، إلا أن ذلك يكون كاشفا
عن اتحاد حقيقة الحدثين فيرجع إلى الوجه الأول وهو ادعاء اتحاد الحدث.
ويمكن الاستدلال على المطلب بما يظهر منه كون الحيض أعظم من
الجنابة فيرتفع برافعه - نظير الجنابة بالنسبة إلى الحدث الأصغر - مثل رواية
سعيد بن يسار: " في المرأة ترى الدم وهي جنب أتغتسل من الجنابة؟ قال:
قد أتاها ما هو أعظم من ذلك " (1).
وما يظهر منه كون كل من الحيض والجنابة بمنزلة الآخر في الحكم
كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم، قالا: " قلنا له: الحائض والجنب يدخلان
المسجد؟ قال: لا يدخلان المسجد إلا مجتازين، إن الله تبارك وتعالى
يقول: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) " (2)، فإن الاستدلال

(1) الوسائل 2: 565، الباب 22 من أبواب الحيض، الحديث 2 مع اختلاف في
الألفاظ.
(2) الوسائل 1: 486، الباب 15 من أبواب الجنابة، الحديث 10 مع اختلاف في
الألفاظ، والآية من سورة النساء: 43.
139

بآية الجنب لحكم الحائض يدل على اتحاد حدثهما أو كون حدث الحيض
أعظم، وعلى أي تقدير فيرتفع برفع الحدث.
ورواية الاحتجاج في حديث الزنديق مع أبي عبد الله عليه السلام، وفيه:
" قال الزنديق: فما علة غسل الجنابة وقد أتى الحلال وليس من الحلال
تدنيس؟ قال: إن الجنابة بمنزلة الحيض، وذلك أن النطفة دم لم يستحكم...
الخبر " (1)، والظاهر أن المراد بالدم هو الذي يستحيل إليه النطفة وهي العلقة،
وإلا فالنطفة دم استحال إليها.
وما يظهر منه اتحاد غسل الجنابة والحيض كصحيحة ابن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام: " في المرأة تحيض وهي جنب، هل عليها غسل
الجنابة؟ قال: غسل الجنابة والحيض واحد " (2).
وفي الجميع نظر، أما في الأول، فلأن الظاهر أن الأعظمية الصالحة أن
يكون وجها لعدم وجوب غسل الجنابة عليه عدم قابلية الحيض للارتفاع
فلا فائدة في إيجاب غسل الجنابة عليه، لأنه لا يجب إلا للصلاة فهو مساوق
لتعليل عدم وجوب غسل الجنابة على الحائض في بعض الأخبار بأنه " قد
جاءها ما يفسد الصلاة " (3)، إذ المراد إفساد لا يقبل الإصلاح وإلا لم يمنع من
وجوب غسل الجنابة، مع أن الأعظمية لا تجدي لجواز ارتفاع الأقوى وبقاء
الأضعف كالحيض بالنسبة إلى الحدث الأصغر.

(1) الإحتجاج 2: 93، وعنه في الوسائل 1: 465، الباب 1 من أبواب الجنابة،
الحديث 14 مع اختلاف في الألفاظ فيهما.
(2) الوسائل 1: 527، الباب 43 من أبواب الجنابة، الحديث 9.
(3) الوسائل 2: 565، الباب 22 من أبواب الحيض، الحديث الأول.
140

وأما الآية، فالاستشهاد بها من جهة أن كل ما يحرم على الجنب يحرم
على الحائض، ولا يدل على العكس ولا ينفع.
وأما رواية الاحتجاج، فهي ضعيفة.
وأما الرواية الأخيرة، فظاهرها - بقرينة السؤال عن وجوب غسل
الجنابة - أن غسل الجنابة والحيض الموجود منها في الخارج يكون واحدا،
لا أنهما في الشرع شئ واحد.
وبالجملة، فلم نظفر على شئ قابل للورود على أصالة عدم التداخل.
نعم، استدل بعض القائلين بالتداخل بما تقدم في كفاية غسل الجنابة من
صدق الامتثال (1)، * (و) * قد عرفت أنه * (ليس بشئ) *.
واعلم أن ظاهر المحقق في المعتبر (2) والعلامة في التذكرة (3) - بل نسب
إلى غيرهما (4) على وجه يشعر بعدم ظهور الخلاف -: أن الكلام في كفاية
ما عدا غسل الجنابة عنه إنما هو على القول بعدم إغنائه عن الوضوء، أما
على القول بالإغناء فلا كلام ولا إشكال في كفاية كل واحد عن الآخر،
ولعل وجهه اتحاد حقيقة الأغسال على هذا القول وكفاية كل واحد في إباحة
الصلاة، ولا يخلو عن التأمل لإمكان منع الملازمة، فإن اختلاف آثار
الأحداث كجواز وطء الجنب من غير كراهة، وكراهة وطء الحائض
أو حرمته يدل على اختلاف حقائقها، فرفع بعضها بارتفاع بعض آخر
يحتاج إلى دليل.

(1) مشارق الشموس: 63.
(2) المعتبر 1: 361.
(3) انظر التذكرة 1: 274.
(4) كالمحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 64.
141

ومنه يظهر: أن الأغسال ما عدا غسل الجنابة لا دليل على اتحاد
حقائقها وإن اتحدت من حيث الإغناء عن الوضوء أو عدمه، لكن شارح
الدروس استظهر الإطباق على كفاية بعضها عن بعض (1)، ولعل منشأ
استظهار الإطباق ما استظهرناه من الوجه مما ذكرنا عن المعتبر والمنتهى
وغيرهما من كفاية بعض الأغسال عن بعض إذا اشترك الكل في الإغناء
عن الوضوء، فإن لازم ذلك الوجه اتحاد حقائق ما عدا غسل الجنابة، لأنها
مشتركة إما في الإغناء عن الوضوء وإما في الحاجة إليه، فالكلام فيه نظير
الكلام في كفاية غير غسل الجنابة عنه، والأقوى عدمه إلا أن يثبت
ما استظهر من الإطباق أو ما ادعوه في الأخبار من الإطلاق.
الصورة الخامسة: أن يقصد غسلا مطلقا من دون إضافة إلى حدث
ولا قصد استباحة الصلاة، ولا كلام في فساده، بناء على اعتبار رفع الحدث
أو الاستباحة.
وأما على عدم اعتبارهما فالأقوى ذلك أيضا، لعدم العلم بكون أوامر
الاغتسال يمتثل بذلك، لعدم ثبوت كونها حقيقة واحدة رافعة لحدث واحد
نظير الوضوء، فلعلها متباينة كلية أو متصادقة يتوقف امتثالها على نية
الجميع. نعم، لو ثبت إطلاق الأخبار لم يبعد القول بالصحة.
فتلخص مما ذكرناه في اجتماع الأغسال الواجبة: التداخل مع نية
الجميع أو نية خصوص الجنابة على تأمل فيما إذا قصد عدم ما عداه،
فالاحتياط في ترك هذا القصد لاحتمال إخلاله بالغسل، والأحوط أن يغتسل
غسل الجنابة قاصدا لارتفاع ما عداه من الأحداث ثم الإتيان بالغسل
الآخر احتياطا.

(1) مشارق الشموس: 65.
142

بقي هنا أمران:
الأول: أن التداخل في مورد جوازه رخصة أو عزيمة؟
نسب غير واحد من المعاصرين (1) إلى ظاهر الأكثر الأول، بل نسبه
الفاضل القمي قدس سره في بعض مؤلفاته إلى ظاهر الأصحاب (2)، مع اعترافه
بعدم مصرح به سوى المحقق الأردبيلي قدس سره، والظاهر أن منشأ النسبة
تعبيرهم بلفظ الإجزاء، لكن الذي يظهر بعد ملاحظة كلماتهم أن ظاهر
الأكثر بل صريحهم (3) هو الثاني، وأن أسباب الغسل كأسباب الوضوء، لأن
القائلين بالتداخل بين من لا يرى الوضوء في غير غسل الجنابة، وقد عرفت
تصريح جماعة بعدم الإشكال في التداخل حينئذ. قال في المعتبر: فإن
لم نشترط الوضوء مع غير غسل الجنابة كفى الغسل الواحد بنية أيها اتفق (4)،
انتهى.
ومقتضى هذا الكلام عدم الحاجة إلى قصد التداخل وأن سقوط الآخر
قهري، وقد عرفت أن منشأه اتحاد حقيقة الأغسال.
وأما غير هؤلاء كالمحققين والشهيد وغيرهم ممن (5) اكتفى بكل غسل
واجب عن الآخر (6)، فقد عرفت كلام الأولين في المعتبر وجامع المقاصد:

(1) منهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 24، ولم نعثر على غيره.
(2) غنائم الأيام: 41.
(3) كالفاضل النراقي ووالده، على ما حكاه عنه في المستند 2: 371.
(4) المعتبر 1: 361.
(5) في غير " ب ": " فممن ".
(6) المعتبر 1: 361، وجامع المقاصد 1: 89، والدروس 1: 88.
143

التصريح في اتحاد الحدث الأكبر كالأصغر، وكفاية كل واحد من الأغسال في
استباحة الصلاة، وكلام المصنف هنا أيضا ظاهر في العزيمة، حيث حكم
بكفاية وضوء واحد عند اجتماع أسبابه، ثم عطف عليه الأغسال مؤذنا بأن
معنى الكفاية في المتعاطفين واحد وهو عدم مشروعية الزائد.
والتعبير بالكفاية هنا وبالإجزاء في الأخبار للإشارة إلى أن الرخصة
والتخفيف ملحوظ في تشريع الحكم لا في أداء المكلف.
ومن هنا يستظهر ذلك من كلام الشهيد أيضا، حيث قال: وتتداخل
موجبات الوضوء وكذا موجبات الأغسال على الأقوى، وإجزاء غسل
الجنابة عن غيره دون العكس تحكم (1).
وأما القائلون بكفاية غسل الجنابة عن غيره دون العكس، فمن أنكر
منهم أو استشكل في شرعية غسل الحيض قبل الجنابة - كالعلامة في بعض
كتبه (2) - فلا يعقل عدم التداخل عنده، لأنه إن قدم غسل الجنابة كفى قهرا
غيره، كما يظهر من استدلالهم بأن غسل الجنابة أقوى، وإن قدم غيره
لم يصح.
نعم، من قال بصحة غسل غير الجنابة كما قويناه أمكن كون التداخل
عنده رخصة، بمعنى أن له أن يقدم غير غسل الجنابة، فيتعدد الأغسال، وله
أن يقدم غسل الجنابة فيكتفى به قهرا.
وقد تحصل مما ذكرنا: أنه إن نوى غسل الجنابة لم يقل أحد بجواز
غسل آخر بعده، وإن نوى غيره فالمحققان والشهيد (3) بل المشهور كما في

(1) الدروس 1: 88.
(2) انظر نهاية الإحكام 1: 112، والتذكرة 2: 147.
(3) تقدم عنهم في الصفحة السابقة.
144

شرح الجعفرية (1) أنه كذلك، بناء منهم على كون أسباب الغسل كأسباب
الوضوء موجبة لحدث واحد.
وأما غيرهم، فإن لم يقل بصحة ذلك الغسل عن نفسه فلا يتصور
التعدد عنده. وإن قال بصحته أمكن تعدد الغسل.
فظهر أن الأكثر على كون التداخل في الأغسال كالتداخل في أسباب
الوضوء عزيمة. نعم، لو ادعي أن بناءهم في الوضوء ليس على العزيمة كان
هناك كذلك.
الثاني: أن الغسل الواحد الكافي عن المتعدد لا شك في كونه من
العبادة التي يستحق بها الثواب، ويشترط فيها قصد الامتثال والقربة، فلا بد
فيه من أمر، وهو بناء على أصالة التداخل في الأسباب هو الأمر الواحد
المتعلق بذلك الغسل الواحد، وعلى أصالة التداخل في الامتثال هو كل من
الأوامر المتعلقة بكل واحد من الأغسال، فالغسل الواحد امتثال حقيقي
للأوامر المتعددة.
وأما على المختار من أصالة عدم التداخل واقتضاء تعدد الأوامر
لتعدد الامتثال فلا بد من جعل النصوص الواردة في المسألة إما كاشفة
عن وحدة حقيقة المأمور به في تلك الأوامر - نظير ما هو مقتضى الأصل
عند القائل بالتداخل في تأثير الأسباب فيجب حينئذ قصد غسل واحد
لحدث واحد حاصل بأول الأسباب - وإما كاشفة عن كون الأوامر المتعددة
بالأغسال المتعددة على وجه يمكن تصادقها في عنوان واحد كسائر المفاهيم

(1) الفوائد العلية في شرح الجعفرية (مخطوط)، وفيه - عند قول الماتن: (والإجزاء
قوي) -: وهو المشهور فيما بينهم.
145

المغايرة المتصادقة في بعض الأوقات - نظير ما هو مقتضى الأصل عند
القائل بالتداخل في الامتثال - فيجب قصد تحقق جميع الأغسال في ضمن
الغسل الواحد، وهذا أوفق بما ذكرنا من الأمارات الظاهرة في تعدد تلك
الأغسال.
وأما الاكتفاء بغسل الجنابة عن غيره فليس فيه امتثال لأوامر غسل
الحيض أصلا، خلافا لما تقدم من شارح الدروس وقد عرفت ضعفه عقلا
وعرفا. وحينئذ فإن استفدنا هذا الحكم من الأخبار بناء على شمولها لصورة
نية الجميع ونية البعض فيكشف ذلك عن اتحاد حقيقة الأحداث على خلاف
ما استفدناه من الأمارات المتقدمة، واللازم حينئذ بمقتضى إطلاق الأخبار
كفاية ما عدا غسل الجنابة عنه.
لكنا قد استظهرنا اختصاص الأخبار بصورة نية الجميع، واخترنا عدم
كفاية ما عدا غسل الجنابة.
فالحكم بكفاية غسل الجنابة عما عداه لا يكون إلا لأجل الإجماع
والشهرة ومرسلة جميل المتقدمة (1)، ويجعل هذه كاشفة عن ارتفاع حدث
الحيض مثلا بغسل الجنابة، فلا يبقى أمر بغسل الحيض حتى يمتثل، نظير
ارتفاع حدث النوم قبل الجنابة بغسل الجنابة وسقوط امتثال قوله: " إذا نمت
توضأ " (2).

(1) تقدمت في الصفحة 129.
(2) لم نقف على خبر باللفظ المذكور، ولعله قدس سره قاله على سبيل المثال. نعم، في
الحديث المشهور عنه صلى الله عليه وآله: " من نام فليتوضأ "، عوالي اللآلي 2: 178،
الحديث 38.
146

المسألة الثانية: أن يجتمع أغسال مستحبة، فإن نوى الجميع بغسل
واحد فالمشهور ظاهرا على كفايته، ويظهر من الإرشاد عدمه (1)، وهو وإن
كان أوفق بالأصل إلا أن ظاهر الصحيحة المتقدمة المشتملة على ذكر
الحقوق (2) على خلافه.
وتوهم: اختصاصها بصورة وجود الغسل الواجب، مدفوع بأن
الغسل الواجب إنما ذكر فيها على سبيل الفرض، يعني أن الغسل الواحد
مجز عن غسل الجنابة أو الحيض على تقدير وجودهما، لا أن المورد
مختص بمن عليه غسل الجنابة أو حيض كما لا يخفى على المتأمل،
مع أنه يكفي قوله عليه السلام: " إذا اجتمعت لله عليك حقوق... إلى آخره "،
فإن المراد ثبوت الحقوق وهي الأغسال ولو على وجه الاستحباب
لا خصوص الواجبات، لأن مورد الرواية مشتمل على الأغسال الواجبة
والمستحبة.
اللهم إلا أن يجعل الكلام فقرة مستقلة غير واردة في مورد الفقرة
السابقة، لكنه خلاف الظاهر.
ولو نوى بعضها - كالجمعة - ففي إجزائه عن غيره - كغسل العيد -
وجهان، أقواهما: العدم، للأصل بعد ظهور الصحيحة المذكورة في نية
الجميع.
وربما يستدل للإجزاء بقوله عليه السلام في رواية عثمان بن يزيد: " إن
اغتسل بعد الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل، ومن

(1) الإرشاد 1: 221.
(2) الوسائل 1: 526، الباب 43 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
147

اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر " (1).
وقد اعتنى جماعة بدلالتها واهتم بعضهم بسندها حتى نقل في الحدائق
عن بعض مشائخه المتأخرين: أن الظاهر أن " عثمان بن يزيد " مصحف
" عمر بن يزيد " بقرينة رواية " عذافر " عنه (2)، لكن الظاهر عدم دلالتها
على المطلوب رأسا، بل الظاهر منها أن كل موضع ثبت فيه الغسل لأجل
المكان - كدخول الحرم والمسجدين والمشاهد - أو لأجل الفعل - كالزيارة
والطواف - فاغتسل لأجل تلك الغاية في أول النهار كفاه ذلك إلى الليل،
ولم يحتج إلى إعادته لو تأخر فعل تلك الغاية عنه، وكذا لو اغتسل له في
أول الليل، كما ورد ذلك في غيرها من الروايات (3)، بل في بعضها: أن
" غسل يومك يجزيك لليلتك " (4).
والعجب من بعض مشايخنا قدس سره (5) حيث استدل بها أيضا في المقام.
ثم التداخل هنا في صورة نية الجميع رخصة أو عزيمة؟ الأقوى هو
الأول، بناء على أن الأخبار كاشفة عن تعدد حقائق هذه الأغسال
وتصادقها، فيجوز امتثال أوامرها بمواد افتراقها كما يجوز بمادة تصادقها.
وهل يعتبر في نية الجميع العلم بها تفصيلا، أو يكفي قصد كل غسل عليه في
الواقع وإن لم يعلم به أو اعتقد بعدمه؟ وجهان، أقواهما: الأول.

(1) الوسائل 9: 14، الباب 9 من أبواب الإحرام، الحديث 4، ولفظه: " من اغتسل
بعد طلوع الفجر... ".
(2) الحدائق 2: 202.
(3) الوسائل 9: 13، الباب 9 من أبواب الإحرام.
(4) نفس المصدر، الحديث 6.
(5) وهو المحقق النراقي في المستند 2: 368.
148

المسألة الثالثة: أن يجتمع أغسال بعضها واجب وبعضها مستحب،
فإن نوى خصوص الواجب، فإن كان جنابة فالمشهور - كما عن جماعة -
سقوط المستحب به، كما في المبسوط والخلاف (1) والسرائر (2) ومحكي الجامع (3)
وظاهر الوسيلة (4) والبيان (5) ومحكي المسالك (6) وجماعة ممن تأخر عنهم (7)،
بل عن غير واحد (8) حكاية الاتفاق عليه، وهو الظاهر من السرائر (9)،
لمرسلة جميل (10)، وفحوى ما رواه في باب الصوم من الفقيه من كفاية
غسل الجمعة لمن نسي غسل الجنابة (11) المعتضدة بحصول المقصود من الغسل

(1) المبسوط 1: 40، الخلاف 1: 222، المسألة 191.
(2) السرائر 1: 124.
(3) الجامع للشرائع: 34.
(4) الوسيلة: 56.
(5) البيان: 40.
(6) المسالك 1: 35.
(7) منهم السيد العاملي في المدارك 1: 196، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 9،
والفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 1: 18.
(8) في البحار (81: 29) بعد نسبة الحكم إلى المشهور بين الأصحاب: " بل قيل: إنه
متفق عليه "، ولم نعثر على حكاية الاتفاق في غيره، نعم في جامع المقاصد (1: 87)
ادعاء الإجماع في خصوص المسألة.
(9) السرائر 1: 123.
(10) الوسائل 1: 526، الباب 43 من أبواب الجنابة، الحديث 2، وتقدمت في
الصفحة 129.
(11) الفقيه 2: 119، الحديث 1896.
149

المندوب.
وفي التعويل على المرسلة سندا ودلالة في مقابل قولهم عليهم السلام: " إنما
الأعمال بالنيات " (1) و " لا عمل إلا بنية " (2) - المطابق أو المنجبر أو المؤيد
بأصالة عدم السقوط حتى على القول بالتداخل، لأن المسلم منه إيجاد الفعل
الواحد بقصد امتثال طلبين لا كفاية امتثال خصوص أحد الطلبين عن الآخر
مع عدم قصد امتثاله - ما لا يخفى.
وأما الفحوى، ففي أصلها مع اختصاصه بالناسي منع، كدعوى حصول
المقصود. ومن هنا اتجه استشكال المحقق في المعتبر (3)، بل منع العلامة (4)
والمحقق الثاني (5) وغيرهما (6).
ومما ذكرنا يعلم حكم غير غسل الجنابة من الأغسال الواجبة، بل
يعلم حكم ما إذا نوى خصوص المستحب وأنه لا يجزي عن الواجب لعدم
الدليل عليه حتى المرسلة عدا بعض الإطلاقات المتقدم - مع دعوى ظهورها
أو انصرافها إلى الغسل الواقع بنية الجميع - وما تقدم من رواية الفقيه

(1) الوسائل 1: 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات.
(2) المصدر المتقدم.
(3) المعتبر 1: 361.
(4) نهاية الإحكام 1: 113.
(5) يستفاد المنع مما قاله في مجمع الفوائد، على ما حكاه عنه في مفتاح الكرامة
1: 22.
(6) منهم المحقق البهبهاني والشيخ الكبير كاشف الغطاء والسيد بحر العلوم، على
ما نسب إليهم في الجواهر 2: 135.
150

المختصة بالناسي الغير المقاومة لمثلها.
نعم، الظاهر صحة ذلك الغسل، للإطلاقات، خلافا للشيخ في
المبسوط (1)، لأن المقصود منه - كما يستفاد من أدلته - التنظيف، وهو كمال
لا يحصل إلا للمتطهر.
وفي (2) نهوض هذا الوجه لتقييد الإطلاقات - خصوصا بملاحظة ما
ورد في المستفيضة من استحباب غسل الإحرام للحائض (3)، الكاشف عن
معقولية حصول التنظيف للمحدث - منع واضح، فلا مانع عن الإطلاقات.
وأما إذا نوى الواجب والمستحب كليهما، فظاهر المشهور الإجزاء
عن كليهما، بل في الخلاف الإجماع على إجزاء غسل واحد للجنابة
والجمعة (4).
ويدل عليه ما تقدم من رواية الحقوق (5)، وحيث دلت تلك الرواية
على تعدد الحقوق والتكاليف وكفاية الواحد في امتثال الجميع كشفت (6) عن
كون حقائق تلك الأغسال قابلة للتصادق، وحينئذ فيجتمع في الفرد الواحد
عنوانان: واجب ومستحب، نظير مصاديق عنواني الواجب والمستحب في
الموارد الشرعية والعرفية، كما إذا أمر السيد بإكرام زيد وجوبا وإكرام عمرو

(1) المبسوط 1: 40.
(2) في " ع ": " وهو في ".
(3) الوسائل 9: 64، الباب 48 من أبواب الإحرام.
(4) الخلاف 1: 221، المسألة 189.
(5) راجع الصفحة 124.
(6) في " ع ": " كشف ".
151

استحبابا فأكرم رجلا كان إكرامه إكراما لهما بقصد امتثال الأمرين، ولا يعد
مثل ذلك من اجتماع الحكمين المتضادين أعني الوجوب والاستحباب، لأن
المجتمع هو جهتهما لا أنفسهما، كما إذا أتى بفرد واحد يكون مصداقا لواجبين،
فإن المثلين كالضدين لا يجتمعان.
ثم إن هذا يشكل بناء على اعتبار نية الوجه في الواجبات
والمستحبات، فإن نية الأمرين هنا غير ممكنة، ولهذا استشكل نية الجميع في
المقام بعضهم وأبطلها آخرون، ففي محكي الجامع في هذا المقام: وإن نوى (1)
الواجب والمندوب قيل: يجزي عنهما، وقيل: لا يجزي، لأن الفعل الواحد
لا يكون واجبا وندبا (2)، انتهى.
وجزم العلامة في كثير من كتبه بالبطلان (3)، وعلله في المختلف بأنه إن
نوى الوجوب عن الجمعة والجنابة لا يجزي (4)، لأنه نوى الوجوب عما (5) ليس
بواجب، وإن نوى الندب لم يوقع غسل الجنابة على وجهه، وإن نواهما معا
كان الفعل الواحد قد نوى فيه (6) الوجوب والندب (7) فلا يقع عليهما ولا على
أحدهما، لأنه ترجيح بلا مرجح (8)، انتهى.

(1) لم ترد " نوى " في " ب ".
(2) الجامع للشرائع: 34.
(3) التذكرة 2: 148، والمنتهى 2: 480، ونهاية الإحكام 1: 113.
(4) في المصدر: " لم يجزه ".
(5) في المصدر: " فيما ".
(6) في المصدر: " به ".
(7) في المصدر زيادة: " وهما ضدان ".
(8) المختلف 1: 319.
152

وفي الذكرى: أنه مشكل، لتضاد وجهي الوجوب والندب (1)، وعن
قواعده: أنه لو نوى الجنابة والجمعة بطل، لتنافي الفعلين (2)، وذكر في
الروض (3) ما في المختلف.
وعن كشف اللثام: جواز تداخل الواجب والندب إن كان الواجب
غسل الجنابة للنص، وإلا فلا، لتضاد الأحكام (4)، انتهى.
وقد تصدى جماعة من الأصحاب لدفع هذا الإشكال، فدفعه في
الذكرى بأن نية الوجوب يستلزم نية الندب لاشتراكهما في الترجيح،
ولا يضر اعتقاد منع الترك، لأنه مؤكد للغاية، ومثله الصلاة على جنازتي
بالغ وصبي بل مطلق الصلاة الواجبة (5)، انتهى.
والمراد من التمثيل: مطلق الواجبة من حيث اشتمالها على الأفعال
المندوبة، كما سيجئ من الروض (6).
وما ذكره هنا قد اختاره في الذكرى في مسألة الصلاة على الموتى،
حيث قال: والأقرب جواز الجمع بين من يجب عليه ومن يستحب، لإطلاق
الأخبار في ذلك، فحينئذ يمكن الاكتفاء بنية الوجوب لزيادة الندب تأكيدا،
ويمكن أن ينوى الوجهين معا بالتوزيع، قاله في التذكرة، لعدم التنافي

(1) الذكرى: 25.
(2) القواعد والفوائد 1: 80، الفائدة الرابعة، وفيه: " لتنافي الوجهين ".
(3) روض الجنان: 18 - 19.
(4) كشف اللثام 1: 14.
(5) الذكرى: 25.
(6) سيأتي في الصفحة الآتية.
153

لاختلاف الاعتبارين. ويشكل بأنه فعل واحد عن مكلف واحد فكيف يقع
على وجهين (1)، انتهى.
وأشار بما في التذكرة إلى قول العلامة فيها في الصلاة الواحدة على
المتعدد من الأموات ما لفظه: لو كانوا مختلفين في الحكم بأن وجب على
بعضهم واستحب على آخر لم يجز جمعهم بنية متحدة الوجه، ولو قيل بإجزاء
الواحدة المشتملة على الوجهين بالتقسيط أمكن (2)، انتهى.
وفي قواعد الشهيد بعد ما تقدم من الحكم بالبطلان (3) ما لفظه: ويحتمل
الإجزاء، لأن نية الوجوب هي المقصودة فتلغو نية الندب، أو نقول: يقعان،
فإن غاية غسل الجنابة رفع الحدث وغاية غسل الجمعة النظافة، فهو كضم
التبرد إلى التقرب (4)، انتهى.
وما ذكره من أن نية الوجوب هي المقصودة يحتمل رجوعه إلى ما في
الذكرى، ويحتمل كونه وجها ثالثا في رفع الإشكال.
وذكر في الروض بعد تقوية اعتبار نية السبب في الغسل المندوب قال:
ويمكن سقوط اعتبار السبب هنا ودخوله تحت الوجوب كما في الأذكار
المندوبة خلال الصلاة الواجبة، والصلاة على جنازتي من زاد على الست
ومن نقص (5)، انتهى.

(1) الذكرى: 63.
(2) التذكرة 2: 67.
(3) تقدم في الصفحة السابقة.
(4) القواعد والفوائد 1: 80، الفائدة الرابعة.
(5) روض الجنان: 19.
154

أقول: تقرير الإشكال هنا من وجهين:
أحدهما: كون الفعل الواحد محكوما بالوجوب والاستحباب وإن لم
يعتبر نية الوجه.
الثاني: امتناع نية الوجوب والندب معا في الفعل الواحد، ومنشأ
التنافي هو الأول.
ثم إنه قد تقرر في موضعه عدم اجتماع حكمين فعليين على فعل واحد،
سواء كانا متضادين كالوجوب وغيره أم متماثلين كوجوبين ونحوهما.
فكما أن اتصاف غسل واحد بالوجوب والاستحباب الفعليين
لا يجوز فكذا لا يجوز اتصافه بوجوبين، وكما يمكن اجتماع جهتي
وجوبين في فعل واحد بأن يكون عنوانا لكليين واجبين كذلك يمكن
اجتماع جهتي وجوب وندب فيه، كإطاعة الوالد وإجابة الصديق
المجتمعين في فعل واحد، ولا ريب أن غسل الجمعة وغسل الجنابة إذا قلنا
بكونهما مفهومين متصادقين - كما يظهر من رواية الحقوق (1) - كان مصداقهما
مجمعا لجهتي الوجوب والندب لا لنفس الوجوب والندب الفعليين، بل
الفعل متصف فعلا بالوجوب دون الاستحباب، لأن وجود الجهة المانعة
من الترك لا يزاحمه وجود جهة أخرى غير مانعة من الترك بخلاف العكس،
وحينئذ فإن اعتبرنا في العبادة نية الوجوب أو الندب لم ينو هنا إلا
الوجوب، ولو اكتفينا بنية وجههما بالمعنى المتقدم في مسائل النية نواهما معا.
ويمكن تطبيق ما ذكرنا على جميع ما ذكره الشهيد، فإن مراده من
لغوية نية الندب: عدم الفائدة فيه، لأن الفعل غير متصف بالفعل

(1) الوسائل 1: 525، الباب 43 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
155

إلا بالوجوب، وإن كان الجهة النادبة موجودة فيه، ومراده من وقوعهما معا:
وقوع الغايتين المقصودتين من الواجب والمندوب، ومراده من تأكد الوجوب
بالندب: تأكد جهته، من حيث إن الرجحان يصير آكد من دون معارضة
المصلحة، إذ الندب يحتاج إلى مصلحة غير مانعة من الترك أو مجوزة للفعل
من جهته لا من جميع الجهات حتى يعارض الجهة الموجبة، ولذا يسقط
الاستحباب بمجرد طريان سبب الوجوب الأصلي بسبب النذر أو المقدمي
بسبب صيرورته مقدمة لواجب.
ومما ذكرنا يظهر مراد العلامة رحمه الله في التذكرة من نية الوجهين في
الصلاة الواحدة على البالغ ستا والناقص عنها (1). نعم، يتأتى على مذهب من
جوز اجتماع الحكمين المتضادين في فعل واحد من جهتين نية الوجوب
والندب الفعليين، ولهذا تفصى بعضهم عن هذا الإشكال، لكن الظاهر أن
العلامة لا يقول بذلك.
وأما ما ذكره في الروض من التمثيل بالصلاة الواجبة المشتملة على
الأذكار المندوبة (2) من حيث إن تلك الصلاة فرد من مطلق الصلاة فيجب
ومشتملة على المندوب فيكون مندوبة لجواز تركها لا إلى بدل فإن المقتصر
فيها على الواجب هو بدل عن مجموع الأجزاء الواجبة الموجودة في الفرد
المشتمل على المندوب لا عن مجموع الواجب والمندوب، و (3) يمكن أن يريد
أن المقصود أصالة هو الواجب، والمندوب إنما يؤتى به تبعا.

(1) التذكرة 2: 67.
(2) راجع الصفحة 154.
(3) لم ترد " و " في " أ " و " ج ".
156

والاحتمال الأول أنسب فعطف (1) هذا المثال على مثال الصلاة على بالغ
وغيره، والثاني هو الذي صرح به في القواعد، حيث علل الاكتفاء بنية
الوجوب بأن المندوب في حكم التابع (2) ونية المتبوع تغني عن نية التابع (3).
ثم إن المحكي عن صاحب الذخيرة أنه تفصى عن الإشكال:
أولا: بأن الدليل لما دل على الاجتزاء بغسل واحد عن الغسلين
يلزم أن يقال: إحدى الوظيفتين تتأدى بالأخرى، بمعنى أنه يحصل له
ثوابها وإن لم يكن من أفرادها حقيقة، كما تتأدى صلاة التحية بالفريضة
والصوم المستحب بالقضاء. وثانيا: بأن ما دل على استحباب غسل
الجمعة مخصص بصورة لا يحصل سبب الوجوب، والمراد من كونه مستحبا
أنه مستحب من حيث نفسه مع قطع النظر عن طريان العارض المقتضي
للوجوب (4)، انتهى.
أقول: مرجع الأول إلى وجوب قصد خصوص الجنابة لا كليهما،
والإشكال مفروض في الثاني دون الأول، وأما الثاني فإن أريد به وجوب
غسل الجمعة لعارض فهو بعيد جدا، وإن أريد وجوبه من حيث مصادقته
مع عنوان واجب فالإشكال في أنه محكوم بالاستحباب المضاد للوجوب
أولا، فلا يجوز قصده والمفروض قصد الغسلين.

(1) كذا في النسخ، والظاهر: " بعطف ".
(2) في " ب " زيادة: " ونية المندوب في حكم التابع "، والعبارة في المصدر هكذا:
" لأن المندوب في حكم التابع للواجب ".
(3) القواعد والفوائد 1: 81، الفائدة الرابعة.
(4) الذخيرة: 10.
157

وأضعف من الوجهين ما ذكره بعض المعاصرين (1) وهو أن هذا الفرد
ليس مصداقا للكليين حتى يلزم الإشكال، بل هو أمر خارج عنهما، فهو من
قبيل فرد لكلي آخر اجتزأ الشارع به عن الواجب والمندوب، لكن لما
شابههما في الصورة سمي بالتداخل، وإلا فهو ليس غسل جنابة وغسل جمعة
ليرد ذلك.
ثم قال: فإن قلت: هذا الغسل واجب أو مستحب أو كلاهما.
قلت: هو حيث يقوم مقام الأغسال الواجبة فهو أحد فردي الواجب
المخير، بمعنى أن المكلف مخير بين أن يأتي بالفعلين أو بالفعل الواحد المجزي
عنهما.
وحيث يقوم مقام الواجب والمندوب فهو مندوب محضا، لأنه يجوز
تركه لا إلى بدل، لأن بدله الواجب والمستحب جميعا يجوز تركه والاقتصار (2)
على الواجب فقط، وهو ليس بدلا عنه فيجوز تركه لا إلى بدل فلا يكون
واجبا، فينوي - بناء على اشتراط نية الوجه - الندب فيه مع نية الاجتزاء به
عن الواجب والمندوب، وعلى عدم الاشتراط ينوى القربة مع نية الاجتزاء
به عن الجميع (3)، انتهى.
أقول: لا يخفى أن الامتثال المقصود (4) في العبادات لا يكون إلا بعد
تعلق الأمر بها، والأمر بهذا الفعل الخارج عن مصداق الفعلين المأمور بكل

(1) هو صاحب الجواهر قدس سره.
(2) كذا في النسخ، وفي المصدر: " ويجوز للمكلف الاقتصار ".
(3) الجواهر 2: 129.
(4) الكلمة غير واضحة في " ب ".
158

منهما بأمر مستقل ليس إلا ما كشف عنه قوله عليه السلام: " أجزأك عنها غسل
واحد " (1)، إذ ليس بعد قطع النظر عن الأمر بغسل الجنابة والأمر بغسل
الجمعة سوى ذلك، فإذا فرض تعلق الأمر به فهذا الفعل الثالث قد اشترك
مع كل من الغسلين في تحقق مصلحتهما به، فلا محالة يكون كل من الأمرين
المتعلق بخصوص كل من الغسلين أمرا تخييريا، وهذا الأمر الثالث المستفاد
من حديث التداخل أمرا تخييريا آخر، فيرجع الأمر إلى أن مطلوب
الشارع من الجنب في يوم الجمعة هو أحد الفردين من الغسل المنوي به
خصوص الجنابة المطابق لأوامر غسل الجنابة، ومن الغسل الثالث المنوي به
الاجتزاء عن الجميع المطابق للأمر المستفاد من حديث التداخل، وأن
مطلوب الشارع من الجنب المذكور استحبابا هو أحد الفردين من الغسل
المأمور به خصوص الجمعة المطابق لأوامر غسل الجمعة، ومن الغسل الثالث
المنوي به الاجتزاء عن الجميع المطابق للأمر المستفاد من دليل التداخل،
فيرجع الأمر بالآخر إلى صيرورة هذا الفرد الثالث أحد فردي المطلوب
وجوبا من الجنب المدرك ليوم الجمعة، وأحد فردي المطلوب منه ندبا، فعاد
المحذور من اجتماع الحكمين المتضادين في فعل واحد على وجه أشنع، لأن
التخيير العقلي في الواجب والمستحب يمكن القول باجتماع فردين منه في
مصداق واحد بخلاف التخيير الشرعي.
فالتحقيق ما عرفت سابقا من أن أدلة التداخل - خصوصا رواية
الحقوق - تكشف عن كون مفاهيم الأغسال متصادقة، فإشكال اجتماع
الواجب والمستحب في مصداق واحد لا محيص عنه، وطريق الدفع ما ذكره

(1) الوسائل 1: 525، الباب 43 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
159

العلامة (1) والشهيدان (2)، أو المراد اجتماع الحكمين المتضادين كما التزمه بعض
المحققين (3).

(1) التذكرة 2: 67.
(2) الذكرى: 63، روض الجنان: 19.
(3) كالمحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 66.
160

* (الفرض الثاني: غسل الوجه) *
* (وهو) * لغة - كما عن ظاهر بعضهم (1) - ما يواجه به، وعن
الناصريات: أنه لا خلاف في ذلك (2)، وعن المصباح المنير: أنه مستقبل كل
شئ (3)، والمراد به هنا * (ما بين منابت الشعر في مقدم الرأس إلى طرف الذقن
طولا) * بلا خلاف ولا إشكال، بل نسبه في المعتبر (4) والمنتهى (5) إلى مذهب
أهل البيت عليهم السلام، * (وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضا) *.
وهذا التحديد هو المعروف، بل الظاهر المصرح به في كلام بعضهم (6)
عدم الخلاف في ذلك، والمستند في ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام،
حيث قال له: " أخبرني عن الوجه الذي ينبغي أن يتوضأ الذي قال الله

(1) مثل العلامة في المنتهى 2: 21، والفاضل المقداد في التنقيح 1: 78.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 220.
(3) المصباح المنير 2: 649.
(4) المعتبر 1: 141.
(5) المنتهى 2: 21.
(6) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 26.
161

تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) (1)، فقال: الوجه - الذي أمر الله بغسله الذي
لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص عنه، إن زاد عليه لم يؤجر وإن
نقص عنه أثم -: ما دارت عليه الإبهام والوسطى من قصاص الشعر إلى
الذقن، وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه * (وما سوى
ذلك (2) فليس من الوجه) * قال: قلت: الصدغ من الوجه؟ قال: لا " (3).
والظاهر أن المراد بدوران الإصبعين إحاطتهما، ولذا عبر في المبسوط
بما بين الإبهام والوسطى (4)، ويمكن تصوير شبه دائرة من مجموع الإصبعين
بأن يوضع طرفاهما منضمين على وسط الناصية، ثم تفرقا ويجري الإبهام
من اليمين والوسطى من اليسار إلى أن يجتمعا ثانيا، في آخر الذقن، والمراد
بالقصاص: منتهى منبت الشعر من الناصية. وهذه الفقرة بيان لمجموع الوجه.
وقوله: " وما جرت عليه الإصبعان فهو من الوجه " بيان للخط
الطولي الفاصل بين الوجه وغيره، فهو في قوة التأكيد لما قبله.
واعترض شيخنا البهائي قدس سره على هذا التفسير بلزوم دخول
النزعتين - بالتحريك - (5)، وهما البياضان المكتنفان بالناصية من الطرفين.

(1) الآية لم ترد في جميع المصادر الحديثية، ولعلها كانت حاشية توضيحية خلطت
بالمتن.
(2) في الشرائع: " وما خرج عن ذلك ".
(3) الوسائل 1: 283، الباب 17 من أبواب الوضوء، الحديث الأول، مع اختلاف
كثير.
(4) المبسوط 1: 20.
(5) الحبل المتين: 14.
162

ويرده: أن المراد بالقصاص ليس مطلق منتهى منبت الشعر الذي
يأخذ من كلمة من الناصية (1) ويرتفع عن النزعة ثم ينحدر إلى مواضع
التحذيف ويمر فوق الصدغ حتى يتصل بالعذار، بل المراد منتهى الناصية وهو
واضح.
واعترض أيضا بلزوم دخول الصدغين مع نص الرواية على
خروجهما.
وفيه: أن الصدغ خارج عن (2) التفسير المذكور في المنتهى (3) المنسوب (4)
إلى الفقهاء، وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار المحاذي لرأس الأذن وينزل
عن رأسها قليلا. نعم، المصرح به في الصحاح (5) كما عن غيره (6): أنه ما بين
العين والأذن، وأنه يسمى الشعر المتدلي عليه صدغا.
والظاهر أن الفقهاء - بملاحظة التصريح في الصحيحة على خروج
الصدغ وظهوره في خروجه عن الحد لا إخراجه عن حكم المحدود - حملوا
الصدغ فيها على المعنى الأخير المذكور في اللغة، وهو الشعر المتدلي، بناء
على أن الشعر المذكور متدل غالبا على ما يحاذي منتهى العذار لا على
مجموع ما بين العين والأذن، لأنه غير متعارف، فالصدغ في كلام الفقهاء

(1) كذا، وفي " ع ": " بين الناصية ".
(2) في " ع ": " على - خ ل ".
(3) المنتهى 2: 24.
(4) في " ج " و " ح ": " والمنسوب ".
(5) صحاح اللغة 4: 1323، مادة: " صدغ ".
(6) القاموس المحيط 3: 109.
163

يراد به ولو مجازا: موضع الشعر المذكور ومتدلاه، وهذا مع مخالفته لظاهر
النص والفتوى هو الوجه الجامع بين كلمات الفقهاء وأهل اللغة، ضرورة
عدم ثبوت حقيقة اصطلاحية للصدغ لم يعرفه أهل اللغة، ولولا تصريحهم
بخروج الصدغ بجميع أجزائه عن حد الوجه أمكن حمل الرواية على نفي كون
مجموعه من الوجه المجامع (1) لكون بعضه منه، لكنه خلاف ظاهرها.
وأما العذار - وهو: الشعر النابت على العظم الناتئ أي المرتفع الذي
هو سمت الصماخ، الذي يتصل أعلاه بالصدغ وأسفله بالعارض - فالمشهور
كما في الحدائق (2) خروجه.
وفي التذكرة: أن العذار - وهو ما كان على العظم الذي يحاذي وتد
الأذن - ليس من الوجه عندنا، خلافا للشافعي (3).
ويمكن حمله على مجموع العذار، لأنه قال قبل ذلك: ولا يجب غسل
ما بين الأذن والعذار من البياض، ثم قال تبعا للمعتبر (4): ولا ما خرج عن
الإصبعين من العذار (5).
فإن كلمة " من " ظاهرها التبعيض، ولو أراد البيان لقال:
" ولا العذار "، لكن له كلام آخر (6) ظاهر في إرادة خروج كله كما أن

(1) في " ج " و " ح ": " الجامع ".
(2) الحدائق 2: 229.
(3) التذكرة 1: 153.
(4) المعتبر 1: 141.
(5) التذكرة 1: 152.
(6) لم نقف إلا على كلامه المتقدم الصريح في خروج العذار عن الوجه.
164

للمعتبر كلاما ظاهرا في دخول كله (1)، فراجع.
وصريح المبسوط (2) والخلاف (3) والمحكي عن الإسكافي (4) الدخول، وكذا
صريح المرتضى قدس سره وجده الناصر، حيث حكى في الناصريات عن
الناصر وجوب غسل العذار بعد نباتها، لوجوبه قبل نباتها، ثم رده بأن
حكمه حكم اللحية، والشعر إذا علا البشرة انتقل الفرض إليه (5)، وكذا
الشهيد والمحقق الثانيين (6)، ولعلهما يريدان بعضه الغير المحاذي للصدغ الذي
صرحا بخروجه، لكن الظاهر خروج أزيد منه، لأن ما حوته الإصبعان عند
كون اليد على ما يقابل الصدغين أزيد منه عند كونها على ما يقابل
العذارين لمكان نتوء الأنف، فإذا كانت اليد مقابلة لرأس الأنف ربما خرج
كله، فلاحظها.
وأما العارضان، وهو ما نزل عن العذارين من الشعر، فصرح في
المنتهى بخروجهما (7) والشهيد والمحقق الثانيان بدخولهما (8)، بل عن أولهما

(1) وهو قوله: " ولأن ما ذكرناه متفق على أنه من الوجه، وما وراء العذار ليس
كذلك ".
(2) المبسوط 1: 20.
(3) الخلاف 1: 77، المسألة 25.
(4) الأصل في الحكاية هو الشهيد قدس سره، حيث نقل عبائر الفاضلين وابن أبي عقيل
وابن الجنيد، ثم قال: " وظاهر هذه العبارات وجوب غسل العذار "، الذكرى: 83.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 220.
(6) المسالك 1: 36، وجامع المقاصد 1: 213.
(7) المنتهى 2: 24.
(8) المسالك 1: 36، وجامع المقاصد 1: 213.
165

الاتفاق عليه، ويشكل دخول ما قابل الأذن منه وما يقرب منه، لعدم
وصول الإصبعين إليه، ولا إشكال في دخول أكثره، فتنزيل القولين على
التبعيض كما قطع به بعض (1) غير بعيد.
ثم إن صاحب المدارك لما لاحظ أن اليد إذا وضعت على ما يقرب
الذقن فيتجاوز ما بين الإصبعين عن العارضين ألجأه ذلك إلى دعوى أن
تحديد العرض بما بين الإصبعين مختص بوسط تدوير الوجه (2) لا لكل خط
عرضي منه ما بين القصاص والذقن.
وفيه - مع منافاته لكلمات الأصحاب، حيث يعللون الخروج
والدخول في الصدغ والعذار ومواضع التحذيف بوصول الإصبعين وعدمه -:
أنه مناف لظاهر الصحيحة (3)، وما ذكره لا يصلح للصارف، لأن التحديد
بذلك بالنسبة إلى ما يمكن توهم دخوله في الوجه كالصدغ والعذار والبياض
الفاصل بين العذار والأذن وبعض العذار، لا بالنسبة إلى ما يقطع بخروجه
عنه كالجزء من الرقبة مما يلي العارضين قريبا من الذقن.
وكذا المراد من القصاص هو منتهى الشعر من الناصية لا مطلقه
فيشمل منتهاه المار على أعلى النزعتين، إذ لا يتوهم دخولهما.
وبالجملة، فالمراد من الصحيحة هو التحديد المذكور بالنسبة إلى
ما يمكن توهم دخوله أو قال بعض العامة بدخوله، وإن كان مقتضى مفهومه
منطبقا على معنى يوجب دخول معلوم الخروج كالنزعتين وما يتجاوز من

(1) انظر مشارق الشموس: 101.
(2) المدارك 1: 198.
(3) وهي صحيحة زرارة المتقدمة في الصفحة 162.
166

العارضين إلى الرقبة.
ومما ذكرنا يظهر أن ما دقق النظر (1) فيه شيخنا البهائي قدس سره وارتضاه
المحدث الكاشاني قدس سره (2) طاعنا على تفسير المشهور بدخول ما هو خارج
بالاتفاق أعني النزعتين والصدغين، بعيد في الغاية. قال قدس سره في أربعينه:
والذي يظهر لي من الرواية أن كلا من طول الوجه وعرضه هو ما اشتمل
عليه الإصبعان، بمعنى أن الخط المتوهم من القصاص إلى طرف الذقن وهو
الذي يشتمل عليه الإصبعان غالبا إذا ثبت وسطه وأدير على نفسه حتى
يحصل شبه دائرة فذلك القدر هو الذي يجب غسله، ثم ذكر: أن قوله: " من
قصاص الشعر " إما حال من الخبر، وإما متعلق ب‍ - " دارت " يعني أن
الدوران يبتدئ من قصاص الشعر منتهيا إلى الذقن، ولا ريب أنه إذا
اعتبرت الدوران على هذه الصفة للوسطى اعتبر للإبهام عكسه وبالعكس
تتميما للدائرة المستفادة من قوله عليه السلام: " مستديرا " فاكتفى عليه السلام بذكر
أحدهما عن الآخر، وأوضحه بقوله عليه السلام: " وما جرت عليه الإصبعان
مستديرا فهو من الوجه " فقوله: " مستديرا " حال من المبتدأ [وهو " ما "] (3)،
وهذا صريح في أن كلا من طول الوجه وعرضه شئ واحد هو ما اشتمل
عليه الإصبعان عند دورانهما كما ذكرناه.
وحينئذ فيستقيم التحديد، ولا يدخل فيه مواضع التحذيف ولا الصدغان،
لأن أغلب الناس إذا طبق الخط المتوهم من انفراج ما بين الإبهام والوسطى

(1) لم ترد " النظر " في " ب ".
(2) مفاتيح الشرائع 1: 45.
(3) من المصدر.
167

ما بين قصاص ناصيته إلى طرف ذقنه وأداره مثبتا وسطه ليحصل شبه (1)
الدائرة وقعت مواقع التحذيف والصدغان خارجة عنها، فالتحديد المشهور
يزيد على ما فهمنا من الرواية بنصف تفاضل ما بين مربع معمول على دائرة
قطرها انفراج الإصبعين، وتلك الدائرة أعني (2) مثلثين يحيط بكل منهما
خطان مستقيمان وقوس من تلك الدائرة، ومواضع التحذيف والصدغان
واقعان في هذين المثلثين (3)، انتهى كلامه رفع مقامه.
وإنما جعل التفاوت بينه وبين المشهور نصف التفاضل، لأن النصف
الآخر من تحت الدائرة خارج من الوجه على كل مذهب.
والحاصل: أن المربع المعمول على الدائرة له أربع زوايا ثنتان من فوق
وثنتان من تحت، ومجموع تفاضل المربع على الدائرة بأربع زوايا وأربع
مثلثات ونصفه مثلثان.
ثم إنه يرد على ما ذكره قدس سره - مضافا إلى بعده عن فهم العرف،
الذي هو الملحوظ للشارع وأمنائه عليهم السلام في بيان الأحكام -:
أولا: أن جعل كل من الطول والعرض شيئا واحدا هو انفراج
ما بين الإصبعين غير صحيح غالبا، لأن الغالب أن ما بين القصاص
إلى الذقن يقصر عما بين الإصبعين. نعم، ربما يقرب من انفراج ما بين
السبابة والإبهام المقتصر عليه في الصحيحة على رواية العياشي، وإلا
فالموجود في الكتب المعروفة " الوسطى " فقط أو مع السبابة، وحينئذ

(1) في النسخ: " منه "، والصواب ما أثبتناه من المصدر.
(2) في " ب " و " ع ": " على "، وفي باقي النسخ: " أعلى "، وما أثبتناه من المصدر.
(3) الأربعين: 29 مع اختلاف.
168

فإطلاق الطول على ما بين القصاص والذقن مع كونه أقصر من عرض الوجه
باعتبار قامة الإنسان.
وثانيا: أن اعتبار الدائرة التي تثبت وسطها في وسط الخط الواصل
بين القصاص والذقن يوجب خروج جزء من الجبهة والجبينين، لأن خط
الجبهة مستقيم أو منحدب أقل من انحداب القوس المتوهم عليه من الدائرة
المذكورة، بل يوجب خروج شئ من اللحيين كما صرح به في الذخيرة (1)
وتبعه غير واحد (2).
وثالثا: أن ما قربه من خروج الصدغين إن أراد بهما مجموع ما بين
العين والأذن - على ما صرح به أهل اللغة - فخروجه مخالف للإجماع، وإن
أراد ما تقدم عن المنتهى وغيره فهو خارج على التفسير المشهور، وأما
النزعتان فلا يدخلان في تحديد المشهور بالبديهة.
وأما رابعا: فلأن ما ذكره من جعل الدوران مبتدئا من القصاص
منتهيا إلى الذقن، إن أراد به دوران أحد الإصبعين، فهو خلاف ظاهر
الرواية، بل ظاهرها إما دوران المجموع، أو دوران كل منهما.
وإن أراد به دوران المجموع فهو لا يبتدئ من القصاص ولا ينتهي
إلى الذقن، لأن دور كل منهما من حيث المبدأ والمنتهى عكس الآخر
كما اعترف به.
وأما قوله: " مستديرا " فهو صفة لمصدر محذوف، أي جريانا

(1) الذخيرة: 26، وفيه: خروج بعض الجبينين.
(2) منهم الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح على ما نقله عنه في مفتاح الكرامة 1:
239، والمحقق النجفي في الجواهر 2: 142.
169

مستديرا، لأن الإصبعين يجريان من القصاص إلى الذقن على وجه
الاستدارة لاستدارة الوجه عرفا.
وبالجملة، فلا أظن في ما ذكره المشهور شيئا من القصور والله العالم.
* (ولا عبرة بالأنزع) * وهو من انحسر شعره عن القصاص المتعارف
* (ولا الأغم (1)) * وهو من على بعض جبهته الشعر، بل يغسلان من القصاص
المتعارف.
ثم المراد من الوجه هو العضو المخصوص المعلوم صغيرا أو كبيرا
كأسامي سائر الأعضاء، وأما الإصبع الواقع ضابطا لحده فالمراد: الإصبع
المتعارف لأوساط الناس * (ولا) * عبرة * (بمن تجاوز (2) أصابعه) * عن المقدار
الواجب غسله من * (العذار أو قصرت عنه، بل يرجع كل منهما (3) إلى مستوى
الخلقة (4)) *، لانصراف المطلق - خصوصا الواقع ميزانا وضابطا - إلى
المتعارف الغالب.
ولا يجري هذا الانصراف في لفظ " الوجه "، لأن المفروض إضافته
إلى المكلف ووجه كل مكلف أمر واحد شخصي.
نعم، لو قدر شيئا بمقدار الوجه انصرف إلى المتعارف، كما أنه لو كلف
كل أحد بغسل مفهوم ما اشتمل عليه الإصبعان مما يواجه به وجب مراعاة
مقدار الإصبع زاد على العضو المعلوم أو نقص.

(1) في الشرائع: " ولا بالأغم ".
(2) في الشرائع: " تجاوزت ".
(3) في الشرائع: " منهم ".
(4) في الشرائع زيادة: " فيغسل ما يغسله ".
170

ولو قدره لكل مكلف بإصبعه روعي ذلك وجهه (1) صغيرا أو
كبيرا.
ولو حدد الوجه المضاف إلى المكلف بمقدار إصبعه المضاف أيضا بأن
حد وجه كل أحد بما اشتمل عليه إصبعاه، فإن علم إرادة المفهوم في الحد
فالمتبع هذا الإصبع الشخصي كما أنه لو علم إرادة مفهوم الوجه، وإنما ذكر
الإصبع ميزانا فيحمل التحديد على اختصاصه بالأفراد المتعارفة من
المكلفين، وإلا وقع التعارض بين ظاهر الحد والمحدود.
* (و) * اعلم أن المشهور المحكي عن بعض حواشي الألفية الاتفاق
عليه (2) أنه * (يجب أن يغسل من أعلى الوجه إلى الذقن (3)) *، للوضوءات
البيانية (4)، ولما أرسله في المعتبر والمنتهى والذكرى من قوله عليه السلام وقد أكمل
وضوئه: " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " (5)، قال في المعتبر: أي
بمثله، وأرسله الصدوق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن الصادق عليه السلام (6)،
بناء على أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكس في الغسل قطعا.
وللمروي في قرب الإسناد، قال: " قلت لأبي الحسن عليه السلام: كيف
أتوضأ للصلاة؟ قال: لا تعمق في الوضوء ولا تلطم وجهك بالماء لطما،

(1) كذا في النسخ، والعبارة لا تخلو عن قصور.
(2) حكاه عنه صاحب الجواهر في الجواهر 2: 148.
(3) في الشرائع زيادة: " ولو غسل منكوسا لم يجز على الأظهر ".
(4) الوسائل 1: 271، الباب 15 من أبواب الوضوء، الأحاديث 2، 6، 10 و 22.
(5) راجع المعتبر 1: 143، المنتهى 2: 32، الذكرى: 83.
(6) الفقيه 1: 38، الحديث 76.
171

ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا " (1).
ويرد على الأول: أن الوضوءات البيانية مشتملة على مندوبات، مع
أن إثبات الوجوب بها مشكل، مع أن المشتمل على الغسل من الأعلى ليس
فيه أنه وضوء بياني.
وأما رواية قرب الإسناد، فالأمر فيه محمول على الاستحباب قطعا،
لتقييده بكونه على وجه المسح في مقابل اللطم.
وأما المرسلة، فهي مجملة باعتبار المشار إليه بقوله: " هذا " هل هو
نوع الوضوء؟ فمدلوله اشتراط الصلاة بالوضوء، أو شخص الوضوء باعتبار
جميع مشخصاته؟ فيلزم تخصيص الأكثر الموجب لهذرية الكلام أو بعض
مشخصاته، فالمتيقن ما علم وجوبه من الخارج.
وبهذا يندفع ما يقال: إن هذه المرسلة كالمقيد المجمل لمطلقات الكتاب
والسنة، فإن المرسلة لو بقيت على عمومها الدال على وجوب المماثلة من
جميع الجهات إلا ما خرج، كان مقيدا للإطلاقات قطعا، وإلا كان الشك في
أصل التقييد بما زاد على المتيقن، فافهم.
فيتجه ما حكي عن جماعة - منهم السيد (2) وابني سعيد وإدريس (3) -
من جواز العكس، وقال به أو مال جماعة (4) تبعا لصاحب المعالم (5) وشيخنا

(1) قرب الإسناد: 312، الحديث 1215، وعنه في الوسائل 1: 280، الباب 15 من
أبواب الوضوء، الحديث 22.
(2) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1: 143، والعلامة في المختلف 1: 276.
(3) الجامع للشرائع: 35، السرائر 1: 100.
(4) منهم السيد العاملي في المدارك 1: 200، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 27.
(5) قال به في اثني عشريته، على ما حكاه عنه في مفتاح الكرامة 1: 240.
172

البهائي (1).
اللهم إلا أن يمنع اعتبار الإطلاقات، لا لانصرافها إلى المتعارف، وهو
الابتداء من الأعلى، لمنع تعارف الابتداء من الأعلى، بل هو نادر، فإن
الغسل المتعارف هو صب الماء على الجانب الأعلى لا من خصوص
القصاص، بل لورودها كأكثر الإطلاقات الواردة في العبادات - كمسح
الوجه والأيدي في التيمم وشبه ذلك - في مقام إيجاب أصل العبادة لا بيان
كيفيتها، وحينئذ فيرجع إلى الأصول، فإن قلنا بأصالة الاشتغال في هذا
المقام فهو، وإلا لم يجد جريان أصالة البراءة بعد قوله عليه السلام: " لا صلاة
إلا بطهور " (2) الدال على وجوب إحراز الطهور المراد به الرافع و (3) المبيح،
فيشك في حصوله بغير المتيقن.
والمسألة محل إشكال، وما عليه المشهور أحوط، بل أقوى بملاحظة
ما سيجئ في غسل اليد، بعد عدم القول بالفصل بينه وبين غسل الوجه
كما هو ظاهر الفاضلين (4) والشهيد (5) وجماعة (6).
وعليه، فهل يجب غسل الأعلى فالأعلى، أم يكفي الابتداء منه؟ ظاهر

(1) الحبل المتين: 12.
(2) الوسائل 1: 258، الباب 2 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(3) في " أ " و " ب ": " أو ".
(4) المعتبر 1: 144، نهاية الإحكام 1: 37 - 38.
(5) الذكرى: 85.
(6) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 216، والسيد العاملي في المدارك 1:
205.
173

المتن الأول، وهو ظاهر المقنعة (1) والمبسوط (2) والوسيلة (3)، حيث منعوا من
استقبال الشعر في غسل اليدين، بناء على أن وجه المنع هو النكس كما فهمه
في المنتهى (4).
لكن هذا إنما يدل على عدم جواز غسل جزء قبل الأعلى المسامت له
لا مطلقا. نعم، ظاهر العلامة في المختلف في مسألة غسل اللمعة المنسية: أن
كل من أوجب الترتيب منع من غسل الأسفل قبل الأعلى ولو لم يسامته،
بل ظاهر المختلف: أن القول بوجوب الابتداء بالأعلى ملازم للترتيب على
هذا الوجه، قال في مسألة من نسي لمعة: ولا أوجب غسل جميع ذلك
العضو، بل من الموضع المتروك إلى آخره إن أوجبنا الابتداء من موضع
بعينه (5)، والموضع خاصة إن سوغنا العكس (6).
هذا، لكن الغسل على هذا الترتيب حقيقة محال عقلا على القول بعدم
الجزء الذي لا يتجزأ، وعادة على القول بوجوده، إلا أن يرمس عضوه تحت
الماء فينوي انغساله جزءا فجزءا على الترتيب المذكور، وأما الغسل كذلك
عرضا بحيث يغسل عضوه عرضا إلى آخره على أدق ما يمكن من الخطوط
العرضية فهو حرج بنفسه أو له نفسه، وعلى الوجه الميسور يدفعه ما يظهر

(1) المقنعة: 44.
(2) المبسوط 1: 21.
(3) الوسيلة: 50.
(4) المنتهى 2: 35.
(5) في " أ "، " ب " و " ج ": " من موضع نفسه ".
(6) المختلف 1: 307.
174

من الوضوءات الحاكية لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله حيث إنه عليه السلام وضع
الماء على جبينه فأسدله على أطراف لحيته ثم أمر يده على وجهه، وإنه وضع
الماء على مرفقه اليمنى فأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف
أصابعه (1).
ويؤيده: أن غسل العضو عرضا خلاف المتعارف بين المتشرعة المتلقى
من فعل صاحب الشريعة خلفا عن سلف، بل التزام الأعلى فالأعلى بالنسبة
إلى خصوص الأجزاء المسامتة حرج أيضا وإن كان دون الأول، ولذا
استوجهه في المقاصد العلية بعد رد الترتيب الحقيقي على الوجه الأول بعدم
الإمكان واختيار العرفي على ذلك الوجه، فقال: وفي الاكتفاء فيه بكون كل
جزء من العضو لا يغسل قبل ما فوقه على خطه وإن غسل ذلك الجزء قبل
الأعلى من غير جهته وجه وجيه (2).
وقال في الذكرى - بعد حكاية ما تقدم من المختلف في رد ابن الجنيد -:
ولك أن تقول: هب أن الابتداء واجب من موضع بعينه (3) ولا يلزم غسله
وغسل ما بعده إذا كان قد حصل الابتداء، للزوم ترتب أجزاء العضو في
الغسل، فلا يغسل لاحقا قبل سابقه، وفيه عسر منفي بالآية (4)، انتهى.
وما ذكره جيد جدا، فإن الأدلة التي ذكروها لوجوب الابتداء

(1) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(2) المقاصد العلية: 53.
(3) كذا في مصححة " ع " والمصدر، وفي سائر النسخ: " هب أن الابتداء من موضع
من نفسه واجب ".
(4) الذكرى: 96.
175

بالأعلى لا يدل على الترتيب بين الأعضاء، بل خلو الوضوءات البيانية عن
التعرض لما عدا المنع عن استقبال شعر اليدين ورد اليد إلى المرفق مشعر بل
ظاهر في عدم وجوب أزيد من العكس في الغسل بعد الابتداء بالأعلى،
فلا يبقى على تقدير عدم الاعتناء بالإطلاقات إلا قاعدة الاحتياط المقتضية
للزوم إحراز الطهور بمقتضى ما تقدم من قوله عليه السلام: " لا صلاة إلا
بطهور " (1) وهي لا تقاوم أدلة نفي الحرج.
فالقول بكفاية الترتيب بين معظم الأجزاء، بحيث يصدق عرفا
الترتيب ولو ادعاء من باب المسامحة في الجزء اليسير - كما هو الشأن في كثير
من المفاهيم التي يكتفى فيها بالتقريب دون التحقيق - لا يخلو عن قوة وإن
كان مقتضى الأصول اللفظية البناء على التحقيق في مقام الصدق وعدم
الاكتفاء بالمسامحة والتقريب، لكن قد يصير تعسر التحقيق كتعذره قرينة
على كفاية التقريب.
ويمكن الاستدلال على عدم وجوب الترتيب بين أجزاء العضو
بما رواه في العيون عن الرضا عليه السلام: " عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضأ
موضع لم يصبه الماء، قال: يجزيه أن يبله من بعض جسده " (2)، بناء على أنه
وإن سلم ظهورها فيما يبقى الموضع بعد الفراغ، إلا أنه لمخالفة الإجماع يكون
قوله: " إذا توضأ " على ما (3) إذا اشتغل بالوضوء، فيحمل على ما إذا لم يفت

(1) تقدم في الصفحة 173.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 22، الحديث 49، مع اختلاف، وما أورده موافق
لما أرسله في الفقيه عن موسى بن جعفر عليه السلام، انظر الفقيه 1: 60، الحديث 133.
(3) كذا.
176

معه الترتيب بين الأعضاء، فسكوته عن بل ما بعده من أجزاء العضو ظاهر
في عدم الوجوب، فتأمل.
ثم إن ظاهر وجوب الابتداء بالأعلى عدم جواز المقارنة بين الأجزاء
لا المنع عن النكس فقط، نعم لا يفرعون على ذلك إلا المنع عن النكس،
وفي شهادته على إرادة خصوص ذلك نظر، والمسألة محل إشكال.
* (ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية) * بلا خلاف بيننا، لخروجه
عن حد الوجه المأمور بغسله في النص المحدد له بالذقن (1)، مع كون الأغلب
خروج اللحية عن حده، وعدم كون السؤال عن نفس الوجه مع قطع النظر
عن اللحية والعارض، ومن هنا لا يلتفت إلى كون منبته في المحدود على
ما سيجئ في اليد.
ولو اتفق الوجه قليل العرض أو الطول فلا يتم من اللحية والعارض
لوجوب إرجاعه إلى مستوى الخلقة، فلا يزيد على ما يغسله المستوي،
والمشهور ظاهرا عدم استثنائه (2)، للدليل، وقوله عليه السلام: " إن زاد عليه
لم يؤجر " (3).
وعن الإسكافي استحبابه، ولعله لقوله عليه السلام في بعض الوضوءات:
" وأسدله على أطراف لحيته " (4)، وإطلاق الأخبار الآمرة بأخذ الماء من
اللحية عند الجفاف (5)، مضافا إلى التسامح في أدلة السنن، لكن لا يثبت بذلك

(1) الوسائل 1: 284، الباب 17 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(2) كذا في النسخ، والظاهر: " عدم استحبابه ".
(3) الوسائل 1: 284، الباب 17 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(4) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(5) الوسائل 1: 287، الباب 21 من أبواب الوضوء.
177

كون مائه ماء الوضوء حتى يجوز المسح به، فإنه وإن ثبت استحباب الهيئة
المركبة من سائر الأفعال وغسل المسترسل إلا أنه لا يثبت كون غسله من
أجزاء الوضوء، وصيرورته أفضل فردي الوضوء باعتبار اشتماله على هذا
الفعل، لا باعتبار تركبه منه ومن غيره، فهو قيد له لا جزء، والتقييد داخل
والقيد خارج.
* (ولا) * يجب * (تخليلها) * أي اللحية وإيصال الماء في خلالها (1) لغسل
ما سترته من البشرة والشعر * (بل يغسل) * الموضع * (الظاهر) * الذي
لا شعر عليه أو المبين في خلال ذلك الشعر.
بيان ذلك: أن الشعر إما كثيف وإما خفيف، والكثيف ما لا يرى
البشرة من خلاله، ولا إشكال في عدم وجوب تخليله. نعم، قيل باستحبابه (2)،
وسيجئ (3).
وأما الخفيف، فقد اضطرب فيه كلمات المتأخرين في إثبات الخلاف
فيه وعدمه، وفي تعيين محل الخلاف على تقدير ثبوته، فنقدم أولا بعض
كلمات من عثرنا عليه أو على حكايته، فنقول:
قال ابن الجنيد: كل ما أحاط به الشعر وستره من البشرة - أعني شعر
العارضين والشارب والعنفقة والذقن - فليس على الإنسان إيصال الماء إليه
بالتخليل، وإنما أجرى (4) الماء على الوجه والساتر له من الشعر، ثم قال:

(1) في النسخ: " في خلاله "، والمناسب ما أثبتناه كما في مصححة " ع ".
(2) قاله الشهيد في الدروس 1: 91.
(3) في الصفحة 185.
(4) كذا في النسخ، والصواب: " وإنما عليه إجراء الماء... "، كما في الذكرى.
178

ومتى خرجت اللحية ولم تكثر فتواري بنباتها البشرة من الوجه، فعلى
المتوضي غسل البشرة كما كان قبل إنبات الشعر حتى يستيقن وصول الماء
إلى البشرة التي يقع عليها حس البصر إما بالتخليل أو غيره، لأن الشعر إذا
ستر البشرة قام مقامها، فإذا لم يسترها كان على المتطهر إيصال الماء إليها (1)،
انتهى.
وقال ابن أبي عقيل - على ما في المعتبر -: ومتى خرجت اللحية
ولم تكثر فعلى المتوضي غسل الوجه حتى يستيقن وصول الماء إلى بشرته،
لأنها لم تستر مواضعها (2)، انتهى.
وقال السيد قدس سره: ومن كان ذا لحية كثيفة يغطي بشرة وجهه
فالواجب عليه غسل ما ظهر من بشرة وجهه، وما لا يظهر مما يغطيه اللحية
لا يلزم إيصال الماء إليه، ويجزيه إجراء الماء على اللحية من غير إيصال إلى
البشرة المستورة، ثم حكى عن الناصر (3) وجوب غسل العذار بعد نبات
اللحية كوجوبه قبل نباتها، قال رحمه الله: وهذا غير صحيح، والكلام فيه
ما قدمناه في تخليل اللحية، فإنا بينا أن الشعر إذا علا البشرة انتقل الفرض
إليه (4).
وعن الخلاف: أنه لا يجب إيصال الماء إلى ما يستره شعر اللحية
ولا تخليلها. ثم استدل بالأصل وإجماع الفرقة (5).

(1) حكاه عنه الشهيد في الذكرى: 83، 84.
(2) المعتبر 1: 142.
(3) في " ع ": " الناصريات "، وهكذا استظهرها في هامش " ج ".
(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 220.
(5) الخلاف 1: 75 - 76، المسألة 22.
179

وصريح المبسوط (1) والمعتبر (2)، بل المشهور - كما في الذكرى (3) وغيره -
عدم وجوب تخليل الشعر كثيفا كان أو خفيفا، ورد في التذكرة والمختلف قول
الشيخ، وقال في التذكرة: وأما إذا كان الشعر خفيفا لا يستر البشرة
فالأقوى عندي غسل ما تحته وإيصال الماء إليه، وبه قال ابن أبي عقيل،
لأنها بشرة ظاهرة من الوجه، وقال الشيخ: لا يجب تخليلها كالكثيفة،
والفرق ظاهر (4)، انتهى.
وقال في المختلف محتجا لمذهب الإسكافي - بعد اختياره واستظهار
موافقته للسيد في مقابل قول الشيخ -: إن الواجب غسل الوجه، وإنما انتقل
إلى اللحية النابتة لانتقال الاسم إليها، لأن الوجه اسم لما يقع به المواجهة،
وإنما يحصل لها ذلك مع الستر، ومع عدمه فلا، فإن الوجه مرئي وهو
المواجهة به (5) دون اللحية، لأنها لم تستره فلا ينتقل الاسم إليها، ثم احتج
للشيخ برواية تبطين اللحية (6)، وأجاب عنه بحمله على الساتر دون غيره (7)،
انتهى.
وعكس في المنتهى، فاختار قول الشيخ بعد مقابلته لقول ابن أبي عقيل

(1) المبسوط 1: 20.
(2) المعتبر 1: 142.
(3) الذكرى: 84.
(4) التذكرة 1: 154 - 155.
(5) في المصدر: " وهو المواجه ".
(6) الوسائل 1: 334، الباب 46 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(7) المختلف 1: 281.
180

تبعا للمعتبر، وقال - كما في التحرير -: إنه إن فقد الشعر وجب غسل
موضعه، وإن وجد فالواجب إمرار الماء على ظاهر الشعر، واحتج لذلك بعد
الاختيار بأنه شعر تستر ما تحته بالعادة فوجب انتقال الفرض إليه قياسا
على شعر الرأس (1)، انتهى.
واحتج في المعتبر بأن الوجه اسم لما ظهر فلا يتبع المغاير (2)، انتهى،
وهو قدس سره أول من أثبت الخلاف في هذه المسألة دون العلامة كما زعمه
صاحب الحدائق وطعن عليه بأن مقتضى التأمل عدم الخلاف والنزاع
رأسا (3).
فتحصل مما ذكرنا: أن ظاهر الفاضلين وجود الخلاف في المسألة،
واحتمل الشهيد في الذكرى في كلام من أوجب غسل البشرة - يعني البشرة
التي لا شعر عليها - قال: فلا يخالف الشيخ والجماعة (4)، وجزم ذلك المحقق
الثاني، قال: وعبارة البعض وإن أشعرت بوجوب تخليل الخفيف إلا أنها
عند التحقيق تفيد خلافه كما عليه الباقون، وقال قبل ذلك - في رد ما تقدم
من المختلف من منع انتقال الاسم إلى اللحية مع عدم سترها للبشرة -
ما لفظه: قلنا: ينتقل فيما تستره من البشرة، فإن كل شعرة تستر ما تحتها
قطعا، وأما ما بين الشعر فلا كلام في وجوب غسله (5)، انتهى.

(1) المنتهى 2: 24 - 25، التحرير 1: 9.
(2) المعتبر 1: 142.
(3) الحدائق 2: 238.
(4) الذكرى: 84.
(5) جامع المقاصد 1: 214، 215.
181

فعلى ما احتمله الشهيد وجزم به جامع المقاصد يكون قول العلامة
بوجوب تخليل الخفيف مخالفا للكل، وتبعه فيما جزم به، صاحب الحدائق
- مدعيا (1) للمسالك: بأن التخليل عبارة عن إيصال الماء إلى البشرة
المستورة، وإيصاله إلى الظاهر لا يسمى تخليلا (2).
وقال الشهيد الثاني في شرح الألفية - بعد ميله إلى قول المشهور
خلافا للمتن، مستدلا عليه قبل الأخبار بأن الوجه اسم لما يواجه به ظاهرا
فلا يتبع غيره -: واعلم أن الخلاف في غسل بشرة الخفيف إنما هو في المستور
منها كما بيناه، لا في البشرة الظاهرة خلال الشعر على كل حال، فإنه يجب
غسلها إجماعا، لعدم انتقال اسم الوجه عنها وعدم إحاطة الشعر بها، فعلى
هذا لا بد في خفيف الشعر من إدخال الماء إلى البشرة التي بين شعره وغسل
ما ظهر وحينئذ فتقل فائدة [الخلاف] (3) في ذلك (4)، انتهى.
وتبعه في تقليل الفائدة في المدارك (5)، وغرضه أن غسل البشرة
الظاهرة يتوقف غالبا على غسل المستورة.
وعكس شارح الدروس، فنفى الريب عن عدم الخلاف في المستورة
بالشعر الخفيف، وأن الشيخ والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى نافون لذلك
في المستورة، وانحصار الخلاف في الظاهرة خلال الشعر (6). واستظهر ذلك

(1) كذا في النسخ، والظاهر أنه مصحف " تبعا ".
(2) الحدائق 2: 239.
(3) من المصدر.
(4) المقاصد العلية: 52 - 53.
(5) المدارك 1: 203.
(6) لم نتحقق ما نسبه إليه، انظر مشارق الشموس: 104.
182

ولده قدس سره في حاشية الروضة (1).
وفيه: أنه مناف لاستدلال الشيخ بإجماع الفرقة على عدم وجوب
إيصال الماء إلى ما تستره شعر اللحية (2)، واستدلال المنتهى باستحالة إيصال
الماء إلى ما تحت الشعر بغرفة واحدة، وبأنه شعر ستر ما تحته بالعادة،
و (3) وجب انتقال الفرض إليه قياسا على شعر الرأس (4)، وبالأخبار الخاصة
خصوصا الحصر في صحيحة: " إنما يغسل ما ظهر " (5)، وكذا استدلال المعتبر
قبل ذكر الأخبار: بأن الوجه اسم لما ظهر فلا يتبع غيره (6).
ومن العجب أن شارح الدروس لم يذكر من هذه المنافيات
سوى دليل المعتبر، واعترف بأنه استدل به المحقق على نقيض (7) مدعاه
وهو نفي التخليل في الكثيف، وادعى أنه استدل على تمام مطلبه
بالأخبار (8).
وأضعف من ذلك ما عن حبل المتين من عدم الخلاف في وجوب
غسل الظاهر وفي عدم وجوب غسل المستور، قال: ومن هنا قال بعض

(1) حاشية الروضة: 31.
(2) الخلاف 1: 75، المسألة 22.
(3) لم ترد " الواو " في غير مصححة " ع ".
(4) المنتهى 2: 25.
(5) الوسائل 1: 303، الباب 29 من أبواب الوضوء، الحديث 6، وفيه: " إنما عليك
أن تغسل ما ظهر ".
(6) المعتبر 1: 142.
(7) كذا في مصححة " ع "، وفي سائر النسخ: " نقض ".
(8) مشارق الشموس: 104.
183

مشايخنا، إن النزاع في هذه المسألة قليل الجدوى (1)، انتهى. وحكي ذلك عن
بعض من تأخر عنه (2).
وفيه: أن النزاع حينئذ لفظي - كما صرح به الوحيد البهبهاني قدس سره في
شرحه على المفاتيح (3) - لا قليل الجدوى.
وعن الحبل أيضا احتمال أن يكون الخلاف في الخفيف بمعنى ما يستر
في بعض الأحوال دون بعض (4).
وعن العلامة الطباطبائي أنه فصل في الخفيف بين ما يكون حائلا
حاكيا كالثوب الرقيق فلا يجب غسله، أما البشرة التي في خلاله مما لا شعر
عليها أصلا - كما إذا كان حواليها وليس عليها، أو دار عليها وهي في وسطه
كاللمعة - فإنه يجب غسلها، وينزل على ذلك كلمات الأصحاب
وإجماعاتهم (5).
وقد أنكر ذلك كله كاشف اللثام وادعى - فيما سيأتي من كلامه - عدم
وجود ما يكون مستورا دائما تحت الخفيف أو مكشوفا، بل كل جزء
مما أحاطه تستر أحيانا وتكشف أحيانا (6). والذي يظهر بالتتبع وقوع
الخلاف في كل من الظاهر والمستور كما ستعرف.

(1) الحبل المتين: 15.
(2) لم نقف عليه.
(3) مصابيح الظلام (مخطوط): 269.
(4) الحبل المتين: 15.
(5) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 242.
(6) كشف اللثام 1: 68.
184

ثم إن ظاهر كلام العلامة (1) وجماعة (2) ممن تبعه أن المراد ب‍ - " الخفيف "
ما ترى البشرة من خلاله، وهو الظاهر من توصيف " الكثيف " و " الكثير "
في كلام السيد (3) والقديمين (4) بكونه يغطي بشرة الوجه ويواري البشرة
أو مواضع الشعر، لكن لم يعلم أن العبرة في الستر والظهور بمجلس التخاطب
كما في المقاصد العلية (5)، أو المعتبر في الستر أو في الظهور ذلك.
وهل المراد الستر بجميع الأحوال كما هو ظاهر كلام السيد والقديمين،
أو العبرة في الظهور بجميع الأحوال في الستر بكثرة الشعر في المحل المستور،
أو بما يعم الاسترسال إليه من موضع آخر معدود عرفا من أحوال الشعر
ومواضعه، أو لا يشترط ذلك؟
وحيث اختلف كلمات العلماء في ثبوت أصل الخلاف ثم في تعيين محله
ثم في مناط الستر والظهور، فالواجب تفصيل الكلام في أقسام الشعر وبيان
أحكامها على حسب ما يقتضيه الأدلة.
فنقول - مستعينا (6) بالله جل ذكره -: إن الظاهر أن لفظ الوجه
موضوع للعضو المخصوص ولو كان محاطا بالشعر الكثيف، فكل ما لم يثبت

(1) انظر التذكرة 1: 153 - 156.
(2) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 214، والشهيد الأول في الذكرى: 84،
والشهيد الثاني في المسالك 1: 36.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 220.
(4) راجع المعتبر 1: 142، والمختلف 1: 280.
(5) المقاصد العلية: 51.
(6) كذا.
185

خروجه بالدليل فيجب غسله، فحينئذ نقول: إن الشعر إذا كان ساترا في
جميع الأحوال بكثافته وكثرته فلا إشكال في قيامه مقام الوجه بالإجماع
والأخبار، ففي صحيحة زرارة، قال: " قلت له: أرأيت ما كان تحت الشعر،
فقال (1) كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يغسلوه... الخبر " (2).
وأما إذا كان ساترا دائما بالاسترسال: فإن كان الاسترسال قليلا
- كشعري (3) الشارب والعنفقة - بحيث يستر ما تحته دائما فلا يبعد عدم
وجوب غسله، لصدق الإحاطة وكونه داخلا في معقد إجماع الخلاف (4)
وصدق ما تحت الشعر وإن كان الاسترسال كثيرا. نعم، لو كان منبته
خارجا عن حد الوجه فاسترسل إليه قليلا ففيه إشكال.
وإن كان الاسترسال كثيرا، فالظاهر وجوب غسل ما تحته، لصدق
الوجه عليه، ودعوى اعتبار المواجهة الشخصية في صدقه ممنوعة، ولا أقل
من الشك فيه ودوران الأمر بينه وبين غسل ظاهر ذلك الشعر، فيجب
الاحتياط لكونه من دوران الأمر بين المتباينين، إلا أن يقال: إن وجوب
غسل الشعر ثابت قطعا، لأنه من توابعه كالشعر في اليد، فالشك في وجوب
غسل البشرة وعدمه.
وأما إذا كان الستر بملاحظة بعض الأحوال دون بعض - كالشعر
الخفيف الذي يستر بعض المواضع في حال ويستر بعض الآخر في حال

(1) في " أ " و " ب ": " فقال له ".
(2) الوسائل 1: 335، الباب 46 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(3) كذا في " أ "، " ب " ومصححة " ع "، وفي سائر النسخ: " كشعر ".
(4) الخلاف 1: 75 - 76، المسألة 22.
186

فيمكن رؤية البشرة بتمامها منه ولو باختلاف الأحوال -: فإن كان الشعر
قائما غير ملتف بعضه ببعض فالظاهر وجوب غسل ما تحته، وإن كان ملتفا
بعضه ببعض فصار كالثوب الحاكي لسعة منافذه، ففي وجوب غسل البشرة
إشكال، أقواه الوجوب مع الظهور في مجلس التخاطب والمواجهة المتعارفة،
لعدم صدق الإحاطة التي فهم منه العلماء الستر والتغطية والمنع من وقوع
حس البصر عليه، مضافا إلى صدق الوجه عليه كما ذكر إلا أن يقال: إن
المستفاد من الرواية أن البحث والنقر غير واجب وإنما الواجب إجراء الماء
على الوجه، فالمحتاج في غسله إلى أزيد من الإجراء باليد من تنقير وإدخال
الأنملة ونحو ذلك لا يجب (1) غسله.
وبما ذكرنا تبين أن الشعر الخفيف الذي يكون ساترا لبعض الموضع
وغير ساتر للبعض الآخر - على ما ذكره المحقق الثاني من أن كل شعرة
تستر ما تحتها من البشرة قطعا (2) -، لا يتصور إلا أن يريد الستر في بعض
الأحوال، أو يريد الساتر بامتداده على الموضع أو استرساله عليه.
وقال كاشف اللثام - بعد تفسير الخفيف بما ذكروه -: إنه لا يخفى أن
الشعر إذا خف كان من شأنه ستر أجزائه لجميع ما تحتها وخلالها من البشرة
بالتناوب باختلاف أوضاع الرائي والمرئي، فلا يخلو شئ منه من الاستتار
تحتها في بعض الأحيان لبعض الأوضاع، ومن الانكشاف في بعض الأحيان،
فلا جهة لتحير المتأخرين (3) في البشرة المستورة أو المنكشفة خلاله، ودعوى

(1) في " ع ": " ولا يجب ".
(2) جامع المقاصد 1: 214.
(3) كذا في المصدر، وفي النسخ: " وهذا جهة تحير... ".
187

بعضهم الاجماع على وجوب غسل المكشوفة وقصره الخلاف على
المستورة (1)، انتهى.
واختار هو قدس سره الوجوب، وهو حسن على ما فرضه من عدم الستر
دائما خلاف (2) الخفيف.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا بين شعر اللحية وغيرها، ولا بين الرجل
والمرأة * (و) * إنه * (لو نبت للمرأة لحية لم يجب تخليلها) * على التفصيل المتقدم
* (ويكفي (3) إفاضة الماء على ظاهرها) * من دون تبطين، حتى لو غسل البشرة
لم يجز.

(1) كشف اللثام 1: 68.
(2) كذا في " ع "، وفي سائر النسخ: " خلال ".
(3) كذا في النسخ، وفي الشرائع: " وكفى ".
188

* (الفرض الثالث) *
من فروض الوضوء الثابتة بالكتاب، بل السنة والإجماع * (غسل
اليدين) *.
* (والواجب) * فيه: * (غسل الذراعين) * بالأدلة الثلاثة * (و) * كذا
غسل * (المرفقين (1)) *، بناء على كون " إلى " في الآية (2) بمعنى " مع " كما هو
غير عزيز في الاستعمال، وإلا فيكفي السنة والإجماع المستفيضان.
ففي رواية الهيثم بن عروة التميمي: " سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله
تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق)، فقلت: هكذا؟ ومسحت
من ظهر كفي إلى المرفق، فقال: ليس هكذا تنزيلها، إنما هي فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم من المرافق، ثم أمر يده من مرفقه إلى أصابعه " (3).
وفي الصحيح الحاكي لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله: " فوضع الماء على
مرفقه فأمر كفه على ساعده " (4).

(1) في الشرائع زيادة: " والابتداء من المرفق، ولو غسل منكوسا لم يجز على الأظهر ".
(2) المائدة: 6.
(3) الوسائل 1: 285، الباب 19 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(4) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
189

وفي آخر: " فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى، فغسل بها
ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق " (1).
وفي الخلاف: قد ثبت عن الأئمة عليهم السلام أن " إلى " في الآية بمعنى
" مع " (2). ودعوى القطع بالثبوت كدعوى التواتر أو الإجماع، فلا يقصر هذا
المرسل عن الصحيح.
ثم إن ظاهر معظم الفتاوي كمعاقد الإجماعات هو وجوب غسل
المرفق أصالة، ففي الخلاف: غسل المرفقين واجب مع اليدين، وبه قال جميع
الفقهاء إلا زفر (3).
وفي المعتبر: الواجب غسل اليدين مع المرفقين، ثم استدل على دخول
المرفق بأن عليه الإجماع من عدا زفر ومن لا عبرة بخلافه (4).
وفي المنتهى: أكثر أهل العلم على وجوب إدخال المرفقين، خلافا
لبعض أصحاب مالك وداود وزفر (5).
وعن كشف اللثام دعوى الإجماع على الإدخال إلا من زفر (6). إلى
غير ذلك من عباراتهم.
لكن ظاهر الشهيد في الذكرى (7) وصريح جماعة ممن تأخر عنه

(1) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(2) الخلاف 1: 78، المسألة 26.
(3) الخلاف 1: 78، المسألة 26.
(4) المعتبر 1: 143.
(5) المنتهى 2: 33.
(6) كشف اللثام 1: 68.
(7) الذكرى: 85 - 86.
190

كالمقداد (1) والمحقق والشهيد الثانيين (2) وغيرهم (3): ثبوت الخلاف في أن
وجوب غسل المرفقين أصلي أو مقدمي؟
ومنشأ ذلك أن جماعة من أساطين المدعين للإجماع على وجوب غسل
المرفق الظاهر في وجوبه أصالة كالفاضلين والشهيد أفتوا في المعتبر (4)
والمنتهى (5) والإرشاد (6) والنفلية (7) - في مسألة الأقطع - بعدم وجوب
غسل طرف (8) العضد.
قال في المنتهى - بعد تعليل سقوط غسل اليد في الأقطع من المرفق -:
سقط فرض غسلها بفوات محلها، وللشافعي في غسل العظم الباقي - وهو
طرف العضد - وجهان، أصحهما الوجوب، لأن غسل العظمين المتلاقيين من
العضد والمرفق واجب فإذا زال أحدهما غسل الآخر، ونحن نقول: إنما
وجب غسل طرف العضد توصلا إلى غسل المرفق ومع سقوط الأصل انتفى
الوجوب (9)، انتهى.

(1) التنقيح الرائع 1: 79 - 80.
(2) جامع المقاصد 1: 215، وروض الجنان: 32.
(3) كالمحدث البحراني رحمه الله في الحدائق 2: 242.
(4) المعتبر 1: 144.
(5) المنتهى 2: 37.
(6) الإرشاد: 223.
(7) الألفية والنفلية: 93.
(8) في " ب ": " طرفي ".
(9) تقدم آنفا.
191

وصرح في النفلية باستحباب غسل ما بقي من المرفق (1) فبناه الشارح
على وجوب غسل المرفق مقدمة (2). نعم، جعل الوجوب في الذكرى
أقرب (3)، ولذا استظهرنا منه ثبوت الخلاف.
أقول: فعلى ما ذكره المتأخرون يكون الأقوال في المسألة ثلاثة:
الوجوب الأصلي، والمقدمي، وعدم الوجوب رأسا المنسوب إلى زفر ومن
تبعه.
والظاهر أن الأقوال الثلاثة لا تأتي في المرفق بمعنى واحد، فلا بد إما
من (4) تثنية الأقوال وجعل محل الخلاف في الوجوب الأصلي، وإما من بناء
الخلاف في وجوب الدخول أصلا أو مقدمة وعدمه رأسا على الخلاف في
معنى المرفق كما سيجئ، وأن من يقول بعدم الوجوب رأسا يكون المرفق
عنده مجموع العظمين المتداخلين من الذراع والعضد كما فسره به في
الروض (5) مستفيدا إياه من تفسيره في التذكرة بأنه مجمع عظمي الذراع
والعضد (6)، فإن مجموع المقدار المتداخل من العظمين يمكن نفي وجوبه أصلا،
لعدم الدليل عليه بناء على ظاهر الآية، وليس مقدمة لغسل الذراع، وإنما
المقدمة جزء من طرف العضد.

(1) تقدم آنفا.
(2) الفوائد الملية في شرح النفلية: 28.
(3) الذكرى: 85.
(4) لم ترد " من " في " أ " و " ب ".
(5) روض الجنان: 33.
(6) التذكرة 1: 159.
192

أو نقول: بأنه الحد المشترك الذي لا وجود له إلا بطرفي الذراع
والعضد، ولا دليل على وجوب غسله أصالة، وليست قابلة للمقدمية، بل لو
فرض وجوبه أصالة لا بد من إرجاع وجوبه إلى وجوب غسل طرفي الذراع
والعضد.
والأظهر أن الإجماع منعقد على وجوب غسل المرفق أصالة، إلا أن
وجوب غسل طرف العضد أصالة مبني على دخوله في المرفق، فمن قال
بدخوله فيه - كالعلامة في التذكرة (1) والشهيد في الذكرى (2) -، قال بوجوبه،
ومن قال بخروجه عنه - كما صرح به فيما تقدم من المنتهى (3)، حيث قرر
قول الشافعي الصريح في خروج طرف العضد عن المرفق، وإنما أنكر
وجوب غسله مقدمة لغسل المرفق - قال بعدم وجوب غسله، ولذا
حمل الشهيد قدس سره في الذكرى فتوى المحقق قدس سره تارة بابتنائه على
دخول المرفق مقدمة، وأخرى على كون المرفق طرف الساعد، وجعل القول
بالمقدمية مبنيا على جعل " إلى " للانتهاء لا بمعنى " مع " (4)، وقد صرح
في المعتبر بأن " إلى " في الآية بمعنى " مع " وأنه يجب غسل اليدين مع
المرفقين (5)، فتعين أن يكون مبناه هو جعل المرفق طرف الساعد وفاقا
للمنتهى والشافعي، أو المفصل.

(1) التذكرة 1: 159.
(2) الذكرى: 85.
(3) تقدم في الصفحة 191.
(4) الذكرى: 85 - 86.
(5) المعتبر 1: 143.
193

وأما عبارة النفلية (1)، فيمكن أن يراد مما بقي من المرفق أحد طرفيه
المقومين له، لا جزئه، بناء على أنه هو المفصل وهو الحد المشترك الذي
لا يقوم إلا بطرفين.
وبالجملة، فالخلاف في مسألة الأقطع مبني على الخلاف في تفسير
المرفق، لا في وجوبه أصالة أو مقدمة. نعم، يمكن أن يكون مراد من أثبت
الخلاف في وجوب المرفق أصالة أو مقدمة إرادة المرفق بالمعنى المختار عنده
وهو المجمع.
بقي الكلام في معنى المرفق:
ففي التذكرة: أنه مجمع عظمي الذراع والعضد (2)، والمراد به - كما
قيل (3) -: الموضع الذي يجتمع فيه العظمان فيتداخلان، وظاهره إرادة
المجموع، ولذا عبر به في الذكرى (4) والمجمع (5).
ويحتمل أن يراد به موضع اجتماعهما، أي انضمام أحدهما إلى الآخر،
فيكون تمام المقدار المتداخل من العظمين، ويشهد له تعبير الروض بأنه
العظمان المتداخلان (6).

(1) المشار إليها في الصفحة 191.
(2) التذكرة 1: 159.
(3) قاله المحقق جمال الدين في الحاشية على الروضة: 31.
(4) الذكرى: 85.
(5) كذا في النسخ، ولم نعثر على التعبير ب‍ - " المجموع " في مجمع البيان ولا في مجمع
الفائدة.
(6) روض الجنان: 33.
194

ويحتمل أن يراد: المحل الذي يتلاقيان ويتواصلان فيه فيتداخلان،
فيكون مركبا من طرفي العظمين من جميع الجوانب، وعن جماعة من أهل
اللغة - بل قيل (1): إنه المعروف بينهم -: أنه موصل العضد بالساعد كما عن
المغرب (2)، أو موصل الذراع في العضد كما عن الصحاح (3) والقاموس (4).
والمراد بموصل الذراع في العضد يحتمل أن يكون محل تواصلهما، أي
المحل الذي يتواصلان فيه، فرجع إلى المجموع بمعنييه، لأن الوصل والجمع
بمعنى الضم مرجعهما إلى واحد، ولذا جعل شارح الدروس تفسير التذكرة
قريبا من هذا التفسير (5).
ويحتمل أن يراد من موصل الذراع في العضد: طرف الذراع الواصل
بالعضد، أو فيه، وهو الذي يحتمله ما تقدم من عبارة المعتبر والمنتهى (6).
ويحتمل أن يراد به الحد المشترك الذي يطلق عليه الموصل باعتبار
والمفصل باعتبار، كما استظهره شارح الدروس من الموصل، ولذا حكي عن
بعضهم (7) - بل المشهور كما في الحدائق، بل ظاهر اللغويين كما عن بعض
آخر (8) -: أنه المفصل، قال في الحدائق: المرفق كمنبر ومجلس: المفصل، وهو

(1) قاله المحقق جمال الدين في الحاشية: 31.
(2) المغرب: 194، مادة: " رفق ".
(3) الصحاح 4: 482، مادة: " رفق ".
(4) القاموس 3: 236، مادة: " رفق ".
(5) مشارق الشموس: 110.
(6) راجع الصفحة 191.
(7) حكاه في الجواهر 2: 162.
(8) لم نعثر عليه.
195

رأس عظمي الذراع والعضد كما هو المشهور، أو مجمع عظمي الذراع والعضد،
فعلى هذا شئ منه داخل في الذراع وشئ منه داخل في العضد (1)، انتهى.
ومما يؤيد اتحاد المفصل والموصل: عدم ذكر بعضهم كالروضة (2)
وغيرها (3) القول بالموصل، مع أنه هو المصرح به في كلام جماعة من أهل
اللغة، بل المعروف منهم على ما عرفت.
وظاهر شرح الدروس اتحاد الثلاثة، لأنه ذكر أولا تفسير أهل اللغة
بالموصل، ثم قال: وقريب منه ما في التذكرة، ثم قال: وفسر أيضا بالمفصل،
وهو مثل الأول (4).
وكيف كان، فالظاهر من كل من نص على وجوب إدخال المرفقين في
الغسل هو إرادة المجمع، إذ مرجع وجوب غسل الحد المشترك إلى وجوب
غسل الذراع أصالة وجزء من العضد مقدمة، لأن الحد المشترك ليس أمرا
خارجا عنهما على القول بعدم الجزء الذي لا يتجزى، وهذا مما لا يحتاج إلى
التعبير عنه بمثل العبارة المذكورة، بل الحكم فيه - حينئذ - نظير وجوب
غسل جزء من الرأس مقدمة لغسل الوجه.
ومنه يظهر صحة الاستدلال بما تقدم عن الخلاف من أنه ثبت من
الأئمة عليهم السلام أن " إلى " في الآية بمعنى " مع " (5)، فإن ظاهر ذلك كون المرفق

(1) الحدائق 2: 240.
(2) الروضة البهية 1: 324.
(3) المدارك 1: 203.
(4) مشارق الشموس: 110.
(5) تقدم في الصفحة 190.
196

جزءا خارجا مغايرا للذراع، ولا يكون ذلك إلا مع إرادة المجمع، فيكون
مغايرته للذراع باعتبار اشتماله على جزء خارج منه وهو طرف العضد.
لكن يرد على الإجماع ما عرفت من أن جماعة من هؤلاء المصرحين
بالحكم المذكور المدعين للإجماع عليه لم يوجبوا غسل جزء من العضد عند
قطع اليد من المرفق على ما تقدم (1) من الخلاف.
وأضعف مما ذكر الاستدلال بما سيجئ من وجوب غسل من قطع من
المرفق ما بقي من عضده، بناء على الإجماع على عدم وجوب الزائد عن
المرفق أصالة، وسيتضح ذلك في مسألة الأقطع.
ثم الدليل على كونه هو المجمع وإن ضعف إلا أن كونه نفس المفصل
أيضا لم يثبت، لأن كلام اللغويين على تقدير صحته مع عدم إفادة القطع
يمكن الإرجاع إلى المجمع، وليس نصا بل ولا ظاهرا في إرادة الحد المشترك،
خصوصا مع معارضته بما يظهر من جماعة من العلماء بل من الكل بناء على
ما عرفت، فالمسألة محل توقف، والمرجع إلى أصالة البراءة لولا قوله عليه السلام:
" لا صلاة إلا بطهور " (2) الدال على وجوب إحراز الطهور.
وأما التمسك بما يظهر منه الاقتصار على غسل الذراع فلا يخلو عن
نظر، والاحتياط مطلوب على كل حال.
* (ويجب البداءة) * بالأعلى على الوجه المتقدم في غسل الوجه كما عن
أحد قولي السيد (3)، لما مر في غسل الوجه، والمروي عن إرشاد المفيد بسنده

(1) راجع الصفحة 191 - 192.
(2) الوسائل 1: 258، الباب 2 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 220، المسألة 29.
197

عن علي بن يقطين أنه كتب عليه السلام إلى علي بن يقطين بعد ارتفاع التهمة عنه
وصلاح حاله عند السلطان: " يا علي توضأ كما أمر الله، اغسل وجهك مرة
واحدة فريضة وأخرى إسباغا، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح
بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف
منه عليك (1) والسلام " (2).
والمحكي عن كشف الغمة عن كتاب علي بن إبراهيم في حديث
النبي صلى الله عليه وآله أنه " علمه جبرئيل الوضوء على الوجه واليدين من المرفق،
ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين " (3).
وعن تفسير العياشي عن صفوان في حديث غسل اليد عن
أبي الحسن عليه السلام، قال: " قلت له: هل يرد الشعر، قال: إن كان عنده آخر
وإلا فلا " (4)، والمراد حضور من يتقى منه.
فلو غسل منكوسا لم يجز لما مر من رواية ابن عروة التميمي: " فأمر
يده من المرفق إلى أطراف أصابعه " (5)، والوضوءات البيانية (6)، خصوصا

(1) في نسخة بدل " ع ": " ما كان يخاف عليك ".
(2) الإرشاد، للشيخ المفيد 2: 229، مع اختلاف في الألفاظ، وعنه في الوسائل
1: 312، الباب 32 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(3) كشف الغمة 1: 88.
(4) تفسير العياشي 1: 300، الحديث 54، مع تفاوت، وعنه في مستدرك الوسائل
1: 311، الباب 18 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(5) راجع الصفحة 189.
(6) الوسائل 1: 271، الباب 15 من أبواب الوضوء.
198

المتعرضة في غسل كلا اليدين لعدم رد الماء إلى المرفق كما في صحيحة زرارة
وبكير (1).
واعلم أن قول المصنف قدس سره: ويجب البداءة * (باليمين) *، مع تعرضه
بعد ذلك لوجوب الترتيب لم يعلم له وجه ظاهر إلا دفع توهم كون غسل
اليدين فعلا واحدا كما في مسح الرجلين، لظاهر قولهم: " الوضوء غسلتان
ومسحتان " (2)، فيكون الترتيب الآتي مختصا بأفعال الوضوء لا أجزاء فعل
واحد، فتأمل.
* (ومن قطع بعض) * محل الفرض من * (يديه (3) غسل ما بقي) * منه
مبتدئا * (من) * أول * (المرفق) * بلا خلاف، وعن المنتهى نسبته إلى أهل
العلم (4)، للأصل بمعنى الاستصحاب، بناء على جريانه في المقام كما قرر في
الأصول، أو بمعنى أصالة الاشتغال إذا أريد إثبات وجوبه في الجملة، وإن
وجب التيمم أيضا تحصيلا لليقين بإباحة الصلاة.
ولروايتي رفاعة المسؤول في إحداهما عن الأقطع وفي الأخرى عن
الأقطع اليد والرجل، ففي الأول: " يغسل ما قطع منه "، وفي الأخيرة:
" يغسل ذلك عن المكان الذي قطع منه " (5).

(1) الوسائل 1: 272 - 275، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 3 و 11.
(2) الوسائل 1: 295، الباب 25 من أبواب الوضوء، الحديث 9.
(3) في الشرائع: " يده ".
(4) المنتهى 2: 36.
(5) الوسائل 1: 337، الباب 49 من أبواب الوضوء، الحديث 1 و 4، وفيه: " ذلك
المكان... ".
199

وفي الحسن في الأقطع: " سألته عن الأقطع اليد والرجل، قال:
يغسلهما " (1)، والضمير إما مفرد أو مثنى راجع إلى اليدين، أو المراد بالغسل
الأعم من المسح، أو يحمل على التقية في خصوص الرجل.
ويدل على الحكم أيضا: القاعدة المستفادة من قوله عليه السلام: " الميسور
لا يسقط بالمعسور " (2)، و " ما لا يدرك كله لا يترك كله " (3)، و " إذا أمرتكم
بشئ فأتوا منه ما استطعتم " (4).
وقد يناقش في جريان هذه القاعدة - بعد الإغماض عما ذكره شارح
الدروس (5) وغيره (6) من الخدشة في دلالتها وسندها - بأن وجوب الوضوء
إنما هو لرفع الحدث أو إباحة الصلاة، نظير غسل الثوب مرتين لإزالة
الخبث، فالواجب حقيقة هو الطهر، وليس مركبا ذا أجزاء.
ويدفع: بأن عموم القاعدة لهذا المقام يكشف عن حصول الغرض
المقصود من الكل وهو الطهر بالأجزاء الممكنة. نعم، لو علم من الخارج
عدم حصوله بها فلا مجال لجريان هذه القاعدة، كما في مثال الغسل مرتين،
فإنا نعلم أن الواجب وهو الطهر لا يحصل بها، فلا يجوز التمسك بهذه
القاعدة لوجوب المرة مع الاعتراف بعدم حصول الطهارة، كما تقدم نظيره في

(1) الوسائل 1: 337، الباب 49 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(2) عوالي اللآلي 4: 58، الحديث 205، مع تفاوت في الألفاظ.
(3) عوالي اللآلي 4: 58، الحديث 207.
(4) عوالي اللآلي 4: 58، الحديث 206، مع تفاوت في الألفاظ.
(5) انظر مشارق الشموس: 110.
(6) لم نعثر عليه.
200

وجوب إزالة العين عن المخرج إذا لم يمكن التطهير بإزالة العين والأثر.
* (وإن قطعت) * اليد * (من) * الحد المشترك، فإن فسرنا * (المرفق) *
بذلك الحد * (سقط غسلها (1)) * بفوات محله. وإن فسرناه بمجموع العظمين،
وجب غسل ما بقي منه من العضد، للقاعدة المتقدمة، بل الإجماع على تقدير
هذا التفسير.
وإن قطع من فوق الحد المشترك، بأن قطع جزء من العضد سقط
الوجوب قولا واحدا.
وإن توقفنا في تفسير المرفق رجع إلى الاحتياط من جهة قوله عليه السلام:
" لا صلاة إلا بطهور " (2)، وإن كان مقتضى الأصل البراءة بعد إجمال اليد،
لإجمال حده.
وربما يتمسك بالعمومات المتقدمة، وصحيحة علي بن جعفر عن
أخيه عليه السلام: " عن الرجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال: يغسل
ما بقي من عضده " (3)، بل يجعل هذه دليلا على كون المرفق بمعنى المجموع، إذ
لا يجب غسل ما زاد على المرفق أصالة إجماعا.
وفيه: أن مبنى الاستدلال على إرادة القطع من الحد المشترك وبقاء
العضد بتمامه، وحينئذ فلا بد من التصرف في الجواب إما بإرادة غسل ما بقي
من المرفق من عضده، بمعنى أنه يغسل من عضده ما بقي من المرفق، وإما
بالحمل على الاستحباب، ولا شك في أولوية الثاني.

(1) في الشرائع: " سقط فرض غسلها ".
(2) الوسائل 1: 256، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(3) الوسائل 1: 337، الباب 49 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
201

وأما العمومات المتقدمة فالظاهر منها بحكم الغلبة هو الأقطع مما دون
المرفق.
واعلم أن السيد في المدارك حمل كلام المحقق على قطع رأس العضد
بقرينة تصريح المصنف قدس سره بوجوب غسل المرفق أصالة (1).
وذكر المحقق الثاني في حاشية الشرائع - بعدما فسر المرفق بالمفصل
ورأس عظمي الذراع والعضد، وأنه يجب غسل المرفق أصالة -: أنه يجب
حينئذ غسل جزء من العضد من باب المقدمة، ثم ذكر - في قول الماتن:
" ولو قطعت من المرفق " -: أن المراد أن المرفق قطع حقيقة، بناء على
وجوب غسله بالأصالة، ولو قلنا بوجوبه من باب المقدمة سقط غسل
ما بقي منه إذا قطعت الذراع (2)، انتهى. فتأمل فيما ذكره.
* (ولو كان له ذراعان دون المرفق) * وإن علم زيادة إحداهما، * (أو) *
كان له * (أصابع زائدة) * على الخمس، * (أو لحم نابت) * على جزء مما دون
المرفق، أو غير ذلك - ومنه الشعر والظفر وإن طالا - * (وجب غسل
الجميع) *، بلا خلاف في ذلك على الظاهر، واستظهر شارح الدروس الإجماع
عليه (3)، ونفى الريب عنه في المدارك (4) إما لكونه معدودا جزءا من اليد
كالإصبع الزائدة، وإما لكونه تابعا يفهم من الأمر بغسل اليد من المرفق إلى
الأصابع غسل ذلك.

(1) المدارك 1: 206.
(2) حاشية الشرائع (مخطوط)، الورقة 6، وفيه: " أن المرفق قطع جميعه ".
(3) مشارق الشموس: 109.
(4) المدارك 1: 206.
202

والظاهر وجوب غسل البشرة المستورة خلال الشعر، ليشمل
قوله عليه السلام: " إذا مس جلدك الماء فحسبك " (1)، ولأنه اليد حقيقة
دون الشعر، وإنما خرج ما تحت شعر الوجه بما مر من الدليل الغير الجاري
هنا، لأن قوله عليه السلام: " ما أحاطه الله به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه
ولا أن يبحثوا عنه " (2) مختص بشعر الوجه بقرينة قوله عليه السلام بعد ذلك:
" ولكن يجري عليه الماء "، وأما غيره فيجب اتفاقا غسل نفسه وما تحته
من الشعور المستورة بالشعر الظاهر المحاطة به، فالموصول للعهد،
نظير الموصول في مورد السؤال وهو قوله: " أرأيت ما أحاط به
الشعر ".
وأما قوله عليه السلام: " إنما يغسل ما ظهر " (3) فهو - مع ضعف سنده -
وارد في نفي وجوب المضمضة والاستنشاق، فالمراد به مقابل الجوف والباطن
لا المستور خصوصا تحت الشعور.
* (ولو كان) * شئ من ذلك * (فوق المرفق لم يجب غسله) *، لعدم كونه
يدا مستقلة ليدخل في عموم (وأيديكم إلى المرافق) (4)، وعدم عده جزءا أو
تابعا لمحل الفرض من اليد الواجب غسلها، ولذا حكم في البيان بأن الجلدة

(1) الوسائل 1: 341، الباب 52 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(2) الوسائل 1: 335، الباب 46 من أبواب الوضوء، الحديث 3، مع اختلاف في
الألفاظ.
(3) الوسائل 1: 303، الباب 29 من أبواب الوضوء، الحديث 6، وفيه: " إنما عليك
أن تغسل ما ظهر ".
(4) المائدة: 6.
203

المتدلية من محل الفرض إلى غيره يسقط غسله (1)، ونفى عنه الخلاف في
المنتهى (2).
وربما يشتبه معنى العبارة في بادئ النظر، فيتوهم أن المراد ما تدلى
رأسه على غير محل الفرض، ولا ريب في وجوب غسل ذلك، لأنه كالنابت
في المحل، لكن المراد - بقرينة أن الجلدة المعلقة لا تتدلى على ما فوق محل
انقلاعه -: أن ينكشط الجلدة من محل الفرض انكشاطا مستمرا إلى غير محل
الفرض بحيث كان مبدأ تدليه منه ولو كان انتهاؤه إليه أيضا، فلو كان مبدأ
تدليها من محل الفرض وجب غسلها، وإن كان مبدأ انقلاعه من غير محل
الفرض كما صرح به في البيان (3) تبعا للمعتبر (4) وكتب العلامة (5).
وربما يحتمل هنا عدم وجوب الزائد من المقدار المنقلع عن محل
الفرض دون الفاضل، إبقاء لكل منهما على حكمه السابق.
ثم إن ظاهر عبارة المصنف - حيث علق وجوب الغسل بكونها دون
المرفق، فيظهر منه أن الشرطية الثانية في قوة النقيض لها دون الضد -: أن
ما كان من هذه الأشياء محاذيا للمرفق لم يجب غسله (6)، وهو كذلك بناء
على أنه مجموع العظمين.

(1) البيان: 46.
(2) المنتهى 2: 38 - 39.
(3) البيان: 46.
(4) المعتبر 1: 144.
(5) المنتهى 2: 38، والتذكرة 1: 159، والقواعد 1: 202.
(6) في " ح ": " لم يجب عنه "، وفي مصححة " ع ": " لا يجب له غسله ".
204

هذا كله حكم أبعاض اليد، * (ولو كان له يد) * مستقلة مشتملة على
المرفق أو محله نابتة (1) من المنكب أو من بعض العضد - إذ لو كانت بعض يد
كذراع أو كف، دخل في المسألة الأولى، ولذا لم يفصل هنا بين كونه فوق
المرفق أو تحته، لاختصاص الموضوع هنا باليد المستقلة وبالجملة، فالكلام في
المسألة الأولى في أبعاض اليد كالذراع والكف والإصبع من حيث جزئيتها
أو تبعيتها لليد الواجب غسلها، وهنا في بعض مصاديق اليد من حيث شمول
اليد في الآية لها أو خروجها عن مصاديق اليد في الآية لاختصاصها
بالأصلية دون الزائدة، ومن ذلك يظهر وجه عدم تفصيل المصنف هنا - فإن
كانت أصلية وجب غسلها، لصدق اليد عليه كما لو كان له وجهان، وإن
كانت * (زائدة) * لم يجب غسلها عند جماعة (2).
نعم، إذا كانت تحت المرفق وجب غسلها للتبعية لا للصدق، لانصراف
الأدلة إلى الأصلية، وهو لا يخلو عن تأمل أو منع، لصدق اليد عليها، وعدم
صحة سلبه.
والانصراف الخطوري من دون تصديق الذهن بعدم الإرادة غير
قادح، وإلا سقط جل الإطلاقات بل كلها. مع أن الانصراف لو سلم قدحه
فليس في المقام على وجه يوجب ظهور المطلق في الأصلية لتحتاج إرادة
الأعم من الزائد إلى القرينة، غاية الأمر صيرورته في خصوص الأصلية
بمنزلة المجاز المشهور، فيتوقف في الشمول وعدمه، فيرجع إلى الاحتياط

(1) في غير " ع ": " ثابتة ".
(2) منهم الشيخ في المبسوط 1: 21، والعلامة في المنتهى 2: 38، والمحقق الثاني في
جامع المقاصد 1: 216.
205

اللازم من جهة قوله عليه السلام: " لا صلاة إلا بطهور " لا أصالة البراءة من
جهة الشك في الجزئية، فالقول بوجوب غسلها كما في المختلف (1) تبعا للمصنف
لا يخلو عن قوة.
ومنه يظهر أنه لو كانت مشتبهة بالأصلية بحيث لم يتميز عنها
بالأمارات التي ذكروها، مثل التساوي في البطش ونحوه * (وجب غسلها) * (2)
أصالة بالطريق الأولى، لأن مثلها مما لا يجترئ على الحكم بخروجه عن
المطلقات بعد كونه على وجه تساوي الأصلية في أكثر خواصها. نعم، لو قلنا
بعدم وجوب الزائدة غسلت مع الاشتباه من باب المقدمة، ويجب المسح بكل
منهما مقدمة أيضا.
ثم لا فرق في اليد الزائدة بين أن يكون لها مرفق وأن لا يكون إذا
كان لها محل المرفق.
وأما ما في المدارك من أن اليد الزائدة لو لم يكن لها مرفق لم يجب
غسلها قطعا (3) فلعل مراده خصوص الذراع والكف، ولا إشكال في عدم
وجوب غسلها إلا إذا كانت دون المرفق لأجل التبعية.
وأما اليد التامة فمجرد عدم اشتمالها على المرفق لا تسقط غسلها
لو كان واجبا على تقدير المرفق كما لو كانت الأصلية بلا مرفق.

(1) المختلف 1: 288.
(2) في غير " ع ": " غسلهما ".
(3) المدارك 1: 207.
206

* (الفرض الرابع) *
من فروض الوضوء الثابتة بالكتاب ولو بإعلام الإمام عليه السلام بكونه
دالا عليه * (مسح) * بعض * (الرأس) *.
قال الله سبحانه وتعالى: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى
الكعبين) (1)، بناء على النص الوارد عن أبي جعفر عليه السلام بإفادة الباء في الآية
للتبعيض، فروى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام، قال: " قلت له:
أما تخبرني من أين علمت وقلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟
فضحك وقال: يا زرارة قاله رسول الله صلى الله عليه وآله، ونزل به الكتاب من
الله، لأن الله تعالى يقول (2): (فاغسلوا وجوهكم) فعرف (3) أن الوجه كله
ينبغي أن يغسل، ثم قال: (وأيديكم إلى المرافق) [فوصل اليدين إلى
المرفقين بالوجه فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين] (4) ثم فصل بين

(1) المائدة: 6.
(2) في نسخة بدل " ع ": " قال ".
(3) في نسخة بدل " ع ": " فعرفنا ".
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في غير " ع ".
207

الكلامين فقال: (وامسحوا برؤوسكم) فعرفنا حين قال: (برؤوسكم) أن
المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل
اليدين بالوجه فقال: (وأرجلكم إلى الكعبين) فعرف (1) حين وصلهما بالرأس
أن المسح ببعضهما (2)، ثم فسره (3) رسول الله صلى الله عليه وآله للناس فضيعوه،
الخبر " (4).
ولعل المراد بقوله عليه السلام: " ثم فسره... إلى آخره " تفسير
رسول الله صلى الله عليه وآله البعض الواجب في المسح، والمراد إما تضييع الناس
للمفسر - بالفتح - وقولهم مسح الجميع، وإما تضييع التفسير وقولهم بعدم
تعيين المقدم.
ويحتمل أن يراد به التصريح منه صلى الله عليه وآله بمقتضى الآية وعدم اكتفائه
بما يستفاد من ظاهر الآية حتى يمكن الاشتباه فيه أو الغفلة كما اتفقت لزرارة
حتى سأل الإمام عليه السلام.
هذا، ولكن الانصاف تعسر إثبات التبعيض من الآية لولا تفسير
أهل الذكر عليهم السلام، لأن الباء لو سلم مجيئه للتبعيض إلا أنه لا يتعين هنا
لذلك بل يحتمل الإلصاق وغيره كما في قوله عليه السلام في صحيحة أخرى
لزرارة وبكير في المسح الحاكية لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله
تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم

(1) في نسخة بدل " ع ": " فعرفنا ".
(2) في نسخة بدل " ع ": " على بعضهما ".
(3) في نسخة بدل " ع ": " فسر ذلك... ".
(4) الوسائل 1: 290، الباب 23 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
208

وأيديكم إلى المرافق) إلى أن قال: ثم قال: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم
إلى الكعبين) فإذا مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه (1) ما بين
الكعبين إلى أطراف الأصابع أجزأه... الخ " (2) ولا يخفى أن الباء في قوله:
بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ليس للتبعيض لأن الممسوح شئ
منهما إذ ليس المراد بعض البعض.
واحتمال إرادته للمبالغة في كفاية المسمى، بأن يراد (3) أن أي بعض
فرض من الرأس يكفي بعضه بعيد جدا.
وكيف كان، فعدم تفطن زرارة لدلالة الآية في محله، قال في كنز
العرفان - بعد ذكر الخلاف في الباء في الآية وحكاية إنكار مجئ الباء
للتبعيض عن أهل العربية -: والتحقيق: أنها تدل على تضمين الفعل معنى
الإلصاق، فكأنه قال: ألصقوا المسح برؤوسكم، وذلك لا يقتضي الاستيعاب
وعدمه (4)، انتهى.
وما ذكره لا يخلو عن قرب، فإن المسح كما يتعدى إلى مفعوله
ب‍ " على " كثيرا لتضمن معنى الإمرار عليه كذلك لا بأس بتعديه إليه بالباء
لتضمن معنى مرور اليد به، فيقال: مسحت يدي برأس اليتيم.
* (والواجب فيه) * (5) طولا وعرضا * (ما يسمى مسحا) * (6) على

(1) في مصححة " ع ": " من رأسك أو بشئ من قدميك ".
(2) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(3) في " ب ": " يرد ".
(4) كنز العرفان 1: 10.
(5) في الشرائع: " والواجب منه ".
(6) في الشرائع: " ما يسمى به ماسحا ".
209

المشهور، وعن التبيان: أنه مذهبنا (1)، وعن مجمع البيان (2) وظاهر المحقق
الأردبيلي قدس سره في آيات الأحكام (3): الإجماع عليه، لكن عن التنقيح: أنه
مذهب أصحابنا - إلا الشيخ في النهاية والصدوق قدس سرهما (4) - لروايتي زرارة
المتقدمتين (5).
خلافا للمحكي عن ظاهر النهاية، حيث قال: وتجزي إصبع عند
الخوف من كشف الرأس، ولا يجزي أقل من ثلاث أصابع مضمومة
للمختار (6). وعن الفقيه: وحد مسح الرأس أن يمسح بثلاث أصابع مضمومة
من مقدم الرأس (7). والمحكي في المعتبر عن مسائل الخلاف للسيد قدس سره أنه
أوجب الثلاث (8).
ويشهد لهذا القول رواية معمر بن عمر (9) عن أبي جعفر عليه السلام:
" يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع، وكذا القدمين " (10)،

(1) التبيان 3: 451.
(2) مجمع البيان 2: 164.
(3) زبدة البيان: 17.
(4) التنقيح 1: 82.
(5) تقدمتا في الصفحة 207 و 208.
(6) النهاية: 14.
(7) الفقيه 1: 45.
(8) المعتبر 1: 145.
(9) في النسخ: " معمر بن خلاد "، والصحيح ما أثبتناه، كما في مصححة " ب ".
(10) الوسائل 1: 294، الباب 24 من أبواب الوضوء، الحديث 5، وفي المصدر
ومصححة " ع ": " الرجلين ".
210

وما ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: " المرأة يجزيها من
مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع، ولا تلقي عنها خمارها " (1)،
بناء على الإجماع على عدم الفرق بين الرجل والمرأة، وعدم الاعتناء
بما في الذكرى (2) عن الإسكافي من الفرق بينهما وكفاية الإصبع في
الرجل.
وعن محمد بن عيسى، قال: " قلت لحريز يوما: يا عبد الله كم
يجزيك أن تمسح من شعر رأسك في وضوئك، قال: مقدار ثلاث أصابع،
وأشار إلى السبابة والوسطى والثالثة، وكان يونس يذكر عنه فقها كثيرا " (3)،
والظاهر أن مثل حريز لا يفتي في الشرعيات إلا بما سمعه.
وكأن مستند تفصيل النهاية الجمع بين الأخبار بشهادة رواية حماد
عن الحسين عن أبي عبد الله عليه السلام: " في رجل توضأ وهو متعمم (4) فثقل
عليه نزع العمامة لمكان البرد، قال: ليدخل إصبعه " (5).
والجواب عن الرواية الأولى: أنها ضعيفة السند بل قاصرة الدلالة
من حيث إلحاق الرجلين بالرأس. وقد ادعى غير واحد تبعا للمقاصد

(1) الوسائل 1: 293، الباب 24 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(2) الذكرى: 86.
(3) مستدرك الوسائل 1: 316، الباب 22 من أبواب الوضوء، الحديث الأول، مع
اختلاف يسير.
(4) كذا في النسخ، وفي المصدر: " معتم ".
(5) الوسائل 1: 293، الباب 24 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
211

العلية أن الاكتفاء به في الرجلين بأقل من الثلاث (1) موضع وفاق (2).
لكن يرده تصريح التذكرة بأن وجوب الثلاث قول بعض علمائنا (3)،
وظاهر المختلف (4) أيضا عدم التفصيل بينه وبين الرجل، لأنه لم يستدل
لوجوب الثلاث في الرأس إلا بصحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام:
قال: " سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على أصابعه
فمسحها إلى الكعبين (5) إلى ظاهر القدم، فقلت له: جعلت فداك لو أن رجلا
قال بإصبعين من أصابعه هكذا: فقال: لا إلا بكفه " (6).
لكن لا يخفى مخالفة ظاهر الرواية للقول بكفاية الثلاث، فلا مناص من
حمله على الاستحباب.
وعن الثانية: احتمال رجوع الأجزاء إلى مسح مقدار الثلاث باعتبار
قيده وهو عدم إلقاء الخمار، كما يؤمي إليه رواية الحسين بن زيد بن علي عن
أبي عبد الله عليه السلام: " لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال، إنما المرأة
إذا أصبحت مسحت رأسها وتضع الخمار عنها، فإذا كان الظهر والعصر
والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها " (7).

(1) في " ع ": " من ثلاث ".
(2) المقاصد العلية: 58.
(3) التذكرة 1: 161.
(4) المختلف 1: 290.
(5) في غير " ع ": " على الكعبين ".
(6) الوسائل 1: 293، الباب 24 من أبواب الوضوء، الحديث 4.
(7) الوسائل 1: 292، الباب 23 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
212

وأما فتوى حريز، فلعلها مستنبطة اجتهادا من ظواهر روايات
الثلاث بزعم خلوها عن المعارض أو رجحانها عليه، أو البناء عليها
للاحتياط في العبادة.
وأما رواية حماد (1)، فلا دلالة فيها على الاضطرار، مع أن مسح مقدار
الثلاث يحصل بإدخال الثلاث، فلا شهادة فيه على التفصيل.
وأما الجمع بين الأخبار، فيمكن بحمل الثلاث على الاستحباب.
ثم إن ظاهر جماعة أن كل من نفى وجوب الثلاث اكتفى بالمسمى،
وليس اعتبار خصوص مقدار الإصبع قولا ثالثا في المسألة، ولذا نسب في
المختلف إلى المشهور الاكتفاء بإصبع واحد (2)، واستدل لهم كالخلاف (3)
والمعتبر (4) بأخبار كفاية المسمى، وعبر في المقنعة (5) في مسح الرأس بالإصبع
وفي مسح القدمين برأس المسبحة (6). وفي المعتبر قال في مسألة مسح
القدمين: إنه يكفي ولو مقدار الإصبع، مستدلا بأخبار المسمى، ثم قال: قد
ذكرنا عدم وجوب الاستيعاب، وأنه يكفي لو مسحه قدر أنملة من رؤوس
الأصابع (7). ولا يخفى أن الأنملة ورأس المسبحة أقل من عرض الإصبع، ولذا

(1) المتقدمة في الصفحة 211.
(2) المختلف 1: 289 - 290.
(3) الخلاف 1: 81 - 82، المسألة 29.
(4) المعتبر 1: 145.
(5) في النسخ: " وعبر في الفقيه "، والظاهر أنه سهو، والصواب ما أثبتناه.
(6) المقنعة: 48.
(7) المعتبر 1: 148 - 152.
213

ذكر في الروض أن التعبير بالإصبع لبيان آلة المسح (1)، وهو بعيد.
والأولى أن يوجه الاتحاد بأن التحديد بالإصبع لأجل غلبة تحقق
المسمى به لا بدونه، أو لغلبة التعبير عن الأقل بذلك نظير تحديد الافتراق
المسقط لخيار المجلس بالخطوة، إلا أنه ربما ينافي ذلك كله تصريح جماعة بعدم
كفاية الأقل من الإصبع، قال قدس سره في التهذيب - بعد الاستدلال على ما في
المقنعة من كفاية الإصبع - بإطلاق الآية، ولا يلزم على ذلك ما دون
الإصبع، لأنا لو خلينا والظاهر لقلنا بجواز ذلك، لكن السنة منعت من
ذلك (2).
وفي الذكرى - بعد أن ذكر أن الواجب المسمى - قال: ولا يجزي أقل
من إصبع، قاله الراوندي (3).
وفي الدروس: ثم مسح مقدم الرأس بمسماه ولا يجزي أقل من
إصبع (4).
وعن المشكاة: أن في إجزاء أقل من الإصبع نظر (5)، انتهى.
وكيف كان، فلا دليل على خصوص مقدار الإصبع يعتد به في تقييد
المطلقات * (و) * إن ادعى في التهذيب ورود السنة بذلك (6) إلا أنا لم نعثر في

(1) روض الجنان: 33.
(2) التهذيب 1: 89، ذيل الحديث: 236.
(3) الذكرى: 86.
(4) الدروس 1: 92.
(5) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 247.
(6) التهذيب 1: 89.
214

السنة إلا على التحديد بالثلاث المحمول - كما عرفت على أن * (المندوب) *
مسح * (مقدار ثلاث أصابع) * مضمومة كما صرح به جماعة (1)، موضوعة
* (عرضا) * على المقدم، أو مأخوذا ذلك المقدار من عرض الرأس.
وعلى أي تقدير، فهو كغيره ساكت عن مقدار الإمرار، فيكفي مسمى
إمرار الأصابع الموضوعة، وهذا هو الظاهر من غيره، ففي المقنعة: يجزي
إصبع يضعها عليه عرضا والثلاث أسبغ (2)، انتهى، يعني أن وضع الثلاث
لأجل الإمرار المحقق لمعنى المسح أسبغ.
وذكر في التذكرة عن بعض العامة في الاكتفاء بالمسمى قولا بكفاية
شعرة، وعن آخر ثلاث شعرات (3)، ولا يخفى صراحة ذلك في أن محل الكلام
في عرض الرأس لا في مقدار الإمرار على طوله.
وفي النفلية، عد من جملة المستحبات المسح بثلاث أصابع عرضا (4)،
وهو ظاهر أو صريح في إرادة عرض الرأس.
ويشهد لذلك: التسوية بين الرأس والقدم في كفاية المسمى والإصبع
واستحباب الزائد على ذلك، ومن المعلوم أن هذا التقدير في القدم من حيث
العرض لا من حيث مقدار الإمرار.

(1) منهم المفيد في المقنعة: 48، والشيخ في المبسوط 1: 21، وابن حمزة في الوسيلة:
52.
(2) المقنعة: 48.
(3) التذكرة 1: 161.
(4) الألفية والنفلية: 93.
215

ومن هنا يعلم صراحة رواية معمر بن عمر (1) الجامعة بين الرأس
والرجلين في مسح الثلاث فيما ذكرنا، وهي عمدة أدلة الاستحباب، ويتلوه
في الوضوح ما تقدم عن حريز (2).
ويؤيده أيضا: الاستدلال للشيخ على كفاية إدخال الإصبع تحت العمامة
لخائف البرد، إذ لو أريد الإمرار مقدار ثلاث لحصل بإدخال الإصبع أيضا.
وفي جامع المقاصد: المراد بثلاث أصابع في عرض الرأس أما في طوله
فيكفي ما يسمى به ماسحا (3).
وفي حاشية الشرائع: أن لمسح الرأس تقديرين في طوله وعرضه، أما
في الطول، فما به يتحقق صدق المسح [من غير تقديره، وأما في العرض] (4)
فما صدق عليه إلى عرض ثلاث أصابع (5)، انتهى.
وكيف كان، فهذا هو ظاهر أكثر النصوص والفتاوي، بل ظاهر المحكي
عن شرح الدروس الوفاق، حيث جعل محل النزاع بين القائلين بوجوب
الثلاث والأكثر بالنسبة إلى عرض الرأس، قال: وأما بالنسبة إلى طوله
فالظاهر أنه يكفي الإمرار في الجملة (6)، انتهى.
وعن الشهيد الثاني في شرح النفلية - عند قول الشهيد قدس سره: " المسح

(1) في النسخ: " معمر بن خلاد "، والصحيح ما أثبتناه كما في مصححة " ب ".
(2) تقدم في الصفحة 211.
(3) جامع المقاصد 1: 218.
(4) من المصدر.
(5) حاشية الشرائع للمحقق الثاني، الورقة: 7.
(6) مشارق الشموس: 114.
216

بثلاث أصابع " -: مضمومة عرضا، أي في عرض الرأس خروجا عن
خلاف (1)، لكن قال في المسالك في شرح العبارة المتقدمة: إن قوله " عرضا "
حال من الأصابع، والمراد مرور الماسح على الرأس بهذا المقدار، لا كون آلة
المسح ثلاث أصابع مع مرورها أقل من مقدار الثلاث، ومعنى (2) استحباب
مسحه بهذا المقدار وكونه أفضل الفردين إن أوقعه دفعة وإن كان ذلك نادرا،
ولو كان على التدريج كما هو الغالب فالظاهر أن الزائد على المسمى
موصوف بالاستحباب (3)، انتهى.
وقال - بعد الاعتراف بما تقدم منه -: إن ظاهر الخبر أن المعتبر في
الثلاث كونها (4) في طول الرأس، بأن يمر منه على مقدار ثلاث أصابع ولو
بإصبع (5)، انتهى.
وقد عرفت أن عمدة أدلة الثلاث - التي حكي عن السيد (6) الاقتصار
عليها - رواية معمر بن عمر (7)، وهي بقرينة إلحاق الرجل لا يراد منها إلا
عرض الممسوح، لا مسافة الإمرار.

(1) الفوائد الملية: 26، وفيه: " خروجا من خلاف من أوجبها ".
(2) كذا في المصدر، وفي النسخ: " وسيجئ "، والظاهر أنه من سهو النساخ.
(3) المسالك 1: 38.
(4) كذا في المصدر، وفي النسخ: " كونهما ".
(5) الفوائد الملية: 26.
(6) حكاه المحقق في المعتبر عن مسائل خلافه، كما تقدم في الصفحة 210.
(7) في النسخ: " معمر بن خلاد "، والصواب ما أثبتناه، راجع الوسائل 1: 294،
الباب 24 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
217

ودعوى: أن المسح هو الإمرار، فقوله: " الواجب منه ما يسمى
مسحا " (1)، يعني إمرارا، و " المندوب مقدار ثلاث أصابع " (2) يعني الإمرار
بهذا المقدار، فالمقصود في تحديد الواجب والمستحب مقدار الإمرار
لا موضعه، فإرادة مسح المقدار خلاف الظاهر.
مدفوعة بأن المسح إمرار الماسح، فتحديد أقله بما يسمى مسحا ظاهر
في إرادة ذلك من حيث كل واحد من اليد والرأس والإمرار، فإذا قال:
" المستحب مقدار ثلاث أصابع "، فلا يراد منه إلا هذا المقدار من الرأس،
فإن جعلنا قوله " عرضا " قيدا للمقدار الممسوح تعين ما صرح به المحقق
الثاني (3) تبعا لظاهر الأكثر، وإن جعلناه للأصابع - كما فعله في المسالك (4) -
كان ساكتا عن كون الممسوح وهو مقدار عرض الأصابع عرض الرأس،
بأن يضع ثلاث أصابع أو مقدارها من واحدة على العرض فيمرها في
الجملة، أو طوله بأن يضع إصبعا واحدة ويمرها بمقدار ثلاث، فيتأدى السنة
بكل منهما.
فالعبارة إما ظاهرة في خلاف ما استظهره، وإما ساكتة عنه من حيث
الخصوص فيعمه وغيره، لكن ظاهر غيرها من العبارات كما قدمنا ما ذكرنا،
وكذلك بعض النصوص.
فالاحتمالات ثلاثة: بملاحظة هذا القدر في العرض، وملاحظته في

(1) راجع الصفحة 209.
(2) راجع الصفحة 215.
(3) تقدم منه في الصفحة 216.
(4) تقدم منه في الصفحة السابقة.
218

الطول، وملاحظته بأحدهما، وتأدي السنة بأيهما كان.
وهنا احتمال رابع وهي: ملاحظة التقدير من حيث موضع الأصابع،
بأن يكون عرضه مقدار عرض الثلاث، وطوله مقدار طولها الذي هو طول
إصبع، سواء كان مقدار عرضها من عرض الرأس، وطولها من طوله أم
بالعكس، ولعله لظاهر قوله عليه السلام في رواية معمر بن عمر (1) المتقدمة:
" موضع ثلاث أصابع "، بناء على أن الإصبع ظاهر في تمامه.
وفيه: أن المراد به هو من خصوص العرض بقرينة إلحاق الرجل بها
في ذلك.
وعن المحدث الاسترآبادي: الظاهر من الروايات أن يكون الممسوح
من عرض الرأس (2) بقدر طول إصبع ومن طوله بقدر ثلاث أصابع
مضمومة، ومن الروايات المشار إليها: صحيحة زرارة المشتملة على
قوله عليه السلام: " وتمسح ببلة يمناك ناصيتك "، فإن المتبادر مسحها كلها،
وقوله عليه السلام: " المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث
أصابع "، ورواية معمر بن عمر (3) (4)، انتهى، وفي ظهور ما استظهره من
الروايات نظر.
ثم إن تحقق مسح هذا المقدار ملحوظا من حيث الطول يكون دفعة،

(1) في النسخ: " معمر بن خلاد "، والصحيح ما أثبتناه كما في مصححة " ب "،
وتقدمت الرواية في الصفحة 210.
(2) هنا في النسخ زيادة: " كونه ".
(3) في النسخ: " معمر بن خلاد "، والصحيح ما أثبتناه.
(4) الحدائق 2: 270.
219

ويكون تدريجا، أما الثاني فظاهر، وأما الأول فبأن يضع مقدار الثلاث من
الإصبع أو الأصابع على طول الرأس فيمرها في الجملة، فإن كل جزء من
محل الأصابع ممسوح دفعة واحدة، وكلاهما كثير الوقوع وإن كان التدريج
أغلب، لكن ذكر في المسالك والمدارك (1) أنه نادر، وظاهرهما ندرته في نفسه.
وأما مسح المقدار المذكور من حيث العرض فالدفعي منه واضح،
وأما التدريجي منه فيمكن هكذا بأن يضع مقدار إصبعين وزيادة لا يبلغ
واحدة على الرأس معوجا فيمسح موربا إلى أن يحصل مربع مؤرب يكون
الخط الذي يقطعه مثلثين في عرض الرأس على الاستقامة مقدار ثلاث
أصابع هكذا.
ثم إن الظاهر أن مسح مقدار الثلاث مع كونه دفعة أفضل الفردين،
والكلام في اجتماع الوجوب والاستحباب الفعليين فيه محرر في الأصول.
وأما مع التدريج ففي كون الزائد مستحبا محضا خلاف، والأقوى أنه
جزء للفرد الواجب الذي هو أفضل الفردين لحكم العرف على مجموع المقدار
بكونه فردا واحدا للمسح، ألا ترى أنه لو فرض عدم استحباب الزيادة
على المسمى لم يعد عرفا من اللغو، بل عدوا المشتغل به مشتغلا بالإطاعة.
ويدل عليه: إطلاق النص والفتوى " المستحب " على مجموع الثلاث،
فيعلم أنه أفضل الفردين.
نعم، لو ثبت من الأدلة استحباب إتمام المسمى ثلاثا ليكون حكما
حادثا بعد امتثال الواجب تعين اتصاف الزائد بالاستحباب، ويختص آلة
المسح بباطن اليد.

(1) المسالك 1: 38، ولم نعثر عليه في المدارك.
220

* (ويختص) * موضع * (المسح بمقدم الرأس) * فلا يجزي مسح المؤخر
أو أحد الجانبين بلا خلاف، للأخبار المستفيضة المقيدة لإطلاقات مسح
بعض الرأس.
وما ورد من جواز مسح المؤخر مؤول أو محمول على التقية في العمل
أو في البيان، ولا إشكال ولا خلاف في شئ من ذلك إنما الإشكال في أن
ظاهر بعض النصوص كبعض الفتاوي وجوب مسح الناصية، ففي صحيحة
زرارة ثم تمسح ببلة يمناك ناصيتك (1).
وقال في المقنعة (2): فيمسح من مقدم رأسه مقدار ثلاث أصابع
مضمومة من ناصيته إلى قصاص شعر رأسه مرة واحدة (3)، انتهى.
وقال في السرائر: وأقل ما يجزي في مسح الناصية ما وقع عليه اسم
المسح (4).
وفي المعتبر (5) والتذكرة (6) استدل على وجوب مسح المقدم بأن
النبي صلى الله عليه وآله مسح بناصيته، وفعله في مقام البيان فيجب اتباعه، فإن
ظاهر هذا الاستدلال إرادة الناصية من المقدم.

(1) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 2، وفيه: " وتمسح
ببلة يمناك ناصيتك ".
(2) في النسخ: " في الفقيه "، والظاهر أنه سهو.
(3) المقنعة: 44.
(4) السرائر 1: 101.
(5) المعتبر 1: 144.
(6) التذكرة 1: 163.
221

وفي الذكرى: يجوز المسح بكل من البشرة والشعر المختص بالمقدم
لصدق الناصية عليهما (1)، انتهى.
قال في التذكرة: الناصية ما بين النزعتين، وهو أقل من نصف الربع (2).
وعن المصباح المنير: أنه حكي عن أهل اللغة: أن النزعتين هما
البياضان المكتنفان بالناصية (3).
وباقي النصوص (4) والفتاوي أطلق فيها المقدم، والظاهر منه ضد
المؤخر، لكن عن القاموس (5) عد الناصية أحد معانيه، فهل المراد بهما (6)
واحد بإرادة المقدم من الناصية كما جزم به في محكي المصباح (7)، ويقرب منه
تحديد الناصية بربع الرأس في كلام البيضاوي (8)، وتفسير الناصية بشعر مقدم
الرأس في كلام غيره (9)، أو العكس كما تقدم عن القاموس وحكاه في
الحدائق عن بعض معاصريه مدعيا عليه الاتفاق ممن عدا الشهيد الثاني
وبعض من تبعه (10)، أو المقدم أعم من الناصية؟ وعليه فهل يحمل على المقيد

(1) الذكرى: 87.
(2) التذكرة 1: 162.
(3) المصباح المنير: 609.
(4) انظر الوسائل 1: 289، الباب 22 من أبواب الوضوء.
(5) القاموس المحيط 4: 162، مادة: " قدم ".
(6) كذا في " أ " و " ع "، وفي " ح "، " ج " و " ب ": " بها ".
(7) المصباح المنير: 609.
(8) أنوار التنزيل 1: 264.
(9) مجمع البيان 5: 204.
(10) الحدائق 2: 254.
222

أو ينزل المقيد على ما لا ينافيه؟ وجوه، أظهرها: الأول، أعني إرادة المقدم
من الناصية في صحيحة زرارة وكلمات من تقدم، كما يظهر بالتأمل في سائر
عباراتهم.
وعلى تقدير كون المقدم أعم فلا دليل على تقييده بالناصية، لعدم
ذكرها في شئ من الأخبار المبينة للوضوء قولا وفعلا عدا الصحيحة
المذكورة، وما ورد في أن المرأة تضع الخمار في الصبح والمغرب وتمسح
بناصيتها (1).
لكنهما لا تنهضان للتقييد، لوجوب حملهما على الاستحباب، لأن ظاهر
الأولى مسح جميع الناصية، وهو ليس بواجب إجماعا فيحمل على
الاستحباب، ولا إجماع على عدم استحباب مسح جميع الناصية، والأظهر
من ذلك جعل التخصيص بالناصية، لأن الغالب في مسح المقدم مسحها وإنما
يرفع العمامة والقناع لمسح ما فوقها على خلاف العادة لداع وأما الثانية،
فمحمولة على الاستحباب على المشهور من عدم وجوب وضع القناع،
والأحوط الاقتصار على الناصية.
وكما يختص الممسوح بمقدم الرأس كذلك يختص الماسح باليد، بلا
خلاف نصا وفتوى، وفي حسنة ابن أذينة في حديث المعراج الحاكي لخطاب
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالوضوء، وفيه: " ثم امسح رأسك مما بقي (2) في يديك (3)

(1) الوسائل 1: 292، الباب 23 من أبواب الوضوء، الحديث 5، وفيه: " لا تمسح
المرأة بالرأس كما يمسح الرجال، إنما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها، تضع الخمار
عنها، وإذا كان الظهر والعصر والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها ".
(2) في نسخة بدل " ع ": " بفضل ما بقي ".
(3) في " أ " و " ب ": " يدك ".
223

من الماء... الحديث " (1)، فإن: الظاهر أن المراد ما بقي في يدك من الماء الذي
غسلت.
وهل يشترط أن يكون بالكف، يعني ما دون الزند؟ المحكي عن (2)
جماعة ذلك (3)، قال في الذكرى: لو تعذر المسح بالكف فالأقرب جوازه
بالذراع (4).
ولعله لتبادر ذلك من أدلة المسح، لأجل الغلبة، ولبعض الوضوءات
البيانية، مثل ما رواه زرارة وبكير عن فعل الباقر عليه السلام، وفيه: " ثم مسح
رأسه ببلل كفه " (5)، وفي رواية أخرى: " بفضل كفه " (6)، والتبادر لأجل غلبة
الوجود، فهو مجرد خطور الفرد الغالب في الذهن لا على أنه المراد، ولذا
لا يعتمد عليه في غسل الوجه واليدين، ولا بالنسبة إلى باطن الكف.
مع أن غلبة الوجود بالنسبة إلى إطلاق الآية ممنوعة جدا، وفي
الوضوءات البيانية ما مر من قصور الدلالة، فالتمسك بالإطلاقات غير بعيد.
نعم، لو شك في الإطلاقات من حيث كون الغلبة موجبة لإجمالها

(1) الوسائل 1: 274، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(2) في غير مصححة " ع ": " من ".
(3) منهم السيد بحر العلوم في الدرة النجفية: 217، وصاحب الجواهر في الجواهر 2:
185.
(4) الذكرى: 87.
(5) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(6) الوسائل 1: 275، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 11، وفيه: " بفضل
كفيه ".
224

- نظير المجاز المشهور - وجب الرجوع إلى الاحتياط اللازم من قوله: " لا
صلاة إلا بطهور " (1).
وهل يتعين بباطن الكف؟ فيه نظر، مما ذكر من التبادر وظاهر
الوضوءات البيانية، وجعله في الذكرى أولى (2)، وهذا أيضا يكشف عن عدم
التزامهم بالنادر المذكور في المقامات. نعم، الأحوط ذلك، لما تقدم.
وهل يعتبر أن يكون باليمنى؟ فيه وجهان، بل قولان:
من صحيحة زرارة: " وتمسح ببلة يمناك ناصيتك " (3) وهو ظاهر
الإسكافي (4) وحكي عن بعض متأخري المتأخرين (5).
ومن أن حمله على الاستحباب أو على إرادة المعتاد عند المتشرعة
أولى من تقييد المطلقات الكثيرة الواردة في مقام البيان.
وبقي حكاية بعض الوضوءات البيانية: " ثم مسح مقدم رأسه وظاهر
قدميه ببلة يساره وبقية بلة يمناه " (6)، فإن عدم تعرض الحاكي للترتيب يدل
على فهمه عدم الاعتناء به على سبيل الوجوب، فافهم.

(1) الوسائل 1: 256، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(2) الذكرى: 87.
(3) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(4) انظر المختلف 1: 296.
(5) في مفتاح الكرامة: " قلت: وقد يفهم من الخلاف وصاحب المعالم وبعض المحشين
على التهذيب وجوب ذلك "، انظر مفتاح الكرامة 1: 260.
(6) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 2، وفيه: " وظهر
قدميه... ".
225

والظاهر أنه المشهور بل (1) في الحدائق: أن ظاهرهم الاتفاق عليه (2)،
والاحتياط لا ينبغي تركه، وحكى في الحدائق عن جملة من الأصحاب
اختصاص المسح بالأصابع (3)، وهو أشكل من سابقه وإن كان ظاهرا من
بعض العبائر المذكورة في تحديد مقدار الممسوح بالإصبع والأصابع (4)،
والاحتياط مطلوب.
ثم إنه إذا تعذر المسح بباطن أصابع اليد اليمنى، بناء على وجوب
ذلك، فمقتضى ظاهر النص (5) التخيير بين الأفراد الفاقدة لبعض هذه القيود.
ويحتمل الفرق بين ما ثبت من القيود بانصراف المطلقات، وبين
ما ثبت بالوضوءات البيانية، وبين ما ثبت بالتقييد الخارجي، ففاقد الأول
كالعدم، وفاقد الثاني يؤخذ به، عملا بالإطلاقات السليمة عن التقييد،
لاختصاصه بالمختار (6)، وفاقد الثالث يبني على كيفية ورود المقيد، فإن
استظهرنا منه الورود في مقام بيان المطلقات إما لدلالة المقيد على ذلك مثل
قوله: " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " (7)، ونظيره ما ذكرنا في قوله:
مسح الرأس على المقدم، وإما للقول بكون تقييد المطلق تجوزا فيه واستعمالا

(1) لم ترد " بل " في " ب ".
(2) الحدائق 2: 287.
(3) نفس المصدر: 288.
(4) راجع الصفحة 210.
(5) في غير " ع ": " النظر ".
(6) كذا في مصححة " ع "، وفي سائر النسخ: " بالمجاز ".
(7) الوسائل 1: 308، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 11.
226

له في المقيد، فكالأول، وإن كان الظاهر منه التكليف المستقل بالمقيد فهو
كالثاني.
* (و) * كيف كان، فالذي استقر عليه المذهب الآن - كما في المعتبر (1) -
أنه * (يجب أن يكون) * المسح * (بنداوة) * الماء المستعمل وجوبا أو استحبابا
في * (الوضوء (2)) * بلا خلاف ممن عدا الإسكافي (3)، بل عن الشيخ (4)
والسيدين (5) دعوى الإجماع عليه، بل قيل: إن عبارة الإسكافي لا تدل على
الخلاف، لأنه قال: إذا كان في يده نداوة يستبقيها من غسل يديه مسح
بيمينه رأسه ورجله اليمنى، وبيده اليسرى رجله اليسرى، ولو لم يستبق ذلك
أخذ ماء جديدا لرأسه ورجليه، انتهى (6)، إما لاحتمال الماء الجديد لما يأخذه
من لحيته ونحوها، وإما لاحتمال إرادة عدم إمكان الاستبقاء.
ثم إن ظاهر كلامه كفاية جفاف اليد في الاستيناف، وظاهر الذكرى (7)
و (8) تصريح بعض آخر (9) اشتراطه بعدم البلل على عضو من أعضاء الوضوء
قابل للأخذ منه.

(1) المعتبر 1: 146.
(2) في الشرائع زيادة: " ولا يجوز استئناف ماء جديد له ".
(3) حكاه عنه في المعتبر 1: 147.
(4) الخلاف 1: 80 - 81، المسألة 28.
(5) الإنتصار: 20، والغنية: 58.
(6) قاله في كشف اللثام 1: 71.
(7) الذكرى: 86.
(8) " الواو " من مصححة " ع ".
(9) كالفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 1: 71، وصاحب الجواهر في الجواهر 2: 194.
227

ثم إن شارح الموجز حكى عن الإسكافي في موضع آخر: أنه لو تعذر
بقاء البلل للمسح جاز الاستئناف للضرورة ونفي الحرج (1)، انتهى، وهذا إما
رجوع وإما قرينة على ما احتملناه في كلامه.
وكيف كان، فلا يعتد بخلافه على تقدير المخالفة، وإن فرض قدحه في
الإجماع، للنصوص الكثيرة الواردة في المسألة:
منها: ما عن المفيد في إرشاده عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن
الفضل عن علي بن يقطين، وفيه - بعد أمر علي بن يقطين بالوضوء على
وجه التقية وفعل ابن يقطين كما أمره عليه السلام وصلاح حاله عند الرشيد -
كتب عليه السلام إليه: " يا علي توضأ كما أمر الله تعالى إغسل وجهك مرة
واحدة فريضة وأخرى إسباغا، واغسل يديك من المرفقين، وامسح بمقدم
رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف
عليك " (2).
ومنها: الصحيح المروي عن الكافي والعلل المتضمن لقصة أمر
النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوضوء ليلة المعراج، وفيه: " ثم امسح رأسك بفضل
ما بقي في يدك من الماء ورجليك إلى الكعبين (3) " (4).

(1) لم نعثر فيه على الحكاية عن الإسكافي، نعم حكاه فيه عن الشهيد في الذكرى،
انظر كشف الالتباس 1: 158.
(2) الإرشاد: 227، والوسائل 1: 312، الباب 32 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(3) في نسخة بدل " ع ": " إلى كعبيك ".
(4) الكافي 3: 482 - 485، باب النوادر، الحديث الأول، والعلل 2: 312 - 315،
الحديث الأول. وروى عنهما في الوسائل 1: 274، الباب 15 من أبواب الوضوء،
الحديث 5، مع تفاوت فيها.
228

ومنها: ما ورد في ناسي المسح من أنه يأخذ من بلة لحيته (1).
وفي بعضها: أنه إن لم يبق عليه بلل الوضوء أعاده، كمرسلة الصدوق
عن الصادق عليه السلام: " إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك
من بلة وضوئك، فإن لم يبق (2) في يدك من نداوة وضوئك شئ فخذ مما بقي
منه في لحيتك (3) وامسح به رأسك ورجليك، فإن لم يكن لك لحية فخذ من
حاجبيك (4)، فإن لم يكن بقي من بلة وضوئك شئ فأعد (5) الوضوء " (6).
وفي رواية مالك بن أعين: " فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه
وليمسح رأسه، وإن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف وليعد الوضوء " (7).
والخدشة فيها باحتمال كون الأمر بالإعادة لفوات الموالاة بالجفاف،
مدفوعة بأن عدم بقاء بلل قابل للأخذ لا يستلزم الجفاف المفوت للموالاة.
هذا كله مضافا إلى الأخبار الحاكية للوضوءات البيانية الناصة في غير
واحد بعدم استئناف الماء (8).

(1) انظر الوسائل 1: 287، الباب 21 من أبواب الوضوء.
(2) في نسخة بدل " ع ": " فإن لم يكن بقي ".
(3) في غير " ع ": " فخذ من لحيتك ".
(4) في نسخة بدل " ع ": " وأشفار عينيك وامسح به رأسك ورجليك فإن لم يبق
شئ ".
(5) في نسخة بدل " ع ": " أعدت ".
(6) الفقيه 1: 60، الحديث 134، وروى عنه في الوسائل 1: 288، الباب 21 من
أبواب الوضوء، الحديث 8.
(7) الوسائل 1: 288، الباب 21 من أبواب الوضوء، الحديث 7.
(8) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 3 و 6 و 10 و 11.
229

لكن يمكن الخدشة في الأخبار البيانية بما مر غير مرة، مضافا إلى
اختصاصها بصورة وجود النداوة في اليد، وكذلك رواية المعراج قضية (1) في
واقعة مجملة بل ظاهرة في بقاء البلل، ورواية ابن يقطين محمولة على الغالب.
نعم، قد يستدل الإسكافي (2) بروايات أبي بصير (3) ومعمر بن خلاد (4)
وعمارة بن أبي عمارة (5) الظاهرة في تعيين المسح بماء جديد مع التمكن من
المسح ببقية البلل والمنع عنه، وحملها حينئذ على التقية متعين.
نعم، يمكن الاستدلال له (6) بخبر منصور عن أبي عبد الله عليه السلام في
من نسي مسح رأسه حتى قام في الصلاة، " قال: ينصرف ويمسح رأسه
ورجليه " (7).
وفي خبر أبي بصير: " إن كان استيقن ذلك انصرف فمسح على رأسه
ورجليه واستقبل الصلاة، وإن شك فلم يدر مسح فيتناول من لحيته إن
كانت مبتلة، وإن كان أمامه ماء فليتناول منه وليمسح به رأسه " (8)، بناء على
شمول حكم النسيان لصورة بقاء البلل الموجب لبقاء الموالاة، وعدم بقائه

(1) لم ترد " قضية " في " ع ".
(2) انظر المختلف 1: 297.
(3) الوسائل 1: 287، الباب 21 من أبواب الوضوء، الحديث 4.
(4) الوسائل 1: 288، الباب 21 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(5) الوسائل 1: 288، الباب 21 من أبواب الوضوء، الحديث 6.
(6) لم ترد " له " في " ب " و " ع ".
(7) الوسائل 1: 317، الباب 35 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(8) الوسائل 1: 332، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 8.
230

بمقدار يصلح للأخذ منه للمسح، لكنها واجبة التقييد بما تقدم من الأخبار.
ثم إن ظاهر إطلاق رواية علي بن يقطين (1) وصدر مرسلة الصدوق (2)
أنه لا فرق في النداوة الممسوح بها بين أن يكون من اليد أو من سائر
الأعضاء. نعم، مع وجود البلل فيها يكون الأخذ من الخارج غير محتاج
إليه.
ولا ينافي إطلاق المرسلة قوله فيها: " فإن لم يبق في يدك من نداوة
وضوئك "، لأن قوله: " من نداوة وضوئك " إشارة إلى أن العبرة بما في اليد
من حيث إنه نداوة الوضوء واليد كالظرف له لا أنها مقيدة بكونها في اليد،
فهذه الفقرة نظير قوله بعد ذلك: " فإن لم يكن لك لحية " مسوق لبيان
الأسهل فالأسهل عادة لا الترتيب، لعدم الترتيب بين اللحية وغيرها اتفاقا
على الظاهر، وعلى هذا فقول المصنف قدس سره: * (ولو جف ما على يده أخذ من
لحيته وأشفار عينيه (3)) * تعليق مبني على المعتاد من عدم أخذ بلل المسح من
غير اليد مع وجوده عليها، ولذا قال في المدارك - بعد اختيار عدم الترتيب
بين اليد وغيرها تبعا لجده -: إن التعليق في كلام الأصحاب خرج مخرج
الغالب (4).
واعترض على ذلك الوحيد البهبهاني: بأنه لا معنى لذلك إذا كان
الأخذ جائزا مطلقا، فلو كان الظاهر لهم عدم اشتراط الجفاف لصرحوا

(1) المتقدمة في الصفحة 228.
(2) المتقدمة في الصفحة: 229.
(3) كذا في الشرائع، وفي النسخ: " عينه ".
(4) المدارك 1: 213، وروض الجنان: 37.
231

بذلك ولم تكن عبارتهم صريحة في الاشتراط (1)، انتهى.
وحاصله: أنهم لو اقتصروا على قولهم: " يجب المسح ببقية بلل
الوضوء " لم يحتج إلى تعدد العنوان في كلامهم لواجد بلة اليد وفاقدها.
ومنه يظهر أن ما حكي عن العلامة الطباطبائي (2) من أن المشروط
بجفاف اليد وجوب الأخذ من غيرها لا جوازها، لا يخلو عن نظر، لأن
ذلك كله كان يؤدى بإضافة البلة إلى مطلق الوضوء بعد خصوص اليد،
إلا أن يقال: إن تعدد العنوان في كلامهم للإشارة بعنوانهم الثاني إلى رد ابن
الجنيد المسوغ للاستئناف مع جفاف خصوص اليد.
هذا، ولكن الإنصاف أن هذه المحامل إنما تحسن إذا استفيد الحكم من
سائر كلماتهم، وإلا فنسبة الحكم إليهم بمجرد ذلك لا وجه له، خصوصا مع
اتفاق أكثرهم على التصريح بهذا الاشتراط كما في المقنعة (3) والمبسوط (4)
والسرائر (5) وكتب الفاضلين (6) والشهيد (7).
وعن الانتصار: أن مما تفردت به الإمامية القول بأن مسح الرأس

(1) حكاه عنه في مفتاح الكرامة عن شرح المفاتيح وحاشية المدارك، انظر مفتاح
الكرامة 1: 258.
(2) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 1: 259.
(3) المقنعة: 47.
(4) المبسوط 1: 21.
(5) السرائر 1: 103.
(6) المعتبر 1: 147، والتذكرة 1: 166.
(7) البيان: 47.
232

يجب ببلة اليد، فإن استأنف ماء جديدا لم يجز، حتى أنهم يقولون: إذا لم
يبق في اليد بلة أعاد الوضوء (1)، انتهى.
نعم، أطلق في المتن - كما في الوسيلة (2) والتذكرة (3) والإرشاد (4)
والذكرى (5) -: أنه يعتبر أن يكون المسح ببلة الوضوء.
وأطلق البلل في المعتبر (6) والألفية (7) والجعفرية (8).
وفي المبسوط: يمسح ببقية النداوة (9).
ويمكن حمل الإطلاق في هذه الكلمات على الغالب وهو بلل اليد،
فليحمل من الطرفين.
ويمكن ذلك في الأخبار أيضا، إذ كما يجوز حمل تقييد البلة باليد في
الأخبار على الغالب من عدم الحاجة إلى أخذ البلل من غيرها، يجوز حمل
المطلق منها كالروايتين المتقدمتين على الغالب المتعارف وهي بلة اليد.
ومنه يظهر ضعف ما تمسك به في الروض (10) مما دل على أخذ ناسي

(1) الإنتصار: 19 - 20.
(2) الوسيلة: 50.
(3) التذكرة 1: 165.
(4) الإرشاد 1: 223.
(5) الذكرى: 86.
(6) المعتبر 1: 146.
(7) الألفية: 44.
(8) الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 87.
(9) المبسوط 1: 21.
(10) روض الجنان: 37.
233

المسح من بلل لحيته من دون تقييد بعدمه في اليد، إذ لا يخفى أن الغالب في
الناسي عدم بقاء البلل على يده.
ومن الإنصاف أن إطلاق المرسلة ورواية ابن يقطين (1) وكذا إطلاق
فتاوى من أطلق البلل أقوى من مقيدات النصوص والفتاوي في التقييد، مع
أن اللازم على تقدير تكافؤ الحملين هو الرجوع إلى إطلاق الآية والروايات
الدالة على وجوب مجرد مسح اليد.
والثابت بالإجماع وغيره (2) وجوب استصحاب الماسح لبلل، أما كونه
بلل خصوص اليد فلم يثبت، فالقول بالإطلاق - إذن - لا يخلو عن قوة،
وفاقا لظاهر الألفية (3) والموجز (4) وشرحه (5) وصريح المسالك (6) والروض (7)
والمقاصد العلية (8) والمدارك (9) والمشارق (10) وغيرها (11)، بل الكل بناء على
ما ذكره الشهيد الثاني من حمل كلماتهم على إرادة الترتيب العادي

(1) المتقدمتان في الصفحة 229 و 228.
(2) كذا في مصححة " ع "، وفي سائر النسخ: " وغيرها ".
(3) الألفية: 44.
(4) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 41.
(5) انظر كشف الالتباس 1: 153 - 154.
(6) المسالك 1: 38.
(7) روض الجنان: 37.
(8) انظر المقاصد العلية: 57.
(9) المدارك 1: 213.
(10) مشارق الشموس: 117.
(11) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 35.
234

لا الشرعي (1) إلا أن المسألة لا تخلو عن إشكال فلا ينبغي فيها ترك
الاحتياط.
وعلى القول بوجوبه، فهل يجب الاقتصار على ما يعتاد المسح به من
باطن أصابع الكف على القول بوجوب ذلك، أو يؤخذ بإطلاق اليد في
المقيدات؟ وجهان: من الإطلاق، وقوة احتمال انصرافه إلى بلل ما يجب
المسح به، وعليه فلا يجوز الأخذ من ظاهر اليد فضلا عن الذراع مع وجود
البلل من الباطن.
نعم، لو فقد بلل الباطن ففي تعيين الأخذ من الظاهر أو الذراع مخيرا
فيهما، أو مترتبين كما هو ظاهر الذكرى (2)، أو التخيير بينها وبين اللحية،
وجوه.
وهل يجوز الأخذ من باطن اليسرى فيمسح الرأس بناء على جواز
مسحه باليسرى؟ وجهان، من احتمال أن بلل اليسرى إنما يصح المسح به إذا
كان أصل المسح باليسرى فلا يجوز نقله إلى ماسح آخر، والاحتياط
لا ينبغي تركه.
ولو أمر يده على ذراعه الأيسر عند غسلها أكثر مما يتحقق به
الاستظهار الواجب أو المستحب في الغسل، ففي كون ذلك بمنزلة مزج البلل
الذي يجب المسح به بماء آخر كما إذا غسلها مرة ثالثة وعدمه، وجهان،
لا يبعد ابتناؤهما على أن الزائد على أقل الأفراد هل يتصف بالوجوب،
أو لغو محض إذا علم عدم اتصافه بالاستحباب كما في المقام.

(1) لم نعثر على هذا الكلام في كتب الشهيد الثاني رحمه الله ولا في غيرها.
(2) الذكرى: 87.
235

ثم إن المراد ب‍ " بلل الوضوء " هو الباقي من الماء المشتمل في الوضوء،
فلو جرى منه إلى غيره فإن كان أجنبيا عن محل الوضوء كالجاري من
الوجه إلى العنق والصدر فلا إشكال في عدم جواز المسح به، كما لا إشكال
في جوازه إذا كان باقيا في محله. أما إذا جرى على محل مغسول، فالظاهر
أنه ليس كالأجنبي وإن كان الماء أجنبيا بالنسبة إليه.
ولو بقي لمعة فصب لغسلها ماء جرى عليها وعلى غيرها من المحل
المغسول قبل ذلك، ففي جواز المسح به إشكال، لكونه غير معدود من فضل
الوضوء، فيدخل في مسألة مزج بلل الوضوء بماء الغسلة الثالثة، إلا أن
يكون قليلا جدا بحيث يعد من التوابع الصرفة لغسل اللمعة.
ثم إن إطلاق " اللحية " في كلام المصنف قدس سره وغيره تبعا للنصوص
من غير تقييد بظاهر ما كان في حد الوجه، يحتمل أن يكون من جهة كون
تخليل باطن اللحية وغسل المسترسل منها مستحبا، ويحتمل أن يكون المراد
منه: خصوص ما تقدم في غسل الوجه من القدر الذي يجب غسله، ويحتمل
أن يراد جواز الأخذ منها وإن لم يكن غسل الزائد واجبا ولا مستحبا، لعده
عرفا من الماء المستعمل في الوضوء ما لم ينفصل من المحل العرفي للغسل
ولو باعتبار جزئه، بل يحتمل أن يجوز المسح بالماء المستعمل لأصل الوضوء
ولو من باب المقدمة الوجودية أو العلمية، فيؤخذ من جزء الرأس الذي
غسل مقدمة، ومن المواضع المشكوكة المحكوم بوجوب غسلها بقاعدة
الاحتياط، بل ومن المواضع التي حكم باستحباب غسلها بمجرد خبر ضعيف
أو فتوى فقيه تسامحا، لأنه يكون من أجزاء الفرد المندوب باعتبار اشتماله
على هذا الجزء.
لكن في جميع ذلك نظر، بل لا يبعد وجوب الاقتصار على ما ثبت
236

بالدليل كونه من مواضع الغسل أصالة.
ويترتب على ما ذكرنا: أنه لو غسل بدنه (1) ارتماسا، فإن نوى الغسل
عند الإخراج جاز المسح بها، وإن نواه بالغمس ففيه إشكال، من جهة كون
ذلك كغمس العضوين في الماء بعد غسلهما، وصرح في محكي البشرى
بما ذكرنا من الفرق بين قصد الغسل بالخروج وعدمه، وقواه في الذكرى (2).
وأما ما ذكره جماعة كالمحقق (3) والعلامة (4) والشهيد (5) وغيرهم (6) من
أنه لو غمس أعضاءه في الماء دفعة فأخرج أعضاءه مرتبا صح غسل
الأعضاء وافتقر إلى المسح، فيمكن حمله على تحقق الغسل بالخروج، ولذا
ذكروا بعده: أنه لو لم يترتب في الإخراج صح غسل الوجه نزولا واليمنى
خروجا.
نعم، يظهر من ذلك أنه لا يعتبر قصد تحقق الغسل بالإدخال أو
بالإخراج، بل يكفي قصد تحققه في ضمن هذا المجموع، وسيأتي بعض الكلام
في المسائل الثمان التي ذكرها المصنف قدس سره إن شاء الله.
بقي الكلام في مقدار البلة، أما حدها باعتبار القلة، فالظاهر اعتبار
تأثيرها في الممسوح بللا ولو ضعيفا، وفاقا للمحكي عن النهاية في غير

(1) في " ب ": " يديه ".
(2) الذكرى: 85.
(3) المعتبر 1: 156.
(4) التحرير 1: 10.
(5) الذكرى: 91.
(6) كشف اللثام 1: 71.
237

حال الهواء والحر المفرطين، حيث قال: وهل يشترط في حال الرفاهة
التأثير في المحل؟ الأقرب ذلك (1)، انتهى، وسيأتي عن غيرها أيضا، لأن
المستفاد مسح الرأس بالبلل، بأن يكون البلل ممسوحا نظير مسح رأسه
بالدهن لا مسحه باليد متلبسا بالبلل ومصاحبا له، فلو لم يتأثر الممسوح بها
إما لغلبة رطوبة خارجة على الماسح بحيث يكون تأثير المحل بهذه الرطوبة
الخارجة، وإما لغلبة الرطوبة على الممسوح فالظاهر عدم الإجزاء.
لكن الظاهر من المحقق قدس سره في المعتبر أنه لا يقدح شئ منهما، لأنه
استوجه (2) جواز المسح بعد الغسلة الثالثة التي صرح بأنها غير مشروعة،
قال: لا ينفك عن ماء الوضوء الأصلي. ثم قال بعده: لو كان في ماء وغسل
يديه مسح رأسه ورجليه، لأن يديه لا تنفك عن ماء الوضوء، ولا يضره
ما كان على قدميه من الماء (3)، انتهى.
وسبقه في هذا الفرع الحلي في السرائر مستدلا بأنه مسح (4) بغير
خلاف، وعموم ظواهر الآيات والأخبار يشمله، ثم ذكر أن له في هذه
المسألة رسالة (5).
أقول: وفي كلا الحكمين نظر، لما ذكرنا من أن ظاهر الأخبار وجوب
إيصال البلة بواسطة اليد على أن تكون اليد آلة في الإيصال، لا وجوب

(1) نهاية الإحكام 1: 43.
(2) في النسخ: " استوجبه "، والصواب ما أثبتناه.
(3) المعتبر 1: 160.
(4) في المصدر: " ماسح ".
(5) السرائر 1: 104.
238

إيصال اليد المبلولة، قال في الذكرى: الغرض بالمسح عندنا وصول البلة
بواسطة اليد، فلا يكفي وصول البلة وحدها (1)، انتهى.
وفي المنتهى - في رد من قال بكفاية بل موضع المسح بالمطر - قال:
لأن الشرط هو استعمال الماء الباقي من نداوة الوضوء (2).
وعن الإسكافي: المبالغة في ذلك وأنه يكفي إدخال اليد في الماء
والمسح على الرجل عند الضرورة (3)، انتهى، وهو غير بعيد عن فتوى المحقق
بالمسح بالبلة الباقية من الغسلة الثالثة، وقد عرفت أن الأقوى فيه المنع
وفاقا لجماعة ممن تأخر عنه (4)، بل في المختلف عن والده: عدم جواز المسح
على المحل مع رطوبته، ثم قال: وليس ببعيد لحرمة التجديد ومع الرطوبة
يكون المسح بماء جديد (5)، انتهى.
لكن ظاهر التعليل: إرادة الرطوبة الغالبة، وإلا لم يصدق المسح بماء
جديد قطعا.
وفي التذكرة: لو كان على الرأس أو الرجل رطوبة ففي المسح عليها
قبل تنشيفها إشكال (6)، انتهى، والتنشيف أخذ الماء من المحل لا تجفيفه وجعله

(1) الذكرى: 87.
(2) المنتهى 2: 58.
(3) حكاه عنه في الذكرى: 89.
(4) كالشهيد في الدروس 1: 93، والسيد العاملي في المدارك 1: 234، والمحقق
السبزواري في الذخيرة: 41.
(5) المختلف 1: 303.
(6) التذكرة 1: 171.
239

يابسا في مقابل المبلول.
فظاهر العبارة أنه لا إشكال بعد التنشيف وإن لم يجف العضو كما نص
عليه في الذكرى بعد حكاية الخلاف في المسألة، قال: لو غلب ماء المسح
رطوبة الرجلين زال الإشكال (1) [و] (2) قال في الدروس: ويشترط غلبة ماء
الوضوء على الرطوبة (3).
وفي المقاصد العلية في مسألة عدم جواز الاستيناف: أنه يتحقق
الاستيناف بانتقال البلل الموجود على جزء من العضو الممسوح إلى جزء
آخر بواسطة الماسح، فلو كان العضو رطبا ولم ينتقل البلل منه بالمسح لم
يضر (4)، انتهى.
وهو صريح أيضا في عدم قدح البلل اليسير لكنه استند في قدح
الكثير إلى انتقال البلل دون استهلاك رطوبة الماسح المانع من صدق المسح
بالبلل، وهذا ليس مختصا بالبلل الأجنبي بل يجري في بلل الوضوء إذا جرى
بعد وصوله إلى الممسوح إلى جزء آخر منه، وهو بناء على ما اختاره في
هذا الكتاب وفي الروض من أن المسح والغسل متباينان (5)، إذ الجريان
والانتقال المحقق لمفهوم الغسل يعتبر عدمه في تحقق المسح، ورد بذلك على
الشهيد رحمه الله في الذكرى حيث قال: لا يقدح إكثار ماء الوضوء لأجل المسح

(1) الذكرى: 89.
(2) الزيادة اقتضتها العبارة.
(3) الدروس 1: 92.
(4) المقاصد العلية: 57.
(5) روض الجنان: 34.
240

لأنه من بلل الوضوء، وكذا لو مسح بماء جار على العضو وإن أفرط
الجريان، لصدق الامتثال، ولأن الغسل غير مقصود (1)، انتهى.
وقال في الألفية - بعد اعتبار الجريان في الغسل وعدم كفاية
الإمساس -: أما في المسح فيجزي (2)، انتهى.
قال في المقاصد العلية في شرح العبارة: إنه يستفاد من لفظ الإجزاء
أنه لو جرى الماء على العضو الممسوح أجزأ، فعلى هذا يكون بين الغسل
والمسح عموم وخصوص من وجه، ثم قال - بعد ما ذكر (3) مادة الاجتماع
ومادة الافتراق -: والحق اشتراط عدم الجريان في المسح مطلقا، وأن بين
المفهومين تباينا كليا، لدلالة الآية والأخبار والإجماع على اختصاص أعضاء
الغسل به وأعضاء المسح بالمسح، والتفصيل قاطع للشركة، وقد نقل
العلامة (4) وغيره (5) الإجماع على أن الغسل لا يجزي عن المسح، ولا شك أن
الماء الجاري على العضو على هذا الوجه غسل لتحقق مفهومه، فيجوز سوق
الإجماع على عدم إجزائه، ثم قال: لا يقال إن الفرد المجزي من المسح مع
الجريان هو جريان الماء الممسوح به لا إجزاء (6) غسل موضع المسح، وفرق

(1) الذكرى: 87.
(2) الألفية: 45.
(3) في غير " ع ": " بعد ذكر... ".
(4) المنتهى 2: 52.
(5) كالشيخ في الخلاف 1: 84، المسألة 34.
(6) كذا في المصدر و " أ "، " ح " و " ج "، وفي " ب ": " لا إجراء "، وفي " ع ":
" لإجزاء ".
241

بين الأمرين، فأجاب بأن تحقق الغسل لا يتوقف على كونه بماء جديد، ثم
أجاب عن استدلال الذكرى بالامتثال وعدم قصد الغسل: أن الامتثال إنما
هو بالمسح، وتحققه أول الدعوى، وعدم قصد الغسل لا يقدح في تحققه، لأن
الاسم تابع لتحققه دون النية (1)، انتهى.
والظاهر أن بينهما عموما من وجه، فيصدق في محل (2) الممسوح أنه
غسل بما انتقل من الماء الموجود فيه من جزء إلى جزء ومسح بالبلل العالق
باليد نعم، البلل المغسول به غير البلة الممسوح بها، فإن أريد تصادق المسح
والغسل بالنسبة إلى ما به يتحققان - كما هو ظاهر الذكرى، حيث فرض
المسح بالماء الجاري على العضو - حتى يتحدا في المصداق، فهو ممنوع وإن
أريد تصادقهما بالنسبة إلى المحل، وإن تعدد ما يتحققان به أعني البلل فهو
حق، لكن الغسل المحقق مع عدم قصده بل مع عدم قصد جزئيته لا يوجب
بطلان أن يكون المحل مغسولا وممسوحا، ولم يدع أحد إجزاءه عن المسح
حتى يخالف الإجماع. نعم، يشكل تحقق المسح بالبلة العالقة باليد مع جريان
البلل المنتقل إلى المحل من جزء إلى جزء لاستهلاكه فيه، إلا أن يلتزم بعدم
قدح استهلاكه مطلقا كما تقدم عن المحقق والحلي وغيرهما (3)، أو إذا كان (4)
البلل المغسول به بلل الوضوء.
وكيف كان، * (فإن لم يبق) * في محل الوضوء غسلا أو مسحا

(1) المقاصد العلية: 63 - 64.
(2) كذا في " ع "، " ح " و " ج "، وفي " أ " و " ب ": " المحل ".
(3) انظر الصفحة 238.
(4) في " ع ": " وإذا كان ".
242

* (نداوة) * قابلة للأخذ والمسح بها فإن كان (1) متمكنا من ذلك مع
الاستئناف * (استأنف) *، لوجوب الإتيان بالمأمور به مع القدرة كما لو تعذر
عليه إتمام الوضوء لعذر آخر، وقد تقدم هنا خلاف الإسكافي (2) وما كان
حجة عليه من الأخبار.
وإن لم يتمكن من ذلك إلى آخر الوقت ولو بعلاج فمقتضى قاعدة
الميسور وجوب المسح بماء جديد، لأن المسح بنداوة الوضوء كان واجبا،
وبعبارة أخرى، وجب عليه إيصال البلل المقيد بكونه من الوضوء فإذا تعذر
ذلك سقط خصوص كونه من بلل الوضوء.
ويمكن الخدشة في ذلك بعدم جريان قاعدة الميسور في القيود، فالأولى
أن يقال بسقوط المسح رأسا لا وجوب المسح ببلل آخر.
ومنه يظهر ضعف ما يقال: إن اللازم وجوب مسح اليد على الرأس
بلا نداوة، لأنه إن بنى على سقوط القيد خاصة تعين ببلل غير الوضوء، وإلا
فلا معنى لإبقاء أصل المسح بعد تعذر الممسوح به الذي هو أحد أركانه، إلا
أن يقال: إن ظاهر المطلقات وجوب مسح الرأس ومجرد إمرار اليد عليه
وثبت بالدليل وجوب (3) كونه ببلل الوضوء فإذا سقط هذا القيد لاختصاص
أدلته بصورة التمكن اختص مورده بالمتمكن من بلل الوضوء، فيرجع غيره
إلى إطلاق المسح.
لكن الإنصاف: أن المستفاد من الأدلة كون اليد واسطة في إيصال

(1) في النسخ: " وإن كان ".
(2) انظر الصفحة 227.
(3) في " ح "، " ع " و " ج ": " لوجوب ".
243

البلل، فليس مطلق المسح بمعنى إمرار اليد مطلوبا قابلا لإرادته مستقلا من
العاجز.
لكنه مردود بأن الآية لا إطلاق فيها (1) من حيث وجود الممسوح به
وعدمه، بل ظاهرها بقرينة مقابلة الغسل المسح بالبلة. نعم، هو مطلق من
حيث بلل الوضوء وبلل آخر ومقتضى القاعدة ما ذكروه من بقاء وجوب
مطلق البلل إذا نفده (2) البلل الخاص.
وربما استظهر وجوب المسح بلا بلل من التحرير، حيث قال في مسألة
الموالاة: لو جف ماء الوضوء لحرارة الهواء المفرط جاز البناء، ولا يجوز
استئناف ماء جديد للمسح (3)، انتهى.
لكن التأمل يقضي (4) بعدم دلالته على هذا، لأن المراد من جواز البناء
مع حرارة الهواء سقوط حكم الجفاف من حيث الموالاة، فلا يقدح ولا يجب
معالجته حتى يبقى الرطوبة في العضو السابق عند غسل اللاحق بأن يغسل
كل جزء قليل بماء كثير كما سيجئ تفصيله في مسألة الموالاة، لكن لا يجوز
ذلك المسح بماء جديد، بل يجب العلاج حتى لا يجف الجزء الذي يمسح به
بإكثار الماء عليه.
وحاصله: أن حرارة الهواء عذر في فوات الموالاة بمعنى مراعاة الجفاف،
بل هي معتبرة مع اعتدال الهواء وليس عذرا في تجديد الماء للمسح.

(1) كذا في مصححة " ع "، وفي سائر النسخ: " فيه ".
(2) كذا في ظاهر مصححة " ع "، وفي سائر النسخ: " إذا تقدمه ".
(3) التحرير 1: 10.
(4) كذا في " أ " و " ب "، وفي سائر النسخ: " يقتضي ".
244

وكيف كان، فالمسألة مبنية على جريان قاعدة الميسور في القيود
المتعسرة، ولا يبعد دعواه مع مساعدة الفهم العرفي، كما ذكروه في مراتب
العجز عن القيام للصلاة، مضافا إلى رواية عبد الأعلى الآتية في المسح على
الحائل (1).
ومن هنا يعلم عدم جواز الانتقال إلى التيمم، لأنها أخص من
عمومات التيمم، بل لو كان مستند المسألة قاعدة عدم سقوط الميسور
بالمعسور كان الظاهر التقديم، لأن أدلة التيمم إنما ثبت شرعيتها مع تعذر
الطهارة المائية، وعموم هذه الروايات - حيث يقيد أدلة وجوب المسح
بالبلل بصورة الاختيار، فلا يقدح عدمه عند الضرورة - يثبت كون الوضوء
الناقص طهارة مائية مبيحة، فالعمل بهذه العمومات يوجب خروج ما نحن
فيه عن موضوع التيمم أعني التخصص، وطرح تلك العمومات مستلزم
للتخصيص بلا قرينة، ومن هنا صحت قاعدة كلية في تقديم الوضوء الناقص
على التيمم، لكن سيجئ في مسألة الجبيرة التأمل بل النظر في ذلك، وأنه لو
عمل بهذا لم يبق مورد للتيمم، إذ ما من أحد إلا وهو يقدر على بعض
الوضوء الناقص لفقدان بعض أجزائه أو قيودها، وانتظر لتمام الكلام، إلا أن
القول بالتيمم في ما نحن فيه لم يعرف لأحد.
نعم، في هامش نسخة التحرير الموجودة عندي - محكيا عن
المصنف قدس سره في باب الموالاة - قال: ولو جف الوضوء لحرارة الهواء المفرط
جاز البناء، ولا يجوز استئناف ماء جديد للمسح (2)، انتهى، فعلق عليه

(1) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(2) التحرير 1: 10.
245

المحشي ما لفظه: فلو تعذر المسح بالبلل انتقل إلى التيمم عند المصنف، وعند
الشهيد يستأنف ماء جديدا فيمسح به، انتهى.
نعم، قال العلامة في النهاية: لو أتى بأقل الغسل أو حال الحرارة
والهواء المفرطين بحيث لا تبقى رطوبة في اليد وغيرها فالأقرب المسح، إذ
لا ينفك عن أقل رطوبة وإن لم تؤثر ولا يستأنف ولا يتيمم، وهل يشترط
في حال الرفاهة تأثير المحل؟ الأقرب ذلك (1)، انتهى.
لكنه أيضا لا يدل على المسح باليد الخالية عن أقل الرطوبة. نعم،
فرق في الرطوبة بين حالتي الاختيار والضرورة فاعتبر سرايتها إلى الممسوح
في الأول دون الثاني، فافهم.
وكيف كان، فالمسح باليد المجردة لم يقل به أحد فيما أعلم.
* (والأفضل) * في * (مسح الرأس) * أن يقع * (مقبلا، ويكره) * إيقاعه
* (مدبرا على الأشبه) * وإن جاز عند المصنف وجماعة (2)، بل قيل هو
المشهور (3)، لما في المعتبر (4) من إطلاق الآية (5)، وصريح الرواية الصحيحة:
" لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا " (6)، بل بما دل على جواز النكس في

(1) نهاية الإحكام: 43.
(2) منهم الشيخ في المبسوط 1: 21، والعلامة في التذكرة 1: 163، والمحقق الثاني في
جامع المقاصد 1: 218.
(3) قاله في الدروس 1: 92.
(4) المعتبر 1: 145.
(5) المائدة: 6.
(6) الوسائل 1: 286، الباب 20 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
246

الرجلين (1)، بناء على ثبوت الإجماع المركب بينهما وبين مسح الرأس.
ويمكن تقييد الإطلاق بما قيدوا به إطلاق غسل الأيدي بالابتداء من
الأعلى من الوضوءات البيانية المشار إليها بقوله صلى الله عليه وآله: " هذا وضوء
لا يقبل الله الصلاة إلا به " (2).
وأما الصحيحة، فالمروي في موضع آخر إضافة المسح إلى القدمين (3)
ويبعد تعدد الرواية، مع أن تخصيص المسح بالقدمين - كالتخصيص بالتوسعة
في المسح بمسح القدمين، مع كون ترك القيد أعم فائدة - لا يخلو عن إشعار
بالتخصيص، مع أن الإقبال والإدبار في المسح يناسبان القدم، فإن الإقبال
هو تحريك الماسح بيده مقبلا إلى نفسه وبدنه، كأن اليد المتحركة للمسح مقبل
إليه تحريك اليد، والإدبار كأنها مدبرة عنه، والمناسب في مسح الرأس
الصعود والهبوط من جهة الفوق والتحت.
ومن ذلك يظهر أنه لو فرض أن الرواية: " لا بأس بمسح الوضوء "
أمكن جعل ما ذكرنا قرينة على إرادة مسح الرجلين.
وأما الإجماع المركب فغير ثابت، ولما ذكرنا أو بعضه منع عن النكس

(1) مثل ما في الوسائل 1: 286، الباب 20 من أبواب الوضوء، الحديث 3، وفيه:
" عن يونس، قال: أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح بظهر القدم من
أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم ويقول: الأمر في مسح الرجلين
موسع، من شاء مسح مقبلا ومن شاء مسح مدبرا، فإنه من الأمر الموسع إن شاء
الله... ".
(2) الوسائل 1: 308، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 11.
(3) الوسائل 1: 286، الباب 20 من أبواب الوضوء، الحديث 2، وفيه: " لا بأس
بمسح القدمين مقبلا ومدبرا ".
247

جماعة منهم الصدوق (1)، والسيد (2)، والشيخان في المقنعة (3) والخلاف (4)،
وابن حمزة (5)، والشهيد في ظاهر الدروس (6)، وجماعة (7)، بل عن غير واحد:
أنه المشهور (8)، بل عن الخلاف: دعوى الإجماع (9)، وعن الانتصار: أنه مما
انفردت به الإمامية (10)، ولعله أقوى، مع أنه أحوط.
ثم وجه الأفضلية عند المصنف والجماعة لعله التأسي
بالحجج صلوات الله عليهم، ولا يصير الفرد الآخر بمجرد ذلك مكروها، فلعل
الكراهة هنا بمعنى أولوية الترك كما فسرها في محكي جامع المقاصد (11)، ولذا
عبر جماعة بالجواز (12).

(1) الفقيه 1: 45، ذيل الحديث 88.
(2) الإنتصار: 19.
(3) المقنعة: 44.
(4) الخلاف 1: 83، المسألة 31.
(5) الوسيلة: 50.
(6) الدروس 1: 92.
(7) كذا في النسخ، والظاهر أن العبارة كانت هكذا: " في الدروس وظاهر جماعة ".
(8) الدروس 1: 92. ولم نعثر على من نسبه إلى المشهور غير الشهيد، بل قال المحقق
الخوانساري في المشارق: " في كونه مشهورا تأمل "، انظر مشارق الشموس: 114.
(9) الخلاف 1: 83، المسألة 31.
(10) الإنتصار: 19.
(11) جامع المقاصد 1: 219.
(12) منهم العلامة في المنتهى 2: 49، والسيد العاملي في المدارك 1: 214، والمحدث
البحراني في الحدائق 2: 279.
248

* (ولو غسل موضع المسح لم يجزئ (1)) * عن المسح بلا خلاف من كل
من أوجب المسح، ولا فرق في عدم الإجزاء بين تحقق المسح في ضمن
الغسل - بناء على تصادقهما في بعض الموارد - وعدمه، وفي هذه العبارة دلالة
على أن المسح لا يجوز تحققه مع الغسل كما استفاده في الروض (2) والمقاصد
العلية (3) من هذه العبارة الواقعة في معقد إجماع العلامة من أن المسح
لا يتحقق في ضمن الغسل (4).
وفي السرائر - في مسألة الوضوء بالثلج -: أن حد الغسل ما جرى
على العضو المغسول والمسح بخلافه، ثم ادعى أنه لا خلاف بين فقهاء أهل
البيت عليهم السلام أن الغسل غير المسح (5).
وفي الذكرى - في رد من ادعى من العامة أن المراد بالمسح في الآية
هو الغسل الخفيف -: أن المعلوم من الوضع تغاير حقيقتي الغسل والمسح (6)،
إلا أن الإنصاف إمكان حمل العبارة ونظيرها الوارد في النص ومعقد إجماع
العلامة على الغسل المحقق بدون المسح كما هو الغالب من حصوله ولو بالنسبة
إلى بعض العضو لصب الماء، أو على المحقق بدون قصد المسح، وإن تحقق
مصداقه، فإن مجرد حصوله من دون قصد لا يكفي قطعا، لأن الفعل بدون

(1) في النسخ: " لم يجزئه ".
(2) روض الجنان: 34.
(3) المقاصد العلية: 64، وتقدم في الصفحة 242، فراجع.
(4) التذكرة 1: 167.
(5) السرائر 1: 139.
(6) الذكرى: 87.
249

القصد لا يعد من الأفعال الاختيارية.
والتحقيق ما عرفت من أنهما مفهومان متغايران يوجدان بحركة
واحدة في محل واحد، فإمرار اليد لأجل بل المحل بما في الماسح مسح،
وإجراء الماء ونقله من الجزء الأول عن المحل (1) إلى الجزء الثاني منه غسل،
وهو حاصل أيضا بإمرار (2) المذكور.
وفي صحيحة زرارة: " لو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا
ثم أضمرت أن ذلك من المفروض لم يكن ذلك بوضوء " (3)، وليس فيها دلالة
على تباين المسح والغسل، ولا على تصادقهما كما يتخيل كل من الأمرين،
بل الظاهر أن الغسل ولو كان بفرده المباين للمسح لا يجزي عن المسح إذا
قصد الاجتزاء به في الوضوء، ويؤيد ذلك قوله عليه السلام فيما بعد: " ابدأ بالمسح
على الرجلين فإن بدا لك غسل وغسلته فامسح بعده ليكون آخر ذلك
المفروض (4) " (5).
* (ويجوز المسح على الشعر المختص بالمقدم (6)) *، لصدق الناصية عليه،
فيشمله ما دل على مسحها، مثل ما روي من مسح النبي صلى الله عليه وآله على

(1) في غير " ع ": " من المحل ".
(2) في غير " ع ": " بالإمرار ".
(3) الوسائل 1: 296، الباب 25 من أبواب الوضوء، الحديث 12.
(4) في النسخ زيادة: " الحديث "، والظاهر أنه لا وجه له، لأن الحديث مذكور
بتمامه.
(5) راجع الهامش (3).
(6) في الشرائع زيادة: " وعلى البشرة ".
250

ناصيته (1)، وصحيحة زرارة: " ثم تمسح ببلة يمناك ناصيتك " (2)، وما ورد من
أن المرأة في الفجر والعشاء تمسح بناصيتها (3)، وإطلاقها وإن عم شعرها
الخارج عن حد الرأس إلا أنه مقيد بأدلة مسح الرأس كما أن تلك الأدلة
مقيدة بأدلة الناصية في مقابل غيرها من مواضع الرأس.
ثم إن المستفاد من تلك الأخبار المتضمنة تعذر التخليل غالبا هو أن
المراد بالرأس ما يعم الشعر مطلقا حتى مع تيسر التخليل، لا إرادة ذلك في
خصوص صورة تعذر التخليل، بقرينة سقوط التكليف عن المتعذر حتى
يرجع في صورة تيسر التخليل إلى ظهور لفظ الرأس في خصوص البشرة
كما بني عليه في غسل الجنابة، بل يدل عليه كل ما دل على مسح الرأس
أو مقدمه خصوصا موضع أربع أصابع بناء على أن الغالب وجود الشعر
المانع من مسح البشرة، بل مورد بعض الأخبار صورة وجود الشعر كالمرفوعة
فيمن يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء، " قال: لا يجوز حتى
يصل بشرته الماء " (4). وفي كتاب علي بن جعفر: " هل يصلح للمرأة أن

(1) مستدرك الوسائل 1: 313، الباب 20 من أبواب الوضوء، الحديث 1 و 2،
وفيهما: " مسح بناصيته ".
(2) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(3) الوسائل 1: 292، الباب 23 من أبواب الوضوء، الحديث 5، وفيه: " لا تمسح
المرأة بالرأس كما يمسح الرجال، إنما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها، تضع الخمار
عنها، وإذا كان الظهر والعصر والمغرب والعشاء، تمسح بناصيتها ".
(4) الوسائل 1: 320، الباب 37 من أبواب الوضوء، الحديث الأول، وفيه: " لا يجوز
حتى يصيب بشرة رأسه بالماء ".
251

تمسح على خمارها، قال: لا يصلح حتى تمسح على رأسها " (1)، وظاهر أن
تخليل الشعر لأجل مسح مقدار الإصبع فضلا عن أربع أصابع كالمتعذر عادة
غالبا. نعم، يسهل ذلك بالنسبة إلى الغسل، حيث إنه يكفي فيه إيصال الماء.
وكيف كان، فهذا الحكم أمر ظاهر مستفاد من الأخبار قبل الإجماع،
ولا يحتاج إلى التمسك فيه بما ورد من قوله عليه السلام: " كل ما أحاط الله (2) به
الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه، ولكن يجرى الماء
عليه " (3)، بناء على عدم تخصيص عمومه بذيله المختص بمورد الغسل،
وترجيح الاستخدام على التخصيص في أمثال المقام، مع أنه أردأ الوجوه في
المسألة أو جعل الإجراء عبارة عن مطلق الإيصال الأعم من إيصال البلل
كما في رواية الحناء المتقدمة، لأن المراد بالطلب والبحث هو التخليل الذي
عرفت تعذره غالبا في المسح، وهو المخصص لعموم الموصول، وتخصيصه
بصورة التمكن ليس بأولى من تخصيص الموصول بموارد الغسل الذي هو
ظاهر مورد السؤال، مضافا إلى رواية الشيخ للرواية أنه " ليس للعباد أن
يغسلوه " (4).
ثم إن المتيقن من عموم الرأس في الأخبار للشعر الكائن عليه هو

(1) مسائل علي بن جعفر: 110، الحديث 22، وعنه في الوسائل 1: 321، الباب
37 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(2) لفظة الجلالة لم ترد في الوسائل، وأورده بدون هذه اللفظة في الصفحة 349.
(3) الوسائل 1: 335، الباب 46 من أبواب الوضوء، الحديث 3، مع تفاوت يسير.
(4) التهذيب 1: 364، الحديث 1106، وعنه في الوسائل 1: 335، الباب 46 من
أبواب الوضوء، الحديث 2.
252

خصوص النابت عليه، * (فلو جمع (1) عليه شعرا من غيره ومسح عليه لم
يجزئ) *، ويشكل بالنابت فوق المقدم المتدلي عليه بحيث يتعذر تخليله
ومسح ما تحته من البشرة أو الشعر النابت عليها، فإن ما ذكر من ظهور
الإطلاق في الأعم جار هنا.
نعم، إن (2) كان تدليه على نحو من الانفصال الذي لا يصدق على
مسحه مسح المقدم توجه منع إجزاء المسح عليه، وكذا يشكل المنع من
المسح على رؤوس شعر المقدم المجتمع عليه الغير المنبسط بحيث إذا مد خرج
عن حد الرأس، وظاهر استثناء ما خرج بمده عن حد الرأس هو الخارج
فعلا بمده عن حده، لا ما لو مد لخرج.
لكن ادعى شارح الدروس أن المشهور بين القوم - بحيث لم نعرف فيه
خلافا - عدم جواز المسح إلا على أصول ذلك المجتمع، ثم اعترف بأن في
إثباته بالدليل إشكالا (3).
وكذا الإشكال فيما لو مسح شعر المقدم الممدود عليه إذا فرض قيامه
عليه لمانع عن امتداده أو أخذه بيده ليمسح عليه.
* (وكذلك) * يمكن الاستشكال فيما لو كان بين شعره الممدود عليه وبين
البشرة حائل ولو رقيقا (4)، أما لو كان الحائل فوق الشعر فلا إشكال في عدم
جواز المسح عليه ولو كان رقيقا حاكيا للبشرة غير مانع عن دخول بلة

(1) في الشرائع: " ولو جمع ".
(2) في " أ " و " ب ": " إذا ".
(3) مشارق الشموس: 114.
(4) في " ب ": " ولو كان رقيقا ".
253

المسح إليها، فضلا عما * (لو مسح على العمامة وغيرها (1) مما يستر موضع
المسح) * بلا خلاف في ذلك كله بين الخاصة.
نعم، حكي الخلاف عن أبي حنيفة في الحائل الرقيق (2)، وكفى بخلافه
دليلا على خلافه وعلى حمل (3) ما ورد في أخبارنا (4) مما يوهم جواز المسح
على الحناء على التقية أو بعض المحامل الأخر وإن بعدت.

(1) في الشرائع: " أو غيرها ".
(2) حكاه في المنتهى 2: 52.
(3) في غير " ع ": " جل ".
(4) الوسائل 1: 321، الباب 37 من أبواب الوضوء، الحديث 3 و 4.
254

* (الفرض الخامس) *
* (مسح الرجلين، ويجب المسح (1)) * على ظاهر * (القدمين) * بإجماعنا،
ولا استيعاب فيه عرضا بإجماع الأصحاب، وأخبارهم المتواترة معنى (2).
نعم، قيل بوجوب مقدار ثلاثة أصابع، حكاه في التذكرة (3)، لرواية معمر
المتقدمة في مسح الرأس (4)، المحمولة على الاستحباب، كما أفتى به
العلامة.
نعم، في صحيحة البزنطي، قال: " سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن
المسح على القدمين، كيف هو؟ فوضع كفه على أصابعه فمسحها إلى الكعبين،
فقلت: جعلت فداك لو أن رجلا قال: بإصبعين من أصابعه، قال (5): لا إلا

(1) في الشرائع: " مسح ".
(2) انظر الوسائل 1: 290، الباب 23 من أبواب الوضوء.
(3) التذكرة 1: 171.
(4) الوسائل 1: 294، الباب 24 من أبواب الوضوء، الحديث 5، وتقدمت في
الصفحة 210.
(5) في نسخة بدل " ع ": " فقال ".
255

بكفه كلها " (1) يعني كفاية الإصبعين، فيأبى الحمل على الاستحباب.
وروى عبد الأعلى، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عثرت فانقطع
ظفري فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا
وأشباهه من كتاب الله عز وجل (ما جعل عليكم في الدين من حرج)،
إمسح عليه " (2)، ولولا وجوب الاستيعاب لم يكن للاستشهاد بالآية الظاهرة
في نفي إيجاب الحرج، ولا للأمر بالمسح على ما وضع عليه المرارة وجه.
ويؤيدهما ما دل على مسح ظهر القدم (3)، الظاهر في استيعاب الظهر،
ولم يعمل بظاهرهما عامل إلا الصدوق في ظاهر الفقيه، حيث قال: وحد
مسح الرجلين أن تضع كفيك على أطراف أصابعك من رجليك وتمدهما إلى
الكعبين (4)، انتهى.
وفي المدارك: لولا إجماع المعتبر والمنتهى (5) لأمكن القول بالمسح بكل
الكف، لصحيحة البزنطي (6)، ومال إليه المحقق الأردبيلي قدس سره (7).
وفيه: أن الصحيحة لا تكون دليلا، ولا إجماع المعتبر والمنتهى مانعا:

(1) الوسائل 1: 293، الباب 24 من أبواب الوضوء، الحديث 4.
(2) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5، والآية من سورة
الحج: 78.
(3) الوسائل 1: 275، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 9.
(4) الفقيه 1: 45.
(5) في المصدر: " التذكرة ".
(6) المدارك 1: 221، راجع المعتبر 1: 150.
(7) مجمع الفائدة 1: 106.
256

أما الأولى، فلمعارضتها بحسنة زرارة بابن هاشم، وفيها - بعد الاستشهاد
على وجوب الاستيعاب في الغسل بقوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم
إلى المرافق)، قال: " ثم قال تعالى: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم)، فإذا
مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف
أصابعك فقد أجزأك " (1)، فإن المتفرع على التبعيض المستفاد من الآية هو
المسمى في العرض، لوجوب استيعاب ما بين الكعب والأصابع في الطول
إجماعا، خصوصا مع أن الاستيعاب في العرض، وكفاية المسمى في الطول لم
يقل به أحد، فالرواية كالصريحة في عدم وجوب المسح بكل الكف على
وجه لا يقبل التقييد، لصحيحة البزنطي.
ونحوها حسنة الحلبي (2) بابن هاشم الواردة في أخذ ناسي المسح البلل
من لحيته لمسح رأسه ورجليه، فإن المأخوذ من اللحية لا يكفي لمسح الرأس
والرجلين بالكف كلها.
هذا ما حضرنا من الأخبار التي يعمل بسندها صاحب المدارك، وأما
الأخبار الغير الصحيحة، فالصريح منها في هذا المطلب مستفيضة، كمرسلة
الصدوق (3) ورواية جعفر بن سليمان (4) الواردتين في إدخال اليد في الخف
المخرق، ومرسلة خلف بن حماد (5) الواردة في أخذ البلل لمسح الرأس

(1) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 3، مع اختلاف في
الألفاظ، والآية من سورة المائدة: 6.
(2) الوسائل 1: 287، الباب 21 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(3) الفقيه 1: 48، الحديث 98.
(4) الوسائل 1: 291، الباب 23 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(5) الوسائل 1: 287، الباب 21 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
257

والرجلين من الحاجبين وأشفار العين، ورواية معمر بن عمر (1) المتقدمة (2) في
إجزاء مسح موضع ثلاث أصابع من الرأس والرجلين، إلى غير ذلك.
وأما إجماع المعتبر والمنتهى، فهو على عدم وجوب استيعاب الرجل
بالمسح لا ظهر القدم، بل مقدار موضع الكف منه. نعم، لو فهم من كلامهما
ما فهمه جده قدس سره في الروض (3) من دخول جواز مسح مقدار الإصبع في
حيز الإجماع اتجه ما ذكره من منافاة هذا الاجماع للصحيحة، لكنك عرفت
فساد هذه الاستفادة في مسألة مسح الرأس فالأولى حمل الصحيحة على
الاستحباب وإن بعد، كما أشرنا إليه (4).
ويؤيده بعد جهل البزنطي بالواجب من المسح إلى زمان السؤال.
وأما رواية عبد الأعلى، فيمكن أيضا حملها على الاستيعاب، ويجعل
دليلا على جريان قاعدة نفي الحرج في المستحبات أيضا، أو على استيعاب
المرارة الموضوعة، أو العصابة المشدودة عليها لجميع الأصابع.
ثم إنه لو اختار المسح على بعض الرجل الذي لا ينتهي إلى الكعب
بالمعنى المشهور كالخنصر، وجب تحريف خط المسح حتى ينتهي إلى الكعب.
والظاهر وجوب المسح على البشرة، فلا يجزي على الشعر، لأن القدم
حقيقة فيها، ولا قرينة هنا على إرادة ما يعم الشعر. ولو لم يوجد موضع
خال من الشعر مما بين الكعب ولم يمكن، كان كالمسح على الجبيرة.

(1) في النسخ: " معمر بن خلاد "، والصواب ما أثبتناه.
(2) تقدمت في الصفحة 210.
(3) روض الجنان: 34.
(4) تقدم في الصفحة 256.
258

وأما حده طولا فهو * (من رؤوس الأصابع إلى الكعبين) * بلا خلاف
ظاهر، وللوضوءات البيانية (1).
وأما صحيحة زرارة المتقدمة: " إذا مسحت بشئ من رأسك أو
بشئ من قدميك ما بين كعبك إلى أطراف أصابعك فقد أجزأ " (2) فقد يتوهم
كون الموصول فيها تحديدا للممسوح منه (3) دون الممسوح، نظير تحديد
موضع مسح الرأس بالمقدم، لأن الموصول إن كان بدلا عن القدمين فدلالته
على كون ما بين القدم والكعب - نظير الرأس - محلا للمسح واضحة، وإن
جعل بدلا عن الشئ، بأن يكون المراد به: امسح (4) من القدمين شيئا هو
ما بين الكعب إلى أطراف الأصابع، فإن جعل الباء في " بشئ " للتبعيض
كان كالأول في وضوح الدلالة على ما ذكرنا، وإن جعل زائدة أو لمجرد
الإلصاق فهو وإن دل على الاستيعاب طولا، لكنه يدل على الاستيعاب
عرضا أيضا.
ويجب مسح جميع ما بين الأمرين طولا وعرضا، وهو خلاف
الإجماع، فيجب مخالفة الظاهر في الآية، والأصل عدمها.
نعم، لو جعل مع كونها بدلا عن الشئ موصوفة، يعني إذا مسحت (5)

(1) انظر الوسائل 1: 271، الباب 15 من أبواب الوضوء.
(2) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 3، المتقدمة في الصفحة
257.
(3) كذا في " ع "، وفي سائر النسخ: " تحديد الممسوح منه ".
(4) كذا في مصححة " ع "، وفي سائر النسخ: " مسح ".
(5) كذا في مصححة " ع ". وفي " أ "، " ب "، " ج " و " ح ": " مسح ".
259

من القدمين شيئا يكون من الكعب إلى أطراف الأصابع، فإن أريد مما بين
الكعب إلى الأصابع ما يقع متوسطا بينهما فلا يدل على الاستيعاب الطولي،
وإن أريد منه ما بين الأمرين بأن يكون أوله أحدهما وآخره الآخر فيدل
على مطلب المشهور وهو الاستيعاب، لكنه خلاف ظاهري الموصول ولفظ
" ما بين ".
هذا، ولكن يدفع (1) هذا التوهم تفريع الإمام قوله عليه السلام: " إذا
مسحت... إلى آخره " على الآية، الظاهرة في الاستيعاب الطولي وكفاية
المسمى في العرض، بحيث يظهر منه عليه السلام الاستدلال على ما قاله،
والاستشهاد عليه بالآية، كما لا يخفى على من لاحظ الرواية من أولها،
ولا ريب أن شيئا من المعاني المحتملة المذكورة لا يصح للتفريع على ظاهر
الآية على ما هو منطبق، عدا مذهب المشهور، وإن كان احتمالا مرجوحا في
نفسه أو مساويا لباقي الاحتمالات، لكن هذا مبني على ظهور الآية في
الاستيعاب الطولي، بناء على كون " إلى " بمعنى " مع " كما عرفت سابقا، إذ
لا معنى حينئذ لمسح مسمى الكعب، أو جعل الغاية للممسوح - وهو البعض
المستفاد من الباء - لا للممسوح منه.
لكن الإنصاف أن الآية - بعد صرفها عن ظاهرها الذي هو كون
الغاية للمسح - ظاهرة في كونها غاية للأرجل، فيكون الممسوح بعض هذا
العضو المغيا إلى الكعب.
* (و) * الكعبان * (هما قبتا القدمين) * كما في المقنعة، وزاد فيها: أمام
الساقين ما بين المفصل والمشط، إلى أن قال: إن الكعب في كل قدم واحد،

(1) كذا في نسخة بدل " ب "، وفي سائر النسخ: " يندفع ".
260

وهو ما علا منه في وسط القدم على ما ذكرنا (1).
وادعى الشيخ قدس سره في التهذيب الإجماع على هذا المعنى (2) وكذا
الشهيد في الذكرى (3).
وعن الانتصار (4) ومجمع البيان (5) وغيرهما (6): أنهما العظمان الناتئان في
ظهر القدم، مدعيا في الأول الاجماع، وفي ظاهر الثاني اتفاق الإمامية.
وفي المعتبر: أنهما العظمان الناتئان في وسط القدم (7)، مدعيا عليه
إجماع فقهاء أهل البيت عليهم السلام.
وبالجملة، فلا إشكال ولا خلاف بين الإمامية في أنهما في ظهر القدم،
وليسا العظمين الذين في جانبي الساق، وإنما وقع الإشكال في مقام آخر،
وهو: أن العلامة قدس سره فهم من هذه العبارة الواردة من علمائنا رضوان الله
عليهم في تفسير الكعب - بعد اعترافه بأن الكعب هو ما ذكروه لا غير - أنه
هو العظم الناتئ الواقع في مجمع الساق والقدم (8)، وقد أخذ بعض من تأخر
عنه (9) في التشنيع عليه بمخالفته للإجماع والأخبار وقول أهل اللغة، فذكروا

(1) المقنعة: 44.
(2) التهذيب 1: 75.
(3) الذكرى: 88.
(4) الإنتصار: 28.
(5) مجمع البيان 2: 167.
(6) جامع المقاصد 1: 220.
(7) المعتبر 1: 151.
(8) التذكرة 1: 170.
(9) كالشهيد في الذكرى: 88.
261

في رده كلمات العلماء التي هي عين ما ذكر من العبارات، ومن الأخبار
ما ورد من وصفه عليه السلام الكعب في ظهر القدم (1)، وما دل على عدم وجوب
إدخال اليد الماسحة تحت الشراك (2).
وادعى في الذكرى (3) كما عن المدارك (4): أن لغوية الخاصة متفقون
على أن الكعب هو الناشز في ظهر القدم.
وفي الذكرى: أن عميد الرؤساء صنف كتابا في الكعب، أكثر فيه من
الشواهد على أنه الناتئ في ظهر القدم أمام الساق وما يقع معقد الشراك (5).
وعن نهاية ابن الأثير: أن قوما ذهبوا إلى أنهما الكعبان اللذان في
ظهر القدم، وهو مذهب الشيعة، قال: ومنه قول يحيى بن الحارث: رأيت
القتلى يوم زيد بن علي فرأيت الكعاب في وسط القدم (6).
وعن المصباح: أنه ذهب الشيعة إلى أن الكعب في ظهر القدم (7)
وحكى هذه النسبة في مجمع البحرين (8) عن بعض آخر أيضا.
وفي مقابل هؤلاء: من طعن على القول " بأن الكعب هو العظم

(1) الوسائل 1: 275، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 9.
(2) الوسائل 1: 294، الباب 24 من أبواب الوضوء، الحديث 6.
(3) الذكرى: 88.
(4) المدارك 1: 220.
(5) الذكرى: 88.
(6) النهاية لابن الأثير 4: 178، مادة: " كعب ".
(7) المصباح المنير: 535، مادة: " كعب ".
(8) مجمع البحرين 2: 160، مادة: " كعب ".
262

الناتئ " بأنه لا شاهد له لغة ولا عرفا ولا شرعا، كما صرح به في كنز
العرفان (1) بعد اختيار مذهب العلامة.
أقول: الإنصاف أن الطعن على العلامة لكل من الثلاثة المذكورة
في غير محله، وإن كان الأقوى في المسألة أن الكعب ليس في مجمع
الساق والقدم، إلا أن ذلك ليس من الوضوح بمكان يوجب الطعن
على مخالفه، لمخالفة النصوص والفتاوى وكلام [أهل] (2) اللغة، كما أن قول
العلامة ليس من الوضوح بحيث يطعن على مخالفه، فيخلو عن الشاهد رأسا
كما عرفت من كنز العرفان، بل الإنصاف أن المسألة لا تخلو عن غموض
وخفاء.
منشأ ذلك أن العلامة لم يخالف الإمامية في تفسير الكعب، فإنه قدس سره
قال في التذكرة: إن الكعبين هما العظمان الناتئان في وسط القدم وهما معقد
الشراك أعني مجمع الساق والقدم، ذهب إليه علماؤنا أجمع، وبه قال
الشيباني (3)، انتهى.
وفي المنتهى: ذهب علماؤنا إلى أن الكعبين هما العظمان الناتئان في
وسط القدم، وهما معقد الشراك، وبه قال الشيباني (4)، انتهى.

(1) كنز العرفان 1: 18.
(2) الزيادة منا.
(3) التذكرة 1: 170.
(4) المنتهى 2: 71، وفيه: "... محمد بن الحسن " بدل " الشيباني "، وهما واحد، ولعل
هذا صار سببا لاشتباه بعض النساخ، حيث أضاف بعد " الشيباني " عبارة
" والشيخ " كما في نسخة " ع ".
263

وما ذكره في الكتابين بعينه هو الذي ادعى في المعتبر (1) إجماع فقهاء
أهل البيت عليهم السلام عليه، وهذه العبارة هي المحكية عن السيد (2) والطبرسي (3)
والشيخ (4) والحلي (5) وغيرهم (6) على ما حكي.
وكيف كان، فلم يذكر أحد من القدماء وأتباعهم ما يخالف ما ذكره
العلامة في الكتابين مدعيا عليه الإجماع سوى المفيد قدس سره، حيث عبر بقبتي
القدمين (7)، والشيخ وإن ادعى في التهذيب (8) الإجماع على هذا التفسير، إلا
أن تعبيره في كتبه الأخر (9) بعين ما ذكره العلامة يدل على اتحادهما عنده، كما
أن قول المحقق في المعتبر أولا: أن الكعبين قبتا القدمين، ثم تفسيره بما ذكرنا
عنه مدعيا الإجماع عليه، صريح في اتحاد مفهوم هذا التفسير مع القبة، فعلم
من ذلك أن العلامة بزعمه لم يخالف أحدا، إلا أنه يدعي إرادة العلماء من
هذه العبارة ما ذكره، فلا ينبغي أن يرد عليه بكلمات هؤلاء، بل ينبغي أن
يطالب الدليل والقرينة على ما يدعيه في كلمات العلماء، وسنذكر ما يصلح

(1) المعتبر 1: 151.
(2) الإنتصار: 28.
(3) مجمع البيان 2: 167.
(4) الخلاف 1: 92، المسألة 40.
(5) السرائر 1: 100.
(6) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 220.
(7) المقنعة: 44.
(8) التهذيب 1: 75.
(9) كما في الخلاف 1: 92، المسألة 40، والمبسوط 1: 22.
264

له، وله أن يجعل استدلالهم بصحيحة الأخوين - المفسرة للكعب بالمفصل (1) -
وغيرها مما سنذكره قرينة على ما استفاده من كلماتهم كما سيجئ تفصيله.
ثم إن العلامة قدس سره أفتى في المنتهى (2) والتحرير (3) والتذكرة (4) بعدم
وجوب إدخال اليد تحت الشراكين في المسح على النعل العربية. وعلله في
الأول بأنه لا يمنع مسح موضع الفرض، وزاد في الثالث: وهل يجزي
لو تخلف ما تحته أو بعضه؟ إشكال أقربه ذلك. وهل ينسحب إلى ما يشبهه
كالسير في الخشب؟ إشكال، وكذا لو ربط رجله بسير للحاجة، وفي العبث
إشكال، انتهى.
ومن هنا يظهر أن الرد على العلامة بأخبار عدم استبطان الشراك
لا يخلو عن نظر، لالتزامه بمضمونها في كتبه، وقد صرح فيما تقدم من
التذكرة والمنتهى (5) بأن الكعب معقد الشراك، فلا بد إما من جعل معقد
الشراك في تلك الأزمنة هو مجمع الساق والقدم كما يظهر من تعليل المنتهى،
وإما من التزام خروج ذلك بالنص كما يستفاد من فروع التذكرة، مع أن
الكعب إذا كان معقد الشراك عند المشهور، فمن قال منهم بوجوب إدخال
الكعب في الممسوح - كما عن المحقق والشهيد الثانيين (6)، بل ربما حكي نسبته

(1) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(2) المنتهى 2: 77.
(3) التحرير 1: 10.
(4) التذكرة 1: 172.
(5) تقدم في الصفحة 263.
(6) راجع جامع المقاصد 1: 221، والمقاصد العلية: 58.
265

إلى الأصحاب (1) - ورد عليه الإشكال من جهة أخبار عدم استبطان الشراك.
وأما ما ادعي من مخالفة ما ذكره العلامة لقول أهل اللغة من الخاصة،
فلم نتحقق ذلك إلا ما حكاه في الذكرى (2) عن عميد الرؤساء، وقد حكى
كاشف اللثام (3) قول العلامة عن جماعة من أهل اللغة.
وأما ما حكي في النهاية (4) والمصباح (5) ولباب التأويل (6) عن الشيعة،
فلا ينافي مذهب العلامة، لما عرفت من تفسير العلامة، وغرضهم اختصاص
الشيعة بجعل الكعب في ظهر القدم دون الجانبين كما يقوله العامة، مع أن
جماعة من العامة كالرازي (7) والنيشابوري (8) حكي عنهم أنهم نصوا على أن
الإمامية وكل من أوجب المسح قالوا: إن الكعب عبارة عن عظم مستدير
موضوع تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم كما في أرجل
الحيوانات.
وزاد الرازي فنسبه إلى محمد بن حسن الشيباني، وأن الأصمعي كان
يختار هذا القول، وحجتهم أن اسم الكعب يطلق على العظم المخصوص،

(1) لم نعثر على من نسب هذا القول إلى الأصحاب، نعم قال السيد العاملي في مفتاح
الكرامة (1: 253): " المشهور الدخول ".
(2) الذكرى: 88.
(3) كشف اللثام 1: 70.
(4) النهاية لابن الأثير 4: 178.
(5) المصباح المنير: 535.
(6) لا يوجد لدينا.
(7) التفسير الكبير للفخر الرازي 11: 162.
(8) غرائب القرآن للنيشابوري، المطبوع بهامش جامع البيان للطبري، الجزء 6: 74.
266

فوجب أن يكون في حق الإنسان كذلك، والمفصل يسمى كعبا، ومنه كعاب
الرماح لمفاصله (1)، انتهى.
وعن الكشاف وطراز اللغة: أن كل من أوجب المسح قال: هو
المفصل بين الساق والقدم (2)، انتهى.
ومن البعيد عادة اتفاق هؤلاء على الافتراء على الشيعة بما يظهر كذبه
لكل ناظر في كلامهم، خصوصا مع تقدم بعضهم على العلامة، فلا يحتمل أن
يكون منشأ النسبة انتشار ذلك من العلامة قدس سره فزعموه مذهبا لكل
الشيعة، كما وقع نظيره في نسبتهم (3) إلى الشيعة إنكار العمل بخبر الواحد
بملاحظة مذهب السيد (4) وموافقيه (5).
وبالجملة، فالإنصاف أن كلمات الأصحاب - خصوصا من عبر بقبة
القدم إذا ادعى الإجماع عليها - ظاهرة في خلاف ما قاله العلامة قدس سره،
فصرفها عن ظاهرها موقوف على ظهور في الأخبار التي استدلوا بها في
هذه المسألة وغيرها من كلماتهم المرتبطة بالمقام فيما ذكره، بحيث يغلب على
ظهور كلماتهم ليصرفها إلى ما ذكره العلامة رحمه الله.
وأظهر ما يمكن أن يجعل - من كلماتهم واستدلالاتهم - صارفا لتلك
الظواهر، أمران:

(1) التفسير الكبير للفخر الرازي 11: 162.
(2) لم نعثر عليه في الكشاف، ولا يوجد لدينا " طراز اللغة ".
(3) نسب العضدي والحاجبي ذلك إلى الشيعة على ما نقله المؤلف في فرائد الأصول:
115.
(4) راجع الذريعة 2: 528 - 554.
(5) منهم ابن إدريس في السرائر 1: 51.
267

الأول: صحيحة الأخوين التي استدل بها الشيخ (1) والمحقق (2) على
مطلبهما، وفي آخرها: " قلنا: أصلحك الله، فأين الكعبان؟ قال: ها هنا
- يعني المفصل - دون عظم الساق " (3)، فإن ظاهره أن تفسير المشار إليه
وقوله: " دون عظم الساق " من الإمام عليه السلام.
وأجيب عنها تارة: باحتمال المفصل فيها للمفصل الكائن في وسط
القدم، لأنه مفصل أيضا، أو لأنه محل الفصل في حد السارق (4)، وأخرى:
باحتمال إرادة ما يقرب منه (5)، وثالثة: باحتمال كون التفسير من كلام
الراوي، فلا يكون حجة (6).
والكل في غاية البعد، فهي متساوية في البعد للتأويل في عبارات
القوم، لأن إطلاق المفصل على الكائن في وسط القدم الذي لا يعرفه أكثر
الناس، بل لا يتبين لكثير من الخواص بالمشاهدة بل المساس، نظير إرادة
العظم المستدير من العظم الناتئ، أو إرادة وسط القدم عرضا أو غير ذلك
من التأويلات التي لا بد من ارتكابها وإرجاعها إلى ما فهمه العلامة منها.

(1) الخلاف 1: 93، المسألة 40.
(2) المعتبر 1: 151.
(3) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(4) انظر الرياض (الطبعة الحجرية) 1: 241 - 242، والمستند (الطبعة الحجرية) 2:
125.
(5) راجع الذخيرة: 32، والجواهر 2: 219.
(6) راجع المناهج السوية (مخطوط): عند شرح قول الماتن (من رؤوس الأصابع إلى
الكعبين): 156.
268

وأما إرادة المفصل بمعنى محل الفصل للسارق، فهو أبعد، لأن
المفصل قد ورد في بعض نصوص حد السارق (1) وفي كثير من فتاوى
الأصحاب (2) بيانا لمحل قطع السارق، فهو معنى عرفي وقع معرفا لحد قطع
السارق، فكيف يكون استعماله بملاحظة كونه مفصلا عند السرقة؟ مع أنه لم
يعهد استعماله باعتبار الفصل في حد السرقة في رواية ولا عبارة حتى يقاس
عليه محل الكلام؟
وأما كون التفسير من الراوي للصحيحة المذكورة، فظهوره مسلم، إلا
أن هذا ليس تفسيرا للفظ مجمل حتى يناقش في قبوله منه، وإنما وقع بيانا
لإشارة الإمام عليه السلام بقوله: " ها هنا " ومثل (3) هذا من الأخبار الحسية
مسموع من الراوي بلا كلام.
وبالجملة، فالإنصاف ظهور (4) الرواية - على ما ذكره الشيخ (5) قدس سره -
في تفسير القدم، لكن في الكافي بعد قوله: " دون عظم الساق " قوله:
" فقلنا: هذا ما هو؟ فقال: هذا من عظم الساق والكعب أسفل من
ذلك " (6)، فإن المشار إليه في " ذلك " غير معلوم، فيحتمل أن يكون وسط

(1) الوسائل 18: 489 - 491، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الأحاديث 1، 5، 7 و 8.
(2) كما في الشرائع 4: 176، والقواعد (الطبعة الحجرية) 2: 270، واللمعة
الدمشقية: 281.
(3) لم ترد " مثل " في " ب ".
(4) في " ب ": " عدم ظهور ".
(5) الخلاف 1: 92، المسألة 40.
(6) الكافي 3: 25، الحديث 5.
269

القدم، وهو أسفل من عظم الساق بحسب الابتداء من قامة الإنسان، فقوله:
" دون عظم الساق " من كلام الراوي يعني أشار إلى المفصل الذي هو دون
عظم الساق أي أدون منه وهو مفصل وسط القدم.
الثاني: ما استند إليه في المنتهى - أيضا - من الأخبار الدالة بظواهرها
على استيعاب ظهر القدم بالمسح (1).
وفيه: أن الاستيعاب غير مراد فيها جزما، مع أنها - نظير أدلة المسح
على الرأس أو مقدمه - واردة في مقام القضية المهملة.
ثم إن مما يمكن أن يستدل به لمذهب العلامة:
ما ورد في حد السارق من صحيحة زرارة المروية في الفقيه (2).
ورواية عبد الله بن هلال المروية في الكافي والتهذيب: من أن
السارق يقطع رجله اليسرى من الكعب، ويترك له من قدمه ما يقوم عليه
ويصلي ويعبد الله (3)، بضميمة ما دل على أنها تقطع من المفصل، كما في الفقه
الرضوي (4)،
ورواية معاوية بن عمار المروية عن نوادر ابن عيسى، عن أحمد
ابن محمد يعني ابن أبي نصر، عن المسعودي، عن معاوية بن عمار، عن

(1) المنتهى 2: 72.
(2) الفقيه 4: 64، الحديث 5115، وعنه في الوسائل 18: 495، الباب 5 من أبواب
حد السرقة، الحديث 12.
(3) الكافي 7: 225، الحديث 17، والتهذيب 10: 103، الحديث 401، وروى عنهما
في الوسائل 18: 494، الباب 5 من أبواب حد السرقة، الحديث 8، نقلا بالمعنى.
(4) لم نقف عليه.
270

أبي عبد الله عليه السلام أنه: " يقطع من السارق أربع أصابع ويترك الإبهام،
وتقطع الرجل من المفصل ويترك العقب يطأ عليه... الخبر " (1).
مع أن ظاهر الأخيرة من روايتي الكعب حصر المتروك فيما يمكن أن
يقوم عليه، ولا ريب أنه العقب لا غير.
ومنه يظهر وجه تأيد الروايتين ومطابقتهما لأخبار أخر في أنه تقطع
الرجل ويترك (2) العقب فإن ظاهرها (3) قطع ما عدا العقب، ولذا صرح
الشيخان - في المقنعة (4) والنهاية (5) التي هي مضامين الأخبار - وسلار (6) بأنه
يقطع من أصل الساق ويترك له العقب، بل يظهر من الحلي دعوى الإجماع،
قال في السرائر: قطعت رجله اليسرى من مفصل المشط ما بين قبة القدم
وأصل الساق ويترك له بعض القدم الذي هو العقب (7) يعتمد عليها [في
الصلاة] (8) وهذا إجماع فقهاء أهل البيت عليهم السلام (9)، انتهى (10).
والمراد ب‍ " المشط " - بقرينة جعله ما بين القبة وأصل الساق - تمام

(1) الوسائل 18: 419، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 7.
(2) في " ع ": " ويقطع ".
(3) في " ع ": " ظاهر ما ".
(4) المقنعة: 802.
(5) النهاية: 717.
(6) المراسم: 259.
(7) في نسخة بدل " ع ": " الكعب ".
(8) من " ع " والمصدر.
(9) السرائر 3: 488.
(10) لم ترد " انتهى " في غير " ع ".
271

ظهر القدم، كما يطلق عليه الآن، إذ لا مفصل بين القبة وأصل الساق عدا
مفصل الساق، مع أن دأب الحلي الفرض (1) لمخالفة الشيخين في المقنعة
والنهاية.
ونسب في كنز العرفان إلى أصحابنا والأخبار الواردة عن أئمتنا: أنه
يقطع الرجل ويترك العقب (2)، وهو ظاهر في عدم ترك غيره، ومنه يعلم
معنى المشط.
وفي المحكي عن الحلبي: أنه يقطع مشط رجله اليسرى من المفصل
ويترك له مؤخر القدم والعقب (3).
وصرح جماعة - كالمحقق (4) والعلامة (5) والشهيدين (6) - بأنه يقطع من
مفصل القدم.
نعم، ربما يظهر من المحكي عن جماعة من القدماء - كالسيد (7)
والشيخ (8) والحلبي (9) وابن حمزة (10) - التصريح بخلاف ذلك مدعيا عليه في

(1) كذا.
(2) كنز العرفان 2: 350.
(3) الكافي في الفقه: 411.
(4) الشرائع 4: 176.
(5) القواعد (الطبعة الحجرية) 2: 270.
(6) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 9: 284.
(7) الإنتصار: 262.
(8) الخلاف (الطبعة الحجرية) 3: 164، المسألة 31.
(9) الكافي في الفقه: 411.
(10) الوسيلة: 420.
272

الخلاف إجماع الفرقة وأخبارهم وأنه المشهور عن علي عليه السلام (1)، إلا أنه
لا يبعد حملها على ما نص عليه الجماعة المتقدمة بعد اتحاد مراد الجميع،
لدعوى جماعة (2) الإجماع في المسألة وعدم الخلاف فيما بين الخاصة، كما أن
روايتي الكعب وإن أمكن تفسيرهما برواية سماعة الواردة في أنه يقطع
الرجل من وسط القدم (3)، إلا أن الأخبار الدالة على المفصل أظهر وأكثر
وأرجح، لموافقتها الأخبار الظاهرة في قطع ما عدا العقب، فتحمل رواية
الوسط على إرادة ما بين عجز القدم وهو العقب، وما عداه إلى الأصابع،
فيلتئم الأخبار باتحاد الكعب والمفصل وقطع ما عدا العقب، كما التئم كلمات
الأصحاب، بناء على عدم الخلاف في المسألة بإرجاع الظاهر منها إلى النص.
وقد عكس في الرياض في باب الحدود، وهو بعيد، للزوم طرح النص
منها، بالظاهر، وأبعد منه حمله أخبار المفصل على التقية لموافقتها لمذهب
العامة (4)، مع أن تلك الأخبار صريحة في مخالفة العامة من حيث صراحتها
في وجوب إبقاء العقب.
وقد ظهر مما ذكرنا ضعف الاستدلال لظاهر المشهور بالنصوص
والفتاوي المذكورة في قطع السارق، كما فعله العلامة البهبهاني قدس سره (5)، بل
عرفت أن الاستدلال بها للعلامة أولى، ثم أولى.

(1) في الخلاف: وهو المروي عن علي عليه السلام.
(2) كما تقدم عن السرائر وكنز العرفان.
(3) الوسائل 18: 489، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 3.
(4) الرياض 2: 493.
(5) انظر مصابيح الظلام (مخطوط): 274 - 275.
273

لكن الإنصاف: أن هذا كله فرع اتحاد موضوع المسألتين، والعلم
بكون محل القطع هو الكعب المبحوث عنه في الطهارة، وهو قابل للمنع فإن
أحدا لم ينكر إطلاق الكعب لغة وعرفا على غير هذا المعنى المشهور،
ألا ترى أن الشهيدين (1) مع طعنهما على العلامة هنا بمخالفة الإجماع، صرحا
- كالفاضلين (2) - بقطع السارق من مفصل القدم (3)، الظاهر في مفصل الساق
لا مفصل القبة.
وبالجملة، فصرف كلمات الأصحاب - في معاقد إجماعاتهم - عن
ظواهرها في غاية الإشكال، خصوصا مع تصريح بعض مدعي الإجماع بعدم
مشروعية مسح الرجلين إلى عظم الساق كالشيخ في المبسوط (4)، بل
لا يجري في بعضها كدعوى الشهيد (5) وصاحب المدارك (6) إجماع اللغويين منا
على معنى الكعب، ودعوى الشهيد (7) وغيره (8) الإجماع على أن المراد قبة
القدم وغيرهما (9) من دعاوي الإجماع المتأخرة عن العلامة المطعون بها عليه.

(1) الذكرى: 88، وروض الجنان: 36.
(2) الشرائع 4: 176، والقواعد (الطبعة الحجرية) 2: 270.
(3) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 9: 284.
(4) المبسوط 1: 22.
(5) الذكرى: 88.
(6) المدارك 1: 220.
(7) الذكرى: 88.
(8) المدارك 1: 217.
(9) كذا في النسخ، والظاهر: " غيرها ".
274

اللهم إلا أن يقال: إنها مستندة إلى ظاهر كلمات من تقدم (1) عليهم في
فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم، فلا ينهض دليلا وإلا لعورض بدعوى العلامة
ومن تبعه الإجماع على الكعب بالمعنى الآخر مع احتمال اطلاعه على قرينة
صارفة لم يطلع عليها الآخرون، والمثبت مقدم على النافي.
فالإنصاف: تساقط الدعاوي بعد العلامة للعلم باستناد كل منهما إلى
ما فهمه من كلمات المجمعين، فبقي الإجماعات المحكية في كلمات من تقدم،
فالتمسك بها في إثبات الكعب بالمعنى المشهور لا غبار عليه، مضافا إلى
أخبار عدم استبطان الشراك (2)، فإن مقتضى العمل بظاهر ما دل على
وجوب استيعاب الممسوح طولا جعل معقد الشراك خارجا عن محل
الفرض، ولا يتم إلا بجعل آخر محل الفرض قبل معقد الشراك. ولا يناسب
ذلك مذهب العلامة مع تصريحه في المنتهى بوجوب إدخال الكعب في
المسح (3)، وسيجئ تمام الكلام فيه.
[* (ويجوز منكوسا، وليس بين الرجلين ترتيب، وإذا قطع بعض موضع
المسح مسح على ما بقي، فإن قطع من الكعب سقط المسح على القدم) *] (4).
* (ويجب المسح على بشرة القدمين) * (5) فلا يجزي على (6) شعرهما في

(1) في " ع ": " ما تقدم ".
(2) الوسائل 1: 291 - 292، الباب 23 من أبواب الوضوء، الحديث 3، 4 و 8.
(3) المنتهى 2: 75 - 76.
(4) ما بين المعقوفتين من الشرائع، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له.
(5) في الشرائع: " القدم ".
(6) لم ترد " على " في " ع ".
275

ظاهر كلمات الأصحاب كما في الحدائق (1)، والتمسك في الجواز بعموم قوله:
" كل ما أحاط الله به... الخ (2) " قد عرفت ضعفه (3)، لكن الإنصاف أن وجود
الشعرات الضعيفة المتفرقة لا يمنع من صدق المسح على الرجل، وإيجاب
إزالتها دائما حرج، والتخليل في المسح غير ممكن، والمسح على شعر الرأس
قد تقدم وجهه.
* (ولا يجوز) * أيضا * (على حائل) * خارجي * (من خف أو غيره) *
مع الاختيار، بلا خلاف ظاهر، بل إجماعا محققا من (4) عبارة (5) التذكرة
المتقدمة في مسألة الكعب، حيث قال: ويجوز المسح على النعل من غير أن
يدخل يده تحت الشراك، ثم قال: ولو تخلف ما تحته أو بعضه، ففيه إشكال،
أقربه الجواز. وهل ينسحب إلى ما يشبهه كالسير في الخشب إشكال،
وكذا لو ربط رجليه بسير للحاجة وفي العبث إشكال (6)، انتهى.
وهو الظاهر من الذكرى، حيث ذكر - بعد نقل عبارة الإسكافي الدالة
على جواز المسح على النعل وكل ما لا يمنع وصول اليد إلى مماسة القدمين،
وبعد حكاية استشكال العلامة في التذكرة في سير الخشب والمربوط لحاجة
أو عبثا - قال: أما السير للحاجة فيلحق بالجبائر، وأما العبث فإن منع

(1) الحدائق 2: 312.
(2) الوسائل 1: 335، الباب 46 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(3) راجع الصفحة 252.
(4) في " ح ": " إلا من ".
(5) في " ب ": " عن عبارة ".
(6) التذكرة 1: 172.
276

فالأقرب الفساد إذا (1) أوجبنا المسح إلى الكعبين، وهو الأقرب كما مر، لأنه
يتخلف (2) شئ خارج عن النص (3)، انتهى. بل هذا الاستثناء لازم لكل من
أدخل الكعب في الممسوح، سواء قال بأنه مفصل الساق والقدم كالعلامة (4)،
أم قال بالمشهور كالمحقق الثاني (5)، لأن الكعب عندهم معقد الشراك فلا بد
من ستره لجزء منه.
لكن العلامة في المنتهى، مع إيجابه إدخال الكعب، استدل على عدم
وجوب استبطان الشراك - تبعا للمحقق في المعتبر، الذي صرح فيه بعدم
وجوب إدخال الكعب (6) - بأنه لا يمنع مسح محل الفرض (7).
وقد سبقهما إلى ذلك التعليل: الشيخ في التهذيب، حيث حمل المسح
على النعل الوارد في الأخبار على النعل العربية، لأنها [لا] (8) تمنع من
إيصال الماء إلى ما يجب مسحه (9).
ونحوهما المحكي في الذكرى عن ابن الجنيد (10)، وهو أيضا صريح ابن

(1) في المصدر ونسخة بدل " ع ": " إن ".
(2) في المصدر ونسخة بدل " ع ": " قد تخلف ".
(3) الذكرى: 90.
(4) القواعد 1: 203.
(5) جامع المقاصد 1: 220 - 221.
(6) المعتبر 1: 152.
(7) المنتهى 2: 77.
(8) كلمة " لا " من مصححة " ع ".
(9) التهذيب 1: 65.
(10) الذكرى: 90.
277

إدريس في السرائر حيث منع - بعد ذكر النعل العربية - عن المسح على
ما يحول، قال: سواء كان منسوبا إلى العرب أو العجم (1).
والذي ينبغي أن يقال: إنه لا ينبغي التأمل في عدم وجوب استبطان
الشراك، كما في الأخبار المعتبرة (2)، وظاهر ما تقدم من الأصحاب في تفسير
الكعب - بأنه معقد الشراك - كونه على جزء من الكعب، وحينئذ يكشف
هذه الأخبار بعمومها عن خروج بعض الكعب عن محل المسح، فلا فرق
حينئذ بين الشراك وغيرها.
ومن الغرائب جمع العلامة في المنتهى بين القول بكون الكعب هو المفصل
وكونه معقد الشراك ودخوله في الممسوح وتعليل عدم استبطان الشراك بعدم
منعه لمسح محل الفرض، مع أن (3) ظاهر أخبار الشراك بأجمعها هو المسح
على النعلين، وربما يستظهر منه قيام الشراك مقام محله كالجبيرة، ولعل
حكمته الوسعة على العباد، وحينئذ فيكون هذه الأخبار على خلاف القاعدة،
إلا أن يراد من المسح على النعلين (4) المسح على الرجل، ويكون ذلك تسامحا
في التعبير من جهة لصوق النعل، فيكون المسح عليها (5) مسحا على النعل،
ويشهد له: وقوع هذا التعبير في كلام الأصحاب، مع تعليل أكثرهم بعدم
كونه مانعا عن مسح محل الفرض، مع أنهم لا يريدون مسح الشراك قطعا.

(1) السرائر 1: 102.
(2) الوسائل 1: 291 - 292، الباب 23 من أبواب الوضوء، الحديث 3، 4 و 8.
(3) في غير " ع ": " ثم إن ".
(4) كذا في " أ " و " ب "، وفي " ح " و " ع ": " والمسح ".
(5) كذا في النسخ، وفي مصححة " ع ": " عليهما ".
278

وكيف كان، فلا يصح المسح على الحائل ولا يعد جزءا من الوضوء
* (إلا) * إذا كان * (للتقية) * (1) من المخالفين، فإنه يصح حينئذ بلا خلاف فيه
في الجملة، للحرج بتركه، فيسقط اعتبار مماسة الماسح للبشرة لقوله تعالى:
(ما جعل عليكم في الدين من حرج) (2) فيمسح عليه، كما نطق به رواية
عبد الأعلى المتقدمة في وضع المرارة على الرجل (3).
هذا، مضافا إلى الأخبار الخاصة، ففي رواية أبي الورد: " وهل فيهما
- يعني المسح على الخفين - رخصة؟ قال: لا، إلا من عدو تتقيه أو ثلج
تخافه على رجليك " (4).
لكن في صحيحة زرارة المروية عن الكافي في باب الأطعمة والأشربة:
" قلت لأبي جعفر عليه السلام: هل في المسح على الخفين تقية؟ قال: لا تتق في
ثلاث، قلت: وما هن؟ قال: شرب المسكر، والمسح على الخفين، ومتعة
الحج " (5).
وروى هشام في الصحيح عن أبي عمر، قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام:
يا أبا عمر تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له،

(1) في الشرائع زيادة: " أو الضرورة ".
(2) الحج: 78.
(3) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5، وتقدمت في الصفحة
256.
(4) الوسائل 1: 322، الباب 38 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(5) الكافي 6: 415، الحديث 12، وعنه في الوسائل 17: 280، الباب 22 من أبواب
الأشربة المحرمة، الحديث الأول، مع اختلاف في الألفاظ في كليهما.
279

والتقية في كل شئ إلا في شرب النبيذ والمسح على الخفين ومتعة الحج " (1).
وعن الدعائم، عن الصادق عليه السلام: " التقية ديني ودين آبائي إلا في ثلاث:
شرب المسكر، والمسح على الخفين، وترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم " (2).
وفي صحيحة زرارة: " قلت: هل في مسح الخفين تقية؟ قال: ثلاث
لا أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر ومسح الخفين (3) ومتعة الحج، قال زرارة:
ولم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا... الخبر " (4).
وكلام زرارة يحتمل أن يريد به: أنه عليه السلام بين حكم نفسه عليه السلام
لا حكمنا، فلعل الحكم مختص به، ويحتمل أن يريد به: أنه لم يوجب التقية
في هذه الثلاثة، كما في سائر مواردها لا أنه أوجب علينا تركها (5) فكان هذا
مستثنى من عموم " لا دين لمن لا تقية له " كما في رواية الدعائم، فيكون
التقية هنا رخصة لا عزيمة كالتقية في إظهار كلمة الكفر، ويكون النهي في
صحيحة الكافي محمولا على المرجوحية.
ويمكن أن يحمل رواية أبي الورد على مورد الضرر الفعلي، دون التقية
المبنية على ملاحظة الضرر النوعي على الشيعة باشتهارهم بمخالفة جمهور

(1) الوسائل 11: 468، الباب 25 من أبواب الأمر والنهي، ذيل الحديث 3، وليست
فيه: " متعة الحج ".
(2) دعائم الإسلام 2: 132، الحديث 464، وعنه في مستدرك الوسائل 1: 334،
الباب 33 من أبواب الوضوء، الحديث 763، مع اختلاف في الألفاظ.
(3) في " ع ": " والمسح على الخفين ".
(4) الوسائل 1: 321، الباب 38 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(5) كذا في " أ " و " ب "، وفي سائر النسخ: " تركه ".
280

الناس، دون الضرر الفعلي اللاحق للشخص بترك هذا الفعل الخاص.
ويشهد لهذا الحمل: عطف البرد المعتبر فيه الضرر الشخصي إجماعا،
لكن هذا مبني على أن التقية لا يعتبر فيها ترتب الضرر الفعلي على الترك،
بل الحكمة فيها ملاحظة الضرر اللاحق من اجتماع الشيعة على تركها
واشتهارهم بخلافها، وهذا وإن كان يظهر من جملة من الأخبار، إلا أن
المستفاد من كثير منها خلاف ذلك، ففي رواية البزنطي عن إبراهيم بن
شيبة (1)، قال: " كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أسأله عن الصلاة خلف
من تولى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يمسح على الخفين؟ قال: فكتب: لا تصل
خلف من يمسح على الخفين، فإن جامعك وإياهم موضع لا تجد بدا من
الصلاة معهم فأذن لنفسك وأقم... إلى آخر الرواية " (2).
وفي رواية معمر بن يحيى: " كل ما خاف المؤمن على نفسه فيه
ضرورة فله فيه التقية " (3).
وفي معناها ما ورد من أن " كل شئ يضطر إليه ابن آدم ففيه
التقية " (4)، فإن ظاهرها بيان ضابط التقية ومدارها نفيا وإثباتا.
والمرسل المحكي في الفقه الرضوي، عن العالم عليه السلام: " لا تصل خلف

(1) كذا في المصدر، وفي النسخ: " إبراهيم بن هاشم "، والظاهر أنه من سهو القلم.
(2) الوسائل 5: 427، الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2، مع اختلاف
واختصار.
(3) الوسائل 16: 136، الباب 12 من كتاب الأيمان، الحديث 16.
(4) الوسائل 11: 468، الباب 25 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 2، وفيه:
" التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له ".
281

أحد إلا خلف رجلين: أحدهما من تثق به وبدينه وورعه، والآخر من تتقي
سيفه وسوطه وشره وبوائقه وشنعته، فصل خلفه على سبيل التقية
والمداراة " (1).
وعن دعائم الإسلام بسنده عن أبي جعفر عليه السلام: " لا تصلوا خلف
ناصب ولا كرامة إلا أن تخافوا على أنفسكم أن تشهروا (2) ويشار إليكم،
فصلوا في بيوتكم، ثم صلوا معهم واجعلوا صلاتكم معهم تطوعا " (3). إلى
غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.
وكيف كان، فالأظهر اعتبار ترتب الضرر على مخالفة التقية في
خصوص الواقعة، فتكون التقية كسائر الأعذار.
إلا أنه اختلف في أنه هل يعتبر في شرعيتها عدم المندوحة والعجز
عن أداء الواجب على النهج المشروع، فيجب عليه التأخير مع سعة الوقت
ورجاء التمكن في آخره على القول بذلك في أولي الأعذار، ويجب الانتقال
من مكان التقية إلى مكان الأمن، وكذا غيره من أنواع التخلص، أم
لا يجب، بل يكفي ترتب الضرر على مخالفة التقية حال الفعل وإن قدر على
التخلص بتغير الوقت أو المكان أو إقامة المخالف من مجلسه إن تيسر،
وجهان، بل قولان.

(1) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 144، مع اختلاف في الألفاظ، وعنه في
مستدرك الوسائل 4: 49، الباب 27 من أبواب الأذان والإقامة، الحديث 4156.
(2) كذا في المصدر، وفي النسخ: " أن تشيروا ".
(3) دعائم الإسلام 1: 151، وعنه في مستدرك الوسائل 6: 462، الباب 9 من
أبواب صلاة الجماعة، الحديث 7245.
282

ظاهر من تمسك بأدلة الحرج كالفاضلين (1) هو الأول، وصريح البيان (2)
وجامع المقاصد (3) والروض (4) هو الثاني، بل قد يشعر كلام الثاني (5) بكونه
من المسلمات، لأنه ذكر - أولا - الخلاف في بقاء أثر هذا الوضوء بعد زوال
التقية واختار البقاء، ثم قال: ولا يشترط في جواز ذلك ونحوه للتقية عدم
المندوحة، وهو يؤيد بقاء الطهارة مع زوال السبب (6).
ويدل على هذا القول: ظاهر ما تقدم من رواية أبي الورد (7)، وإن
كان عطف الثلج عليه ربما يشعر باتحادهما في الاختصاص بصورة عدم
المندوحة عنها، وكذا بعض الأخبار المتقدمة، لكن الغالب في العدو عدم
ملازمته لتمام الوقت وإمكان التفصي عنه، بخلاف الثلج المانع عن نزع الخف،
فحمل المطلقات على ذلك مشكل.
مضافا إلى ما عن العياشي بسنده عن صفوان عن أبي الحسن عليه السلام،
وفي آخرها - الوارد في غسل اليدين -: " قلت له: يرد الشعر؟ قال: إن
كان عنده آخر فعل وإلا فلا " (8).

(1) المعتبر 1: 154، والمنتهى 2: 84.
(2) البيان: 48.
(3) جامع المقاصد 1: 222.
(4) روض الجنان: 37.
(5) كذا في النسخ، والظاهر: " الثالث ".
(6) روض الجنان: 37.
(7) المتقدمة في الصفحة 279.
(8) تفسير العياشي 1: 300، الحديث 54، وعنه في المستدرك 1: 311، الباب 18
من أبواب الوضوء، الحديث 698.
283

خلافا لصريح المدارك (1) ومحكي بعض متأخري المتأخرين (2)، متمسكا
بانتفاء الضرر مع المندوحة، فيزول المقتضي.
وأيد الجواز في الحدائق بالأخبار (3) الدالة على الحث العظيم على
الصلاة مع المخالف ووعد الثواب عليها، حتى ورد: أن الصلاة معهم كالصلاة
مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4)، مع استلزام ذلك ترك بعض الواجبات
أحيانا (5).
أقول: أما ما في المدارك، فهو حق لو كان مدرك مشروعية التقية
مجرد نفي الضرر والحرج، كما يظهر من جماعة كالفاضلين (6)، إلا أن الظاهر
مما ذكرنا من الأخبار وشبهها مما لم نذكر (7): أن التقية أوسع من غيرها من
الأعذار، فالمعتبر فيها ترتب الضرر على ترك التقية في أجزاء العبادات
وشرائطها مع إتيانها بحسب متعارف حال الفاعل، فلا يجب على الحاضر في
ملأ المخالفين الاستتار عنهم، أو الخروج من مسجدهم، أو تأخير أهل
السوق صلواتهم إلى قريب الغروب، حتى أنه لو كان المتعارف بحسب حال

(1) المدارك 1: 223.
(2) الظاهر أن المراد به الوحيد البهبهاني، قال السيد العاملي: " وعليه الأستاذ الآقا
سمعته منه في جواب سائل سأله عن ذلك "، انظر مفتاح الكرامة 1: 257.
(3) انظر الوسائل 5: 381، الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل 5: 381، الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(5) الحدائق 2: 315.
(6) المعتبر: 154، والمنتهى 2: 84.
(7) في غير " ع ": " يذكر ".
284

الشخص - من حيث إنه جار المسجد - حضور المسجد، خصوصا في الأيام
المتبركة، مثلا كيوم الجمعة وأيام رمضان، أو كان المتعارف تضيفه عندهم
أو إضافتهم عنده، فلا يجب في هذه الموارد التخلص عنهم وإخفاء العبادة
عنهم، بل حث الشارع على المسالكة معهم نظير مسالكة بعضهم مع بعض
وترك هجرانهم، فالضرر معتبر مع هذا الموضوع، فالمصلي معهم يراعي
ما هو الحق مع هذا الوصف، ولا يجب التخلص عن الضرر بترك معتاد
أمثاله في نفسه أو في أصحابه.
وبالجملة، فالشارع تفضل على الشيعة بجعل المخالفين كالشيعة في
المعاشرة، ويراعى الضرر مع هذا الحال. نعم، التعرض لفعل العبادة في
محاضرهم من غير اقتضاء العادة له محل إشكال، وإن ورد في المستفيضة
الحث على حضور مجامعهم في المساجد والجنائز وغيرها (1)، إلا أنه لا يبعد
حملها على دفع النفرة الجبلية الداعية إلى ترك معاشرتهم وترك العبادات
بمحضرهم، مع إيجاب ذلك كله لظهور تشيع من لم يعرفوا تشيعه واستبانة
العداوة ممن عرفوا تشيعه، فيؤدي ذلك إلى استئصال أهل الحق.
والحاصل: أن الأخبار الواردة في الإذن في التقية على أقسام.
منها: ما يدل (2) على كونها عذرا كسائر الأعذار، يعتبر فيها خوف
الضرر الذي هو المسوغ للمحظورات في غير مقام التقية كالمرض والإكراه
ونحوهما.

(1) انظر الوسائل 5: 381، الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) انظر الوسائل 11: 464، الباب 24 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 21، و 16:
136، الباب 12 من كتاب الأيمان، الحديث 16.
285

ومنها: ما دل (1) على أنها أوسع من باقي الأعذار، حيث إنها لا يعتبر
فيها القدرة على التخلص من الضرر المخوف بالحيل والمعالجات، بل يعتبر
خوف الضرر مع جري المكلف على ما يقتضيه العرف والعادة والدواعي
النفسانية.
ومنها: ما دل (2) برجحان إظهار الموافقة لهم دفعا لشبهة التشيع، أو
معاندة الشيعة معهم، فيشرع التقية مع الأمن من الضرر المترتب على تركها
في القضية الشخصية، فيكون دفع الضرر حكمة لتشريع التقية، فلا تدور
مداره في الوقائع الشخصية.
ولعل المستفاد منها - بعد التأمل في جميعها - ما ذكرنا، وهو أن التقية
ليست كسائر الأعذار في اعتبار عدم المندوحة فيها ولا كالأحكام المبنية
على الرخصة الملحوظ فيها الحرج حكمة للحكم لا علة، كالقصر في السفر
واعتبار الظن في الصلاة ونحو ذلك، وحيث كان الأمر فيها أوسع من باقي
الأعذار المسوغة للمحظورات فلا بد من الاقتصار على ما هو المتيقن من
موارد الأخبار، وهي التقية من المخالف بإخفاء المذهب عنه، فالتقية عن
الكفار أو ظلمة الشيعة حكمها حكم سائر الأعذار في اعتبار عدم المندوحة،
بل وكذلك التقية بعدم إظهار العمل عندهم لمجرد كونه منكرا عندهم كما هو
الغالب في هذه الأزمنة، حيث يعلمون مذهب الشيعة في الوضوء والسجود
على التربة وغيرهما، وليس إخفاؤه عنهم لأجل تلبيس الفاعل عليهم
موافقته لهم في الاعتقاد أو في خصوص الأعمال، وإنما هو لمجرد كون العمل

(1) انظر الوسائل 11: 467 - 470، الباب 25 و 26 من أبواب الأمر والنهي.
(2) انظر الوسائل 11: 462، الباب 24 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 13 وغيره.
286

منكرا عندهم فيؤذون الفاعل من باب الإيذاء على المنكر، فإن في دخول
هذا القسم من التقية تحت الأخبار الدالة على شرعية التقية مع المندوحة
تأملا.
نعم، كثير من عمومات التقية والتعليلات المنصوصة في شرعية التقية
من حفظ أنفس الشيعة وأموالهم وأعراضهم يشمل ذلك، لكن ليس فيها
أزيد من إلحاقها بسائر الأعذار فيعتبر فيها عدم المندوحة.
ثم إن الفعل المأتي به تقية، إن كان مما سوغه في العبادة ضرورة
أخرى غير التقية، كالمسح على الخف الذي سوغه البرد الشديد، وجب فيه
نية القربة والجزئية للعبادة، فكان مباشرة اليد لبشرة الرجل ساقطة في مسح
الرجل، نظير المسح على المرارة المأمور به في رواية عبد الأعلى المتقدمة (1)،
فلا يجوز الإخلال به ولا بشئ من شرائط المسح المعتبرة، فلو أخل عمدا
أو لا عن عمد بطل، لفوات باقي الواجبات غير المباشرة.
ولو مسح مع التقية على البشرة فحكمه كالمتضرر بمسح البشرة، يبطل
عمدا إذا لم يتداركه، ويصح لا مع العمد.
واحتمل في الروض عدم الفساد في الأول، لتوجه النهي إلى أمر خارج (2).
وفيه: أن الأمر الخارج متحد مع المأمور به في الوجود، فلا ينفع كونه
خارجا، نظير الغصب.
ودفعه بعض: بانقلاب تكليفه إلى موافق التقية، فلم يأت بالمأمور به (3).

(1) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5، وتقدمت في الصفحة
256.
(2) روض الجنان: 37.
(3) الجواهر 2: 239.
287

وهذا الدفع يؤذن بالبطلان مع عدم العمد أيضا.
ويرده منع انقلاب التكليف بل الامتثال بالمأمور به ممتنع للنهي
كالمتضرر بالغسل.
ولو كان خفه نجسا ولم يتمكن من لبس طاهر فمسح عليه تقية لم
يصح فوجب استئنافه، لأن التقية لم توجب المسح على النجس وإنما
انحصرت فيه من حيث عدم الفرد الآخر.
وإن كان مما لم يسوغه في العبادة ضرورة أخرى غير التقية، فإن كان
التقية في إتيانه في العبادة جزء كمسح الزائد على الواجب عندنا، أو مستحبا
كالتأمين في الصلاة والتكفير، جاز إتيانه لا بقصد الجزئية وإن كان مبطلا
عندنا، ولو تركه عصيانا لم تبطل العبادة.
ولو ألجأت التقية إلى غسل الرجلين، فإن قلنا بجواز ذلك في
الضرورة، كما إذا لم ينفك إيصال الماء إلى بشرة الرجل عن الجريان، كما
تقدم عن الذكرى، معللا بعدم القصد إلى الغسل (1)، فهو غير مخالف للواجب
الاختياري.
وإن كان على وجه مخرج عن اسم المسح، وقلنا بجواز ذلك عند تعذر
المسح، كان حكمه حكم المسح على الخفين، بل المشهور أنه أولى لو دار
الأمر بينهما، لكونه أقرب إلى مطلوب الشارع، وهو غير بعيد.
وإن فرض على وجه لا نقول بكفايته عن المسح، لكمال مغايرته معه
كغمس الرجل في الماء، فالظاهر أن العامة لا يقولون به، فلو فرض كان
ذلك الوضوء كفاقد المسح رأسا، وفي صحته - لكون الفقد مستندا إلى التقية،

(1) لم نعثر فيما تقدم ولا في الذكرى عليه.
288

وعدمها لأن قولهم ليس على هذا الغسل بالخصوص وإنما انحصر فيه
بالفرض نظير المسح على الخف النجس - وجهان -.
* (ولو زال السبب) * (1) المسوغ للمسح على الخف بل مطلق الوضوء
الناقص، فإما أن يكون قد صلى بها صلاة صحيحة واقعية، بأن وقعت مع
اليأس عن زوال العذر في الوقت، أو قلنا بجواز البدار في سعة الوقت
لأولي الأعذار وعدم وجوب الانتظار لزوال تلك الأعذار مطلقا أو في
خصوص التقية على ما اخترنا من عدم اشتراط عدم المندوحة فيها مطلقا،
وإما أن يكون لم يصل كذلك، فإن صلى فلا إشكال في عدم وجوب الإعادة
ولا القضاء، لفرض الإتيان بالمأمور به واقعا، نظير الصلاة بالتيمم، وإنما
الإشكال هنا في صحة صلاة أخرى بهذه الطهارة.
وقد يلوح من المحكي عن المحقق الثاني في بعض فوائده: التفصيل في
وجوب الإعادة للصلاة بوضوء التقية، بأنه إن كان متعلق التقية مأذونا فيه
بالخصوص، كمسح الرجلين في الوضوء والتكتف في الصلاة، فإنه إذا فعل
على الوجه المأذون كان صحيحا مجزيا وإن كان للمكلف مندوحة من فعله،
التفاتا إلى أن الشارع أقام ذلك الفعل مقام المأمور به حين التقية، فكان
الإتيان به امتثالا يقتضي الإجزاء، فلا تجب الإعادة ولو تمكن منها على
غير وجه التقية قبل خروج الوقت، ولا أعلم في ذلك خلافا.
وأما إذا كان متعلقها مما (2) لم يرد فيه نص على الخصوص، كفعل
الصلاة إلى غير القبلة والوضوء بالنبيذ، ومع الإخلال بالموالاة فيجف السابق

(1) في الشرائع: " وإذا زال ".
(2) لم ترد " مما " في غير " أ ".
289

كما يراه بعض العامة (1)، فإن المكلف يجب عليه إذا اقتضت الضرورة موافقته
أهل الخلاف فيه (2) وإظهار الموافقة لهم، ثم إن أمكن الإعادة في الوقت بعد
الإتيان وجبت، ولو خرج الوقت نظر في دليل يدل على (3) القضاء، فإن
وجد، قيل به (4)، لأن القضاء إنما يجب بفرض جديد.
ثم نقل عن بعض أصحابنا القول بعدم الإعادة مطلقا، نظرا إلى أن
المأتي به وقع شرعيا فيكون مجزيا على كل تقدير، ورده بأن الإذن في التقية
من جهة الإطلاق لا يقتضي أزيد من إظهار الموافقة لهم مع الحاجة (5)، انتهى
كلامه رفع مقامه.
أقول: وما ذكره في القسم الأول من عدم وجوب الإعادة حق،
والأقوى عدم القضاء أيضا، لعدم صدق الفوت مع فرض بدلية المأتي به كما
في الصلاة مع التيمم.
وأما ما ذكره في القسم الثاني، فإن أراد بعمومات التقية: العمومات
الدالة على وجوبها ومؤاخذة من تركها، فلا ريب في أنها لا تدل على صحة
ما تقع التقية فيه من العبادات، فإن التكتف إذا كان مبطلا للصلاة، والأكل
مبطلا للصوم، وإطلاق ماء الوضوء شرطا فيه، فوجوب هذه الأفعال وجوبا
نفسيا لحفظ النفس أو المال لا ينافي ترتب أثرها عليها، وهو الإبطال، غاية

(1) انظر الأم (مختصر المزني): 3.
(2) " فيه " من المصدر و " ع ".
(3) " يدل على " من المصدر و " ع ".
(4) في نسخة بدل " ع " والمصدر: " حصل الظفر به أوجبناه وإلا فلا ".
(5) رسالة التقية (رسائل المحقق الكركي) 2: 52.
290

الأمر أن دليل حفظ النفس دل على وجوب الإتيان بعبادة باطلة، كما دل في
الأكل على وجوب الإفطار في شهر رمضان.
وأما أوامر الصلاة فلم يقع الفعل موافقا لها لا اختيارا ولا اضطرارا،
كما لو أكره على الصلاة بغير طهارة، فمثل هذا المأتي به لا مجال للتأمل في
عدم إجزائه عن المأمور به، بل يجب امتثال الأمر في الوقت وخارجه، كما
لو منعه مانع عن أصل الصلاة في جزء من الوقت أو في تمامه، إذ لا إشكال
في صدق الفوت، فلا حاجة إلى النظر في أدلة القضاء، لوجود الأمر الجديد
بقضاء ما فات، ولم يقل أحد في هذا الفرض بسقوط القضاء، فضلا عن
الإعادة.
وإن أراد بعموماتها: العمومات المرخصة لإتيان العبادة المأمور بها في
الشريعة على وجه التقية، نظير قوله عليه السلام: " التقية في كل شئ إلا في
المسح على الخفين وشرب المسكر ومتعة الحج " (1)، فإن استثناء المسح على
الخف والمتعة من العموم - مع أن الممنوع فيهما هو الامتثال بأمر الوضوء
والحج على وجه التقية - كاشف عن كون المستثنى هو الجواز، بمعنى الرخصة
في امتثال الأوامر على وجه التقية، إلى غير ذلك مما يستفاد منه الرخصة في
التقية في مقام امتثال العبادات، فلا ريب في أنه لا فرق بين هذه العمومات
وبين الأمر الخاص بالتقية في عبادة خاصة في الدلالة على أن الشارع اكتفى
في مقام التقية بالامتثال على طبق التقية.
وكيف كان، فلا إشكال في عدم إعادة ما صلى بالأمر الواقعي المتوجه

(1) الوسائل 1: 321، الباب 38 من أبواب الوضوء، الحديث الأول، وفيه: " لا أتقي
فيهن أحدا شرب المسكر، ومسح الخفين، ومتعة الحج ".
291

إلى المكلف حال الاضطرار، ولذا قال شارح الموجز: لا يجب إعادة الصلاة
التي فعلها بالطهارة الضرورية إجماعا (1)، انتهى. وإنما الإشكال في الوضوء
المأتي به على هذا الوجه من حيث إباحة الدخول في عبادة أخرى مع التمكن
من الوضوء التام له.
وبعبارة أخرى: الخلاف والإشكال في أن هذا الوضوء مبيح لما يؤتى
به من العبادة حال الاضطرار، فإذا زال * (أعاده (2)) * فهو نظير التيمم لا يباح به
إلا الصلوات (3) المأتي بها حال الاضطرار، أو مبيح كالوضوء التام فلا ينتقض
إلا بالحدث، فالذي اختاره في المبسوط (4) والمعتبر (5) والتذكرة (6) والمنتهى (7)
والإيضاح (8) والموجز (9) وشرحه (10) ومحكي كشف (11) اللثام (12) وحاشية المدارك (13)

(1) كشف الالتباس 1: 176.
(2) في الشرائع: " أعاد الطهارة على قول ".
(3) في " ب " و " ح ": " الصلاة ".
(4) المبسوط 1: 22.
(5) المعتبر 1: 154.
(6) التذكرة 1: 174.
(7) المنتهى 2: 84.
(8) إيضاح الفوائد 1: 40.
(9) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 42.
(10) كشف الالتباس 1: 176.
(11) في " ع ": " كاشف ".
(12) كشف اللثام 1: 71.
(13) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 1: 256.
292

ومحكي الرياض (1) هو الأول، لعموم ما دل على وجوب الوضوء، وهو
مجموع الأفعال الخاصة عند إرادة القيام إلى الصلاة ولو من النوم في
خصوص القيام من النوم على ما فسر به الآية، فإن النائم إذا قام إلى
صلاتي الظهرين من نومه وجب عليه الأفعال الخاصة، فإذا لم يتمكن من
فعلها للظهر وتمكن من فعلها للعصر وجبت عليه، فلا يقدح في الاستدلال
- كما زعم - ورود الأخبار واتفاق المفسرين - كما قيل (2) - على أن المراد
القيام من النوم، بل الشأن في إثبات بدلية ما فعله من الوضوء الناقص عن
الوضوء التام مطلقا، لا من حيث خصوص وجوبه لأجل الصلاة التي
لا يتمكن من فعلها مع الوضوء التام، فإن ظاهر استناد الإمام عليه السلام في
حديث المسح على المرارة (3) إلى آية نفي الحرج (4): إرادة لزوم الحرج من
الأمر بالصلاة مع الوضوء التام في هذا الفرض، وإلا فالوضوء في ذاته ومن
حيث نفسه ليس مأمورا به، فنفي الحرج لا يقيمه مقام الوضوء التام إلا من
حيث الحكم التكليفي، وهو وجوبه بدلا عن الوضوء التام، فيتبعه الحكم
الوضعي بمعنى التأثير في إباحة ما وجب له، لا مطلقا حتى لا يحتاج باقي
الصلوات إلى مقدمة، لحصول الأثر المقصود منها على مقدمة ذلك الواجب
الذي أتى به حال الاضطرار.
ودعوى: أن الوضوء عند الزوال مقدمة للظهرين، فليكتف فيه عند

(1) الرياض 1: 244.
(2) انظر المنتهى 1: 195.
(3) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(4) الحج: 78.
293

الحرج بالناقص لهما وإن كان عند إرادة العصر قادرا على التام، مدفوعة
- مع عدم جريانه في غير صورة اشتراك الصلاتين في وقت الوجوب -: بأن
الاكتفاء بالناقص ليس إلا للحرج اللازم من الأمر بالدخول في العبادة
الأولى مع الوضوء التام لا مطلقا، ولذا لو علم أنه حال فعل العصر تمكن
من الوضوء التام لم يصح نية إباحة الفعلين، لعدم ثبوت إباحة الأخيرة من
أدلة الحرج، فقد نوى إباحة ما لا يباح به كما لو ضم إلى نية التيمم إباحة
الصلاة في حال وجدان الماء.
وبالجملة، فالإنصاف أن دلالة الآية واضحة، كما اعترف بعض
المحققين (1)، إلا أنه قدس سره منع عموم الآية، لأن " إذا " للإهمال.
وفيه: أن المقصود من هذه الخطابات - بحكم فهم العرف - هو بيان
علة الحكم أو معرفه كما في قوله عليه السلام: " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه
[شئ] (2) " (3) وقوله: " إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور " (4)
وغيرهما (5)، فلا بد من صرف الهمة في تتبع ما يكون حاكما على هذا
العموم، وهو لا يخلو من وجوه:

(1) لم نعثر عليه.
(2) من الوسائل.
(3) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(4) الوسائل 1: 261، الباب 4 من أبواب الوضوء، الحديث الأول، وفيه: " وجب
الطهور والصلاة ".
(5) مثل قوله عليه السلام: " إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر " انظر الوسائل 3:
97، الباب 5 من أبواب المواقيت، الحديث 5.
294

أحدها: أنه إذا خرج المضطر عن هذا العموم وثبت أن الوضوء
بالنسبة إليه مؤثر في إباحة الصلاة، فيشك في بقاء هذا الحكم له، أو رجوعه
إلى المختار من وجوب الوضوء التام عليه وعدم إباحة هذا الوضوء الناقص
في حقه، فاللازم الحكم بالبقاء بحكم الاستصحاب، فالمقام من مقام
استصحاب حكم الخاص، لا التمسك بعموم العام.
الثاني: أن الموجب للوضوء الاضطراري لا يقتضي إلا ما فعله،
فيجتزي، ولو وجب ثانيا لوجب بموجب جديد، والفرض عدمه.
وبتقرير آخر: أن الوضوء إذا وجد فلا ينقضه (1) إلا حدث، كما في
الصحيح (2)، وفي الموثقة: " إذا توضأت فإياك أن تحدث وضوء حتى تستيقن
أنك قد أحدثت " (3).
الثالث: أن كل وضوء رافع للحدث، فإذا فرض هذا المكلف مرتفع
الحدث ولو بحكم الاستصحاب، لم يشمله الآية، للاتفاق - كما قيل (4) -
باختصاص الآية بالمحدثين، وهذا غير داخل فيهم.
ويمكن الجواب عن الاستصحاب، بأن الآية مقيدة بحال التمكن من
الوضوء التام، لا أنه مخصص بالمضطر، فكأنه قيل: كلما أردتم القيام إلى

(1) كذا في " ب "، وفي غيره: " ينقصه ".
(2) الوسائل 1: 180، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 4، وفيه:
" لا ينقض الوضوء إلا حدث ".
(3) الوسائل 1: 176، الباب الأول من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 7، وليس
فيها: " إذا توضأت ".
(4) انظر الجواهر 1: 28.
295

الصلاة فأتوا بالوضوء التام إن تمكنتم، ولو سلم كونه تخصيصا للمكلفين، كان
المعنى أيضا: أنه كلما قمتم إلى الصلاة فيجب على القادر منكم الوضوء التام،
ولو فرضنا زمان الاضطرار مستثنى من عموم أزمنة القيام إلى الصلاة، كان
المعنى: أنه يجب الوضوء التام في جميع أزمنة إرادة القيام إلى الصلاة إلا
حال العجز عنه.
وعلى أي تقدير: فثبت المطلوب، مع أن المقام لو كان مقام
استصحاب حكم (1) الخاص لوجب بعد انتقاض أثر الوضوء الاضطراري
بالحدث وضوء ناقص أيضا، لاستصحاب حكم المضطر له.
وبعبارة أخرى: استصحاب حكم الخاص يقتضي وجوب ما وجب
عليه سابقا، لا بقاء أثر ما وجب سابقا، والقول بالتزام ذلك لولا الإجماع (2)
فاسد بالضرورة، لأن وجوب الوضوء التام على من زال اضطراره وانتقض
وضوءه الاضطراري بالحدث ليس إلا بعموم الآية.
وبالجملة، فالتمسك باستصحاب حكم الخاص فاسد جدا.
نعم، يمكن التمسك باستصحاب الإباحة لولا عموم الآية، مع
إمكان أن يرد بأن الموضوع في الاستصحاب مردد بين إباحة الصلاة
المدخول بها حال الضرورة أو كل صلاة، فإن الأول لا ينفع والثاني
مشكوك الحدوث. نعم، لو ثبت أن هذا الوضوء رافع للحدث أمكن
استصحاب الطهارة على القول بعدم تبعض الحدث زمانا وموردا، لكنه
غير ثابت كما سيأتي.

(1) لم ترد " حكم " في غير " ع ".
(2) كذا في " أ " و " ب "، وفي غيرهما: " الاجتماع ".
296

وعن الثاني: بأن الوضوء ينصرف إلى التام، وبأنا نلتزم بأنه
لا ينتقض الوضوء الناقص أي لا يرفعه مع بقاء استعداده وقابليته إلا
الحدث، والكلام هنا ليس في انتقاض الوضوء، وإنما هو في صلاحيته
واستعداده للبقاء مع زوال العذر، وأما الموثقة (1) فهي واردة في مقام عدم
انتقاضه بالشك.
وعن الثالث، أولا: منع اختصاص الآية بالمحدثين، غاية الأمر تقيدها
بالنوم، وقد تقدم (2) عدم قدحه، وأما مقابلته بقوله: (وإن كنتم جنبا) (3)
فلا تدل على شئ، لأن غايتها إرادة: إن لم تكونوا جنبا.
وثانيا: منع رفع الحدث، وإنما غاية الأمر ترتب الآثار المحققة في
حال الاضطرار، فيجوز الدخول به في هذا الحال فيما يشترط بالطهارة،
ويحصل له كمال ما يتوقف كماله عليها في الحالة النفسانية، المقتضية
لاستحباب الكون على الطهارة، ولا يلزم من ذلك حصولها حال التمكن من
الوضوء التام.
ومما ذكرنا يظهر: أنه لو فرض عدم التمسك بالآية فاللازم التمسك في
المقام بقاعدة لزوم إحراز الطهور، لقوله عليه السلام: " لا صلاة إلا بطهور " (4)
بناء على إرادة رفع الحدث، وعدم ثبوت ارتفاع الحدث في المقام ولا إباحة
ما عدا الصلاة الواقعة حال الاضطرار حتى بالاستصحاب، فافهم.

(1) المتقدمة في الصفحة 295.
(2) في الصفحة 293.
(3) المائدة: 6.
(4) الوسائل 1: 261، الباب 4 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
297

نعم، لو ثبت في الصورة الثانية - وهي ما إذا ارتفع الاضطرار قبل أن
يصلي بوضوئه - جواز الدخول في الصلاة مع زوال العذر، أمكن إثباته في
هذه الصورة، بناء على عدم القول بالفصل، فلنتكلم فيها.
فنقول: إن ما يمكن أن يستدل به على إلحاقها بالصورة الأولى هي
الآية المتقدمة، بتقريب أن الخارج من عمومها بحكم أدلة الأعذار هو العاجز
عن إتيان الصلاة بالوضوء التام، حتى أنه لو علم المضطر في الحال أنه يقدر
عند إرادة الدخول في الصلاة من الوضوء التام لم يجز له فعل الناقص، ولو
فعله باعتقاد استمرار عجزه ثم طرأ القدرة كشف ذلك عن عدم الأمر
بوضوئه الناقص.
نعم، لو ثبت من أدلة الأعذار كفاية الاضطرار في زمان الوضوء كما
هو ظاهر بعض ما تقدم في التقية (1)، لم يمكن الاستدلال بالآية على وجوب
الإعادة، بل أمكن أن يستدل بها على الإجزاء بتقريب: أن الأمر في الآية
أمر غيري مقدمي، فيكشف عن وجود رابطة بين هذه الأفعال والصلاة،
أوجبت إيجابها عند وجوب الصلاة، كما تقدم في إثبات رافعية مطلق
الوضوء للحدث القابل للارتفاع، فإذا فرض أن أدلة الأعذار دلت على
سقوط بعض الواجبات المستفادة من الآية عن العاجز عنها حين الوضوء،
فصار الواجب بالآية على القادر: الوضوء التام، وعلى العاجز: الوضوء
الناقص، فيكشف عن ثبوت الرابطة المذكورة في كل منهما، فيجوز الدخول
في الصلاة.
فمبنى المسألة: أن الأعذار المسوغة هل يعتبر وجودها حين الغاية

(1) راجع الصفحة 281.
298

المأمور بالوضوء لأجلها، أو يكفي وجودها عند الوضوء؟ والظاهر أن عموم
الحرج وما يرجع إليه وإن كان يتراءى منه في بادئ النظر كفاية وجوده
عند الوضوء، إلا أن مقتضى التأمل: أن الحرج إنما يلزم من الأمر بالصلاة
مع الوضوء التام، فهو مدار الحرج دون الأمر بالوضوء.
هذا، ولكن المفروض في المقام لما كان جواز البدار لأولي الأعذار،
وكان مبناه الحكم بتخيير المكلف في إتيان الفعل في أي جزء أراد من أجزاء
الوقت، وأن المكلف مخير في كل جزء من الوقت بين الفعل فيه على الوجه
الموظف فيه بحسب حاله من القدرة على الشرائط والعجز عنها، وبين
التأخير عنه، فضابط العذر المسقط بعض الشرائط ثبوته في الفعل في الزمان
الذي يريد وقوعه فيه، وإن أمكن تأخيره إلى ارتفاع العذر وإتيان الفعل
بشرائطه الاختيارية، فحينئذ إذا أراد المكلف إتيان الفعل في زمان بعد زمان
مقدار الوضوء من أول الوقت لكفى ثبوت الحرج في الصلاة في ذلك الزمان،
فإذا توضأ في الجزء الأول من الوقت وأراد الصلاة، ثم (1) تيسر له الوضوء
التام قبل الدخول في الصلاة، لم يقدح في الوضوء السابق لحصول شرطه،
وهو الحرج في فعل الصلاة في الجزء الذي اختاره من الوقت، فزوال العذر
بعد الفراغ عن الوضوء لو أوجب استئناف الوضوء فقد ألزم تأخير الصلاة
عن الوقت الذي أرادها فيه، والمفروض خلافه.
فتحصل: أن اللازم في مفروض المسألة - وهو جواز المبادرة لأولي
الأعذار - كفاية تحقق العذر في الزمان الذي يريد الصلاة فيه، فإن علم من
أول الأمر طرو القدرة على الوضوء التام بعد الفراغ عن وضوئه الناقص أو

(1) في " أ " و " ب ": " و " بدل " ثم "، ولم تردا في " ج " و " ح ".
299

قبل الدخول في الصلاة، صح وضوؤه الناقص، لأن إلزام التأخير عنه إلزام
لتأخير الصلاة عن ذلك الوقت.
ثم إن إناطة العذر بتحققه في زمان إرادة الصلاة مبني على ما تقدم
من أن الوضوء الواجب في الوقت لا يتحقق امتثاله ممن لا يريد الصلاة
بذلك الوضوء، فيشترط في قصد الوجوب فيه إرادة الصلاة به، فحينئذ
لا يشرع الوضوء الناقص مع إرادة الصلاة في الوقت المتأخر الذي يمكن
إيقاع الوضوء التام له، لأن هذا الوضوء ليس مقدمة لتلك الصلاة.
أما لو قلنا بمقالة المشهور - من أنه يكفي في اتصاف الوضوء الموجود
في الخارج بالوجوب، تحقق وجوب غايته في ذلك الزمان وإن لم يرد إيقاعها
فيه - فله إتيان الوضوء الناقص في كل جزء من الوقت، لمشروعية الصلاة
عقيب ذلك الوضوء بحكم أدلة سعة الوقت (1) وإن لم يردها المكلف في ذلك
الوقت، لكن يخرج الكلام حينئذ عن الصورة الثانية - وهي ما إذا لم يترتب
عليها أثر في حال العذر - إلى الصورة الأولى، لأن الوضوء الناقص في هذا
الفرض قد يترتب عليه أثر، وهي: إباحة الدخول في الصلاة بمجرد الفراغ
عنه، ويكون الكلام في استمرار أثره بعد وقوعه صحيحا.
فإن قلت: لو قلنا باستحباب الوضوء الناقص لأجل الكون على
الطهارة لم يبق للصورة الثانية - أعني الوضوء الذي يتكلم في صحته من
جهة اعتبار العذر في حاله أو في حال إيقاع الغاية - فرض، إذ بمجرد الفراغ
يترتب عليه الكون على الطهارة وإن لم يقصد.

(1) انظر الوسائل 3: 91، الباب 4 من أبواب المواقيت، والصفحة 134، الباب 17
من أبواب المواقيت، والصفحة 151، الباب 26 من أبواب المواقيت.
300

قلت: حصول الكون على الطهارة مع عدم قصده في أول الوضوء
يتوقف على صحة الوضوء من حيث الأمر المقدمي الذي يتعلق به،
فإذا فرض عدم الأمر به مع التمكن من إتيان غايته بالوضوء التام لم
يحصل له.
مع أنه يمكن فرض الكلام - حينئذ - في زوال العذر قبل الفراغ من
الوضوء المنوي به غير الكون على الطهارة وعدم فوات الموالاة، فإن صريح
بعض (1) أنه يأتي على القول بعدم إعادة الوضوء بزوال العذر، عدم إعادته
هنا.
نعم، لو قصد بهذا الوضوء الكون على الطهارة، كان لازمه الصحة،
لأن الكون على الطهارة في الآن المتصل بالفراغ متعذر بالوضوء التام،
فليكتف فيه بالناقص.
فتحصل (2) من جميع ما ذكرنا: أن مقتضى القاعدة في الاقتصار على
مخالفة أدلة الوضوء التام من مشروعية الوضوء الناقص مشروعيته (3) بالنسبة
إلى العاجز عن تحصيل الغاية المطلوب لأجلها بالوضوء التام، وعدم الاكتفاء
بالعجز في خصوص زمان الإتيان بالوضوء الناقص. نعم، ربما يستظهر ذلك
من بعض ما تقدم في التقية.
وأما إطلاق العذر في ما عداها كالثلج المخوف والجبيرة ونحوهما
فالظاهر أنها (4) مسوقة في مقام الجزئية، وأن هذه الأعذار رخصة، لكن

(1) الظاهر هو الفاضل الإصفهاني، انظر كشف اللثام 1: 71.
(2) لم ترد " فتحصل " في " ع ".
(3) كذا في " أ " و " ب "، وفي غيرهما: " مشروعية ".
(4) " أنها " من مصححة " أ " و " ب ".
301

بشرط تلبس المصلي بها أو كفاية تلبس المتوضئ بها، فالإنصاف عدم
إطلاق فيها يطمئن به النفس.
ويشهد لما ذكرنا: أنه لو بني على الكفاية، فاللازم الاكتفاء بالتلبس
بهما في زمان الإتيان بذلك الجزء العذري وإن زال قبل الفراغ والجفاف، مع
أنهم لا يقولون به، كما قيل (1).
[* (وقيل: لا تجب إلا لحدث، والأول أحوط) *] (2).

(1) لم نعثر على القائل.
(2) ما بين المعقوفتين من الشرائع، ولم نقف - فيما بأيدينا من النسخ - على شرح
المؤلف قدس سره له.
302

* (مسائل ثمان) *
* (الأولى) *
* (الترتيب واجب في) * ما بين غير الرجلين من أعضاء * (الوضوء) *،
بأن يوجد كلا منها في مرتبته، بالإجماع والسنة (1)، بل بالكتاب (2)، بناء على
إفادة " الواو " للترتيب، بل مع عدمها، بناء على ما في الذكرى من أنه
سبحانه غيا الغسل بالمرافق والمسح بالكعبين، وهو يعطي الترتيب، قال:
ولأن الفاء في (فاغسلوا) يفيد الترتيب قطعا بين إرادة القيام وبين غسل
الوجه، فيجب البدأة بغسل الوجه، قضية للفاء، وكل من قال بوجوب البدأة
به قال بالترتيب بين باقي الأعضاء (3)، انتهى.
وفي كلا الدليلين غموض، يغني عن الخوض فيه وضوح المسألة.
والمراد بالترتيب - هنا - غسل * (الوجه قبل) * اليد * (اليمنى، و) * غسل

(1) انظر الوسائل 1: 315، الباب 34 من أبواب الوضوء.
(2) وهو قوله تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق
وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * المائدة: 6.
(3) الذكرى: 90.
303

* (اليسرى بعدها، ومسح الرأس تاليا (1)) * لليسرى أو تاليا في التأخير، * (و) *
مسح * (الرجلين أخيرا) * مترتبين أم لا، على الخلاف المتقدم.
* (فلو خالف) * الترتيب ولو في فعل واحد من الأفعال المترتبة * (أعاد
الوضوء، عمدا كان أو نسيانا إن كان قد جف الوضوء) *، لعدم إمكان تدارك
الترتيب.
وأطلق في التحرير (2) الإعادة [في صورة العمد] (3) عكس ظاهر
التذكرة (4)، ولا وجه له إلا إذا أريد به تعمد إيقاع الوضوء من أوله خلاف
الترتيب، وأما مع العمد في الأثناء فتوجيهه (5) باشتراط المتابعة مع الاختيار
على مذهبه، فمما لا يرضى به العلامة، لأنه صرح في التحرير (6) بعدم البطلان
مع تعمد الإخلال بها مع أن مجرد الإخلال بالترتيب لا يوجب فوات
المتابعة حينئذ.
* (وإن كان البلل باقيا) * فإن تعمد خلاف الترتيب من أول الوضوء
* (أعاد) * الوضوء أيضا، لعدم وقوع ما وقع مع النية، وإن بدا له المخالفة في
الأثناء أو كان ناسيا اقتصر * (على ما يحصل معه الترتيب) * على المعروف
بين الأصحاب، فإذا قدم شيئا على شئ أعاد المتقدم فقط.

(1) في الشرائع: " ومسح الرأس ثالثا ".
(2) التحرير 1: 10.
(3) الزيادة اقتضاها السياق.
(4) التذكرة 1: 188.
(5) في النسخ: " فوجهه "، والصواب ما أثبتناه.
(6) التحرير 1: 10.
304

ويدل عليه قوله عليه السلام - في رواية منصور بن حازم، في حديث
تقديم السعي على الطواف -: " ألا ترى أنك إذا غسلت شمالك قبل يمينك
كان عليك أن تعيد على شمالك؟ " (1).
وفي موثقة ابن أبي يعفور - المحكي عن مستطرفات السرائر عن نوادر
البزنطي -: " قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا بدأت بيسارك (2) قبل يمينك
ومسحت رأسك ورجليك، ثم استيقنت بعد أنك قد بدأت بها، غسلت
يسارك ثم مسحت رأسك ورجليك " (3).
لكن ظاهر بعض الأخبار وجوب إعادة المتأخر أيضا، ومحصله: أن
تقديم ما هو (4) حقه التأخير فاسد مفسد للمتأخر المحقق للتقديم، ففي موثقة
أبي بصير: " إن نسيت (5) فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك، ثم
اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد على
غسل (6) الأيمن، ثم اغسل اليسار، وإن نسيت مسح رأسك حتى تغسل
رجليك، فامسح رأسك ثم اغسل رجليك " (7).

(1) الوسائل 1: 317 - 318، الباب 35 من أبواب الوضوء، الحديث 6.
(2) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي غيرهما: " يسارك ".
(3) السرائر 3: 553، وعنه في الوسائل 1: 319، الباب 35 من أبواب الوضوء،
الحديث 14.
(4) " هو " من " ع ".
(5) في الوسائل زيادة: " غسل وجهك ".
(6) " على غسل " من المصدر ونسخة بدل " ع ".
(7) الوسائل 1: 318، الباب 35 من أبواب الوضوء، الحديث 8.
305

وهذه الرواية - مع موافقة ذيلها لمذهب العامة، فيوهن أصالة عدم
التقية في صدرها - يمكن حملها (1) على الاستحباب، أو على أن مورد الحكم
تذكر تقدم المتأخر قبل غسل المتقدم، فيحمل إعادة الوجه واليمين على عود
المكلف لتداركهما.
وربما يستظهر مضمون الموثقة من روايات أخر لا ظهور لها في ذلك،
مثل قوله عليه السلام في المروي عن قرب الإسناد - في رجل توضأ فغسل
يساره قبل يمينه - قال: " يعيد الوضوء من حيث أخطأ، يغسل يمينه
ثم يساره ثم يمسح رأسه ورجليه " (2)، بناء على دعوى ظهورها في وقوع
التذكر بعد التمام.
ولا يخفى فسادها، لأن التذكر إن كان بعد الإتمام فلا يصح الحكم
بإعادة الوضوء من رأس إلا لفوات الموالاة، إذ بدونه لا وجه لإعادة
غسل الوجه، بل الظاهر أن المراد إعادة الوضوء من موضع الخطأ، وحمل
السؤال على تذكره قبل غسل اليمين، ولا ينافيه قوله: " توضأ " الظاهر
في تمام الوضوء، لأن عطف الغسل عليه بالفاء قرينة على إرادة الاشتغال
بالوضوء.
وهنا أخبار أخر أقبل للحمل على التذكر قبل غسل اليمين، فلا
يعارض بها الخبران السابقان. نعم، ظاهر المحكي عن الصدوق قدس سره
تعارض الأخبار، بل ظاهره المستفاد من طريقه حمل المتعارضين على

(1) في غير مصححة " ع ": " حمله ".
(2) قرب الإسناد: 176، الحديث 649، وعنه في الوسائل 1: 319، الباب 35 من
أبواب الوضوء، الحديث 15.
306

التخيير، حيث قال: روي في من بدأ بيساره قبل يمينه " أنه يعيد على يمينه
ثم يعيد على يساره "، ثم قال: وقد روي " أنه يعيد على يساره " (1)،
انتهى.
ثم إنه لو نكس فأخر غسل وجهه اجتزأ بغسل الوجه إذا لم يحصل
الإخلال بالنية، إما لجعلها الداعي وإما لمقارنة الإخطار لغسل اليدين
واستمرارها إلى غسل الوجه، فلو نكس ثانيا احتسب منه غسل اليمنى على
ما ذكر، ولو نكس ثالثا احتسب منه غسل اليسرى ويمسح بها لا باليمنى،
بناء على استهلاك ماء غسله الصحيح.
ولو كان في ماء جار وتعاقب جريات ثلاث على أعضائه الثلاثة
مقرونا بالنية اجتزأ بها، فيمسح رأسه ورجليه مع فرض عدم استهلاك بلل
الوضوء في يده.
ولو كان في ماء واقف ومضى عليه آنات ففي جواز نية انغسال
الأعضاء بترتب الآنات خلاف بين الفاضلين (2) وبين الشهيد قدس الله أسرارهم،
فاستقرب الصحة في الذكرى (3)، ولا يخلو عن إشكال، من جهة خفاء صدق
الغسل على مجرد إبقاء الماء المحيط بالعضو على حاله، وإلا لصدق على إبقاء
الماء المصبوب على العضو على حاله، فيصب على أعضائه دفعة واحدة، ثم
ينوى بإحاطة الماء الثاني على العضو انغساله به، ولا أظن الشهيد قدس سره
ولا غيره يلتزم ذلك وإلا لم يحتج تدارك الترتيب إلى غسل جديد، بل كان

(1) الفقيه 1: 46، الحديث 90.
(2) المعتبر 1: 156، والمنتهى 1: 69.
(3) الذكرى: 91.
307

يكتفى نية انغسال العضو بالماء الموجود عليه، كالماء الواقف المحيط به،
فتأمل.
308

المسألة * (الثانية) *
* (الموالاة) * في الجملة * (واجبة) * إجماعا مستفيضا، بل محققا
* (وهي) * في اللغة والعرف: بمعنى متابعة الأفعال وتعاقبها، وجعل بعضها
تابعا لبعض غير منقطع عنه.
واختلف في المراد ب‍ " عدم الانقطاع "، فقيل: تواصل بعضها ببعض
حقيقة عرفية، بأن يشتغل باللاحق بغير فصل عرفي بينه وبين السابق.
وقيل: إنه يلاحظ التواصل وعدم الانقطاع بالنسبة إلى الأثر وهو
البلل، فيكفي * (أن يغسل كل عضو قبل أن يجف ما تقدمه) *.
واتفق الكل ظاهرا على أن المتابعة عند التفريق الاضطراري، هي
بهذا المعنى الثاني، إلا أن الظاهر من المبسوط (1) والمعتبر (2) والمنتهى (3)
- في مسألة زوال العذر المسوغ للمسح على الخف -: أنه لو مسح على الرجل
بعد زوال العذر لم يكف، لفوات الموالاة، ومن المعلوم أن المفروض بقاء بلل

(1) المبسوط 1: 22.
(2) المعتبر 1: 154.
(3) المنتهى 2: 84.
309

الوضوء، وإلا لعلل عدم الإجزاء بلزوم المسح بالماء الجديد، فلاحظ.
ثم القول الأول بين قولين:
أحدهما: وجوب هذا المعنى، يعني شرطيته للوضوء، وهو لصريح
المبسوط وظاهر المقنعة، قال في المبسوط: الموالاة (1) واجبة، وهي أن يتابع
بين الأعضاء مع الاختيار، فإن خالف لم يجزه (2)، انتهى.
وفي المقنعة: ولا يجوز التفريق بين الوضوء، فيغسل الإنسان وجهه ثم
يصبر هنيئة ثم يغسل يده، بل يتابع ذلك ويصل غسل يديه بغسل وجهه،
ومسح رأسه بغسل يده، ومسح رجليه بمسح رأسه، ولا يجعل بين ذلك مهلة
إلا لضرورة، لانقطاع الماء وغيره مما يلجئه إلى التفريق، فإن فرق وضوءه
لضرورة حتى يجف ما تقدم منه استأنف الوضوء من أوله، وإن لم يجف
وصله من حيث قطعه، وكذلك إن نسي مسح رأسه ثم ذكره وفي يده بلل
من الوضوء فليمسح عليه ومسح رجليه، وإن لم يكن في يده بلل وكان في
لحيته أو حاجبيه أخذ منه ما يندي به أطراف أصابعه، ثم قال: فإن ذكر
ما نسيه وقد جف وضوءه ولم يبق من نداوته شئ فليستأنف الوضوء من
أوله (3)، انتهى.
وظاهر قوله: " لا يجوز التفريق " في مقام بيان ما يعتبر في الوضوء،
هو البطلان، ونظير ذلك قوله قدس سره فيما بعد. ولا يجوز لأحد أن يجعل في
موضع مسح رجليه غسلا كما لا يجوز له أن يجعل موضع غسل وجهه مسحا (4).

(1) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي سائر النسخ: المتابعة.
(2) المبسوط 1: 23.
(3) المقنعة: 47.
(4) المقنعة: 48.
310

ومما يدل على أن مراعاة عدم الجفاف مع الضرورة - عنده - نوع من
التتابع وعدم التفريق، قوله قدس سره في مسألة وجوب الترتيب بين الأعضاء:
فإن ترك ذلك - يعني غسل المقدم قبل المتأخر - حتى يجف ما وضأه (1) من
جوارحه، أعاد الوضوء مستأنفا، ليكون وضوءه متتابعا غير متفرق (2)، انتهى.
فمحصل قول الشيخين: أن الموالاة المشترطة في الوضوء * (هي (3)
المتابعة بين الأعضاء مع الاختيار، ومراعاة) * عدم * (الجفاف مع) * التفريق،
لأجل * (الاضطرار) *.
الثاني: أن المتابعة بهذا المعنى واجب مستقل غير معتبر في صحة
الوضوء، وإنما المعتبر فيه اختيارا واضطرارا هو المعنى الثاني وهو لصريح
المعتبر (4) وغير واحد من كتب العلامة قدس سره (5). وظاهر المحكي عن
الخلاف (6)، بل ظاهر المحكي عن شرح الإرشاد لفخر الدين (7) والتنقيح (8)
وجامع المقاصد (9) وكشف الالتباس (10): انحصار القول بوجوب المتابعة - بمعنى

(1) كذا في المصدر، وفي النسخ: " ما فرضناه ".
(2) المقنعة: 49.
(3) في الشرائع: " وقيل: بل هي ".
(4) المعتبر 1: 157.
(5) كالمنتهى 2: 116، والقواعد 1: 204، والإرشاد 1: 223.
(6) الخلاف 1: 93 - 94، المسألة: 41.
(7) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 1: 261.
(8) التنقيح الرائع 1: 85.
(9) جامع المقاصد 1: 225.
(10) كشف الالتباس 1: 157.
311

التعاقب - في هذا القول، وأنه لا يبطل الوضوء إلا بالجفاف، وأن الفائدة
تظهر في الإثم وعدمه، وكأنهم عولوا على ما في التذكرة، حيث إنه - بعد نقل
القولين في تفسير الموالاة - قال: وعلى القولين، لو أخر حتى جف السابق
استأنف الوضوء، ولو لم يجف لم يستأنف، بل فعل محرما (1) على الأول
خاصة، وهو الأقرب عندي (2)، انتهى.
وقد عرفت صريح المبسوط وظاهر المقنعة (3)، وكذلك الخلاف ادعى
الإجماع على وجوب المتابعة، ثم استدل عليه بأن صحة الوضوء معها معلوم
وبدونها غير معلوم (4).
وأظهر منها: عبارة المصنف هنا، فإن ظاهر التفصيل بين حال
الاختيار والاضطرار، كون وجوب المتابعة فيها على نهج واحد، وهو
الوجوب الشرطي، لأنه الثابت حال الاضطرار.
وأظهر منها: عبارة المعتبر حيث ادعى الإجماع - أولا - على اشتراط
الموالاة في صحة الوضوء، ثم نقل الخلاف في تفسيرها، وحكى ما تقدم من
عبارة المبسوط (5)، ونحوه الشهيد في الذكرى (6).
ولأجل ما ذكر أنكر غير واحد - منهم: الشهيد الثاني في الروض (7)

(1) كذا في المصدر، وفي النسخ: بل جعل مجزيا، والظاهر أنه من سهو القلم.
(2) التذكرة 1: 189.
(3) راجع الصفحة 310.
(4) الخلاف 1: 94، المسألة 41.
(5) المعتبر 1: 156 - 157.
(6) الذكرى: 91.
(7) روض الجنان: 38.
312

والمقاصد العلية (1) - على العلامة والمحقق الثاني دعوى الانحصار، وإهمال قول
الشيخ في المبسوط، فجعلوا الأقوال ثلاثة، بل ذكر بعض المتأخرين (2) رابعا،
وهو قول الصدوقين (3) بكفاية أحد الأمرين من المتابعة ومراعاة عدم
الجفاف، فأيهما حصل كفى في الموالاة، فلو والى وجف لم يقدح، كما لو لم
يوال ولم يجف.
وهذا هو الأقوى بحسب الأخبار وإن ادعى في الذكرى: أن الأخبار
الكثيرة بخلافه (4)، وسيظهر خلافه، وفاقا لجماعة، منهم: أصحاب المدارك (5)
والمشارق (6) والحدائق (7) وجماعة (8) من (9) تأخر عنهم، بل لم نعثر على
مصرح بخلافه ممن وصل إلينا كلماتهم المحكية في الذكرى وغيرها،
لأنهم قدس الله أسرارهم لم يتعرضوا إلا للجفاف الحاصل بالتفريق، فحكموا بقدحه،
اللهم إلا أن يدعى أن العبرة عندهم في البطلان بالجفاف في غير الضرورة،

(1) المقاصد العلية: 61.
(2) وهو الشيخ الحر العاملي في بداية الهداية 1: 10، كما نسب إليه السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 1: 264.
(3) المقنع: 16، والفقيه 1: 57، نقله عن رسالة أبيه.
(4) الذكرى: 92.
(5) المدارك 1: 230.
(6) مشارق الشموس: 127.
(7) الحدائق 2: 351.
(8) منهم السيد الطباطبائي في الرياض 1: 250، والفاضل النراقي في المستند 2: 153
و 154، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 37.
(9) كذا في النسخ، والظاهر: ممن.
313

كإفراط الحرارة، وإنما ذكروا التفريق، لأنه السبب غالبا للجفاف، أو في
مقابل من منع من التفريق ولو لم يجف.
وكيف كان، فمرجع القول المختار إلى كفاية التواصل بالمعنى الأعم، من
تواصل نفس الأفعال بعضها ببعض، وتواصلها من حيث الأثر، بأن يشرع
في الفعل اللاحق قبل محو أثر الفعل السابق، وهو البلل، فالقادح في الوضوء
هو تقاطع الأفعال عينا وأثرا، وهو المراد بالتبعيض في قوله عليه السلام: " إن
الوضوء لا يتبعض "، وعليه يحمل المتابعة في رواية حكم بن حكيم وغيرها.
ففي موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: " إذا توضأت بعض
وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوءك فأعد وضوءك، فإن
الوضوء لا يتبعض " (1)، وفي رواية حكم بن حكيم المحكية عن العلل قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس،
قال: يعيد الوضوء، إن الوضوء يتبع بعضه بعضا " (2)، فإن الرواية محمولة
على من تذكر بعد الجفاف.
وتعليل البطلان باشتراط المتابعة مع ما علم من الأخبار المستفيضة
- الآمرة بأخذ البلل من اللحية والحاجب إذا تذكر في أثناء الصلاة (3) -
لا يستقيم إلا بجعل المتابعة المعتبرة في الوضوء أعم من تتابع الآثار، وكون

(1) الوسائل 1: 314، الباب 33 من أبواب الوضوء، الحديث 2، وفيه: " أن الوضوء
لا يبعض ".
(2) العلل: 289، الباب 214، الحديث 1، وعنه في الوسائل 1: 315، الباب 33،
الحديث 6.
(3) انظر الوسائل 1: 287، الباب 21 من أبواب الوضوء.
314

المراد بالتبعيض المبطل هو تقاطع الأفعال بالمرة عينا وأثرا، فإذا حصل
تواصل الأفعال كفى وإن لم يتواصل الآثار أعني بلل الأعضاء، وكذا إذا
حصل تواصل الآثار ولم يحصل تواصل الأفعال بأنفسها، فالتحديد بالجفاف
في النص والفتوى لعله بيان لأقل ما يجزي من التتابع بحسب الغالب، لا أنه
لو فرض تواصل نفس الأفعال واتفق الجفاف لم يجز.
ومما ذكرنا يعلم أنه ليس في الأخبار ككلمات الأصحاب الآتية
ما ينافي هذا المعنى المحكي عن الصدوقين، لا لما في المدارك (1) في رد
الشهيد (2) المدعي لمخالفته للأخبار الكثيرة من اختصاص مورد أخبار قدح
الجفاف بالجفاف الحاصل بالتفريق، فيرد عليه: أن العبرة بعموم التعليل في
قوله عليه السلام: " إن الوضوء لا يتبعض "، وقوله: " إن الوضوء يتبع بعضه
بعضا "، بل لما عرفت من أن المتابعة أعم من أن يكون من حيث الآثار.
توضيح ذلك: أن المراد بالمتابعة في العلة المذكورة في قوله عليه السلام في
رواية: " اتبع وضوئك بعضه بعضا " (3) لا يجوز أن يكون المراد به خصوص
تتابع الأفعال عرفا، وكذا المراد من التبعيض المنفي في الوضوء في العلة
المذكورة لا يجوز أن يكون خصوص تقاطع الأفعال بعينها، لما في الأخبار
الكثيرة من أن الناسي للمسح يأخذ من بلل لحيته وإن تذكر في حال
الصلاة (4) ومن المعلوم أن المتابعة العرفية هنا غير حاصلة والقاطع بين
الأفعال حاصل.

(1) المدارك 1: 230.
(2) تقدم كلامه من الذكرى في الصفحة 313.
(3) الوسائل 1: 314، الباب 33 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(4) تقدمت الإشارة إليها في الصفحة 314.
315

فيدور الأمر بين أن يراد من المتابعة: خصوص عدم الجفاف، والمراد
بالتبعيض: التبعيض من حيث الرطوبة والجفاف، فيكون هو المناط وجودا
وعدما في صحة الوضوء، دون المتابعة الحقيقية.
وبين أن يراد من المتابعة: الأعم من تتابع الآثار، فيكون المعتبر
مطلق التتابع الحاصل بالأعيان وبالآثار، ويراد من التبعيض المبطل للوضوء
هو تقطيعه رأسا، بحيث لا يبقى تواصل بين الأفعال ولا الآثار، ليكون
المناط مطلق المتابعة، فيكفي كل فرد منه عن الآخر، ويكون التحديد
بالجفاف في موثقة أبي بصير (1) تحديدا لصورة فوات المتابعة بين الأفعال
بتفريق الغسلات.
ويؤيد ما ذكرنا - مضافا إلى الإطلاقات -: ما في الرضوي (2)
والوضوءات البيانية (3).
وأما حجج الأقوال الثلاثة، فملخصها مع أجوبتها: أن حجة القول
الأول ظاهر قوله عليه السلام: " اتبع وضوءك بعضه بعضا " (4)، بل قوله عليه السلام:
" تابع بين (5) الوضوء كما أمر الله " (6)، وظاهر التعليلين في الروايتين

(1) المتقدمة في الصفحة 314.
(2) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 67.
(3) راجع الوسائل 1: 271، الباب 15 من أبواب الوضوء.
(4) تقدم في الصفحة السابقة.
(5) لم ترد " بين " في " ع ".
(6) الوسائل 1: 315، الباب 34 من أبواب الوضوء، الحديث الأول، وفيه: " كما قال
الله عز وجل ".
316

المتقدمتين (1).
ويضعف الأول - مضافا إلى ما مر مرارا -: أن المتابعة في الأفعال في
مقام التعليم من العاديات، فلا يدل على رجحانها فضلا عن وجوبها.
وأما روايات المتابعة والتبعيض، فقد عرفت الحال فيها مفصلا.
وربما يتوهم جواز التمسك بالإجماع المنقول مستفيضا على وجوب
الموالاة واعتبارها في الوضوء، بناء على أن الظاهر من لفظ الموالاة الواقع في
معاقد الإجماعات هي المتابعة الحقيقية.
ويندفع بأن نقلة الاجماع (2) قد ذكروا وقوع الخلاف بين المجمعين في
معناها، فيكشف ذلك عن عدم كون الاجماع على اعتبار مفهوم هذا اللفظ
حتى يرجع فيه إلى الظاهر المتبادر.
وبه يندفع أيضا: توهم جواز التمسك لاعتبار الموالاة بمعنى عدم
الجفاف بالإجماع عليها المدعى في كلام كل من فسر الموالاة بعدم الجفاف (3)
بتنزيل معقد إجماعه على تفسيره.
وحاصل الدفع: أن تصريحهم بالخلاف في معنى الموالاة يكشف عن
أن معقد الإجماع هي الموالاة بالمعنى المردد بين المعاني المختلف فيها، لا مفهوم
اللفظ عرفا حتى يكون مقتضى التبادر دليلا على اعتبار المتابعة الحقيقية،

(1) راجع الصفحة 314.
(2) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 85، والسيد العاملي في المدارك
1: 226 و 228، والمحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 127.
(3) منهم السيد الطباطبائي في الرياض 1: 246 - 247، والنراقي في المستند 2:
146، وانظر الجواهر 2: 255 - 256.
317

ولا المعنى الذي عينه مدعي الإجماع حتى يكون دليلا على اعتبار ذلك
المعنى المعين، فافهم ذلك، فإنه ينفعك في كثير من الموارد، مثل دعوى
الإجماع على نجاسة الكافر، وعلى التخيير بين القصر والإتمام في الحائر،
وغير ذلك من النظائر.
وحجة القول الثاني: هو الإجماع، واقتضاء الأمر المتعلق بكل عضو
من أعضاء الوضوء للفور، كما عن الخلاف (1)، وبقوله عليه السلام: " اتبع وضوءك
بعضه بعضا " (2)، كما في المعتبر (3)، ونحوه قوله عليه السلام: " تابع بين الوضوء كما
أمر الله " (4).
وحكاية الإجماع موهونة بوجود الخلاف كما صرح به جماعة (5)،
وبعدم دلالته على الوجوب بمعنى ترتب الإثم.
واستدلاله بكون الأمر للفور الظاهر في إرادة الإثم بالتأخير، معارض
باستدلاله بالشك في الصحة مع عدم الموالاة، الظاهر في إرادة الوجوب
الشرطي، مع أن الثاني أظهر.
وأما الاستدلال بكون الأمر بإيقاع أفعال الوضوء مفيدا للفور، فلم
أتحقق وجهه ولو بعد تسليم اقتضاء الأمر للفور، فإن الفورية بالنسبة إلى
الفعل الأول - وهو غسل الوجه - مخالف للإجماع ولا يفيد المطلوب، وأما

(1) الخلاف 1: 94، المسألة 41.
(2) تقدم في الصفحة 315.
(3) المعتبر 1: 157.
(4) تقدم في الصفحة السابقة.
(5) تقدمت الإشارة إليهم في الصفحة السابقة.
318

الأيدي فهي معطوفة على الوجه، فإذا لم يكن الأمر بالغسل في المعطوف
عليه للفور، فكيف يفيده في المعطوف؟ كما يظهر من قولك: " اضرب زيدا
وعمروا ".
واعلم أن هنا قولا اختص به الشهيد في الدروس، قال: لو فرق ولم
يجف فلا إثم ولا إبطال إلا أن يفحش التراخي فيأثم (1)، انتهى. ولم أعثر على
وجه له، ويمكن أن يكون قائلا بالإثم في ترك المتابعة، إلا أن التفريق
الغير المتفاحش غير قادح عنده في صدق المتابعة، ولا ينافي ذلك اختياره (2)
في ذلك الكتاب - كالذكرى (3) - أن الموالاة مراعاة الجفاف، لاحتمال كون
المتابعة أمرا آخرا واجبا غير الموالاة ثبت وجوبه بمثل قوله عليه السلام: " اتبع
وضوءك بعضه بعضا " (4).
وكيف كان، فقد عرفت أن الأقوى عدم الإثم لا بترك المتابعة
ولا بترك الموالاة بمعنى عدم الجفاف. نعم، لو جف بالتفريق فربما يتحقق
الإثم من جهة النهي عن إبطال العمل، بناء على القول بعموم النهي عنه في
جميع الأعمال إلا ما خرج، وعليه فلا فرق بين الوضوء الواجب والمندوب،
لكن المبنى المذكور ممنوع، كما حرر في موضعه، وعلى القول بالإثم بالتفريق
لو فرق في الوضوء المتقرب، فإن أتم الوضوء أثم بالتفريق، وإن رفع اليد
عنه حتى حصل الجفاف فلا إثم بناء على منع حرمة إبطال مطلق العمل،

(1) الدروس 1: 93.
(2) في " ع ": " باختياره ".
(3) الذكرى: 92.
(4) الوسائل 1: 314، الباب 33 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
319

ويحتمل الإثم مع البناء على الإتمام وإن بدا له في تركه.
بقي هنا شئ، وهو أن كثيرا ممن حكي لنا كلامه، بل الأصحاب
بأسرهم، كما هو ظاهر الذكرى (1) قد قيدوا عدم الجفاف بصورة اعتدال
الهواء، واستظهرنا تبعا للمحقق الخوانساري (2) وولده جمال الدين (3) من هذا
التقييد: أنه تقدير لمقدار زمان التفريق، وأن تأخير الجفاف في الهواء الرطب
مما لا ينفع، كما أن تعجيله في الهواء الحار لا يضر، لكن صرح في الذكرى
بأن هذا القيد للاحتراز عن إفراطه في الحرارة، وأنه لو بقي البلل في الهواء
المفرط في الرطوبة والبرودة كفى في صحة الوضوء، وكذا لو أسبغ وضوءه
بماء كثير فبقي البلل (4)، وتبعه غيره فصرح بأن المعتبر في الجفاف:
الحسي لا التقديري (5)، ولا بد من ذكر كلمات المتعرضين لهذا القيد.
قال في المبسوط: وإن انقطع عنه الماء انتظره، فإذا وصل إليه وكان
ما غسله عليه نداوة صح الوضوء (6)، وإن لم يبق عليه (7) نداوة مع اعتدال
الهواء أعاد الوضوء من أوله (8)، انتهى. وهو صريح في أن القيد للاحتراز عن

(1) الذكرى: 92.
(2) مشارق الشموس: 130.
(3) حاشية الروضة: 35.
(4) الذكرى: 92.
(5) روض الجنان: 39.
(6) في المصدر ونسخة بدل " أ "، " ب " و " ج ": " بنى عليه " بدل " صح الوضوء ".
(7) في المصدر ونسخة بدل " ع ": " فيه ".
(8) المبسوط 1: 23.
320

الإفراط في الحرارة، إذ عدم البقاء مع إفراط البرودة أولى بالإبطال وإيجاب
الإعادة.
وفي المهذب: وإن ترك الموالاة حتى يجف المتقدم لم يجزه، اللهم إلا أن
يكون الحر شديدا والريح يجف منه العضو المتقدم (1)، انتهى.
وفي التحرير: لو فرق لعذر لم يعد إلا مع الجفاف في الهواء المعتدل،
ولو جف لعذر جاز البناء، ولا يجوز استئناف ماء جديد (2).
وقال في السرائر: حد الموالاة - على الصحيح من أقوال أصحابنا
المحصلين - هو أن لا يجف غسل العضو المقدم في الهواء المعتدل، ولا يجوز
التفريق بين الوضوء بمقدار ما يجف (3) غسل العضو الذي انتهى إليه وقطع
الموالاة منه في الهواء المعتدل (4)، انتهى.
وفحوى هذا الكلام أولوية إبطال الجفاف في الهواء المفرط في البرودة،
فتعين أن يكون الاحتراز عن الجفاف الحاصل مع إفراط الحرارة فقط،
فالقيد راجع إلى الجفاف المنفي، لا لنفي الجفاف ليكون عدمه المقيد باعتدال
الهواء شرطا، حتى يكون انتفاء هذا العدم المقيد، تارة بالجفاف المقيد
بالاعتدال، وأخرى بعدمه مع عدم الاعتدال، إما لفرط الحرارة، وإما لفرط
البرودة.

(1) المهذب 1: 45، وفيه: " أو الريح يجف منهما العضو المتقدم ".
(2) التحرير 1: 10، وفيه: " ولو جف ماء الوضوء لحرارة الهواء المفرطة جاز البناء،
ومع إفراط حرارته يغسل متواليا بحيث لو اعتدل لم يحكم بجفاف السابق حينئذ،
ولا يجوز استئناف ماء جديد للمسح ".
(3) في " ع " زيادة: " معه بعد "، وفي المصدر زيادة: " معه ".
(4) السرائر 1: 101.
321

وقال في المراسم: الموالاة واجبة، وهي أن تغسل اليدين والوجه
رطب وتمسح الرأس والرجلين، واليدان رطبتان في الهواء المعتدل (1)، انتهى.
والقيد الأخير راجع إلى تقييد غسل كل عضو برطوبة ما قبله،
فيسقط هذا التقييد مع عدم الاعتدال، فيخرج إفراط الحرارة، لا مقابله كما
تقدم.
وعن الجعفي: من فرق في وضوئه حتى يبس أعاده (2)، انتهى.
وظاهر هذه العبارات كلها: اعتبار الجفاف الفعلي دون مقداره. نعم،
ربما يوهم ظاهر جملة من العبارات التقدير بمقدار زمان الجفاف في الهواء
المعتدل، فلا عبرة بالجفاف قبله، ولا ينفع عدمه بعده.
قال السيد في الناصريات: ومن فرق بمقدار ما يجف معه غسل العضو
الذي انتهى إليه وقطع منه الموالاة في الهواء المعتدل، وجب عليه إعادة
الوضوء (3)، انتهى.
وقال السيد أبو المكارم قدس سره في الغنية في الموالاة: هي
أن لا يؤخر غسل الأعضاء (4) بمقدار ما يجف ما تقدم في الهواء المعتدل (5)،
انتهى.
وقال في الكامل: هي متابعة بعض الأعضاء ببعض، فلا يؤخر المؤخر

(1) المراسم: 38.
(2) حكاه عنه الشهيد رحمه الله في الذكرى: 91.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 221.
(4) في المصدر: " وهي أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض ".
(5) الغنية: 59.
322

عما تقدم (1) بمقدار ما يجف المتقدم في الزمان المعتدل (2)، انتهى.
وربما يوهم ظاهر هذه العبارات الثلاث، تحديد التفريق المبطل بمقدار
حصول الجفاف في الهواء المعتدل، فيقدر ذلك في إفراط الحرارة والبرودة،
إلا أن التأمل فيها يقضي بعدم ظهورها في المقدار النوعي للجفاف في الهواء
المعتدل، وهو الزمان الموازي لزمان الجفاف، بل يحتمل قريبا إرادة نفس
الزمان الشخصي للجفاف، فهو في قوة أن يقال: أن لا يؤخر إلى أن يجف،
كما صرح بذلك في العبائر المتقدمة.
فالإنصاف: أن العبارة قابلة للأمرين، لا ظاهرة في المقدار النوعي،
ويشهد لما ذكرنا: ملاحظة النظائر العرفية لهذا الكلام، مثل قولك: " جلست
عند زيد "، أو " اجلس عنده بمقدار أن يصلي الظهر "، ويشهد لما ذكرنا:
تعبير السرائر (3) في ذيل كلامه بالمقدار، مع أن صدره كما عرفت كالصريح
في اعتبار الجفاف الفعلي، وكذلك ملاحظة عبارة القاضي في المهذب (4)
والكامل.
وعلى ما ذكرنا من مفاد الكلمات المذكورة، فهي ساكتة عن حكم
التفريق مع إفراط حرارة الهواء، ومع قلة الماء، أو حرارة البدن، أو بطؤ
الاستعمال، أو تجفيف البدن، فلا يظهر منها إلا حكم الجفاف بالتفريق مع
اعتدال الهواء وحكم الجفاف بدون التفريق مع إفراط حرارته ولو مع

(1) في غير " ب ": " يتقدم ".
(2) " الكامل " لا يوجد لدينا.
(3) تقدم كلامه في الصفحة 321.
(4) تقدم في الصفحة 321.
323

اعتدال الهواء.
بقي الكلام في أن تلك العبارات - مع ظهورها في اعتبار الجفاف الفعلي
وعدم التقدير في الهواء المفرط في الرطوبة - ظاهرة في أن التفريق الموجب
للجفاف والتأخير في الهواء المفرط في الحرارة غير مضر، خصوصا عبارات
المبسوط والمهذب والتحرير (1)، حيث فرض التقييد بالاعتدال فيها في صورة
التفريق وترك الموالاة.
مضافا إلى ظهور ذيل عبارة التحرير في أنه حد مرخص في البناء مع
الجفاف، ولا يرخص في تجديد الماء للمسح، وهذا لا يكون إلا مع التمكن
من إبقاء بلل الوضوء بالمتابعة أو بإكثار الماء أو بالذهاب إلى مكان معتدل،
واحتمال سقوط المسح رأسا في غاية السقوط. نعم، المحكي عن بعض النسخ:
" يجوز " بدون " لا ".
وكيف كان، فلم يتعرض هؤلاء المجوزون للتفريق الموجب للجفاف مع
إفراط الحرارة لمقدار الرخصة في التفريق في هذا الفرض، فلا بد إما من
ترخيص التفريق في الهواء الحار مطلقا، أو تقدير ذلك بمقدار الجفاف في
الهواء المعتدل، مع أنهم - كما عرفت مما استظهرناه من عبائرهم - لم يبرموا
بالتقدير في إفراط الرطوبة، فيرد عليهم سؤال الفرق.
نعم، على ما استظهره شارح الدروس (2) ومن تبعه - منهم: جمال الدين (3) -
من ظهور كلامهم في التقدير في صورتي (4) الإفراط لا يرد عليهم شئ،

(1) تقدمت عباراتهم في الصفحة 320 - 321.
(2) مشارق الشموس: 130.
(3) حاشية الروضة: 35.
(4) في " ب ": " صورة ".
324

لكنك عرفت ظهور كلماتهم في عدم تقدير الجفاف في إفراط الرطوبة،
وسكوتهم عن حكم مقدار التفريق الذي رخصوه في ظاهر كلماتهم في إفراط
الحرارة.
نعم، صرح جماعة ممن تأخر عن العلامة، - كالشهيدين في الألفية
وشرحها، والمحقق الثاني في الجعفرية وشارحها (1) -: أن التفريق الموجب
للجفاف مبطل، حتى مع عدم الاعتدال، بأن فرض تفريق يسير أوجب
الجفاف، لإفراط الحرارة، وأنه لا (2) يسقط اشتراط الموالاة إلا في صورة
تعذر إبقاء البلل.
قال في الألفية في تفسير " الموالاة " المعتبرة في الوضوء: هي متابعة
الأفعال بحيث لا يجف السابق إلا مع التعذر، كشدة الحر وقلة الماء (3).
قال الشارح في المقاصد العلية: أي مع اجتماعهما معا فيسقط اعتبار
ذلك (4)، انتهى.
وقال في الجعفرية في تفسير " الموالاة " المعتبرة: وهي أن تكمل
الطهارة (5) قبل جفاف ما تقدم، ومع التعذر لشدة الحر وقلة الماء قيل
بالسقوط، وليس ببعيد (6).

(1) سيأتي تخريج كلامهم.
(2) لم ترد " لا " في " أ "، " ب " و " ج ".
(3) الألفية: 44.
(4) المقاصد العلية: 61.
(5) في المصدر: " أن يكمل طهارته ".
(6) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 88.
325

وحكى الشارح قولا آخر بوجوب التيمم وضعفه (1).
فإن ظاهر المتن أن سقوط اعتبار الموالاة إنما هو في الصورة التي
اختلف فيها بين المسح بماء جديد وبين التيمم، وأنه لا يسقط اعتبارها في
مقام لا يحتاج معه إلى تجديد الماء، بل ظاهر عبارة العلامة في التحرير ذلك
أيضا (2)، وإن استظهرنا من صدرها خلافه، بناء على إسقاط حرف النفي عن
قوله: " يجوز " كما تقدم (3)، فإنه يكون قوله: " ولو جف " الصريح في صورة
تعذر إبقاء البلل بيانا لما احترز عنه بقيد الهواء المعتدل، وظاهره أن جواز
البناء إنما هو في هذه الصورة.
ومن هنا يمكن استظهار ذلك من عبارة المعتبر أيضا، حيث قال - بعد
إطلاق الحكم بإبطال الجفاف -: فرع، لو جف ماء الوضوء من الحر المفرط
والهواء المحرق، جاز البناء واستئناف الماء الجديد دفعا للحرج (4)، انتهى.
ونحوها عبارة المنتهى (5)، فإن تعليق (6) جواز البناء على الجفاف

(1) الفوائد العلية في شرح الجعفرية (مخطوط)، وفيه - ذيل قول الماتن: " وليس
ببعيد " -: " وقيل بالانتقال على ذلك التقدير إلى التيمم، لفقد شرط الوضوء،
وهو ضعيف ".
(2) التحرير 1: 10، حيث قال: " ولو فرق لعذر لم يعد إلا مع الجفاف في الهواء
المعتدل "، راجع الصفحة 321.
(3) راجع الصفحة 324.
(4) المعتبر 1: 158.
(5) المنتهى 2: 117، وفيه: " لو جف ماء الوضوء لحرارة الهواء المفرطة جاز البناء
دون استئناف ماء جديد للمسح، لحصول الضرورة المبيحة للترخص ".
(6) في غير " ع ": " تعلق ".
326

الحاصل من الحر، ربما يستظهر منه عدم جوازه لو كان الجفاف بمدخلية
التفريق.
وبالجملة، فالظاهر عدم مخالفة باقي الأصحاب للشهيد ومن تبعه،
وكيف كان، فالمتبع هو الدليل، وقد عرفت عدم الدليل على البطلان بالجفاف
مع الموالاة، ولا فرق في ذلك بين حصوله اختيارا بتجفيف أو تقليل ماء،
وبين حصوله لضرورة.
وأولى بعدم القدح ما لو وقع على العضو الممسوح أو المغسول ماء
استهلك معه رطوبة الوضوء. نعم، على مذهب الشهيد ومن تبعه يحتمل
إلحاقه بالجفاف، تنزيلا لاستهلاكه منزلة عدمه، والأقوى العدم، ولهذا اتفقوا
على أن الغسلة الثالثة لا تبطل الوضوء لو لم يمسح برطوبتها.
وهل العبرة بعد الاستهلاك بجفاف تمام الرطوبة، نظرا إلى بقاء (1) بعض
الرطوبة الأصلية معها ما دامت باقية، أو يقدر زمانه بما لو لم يطرأ عليه هذه
الرطوبة؟ قطع بالثاني بعض متأخري المتأخرين (2)، وفيه نظر.
ثم إن ظاهر الأكثر أن القادح هو جفاف جميع ما تقدم، لاستصحاب
الصحة، ولعدم حصول التبعيض بالمذكور (3) إلا بذلك، ولأنه الظاهر من
قوله عليه السلام في الرواية المتقدمة: " حتى يبس وضوءك " (4).

(1) في " ع ": " إبقاء ".
(2) لم نعثر عليه.
(3) في " أ ": " بالمعنى المذكور ".
(4) الوسائل 1: 314، الباب 33 من أبواب الوضوء، الحديث 2، وتقدمت في الصفحة
314.
327

وقد يستدل - تبعا للمعتبر (1) والمنتهى (2) - بما دل من النص (3)
والإجماع على الأخذ من اللحية والحواجب والأشفار إذا نسي
المسح.
ويمكن أن يقال: إن تخصيصها بالذكر لأجل قابليتها للأخذ منها،
بخلاف البلل الكائن على باقي الأعضاء، فإنها وإن بلت لكنها غالبا لا تقبل
للأخذ منها.
ويؤيد ذلك أنه قد ذكر اللحية والحواجب من اعتبر بلل خصوص
العضو السابق على العضو المنقطع عليه كالحلي، فإنه قال في السرائر: فإن لم
يكن في يده - أي ناسي المسح - بلة أخذ من حاجبيه أو لحيته أو أشفار عينيه (4)
إن كان في ذلك نداوة (5)، انتهى. ولا يخفى أن ظاهر العبارة: جفاف اليد،
وهو مبطل عند الحلي تبعا للسيد، كما عرفت من السرائر والناصريات (6)
وحكي عن المراسم (7) والمهذب (8) والإشارة (9).

(1) المعتبر 1: 157.
(2) المنتهى 2: 55 و 117.
(3) الوسائل 1: 314، الباب 33 من أبواب الوضوء، الحديث 2 و 317. الباب 35،
الحديث 4. و 287، الباب 21، الحديث 2 و 3. و 330، الباب 42، الحديث الأول.
(4) كذا في المصدر ونسخة بدل " ب "، وفي سائر النسخ: " عينه ".
(5) السرائر 1: 103.
(6) تقدم كلامهما في الصفحة 321 و 322.
(7) المراسم: 38.
(8) المهذب 1: 45.
(9) إشارة السبق: 71.
328

والمحكي عن الإسكافي (1) اعتبار وجود البلل على مجموع الأعضاء،
ولعله لصدق تبعض الوضوء عند جفاف بعض الأعضاء، وفيه ما لا يخفى.
وعلى المختار، فيكفي بلل الغسل المستحب إذا لم يكن استحبابه من
جهة التسامح في أدلة السنن.
وبالجملة، فكل بلل يجوز المسح به يكفي بقاؤه في الموالاة، وقد يكفي
في الموالاة ما لا يجوز المسح، كما إذا انصب على يده اليمنى ماء أجنبي
استهلكت رطوبتها، فإن بقاء هذه الرطوبة كاف في الموالاة، ولا يجوز المسح
بها، كما إذا اغترف باليمنى غرفة لغسل اليسرى المستحب فجف ما عدا الكف
المغترفة لهذا الغسل، فإنه كاف في البلل، لكن لا يجوز المسح به لو فرض
البداء له في الغسلة المستحبة، فتركها.
وكيف كان، فلا إشكال في رجحان الموالاة بمعنى المتابعة، لرجحان
المبادرة والمسارعة إلى الطاعة، وأما رجحانها بمعنى كونها من مستحبات
الوضوء فلا دليل عليه، إلا الوضوءات البيانية (2)، بناء على رجحان التأسي
فيما لا يعلم وجهه خصوصا أو عموما من حيث وقوعه بيانا لمجمل، وفي
دلالتها على المدعى نظر، لاحتمال كون المتابعة فيها من باب جريان العادة
بذلك في الفعل البياني في مقام التعليم، مع أنه لا يثبت إلا ما هو المتيقن من
رجحان المتابعة نفسا لا كونه من مستحبات الوضوء.
ومن هذا يعلم أنه لو نذر الموالاة بمعنى المتابعة وعدم التفريق - على
القول بعدم اشتراطه في الصحة، إذا لم يحصل الجفاف في وضوء معين - فقد

(1) حكاه عنه في الذكرى: 92.
(2) انظر الوسائل 1: 271، الباب 15 من أبواب الوضوء.
329

نذر مستحبا مستقلا في عبادة، لا يوجب حنثه إلا الكفارة، ولم يتعلق نذره
بالفرد المستحب من العبادة، حتى يمكن أن يدعى أن المستحب الغيري صار
بالنذر واجبا غيريا، فيقدح الإخلال به في صحة الوضوء، مع أنه لو فرض
صيرورته واجبا غيريا بالنذر، كما لو صرح بنذر الوضوء المتصف بالتوالي
لم يلزم من بطلان هذا الوضوء المقيد بالموالاة - بمعنى عدم مطابقته للمأمور به
بالأمر النذري - بطلان الوضوء بمعنى مخالفته للمأمور به بالأمر الأصلي
المتعلق بالوضوء، لأن الأمر الأصلي والأمر النذري ليسا من قبيل المطلق
والمقيد.
والظاهر أنه لا فرق بين أن يقصد بفعله الإتيان بالمنذور أو لا يقصد،
مع تعين الموالاة عليه في ذلك الوضوء أو في ذلك الوقت، ولنذكر بعض
كلمات الأصحاب التي هي بين ترجيح الصحة، والتردد، وترجيح بطلانه،
وتفصيل بين نذر الموالاة ونذر الوضوء الموالي فيه:
قال في القواعد: لو نذر الوضوء مواليا فأخل بها فالأقرب الصحة
والكفارة (1)، انتهى.
وفي الإيضاح احتمل صحة الوضوء، لأن المنذور يشترط فيه
ما يشترط في الواجب، والموالاة ليست شرطا في صحة الواجب بل واجبة
فيه، فيصح الوضوء، قال: ويحتمل عدم الصحة، لأن الصفة المشترطة في
النذر لم تحصل، فيبطل، لأن فائدة الشرط ذلك، ولأنه لم يأت بالمنذور وقد
نواه، فيبطل، فإن قلنا بالبطلان والوقت باق أعاد ولا كفارة، وإن قلنا
بالصحة وجب الكفارة، وإن خرج الوقت وجب الكفارة سواء قلنا بالبطلان

(1) القواعد 1: 204.
330

أو الصحة (1)، انتهى.
وقال في الذكرى - فيما لو نذر المتابعة في الوضوء فأخل بها ولم
يجف -: إن في الصحة وجهين، مبنيين على اعتبار حال الفعل وأصله، فعلى
الأول لا يصح، وعلى الثاني يصح، أما الكفارة فلازمة مع تشخص الزمان
قطعا، لتحقق المخالفة، وهذا يطرد في كل مستحب وجب لعارض (2)، انتهى.
وعن جامع المقاصد: البطلان، استنادا إلى عدم المطابقة، لأن المعتبر
في صحة النذر هو (3) حاله الذي اقتضاه النذر، فما نواه لم يقع، وما وقع لم
ينوه (4).
وعن المدارك: لو نذر التتابع فيه وأخل بها صح، لأن النذر أمر
خارج عن حقيقته، كما لو نذر القنوت في الصلاة، والقول بالبطلان ضعيف،
أما لو كان المنذور هو الوضوء المتتابع فيه اتجه البطلان، لعدم المطابقة (5)،
انتهى.
وفيه: أن المطابقة بين المأتي به والمأمور به بأوامر الوضوء حاصلة،
وقصد الإتيان بالمنذور لا ينافي قصد الإتيان بالمأمور به الأصلي، كما
لا يخفى، وعدم قصد المنذور أيضا لا يضر بالمأتي به وإن قلنا: إن الأمر
بالشئ يقتضي النهي عن ضده الخاص، لأن فوات الموالاة يوجب فوات

(1) إيضاح الفوائد 1: 41.
(2) الذكرى: 92.
(3) في " ع ": " وهو ".
(4) جامع المقاصد 1: 226.
(5) المدارك 1: 230.
331

الوضوء المنذور إذا فرض تعين زمانه، فيتم الوضوء بقصد امتثال الأمر
الأصلي به، ولا يقدح لو قصد امتثال الوضوء المنذور في أول العمل، لأنه
مشتمل على قصد الأمر الأصلي أيضا، فافهم، والله العالم.
332

المسألة * (الثالثة) *
* (الفرض في الغسلات) * غسل كل عضو تمامه * (مرة واحدة) *
ولو بغرفات متعددة، بلا خلاف ولا إشكال، للكتاب (1) والسنة المتواترة
معنى (2)، * (و) * أما المرة * (الثانية) *، فالمشهور بل المجمع عليه - كما عن
جماعة (3) - أنها * (سنة) *، لقوله عليه السلام: " الوضوء مثنى مثنى، ومن زاد لم
يؤجر " (4) بناء على إرادة المشروعية، لعدم وجوب الثانية إجماعا.
وقوله عليه السلام: " فرض الله الوضوء واحدة واحدة، ووضع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنتين اثنتين " (5).
وقوله عليه السلام: " لأعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين اثنتين وقد

(1) المائدة: 6.
(2) الوسائل 1: 271، الباب 15 من أبواب الوضوء.
(3) منهم السيد في الإنتصار: 28، وابن زهرة في الغنية: 61، والحلي في السرائر 1:
100.
(4) الوسائل 1: 307، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(5) الوسائل 1: 308، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 15.
333

توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنتين اثنتين " (1).
وقول أبي الحسن الرضا عليه السلام: " إن الوضوء مرة فريضة، واثنتان
إسباغ " (2).
وخبر داود الرقي - المحكي في الوسائل عن الكشي بسنده عن داود
الرقي - قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، كم عدة الطهارة؟
فقال عليه السلام: أما ما أوجب الله تعالى فواحدة، وأضاف إليها (3)
رسول الله صلى الله عليه وآله واحدة، لضعف الناس، ومن توضأ ثلاثا ثلاثا
فلا صلاة له. أنا معه في ذا (4) حتى جاء داود بن زربي، فسأله عن عدة
الطهارة، فقال له (5): ثلاثا ثلاثا، من نقص عنه (6) فلا صلاة له. قال: فارتعدت
فرائصي (7)، وكاد أن يدخلني الشيطان، فأبصر بي أبو عبد الله عليه السلام (8)
وقد تغير لوني، فقال: اسكن يا داود، هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق.
قال: فخرجنا من عنده، قال: وكان داود بن زربي إلى جوار بستان

(1) الوسائل 1: 309، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 16.
(2) الوسائل 1: 309، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 23.
(3) " إليها " من " ع " والمصدر.
(4) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي سائر النسخ: " في دار ".
(5) " له " من " ع " والمصدر.
(6) " عنه " من " ع " والمصدر.
(7) فرائص: جمع فريصة، وهي اللحمة بين جنب الدابة وكتفها لا تزال ترعد من
الدابة. راجع مجمع البحرين 4: 177، مادة: " فرص ".
(8) في المصدر: " فأبصر أبو عبد الله عليه السلام إلي ".
334

أبي جعفر المنصور، وكان قد ألقي إلى أبي جعفر (1) أمر داود بن زربي،
وأنه رافضي يختلف إلى جعفر بن محمد عليهما السلام، فقال المنصور (2): إني مطلع
على طهارته (3)، فإن توضأ وضوء جعفر بن محمد عليهما السلام - فإني لأعرف (4)
طهارته - حققت عليه القول، وقتلته. فاطلع وداود بن زربي يتهيأ للصلاة
من حيث لا يراه، فأسبغ الوضوء ثلاثا ثلاثا كما أمره جعفر بن محمد عليهما السلام.
فما أتم وضوئه حتى بعث إليه المنصور فدعاه. قال (5) داود: فلما أن دخلت
عليه (6) رحب بي وقال: يا داود (7)، قيل فيك شئ باطل، وما أنت كذلك،
قد اطلعت على طهارتك، وليست طهارتك طهارة الرافضة، فاجعلني في
حل. وأمر له بمائة ألف درهم.
قال داود الرقي: فالتقيت أنا وداود بن زربي عند أبي عبد الله عليه السلام،
فقال له (8) داود بن زربي: جعلت فداك، حقنت دماءنا في دار الدنيا ونرجو
أن ندخل بيمنك وبركتك الجنة. فقال أبو عبد الله - صلوات الله وصلوات
جميع خلقه عليه وعلى آبائه الطاهرين وأولاده المعصومين ولعنات الله

(1) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي سائر النسخ: " قد ألقي إليه ".
(2) في مصححة " ع ": " أبو جعفر المنصور ".
(3) في نسخة بدل " ع ": " إلى طهارته ".
(4) كذا في المصدر ومصححة " ع "، وفي سائر النسخ: " أعرف ".
(5) في المصدر ونسخة بدل " ع ": " فقال ".
(6) " عليه " من المصدر ونسخة بدل " ع ".
(7) " يا داود " من " ع " والمصدر.
(8) كلمة " له " من " ع " والمصدر.
335

ولعنات جميع خلقه على أعدائهم والشاكين فيهم أجمعين إلى يوم الدين -:
فعل الله ذلك بك وبإخوانك من جميع المؤمنين، ثم قال عليه السلام: حدث داود
الرقي بما مر عليكم حتى تسكن روعته. قال: فحدثته بالأمر كله، فقال
أبو عبد الله عليه السلام: لهذا (1) أفتيته، لأنه كان أشرف (2) على القتل من يد هذا
العدو (3) ثم قال: يا داود بن زربي، توضأ مثنى مثنى، ولا تزدن عليه، وإنك
إن (4) زدت عليه فلا صلاة لك (5) " (6).
وقوله عليه السلام: " من نقص فلا صلاة له ". أراد به إلزام التثليث على
ابن زربي حتى يداوم عليه ولا يهمله وإن لم يجب التثليث عند العامة أيضا
في ذلك الزمان.
ونظير ذلك - في إلزام ما ليس بلازم عندهم اتقاء - ما في الوسائل عن
إرشاد المفيد من حكاية أمر أبي الحسن عليه السلام علي بن يقطين في مكاتبته،
حيث كتب: " أن الوضوء الذي آمرك به في ذلك (7) أن تمضمض ثلاثا،
وتستنشق ثلاثا، وتغسل وجهك ثلاثا، وتخلل شعر لحيتك، وتغسل يديك
إلى المرفقين ثلاثا، وتمسح رأسك كله، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما، وتغسل

(1) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي سائر النسخ: " بهذا ".
(2) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي سائر النسخ: " لأنه أشرف ".
(3) " من يد هذا العدو " من المصدر ونسخة بدل " ع ".
(4) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي سائر النسخ: " فإن ".
(5) في النسخ زيادة: " الحديث "، والظاهر أنه لا وجه له لأن الحديث مذكور بتمامه.
(6) الوسائل 1: 312، الباب 32 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(7) " في ذلك " من " ع " والمصدر.
336

رجليك إلى الكعبين ثلاثا (1) ولا تخالف ذلك إلى غيره. فلما وصل (2) الكتاب
إلى علي بن يقطين تعجب بما رسم له أبو الحسن عليه السلام مما جميع (3) العصابة
على خلافه، ثم قال: مولاي أعلم بما قال، وأنا أمتثل أمره، فكان يعمل
في وضوئه على هذا الحد، ويخالف ما عليه (4) جميع الشيعة، امتثالا لأمر
أبي الحسن عليه السلام. وقد سعي بعلي (5) بن يقطين إلى الرشيد، وقيل: إنه
رافضي، فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلما نظر إلى وضوئه ناداه:
كذب - يا علي بن يقطين - من زعم أنك من الرافضة. وصلحت حاله
عنده، وورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السلام: ابتدئ من (6) الآن يا علي
ابن يقطين، توضأ كما أمرك الله تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة، وأخرى
إسباغا، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح بمقدم رأسك وظاهر
قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف منه عليك،
والسلام (7)... الحديث " (8).
وإنما نقلنا الحديثين بطولهما تيمنا، وهو المرجو من كل ناقل.

(1) " ثلاثا " من المصدر ونسخة بدل " ع ".
(2) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي " أ "، " ب "، " ج " و " ع ": " دخل "،
وفي " ح ": " ادخل ".
(3) في " أ "، " ج " و " ح ": " جمع "، وفي " ب ": " أجمع ".
(4) لم ترد " ما عليه " في " أ "، " ب "، " ج " و " ح ".
(5) كذا في المصدر، وفي النسخ: " لعلي ".
(6) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي غيرها: " ابتدئ الآن ".
(7) " والسلام " من " ع " والمصدر.
(8) الوسائل 1: 312، الباب 32 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
337

وفي التوقيع الوارد إلى العريضي: " الوضوء - كما أمرته -: غسل
الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين واحد، واثنان إسباغ الوضوء، وإن
زاد أثم " (1).
إلى غير ذلك مما نعثر عليه في تضاعيف الأخبار.
وكثرتها مع اعتضادها بما عرفت، مع صحة بعضها، يغني عن الالتفات
إلى التسامح في أدلة السنن، ليرد عليه قيام احتمال عدم الاستحباب الموجب
لاستهلاك ماء الوضوء، فيفسد المسح به، نظير ما سيأتي في الغسلة الثالثة.
خلافا للمحكي عن البزنطي (2) والكليني (3) والصدوق (4) من الحكم بعدم
الاستحباب، ووافقهم بعض متأخري المتأخرين ككاشف اللثام (5) وغيره (6)،
للوضوءات البيانية (7) خصوصا بملاحظة وضوء أمير المؤمنين صلوات الله عليه (8).
وقول أبي عبد الله عليه السلام: " والله ما كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
إلا مرة مرة " (9)، و " ما كان وضوء علي عليه السلام إلا مرة " (10).

(1) لم نعثر عليه.
(2) حكاه الحلي في مستطرفات السرائر، راجع السرائر 3: 533.
(3) راجع الكافي 3: 27، ذيل الحديث 9.
(4) انظر الفقيه 1: 41 و 47، ذيل الحديث 83 و 92.
(5) كشف اللثام 1: 74.
(6) كالمحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 133.
(7) الوسائل 1: 271، الباب 15 من أبواب الوضوء.
(8) الوسائل 1: 282، الباب 16 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(9) الوسائل 1: 308، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 10.
(10) الوسائل 1: 307، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 7.
338

وما بين فيه أفعال الوضوء قولا، مثل: قول أمير المؤمنين عليه السلام:
" انظر إلى وضوئك، فإنه من تمام صلاتك، تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا...
إلى آخره " (1).
وما في بعضها من قوله عليه السلام بعد الفراغ عن الوضوء: " هذا وضوء
من لم يحدث حدثا، يعني به التعدي في الوضوء " (2).
وقوله عليه السلام: " من تعدى في الوضوء كان كناقضه " (3).
وعن نوادر البزنطي عن عبد الكريم بن عمرو، عن ابن أبي يعفور،
عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: اعلم أن الفضل في واحدة، ومن زاد على
اثنتين لم يؤجر " (4).
ورواية ميسرة عن أبي جعفر عليه السلام: إن " الوضوء واحدة واحدة " (5).
وأرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام: أن " من توضأ مرتين لم يؤجر " (6).
وأرسل أيضا: أن " الوضوء مرة فريضة، والثانية لا تؤجر، والثالثة
بدعة " (7). إلى غير ذلك من الأخبار.

(1) الوسائل 1: 279، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 19.
(2) الوسائل 1: 308، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 8.
(3) الوسائل 1: 308، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 13.
(4) الوسائل 1: 310، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 27.
(5) التهذيب 1: 80، الحديث 205.
(6) الفقيه 1: 41، الحديث 83، وعنه في الوسائل 1: 308، الباب 31 من أبواب
الوضوء، الحديث 14.
(7) الفقيه 1: 47، الحديث 92، والحديث منقول بالمعنى.
339

ويمكن الجمع بأن الثابت هو استحباب المرة الثانية بقصد الإسباغ
والمبالغة في استيعاب الماء لتمام العضو ليكون الغسلتان غسلة تامة سابغة،
والمنفي غسلة مستقلة في مقابل الغسلة الأولى، وأما ما تضمن الإجزاء
والحلف على توحيد الغسلات في وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم
والوصي صلوات الله عليهما وآلهما فلعله في مقابل العامة القائلين بالتثليث أو بالتثنية
على وجه الاستقلال.
وأما مداومتهما على التوحيد، فلأنهما معصومان من أن يغفلا عن
بعض الوضوء في الغسلة الأولى، فلا يحتاجان إلى الإسباغ.
ويرشد إلى ما ذكرنا: قوله عليه السلام: " أضاف إليها رسول الله صلى الله عليه وآله
مرة لضعف الناس " (1)، على (2) أن يكون المراد قصورهم عن الإسباغ في المرة
الأولى.
وأما الوضوءات البيانية فمع خلوها عن كثير من المستحبات ليست
إلا في مقام تعليم كيفية الأفعال لا كميتها، فتأمل.
ويمكن أن يراد بأخبار التثنية (3): تثنية الغرفة، لا بمعنى تعاقب الغرفتين
ثم الشروع في الغسل، حتى ينافيه ظواهر أكثر الأخبار، بل صب غرفة
واستعمالها على وجه الإسباغ، فإذا قل جريانه صب غرفة أخرى، فيحصل
الإسباغ بالمجموع، لا بخصوص الأخيرة، مع تحقق أقل الغسل الواجب
بالأولى.

(1) الوسائل 1: 312، الباب 32 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(2) في " ب ": " بناء على... ".
(3) راجع الوسائل 1: 306، الباب 31 من أبواب الوضوء.
340

ويرشد إليه قول زرارة وبكير في الصحيحة الحاكية لوضوء
رسول الله صلى الله عليه وآله: " قلنا له: أصلحك الله، فالغرفة الواحدة تجزي
للوجه وغرفة للذراع؟ قال: نعم، إذا بالغت فيها، والثنتان تأتيان على ذلك
كله " (1).
وأما قوله عليه السلام: " إن الفضل في واحدة " (2)، فيحتمل أن يراد
الواحدة الزائدة على الفرض بقرينة قوله: " ومن زاد على اثنتين لم
يؤجر " (3)، إذ لو انحصر الفضل في الواحدة المفروضة، كان غير المأجور من
زاد على الواحدة، لا الثنتين (4)، بل كان من زاد على الواحدة مأزورا، لأن
المفروض عدم استحباب الزائد، فيكون فعله - على أنه من أفعال الوضوء -
تشريعا محرما، ولذا استدل بذلك في المعتبر (5) على كون الثالثة بدعة، بل
يبطل المسح بمائه على ما اخترناه سابقا.
ومن هنا صح نسبة القول بالتحريم إلى كل من أنكر الاستحباب، كما
يظهر من الحلي، حيث قال في السرائر - بعد دعوى الإجماع على
الاستحباب -: ولا يعتد بخلاف من خالف الأصحاب بأنه لا يجوز الثانية (6)،
إلا أن الظاهر من ثقة الإسلام خلاف ذلك، حيث قال - بعد ذكر الرواية

(1) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(2) الوسائل 1: 310، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 27.
(3) الوسائل 1: 310، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 27.
(4) كذا في النسخ، وفي " ع ": " لا اثنتين ".
(5) المعتبر 1: 159.
(6) السرائر 1: 100.
341

المتضمنة لقوله عليه السلام: " ما كان وضوء علي عليه السلام إلا مرة مرة " - ما لفظه:
هذا دليل على أن الوضوء مرة، لأنه عليه السلام كان إذا ورد عليه أمران كلاهما
طاعة لله، أخذ بأحوطهما وأشدهما على بدنه، وأن الذي جاء عنهم عليهم السلام:
أن " الوضوء مرتان " لمن لم يقنعه مرة واستزاده، فقال: مرتان، ثم قال:
" ومن زاد على مرتين لم يؤجر ". وهذا غاية الحد في الوضوء الذي من
تجاوزه أثم، ولم يكن له وضوء، وكان كمن صلى الظهر خمس ركعات، ولو لم
يطلق في المرتين كان سبيلها سبيل الثلاث (1)، انتهى.
فتصير الأقوال في المسألة ثلاثة، كما هو صريح المحكي عن الخلاف،
حيث قال: الفرض في الغسلات مرة واحدة، والثانية سنة، والثالثة بدعة،
وفي أصحابنا من قال: الثانية بدعة. وليس بمعول عليه، ومنهم من قال: إن
الثانية تكلف. ولم يقل بأنها بدعة، والصحيح الأول (2)، انتهى.
لكن إذا بني على تغاير الكلفة والبدعة - كما هو صريح مرسلة ابن أبي
عمير (3) وجماعة (4) - فيزيد الأقوال.
فعن الأمالي في وصف دين الإمامية رضوان الله عليهم أجمعين: أن
الوضوء مرة مرة، ومن توضأ مرتين فهو جائز إلا أنه لا يؤجر عليه (5)، انتهى.

(1) الكافي 3: 27، ذيل الحديث 9.
(2) الخلاف 1: 87، المسألة 38.
(3) الوسائل 1: 307، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(4) منهم الشيخ المفيد في المقنعة، والشيخ الطوسي في مصباح المتهجد، وسيأتي
كلامهما.
(5) أمالي الصدوق: 514.
342

وعن المقنعة: أن التثليث تكلف، ومن زاد على ثلاث فقد أبدع وكان
مأزورا (1)، انتهى.
وعن العماني: إن تعدى المرتين لم يؤجر (2).
وعن الإسكافي: أن الثالثة زيادة غير محتاج إليها (3).
وعن مصباح الشيخ: أن ما زاد على الاثنين تكلف غير مجز (4)، انتهى.
ويمكن الفرق بين الكلفة والبدعة: أن المأمور به طبيعة الغسل المتحققة
بالمرة والمرتين، نظير سائر الماهيات التدريجية المخير فيها بين الأقل والأكثر،
والثالثة أو الرابعة على اختلاف القولين زائد على المشروع، فيكون بدعة،
ويحمل أخبار التثنية على بيان حد الجواز ودفع توهم استحباب التثليث أو
جوازه، على أن يكون الثلاثة فردا من المأمور به، وحينئذ فيكون مرجع
الأقوال إلى أن الواجب أقل أفراد الغسل الحاصل بالمرة الأولى، ولم يشرع
الزائد، فيكون غير مشروع محرما، وهو القول بحرمة الثانية، أو مشروع على
وجه الاستحباب، وهو قول المشهور، أو أن الواجب القدر المشترك بين
المرة والمرتين، فيكون الثانية جزءا من الواجب غير مأجور عليه
بالخصوص، بل الأجر على الطبيعة المتحققة في ضمنها، وهو قول من قال:
إن الثانية تكلف أو جائز غير مأجور عليه، أو أنه القدر المشترك بين المرة
والمرتين والثلاث، والزائد غير مشروع فيكون محرما، وهو قول المفيد
والإسكافي والعماني.

(1) المقنعة: 49.
(2) نقله عنه في المختلف 1: 285.
(3) نقله عنه في المختلف 1: 285.
(4) مصباح المتهجد: 7.
343

لكن قد ذكرنا في الأصول الإشكال في اتصاف الزائد على المرة
بالوجوب في الأمور التدريجية الغير المتصلة، بحيث يعد الزائد فردا واحدا
كالناقص، نظير القراءة والمشي والتكلم، خصوصا إذا لم يتصف الفرد الأكثر
بالاستحباب.
نعم، اختلفوا فيما إذا كان الأكثر أفضل الفردين في اتصاف الزائد
بالوجوب أو الاستحباب، مع أن الأقوى في مثل المقام عدم اتصافه إلا
بالاستحباب.
وكيف كان، فالأحوط عدم تكرار الغسلة الثانية، وتحصيل الإسباغ
- المستحب قطعا - إما بغرفة واحدة، وإما بغسلتين ناقصتين، والله العالم، كما
أن الأحوط بل المتعين (1) ترك * (الثالثة) *، فإنها * (بدعة) * على المشهور،
بل عندنا، كما عن المبسوط (2).
ويدل عليه - مضافا إلى أصالة عدم المشروعية، فيكون فعلها بقصد
المشروعية بدعة - قوله عليه السلام فيما تقدم من توقيع العريضي: " وإن
زاد أثم " (3)، وقوله عليه السلام في مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة (4)، بل مقتضى
غير واحد من الأخبار - كظاهر المحكي عن الحلبي - بطلان الوضوء

(1) في " ع ": " المعين ".
(2) المبسوط 1: 23، وليس فيه كلمة " عندنا ". نعم، في الجواهر 2: 276 قال: " بل
عن صريح المبسوط وظاهر المقنع أنها عندنا بدعة ".
(3) راجع الصفحة 338.
(4) حيث قال عليه السلام: " والثالث بدعة "، وقد تقدمت الإشارة إليها في هامش
الصفحة 342.
344

به (1). بل قوله عليه السلام في صدر رواية داود الرقي المتقدمة (2): " من توضأ ثلاثا
فلا صلاة له "، وقوله في ذيلها: " فإن زدت فلا صلاة لك ". وقوله عليه السلام:
" من تعدى في الوضوء كان كناقضه " (3) بالضاد المعجمة أو الصاد المهملة،
وهي محمولة على ما إذا مسح برطوبتها، كما هو دأب المداومين عليها، بل
مجرد قصد الإتيان بها على أنها من الوضوء قصد لإتيان غير ما أمر به،
فلا يقع الوضوء من أول الأمر إلا باطلا، فإن من اعتقد غير المأمور به،
فنواه امتثالا للمأمور به، غير معذور في ذلك إذا كان مقصرا. نعم، لو كان
قاصرا - والمفروض إتيان جميع الأجزاء السابقة امتثالا للأمر المتعلق
بالوضوء - أمكن القول بعدم الفساد إلى أن يغسل اليسرى ثالثة، فيبطل،
لتعذر المسح ببلل الوضوء على ما تقدم، مع أن في الصحة هنا أيضا شكا،
فتأمل.
ونظير ذلك: ما لو نوى بالغسلة الثانية الوجوب، بناء على أن نية
الخلاف توجب بطلان الفعل، فيكون غسلا أجنبيا عن الوضوء.
وعن المنتهى (4) والمدارك (5) الفرق بين الأمرين، وعدم البطلان بالمسح
ببلل الثانية المنوي بها الوجوب، لعدم خروجه بذلك عن ماء الوضوء،
بخلاف الثالثة.

(1) الكافي في الفقه: 133.
(2) تقدمت في الصفحة 334 - 336.
(3) الوسائل 1: 310، الباب 31 من أبواب الوضوء، الحديث 24.
(4) المنتهى 2: 122 - 123.
(5) المدارك 1: 234.
345

* (و) * كيف كان، فلا ريب في أنه * (ليس في المسح تكرار) * بلا
خلاف عندنا، لا وجوبا ولا استحبابا، ويكفي فيه - بعد الإجماع - الأصل،
فإن كرر بقصد المشروعية فلا يبطل، إلا إذا ابتل اليد الماسحة ببلل
الممسوح، ومنعنا من المسح به. ولو نوى التكرار مشروعا من أول الأمر
جاء فيه (1) ما تقدم في قصد جزئية الغسل، والله العالم.

(1) لم ترد " فيه " في " ع ".
346

المسألة * (الرابعة) *
لا إشكال في أنه * (يجزئ) * من الماء * (في الغسل) * الواجب في
الوضوء * (ما يسمى) * في العرف * (غسلا (1)) *، وفاعله غاسلا، ولا يعتبر
انفصال بعض الماء المغسول به، كما يعتبر في غسل النجاسات، بل يجزي
* (ولو (2) كان) * الماء * (مثل الدهن) *، أو الفعل مثل الدهن - بفتح الدال - في
كون المقصود إيصال الماء إلى جميع العضو، لا إزالة وسخ من المغسول
وإذهابه عنه مع الماء المنفصل عنه، كما هو الملحوظ في رفع الخبث.
والتشبيه بالدهن في عبارات الأصحاب كالماتن في كتبه (3)،
والعلامة قدس سره في القواعد وغيرها (4)، تبعا للنصوص.
ففي صحيحة زرارة وابن مسلم: " أن الوضوء حد من حدود الله
ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه، وأن المؤمن لا ينجسه شئ، وإنما يكفيه

(1) في الشرائع: " به غسلا ".
(2) في الشرائع: " وإن كان ".
(3) كالمعتبر 1: 144، والمختصر النافع: 6، وغيرهما.
(4) راجع القواعد 1: 201، ونهاية الإحكام 1: 40، والمنتهى 2: 36.
347

مثل الدهن " (1). وفيها دلالة واضحة على ما ذكرنا، من أن التشبيه بالدهن
من حيث كون المقصود إيصال الماء إلى الأعضاء، لا إذهاب قذارة من المحل
لغلبة الماء عليه، ثم انفصاله عنه، كما هو الملحوظ في رفع القذارات الشرعية
والعرفية، وليس وجه الشبه كفاية مجرد الإمساس سواء جرى أم لا.
وفي موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: " أن
عليا عليه السلام كان يقول: الغسل من الجنابة والوضوء يجزئ منه ما أجزأ من
الدهن الذي يبل الجسد " (2).
وموثقة زرارة في غسل الجنابة: " أفض على رأسك ثلاث أكف،
وعلى يمينك، وعلى يسارك، إنما يكفيك مثل الدهن " (3).
وبالجملة، فالتشبيه بالدهن في النصوص والفتاوي يحتمل كونه من
حيث القلة، وكونه من حيث إن الغرض من استعماله مساس (4) البدن دون
انفصاله عنه بوسخ، ويحتمل من حيث كون الاستعمال فيه أعم من كونه على
وجه التمسح أو الإجراء، وعلى الأولين فهو ساكت عن نفي اعتبار الجريان
وإثباته. نعم، هو على الثالثة ظاهر في نفي اعتباره، لكنه خلاف النصوص
والفتاوي فلا يرفع به اليد عن أدلة الغسل من الكتاب (5) والسنة، خصوصا
ما نص فيه على الجريان (6).

(1) الوسائل 1: 340، الباب 52 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(2) الوسائل 1: 341، الباب 52 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(3) الوسائل 1: 511، الباب 31 من أبواب الجنابة، الحديث 6.
(4) كذا في " ع "، وفي سائر النسخ: " إمساس ".
(5) المائدة: 6.
(6) الوسائل 1: 335، الباب 46 من أبواب الوضوء، الحديث 2 و 3.
348

ومما ذكرنا يظهر: أنه لا تنافي بين هذه الأخبار وبين ما دل من
الكتاب والسنة على اعتبار تحقق الغسل بناء على أن المأخوذ فيه إجراء الماء
على العضو، كما صرح به غير واحد (1)، فلا داعي إلى التزام كفاية مثل
الدهن في مقابل أدلة الغسل، فيكون قد اكتفى الشارع عن الغسل بما ليس
غسلا، مستشهدا على ذلك بما دل على كفاية مس الماء للجلد ومسحه به
وإصابته له، مثل قوله عليه السلام في صحيحة زرارة في الوضوء: " إذا مس
جلدك الماء فحسبك " (2) وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام:
" اغتسل أبي من الجنابة، فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء.
فقال أبي: ما كان عليك لو سكت؟ ثم مسح تلك اللمعة بيده " (3).
ولا يخفى ما في الالتزام المذكور من التعسف، والتأويل في أدلة وجوب
الغسل في الوضوء والغسل، بحملها على بيان الفرد الغالب من فردي الواجب
التخييري، أو الأفضل منها، وطرح ما ظاهره اعتبار الجريان، مثل
قوله عليه السلام في حسنة زرارة: " الجنب، ما جرى عليه الماء من جسده قليله
وكثيره، فقد أجزأه " (4) وقوله عليه السلام: " ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن
يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء " (5) وقوله في صحيحة ابن مسلم الواردة

(1) كالعلامة في التذكرة 1: 157، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 212،
والمحدث البحراني في الحدائق 2: 222.
(2) الوسائل 1: 341، الباب 52 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(3) الوسائل 1: 524، الباب 41 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
(4) الوسائل 1: 511، الباب 31 من أبواب الجنابة، الحديث 3.
(5) الوسائل 1: 335، الباب 46 من أبواب الجنابة، الحديث 2 و 3.
349

في الغسل: " ما جرى عليه الماء فقد طهر " (1)، وموثقة إسحاق بن عمار
المتقدمة (2)، بناء على كون " أجرى " فيها بالراء المهملة، كما يظهر من
التذكرة (3) وغيرها (4).
ومن هنا اشتهر اعتبار الجريان عند الأصحاب، حتى أن المحكي عن
المجلسي في حاشية التهذيب: أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه (5). وعن
الشهيد الثاني في بعض تحقيقاته: أنه المعروف بين الفقهاء سيما المتأخرين (6).
وعن كاشف اللثام: أنه كذلك في العرف واللغة (7)، ونحوه الحلي في السرائر:
وأقل ما يجزئ من الماء في الأعضاء المغسولة ما يكون به غاسلا وإن كان
مثل الدهن - بفتح الدال - بعد أن يكون جاريا على العضو، وإلا فلا يجزيه،
لأنه يكون ماسحا، وفي أصحابنا من أطلق الدهن، من غير تقييد للجريان،
وقيده بذلك في كتاب آخر له، والصحيح تقييده بالجريان (8)، لأنه موافق
للبيان الذي أنزل به القرآن. ثم حكى عن السيد في الناصريات (9) حمل

(1) الوسائل 1: 502، الباب 26 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
(2) راجع الصفحة 348.
(3) التذكرة 1: 24 (الطبعة الحجرية)، وفيه: " جرى "، لكن في الطبعة الجديدة 1:
230 " أجزأ ".
(4) كالرياض 1: 229.
(5) ملاذ الأخيار 1: 499.
(6) حكاه عنه المحدث البحراني في الحدائق 2: 224.
(7) كشف اللثام 1: 67.
(8) " بالجريان " من " ع " والمصدر.
(9) الناصريات (الجوامع الفقهية): 223، المسألة 42.
350

أخبار الدهن على دهن يجري على العضو (1).
نعم، ربما يقال: إن الظاهر المتبادر من الغسل في العرف معنى لا
يصدق على مثل الدهن، بل يعتبر فيه استيلاء الماء على المحل، وانفصال
بعضه عنه، فالغسل عندهم لا ينفك عن الغسالة. فلا بد إما من التزام ما
ذكر سابقا من كون الدهن مقابلا للغسل، وقد عرفت بعده عن ظواهر اعتبار
الغسل والجريان (2)، وإما من حمل ذلك على بيان الفرد الخفي للغسل، بل قد
يتردد في صدق الغسل على هذا الفرد، من جهة تبادر غيره المردد بين
التبادر الوضعي والإطلاقي.
وكيف كان، فالظاهر عدم اعتبار إمرار اليد في الغسل، لما دل على
كفاية الوصول والجريان والإصابة. والإمرار في الوضوءات البيانية للعادة،
حيث إن استيعاب الغسل للعضو بالماء القليل لا يكون إلا بالإمرار، مع أن
في ثبوت الوجوب بها إشكالا، فيجوز غمس الأعضاء في الماء.
نعم، قد يستشكل من جهة المسح باليد المغموسة، إلا أن ينوي الغسل
بالخروج، أو بالدخول والخروج معا، والأحوط ترك غمس المقدار الذي
يمسح به.
* (ومن) * كان * (في يده خاتم أو سير) * أو نحوهما مما لا يصل إليه الماء
بمجرد الصب على العضو * (فعليه إيصال الماء إلى ما تحته) * بأي نحو كان.
وتخصيص السير والخاتم بالذكر في بعض العبارات بيان للفرد الغالب أو
الأسهل.

(1) السرائر 1: 100.
(2) راجع الصفحة 348.
351

* (وإن كان واسعا) * يعلم وصول الماء إلى ما تحته بدون التحريك
- وإن كان فرضا نادرا في الغسل المتعارف - لم يجب العلاج، لحصول
الوصول، وإنما * (استحب له تحريكه) *، للاستظهار.
ويمكن أن يقال: إنه إن لم يحصل القطع بالوصول وجب التحريك، وإن
قطع به لم يبق محل للاحتياط إلا استحباب الإيصال بالتحريك، لا استحباب
التحريك للإيصال بعد العلم بالوصول. وفائدته - حينئذ - أن يراد دفع الشك
الواقع بعد ذلك، الموجب لكلفة العود إن كان قبل الفراغ، ولتزلزل النفس
من حيث الواقع إن كان بعده، أو لدفع تبين عدم وصول الماء إليه، الموجب
لكلفة الإعادة.
ويدل على الاستحباب - مضافا إلى ما ذكر من الاستظهار -: رواية
الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " سألته عن الخاتم إذا
اغتسلت؟ قال: حوله من مكانه، وقال في الوضوء: تديره، فإن نسيت
حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة... الخ (1) " (2)، بحملها بقرينة
نفي الإعادة على الخاتم الواسع. ويمكن أن يكون نفي الإعادة من جهة كون
الشك بعد الفراغ، لكن سيأتي أنه لو كان شاكا فنسي ولم يلتفت ثم التفت
بعد الفراغ، لم يدخل في الشك بعد الفراغ، إلا أن يدعى دخوله بهذه
الرواية، أو يحمل النسيان على عدم الالتفات إلى هذا الشك من أول الأمر،
وسيأتي تمام الكلام.
ثم إن المصنف لم يتعرض في صريح كلامه لحكم الشك في وصول الماء

(1) في النسخ زيادة: " الخ "، والظاهر أنه لا وجه له، لأن الحديث مذكور بتمامه.
(2) الوسائل 1: 329، الباب 41 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
352

إليه بدون التخليل، وفي العمل على أصالة عدم الوصول، أو على أصالة عدم
كون الجسد محجوبا وجهان، مبنيان على اعتبار الأصل المثبت وعدمه.
وتفصيل صور الشك: أنه إما أن يتعلق بوجود الحاجب على جزء من
محل الوضوء، كما لو شك في وجود شئ من القير أو الشمع أو الوسخ
الحاجب عليه.
وإما أن يتعلق بحجب الشئ الموجود، كما لو علم بلصوق وسخ أو
جسم رقيق آخر ببدنه، إلا أنه يشك في أن مثله يحجب الماء ويمنعه عن
النفوذ إلى البدن، وقد يمثل له بالخاتم والسير المشكوك في سعته وضيقه،
ويرده أنه من قبيل الأول، لأن الشك حينئذ في اتصال أطراف الخاتم
ولصوقها بجميع ما يحاذيها من البدن وانفصال بعضها، ومجرد وجود الحاجب
مع الشك في اتصاله ولصوقه لا يخرجه عن الشك في وجود الحاجب، لأن
مناط الشك في الصفة أو الموصوف أن يكون ما عدا المشكوك من الأمور
التي لها دخل في الحجب معلوما، فالشك في لصوق الخاتم بجميع ما يحاذيه
من البدن مع العلم بحجبه على تقدير اللصوق شك في وجود الحاجب على
جزء من البدن، إلا أن يراد من وجود الحاجب لصوقه بالبدن في الجملة،
فيكون الشك في وجوده بمعنى الشك في أصل لصوقه في الجملة، كما لو شك
أن بيده خاتما، والشك في حجبه بمعنى الشك في لصوقه التام بجميع أطرافه،
على جميع ما يحاذيها من البدن، بل لو بني على المداقة التامة في حصول
اللصوق التام لم يوجد شك في الحجب، لأن كل جسم لصق بالمحل لصوقا
تاما يمنع عن تخلل جسم آخر بينها حتى الماء، فهو مقطوع الحجب، فمنشأ
الشك في الحجب دائما الشك في اللصوق التام.
وكيف كان، فالشك في كل من الحجب والحاجب مشترك في كونه
353

مجرى أصالة عدم احتجاب البدن بحاجب، إلا أن عدم احتجابه بحاجب
لا ينفع في المطلوب الذي هو وصول الماء إلى البدن ومسه للجسد، لأن
العدم المستصحب لا يثبت به ما يلزمه من الأمور الغير الشرعية - كوصول
الماء - وإن ترتب على هذه الأمور أحكام شرعية، إلا أن يقوم الإجماع كما
ادعاه بعض (1) أو استقرار السيرة - كما ادعاه آخر (2) - على عدم الاعتناء
بالشك في وجود الحاجب بالمعنى الأخير المتقدم، مثل الشك في أن بيده
خاتما، أو يدعى أن أصالة العدم من الأمارات المعتبرة من باب الظن
النوعي، فحالها حال سائر الأمارات الكاشفة عن الواقع يثبت بها جميع
ما يقارن مجراها من اللوازم (3) والمقارنات، لا من باب التعبد بها ظاهرا
حتى يقتصر فيها على ترتيب اللوازم الشرعية، وتمام الكلام في ثبوت
اعتبارها على هذا الوجه في محله.
وأما الإجماع، فالحدس القطعي بتحققه غير حاصل، لعدم تعرض جل
الأصحاب لهذا الفرع بالخصوص.
وأشكل منه دعوى استقرار السيرة على وجه يكون إجماعا عمليا
كاشفا عن الواقع، إذ الغالب عدم التفات الناس إلى احتمال وجود الحاجب،
أو اطمئنانهم بعدمه، على وجه لا يعبأون بمجرد إمكان وجوده.
مع أن دعوى الإجماع والسيرة في بعض أفراد هذا الشك - مثل الشك
في وجود قلنسوة على الرأس أو جورب في الرجل أو وجود لباس آخر

(1) لم نعثر عليه.
(2) الجواهر 2: 288.
(3) في " ب ": " الملزوم ".
354

على البدن أغلظ من ذلك - مجازفة، والفرق بين كون الحاجب المشكوك في
وجوده رقيقا أو غليظا اقتراح، والحوالة على موارد السيرة فرار عن
المطلب.
ويمكن أن يقال: بأن وصول الماء إلى البشرة وإن كان من اللوازم
الغير الشرعية، إلا أن ما يترتب عليه من الحكم الشرعي يعد في العرف من
اللوازم والأحكام الشرعية لنفس خلو البدن عن المانع، بحيث يلغى في
العرف وساطة اللازم الغير الشرعي بين المستصحب وذلك الحكم الشرعي،
وقد بينا (1) أنه يثبت للمستصحب الأحكام الشرعية المترتبة على اللوازم
الغير الشرعية الثابتة له، إذا عدت الأحكام في العرف من أحكام نفس
المستصحب، وعدم المداقة في توسط اللازم الغير الشرعي بينهما (2) نظير
استصحاب رطوبة الملاقي للنجس، فإن الرطوبة لا يترتب عليها النجاسة،
بل هي من أحكام تأثر الملاقي بالنجاسة، وهو لازم غير شرعي للرطوبة،
إلا أنه ملغى في نظر العرف، حتى أن الفقهاء يجعلون التنجس من أحكام
ملاقاة الشئ للنجس مع رطوبة أحدهما، لكن هذا أيضا لا يتم في جميع
موارد هذا الشك.
وكيف كان، فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز البناء على هذا الأصل
في صورة كون الشك عرفا في نفس الحجب، لعدم الإجماع ولا السيرة، ولم
يدعهما مدع، فأصالة عدم وصول الماء المقتضية لوجوب التخليل والتحريك
سليمة عما يرد عليها.

(1) فرائد الأصول: 664.
(2) كذا في نسخة بدل " ب "، وفي سائر النسخ: " بينها ".
355

ويؤيدها: صدر صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام قال:
" سألته عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها، لا تدري يجري
الماء تحته أم لا، كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟ قال عليه السلام: تحركه أو
تنزعه حتى يدخل الماء تحته. وعن الخاتم الضيق، لا يدري يجري الماء تحته
إذا توضأ أم لا، كيف يصنع؟ قال: إذا علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا
توضأ... الخبر (1) " (2).
وقد يعارض صدرها بذيلها، من حيث إن مفهوم الذيل: أن مع عدم
العلم لا يجب الإخراج.
وقد يجاب عن المعارضة: بكون المنطوق أقوى دلالة، مع أنه من
قبيل المقيد، والمفهوم من قبيل المطلق، لشمول عدم العلم بعدم الوصول
لصورتي عدم العلم بالوصول، والعلم به.
وفيه: أن مورد السؤال في المنطوق (3) صورة عدم العلم بالوصول
فالمنطوق (4) بالنسبة إليها نص غير قابل للتقييد بما عداه، إذ يصير المنطوق
والمفهوم كلاهما أجنبيا عن مورد السؤال، كما لا يخفى.
ومن هنا يعلم عدم جواز الترجيح بكون الصدر منطوقا، لأن المفهوم
إذا جئ به لبيان الحكم في مورد السؤال، فالجملة الشرطية نص في المفهوم،
لا ظاهر، لعدم احتمال خلوها عنه، فيكون في حكم المنطوق.

(1) كذا في النسخ، والظاهر زيادة " الخبر " لأن الحديث مذكور بتمامه.
(2) الوسائل 1: 329، الباب 41 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(3) كذا في مصححة " ج "، وفي سائر النسخ: " المطلق ".
(4) في جميع النسخ: " فالمطلق "، والصواب - ظاهرا - ما أثبتناه.
356

وبالجملة، فتعارض المنطوق والمفهوم المذكورين هنا من قبيل
المتكافئين، لا رجحان للمنطوق على المفهوم لا بالتقييد ولا بكونه
منطوقا.
والسر في ذلك، كون الكلام نصا في مورد السؤال، فلا يجري عليه
بالنسبة إليه في باب الترجيح حكم المطلق، ولا حكم المفهوم، فالأوفق
الجمع بينهما بحمل العلم بعدم الدخول، على العلم بعدم استمرار الدخول،
بجعل النفي الداخل على المضارع المشعر بالاستمرار راجعا إلى نفي الاستمرار،
لا إلى أصل الدخول.
وحاصله: أنه إذا علم أنه ليس بحيث يدخله الماء دائما بمجرد الإجراء
فليخرجه، وهذا وإن كان خلاف الظاهر، إلا أنه لا بأس به في مقابل
الصدر، بل لعل هذا المعنى هو الظاهر بملاحظة أن إحالة الجواب عن موارد
السؤال إلى المفهوم، وذكر المنطوق الأجنبي عنه في غاية البعد، بل كان ينبغي
أن يصرح بعدم وجوب الإخراج في مورد السؤال، فلا بد من حمل المنطوق
على معنى ينطبق على مورد السؤال، وهو الشك في وصول الماء تحت الخاتم
من جهة أنه قد يتفق الدخول وقد لا يتفق، فقال: إذا علم أنه بحيث
لا يدخله على وجه الاستمرار فليخرجه.
ومما ذكرنا يظهر أنه لا يدور الأمر بين مخالفة ظاهر النفي، بحمله على
نفي الاستمرار، وبين حمل الأمر على الاستحباب، وهو أولى، فإن الدليل
بنفسه ظاهر في هذا المعنى، مع أن الحمل على الاستحباب كأنه بعيد عن
مساق السؤال، لأن الظاهر من قوله: " كيف يصنع؟ " أن السؤال عما يجب
على المرأة حين الوضوء، فالمناسب بيان نفي الوجوب، لا بيان الاستحباب،
فافهم.
357

ولأجل ما ذكرنا استدل في الذكرى بالصحيحة المذكورة (1)، ولم يلتفت
إلى معارضة صدرها بذيلها.
ثم إن هذا كله في وجوب تحصيل اليقين بوصول الماء مع الشك فيه
عند غسل العضو، وأما الشك الحادث بعد الفراغ فسيجئ تفصيل القول فيه
في مسألة الشك في أفعال الوضوء إن شاء الله تعالى.

(1) راجع الذكرى: 85.
358

المسألة * (الخامسة) *
* (من كان على بعض أعضاء طهارته) * المغسولة * (جبائر) * جمع جبيرة،
وهي في الأصل الألواح المشدودة على العضو المكسور، قال شارح
الدروس: والفقهاء يطلقونها على ما يشد به (1) القروح والجروح أيضا (2).
أقول: ولا يبعد أن يراد بها هنا الأعم منها ومن كل ما يجعل على
المكسور أو المجروح أو المقروح، شدا أو لطوخا أو ضمادا، ولم أعثر في
الأخبار على استعمالها في غير الكسر، فالتعدي عنه في موارد مخالفة الأصل
يحتاج إلى تتبع دليل له.
وكيف كان، * (فإن أمكنه) * غسل محلها بأحد الوجوه مثل * (نزعها
أو تكرار) * غسلها أو غمس العضو في * (الماء حتى يصل البشرة (3)) * أو
غير ذلك * (وجب) * بلا إشكال، ولا خلاف في التخيير بين الوجوه، وإن
أوهم ظاهر بعض العبائر خلاف ذلك.

(1) كذا في المصدر، وفي النسخ: " يشدونه ".
(2) مشارق الشموس: 149.
(3) العبارة في الشرائع هكذا: " الماء عليها حتى يصل إلى البشرة ".
359

نعم، قد يستشكل فيما إذا حصل من التكرار وصول البلل، مع عدم
تحقق الجريان المعتبر في مفهوم الغسل.
ويضعفه ما تقدم (1) في أول المسألة السابقة من أن اعتبار الجريان إنما
هو في مقابل إيصال البلل بمس اليد الرطبة للمحل على نحو الوضع أو
الإمرار، وإلا فلا إشكال في صدق الغسل بمجرد استيلاء الماء على العضو من
دون إجراء، كما في الغمس أو وضع قطرة من الماء على جزء من العضو،
بحيث لا يتحرك عنه.
ويؤيده: الموثق في من انكسر ساعده ولا يقدر أن يحله لحال الجبر،
قال: " يضع إناء فيه ماء ويضع موضع الجبر في الماء، حتى يصل الماء إلى
جلده، وقد أجزأه ذلك من غير أن يحله " (2).
* (وإلا) * يقدر على غسل بشرة العضو المجبور * (أجزأه المسح عليها) *
عن غسل ما تحتها بلا خلاف، لقوله عليه السلام في حسنة الحلبي: " عن الرجل
تكون به القرحة في ذراعه (3)، أو نحو ذلك من موضع الوضوء، فيعصبها
بالخرقة (4)، فيتوضأ ويمسح عليها إذا توضأ؟ فقال (5): إن كان يؤذيه الماء
فليمسح على الخرقة، وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها " (6).

(1) في غير " أ ": " أن ما تقدم ".
(2) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 7.
(3) كذا في " ع " والمصدر، وفي سائر النسخ: " أذرعه ".
(4) كذا في " ع " والمصدر، وفي سائر النسخ: " الخرقة ".
(5) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي سائر النسخ: " قال ".
(6) الوسائل 1: 326، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
360

وفي رواية كليب الأسدي: " عن الرجل إذا كان كسيرا، كيف يصنع
بالصلاة؟ قال: إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصل " (1).
وعن تفسير العياشي بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام: " قال: سألت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضأ
صاحبها؟ وكيف يغتسل إذا أجنب؟ قال: يجزيه المسح بالماء عليها في
الجنابة والوضوء " (2).
ورواية ابن عيسى، عن الوشاء، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: " سألته
عن الدواء يكون على يدي الرجل أيجزيه أن يمسح في الوضوء على الدواء
المطلي عليه؟ قال: نعم، يجزيه أن يمسح عليه " (3).
ولا يعارضها عدم التعرض للمسح على الجبيرة في صحيحة ابن
الحجاج، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: " سألته عن الكسير تكون عليه (4)
الجبائر أو تكون به الجراحة، كيف يصنع بالوضوء، وعند (5) غسل الجنابة
وغسل الجمعة؟ فقال (6): يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر [مما ليس عليه

(1) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 8.
(2) تفسير العياشي 1: 236، الحديث 102، وفيه: " يجزيه المس بالماء عليها "، وعنه
في الوسائل 1: 328، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 11.
(3) الوسائل 1: 328، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 10، وفيه: " نعم،
يمسح عليه ويجزيه ".
(4) كذا في نسخة بدل " ع "، وفي " ع " وسائر النسخ: " يكون به ".
(5) " عند " من " ع " والمصدر.
(6) كذا في نسخة بدل " ع "، وفي " ع " وسائر النسخ: " قال ".
361

الجبائر] (1) ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله، ولا ينزع (2) الجبائر
ولا يعبث بجراحته " (3).
فإن ظهور هذه الرواية من حيث السكوت عن المسح لا يعارض
ظهور تلك الأخبار في وجوب المسح، حتى يحمل على الاستحباب، كما
استجوده صاحب المدارك (4) لولا الإجماع.
وأضعف من ذلك معارضة تلك الأخبار بما يأتي (5) من حسنة الحلبي
وصحيحة ابن سنان من الأمر بغسل ما حول الجرح، لأنها محمولة على
الجرح المجرد، لأن ما تقدم نص في الجرح ذي الجبيرة.
ثم إن ظاهر السؤال في هذه الرواية وحسنة الحلبي، كونه عن قيام
الجبيرة مقام البشرة في كفاية وصول الماء إليها، وأن المراد بالمسح المسؤول
عنه، هو إمرار اليد على الحائل في مقام الغسل، لأنه الذي يسبق إلى
الأذهان جوازه شرعا فيسأل عنه، دون المسح في مقابل الغسل، فإن
مشروعيته في محل الغسل، وصيرورة مسح البدل مقام غسل المبدل، مما لا
منشأ لتوهم إجزائه قبل الاطلاع على تعبد الشارع به.
ويؤيد ما ذكرنا: عبارة التحرير، قال: الجبائر تنزع ويمسح على العضو

(1) ما بين المعقوفتين من " ع " والمصدر.
(2) كذا في " ح " و " ع " والمصدر، وفي سائر النسخ: " ولا يدع ".
(3) الوسائل 1: 326، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث الأول، وفيه: " ويعبث
بجراحته ".
(4) المدارك 1: 238.
(5) يأتي في الصفحة 374.
362

مع المكنة، أو يكرر الماء حتى يصل إلى البشرة، وإلا مسح عليها (1)، انتهى،
فجعل المسح على الجبيرة مقابل المسح على البشرة، إلا أن الظاهر من كلمات
جماعة من الأصحاب: أن المراد المسح بالمعنى المقابل للغسل، فإن الشيخ في
المبسوط جعل استيعاب الجبيرة بالمسح أحوط (2)، واستشكل وجوب
الاستيعاب في الذكرى (3)، لصدق المسح على الجبيرة بالمسح على بعضها، كما
في مسح الرأس (4) والقدم، فلو أريد به الإمرار المتحقق في ضمن الغسل لم
يكن وجه لاحتمال كون المسح على الجبيرة نظير المسح على الرأس والقدم
في كفاية المسمى، حتى يجعل الاستغراق أحوط، لأن غسل مسمى الجبيرة
لا وجه له أصلا.
قال في المعتبر: الجبائر تنزع إن أمكن، وإلا مسح عليها، ولو في
موضع الغسل، وهو مذهب الأصحاب (5)، انتهى، ثم استدل بحسنة الحلبي (6)،
فإن ظاهر المقابلة إرادة المسح بالمعنى الأخص.
وأوضح من ذلك قوله في باب التيمم: يجب استيعاب الجبيرة بالمسح،
لأن المسح بدل عن الغسل (7).

(1) التحرير 1: 10.
(2) المبسوط 1: 23.
(3) الذكرى: 97.
(4) في النسخ: " الرجل "، والصحيح ما أثبتناه من مصححة " أ ".
(5) المعتبر 1: 161.
(6) المتقدمة في الصفحة 360.
(7) المعتبر 1: 409.
363

وقال في المنتهى: الجبائر تنزع مع المكنة، وإلا مسح عليها، وأجزأ
عن الغسل (1)، انتهى.
والمراد بالغسل غسل البشرة، إلا أن التعبير فيها بالغسل وفي الجبائر
بالمسح، ينافي إرادة مطلق الإمرار المتحقق في الغسل.
وقال في الذكرى: الجبيرة إن أمكن نزعها أو إيصال الماء إلى البشرة
وجب، تحصيلا لمسمى الغسل والمسح، وإن تعذرا مسح عليها ولو في موضع
الغسل (2)، انتهى، ثم نقل عن المعتبر أنه مذهب الأصحاب (3).
وأظهر من ذلك كلامه في موضع آخر، حيث إنه - بعد استحسان قول
الشيخ قدس سره: إلا أن الاستيعاب أحوط - قال: نعم، لا يجب إجراء الماء
عليها، لأنه لم يتعبد بغسلها إذا لم يصل الماء إلى أصلها (4)، انتهى.
ونحوه بعينه عبارتا الروض (5) والمسالك (6)، وفي جامع المقاصد: يمسح
الجبيرة المسح المعهود في الوضوء (7)، وقال شارح الجعفرية: لا يجب الإجراء
بل لا يجوز (8).

(1) المنتهى 2: 128.
(2) الذكرى: 96.
(3) المعتبر 1: 161.
(4) الذكرى: 97، وتقدم كلام الشيخ رحمه الله في الصفحة السابقة.
(5) روض الجنان: 39.
(6) المسالك 1: 41.
(7) جامع المقاصد 1: 233.
(8) الفوائد العلية في شرح الجعفرية (مخطوط)، وفيه: أما إجراء الماء على الجبيرة وإن
أمكن فغير واجب بل غير جائز.
364

وما أبعد ما بينه وبين ما نقل عن نهاية الإحكام من وجوب تحقق
أقل الغسل (1)، وعن كاشف اللثام: أنه قوي، والأخبار لا تنافيه (2)، انتهى.
أقول: وهو كما قال - على ما عرفت - إلا أن الفتاوي تنافيه، وقد بالغ
الوحيد البهبهاني قدس سره في شرح المفاتيح في تقوية هذا القول، وتنزيل
النصوص والفتاوي عليه (3)، لكن الإنصاف: أن إرادة إجراء الماء على
الجبيرة من المسح الوارد في الأخبار مشكل، فحملها على ما يتحقق معه
الغسل بعيد، وتخصيصها بالمسح المقابل للغسل - نظير المسح على الرأس،
حتى لا يجوز أن يقصد إلا المسح، بحيث لو قصد مجرد إيصال الرطوبة إلى
الجبيرة، مع عدم قصد الغسل ولا المسح لم يجز، ويلزمه المنع عن الوضوء
والغسل الارتماسيين - أشكل.
فلو قيل: إن الواجب هو مجرد إيصال الماء إلى الجبيرة، سواء حصل
أقل الغسل أو أكثره أو لم يحصل لم يكن بعيدا، ولا ينافيه الكلمات المذكورة،
لأن معنى عدم التعبد بالغسل في كلام الشهيدين (4): عدم إيجاب الشارع له.
ويمكن أن يراد من المسح في كلماتهم، المعنى المقابل للغسل، إلا أن
الحكم به رخصة لا عزيمة، كما يشهد له استدلال المعتبر (5) والمنتهى (6) له بنفي

(1) نهاية الإحكام 1: 65، وفيه: " ويحتمل وجوب أقل ما يسمى غسلا ".
(2) كشف اللثام 1: 75.
(3) مصابيح الظلام (مخطوط): 299 - 300.
(4) تقدم كلامهما في الصفحة السابقة.
(5) المعتبر 1: 161.
(6) المنتهى 2: 128 - 129.
365

الضرر والحرج.
فالاحتمالات في النصوص، والأقوال في الفتاوي أربعة:
إرادة المسح المقابل للغسل مع كون الحكم عزيمة، كما تقدم عن جامع
المقاصد (1) وشارح الجعفرية (2).
وإرادته مع كون الحكم رخصة، كظاهر الشهيدين (3).
وإرادة ما يتحقق الغسل، كما عن النهاية وكشف اللثام (4).
وإرادة الأعم منه، كما هو محتمل النصوص وأكثر الفتاوي.
والفرق بين هذا وبين القول الثاني: أنه يجوز على هذا القول إيصال
الماء بحيث لا يسمى غسلا ولا مسحا، لعدم الجريان والإمرار، كما لو بل
الجبيرة بمجرد وضع اليد، والقول بهذا غير بعيد من ظاهر الأخبار وأكثر
الفتاوي، وإن لم أعثر على مصرح باختياره. ويؤيده: لزوم الحرج العظيم في
إلزام المسح بالمعنى الأخص، وكذا الغسل.
ثم لا فرق بمقتضى إطلاق النصوص والفتاوي في وجوب المسح على
الجبيرة وعدمه وغسلها الأقرب إلى الواجب - ولعل هذا أقوى بل وأحوط -
بين استيعاب الجبيرة لمواضع الغسل وكونها على بعضها، كما صرح به
الفاضلان والشهيدان وغيرهم.
قال في المعتبر: لو كان على الجميع جبائر أو دواء يتضرر به، جاز
المسح على الجميع، ولو استضر تيمم (5)، انتهى.

(1) راجع الصفحة 364.
(2) راجع الصفحة 364.
(3) راجع الصفحة 364.
(4) تقدم كلامهما في الصفحة السابقة.
(5) المعتبر 1: 162.
366

وقال في التذكرة: لو كانت الجبائر على جميع أعضاء الغسل وتعذر
غسلها، مسح على الجميع مستوعبا بالماء، ومسح رأسه ورجليه ببقية البلل،
ولو تضرر تيمم (1)، انتهى.
وقال في الذكرى: لو عمت الجبائر أو الدواء الأعضاء، مسح على
الجميع، ولو تضرر بالمسح (2) تيمم، ولا ينسحب الحكم إلى خائف البرد
فيؤمر بوضع حائل، بل تيمم لأنه عذر نادر، وزواله سريع (3)، انتهى.
نعم، أكثر الأخبار لا يشمل هذه الصورة، لكن المناط منقح فيها.
ولا فرق أيضا في ظاهر الإطلاقات بين التمكن من نزع الجبيرة
والمسح على البشرة وعدمه، وإن كان مقتضى قاعدة وجوب مراعاة الأقرب
إلى الواجب المتعذر، تقدم المسح على البشرة على المسح على الجبيرة.
ويمكن دعوى اختصاص إطلاقات الأخبار، بل أكثر الفتاوي بصورة
عدم التمكن عن النزع، بل مسألة الجبيرة مفروضة في كلام أكثرهم في صورة
تعذر نزع الجبيرة وإن كان الغرض من هذا الفرد (4) بيان اعتبار تعذر الغسل،
لكن دعوى أن المناط في حكم المسألة عندهم تعذر الغسل وإن تيسر النزع
والمسح ممنوعة.
هذا، مع أن الجبيرة تستر بعض العضو الصحيح، ولا دليل على جوازه
مع عدم الحاجة، إلا أن يلتزم بمسح الصحيح أو غسله، ثم وضع الجبيرة

(1) التذكرة 1: 207.
(2) من " ع " والمصدر.
(3) الذكرى: 96 - 97.
(4) في غير " ع ": " الفرض ".
367

والمسح عليها، وهم لا يلتزمون به وإن كان أحوط.
هذا، ولكن لم أعثر على مصرح بذلك، وربما ينسب إلى ظاهر
التذكرة، وهو توهم يعرف بمراجعة التذكرة، فإنه قدس سره قال فيها (1): الجبائر
إن أمكن نزعها نزعت وغسل ما تحتها إن أمكن أو مسحت، وإن لم يمكن
وأمكنه إيصال (2) الماء إلى ما تحتها بأن تكرر عليه، أو يغمسه (3) في الماء
وجب، لأن غسل موضع الفرض ممكن، فلا يجزي المسح على الحائل (4)،
انتهى.
ومنشأ توهم النسبة قوله: " أو مسحت " بزعم أن معناه أنه إن لم
يمكن الغسل مسحت.
ويدفعه - مضافا إلى أن المناسب حينئذ قوله: " وإلا مسحت " لا
عطف المسح على الغسل. نعم، لو لم يقيد الغسل بالإمكان توجه العطف
بإرادة مانعة الخلو بالنسبة إلى مجموع صورتي الإمكان وعدمه - ملاحظة
ذيله المصرح بأن المفروض في مجموع هذا الكلام التمكن من الغسل، فيراد
من المسح في كلامه مسح مواضع المسح. نعم، ذيل كلامه مختص بموارد
الغسل، والترتيب بين نزعها وغسل محلها، وبين غمسها، وتكرار الماء جرى

(1) هنا في النسخ زيادة: " ما استقربناه منتهى "، ووردت العبارة في " ب " هكذا:
" فإنه قدس سره قال فيها ما استقربناه، وهو توهم يعرف بمراجعة التذكرة منتهى
الجبائر ".
(2) كذا في المصدر، وفي النسخ: " إيصاله ".
(3) كذا في المصدر، وفي النسخ: " بغمسه ".
(4) التذكرة 1: 207.
368

على العادة، لا لتعيين من الشرع.
هذا، وفي الذكرى: لو التصق (1) بالجرح خرقة، أو قطنة أو نحوهما،
وأمكن النزع، وإيصال الماء حال الطهارة، وجب، كما في الجبيرة، وإلا مسح
عليه، ولو استفاد بالنزع غسل بعض الصحيح فالأقرب الوجوب، لأن
الميسور لا يسقط بالمعسور، هذا مع عدم التضرر بنزعه (2)، انتهى.
هذا، لكن يستفاد من عدم جزمهم بوجوب المسح على الجرح المجرد
مع الإمكان، عدم الوجوب هنا بطريق أولى، كما سيجئ.
ثم الظاهر وجوب استيعاب الجبيرة بالمسح، لأنه الظاهر من الأخبار،
فاحتمال إلحاقه بالمسح على الرأس والقدمين لا وجه له.
ثم إن هذا كله إذا كانت الجبيرة طاهرة * (سواء كان ما تحتها طاهرا أو
نجسا) *، وتعذر إزالة نجاسته ووضع الجبيرة عليها، أما إذا كانت نجسة
وأمكن تطهيرها، طهرها ومسح عليها، وإلا إن أمكن وضع جبيرة عليها
فظاهر جماعة كالعلامة قدس سره (3) والشهيدين (4) وجوب وضع خرقة طاهرة
عليها، بل عن المدارك: أنه لا خلاف فيه (5).
ويشكل بأنه إن كان لوجوب إيصال الماء إلى محل الوضوء أو ما قام
مقامه، كان اللازم التزام وجوب إلصاق الجبيرة على الجرح المجرد، مع أنهم

(1) في نسخة بدل " ع ": " لصق ".
(2) الذكرى: 97.
(3) التذكرة 1: 207.
(4) الذكرى: 97، وروض الجنان: 39.
(5) المدارك 1: 237.
369

لا يقولون به، بل يكتفون بغسل ما حوله، بل لا يوجب بعضهم مسح البشرة
مع الإمكان، ولو اعتذر هنا بإطلاق النص بغسل ما حوله لم يجز فيما (1) لو
تعذر المسح عليه، لنجاسته أو لعذر آخر، حيث لم يلتزموا بوجوب وضع
الجبيرة، مع أن قيام الخرقة الموضوعة هنا مقام البشرة ممنوع، وقد حكم
بعض ممن حكم هنا بوجوب وضع الطاهر هنا (2) على الجبيرة النجسة،
- كالعلامة قدس سره في التذكرة -: بأنه لو كان موضع من البشرة نجسا وجب
التيمم (3)، فلم يحكم بوجوب وضع شئ طاهر، وليس ذلك إلا لعدم الدليل
على قيام ما يوضع مقام البشرة.
وإن كان عموم ما دل على وجوب المسح على الجبيرة (4) المتوقف هنا
على وضع الطاهر، لأنه يصير جزءا من الجبيرة قابلا للمسح، ففيه: أن
الظاهر من الأخبار مسح الموجود من الجبيرة، غاية الأمر وجوب تطهيرها
من باب المقدمة إن كانت قابلة للتطهير، أما وضع شئ عليها فلا يعد
تطهيرا، خصوصا إذا لم يصدق على الموضوع اسم الجبيرة، بأن وضعه ثم
رفعه بعد المسح عليه، ولذلك كله احتمل في الذكرى الاكتفاء بغسل
ما حوله (5)، ولا يخلو عن قرب، وإن كان الأحوط الجمع بين وضع الطاهر
وغسل ما حوله، بل المسح على الجبيرة النجسة، لحكاية القول بتعينه

(1) في " ج " و " ح ": " فيها ".
(2) كذا في النسخ، والظاهر زيادة: " هنا ".
(3) التذكرة 2: 185.
(4) الوسائل 1: 325، الباب 39 من أبواب الوضوء.
(5) الذكرى: 97.
370

عن بعض (1)، لإطلاق أخبار الجبيرة.
ثم إنه يلحق بالجبيرة غيرها، مما التصق بالبشرة لحاجة، وقد ورد
النص على الطلاء والخرقة والمرارة (2).
ولو ألصق الحاجب عبثا، أو التصق به اتفاقا، وتعذر نزعه، فصرح في
الذكرى بإلحاقه بالجبيرة (3)، وهو حسن، بناء على أن حكم الجبيرة المتعذر
نزعها مطابق للقاعدة المستفادة من مثل قولهم: " الميسور لا يسقط
بالمعسور " (4) وخصوص رواية عبد الأعلى مولى آل سام، قال: " عثرت
فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال:
يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)
امسح عليه... الخبر " (5) فإن إحالة استفادة المسح على المرارة من مجرد نفي
وجوب المسح على البشرة المستفادة من الآية، ظاهرة في أن الواجب هو
الاقتصار في الترك على ما تعذر من مباشرة الماسح للممسوح، من دون
سقوط أصل (6) الواجب من الغسل أو المسح.

(1) مشارق الشموس: 150، وفيه: بل الاحتياط التام أن يمسح أولا الخرقة النجسة
ثم الخرقة الطاهرة فوقها، لإطلاق الأمر بالرواية.
(2) الوسائل 1: 320، الباب 37 من أبواب الوضوء، الحديث 2، والصفحة 326،
الباب 39، الحديث 2 و 5.
(3) الذكرى: 97.
(4) عوالي اللآلي 4: 58، الحديث 205، وفيه: " لا يترك الميسور بالمعسور ".
(5) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5. والآية من سورة
الحج: 78.
(6) كذا في " ع "، وفي " أ " و " ب ": " لأصل "، وفي " ج " و " ح ": " الأصل ".
371

هذا، ولكن الإنصاف: عدم ثبوت القاعدة المذكورة في مثل المقام
أولا، ثم عدم جواز العمل بها في خصوص المقام على تقدير ثبوتها في أمثاله.
أما الأول، فلأن قاعدة " الميسور " إنما تجري في الأجزاء الخارجية،
دون القيود التي هي الأجزاء الذهنية، ولو فرض جريانها في القيود اختصت
بالقيود المنتزعة من الأمور الخارجية، كما إذا تعذرت الصلاة مع طهارة
الثوب، لتعذر غسله، أما مثل المباشرة فلا يعد من القيود، بل هي مقومة
لمفهوم غسل الأعضاء المأمور به في الوضوء، فإن غسل الوجه لا ينقسم إلى
ما كان مع المباشرة وبدونها. نعم، قد يطلق مسامحة على غسل القدر
المشترك بين العضو وما عليه من الحائل، لعدم التنبيه عليه في الشك في
الحاجب، لكن هذا المقدار لا يجعل المسح على الحائل قدرا ميسورا من
المسح الواجب في الوضوء، فلا بد من حمل رواية عبد الأعلى على أن
الراوي كان عالما بدوران الأمر بين المسح على المرارة والمسح على العضو،
وكان سؤاله عن وجوب رفع المرارة ثم وضعها، لعدم تعسره أو سقوط ذلك.
وأما الثاني، فلأن اللازم من إجراء القاعدة في هذا المقام، وجوب
غسل الجبيرة، وقد عرفت أن المشهور خلافه، بل اللازم منه ارتفاع التيمم
بالنسبة إلى المتضرر بالغسل، لبرد أو مرض أو نحوهما، لأن كل مريض
متمكن مباشرة أو تولية من مسح ما عليه من اللباس الساتر لبدنه، بل من
مسح بدنه تدريجا بيده المبلولة.
وأيضا فقد اتفقوا على أن من تعذر عليه الماء لبعض الأعضاء يرجع
إلى التيمم، ولا يشرع له الوضوء الناقص، وألحق به جماعة - كما عرفت (1) -

(1) في الصفحة 366 - 367.
372

ما إذا تضرر بمسح الجبيرة، وما إذا كان بعض مواضع الطهارة نجسا، إلى
غير ذلك مما ينافي الرجوع إلى القاعدة المذكورة.
وبالجملة، فالبناء على مراعاة ما تضمنته ظاهر رواية عبد الأعلى
- من أن تعسر القيد لا يوجب سقوط المقيد، خصوصا في مثل قيد المباشرة
التي هي في الحقيقة، من قبيل المقوم للفعل المأمور به، لا المقسم له - مقطوع
الفساد، وارتكاب التخصيص فيها كما ترى، مع أن سياق قوله عليه السلام:
" يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله " يأبى عن التخصيص، لأن ظاهره بيان
عدم الحاجة إلى السؤال، مع أن العام المخصص بتخصيصات كثيرة جدا
يحتاج العمل به إلى الفحص التام بجميع أنواعه، ومنها السؤال عن
الإمام عليه السلام.
وبالجملة، فمثل هذا الكلام من الإمام إنما يحسن في مقام لا يحتاج إلى
الفحص، إلا بالنسبة إلى المخصصات الشائعة الحاضرة في أذهان أكثر المكلفين
هنا، مع كون الرواية غير نقية السند.
وروايات " الميسور " (1)، و " ما لا يدرك كله " (2)، و " ما استطعتم " (3)
قاصرة الدلالة بالنسبة إلى المقام، لو أغمض عن أسنادها.
والحاصل: أن المسح على الجبيرة لا يوافق القاعدة، خصوصا مع
التمكن من مسح البشرة، بل لو ثبت غسل الجبيرة، كان مسح البشرة أقرب
منه، كيف ولم يثبت؟ فإلحاق ما عدا مورد النص بالجبيرة، يحتاج إلى تنقيح

(1) عوالي اللآلي 4: 58، الحديث 205.
(2) عوالي اللآلي 4: 58، الحديث 207.
(3) عوالي اللآلي 4: 58، الحديث 206.
373

المناط، ولعله منقح بالنسبة إلى كل ملصق لعذر، أما الملصق لا له، اتفاقا، أو
اختيارا، فمقتضى القاعدة غسله، لتعذر مسح البشرة فيه، مع أنه أحوط،
بناء على ما قدمنا من عدم اعتبار خصوص قصد المسح، أو الغسل في بل (1)
الجبيرة، هذا كله بعد تقديم الوضوء الناقص على التيمم كما سيجئ.
ثم إن المصنف قدس سره لم يتعرض لحكم الجرح المكشوف ونحوه،
فالمعروف الاكتفاء بغسل ما حوله مع تعذر المسح (2) عليه، لحسنة الحلبي:
" سألته عن الجرح، كيف أصنع به في غسله؟ قال: اغسل ما حوله " (3).
ونحوها رواية عبد الله بن سنان: " عن الجرح كيف يصنع صاحبه؟
قال: يغسل ما حوله " (4).
ومقتضى إطلاقهما والسكوت عن وجوب مسح البشرة - بناء على منع
انصرافه إلى الغالب من تضررها بالمسح - عدم الفرق بين التمكن من المسح
عليه وعدمه، كما هو ظاهر جماعة.
وعن جماعة منهم الفاضلان (5) قدس الله تعالى أسرارهم وجوب المسح، قال في
محكي النهاية: لأنه أحد الواجبين، ولتضمن الغسل إياه. ويؤيده (6) حكمهم
بترجيح غسل الرجلين على مسح الخفين لو أحوجت التقية إلى أحدهما،

(1) كلمة " بل " لم ترد في " ح ".
(2) في " ب ": " الغسل ".
(3) الوسائل 1: 326، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(4) الوسائل 1: 326، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(5) المعتبر 1: 410، والنهاية 1: 66.
(6) في " ج "، " ح " و " ع ": " ويؤيد ".
374

وفيه تأمل، لأن كونه أحد الواجبين لا يقتضي قيامه مقام الآخر.
وأما تضمن الغسل إياه، فهو ممنوع. نعم، بينهما قدر مشترك يتضمنه
كل منهما.
وبالجملة، فقاعدة " الميسور " غير جارية هنا حتى لو أجريناها في
القيود، بل هو نظير المباشرة التي عرفت حالها، ولذا لم يحكم الأكثر بكفاية
مسح أعضاء الوضوء إذا لم يتمكن من غسلها، بل حكموا بالعدول إلى
التيمم، واعترضوا (1) على الشيخ قدس سره في تقديم التمسح بالثلج على التيمم (2)
وإن تبعه في المنتهى (3).
ودعوى الفرق بين تعذر الغسل لفقد الماء وتعذره لغيره من الأعذار
فيجزيه المسح في الثاني دون الأول لصدق عدم وجدان الماء فيه مدفوعة بما
سيتضح من أن المناط في التيمم في الآية - كما يظهر من ذيلها - هو الحرج في
استعمال الماء على وجه الغسل لا خصوص الفقدان. نعم، استحباب المسح
على الجبيرة ربما يدل بالفحوى على المسح على البشرة، لكن بعد ملاحظة
تقديم الجبيرة على البشرة في المسح والاتفاق على المسح على الجبيرة
والخلاف في البشرة هنا لا تبقى الفحوى، ولأجل ما ذكرنا استشكل في
المسألة جماعة من متأخري المتأخرين (4)، بل عن المدارك أنه ينبغي القطع

(1) كالعلامة في المختلف 1: 425، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 99، وصاحب
الجواهر في الجواهر 5: 153.
(2) الإستبصار 1: 158، ذيل الحديث 548.
(3) المنتهى 3: 71.
(4) منهم المحقق السبزواري: 38، والمحدث البحراني في الحدائق 3: 383.
375

بالاكتفاء بغسل ما حوله (1)، بل عن جامع المقاصد نسبة ذلك إلى نص
الأصحاب وورود الأخبار (2)، لكن يحتمل بقرينة النسبة إلى الأخبار أن
يكون ذلك بالنسبة إلى عدم وجوب التيمم لا عدم وجوب الزائد على غسل
ما حوله.
هذا، والأحوط ما ذكره الجماعة، وعليه فلو تعذر المسح على البشرة
لتضرره، ففي وجوب وضع الجبيرة قولان، أقواهما العدم، خصوصا إن أريد
الوضع قبل غسل ما حوله المستلزم لستر بعض الصحيح، لإطلاق الروايتين
السابقتين.
وكون وجوب المسح على الجبيرة في أدلتها - حتى مثل قوله عليه السلام:
" إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره " (3) مفروضا في ذي الجبيرة
وإن كان السؤال فيه عن مطلق الكسر الشامل للمجرد عن الجبيرة،
فيتوهم ظهوره في الوجوب المطلق فيجب تحصيل الجبيرة - فاسد جدا كما
لا يخفى.
نعم، حكى في الرياض دعوى عدم الخلاف في وجوب وضع الجبيرة
ما لم يستر شيئا من الصحيح (4).
ولو كان تعذر المسح بسبب النجاسة، ففي إلحاقها بالجبيرة النجسة
في وجوب وضع طاهر عليها ثم المسح عليه، أو بالبشرة الصحيحة النجسة

(1) المدارك 1: 238.
(2) جامع المقاصد 1: 515.
(3) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 8.
(4) الرياض 1: 260.
376

التي حكم فيها في المبسوط (1) والمعتبر (2) والتذكرة (3) بانتقاله إلى التيمم،
أو بالبشرة المجروحة التي لا يمكن مسحها بناء على ما انتصرناه فيها،
أو المسح على الموضع النجس كما عن بعض (4) في مسألة الجبيرة، وجوه:
أقواها الثالث.
ولنذكر عبارة الذكرى في حكم الجرح المجرد بأقسامه، قال قدس سره:
لو أمكن المسح على محل الجرح المجرد بغير خوف تلف ولا زيادة فيه، ففي
وجوب المسح عليه احتمال، مال إليه في المعتبر (5)، وتبعه في التذكرة (6)،
تحصيلا لشبه الغسل عند تعذر حقيقته، وكأنه يحمل الرواية بغسل ما حوله
على ما إذا خاف الضرر بمسحه، مع أنه ليس فيها نفي لمسحه، فيجوز
استفادته من دليل آخر، فإن قلنا به وتعذر ففي وجوب وضع لصوق
والمسح عليه احتمال أيضا، لأن المسح بدل عن الغسل فينسب إليه (7) بقدر
الإمكان، وإن قلنا بعدم المسح على الجرح المجرد مع إمكانه أمكن وجوب
هذا الوضع لتحاذي الجبيرة وما عليه لصوق ابتداء، والرواية دالة على عدم
الوجوب. أما الجواز فإن لم يستلزم ستر شئ من الصحيح فلا إشكال فيه،

(1) المبسوط 1: 35.
(2) المعتبر 1: 369.
(3) التذكرة 2: 185.
(4) لم نعثر عليه.
(5) المعتبر 1: 410.
(6) التذكرة 2: 220.
(7) في " ح ": " فينتسب إليه "، والصواب - ظاهرا -: " فيتسبب إليه ".
377

وإذا استلزم أمكن المنع، لأنه ترك للغسل الواجب، والجواز، عملا بتكميل
الطهارة بالمسح (1)، انتهى كلامه رفع مقامه.
فبقي في المقام إشكال، تفطن له جماعة منهم المحقق الثاني قدس سره (2)، وهو:
أن الأخبار بل فتاوي الأصحاب وقع في المجروح والمقروح والكسير بالتيمم
على وجه ينافي ما ذكر هنا من النص والفتوى، فلا بد من ذكر الأخبار
والفتاوي في التيمم، ثم بيان مقتضى القاعدة عند دوران الأمر بين الوضوء
الناقص والتيمم، حتى يرجع إليه عند التوقف في الأخبار، ثم بيان ما يصلح
محملا لتلك الأخبار.
أما الأخبار، فمنها: صحيحة محمد بن مسلم، قال: " سألت أبا
جعفر عليه السلام: عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب، قال: لا بأس
بأن لا يغتسل ويتيمم " (3).
ومنها: رواية جعفر بن إبراهيم الجعفري، عن أبي عبد الله عليه السلام:
" قال: إن النبي صلى الله عليه وآله ذكر له: أن رجلا أصابته جنابة على جرح كان
به، فأمر بالغسل، فكز، فمات، قال: قتلوه، قتلهم الله، إنما كان دواء العي
السؤال " (4).
والظاهر أن المراد: أن الواجب عليه كان هو التيمم دون الغسل، لا
المسح على الجبيرة دون غسل البشرة، بقرينة ما سيأتي.

(1) الذكرى: 97.
(2) جامع المقاصد 1: 515.
(3) الوسائل 2: 967، الباب 5 من أبواب التيمم، الحديث 5.
(4) الوسائل 2: 967، الباب 5 من أبواب التيمم، الحديث 6.
378

ومنها: صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: " في رجل تصيبه
الجنابة وبه قروح، أو جروح، أو يكون يخاف على نفسه من البرد، فقال:
لا يغتسل ويتيمم " (1)، ومثلها رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام (2).
ومنها: موثقة محمد بن مسلم، عن أحدهما: " في الرجل تكون به
القروح في جسده، فتصيبه الجنابة، قال: يتيمم " (3).
ومنها: مرسلة الصدوق، عن الصادق عليه السلام: " المبطون والكسير
يؤممان ولا يغتسلان " (4).
ومنها: حسنة ابن أبي عمير عن محمد بن مسكين وغيره، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: " قيل: يا رسول الله، إن فلانا أصابته جنابة
وهو مجدور، فغسلوه فمات، فقال: قتلوه، قتلهم الله، ألا سألوا ألا يمموه، إن
شفاء العي السؤال " (5).
قال الكليني: وروي ذلك في الكسير والمبطون، يتيمم ولا يغتسل (6).
هذا ما وصل إلينا من الأخبار.
وأما الفتاوي المخالفة بظاهرها لما ذكر هنا، ففي موردين.

(1) الوسائل 2: 968، الباب 5 من أبواب التيمم، الحديث 7.
(2) الوسائل 2: 968، الباب 5 من أبواب التيمم، الحديث 8.
(3) الوسائل 2: 968، الباب 5 من أبواب التيمم، الحديث 9.
(4) الفقيه 1: 107، الحديث 218، وعنه في الوسائل 2: 968، الباب 5 من أبواب
التيمم، الحديث 12، وفيه: " يؤممان ولا يغسلان ".
(5) الوسائل 2: 967، الباب 5 من أبواب التيمم، الحديث الأول.
(6) الكافي 3: 68، ذيل الحديث 5.
379

أحدهما: الكسر والجرح والقرح التي عليها جبيرة أو خرقة، فإن
ظاهرهم الاتفاق في باب الوضوء على وجه المسح عليها، وأطلقوا في باب
التيمم: أن الكسير والمجروح والمقروح، بل كل من لم يتمكن من غسل بعض
أعضاء الطهارة تيمم، ولا يكتفي بغسل الصحيح.
لكن هذا التنافي يرتفع بأدنى تتبع في كلماتهم فإنه يحصل القطع أن
مرادهم في باب التيمم: ما عدا الجبائر والخرق المشدودة على الجرح.
الثاني: الكسر والجرح والقرح المجرد، وعمدة الاضطراب هنا، ولنذكر
عباراتهم، فنقول:
قال في المبسوط في باب التيمم: ومن كان في بعض جسده أو بعض
أعضاء طهارته ما لا ضرر عليه، والباقي عليه جراح، أو عليه ضرر في
إيصال الماء إليه، جاز له التيمم، ولا يجب عليه غسل الأعضاء الصحيحة،
فإن غسلها وتيمم كان أحوط، سواء كان الأكثر صحيحا أم عليلا، وإذا
حصل على بعض أعضاء طهارته نجاسة ولا يقدر على غسلها لألم فيه أو
قرح أو جرح، تيمم وصلى ولا إعادة عليه (1)، انتهى. وذكر نحو ذلك بعينه
في الخلاف (2)، واستدل عليه بآية نفي الحرج (3)، وما قدمه من الأخبار،
وأشار إلى روايتي محمد بن مسكين وداود بن سرحان المتقدمتين (4).
وقال في المعتبر: إنه لو تضرر بعض أعضائه بالماء لمرض، تيمم، ولم

(1) المبسوط 1: 35.
(2) الخلاف 1: 154، المسألة 105.
(3) الحج: 78.
(4) في الصفحة 379.
380

يغسل الصحيح، وقال في المبسوط: ولو غسلها وتيمم كان أحوط، وكذا لو
كان بعض أعضائه نجسا ولا يقدر على طهارته تيمم وصلى ولا يعيد (1)،
انتهى. ولا ريب أن هذا الكلام شامل للضرر لأجل الجرح أو القرح (2)
المجردين المتعذر مسحهما، بقرينة حكاية قول المبسوط.
وقال في التذكرة: لو تضرر بعض أعضائه بالماء تيمم ولم يغسل
الصحيح، قال في الخلاف والمبسوط: لو غسل الصحيح وتيمم كان أحوط،
وكذا لو كان بعض أعضائه نجسا ولا يقدر على طهارته بالماء تيمم وصلى (3)،
انتهى. وهو في الصراحة في الجرح والقرح المجردين كعبارة المعتبر.
وفي المنتهى: الجريح لو أمكنه غسل بعض جسده أو بعض أعضائه في
الوضوء جاز له التيمم، قال في الخلاف: ولا يجب عليه غسل الأعضاء
الصحيحة أصلا، ولو غسلها ثم تيمم كان أحوط، وقال بعد ذلك: لو كان
الجرح مما يمكن أن يشده وغسل باقي العضو ومسح باقي الخرقة التي عليه
وجب ولا تيمم، وإن لم يتمكن من ذلك تيمم (4)، انتهى.
وقال في البيان: الجريح إن أمكنه غسل ما عدا الجرح وجب، ثم إن
أمكنه اللصوق على الجرح فعل ومسح عليه، ولو استوعب العذر عضوا
تيمم، واحتاط الشيخ بغسل الصحيح والتيمم الكامل (5)، انتهى.

(1) المعتبر 1: 369.
(2) في غير " ع ": " والقرح ".
(3) التذكرة 2: 170.
(4) المنتهى 3: 32 و 34.
(5) البيان: 88.
381

وقال في الدروس: ولو تضرر بالماء في بعض الأعضاء تيمم، وفي
المبسوط: يغسل الصحيح ويتيمم (1)، انتهى.
وقال في الجعفرية: وخوف استعماله ولو في بعض الأعضاء كفقده (2)،
انتهى.
ونحوه كلامه في جامع المقاصد، فصرح بالتيمم، ثم حكى احتياط
الشيخ بالجمع بين الوضوء والتيمم، ونفى الريب عن ضعفه (3).
وهذه الكلمات كما ترى كلها صريحة، بقرينة حكاية قول المبسوط في
القروح والجروح المجردة. نعم، عبارة البيان مختصة بالجرح المستوعب
للعضو.
وقد ذكر هؤلاء الأساطين في النهاية، والمعتبر، والتذكرة، وكتب
الشهيد، وما تقدم من جامع المقاصد ما ينافي بظاهره لذلك، فقال في النهاية
- بعد الحكم بوجوب مسح الجبيرة والخرقة المشدودة -: وإن كان جراحا
غسل ما حولها وليس عليه شئ (4).
وفي المعتبر والتذكرة: لو كان به جرح ولا جبيرة، غسل جسده وترك
الجرح، ثم ذكرا قول الشافعي بالجمع، وقول أحمد بالمسح على الجرح
واستجوداه (5).

(1) الدروس 1: 131.
(2) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 94 - 95.
(3) جامع المقاصد 1: 514 - 515.
(4) النهاية: 16.
(5) المعتبر 1: 410، والتذكرة 2: 219.
382

غاية الأمر فتوى أكثرهم بوجوب مسحه إن أمكن بدون وضع لصوق
أو معه، وأول من تنبه لهذا المحقق الثاني، قال في جامع المقاصد - بعد ما
حكينا عنه في شرح قول العلامة قدس سره: " وتيمم من لا يتمكن من غسل
بعض أعضائه ولا مسحه " - قال: واعلم أن هذا لا يتمشى على ظاهره،
لأن الجرح الذي لا لصوق عليه والكسر الذي ليس (1) عليه جبيرة إذا
تضرر بالماء يكفي غسل ما حوله، كما نصوا عليه، ووردت به الأخبار،
فكيف يجوز العدول عنه إلى التيمم (2)؟ انتهى.
وفي المدارك في باب الجبيرة: واعلم أن في كلام الأصحاب هنا
إجمالا، فإنهم صرحوا هنا بإلحاق القرح والجرح بالجبيرة سواء كان عليها
خرقة أم لا، وفي التيمم جعلوا من أسبابه الخوف من استعمال الماء بسبب
القرح والجرح والشين، ولم يشترط أكثرهم في ذلك تعذر وضع شئ عليها
والمسح عليه (3)، انتهى. وقد تفطن لهذا التنافي جماعة ممن تأخر عنهم (4).
ثم إنهم تصدوا للجمع بين كلماتهم في المقامين بوجوه، منها: ما ذكره
في جامع المقاصد عقيب الكلام المتقدم عنه، فقال: ويمكن الجمع بأن ما
يسقط غسله ولا ينتقل معه إلى التيمم ما كان الجرح ونحوه في بعض العضو،
فلو استوعب عضوا كاملا وجب الانتقال إلى التيمم، قال: ويمكن الجمع بأن

(1) كلمة " ليس " من " أ " و " ب ".
(2) جامع المقاصد 1: 515.
(3) المدارك 1: 238.
(4) منهم المحدث الكاشاني في المفاتيح 1: 50، والمحدث البحراني في الحدائق 2:
386، والوحيد البهبهاني في مصابيح الظلام (مخطوط): 301.
383

ما ورد النص بغسل ما حوله مع تعذر غسله هو الجرح والقرح والكسر، فلا
ينتقل منه إلى التيمم بمجرد تعذر غسله وإن كثر، بخلاف غيره، كما لو كان
تعذر الغسل لمرض آخر، فإنه ينتقل إلى التيمم هنا، إلا أن عبارات
الأصحاب تأبى عن ذلك، لأن المصنف قال في التذكرة: الطهارة عندنا لا
تتبعض، فلو كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا تيمم، وكفاه عن غسل
الصحيح (1)، وظاهر هذه العبارة الإطلاق، فيكون الجمع الأول قريبا من
الصواب، لأن اغتفار عضو كامل في الطهارة بعيد (2)، انتهى.
أقول: قد عرفت أن كلمات الأصحاب في باب التيمم - بقرينة ذكرهم
طرا لاحتياط الشيخ (3) بالجمع بين الوضوء والتيمم، مع اختصاص مورد
كلام الشيخ بالجرح والقرح - صريحة في عدم (4) اختصاص التيمم عندهم بما
عدا الجرح والقرح، فلا يحتاج إلى الاستشهاد بكلام التذكرة الذي لو أخذ
بإطلاقه لزم منه فساد الجمع الأول الذي استصوبه وأشير إليه في عبارة
البيان المتقدمة (5)، لأن عدم تبعض الطهارة شامل لما إذا كان الجرح على
بعض عضو منه بحيث يمكن غسل ما حوله ومسحه، أو مسح شئ موضوع
عليه، بل ملاحظة عبارة التذكرة الحاكية هنا لاستدلال الشافعي القائل
بالجمع في المسألة بين الغسل والتيمم (6)، وفي فرع آخر ذكره بعد ذلك لبيان

(1) التذكرة 2: 216.
(2) جامع المقاصد 1: 515.
(3) راجع المبسوط 1: 35.
(4) لم ترد " عدم " في غير " ع ".
(5) راجع الصفحة 381.
(6) التذكرة 2: 216.
384

كيفية التبعيض على قول الشافعي (1)، يوجب القطع بأن عنوان مسألة تبعيض
الطهارة وعدمه في التذكرة يشمل الجرح الكائن على بعض عضو من أعضاء
الوضوء، وكذا ملاحظة كلامه في الجرح المجرد عن الجبيرة المتعذر غسله
ومسحه، واستدلاله على كفاية غسل الباقي بأن اعتلال بعض الأعضاء
لا ينقص عن فقدانه (2).
فتحصل من جميع ما ذكرنا: أن ما ذكره من الوجهين غير مستقيم في
الجمع، بعد ما عرفت من صراحة كلماتهم في شمول مورد التيمم للجروح
والقروح الغير المستوعبة، وشمول مورد غسل الباقي للمستوعب.
والإنصاف: أنه لا يحضرني في الجمع بين هذه الكلمات وجه يطمئن به
النفس، وكذلك بين تلك الأخبار المتقدمة، وإن ذكر جماعة من أصحابنا
وجوها لذلك، بحمل أخبار التيمم على غير ذي الجبيرة، وحمل تلك الأخبار
على ذي الجبيرة (3)، أو حمل أخبار التيمم على المستوعب وتلك الأخبار على
غيره (4)، أو حمل أخبار التيمم على ما لا يمكن مسحه أو مسح خرقة يشد
عليه وحمل تلك الأخبار على ما يمكن (5)، أو حمل أخبار التيمم على الغسل
وتلك الأخبار على الوضوء (6) أو غسل ذي الجبيرة والخرقة كما هو مورد

(1) التذكرة 2: 220.
(2) لم نعثر على هذا الكلام في التذكرة.
(3) انظر غنائم الأيام: 25.
(4) كما في جامع المقاصد 1: 515.
(5) نقله في مفتاح الكرامة 1: 283 عن شرح المفاتيح.
(6) الحدائق 2: 386.
385

صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (1)، أو حمل أخبار التيمم على صورة
الضرر بغسل الصحيح وتلك الأخبار على غيرها (2)، أو حمل أخبار الطرفين
على التخيير (3).
إلا أن الكل بعيد وإن كان ما قبل الأخير منها لا يخلو عن قرب، بل
ظهور بالنسبة إلى أكثر الأخبار.
وكيف كان، فلا بد من ملاحظة ما يقتضيه الأصل فيما هو غير داخل
تحت المنصوص (4) من الأمراض المانعة عن غسل العضو، وأنه التيمم، أو
الوضوء الناقص مع مسح الموضع، أو جبيرة موضوعة عليه، أو بدونه.
فنقول: ذكر شارح الدروس قدس سره (5) ما حاصله: أن الوضوء المأمور
به لما تعذر بعض أفعاله سقط الأمر به، لأنه تكليف واحد بمجموع الأفعال،
لا تكاليف متعددة، والتكليف بالتيمم في الآية لا يشمل بظاهره هذه
الصورة، فيجب الرجوع إلى الأصل وهو في مثل المقام - مما علم وجوب
شئ مردد - هو التخيير، إلا أن الأحوط هو الجمع، وهو مبني على أن
روايات " الميسور " (6) و " ما لا يدرك كله... " (7) و " إذا أمرتكم بشئ... " (8)
لا تنهض - لضعف أسنادها، بل لقصور دلالتها - لتأسيس قاعدة في التكاليف.

(1) الوسائل 1: 326، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(2) المدارك 1: 239، والمفاتيح 1: 50.
(3) المدارك 1: 239.
(4) في " ب ": " النصوص ".
(5) مشارق الشموس: 152.
(6) عوالي اللآلي 4: 58.
(7) عوالي اللآلي 4: 58.
(8) عوالي اللآلي 4: 58.
386

ويمكن دعوى انجبار ضعفها بتمسك العلماء بها قديما وحديثا، مع ما
حررناه في مقام آخر من عدم قصور دلالتها.
فالإنصاف: أن الحكم بسقوط التكليف بالكل - لتعذر بعض أجزائه -
بأصالة البراءة في مقابل هذه الأخبار في غاية الجرأة.
مضافا إلى ما قيل أو يقال من أن المقام مقام استصحاب الحال،
لثبوت التكليف قبل التعذر، وهذا الاستصحاب وإن كان غير جار بمقتضى
الدقة في تعيين موضوع المستصحب، إلا أن الظاهر من الأصحاب في بعض
المقامات كفاية إحراز الموضوع ولو بالمسامحة العرفية، كما يستصحب كرية
الماء الذي أخذ منه بعد العلم بكريته، فيقال: هذا الماء كان كرا ويشك في
ارتفاع كريته، مع أن هذا الماء الموجود لم يعلم بكريته، فيراد من الماء في
القضيتين هو القدر المشترك بين ما قبل الأخذ وما بعده، وكذلك يقال فيما
نحن فيه: إن الوضوء كان واجبا قبل هذا العذر والأصل بقاؤه بعده، فيراد
بالوضوء في القضيتين القدر المشترك بين ما قبل التعذر وما بعده، أو يراد
من الوجوب في القضيتين مطلق الثبوت المشترك بين النفسي والغيري،
فلا ينافي كون المتيقن سابقا هو الغيري، والمشكوك فيه لاحقا هو النفسي،
ولذا أطلق عليه عدم السقوط في قوله: " الميسور لا يسقط " مع أن الوجوب
الغيري السابق ساقط قطعا، والنفسي اللاحق لم يكن له ثبوت حتى يتصور
فيه سقوط.
وأما ما ذكره (1) من عدم شمول آية التيمم لما نحن فيه، فهو حق
بملاحظة قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) إلا أن قوله تعالى في آخر

(1) أي: ما ذكره شارح الدروس، راجع الصفحة السابقة.
387

الآية: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم) (1) ظاهر
في أن مناط شرعية التيمم هو ثبوت الحرج والضيق في إتيان أفعال الوضوء
المتقدمة سابقا، سواء كان لفقد الماء، أو التضرر في تحصيله، أو باستعماله في
جميع الأعضاء أو بعضها على الوجه المعتبر من الغسل والمسح، أو مطلقا،
فمحصل الآية الشريفة - بملاحظة صدرها وذيلها -: أنه كل ما كان في
الإتيان بالأفعال المعهودة للوضوء حرج على المكلف وجب عليه التيمم،
كما أن محصل أدلة " الميسور " و " ما لا يدرك ": أنه إذا تعذر الإتيان بجميع
أفعال الوضوء وجب الإتيان ببعضها المتمكن، وحيث علم بالإجماع عدم
اجتماع الطهارتين على مكلف واحد - خلافا لما تقدم عن الشافعي (2) -
تعارضت الأدلة من الطرفين بالعموم من وجه، فيرجع في مادة الاجتماع إلى
الاحتياط بالجمع بين الأمرين، لاستصحاب بقاء المنع عن (3) الدخول في
الصلاة وعدم الإباحة.
هذا، ولكن مقتضى النظر الدقيق حكومة روايات " الميسور لا يسقط
بالمعسور " وقوله: " ما استطعتم " على أدلة التيمم، لأن مفادها: أن ثبوت
البعض الميسور على المكلف في زمان تيسر الكل ليس مقيدا ومنوطا بعدم
تعسر شئ من الأجزاء حتى يسقط بتعسره، بل هو ثابت على كل حال.
وكذا قوله عليه السلام: " فأتوا منه ما استطعتم " الظاهر في اكتفاء الشارع
بالمستطاع في امتثال الأوامر، فيكشف عن أن الأمر بكل مركب أمر بالمقدار

(1) المائدة: 6.
(2) في الصفحة 384.
(3) في " أ "، " ب " و " ع ": " من ".
388

المتمكن منه، كلا كان أو بعضا.
وحينئذ فالأمر في قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق) (1) غير مقيد بالتمكن من مسح الرأس والرجل، وكذا
العكس فالأمر بكل من الأجزاء مشروط بالتمكن من نفسه غير مشروط
بالتمكن من جزء آخر، فالمتمكن من الغسل العاجز عن المسح مثلا داخل
تحت الأمر المنجز بغسل الوجه والأيدي، لأنه متمكن منه وإن لم يجب عليه
المسح لعدم التمكن، فتكون الآية الشريفة - بملاحظة رواية: " الميسور لا
يسقط بالمعسور " - متكفلة لحكم الوضوءات الناقصة، وكفايتها عند إرادة
القيام إلى الصلاة، فقوله: (فلم تجدوا ماء) إلى آخر الآية (2) - ولو بملاحظة
ذيلها - يصير مختصا بمن كان الحرج في وضوئه ولو ناقصا، بأن لم يتمكن من
الأفعال رأسا، فيرجع إلى ما يكون الآية ظاهرة فيه قبل ملاحظة ذيلها
وهو الفاقد للماء رأسا، من حيث إنه ناظر إلى المعلق وحاكم على ظهوره في
ارتباطه بالأمر المتعلق بالأجزاء.
ولأجل ما ذكرنا ترى جماعة من الأصحاب، كالشيخ في الخلاف (3)
والفاضلين في المعتبر (4) والمنتهى (5) وغيرهم (6) يقتصرون - في مثل مسألة
المسح على الحائل مما تعذر فيه الإتيان ببعض واجبات الوضوء - على إثبات

(1) المائدة: 6.
(2) المائدة: 6.
(3) الخلاف 1: 159، المسألة 110.
(4) المعتبر 1: 161.
(5) المنتهى 2: 128 - 129.
(6) كالشهيد في الذكرى: 96.
389

سقوط ذلك الواجب بآية نفي الحرج، ولا يتعرضون لإثبات التكليف
بالوضوء الناقص، وليس ذلك إلا لأجل التسالم على بقاء التكليف بالطهارة،
وعدم سقوطه بسقوط بعض واجباتها، وإلا فلا بد لهم أولا أن يثبتوا بقاء
التكليف بالطهارة المائية وعدم انتقاله إلى التيمم.
هذا، ولكن الإنصاف: أن الموارد التي عمل فيها على طبق هذه
القاعدة في النصوص والفتاوي بالنسبة إلى الموارد التي ترك فيها العمل بهذه
القاعدة في باب الطهارة في غاية القلة، بل لو بني على إعمال القاعدة
المذكورة بالنسبة إلى القيود المتعذرة انحصر مورد التيمم بفاقد الماء رأسا،
وخرج المرض من عداد الأسباب المسوغة للتيمم مع نص الكتاب (1) والسنة
القطعية (2) على كونه من أسبابه، إذ ما من مريض إلا ويمكن أن يمس بنفسه
أو بغيره بعض جسده أو بعض الثوب الملاصق ببدنه الذي هو بمنزلة الجبيرة،
وهذا واضح لمن تتبع النصوص والفتاوي.
فالإنصاف: أن المسألة في غاية الإشكال، إلا أن ترك العمل بتلك
القاعدة في باب الطهارة في غير الموارد التي عمل فيها المعظم لعله لا يخلو
عن قوة، فيحكم فيها بالتيمم، لكن الأحوط في غير موارد الإجماع أو
النص على الطهارة المائية الجمع بينها وبين الطهارة الترابية، والله العالم.
ثم إنك تعرف مما ذكرنا من حكم الجروح والقروح الكائنة في محل
الغسل حكم الكائن منها في محل المسح، فيمسح على الجبيرة مراعيا لكيفية
المسح على البشرة.

(1) المائدة: 6.
(2) الوسائل 2: 966، الباب 5 من أبواب التيمم.
390

وفي وجوب تكرار الماء حتى يمس البشرة وجه استظهره في جامع
المقاصد (1)، تمسكا بقاعدة: " الميسور لا يسقط بالمعسور "، فيجب إمساس
الماء للبشرة وإن لم يكن مسحا، كما يجب مسح محل الغسل المتعذر غسله
وإن لم يكن غسلا.
ويؤيده: حكمهم بترجيح غسل الرجلين على مسح الخفين لو
أحوجت التقية إلى أحدهما، فإن المسألتين ظاهرا من واد واحد، وكذا كان
الأقوى هنا أيضا ما تقدم في وضوء التقية من أنه إذا زال العذر المسوغ
للوضوء الناقص أجزأ ما فعله من الغايات المشروطة بالطهارة، واستأنف
الوضوء لما لم يفعله من العبادات، حتى ما تطهر لأجله، وفاقا للمبسوط (2)
وظاهر المعتبر (3) والإيضاح (4) وشرح المفاتيح (5)، لأصالة بقاء الحدث، وعدم
إباحة الوضوء الناقص إلا للغاية المأتي بها حال تعذر الوضوء التام، فيبقى
عموم الأمر به عند إرادة القيام إلى الصلاة (6)، وقوله عليه السلام: " لا صلاة إلا
بطهور " (7) على حاله، خلافا للمحكي عن المختلف (8) وكتب الشهيد (9) وجامع

(1) جامع المقاصد 1: 233.
(2) المبسوط 1: 23.
(3) المعتبر 1: 162.
(4) إيضاح الفوائد 1: 40.
(5) مصابيح الظلام (مخطوط): 304.
(6) المائدة: 6.
(7) الوسائل 1: 256، الباب الأول من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(8) المختلف 1: 303.
(9) الذكرى: 97، والدروس 1: 92، والبيان: 51.
391

المقاصد (1) والمدارك (2) فلم يوجبوا الاستئناف، وفرعه في جامع المقاصد على
مقدمات:
الأولى: امتثال المأمور به يقتضي الإجزاء.
الثانية: يجوز أن ينوي صاحب هذه الطهارة رفع الحدث، فيحصل له،
لقوله عليه السلام: " لكل امرئ ما نوى " (3).
الثالثة: لا ينقض الوضوء الرافع للحدث إلا الحدث، وزوال السبب
ليس من الأحداث إجماعا، فيجب استصحاب الحكم إلى أن يحصل حدث
آخر.
ثم فرع على هذه المقدمات الحكم بعدم لزوم الإعادة في وضوءي
التقية والجبيرة (4).
أقول: ويرد على الأولى أن الأمر بالوضوء ليس إلا لأجل إحراز
إباحة الصلاة عند الدخول فيها، وليس المطلوب مجرد إيجاده في الخارج،
فإذا وقع الكلام في أن المباح بهذا الوضوء هي الصلاة المأتي بها حال العذر
أو مطلق الصلاة فلا ينفع اقتضاء الأمر للإجزاء، لأن المأمور به حقيقة هو
فعل الصلاة متطهرا، أو الكون على الطهارة عند الدخول في الصلاة كما هو
مقتضى " لا صلاة إلا بطهور " (5) والإتيان به فيما نحن فيه أول الكلام.

(1) جامع المقاصد 1: 222.
(2) المدارك 1: 240.
(3) الوسائل 7: 7، الباب 3 من أبواب وجوب الصوم ونيته، الحديث 12.
(4) جامع المقاصد 1: 222.
(5) الوسائل 1: 256، الباب الأول من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
392

نعم، إنما يحسن هذا الكلام في مثل غسل الجمعة من المطلوبات النفسية
إذا أتى به ناقصا للعذر.
وعلى الثانية: منع جواز نية رفع الحدث بل هو كالتيمم، فيسقط
المقدمة الثالثة.
ودعوى: أن المستفاد من قوله: " لا صلاة إلا بطهور "، وقوله: (لا
يمسه إلا المطهرون) (1) خصوصا مع تفسيره في الرواية بالمطهرين من
الأحداث (2)، وقوله عليه السلام في الصحيح: " لا ينقض الوضوء إلا حدث " (3)،
وقوله: " إذا توضأت فإياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن أنك
أحدثت " (4) أن الأصل في كل وضوء مبيح أن يكون رافعا للحدث،
مدفوعة: بمنع كون الطهارة في الآية والرواية بمعنى رفع الحدث - بمعنى الحالة
المانعة شأنا من الدخول فيما يشترط بالطهارة - بل هي أعم من المبيح أو
الرافع للحدث بمعنى الحالة المانعة بالفعل، ومرجعه أيضا إلى المبيح، فلا يجوز
أن ينوي به إلا إباحة الصلاة المأتي بها حال العذر، لأنها المتيقنة من أثر هذا
الوضوء.
وأما قوله: " لا ينقض الوضوء إلا حدث " ففيه - مضافا إلى انصراف
إطلاقه إلى الوضوء التام -: أن المراد من الوضوء بقرينة نسبة النقض إليه،
هو الوضوء المؤثر في رفع الحدث، لأنه المستعد للبقاء أبدا إذا لم يرفعه رافع،

(1) الواقعة: 79.
(2) الوسائل 1: 270، الباب 12 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(3) الوسائل 1: 180، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 4.
(4) الوسائل 1: 176، الباب الأول من نواقض الوضوء، الحديث 7، مع اختلاف.
393

والكلام في كون الوضوء الناقص كذلك، وإطلاق النقض على بطلان التيمم
بوجود الماء في بعض العبارات (1) والروايات (2) توسع، لا يصار إليه عند
الإطلاق، وأما جعل إسناد النقض إلى الوضوء المطلق قرينة على كون مطلق
الوضوء قابلا للنقض مستعدا لبقاء أثره أبدا ما لم يرفعه رافع فهو فاسد،
لأن الظاهر في نظائره العرفية كون خصوص الفعل مقيدا لإطلاق متعلقه،
فتأمل.
* (ولو زال العذر) * في أثناء الصلاة * (أعاد الوضوء (3)) * واستأنف
الصلاة أيضا * (على تردد فيه) * ينشأ من دخوله فيها دخولا مشروعا
فيمضي، لاستصحاب الصحة، وقوله تعالى: (لا تبطلوا أعمالكم) (4)، ومن أن
شرط الأجزاء الباقية الطهارة ولم تحرز، لما تقدم من أن المتيقن تأثير
الوضوء في الصلاة المأتي بها حال العذر، ولا مجال لاستصحاب الإباحة،
لأن إباحة الصلاة المأتي بها حال العذر المتيقن بها سابقا متيقن الارتفاع
وإباحة ما عداها المشكوكة غير متيقن في السابق، والأصل عدمه.
وأما استصحاب الصحة، فغير جار في مثل المقام مما كان الشك فيه في
تحقق جميع ما عدا الأجزاء السابقة من الشرائط والأجزاء، وإنما يجري في
مورد الشك في انقطاع الصلاة وارتفاع الهيئة الاتصالية الملحوظة بين أجزائها
كالتكلم، وتمام الكلام في محله.

(1) كعبارة المبسوط 1: 33.
(2) الوسائل 2: 989، الباب 19 من أبواب التيمم.
(3) في الشرائع: " استأنف الطهارة ".
(4) سورة محمد صلى الله عليه وآله: 33.
394

وأما الآية فلا تدل إلا على إيقاع المبطل للعمل الغير الباطل في نفسه،
فإذا شك في صحة عمل في نفسه أو بطلانه فلا يعلم أن رفع اليد عنه إبطال
له فلا يحرم، لأصالة البراءة.
وأما إرادة مطلق رفع اليد من الإبطال حتى يكون تحريمه كاشفا عن
صحة العمل فهو خلاف الظاهر، مضافا إلى أن اللازم من العمل بعموم الآية
تخصيصه بالأكثر، بل الباقي تحت العموم كالقطرة في جنب البحر الخارج عنه.
ومن هذا يظهر لك قوة القول باستئناف الصلاة بطهارة جديدة، مع
أنه أحوط في الجملة، بل هو أحوط من الإتمام والإعادة، لأنه مستلزم
لفوات قصد الوجه الذي قال الأكثر بوجوبه وإن لم نقل به.
قال في الذكرى تفريعا على قول الشيخ بالإعادة: لو توهم البرء
فكشف فظهر عدمه، أمكن وجوب إعادة الوضوء لظهور ما يجب غسله،
ووجه العدم ظهور بطلان ظنه (1).
أقول: لا مجال للشك في وجوب الإعادة مع فرض عدم تضرر
البشرة بالغسل وإن لم يستغن عن الجبيرة، وظهور بطلان ظنه لا يوجب
عجزه عن الوضوء الصحيح، ولا مجال أيضا للشك في عدمه مع فرض
الضرر.
وقيل - تفريعا على القول بعدم وجوب الإعادة -: و (2) لو ظهر سبق
البرء ولما يعلم به حين الوضوء اتجه الإعادة (3).

(1) الذكرى: 97.
(2) لم ترد " و " في غير " ع ".
(3) قاله صاحب الجواهر في الجواهر 2: 311.
395

أقول: قوله: " ولو ظهر " فيه نظر، لأنه حين الوضوء متعبد بظنه
بالضرر، فالعذر الواقعي في حقه منع الشارع له عن الوضوء التام، لا الضرر
الواقعي حتى يكون ظنه طريقا إليه، فيدخل في مسألة من أدى تكليفه
بالطريق الظاهري فانكشف خلافه.
396

المسألة * (السادسة) *
* (لا يجوز) * ولا يجزي * (أن يتولى) * شيئا من * (وضوئه غيره (1)) *،
لأنه المخاطب به، وظاهر الخطاب المباشرة، وإرادة الأعم منه ومن التسبيب
مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة، بل هو أبعد من إرادة خصوص التسبيب
في مثل قوله: (يا هامان ابن لي صرحا) (2). نعم، قد يدل الدليل الخارجي
على أن غرض الآمر وداعيه إلى الأمر تحصيل المخاطب الفعل ولو بالتسبب،
بل قد يدل الدليل على كون الغرض حصول الفعل ولو من غير تحصيل،
فضلا عن المباشرة كما في الواجبات التوصلية.
وبالجملة، فظاهر الأمر عدم حصول الامتثال بغير المباشرة، بل عدم
سقوطه، إلا أن يقوم الدليل على إرادة مطلق التحصيل، فيحصل الامتثال
بالتسبيب، كما في أمر الشارع ببناء المسجد، أو يدل دليل على كون الغرض
مطلق الحصول فيسقط به، ولو من دون تحصيل.
هذا، وأما ما يقبل الاستنابة من العبادات فليس فيها تعميم المأمور به

(1) في الشرائع زيادة: " مع الاختيار ".
(2) غافر: 36.
397

بفعل المخاطب وفعل غيره، وإنما ينزل الغير منزلة المخاطب بأدلة قبول الفعل
للنيابة، فإن كان أدلته عامة كانت محكمة على جميع الأوامر ولو كانت
من العبادات، لأن تقرب النائب من حيث إنه نائب تقرب المنوب عنه،
كما حقق في استئجار العبادات، وإن كانت خاصة حكمت في موردها،
وما لم يثبت فيه الدليل لم يحكم فيه بذلك التنزيل.
وكيف كان، فصدور الفعل من الفاعل المخاطب - كوقوعه على
المفعول - من مقومات المأمور به، لا من الأمور الخارجة عنه المعتبر فيه،
فكما أن ضرب عمرو ليس في شئ من المأمور به في قول الآمر: اضرب
زيدا، كذلك ضرب ضارب آخر غير المخاطب.
ومن ذلك كله يظهر أنه لا مجال لأن يقال: إن ظاهر الأوامر
لا يقتضي سوى كونه مأمورا بالمباشرة، وأما الشرطية فلا دليل فيها عليه،
فتبقى عمومات الوكالة والنيابة محكمة يصح إثبات المشروعية بها، فيكون
الأصل جواز الوكالة والنيابة في جميع العبادات.
وأضعف من هذا القول، تسليمه في التوصليات ومنعه في العبادات،
مستندا في الفرق إلى ظهورها في إرادة التعبد الظاهر في المباشرة.
والخلط في هذا كله - بين الشرط والمقوم، وبين ما نحن فيه من التولية
في الواجب وبين الوكالة والنيابة في الواجبات، وبين العبادات والتوصليات
مع اشتراك الكل في إرادة التعبد من الأمر فيها وإن سقط التعبد بغيره في
التوصليات، وبين سقوط الأمر وحصول الامتثال - يظهر بالتأمل فيما ذكرناه.
ثم إنه ربما يستدل على وجوب المباشرة بقوله تعالى: (ولا يشرك
بعبادة ربه أحدا) (1) بناء على ظاهره - المفسر به في بعض الأخبار - من

(1) الكهف: 110.
398

تحريم الإشراك في العبادة، كقول أبي الحسن الرضا صلوات الله عليه للوشاء لما أراد
أن يصب عليه الماء للوضوء فنهاه عنه، فقال له: " لم تنهاني أن أصب على
يديك، تكره (1) أن أؤجر؟ قال عليه السلام: تؤجر أنت وأوزر أنا. فقلت له:
وكيف ذلك؟ فقال أما سمعت الله عز وجل يقول: (فمن كان يرجو لقاء ربه
فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وها أنا أتوضأ للصلاة وهي
العبادة، فأكره أن يشركني (2) فيها أحد (3) وقوله صلوات الله عليه للمأمون لما صب
الغلام على يده الماء للوضوء: " يا أمير المؤمنين لا تشرك بعبادة ربك
أحدا " (4)، وقريب منهما غيرهما مما استشهد فيه بالآية على النهي عن
الإشراك (5).
ولكن الإنصاف ضعف الاستدلال بها في المقام، لأن الاستدلال إن
كان بظاهرها (6) مع قطع النظر عما ورد في تفسيرها ففيه: أنها إنما تدل على
النهي عن الإشراك في العبادة، بأن يدخل غيره معه في الفعل بقصد العبادة
والأجر من الله تعالى، ليشتركا في عبادة الله عز وجل، وهذا لا يكون إلا

(1) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي سائر النسخ: " أصب عليك الماء أتكره ".
(2) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي سائر النسخ: " أن يشرك ".
(3) الوسائل 1: 335، الباب 47 من أبواب الوضوء، الحديث الأول، والآية من
سورة الكهف: 110.
(4) الوسائل 1: 336، الباب 47 من أبواب الوضوء، الحديث 4، وفيه: " لا تشرك
يا أمير المؤمنين... ".
(5) الوسائل 1: 335، الباب 47 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(6) في " ع ": " بظاهرهما ".
399

إذا كان الفعل مستحبا في حق كل منهما، وهذا ليس محرما ولا مكروها،
وأما محل الكلام وهو مجرد صدور الفعل منهما معا وإن لم يقصد شريكه
العبادة، بل أعانه لغرض آخر من طمع أو خوف، فلا يدخل تحت المنهي
عنه، ألا ترى أن الإشراك مع الغير في بناء المسجد لأجرة جعلت له أو
لغرض آخر غير التقرب إلى الله تعالى لا يعد من الإشراك في العبادة؟
فتحصل أن محل الكلام ومدلول الآية متغايران.
وإن كان الاستدلال بملاحظة ما ورد في تفسيرها، ففيه:
أولا: أن الأخبار متعارضة في تفسيرها، ففي رواية جراح المدائني
عن أبي عبد الله عليه السلام: " أن الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به
وجه الله وإنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي
أشرك بعبادة ربه أحدا " (1)، ولا ريب أن إرادة ما نحن فيه وإرادة هذا
المعنى، لا يجتمعان في الآية من حيث استعمال اللفظ فيهما، لأن مرجع
الإشراك فيما نحن فيه إلى إشراك الغير في العابدية ومرجعه في رواية جراح
المدائني إلى إشراك الغير في العبودية (2)، والجمع بينهما في استعمال واحد مما
لا يجوز، ولا جامع بينهما، فلا بد من ترجيح أحد التفسيرين، والأوفق
بظاهري النهي والعموم هو ما في رواية جراح.
وثانيا: أن الأخبار الواردة في تفسير الآية فيما نحن فيه أظهر في
الكراهة.
أما الروايتان المذكورتان هنا، فلأن الظاهر المتعارف بين أهل الكبر

(1) الوسائل 1: 52، الباب 12 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 6.
(2) في " أ " و " ب ": " المعبودية ".
400

صب الخادم الماء على أيديهم فيباشرون بها غسل الوجه والأيدي،
فيكفونهم مؤونة حمل الإبريق والصب، ولم يتعارف صب الخادم على الوجه
أو المرفق، وأما قوله عليه السلام: " تؤجر أنت وأوزر " فيحمل الوزر فيه على
تبعة المكروه، وإلا فحرمة قبول الإشراك على وجه يبطل (1) العبادة لا يجامع
كون الرجل مأجورا على الاشتراك في الوضوء، لأنه عمل باطل، ولا على
إعانة الإمام عليه السلام، من حيث إنها إعانة على المحرم والباطل. هذا، مع أن
جعل العبادة في الآية عبارة عن الصلاة - كما في الرواية الأولى وغيرها مما
يأتي - يفيد حرمة الاستعانة في المقدمات، مع أنه لم يقل بها أحد، فهي
قرينة أخرى على الكراهة.
وفي رواية الصدوق في الفقيه والعلل: " كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا
توضأ لم يدع أحدا يصب عليه الماء، فقيل له: يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم
يصبون عليك الماء؟ فقال: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا، إن الله
جل ذكره يقول: (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) " (2).
وعنه عليه السلام: " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خصلتان لا أحب
أن يشاركني فيهما أحد: وضوئي فإنه من صلاتي، وصدقتي فإنها من يدي
إلى يد السائل فإنها تقع في يد الرحمان " (3).

(1) في " ع " و " ج ": " يطلب ".
(2) الفقيه 1: 43، الحديث 85، والعلل 1: 278، الباب 188، وروي عنهما في
الوسائل 1: 335، الباب 47 من أبواب الوضوء، الحديث 2، والآية من سورة
الكهف: 110.
(3) الوسائل 1: 336، الباب 47 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
401

وهذه الروايات كلها كما ترى ظاهرة في إرادة الكراهة، كما حكي فيما
نحن فيه عن الإسكافي في ظاهر كلامه، حيث قال: يستحب للإنسان أن
لا يشرك في وضوئه بأن يوضئه غيره أو يعينه عليه (1)، لكنه ضعيف جدا،
لما تقدم، لا لظاهر الآية.
ويمكن أن يريد الإسكافي من التوضئة: صب ماء الوضوء في اليد،
وإلا فظاهر التوضئة استقلال الغير لا اشتراكه، ويريد من الإعانة غيرها من
المقدمات القريبة.
ثم إنك قد عرفت أنه قد يقوم الدليل على أن الغرض من الأمر
والداعي إليه هو تحصيل المخاطب للمأمور به أعم من التسبيب له، وهذا
التعميم قد يكون على الإطلاق، وقد يكون على الترتيب، بأن يكون الغرض
التحصيل مباشرة مع إمكانها، فإذا تعذرت فالتسبب.
وقد يتوهم من ذلك استعمال الأوامر في الأعم من المباشرة مع ثبوت
قيد المباشرة من الخارج، فيقتصر فيه على صورة التمكن * (و) * يحكم بأنه
* (يجوز) * التولية مع * (الاضطرار (2)) *.
ويظهر اندفاعه مما ذكرنا في أن المباشرة ليست من قبيل القيد، بل هي
مقوم للمأمور به، إلا أن يقال: إن تقوم الفعل بالمحل الخاص كالغسل أو المسح
بالبشرة ليس بأدون من تقومه بالفاعل، لاشتراك الفاعل والمفعول في تقوم الفعل،
فمقتضى تفريع سقوط مباشرة المسح للبشرة في رواية عبد الأعلى المتقدمة (3)

(1) حكاه عنه العلامة رحمه الله في المختلف 1: 301.
(2) في الشرائع: " عند الاضطرار ".
(3) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5، وتقدمت في الصفحة 371.
402

على نفي الحرج سقوط مباشرة المكلف عند عجزه، وجواز توليته للغير.
وقد يؤيد بما اشتهر رواية وعملا من رواية: " ما غلب الله عليه،
فالله أولى بالعذر " (1)، فإنها تدل على نفي وجوب المباشرة لا إثبات وجوب
التولية. نعم، الاستدلال بالقاعدة المستنبطة من رواية عبد الأعلى حسن،
وإليها أشار في المعتبر، حيث استدل على وجوب التولية بأنها توصل إلى
الطهارة بالقدر الممكن (2)، لكن تقدم في مسألة الجبيرة (3) حسن هذا جدا لولا
أن البناء على [عدم] (4) هذه القاعدة في القيود، مع إمكان الفرق بين المباشرة
بالنسبة إلى الفاعل كما فيما نحن فيه، وبينها بالنسبة إلى محل الوضوء الذي هو
مورد رواية عبد الأعلى، وإن اشتركا في تقويم الفعل الشخصي إلا أن
الفاعل مقوم للمأمور به، والمفعول قيد مقسم له، ولذا يعقل أن يدعى دلالة:
" صم يوم الخميس " على وجوب صوم غيره عند تعذره، ولا يعقل دلالته
على وجوب صوم غير المخاطب إذا تعذر صومه، وإن كان مقتضى التأمل أن
هذا الفرق غير مجد، إذ ليس معنى إلغاء المباشرة فيما نحن فيه إلا دعوى أن
مقصود الآمر مجرد تحصيل المخاطب الفعل ولو بغيره، وهذا ليس بأبعد من
إلغاء المباشرة في المحل بإرادة غسل ما عليه من الحائل إذا تعذرت.
وكيف كان، فقد كفانا مؤونة التكلم في إتمام القاعدة المستفادة من
رواية عبد الأعلى قيام الإجماع فيما نحن فيه على وجوب التولية.

(1) الوسائل 3: 59، الباب 20 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 2.
(2) المعتبر 1: 162.
(3) راجع الصفحة 371 - 372.
(4) من مصححة " ع ".
403

مضافا إلى ما ورد من وجوب التولية في تيمم المجدور والتوبيخ على
تركه لما غسلوه فمات (1).
وربما يستدل عليه بما دل على جواز التولية في الغسل، مثل صحيحة
سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: " أنه كان وجعا شديد
الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد، قال: فدعوت الغلمان (2) فقلت
لهم: احملوني فاغسلوني، فحملوني ووضعوني على خشبات، ثم صبوا علي
الماء فغسلوني " (3).
وفيه: أن القضية محكية في صحيحة محمد بن مسلم بما ظاهره مباشرة
الاغتسال، فإنه روي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أنه ذكر: " أنه
اضطر إلى الغسل وهو مريض فأتوا به مسخنا، فاغتسل، وقال: لا بد من
الغسل... الخ " (4)، فيمكن حمل الرواية الأولى على إعانته بالمقدمات.
هذا، مع كون ما تضمنته الرواية مخالفة للقاعدة المقررة في التيمم، بل
لأصول المذهب من عروض الاحتلام للإمام عليه السلام، لأن حملها على تعمد
الجنابة - حين الوجع الشديد المسقط للمباشرة - بعيد جدا.
ثم إن المحكم في صدق التشريك والتولية - الممنوع عنهما اختيارا،
المجوزان مع العجز - هو العرف، وقد يخفى التشريك صدقا وكذبا، فقد يكون
الغاسل حقيقة هو الصاب، والمصبوب عليه خارجا بالمرة، وقد يكون

(1) الوسائل 2: 967، الباب 5 من أبواب التيمم، الحديث الأول.
(2) في نسخة بدل " ع ": " الغلمة ".
(3) الوسائل 1: 336، الباب 48 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(4) الوسائل 2: 987، الباب 17 من أبواب التيمم، الحديث 4.
404

بالعكس، وقد يشتركان في الفعل، بمعنى اختصاص كل ببعض، أو بمعنى
حصول كل بعض من المجموع، وأمثلته العرفية غير خفية، لكن في مفتاح
الكرامة: أن التولية التوضئة بصب الماء على أعضاء الوضوء وإن تولى هو
الدلك (1)، انتهى، وفيه نظر.
ثم لا فرق في المتولي بين البالغ السليم العاقل وغيره، لأنه وإن كان
يستند إليه الغسل حقيقة، إلا أنه بالنسبة إلى الواجب على العاجز - أعني
تحصيل غسل أعضائه بغيره - يكون بمنزلة الآلة في أنه لا يلاحظ فيه إلا
تحقق هذا التحصيل الواجب به، وحصول الفعل منه في الخارج، فلا يلاحظ
كونه عاملا، بل يلاحظ كونه قابلا (2) للفعل، ويتفرع على ذلك أنه لا يعتبر
فيه قصد التقرب ولا النيابة، وأن المتولي للنية هو المأمور بالتولية، وأنه لو
شك في فعل المتولي لا يبتنى على صحته، بمعنى عدم الاعتناء بالمشكوك فيه،
بل مرجعه إلى شك (3) العاجز في جزء من الواجب عليه، وهو تحصيل غسل
هذا العضو وهذا (4) الجزء من العضو قبل الانتقال عن الوضوء فيجب تحصيله.
وفي المدارك: أن النية تتعلق بالمباشر، لأنه الفاعل حقيقة (5).
ورد بأن العاجز متمكن من النية فلا يجوز تولية الغير فيها (6)، وفيه:

(1) مفتاح الكرامة 1: 277.
(2) في " أ "، " ح " و " ع ": " قالبا "، وفي " ج ": " قابل ".
(3) في غير " أ " و " ب ": " الشك ".
(4) في غير " ع ": " أو هذا ".
(5) المدارك 1: 240.
(6) كشف اللثام 1: 66.
405

أن مبنى هذا القول على أن هذه العبادة لما تعذرت من المباشر وجب عليه
تحصيلها بغيره، فالمتولي حقيقة هو النائب عنه في التعبد، نظير النائب في
سائر العبادات، كالصلاة والحج، والنية إنما وجبت على المكلف لكونه فاعلا،
فإذا فرض عاجزا فلا معنى لنية الوضوء، وهي الأفعال الصادرة عن
المتولي، فلا بد من النظر في أن أدلة التولية اقتضت الاستنابة في الوضوء أو
الاستعانة فيه والتسبب، وهي العبادة في حقه؟
والتحقيق: أن دليل التولية إن كان ما ذكره في المعتبر (1) واستفيد من
رواية عبد الأعلى (2) من وجوب التوصل إلى الواجب بقدر الإمكان،
فالواجب حقيقة يصدر من العاجز فيتولى هو النية ولا يحتاج إلى نية من
المتولي، بل يجوز وإن يتولاه حيوان معلم.
وإن كان الدليل هو الإجماع فالمكلف مردد بين الاستنابة والاستعانة
فلا بد من الجمع بين كل واحد من العاجز والمتولي قابلا للإتيان بالعبادة
ناويا، فتأمل.
وعلى أي حال فالظاهر وجوب المسح بيد العاجز، لتمكنه من المسح
بيده ولو بالاستعانة، ولذا اتفقوا ظاهرا على أن المتولي للتيمم يمسح بيدي
العاجز وجهه وكفيه، بل استقرب في الذكرى الضرب بيدي العليل أيضا (3).
وأما الغسل فلا يجب كونه بيد العاجز، والفرق بينه وبين المسح: أن
اليد في الغسل مجرد آلة، بخلافها في المسح.

(1) المعتبر 1: 162.
(2) الوسائل 1: 327، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(3) الذكرى: 109.
406

المسألة * (السابعة) *
* (لا يجوز للمحدث) * يعني غير المتوضي وضوءا مبيحا * (مس كتابة
القرآن (1)) * على المشهور بل عن الخلاف (2) وظاهر غيره (3): الإجماع عليه،
لقوله تعالى: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) (4) بناء
على رجوع الضمير إلى القرآن، وكون النفي يراد به النهي، وإرادة التطهير من
الحدث، إما لكونه حقيقة فيه، وإما للإجماع على عدم حرمته على غير المحدث.
ويؤيد الدلالة: استشهاد الإمام عليها بها في المقام، ففي رواية إبراهيم
ابن عبد الحميد: " المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خيطه
ولا تعلقه، إن الله عز وجل يقول: (لا يمسه إلا المطهرون) " (5).
ومرسلة حريز: " أنه عليه السلام قال لولده إسماعيل: يا بني، إقرأ المصحف،
فقال إني لست على وضوء. قال: لا تمس الكتاب ومس الورق واقرأ " (6).

(1) في الشرائع زيادة: " ويجوز له أن يمس ما عدا الكتابة ".
(2) الخلاف 1: 99، المسألة 46.
(3) مجمع البيان 5: 226.
(4) الواقعة: 79.
(5) الوسائل 1: 269، الباب 12 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(6) الوسائل 1: 269، الباب 12 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
407

وموثقة أبي بصير أو صحيحته: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن قرأ
من المصحف وهو على غير وضوء؟ قال: لا بأس ولا يمس الكتاب " (1).
ويضعف الإجماع - مع ضعف في نفسه - لعدول الشيخ في المبسوط (2)
إلى الخلاف، ووافقه الحلي (3) وابن البراج (4) وجمع من المتأخرين على ما
حكي عنهم (5).
والآية بعدم تمامية الدلالة، لاحتمال رجوع الضمير إلى الكتاب
المكنون، مع أن رجوعه إلى القرآن، لا يخلو عن نوع من الاستخدام، لأن
الموجود في الكتاب المكنون غير النقوش الموجودة في الدفاتر، فإن للقرآن
الكريم وجودات مختلفة باعتبار وجوده العلمي واللفظي والكتبي، فالأولى
إسناد المس إلى الموجود في الكتاب المكنون.
والمراد بالمطهرون: الملائكة المنزهون عن المعاصي، أو مطلق
المعصومين، فإن الظاهر من المطهر: من طهره غيره لا من تطهر بنفسه.
والمراد بالمس: العلم به وإدراكه، ويؤيد ذلك قوله تعالى بعد ذلك في
وصف هذا القرآن: (تنزيل من رب العالمين)، فإن المنزل: ما في الكتاب
المكنون، أو الكلام الجاري على لسان النبي صلى الله عليه وآله، لا النقوش المصورة
في الدفاتر.

(1) الوسائل 1: 269، الباب 12 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(2) المبسوط 1: 23.
(3) السرائر 1: 57.
(4) المهذب 1: 32.
(5) لم نعثر على من حكى ذلك عنهم، نعم في الحدائق (2: 122) نسبة الميل إليه إلى
جملة من متأخري المتأخرين، ومثله في الجواهر 2: 314.
408

وأما رواية إبراهيم بن عبد الحميد، فهي موهنة (1) لدلالة الآية على المدعى
لا مؤيدة، لأن ظاهرها كون الاستشهاد بالآية لجميع الأحكام السابقة
لا لخصوص الأولين، فلا بد إما من حمل النهي على مطلق المرجوحية
خصوصا مع كون الجملة خبرية، أو على الإخبار عن عدم مس من عدا (2)
المعصومين للقرآن الموجود في الكتاب المكنون، فلا ينبغي مس وجوده الكتبي
الحاكي عن ذلك الموجود للجنب والمحدث، وكذا مس خطه وتعليقه لهما.
وبالجملة، فهذه الرواية موهونة بالاستشهاد بالآية، والآية موهونة
بالاستشهاد بها للأحكام المذكورة في الرواية، فلم يبق إلا رواية (3) حريز وأبي
بصير (4) ولا بأس بالعمل بهما مع انجبارهما بالشهرة المحققة، مع أن سندهما لا يخلو
عن اعتبار لوجود حماد في المرسلة، واشتراك أبي بصير بين الموثق والصحيح.
ثم إن المراد بكتابة القرآن - كما عن جماعة منهم جامع المقاصد (5) -:
صور الحروف، قالوا: ومنه التشديد والمد، وفي الإعراب وجهان.
أقول: الأقوى الدخول، لأنها نقوش هيئات الألفاظ كما أن الحروف
نقوش موادها.
وفي الروضة: خط المصحف: كلماته وحروفه وما قام مقامهما كالشدة
والهمزة (6).

(1) في غير " أ " و " ب ": " موهونة ".
(2) كلمة " عدا " من " ع ".
(3) في " أ " و " ب ": " روايتا ".
(4) تقدمتا في الصفحتين السابقتين.
(5) جامع المقاصد 1: 232.
(6) الروضة البهية 1: 350.
409

أقول: ولا يبعد دخول ما كتب فيه رسما وإن لم يتلفظ به، كالألف بعد
واو الجمع، وأولى منه همزة الوصل والحروف المبدلة بغيرها في الإدغام
وغيره كالنون المقلوب ميما. ولو كتب هذا الميم أو نون التنوين بالحمرة
للدلالة على الملفوظ، ففي دخولهما وجهان: من أنهما نقش الملفوظ، ومن
كونهما علامة له لا حاكيا له، ولذا لو كتب متصلا بالكلمة خرجت عن
صورة تلك الكلمة وكان غلطا.
ثم المحكي عن جماعة (1) اختصاص الماس بما تحله الحياة، وهو حسن
بالنسبة إلى الشعر دون السن والظفر، فإن فيهما ترددا وإن كان مقتضى الأصل
حينئذ الإباحة، لا كما ظن من أنه يجب مع الشك في صدق المس الاجتناب
من باب المقدمة (2)، فإنه باطل جدا، لأن المحكم عند الشك في تحقق المفهوم
المحرم وعدمه هو الرجوع إلى أصالة الإباحة كما في المشكوك في كونه غناء.
ثم المدار في الممسوس على ما كان من القرآن حتى الكلمة الواحدة أو
الحرف الواحد المكتوب بقصده، وربما يتوهم اختصاص الحرمة بمس الجزء في
ضمن مجموع القرآن، لأنه الظاهر من الآية والروايات المتقدمة، والحق خلافه.
ولا فرق بين أنواع الخطوط المصطلحة. وفي غيرها - كما إذا اصطلح
جديدا على ترسيم الحروف بصور خاصة - وجهان. وكذا في المحكوك
وجهان، من صدق المس على المواضع المحكوكة، ومن أن ظاهر مس الكتابة
المنهي عنه كون الكتابة قابلا، والمحكوك ليس كذلك.
ثم إنه الحق بالقرآن لفظ الجلالة، بل جميع أسمائه المختصة به، ولعله

(1) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 50، والروضة البهية 1: 350.
(2) كما قواه في الجواهر 2: 317.
410

للفحوى. ويردها: جواز تلفظ الجنب والحائض بها مع حرمة تلفظهما
بالعزائم، فلعل لألفاظ الكتاب العزيز مدخلا.
هذا، ولكن الإنصاف أن المستفاد من الآية (1): أن المناط كرامة القرآن
وشرافته، فالفحوى تامة ولو الحق به باقي الصفات المراد بها الذات المقدسة
باعتبار بعض صفاته أو أفعاله تعالى.
وفي إلحاق أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام بذلك وجه، اختاره في
الموجز (2) وشرحه، وذكر: أن الدراهم إن كان عليها القرآن لم يجز مسه، وإن
كان اسم الجلالة أو النبي أو أحد الأئمة عليهم السلام جاز، لمشقة التحرز (3)، انتهى.
وسيأتي تتمة ذلك في أحكام الجنب إن شاء الله تعالى (4).
ثم إنه لا إشكال في كون التحريم مختصا بالبالغين، وهل يجب على
الولي منع الصبي؟ الأقوى: نعم، وفاقا للمعتبر (5) والتذكرة (6) والذكرى (7)
وشرح الموجز (8) وغيرهم (9)، لأن الظاهر من الآية الكريمة - المسوقة لبيان
الاحترام خصوصا بملاحظة استفادة النهي فيه من الجملة الخبرية الموضوعة

(1) الواقعة: 79.
(2) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 43.
(3) كشف الالتباس 1: 176.
(4) سيأتي ذلك في الصفحة 583.
(5) المعتبر 1: 176.
(6) التذكرة 1: 135.
(7) الذكرى: 33.
(8) كشف الالتباس 1: 176.
(9) لم نعثر عليه.
411

لأن المس لا يقع في الخارج -: أنه يجب أن لا يقع. والفرق بينه وبين إنشاء
النهي: أن فاعل الفعل هو المنهي في الإنشاء، بخلاف الإخبار، وحينئذ
فطلب عدم المس وإن كان من المكلفين إلا أن المس المطلوب عدمه عام
لغير البالغين، فيدل على وجوب منع كل من يريد إيجاده.
ودعوى: أن المستثنى منه هو غير المطهر بمعنى عدم الملكة،
والصبي - خصوصا غير المميز - ليس من شأنه التطهر، لأنه لا يتصف به،
مدفوعة: بأن الملكة ملحوظة باعتبار النوع. نعم، يخرج من المستثنى البهائم،
لعدم قابليتها بالنوع للتطهر، ولا يتصف بالحدث.
هذا، مضافا إلى أن قضية إسماعيل - في المرسلة المتقدمة (1) - ظاهرة في
كون إسماعيل يومئذ غير بالغ، خلافا للروض (2) وجماعة من المتأخرين (3)،
للأصل، وعدم الدليل، لاختصاص أدلة التحريم بالبالغين، واستمرار السيرة
على إعطاء المصاحف الصبيان (4) في الكتاتيب، ولا ينفك ذلك عن مسهم لها.
والسيرة الكاشفة ممنوعة، والأصل مدفوع بما عرفت.
ثم جواز مس الصغير بعد وضوئه مبني على شرعية وضوئه وتأثيره
في رفع الحدث، وهو الأقوى.

(1) تقدمت في الصفحة 407.
(2) روض الجنان: 50.
(3) منهم السيد العاملي في المدارك 1: 279، والمحقق الخوانساري في مشارق
الشموس: 15، والمحقق النراقي في المستند 2: 219.
(4) في غير " ع ": " للصبيان ".
412

المسألة * (الثامنة) *
* (من به السلس) * وهو الداء الذي لا يستمسك معه البول. وفي
القاموس: هو سلس البول: لا يستمسكه (1).
وحكمه: أنه إذا كان له فترة يسع له (2) الوضوء والصلاة وجب
انتظارها، وإلا فمقتضى الجمع بين أدلة كون مطلق البول حدثا ناقضا
للوضوء، واعتبار الطهور في الصلاة، وبطلانها بوقوع الفعل الكثير فيها: هو
عدم تكليفه بالصلاة، إلا أنه خلاف الإجماع فلا بد من رفع اليد عن بعض
الأدلة السابقة، والأوفق بقاعدة " ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر " (3):
العفو عما يتقاطر من البول بغير اختياره، وهو الذي يحتمله عبارة المبسوط،
قال في آخر باب الاستحاضة: المستحاضة لا يجوز لها أن تجمع بين فرضين
بوضوء واحد، وأما من به سلس البول فيجوز له أن يصلي بوضوء واحد
صلوات كثيرة، لأنه لا دليل على تجديد الوضوء عليه، وحمله على

(1) القاموس المحيط 2: 222، مادة: " سلس ".
(2) في " أ " و " ب ": " يسع الوضوء ".
(3) الوسائل 3: 59، الباب 20 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 2.
413

المستحاضة قياس لا نقول به، وإنما يجب عليه أن يشد رأس الإحليل بقطن،
أو يجعله (1) في كيس أو خرقة ويحتاط في ذلك (2)، انتهى.
وقال بعيد ذلك: والجرح الذي لا يندمل ولا ينقطع دمه معفو عنه،
ولا يجب شده عند كل صلاة، وحمله على الاستحاضة قياس لا نقول به (3)
وكذا القول في سلس البول على ما بينا (4)، انتهى.
والظاهر أن تشبيه السلس من حيث الحدث بالجرح من حيث الخبث،
وإلا فقد ذكر في السلس وجوب التحفظ عن النجاسة. ويحتمل كلامه
احتمالين آخرين:
أحدهما: أنه يجب عليه أن يتوضأ عند دخول كل وقت من الأوقات
الثلاثة، فيصلي به ما شاء إلى أن دخل وقت آخر.
الثاني: أن مطلق البول في حقه غير ناقض، والحدث في حقه غير
البول.
وما احتملناه أظهر، لكن في غالب أفراد السلس، وهو الذي يبول
قريبا من المتعارف ثم يقطر منه القطرات تدريجا، أما لو فرض أن جميع بوله
يخرج متقاطرا على التدريج، فيحمل على أحد الاحتمالين الأخيرين.
وكيف كان، فيمكن الاستدلال له - مضافا إلى عموم ما غلب الله -
بحسنة منصور بن حازم بابن هاشم عن أبي عبد الله عليه السلام في " الرجل
يقطر منه وهو لا يقدر على حبسه، قال: إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى

(1) في المصدر: " ويجعله ".
(2) المبسوط 1: 68.
(3) عبارة " لا نقول به " من " ع ".
(4) المبسوط 1: 68.
414

بالعذر وليجعل خريطة " (1) دل على أن ما لا يقدر على حبسه فهو معذور
فيه، فلا يوجب عليه إزالته لأجل الصلاة ولا تجديد طهارة، وإن كان بين
صلاتين.
وقريب منها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه " سئل عن
تقطير البول؟ قال: يجعل خريطة إذا صلى " (2).
ومكاتبة عبد الرحمان عن أبي الحسن عليه السلام: " في خصي يبول، فيلقى
من ذلك شدة ويرى البلل بعد البلل، قال: يتوضأ ثم ينتضح ثوبه بالنهار (3)
مرة " (4).
هذا، ولكن الإنصاف: عدم دلالة هذه الأخبار، ولذا لم يتمسك
الشيخ بما عدا الأصل.
أما القاعدة: فلأنها مسوقة لبيان أن ما غلب الله عليه من العارض
المخل بالتكليف لو فرض كونه لا من قبل الله، لم يكن معفوا، فهو معفو عنه
ولا يوجب شيئا على المكلف، فمورده فيما نحن فيه هو ما يتقاطر في أثناء
الصلاة مما يوجب بطلان الصلاة من حيث الحدثية والخبثية لو لم يكن
لمرض، دون ما يتقاطر بين الصلاتين، ومنه يظهر أن مورد السؤال في الرواية
ومحل تحير الراوي هو ما يتقاطر في أثناء الصلاة.

(1) الوسائل 1: 210، الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2.
(2) الوسائل 1: 211، الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 5.
(3) كذا في النسخ، واختلفت المصادر الحديثية في هذه العبارة، ففي بعضها: " ينضح
ثوبه في النهار "، وفي بعضها: " ينتضح في النهار ".
(4) الوسائل 1: 201، الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء، ذيل الحديث 8.
415

وأما الرواية الثانية، فمورد السؤال من حيث النجاسة.
وأما الثالثة، فيحتمل أن يراد منها التوضي لكل صلاة، لا توضي
واحد لصلوات النهار، فلم يبق إلا الأصل وهو لا يعارض العمومات
المتقدمة التي لأجلها * (قيل) * (1) بل نسب (2) إلى المشهور أنه * (يتوضأ لكل
صلاة) *، لعدم الدليل على العفو عما يقع بين الصلاتين.
هذا، ولكن مقتضى ما ذكرنا عدم العفو عن ذلك من حيث الخبث إذا
أمكن تطهير الحشفة وتغيير القطنة لكل صلاة، كما أفتى به في الذكرى (3)
وغيرها (4)، مع أن الظاهر من الحسنة المتقدمة كفاية جعل الخريطة، بل
مقتضى العموم: عدم العفو من حيث الحدث أيضا عما يقع في الأثناء إذا
أمكن تجديد الطهارة والبناء على ما مضى من الصلاة، إذا لم يستلزم فعلا
كثيرا، بأن كانت الطهارة تيمما أو وضوءا ارتماسيا لا يحتاج إلى فعل كثير،
وأما إذا احتاج إلى فعل كثير، فيقع التعارض بين أدلة إبطال الفعل الكثير
وأدلة حدثية مطلق البول المنضمة إلى أنه " لا صلاة إلا بطهور " (5).
وأما قاعدة " ما غلب الله " فهي قابلة لأن يثبت بها المعذورية في
حدثية ما يقع في الصلاة، وأن يثبت بها تسويغ الفعل الكثير فيها.
ودعوى استلزامه لمحو صورة الصلاة منقوضة بالتزام ذلك في المبطون

(1) الخلاف 1: 249، المسألة 221.
(2) كما في جامع المقاصد 1: 234.
(3) الذكرى: 32.
(4) انظر الدروس 1: 100.
(5) الوسائل 1: 256، الباب الأول من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
416

كما سيجئ، فلم يبق إلا استصحاب عدم الحدث الناقض أو إباحته في
الصلاة، فهو المرجع.
ولو نوقش فيه (1) فلا أقل من أصالة البراءة من وجوب الوضوء في
الأثناء، ولا يعارض باستصحاب عدم انقطاع الصلاة بهذا الفعل الكثير
- أعني الوضوء - وأصالة عدم مانعيته، فالأمر دائر بين الشرطية والقاطعية،
لأن الشك في القاطعية مسبب عن الشك في شرطية الوضوء فإذا لم يعلم
شرطيته والأمر به كان فعلا أجنبيا قاطعا، ودوران الأمر بين الشرطية
والقاطعية إنما هو فيما كان كل من فعله وتركه محتمل الشرطية، لا أن يكون
فعله محتمل الشرطية، ويترتب على عدم شرطيته (2) المستلزم لكونه فعلا
كثيرا أجنبيا كونه قاطعا، فافهم.
وبه يظهر ضعف ما في السرائر (3) من الفصل بين من يتوالى منه
التقاطر من غير تراخ بين الأحوال فكالمشهور، وبين من تراخى فيه زمان
الحدث فليتوضأ للصلاة، فإذا بدره وهو فيها خرج وتوضأ وبنى على ما
مضى. نعم، ربما يستأنس له بما سيأتي من الرواية في المبطون، لكن المناط
غير منقح.
ومما ذكرنا (4) ظهر أن مذهب المشهور أوفق بالأصول، بناء على أن
مطلق استئناف الطهارة في أثناء الصلاة فعل كثير مبطل.

(1) كذا في نسخة بدل " ب "، وفي غيرها: " فيها ".
(2) في " ع ": " شرطية ".
(3) السرائر 1: 349 - 350.
(4) كذا في " أ " و " ب "، وفي غيرهما: " وبما ذكرنا ".
417

لكن هنا قول رابع أجمع الأقوال من حيث الدليل، اختاره في
المنتهى (1)، وعن جماعة من متأخري المتأخرين (2) الميل إليه، وهو: أنه يجمع
بين الظهرين بوضوء وبين العشائين بوضوء وللصبح وضوء، لصحيحة حريز:
" إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا
وجعل فيه قطنا ثم علقه عليه وأدخل ذكره فيه ثم صلى يجمع بين صلاتين
الظهر والعصر، يؤخر الظهر ويعجل العصر بأذان وإقامتين، ويؤخر المغرب
ويعجل العشاء بأذان وإقامتين، ويفعل ذلك في الصبح " (3)، فإن الأمر بالجمع
بين الصلاتين كالصريح في عدم تجديد الوضوء، بل مقتضى عموم أدلة مانعية
ما يتقاطر من حيث الخبثية الاقتصار في العفو على ما يحدث في مقدار
صلاتين من الزمان، لكن ظهورها في كفاية الوضوء لكل صلاتين من باب
السكوت في مقام البيان، فالجرأة على رفع اليد بها عن عموم " لا صلاة إلا
بطهور " (4) المنضم إلى عموم أدلة حدثية البول مشكل، لكن ظاهرها وجوب
المبادرة إلى الصلاة الثانية بعد الفراغ عن الأولى، فالعفو عن النجاسة الزائدة
بمقدار زمان الوضوء - خصوصا إذا احتاج هو أو مقدماته إلى زمان طويل -
يحتاج إلى دليل.
وقد ظهر مما ذكرنا حكم غير سلس البول ممن لا يستمسك حدثه
بمقدار الصلاة، فإنه إن لم يتمكن من إتيان بعض الصلاة متطهرا توضأ لكل

(1) المنتهى 2: 137.
(2) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 113، والسيد العاملي في المدارك 1: 243.
(3) الوسائل 1: 210، الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث الأول.
(4) الوسائل 1: 256، الباب الأول من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
418

صلاة، لأصالة عدم إباحة أزيد منها بوضوئه، وكذا لو تمكن لكن احتاج
تجديد الوضوء إلى فعل كثير مبطل، أو قلنا: إن نفس الطهارة في أثناء
الصلاة ماحية لصورة الصلاة كما تقدم، لأن تجديد الوضوء في أثناء الصلاة
قد عرفت أنه لا دليل عليه، والأصل عدمه، مضافا إلى ما ذكرنا من
الاستصحاب لو تم. نعم، لو لم يستلزم تجديد الطهارة فعلا مبطلا، فمقتضى
القاعدة وجوب الطهر في أثناء الصلاة والبناء على ما مضى.
هذا من حيث الحدثية، وأما من حيث نجاسة ذلك الخارج، فمقتضى
القاعدة وإن كان وجوب إزالتها حتى في الأثناء إذا لم يستلزم فعلا مبطلا،
إلا أن الحسنة المتقدمة (1) دلت على أن النجاسة في السلس معفو عنها، من
حيث إنه مما غلب الله، فيقتصر على جعل الخريطة للتحفظ عن سراية
النجاسة فيتعدى إلى غير البول، إلا أن يدعى أن المسلم ظهور الحسنة في
العفو عما يقطر في أثناء صلاة واحدة لا أزيد، ولذا جزم في السرائر بوجوبها
لكل صلاة (2).
وفي الذكرى: الأحوط وجوب تغيير الكيس لكل صلاة - كالمستحاضة -
إذا أمكن، لوجوب تقليل النجاسة عند تعذر إزالتها، وأنكر وجوبه في
المعتبر (3)، مقتصرا على موضع النص في المستحاضة (4)، انتهى.
ثم إن هذا كله مع قطع النظر عن ورود النص في بعض الأفراد على

(1) المتقدمة في الصفحة 414 - 415.
(2) السرائر 1: 350.
(3) المعتبر 1: 251.
(4) الذكرى: 32.
419

خلاف مقتضى الأصل، وإلا فهو المتبع، * (و) * لذا * (قيل) * (1) بل نسب (2)
إلى المشهور: أن * (من به البطن) * وهو مرض يوجب الإسهال * (إذا تجدد
حدثه في الصلاة تطهر وبنى (3)) *، للروايات عن ابن مسلم.
ففي إحداها: " المبطون يبني على صلاته " (4)، وفي الصحيحة الأخرى:
" صاحب البطن الغالب يتوضأ ويبني على صلاته " (5)، وفي ثالثة: " يتوضأ
ثم يرجع فيتم ما بقي " (6)، بناء على أن المراد بالتوضي إما خصوص التطهر
من الحدث أو التطهر عنه وعن الخبث، أما إذا أريد به الاستنجاء فقط،
فلا يدل على المدعى إلا بناء على أن القول بوجوب الاستنجاء في الأثناء
ملازم للقول بوجوب التطهر من الحدث وإن لم يعكس كما في السلس.
خلافا للمحكي عن أكثر كتب العلامة (7) فألحق المبطون (8) في أنه
يتوضأ لكل صلاة، بناء على أنه لا فائدة في التجديد، لأن هذا المتكرر إن
نقض الطهارة نقض الصلاة، لما دل على اشتراط الصلاة باستمرار الطهارة.
وفيه: أن اشتراط عدم تخلل الحدث في أثناء الصلاة لا يدل إلا على

(1) المنتهى 2: 138.
(2) نسبه المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 234.
(3) في الشرائع: "... حدثه في أثناء الصلاة، يتطهر ويبني ".
(4) الوسائل 1: 210، الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 3.
(5) الفقيه 1: 363، الحديث 1043.
(6) الوسائل 1: 210، الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 4.
(7) نهاية الإحكام 1: 68، والتذكرة 1: 21، والقواعد 1: 205، والمنتهى 2: 138.
(8) في " ح " زيادة: " بمن به سلس ".
420

اشتراط الطهارة في الصلاة التي هي عبارة عن الأفعال، فيكفي فيه وقوع
الأفعال مع الطهارة، ولا يقدح من هذه الجهة تخلل الحدث، إذ الطهر
لأفعالها، فقوله عليه السلام: " لا صلاة إلا بطهور " (1) نظير قوله: " لا عمل إلا
بنية " (2) في اعتبار وجودها في أجزاء العمل، لا في أحوال الكون فيه وإن
لم يشتغل بجزء منه. نعم، تخلل الحدث وكونه ناقضا للصلاة حكم آخر ثبت
بالدليل، لكن المفروض أن فقد هذا الشرط لا يقدح في الصلاة إجماعا،
فإهماله لا يوجب إهمال مقتضى قوله: " لا صلاة إلا بطهور ".
هذا مضافا إلى ما تقدم من الأخبار. نعم، لو أغمض عنها، لدعوى
قصور في دلالتها كان الأحسن الاستدلال على هذا المذهب بأصالة البراءة
عن وجوب تجديد الطهارة بعد تعارض قوله: " لا صلاة إلا بطهور " المنضم
إلى أدلة إطلاق حدثية هذا الحدث، مع ما دل على بطلان الصلاة بالفعل
الكثير، فيرجع إلى أصالة البراءة من تجديد الوضوء، لأنه مشكوك
الشرطية، مضافا إلى ما تقدم من استصحاب الإباحة وصحة المضي في
الصلاة على تقدير الإغماض عما أوردنا عليه سابقا.
ثم إن في وجوب إزالة الخبث عند تجديد الطهارة، لعموم أدلته، أو
عدمه، لمعارضتها بأدلة إبطال الفعل الكثير في أثناء الصلاة - خرج ما اتفق
على جوازه، وهو التطهر من الحدث، فيرجع إلى أصالة عدم الوجوب -
وجهين.
هذا كله فيمن تمكن من فعل بعض الصلاة بحيث لا يلزم عليه من

(1) الوسائل 1: 256، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث 1.
(2) الوسائل 1: 33، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 1.
421

تجديد الطهارة والبناء على ما مضى حرج شديد لتكرره في الصلاة، أما لو
كان الحدث كثير التكرر بحيث يتعذر أو يتعسر التجديد والبناء رجع فيه إلى
مقتضى القاعدة، وهو مذهب المشهور في السلس.
والظاهر أن إطلاق المبطون في كلام المشهور ينصرف إلى الأول،
وحكم الثاني عندهم حكم السلس، كما أنه قد يدعى أن إطلاق السلس في
كلامهم أيضا ينصرف إلى من لا يتمكن من التجديد والبناء، وأما المتمكن
منه فحكمه حكم المبطون (1).
لكن لا يخفى أن إلحاق الفرد من المبطون بالسلس لا يخالف شيئا من
الأصول، بخلاف إلحاق الفرد من السلس بالمبطون، فإنه مخالف لأصالة
البراءة في المشكوك الشرطية مع عدم التمكن من الاحتياط لدوران التجديد
بين كونه شرطا أو مبطلا إلا بتكرار العبادة.
هذا، مع الإغماض عن قاعدة " ما غلب الله... " كما ذكرنا من دورانه
بين أن يوجب المعذورية في ترك الطهارة أو في إتيان الفعل الكثير لأجل تحصيلها.
وقد يقال: إن أدلة إبطال الفعل الكثير لا تنصرف إلى مثل المقام،
وفساده غير خفي، فإن نفس فعل الطهارة في أثناء الصلاة مبطل قطعا، ولذا
لو اشتغل أحد في أثناء الصلاة بالوضوء التجديدي بطلت قطعا، وإنما وقع
الشك فيما نحن فيه من جهة مزاحمة هذا بشئ آخر وهو فعل بعض أفعال
الصلاة مع الحدث، فلا بد من ملاحظة ما هو الأرجح في نظر الشارع، إما
لكونه أهم، وإما لكونه أيسر على المكلف، ومع الشك في التعيين فالمرجع هو
الأصل.

(1) انظر الجواهر 2: 323.
422

واعلم أنه ذكر في السرائر: أن مستدام الحدث يخفف الصلاة ولا يطيلها،
ويقتصر فيها على أدنى ما يجزي المصلي عند الضرورة، وقال: إنه يجزيه أن
يقرأ في الأوليين بأم الكتاب وحده وفي الأخيرتين بتسبيح، يسبح في كل
واحدة أربع تسبيحات، فإن لم يتمكن من قراءة فاتحة الكتاب سبح في جميع
الركعات، فإن لم يتمكن من التسبيحات الأربع - لتوالي الحدث منه -
فليقتصر على ما دون ذلك من (1) التسبيح في العدد، ويجزيه منه تسبيحة
واحدة في قيامه، وتسبيحة في ركوعه، وتسبيحة في سجوده، وفي التشهد
ذكر الشهادتين خاصة، والصلاة على محمد وآله صلى الله عليه وآله وعليهم السلام مما لا بد
منه في التشهدين، ويصلي على أحوط ما يقدر عليه في بدار الحدث من
جلوس أو اضطجاع، وإن كان صلاته بالإيماء أحوط له في حفظ الحدث
ومنعه من الخروج صلى مؤميا، ويكون سجوده أخفض من ركوعه (2)، انتهى.
أقول: ظاهر الأخبار في السلس ونحوه أن له أن يصلي الصلاة
المتعارفة، وأن هذا المرض موجب للعفو عن الحدث لا للرخصة في ترك
أكثر الواجبات، تحفظا عن هذا الحدث، فتأمل.

(1) " ذلك من " من " ع " والمصدر.
(2) السرائر 1: 351.
423

[سنن الوضوء]
* (وسنن الوضوء) * أمور:
منها: * (وضع الإناء (1) على اليمين) * في المشهور، بل عن المعتبر (2)
والذكرى (3) وغيرهما (4) نسبته إلى الأصحاب، واستدل عليه في الكتابين (5) بما
روي من أنه صلى الله عليه وآله كان يحب التيامن في طهوره وتنعله وشأنه كله (6)،
لكن في صحيحة زرارة الحاكية لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله، عن
الباقر عليه السلام: " فدعى بقعب فيه ماء فوضعه بين يديه " (7)، والمراد بالإناء

(1) في الشرائع: " هي وضع الإناء ".
(2) المعتبر 1: 164.
(3) الذكرى: 92.
(4) المدارك 1: 244.
(5) لم نعثر عليه في المعتبر.
(6) صحيح البخاري 1: 53، كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل.
(7) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
425

- في معقد اتفاق المعتبر والذكرى - هو ما يغترف منه دون ما يصب منه على اليد.
وربما احتمل كون إطلاق رجحان وضعه على اليمين في كلام بعضهم
كاشفا عن رجحان كون الإناء مما يغترف منه، لأنه المستفاد من الوضوءات
البيانية.
وفيه نظر، لأن الاغتراف من الإناء في تلك الوضوءات بعد كون
الحاضر إناء يغترف منه، فلا يدل على استحباب الاغتراف، وليس لإحضار
الإناء الذي يغترف منه دخل في بيان الوضوء، كما لا يخفى، مع أن في كثير
من الوضوءات المحكية - كما مر في مسألة التولية (1) - الوضوء بغير الاغتراف.
ومما ذكرنا يظهر أنه لو كان الماء في حوض أو نهر أمكن استحباب
جعله عن اليمين.
* (و) * منها: * (الاغتراف بها) * أي باليمين، لما تقدم، ولبعض
الوضوءات البيانية (2)، ولقوله عليه السلام في حكاية وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله
في العرش: أنه " تلقى الماء بيمينه، فلأجل ذلك صار الوضوء باليمين " (3)،
ومقتضى إطلاق الفتاوي والنصوص: عموم الحكم لغسل اليمنى فيغترف
باليمنى ويصب على اليسرى، مضافا إلى صريح بعض الوضوءات الحاكية من
اغترافه عليه السلام باليمنى وصبه في اليسرى، ثم غسل اليمنى بها (4)، لكن في

(1) راجع الصفحة 398 - 401.
(2) الوسائل 1: 271، الباب 15 من أبواب الوضوء.
(3) الوسائل 1: 274، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 5.
(4) الوسائل 1: 275، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 11.
426

غير واحد منها: الاغتراف باليسرى لغسل اليمنى (1)، لكن هذا يحتمل كونه
فعلا عاديا، بخلاف الأول، مضافا إلى عموم استحباب الوضوء والطهور
باليمنى إلا أن يستظهر منها استحباب الغسل باليمين إذا أمكن بها، وباليسار
إذا لم يمكن، فلا يشمل أخذ الماء من الإناء بعد لزوم صبه على اليسار
والغسل به.
* (و) * منها: * (التسمية) * إجماعا كما في المنتهى (2) والذكرى (3).
وفي المعتبر: أنه إن اقتصر على ذكر اسم الله أتى بالمستحب (4)، ولعله،
لقوله عليه السلام: " من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنما اغتسل " (5).
وفي الذكرى: لو اقتصر على بسم الله أجزأ، لإطلاق قول
النبي صلى الله عليه وآله: " إذا سميت على وضوئك طهر جسدك كله " (6). والتسمية
ظاهرة في قول: " بسم الله " ولذا جعله أقل الأفراد. وقد روي: أمر
النبي صلى الله عليه وآله من توضأ، بإعادة وضوئه ثلاثا، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:
" هل سميت على وضوئك؟ قال: لا، قال: سم على وضوئك، فسمى، فلم

(1) الوسائل 1: 273، الباب 15 من أبواب الوضوء، الأحاديث 4، 6 و 10.
(2) المنتهى 1: 297.
(3) الذكرى: 92.
(4) المعتبر 1: 165.
(5) الوسائل 1: 298، الباب 26 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(6) الذكرى: 92، ورواه في الوسائل 1: 298، الباب 26 من أبواب الوضوء،
الحديث 5، عن أبي عبد الله عليه السلام.
427

يؤمر بالإعادة (1). وحمله الشيخ على أن المراد النية (2)، وهو بعيد، ويحتمل أن
يكون لما ترك التسمية أنساه الشيطان بعض الواجبات، فلما سمى أعاذه الله
من شره، قال في الذكرى: وفيه دلالة على تأكد الاستحباب (3)، والكلام في
شرعية الإعادة لفوات مستحب مؤكد.
وفي الذكرى: لو نسيها تداركها في الأثناء، وكذا لو تركها عمدا (4).
* (و) * يستحب * (الدعاء) * بعد التسمية وقراءة الحمد والقدر. حكاه
في الذكرى (5) عن المفيد.
* (و) * منها: * (غسل اليدين) * من الزندين * (قبل إدخالهما الإناء) *
الذي يغترف منه * (من حدث النوم والبول (6) مرة) * على المشهور، للإطلاق
والاقتصار عليها في الأخبار كصحيحة الحلبي: " كم يفرغ الرجل على يده
اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال: واحدة من حدث النوم (7)، واثنتان
من حدث الغائط، وثلاث من الجنابة " (8).

(1) الوسائل 1: 298، الباب 26 من أبواب الوضوء، الحديث 6، نقلا بالمعنى.
(2) التهذيب 1: 358، ذيل الحديث 1075، والاستبصار 1: 68، ذيل الحديث 206.
(3) الذكرى: 93.
(4) الذكرى: 93.
(5) راجع الذكرى: 93.
(6) في الشرائع: " أو البول ".
(7) في الوسائل: " من حدث البول "، وفي التهذيب: " من حدث النوم والبول "
(راجع التهذيب 1: 36، الحديث 96).
(8) الوسائل 1: 301، الباب 27 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
428

وفي رواية محمد بن سنان: " اغسل يدك من البول مرة * (ومن الغائط
مرتين) * ومن الجنابة ثلاثا " (1).
وأرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام: " إغسل يدك من النوم " (2).
وظاهر الصحيحة عدم استحباب الزائد، فإطلاق المرتين في الثلاثة في
اللمعة (3) - مع عدم المستند له - منفي بها.
نعم، في صحيحة حريز: " يغسل يده من النوم مرة ومن الغائط
والبول مرتين " (4)، ولكن حملها على إرادة اجتماع الغائط والبول، كما هو
الغالب. وهو وإن كان خلاف الظاهر إلا أن حمل رواية ابن سنان على أقل
المستحب - أيضا - بعيد، لكن الصحيحة أقوى سندا، مع أنه يكفي أن المقام
مقام التسامح، فالتعدد في البول دون النوم قوي.
ويمكن إلحاق النوم بالبول بملاحظة تعليل الغسل عقيب النوم بأنه:
" لا يدري أين باتت يده "، فإن ظاهره كون الغسل لإزالة النجاسة الوهمية
الحاصلة من ملاقاة نجاسة البول أو غيره.
ففي رواية عبد الكريم بن عتبة الهاشمي: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يبول ولم يمس يده اليمنى شئ، أيدخلها (5) في وضوئه قبل أن

(1) الوسائل 1: 301، الباب 27 من أبواب الوضوء، الحديث 4، نقله مرسلا عن
الصدوق، ولم نعثر بهذا المضمون عن محمد بن سنان.
(2) الفقيه 1: 46، الحديث 92، والوسائل 1: 302، الباب 27 من أبواب الوضوء،
الحديث 5، وفيه: من النوم مرة.
(3) اللمعة الدمشقية: 18.
(4) الوسائل 1: 301، الباب 27 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(5) كذا في المصدر ونسخة بدل " ع "، وفي سائر النسخ: " أيغمسها ".
429

يغسلها؟ قال: لا [حتى] (1) يغسلها، قلت: فإنه استيقظ من نومه ولم يبل،
أيدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها؟ قال: [لا] (2)، لأنه لا يدري أين
باتت يده، فليغسلها " (3)، فإن ظاهرها أنه وإن لم يبل إلا أن احتمال ملاقاة
البول قائم.
وهذا يصلح حكمة لاستحباب التعدد، ولاستحباب غسل اليدين وإن
كانت صريح الصحيحة الأولى ورواية عبد الكريم وظاهر الباقي اختصاص
الحكم باليمنى، خصوصا إذا قلنا باستحباب الاغتراف باليسرى لليمنى.
لكن الإنصاف: أن هذه الحكمة لا تصلح للانعكاس، ولذا لم يعتبر في
الغسل شرائط التطهير، فإذا جاز التخفيف في كيفية الغسل لأجل كون
النجاسة وهمية، جاز في كميته فيقتصر على الواحد، ولا تصلح للاطراد حتى
ينتفي الحكم بانتفائها وإن لم يكن علة له، ولذا لم يفرق الأصحاب بين احتمال
ملاقاة النجاسة وعدمه.
وأما اختصاص الحكم بالقليل دون الكثير فليس لعدم جريان العلة،
بل لاختصاص مورد الأخبار، وأما القليل الذي يصب منه فالاستحباب فيه
قوي، لإطلاق كثير من الأخبار.
ثم إن المشهور أن هذا الغسل من أجزاء الوضوء، ولذا جوزوا إيقاع
النية عنده، واستفادة ذلك من الأخبار لا يخلو عن إشكال.
ويترتب على ما ذكروه: أنه لا يسقط إلا بالامتثال وقصد التقرب،
فلا يحصل بفعل الغير، ولا بدون القصد، ولا بقصد الرياء، ولا في ضمن
المحرم.

(1) من المصدر.
(2) من المصدر.
(3) الوسائل 1: 301، الباب 27 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
430

وجمع في المنتهى (1) بين حكمه - في مسألة النية - بجواز النية عند غسل
اليدين، معللا: بأنهما من أفعاله جازما بذلك، وبين قوله - في مسألة غسل
اليدين -: وهل هما من سنن الوضوء؟ فيه احتمال، من حيث الأمر به عند
الوضوء، ومن حيث إن الأمر به لتوهم النجاسة، لقوله عليه السلام: " فإنه
لا يدري أين باتت يده " (2)، انتهى. ولو لم يرد الطهارة ففي استحباب
غسلها، إشكال، أقربه ذلك، لعموم الأمر بالغسل لمريد الغمس (3)، انتهى،
فإن ظاهر العبارة الأولى الجزم بكونه من أفعال الوضوء، وظاهر الثانية
التردد في ذلك، وظاهر الثالثة ترجيح خلافه وأن الغسل مستحب مستقل
لأجل الغمس.
وجمع في التذكرة أيضا بين الجزم بجواز مقارنة النية بهما (4)، وبقوله:
وفي افتقارهما (5) إلى النية، وجهان، من حيث إنهما (6) عبادة أو لتوهم
النجاسة (7)، انتهى.
وحكى في الروض (8) عن النهاية (9) عدم اعتبار النية، لأنها لو تحققت

(1) المنتهى 2: 15.
(2) المنتهى 1: 296.
(3) المنتهى 1: 296.
(4) التذكرة 1: 141.
(5) في المصدر: " افتقاره ".
(6) في المصدر: " إنها ".
(7) التذكرة 1: 196.
(8) روض الجنان: 42.
(9) النهاية 1: 54.
431

لم يحتج إلى النية فالمتوهمة أولى، وجزم باعتبارها، لأن الغسل عبادة
باعتبار اشتمال الوضوء عليه.
* (و) * منها: * (المضمضة) * وهي إدارة الماء في الفم،
* (والاستنشاق) * وهو جذبه إلى الأنف، واستحبابهما هو المعروف في النص
والفتوى، وفي رواية أبي بصير: " هما من الوضوء " (1).
لكن في رواية زرارة: " ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنة " (2)،
ونحوها الكلام المحكي عن العماني (3)، ويمكن حملها على إرادة السنة مقابل
الفرض المستفاد من الكتاب، يعني ليسا بواجبين في كتاب الله ولا في سنة
النبي صلى الله عليه وآله ويمكن حملها على عدم كونها من الأجزاء المستحبة للوضوء،
نظير غسل اليدين، بل هما نظير التسمية والسواك، فتأمل.
وليكن كل منهما ثلاثا، للمروي عن أمالي المفيد الثاني - ولد شيخ
الطائفة - عن أمير المؤمنين عليه السلام، في عهده إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه
مصر، وفيه: " وانظر إلى الوضوء، فإنه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث
مرات واستنشق ثلاثا... إلى أن قال: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله
يفعل ذلك (4).

(1) الوسائل 1: 303، الباب 29 من أبواب الوضوء، الحديث 4.
(2) الوسائل 1: 303، الباب 29 من أبواب الوضوء، الحديث 6.
(3) المختلف 1: 278.
(4) أمالي الطوسي: 29، وعنه في الوسائل 1: 279، الباب 15 من أبواب الوضوء،
الحديث 19.
432

وفي مكاتبة علي بن يقطين: " تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا " (1).
قال في الذكرى: وكيفيته أن يبدأ بالمضمضة ثلاثا بثلاث أكف، ومع
الإعواز بكف واحد، يدير الماء في جميع فمه، ثم يمجه، ثم يستنشق (2).
أقول: أما الترتيب كما صرح به في المبسوط (3) والروض (4) فيستفاد
من المروي في وضوء أمير المؤمنين عليه السلام، وفيه: " تمضمض، فقال: اللهم
لقني حجتك (5) يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك، ثم استنشق، فقال: اللهم
لا تحرم علي ريح... الخ - إلى أن قال بعد الفراغ -: من توضأ مثل وضوئي
وقال مثل قولي كان له كذا وكذا " (6).
وعن النهاية: جواز تعقيب كل مضمضة باستنشاق (7). وأما كون كل
منهما بثلاث أكف، فيمكن استفادته من أدلة إسباغ الوضوء (8)، والمروي في
رواية السكوني من وضوئه صلى الله عليه وآله: " ليبالغ أحدكم في المضمضة
والاستنشاق، فإنه غفران لكم ومنفرة للشيطان " (9). ويؤيده ما سيجئ من

(1) الوسائل 1: 312، الباب 32 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(2) الذكرى: 93.
(3) المبسوط 1: 20.
(4) روض الجنان: 42.
(5) كذا في النسخ، وفي المصدر: " حجتي ".
(6) الوسائل 1: 282، الباب 16 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(7) نهاية الإحكام 1: 56.
(8) الوسائل 1: 342، الباب 54 من أبواب الوضوء.
(9) الوسائل 1: 304، الباب 29 من أبواب الوضوء، الحديث 11.
433

استحباب الوضوء بمد (1).
وأما كفاية الكف الواحد مع الإعواز فلحصول المسمى، ومنه يظهر
استحباب الفعلين كيفما اتفقا من دون الإعواز، للإطلاقات السالمة عن
تقييدها (2) بما ينافيها، فإن استحباب المقيد لا ينافي استحباب المطلق أيضا،
مثل ما تقدم من النبوي، وقوله عليه السلام - في حديث الأربعمائة -: " المضمضة
والاستنشاق سنة وطهور للفم والأنف " (3) وحينئذ فيجوز الاقتصار على
الكف الواحد كما عن ظاهر الاقتصاد (4) والجامع (5)، لكن في المبسوط:
ولا يكونان أقل من ثلاث (6)، ولا فرق بين أن يكونا بغرفة أو غرفتين.
* (و) * يستحب * (الدعاء عندهما) * يعني بعد المج والجذب، أن يقول
عند المضمضة: " اللهم لقني حجتك (7) يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك "،
وعند الاستنشاق: " اللهم لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها
وروحها وطيبها ".
* (و) * يستحب الدعاء أيضا * (عند غسل الوجه) * بقوله: " اللهم بيض

(1) انظر الصفحة 438.
(2) كذا في مصححة " ع "، وفي غيرها: " عن تقييد ".
(3) الوسائل 1: 305، الباب 29 من أبواب الوضوء، الحديث 13.
(4) الإقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد: 377.
(5) الجامع للشرائع: 34.
(6) المبسوط 1: 20.
(7) كذا في النسخ، وفي المصدر: " حجتي ".
434

وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ".
* (و) * عند غسل * (اليدين) * بقوله عند اليمنى: " اللهم أعطني كتابي
بيميني، والخلد في الجنان بيساري، وحاسبني حسابا يسيرا "، وعند غسل
اليسرى: " اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، ولا من وراء ظهري، ولا تجعلها
مغلولة إلى عنقي، وأعوذ بك من مقطعات النيران ".
* (وعند مسح الرأس) * بقوله: " اللهم غشني برحمتك وبركاتك ".
* (و) * عند مسح * (الرجلين) * بقوله: " اللهم ثبتني على الصراط يوم
تزل فيه الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني "، وزاد في الفقيه: " يا ذا
الجلال والإكرام " (1)، وعند الفراغ بقوله: " الحمد لله رب العالمين ".
وعن الفقيه: زكاة الوضوء أن يقول المتوضي: " اللهم إني أسألك تمام
الوضوء، وتمام الصلاة، وتمام رضوانك والجنة " (2)، ولعله للنبوي: " يا علي،
إذا توضأت فقل: بسم الله، اللهم إني أسألك تمام الوضوء، وتمام الصلاة،
وتمام رضوانك، وتمام مغفرتك، فهذا زكاة الوضوء " (3).
وعن البحار عن الفقه الرضوي: " أيما مؤمن قرأ في وضوئه (إنا
أنزلناه في ليلة القدر) خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " (4).
وعن البحار أيضا عن كتاب اختيار السيد والبلد الأمين: " من قرأ بعد
إسباغ الوضوء (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وقال: اللهم إني أسألك تمام الوضوء

(1) الفقيه 1: 43، الحديث 84.
(2) الفقيه 1: 51، الحديث 107.
(3) مستدرك الوسائل 1: 322، الباب 24 من أبواب الوضوء، الحديث 9.
(4) البحار 80: 315، الحديث 5، والفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 70.
435

وتمام الصلاة وتمام رضوانك وتمام مغفرتك، لم يمر بذنب أذنبه إلا محقه " (1).
وعن كتاب الاختيار عن الباقر عليه السلام: " من قرأ على أثر وضوئه
آية الكرسي مرة، أعطاه الله ثواب أربعين عاما، ورفع له أربعين درجة،
وزوجه الله أربعين حوراء " (2).
وعن تفسير الإمام العسكري عليه السلام المشتمل على ثواب الوضوء:
" أنه إن قال - في آخر وضوئه أو غسله من الجنابة -: سبحانك اللهم
وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وأشهد أن محمدا
عبدك ورسولك، وأشهد أن عليا وليك وخليفتك بعد نبيك وأن أولاده
خلفاؤك وأوصياؤه، تحاتت عنه الذنوب كما يتحات أوراق الأشجار، وخلق
الله بكل قطرة من قطرات وضوئه أو غسله ملكا يسبح الله ويقدسه ويهلله
ويكبره ويصلي على محمد وآله الطيبين، وثواب ذلك لهذا المتوضئ، ثم يأمر
الله بوضوئه وغسله ويختم عليه بخاتم من خواتيم (3) رب العزة " (4).
* (و) * منها: ما ذكره الشيخ (5) وابن زهرة (6) والكيدري (7) والحلي (8)

(1) البحار 80: 328، الحديث 14، والبلد الأمين: 3، وفيه: " لا تمر بذنب قد أذنبه
إلا محته ".
(2) البحار 80: 317، الحديث 9، حكاه عن جامع الأخبار.
(3) في غير " ع ": " من خزانة ".
(4) البحار 80: 316، والتفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام: 522.
(5) المبسوط 1: 20.
(6) الغنية: 61.
(7) إصباح الشيعة: 30.
(8) السرائر 1: 101.
436

والفاضلان (1)، بل عن الغنية (2) والتذكرة (3) الإجماع عليه: من * (أن يبدأ الرجل
بظاهر (4) ذراعيه) * في الغسلة الأولى * (وفي الثانية بباطنهما، و) * أن تفعل
* (المرأة بالعكس) * لقوله عليه السلام في رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع: " فرض
الله على النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن، وفي الرجال بظاهر
الذراع " (5)، والمراد ب‍ " الفرض " التقدير والتشريع، لا الإيجاب، قال في
الذكرى: والرواية مطلقة في الغسلتين، وأكثر الأصحاب لم يفرقوا بين الأولى
والثانية في الرجل والمرأة (6).
أقول: لعل الشيخ ومن تبعه لم يفهموا إطلاق الرواية بالنسبة إلى
الغسلة الثانية، كما يقتضيه الإنصاف، وإنما رجحوا العكس في الغسلة الثانية،
لأن المقصود منها الإسباغ والاحتياط في الاستيعاب، وكمال الأمرين
إنما يحصل إذا ابتدأ فيها بغير ما ابتدأ في الأولى، ولذا ذكر الإسكافي
- في كيفية غسل اليدين -: أنه لو أخذ لظهر (7) ذراعه غرفة، ولبطنها أخرى
كان أحوط (8)، انتهى. فإذا استحب لأجل الاحتياط عند الاكتفاء بغسلة واحدة
غرفة للظاهرة وأخرى للباطن كان مراعاة ذلك أولى عند تعدد الغسلة.

(1) المعتبر 1: 167، ولكنه لم يفصل بين الغسلة الأولى والثانية، والتذكرة 1: 202.
(2) راجع المصدرين المتقدمين.
(3) راجع المصدرين المتقدمين.
(4) في الشرائع: " بغسل ظاهر ".
(5) الوسائل 1: 328، الباب 40 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(6) الذكرى: 94.
(7) كذا في المصدر، وفي النسخ: " بظهر... وبطنها ".
(8) حكاه عنه في الذكرى: 96.
437

وبالجملة، فالإسباغ الكامل لا يحصل إلا بالصب من الطرفين. نعم، لو
كانت الرواية شاملة بإطلاقها للغسلة الثانية، أشبه ما ذكرناه بالاجتهاد في
مقابل النص.
مع إمكان أن يقال حينئذ: إن البدأة بطرف واحد في الغسلتين
مستحب شرعي، والاختلاف فيها (1) بقصد تكميل الإسباغ أيضا مستحب
آخر، لكن الإنصاف ظهور الرواية في الغسلة الواجبة.
* (و) * منها: * (أن يكون الوضوء) * بجميع غرفاته الواجبة والمستحبة
وهي: أربع عشرة أو خمس عشرة غرفة * (بمد) * بلا خلاف، بل عن
جماعة (2) الإجماع عليه.
ويدل عليه الأخبار المستفيضة، ففي النبوي: " الوضوء مد والغسل
صاع، وسيأتي بعدي أقوام يستقلون ذلك، فأولئك على خلاف سنتي،
والثابت على سنتي معي في حظيرة القدس " (3).
وفي رواية زرارة: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع،
والمد رطل ونصف، والصاع ستة أرطال... الخبر (4) " (5)، والمراد بالرطل فيها:

(1) في " ب ": " فيهما ".
(2) منهم العلامة في التذكرة 1: 201، والسيد العاملي في المدارك 1: 250، والسيد
الطباطبائي في الرياض 1: 271.
(3) الوسائل 1: 339، الباب 50 من أبواب الوضوء، الحديث 6.
(4) كذا في النسخ، والظاهر زيادة " الخبر "، لأن الحديث مذكور بتمامه.
(5) الوسائل 1: 338، الباب 50 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
438

المدني، وهو يزيد عن العراقي بنصفه، فالمد رطلان وربع بالعراقي، وهو
مئتان واثنان وتسعون درهما ونصفا، نسبه في الذكرى إلى الأصحاب (1).
وهي مئة وثلاثة وخمسون مثقالا وكسرا، فكل غرفة عشرة مثاقيل من الماء
أو أزيد بقليل. نعم، لو لم يلاحظ الغسلات المستحبة أشكل توجيه ذلك،
ولذا قال في الذكرى: إن هذا المد لا يكاد يبلغه ماء الوضوء إلا أن يدخل
فيه ماء الاستنجاء، [كما تضمنته رواية ابن كثير (2) عن أمير المؤمنين عليه السلام
الحاكية لوضوئه، حيث قال: " أتوضأ للصلاة " (3)، ثم ذكر الاستنجاء (4)] (5).
ويؤيده: ما سيجئ (6) في الاستعانة من صحيحة الحذاء، لكن فيه
أنها إنما توضأ للاستنجاء من البول وزيادة (7) على ماء الوضوء لا يبلغ به
المد.
ثم ظاهر التحديد بالمد: أن الزائد ليس مستحبا، بل ربما يكون
مكروها، لما روي من أن لله جل ذكره ملكا يكتب سرف الوضوء كما
يكتب عدوانه " (8). وأما قوله صلى الله عليه وآله في النبوي السابق: " وسيأتي أقوام
يستقلون ذلك " فيحتمل وجوها.

(1) الذكرى: 95.
(2) كذا في المصدر، وفي النسخ: " ابن بكير ".
(3) الوسائل 1: 282، الباب 16 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(4) الذكرى: 95.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في " ح ".
(6) سيجئ في الصفحة 444.
(7) كذا في النسخ، والظاهر أن العبارة لا تخلو عن تصحيف.
(8) الوسائل 1: 340، الباب 52 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
439

وهنا مستحبات لم يذكرها المصنف قدس سره.
منها: السواك - بكسر السين - مصدر ساك الشئ، وساك فيه بالعود:
أي دلكه. ويطلق على نفس العود كالمسواك.
واستحبابه في الجملة مجمع عليه، وفي الحدائق: لا خلاف بين أصحابنا
في استحبابه مطلقا، خصوصا للصلاة والوضوء (1)، والأخبار به مستفيضة.
منها: قوله عليه السلام: " لكل شئ طهور وطهور الفم السواك " (2).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: " أن أفواهكم طرق القرآن فطهروها
بالسواك " (3).
وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام: " ركعتان بسواك أفضل من
سبعين ركعة بغير سواك " (4)، ويتأكد عند القيام من النوم، خصوصا لصلاة
الليل.
وفي النبوي: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء
كل صلاة " (5)، وفي رواية: " السواك شطر الوضوء " (6).

(1) الحدائق 2: 154.
(2) الوسائل 1: 349، الباب الأول من أبواب السواك، الحديث 20.
(3) الوسائل 1: 358، الباب 7 من أبواب السواك، الحديث 3.
(4) الفقيه 1: 54، الحديث 118.
(5) المستدرك 1: 364، الباب 2 من أبواب السواك، الحديث 2.
(6) الوسائل 1: 354، الباب 3 من أبواب السواك، الحديث 3.
440

ويتحقق السواك بالدلك باليد، للإطلاقات، وفي مرسل الكافي: " أدنى
السواك أن تدلك بإصبعك " (1)، وفي رواية السكوني عن الصادق عليه السلام:
" أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: التسويك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء
سواك " (2).
ويستحب بقضيب الشجر، قيل: وأفضله الأراك (3).
قال في الذكرى: والظاهر أن محله قبل غسل اليدين (4)، لرواية المعلى
ابن خنيس في ناسيه قبل الوضوء، قال: " تستاك ثم تمضمض ثلاثا " (5).
والأولى الاستدلال عليه بما تقدم في النبوي صلى الله عليه وآله من أنه عند الوضوء،
مع أنه مقتضى كونه طهورا للفم الذي هو طريق للقرآن والدعاء.
ومنها: صفق الوجه بالماء، على ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام:
" إذا توضأ الرجل فليصفق وجهه بالماء، فإنه إن كان نائما استيقظ، وإن
كان بردا لم يجد البرد " (6)، وعورض بما في التهذيب: " لا تضربوا وجوهكم

(1) الكافي 3: 23، الحديث 5، وعنه في الوسائل 1: 359، الباب 9 من أبواب
السواك، الحديث 3.
(2) التهذيب 1: 357، الحديث 1070، وعنه في الوسائل 1: 359، الباب 9 من
أبواب السواك، الحديث 4.
(3) قاله الشهيد رحمه الله في الذكرى: 94.
(4) الذكرى: 93.
(5) الوسائل 1: 354، الباب 4 من أبواب السواك، الحديث الأول.
(6) الفقيه 1: 51، الحديث 106، وعنه في الوسائل 1: 305، الباب 30 من أبواب
الوضوء، الحديث الأول مع اختلاف في الألفاظ.
441

بالماء إذا توضأتم " (1)، وجمع بينهما بحمل هذا على الأولى، والأول على
الإباحة (2).
ومنها: فتح العينين عند غسل الوجه، قال (3) الصدوق: وروي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إفتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار
جهنم " (4)، قال في الذكرى: ولا ينافيه حكم الشيخ في الخلاف بعدم
استحباب إيصال الماء إلى داخل العين، محتجا بالإجماع (5)، وكذا في
المبسوط (6)، لعدم التلازم بينه وبين الفتح (7)، وفي الذكرى أيضا: لم أقف على
نص الأصحاب في استحباب الاستقبال بالوضوء ولا في كراهة الكلام بغير
الدعاء، ولو أخذ الأول من قولهم عليهم السلام: " أفضل المجالس ما استقبل به
القبلة " (8)، والثاني من منافاته للأذكار والدعوات أمكن (9).

(1) التهذيب 1: 357، الحديث 1072، وعنه في الوسائل 1: 305، الباب 30 من
أبواب الوضوء، الحديث 2.
(2) التهذيب 1: 357.
(3) في " أ " و " ب ": " قاله ".
(4) المقنع: 21. ورواه في الوسائل 1: 341، الباب 53 من أبواب الوضوء، الحديث
الأول.
(5) الخلاف 1: 85، المسألة: 35.
(6) المبسوط 1: 20.
(7) الذكرى: 95.
(8) الوسائل 8: 475، الباب 76 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3.
(9) الذكرى: 96.
442

* (ويكره) * في الوضوء أمور:
منها: إيقاعه في المسجد من حدث البول والغائط، لرواية رفاعة:
" سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء في المسجد، فكرهه من البول
والغائط " (1). ورواية بكير بن أعين عن أحدهما عليهما السلام: " إن كان الحدث
في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد " (2) محمولة بقرينة فرض الحدث في
المسجد على غير الحدثين.
ومنها: لطم الوجه بالماء لطما كما في رواية قرب الإسناد المتقدمة في
غسل الوجه (3).
ومنها: * (أن يستعين في طهارته) * بأن يكل إلى الغير بعض مقدماته
القريبة التي لا تحصل غالبا إلا بالتحصيل، بحيث يعد فاعلها في العرف
كالمشارك له في العمل، كصب الماء في اليد، وإعانتها على الصب.
وفي رفع كم المتوضي، وتجفيف موضع المسح تردد. أما مثل إحضار

(1) الوسائل 1: 345، الباب 57 من أبواب الوضوء، الحديث الأول، وهو منقول
بالمعنى.
(2) الوسائل 1: 345، الباب 57 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(3) قرب الإسناد: 312، الحديث 1215، وعنه في الوسائل 1: 280، الباب 15 من
أبواب الوضوء، الحديث 22، وتقدمت في الصفحة 171 - 172.
443

الماء أو تسخينه فلا يعد الفاعل لها كالشريك، لأن العمل غالبا لا يتوقف
على فعلها، وإنما يتوقف على وجود الحاصل منها أعني حضور الماء
وسخونته، أما وجود الماء في اليد فإنه لا يحصل غالبا إلا بفعل المباشر
للوضوء، فإذا باشره غيره فقد صار كالشريك له، وكأنه لذلك استدل جماعة
من الأصحاب (1) على الكراهة - تبعا للإمام عليه السلام في بعض الأخبار (2)
المتقدمة في مسألة التولية - بقوله تعالى: (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (3)، مع
أن الإشراك الحقيقي غير حاصل بمجرد فعل بعض المقدمات، فكأن في تحريم
المشاركة الحقيقية تنبيها على كراهة المشاركة المجازية الحاصلة بملاحظة
المجموع المركب من نفس الفعل ومقدماته، المتوقفة غالبا على مباشرة الفاعل.
ثم إن في صحيحة الحذاء المروية عن التهذيب قال: " وضأت
أبا جعفر عليه السلام وقد بال، وناولته ماء فاستنجى، ثم صببت عليه كفا فغسل
وجهه، وكفا غسل به ذراعه الأيمن، وكفا غسل به ذراعه الأيسر، ثم مسح
بفضل الندى رأسه ورجليه... الخبر " (4)، قال في الذكرى: ويحمل على
الضرورة، وقد يترك الإمام عليه السلام الأولى، لبيان جوازه (5).

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 311، والشهيد الأول في الذكرى: 95، والشهيد
الثاني في روض الجنان: 42.
(2) تقدم في الصفحة 399.
(3) الكهف: 110.
(4) التهذيب 1: 58، الحديث 162، وعنه في الوسائل 1: 275، الباب 15 من
أبواب الوضوء، الحديث 8.
(5) الذكرى: 95.
444

أقول: قد يعارض المكروه أمور أخر أرجح من تركه غير بيان
الجواز، والأصل في ذلك: أن الفعل مجمل لا يعارض القول.
* (و) * منها: * (أن يمسح بلل الوضوء من أعضائه (1)) * بمنديل، لمداومة
العامة عليه، وقد جعل الرشد في خلافهم، ومنه يعلم أن الأخبار (2) المتضمنة
لفعل الأئمة عليهم السلام للتمندل وأمرهم به، بل الأمر بمسح الوجه بأسفل القميص
محمول على التقية.
[ويمكن الاستدلال على الكراهة أيضا] (3) بأن فيه تفويت الثواب
المكتوب للمتوضي ما دام البلل، فكأنه إبطال للعمل أي تضييع له وإحباط.
ويمكن أن يستدل أيضا برواية محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام:
" من توضأ وتمندل كانت له حسنة، وإن توضأ ولم يتمندل كان له ثلاثون
حسنة " (4)، بناء على أن ظاهرها كون الثلاثين بإزاء أصل الوضوء والتمندل
موجب لنقص ثوابه فيكون مكروها، إذ كما أن إيقاع العبادة أنقص ثوابا
يتصف بالكراهة المصطلحة في العبادات كذا إدخال النقص عليها بعد
الإيقاع.
ويحتمل أن يكون الحسنة الواحدة بإزاء أصل الوضوء والزائد بإزاء

(1) في الشرائع: " عن أعضائه ".
(2) الوسائل 1: 333، الباب 45 من أبواب الوضوء.
(3) ما بين المعقوفتين قد ورد في النسخ بعد أسطر، قبل قوله: " ويحتمل أن يكون
الحسنة الواحدة... ".
(4) الوسائل 1: 334، الباب 45 من أبواب الوضوء، ذيل الحديث 5.
445

إبقاء أثر الوضوء، فيكون التمندل تركا لمستحب مستقل، ولا ينبغي عده
حينئذ مكروها، بل ينبغي عد تركه مستحبا، واستحباب الترك من حيث هو
ترك وإن كان مستلزما لكراهة الفعل، إلا أن تركه هنا مقدمة للإبقاء
المستحب.
446

* (الرابع) *
* (في أحكام الوضوء) *
المترتبة عليه أو على جزء منه، بملاحظة وجوده في مقابل الحكم
المترتب عليه بملاحظة إيجاده، كوجوبه واستحبابه في نفسه أو لأجل
الغاية أو لحدوث أسباب وجوبه أو ندبه.
وقد ذكر المصنف بعضها في ضمن مسائل:
447

الأولى (1)
* (من تيقن الحدث وشك في الطهارة) * بعده * (أو تيقنهما وشك في
المتأخر، تطهر) * لما يوجده (2) من الأفعال بعد الشك، لا لما أوجده قبل ذلك،
فلو شك من تيقن الحدث في الطهارة بعد ما فرغ من الصلاة مضت صلاته،
وتطهر لما يأتي، لتقدم قاعدة نفي الشك بعد الفراغ على الاستصحاب، خلافا
لبعض، كما سيجئ.
ولو ارتبط اللاحق بالسابق، كما لو شك وهو في أثناء الصلاة،
فالأقوى وجوب التطهير والاستئناف، لتوقف إحراز الطهارة للأجزاء
اللاحقة على ذلك - وسيأتي تمام الكلام في مسألة الشك بعد الفراغ عن
الوضوء - بلا خلاف ولا إشكال في الأول.
ويدل عليه - مضافا إلى الأخبار المستفيضة (3) -: الاستصحاب المتفق

(1) كذا في النسخ، ولم يورد المصنف المسائل التالية مرقمة.
(2) في " ع ": " لما يوجد ".
(3) الظاهر أن المراد بها الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك، راجع الوسائل 1:
174، الباب الأول من أبواب نواقض الوضوء.
449

عليه في مثل المقام بين العلماء الأعلام، بل بين قاطبة أهل الإسلام، بل عد
مثله المحدث الاسترآبادي - المنكر لحجية الاستصحاب - في بعض فوائده من
ضروريات الإسلام (1).
وقد يستدل أيضا بقوله عليه السلام: " إذا استيقنت أنك أحدثت "، وبمفهوم
قوله بعد ذلك: " وإياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن أنك قد أحدثت " (2)،
بناء على أن التحذير عن الوضوء بنية الوجوب قبل تيقن الحدث، يدل على
ثبوت الوجوب بعده.
لكن الإنصاف: أن ظاهرهما وجوب الوضوء حين تيقن الحدث،
لا إذا حصل له تيقن الحدث في زمان، وطرء الشك بعد ذلك، ولا فرق
فيما ذكر بين كون بقاء الحدث مظنونا أو مشكوكا أو موهوما، لإطلاق النص
والفتوى، واعتبار الاستصحاب لا بشرط إفادته الظن بالبقاء في خصوص
مورده، بل لو قلنا باعتباره من باب الظن، فالمراد به إفادته له من حيث
هو لو خلي وطبعه، وإن ارتفع الظن بسبب بعض الموهنات، إلا أن لشيخنا
البهائي قدس سره في حبله المتين (3) في عكس المسألة - وهو تيقن الطهارة
والشك - كلاما ظاهرا في أن الاعتبار بالاستصحاب تابع للموارد الشخصية
المختلفة في حصول الظن بالبقاء وعدمه، فلا يعتبر إلا مع حصول الظن في
خصوص المورد، وسيجئ ذكره في المسألة الآتية.
وأما الثاني: فالحكم بوجوب التطهر فيه هو المشهور، قديما وحديثا،

(1) الفوائد المدنية: 143.
(2) الوسائل 1: 176، الباب الأول من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 7.
(3) الحبل المتين: 37.
450

إذ لا صلاة إلا بطهور، والشك في التلبس بالطهارة - كما هو المفروض فيما
نحن فيه - شك في المشروط، وهذا معنى ما في المقنعة (1) والسرائر (2): من أنه
يجب عليه الوضوء، ليزول عنه الشك، ويدخل في صلاته على يقين الطهارة،
وأوضح منهما قول الشيخ في التهذيب (3): إنه مأخوذ على الإنسان، أن
لا يدخل في الصلاة إلا بطهارة، فينبغي أن يكون متيقنا بالطهارة، ليسوغ له
الدخول فيها، ومحصل ذلك ما في المعتبر - في الاستدلال على وجوب
الطهارة فيما لم يعلم الحالة السابقة على الحالتين - من قوله: لعدم حصول
اليقين بالطهارة (4)، بل ظاهر التذكرة أن هذا هو استدلال كل من قال بهذا
القول (5).
وليس هنا من مجاري أصالة البراءة لاختصاصها بصورة الشك في
شرطية الشئ، لا في وجود الشرط، وقد يتوهم أنه إذا لم يجعل الطهارة
شرطا، بل جعلنا الحدث مانعا، كفى عدم اليقين بالحدث، وهو حاصل في
محل الكلام.
ويندفع أولا بما تقدم: من أن الطهارة عدم الحدث، فإذا كان الحدث
مانعا، كان عدمه شرطا.
وثانيا: أن المانع لا يكفي فيه عدم اليقين بوجوده، بل يعتبر اليقين

(1) المقنعة: 50.
(2) السرائر 1: 104.
(3) التهذيب 1: 103.
(4) المعتبر 1: 171.
(5) التذكرة 1: 211.
451

بعدمه، ولو بحكم الأصل، ومن هنا ظهر أن حكمهم هنا بوجوب الطهارة،
ليس لكون الحدث حالة أصلية في الإنسان، كما تقدم توهمه من بعض، في
أول باب الأحداث، بل لوجوب إحراز العلم بعدمه، ولو بحكم الأصل.
وأما دعوى أن المانع يكفي فيه (1) عدم العلم به (2) ولا يحتاج إلى إحراز
عدمه، ولو بالأصل، فهي ممنوعة جدا.
ويؤيد ما ذكرنا: ما في الفقه الرضوي: " وإن كنت على يقين من
الوضوء والحدث، ولا تدري أيهما أسبق، فتوضأ " (3). ويمكن دعوى انجباره
في المقام بالشهرة المحققة، وظهور الاتفاق المفهوم من نسبته في الذكرى إلى
الأصحاب (4).
وربما يستدل بقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) (5) أوجب
الوضوء عند كل صلاة. وكذلك قوله: " إذا دخل الوقت وجب الصلاة
والطهور " (6)، ولم يعلم خروج ما نحن فيه عن إطلاقهما، وبقوله عليه السلام: " إذا
استيقنت أنك أحدثت فتوضأ " (7)، والمفروض أنه استيقن بأنه أحدث.

(1) لم ترد " فيه " في " ع ".
(2) لم ترد " به " في " ع ".
(3) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 67.
(4) الذكرى: 98.
(5) المائدة: 6.
(6) الوسائل 1: 261، الباب 4 من أبواب الوضوء، الحديث الأول، وفيه: " وجب
الطهور والصلاة ".
(7) الوسائل 1: 176، الباب الأول من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 7.
452

ومنه يظهر جواز التمسك بعمومات وجوب الوضوء بعد حصول
أسبابه، ومقتضى ذلك - على ما سبق في محله، من أن الأصل عدم التداخل -:
هو كون كل واحد من تلك الأسباب ولو وقع عقيب مثله مقتضيا لتكليف
مستقل بالطهارة، غاية الأمر أنه إذا علم تعاقبهما اكتفى الشارع بامتثال
التكليفين بفعل واحد، فإذا لم يعلم تواليهما لم يعلم سقوط التكليفين بفعل
واحد، فلا بد من فعل آخر ليعلم بالسقوط.
هذا، لكن يرد على الأول: أن عدم العلم بخروج ما نحن فيه عن
عموم الآية غير مجد، بل لا بد من العلم بدخوله (1) فيه، ولو بحكم أصالة
العموم الراجعة إلى أصالة الحقيقة، وهي غير جارية فيما نحن فيه، لأن الآية
مخصصة بالمتطهر، للإجماع، وبمثل قوله: " إياك أن تحدث وضوءا حتى
تستيقن أنك قد أحدثت "، الدال على نفي وجوب الوضوء مع عدم تيقن
الحدث قبله، وقولهم عليهم السلام: " يجوز أن يصلي بوضوء واحد صلاة الليل
والنهار " (2).
والشك فيما نحن فيه في كون الشخص من مصاديق عنوان المخصص
أو من مصاديق عنوان العام، نظير أكرم العلماء إلا زيدا إذا شك في كون
شخص زيدا أو غيره، فإن كونه زيدا أو غير زيد لا يؤثر في أصالة الحقيقة
في العموم، بعد العلم بأنه لم يخصص إلا بزيد، ولم يرد منه إلا معنى مجازي
واحد، وهو ما عدا زيد، فليس الشك في المراد حتى يجري أصالة الحقيقة،
وإنما المشكوك صدق المراد المعلوم تفصيلا على أمر خارجي.

(1) في " أ " و " ع ": " بدخول ".
(2) الوسائل 1: 263، الباب 7 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
453

وأما قوله: " إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور "، فهو إما مختص
بالمحدث الممنوع من الصلاة، إذا أريد ب‍ " الطهور " الرافع للحدث، أو المبيح
للصلاة، فلا يجب إلا في حق الممنوع، وتحقق هذا الموضوع مشكوك فيما نحن
فيه، فكيف يثبت الحكم؟ وإما مخصص به لمثل ما ذكرنا في الآية، إن أريد
ب‍ " الطهور " نفس الوضوء، مع قطع النظر عن كونه متلبسا بوصف رفع
الحدث، أو استباحة الصلاة.
وأما قوله: " إذا استيقنت "، ففيه - مضافا إلى ما ذكرنا من أن ظاهره
وجوب الوضوء حين تيقن الحدث، لا بمجرد حدوثه في زمان وإن ارتفع
بعده بالشك -: مع (1) أنه معارض بقوله عليه السلام في رواية ابن بكير: " إذا
توضأت فإياك أن تحدث وضوءا (2) حتى تستيقن أنك قد أحدثت " (3)، بناء
على ظاهره من إرادة الإحداث بعد ذلك الوضوء، وهذا الشخص قد توضأ
في زمان ولم يتيقن الإحداث بعده.
وأما أدلة أسباب الوضوء، فيرد عليها - بعد الإغماض عن تقيد
السبب فيها بقرينة الإجماع على عدم مشروعية أزيد من طهارة واحدة
للمتعدد المتوالي منها بما لم يقع عقيب مثله، فيشترط في تأثير ما يقع منها
عدم مسبوقيته بمثله، فالشك فيما نحن فيه كما تقدم في الآية شك في المصداق،
ولا يجري أصالة الإطلاق -: أنها مسوقة لبيان وجوب الوضوء بعدها
بسببها، أما لو شك في أن هذا المسبب وقع عقيب السبب الذي اقتضاه

(1) كذا في النسخ، والظاهر زيادة " مع ".
(2) كذا في المصدر، وفي النسخ: " وضوءه ".
(3) الوسائل 1: 176، الباب الأول من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 7.
454

وسقط عنا مقتضاه، أو لم يقع بعد ولا بد من إيقاعه، فيطلب لإثبات
وجوب إيقاعه ليحصل اليقين بحصول أثر السبب، دليل آخر غير دليل
السببية.
وبالجملة، فالحكم بسببية شئ لوجوب شئ لا يثبت به وجوب
تحصيل اليقين لوجود المسبب، بل لا بد من إثباته بقاعدة الاستصحاب أو
قاعدة وجوب اليقين بإحراز الشرط إن كان المسبب المشكوك الحصول
شرطا، كما فيما نحن فيه.
أما القاعدة الثانية، فهي التي تمسكنا بها في المقام، تبعا لجماعة من
الأعلام.
وأما استصحاب عدم تحقق المسبب، فلا يخفى على أدنى محصل ما سطر
في أكثر كتب الأصحاب، وارتكز في أذهان أولي الألباب من معارضته
باستصحاب عدم الرافع، وكما يقضي الاستصحاب بعدم تحقق المسبب وهو
الوضوء بعد السبب وهو الحدث، كذلك يقضي الاستصحاب بعدم حصول
الناقض وهو الحدث بعد الطهارة المتيقنة بالفرض، وهذا معنى قول المعتبر:
أن تيقن الطهارة معارض بتيقن الحدث (1)، ومعناه: تعارضهما من حيث
مقتضاهما، وهو العمل على المتيقن عند الشك في ارتفاعه، وإلا فهما في
أنفسهما غير منافيين، لأن المفروض اجتماعهما في المكلف.
ثم إن في المسألة أقوالا أخر:
أحدها: ما مال إليه في المعتبر (2) واختاره جامع المقاصد (3)، ونسبه

(1) المعتبر 1: 171.
(2) المعتبر 1: 171.
(3) جامع المقاصد 1: 237.
455

شارح الجعفرية (1) إلى المشهور بين المتأخرين: من التفصيل بين صورة الجهل
بالحالة السابقة على الحالتين فكالمشهور، وبين صورة العلم بها فيؤخذ
بضدها، لأن تلك الحالة ارتفعت يقينا، فوجود الرافع لها يقيني، وارتفاع
ذلك الرافع مشكوك فيه، مثلا إذا كان قبلهما (2) متطهرا فانتقاض تلك
الطهارة بالحدث يقيني، ولم يعلم ارتفاع ذلك الحدث، لاحتمال تقدم الطهارة
المعلومة، فيرجع الأمر إلى تيقن الحدث والشك في [الطهارة.
ويظهر منه الحال في العكس، وإنه يرجع إلى تيقن الطهارة والشك
في] (3) الحدث.
ولذا قال في الذكرى - بعد حكاية هذا التفصيل -: إنه إن تم ليس
خلافا في المسألة، لرجوعه إما إلى يقين الحدث مع الشك في الطهارة أو إلى
العكس والبحث في غيره (4)، انتهى.
وجزم كاشف اللثام - على ما حكي عنه - بأن إطلاق الأصحاب
الحكم بوجوب التطهر مقيد بعدم علمه حاله قبل زمانهما (5)، بل حكي عن
المسالك (6) تقييد عبارة الشرائع به، فتأمل.

(1) الفوائد العلية في شرح الجعفرية (مخطوط): 42.
(2) كذا في " ب "، وفي سائر النسخ: " قبلها ".
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في " ع ".
(4) الذكرى: 98.
(5) لم نجد التصريح بذلك في كلامه، نعم حكاه عن ظاهر كلامه السيد العاملي، انظر
كشف اللثام 1: 76، ومفتاح الكرامة 1: 289.
(6) المسالك 1: 44.
456

أقول: إن أريد رجوع ما نحن فيه إلى عين مسألتي الشك في الطهارة
مع تيقن الحدث والعكس، فلا يخفى ما فيه، لأن كلامهم في المسألتين
مفروض في تيقن أحدهما والشك في وجود الآخر، لا في تأثير الآخر
المعلوم وجوده.
وإن أريد رجوعه إليهما في الحكم والدليل، حيث إن استصحاب بقاء
الرافع للحالة السابقة على الحالتين - أعني الحدث في الأولى والطهارة في
عكسها - سليم عن معارضته باستصحاب بقاء حكم الآخر المعلوم وجوده
- أعني الطهارة في الأولى والحدث في عكسها -، لأن العلم بوجوده لا يكفي
في استصحابه، بل لا بد فيه من العلم بتأثيره، وهو مفقود في الفرض،
لاحتمال وقوعه قبل ذلك الرافع وعقيب مجانسه فلا يؤثر شيئا.
وبهذا التقرير يظهر أن ما ذكره في المدارك (1) تبعا للمنتهى (2) من أن
وقوع طهارة في المسألة الأولى وحدث في المسألة الثانية يقيني أيضا، فلا بد
من العلم بناقض الطهارة ورافع الحدث، إذ مجرد الوضوء والحدث ما لم يعلم
تأثيرهما لا يعقل فيهما استصحاب.
لكن فيه ما ذكره جماعة (3) - تبعا لشارح الدروس (4) - من أن
المستصحب في الاستصحاب المعارض ليس أثر ذلك الآخر الناشئ عنه،

(1) المدارك 1: 255.
(2) المنتهى 2: 141.
(3) منهم ولده المحقق جمال الدين في حاشية الروضة: 38، والمحقق النراقي في المستند
2: 229، وصاحب الجواهر مع تأمل فيه، انظر الجواهر 2: 351 - 352.
(4) مشارق الشموس: 143.
457

حتى يقال إنه غير متيقن في السابق، بل المستصحب هو الأثر الموجود حال
حدوثه وإن لم يعلم بكونه ناشئا عنه فإذا كان الحالة السابقة على الحالتين
هو الحدث فالطهارة رافعة له يقينا، وإن كان مستصحبا، إلا أن الحالة المانعة
المعبر عنها بالحدث متيقن الوجود عند الحدث المعلوم حدوثه، وإن لم يعلم
تأثيره فالأصل بقاؤه وإن لم يكن ناشئا (1).
وقد يدفع: بأن الحالة المانعة المعلومة عند الحدث المتيقن مرددة بين
حالة معلومة الارتفاع وأخرى مشكوكة الحدوث، فالشك في بقائها مسبب
عن الشك في حدوث الحالة الأخرى، والأصل عدم حدوثها.
اللهم إلا أن يمنع كون الشك في بقاء تلك الحالة المانعة مسببا عن
الشك في حدوث الحالة الأخرى، بل الشكان مسببان عن الشك في تأريخ
الحدث المعلوم وقوعه، فاستصحاب عدم حدوث حالة مانعة أخرى
كاستصحاب بقاء الطهارة معارض باستصحاب الحالة المانعة المعلومة، فغاية
الأمر أن هنا استصحابا وجوديا وهو استصحاب الطهارة الرافعة، وعدميا
وهو استصحاب عدم حدث آخر بعد هذه الطهارة، ويمكن في المقابل مثله
وهو استصحاب الحالة المانعة المعلومة عند الحدث الآخر، واستصحاب عدم
طهارة بعده.
نعم، لو منع جريان (2) الاستصحاب في الحالة المانعة - المردد استنادها
إلى الحدث المرتفع أو حدث آخر غيره - تم ذلك القول.
ثم إن نظير ما نحن فيه: ما لو غسل ثوبا نجسا بمائين يعلم نجاسة

(1) في مصححة " ج ": " ناشئا عنه ".
(2) في " أ " و " ب ": " من جريان ".
458

أحدهما، فإنه يعارض هنا استصحاب الطهارة الرافعة للنجاسة السابقة
استصحاب النجاسة المعينة حال ملاقاة النجس من المائين، وكذا لو أصاب
ثوبا طاهرا كران أحدهما نجس، إلا أن المرجع في هاتين المسألتين إلى
قاعدة الطهارة، بخلاف ما نحن فيه، فإنه لا يثبت شئ من الطهارة والحدث
بالأصل ويبقى ما تقدم من قاعدة الشغل المتقدمة سابقا سليمة.
الثاني: ما عن العلامة في بعض كتبه (1) من الأخذ بالحالة السابقة
على الحالتين، استنادا إلى تكافئهما الموجب لتساقطهما، فيرجع إلى
ما قبلهما.
وفيه ما لا يخفى إن أراد ظاهره، وإن أراد بالطهارة خصوص الرافعة،
وبالحدث خصوص الناقض، وبالاستصحاب التزام نوع الحالة السابقة،
فيرجع إلى التفصيل الثالث للأقوال و (2) المحكي عنه في المختلف، حيث قال:
إذا تيقن عند الزوال أنه نقض طهارة وتوضأ عن حدث وشك في السابق
فإنه يستصحب حاله السابق على الزوال، فإن كان في تلك الحال متطهرا بنى
على طهارته، لأنه تيقن أنه (3) نقض تلك الطهارة، ونقض الطهارة الثانية
مشكوك فيه، فلا يزول اليقين بالشك، وإن كان قبل الزوال محدثا فهو الآن
محدث، لأنه تيقن أنه انتقل عنه إلى الطهارة ثم نقضها، والطهارة بعد نقضها
مشكوك فيها (4)، انتهى.

(1) لم نعثر عليه.
(2) " الواو " مشطوب عليها في " ع ".
(3) لم ترد " أنه " في " ج "، " ح " و " ع ".
(4) المختلف 1: 308.
459

وأورد عليه في الذكرى (1) وجامع المقاصد (2) أنه يجوز توالي الطهارتين
وتعاقب الحدثين فلا يتعين تأخر الطهارة في الصورة الأولى والحدث في
الثانية، وهذا الإيراد كما ترى، لعدم احتمال التوالي فيما فرضه، كما نبه عليه
في المدارك (3).
نعم، أورد في المدارك (4) - تبعا للذكرى (5) -: أن هذا التخصيص يخرج
المسألة إلى اليقين، فإيراد كلامه قولا في المسألة مما لا ينبغي.
واعتذر عن ذلك وحيد عصره في حاشية المدارك - تبعا لشارح
الدروس (6) -: أن المسألة تتصور على صورتين، الأولى: أن يكون الحدث
الناقض والطهارة الرافعة كل منهما واحدا غير متعدد على اليقين، والثانية:
وقوع كل واحد منهما على اليقين في الجملة، فالقدر المتيقن واحد مع احتمال
الزيادة باحتمال أن يكونا متحدين أو متعددين، فكأنهم حملوا عبارته في
المختلف على الصورة الأولى، وغفلوا عن أنه يلزم على هذا أن يكون (7)
" ونقض الطهارة الثانية مشكوك فلا يزول اليقين بالشك " لغوا محضا، وكذا
قوله: " والطهارة بعد نقضها مشكوك [فيها] (8) " فإن هاتين الكلمتين

(1) الذكرى: 98.
(2) جامع المقاصد 1: 236.
(3) المدارك 1: 256.
(4) المدارك 1: 256.
(5) الذكرى: 98.
(6) مشارق الشموس: 144.
(7) في المصدر زيادة: " قوله رحمه الله تعالى ".
(8) من المصدر.
460

صريحتان في التمسك بالاستصحاب، وغير خفي أن مراده الصورة الثانية،
واليقين الحاصل بوقوع حدث في الجملة وطهارة رافعة كذلك لا ينفع إلا
بضميمة الاستصحاب، كما لا يخفى، فكان ما ذكره قولا في المسألة بالنسبة
إلى أحد شقوقها، فتأمل، انتهى (1).
أقول: احتمال طرو الضد على المتأخر ودفعه باستصحاب عدمه أجنبي
عما نحن فيه، لأن الكلام في علاج الجهل بتأريخ الحدث الناقض والطهارة
الرافعة، وبعد الحكم بتأخر الطهارة عن الحدث في الصورة الأولى، فاحتمال
وقوع حدث بعده وعدم احتماله لا دخل له فيما نحن فيه.
توضيح ذلك: أنا إذا فرضناه متطهرا قبل الزوال، وفرض طهارة
رافعة وحدث ناقض، وكل ما (2) فرض بعده من الطهارة واحدة أو أزيد،
فلا يكون رافعة حتى يقع بعده حدث ناقض، فاحتمال وقوع الطهارة
الواحدة أو المتعددة بعد ذلك غير مؤثر.
ثم إذا حصل الحدث فكل ما يقع بعده من الأحداث لا يكون ناقضا
حتى يقع بعده (3) طهارة رافعة، فالحكم بتأخر طهارة رافعة عن حدث ناقض
مما لا بد منه، من غير فرق بين العلم ببقائها والشك في ارتفاعها الموجب
لإبقائها بالاستصحاب.
وكيف كان، فالظاهر أن إطلاق الشك هنا باعتبار أصله قبل التروي،

(1) انتهى كلام الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك، حكاه عنها السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 1: 290.
(2) في " أ " و " ب ": " فكلما ".
(3) في " ع ": " بعد ".
461

كما اعترف به جماعة، منهم الشهيدان (1)، وأن ما ذكره ليس من قبيل الشك
الذي يرجع فيه إلى القواعد، بل شك يرتفع بعد الالتفات، كما لو شك في
عدد السعي.
ثم إن العلامة قدس سره قال في القواعد: ولو تيقنهما متحدين متعاقبين
وشك في المتأخر، فإن لم يعلم حاله قبل زمانهما تطهر، وإلا استصحبه (2)، انتهى.
والمراد اتحادهما في العدد أي استوائهما، كحدث وطهارة، أو حدثين
وطهارتين، والمراد ب‍ " تعاقبهما " وقوع الحدث منهما عقيب نوع الطهارة
والطهارة منهما عقيب نوع الحدث، وأما تعاقب شخصهما فغير متصور،
ووقوع أحدهما عقيب الآخر لا بد منه.
قيل: وإنما اعتبر الاتحاد والتعاقب، لأنه بدونهما لا يطرد الأخذ بمثل
الحالة السابقة، لأنه لو زاد عدد الطهارة على الحدث وكان قبلهما محدثا لم
يكن الآن محدثا (3).
أقول: اعتبار الاتحاد بمعنى عدم العلم بالتعدد فهو الذي ذكره في
المختلف بقوله: تيقن أنه توضأ عن حدث ونقض طهارة (4)، فالخارج هو
صورة العلم بتعدد الطهارة الرافعة والحدث الناقض.
واعلم أن شيخنا في الروض - بعد حكاية تفصيلي الفاضلين - قال:
والذي تحصل لنا في المسألة بعد تحرير كلام الجماعة أنه إن علم التعاقب

(1) راجع الذكرى: 98، وروض الجنان: 43.
(2) القواعد 1: 205.
(3) قاله السيد العاملي رحمه الله في مفتاح الكرامة 1: 290.
(4) المختلف 1: 308.
462

فلا ريب في الاستصحاب، وإلا فإن كان لا يعتاد التجديد، بل إنما يتطهر
حيث تطهر طهارة رافعة، فكلام المحقق مع فرض سبق الحدث أوجه، لضعف
الحكم بوجوب الطهارة مع العلم بوقوعها على الوجه المعتبر، وعدم العلم
بتعقب الحدث (1) المقتضي للإبطال إذا علم أنه كان قبلها (2) محدثا، ولا يرد أن
يقين الحدث مكافئ ليقين الطهارة، لأن الطهارة قد علم تأثيرها في رفع
الحدث، والحدث لم يعلم تأثيره في نقض الطهارة، لاحتمال أن يقع بعد
الحدث الأول وقبل الطهارة، إذ الفرض عدم اشتراط التعاقب فلا يزول
المعلوم بالاحتمال، بل يرجع إلى اليقين بالطهارة والشك في الحدث، وكلام
المختلف في فرض سبق الطهارة أوجه، لأن نفي احتمال التجديد يقتضي توسط
الحدث بين الطهارتين - إلا أن هذا القسم يرجع إلى التعاقب فلا يحتاج إلى
استدراكه هنا - (3). [و] (4) إن لم يتفق له تحقق هذه القيود، بل إنما تحقق
الطهارة والحدث وشك في المتأخر وجب عليه الطهارة سواء علم حاله قبلهما
أم لا، لقيام الاحتمال واشتباه الحال (5)، انتهى.
ولا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، وكذا ما في كلامه في
المسالك (6)، مع أنه رجع أخيرا إلى إطلاق المشهور.

(1) في المصدر زيادة: " لها ".
(2) في المصدر: " قبلهما ".
(3) ما بين الشارحتين من كلام المؤلف قدس سره.
(4) من المصدر.
(5) روض الجنان: 44.
(6) المسالك 1: 45.
463

ثم إن الظاهر جريان الحكم المذكور في من تيقن الجنابة والغسل وشك
في المتأخر، كما صرح به في المنتهى في مسألة الماء المستعمل في الحدث
الأكبر (1)، بل الظاهر عدم الخلاف فيه ولذا عبروا عن العنوان بلفظ
الطهارة.

(1) قال قدس سره: " لو اغتسل واجبا من جنابة مشكوك فيها كالواجد في ثوبه المختص
أو المتيقن لها وللغسل، الشاك في السابق ". انظر المنتهى 1: 140.
464

[المسألة الثانية] (1)
* (ولو تيقن (2) ترك عضو) * أو جزء منه، فإن لم يجف البلل عما قبل
المتروك * (أتى به وبما بعده) * بلا إشكال ولا خلاف محكي إلا عن الإسكافي (3)،
حيث اقتصر على الإتيان به إذا كان دون سعة الدرهم، مسندا ذلك إلى
حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله، وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام،
وابن منصور عن زيد بن علي عليه السلام، ولم يذكر أصحابنا فيما حضرني من
كتبهم في الأخبار والفتاوى شيئا منها. نعم، ذكر الصدوق: " أنه سئل
أبو الحسن عليه السلام عن الرجل يبقى من وجهه - إذا توضأ - موضع لم يصبه الماء،
فقال: يجزيه أن يبله من بعض جسده " (4) ولا دلالة لها على تحديد الإسكافي.

(1) العنوان منا.
(2) في الشرائع: " وكذا لو تيقن ".
(3) حكاه عنه العلامة في المختلف 1: 307.
(4) الفقيه 1: 60، الحديث 133، وعنه في الوسائل 1: 332، الباب 43 من أبواب
الوضوء، الحديث الأول.
465

* (وإن) * تيقن الترك وقد * (جف البلل) * عن جميع ما قبل المتروك
* (استأنف) * الوضوء، لفوات الموالاة التي هي عبارة عن عدم الجفاف،
خصوصا مع العذر في ترك المتابعة كما تقدم.
466

[المسألة الثالثة] (1)
* (وإن شك في) * فعل * (شئ من أفعال) * الوضوء، بل مطلق
* (الطهارة) * الشاملة للغسل على ما صرح به العلامة (2) وأكثر من تأخر عنه
كفخر الدين (3) والشهيدين (4) والمحقق الثاني (5) وغيرهم (6)، وتخيل بعض (7) تفرد
السيد في الرياض (8) بذلك فتعجب منه وقال: لم أعثر على ذلك لغيره، وجعل
منشأ توهم التعميم إطلاق لفظ الطهارة في كلام جماعة * (وهو) * كما ترى.

(1) العنوان منا.
(2) التذكرة 1: 212.
(3) إيضاح الفوائد 1: 42.
(4) لم نعثر عليه في كتبهما.
(5) جامع المقاصد 1: 237.
(6) لم نعثر على غيرهم.
(7) هو صاحب الجواهر في الجواهر 2: 355.
(8) الرياض 1: 277.
467

وكيف كان، فإن كان الشاك * (على حاله) * التي كان عليها من التلبس
والاشتغال بالطهارة * (أتى بما شك فيه، ثم بما بعده) * لو كان غير الجزء
الأخير، مراعاة للترتيب، لأصالة عدم الإتيان به، وعدم ارتفاع الحدث،
وعدم إباحة الدخول في العبادة، مضافا إلى الإجماع الذي نقله شارح
الدروس (1) وحكي عن الوحيد في شرح المفاتيح (2) نقله عن جماعة، وعن
كاشف اللثام استظهاره (3)، وعن المدارك نفي الخلاف فيه (4)، ولصحيحة
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: " إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر
أغسلت ذراعيك أم لا، فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه (5) أنك
لم تغسله أو تمسحه، مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء، فإذا قمت من
الوضوء وفرغت منه، وقد (6) صرت في حال أخرى في صلاة أو في (7) غيرها
فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوءا فلا شئ
عليك فيه، فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها
عليه، وعلى ظهر قدميك، فإن لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك،

(1) مشارق الشموس: 139.
(2) مصابيح الظلام (مخطوط): 295، وحكاه عنه صاحب الجواهر في الجواهر 2:
354.
(3) كشف اللثام 1: 76، وحكاه عنه صاحب الجواهر في الجواهر 2: 354.
(4) المدارك 1: 256.
(5) " فيه " من المصدر و " ع ".
(6) " قد " من المصدر و " ع ".
(7) " في " من المصدر و " ع ".
468

وامض في صلاتك، وإن تيقنت أنك لم تتم وضوءك فأعد على ما تركت
يقينا حتى تأتي على الوضوء " (1).
وبجميع ذلك يخصص عموم ما دل على أن الشك في الشئ بعد تجاوز
محله لا يلتفت إليه، مثل قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: " إذا خرجت من
شئ ودخلت في غيره فشكك ليس بشئ " (2)، وقوله عليه السلام: " كل ما
شككت فيه مما مضى فامضه كما هو " (3)، مضافا إلى ما قيل (4) من احتمال
اختصاص الرواية الأولى - بقرينة صدرها - بأفعال الصلاة.
لكن في موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: إذا
شككت في شئ من الوضوء ودخلت في غيره فشكك ليس بشئ، إنما
الشك إذا كنت في شئ لم تجزه " (5)، فإن الظاهر عود ضمير " غيره " إلى
" الشئ " لا الوضوء، فيعارض الصحيحة الأولى، وهي أخص، لإمكان
حمل الصحيحة - ولو بعيدا - على ما إذا لم يدخل في الغير، لا أقل من كونه
على وجه التباين دون العموم والخصوص ومقتضى القاعدة: الرجوع إلى
عموم صحيحتي زرارة (6) وأبي بصير (7) لولا الترجيح بالشهرة ونقل الإجماع.

(1) الوسائل 1: 330، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(2) الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(4) قاله المحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 139.
(5) الوسائل 1: 330، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(6) الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(7) الوافي 8: 949، الحديث 7466.
469

لكن الإنصاف عدم ظهور رجوع الضمير إلى " الشئ "، إذ لا مستند
له، مضافا إلى شهادة الذيل برجوعه إلى الوضوء، إذ المراد ب‍ " الشئ " في
قوله: " إذا كنت في شئ " لا بد أن يكون فعلا مركبا ممتدا يتصور كون
الشخص فيه، فيكون الشك لا محالة في بعض أجزائه، لعدم تصور كون
الشخص في نفس الشئ المشكوك في تحققه وإرادة كون الشخص (1) محل
المشكوك فيه خلاف الظاهر جدا.
فمحصل الكلام: أن الشك في شئ من أفعال الوضوء لا يلتفت إليه إذا
دخل في غير الوضوء، وإنما الشك يلتفت إليه إذا كنت في الوضوء غير
متجاوز عنه، لكن تعارض منطوق الحصر في الذيل ومفهومه باعتبارين فيما
إذا شك في غسل جزء من اليد بعد الفراغ عنه، فمقتضى مفهوم الحصر فيها
عدم الالتفات، لأنه شك في جزء من فعل قد فرغ عنه، ومقتضى منطوقها
الالتفات إلى هذا الشك، لأنه شك في شئ من الوضوء وهو كائن في
الوضوء مشغول به، فالمشكوك فيه باعتبار كونه جزءا من غسل اليد شك
بعد الفراغ من الشئ وباعتبار كونه جزءا من الوضوء شك قبل الفراغ من
الشئ، ومقتضى القاعدة في مثل ذلك: العمل بالاعتبار الأول، لوجود سببه
وهو الفراغ عن الشئ الذي شك في بعض أجزائه، وأما اعتبار كونه جزءا
من فعل لم يفرغ عنه وهو الوضوء فليس سببا للالتفات، بل الالتفات من
مقتضيات نفس الشك المحكوم عليه بأصالة عدم وقوع المشكوك فيه، وعدم
الفراغ من الفعل المشكوك في جزئه من قبيل عدم المانع، فاجتماع الاعتبارين
في الجزء المذكور من قبيل اجتماع المانع عن الالتفات وغير المانع عنه.

(1) في مصححة " ب " زيادة: " في ".
470

هذا، ولكن تعارض دلالة الذيل على عدم الالتفات في الجزء المذكور
مع دلالته على وجوب الالتفات بالشك في فعل مستقل من أفعال الوضوء
قبل الفراغ منه، لأنه شك في جزء من الفعل الذي يكون فيه ولم يجزه، لأن
عدم الالتفات إلى الجزء المذكور قبل الفراغ، والالتفات إلى الشك في الفعل
المستقل من أفعال الوضوء قبل الفراغ، تفصيل مخالف للإجماع، والظاهر
تقديم دلالته على الالتفات، لصراحته في الالتفات إلى الفعل المشكوك فيه
قبل الفراغ، لأن مفهوم الحصر بالنسبة إلى الوضوء هو الحكم المذكور في
صدر الموثقة، فليس في المفهوم عموم يشمل الشك في جزء من أفعال
الوضوء بعد الفراغ من ذلك الفعل.
وإن شئت قلت: إن الوضوء تمامه في نظر الشارع فعل واحد، فما دام
المكلف فيه يلتفت إلى الشك المتعلق بفعل أو بجزء فعل منه، وليس كالصلاة
عبارة عن أفعال متعددة. وهذا نظير ما يقوله جماعة (1) في أفعال الصلاة التي
لا عبرة بالشك في سابقها إذا دخل في لاحقها: من أن المراد ليس كل جزء
جزء منها، بل القراءة بتمامها مثلا فعل واحد، فإذا دخل في آخر آية من
السورة وشك في أول آية من الفاتحة فلا يعد شكا في الشئ بعد الدخول في
غيره. وبعضهم (2) يجعلون الفاتحة فعلا، والسورة فعلا آخر.
والحاصل: أن تقييد الإمام عليه السلام في الموثقة عدم الالتفات إلى الشك
في شئ من الوضوء بالدخول في غير الوضوء مفرعا ذلك على قاعدة الشك

(1) لم نجد التصريح به في كلامهم، نعم، يظهر ذلك من تعابيرهم في مقام التمثيل لتجاوز
المحل. انظر التذكرة 3: 317، والذكرى: 224، والمدارك 4: 249.
(2) كالحلي في السرائر 1: 248.
471

بعد الفراغ ينبئ عن أن الوضوء فعل واحد، لا يلغى الشك في أجزائه إلا
بعد الفراغ، نظير الأذان والإقامة والفاتحة على ما يراه بعض (1) في تفسير
أخبار الشك بعد الفراغ. ولعل الوجه في ذلك: أن الوضوء وإن تركب من
أجزاء إلا أنها مقدمة واحدة أمر بها في الشريعة بأمر واحد مثل قوله: " إذا
دخل الوقت وجب الطهور " (2)، فتأمل.
ولعل هذا الاستظهار من الأخبار هو الوجه في إلحاق الغسل
بالوضوء، مع أن الأخبار مختصة بالوضوء، ولذا اختار بعض (3) اختصاص
الحكم به والرجوع في غيره إلى أخبار الشك بعد الفراغ.
وفيه: أن بناء حكم الوضوء في الموثقة على قاعدة الشك بعد الفراغ
ظاهر في أن الحكم في الوضوء على طبق تلك القاعدة، ولا ينطبق عليها إلا
بملاحظة كون الوضوء فعلا واحدا يعد الشك في أجزائه شكا في أجزاء فعل
واحد قبل الخروج منه.
وبهذا يظهر أن ما تقدم منا - تبعا لغير واحد (4) - من كون صحيحة
الباب (5) مخصصة للعمومات الدالة على عدم العبرة بالشك بعد الفراغ ليس
على ما ينبغي، بل التأمل في رواية ابن أبي يعفور (6) والتتبع في كلمات العلماء

(1) لم نعثر عليه.
(2) الوسائل 1: 261، الباب 4 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(3) الجواهر 2: 355.
(4) منهم المحدث البحراني في الحدائق 2: 392، والسيد الطباطبائي في الرياض 1:
278، وصاحب الجواهر في الجواهر 2: 355.
(5) أي صحيحة زرارة المتقدمة في الصفحة 468 - 469.
(6) الوسائل 1: 330، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
472

واستدلال جماعة منهم (1) هنا بأصالة عدم الفعل وعدم النظر إلى تلك
العمومات، يشهد: بأن الحكم هنا على طبق العمومات، إلا أن خصوص
الوضوء بتمام أجزائه لوحظ شيئا واحدا، ويشهد له حكمهم بذلك في الغسل
من غير تردد، بل الغسل أولى باعتبار الوحدة فيه من الوضوء، لأنه حقيقة
عبارة عن غسل جميع البدن دفعة أو تدريجا على ترتيب خاص.
هذا، ولكن الإنصاف أنه بعد البناء في أخبار الشك بعد الفراغ على
عمومها لكل فعل مستقل كالوضوء وأفعال الصلاة أو غير مستقل كأجزاء
الوضوء وكل آية من القراءة الواجبة ونحو ذلك، فإلحاق الغسل بالوضوء في
الحكم المذكور مع اختصاص الصحيحة بالوضوء وعدم تنقيح المناط وعدم
العلم بالإجماع، يحتاج إلى دليل وإن كانت الشهرة محققة.
اللهم إلا أن يمنع ظهور تلك العمومات في العموم لكل فعل، لأجل
بعض القرائن المذكورة في باب الشك والسهو، وعدم فهم جل الأصحاب
لهذا التعميم، فيبقى موارد الشك داخلة تحت عموم أصالة عدم الفعل كما
تمسك به جماعة (2) في هذا المقام، فقول المشهور لا يخلو عن قوة، مع أنه
أحوط في الجملة.
بقي الكلام في أن الشرط ملحق بالجزء في هذا الحكم أم لا؟ فإن
الشك في طهارة ماء الغسلات السابقة أو إطلاقه مثل ما بعدها أم لا؟
وجهان: من اختصاص الصحيحة بالأجزاء، فيبقى الشروط تحت عمومات
الشك بعد الفراغ.

(1) كالسيد العاملي في المدارك 1: 256، والسيد الطباطبائي في الرياض 1: 277،
والمحقق النراقي في المستند 2: 235.
(2) تقدمت الإشارة إليهم آنفا.
473

ومن أن الظاهر - كما تقدم - كشف الصحيحة عن كون الوضوء فعلا
واحدا، فالشك فيما يتعلق به شك قبل الفراغ، فيدخل تحت قوله: " وإنما
الشك في شئ لم تجزه " ولا أقل من الشك.
وأما أصالة صحة ما مضى من فعله، فلا مستند لها غير تلك
العمومات، فالإلحاق أوجه.
وما أبعد ما بينه وبين ما يحتمل أو يقال من الحكم بالصحة، بمعنى
تحقق الشرط حتى بالنسبة إلى الأفعال المستقبلة، فمن شك - في أثناء
الوضوء - في أن ما يتوضأ به مطلق أو مضاف فيحكم بالصحة وثبوت حكم
الإطلاق بالنسبة إلى الغسلات المستقبلة، لأنه شك في إطلاق الماء بعد
التجاوز عن محله، لأن محل إحراز هذا الشرط - ولو بحكم العادة - هو
ما قبل الشروع في الوضوء، كالشك في الطهارة الحدثية في أثناء الصلاة،
حيث إنه يمضي.
وفيه ما لا يخفى، لأن إحراز إطلاق الماء عبارة عن الغسل بالماء
المطلق، وليس فعلا مغايرا لذلك حتى يلاحظ محله الشرعي أو العادي، ومنه
يعلم منع الحكم في مثال الشك في الوضوء في أثناء الصلاة، كما يشهد له
رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام: " عن رجل يكون على
وضوء، ويشك أنه على وضوء أم لا؟ قال: إذا ذكر وهو في صلاته انصرف
وتوضأ وأعادها. وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك " (1)، بناء على أن
المراد بالشك هو زوال اليقين بالحدث وبالوضوء (2)، لا الشك في بقائه،
لوجوب استصحابه حينئذ إجماعا.

(1) الوسائل 1: 333، الباب 44 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(2) في " أ " و " ب ": " بالحدوث بالوضوء ".
474

وكيف كان، فالأقوى كون الشرط كالشطر كما قال العلامة
الطباطبائي:
والشك في الشرط نظير الشطر * فكل ما فيه ففيه يجري (1)
ثم إن الحلي في السرائر (2) استثنى من الحكم كثير الشك، وتبعه جماعة
من المتأخرين كالشهيدين (3) والمحقق الثاني (4) وصاحب المدارك (5) وشارح
الجعفرية (6) وكاشف اللثام (7) وغيرهم (8).
ويمكن الاستدلال له - مضافا إلى لزوم الحرج - بما ورد في كثير الشك
في الصلاة من قوله عليه السلام: " لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة
فتطيعوه (9)، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم
ولا يكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك، ثم قال:
إنما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم " (10).

(1) الدرة النجفية: 22.
(2) السرائر 1: 104.
(3) الشهيد الأول في الذكرى: 98، وأما الشهيد الثاني، فلم نعثر على ما يدل عليه
من كلامه.
(4) جامع المقاصد 1: 237.
(5) المدارك 1: 257.
(6) الفوائد العلية في شرح الجعفرية (مخطوط)، الورقة: 42.
(7) كشف اللثام 1: 77، ولكن لا يستفاد الاستثناء من كلامه.
(8) كالمحقق الخوانساري في المشارق: 140، والشيخ البهائي في الحبل المتين: 28.
(9) كذا في النسخ، وفي المصدر: " فتطمعوه ".
(10) الوسائل 5: 329، الباب 16 من أبواب الخلل، الحديث 2.
475

وقوله عليه السلام: " إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنه يوشك
أن يدعك فإنما ذلك من الشيطان " (1).
وفي صحيحة عبد الله بن سنان، حيث ذكر لأبي عبد الله عليه السلام
رجلا أنه عاقل ثم قال: إلا أنه يبتلى بالوضوء، فقال عليه السلام: " وأي عقل له
وهو يطيع الشيطان؟ قلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ قال: سله هذا الذي
يأتيه، من أي شئ؟ فإنه يقول لك: من عمل الشيطان " (2).
ويظهر من بعض الروايات أنه يعمل بالظن، مثل رواية الواسطي:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، أغسل وجهي ثم أغسل يدي،
فيشككني الشيطان أني لم أغسل ذراعي ويدي، قال: إذا وجدت برد الماء
على ذراعك فلا تعد " (3).
ويؤيدها رفع الحرج، لكن القول بها مفقود.
والمراد ب‍ " كثير الشك " كثير الاحتمال في مقام لا يحتمله غيره، راجحا
كان أو مرجوحا أو مساويا. وأما كثير القطع - وهو المعبر عنه بالقطاع -
فهو من حيث عدم احتماله الخلاف يعمل بقطعه، ولا ينفعه حكم الغير بعدم
اعتبار قطعه، إذ القاطع لا يمكنه في مقام البناء على العمل بالواقع العمل
بخلاف معتقده، فلا يجوز لمن يريد صوم النهار وقطع ببقاء النهار أن يحكم
عليه بدخول الليل، كما أشبعنا الكلام في ذلك في محله.

(1) الوسائل 5: 329، الباب 16 من أبواب الخلل، الحديث الأول.
(2) الوسائل 1: 46، الباب 10 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث الأول.
(3) الوسائل 1: 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 4.
476

[المسألة الرابعة] (1)
* (ولو تيقن) * فعل * (الطهارة وشك في الحدث) * فهو متطهر إجماعا
نصا وفتوى، سواء ظن ببقائها أو ظن بارتفاعها، خلافا لما يظهر من شيخنا
البهائي في حبله المتين (2)، حيث أناط استصحاب الطهارة على حصول الظن
الشخصي، فلو شك أو ظن الحدث كمن تطهر أول النهار ولم يتحفظ ولم
يكن من عادته بقاء طهارته في زمان طويل، فشك عند الغروب، فلا
يستصحب الطهارة.
وكأنه قدس سره يريد بذلك أنه لو بنى على الحكم بالطهارة من باب
الاستصحاب لا من باب الأخبار الخاصة، فالمناط هو حصول الظن ببقاء
الحالة السابقة، لكن هذا - وإن وجهه به شارح الدروس (3) - مخالف لمذهب
القائلين باعتبار الاستصحاب من باب الظن، فإنهم لا يعتبرون إفادة الظن
الفعلي حتى يكون حكم المستصحب الواحد كالحياة والزوجية والملكية في

(1) العنوان منا.
(2) الحبل المتين: 37.
(3) مشارق الشموس: 142.
477

موارد الشك في بقائها، مختلفا باختلاف الموارد الشخصية، كما لا يخفى على
من تتبع كلمات الخاصة والعامة في موارد إجراء أصالة بقاء ما كان على ما
كان.
ثم إن الشك في الحدث كما لا يعتبر إذا وقع بعد الطهارة فكذلك إذا
وقع في أثناء الطهارة، لأصالة عدمه الموجبة للرجوع إلى إطلاقات الأمر
بأفعال الوضوء كتابا وسنة. ولاستصحاب صحة الأجزاء السابقة وتأهلها
للجزئية الفعلية، إلا أن ظاهر البيان إلحاق الشك في الحدث قبل الفراغ
بالشك في أفعال الوضوء حينئذ، قال: لو شك في أثناء الطهارة في حدث أو
نية أو واجب استدرك، وبعد الفراغ لا يلتفت (1)، انتهى.
ونحوه ظاهر المقنعة، إلا أنه خص ذلك بصورة الظن بالحدث،
والظاهر (2) إرادته مطلق الاحتمال، قال: من كان جالسا على حال الوضوء لم
يفرغ منه فعرض له ظن أنه قد أحدث ما ينقض وضوءه، أو توهم أنه قدم
مؤخرا أو أخر مقدما، وجب عليه إعادة الوضوء من أوله، ليقوم من مجلسه
وقد فرغ من وضوئه على يقين من سلامته من الفساد، فإن عرض له شك
بعد فراغه منه وقيامه من مكانه لم يلتفت (3)، انتهى.
ويحتمله عبارة المبسوط أيضا، قال: ومن شك في الوضوء وهو
جالس على حال الوضوء أعاد، فإن شك في شئ من أعضاء الطهارة في
هذه الحال أعاد عليه وعلى ما بعده، ومتى شك فيه أو في شئ منه بعد

(1) البيان: 52.
(2) كذا في " أ " و " ب "، وفي سائر النسخ: " وظاهر ".
(3) المقنعة: 49.
478

انصرافه من الوضوء لم يلتفت إليه (1)، انتهى.
وفي الوسيلة عد من مواضع وجوب الإعادة: الشك في الوضوء
وهو جالس عليه، وأن يظن الإخلال بواجب من أفعال الوضوء، وأن يظن
فعل شئ ينقض الوضوء، ثم عد من مواضع عدم وجوب الإعادة: الشك
في الوضوء بعد ما قام عنه، والشك في عضو منه (2)، انتهى، بناء على أن
المراد بالشك في الوضوء الشك في التلبس من جهة احتمال طرو الحدث.
وهو محتمل عبارة اللمعة، لكن الشارح فسره بالشك في النية (3)، وقرره
على ذلك المحشون (4). وهذا جار في عبارتي المبسوط والوسيلة، لكن لا يخفى
بعده.
وعلى أي حال فوجه الحكم المذكور - كما استفيد من قول المفيد في
المقنعة: ليقوم من مجلسه... الخ -: أنه يعتبر في الوضوء إحراز أفعاله،
وإحراز وجودها على الوجه الصحيح، فيستأنف عند الشك في الأجزاء
والشروط كذلك، وإحراز بقاء صحتهما إلى حين الفراغ، فيستأنف مع الشك
في بقاء الصحة، بل الشك في بقاء صحة الأجزاء السابقة راجع إلى الشك في
وجود الأجزاء اللاحقة على الوجه الصحيح.
وفيه تأمل.

(1) المبسوط 1: 24.
(2) الوسيلة: 52.
(3) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 1: 331.
(4) منهم المحقق جمال الدين في حاشية الروضة: 36، وانظر حواشي الطبعة الحجرية
من الروضة البهية: 30 (طبعة عبد الرحيم).
479

أما أولا: فلأن الظاهر من أدلة الشك قبل الفراغ هو الشك في
الأجزاء.
وثانيا: أن أصالة عدم الحدث حاكمة على تلك الأدلة، لأنها بمنزلة
الرافع والمزيل للشك في بقاء صحة الأجزاء اللاحقة ووجود الأجزاء
اللاحقة على الوجه الصحيح، لأن الشك في الصحة مسبب عن الشك في
صدور الحدث، فإذا ارتفع بالأصل فقد أحرز بها صحة الأجزاء جميعا.
وهذا نظير ما لو شك قبل الفراغ في طهارة الماء الذي يتوضأ به أو
إباحته أو إباحة مكانه، فإن هذا لا يعد شكا في أفعال الوضوء أو صحتها
قبل الفراغ.
480

[المسألة الخامسة] (1)
ولو شك * (في شئ (2) من أفعال الوضوء) * أو في وجوده على الوجه
الصحيح * (بعد انصرافه) * من حالة الوضوء كما في المعتبر (3) والمنتهى (4)،
فعلى هذا يرجع ما دام على حاله التي يتوضأ عليها وإن فرغ من الوضوء
- كما اعترف به في الروض (5) - أو من أفعال الوضوء، لكنه بعيد عن
ظاهر المقابلة للفقرة السابقة وإن فسره به محشي الكتاب (6) وشارحاه في
المسالك (7) والمدارك (8) مدعيا عليه الإجماع، وهو ظاهر التذكرة (9)

(1) العنوان منا.
(2) في الشرائع: " أو في شئ ".
(3) المعتبر 1: 171.
(4) المنتهى 2: 143.
(5) روض الجنان: 44.
(6) وهو المحقق الثاني في حاشية الشرائع (مخطوط): الورقة 8.
(7) المسالك 1: 45.
(8) المدارك 1: 257.
(9) التذكرة 1: 212، المسألة 62.
481

والذكرى (1) والبيان (2)، لكن في الدروس: ولو انتقل عن محله ولو تقديرا
* (لم يلتفت (3)) * (4). وكأنه موافق للمتن على تفسير المعتبر، والمحكي عن
جماعة (5) من القدماء ما عرفت من المقنعة (6).
وفي السرائر: لو كان العارض بعد فراغه وانصرافه عن مغتسله
وموضعه لم يعتد بالشك، لأنه لم يخرج من حال الطهارة إلا على يقين كمالها
وليس ينقض الشك اليقين (7)، انتهى.
والأقوى كفاية الفراغ في عدم الاعتناء، لقوله عليه السلام في ذيل موثقة
ابن أبي يعفور: " إنما الشك في شئ لم تجزه " (8) حصر الشك الملتفت إليه بما
وقع حال الاشتغال.
وقوله عليه السلام في رواية بكير بن أعين في الرجل يشك بعد ما يتوضأ:
" قال: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك " (9) فصل بين حالة الاشتغال
وما بعدها.

(1) الذكرى: 98.
(2) البيان: 52.
(3) في الشرائع: " لم يعد ".
(4) الدروس 1: 94.
(5) منهم الصدوق في الفقيه 1: 60، ذيل الحديث 136، والهداية (الجوامع الفقهية):
49، وسلار في المراسم: 40، وابن حمزة في الوسيلة: 52 - 53.
(6) راجع الصفحة 478.
(7) السرائر 1: 104.
(8) الوسائل 1: 330، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(9) الوسائل 1: 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.
482

وقوله عليه السلام: " كل شئ شك فيه مما قد مضى فامضه كما هو " (1).
وقوله عليه السلام: " كل ما يمضي من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا
فامضه كما هو " (2).
هذا كله، مضافا إلى عمومات ما دل على عدم الالتفات بالشك في
شئ بعد الدخول في غيره (3)، فإن مقتضى ذلك عدم الالتفات إلى الشك في
فعل من الوضوء بعد الدخول في فعل آخر، خرج من ذلك - بالنص
والإجماع - ما إذا لم يفرغ من الوضوء فيلتفت، ولو دخل في فعل آخر وبقي
الباقي.
وقد يعارض الأخبار المذكورة بقوله عليه السلام في صدر الموثقة (4): " إذا
شككت في شئ من الوضوء ودخلت في غيره فشكك ليس بشئ "، فاعتبر
الدخول في غير الوضوء، وقوله عليه السلام في ذيل الصحيحة المتقدمة: " فإذا
قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت إلى حال أخرى، صلاة أو غيرها (5) ".
وأما التمسك بالعمومات المذكورة فلا وجه له بعد ما عرفت سابقا
بشهادة بعض النصوص وكثير من الفتاوى، من أن حكم الوضوء منطبقة
على تلك العمومات إلا أن الشارع لاحظ الوضوء بتمامه فعلا واحدا لا يلغي

(1) الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب الخلل، الحديث 3.
(2) الوسائل 1: 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 6، وليس فيه:
" كما هو ".
(3) الوسائل 5: 336، الباب 23 من أبواب الخلل.
(4) أي موثقة ابن أبي يعفور المتقدمة آنفا.
(5) راجع الصفحة 468.
483

الشك فيه إلا بعد الدخول في غيره.
ويذب عن المعارضة بأن التصرف في صدر الموثقة وذيل الصحيحة
بجعل القيد واردا مورد الغالب أولى من العكس، وهو التصرف في ذيل
الموثقة وصدر الصحيحة، الظاهرين في أن العبرة في الالتفات بالقعود على
الوضوء والاشتغال، لأن ذيل الموثقة بمنزلة القاعدة لصدرها فهو يتفرع
عليها والمدار عليها، كما أن صدر الصحيحة - وهي الشرطية الأولى - هي
المتكفلة لبيان علة الحكم، والشرطية الثانية بمنزلة النقيض لها ومضمونه
عدمها، لا أمر وجودي آخر كما هو المطرد في كل كلام مشتمل على
شرطيتين.
ومن هنا تقدر على إرجاع بعض عبارات القدماء - كعبارة المقنعة
المتقدمة (1) - إلى المتن.
وأما انطباق حكم الوضوء على العمومات، فالمتيقن من جعل الوضوء
أمرا واحدا - مع مخالفته للمحسوس - بالنسبة إلى حكم الشك قبل الفراغ
لا مطلقا، فكما أن الإخراج الحكمي يقتصر فيه على المتيقن كذلك الإخراج
الموضوعي، فيعمل في غير المتيقن بالحكم العام على الموضوع المحسوس إلى
الأصل، وهو عدم الالتفات إلى الشك في الشئ بعد الدخول في غيره.
لكن هذا كله في غير الجزء الأخير، فلو شك فيه قبل الدخول في
حال أخرى لم يعلم أنه شك بعد الفراغ من الوضوء، ولذلك (2) يعتبر فيه
الدخول في غير الوضوء سواء كان حالا أخرى أو فعلا آخر، فاختلاف

(1) راجع الصفحة 478.
(2) في " ج " و " ح ": " ولذا ".
484

حكم الجزء الأخير مع غيره من جهة إحراز الفراغ في الثاني بمجرد فعل
الجزء الأخير، بخلافه في الأول، فلا بد في إحراز الفراغ من الوضوء من
الدخول في غيره، فتفصيل كاشف اللثام (1) بين الجزء الأخير وغيره - كما
اخترناه - ليس قولا ثالثا خارقا للإجماع المركب كما زعم (2).
نعم، قد يدعى عدم توقف تحقق الفراغ من الوضوء على الدخول في
غيره، بل قد يتحقق بأن لا يجد الإنسان نفسه مشغولا بالوضوء كما ذكره
شارح الدروس (3)، وقد يتحقق بأن يعتقد الفراغ في زمان ويكون فيه على
يقين من الفراغ، كما صرح به كاشف اللثام في مسألة من شك في عدد
الطواف بعد الانصراف (4)، وفيهما تأمل.
أما رؤية نفسه غير متشاغل، فإن كان مع اشتغاله بفعل آخر فهو
ما ذكرنا، وإن كان بمجرد الاعتقاد فهو الأمر الثاني وهو اعتقاد الفراغ،
ولا ينفع بعد طرو الشك المزيل لذلك اليقين، لعدم الدليل على اعتبار هذا
اليقين بعد زواله، وإن كان يظهر ذلك من جماعة، حيث يعللون عدم
الالتفات إلى الشك - إلا قبل الفراغ - بوجوب تحصيل اليقين بإكمال الوضوء
وعدم الاعتناء بالشك بعد حصول هذا اليقين، كما عرفت من عبارتي المقنعة
والسرائر المتقدمتين (5).

(1) كشف اللثام 1: 77.
(2) زعمه صاحب الجواهر في الجواهر 2: 362.
(3) مشارق الشموس: 141.
(4) كشف اللثام 1: 338.
(5) راجع الصفحة 478 و 482.
485

قال في السرائر - بعد ما قدمنا عنه -: وقال بعض أصحابنا في كتاب
له: إنه ليس من العادة أن ينصرف الإنسان من حال الوضوء إلا بعد الفراغ
من استيفائه على الكمال. وهذا غير واضح، إلا أنه يرجع في آخر الباب
ويقول: إن انصرف من حال الوضوء وقد شك في شئ من ذلك، لم يلتفت
إليه ومضى على يقينه، وهذا القول أوضح وأمتن في الاستدلال (1)،
انتهى.
والفرق بين ما حكاه أولا وما ارتضاه أخيرا هو أن مناط الاستدلال
في الأول هو ظاهر حال المكلف، وفي الثاني عدم العبرة بالشك بعد اليقين،
لكن الأول أولى، ولذا استدل به في التذكرة (2) وهو الموافق أيضا لما يستفاد
من قوله عليه السلام: " هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك " (3).
وأما مجرد الاعتقاد بشئ في زمان، فليس دليلا شرعيا عليه حتى
يرجع إليه عند الشك فيه وزوال الاعتقاد.
نعم، لو تيقن شيئا فشك في ارتفاعه بعد اليقين بحدوثه، فمقتضى
أخبار عدم نقض اليقين بالشك (4): الحكم ببقائه، وأين هذا مما نحن فيه؟
وتخيل شمول تلك القاعدة لما نحن فيه توهم يظهر اندفاعه بالتأمل في
تلك الأخبار.
نعم، يمكن الاستدلال على مراعاة الاعتقاد بما ذكرنا من أن ظاهر

(1) السرائر 1: 104.
(2) التذكرة 1: 212.
(3) الوسائل 1: 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.
(4) الوسائل 1: 174، الباب الأول من أبواب نواقض الوضوء.
486

حال المكلف عدم الاعتقاد باستيفاء أفعال الوضوء بأسرها إلا بعد تحقق
ذلك في الخارج، والغفلة والجهل المركب في الإنسان عارضان نادران - وهذا
هو أيضا مراد المفيد قدس سره فيما تقدم من عبارة المقنعة - لا أن مجرد الاعتقاد
دليل على المعتقد بعد زواله.
وبالجملة، فلا دليل على مراعاة الاعتقاد السابق بعد الشك اللاحق لو
قلنا بها إلا ظاهر حال الفاعل، فظهر أن مؤدى ما حكاه الحلي أولا عن
بعض الأصحاب، وما حكاه عنه أخيرا شئ واحد، وإن زعم الحلي
مغايرتهما، وكون الثاني رجوعا عن الأول.
هذا كله، مع أن الدليل على اعتبار هذا الظاهر في غير مورد النص
غير ظاهر، ومورد النص هو الشك بعد الفراغ من الوضوء، ومع الشك في
الجزء الأخير لم يعلم الفراغ، وإثباته بالاعتقاد به في زمان لا دليل عليه،
وإن سلمنا كون الظاهر عدم الاعتقاد إلا بعد تحقق المعتقد في الواقع، لكن
لا دليل على اعتبار هذا الظهور، مع كونه ظهورا نوعيا لا يحصل معه الظن
الشخصي في جميع الموارد.
وإنما أطلنا الكلام لما رأينا في (1) المقام من توهم غير واحد من
الأعلام، اغترارا بما يتراءى من عبارة السرائر هنا (2) وفي باب الشك في
السجود بعد ما قام (3): أن عدم نقض اليقين بالشك - بمعنى عدم رفع اليد عن
الاعتقاد السابق عند طرو الشك في نفس ذلك المعتقد، والتردد بين صحة

(1) كلمة " في " لم ترد في " أ "، " ح " و " ع ".
(2) السرائر 1: 104.
(3) السرائر 1: 253.
487

ذلك الاعتقاد وفساده - قاعدة معتبرة نظير قاعدة الاستصحاب التي هي
عدم نقض اليقين بالشك، بمعنى البناء على بقاء ما تيقن في السابق
واللاحق (1) حدوثه وشك في ارتفاعه بعد الحدوث.
وكيف كان، فلا بد في إحراز الفراغ عند الشك في الجزء الأخير من
الانتقال إلى حالة مترتبة على الوضوء، عادة أو شرعا لا كل فعل،
إذ الأفعال الغير المنافية للاشتغال بالوضوء لا يكون أمارة على الفراغ.
نعم، لا فرق بين فوات الموالاة على تقدير التدارك وعدمه.
وتوهم: عدم تجاوز المحل في الثاني، فيدخل تحت منطوق
قوله عليه السلام: " إنما الشك في شئ لم تجزه " (2) مدفوع بأن العبرة بالتجاوز عن
الوضوء الفراغ (3) منه عرفا، كما هو مقتضى إطلاق النص والفتوى لا مجرد
بقاء محل التدارك.
ثم إن المتيقن من النص والفتوى عدم الاعتبار بعد الفراغ عن الوضوء
بالشك في بعض أفعاله، بمعنى احتمال تركه نسيانا، فلو لم يحتمل إلا تعمد
الترك فالظاهر إلحاقه بالأول، بل الظاهر عدم القول بالفصل، لإطلاق
الرواية، ومنع انصرافه إلى الأول، ولأنه الظاهر من قوله عليه السلام: " هو
حين يتوضأ أذكر منه حين يشك " (4)، لأنه بمنزلة صغرى لكبري هي: أنه
إذا كان أذكر فلا يخل بفعل، وهذه الملازمة لا تكون إلا بإبقاء احتمال

(1) كذا في النسخ، والظاهر زيادة: " واللاحق ".
(2) الوسائل 1: 330، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 2.
(3) كذا في " ب "، وفي سائر النسخ: " والفراغ ".
(4) الوسائل 1: 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.
488

بعد الإخلال (1).
اللهم إلا أن يجعل الملازمة - بمنصرف إطلاق السؤال إلى (2) صورة
احتمال النسيان لا غير - بين كونه أذكر وبين عدم الإخلال كاشفا عن
اختصاص المورد.
وأما دفع احتمال تعمد الإخلال بأن إفساد الوضوء حرام فلا يحمل
فعل المسلم عليه، فهو بمقدمتيه (3) محل نظر، فالمسألة لا تخلو عن إشكال.
ونحوه - بل وأشكل منه - ما لو كان عدم (4) الإخلال على تقديره
حاصلا لا عن قصد، كمن قطع بأنه لم يخلل الحائل الذي قد يمنع عن وصول
الماء إلى البشرة وقد لا يمنع، إلا أنه يشك في وصوله في هذا الوضوء من
باب الاتفاق، فإن الانصراف المقدم في مورد السؤال هنا موجود، مضافا
إلى عدم إمكان إجراء التعليل المذكور بالتقريب المتقدم في شموله للصورة
السابقة.
ونحوه - بل أشكل منه - ما لو رأى بعد الفراغ شيئا شك في حجبه
للبشرة، بحيث لا يقطع، لعدم (5) حجبه في بعض الأوقات.
فهذه صور ثلاث مندرجة (6) في الإشكال، وإن كان ظاهر عبارة

(1) كذا في النسخ، وفي مصححة " ج " كتب في الهامش ما يلي: " بإلغاء احتمال
الإخلال بعد الفراغ ".
(2) لم ترد " إلى " في " أ "، " ب " و " ع ".
(3) في " ب " و " ج ": " بمقدميته ".
(4) في " ج ": " لو كان الإخلال ".
(5) في " ب ": " بعدم ".
(6) كذا في النسخ، وفي " ع ": " متدرجة ".
489

النص والفتوى شاملا لها في بادئ النظر.
واعلم أن جماعة ممن تأخر عن العلامة (1) قد تبعوه في التعرض
لحكم الشك في بعض أفعال الغسل والتيمم قبل الفراغ وبعده، بناء منهم
على اتحاد الطهارات في حكم الشك، فنحن نذكر ذلك تيمنا بمتابعتهم
فنقول:
أما الغسل، فإما أن يكون مرتبا وإما أن يكون ارتماسا.
أما المرتب، فلا إشكال في حكم ما عدا الجزء الأخير قبل الفراغ
ولا بعده، لمثل قوله عليه السلام: " إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه " (2).
وقوله: " كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامض فيه " (3).
وخصوص قوله عليه السلام في الصحيح: " فإن دخله الشك وهو في صلاته
فليمض في صلاته ولا شئ عليه " (4).
وبه يستدل على حكم الشك في الجزء الأخير إذا دخل في ما يشترط
بالطهارة أصالة أو بالنذر.
أما لو لم يدخل فيه فقد يشكل، لعدم تحقق الفراغ من جهة عدم
اعتياد الموالاة، ولذا قد يفصل بين من اعتاد الموالاة فيه وغيره، وهو
الأقوى.

(1) مثل فخر المحققين في الإيضاح 1: 42 - 43، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1:
237 - 238.
(2) تقدم في الصفحة 469.
(3) الوسائل 1: 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 6.
(4) الوسائل 1: 524، الباب 41 من أبواب الجنابة، الحديث 2.
490

أما مع عدم اعتياد الموالاة، فلعدم تحقق الفراغ والتجاوز والمضي،
وأما معه فلتحقق هذه الأمور عرفا، كما تقدم في الوضوء، إذ لا عبرة ببقاء
محل تدارك المشكوك شرعا كما لو فرض تيقن الإخلال، وإلا لاشترط في
الوضوء وقوع الشك بعد الجفاف.
لكن قال في التذكرة - بعد حكم الشك في أعضاء الوضوء -: لو كان
الشك في شئ من أعضاء الغسل، فإن كان في المكان أعاد عليه وعلى
ما بعده، وإن كان بعد الانتقال فكذلك، بخلاف الوضوء، لقضاء العادة
بالانصراف عن فعل صحيح، وإنما يصح هناك لو كمل الأفعال، للبطلان مع
الإخلال بالموالاة، بخلاف الغسل. وفي المرتمس ومن عادته التوالي إشكال،
ينشأ من الالتفات إلى العادة وعدمه (1).
أقول: إن فرض الشك فيما عدا الجزء الأخير بعد الإتيان بما بعده إلى
آخر العمل والفراغ منه فلا فرق بين الوضوء والغسل، لعدم مدخلية الموالاة
هنا، بل لو بنى على اعتبار قضاء الظاهر بأن الإنسان لا يدخل في الأفعال
المتأخرة من الأمور المترتبة إلا بعد فعل المقدم منها، فلا فرق بين الوضوء
والغسل، وإن لم يبن على ذلك فلا فرق أيضا.
وإن فرض الشك في الجزء الأخير: فإن اعتبر في الانتقال عن المحل
فوات تدارك محل (2) المشكوك شرعا، فينبغي أن يعتبر ذلك فيما تقدم من
حكمه في الوضوء، مع أن اعتبار ذلك في الشك بعد الفراغ من الوضوء مما
لم يعرف لأحد كما نبهنا عليه سابقا، إلا أن يراد من الموالاة المتابعة التي

(1) التذكرة 1: 212.
(2) كذا في " ع "، وفي سائر النسخ: " محل تدارك ".
491

يفوت بمجرد القيام عن الوضوء والاشتغال بغيره، بل بمجرد الفصل، وإن لم
يشتغل بشئ، لكن صريح كلامه إرادة الموالاة المعتبرة في صحة الوضوء،
وهي بالمعنى المذكور غير شرط في صحة الوضوء اتفاقا على ما زعمه المصنف (1)
في المختلف (2) وغيره (3).
وإن لم يكن الأمر كذلك، فإن اعتبر في الانتقال الانتقال عن المحل
المتعارف المعتاد وإن لم يفت الموالاة، لم يكن ينبغي الإشكال منه في معتاد
الموالاة في الغسل، لأن الفرض اعتبار العادة في محل الوضوء، فلا وجه
لإهماله في الغسل، مع عموم أدلة عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ
للوضوء والغسل.
ولأجل ما ذكرنا رجح فخر الدين في الإيضاح (4) عدم الالتفات
في معتاد الموالاة، تمسكا بالصحيح السابق (5) الدال على حكم الشك
بعد الدخول في الصلاة، ولقضاء العادة، ومما (6) دل على عدم اعتبار
الشك في الشئ بعد الخروج عنه والدخول في غيره، وهو المتعين في
الاستدلال ومبني على ما ذكره من أن المناط في الخروج عن الشئ
تجاوز محله المتعارف المعتاد وإن بقي محل تداركه شرعا. وقد وافق الفخر

(1) كذا، وفي التعبير ما لا يخفى، لأن الكتاب شرح للشرائع.
(2) المختلف 1: 301.
(3) نهاية الإحكام 1: 49.
(4) إيضاح الفوائد 1: 42.
(5) السابق في الصفحة 469.
(6) كذا في النسخ، والصواب - ظاهرا -: " وما دل ".
492

على ذلك الشهيدان في الألفية (1) وشرحها (2) وبعض أمالي الشهيد (3) والمحقق
الثاني في جامع المقاصد (4).
وأما الارتماسي، فإن قلنا بوقوعه دفعة فالشك فيه دائما شك بعد
الفراغ، وإن قلنا بحصوله تدريجا فالعبرة بتجاوز المحل الدخول فيما لا يدخل
فيه شرعا أو عادة إلا بعد استكمال الغسل، وقد عرفت استشكال العلامة
فيه في التذكرة مع عدم التعرض لوجه الإشكال.
وأما التيمم، ففي التذكرة: أنه مع اتساع الوقت - إن أوجبنا الموالاة
فيه - فكالوضوء، وإلا فكالغسل (5). وفي جامع المقاصد: أنه كالوضوء (6)
ويظهر الحال فيه مما ذكرنا.

(1) استفادة الموافقة من كلامه مشكل، قال: " فلو شك في أفعاله وهو على حاله
فكالوضوء "، انظر الألفية والنفلية: 46.
(2) المقاصد العلية: 73.
(3) كذا، وفي جامع المقاصد نقل - في المقام - كلاما عن بعض حواشي الشهيد، لكن
استفادة ما ذكر من كلامه المنقول مشكل أيضا، انظر جامع المقاصد 1: 238.
(4) جامع المقاصد 1: 237 - 238.
(5) التذكرة 1: 212.
(6) جامع المقاصد 1: 238.
493

[المسألة السادسة] (1)
* (و) * اعلم أن * (من ترك غسل موضع النجو أو البول وصلى أعاد
الصلاة، عامدا كان) * في صلاته كذلك * (أو ناسيا) * للموضوع أو الحكم
* (أو جاهلا) * بالحكم لا بالموضوع، لكونه معذورا هنا عند المصنف وغيره.
ويحتمل شموله للجهل بالموضوع ببعض أقسامه الغير الداخلة تحت إطلاق
ما دل على معذورية الجاهل بالنجاسة (2). ويحتمل ضعيفا عدم معذورية
الجاهل بهذا الموضوع الخاص، لبعض الأخبار (3).
أما حكم العامد فواضح. وأما الناسي، فوجوب الإعادة وقتا هو
المشهور، والظاهر أن المسألة من جزئيات مسألة الصلاة مع النجاسة التي
ستجئ في أحكام النجاسات، إلا أنه احتمل بعض (4) كون الخلاف هنا أقل،

(1) العنوان منا.
(2) انظر الوسائل 2: 1059، الباب 40 من أبواب النجاسات.
(3) لعل نظره قدس سره إلى مثل ما رواه في الوسائل 1: 222، الباب 9 من أبواب
أحكام الخلوة، الحديث 2، لكنه ظاهر في نسيان الاستنجاء كما لا يخفى، وحمله على
فرض خروج الحدث من غير شعور به بعيد جدا.
(4) الظاهر أن المراد به صاحب الجواهر قدس سره، انظر الجواهر 2: 364.
494

لمكان الأخبار.
وكيف كان، فالأقوى الإعادة وقتا وخارجا، ويدل عليه - مضافا إلى
بعض العمومات (1) الشاملة لما نحن فيه وغيره - خصوص الأخبار هنا، ففي
حسنة عمرو بن أبي نصر قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أبول وأتوضأ،
وأنسى استنجائي، ثم أذكر بعد ما صليت. قال: إغسل ذكرك، وأعد
صلاتك، ولا تعد وضوءك " (2).
وفي مرسلة ابن بكير: " يغسل ذكره، ويعيد الصلاة، ولا يعيد الوضوء " (3).
وفي رواية ابن أبي مريم الأنصاري: " أن الحكم بن عيينة بال يوما
ولم يغسل ذكره متعمدا، فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام، فقال: عليه أن
يغسل ذكره، ويعيد صلاته، ولا يعيد وضوءه " (4).
وفي صحيحة زرارة: " توضأت يوما ولم أغسل ذكري، ثم صليت،
فذكرت ذلك لأبي عبد الله، فقال: إغسل ذكرك، وأعد صلاتك " (5).
وظاهر الأخيرتين كون الأمر بالإعادة بعد انقضاء الوقت، مضافا إلى
ما ثبت في محله من أن الأصل فيما يجب إعادته أن يجب قضاؤه، لأن
الإعادة لا تكون إلا مع بقاء الأمر الأول واشتغال الذمة به، فإذا خرج
الوقت فقد خرج مع اشتغال ذمة المكلف به، وهذا المقدار كاف في صدق

(1) الوسائل 2: 1060، الباب 40 من أبواب النجاسات، الحديث 8 و 9.
(2) الوسائل 1: 208، الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 3.
(3) الوسائل 1: 208، الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2.
(4) الوسائل 1: 208، الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 4.
(5) الوسائل 1: 209، الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 7.
495

الفوات لغة وعرفا، ولذا أطلق في بعض الأخبار الفوت على من صلى في
النجاسة ناسيا (1)، كما سيجئ.
نعم، في المقام أخبار تدل على عدم وجوب الإعادة، ففي رواية عمرو
ابن أبي نصر: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني صليت، فذكرت أني لم
أغسل ذكري، فأعيد الصلاة؟ قال: لا " (2).
وخبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام: " في الرجل يتوضأ
وينسى أن يغسل ذكره، وقد بال، قال: يغسل ذكره، ولا يعيد الصلاة " (3).
ورواية حماد بن عثمان، عن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام: " لو أن
رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى صلى لم يعد الصلاة " (4).
وفي صحيحة علي بن جعفر في من نسي الاستنجاء من الخلاء: " إن
ذكر وهو في صلاته يعيد، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته فقد أجزأ ذلك،
ولا إعادة عليه " (5).
ويعضدهما ما سيجئ من الأخبار في ناسي النجاسة في الثوب
والبدن، بناء على كون ما نحن فيه منه، ولو فرض التكافؤ رجع إلى عموم

(1) لعل نظره إلى مكاتبة سليمان بن رشيد، انظر الوسائل 2: 1063، الباب 42 من
أبواب النجاسات، الحديث الأول، قوله عليه السلام: " وما فات وقتها فلا إعادة عليك
لها ".
(2) الوسائل 1: 209، الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 6.
(3) الوسائل 1: 224، الباب 10 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2.
(4) الوسائل 1: 224، الباب 10 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 3.
(5) الوسائل 1: 224، الباب 10 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 4.
496

قوله عليه السلام: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة،
والركوع، والسجود " (1)، بل وقوله صلى الله عليه وآله: " رفع عن أمتي الخطأ،
والنسيان " (2)، بناء على شموله لنفي الإعادة، كما يظهر من المحقق في المعتبر في
مسألة ناسي النجاسة (3)، لكن الظاهر عدم شمول الرواية لنفي الإعادة، لأن
وجوبها ليس من آثار ما فعل نسيانا لولا النسيان، بل من جهة الأمر
الأول، غاية الأمر أنه لم يسقط بالفعل المأتي به نسيانا. وأما الاعتضاد
بصحيحة " لا تعاد " فمبني على اختصاص الطهور فيها بالطهارة من الحدث،
لكن يحتمل غير بعيد إرادة مطلق استعمال الطهور لرفع الحدث والخبث كما
يؤمي إليه قوله عليه السلام في رواية أخرى: " لا صلاة إلا بطهور، ويجزيك من
الاستنجاء ثلاثة أحجار، وأما البول فلا بد من غسله " (4)، ولو فرض
تساوي الاحتمالين سقط العام المخصص بالمتصل المجمل عن الاستدلال به (5)،
فتأمل جدا.
فالمتجه - بعد التكافؤ -: الرجوع إما إلى إطلاق أدلة اعتبار الطهارة
من الخبث مثل قوله: " لا صلاة إلا بطهور، ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة
أحجار، وأما البول فلا بد من غسله "، وغير ذلك مما دل على وجوب (6)

(1) الوسائل 4: 770، الباب 29 من أبواب القراءة، الحديث 5.
(2) الوسائل 11: 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث الأول.
(3) المعتبر 1: 441 - 442.
(4) الوسائل 1: 222، الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(5) لم ترد " به " في " ع ".
(6) لم ترد " وجوب " في " ب ".
497

إزالة النجاسة عن محل الاستنجاء (1)، وغيره (2) وجوبا شرطيا أو التنزل عن
ذلك والرجوع إلى قاعدة عدم الإجزاء، وبقاء الاشتغال بالأمر المتوجه إلى
المكلف في حال عدم النسيان، وعدم سقوطه بالمأتي به نسيانا، كل ذلك بعد
فرض التكافؤ والإغماض عن ترجيح أخبار الإعادة بالأكثرية وعمل
الأكثر ونحو ذلك.
نعم، قد يستوجه القول بالفصل فيما نحن فيه بين بقاء الوقت
وخروجه، كما عن المقنع (3)، جمعا بين ما تقدم من أخبار الطرفين بشهادة
بعض الأخبار، مثل موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: " في الرجل ينسى
أن يغسل دبره (4) بالماء حتى صلى، إلا أنه قد تمسح بثلاثة أحجار، قال: إن
كان في وقت تلك الصلاة فليعد الصلاة، وليعد الوضوء، وإن كان قد مضى
وقت تلك الصلاة التي صلى فقد جازت صلاته، وليتوضأ لما يستقبل من
الصلاة " (5).
لكن الرواية مع عدم صحتها تشتمل على ما يوهنه، مثل الأمر
بالإعادة مع التمسح بثلاثة أحجار، والأمر بإعادة الوضوء، وعدم إيجاب
قضاء الصلاة مع وقوعها بلا وضوء بقرينة قوله: " وليتوضأ لما يستقبل "
إلا أن يراد من الوضوء والتوضي الاستنجاء بالماء، ويراد بالتمسح ما كان

(1) الوسائل 1: 222، الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة.
(2) الوسائل 2: 1025، الباب 19 من أبواب النجاسات.
(3) المقنع: 13.
(4) كذا في المصدر، وفي النسخ: " ذكره ".
(5) الوسائل 1: 223، الباب 10 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
498

فاقدا لشروط الاكتفاء به (1)، إما لتعدي النجاسة عن المحل، وإما لعدم كفاية
الثلاثة في تطهير المحل، وإما لغير ذلك.
والأوجه التمسك في التفصيل برواية علي بن مهزيار الآتية (2) في مسألة
ناسي النجاسة في الثوب أو البدن (3)، بناء على كون ما نحن فيه من جزئيات
تلك المسألة.
وعن الإسكافي (4) هذا التفصيل بالنسبة إلى البول.
وعن الصدوق قدس سره (5) تفصيل آخر بين مخرجي البول والغائط فلم
يوجب الإعادة من الغائط، ولعله لرواية عمار (6)، وصحيحة علي بن جعفر (7)
في الاستنجاء من الغائط.
وكيف كان، فلا ينبغي الإشكال في أنه لا يجب إعادة الوضوء لا من
نسيان البول ولا من الغائط، للأصل والأخبار المستفيضة، ففي صحيحة علي

(1) لم ترد " به " في " ع ".
(2) راجعنا تلك المسألة - في أحكام النجاسات - فلم نجد التمسك بالرواية المذكورة
فيها، والرواية في الوسائل 2: 1063، الباب 42 من أبواب النجاسات، الحديث
الأول.
(3) في " ج " و " ح ": " والبدن ".
(4) حكاه عنه العلامة في المختلف 1: 269.
(5) الفقيه 1: 31، ذيل الحديث 59.
(6) الوسائل 1: 224، الباب 10 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 3.
(7) المصدر، الحديث 4، والاستنجاء فيها مطلق، إلا أن يدعى ظهوره في تطهير مخرج
الغائط.
499

ابن يقطين: " يغسل ذكره، ولا يعيد الوضوء " (1)، ومثلها صحيحة عمرو بن
أبي نصر، ورواية أبي مريم المتقدمتين (2).
نعم، في موثقة أبي بصير: " إن أهرقت الماء ونسيت أن تغسل ذكرك
حتى صليت، فعليك إعادة الوضوء، وغسل ذكرك " (3)، وفي صحيحة سليمان
ابن خالد عن أبي جعفر عليه السلام: " في رجل يتوضأ فينسى غسل ذكره، قال:
يغسل ذكره، ثم يعيد الوضوء " (4)، وبظاهرهما (5) أخذ الصدوق (6) حيث
أوجب الإعادة على ناسي غسل البول، بل عن ظاهر القول المحكي (7)
عن المقنع (8) تعميمه للمخرجين، ولعله لموثقة عمار المتقدمة في ناسي
غسل الدبر.

(1) الوسائل 1: 208، الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث الأول.
(2) تقدمتا في الصفحة 495.
(3) الوسائل 1: 209، الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 8.
(4) الوسائل 1: 209، الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 9.
(5) كذا في " أ "، وفي سائر النسخ: " بظاهرها ".
(6) الفقيه 1: 31.
(7) لم ترد " المحكي " في غير " ب ".
(8) المقنع: 13.
500

[بعض أحكام الخلل المتردد بين الوضوءين] (1)
ولما فرغ المصنف قدس سره من الخلل الواقع أو المتوهم في وضوء
بخصوصه، ذكر بعض أحكام الخلل المتردد بين الوضوءين (2) في مسائل:
الأولى
* (من جدد (3) وضوءه) * المبيح للمشروط به، سواء كان * (بنية الندب) *
الثابت له بأصل الشرع، أم بنية الوجوب العارض له بنذر أو إجارة، * (ثم
صلى) * بعدهما * (وذكر) * بعد الصلاة * (أنه أخل بعضو) * مثلا أو شرط
* (من إحدى الطهارتين، فإن) * قلنا بوحدة حقيقة الوضوءات الغير المجامعة
للحدث الأكبر، ولذلك * (اقتصرنا على نية القربة) * ولم نعتبر نية الرفع
والاستباحة * (فالطهارة والصلاة صحيحتان) * بلا إشكال، كما يظهر من

(1) العنوان منا.
(2) في " أ " و " ب ": " بين وضوءين ".
(3) في الشرائع: " ومن جدد ".
501

المصنف والعلامة رحمه الله (1) وولده (2) والشهيد (3) والمحقق الثاني (4)، وكذا إن قلنا
برفع خصوص المجدد عند تبين الحاجة إليه كما يراه الشيخ (5)، مع عدم
اقتصاره على نية القربة (6)، ووافقه على ذلك جماعة كالقاضي (7) وابني سعيد (8)
وحمزة (9) والمحقق في المعتبر (10)، وقد تقدم ذلك كله في بحث النية، و (11) تقدم
هناك تعجب العلامة من هذا القول، ودفع الشهيد في الذكرى له (12).
* (وإن أوجبنا نية) * الرفع * (أو الاستباحة أعادهما) * عند المصنف وأكثر
من تأخر عنه (13)، لأصالة بقاء الحدث السابق على الطهارتين، لعدم العلم

(1) المنتهى 2: 145، التذكرة 1: 213.
(2) الإيضاح 1: 43.
(3) لم نستفد الظهور من كلامه، انظر الدروس 1: 94، والبيان: 52، والذكرى: 99.
(4) جامع المقاصد 1: 239 - 240.
(5) المبسوط 1: 25.
(6) المبسوط 1: 19.
(7) جواهر الفقه: 10، المهذب 1: 32، وأفتى في الأول بصحة الصلاة في فرض
المسألة، وفي الثاني بلزوم نية الرفع والاستباحة.
(8) الجامع للشرائع: 35 و 37.
(9) الوسيلة: 51 و 53.
(10) المعتبر 1: 139 - 140.
(11) في " ع ": " وقد تقدم ".
(12) تقدم في الصفحة 87، لكن صرح هناك بأن الشهيد انتصر لقول الشيخ في " غاية
المراد " لا " الذكرى " كما ذكره هنا، فراجع.
(13) مثل العلامة في المنتهى 2: 145، والتذكرة 1: 213، وفخر المحققين في الإيضاح
1: 43، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 239 - 240.
502

بارتفاعه، لاحتمال الإخلال من الأولى، وهنا وجه لعدم الإعادة أوفق
بالقواعد، وهي صحة الصلاة والطهارة، لأن الشك في الإخلال بعضو شك
بعد الانتقال عن محله، والعلم الإجمالي بالإخلال والشك في مورده غير مانع
عن جريان قاعدة الشك بعد الفراغ - كما احتمله في الذكرى (1) - لأنه تقييد
للنص والفتوى من غير دليل.
ومجرد العلم الإجمالي بالإخلال لو أثر لأثر فيما علم إجمالا بالإخلال
بفعل مردد بين كونه من الأفعال الواجبة أو المستحبة، كما إذا تردد المتروك
بين غسل اليمنى وبين المضمضة أو تيقن ترك لمعة لا يدري أنها من الغسلة
الواجبة أو المستحبة أو اغتسل غسلا للجنابة وغسلا للجمعة، ثم ذكر
الإخلال بعضو من أحدهما، إلى غير ذلك من موارد العلم الإجمالي بالترك،
ودوران المتروك بين ما يجب تداركه وبين ما لا يجب.
ومن هذا القبيل: تردد المتروك في الصلاة بين الركوع والقنوت
أو القراءة وشبه ذلك، مع أنه لو سلم قدح مجرد العلم الإجمالي في قاعدة
الشك بعد الفراغ لم يقتض ذلك وجوب إعادة الصلاة، إذ الشك بالنسبة إليها
غير مجامع مع العلم الإجمالي، غاية الأمر وجوب الطهارة للصلوات
المستقبلة، فهو كمن شك بعد الصلاة في أنه تطهر لها من الحدث السابق
أم لا، وقد أفتى جماعة بعدم الالتفات إليه (2).

(1) الذكرى: 99، قوله قدس سره: " وإما لأن عادة المجدد تدارك الخلل في الأولى ".
(2) لم نظفر على من تعرض للمسألة بالخصوص، نعم، يستفاد ذلك من كلام كاشف
الغطاء، وقد أورد كلامه صاحب الجواهر واستوجهه، انظر كشف الغطاء: 103،
والجواهر 2: 349.
503

ويدل عليه: رواية علي بن جعفر المتقدمة في الشك في الشرط في
الأثناء (1) وإن خالف فيه بعض ككاشف اللثام في مسألة: من شك بعد
الطواف في أنه تطهر أم لا (2)، حيث استوجه في مقابل العلامة وغيره
الالتفات إلى الشك، نظرا إلى اختصاص الشك بعد الفراغ بالأفعال دون
الشروط. ولعله قدس سره جعل حكمهم بالالتفات في باب الطهارة شاهدا على
عدم عموم إطلاقاتهم للشروط، لكنه معارض بقولهم في باب الطواف.
ثم إنه قد حكى في الذكرى ما استوجهناه عن السيد ابن طاوس قدس سره،
فقال: خرج ابن طاوس وجها في ترك عضو متردد بين طهارة مجزية وغير
مجزية أنه لا التفات فيه، لاندراجه تحت الشك في الوضوء بعد الفراغ، وهو
متجه، إلا أن يقال: اليقين حاصل هنا بالترك وإن كان شاكا في موضعه،
بخلاف الشك بعد الفراغ فإنه لا يقين فيه بوجه، والله الموفق (3).
أقول: ما استدركه قدس سره تقييد للنص من غير دليل، فإن من شك بعد
فراغه في أنه غسل يده أم لا قد يكون متيقنا أنه على تقدير غسلها ترك
فعلا آخر من أمور دينه أو دنياه، وهو غير قادح في حكم الشك بعد الفراغ
قطعا، والله العالم.

(1) الوسائل 1: 333، الباب 44 من أبواب الوضوء، الحديث 2، وتقدم في الصفحة
474.
(2) كشف اللثام 1: 334.
(3) الذكرى: 100.
504

[المسألة الثانية]
* (و) * الثانية: أنه * (لو صلى بكل (1) من الطهارتين صلاة) * أو أزيد
* (أعاد) * ما صلاه بالطهارة * (الأولى) *، لأصالة بقاء حدثه، دون ما صلاه
بالثانية، لصحة ما صلاه بها على كل تقدير، * (بناء على) * القول * (الأول) *
وهو الاقتصار على نية القربة أو كفاية المجدد، وأما على القول الآخر فيجب
إعادتها أيضا، لأن أصالة بقاء الحدث بعد الوضوء الأول سليمة عن الرافع.
والمراد بالإعادة في كلامهم أعم من القضاء، لأن الموجب للفعل في
الوقت وهو أصالة بقاء الحدث توجب القضاء، لدخول المكلف حينئذ - بحكم
هذا الأصل - في جملة من صلى بغير طهور، المنصوص على وجوب القضاء
على من وجب عليه (2)، ولا يحتاج إلى دعوى صدق موضوع الفوات هنا
حتى يسلم تارة، لإثباتها بالأصل، ويمنع أخرى، بمنع إثبات الأصل له.
وربما يصعب إثبات القضاء على من وجب عليه الطهارة لأجل شكه
في المتأخر من الحدث والطهارة المتيقنين، فلم يتطهر لنسيان وصلى ولم يتذكر
إلا بعد الوقت، إذ ليس هنا استصحاب حدث حتى يحكم من أجله بأنه
صلى بغير طهور وإنما وجب الإعادة في الوقت، لأن الشك في الشرط شك
في المشروط، فلا يحصل يقين البراءة إلا بالطهارة.

(1) في الشرائع: " بكل واحدة منهما ".
(2) كذا في " ج " و " ح "، وفي " أ " و " ب ": " القضاء عليه "، وفي " ع ": " القضاء
عليه على من عليه ".
505

وإذا كان القضاء بفرض جديد ولو كان عموم " اقض ما فات " (1) مع
عدم إحراز الفوات فالأصل البراءة من وجوب القضاء.
لكن يمكن أن يقال: الأصل عدم الإتيان بالفعل على وجهه، وأن
المراد بالفوات في النص والفتوى ما يعم ذلك لو فرض عدم صدق الفوات
فيما نحن فيه، وقد استفيد من ملاحظة الأخبار تعلق القضاء بمجرد أن يحرز
- ولو بالأصل - عدم الإتيان بالصلاة الواقعية عمدا أو تعذرا، ولذا كان
الأصل فيمن شك بعد الوقت في أنه صلى في الوقت أم لا هو وجوب
القضاء، وإنما عدل عنه للنص المعلل له بأنه قد دخل حائل (2)، يعني أنه قد
مضى محله ودخل وقت فعل آخر.
ثم إن هذا كله على طريقة المشهور من الاعتناء بالشك المذكور، أما
على ما استوجهنا تبعا للسيد المتقدم والشهيد قدس سره (3) فليس عليه إعادة،
خصوصا لو شك بعد خروج الوقت، وقد قواه في المنتهى في هذه المسألة
الثانية بعد أن اختار المشهور في المسألة الأولى كسائر كتبه في المسألتين،
فقال - بعد بيان الحكم المشهور -: وعندي في هذا شك، وهو أنه قد تيقن
الطهارة وشك في بعض أعضائها بعد الانصراف، لأن الشك في إلحاق
المتروك (4) باليقين منها (5) هو الشك في ترك أحد الأعضاء الواجبة، فلا

(1) الظاهر عدم ورود خبر باللفظ المذكور، وإنما هو مضمون بعض الروايات، انظر
الوسائل 5: 359، الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات.
(2) الوسائل 3: 205، الباب 60 من أبواب المواقيت.
(3) راجع الصفحة 504.
(4) كذا في النسخ، وفي المصدر: " الترك ".
(5) كذا في النسخ، وفي المصدر: " بالمعين منهما ".
506

يلتفت إليه، وهو قوي (1)، انتهى.
وفي قوله قدس سره: شك في ترك أحد الأعضاء الواجبة - كقول الشهيد
حاكيا عن السيد ابن طاوس: ترك عضو تردد بين طهارة مجزية وغير
مجزية - إشارة إلى أن مطلق العلم الإجمالي وتردد المتروك بين شيئين
لا يوجب عدم جريان حكم الشك بعد الفراغ، لأن هذا الشك بالنسبة إلى
ما لا يترتب على الشك فيه وجوب التدارك شك خال عن العلم الإجمالي،
كما مثلنا سابقا بتردد المتروك بين واجب ومستحب، أو بين فعل بعض من
الوضوء وفعل أجنبي، وكذا تردد المتروك في الصلاة بين ما يجب تداركه
وما لا يجب، إنما القادح تردد المتروك في الوضوء أو الصلاة بين أمرين يجب
تدارك كل منهما على تقدير فواته، فاندفع بذلك ما يقال في رده: إن الشبهة
هنا من قبيل الشبهة المحصورة التي لا يجري الأصل في أحدهما (2).
توضيح الاندفاع: أن الحكم في الشبهة المحصورة فيما إذا دار بين
ما تنجز التكليف بالاجتناب عنه وبين ما لم يتنجز جاز إجراء الأصل،
كما أوضحنا ذلك في الشبهة المحصورة (3).
[المسألة الثالثة]
* (و) * الثالثة: أنه * (لو) * صلى صلاتين بطهارتين، ثم تيقن أنه

(1) المنتهى 2: 145.
(2) قاله في الجواهر 2: 373.
(3) انظر فرائد الأصول: 420، التنبيه الثالث.
507

* (أحدث عقيب واحدة (1) منهما) * تعارض أصالة بقاء الطهارة الأولى لصلاتها
وأصالة بقاء الثانية * (و (2) أعاد الصلاتين إن (3) اختلفتا (4) عددا) * بلا خلاف
- ظاهرا (5) - منهم هنا وإن اختلفوا في حكم ما يكون هذا من أفراده، وهو
تيقن الطهارة والحدث وشك في المتأخر مع كونه متطهرا قبلها، فينبغي ابتناء
الحكم على الأقوال في تلك المسألة، ويكفي في أولها الطهارة الثانية على
إشكال، ووجه الجمع: عدم تيقن البراءة إلا به.
ومقتضى إطلاقهم: عدم الفرق بين اتفاقهما في القضاء والأداء
واختلافهما وإن كان ربما يتخيل مع الاختلاف الاقتصار على إعادة الثانية،
لأصالة بقاء الأمر به، وقاعدة عدم الالتفات إلى الشك في الأولى بعد
خروج وقتها.
وأما الخدشة في الحكم مطلقا، لعدم الدليل على وجوب تدارك
الواجب الواقعي حتى يجب الجميع من باب المقدمة، أو يسلم المقتضي
لوجوبه، إلا أن اليقين بالإتيان به غير ممكن، لأن من جملة ما يعتبر فيه نية
الوجه المتعذرة في المقام للجهل بالواجب الواقعي، فقد ذكرنا فساد ذلك
خصوصا الوجه الأخير في محله.
ويرشد إلى ما ذكرنا: التعليل في الرواية الواردة في من عليه فائتة

(1) في الشرائع: " عقيب طهارة ".
(2) في الشرائع: " ولم يعلمها بعينها أعاد... ".
(3) كذا في الشرائع و " أ " و " ب "، وفي " ج "، " ح " و " ع ": " إذا ".
(4) كذا في المصدر وفي " ب "، وفي سائر النسخ: " اختلفا ".
(5) كذا في النسخ.
508

مرددة بين الخمس، وأنه يصلي ثلاث صلوات (1)، وجزم الحلي في المقام
بالحكم المذكور (2)، مع قوله بعدم وجوب الجمع بين الصلاتين في الثوبين يعلم
نجاسة أحدهما، معللا بعدم التمكن من قصد الوجه، بل أفتى بالصلاة
عاريا (3).
* (وإن لم يختلفا عددا (4)) * وإن اختلفا في الجهر والإخفات * (فصلاة
واحدة ينوي بها ما في ذمته) * على المشهور، لما يستفاد من بعض الروايات
من كفاية الواحدة المطابقة لعدد الفائتة وإن خالفتها في الجهر والإخفات،
وهي مرفوعة الحسين بن سعيد إلى أبي عبد الله عليه السلام، المروية في المحاسن،
في من نسي صلاة من صلاة يومه، ولم يدر أي صلاة هي؟ قال: " يصلي
ثلاثا وأربعا وركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى،
وإن كانت المغرب أو الغداة فقد صلى " (5).
ومثلها مرسلة علي بن أسباط (6)، بحذف التعليل، ولأجله يضعف
الاستدلال بها وإن وقع من جملة، بناء على تنقيح المناط، وفيه إشكال، حتى
أن الحلي لم يعمل بالرواية في المسافر الناسي لإحدى صلواته الخمس (7)،

(1) الوسائل 5: 365، الباب 11 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 2.
(2) السرائر 1: 274.
(3) السرائر 1: 185.
(4) في الشرائع بدل " وإن لم يختلفا عددا ": " وإلا ".
(5) المحاسن: 325، الحديث 68. وعنه في الوسائل 5: 365، الباب 11 من أبواب
قضاء الصلوات، الحديث 2.
(6) الوسائل 5: 365، الباب 11 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث الأول.
(7) السرائر 1: 275.
509

اقتصارا على مورد النص.
وذيل رواية البرقي وإن كان يظهر منه مناط الحكم، إلا أن دلالته على
التعليل حتى يتعدى لأجله عن مورده لا يخلو عن قصور، لاحتمال كونه
تقريبا للحكم في هذا المورد لا تعليلا حقيقيا أو بيانا لحكم الشارع بالاكتفاء
بالثلاث على كل تقدير، ولعل الشهرة بين المتأخرين يجبر قصور الدلالة وإن
لم يكن كالشهرة بين القدماء جابرة للسند.
ولأجل ما ذكرنا من قصور الروايتين عن إفادة الحكم فيما نحن فيه
- مع مخالفته لأصالة عدم إلغاء الجهر والإخفات عند التردد - أفتى الشيخ (1)
والقاضي (2) والحلبي (3) وابن زهرة (4) والحلي (5) وابن سعيد (6) على ما حكي
عنهم بعدم كفاية الواحدة المرددة وإن اكتفى من عدا الحلبي منهم (7) بالثلاث
لناسي الواحدة من الخمس، لمكان الروايتين.
ثم الاكتفاء بالواحدة المرددة (8) هل هي رخصة أو عزيمة؟ وجهان،

(1) انظر المبسوط 1: 24.
(2) انظر جواهر الفقه: 11.
(3) الكافي في الفقه: 150.
(4) الغنية: 99.
(5) السرائر 1: 275، حيث صرح بلزوم الاقتصار على مورد الإجماع، وهو من فاتته
صلاة من الخمس.
(6) الجامع للشرائع: 37.
(7) المبسوط 1: 127، المهذب 1: 126، السرائر 1: 275، الجامع للشرائع: 89،
وأما ابن زهرة فلم نجد في الغنية فتواه بالاكتفاء بالثلاث، فراجع.
(8) كذا في " أ "، " ب " و " ج "، وفي " ح " و " ع ": " المترددة ".
510

أقواهما: الأول، لأدلة الاحتياط بعد ورود الأمر بالثلاث في الرواية مورد
توهم تعين الخمس، ولظهور التعليل في أن الاكتفاء بالواحدة لأجل حصول
المقصود به وهو يحصل بالمتعدد، بل بطريق أولى كما في الذكرى (1).
* (وكذا) * يكتفى بواحدة مرددة بين متعدد متوافق العدد * (لو صلى
بطهارة) * رافعة * (ثم أحدث وجدد) * لرفعه * (طهارة ثم صلى) * بها * (أخرى
فذكر أنه أخل بعضو (2) من إحدى الطهارتين) *.
* (ولو صلى الخمس بطهارات خمس ثم تيقن (3) أنه أحدث عقيب إحدى
الطهارات أعاد) * بناء على ما تقدم من الاكتفاء بالواحدة عما في الذمة
* (ثلاث فرائض، ثلاثا) * للمغرب، * (واثنين) * للصبح، * (وأربعا) * لما في
الذمة من الرباعيات الثلاث.
* (وقيل) * كما عن الجماعة المتقدمة إليهم الإشارة * (يعيد خمسا) * (4)،
وهذا (5) أوفق بالاحتياط، * (و) * إن كان * (الأول أشبه) * بظاهر الروايتين
المتقدمتين.
وللعلامة في القواعد - في بعض فروعه: كفاية المرددة عما في الذمة -

(1) الذكرى: 99.
(2) في الشرائع: " وذكر أنه أخل بواجب ".
(3) في الشرائع: " بخمس طهارات وتيقن ".
(4) قد تقدم عن المؤلف قدس سره استثناء الحلبي فقط ممن اكتفى بالثلاث لناسي الواحدة
من الخمس، وعلقنا على كلامه هناك بأنا لم نجد في الغنية أيضا الاكتفاء بالثلاث في
المسألة المذكورة، راجع الصفحة السابقة.
(5) في " ع ": " وهذه ".
511

عبارة مشكلة اختلف في معناها، حتى أنه صنف بعضهم في ذلك رسالة (1)،
قال - بعد قوله قدس سره في مسألة الخمس صلوات بخمس طهارات -: ولو كان
الإخلال بالطهارتين (2) أعاد أربعا، صبحا، ومغربا، ورباعيا مرتين، والمسافر
يجتزئ بالثنائيتين والمغرب بينهما، والأقرب جواز إطلاق النية والتعيين،
فيأتي بثالثة، ويتخير بين تعيين الظهر أو العصر أو العشاء، فيطلق الباقيتين،
مراعيا للترتيب، وله إطلاق الثنائي فيكتفي بالمرتين (3) انتهى.
ولعل بملاحظة كلامه في سائر كتبه في هذا المقام مدخلا في حل هذه
العبارة، والتوفيق بيد الله يؤتيه من يشاء.
نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى، بمحمد وآله الطاهرين صلوات
الله عليهم أجمعين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

(1) الرسالة للشيخ البهائي قدس سره، وقد أوردها السيد العاملي قدس سره في مفتاح الكرامة
1: 296 - 300.
(2) من المصدر ومصححة " ج ".
(3) القواعد 1: 206.
512

وأما
الغسل (1)
ففيه: الواجب والمندوب

(1) كذا في الشرائع، وفي " ج "، " ح " و " ع ": " كتاب الغسل "، ولم يرد هذا
الموضوع في نسختي " أ " و " ب "، والظاهر أنه مما وقف عليه النساخ فيما بعد
فألحقوه بكتاب الطهارة.
514

[الأغسال الواجبة]
* (أما الواجب) * ف‍ * (ستة (1) أغسال) * لكل واحد منها سبب أضيف (2).
وليس الغسل كالوضوء حقيقة واحدة في أسبابه، وهي: * (غسل الجنابة، و) *
غسل * (الحيض، و) * غسل * (الاستحاضة التي تثقب الكرسف، و) * غسل
* (النفاس، و) * غسل * (مس الأموات من الناس بعد بردهم وقبل تغسيلهم (3)) *
على المشهور، كما سيأتي، * (وغسل الأموات) *.
والحصر فيها مشهور، وزيد عليها أغسال أخر يأتي في الأغسال
المندوبة.
* (وبيان ذلك) * كله * (في خمسة فصول) * بتضمن أخيرها بغسل
المس (4).

(1) في الشرائع: " فالواجب ستة... ".
(2) كذا في النسخ، وفي " ع ": " أضيف إليه ظ ".
(3) في الشرائع: " قبل تغسيلهم وبعد بردهم ".
(4) كذا في النسخ.
515

الفصل * (الأول) *
* (في الجنابة) *
[الجنابة] بفتح الجيم، كما في الروضة (1)، وهي لغة: البعد، ويطلق على
المني كما في القاموس (2)، وهي كثيرة في الأخبار (3)، وفي الاصطلاح: البعد
الخاص، قال في السرائر - بعد تفسيرها بالبعد -: وهي في الشريعة كذلك،
لبعده عن أحكام الطاهرين (4)، ونحوه في المعتبر (5).
لكن في الروض: أنها شرعا ما يوجب البعد عن أحكام الطاهرين
من غيبوبة الحشفة أو نزول المني (6)، ولهذا كان السبب لها فعل الشخص
لأحد الأمرين، وهذا المعنى هو المناسب لجعل الجنابة من الأحداث الموجبة

(1) الروضة البهية 1: 347.
(2) القاموس المحيط 1: 48، مادة: " جنب ".
(3) انظر الوسائل 1: 466، الباب 2 من أبواب الجنابة، و 468، الباب 5 منها،
الحديث 1، والجزء 2 منه: 1023، الباب 16 من أبواب النجاسات، الحديث 7.
(4) السرائر 1: 114، باختلاف في التعبير.
(5) المعتبر 1: 177.
(6) روض الجنان: 47.
517

للغسل، كغيره مما يوجب الغسل أو الوضوء، فالمراد من رفعها رفع أثرها
وهو الحدث، فالجنب من حصل منه الجنابة كالحائض والمستحاضة والنفساء.
وأما دعوى نقل اللفظ شرعا إلى الحالة المترتبة على الأمرين وهي
الحالة المانعة عن أمور مخصوصة، فلم يثبت، بل لا يحضرني من الروايات
ما علم فيه استعمال اللفظ في هذا المعنى، إلا أن يحمل عليه النبوي: " تحت
كل شعرة جنابة " (1). نعم، ربما يناسبه قولهم: إن سبب الجنابة أمران.
* (و) * ينحصر * (النظر) * فيها * (في) * ثلاثة متضمنة لبيان
* (السبب) * لها * (والحكم) * المترتب عليها * (والغسل) * الواجب عقيبها.

(1) كنز العمال 9: 386، الحديث 26600 و 26601.
518

[سبب الجنابة]
* (أما سبب الجنابة، فأمران) *:
[الإنزال]
أحدهما: * (الإنزال) * للمني، بلا خلاف، ولعل الإجماع عليه
كالأخبار مستفيض، من غير فرق بين أحوال الإنزال وأفراد المنزل، إلا أنه
وردت روايات في عدم وجوب الغسل على المرأة إذا أنزلت (1)، معارضة
بما يتعين العمل به (2)، محمولة لأجل ذلك على وجوه أقربها: حمل إنكار
وجوب الغسل على صدوره لدفع (3) مفسدة هي أعظم من ترك الغسل في
نادر من الأوقات لنادر من النسوان، وقد علمها الإمام عليه السلام بالنسبة إلى
بعض موارد السؤال دون بعض.
والحاصل: أن كتمان الحق كما يجوز بل يجب لأجل التقية، فكذلك
يجوز لغيرها من المصالح، مثل وصول الحكم إلى من يجعله وسيلة

(1) الوسائل 1: 475، الباب 7 من أبواب الجنابة، الأحاديث 18، 19، 20، 21
و 22.
(2) الوسائل 1: 471، الباب 7 من أبواب الجنابة، الأحاديث 2، 3، 4 و 5،
وأحاديث أخرى في نفس الباب.
(3) في " ح " و " ج ": " ولدفع ".
519

لارتكاب مفاسد هي أعظم من البقاء على الجنابة، وقد أمروا عليهم السلام
- في بعض الروايات - العالم بهذا الحكم بكتمانه من النساء إذا علم أو ظن
ترتب المفسدة على الإظهار لا مطلقا، ففي صحيحة أديم بن الحر: قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل في
منامه، عليها الغسل؟ قال: نعم، ولا تحدثوهن فيتخذنه علة... الخبر (1) " (2)،
فإن كتمان الحق مع كونه محرما قد يجب، لترتب المفسدة عليه، وهي جعل
دعوى الاحتلام وسيلة للفجور.
ويمكن حمل تلك الأخبار على التقية، لأن مضمونها محكي عن بعض
العامة (3).
وفي مرسلة نوح بن شعيب: " هل على المرأة غسل إذا لم يأتها
زوجها؟ قال عليه السلام: وأيكم يرضى أن يرى ويصبر على ذلك، أن يرى
ابنته أو أخته، أو زوجته، أو أمه، أو أحد قرابته قائمة تغتسل، فيقول:
ما لك؟ فتقول: قد احتلمت، وليس لها بعل، ثم قال: ليس عليهن في ذلك
غسل، فقد وضع الله ذلك عليكم فقال: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) ولم يقل
لهن... الخبر (4) " (5).

(1) كذا في النسخ، والظاهر زيادة " الخبر "، لأن الحديث مذكور بتمامه.
(2) الوسائل 1: 473، الباب 7 من أبواب الجنابة، الحديث 12.
(3) هو النخعي، انظر نيل الأوطار 1: 219، آخر باب الغسل من المني.
(4) كذا في النسخ، والظاهر زيادة " الخبر "، لأن الحديث مذكور بتمامه.
(5) الوسائل 1: 475، الباب 7 من أبواب الجنابة، الحديث 22، والآية من سورة
المائدة: 6.
520

والحاصل: أن كتمان الحكم المذكور لدفع مفسدة مترتبة على اطلاع
بعض العامة بذلك الحكم أو بعض العوام.
ثم إن مقتضى إطلاق العبارة كغيرها من العبائر: عدم الفرق في مخرج
المني بين المعتاد وغيره، وأنه ليس كالحدث الأصغر، ولذا قيدوا فيه،
وأطلقوا هنا، ويظهر من الحدائق أنه الأشهر (1) إلا أن ظاهر العلامة في
القواعد ومن تأخر عنه: كونه كالحدث الأصغر، قال في القواعد: لو خرج
المني من ثقبة في الصلب، فالأقرب اعتبار الاعتياد وعدمه (2)، انتهى،
واستقربه ولده في الإيضاح (3).
وفي البيان: لو خرج من غير المعتاد فكالحدث الأصغر في اعتبار
المعاودة وعدمها (4)، انتهى.
وفي جامع المقاصد: لو خرج المني من ثقبة في الصلب أو في الإحليل
أو في خصية، فالفتوى على اعتبار الاعتياد وعدمه، أما لو خرج من غير
ذلك فاعتبار ذلك الاعتياد حقيق أن يكون مقطوعا به (5)، انتهى.
وذكر المحقق والشهيد الثانيان وصاحب المدارك: أنه يحصل الجنابة
للخنثى بإنزال الماء من المخرجين لا من أحدهما إلا مع الاعتياد (6)، وهذا

(1) الحدائق 3: 19.
(2) القواعد 1: 211.
(3) إيضاح الفوائد 1: 49 - 50.
(4) البيان: 54.
(5) جامع المقاصد 1: 277.
(6) جامع المقاصد 1: 255، روض الجنان: 48، المدارك 1: 268.
521

أقوى، لأن ما تقدم في الحدث الأصغر مما يصلح مستندا لاعتبار الاعتياد
آت هنا، إلا تقييد الحدث هناك بما يخرج من الطرفين الذين أنعم الله بها (1)،
لكنا حيث قوينا هناك عدم اعتبار الاعتياد لزمنا القول هنا (2) به بالإجماع
المركب والأولوية.
ثم إنه ذكر العلامة في النهاية: أنه لو قلنا هناك باعتبار الخروج من
تحت المعدة فالعبرة هنا بالصلب (3)، ولعله مبني على أن وصف خروجه من
الصلب من أوصافه التي ينتفي حقيقة المني بانتفائها، نظير اعتبار الخروج من
تحت المعدة في صدق موضوع الغائط عند الشيخ (4) كما تقدم (5).
هذا كله * (إذا علم أن الخارج مني) * ولو كان بلون الدم، على ما قربه
في الذكرى، قال: تغليبا للخواص، واحتمل العدم، لأن المني دم في
الأصل (6) (7)، فبقاء لونه يكشف عن عدم استحالته، * (فإن حصل ما يشتبه
به) * فإن كان صحيحا * (وكان) * الخارج * (دافقا تقارنه الشهوة) * وهي
اللذة المعهودة عند الإنزال * (وفتور الجسد) * أي انكساره المعهود، حكم

(1) الوسائل 1: 177، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء، الأحاديث 4، 5 و 9،
وراجع الجزء الأول من هذا الكتاب، الصفحة 397.
(2) لم ترد " هنا " في " ج " و " ح ".
(3) نهاية الإحكام 1: 99، باختلاف في التعبير.
(4) المبسوط 1: 27.
(5) تقدم في الجزء الأول من هذا الكتاب، الصفحة 398.
(6) لم ترد " في الأصل " في " ج " و " ح ".
(7) الذكرى: 27.
522

عليه بأنه مني، و * (وجب الغسل) *، وحكم عليه قبله بما يحكم على الجنب،
لحصول الظن من هذه الصفات فيعتبر فيما لا طريق فيه إلى العلم، ويلزم من
إجراء الأصل فيه الوقوع في المخالفة القطعية لتكاليف كثيرة، فإن من يستيقظ
ولا يرى في ثوبه إلا شيئا رطبا، عليه بعض آثار المني من الرائحة
والزوجة لو بنى على إجراء أصالة الطهارة وقع أكثر الأوقات في فعل
ما يحرم على الجنب.
ويدل عليه أيضا: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: " في
الرجل يلعب مع امرأته فيقبلها، فيخرج منه المني، فقال عليه السلام: إذا جاءت
الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل، وإن كان إنما هو شئ لم يجده له
فترة ولا شهوة فلا بأس " (1)، وفرض كونه منيا في السؤال باعتبار المظنة، أو
أن اللفظ مصحف، إذ المروي في كتاب علي بن جعفر: " فخرج منه
الشئ " (2).
ثم إن القدر الثابت من هذه الصحيحة والذي يندفع به المانع من
إجراء أصالة الطهارة وهي كثرة الوقوع في محرمات الجنب، هي صورة
اجتماع الصفات الثلاث، فيرجع في فاقد بعضها إلى الأصل، إلا أنه يظهر من
بعض الأخبار كفاية فتور الجسد، ففي مرسلة ابن رباط: " يخرج من
الإحليل المني والمذي والودي، فأما المني فهو الذي يسترخي به العظام،
ويفتر منه الجسد، وفيه الغسل " (3)، فإن مقتضى التحديد كون الحد خاصة

(1) الوسائل 1: 477، الباب 8 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
(2) مسائل علي بن جعفر: 157، الحديث 230.
(3) الوسائل 1: 474، الباب 7 من أبواب الجنابة، الحديث 17.
523

لا يصدق بدون المحدود، إلا أن يقال: إن الإطلاق فيها محمول على الغالب
من عدم انفكاك الفتور عن الدفق، ولذا لم يذكر الدفق في ذيل صحيحة علي
ابن جعفر.
وبذلك يجمع بينها وبين ما دل على عدم انفكاك المني عن الدفق، وهي
صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام: " قلت له: الرجل يرى في
المنام ويجد الشهوة فيستيقظ فينظر فلا يجد شيئا، ثم يمكث الهوين بعد
فيخرج، فقال عليه السلام: إن كان مريضا فليغتسل وإن لم يكن مريضا فلا شئ
عليه. قلت: فما فرق بينهما؟ قال: لأن الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء
بدفقة قوية، وإن كان مريضا لم يجئ إلا بعد " (1)، وفي رواية العلل:
" لم يجئ إلا بضعف " (2).
وبالجملة، فالصفات الثلاث لما كانت متلازمة غالبا لم يكن في إطلاق
ما اقتصر فيه على إحداها دلالة على عدم اعتبار اجتماع الباقي فيقتصر في
مخالفة الأصل على مورد الاجتماع، وأنه لا عبرة ببعضها فضلا عن غيرها
مثل الرائحة، كما هو ظاهر جماعة ممن تأخر عن الشهيد الثاني (3)، خلافا
لصريح طائفة ممن تقدمهم (4) وظاهر الباقين ممن اقتصروا على إحدى الثلاث

(1) الوسائل 1: 478، الباب 8 من أبواب الجنابة، الحديث 3.
(2) علل الشرائع: 288، الباب 211، الحديث الأول.
(3) مثل السيد في المدارك 1: 268 - 269، والمحقق السبزواري في الكفاية: 3،
والمحقق القمي في الغنائم: 30، والنراقي في المستند 2: 256.
(4) منهم الشيخ في النهاية: 20 حيث اكتفى بالدفق، ومثله ابن حمزة في الوسيلة:
55.
524

بل غيرها، مثل الرائحة والثخانة والبياض في مني الرجل، والرقة والصفرة
في المرأة (1)، بل ظاهر المحقق والشهيد الثانيين في جامع المقاصد (2)
والمسالك (3): أن ذلك من المسلمات، وإن ذكر الصفات الثلاث أو الاثنين في
كلام الفاضلين (4) لتلازمها غالبا وأنه لا خلاف في كفاية وجود الرائحة، بل
صرح في جامع المقاصد (5) بذلك، بل يؤيد ما استظهراه ملاحظة كلام (6) من
تقدمهما من الأصحاب، واستدلالاتهم والأخبار الواردة في الباب.
أما الكلمات: فقال في الذكرى: وله - أي للمني (7) - خواص أربع:
خروجه بدفق دفعات غالبا، قال الله تعالى: (من ماء دافق) (8)، ومقارنة
الشهوة له، وفتور الجسد، وهو انكسار الشهوة بعده، وقرب رائحته من
رائحة الطلع والعجين ما دام رطبا ومن بياض البيض جافا، ولمني الرجل
الثخانة والبياض، ويشاركه فيهما الوذي، ولمني المرأة الرقة والصفرة،
ويشاركه فيهما المذي، كل ذلك حال اعتدال الطبائع (9)، (10) انتهى.

(1) انظر التذكرة 1: 219، والذكرى: 27، والدروس 1: 95.
(2) جامع المقاصد 1: 255.
(3) المسالك 1: 48.
(4) يعني العلامة في القواعد (متن جامع المقاصد) والمحقق في الشرائع (متن المسالك).
(5) جامع المقاصد 1: 255.
(6) كتب في هامش " ج "، " ح " و " ع ": " كلمات - خ ل ".
(7) في " ع ": " وللمني ".
(8) الطارق: 6.
(9) في المصدر ونسخة بدل " ع ": " الطبع ".
(10) الذكرى: 27.
525

فإن ذكر الخواص الأربع في مقابل الصفتين الأخيرتين المشتركتين بين
مني الرجل والوذي، وبين مني المرأة والمذي، ظاهر في كفاية كل واحدة من
الأربع.
وأما المحقق رحمه الله فقد ذكر هنا وفي المعتبر (1) الصفات الثلاث، واقتصر
في النافع - الذي هو كالمتن للمعتبر - على الدفق والفتور (2).
وأما العلامة رحمه الله فقد اقتصر في القواعد على الدفق والشهوة (3)،
وزاد عليهما في بعض كتبه: الفتور (4)، وفي بعضها كالتذكرة: الصفات
الأخر (5).
وقال في الوسيلة: وعلامته الدفق، سواء كان معه شهوة أم لا، وإن
وجد شهوة من غير دفق وكان مريضا فكذلك، وإن كان صحيحا لم يكن
ذلك منيا إذا لم يكن معه دفق (6)، انتهى.
وقد تبع في ذلك الشيخ في النهاية، حيث قال: وإذا وجد الإنسان ماء
كثيرا (7) لا يكون دافقا لم يجب عليه الغسل ما لم يعلم أنه مني وإن وجد من
نفسه شهوة، إلا أن يكون مريضا فإنه يجب عليه الغسل متى وجد في نفسه

(1) المعتبر 1: 177.
(2) المختصر النافع: 7.
(3) القواعد 1: 208.
(4) الإرشاد 1: 225.
(5) التذكرة 1: 219.
(6) الوسيلة: 55.
(7) كذا في النسخ، وفي المصدر: " ومتى خرج من الإنسان ماء لا يكون دافقا ".
526

شهوة ولم يلتفت إلى كونه دافقا أو غير دافق (1)، انتهى.
وأما استدلالاتهم: فقد استدل في المعتبر على اعتبار الصفات المذكورة
أنها صفات لازمة في الأغلب فمع الاشتباه يستند إليها، ثم قال: ويؤكدها
ما رواه علي بن جعفر (2).
وقال في التذكرة: ولو اشتبه الخارج اعتبر بالصفات واللذة وفتور
الجسد، لأنها صفات لازمة في الأغلب، فمع الاشتباه يستند إليها، لقول
الكاظم عليه السلام (3).
ولا يخفى أن ظاهر هذا الاستدلال - خصوصا الواقع في عبارة التذكرة
الظاهرة في اعتبار جميع الصفات، زيادة على اللذة والفتور، استنادا إلى
الصحيحة - كفاية كل واحدة من هذه الصفات، فذكرها من قبيل قول النحاة
في أمارات الاسم: إنه يعرف بالجر والتنوين ودخول اللام.
وأما الأخبار:
فمنها: ما تقدم في صحيحة ابن أبي يعفور، حيث قال الراوي: " فما
الفرق بينهما أي بين الصحيح والمريض؟ قال: لأن الرجل إذا كان صحيحا
جاء الماء بدفقة قوية، وإن كان مريضا لم يجئ إلا بضعف " (4). ولا يخفى أن

(1) النهاية: 20.
(2) المعتبر 1: 177 - 178، والرواية المشار إليها أوردها في الوسائل 1: 477، الباب
8 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
(3) التذكرة 1: 221، ومراده من " قول الكاظم عليه السلام " رواية علي بن جعفر
المتقدمة.
(4) الوسائل 1: 478، الباب 8 من أبواب الجنابة، الحديث 3.
527

ما ذكره في الفرق من كون مني المريض خارجا بغير دفق لا يدل على
المطلوب، وهو كون الخارج بغير دفق منيا إلا بملاحظة أن مجرد الشهوة عند
الخروج أمارة على المني، وعدم الدفق الغالب في المني لا يوجب وهنا في
الظن المذكور، لأن ذلك عارض لأجل ضعف المريض، فالفارق بين الصحيح
والمريض في الحقيقة هو كون انتفاء الدفق في الصحيح مانعا عن الظن من
الشهوة بكون الخارج منيا، بخلاف المريض، فإن عدم الدفق لا يمنع من
حصول الظن بالمني من أجل الشهوة، فإذا وجد الشهوة فليغتسل. وبالجملة،
فبيان الفارق المذكور يمنع عن القول بأن كفاية الشهوة في المريض وعدم
اعتبار الدفق فيه لمحض التعبد.
ونحوها صحيحة معاوية بن عمار، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل احتلم، فلما انتبه وجد بللا قليلا. قال: ليس بشئ إلا أن يكون
مريضا، فإنه يضعف، فعليه الغسل " (1) والتقريب ما تقدم من أن التعليل
بالضعف لدفع مانع الظن ففرع عليه وجوب الغسل.
وفي حسنة حريز المروية في الكافي والعلل: " قال: إذا كنت مريضا
فأصابتك شهوة فإنه ربما كان هو الدافق، ولكنه يجئ مجيئا ضعيفا ليست له
قوة، لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا، فاغتسل منه " (2)، فإن تفريع
قوله: " فاغتسل " على قوله: " ربما كان هو الدافق " ظاهر في كفاية الظن
الحاصل من الشهوة في وجوب الاغتسال وعدم قدح انتفاء الدفق.

(1) الوسائل 1: 477، الباب 8 من أبواب الجنابة، الحديث 2.
(2) الكافي 3: 48، الحديث 3، وعلل الشرائع: 288، الباب 211، الحديث 2،
وعنهما في الوسائل 1: 478، الباب 8 من أبواب الجنابة، الحديث 5.
528

وكيف كان، فالقول بكفاية بعض الأمارات المذكورة لا يخلو عن قوة،
حيث لم يعلم وجود باقيها، أو علم انتفاء الباقي لعارض كالمرض، * (و) *
حينئذ * (لو كان مريضا) * فانتفى الدفق لأجل الضعف * (كفت الشهوة وفتور
الجسد في وجوبه، و) * كذا لو كان بدنه فاترا قبل الخروج كفت الشهوة
وحدها، كما صرح به في المسالك (1).
أما لو كان انتفاء بعضها لا لعارض، كما * (لو تجرد) * الخارج من
الصحيح * (عن) * واحد من * (الشهوة والدفق) * أو غيرهما من الأوصاف
* (لم يجب) * (2)، لتعارض الأمارة الموجودة وانتفاء الأمارة الأخرى المفيدة
للظن بالعدم، فالأقوى حينئذ الرجوع إلى الأصل، وأظنه مما لا خلاف فيه،
كما يظهر من حكمهم بقدح انتفاء الدفق في الصحيح وعدم قدحه في المريض،
معللين ذلك بأن الانتفاء لأجل العارض (3).
ومما ذكرنا يظهر وجه استمرار السيرة على الالتزام بالغسل إذا انتبه
فوجد في ثوبه أو بدنه بللا لا يوجد فيه إلا رائحة المني، إلا أن يدعى هنا
العلم العادي، لكن الظاهر أن منشأ سكون النفس جريان العادة بالتزام
الجنابة بمجرد الرائحة، فصار احتمال العدم من جهة عدم الاعتناء كالمعدوم،
فتأمل.
* (وإن وجد على جسده أو ثوبه منيا) * لا يحتمل إلا كونه من جنابة لم
يتطهر منها * (وجب عليه الغسل) * بلا إشكال ولا خلاف، والمسألة وإن لم

(1) المسالك 1: 48.
(2) في الشرائع: " ولو تجرد عن الشهوة والدفق - مع اشتباهه - لم يجب ".
(3) انظر المعتبر 1: 178، والمنتهى 2: 173، وجامع المقاصد 1: 255 - 256.
529

تحتج إلى التعرض بعد ما تقدم من كون نزول المني موجبا للغسل، إلا أن
بعض من تقدم على المصنف رحمه الله (1) تعرض لها، تبعا للنص، ولبعض تفاصيل
العامة في هذا المقام (2)، وهي موثقة سماعة: " عن الرجل يرى في ثوبه المني
بعد ما يصبح، ولم يكن قد رأى في منامه أنه قد احتلم؟ قال: فليغتسل
ويغسل ثوبه ويعيد صلاته " (3)، وموثقته الأخرى: " قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنه احتلم، فوجد على
ثوبه وعلى فخذه الماء، هل عليه غسل؟ قال: نعم " (4).
قال السيد رحمه الله فيما حكي عن مسائل خلافه: عندنا أن من وجد
المني في ثوب (5) أو فراش يستعمله هو وغيره، ولم يذكر الاحتلام فلا غسل
عليه، لتجويزه (6) أن يكون من غيره، فإن وجده فيما لا يستعمله سواه،
ولا يجوز فيما وجده (7) أن يكون من غيره فيلزمه الغسل، وإن لم يذكر
الاحتلام، ثم ذكر أقوال العامة، ثم قال: ويدل على صحة مذهبنا: أنه إذا
وجد المني ولم يذكر الاحتلام وهو يجوز أن يكون من غيره فلا يقين معه (8)

(1) مثل الشيخ في النهاية: 20، وابن إدريس في السرائر 1: 115.
(2) انظر السرائر 1: 115، والمغني لابن قدامة 1: 203.
(3) الوسائل 1: 480، الباب 10 من أبواب الجنابة، الحديث 2.
(4) الوسائل 1: 480، الباب 10 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
(5) كذا في المصدر ومصححة " ع "، وفي سائر النسخ: " ثوبه ".
(6) كذا في المصدر و " ع "، وفي سائر النسخ: " لتجوزه ".
(7) كذا في المصدر ومصححة " ع "، وفي سائر النسخ: " يجده ".
(8) لم ترد " معه " في " ج " و " ح ".
530

بما يوجب الغسل، وهو على يقين بتقدم براءة ذمته، فإنه على أصل الطهارة،
فلا يخرج بذلك (1) اليقين إلا بيقين مثله، وإذا وجده فيما لا يلبسه
ولا يستعمله غيره فقد أيقن أنه منه، فوجب الغسل، انتهى.
وقال في السرائر بعد حكاية ذلك: وهذا واضح سديد (2)، انتهى.
وقال في المبسوط بعد ذكر حكم الثوب المشترك: وإن كان لا يستعمله
غيره وجب عليه الغسل، لأنه يتحقق خروجه منه (3)، انتهى.
وقال في المعتبر: لو رأى في ثوبه منيا، فإن كان يشركه فيه غيره
لم يجب الغسل، لاحتمال كونه من المشارك، لكن يستحب الغسل احتياطا،
ويقضى بأن أحدهما جنب، ولو ائتم أحدهما بصاحبه لم يجز صلاة المؤتم،
ولو كان منفردا اغتسل واجبا، لأنه يتيقن أنه منه (4)، انتهى.
هذا ما حضرنا من كلماتهم الظاهرة في فرض المسألة في صورة
حصول اليقين بالجنابة، لكن المعروف بين من تأخر من المحقق رحمه الله أن مجرد
وجدان المني في الثوب أمارة موجبة شرعا للحكم بجنابته * (إذا لم يشركه في
الثوب غيره) *.
قال في المنتهى في مسألة الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر:
لو اغتسل واجبا من جنابة مشكوك فيها كواجد المني في ثوبه المختص، أو
المتيقن لها وللغسل الشاك في السابق منهما أو من حيض مشكوك فيه كناسية

(1) في المصدر ونسخة بدل " ع ": " عن ذلك ".
(2) السرائر 1: 115.
(3) المبسوط 1: 28.
(4) المعتبر 1: 179.
531

الوقت والعدد، هل يكون ماؤه مستعملا؟ فيه إشكال (1)، انتهى.
وفي محكي النهاية: أنه يجب عليه الغسل عملا بالظاهر (2)، انتهى.
وقال في الدروس - بعد التفصيل بين المشترك والمختص -: ولو قيل بأن
الاشتراك إن كان معا سقط عنهما، وإن تعاقب وجب على صاحب النوبة،
كان وجها، ولو لم يعلم صاحب النوبة فكالمعية (3)، انتهى.
ولا يخفى ظهور هذا الكلام بل صراحته في فرض المسألة في صورة
عدم العلم. وتبعه في هذا التفصيل الشهيد والمحقق الثانيان في الروض (4)
والمسالك (5) وجامع المقاصد (6) وحاشيتي الإرشاد والشرائع (7).
وحكم هؤلاء - تبعا للعلامة (8) - بأنه يحكم ببلوغ الواجد مع إمكان
البلوغ في حقه بإكمال اثنتي عشرة سنة، وهذا التفصيل لا يجامع العلم بكونه
منيا.
وقال في الموجز: وتوجبه الجنابة بخروج المني من معتاد أو صائره أو

(1) المنتهى 1: 140.
(2) نهاية الإحكام 1: 101.
(3) الدروس 1: 95.
(4) روض الجنان: 49.
(5) المسالك 1: 49.
(6) جامع المقاصد 1: 258.
(7) حاشية الإرشاد للمحقق الثاني (مخطوط): 8، حاشية الشرائع للشهيد الثاني
(مخطوط): 18.
(8) المنتهى 2: 178.
532

ثقبة في الذكر أو الأنثيين، ووجوده في مختص ثوب أو فراش (1)، انتهى. فإن
عطف الوجدان على الخروج ظاهر في كونه سببا تعبديا.
وقال كاشف الالتباس في شرح العبارة: إذا وجد في (2) ثوبه أو فراشه
المختص به منيا وجب عليه الغسل عملا بالظاهر (3)، انتهى.
وقال شارح الجعفرية - في شرح قول الماتن: يجب الغسل بإنزال
المني -: ولا يشترط العلم بكونه منيا، بل يثبت ولو بوجدانه في الثوب
المختص به (4)، انتهى.
وبالجملة، فالمشهور بين المتأخرين عن المحقق رحمه الله (5) كون وجدان
المني في الثوب المختص به سببا شرعيا ظاهريا للجنابة، رجح الشارع (6) فيه
الظاهر على الأصل، كما في البلل الموجود بعد البول وقبل الاستبراء،
ولا إشكال، وإنما الإشكال في مستنده، إذ لا يصلح لذلك إلا موثقتا سماعة
المتقدمتان (7)، ولا يخفى أن ظاهرهما - خصوصا الثانية المشتملة على وجدان
المني على فخذه - صورة العلم بنزول المني، ولا يستبعد السؤال عن مثله،
كما لا يخفى على من تتبع أسئلة الروايات، ولاحظ مزخرفات العامة التي

(1) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 43.
(2) في نسخة بدل " ع ": " على ثوبه ".
(3) كشف الالتباس 1: 187.
(4) شرح الجعفرية (مخطوط): الورقة 43.
(5) كما تقدم كلام جملة منهم.
(6) في النسخ: " الشارح ".
(7) راجع الصفحة 530.
533

أوجبت الشبهة في أكثر مسلمات الخاصة.
فالإنصاف: أن الخروج بها عن القاعدة المجمع عليها من عدم الخروج
عن يقين الطهارة بمجرد الشك مشكل، سواء كان الشك في كونه منيا له
أو لغيره، أم في أن هذا المني المعلوم كونه منه من جنابة سابقة تطهر لها،
أو من جنابة حادثة، إلا أن يقال في الصورة الثانية: أن الشخص حين
خروج هذا (1) المني يعلم بحدوث جنابة مرددة بين السابقة وأخرى حادثة،
والأصل بقاؤها، كما أن الأصل بقاء الطهارة بعد الجنابة السابقة، فهو نظير
من تيقن الطهارة والحدث وشك في المتأخر مع علمه بالحدث قبلها وإن كان
المفروض هناك طهارة وحدث غير الحدث المعلوم قبلها، بخلاف ما نحن فيه
إلا أن مناط تعارض الاستصحابين موجود هنا أيضا، ولعل هذا من القرائن
على اتفاقهم هناك على وجوب الأخذ بضد الحالة السابقة إذا علم بها.
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم، قال: " سألته عن الرجل يصيب
ثوبه (2) منيا، ولم يعلم أنه احتلم، قال: ليغسل ثوبه، وليتوضأ... الخبر " (3)،
والأمر بالوضوء في مقابل الغسل يغني عن أن يعين (4) أن الطهور في حقه هو
الوضوء دون الغسل.

(1) لم ترد " هذا " في " ج " و " ح ".
(2) كذا في النسخ، وفي المصدر: " بثوبه ".
(3) قد حصل الخلط بين مضمرة محمد بن مسلم وخبر أبي بصير، انظر الوسائل 1:
480، الباب 10 من أبواب الجنابة، الحديث 3 و 4، ثم إن ما ذكره هو تمام خبر أبي
بصير، فلا وجه لقوله: " الخبر ".
(4) لم ترد " عن أن يعين " في " ج " و " ح ".
534

ثم لو قلنا بظاهر الموثقتين (1) من التعبد، فهل يقتصر فيه على صورة
حصول الظن بكونه منه، أو يحكم به بمجرد الاحتمال، وجهان، أقواهما:
الأول، إذ لو نزل عن ورودهما في مقام العلم العادي كما هو الغالب فلا أقل
من ورودهما في مقام الظن.
وعلى أي تقدير يجب الاقتصار على المتيقن من مورد الروايتين،
وهو وجدان المني على الجسد أو الثوب، ولا يبعد إلحاق الفراش كما
صرح به بعضهم (2)، وكذا يجب الاقتصار على المتيقن من أزمنة نزول
هذا المني الموجب للحدث والخبث، ولا يعيد إلا الصلاة التي لا يحتمل
تأخر الوجدان عنها، وفي غيرها يكون الأصل بقاء الطهارة السابقة، وفاقا
للمشهور.
وفي المبسوط: ينبغي أن نقول: يجب أن يقضي كل صلاة صلاها من
[عند] (3) آخر غسل [اغتسل] (4) من جنابة [أو من غسل يرفع حدث
الغسل، انتهى (5)] (6)، ومراده وجوب قضاء كل صلاة احتمل تقدم هذه
الجنابة عليها، فقد يرد: أنه لا وجه لقضاء ما صلاها بين الغسل وأول يوم
يحتمل فيها الجنابة، ولعل الوجه فيما اختاره: العلم بوقوع بعض تلك

(1) أي موثقتي سماعة المتقدمتين في الصفحة 530.
(2) مثل الشهيد في الذكرى: 27، والبيان: 54، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1:
258، والسيد في المدارك 1: 269.
(3) من المصدر.
(4) من المصدر.
(5) ما بين المعقوفتين من المصدر ونسخة " ع ".
(6) المبسوط 1: 28.
535

الصلوات مع الجنابة، فيجب قضاء الجميع من باب المقدمة.
وفيه: أن أصالة بقاء الطهارة السابقة فيما عدا الصلاة المعلوم وقوعها
مع الجنابة تثبت صحة ما عداها، ولذلك قوى هذا القول أخيرا في
المبسوط (1).
هذا كله حكم القضاء من حيث الحدث، وأما من حيث الخبث
فسيأتي حكم جاهل النجاسة في أحكام النجاسات.
ثم إنه لا إشكال ولا خلاف في عدم وجوب الغسل على كل من
المتشاركين في الثوب وإن علم بكون أحدهما جنبا، ويترتب عليه آثار
الجنب الواقعي فلا يجوز الصلاة خلف واحد منهما، لوجوب الاجتناب عن
الصلاة خلف الجنب الواقعي، نظير الصلاة خلف المشتبه بالفاسق أو الكافر،
والصلاة في الثوب المشتبه بالنجس، والسجود على المكان المشتبه به، وغير
ذلك، وما أبعد ما بينه وما جوزه بعض مشايخنا المتأخرين (2) من جواز
الصلاة خلف كليهما في فرضين، بل ادعى عدم ظهور الخلاف في ذلك، لكن
ملاحظة ما ذكرنا من الأمثلة تشهد بعدم ظهور الخلاف فيما اخترناه.
ثم إن الوجه في عدم وجوب الغسل على واحد منهما: أن أصالة
الطهارة في كل واحد منهما في حق نفسه لا يعارضه أصالة طهارة الآخر إذا
لم يكن طهارة الآخر (3) مما يتعلق به حكمه كجواز الاقتداء به والاكتفاء به في
عدد الجمعة كما سيجئ (4).

(1) المبسوط 1: 28.
(2) هو صاحب الجواهر قدس سره، انظر الجواهر 3: 22 - 23.
(3) عبارة " إذا لم يكن طهارة الآخر " لم ترد في " ع " و " ح ".
(4) يأتي في الصفحة 540.
536

والأصل في ذلك ما ذكرناه في الماءين المشتبهين، وفي مطلق الشبهة
المحصورة، من أن المعتبر في تنجيز التكليف بالأمر المعلوم إجمالا كونه بكلا
محتمليه موردا لابتلاء المكلف.
والحاصل: أن المدار في الأعمال المتوقفة على إحراز طهارة الواجد،
سواء صدرت من أحد الواجدين، أو من ثالث يترتب عمله على عملهما
أو (1) عمل أحدهما على سلامة أصالة الطهارة، ويترتب على ذلك أمور:
منها: صحة عمل كل منهما إذا لم يترتب على عمل صاحبه، وهذا مما
لا إشكال فيه ولا خلاف.
ومنها: فساد عمله إذا ترتب صحته على صحة عمل الآخر عند
الأول فلا يجوز اقتداؤه به، وفاقا للمحقق وفخر الدين والشهيد (2)، لأن
الشرط في صحة صلاة المأموم طهارته من الحدث وطهارة إمامه، ولا يجوز
إحرازهما بالأصل، للعلم الإجمالي بجنابة أحدهما فيحصل العلم التفصيلي
بفساد صلاته، لاختلال أحد شرطية، كما لو علم إجمالا بنجاسة مرددة بين
كونها في ثوبه أو بدنه، خلافا للعلامة في التذكرة، قال: لأنها جنابة أسقط
الشارع حكمها (3)، ووافقه في المدارك، لصحة صلاة كل منهما شرعا، وأصالة
عدم اشتراط ما زاد على ذلك، ثم ضعف استدلال المانعين بالقطع بحدث
أحدهما، بأنا نمنع حصول الحدث إلا مع تحقق الإنزال من شخص بعينه،
ولهذا ارتفع لازمه وهو وجوب الطهارة إجماعا (4) وفي الرياض: لإناطة

(1) في " ج " و " ح ": و.
(2) المعتبر 1: 179، إيضاح الفوائد 1: 46، البيان: 54.
(3) التذكرة 1: 224، بلفظ: " لأنها جنابة سقط اعتبارها في نظر الشرع ".
(4) المدارك 1: 270.
537

التكليف بالظاهر، وعدم العبرة بنفس الأمر ولو مع العلم إجمالا، ولهذا يصح
صلاتهما، ولا يجب الغسل عليهما قطعا (1).
ويضعف ذلك كله بمنع إسقاط الشارع حكم هذه الجنابة، لعدم الدليل
على المسقط مع وجود السبب وهو الإنزال، إذ لا ريب أنه إذا حصل العلم
لأحدهما بكونه منه لم يكن علمه حدثا جديدا، وإنما وجب عليه الغسل
بالسبب السابق، فالسبب موجود واقعا في أحدهما، وإنما انتفى بعض لوازمه
عن كل منهما، وهو وجوب الغسل، لإحراز عدمه بحكم الأصل السليم عن
المعارض، فكل من كان منهما أو من ثالث عمله مترتبا على عدم الجنابة،
فإن أمكنه إحرازه بالأصل صح منه ذلك العمل بمعونة الأصل وإلا فلا،
والمفروض أن صلاة المأموم تترتب صحتها على طهارة الإمام التي لا يمكنه
إجراء الأصل، لمعارضته بأصالة طهارة نفسه، مع كون اللازم من العمل
بالأصلين طرح مقتضى السبب الواقعي الذي فرضناه سببا، فصحة الاقتداء
مبنية على أحد أمور كلها مخالفة لمقتضى الأدلة.
أحدها: عدم اشتراط صلاة الإمام بالطهارة الواقعية.
وهذا - مع استلزامه صحة الاقتداء ولو علم بجنابة الإمام، كما يصح لو
علم بنجاسة ثوبه أو بنسيانه إحدى السجدتين وشبهها - مردود بالأدلة الدالة
على اشتراطها بها واقعا (2)، ولذا يجب عليه الإعادة في الوقت (3)، فإن

(1) الرياض 1: 291.
(2) انظر الوسائل 1: 523، الباب 39 من أبواب الجنابة.
(3) الظاهر عدم تقييد وجوب الإعادة بالوقت في الإخلال بالطهارة عن الحدث، نصا
وفتوى.
538

الإعادة لا يكون إلا لاختلال شرط واقعي، ولذا فرع العلامة قدس سره في
القواعد صحة اقتداء من علم بنجاسة ثوب الإمام وفسادها على عدم
وجوب الإعادة على الجاهل بالنجاسة ووجوبها عليه (1).
الثاني: أنه يكفي في صحة الاقتداء صحة صلاة الإمام ظاهرا عند
نفسه، ولو لم يحرز المأموم صحتها الواقعية، ولو بحكم أصالة طهارته، بل
يكفي عدم علمه بالفساد.
وهذا وإن لم يتضح فساده كالأول إلا أن الظاهر من ملاحظة أدلة
شرائط الإمام في باب الجماعة اشتراط إحراز الصحة عند المأموم، ولو
بأصالة الصحة أو أصالة الطهارة أو غيرهما مما لا يجري في المقام، وقد
ادعى فخر المحققين رحمه الله في الإيضاح الاتفاق على أن الائتمام هيئة اجتماعية
تقتضي أن تكون الصلاة مشتركة بين الإمام والمأموم، وأن صلاة الإمام هي
الأصل (2)، وفي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: " إذا فسد صلاة الإمام فسد
صلاة المأموم " (3). ومقتضى التلازم في الفساد أنه إذا احتمل فساد صلاة
الإمام احتمالا غير مندفع بالأصول كان صلاة المأموم كذلك، فلا يجوز
الدخول فيها، لكن مورد الرواية وجوب الإعادة على من علم بعد الصلاة
جنابة إمامه، وهو مخالف للفتوى، إلا أنه يمكن توجيهه بأن المورد لما اتفق
في اقتداء الناس بثاني الشيخين كان هذا الكلام حقا بالنسبة إلى ذلك المورد،

(1) القواعد 1: 318.
(2) إيضاح الفوائد 1: 154.
(3) المستدرك 6: 485، الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2، بلفظ:
"... فإذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأمومين ".
539

فلا يلزم المحذور، وهو طرح العمل بالرواية في موردها الشخصي، وأما
طرحها في نوع موردها فليس بذلك المحذور، وتمام الكلام يأتي في محله إن
شاء الله تعالى.
الثالث: تسليم الأمرين الأولين، ومنع كون الإنزال المتحقق من
شخص لا بعينه موجبا للحدث.
وهذا لا بأس بتسليمه، إذا قلنا: إن الحدث حالة منتزعة من وجوب
الغسل فعلا، وليس أمرا متأصلا يتفرع عليه وجوبه، فإذا ارتفع وجوب
الغسل فعلا انتفى الحدث واقعا، فكل منهما متطهر واقعي، لعدم وجوب
الغسل عليه فعلا، وهذا مردود بما يدل على وجوب الإعادة والقضاء على
من صلى جنبا بغير علم (1)، وبالرواية المذكورة (2)، وباستلزامه تجدد الحدث
عند العلم وعدم تحقق الحدث بالإدخال بالنسبة إلى الصغير والمجنون، وهذا
مما لا يقولون به.
وبالجملة، فالأقوى ما ذهب إليه في المعتبر والإيضاح والبيان (3)
وجامع المقاصد (4) والمسالك (5) وكشف الالتباس (6) واللثام (7) وغيرها (8)،

(1) الوسائل 1: 523، الباب 39 من أبواب الجنابة.
(2) أي ما تقدم آنفا عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.
(3) تقدم عن الثلاثة في الصفحة 537.
(4) جامع المقاصد 1: 259.
(5) المسالك 1: 49.
(6) كشف الالتباس 1: 187.
(7) كشف اللثام 1: 80.
(8) انظر الجواهر 3: 21.
540

ويلحق بالاقتداء: اعتماد أحدهما على الآخر في تكميل عدد الجمعة.
ومنها: اقتداء الغير بأحدهما، ووطء الزوج إحدى زوجتيه المعلوم
حيضها له، ولها، مع علمه بحالهما، والظاهر عدم الجواز، لعدم إحراز طهارة
الإمام بالأصل، لمعارضته بأصالة الطهارة للآخر (1) فيلزم إما جواز الاقتداء
بهما أو بأحدهما بعينه، والأول مستلزم لطرح ما دل على المنع على الاقتداء
بالجنب، والثاني ترجيح بلا مرجح، فيتعين عدم الجواز فيهما، نظير السجود
على أحد المشتبهين بالنجس، والصلاة خلف أحد المشتبهين بالفاسق أو بغيره
ممن لا يصح الاقتداء به.
نعم، لو كان الواجد الآخر خارجا عن مورد ابتلاء المكلف، كما إذا
كان ميتا أو فاسقا أو يتعذر الوصول إليه كان مقتضى القاعدة الجواز.
وما ذكرنا من المنع مما لا إشكال فيه ولا خلاف (2)، بناء على ما يقتضيه
قاعدتهم في الشبهة المحصورة.
وما أبعد ما بينه وبين ما اختاره بعض مشايخنا المعاصرين (3)،
مستظهرا عدم الخلاف فيه من جواز الاقتداء بهما في فرضين، كأن يأتم
بأحدهما في الظهر، وبالآخر في العصر.
وفيه - مضافا إلى ما ذكرنا من أن مقتضى قاعدة الشبهة عدم جواز
الاقتداء بأحدهما -: أنه حين أراد الدخول في العصر يقطع تفصيلا بفساد
صلاة العصر، إما للائتمام فيها بجنب وإما لفساد الظهر المقتضي لعدم

(1) في نسخة بدل " ج "، " ح " و " ع ": " طهارة الآخر ".
(2) في " ج " و " ح ": " بل لا خلاف ".
(3) هو صاحب الجواهر، انظر الجواهر 3: 22 - 23.
541

مشروعية العصر قبل فعلها، فتأمل.
وقد استظهر صحة الصلاتين وعدم وجوب إعادة إحداهما مما ذكره
فخر المحققين والمحقق الثاني في جامع المقاصد: من أن كل فعل توقف صحته
على صحة فعل الآخر بطل المتوقف، كصلاة أحدهما خلف الآخر، وإن كان
التوقف من الجانبين توقف معية بطلا معا، كما في اعتماد كل منهما على الآخر
في تمام عدد الجمعة، وأما إذا لم يتوقف صحة صلاة أحدهما على صلاة
الآخر رأسا، صحت الصلاتان (1). والمستفاد من ذلك: أنه إذا صحت
صلاتاهما في الفرض المذكور صحت الصلاتان المؤتم في كل واحدة منهما
بواحدة من صلاتيهما، وأنت خبير بأن مفاد العبارة المذكورة صحة صلاتهما
بالنسبة إلى أنفسهما في مقابل بطلانهما بالنسبة إلى أنفسهما في الجمعة وبطلان
صلاة المأموم في الائتمام، وهذا المقدار من الصحة لا ينافي عدم جواز اقتداء
الثالث بتلك الصلاة إذا لم يحرز أصالة طهارة إمامه لأجل المعارضة، كما أن
صحة صلاة الإمام من أحدهما بالنسبة إلى نفسه لا ينافي فساد صلاة الآخر
المأموم، كيف؟ ولو كفى لجاز الاقتداء بمن علم جنابته مع جهله بها لحصول
الصحة الظاهرية.
ومما ذكرنا يعرف وجه المنع في مثال وطء إحدى الزوجتين مع
وجوب العبادة بالنسبة إلى كليهما، والظاهر أن حكم استيجارهما للصلاة عن
الميت كذلك.
ومنها: استيجار الغير لهما، ولأحدهما في كنس المسجد المستلزم
للمكث أو لحمله في الطواف، فإن الظاهر صحة ذلك، لعدم توقف صحة

(1) إيضاح الفوائد 1: 46، جامع المقاصد 1: 259.
542

الاستيجار على إحراز طهارة كل منهما ولو بحكم الأصل، بل يكفي في صحة
الاستيجار إباحة الشارع وترخيصه مكثهما في المساجد، وإن وقع من كاشف
الالتباس ما وقع، حيث منع من دخولهما في المسجد (1)، لكن الظاهر مخالفته
للإجماع، والرخصة حاصلة بحصول الطهارة الظاهرية في حق الأجير، لكن
لا بد أن يلتزم حينئذ بجواز استيجار من يعلم جنابته إذا كان الأجير
جاهلا، ولا بأس.
ومثله القول باستيجارهما أو استيجار أحدهما لقراءة العزائم، بناء على
جواز استيجار من علم جنابته مع جهله.
والضابط في صحة فعل الثالث المترتب على صحة فعلهما أو أحدهما:
أنها إن توقفت على إحراز صحة فعلهما في الواقع ولو بمعونة أصالة الطهارة
لم يصح ذلك الفعل، مع معارضة أصالة طهارة أحدهما بأصالة طهارة الآخر
تفصيلا، وإن اكتفى فيها بصحة فعلهما (2) ظاهرا في حق أنفسهما صح ذلك
الفعل، والأمارة المائزة بين المقامين: صحة فعل الثالث وإن علم تفصيلا في
أحدهما بعينه ما علمه في أحدهما لا بعينه.
ودعوى: أنه قد يكون الشرط في صحة الفعل المترتب على فعل
أحدهما هي صحته الظاهرية في حق الفاعل مع عدم علم الأول تفصيلا
بفساده، مدفوعة: بأن أدلة اعتبار صحة فعل أحدهما في فعل الثالث
لا يمكن خروجه عن الوجهين، لأنه لو كان فعل أحدهما على تقدير جنابته
فاسدا في الواقع لم يكن بد للثالث من إحراز عدم الفساد ولو بالأصل، ولو

(1) كشف الالتباس 1: 187.
(2) في " ج " و " ح ": " فعلها ".
543

لم يكن فاسدا واقعا لم يقدح علمه بالجنابة، لأن الفرض أن مجرد وجود
ما في الواقع غير مؤثر في الصحة الواقعية، فعليك بتفريع الفروع بعد إتقان
ما ذكرنا من الضابط وتشخيص موارده من الأدلة، والله الهادي.
بقي هنا شئ، وهو أنه إذا قلنا في واجد المني في الثوب المختص
بالتزام الجنابة وإن لم يعلم بها، عملا بظاهر الحال، فهل يجب التزام
الواجدين في الثوب المشترك بجنابة أحدهما لا بعينه، أم لا؟ وجهان، من
وجوب الاقتصار فيما خالف قاعدة عدم نقض اليقين بغيره على مورد النص
وهو الثوب المختص، ومن قيام ظاهر الحال هنا وعدم تعقل الفارق بين
احتمال كون الجنابة في الثوب المختص من غير صاحبه واحتمال كونها في
الثوب المشترك من ثالث، فلا يعقل إلغاء الأول والاعتناء بالثاني، والرجوع
من أجله إلى أصالة طهارتهما، ولذا ألحق جماعة (1) الواجد منهما في نوبته
بالمنفرد بالثوب، وهذا هو الأقوى، لكن عرفت الأصل في أصل المسألة (2).
ثم إنه ذكر جماعة (3) - بل نسبه غير واحد (4) إلى الأصحاب -: أنه

(1) منهم الشهيد في الدروس 1: 95، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 258،
والشهيد الثاني في المسالك 1: 48 - 49.
(2) راجع الصفحة 534.
(3) منهم الشيخ في المبسوط 1: 28، والمحقق في المعتبر 1: 179، والعلامة في المنتهى
2: 178، والشهيد في الدروس 1: 95، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 259،
والشهيد الثاني في روض الجنان: 49، لكن هؤلاء الأعلام لم يتعرضوا للوضوء.
(4) نسبه السيد العاملي في المدارك 1: 271 إلى جماعة من الأصحاب، والمحقق
السبزواري في الذخيرة: 52 إلى الأصحاب، والمحدث البحراني في الحدائق 3: 28
إلى جملة من أصحابنا.
544

يستحب الغسل لهما مع الوضوء الواجب عليهما في ظاهر التكليف. ووجهه
حسن الاحتياط، وهل ينوى الوجوب أو الاستحباب؟ قيل بالأول (1) ولعل
وجهه أن الاحتياط إنما يحصل بفعل ما احتمل وجوبه مشتملا على جميع
ما يعتبر فيه حتى قصد الوجه، وفيه نظر، لمنع اعتبار قصد الوجه على جهة
الوصفية وعدم تحقق قصده في المقام على جهة الغائية، ومن ذلك يظهر قوة
الوجه الثاني، والأحوط إخطار الغسل موصوفا بالوجوب.
ثم لو ظهرت الحاجة إلى هذا الغسل فالظاهر الاكتفاء، لأن المقصود
من الاحتياط إحراز الواقع، والمنوي بهذا الغسل رفع الحدث على تقدير
الوجود، وإذا شرع فعل لغرض فلا بد من حصوله، إذ " لكل امرئ
ما نوى " (2). خلافا للمحكي عن المحقق الثاني فاستوجه عدم الإجزاء (3)،
وهو لازم كل من أفتى فيما تقدم في الوضوء بأن المحكوم بالطهارة شرعا لو
توضأ احتياطا لم يجز عند تبين الحاجة إليه، كما في القواعد (4) والبيان (5)
وجامع المقاصد (6)، لعدم نية الوجوب أو عدم نية الرفع.

(1) قاله المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 259، والشهيد الثاني في روض الجنان: 49.
(2) أورده في الوسائل 1: 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 7،
بلفظ: " وإنما لامرئ ما نوى "، ورواه في دعائم الإسلام 2: 11، الحديث 20
بلفظ: " إنما لكل امرئ ما نوى ".
(3) جامع المقاصد 1: 259.
(4) القواعد 1: 200.
(5) البيان: 44، قاله في من جدد الوضوء.
(6) جامع المقاصد 1: 207 - 208.
545

ويضعف: بأن نية الوجوب الوصفي حاصل على تقدير وجوبها،
والغائي غير معتبر، خصوصا مع عدم الإمكان، وأما الرفع فهو ينوى على
تقدير الحدث.
واعتبار قصده على وجه التخيير فيما لا يتحقق إلا على بعض التقادير
إن كان في الامتثال وسقوط الأمر، فالمفروض حصوله في المقام بدونه
لتعذره، وإن كان في الصحة بمعنى ترتب الأثر وهو رفع الحدث الموجود،
ففيه: أن الرفع يحصل بحكم قوله عليه السلام: " لكل امرئ ما نوى " (1).

(1) تقدم تخريجه آنفا.
546

[الجماع]
الثاني: * (الجماع (1)، فإن جامع امرأة في قبلها) * فهو جنب وإن لم ينزل،
بالكتاب والسنة والإجماع من المسلمين من يوم رجع الأنصار عن قولهم بأن
الماء من الماء إلى قول المهاجرين، قال الله: (أو لامستم النساء فلم تجدوا
ماء فتيمموا صعيدا) (2).
ودعوى انصراف المطلق إلى الغالب من صورة الإنزال ممنوعة.
* (و) * قد صح عن أمير المؤمنين عليه السلام في صحيحة زرارة الحاكية
لمحاكمته عليه السلام بين المهاجرين والأنصار أنه (3) إذا * (التقى الختانان) * فقد
* (وجب الغسل) * (4).
ونحوها صحيحة ابن بزيع (5)، وزيد فيها تفسير الالتقاء بغيبوبة
الحشفة، فيكون معنى الالتقاء: مجرد المقابلة، لأن ختان المرأة فوق مدخل
الذكر.
لكن في صحيحة الحلبي: " كان علي عليه السلام يقول: إذا مس الختان
الختان فقد وجب الغسل " (6)، وفي صحيحة علي بن يقطين: " إذا وقع الختان

(1) في الشرائع: " والجماع ".
(2) المائدة: 6.
(3) لم ترد " أنه " في " ع ".
(4) الوسائل 1: 470، الباب 6 من أبواب الجنابة، الحديث 5.
(5) الوسائل 1: 469، الباب 6 من أبواب الجنابة، الحديث 2.
(6) الوسائل 1: 469، الباب 6 من أبواب الجنابة، الحديث 4.
547

على الختان فقد وجب الغسل (1).
وظاهر الكل تحقق التواصل بينهما، لكن ذكر جماعة (2) أن المراد مجرد
التحاذي بينهما لعدم إمكان تماسهما، والأمر سهل بعد تفسيره في الصحيحة
بغيبوبة الحشفة، لكن ظاهر بعض الأخبار كفاية مجرد الإدخال والإيلاج في
وجوب الغسل والمهر والرجم (3)، لكن لا يبعد كونها مسوقة لبيان عدم
الاكتفاء بالتفخيذ وشبهه مما يقرب الإدخال، مضافا إلى انصراف الإدخال
إلى أزيد من مسماه، حتى ورد في بعض الأخبار: " أنه يجب عليهما الغسل
حين يدخله، وإذا التقى الختانان فيغسلان فرجهما " (4) فأراد من إدخاله
إدخال جميعه، لكن الرواية لمخالفتها للنصوص والإجماع، يمكن حملها
على إرادة تلاقي الختانين بمجرد وضع أحدهما على الآخر أو تحاذيهما
بالتفخيذ.
ثم إن الالتقاء سبب للجنابة من طرف الذكر والأنثى * (وإن) * كان
كل واحد منهما أو أحدهما نائما أو مجنونا أو صغيرا أو * (كانت الموطوءة
ميتة) * أو حية استدخلت ميتا، بلا خلاف في شئ من ذلك، للإطلاقات،
وإن أمكن دعوى انصرافها إلى ما لا يشتمل بعض المذكورات إلا أنه (5)

(1) الوسائل 1: 469، الباب 6 من أبواب الجنابة، الحديث 3.
(2) منهم الشيخ في المبسوط 1: 27، والمحقق في المعتبر 1: 180، والعلامة في المنتهى
2: 181، والشهيد في الذكرى: 27.
(3) الوسائل 1: 469 و 470، الباب 6 من أبواب الجنابة، الحديث 1 و 8.
(4) الوسائل 1: 470، الباب 6 من أبواب الجنابة، الحديث 9.
(5) كذا في مصححة " ع "، وفي " ج " و " ح ": " أن الإنصاف ".
548

لا وقع لها، فإن مثل هذا الانصراف لو أثر لذهب بعموم أكثر القواعد
المستنبطة من الإطلاقات، مضافا في وطء الميتة إلى استفادة جماعة (1) - تبعا
للسرائر (2) - من قوله عليه السلام: " أتوجبون عليه الحد ولا توجبون عليه صاعا
من ماء " (3) من (4) الملازمة بين إيجاب الحد وإيجاب الغسل.
واحتمال وروده في مقام إلزام الخصم القائل بجواز القياس - كما في
الحدائق، قال: أو أنه عليه السلام أنكر عليهم ذلك مع مخالفته لاعتقادهم، بمعنى
أنه كيف تقولون بهذا القول مع أنه مخالف لمعتقدكم (5)؟ - مدفوع بأنه لا مجال
هنا للقياس، كما لا يخفى.
وعلى تقديره فلم يظهر أن المخالفين في هذه المسألة - أعني الأنصار -
عاملون بالقياس مطلقا خصوصا في المقام، ومستندهم في نفي الغسل السنة
دون القياس، مضافا إلى أن الحمل على ذلك خلاف الظاهر، إذ الظاهر
ورود كلام المتكلم على طبق معتقده.
فالظاهر أن وجوب الحد وعدم وجوب الغسل مما لا يجتمعان في نظر

(1) صرح بالملازمة الفاضل في كشف اللثام 1: 79، واستدل بفحوى قوله عليه السلام في
الجواهر 1: 27، ولم نعثر على من استدل بقوله عليه السلام في هذه المسألة غيرهما، نعم
استدل به العلامة في مسألة وطء الدبر، انظر المنتهى 2: 185، والشهيدان في مسألة
وطء البهيمة، انظر الذكرى: 27، والمسالك 1: 50.
(2) السرائر 1: 109.
(3) الوسائل 1: 470، الباب 6 من أبواب الجنابة، الحديث 5.
(4) الظاهر زيادة: " من ".
(5) الحدائق 3: 7.
549

الإمام عليه السلام: غاية الأمر أنا لا نفهم الربط الواقعي بين الأمرين.
ويمكن أن يكون المراد الظاهري أنه إذا كان الإدخال مؤثرا لهذا
الأمر العظيم من آثار الجنابة فكيف لا يؤثر في تحقق الحدث الذي هو أخف
منها؟
ومما يؤيد إرادة الملازمة الواقعية بين الحد والغسل قوله عليه السلام في
صحيحة الحلبي المتقدمة: " كان علي عليه السلام يقول: كيف لا يجب الغسل
والحد يجب فيه؟ " (1) فإن حكاية هذا الكلام في مقام بيان الحكم الواقعي
لا يناسب صدوره من الأمير صلوات الله عليه على طريق الإسكات والإلزام،
كما لا يخفى.
واستدل جماعة - كالشهيدين (2) تبعا للمبسوط (3) - على تحقق الجنابة
بمجامعة الميتة بما ورد من أن حرمة الحي كحرمة الميت (4). وزيد في بعض
الأخبار: " بل هي أعظم " (5)، وفيه نظر، لعدم إناطة الجنابة باحترام
الموطوء، وأما التمسك بالاستصحاب، لأن مجامعتها قبل موتها كانت موجبة
للجنابة فكذا بعد موتها، لعدم العلم بتأخير (6) الحياة، فهو وإن كان صحيحا

(1) الوسائل 1: 469، الباب 6 من أبواب الجنابة، الحديث 4.
(2) الذكرى: 27، ولم نقف على الاستدلال به في كتب الشهيد الثاني الموجودة لدينا.
(3) المبسوط 1: 28.
(4) الوسائل 19: 249، الباب 25 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، وفيه:
" حرمة الميت كحرمة الحي ".
(5) المصدر: 251، الحديث 5، بلفظ: " حرمته ميتا أعظم من حرمته وهو حي ".
(6) كذا في النسخ، والصواب - ظاهرا -: " بتأثير ".
550

على مذاق المشهور إلا أنا قد ذكرنا في محله أن مثل هذا الاستصحاب غير
معتبر بل غير جار، لأن الموضوع الذي حمل عليه المستصحب أعني سببية
مجامعته للجنابة غير معلوم البقاء بعد الموت، واستصحاب الموضوع غير
جار، وتمام الكلام في محله (1).
ثم إن في استنباط جنابة الصغير - فاعلا كان أو مفعولا - وكذا المجنون
من الأدلة المذكورة غموضا، من حيث إن الجنابة فيها مستنبطة من وجوب
الغسل بعد وضوح أن الغسل ليس إلا لرفع الحدث المأمور به في قوله:
" لا صلاة إلا بطهور " (2)، والمفروض أنه لا يتصور حدث غير الجنابة،
فمؤدى تلك الأدلة أن الالتقاء سبب لوجوب رفع حدث الجنابة عند اجتماع
شرائط الوجوب، ولا يستقيم هذا المعنى إلا بكون الالتقاء سببا للجنابة التي
يجب رفعها عند تنجز التكليف المشروط بالطهارة كما لا يخفى، لكن هذا
موقوف على كون الشرائط شرائط الوجوب وقيودا له، وتقييد وجوب
الغسل بها ليس بأولى من تقييد الالتقاء بها، غاية الأمر أنه ثبت (3) بالإجماع
أن ما عدا البلوغ والعقل كعدم النوم والتمكن من الماء واشتغال الذمة
بمشروط بالطهارة قيود للوجوب، وأما البلوغ والعقل فكما يحتمل كونهما
كغيرهما يحتمل رجوعهما إلى الالتقاء، فيكون المعنى أن الالتقاء بعد البلوغ
والعقل يوجب الغسل عند تحقق سائر الشروط، فيكون للوصفين مدخل في

(1) انظر فرائد الأصول: 653، الأمر الرابع (مبحث الاستصحاب التعليقي)، والصفحة
690، الأمر الأول من الخاتمة (مبحث بقاء الموضوع).
(2) الوسائل 1: 258، الباب 2 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(3) في " ع ": " إذا ثبت ".
551

تحقق الجنابة التي هي سبب لوجوب رفعها.
فإن قلت: تقييد الوجوب بالبلوغ والعقل متيقن بالإجماع، والشك في
تقييد الالتقاء بهما، والأصل عدمه.
قلت: الثابت بالإجماع عدم وجوب الغسل على الصغير والمجنون، أما
كون ذلك لعدم تحقق الجنابة أو لعدم وجوب رفعها فليس متيقنا، فالإجماع
لا يكشف إلا عن القضية السلبية المذكورة، وهي أعم من كونها لرجوع
القيد إلى الوجوب فلا تدل عليه.
ثم لو سلم رجوع التقييد إلى الوجوب، لم يدل على المطلوب أيضا،
لاحتمال أن يكون لبعض قيود الوجوب مدخل في تحقق الموضوع، فوجوب
رفع الحدث عند استجماع شرائط التكليف لعله لحصول الجنابة حينئذ، فيثبت
حدوث الجنابة للصغير بعد البلوغ بالالتقاء قبله، فلا يكون في حق الصغير
جنابة.
نعم، لو كان القيود تقييدات لفظية - بأن قال: إذا التقى الختانان وجب
رفع الحدث عند البلوغ، والعقل، ودخول الوقت، والتمكن من الماء - كان
المتبادر من ذلك ثبوت الحدث مع قطع النظر عن هذه القيود وكونها شروطا
لتحقق الحكم دون الموضوع، لكن المقام ليس كذلك، بل ثبت بأدلة تلك
الشروط قضايا سلبية لا تدل على تأخر اعتبارها في الحكم عن تحقق
الموضوع، فافهم. فإنه لا يخلو عن وجه.
نعم، يمكن الاستدلال بتلك الأخبار بناء على كون الوجوب بمعنى
الثبوت، فلا يحتاج إلى تقييده بشروط التكليف حتى يختص بالبالغ
العاقل.
552

ويؤيده عطف المهر والحد في بعض تلك الأخبار على الغسل (1).
وتصحيح العطف بإرادة أداء المهر عند التمكن منه ومطالبة المرأة وإقامة
الحاكم الحد بعد ثبوته عنده بشرائطه بعيد جدا، وإن كان يقرب ذلك
اختصاص الحد بالبالغ العاقل إجماعا، وعطف الحد في البعض الآخر عليه،
فإنه يبعد شموله للصغير والمجنون بالالتقاء حال الصغر، إلا أن بعض الأخبار
لم يذكر فيه الحد (2).
ويؤيده قوله عليه السلام في الدبر: " هو أحد المأتيين، فيه الغسل " (3)، فإن
هذا الكلام مسوق لمجرد السببية لا يختص (4) بالمورد، وهذا موجب للجنابة
بعد البلوغ، وإنما الإشكال في حال الصغر.
وكيف كان، فالاستدلال على جنابة الصغير والمجنون يحتاج إلى مزيد
تأمل، ولذا توقف في محكي التذكرة والتحرير والذكرى والذخيرة (5).
* (وإن جامع) * امرأة * (في الدبر ولم ينزل وجب الغسل) * على الفاعل
والمفعول * (على الأصح) * المجزوم به (6) عند الأصحاب، بل المجمع عليه بين
المسلمين كما في صريح السرائر (7)، وظاهر السيد، حيث قال: لا أعلم خلافا

(1) الوسائل 1: 469 و 470، الباب 6 من أبواب الجنابة، الحديث 1 و 8.
(2) الوسائل 1: 469، الباب 6 من أبواب الجنابة، الأحاديث 2، 3 وغيرهما.
(3) الوسائل 1: 481، الباب 12 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
(4) في " ج " و " ح ": " لا يخصص ".
(5) التذكرة 1: 228، التحرير 1: 12، الذكرى: 27، الذخيرة: 51، وليس في هذه
الكتب التعرض لحكم المجنون.
(6) لم ترد " به " في " ج " و " ح ".
(7) السرائر 1: 108.
553

بين المسلمين في أن الوطء في الموضع المكروه من ذكر أو أنثى يجري مجرى
القبل مع الإيقاب وغيبوبة الحشفة في وجوب الغسل على الفاعل والمفعول
وإن لم يكن إنزال، ولا وجدت في الكتب المصنفة لأصحابنا رحمهم الله إلا ذلك،
ولا سمعت ممن عاصرني من الشيوخ نحوا من الستين يفتي إلا بذلك، فهذا
إجماع من الكل.
ولو شئت أن أقول: إنه معلوم بالضرورة من دين الرسول صلى الله عليه وآله،
إنه لا فرق بين الفرجين في هذا الحكم، فإن داود وإن خالف في أن الوطء ء
في القبل إذا لم يكن معه إنزال لا يوجب الغسل، فإنه لا يفرق بين الفرجين
كما لا يفرق باقي الأمة بينهما في وجوب الغسل بالإيلاج في كل واحد منهما.
واتصل لي في هذه الأزمان من بعض الشيعة الإمامية أن الوطء ء في الدبر
لا يوجب الغسل، تعويلا على أن الأصل عدم الوجوب، أو على خبر يذكر
أنه في منتخبات سعد (1) أو غيرها، وهذا مما لا يلتفت إليه، أما الأصل
فباطل، لأن الإجماع والقرآن وهو قوله تعالى: (أو لامستم النساء) (2) يزيل
حكمه، وأما الخبر فلا يعتمد عليه في معارضة الإجماع والقرآن، مع أنه لم
يفت به فقيه ولم يعتمده عالم، مع أن الأخبار تدل على ما أوردناه، لأن كل
خبر يتضمن تعليق الغسل على الجماع والإيلاج في الفرج فإنه يدل على ما
ادعيناه، لأن الفرج يتناول القبل والدبر، لأنه لا خلاف بين أهل اللغة وأهل
الشرع (3)، انتهى.

(1) هو سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي، صنف كتبا كثيرة، منها:
" كتاب المنتخبات "، انظر رجال النجاشي: 178.
(2) المائدة: 6.
(3) لم نقف عليه في كتب السيد، وحكاه عنه العلامة في المختلف 1: 328.
554

أقول: ربما يتخيل أنه لو كان نقل الإجماع حجة لم يكن فيما نقل من
الإجماعات في مسائل الفقه أولى بالحجية منه، لكنك خبير بأنه رحمه الله لم يدع
إلا الإجماع المعنوي، وهو الاتفاق ممن عدا الإمام عليه السلام، وإن كان كاشفا
عند الناقل إلا أنه لم ينقل إلا الكاشف دون المكشوف عنه، فنقله في الحقيقة
يرجع إلى نقل أقوال العلماء دون الإمام.
وأما دعواه الضرورة، تستلزم دعوى قول الإمام عليه السلام إلا أن من
المعلوم أن هذا الحكم لم يبلغ إلى هذا الحد من البداهة وإلا فهذا الذي حكى
عنه القول بالتفصيل بين القبل والدبر ليس أدنى من داود الذي حكى عنه
نفي الغسل مع عدم الإنزال، ولم يعده مخالفا للضرورة، مع أن الحلي ذكر
- قبل دعوى إجماع المسلمين عليه -: أنه الصحيح من الأقوال (1).
ولا يخفى ما فيهما من التدافع إلا أن يريد استقرار الإجماع بعد
الخلاف. نعم، دعوى الاتفاق المذكور إنما ينفع في تحصيل الإجماع على
طريقة بعض أفاضل عصرنا (2)، حيث يجعل نقل الاتفاق الراجع إلى نقل
فتاوى المتفقين بمنزلة تحصيل فتاويهم، فإذا فرضت على تقدير العلم بها
كاشفة عن قول الإمام عليه السلام لكثرتها واحتفافها بالقرائن الداخلية أو
الخارجية، كانت كذلك مع فرض ثبوتها بنقل الثقة العدل الغير المسامح في
النقل والغير المعتمد في نسبة الفتاوى إلى أربابها بمجرد وجدان دليل أو أصل
لا بد لهم في اعتقاده من التزامهم بمضمونه، لأن ما دل على اعتبار حكاية
الثقة للروايات المشتملة على أسئلة الرواة وأجوبة الأئمة عليهم السلام دل على

(1) السرائر 1: 108.
(2) لم نعثر عليه.
555

اعتبارها في فتاوى العلماء، وقد تكلمنا على هذه الطريقة في الأصول في
مسألة الإجماع المنقول (1).
مضافا إلى أن هذه الطريقة أيضا غير مجدية في المقام، إذ يوهن هذا
النقل - مضافا إلى مخالفة الشيخ (2) وسلار (3) - ظهور المحكي عن الشيخ في
الحائريات (4) في وجود هذا القول بين أصحابنا، حيث (5) حمل رواية حفص
ابن سوقة الآتية الآمرة بالغسل على التقية، لموافقتها لمذهب العامة (6)، وعدم
اشتهار مضمونها بين الخاصة، وإلا فاشتهار المذهب بين الفريقين لا يوجب
طرح الخبر، لمجرد موافقة العامة.
ولعل ما ذكرنا بعض ما لاحظه الفاضل الورع التقي مولانا عبد الله
التستري، حيث حكى عنه بعض شراح الوسائل (7) أنه ذكر أن الإجماع
الذي ذكره السيد رحمه الله لا يفيد ظنا.

(1) انظر فرائد الأصول: 87 - 88.
(2) الإستبصار 1: 112.
(3) كلامه ليس صريحا في المخالفة، انظر المراسم: 41.
(4) حكاه عنها - في مسألتها الثانية والأربعين - ابن إدريس في السرائر 1: 111، لكن
هذه المسألة لا توجد في النسخة الموجودة لدينا، على ما ذكره مصححها في مقدمة
التحقيق، انظر الحائريات (الرسائل العشر): 286.
(5) لا يخفى أن قوله: " حيث حمل... " توجيه لقوله: " مضافا إلى مخالفة الشيخ "، وإن
كان لا يلائم السياق.
(6) انظر الإستبصار 1: 112.
(7) للوسائل شروح متعددة (انظر الذريعة 14: 169)، لكن لم يتعين لنا مقصود
المؤلف قدس سره منها.
556

هذا، ولكن منع الظن خلاف ما نجده في أنفسنا، وحمل الشيخ خبر
حفص على التقية لا ينافي اشتهار مضمونه بين الأصحاب إذا كان هو
ومعارضه كلاهما مشهورين من حيث الرواية، ولا يبعد أن يكون مذهب
الشيخ في الخبرين المشهورين رواية طرح ما خالف منهما مذهب العامة وإن
وافق فتوى المشهور، بل هو ظاهر مقبولة عمر بن حنظلة (1)، وغيرها من
الأخبار الواردة في علاج المتعارضين.
ثم إذا انضمت الشهرة بين من تأخر عن الشيخ والسيد إلى حكاية
السيد رحمه الله ولوحظ رجوع الشيخ في نكاح المبسوط (2) بل في صومه (3) وفي
الحائريات (4) إلى المشهور قوي الظن، وصلح مدركا للحكم وإن لم نقل
بحجية مطلق الظن، لما ثبت عندنا من حجية البالغ حدا يكشف قطعا عن
وجود دليل لو عثرنا عليه لالتزمنا به وإن كان ظنيا، لكشفه القطعي عن
وجود دليل معتبر، خصوصا مع وجود مرسلة حفص بن سوقة، عمن
أخبره، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي أهله من خلفها؟
قال: هو أحد المأتيين فيه الغسل " (5)، ويؤيده، بل يدل على الحكم ما تقدم
من الملازمة بين الحد والغسل المستفاد من كلام أمير المؤمنين عليه السلام (6).

(1) الوسائل 18: 75، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأول.
(2) المبسوط 4: 243.
(3) المبسوط 1: 270.
(4) راجع الصفحة السابقة.
(5) الوسائل 1: 481، الباب 12 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
(6) تقدم في الصفحة 549.
557

ومما ذكرنا يظهر وجه طرح ما عارضها من مرفوعة البرقي عن أبي
عبد الله عليه السلام: " قال: إذا أتى الرجل المرأة في (1) دبرها فلم ينزل
فلا غسل عليهما، وإن أنزل فعليه الغسل، ولا غسل عليها " (2)، ورواية ابن
محبوب عن أحمد بن محمد عن بعض الكوفيين يرفعه (3) إلى أبي
عبد الله عليه السلام: " في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة، قال:
لا ينقض صومها، وليس عليها غسل " (4)، ومثلها مرسلة علي بن الحكم (5)،
وهذه وإن انجبر إرسالها ورفعها بوجود ابن محبوب وابن عيسى (6) في
الطريق، إلا أنهما يقصران عن المقاومة لما ذكرنا.
هذا، وربما يتمسك في المقام - تبعا لما تقدم عن السيد رحمه الله (7) -
بإطلاقات الملامسة والجماع في الفرج و (8) الإدخال والإيلاج ونحو ذلك.
وفي الكل نظر:
أما آية الملامسة، فلأن المراد بها ليس معناه اللغوي، وهو: مطلق
اللمس، وإنما هي كناية عن ملامسة معهودة خاصة، ولا دليل على إرادة

(1) في " ج " و " ح ": " من دبرها ".
(2) الوسائل 1: 481، الباب 12 من أبواب الجنابة، الحديث 2.
(3) كذا في مصححة " ع " وفي " ج " و " ح ": " رفعه ".
(4) الوسائل 1: 481، الباب 12 من أبواب الجنابة، الحديث 3.
(5) الوسائل 1: 482، الباب 12 من أبواب الجنابة، ذيل الحديث 3.
(6) لم نقف على " ابن عيسى " في سند الرواية.
(7) تقدم في الصفحة 553 - 554.
(8) في مصححة " ع "، " أو ".
558

مطلق الوطء ء، بل الظاهر إرادة خصوص القبل، لا أقل من الشك في إرادة
المطلق والمقيد فيصير مجملا، إذ ليس بعد إرادة الفرد المعهود إطلاق يرجع
إليه، كما لا يخفى.
وأما الجماع في الفرج، فلو (1) أغمض عما في المصباح من أن الفرج من
الإنسان القبل (2)، ولذا تردد كاشف الرموز في صدقه على الدبر (3)، لكن
الظاهر منه بحكم الغلبة - خصوصا مع إضافة الفرج إلى المرأة - الجماع في
القبل، وكذا إضافة الإدخال والإيلاج، فإن حذف المتعلق إنما يفيد العموم
إذا لم يكن هنا معهود ينصرف شموله إليه.
ويشهد لما ذكرنا: فهم الإمام عليه السلام خصوص القبل من إطلاق السؤال
في الروايات عن المجامعة في الفرج وإصابة المرأة وإتيان الأهل، حيث علق
في الجواب الحكم بوجوب الغسل في تلك السؤالات على التقاء الختانين (4).
ثم الظاهر أنه لا خلاف في أن المناط في حصول الجنابة بوطء الدبر
والقبل واحد، وهو غيبوبة الحشفة، لكن استفادة ذلك من الأخبار مشكل،
لاختصاص هذا التحديد بالقبل، إلا أن يستأنس له بقوله عليه السلام في رواية
حفص المتقدمة: " هو أحد المأتيين فيه الغسل " (5)، ويستفاد منها اتحاد

(1) كذا في مصححة " ع "، وفي " ج " و " ح ": " لو ".
(2) المصباح المنير: 466، وفيه: " الفرج من الإنسان يطلق على القبل والدبر، لأن
كل واحد منفرج، أي منفتح، وأكثر استعماله في العرف في القبل ".
(3) كشف الرموز 1: 72.
(4) الوسائل 1: 469، الباب 6 من أبواب الجنابة، الحديث 2، 4 و 5.
(5) تقدمت في الصفحة 557.
559

المخرجين وتنزيل كل منهما منزلة الآخر في هذا الحكم، مضافا إلى الملازمة
بين الحد والغسل وظاهر الإجماع عن السيد بسيطا ومركبا.
* (ولو وطئ غلاما) * أو رجلا * (فأوقبه) * (1) بغيبوبة (2) الحشفة، فمن قال
بعدم وجوب الغسل بالوطء في دبر المرأة، فالظاهر أنه لا إشكال عنده في
عدمه بالوطء في دبر الغلام بالأولوية والإجماع المركب، ومن * (قال) * بمقالة
* (السيد) * (3) من وجوب الغسل قال: إنه * (يجب الغسل معولا) * في ذلك
* (على) * عموم الأدلة المتقدمة في دبر المرأة، مثل * (الإجماع) * البسيط الذي
ادعاه السيد والحلي (4) و * (المركب) * (5) الذي ادعاه في المختلف (6) والإيضاح (7)
والذكرى (8)، والملازمة المتقدمة بين الحد والغسل، بل قوله عليه السلام في رواية
حفص المتقدمة: " هو أحد المأتيين فيه الغسل "، بناء على رجوع الضمير إلى
مطلق الدبر لا خصوص دبر المرأة، وخصوص قوله عليه السلام في حسنة
الحضرمي المروية عن الكافي: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من جامع

(1) في الشرائع زيادة: " ولم ينزل ".
(2) كذا في " ح "، وفي " ج " و " ع ": " بغيبوبته ".
(3) في الشرائع: " المرتضى ".
(4) تقدم عنهما في الصفحة 553 و 554.
(5) في الشرائع زيادة: " ولم يثبت الإجماع ".
(6) المختلف 1: 329.
(7) إيضاح الفوائد 1: 45.
(8) الذكرى: 27.
560

غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا " (1)، ويمكن الخدشة في دلالته،
فتأمل.
ثم على المختار من عدم الفرق في وطء الدبر بين الذكر والأنثى،
لا إشكال في حصول الجنابة للخنثى بإيلاج الواطئ في دبرها، أما الخنثى
الواطئ فلا يحكم بجنابته، كما لا يحكم بجنابة الخنثى الموطوء في قبله، ولو
كانا خنثيين وتواطيا كانا جنبين، كما لو كان الخنثى واطئا وموطوءا، أما
موطوءته (2) وواطئته فهما كواجد المني في الثوب المشترك، كل ذلك لجريان
أصالة العدم في غير ما علم - ولو إجمالا - كونه سببا للجنابة. نعم، استوجه
في التذكرة حصول الجنابة بإيلاج الواطئ في قبل الخنثى، مستدلا بعموم
رواية الالتقاء، وبوجوب الحد به (3)، وفيه نظر.
واحتمل أيضا في إيلاج الخنثى في قبل المرأة جنابة المرأة، للعموم (4)،
واستقرب في إيلاج الخنثى في دبر الغلام وجوب الغسل عليهما (5).
وحاصل هذه الكلمات: تنزيل الخنثى منزلة الواضح في كل من
عضويه، لصدق الالتقاء والمجامعة والمواقعة وغيرها من العنوانات، وفيه
نظر.

(1) الكافي 5: 544، الحديث 2، وعنه في الوسائل 14: 248، الباب 17 من أبواب
النكاح المحرم، الحديث الأول.
(2) كذا في مصححة " ع "، وفي " ج ": " موطوءة ".
(3) التذكرة 1: 228.
(4) التذكرة 1: 228.
(5) المصدر السابق.
561

* (ولا يجب الغسل بوطء) * قبل * (البهيمة) * أو دبرها * (إذا لم ينزل) *
وفاقا لطهارة المبسوط (1) وكتب المصنف (2) والمنتهى (3) والقواعد (4) وجامع
المقاصد (5) وظاهر الوسيلة (6) والسرائر (7) والموجز (8) والجامع (9) حيث قيدوا
الموطوء بالآدمي، بل المشهور كما في الحدائق (10)، للأصل وفقد ما يصرف عنه
عدا ما تقدم من الملازمة بين الحد والغسل، بناء على أن الثابت في وطء
البهيمة حد، أو استفادة أولوية وجوب الغسل من وجوب التعزير، من (11)
أولويته من وجوب الحد، وفي المرسلة المروية: " ما أوجب الحد أوجب
الغسل " (12)، وظهور عبارة السيد في الإجماع حيث قال - في رد تمسك النافي
لوجوب الغسل بوطء الدبر بمفهوم خبر التقاء الختانين - ما لفظه: وأما
الأخبار المتضمنة لوجوب الغسل بالتقاء الختانين، فليست مانعة عن الجنابة

(1) المبسوط 1: 28.
(2) المعتبر 1: 181، ولم نعثر عليه في غيره.
(3) المنتهى 2: 186.
(4) القواعد 1: 208.
(5) جامع المقاصد 1: 257.
(6) الوسيلة: 55.
(7) السرائر 1: 107.
(8) الموجز (الرسائل العشر): 43.
(9) الجامع للشرائع: 38.
(10) الحدائق 3: 12.
(11) في " ج ": " عن ".
(12) كنز العمال 9: 543، الحديث 27337.
562

في موضع آخر لا التقاء فيه، على أنهم يوجبون الغسل بالإيلاج في فرج
البهيمة وفي قبل المرأة وإن لم يكن لهما (1) ختان، فقد عملوا بخلاف ظاهر
الخبر، فإن قالوا البهيمة وإن لم يكن في فرجها ختان فذلك موضع الختان
من غيرها، وكذلك من ليس بمختون من الناس (2)... إلى آخر كلامه (3).
خلافا لظاهر السيد فيما عرفت من كلامه (4)، والشيخ في صوم المبسوط
والخلاف (5)، والعلامة في المختلف (6)، والشهيدين في الذكرى (7) والمسالك (8)
والروض (9)، والوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (10)، وصهره السيد في
الرياض (11) فأوجب الغسل لما ذكر من الملازمة المعتضدة (12) بما تقدم من

(1) في " ح ": " لها ".
(2) كذا في النسخ، وفي المصدر: " من النساء ".
(3) حكاه عنه العلامة في المختلف 1: 330.
(4) أي قوله فيما تقدم عنه آنفا: " على أنهم يوجبون الغسل بالإيلاج في فرج
البهيمة... الخ ".
(5) المبسوط 1: 270، لكن الموجود في الخلاف خلاف ذلك، قال: " والذي يقتضيه
مذهبنا أن لا يجب الغسل في فرج البهيمة " انظر الخلاف 1: 117، المسألة 59.
(6) المختلف 1: 330.
(7) الذكرى: 27.
(8) المسالك 1: 50.
(9) روض الجنان: 48.
(10) مصابيح الظلام (مخطوط): 352.
(11) الرياض 1: 293.
(12) في " ج " و " ح ": " المتعضدة ".
563

السيد رحمه الله، وهو غير بعيد مع أنه أحوط.
بقي هنا شئ، وهو أنك قد عرفت أن المناط في إيجاب الغسل غيبوبة
الحشفة من غير فرق بين كبيرها وصغيرها، لإطلاق النص.
وأما مقطوع الحشفة أو بعضها فليس في النصوص تعرض لحكمهما، إلا
أنه ذكر جماعة (1) منهم - بل قيل: إنه المعروف بينهم (2) بل استظهر شارح
الدروس الاتفاق عليه (3) -: أن مناط الجنابة في مقطوع الحشفة إدخال
قدرها.
وربما يستدل على ذلك: بأن المنساق من دليل اعتبار التقاء الختانين:
إرادة التقدير بهذا المقدار، وأنه أقل إدخال يجب فيه الغسل.
وفيه: أن إرادة التقدير مع مخالفته لظاهر اللفظ يوجب حمل الحشفة
على المتعارف، فيلزم أن يقدر في صغير الحشفة حدا وكبيرها مقدار الحشفة
المتوسطة، فإن التقدير بأمثال ذلك يقدر بالفرد المتعارف منها، لا بالشخص
الموجود في كل مكلف ولو لم يكن متعارفا.
ومما (4) يكشف عن عدم استنادهم في هذا الحكم إلى اعتبار التقدير:
أن أكثرهم ذكروا في مقطوع البعض كفاية إدخال الباقي، مع أن اللازم على

(1) منهم العلامة في المنتهى 2: 187، والشهيد في الدروس: 95، ونسبه في المدارك
(1: 272) إلى الأصحاب.
(2) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 308.
(3) مشارق الشموس: 160.
(4) في " ج " و " ح ": " وربما ".
564

اعتبار (1) المقدار اعتبار (2) إتمام الباقي بما يساوي مجموع الحشفة.
والأولى أن يقال - بعد قيام الإجماع على تحقق الجنابة لمقطوع الحشفة
بالإدخال -: أن المعتبر إما المسمى، وإما إدخال المجموع، وإما مقدار
الحشفة. أما إرادة المجموع، فهي وإن ساعدها ظاهر قوله: " أدخله أو
أولجه " إلا أن إدخاله وإيلاجه يصدق بإدخال البعض، لكن إرادة المسمى
خلاف منصرف المطلق، فتعين مقدار الحشفة، للإجماع على عدم اعتبار غيره
بعد المسمى والمجموع.
ولك أن تقول: إن الأدلة المطلقة كلها مختصة (3) بذي الحشفة فمقطوعها
خارج عنها، فيحتمل حصول الجنابة فيه بالمسمى، ويحتمل اعتبار المجموع،
ويحتمل اعتبار مقدار الحشفة، والأول منتف بالأصل، والثاني بالإجماع
فتعين الثالث. والإنصاف أن المسألة لا تخلو من إشكال، لعدم ما تطمئن به
النفس، إلا أن ما ذكروه لا يخلو عن قوة.
وأما المقطوع البعض، ففي التذكرة (4) والذكرى (5) كما عن الموجز (6)
وجامع المقاصد (7): كفاية غيبوبة الباقي، والظاهر استنادهم إلى صدق

(1) في نسخة بدل " ع ": " على إرادة المقدار ".
(2) في " ج " و " ح ": " لزوم اعتبار... ".
(3) لم ترد " مختصة " في " ج " و " ح ".
(4) التذكرة 1: 229.
(5) الذكرى: 27.
(6) الموجز (الرسائل العشر): 43.
(7) جامع المقاصد 1: 276.
565

الالتقاء، لكن قيده في الذكرى بما إذا لم يذهب المعظم، وإلا فكمقطوع الكل،
ولعله لعدم انصراف الالتقاء إلى ما يحصل بإدخال شئ يسير، ويتعين على
استفادة التقدير من الأدلة وجوب إتمام الباقي بما يبلغ مقدار الحشفة، والمسألة
مشكلة فلا ينبغي ترك الاحتياط.
ثم إنه لا إشكال في وجوب الغسل بإدخال الملفوف، بل لا خلاف
ظاهرا بينا، وأما العضو المقطوع ففيه إشكال، وكذلك الإشكال في آلة الميتة
وآلة البهيمة، والاحتياط في الكل مما لا ينبغي أن يترك.
566

* (تفريع) *
* (الغسل) * من الجنابة وغيرها من الأحداث كالوضوء * (يجب على
الكافر) * بأقسامه * (عند حصول سببه) *، لعموم الأدلة وفقد ما يدل على
خروج الكافر.
ويؤيده: ما ورد في مذمة المجوس من أنهم كانوا لا يغتسلون من
الجنابة (1)، وقد تقرر في الأصول (2) أن الكفار مخاطبون بالفروع كالأصول،
خلافا لأبي حنيفة (3)، لأدلة مزيفة في محلها.
نعم، ذكر صاحب الحدائق (4) - تبعا للمحدثين الاسترآبادي (5)
والكاشاني (6) - أخبارا زعموا دلالتها على عدم مخاطبتهم بالفروع ونهوضها
لتخصيص العمومات التي لا تحصى مما يدل على عموم التكاليف الفرعية
ومعارضة ما دل بالخصوص من الآيات والأخبار على مؤاخذتهم بمخالفتها.

(1) الوسائل 1: 465، الباب 1 من أبواب الجنابة، الحديث 14.
(2) لم نقف على تعرض المؤلف قدس سره للمسألة، وقد تعرضوا لها في مبحث الطلب
والإرادة من مباحث الأوامر. ويحتمل - بعيدا - أن يكون مراده بالأصول " أصول
العقائد " حيث عنونوا المسألة في مباحث التكليف، انظر كشف المراد: 323.
(3) انظر المغني لابن قدامة 1: 207 و 208.
(4) الحدائق 3: 40.
(5) الفوائد المدنية: 202 - 226.
(6) الوافي 2: 82، باب معرفة الإمام والرد إليه، ذيل الحديث 3.
567

فمن الأخبار التي ذكرها في الحدائق، ما نقله عن الكافي بطريق صحيح
عن زرارة، قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن معرفة الإمام منكم
واجبة على جميع الخلق، فقال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله إلى الناس
أجمعين رسولا وحجة لله على خلقه في أرضه، فمن آمن بالله
وبمحمد صلى الله عليه وآله واتبعه وصدقه فإن معرفة الإمام هنا واجبة عليه، ومن
لم يؤمن بالله ورسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما (1)، فكيف يجب
عليه معرفة الإمام عليه السلام وهو لا يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله " (2).
قال في الحدائق: والحديث كما ترى صريح في الدلالة على خلاف ما
ذكروه، فإنه متى لم يجب معرفة الإمام قبل الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وآله
فبالطريق الأولى معرفة سائر الفروع التي هي متلقاة من الإمام. والحديث
صحيح السند، صريح الدلالة، فلا وجه لطرحه والعمل بخلافه (3).
ومنها: ما عن تفسير القمي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى:
(وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون):
" أترى أن الله طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون حيث قال:
(وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون)، إنما
دعا الله العباد للإيمان فإذا آمنوا بالله ورسوله افترض عليهم الفرض " (4).
ومنها: ما عن احتجاج الطبرسي، عن أمير المؤمنين عليه السلام في

(1) في النسخ: " حقها ".
(2) الكافي 1: 180، الحديث 3.
(3) الحدائق 3: 39.
(4) تفسير القمي 2: 262، والآية من سورة فصلت: 6 و 7.
568

حديث الزنديق الذي جاء إليه مستدلا بآيات من القرآن قد اشتبهت عليه،
وفيه قوله عليه السلام: " فكان أول ما قيدهم به الإقرار بالوحدانية والربوبية
وشهادة أن لا إله إلا الله، فلما أقروا بذلك تلاه بالإقرار لنبيه صلى الله عليه وآله
بالنبوة والشهادة برسالته، فلما انقادوا بذلك فرض عليهم الصلاة، ثم الصوم،
ثم الحج... الخبر (1).
والجواب: أنا لا نقول بكون الكفار مخاطبين بالفروع تفصيلا، كيف،
وهم جاهلون بها غافلون عنها؟! وكيف يعقل خطاب منكري الصانع
والأنبياء؟! وعلى تقدير الالتفات فيستهجن بل يقبح خطاب من أنكر
الرسول بالإيمان بخليفته والمعرفة بحقه وأخذ الأحكام منه، بل المراد أن
المنكر للرسول صلى الله عليه وآله مثلا مخاطب بالإيمان به (2) والائتمار بأوامره
والانتهاء عن نواهيه، فإن آمن وحصل ذلك كله كان مطيعا، وإن لم يؤمن
ففعل المحرمات وترك الواجبات عوقب عليها كما يعاقب على ترك الإيمان
لمخاطبته بها إجمالا وإن لم يخاطب تفصيلا بفعل الصلاة وترك الزنا ونحو ذلك
لغفلته عنها، نظير ذلك: ما إذا أمر الملك أهل بلد نصب لهم حاكما بالإذعان
بولايته من قبل الملك والانقياد له في أوامره ونواهيه المسطورة في طومار
بيده، فلم يذعن تلك الرعية لذلك الحاكم ولم يلتفتوا إلى ذلك الطومار ولم
يطلعوا عليه أصلا، فاتفق وقوعهم من أجل ذلك في كثير من النواهي وترك
الأوامر الموجودة فيه، فإنه لا يقبح عقابهم على كل واحد واحد من تلك
المخالفات، لكفاية الخطاب الإجمالي مع تمكن المخاطب من المعرفة التفصيلية.

(1) الإحتجاج 1: 379.
(2) لم ترد " به " في " ع ".
569

وبذلك يندفع ما ورد على صاحب الذخيرة من الإشكال في مسألة
الصلاة مع النجاسة، حيث نقل عن بعضهم (1) الإشكال في إلحاق الجاهل
بالعالم، ثم قال بعده: والظاهر أن التكليف متعلق بمقدمات الفعل، كالنظر
والسعي والتعلم، وإلا لزم تكليف الغافل أو التكليف بما لا يطاق، والعقاب
إنما يترتب على ترك النظر... إلى أن قال: ولا يخفى أنه يلزم على هذا أن
لا يكون الكفار مخاطبين بالأحكام وإنما يكونون مخاطبين بمقدمات الأحكام،
وهذا خلاف ما قرره الأصحاب. وتحقيق هذا المقام من المشكلات (2)، انتهى.
وقد عرفت أن الغفلة زمان العمل لا يوجب قبح العقاب على الفعل،
لأنه زمان امتناع الواجب عليه وإنما هو مكلف حين الالتفات بالإيمان
بالرسول والانقياد له في جميع أوامره ونواهيه.
نعم، ربما يتوجه الإشكال في تكليف منكري الصانع والشرائع
بالأصول والفروع، وهذا غير مختص بمن يرى تكليف الكفار بالفروع، بل
يرد على المحدثين المذكورين (3) المنكرين لذلك وعلى صاحب الذخيرة ومن
تبعهم كصاحب المدارك (4) وشيخه الأردبيلي (5)، القائلين بكون العقاب على
ترك النظر والتعلم: فإنه لا يجري ذلك في هذا الكافر لغفلته عن ذلك أيضا
إلا أن يمنع غفلة المكلف في جميع أوقات تكليفه عن وجود الصانع، بناء على

(1) لم يتعين لنا هذا البعض.
(2) الذخيرة: 167.
(3) الاسترآبادي والكاشاني.
(4) المدارك 2: 345.
(5) مجمع الفائدة 1: 342.
570

اشتراط التكليف بسبق معرفة إلهية الخالق وبأن له رضا وسخطا، وبأنه لا بد
له من معلم من جهته ليعلم الناس ما يصلحهم ويفسدهم.
وحاصل الجواب: أن المنفي في الأخبار المذكورة هو خطاب الكافر
تفصيلا بما لا يعقل امتثاله إلا بعد امتثال التكليف الذي أقام المخاطب على
مخالفته كخطابه بالفرائض الإلهية مع عدم تصديقه رسالة من يخاطبه بذلك،
فإن ذلك مستهجن جدا كما أشار إليه الإمام عليه السلام في الصحيحة الأولى
بقوله: " وكيف يجب معرفة الإمام " (1)، وفي الرواية الثانية بقوله: " أترى أن
الله طلب من المشركين " (2). والذي نثبته هو تكليفه بتصديق النبي والانقياد
لأوامره ونواهيه.
ثم إن ما عدا الصحيحة لا ظهور لها في عدم تكليف الكفار بالفروع،
وإنما تدل على تدرج تبليغ التكاليف كما هو صريح قوله عليه السلام في رواية
الاحتجاج: " فرض عليهم الصلاة... الخ " (3)، وهذا لا مساغ لإنكاره كما
يظهر من الأخبار المتظافرة، ولا دخل له بمخالفة مذهب المشهور فإن
التكليف بالزكاة والحج وإن حدث بعد التكليف بالصلاة إلا أنه بعد الحدوث
لم يكن مختصا بالمصلين بحيث لا يكون غيرهم مخاطبا بالحج والزكاة.
وقد ظهر مما ذكرنا في دفع إشكال صاحب الذخيرة: ضعف استدلال
صاحب الحدائق على مطلبه: بأن تكليف الكفار بالفروع تكليف بما لا يطاق (4).

(1) في صحيحة زرارة المتقدمة في الصفحة 568.
(2) تقدمت عن تفسير القمي في الصفحة 568.
(3) تقدمت في الصفحة 569.
(4) الحدائق 3: 41.
571

ويدفعه - مضافا إلى ما مر -: أن هذا الاستدلال مباين للمطلب، لأن
الكلام في مانعية الكفر عن التكليف دون الغفلة التي قد توجد في الكفار وقد
تفقد فيه.
وأضعف من ذلك استدلاله بما دل على أن " طلب العلم فريضة على
كل مسلم " (1)، فلم يجب بمجرد العقل والبلوغ.
وأضعف من ذلك استدلاله باختصاص بعض الخطابات ب‍ " الذين
آمنوا " (2)، كما لا يخفى.
ثم إنه رحمه الله قد ذكر - في عداد الأدلة على هذا المطلب -: أنه لم يعلم
من النبي صلى الله عليه وآله أمر أحدا ممن دخل في الإسلام بالغسل من الجنابة كما لم
يعلم منه أمر أحدهم بقضاء صلاته، مع أنه قلما ينفك أحد منهم من الجنابة
في تلك الأزمنة المتطاولة (3).
ولا يخفى أنه لو تم هذا لدل إما على أن الإنزال والإدخال لا يوجب
الجنابة بالنسبة إلى الكافر، وإما على سقوط ما وجب حال كفره بسبب
إسلامه، والأول لا دخل له بمطلبه، ولا أظن أحدا يقول به. والثاني مناف
لمطلبه ومناسب (4) لمذهب المشهور، * (لكن) * يجئ أنه لا خلاف منهم في
عدم سقوطه عنه بعد الإسلام كما أنه * (لا يصح منه حال الكفر (5)) *،

(1) الحدائق 3: 42، والحديث رواه في الوسائل 18: 13، الباب 4 من أبواب صفات
القاضي، الحديث 16.
(2) الحدائق 3: 42.
(3) المصدر السابق.
(4) كذا في " ج " و " ح "، وفى " ع ": " ومناف ".
(5) في الشرائع: " في حال كفره ".
572

لاشتراط العبادة بالإسلام، بل وعدم التمكن من قصد التقرب، وعلله في
المنتهى بعدم معرفته بالله (1)، ولتنجس ماء الغسل.
ويمكن النظر في الجميع، أما اشتراط الإسلام فإن أريد في القبول
الثواب فلا يدل على الفساد بمعنى عدم رفع الجنابة، فإن الظاهر عدم الخلاف
في رفعه للحدث، وإن أريد في رفع الحدث فلا دليل عليه، وأما عدم التمكن
من القربة فهو مسلم في حق من لا يتمكن منه دون المتمكن ككثير من
الفرق القائلين بوجوب غسل الجنابة. وإن أراد اعتبار قابلية الفاعل للتقرب
فلا دليل عليه. وأما نجاسة الماء بالغسل فهي تمنع من اغتساله بالقليل
لا الكثير. وأما وجوب إزالة النجاسة عن البدن فإن أريد الخارجية
فلا ينفع، وإن أريد العينية فهو عين الدعوى.
ثم إن مقتضى الدليل الأول فساد غسل المخالف فلا يحكم بارتفاع
حدثه، فيترتب على المخالفين أحكام الجنب حتى نجاسة العرق إذا كانت
الجنابة عن حرام، والظاهر عدم سقوط إعادته عنهم إذا استبصروا، لأن
الجنابة سبب لوجوب الغسل، فإذا فرض عدم ارتفاعها بالغسل الواقع حال
الخلاف وجب رفعها بعد الاستبصار إذا وجب عليه ما يشترط بالطهارة،
وكذلك الوضوء.
وأما ما دل على عدم وجوب إعادة ما عدا الزكاة من العبادات على
المخالف إذا استبصر (2) فلا ينفع فيما نحن فيه، لأنا لا نحكم عليه بوجوب
إعادة ما فعله من الغسل تداركا لما فات عنه من الغسل الصحيح حال

(1) المنتهى 2: 192.
(2) الوسائل 6: 148، الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة.
573

المخالفة، نظير قضاء الصلوات وغيرها، وإنما نحكم بتأثير الجنابة الباقية بعد
الاستبصار في المنع عن الصلاة.
لكن الظاهر من بعضهم - كالشهيد في البيان (1) - عدم الإعادة إلا أن
يقال إن الظاهر من بعض روايات عدم الإعادة إمضاء ما فعله، حتى كأنه
وقع صحيحا.
ففي رواية محمد بن حكم (2)، قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ
دخل عليه كوفيان وكانا زيديين (3)، فقالا: جعلنا لك الفداء فقد من الله
علينا بولايتك، فهل يقبل منا شئ من أعمالنا؟ فقال: أما الصلاة والصوم
والحج والصدقة، فإن الله ينفعكما ذلك ويلحق بكما، وأما الزكاة فلا، لأنكما
أخذتما (4) حق امرئ مسلم، وأعطيتما غيره " (5)، ولازم قبول الغسل منه (6)
ارتفاع الحدث به فلا يجب الطهارة لما يستقبل، كما أن لازم قبول الصلاة

(1) لم يتعرض الشهيد في البيان هنا وفي مسألة قضاء الصلوات لحكم المخالف إذا
استبصر، نعم تعرض له في الذكرى في مسألة قضاء الصلوات، لكن لا يستظهر من
كلامه عدم وجوب إعادة الغسل لما يستقبلها من العبادات المشروطة بالطهارة، انظر
الذكرى: 135، المسألة الخامسة.
(2) كذا في النسخ، وفي المصدر: " محمد بن حكيم ".
(3) كذا في المصدر، وفي النسخ: " زنديقين ".
(4) في المصدر ونسخة بدل " ج " وهامش " ع ": " أبعدتما "، وفي " ح ": " أبعدتما
أخذتما ".
(5) الذكرى: 136، وعنه في الوسائل 1: 98، الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات،
الحديث 5.
(6) في " ج " و " ح " زيادة: " قبول ".
574

سقوط الأمر به وإن كان الوقت باقيا، ولذا لا يحكم عليه بوجوب إعادة
الصلاة إذا استبصر في الوقت بعدما صلى، مع أن كل جزء من الوقت سبب
لوجوب الصلاة، ولذا تجب على الكافر * (إذا أسلم) * كالصغير إذا بلغ في
أثناء الوقت فعل الصلاة و * (وجب عليه) * الغسل من الجنابة السابقة
* (وصح منه) *، لعدم المانع.
وربما يتوهم أن مقتضى النبوي المشهور: " الإسلام يجب - أي يهدم -
ما قبله " (1) عدم وجوب الغسل عليه، لأن معنى هدم كل ما كان قبله عدم
تأثير ما وقع حال الكفر في وجوب شئ عليه بعد الإسلام، بل صيرورته
بالإسلام كأن لم يكن.
ودفعه في جامع المقاصد (2) بما حاصله منع عموم الموصول مجردا عن
سند.
والأولى أن يقال - مع فرض تسليم العموم -: أن المنفي بحكم النبوي
تأثير ما كان قبل الإسلام في وجوب شئ بعده، فإن فوت الصلاة أو
الصوم في وقتهما سبب لوجوب القضاء، فالفوت الواقع حال الكفر غير مؤثر
في وجوب القضاء بعد الإسلام، أما سبب الجنابة الحادث قبل الإسلام فهو
في نفسه غير مؤثر لوجوب الغسل، وإنما هو سبب للجنابة التي هي حالة
معنوية موجبة لأحكام كثيرة، كحرمة أمور عليه، وكراهة حضوره عند
الميت.
فإن ثبت بالنبوي ارتفاع الجنابة بالإسلام سقط (3) وجوب الغسل،

(1) عوالي اللآلي 2: 54، الحديث 145.
(2) جامع المقاصد 1: 270.
(3) في مصححة " ج ": " لسقط ".
575

لأنه لرفع حدث الجنابة، أما لو لم يثبت، فوجوب الغسل بتأثير الجنابة
الموجودة حال الإسلام، لا سببها المتحقق حال الكفر، وهو نظير ما إذا
أسلم قبل غروب الشمس، فإن وجوب الصلاة عليه، من حيث وجود سبب
الوجوب عليه حال الإسلام. وهو كونه في جزء من الوقت جامعا لشرائط
التكليف، وليس وجوبها عليه في هذا الزمان مسببا عن دلوك الشمس قبل
الإسلام حتى نحكم بعدم كونه مؤثرا وكونه كأن لم يكن، وحيث إنه لم يثبت
من حديث الجب ارتفاع حدث الجنابة أو الحيض بالإسلام - حتى يصير
متطهرا، يجري عليه أحكام الطاهرين، لأن مساق الحديث العفو والمسامحة
المناسبتين للأمور الراجعة إلى التكليف، دون مثل الطهارة من الحيض
والجنابة - كان الحدث باقيا فيجب عليه رفعه (1) عند وجود ما يشترط به.
والحاصل: أن النبوي مختص بما إذا تحقق تكليف قبل الإسلام بسبب
من الأسباب (2)، فإنه ينقطع وينهدم بالإسلام دون سائر الأمور فإنها
لا تنقطع، فالتكليف بعد الإسلام لوجود السبب حينئذ، لا للسبب الحادث
قبله.
ومما ذكرنا يظهر فساد الاستشهاد بعموم حديث (3) ببعض (4) الروايات
التي يظهر منها تقرير الإمام عليه السلام لاقتضاء حديث الجب سقوط حد الزنا
عن الكافر إذا أسلم.

(1) في " ع " و " ح ": " دفعه ".
(2) في " ع ": " من الإسلام ".
(3) كذا في النسخ، والصواب - ظاهرا -: " لعموم الحديث ".
(4) كذا في " ج " و " ح "، وفي " ع ": " بعض ".
576

وجه الفساد: أن الزنا قبل الإسلام سبب لوجوب الحد بعده، فعموم
الرواية يقتضي نفيه إلا لمانع، بخلاف ما نحن فيه، فإن سبب الوجوب هي
الجنابة الموجودة بعد الإسلام، لا سببها الحادث قبله.
والرواية المذكورة هي ما رواه المشايخ الثلاثة، والطبرسي عن جعفر
ابن رزق الله قال: " قدم إلى المتوكل رجل نصراني مع امرأة مسلمة فأراد
أن يقيم عليه الحد فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه وفعله (1).
وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود. وقال بعضهم: يفعل به كذا وكذا، فأمر
المتوكل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام وسأله عن ذلك، فلما قدم
الكتاب كتب أبو الحسن عليه السلام: يضرب حتى يموت، فأنكر يحيى بن أكثم
وأنكر فقهاء العسكر ذلك، وقالوا: يا أمير المؤمنين، سله عن هذا فإنه شئ
لم ينطق به كتاب، ولم يجئ به سنة، فكتب إليه عليه السلام: إن فقهاء المسلمين
قد أنكروه، و (2) قالوا: إن هذا لم يجئ به سنة ولم ينطق به كتاب، فبين لنا
بما أوجبت عليه الضرب حتى يموت؟ فكتب عليه السلام: بسم الله الرحمن
الرحيم (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم
يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر
هنالك الكافرون) قال: فأمر به المتوكل فضرب حتى مات " (3). فإن ظاهر

(1) في " ع ": " وقتله ".
(2) لم ترد " الواو " في " ع ".
(3) الكافي 7: 238، الحديث 2. الفقيه 4: 36، الحديث 5027. التهذيب 10: 38،
الحديث 135. الإحتجاج 2: 258. وعنهم في الوسائل 18: 407، الباب 36 من
أبواب حد الزنا، الحديث 2. والآية من سورة غافر: 84 و 85.
577

جواب الإمام عليه السلام بالآية (1) تقريره عليه السلام لما فهمه القاضي - يحيى بن
أكثم - من اقتضاء عموم حديث الجب لدفع الحد عنه وهدم ما كان حال
الكفر بالإسلام، إلا أنه عليه السلام أجاب بما أجاب وحاصله عدم نفع الإيمان
عند إرادة إقامة الحد عليه.
لكن قد عرفت أن عموم الحديث لسقوط وجوب الحد بالإسلام
لا ينافي ما نحن فيه، للفرق الذي عرفت.
نعم، يبقى في المقام أن مقتضى عمومه سقوط حقوق الناس إذا حدث
سببها حال الكفر، ولا يمكن أن يقال: إن أسبابها سبب لاشتغال الذمة وهو
باق إلى ما بعد الإسلام ويكون سببا لوجوب الأداء، لأن نفس اشتغال
الذمة مما ينفيه حديث الجب الوارد مورد العفو والمسامحة، وليس نظير الجنابة
والحدث الأصغر، كما هو واضح.
وأوضح منه حكومة حديث الجب على أدلة تأثير تلك الأسباب،
وما دل على أنه لا مسقط لحقوق الناس إلا أداؤها أو عفو صاحب الحق (2)
فلا يتوهم معارضته لها بالعموم من وجه والرجوع إلى أصالة بقاء الحق.
نعم، يمكن التمسك لعدم السقوط بما دل على أن المخالف يعيد الزكاة،
معللا بأنه وضعها في غير موضعها، وأنه أبعد حق امرئ مسلم، وأعطاه
غيره (3)، فيدل على أن حقوق الناس لا تسقط بالإيمان.

(1) لم ترد " بالآية " في " ج " و " ح ".
(2) الوسائل 8: 550، الباب 122 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 24، والوسائل
11: 342، الباب 78 من أبواب جهاد النفس، الحديث 3.
(3) الوسائل 1: 97، الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 1 و 5.
578

لكن يوهنه أن المشهور سقوط الزكاة عن الكافر بالإسلام وإن بقي
عين النصاب، استنادا إلى حديث الجب (1)، وإن كان بين الزكاة وديون
الناس فرق، من حيث إن اشتغال الذمة بحق الناس في الزكاة متفرع على
تكليفه بالإخراج، فإذا سقط بالإسلام التكليف سقط الاشتغال، بخلاف
الديون، فإن التكليف بأدائها متفرع على اشتغال الذمة بها عكس الزكاة،
فلا يرتفع التكليف إلا ببراءة الذمة، فيرجع الكلام إلى دلالة حديث الجب
على سقوط الاشتغال، والمسألة محتاجة إلى التأمل.
* (و) * اعلم أنه * (لو اغتسل) * الجنب * (ثم ارتد) * لم يعد حدثه
بمجرد الارتداد قطعا * (ثم) * لو * (عاد) * إلى الإسلام * (لم يبطل) * ثواب
عمله ولا شئ من عمله، فضلا عن نفس * (الغسل (2)) *، للأصل،
وقوله عليه السلام في رواية زرارة: " من كان مؤمنا فحج، وعمل في إيمانه، ثم
أصابته فتنة، ثم كفر: ثم تاب، وآمن يحسب له كل عمل صالح عمله في
إيمانه، ولا يبطل منه شئ " (3).
ومقتضى مفهوم الرواية أنه لو لم يعد إلى الإيمان بطل عمله. وهو
كذلك، لأن الكفر محبط أو كاشف عن عدم صحته، بناء على أن الصحة
مشروطة بالإيمان المستقر، أو أن المستودع ليس بإيمان.
وهل يعود حدثه؟ وجهان: من أن رفع الحدث مترتب على الامتثال
المستلزم للثواب، فانتفاؤه يكشف عن عدم الامتثال الموجب لبقاء الحدث،

(1) تقدم في الصفحة 575.
(2) في الشرائع: " غسله ".
(3) الوسائل 1: 96، الباب 30 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث الأول.
579

ومن أن الحبط (1) حكم شرعي، ورفع الحدث إنما يترتب على الفعل
الصحيح حين الوقوع، واشتراطه بالإيمان المستقر غير ثابت، والمسألة قليلة
الجدوى.

(1) كذا في " ع " و " ج "، وفي " ح ": " المحبط ".
580

[حكم الجنابة]
* (وأما الحكم) * المترتب على الجنابة:
[ما يحرم على الجنب]
* (فيحرم عليه قراءة كل من سور العزائم (1)) * الأربع - وهي: سورة
التنزيل، وحم السجدة، وسورة النجم، وسورة إقرأ - على المشهور.
قال في المقنعة: ولا بأس أن يقرأ من سور القرآن وآية ما شاء
إلا أربع سور منه، فإنه لا يقرأها حتى يطهر ثم ذكر السور، ثم قال: لأن في
هذه السور سجودا واجبا، ولا يجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات (2)،
انتهى.
ومثله استدل الشيخ في التهذيب (3).
وفي المعتبر: يجوز للجنب أن يقرأ من القرآن ما شاء إلا سور العزائم
الأربع، روى ذلك البزنطي في جامعه عن الحسن الصيقل، وهو مذهب
فقهائنا أجمع (4)، انتهى.

(1) في الشرائع: " كل واحدة من العزائم ".
(2) المقنعة: 52.
(3) التهذيب 1: 129.
(4) المعتبر 1: 186 - 187، وعنه في الوسائل 1: 494، الباب 19 من أبواب
الجنابة، الحديث 11.
581

وفي التذكرة: يحرم على الجنب قراءة العزائم، وهي أربع سور... إلى
أن قال: أما تحريم العزائم فبإجماع أهل البيت عليهم السلام (1).
وادعى الإجماع في السرائر (2) والذكرى أيضا (3).
وظاهر استدلال الشيخين حرمة قراءة مجموع السورة، لاشتمالها على
آية العزيمة وهو ظاهر معقد إجماع التذكرة والمنتهى، لأنه ذكر بعد ذلك في
الفروع حرمة قراءة أبعاض السور (4)، ولذا حكي عن كاشف اللثام أنه
احتمل حرمة خصوص آية السجدة عن عدة من كتب الجماعة (5).
هذا، ولكن يبعد إرادة المجموع - مضافا إلى ذكرهم كراهة ما زاد على
السبع من عموم الجواز من غير العزائم - أنه لو كان هو المجموع فإن كان
باعتبار اشتماله على آية السجدة فهي المحرمة في الحقيقة، ولا ينبغي التعبير
عن ذلك بحرمة السورة، لأن ما عدا آية السجدة منها لا دخل له في الحرمة،
وإن كان باعتبار المجموع من حيث المجموع كان اللازم عدم تحريم قراءة
خصوص آية السجدة، ولا أظن أحدا التزم به.
* (و) * كأنه لفهم ذلك كله ادعى في الروض (6) الإجماع صريحا (7) وفي

(1) التذكرة 1: 235.
(2) السرائر 1: 117.
(3) الذكرى: 34.
(4) المنتهى 2: 216.
(5) كشف اللثام 1: 83.
(6) في " ح " و " ع ": " الرياض "، والصواب - ظاهرا - ما أثبتناه، لأن فيه ادعى
الإجماع صريحا.
(7) روض الجنان: 49.
582

شرح الدروس - ظاهرا (1) - على حرمة * (قراءة بعضها حتى البسملة) * بل
لفظة " بسم "، كما في الروض * (إذا نواها منها) * (2). وقد ينسب دعوى هذا
الإجماع إلى الذكرى (3) ولم نجد فيها إلا دعوى الإجماع على حرمة العزائم.
ثم إن ما في الروض من حرمة لفظة " بسم " مع النية لا إشكال إذا
تلفظ بها ناويا لضم غيرها مما يصدق معه عليه قراءة القرآن، أما لو قصد
الاقتصار على لفظ " بسم " ففي حرمته إشكال، من حيث عدم صدق القراءة
عليه، لأنها ليست مطلق التلفظ. نعم، إذا قصد صدق أنه اشتغل بالقراءة
بأول حرف يتلفظ به فيها.
* (و) * يحرم عليه أيضا * (مس كتابة القرآن) * بلا خلاف ظاهرا إلا
من الإسكافي فيما حكي عنه (4). ولعل الإجماع المدعى في كلام جماعة (5) قد
انعقد بعده، أو فهموا من الكراهة في كلامه الحرمة. وأما نسبة الكراهة إلى
المبسوط (6) فغير مطابقة لما وجدنا فيه. واستفاضة نقل الإجماع كفتنا مؤونة
الكلام في دلالة قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) (7)، ودلالة رواية (8)

(1) مشارق الشموس: 165.
(2) في الشرائع: " إذا نوى بها إحداها ".
(3) نسبه إليه في الجواهر 3: 43، انظر الذكرى: 34.
(4) حكاه عنه العلامة في المختلف 1: 353.
(5) مثل الشيخ في الخلاف 1: 99 - 100، وابن زهرة في الغنية: 37، والمحقق في
المعتبر 1: 187، والعلامة في التذكرة 1: 238.
(6) نسبها إليه السيد العاملي في المدارك 1: 279.
(7) الواقعة: 79.
(8) الوسائل 1: 269، الباب 12 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
583

استشهد فيها بها للنهي عن عدة أمور بعضها مكروه قطعا، وقد تقدم ذلك
في حكم الحدث الأصغر.
* (أو) * مس * (شئ) * نقش * (عليه اسم الله) *، والمراد مس الاسم،
لا ما يوهمه العبارة من مس الشئ الذي نقش على بعض أجزائه اسم الله
تعالى، كاللوح المنقوش فيه ذلك، والدرهم والدينار ونحوهما.
ويدل على (1) الحكم - مضافا إلى فحوى الحكم السابق -: بعض
الروايات (2) المنجبرة بالشهرة، وعدم الخلاف المحكي عن نهاية الإحكام (3)،
وظهور اتفاق الأصحاب المحكي عن المنتهى (4).
ففي موثقة عمار: " لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله " (5).
وأما ما دل على جواز مس ما عليه ذلك، كرواية ابن محبوب المحكية
في المعتبر عن كتابه: " في الجنب يمس الدراهم وفيها اسم الله، واسم رسول
الله صلى الله عليه وآله؟ قال: لا بأس " (6).
ورواية إسحاق بن عمار: " عن الجنب والطامث يمسان بأيديهما
الدراهم البيض؟ قال: لا بأس " (7).

(1) لم ترد " على " في " ج " و " ح ".
(2) مثل موثقة عمار الآتية.
(3) نهاية الإحكام 1: 101.
(4) المنتهى 2: 220.
(5) الوسائل 1: 491، الباب 18 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
(6) المعتبر 1: 188، وعنه في الوسائل 1: 492، الباب 18 من أبواب الجنابة،
الحديث 4.
(7) الوسائل 1: 492، الباب 18 من أبواب الجنابة، الحديث 2.
584

والصحيح المحكي في المعتبر أيضا عن جامع البزنطي: " هل يمس
الرجل الدرهم الأبيض وهو جنب؟ فقال: والله، إني لأوتيت بالدرهم
فأخذه وإني جنب، وما سمعت أحدا يكره من ذلك شيئا إلا أن عبد الله بن
محمد كان يعيبهم عيبا شديدا، فيقول: جعلوا السورة من القرآن في الدرهم
فيعطى الزانية، وفي الخمر، ويوضع على لحم الخنزير " (1)، فهي محمولة على
مس ما عدا الاسم كما يشهد له ذيل الرواية الأخيرة، مع حرمة مس سورة
القرآن اتفاقا.
ثم مقتضى إطلاق عبارة المصنف رحمه الله ومثلها: حرمة مس كل اسم
مختص به جل اسمه وإن كانت من صفاته المختصة بحسب الاستعمال بل
المشتركة إذا عد من أسماء الله تعالى.
والظاهر عدم تغيير الحكم بصيرورة الاسم جزءا من أسماء المخلوق،
كعبد الله وعبد الرحمان على إشكال، خصوصا مع كون المركب مزجيا،
لا إضافيا.
والأولى إلحاق اسم النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وسائر
الأنبياء عليهم السلام، كما عن المقنع (2) والمبسوط (3) والغنية (4) والوسيلة (5)

(1) المعتبر 1: 188، وعنه صدره في الوسائل 1: 492، الباب 18 من أبواب الجنابة،
الحديث 3.
(2) حكاه عنه الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 1: 83، ولم نقف عليه في المقنع.
(3) المبسوط 1: 29.
(4) الغنية: 37.
(5) الوسيلة: 55.
585

والمهذب (1) والسرائر (2) والجامع (3) والإرشاد (4) والذكرى (5) والدروس (6)
والروض (7) وجامع المقاصد (8)، وعن الأخير نسبته إلى كبراء الأصحاب،
وعن الغنية الإجماع عليه (9).
* (و) * يحرم أيضا * (الجلوس في المساجد) * كما في عبائر جماعة (10)، بل
دخولها كما في المبسوط (11) والوسيلة (12) والبيان (13)، لقوله تعالى - في الاستثناء
عن عموم قوله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) -: (ولا جنبا إلا
عابري سبيل) (14)، والقرب كناية عن الدخول، نظير قوله تعالى في المشركين:

(1) المهذب 1: 34.
(2) السرائر 1: 117.
(3) الجامع للشرائع: 39.
(4) الإرشاد 1: 225.
(5) الذكرى: 34.
(6) الدروس 1: 96.
(7) روض الجنان: 50.
(8) جامع المقاصد 1: 267 - 268.
(9) الغنية: 37.
(10) منهم المفيد في المقنعة: 51، وابن إدريس في السرائر 1: 117، والعلامة في
القواعد 1: 209.
(11) المبسوط 1: 29.
(12) الوسيلة: 55.
(13) لم يتعرض للمسألة في أحكام الجنب، وعبر في أحكام الحائض باللبث، انظر
البيان: 56، 62.
(14) النساء: 43.
586

(فلا يقربوا المسجد الحرام) (1). ويكفي مؤونة الكلام في دلالة الآية من حيث
وجوب ارتكاب خلاف الظاهر فيها صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم، قالا:
" قلنا له: الحائض والجنب يدخلان المسجد؟ قال عليه السلام: الحائض والجنب
لا يدخلان المسجد إلا مجتازين، إن الله عز وجل يقول: (ولا جنبا إلا
عابري سبيل) " (2). وعن مجمع البيان عن أبي جعفر عليه السلام في تفسير قوله
تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل): " لا تقربوا مواضع الصلاة من
المساجد وأنتم جنب، إلا مجتازين " (3).
نعم، في بعض الأخبار - كبعض الفتاوى (4) - النهي عن الجلوس (5)،
والظاهر كونه كناية عن اللبث كما عبر به في بعض الكتب (6)، وحينئذ
فلا يحرم المشي فيها لا بقصد الاجتياز والعبور. ولعله لظاهر قوله عليه السلام
في صحيحة جميل بن دراج - وفيه سهل بن زياد -: " للجنب أن يمشي
في المساجد كلها، ولا يجلس فيها إلا المسجد الحرام، ومسجد
رسول الله صلى الله عليه وآله " (7).

(1) التوبة: 28.
(2) الوسائل 1: 486، الباب 15 من أبواب الجنابة، الحديث 10.
(3) مجمع البيان 2: 52، وعنه في الوسائل 1: 489، الباب 15 من أبواب الجنابة،
الحديث 20.
(4) تقدم آنفا عن المقنعة والسرائر والقواعد.
(5) الوسائل 1: 485، الباب 15 من أبواب الجنابة، الأحاديث 2، 3، 4، 5 و 6.
(6) مثل الإرشاد 1: 225، والذكرى: 34، وجامع المقاصد 1: 266.
(7) الوسائل 1: 485، الباب 15 من أبواب الجنابة، الحديث 4.
587

وفي صحيحة أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام: " لا بأس أن يمر في
سائر المساجد، ولا يجلس في شئ من المساجد " (1).
ورواية محمد بن حمران: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الجنب يجلس
في المسجد؟ قال: لا، ولكن يمر فيه إلا المسجد الحرام ومسجد
الرسول صلى الله عليه وآله " (2).
وهذه وإن كانت أخص من وجه من الصحيحة، إلا أن تقييد المرور
فيها بالاجتياز أولى من تخصيص عموم النهي عن الدخول في الصحيحة على
وجه غير الاجتياز، كما لا يخفى. مضافا إلى اعتضادها بظاهر الكتاب، وإن
كان في الاعتضاد بمثله مما يحتاج العاضد في ظهوره إلى المعضود تأمل، لكن
محل الحاجة هنا إلى الاعتضاد في غير محل حاجة العاضد إلى المعضود،
كما لا يخفى.
وكيف كان، فالأقوى الاقتصار على مدلول الآية، وهو العبور في
المسجد على وجه كونه سبيلا، بأن يكون للمسجد بابان يدخل من أحدهما
ويخرج من الآخر، أو يحتلم في المسجد فيخرج منه من غير مكث.
ولا يجوز الدخول فيه لأخذ شئ ولو لم يستقر فيه.
ولكن (3) قال في التذكرة: لو كان في المسجد ماء كثير فالأقرب عندي
جواز الدخول إليه، والاغتسال فيه ما لم يلوث المسجد بالنجاسة (4).

(1) الوسائل 1: 485، الباب 15 من أبواب الجنابة، الحديث 6.
(2) الوسائل 1: 485، الباب 15 من أبواب الجنابة، الحديث 5.
(3) في " ج " و " ح ": " لكن ".
(4) التذكرة 1: 241.
588

وقريب منه ما في المنتهى (1).
وقال في المدارك في باب التيمم: لو لم يجد الماء إلا في المسجد وكان
جنبا، فالأظهر أنه يجوز له الدخول والأخذ من الماء، والاغتسال خارجا.
ولو لم يكن معه ما يغترف به فقد استقرب في المنتهى جواز اغتساله فيه،
وهو حسن إن لم يتحقق معه الجلوس (2)، انتهى.
ويظهر النظر في ذلك مما ذكرنا، حتى لو عبر الجنب في المسجد فاتفق
له ماء كثير فرمى نفسه فيه بنية الغسل، ففي جوازه نظر، من حيث إن إيقاع
نفسه في الماء ليس عبورا. نعم، لو اغتسل مرتبا وهو عابر جاز.
ثم إن المحكي في الذكرى عن المفيد في الغرية وابن الجنيد: إلحاق
المشاهد المشرفة بالمساجد، واستحسنه (3). وحكي عن الشهيد الثاني اختياره
أيضا (4).
ولعله لوجوب تعظيمها المنافي لترخيص دخول الجنب والحائض،
ولفحوى الحكم في المسجد، بناء على ما يستفاد من بعض الأخبار من أن
سبب صيرورة بعض البقاع مسجدا أنه قد أصابها شئ من دم نبي أو
وصي، فأحب الله أن يعبد في تلك البقعة (5).

(1) المنتهى 3: 159.
(2) المدارك 2: 255.
(3) الموجود في نسختنا - المطبوعة - من الذكرى حكاية ذلك عن المفيد فقط، انظر
الذكرى: 35.
(4) روض الجنان: 81.
(5) الوسائل 3: 501، الباب 21 من أبواب أحكام المساجد.
589

ولغير واحد مما يظهر منه المنع من دخول الجنب على الإمام حيا (1)،
بضميمة ما ثبت من أن حرمة الميت كحرمة الحي، بل أعظم (2)، وأنه يجب
اعتقاد حرمتهم في غيابهم عنا وحضورهم.
مثل ما عن الصفار في بصائر الدرجات، عن عبد الله بن الصلت،
عن بكر بن محمد، قال: " خرجنا من المدينة نريد منزل أبي عبد الله عليه السلام،
فلحقنا أبو بصير خارجا من زقاق، وهو جنب، ونحن لا نعلم، حتى دخلنا
على أبي عبد الله عليه السلام، فرفع رأسه إلى أبي بصير، فقال: يا أبا محمد،
أما تعلم أنه لا ينبغي للجنب أن يدخل بيوت الأنبياء؟ فرجع أبو بصير،
ودخلنا " (3).
وعن إرشاد المفيد، عن أبي بصير، قال: " دخلت المدينة ومعي
جويرية، فأصبت منها، فخرجت إلى الحمام، فلقيت أصحابنا الشيعة وهم
متوجهون إلى أبي عبد الله عليه السلام، فخشيت أن يفوتني الدخول عليه،
فمشيت معهم حتى دخلت الدار، فلما مثلت بين يديه نظر إلي ثم قال:
يا أبا بصير، أما علمت أن بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها
الجنب (4).

(1) الوسائل 1: 489، الباب 16 من أبواب الجنابة.
(2) الوسائل 19: 249، الباب 25 من أبواب ديات الأعضاء.
(3) بصائر الدرجات: 241، الجزء الخامس، الباب 10، الحديث 23، وعنه في
الوسائل 1: 489، الباب 16 من أبواب الجنابة، الحديث الأول.
(4) الإرشاد، للشيخ المفيد 2: 183. وعنه في الوسائل 1: 489، الباب 16 من
أبواب الجنابة، الحديث 2.
590

وعن كشف الغمة نقلا من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري
عن أبي بصير، قال: " دخلت على أبي عبد الله وإنما أريد أن يعطيني من (1)
دلائل الإمامة مثل ما أعطاني أبو جعفر، فلما دخلت عليه - وكنت جنبا -
فقال: يا أبا محمد، ما كان ذلك فيما كنت فيه شغل، تدخل علي وأنت
جنب؟ فقلت: ما فعلته إلا عمدا، فقال: أو لم تؤمن؟ قلت: بلى، ولكن
ليطمئن قلبي. فقال: يا أبا محمد، قم فاغتسل. فقمت واغتسلت وصرت إلى
مجلسي، وقلت عنده: إنه إمام " (2).
[* (ووضع شئ فيها، والجواز في المسجد الحرام أو مسجد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، ولو أجنب فيهما لم يقطعهما إلا بالتيمم) *.
* (ويكره له الأكل والشرب، وتخف الكراهة بالمضمضة والاستنشاق.
وقراءة ما زاد على سبع آيات من غير العزائم، وأشد من ذلك قراءة سبعين، وما
زاد أغلظ كراهية، ومس المصحف، والنوم حتى يغتسل أو يتوضأ أو يتيمم،
والخضاب) *.
* (وأما الغسل) *
* (فواجباته خمس: النية. واستدامة حكمها إلى آخر الغسل، وغسل البشرة
بما يسمى غسلا، وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلا به، والترتيب، يبدأ بالرأس، ثم
بالجانب الأيمن، ثم الأيسر، ويسقط الترتيب بارتماسية واحدة) *.

(1) لم ترد " من ": في " ج " و " ح ".
(2) كشف الغمة 2: 188، وعنه في الوسائل 1: 490، الباب 16 من أبواب الجنابة،
الحديث 3.
591

* (وسنن الغسل: تقديم النية عند غسل اليدين، وتتضيق عند غسل
الرأس، وإمرار اليد على الجسد، وتخليل ما يصل إليه الماء، استظهارا، والبول
أمام الغسل، والاستبراء، وكيفيته: أن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا،
ومنه إلى رأس الحشفة ثلاثا، وينتره ثلاثا. وغسل اليدين ثلاثا قبل إدخالهما الإناء.
والمضمضة والاستنشاق، والغسل بصاع) *.
مسائل ثلاث:
* (الأولى: إذا رأى المغتسل بللا مشتبها بعد الغسل، فإن كان قد بال أو
استبرأ لم يعد، وإلا كان عليه الإعادة.
الثانية: إذا غسل بعض أعضائه ثم أحدث، قيل: يعيد الغسل من رأس.
وقيل: يقتصر على إتمام الغسل. وقيل: يتمه ويتوضأ للصلاة، وهو الأشبه.
الثالثة: لا يجوز أن يغسله غيره مع الإمكان، ويكره أن يستعين فيه) *] (1).

(1) ما بين المعقوفتين من الشرائع، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له، وبه يتم
الفصل الأول من فصول الغسل، وبه يتم أيضا الجزء الثاني من كتاب الطهارة حسب
تجزئتنا، ويليه الجزء الثالث، وهو شرح مزجي لكتاب إرشاد الأذهان. والظاهر أن
المؤلف قدس سره ترك شرح الشرائع إلى شرح الإرشاد.
وقد أورد ناسخ " ع " في آخر شرح الشرائع ما يلي: إلى هنا وجدنا النسخة
المنسوبة إليه طيب الله رمسه وأنار برهانه، حرره العبد الفاني زين العابدين القمي
المسكن، اللهم اغفر له ولوالديه ولمن اتبع الهدى، سنة 1302 ه‍.
592