الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ١٤
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ربيع الأول ١٤١٨
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-٠٤٠-٤
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء الرابع عشر
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

Bp النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 - 1245 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد مهدي
4 ن النراقي تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1415 ه‍.
1415 ه‍ ج. نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
- عليهم السلام - لإحياء التراث. ب. العنوان.
ردمك (شابك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزء.
. VOIS 18 - 2 - 75 - 5503 - ISBN 964
ردمك (شابك). - 76 - 5503 - 964 / ج 1
L / VO / 0 - 76 - 5503 - ISBN 964
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 14
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك):
الطبعة: الأولى - ربيع الأول 1418 ه‍.
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 7000 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 37185 / 996 - هاتف 4 - 370001
4

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
5

كتاب مطلق الكسب والاقتناء
7

مقدمة: اعلم أن الكسب جنس تحته أنواع كثيرة، ولكل نوع منه
متعلق، هو ما يكتسب به، فهذه أمور ثلاثة، والأولان من فعل المكلف،
والثالث ليس كذلك، بل هو الأعيان والمنافع الخارجية.
ولكل من الأولين آداب، بمعنى: أن لمطلق الكسب - من غير
تخصيص بنوع منه - أمورا يرجح فيها ارتكابه أو تركه مع المنع من النقيض
أو بدونه.
ولكل نوع منه أيضا آداب مختصة به.
ولكل من الثلاثة - باعتبار الأحكام الشرعية - أقسام:
فينقسم مطلق الكسب من حيث هو - أي مع قطع النظر عن أنواعه
ومتعلقاته - إلى خمسة أقسام: الواجب، والمندوب، والحرام، والمكروه،
والمباح.. بمعنى: أنه قد يكون واجبا، وقد يكون مندوبا، وهكذا.
والثاني ينقسم إلى أربعة أقسام، هي غير الواجب، إذ ليس من أنواع
التكسب ما يكون واجبا من حيث هو إلا على الوجوب الكفائي في بعض
الأنواع.
والثالث ينقسم إلى أقسام ثلاثة: الحرام، والمكروه، والمباح..
بمعنى: أنه يحرم جعله متعلقا للكسب، أو يكره، أو يباح.
ولم يرد استحباب جعل شئ من الأعيان أو المنافع متعلقا له، أو
وجوبه.
9

وهذا أيضا على قسمين، لأنه إما يكون في مطلق الكسب، بمعنى:
أنه يحرم أو يكره أو يباح جعله متعلقا وموردا لمطلق الكسب من غير
اختصاص بنوع.
أو يكون في نوع خاص، أو أنواع خاصة منه، كالأراضي الموات،
فإنها لا يجوز بيعها وإجارتها ونحوهما، ويجوز تحجيرها وإحياؤها،
وكالوقف العام يجوز إجارتها والزراعة فيها، ولا يجوز بيعها وهبتها.
ثم الأول وإن انقسم باعتبار أقسام الثانيين إلى أقسامهما والثاني باعتبار
الثالث إلى أقسامه، إلا أن المتعارف تقسيم كل منها إلى أقسامه الحاصلة له
مع قطع النظر عن الآخر.
وقد وقع في هذا المقام خلط وتخليط واختلاف كثير في كثير من
كتب الأصحاب من وجوه عديدة:
فترى منهم من يعنون كتاب الكسب ويذكر فيه بعض آدابه وأقسام
أنواعه، ثم يذكر فيه ما يتعلق بعقد البيع وأحكامه، ويعنون للصلح والإجارة
وغيرها من المعاوضات كتابا على حدة، مع أن نسبتها إلى مطلق الكسب
كنسبة البيع إليه، فلا وجه للتفرقة، على أن البيع كغيره من المعاوضات أعم
من وجه من مطلق الكسب، فجعله من أفراده غير جيد.
ومنهم من ذكر آدابا لمطلق الكسب، وترى بعضها مخصوصا ببعض
أنواعه، مع أنه قد يذكر في باب هذا النوع بعض ما يختص به من الآداب،
بل قد يذكر فيه بعض ما هو آداب للمطلق.
وأيضا ترى منهم من خلط بين كثير من أقسام أنواع الكسب وأقسام
ما يكتسب به، مع أنه عنون لكل منهما عنوانا على حدة.
وأيضا ترى منهم من يذكر بعض أقسام ما يكتسب به في عنوان
10

مطلق الكسب، وبعضها في عنوان نوع خاص منه، مع اشتراكهما في
الاختصاص أو العموم.
وقد ترى منهم من خلط بين أقسام الكسب وبين آدابه، فجعل بعض
ما يحرم ارتكابه أو يكره في مطلق الكسب أو نوع منه من أنوع الكسب
المحرم أو المكروه أو بالعكس، إلى غير ذلك من الوجوه الظاهرة للمتتبع.
والأولى أن يعنون لمطلق الكسب كتابا، ولكل من عقود المعاوضات
كتابا على حدة، ويذكر ما يرد على المطلق من الآداب والأقسام في كتابه،
وما يرد على نوع خاص منه في كتابه الخاص، ونحن نعنون كذلك، إلا أنا
نذكر آداب مطلق الكسب والبيع في عنوان واحد اتباعا للأكثر وحفظا عن
التشتت، ونذكرها مع ما يجري مجراها في مقاصد:
11

المقصد الأول
في الحث على الكسب والترغيب إليه
ويقسم مطلقه إلى الأقسام الخمسة.
قال الله سبحانه: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) (1).
وقال: (فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) (2).
وفي الخبر: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك
تموت غدا) (3).
وفي آخر: (إن الله تبارك وتعالى ليحب الاغتراب في طلب الرزق) (4).
وفي ثالث: (لا تكسلوا في طلب معايشكم، فإن آباءنا كانوا يركضون

(1) الملك: 15.
(2) الجمعة: 10.
(3) الفقيه 3: 94 / 356، الوسائل 17: 76 أبواب مقدمات التجارة ب 28 ح 2.
(4) الفقيه 3: 95 / 358، الوسائل 17: 77 أبواب مقدمات التجارة ب 29 ح 1.
13

فيها ويطلبونها) (1).
وفي رابع: (إن الله يحب المحترف الأمين) (2).
وفي خامس: (إني أجدني أمقت الرجل يتعذر عليه المكاسب،
فيستلقي على قفاه ويقول: اللهم ارزقني، ويدع أن ينتشر في الأرض
ويلتمس من فضل الله، والذرة (3) تخرج من جحرها تلتمس رزقها) (4).
وفي سادس: في من أقبل على العبادة وترك التجارة: (أما علم أن
تارك الطلب لا يستجاب له) (5).
وفي سابع: (لأبغض الرجل أن يكون كسلانا في أمر دنياه، ومن
كسل عن أمر دنياه كان من أمر آخرته أكسل) (6)، إلى غير ذلك من الأخبار
المتواترة معنى (7).
وهو قد يجب إن اضطر إليه في إبقاء مهجته ومهجة عياله ومن يجري
مجراها، قال النبي صلى الله عليه وآله: (ملعون من ألقى كله على الناس) (8).
وفي مرسلة الفقيه: (ملعون ملعون من ضيع من يعول) (9).

(1) الفقيه 3: 95 / 363، الوسائل 17: 60 أبواب مقدمات التجارة ب 18 ح 8.
(2) الخصال 2: 621 / 10، الوسائل 17: 11 أبواب مقدمات التجارة ب 1 ح 6.
(3) الذر: صغار النمل، والواحدة ذرة، القاموس المحيط 2: 35.
(4) الفقيه 3: 95 / 366، الوسائل 17: 30 أبواب مقدمات التجارة ب 6 ح 4.
(5) الكافي 5: 84 / 5، التهذيب 6: 323 / 885، الوسائل 17: 27 أبواب مقدمات
التجارة ب 5 ح 7.
(6) الكافي 5: 85 / 4، الوسائل 17: 58 أبواب مقدمات التجارة ب 18 ح 1، بتفاوت يسير.
(7) الوسائل 17: 58 أبواب مقدمات التجارة ب 18.
(8) الكافي 5: 72 / 7، التهذيب 6: 327 / 902، الوسائل 17: 31 أبواب مقدمات
التجارة ب 6 ح 10.
(9) الكافي 4: 12 / 9، الفقيه 3: 103 / 417، الوسائل 17: 68 أبواب مقدمات
التجارة ب 23 ح 7.
14

وعن الصادق عليه السلام: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول) (1).
وكذلك إذا توقفت عليه الواجبات المطلقة، كالحج بعد فقد
الاستطاعة مع التقصير والماء للطهارة، والساتر للعورة، ونحوها.
ويستحب للتوسعة في المعاش بلا خلاف ظاهر، وفي الأخبار دلالة
عليه:
ففي رواية أبي حمزة: (من طلب الرزق في الدنيا استعفافا عن الناس
وسعة على أهله وتعطفا على جاره لقى الله عز وجل يوم القيامة ووجهه مثل
القمر ليلة البدر) (2).
ومثل التوسعة تحصيل ما يتوقف عليه من العبادات المستحبة، كالبر،
والصدقة، والحج المستحب، والعتق، وبناء المساجد والمدارس، وأمثالها،
وفي الأخبار المستفيضة تصريح به:
ففي الصحيح: (إن أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف مملوك من كد
يده) (3).
وفي الحسن: قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام: والله إنا لنطلب الدنيا
ونحب أن نؤتى بها، فقال: (تحب أن تصنع بها ماذا؟) قال: أعود بها على
نفسي وعيالي، وأصل بها، وأتصدق، وأحج وأعتمر، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

(1) الكافي 4: 12 / 8، الفقيه 3: 103 / 416، الوسائل 17: 68 أبواب مقدمات
التجارة ب 23 ح 8.
(2) الكافي 5: 78 / 5، التهذيب 6: 324 / 890، الوسائل 17: 21 أبواب مقدمات
التجارة ب 4 ح 5، بتفاوت يسير.
(3) أمالي الصدوق: 232 / 14، الوسائل 1: 88 أبواب مقدمة العبادات ب 20
ح 12.
15

(ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة) (1).
ويكره لمجرد إكثار المال وجمعه وزينة الدنيا وسائر ما يكون
مكروها، كما يحرم إذا كان سببا لترك واجب، ويباح فيما سوى ذلك.

(1) الكافي 5: 72 / 10، التهذيب 6: 327 / 903، الوسائل 17: 34 أبواب
مقدمات التجارة ب 7 ح 3.
16

المقصد الثاني
في آداب مطلق الكسب والبيع
وفيه فصول:
الفصل الأول
في المستحبات
وهي أمور:
منها: التفقه أولا ولو تقليدا فيما يتولاه بنفسه، بالاجماع والأخبار (1)،
ليعرف كيفية الاكتساب، ويميز بين العقود الصحيحة والفاسدة، ويسلم من
الربا الموبق، ولا يرتكب المآثم من حيث لا يعلم، وهذا إنما هو قبل
الدخول في الواقعة والاحتياج إليه في خصوص المعاملة، وإلا فيكون التفقه
واجبا من باب المقدمة.

(1) الوسائل 17: 381 أبواب آداب التجارة ب 1.
17

والحاصل: أن المستحب هو معرفة الأحكام المفصلة لجميع أفراد ما
يمكن أن يتفق له في هذا النوع، لئلا يدخل في الحرام من حيث لا يعلم.
ومنها: الاجمال في الطلب، بأن لا يصرف أكثر أوقاته فيه..
ففي صحيحة الثمالي: (فاتقوا الله عز وجل وأجملوا في الطلب) (1).
وفي مرسلة ابن فضال: (فليكن طلب المعيشة فوق كسب المضيع
ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها) (2).
ومنها: قصد النفقة والسعة ودفع الضرورة أو ما يتقرب به إلى الله،
دون زينة الدنيا والتفاخر والتكاثر والملاهي.
ومنها: الثقة بالله والتوكل عليه، وعدم الاعتماد على عمله وفطانته.
روى عبد الله بن سليمان: (إن الله عز وجل وسع في أرزاق الحمقى
ليعتبر العقلاء، ويعلموا أن الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة) (3).
وفي مرفوعة ابن جمهور: (لن يزداد امرؤ نقيرا بحذقه ولم ينقص
امرؤ نقيرا بحمقه) (4).
ومنها: إقالة النادم مؤمنا كان أو غيره، لرواية الجعفري (5)، ولما فيه

(1) الكافي 5: 80 / 1، التهذيب 6: 321 / 880، المقنعة: 90، الوسائل 17: 44
أبواب مقدمات التجارة ب 12 ح 1.
(2) الكافي 5: 81 / 8، التهذيب 6: 322 / 882، الوسائل 17: 48 أبواب مقدمات
التجارة ب 13 ح 3.
(3) الكافي 5: 82 / 10، التهذيب 6: 323 / 884، الوسائل 17: 48 أبواب
مقدمات التجارة ب 13 ح 1.
(4) الكافي 5: 81 / 9، التهذيب 6: 323 / 883، الوسائل 17: 49 أبواب مقدمات
التجارة ب 13 ح 4.
(5) الكافي 5: 151 / 4، التهذيب 7: 5 / 15، الوسائل 17: 385 أبواب آداب
التجارة ب 3 ح 1.
18

من جبر قلب المسلم، سيما في البيع، لخصوص رواية أبي حمزة (أيما
عبد أقال مسلما في بيع أقاله الله عثرته يوم القيامة) (1).
والتقييد بالنادم - مع إطلاق بعض الأخبار - لأن استحبابها إنما هو بعد
الاستقالة ولا استقالة لغير النادم، فإثبات استحبابها مطلقا لا وجه له.
ومنها: التسوية بين كل الناس في البيع والشراء، فيكون الساكت عنده
بمنزلة المماكس (2)، وغير البصير بمنزلة البصير، والمستحيي بمنزلة المداق.
لرواية ميسر: (إن وليت أخاك فحسن، وإلا فبع بيع البصير
المداق) (3)، ودلالتها إنما هي على كون إضافة البيع إلى المفعول.
ورواية ابن جذاعة: في رجل عنده بيع فسعره سعرا معلوما فمن
سكت عنه ممن يشتري منه فباعه بذلك السعر ومن ماكسه فأبى أن يبتاع منه
زاده، قال: (لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك بأس، وأما أن
يفعله بمن أبى عليه وكايسه ويمنعه ممن لم يفعل ذلك فلا يعجبني) (4).
واستحباب التسوية إنما هو لأجل ما ذكر.
وأما لو كان التفاوت من جهة أخرى - كالفضل والايمان والورع
والقرابة - فلعله لا مانع منه كما ذكره جماعة (5)، ولكن يكره للأخذ قبوله،

(1) الكافي 5: 153 / 16، الفقيه 3: 122 / 526، التهذيب 7: 8 / 26، الوسائل
17: 386 أبواب آداب التجارة ب 3 ح 2، بتفاوت يسير.
(2) المماكسة في البيع: انتقاص الثمن واستحطاطه - مجمع البحرين 4: 108.
(3) الكافي 5: 153 / 19، التهذيب 7: 7 / 24، الإستبصار 3: 70 / 234، الوسائل
17: 397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 2.
(4) الكافي 5: 152 / 10، التهذيب 7: 8 / 25، الوسائل 17: 398 أبواب آداب
التجارة ب 11 ح 1، بتفاوت يسير.
(5) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 286، وصاحبي مفتاح الكرامة 4: 133
والرياض 1: 519.
19

ولقد كان السلف يوكلون في الشراء ممن لا يعرف هربا من ذلك.
ومنها: ذكر الله سبحانه في السوق والدعاء بالمأثور عند دخول
السوق، والجلوس في مكانه، وعند الشراء وبعده، وعند شراء الدابة أو
الرأس (1).
ومنها: أن يأخذ ناقصا ويعطي راجحا بحيث لا يؤدي إلى الجهالة،
للأمر بإيفاء الكيل والوزن، مع ما ورد من أنه لا يكون الوفاء حتى يميل
الميزان (2).
وفي رواية السكوني: (مر أمير المؤمنين عليه السلام على جارية قد اشترت
لحما من قصاب وهي تقول: زدني، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: زدها، فإنه
أعظم للبركة) (3)، وكانت الجارية أمة للغير، فلا ينافي ذلك استحباب الأخذ
ناقصا.
وفي صحيحة ابن عمار: (من أخذ الميزان بيده فنوى أن يأخذ لنفسه
وافيا لم يأخذ إلا راجحا، ومن أعطى فنوى أن يعطي سواء لم يعط إلا
ناقصا) (4).
قيل: إن هذه الزيادة والنقصان غير ما يجب من باب المقدمة (5). ولا
يخفى أن وجوبها من باب المقدمة ممنوع، إذ ليس الواجب المساواة

(1) انظر الوسائل 17: 401 - 409 أبواب آداب التجارة ب 18.
(2) الوسائل 17: 392 أبواب آداب التجارة ب 7.
(3) الكافي 5: 152 / 8، الفقيه 3: 122 / 524، التهذيب 7: 7 / 20، الوسائل
17: 392 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 1.
(4) الكافي 5: 159 / 2، الفقيه 3: 123 / 534، التهذيب 7: 11 / 46، الوسائل
17: 393 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 5.
(5) انظر الرياض 1: 519.
20

الحقيقية، بل العرفية، المتحققة بالتساوي في النظر بتفاوت قليل يسامح فيه
عرفا، سيما مع حصول التراضي، ومع ما تشعر به أخبار كثيرة من نفي
البأس عن القليل من الزيادة والنقصان.
ومع التشاح في درك الفضيلة، قيل: يقدم من بيده المكيال
والميزان (1).
وهو لا يقطع التشاح إذا وقع في المباشرة.
وقيل: البائع، لأن الوزن عليه (2).
وهو لا ينفي استحباب الأخذ ناقصا.
وقيل بالقرعة (3).
ومنها: تقديم الاستخارة - أي طلب الخيرة من الله سبحانه -
والوضوء والتكبير في طلب الرزق، وكونه سهل البيع، سهل الشراء، سهل
القضاء، سهل الاقتضاء، للأخبار وفتاوى الأصحاب.
وأما ما ورد من الأمر بمماكسة المشتري وإن أعطى الجزيل (4)
فمحمول على الجواز، أو على ما رواه السكوني: (أنزل الله تعالى على
بعض أنبيائه عليهم السلام: للكريم فكارم، وللسمح فسامح، وعند الشكس
فالتو) (5).

(1) انظر الروضة 3: 291، المفاتيح 3: 20.
(2) انظر مفتاح الكرامة 4: 133.
(3) انظر مفتاح الكرامة 4: 133.
(4) الفقيه 3: 122 / 530، الوسائل 17: 455 أبواب آداب التجارة ب 45 ح 2.
(5) الفقيه 3: 121 / 522، الوسائل 17: 388 أبواب آداب التجارة ب 4 ح 3،
والشكس: الاختلاف والتنازع - مجمع البحرين 4: 78.
21

الفصل الثاني
فيما يكره ارتكابه
وهي أيضا أمور:
منها: عيب ما يشتري وحمد ما يبيع وإن كان صادقا.
لاطلاق مرفوعة ابن عيسى: (أربع من كن فيه طاب مكسبه: إذا
اشترى لم يعب، وإذا باع لم يحمد، ولم يدلس، وفيما بين ذلك لا
يحلف) (1).
ورواية السكوني: (من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلا فلا
يبيعن ولا يشترين: الربا، والحلف، وكتمان العيب، والحمد إذا باع، والذم
إذا اشترى) (2)، وهي وإن تضمنت للأمر والنهي إلا أن الاجماع على عدم
الحرمة عند الصدق يعين حملها على مطلق الطلب أو التخصيص بالكذب.
ومنها: الحلف بالبيع والشراء - بل مطلقا - وإن صدق فيه، لما مر،
ولأنه يذهب بالبركة، كما نطقت به المستفيضة (3).
وروى الصدوق عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (ويل لتجار أمتي من لا
والله بلى والله) (4).

(1) الكافي 5: 153 / 18، الوسائل 17: 384 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 3.
(2) الكافي 5: 150 / 2، الفقيه 3: 120 / 515، التهذيب 7: 6 / 18، المقنعة:
91، الوسائل 17: 383 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 2. وهو في الخصال 1:
285 / 38.
(3) الوسائل 17: 419 أبواب آداب التجارة ب 25.
(4) الفقيه 3: 97 / 371، الوسائل 17: 420 أبواب آداب التجارة ب 25 ح 5.
22

وفي الأمالي عن الصادق عليه السلام: (إن الله تبارك وتعالى ليبغض المنفق
سلعته بالأيمان) (1)، إلى غير ذلك.
ومنها: البيع في الظلمة وموضع يستر فيه العيب، لأنه مظنة ستر
العيب، ولصحيحة هشام: (إن البيع في الظلال غش، والغش حرام) (2)،
وحملها على الكراهة لعدم كونه غشا حقيقة ولا تدليسا، فعلى المشتري أن
يخرج المتاع إلى حيث يتمكن من ملاحظته، ولعدم القائل به من
الأصحاب.
ومنها: تزيين متاعه بأن يظهر جيده ويكتم رديه، بل ينبغي إظهار
الكل، لما مر، ولما روي: (أن النبي صلى الله عليه وآله قال لفاعل ذلك: ما أراك إلا قد
جمعت خيانة وغشا للمسلمين) (3)، والتقريب ما مر.
ومنها: الربح على المؤمن، قالوا: إلا إذا كان شراؤه للتجارة أو
يشتري بأكثر من مائة درهم.
لرواية سليمان بن صالح وأبي شبل: (ربح المؤمن على المؤمن ربا،
إلا أن يشتري بأكثر من مائة درهم، فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه
للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم) (4).
ولا يخفى أن فاعل قوله (يشتري) و: (يشتريه) يمكن أن يكون

(1) الأمالي: 390 / 6، الوسائل 17: 420 أبواب آداب التجارة ب 25 ح 6.
(2) الكافي 5: 160 / 6، الفقيه 3: 172 / 770، التهذيب 7: 13 / 54، الوسائل
17: 466 أبواب آداب التجارة ب 58 ح 1.
(3) الكافي 5: 161 / 7، التهذيب 7: 13 / 55، الوسائل 17: 282 أبواب ما
يكتسب به ب 86 ح 8.
(4) الكافي 5: 154 / 22، التهذيب 7: 7 / 23، الإستبصار 3: 69 / 232، الوسائل
17: 396 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 1.
23

المؤمن الأول وأن يكون الثاني، والأكثر حملوه على الثاني، ولاحتمال
الأمرين يشكل استثناء كل منهما، وإن كان الظاهر ما فهمه الأكثر.
نعم، لا إشكال إذا كانا معا كذلك.
وفي المحاسن: (ربح المؤمن على المؤمن ربا) (1).
وفي عقاب الأعمال: (ربح المؤمن ربا) (2).
وإنما حملوها على الكراهة قيل (3): للتصريح بالجواز في رواية عمر
السابري - بعد قوله: إن الناس يزعمون أن الربح على المضطر حرام هو من
الربا -: فقال: (هل رأيت أحدا اشترى غنيا أو فقيرا إلا من ضرورة؟! يا عمر
قد أحل الله البيع وحرم الربا، واربح ولا ترب) (4) ورواية ميسر (5) المتقدمة،
ولسائر عمومات المرابحة (6).
ولا يخفى أن دليل المنع أخص، لاختصاصه بالمؤمن، ولمكان
الاستثناء، فكما يمكن الجمع بالحمل على الكراهة يمكن بالتخصيص
أيضا.
ولا يخفى أن دليل المنع أخص، لاختصاصه بالمؤمن، ولمكان
الاستثناء، فكما يمكن الجمع بالحمل على الكراهة يمكن بالتخصيص

(1) المحاسن: 101 / 73، الوسائل 17: 397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 3.
(2) عقاب الأعمال: 239 / 1، الوسائل 17: 398 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 5.
(3) انظر الرياض 1: 520.
(4) الفقيه 3: 176 / 793، التهذيب 7: 18 / 78، الإستبصار 3: 72 / 238،
الوسائل 17: 447 أبواب آداب التجارة ب 40 ح 1.
(5) الكافي 5: 153 / 19، التهذيب 7: 7 / 24، الإستبصار 3: 70 / 234، الوسائل
17: 397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 2.
(6) الوسائل 17: 447 أبواب آداب التجارة ب 40.
24

أيضا.
فالأولى أن يستند في الجواز إلى الاجماع، وبرواية سالم - بعد سؤاله
عن الخبر الذي روي أن ربح المؤمن ربا -: (ذاك إذا ظهر الحق وقام قائمنا
أهل البيت، فأما اليوم فلا بأس أن يبيع من الأخ المؤمن ويربح عليه) (1)،
بل يمكن نفي الكراهة اليوم - كما قيل (2) - بذلك.
وقد تضعف الكراهة أيضا بعمل المسلمين والمؤمنين في الأعصار
والأمصار من دون التزام ذلك، بل ولا مراعاته أصلا.
ويكره الربح على من يعده بالاحسان في البيع، لقول الصادق عليه السلام:
(إذا قال الرجل للرجل: هلم أحسن بيعك، حرم عليه الربح) (3)، والحمل
على الكراهة للاجماع.
والاستدلال بأن أقل الاحسان إليه التولية، ضعيف.
ومنها: السوم ما بين الطلوعين، لمرفوعة ابن أسباط: (نهى رسول
الله صلى الله عليه وآله عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) (4)، والمستفيضة
المصرحة: بأن الجلوس للتعقيب بعد صلاة الصبح أبلغ في طلب الرزق من
الضرب في الأرض وركوب البحر (5). ولا ينافي ذلك استحباب التبكير،

(1) التهذيب 7: 178 / 785، الإستبصار 3: 70 / 233، الوسائل 17: 397 أبواب
آداب التجارة ب 10 ح 4.
(2) انظر الحدائق 18: 27.
(3) الكافي 5: 152 / 9، التهذيب 7: 7 / 21، الفقيه 3: 173 / 774، الوسائل
17: 395 أبواب آداب التجارة ب 9 ح 1.
(4) الكافي 5: 152 / 12، الفقيه 3: 122 / 529، التهذيب 7: 8 / 28، الوسائل
17: 399 أبواب آداب التجارة ب 12 ح 2.
(5) الوسائل 6: 429 أبواب التعقيب وما يناسبه ب 1.
25

لأنه محمول على أول النهار.
ومنها: الاشتغال بالكسب في الليل كله، لرواية البصري الشعيري:
(من بات ساهرا في كسب ولم يعط العين حظها من النوم فكسبه ذلك
حرام) (1).
ومنها: الاستهانة بقليل الرزق، لرواية إسحاق بن عمار: (من استقل
قليل الرزق حرم الكثير) (2).
ومنها: ركوب البحر للتجارة، لما رواه محمد: إن أبا جعفر
وأبا عبد الله كرها ركوب البحر للتجارة (3).
ومرفوعة علي: (ما أجمل في طلب الرزق من ركب البحر
للتجارة) (4)، وغيرهما من المستفيضة.
ومنها: دخول السوق أولا والخروج آخرا، بل يبادر إلى قضاء حاجته
ويخرج منه سريعا، لأنه مأوى الشياطين كما أن المسجد مأوى الملائكة،
فيكون على العكس.
ففي المرسل: (شر بقاع الأرض الأسواق، وهي ميدان إبليس، يغدو
برايته ويضع كرسيه ويبث ذريته، فبين مطفف في قفيز، أو طائش في
ميزان، أو سارق في ذرع، أو كاذب في سلعة، فيقول: عليكم برجل مات

(1) الكافي 5: 127 / 6، التهذيب 6: 367 / 1059، الوسائل 17: 164 أبواب ما
يكتسب به ب 34 ح 2.
(2) الكافي 5: 311 / 30، التهذيب 7: 227 / 993، الوسائل 17: 460 أبواب
آداب التجارة ب 50 ح 3.
(3) الكافي 5: 256 / 1، التهذيب 6: 388 / 1158، الوسائل 17: 240 أبواب ما
يكتسب به ب 67 ح 1.
(4) الكافي 5: 256 / 2، الوسائل 17: 241 أبواب ما يكتسب به ب 67 ح 6.
26

أبوه وأبوكم حي، فلا يزال مع ذلك أول داخل وآخر خارج) (1).
ونحوه المروي في المجالس بزيادة: (أبغض أهل الأسواق أولهم
دخولا إليها وآخرهم خروجا منها) (2).
ولا فرق في ذلك بين التاجر وغيره، ولا بين أهل السوق عادة
وغيرهم.
ومنها: معاملة السفلة، وهم الذين لا يسرهم الاحسان ولا تسؤوهم
الإساءة، أو من يضرب بالطنبور، أو من لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه.
وفي الفقيه نسب التفاسير الثلاثة إلى الأخبار (3)، ولكن في رواية
السياري (4) ما يدل على اختصاصه بالأخير.
وفي كلام جماعة: الأدنين (5)، بدل السفلة، وفسر - مع ما مر -
بالذين يحاسبون على الشئ الدون.
وذوي العاهات، أي النقص في أبدانهم، والآفة فيها من البرص،
والجذام، والعمى، والعرج، ونحوها.
والأكراد، وهم معروفون.
كل ذلك للأخبار (6)، إلا أن المنهي عنه في الأخير المخالطة دون المعاملة.

(1) الفقيه 3: 124 / 539، الوسائل 17: 468 أبواب آداب التجارة ب 60 ح 1، وفيه
بتفاوت.. والقفيز: مكيال يتواضع الناس عليه، وهو عند أهل العراق ثمانية
مكاكيك - مجمع البحرين 4: 31.
(2) أمالي الطوسي: 144، الوسائل 17: 469 أبواب آداب التجارة ب 60 ح 2.
(3) الفقيه 3: 100 ذيل الحديث 392.
(4) مستطرفات السرائر: 49 / 10، المستدرك 13: 269 أبواب آداب التجارة ب 19
ح 2.
(5) منهم المحقق في الشرائع 2: 20، والشهيد الثاني في الروضة 3: 293.
(6) الوسائل 17: 415 و 416 و 417 أبواب آداب التجارة ب 22 و 23 و 24.
27

وكذا تكره معاملة المحارف، وهو المحروم الممنوع، وهو خلاف
المبارك.
وخصوص الاستقراض، بل مطلق طلب الحاجة ممن لم يكن فكان،
أي من أصاب ماله حديثا.
ومشاركة الذمي، وإيضاعه، وإيداعه.
والاستعانة بالمجوس ولو على أخذ قوائم شاتك وأنت تريد ذبحها،
كما في المرسل (1).
ومنها: الشكوى على إنفاق رأس المال وعدم الربح، ففي رواية
جابر: (يأتي على الناس زمان يشكون فيه ربهم) قلت: وكيف يشكون
ربهم؟ قال: (يقول الرجل: والله ما ربحت شيئا منذ كذا وكذا، ولا آكل ولا
أشرب إلا من رأس مالي، ويحك هل أصل مالك وذروته إلا من ربك؟!) (2).
ومنها: التعرض للكيل والوزن إذا لم يحسنه، للمرسل: قلت: رجل
من نيته الوفاء، وهو إذا كال لم يحسن الكيل، قال: (فما يقول الذين
حوله؟) قلت، يقولون: لا يوفي، قال: (هذا لا ينبغي أن يكيل) (3).
وفي الروضة: قيل: يحرم، للنهي عنه في الأخبار المقتضي للتحريم،
وحمل على الكراهة (4). انتهى.

(1) الفقيه 3: 100 / 391، أمالي الطوسي: 456، الوسائل 17: 417 أبواب آداب
التجارة ب 24 ح 1 و 7.
(2) الكافي 5: 312 / 37، التهذيب 7: 226 / 990، الوسائل 17: 462 أبواب
آداب التجارة ب 53 ح 1.
(3) الكافي 5: 159 / 4، الفقيه 3: 123 / 533، التهذيب 7: 12 / 47، الوسائل
17: 394 أبواب آداب التجارة ب 8 ح 1.
(4) الروضة 3: 294.
28

ولم نقف على هذا النهي.
وأما المرسل، فمع اختصاصه بالكيل غير ظاهر في النهي، بل مشعر
بالكراهة.. إلا أنه يمكن أن يقال: إن الوفاء واجب يجب امتثاله، وحصل
الاشتغال به، فلا بد من تحصيل البراءة اليقينية أو الظنية المعتبرة، وهي غير
حاصلة بالنسبة إلى هذا الشخص، فالقاعدة تقتضي تحريمه عليه.
ولكن تحصيل البراءة بالتراضي أو الزيادة - بحيث يحصل العلم
بالوفاء - ممكن.
ومنها: الاستحطاط من الثمن بعد العقد، لأنه صار ملكا للبائع،
فيندرج تحت قوله تعالى: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) (1).
ولرواية الكرخي الصحيحة عمن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح
عنه، وفيها - بعد السؤال عن الاستحطاط -: قال: (لا، إن رسول الله صلى الله عليه وآله
نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة) (2).
وصحيحة الشحام: (الوضيعة بعد الصفقة حرام) (3).
وظاهر هذه وإن كان الحرمة، إلا أنهم حملوها على الكراهة، لرواية
أبي العطارد الصحيحة عن صفوان - الذي أجمعوا على تصحيح ما يصح
عنه -: أشتري الطعام فأوضع في أوله وأربح في آخره، وأسأل صاحبي أن
يحط عني في كل كر كذا وكذا، فقال: (هذا لا خير فيه، ولكن يحط عنك

(1) الأعراف: 85.
(2) الكافي 5: 286 / 1، الفقيه 3: 145 / 641، التهذيب 7: 233 / 1017، الإستبصار
3: 73 / 243، الوسائل 17: 452 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 1، بتفاوت يسير.
(3) الكافي 5: 286 / 2، الفقيه 3: 147 / 646، التهذيب 7: 80 / 346، الوسائل
17: 453 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 6، وفي الجميع بتفاوت.
29

جملة)، قلت: فإن حط عني أكثر مما وضعت؟ قال: (لا بأس) (1).
ورواية معلى: الرجل يشتري المتاع ثم يستوضع، قال: (لا بأس)،
وأمرني فكلمت له رجلا في ذلك (2).
ورواية يونس بن يعقوب: الرجل يشتري من الرجل البيع فيستوهبه
بعد الشراء من غير أن يحمله على الكره، قال: (لا بأس به) (3). وقريبة منها
روايته الأخرى (4).
وروايتي أبي الأكراد، وفيهما: فأشارط النقاش على شرط، وإذا بلغ
الحساب فيما بيني وبينه استوضعه على الشرط، قال: (فبطيبة نفس منه؟)
قلت: نعم، قال: (نعم، لا بأس) (5).
وهذه الأخبار وإن كان أكثرها ضعيفة سندا، ولكن ذلك غير ضائر
عندنا، سيما مع الاعتضاد بالشهرة العظيمة.
وقد تحمل أخبار الجواز على الاستيهاب، وفيه ما فيه.
ثم المستفاد من الصحيحة: كراهة قبول حط البائع بدون الاستحطاط

(1) الكافي 5: 179 / 6، التهذيب 7: 38 / 159، الوسائل 17: 453 أبواب آداب
التجارة ب 44 ح 5
(2) التهذيب 7: 233 / 1018، الإستبصار 3: 73 / 244، الوسائل 17: 453
أبواب آداب التجارة ب 44 ح 3
(3) الفقيه 3: 146 / 645، الوسائل 17: 454 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 7
وفيهما: يوسف بن يعقوب.
(4) التهذيب 7: 233 / 1019، الإستبصار 3: 74 / 245، الوسائل 12: 334
أبواب آداب التجارة ب 44 ح 4.
(5) الأولى في: التهذيب 7: 234 / 1020، الوسائل 17: 452 أبواب آداب التجارة
ب 44 ح 2، بتفاوت.
الثانية في: الكافي 5: 274 / 2، التهذيب 7: 211 / 928، الوسائل 19:
132 كتاب الإجارة ب 23 ح 3.
30

أيضا، ولا بعد فيه.
ومنها: دخول المؤمن في سوم أخيه بيعا أو شراء، بأن يطلب ابتياع
الذي يريد أن يشتريه ليقدمه البائع، أو يبذل للمشتري متاعا غير ما اتفق
عليه هو والبائع، والحاصل: أن يستميل أحد المتساومين إلى نفسه، لنهي
النبي صلى الله عليه وآله في خبر المناهي، قال: (لا يسوم الرجل على سوم أخيه) (1).
وذهب الشيخ والحلي والمحقق الثاني إلى الحرمة (2)، لما ذكر، ولأن
فيه كسر قلب المؤمن وترك لحقه.
ويضعف الأول: بأنه خبر في مقام الانشاء، وكونه للتحريم غير
ثابت.
والثانيان: بمنع حرمة مطلق كسر القلب وعموم وجوب الحقوق حتى
مثل ذلك.
قال في المسالك: وإنما يحرم أو يكره بعد تراضيهما أو قربه، فلو
ظهر منه ما يدل على عدم الرضا وطلب الزيادة أو جهل حاله لم يحرم ولم
يكره اتفاقا (3)، وعلل ذلك بالأصل، وعدم الدخول في السوم عادة.
وهو مشكل، لصدق دخول السوم بمجرد طلب البيع بعد ما شرع
أخوه في المساومة، سواء زاد في الثمن أو لم يزد، والأولى التعميم - كما
قيل - إلا أن يثبت الاجماع.
ولو كان السوم بين اثنين - سواء دخل أحدهما على النهي أم ابتدءا فيه

(1) الفقيه 4: 3 / 1، الوسائل 17: 458 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 3.
(2) الشيخ في النهاية: 374، الحلي في السرائر 2: 235، المحقق الثاني في جامع
المقاصد 4: 51.
(3) المسالك 1: 176.
31

معا قبل محل النهي - لم يجعل نفسه بدلا عن أحدهما، لصدق دخول السوم.
ولا كراهة فيما يكون في الدلالة، لأنها عرفا موضوعة لطلب الزيادة ما
دام الدلال يطلبها، فإذا حصل الاتفاق تعلقت الكراهة.
ولا كراهة في طلب المشتري أو البائع من بعض الطالبين الترك،
اقتصارا فيما خالف الأصل على المتبادر أو المتيقن من النص، إلا أن
يستلزم لجبر الوجه، فيكره، لعدم الرضا في نفس الأمر.
ولا كراهة أيضا في ترك الملتمس منه قطعا، بل ربما استحب، لأن
فيه قضاء حاجة لأخيه.
قيل: ويحتمل الكراهة لو قلنا بكراهة طلبه، لإعانته على المكروه (1).
وفيه: منع كراهة كل إعانة على المكروه، مع أن المكروه إنما هو
طلب الترك، وقد حصل من الطالب من دون إعانة من الملتمس.
وهل يختص الدخول في المبايعة، أو يعم سائر المعاوضات أيضا
ولو كانت جائزة؟
صرح في التنقيح بالثاني (2)، والظاهر هو الأول، إذ لم يثبت صدق
السوم في غير البيع.
نعم، لا بأس بالتعميم من جهة كسر القلب.
والأولى بالكراهة مما ذكر ما إذا تحقق البيع ولكل من المتبايعين خيار
المجلس، فيعرض آخر للمشتري سلعة خيرا من الأولى أو بأقل منها
ليفسخ، أو للبائع أكثر من الثمن الذي باعه به.

(1) الروضة 3: 296.
(2) التنقيح 2: 38.
32

وقيل بالحرمة (1)، والأولى ما ذكرنا.
ثم على القول بالحرمة في ذلك وفي دخول السوم لا يبطل البيع لو
دخل، لتعلق النهي بالخارج.
ومنها: توكل الحاضر للبادي في بيع المال، والمراد بالبادي: الغريب
الجالب للبلد، بدويا كان أو قرويا، للنصوص:
منها: رواية عروة بن عبد الله: (لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر،
ولا بيع حاضر لباد، والمسلمون يرزق الله عز وجل بعضهم من بعض) (2)،
وفي بعض النسخ: (ذروا المسلمين)، ونقله في المنتهى أيضا كذلك (3).
ونحوه المروي عن مجالس الشيخ، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وآله،
إلا أن فيها: (د عوا) بدل: (ذروا) (4).
ورواية يونس بن يعقوب: قال: تفسير قول النبي صلى الله عليه وآله: (لا يبيعن
حاضر لباد): أن الفاكهة وجميع أصناف الغلا ت إذا حملت من القرى إلى
السوق فلا يجوز أن يبيع أهل السوق لهم من الناس، ينبغي أن يبيعوه
حاملوه من القرى والسواد، فأما من يحمل من مدينة إلى مدينة فإنه يجوز
ويجري مجرى التجارة (5).
وفي طرق العامة عن ابن عباس: قال: نهى النبي صلى الله عليه وآله أن يتلقى
الركبان وأن يبيع حاضر لباد، قال: قلت لابن عباس: ما قوله: (حاضر

(1) كما في نهاية الشيخ: 374، وفقه القرآن للراوندي 2: 45.
(2) الكافي 5: 168 / 1، الفقيه 3: 174 / 778، التهذيب 7: 158 / 697،
الوسائل 17: 444 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 1.
(3) المنتهى 2: 1005.
(4) أمالي الطوسي: 409، الوسائل 17: 445 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 3.
(5) الكافي 5: 177 / 15، الوسائل 17: 445 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 2.
33

لباد)؟ قال: لا يكون له سمسارا (1).
وظاهر الأخيرتين وإن كان الحرمة - كما في الخلاف ومهذب القاضي
والمنتهى وشرح القواعد مطلقا، والمبسوط والسرائر والوسيلة (2)، مقيدا في
الأول بما لا يضطر إليه، وفي الثاني بما إذا حكم عليه الحاضر فباع بدون
رأيه، وفي الثالث بما إذا باع الحاضر في البدو لا في الحضر - ولكنهما غير
ناهضتين لاثباتها..
أما الأول، فلعدم ثبوت كون التفسير المذكور من الإمام، بل ظاهره
أنه من يونس.
وأما الثاني، فلكونه عاميا غير حجة.
وأما روايتا عروة والمجالس، فهما قاصرتان من حيث الدلالة لاثبات
الحرمة، لعدم ورودهما بصيغة النهي المقتضية للحرمة، وإنما هو إخبار في
مقام الانشاء، ولا يفيد عندنا أزيد من الطلب، مع ما في الأخيرة من عدم
الحجية أيضا، فلا يمكن التمسك في إثبات الحرمة بقوله: (دعوا) فيها
أيضا.
وأما قوله: (ذروا) في الأولى فهو - لاختصاصه ببعض النسخ - غير
ثابت، وعلى هذا فالقول بالكراهة - كما هو مذهب الأكثر - أقوى.
ويؤكده أيضا عموم الأخبار المرخصة للسمسار في الوكالة لبيع أموال
الناس (3).

(1) صحيح مسلم 3: 1157 / 19.
(2) الخلاف 3: 172، نقله عن القاضي في المختلف: 247، المنتهى 2: 1005،
جامع المقاصد 4: 52، المبسوط 2: 160، السرائر 2: 236، الوسيلة: 260.
(3) الوسائل 18: 74 أبواب أحكام العقود ب 20.
34

وقد يؤيد أيضا بصحيحة أبي بصير: قلت له: الرجل يأتيه النبط
بأحمالهم فيبيعها لهم بالأجر، فيقولون له: أقرضنا دنانير، فإنا نجد من يبيع
لنا غيرك ولكنا نخصك بأحمالنا من أجل أنك تقرضنا، قال: (لا بأس، إنما
يأخذ دنانير مثل دنانيره) (1) الحديث.
وهو حسن في نفي الحرمة فيما إذا التمس البدوي من الحاضر
ويعرضه عليه، ولذا نفاها كثير من المحرمين في هذه الصورة، بل ظاهر
أكثر القائلين بالكراهة انتفاؤها حينئذ أيضا، وهو كذلك، لعمومات
استحباب قضاء حوائج الناس (2).. وتعارضها مع ما ذكر غير ضائر، إذ لو
رجحنا الأول بالأشهرية والأكثرية وموافقة السنة والكتاب فهو، وإلا فيرجع
إلى الجواز الأصلي.. لا للصحيحة، لعدم منافاة نفي البأس للكراهة.. ولا
لأنه لولا ذلك لم تجز السمسرة بحال، وقد قال في الدروس: لا خلاف في
جواز السمسرة في الأمتعة المجلوبة من بلد إلى بلد (3)، كما في شرح
القواعد (4)، لأن الكلام في المجلوبة من القرى والبادية دون البلد، فإن بيع
الحضري فيها جائز مطلقا كما هو ظاهر الأكثر، للأصل، واختصاص
روايات المنع (5) بغيرها، وأكثرها وإن اختصت بالبدوي، ولكن ذكر القرى
في رواية يونس (6) كاف للتعدي إلى القروي أيضا بملاحظة التسامح في أدلة

(1) التهذيب 6: 203 / 461، و ج 7: 157 / 695، الوسائل 18: 356 أبواب الدين
والقرض ب 19 ح 10.
(2) الوسائل 16: 357 و 363 و 365 أبواب فعل المعروف ب 25 و 26 و 27.
(3) الدروس 3: 182.
(4) جامع المقاصد 4: 52.
(5) الوسائل 17: 444 أبواب آداب التجارة ب 37.
(6) المتقدمة في ص: 33.
35

السنن، مضافا إلى تصريح جماعة من الفقهاء (1)، ونظرا إلى التعليل، بل لا
يبعد التعدي لأجله إلى البلدي أيضا كما قاله المحقق الثاني (2).
ولا يضر اختصاص الرواية بالفاكهة والغلا ت، لعدم القول بالفصل في
ذلك، وإن خص بعض المتأخرين النهي بها لذلك (3)، وهو ضعيف، نظرا
إلى إطلاق سائر الروايات بل عمومها، والتفاتا إلى عموم التعليل، وحملا
للمفسر على الغالب، مع أنه لا حجية في ذلك التفسير كما مر.
هذا، ثم إنهم شرطوا في تحريمه أو كراهته شروطا:
الأول: ما مر من أن يعرض الحضري ذلك على البدوي، وقد عرفت
وجهه.
الثاني: علم الحاضر بالنهي، وذلك إنما يتم على القول بمعذورية
الجاهل بتفاصيل الأحكام بعد العلم بالاجمال، وهو مشكل، وتخصيصه من
بينها يحتاج إلى مخصص.
الثالث: أن تظهر من ذلك المتاع سعة في البلد، وإن لم تظهر - لكبر
البلد، أو لعموم وجوده - فلا تحريم ولا كراهة، لأن المقتضي للنهي تفويت
الربح على الناس، كما يدل عليه التعليل، ولم يوجد هنا.
وفيه: أنه لا يشترط حصول الربح لأكثر أهل البلد، بل يكفي حصوله
ولو لواحد، وهو قد يتحقق مع ما ذكر.
الرابع: أن يكون المتاع مما تعم الحاجة به، ولا دليل على ذلك، إلا

(1) كالفاضل في المنتهى 2: 1005، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 52،
الشهيد الثاني في الروضة 3: 297.
(2) جامع المقاصد 4: 52.
(3) انظر الحدائق 18: 53.
36

أن يكون مستنبطا من تخصيص رواية يونس (1) بالنوعين.
الخامس: أن يكون الغريب جاهلا بسعر البلد، فلو كان عالما لا بأس
به. ولا بأس به، لاستفادته من العلة.
هذا حكم البيع.
وأما الشراء للبادي، فقيل: لا بأس به (2)، للأصل، واختصاص
النصوص بالبيع.
وضعف بعموم التعليل (3)، ولا بعد فيه.
ومنه يظهر إمكان التعدي إلى سائر العقود أيضا كما في التنقيح (4).
ثم لو قلنا بالحرمة هل يبطل به البيع، أم لا؟
المصرح به في كلام الأكثر: الثاني، لتعلق النهي بالخارج.
وهو غير جيد، لأن النهي في الروايات متعلق بنفس البيع.

(1) المتقدمة في ص: 33.
(2) كما في المنتهى 2: 1005.
(3) انظر الرياض 1: 521.
(4) التنقيح 2: 39.
37

الفصل الثالث
فيما يحرم ارتكابه
وهو أيضا أمور:
منها: تلقي الركبان القاصدين بلد البيع والخروج إليهم للبيع عليهم
والشراء منهم مطلقا، لا مع إخباره بكساد ما معه كذبا كما في النهاية
الأثيرية (1)، لاطلاق النصوص:
منها: رواية عروة المتقدمة (2)، ورواية منهال الصحيحة عن السراد
- وهو ممن أجمعوا على تصحيح ما يصح عنه -: (لا تلق، ولا تشتر ما
تلقى، ولا تأكل منه) (3).
ومرسلته أيضا: عن تلقي الغنم، فقال: (لا تلق، ولا تشتر ما يتلقى،
ولا تأكل من لحم ما يتلقى) (4).
وروايته الأخرى الصحيحة عن ابن أبي عمير - وهو أيضا ممن
أجمعوا على تصحيح ما يصح عنه - (لا تلق، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن
التلقي)، قلت: وما حد التلقي؟ قال: (ما دون غدوة أو روحة)، قلت:
وكم الغدوة والروحة؟ قال (أربعة فراسخ)، قال ابن أبي عمير: وما فوق

(1) النهاية 4: 266.
(2) المتقدمة في ص: 33.
(3) الكافي 5: 168 / 2، التهذيب 7: 158 / 696، الوسائل 17: 443 أبواب آداب
التجارة ب 36 ح 2.
(4) الفقيه 3: 174 / 779، الوسائل 17: 443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 3.
38

ذلك فليس بتلق (1).
وفي رواية أخرى عنه الصحيحة عن السراد أيضا: قال: قلت له: ما
حد التلقي؟ قال: (روحة) (2).
وروى في السرائر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا يبيع بعضكم على
بعض، ولا تكفوا المبلغ حتى يهبط بها الأسواق) (3).
وفيه أيضا: وروي عنه أنه نهى عن تلقي الجلب، فإن تلقى متلق
فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق (4).
وفي الرواية العامية المروية في المنتهى وغيره: (لا تلقوا الركبان)، وفيه
أيضا: (لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار) (5).
وظاهر هذه الأخبار التحريم، كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط
والخلاف والإسكافي والقاضي والحلي والحلبي والفاضل في المنتهى
والمحقق الثاني وظاهر الدروس (6) وغيره (7)، واختاره بعض مشايخنا (8)،

(1) الكافي 5: 169 / 4، التهذيب 7: 158 / 699، الوسائل 17: 442 أبواب آداب
التجارة ب 36 ح 1.
(2) الكافي 5: 168 / 3، التهذيب 7: 158 / 698، الوسائل 17: 443 أبواب آداب
التجارة ب 36 ح 4.
(3) السرائر 2: 237 وفيه: السلع، بدل: المبلغ.
(4) السرائر 2: 237.
(5) المنتهى 2: 1005، وهو في صحيح مسلم 3: 1157 / 19، والجلب بفتحتين:
ما تجلبه من بلد إلى بلد، فعل بمعنى مفعول، مجمع البحرين 2: 24.
(6) المبسوط 2: 160، الخلاف 3: 172، حكاه عن الإسكافي والقاضي في
المختلف: 346، الحلي في السرائر 2: 237، الحلبي في الكافي: 360، المنتهى
2: 1005، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 37، الدروس: 179.
(7) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 2: 17 وصاحب الحدائق 18: 55.
(8) كصاحب الرياض 1: 521.
39

وفي الخلاف الاجماع عليه.
خلافا لأكثر المتأخرين، فذهبوا إلى الكراهة (1)، للأصل، وضعف
الأخبار.
وضعفهما ظاهر مما مر، فالقول بالتحريم أقوى.
وحد التلقي عند الأصحاب - بلا خلاف كما في الخلاف والمنتهى
والتذكرة (2) -: أربعة فراسخ فما دونه، فلا نهي فيما زاد عنها، ويدل عليه
رواية منهال الأخيرة.
وعن ابن حمزة: أن حده ما دون أربعة فراسخ (3)، وتساعده روايته
الثالثة.
ورجح الأولى بالموافقة لفتوى الأصحاب.
ويمكن الجمع بينهما بإخراج الحد عن المحدود، فينتهي النهي في
الحد، وبه يمكن الجمع بين الفتاوى أيضا، مع أن الأمر في ذلك هين
جدا، والثمرة فيه منتفية غالبا.
ثم إنهم ذكروا للتلقي المنهي عنه شروطا:
الأول: القصد إلى الخروج للتلقي، فلو اتفق وصادفته الركب في
خروجه لغرض آخر لم يكن به بأس، وهو كذلك، للأصل، واختصاص
النص بحكم التبادر - بل تصريح أهل اللغة - بصورة القصد إلى الخروج.
وربما يقال: إن العلة المستفادة تشمل عدم القصد أيضا.
وفيه: أن اختصاص العلة بالنهي عن بيع الحاضر للبادي ممكن، بل

(1) كما في الشرائع 2: 20، والتذكرة 1: 585، والروضة 3: 297.
(2) الخلاف 3: 172، المنتهى 2: 1006، التذكرة 1: 586.
(3) الوسيلة: 260.
40

هو الظاهر، لأنه الذي يفوت ربح الناس بعضهم عن بعض، وأما التلقي
ففيه أيضا يرزق المتلقي، فلا يناسبه التعليل.
الثاني: الخروج بقصد المعاملة، فلو خرج إليهم لا لذلك واتفق ذلك
فلا بأس، لأن التلقي - وهو الاستقبال - ليس بمنهي عنه إجماعا مع عدم
القصد إلى البيع والشراء، وبعد حصوله لا دليل على النهي عن نفس
المبايعة، لعدم كونها تلقيا، وحصولها بعد التلقي لا يجعلها من أفراده، كما
أن التلقي الواقع مباحا لا يصير لحصول المبايعة بعده منهيا عنه.
الثالث: تحقق الخروج من البلد، أي حدوده عرفا ولو بالمسمى، فلو
تلقى الركب في أول وصوله إليه لم يثبت الحكم، لقوله: (خارجا عن
المصر) في رواية عروة (1).
وفيه: أن إطلاق غيرها كاف في ثبوت الحكم فيما يصدق عليه
التلقي، وتوقف صدقه على الخروج ممنوع.
وفي رواية السرائر الأولى دلالة على تحققه قبل إهباط السلع.
الرابع: جهل الركب بسعر البلد فيما يبيعه ويشتريه.
واستدل عليه تارة بالتعليل المذكور، وقد ظهر ضعفه، وأخرى بالعلة
المستفادة من الحكم من أنه خداع وإضرار، وثالثة بعدم تبادر غير ذلك من
الأخبار، وضعفهما ظاهر، فالتعميم بالنسبة إليه - كما في شرح القواعد (2)
وغيره - أقوى.
وهل يختص الحكم بشراء متاع الركب، أو يعم البيع عليهم أيضا؟

(1) الكافي 5: 168 / 1، الفقيه 3: 174 / 778، التهذيب 7: 158 / 697، الوسائل
17: 443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 5.
(2) انظر جامع المقاصد 4: 38.
41

فيه وجهان، والأقرب: الثاني، لصدق التجارة المنهي عنها في رواية
عروة، ولاطلاق النهي عن التلقي مطلقا، خرج ما لم يكن فيه معاملة أصلا
بالاجماع، فيبقى الباقي.
ومنه تعلم قوة إلحاق غير البيع والشراء من عقود المعاملات بهما.
نعم، يشترط بحكم الاجماع أن يكون ما وقعت عليه المعاملة مما
كان مقصود الركب معاملته، فلو كان معهم شئ لم يكن في نظرهم بيعه
فتلقاهم متلق واشتراه كان جائزا، وكذا الشراء، ومنه بيع المأكول
والمشروب منهم غير ما يحتاجون إليه في المصر، وأما فيه فالحكم بالجواز
مشكل.
ولا يشترط في حرمة التلقي كون الركب قاصدين لبلد المتلقي، فلو
كانوا قاصدين لبلد آخر وتلقاه متلق من موضع آخر ولو مر الركب به لم
يجز.
نعم، لو لم يقصدوا بلدا معينا للمعاملة، بل كان معهم سلع يريدون
بيعها كلما اتفق، وعرضوها على أهل كل بلد مروا به، جاز لهم بيعها وإن
لم يدخلوا البلد بل نزلوا خارجه، للاجماع.
نعم، لا يجوز لأحد من أهل تلك المنازل السبق إليهم قبل نزولهم.
ثم لو خرج وباع عليهم أو اشترى منهم فهل ينعقد البيع، أو يقع
فاسدا؟
الأول - وهو الأقوى - للأكثر، لتعلق النهي بالخارج.
وقد يستدل على الصحة أيضا بإثبات الخيار في بعض الروايات
المتقدمة، حيث إن الخيار لا يكون إلا في البيع الصحيح.
وفيه نظر، لأنه إنما يكون لو كان المعنى خيار الفسخ، وهو غير
42

معلوم، ولم تثبت حقيقة شرعية في الخيار، فيمكن أن يكون المراد بالخيار
أن الأمر بيده، فإن شاء أخذ منه وإن شاء باع عليه.
والثاني: للإسكافي (1)، وهو ضعيف.
نعم، يحرم أكل ما تلقى وشراؤه، للخبرين الثانيين (2)، وقد يجعل
ذلك دليلا على الفساد.
وفيه: أنه يجوز أن يكون من باب التعبد لا لأجل الفساد.
ومنها: النجش، وهو حرام وفاقا للأكثر، بل في المنتهى وعن
المحقق الثاني الاجماع عليه (3)، وفي المهذب: ولا أعلم في تحريمه خلافا
بين الأصحاب (4).
لرواية عبد الله بن سنان المروية في الكافي: (الواشمة والمتوشمة
والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله) (5).
والمروي في معاني الأخبار للصدوق عن النبي صلى الله عليه وآله: (لا
تناجشوا) (6)، ورواه في التذكرة أيضا (7).
وهو باتفاق اللغويين والفقهاء - وإن اختلفت عباراتهم -: الزيادة في

(1) حكاه عنه في المختلف: 346.
(2) وهما صحيحة منهال ومرسلته، المتقدمتان في ص: 38.
(3) المنتهى 2: 1004، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 39.
(4) المهذب البارع 2: 366.
(5) الكافي 5: 559 / 13 الوسائل 17: 458 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 2.
والوشم: أن يغرز الجلد بإبرة، ثم يحشى بكحل أو نيل، فيزرق أثره أو يخضر.
وقد وشمت تشم وشما فهي واشمة. والمستوشمة والموتشمة: التي يفعل بها ذلك
- نهاية ابن الأثير 5: 189.
(6) معاني الأخبار: 284، الوسائل 17: 459 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 4.
(7) التذكرة 1: 584.
43

ثمن المبيع مظهرا إرادة شرائه من غير إرادته، بل أراد به محض ترغيب
الغير بالثمن الغالي.
نعم، زاد بعضهم كونه بمواطاة البائع (1).
وعلى التقديرين يكون خداعا وغشا أيضا، والأخبار في تحريمهما
مستفيضة، فالقول بالكراهة - كما نقله في الدروس عن قوم (2) - لا وجه له.
ومنه يظهر التعدي في التحريم إلى ترك الزيادة في ثمن السلعة
ليشترى بالثمن القليل، بل إلى سائر المعاوضات أيضا.
ثم مع وقوع البيع معه، فهل يصح ولا خيار، كما عن المبسوط (3)؟.
أو يصح وله الخيار مطلقا، كما عن القاضي؟.
أو مع الغبن، كالفاضلين والثانيين (4)؟.
أو يبطل البيع إن كان من البائع، كالإسكافي (5)؟.
الأقوى هو: الثالث.
ومنها: الاحتكار، وهو حبس الشئ انتظارا لغلائه إجماعا.
نعم، يظهر من النهاية الأثيرية أنه الاشتراء والحبس (6)، وفي بعض
الأخبار أيضا تصريح به كما يأتي.

(1) انظر المختصر النافع: 120، جامع المقاصد 4: 39.
(2) الدروس 3: 178.
(3) المبسوط 2: 159.
(4) المحقق في الشرائع 2: 21، والنافع: 120، العلامة في المنتهى 2: 1004،
والتذكرة 1: 584، والمختلف: 346، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 39،
الشهيد الثاني في المسالك 1: 177.
(5) حكاه عنه في المختلف: 346.
(6) النهاية 1: 417.
44

وأما من خصه بالطعام فالظاهر أنه أراد الممنوع منه شرعا.
وهو حرام، وفاقا للصدوق في المقنع والشيخ في الاستبصار
والقاضي والحلي والحلبي في أحد قوليه والمنتهى والتحرير والتنقيح
والدروس والمسالك والروضة (1).
وخلافا للشيخين في المقنعة والفقيه والمبسوط والديلمي والحلبي في
قوله الآخر والشرائع والنافع والمختلف والارشاد واللمعة، فقالوا بالكراهة (2).
لنا: المستفيضة، منها: رواية حذيفة بن منصور، وفيها: (ثم قال -
يعني رسول الله صلى الله عليه وآله -: يا فلان، إن المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفد إلا
شيئا عندك، فأخرجه وبعه كيف شئت ولا تحبسه) (3).
وصحيحة الحلبي: (الحكرة: أن يشتري طعاما ليس في المصر غيره
فيحتكره، فإن كان في المصر طعام أو يباع غيره فلا بأس بأن يلتمس بسلعته
الفضل)، قال: وسألته عن الزيت، فقال: (إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه) (4)،
دلت بالمفهوم على ثبوت البأس - الذي هو العذاب - عند عدم الشرط.
وصحيحة الحناط: قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (ما عملك؟)

(1) المقنع: 125، الإستبصار 3: 115، نقله عن القاضي في المختلف: 346،
الحلبي في الكافي: 360، المنتهى 2: 1006، التحرير 1: 160، التنقيح 2:
42، الدروس 3: 180، المسالك 1: 177، الروضة 3: 298.
(2) المقنعة: 616، الفقيه 3: 168، المبسوط 2: 195، الديلمي في المراسم:
182، الحلبي في الكافي: 283، الشرائع 2: 21، النافع 1: 120، المختلف:
345، اللمعة (الروضة 3): 298.
(3) الكافي 5: 164 / 2، التهذيب 7: 159 / 705، الإستبصار 3: 114 / 407،
الوسائل 17: 429، أبواب آداب التجارة ب 29 ح 1.
(4) الكافي 5: 164 / 3، الفقيه 3: 168 / 746، الإستبصار 3: 115 / 409،
الوسائل 17: 427 - 428 أبواب آداب التجارة ب 28 ح 1 و 2.
45

قلت: حناط، وربما قدمت على نفاق، وربما قدمت على كساد فحبست،
قال (فما يقول من قبلك فيه؟) قلت: يقولون: محتكر، قال: (يبيعه أحد
غيرك؟) قلت: ما أبيع أنا من ألف جزء جزءا، قال: (لا بأس، إنما كان
ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام، وكان إذا دخل الطعام المدينة
اشتراه كله، فمر عليه النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا حكيم بن حزام، إياك أن تحتكر) (1).
ورواية القداح: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون) (2).
ورواية السكوني: (الحكرة في الخصب أربعون يوما، وفي البلا
والشدة ثلاثة أيام، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون،
وما زاد في العسرة على ثلاثة أيام فصاحبه ملعون) (3)
ورواية أخرى: (نهى أمير المؤمنين عليه السلام عن الحكرة في الأمصار) (4).
وثالثة: (لا يحتكر الطعام إلا خاطئ) (5).
والمروي في نهج البلاغة في عهد كتبه أمير المؤمنين عليه السلام للأشتر:
(فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منع منه، وليكن البيع بيعا سمحا
بموازين عدل وأسعار لا يجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف
حكرة بعد نهيك إياه فنكل وعاقب) (6).

(1) الكافي 5: 165 / 4، الفقيه 3: 169 / 747، التهذيب 7: 160 / 707،
الإستبصار 3: 115 / 410، الوسائل 17: 428 أبواب آداب التجارة ب 28 ح 3.
(2) الكافي 5: 165 / 6، الفقيه 3: 169 / 751، التهذيب 7: 159 / 702،
الإستبصار 3: 114 / 404، الوسائل 17: 424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 3.
(3) الكافي 5: 165 / 7، الفقيه 3: 169 / 753، التهذيب 7: 159 / 703،
الإستبصار 3: 114 / 405، الوسائل 17: 423 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 1.
(4) الفقيه 3: 169 / 752، الوسائل 17: 426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 9.
(5) الفقيه 3: 169 / 749، الوسائل 12: 314 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 8.
(6) نهج البلاغة (محمد عبده) 3: 110، الوسائل 17: 427 أبواب آداب التجارة
ب 27 ح 13.
46

وفي الخصال: (ولأن يلقى الله العبد سارقا أحب إلى الله من أن يلقاه
وقد احتكر طعاما) (1).
وفي مجالس الشيخ بسند معتبر: (أيما رجل اشترى طعاما فكبسه
أربعين صباحا يريد به غلا المسلمين، ثم باعه فتصدق بثمنه، لم يكن
كفارة لما منع) (2).
وفي قرب الإسناد: إن عليا عليه السلام كان ينهى عن الحكرة في الأمصار،
وقال: (ليس الحكرة إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن) (3).
وفي كتاب ورام: عن النبي صلى الله عليه وآله عن جبرئيل قال: (اطلعت في النار
فرأيت واديا في جهنم يغلي فقلت: يا مالك، لمن هذا؟ فقال: لثلاثة:
المحتكرين والمدمنين الخمر والقوادين) (4).
وفي طرق العامة: (من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله
وبرئ الله منه) (5).
وأيضا: (من احتكر على المسلمين لم يمت حتى يضربه الله بالجذام
والافلاس) (6).
ويؤيده أيضا الاجماع على إجبار المحتكر على البيع كما يأتي.
وبعض تلك الروايات وإن كان قاصرا سندا أو دلالة، إلا أن فيها ما لا
يقصر بشئ منهما، فالايراد بالقصور ضعيف.

(1) الخصال 1: 288، الوسائل 17: 137 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 4.
(2) أمالي الطوسي: 687، الوسائل 17: 425 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 6.
(3) قرب الإسناد: 135، الوسائل 17: 426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 7.
(4) الوسائل 17: 426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 11.
(5) الجامع الصغير 2: 556 / 8332.
(6) سنن ابن ماجة 2: 729 / 2155.
47

حجة القول بالكراهة: الأصل، وعموم السلطنة على المال، وخصوص
صحيحة الحلبي: عن الرجل يحتكر الطعام ويتربص به، هل يجوز ذلك؟
فقال: (إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس، وإن كان قليلا لا يسع
الناس فإنه يكره أن يحتكره ويترك الناس ليس لهم طعام) (1).
وفيه: أن ثبوت الحقيقة الشرعية في الكراهة ممنوع، وهي في اللغة
أعم من التحريم، والعدول إليها مع السؤال عن الجواز لا يصلح قرينة
لتعيين عدم الحرمة، والأصل والعمومات مندفعة بما ذكرنا من الأدلة.
فروع:
أ: لا خلاف في أنه لا يكون الاحتكار الممنوع منه إلا في الأطعمة، كما
أنه لا خلاف - على ما قيل (2) - في كونه في الحنطة والشعير والتمر والزبيب.
وإنما الخلاف فيما عداها من الأطعمة، فأطلق المفيد فقال: إن
الحكرة في احتباس الأطعمة (3).
وخصها الحلبي بالأربعة المتقدمة (4).
وزاد عليها الشيخ في النهاية والحلي والقاضي والمحقق والعلامة في
المنتهى والمختلف والتحرير وابن فهد في مهذبه: السمن (5).

(1) الكافي 5: 165 / 5، التهذيب 7: 160 / 708، الإستبصار 3: 115 / 411،
الوسائل 17: 424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 2.
(2) انظر مجمع الفائدة 8: 26 وفيه: ولعله لا خلاف في وجوده فيها.
(3) المقنعة: 616.
(4) الكافي في الفقه: 360.
(5) النهاية: 374، الحلي في السرائر 2: 238، نقله عن القاضي في المختلف:
346، المحقق في الشرائع 2: 21، والنافع: 120، المنتهى 2: 1007،
المختلف: 346، التحرير 1: 160، ابن فهد في المهذب البارع 2: 370.
48

وزاد الصدوق في المقنع على الخمسة: الزيت (1).
وفي الدروس واللمعة على الستة: الملح (2).
وجعله ابن حمزة والمبسوط والقواعد والارشاد بدلا عن الزيت (3).
والأقوى قول الصدوق، لموثقة غياث بن إبراهيم المروية في الفقيه:
(ليس الحكرة إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت) (4)،
وبها تقيد إطلاقات الاحتكار أو الاحتكار في الطعام.
ويدل على الثبوت في الستة أيضا المروي في الخصال: (الحكرة في
ستة أشياء: في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت) (5).
وفي خصوص الزيت أيضا صحيحة الحلبي المتقدمة (6).
ب: يستفاد من رواية السكوني الأولى: أن الحكرة الممنوعة في زمان
الرخص والسعة ما زاد على الأربعين يوما، سواء احتاج الناس إلى القوت أم
لا، وفي زمان الغلا والشدة ما زاد على ثلاثة أيام، وبه أفتى الشيخ والقاضي (7).
ومن صحيحة الحلبي الأولى: أنها إذا لم يكن في المصر طعام، أو لم
يوجد بائع غيره. والمراد بالأول: أن لا يكون طعام للناس لا يحتاجون إلى
الشراء، وبمضمونها عمل جماعة، منهم: المحقق في الشرائع والنافع (8).

(1) نقله عنه في المختلف: 346.
(2) الدروس 3: 180، اللمعة (الروضة 3): 299.
(3) ابن حمزة في الوسيلة: 260، المبسوط 2: 195، القواعد 1: 122، الإرشاد 1: 356.
(4) الفقيه 3: 168 / 744، الوسائل 17: 425 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 4.
(5) الخصال: 329 / 23، الوسائل 17: 426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 10.
(6) في ص 45.
(7) الشيخ في النهاية: 374، نقله عن القاضي في المختلف: 346.
(8) الشرائع 2: 21، النافع: 120.
49

ومن صحيحته الأخيرة: أنها تكون مع قلة الطعام وعدم سعته للناس،
بأن يحتاجون كلا أو بعضا إلى طعامه، وبها صريح فتوى جماعة من
المتأخرين (1)، والظاهر اتحاده مع الثاني.
والرواية الأولى وإن كانت أخص مطلقا من الثانيتين، إلا أن ضعفها
- باعتبار مخالفتها للشهرة العظيمة - يمنع من تخصيصهما بها، فالأقوى اشتراط
المنع بحاجة الناس كلا أو بعضا إلى ما احتكره، وإن كان قول الشيخ أحوط.
ج: صرح جماعة بعدم الفرق بين أن يكون ما احتكره من غلته أو
اشتراه (2).
واشترط الفاضل الاشتراء (3)، وهو الأصح، لمفهوم الحصر في
صحيحة الحلبي (4).
واحتمال ورودها مورد الغالب منفي بالأصل، لكونه تجوزا، وكذا
تخصيص الحصر فيها بالنسبة إلى فقد الطعام والبائع، وبها تقيد إطلاقات
الاحتكار وعموم العلة لو ثبت.
د: يشترط فيها أن يكون الحبس لزيادة الثمن، فلو أمسكه لنفقته أو
الزرع فلا مانع منه، لعدم صدق الاحتكار عليه، لأنه - كما عرفت - هو
الحبس انتظارا للغلاء.

(1) منهم العلامة في التحرير: 160، والشهيد في الدروس 3: 180، والشهيد الثاني
في الروضة 3: 299.
(2) كما في المسالك 1: 177، والرياض 1: 522.
(3) المنتهى 2: 1007.
(4) الكافي 5: 165 / 5، التهذيب 7: 160 / 708، الإستبصار 3: 115 / 411،
الوسائل 17: 424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 2.
50

وتدل عليه أيضا الأخبار المستفيضة الواردة في إحراز قوت السنة (1)،
وأنه راجح مندوب إليه.
نعم، يستحب مواساة الناس في الأقوات، وبيعها وشرائها كل يوم مع
الناس إذا كان زمان غلا وقحط، كما تدل عليه صحيحة حماد بن عثمان (2)
وروايتا معتب (3).
ه‍: يجبر المحتكر على البيع إجماعا حتى من القائل بالكراهة، كما
في المهذب والتنقيح (4) وكلام جماعة (5). وهو - كما مر - من الشواهد
القوية على الحرمة، لاستبعاد جواز الحبس ووجوب الجبر على تركه.
ثم الدليل على الاجبار - بعد الاجماع - وجوب النهي عن المنكر على
القول بالحرمة.
وأما الاستدلال برواية حذيفة المتقدمة (6) ورواية ضمرة: (أنه - يعني
رسول الله صلى الله عليه وآله - مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن يخرج إلى بطون
الأسواق، وحيث ينظر الناس إليها، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: لو قومت
عليهم، فغضب صلى الله عليه وآله حتى عرف الغضب في وجهه وقال: أنا أقوم

(1) الوسائل 17: 434 أبواب آداب التجارة ب 31.
(2) الكافي 5: 166 / 1، التهذيب 7: 160 / 709، الوسائل 17: 436 أبواب آداب
التجارة ب 32 ح 1.
(3) الأولى في: الكافي 5: 166 / 2، التهذيب 7: 161 / 710، الوسائل 17: 436
أبواب آداب التجارة ب 31 ح 2.
الثانية في: الكافي 5: 166 / 3، التهذيب 7: 161 / 711، الوسائل 17:
437 أبواب آداب التجارة ب 31 ح 3.
(4) المهذب البارع 2: 370، التنقيح 2: 42.
(5) منهم صاحبي الحدائق 18: 64 والرياض 1: 522.
(6) الكافي 5: 164 / 2، التهذيب 7: 159 / 705، الإستبصار 3: 114 / 407،
الوسائل 17: 429 أبواب آداب التجارة ب 29 ح 1.
51

عليهم؟! إنما السعر إلى الله عز وجل، يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء) (1).
فضعيف، لأن أمره صلى الله عليه وآله بالبيع لا يدل على وجوب الأمر على غيره،
بل ولا على وجو عليه أيضا.
وإذ قد عرفت أن وجوبه من باب النهي عن المنكر لا يكون مختصا
بالإمام، بل يجب على الكل.
وهل يسعر السعر عليه، أم لا؟
ذهب المفيد والديلمي إلى الأول (2)، فيسعر عليه بما يراه الحاكم من
المصلحة، والمشهور الثاني، لروايتي حذيفة وضمرة.
وقال ابن حمزة والفاضل والشهيد في اللمعة (3) وجمع آخر (4)
بالتسعير مع إجحاف المالك، وعدمه بدونه.
وقيل بالأمر بالنزول مع الاجحاف حتى يرتفع وتركه أن يبيع كيف
شاء مع عدمه (5)، وهو الأقوى.
أما الأمر بترك الاجحاف معه فلوجوب كون البيع بأسعار لا يجحف،
لما نقلناه من نهج البلاغة (6)، وبه تخصص الروايتان، فيجب الأمر به من
باب الأمر بالمعروف، ولأنه لولاه لانتفت فائدة الاجبار على البيع.
وأما تركه يبيع كيف شاء مع عدمه فللأصل والروايتين.

(1) الفقيه 3: 168 / 745، التهذيب 7: 161 / 713، الإستبصار 3: 114 / 408،
الوسائل 17: 430 أبواب آداب التجارة ب 30 ح 1.
(2) المفيد في المقنعة: 616، الديلمي في المراسم: 182.
(3) ابن حمزة في الوسيلة: 260، الفاضل في المختلف: 346، اللمعة (الروضة 3): 299.
(4) منهم الشهيد في الدروس 3: 180، الفاضل المقداد في التنقيح 2: 43، الكركي
في جامع المقاصد 4: 42.
(5) الروضة 3: 299.
(6) راجع ص: 47.
52

المقصد الثالث
في بيان المكاسب المكروهة والمحرمة
وفيه فصلان:
53

الفصل الأول
فيما يكره التكسب به
وهو أمور:
منها: الصرف، وبيع الأكفان، والطعام، والرقيق والجزارة،
والصياغة، بلا خلاف في شئ منها، له..
ولرواية إسحاق بن عمار: (لا تسلمه صيرفيا، فإن الصيرفي لا يسلم
من الربا، ولا تسلمه بياع الأكفان، فإن صاحب الأكفان يسره الوبا إذا كان،
ولا تسلمه بياع طعام، فإنه لا يسلم من الاحتكار، ولا تسلمه جزارا، فإن
الجزارة تسلب الرحمة، ولا تسلمه نخاسا، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: شر
الناس من يبيع الناس) (1).
ورواية ابن عبد الحميد: (لا تسلمه سباء ولا صائغا ولا قصابا ولا
حناطا ولا نخاسا)، قال: (فقال: يا رسول الله، وما السباء؟ قال: الذي يبيع
الأكفان ويتمنى موت أمتي) (2).
ورواية طلحة: (نهيتها أن تجعله قصابا أو حجاما أو صائغا) (3).
والأولان لا يفيدان أزيد من الكراهة، لاحتمال الصيغة أن تكون نفيا.

(1) الكافي 5: 114 / 4، التهذيب 6: 361 / 1037، الإستبصار 3: 62 / 208،
علل الشرائع: 530 / 1، الوسائل 17: 135 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 1.
(2) الفقيه 3: 96 / 369، التهذيب 6: 362 / 1038، الإستبصار 3: 63 / 209،
العلل: 530 / 2، معاني الأخبار: 150 / 1، الخصال: 287 / 44، الوسائل 17:
137 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 4.
(3) الكافي 5: 114 / 5، التهذيب 6: 363 / 1041، الإستبصار 3: 64 / 212،
العلل: 530 / 3، الوسائل 17: 136 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 2.
55

وأما الأخير فظاهر النهي فيه وإن اقتضى الحرمة، إلا أن الاجماع منع
من حمله عليها، مضافا إلى المعارضة مع بعض أخبار أخر في الجملة،
وترك الانكار على أرباب هذه الصناعات في جميع الأعصار والأمصار.
قيل: وظاهر هذه الأخبار كغيرها اختصاص الكراهة باتخاذ ذلك
حرفة وصنعة، دون أن يصدر منه ذلك أحيانا (1).
وهو كذلك، أما في غير بيع الرقيق فظاهر، وأما فيه فقد يناقش من
جهة عموم العلة.
وفيه: أن المذكور في العلة كراهة بيع الناس، الذي هو اسم الجمع
المحلى المفيد للعموم، وهو وإن كان غير مراد ولكن لم يثبت إرادة من
يبيعه أحيانا، فيقتصر على القدر المتيقن.
ثم بعد اختصاص الكراهة بما ذكر لا يحتاج إلى تقييد المكروه بعدم
احتياج الناس إليه، لئلا يلزم اجتماع المكروه مع الواجب العيني أو
الكفائي، لعدم مماسة الحاجة إلى اتخاذ ذلك حرفة.
والظاهر أن المراد ببياع الطعام: بياع الحنطة، لأن الطعام في لغة
العرب هو الحنطة، كما بينوه في بيان حلية طعام أهل الكتاب، ويؤكده
التعليل بعدم السلامة من الاحتكار، والتخصيص بالحناط في الرواية الثانية.
والمراد ببياع الحنطة - كما مر -: من اتخذ ذلك حرفة، فلا بأس ببيع
الزارع للحنطة ما يفضل عن قدر حاجته، ولو تكرر ذلك منه، بل اتخذ
حرفته الزراعة ويبيع الفاضل، لأن ذلك يسمى زارعا لا بياع الحنطة.
ومنها: الحياكة، لقول أمير المؤمنين عليه السلام للأشعث بن قيس: (حائك

(1) الحدائق 18: 228.
56

ابن حائك، منافق بن كافر) (1).
وفي بعض الأخبار: (لا ينجب الحائك إلى سبعة بطون).
ورواية الصيقل: جعلت فداك، تغزلهما أم إسماعيل وأنسجهما أنا،
فقال لي: (حائك؟) فقلت: نعم، قال: (لا تكن حائكا) (2).
ويستفاد من ذلك اتحاد النساجة والحياكة، كما صرح في الصحاح
وغيره (3)، فتعم الكراهة كل النسج من الغزل والإبريسم، كما في التذكرة،
حيث عطف النساجة على الحياكة (4).
قيل: الكراهة والرذالة مختصتان بوقت كونهما حرفة، فلو تركهما
زالتا (5). وبه تشعر رواية الصيقل.
ومنها: الحجامة إذا شرط الأجرة، لرواية أبي بصير: عن كسب
الحجام، فقال: (لا بأس به إذ لم يشارط) (6).
وموثقة سماعة: (السحت أنواع كثيرة، منها: كسب الحجام إذا
شارط) (7).
ونحوها موثقته الأخرى (8)، إلا أنه ليست فيها الجملة الشرطية.

(1) نهج البلاغة (محمد عبده) 1: 51.
(2) الكافي 5: 115 / 6، التهذيب 6: 363 / 1042، الإستبصار 3: 64 / 213،
الوسائل 17: 140 أبواب ما يكتسب به ب 23 ح 1.
(3) الصحاح 4: 1582، وانظر القاموس المحيط 3: 310.
(4) التذكرة 1: 581.
(5) انظر التذكرة 1: 581، الحدائق 18: 228.
(6) الكافي 5: 115 / 1، التهذيب 6: 354 / 1008، الإستبصار 3: 58 / 190،
الوسائل 17: 104 أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 1.
(7) الكافي 5: 127 / 3 الوسائل 17: 92 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 2.
(8) التهذيب 6: 355 / 1013، الوسائل 17: 93 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 6.
57

والبأس والسحت وإن كانا موجبين للحرمة، إلا أن الاجماع على
عدمها - مضافا إلى بعض الروايات - أوجب حملهما على الكراهة.
ثم إن إطلاق الموثقة الأخيرة وإن اقتضى الكراهة مطلقا، إلا أنه لا بد
من تقييدها بها، لمفهوم الأولى للأصل.
فالقول بالكراهة مطلقا - كاللمعة (1)، لاطلاق الموثقة الأخيرة - غير
سديد، كالقول بعدم الكراهة كذلك، لرواية حنان: دخلنا على أبي
عبد الله عليه السلام ومعنا فرقد الحجام، قال: جعلت فداك، إني أعمل عملا وقد
سألت عنه غير واحد ولا اثنين فزعموا أنه عمل مكروه، فأنا أحب أن
أسألك عنه، فإن كان مكروها انتهيت عنه - إلى أن قال -: (وما هو؟) قال:
حجام، قال: (كل من كسبك يا ابن أخ، وتصدق وحج منه، وتزوج، فإن
نبي الله صلى الله عليه وآله قد احتجم وأعطى الأجر، ولو كان حراما ما أعطاه)، قال:
جعلني الله فداك، إن لي تيسا (2) أكريه فما تقول في كسبه؟ قال: (كل من
كسبه فإنه لك حلال والناس يكرهونه)، قال حنان: قلت: لأي شئ
يكرهونه وهو حلال؟ قال: (لتعيير الناس بعضهم بعضا) (3)..
لاجمال الرواية من حيث المراد من الكراهة، إذ يحتمل أن يكون
المراد بالكراهة فيها المعنى المصطلح، وبالحرام الكراهة، ويحتمل
العكس، ويؤيده التعليل كما قيل.
ثم كراهة التكسب وإن اختصت بصورة الشرط لما مر، إلا أنه يمكن

(1) اللمعة (الروضة 3): 219.
(2) التيس: الذكر من المعز، والجمع: أتياس وأتيس، والجمع الكثير: تيوس - لسان
العرب 6: 33.
(3) الكافي 5: 115 / 2، التهذيب 6: 354 / 1009، الإستبصار 3: 58 / 191،
الوسائل 17: 105 أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 5.
58

القول بكراهة الأكل من كسبه مطلقا، لاطلاق صحيحة الحلبي: عن كسب
الحجام، فقال: (لك ناضح (1)؟) فقال: نعم، فقال: (اعلفه إياه ولا تأكله) (2).
والحكمان مخصوصان بالحجامة، فلا يتعديان إلى الفصد (3)،
للأصل.
ومنها: ضراب الفحل بأن يؤاجره لذلك، للمرسل: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله
عن عسيب الفحل، وهو أجرة الضراب) (4)، وحمل على التنزيه، للاجماع.
ولصحيحة ابن عمار: عن أجر التيوس، قال: (إن كانت العرب لتعاير
به فلا بأس) (5)، ورواية حنان المتقدمة.
وظاهر هذه الأخبار كراهة أخذ الأجر مطلقا بجعل وإجارة،
والتخصيص بالأجرة غير ظاهر.
ومنها: التكسب بما يكتسب به الصبيان بنحو الاحتطاب والاحتشاش
فيما لم تعلم الإباحة أو الحرمة، أي يكره للولي أن ينقله إلى نفسه أو غيره
أو يتصرف فيه بالتصرفات الجائزة، وأما بالواجبة - كحفظه من التلف، أو
صرفه فيما يحتاج إليه الصغير - فواجب.
وكذا يكره لغير الولي بأن يشتريه من الولي.
وكذا يكره التكسب بما يكتسب به كل من يعلم عدم اجتنابه من
المحرمات، كالعشار والظلمة والمعاملين معهم في أموالهم المحرمة، بل

(1) الناضح: البعير يستقى عليه - الصحاح 1: 411.
(2) التهذيب 6: 356 / 1014، الإستبصار 3: 60 / 196، الوسائل 17: 104
أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 2.
(3) الفصد: قطع العرق - الصحاح 2: 519.
(4) الفقيه 3: 105 / 433، الوسائل 17: 111 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 3.
(5) الكافي 5: 116 / 5، التهذيب 6: 355 / 1012، الإستبصار 3: 59 / 194،
الوسائل 17: 111 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 2، بتفاوت يسير.
59

المشتبهة، بل كل من لا يؤمن عنه في اجتنابه عن المحرمات، بل عن
المشتبهات، لصدق الشبهة المستحب اجتنابها بالمستفيضة على الجميع.
ولفحوى رواية السكوني: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن كسب الإماء،
فإنها إن لم تجد زنت، إلا أمة قد عرفت بصنعة يد، ونهى عن كسب الغلام
الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده، فإنه إن لم يجد سرق) (1).
والمراد: أنهما مظنتان لذلك، فيسري الحكم إلى كل من هو مظنة
لأخذ كل محرم، بضميمة الاجماع المركب.
والتخصيص المصرح به فيها محمول على شدة الكراهة، وإلا فيكره
في غير محل التخصيص مع عدم الاطمئنان أيضا، لما ذكر، ولعله تتفاوت
مراتب الكراهة بتفاوت المظنة.
ومنها: أخذ الأجرة على تعليم القرآن، لرواية حسان: عن التعليم،
فقال: (لا تأخذ على التعليم أجرا) قلت: الشعر والرسائل وما أشبه ذلك
أشارط عليه؟ قال: (نعم، بعد أن يكون الصبيان عندك سواء في التعليم لا
تفضل بعضهم على بعض) (2).
ورواية الأعشى: إني أقرئ القرآن فتهدى إلي الهدية فأقبلها؟ قال:
(لا) قلت: إن لم أشارطه؟ قال: (أرأيت أن لو لم تقرئ كان يهدى لك؟)
قال: قلت: لا، قال: (فلا تقبله) (3).

(1) الكافي 5: 128 / 8، التهذيب 6: 367 / 1057، الوسائل 17: 163 أبواب ما
يكتسب به ب 33 ح 1.
(2) الكافي 5: 121 / 1، التهذيب 6: 364 / 1045، الإستبصار 3: 65 / 214،
الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 1.
(3) الفقيه 3: 110 / 462، التهذيب 6: 365 / 1048، الإستبصار 3: 66 / 219،
الوسائل 17: 155 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 4، بتفاوت يسير.
60

ورواية زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام: (أنه أتاه رجل فقال له:
يا أمير المؤمنين، والله إني لأحبك لله، فقال له: ولكن أنا أبغضك لله، فقال:
ولم؟ قال: لأنك تبغي في الأذان وتأخذ على تعليم القرآن أجرا، وسمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة) (1).
ورواية إسحاق بن عمار: إن لنا جارا يكتب وقد سألني أن أسألك
عن عمله، فقال: (مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله: إنما أنا أعلمه
الكتاب والحساب واتجر عليه بتعليم القرآن حتى يطيب له كسبه) (2)،
والمراد بالكتاب: الكتابة.
ولا تنافيها رواية الفضل بن قرة: إن هؤلاء يقولون: إن كسب المعلم
سحت، فقال: (كذبوا أعداء الله، إنما أرادوا أن لا يعلموا القرآن، ولو أن
المعلم أعطاه رجل دية ولده كان حلالا) (3)، لأن غايتها انتفاء الحرمة، وهو
لا ينافي الكراهة، مع أن المستفاد منها انتفاء الحرمة في مطلق التعليم دون
تعليم القرآن، فتأمل.
ويجوز قبول الهدية لمعلم القرآن إذا لم يكن أجرا وشرطا، لرواية
المدائني: (المعلم لا يعلم بالأجر، ويقبل الهدية) (4).

(1) الفقيه 3: 109 / 461، التهذيب 6: 376 / 1099، وأورد صدره في الإستبصار
3: 65 / 215، الوسائل 17: 157 أبواب ما يكتسب به ب 30 ح 1.
(2) التهذيب 6: 364 / 1044، الإستبصار 3: 65 / 217، الوسائل 17: 155
أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 3.
(3) الكافي 5: 121 / 2، الفقيه 3: 99 / 384، التهذيب 6: 364 / 1046،
الإستبصار 3: 65 / 216، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 2.
(4) التهذيب 6: 365 / 1047، الإستبصار 3: 66 / 218، الوسائل 17: 156
أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 5.
61

وربما يقال بكراهة أخذ الهدية أيضا، لرواية الأعشى المتقدمة.
وفيه: أنها إنما تدل على كراهة قبول الهدية على قراءة القرآن دون
تعليمه.
ثم إنه يظهر من هذه الرواية كراهة التكسب بقراءة القرآن.
وقد يقال بكراهة التكسب بكتابة القرآن أيضا، لما دل على كراهة
أخذ الأجرة على تعليمه.
ولا دلالة فيه عليها.
ولما روي: أنه ما كان المصحف يباع، ولا يؤخذ الأجر على كتابته
في زمانه صلى الله عليه وآله، بل كان يخلى الورقة في المسجد عند المنبر، وكل من
يجي يكتب سورة (1).
ولا دلالة فيه على الكراهة، إذ لعله كان لعدم التعارف، كما يستفاد
من رواية روح: ما ترى أن أعطى على كتابته أجرا؟ قال: (لا بأس، ولكن
هكذا كانوا يصنعون) (2)، يعني: يخلى عند المنبر كما مر.

(1) الكافي 5: 121 / 3، التهذيب 6: 266 / 1052 و 1053، الوسائل 17:
159 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 4 و 8 و 9.
(2) الكافي 5: 121 / 3، التهذيب 6: 266 / 1052 و 1053، الوسائل 17:
159 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 4 و 8 و 9.
62

الفصل الثاني
فيما يحرم التكسب به
وهو أيضا أمور:
منها: المسكر، خمرا كان أو غيره، مائعا بالأصالة أو جامدا، كان
التكسب به بالبيع مطلقا أو غيره، بل مطلق التصرف فيه وإمساكه في غير
الجامد، كما صرح به جماعة (1)، منهم الحلي، قال: والخمر والتصرف
فيها حرام على جميع الوجوه، من البيع، والشراء، والهبة، والمعارضة،
والحمل لها، والصنعة، وغير ذلك من أنواع التصرف (2).
وأما دليل حرمة بيع الخمر مطلقا، فبعد الاجماع المحقق، وقوله
سبحانه: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه) (3)، المستفيضة من النصوص:
منها: رواية جابر: (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله في الخمر عشرة: غارسها،
وحارسها، وبائعها، ومشتريها) الحديث (4).
وفي رواية أخرى بعد عد العشرة: (وكذا كل نبيذ وكل مسكر، لأنه نجس).
وصحيحة عمار بن مروان: (والسحت أنواع كثيرة، منها: أجور
الفواحش، وثمن الخمر والنبيذ المسكر) (5).

(1) كالمفيد في المقنعة: 587، والطوسي في النهاية: 363.
(2) السرائر 2: 218.
(3) المائدة: 90.
(4) الخصال: 444 / 41، الوسائل 25: 375 أبواب الأشربة المحرمة ب 34 ح 1.
(5) الكافي 5: 126 / 1، التهذيب 6: 368 / 1062، الوسائل 17: 92 أبواب ما
يكتسب به ب 5 ح 1.
63

والروايات بهذا المضمون في ثمن الخمر كثيرة جدا.
ورواية يونس: (إن أسلم رجل وله خمر وخنازير ثم مات وهي في
ملكه وعليه دين، قال: يبيع ديانه أو ولي له غير مسلم خمره وخنازيره
فيقضي دينه، وليس له أن يبيعه وهو حي، ولا يمسكه) (1).
ورواية أبي بصير، وفيها: (إن الذي حرم شربها حرم ثمنها، فأمر بها
فصب على الصعيد) (2).
ومرسلة يزيد بن خليفة الطويلة، وفيها: (انظر شرابك هذا الذي
تشربه، فإن كان يسكر كثيره فلا تقربن قليله) (3).
وصحيحة ابن أذينة: عن رجل له كرم أيبيع العنب والتمر من يعلم أنه
يجعله خمرا أو مسكرا؟ فقال: (إنما باعه حلالا في الابان (4) الذي يحل
شربه وأكله، فلا بأس ببيعه) (5)، علل حلية البيع بحلية الأكل والشرب،
فينتفي حين انتفائها.
ورواية عمر بن حنظلة الآتية في المسألة الآتية (6).
والمروي في تحف العقول، ورسالة المحكم والمتشابه للسيد،
والفصول المهمة للشيخ الحر: (كل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه

(1) الكافي 5: 232 / 13، التهذيب 5: 138 / 612، الوسائل 17: 227 أبواب ما
يكتسب به ب 57 ح 2.
(2) التهذيب 7: 135 / 599، الوسائل 17: 225 أبواب ما يكتسب به ب 55 ح 6،
وفيهما: فصبت في الصعيد.
(3) الكافي 6: 411 / 16، الوسائل 25: 340 أبواب الأشربة المحرمة ب 17 ح 9.
(4) إبان الشئ - بالكسر والتشديد -: وقته - مجمع البحرين 6: 197.
(5) الكافي 5: 231 / 8، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 5.
(6) انظر ص: 71.
64

من جهة أكله وشربه، أو كسبه، أو نكاحه، أو ملكه، أو هبته، أو عاريته،
أو إمساكه، أو شئ يكون فيه وجه من وجوه الفساد، نظير البيع بالربا،
والبيع للميتة والدم ولحم الخنزير ولحوم السباع من جميع صنوف سباع
الوحش، أو الطير، أو جلودها، أو الخمر، أو شئ من وجوه النجس، فهذا
كله حرام محرم، لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه
والتقلب فيه، فجميع تقلبه في ذلك حرام) الحديث (1).
والرضوي: (وكل أمر يكون فيه الفساد مما قد نهي عنه من جهة أكله
وشربه ولبسه ونكاحه وإمساكه لوجه الفساد، مثل: الميتة، والدم، ولحم
الخنزير، والربا، وجميع الفواحش، ولحوم السباع، والخمر، وما أشبه
ذلك، حرام ضار للجسم) الحديث (2).
والمروي في التنقيح و [الخلاف] (3) والمنتهى: (لعن اليهود، حرمت
عليهم الشحوم فباعوها) (4).
وفيهما: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) (5).
وفي الغوالي: (إن الله إذا حرم على قوم أكل شئ حرم ثمنه) (6).
وفي تفسير القمي عن الباقر - بعد ذكر الخمر والميسر والأنصاب

(1) تحف العقول: 333، الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.
(2) فقه الرضا (ع): 250، مستدرك الوسائل 13: 64 أبواب ما يكتسب به ب 2
ح 1.
(3) بدل ما بين المعقوفين في (ح) و (ق): المهذب، والظاهر أنه تصحيف والصواب
ما أثبتناه، حيث إن الحديثين غير موجودين فيه، ولكنهما موجودان في الخلاف.
(4) التنقيح 2: 5، الخلاف 1: 588، المنتهى 2: 1010، بتفاوت.
(5) التنقيح 2: 5، الخلاف 1: 587.
(6) الغوالي 2: 110 / 301، مستدرك الوسائل 13: 73 أبواب ما يكتسب به ب 6
ح 8.
65

والأزلام وبيانها -: (كل هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشئ من هذا حرام
من الله محرم) (1).
وضعف بعض تلك الأخبار - لانجبارها بالعمل - غير ضائر.
وأما حرمة سائر أنواع التكسب بها والتصرف فيها وإمساكها، ف‍ - بعد
الاجماع - للآية، حيث إن الأمر بالاجتناب يفيد النهي عن جميع ما ذكر.
ومرسلة يزيد بن خليفة، لمثل ذلك أيضا.
ورواية يونس، حيث إن النهي عن الامساك يستلزم النهي من جميع
أنواع التصرفات.
ورواية أبي بصير، حيث إن إيجاب الصب يقتضي النهي عن جميع
أضداده.
والمروي في تحف العقول، والرضوي، ورواية القمي المتقدمة.
ورواية الحسين بن عمر بن يزيد: (يغفر الله في شهر رمضان إلا لثلاثة:
صاحب مسكر، أو صاحب شاهين، أو مشاحن) (2).
ومن هذا يظهر وجوب إهراقها على من كانت بيده، وعلى كل أحد
كفاية - لو لم يهرق - من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأما حرمة بيع سائر الأشربة المسكرة والتصرف فيها والتكسب بها
وحفظها وإمساكها فلأكثر ما ذكر، بل جميعه، لكون كل نبيذ مسكر خمرا
لغة - كما صرح به في القاموس (3) - وشرعا، كما دلت عليه الروايات

(1) تفسير القمي 1: 180، الوسائل 17: 321 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 12.
(2) الكافي 6: 436 / 10، الوسائل 17: 319 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 6.
والمشاحن: صاحب البدعة - القاموس 4: 241.
(3) القاموس 2: 23.
66

المتكثرة:
منها: رواية عطا: (كل مسكر خمر) (1).
والصحيح: (الخمر من خمسة: العصير من الكرم، والنقيع من الزبيب،
والبتع (2) من العسل، والمزر (3) من الشعير، والنبيذ من التمر) (4).
والمرسل: (الخمر من خمسة أشياء: من التمر والزبيب والحنطة والشعير
والعسل) (5).
ورواية أبي الجارود: (عن النبيذ أخمر هو؟ فقال: ما زاد على الترك
جودة فهو خمر) (6).
وفي تفسير القمي عن الباقر عليه السلام في آية: (إنما الخمر والميسر) (7)
الآية: (أما الخمر فكل مسكر من الشراب إذا خمر فهو خمر) إلى أن قال:
(وإنما كانت الخمر يوم حرمت بالمدينة فضيخ البسر والتمر، فلما نزل
تحريمها خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقعد في المسجد فدعا بآنيتهم التي كانوا
ينبذون فيها فكفأها كلها وقال: هذه كلها خمر) إلى أن قال: (فأما عصير
العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شئ) الحديث (8).

(1) الكافي 6: 408 / 3، التهذيب 9: 111 / 482، الوسائل 25: 326 أبواب
الأشربة المحرمة ب 15 ح 5.
(2) البتع والبتع: نبيذ يتخذ من عسل كأنه الخمر صلابة - لسان العرب 8: 4.
(3) المزر: نبيذ الشعير والحنطة والحبوب - لسان العرب 5: 172.
(4) الكافي 6: 392 / 1، التهذيب 9: 101 / 442، الوسائل 25: 279 أبواب
الأشربة المحرمة ب 1 ح 1.
(5) الكافي 6: 392 / 2، الوسائل 25: 279 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 2.
(6) الكافي 6: 412 / 5، الوسائل 25: 343 أبواب الأشربة المحرمة ب 19 ح 4.
(7) المائدة: 90.
(8) تفسير القمي 1: 180، الوسائل 17: 321 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 12.
67

وأما ما في بعض الأخبار - من تخصيص الخمر بما يكون من العنب -
فالمراد منه الخمرة الملعونة، كما صرح به في الرضوي: (ولها خمسة
أسامي، فالعصير من الكرم وهي الخمرة الملعونة) (1).
وأما حرمة بيع الجامد من المسكر فلصحيحة ابن أذينة، وما تأخر عنها
من الروايات (2).
وقد يخص ذلك خاصة بما إذا لم يقصد ببيعه المنفعة المحللة، وإطلاق
الصحيح وغيره يضعفه.
نعم، الظاهر عدم حرمة التصرف فيه بالانتفاع به بالمنافع المحللة أو
إمساكه لذلك، لعدم دليل عليه إلا المروي في تحف العقول والرضوي (3)،
وهما - لضعفهما وعدم انجبارهما بالعمل إلا مدلولا - لا ينهضان حجة إلا في
كل حكم ثبت اشتهاره، ولم يثبت ذلك هنا.
ومثل الجامد من المسكر: العصير العنبي بعد الغليان وإن قلنا
بطهارته، لرواية أبي كهمش: لي كرم وأنا أعصره كل سنة وأجعله في الدنان
وأبيعه قبل أن يغلي، قال: (لا بأس به، وإن غلا فلا يحل بيعه) (4).
ويستثنى من التصرف والتكسب المحرمين في الخمر جعله خلا
وإمساكه لذلك، كما صرح به الحلي والفاضل (5) وغيرهما (6)، وتدل عليه

(1) فقه الرضا (ع): 280، مستدرك الوسائل 17: 37 أبواب الأشربة المحرمة ب 1
ح 2.
(2) راجع ص 64.
(3) راجع ص: 64، 65.
(4) الكافي 5: 232 / 12، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 6.
(5) الحلي في السرائر 2: 218، الفاضل في التحرير 1: 160.
(6) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 235.
68

الروايات المتكثرة (1).
وهل يجوز بيعها لذلك؟
الظاهر: لا، لظاهر الاجماع وإطلاق النصوص.
وأما موثقة عبيد بن زرارة: عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلا،
قال: (لا بأس به) (2).
ورواية جميل: يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني بها خمرا،
فقال: (خذها ثم أفسدها) (3) وزيد في رواية: (واجعلها خلا).
فلا تنهضان حجتين للتخصيص، لعدم ظهور الأخذ في كونه على سبيل
البيع والشراء، بل هما أمران زائدان على الأخذ، فإثباتهما يحتاج إلى الدليل.
ويستثنى أيضا منه التصرف فيه بالتداوي في حال الضرورة، لمحافظة
النفس كما يأتي في محله، ويظهر منه جواز إمساكه لذلك، ولكن يشترط في
التصرف والامساك العلم بالضرورة أو الظن المعتبر شرعا، فلا يجوز إمساكها
لتجويز الاحتياج إليها واحتماله، ولا التصرف فيها مع إمكان دفع الضرورة بغيرها.
وأما اقتناؤها لفائدة محللة غير ذلك فلا، لما مر، وإن أشعرت بجوازه
كلمات بعضهم (4).
ومنها: المائعات النجسة ذاتا أو عرضا، كان التكسب بها بالبيع أو
غيره، وإن قصد بها نفع محلل وأعلم المشتري بحالها إن لم يقبل التطهير،

(1) الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرمة ب 31.
(2) الكافي 6: 428 / 3، التهذيب 9: 117 / 505، الإستبصار 4: 93 / 356،
الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 3.
(3) التهذيب 9: 118 / 508، الإستبصار 4: 93 / 358، الوسائل 25: 371 أبواب
الأشربة المحرمة ب 31 ح 6.
(4) منهم العلامة في المنتهى 2: 1010 وصاحب الحدائق 18: 70.
69

إجماعا كما عن الغنية والمنتهى وظاهر المسالك (1).
ومع قبولها له على الأصح، وفاقا لظاهر الحلي، بل التهذيب، بل
الخلاف والنهاية للشيخ (2)، حيث صرح فيهما بوجوب إهراق الماء
النجس، بل في النهاية بعدم جواز استعمال شئ من المائعات ووجوب
الاهراق في بحث المشارب، للرواية الثانية من الروايات المتقدمة في
المسألة السابقة (3)، وصحيحة ابن أذينة وما تأخر عنها من الروايات (4)،
وللأمر بإهراق الماء النجس - المستلزم للنهي عن جميع أضداده الخاصة،
التي منها: بيعه وصلحه وإمساكه وسائر التصرفات - في أخبار كثيرة:
كموثقة سماعة: عن رجل معه إناءان فيهما ماء، فوقع في أحدهما قذر لا
يدري أيهما هو، وليس يقدر على ماء غيره، قال: (يهريقهما جميعا ويتيمم) (5).
والأخرى: (وإن كان أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به
إن لم يكن أصاب يده شئ من المني، وإن كان أصاب يده فأدخل يده في
الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله) (6).
وموثقة أبي بصير: (إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا
بأس، إلا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فإن أدخلت يدك في الإناء

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 586، المنتهى 2: 1010، المسالك 1: 164.
(2) الحلبي في السرائر 2: 219، التهذيب 1: 248، الخلاف 1: 175، النهاية: 5
و 364 و 588.
(3) في ص: 63.
(4) راجع ص: 64.
(5) الكافي 3: 10 / 6، التهذيب 1: 249 / 713، الإستبصار 1: 21 / 48، الوسائل
1: 151 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2.
(6) التهذيب 1: 308 / 102، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 10.
70

وفيها شئ من ذلك فأهرق الماء) (1).
وصحيحته: عن الجنب يجعل الركوة (2) أو التور (3) فيدخل إصبعه فيه،
قال: (إن كانت يده قذرة فليهرقه) (4).
وصحيحة البزنطي: عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة، قال:
(يكفئ الإناء) (5).
وصحيحة البقباق، وفيها: فقال: (رجس نجس - أي الكلب - لا
تتوضأ بفضله وأصبب ذلك الماء) الحديث (6).
ورواية عمر بن حنظلة: في قدح من المسكر يصب عليه الماء حتى
تذهب عاديته ويذهب سكره، فقال: (لا والله، ولا قطرة يقطر منه في حب
إلا أهريق ذلك الحب) (7).
وتلك الروايات وإن اختصت بالماء إلا أنه يثبت الحكم في غيره بعدم
القول بالفصل، مضافا إلى الأمر بإهراق المرقة المتنجسة بموت الفأرة ودفن

(1) الكافي 3: 11 / 1، الوسائل 1: 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 4.
(2) الركوة - مثلثة -: زورق صغير ورقعة تحت العواصر - القاموس 4: 338. الركوة
بالفتح: هي دلو صغير من جلد. وبالضم: زق يتخذ للخمر والخل - مجمع البحرين
1: 194 - 195.
(3) التور بالفتح فسكون: إناء صغير من صفر أو خزف يشرب منه ويتوضأ فيه
ويتوكل - مجمع البحرين 3: 234.
(4) التهذيب 1: 308 / 103، الإستبصار 1: 20 / 46، مستطرفات السرائر: 27،
الوسائل 1: 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 11.
(5) التهذيب 1: 39 / 105، الوسائل 1: 153 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 7.
(6) التهذيب 1: 225 / 646، الإستبصار 1: 19 / 40، الوسائل 1: 226 أبواب
الأسئار ب 3 ح 4.
(7) الكافي 6: 410 / 15، التهذيب 9: 112 / 485، الوسائل 25: 341 أبواب
الأشربة المحرمة ب 18 ح 1.
71

العجين النجس.
ويظهر من تلك الروايات ورواية تحف العقول السابقة (1) عدم جواز
الانتفاع بها منفعة محللة أيضا، ولا اقتنائها، لذلك، وهو كذلك، لذلك.
وفاقا لظاهر الحلي، قال: وكل طعام أو شراب حصل فيه شئ من
الأشربة المحضورة أو شئ من المحرمات والنجاسات، فإن شربه وعمله
والتجارة فيه والتكسب به والتصرف فيه حرام محظور (2).
بل الأكثر فيما لا يقبل التطهير، كما يظهر من تخصيصهم جواز
الانتفاع بالدهن النجس بالاستصباح، ونسبة القول بتجويز اتخاذ الصابون منه
وطلي الأجرب والدواب إلى نادر (3).
خلافا للفاضل في أكثر كتبه (4)، ويضعف بما مر.
ويستثنى من ذلك الدهن بجميع أصنافه، فيجوز الاستصباح به وبيعه
لذلك، للاجماع، والمستفيضة من الصحاح وغيرها:
ففي صحيحة زرارة: (إذا وقعت الفأرة في السمن وماتت، فإن كان
جامدا فألقها وما يليها وكل ما بقي، وإن كان ذائبا فلا تأكله واستصبح به،
والزيت مثل ذلك) (5).
وفي صحيحة ابن وهب: جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل، فقال:
(أما السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله، والزيت يستصبح به)،

(1) راجع ص: 64، 65.
(2) السرائر 2: 219.
(3) حكاه في الحدائق 18: 90 عن بعض الأصحاب.
(4) كنهاية الإحكام 2: 464، والتحرير 1: 160، والقواعد 1: 120.
(5) الكافي 6: 261 / 1، الوسائل 17: 97 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 2.
72

وقال في بيع ذلك الزيت: (يبيعه ويبينه لمن اشتراه ليستصبح به) (1).
وموثقته: في جرذ مات في زيت، ما تقول في بيع ذلك الزيت؟
قال: (بعه وبينه لمن اشتراه ليستصبح به) (2).
وصحيحة أبي بصير: عن الفأر تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه،
قال: (إن كان جامدا فتطرحها وما حولها ويؤكل ما بقي، وإن كان ذائبا
فأسرج به وأعلمهم إذا بعته) (3).
وقريبة من بعض هذه الأخبار صحيحتا الحلبي (4) والأعرج (5).
وليس في شئ منها تقييد الاستصباح بتحت السماء كما عن الأكثر (6)،
وفي المسالك والروضة: أنه المشهور (7)، وعن الحلي: الاجماع عليه (8).
ومستنده غير واضح سواه.
وما ادعاه في المبسوط (9) من رواية الأصحاب الصريحة في التقييد.
وكونه أظهر أفراد الاستصباح.
ويضعف الأول: بعدم ثبوته.
والثاني: بعدم حجيته، مع أن المدعي اختار خلافه هنا.

(1) التهذيب 9: 85 / 359، الوسائل 17: 85 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 1،
بتفاوت يسير.
(2) التهذيب 7: 129 / 563، الوسائل 17: 98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 4.
(3) التهذيب 7: 129 / 562، الوسائل 17: 98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 3.
(4) التهذيب 9: 86 / 361، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 3.
(5) التهذيب 9: 86 / 362، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 4.
(6) قال في كشف اللثام 2: 269: قطع به الأصحاب.
(7) المسالك 1: 164، الروضة 3: 207.
(8) السرائر 3: 122.
(9) المبسوط 6: 283.
73

والثالث: بالمنع، بل الغالب عكسه.
وقد يعلل بنجاسة دخان النجس، أو بتصاعد شئ من أجزائه مع
الدخان، فينجس السقف.
وفيه: منع نجاسة الدخان أو العلم بتصاعد شئ من أجزاء الدهن أولا،
ومنع حرمة تنجيس المالك ملكه ثانيا.
وأما القول: بأن ذلك يوجب أن ينجس غالبا ما يشترط فيه الطهارة
في الصلاة من الثوب والبدن.
ففيه - بعد تسليمه - أنه إن لم يعلم فينفي بالأصل، وإلا فاللازم إزالة
النجاسة.
فالتعميم - كما في المبسوط والخلاف، وعن الإسكافي وجماعة من
المتأخرين (1) - هو الأقوى.
ثم الحق الاقتصار في الاستثناء على الاستصباح أو بيعه، لرواية تحف
العقول (2) المنجبرة بالشهرة، ويؤيده - بل يدل عليه - التعليل في
الصحيحة والموثقة المتقدمتين بقوله: (ليستصبح).
خلافا لشاذ، فألحق به عمل الصابون وتدهين الأجرب (3)، وآخر،
فاحتمل لحوق كل انتفاع لم يوجب محرما (4)، بل عن الشهيد في بعض
حواشيه (5) التصريح باللحوق.

(1) المبسوط 6: 283، الخلاف 2: 543، حكاه عن الإسكافي في المختلف:
685، وانظر المسالك 1: 164، وكفاية الأحكام: 85، والحدائق 18: 89.
(2) المتقدمة في ص: 64، 65.
(3) المسالك 2: 246.
(4) جامع المقاصد 4: 13.
(5) نقله عنه في جامع المقاصد 4: 13.
74

استنادا إلى الأصل.
والخبر المروي عن نوادر الراوندي (1).
وحملا للنصوص على النفع الغالب، أو جعل الاسراج كناية عن
استعمال لم يوجب المباشرة.
مع عدم دلالة الأخبار على المنع من غير الاستصباح.
ويندفع الأول: بعموم ما دل على المنع من التكسب به، خرج المجمع
عليه.
والثاني: بالضعف.
والثالث: بعدم دلالته على التعميم.
والرابع: بعدم دليل عليه.
وهل يجب في بيعه الاعلام بالنجاسة، أم لا؟
المصرح به في كلامهم (2) هو: الأول، وهو كذلك، للموثقة والصحيحة
المتقدمتين (3).
ثم لو تركه هل يقع البيع صحيحا، أم فاسدا؟
الظاهر هو: الأول، لعدم دليل على فساده.
وقد يوجه الفساد بأن الاعلام إما شرط جواز البيع أو صحته أو
مشكوك في شرطيته، والفساد على الأولين ظاهر، وكذا على الثالث،
لحصول الاجمال في تخصيص عمومات الصحة، فلا تكون حجة في

(1) نوادر الراوندي: 50.
(2) منهم المحقق في الشرائع 3: 226، والشهيد الثاني في المسالك 2: 246،
وصاحب الكفاية: 85.
(3) في ص: 73.
75

موضع الاجمال.
ويضعف: بأن تجويز البيع في الصحيحة مطلق والأصل عدم الاشتراط،
وعطف قوله: (ويبينه) لا يثبته (1)، فلا إجمال.
وفي حكم المائعات النجسة: الجوامد المتنجسة الغير القابلة للتطهير،
كالعسل والسمن الجامدين، بلا خلاف ظاهر، لعموم الأخبار المتقدمة،
والأمر بإلقائه في المعتبرة المتقدمة بعضها.
وأما القابلة له - كالثوب المتنجس والحبوب - فيجوز بيعها والتكسب
بها، بالاجماع، بل الضرورة، وفي الأخبار عليه الدلالة.
فرعان:
أ: مقتضى الأصل المستفاد من العمومات واختصاص النصوص المثبتة
للاستصباح بالمتنجس من الدهن عدم جوازه فيما يذاب من شحوم
الميتة وألبانها.
مضافا إلى المستفيضة الآتية المصرحة بعدم جواز الانتفاع بالميتة
مطلقا (2)، بل في صحيحة الوشاء الآتية (3) إشعار بتحريم الاستصباح بها
أيضا، مع أن الظاهر اتفاقهم عليه كما قيل (4).
إلا أن المحكي عن الفاضل تجويز الاستصباح به (5)، وتبعه بعض

(1) في (ح): لا يبينه.
(2) في ص: 78.
(3) في ص: 79، 80.
(4) انظر المسالك 2: 246.
(5) الحاكي هو الشهيد في بعض حواشيه على ما نقله عنه في جامع المقاصد 4:
13.
76

المتأخرين (1)، للمروي في السرائر وقرب الإسناد: عن الرجل يكون له
الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء، أيصلح أن ينتفع بما قطع؟ قال: (نعم،
يذيبها ويسرج بها، ولا يأكلها ولا يبيعها) (2).
ويضعفه مخالفته لعمل المعظم، مضافا إلى أنه خاص بالمقطوع من
الحي، فيمكن الاختصاص به لولا معارضة صحيحة الوشاء (3).
ب: يظهر من الأخبار جواز بيع المتنجس على من يستحله من أهل
الذمة..
ففي رواية زكريا بن آدم: عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في
قدر فيها لحم كثير ومرق كثير، قال: (يهراق المرق أو يطعمه لأهل الذمة أو
الكلاب) إلى أن قال: قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم، فقال:
(فسد)، قلت: أبيعه من اليهود والنصارى وأبين لهم فإنهم يستحلون شربه؟
قال: (نعم) (4).
وفي مرسلة ابن أبي عمير: في العجين يعجن من الماء النجس كيف
يصنع به؟ قال: (يباع ممن يستحل الميتة) (5).
وبمضمونها أفتى جماعة، منهم: صاحب المدارك (6)، ووالدي
العلامة -، - وهو الأقوى، لما ذكر.

(1) كالمجلسي في البحار 77: 77.
(2) مستطرفات السرائر: 55 / 8، قرب الإسناد: 268 / 1066، الوسائل 17: 98
أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 6.
(3) الآتية في ص: 79، 80.
(4) الكافي 6: 422 / 1، التهذيب 9: 119 / 512، الوسائل 25: 358 أبواب
الأشربة المحرمة ب 26 ح 1.
(5) التهذيب 1: 414 / 1305، الإستبصار 1: 29 / 76، الوسائل 1: 242 أبواب
الأسئار ب 11 ح 1.
(6) المدارك 2: 369.
77

خلافا للشيخ في التهذيب، حيث قال - بعد ذكر المرسلة المذكورة،
ونقل مرسلة أخرى، هي: (أنه يدفن ولا يباع) -: وبهذا الخبر نأخذ
دون الأول (1). انتهى.
والجواب عن المرسلة الأخيرة: أنها غير صريحة في النهي.
والظاهر أنه يختص جواز البيع بمن يستحله، لاختصاص الحكم في
المرسلة والسؤال في الرواية.
وهل يجب البيان لهم؟
مقتضى إطلاق المرسلة: العدم، ولا يقيدها ذكر البيان في سؤال الرواية
كما لا يخفى.
ويظهر من الرواية أيضا جواز إطعام المتنجس للكلاب، فيستثنى أيضا،
ويأتي تمام الكلام في ذلك في كتاب المشارب إن شاء الله سبحانه.
ومنها: الميتة، وحرمة بيعها وشرائها والتكسب بها إجماعي، وفي
التذكرة عليه الاجماع (2)، وفي المنتهى إجماع العلماء كافة (3)، بل يحرم
جميع وجوه الاستمتاع بها كما في المنتهى (4).
لرواية علي بن المغيرة الصحيحة عن السراد - وهو ممن أجمعوا على
تصحيح ما يصح عنه -: الميتة ينتفع بشئ منها؟ قال: (لا) (5).
ورواية فتح بن يزيد الجرجاني: (لا ينتفع من الميتة بإهاب (6) ولا

(1) التهذيب 1: 414.
(2) التذكرة 1: 464.
(3) المنتهى 2: 1008.
(4) المنتهى 2: 1008.
(5) الكافي 6: 259 / 7، الوسائل 24: 184 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 1.
(6) والإهاب: الجلد ما لم يدبغ، والجمع أهب - الصحاح 1: 89.
78

عصب (1)) (2).
وصحيحة الكاهلي على طريق الفقيه: عن قطع أليات الغنم، فقال: (لا
بأس بقطعها يصلح بها مالك)، ثم قال: (إن في كتاب علي: أن ما قطع
منها ميتة لا ينتفع به) (3).
والمستفاد مما ذكرنا [عدم] (4) اختصاص التحريم بالبيع، بل يعم
جميع وجوه الانتفاع، كما أن المستفاد من الأوليين أن حكم جميع أجزاء
الميتة حكمها، كما هو المعروف من مذهبهم.
ويدل على جميع ذلك ما مر في المسكر من الرضوي، ورواية تحف
العقول (5)، كما يدل على حرمة بيعها أكثر الروايات المتقدمة هناك،
والمستفيضة المصرحة بأن ثمن الميتة من السحت (6).
ويستفاد من الثالثة أن حكم الأجزاء المبانة من الحي أيضا حكمها، ولا
خلاف فيه ظاهرا.
ويدل عليه أيضا كثير مما مر في المسكر، ورواية أبي بصير: في أليات
الضأن تقطع وهي أحياء: (إنها ميتة) (7).
وصحيحة الوشاء: إن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها،
فقال (حرام، هي ميت) فقلت: جعلت فداك، فيستصبح بها؟ فقال:

(1) العصبة: واحد العصب والأعصاب، وهي أطناب المفاصل - الصحاح 1: 182.
(2) الكافي 6: 258 / 6، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 2.
(3) الفقيه 3: 209 / 967، الوسائل 24: 71 أبواب الذبائح ب 30 ح 1.
(4) في النسخ: من، والصواب ما أثبتناه.
(5) المتقدمتين في ص: 64، 65.
(6) الوسائل 17: 92 أبواب ما يكتسب به ب 5.
(7) الكافي 6: 255 / 2، الوسائل 24: 72 أبواب الذبائح ب 30 ح 3.
79

(أما علمت أنه يصيب اليد والثوب، وهو حرام) (1).
وبعض الروايات الدال بظاهرها على جواز بيع ما يتخذ من جلودها
للسيوف وشرائها.
كموثقة سماعة: عن جلد الميتة المملوح وهو الكيمخت، فرخص
فيه، وقال: (إن لم تمسه فهو أفضل) (2).
ومكاتبة الصيقل: إني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمير الميتة
فيصيب ثيابي أفأصلي فيها؟ فكتب إلي: (اتخذ ثوبا لصلاتك) (3).
وأخرى: إنا قوم نعمل السيوف، ليس لنا معيشة ولا تجارة غيرها،
ونحن مضطرون إليها، وإنما علاجنا من جلود الميتة البغال والحمير
الأهلية، لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحل لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسها
بأيدينا وثيابنا، ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا
لضرورتنا إليها، فكتب عليه السلام: (اجعلوا ثوبا للصلاة) (4).
أو على جواز الانتفاع بها بجعل الماء ومثله فيها.
كرواية الحسين بن زرارة: في جلد شاة ميتة يدبغ فيصيب فيه اللبن
أو الماء فأشرب منه وأتوضأ؟ قال: (نعم) وقال: (ويدبغ فينتفع به ولا
يصلى فيه) (5).

(1) الكافي 6: 255 / 3، الوسائل 24: 178 أبواب الأطعمة المحرمة ب 32 ح 1، بتفاوت.
(2) التهذيب 9: 78 / 333، الإستبصار 4: 90 / 344، الوسائل 24: 186 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 34 ح 8.
(3) الكافي 3: 407 / 16، التهذيب 2: 358 / 1483، الوسائل 3: 489 أبواب
النجاسات ب 49 ح 1.
(4) التهذيب 6: 376 / 110، الوسائل 17: 173 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 4.
(5) التهذيب 9: 78 / 332، الإستبصار 4: 90 / 343، الوسائل 24: 186 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 34 ح 7.
80

ومرسلة الفقيه: عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والماء والسمن ما
ترى فيه؟ فقال: (لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت) الحديث (1).
فهي (2) شاذة جدا خارجة عن حيز الحجية.
مع أن الأولى معارضة بموثقة أخرى لسماعة: عن أكل الجبن وتقليد
السيف وفيه الكيمخت والغراء، قال: (لا بأس بما لم تعلم أنه ميتة) (3).
والترجيح للثانية، لموافقة الأولى للعامة والثانية للكتاب.
والثانيتان ضعيفتان دلالة، لأنها ليست إلا بالتقرير، وحجيته إنما هي
إذا لم يكن هناك مانع عن المنع، والتقية أقوى الموانع سيما في المكاتبات.
مع أن في الثالثة إشعارا بها، حيث عدل عن الجواب إلى الاجمال.
والأخيرتان متروكتان عند أصحابنا طرا، ومخالفتان لاجماعهم.
وتستثنى من الميتة أجزاؤها العشرة التي لا تحلها الحياة، فيحل الانتفاع
بها كما يأتي في كتاب المطاعم، ومر في بحث الطهارة أيضا.
وكذا يستثنى منها بيعها ممن يستحل الميتة إذا اختلطت بالذكي ولم
يميز، لصحيحتي الحلبي:
أحدهما: (إذا اختلط الذكي والميتة باعة ممن يستحل الميتة ويأكل
ثمنه) (4).

(1) الفقيه 1: 9 / 15، الوسائل 3: 463 أبواب النجاسات ب 34 ح 5.
(2) خبر لقوله: وبعض الروايات الدالة...
(3) التهذيب 9: 78 / 331، الإستبصار 4: 90 / 342، الوسائل 24: 185 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 34 ح 5. الغراء ككتاب: شئ يتخذ من أطراف الجلود يلصق
به - مجمع البحرين 1: 315.
(4) الكافي 6: 260 / 2، التهذيب 9: 48 / 199، الوسائل 24: 187 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 36 ح 1 بتفاوت يسير.
81

وثانيهما: الميتة والذكي اختلطا فكيف يصنع؟ فقال: (يبيعه ممن
يستحل الميتة ويأكل ثمنه، فإنه لا بأس به) (1).
وقد يستثنى أيضا الاستقاء بجلدها لغير مشروط الطهارة، ومر الكلام
فيه في كتاب الطهارة، ويأتي الكلام في سابقه في كتاب المطاعم.
ومنها: الأرواث والأبوال، وتحريم بيعها مما لا يؤكل لحمه شرعا
موضع وفاق كما في المسالك (2)، وفي التذكرة: الاجماع على عدم صحة
بيع نجس العين مطلقا، وكذا السرجين النجس (3). وكثير من الأخبار
المتقدمة في المسكر يدل عليه.
مضافا إلى رواية يعقوب بن شعيب: (ثمن العذرة من السحت) (4).
وموثقة سماعة: إني رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال: (حرام بيعها
وثمنها) (5).
وأما قوله فيها: وقال: (لا بأس ببيع العذرة) ونحوها رواية محمد بن
مضارب (6)، فلمعارضتهما لعمل المعظم لا تنهضان حجتين، مع أن بعد
تعارضهما تبقى العمومات المانعة المتقدمة خالية عن المعارض.

(1) الكافي 6: 260 / 1، التهذيب 9: 47 / 198، الوسائل 24: 187 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 36 ح 2، بتفاوت يسير.
(2) المسالك 1: 165.
(3) التذكرة 1: 464.
(4) التهذيب 6: 372 / 1080، الإستبصار 3: 56 / 182، الوسائل 17: 175
أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 1.
(5) التهذيب 6: 372 / 1081، الإستبصار 3: 56 / 183، الوسائل 17: 175
أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 2.
(6) الكافي 5: 226 / 3، التهذيب 6: 372 / 1079، الإستبصار 3: 56 / 181،
الوسائل 17: 175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 3.
82

وهل يجوز الانتفاع بها نفعا محللا بغير بيع - كتربية الزرع واقتنائها
لذلك - أم لا؟
صرح الفاضل في المنتهى والقواعد بالأول (1).
وظاهر الحلي: الثاني، قال في السرائر: وجميع النجاسات محرم
التصرف فيها والتكسب بها على اختلاف أجناسها من سائر أنواع العذرة
وروث ما لا يؤكل لحمه وبوله (2).
والأصل مع الأول، وروايتا الرضوي وتحف العقول (3) مع الثاني، إلا أن
ضعفهما وعدم ثبوت انجبارهما في المورد - وإن ثبت في غيره -
يمنعهما عن دفع الأصل، فالأول هو الأقوى، ولكن مع الكراهة كما في
المنتهى (4)، للروايتين.
وأما مما يؤكل لحمه فيجوز الاكتساب بها مطلقا، وفاقا للأكثر، بل
عن السيد الاجماع عليه (5)، لطهارتها وعظم الانتفاع بها، فيشملها الأصل
والعمومات.
وخلافا للمفيد والنهاية والديلمي وظاهر الإرشاد (6)، فمنعوا عنه،
للاستخباث وعدم الانتفاع، إلا بول الإبل للاستشفاء مع الضرورة إليه،
للاجماع، والنصوص.

(1) المنتهى 2: 1010، القواعد 1: 120.
(2) السرائر 2: 219.
(3) مرتا في ص: 64، 65.
(4) المنتهى 2: 1010.
(5) الإنتصار: 201.
(6) المفيد في المقنعة: 587، النهاية: 364، الديلمي في المراسم: 170، الإرشاد
1: 357.
83

ويضعف دليل المنع في المستثنى منه بمنع ملازمة الأول للمنع بعد
إمكان الانتفاع به، ومنع الثاني وجدانا.
ومنها: الخنزير والكلب، وحرمة التكسب بهما إجماعية، كما صرح
به جماعة (1)، مضافا إلى كثير من الأخبار المتقدمة في المسكر الشاملة لهما
صريحا أو عموما، والمستفيضة الدالة على حرمة ثمن الكلب.
كرواية جراح المدائني: ونهى عن ثمن الكلب (2).
وصحيحة حريز: (السحت ثمن الميتة وثمن الكلب) (3).
ورواية الوليد العامري: عن ثمن الكلب الذي لا يصيد، فقال (سحت،
وأما الصيود فلا بأس) (4).
وموثقة محمد: (ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت) (5).
ومرسلة الفقيه: (وثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت) (6).
ويستفاد من الأخيرتين - تقييدا - ومن سابقتها - صريحا - اختصاص
المنع بما عدا كلب الصيد.
وتدل عليه أيضا رواية أبي بصير: عن ثمن كلب الصيد، فقال: (لا بأس

(1) منهم الشيخ في المبسوط 2: 166 والعلامة في التحرير: 160 وصاحب الرياض
1: 498.
(2) التهذيب 7: 136 / 600، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 4.
(3) لم نعثر على كذا نص لحريز، وما في الكافي 5: 126 / 2، التهذيب 6:
368 / 1061، تفسير القمي 1: 170، الخصال: 329 / 25، الوسائل 17: 93
أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 5 مروي عن السكوني.
(4) التهذيب 7: 367 / 1060، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به 14 ح 7.
(5) التهذيب 6: 356 / 1017، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 3،
وفيه: عن العماري.
(6) الفقيه 3: 105 / 435، الوسائل 17: 94 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 8.
84

به) (1).
ورواية ليث: عن الكلب الصيود يباع؟ فقال: (نعم، ويؤكل ثمنه) (2).
وهو إجماعي أيضا، كما في المنتهى والغنية والمسالك (3)، وفي المهذب
قريب من الاجماع، وقال: وفيه قول بالمنع متروك (4). وهذا صريح في
وجود الخلاف، كما أن في التذكرة والقواعد (5) إشعارا به، ولكنه غير
مضر في الاجماع.
وبذلك يقيد ما أطلق فيه المنع عن ثمن الكلب، وليس في النص
والفتوى التقييد بالسلوقي كما في المبسوط (6)، والأصل يدفعه.
وفي كلب الماشية والحائط والدار والزرع قولان:
المنع، وهو للشيخين والقاضي والغنية والشرائع (7) واختاره من
المتأخرين جماعة (8)، وعن الخلاف الاجماع عليه (9)، لاطلاق الأخبار
المانعة عموما، أو خصوص الكلب وعدم المخصص.
والجواز، وهو للإسكافي والحلي وابن حمزة وأبي علي والفاضل

(1) الفقيه 3: 105 / 434، التهذيب 6: 356 / 1016، الوسائل 17: 119 أبواب ما
يكتسب به ب 14 ح 5.
(2) التهذيب 9: 80 / 343.
(3) المنتهى 2: 1009، الغنية (الجوامع الفقهية): 586، المسالك 1: 167.
(4) المهذب البارع 2: 347.
(5) التذكرة 1: 464، القواعد 1: 120.
(6) المبسوط 2: 166.
(7) المفيد في المقنعة: 589، الطوسي في النهاية: 364، نقله عن القاضي في
المختلف: 341، الغنية (الجوامع الفقهية): 586، الشرائع 2: 12.
(8) منهم يحيى بن سعيد في نزهة الناظر: 76 وصاحب الحدائق 18: 81.
(9) الخلاف 3: 181.
85

والتنقيح والمهذب (1) واختاره كثير ممن تأخر (2).
للأصل، والعمومات.
والاشتراك مع كلب الصيد في الانتفاع المسوغ لبيعه.
ولأن لها ديات مقدرة..
ولجواز إجارتها، ولا فارق.
والأولان: مخصصان بما مر.
والثالث: قياس باطل.
والرابع: غير دال على جواز البيع، لعدم الملازمة، بل ربما يجعل - كما
في المهذب والمسالك (3) - دليلا على المنع.
والخامس: بثبوت الفارق، وهو وجود المنفعة المحللة المصحح
للإجارة.
نعم، قال الشيخ في المبسوط: وروي جواز بيع كلب الماشية
والحائط (4).
وهو وإن كان أخص من المطلوب، إلا أنه يتم بعدم الفصل، فالجواز هو
الأقوى، وإن كان المنع أحوط.
وكيف كان، فلا ينبغي الريب في جواز اقتناء هذه الكلاب للحراسة،

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 341، الحلي في السرائر 2: 215 - 220،
ابن حمزة في الوسيلة: 249، الفاضل في القواعد 1: 120، التنقيح 2: 7،
المهذب البارع 2: 348.
(2) منهم العلامة في التحرير: 160 والشهيد في الدروس 3: 168 والمحقق الثاني
في جامع المقاصد 4: 14.
(3) المهذب البارع 2: 348، المسالك 1: 167.
(4) المبسوط 2: 166.
86

لما مر.
وللصحيح: (لا خير في الكلاب إلا كلب صيد أو ماشية) (1).
والمروي في الغوالي: إن النبي صلى الله عليه وآله أمر بقتل الكلاب في المدينة - إلى
أن قال: - فجاء الوحي باقتناء الكلاب التي ينتفع بها، فاستثنى صلى الله عليه وآله
كلاب الصيد، وكلاب الماشية، وكلاب الحرث، وأذن في اتخاذها (2).
ولثبوت الدية لها بالاجماع، والأخبار.
ففي رواية أبي بصير: (دية الكلب السلوقي أربعون درهما، ودية كلب
الغنم كبش، ودية كلب الزرع جريب من بر، ودية كلب الأهل قفيز من
تراب لأهله) (3).
وفي رواية السكوني: فيمن قتل كلب الصيد، قال: (يقومه، وكذلك
البازي، وكذلك كلب الغنم، وكذلك كلب الحائط) (4)
وفي مرسلة ابن فضال: (دية كلب الصيد أربعون درهما، ودية كلب
الماشية عشرون درهما، ودية الكلب الذي ليس للصيد ولا للماشية
زنبيل من تراب، على القاتل أن يعطيه، وعلى صاحبه أن يقبل) (5).
وإثبات الصاحب لها مثبت للملكية الموجبة لجواز الاتخاذ، بل المستفاد

(1) الكافي 6: 552 / 4، الوسائل 11: 530 أبواب أحكام الدواب ب 43 ح 2.
(2) غوالي اللآلي 2: 148 / 414 مستدرك الوسائل 8: 293 أبواب أحكام الدواب
في السفر وغيره ب 35 ح 2.
(3) الكافي 7: 368 / 6، التهذيب 10: 310 / 1155، الوسائل 29: 226 أبواب
ديات النفس ب 19 ح 2.
(4) الكافي 7: 368 / 7، التهذيب 10: 310 / 1156، الوسائل 29: 226 أبواب
ديات النفس ب 19 ح 3.
(5) الفقيه 4: 126 / 442، الوسائل 29: 227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 4.
87

من الأخيرة - مضافة إلى رواية الغوالي - اتخاذ مطلق الكلب إذا كان له منفعة،
إلا الكلب العقور، وأنه خرج بالاجماع وما دل على جواز قتله من الروايات.
وأما ما روي في المنتهى من أنه: (من ربط إلى جنب داره كلبا نقص
من عمله كل يوم قيراط، والقيراط كجبل أحد) (1)، وقريب منه المروي من
طرق العامة (2)، مع استثناء كلب الماشية والزرع والصيد..
فلضعفهما قاصران عن إثبات التحريم مع عدم ظهورهما فيه، سيما مع
المعارضة لما سبق (3).
ومنها: ما يقصد منه المحرم، كآلات اللهو من الدف والقصب
والمزمار والطنبور، وهياكل العبادات المبتدعة، وآلات القمار من النرد
والشطرنج وغيرهما، ولا خلاف في حرمة بيعها والتكسب بها، ونقل
الاجماع - كما قيل (4) - به مستفيض، بل هو إجماع محقق، وهو الحجة فيه،
مع ما مر من المروي من تحف العقول (5).
مضافا إلى قوله سبحانه: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام
رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) (6).
بضميمة ما رواه الشيخ الحر في الفصول المهمة عن علي عليه السلام، أنه قال:
(كل ما ألهى عن ذكر الله فهو ميسر) (7).

(1) المنتهى 2: 1010.
(2) كما في غوالي اللآلئ 1: 143 / 66، سنن الترمذي 4: 80 / 1489.
(3) في (ق) زيادة: بالعموم المطلق.
(4) انظر الرياض 1: 499.
(5) المتقدم في ص: 64، 65.
(6) المائدة: 90.
(7) الفصول المهمة 2: 242 أبواب التجارة ب 12 ح 2، ونقله في الوسائل 17: 315
أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 15 عن أمالي الشيخ الطوسي.
88

ورواية جابر: (لما أنزل الله عز وجل على رسوله (إنما الخمر
والميسر) الآية، قيل: يا رسول الله، ما الميسر؟ قال: ما تقومر به حتى
الكعاب والجوز) (1).
وصحيحة معمر: (وكل ما قومر عليه فهو ميسر) (2).
وما في تفسير القمي: عن الباقر، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: (فأما
الميسر: فالنرد والشطرنج وكل قمار ميسر، وأما الأنصاب: فالأوثان التي
كان يعبدها المشركون، وأما الأزلام: فالأقداح التي كانت تستقسم بها
مشركو العرب في الأمور في الجاهلية، كل هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشئ
من هذا حرام من الله محرم) (3).
والمروي في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي: (بيع الشطرنج
حرام، وأكل ثمنه سحت، واتخاذها كفر، واللعب بها شرك، والسلام
على اللاهي [بها] معصية كبيرة موبقة، والخائض يده فيها كالخائض يده
في لحم الخنزير) (4).
والمروي في الفصول المهمة: (إنما حرم الله الصناعة التي هي حرام
كلها، التي يجنى منها أنواع الفساد محضا، نظير: البرابط والمزامير
والشطرنج، وكل ملهو به، والصلبان والأصنام، وما أشبه ذلك من صناعات

(1) الكافي 5: 122 / 2، الفقيه 3: 97 / 374، التهذيب 6: 371 / 1075، الوسائل
17: 165 أو باب ما يكتسب به ب 35 ح 4.
(2) الكافي 6: 435 / 1، الوسائل 17: 323 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 1.
(3) تفسير القمي 1: 181، الوسائل 17: 321 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 12،
وليس فيهما: عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
(4) مستطرفات السرائر: 59 / 29، الوسائل 17: 323 أبواب ما يكتسب به ب 103
ح 4، وما بين المعقوفين من المصدر.
89

الأشربة الحرام، وما يكون منه وفيه الفساد محضا ولا يكون منه ولا فيه
شئ من وجوه الصلاح، فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الأجرة
عليه وجميع التقلب فيه من جميع الحركات كلها، إلا أن تكون صناعة قد
تتصرف إلى بعض وجوه المنافع) (1).
وضعف بعض تلك الأخبار بالشهرة منجبر، ومقتضى إطلاقها -
كإطلاق الفتاوى - حرمة بيعها مطلقا، سواء قصد به المنفعة المحرمة أو
منفعة محللة، وفي المسالك نفى البعد عن الجواز في الثاني، وقال: إلا أن
هذا الفرض نادر، وقد يجعل ندوره سببا لاخراجه عن الاطلاقات (2).
أقول: وفي الندور مطلقا منع، فإن الدف يمكن الانتفاع به في كثير مما
ينتفع فيه بالغربال ونحوه، لحفظ المتاع ونقل الغلا ت ونحوها، وكذا الجوز.
والتحقيق: أن الاجماع - الذي هو أحد الأدلة - تحققه فيما يقصد
كثيرا فيه المنفعة المحللة وشاعت فيه هذه - كالجوز والدف - غير معلوم،
وانجبار الأخبار الغير المعتبرة بالنسبة إليه غير ثابت أيضا، ودلالة المعتبرة
فيها على إطلاق الحرمة وحرمة المطلق حتى ما شاعت فيه بهذا القصد غير
واضحة، بل الاجماع على خلافه في الجملة واضح كما في الجوز، فالجواز
بهذه القصد فيما شاع فيه ذلك أظهر.
وأما ما لا يقصد منه ذلك إلا نادرا، فإن قلنا بخروجه عن تلك

(1) تحف العقول: 245 - 250، الوسائل 17: 85 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1،
بتفاوت يسير.
والبربط: شئ من ملاهي العجم يشبه صدر البط، معرب بربت، أي: صدر البط،
لأن الصدر يقال له بالفارسية: بر، والضارب به يضعه على صدره - مجمع البحرين
4: 238.
(2) المسالك 1: 165.
90

المطلقات - للندور - لجرى مثله في مطلقات التملك والبيع أيضا، فيخرج
منهما جميعا، فلا يكون بيعه صحيحا، إلا أن الظاهر أنه لا يكون بذلك
القصد محرما فتأمل.
ومن هذا يظهر حال الابتياع للكسر، ويأتي إن شاء الله زيادة بيان
لذلك في كتاب الشهادات.
نعم، لو كسر بحيث يخرج عن الاسم جاز البيع قطعا.
وكما يحرم بيع هذه الأشياء يحرم عملها مطلقا، بلا خلاف بين
علمائنا في ذلك كما في المنتهى (1)، للآية (2)، والمرويين في تحف العقول
والفصول المهمة (3).
ويحرم أيضا اتخاذها واقتناؤها كما صرح به في التذكرة (4)، للآية،
والمرويين.
مضافا في خصوص الشطرنج إلى المروي في المستطرفات ورواية
الحسين بن عمر المتقدمة في المسكر (5).
وفي الجميع إلى الرضوي: (من أبقى في بيته طنبورا أو عودا أو شيئا
من الملاهي من المعزفة والشطرنج وأشباهه أربعين يوما فقد باء بغضب من
الله، فإن مات في أربعين مات فاجرا فاسقا مأواه النار، وبئس المصير) (6).
والكلام في الاقتناء للمنفعة المحللة يظهر مما مر.

(1) المنتهى 2: 1011.
(2) المائدة: 90.
(3) راجع ص: 64، 65.
(4) التذكرة 1: 582.
(5) راجع ص: 66.
(6) فقه الرضا (ع): 283، مستدرك الوسائل 13: 218 أبواب ما يكتسب به ب 79 ح 10.
91

ومنها: بيع السلاح لأعداء أهل الدين، مسلمين كانوا أم مشركين.
وحرمته في الجملة إجماعية، وهو الحجة فيها.
مضافا إلى صحيحة الحضرمي: ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج
وأداتها؟ فقال: (لا بأس، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، إنكم في
هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح والسروج) (1).
ورواية هند السراج: عن حمل السلاح إلى أهل الشام، فقال: (احمل
إليهم، فإن الله عز وجل يدفع بهم عدونا وعدوكم - يعني الروم - فإذا كانت
الحرب بيننا فمن حمل إلى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشترك) (2).
ومرسلة السراد: إني أبيع السلاح، قال: (لا تبعه في فتنة) (3).
ومقتضى تلك الأخبار - مضافا إلى الأصل - اختصاص المنع بحال
الحرب - أي حال قيام راياته [و] (4) التهيؤ له - كما هو مقتضى الأخيرتين،
بل حال عدم الصلح وحذر كل من الفريقين عن الآخر وإن لم تكن محاربة
ولا تهيؤ لها، كما هو مقتضى الأولى، لأنها حال المباينة، وهذا هو مختار
الحلي والنافع والمختلف والتحرير وظاهر المنتهى والدروس (5).
وذهب جماعة - منهم: الشيخان والديلمي والحلبي والشرائع

(1) الكافي 5: 112 / 1، التهذيب 6: 354 / 1005، الإستبصار 3: 57 / 187،
الوسائل 17: 101 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 1.
(2) الكافي 5: 112 / 2، الفقيه 3: 107 / 448، التهذيب 6: 353 / 1004،
الإستبصار 3: 58 / 189، الوسائل 17: 101 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 2.
(3) الكافي 5: 113 / 4، التهذيب 6: 354 / 1007، الإستبصار 3: 57 / 186،
الوسائل 17: 102 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 4.
(4) أضفناه لاستقامة العبارة.
(5) الحلي في السرائر 2: 216، النافع: 116، المختلف: 340، التحرير: 160،
المنتهى 2: 1011، الدروس 3: 166.
92

والتذكرة (1) - إلى إطلاق المنع، اتباعا لبعض النصوص:
كالصحيح المروي في الوسائل عن كتاب علي بن جعفر، وفي قرب
الإسناد للحميري: عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة، قال: (إذا لم
يحملوا سلاحا فلا بأس) (2).
والمروي في الفقيه في وصية النبي لعلي عليه السلام: (كفر بالله العظيم من
هذه الأمة عشرة أصناف)، وعد منهم بائع السلاح لأهل الحرب (3).
وأجيب: بأنهما مطلقان يجب تقييدهما بما مر، مع معارضتهما
لاطلاق الجواز في ظاهر رواية الصيقل: إني رجل صيقل أشتري السيوف
وأبيعها من السلطان، أجائز لي بيعها؟ فكتب: (لا بأس به) (4).
أقول: الروايتان مطلقتان واردتان في المشركين وأهل الحرب،
واختصاص الأول بالكفار ظاهر، وكذا الثاني، لأنهم المراد من أهل
الحرب، كما يظهر من المهذب وغيره.
ويدل عليه إطلاق الفقهاء طرا الحربي على غير الذمي من الكفار،
ولذا يقال لبلاد المشركين: دار الحرب.
وعلى هذا، فلا تعارض بين هذه وبين الأوليين من الروايات
المتقدمة، لتباين الموضوعين.
وأما الثالثة وإن كان موضوعها أعم من وجه من موضوع هذه، ولكن

(1) المفيد في المقنعة: 588، الطوسي في النهاية: 365، الديلمي في المراسم:
170، الحلبي في الكافي: 282، الشرائع 2: 9، التذكرة 1: 582.
(2) قرب الإسناد: 264 / 1047 بتفاوت يسير، الوسائل 17: 103 أبواب ما يكتسب
به ب 8 ح 6.
(3) الفقيه 4: 257 / 821، الوسائل 17: 103 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 7.
(4) التهذيب 6: 382 / 1128، الوسائل 17: 103 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 5.
93

لا تعارض بينهما حقيقة، إذ المنع عن البيع في حال الفتنة لا يدل على
الجواز في غيرها.
وعلى هذا، فالمنع مطلقا في الكفار وفي حال المباينة في أعداء
الدين من المسلمين أقوى وأظهر.
وصرح في المهذب بأن التفصيل إنما هو في ذلك، قال: بيع السلاح
لأهل الحرب لا يجوز إجماعا، وأما أعداء الدين - كأصحاب معاوية - هل
يحرم بيع السلاح منهم مطلقا أو في حال الحرب خاصة (1)؟ انتهى.
هذا، وأما غير أعداء الدين من فرق المسلمين المحاربين للمسلمين
فلا شك في عدم لحوقهم بالكفار، فيجوز البيع منهم في حال عدم الحرب.
والظاهر من جماعة إلحاقهم بأعداء الدين من فرق المسلمين (2)،
لتعميم المنع في كل فتنة في المرسلة، ولاستلزامه معونة الظالم والإعانة على
الإثم المحرمين.
أقول: الظاهر من الروايات المنع عن البيع من أعداء الدين في حال
المباينة مطلقا، سواء تهيؤا للحرب وأرادوا الشراء لخصوص المحاربة معهم
أو لا، وسواء كان البيع بقصد المساعدة أم لا.
وأما غيرهم من فرق المسلمين فلا دليل فيهم على هذا التعميم، بل
وكذلك في سائر فرق الشيعة المباينين للإمامية، فالتخصيص فيهم - بما إذا
قصد المتبايعين حرب المسلم حتى تصدق المعونة على الظلم والإثم، أو
كان حال الحرب والفتنة - هو الصواب.

(1) المهذب البارع 2: 350.
(2) انظر الحدائق 18: 208.
94

وهل يحرم بيع ما يعد جنة لهم أيضا - كالسلاح - أم لا؟
قيل بالأول، لظاهر رواية هند (1).
وقيل بالثاني (2)، لصحيحة محمد بن قيس: عن الفئتين تلتقيان من
أهل الباطل، أبيعهما السلاح؟ فقال: (بعهما ما يكنهما، الدرع والخفين) (3).
ودلالة الأولى مختصة بما إذا علم به الاستعانة علينا، والثانية بما إذا
كان حين التقاء الفئتين الباطلتين، فيمكن أن يكون ذلك لأجل الحفظ عن
القتل، فإنه من الباطل غير جائز، ولكن الأصل مع الثانية.
وهو - في غير مورد الأولى، وغير ما إذا قصد به محافظتهم عن
المسلمين - خال عن المعارض، فالصحيح الجواز، إلا مع العلم بأنهم
يريدون الاستعانة على المسلمين أو قصد حفظهم عنهم.
ويحرم بيع السرج أيضا حال المباينة.
ومنها: الإجارة والبيع - بل كل معاملة وتكسب - للمحرم، كإجارة
المساكن والحمولات للخمر، وركوب الظلمة وإسكانهم للظلم، وبيع العنب
والتمر وغيرهما مما يعمل منه المسكر ليعمل خمرا، والخشب ليعمل صنما
أو بربطا.
والظاهر أن حرمته إذا شرطا المحرم في العقد أم حصل اتفاقهما عليه.
والحاصل: أن يكون المحرم هو غاية البيع والمقصود منه مما لا
خلاف فيها، وعليه في المنتهى الاجماع (4)، وهو الحجة فيه، مع كونه

(1) انظر الرياض 1: 500.
(2) انظر النهاية: 366.
(3) الكافي 5: 113 / 3، التهذيب 6: 354 / 1006، الإستبصار 3: 57 / 188،
الوسائل 17: 102 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 3.
(4) المنتهى 2: 1011.
95

بنفسه فعلا محرما لما بينا في موضعه: أن فعل المباح بقصد التوصل به إلى
الحرام محرم، ومع أنه معاونة على الإثم المحرم كتابا وسنة وإجماعا.
وقد يستدل برواية جابر: عن الرجل يؤاجر بيته يباع فيه الخمر،
قال: (حرام أجرته) (1).
ورواية عمرو بن حريث - الصحيحة عن السراد وأبان المجمع على
تصحيح ما يصح عنهما -: عن بيع التوز (2) أبيعه يصنع به الصليب والصنم؟
قال: (لا) (3).
وصحيحة ابن أذينة، وفيها: عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذ
صلبانا، قال: (لا) (4)، واختصاصها بموارد خاصة غير ضائر، لعدم القول
بالفصل.
وفيه: أن هذه الروايات تتعارض مع إطلاق الروايات الآتية، ولا
ترجيح، وترجيح هذه الثلاث في بعض صورها - وهو صورة الشرط -
بموافقة الكتاب لا يصلح ترجيحا لأصل الرواية.
وتوهم كونها أخص مطلقا من الآتية - لاختصاص الآتية بغير صورة
الشرط إجماعا - فاسد، لأنه لا يجعل الرواية خاصة، كما بينا في كتاب
عوائد الأيام.

(1) الكافي 5: 227 / 8، التهذيب 6: 371 / 1077، الإستبصار 3: 55 / 179،
الوسائل 17: 174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 1 وفيه: عن صابر.
(2) التوز: شجر معروف - مجمع البحرين 4: 8.
(3) الكافي 5: 226 / 5، وفيه: عمر بن جرير، التهذيب 6: 373 / 1084،
الوسائل 17: 176 أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 2، بتفاوت يسير.
(4) الكافي 5: 226 / 2، التهذيب 2: 373 / 1082، الوسائل 17: 176 أبواب ما
يكتسب به ب 41 ح 1.
96

وإن لم يشترطا ذلك ولم يتفقا عليه، فإما لا يعلم أنه يعمل منه
المحرم، أو يعلم..
فإن لم يعلم، فإما ليس المشتري من عهد منه عمل ذلك، أو يكون
كذلك..
فإن لم يكن فلا يحرم البيع منه ولا يكره مع عدم الظن إجماعا،
ومعه على الأصح، وإن كان فيكره.
خلافا للمحكي عن بعضهم، فحرمه.
أما عدم الحرمة في جميع ما ذكر فبعد الاجماع في البعض، بل في
الجميع كما هو الظاهر عن المنتهى (1)، والأصل، المستفيضة من الأخبار:
كصحيحة رفاعة: عن بيع العصير ممن يخمره، فقال: (حلال، ألسنا
نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا؟!) (2).
وصحيحة ابن أبي عمير: عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا، فقال:
(بعه ممن يطبخه أو يجعله خلا أحب إلي، ولا أرى بالأول بأسا) (3).
وصحيحة محمد الحلبي: عن بيع العصير ممن يجعله حراما، فقال:
(لا بأس به، تبيعه حلالا ويجعله ذلك حراما) (4)
وصحيحة أبي المعزا: كان لي أخ فهلك وترك في حجري يتيما،
ولي أخ يلي ضيعة لنا، وهو يبيع العصير ممن يصنعه خمرا، ويؤاجر

(1) المنتهى 2: 1010.
(2) التهذيب 7: 136 / 603، الإستبصار 3: 105 / 370، الوسائل 17: 231
أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 8.
(3) التهذيب 7: 137 / 605، الإستبصار 3: 106 / 375 وفيهما: أو يصنعه...،
الوسائل 17: 231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 9.
(4) الكافي 5: 231 / 6، التهذيب 7: 136 / 604، الإستبصار 3: 105 / 371،
الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 4، بتفاوت يسير.
97

الأرض بالطعام، فأما ما يصيبني فقد تنزهت، فكيف أصنع بنصيب اليتيم؟
- إلى أن قال: - (وأما بيع العصير ممن يصنعه خمرا فليس به بأس، خذ
نصيب اليتيم منه) (1)
وصحيحة ابن أذينة: عن الرجل يؤاجر سفينته ودابته ممن يحمل فيها
أو عليها الخمر والخنازير، فقال: (لا بأس) (2).
وصحيحته الأخرى: عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذ منه برابط،
فقال: (لا بأس به) (3).
ورواية يزيد بن خليفة: إن لي الكرم، قال: (تبيعه عنبا)، قال: فإنه
يشتريه من يجعله خمرا، قال: (بعه إذن عصيرا) قال: إنه يشتريه مني
عصيرا فيجعله خمرا في قربتي، قال: (بعته حلالا فجعله حراما فأبعده الله) (4).
ورواية سماعة: قال: (لا يصلح لباس الحرير والديباج، فأما بيعه فلا
بأس به) (5)
وتدل عليه أيضا الروايات المجوزة لبيع المائع النجس والعجين
النجس ممن يستحل الميتة (6).

(1) التهذيب 7: 196 / 866، الوسائل 17: 231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 7.
(2) الكافي 5: 227 / 6، التهذيب 6: 372 / 1078، الإستبصار 3: 55 / 180،
الوسائل 17: 174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 2.
(3) الكافي 5: 226 / 2، التهذيب 6: 373 / 1082، الوسائل 17: 176 أبواب ما
يكتسب به ب 41 ح 1.
(4) التهذيب 7: 137 / 610، الإستبصار 3: 106 / 373، الوسائل 17: 231
أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 10.
(5) التهذيب 7: 135 / 598، الوسائل 17: 302 أبواب ما يكتسب به ب 97 ح 1.
(6) انظر الوسائل 1: 242 أبواب الأسئار ب 11 ح 1، والوسائل 17: 99 أبواب ما
يكتسب به ب 7.
98

وهذه الروايات وإن كانت معارضة للثلاث الأولى، إلا أن لعدم
الترجيح يرجع إلى التخيير أو الأصل، وهما يفيدان الجواز.
وأما الكراهة في الأخير فلصحيحة ابن أبي عمير المتقدمة (1).
وإن علم أنه يعمل منه المحرم فالمشهور - كما قيل - عدم الحرمة،
ويدل عليه الأصل وإطلاقات الروايات المتقدمة.
وصحيحة البزنطي: (لو باع ثمرته ممن يعلم أنه يجعله حراما لم
يكن بذلك بأس) (2).
ورواية أبي كهمش: (هو ذا نحن نبيع ثمرنا ممن نعلم أنه يصنعه
خمرا) (3).
وصحيحة ابن أذينة المتقدمة في التكسب بالمسكر (4).
وصرح في المبسوط والمختلف والمسالك بالحرمة (5)، لاطلاق رواية
جابر وتالييها (6).
ولكونه مساعدة وإعانة على الإثم المحرم قطعا.
وللزوم النهي عن المنكر، فإذا علمنا بعمله يجب علينا زجره عنه.
ويمكن أن يجاب عن الأول: بأنها معارضة مع الأخبار الأخيرة، فلو

(1) في ص 97.
(2) الكافي 5: 230 / 1، وفي التهذيب 7: 138 / 611، والاستبصار 3:
106 / 374: خمرا حراما، الوسائل 17: 229 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 1.
(3) الكافي 5: 232 / 12، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به 59 ح 6،
وفيهما: عن أبي كهمس.
(4) راج ص: 64.
(5) المبسوط 2: 138، المختلف: 388، المسالك 1: 165.
(6) راجع ص: 96.
99

فرضنا عدم الترجيح للأخيرة - بكثرتها وصحتها وظهور دلالتها ومعاضدتها
بالشهرة، بل بعموم: (أحل الله البيع) - يتساقطان، فيرجع إلى عموم حلية
البيع.
وعن الثاني: بمنع كونه إعانة على الإثم، وإنما هي إذا كان مقصود
البائع منه أيضا ذلك العمل، كما بينا في موضعه، وصرح به الفاضلان
الأردبيلي والسبزواري (1).
وعن الثالث: بأن الثابت عن النهي عن المنكر هو المنع قولا، لأنه
حقيقة النهي، أو ما ثبت وجوبه زائدا عليه أيضا - كالضرب ونحوه - وليس
ما نحن فيه نهيا عن المنكر حقيقة، ولم يثبت وجوب غيره بحيث يشمل
المورد أيضا.
وإذن، فالأقوى هو الجواز.
فإن قيل: إن من صورة العلم أن يعلم أن المشتري يشتريه لأجل ذلك
وإن لم يكن البيع كذلك، ولا شك أن الشراء بهذا القصد محرم والنهي
موجب لفساده المستلزم لفساد البيع.
قلنا: لما كانت دلالة النهي في المعاملات على الفساد عندنا شرعية،
فيحصل التعارض بين دليله وبين تلك الروايات المصححة للبيع المستلزم
لصحة الشراء، ولكون تلك الروايات أخص مطلقا تخصص بها أدلة الفساد.
ومما ذكر ظهر الحكم في مثل: بيع الحرير للرجل وبيع أواني الذهب
والفضة، وكذلك صنعتها والأجر لصنعتها، لعدم ثبوت حرمة أصل صنعتها.
نعم، يحرم إعطاء الأجر لعمل الصور المجسمة، لأنه بنفسه حرام.

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 51، السبزواري في كفاية الأحكام: 85.
100

ومنها: المسوخ والسباع، أما الأولى فأكثر الأصحاب على عدم جواز
التكسب بها (1)، إما لتحريم اللحم كما قيل (2)، أو عدم الانتفاع، أو
النجاسة.
والكل ضعيف، لمنع الملازمة في الأول.
ومنع الملزوم في الثانيين، فإن منها ما ينتفع به نفعا بينا، كالفيل
للانتفاع بعظمه والحمل عليه، بل كذلك جميعها لو قلنا بوقوع التذكية
عليها، فيشملها الأصل والعمومات.
فالحق فيها - وفاقا لأكثر المتأخرين من أصحابنا (3) - جواز التكسب
بها مع الانتفاع المعتد به عند العقلاء.
نعم، في رواية مسمع: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن القرد أن يباع أو
يشترى) (4)، وإطلاقها يشمل ما لو قصد به الانتفاع المحلل أيضا، كحفظ
المتاع.
والأقرب: المنع فيها خاصة مطلقا، والرواية وإن كانت ضعيفة سندا
إلا أنه غير ضائر عندنا، والاجماع المركب غير ثابت، مع إمكان القول بأن
النفع المحلل من القردان نادر، فإطلاق المنع إليه غير منصرف.
وأما الثانية، ففيها أقوال:

(1) منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 2: 166 والخلاف 3: 184، المحقق في
النافع: 116.
(2) الخلاف 3: 184 وانظر التنقيح 2: 10.
(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 165.
(4) الكافي 5: 227 / 7، التهذيب 7: 134 / 594، الوسائل 17: 171 أبواب ما
يكتسب به ب 37 ح 4، بتفاوت يسير.
101

المنع مطلقا، وهو منقول عن العماني (1).
والمنع في غير الفهود، نقله في المهذب عن أكثر المتقدمين والنهاية
والخلاف والديلمي (2).
وفي غير الفهد وسباع الطير، وهو محكي عن المفيد (3).
والجواز مطلقا، وهو مذهب الحلي والفاضلين (4) وأكثر المتأخرين (5).
والجواز إلا فيما لا ينتفع به، كالسبع والذئب، حكي عن المبسوط (6).
ويظهر من التذكرة أن استثناء الهر إجماعي بين العلماء (7)
وكيف كان، فالحق الجواز مطلقا، لطهارتها والانتفاع بها نفعا معتدا
به، فتشملها الأصول والعمومات.
مضافا إلى صحيحة عيص: عن الفهود وسباع الطير هل يلتمس
التجارة فيها؟ قال: (نعم) (8).
وصحيحة محمد والبصري: (لا بأس بثمن الهر) (9).
وقد يستدل على الجواز في الأولى أيضا بالروايات المجوزة لبيع

(1) حكاه عنه في المختلف: 340.
(2) المهذب البارع 2: 351.
(3) المقنعة: 589.
(4) الحلي في السرائر 2: 220، المحقق في الشرائع 2: 10 والنافع: 116، العلامة
في القواعد 1: 120 والتذكرة 1: 464.
(5) منهم فخر المحققين في الإيضاح 1: 404 والفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2: 10
والمحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 19.
(6) المبسوط 2: 166.
(7) التذكرة 1: 464.
(8) الكافي 5: 226 / 4، التهذيب 6: 373 / 1085، الوسائل 17: 170 أبواب ما
يكتسب به ب 37 ح 1.
(9) التهذيب 6: 356 / 1017، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 3.
102

عظام الفيل والعاج (1)، وفي الثانية بالأخبار المصرحة بجواز بيع جلود النمر
والسباع (2).
وهو حسن من جهة أن أقوى مستند المانع عدم الانتفاع، وهي مثبتة
له، وإلا فلا دلالة لجواز بيع بعض الأجزاء على جواز بيع الكل، كما في
الميتة بالنسبة إلى أجزائها العشرة.
ومنها: ما لا ينتفع به أصلا، وستظهر جلية الحال فيه في كتاب البيع.
ومنها: القمار بالآلات المعدة له، كالنرد، والشطرنج، والأربعة
عشر (3)، واللعب بالخاتم والجوز والبيض، بلا خلاف أجده في شئ من
ذلك، بل في المنتهى (4) وغيره (5) الاجماع عليه، وهو الحجة في المقام،
وعليه المعول.
وقد يستدل أيضا بالأخبار، كالصحيح: عن قول الله عز وجل: (ولا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) (6)، فقال: (كانت قريش يقامر الرجل
بأهله وماله فنهاهم الله عز وجل عن ذلك) (7).
ورواية جابر: (لما أنزل الله عز وجل: (إنما الخمر والميسر) (8)

(1) الوسائل 17: 171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 2 و 3.
(2) الوسائل 17: 172 أبواب ما يكتسب به ب 37 و 38 ح 5 و 1.
(3) الأربعة عشر: الصفان من النقر يوضع فيها شئ يلعب فيه، في كل سبع نقر
محفورة - مجمع البحرين 3: 406.
(4) المنتهى 2: 1012.
(5) كالرياض 1: 504.
(6) البقرة: 188.
(7) الكافي 5: 122 / 1، الوسائل 17: 164 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 1.
(8) المائدة: 90.
103

قيل: يا رسول الله ما الميسر؟ قال: ما تقومر به حتى الكعاب والجوز) (1).
وصحيحة معمر: (النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة، وكل
ما قومر به فهو ميسر) (2).
وفيه: أن غاية ما تدل عليه الرواية الأولى هو النهي عن القمار بالأهل
والمال لا مطلقه، وأما الأخيرتان فلا تدلان إلا على حرمة ما تقومر به دون
أصل القمار.
وأما رواية الوشاء: (الميسر هو القمار) (3)، ففيها: أنه إن أريد من
القمار ما قومر به لم يفد، وإن أريد المعنى المصدري يكون مخالفا لما فسر
الميسر به في غيرها، فإن حكمنا بالاشتراك أو الحقيقة أو المجاز لم يمكن
حمل الآية عليهما، لعدم استعمال اللفظ في المعنيين، ولا على أحدهما،
لعدم التعيين، وكذا إن حكمنا بالتعارض.
ثم الظاهر أن القمار يكون في كل لعب جعل للغالب أجر مطلقا، أو
إذا كان بما أعد لذلك عند اللاعبين، وقد وقع التصريح ببعض أنواعه في
الروايات المتقدمة والآتية.
ثم ما يترتب عليه من الأجر لا يملك، بل هو سحت وإن وقع من
غير المكلف، لرواية إسحاق بن عمار: الصبيان يلعبون بالجوز والبيض
ويقامرون، فقال: (لا تأكل منه، فإنه حرام) (4).

(1) الكافي 5: 122 / 2، الفقيه 3: 97 / 374، التهذيب 6: 371 / 1075، الوسائل
17: 165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 4.
(2) الكافي 6: 435 / 1، الوسائل 17: 323 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 1،
بتفاوت يسير.
(3) الكافي 5: 124 / 9، الوسائل 17: 165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 3.
(4) الكافي 5: 124 / 10، التهذيب 6: 370 / 1069، الوسائل 17: 166 أبواب ما
يكتسب به ب 35 ح 7.
104

ورواية السكوني: كان ينهى عن الجوز يجي به الصبيان من القمار
أن يؤكل، وقال: (هو سحت) (1).
فيجب رده إلى المالك إن عرف، والتصدق إن جهل، والصلح إن
انحصر بين معينين.
وهل يحرم اللعب بالآلات المعدة له من غير قمار؟
لا إشكال في تحريم الشطرنج والنرد كما صرح به الصدوق (2)، بل لا
خلاف فيه.
ففي رواية الشحام: (الرجس من الأوثان: الشطرنج) (3).
وفي رواية عمر بن يزيد: (يغفر الله في شهر رمضان إلا لثلاثة) (4)
وعد منها صاحب الشاهين، وفسره في روايته الأخرى بالشطرنج (5).
وفي رواية أبي بصير: (الشطرنج والنرد هما الميسر) (6).
وفي رواية عبد الملك القمي - بعد السؤال عن الميسر -: (هي
الشطرنج)، قال: فقلت: إنهم يقولون إنها النرد، قال: (والنرد أيضا) (7).
وقال في الفقيه - بعد جعله النرد أشد من الشطرنج -: فأما الشطرنج
فإن اتخاذها كفر، واللعب بها شرك، وتعليمها كبيرة موبقة، والسلام على

(1) الكافي 5: 123 / 6، الفقيه 3: 97 / 375، التهذيب 6: 370 / 1070، تفسير
العياشي 1: 322 / 116، الوسائل 17: 166 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 6.
(2) المقنع: 154.
(3) الكافي 6: 435 / 2، الفقيه 4: 41 / 135، الوسائل 17: 318 أبواب ما
يكتسب به ب 102 ح 1.
(4) الكافي 6: 436 / 10، الوسائل 17: 319 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 6.
(5) الكافي 6: 435 / 5، الوسائل 17: 319 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 4.
(6) الكافي 6: 435 / 3، الوسائل 17: 324 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 2.
(7) الكافي 6: 436 / 8، الوسائل 17: 324 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 5.
105

اللاهي بها معصية، ومقلبها كمقلب لحم الخنزير، والناظر إليها كالناظر
[إلى] فرج أمه (1). انتهى.
وبهذه الأحكام صرح في الأخبار.
وأما في غيرهما فيشكل الحكم بالتحريم، بل الأصل مع عدمه.
ومنها: عمل الصور، وهي أقسام، لأنها إما صورة ذي روح أو غيره،
وعلى التقديرين إما مجسمة أو منقوشة، فالأولى حرام عمله مطلقا بلا
خلاف أجده، وادعى الأردبيلي الاجماع عليه، وكذا الكركي ونفى الريب
عنه (2)، وفي [الكفاية] (3) نفى العلم بالخلاف فيه.
وتدل عليه أيضا المستفيضة، منها: الصحيح المروي في المحاسن:
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر، فقال: (لا
بأس، ما لم يكن شيئا من الحيوان) (4).
وتضعيف دلالته - بأن ثبوت البأس أعم من الحرمة - ضعيف، لأن
البأس حقيقة في الشدة والعذاب، وهما في غير الحرام منفيان.
والمروي في الخصال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صور صورة عذب
وكلف أن ينفخ فيها وليس بفاعل) (5).
وفيه وفي ثواب الأعمال صحيحا عن عبد الله بن مسكان - المجمع

(1) الفقيه 4: 42، وما بين المعقوفين في النسخ: في، وما أثبتناه من المصدر.
(2) جامع المقاصد 4: 23.
(3) بدل ما بين المعقوفين في (ح): لف، وفي (ق): يق، والظاهر أنه تصحيف:
كف - رمز الكفاية -، حيث إن العبارة غير موجودة في المختلف والحدائق، لكنها
موجودة في الكفاية: 85.
(4) المحاسن: 619 / 54، الوسائل 17: 296 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 3.
(5) الخصال 1: 109 / 77، الوسائل 17: 297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 9.
106

على تصحيح ما يصح عنه - بإسناده عن الصادق عليه السلام: قال: (ثلاثة يعذبون
يوم القيامة: من صور صورة من الحيوان يعذب حتى ينفخ فيها وليس
بنافخ) (1).
ومرسلة ابن أبي عمير: (من مثل تمثالا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيه
الروح) (2).
وحسنة حسين بن المنذر: (ثلاثة معذبون يوم القيامة) وعد منهم:
(رجل صور تماثيل يكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ) (3).
وقريب منها المروي في الفقيه في حديث المناهي، وفيه أيضا:
(نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن التصاوير) (4).
والمروي في تحف العقول ورسالة المحكم والمتشابه للسيد:
(وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن فيه مثال الروحاني فحلال تعلمه
وتعليمه) (5)، ويقربه الرضوي (6).
وفي الفقيه: (من حدد قبرا أو مثل مثالا خرج عن الاسلام) (7).

(1) الخصال 1: 108 / 76، ثواب الأعمال: 223، الوسائل 17: 297 أبواب
ما يكتسب به ب 94 ح 7.
(2) الكافي 6: 527 / 4، المحاسن: 615 / 42، الوسائل 5: 304 أبواب أحكام
المساكن ب 3 ح 2.
(3) الكافي 6: 528 / 10، المحاسن: 615 / 44، الوسائل 5: 305 أبواب أحكام
المساكن ب 3 ح 5.
(4) الفقيه 4: 3 / 1، الوسائل 17 / 297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 6.
(5) تحف العقول: 335، المحكم والمتشابه: 46 - 49، الوسائل 17: 83 أبواب
ما يكتسب به ب 2 ح 1.
(6) فقه الرضا عليه السلام: 301، مستدرك الوسائل 13: 64 أبواب ما يكتسب به ب 2
ح 1.
(7) الفقيه 1: 120 / 579، الوسائل 3: 208 أبواب الدفن ب 43 ح 1.
107

وتلك الأخبار وإن كان بعضها ضعيفا دلالة - [كالرابعة] (1)، حيث إن
بمجرد التكليف بالنفخ لا يثبت التحريم.. والأخيرة، حيث إن الخروج فيها
ليس باقيا على حقيقته بالاجماع - ولكنها صالحة مؤيدة للبواقي، وضعف
بعضها سندا غير ضائر عندنا، كما بينا مرارا.
وأما البواقي، فقد وقع الخلاف فيها، فالثانية محرمة عند الحلي
والقاضي وشيخنا الشهيد الثاني (2) وبعض آخر (3). وجوزها جماعة (4)، بل
قيل: إنه الأشهر (5).
والأول هو الأظهر، لاطلاق النصوص المتقدمة، وخصوص حديث
المناهي المروي في الفقيه: (ونهى عن نقش شئ من الحيوان على
الخاتم) (6).
ورواية أبي بصير: (يا محمد، إن ربك يقرئك السلام وينهى عن
تزويق البيوت) فقال أبو بصير: فقلت: وما تزويق البيوت؟ فقال: (تصاوير
التماثيل) (7).
وظاهر أن التزويق إنما هو في النقوش، للمجوز الأصل، والروايات

(1) في النسخ: كالثالثة، والظاهر ما أثبتناه، وهي مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة في
ص 107.
(2) الحلي في السرائر 2: 215، القاضي في المهذب 1: 344، الشهيد الثاني في
الروضة 3: 212 والمسالك 1: 165.
(3) منهم الحلبي في الكافي في الفقه: 281 وصاحب الحدائق 18: 100.
(4) منهم السبزواري في الكفاية: 85 وصاحب الرياض 1: 501.
(5) الرياض 1: 501.
(6) الفقيه 4: 5 / 1، الوسائل 17: 297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 6.
(7) الكافي 6: 526 / 1، المحاسن: 614 / 37، الوسائل 5: 303 أبواب أحكام
المساكن ب 3 ح 1.
108

المعتبرة المرخصة للجلوس والوطء على الفرش المصورة (1).
والأصل مندفع بما مر. والروايات غير دالة، لعدم الملازمة بين
رخصة الجلوس وجواز العمل، مع احتمال حملها على غير ذوات الأرواح،
ومعارضتها بالموثق: يجلس الرجل على بساط فيه تماثيل، فقال: (الأعاجم
تعظمه وإنا لنمقته) (2).
ولا يشترط في صدق صورة الحيوان أو ذي الروح وجود ما يطابقها
عرفا شخصا أو نوعا في الخارج، بل يكفي كونها بحيث يقال عرفا أنها
صورة الحيوان، لأن معنى صورة الحيوان أو ذي الروح: الصورة المختصة
به، والمراد شيوع الاختصاص وتعارفه وجريان العادة به، فلو صور صورة
حيوان لم يعلم وجود نوعه، ولكن كان بحيث لو فرض وجود مطابقه لكان
من الحيوان بحسب العادة، كان محرما.
والبواقي مجوزة عند الأكثر، وهو الأقوى، للأصل، واختصاص أكثر
الأخبار المتقدمة صريحا أو ظاهرا بذوات الأرواح، مضافا إلى تصريح
صحيح المحاسن والمروي في التحف وأخويه بحلية غيرها.
وفي الموثق: في قول الله عز وجل: (يعملون له ما يشاء من
محاريب وتماثيل) (3) فقال: (والله ما هي تماثيل الرجال والنساء، ولكنها
الشجر وشبهه) (4).

(1) الوسائل 5: 308 أبواب أحكام المساكن ب 4.
(2) الكافي 6: 477 / 7 وفيه: لنمتهنه، بدل: لنمقته، الوسائل 5: 308 أبواب
أحكام المساكن ب 4 ح 1.
(3) سباء: 12.
(4) الكافي 6: 527 / 7، المحاسن: 618 / 53، الوسائل 17: 295 أبواب ما
يكتسب به ب 94 ح 1.
109

وفي المحاسن في الصحيح: (لا بأس بتماثيل الشجر) (1).
وبهذه الأخبار يقيد بعض المطلقات، الذي هو الحجة لمن خالف
وحرم، كما حكي عن الحلبي (2).
وهل يحرم إبقاء ما يحرم عمله فتجب إزالته، أم لا؟
الظاهر هو: الثاني، سيما فيما توجب إزالته الضرر، للأصل، وعدم
استلزام حرمة العمل حرمة الابقاء، والروايات المطلقة الدالة على استحباب
تغطي التماثيل الواقعة تجاه القبلة، ونافية البأس عن الواقعة يمينا وشمالا،
والمكرهة عن مصاحبتها في الصلاة (3).
وخصوص صحيحة الحلبي: قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (ربما قمت
فأصلي وبين يدي الوسادة، وفيها تماثيل طير، فجعلت عليها ثوبا) (4).
وأما حسنة زرارة: (لا بأس بأن تكون التماثيل في البيوت إذا غيرت
رؤوسها منها وترك ما سوى ذلك) (5).
ورواية السكوني: قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: بعثني رسول
الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة فقال: لا تدع صورة إلا محوتها، ولا قبرا إلا
سويته، ولا كلبا إلا قتلته) (6).

(1) المحاسن: 619 / 55، الوسائل 17: 269 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 2.
(2) الكافي في الفقه: 281.
(3) الوسائل 5: 170 أبواب مكان المصلي ب 32.
(4) التهذيب 2: 226 / 892، الوسائل 5: 170 أبواب مكان المصلي ب 32 ح 2.
(5) الكافي 6: 527 / 8، المحاسن: 619 / 56، الوسائل 5: 308 أبواب أحكام
المساكن ب 4 ح 3.
(6) الكافي 6: 528 / 14، المحاسن: 613 / 34، الوسائل 5: 306 أبواب أحكام
المساكن ب 3 ح 8.
110

فمحمولتان على الاستحباب جمعا، مع أن اللازم - على فرض بقاء
التعارض وعدم المرجح - الرجوع إلى الأصل، وهو مع الجواز، والمستفاد
من الحسنة انتفاء كراهة الابقاء بتغير الرأس، ولا بأس به.
وهل يجوز ابتياع ما يحرم عمله أو ما فيه ذلك؟
الأقوى: نعم، للأصل، إلا إذا كان إعانة على عمله، فيحرم.
وأما أجر عمل المحرم من الصور فالظاهر من كلماتهم الحرمة، فإن
ثبت الاجماع فيه بخصوصه أو في أجر كل محرم فهو المتبع، وإلا ففي
تحريم أخذه نظر، وإن كان إعطاؤه محرما لكونه إعانة على الإثم.
ومنها: السحر، والظاهر أنه لا خلاف في تحريمه، سواء كان أمرا
حقيقيا أو تخيليا، وفي كلام جماعة الاجماع عليه (1)، بل نسب إلى شريعة
الاسلام (2)، وفي الخلاف بلا خلاف (3)، وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة
المستفيضة:
ففي رواية: (ساحر المسلمين يقتل)، وفيها: (السحر والشرك مقرونان) (4).
وفي أخرى: (يضرب الساحر بالسيف ضربة واحدة على أم رأسه) (5).
وفي ثالثة: (حل دمه) (6).

(1) كالعلامة في المنتهى 2: 1014 والسبزواري في الكفاية: 87.
(2) كما في الإيضاح 1: 405، التنقيح 2: 12.
(3) الخلاف 2: 434.
(4) الكافي 7: 260 / 1، الفقيه 3: 371 / 1752، التهذيب 10: 147 / 583،
العلل: 546 / 1، الوسائل 17: 146 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 2 و ج 18:
576 أبواب بقية الحدود ب 1 ح 1.
(5) الكافي 7: 260 / 2، التهذيب 10: 147 / 584 بتفاوت يسير، الوسائل 28:
366 أبواب بقية الحدود ب 1 ح 3.
(6) التهذيب 10: 147 / 585، الوسائل 28 / 367 أبواب بقية الحدود ب 3 ح 1.
111

وفي رابعة: (من تعلم من السحر شيئا كان آخر عهده بربه، وحده
القتل) (1).
وفي خامسة: (الساحر كافر) (2).
وظاهرها التحريم مطلقا.
وقد استثنى السحر للتوقي ودفع المتنبئ، بل في الدروس
والروضة (3) وغيرهما (4): أنه ربما وجب كفاية لذلك.
واستدلوا عليه بضعف الروايات، فيقتصر منها على ما حصل الانجبار
بالنسبة إليه.
وبقول الصادق عليه السلام في رواية عيسى بن سيف - بعد اعترافه بالسحر
والتوبة واستفساره عن المخرج -: (حل ولا تعقد) (5).
وروايتي العلل والعيون، ففي الأولى: (توبة الساحر أن يحل ولا
يعقد) (6).
وفي الثانية: (كان بعد نوح قد كثرت السحرة والمموهون، فبعث الله
تعالى ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة، وذكر ما يبطل
به سحرهم ويرد به كيدهم، فتلقاه النبي من الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر
الله [فأمرهم] أن يقفوا به على السحر وأن يبطلوه، ونهاهم أن يسحروا به

(1) التهذيب 10: 147 / 586، الوسائل 28: 367 أبواب بقية الحدود ب 3 ح 2.
(2) دعائم الاسلام 2: 482، المستدرك 13: 107 أبواب ما يكتسب به ب 22 ح 6.
(3) الدروس 3: 164، الروضة 3: 215.
(4) كالحدائق 18: 171.
(5) الكافي 5: 115 / 7، الفقيه 3: 110 / 463، التهذيب 6: 364 / 1043،
الوسائل 17: 145 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 1، بتفاوت في السند.
(6) العلل: 546 / ذ. ح 1، الوسائل 17: 147 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 3.
112

الناس) الحديث (1).
وبأن الضرورات تبيح المحظورات كما ورد، ويثبته نفي الضرر
والحرج في الدين.
وفيه: أن الروايات وإن كانت ضعافا، إلا أنها أيضا حجة عندنا
كالصحاح.. وتلك الأخبار لا تدل على جواز السحر، لامكان الحل
والابطال بغير السحر من القرآن والذكر والتعويذ، كما استفاضت به
الروايات، ويرشد إليه قوله في الأخيرة: (ونهاهم أن يسحروا) على سبيل
الاطلاق.. وعدم تأثير القرآن والدعاء في بعض الأوقات لقصورنا، فلا
يوجب حرجا لو منعنا من الحل بالسحر.
وبهذا يظهر أنه لا ضرورة مبيحة للسحر ولا يتوقف دفع الضرر ورفع
الحرج عليه، كذا قيل.
ويمكن أن يخدش فيه: بأنه قد لا يحل ببعض الآيات والأدعية،
وكما يمكن أن يكون ذلك لقصورنا يمكن أن يكون لعدم صحة الرواية،
وحجية الآحاد في الأحكام لا توجب حجيتها وثبوتها في أمثال ذلك أيضا،
فلا يكون بد من الحل بالسحر، ولو لم تبح الضرورات لأجل ذلك لم يحل
محرم بضرورة.
ثم السحر عرف تارة بكلام أو كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل
له في بدنه أو عقله.
وأخرى به، مع زيادة العمل في الجنس وتبديل الضرر بالأثر وإضافة
القلب.

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 208 / 1، الوسائل 17: 147 أبواب ما يكتسب به
ب 25 ح 4، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
113

وثالثة بالثاني، مع اشتراط عدم المباشرة له.
ورابعة بالثالث، مع زيادة العقد والرقى في الجنس.
وخامسة بأنه عمل يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على
أفعال غريبة وأسباب خفية.
وسادسة باستحداث الخوارق، سواء كان بالتأثير النفساني، أو
الاستعانة بالفلكيات فقط، أو بتمزيج قواها بالقوى الأرضية، أو بالاستعانة
بالأرواح الساذجة.
ولا يخفى أن كلا منها منتقضة إما في الطرف أو العكس أو فيهما،
لورود النقض بما يؤثر في متعلقات المسحور - كداره أو ولده أو ماله - أو ما
يوجب حدوث أمر غريب من غير تأثير في شخص، وبالسحر عملا،
وبالدعوات المستجابة والتوسل بالقرآن والأدعية، وبالمعجزة والتوصل إلى
الأمور الغريبة باستعمال القواعد الطبيعية، إلى غير ذلك.
ولم أعثر على حد تام في كلماتهم.
والمرجع في معرفته وإن كان هو العرف - كما هو القاعدة وصرح به
في المنتهى (1) - إلا أنه فيه أيضا غير منقح.
والذي يظهر من العرف والتتبع في موارد الاستعمال أنه عمل يوجب
حدوث أمر منوط بسبب خفي غير متداول عادة، لا بمعنى أن كلما كان
كذلك هو سحر، بل بمعنى أن السحر كذلك.
وتوضيح ذلك: أن ذلك تارة يكون بتقوية النفس وتصفيتها حتى
يقوى على مثل ذلك العمل، كما هو دأب أهل الرياضة وعليه عمل أهل

(1) المنتهى 2: 1014.
114

الهند.
وأخرى باستعمال القواعد الطبيعية أو الهندسية أو المداواة العلاجية،
وهو المتداول عند الإفرنجيين.
وثالثة بتسخير روحانيات الأفلاك والكواكب ونحوها، وهو المشهور
عن اليونانيين والكلدانيين.
ورابعة بتسخير الجن والشياطين.
وخامسة بأعمال مناسبة للمطلوب، كتماثيل أو نقوش أو عقد أو نفث
أو كتب منقسما إلى رقية (1) وعزيمة (2) أو دخنة (3) في وقت مختار، وهو
المعروف عن النبط.
وسادسة بذكر أسماء مجهولة المعاني وكتابتها بترتيب خاص، ونسب
ذلك إلى النبط والعرب.
وسابعة بذكر ألفاظ معلومة المعاني غير الأدعية.
وثامنة بالتصرف في بعض الآيات أو الأدعية أو الأسماء، من القلب
أو الوضع في اللوح المربع، أو مع ضمه مع عمل آخر من عقد أو تصوير
أو غيرهما.
وتاسعة بوضع الأعداد في الألواح.
ولا شك في عدم كون الأولين سحرا، كما أن الظاهر كون الخامس
سحرا، والبواقي مشتبهة، والأصل يقتضي فيها الإباحة، إلا ما علمت حرمته
من جهة الاجماع، كما هو الظاهر في التسخيرات.

(1) الرقية بالضم: العوذة - القاموس المحيط 4: 338.
(2) عزيمة: العزائم - الرقى - مجمع البحرين 6: 115.
(3) دخنة: ذريرة تدخن بها البيوت - القاموس 4: 223.
115

ومنها: الكهانة، وهي - كما في المسالك (1) وغيره (2) بل المصرح به
في كلام الأكثر (3) -: عمل يوجب طاعة بعض الجان له واتباعه له، بحيث
يأتيه بالأخبار الغائبة، وفي الأخبار أيضا ما يستفاد منه ذلك:
ففي الأمالي عن الصادق عليه السلام - في ذكر عجائب ليلة ولادة
الرسول صلى الله عليه وآله -: (ولم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها) (4).
وعن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (إلا من استرق السمع) (5)
كان في الجاهلية كهنة ومع كل واحد شيطان، وكان يقعد من السماء مقاعد
للسمع، فيستمع من الملائكة ما هو كائن في الأرض، فينزل ويخبر به
الكاهن، فيفشيه الكاهن إلى الناس (6). فهو قريب من السحر أو أخص منه.
والأصل في تحريمه - بعد الاجماع الثابت المصرح به في كلام
جماعة (7) - النصوص المستفيضة:
منها: المروي في نهج البلاغة: (المنجم كالكاهن والكاهن كالساحر،
والساحر كالكافر، والكافر في النار) (8).
والخبران العادان أجر الكاهن من السحت (9).

(1) المسالك 1: 166.
(2) كما في الروضة 3: 215 والحدائق 18: 184.
(3) كالعلامة في التحرير: 161 والمحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 31.
(4) أمالي الصدوق: 235.
(5) الحجر: 18.
(6) مجمع البيان 3: 332.
(7) كالسبزواري في الكفاية: 87 وصاحب الرياض 1: 503.
(8) نهج البلاغة (محمد عبدة) 1: 125.
(9) الأول في: الكافي 5: 126 / 2، التهذيب 6: 368 / 1061، الوسائل 17: 93
أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 5.
الثاني في: الفقيه 4: 262 / 821، تفسير العياشي 1: 322 / 117، الوسائل 17:
94 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 9.
116

وما روى الصدوق عن أبي بصير: (من تكهن أو تكهن له فقد برئ
من دين محمد)، قلت: فالقيافة؟ قال: (ما أحب أن تأتيهم) (1)
ويؤيده المروي في مستطرفات السرائر: (من مشى إلى ساحر أو
كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله تعالى من كتاب) (2).
ومنها: الشعبذة، قيل: هي الأفعال العجيبة المترتبة على سرعة اليد
بالحركة فتلبس على الحس (3). وعن الدروس نفي الخلاف في تحريمه (4).
ومنها: القيافة، قالوا: هي الاستناد إلى علامات وأمارات يترتب عليها
إلحاق نسب ونحوه، وفي الدروس والتنقيح (5) وغيرهما (6) الاجماع على
تحريمه، وهو الظاهر من التذكرة (7)، وفي الكفاية: لا أعلم خلافا بينهم في
تحريم القيافة (8).. فإن ثبت الاجماع فهو المتبع، وإلا ففيه نظر، ورواية
الصدوق المتقدمة ناظرة إلى الكراهة، وتظهر الرخصة من بعض روايات
أخر أيضا، ولذا قيل: إنما يحرم إذا رتب عليها محرما أو جزم بها (9). وليس

(1) الخصال 1: 19 / 68، الوسائل 17: 149 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 2.
(2) مستطرفات السرائر: 83، الوسائل 17: 150 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 3.
(3) كالشهيدين في الدروس 3: 164 والروضة 3: 215.
(4) لم نعثر عليه في الدروس ولا على من نقله عنه، وهو موجود في المنتهى 2:
1014.
(5) لم نعثر عليه في الدروس ولا على من نقله عنه، التنقيح 2: 13.
(6) كالمنتهى 2: 1014 والرياض 1: 503.
(7) التذكرة 1: 582.
(8) الكفاية: 87.
(9) المسالك 1: 166.
117

ذلك ببعيد.
ومنها: التنجيم وتعلم النجوم، حرمه بعض الأصحاب (1)، وأسند إلى
جماعة أيضا، وليس كذلك.
ويظهر من جماعة - كالسيد والفاضل (2) وغيرهما (3) -: أن تحريمه من
حيث فساد مذهب المنجمين من اعتقاد تأثير الكواكب وأوضاعها استقلالا
أم اشتراكا، اختيارا أم إيجابا.
وقيل بالحرمة مع اعتقاد كونها معدة لتأثير الله سبحانه أيضا، لكونه
علما بما لا يعلم.
ومن بعض المتأخرين: أنه من حيث ابتنائه على الظن والتخمين،
وكونه قولا بما لا يعلم (4).
ومن ثالث: أنه من حيث هو هو (5)، لدلالة الأخبار (6) على تحريمه.
ويمكن أن يكون التحريم أيضا لأجل الأخبار بما لم يقع، فيشبه
الكهانة.
وصرح كثير من أصحابنا - منهم ابن طاووس (7) - بجوازه إذا لم يعتقد
منافيا للشرع، بل هو الظاهر من الأكثر (8)، حيث قيدوا التحريم بما إذا اعتقد

(1) منهم العلامة في المنتهى 2: 1014.
(2) نقله عن السيد في فرج المهموم: 43، الفاضل في المنتهى 2: 1014 والتحرير: 161.
(3) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 46.
(4) كما في الدروس 3: 165.
(5) كالحر العاملي في الوسائل 11: 370 ب 14 أبواب آداب السفر، و ج 17: 144
ب 24 أبواب ما يكتسب به.
(6) الوسائل 17: 141 أبواب ما يكتسب به ب 24.
(7) فرج المهموم: 81.
(8) كما في الدروس 3: 165، جامع المقاصد 4: 32.
118

التأثير.
أقول: أما تحريمه لأجل فساد المذهب فمما لا وجه له، إذ لا
مدخلية للمذهب واعتقاد التأثير من الكواكب في التنجيم، لأن غاية ما
يترتب عليه أنه يحدث كذا عند وضع كذا.
وأما أنه هل هو من تأثير النجم مستقلا أو اشتراكا، حتى يكون
اعتقاده حراما.
أو من باب العلامات والأمارات على ما أجراه الله تعالى بعادته
عقيبها، حتى لم يحرم اعتقاده، على ما صرح به الأكثر، كالسيد والمفيد
والكراجكي وابن طاووس والمحقق الثاني وشيخنا البهائي والمجلسي (1)
وغيرهم (2).
أو من قبيل تسخين النار وتبريد الماء: أو غير ذلك.
فليس من مسائل النجوم ولا من متفرعاتها، بل هو من المسائل
الطبيعية.
وليس التنجيم إلا كالطب، فكما لا يبتني الطب على اعتقاد أن تأثير
الدواء هل هو من جهة نفسه أو من الله سبحانه، فكذلك النجوم، والظاهر
أن فساد اعتقاد بعض المنجمين أوجب توهم بعضهم أنه ناشئ من جهة
التنجيم.
وأما من حيث كونه قولا بما لا يعلم، فمع أنه لا يحرم التعليم ولا

(1) حكاه ابن طاووس عن السيد والمفيد وقال به في فرج المهموم: 81، والمجلسي
عنهما والبهائي وقال به في البحار 55: 278 و 281، الكراجكي في كنز الفوائد 2: 227
عن فرج المهموم، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 32.
(2) كالشهيد في الدروس 3: 165 والقواعد والفوائد 2: 35.
119

يختص بالتنجيم، يوجب التحريم إذا كان الحكم بالبت مع ظنيته، فلا يحرم
إذا حكم بالظن كما هو الطريقة، أو بالقطع إذا حصل من تكرر التجارب.
وأما من جهة أنه الأخبار بما لم يقع، ففيه: أن تحريمه مطلقا
ممنوع، فبقي أن يكون الوجه فيه هو الروايات، وهي كثيرة:
منها: المروي في النهج المتقدم أوله: (إياكم وتعلم النجوم إلا ما
يهتدى به في بر أو بحر، فإنها تدعو إلى الكهانة، المنجم كالكاهن،
والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار) (1).
ورواه في المجالس والاحتجاج أيضا (2)، وفي آخره في رواية ابن
أبي الحديد مخاطبا للمنجم الذي نهاه عن السير في الوقت المعين: (أما
والله إن بلغني أن تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبدا ما بقيت، ولأحرمنك
العطاء ما كان لي سلطان) (3).
ومنها: رواية عبد الملك بن أعين، وفيها - بعد قوله للصادق عليه السلام:
إني قد ابتليت بهذا العلم -: (تقضي؟) قلت: نعم، قال: (أحرق كتبك) (4)،
ومثلها في دعوات الراوندي (5).
ورواية نصر بن قابوس المروية في الخصال: (المنجم ملعون،
والكاهن ملعون، والساحر ملعون، والمغنية ملعونة) (6).
قال الصدوق: المنجم الملعون هو الذي يقول بقدم الفلك، ولا يقول

(1) نهج البلاغة 1: 125 خطبة 77، الوسائل 11: 373 أبواب آداب السفر ب 14 ح 8.
(2) أمالي الصدوق: 338 / 16 بتفاوت، الإحتجاج: 240.
(3) البحار 55: 264 / 265.
(4) الفقيه 2: 175 / 779، الوسائل 11: 370 أبواب آداب السفر ب 14 ح 1.
(5) دعوات الراوندي: 112.
(6) الخصال: 297 / 67، الوسائل 17: 143 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 7.
120

بمفلكه وخالقه.
وفيه أيضا بسنده عن السجاد: أنه قال: (نهى رسول الله عن خصال)
إلى أن قال: (وعن النظر في النجوم) (1).
وعن الصادق عليه السلام: يقو: (سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الساعة، قال:
عند إيمان بالنجوم وتكذيب بالقدر) (2).
ورواية هشام بن الحكم المروية في الاحتجاج: إن زنديقا قال
للصادق عليه السلام: ما تقول في علم النجوم؟ قال: (هو علم قلت منافعه،
وكثرت مضاره) إلى أن قال: (والمنجم يضاد الله في علمه بزعمه أنه يرد
قضاء الله عن خلقه) (3).
ورواية الكابلي المروية في معاني الأخبار: (الذنوب التي تظلم
الهواء: السحر والكهانة والايمان بالنجوم) (4).
وقال الفاضلان والشهيدان: قال النبي صلى الله عليه وآله: (من صدق كاهنا أو
منجما فهو كافر بما أنزل الله على محمد) (5).
وفي دعاء الاستخارة المروية عن الصادق عليه السلام: (اللهم إنك خلقت
أقواما يلجئون إلى مطالع النجوم لأوقات حركاتهم وسكونهم وتصرفهم
وعقدهم، وخلقتني أبوء إليك من اللجأ إليها ومن طلب الاختيارات بها،

(1) الخصال: 417 / 10 وفيه: عن الباقر عن آبائه عليهم السلام، الوسائل 17: 143 أبواب
ما يكتسب به ب 12 ح 9.
(2) الخصال: 62 / 87، الوسائل 17: 143 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 6.
(3) الإحتجاج: 348، الوسائل 17: 143 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 10.
(4) معاني الأخبار: 270 / 2، الوسائل 11: 372 أبواب آداب السفر ب 14 ح 6.
(5) المحقق في المعتبر 2: 688، العلامة في التذكرة 1: 271، الشهيد الثاني في
المسالك 1: 76. وهو في الوسائل 17: 144 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 11.
121

وأتيقن أنك لم تطلع أحدا على غيبك في مواقعها ولم تسهل له السبيل إلى
تحصيل أفاعيلها، وأنك قادر على نقلها في مداراتها عن السعود العامة
والخاصة إلى النحوس، وعن النحوس الشاملة والمفردة إلى السعود) إلى أن
قال: (وما أسعدت من اعتمد على مخلوق مثله وأستمد الاختيار
لنفسه (1)) (2) إلى آخر الدعاء، إلى غير ذلك.
ولكن تلك الأخبار مع ضعف دلالة أكثرها - لأن الايمان بالنجوم غير
التنجيم، والأمر بإحراق الكتب لعله لما أجاب من أنه يقضي بذلك الظاهر في
القطع، وكثرة مضاره يمكن أن يكون لأجل عدم إمكان التحرز عما ظن مساءته
وتعويق الحاجات وغيرهما، ومضادة المنجم بزعمه رد قضاء الله مسلم إذا زعم
ذلك، فالمحرم هذا الزعم - معارضة بمثلها، بل أصرح منها من النصوص:
كرواية عبد الرحمن بن سيابة: قال: قلت لأبي عبد الله: جعلت
فداك، إن الناس يقولون: إن النجوم لا يحل النظر فيها وهي تعجبني، فإن
كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شئ يضر بديني، وإن كانت لا تضر
بديني فوالله إني لأشتهيها وأشتهي النظر فيها، فقال: (ليس كما يقولون، لا
تضر بدينك) ثم قال: (إنكم تنظرون في شئ منها كثيره لا يدرك وقليله لا
ينتفع به، تحسبون على طالع القمر) الحديث (3).
قال ابن طاووس: روى هذا الحديث أصحابنا في الأصول (4).
والمروي في كتاب التجمل: إن الصادق عليه السلام قال: (يحل النظر في

(1) فتح الأبواب: 198، الوسائل 17: 144 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 12.
(2) في النسخ زيادة: وهم أولئك. وهي ليست في الوسائل.
(3) الكافي 8: 195 / 233، الوسائل 17: 141 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 1.
(4) فرج المهموم: 86.
122

النجوم) (1).
وفي كتاب نزهة الكرام وبستان العوام تأليف محمد بن الحسين
الرازي: إن الكاظم عليه السلام قال لهارون - بعد قوله: إن الناس ينسبونكم يا بني
فاطمة إلى علم النجوم وفقهاء العامة يروون ذمه -: (هذا حديث ضعيف
وإسناده مطعون فيه، والله تبارك وتعالى قد مدح النجوم، ولولا أن النجوم
صحيحة ما مدحها الله عز وجل، والأنبياء عليهم السلام كانوا عالمين بها) إلى أن
قال: (وبعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم، وهو علم الأنبياء
والأوصياء وورثة الأنبياء) الحديث (2).
وفي فقه الرضا عليه السلام: اعلم يرحمك الله إن كل ما يتعلمه العباد من
أنواع الصنائع، مثل: (الكتاب والحساب والتجارة والنجوم والطب) إلى أن
قال: (فحلال تعليمه والعمل به وأخذ الأجرة عليه) (3).
وفي الرسالة الذهبية للرضا عليه السلام: (اعلم أن الجماع والقمر في برج
الحمل أو الدلو من البروج أفضل، وخير من ذلك أن يكون في برج الثور،
لكونه شرف القمر) (4)
وتؤيدها الروايات الدالة على أنه علم الأنبياء وأهل بيت بالهند وأهل
بيت في العرب، وأن عليا عليه السلام أعلم الناس به، وأنه حق، كروايات
الخفاف (5) والمعلى (6) وجميل بن صالح (7)، وما رواه ابن طاووس عن

(1) راجع البحار 55: 250 / 35.
(2) البحار 55: 252 / 36.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 301، مستدرك الوسائل 13: 64 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.
(4) البحار 55: 268 / 52.
(5) الكافي 8: 351 / 549، الوسائل 17: 141 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 2.
(6) الكافي 8: 330 / 507، الوسائل 17: 142 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 3.
(7) الكافي 8: 330 / 508، الوسائل 17: 142 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 4.
123

يونس بن عبد الرحمن (1)، وما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه (2)، وغيرها.
وتقرير الكاظم عليه السلام ابن أبي عمير عليه، كما في مرسلته المروية في
الفقيه: كنت أنظر في النجوم وأعرفها وأعرف الطالع، فيدخلني من ذلك
شئ، فشكوت ذلك إلى أبي الحسن عليه السلام، فقال: (إذا وقع في نفسك
شئ فتصدق على أول مسكين ثم امض، فإن الله تعالى يدفع عنك) (3) إلى
غير ذلك.
وحمل الأخبار المانعة على اعتقاد التأثير أو الحكم بالبت والعمل في
غيرهما بمقتضى الأصل متعين.
ومنها: الغناء، والكلام إما في مهيته أو حكمه.
أما الأول: فبيانه: أن كلمات العلماء من اللغويين والأدباء والفقهاء
مختلفة في تفسير الغناء..
ففسره بعضهم بالصوت المطرب.
وآخر بالصوت المشتمل على الترجيع.
وثالث بالصوت المشتمل على الترجيع والاطراب معا.
ورابع بالترجيع.
وخامس بالتطريب.
وسادس بالترجيع مع التطريب.
وسابع برفع الصوت مع الترجيع.
وثامن بمد الصوت.

(1) البحار 55: 235 / 15.
(2) البحار 55: 249 / 32.
(3) الفقيه 2: 175 / 783، الوسائل 11: 376 أبواب آداب السفر ب 15 ح 3.
124

وتاسع بمده مع أحد الوصفين أو كليهما.
وعاشر بتحسين الصوت.
وحادي عشر بمد الصوت وموالاته.
وثاني عشر - وهو الغزالي - بالصوت الموزون المفهم المحرك
للقلب (1).
ولا دليل تاما على تعيين أحد هذه المعاني أصلا.
نعم، يكون القدر المتيقن من الجميع المتفق عليه في الصدق - وهو:
مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب الأعم عن السار والمحزن
المفهم لمعنى - غناء قطعا عند جميع أرباب هذه الأقوال، فلو لم يكن هنا
قول آخر يكون هذا القدر المتفق عليه غناء قطعا.
إلا أن بعض أهل اللغة فسره بما يقال له بالفارسية، سرود، أيضا.
وحكي عن الصحاح أنه قال: الغناء هو ما يسميه العجم ب‍: (دو بيتي).
وقال بعض الفقهاء (2): إنه يجب الرجوع في تعيين معناه إلى العرف.
ولا يخفى ما في معنى الأولين من الخفاء، فإن (سرود) و (دو بيتي)
ليس بذلك الاشتهار في هذه الأعصار بحيث يتضح المراد منها، ويمكن أن
يكون هذا متحدا مع أحد المعاني المتقدمة.
ويحتمل قريبا أن يكون للحن وكيفية الترجيع مدخلية في صدقهما،
ويشعر به ما في رواية عبد الله بن سنان الآتية (3) الفارقة بين لحن العرب

(1) إحياء علوم الدين 2: 270.
(2) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 2: 11، الشهيد الثاني في الروضة 3: 212،
صاحب الرياض 1: 502.
(3) في ص 148 و 149.
125

ولحن أرباب الفسوق والكبائر.
ويؤيده أيضا ما قد يفسر به (سرود) من أنه ما يقال له بالفارسية
(خوانندگي)، وقد يفسر الغناء بذلك أيضا، فإن التعبير ب‍: (خوانندگي) في
الأغلب إنما يكون بواسطة الألحان والنغمات.
وكذا الثالث، فإن فيه خفاء أيضا، فإنه لا عرف لأهل العجم في لفظ
الغناء، ومرادفه من لغة الفرس غير معلوم، وعرف العرب فيه غير منضبط،
وقد يعبر عنه أيضا ب‍: (خوانندگي)، وهو غير ثابت أيضا.
ولأجل هذه الاختلافات يحصل الاجمال غايته في معنى الغناء،
ولكن الظاهر أن القدر المتيقن المذكور من المعاني الاثني عشرية - سيما إذا
ضم معه اللحن الخاص المعهود الذي يستعمله أرباب الملاهي ويتداول
عندهم ويعبر عنه الآن عند العوام ب‍: (خوانندگي) - يكون غناء قطعا، سواء
كان في القرآن والدعاء والمراثي أو في غيرها.
ولعل إلى اعتبار هذا اللحن في مفهومه قال صاحب الوافي: لا وجه
لتخصيص الجواز بزف العرائس ولا سيما وقد وردت الرخصة في غيره، إلا
أن يقال: إن بعض الأفعال لا يليق بذوي المروات وإن كان مباحا (1).
فإن غير اللائق للمروة هو هذه الألحان المعهودة.
وأما الثاني، فلا خلاف في حرمة ما ذكرنا أنه غناء قطعا - وهو: مد
الصوت المفهم المشتمل على الترجيع والاطراب، سيما مع الضميمة
المذكورة - في الجملة، ولعل عدم الخلاف بل الاجماع عليه مستفيض، بل
هو إجماع محقق قطعا، بل ضرورة دينية.

(1) الوافي 17: 220.
126

وإنما الكلام في أنه هل هو حرام مطلقا من غير استثناء فرد منه، أو
يحرم في الجملة - يعني: أنه يحرم بعض أفراده - إما لاستثناء بعض آخر
بدليل أو لاختصاص تحريم الغناء ببعض أفراده؟
فالمستفاد من كلام الشيخ في الاستبصار: الثاني، حيث قال - بعد
نقل أخبار حرمة الغناء وكسب المغنية -: الوجه في هذه الأخبار الرخصة
فيمن لا يتكلم بالأباطيل، ولا يلعب بالملاهي والعيدان وأشباهها، ولا
بالقصب وغيره، بل كان ممن يزف العروس ويتكلم عندها بإنشاد الشعر،
والقول البعيد عن الفحش والأباطيل.. وأما ما عدا هؤلاء - ممن يتعين
لسائر أنواع الملاهي - فلا يجوز على حال، سواء كان في العرائس أو
غيرها (1). انتهى.
وهو ظاهر الكليني، حيث ذكر كثيرا من أخبار الغناء في أبواب
الأشربة (2)، لاشتماله على الملاهي وشرب المسكر. ويظهر من كلام
صاحب الكفاية أيضا أن صاحب الكافي لا يحرم الغناء في القرآن (3).
ومحتمل الصدوق، كما يظهر من تفسيره للمرسلة الآتية (4)، بل والده
في الرسالة (5)، حيث عبر فيها بمثل ما عبر في الرضوي الآتي بيانه.
بل ذكر صاحب الكفاية في كتاب التجارة - بعد نقل كلام عن الشيخ
أبي علي الطبرسي في مجمع البيان -: إلا أن هذا يدل على أن تحسين
الصوت بالقرآن والتغني به مستحب عنده، وأن خلاف ذلك لم يكن معروفا

(1) الإستبصار 3: 62.
(2) الكافي 6: 431.
(3) الكفاية: 86.
(4) الفقيه 4: 42 / 139.
(5) حكاه عنه في المقنع: 154.
127

عند القدماء، قال: وكلام السيد المرتضى في الدرر والغرر لا يخلو عن
إشعار واضح بذلك (1).
ويشعر به كلام الفاضل في المنتهى أيضا (2)، حيث يذكر في أثناء ذكر
المسألة عبارة الاستبصار المتقدمة الظاهرة في التخصيص شاهدا لحكمه
بحرمة الغناء.
وكذا هو المستفاد من كلام طائفة من متأخري أصحابنا، منهم
المحقق الأردبيلي (3)، حيث جعل في باب الشهادات من شرح الإرشاد
الاجتناب عن الغناء في مراثي الحسين عليه السلام أحوط.
ومنهم صاحب الكفاية، حيث قال في كتاب التجارة: وفي عدة من
الأخبار الدالة على حرمة الغناء إشعار بكونه لهوا باطلا، وصدق ذلك في
القرآن والدعوات والأذكار المقروءة بالأصوات الطيبة المذكرة للآخرة
المهيجة للأشواق في العالم الأعلى محل تأمل.
إلى أن قال: فإذن لا ريب في تحريم الغناء على سبيل اللهو والاقتران
بالملاهي ونحوها، ثم إن ثبت إجماع في غيره كان متبعا، وإلا بقي حكمه
على أصل الإباحة (4).
وقال في كتاب الشهادات: واستثنى بعضهم مراثي الحسين عليه السلام، إلى
أن قال: وهو غير بعيد (5).
ومنهم صاحب الوافي، قال في باب ترتيل القرآن: ولعله كان نحوا

(1) الكفاية: 86، وفيه: لا يخلو عن إشكال...، وهو في مجمع البيان 1: 16.
(2) المنتهى 2: 1012.
(3) مجمع الفائدة 12: 338.
(4) الكفاية: 86.
(5) الكفاية: 281.
128

من التغني مذموما في شرعنا (1).
وقال في باب كسب المغنية وشرائها: لا بأس بسماع التغني بالأشعار
المتضمنة ذكر الجنة والنار، والتشويق إلى دار القرار، ووصف نعم الله
الملك الجبار، وذكر العبادات، والترغيب في الخيرات والزهد في الفانيات،
ونحو ذلك (2). انتهى.
وقال في المفاتيح ما ملخصه: والذي يظهر لي - من مجموع الأخبار الواردة في الغناء ويقتضيه التوفيق بينهما - اختصاص حرمته وحرمة ما
يتعلق به بما كان على النحو المتعارف في زمن بني أمية، من دخول الرجال
عليهن، واستماعهم لقولهن، وتكلمهن بالأباطيل، ولعبهن بالملاهي،
وبالجملة: ما اشتمل على فعل محرم دون ما سوى ذلك. انتهى (3).
والمشهور بين المتأخرين - كما قال في الكفاية (4) - الأول، ولا بد أولا
من بيان أدلة حرمة الغناء، ثم بيان ما يستفاد من المجموع، ثم ملاحظة أنه
هل استثني منه شئ يثبت من أدلة الغناء حرمته.
فنقول: الدليل عليها هو الاجماع القطعي - بل الضرورة الدينية -
والكتاب، والسنة، أما الاجماع فظاهر، وأما الكتاب فأربع آيات بضميمة
الأخبار المفسرة لها:
الأولى: قوله سبحانه: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول
الزور) (5).

(1) الوافي 9: 1743.
(2) الوافي 17: 221.
(3) المفاتيح 2: 21.
(4) الكفاية: 85.
(5) الحج: 22.
129

بضميمة رواية أبي بصير: عن قول الله تعالى: (فاجتنبوا الرجس
من الأوثان واجتنبوا قول الزور)، قال: (هو الغناء) (1).
ورواية الشحام ومرسلة ابن أبي عمير، وفيهما - بعد السؤال عن
الآية: (وقول الزور: الغناء) (2).
والثانية: قوله سبحانه: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل
عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) (3).
بضميمة ما في تفسير علي القمي عن الباقر عليه السلام: (إنه الغناء وشرب
الخمر وجميع الملاهي) (4).
والمروي في معاني الأخبار عن جعفر بن محمد عليهما السلام: عن قول الله
عز وجل: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث)، قال: (منه
الغناء) (5).
وفي صحيحة محمد: (الغناء مما قال الله تعالى: (ومن الناس من
يشتري لهو الحديث) - الآية -) (6).
وقريبة منها رواية مهران بن محمد (7).

(1) الكافي 6: 431 / 1، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 9.
(2) رواية الشحام في: الكافي 6: 435 / 2، الوسائل 17: 303 أبواب ما يكتسب به
ب 99 ح 2.
مرسلة ابن أبي عمير في: الكافي 6: 436 / 7، الوسائل 17: 305 أبواب ما
يكتسب به ب 99 ح 8.
(3) لقمان: 6.
(4) تفسير القمي 2: 161.
(5) معاني الأخبار: 349 / 1، الوسائل 17: 308 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 20.
(6) الكافي 6: 431 / 4، الوسائل 17: 304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 6.
(7) الكافي 6: 431 / 5، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 7.
130

ورواية الوشاء: عن الغناء، قال: (هو قول الله عز وجل: (ومن
الناس من يشتري لهو الحديث)) (1).
ورواية الحسين بن هارون: (الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله، وهو
مما قال الله عز وجل: (ومن الناس) - الآية -) (2).
وفي الصافي عن الكافي، عن الباقر عليه السلام: (الغناء مما أوعد الله عليه
النار) وتلا هذه الآية (3).
وفي الرضوي: (إن الغناء مما قد وعد الله عليه النار في قوله: (ومن
الناس) - الآية -) (4).
والثالثة: قوله سبحانه: (والذين هم عن اللغو معرضون) (5).
بضميمة ما في تفسير القمي عن الصادق عليه السلام (والذين هم عن
اللغو معرضون): (الغناء والملاهي) (6).
والرابعة: قال الله سبحانه: (والذين لا يشهدون الزور) (7).
بضميمة صحيحة محمد والكناني في قول الله عز وجل: (والذين لا
يشهدون الزور)، قال: (هو الغناء) (8).
وأما السنة فكثيرة جدا:

(1) الكافي 6: 432 / 8، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 11.
(2) الكافي 6: 433 / 16، الوسائل 17: 307 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 16.
(3) الكافي 6: 431 / 4، تفسير الصافي 4: 140، الوسائل 17: 304 أبواب ما
يكتسب به ب 99 ح 6.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 281، مستدرك الوسائل 13: 213 أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 9.
(5) المؤمنون: 3.
(6) تفسير القمي 2: 88.
(7) الفرقان: 72.
(8) الكافي 6: 433 / 13، الوسائل 17: 304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 5.
131

ففي صحيحة الشحام: (بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، ولا تجاب
فيه الدعوة، ولا يدخله الملك) (1).
وروايته: (الغناء عش النفاق) (2).
ورواية يونس: إن العباسي ذكر أنك ترخص في الغناء، فقال:
(كذب الزنديق ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء، فقلت له: إن رجلا أتي
أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء، فقال: يا فلان إذا ميز الله بين الحق والباطل
فأين يكون الغناء؟ فقال: مع الباطل، فقال: قد حكمت) (3).
وفي جامع الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (يحشر صاحب الغناء من
قبره أعمى وأخرس وأبكم) (4).
وفيه عنه صلى الله عليه وآله: (ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله شيطانين على
منكبه يضربون بأعقابهما على صدره حتى يمسك) (5).
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام: (الغناء يورث النفاق ويعقب
الفقر) (6).
ومرسلة الفقيه: سأل رجل علي بن الحسين عليه السلام عن شراء جارية لها
صوت، فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة - يعني بقراءة القرآن -
والزهد والفضائل التي ليست بغناء، وأما الغناء فمحظور) (7).

(1) الكافي 6: 433 / 15، الوسائل 17: 303 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 1.
(2) الكافي 6: 431 / 2، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 10.
(3) الكافي 6: 435 / 25، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 13.
(4) جامع الأخبار: 154، مستدرك الوسائل 13: 219 أبواب ما يكتسب به ب 79 ح 17.
(5) جامع الأخبار: 154، مستدرك الوسائل 13: 214 أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 15،
وفيهما: (منكبيه) بدل: (منكبه).
(6) الخصال 1: 24 / 84، الوسائل 17: 309 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 23.
(7) الفقيه 4: 42 / 139، الوسائل 17: 122 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 2.
132

وتدل عليه المستفيضة المانعة عن بيع المغنيات وشرائهن وتعليمهن:
كرواية الطاطري: عن بيع الجواري المغنيات، فقال: (شراؤهن
وبيعهن حرام، وتعليمهن كفر، واستماعهن نفاق) (1).
ورواية ابن أبي البلاد، وفيها: (وتعليمهن كفر، والاستماع منهن
نفاق، وثمنهن سحت) (2).
ويستفاد من الأخيرتين حرمة استماع الغناء أيضا، كما هو مجمع
عليه قطعا.
وإطلاق المنع عن الاستماع منهن - حتى من المحارم - يأبى عن كون
المنع لحرمة استماع صوت الأجانب، مضافا إلى ظهور العطف على
تعليمهن والتعليق بالوصف في إرادة استماع الغناء.
ويدل على حرمة الغناء واستماعه أيضا المروي في المجمع عن
طريق العامة، عن النبي صلى الله عليه وآله: (من ملأ مسامعه من غناء لم يؤذن له أن
يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة) قيل: وما الروحانيون يا رسول الله؟
قال: (قراء أهل الجنة) (3).
ورواية عنبسة: (استماع الغناء واللهو ينبت النفاق في القلب كما
ينبت الماء الزرع) (4).
ومرسلة إبراهيم بن محمد المدني: سئل عن الغناء وأنا حاضر،

(1) الكافي 5: 120 / 5، التهذيب 6: 356 / 1018، الإستبصار 3: 61 / 201،
الوسائل 17: 124 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 7.
(2) الكافي 5: 120 / 7، التهذيب 6: 357 / 1021، الإستبصار 3: 61 / 204،
الوسائل 17: 123 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 5.
(3) مجمع البيان 4: 314.
(4) الكافي 6: 434 / 23، الوسائل 17: 316 أبواب ما يكتسب به ب 101 ح 1.
133

فقال: (لا تدخلوا بيوتا الله معرض عن أهلها) (1).
وقد يستدل عليها برواية مسعدة بن زياد: إني أدخل كنيفا لي، ولي
جيران عندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود، فربما أطلت الجلوس استماعا
لهن، فقال: (لا تفعل)، فقال الرجل: والله ما آتيهن، وإنما هو سماع
أسمعه بأذني، فقال: (لله أنت، أما سمعت الله يقول: (إن السمع والبصر
والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) (2)) فقال: بلى والله لكأني لم أسمع
بهذه الآية، إلى أن قال: (قم فاغتسل وصل ما بدا لك، فإنك كنت مقيما
على أمر عظيم، ما كان أسواء حالك لو مت على ذلك) الحديث (3).
أقول: أما الاجماع فظاهر أن الثابت منه ليس إلا حرمة الغناء في
الجملة، ولا يفيد شيئا في موضع الخلاف.
وأما الكتاب فظاهر أنه لا دلالة للآيتين الأخيرتين على الحرمة أصلا،
مضافا إلى ما يظهر من بعض الأخبار المعتبرة من تفسير اللغو بغير الغناء
مما يباينه أو يعمه.
وأما الآية الثانية، فلا شك أنه لا دلالة للأخبار المفسرة لها بنفسها
على الحرمة، بل الدال عليها هو الآية بضميمة التفسير، فيكون معنى الآية:
ومن الناس من يشتري الغناء ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزوا أولئك لهم
عذاب مهين.. فمدلولها حرمة الغناء الذي يشترى ليضل عن سبيل الله
ويتخذها هزوا، وهو مما لا شك فيه، ولا تدل على حرمة غير ذلك مما

(1) الكافي 6: 434 / 18، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 12.
(2) الإسراء: 36.
(3) الكافي 6: 432: 10، الفقيه 1: 45 / 177، التهذيب 1: 116 / 304،
الوسائل 3: 331 أبواب الأغسال المندوبة ب 18 ح 1.
134

يتخذ الرقيق القلب لذكر الجنة، ويهيج الشوق إلى العالم الأعلى، وتأثير
القرآن والدعاء في القلوب، بل في قوله: (لهو الحديث) إشعار بذلك أيضا.
مع أن رواية الوشاء محتملة لأن تكون تفسيرا للغناء بلهو الحديث،
لا بيانا لحكمه، فلا تكون شاملة لما لا يصدق عليه لهو الحديث لغة
وعرفا.
مضافا إلى معارضة هذه الأخبار مع ما روي في مجمع البيان عن
الصادق عليه السلام: (أن لهو الحديث في هذه الآية: الطعن في الحق والاستهزاء
به) (1).
ورواية أبي بصير: عن كسب المغنيات، فقال: (التي يدخل عليها
الرجال حرام، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس، وهو قول الله عز
وجل: (ومن الناس من يشتري) (2) - الآية -)، فإنها تدل على أن لهو
الحديث هو غناء المغنيات التي يدخل عليهن الرجال، لا مطلقا.
وإلى أن الظاهر من رواية الحسن بن هارون (3): أن الغناء - الذي أريد
من لهو الحديث - مجلس، وهو ظاهر في محافل المغنيات.
وإلى أن مدلول سائر الأخبار المفسرة أن الغناء فرد من لهو الحديث،
وأنه بعض ما قال الله سبحانه، فيشعر بأن المراد من لهو الحديث معناه
اللغوي والعرفي الذي فرد منه الغناء، وهو لا يصدق إلا على الأقوال الباطلة
الملهية لا مطلقا.

(1) مجمع البيان 4: 313.
(2) الكافي 5: 119 / 1، التهذيب 6: 358 / 1024، الإستبصار 3: 62 / 207،
الوسائل 17: 120 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 1.
(3) المتقدمة في ص: 131.
135

فلم تبق من الآيات الكريمة إلا الآية الأولى، وسيجئ الكلام فيها.
وأما الأخبار، فظاهر أن الروايات المانعة عن بيع المغنيات وشرائهن
والاستماع لهن لا دلالة لها على حرمة المطلق، إذ لا شك أن المراد منهن
ليس من من شأنه أن يتغنى ويقدر على الغناء، لعدم حرمة بيعه وشرائه
قطعا.. بل المراد: الجواري اللاتي أخذن ذلك كسبا وحرفة، كما هو ظاهر
الأخبار المانعة عن كسبهن وأجرهن.
وعلى هذا، فتكون إرادتهن من المغنيات - الموضوعة لغة لمن يغني
مطلقا إما مع بقاء المبدأ أو مطلقا - مجازا، فيمكن أن يكون المراد بهن
اللاتي كن في تلك الأزمنة، وهن اللاتي أخذنها كسبا وحرفة في محافل
الرجال والأعراس، بل الظاهر أنه لم يكن يكسب بغيرهما، وفي رواية أبي
بصير المتقدمة - المقسمة لهن إلى اللاتي يدخل عليهن الرجال واللاتي
تزف العرائس - دلالة على ذلك.
وأما سائر الروايات، فبكثرتها وتعددها خالية عن الدلالة على الحرمة
أصلا، إذ لا دلالة - لعدم الأمن من الفجيعة، وعدم إجابة الدعوة، وعدم
دخول الملك، وكونه عش النفاق أو مورثه أو منبته، أو كونه مع الباطل، أو
الحشر أعمى وأصم وأبكم، أو بعث الشيطان للضرب على الصدر، أو
تعقيب الفقر، أو عدم سماع صوت الروحانيين، أو إعراض الله عن أهله -
على إثبات الحرمة، لورود أمثال ذلك في المكروهات كثيرا.
مع أن روايتي جامع الأخبار ورواية المجمع (1) عن طريق العامة لا
حجية فيها أصلا.

(1) المتقدمة جميعا في ص: 132 و 133.
136

وأما مرسلة الفقيه (1)، فإنما تفيد الحرمة لو كان التفسير من الإمام،
وهو غير معلوم، بل خلاف الظاهر، لأن الظاهر أنه من الصدوق، مع أنه لو
كان من الإمام أيضا إنما يفيد حرمة المطلق لو كان قوله: (التي ليست بغناء)
وصفا احترازيا للقراءة، وهو أيضا غير معلوم.
وأما رواية مسعدة (2)، فمع اختصاصها بغناء الجواري المغنية،
مشتملة على ضرب العود أيضا، فلعل المعصية كانت لأجله.
فإن قيل: إن تكذيبه عليه السلام لمن نسب إليه الرخصة في الغناء يدل على
انتفاء الرخصة، فيكون حراما.
قلنا: التكذيب في نسبة الرخصة لا يستلزم المنع، لأن عدم ترخيص
الإمام أعم من المنع، بل كلامه عليه السلام: ما هكذا قلت، بل قلت كذا، صريح
في أن التكذيب ليس للمنع، بل لذكره خلاف الواقع، مع أنه يمكن أن
يكون التكذيب لأجل أنه نسب الرخصة في المطلق، وهو كذب صريح.
ولا يتوهم دلالة كونه مع الباطل على الحرمة، إذ لا يفيد ذلك أزيد
من الكراهة، لعدم معلومية أن المراد بالباطل ما يختص بالحرام، ولذا يصح
أن يقال: التكلم بما لا يعني يكون من الباطل.
مضافا إلى أن [في] (3) تصريح السائل بكونه مع الباطل - بحيث يدل
على شدة ظهور كونه معه عنده - إشعارا ظاهرا بأن المراد منه ما كان مع
التكلم بالأباطيل.
فإن قيل: هذه الأخبار وإن لم تثبت التحريم، إلا أن الروايتين

(1) المتقدمة في ص: 132.
(2) المتقدمة في ص: 134.
(3) أضفناه لاستقامة العبارة.
137

المذكورتين في تفسير الآية الثانية المتضمنتين لقوله: (إن الغناء مما أوعد
الله عليه النار) (1) تدلان على حرمته، بل كونه من الكبائر.
قلنا: لا دلالة لهما إلا على حرمة بعض أفراد الغناء، وهو الذي
يشترى ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوا، ألا ترى أنه لو قال أحد: أمر
الأمير بضرب البصري، في قوله: اضرب زيد البصري، يفهم أنه مراده من
البصري دون المطلق، ولو أبيت الفهم فلا شك أنه مما يصلح قرينة لإرادة
هذا الفرد من المطلق، ومعه لا تجري فيه أصالة إرادة الحقيقة، التي هي
الاطلاق.
فلم يبق دليل على حرمة مطلق الغناء سوى قوله سبحانه: (واجتنبوا
قول الزور) (2) بضميمة تفسيره في الأخبار المتقدمة (3) بالغناء.
إلا أنه يخدشه: أنه يعارض تلك الأخبار المفسرة ما رواه الصدوق
في معاني الأخبار عن الصادق عليه السلام: قال: سألته عن قول الزور، قال: (منه
قول الرجل للذي يغني: أحسنت) (4)، فإن الأخبار الأولة باعتبار الحمل تدل
على أن معناه الغناء، وذلك يدل على أنه غيره أو ما هو أعم منه، بل فيه
إشعار بأن المراد من الزور هو معناه اللغوي والعرفي - أي الباطل والكذب
والتهمة - كما في النهاية الأثيرية (5). وعدم صدق شئ من ذلك على مثل
القرآن والأدعية والمواعظ والمراثي واضح وإن ضم معه نوع ترجيع.
بل يعارضها ما رواه في الصافي عن المجمع، قال: (وعن

(1) راجع ص 131.
(2) الحج: 30.
(3) في ص: 130.
(4) معاني الأخبار: 349 / 2، الوسائل 17: 309 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 21.
(5) النهاية 2: 318.
138

النبي صلى الله عليه وآله: أنه عدلت شهادة الزور بالشرك بالله) ثم قرأ هذه الآية (1). فإنه
يدل على أن المراد بقول الزور: شهادة الزور.
وبملاحظة هذين المتعارضين المعتضدين بظاهر اللفظ، وباشتهار
تفسيره بين المفسرين بشهادة الزور أو مطلق القول الباطل - يوهن دلالة
تلك الآية أيضا على حرمة المطلق.
مضافا إلى معارضتها مع ما دل على أن الغناء على قسمين: حرام
وحلال.
كالمروي في قرب الإسناد للحميري بإسناد لا يبعد إلحاقه بالصحاح
- ما في الكفاية (2) - عن علي بن جعفر، عن أخيه: قال: سألته عن الغناء
هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح يكون؟ قال: (لا بأس ما لم يعص
به) (3).
والمروي في تفسير الإمام عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله - في حديث طويل،
فيه ذكر شجرة طوبى وشجرة الزقوم والمتعلقين بأغصان كل واحدة منهما -:
(ومن تغنى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلق بغصن منه) (4) أي
من الزقوم.
فإن الأول صريح في أن من الغناء ما لا يعصى به، والثاني ظاهر في
أن الغناء على قسمين: حرام وحلال.
وصحيحة أبي بصير: (أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس،

(1) تفسير الصافي 3: 377.
(2) الكفاية: 86.
(3) قرب الإسناد: 294 / 1158، الوسائل 17: 122 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 5.
(4) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 648.
139

ليست بالتي يدخل عليها الرجال) (1)، فإنها ظاهرة في أنه لا حرمة في غناء
المغنية التي لا يدخل عليها الرجال.
المؤيدة بروايته الأخرى المتقدمة (2) المقسمة للمغنيات على قسمين:
ما يدخل عليهن الرجال وما يزف العرائس، والحكم بحرمة الأولى ونفي
البأس عن الثانية، وبأن الظاهر اشتهار هذا التقسيم عند أهل الصدر الأول،
كما يظهر من كلام الطبرسي.
وعلى هذا فنقول: إن المراد بما يعصى به من الغناء أو عمل الحرام
منه [إما] (3) هو ما يتكلم بالباطل ويقترن بالملاهي ونحوهما، وحينئذ فعدم
حرمة المطلق واضح.
أو يكون غيره ويكون المراد غناء نهى عنه الشارع، ولعدم كونه
معلوما يحصل فيه الاجمال، وتكون الآية مخصصة بالمجمل، والعام
المخصص أو المطلق المقيد بالمجمل ليس بحجة.
ويؤكد اختصاص الغناء المحرم بنوع خاص ما يتضمنه كثير من
الأخبار المذكورة، من نحو قوله: (الغناء مجلس) كما في رواية الحسن بن
هارون (4)، أو: (بيت الغناء) كما في صحيحة الشحام (5)، أو: (صاحب
الغناء) كما في رواية جامع الأخبار (6)، أو: (لا تدخلوا بيوتا) بعد السؤال

(1) الكافي 5: 120 / 3، الفقيه 3: 98 / 376، التهذيب 6: 357 / 1022، الوسائل
17: 121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 3.
(2) في ص: 135.
(3) في النسخ: ما، والأنسب ما أثبتناه.
(4) الكافي 6: 433 / 16، الوسائل 17: 307 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 16.
(5) الكافي 6: 433 / 15، الوسائل 17: 303 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 1.
(6) جامع الأخبار: 154.
140

عن مطلق الغناء، كما في مرسلة إبراهيم المدني (1).
وقد ظهر من جميع ذلك أن القدر الثابت من الأدلة هو حرمة الغناء
بالمعنى المتيقن كونه غناء لغويا، وهو ترجيع الصوت مع الاطراب في
الجملة، ولا دليل على حرمته بالكلية، فاللازم فيه هو الاقتصار على القدر
المعلوم حرمته بالاجماع، وهو ما كان في غير ما استثنوه، وهي أمور:
منها: غناء المغنية في زف العرائس، استثناه في النهاية والنافع
والمختلف والتحرير والقاضي (2)، وجمع آخر (3)، وهو كذلك، ولكنه ليس
لما ذكرنا من عدم ثبوت الدليل على حرمة المطلق، لوجوده في غناء
المغنيات كما مر، بل للأخبار المقيدة لهذه المطلقات:
كرواية أبي بصير المتقدمة: (والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس) (4).
والأخرى: (المغنية التي تزف العرائس لا بأس بكسبها) (5).
وصحيحته: (أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، ليست
بالتي يدخل عليها الرجال) (6).

(1) الكافي 6: 434 / 18، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 12.
(2) النهاية: 367، النافع: 116، المختلف: 342، التحرير 1: 160، القاضي في
المهذب 1: 346.
(3) كما في الدروس 3: 162، الروضة 3: 213، الرياض 1: 502.
(4) الكافي 5: 119 / 1، التهذيب 6: 358 / 1024، الإستبصار 3: 62 / 207،
الوسائل 17: 120 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 1.
(5) الكافي 5: 120 / 2، التهذيب 6: 357 / 1023، الإستبصار 3: 62 / 206،
الوسائل 17: 126 أبواب ما يكتسب به 15 ح 2.
(6) الكافي 5: 120 / 3، الفقيه 3: 98 / 376، التهذيب 6: 357 / 1022،
الإستبصار 3: 62 / 205، الوسائل 17: 121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 3.
141

خلافا للمفيد والحلبي والحلي والديلمي والتذكرة والارشاد (1)، فلم
يستثنوه.
إما لمعارضة تلك الأخبار للروايات المحرمة للغناء أو كسبه أو لشراء
المغنيات وبيعهن وتعليمهن، حيث إنه لو كانت له جهة إباحة لم يحرم البيع
والشرى والتعليم.
أو لضعف سندها.
أو لضعف دلالتها، إذ غايتها نفي البأس عن الأجرة، وهو غير ملازم
لنفي الحرمة.
ويمكن الجواب: بأن المعارضة بقسميها مطلقة، فيجب حملها على
المقيد.
وضعف السند غير ضائر، مع أن فيها الصحيح.
والملازمة ثابتة، لعدم القول بالفرق، والاستقراء الحاصل من تتبع
الأخبار الدالة على الملازمة في كثير من الأمور المحرمة، مع أن المنفي عنه
البأس في روايتي أبي بصير هو نفس الكسب، وحمله على المكتسب
تجوز.
هذا، ثم إنه يشترط في الحلية عدم دخول الرجال عليهن، وإلا
فيحرم وإن كانوا محارم، كما احتمله المحقق الثاني (2)، للاطلاق.
وكذا يشترط عدم التكلم بالباطل، وعدم سماع الأجانب من الرجال،

(1) المفيد في المقنعة: 588، الحلبي في الكافي في الفقه: 281، الحلي في
السرائر 2: 215، الديلمي في المراسم: 170، التذكرة 2: 581، الإرشاد 1:
357.
(2) جامع المقاصد 4: 24.
142

والوجه ظاهر.
وأما اشتراط عدم العمل بالملاهي فلا وجه له، لأنه ليس نفس الغناء،
ولا عارضا له، ولا من مشخصاته كما في السابقين، بل هو حرام مقارن له،
فلا يحرم به، ولذا خص بعضهم الأولين بالذكر (1).
وهل يتعدى إلى المغني وإلى غير الزفاف - وهو إهداء العروس إلى
زوجها حتى يدخله عليها - بل وغير الأعراس؟
الظاهر: نعم، [لا] (2)، لاطلاق قوله عليه السلام في الرواية: (التي تدعى إلى
الأعراس)، لعدم ثبوت صدق العرس على غير ما ذكر في زمان الشارع.
بل لقوله في الصحيحة (ليست بالتي يدخل عليها الرجال) يدل على
علية عدم دخول الرجال للجواز، فيتحقق كلما لم يدخلوا عليهن.
ورد: بأن عدم الجواز في بعض صور عدم الدخول أيضا إجماعي،
ومنه يعلم عدم ثبوت العلية الحقيقية لعدم دخول الرجال للجواز، فيكون
تجوزا، فلا يعلم منه ثبوت الحكم في غير محل التصريح.
وفيه نظر ظاهر، لأنه يكون حينئذ من باب تخصيص عموم العلة،
وهو لا يخرجها عن الحجية في غير موضع التخصيص.
هذا، مضافا في المغني إلى الأصل المعتمد عليه، حيث لم تثبت
الحرمة بالاطلاق.
ومنها: الحداء، وهو سوق الإبل بالغناء، واشتهر فيه الاستثناء،
وتوقف فيه جماعة، مصرحين بعدم عثورهم على دليل عليه (3)، ولذا ذهب

(1) كالشيخ في النهاية: 367.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.
(3) منهم السبزواري في الكفاية: 86، صاحب الحدائق 18: 116.
143

جمع إلى عدم الاستثناء (1).
والرواية العامية - أنه كان واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يفعل الحداء
بحضرته وهو يسمع، وبعد ذلك ترحم عليه (2) - غير صالحة للحجية.
والحق فيه: عدم الحرمة، للأصل، وعدم ثبوت الحرمة كلية.
ومنها: في مراثي الحسين عليه السلام وغيره من الحجج والمعصومين،
للأصل المذكور المعتمد.
وربما يؤيد أيضا بعمل الناس في الأعصار والأمصار من غير نكير.
وقول الصادق عليه السلام لمن أنشد عنده مرثية (اقرأ كما عندكم) أي
بالعراق (3).
وبأنه معين على البكاء، فهو إعانة على الخير.
والقول بأن المسلم هو إعانة الغناء على مطلق البكاء، وكونه خيرا
ممنوع، وأما كونه معينا على البكاء على الحسين عليه السلام فهو غير مسلم، فإنه
إنما يكون باعتبار تذكر أحواله، ولا دخل للغناء فيه، مع أن عموم رجحان
الإعانة على الخير أو إطلاقه ولو بالحرام غير ثابت.
مردود بأن تخصيص علة البكاء على الحسين بتذكر أحواله فقط أمر
مخالف للوجدان، فإنا نشاهد من أنفسنا تأثير الألفاظ والأصوات، فنرى أنه
يعبر عن واقعة واحدة بألفاظ مختلفة يحصل من بعضها البكاء الشديد، ولا
يؤثر بعضها أصلا.

(1) منهم المفيد في المقنعة: 588، الحلبي في الكافي في الفقه: 281، الديلمي
في المراسم: 170، الحلي في السرائر 2: 215.
(2) انظر صحيح البخاري 7: 43، مسند أحمد 3: 172.
(3) ورد معناه في ثواب الأعمال: 111، كامل الزيارات: 104، الوسائل 14: 594
أبواب المزار وما يناسبه ب 104 ح 3.
144

ونرى أنا نبكي من تعزية بعض الناس دون بعض، بل نرى أنه ربما
يذكر أحد واقعة ولا يؤثر في قلب، ويذكر غيره هذه الواقعة وتحصل منه
الرقة بحيث يشرف بعض الناس على الهلاكة، بل ربما يبقى التأثير بعد تمام
تعزيته، بحيث تسيل الدموع بمجرد تذكر ما ذكره من الوقائع بعد مدة
طويلة.
وبالجملة: إعانة الألفاظ والعبارات والألحان والأصوات على البكاء
على شخص أمر مقطوع به، وليس البكاء فيه على شئ غير وقائع هذا
الشخص، فإن المشاهد أن بتعزية بعض الناس وذكر بعض الألفاظ تحصل
حرقة خاصة للقلب على الحسين عليه السلام وأصحابه ما لا يحصل بتعزية غيره
ولا بلفظ آخر مرادف.
والتحقيق: أن الصوت واللفظ واللحن من الأمور المرققة للقلب،
المعدة للتأثير، وبترقيقها وإعدادها يحصل البكاء بتذكر الأحوال، فكون
الصوت واللفظ معينا على البكاء مما لا يمكن إنكاره.
وأما قول المعترض -: مع أن عموم رجحانه، إلى آخره - ففيه: أنه
ليس مراد المستدل تجويز إعانة البر بالحرام، بل يمنع الحرمة حين كون
الغناء معينا على البكاء، استنادا إلى تعارض عمومات حرمة الغناء مع
عمومات رجحان الإعانة بالبر وعدم المرجح، فيبقى محل التعارض على
مقتضى الأصل.
ومنع عموم الإعانة على البر أو ترجيح عمومات الغناء بأظهرية
العموم أو الأكثرية أو لأجل ترجيح الحرمة على الجواز مع التعارض، ليس
بشئ، لأن عموم إعانة البر مطلقا أمر ثابت كتابا وسنة.
مع أن الأحاديث الواردة في أن من أبكى أحدا على الحسين كان له
145

كذا وكذا بلغت حد الاستفاضة، بل التواتر، وكثير منها مذكور في ثواب الأعمال للصدوق (1)، فمنع التعارض ضعيف جدا، كترجيح عمومات حرمة
الغناء، فإن عمومات الإعانة على البر وخصوص الابكاء (2) أكثر بكثير،
مذكورة في الكتاب والسنة، مجمع عليه بين الأصحاب.
وترجيح جانب الحرمة على الجواز لم يثبت عندنا، إلا على وجه
الأولوية والاستحباب، وهو أمر آخر، بل لا يبعد ترجيح عمومات الإعانة
بتضعيف حرمة الغناء دلالة أو سندا.
وأما ما يجاب عن التعارض بمنع كون الغناء معينا على البكاء مطلقا،
لأن المعين عليه هو الصوت، وأما نفس الترجيع الذي يتحقق به الغناء فلم
يعلم كونه معينا عليه أصلا، لا على الحسين عليه السلام ولا مطلقا.
ففيه أولا: أن من البين أن لنفس الترجيع أيضا أثرا في القلب، كما
يدل عليه ما في كلام جماعة (3) من توصيف الترجيع بالمطرب مع تفسيرهم
الاطراب، فإن حزن القلب من معدات البكاء، مع أنه قيل: إن الغناء المحرم
هو الصوت (4).
ومنها: قراءة القرآن، وقد مر قول صاحب الكفاية: أن الظاهر من
تفسير الطبرسي أن التغني في القرآن مستحب عنده، وأن خلاف ذلك لم
يكن معروفا بين القدماء (5).

(1) ثواب الأعمال: 83.
(2) انظر الوسائل 14: 500 و 593 أبواب المزار وما يناسبه ب 66 و 104.
(3) منهم المحقق في الشرائع 4: 128، الشهيد في الدروس 2: 126، الكركي في
جامع المقاصد 4: 23.
(4) راجع ص: 124 و 125.
(5) كفاية الأحكام: 86.
146

وتوهم أن الطبرسي لم يذكر إلا تحسين اللفظ وتزيين الصوت
وتحزينه، وكل ذلك غير الغناء
مردود بأنه - بعد ذكر الرواية الآتية الآمرة بالتغني بالقرآن - ذكر تأويل
بعضهم بأن المراد منه: الاستغناء بالقرآن، ثم قال: وأكثر العلماء على أنه
تزيين الصوت وتحزينه (1).
ولا نعني أن المراد بالتغني هنا هو ما تحصل به زينة الصوت
وتحزينه، وهو في مقام بيان معنى التغني ليس إلا ما يحصل به الغناء.
ثم إنه يدل على استثنائها وجواز التغني فيها ما مر من الأصل، مضافا
إلى المعتبرة الآمرة بقرائته بالحزن وبالصوت الحسن، والدالة على جوازها،
بل رجحانها، وعلى حسن الصوت الحسن مطلقا:
كمرسلة ابن أبي عمير، وفيها: (إن القرآن نزل بالحزن فاقرؤوه
بالحزن) (2).
والروايات الأربع لعبد الله بن سنان (3)، وروايتي أبي بصير (4)،
وروايات حفص (5) وعبد الله التميمي (6) ودارم بن قبيصة (7) وسماعة وموسى

(1) مجمع البيان 1: 16.
(2) الكافي 2: 614 / 2، الوسائل 6: 208 أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 1.
(3) الكافي 2: 614 و 615 / 3 و 6 و 7 و 9، الوسائل 6: 208 و 210 و 211 أبواب
قراءة القرآن ب 22 و 24 ح 2 و 1 و 3.
(4) الكافي 2: 615 و 616 / 8 و 13، الوسائل 6: 211 أبواب قراءة القرآن ب 24
ح 5.
(5) أمالي الطوسي: 544، الوسائل 6: 210 أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 3.
(6) الوسائل 6: 212 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 6.
(7) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 68 / 322، الوسائل 6: 212 أبواب قراءة القرآن
ب 24 ح 7.
147

السمري، وصحيحة معاوية بن عمار (1)، وغيرها.
نعم، يمكن أن يقال: إن هذه الأخبار تعارض مع أدلة المنع،
والتعارض بالعموم من وجه، ولا ترجيح، فيرجع إلى الأصل.
ومنع التعارض، لأن الغناء هو الترجيع، وهو وصف عارض للصوت
الحسن، يوجد بإيجاد آخر مغاير لايجاد الصوت، فلا يدل الترغيب فيه
على الترغيب فيه أيضا.
مدفوع بعدم ثبوت كون الغناء هو الترجيع، بل يقال: هو الصوت
المشتمل على الترجيع، كما في كلام جماعة من أهل اللغة (2).
مع أن الوارد في بعض الأخبار المذكورة الأمر بالقراءة بالحزن أو
بصوت حزين، وفي بعضها تحسين الصوت، ولا شك أن الترجيع أحد
أفراد القراءة بالحزن والتحسين أيضا، فيحصل التعارض على التقديرين،
ويرجع إلى الأصل المقتضي للجواز.
وتدل على الجواز أيضا رواية أبي بصير الصحيحة عن السراد
- المجمع على تصحيح ما يصح عنه - وفيها: (ورجع بالقرآن صوتك، فإن
الله يحب الصوت الحسن يرجع به ترجيعا) (3).
والعامي المروي في المجمع: (فإذا قرأتموه - أي القرآن - فابكوا،
فإن لم تبكوا فتباكوا تغنوا به، فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا) (4).
وترد بمعارضتها لرواية عبد الله بن سنان (اقرأوا القرآن بألحان العرب

(1) مستطرفات السرائر: 97، الوسائل 6: 209 أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 2.
(2) راجع ص: 124 و 125.
(3) الكافي 2: 616 / 13، الوسائل 6: 211 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 5.
(4) مجمع البيان 1: 16.
148

وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسوق والكبائر، فإنه سيجئ بعدي أقوام
يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم
مقلوبة، وقلوب من يعجبه شأنهم).
مضافا إلى عدم الدلالة، أما الأول فلمنع كون مطلق الترجيع غناء.
فإن قلت: إذا ضم معه الحزن المأمور به في الروايات يحصل الغناء.
قلنا: المأمور به هو حزن القارئ، والمعتبر في الغناء حزن المستمع،
وشتان ما بينهما.
وأما الثاني، فلجواز أن يكون المراد طلب الغناء ودفع الفقر.
وفيه: أن الرواية ليست معارضة لما ذكر، بل مؤكدة له، للأمر بالقراءة
بألحان العرب، واللحن هو التطريب والترجيع.
قال في النهاية الأثيرية: اللحون والألحان جمع لحن، وهو التطريب،
وترجيع الصوت، وتحسين القراءة، والشعر والغناء (1).
وقال في الصحاح: ومنه الحديث: (اقرأوا القرآن بلحون العرب)،
وقد لحن في قرائته: إذا طرب وغرد، وهو ألحن الناس إذا كان أحسنهم
قراءة وغناء (2). وقال أيضا: الغرد - بالتحريك - التطريب في الصوت،
والغناء (3).
وأما النهي عن لحون أهل الفسوق والكبائر وذم أقوام يرجعون القرآن
ترجيع الغناء والنوح والرهبانية، فلا يدل إلا على النهي عن نوع خاص من
الترجيع، وهو ترجيع الغناء والنوح والرهبانية، ولعدم معلوميته يجب العمل

(1) النهاية 4: 242.
(2) الصحاح 6: 2193.
(3) الصحاح 2: 516.
149

في كل ما لا يعلم بالأصل.
ولا يتوهم أنه يلزم تخصيص العام بالمجمل إذا دلت الرواية على أن
الترجيع المجوز هو ترجيع العرب، والمنهي عنه هو ترجيع الغناء والنوح
والرهبانية وترجيع أهل الفسوق والكبائر، غاية الأمر أنه لا يعلم تعيين
أحدهما، ومثل ذلك ليس تخصيصا بالمجمل.
وأما منع كون مطلق الترجيع غناء ففيه: أنه بعد ضم حسن الصوت
المرغب فيه مع الترجيع لا يمكن الخلو عن نوع من الاطراب، فيكون
غناء.. وتحزين القارئ يستلزم تحزين المستمع غالبا.
وأما تأويل قوله: (تغنوا) بطلب الغناء فهو ما يستبعد عن سياق
الكلام غاية الاستبعاد.
ومنها: مطلق الذكر والدعاء والفضائل والمناجاة وأمثالها.
ويدل على استثنائها وجواز الغناء فيها ما ذكرنا من الأصل السالم عن
المعارض بالمرة.
مضافا إلى مرسلة الفقيه المتقدمة، المتضمنة لتجويز شراء المغنية لأن
تذكر بصوتها (1)، فإن إطلاقها يشمل الغناء أيضا، مع أن الظاهر أن السؤال
كان عن غنائها إذا كان عدم حرمة غيره ظاهرا، وفيها دلالة على تأثير
الصوت ووصفه في رقة القلب، ولولا دلالتها بخصوصها فلا شك في الدلالة
بالعموم، فيحصل التعارض المذكور على نحو ما مر في القرآن والمراثي.
وقد يورد على التعارض المذكور بما مر من أن الغناء هو الترجيع
المطرب، كما هو المستفاد من كلام الغزالي في الاحياء (2)، ومن كلام

(1) راجع ص: 132.
(2) إحياء علوم الدين 2: 270.
150

الجوهري في لغة التغريد، حيث قال: التغريد: التطريب في الصوت
والغناء (1).
وكذلك كلام جمع آخر فسروه بالمعنى المصدري، كمد الصوت
وتحسين اللفظ وأمثاله (2)، وهو من أوصاف الصوت والقراءة والذكر وأمثالها
الموجودة بإيجاد مغاير لايجاد معروضاتها، فلا تعارض بين النهي عنه
والترغيب إليها.
نعم، يصح التعارض لو قلنا بأن الغناء هو الصوت المشتمل على
الترجيع، كما هو المصرح به في كلام طائفة أخرى، كصاحب القاموس،
حيث قال: الغناء ككساء، من الصوت ما طرب به (3).
وهو ظاهر النهاية الأثيرية، قال: وكل من رفع صوتا ووالاه فهو عند
العرب غناء (4).
وعن الصحاح أنه قال: الغناء هو ما يسميه العجم: دو بيتي (5).
بل قيل: إن الغناء فسر في المشهور بالصوت المشتمل على الترجيع
المطرب (6).
بل هو الظاهر من الأخبار المفسرة لقول الزور ولهو الحديث بالغناء،
لأنهما غير الترجيع.
وفيه: أن مع هذا الاختلاف وعدم تعين المعنى يرجع إلى مقتضى

(1) الصحاح 2: 516.
(2) راجع ص: 124 و 125.
(3) القاموس 4: 374.
(4) النهاية الأثيرية 3: 391.
(5) لم نعثر عليه في الصحاح.
(6) انظر المفاتيح 2: 20.
151

الأصل، وهو الإباحة.
هذا، ثم إنه كما يحرم الغناء مطلقا أو غير ما استثني، يحرم استماعه
أيضا بالاجماع والروايات المتقدمة.
وكذا يحرم التكسب بالمحرم منه والأجرة عليه بلا خلاف أجده،
وظاهر المفيد أنه إجماع المسلمين (1)، وفي المنتهى: تعلم الغناء والأجرة
عليه حرام عندنا بلا خلاف (2).
وتدل [عليه] (3) روايات أبي بصير والطاطري وابن أبي البلاد
المتقدمة (4).
ورواية نصر بن قابوس: (المغنية ملعونة، ملعون من أكل كسبها) (5).
ومرسلة الفقيه: (أجر المغني والمغنية سحت) (6).
وقد يستدل عليه أيضا بالأصل، إذ الأصل عدم صحة المعاملة وعدم
الانتقال.
وهو ضعيف غايته، لأن غايته عدم اللزوم دون الحرمة لو رضى به
المالك.
ومنها: معونة الظالمين في ظلمهم، بل في مطلق الحرام، بالثلاثة.
قال الله سبحانه: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (7).

(1) المقنعة: 588.
(2) المنتهى 2: 1012.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(4) راجع ص: 133 و 135.
(5) الكافي 5: 120 / 6، التهذيب 6: 357 / 1020، الإستبصار 3: 61 / 203،
الوسائل 15: 121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 4.
(6) الفقيه 3: 105 / 436، الوسائل 17: 307 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 17.
(7) المائدة: 2.
152

وقال تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) (1) والركون المحرم
هو الميل القليل، فكيف بالإعانة؟!
وفي حسنة أبي بصير: عن أعمالهم، فقال: (لا، ولا مدة بقلم، وإن
أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله) (2).
وموثقة يونس: (لا تعنهم على بناء مسجد) (3).
وموثقة عمار: عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل، قال: (لا، إلا
أن لا يقدر على شئ يأكل ولا يشرب، ولا يقدر على حيلة) (4).
ورواية عذافر: (ما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟!) (5).
ورواية ابن أبي يعفور، وفيها - بعد السؤال عن الرجل يدعى إلى
البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها -: (ما أحب أني عقدت لهم
عقدة أو وكيت لهم وكاء وأن لي ما بين لابتيها، لا ولا مدة بقلم، إن أعوان
الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار) (6).
وصحيحة أبي حمزة: (إياكم وصحبة الظالمين ومعونة الظالمين) (7).
ورواية طلحة بن زيد: (العامل بالظلم والمعين له والراضي به

(1) هود: 113.
(2) الكافي 5: 106 / 5، التهذيب 6: 331 / 918، الوسائل 17: 179 أبواب ما
يكتسب به ب 42 ح 5.
(3) التهذيب 6: 338 / 941، الوسائل 17: 180 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 8.
(4) التهذيب 6: 330 / 915، الوسائل 17: 202 أبواب ما يكتسب به ب 48 ح 3.
(5) الكافي 5: 105 / 1، الوسائل 17: 178 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 3.
(6) الكافي 5: 107 / 7، التهذيب 6: 331 / 919، الوسائل 17: 179 أبواب ما
يكتسب به ب 42 ح 6.. والمسناة: ضفيرة تبنى للسيل لترد الماء، سميت مسناة
لأن فيها مفاتح للماء بقدر ما تحتاج إليه مما لا يغلب، انظر لسان العرب 1: 406.
(7) الكافي 8: 14 / 2، الوسائل 17: 177 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 1.
153

شركاء) (1).
وفي عقاب الأعمال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا كان يوم القيامة نادى
مناد: أين أعوان الظلمة، ومن لاق لهم دواة، أو ربط لهم كيسا، أو مد لهم
مدة قلم، فاحشروهم معهم) (2).
وفي تفسير العياشي عن الرضا عليه السلام - بعد السؤال عن أعمال
السلطان - (الدخول في أعمالهم والعون لهم والسعي في حوائجهم عديل
الكفر، والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار) (3).
وفي كتاب ورام: قال عليه السلام: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين
الظلمة وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتى من برى لهم قلما أو لاق لهم
دواة) قال: (فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمى بهم في جهنم) (4).
وفيه أيضا أنه قال: (من مشى إلى ظالم ليعينه، وهو يعلم أنه ظالم،
فقد خرج من الاسلام) (5)، إلى غير ذلك.
والمستفاد من غير الآية الأولى من تلك الأدلة وإن كان حرمة إعانة
الظالمين ولو في المباحات والطاعات - ولذا يظهر الميل إليها من بعض
أصحابنا (6) - إلا أن ظاهر الأكثر (7) - بل كما قيل: بغير خلاف يعرف (8) -

(1) الكافي 2: 333 / 16، الوسائل 17: 177 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 2.
(2) عقاب الأعمال: 260، الوسائل 17: 180 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 11.
(3) تفسير العياشي 1: 238 / 110، الوسائل 17: 191 أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 12.
(4) تنبيه الخواطر 1: 54، الوسائل 17: 182 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 16.
(5) تنبيه الخواطر 1: 54، الوسائل 17: 182 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 15.
(6) انظر الحدائق 18: 119 والرياض 1: 504.
(7) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 213، السبزواري في الكفاية: 86، صاحب
الرياض 1: 505.
(8) كما في الرياض 1: 505.
154

اختصاص التحريم بالإعانة في المحرم.
وعلل تارة بقصور الأخبار المطلقة سندا.
وأخرى بعدم صراحتها دلالة، لاحتمال أن يكون المراد بالمباحات
والطاعات ما عرضها التحريم بغصب ونحوه، كما هو الأغلب في أحوالهم.
وثالثة بالحمل على الكراهة، جمعا بينها وبين قوله عليه السلام في رواية
ابن أبي يعفور: (ما أحب) الذي هو ظاهر في الكراهة قطعا، مع أن بعض
تلك الأخبار ليس صريحا في التحريم، كالأول والثالث، إذ يجوز أن يكون
المراد من قوله: (لا) إنه لا يحسن، أو لا أحب.
وفي الأول: المنع، كيف؟! وفيها الصحيح والموثق والحسن، مع أن
بعد إطلاق الآية الثانية لا يضر ضعف سند الخبر.
وفي الثاني: عدم الدليل على هذا التقييد البعيد، والغلبة الموجبة
للتقييد ممنوعة.
وفي الثالث: بأن قوله: (ما أحب)، لا تنافيه الحرمة لغة، وظهوره في
الكراهة في زماننا لا يقتضيه في زمان الشارع، والأصل تأخره، مع أن
مقتضى التعليل المعقب له الحرمة، وعدم ظهور بعضها في الحرمة لا
يوجب خروج الباقي عن الظهور.
فالأولى أن يعلل بمعارضة تلك المطلقات مع الأخبار المتكثرة،
الواردة في الموارد العديدة في الحث على إعانة المسلمين وقضاء حوائجهم
ومودتهم والاهتمام بأمورهم (1)، المعاضدة بالكتاب (2) وبعمل كافة
الأصحاب.

(1) الوسائل 12: 26 و 203 أبواب أحكام العشرة ب 14 و 122.
(2) المائدة: 2.
155

وإذ لا مرجح فالعمل على الأصل المقطوع به، وهو جواز إعانة الظالم
وقضاء حوائجه في غير المحرم، لخروج المحرم عن مطلقات الإعانة
بالاجماع وضرورة العقل.. ولكن مقتضى ذلك عدم رجحانه استحبابا أو
وجوبا، بل يختص الرجحان بغير الظالم، وهو كذلك، ويلزمه عدم رجحان
إعانة العاصي لله، بل من صدرت عنه معصية ولم [يتب] (1)، لصدق الظالم
عليه لغة وإطلاقه عليه في غير موضع من الكتاب العزيز.
واختصاص بعض الأخبار (2) بالظالمين من خلفاء الجور لا يخصص
غيره، ويؤكده الحث على بغض الفساق، والأمر بالبغض في الله، والنهي
عن مجالسة أهل المعصية في أخبار كثيرة (3).
وأما من تاب عن ذنب فهو كمن لا ذنب له، ضرورة إعانة النبي
والأئمة لمن سبق كفره وعصيانه بعد رجوعه، ومحبتهم له ومصادقتهم إياه،
فمثله خارج عن مطلقات النهي عن إعانة الظالم قطعا، فيدخل في معارضها
بلا معارض، ومثله من لم يعلم صدور ظلم ومعصية منه، لعدم العلم
بصدق الظالم.
وهل يلحق بهما من لم يعلم بالقرائن ركونه إلى الذنب من أهل
العصيان، واحتملت في حقه التوبة؟
فيه إشكال من حيث دلالة الأخبار على وجوب عدم اتهام المسلم في
أمر دينه، والتوبة أمر واجب من الدين، ومن جهة أن ما يدل على خروج
التائب عن الظالم - من معاملة المعصومين مع أصحابهم - لم تعلم دلالته

(1) في النسختين يثبت، والظاهر ما أثبتناه.
(2) الوسائل 17: 177 أبواب ما يكتسب به ب 42.
(3) الوسائل 12: 27 أبواب أحكام العشرة ب 15.
156

على خروج مثله أيضا، فتأمل.
ومنها: حفظ كتب الضلال عن الاندراس، ونسخها وتعليمها وتعلمها،
على المعروف من مذهب الأصحاب، بل بلا خلاف بينهم كما في المنتهى (1).
لرواية الحذاء: (من علم باب ضلال كان عليه مثل وزر من عمل
به) (2).
ولما رواه في تحف العقول ورسالة المحكم والمتشابه للسيد، عن
الصادق عليه السلام: (وكل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله ويقوى به الكفر
والشرك من جميع وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق، فهو حرام بيعه
وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلب فيه، إلا في حال
تدعو الضرورة فيه إلى ذلك) (3).. وينجبر ضعفها بالعمل.
والتمسك بحرمة المعاونة على الإثم غير مطرد، وبوجوب دفع الضرر
المحتمل أو المظنون ضعيف، لأنه إنما يفيد لو انحصر الدفع بذلك، وليس
كذلك، لاندفاعه بعدم الرجوع، أو المجاهدة في دفع الشبهة، ولذا يتعلق
التكليف به.
ومقتضى الاستثناء في الأخيرة عدم الحرمة مع التقية، وهو كذلك، بل
وكذا إذا كان الغرض النقض أو الحجة على أهل الباطل، وفاقا لصريح
المشهور (4)، لما رواه الشيخ الحر في الفصول المهمة، عن الصادق عليه السلام
- والظاهر أنه أيضا من الكتاب المذكور -: (إن كل شئ يكون لهم فيه

(1) المنتهى 2: 1013.
(2) الكافي 1: 35 / 4، الوسائل 16: 173 أبواب الأمر والنهي ب 16 ح 2.
(3) تحف العقول: 245 - 250، المحكم والمتشابه: 46 - 48، الوسائل 17: 83
أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.
(4) كما في المسالك 1: 166، والرياض 1: 503.
157

الصلاح من جهة من الجهات، فهذا كله حلال بيعه وشراؤه وإمساكه
واستعماله وهبته وعاريته) (1).
ومقتضى ذلك وإن كان استثناء كل ما إذا ترتب عليه مقصد صحيح
- كتحصيل البصيرة بالاطلاع على الآراء والمذاهب، وتمييز الصحيح من
الفاسد، والاستعانة على التحقيق، وتحصيل ملكة البحث والنظر، وغير
ذلك، كما ذكره المحقق الثاني وصاحب الكفاية (2) - إلا أن ضعف الرواية
وعدم انجبارها إلا في النقض والاحتجاج يمنع من استثناء غيرهما.
ولو اشتمل الكتاب على الضلال وغيره جاز حفظ غير موضع الضلال
بعد طرحه، للأصل.
والمراد بالضلال: ما خالف الحق واقعا كما يخالف الضروري، أو
بحسب علم المكلف خاصة، وأما ما خالفه بحسب ظنه فلا.
وهل تلحق بكتب الضلال كتب السحر والقيافة وأمثالهما من
المحرمات؟
الظاهر من رواية التحف ذلك، ولكن لعدم تصريح الأصحاب به لم
تعلم الشهرة الجابرة، فالأصل ينفيه إلا مع قصد التوصل إلى المحرم.
فرع: مقتضى ما ذكر وجوب إتلاف ما فيه ضلال من الكتب وعدم
لزوم غرامة على من أتلفه من غيره، إلا إذا احتمل الغرض المستثنى في
حقه مع ادعائه.
ومنها: هجاء المؤمنين: أي ذكر معايبهم بالشعر، للاجماع، وإيجابه
الايذاء.

(1) تحف العقول: 245 - 250.
(2) المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 26، الكفاية: 86.
158

وقد قال الله سبحانه: (إن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير
ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) (1).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: (من آذى مؤمنا فقد آذاني، ومن آذاني فقد
آذى الله، فهو ملعون في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان) (2)، ومنه ومما
يأتي من جواز غيبة المخالف وسبه يظهر وجه التخصيص.
وأما رواية السكوني: (من تمثل ببيت شعر من الخنا لم تقبل منه
صلاة ذلك اليوم، ومن تمثل بالليل لم تقبل منه الصلاة تلك الليلة) (3) فعن
إفادة الحرمة قاصرة.
والغيبة أعم من وجه منه، وهي أن يذكر إنسان من خلفه بما هو فيه
من السوء، فلو لم يكن من خلفه لم يكن غيبته، كما هو مقتضى مادة
اللفظ.
وفي رواية أبان: عن رجل لا يعلمه إلا يحيى الأزرق (من ذكر رجلا
من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما هو
فيه مما لا يعرفه الناس فقد اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته) (4)،
ويستفاد منها وجه اشتراط كونه مما هو فيه أيضا.
مضافا إلى حسنة عبد الرحمن بن سيابة: (الغيبة: أن تقول في أخيك
ما ستره الله عليه، وأما الأمر الظاهر فيه مثل الحدة والعجلة فلا، والبهتان:

(1) الأحزاب: 58.
(2) جامع الأخبار: 147، مستدرك الوسائل 9: 99 أبواب أحكام العشرة ب 125
ح 1.
(3) التهذيب 2: 240 / 952، الوسائل 7: 403 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 51
ح 2، والخنا: الفحش من القول - مجمع البحرين 1: 132.
(4) الكافي 2: 358 / 6، الوسائل 12: 289 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 3.
159

أن تقول فيه ما ليس فيه) (1).
وما رواه في مكارم الأخلاق: قلت: يا رسول الله، وما الغيبة؟ قال:
(ذكرك أخاك بما يكره)، قلت: يا رسول الله، فإن كان فيه ذلك الذي يذكر
به؟ قال: (اعلم أنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته، وإذا ذكرته بما ليس
هو فيه فقد بهته) (2).
وما رواه في مجمع البيان: (إذا ذكرت الرجل بما فيه مما يكرهه الله
فقد اغتبته) (3).
ويظهر من ذلك وسابقه - مضافا إلى الاجماع - وجه اشتراط كونه
مؤمنا، فلو لم يكن كذلك لم يكن غيبة.
وهل يشترط فيه أن يكون مما يكره المغتاب ويغمه لو سمعه؟
الأظهر: لا، لاطلاق الأوليين، وصحيحة داود بن سرحان: عن
الغيبة، قال: (هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، وتبث عليه أمرا قد
ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد) (4).
ولا تنافيه رواية المكارم، لجواز أن يكون ما يكره بمعناه اللازم، مع
أنا نرى كراهة بعض الناس مما ليس بسوء عرفا، بل مما هو حسن شرعا،
وهو ليس بغيبة إجماعا.
ومنهم من أخذ فيها قصد الذم (5)، فإن أراد في صدق الغيبة فالاطلاق

(1) الكافي 2: 358 / 7، الوسائل 12: 288 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 2.
(2) مكارم الأخلاق 2: 378.
(3) مجمع البيان 5: 137.
(4) الكافي 2: 357 / 3، الوسائل 12: 288 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 1.
(5) قال في جامع المقاصد 4: 27: وضابط الغيبة كل فعل يقصد به هتك عرض
المؤمن والتفكه به.
160

ينفيه، وإن أراد في التحريم ففيه تفصيل يأتي.
ثم إنه لا ريب في حرمة الغيبة، ويدل عليها الاجماع، والكتاب،
والسنة.
قال الله سبحانه مخاطبا للذين آمنوا: (ولا يغتب بعضكم بعضا) (1).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: (إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا، فإن
الرجل قد يزني فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له
صاحبه) (2).
وعن الصادق عليه السلام: (الغيبة حرام على كل مسلم) (3).
وفي مرسلة ابن أبي عمير: (من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته
أذناه فهو من الذين قال الله عز وجل: (إن الذين يحبون أن تشيع
الفاحشة)) (4).
ورواية السكوني: (الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في
جوفه) (5).
ورواية الحسين بن زيد: (ونهى عن الغيبة، وقال: من اغتاب امرئ
مسلما بطل صومه ونقض وضوئه، وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة
أنتن من الجيفة، يتأذى بها أهل الموقف، فإن مات قبل أن يتوب مات

(1) الحجرات: 12.
(2) أمالي الطوسي: 548، الوسائل 12: 280 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 9.
(3) مصباح الشريعة: 204، وعنه في البحار 72: 257 / 48.
(4) الكافي 2: 357 / 2، الوسائل 12: 280 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 6،
والآية: النور: 19.
(5) الكافي 2: 356 / 1، الوسائل 12: 280 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 7.
161

مستحلا لما حرمه الله تعالى) (1).
وفي خطبة النبي صلى الله عليه وآله: (معاشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، لا
تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم) (2).
وفي رواية: (كذب من زعم أنه ولد حلال وهو يأكل لحوم الناس
بالغيبة) (3).
والمستفاد من إطلاق رواية السكوني وما بعدها وما في معناها وإن
كان حرمة غيبة المخالف أيضا، إلا أن صريح جماعة التخصيص
بالمؤمن (4)، بل نفى بعضهم الريب عنه (5)، فتجوز غيبة المخالف، وهو
كذلك.
لصحيحة داود بن سرحان: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم أهل
الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبهم والقول
فيهم والوقيعة، وباهتوهم، كيلا يطمعوا في الفساد في الاسلام، ويحذرهم
الناس ولا يتعلموا من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم
به الدرجات في الآخرة) (6).
والوقيعة: الغيبة، قال في مجمع البحرين: وقع في الناس وقيعة:

(1) الفقيه 4: 8 / 1، الوسائل 12: 282 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 13.
(2) الكافي 2: 354 / 2، المحاسن: 104 / 83، عقاب الأعمال: 241، الوسائل
12: 275 أبواب أحكام العشرة ب 150 ح 3، بتفاوت في الجميع.
(3) أمالي الصدوق: 174 / 9، الوسائل 12: 283 أبواب أحكام العشرة ب 152
ح 16.
(4) منهم المحقق في الشرائع 2: 10 والعلامة في المنتهى 2: 1013 والشهيد الثاني
في المسالك 1: 166.
(5) كما في الرياض 1: 503.
(6) الكافي 2: 375 / 4، الوسائل 16: 267 أبواب الأمر والنهي ب 39 ح 1.
162

اغتابهم (1).
ويؤيده اختصاص أكثر الأخبار الواردة في طرقنا بالمؤمن أو الأخ في
الدين (2)، ودعوى الايمان والأخوة للمخالف مما يقطع بفساده.
وتؤكده النصوص المتواترة الواردة عنهم في طعنهم ولعنهم
وتكفيرهم، وأنهم شر من اليهود والنصارى وأنجس من الكلاب (3).
فتأمل نادر ممن تأخر ضعيف كتمسكه بإطلاق الكتاب (4)، لاختصاص
الخطاب بأهل الايمان، وكون المخالفين منهم ممنوع، واقتضاء التعليل بما
تضمن الأخوة اختصاص الحكم بمن ثبت له الصفة.
مضافا إلى أن تعدية خطاب المشافهة إلى الغائبين تحتاج إلى اتحاد
الوصف، ولا ريب في تغايره.
فروع:
أ: ذكر جماعة (5) - منهم: والدي، في جامع السعادات (6) - أن
الغيبة لا تنحصر باللسان، بل كلما يفهم نقصان الغير ويعرف ما يكرهه فهو
غيبة، سواء كان بالقول، أو الفعل، أو التصريح، أو التعريض، أو الإشارة،
أو الايماء، أو الغمز، أو الرمز، أو الكتابة، أو الحركة.

(1) مجمع البحرين 3: 408.
(2) الوسائل 12: 278 أبواب أحكام العشرة ب 152.
(3) الوسائل 16: 176 أبواب الأمر والنهي ب 17.
(4) مجمع الفائدة 8: 76.
(5) كالعلامة في القواعد 2: 46 والمحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 27 والشهيد
الثاني في الروضة 3: 314.
(6) جامع السعادات 2: 305.
163

أقول: لا شك فيه إذا كان بالتعريض بالقول، لصدق القول والذكر،
وأما في البواقي فاستدل عليه بأن الذكر باللسان غيبة محرمة ليفهمه الغير
نقصان أخيك، لا لكون المفهم لسانا.
مضافا في الايماء والحركة إلى ما روي: أنه دخلت امرأة قصيرة على
عائشة، فلما ولت أومأت بيدها - أي هي قصيرة - فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(قد اغتبتها) (1).
مع أن القلم أحد اللسانين.
وفي الكل نظر، لكون العلة مستنبطة، والرواية ضعيفة، والعبارة غير
ثابتة ممن كلامه حجة، ولفظ البث في صحيحة داود (2) وإن اقتضى التعميم،
إلا أن صدر الصحيحة ورواية عبد الرحمن (3) يخصصها بالقول، وهو
الأظهر.
ب: قال والدي في جامع السعادات: ذكر مصنف في كتابه فاضلا
معينا وتهجين كلامه بلا اقتران شئ من الأعذار المحوجة إلى ذكره غيبة (4).
وفي كونه غيبة نظر، وإن كان محرما لكونه إيذاء.
ج: قال والدي -، - في الكتاب المذكور: الغيبة إنما تحرم إذا
قصد بها هتك عرضه أو إضحاك الناس منه، وأما إذا كان ذلك لغرض
صحيح لا يمكن التوصل إليه إلا به فلا تحرم (5).
وفي إطلاقه نظر، والظاهر الاقتصار في الجواز فيما ورد في جوازه

(1) مسند أحمد 6: 136.
(2) المتقدمة في ص: 160.
(3) المتقدمة في ص: 159.
(4) جامع السعادات 2: 323.
(5) جامع السعادات 2: 320.
164

رخصة خصوصا أو عموما، كما يأتي وجهه.
د: النقص - كما صرح به والدي (1) - أعم من أن يكون في بدنه، أو
أخلاقه، أو أفعاله، أو أقواله المتعلقة بدينه أو دنياه، بل في ثوبه، أو داره،
أو دابته، وأمثال ذلك.
ثم إنه استثنيت من الغيبة المحرمة مواضع:
الأول: الفاسق مطلقا إذا كان مصرا على فسقه، استثناه بعضهم، بل
ظاهر مجمع البحرين أنه المشهور، قال: المنع من غيبة الفاسق المصر - كما
يميل إليه كلام بعض من تأخر - ليس بالوجه (2).
ويدل عليه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: أنه قال: (قولوا في الفاسق
ما فيه كي يحذره الناس) (3).
وعنه أيضا: أنه قال: (لا غيبة لفاسق) (4).
والحمل على النهي بعيد، وينفيه بعض الأخبار الآتية، ولكن ضعف
الروايتين وعدم ثبوت الشهرة الجابرة يمنع الحكم بمقتضاهما.
نعم، في موثقة سماعة: (من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم
يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، كان ممن حرمت غيبته، وكملت مروته،
وظهر عدله، ووجبت أخوته) (5).
وفي موثقة أبي بصير: أنه: (استأذن على النبي صلى الله عليه وآله - وكان عند

(1) جامع السعادات 2: 303.
(2) مجمع البحرين 1: 136.
(3) تفسير القرطبي 16: 339.
(4) مستدرك الوسائل 9: 129 أبواب أحكام العشرة ب 134 ح 6، ورواه في غوالي
اللآلي 1: 438 / 153.
(5) الكافي 2: 239 / 28، الوسائل 12: 278 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 2.
165

عائشة - رجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بئس أخو العشيرة، فقامت عائشة
فدخلت البيت، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما دخل أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله
بوجهه وبشره إليه يحدثه، حتى إذا فرغ وخرج من عنده قالت عائشة:
يا رسول الله، بينا أنت تذكر هذا الرجل بما ذكرته به إذ أقبلت عليه بوجهك
وبشرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله عند ذلك: إن من شرار عباد الله من يكره
مجالسته لفحشه) (1).
ولكن جواز كون المنفي بالمفهوم في الأولى مجموع الأربعة،
والرجل في الثانية كافرا أو بالفسق مجاهرا، يمنع من إثباتهما الحكم.
الثاني: المجاهر بالفسق المعلن له، وقد استثناه جماعة (2).
وتدل عليه روايات أبان وعبد الرحمن وصحيحة داود بن سرحان
المتقدمة (3).
مضافة إلى صحيحة هارون بن الجهم المروية في مجالس الصدوق:
(وإذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة) (4).
واحتمال النهي - مع كونه بعيدا - ينفيه العطف على الحرمة والشرط.
وتؤيده رواية ابن أبي يعفور: (لا غيبة لمن صلى في بيته ورغب عن
جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجبت على المسلمين
غيبته) (5).

(1) الكافي 2: 326 / 1، وأورد ذيله في الوسائل 16: 30 أبواب جهاد النفس ب 70 ح 5.
(2) منهم العلامة في القواعد 2: 148، الشهيد الثاني في الروضة 3: 214،
السبزواري في الكفاية: 87.
(3) في ص: 159، 162.
(4) أمالي الصدوق: 42 / 7، الوسائل 12: 289 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 4.
(5) التهذيب 6: 241 / 596، الإستبصار 3: 12 / 33، الوسائل 27: 392 أبواب
الشهادات ب 41 ح 2.
166

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من ألقى جلباب الحياء عن
وجهه فلا غيبة له) (1).
لا يقال: إن تعارض الأخبار المجوزة مع الأخبار الناهية عن غيبة
المؤمن والمسلم بالعموم من وجه، والترجيح للناهية بموافقة الكتاب.
فإنا نقول: إن هذا إذا علم عموم الكتاب للمجاهر بالفسق أيضا، وهو
غير معلوم، لأن الخطاب للمشافهين، وكون واحد منهم مجاهرا بالفسق لم
يعلم، بل هو بالأصل مدفوع، فإثبات الحكم للمجاهر بالشركة غير جائز.
ومقتضى الروايتين والصحيحة المتقدمة وإن كان اختصاص الجواز
بما جاهر وتظاهر به، وعدم التعدي إلى غيره من الأسواء - كما هو المصرح
به في كلام جماعة (2) - إلا أن مقتضى البواقي التعميم، فعليه الفتوى.
الثالث: من كان معروفا باسم يعرب عن غيبته.
وتدل عليه - بعد عمل العلماء - الروايتان، والصحيحة المتقدمة، بل
مقتضاها استثناء كل عيب عرفه الناس ولو لم يعرف به، ولكن المستفاد
منها عدم كون ذلك غيبة، لا عدم الإثم عليه لو كان مما يكره صاحبه لو
سمعه، فيحرم لو كان كذلك، لعمومات حرمة الايذاء وإظهار العيوب (3).
الرابع: إذا علم اثنان من رجل عيبا فذكره أحدهما عند الآخر،
استثناه بعضهم (4)، وهو تخصيص للعمومات من غير حجة، ورواية أبان (5)

(1) الإختصاص (مصنفات الشيخ المفيد 12): 242، مستدرك الوسائل 9: 129
أبواب أحكام العشرة ب 134 ح 3.
(2) منهم الشهيد في القواعد والفوائد 2: 148.
(3) الوسائل 8: 608 أبواب أحكام العشرة ب 157.
(4) انظر القواعد والفوائد 2: 151.
(5) الكافي 2: 358 / 6، الوسائل 12: 289 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 3.
167

غير مفيدة، لأنه لم يعرفه الناس.
الخامس: التظلم عند من يرجو إزالة ظلمه، لبعض الروايات،
ولتوقف دفع الظلم المجوز إجماعا عليه.
السادس: ما كان متعلقه - أعني المقول فيه - غير معين، نحو: بعض
الناس كذا، و: بعض أهل البصرة كذا، أو: رأيت شخصا كذا، لعدم ظهور
الأخبار الناهية في مثل ذلك، وللاجماع، ولورود مثله في كلمات الأطهار.
السابع: ما كان متعلقه غير معروف عند السامع.
الثامن: ما كان متعلقه غير محصور.
وفي استثنائهما نظر ظاهر، بل الحرمة فيهما أظهر.
التاسع: الجرح والتعديل للشاهد والراوي، لعمل العلماء، وأخبار
التذكية المعارضة لمحرمات الغيبة، فيرجع إلى الأصل.
ومنه يعلم استثناء كل ما وردت في جوازه أو وجوبه حجة خاصة أو
عامة مكافئة لأدلة حرمة الغيبة، كالاستفتاء، ونصح المستشير، وتحذير
المسلم من الوقوع في الخطر والشر، والشهادة على فاعل المحرم حسبة
وأمثالها.
ومنها: غش الناس، وهو حرام بلا خلاف فيه ظاهرا، وفي المنتهى
التصريح به (1)، للصحاح المستفيضة وغيرها.
ففي صحيحة هشام بن سالم: (ليس من المسلمين من غشهم) (2).
وصحيحة هشام بن الحكم - كما في الفقيه - وحسنته - كما في

(1) المنتهى 2: 1012.
(2) الكافي 5: 160 / 2، التهذيب 7: 12 / 49، الوسائل 17: 279 أبواب ما
يكتسب به ب 86 ح 2.
168

الكافي والتهذيب -: (البيع في الظلال غش، والغش لا يحل) (1).
ومرسلة عبيس: (إياك والغش) (2).
ومرسلة الفقيه: (ليس منا من غش مسلما) (3).
وأخرى: (من غش المسلمين حشر مع اليهود يوم القيامة) (4).
وثالثة: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله لزينب العطارة: إذا بعت فأحسني ولا
تغشي) (5).
وفي عقاب الأعمال: (من غش مسلما في بيع أو شراء فليس منا،
ويحشر مع اليهود يوم القيامة) (6) إلى غير ذلك.
ثم الغش خلاف النصح والخلوص، أو إظهار خلاف ما أضمر،
وحصوله في المعاملات إنما يكون إذا كان في المبيع نقص ورداءة، وله
صور.
وتوضيح المقام: أن النقص الذي يمكن أن يتحقق فيه الغش يتصور
على وجوه، لأن سببه إما يكون مزج المبيع بغير جنسه - كاللبن بالماء - أو
بجنسه - كالجيد بالردي - أو بغير المزج.
وهو قد يكون بعيب فيه أخفاه بإبداء وصف يستره، أو عدم إظهاره

(1) الفقيه 3: 172 / 770، الكافي 5: 160 / 6، التهذيب 7: 13 / 54 - ووجه كونها
حسنة فيهما وجود إبراهيم بن هاشم في السند وهو إمامي ممدوح - الوسائل 17:
280 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 3.
(2) الكافي 5: 160 / 4، التهذيب 7: 12 / 51، الوسائل 17: 281 أبواب ما
يكتسب به ب 86 ح 7.
(3) الفقيه 3: 173 / 776، 777، الوسائل 17: 282 أبواب ما يكتسب به ب 86
ح 10.
(4) الفقيه 3: 173 / 776، 777، الوسائل 17: 282 أبواب ما يكتسب به ب 86
ح 10.
(5) الفقيه 3: 173 / 775، الوسائل 17: 281 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 6.
(6) عقاب الأعمال: 284، الوسائل 17: 283 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 11.
169

مع كونه مستورا.
وقد يكون بتغييره عما هو في الواقع إلى الأدنى لمصلحة نفسه، كبل
اليابس لزيادة الوزن.
وقد يكون بالتباس السلعة بأن يزعم الردي الجيد، كأن يبيع لبن
البقر مكان لبن المعز.
ثم على جميع التقادير: إما يكون النقص خفيا حال المعاملة عرفا،
أو غير خفي، بل يكون مما يعرف غالبا.
وعلى الأول: إما يكون مما يظهر النقص حال المعاملة بالفحص،
ويكون خفاؤه لتقصير المشتري، أو لا يظهر بالفحص.
وعلي الثاني: إما يعلم تفطن المشتري به، أو عدم تفطنه، أو لا يعلم.
وعلى التقادير: إما يبيعه على ما هو المتعارف في الخالي عن النقص
من السعر، أو على ما يتعارف مع النقص.
وعلى التقادير: إما يكون حصول النقص بفعل البائع بقصد الغش، أو
لا.
وعلى التقادير: إما يظهر من البائع عدم النقص قولا أو فعلا، أو يظهر
النقص، أو لا يظهر شئ منهما.
فإن أظهر عدم النقص ارتكب المحرم مطلقا، لكونه كذبا مطلقا،
وغشا أيضا في صور عدم تفطن المشتري.
وإن أظهر النقص لم يرتكب محرما أصلا، بالاجماع والمستفيضة.
وإن لم يظهر شيئا منهما فلا حرام مع تفطن المشتري، بل مع عدم
170

العلم بعدم تفطنه، وإن علم عدم تفطنه فالظاهر الحرمة أيضا، لكونه خلاف
النصح الواجب بالأخبار المستفيضة، إلا إذا باعه بسعر الردي ولم يتضرر
به المشتري.
ثم البيع صحيح في جميع تلك الصور، لتعلق النهي بالغش، وهو غير
البيع، لأنه يتحقق بإظهار خلاف ما أضمر أو ترك النصح، وكلاهما غير
البيع.
ولا يضر ظن المشتري اتصافه بخلاف ما هو كذلك فلا يقصد ذلك،
لأن ثبوت خيار الرؤية بالأخبار (1) والاجماع يدل على عدم اعتبار ذلك في
الصحة.
ومنها: تدليس الماشطة بإظهارها في المرأة محاسن ليست فيها
لترويج كسادها، بلا خلاف، بل عليه الاجماع في بعض العبارات (2)، لكونه
غشا. ومنه يظهر انسحاب الحكم في فعل المرأة ذلك بنفسها.
ولو انتفى التدليس - كما لو كانت مزوجة - فلا تحريم، للأصل،
والمستفيضة:
ففي صحيحة محمد: (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ادني مني يا أم عطية،
إذا أنت قنيت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة، فإن الخرقة تشرب ماء
الوجه) (3).
ومرسلة ابن أبي عمير: (دخلت ماشطة على رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال

(1) الوسائل 18: 28 أبواب الخيار ب 15.
(2) مجمع الفائدة 8: 84.
(3) الكافي 5: 118 / 1، التهذيب 6: 360 / 1035، الوسائل 17: 131 أبواب ما
يكتسب به ب 19 ح 1، بتفاوت يسير.
171

لها: هل تركت عملك أو أقمت عليه؟ قالت: يا رسول الله، أنا أعمله إلا
أن تنهاني عنه فأنتهي، فقال: افعلي، فإذا مشطت فلا تجلي الوجه بالخرقة،
فإنه يذهب بماء الوجه، ولا تصلي الشعر بالشعر) (1).
ورواية سعد الإسكاف: عن القرامل التي تضع النساء في رؤوسهن
يصلنه بشعورهن، فقال: (لا بأس به على المرأة ما تزينت به لزوجها)،
قال: فقلت له: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الواصلة والموصولة، فقال:
(ليس هناك، إنما لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الواصلة التي تزني في شبابها، فلما
كبرت قادت النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة والموصولة) (2).
ومضمرة عبد الله بن الحسن: عن القرامل، قال: (وما القرامل؟)
قلت: صوف تجعله النساء في رؤوسهن، قال: (إذا كان صوفا فلا بأس،
فإن كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة والموصولة) (3).
ومرسلة الفقيه: (لا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط وقبلت ما
تعطى، ولا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها، وأما شعر المعز فلا بأس
بأن يوصل بشعر المرأة) (4).
بل يستحب تزيين المرأة لزوجها، كما يستفاد من كثير من المعتبرة.
ثم المستفاد من المرسلتين حرمة وصل شعر المرأة بشعر امرأة

(1) الكافي 5: 119 / 2، التهذيب 6: 359 / 1031، الوسائل 17: 131 أبواب ما
يكتسب به ب 19 ح 2، بتفاوت يسير.
(2) الكافي 5: 119 / 3 بتفاوت يسير، التهذيب 6: 360 / 1032، الوسائل 17:
132 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 3.
(3) التهذيب 6: 361 / 1036، الوسائل 17: 132 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 5.
(4) الفقيه 3: 98 / 378، الوسائل 17: 133 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 6،
بتفاوت.
172

أخرى، وحمل على الكراهة، أو على ما إذا كان فيه تعريض للشعر إلى غير
ذات محرم، فإن ثبت إجماع، وإلا فلا وجه للحمل، وثبوت الاجماع
مشكل، فالتعميم أظهر.
وتجويز وضع القرامل في رواية سعد، وإنكار لعن رسول الله صلى الله عليه وآله
مطلق الواصلة والموصولة للقرامل، لا يفيد، لكون القرامل أعم، فيجب
التخصيص، سيما مع التصريح بذلك التخصيص في رواية عبد الله.
وهل يلحق به وضع شعر الغير على الرأس من غير وصل؟
فيه تأمل، وعدم اللحوق أظهر.
ومنها: تزيين الرجل بالذهب والحرير إلا ما استثني، وبالسوار
والخلخال والثياب المختصة بالنسوة في العادة - وتختلف باختلاف الأصقاع
والأزمان - إجماعا، نصا وفتوى في الأولين، وعلى الأظهر الأشهر في
البواقي، بل قد يحتمل فيها الاجماع أيضا، للنصوص المانعة عن تشبه كل
من الرجال والنساء بالآخر:
ففي الخبر المروي عن الخلاف والعلل: (لعن الله المتشبهين من
الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) (1).
وفي آخره: (أخرجوهم من بيوتكم، فإنهم أقذر شئ) (2)
وقصور الأسانيد منجبر بالشهرة، مع التأيد بأنه من لباس الشهرة
المنهي عنها في المستفيضة.

(1) العلل: 602 / 63، الوسائل 17: 284 أبواب ما يكتسب به ب 87 ح 2 و ج 20:
337 أبواب النكاح المحرم ب 18 ح 9.
(2) العلل: 602 / 64، الوسائل 17: 285 أبواب ما يكتسب به ب 87 ح 3 و ج 20:
338 أبواب النكاح المحرم ب 18 ح 10.
173

ويظهر من الخبر المذكور أنه ينسحب الحكم في تزيين المرأة بلباس
الرجل أيضا، مع أنه لا قائل بالفرق.
ومنها: العمل بآلات اللهو. وقد ذكرنا تفصيلها في كتاب الشهادات.
ومنهم من زاد أمورا أخر، ومنهم من نقص.
174

المقصد الرابع
في بعض ما يتعلق بهذا المقام
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: المشهور أنه لا يجوز أخذ الأجرة على ما يجب فعله
عينا أو كفاية، ونفى بعضهم الخلاف فيه (1)، وظاهر الأردبيلي الاجماع عليه (2).
وعن فخر المحققين: عدم الجواز في الواجبات المتوقفة على النية
دون غيرها (3).
وظاهر بعضهم اختصاص عدم الجواز بالذاتي دون التوصلي، بل
ادعى الاجماع على الجواز في الثاني (4).

(1) كما في الرياض 1: 505.
(2) مجمع الفائدة 8: 89.
(3) إيضاح الفوائد 2: 264.
(4) انظر الرياض 1: 505.
175

وتوهم اتحاد القولين الأخيرين باطل، لأن الذاتي قد تكون فيه النية
وقد لا تكون، كرد الأمانة، وأداء الدين، ومضاجعة الزوجة، ونحوها.
ونسب الخلاف إلى السيد في تغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم
بالنسبة إلى غير الولي (1)، وهو بالخلاف في الموضوع أشبه، فإنه لا يقول
بوجوب هذه الأمور على غير الولي.
واستدل عليه تارة بالاجماع. وهو - لعدم ثبوته إلا في الجملة - قاصر
عن إفادة تمام المطلوب.
وأخرى بمنافاته للاخلاص المأمور به. وهو - مع اختصاصه بما
يتوقف على النية - ممنوع، لامكان الاخلاص غب (2) إيقاع عقد الإجارة،
فإن العمل يصير بعده واجبا، ويصير من قبيل ما لو وجب بنذر وشبهه،
فيمكن تحقق الاخلاص في العمل، وإن صارت الأجرة سببا لتوجه الأمر
الايجابي إليه.
وبذلك صحح جماعة جواز الأجرة على استئجار الصلوات على
الأموات (3).
والتحقيق أن يقال: إن مورد الإجارة إما ما هو واجب على الأجير عينا
أو كفاية، أو على المستأجر.
وعلى الأول: إما دل دليل على وجوبه مطلقا، أي من غير تقييد بأخذ
الأجرة عليه، أوليس كذلك.
وعلى التقادير: إما يكون واجبا ذاتيا، أو توصليا.

(1) نسبه إليه في شرح جمل العلم والعمل: 148.
(2) غب كل شئ: عاقبته - الصحاح 1: 190.
(3) منهم صاحب الرياض 1: 505.
176

وعلى الأول: إما تجب فيه النية، أو لا..
فإن كان واجبا مطلقا على الأجير لا ترد عليه الإجارة، ولا يجوز أخذ
الأجرة عليه مطلقا، لأن هذا الفعل إما ليس فيه منفعة للمستأجر، أو تكون
فيه منفعة له..
فإن لم تكن فيه منفعة فلا معنى للإجارة والأجرة فيه، لأن الأجر
عبارة عما يؤخذ عوضا عن شئ ينتقل إلى المستأجر، فإذ لا منفعة له فيه
فلا نقل، فلا أجر ولا إجارة.
وكذلك إن كانت فيه منفعة له، كإنقاذ ولده الغريق، لأن إيجاب الله
سبحانه هذا الفعل على الأجير وطلبه منه تمليك للمستأجر لهذه المنفعة من
الأجير، ولا تجوز الإجارة ولا أخذ الأجرة عن شخص بعوض أداء ما
يملكه.
وهذا ظاهر، وفيما تجب فيه النية أظهر، لأن منافع العبد بأسرها ملك
الله سبحانه، وهو وإن أذن له في التصرف فيها بأنحاء التصرفات، إلا أن
إيجابه سبحانه لفعل له عز شأنه يوجب عدم الإذن للعبد في التصرف في
تلك المنفعة وأخذ العوض عنها ونقلها إلى الغير.. بل الايجاب تفويت
تلك المنفعة وإخراجها من يده، لأن إيجاب المنفعة طلب من الله سبحانه
هذه المنفعة لنفسه وعدم كونها مملوكة للعبد، فلا يجوز أخذ العوض عنها.
ثم لا فرق في ذلك بين ما كان وجوبه عينا أم كفاية، لأن الواجب
الكفائي أيضا واجب مشروط على كل أحد، وشرطه عدم العلم بفعل غيره،
وهو متحقق فيما نحن فيه.
ويدل على المطلوب أيضا: أن عموم أدلة الإجارة بحيث يشمل
المورد غير معلوم، والأصل في المعاملات الفساد، إلا أن ذلك لا يثبت إلا
177

فساد عقد الإجارة في غير ما دل الدليل على صحتها فيه، نحو الصنائع وما
يشبهها من الواجبات الكفائية، أو الحج والصلاة ونحوهما من الغير.. وأما
عدم جواز أخذ الأجرة وحرمتها فلا، بخلاف الأول، فإن نقل ما هو ملك
للغير إليه أو إلى غيره وأخذ العوض عنه غير جائز.
نعم، لو أعطاه ذلك الغير، مع علمه بأنه ليس عوضا له ولا يستحق
العوض، يكون ذلك إباحة محضة لا عوضا وأجرة، فيكون مباحا.
ولنا أن نستدل أيضا بأن المتبادر عن إيجاب شئ طلبه مجانا، ولذا
لو أمر المولى عبده بأمر فأخذ الأجر من شخص ولو كان له فيه نفع يذم
عرفا، إلا أن تكون قرينة على جواز الأخذ.
ثم إن ما ذكرناه إنما هو في الواجب المعين، أما المخير فلا حرمة في
أخذ الأجرة على أحد أفراده المعين إذا كان في التعيين نفع للمستأجر.
وإن لم يثبت وجوبه مطلقا - بل احتمل كونه واجبا بشرط الإجارة أو
معها - فلا يحرم أخذ الأجرة.
وبه تتضح الإجارة في أكثر الصنائع - التي هي واجبات كفائية - مضافا
إلى الاجماع بل الضرورة على الجواز فيها.
وإن كان واجبا على المستأجر، فإن كان واجبا توقيفيا فلا شك أن
الأصل عدم صحته إذا صدر عن غيره، لأن الصحة في مثله موافقة الأمر،
وبعد توجه الأمر إلى شخص لا يكون ما أتى به غيره موافقا للمأمور به، فلا
يكون العمل صحيحا، فلا تكون منفعة، ولا إجارته صحيحة، ولا أخذ
الأجرة عليه جائزا.
نعم، إن دل دليل على جواز فعل الغير عنه نيابة فيخرج به عن
الأصل، ويحكم بصحة العمل والإجارة بهذا الدليل.
178

ومن هذا القبيل استئجار الغير للعبادة عن الميت، كالصلاة والحج
والصوم، فما وجد له دليل على جواز الإجارة يحكم به فيه، وما لم يوجد
لا يحكم.
وأما أنه هل يوجد دليل على جواز استئجار العبادات مطلقا أو عبادة
خاصة، فهو ليس من وظيفة المقام.
نعم، قد يستشكل فيما ثبت فيه ذلك من وجهين:
أحدهما: أن صحة الإجارة موقوفة على قابلية المنفعة وكونها محللة،
ولا ريب أن الصلاة - مثلا - عن الغير قبل الإجارة في غير التبرع غير
صحيحة، فصحتها بالإجارة توجب الدور، إذ صحة الصلاة عن الغير
موقوفة على الإجارة الصحيحة المتوقفة على صحة الصلاة عن الغير.
ودفعه: أن وقوع الإجارة الصحيحة موقوف على إمكان الصلاة عن
الغير بالإجارة، وإمكانها موقوف على دليل شرعي عليها، لا على الإجارة
الصحيحة، وإنما يتوقف عليها وقوع الصلاة المؤداة صحيحة، وصحة
الإجارة غير موقوفة عليها.
وثانيهما: أن الصلاة ونحوها عبادة يجب فيها إخلاص النية، وهو مع
الإجارة غير متحقق، لأن الفعل حينئذ يكون بقصد أخذ الأجرة.
ودفع: بأن بعد ثبوت صحة الإجارة بدليل يكون ذلك دليل على
جواز تشريك ضميمة أخذ الأجرة مع القربة في القصد، كالجنة، والخلاص
من النار، وأمثالهما.
ولا يخفى أن مبنى ذلك على عدم إمكان الاخلاص مع الإجارة، وإلا
لم يدل دليل جوازها على جواز التشريك، والظاهر إمكانه كما مر، فإن
الفعل بالإجارة يصير واجبا شرعا وتتم نية التقرب، وعدم استحقاق تمام
179

الأجرة قبل العمل لا يوجب عدم وجوبه.
قيل: المتصور من نية التقرب من جهة الإجارة إنما هو من جهتها لا
من جهة أنه عبادة مخصوصة، ولا ريب أن المعتبر في الصلاة والصوم
ونحوهما نية التقرب بها إلى الله من حيث إنها هي.
قلنا: لم يثبت من أدلة وجوب الاخلاص أزيد من وجوب قصد كون
الفعل لله سبحانه، ولأجل إطاعته وامتثال أمره، أما وجوب نية الإطاعة - من
حيث إن الفعل هذا الفعل، أو لأجل الايجاب من هذه الجهة - فلا، ولو
وجب ذلك لم يبرأ من نذر واجبا أصليا أبدا، فاندفع الاشكال.
بل الحق: عدم ورود الاشكال ابتداء أيضا، لأن القدر المسلم وجوب
الاخلاص في كل عبادة على من يتعبد بها، وكون ما يلزم بالإجارة مما هو
في الأصل عبادة للأجير ممنوع، وكونه عبادة لمن وجب عليه بأصل الشرع
لا يقتضي كونه عبادة للأجير أيضا، ووجوبه بالإجارة لا يجعله عبادة كسائر
الأفعال الواجبة بالإجارة.
نعم، يشترط فيه قصد ما يميزه عن غيره من الأفعال إن لم يميز
بغيره، وقصد كونه أداء لما وجب بالإجارة، كما هو شرط في أداء كل حق
لازم، ويجب الخلوص في ذلك بحيث ينصرف إليه، وأما وجوب ما سوى
ذلك فلا دليل عليه.
فإن قيل: لا شك أن الصلاة الفائتة التي تتدارك بالاستئجار - مثلا -
كان قصد القربة جزءا لها، فتجويز تداركها بالاستئجار أو الأمر به يقتضي
تدارك جميع أجزائها.
قلنا: فيه - مع أن هذا مخصوص بما يتدارك به الفائتة لا مطلقا - أن
كون قصد الاخلاص جزءا لماهية الصلاة ممنوع، وإنما هو شرط في صحتها
180

في الجملة، أي حين التعبد بها.. ولو سلم فلا نسلم جزئيته لمطلق
الصلاة، وإنما هو جزء للصلاة الصادرة ممن يتعبد بها.
ثم بما ذكرنا - من عدم كونها عبادة للأجير - يندفع إشكال آخر أورد
من جهة اعتبار الرجحان في العبادة، والرجحان من جهة الإجارة غير مفيد
في رجحان أصل المنفعة، بل يندفع ذلك مع كونها عبادة أيضا، كما في
قصد التقرب.
وإن كان واجبا توصليا على المستأجر خاصة فتجوز الإجارة وأخذ
الأجرة عليه، والوجه ظاهر.
فرع: ومن الواجبات المحرم أخذ الأجر عليها: القضاء مطلقا، تعين
أم لا، مع الحاجة أم بدونها، وفاقا للحلبي والحلي (1) وجماعة (2)، ووجهه
ظاهر مما مضى.
مضافا إلى المروي في الخصال: (السحت له أنواع كثيرة، منها ما
أصيب من أعمال الولاة الظلمة، ومنها أجور القضاء) (3).
وقد يستدل بالصحيح: عن قاض بين فريقين يأخذ من السلطان على
القضاء الرزق، قال: (ذلك السحت) (4)، بحمل الرزق على الأجر، للاجماع
على حله، ولكونه من المصالح العامة المعد بيت المال لها.
وحمل السحت على الكراهة - لما ذكر - وإن كان ممكنا، إلا أن الأول

(1) الحلبي في الكافي في الفقه: 183، الحلي في السرائر 2: 217.
(2) منهم العلامة في المنتهى 2: 1018 والشهيد الثاني في الروضة 3: 218
وصاحب الرياض 1: 506.
(3) الخصال 1: 329 / 26، الوسائل 17: 95 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 12.
(4) الكافي 7: 409 / 1، الفقيه 3: 4 / 12، التهذيب 6: 222 / 527، الوسائل
27: 221 أبواب آداب القاضي ب 8 ح 1.
181

أولى، لكونه التقييد الراجح على المجاز المطلق، مع أن اللازم من الثاني
كراهة الارتزاق، ولا قائل به، فيلزم ارتكاب مجازين.
ويمكن أن يقال: إن التجوز لا ينحصر في الأمرين، لامكان ارتكابه
في القاضي والسلطان والقضاء، سيما مع ما تعارف في زمان الإمام من
الثلاثة، مع أن الاجماع على [عدم] (1) كراهة الارتزاق ممنوع، كيف؟! وهو
مذهب الحلي والشيخ في النهاية (2).
وخلافا للمفيد والنهاية والقاضي (3)، فيجوز مع الكراهة.
وللشرائع والمختلف (4)، فالتفصيل بتعينه عليه فالأول، وإلا فالثاني،
إما مطلقا كالثاني، أو بشرط الحاجة - وإلا فكالأول - كالأول.
كل ذلك لوجوه ضعيفة.
المسألة الثانية: المنقول عن الأكثر جواز أخذ الأجرة على
المندوبات (5)، للأصل، وانتفاء المانع.
ونقل عن بعض الأصحاب عدم الجواز في مستحبات تجهيز الميت،
محتجا بإطلاق النهي (6). ولم نقف عليه.
وقيل بالعدم إذا كان استحبابه ذاتيا توقيفيا، لما مر من منافاة الإجارة
للرجحان والقربة، وبالجواز إذا كان توصليا وكان له نفع للمستأجر، للأصل (7).

(1) أضفناه لاستقامة المعنى.
(2) الحلي في السرائر 2: 217، النهاية: 367.
(3) المفيد في المقنعة: 588، النهاية: 367، القاضي في المهذب 1: 346.
(4) الشرائع 4: 69، المختلف: 342.
(5) كما في الرياض 1: 505.
(6) حكاه في الإيضاح 1: 408 عن القاضي ابن البراج.
(7) انظر مفتاح الكرامة 4: 94.
182

وقد ظهر ضعف دليله على العدم.
والقول الفصل فيه: أن حكم ما يستحب على المستأجر خاصة حكم
الواجب بلا تفاوت.
وأما ما يستحب على الأجير عينا أو كفاية، فإن لم يكن فيه نفع
للمستأجر فلا يجوز وإن كان دليل استحبابه مطلقا، فإن أراد المستأجر
الاتيان بالمستحب فلا يجوز، لما مر من دليل التبادر، فإن المتبادر استحبابه
مجانا، فما فعل بالعوض لا يكون مستحبا.. وإن أراد نفس الفعل كيف ما
كان فهو عن المقام خارج، وبمقتضى الأصل جائز، إلا أن يوجب ارتكاب
حرام من بدعة أو تشريع أو غيرهما.
فرعان:
الأول: لو قلنا بجواز أخذ الأجر على المستحب يستثنى منه أمران:
أحدهما: الأذان، فإنه يحرم أخذ الأجرة عليه وفاقا للمعظم (1)، بل
عن بعض الأصحاب نفي الخلاف عنه (2)، وفي الخلاف وشرح القواعد
للمحقق الثاني الاجماع عليه (3).
لصحيحة محمد المروية في كتاب الشهادات من الفقيه: (لا تصل
خلف من يبغي على الأذان والصلاة بين الناس أجرا، ولا تقبل شهادته) (4)،
وهو نص في التحريم.

(1) منهم الشيخ في النهاية: 365، الحلي في السرائر 2: 217، العلامة في التذكرة
1: 583.
(2) كما في الرياض 1: 506.
(3) الخلاف 1: 290، جامع المقاصد 4: 36.
(4) الفقيه 3: 27 / 75، الوسائل 27: 378 أبواب الشهادات ب 32 ح 6.
183

وتؤيده حسنة حمران، وفيها: (إذا رأيت أن الحق قد مات وذهب
أهله)، ويعد المنكرات، إلى أن قال: (ورأيت الأذان بالأجر والصلاة
بالأجر) (1).
ورواية السكوني: (ولا يتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا) (2).
ورواية زيد بن علي: (أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: والله
إني أحبك لله، فقال له: والله إني لأبغضك لله، قال: لأنك تبغي على الأذان
كسبا، وتأخذ على تعليم القرآن أجرا) (3).
وإنما جعلنا الأخيرة مؤيدة - مع أن ظاهرها التحريم - للتصريح بإباحة
أجر معلم القرآن في رواية الفضل بن أبي قرة (4)، فتكون هذه قرينة على
عدم إرادة الحقيقة من قوله: (أبغضك).
ويجوز للمؤذن الارتزاق من بيت المال على المشهور، بل في التذكرة
الاجماع عليه (5)، للأصل.
ومرسلة حماد بن عيسى الواردة في حكم ما يخرج من أرض
الخراج: (ويكون الباقي بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين الله، وفي مصلحة
ما ينويه من تقوية الاسلام والدين في وجوه الجهاد، وغير ذلك مما فيه

(1) الكافي 8: 36 / 7، الوسائل 16: 275 أبواب الأمر والنهي ب 41 ح 6.
(2) الفقيه 1: 184 / 870، التهذيب 2: 283 / 1129، الوسائل 5: 447 أبواب
الأذان والإقامة ب 38 ح 1.
(3) الفقيه 3: 109 / 461، التهذيب 6: 376 / 1099، الإستبصار 3: 65 / 215،
الوسائل 17: 157 أبواب ما يكتسب به ب 30 ح 1، بتفاوت.
(4) الكافي 5: 121 / 2، الفقيه 3: 99 / 384، التهذيب 6: 364 / 1046،
الإستبصار 3: 65 / 216، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 2.
(5) التذكرة 1: 109.
184

مصلحة العامة) (1).
والمراد بالارتزاق منه: أن يعطيه الحاكم منه وإن كان لكونه مؤذنا، بل
وإن ارتزق منه للأذان ويكون ذلك من جهة أذانه، ولكن لا يجوز الأذان
لذلك بأن يوقفه عليه ويؤذن لذلك، لصدق الأجر المحرم بالأخبار عليه لغة
وعرفا وإن لم يكن فيه ولا في المدة والعمل تقدير ولم يجر صيغة.
فالتفرقة بين الارتزاق والأجر بعدم التقدير والصيغة في الأول - كما
في المسالك (2) - غير صحيح، بل الصحيح في الفرق ما ذكرنا.
ويجوز له أيضا الارتزاق من الموقوفات على المؤذنين والمنذورات
لهم أو ما يعمهم إن لم يوقف العمل عليه ولم يكن الأذان لأخذه وإن كان
أخذه للأذان، للأصل، وعدم صدق الأجر.
وإن أوقفه عليه لم يجز، لأنه يكون أجرا.
وهل يشترط في ارتزاقه منهما أو من بيت المال الخلوص في النية،
أم لا؟
الظاهر: العدم، وبه صرح في المسالك في الأول (3)، إذ به يقوى
الاسلام ويظهر شعاره، فيكون من المصالح، ويتصحح به قصد الواقف
والناذر القربة.. وبطلان الأذان حينئذ ممنوع، لعدم اشتراط النية فيه.
ثم لو أخذ أجرا وارتكب ذلك المحرم فهل يحرم أذانه أيضا، أم
لا؟.
الظاهر: العدم، للأصل.

(1) الكافي 1: 539 / 4، الوسائل 15: 110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2.
(2) المسالك 1: 166.
(3) المسالك 1: 166.
185

والبدعة والتشريع إنما يكونان لو اعتقد مشروعية مثل ذلك أيضا، مع
أن في الحرمة مع ذلك الاعتقاد أيضا نظرا، إما لامكان إثبات مشروعيته (1)
بالعمومات، وتقييدها مطلقا بما فيه الاخلاص مخالف للأصل، أو لأن
اللازم حرمة ذلك الاعتقاد دون العمل.
وثانيهما: الصلاة بالناس جماعة، ويحرم في الجملة أخذ الأجر عليها
أيضا، وفاقا لجماعة (2)، بل قيل بعدم مخالف ظاهر فيه، لصحيحة محمد
المتقدمة (3).
ويجوز للإمام الارتزاق مما ذكر، لما ذكر.
الثاني: اختلفوا في أخذ الأجر على تعليم غير الواجب من القرآن،
فمختار المفيد والمختلف (4) وجماعة (5): الجواز مع الكراهة مطلقا.
والحلي والقاضي والشيخ في النهاية خصوا الكراهة بصورة الشرط (6).
والحلبي اختار التحريم مطلقا (7).
والشيخ في أحد أقواله مع الشرط (8).
والحق هو: الأول، أما الجواز فللأصل، ولرواية الفضل بن أبي قرة:
هؤلاء يقولون: إن كسب المعلم سحت، فقال: (كذبوا أعداء الله، إنما

(1) في (ق) زيادة: في الجملة.
(2) منهم المفيد في المقنعة: 588، الطوسي في النهاية: 365، الحلي في السرائر
2: 217، صاحب الرياض 1: 506.
(3) في ص: 183.
(4) المفيد في المقنعة: 588، المختلف: 342.
(5) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 2: 16، صاحب الرياض 1: 507.
(6) الحلي في السرائر 2: 223، حكاه عن القاضي في المختلف: 341، النهاية: 367.
(7) الكافي في الفقه: 283.
(8) الإستبصار 3: 65.
186

أرادوا أن لا تعلموا القرآن أولادهم، لو أن المعلم أعطاه رجل دية ولده لكان
للمعلم مباحا) (1)، والأخبار الواردة في جواز أن يجعل ذلك مهرا (2).
وأما الكراهة فلرواية زيد المتقدمة (3)، ورواية حسان: (لا تأخذ على
التعليم أجرا) (4).
ورواية إسحاق بن عمار: (مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله: إني
أعلمه الكتاب والحساب واتجر عليه بتعليم القرآن حتى يطيب له كسبه) (5).
وفي الفقه الرضوي: (أما معلم لا يعلمه إلا قرآنا فقط فحرام أجرته إن
شارط أو لم يشارط) (6).
وهذه الأخبار مستند المحرم، وهو حسن لولا المعارض، مضافا إلى
قصور بعضها عن إفادة التحريم.
المسألة الثالثة: يجوز أخذ الأجر على إجراء العقد مطلقا وكالة، وأما
على تعليمه فالمصرح به في كلام جماعة (7) العدم، لكونه واجبا كفائيا،
وعن المحقق الشيخ علي الاجماع عليه (8)، فإن ثبت فهو، وإلا ففيه نظر،

(1) الكافي 5: 121 / 2، الفقيه 3: 99 / 384، التهذيب 6: 364 / 1046،
الإستبصار 3: 65 / 216، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 2.
(2) الوسائل 21: 242 أبواب المهور ب 2.
(3) في ص: 184.
(4) الكافي 5: 121 / 1، التهذيب 6: 364 / 1045، الإستبصار 3: 65 / 214،
الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 1.
(5) التهذيب 6: 364 / 1044، الإستبصار 3: 65 / 217، الوسائل 17: 155
أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 3.
(6) فقه الرضا (ع): 253 بتفاوت، مستدرك الوسائل 13: 116 أبواب ما يكتسب
به ب 26 ح 1.
(7) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 166، صاحب الرياض 1: 506.
(8) جامع المقاصد 4: 37.
187

لاختصاص ذلك بما إذا وجب النكاح مثلا، مع أن الواجب حينئذ إما التعليم
أو الاجراء وكالة، ولا بأس بأخذ الأجر على أحد أفراد المخير كما مر.
هذا، مع أنه لو سلم وجوبه معينا فلم يثبت وجوبه المطلق، فيمكن
أن يكون مطلقا، أي ولو مع الأجرة.
المسألة الرابعة: يحرم أخذ الأجر على كل فعل محرم، لمثل ما مر
في الواجب، فإنه لا يملك الأجير تلك المنفعة حتى ينقلها، بل تحريمها
نهي عن نقلها.
المسألة الخامسة: لو دفع إلى رجل مالا ليصرف في قبيل هو منهم،
فإن عين له عمل بمقتضى تعيينه.
وإن أطلق، فظاهر الكليني أن له أن يأخذ منه (1)، وهو صريح المفيد
والنهاية وموضع من المبسوط والقاضي والشرائع والمنتهى والارشاد وزكاة
المختلف ومتاجر التحرير والكفاية والمحقق الأردبيلي وأحد قولي الحلي (2)
وجمع آخر (3)، بل في الدروس عليه الشهرة (4).
ومنع منه في موضع آخر من المبسوط، وهو القول الآخر للحلي
وذهب إليه في النافع ومتاجر المختلف والتذكرة والقواعد والمحقق
الثاني (5)، وإليه ذهب بعض مشايخ والدي،.

(1) الكافي 3: 555.
(2) المفيد في المقنعة: 361 نقل رواية، النهاية: 366، المبسوط 1: 247، القاضي
في المهذب 1: 171، الشرائع 2: 12، المنتهى 2: 1021، المختلف: 187،
التحرير 1: 162، الكفاية: 88، مجمع الفائدة 8: 116، الحلي في السرائر 2: 223.
(3) كصاحبي الحدائق 18: 237 والرياض 1: 509.
(4) نسبه في الدروس 3: 171 إلى الأكثر، وفي الحدائق 18: 237: إنه المشهور.
(5) المبسوط 2: 403، الحلي في السرائر: 1 / 463، النافع: 118، المختلف: 343،
التذكرة 1: 583، القواعد 1: 122، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 43.
188

وعن بعض الأصحاب: الفرق بين الألفاظ، فاختار الأول في: (ضعه
فيهم) أو ما أدى معناه، والثاني في: (ادفعه إليهم) وما يكون بمؤداه (1).
احتج الأولون بأصالة الجواز.
وأصالة عدم التخصيص في اللفظ العام، كما هو المفروض.
وبموثقة سعيد بن يسار: الرجل يعطى الزكاة يقسمها بين أصحابه،
أيأخذ منها شيئا؟ قال: (نعم) (2).
وحسنة الحسين بن عثمان: في الرجل أعطي مالا يفرقه في من يحل
له، أله أن يأخذ منه شيئا لنفسه وإن لم يسم له؟ قال: (يأخذ منه لنفسه مثل
ما يعطي غيره) (3).
وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: عن الرجل يعطي الرجل الدراهم
يقسمها ويضعها في مواضعها، وهو ممن تحل له الصدقة، قال: (لا بأس
أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره)، قال: (ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن
يضعه في مواضع مسماة إلا بإذنه) (4).
ويرد على الأول: منع الأصل، بل الأصل عدم جواز التصرف في مال
الغير حتى يثبت المجوز.
وعلى الثاني: منع العموم، إذ المتبادر من هذا الخطاب تغاير الدافع
والمدفوع إليه حقيقة، مع أن دعوى كون تلك الهيئة موضوعة في اللغة لما

(1) كما في التنقيح 2: 21، مفتاح الكرامة 4: 110.
(2) الكافي 3: 555 / 1، الوسائل 17: 277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 1.
(3) الكافي 3: 555 / 2، التهذيب 4: 104 / 295، الوسائل 9: 288 أبواب
المستحقين للزكاة ب 40 ح 2.
(4) الكافي 3: 555 / 3، التهذيب 4: 104 / 296، المقنعة: 261، الوسائل 9:
288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 3.
189

يشمل المدفوع إليه ممنوعة.. ولو سلم فجريان أصالة عدم التخصيص
ممنوع، لما أثبتنا في الأصول من أن العمل بأصالة الحقيقة إذا كان مع اللفظ
ما يصلح قرينة للتجوز مشكل، ووجوده في المقام ظاهر.
وعلى الرواية الأولى: أن القبيل فيها أصحاب الدافع وليس هو منهم،
فهي عن المفروض خارجة، بل على ظاهرها غير باقية، وحملها على ما
يصدق على المفروض ليس بمتعين.
وعلى الأخيرتين: أن اللفظ المذكور فيهما التفريق والوضع فيهم،
فالتعدي إلى غيرهما من الألفاظ - سيما الدفع وما بمعناه - مع كونه محل
الخلاف غير جائز.
واستدل المانعون بأصالة عدم الجواز كما مر.
وبصحيحة عبد الرحمن الحجاج: عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه
في محاويج أو مساكين وهو محتاج، أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال: (لا
يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه) (1).
ويرد على الأول: أن الأصل مدفوع بالروايتين الأخيرتين فيما دلتا عليه.
وعلى الثاني: قوله: (لا يأخذ) نفي، وهو قاصر عن إفادة التحريم
على الأصح، مع أنه أعم مطلقا من الحسنة، لأنه يدل على عدم جواز الأخذ
ما لم يأذن مطلقا، وهي جواز الأخذ بدون التسمية والإذن مثل ما يعطي
غيره، فيخص بها.
ومما ذكرنا ظهر أن الحق هو التفصيل، فالجواز في مثل (فرقه) (2)

(1) التهذيب 6: 352 / 1000، الإستبصار 3: 54 / 176، الوسائل 17: 277
أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 3.
(2) في (ق) زيادة: وضعه.
190

للروايتين (1)، والمنع في غيره للأصل.
ولأجل ذلك الأصل نقول بعدم جواز الأخذ زائدا على ما أعطاه غيره،
كما عليه دعوى الاجماع - من كل من جوز الأخذ عليه - في كلام جماعة
من أصحابنا (2)، لاحتمال إرادة المماثلة في المعطى من الروايتين، لا في
جواز الاعطاء.
ثم الظاهر أن المراد بالمماثلة في المعطى ليس مساواة ما أخذه لما
أخذه غيره قدرا، حتى تدل على عدم جواز التفاضل بين الفقراء ووجوب
التسوية، كما قيل (3)..
بل المراد: أن يجعل نفسه كأحدهم في ملاحظة الاحتياج والعيال،
وانقطاع الوسائل، وتقسيم المال مع هذه الملاحظة، ولا يفضل نفسه على
أحدهم بلا جهة.
وهذه المماثلة تتحقق مع كون ما أخذه أزيد الحصص أو أنقصها،
والأحوط اختيار الأنقص ولو كان يستحق الأزيد.
هذا، ثم إن المصرح به في كلام جماعة: عدم الخلاف في جواز
إعطائه لعياله وأقاربه إذا كانوا بالوصف (4)، لصحيحة عبد الرحمن بن
الحجاج: في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين، وله عيال
محتاجون، أيعطيهم من غير أن يستأمر صاحبه؟ قال: (نعم) (5).

(1) المتقدمتين في ص: 189.
(2) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 167، السبزواري في الكفاية: 88، صاحب
الرياض 1: 509.
(3) الحدائق 18: 240.
(4) منهم صاحب الحدائق 18: 241، صاحب الرياض 1: 509.
(5) التهذيب 6: 352 / 1001، الوسائل 17: 277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 2.
191

وقد يتأمل فيه، نظرا إلى أن الأخذ للعيال أخذ لنفسه، أو إلى عدم
تبادره من اللفظ، فالأصل مع العدم، وهو كذلك في غير مورد النص، وهو
ما كان بلفظ القسمة ونحوه فيما يجب عليه من النفقة والكسوة، وأما غيره
فلا.
المسألة السادسة: صرح الأكثر بحرمة تولية القضاء والحكم ونحوه
عن السلطان الجائر (1)، ونفى بعضهم الخلاف عنها (2)، لكونها إعانة للظالم،
وللمستفيضة الدالة عليها (3).
واستثنوا منها مقامين:
أحدهما: مع الخوف والتقية على النفس أو المال أو العرض عليه، أو
على المؤمنين كلا أو بعضا، على وجه لا ينبغي تحمله عادة بحسب حال
المكره في الرفعة والضعة بالنسبة إلى الإهانة، فيجوز حينئذ، بل قد يجب
بلا خلاف، للاجماع، والمستفيضة، بل المتواترة من الصحاح وغيرها
الدالة على جواز التقية، بل وجوبها..
ففي الصحيح: (التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله
له) (4).
وفي آخر: (التقية في كل ضرورة، وصاحبها أعلم بها حين ينزل) (5).
وفي ثالث: عن القيام للولاة، فقال: (التقية من ديني ودين آبائي، ولا

(1) منهم المحقق في الشرائع 2: 12، صاحب الرياض 1: 510.
(2) كما في الرياض 1: 510.
(3) الوسائل 27: 11 أبواب صفات القاضي ب 1.
(4) الكافي 2: 220 / 18، الوسائل 16: 214 أبواب الأمر والنهي ب 25 ح 2.
(5) الكافي 2: 219 / 13، الوسائل 16: 214 أبواب الأمر والنهي ب 25 ح 1.
192

إيمان لمن لا تقية له) (1).
وخصوص ما رواه الحلي في السرائر عن أبي الحسن الثالث: إن
محمد بن علي بن عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العباس وأخذ ما
يتمكن من أموالهم، هل فيه رخصة؟ فقال: (ما كان المدخل فيه بالجبر
والقهر فالله قابل للعذر) الحديث (2).
وأما رواية الحسن الأنباري: كتبت إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في
أعمال السلطان، فلما كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أني أخاف على
خيط عنقي - إلى أن قال - فكتب إلي: (قد فهمت كتابك وما ذكرت من
الخوف على نفسك، فإن كنت تعلم أنك إذا وليت عملت في عملك بما
أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تصير أعوانك وكتابك أهل ملتك، فإذا صار إليك
شئ واسيت به فقراء المؤمنين حتى تكون واحدا منهم كان ذا بذا، وإلا
فلا) (3)..
فلا تنافيه، لأنه يمكن أن يكون إخبارا منه عليه السلام بعدم الخوف على
النفس عليه.
وكما يجب القبول حينئذ كذلك يجب أن ينفذ أمر الجائر ونهيه
وجميع ما يحكم به ولو كان محرما إجماعا، متحريا الأسهل فالأسهل،
ومتدرجا من الأدنى إلى الأعلى، اقتصارا في فعل المحرم على أقل ما تندفع
به الضرورة.

(1) الكافي 2: 219 / 12، الوسائل 16: 204 أبواب الأمر والنهي ب 24 ح 3.
(2) مستطرفات السرائر: 68، الوسائل 17: 190 أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 9.
(3) الكافي 5: 111 / 4، التهذيب 6: 335 / 928، الوسائل 17: 201 أبواب ما
يكتسب به ب 48 ح 1.
193

ولو انحصر في الأعلى وجب، إلا في قتل المسلم المحقون الدم، فلا
يجوز إجماعا، للصحيح: (إنما جعلت التقية لتحقن بها الدماء، فإذا بلغ
الدم فلا تقية) (1)، ونحوه الموثق (2).
وقيل: وظاهر الاطلاق يشمل الجرح أيضا، كما عن الشيخ (3). وفي
ثبوت الاطلاق في مثل هذا التركيب نظر.
ولزوم الاقتصار في الخروج عن عمومات التقية على المتيقن - بل
المتبادر - يقتضي جواز الجرح الذي لم يبلغ حد القتل، ولذا اقتصر عليه في
الاستثناء جماعة (4)، بل - كما قيل (5) - هو الأشهر.
وقيل: ينبغي القطع بالجواز إذا كان الخوف على النفس بتركه،
ويحتاط بتركه في غيره (6). وهو جيد.
وهل المسلم يشمل المخالف أيضا، أم لا؟
فيه إشكال، والاحتياط يقتضي المصير إلى الأول إذا كان الخوف بترك
القتل على نحو المال وسيما القليل منه، وأما إذا كان على النفس المؤمنة فلا
يبعد المصير إلى الثاني، فلا شئ يوازي دم المؤمن كما يستفاد من
النصوص.

(1) الكافي 2: 220 / 16، المحاسن: 259 / 310، الوسائل 16: 234 أبواب الأمر
والنهي ب 31 ح 1.
(2) التهذيب 6: 172 / 335، الوسائل 16: 234 أبواب الأمر والنهي ب 31 ح 2.
(3) حكاه عنه في المسالك 1: 168 والرياض 1: 510.
(4) منهم الشيخ في النهاية: 357 والمحقق في النافع: 118 والعلامة في القواعد 1:
122.
(5) انظر الرياض 1: 510.
(6) انظر الرياض 1: 510.
194

وثانيهما: إذا أمن من ارتكاب المحرم والاقتدار على الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، فيجوز حينئذ كما قيل (1)، بل قال جماعة بالاستحباب
حينئذ (2)، وقيل بالوجوب (3).
استدل المجوز بتعارض عمومات منع قبول الولاية عنه وإعانته،
وعمومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالنظر إلى دلالتها الالتزامية
على وجوب المقدمة، التي هي قبول الولاية بالعموم من وجه، ولم يظهر
مرجح فيعمل بمقتضى الأصل.
ورد: بأن ذلك إذا كان وجوب الأمر والنهي المذكورين مطلقا حتى
يجب تحصيل القدرة من باب المقدمة.
وفيه: أن أدلتهما مطلقة والأصل عدم التقييد، والقدرة الذاتية
المشروطة بها التكاليف حاصلة، وإن كان تأثيرها موقوفا على رفع مانع هو
التقية، وهي بقبول التولية مرتفعة كما هو المفروض.
هذا، مع أن من الظواهر ما يدل على ارتفاع الحرمة، كمرسلة الفقيه:
(كفارة خدمة السلطان قضاء حوائج الإخوان) (4).
وفي رواية زياد بن أبي سلمة: (لأن أسقط من حالق فأتقطع قطعة
قطعة أحب إلي من أن أتولى لأحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم، إلا
لتفريج كربة عن مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه) إلى أن قال: (فإن وليت

(1) انظر الرياض 1: 510.
(2) منهم الشيخ في النهاية: 356 والمحقق في الشرائع 2: 12 والنافع: 118
والعلامة في نهاية الإحكام 2: 525.
(3) كما في المسالك 1: 168، والحدائق 18: 126.
(4) الفقيه 3: 108 / 453، الوسائل 17: 192 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 3.
195

شيئا من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة) الحديث (1). ورواية
الأنباري المتقدمة.
واستدل القائل بالاستحباب بأن بعد ثبوت الجواز يثبت الرجحان،
لأن الأمر والنهي المذكورين عبادة، والعبادة لا تكون إلا راجحة.
وفيه: أنه إن أريد الجواز الثابت بالأصل - كما هو مقتضى الدليل
الأول - فهو ليس جوازا شرعيا، بل هو عقلي، فإذا لم يمكن تحققه في
العبادة فنسبة الحرمة والرجحان إليه على السواء، مع أن الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر من الواجبات التوصلية الغير المتوقفة على النية، وعدم
كون مثل ذلك إلا راجحا ممنوع.
نعم، ما يترتب عليه الثواب منه كذلك.
ومنه يعلم عدم تمامية المطلوب إن أريد الجواز الشرعي كما هو
مقتضى الاستدلال بالظواهر، مع أن مقتضاها عدم اختصاص الجواز بصورة
التمكن من الأمر والنهي المذكورين، بل يعم غيرهما من قضاء دين
الإخوان والاحسان إليهم.
وقد يستدل أيضا بصحيحة علي بن يقطين: (لله عز وجل مع
السلطان أولياء يدفع عن أوليائه) (2).
وفيه: أن الكون مع السلطان أعم من الدخول في عمله والولاية منه.
ومنه يظهر ضعف الاستدلال بما هو في ذلك المعنى، كحسنة ابن

(1) الكافي 5: 109 / 1، التهذيب 6: 333 / 924، الوسائل 17: 194 أبواب ما
يكتسب به ب 46 ح 9.
(2) الكافي 5: 112 / 7، الفقيه 3: 108 / 451، الوسائل 17: 192 أبواب ما
يكتسب به ب 46 ح 1، بتفاوت يسير.
196

أبي عمير (1)، ومرسلة المقنع (2)، ورواية محمد بن إسماعيل بن بزيع
المروية في كتب الرجال (3).
نعم، يمكن أن يستدل على الرجحان بما في آخر مكاتبة محمد بن
علي بن عيسى المتقدمة (4): فكتبت إليه أعلمه أن مذهبي في الدخول في
أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوه، وانبساط اليد في
التشفي منهم بشئ به أتقرب به إليهم، فأجاب: (من فعل ذلك فليس
مدخله في العمل حراما، بل أجرا وثوابا).
والمروي في قرب الإسناد عن علي بن يقطين: أنه كتب إلى أبي
الحسن موسى عليه السلام: إن قلبي يضيق مما أنا عليه من عمل السلطان - وكان
وزيرا لهارون - فإن أذنت جعلني الله فداك هربت منه، فرجع الجواب:
(لا آذن لك بالخروج من عملهم) (5).
ولكن الثابت منهما رجحان التولية إذا كان المقصود منها الفعل
الراجح، لا إذا علم ترتبه عليها وإن كان مقصوده أمرا مباحا أو مكروها،
وهذا يثبت مع ثبوت الجواز أيضا، لصيرورة الجائز بالقصد راجحا.
دليل الموجب: أن مقتضى أخبار الرجحان أو الجواز - مع التمكن
عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - اختصاص المنع بما عدا ذلك،
فيبقى وجوب مقدمة الواجب خاليا عن المعارض، فيكون واجبا.

(1) الكافي 5: 107 / 9، الوسائل 17: 188 أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 4.
(2) المقنع: 122، الوسائل 17: 193 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 5.
(3) رجال النجاشي: 331.
(4) في ص: 193.
(5) قرب الإسناد: 305 / 1198، الوسائل 17: 198 أبواب ما يكتسب به ب 46
ح 16.
197

وهو حسن، ولكن يختص بما إذا كان حين قبول الولاية معروفا
واجبا متروكا أو منكرا حراما موجودا وتوقف الأمر والنهي على قبول
التولية، لا إذا كان قبولها سببا للتمكن من النهي عن المنكر لو وجد والأمر
بالمعروف لو ترك، إذ لم يثبت وجوب مقدمة مثل ذلك أيضا.
والظاهر أن مرادهم ما يشمل الثاني أيضا.
هذا، ثم إن ظاهر الأكثر اختصاص الجواز أو الرجحان مطلقا أو مع
المنع من الترك بصورتي الاستثناء، وأن التولية في غيرهما حرام وإن علم
عدم ارتكاب المآثم.
وهو فيما هو ظاهر كلامهم - من التولية عن السلطان الجائر مطلقا من
المخالفين أو الشيعة في زمن الحضور أو الغيبة - مشكل، لعدم دليل على
ذلك العموم، فإن الأخبار المانعة عن التولية عنهم غير متضمنة لما يعم
الجميع، كما لا يخفى على الناظر فيها، وما أمكن التعميم فيه قاصر عن
إثبات الحرمة، كموثقة عمار: عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل، قال:
(لا، إلا أن لا يقدر على شئ يأكل ولا يشرب، ولا يقدر على حيلة، فإن
فعل فصار في يده شئ فليبعث بخمسه إلى أهل البيت) (1)، حيث إن
جواب السؤال ليس إلا (لا يخرج) وهو لكونه نفيا لا يفيد سوى المرجوحية.
نعم، يصح ما ذكروه في التولية عن سلاطين عهدهم من بني أمية
وبني العباس لعنهم الله.
فالقول الفصل أن يقال: إن الكلام إما في التولية عنهم، أو عن غيرهم
من سلاطين الجور.

(1) التهذيب 6: 330 / 915، الوسائل 17: 202 أبواب ما يكتسب به ب 48 ح 3.
198

أما الأول، فالأصل فيه الحرمة وإن انفك عن العمل وارتكاب المآثم،
لاطلاق المستفيضة.
وتجوز مع الاكراه على التفصيل المتقدم، ومع الأمن عن ارتكاب
المحرم، والقدرة على جعل الولاية وسيلة لابتغاء مرضاة الله سبحانه وقصد
ذلك، بل يكون حينئذ راجحا ويجب مع الأمن والاقتداء بها على الأمر
بمعروف مهمل أو دفع منكر متحقق.
وأما الثاني، فلا تحرم نفس التولية إلا إذا كانت إعانة على محرم آخر،
للأصل، وقد تستحب، وقد تجب، كما مر. وأما نفس العمل المترتب على
الولاية فحكمه ظاهر.
المسألة السابعة: جوائز السلطان - بل مطلق الظالم، بل من لا يتورع
المحارم من الأموال - محرمة إن علمت حرمتها بعينها.
فإن قبضها حينئذ أعادها على المالك إن عرف، ويتصدق بها إن لم
يعرف، كما صرح به في رواية علي بن أبي حمزة (1).
وإن لم يعلم حرمتها كذلك فهي حلال مطلقا وإن علم أن في ماله
مظالم، بلا خلاف فيه، للأصل، والمستفيضة، كروايات البصري (2)، وابن
وهب (3)، ومرسلة محمد بن أبي حمزة (4)، وصحيحة الحذاء (5).

(1) الكافي 5: 106 / 4، التهذيب 6: 331 / 920، الوسائل 17: 199 أبواب ما
يكتسب به ب 47 ح 1.
(2) التهذيب 7: 132 / 582، الوسائل 17: 221 أبواب ما يكتسب به ب 53 ح 3.
(3) التهذيب 6: 337 / 938، الوسائل 17: 219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 4.
(4) التهذيب 6: 337 / 937، الوسائل 17 / 219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 3.
(5) الكافي 5: 228 / 2، التهذيب 6: 375 / 1094، الوسائل 17: 219 أبواب ما
يكتسب به ب 52 ح 5.
199

وأما الاستدلال بالروايات المجوزة لقبول جوائز العمال - كصحيحة
محمد وزرارة (1)، وصحيحة أبي ولاد (2)، وصحيحة أبي المغرا (3) - فهي
غير دالة، لعدم دلالتها على العلم بأن في ماله حراما، بل السؤال فيها إنما
هو لأجل كونهم متصرفين في الخراج والمقاسمة، وهما حلالان كما يأتي.
والأفضل التورع عنها في غير ما علم حله إجماعا، لصدق الشبهة
المأمور باجتنابها، إلا مع إخبار المخبر بالإباحة، فلا تكره كما قيل (4)، بل
نفي عنه الخلاف (5).
وهو مشكل، لعدم خروجه عن الشبهة إذا احتمل كذبه، ووجوب
حمل قول المسلم على الصدق إن كفى في رفع الشبهة لكفى وجوب حمل
فعله على الصحة في رفعها بمجرد الاعطاء أيضا، فلا يكون مكروها مطلقا.
وصرح في المنتهى بزوال الكراهة بإخراج الخمس أيضا (6)، وربما
أسند إلى المشهور، لكونه مطهرا للمختلط بالحرام، فلما لم تعلم حرمته
أولى، ولموثقة عمار: عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل، قال: (لا، إلا
أن لا يقدر على شئ يأكل ولا يشرب، ولا يقدر على حيلة، فإن فعل
فصار في يده شئ فليبعث بخمسه إلى أهل البيت) (7).

(1) التهذيب 6: 336 / 931، الوسائل 17: 214 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 5.
(2) الفقيه 3: 108 / 449، التهذيب 6: 338 / 940، الوسائل 17: 213 أبواب ما
يكتسب به ب 51 ح 1.
(3) الفقيه 3: 108 / 450، التهذيب 6: 338 / 942، الوسائل 17: 213 أبواب ما
يكتسب به ب 51 ح 2.
(4) الرياض 1: 509.
(5) الرياض 1: 509.
(6) المنتهى 2: 1025.
(7) التهذيب 6: 330 / 915، الوسائل 17: 202 أبواب ما يكتسب به ب 48 ح 3.
200

والأولوية ممنوعة، والموثقة غير دالة، إذ لا دلالة فيها على أنه صار
في يده شئ من المشتبه بالحرام، لجواز أن يكون من ارتفاع الأراضي
الخراجية الذي هو مباح وخمسه للإمام، مع أنه يكون هذا كسبا، وما صار
بيده ربحا، فإخراج خمسه من حيث هو واجب، ولا يدل على أنه يطهره.
ثم إن ظاهر إطلاق النصوص والفتاوى: الحلية مع عدم العلم بالحرمة
وإن لم يعلم أن للمخبر مالا حلالا، والأصل وإن يساعد خلافه ولكن لا أثر
له مع إطلاق الرواية.
وأما المروي في الإحتجاج للطبرسي وكتاب الغيبة للشيخ، وفيها
- بعد أن سئل الصاحب عن أكل مال من لا يتورع المحارم -: (وإن كان لهذا
الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل بره، وإلا فلا) (1)
فلا نافيه، لأن معنى قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن له مال غير الحرام الذي
في يده، لا أنه إن لم يعلم له مال، فيكون حكمه مسكوتا عنه فيه، فيعمل
بمقتضى الاطلاق.
المسألة الثامنة: قد طال تكلم الأصحاب فيما يأخذ الجائر باسم
المقاسمة والخراج والزكاة عن الأموال.
والمراد بالمقاسمة: الحصة المعينة من حاصل الأرض يؤخذ عوضا
عن زراعتها.
وبالخراج: المال المضروب عليها أو على [الشجر حسبما] (2) يراه
الحاكم. وقد يطلق الثاني على الأول.

(1) الإحتجاج 2: 485، الغيبة: 235، الوسائل 17: 217 أبواب ما يكتسب به
ب 51 ح 15.
(2) في النسخ: البحر حيث ما، والظاهر ما أثبتناه.
201

والكلام في المقام تارة في دفع هذه الثلاثة إلى الجائر، وأخرى في
الأخذ منه، وثالثة في براءة ذمة الدافع إذا دفعها إليه.
أما الأول، فظاهر جماعة من أصحابنا وجوب دفع الأولين إليه (1)،
فلا يجوز للزارع جحد شئ منهما ولا منعه ولا سرقته، ونقله المحقق
الشيخ علي في رسالته الخراجية عن كثير من معاصريه (2)، وفي كفاية الأحكام عن بعض الأصحاب الاتفاق عليه، وتأمل هو فيه (3).
ونقل بعضهم عن جماعة من أصحابنا عدم براءة الذمة بالدفع
اختيارا، ومقتضاه عدم جوازه مع التمكن، وبذلك صرح الشيخ إبراهيم
القطيفي في نقض الخراجية للشيخ علي (4)، بل ظاهره دعوى الضرورة
الدينية على العدم.
ولا يخفي أن ذلك مقتضى الأصل، لأنهما - كالزكاة - حق لجماعة
خاصة ليس الجائر منهم ولا قيما عليهم، فالأصل عدم جواز دفع حصتهم
إليهم - سيما مع ما هو عليه من الفسق الواضح - ما دام يتمكن من عدم الدفع.
وتدل عليه صحيحة العيص: في الزكاة فقال: (ما أخذه منكم بنو أمية
فاحتسبوا به، ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم) (5)، وصحيحة الشحام الآتية (6).

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 155، المحقق الثاني في جامع المقاصد 7: 11،
صاحب الرياض 1: 496.
(2) انظر رسالة قاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج (رسائل المحقق الكركي 1):
274.
(3) كفاية الأحكام: 80.
(4) انظر السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج (كلمات المحققين): 307.
(5) الكافي 3: 543 / 4، التهذيب 4: 39 / 99، الإستبصار 2: 27 / 76، الوسائل
9: 252 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 3.
(6) في ص 204.
202

ولم أعثر إلى الآن على حجة واضحة دافعة للأصل.
وما ذكره بعضهم - من أن المستفاد من الظواهر: أن حكم تصرف
الجائر في الأراضي الخراجية حكم تصرف الإمام العادل - غير مسلم، ولو
سلم فإنما هو في الجملة.
فوجوب منعها عن الجائر مع التمكن أظهر، وفي بعض الروايات
تأييد له أيضا، كما في رواية علي بن عطية المذكورة في باب شراء السرقة
والخيانة ومتاع السلطان، المانعة من إعطاء قيمة الأرز لابن أبي هبير (1)،
ورواية علي بن يقطين (2) المصرحة: بأنه كان يجبي أموال الشيعة علانية
ويرد عليهم سرا، وأما بدون التمكن فهو أمر آخر.
وأما الثاني - وهو جواز الأخذ من الجائر بعد أخذه من المالك قهرا،
أو لكونه متدينا بدين الجائر - فالظاهر عدم الخلاف بل الاجماع فيه في
الجملة، بل في المسالك والتنقيح وشرح القواعد للمحقق الثاني ورسالته
الخراجية دعوى الاجماع عليه (3)، وهو الحجة في المقام، وإلا فالأخبار
التي استدلوا بها لا تخلو عن مناقشة في الدلالة، مع أن ما يمكن إتمام
دلالتها - ولو بقطع النظر عن بعض الاحتمالات - لا يثبت أزيد مما يثبته
الاجماع، وهو جواز شراء هذه الثلاثة من الجائر في الجملة.
بل الظاهر وقوع الاجماع على جواز الأخذ في الجملة، سواء كان

(1) التهذيب 6: 337 / 936، الوسائل 17: 218 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 2،
وفيهما: هبيرة، بدل: ابن أبي هبير.
(2) الكافي 5: 110 / 3، التهذيب 6: 335 / 927، الوسائل 17: 193 أبواب ما
يكتسب به ب 46 ح 8.
(3) المسالك 1: 168، التنقيح 2: 19، جامع المقاصد 1: 207، انظر رسالة
قاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج (رسائل المحقق الكركي 1): 276.
203

بالشراء أو غيره، فيجب الحكم به، ولكن نقتصر على موضع الاجماع،
وهو السلطان المخالف، كما صرح به الشهيد الثاني، وأما الشيعة فلا،
والتعدي إليهم بواسطة بعض التعليلات قياس مستنبط العلة، مردود عند
الشيعة، ويقتصر في الأخذ بدون الشراء على من يستحقه.
وأما الثالث، فالحق عدم البراءة مع التمكن من عدم الدفع، للأصل،
وصحيحة الشحام: إن هؤلاء المصدقين يأتونا فيأخذون منا الصدقة فنعطيهم
إياها، أيجزئ عنا؟ فقال: (لا، إنما هؤلاء قوم غصبوكم) أو قال: (ظلموكم
أموالكم، وإنما الصدقة لأهلها) (1).
وأما صحيحة سليمان: (إن أصحاب أبي أتوه فسألوه عما يأخذه
السلطان، فرق لهم وإنه ليعلم أن الزكاة لا تحل إلا لأهلها، فأمرهم أن
يحتسبوا به فجاز ذا والله لهم) (2).
وصحيحة يعقوب بن شعيب: عن العشور التي تؤخذ من الرجل،
أيحتسب بها من زكاته؟ قال: (نعم، إن شاء) (3).
وصحيحة الحلبي: عن صدقة المال يأخذها السلطان، فقال: (لا
آمرك أن تعيد) (4).

(1) التهذيب 4: 40 / 101، الإستبصار 2: 27 / 78، الوسائل 9: 253 أبواب
المستحقين للزكاة ب 20 ح 6.
(2) الكافي 3: 543 / 1، التهذيب 4: 39 / 98، الإستبصار 2: 27 / 75، الوسائل
9: 252 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 4، بتفاوت.
(3) الكافي 3: 543 / 2، الفقيه 2: 15 / 41، الوسائل 9: 251 أبواب المستحقين
للزكاة ب 20 ح 1.
(4) التهذيب 4: 40 / 100، الإستبصار 2: 27 / 77، الوسائل 9: 253 أبواب
المستحقين للزكاة ب 20 ح 5.
204

ومرسلة الفقيه: عن الرجل يأخذ منه هؤلاء زكاة ماله، أو خمس
غنيمته، أو خمس ما يخرج له من المعادن، أيحسب ذلك له في زكاته
وخمسه؟ فقال: (نعم) (1).
فمحمولة على صورة عدم التمكن، لصحيحة العيص: في الزكاة،
فقال: (ما أخذ منكم بنو أمية فاحتسبوا به، ولا تعطوهم شيئا ما
استطعتم) (2)، فإنها تدل على عدم الاحتساب في صورة استطاعة عدم
الدفع، لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد، وهي أخص مطلقا من
الأخبار المتقدمة، فيجب تخصيصها بها، كما يجب تخصيص صحيحة
الشحام بها أيضا.
ومنه يظهر وجه البراءة في صورة عدم التمكن.
ثم إن ما ذكر وإن كان في الزكاة، إلا أنه يثبت الحكم في الخراج
والمقاسمة أيضا بعدم القول بالفصل.
حجة المجوزين للدفع مطلقا: الأخبار المذكورة. وجوابها قد ظهر.
واستلزام عدم الاحتساب العسر والحرج على الشيعة. وهو بالتفصيل
الذي ذكرنا مدفوع.
وصحيحة الحذاء: الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة
وغنمها، وهو يعلم أنهم يأخذون أكثر من الحق الذي يجب عليهم، قال:
فقال: (ما الإبل والغنم إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك، لا بأس به حتى
تعرف الحرام بعينه)، قيل له: فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ صدقات

(1) الفقيه 2: 23 / 84، الوسائل 9: 254 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 7.
(2) الكافي 3: 543 / 4، التهذيب 4: 39 / 99، الإستبصار 2: 27 / 76، الوسائل
9: 252 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 3.
205

أغنامنا، فنقول: بعناها، فيبيعناها، فما ترى في شرائها منه؟ قال: (إن كان
قد أخذ بها وعزلها فلا بأس)، قيل له: فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا
القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حظه فيعزله بكيل، فما ترى في شراء ذلك
الطعام منه؟ فقال: (إن كان ما أقبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس
بشرائه منه بغير كيل) (1).
وأورد عليها أولا: بمنع دلالتها على إباحة شراء الصدقة، لعدم تعين
إرجاع الضمير في قوله: (لا بأس به) إلى شراء إبل الصدقة، بل يمكن
رجوعه إلى الإبل والغنم المذكورين أخيرا، ويكون إشارة إلى الأصل المقرر
- وهو أصالة الإباحة - يعني: لا بأس بالشراء حتى تعرف أنه من إبل
الصدقة، وأدى بهذه العبارة من باب التقية.
وثانيا: بمنع الدلالة على إباحة الخراج والمقاسمة.
وثالثا: باحتمال كون المصدق من قبل العدل.
ورابعا: باحتمال الشراء فيه للاستنقاذ، بناء على كون متعلقها فيه
صدقات المشترين خاصة.
ورد الأول: بأن وجوب مطابقة الجواب للسؤال يعين رجوع الضمير
إلى شراء إبل الصدقة، وتحديد الإباحة بعدم معروفية الحرمة لما تضمنه
السؤال من أخذ الزائد على الحق، فيكون حاصل الجواب نفي البأس عن
شراء الصدقة ما لم تعلم فيها الزيادة المحرمة بظهور لفظ القاسم في أن
المأخوذ مال المقاسمة، سيما في مقابلة لفظ المصدق.
مع أنه مرت الإشارة إلى حكم زكاة الحنطة والشعير في صدر الرواية،

(1) الكافي 5: 228 / 2، التهذيب 6: 375 / 1094، الوسائل 17: 219 أبواب ما
يكتسب به ب 52 ح 5.
206

فيلزم التكرار لو حمل عليها.
والثاني والثالث: ببعده بملاحظة حال الأئمة في زمان صدور الرواية.
والرابع: بالبعد، مضافا إلى كون صدر الرواية كالصريح في كون البيع
من غير المشتري.
أقول: ما رد به الأول وإن كان كذلك وكان الصحيح الاعتراض عليه
بلزوم التخصيص بصورة عدم التمكن لما مر، إلا أن في البواقي كلاما، لأن
ظهور لفظ القاسم فيما ذكره ممنوع، لتحقق القسمة في صدقات الغلات
أيضا، لأنها أيضا كمال المقاسمة تؤخذ بالنسبة، والمقابلة للمصدق غير
مفيدة، لجواز اختصاص استعمال المصدق عندهم بأخذ صدقات الأنعام.
وأما لزوم التكرار ففيه: أن ما مضى هو حكم أصل البيع، والمسؤول
عنه البيع اكتفاء بالكيل الأول، ولذا سئل عن الغنم ثانيا مع كونه في السؤال
الأول أيضا.
ولو سلم الظهور فكون المأخوذ مال مقاسمة السلطان ممنوع، لجواز
أن تكون الأرض ملك القاسم قاسمها للزارع، كما يشعر به قوله: حظه،
ويكون المراد بالقاسم من قاسم الملك، ويكون السؤال من جهة بيع حظه
بلا كيل اعتمادا على الكيل الأول، كما يدل عليه الجواب.
وأما بعد كون المصدق من جانب العدل فهو وإن كان كذلك، إلا أنه
يمكن المراد به الفقير الذي هو أخذ الصدقة لا من يأخذه من جانب
السلطان.
وأما كون صدر الرواية كالصريح في مخالفة المشتري للمأخوذ منه
فهو وإن كان في الصدقة كذلك، ولكن الظاهر في عجز الرواية الذي يستدل
به على المقاسمة بعكس ذلك، إلا أن اشتراط الاقباض بالكيل وحضور
207

المشتري يأبى عن حمل ذلك أيضا على إرادة الاستنقاذ.
وحسنة الحضرمي: (ما يمنع ابن أبي سمال أن يخرج شباب الشيعة
فيكفونه ما يكفيه الناس ويعطيهم ما يعطي الناس) ثم قال للراوي: (لم
تركت عطاءك؟) قال: مخافة على ديني، قال: (ما منع ابن أبي سمال أن
يبعث إليك بعطائك، أما علم أن لك في بيت المال نصيبا؟!) (1).
حيث جوز أولا لشباب الشيعة أخذ ما يعطي الحاكم الناس المعينين
له، ومن جملة ما يعطيهم وجوه الخراج والمقاسمة.
وثانيا للراوي أخذ العطاء من بيت المال الغالب فيه اجتماع وجوههما فيه.
وفي دلالتها تأمل، لعدم معلومية ما يعطيه ابن أبي سمال للمعينين
له، فيجوز أن يكون من غير وجوههما، ونصيبه من بيت المال يمكن أن
يكون من غير جهة الخراج والمقاسمة.
وبالجملة: الاستدلال مع هذا النوع من الاجمال في غاية الاشكال.
والأخبار المجوزة للشراء (2) ما لم يظلم فيه أحدا من العامل بعد
السؤال عنه، من جهة ترك الاستفصال مما يشترى منه، فيفيد العموم لجميع
أمواله التي منها ما نحن فيه.
ولا يخفى ما فيه، فإنا ندعي أن ما نحن فيه ما علم أنه ظلم فيه، كما
هو مقتضى الأصل، مع أن باشتراط المالكية في المبيع يخرج جواز شراء
ذلك، لعدم كونه ملكا للعامل قطعا، فالتجويز إنما هو لجواز كونه من مال
العامل نفسه (3)، كما في سائر أموال الظلمة.

(1) التهذيب 6: 336 / 933، الوسائل 17: 214 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 6.
(2) الوسائل 17: 218 أبواب ما يكتسب به ب 52.
(3) في (ح): بعينه.
208

ومنه يعلم وهن الاستدلال بإطلاق المجوزات للشراء من الظلمة
وأخذ جوائزهم، مع أن المتبادر منها: أن السؤال والتجويز لما يعرض في
أموالهم من الشبهة والاختلاط.
ورواية الهاشمي: عن الرجل يتقبل خراج الرجال وجزية رؤوسهم
وخراج النخل والشجر والآجام (1) والمصائد والسمك والطير، وهو لا يدري
لعل هذا لا يكون أبدا أو يكون، أيشتريه وفي أي زمان يشتريه ويتقبل
منه؟ فقال: (إذا علمت أن من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره وتقبل
منه) (2)، وقريبة منها روايته الأخرى (3).
وموثقة سماعة: عن شراء الخيانة والسرقة، قال: (إذا عرفت أنه
كذلك فلا، إلا أن يكون شيئا يشتريه من العمال) (4)، وبمضمونها روايات
كثيرة (5).
وجه الدلالة: عموم المستثنى الشامل للمفروض، وإن خرج غيره
بالاجماع.
وفي دلالتهما نظر:
أما الأول، فلوروده في بيان حكم تقبل ما يدرك، وفي اعتبار إطلاق
مثل ذلك تأمل.

(1) الأجمة: الشجر الملتف، والجمع أجمات، والآجام جمع الجمع - مجمع
البحرين 6: 6.
(2) الفقيه 3: 141 / 621، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 2 ح 4.
(3) الكافي 5: 195 / 12، التهذيب 7: 124 / 544، الوسائل 17: 355 أبواب
عقد البيع ب 12 ح 4.
(4) الفقيه 3: 143 / 630، التهذيب 6: 337 / 934، الوسائل 17: 336 أبواب
عقد البيع ب 1 ح 1.
(5) الوسائل 17: 333 أبواب عقد البيع ب 1 ح 1 و 4 و 7 و 9 و 10.
209

وأما الثاني، فلعدم صدق الخيانة والسرقة على المفروض إلا بضرب
من التجوز، وإذا انفتح بابه فليس ذلك أولى من غيره.
المسألة التاسعة: لا يجوز بيع الأراضي المفتوحة عنوة - أي قهرا
وغلبة - ويقال لها: أرض الخراج أيضا، ولا وقفها، ولا صلحها، ولا هبتها.
ولا بد من ذكر نبذة من الأخبار الواردة فيها والمناسبة لها أولا، فهي
كثيرة جدا:
الأولى: صحيحة الحلبي: عن السواد ما منزلته؟ فقال: (هو لجميع
المسلمين لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الاسلام بعد اليوم، ولمن لم
يخلق بعد)، فقلنا: الشراء من الدهاقين؟ قال: (لا يصلح إلا أن يشتري
منهم على أن يجعلها للمسلمين، فإن شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها)،
قلنا: فإن أخذها منه؟ قال: (يرد إليه رأس ماله وله ما أكل من غلتها) (1).
الثانية: رواية الشامي: (لا تشتروا من أرض السواد شيئا إلا من كانت
له ذمة، فإنما هو في للمسلمين) (2).
الثالثة: رواية محمد بن شريح: عن شراء الأرض من أرض الخراج،
فكرهه، وقال: (إنما أرض الخراج للمسلمين)، فقالوا له: فإنه يشتريها
الرجل وعليه خراجها، فقال: (لا بأس، إلا أن يستحيي عن عيب ذلك) (3).

(1) التهذيب 7: 147 / 652، الإستبصار 3: 109 / 384، الوسائل 17: 369
أبواب عقد البيع ب 21 ح 4، بتفاوت.
والدهقان: رئيس القرية، ومقدم أصحاب الزراعة - مجمع البحرين 6: 250.
(2) الفقيه 3: 152 / 667، التهذيب 7: 147 / 653، الوسائل 17: 369 أبواب
عقد البيع ب 21 ح 5.
(3) التهذيب 7: 148 / 654، الإستبصار 3: 109 / 386، الوسائل 17: 370
أبواب عقد البيع ب 21 ح 9.
210

الرابعة: رواية أبي بردة: كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال (من
يبيع ذلك وهي أرض المسلمين؟) قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده،
قال: (ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟) ثم قال: (لا بأس أن يشتري حقه منها
ويحول حق المسلمين عليه، ولعله يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم منه) (1).
الخامسة: رواية صفوان والبزنطي: قالا: ذكرنا له الكوفة وما وضع
عليها من الخراج - إلى أن قال: - (وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله
بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بخيبر، قبل سوادها وبياضها) يعني:
أرضها ونخلها، إلى أن قال: (إن أهل مكة دخلها رسول الله صلى الله عليه وآله عنوة
وكانوا أسراء في يده فأعتقهم، فقال: اذهبوا أنتم الطلقاء) (2).
السادسة: صحيحة البزنطي، وفيها: (وما أخذ بالسيف فذلك إلى
الإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بخيبر، قبل أرضها
ونخلها) الحديث (3).
السابعة: مرسلة حماد الطويلة، وفيها: (والأرضون التي أخذت عنوة
بخيل ورجال فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها ويحييها ويقوم
عليها، على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحق النصف والثلث
والثلثين على قدر ما يكون لهم صلاحا ولا يضرهم، فإذا أخرج منها ما
أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا،
ونصف العشر مما سقي بالدوالي والنواضح) إلى أن قال: (ويؤخذ بعد ما

(1) التهذيب 4: 146 / 406، الإستبصار 3: 109 / 387، الوسائل 15: 155
أبواب جهاد العدو ب 71 ح 1.
(2) الكافي 3: 512 / 2، التهذيب 4: 118 / 341، الوسائل 15: 157 أبواب جهاد
العدو ب 72 ح 1.
(3) التهذيب 4: 119 / 342، الوسائل 15: 158 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 2.
211

بقي من العشر فيقسم بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمار الأرض
وأكرتها، فتدفع إليهم أنصباؤهم على قدر ما صالحهم عليه، ويؤخذ الباقي
فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين الله عز شأنه، وفي مصلحة ما ينوبه من
تقوية الاسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد، وغير ذلك مما فيه مصلحة
العامة، ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير) إلى أن قال: (والأنفال إلى
الوالي، وكل أرض فتحت أيام النبي صلى الله عليه وآله إلى آخر الأبد ما كان افتتاحا
بدعوة النبي صلى الله عليه وآله من أهل الجور وأهل العدل، لأن ذمة رسول الله صلى الله عليه وآله في
الأولين والآخرين ذمة واحدة) الحديث (1).
الثامنة: صحيحة محمد: عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: (إن أمير المؤمنين عليه السلام قد سار في أهل العراق
بسيرة فهي إمام لسائر الأرضين) (2).
التاسعة: صحيحة عمر بن يزيد، وفيها: (وكل ما في أيدي شيعتنا
من الأرض فهم فيه محللون، كل ذلك لهم حتى يقوم قائمنا، فيجبيهم
طسق ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم، وأما ما كان في أيدي
غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم) (3).

(1) الكافي 1: 539 / 4، التهذيب 4: 128 / 366، أورد شطرا منه في الوسائل
15: 110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2 وشطرا في ج 9: 266 أبواب المستحقين
للزكاة ب 28 ح 3، وفي الجميع بتفاوت.
(2) الفقيه 2: 29 / 104، التهذيب 4: 118 / 340، الوسائل 15: 153 أبواب جهاد
العدو ب 69 ح 2.
(3) الكافي 1: 408 / 3، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4
ح 12، بتفاوت. والطسق: الوظيفة من خراج الأرض - الصحاح 4: 1517، مجمع
البحرين 5: 206.
212

العاشرة: رواية يونس أو المعلى: ما لكم في هذه الأرض؟ فتبسم
- إلى أن قال: - (فما سقت أو استقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا) (1).
الحادية عشرة: رواية ابن المغيرة، وفيها: (وكل من والى آبائي فهم
في حل مما في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب) (2).
الثانية عشرة: رواية البرقي: (الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا،
إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك) (3).
الثالثة عشرة: رواية أبي حمزة: (إن الله جعل لنا أهل البيت سهاما
ثلاثة في جميع الفئ) إلى أن قال: (وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا
شيعتنا، والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمس فيضرب
على شئ منه إلا كان حراما على من يصيبه، فرجا كان أو مالا) (4).
الرابعة عشرة: مرسلة حماد: (يؤخذ الخمس من الغنائم فيجعل لمن
جعله الله ويقسم الأربعة أخماس بين من قاتل عليه) إلى أن قال: (وليس
لمن قاتل شئ من الأرضين ولا ما غلبوا عليه إلا ما احتوى عليه العسكر)
الحديث (5).
الخامسة عشرة: حسنة معاوية بن وهب: السرية يبعثها الإمام
فيصيبون غنائم، كيف يقسمون؟ قال: (إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام

(1) الكافي 1: 409 / 5، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 17.
(2) التهذيب 4: 143 / 399، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 4 ح 9.
(3) الفقيه 2: 24 / 90، التهذيب 4: 138 / 388، الإستبصار 2: 59 / 193، علل
الشرائع: 377 / 3، الوسائل 9: 456 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 7.
(4) الكافي 8: 285 / 431، الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 19.
(5) الكافي 1: 539 / 4، الوسائل 15: 110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2، بتفاوت.
213

عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول وقسم بينهم ثلاثة أخماس، وإن لم
يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام، يجعله حيث
أحب) (1).
السادسة عشرة: موثقة سماعة: عن الخمس، فقال: (في كل ما أفاد
الناس من قليل أو كثير) (2).
السابعة عشرة: مرسلة أحمد: (الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز
والمعادن والغوص والغنم الذي يقاتل عليه) الحديث (3).
الثامنة عشرة: مرسلة الوراق: (إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا
كانت الغنيمة كلها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام كان للإمام الخمس) (4).
التاسعة عشرة: رواية الهاشمي: عن رجل اشترى منهم أرضا من
أراضي الخراج، فبنى فيها أو لم يبن، غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها،
أله أن يأخذ منهم أجور البيوت إذا أدوا جزية رؤوسهم؟ قال: (يشارطهم،
فما أخذ بعد الشرط فهو حلال) (5).
العشرون: صحيحة زرارة: (رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام رجل مسلم
اشترى أرضا من أراضي الخراج، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: له ما لنا وعليه
ما علينا، مسلما كان أو كافرا، له ما لأهل الله وعليه ما عليهم) (6).

(1) الكافي 5: 43 / 1، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 1 ح 3.
(2) الكافي 1: 545 / 11، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.
(3) التهذيب 4: 126 / 364، الوسائل 9: 489 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 11.
(4) التهذيب 4: 135 / 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 1 ح 16.
(5) التهذيب 7: 149 / 663، الوسائل 17: 370 أبواب عقد البيع ب 21 ح 10.
(6) التهذيب 4: 147 / 411، الوسائل 15: 157 أبواب جهاد العدو ب 71 ح 6.
214

الحادية والعشرون: صحيحة ابن سنان: إن لي أرض خراج وقد
ضقت بها ذرعا، قال: فسكت هنيئة فقال: (إن قائمنا عليه السلام لو قد قام كان
نصيبك من الأرض أكثر منها) (1).
الثانية والعشرون: موثقة زرارة: (لا بأس بأن يشتري أرض أهل الذمة
إذا عمروها وأحيوها، فهي لهم) (2).
الثالثة والعشرون: حسنة زرارة: (من أحيى مواتا فهو له) (3).
الرابعة والعشرون: حسنة الفضلاء، وهي مثل سابقتها (4).
الخامسة والعشرون: رواية السكوني ومرسلة الفقيه: (من غرس
شجرا أو حفر واديا بدئا لم يسبقه إليه أحد أو أحيى أرضا ميتة فهي له،
قضاء من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله) (5). وبمضمونهما أخبار كثيرة أخرى (6).
السادسة والعشرون: رواية أبي بصير: (كل شئ قوتل عليه على
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فإن لنا خمسه) (7).
السابعة والعشرون: صحيحة الحلبي: (لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض
وأهلها من السلطان)، وعن مزارعة أهل الخراج بالربع والنصف والثلث، قال:

(1) التهذيب 7: 149 / 660، الوسائل 15: 159 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 3.
(2) الكافي 5: 282 / 2، الوسائل 17: 368 أبواب عقد البيع ب 21 ح 2.
(3) الكافي 5: 279 / 3، الوسائل 25: 412 أبواب احياء الموات ب 1 ح 6.
(4) الكافي 5: 279 / 4، التهذيب 7: 152 / 673، الإستبصار 3: 108 / 382،
الوسائل 25: 412 أبواب احياء الموات ب 1 ح 5.
(5) الكافي 5: 280 / 6، الفقيه 3: 151 / 665، التهذيب 7: 151 / 670،
الإستبصار 3: 107 / 379، المقنع: 132، الوسائل 25: 413 أبواب احياء
الموات ب 2 ح 1.
(6) الوسائل 25: 411 أبواب احياء الموات ب 1.
(7) المقنعة: 280، الوسائل 9: 542 أبواب الأنفال ب 3 ح 10.
215

(نعم، لا بأس به، قد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر أعطاها اليهود) الحديث (1).
الثامنة والعشرون: رواية عبد الله بن محمد: عن رجل استأجر من
السلطان من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى، ثم آجرها
وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر وله في
الأرض بعد ذلك فضل، أيصلح له ذلك؟ قال: (نعم، إذا حفر لهم نهرا أو
عمل لهم عملا يعينهم بذلك فله ذلك) الحديث (2).
ثم تحقيق الحال في تلك الأراضي يستدعي بيان فروع:
أ: لا خلاف في كون تلك الأراضي للمسلمين قاطبة، ونقل الوفاق
عليه متكرر (3)، والأخبار به مصرحة، كما في الأخبار الأربعة الأولى (4).
وهل كونها لهم بعنوان ملك الرقبة، أو لها نوع اختصاص لهم ولو من
جهة صرف منافعها في مصالحهم؟
صرح بعض أصحابنا بعدم تملك الرقبة (5)، وصريح بعض آخر
التملك (6)، وكلام الأكثر خال عن القيدين، بل قالوا: إنها لهم.
وفي كتاب إحياء الموات من الكفاية إن المراد بكونها للمسلمين أن
الإمام يأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالحهم على حسب ما يراه، لا أن من

(1) التهذيب 7: 201 / 888، الوسائل 19: 42 و 59 في أحكام المزارعة ب 8 ح 8
و ب 18 ح 3.
(2) الكافي 5: 272 / 2، التهذيب 7: 203 / 896، الإستبصار 3: 129 / 465،
الوسائل 19: 127 أبواب أحكام الإجارة ب 21 ح 3 و 4، بتفاوت يسير.
(3) كما في المنتهى 2: 934 والكفاية: 75 والرياض 1: 495.
(4) المتقدمة في ص: 210 و 211.
(5) كالعلامة في المنتهى 2: 936 والمحقق الأردبيلي في المجمع 7: 470.
(6) انظر الدروس 2: 41 وجامع المقاصد 3: 403.
216

شاء من المسلمين له التسلط عليها أو على بعضها بلا خلاف (1).
والتحقيق: أنه ليس في الأخبار ما يدل على الملكية، إذ غاية ما فيها
إما الإضافة ويكفي فيها أدنى الملابسة، أو اللام، وكونها حقيقة في الملكية
خاصة غير ثابتة، بل أحد معانيها: الاختصاص والاستحقاق، فيحتمل
اختصاص الارتفاع واستحقاقه، ولذا ذكر في الخامسة (2) أنها للإمام مع أنه
ليس له إلا اختصاص إقبالها واستحقاقها، كما صرح به في سائر الأخبار.
مع أن الملكية لا يمكن أن تكون لغير المعين، إذ لا معنى لها.
ولا لطائفة معينة من المسلمين، لأنها خلاف الاجماع والأخبار، بل
في الأولى: أنها (لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الاسلام
بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد) (3).
ولا لجميعهم إلى يوم القيامة، إذ لو كان كذلك لكان ارتفاعها مشتركا
بين الجميع، كما هو مقتضى الملكية.
فإن قيل: يجري مثل ذلك في نوع الاختصاص الذي أنت تقول به أيضا.
قلنا: نوع الاختصاص الثابت هو وجوب صرف منافعها في مصالحهم
لا مصالح الجميع أو مصالح كل واحد، بل مصالح المسلم من حيث
الاسلام في الجملة واحدا كان أو أكثر، والتعميم لأجل بيان استواء الجميع
وعدم اختصاص طائفة كاختصاص الأصناف الثمانية بالصدقات، ولا يجري
مثل ذلك في الملكية.
فإن قيل: يلزم بقاء رقبتها بلا مالك.

(1) الكفاية: 239.
(2) المتقدمة في ص: 211.
(3) تقدمت في ص: 210.
217

قلنا: لا محذور فيه، كما في الزكاة قبل تسليمها إلى مستحقها، وهو
أحد محتملات قوله: (موقوفة) في السابعة (1)، أي عن الملكية، مع أنه
يمكن أن يكون ملكا لله سبحانه، كما في الأعيان الموقوفة على رأي (2)،
ومقتضى قوله سبحانه: (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده) (3)،
بل يمكن أن تكون رقبتها وملكيتها للإمام أيضا، بل هو مقتضى الأصل
الثابت بالعمومات المصرحة بأن الأرض كلها للإمام (4).
وبالجملة: إن قلنا بإفادة اللام للملكية يحصل التعارض بين الخامسة
وبعض ما تقدم عليها، ويجب الرجوع إلى الأصل المذكور.
ولو لم نقل بإفادتها لها لا تثبت الملكية من هذه الأخبار، ويرجع إلى
الأصل، إذ ليست هي أملاكا لعمارها قطعا، لخروجها عن ملكية أربابها
بالاجماع، فتدخل تحت العمومات.
فلو قلنا: بأن ملكيتها للإمام، كان أظهر في الفتوى وأوفق بالأدلة وإن
تعين صرف منافعها إلى مصالح خاصة من مصالح رعاياه، كما في الموقوف
على القول بملكية الله سبحانه، فتصرف منافعه في مصالح عباده.
ب: ما ذكر إنما هو حكم نفس تلك الأراضي، وأما منافعها
وارتفاعها فهي للمسلمين، بمعنى: أنها تصرف في المصالح العامة بلا
خلاف، بل بالاجماع، وهو الدليل عليه، مضافا إلى صريح الرواية السابعة،
بل سائر الروايات المتضمنة لأنها للمسلمين.
ج: ما ذكر إنما هو حكم غير الخمس من ارتفاع تلك الأراضي.

(1) المتقدمة في ص: 211 و 212.
(2) قال به العلامة في التحرير 1: 269.
(3) الأعراف: 128.
(4) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 1 و 2.
218

وأما خمسها فهل هو أيضا للمسلمين، أو هو لأهله فيجب إخراجه
لهم؟ بل وكذلك الكلام في نفس الأراضي لو لم نقل بأن الجميع ملك للإمام.
ظاهر الأكثر هو: الثاني، وهو صريح الحلي وخمس الشرائع والفاضل
في المنتهى والمحقق الأردبيلي (1)، وعن المبسوط: أنه مقتضى المذهب (2)،
وقيل: هو الظاهر من جميع الأصحاب (3).
وهو الحق، للرواية الثالثة عشرة، والخمس المتعقبة لها (4)، والسادسة
والعشرين (5)، وهي وإن كانت معارضة مع عمومات الأخبار المصرحة بأنها
لجميع المسلمين (6) بالعموم من وجه، إلا أن الترجيح لأخبار الخمس،
لموافقة الكتاب ومخالفة العامة.
د: لا إشكال فيما ذكر من الأحكام إذا كان القتال والاستغنام بإذن
الإمام الحق.
وأما إذا لم يكن كذلك فهل هو أيضا كذلك، أم يكون الأرض من
الأنفال ورقبتها (7) ومنافعها للإمام؟
صرح فخر المحققين ووالده العلامة - على ما نقل عنهما علي بن
عبد الحميد الحسني في شرح النافع - بالثاني، وذكره الشيخ في المبسوط أيضا (8).

(1) الحلي في السرائر 1: 477، الشرائع 1: 181، المنتهى 1: 544، مجمع
الفائدة 7: 471.
(2) المبسوط 2: 34.
(3) الحدائق 12: 360.
(4) راجع ص: 213.
(5) المتقدمة في ص: 215.
(6) الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال ب 4.
(7) نسخة في ح: ورفعتها.
(8) المبسوط 2: 34.
219

والحق أن الأصل فيما فتح بغير إذن الإمام وإن كان كونه من الأنفال
- كما دلت عليه الرواية الثامنة عشرة (1) - إلا أن حكم الأراضي المفتوحة بعد
زمان رسول الله صلى الله عليه وآله بأجمعها حكم المفتوحة عنوة بإذن الإمام..
بمعنى: أن الإمام - الذي هو مالك الأنفال - أجرى عليها حكمها، كما
تدل عليه الرواية الثامنة (2) بضميمة الأولى والثانية (3).
ولا تعارض بينها وبين الثامنة عشرة، لأن مدلول الثامنة عشرة: أن ما
اغتنم بغير إذن الإمام كله للإمام، ومدلول هذه: أن الإمام سار في الأراضي
التي فتحت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله سيرة المفتوحة عنوة.
مع أنه لو قلنا بالتعارض كانت هذه بملاحظة أصالة عدم الإذن أخص
مطلقا من الثامنة عشرة، فتخصصها قطعا.
وبما ذكرنا ظهر وجه ما قاله الأكثر من كون أرض السواد مفتوحة
عنوة (4) - أي أنها بحكمها - ويريدون ذلك المعنى.
وأما الحكم بكونها مفتوحة بإذن الإمام فليس هو مراد الأكثر وإن ذكره
بعضهم نظرا إلى ما نقل من أن الحسنين عليهما السلام كانا مع العسكر، وأن عمار
ابن ياسر كان أميرا، مؤيدا بقبول سلمان تولية المدائن، ومشاورة عمر
للصحابة خصوصا أمير المؤمنين عليه السلام في الأكثر سيما الحروب (5).
وفي ثبوت جميع ما ذكر ثم ثبوت إذن الإمام في الجميع نظر ظاهر.

(1) المتقدمة في ص: 214.
(2) المتقدمة في ص: 212.
(3) راجع ص: 210.
(4) منهم الشيخ في الخلاف 2: 68، العلامة في المنتهى 2: 937، السبزواري في
الكفاية: 79.
(5) انظر الحدائق 18: 308.
220

ه‍: ما ذكرنا من حكم المفتوحة عنوة إنما هو إذا كانت محياة وقت
الفتح.
وأما الموات منها حينئذ فقالوا: إنها مال الإمام خاصة، وحكمها حكم
سائر الموات، لا يجوز التصرف فيها بدون إذن الإمام مع حضوره، ومع
عدمه فيملكها من أحياها (1).
وقيل: إن الظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في ذلك (2)، وفي
الكفاية: بلا خلاف (3).
أقول: لو ثبت الاجماع على جميع ما ذكروه فهو، وإلا ففي ثبوت
كونها من الأنفال نظر، من جهة التعارض بين الأخبار (4) الدالة على أن منافع
جميع الأراضي الميتة للإمام بالعموم من وجه وعدم المرجح.
نعم، لا إشكال في ثبوت حكم الأخير - أي ثبوت التملك لمن
أحياها - للرواية الثانية والعشرين والثلاث المتعقبة لها (5) وما بمضمونها.
ولا يتوهم معارضتها مع الأخبار الدالة على أن الأراضي المفتوحة
عنوة للمسلمين (6)، إذ لا كلام لنا حينئذ في كونها لهم أولا وإن كانت مواتا
قبل الفتح.
بل الكلام في أن الموات منها هل خرجت عن كونها كذلك بالاحياء
ودخلت في ملكية المحيي، أم لا؟

(1) انظر المبسوط 3: 278، الشرائع 1: 322، المسالك 1: 155.
(2) انظر الرياض 2: 318.
(3) الكفاية: 239.
(4) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال ب 1.
(5) المتقدمة في ص: 215.
(6) الوسائل 25: 435 أبواب احياء الموات ب 18.
221

مقتضى أخبار إحياء الموات (1) الخروج والدخول، وأما عدمهما
فليس إلا مقتضى الاستصحاب وأصل العدم، ولا عمل عليهما مع دلالة
عموم الأخبار المتكثرة على خلافهما.
و: المعروف من مذهب الأصحاب والمدلول عليه بالأخبار
- كالخامسة والسادسة والسابعة والثامنة وغيرها (2) - والثابت من سيرة أمير
المؤمنين عليه السلام فيما فتحت بعد الرسول صلى الله عليه وآله: أن تولية هذه الأراضي والنظر
فيها إلى الإمام، يصنع فيها ما يراه من تقبيلها ممن يريد كيف يريد.
وظاهر ذلك - بل صريح قوله: (وذلك للإمام) أو: (إليه)، ومقتضى
أصالة عدم جواز التصرف في ملك الغير بدون إذنه، على ما ذكرنا من
ملكية هذه الأراضي لله سبحانه أو للإمام - عدم جواز التصرف لأحد فيها إلا
بإذنه.
وهو كذلك مع ظهوره واستقلاله.
وأما بدونهما فقد وقع الخلاف في من له التصرف فيها:
فظاهر الشيخ في التهذيب: جواز التصرف فيها وإباحته لكل أحد من
الشيعة، قال: وأما أراضي الخراج وأراضي الأنفال والتي قد انجلى أهلها
منها فإنا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الإمام مستترا (3). انتهى.
وهو الظاهر من الكفاية، حيث قال - بعد نقل كلام عن بعضهم دال على
أن المتولي هو السلطان الجائر -: ويحتمل جواز التصرف مطلقا (4). انتهى.

(1) الوسائل 25: 411 أبواب احياء الموات ب 1.
(2) راجع ص: 214.
(3) التهذيب 4: 144.
(4) الكفاية: 77.
222

وقيل: لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن السلطان الجائر ولو أمكن
التصرف فيها بدون إذنه (1)، بل نقل بعضهم على ما في الكفاية اتفاق
الأصحاب عليه (2).
وقال في المسالك في حكم هذه الأرضين في زمان الغيبة: وهل
يتوقف التصرف في هذا القسم منها على إذن الحاكم الشرعي إن كان متمكنا
من صرفها في وجهها، بناء على كونه نائبا عن المستحق عليه السلام مفوضا إليه ما
هو أعظم من ذلك؟
الظاهر ذلك، وحينئذ فيجب عليه صرف حاصلها في مصالح
المسلمين، ومع عدم التمكن أمرها إلى الجائر.
وأما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل أحد من المسلمين فبعيد
جدا، بل لم أقف على قائل به، لأن المسلمين بين قائل بأولوية الجائر
وتوقف التصرف على إذنه، وبين مفوض الأمر إلى الإمام العادل، فمع غيبته
يرجع الأمر إلى نائبه، فالتصرف بدونهما لا دليل عليه.
وليس هذا من باب الأنفال التي أذنوا عليهم السلام لشيعتهم في التصرف فيها
في حال الغيبة، لأن ذلك حقهم، فلهم الإذن فيه مطلقا.
بخلاف المفتوحة عنوة، فإنها للمسلمين قاطبة، ولم ينقل عنهم الإذن
في هذا النوع (3). انتهى.
وخلاصته: أن النظر في هذه الأراضي في زمان الغيبة للنائب العام،
ومع عدم تمكنه للجائر، دون غيرهما.

(1) لعل المراد منه ما في الرياض 1: 496.
(2) الكفاية: 79.
(3) المسالك 1: 155.
223

أقول: قوله: وأما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل أحد من
المسلمين، إلى آخره، إن أراد منهم الشيعة وغيرهم فهو كذلك، وإن أراد
الشيعة خاصة فقد عرفت أنه الظاهر من كلام التهذيب، وتشعر به كلمات
بعض آخر أيضا (1)، فالقول به متحقق ظاهرا.
والظاهر أنه الأقرب، أي يكون لكل واحد من الشيعة التصرف في
هذه الأراضي والنظر فيها وتقبيلها وإجارتها في زمان عدم تسلط الإمام.
والدليل عليه: عموم الرواية التاسعة (2)، حيث تدل على أن الشيعة
محللون في ذلك التصرف.
والعاشرة (3)، حيث تدل على أن ما كان لهم فهو ثابت لشيعتهم،
والتصرف في تلك الأراضي كان لهم.
والحادية عشرة (4)، فإن التصرف في تلك الأراضي وتقبيلها حق
للإمام، فيكون حلالا للشيعة.
والثانية عشرة (5)، فإن تقبيل الناس لتلك الأراضي أيضا مظالم للأئمة،
فيكون حلالا للشيعة.
ومن ذلك يظهر فساد ما تقدم من المسالك من أن هذا ليس من باب
الأنفال، فإن ذلك حقهم، فلهم الإذن فيه، إلى آخره.. فإن ما للمسلمين هو
منافع هذه الأرضين أو مع رقبتها، وأما التصرف والتقبيل فحق للإمام،

(1) كصاحب الحدائق 18: 301، ويشعر بذلك أيضا كلام صاحب كشف الغطاء:
359.
(2) المتقدمة في ص: 212.
(3) المتقدمة في ص: 213.
(4) المتقدمة في ص: 213.
(5) المتقدمة في ص: 213.
224

فيكون له الإذن فيه للشيعة.
وكذا يظهر فساد ما ذكره من عدم نقل الإذن.. فإنه وإن لم ينقل في
خصوص تلك الأراضي، ولكن يثبت بالعمومات ما ثبت بالخصوص ما لم
يكن له معارض، كما في المسألة.
وظهر مما ذكرنا عدم توقف جواز التصرف والتقبيل لآحاد الشيعة
على إذن النائب العام أو السلطان الجائر.
وهل يجوز التقبيل من السلطان الجائر - أي المخالف - أم لا؟
ظاهر الأكثر ذلك (1).
وقيل: الثابت من الأدلة والأخبار الواردة في هذه المسألة ومسألة
الخراج والمقاسمة هو حلية أخذها من الجائر بالبيع والشراء والحوالة
وغيرها، وحلية التصرف في تلك الأراضي بإذنهم وأمرهم وتقبيلهم إذا كانوا
متسلطين عليها بحيث لا يمكن الاستنقاذ من أيديهم والتخلص من أذيتهم
وضررهم.
وأما لو أمكن التصرف في الأراضي الخراجية بدون مظنة ضرر من
قبلهم، وأمكن التصرف في المقاسمة والخراج كذلك، فلم يظهر وجوب
استئذانهم، بل ولا جوازه أيضا من الأدلة. انتهى.
والمستفاد منه جواز التصرف بإذن الجائر مع عدم إمكانه بدونه،
والتردد في الجواز به مع الامكان بدونه.
وقال صاحب الكفاية - بعد نقل القول باشتراط إذن الجائر -: وقد
نازع فيه بعض المتأخرين من الأصحاب، وقال: لا دليل عليه من الكتاب

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 169 وصاحب الرياض 1: 507.
225

ولا من السنة، بل قد يستنبط منهما خلافه، إذ هذا معاونة على الإثم ومعونة
للظالم، وقول بأن له ولاية وعهدا من الله عز وجل، إذ من لا سلطنة له من
الله ورسوله في أمر جاز خلافه في ذلك الأمر، والكتاب والسنة قاطعتان
بالنهي عن هذه الأمور.
وأيضا لو كان الأمر على ما ذكر لم يكن على الجابي والعامل
وأمثالهما من الجور شئ، نظرا إلى أن أخذهم وجمعهم إنما هو لما يحرم
على المأخوذ منه منعه، وهو نوع بر وإحسان بالنسبة إلى المأخوذ منه،
ومعاونة على إبراء ذمته من الواجب.
وهذا - مع كونه فتح باب لإقامة الباطل وخمول الحق المنفيين عقلا
ونقلا - مردود بخصوص ما رواه الشيخ، ونقل روايات دالة على المنع من
الدخول في أعمالهم.
قال: وفيه نظر، لأن كون ذلك إثما إنما يكون على تقدير كون أخذ
الجائر حراما مطلقا بأي غرض كان، وهو ممنوع، وقد مرت الإشارة إليه،
وتقوية الظالم إنما يسلم تحريمه في الظلم، وفي مطلقه إشكال (1). انتهى.
أقول: لا ينبغي الريب في كون تصرف الجائر المخالف وتقبيله لتلك
الأراضي محرما منهيا عنه، كيف؟! وقد صرح في الرواية التاسعة (2) بكون
تصرف غير الشيعة فيها حراما، وخصص في غير واحد من الأخبار (3)
تحليل الحق بالشيعة، وكيف لا يكون حراما؟! وهو تتمة غصب منصب
الولاية، وهذا الجائر هو الغاصب وهو المانع عن استقلال الإمام في زمان

(1) الكفاية: 80.
(2) المتقدمة في ص: 212.
(3) انظر الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال ب 4.
226

الحضور.
وقوله: وقد مرت الإشارة إليه، إشارة إلى ما ذكره عند بيان حكم
الخراج من عدم ثبوت حرمة تصرف الجائر إذا كان غرضه جمع حقوق
المسلمين.
ولا يخفى أن بعد ثبوت كون الجمع والتقبيل وظيفة شخص معين
وحقه يكون عمله حراما، سيما إذا كان مانعا لولي الأمر [من] (1) التصرف،
مع أن العلم بغرضه ذلك والوفاء به - مع ما هو عليه من الفسق الظاهر،
وصرف أموال المسلمين في غير مصارفها - غير ممكن الحصول.
فإن قلت: قد ورد في بعض الأخبار جواز التقبيل من السلطان
الجائر، كما مر في الرواية الحادية والعشرين والسابعة والعشرين والثامنة
والعشرين (2)، وعلى هذا فلا يكون تقبيل السلطان الجائر حراما، أو يكون
هذا النوع من الإعانة على الحرام مستثنى.
قلنا: على الأول: تكون تلك الأخبار معارضة مع ما يدل على حرمة
تصرف المخالف في تلك الأراضي كما مر.
وعلى الثاني: مع الأخبار الناهية عن المعاونة على الإثم والدخول في
أعمال الظلمة (3).
وتعارضها مع الفريقين بالعموم من وجه، لكون السلطان في تلك
الأخبار أعم من الحق وغيره، كما يصرح به الاستشهاد بتقبيل رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) في (ق): مع، وفي (ح): منع، والظاهر ما أثبتناه.
(2) المتقدمة في ص: 215 و 216.
(3) الوسائل 16: 55 أبواب جهاد النفس ب 80 و ج 17: 177 أبواب ما يكتسب به
ب 42.
227

في السابعة والعشرين، وكون الأرض فيها أيضا أعم من الخراجية وغيرها،
واحتمال كون تصرف الراوي في الحادية والعشرين من غير إذن السلطان
أيضا، والترجيح للمعارض، للمخالفة لمذهب العامة والموافقة للكتاب، مع
أنه لولا الترجيح على الأول كانت قضية الأصل أيضا الحرمة.
هذا، مضافا إلى أنه لا دلالة للحادية والعشرين أصلا كما لا يخفى.
والمقصود من السابعة والعشرين بيان حكم أصل قبالة الأرض،
حيث إنها كانت مما يشكك فيها، والبأس ينفى عن ذلك لا عن قبالة
السلطان، بل يمكن أن تكون الأرض من أملاك السلطان دون الأراضي
الخراجية.
وفي الثامنة والعشرين عن استئجار أرض مستأجر بفضل، ولذا
أجاب فيها بما أجاب.
فلا يدلان على حكم التقبيل من السلطان أصلا.
وقد يستدل أيضا على الجواز بأخبار أخر، كروايتي الهاشمي،
إحداهما: في الرجل يتقبل بجزية رؤوس الرجال (1) وخراج النخل والآجام
والطير، وهو لا يدري لعله لا يكون من هذا شئ أبدا أو يكون، قال: (إذا
علم من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك فاشتره وتقبل به) (2)، وقريبة منها
الأخرى (3).
ولا يخفى ما فيه، فإنه ليس السؤال فيها عن حكم تقبيل الخراج، سيما

(1) في (ق) و (ح): الجبال، وما أثبتناه من المصادر.
(2) الكافي 5: 195 / 12، التهذيب 7: 124 / 544، الوسائل 17: 355 أبواب
عقد البيع ب 12 ح 4 بتفاوت.
(3) الفقيه 3: 141 / 621، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 12 ح 4.
228

عن الجائر من حيث هو، بل نفي البأس عن تقبله قبل أن يدرك، ولا عموم في
أصل الخراج.. وترك الاستفصال يفيد لو كان السؤال عن حكم نفس الخراج.
وصحيحة ابن سرحان: في الرجل تكون له الأرض عليها خراج
معلوم، وربما زاد وربما نقص، فيدفعها إلى رجل على أن يكفيه خراجها
ويعطيه مائتي درهم في السنة، قال: (لا بأس) (1).
وفيه: أن السؤال فيها ليس عن التقبيل، بل عن حكم فضل ما تقبل،
وأيضا الكلام في التقبل من السلطان، لا في أن يكون لأحد أرض خراج
يتصرف فيها فيأخذ السلطان منه خراجا ظلما، ولا يقول إنه يجب حينئذ
ترك تلك الأرض.
والحاصل: أنه لا يثبت منها أزيد من نفي البأس عن أداء الخراج، لا
عن التقبل من السلطان.
ومنه يظهر عدم دلالة ما بمضمونها، كروايتي يعقوب بن شعيب (2)،
ورواية أبي بردة (3)، وموثقة سماعة (4)، ورواية إبراهيم بن ميمون (5).

(1) الكافي 5: 265 / 5، الفقيه 3: 154 / 678، التهذيب 7: 196 / 868، الوسائل
19: 57 أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب 17 ح 1، بتفاوت يسير.
(2) الأولى في: الكافي 5: 268 / 2، التهذيب 7: 198 / 876، الوسائل 19: 45
أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب 10 ح 2.
الثانية في: التهذيب 7: 201 / 886، الوسائل 19: 59 أبواب أحكام المزارعة
والمساقاة ب 18 ح 2.
(3) التهذيب 7: 209 / 918، الوسائل 19: 58 أبواب أحكام المزارعة والمساقاة
ب 17 ح 3.
(4) الكافي 5: 269 / 4، الفقيه 3: 155 / 679، التهذيب 7: 199 / 880، الوسائل
19: 59 أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ب 18 ح 1.
(5) الكافي 5: 270 / 5، التهذيب 7: 199 / 878، الوسائل 19: 57 أبواب أحكام
المزارعة والمساقاة ب 17 ح 2.
229

وكرواية أخرى للهاشمي: عن رجل استأجر من السلطان من أرض
الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى، ثم آجرها وشرط لمن يزرعها أن
يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر، وله في الأرض بعد ذلك فضل،
أيصلح له ذلك؟ قال: (نعم، إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم
بذلك فله ذلك) (1).
وفيه - مضافا إلى ما مر - أنا لا ننكر أنه إذا ارتكب المحرم وتقبل
فيكون تصرفه وإجارته بعد ذلك حلالا، إنما الكلام في أصل التقبل، كمن
دخل دار قوم بغير إذنهم وأخذ مال نفسه منها، إلى غير ذلك.
وبعد الإحاطة بما ذكرنا تقدر على رد سائر ما أورد في هذا المقام من
الأخبار.
ثم إن مقتضى ما ذكر عدم جواز التقبل من السلطان المخالف، سواء
في ذلك إمكان التصرف بدون إذنه وعدمه، إلا أنه يمكن أن يمنع كون
التقبيل منه لأجل الحاجة أو استيفاء الحق أو نحو ذلك إعانة على الإثم أو
على الظلم أو دخولا في أعمال الظلمة، فإن للقصد مدخلية في تحقق
الإعانة، كما بينا في موضعه.
وعلى هذا فيمكن أن يقال: بأن الثابت من الأدلة وإن كان حرمة تقبيل
الجائر، ولكن الأصل - بضميمة ما مر من جواز تصرف آحاد الشيعة فيها -
يقتضي جواز تقبيل الشيعة منه، إذ لا دليل على حرمته إلا كونه معاونة على
الإثم أو للظالم أو دخولا في عمله، والكل ممنوع، فيجوز لهم التقبيل منه.
ويدل عليه تقريرهم عليهم السلام جماعة من الشيعة على ذلك. فعليه الفتوى.

(1) الكافي 5: 272 / 2، التهذيب 7: 203 / 896، الإستبصار 3: 129 / 465،
الوسائل 19: 127 أبواب أحكام الإجارة ب 21 ح 3 و 4.
230

وظهر أيضا جواز التقبيل من سلاطين الشيعة إذا كان شيئا من تلك
الأراضي في أيديهم وجاز لهم التصرف فيها، بأن لم يكونوا أخرجوها من
يد شيعة أخرى قهرا، حيث إن المتصرف أولى من غيره، بل معه أيضا،
لأن غايته حرمة الاخراج لا حرمة التصرف بعده، وهؤلاء السلاطين لكونهم
من الشيعة يكونون محللين مما في أيديهم.
ز: ما ذكر كان حكم تقبيل نفس الأرض.. وأما طسقها (1)، فقضية
الأصل الثابت من بعض الأخبار المتقدمة وجوب صرفه إلى مصالح
المسلمين، ولا مخرج عنها، بل هو مقتضى اختصاصها بالمسلمين،
وتحليل الإمام كان مختصا بحقوقهم وما كان لهم، لا لحقوق المسلمين،
ولم يثبت تحليل الجميع، فعلى كل متصرف - ولو من آحاد الشيعة - صرفه
فيها، ولا شك أنه لا يجب في صرفه فيها إذن السلطان الجائر، لعدم دليل
عليه، إلا إذا لم يمكن دونه واتقى من تركه.
وهل يتوقف على إذن النائب العام؟
الأحوط ذلك، وإن كان الحكم بالوجوب محل النظر.
ولو تقبله من سلطان الشيعة فلا شك في وجوب دفع الزائد من
الطسق إليه، لأنه حقه، وأما الطسق فالظاهر أنه كذلك، إلا إذا علم عدم
صرفه إياه في مصارفه.
ح: اختلفوا في جواز بيع الأراضي المفتوحة عنوة، فمنهم من منع
منه مطلقا (2)، ومنهم من جوزه في زمان الغيبة كذلك (3)، ومنهم من فصل

(1) الطسق: الوظيفة من خراج الأرض - الصحاح 4: 1517.
(2) كالشيخ في النهاية: 195، المبسوط 2: 34، المحقق في الشرائع 1: 322،
العلامة في التذكرة 1: 427.
(3) كالشهيد في الدروس 2: 41 والمحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 403.
231

نوعا من التفصيل (1).
والحق: أنه لا يجوز بيع نفس رقبتها ولا نقلها بعقد آخر، ويجوز بيع
الآثار المملوكة الكائنة فيها، من شجر أو بناء أو نحوهما، وبتبعيتها يملك
المشتري حق التصرف فيها إذا بيعت الآثار كائنة فيها وكان مقصودهما بقاء
الآثار فيها، بمعنى: أنه إذا بيعت تلك الآثار يحق للمشتري التصرف في
نفس الأرض أيضا تبعا لها.. وكذا يصح صلح حق التصرف - أي أولويته -
وإن لم تكن فيها آثار.
أما عدم جواز بيع نفس الرقبة أو نقلها بعقد آخر فلعدم كونها ملكا
لأحد بخصوصه حتى يصح نقلها كما عرفت، مع أنه لو قلنا بكونها ملكا
للمسلمين فهي تكون ملكا لجميعهم من الموجودين وغيرهم، كما صرح
به في الرواية الأولى (2)، ويكون كل جزء مشتركا بين الجميع، ولا يعلم قدر
حصة أحد، فكيف يصح بيع أرض معينة أو نقلها كما هو المطلوب؟!
ويدل عليه أيضا نفي صلاحية شرائها في الرواية الأولى، وأما ما
استثناه فهو ليس شراء حقيقيا قطعا - أي تملك رقبتها - وإلا لم يجز لولي
الأمر أخذها منه، ولم يجب عليه جعلها للمسلمين، فهما قرينتان على عدم
إرادة الشراء الحقيقي من المستثنى، فالمراد منه: إما صورة الشراء لاخراجها
من أيدي الدهاقين، أو شراء حق التصرف مجازا، إذ لا يتعين معناه
المجازي، فيكون مجملا غير مفيد.
ويدل عليه إنكاره جواز بيعها في الرواية الرابعة (3). ونفي البأس فيها

(1) كالحلي في السرائر 1: 478، الشهيد الثاني في المسالك 1: 155.
(2) المتقدمة في ص 210.
(3) المتقدمة في ص: 211.
232

عن شراء حقه منها غير مفيد لتجويز اشتراء نفس الرقبة، لتوقفه على ثبوت
الحق فيها، وهو غير ثابت، بل المراد جواز شراء الآثار أو بيع حق التصرف
وأولويته مجازا.
بل تدل عليه أيضا الرواية الثانية الناهية عن اشتراء أرض السواد (1).
وأما جواز بيع الآثار فظاهر.
وأما انتقال أولوية حق التصرف بنقل الآثار مع قصد ثبوت الآثار
وبقائها فلأن أولوية التصرف حق مملوك للبائع يجوز له نقله إلى غيره بما
يتحقق به النقل ويصلح له، وبيع الآثار بقصد البقاء متضمن لاشتراط
تصرف المشتري - من حيث كونها محلا لما اشتراه من الآثار - فيها،
والشرط الذي يتضمنه عقد لازم لازم.
وأما جواز صلح هذه الأولوية فلعمومات الصلح المذكورة في مظانها.
واستدل من جوز بيعها مطلقا بأخبار لا دلالة لأكثرها على كونها واردة
في خصوص أرض الخراج أو ما يعمها، وما كان له دلالة عليه فيعارض ما
تقدم من الروايات، وحينئذ فإما يتساقطان ويرجع إلى الأصل - الذي هو
عدم جواز الشراء لعدم ثبوت الملكية - أو يحمل الشراء فيه على ما تشهد
له الروايتان من المعنى المجازي أو شراء الحق.
ط: لا بد في ثبوت كون أرض مفتوحة عنوة من العلم الحاصل من
التواتر أو الخبر المحفوف بالقرينة أو نحوهما، أو الظن الثابت حجيته شرعا
من حديث أو شهادة العدلين أو إقرار ذي اليد.
وأما مطلق الظن - كالظن الحاصل من قول أرباب السير والتواريخ، أو

(1) راجع ص: 210.
233

من شهرة مفيدة للظن - فلا، لعدم ثبوت حجيته، والأصل عدم ثبوت
أحكام المفتوحة عنوة لها.
وعلى هذا فنقول: كل أرض شك في كونها من الأراضي المفتوحة
عنوة إما تكون عليها يد مسلم أو مسالم، أو لا..
فعلى الأول: إما يقر بكونها مفتوحة عنوة ويعمل فيها معاملتها، أو
لا..
فعلى الأول: يحكم بما يقر به.
وعلى الثاني: فإما لا يدعي ملكية نفسه لها ويقول بعدم كونها ملكا له
وإن لم يعين حالها، فيكون مجهول المالك ويلزمها حكمه.
أو يدعي الملكية، لا بمعنى أنه يدعي العلم بعدم كونها مفتوحة
عنوة، بل بمعنى أنه يدعي عدم العلم بحقيقتها ويقول: إني لا أعلم الحقيقة
ويدي عليها يد التملك كاليد في سائر المملوكات، فيحكم بملكيتها له،
لأن الأصل الثابت من الأدلة في اليد الملكية.
وإن لم تكن عليها يد مسلم أو من في حكمه يلزمها حكم مجهول
المالك عندنا.
ثم ما ذكرنا أعم من أن تكون الأرض في بلدة لم يعلم كونها مفتوحة
عنوة، أو علم كون أصل البلدة أولا كذلك ولكن لم يعلم خصوص تلك
الأرض، وذلك لأن كون بلدة مفتوحة عنوة لا يوجب كون كل أرض فيها
كذلك، لاحتمال كون هذه الأرض مواتا حين الفتح فتملكها أحد بالاحياء.
والأصل وإن كان عدم التغيير - أي كون العامرة وقت الفتح باقية على
كونها معمورة، والميتة على كونها ميتة، ويلزمها كون تلك الأرض عامرة
وقت الفتح - ولكن تعارض هذا الأصل أصالة تأخر الحادث، الذي هو
234

إحياء تلك الأرض، فيتساقطان ويبقى أصل اليد خاليا عن المعارض، وهذا
جار في جميع أراضي تلك البلدة.
وكون أصل البلدة مفتوحا عنوة لا يثبت الحكم في شئ من هذه
الأراضي، لأن البلدة اسم للقدر المشترك بين ما يصدق على هذا الموجود
بأجمعه وبعضه وعلى ما يقرب منه، فيمكن أن يكون العامر وقت هذا
الفتح من الموات حينئذ، والعامر حينئذ من الموات قبل الفتح، وأصالة
تأخر الحادث ترجح ذلك.
نعم، لو علم قطعا وجود العامر وقت الفتح في تلك الأراضي ولم
يعلم التعيين لم يجز شراء الجميع وبيعه، وإن جاز في كل قطعة قطعة، كما
في الأرض التي علم نجاسة موضع منها.
ثم إن منهم من اعتبر مطلق الظن، قال في الكفاية - بعد نقل الأخبار
الدالة على كون أرض السواد مفتوحة عنوة -: فإن علم كون بلد آخر كذلك
فذاك، وما لم يعلم فيه ذلك وكان مشتبها فالظاهر أن يعمل بالظن فيه.
بيان ذلك: أنا نعلم أن بعض البلاد كان مفتوحا عنوة وبعضها صلحا،
وما كان صلحا اشتبه أمره في أن الصلح وقع على أن تكون الأرض لهم، أو
على أن تكون الأرض للمسلمين فيكون حكمه حكم المفتوحة عنوة، فهذا
البلد المشتبه إما يكون على سبيل الأول أو الثالث فيكون للمسلمين وعليه
الخراج، أو على سبيل الثاني فلم يكن عليه خراج.
فإما أن يجري عليه خصوص حكم بلا أمر دال عليه أو أمارة ظنية
ففيه ترجيح حكم بلا مرجح، أو يرجع فيه إلى الظن، وإذا بطل الأول تعين
الثاني.
وأيضا إذا كان المظنون فيه أمرا كان خلافه مرجوحا، فإما أن يعمل
235

فيه بالراجح، أو بالمرجوح، أو لا يعمل فيه بشئ منهما، لا وجه للثالث
وهو ظاهر، ولا للعمل بالمرجوح، فتعين الأول (1). انتهى كلامه طاب ثراه.
أقول: قوله: فهذا البلد المشتبه، إلى آخره. فيه احتمالات أخر:
أحدها: أن تكون أرض من أسلم أهله طوعا.
وثانيها: أن تكون مواتا أحياها المسلمون.
وثالثها: أن يكون من خمس الإمام فنقلها بأحد وجوه النقل.
قوله: فإما أن يجري عليه، إلى آخره.
أقول: يعمل فيه بما يعمل فيه لو لم تكن هناك أمارة ظنية أيضا.
والحاصل: أنه يحكم في أراضيه بمقتضى اليد إن كانت أو بمقتضى
الجهل بالمالك، وليس شئ منهما حكما بلا دليل، وهو ظاهر.
ومنه ظهر فساد قوله: وإذا بطل الأول تعين الثاني، لعدم الحصر،
لجواز جريان حكم بدليل دال عليه، كاليد وأصالة تأخر الحادث ونحوها.
قوله: وإذا كان المظنون فيه أمر، إلى آخره.
فيه: أن المرجوح باعتبار الظن قد يصير راجحا باعتبار آخر، كانضمام
اليد ونحوها معه، فلا يكون ترجيحا للمرجوح.
والمراد: أن ذلك المرجوح وإن كان مرجوحا بكونه مفتوحا عنوة
واقعا، لكن يمكن أن يصير راجحا بكونه مملوكا على الظاهر، كما إذا
حصل من إنكار المدعى عليه ظن أقوى من الظن الحاصل من شهادة عدلي
المدعي، وكالظنون في الأحكام الشرعية، فإن هذا القائل لا يعمل بمطلق
الظن فيها.

(1) الكفاية: 79.
236

ثم قال بعد كلام: لا يقال: إذا كان البلد تحت يد المسلمين كان
محكوما بكونه ملكا لهم، والقول بخلاف ذلك يحتاج إلى أمر مفيد للعلم،
ولا يكفي الظن في ذلك.
فإنا نقول: نحن نعلم أن تلك الأراضي كانت تحت يد الكفار ثم طراء
عليها دخولها تحت يد المسلمين، إما على وجه كونها ملكا لجميع
المسلمين والآن لصاحب اليد أولوية التصرف فيها، وإما على وجه كونها
ملكا لصاحب اليد، فإذا اشتبه الأمر لم يكن لنا أن نحكم بشئ من ذلك إلا
بحجة، ولا يعرف أن اليد في أمثال هذه الأراضي تقتضي الحكم
باختصاصها بصاحب اليد على وجه الاختصاص الملكي، وإن سلمنا ذلك
في المنقولات والأشجار والأبنية وأمثالها.. ومن المعلوم أن المتصرف أيضا
لا يدعي ذلك ولا يعلمه، ولو ادعى شيئا من ذلك لا نصدقه، لأنا نعلم أنه
لا يعلم.. ولا يمكن دعوى الاجماع فيما نحن فيه، ولا دعوى نص يدل
على أكثر مما ذكرنا.
وإذا علم كون بلد مفتوحا عنوة وحصل الاشتباه في بعض مزارعه
وقراه فسبيل تحصيله ما ذكرنا، وكذلك السبيل في معرفة كون الأرض
عامرة وقت الفتح أو مواتا، فإنه يعول عليها بالأمارات الظنية عند تعذر
العلم (1). انتهى.
قوله: نحن نعلم أن تلك الأراضي كانت تحت يد الكفار، إلى آخره.
فيه منع، لجواز عدم دخولها تحت أيديهم بكونها محياة للمسلمين.
قوله: ولا نعرف أن اليد، إلى آخره.

(1) الكفاية: 79.
237

فيه: أن مطلق اليد دليل على الملكية، سواء كانت على الأراضي أو
غيرها، كما صرح به في كتاب إحياء الموات (1)، ودلت عليه الأخبار العامة
للأرضين أيضا، بل منها الواردة في خصوص الأرض، كما ورد في رد أمير
المؤمنين عليه السلام على أبي بكر، حيث طلب البينة عن سيدة النساء عليها السلام لأجل
فدك (2).
قوله: من المعلوم أن المتصرف أيضا، إلى آخره.
أقول: لا يشترط في دلالة اليد على الملكية علم ذي اليد بالواقع، لأن
كل من في يده شئ لا يعلم حقيقة الأمر، فإن العبد الذي ورثه أحد أو
اشتراه يمكن أن يكون في الواقع حرا، أو مسروقا، أو نحو ذلك.
قوله: ولا يمكن دعوى الاجماع، إلى آخره.
بل يمكن دعوى الاجماع، والنص الدال على الأكثر موجود، كما
أشرنا إليه.
قوله: فسبيل تحصيله ما ذكرنا.
فيه منع، بل يعمل فيه بالأصول والقواعد.
وقد يستدل على اعتبار مطلق الظن هنا بانسداد باب العلم وبقاء
التكليف، وكون الأمر في التكاليف على الظن سيما في الموضوعات، ولا
فرق في ذلك بين الرجوع إلى أهل الخبرة في الأرض (3)، وإلى العرف
واللغة في فهم المعنى، وإلى الهيئة في القبلة.
أقول: أما دليل انسداد باب العلم قد ذكرنا ما فيه في كتبنا الأصولية

(1) الكفاية: 240.
(2) تفسير القمي 2: 155.
(3) في (ق) ونسخة من (ح): الأرش.
238

مستوفى، وكون البناء على مطلق الظن في الأحكام والموضوعات ممنوع،
والرجوع إلى أهل الخبرة واللغة والهيئة فإنما هو لأدلة خاصة بها، فهي
الفارقة، وإن لم يكن فيها دليل فيمنع الرجوع فيها أيضا.
ومما قد يجعل دليلا على كون الأرض مفتوحة عنوة ضرب الخراج
من الحاكم وإن كان جائرا، عملا بأن الأصل في تصرفات المسلم الصحة.
واعترض عليه: بأنه إنما يتم إذا كان الحكم بكونه خراجيا مصححا
لتصرفه وتسلطه على الأخذ، وأما إن قلنا: إن فعله - كتسلطه وضربه وأخذه -
حرام وإن حكمنا بكونها خراجية، فلا.
ورد: بأن المراد من أصالة صحة فعل المسلم إنما هو صحة فعله على
ما يعتقده صحيحا، فإذا انحصر عندهم جواز أخذ الخراج في الأراضي
الخراجية فإذا رأيناهم يأخذون الخراج من أحد يحكم بصحة فعله عندهم،
وإن كان أصل الفعل باطلا عندنا.
مع أنا إذا رأينا المسلمين في الأعصار يأخذون منهم خراج تلك
الأراضي فحمل أفعالهم على الصحيح قد دلنا على أن الأرض كانت
خراجية.
أقول: فيه - مضافا إلى أن الحمل على الصحة لو سلم فإنما هو في
أفعال الشيعة خاصة، ومع التسليم مطلقا لا يثبت إلا كون الأرض خراجية
عند من يأخذ الخراج أو مع من يقبله عنه، وذلك غير كاف للثبوت عند
مجتهد آخر، إذ معتقد طائفة لا يفيد لغيرهم - أن تلك الأراضي التي يؤخذ
منها الخراج لا تخلو إما تكون في يد السلطان، يتقبلها ويؤجرها لمن
يشاء، ويأخذ طسقها باسم الخراج، فهذا اعتراف من صاحب اليد بكونها
خراجية، وهذا كاف في الثبوت، ولا حاجة إلى الحمل على الصحة..
239

أو تكون في يد الرعية، وهم أيضا يعطون الخراج معترفين بكونه
حقا، فهذا أيضا كالأول، أو يأخذ منهم الخراج كرها لهم مع عدم اعترافهم
بالحقية، بل مع تصريحهم بعدمها، وفي هذا كما أن حمل فعل السلطان
على الصحة يثبت الخراجية، حمل إكراه الرعية على الصحة أيضا يدل على
عدمها، فيتعارضان.
نعم، لو اعترف الرعية المتصرف لها لم يتحقق التعارض، ولكن لا
يفيد أيضا لسائر ما ذكر.
ي: قد تلخص مما ذكرنا أنه ليس لنا اليوم أرض مخصوصة يتم لنا
الحكم بكونها مفتوحة عنوة، إذ لا دليل علميا على شئ منها، ولا ظنيا
ثابت الحجية، إلا بعض الأخبار الواردة في أرض السواد أو مكة، وهي مع
وجود التعارض لبعضها لا تثبت حكم كل أرض بخصوصها، وحكم
الجملة غير مفيد كما مر، ولا يحصل من أقوال أرباب التواريخ شئ يمكن
الركون إليه، مع شدة اختلافها في الأكثر.
قال بعض أصحابنا: إن ما وجدنا في بعض كتب التواريخ - وكأنه من
الكتب المعتبرة في هذا الفن - أن الحيرة - وكأنها من قرى العراق بقرب
الكوفة - فتحت صلحا، وأن نيشابور من بلاد خراسان فتحت صلحا،
وقيل: عنوة، وبلخ منها وهراة وقوشج والتوابع فتحت صلحا، وبعض آخر
منها فتح صلحا، وبعض عنوة.
وبالجملة: حكى حال بلاد خراسان مختلفا في كيفية الفتح.
وأما بلاد شام ونواحيه، فحكي أن حلب (1) وحمص وطرابلس

(1) في (ق) زيادة: وحمى.
240

فتحت صلحا، وأن دمشق فتحت بالدخول من بعض غفلة بعد أن كانوا
طلبوا الصلح من غيره، وأن أهالي طبرستان صالحوا أهل الاسلام، وأن
آذربايجان فتح صلحا، وأن أهل إصفهان عقدوا أمانا، والري فتح عنوة.
وقد حكى في المنتهى عن الشافعي: أن مكة فتحت صلحا بأمان قدم
لهم قبل دخوله، وهو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومجاهد،
ونسب إلى الظاهر من المذهب: أنها فتحت بالسيف ثم آمنهم بعد ذلك،
ونقل عن مالك وأبي حنيفة والأوزاعي.
وحكى عن التذكرة عن بعض الشافعية: أن سواد العراق فتح صلحا،
قال: وهو منقول عن أبي حنيفة، وعن بعض الشافعية: أنه اشتبه الأمر
علي، ولا أدري أفتح صلحا أم عنوة.
وحكم العلامة في المنتهى والتذكرة بأن السواد فتحه عمر بن
الخطاب، وحده في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسية
المتصل بعذيب من أرض العرب، ومن تخوم الموصل طولا إلى ساحل
البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة، وأما الغربي الذي يليه البصرة فإنه
إسلامي، مثل شط عثمان بن أبي العاص، وما والاها كانت أسباخا ومواتا
فأحياها عثمان بن أبي العاص (1). انتهى.
نقلناه بطوله لما فيه من بعض الفوائد.

(1) حكاه في الحدائق 18: 309، 310 عن بعض الفضلاء.
241

كتاب البيع
وهو عرفا: نقل الملك بعوض من مالك إلى آخر بعقد مخصوص.
ومرادنا من العقد أعم من اللفظي ليشمل التقابض على القول
بكفايته، وذلك العقد سبب النقل كما أن النقل سبب الانتقال.
وعرفه جماعة بالعقد (1). وهو غير جيد، لأنه مركب من الايجاب
والقبول، فيلزمه عدم كون أحد المتعاقدين بائعا، وعدم صحة باع فلان
حقيقة ولا يلزم ذلك في النقل، لأن الناقل أحدهما وإن توقف صيرورته
ناقلا على قبول الآخر.
والتحقيق: أنه لا فائدة مهمة في ذلك النزاع، لتوقف تحقق البيع على
ذلك العقد على القولين. وإنما المهم بيان ذلك العقد وشرائطه وسائر
أحكام البيع وأقسامه، ونذكره في مقاصد:

(1) منهم الحلبي في الكافي في الفقه: 352، ابن حمزة في الوسيلة: 236، العلامة
في المختلف: 347.
243

المقصد الأول
في عقد البيع وشرائطه
وفيه ثلاثة فصول:
245

الفصل الأول
في بيان ما يتحقق به البيع، أي العقد المخصوص
وفيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن الشارع رتب أحكاما على البيع، وليس هنا
نص أو إجماع دال على أن البيع أو ما يتحقق به البيع ما هو..
وحينئذ فإما يقال: إنه ليس له معنى لغوي أو عرفي معلوم لنا مع قطع
النظر عن الشرع، فيلزم حينئذ علينا الاقتصار في ترتب الأحكام بما انعقد
الاجماع على تحقق البيع به.
أو يقال: إن له معنى كذلك معلوما لنا، وحينئذ فإما يثبت شرعا
بإجماع أو غيره شرط لتحقق البيع، أو لا، فإن ثبت فيقتصر في تحقق البيع
شرعا بما هو واجد للشرط، وإن لم يثبت فيحكم بالترتب في جميع ما
يتحقق به البيع عرفا أو لغة.
ومن ذلك ومما سيأتي حصلت الاختلافات في عقد البيع، فمن ظن
عدم ظهور معنى لغوي أو عرفي يضطر إلى الاقتصار على موضع
الاجماع.. وهذا محط قول جماعة بتخصيص البيع شرعا بما كان مع
الصيغة المخصوصة الجامعة لجميع الشرائط المختلف فيها.
ومن ظن ظهوره، ولكن زعم الاجماع على اشتراط الصيغة في تحقق
البيع، لزمه القول به، ولكن يقتصر في الشرط بما هو محل الاجماع، يعني
ما ثبت الاجماع بزعمه على اشتراطه.. وهذا مناط قول من يقول باشتراط
الصيغة في تحقق البيع ولكن يوسع فيها.
247

ومن لم يظهر ذلك الاجماع له، ولم يعثر على دليل آخر أيضا على
الاشتراط، يوسع في تحقق البيع بما يتحقق به لغة أو عرفا.. وإلى هذا
ينظر من اكتفى بمطلق اللفظ أو بالمعاطاة أيضا.
وهاهنا أمر آخر، وهو أنه بعد تعيين معنى البيع أو ما يتحقق به البيع
عرفا - وأنه ما سيأتي من أنه ما يدل على نقل المالك ملكه به إلى آخر
بعوض معلوم بالطريق المعهود - قد يقع الخلاف في الدال..
فقد يقال: باختصاص الدال الصريحي بالصيغة المخصوصة، فلذا
يقول باختصاص تحقق البيع بها.. وإلى هذا نظر طائفة من المشترطين
للصيغة.
وقد لا يقال بالاختصاص، فيعمم.
وإذ عرفت ذلك تعلم أن وظيفتنا أولا الفحص عن أنه هل للبيع معنى
لغوي أو عرفي نعلمه، وأنه ما هو؟
فنقول: إن من البديهيات التي لا شك فيها: أن لفظي البيع والشراء
مما يستعمله عامة الناس من أهل الأسواق والبوادي والخارجين عن
شريعتنا - بل عن مطلق الشريعة - استعمالا خارجا عن حد الاحصاء،
وليسوا شاكين في معناه، ولا مترددين، ولا محتاجين في فهمه إلى القرينة،
فهذا يقول: بعت واشتريت، وذاك: أبيع وأشتري، وثالث: هل يبيع وهل
يشتري، إلى غير ذلك، ويفهم المخاطب مراده من غير قرينة أصلا، ولو لم
يعلم القدر المجمع عليه شرعا، ولم يفهم إجماعا أو شرعا، ولم تقرع
سمعه صيغة، فيقطع بذلك أن ما يتحقق به البيع عرفا أمر مضبوط معلوم
عند أهل العرف مع قطع النظر عن الشرع، وهو ما يدل عرفا على نقل
المالك ملكه به إلى آخر بعوض بقصد المبايعة، إذ عند حصول ذلك
248

يستعمل لفظ البيع عندهم، ويتبادر عنه حصوله، ولا يجوزون سلب الاسم
معه، سواء كان ذلك بقبض كل من العوضين وهو المسمى بالمعاطاة، أو
بقبض أحدهما مع ضمان الآخر، أو بألفاظ دالة على ذلك.
وعلى هذا، فلا تشترط في تحقق البيع عرفا صيغة مخصوصة من
حيث إنها هي، وإن وجب كون الفعل أو اللفظ دالا على النقل المذكور
عرفا.
وهذا هو الذي يظهر من كلمات الأكثر (1)، وإليه ينظر قول المحقق
الشيخ علي في شرح القواعد تارة: إن المعاطاة بيع بالاتفاق، وأخرى: إنه
المعروف من الأصحاب (2).
وأما ما يظهر من بعضهم (3) - من الخلاف في تسمية المعاطاة بيعا،
وهو بين شاك فيها وناف لها، بل عن الغنية الاجماع على العدم (4)، وفي
الروضة: اتفاقهم على أنها ليست بيعا (5) - فالظاهر أن المراد: البيع الشرعي،
أي ما يوجب الانتقال شرعا، حيث يزعم اشتراط صيغة خاصة وانعقاد
الاجماع عليه، فلا تخالف بين دعوى الاجماعين.
ولو أرادوا نفي البيع العرفي ففساده ظاهر لوجوه:
منها: الاستعمال، فإنه يقال: ابتعت الخبز واللحم وبعته، ولو لم
يتحقق أمر سوى المعاطاة، والأصل فيه الحقيقة، وأعميته إنما هو مع تعدد
المستعمل فيه، وهو هنا غير ثابت، واستعماله فيما كان مع الصيغة بدون

(1) كالعلامة في التذكرة 1: 462 وصاحب الرياض 1: 510.
(2) جامع المقاصد 4: 58.
(3) كصاحب الحدائق 18: 375.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 586.
(5) الروضة 3: 222.
249

التقابض لا يثبته، لجواز كون المستعمل فيه هو القدر المشترك، وهو النقل
المذكور.. بل هو كذلك، ولذا لو فرض استقرار عرف على المبايعة بعمل
أو لفظ آخر يصح استعمال البيع والشراء بعد تحققه.
ومنها: عدم صحة السلب، فإنه إذا اتخذ أحد حرفته بيع الكرابيس (1)
أو الرقيق أو غيرهما، وكان يبيعها مدة بالمعاطاة، يقال: إنه بياع الكرباس
- مثلا - ولو لم يتلفظ بصيغة أبدا، ولا يجوز أن يقال ليس كذلك، كما
نشاهد في أهل السوق وأرباب الحرف.
ولو أمر أحد ببيع كرباس فباعه بالمعاطاة أو بلفظ غير الصيغ
المخصوصة لا يجوز له أن يقول: ما بعته، ولو عاتبه لعدم الامتثال لذم،
وهذا ظاهر جدا.
ومنها: التبادر، فإنه يجاوز ذكر البيع والشراء حد الاحصاء عند أهل
القرى والبوادي ويفهمون معناه ويتبادر عندهم، مع أنهم لا يعرفون صيغة،
بل لم يسمعوها في الأكثر، ويدل عليه أيضا قول القائل: بعت متاعي ولكن
ما أجريت الصيغة، وصحة الاستفسار بعد قوله ذلك أنه هل أجريت صيغته.
ويجري أكثر تلك الوجوه أو جميعها في قبض أحد العوضين مع
ضمان الآخر في التلفظ بالألفاظ المفهمة عرفا لنقل المالك ملكه بها بالقصد
المذكور، فيتحقق البيع بجميع ذلك عرفا.
ثم إن بما ذكرنا كما يثبت أن البيع يتحقق عرفا بحصول ما يدل على
النقل المتقدم مطلقا، سواء كان لفظا أو غير لفظ، كذلك يثبت عدم انحصار
الدال على ذلك النقل في اللفظ (2) المخصوص، بل ولا في مطلق اللفظ،

(1) الكرابيس: جمع كرباس، وهو القطن - مجمع البحرين 4: 100.
(2) في (ق) زيادة: المذكور.
250

وجميع ما ذكرنا يدل عليه.
وبعد ثبوت تحقق البيع بما ذكر عرفا يثبت لغة وشرعا أيضا بضميمة
الأصل، وإذ ثبت كونه بيعا شرعيا يكون جائزا ويباح به التصرف لكل من
الطرفين فيما نقل إليه ولو لم يتلفظ بالصيغة، بعمومات الكتاب والسنة
الدالة على حلية البيع وجوازه.
مضافة إلى الاجماع القطعي المستفاد من عمل الناس في الأعصار
والأمصار حتى زمان النبي صلى الله عليه وآله من غير نكير، ومن فتاوى العلماء بالنسبة
إلى المعاطاة.
وقول العلامة في النهاية - بكون المعاطاة بيعا فاسدا، فيلزمه عدم
جواز التصرف (1) - شاذ، مع أنه أيضا قد رجع عنه (2).
ويلزم من جوازه شرعا وإمضاء الشارع إياه زوال ملكية المبيع من
البائع وحصولها للمشتري شرعا، إذ لا معنى لتحليل الشارع وإمضائه نقل
الملك الذي هو معنى البيع - بل قوله في موارد متكثرة: بع وبيعوا وأمثالهما -
إلا تحقق النقل شرعا.
ويدل عليه أيضا جواز بيع السلعة للمشتري ولو بالمعاطاة بالاجماع،
وإطلاق الأخبار في جواز بيع ما ابتيع الشامل لما ابتيع عرفا.
وفي الصحيح - بعد السؤال عن بيع كذا وكذا (3) بكذا كذا درهما فباعه
المشتري بربح قبل القبض وإعطاء الثمن -: (لا بأس بذلك الشراء، أليس قد
كان ضمن لك الثمن؟) قلت: نعم، قال: (فالربح له) (4)، وهو يدل على

(1) نهاية الإحكام 2: 449.
(2) كما في المختلف: 348.
(3) في (ح) زيادة: حده.
(4) الكافي 5: 177 / 16، الوسائل 18: 64 أبواب أحكام العقود ب 15 ح 1.
251

جواز البيع بمجرد ضمان الثمن وإن لم يجر صيغة خاصة، وإذ جاز للمشتري
بيعه يكون ملكا له، إذ لا بيع (1) إلا فيما هو ملك للبائع، كما نطقت به الأخبار:
ففي صحيحة الصفار المكاتبة: رجل له قطاع من أرضين، فحضره
الخروج إلى مكة، والقرية على مراحل من منزله، ولم يؤت بحدود أرضه،
وإنما عرف حدود القرية، فقال للشهود: اشهدوا أني قد بعت من فلان
جميع القرية التي حد منها كذا، والثاني والثالث والرابع، وإنما له بعض هذه
القرية، وقد أقر له بكلها، فوقع عليه السلام: (لا يجوز بيع ما ليس بملك، وقد
وجب الشراء على البائع على ما يملك) (2).
وفي صحيحة محمد - بعد السؤال عن رجل أتاه رجل، فقال: ابتع
لي متاعا لعلي أشتريه منك، فابتاعه الرجل من أجله -: (ليس به بأس، إنما
يشتريه بعد ما يملكه) (3).
ويدل على التملك الشرعي أيضا - من غير حاجة إلى الصيغة - إطلاق
ما دل على أن من ابتاع شيئا فهو له، كما في صحيحة جميل الواردة في من
اشترى طعاما وارتفع أو نقص - أي في القيمة - وقد اكتال بعضه فأبى
صاحب الطعام أن يسلم له ما بقي وقال: إنما لك ما قبضت، حيث قال:
(إن كان يوم اشتراه ساعره على أنه له فله ما بقي) (4).
وفي صحيحة العلاء: إني أمر بالرجل فيعرض علي الطعام - إلى أن

(1) في (ق): يقع.
(2) الكافي 7: 402 / 4، الفقيه 3: 153 / 674، التهذيب 7: 150 / 667، الوسائل
17: 339 أبواب عقد البيع وشروطه ب 2 ح 1 بتفاوت.
(3) التهذيب 7: 51 / 220، الوسائل 18: 51 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 8.
(4) الكافي 5: 181 / 2، التهذيب 7: 34 / 143، الوسائل 18: 84 أبواب أحكام
العقود ب 26 ح 3.
252

قال -: فأقول له: اعزل منه خمسين كرا أو أقل أو أكثر بكيله، فيزيد
وينقص، وأكثر ذلك ما يزيد، لمن هو؟ قال: (هو لك) الحديث (1).
بل الأخير ظاهر في عدم جريان الصيغة، ولو منع الظهور يكفي
العموم المستفاد من ترك الاستفصال.
المسألة الثانية: وإذ عرفت حصول نقل الملك عن البائع، وحصول
التملك للمشتري بحصول البيع العرفي مطلقا، فلزوم ذلك هل يتوقف على
صيغة خاصة، أو على مطلق اللفظ، أو يحصل بحصول البيع عرفا ولو
بالمعاطاة أو مثلها؟
المشهور هو: الأول، بل كاد أن يكون إجماعا، كما في الروضة
والمسالك في موضعين (2)، بل ظاهر الأخير - كصريح الغنية (3) - انعقاده.
ونقل في المسالك الثاني عن بعض معاصريه.
والثالث ظاهر المفيد (4)، وجمع من المتأخرين (5)، وهو الحق،
لمفهوم الغاية في الأخبار الصحيحة المتكثرة المصرحة بأن: (البيعان بالخيار
حتى يفترقا) (6).
وعموم الصحيحين، في أحدهما: (فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا
منهما) (7).

(1) الكافي 5: 182 / 3، الوسائل 18: 86 أبواب أحكام العقود ب 27 ح 1.
(2) الروضة 3: 222، المسالك 1: 169 - 170.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 586.
(4) المقنعة: 591.
(5) منهم السبزواري في كفاية الأحكام: 88 والكاشاني في مفاتيح الشرائع 3: 48.
(6) الكافي 5: 170 / 4، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 2.
(7) الكافي 5: 170 / 6، التهذيب 7: 20 / 85، الإستبصار 3: 72 / 240، الوسائل
18: 6 أبواب الخيار ب 1 ح 3.
253

وفي الآخر: (فإذا افترقا فقد وجب البيع) (1).
والخبر: (إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا) (2)،
خرج عنه ما خرج بالاجماع فيبقى الباقي.
وترك الاستفصال في أخبار خيار الشرط والعيب.
كما في الصحيح: عن الرجل يبتاع الجارية، فيقع عليها فيجد فيها
عيبا بعد ذلك، قال: (لا يردها على صاحبها) (3).
وفي الآخر: (كان القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة فوطئها ثم
ظهر على عيب: أن البيع لازم) (4).
وفي الخبر: الرجل يشتري زق (5) زيت فيجد فيه درديا، قال: (إن
كان يعلم أن الدردي يكون في الزيت فليس له أن يرده) (6).
وفي الموثق: عن رجل باع جارية على أنها بكر، فلم يجدها على
ذلك، قال: (لا يرد عليه، ولا يجب عليه شئ، إنه يكون يذهب في حال

(1) الكافي 5: 170 / 7، الفقيه 3: 126 / 550، التهذيب 7: 20 / 86، الإستبصار
3: 72 / 241، الوسائل 18: 6 أبواب الخيار ب 1 ح 4.
(2) التهذيب 7: 20 / 87، الإستبصار 3: 73 / 242، الوسائل 18: 7 أبواب الخيار
ب 1 ح 7.
(3) الكافي 5: 215 / 6، التهذيب 7: 61 / 264، الوسائل 18: 103 أبواب
العيوب ب 4 ح 4.
(4) التهذيب 7: 61 / 263، قرب الإسناد: 10، الوسائل 18: 104 أبواب العيوب
ب 4 ح 7.
(5) الزق بالكسر: السقاء أو جلد يجز ولا ينتف للشراب أو غيره - مجمع البحرين 5:
177. والدردي من الزيت وغيره ما يبقى في أسفله - مجمع البحرين 3: 45.
(6) الكافي 5: 229 / 1، الفقيه 3: 172 / 767، التهذيب 7: 66 / 283، الوسائل
18: 109 أبواب أحكام العيوب ب 7 ح 1.
254

مرض أو أمر يصيبها) (1).
ورواية هذيل بن صدقة: عن الرجل يشتري المتاع أو الثوب فينطلق
به إلى منزله، ولم ينقد شيئا فيبدو له فيرده، هل ينبغي ذلك له؟ قال: (لا،
إلا أن تطيب نفس صاحبه) (2).
ومكاتبة جعفر بن عيسى: المتاع يباع في من يزيد، فينادي عليه
المنادي، فإذا نادى عليه المنادي برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه
المشتري ورضيه ولم يبق إلا نقده الثمن فربما زهد، فإذا زهد فيه ادعى فيه
عيوبا وأنه لم يعلم بها، فيقول له المنادي: قد برئت فيها، فيقول المشتري:
لم أسمع البراءة منها، أيصدق فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدق فيجب
عليه الثمن؟ فكتب: عليه السلام: (عليه الثمن) (3)، إلى غير ذلك.
احتج المشهور بالاجماع المنقول (4)، والأصول، وبأن اللزوم إنما
يكون في البيع، وهو إنما يتحقق بتحقق ما يدل على نقل الملك به، أي
إنشاؤه بالطريق المتقدم صريحا، والدال صريحا على ذلك منحصر في
الصيغة المخصوصة.
وبعض الظواهر، كالصحيح: الرجل يجيئني فيقول: اشتر هذا الثوب
وأربحك كذا وكذا، فقال: (أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك؟) قلت: بلى،

(1) الكافي 5: 215 / 11، التهذيب 7: 65 / 279، الإستبصار 3: 82 / 277،
الوسائل 18: 108 أبواب أحكام العيوب ب 6 ح 2.
(2) التهذيب 7: 59 / 255، الوسائل 17: 386 أبواب آداب التجارة ب 3 ح 3
بتفاوت يسير فيه.
(3) التهذيب 7: 66 / 285، الوسائل 18: 111 أبواب أحكام العيوب ب 8 ح 1.
(4) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 586، الرياض 1: 510.
255

قال: (لا بأس، إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام) (1).
والخبر: رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن قصب من أنبار
بعضها على بعض من أجمة واحدة، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال
البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن، فقال المشتري: قد قبلت
واشتريت ورضيت - إلى أن قال: - وأصبحوا وقد وقع النار في القصب
[فاحترق منه] عشرون ألف طن وبقي عشرة آلاف، فقال: (العشرة آلاف
التي بقيت للمشتري) (2).
والموثق: (لا تشتر كتاب الله عز وجل، ولكن اشتر الحديد والورق
والدفتين، وقل: اشتريت منك هذا بكذا وكذا) (3).
والمرسل (لا تشتر كتاب الله، ولكن اشتر الحديد والجلود، وقل:
أشتري هذا منك بكذا وكذا) (4)، ومثله رواية أخرى أيضا (5).
والجواب عن الأول: بمنع الحجية.
وعن الثاني: باندفاعه بما مر من الأدلة.
مضافا إلى أنه إن أريد أصالة عدم الملك أو الانتقال أو ترتب أحكام
البيع فقد عرفت ثبوتها.
وإن أريد أصالة عدم اللزوم فممنوعة، لأن قبل ملك المشتري لم

(1) الكافي 5: 201 / 6، التهذيب 7: 50 / 216، الوسائل 18: 50 أبواب أحكام
العقود ب 8 ح 4.
(2) التهذيب 7: 126 / 549، الوسائل 17: 365 أبواب عقد البيع ب 19 ح 1 وما بين
المعقوفين من المصدر. والطن: حزمة من حطب أو قصب - مجمع البحرين 6: 278.
(3) الكافي 5: 121 / 2، التهذيب 6: 365 / 1049، الوسائل 17: 158 أبواب ما
يكتسب به ب 31 ح 2.
(4) التهذيب 6: 365 / 1049، الوسائل 17: 158 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 3.
(5) الكافي 5: 121 / 1، الوسائل 17: 158 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 1.
256

يكن لزوم ولا عدم لزوم، وبعده فلا يعلم المتحقق منهما، وليس أحد
الفصلين أوفق بالأصل من الآخر.
وعن الثالث: بأنه إن أريد بالدال صريحا الدال بحسب الوضع
الحقيقي فمع تحكم التخصيص ليست الصيغة المخصوصة أيضا كذلك،
وإن أريد مطلقا فالانحصار ممنوع.
وعن الرابع: بأنه ليس ظاهرا في مطلوبهم، بل لا محتملا له، لأنه لا
يلائم جعل قوله: (إنما يحرم) تعليلا لسابقه، بل المراد: أنه إن كان بحيث
إن شاء أخذ وإن شاء ترك ولم يقل ما يوجب البيع لا بأس وإلا ففيه بأس،
لأنه يحرم ويحلل بكلام، فإن أوجب البيع يحرم وإلا فيحل، كما ورد في
صحيحة يحيى بن الحجاج: عن رجل قال لي: اشتر هذا الثوب أو هذه
الدابة وبعنيها أربحك فيها كذا وكذا، قال: (لا بأس بذلك)، قال: (ليشتريها
ولا يواجبه البيع قبل أن يستوجبها أو يشتريها) (1).
وقد ورد بهذا المعنى في أحاديث أخر، كصحيحة الحلبي: عن
الرجل يزرع الأرض فيشترط للبذر ثلثا، وللبقر ثلثا، قال: (لا ينبغي أن
يسمي شيئا فإنما يحرم الكلام) (2)، ونحوه في صحيحة سليمان بن
خالد (3)، ورواية أبي الربيع الشامي (4).

(1) الكافي 5: 198 / 6، التهذيب 7: 58 / 250، الوسائل 18: 52 أبواب أحكام
العقود ب 8 ح 13، بتفاوت يسير.
(2) الكافي 5: 267 / 6، الوسائل 19: 41 أبواب أحكام المزارعة ب 8 ح 4.
(3) الكافي 5: 267 / 5، التهذيب 7: 197 / 873، الوسائل 19: 41 أبواب أحكام
المزارعة ب 8 ح 6.
(4) الفقيه 3: 158 / 691، التهذيب 7: 194 / 857، المقنع: 130، الوسائل 19:
43 أبواب في أحكام المزارعة ب 8 ح 10، بتفاوت.
257

وعن الخامس: بأنه لا يدل إلا على اللزوم مع الصيغة، وأين هذا من
الحصر؟!
و [عن السادس] (1): بمنع الدلالة على توقف الصحة أو اللزوم على
القول المذكور من جهة تحقق البيع، بل إنما هو لأجل تعيين المبيع في مقام
لا يمكن تعينه إلا باللفظ، فالمراد ذكر المبيع لفظا، مع أن اللفظ مختلف في
الروايات أيضا.
المسألة الثالثة: قد ظهر مما ذكرنا أنه تكفي الإشارة المفهمة للنقل
بعنوان البيع إذا أفادت القطع، وكذا الكتابة، سواء تيسر التكلم، أو تعذر.
وأما على المشهور فلا يكفي على الأول، وأما على الثاني
- كالأخرس - فصرحوا بالكفاية، ووجهه عند من يعمم البيع ويثبت
اشتراط الصيغة بالاجماع ظاهر، ولكنه لم يظهر وجهه عند من يخصص
البيع بما كان مع الصيغة، أو يقول بعدم دلالة الإشارة على النقل، إلا أن
يدعي الاجماع على عدم الاشتراط حينئذ.
والقول: بأنها تدل ظنا، فيكتفى بها عند عدم إمكان العلم.
مردود بعدم دليل على قيام الظن مقام العلم عند تعذره مطلقا، سيما
مع إمكان التوكيل.
واحتياجه إلى الصيغة عند المشهور ممنوع، لعدم كونه من العقود اللازمة.
وأصالة عدم وجوبه مندفعة بأنها إنما تكون لو أردنا الوجوب الشرعي،
وأما الشرطي - كما هو المقصود - فلا معنى لأصالة عدمه، بل هو مقتضى الأصل.
المسألة الرابعة: قد ظهر أيضا أنه يمكن تحقق البيع باللفظ وإن لم
يتحقق قبض شئ من الطرفين، وإذا تحقق به تحقق لزومه أيضا، ولا

(1) في (ح) و (ق): عن الخامس، والظاهر ما أثبتناه.
258

ينحصر ذلك في لفظ خاص من عربي أو غيره.
نعم، يجب كونه دالا على إنشاء النقل المتقدم ذكره به، ولو مع قرينة
حالية أو مقالية.
ولا ريب في دلالة الماضي عليه ولو لم تكن قرينة سوى (1) التلبس
بالبيع، بخلاف غيره من المضارع والأمر والاستفهام، فإنها غير دالة مع ذلك
أيضا، بل لا تكاد توجد قرينة دالة على إرادة إنشاء البيع منها، إلا بأن
يصرح أولا: بأني أريد الانشاء منها.
ولا يشترط تقديم الايجاب ولو كان القبول بلفظ (قبلت) إذا أضاف
إليه باقي الأركان، والتفرقة غير جيدة.
المسألة الخامسة: على القول باشتراط الصيغة - كما هو المشهور - فهل
هي شرط اللزوم خاصة، أو مع انتقال الملك أيضا، أو هما مع إباحة التصرف؟
لا ينبغي الريب في الإباحة بدونها، للأصل، والاجماع، وإذن المالك
في التصرف.
والقول بكونه بيعا فاسدا، مع شذوذه لا ينفي إلا الإباحة الشرعية من
جهة البيع لا مطلقا، مع أن حرمة التصرف في المقبوض بالبيع الفاسد
بجميع أفراده - حتى ذلك - لم تثبت.
نعم، ينبغي تقييد إباحة التصرف من كل منهما بعدم قصده الرجوع
بماله حال التصرف، لأنه المعلوم من الإذن.
وأما الأولان فيجب بناؤهما على كون المعاطاة ونحوها مما تجرد عن
الصيغة بيعا عرفا ولغة، أم لا.
فإن قلنا به - كما هو الحق - فالحق هو: الأول، لانحصار دليل اشتراط

(1) في (ق): مع.
259

الصيغة عندهم حينئذ وتخصيص عمومات اللزوم بالاجماع، وانحصاره في
اشتراط اللزوم ظاهرا أو مع بعض الظواهر الذي لا تثبت منه حرمة التصرف
بدون الصيغة، وتبقى عمومات حلية البيع خالية عن المعارض، فيصير البيع
في الشرع قسمين: لازم وجائز.
وإن لم نقل به فالحق هو: الثاني، إذ تدل على اشتراط الصيغة حينئذ
الأصول المتقدمة، وهي جارية في نفي الملك أيضا.
وإطلاق القول بنقل الملك مع المعاطاة - تمسكا بأنه لولاه لما تحقق
الملك بالتلف - ضعيف جدا.
المسألة السادسة: على القول بتوقف اللزوم على الصيغة، فيجوز
لكل منهما الرجوع في المعاطاة مع بقاء العينين، والوجه فيه ظاهر، كما في
عدم الرجوع مع تلفهما معا، لعدم إمكان الرجوع في العين، وأصالة عدم
الاشتغال بالمثل أو القيمة.
ولو تلفت إحداهما خاصة فلا يجوز الرجوع لصاحب التالفة.
وهل له رد الموجودة بلا مطالبة شئ لو أراده لمصلحة وامتنع
صاحبه؟
الظاهر: نعم، لأصالة عدم اللزوم. ولصاحب الموجودة الرجوع إليها،
لذلك أيضا على الأقوى، ثم الآخر يرجع إلى قيمة التالفة أو مثله.
كذا قالوا، وهو بإطلاقه مشكل، بل الموافق للقواعد أن يقال: لو كان
التلف لا من جهة صاحب الموجودة فلا يرجع إليه بشئ، لأصل البراءة،
وعدم دليل على الاشتغال.
وإن كان منه، فإن قصد الرجوع قبل الاتلاف فعليه المثل أو القيمة،
إذ كونه مأذونا في الاتلاف إنما كان مع عدم قصده الرجوع، فمعه يكون
غاصبا، فيعمل فيه بقاعدة الغصب.
260

وإن لم يقصده قبله، فمقتضى الأصول وإن كانت براءة ذمته عن المثل
أو القيمة لعدم كونه غاصبا، وجواز رجوعه إلى عينه للأصل، إلا أن الاجماع
ونفي الضرر يمنعان عن الأمرين معا، فلا بد من أحدهما، ولكن تعيين
أحدهما مشكل.
وتعيين الاشتغال مطلقا أو على كون المعاطاة إباحة محضة لقاعدة
الغصب كعدم الرجوع على كونها تمليكا لئلا يلزم الجمع بين المالين باطل،
لمنع صدق الغصب، وتسليم جواز جمع المالين إذا اشتغلت ذمته بمثل
أحدهما أو قيمته، إلا أن تعين الاشتغال بإثبات جواز الرجوع بمثل: (الناس
مسلطون على أموالهم) (1) و: (على اليد ما أخذت) (2).
ولو كان التالف بعض أحدهما أو كليهما ففيه احتمالات قد تختلف
باختلاف كونهما مثليين أو قيميين، أو التالف بعضه في صورة التلف من
أحدهما مثليين والآخر قيميا أو بالعكس، وكون التالفين متساويين أو
مختلفين في صورة التلف منهما.
ولو لم تتلف العين ولكن وقع التصرف فيها، فإن كان بنقل الملك
اللازم فكالتلف، لأنه سلطه على ذلك.
وإن كان بالمتزلزل فيحتمل اللزوم أو الالزام بالاسترداد أو بالمثل أو
القيمة.
والتصرف فيه بالإباحة للغير كالموجود، وبمثل اللبس والركوب لا
يمنع الرجوع في العين.
وهل يجوزه بالأجرة؟ يحتمل الجواز، لنفي الضرر.. والعدم،

(1) عوالي اللآلئ 1: 222 / 99.
(2) عوالي اللآلئ 1: 389 / 22.
261

للأصل واستناد الضرر إلى تقصير مالكه في التحفظ بإيجاب البيع، ولعله
الأظهر، إلا إذا قصد الرجوع قبل التصرف فيصير غصبا.
وكذا لا يمنع الرجوع تغيير العين، كطحن الحنطة وقص الثوب.
وليس للمغير الرجوع إلى أجرة العمل، إلا إذا كان الرجوع من الآخر
على إشكال، ومثله ما لو حدث بالتغيير أثر متجدد في العين كصبغ الثوب،
وكذا الاشتباه بالغير أو الامتزاج بحيث (لم يمكن) (1) التمييز، وامتناع الراد
بعينه غير ضائر، أو يكون الحكم حينئذ كالحكم فيما إذا اشتبه أو امتزج
عدوانا أو خطأ، ولا رجوع بالنماء الحاصل إذا تلف، ويرجع به مع بقائه.

(1) في (ح): يمكن.
262

الفصل الثاني
في شرائط المتعاقدين
وهي أمور:
منها: البلوغ، فلا يصح بيع الصبي مطلقا، مميزا كان أو لا، بإذن
الولي أو بدونه، في ماله أو مال غيره.
وعن الشيخ قول بالجواز في من بلغ عشرا عاقلا (1).
وعن التحرير جوازه مع إذن الولي إذا أراد اختباره (2).
واستظهر بعض المتأخرين الجواز في الدون وفيما إذا كان الصبي آلة (3).
واستشكل في الكفاية في المميز (4).
لنا: - بعد الأصول - رواية حمزة بن حمران، المعتضدة بعمل
الأصحاب في هذه المسألة ومسألة تحديد البلوغ، الصحيحة عن الحسن بن
محبوب الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وفيها: (الجارية
إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم، ودفع إليها مالها،
وجاز أمرها في الشراء والبيع، وأقيمت عليها الحدود التامة، وأخذ لها بها)،
قال: (والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج عن اليتم حتى يبلغ
خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك) (5).

(1) المبسوط 2: 163.
(2) التحرير 1: 164.
(3) كما في مفاتيح الشرائع 3: 46، مفتاح الكرامة 4: 170، الرياض 1: 511.
(4) كفاية الأحكام: 89.
(5) الكافي 7: 197 / 1، الوسائل 17: 360 أبواب عقد البيع وشروطه ب 14 ح 1.
263

وصحيحة علي بن رئاب: عن رجل مات وترك أولادا صغارا وترك
مماليك غلمانا وجواري - إلى أن قال السائل -: فما ترى في من اشترى
منهم الجارية يتخذها أم ولد؟ قال: (لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيم
الناظر لهم فيما يصلحهم) (1)، دلت بمفهوم الشرط على البأس في بيع غير
القيم.
ويدل على المطلوب أيضا قوله سبحانه: (وابتلوا اليتامى حتى إذا
بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) (2).
حيث إن المراد بالدفع المنهي عنه بالمفهوم قبل البلوغ هو التسليط
على التصرف قطعا، والبيع والشراء ولو بمجرد الصيغة تصرف، لأنه تمليك
أو تملك. ويؤيد المطلوب بعض الظواهر الأخر أيضا.
وبما ذكر تخصص عمومات البيع وإطلاقاته، ولا حاجة إلى بعض
التمحلات التي قد ترتكب للتفصي عنها.
ويظهر منه أيضا وجه التفصي عن بعض ما يتوهم منه الجواز، من
الروايات الواردة في أحكام الصبي (3)، فإنها بين شاملة للمبحث بعموم أو
إطلاق يجب تخصيصه، أو مخصوصة بغيره.
دليل الشيخ - على ما قيل (4) -: بعض الظواهر الدالة على جواز عتق
الصبي أو تصدقه أو وصيته (5). وجوابه ظاهر.

(1) الكافي 5: 208 / 1، الفقيه 4: 161 / 564، التهذيب 7: 68 / 294، الوسائل
17: 361 أبواب عقد البيع وشروطه ب 15 ح 1، بتفاوت يسير.
(2) النساء: 6.
(3) الوسائل 17: 360 أبواب عقد البيع وشروطه ب 14.
(4) انظر الرياض 1: 511.
(5) الوسائل 19: 360 أبواب أحكام الوصايا باب 44، و ج 23: 91 أبواب العتق ب 56.
264

وحجة التحرير: الآية، لشمول الاختبار للبيع والشراء.
وفيها - بعد تسليم الشمول وإفادتها الأمر بالعموم - أنها مخصصة بما
مر.
ومستند المجوز في الدون وفيما كان آلة: دفع العسر، وجريان العادة
بحيث يعطي الاجماع.
وفيه: أنهما لا يثبتان إلا إباحة التصرف دون ترتب أحكام البيع،
مضافا إلى منعهما.
وقد يزاد في دليل الثاني: أن مع كونه آلة يكون البائع والمشتري
حقيقة من له الأهلية.
وفيه: أنه إن أريد بكونه آلة أن يصدر ما ينقل به الملك من اللفظ أو
مثله من البائع، وهو بأمر الصبي بمجرد الاعطاء والأخذ الغير المحتاجين
إلى قصد بيع وشراء، فهو ليس بيعا وشراء.
وإن أريد أن يكون القاصد للنقل وعاقد البيع هو الصبي، فهو البائع
حقيقة ولا يكون آلة، بل يكون مثل الوكيل، وترتب الأثر على فعله يحتاج
إلى الدليل.
ولم أعثر لمن يستشكل في المميز على حجة سوى إطلاقات البيع،
وقد عرفت جوابها.
هذا، ثم إنه هل يجوز التصرف فيما يؤخذ من الصبي ثمنا أو مثمنا،
أم لا؟
إن ثبتت حرمة التصرف فيما يقبض بالبيع الفاسد مطلقا فعدم الجواز
ظاهر، وإلا فكذلك إن لم يعلم إذن الولي أو المالك، وإن علم ففيه تفصيل
يأتي في بحث الحجر مع سائر ما يتعلق بأخذ المال من الصبي أو دفعه إليه.
265

ومنها: الرشد، فلا يصح بيع السفيه، بالاجماع، والآية المتقدمة،
وقوله سبحانه: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) (1) بالتقريب المذكور.
وبه تظهر دلالة رواية هشام أيضا: (وإن احتلم ولم يؤنس رشده وكان
سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله) (2).
ويدل عليه الموثق أيضا: (إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له
الحسنات، وكتبت عليه السيئات، وجاز أمره إلا أن يكون سفيها أو
ضعيفا) (3)، دل على أن السفيه لا يجوز أمره، ولكونه منفيا يفيد العموم..
ومنه يمكن استفادة عدم صحة بيعه ولو كان بإذن الولي أو المالك.
ومنها: العقل، فلا يصح بيع المجنون، ولا المغمى عليه، ولا
السكران، بلا خلاف.
ومنها: القصد إلى النقل، فلا يصح من الهازل إجماعا، ولما يأتي،
وكذا لا يصح حال الغضب المستولي على العقل.
ومنها: الاختيار، فلا يصح بيع المكره إلا ما استثني، للاجماع..
ورواية محمد: (من اشترى طعام قوم وهم له كارهون قص لهم من
لحمه يوم القيامة) (4)، وهو في قوة النهي الدال على الفساد في مثله على
الأقوى.

(1) النساء: 5.
(2) الكافي 7: 68 / 2، الوسائل 17: 360 أبواب عقد البيع وشروطه ب 14 ح 2،
بتفاوت.
(3) الكافي 7: 68 / 6، الوسائل 17: 361 أبواب عقد البيع وشروطه ب 14 ح 3،
بتفاوت يسير.
(4) الكافي 5: 229 / 1، التهذيب 7: 132 / 580، الوسائل 17: 338 أبواب عقد
البيع وشروطه ب 1 ح 11.
266

وقوله عليه السلام: (رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه) (1) أي أحكامه.
والأخبار الواردة في فساد طلاق المكره (2) بضميمة الاجماع المركب.
ولعدم ثبوت كونه بيعا شرعا، وليس بيعا عرفا أيضا، إذ قد عرفت أن
تحققه عرفا يتوقف على وقوع ما يدل على إرادة نقل الملك به بقصد
البيع، وكيف يدل ما صدر عنه كرها عليها؟!
والتوضيح: أنه قد دل العرف وانعقد الاجماع القطعي على لزوم قصد
النقل في تحقق البيع، أو التلفظ باللفظ الظاهر فيه، أو الاتيان بعمل ظاهر
فيه مع عدم العلم بعدم القصد من قرينة خارجية، وعدم ضم ما يوجب
ظهور عدم القصد، وثبت اعتبار ذلك الظهور ووجوب اتباعه بالاجماع، بل
الضرورة، ولكن يشترط فيه أن لا يضم أمر خارجي معارض لذلك الظهور
يوجب ظهور خلافه، فإنه لو ضم مثله لا يظهر القصد، ولا دليل على اعتبار
مجرد اللفظ.
ولا شك أن الاكراه من الأمور المنافية لظهور القصد، بل يوجب
ظهور خلافه، فمعه لا يحكم بتحقق البيع.
ويتحقق الاكراه - بحكم العرف - توعده بما يكون ضارا بالمكره
بحسب نفسه أو من يجري مجراه، مع قدرة المتوعد على ما بتوعده به،
وحصول الظن بأنه يفعل به لو لم يفعل ما يأمره به، مع العجز عن الدفع،
سواء كان المتوعد به قتلا أو قطعا أو جرحا أو ضربا أو شتما أو أخذ مال أو
إتلافه أو منع حق، ويختلف ما عدا القتل والقطع باختلاف طبقات الناس
وأحوالهم، بل باختلاف المبيع، فقد يؤثر القليل فيما لا يؤثر في غيره

(1) عوالي اللآلئ 1: 232 / 131.
(2) الوسائل 22: 86 أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ب 37.
267

الكثير.
ومنهم من جعل أخذ المال من قبيل القتل (1). والأول أقوى.
والضابط: حصول الضرر عرفا بوقوع المتوعد عليه.
والمراد بالعجز عن الدفع أعم من الفرار والاستعانة بالغير والمقاومة
ونحوها.
ومن هذا يظهر فساد ما قيل من أن الاكراه لا ينافي القصد إلى نقل
الملك بأن يكون قاصدا للبيع حقيقة، وإن كان منافيا للرضا.
نعم، الظاهر منه عدم القصد، ولذا يحكم بالبطلان معه حيث لا يعلم
تحقق القصد حينئذ.
وعلى هذا فيرد الاشكال حينئذ فيما علم قصده من أمارة خارجية.
ووجه الفساد: أن القصد - لكونه أمرا باطنيا، وليس لعدمه أثر
خارجي يظهر للمكره فيما نحن فيه - لا يمكن الاكراه عليه، لامكان الدفع،
فكلما فرض تحققه يكون من غير إكراه، وإن أكره على البيع ابتداء فكلما
علم حصول القصد يحكم بصحة البيع.
ولو تخير المكره بين البيع وغيره، فإن كان الفرد الآخر مما يتمكن
من فعله من غير عسر ومشقة، ولا يكون فيه ضرر، أو كان ولكن كان مما
يجب عليه - كدفع نفقة زوجته، أو دية جناية، أو مثلهما - فيصح البيع..
لامكان الدفع باختيار الفرد الآخر الذي لا ضرر فيه أو يجب عليه.
ولأن ذلك لا يصدق عليه الاكراه عرفا، وليس يوجب ظهور عدم
القصد أصلا.

(1) انظر المسالك 1: 171.
268

ويزيد في الثاني بأنه لم يجبره إلا على أحد الأمرين اللذين أجبره
الشارع على أحدهما بخصوصه، فالمكره لم يفعل أزيد مما فعله الشارع،
بل وسع عليه، حيث خيره بينه وبين بدله.
ولأن بعلمه بعدم كون المكره عاصيا في إكراهه، وبكونه ذي حق
يوجب البيع سقوط حقه في بعض الموارد، يمكن أن يكون راضيا، فلا
ينافي ظهور القصد المستفاد من اللفظ والعمل، مع أن حمل أفعال
المسلمين على عدم المعصية يثبت تحقق القصد في بعض موارد الفرض.
ويدل عليه أيضا النص الوارد في ذلك في باب الاكراه على الطلاق (1)
بضميمة الاجماع المركب.
وإن كان الآخر مما لا يتمكن من فعله - كإجبار الفقير الغير المتمكن
على البيع أو نفقة الزوجة - أو يمكن ولكن مع العسر والمشقة - كالبيع
والمشي راجلا عشرين فرسخا بالنسبة إلى من يكون ذلك مشقة شديدة
عليه - كان إكراها، للصدق العرفي.
وكذا إن كان الفرد الآخر مما فيه ضرر لا يجب عليه تحمله فهو إكراه
موجب لفساد البيع، لصدق الاكراه عرفا، ولعدم ظهور القصد معه، حيث
إنه عاص ظالم.
ولو لم يكرهه على خصوص البيع ولكن أكرهه على أمر آخر يضطر
بسببه إلى بيع ماله ولو بثمن بخس، فإن كان قصد المكره أيضا بيع المال
وخروجه من يده، وعلم البائع منه ذلك، ولم يندفع ظلمه إلا به، فهو أيضا
إكراه على البيع ومفسد إياه.

(1) الوسائل 22: 7 أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ب 1.
269

وإن لم يكن قصده ذلك، بل كان مقصوده ذلك الأمر الآخر، ولكنه
باع بنفسه ما له ليدفع به الاكراه، كمن يكرهه على دفع مال فباع أرضا
ليؤدي من ثمنها ذلك المال، فهو ليس إكراها على البيع قطعا.
نعم، لو استشكل أحد فيما إذا توقف دفع الاكراه على البيع - كأن يطلب
منه مالا ولم يتمكن من أدائه إلا ببيع أرض، بأن لا يكون له إلا تلك
الأرض، سيما إذا علم المكره بذلك - لم يكن بعيدا، بل الظاهر أنه مع علمه به
إكراه، للصدق العرفي، وأما بدونه ففي الصدق إشكال، وأمر الاحتياط واضح.
ولا يتوهم أنه وإن لم يعلمه المكره ولكن المكره غير راض بالبيع،
فلا يكون صحيحا.
قلنا: لا نسلم أنه غير راض، بل قد يكون هو غاية مطلوبه لدفع
الظلم عن نفسه، فإن البيع لا يجب أن يكون لأجل نفع دائما، بل قد يكون
لدفع ضر، كمن يبيعه لأداء دين أو دفع جوع، فإن مثل ذلك لا يسمى
إكراها، لأنه وإن لم يرتكب البيع لو خلي ونفسه ولم يتحقق هذا الباعث،
ولكن مع حصول ذلك يرضى به غاية الرضا.
فالمناط في البطلان: صدق الاكراه على البيع عرفا، أو ظهور عدم
القصد، وبدون الأمرين يصح البيع.
ومنه يظهر الضابط في الفساد لأجل الاكراه.
ومنها: المالكية، فلا يصح البيع من غير المالك إلا ما استثني،
للاجماع في الجملة، والأخبار، كصحيحتي الصفار (1) ومحمد (2) المتقدمتين

(1) الكافي 7: 402 / 4، الفقيه 3: 153 / 674، التهذيب 7: 150 / 667، الوسائل
17: 339 أبواب عقد البيع وشروطه ب 2 ح 1.
(2) التهذيب 7: 51 / 220، الوسائل 18: 51 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 8.
270

في الفصل الأول..
وصحيحة منصور: في رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا فيشتريه
منه، قال: (لا بأس بذلك، إنما البيع بعد ما يشتريه) (1).
وما ورد من أنه: (لا بيع إلا فيما يملك) (2).
والقول - بأن النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد مطلقا - عندي
باطل.
ورواية سليمان بن صالح (3) الدالة على نهي رسول الله صلى الله عليه وآله عن بيع
ما ليس عندك
وإرادة ما لا يصح تملكه مما لا يملك أو نفي لزوم البيع دون صحته
والحمل على نفي بيع البائع لنفسه لا فضولا، وإن كانت ممكنة في بعض
تلك الأخبار، إلا أنها غير جارية في الجميع.
وبتلك الأدلة تقيد عمومات البيع وإطلاقاته، حيث إن بيع ملك الغير
أيضا بيع لغة وعرفا، لأنه ليس إلا نقل الملك بما يدل عليه كما مر، ولا
يختص بنقل ملك الناقل نفسه، ولذا يصح الاطلاق عرفا.
واستعمل البيع في الأخبار الكثيرة (4) في نقل ملك الغير أيضا، كيف
لا؟! والمعاملة غير منحصرة في صدورها عن المالك خاصة، لجواز
صدورها من الوكيل والأب والجد والوصي ونحوهم.
نعم، الظاهر اختصاص الصدق بما إذا باعه لا عن نفسه، أي لا ناويا

(1) التهذيب 7: 50 / 218، الوسائل 18: 50 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 6.
(2) الوسائل 17: 333 أبواب عقد البيع وشروطه ب 1.
(3) التهذيب 7: 230 / 1005، الوسائل 18: 37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 4.
(4) الوسائل 18: 38 أبواب أحكام العقود ب 3.
271

نقل ملك نفسه، إذ لا ملك لنفسه حتى ينقله عنه، فلا يمكن تحقق القصد
بالنقل فيه أيضا.
وأما ما في رواية إسحاق بن عمار: (ما أحب أن يبيع ما ليس له) (1)
فهو وإن كان مشعرا بالجواز، إلا أنه يجب إرجاعه إلى إرادة الحرمة جمعا.
وها هنا مسائل:
الأولى: الظاهر عدم الخلاف في عدم تأثير إجازة البيع ممن تقدم
عدم جواز بيعه بعد رفع المانع، أو ممن تصح منه الإجازة، إلا في
الأخيرين، أي المكره وغير المالك.
أما الأول، فأكثر من ذكر المسألة أفتى بكفاية الإجازة بعد زوال
الاكراه، وقوى الفاضل الأردبيلي عدم التأثير، وظاهر المحقق الشيخ علي
وكفاية الأحكام التردد (2).
والحق فيه: عدم التأثير، أما على القول بعدم معلومية معنى البيع عرفا
ولزوم الاقتصار فيه على المجمع عليه فظاهر.
وأما على ما ذكرنا فلان ما أتى به حال الاكراه ليس بيعا، لعدم القصد
كما مر، ولا إجازته فقط حال الإجازة، وهو ظاهر، وصدق البيع عرفا على
مجموع الأمرين - سيما بعد مضي مدة طويلة من البين - غير معلوم، فلا
تشمله أدلة البيع، وليس دليل آخر، فمقتضى الأصول المسلمة عدم
صحته.

(1) التهذيب 7: 130 / 571، الوسائل 18: 335 أبواب عقد البيع وشروطه ب 1 ح 5.
(2) الأردبيلي مجمع الفائدة 8: 156، الشيخ علي في جامع المقاصد 4: 62، كفاية الأحكام: 89.
272

احتج المشهور بعموم: (أوفوا بالعقود) (1).
وبأنه بالغ عاقل صدر عنه عقد، وليس ثم مانع إلا عدم القصد إلى
العقد حين إيقاعه، وقد لحقه بعد الإجازة، ولا دليل على اشتراط الاقتران
كالفضولي، للأصل.
ويرد على الأول: منع الدلالة، كما بيناه في موضعه.
وعلى الثاني: أن عدم المانع غير كاف، بل اللازم وجود المقتضي،
ووجوده غير معلوم، إذ لم يعلم كونه عقدا ولا بيعا شرعيا أو عرفيا، ولا
دليل غيره.
وفرقه مع الفضولي واضح، إذ قصد النقل الموجب لصدق البيع فيه
متحقق كما مر، بخلاف هذا، مع أنه لو صح ذلك لورد في مثل عقد الصبي
والمجنون والهازل، للاشتراك في المانع والمقتضي، فإن المانع - وهو عدم
اعتبار العقد بنفسه وإن اختلف وجهه - مشترك.
وعموم الآية إن كان بحيث يشمل العقد الغير المعتبر شمل عقد
الصبي أيضا، وإن خص بالمعتبر منه في نظر الشرع لم يشمل عقد المكره
أيضا.
ودعوى تأثير إجازته بعد زوال المانع معارضة بالمثل.
والجواب: بأن المراد العقود المعتبرة شرعا الصادرة عمن يكون له
أهلا خاصة دون غيرها، وعقود الصبي غير معتبرة، بل وجودها كعدمها،
فالمانع عن عدم دخول عقده فيه - وهو سلب العبرة عنه - لازم لذاته غير
منفك عنه، فلا يتصور فيه زوال المانع.. بخلاف المكره، فإن المانع عن

(1) المائدة: 1.
273

دخول عقده أمر خارج عن ذات العقد ممكن الزوال، فإذا زال دخل في
العموم.
مردود بأن أمثال ذلك أمور إقناعية لا مستند لها شرعا، مع أنه إن كان
يؤخذ الصدور حال الصغر وصفا لعقد الصبي فليؤخذ الصدور حال عدم
القصد وصفا لعقد المكره، وإن أخذ خارجا عنه فكذا ها هنا.
وأما ما في المسالك من التفرقة من أن القصد من المكره حاصل دون
من سبق، لأن غير العاقل لا يقصد إلى اللفظ ولا إلى مدلوله، بخلاف
المكره، فإنه باعتبار كونه عاقلا قاصدا إلى ما يتلفظ به، لكنه بالاكراه غير
قاصد إلى مدلوله، وذلك كاف في صلاحيته وقبوله للصحة، إذ لحقه القصد
إلى مدلوله (1).
ففيه: منع عدم قصد السفيه والصبي المميز إلى اللفظ، مضافا إلى أن
كفاية لحوق القصد إلى المدلول دون القصد إليه وإلى اللفظ ليست إلا من
الاستحسانات، ولا يستند إلى دليل شرعي.
وأما الثاني - وهو المعروف بالفضولي - ففي صحته قولان:
الأول: الصحة واللزوم بعد الإجازة من المالك، وهو مذهب
الإسكافي والمفيد وابن حمزة والشيخ في النهاية (2)، وهو الأشهر بين
المتأخرين، بل مطلقا كما في الروضة والمسالك (3) وكلام جماعة (4)، بل

(1) المسالك 1: 171.
(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 348، المفيد في المقنعة: 606، ابن حمزة
في الوسيلة: 249، النهاية: 385.
(3) الروضة 3: 226، المسالك 1: 171.
(4) منهم صاحب الرياض 1: 512.
274

قيل: كاد أن يكون إجماعا (1).
والثاني: عدم الصحة والبطلان من غير تأثير للإجازة، وهو
مختار الشيخ في الخلاف والمبسوط وابن زهرة والحلي والحلبي والشيخ
الحر العاملي وبعض مشايخنا الأخباريين وفخر المحققين (2)، ونقله في
التنقيح عن شيخه السعيد (3)، واختاره من المتأخرين المحقق الأردبيلي
والسيد الداماد في رسالته الرضاعية (4)، بل ادعى الأولان - كما حكي - عليه
الاجماع (5).
وظاهر القواعد والكفاية التردد (6).
والحق هو: الثاني، لما مر من النهي عن بيع ما لا يملكه البائع.
احتج المجوز بخبر البارقي العامي (7).
وهو ضعيف سندا ودلالة، أما الأول فظاهر غاية الظهور، والشهرة
الجابرة لو أجريناها في الأخبار العامية أيضا مع أنه محل البحث هنا غير
ثابتة، والمحكية منها معارضة مع ما مر من دعوى الاجماع من الجليلين

(1) كما في الحدائق 18: 377.
(2) الخلاف 3: 168، المبسوط 2: 150، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):
585، الحلي في السرائر 2: 274 و 415، الحلبي في الكافي في الفقه: 359،
الحر العاملي في الوسائل 17: 333، صاحب الحدائق 18: 378، فخر المحققين
في الإيضاح 1: 417.
(3) التنقيح 2: 26.
(4) الأردبيلي في زبدة البيان: 427 ومجمع الفائدة 8: 158، الرسالة الرضاعية
(ككلمات المحققين): 130.
(5) الخلاف 3: 168، الغنية (الجوامع الفقهية): 585.
(6) القواعد 1: 124، كفاية الأحكام: 89.
(7) مستدرك الوسائل 13: 245 أبواب عقد البيع وشرائطه ب 18 ح 1، وهو في
مسند أحمد 4: 376.
275

المتقدمين على البطلان والفساد كما مر.
وأما الثاني، فلعدم صراحته ولا ظهوره في شرائه وبيعه فضولا،
لجواز أن يكون لنفسه وكان قصده إهداء الشاة من نفسه للنبي صلى الله عليه وآله، فأخذ
لنفسه الدينار قرضا - اتكالا على إذن الفحوى، كما يقال في الاقباض على
الحمل على الفضولي - واشترى الشاتين لنفسه، وباع أحدهما كذلك، وجاء
بالدينار المأخوذ والشاة إلى النبي صلى الله عليه وآله، فدعا له.
واحتجوا أيضا بما ورد من تقرير النبي صلى الله عليه وآله بيع عقيل داره بمكة.
وضعفه ظاهر.
وبما ورد من جواز ذلك في النكاح مع كون الأمر في الفروج أشد.
وهو قياس غير جائز عندنا.
وبما روي في الصحيح: أنه (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وليدة باعها
ابن سيدها وأبوه غائب، فاستولدها الذي اشتراها، فولدت منه غلاما، ثم
جاء سيدها الأول، فخاصم سيدها الأخير فقال: وليدتي باعها ابني بغير
إذني، فقال عليه السلام: الحكم أن تأخذ وليدتك وابنها، فناشده الذي اشتراها،
فقال: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع، فلما أخذه قال له
أبوه: أرسل ابني، فقال: لا والله لا أرسل إليك ابنك حتى ترسل ابني، فلما
رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه) (1).
وفيه أولا: أنها ظاهرة في رد الأب بيع الابن أولا وفسخه، والقائل
الفضولي يقول بصحته مع عدمه.

(1) الكافي 5: 211 / 12، الفقيه 3: 140 / 615، التهذيب 7: 74 / 319 و
488 / 1960، الإستبصار 3: 85 / 288 و 205 / 739، الوسائل 21: 203 أبواب
نكاح العبيد والإماء ب 88 ح 1، بتفاوت.
276

والقول: بأن إرادة عدم الرضا بالاقباض ممكنة، والمعنى أنه خاصم
سيدها الأخير في القبض والتصرف، حيث إنه باعها ابنه بغير إذنه، وإذا كان
كذلك لا يجوز التصرف بمثل هذا البيع.
مردود بأنه خلاف الظاهر، إذ لولا رد البيع وعدم رضاه به لما كان
تخاصم في الاقباض، فهو دال على الرد، بل قوله: (الحكم أن تأخذ
وليدتك) صريح في أنه رد البيع، إذ بدونه ليس الحكم ذلك قطعا.
وثانيا: أنه لم يثبت كون الإجازة حقيقة في الرضا بالبيع السابق،
فيمكن أن يكون المراد من إجازة بيع ابنه نقله الملك بالبيع كما فعله ابنه
- أي تجديد البيع - فلا يفيد.
وثالثا: أنها لا تدل إلا على أن السيد الأول أجاز البيع، وأما أن إجازته
كافية فلا يستفاد من الرواية.
هذا كله، مضافا إلى ما في الرواية من الاشكال من جهة الأمر بأخذ
ابن السيد حتى يرسل ابن الوليدة، والأمر بأخذ السيد ابن الوليدة، فإن
الحكمين غير جائزين مطلقا، [إذ لو] (1) كان وطء المشتري وطء شبهة
يكون ابنه حرا، غاية الأمر وجوب إعطاء قيمته، وإلا فكان ملكا للسيد
الأول، فلا يجوز حكمه بأخذ ابن السيد وقوله: (لا والله حتى ترسل ابني).
وقد يستدل أيضا بعموم: (أوفوا بالعقود) (2) بتقريب تقدم في
المكره، وأشير إلى ضعفه، مع أنه لو سلمت دلالته يكون أعم مطلقا من
أدلة عدم جواز بيع غير المالك، فتخصيصه بها لازم.
والشراء الفضولي كالبيع، لأنه أيضا بيع ونقل ملك للثمن إلى البائع.

(1) في (ح) و (ق): إن، والظاهر ما أثبتناه.
(2) المائدة: 1.
277

فروع:
أ: لو قلنا بصحة البيع الفضولي فهل يعم مطلق بيع ملك الغير، أو
يشترط كونه بقصد النقل عن المالك وله؟ وتظهر الفائدة في إجازة المبيع
غصبا.
ظاهر جمع: الثاني.
والتحقيق: أنه إن قلنا بعدم جواز بيع ما لا يملك، وقلنا بصحة
الفضولي من باب التخصيص في أدلة عدم جواز بيع ما لا يملك، فلا
يخرج إلا الثاني.
وإن قلنا بأصالة صحة جميع العقود للآية وغيرها، وضعفنا دلالة
عموم فساد بيع ما لا يملك، وأخرجنا ما ليس معه إجازة بالاجماع،
فالصواب التعميم.
ولا يخلو كلامهم في هذا المقام عن اضطراب، لأن طائفة من
الأصحاب يجعلون البائع غصبا أيضا في حكم الفضولي، ويظهر من كثير
من كلماتهم أن المراد: الغاصب البائع لنفسه (1).. ومنهم من يدعي عدم
الفصل بين الفضولي والغاصب (2).
وطائفة أخرى يحملون أخبار النهي عن بيع ما ليس عندك والسرقة
والخيانة على البيع لنفسه، بل فعل ذلك بعض من صرح بكون الغاصب
كالفضولي أيضا (3)، والفرق غير معلوم، بل ولا ظاهر.

(1) انظر التذكرة 1: 463، الإيضاح 1: 417، الدروس 3: 193، التنقيح 2: 27.
(2) كالفاضل المقداد في التنقيح 2: 27 والمحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 69.
(3) كالفاضل المقداد في التنقيح 2: 26.
278

بل الفاضل [حكم] (1) في التذكرة بعدم جواز بيع مال الغير بقصد أن
يشتريه من ذلك الغير ويسلمه (2)، وكذا في المختلف وصاحب التنقيح (3)،
وفي التذكرة: لا نعلم فيه خلافا (4).
وظاهر ذلك - كما صرح به بعضهم (5) - عدم جواز البيع لنفسه، إذ
ظاهر أن قصد الشراء بعد ذلك لا يوجب الفساد، سيما مع تصريحهم
بكفاية إجازة البائع الفضولي لو انتقل إليه المال بعد البيع فضولا وقبل
الإجازة.
وتجويز كون بيع الغاصب لنفسه أقرب إلى الصحة من بيع غير
الغاصب كذلك مع عدم دليل شرعي فارق، بعيد جدا.
والتحقيق: ما ذكرنا من التفصيل، بل على القول بأصالة عدم صحة
بيع ما لا يملك - كما هو الحق - يختص خروج الفضولي على القول
بصحته في جميع موارده بما ثبت خروجه.
ب: قد عرفت أنه على القول بأصالة عدم صحة بيع ما لا يملك
يقتصر بما ثبت خروجه..
فيعلم أن من يقتصر في دليل الخروج بخبر البارقي (6) ونحوه يجب
أن لا يصح عنده بيع الغاصب ولا تفيد إجازة المالك في الصحة، بل يحكم
ببطلان بيع ملك الغير في غير مورد الخبر وأشباهه أو ما أخرجه الاجماع

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(2) التذكرة 1: 463.
(3) المختلف: 348، التنقيح 2: 26.
(4) التذكرة 1: 463.
(5) انظر الرياض 1: 512.
(6) المتقدم في ص: 275.
279

المركب.
ويلزمه أيضا عدم إفادة الإجازة في صحة الفضولي إذا رده المالك
أولا.
وفيما لو انتقل إلى البائع الفضولي قبل الإجازة فأجازه ذلك البائع.
وفيما لو باعه فضولا ثانيا بعد بيعه كذلك أولا، فالحكم للأول خاصة.
وفيما لم يعلم البائع مالكه وقصد النقل من مطلق المالك، بل لو
علمه مترددا بين متعدد.
وفيما باع بظن الفضولي وقصده ثم بان أن البائع هو المالك.
وفيما مات المالك قبل الإجازة وأجازه الوارث.
وفيما علم البائع الفضولي عدم رضا المالك حين العقد وإن جوز
الرضا بعد ذلك.
وفيما باع فضولا من الصبي أو المجنون فأجازا بعد الكمال.. إلى غير
ذلك.
ج: لو باع المالك السلعة قبل الاطلاع على تحقق البيع الفضولي
وإجازته لزم ذلك البيع وبطل الفضولي.
د: لو قلنا بصحة الفضولي مطلقا أو في بعض الموارد، وأجازه
المالك ولزم العقد، فهل هي ناقلة للملك من حينها، أم كاشفة عن حصوله
من حين العقد؟
نسب الثاني إلى الأشهر (1)، استنادا إلى أنه مقتضى الإجازة، إذ ليس
معناها إلا الرضا بمضمون العقد، وليس مضمونه إلا إنشاء نقل العوضين من

(1) كما في الرياض 1: 513.
280

حينه، بل لو كان المراد الإجازة من حين الإذن - بمعنى: أنه يتحقق البيع
حينئذ - فهو لم يجز العقد المتقدم، إذ المقصود منه وقوع البيع من حينه،
فهذا يحتاج إلى إنشاء جديد.
وإلى أنه عقد يشمله عموم: (أوفوا بالعقود)، وليس ما يخرجه،
لأن المخرج هو ما إذا لم تلحقه الإجازة.
ويرد على الأول: أنا نسلم أن معنى الإجازة الرضا بمضمون العقد،
وهو انتقال المبيع إليه من حين العقد، ولكن لا دليل على كون ذلك الرضا
موجبا لتحقق النقل الشرعي من حينه.
والتوضيح: أنه لا شك أن مجرد الرضا بانتقال شئ إلى آخر في هذا
الزمان أو زمان سابق لا يوجب نقله إليه ما لم يتحقق عقد، وكذا المفروض
أنا لا نعلم قبل الإجازة والرضا حصول الانتقال من حين العقد، بل نقول
بعدم النقل بذلك العقد لو لم تلحقه الإجازة، وإنما علمنا حصول النقل بهما
معا، وأي ملازمة شرعية بين حصول الرضا بمقتضى عقد في زمان وتحقق
مقتضاه شرعا؟! بل لولا الدليل الشرعي لم نقل بتحققه شرعا من حين
الرضا أيضا.
وعلى الثاني: أن دلالة الآية على لزوم العقود غير تامة، سلمنا، ولكن
الأخبار الدالة على عدم جواز بيع غير المالك - كما مر - أخرجت هذا العقد
منه، فتحقق مقتضاه يحتاج إلى دليل آخر، فيجب الاقتصار على القدر
المتيقن، وهو حصول النقل من حين الإجازة.
وذهب المحقق الأردبيلي إلى الأول، بل قال: إنه على ما أظنه ظاهر،
مع أني أرى أكثرهم لا يقولون إلا بأنه كاشف، وما أرى له دليلا.
واستدل عليه بأن الظاهر من الآيات والأخبار والعقل والاجماع أن
281

رضا المالك جزء أو سبب أو شرط، فكيف يصح العقد بدونه ويكون
كاشفا لا سببا؟!
وبأنه إن لم يكن الرضا جزءا - والمفروض عدم جزء آخر بالاتفاق -
فيلزم الحكم بالصحة من دون إجازة أيضا.
وبأنه لو لم يجز المالك يلزم الحكم بفساد العقد مع وجود جميع ما
يتوقف عليه.
وأجيب عن الجميع: بتسليم كون الرضا شرطا، ولكن لا تجب
مقارنته للعقد، ولا يلزم من صحة العقد السابق بعد تحققها صحة العقد
بدون الشرط، إذ بعد حصول الإجازة يعلم كون العقد جامعا للشرائط،
وبعدمها يعلم فساد العقد.
ولا منافاة بين تأخر الشرط عن المشروط، فإن علل الشرع معرفات.
أقول: توضيحه: أن صحة العقد عبارة عن ترتب الأثر عليه، والمراد
بالأثر: الانتقال الأعم من المتزلزل واللازم، والمراد بكون الإجازة كاشفة
عن الصحة بأحد المعنيين: أن العقد حين إيقاعه صار موجبا لأحد الانتقالين
وترتب عليه هذا الأثر في الواقع، ولكن لم يكن ذلك معلوما لنا، فلما
تحققت الإجازة علمنا بأن أحد الانتقالين كان متحققا حين العقد، وإن لم
يتحقق يعلم فساد العقد أولا.
فإن قيل: إن لم يتوقف أحد الانتقالين على الإجازة فيحصل العلم به
عند العقد ولم تكن الإجازة كاشفة، وإن توقف عليها فلا معنى لحصول
أحد الانتقالين قبل تحقق الشرط.
قلنا: الإجازة شرط في ترتب الأثر واقعا، ولكن ليس الشرط وجودها
عند العقد بل في وقت.
282

والحاصل: أنه يتوقف تأثير العقد على وجود الإجازة، لا بمعنى
توقفه على وجودها الفعلي، بل على وجودها ولو في وقت آخر، فلو كان
العقد في الواقع بحيث تتعقبه الإجازة بعد مدة يكون حين الصدور سببا
تاما، وإذا كان في الواقع بحيث لم تتعقبه الإجازة يكون فاسدا..
فإذا وقع العقد فهو في الواقع لا يخلو إما أن يكون متعقبا للإجازة،
أو غير متعقب لها.
فعلى الأول: يكون في الواقع ناقلا من حين العقد وإن لم يعلم به.
وعلى الثاني: يكون فاسدا وإن لم يعلم به.
وإذا تحققت الإجازة علمنا أنه كان في الواقع متعقبا لها وصحيحا،
فمرادهم من قولهم: السبب الناقل هو العقد المشروط بشرائط التي منها
رضا المالك: أن العقد المشروط بهذا الشرط المتضمن لحصوله ولو في
وقت سبب ناقل، لا أن العقد المشروط بهذا الشرط المتضمن لحصوله
حين العقد هو السبب الناقل.
وبذلك يظهر توضيح كلام الشهيد الثاني في الروضة عند شرح قول
المصنف: وهي كاشفة عن صحة العقد (1).
وقد يجاب عن الدليل أيضا: بمنع كون الرضا سببا أو شرطا للانتقال
والصحة، ولا دلالة لدليل على ذلك أصلا، بل الانتقال في الجملة الحاصل
في ضمن المتزلزل حاصل قبل الإجازة، والإجازة شرط اللزوم والاستقرار،
نظير انقضاء الخيار في البيع اللازم.
أقول: لو قلنا بكون البيع الفضولي بيعا عرفا، أو بتمامية دلالة آية

(1) الروضة 3: 229.
283

الوفاء بالعقود، وقلنا على التقديرين بعدم تمامية شئ من الأخبار الدالة
على عدم جواز بيع غير المالك أو عدم شمولها للفضولي، وخصصنا دليل
اشتراط رضا المالك بالاجماع، لتم كل من الجوابين المذكورين، بل لم
يحتج حينئذ في صحة البيع الفضولي بعد الإجازة إلى دليل أيضا.
وأما لو قلنا بأن القاعدة المستفادة من الأخبار عدم جواز بيع غير
المالك، وعدم الجواز موجب للفساد، وأن إخراج الفضولي بتوسط الخبرين
المتقدمين (1)، فلا يتم شئ من الجوابين، إذ لم يعلم من الخبرين إلا حصول
الانتقال بعد الإجازة، وأما حصوله قبلها - وإن توقف العلم به على حصولها
أو ترتب الأثر على العقد المذكور وكون الرضا شرطا للزوم - فلا دليل عليه.
ومن هذا وإن ظهر سر ما ذهب إليه الأكثر - وأنه مبني على مقدمتين
مقبولتين عندهم، إحداهما: تمامية دلالة الآية، وثانيتهما: عدم تمامية دلالة
الأخبار على عدم صحة بيع الفضولي - ولكن ظهر أن الحق - على القول
بكفاية الإجازة وتأثيرها - هو كون الإجازة ناقلة من حينها، لعدم صحة
المقدمتين.
ه‍: ثم على تقدير عدم الإجازة فيما تفيد فيه الإجازة، ومطلقا فيما لا
تفيد فيه، قالوا: كان للمالك أن يرجع إلى المشتري في عين ماله إذا كان
باقيا مع نمائه الباقي، متصلا كان أو منفصلا، وبقيمة ماله ونمائه أو مثلهما
مع كونه تالفا بفعل المشتري أو غيرها، وبعوض منافعها المستوفاة وغيرها،
سواء في كل ذلك كون المشتري عالما بأنه مال الغير، أو جاهلا.
ولم نعثر على مصرح بالخلاف في شئ من تلك الأحكام، وأكثرها

(1) في ص: 270 و 271.
284

مصرح به في كلام الأكثر، بل مجمع عليه.
ويدل على جميع تلك الأحكام ما رواه الشيخ في أماليه، عن رزيق،
عن أبي عبد الله عليه السلام: في رجل اشترى أرضا لميت بغير إذن ورثته، فقال له
الرجل المشتري: جعلني الله فداك، كيف أصنع؟ فقال: (ترجع بمالك على
الورثة، وترد المعيشة إلى صاحبها، وتخرج يدك عنها)، قال: فإذا أنا فعلت
ذلك فله أن يطالبني بغير هذا؟ قال: (نعم، له أن يأخذ منك ما أخذت من
الغلة من ثمن الثمار، وكل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها، يجب
عليك أن ترد ذلك، إلا ما كان من زرع زرعته أنت، فإن للزارع إما قيمة
الزرع وإما أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع، فإن لم يفعل كان ذلك له
ورد عليك القيمة وكان الزرع له)، قلت: جعلت فداك، وإن كان هذا قد
أحدث فيها بناء وغرسا؟ قال: (له قيمة ذلك، أو يكون ذلك المحدث
بعينه يقلعه ويأخذه)، قلت: أرأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقطع الغرس
وهدم البناء؟ قال: (يرد ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض،
فإذا رد جميع ما أخذ من غلاتها إلى صاحبها ورد البناء والغرس وكل
محدث إلى ما كان أو رد القيمة كذلك يجب على صاحب الأرض أن يرد
عليه كلما خرج عنه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في
مصلحة المعيشة ودفع النوائب عنها، كل ذلك فهو مردود إليه) (1).
وضعفها غير ضائر، أما عندنا فظاهر، وأما على المشهور بين
المتأخرين فلانجبارها بالشهرة بل الاجماع، ودلالتها - على الرجوع في
العين الباقية والنماء الباقي وقيمة التالف منهما بفعل المشتري - ظاهرة.

(1) أمالي الطوسي: 707، الوسائل 17: 340 أبواب عقد البيع وشروطه ب 3 ح 1،
بتفاوت يسير.
285

وأما دلالتها على الرجوع في التالف من المشتري وفي عوض المنافع
المستوفاة وغيرها فقوله عليه السلام: (وكل محدث إلى ما كان أو رد القيمة)
يستفاد منه وجوب رد كل ما يحدث عند المشتري مع إمكانه، ورد قيمته
إن كانت له قيمة مع عدمه، سواء كان الحدوث من المشتري أم لا.
ولا شك أن تلف العين والنماء وإن لم يكن بفعل المشتري أمر
محدث فيجب رد قيمته، وكذلك استيفاء المنافع، بل إثبات المشتري يده
على العين إثبات ليده على منافعه مطلقا وتصرف فيه، وهذا أيضا أمر
محدث فيجب رد قيمته.
مثلا: إذا تصرف المشتري في دار زيد وأثبت يده عليه في شهر فهو
تصرف في حق السكنى فيها في ذلك الشهر وإن لم يسكن فيه، وهذا أمر
محدث، ولما لم يمكن رد ذلك - أي رفع التصرف في هذا الشهر
المخصوص - فتجب قيمته، وهي أجرة المثل.
وترك الاستفصال في الرواية يدل على ثبوت الحكم في صورة علم
المشتري وجهله، بل الظاهر من قوله: (إما للزارع) إلى آخره، وقوله:
(كذلك يجب على صاحب الأرض) أن المشتري كان جاهلا.
وتدل على جميع تلك الأحكام أيضا - في صورة علم المشتري بأنه
مال الغير - صحيحة أبي ولا د الطويلة، حيث سأل الراوي: أنه اكترى بغلة
من الكوفة إلى قصر بني هبيرة بمبلغ في طلب غريم، فلما خرج أخبر أن
الغريم ذهب إلى النيل، فلما ذهب إليه أخبر بتوجهه إلى بغداد، فتوجه إليه
وظفر به ورجع، فأراد إرضاء المالك بالتواضع والتبذل فلم يرض، وحكم
بعض قضاة العامية بأنه لا حق له، فأجاب الإمام عليه السلام بأن عليه مثل كري
البغل ذاهبا وجائيا، قال: قلت: جعلت فداك، فقد علفته بدراهم فلي عليه
286

علفه؟ قال: (لا، لأنك غاصب)، فقلت: أرأيت لو عطب (1) البغل أو
نفق (2) أليس كان يلزمني؟ قال: (نعم، قيمة بغل يوم خالفته)، قلت: فإن
أصاب البغل كسر أو دبر (3) أو عقر (4)؟ فقال: (عليك قيمة ما بين الصحة
والعيب يوم ترده عليه)، قلت: فمن يعرف ذلك؟ قال: (أنت وهو، إما أن
يحلف هو على القيمة فيلزمك، فإن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة
لزمك ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين
اكترى كذا وكذا فيلزمك) الحديث (5).
وجه الدلالة: أن قوله: (لأنك غاصب) يدل على أن كل من تصرف
في ملك الغير بغير إذنه مع علمه به وإن جوز رضاه ولو ببذل مال - كما في
المورد - يكون غاصبا.. ومن القواعد المعلومة بالاجماع - بل الضرورة -:
أنه يجب على الغاصب رد ما غصبه مع بقائه، وضمانه للقيمة مع التلف،
وكلما ثبتت عليه يد المشتري فيما نحن فيه إذا علم أنه مال الغير من العين
والنماء والمنافع المستوفاة وغيرها من هذا القبيل.
بل يدل [عليه] (6) أيضا [قوله] (7): (نعم قيمة بغل)، لعدم القول

(1) عطب الهدي: هلاكه، وقد يعبر به عن آفة تعتريه تمنعه من السير - مجمع
البحرين 2: 124.
(2) نفقت الدابة من باب قعد تنفق نفوقا: أي هلكت وماتت - مجمع البحرين 5:
241.
(3) الدبر - بالتحريك -: كالجراحة تحدث من الرجل ونحوه - المغرب 1: 174،
مجمع البحرين 3: 299.
(4) العقر: الجرح - القاموس 2: 96، المصباح المنير: 421.
(5) الكافي 5: 290 / 6، التهذيب 7: 215 / 943، الإستبصار 3: 134 / 483،
الوسائل 19: 119 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 1.
(6) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(7) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
287

بالفصل بين البغل وغيره من الأموال.
ويدل على بعض هذه الأحكام قوله عليه السلام: (الناس مسلطون على
أموالهم) (1).
و: (على اليد ما أخذت) (2).
وموثقة جميل: في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثم يجي
مستحق الجارية، فقال: (يأخذ الجارية المستحق، ويدفع إليه المبتاع قيمة
الولد، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه) (3).
ورواية زرارة: قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل اشترى جارية من
سوق المسلمين، فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا، ثم أتاها من يزعم
أنها له وأقام على ذلك البينة، قال: (يقبض ولده ويدفع إليه الجارية،
ويعوضه في قيمة ما أصابه من لبنها وخدمتها) (4).
ورواية أخرى له: قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرجل يشتري الجارية
من السوق فيولدها، ثم يجي رجل فيقيم البينة على أنها جاريته ولم يبع
ولم يهب، قال: فقال: (يرد إليه جاريته ويعوضه مما انتفع) (5).
ويستفاد من الموثق وجوب دفع قيمة النماء أيضا إذا كان باقيا ولم
يمكن دفعه شرعا.

(1) عوالي اللآلئ 1: 222 / 99.
(2) عوالي اللآلئ 1: 389 / 22.
(3) التهذيب 7: 82 / 353، الإستبصار 3: 84 / 285، الوسائل 21: 205 أبواب
نكاح العبيد والإماء ب 88 ح 5.
(4) التهذيب 7: 83 / 357، الإستبصار 3: 85 / 289، الوسائل 21: 204 أبواب
نكاح العبيد والإماء ب 88 ح 4، بتفاوت يسير.
(5) الكافي 5: 216 / 13، التهذيب 7: 64 / 276، الإستبصار 3: 84 / 287،
الوسائل 21: 204 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 88 ح 2.
288

ولو تلف نماء متصل وبقيت العين - كالسمن - ورد العين، يجب رد
قيمة النماء، لما مر، ولكنه مخصوص بما إذا كانت له قيمة. والوجه ظاهر.
ثم المستفاد من تلك الأخبار رجوع المالك إلى المشتري، وقد ذكر
كثير منهم تخير المالك في صورة تلف العين بين الرجوع إليه أو إلى البائع.
ووجهه - في صورة مسبوقية تصرف المشتري بتصرف البائع في
التلف - ظاهر.
وأما مع عدم المسبوقية - بأن تكون العين في يد المشتري فباعه
البائع أو في يد ثالث - فلم أعثر لجواز الرجوع على البائع على وجه،
والظاهر عدم جوازه.
و: وفي القيمة التي يرجع إليها المالك إذا تفاوتت من حين التصرف
إلى زمان الدفع أقوال:
مذهب المحقق في النافع والشيخ في موضع من المبسوط إلى أنها
قيمة يوم التصرف (1)، ونسبه في الشرائع إلى الأكثر (2).
وقال الشيخ في النهاية والخلاف وموضع من المبسوط وابن حمزة
والحلي: إنها أعلى القيم من حين التصرف إلى التلف (3) ومال إليه في
الدروس (4)، واختاره في اللمعة والروضة (5)، ونسبه في المختلف والتنقيح

(1) النافع: 256، المبسوط 3: 60.
(2) الشرائع 3: 240.
(3) لم نعثر عليه في النهاية، نعم حكاه عنه في المقتصر: 342 والمهذب البارع 4:
252، الخلاف 3: 403 و 415، المبسوط 3: 72، ابن حمزة في الوسيلة:
276، الحلي في السرائر 2: 325 و 481.
(4) الدروس 3: 113.
(5) اللمعة والروضة 3: 234.
289

إلى الأكثر (1).
وذهب القاضي والفاضل في المختلف إلى أنها قيمة يوم التلف (2)،
ونسبه في الدروس إلى الأكثر (3).
وقيل: بأنها أعلاها من حين التصرف إلى وقت الدفع (4)، اختاره
بعض المتأخرين (5).
والحق هو: الأول، لا لما قيل من أنه زمان اشتغال ذمته وضمانه
للقيمة (6)، لمنع ضمانه للقيمة حينئذ، وإنما هو ضامن لرد العين، وإنما
يضمن القيمة لو تلفت العين، بل لصحيحة أبي ولاد المتقدمة (7).
وليس محط استدلالنا فيها قوله: (قيمة بغل يوم خالفته) حتى يرد أنه
يحتمل أن يكون قوله: (يوم خالفته) متعلقا بقوله: يلزم، المدلول عليه
بقوله: (نعم) ويكون المراد: نعم يلزمك - لو هلك - قيمة البغل من يوم
المخالفة، ويكون دفعا لتوهم الضمان لو تلف قبل المخالفة.
بل قوله: (أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين
اكترى كذا وكذا فيلزمك) فإن معناه: فيلزمك قيمة البغل حين أكري.
ولا يرد: أنه ليس حين المخالفة، فتلزم القيمة قبل المخالفة، وهو
مخالف للاجماع.

(1) المختلف: 455، التنقيح 2: 174.
(2) القاضي في جواهر الفقه: 110، المختلف: 455.
(3) الدروس 3: 113.
(4) انظر الرياض 2: 304.
(5) حكاه في الرياض 2: 304 عن العلامة المجلسي.
(6) انظر التنقيح 2: 32.
(7) في ص 286.
290

لأنه لا فاصلة يعتد بها بين وقتي المخالفة والاكراء في المورد، كما
يدل عليه صدر الحديث.
والمراد بالمخالفة في الحديث: التصرف بدون الإذن دون التصرف
مع النهي، لعدم نهي صاحب البغلة عن التجاوز.
فلا يرد أن المخالفة غير متحققة فيما نحن فيه، واختصاصها بالعالم
بأنه ملك الغير غير ضائر، لعدم القول بالفصل.
احتج المخالف الأول بأن اشتغال ذمة المتصرف يقيني، ولا يحصل
بالبراءة إلا بدفع أعلى القيم.
وبأنه مضمون في جميع حالاته، التي من جملتها حالة أعلى القيم،
ولو تلف فيها لزم ضمانه، فكذا بعده.
ويرد على الأول: أن المتيقن اشتغال ذمته به هو أدنى القيم من القيم
الأربعة المذكورة، لا مطلقا.
وعلى الثاني: أن ضمان العين في تلك الحالة غير مفيد، وضمان
القيمة إنما هو على تقدير التلف لا مطلقا.
وقال صاحب الكفاية لتقوية هذا القول: إن المتصرف في أول زمان
التصرف مكلف بإيصال العين إلى المالك في ذلك الوقت، فإن لم يفعل
كان عليه أن يجبر النقصان الذي حصل للمالك بسببه، وهو إما برد العين
في زمان آخر، أو قيمته في الزمان الأول عند تعذر ذلك، وكذلك في
الزمان الثاني والثالث، فإذا فرض زيادة القيمة في بعض هذه الأزمنة كان
عليه ردها عند تعذر العين (1).

(1) الكفاية: 257.
291

ويظهر ما فيه مما مر، فإن مع بقاء العين ليس على المتصرف إلا
ردها، ولا تشتغل ذمته بالقيمة مطلقا إلا عند التلف.
واحتج الثاني: بأن الانتقال إلى القيمة إنما هو عند التلف، فيعتبر في
تلك الحال.
وفيه: منع استلزام التلف الانتقال إلى القيمة حينه، إذ لا مانع من
تعيين قيمة أخرى بدليل آخر.
وبأن اعتبار الأزيد منه لا دليل عليه، واعتبار الأدون يوجب الضرر
المنفي.
وفيه: منع إيجاب اعتبار الأدون للضرر، إذ ليست القيمة السوقية في
حال مما يحصل بالمنع عن استيفائها ضرر، ولذا لو منع مانع آخر عن بيع
ماله حتى ينقص قيمته لا يحكم بضمانه.
وقد يقال: إنه قد ورد في الأخبار الأمر برد قيمة التالف، والمتبادر
من قيمته قيمة وقت التلف.
وفيه: منع تبادر ذلك، ولكن الظاهر عدم الريب في أن المتردد فيه
من أمثال ذلك في العرف إنما هو قيمة وقت التصرف ووقت التلف، وأما
غيرهما فلا يحتمله أصلا.
ومن هذا يظهر فساد غير القول الأول والثالث مطلقا، والتردد إنما هو
بينهما لولا الصحيح المتقدم.
وحكم النماء التالف أيضا حكم العين في اعتبار وقت التصرف.
وأما المنافع، فلكونها تدريجية غير قارة فلا يجري فيها ذلك
الخلاف.
هذا كله إذا كان التفاوت من جهة السوق وتلفت العين.
292

أما إذا كانت العين باقية وردها فلا يضمن التفاوت السوقي، بلا
خلاف، للأصل.
كما أنه لا خلاف في ضمان الأعلى إذا كان التفاوت من جهة زيادة
عينية - كالسمن - أو وصفية - كتعلم صنعة ونسيانها - سواء كان حصول
الزيادة بفعل المتصرف أو لا، وسواء كان نقصها بتفريطه أم لا.
ولا فرق في ضمان قيمة تلك الزيادة عند تلفها بين بقاء العين وردها
وبين تلفها ورد قيمتها.
نعم، لو زاد في العين ما لا قيمة له - كسمن مفرط - فلا ضمان فيه.
وظهر مما ذكر أنه لو كان المبيع فرسا - مثلا - وكانت قيمته يوم
القبض ثلاثين درهما وكان مهزولا، ثم سمن وتلف وكانت القيمة حينئذ
عشرين درهما لأجل السوق، بحيث لو كان حينئذ مهزولا كالأول كانت
قيمته عشرة دراهم، يجب عليه دفع أربعين درهما: ثلاثون قيمة يوم
القبض، وعشرة قيمة الزيادة التالفة.
وأنه لو كان حين القبض سمينا وقيمته عشرون درهما، ثم هزل
ولكن كانت قيمته السوقية ثلاثين درهما، ورده حينئذ، يجب على
المتصرف دفع التفاوت بين قيمة السمين والمهزول يوم القبض أيضا.
إلى غير ذلك من الفروعات المتكثرة، ويجئ شطر منها مع سائر ما
يناسب هذا الباب في كتاب الغصب.
ز: ولو اختلفت قيمة العين أو النماء في بلد القبض والتلف أو
الدفع، فالظاهر اعتبار مكان يتحقق فيه ضمان القيمة، ويحتمل اعتبار
الأدون من قيم الأمكنة الثلاثة، للأصل.
ح: وعلى تقدير بقاء العين إذا احتاج رده إلى مؤنة فعلى الدافع،
293

لوجوب الدفع عليه وتوقفه عليها.
ط: ثم إذا رجع المالك إلى المشتري فيما ذكر، فإن كان المشتري
عالما بأنه مال الغير ولم يكن البائع يدعي الإذن فلا يرجع المشتري إلى
البائع بغير الثمن الذي أعطاه مما اغترمه للمالك، إجماعا، للأصل.
وأما الثمن، فإن كان موجودا كان للمشتري الرجوع به على الأقوى،
وفاقا لجماعة، منهم: المحقق في بعض تحقيقاته (1)، والفاضل في
المختلف والتذكرة (2)، والشهيدان في اللمعة والروضة والمسالك (3)، لأصالة
عدم الانتقال، وتسلط الناس على أموالهم.
وإن لم يكن موجودا فلا يرجع به، وفاقا للأكثر، ونسبه في التذكرة
إلى علمائنا (4)، لأصالة براءة ذمته وعدم دليل على ضمانه، ولم يثبت عموم
ضمان كل من أتلف مال غيره بحيث يشمل ما نحن فيه أيضا.
وحرمة تصرف البائع لو سلمت لا تستلزم الضمان.
وقوله عليه السلام: (على اليد ما أخذت) (5) يدل على أداء العين لا وجوب
العوض.
ورواية الأمالي وموثقة جميل المتقدمتان (6) مخصوصتان بالجاهل، أما
الأولى فلما مر، وأما الثانية فللأمر فيها بأخذ الولد وإعطاء قيمته.
فإن قيل: إن المشتري أذن في التلف بشرط عدم تحقق أخذ

(1) نقله عنه في المسالك 1: 172.
(2) المختلف: 348، التذكرة 1: 463.
(3) اللمعة والروضة 3: 235، المسالك 1: 172.
(4) التذكرة 1: 463.
(5) عوالي اللآلئ 1: 389 / 22.
(6) في ص: 284 و 285، 288.
294

العوض، وقد انتفى الشرط فينتفي المشروط، فيكون متلفا لمال الغير بدون
إذنه، وهو موجب للضمان قطعا.
قلنا: الاشتراط ممنوع، بل نعلم قطعا أنه يريد تسليمه إياه قبل تحقق
استرداد المبيع أو عوضه أن يتصرف فيه كيف شاء، كيف؟! ولو كان كما
قيل فإن كان المراد اشتراط الإذن بعدم تحقق استرداده في بعض الآنات فقد
حصل الشرط، وإن كان اشتراطه بعدم تحقق استرداده في شئ من الأزمنة
يلزم أن يكون منظوره عدم التصرف فيه أبدا، وهو منفي قطعا.
نعم، مقصوده أخذ العوض لو تحقق استرداد المبيع أو عوضه،
وذلك القصد غير موجب للضمان، بل لا دليل على إيجابه له لو كان منظور
البائع رد عوضه أيضا.
نعم، لو كان البيع فضولا لأجل المالك، وسلم المشتري الثمن إلى
البائع ليسلمه المالك لو أجاز، وأتلفه البائع، فالوجه الرجوع إليه، والوجه
ظاهر.. أما إذا تلف حينئذ لا من جهة البائع فلا رجوع إليه أيضا.
وإن كان المشتري جاهلا فيرجع إلى البائع بالثمن الذي أعطاه البائع
مطلقا، تالفا كان أم باقيا، لرواية الأمالي وموثقة جميل (1) أيضا.
وكذا بسائر ما اغترمه للمالك مما لم يحصل له في مقابلته له عوض،
بلا خلاف يعرف، كزيادة الثمن التي يؤديها في صورة التلف، وقيمة النماء
التالف، وأجرة ما لم ينتفع به، وقيمة الولد، وأمثالها، ومنها ما صرف في
إصلاح المبيع بل تزيينه، وكل ما يجوز لمالك الملك صرفه فيه.
وتدل عليه - بعد ظاهر الاجماع - موثقة جميل، بضميمة الاجماع

(1) المتقدمتين في ص: 284 و 285 و 288.
295

المركب، وعموم قوله عليه السلام: (المغرور يرجع على من غره) نقله المحقق
الشيخ علي في حاشيته على الإرشاد، وضعفه غير ضائر، لأن الشهرة بل
الاجماع له جابر، بل هذه قاعدة مسلمة بين جميع الفقهاء متداولة عندهم،
يستعملونها في مواضع متعددة، كالغصب، والتدليس في المبيع، والزوجة،
والجنايات، وأمثالها.
وتدل عليه العلة المنصوصة في رواية رفاعة: (قضى أمير
المؤمنين عليه السلام في امرأة زوجها وليها وهي برصاء أن لها المهر بما استحل
من فرجها، وأن المهر على الذي زوجها، وإنما صار المهر عليه لأنه
دلسها) (1).
وأما ما اغترمه مما حصل له في مقابله نفع - كعوض الثمرة وأجرة
السكنى - ففي الرجوع به إلى البائع وعدمه قولان:
الأول: للمحقق في تجارة الشرائع، وصاحب التنقيح (2).
والثاني: للشيخ في المبسوط والخلاف والحلي (3).
ولعل الأظهر هو الأول، لما مر من رجوع المغرور إلى الغار، والعلة
المنصوصة، ولكن يجب التخصيص بما إذا كان البائع عالما بأنه ملك الغير
لتحقق التغرير والتدليس، وإلا فلا يرجع، للأصل.
وعدم القول بالفصل غير معلوم، ولولا إطلاق موثقة جميل (4) وظاهر

(1) الكافي 5: 407 / 9، التهذيب 7: 424 / 1697، الإستبصار 3: 245 / 878،
مستطرفات السرائر: 36 / 53، الوسائل 21: 212 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 2
ح 2.
(2) الشرائع 2: 14، التنقيح 4: 75.
(3) المبسوط 3: 71، الخلاف 3: 403 الحلي في السرائر 2: 325.
(4) المتقدمة في ص: 288.
296

الاجماع لقلنا بمثل ذلك فيما لم يحصل في مقابلته نفع أيضا.
ي: لا يخفى أن ظاهر كثير من عباراتهم أن ما ينفقه المشتري في
المبيع لاصلاحه ودفع النوائب عنه حكمه حكم ما اغترمه المشتري ولا نفع
له، فيجوز له الرجوع فيها على البائع، وصريح رواية الأمالي (1) أنه يجب
على المالك رد جميع ذلك، ورد النص الصريح بمجرد مخالفة جمع من
المتأخرين غير جائز.
نعم، لو ثبت الاجماع على الأول لكان هو المتعين، ولكنه غير
ثابت، فالفتوى على الثاني، ولكن ذلك مختص بصورة الجهل، وأما مع
العلم فلا يرجع به إلى أحد، كما صرح به في صحيحة أبي ولا د (2).
المسألة الثانية: لو باع المملوك له ولغيره صفقة في بيع واحد،
وقف البيع في غير المملوك على الإجازة، على القول بصحة الفضولي،
وبطل على القول المختار، وصح في المملوك مطلقا، سواء حصلت
الإجازة في غيره أم لا.
أما الأول فوجهه ظاهر مما مر.
وأما صحته في المملوك فهو الحق المشهور بين أصحابنا، بل عن
الغنية والتذكرة الاجماع عليه (3)، وصرح بعضهم بعدم الخلاف فيه (4)،
ووجهه - على ما ذكرنا من معنى البيع عرفا - ظاهر، فإنه قد ورد البيع عرفا
على هذا البعض المملوك ولو في ضمن وروده على الكل، وانضمام شئ
آخر معه لا يخرج هذا البعض عن كونه مبيعا، ولا البائع عن كونه بائعا له،

(1) المتقدمة في ص: 284، 285.
(2) المتقدمة في ص: 286.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 585، التذكرة 1: 463.
(4) انظر الرياض 1: 513.
297

فتشمله عمومات صحة البيع ولزومه (1)، وصحيحة الصفار المتقدمة في
أوائل المبحث (2).
نعم، يشكل على القول باشتراط تحقق البيع وصحته على الشرع، إذ
لا دليل شرعا على أن بيع الكل بيع لجزئه، إلا أن يدعى الاجماع في
خصوص المسألة، كما هو الظاهر.
واحتمل بعض المتأخرين البطلان رأسا (3)، أي بعد عدم إجازة مالك
البعض الآخر على القول بتأثيرها، ومطلقا على عدمه.
لأن العقد تابع للقصد، والمقصود هو بيع المجموع لا الجزء.
وأيضا الجزء ليس نفس ما وقع عليه البيع فلا بيع حينئذ فيه.
ويرد على الأول: أنه إن أريد أنه لم يقصد بيع الجزء أصلا فبطلانه
ظاهر، لأن قصد بيع الكل يستلزم قصد بيع جزئه، وما لا يقصد بيع جزئه
لا يقصد بيع كله.
وإن أريد أنه قصد كونه جزءا للمبيع - أي بشرط كونه في ضمن
الكل - ففيه: أنه ممنوع، غاية الأمر أنه لا يعلم قصد كونه مبيعا برأسه أيضا،
وهو غير مضر.
والتوضيح: أنه علم قصد بيعه قطعا ولكنه يحتمل أن يكون مراده
بيعه مطلقا، سواء أجاز مالك البعض الآخر أيضا أم لا، وأن يكون بيعه
منضما مع البعض الآخر، والثابت من عمومات البيع نفوذ البيع مطلقا،
سواء قصد استقلال ما قصد بيعه، أو جزئيته لغيره، أو لم يعلم شئ

(1) الوسائل 17: 333 أبواب عقد البيع وشروطه ب 1.
(2) راجع ص: 252.
(3) انظر مجمع الفائدة 8: 162.
298

منهما، خرج ما علم فيه الجزئية وانتفاء الجزء الآخر بالاجماع، فيبقى الباقي.
وعلى الثاني: أنه يصح على القول بوجوب الاقتصار في تحقق البيع
بما علم كونه بيعا شرعا.
وأما على ما ذكرنا - من أنه يتحقق بتحقق كل ما دل على نقل الملك
به بقصد المبايعة - فلا، إذ هو أعم من أن تكون الدلالة بالمطابقة أو
التضمن أو الالتزام، ولذا لو باع أحد داره وفرسه صفقة يقال: إنه باع فرسه.
ثم إن أجاز مالك البعض الآخر وقلنا بتأثيرها، وإلا فإن كان المشتري
عالما بأن بعضه مال الغير ولم يدع البائع الإذن فلا خيار له، للأصل..
والكلام في الرجوع على البائع بثمنه وغيره كما تقدم.
وإن كان جاهلا أو ادعى البائع الإذن قالوا: كان له الخيار في المملوك
أيضا، واستدلوا عليه تارة بأن تبعض الصفقة أو الشركة عيب موجب
للخيار، وأخرى بأنهما موجبان الضرر المنفي. وفي إطلاقهما نظر ظاهر، إلا
أن الظاهر عدم الخلاف.
ولا يبعد أن يستدل عليه برواية عمر بن حنظلة الآتية الواردة فيمن
باع أرضا على أن فيها عشرة أجربة، فلما مسح فإذا هي خمسة أجربة (1).
والمسألة محل إشكال، ولعله يأتي الكلام فيها.
فإن فسخ المشتري يرجع كل مال إلى مالكه، وإن أمضى في المملوك
فيلزم ويقسط الثمن على المالين، وفي كيفيته كلام.
والوجه - كما قيل (2) - أن يقال: إذا لم تكن قيمة المجموع زائدة على

(1) الفقيه 3: 151 / 633، التهذيب 7: 153 / 675، الوسائل 18: 27 أبواب
الخيار ب 14 ح 1.
(2) كما في كفاية الأحكام: 89.
299

مجموع قيمتي الجزءين يقوم واحد منهما، مثل المملوك، ويقوم
المجموع، وتراعى النسبة بين قيمته وقيمة المجموع، ويأخذ البائع من
الثمن بتلك النسبة، ويرد الباقي على المشتري.
أو يقوم غير المملوك والمجموع، وتراعى النسبة، ويرجع المشتري
من الثمن بتلك النسبة، ويأخذ البائع الباقي.
وإن كانت قيمة المجموع زائدة يقوم المملوك والمجموع، وتراعى
النسبة بين القيمتين، ويأخذ البائع من الثمن بتلك النسبة، ويرجع المشتري
بالباقي.
أو يقوم كل منهما والمجموع، وتراعى النسبة بين مجموع قيمتي
الجزءين وقيمة المجموع، ويجعل من الثمن قدرا بتلك النسبة بإزاء
مجموع القيمتين والباقي بإزاء الهيئة التركيبية، ويأخذ البائع من الثمن بنسبة
قيمة مملوكه إلى مجموع القيمتين، ويرجع المشتري على البائع بالباقي.
المسألة الثالثة: لو باع ما يملك مع ما لا يملك مطلقا - كالحر - أو لا
يملكه المسلم - كالخمر والخنزير - فيصح البيع فيما يملك دون ما لا
يملك، ويقسط الثمن عليهما على ما مر، وطريق تقويم الحر فرض كونه
عبدا بهذه الصفة، ويقوم الخمر والخنزير عند مستحليهما، والكلام فيما
كان للهيئة الاجتماعية مدخلية - كخفين أحدهما جلد الخنزير - كالسابق.
ولا يخفى أن تقويم الخمر والخنزير عند مستحليهما إنما هو عند
علم المتبايعين بكونه خمرا أو خنزيرا، أما مع ظن كونهما خلا أو شاة
فيقوم مثله لو كان شاة أو خلا على ما هو من الأوصاف، ويقع الاشكال فيما
لم يكن اتحاد الأوصاف.
ثم إن الحكم بصحة البيع فيما يملك - مع جهل المتابعين بفساد البيع
300

فيما لا يملك - ظاهر.
وأما مع علم أحدهما أو كليهما فظاهر إطلاق الأكثر الصحة، إلا أن
الفاضل في التذكرة نفى البعد عن الحكم بالبطلان مع علم المشتري (1)،
واستشكل في المسالك الحكم بالصحة حينئذ أيضا، لافضائه إلى الجهل
بالثمن حال البيع (2)، وأخرى في الروضة الاشكال في صورة علم البائع
وحده أيضا (3).
قيل: الفرق بين ذلك وبين ما تكون الضميمة مال الغير: أنه يبتاع
ملك الغير مع مملوك البائع، والثمن إنما هو بإزاء المجموع، والبيع في
المجموع صحيح.
أقول: على القول بعدم تأثير الإجازة أو كونها ناقلة لم يتحقق البيع
الصحيح في المجموع أو إلا حال الإجازة، وأما قبلهما فلم يتحقق بيع
صحيح في المجموع، فيتحقق الجهل بثمن المملوك حال البيع، فيلزم فساد
البيع فيه حينئذ،، ولا تفيد الإجازة المتحققة بعد ذلك.
وكذا على القول بكون الإجازة كاشفة مع عدم الإجازة، فإنه يكشف
عن فساد البيع في المجموع حال البيع، فيتحقق الجهل بثمن المملوك أيضا.
نعم، لو قلنا بكون الإجازة كاشفة مع عدم الإجازة، فإنه يكشف عن
فساد البيع في المجموع حال البيع، فيتحقق الجهل بثمن المملوك أيضا.
أقول: الصواب التفرقة، بالاجماع وصحيحة الصفار المتقدمة (4)، ثم
المتجه في محل النزاع: الفساد في صورتي علم البائع أو المشتري، لما ذكر.

(1) التذكرة 1: 565.
(2) المسالك 1: 173.
(3) الروضة 3: 240.
(4) في ص: 1344.
301

المسألة الرابعة: لا فرق في اشتراط المالكية بين المثمن والثمن، فلو
اشترى شيئا بثمن غير مملوك له بطل البيع، لما مر.
والمراد بالشراء بالثمن الغير المملوك: أن اشترى السلعة بهذا الثمن
المعين، أما لو اشترى بثمن غير مشخص ثم أعطى ثمنا غير مملوك له لم
يبطل البيع.
ثم في صورة بطلان البيع كان لمالك الثمن الرجوع بعين ثمنه إلى
البائع مع بقائه، وإلى كل من المتبايعين بمثله مع تلفه، وليس له غير ذلك
من الأجرة أو المنافع شيئا، إلا إذا كان الثمن مما له نفع.
ويرجع البائع بالمبيع ونمائه المتصل والمنفصل مع البقاء إلى
المشتري مطلقا، ومع التلف إن كان البائع جاهلا بأن الثمن ملك الغير،
ويرجع إليه حينئذ بالمنافع المستوفاة وغيرها، وإن كان عالما فلا رجوع
بشئ من التالف أصلا، ووجهه ظاهر مما مر.
ومنها: المغايرة الحقيقية بين المتعاقدين، قال بعضهم باشتراطها في
الجملة.
والتوضيح: أنه سيأتي في مباحث الحجر والتفليس جواز بيع الأب
والجد للأب ووصيهما إن فقدا وشرائهم للأطفال والسفهاء والمجانين
المتصل سفههم وجنونهم بالبلوغ.
ثم من الحاكم وأمينه إن لم يوجدوا، [ومطلقا] (1) إن طراء السفه أو
الجنون بعد البلوغ، وكذلك الغائب.
ثم من آحاد المؤمنين مع تعذر الحاكم وأمينه مع المصلحة.

(1) في (ح) و (ق): مطلقا، والصحيح ما أثبتناه.
302

وكذا يأتي في بحث الوكالة جواز بيع الوكيل وشرائه.
وليس كلامنا في هذا المقام في شئ من ذلك، وإنما الكلام في أنه
هل يجوز لهؤلاء تولي طرفي المبايعة؟ وذلك يكون على وجهين:
أحدهما: أن يتولى كل منهم طرفي العقد - أي الايجاب والقبول -
بأن يكون موجبا وقابلا معا، كأن يتوكل الوكيل عن البائع والمشتري، أو
عن أحدهما مع كونه الآخر بنفسه، ويتوكل الولي في المبايعة لمن له عليه
الولاية عن الطرف الآخر، أو كان نفسه هو الآخر.
وثانيهما: أن يبيع كل منهم عن نفسه أو يشتري له، أي يبيع مال
نفسه بالمولى عليه أو الموكل الذي وكله في شراء ذلك، أو اشترى نفسه
مال المولى عليه أو مال الموكل الذي وكله في بيعه.
أما الأول، فالحق فيه الجواز، ولعله الأشهر، لصدق البيع والشراء
عرفا، إذ ليس البيع إلا نقل الملك إلى آخر، وهو صادق في المورد، لتغاير
الناقل والمنتقل إليه حقيقة وإن كان الموجب والقابل منهما واحدا، فيكون
جائزا ولازما بالعمومات، ولا دليل على اشتراط المغايرة بين موجد النقل
وموجد قبوله.
وما قد يتشبث به لاعتبار التعدد هو أصالة عدم الانتقال.
وأن الايجاب نقل الملك عن الموجب، والقبول نقله إليه، فيجتمع
الضدان.
وفي الأول: أن العمومات مخرجة عن الأصل.
وفي الثاني: أن الايجاب لنقل الملك عن المالك دون الموجب، كما
أن القبول للانتقال إلى مالك الثمن - أي المشتري - دون القابل.
وأما الثاني، فيأتي الكلام فيه في مباحث الحجر والوكالة والوصاية.
303

الفصل الثالث
في شرائط العوضين
وهي أيضا أمور:
منها: أن يكونا مملوكين - أي مما يصح تملكه - لما مر في اشتراط
المالكية.
والمرجع في كون شئ ملكا ومالا إلى العرف، حيث إنه لا دليل
شرعا على بيانه وإن ثبت من الشرع عدم تملك بعض الأشياء، فيشترط في
صحة البيع كون كل من العوضين ملكا عرفا وعدم دليل شرعي على عدم
صحة تملكه، فلا يصح بيع ما لا يملك شرعا - كالحر - أو عرفا - كالأشياء
التي لا ينتفع بها - فإنها لا تسمى مالا في العرف، لصحة السلب، وتبادر
الغير، ولأن الملكية أو المالية ربط حادث بين المالك والمملوك، فهو
مخالف للأصل لا يحكم به إلا مع الثبوت، ولم يثبت فيما لا نفع فيه.
والنفع المعتبر في صدق المال هو ما كان معتبرا في نظر العقلاء، فلا
اعتبار بما لم يكن كذلك، إما لكونه نفعا يسيرا لا يعتني به العاقل، أو يعد
مثله لغوا عنده لا نفعا، للأصل المتقدم.
وهل يشترط كونه معلوم الترتب على العين، أو يكفي الظن أو
الاحتمال أيضا؟
وعلى التقديرين هل يشترط عدم ندرة الانتفاع به، أو يكفي مجرد
الترتب وإن كان نادرا؟
الحق: كفاية الظن ومجرد الترتب، ولذا تعد أكثر العقاقير التي توجد
304

عند الأطباء والمعاجين التي يصنعونها مالا، مع أن ترتب المنافع المذكورة
لها عليها ليس إلا ظنيا، ولا يحتاج إلى كثير منها إلا نادرا.
نعم، الظاهر عدم كفاية الاحتمال، للأصل، ولهذا قالوا: لا يصح بيع
مثل الخفافيش (1) والعقارب والجعلان (2) والقنافذ ونحوها، ولا اعتبار بما
يورد في الخواص من منافعها، فإنه لا يحصل مما أورد علم ولا ظن، ولو
فرض حصول العلم أو الظن لا نقول بعدم صحة بيعها، وعدم عدها مالا
لأجل عدم الظن، ولو حصل يلتزم عدها من المال.
وعلى هذا، فلو فرض وقوع مرض بين أهل بلدة اجتمعت حذاق
الأطباء، بل لو قال طبيب حاذق: أن علاجه دهن العقرب أو دم الخفاش،
ولم يتهيأ لكل أحد جمعهما، فيجوز لمن أخذهما بيعهما، ويكون
صحيحا.
وقد يكون الشئ مما ينتفع به ويكون مالا، ولكن يبلغ في القلة حدا
لا ينتفع به ولا يعد مالا عرفا، كالحبة والحبتين من الحنطة، وصرح جماعة
بعدم جواز بيعه (3).
قال في التذكرة: لا يجوز بيع ما لا منفعة فيه، لأنه ليس مالا، فلا
يؤخذ في مقابلته المال، كالحبة والحبتين من الحنطة، ولا نظر إلى ظهور
الانتفاع إذا انضم إليها أمثالها، ولا إلى أنها قد توضع في الفخ أو تبذر، ولا
فرق بين زمان الرخص والغلا، ومع هذا فلا يجوز أخذ حبة من صبرة

(1) في نسخة من (ح): الخنافيس.
(2) الجعل: دويبة معروفة تسمى الزعقوق، تعض البهائم في فروجها فتهرب، وهو أكبر
من الخنفساء، شديد السواد، في بطنه لون حمرة للذكر قرنان... حياة الحيوان 1: 278.
(3) انظر الإرشاد 1: 361 والحدائق 18: 430.
305

الغير، فإن أخذ وجب الرد، وإن تلفت فلا ضمان، لأنه لا مالية لها (1). انتهى.
وربما يظهر من بعضهم التأمل في عدم كونه مالا (2)، ويدل عليه عدم
جواز أخذه ووجوب الرد، وعدم كونه من الأفراد المتعارفة من المال أو
بيعه من أفراد البيع المتعارفة لا يوجب بطلانه، غاية الأمر عدم جواز بذل
المال بإزائه أزيد منه لئلا يكون سفها وتبذيرا، فقد يشتري حبة ويجتمع
عنده ما يحصل فيه نفع كثير.
والتحقيق: اختلافه باختلاف الأحوال والقصود، فقد يمكن أن يكون
بيعه مما تترتب عليه فائدة مقصودة للعقلاء.
ومنها: أن يكونا عينين، فلو كانا منفعة - كسكنى الدار مدة - لم
ينعقد، للاجماع، وعدم معلومية صدق البيع على نقل ملك المنفعة عرفا.
وتجويز الشيخ في المبسوط بيع خدمة العبد (3) شاذ غير قادح في
الاجماع.
ورواية إسحاق بن عمار (4) - المجوزة لبيع سكنى الدار - شاذة غير
معمول بها، مع ما في متنها من تجويز بيع السكنى، مع عدم كون السكنى
فيها ملكا للبائع بعد عدم تجويزه بيع ما ليس له في جواب السؤال عن بيع
أصل الدار.
ومنها: أن لا يكونا مما يشترك فيه جميع المسلمين، من المباحات
العامة - كالكلأ والماء - قبل حيازتها وضبطهما لنفسهما، وكالسموك في

(1) التذكرة 1: 465.
(2) مجمع الفائدة 8: 167.
(3) حكاه عنه في المفاتيح 3: 50.
(4) التهذيب 7: 130 / 571، الوسائل 17: 335 أبواب عقد البيع وشروطه ب 1
ح 5.
306

البحار والأنهار، والوحوش في البراري، للاجماع، ولانتفاء الملكية فيها،
للأصل.
هذا إذا كانت المذكورات واقعة في مباح عام، أما لو كان الكلأ في
أرضه أو الماء في بئره فلا خلاف في صحة بيعه استقلالا وتبعا لما هو فيه،
وهذا هو المراد من رواية موسى بن إبراهيم: عن بيع الماء والكلأ، قال: (لا
بأس) (1).
ومنها: أن لا يكونا من الأراضي المفتوحة عنوة، وتحقيق الكلام فيها
قد مر مستوفى.
ومنها: أن لا يكون مما سبق عدم جواز التكسب به مطلقا عن الأعيان
النجسة ونحوها.
ومنها: أن يكون ملكا طلقا، فلا يجوز بيع الوقف ولا الرهن ولا أم
الولد.
أما الوقف فعدم جواز بيعه في الجملة إجماعي، وبالاجماع كذلك
صرح جماعة، كالسيد والحلي والمسالك (2) وغيرهم (3)، وهو الحجة فيما
عدا محل النزاع، مضافا إلى أصالة عدم جواز بيع غير ما يملكه البائع كما
مر.
وعموم الصحيح: (الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها) (4).
وخصوص صحيحة أبي علي بن راشد: اشتريت أرضا إلى جنب

(1) الكافي 5: 277 / 5، التهذيب 7: 141 / 625، الوسائل 25: 421 أبواب إحياء
الموات ب 9 ح 3 بتفاوت.
(2) السيد في الإنتصار: 227، الحلي في السرائر 3: 153، المسالك 1: 174.
(3) كالعلامة في التذكرة 1: 465.
(4) الكافي 7: 37 / 34، الوسائل 19: 175 كتاب الوقوف والصدقات ب 2 ح 2.
307

ضيعتي بألفي درهم، فلما وزنت المال خبرت أن الأرض وقف، فقال: (لا
يجوز شراء الوقوف) (1).
ويؤيده ما ورد في وقوف أرباب العصمة، كقول أمير المؤمنين عليه السلام
في وقف ينبع، كما في صحيحة الحذاء: (هي صدقة بتة بتلا في حجيج
بيت الله وعابر سبيل الله، لاتباع ولا توهب ولا تورث، فمن باعها أو وهبها
فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) الحديث (2).
وفي رواية ربعي: (هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب وهو حي
سوي، تصدق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع ولا توهب حتى يرثها
الله الذي يرث السماوات والأرض) (3).
وفي صحيحة البجلي: (تصدق موسى بن جعفر بصدقته هذه وهو
صحيح صدقة حبسا بتلا بتا لا مشوبة فيها ولا رد أبدا، ابتغاء وجه الله تعالى
والدار الآخرة، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها أو شيئا
منها، ولا يهبها ولا ينحلها، ولا يغير شيئا منها مما وصفته عليها، حتى
يرث الله الأرض وما عليها) (4).
ومقتضى تلك الأدلة وإن كان عموم المنع - كما ذهب إليه الإسكافي

(1) الكافي 7: 37 / 35، الفقيه 4: 179 / 629، التهذيب 9: 130 / 556،
الإستبصار 4: 97 / 377، الوسائل 19: 185 كتاب الوقوف والصدقات ب 6 ح 1.
(2) الكافي 7: 54 / 9، التهذيب 9: 148 / 609، الوسائل 19: 186 كتاب الوقوف
والصدقات ب 6 ح 2، بتفاوت يسير. وصدقة بتة بتلة، أي مقطوعة عن صاحبها لا
رجعة له فيها - مجمع البحرين 2: 190.
(3) الفقيه 4: 183 / 624، التهذيب 9: 131 / 560، الإستبصار 4: 98 / 380،
الوسائل 19: 187 كتاب الوقوف والصدقات ب 6 ح 4.
(4) الكافي 7: 53 / 8، الفقيه 4: 184 / 647، التهذيب 9: 149 / 610، الوسائل
19: 202 كتاب الوقوف والصدقات ب 10 ح 4.
308

والحلي مدعيا عليه الاجماع (1)، وفخر المحققين على ما حكي عنه (2) - إلا
أن أكثر الأصحاب على اختلاف شديد بينهم استثنوا منه مواضع:
الأول: إذا خرب الوقف مطلقا وتعطل، حكي عن المفيد والسيد
والخلاف والديلمي وابن حمزة والمحقق الشيخ علي في بيع شرح
القواعد (3)، واستحسنه ثاني الشهيدين وصاحب المفاتيح (4)، إلا أن المفيد
قيده بما إذا لم يوجد له عامر.
الثاني: إذا ذهبت منافعه بالكلية، استثناه الأولان ووقف التحرير (5).
ويمكن إرجاع ذلك أيضا إلى الأول، إلا أن المفيد جعله قسيما له.
الثالث: مع حاجة الموقوف عليه الضرورية إلى البيع، وهو منقول
عن الأولين والرابع والخامس والسادس ونهاية الشيخ (6)، إلا أن الثاني قيد
الحاجة بكونها إلى الثمن لشدة الفقر، والسادس بأن لم يكن لهم ما يكفيهم
من غلة، والأخير بأن يكون معها البيع أصلح.
الرابع: إذا كان بيعه أصلح وأعود، استثناه الأول (7)، وظاهر الكفاية

(1) حكاه عن الإسكافي في الإنتصار: 227، الحلي في السرائر 3: 153.
(2) الإيضاح 2: 392.
(3) المفيد في المقنعة: 652، السيد في الإنتصار: 226، الخلاف 3: 551،
الديلمي في المراسم: 197، ابن حمزة في الوسيلة: 370 المحقق الشيخ علي في
جامع المقاصد 4: 97.
(4) الشهيد الثاني في الروضة 3: 254. المفاتيح 3: 212.
(5) المفيد في المقنعة: 652، السيد في الإنتصار: 226، التحرير 1: 290.
(6) المفيد في المقنعة: 652، السيد في الإنتصار: 226، الديلمي في المراسم:
197، ابن حمزة في الوسيلة: 370، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 98،
نهاية الشيخ: 600.
(7) المفيد في المقنعة: 652.
309

التردد فيه (1).
الخامس: إذا علم أداء بقائه إلى خرابه بحيث يعطل لأجل اختلاف
الموقوف عليهم، قاله صاحب التنقيح (2).
السادس: الخامس بشرط كون البيع أعود، خصه في بيع القواعد
والشرائع (3).
السابع: إذا خيف خرابه مطلقا، استثناه في المبسوط والنهاية (4)،
ونسبه في المهذب إلى المحقق والعلامة مقيدا بعدم التمكن من عمارته (5).
الثامن: إذا خيف الخراب لاختلاف أربابه خاصة، ذكره في وقف
التحرير والشرائع (6).
التاسع: مع خلف بين أربابه، استثناه صاحب الكفاية والمفاتيح
والمحقق الشيخ علي (7)، إلا أن الأخير قيده بما إذا كان مخوفا لتلف
الأموال، ونسبه المهذب إلى المحقق والعلامة مقيدا بكونه موجبا لفساد لا
يمكن استدراكه.
العاشر: مع خوف الخلف، عن المبسوط والنهاية (8)، إلا أن الأخير
قيده بما يؤدي إلى فسادهم.

(1) الكفاية: 142.
(2) التنقيح 2: 330.
(3) القواعد 1: 126، الشرائع 2: 220.
(4) المبسوط 3: 300، النهاية: 599.
(5) المهذب البارع 3: 66 وهو في المختصر: 158 والمختلف: 489.
(6) التحرير 1: 290، الشرائع 2: 220.
(7) الكفاية: 142، المفاتيح 3: 212، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 97.
(8) المبسوط 3: 300، النهاية: 600.
310

ومنهم من فرق بين المؤبد وغيره، فلم يجوز في الأول مطلقا، وفي
الثاني جوز في الصور التي نقلناها عن النهاية، وهو المنقول عن الصدوق
والقاضي والحلبي (1)، وقد يجوز في الثاني خاصة مع الاتفاق مع الواقف أو
وارثه، ذهب إليه صاحب التنقيح (2).
والذي وصل إلي في هذا الباب من الأخبار صحيحة علي بن مهزيار:
قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام: أن فلانا ابتاع ضيعة فوقفها وجعل لك في
الوقف الخمس، ويسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض، يقومها
على نفسه بما اشتراها به، أو يدعها موقوفة؟ فكتب إلي: (أعلم فلانا أني
آمره ببيع حقي من الضيعة وإيصال ثمن ذلك إلي، وأن ذلك رأيي إن شاء
الله، أو يقومها على نفسه إن كان ذلك أوفق له)، وكتبت إليه: أن الرجل
ذكر أن بين من وقف هذه الضيعة عليهم اختلافا شديدا، وأنه ليس يأمن أن
يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كل
إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته، فكتب بخطه إلي: (وأعلمه أن
رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن بيع الوقف
أمثل، فإنه ربما جاء في الاختلاف ما فيه تلف الأموال والنفوس) (3).
ورواية جعفر بن حنان الصحيحة عن ابن محبوب - الذي أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصح عنه -: قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) نقله عنهم في المختلف: 489 وهو في الفقيه 4: 179 والمهذب 2: 92
والكافي: 325، وقال في مفتاح الكرامة 4: 258 ما نسبوه إلى الحلبي من موافقته
للقاضي غير صحيح.
(2) التنقيح 2: 329.
(3) التهذيب 9: 130 / 557، الإستبصار 4: 98 / 381، الوسائل 19: 187 كتاب
الوقوف والصدقات ب 6 ح 5، ص 188 ب 6 ح 6، بتفاوت يسير.
311

الرجل أوقف غلة له على قرابة من أبيه وقرابة من أمه، وأوصى لرجل
ولعقبه من تلك الغلة بثلاثمائة درهم - إلى أن قال عليه السلام -: (جائز للذي
أوصى له بذلك) - إلى أن قال - قلت: أرأيت إن مات الذي أوصى له؟
قال: (إن مات كانت الثلثمائة درهم لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم، فإذا
أنقطع ورثته كانت الثلثمائة درهم لقرابة الميت، يرد ما يخرج من الوقف،
ثم يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا وبقيت الغلة) قلت: فللورثة من قرابة
الميت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة؟ قال:
(نعم، إذا كانوا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم باعوا) (1).
وما رواه الطبرسي في الاحتجاج، عن عبد الله بن جعفر الحميري،
عن صاحب الزمان عليه السلام: أنه كتب إليه: روي عن الصادق عليه السلام خبر مأثور:
(إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه
وكان ذلك أصلح، لهم أن يبيعوه)، فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم
يجتمعوا كلهم على البيع، أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟
وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه، فأجاب عليه السلام: (إذا كان الوقف على إمام
المسلمين فلا يجوز بيعه، وإذا كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما
يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله) (2).
وليس محط الاستدلال بالأولى صدرها الدال على جواز بيع الحصة
الموقوفة على الإمام عليه السلام، لجواز أن تكون غير مقبوضة، بل هو الظاهر من

(1) الكافي 7: 35 / 29، الفقيه 4: 179 / 630، التهذيب 9: 133 / 565، الوسائل
19: 190 كتاب الوقوف والصدقات ب 6 ح 8، بتفاوت.
(2) الإحتجاج 2: 490 بتفاوت، الوسائل 19: 191 كتاب الوقوف والصدقات ب 6
ح 9.
312

الخبر.
ولا يمكن الحكم بالعموم فيه لترك الاستفصال، لعلمه عليه السلام بالحال
في حقه، مع أن غاية ما يستفاد من السؤال جعل الواقف شيئا له عليه السلام، وهو
أعم من الوقف، فلعل الرخصة في البيع لعدم الوقف.
ولا ينافيه قوله: أو يدعها موقوفة، لجواز أن يراد به معناه اللغوي
- أي متروكة بحاله - حيث لم تثبت الحقيقة الشرعية في الوقف.
ومن ذلك يظهر ضعف تضعيف الرواية أو ترجيح معارضها عليها
بخروج صدرها عن الحجية، حيث ليس ثمة شئ من الأسباب المجوزة
للبيع.
بل الاستدلال بتجويز بيع حصة الباقين واحتمال عدم القبض فيها وإن
كان جاريا أيضا إلا أن ترك الاستفصال يقتضي العموم وعدم الفرق.
وترجيح الحمل على عدم القبض - باعتبار وقوع البيع في الخبر من
الواقف، وهو ظاهر في بقائه في يده، وباعتبار ظهور عدم القبض في
حصته عليه السلام، والظاهر اتحاد حال الجميع - ضعيف، لجواز كون الواقف
ناظرا، وعدم استلزام عدم القبض في حقه عدمه في حقهم.
كما أن ترجيح الحمل على الأعم أو القبض - بأنه لولاه لكان الأنسب
التعليل بعدم القبض دون تلف الأموال والنفوس ولولاه لم يقع الاختلاف
في الوقف - ضعيف أيضا.
أما الأول، فبأنه إنما يصح لو كان التعليل لجواز البيع، ولكنه تعليل
لأمثليته، وعدم القبض لا يصلح علة لها.
وأما الثاني، فلعدم تصريح في الخبر بكون الاختلاف في الوقف،
وعلى تسليمه لا يتوقف على القبض، فيمكن أن يكون المراد: أن الواقف
313

لما رأى بينهم اختلافا شديدا في أمر تلك الضيعة قبل الدفع إليهم، أو في
أمر آخر، وليس يأمن أنه إذا دفعها إليهم يتفاقم الأمر بينهم، فهل يدعها
موقوفة، أو يرجع عن الوقف ويدفع إليهم ثمنها، وأيهما أفضل؟
وعلى هذا، فمقتضى ترك الاستفصال جعل الرواية أعم من القبض
وعدمه، وتخصص بها أخبار المنع.
ولا يتوهم أن تعارضها مع أخبار المنع المتقدمة (1) بالعموم من وجه،
حيث إن لأخبار المنع جهة خصوص، لكون المراد منها بعد القبض قطعا،
كما أن الصحيحة أيضا مختصة بحال الاختلاف، ولا مرجح لأحدهما يمكن
الاعتماد عليه، فالتعويل على تلك الرواية فقط في بيع الوقف مشكل..
لأن المناط في التعارض هو ظاهر الخبر، دون ما يؤول إليه بعد
الجمع بينه وبين سائر المعارضات، كما بينا في كتاب عوائد الأيام (2)،
وعلى هذا فتكون أخبار المنع أعم مطلقا، لأعميتها من القبض وعدمه،
والصحيحة مخصوصة بحال الاختلاف.
ومنه يظهر جواز البيع في تلك الحال.
هذا هو المستفاد من الأولى.
وتدل الثانية على جواز بيعه مع احتياج الموقوف عليه، وكون البيع
خيرا، واتفاق الكل مع التعدد.. وهي مختصة بما بعد القبض، من جهة
كون الحكم لورثة القرابة، ولأجل دلالة المفهوم على عدم الجواز مع عدم
رضا الكل وعدم الخيرية، وليس قبل القبض كذلك.
ومنه أيضا يظهر عدم جواز حمل الأرض على حصة الرجل الذي

(1) في ص: 308.
(2) عوائد الأيام: 119.
314

أوصى له وانقطعت ورثته فينتقل إلى ورثة الميت ملكا، أو حمل الورثة على
ورثة الواقف وجعل الوقف منقطع الآخر باختصاصه بالقرابة دون عقبهم.
وعلى هذا، فتكون هذه أيضا أخص مطلقا من أخبار المنع، فبها
تخصص تلك الأخبار أيضا.
ومقتضاها جواز البيع مع كونه خيرا واتفاق الكل، إلا أن الظاهر منها
أن اشتراط رضا الكل إنما هو في بيع تمام الأرض التي هي وقف على
الجميع، لأنه المسؤول عنه، ولا شك أنه موقوف على رضا الكل، فلا
يثبت منها اشتراط رضا الكل في بيع حصة كل واحد.
وأما الثالثة فمحط الاستدلال فيها موضعان، أحدهما: (وإذا)
الثالث..
وليس موضع الاستدلال منه قول الصاحب، لأنه لا يدل إلا على أن ما
يقدرون على بيعه يجوز لهم بيعه مجتمعين أو متفرقين، فيكون بيانا لحكم
الاجتماع والافتراق، ولا يظهر منه ما يجوز بيعه وما لا يجوز، حيث إن ما
لم يثبت جواز بيعه شرعا لا يقدر على بيعه، لأنه نقل الملك، ولا يحصل
النقل إلا بإمضاء الشارع.
بل محط الاستدلال هو الخبر المأثور عن الصادق عليه السلام، وهو أنه إذا
كان وقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم يجوز بيعه مع اتفاق الكل وكونه
أصلح.
والتوضيح: أن المعلوم المستفاد من الرواية: أن الراوي الثقة كتب إلى
الإمام: أنه ورد خبر مأثور عن الصادق عليه السلام: أنه يجوز بيع الوقف مع كونه
خيرا واتفاق الكل، وأن هذا معلوم لنا ظاهر عندنا، ولكن لا نعلم حكم بيع
البعض والشراء منه إذا لم يجتمع الكل، ولا نعلم أن الوقف الذي ورد عدم
315

جواز بيعه أي وقف، فقرره الصاحب على صحة ما ورد..
وأجاب عن الحكم الأول: بجواز بيع البعض ما يقدر شرعا على
بيعه، أي وجد المشتري له وإذا كان أصلح، حيث إنه ثبت معه جواز البيع
بقول الصادق عليه السلام.
وعن الثاني: بأنه الوقف على إمام المسلمين، فيدل قول الصادق عليه السلام
- الذي رواه الثقة المعتضد بتقرير الإمام الموافق لرواية جعفر بن حنان -
على جواز بيع الوقف إذا كان أصلح، فيجب اتباعه، ولاطلاقه بالنسبة إلى
الاجتماع والافتراق يحكم بالاطلاق.
ولا يتوهم دلالة مفهوم الثانية على عدم جواز البيع بدون اجتماع
الكل.
لما عرفت من أنه في بيع الكل، مع أنه لو سلمنا دلالتها على كون بيع
مطلق الوقف مقيدا باجتماع الكل، وكان مفهومه عدم الجواز بدونه، ولكن
لعموم المفهوم يخصص بخصوص جواب الإمام - الذي هو الموضع الثاني
من موضعي الاستدلال بالثالثة - بل وكذا لولا الخصوصية أيضا، لكون الثالثة
أحدث، فيقدم على الأقدم، كما هو القاعدة المنصوصة في الترجيح.
ولا يتوهم أن قوله أيضا: (فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه) لا
يفيد أزيد من جواز بيع ما يقدر على بيعه، وما لم يثبت جواز بيعه شرعا لا
يقدر على بيعه، لأنه نقل الملك ولا ينقل إلا بإمضاء الشارع، ولا يثبت منه
ما يجوز وما لا يجوز.
لأنه ثبت ما يجوز بصدره، وهو ما كان البيع فيه أصلح، حيث صرح
فيه بالجواز.
وعلى هذا، فثبت من هذه الرواية جواز بيع الوقف إذا كان أصلح مع
316

الاجتماع والافتراق.
ولا يتوهم أنه يخصص بصورة الاحتياج، لمفهوم رواية ابن حنان.
لأن قيد الاحتياج إنما هو في كلام السائل دون الإمام، غاية ما في
الباب أن تصديق الجواز يكون مقيدا به، حيث إن السؤال كان عنه، ولا
يعتبر المفهوم في مثل ذلك، إذ اعتباره إنما هو إذا لم يظهر للتقييد سبب،
واختصاص السؤال هنا سبب ظاهر لاختصاص الجواب.
فالحكم بمضمون الرواية عندنا متعين، وهو بيع الوقف مع كون بيعه
أصلح مجتمعين أم منفردين حصته.
نعم، حيث لم يظهر قائل بهذا العموم سوى المفيد (1)، فالحكم
بعمومه - كما هو الموضع الرابع من المواضع العشرة المتقدمة - مشكل
مخالف للاحتياط، ولكن لا إشكال في جواز البيع في سائر المواضع
ظاهرا، فعليه الفتوى عندنا، بل على الموضع الرابع أيضا مع إشكال.
ولا يضر عندنا عدم كون الثالثة في الكتب الأربعة أو صحيحا
باصطلاح المتأخرين، مع أن رواية ابن حنان المذكورة في الكافي والفقيه
والتهذيب (2) موافقة لذلك في الجملة، صحيحة عمن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه، ومثله في حكم الصحيح عندهم.
فروع:
أ: لا يخفى أن هذا الحكم مختص بالوقف الخاص، كما هو مورد
الأخبار.

(1) المقنعة: 652.
(2) راجع ص: 311 و 312.
317

أما الثاني فظاهر.
وأما الأول فلقوله: ويدفع إلى كل إنسان ما وقف له، ويؤكده وقوع
الاختلاف بينهم.
وأما الثالث فلعطف قوله: (وأعقابهم)، ويؤكده ذكر اجتماع الكل
أيضا.
ومن ذلك يحصل ضعف للمعارض أيضا، حيث إن أخبار وقوف
الأئمة واردة في الوقف للجهة العامة، وينفرد غيرها بالتعارض.
ب: ثم المستفاد من الروايتين أن المتولي للبيع هو الموقوف عليه،
كما أن ظاهر قوله: إذا احتاجوا ولم تكفهم الغلة، في رواية جعفر، أنه
يصرف الثمن في حوائجه، بل يصرح به قوله في الرواية الأولى: ويدفع
إلى كل إنسان منهم، فالقول بهما متعين.
وجعل المتولي الناظر الخاص - إن كان - لا وجه له، إذ لم يثبت له
إلا جواز النظر إلى الوقف من حيث هو وقف، فلا يتخطى عنه إلا بدليل.
وكذا لا وجه للحكم بأن يشتري بثمنه ما يكون وقفا على ذلك الوجه
إن أمكن مع تحصيل الأقرب إلى صفة الموقوف فالأقرب، مع أنه لولا
استفادة الصرف إلى الموقوف عليه من الرواية لا يستفاد ذلك الحكم من
حجة أصلا.
وأما ما قيل من أنه لعل المستند عدم العلم بجواز التصرف
واستصحاب المنع إلا في ذلك.
ففيه: أن عدم العلم بالمنع من التصرف كاف في جوازه، ولم يكن
منع في التصرف فيه حتى يستصحب، والمنع عن التصرف في الوقف غير
مفيد، لتغير الموضوع.
318

ج: ما ذكر - كما عرفت - إنما هو الوقف الخاص، وأما العام فلا
يجوز بيعه، إلا إذا بطل عن الانتفاع به فيما وقف عليه، بحيث لا ينتفع به
فيه بوجه من الوجوه مطلقا مع بقاء عينه، كجذع منكسر وحصر خلق
ونحوهما.
أما عدم جواز البيع في غير ما استثني فلما مر.
وأما استثناء ما ذكر فهو المصرح به في كلام جماعة.
وقد يستند فيه إلى أنه إحسان محض.
و: (ما على المحسنين من سبيل) (1).
وأن الأمر بعدم بيعه تضييع للمال وتجويز للعبث، وأنه تحصيل
لغرض الواقف.
ويرد على الأول: منع كونه إحسانا شرعا بعد أصالة المنع، ومنع
استلزام نفي السبيل للزوم البيع وصحته.
وعلى الثاني: أن تضييع المال وتجويز العبث إن كانا محرمين
فيلزمهما وجوب البيع، ولا قائل به، وإلا فلا يثبتان شيئا.
وعلى الثالث: أن غرضه استيفاء المنفعة من نفس العين الموقوفة،
وأما غير ذلك فلم يظهر كونه غرضا له.
وقد يوجه بأن شاهد الحال يدل على رضا الواقف حين الوقف بالبيع
مع سلب الانتفاع.
وفيه: أنه لو سلمنا دلالته على ذلك فنقول، لا يكفي رضاه في ذلك.
والتوضيح: أن شاهد الحال إنما يفيد فيما ثبت به ما علم ترتب حكم

(1) التوبة: 91.
319

عليه، كما في الإذن في التصرف في المال، فإنه علم جواز التصرف في مال
شخص مع إذنه ورضاه، فإذا علم الإذن بشاهد الحال يجوز التصرف فيه..
بخلاف ما إذا علم به رضاه ببيع ماله بثمن معين، فإنه غير كاف في لزوم
البيع، بل يتوقف على التوكيل أو الإجازة بعد البيع، فلو بعنا متاع الغير
- الذي نعلم أنه يريد بيعه بثمن معين بأزيد منه من غير توكيل في البيع - لا
يحكم بلزومه من غير إجازة.. وما نحن فيه من هذا القبيل، إذ رضا الواقف
ببيع الوقف من غير ذكره واشتراطه لا يكفي في لزومه، بل في صحته، مع
اقتضاء نفس الوقف عدم الجواز.
فالصواب الاستناد في الاستثناء إلى عدم كونه وقفا، لأن الوقف شرعا
وعرفا تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، بل لا معنى للوقف على جهة إلا
صرف منفعته فيها، ولا يتحقق إلا فيما يمكن فيه تحقق الوصفين، ولا
يتحققان فيما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، فلا يكون وقفا، بل يختص
بحال الانتفاع.
وأيضا يشترط في الموقوف: إمكان الانتفاع به مع بقاء عينه ابتداء
إجماعا، فهذا مما لا يمكن وقفه في مدة انتفاء المنفعة بخصوصها، فكذا
في ضمن المدة الشاملة لها.
ولو نوقش في ذلك وفرق بين وقف لا منفعة فيه بخصوصه، وما فيه
منفعة في وقت، فنقول: يكفي لنا عدم العلم بكونه وقفا بعد بطلان
المنفعة، فإن القدر المسلم هو كون ذلك وقفا خارجا عن ملك الواقف ما
دامت فيه منفعة، وأما بعده فغير معلوم ولا دليل عليه.
وأما استصحاب الوقفية فلا حجية فيه، لمعارضته مع استصحاب
عدمها الثابت قبل الوقف، كما بينا تحقيقه في كتبنا الأصولية، وبمثله صرح
320

في المسالك في بيان حكم ما لو وقف على مصلحة فبطل رسمها (1).
وعلى هذا، فتبقى العين بعد بطلان منفعتها رأسا على ملك مالكها
الأول، فإن كان حيا يجوز له بيعها وصرف ثمنها في حوائجه، وإلا فتنتقل
إلى وارثه حين انتفاء المنفعة، فإن كانوا معلومين لهم بيعها كذلك، وإلا
فيلحقها حكم مجهول المالك.
ويشترط في جواز بيعه كذلك: عدم رجاء عود المنفعة بوجه من
الوجوه، فلو علم عود نفعه لا يجوز، إذ لا تشترط - في تسبيل المنفعة -
الفعلية، بل تكفي اللاحقة.
وكذا لو احتمل، لامكان تسبيل المنفعة المحتملة بمعنى أنها مسبلة لو
حصلت، ولذا يصح وقف الأشجار المثمرة للمارة في بدو الغرس مع إمكان
عدم بقائها إلى زمان حمل الثمر.
ولو توقف عود منفعته إلى نفقة لا يرجى عودها بدونها لم يجز بيعه،
لأن الانتفاع به بعد الانفاق أيضا منفعة فعلية، فتكون مسبلة، فلا يجوز بيع
الدار التي كانت وقفا إذا خربت، والقنوة إذا هدمت، والقدر الوقف إذا
انكسر، وأمثال ذلك.
ومن هذا يظهر أن أخبار وقوف الأئمة المقيدة بقوله: (لا يباع) (2)
وفي بعضها: (لا رد فيه أبدا حتى يرث الله الأرض) (3) لا تنافي جواز البيع
فيما ذكرنا، لأنها فيما لا يمكن فيه بطلان المنفعة بحيث لا يرجى عودها
ولو بعد العمارة، مع أنها واردة في أعيان مخصوصة ووقوف خاصة، ونحن

(1) المسالك 1: 351.
(2) كما في صحيحة الحذاء ورواية ربعي المتقدمتين في ص: 308.
(3) كما في صحيحة البجلي المتقدمة في 308.
321

لا ننكر عدم جواز بيع وقف بطلت منفعته رأسا إذا علم تصريح الواقف
بذلك في ضمن عقد الوقف، لأنه على ما ذكرنا يكون ملكا له، فله اشتراط
ما يريد فيه من الشروط المجوزة.
وفي حكم بطلان المنفعة رأسا بطلان المنفعة التي سبلها بخصوصها
وإن بقيت في العين منافع أخرى يمكن استيفاؤها مع بقاء العين، والوجه
ظاهر مما مر.
وقد يجوز بيع الوقف على مصلحة إذا بطل رسمها، وتحقيقه يطلب
من بحث الوقف.
وأما الرهن فلا يجوز للمالك بيعه إلا بإذن المرتهن، ولا للمرتهن إلا
بإذن الراهن، أو الحاكم لو لم يمكن إذن الراهن، أو من باب المقاصة لو لم
يبنه أحدهما، وقال المحقق الأردبيلي بجواز بيع الراهن مطلقا للاقتضاء (1).
ويجئ تفصيل الكلام فيه في موضعه.
وأما أم الولد، فعدم جواز بيعها إجماعي إلا فيما استثني، ويذكر في
مواضعه.
ومنها: القدرة على تسليم كل من العوضين بلا خلاف، بل
بالاجماع، كما هو المحقق، والمحكي في الغنية والتذكرة (2)، وهو الحجة،
مضافا إلى أنه بيع غرر وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر، كما رواه
الفريقان (3)، والمراد به: بيع موجب لحصول المال في معرض التلف.

(1) انظر مجمع الفائدة 9: 164.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 585، التذكرة 1: 466.
(3) عوالي اللآلئ 2: 248 / 17، عيون أخبار الرضا (ع) 2: 45 / 168، وقد رواه
أحمد في مسنده 2: 144 و 376.
322

وضابط الغرر - كما يستفاد من كلام اللغويين (1) والفقهاء، وصرح به
الشهيد في شرح الإرشاد - احتمال. مجتنب عنه عرفا لو تركه بحاله وبخ
عليه واستحق اللوم في العرف.
وفي صحيحة البجلي: (لا بأس ببيع كل متاع كان تجده في الوقت
الذي بعته فيه) (2).
قال صاحب الوافي: تجده، أي تقدر عليه (3).
دلالتها وإن كانت بمفهوم الوصف - وهو ليس بحجة عندنا - إلا أنها
صالحة للتأييد.
والاستدلال بما دل على النهي عن بيع ما ليس عندك (4) كان حسنا
لولا معارضته مع ما دل على جوازه.
فلو باع الحمام الطائر، أو غيره من الطيور المملوكة، لم يصح، إلا أن
تقضي العادة بعوده فيصح وفاقا لجماعة (5)، لعموم الأدلة، وانتفاء المانع من
الاجماع، للخلاف مع شهرة الجواز، والغرر، لانتفائه عرفا بتنزيل اعتبار
العود فيه منزلة التحقق.
خلافا للفاضل في النهاية (6)، فاحتمل بطلانه.
وكذا لا يصح بيع الآبق إجماعا، وتدل عليه صحيحة رفاعة: أيصلح

(1) انظر الصحاح 2: 768، مجمع البحرين 3: 423، لسان العرب 5: 14.
(2) الكافي 5: 200 / 4، الوسائل 18: 47 أبواب أحكام العقود ب 7 ح 3.
(3) الوافي 18: 699.
(4) الوسائل 18: 35 أبواب عقد البيع وشروطه ب 1.
(5) منهم المحقق في الشرائع 2: 17 والكركي في جامع المقاصد 4: 92 وقواه
الشهيد الثاني في المسالك 1: 174، والكاشاني في المفاتيح 3: 58.
(6) نهاية الإحكام 2: 481.
323

لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأعطهم الثمن فأطلبها أنا؟ قال: (لا
يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا، فتقول لهم: أشتري
منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا، فإن ذلك جائز) (1).
وموثقة سماعة: في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله، قال: (لا
يصلح إلا أن يشتري معه شيئا آخر ويقول: أشتري منك هذا الشئ وعبدك
بكذا وكذا، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه) (2).
وصريح الروايتين جواز بيع الآبق مع الضميمة، وهو كذلك، لذلك، وعليه
الاجماع في الانتصار والغنية والتنقيح (3).. فلو وجد الآبق، وإلا كان الثمن
بإزاء الضميمة طرا، كما يستفاد من الموثق، وعليه الأصحاب من غير خلاف
يعرف.
ويشترط في الضميمة ما يشترط في غيرها من كونها مما يصح بيعه
منفردا بالاجماع، كما يشترط في الآبق أيضا سائر الشرائط غير القدرة على
التسليم من كونه معلوما موجودا عند العقد، لعموم الأدلة، فلو ظهر كونه
حين العقد تالفا، أو لغير البائع، أو مخالفا للوصف، بطل البيع فيما يقابله
من الثمن في الأول، وتخير المشتري في الثانيين إن لم يجز مالكه في الثاني
على صحة الفضولي.
ولا يلحق بالآبق غيره مما في معناه، كالبعير الشارد والفرس الغائر
والمملوك المتعذر تسليمه بغير الإباق وغيرها، على الأشهر الأقوى،

(1) الكافي 5: 194 / 9، التهذيب 7: 124 / 541، الوسائل 17: 353 أبواب عقد
البيع وشروطه ب 11 ح 1.
(2) الكافي 5: 209 / 3، الفقيه 3: 142 / 622، التهذيب 7: 124 / 540، الوسائل
17: 353 أبواب عقد البيع وشروطه ب 11 ح 2.
(3) الإنتصار: 209، الغنية (الجوامع الفقهية): 586، التنقيح 2: 35.
324

اقتصارا فيما خالف أصالة عدم جواز بيع الغرر على المنصوص، فلا يجوز
بيعه منفردا ولا منضما، إلا أن تكون الضميمة مقصودة بالذات، كما يأتي.
وهل يجوز بيع غير المقدور على التسليم مطلقا كما قيل؟.
أو خصوص البعير الشارد والفرس الغائر كما في المسالك (1)؟.
أو الضال والمجحود كما في اللمعة (2)، منفردا أو منضما مراعى
بالتسليم، أي مع شرط الخيار لو لم يقدر على التسليم، أم لا؟
الظاهر في الآبق هو: الثاني، لعموم الروايتين، فإن ثبت عدم القول
بالفصل يثبت الحكم في غيره أيضا، وإلا - كما هو الواقع - فيصح في غيره
إذا أمكن القدرة عادة، لعموم الأدلة، وعدم المانع لانتفاء الغرر حينئذ،
وعدم ثبوت الاجماع في غير البيع اللازم.
وهل يلحق ما يتعذر تسليمه إلا بعد مدة معتد بها عرفا بالمقدور
مطلقا، أم لا؟.
الظاهر: الثاني، لانتفاء المانع من الاجماع، لأن المشهور الجواز،
والغرر، لأنه على ما مر كون أحد العوضين في معرض التلف والخطر،
وليس كذلك هنا، للعلم بالقدرة على التسليم بعد مدة.
نعم، لو لم يعلم المشتري بالحال كان له الخيار دفعا للضرر.
وعلى التقديرين، لو لم يتعين وقت الامكان واحتمل طول الزمان
بقدر لا يرضى به المشتري لو علمه، اتجه الفساد، لصدق الغرر.
وفي لحوق ما إذا قدر المشتري على تحصيله دون البائع بغير

(1) المسالك 1: 174.
(2) اللمعة (الروضة 3): 251.
325

المقدور مطلقا قولان، المصرح به في كلام بعضهم: الثاني (1)، فيصح البيع،
وربما ظهر من الانتصار أنه مما انفردت به الإمامية (2)، وهو كذلك، لما مر
من عموم الأدلة، وانتفاء الموانع من الاجماع أو الغرر.
خلافا للشيخ (3)، بل الشيخين كما في [المختلف] (4) بل حكاه عن
القاضي والحلبي والديلمي وابن حمزة (5)، لاطلاق الروايتين (6).
وفيه نظر، لظهورهما - سيما الموثق - في عدم القدرة مطلقا، مع
أنهما مختصان بالآبق، فالتعدي غير لائق.
ومنها: معلومية كل من العوضين، فلا يصح بيع المجهول والمبهم،
ولا بالمجهول والمبهم.
وتحقيق المقام: أن جهل أحدهما وإبهامه إما يكون بحسب الواقع
- بمعنى: أن لا يكون أمرا متعينا متميزا في الواقع أيضا، كأحد الشيئين أو
الأشياء - أو يكون بحسب الظاهر فقط، أي يكون مبهما عند أحد المتبايعين أو
كليهما.
وعلى التقديرين: إما يكون الجهل والابهام في القدر، أو الجنس، أو
الوصف.

(1) كما صرح به صاحب الحدائق 18: 434.
(2) الإنتصار: 209.
(3) الخلاف 3: 168.
(4) في (ح) و (ق): المهذب، والظاهر ما أثبتناه.
(5) حكاه عنهم في المختلف: 379.
(6) الأولى في: الكافي 5: 194 / 9، التهذيب 7: 124 / 541، الوسائل 17: 353
أبواب عقد البيع وشروطه ب 11 ح 1.
الثانية في: الكافي 5: 209 / 3، الفقيه 3: 142 / 622، التهذيب 7:
124 / 540، الوسائل 17: 353 أبواب عقد البيع وشروطه ب 11 ح 2.
326

وعلى التقادير: إما يكون الجهل موجبا للغرر، أم لا.
فإن كان الجهل موجبا للغرر فبطلان البيع به محل الاجماع، ويدل
عليه ما مر من الرواية المتفق عليها بين الفريقين (1).
وكذا إن كان بحسب الواقع، لأن البيع إنما هو لاثبات ملكية المشتري
في المبيع والبائع في الثمن، والملكية لكونها صفة وجودية معينة لا بد لها
من موضع معين، لامتناع قيام المعين بغير المعين، ولأن غير المعين لا
وجود له لا خارجا ولا ذهنا ولا واقعية له، وقيام الصفة الوجودية بمثل ذلك
محال.
وإن كان بحسب الظاهر ولم يكن هناك غرر أصلا، فإن كان بحسب
الكم والقدر وهو موجب لبطلان البيع مطلقا أيضا إذا كان مكيلا أو موزونا
أو معدودا، فلا يجوز بيعه إلا بما يقدر به، فيشترط كيل المكيل ووزن
الموزون وعد المعدود، ولو باعه جزافا بطل.
خلافا للمنقول عن المبسوط مطلقا (2)، وعن السيد في مال السلم
خاصة (3)، وعن الإسكافي (4) فيما إذا كان المبيع صبرة مشاهدة، وكذا الثمن
مع اختلافهما جنسا ليسلم عن الربا، وربما يظهر التردد من بعض
المتأخرين (5).
لنا - بعد الاجماع المحقق والمحكي في التذكرة (6) على بطلان ما

(1) عوالي اللآلئ 2: 248 / 17. راجع ص: 322.
(2) نقله عنه في الدروس 3: 195، انظر المبسوط 2: 152.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 217.
(4) حكاه عنه في المختلف: 386.
(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 176.
(6) التذكرة 1: 467.
327

يوجب منه الغرر -: ما مر.
وعلى بطلانه مطلقا: رواية محمد بن حمران: قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
: اشترينا طعاما، فزعم صاحبه أنه كاله فصدقناه وأخذناه بكيله، فقال:
(لا بأس)، فقلت: أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ فقال: (لا، أما
أنت فلا تبعه حتى تكيله) (1).
وتخصيص السؤال ببيعه كما اشتراه - فيمكن أن يكون المراد بالوزن
الذي اشتراه، فيخرج عن محل الكلام، لأنه إنما هو في البيع جزافا -
لا يضر، لأن العبرة بعموم قوله: (فلا تبعه حتى تكيله).
وما رواه الفاضل في التذكرة: من أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الطعام
مجازفة (2).
وفي السرائر: روي النهي عن الجزاف (3)، من غير تقييد بالطعام.
وفي مجمع البحرين قوله عليه السلام: (لا تشتر لي شيئا من مجازف) (4).
وضعفها سندا - كاختصاص بعضها بالطعام - غير ضائر، لانجبار
الأول بالشهرة العظيمة، بل الاجماع، والثاني بالاجماع المركب.
وصحيحة الحلبي: في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل
معلوم، ثم إن صاحبه قال للمشتري: ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل،
فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته، قال: (لا يصلح إلا أن يكيل)، وقال:

(1) التهذيب 7: 37 / 157، الوسائل 17: 345 أبواب عقد البيع وشروطه ب 5
ح 4.
(2) التذكرة 1: 469.
(3) السرائر 2: 322.
(4) مجمع البحرين 5: 32.
328

(ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة، هذا مما يكره من
بيع الطعام) (1).
والايراد - بعدم ظهور نفي الصلاح في الفساد - باطل، لأن نفي
الصلاح: الفساد، صرح به اللغويون، وبيناه مستوفى في كتاب العوائد.
نعم، لا يتم الاستدلال بجزئها الأخير، وهو قوله: (ما كان من طعام)
إلى آخره، لجواز أن يراد مما سمي فيه الكيل ما بيع بوزن معين.
وقد يستدل أيضا بمرسلة ابن بكير: عن رجل يشتري الجص فيكيل
بعضه ويأخذ البقية بغير كيل، فقال: إما أن تأخذه كله بتصديقه، وإما أن
تكيله كله) (2).
وموثقة سماعة: عن شراء الطعام مما يكال أو يوزن هل يصلح شراؤه
بغير كيل ولا وزن؟ فقال: (أما إن تأتي رجلا في طعام قد كيل أو وزن
فتشتري منه مرابحة فلا بأس إن أنت اشتريته ولم تكله أو تزنه إذا كان
المشتري الأول قد أخذه بكيل أو وزن فقلت عند البيع: إني أربحك كذا
وكذا وقد رضيت بكيلك ووزنك فلا بأس به) (3)، دلت بالمفهوم على
البأس - الظاهر في التحريم - فيما إذا لم يكله المشتري الأول ولم يزنه.
وبالأخبار الناهية عن صاع غير صاع المصر (4).

(1) الكافي 5: 179 / 4، الفقيه 3: 131 / 570، التهذيب 7: 36 / 148، الوسائل
17: 342 أبواب عقد البيع وشروطه ب 4 ح 2، بتفاوت يسير.
(2) الكافي 5: 195 / 13، التهذيب 7: 125 / 545، الوسائل 17: 344 أبواب
عقد البيع وشروطه ب 5 ح 3.
(3) الكافي 5: 178 / 1، التهذيب 7: 37 / 158، الوسائل 17: 345 أبواب عقد
البيع وشروطه ب 5 ح 7، بتفاوت يسير.
(4) الوسائل 17: 347 أبواب عقد البيع وشروطه ب 6.
329

وبما ورد من الأمر بكيل الطعام، معللا بأنه أعظم للبركة (1).
وفي الكل نظر:
أما في الأول، فلكونه إخبارا في مقام الانشاء، ودلالته على الوجوب
غير ظاهرة.
وأما في الثاني، فلأن مفهومه إثبات البأس مع عدم كيل المشتري
الأول إذا اشتراه الثاني مرابحة، ولا يدل على منع بيع التولية، فلا يثبت
اشتراط الكيل والوزن مطلقا، بل ذلك حكم مخصوص ببيع ما اشترى
مرابحة، كما فصل في الأخبار المتكثرة (2)، فحرم في المرابحة وجوز في
التولية.
وبذلك يظهر النظر في الاستدلال بالأخبار الدالة على المنع عن بيع ما
لم يقبض قبل الكيل والوزن (3).
وأما في الثالث، فلعدم الملازمة بين عدم جواز البيع بصاع غير صاع
المصر وبين عدم جواز البيع بغير صاع مطلقا.
وأما في الرابع، فلعدم دلالته على رجحان الكيل حين البيع، بل
يستفاد منه أن كيل الطعام موجب للبركة، وظاهره - كما في بعض
رواياته (4) - أنه عند أخذه للحاجة يرجح كيله.
وبما ذكر وإن ظهر قصور تلك الأدلة عن صلاحية الاحتجاج، ولكن
لا ريب في كونها مؤيدة لما ذكرناه حجة جدا.

(1) الكافي 5: 160 / 5، الفقيه 3: 123 / 536، التهذيب 7: 110 / 475، الوسائل
17: 392 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 1.
(2) الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع وشروطه ب 5.
(3) الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع وشروطه ب 5.
(4) الوسائل 17: 392 أبواب آداب التجارة ب 7.
330

ثم إن أكثر ما ذكر وإن كان واردا في الكيل والوزن وفي المبيع، إلا أنه
يثبت الحكم في المعدود والثمن أيضا بالاجماع المركب.
وقد صرح جماعة بعدم الفصل بين المكيل والموزون وبين المعدود (1)،
كما صرح الفاضل في التذكرة بعدم الفرق في فساد البيع بالجزاف بين الثمن
والمثمن عندنا (2)، مع أن روايات التذكرة والسرائر والمجمع (3) شاملة
للجزاف في المعدود والثمن أيضا.
مضافا في الأول إلى ظاهر التقرير في صحيحة الحلبي: عن الجوز لا
نستطيع أن نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه، ثم يكال ما بقي على حساب
ذلك العدد، فقال: (لا بأس به) (4).
وفي الثاني إلى العلة المنصوصة في رواية حماد بن ميسر، عن
جعفر، عن أبيه عليهما السلام: (أنه كره أن يشترى الثوب بدينار غير درهم، لأنه لا
يدري كم الدرهم من الدينار) (5).
وأما صحيحة رفاعة: ساومت رجلا بجارية، فباعنيها بحكمي،
فقبضتها منه على ذلك، ثم بعثت إليه بألف درهم، فقلت: هذه الألف
درهم حكمي عليك، فأبى أن يقبلها مني، وقد كنت مسستها قبل أن أبعث

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 175، الكاشاني في المفاتيح 3: 53،
صاحب الرياض 1: 514.
(2) التذكرة 1: 469.
(3) المتقدمة في ص: 328.
(4) الكافي 5: 193 / 3، الفقيه 3: 140 / 617، التهذيب 7: 122 / 533 وفيه:
عن الحلبي، عن هشام بن سالم وعلي بن النعمان، عن ابن مسكان جميعا، عن
أبي عبد الله عليه السلام، الوسائل 17: 348 أبواب عقد البيع وشروطه ب 7 ح 1.
(5) التهذيب 7: 116 / 504، الوسائل 18: 81 أبواب أحكام العقود ب 23 ح 4،
بتفاوت.
331

عليه بالألف درهم، قال: فقال: (أرى أن تقوم الجارية قيمة عادلة، فإن كان
قيمتها أكثر مما بعثت إليه كان عليك أن ترد عليه ما نقص من القيمة، وإن
كانت قيمتها أقل مما بعثت إليه فهو له)، قال: فقلت: أرأيت أن أصبت بها
عيبا بعدما مسستها؟ قال: (ليس لك أن تردها، ولك أن تأخذ قيمة ما بين
الصحة والعيب) (1).
فهي غير ناهضة، لضعفها بمخالفتها لعمل الأصحاب - حيث تضمنت
البيع بحكم المشتري - بل الاجماع كما في المختلف والتذكرة (2)، مع ما فيها
من ضعف الدلالة.
وإن كان الجهل بغير ما ذكر، فليس البيع باطلا لأجله، للأصل.
سواء كان في القدر إذا كان يقدر بالمساحة، أو في الجنس، أو
الوصف.
وسواء كان الجهل في الجنس باعتبار عدم معرفة أحد المتبايعين (3)
بالجنس مع كونه مشاهدا حاضرا وقت البيع، كأن يكون هناك جنس حاضر
ولم يعرفه المشتري - أو مع البائع - أنه الإهليلج (4) أو الأملج (5)، وكانت
قيمتهما متساوية، وكان المشتري طالبا لهما، فيصح له أن يشتري هذا
الجنس الموجود.

(1) الكافي 5: 209 / 4، الفقيه 3: 145 / 640، التهذيب 7: 69 / 297، الوسائل
17: 364 أبواب عقد البيع وشروطه ب 18 ح 1، بتفاوت.
(2) المختلف: 385، التذكرة 1: 469.
(3) في (ق): المتساومين.
(4) الإهليلج: ثمر منه أصفر ومنه أسود ومنه كابلي، له نفع، ويحفظ العقل -
القاموس المحيط 1: 220.
(5) الأملج: نوع من الأدوية يتداوى به - مجمع البحرين 2: 330.
332

أو كان مشاهدا قبل البيع مع معرفته، كأن يكون هناك إهليلج وأملج،
ورآهما المشتري قبل وقت المبايعة، فسرق أحدهما ولم يعلم بالتعيين،
فيجوز شراء الباقي إذا تساويا قيمة ووزنا.
أو لم يكن مشاهدا أصلا، بل كان مذكورا بالوصف، كما إذا كان
لأحد إهليلج وأملج، ووصفه لغيره بما ينتفي به الغرر، وسرق أحدهما ولم
يعلم بعينه، فيصح شراء الباقي أيضا مع تساوي الوزن والقيمة.
ولو اختلفا وزنا وتساويا قيمة - كأن يكون أحدهما رطلا والآخر
رطلين، وساوى قيمة رطل من ذلك قيمة رطلين من هذا - لم يصح البيع،
للجهل بوزن المبيع.
وقد تلخص مما ذكرنا أن الجهل الداخل في البيع إنما يفسده إذا كان
بأحد الوجوه الثلاثة:
الأول: أن يكون موجبا للغرر.
الثاني: أن يكون بحسب الواقع.
الثالث: أن يكون في القدر إذا كان مكيلا أو موزونا أو معدودا.
وأما ما سوى ذلك من أقسام الجهل المذكورة فلا دليل على كونه
مبطلا.
ثم إن ما ذكرنا هو الأصل الكلي والقاعدة الكلية، وقد يستفاد من
الأخبار في الموارد الجزئية حكم آخر من الصحة أو الفساد، فيجب
اتباعه، كما ورد في بعض الموارد: البيع مع الضميمة، مع كونه غررا، وهكذا.
فروع:
أ: لا يكفي في الكيل والوزن المكيال الغير المتعارف والصنجة
333

المجهول قدرها، سواء كان مشاهدا حاضرا - كهذه القصعة وهذه الصنجة -
أو لا، كخمس قصعات، أو ما يساوي خمس صنجات، لعدم صدق الكيل
والوزن معه عرفا، ولصحيحة الحلبي (1) وروايته (2) المصرحتين بعدم
صلاحية البيع بغير صاع المصر، وفي الأخيرة نفي الحلية، والمستفاد منهما
اشتراط اشتهار المكيال - كما هو المشهور - فلا يكفي الكيل النادر..
والظاهر أن المراد: اشتراط اشتهاره وعدم حلية غيره إذا أطلق، فلا يجوز
قصد غيره من أحدهما، أو الاعطاء بغيره مع إطلاق الكيل، فإذا باع عشرة
أكيال - مثلا - لا يجوز قصد غير الكيل المشهور من أحدهما أو إعطائه، وإلا
فالظاهر عدم الاشكال في جواز البيع بما يكال به في بعض الأمصار ولو
نادرا مع التعين عند المتبايعين.
ب: الظاهر عدم الخلاف في جواز الاعتماد في الكيل والوزن على
قول البائع، والنصوص به مستفيضة (3)، ولكن يجب التقييد بكونه مؤتمنا
مصدقا، فلولا كذلك لم يجز، كما هو المفهوم من الروايات (4).
ج: المحكي عن الأصحاب - على ما قيل (5) - اعتبار الكيل والوزن
فيما بيع بهما في زمان الشارع ولو لم يبع الآن كذلك. قيل: وإثباته من
النص مشكل (6).

(1) الكافي 5: 184 / 1، الفقيه 3: 130 / 565، التهذيب 7: 40 / 169، الوسائل
17: 377 أبواب عقد البيع وشروطه ب 26 ح 1.
(2) الكافي 5: 184 / 2، التهذيب 7: 40 / 170، الوسائل 17: 377 أبواب عقد
البيع وشروطه ب 26 ح 2.
(3) الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع وشروطه ب 5.
(4) الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع وشروطه ب 5.
(5) انظر الرياض 1: 515.
(6) انظر الرياض 1: 515.
334

أقول: لا شك في أن ما يباع الآن كيلا أو وزنا يعد بيعه بدونهما
جزافا عرفا، وقد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وآله عنه (1)، فيجب اعتباره فيه البتة.
إنما الاشكال فيما يباع كذلك في زمانه ولم يكن كذلك الآن، والأمر
فيه هين، لأن ما علم فيه ذلك في زمانه - مثل: الطعام والزيت والجص
وأمثالهما - يباع الآن كذلك أيضا وإن غير الكيل بالوزن في بعضها والعكس
في آخر، ولا بأس به بناء على ما يأتي من جواز التبديل مطلقا.
د: لبيع بعض الشئ صور، لأن ذلك الشئ إما متساوي الأجزاء، أو
مختلفها.
وعلى التقديرين: إما معلوم بما يعتبر في صحة بيعه، أو لا.
وعلى التقادير: إما يكون المبيع جزءا معلوما بالنسبة، كنصفه أو ثلثه
مشاعا.
أو يكون جزءا مقدرا منه غير معين، كذراع من ثوب، أو قفيز (2) من
صبرة.
أو يكون جزءا مقدرا من أجزائه المعينة المقدرة معينا، كهذه الذراع
منه، أو هذا القفيز.
أو غير معين، كذراع واحدة لا على التعيين من هذه الذراع المعينة
من هذا الثوب بعد تقسيمه إلى أذرع، أو صاع واحد من هذه الصيعان
المعينة من الصبرة بعد تفريق الصيعان، ومرجعه إلى واحد مخصوص لا
على التعيين من هذه الوحدات المخصوصة.

(1) التذكرة 1: 469.
(2) القفيز: مكيال يتواضع الناس عليه، وهو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك.
والمكوك: المد، وقيل: الصاع - مجمع البحرين 4: 31 و ج 5: 289.
335

فهذه ست عشرة صورة:
الأولى والثانية: أن يباع الجزء المشاع بالنسبة من الشئ المعلوم،
سواء كان متساوي الأجزاء أو مختلفها، وهو صحيح، لعدم المانع.
والثالثة والرابعة: أن يباع ذلك من الشئ المجهول قدرا، وهو لا
يصح، سواء تساوت أجزاء ذلك الشئ أو اختلفت، لسريان جهل الكل
في الجزء، والمفروض إيجابه لبطلان بيع الكل، فكذا الجزء.
وقال المحقق الشيخ علي في حاشية الإرشاد بصحته من المجهول إذا
لم يكن مكيلا أو ما في حكمه. ولعله حمل الجهل على الجهل بالقدر، مع
أن المراد الجهل الموجب لبطلان بيع الكل كيفما كان، ولا ريب أن معه
يبطل بيع الجزء منه أيضا.
الخامسة والسادسة: أن يباع جزء مقدر غير معين من متساوي
الأجزاء معلوم أو مجهول علم اشتماله عليه، وهو يصح، لأنه بيع شئ
معين، وهو الكلي، فيتخير في التسليم، ولا مانع من الصحة، وتدل عليه
أيضا صحيحة [بريد بن معاوية] (1) الآتية (2).
السابعة والثامنة: أن يباع ذلك من مختلف الأجزاء، وهو باطل،
لاستلزامه الغرر، لأن التخيير في بيع الكلي إن كان للبائع فالغرر
على المشتري، إذ لعل البائع يسلم الردي.. وإن كان للمشتري فعلى البائع،
لمثل ذلك.
والقول بالصحة - إذا لوحظ الجميع وحصل الرضا بأي جزء كان
لانتفاء الغرر - غفلة عن معنى الغرر، وموجب للصحة في كل ما يوجب

(1) في (ح) و (ق): معاوية بن وهب، والصحيح ما أثبتناه.
(2) في ص: 338.
336

الغرر إذا تحققت الملاحظة والرضا.
نعم، لو قدر الجزء وقصد مع ذلك الإشاعة فلا شك في صحته من
المعلوم، وأما من المجهول فالظاهر من كلام جماعة - كالفاضل في القواعد
والتذكرة والمحقق الشيخ علي والمسالك (1) - البطلان.
ووجهه: أن الجزء المقدر - كالقفيز والذراع - حقيقة إما في الكلي أو
المعين باعتبار كون الكلي في ضمنه، ولا يتحقق شئ منهما مع الإشاعة،
أما المعين فظاهر، وأما الكلي فلأن مقتضاه التخيير وعدم تلف شئ من
المشتري لو تلف بعض المبيع، وليست الإشاعة كذلك، فيكون المراد معناه
المجازي، وهو ما تكون نسبته إلى الكل كنسبة القفيز أو الذراع إليه، وهذا
مجهول، فيلزم منه الغرر.
وربما يشعر كلام بعض المتأخرين بالصحة (2). ولعل وجهه: أن ذلك
وإن كان مجهولا من حيث النسبة - أي لا يعلم أنه النصف أو الثلث أو
غيرهما - ولكن بعد تقديره بما قدر لا يستلزم غررا عرفا، ولا دليل على
اشتراط العلم بخصوص النسبة إذا لم يستلزم الجهل بالقدر. وهو قوي جدا.
وما ذكر من حكم قصد الإشاعة في المقدر جار في متساوي الأجزاء
أيضا.
وأما الثمانية الباقية فيصح البيع في الأربعة الأولى منها بلا خلاف، كما
لا يصح في الأربعة الأخيرة منها كذلك.
ه‍: إذا كانت الصبرة معلومة يجوز بيعها بأجمعها كل قفيز منها

(1) القواعد 1: 127، التذكرة 1: 467، المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 4:
105، المسالك 1: 186.
(2) انظر المختلف: 386.
337

بكذا، لعدم المانع.
ولا يجوز بيع كل قفيز منها بكذا، للجهل الواقعي بالمبيع.
وأما مع الجهل فلا يصح شئ منهما عند الأكثر.
وحكي عن الشيخ الحكم بالصحة في الأول مطلقا وإن كان
مجهولا (1)، وهو الأظهر، لعدم المانع من الجهل الواقعي أو الغرر.
و: ولو باع الجزء المقدر - كقفيز من الصبرة أو ذراع من الثوب -
وأطلق، فهل ينزل على الإشاعة، أو في الجملة؟
وتظهر الفائدة فيما لو تلف بعض الكل، فعلى الإشاعة يتلف من
المبيع بالنسبة، وعلى الثاني يبقى المبيع ما بقي قدره.
لا شك أن مقتضى حقيقة اللفظ: الثاني، على ما مر.
وتدل عليه أيضا صحيحة [بريد بن معاوية] (2): رجل اشترى من
رجل عشرة الألف طن (3) [قصب] في أنبار بعضه على بعض من أجمة (4)
واحدة، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب
عشرة آلاف طن، فقال المشتري: قد قبلت واشتريت ورضيت، فأعطاه من
ثمنه ألف درهم ووكل المشتري من يقبضه، فأصبحوا وقد وقع في القصب
نار فاحترق منه عشرون ألف طن وبقي عشرة آلاف طن فقال: (عشرة
آلاف التي بقيت هي للمشتري، والعشرون التي احترقت من مال البائع) (5).

(1) المبسوط 2: 119.
(2) في (ح) و (ق): معاوية بن وهب، والصحيح ما أثبتناه.
(3) الطن: حزمة من حطب أو قصب - مجمع البحرين 6: 278.
(4) الأجمة: الشجر الملتف - مجمع البحرين 6: 6.
(5) التهذيب 7: 126 / 549، الوسائل 17: 365 أبواب عقد البيع وشروطه ب 19
ح 1، وما بين المعقوفين من المصدر.
338

والظاهر من جمع من الأصحاب اختصاص ذلك بمتساوي
الأجزاء (1)، كما هو مورد الصحيح.
وأما في مختلفها فيرجحون الإشاعة مع دعوى قصدها إذا كان الكل
معلوما، ترجيحا لجانب الصحة، وهو حسن لو ثبت عموم حمل أفعال
المسلمين على الصحة، بحيث يجري في المورد ولم تعارضه أصالة
الحقيقة.
وأما مع عدم العلم بالكل، فلو قلنا بصحة الإشاعة - كما ذكرناه -
فيكون كالعلم، ولو قلنا بعدمها - كما هو المشهور ظاهرا - فتبقى أصالة
الحقيقة خالية عن المعارض ويبطل البيع.
وعلى هذا، فالفائدة التي ذكروها في متساوي الأجزاء مختصة بصورة
العلم بالكل، وأما مع الجهل فالفائدة صحة البيع وبطلانه.
ز: يجوز أن يعتبر المعدود بمكيال ويعد ما فيه، ثم يؤخذ بحسابه،
وكذا الموزون، للأصل، حيث إن دليل المنع غير جار ها هنا، لانتفاء الغرر
والمجازفة المنهي عنهما عرفا - مع أن عدم العلم بثبوتهما كاف، وهو مما لا
شك فيه - ولاختصاص عدم القول بالفصل بينهما وبين المكيل بغير ذلك.
وتدل على الأول صحيحة الحلبي الواردة في الجوز (2)، المتقدمة،
وتقيدها بعدم الاستطاعة إنما هو في كلام الراوي فلا يضر، وتقرير
المعصوم لو أفاد لا يفيد أزيد من رجحان العد مع الاستطاعة، وهو غير
بعيد، لكونه أضبط.

(1) منهم صاحبي الحدائق 18: 478 والرياض 1: 515.
(2) الكافي 5: 193 / 3، الفقيه 3: 140 / 617، التهذيب 7: 122 / 533، الوسائل
17: 348 أبواب عقد البيع وشروطه ب 7 ح 1.
339

فالجواز مطلقا هو الأقوى، كما عليه الشهيد الثاني (1) والمحقق
الأردبيلي، لا مع التعذر كالمحقق والعلامة (2)، بل كثير من الأصحاب كما
في الروضة (3)، ولا مع التعسر كبعضهم (4).
وتدل على الثاني أيضا رواية عبد الملك بن عمرو: فيمن اشترى مائة
رواية من زيت، فاعترض راوية أو اثنتين ووزنهما، ثم أخذ سائره على
قدر ذلك، قال: (لا بأس) (5).
وتعسر وزن مائة راوية غير معلوم، كتخصيص الصور المتعارفة من
العدول من العد والوزن إلى الاعتبار بالمكيال الواحد بما إذا تعذرا أو
تعسرا، إلا أن مورد الرواية وزن راوية واحدة وأخذ البواقي بهذا القدر،
وهو غير ما نحن فيه، لأنه ما إذا وزن ما في راوية واحدة وأخذ البواقي
بهذه الراوية على ذلك الوزن.
ويمكن أن يقال: إنه إذا اغتفر التفاوت المحتمل مع اختلاف الروايا
فيكون مغتفرا في الراوية الواحدة بالطريق الأولى، لأن الجهل في الأول
باعتبارين، وفي الثاني باعتبار واحد مندرج في الأول.
وأما جواز وزن المكيل فالظاهر أنه مما لا خلاف فيه، لمكان
أضبطيته، فالنهي عن البيع قبل الكيل في رواية ابن حمران (6) المتقدمة

(1) الشهيد الثاني في الروضة 3: 262.
(2) المحقق في الشرائع 2: 18، العلامة في التذكرة 1: 469.
(3) الروضة 3: 266.
(4) كصاحبي الحدائق 18: 474 والرياض 1: 515.
(5) الكافي 5: 194 / 7، الفقيه 3: 142 / 625، التهذيب 7: 122 / 534، الوسائل
17: 343 أبواب عقد البيع وشروطه ب 5 ح 1، بتفاوت يسير.
(6) التهذيب 7: 37 / 157، الوسائل 17: 345 أبواب عقد البيع وشروطه ب 5 ح 4.
340

مخصوص بما إذا لم يوزن أيضا، فالتبديل في الثلاثة جائز.
وأما صحيحة الحلبي - المتقدمة (1) في العدل يؤخذ بمثل ما في العدل
الآخر - فهي غير منافية لما ذكرنا، لعدم صراحتها في النهي، وعدم كونها
من قبيل ما نحن فيه لمثل ما مر، فإن كلامنا في كيل الموزون أو وزن
المكيل، وهي صريحة في الأخذ بغير كيل ووزن، فهي من قبيل أخذ روايا
الزيت المتقدمة، والأولوية المذكورة فيها غير جارية هنا كما لا يخفى.
نعم، يحصل حينئذ بين هذه الصحيحة ورواية الزيت نوع تعارض
لو كانت الصحيحة صريحة في النهي، ولكن عرفت أنها ليست كذلك،
مع أن تعارضها لنا غير ضائر، لأن عدم الدليل على المنع كاف في
التجويز.
ح: قالوا: لا يشترط العلم بالذراع فيما يذرع - كالكرباس (2) ونحوه -
وبالمساحة فيما يمسح، بل تكفي المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة.
وفي التذكرة: أنه إجماعي (3)، وهو كذلك، للأصل، وعموم الأدلة إلا إذا
توقف ارتفاع الغرر به، فيجب.
ولا يبعد حمل إيجاب الخلاف (4) المساحة في بيعهما على صورة
الغرر، جمعا بين الفتاوى، كما لا يبعد تنزيل كلمة الأصحاب المطلقة في
جواز بيعهما من دون مساحة على صورة عدمه.
ثم المشاهدة لا بد أن تكون بحيث ينتفي معها الغرر، فهي تختلف

(1) في ص: 328.
(2) الكرباس: القطن - مجمع البحرين 4: 100.
(3) التذكرة 1: 470.
(4) انظر الخلاف 3: 198، وحكاه عنه في الدروس 3: 198.
341

باختلاف المبيع، فقد يحتاج الثوب إلى النشر وملاحظة المجموع، وقد
يكتفي بتقليبه على وجه يوجب معرفته المطلوبة.
ط: قد أشرنا فيما تقدم إلى اشتراط معرفة الأوصاف في العوضين إذا
أوجب الجهل بها الغرر، بأن تختلف القيمة بوجود الوصف وعدمه.
ويكون الوصف في كل شئ بحسب ما يطلب في المعاملة به عادة،
بحيث تكون المعاملة بدون معرفته فيه غررا ومجازفة، ففي الفرس بنحو
الصغر والكبر دون مقدار اللحم، وفي الثوب أوصافه التي تتفاوت بتفاوتها
القيمة، وهكذا.
ولو كان الوصف مما تتفاوت بتفاوته الأغراض دون القيمة، فهل
تجب معرفته، أم لا؟
الظاهر: الثاني، للأصل.
نعم، لو كان ذلك المبيع بحيث لم يكن له طالب شراء، فلو انتفى فيه
الوصف المقصود للمبتاع بقي عنده بلا فائدة، فالظاهر اشتراط التعيين،
لتحقق الغرر عرفا حينئذ.
ي: معرفة الوصف اللازمة في البيع إما تكون بالمشاهدة والحس، أو
بالوصف الرافع للجهالة من المتبايعين أو أحدهما.
والمشاهدة السابقة كافية في الصحة إذا لم يحتمل التغير عادة احتمالا
ملتفتا إليه في العرف، إلا إذا مضت مدة يتغير فيها عادة.
و [لا] (1) يبنى على الاستصحاب مع الاحتمال، لتحقق الغرر بالاحتمال
العادي.

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.
342

والاستصحاب الشرعي لا يكفي في دفع الغرر العرفي، لأنه يتحقق
مع احتمال تغير الوصف واقعا في العرف احتمالا لا يتسامح فيه أهل
العرف، والاستصحاب لا يجدي في دفع ذلك الاحتمال.
والحاصل: أن الغرر هو احتمال عادي أو واقعي مجتنب عنه عرفا،
والنهي متعلق بذلك، والاستصحاب يدفع الاحتمال شرعا لإعادة وواقعا،
ولذا لو نذر أحد أن يجتنب عما احتمل عنده ملاقاته للبول لا يجوز له
ملاقاة ما يحتمله بدفع الاحتمال بالأصل، ولو نذر أن يجتنب عما أخبر زيد
بنجاسته لا يجوز له ملاقاته لاستصحاب عدم نجاسته وعدم حجية خبر
زيد.
يا: إذا اكتفى بالمشاهدة السابقة فيما يجوز له الاكتفاء به فظهر
الخلاف بما يوجب اختلاف الثمن نقصا أو زيادة بما لا يتسامح به عادة،
فالمصرح به في كلام الأكثر ثبوت الخيار للمشتري مع النقص في المثمن
وللبائع منع الزيادة، وفي الثمن بالعكس (1).
واستشكل المحقق الأردبيلي في جميع ذلك بأن مقتضى القاعدة
البطلان، فإن العقد إنما وقع على الموصوف، وغير الموصوف لم يقع عليه
العقد، فيكون باطلا (2).
وقد مر في بيع المملوك وغيره ما يدفع به ذلك، إلا أن الكلام في
دليل الخيار، قيل: ولعله ما يدل على خيار العيب ولزوم الضرر (3).
أقول: الأول إنما يتم لو كان مطلق انتفاء الوصف عيبا، أو كان

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 267 وصاحب الحدائق 18: 478.
(2) مجمع الفائدة 8: 183.
(3) انظر الحدائق 18: 482.
343

الوصف مما يكون انتفاؤه عيبا، وسيجئ تحقيقه في بحث عيوب المبيع.
وأما الثاني، فهو حسن فيما يوجب لزوم البيع الضرر، وقد لا يكون
كذلك، كما إذا تغير بنقص وصف وزيادة آخر، فالمتجه الحكم بالخيار فيما
تضمن الضرر عرفا لا مطلقا، مع أن جبر الضرر لا ينحصر بالخيار، بل
جبره بنقص ما يقابل الوصف ممكن، والاجماع على انتفائه غير ثابت،
فتعيين الخيار لأجله غير معلوم.
يب: لو اختلفا في التغير وعدمه فالمشهور - على ما قيل (1) - تقديم
قول المشتري مع يمينه، فكونه منكرا في المعنى وإن كان مدعيا في الصورة
لأصالة عدم وصول حقه إليه، وعدم انتقال الثمن منه، وعدم رضاه
بالوصف الموجود، وعدم اطلاعه عليه، والبائع يدعي الجميع.
وتردد فيه المحقق، لأصالة لزوم العقد، وعدم التغير (2).
ورد الأول: بمنع أصالة اللزوم، وإنما هي إذا ثبت لزوم وشك في
كون شئ موجبا لتزلزله، وأما إذا ثبت كون بيع لازما وكون بيع متزلزلا،
وشك في أن الواقع هل هو من أفراد اللازم أو المتزلزل، فليس أحدهما
موافقا للأصل، وهذا البيع مع ثبوت التغير متزلزل ومع عدمه مستقر،
فالشك هنا بين كون الواقع من أي القسمين لا في كون عدم العلم موجبا
للتزلزل أم لا، والأحكام تابعة للأسماء، والألفاظ أسامي للأمور النفس
الأمرية، فلا بد من بذل الجهد في تحصيل ما هو الواقع، فلما لم يثبت
وكان اللزوم مخالفا للأصول المتقدمة فيعمل بالأصل، وهو مع المشتري،
كما أنه مع البائع لو انعكست الدعوى وادعى البائع التغير الموجب للزيادة.

(1) انظر الحدائق 18: 482.
(2) الشرائع 2: 18.
344

ورد الثاني: بأن أصالة عدم التغير تنفع لو ثبت أن البيع الواقع من
أفراد اللازم، فهذا الأصل يستصحب لزومه، وأما مع الشك في كونه لازما
فأصالة عدم التغير لا تنفع في جعله لازما، فتكون خالية عن الفائدة.
ويرد على الرد الأول: أن الألفاظ وإن كانت أسامي للواقع ولكنها
مقيدة بالعلم أو ما يقوم مقامه في الأحكام التكليفية، ولا شك أن لزوم البيع
هو وجوب العمل بمقتضاه، كما أن تزلزله عدم وجوبه فيكون معنى قوله:
كل بيع لازم: أن كلما علمتم كونه بيعا فاعملوا فيه بمقتضى اللزوم، ومعنى
قوله: كل بيع وقع على المتغير فهو متزلزل: أن كلما علمتم تغيره فاحكموا
بتزلزله.. ولا شك أن عموم الأول يشمل ما علم تغيره، وما علم عدم
تغيره، وما لم يعلم فيه شئ منهما، خرج ما علم تغيره بالثاني، فيبقى
الباقي على اللزوم بعموم أدلته.
ولو سلم عدم أصالة اللزوم والشك في كونه من أفراد اللازم أو
المتزلزل ولزم بذل الجهد في تحصيل الواقع من أدلته، فنقول: من الأدلة:
أصالة عدم التغير، وهي معينة للفرد اللازم، فيجب القول به.
إلا أن في صحة أصالة عدم التغير مطلقا كلاما، وهو أن المتبايعين إما
متفقان في حصول التغير ولكن البائع يدعي حصوله وقت المشاهدة
والمشتري يدعي تأخره، كما إذا رأى عبدا سابقا ثم اشتراه، وكان في وجهه
آثار الجدري، وادعى المشتري عدمها عند المشاهدة.
أو غير متفقين، بل يدعي المشتري التغير، والبائع ينكره ويقول: إنه
كان كذا عند وجوده في الخارج، وهذا أيضا على قسمين:
لأن التغير المدعى إما أمر زائد على قول البائع، بمعنى: أن المشتري
يدعي وصفا زائدا على ما يقبله البائع، كما إذا اشترى فرسا بعد مشاهدته
345

سابقا، وادعى أنه كان حين المشاهدة سريعا في مشيه وعدوه، وتغير عدوه
ولا يعدو حينئذ، وقال البائع: لم يكن كذلك، بل كان سريعا في مشيه فقط.
أوليس بأمر زائد عليه، بل القولان أمران متقابلان، كأن يدعي
المشتري: أن العبد المبتاع كان قبل المشاهدة حسن الوجه وصار قبيحا،
وقال البائع: بل تولد قبيحا.
فإن اتفقا في التغير فالأصل مع المشتري، لأصالة تأخر الحادث.
وإن اختلفا في أصل التغير، فإن كان من القسم الأول فالأصل مع
البائع، لأصالة عدم الزائد.. وقد يمكن أن يكون الأصل في هذا القسم مع
المشتري، بأن يكون الأمر الزائد موجبا لنقص في الثمن - كأن تكون في
العبد المبتاع سلعة (1)، ادعى المشتري حدوثها بعد المشاهدة، والبائع كونها
معه من بدو الوجود - فالأصل مع المشتري، لأصالة عدمها.
وإن كان من القسم الثاني، فنسبة الأصل إليهما على السواء، بل
يتعارض فيه الأصلان ولا مرجح.
وعلى هذا، فالعمل بأصالة عدم التغير مطلقا غير صحيح، بل يكون
الأصل في بعض الصور مع المشتري، ولكون الأصل دليلا شرعيا يحكم
لأجله بالتغير، فيكون كالمعلوم ويخرج البيع عن اللزوم، وفي بعض آخر
مع البائع، وهو يكون معاضدا لأصالة لزوم البيع، ولا يكون مع واحد منهما
في بعض آخر فيعمل بمقتضى أصالة اللزوم.
وهذا هو الكلام في أصالة لزوم البيع وعدم التغير.

(1) السلعة - بكسر السين -: زيادة في الجسد، كالغدة، وتتحرك إذا حركت - مجمع
البحرين 4: 346.
346

وأما الأصول الأربعة السابقة (1) فالأولان منهما مرتفعان بلزوم البيع (2)
في كل صورة كان فيها الأصل لزومه.
أما الثاني، فظاهر.
وأما الأول، فلثبوت كون هذا الموجود حقا له بلزوم البيع وأصالة
عدم حق آخر له.
والثالث معارض بمثله.
وأما الأخير، فإن لم يشترط صحة البيع على الاطلاع به أو بمقابله
فتغيره غير مضر، وإن اشترط فتعارض أصالة عدم الاطلاع به عدم الاطلاع
بمقابله، وتبقى أصالة لزوم البيع بلا معارض.
هذا، وقد يتفاوت بعض تلك الأصول إذا كان البائع مدعي التغير أو
المشتري في الثمن، وبعد الإحاطة بما ذكرنا يعلم الحال في الجميع.
ثم لا يخفى أن ما ذكر كله إنما هو إذا لم يتحقق العلم العادي بالتغير
أو عدمه، وإلا فالعمل على المعلوم، ولا أثر للأصول المعارضة له.
يج: إذا اتفقا على التغير بعد المشاهدة، واختلفا في تقدمه على البيع
وتأخره، فالحق: تقديم مدعي التأخر، لأصالة تأخر الحادث، إلا إذا لم
يعلم زمان البيع أيضا، فتتعارض أصالة التأخر فيهما، وتبقى أصالة لزوم
البيع، ولا تعارضها أصالة عدم الانتقال، لكون الأول رافعا له.
يد: يظهر من المسالك عدم الخلاف في بطلان شراء ما يراد طعمه
وريحه بدون المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة من غير جهة الطعم والريح (3).

(1) في ص: 344.
(2) في (ق) زيادة: كما.
(3) المسالك 1: 175.
347

واستشكله المحقق الأردبيلي واحتمل البناء على الأصل والغالب
مطلقا، فلو علم أن الغالب في دبس بلد نوع خاص من الثخن وغيره، لا
حاجة إلى المشاهدة أو الوصف (1).
وهو كذلك إذا بلغت الغلبة حدا يوجب العلم أو الظن أيضا، لانتفاء
الغرر عرفا، وعدم دليل آخر على الاشتراط في هذه الأوصاف.
يه: لا شك في رجحان اختبار ما يراد منه الطعم أو الريح بالذوق
والشم إذا لم يفسدا بالاختبار، كاللبن والعسل ونحوهما، قطعا للنزاع
وتأكيدا للوضوح، ويجوز الشراء بوصف الطعم والريح إجماعا كما في
الغنية (2) وغيره كغيره (3)، للأصل، واندفاع الغرر.
وهل يجوز الشراء بدون الاختبار ذوقا وشما ولا وصفهما، بل بمجرد
المشاهدة أو الوصف من غير جهة الطعم والريح من الأوصاف التي يعتبر
علمها من اللون والقوام وغيرهما مما تختلف القيمة باختلافه؟
المشهور: نعم، وظاهر التنقيح أنه قول جميع المتأخرين (4)، إحالة
على مقتضى الطبع، فإنه أمر مضبوط عرفا لا يتغير غالبا، ومع ذلك يندفع
الغرر.
ولما رواه الحلي في سرائره والحلبي، قالا: روي: أنه لا يجوز بيعه
بغير اختباره، فإن بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح والمتبايعان
فيه بالخيار، فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس (5).. بحمل عدم الجواز على

(1) مجمع الفائدة 8: 180.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.
(3) كالرياض 1: 516.
(4) التنقيح 2: 28.
(5) السرائر 2: 331، ولم نعثر على رواية الحلبي لها.
348

المرجوحية، والصحة على اللزوم بقرينة إثبات الخيار.
وحكى في المهذب والتنقيح عن القاضي والديلمي والحلبي عدم
الجواز (1)، وفي الأول عن الشيخين وابن حمزة أيضا (2).
وعبارات أكثرهم غير صريحة في المنع، بل بالجواز أشبه، فإن
القاضي والحلبي والشيخين وإن صرحوا بعدم الصحة (3)، ولكنهم عقبوه
بالخيار مع البيع، فإرادة اللزوم من الصحة ممكنة وإن احتمل تجوز في
الخيار.
وظاهر الحلي عدم الجواز إذا كان حاضرا مشاهدا، والجواز مع
الغيبة (4).
دليل المنع: الغرر، ورواية محمد بن العيص: عن رجل يشتري ما
يذاق، أيذوقه قبل أن يشتريه؟ قال: (نعم، فليذقه ولا يذوق ما لا
يشتري) (5).
ورد: بمنع الغرر، وضعف الخبر، وقصوره عن إفادة الوجوب،
لورود الأمر فيه في محل توهم الحظر، فلا يفيد سوى الإباحة، مع كونه
معارضا بالرواية المتقدمة (6).

(1) التنقيح 2: 28، المهذب البارع 2: 358.
(2) المهذب البارع 2: 358.
(3) لم نعثر عليه في المهذب وجواهر الفقه، نعم حكاه عنه في المختلف: 389،
الحلبي في الكافي: 354، المفيد في المقنعة: 609، الطوسي في النهاية: 404.
(4) السرائر 2: 331.
(5) التهذيب 7: 230 / 1004، المحاسن: 450 / 361، الوسائل 17: 375 أبواب
عقد البيع وشروطه ب 25 ح 1.
(6) في ص: 348.
349

أقول: انتفاء الغرر مطلقا غير معلوم، فإن من المطعومات
والمشمومات المتفقة في كثير من الأوصاف ما يختلف الطعم والرائحة فيه
اختلافا موجبا لاختلاف القيمة والرغبات، والجميع من مقتضى طبعه،
وليس فيها طعم غالب، ففي مثله يلزم الغرر.
وأما ضعف خبر ابن العيص سندا فعندنا غير ضائر، والأمر فيه وإن
كان واردا في معرض توهم الحظر، ولكن الحق عندي إفادته الوجوب
أيضا.
والرواية المتقدمة للمعارضة غير صالحة، لعدم تعين كون ذكر الخيار
قرينة للتجوز في الصحة، لجواز العكس، بل هو أولى، لامكان إرادة الخيار
في الاسترداد وفي البقاء على مقتضى البيع على وجه التراضي المحض دون
البيع، وعدم ثبوت حقيقة شرعية في الخيار في التخيير في إبقاء العقد
وعدمه.
وعلى هذا، فتكون الرواية دليلا آخر على المنع أيضا، فهو أقوى،
سيما إذا كان المبيع مما تختلف أفراده أو أصنافه في الطعم أو الرائحة،
كالبطيخ والخل وماء الورد.
إلا أن المعلوم من الشواهد الحالية أن الأمر بالذوق لمعرفة الطعم،
سيما مع ذكر الاختبار في الرواية فإنه يكون لتحصيل المعرفة، ومع تجويز
البيع بوصف الطعم بالاجماع والأخبار المجوزة للسلف في الطعام (1).
وعلى هذا، فيختص اشتراط الذوق بما لم تحصل معرفته من جهة
معرفة سائر الأوصاف عادة، فلو حصلت لم يحتج إلى الذوق.
ويفترق ما قلنا مع المشهور في حصول المعرفة الظنية لأجل الغلبة،

(1) الوسائل 18: 18 أبواب الخيار ب 7.
350

فالظاهر منهم اعتبارها، وعلى ما ذكرنا لا بد من العلم العادي.
يو: إذا كان ما يراد طعمه أو ريحه مما يفسد بالاختبار ويخرج عما
هو عليه - كالجوز والبيض - جاز بيعه بغير اختبار بعد تعيينه بوجه آخر،
للأصل، واختصاص الخبر بما يذاق، وهذا ليس منه، بل الجواز هنا أولى
مما تقدم، لاستلزام المنع منه العسر والحرج.
ويدل عليه أيضا: أنا نعلم قطعا من الصدر الأول إلى هذا الزمان
تحقق شراء مثل الجوز والبطيخ والبيض من غير الاختبار في جميع
الأمصار، حتى من العلماء، بل الأئمة فعلا أو تقريرا، فهو يكون إجماعا.
نعم، وقع الخلاف في جوازه مطلقا كما هو الأشهر، أو مع اشتراط
الصحة كما عن بعض (1)، أو البراءة من العيب كما عن آخر (2)، أو أحدهما
كما عن جماعة (3). والأول أقوى، للأصل، وعموم الأدلة.
واحتمال العيب فيلزم الغرر مدفوع بأن احتمال الخروج عن أصل
الطبيعة ليس غررا، لأصالة بقائه، وعدم كون هذا الاحتمال ملتفتا إليه في
العرف ما لم يكن له شاهد.
نعم، لو كان طعمه بحسب أصل الطبيعة مختلفا اختلافا موجبا
لتفاوت القيمة اتجه القول بالاختبار، للزوم الغرر.
يز: لا يجوز بيع سمك الآجام ولبن الضرع والحمل وأمثالها بدون
ضميمة، للغرر، وعليه الاجماع في الروضة (4)، وقيل: لا خلاف فيه (5).

(1) منهم المحقق في الشرائع 2: 19 والعلامة في القواعد: 126.
(2) ابن حمزة في الوسيلة: 247.
(3) منهم الشيخ في النهاية: 404 وانظر المختلف: 389.
(4) الروضة 3: 282.
(5) كما في الرياض 1: 516.
351

وقد يقال باحتمال الجواز لو حصل الظن بحصول ما يقابل الثمن،
لانتفاء الغرر.
ويدفعه الاجماع المحقق والمنقول في كلام جماعة، منهم الفاضل
في التذكرة (1)، مضافا إلى إطلاق النهي عن شراء اللبن في الضرع بدون
الضميمة في موثقة سماعة الآتية (2)، ونهي النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الملاقيح - وهو
ما في بطون الأمهات - والمضامين - وهو ما في أصلاب الفحول (3) - رواه
جماعة من الفريقين، وانجبر ضعفه بالشهرة العظيمة، بل الاجماع.
وأما مع الضميمة المعلومة ففيه أقوال:
الجواز مطلقا، ذهب إليه الشيخ في النهاية (4) وجماعة (5)، بل عليه في
الأول الاجماع في الغنية (6)، واختاره بعض المتأخرين ظاهرا (7)، ونفى في
الكفاية البعد عن الأول، واستحسن الثاني، واستوجه الثالث (8).
وعدمه كذلك، نسب إلى الأشهر (9).
والتفصيل بالجواز مع كون المقصود بالذات هو الضميمة والمجهول

(1) التذكرة 1: 468.
(2) في ص: 353.
(3) معاني الأخبار: 277 - 278، الوسائل 17: 352 أبواب عقد البيع وشروطه
ب 10 ح 2، وانظر الموطأ 2: 654 / 63.
(4) النهاية: 400.
(5) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 246، ونقله عن ابن البراج في المختلف: 387.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 586.
(7) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 186، الفيض الكاشاني في المفاتيح 3: 56،
صاحب الحدائق 18: 492.
(8) الكفاية: 91.
(9) كما في الرياض 1: 517.
352

تابعا، والبطلان مع العكس والتساوي، وإليه ذهب أكثر المتأخرين (1).
الحق هو: الأول، أما في الأول فلرواية أبي بصير: في شراء الأجمة
وليس فيها قصب، إنما هي ماء، قال: (يصيد كفا من سمك فيقول: أشتري
منك هذا السمك وما في هذه الأجمة بكذا وكذا) (2).
ورواية البزنطي: (إذا كانت أجمة ليس فيها قصب أخرج شئ من
السمك فيباع وما في الأجمة) (3).
وأما في الثاني فلموثقة سماعة: عن اللبن يشترى وهو في الضرع،
قال: (لا، إلا أن يحلب لك سكرجة (4) فيقول: أشتري منك هذا اللبن الذي
في السكرجة وما بقي في ضروعها بثمن مسمى، فإن لم يكن في الضرع
شئ كان ما في السكرجة) (5).
وأما في الثالث فلرواية الكرخي: ما تقول في رجل اشترى من رجل
أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما؟ فقال: (لا
بأس بذلك، إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف) (6).

(1) منهم العلامة في المختلف: 387، ابن فهد في المقتصر: 167، الشهيد الثاني
في المسالك 1: 176.
(2) التهذيب 7: 126 / 551، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع وشروطه ب 12
ح 6 بتفاوت يسير.
(3) الكافي 5: 194 / 11، التهذيب 7: 124 / 543، الوسائل 17: 354 أبواب
عقد البيع وشروطه ب 12 ح 2.
(4) السكرجة: إناء صغير يؤكل فيه الشئ القليل من الأدم - مجمع البحرين 2: 310.
(5) الكافي 5: 194 / 6، الفقيه 3: 141 / 620، التهذيب 7: 123 / 538،
الإستبصار 3: 104 / 364، الوسائل 17: 349 أبواب عقد البيع وشروطه ب 8
ح 2، بتفاوت.
(6) الكافي 5: 194 / 8، الفقيه 3: 146 / 642، التهذيب 7: 45 / 196
و 123 / 539، الوسائل 17: 351 أبواب عقد البيع وشروطه ب 10 ح 1.
353

وتضعيف الأخبار بالارسال أو الاضمار أو جهالة الراوي عندنا ضعيف.
احتج المانع بأن الجهالة موجبة للغرر المنهي عنه، وتعيين البعض
غير مفيد، لأن ما بعضه مجهول كله مجهول.
والجواب: أن فساد بيع الغرر لعموم النهي، وتخصيصه بالأخص
لازم، ولو سلم العموم من وجه بين ما دل على حرمة بيع الغرر وهذه
الأخبار - كما قيل - فلو رجحنا تلك الأخبار بمخالفة العامة وموافقة عموم
الكتاب فهو، وإلا فيتكافئان ويرجع إلى عمومات البيع.
استدل المفصل بأن مع عدم كون المجهول مقصودا بالذات فإما لا
يكون مبيعا - بل يكون تابعا له - أو لا يكون في شرائه غرر..
وذلك لأن دخول شئ في المبيع مع عدم القصد إليه بالذات تارة
يكون بأن لا يكون مقصودا ولا مستشعرا به أصلا، كحجر في جوف أرض
ابتاعها، وكلا واقع في شاطئ النهر الواقع في ضيعة اشتراها.
وأخرى بأن يكون مقصودا بالبيع ولكن لم يكن مقصودا ذاتيا، كمن
أراد شراء دار قيمتها ألف دينار، فشراها مع السمك الذي في حوض بألف
دينار ودرهم.
وفي الأول ليس المجهول مبيعا حقيقة وإن كان تابعا له شرعا، فلا
تضر جهالته.
وفي الثاني وإن كان مبيعا ولكنه لا يعد غررا عرفا، فيكون البيع
صحيحا، بخلاف ما إذا كان مقصودا بالذات، فإنه يوجب الغرر.
والجواب: أنه وإن أوجبه ولكن الرواية خصصته، فلا حرج في هذا
الغرر، كما في العبد الآبق مع الضميمة.
على أنه قد يتحقق الغرر في القسم الثاني أيضا، كما إذا كان ما يقابل
354

المجهول الغير المقصود بالذات من الثمن كثيرا، كمن اشترى الدار التي
قيمتها مائة دينار ويحتاج إليها مع سمك في أجمة لا يبيعها المالك إلا معه
بمائتي دينار.
هذا، وتنزيل الروايات (1) على التفصيل لا شاهد عليه، مع أنه في
الروايتين الأوليين غير ممكن.
ثم إن جواز بيع المجهول مع الضميمة هل عام في كل مجهول، أو
يختص بما ذكر؟
رجح بعض المتأخرين العموم، ونسبه إلى الشيخ (2).
وظاهر بعضهم الاختصاص بما ورد فيه النص - كما ذكر - والثمار.
وهو الأظهر، اقتصارا على موضع النص في ارتكاب الغرر.
نعم، لو كان المقصود بالبيع هو الضميمة، وكان المجهول تابعا في
البيع من غير قصد إليه - بأن يكون المبيع هو الضميمة وإن تبعه المجهول
شرعا أو عرفا - فلا شك في العموم، إذ لا غرر في البيع.
ولو كانا مقصودين بالبيع ولكن كان المقصود بالذات هو الضميمة،
وكان شراء المجهول أو بيعه مقصودا بالعرض، يجب البناء على قاعدة
الغرر، كما أشير إليه.
وقد يستدل على العموم بروايتي الهاشمي.
إحداهما: في الرجل يتقبل بجزية رؤوس الجبال وخراج النخل
والآجام والطير، وهو لا يدري لعله لا يكون من هذا شئ أبدا، أو يكون،

(1) المتقدمة في ص: 353.
(2) انظر مجمع الفائدة 8: 185 و 186.
355

قال: (إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك، اشتراه وتقبل به) (1)، وزاد
في الأخرى: والشجر والمصائد والسمك (2).
وفيه: أن إرجاع الضمير في: (اشتراه) إلى ما أدرك ممكن، فلا يدل
على المطلوب.
وهل يجب أن تكون الضميمة ما في النص من بعض السمك في
الأول وما يحلب منه في الثاني والأصواف في الثالث، أو تصح كل ضميمة؟
مقتضى الأصل: الأول، إلا أن ظاهر الجماعة: الثاني (3)، بل الظاهر
عدم القول بالفصل، وفي التذكرة الاجماع على جواز بيع الحمل مع أمه،
آدميا كان أو غيره (4).
يح: يصح بيع القصب في الأجمة والصوف والوبر والشعر على
الأظهر إذا كانت مشاهدة وإن كانت الثلاثة الأخيرة موزونا في الجملة،
لاختصاص الوزن فيها بما بعد الجزء عرفا دون ما إذا كانت على الظهر..
وفاقا للمفيد والحلي والفاضل في التذكرة (5) وأكثر المتأخرين (6)، للأصل،
وفقد المانع.
وخلافا لجماعة، منهم: الشيخ والحلبي والقاضي (7)، وفي التذكرة:

(1) الكافي 5: 195 / 12، الفقيه 3: 141 / 621، التهذيب 7: 124 / 544،
الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع وشروطه ب 12 ح 4، بتفاوت.
(2) الفقيه 3: 141 / 621، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 12 ذ. ح 4.
(3) منهم العلامة في الإرشاد 1: 362 وصاحب الرياض 1: 516.
(4) التذكرة 1: 468.
(5) المفيد في المقنعة: 609، الحلي في السرائر 2: 322، التذكرة 1: 468.
(6) منهم فخر المحققين في الإيضاح 1: 422، وانظر مجمع الفائدة 8: 188.
(7) الشيخ في المبسوط 2: 158، الحلبي في الكافي في الفقه: 356، نقله عن
القاضي في المختلف: 386.
356

أنه الأشهر (1)، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى أن يباع صوف على
ظهر (2)، نقله في التذكرة.
والرواية عامية مرسلة، والشهرة الجابرة لها غير معلومة.
وقيد الشهيد الجواز بشرط الجزء أو كونها بالغة أوانه (3).
ولا وجه له، لأن ذلك لا مدخل له في الصحة، بل غايته مع تأخره
الامتزاج بمال البائع، وهو لا يقتضي بطلان البيع، كما لو امتزجت لقطة
الخضر بغيرها، فيرجع إلى الصلح.
ولو شرط تأخيرها عن وقت البيع مدة معلومة وتبعية المتجدد لها بني
على الغرر، فإن أوجبه بطل، وإلا صح.
يط: قال في المسالك بعدم جواز بيع الجلد على الظهر منفردا (4)،
وتأمل فيه في الكفاية (5)، واستدل في التذكرة للمنع عن بيع الرأس والجلد
بالجهالة (6).
وهو حسن، لاختلاف الجلود في الثخانة والرقة، ولأن باطنها غير
مشاهد، وقد يختلف بما تختلف به القيمة.
ك: إذا باع شيئا مكيلا أو موزونا بظرفه كالزيت في الزقاق (7) والسمن

(1) التذكرة 1: 468.
(2) سنن الدارقطني 3: 14 / 40.
(3) الدروس 3: 196.
(4) المسالك 1: 176.
(5) الكفاية: 91.
(6) التذكرة 1: 471.
(7) الزق: السقاء، أو جلد يجز ولا ينتف للشراب أو غيره، وجمعه: زقاق وزقان
مجمع البحرين 5: 177.
357

في الجلد معهما كل رطل بدرهم، فإن عرف قدر كل منهما تفصيلا صح،
لعدم المانع، ورضاء المشتري أن يشتري الظرف كل رطل بكذا.
وإن لم يعرف قدر كل منهما ولا المجموع بطل، لعدم العلم بالقدر.
وإن عرف وزن المجموع دون كل واحد فجوزه في التذكرة
والمسالك (1).
والوجه: المنع، لا للغرر، بل لعدم تحقق ما يشترط في بيع المكيل
والموزون من الكيل والوزن، إذ المتبادر من اشتراطهما والأمر بهما معرفة
قدر المكيل والموزون بخصوصه لا مع غيره، فلو وزن حنطة مع بطيخ وكانا
عشرة أرطال ولم يعلم وزن البطيخ لم يصدق وزن الحنطة، إذ المراد بزنته
ليس محض المقابلة مع شئ، بل هي مع معرفة مقداره بخصوصه، كما
يشهد به العرف.. ولا يفيد كون المقصود بالذات بيع المظروف، لأنه لو
أفاد إنما يفيد في دفع الغرر والجهالة دون الكيل والوزن.
نعم، لا يبعد الاكتفاء بوزن المجموع إذا صار وزنهما معا معتادا،
بحيث يكون الظرف والمظروف معا في العرف شيئا موزونا على حدة غير
المظروف منفردا.. والأحوط وزن المظروف حينئذ أيضا.
وفي حكم الظرف كل ما يجتمع مع المبيع في الكيل والوزن من غير
جنسه ولو كان مكيلا أو موزونا وكانا متفقين قيمة، فلو وزن الإبريسم
والغزل معا من غير معرفة التفصيل لم يصح البيع، لعدم صدق وزن
الإبريسم مع كونه موزونا.. إلا أن يكون في غاية القلة، بحيث يتسامح به
عادة في الكيل والوزن، كالتراب القليل في الحنطة، أو حصلت من جمعهما
حقيقة ثالثة مركبة منهما، كالسكنجبين وسائر ما يتركب من الموزونات.

(1) التذكرة 1: 471، المسالك 1: 176.
358

ولو تعارف وزنهما معا، بأن يكونا في العرف معا موزونا على حدة
وإن لم يحصل التركيب الحقيقي، فلا يبعد الاكتفاء بزنة المجموع، كما مر
في الظرف.
والتوضيح: أنه كما قد يخرج الموزون عن كونه موزونا بتغير خاص
فيه كبعض النبات، يمكن أن يخرج عن كونه موزونا منفردا بضم شئ آخر
معه، فحينئذ يكفي وزن المجموع، وإن كان الأحوط وزن كل منهما إذا كانا
موزونين، سيما إذا تعارف الأمران، أي وزن كل منهما ووزنهما معا.
كا: لو باعه في ظرفه لا معه ووزنه معه - بأن يزن الظرف بعده
وأسقطه بحسابه - جاز قطعا.
ولو باعه كذلك ولكن لم يزن الظرف، بل يسقط شيئا بإزائه، فإن كان
مما علم زيادته عن المسقط أو نقصه فلا يجوز الاسقاط إلا مع التراضي،
أي بالاسقاط. والوجه ظاهر، وتدل عليه الروايتان الآتيتان.
وإن لم يعلم ذلك، بل كان بالتخمين، واحتمل الزيادة والنقصان،
فهو جائز، لموثقة حنان: إنا نشتري الزيت في زقاقه، فيحسب لنا النقصان
فيه لمكان الزقاق، فقال له: (إن كان يزيد وينقص فلا بأس، وإن كان يزيد
ولا ينقص فلا تقربه) (1).
وأما رواية علي بن أبي حمزة: يطرح ظروف السمن والزيت لكل
ظرف كذا وكذا رطلا، فربما زاد وربما نقص، فقال: (إذا كان ذلك عن
تراض منكم فلا بأس) (2) - حيث دلت بالمفهوم على عدم الجواز بدون

(1) الكافي 5: 183 / 4، التهذيب 7: 128 / 559، الوسائل 17: 367 أبواب عقد
البيع وشروطه ب 20 ح 4، بتفاوت يسير.
(2) التهذيب 7: 128 / 558، الوسائل 17: 366 أبواب عقد البيع وشروطه ب 20
ح 1، بتفاوت يسير.
359

التراضي - فإرادة التراضي بأصل البيع فيها ممكنة، بل يمكن أن يكون
المراد بقوله: ربما زاد وربما نقص: السؤال عن الزيادة والنقيصة المعلومتين
دون المحتملتين، بل الأول مقتضى حقيقة اللفظ، ولا كلام في اشتراط
التراضي حينئذ كما مر.
فإن قيل: ما وجه تقييد الجواز بالتراضي في صورة العلم بالزيادة أو
النقصان دون صورة الاحتمال، مع أن فيها أيضا لا يتم الأمر بدون التراضي،
سواء أريد التراضي قبل المبايعة أو بعدها؟!
قلنا: المراد بالتراضي هنا مقابل البيع، والمعنى: أنه لا يجوز أخذ
المشتري الزيادة المعلومة في المظروف ولا البائع الزيادة المعلومة في الثمن
بعنوان المبايعة، وإنما يجوز الأخذ بعنوان المراضاة، بخلاف المحتملة،
فإن أخذه بالمبايعة جائز.
والتوضيح: أنه إذا وزن سمن مع جلوده فكان مائة رطل، فباع كل
رطل منه بدرهم، وعلم أن الجلد ثمانية أرطال، فلو أسقط خمسة بإزائه كان
المبتاع خمسة وتسعين رطلا من السمن، وكان ما بيده اثنين وتسعين،
فيكون بعض الثمن - الذي هو ثلاثة دراهم - لا يكون بإزائه المثمن، أما لو
أعطاه الثلاثة دراهم بعنوان التراضي - لا بعنوان بيع كل رطل من السمن
بدرهم - يكون جائزا.
وكذا إذا أسقط في المثال بإزاء الجلد عشرة أرطال، فيبقى السمن
المبتاع تسعون رطلا مع أنه يزيد برطلين، فيبقى الرطلان عنده بلا ثمن، فلا
يكون مبيعا. وأما لو أعطى المالك الرطلين بعنوان المراضاة والإباحة فيكون
جائزا.
وكذا إذا كان البيع قبل الوزن، كأن يبيعه تسعين رطلا من السمن،
360

فوزن مع الجلد وكان مائة رطل، وعلم أن الجلد ثمانية، فلا يصح حسابه
عشرة وإعطاء اثنين وتسعين بعنوان البيع، لأن المبيع تسعون، ولا خمسة
وأخذ ثمن [خمسة] (1) وتسعين بعنوان البيع، بل يجوز ذلك بعنوان الإباحة
والتراضي.. بخلاف ما إذا كان المسقط محتملا للزيادة والنقصان، فإنه
يجوز بناء البيع على ما يبقى بعد إسقاطه بحكم النص، ولعدم معلومية
الزيادة أو النقصان.
وأما ما قيل من أن مرادهم: أن الجهالة بهذا المقدار لا تضر، وأنه لو
تراضى المتبايعان بأصل المبايعة مع الظرف بقصد الاندار (2) تخمينا، ولم
يرض البائع بالفسخ أيضا، فلا يشترط رضاه بذلك (3).
فهو كذلك، إلا أنه لا يفيد في التفرقة بين الصورتين بالتقييد بالتراضي
في إحداهما دون الأخرى.
ثم لا يخفى أنه كما ثبت مما ذكر أن الاندار مع التخمين غير مضر في
البيع مع تضمنه الجهالة في الجملة، كذلك ظهر حلية المبيع والثمن
للمتبايعين ولو كان المبيع زائدا عما ذكر من الوزن أو ناقصا في الواقع،
وكذا لو ظهر التفاوت لأحدهما بعد الاندار فيجوز له التصرف في الزائد.
وهل يحصل بذلك اللزوم - يعني: لو أنذر تخمينا، فأراد أحدهما
التحقيق بعده أو ظهر التفاوت بعد الاندار، بأن يزيد الظرف مثلا على ما
اندر، فطلب المشتري الناقص، أو ينقص فطلب البائع الزائد، فلا يكون له
ذلك - أو لا يحصل فيكون؟

(1) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: ثلاثة، والظاهر ما أثبتناه.
(2) وأندره غيره، أي أسقطه. يقال أندر من الحساب كذا - الصحاح 2: 825.
(3) انظر المسالك 1: 176.
361

الحق هو: الثاني، للأصل، إلا أن يكون الاندار مشروطا في العقد.
كب: لا يختلف في حكم الاندار التخميني أو مع الاختلاف المعلوم
فيما إذا جرت العادة بإندار قدر معين للظرف أو لم تجر، والوجه ظاهر بعد
التأمل.
كج: الظرف بعد إنداره يكون باقيا على ملك البائع، إلا مع شرط
كونه للمشتري، أو كونه متعارفا بين الناس بحيث يتبادر بتبعيته للمبيع،
فيكون مثل الحجارة في الأرض.
كد: اعلم أن كل ما حكم فيه ببطلان البيع لأجل الغرر فإنما هو في
البيع اللازم، أما لو باع بشرط الخيار لولا على النحو المقصود الرافع للضرر
فلا يبطل من هذه الجهة، لعدم الغرر عرفا.
ومنها: أن يكون المبيع موجودا حال البيع، لما مر من اشتراط
المالكية حين البيع، وما لا وجود له لا يكون مملوكا.
نعم، ثبت بالأخبار والاجماع الجواز في السلم وبيع المعدوم مع
الضميمة في الجملة ونحوهما، فمثل ذلك خارج بالدليل.
والحاصل: أن القاعدة عدم جواز بيع المعدوم حال البيع فيستثنى منه
ما استثناه الدليل.
(ويأتي بعض أحكام أخر لكل من العوضين في المباحث الآتية،
كبحث بيع الثمار، وبيع الزرع، وبيع الحيوان، والسلم، وغير ذلك) (1).

(1) ما بين القوسين ليس في (ح)
362

المقصد الثاني
في الخيار
363

وفيه فصلان:
الفصل الأول
في أقسامه
وهي ثمانية:
الأول: خيار المجلس.
والمراد به خيار المتبايعين ما لم يفترقا، سواء جلسا في موضع، أو
قاما، أو مشيا، أو غير ذلك.
والأصل في ثبوته - بعد الاجماع المحقق، والمحكي مستفيضا في
التذكرة (1) وغيره (2) - الأخبار المتضمنة لقوله: (البيعان بالخيار حتى يفترقا)،
[كالصحاح الأربعة لزرارة (3) ومحمد (4) وابن يزيد (5) والفضيل (6)] (7) وفي
الأخيرة: (فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما).
أو: (المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، وفيما سوى ذلك من

(1) التذكرة 1: 515.
(2) كالمفاتيح 3: 68 والحدائق 19: 5 والرياض 1: 522.
(3) الكافي 5: 170 / 4، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 2.
(4) الكافي 5: 170 / 5، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 1.
(5) الكافي 5: 174 / 2، التهذيب 7: 26 / 110 الوسائل 18: 7 أبواب الخيار ب 1
ح 6.
(6) الكافي 5: 170 / 6، التهذيب 7: 20 / 85، الإستبصار 3: 72 / 240، الوسائل
18: 6 أبواب الخيار ب 1 ح 3.
(7) بدل ما بين المعقوفين في (ح): كصحيحة زرارة أن المتبايعان كذلك كالصحاح
الأربعة لزرارة ومحمد والفضيل، وفي (ق): كصحيحة زرارة أو البيعان كذلك،
كالصحاح الأربعة لزرارة ومحمد والفضيل، والظاهر ما أثبتناه.
365

بيع حتى يفترقا) كصحيحة محمد (1).
وفي صحيحة الحلبي: (أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار
حتى يفترقا، فإذا افترقا فقد وجب البيع) (2).
وما في بعض الأخبار - من اللزوم بعد الصفقة على الاطلاق أو إن لم
يفترقا (3) - شاذ مطروح، أو على التقية محمول - فإنه فتوى أبي حنيفة (4) -
أو بصورة انتفاء الخيار مخصوص.
وها هنا فروع:
أ: لا إشكال في ثبوت الخيار إذا وقع البيع من المالكين.
وإن وقع من وكيليهما، فهل الخيار للمالكين، أو الوكيلين، أو لهما؟
والمستفاد من كلام بعضهم أنه يبني على صدق " البيعين "
و " المتبايعين "، فإن قلنا بصدقهما على أحدهما فالخيار له، وإن قلنا
بصدقهما عليهما فلهما.
ثم إن الظاهر من بعضهم أنهما لا يصدقان إلا على المالكين (5)،
ويظهر من آخر اختصاصهما بالوكيلين (6)، ومن ثالث صدقهما عليهما (7).

(1) التهذيب 7: 23 / 99، الوسائل 18: 10 أبواب الخيار ب 3 ح 3.
(2) الكافي 5: 170 / 7، التهذيب 7: 20 / 86، الإستبصار 3: 72 / 241، الوسائل
18: 9 أبواب الخيار ب 2 ح 4.
(3) كخبر غياث بن إبراهيم المروي في التهذيب 7: 20 / 87، الإستبصار 3:
73 / 242، الوسائل 18: 7 أبواب الخيار ب 1 ح 7.
(4) بداية المجتهد 2: 170، المحلى 8: 354، المجموع 9: 184.
(5) انظر المسالك 1: 176.
(6) انظر الحدائق 19: 12.
(7) الرياض 1: 522.
366

ولا يخفى أن البيع - كما عرفت - هو نقل الملك بنحو مخصوص،
وهو أعم من أن يكون نقلا لملك نفسه أو غيره وقد صدر من الوكيل نقل
الملك، فلا ينبغي الريب في صدقه عليه إذا كان التعيين والقبض والاقباض
بيده.
نعم، يشكل فيما إذا كانا وكيلين في خصوص إجراء الصيغة فقط،
ولا يبعد الصدق حينئذ أيضا.
وأما المالكان، فالظاهر الصدق إذا كانا بنفسهما مباشرين لتعيين الثمن
والمثمن والقبض والاعطاء وإن وكلا في إجراء الصيغة غيرهما.
وأما إذا لم يباشرا ذلك، وكان الجميع بيد الوكيلين، فالظاهر عدم
الصدق.
وأما جواز القول: بأن فلانا باع فرسه، فهو مجاز، لصحة السلب،
فيقال: لم يبعه هو بل باعه غيره، ولأنه يجوز أن يقال: باع فلان فرس
فلان، ولم يتحقق إلا بعمل واحد وهو من الوكيلين حقيقة قطعا، لعدم
صحة السلب.
فالظاهر صدق البايعين على الوكيلين، إلا إذا كانا وكيلين في مجرد
الصيغة، ففيه إشكال.
ثم إنا لو قلنا بثبوته للمالكين مطلقا أو في بعض الصور يختص
بما إذا كانا مجتمعين في محل البيع، لأن المستفاد من الروايات - بقرينة
قولهم عليهم السلام: (حتى يفترقا) - ثبوته للبايعين المجتمعين حال البيع، بل في
محله.
وأما المتفرقان حال البيع، أو المجتمعان لا في مجلس البيع، فلا
367

خيار لهما مطلقا، كما أن الوكيلين أيضا - على ما قيل (1) - لا خيار لهما مع
صدق البايعين عليهما أيضا إلا مع إذن المالك عموما أو صريحا في الخيار،
إذ بدونه يحصل التعارض بين أخبار خيار البائع وأدلة عدم جواز تصرف
الوكيل إلا فيما وكل فيه، والترجيح للثاني، ولولاه فالأصل معه.
وهو عندي محل نظر، لأن الفسخ بالخيار ليس تصرفا عرفا..
سلمنا، ولكن بعد تسليم صدق البائع عليه يكون الإذن حاصلا له من قبل
الشارع، فالأقوى جواز فسخه.
ثم لو قلنا بعدم صدق البائع على الوكيلين، وعدم ثبوت الخيار لهما
لأجل ذلك، فهل يثبت لهما مع التوكيل في الخيار أيضا على وجه يصح،
أم لا؟
صرح بعضهم بالأول (2)، لعمومات الوكالة، وهو إنما يتم مع ثبوته
للمالكين، وأما بدونه مطلقا أو مع عدم الاجتماع فلا، إذ لا يجوز التوكيل
إلا فيما يجوز فعله للموكل.
بل في الثبوت بالتوكيل مع ثبوته للموكل أيضا نظر، لعدم ثبوت جواز
التوكيل في كل ما يجوز للموكل فعله، والأصل يقتضي عدم ترتب الأثر إلا
فيما ثبت فيه جواز التوكيل.
مع أن هاهنا كلاما آخر، وهو أن الثابت من الأخبار ثبوت الخيار
للموكلين إذا لم يفترقا، فلو جاز التوكيل فيه لجاز إذا كانا مجتمعين ولم
يفترقا بعد، لا أن يجوز التوكيل في الخيار إذا لم يفترق الوكيلان، وهذا
ظاهر جدا، وظاهر المجوز إرادة الأخير.

(1) انظر المسالك 1: 178.
(2) كصاحب الحدائق 19: 12.
368

وحكم المتفرقين - بأن يكون أحد المتبايعين وكيلا والآخر مالكا -
يظهر مما مر.
ب: هذا الخيار يثبت في جميع أقسام البيع، كالسلف والنسية
والتولية والمرابحة، وبالجملة: جميع ما يصدق عليه البيع، لعموم
الروايات.
ج: يسقط هذا الخيار بأمور:
الأول: مفارقتهما أو أحدهما عن صاحبه ولو بخطى، بلا خلاف،
للأخبار المتقدمة (1)، وصحيحة محمد: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
(بايعت رجلا، فلما بعته قمت فمشيت خطى ثم رجعت إلى مجلسي
ليجب البيع حين افترقنا) (2)، وقريب منها غيرها (3).
بل نفي الخلاف عن الخطوة أيضا (4)، فإن ثبت الاجماع عليها، وإلا
فسقوط الخيار بالافتراق بها - بل وبالخطوتين - مشكل، لعدم تبادر مثلهما
عن الافتراق عرفا وعادة، بل وكذا الخطوات الثلاث، ولا يفيد لفظ الخطى
في الصحيح، إذ لا يتعين فيه أقل الجمع، لأنه إخبار عن فعله عليه السلام.
فالمناط: حصول الافتراق عرفا، والظاهر حصوله بنحو من خمسة أو
ستة وما زاد، سواء كان ذلك بالمشي، أو جذب نفسه إلى ورائه بهذا
المقدار.
ولا يسقط بالتماشي والتقارب بخطى.

(1) في ص: 366.
(2) الكافي 5: 171 / 8، الوسائل 18: 8 أبواب الخيار ب 2 ح 3.
(3) الفقيه 3: 127 / 557، التهذيب 7: 20 / 84، الإستبصار 3: 72 / 239،
الوسائل 18: 8 أبواب الخيار ب 2 ح 2.
(4) الرياض 1: 523.
369

والمستفاد من الصحيح: سقوط الخيار بالافتراق ولو قصد الرجوع أو
السقوط، فالاستشكال في التباعد لا بقصد الافتراق لا وجه له، كما لا وجه
للاسقاط بالأخذ في الافتراق بقصد المفارقة ولو لم تحصل المفارقة العرفية
بعد.. وكونه تسليما للزوم ممنوع.
ثم إن القدر الثابت من الأخبار والظاهر من كلام الأصحاب - بل
المصرح به في عبارات جماعة (1) - اعتبار المباشرة والاختيار في الافتراق،
فلو أكرها أو أحدهما عليه لم يسقط، سواء منع من التخاير والفسخ أو لا.
وقيده جماعة بالأول (2). ولا وجه له، لأن عدم الفسخ في حال يثبت
معها الخيار لا يثبت الالتزام، فإذا زال الاكراه فلهما الخيار.
وهل هو فوري، أو يستمر باستمرار مجلس الزوال؟
قيل بالأول (3)، لرفع الضرورة به، فيقتصر على مخالفة مقتضي اللزوم
عليه.
وفيه: أن المسلم هو اللزوم بعد حصول الافتراق الظاهر في
الاختياري، وأصالة اللزوم مطلقا ممنوعة.
وأيضا لو كان الأصل اللزوم، فأي ضرورة في القول بالخيار عند
الاكراه على الافتراق؟! فإن كان سبب الضرورة هو إثبات الخيار في الأخبار
قبل حصول الافتراق الظاهر في الاختياري فهو بعد موجود.
وهذا حجة القول الثاني، مضافا إلى الاستصحاب، مع أن السقوط

(1) منهم صاحب الحدائق 19: 11 وصاحب الرياض 1: 523.
(2) منهم العلامة في القواعد 1: 142، والشهيد الثاني في الروضة 3: 449
وصاحب الرياض 1: 533.
(3) كما في التذكرة 1: 516.
370

بزوال مجلس زوال الاكراه أيضا مشكل، أما إذا كان زواله بنحو التقارب
فظاهر، وأما إن كان بالتباعد فلأن المفروض حصول الفرقة بالاكراه، فلا
معنى لحصول الافتراق الموجب لزوال الخيار بعدها، إذ لا يكون افتراق إلا
من الاجتماع.
والمسألة محل الاشكال، وللتوقف فيها مجال.
ثم الاكراه الموجب لعدم السقوط هل هو ما يترفع معه القصد - كحمل
البايعين وجرهما عن المجلس - أو يشمل نحو التهديد على الجلوس ونحو
الافتراق للخوف من الجلوس أيضا؟
يحتمل كلامهم الاطلاق، بل هو المصرح به في كلام بعضهم (1)،
والظاهر من الأخبار: الثاني، لصدق الافتراق لعدم اعتبار الرضا فيه قطعا وإن
احتمل اعتبار المباشرة فيه، ولذا يستصحب الخيار مع عدمها.
ولو فارق أحدهما مجلس العقد ومنع الآخر من مصاحبته كرها ففيه
إشكال، لعدم ثبوت الافتراق منهما، سيما مع منعه عن التكلم.
الثاني: اشتراط سقوط الخيار في ضمن العقد، بلا خلاف يعرف كما
في كلام جماعة (2)، بل عليه الاجماع في الغنية (3) وغيره (4)، لوجوب الوفاء
بالشرط، لعموم: (المؤمنون عند شروطهم) (5).

(1) كصاحب الحدائق 19: 19.
(2) منهم السبزواري في الكفاية: 91 وصاحب الحدائق 19: 7 وصاحب الرياض 1:
522.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.
(4) كالتذكرة 1: 519 والحدائق 19: 19.
(5) الكافي 5: 169 / 1، التهذيب 7: 22 / 94، الوسائل 18: 16 أبواب الخيار
ب 6 ح 1.
371

وكون هذا الشرط مخالفا للسنة المثبتة للخيار أو لمقتضى العقد
ممنوع، لأنه إنما هو إذا شرط عدم ثبوت الخيار لا سقوطه المستلزم للثبوت
أولا، فيشترط أنه يسقط بمجرد ثبوته، وهذا لا يخالف سنة ولا مقتضى
العقد.
نعم، لو شرط عدم ثبوت الخيار فالظاهر فساده، ولكن لا يبعد القول
باستلزامه للايجاب، لدلالته التزاما على الالتزام المسقط للخيار.
ولو شرط عدم الفسخ فيجب الوفاء به، ولو فسخ حينئذ لم ينفسخ،
للنهي عن الفسخ الموجب لعدم ترتب الأثر عليه.
ويدل على زوال الخيار بهذا الاشتراط أنه التزام للعقد، وسيأتي أنه
موجب لسقوط الخيار.
والظاهر عدم الفرق في السقوط فيما إذا كان الشرط في ضمن العقد
أو قبله، وفاقا للشيخ (1)، لاطلاق بعض ما مر.
الثالث: إسقاطهما أو أحدهما إياه بعد العقد بكل لفظ يدل عليه،
بالاجماع المحقق والمحكي مستفيضا (2)، وبه يقيد إطلاق المستفيضة
المثبتة للخيار.
مضافا إلى العلة المنبهة عليه في صحيحة علي بن رئاب الواردة في
خيار الحيوان، وفيه: (الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أو لم
يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة فذلك رضا منه
فلا شرط له)، قيل: وما الحديث؟ قال: (إن لامس أو قبل أو نظر إلى ما

(1) الخلاف 1: 513.
(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 587 والتذكرة 1: 517 والرياض 1: 523.
372

كان محرما عليه قبل الشراء) (1).
ولو اختار أحدهما الامضاء والآخر الفسخ تقدم الفسخ، والوجه ظاهر.
الرابع: التصرف، فإن كان من المشتري في المبيع فيسقط خياره،
كما يسقط خيار البائع إن تصرف في الثمن.
وإن كان من كل منهما أو أحدهما في ما كان له أولا فيسقط خيارهما،
بمعنى انفساخ البيع الذي هو محل الخيار.
أما الثاني فظاهر.
وأما الأول فتدل عليه صحيحة علي بن رئاب المتقدمة، ولكن لا
يثبت منها أزيد من السقوط بالتصرف المفهم للالتزام وعدم إرادة الفسخ،
أو المفهم للفسخ وعدم الرضا بالبيع، والاجماع المركب غير ثابت،
فالاقتصار على الأول لازم.
وعلى هذا، فهو أيضا التزام للبيع كالثالث، إلا أنه قولي وهذا فعلي.
الخامس: الأقوى عدم ثبوت هذا الخيار للعاقد عن اثنين ولاية أو
وكالة، لعدم صدق المتبايعين حقيقة، ودليل ثبوته ضعيف.
الثاني: خيار الحيوان.
وهو ثلاثة أيام للمشتري، بالاجماع المحقق، والمحكي في التذكرة (2)
وغيره (3)، والمستفيضة، كصحيحة علي بن رئاب المتقدمة.

(1) الكافي 5: 169 / 2، التهذيب 7: 24 / 102، الوسائل 18: 13 أبواب الخيار
ب 4 ح 1.
(2) التذكرة 1: 519.
(3) كالسرائر 2: 244 والتحرير 1: 166 وكشف الرموز 1: 457 والتنقيح 2: 44.
373

وصحيحة ابن سنان: عن الرجل يشتري الدابة أو العبد، ويشترط إلى
يوم أو يومين، فيموت العبد أو الدابة، أو يحدث فيه حدث، على من
ضمان ذلك؟ فقال: (على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير
المبيع للمشتري، شرط له البائع أو لم يشترط) (1).
وصحيحتي زرارة (2) ومحمد (3): (البيعان بالخيار حتى يفترقا،
وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام).
وصحيحة الفضيل: ما الشرط في الحيوان؟ فقال: (ثلاثة أيام
للمشتري) قلت: وما الشرط في غير الحيوان؟ قال: (البيعان بالخيار ما لم
يفترقا) (4).
وصحيحة الحلبي: (في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري، وهو
بالخيار فيها إن اشترط أو لم يشترط) (5).
وصحيحة ابن أسباط: (الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، وفي
غير الحيوان أن يتفرقا) (6).

(1) الكافي 5: 169 / 3، الفقيه 3: 126 / 551، التهذيب 7: 24 / 103، الوسائل
18: 14 أبواب الخيار ب 5 ح 2، بتفاوت.
(2) الكافي 5: 170 / 4، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 2.
(3) الكافي 5: 170 / 5، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 1.
(4) الكافي 5: 170 / 6، التهذيب 7: 20 / 85، الإستبصار 3: 72 / 240،
الخصال: 127 / 128، الوسائل 18: 11 أبواب الخيار ب 3 ح 5، وأورد ذيلها في
ص 346 ب 1 ح 3.
(5) الفقيه 3: 126 / 549، التهذيب 7: 24 / 101، الوسائل 18: 10 أبواب الخيار
ب 3 ح 1.
(6) الكافي 5: 216 / 16، التهذيب 7: 63 / 274، الوسائل 18: 9 أبواب أحكام
العيوب ب 2 ح 4.
374

وموثقة ابن فضال: (صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام) (1).
فروع:
أ: هل هذا الخيار للمشتري خاصة، أو له وللبائع؟
الأقوى هو: الأول، وهو الأشهر، بل عليه عامة من تأخر (2)، وفاقا
للإسكافي والصدوق والشيخين وأبي علي والديلمي والقاضي والحلي (3)،
وعليه الاجماع عن الغنية والدروس (4)، بل لا يبعد دعوى الاجماع المحقق
فيه، فهو - بعد الأصل - الحجة في الاختصاص.
مضافا إلى ظهور " اللام " في الروايات كلها في الاختصاص، وأظهر
منه التفصيل في الصحاح الأربعة لزرارة ومحمد والفضيل وابن أسباط، بل
هي كالنصوص في ذلك، كما يشهد به العرف الذي هو الحجة في المقام.
والمذكور في الأوليين وإن كان صاحب الحيوان إلا أن المراد منه
المشتري، للتفسير به في الموثقة، ولأنهما بحسب السياق - كما عرفت -
ظاهران في اختصاص الخيار بأحدهما، وهو مخالف الاجماع إن أريد به
البائع، لعدم الانحصار فيه، مع أن المشتق حقيقة في المتلبس على التحقيق

(1) التهذيب 7: 67 / 287، الوسائل 18: 10 أبواب الخيار ب 3 ح 2.
(2) كالمحقق في الشرائع 2: 22، العلامة في التبصرة: 90 والارشاد 1: 374،
السيوري في التنقيح 2: 45، الشهيد الأول في اللمعة (الروضة 3): 450 الكركي
في جامع المقاصد 1: 243.
(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 350، الصدوق في المقنع: 123، المفيد في
المقنعة: 592، الطوسي في المبسوط 2: 78، نقله عن أبي علي في المختلف:
350، الديلمي في المراسم: 173، القاضي في المهذب 1: 353، الحلي في
السرائر 2: 221.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 587، الدروس 3: 272.
375

في مثله.
ويدل على الاختصاص أيضا الصحيح المروي في قرب الإسناد: عن
رجل اشترى جارية لمن الخيار، للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما؟ فقال:
(الخيار لمن اشترى نظرة ثلاثة أيام، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء) (1).
خلافا للسيد، فأثبته للبائع أيضا (2)، وتبعه بعض المتأخرين (3).
لصحيحة محمد: (المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وفيما
سوى ذلك من بيع حتى يفترقا) (4).
وهي ضعيفة، لمخالفتها لشهرة القدماء (5)، فلا تصلح حجة، مع أنها
معارضة بما مر، فلو لم يرجح ما مر بالأكثرية والأشهرية فتوى لتعين العمل
بالأصل، وهو مع الاختصاص.. وقد توجه بوجوه لا بأس بها في مقام
التأويل.
نعم، لو باع حيوانا بحيوان فالظاهر المصرح به في كلام جماعة (6)
ثبوت الخيار لهما، لا لاتحاد العلة، لكونها مستنبطة، بل لاطلاق صحيحتي
زرارة ومحمد (7)، بل عموم صحيحة محمد الأخيرة، خرج ما خرج فيبقى

(1) قرب الإسناد: 78، الوسائل 18: 12 أبواب الخيار ب 3 ح 9.
(2) السيد في الإنتصار: 207.
(3) انظر مفاتيح الشرائع 3: 68.
(4) التهذيب 7: 23 / 99، الوسائل 18: 10 أبواب الخيار ب 3 ح 3.
(5) في (ح) و (ق) زيادة: بل عدم ثبوت قرب الإسناد. ولم نعرف لها معنى مناسبا
للمورد.
(6) منهم الشهيد في الدروس 3: 272، الكركي في جامع المقاصد 1: 242، الشهيد
الثاني في الروضة 3: 450، صاحب الرياض 1: 524.
(7) الكافي 5: 170 / 4، التهذيب 7: 24 / 100، الوسائل 18: 11 أبواب الخيار
ب 3 ح 6.
376

الباقي.
ومنه تظهر قوة ثبوت الخيار للبائع لو كان الثمن حيوانا.
ب: هل ذلك الخيار يعم جميع الحيوانات، أم يختص بغير الإماء.
ذهب الأكثر إلى الأول (1)، وهو الحق، لاطلاق النصوص، وصحيحة
ابن رئاب بالخصوص (2)، وخصوص صحيحة قرب الإسناد.
وتضعيف الاطلاق - باختصاص الحيوان بغير الانسان عرفا - ضعيف،
للعموم لغة، بل عرفا أيضا، كما تدل عليه هذه الصحيحة.
وخلافا للحلبي وابن زهرة، فجعلا المدة في الإماء مدة الاستبراء (3)،
ومستندهما غير واضح، سوى الاجماع الذي ادعاه الثاني، وهو ممنوع.
ج: مبدأ هذا الخيار من حين العقد، لأنه المتبادر من اللفظ، والظاهر
من الأخبار المفصلة بأن الخيار في الحيوان ثلاثة أيام، وفي غيره حتى
يفترقا.
خلافا للشيخ والحلي، فجعلاه من حين التفرق (4)، بناء على حصول
الملك به عنده.
د: خيار المجلس ثابت في الحيوان لكل من المتبايعين، لعموم
أدلته.

(1) منهم العلامة في القواعد 1: 142، الشهيد الثاني في المسالك 1: 178،
صاحب الرياض 1: 524.
(2) الكافي 5: 169 / 2، التهذيب 7: 24 / 102، الوسائل 18: 13 أبواب الخيار
ب 4 ح 1.
(3) الحلبي في الكافي في الفقه: 353، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):
587.
(4) الشيخ في المبسوط 2: 85، الحلي في السرائر 2: 247.
377

ه‍: يسقط هذا الخيار بشرط سقوطه، أو إسقاط المشتري إياه بعد
العقد، لما مر، وبتصرف المشتري فيه في الجملة، بلا خلاف كما في
المسالك (1)، بل عن التذكرة الاجماع عليه (2).
وتدل عليه صحيحة ابن رئاب المتقدمة، وصحيحة الصفار: في
الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو نعلها أو
ركب ظهرها فراسخ، أله أن يردها في الثلاثة أيام التي له فيها الخيار بعد
الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي ركبها فراسخ؟ فوقع عليه السلام: (إذا
أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء) (3).
ثم التصرف إن كان مفهما للرضا والالتزام يقينا أو ظهورا عرفا فلا
إشكال في اللزوم به، وهو مجمع عليه، وقوله في الصحيحة الأولى:
(فذلك رضا منه فلا شرط له) يدل عليه، وكذلك ما فسر به الحدث فيها،
وهو من باب التمثيل بقرينة كون الكلام في صدر الحديث في جميع
الحيوانات، فالمراد ما يماثل ذلك مما لا يليق إلا بالمالك مستقرا، أو يظهر
منه الاستقرار والرضا.
وإن لم يكن كذلك، فالظاهر من كلام الفاضلين (4) وجماعة (5)
والمصرح به في كلام بعضهم عدم إيجابه اللزوم (6)، للأصل، وكون

(1) المسالك 1: 179.
(2) التذكرة 1: 519.
(3) التهذيب 7: 75 / 320، الوسائل 18: 13 أبواب الخيار ب 4 ح 2.
(4) المحقق في الشرائع 2: 22، العلامة في التذكرة 1: 519.
(5) منهم الشهيد في الدروس 3: 272 والمحقق الكركي في جامع المقاصد 4: 291
والشهيد الثاني في الروضة 3: 452.
(6) كما في المسالك 1: 179.
378

التصرفات المذكورة في الصحيحين مفهمة للالتزام.
ويؤيده توقف تحقق مقتضى حكمة وضع الخيار على نوع تصرف.
وخالف فيه جماعة (1) ولعلهم الأكثر، فقالوا باللزوم بمطلق التصرف،
لعموم الحدث في الحديثين.
ولا يخفى أن الحدث فيهما وإن كان عاما إلا أن صدقه على كل
تصرف ممنوع، كما يدل عليه جعله عليه السلام إحداث الحدث رضا من
المشتري في الحديث الأول، فإنه لا شك في أن كل تصرف ليس رضا،
وكذا عطف الركوب على الحدث في الثاني، مع أن الظاهر من إحداث
الحدث في شئ تصرف يوجب تغييرا فيه، كالنعل وأخذ الحافر وجز
الشعر وأمثالها.
نعم، التمثيل للحدث في الأول باللمس والتقبيل والنظر وإن كان يفهم
نوع تعميم فيه إلا أنه - لكونه خلاف المعنى الظاهر من إحداث الحدث في
شئ، ولما مر من جعله دالا على الرضا، وعطف الركوب عليه - لا يثبت
الاطلاق.
والتحقيق: أن الصحيحة الأولى مجملة من هذه الجهة، لجواز تقيد
الحدث فيها بالدال على الرضا وإبقاء قوله: (فذلك رضا منه) على حاله،
[أو] (2) إرادة حكم الرضا من قوله (ذلك) وإبقاء الحدث على حاله، فاللازم
الأخذ بالمتيقن، وهو الدال على الرضا.
ولا ينافيه تفسير الحدث فيها، لأنه تفسير الأصل الحدث، فيكون

(1) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 588 والحلبي في الكافي في الفقه:
353 وصاحب الحدائق 19: 30.
(2) في النسخ: إذا، والظاهر ما أثبتناه.
379

المعنى: والحدث الذي دل على الرضا يوجب اللزوم ذلك، أو تكون هذه
الأمور في الأمة موجبة للرضا.
وأما الصحيحة الثانية فجواب الإمام فيها عام، ولكن إطلاق الحدث
على كل تصرف غير معلوم كما ذكرنا، بل غاية ما يعلم منه أنه ما أوجب
إحداث أمر في شخص المبيع.
وأما التفسير المذكور في الأولى فلكونه خلاف المعنى الظاهر من
الحدث لا يوجب التعدي عنه، لجواز كونه مما يدل على الرضا، أو لأجل
كونه مما يوجب حصول ارتباط بين المشتري والمبيع، فتأمل.
ومن ذلك يظهر أن الظاهر سقوط هذا الخيار بالتصرف المفهم للرضا
بدوام البيع واستمراره، أو بالتصرف المعلوم صدق الحدث عليه مما يوجب
تغييرا في شخص المبيع، [و] (1) لا يجوز التعدي عما مثل به في غير ما
يعلم صدق الحدث عليه.
وظهر من ذلك [أن ما يشك] (2) في دخوله في ذلك فالأصل فيه بقاء
الخيار.
وقد يستدل له أيضا بصحيحة الحلبي: عن رجل اشترى شاة
فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها، قال: (إن كان تلك الثلاثة أيام شرب لبنها رد
معها ثلاثة أمداد، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شئ) (3).
وفيه نظر، للتصريح فيها بأن الرد بعد ثلاثة أيام، فهو ليس مما نحن

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء المعنى.
(2) في (ح): وما يشك. وفي (ق): التصرف الذي وما يشك. والظاهر ما أثبتناه.
(3) الكافي 5: 173 / 1، التهذيب 7: 25 / 107، الوسائل 18: 26 أبواب الخيار
ب 13 ح 1.
380

فيه من خيار الثلاثة.
الثالث: خيار الشرط الثابت به.
وهو بحسب ما يشترط لأحدهما، أو لكل منهما، أو لأجنبي عنهما،
أو عن أحدهما، أو له مع أحدهما عنه، أو عن الآخر، أو عنهما، أو له
كذلك معهما، بلا خلاف كما في كلام جماعة - منهم: الكفاية والحدائق (1) -
بل بالاجماع المحقق، والمحكي في الخلاف والانتصار والغنية والتذكرة (2)،
وهو الحجة.
مضافا إلى صحيحة ابن سنان، وفيها: (وإن كان بينهما شرط أياما
معدودة، فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط، فهو من مال
البائع) (3).
ورواية السكوني: (إن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في رجل اشترى ثوبا
بشرط إلى نصف النهار، فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: ليشهد أنه قد
رضيه واستوجبه ثم ليبعه إن شاء، فإن أقامه في السوق ولم يبع فقد وجب
عليه) (4).
والمستفيضة الآتية الواردة في اشتراط الفسخ برد الثمن (5).

(1) الكفاية: 91، الحدائق 19: 38.
(2) الخلاف 3: 31، الإنتصار: 208، الغنية (الجوامع الفقهية): 587، التذكرة 1:
521.
(3) التهذيب 7: 24 / 103، الوسائل 18: 20 أبواب الخيار ب 8 ح 2.
(4) الكافي 5: 173 / 17، التهذيب 7: 23 / 98، الوسائل 18: 25 أبواب الخيار
ب 12 ح 1.
(5) الآتية في ص 384.
381

وبتلك الأدلة تخصص عمومات لزوم البيع، وعموم ما يدل على عدم
وجوب الوفاء بشرط خالف السنة، حيث إنه مخالف لما يدل على لزوم
البيع مطلقا، أو مع الافتراق مطلقا.
ومن هذا يظهر ضعف الاستدلال بعمومات وجوب الوفاء بالشرط (1)،
كما يظهر وجه اشتراط ضرب المدة للخيار وكونها مضبوطة غير محتملة
للزيادة والنقيصة، لأنه الثابت من الاجماع والأخبار المذكورة.
فلو شرطا خيارا وأطلقا من دون بيان المدة، أو معه مع احتمالها
للزيادة والنقصان ولو بيوم، بطل الشرط قولا واحدا في الثاني، وعلى
الأظهر في الأول، بل الأشهر بين من تأخر (2)، لما مر، ولعدم انصرافها إلى
واحد معين، لبطلان الترجيح بلا مرجح، فيكون مجهولا واقعا فيبطل، بل
يوجب جهل العوضين أو أحدهما أيضا واقعا، وهو مبطل للبيع.
خلافا للمفيد والخلاف والانتصار والقاضي والحلبي وابن زهرة،
فقالوا بكون الخيار إلى ثلاثة أيام (3)، وظاهر الثانيين - كصريح الآخر -
الاجماع عليه، بل ادعى الثاني وجود النص فيه، وهو - كالاجماع - غير
محقق، فلا حجية فيهما.
فروع:
أ: إذا بطل الشرط بالجهل يبطل العقد على الأشهر الأظهر، لكون

(1) الوسائل 18: 16 أبواب الخيار ب 6.
(2) كما في المسالك 1: 179 والكفاية: 91 والرياض 1: 524.
(3) المفيد في المقنعة: 592، الخلاف 3: 20، الإنتصار: 201، القاضي في
جواهر الفقه: 54، الحلبي في الكافي في الفقه: 353، ابن زهرة في الغنية
(الجوامع الفقهية): 587.
382

العقود تابعة للقصود.. وقد رفعنا النقاب عن وجه هذا المرام في كتابنا
المسمى بعوائد الأيام (1).
ب: لا يشترط تعيين المدة بالأيام، فلو عينها بالشهر أو السنة أو إلى
العيد الأضحى - مثلا - جاز وإن احتمل الزيادة والنقصان بحسب الأيام من
جهة نقصان الشهور، للأخبار الآتية في شرط خيار الفسخ برد الثمن، حيث
إن المدة المضروبة فيها سنة، ولا فصل بين السنة والشهر.
والسر: أن اللازم تعيين المدة بما يتعين به لا بخصوص عدد الأيام،
وهو يتعين بما ذكر أيضا، ولذا يصح لو عين بالأيام مع أنه قد لا يتعين
حينئذ بحسب الشهور.
ج: إطلاق الشرط ينصرف إلى الخيار المتصل بالعقد، بحكم التبادر،
فقول الشيخ - بأن ابتدأه انقضاء المجلس (2) - ضعيف.
نعم، لو اشترطا الانفصال أو المجلس مع تحديد مدة الانفصال (3)
جاز، لاطلاق صحيحة ابن سنان (4).
د: اشتراط الخيار للأجنبي تحكيم لا توكيل عمن جعله عنه، فلا
خيار له معه، للأصل.
ه‍: قالوا: يجوز اشتراط مؤامرة الغير والرجوع إلى أمره (5)، وفي
التذكرة الاجماع عليه (6)، وإطلاق صحيحة ابن سنان يدل عليه، وحينئذ

(1) عوائد الأيام: 51.
(2) الخلاف 3: 33.
(3) في (ق): الانقضاء.
(4) راجع ص 381.
(5) كما في جامع المقاصد 4: 292 والكفاية: 91 والرياض 1: 524.
(6) التذكرة: 521.
383

يلزم العقد من جهة المتبايعين ويتوقف على أمر الغير، فإن أمر بالفسخ جاز
للمشروط له الفسخ ولا يتعين عليه، وإن أمر بالالتزام فليس له الفسخ وإن
كان أصلح، والوجه ظاهر.
و: يجوز اشتراط الخيار مدة مضبوطة للبائع بشرط رد الثمن، بلا
خلاف، وفي المسالك عليه الاجماع (1)، وتدل عليه الروايتان المتقدمتان..
وصحيحة سعيد بن يسار: إنا نخالط أناسا من أهل السواد وغيرهم،
فنبيعهم ونربح عليهم العشرة اثنى عشر والعشرة ثلاثة عشر، ونؤخر ذلك
فيما بيننا وبينهم السنة ونحوها، ويكتب لنا الرجل على داره أو أرضه بذلك
المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء بأنه قد باع وقبض الثمن منه،
فبعده إن هو جاء بالمال إلى وقت بيننا وبينه أن نرد عليه الشراء، وإن جاء
الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا، فما ترى في ذلك الشراء؟ قال: (أرى
أنه لك إن لم يفعل، وإن جاء بالمال للوقت فرد عليه) (2).
وموثقة إسحاق بن عمار: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى إلى
أخيه، فقال له: أبيعك داري هذه على أن تشترط لي أني إذا جئتك بثمنها
إلى سنة تردها علي، قال: (لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردها
عليه)، قلت: فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة؟ فقال:
(الغلة للمشتري، ألا ترى أنها لو احترقت لكانت من ماله) (3).
ورواية معاوية بن ميسرة: رجل باع دارا له من رجل، وكان بينه وبين

(1) المسالك 1: 179.
(2) الكافي 5: 172 / 14، التهذيب 7: 22 / 95، الوسائل 18: 18 أبواب الخيار
ب 7 ح 1، بتفاوت يسير.
(3) الكافي 5: 171 / 10، التهذيب 7: 23 / 96، الوسائل 18: 19 أبواب الخيار
ب 8 ح 1.
384

الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر، فشرط أنك إن أتيتني بمالي ما بين
ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله، قال: (له شرطه)، قال له: فإن ذلك
الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين، فقال: (هو ماله)، وقال
أبو عبد الله عليه السلام: (أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت؟ تكون
الدار دار المشتري) (1).
وقال في المسالك: فإذا رد البائع الثمن أو مثله مع الاطلاق فسخ
البيع، ولا يكفي مجرد الرد (2).
أقول: ما ذكره من عدم كفاية مجرد الرد هو ظاهر الأصحاب كما
قيل (3)، فإن أرادوا عدم كفايته في انفساخ العقد فهو كذلك، وإن أرادوا في
عدم عود المبيع إلى البائع فهو غير متجه.
والتحقيق: أن المشروط تارة يكون ثبوت الخيار للبائع مع رد الثمن،
وأخرى رد المشتري المبيع إليه معه أو كونه له، وكل منهما يصح ويلزم.
أما الأول - وهو من باب خيار الشرط - فلما مر من الاجماع
والروايتين (4)، وعليه لا يكفي الرد في الفسخ، لأن الرد لا يثبت سوى
الخيار، فالفسخ يتوقف على اختياره.. ولا يفيد قصد الفسخ بالرد أو
شهادة الحال له به، إذ تحقق الخيار يتوقف على الرد، فحين الرد لا خيار
له، إذ لا يعلم من الشرط إلا تحقق الخيار بعد الرد لا حينه، فالخيار يحصل
بعد الرد، فلا يفيد الرد ولو قصد به الفسخ، إذ لم يثبت الخيار له بعد.

(1) التهذيب 7: 176 / 780، الوسائل 18: 20 أبواب الخيار ب 8 ح 3.
(2) المسالك 1: 179.
(3) كما في الحدائق 19: 35.
(4) أي صحيحة ابن سنان ورواية السكوني المتقدمتين في ص 381.
385

نعم، لو شرط الانفساخ بالرد وقلنا بجوازه ينفسخ بالرد، ولكن جواز
هذا الشرط محل نظر.
وأما الثاني، فلعمومات الوفاء بالشرط (1)، وخصوصات الروايات
الثلاث المذكورة (2)، وهو ليس من باب خيار الشرط، بل المشروط هو رد
المشتري المبيع، فيجب عليه - لما ذكر - من غير احتياج إلى فسخ، كما هو
المستفاد من تلك الروايات.
ومن ذلك يظهر أن الاستدلال بها على خيار الشرط - كبعض
المتأخرين (3) - في غير موقعه.
نعم، يشترط على الثاني كون رد الثمن لأجل ذلك، فلو رده بقصد
آخر لم يجب الرد.
ثم في قوله: أو مثله مع الاطلاق، دلالة على عدم كفاية رد المثل مع
التصريح برد خصوص الثمن المأخوذ، وهو كذلك، والوجه فيه ظاهر، كما
في كفاية المثل مع التصريح به أيضا.. وأما كفايته مع الاطلاق فلعلها لأنه
المتبادر، وهو كذلك، سيما مع ما هو الغالب من احتياج البائع إلى الثمن
والتصرف فيه، كما هو مورد الأخبار أيضا.
وكيف كان، فالمناط هو منظور المتعاقدين وما يدل عليه من القرائن
الحالية أو المقالية.
ومنه يظهر الحكم في اشتراط المشتري ارتجاع الثمن مع رد المبيع
في مدة مضبوطة، إلا أن الغالب فيه إرادة رد شخصه عند الاطلاق.

(1) الوسائل 18: 16 أبواب الخيار ب 6.
(2) راجع ص 384.
(3) وهو صاحب الحدائق 19: 33.
386

وقال أيضا: ولو اشترط ارتجاع بعضه ببعض الثمن أو الخيار في
البعض ففي صحته نظر، من مخالفة النصوص، وعموم: (المسلمون عند
شروطهم)، وهو أوجه (1).
أقول: وقد تنظر فيه في الدروس أيضا (2).
والتحقيق: أنه إن كان الشرط رد البعض دون ثبوت الخيار فالأوجه
الصحة، لعموم الوفاء بالشرط.
وإن كان ثبوت الخيار في البعض ففيه نظر، لما عرفت من أن دليله
الاجماع - وتحققه في البعض غير ثابت - والروايتان، وشمولهما له غير
ظاهر، بل عدم الشمول أظهر، أما الأولى (3) فلحكمه عليه السلام بأن جميع المبيع
لو تلف إنما هو من البائع، وأما الثانية (4) فلأنها قضية في واقعة.
ومنه يظهر فساد الشرط لو شرط خيار فسخ البعض في مدة وفسخ
البعض الآخر في مدة أخرى، أو خيار فسخ الجميع بعضه في مدة وبعضه
في الأخرى.
ز: يسقط هذا الخيار بالاسقاط في المدة، إجماعا كما في الغنية (5)،
وتدل عليه رواية السكوني المتقدمة.
ويسقط أيضا بالتصرف ممن له الخيار في العوض المنتقل إليه، كما
أن التصرف في ماله المنتقل إلى صاحبه يفسخ العقد، إذا كان الأول مفهما
للرضا والثاني للفسخ لا مطلقا.

(1) المسالك 1: 179.
(2) الدروس 3: 269.
(3) راجع صحيحة ابن سنان المتقدمة في ص: 381.
(4) راجع رواية السكوني المتقدمة في ص: 1440.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.
387

أما الفسخ بالثاني فظاهر.
وأما اللزوم بالأول فتدل عليه - مضافة إلى ما مر في خيار الحيوان من
العلة المذكورة - رواية السكوني المتقدمة.
وأما عدم اللزوم بمطلق التصرف، فللزوم الاقتصار فيما خالف ما دل
على ثبوت الخيار على القدر الثابت من النص، ولم يظهر منه الأزيد من
الدال على الرضا كما مر.
مضافا إلى الأخبار المتقدمة المجوزة للبيع الشرطي بشرط رد الثمن،
فإن الثمن مما يتصرف فيه البتة.
ومن هذا يظهر أن تصرف البائع في الثمن الواقع في الأغلب في البيع
الشرطي في أمثال زماننا لا يوجب سقوط خياره.
ح: ثبوت خيار الشرط في العقود اللازمة مخالف لمقتضى الأصل،
لكونه مخالفا لما دل على اللزوم، فلا يثبت إلا فيما دل دليل على ثبوته
فيه، وقد ثبت في البيع كما مر، ويثبت في عقود أخر أيضا، كما يأتي في
موضعه.
وقد يتوهم أصالة ثبوته في كل عقد، لعموم أدلة الوفاء بالشرط.
وفيه: أنه أمر مخالف للسنة، فلا تجري فيه العمومات كما مر.
الرابع: خيار الغبن.
وثبوته للمغبون هو المشهور بين الأصحاب، خصوصا المتأخرين
منهم (1)، بل عليه الاجماع في الغنية والتذكرة (2)، وكثير من المتقدمين - بل

(1) منهم ابن فهد في المهذب 2: 374 والكركي في جامع المقاصد 1: 243
والشهيد الثاني في الروضة 3: 463.
(2) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 588، التذكرة 1: 522.
388

أكثرهم كما في الدروس (1) - لم يذكروه، ونقل في الدروس عن المحقق
في درسه القول بعدمه، ونسبه إلى ظاهر الإسكافي، وظاهر الكفاية التردد
فيه (2).
والحق: ثبوته، لا لقوله سبحانه: (إلا أن تكون تجارة عن تراض
منكم) (3)، حيث إنه لو علم المغبون لم يرض، لأن غاية ما يدل عليه
جواز الأكل فيما كان تجارة عن تراض وعدم جوازه بالباطل، وأين هذا من
الخيار؟!
ومن أين يثبت كون هذا بدون التراضي باطلا؟ مع أن ظاهر قوله:
(تجارة عن تراض) - كما صرح به الأردبيلي في آيات الأحكام ونقله
عن الكشاف ومجمع البيان (4) - اشتراط التراضي حين العقد، فالآية على
عدم الخيار أدل.
ولا لما روته العامة عن النبي صلى الله عليه وآله في تلقي الركبان من أنه إن تلقاهم
متلق فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا قدم السوق (5)، المنجبر ضعفه بالشهرة،
لعدم دلالته على كون الخيار لأجل الغبن، بل هو مطلق كما صرح به في
المنتهى، وقال: لأجل إطلاقه أفتى بعض العامة مختار المتلقى وإن لم
يغبن (6)، وإنما خصه فيه وفي غيره بصورة الغبن من جهة استنباط العلة

(1) الدروس 3: 275.
(2) الكفاية: 92.
(3) النساء: 29.
(4) زبدة البيان: 427.
(5) عوالي اللآلئ 3: 210 / 56.
(6) المنتهى 2: 1006.
389

والمناسبة، وهو عندنا غير صالح للاستناد.
ولا للنصوص المصرحة بحرمة غبن المسترسل، والمؤمن، والنهي
عنه (1)، لعدم دلالتها على الخيار.
بل لنفي الضرر والضرار في أحكام الاسلام، كما ورد في المتواترة
من الأخبار (2).
والمراد منه - كما بيناه في موضعه -: أن كل حكم مستلزم للضرر فهو
ليس من أحكام الشرع، ولا شك أن لزوم البيع هنا مستلزم للضرر، فهو
ليس حكما للشرع، بخلاف صحة البيع، فإنها حكم آخر غير اللزوم ولا
يستلزم ضررا، فهي ثابتة قطعا، وهذا معنى الخيار.
ولا تضر معارضة أدلة لزوم البيع لأخبار نفي الضرر، إذ لو رجحنا
الثانية بالأكثرية والأشهرية في المورد ومعاضدتها للاعتبار فهو، وإلا فيرجع
إلى الأصل، ومقتضاه انتفاء اللزوم.
فإن قلت: الضرر كما يندفع بالخيار يندفع بالتسلط على أخذ التفاوت
أيضا، فاللازم من نفي الضرر عدم كون اللزوم وعدم التسلط على التفاوت
معا من حكم الشرع، بل يتعين انتفاء أحدهما، ولا دليل على كون المنفي
هو الأول.
قلنا: يتعين الأول بالاجماع على بطلان الثاني، مع أنه لو قطع النظر
عن الاجماع تتعارض أدلة لزوم البيع مع أدلة تسلط الغابن على ماله - الذي
منه التفاوت - والترجيح مع الثاني، لموافقة الكتاب، على أنه لولا الترجيح
لعمل بالأصل المقتضي لعدم اللزوم.

(1) الوسائل 17: 395 أبواب آداب التجارة ب 9، و ج 18: 31 أبواب الخيار ب 17.
(2) الوسائل 18: 31 أبواب الخيار ب 17.
390

نعم، يحصل الاشكال - كما في القواعد والتذكرة (1) - فيما إذا بذل
الغابن التفاوت، ولذا قيل بعدم الخيار حينئذ، اقتصارا فيما خالف الأصل
الدال على لزوم العقد على المتيقن المجمع عليه والمتحقق به الضرر، وليس
منهما محل الفرض (2)، واحتمله بعض المتأخرين (3)، وهو الأقوى، لذلك.
خلافا للمشهور، لاستصحاب الخيار الثابت بالاجماع في موضع
النزاع.
ولأن دفع التفاوت لا يخرج المعاوضة المشتملة على الغبن عن
اشتمالها عليه، لأنه هبة مستقلة.
وفيهما نظر، أما الأول فلمنع ثبوت الخيار أولا حتى يستصحب، بل
نقول: ثبت بالمبايعة المشتملة على الغبن أحد الأمرين: إما بذل الغابن
التفاوت أو خيار المغبون، والاجماع على ثبوته أولا مطلقا ممنوع.
وأما الثاني، فلمنع كونه هبة مستقلة، بل هو من مقتضى المعاوضة،
لا بمعنى أنه مقتضاها معينا، بل بمعنى أنه مقتضى أحد الأمرين، ومع ذلك
فخروج المعاوضة عن اشتمالها على الغبن ظاهر.
فروع:
أ: يشترط في ثبوت هذا الخيار أمران:
أحدهما: جهالة المغبون بالقيمة وقت العقد، فلو عرفها ثم زاد أو
نقص فلا خيار، والظاهر عدم الخلاف فيه، وفي المسالك الاجماع

(1) القواعد 1: 143، التذكرة 1: 523.
(2) قال به في الرياض 1: 525.
(3) كالكاشاني في المفاتيح 3: 74.
391

عليه (1)، ومنه يظهر الوجه فيه.
مضافا إلى خروج مثل ذلك عن عمومات نفي الضرر بالاجماع
القطعي، بل الضرورة، فإن لكل أحد هبة ماله وإباحته وصلحه وبيعه بأقل
من ثمن المثل، بل يدل عليه كل ما دل على لزوم ذلك، كأكثر الأخبار الدالة
على أن منجزات المريض من الأصل أو الثلث (2)، وكذا يدل عليه عموم:
(الناس مسلطون على أموالهم) وغير ذلك.
هذا إذا قلنا بكونه ضررا، وأما لو لم نقل به - كما هو المحتمل، لأن
غير السفيه لا يفعل مثل ذلك إلا لغرض فيجبر الضرر به - فالأمر أوضح.
وثانيهما: الزيادة أو النقصان الفاحش الذي لا يتسامح بمثله عادة،
فلو كان التفاوت يسيرا يتسامح بمثله في العادة فلا خيار، ولم أعثر فيه على
خلاف أيضا.
ويدل عليه: أن المسامحة العادية تكون شاهد حال على الرضا بذلك
التفاوت، وقد عرفت خروج الضرر مع الرضا عن عمومات نفيه.
بل نقول: إن ما يتسامح به عادة لا يوجب الزيادة أو النقصان في
القيمة، لأن القيمة ليست شيئا معينا، بل هي ما يقابل به الشئ عند أهل
خبرته، فإذا تسامحوا بشئ فيه لا يكون هذا تفاوتا في القيمة، بل القيمة
تكون هي الواقع بين طرفي عدم التسامح، ولا يجب كونها أمرا معينا غير
قابل للزيادة والنقصان، مع أن صدق الضرر على مثل ذلك عرفا ممنوع.
ب: الأقوى - كما في الدروس والمسالك (3) - فورية هذا الخيار،

(1) المسالك 1: 179.
(2) الوسائل 19: 296 أبواب أحكام الوصايا ب 17.
(3) الدروس 3: 275، المسالك 1: 179.
392

لأدلة لزوم كل بيع، ومعناه عدم جواز نقضه في شئ من الأوقات، خرج
قدر الضرورة بالدليل فيبقى الباقي.
وظاهر المحقق في الشرائع أنه على التراخي (1)، للاستصحاب. وهو
غير صالح لمقاومة العموم.
نعم، لو جهل أصل الخيار أو الفورية عذر إلى حين العلم بها.
ج: إذا حصل التصرف، فإما يكون من الغابن خاصة، أو من المغبون
كذلك، أو منهما.
فإن كان من الغابن، فإما أن تكون العين باقية في ملكه بلا مانع من
الرد ولا تغيير، فحكمه ظاهر.
أو تكون كذلك مع التغير بالزيادة، فللمغبون الفسخ، لنفي الضرر،
ويشترك الغابن بالنسبة إن كانت الزيادة عينية من ماله، لأصالة بقاء ماله في
ملكه، ويبيع العين إن كانت عينية من الله - كالنماء المتصل - أو وصفية
مطلقا.
نعم، إن كانت زيادة الوصفية بعمل الغابن يحتمل قويا استحقاقه
أجرة عمله، لنفي الضرر.
أو بالنقيصة، إذ ليس دليل على ضمان الغابن لها وإن كان النقص
بعمله، لكونه مأذونا من الشرع بالتصرف فيه بأي نحو كان، والأصل عدم
ضمانه وعدم حلية ماله إلا بطيب نفسه.
وإن كان النقص مساويا للتفاوت الحاصل بالغبن أو أكثر منه فليس
للمغبون الفسخ، إذ كان دليله نفي الضرر والفسخ لا يجبره، فنفي الضرر لا

(1) الشرائع 2: 22.
393

يثبته.
وإن كان أقل منه فيفسخ، ولا شئ له بإزاء النقص، لما مر.
أو بالمزج، فإن كان بحيث يتميز عما امتزج به عرفا، أو كان المزج
مع المساوي من جنسه، فللمغبون الفسخ ويشترك الغابن بالنسبة، وإلا
فيكون حكمه حكم التالف، لأن الموجود طبيعة ثالثة.
أو تكون العين باقية في ملكه مع المانع من الرد، فإن كان مانعا من
رد الملكية - كالاستيلاد - فليس للمغبون الفسخ، لأنه عبارة عن إرجاع
الملك إلى المغبون والمفروض عدم إمكانه، ولا شئ آخر، للأصل.. وإن
كان مانعا من رد العين دون الملكية - كالإجارة - فله الفسخ وانتظار
الانقضاء.. ويحتمل عدم الخيار إن كان ضرر الانتظار مساويا لضرر الغبن
أو أزيد، لما مر.
هذا على فرض ثبوت المانعية في الصورتين وترجيح أدلتها على
دليل نفي الضرر، وإلا فيتعارضان وتبقى أصالة عدم مانعية الاستيلاد وعدم
لزوم الإجارة وعدم لزوم أصل البيع، فللمغبون الفسخ والاسترداد.
أو تكون العين باقية لا في ملكه، بل إما ينقلب ملكها إلى الغير بأحد
وجوه النقل أو بالعتق أو الوقف أو نحوهما، والظاهر حينئذ أن للمغبون
فسخ البيع الأول والعقد الطارئ مطلقا، لتعارض أدلة نفي الضرر ونفي
ضمان المثل والقيمة مع أدلة لزوم هذه العقود، والمرجع إلى الأصل،
ومقتضاه ما ذكرنا.
مع أنه إذا كان بنقل الملك إلى الغير فهو قد نقل الملك الثابت له وهو
المتزلزل، ومقتضى لزوم هذا النقل عدم جواز نقضه من هذا الناقل لا عدم
جوازه من الناقل الأول أيضا.
394

أو تكون العين تالفة، والظاهر أنه ليس له الفسخ، لما مر في
النقيصة، سواء في ذلك تلف الكل أو البعض، إلا إذا كان البعض التالف
أقل من التفاوت الحاصل بالغبن.
وإن كان التصرف من المغبون خاصة، فإن كان بعد العلم بالغبن والخيار
فيسقط الخيار، لمنافاته الفورية، ولأنه رضا منه، وهو للخيار مسقط كما يأتي.
وإن كان قبلهما فالحكم كما إذا كان المتصرف الغابن، إلا في صورة
النقيصة فليس له الفسخ مطلقا، لايجابه ضرر الغابن، فيتعارض الضرران
ويبقى لزوم البيع بحاله، وهو الوجه، لعدم الخيار في صورة التلف مطلقا.
وتضمينه المثل أو القيمة لا دليل عليه.
ومما ذكرنا يظهر الحكم فيما إذا كان المتصرف كليهما.
هذا كله إنما هو مقتضى الأصول وإن لم ينص الأكثر على فتوى في
أكثرها أو جميعها، وخالف في كثير منها جماعة.
د: يسقط هذا الخيار باشتراط عدم الفسخ للغبن لو ظهر، لعموم:
(المؤمنون عند شروطهم) (1).
وبإسقاطه بعد العلم بالغبن والخيار، لايجابه التراضي، ولأنه رضا
منه، وهو موجب لسقوط الخيار، للعلة المنبهة عليه في صحيحة علي بن
رئاب المتقدمة (2)، ولأن الرضا بالضرر مسقط لحكم نفي الضرر، ولأجل
ذلك يسقط بالاسقاط قبل العلم أيضا، إلا أن يكون إسقاطه لاعتقاده عدم
الغبن، فإنه لا يسقط حينئذ بالاسقاط، لعدم دليل عليه، وعدم كونه رضا
بالضرر.

(1) الوسائل 18: 16 أبواب الخيار ب 6 ح 1 و 2 و 5.
(2) في ص 372.
395

ه‍: ظاهر الأصحاب صحة البيع المشتمل على الغبن مطلقا، سواء
قصد الغابن الغبن وخدع المغبون أم لا.
وفي رواية ميسر: (غبن المؤمن حرام) (1).
وفي أخرى: (غبن المسترسل حرام) (2)
وفي ثالثة: (لا تغبن المسترسل، فإن غبنه لا يحل) (3).
وفي مجمع البحرين: الاسترسال: الاستئناس والطمأنينة إلى الانسان
والثقة فيما يحدثه (4). انتهى.
ولا شك أن البيع أو الشراء الصادر عمن قصد الغبن والخديعة إما
عين الغبن أو ملزومه، وأيهما كان يبطل البيع، لمكان النهي، فإنه يفسد
المعاملة على الأقوى.
و: لو علم المغبون مرتبة من الغبن، ولا يعلم الأزيد، وثبت الأزيد،
فالغبن في الزائد عما يعلم.
ولو أسقط الخيار في مرتبة وثبت الأزيد كان الخيار له، لنفي الضرر.
الخامس: خيار تأخير إقباض الثمن والمثمن عن ثلاثة أيام.
فمن باع ولم يقبض الثمن ولا قبض المبيع فالبيع لازم ثلاثة أيام، فإن
جاء المشتري بالثمن وإلا فللبائع الخيار، بالاجماع المحقق، والمنقول

(1) الكافي 5: 153 / 15، التهذيب 7: 8 / 22، الوسائل 18: 32 أبواب الخيار
ب 17 ح 2.
(2) الكافي 5: 153 / 14، الوسائل 18: 31 أبواب الخيار ب 17 ح 1، وفيهما: غبن
المؤمن سحت.
(3) الوسائل 17: 385 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 7.
(4) مجمع البحرين 5: 383.
396

مستفيضا في كلام جماعة، كالانتصار والغنية والتنقيح والتذكرة والدروس
والمسالك (1)، وظاهر السرائر والمهذب (2)، ومع ذلك فالنصوص به
مستفيضة:
كصحيحة زرارة: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده،
يقول: حتى آتيك بثمنه، قال: (إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا
بيع له) (3).
وصحيحة علي بن يقطين: عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه
ولا يقبض الثمن، قال: (الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض بيعه وإلا فلا
بيع بينهما) (4).
وموثقة إسحاق بن عمار: (من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام ولم
يجئ فلا بيع بينهما) (5).
وفي رواية: (من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا
فلا بيع له) (6).

(1) الإنتصار: 210، الغنية (الجوامع الفقهية): 587، التنقيح 2: 48، التذكرة 1:
523، الدروس 3: 273 ولم يدع الاجماع صريحا، المسالك 1: 180.
(2) السرائر 2: 277، المهذب البارع 2: 379.
(3) الكافي 5: 171 / 11، الفقيه 3: 127 / 554، التهذيب 7: 21 / 88،
الإستبصار 3: 77 / 258، الوسائل 18: 21 أبواب الخيار ب 9 ح 1.
(4) التهذيب 7: 22 / 92، الإستبصار 3: 78 / 259، الوسائل 18: 22 أبواب
الخيار ب 9 ح 3.
(5) الفقيه 3: 126 / 552، التهذيب 7: 22 / 91، الإستبصار 3: 78 / 260،
الوسائل 18: 22 أبواب الخيار ب 9 ح 4، وفي الجميع: فلا بيع له.
(6) الكافي 5: 172 / 16، التهذيب 7: 21 / 90، الوسائل 18: 21 أبواب الخيار
ب 9 ح 2.
397

وأكثر تلك الأخبار وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى إقباض المبيع
وعدمه، إلا أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على اشتراط عدمه، بل عبارات نقلة
الاجماع مصرحة به، فهو المقيد للمطلقات.
مضافا إلى قوله: (فإن قبض بيعه) في الصحيحة الثانية، فإنه يدل
على عدم الخيار مع قبض المبيع، سواء كان بعد الثلاثة أو قبلها.
وفي الغنية نسب ذلك إلى رواية الأصحاب، ولعله إشارة إلى هذه
الصحيحة.
نعم، عن الشيخ القول بالخيار مع تعذر قبض الثمن وإن قبض
المبيع (1)، وقواه في الدروس (2)، لنفي الضرر.
وفيه: أن دفع الضرر بأخذ العين مقاصة ممكن إن أمكن، وإلا فليس
للفسخ فائدة.
وظاهر النصوص - كما ترى - بطلان البيع بعد الانقضاء لا ثبوت
الخيار، كما هو المنقول عن الإسكافي (3) وأحد قولي الشيخ (4)، ومال إليه
صاحب الكفاية (5).
ومنع الظهور بورود النفي هنا مورد توهم لزوم المعاملة فلا يفيد
سوى نفيه لا وقع له، إذ لا دليل على كون المورد مورد توهم اللزوم، بل
يمكن أن يكون مورد توهم الصحة.
وكذا لا إشعار لتخصيص النفي في بعض تلك الأخبار بالمشتري

(1) حكاه عنه في الدروس 3: 274 وانظر المبسوط 2: 148.
(2) الدروس 3: 274.
(3) نقله عنه في المختلف: 351.
(4) المبسوط 2: 87.
(5) الكفاية: 92.
398

بقوله: (فلا بيع له) إلى الخيار، لعدم انتفاء البيع له بثبوت الخيار عليه.
ولكن الحق - مع ذلك كله - في ثبوت الخيار، لأن البيع هو فعل
صادر من البائع، ونفيه حقيقة غير صادق، لتحقق البيع في السابق، ونفيه
بعد الثلاثة لا معنى له، إذ لا بيع حينئذ مطلقا، فالمراد معناه المجازي، وهو
إما المبيع أو حكم البيع مطلقا أو استمراره أو صحته حينئذ أو لزومه، وإذا
تعددت المجازات فيؤخذ بالمتيقن - الذي هو نفي اللزوم - ويعمل في
الباقي بالأصل.
والحمل على نفي الصحة - لكونها أقرب المجازات - غير جيد، إذ لا
دليل على تعين الحمل على مثل ذلك الأقرب.
ويشترط في ثبوت هذا الخيار عدم اشتراط التأجيل في الثمن أو
المثمن أو بعض كل واحد منهما ولو ساعة، فلا يثبت ذلك الخيار في
السلف والنسية مطلقا، بالاجماع.
مضافا في الأول إلى عدم إطلاق البيع المطلق على السلف في
الأخبار، وإلى ظهور الصحيحتين في غيره، لمكان قوله: ثم يدعه، في
أولاهما، و: (إن قبض بيعه) في الثانية.
وفي الثاني إلى ظهور جميع الأخبار في غيره، حيث إن مبدأ الثلاثة
أيام فيها - بحكم التبادر - وقت البيع، فالحكم - بأنه إن لم يجئ بالثمن فيها
يكون البائع ذا خيار - قرينة على إرادة غير النسية.
هذا كله، مع أنه على القول بشمول تلك الأخبار للنسية والسلف
تكون الأخبار الدالة على لزوم كل من النسية والسلف - المذكورة في ثانيهما -
معارضة مع تلك الأخبار بالعموم من وجه، فلو لم ترجح الأوليين فالمرجع
إلى أصالة لزوم مطلق البيع.
399

فروع:
أ: قبض البعض كلا قبض، لصدق عدم قبض الثمن وإقباض المثمن
مجتمعا ومنفردا.
ب: شرط القبض المانع كونه بإذن المالك، فلا أثر لما يقع بدونه،
كما لو ظهر الثمن أو بعضه مستحقا للغير.
ج: قال في المسالك: ولا يسقط هذا الخيار بمطالبة البائع بالثمن
بعد الثلاثة وإن كان قرينة الرضا بالعقد، عملا بالاستصحاب (1).
واستشكل فيه بعضهم مع القرينة (2)، لمفهوم صحيحة علي بن رئاب
المتقدمة (3). وهو في محله، بل السقوط أظهر.
ومنه يظهر الوجه في سقوطه بالاسقاط ونحوه مما يدل على الرضا.
د: لو بذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل الفسخ، ففي سقوط الخيار
وجهان، منشأهما زوال الضرر والاستصحاب، والثاني أظهر، لأن كون
الضرر مناطا استنباطيا لا عبرة به.
ه‍: لو تلف المبيع بعد الثلاثة وثبوت الخيار، كان من مال البائع،
إجماعا محققا ومنقولا (4) متواترا.
وتدل عليه - مضافا إليه وإلى ما يأتي - صحيحة ابن سنان: (لا ضمان
على المبتاع حتى ينقضي الشرط ويصير المبيع له) (5).

(1) المسالك 1: 180.
(2) انظر الرياض 1: 526.
(3) راجع ص 372.
(4) كما في المهذب البارع 2: 380، المقتصر: 169، كشف الرموز 1: 459،
المسالك 1: 180، الرياض 1: 526.
(5) الفقيه 3: 126 / 551، الوسائل 18: 14 أبواب الخيار ب 5 ح 2، بتفاوت يسير.
400

وكذا لو تلف قبل الثلاثة، على الأشهر الأقرب، بل في الخلاف
الاجماع عليه (1).
للنبوي: (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال البائع) (2).
ورواية عقبة بن خالد: في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه، غير
أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، قال: آتيك غدا إن شاء الله، فسرق
المتاع، من مال من يكون؟ قال: (من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته
حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن
لحقه حتى يرد ماله إليه) (3).
وذهب المفيد والسيد والديلمي (4) ومن تبعهم - بل في الانتصار
والغنية الاجماع عليه (5)، وعن نكت الإرشاد الميل إليها أيضا - إلى أن تلفه
من المشتري.
نظرا إلى ثبوت الناقل من غير خيار.
ولكون النماء له فيكون التلف عليه، لتلازم الأمرين، كما يستفاد من
موثقة إسحاق بن عمار ورواية معاوية بن ميسرة الواردتين في خيار
الشرط (6).

(1) الخلاف 3: 20.
(2) عوالي اللآلئ 3: 212 / 59، مستدرك الوسائل 13: 303 أبواب الخيار ب 9
ح 1.
(3) الكافي 5: 171 / 12، التهذيب 7: 21 / 89، الوسائل 18: 23 أبواب الخيار
ب 10 ح 1.
(4) المفيد في المقنعة: 599، السيد في الإنتصار: 210، الديلمي في المراسم:
172.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.
(6) راجع ص 384.
401

والأول مردود بما مر من الدليل.
والثاني بأنه لا يدل على التلازم من الجانبين، بل على أن كون التلف
من ماله مستلزم لكون الغلة له دون العكس. فلا يفيد.
وقد يستدل بالاجماعين المحكيين، وضعفه عندنا ظاهر.
وعن ابن حمزة وظاهر الحلبي: إن البائع إن عرض تسليمه على
المشتري فلم يقبله فالثاني، وإلا فالأول (1). ونفى عنه البأس في
المختلف (2). ولا مستند تاما له.
السادس: خيار ما يفسد من يومه.
فلو اشترى أحد ما يفسد من يومه يلزم البيع إلى الليل، فإن أتى
المشتري بالثمن وإلا فللبائع الخيار، لمرسلة محمد بن أبي حمزة أو غيره:
في الرجل يشتري الشئ الذي يفسد من يومه، ويتركه حتى يأتيه بالثمن،
قال: (إن جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن وإلا فلا بيع له) (3). وإثبات الخيار
بها مع ظهورها في البطلان قد مر وجهه.
وفي رواية زرارة: (والعهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ
والفواكه يوم إلى الليل) (4).
والمستفاد من هذا التمثيل أن المراد بالفساد هنا مطلق النقص والتنزل
ولو في الوصف والطراوة، وتكون لفظة: (من) بمعنى: في، أي ما ينقص

(1) ابن حمزة في الوسيلة: 239، الحلبي في الكافي في الفقه: 353.
(2) المختلف: 351.
(3) الكافي 5: 172 / 15، التهذيب 7: 25 / 108، الإستبصار 3: 78 / 262،
الوسائل 18: 24 أبواب الخيار ب 11 ح 1.
(4) الفقيه 3: 127 / 555، الوسائل 18: 25 أبواب الخيار ب 11 ح 2.
402

بحسب الوصف في يومه، أو تكون ابتدائية، أي ينقص وصفا مبتدئا من
يومه، فإن ما مثل به كذلك، فإن أحسن ما يكون هو عليه هو أول يومه، ثم
ينقص شيئا فشيئا إلى أن يفسد بالمرة.
وإنما قلنا: أن المستفاد منه ذلك، إذ لا شك أن ما مثل به ليس مما
يفسد بالمرة في اليوم قطعا.
نعم، ينقص وصفه من الطراوة ونحوها.
وفساده في يومه نادرا غير مفيد، إذ ما من شئ إلا وهو كذلك.
ومما ذكرنا يظهر أنه لا وقع لما استشكله في المسالك وغيره من أن
الغرض من إثبات هذا الخيار تلافي ضرر البائع قبل تلف المبيع بأن يفسخ
البيع ويبيعه لغيره قبل تلفه، وهذا المعنى يقتضي أن يكون الفسخ قبل
التلف، وإذا كان مبدأ الخيار دخول الليل فليس المبيع مما يفسد ليومه،
والحال أن المسألة مفروضة فيما يفسد ليومه، والرواية أيضا دالة عليه،
وحينئذ فثبوت الخيار بعد فساده لا وجه له، وإنما ينبغي ثبوته إذا خيف
فساده بحيث يتلافى أمره قبله (1). انتهى.
ووجه الدفع: أن المراد بالفساد ليس التلف حتى لا يكون وجه
للخيار، بل ضرب من النقص، ولما كان النقص الحاصل في ظرف اليوم لم
يكن مما يوجب كثير تفاوت وإنما يحصل ذلك بمضي الليل على المبيع
فأثبت الخيار بعد مضي اليوم.
وقد يستدل على ثبوت ذلك الخيار بخبر الضرار.
وهو غير جيد، لأنه إن أريد ضرر المشتري فهو مما أقدم نفسه عليه

(1) المسالك 1: 180 والروضة 3: 459.
403

حيث تركه ولم يأخذه، مع أن البيع من قبله ممكن.
وإن أريد ضرر البائع فهو إنما يكون لو جعلنا الفاسد من ماله، ولكن
لو قلنا: إنه من مال المشتري، فلا ضرر عليه.
وكون التلف قبل القبض من مال البائع مطلقا - حتى فيما كانت العين
باقية وإن فسدت - غير ثابت.
ولو سلم فالضرر إنما هو من الحكم بكون التلف قبل القبض من
البائع لا من الحكم باللزوم، إذ مقتضى اللزوم كون التلف من المشتري، فلا
ضرر لأجله على البائع، فالحكم الموجب للضرر كون التلف من البائع، فلو
أثر نفي الضرر لأثر في رفع هذا الحكم دون اللزوم.
هذا، والتحقيق: أن كون التلف قبل القبض على البائع نوع من
الضرر، فدليله أخص مطلقا من أدلة نفي الضرر، فيجب تخصيصها به،
ولكون الضرر الحاصل في المقام من أفراد هذا النوع فلا يكون منفيا في
الشرع ولا داخلا تحت أدلة نفي الضرر، فلا وجه للاستدلال بها في المقام.
ومن ذلك يظهر ضعف ما ارتكبه جماعة من المتأخرين من إثبات
الخيار في كل ما يتسارع إليه الفساد عند خوف ذلك وعدم تقييده بالليل،
والتأخير فيما يفسد في يومين إلى حين خوف الفساد (1)، وغير ذلك من
التفريعات.
فرع: يشترط في هذا الخيار ما اشترط في سابقه، من عدم قبض
المثمن، وإقباض الثمن، وعدم التأجيل في أحدهما، أما الأولان فلأنهما
مورد النص، وأما الثالث فلما مر في السابق.

(1) كما في الدروس 3: 274 وجامع المقاصد 4: 299 والمسالك 1: 180.
404

السابع: خيار الرؤية.
وهو إنما يثبت في بيع الأعيان الموجودة في الخارج من غير مشاهدة
حال البيع إذا كان بالوصف وظهر عدم المطابقة، أو برؤية قديمة إذا ظهر
بخلافها، فإن ظهرت النقيصة كان الخيار للمشتري إن كان هو الموصوف
له، وإن ظهرت الزيادة كان للبائع إن كان هو كذلك.
وكأنه لا خلاف فيه كما في الكفاية (1)، بل بلا خلاف كما في شرح
الإرشاد للأردبيلي وغيره (2)، بل بالاتفاق كما في الحدائق (3)، بل بالاجماع
كما في شرح المفاتيح، [بل] (4) بالاجماع المحقق، له.
ولصحيحة جميل: رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها،
فلما أن نقد المال وصار إلى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم
يقله، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (إنه لو قلب منها أو نظر إلى تسع وتسعين
قطعة ثم بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية) (5).
وهي وإن كانت خالية عن ذكر التوصيف والمخالفة، إلا أنه لا بد من
[تقييدها] (6)، للاجماع على اختصاص خيار الرؤية بتلك الصورة، أو لأن
ذلك معنى خيار الرؤية.

(1) الكفاية: 92.
(2) مجمع الفائدة 8: 410.
(3) الحدائق 19: 56.
(4) ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة العبارة.
(5) الفقيه 3: 171 / 766 بتفاوت، التهذيب 7: 26 / 112، الوسائل 18: 28
أبواب الخيار ب 15 ح 1.
(6) في النسخ: تقديرها، والأنسب ما أثبتناه.
405

مضافا إلى أن إطلاقها أيضا لو كان لكفى، لشموله المطلوب وخروج
ما خرج بالدليل، أو يتعدى إلى المطلوب بالأولوية، كما يتعدى بها أو بعدم
الفصل إلى غير مورد الصحيحة، وهو الذي لم ير شيئا من المبيع إن جعل
المشار إليه بذلك تمام الضيعة لا خصوص القطعة الغير المرئية، وفيما إذا
ظهرت الزيادة وكان الخيار للبائع.
ويدل على المطلوب أيضا النبوي المنجبر بما ذكر: (من اشترى شيئا
لم يره فهو بالخيار) (1).
وما رواه في التذكرة عن طريق الخاصة: أنهم سألوا عن بيع
الجرب (2) الهروية، فقال: (لا بأس به إذا كان لها برنامج، فإن وجدها كما
ذكرت وإلا ردها) (3)، أي يجوز له ردها، مع أن الرد ليس على الوجوب
إجماعا، بل المعنى: إن شاء، وهو معنى الخيار.
وقد يستدل على المطلوب في جميع الصور بنفي الضرار والضرر
بضميمة عدم قول يجبره بنحو آخر.
وفيه نظر، لأنه أخص من المدعى، لاختصاصه بما تضمن الغبن،
وحينئذ فليس هو غير خيار الغبن، إلا أن يقال بشموله لما لم يكن ذو
الوصف المخالف مطلوبا للمشتري أصلا مع عدم المغبونية أيضا، وحينئذ
فيمكن إتمام الاستدلال بضميمة الاجماع المركب.
وقد يستدل أيضا بما ورد من كراهة شراء ما لم يره (4)، ومن ثبوت

(1) سنن الدارقطني 3: 4 / 8 و 10.
(2) الجراب: وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحب والدقيق ونحوهما ومنه: الجراب
الهروي، والجمع: جرب - مجمع البحرين 2: 23.
(3) التذكرة 1: 524.
(4) الوسائل 18: 33 أبواب الخيار ب 18.
406

الخيار في شراء سهام القصابين.
وفيهما نظر، لعدم دلالة الأول على ثبوت الخيار، وخروج الثاني عن
مورد المسألة.
فروع:
أ: هل هذا الخيار على الفور، أو التراخي؟
فيه وجهان، أشهرهما - كما قيل (1) -: الأول، اقتصارا فيما خالف
أدلة لزوم العقد على أقل ما يندفع به الضرر.
وقد يقال: وهو كان حسنا لو كان المستند مجرد أدلة نفي الضرر،
ولكنك عرفت النص المطلق أيضا، فإطلاقه يثبت الثاني.
أقول: إنه كان حسنا لو كان النص مطلقا، ولكنه لا إطلاق فيه، إذ
غايته إثبات خيار الرؤية، ويكفي في ثبوته وتحققه ثبوته في وقت واحد،
فيقتصر فيه على القدر المعلوم، إلا أن يتمسك بالاستصحاب، ولكن
يعارضه استصحاب حال العقل، حيث إن قبل ظهور المخالفة لم يكن خيار
أصلا، ولم يعلم بالظهور أزيد من ثبوته في الوقت المتصل بوقت الظهور،
فالأصل عدم ثبوته بعده.
فإذن الأجود ما عليه الأكثر.
ب: لو كان التوصيف من ثالث وزاد ونقص باعتبارين، كان الخيار
للمتبايعين، فإن فسخا فهو وإلا يقدم الفاسخ، والوجه ظاهر.
ج: لو رأى البعض ووصف الباقي تخير في الجميع مع عدم

(1) قال به في الرياض 1: 527.
407

المطابقة، لصحيحة جميل المتقدمة (1).. واحتمال رجوع الإشارة إلى
خصوص القطعة غير مضر، لامكان الاتمام بدخول الضرر بتبعض الصفقة
في بعض الصور الغير المنجبر بما ذكر إجماعا، والتعدي إلى البواقي
بالاجماع المركب.
وتدل عليه أيضا الرواية المنقولة عن التذكرة (2)، لشمول إطلاقها لما
ذكر.
ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان المجموع جنسا واحدا أو جنسين إذا
بيع بعقد واحد.
د: لو نقص وصف ولكنه زاد آخر - بحيث يجبر الناقص - ثبت خيار
المشتري أيضا، لاطلاق النص.
ه‍: هل يجوز اشتراط إسقاط هذا الخيار حين العقد، أم لا؟
استشكل فيه الفاضل في التحرير (3).
وقطع الشهيد الثاني بعدم سقوطه (4).
واستقرب في الدروس بطلان العقد به (5). وهو الأقرب، لبطلان
الشرط، لكونه مخالفا للسنة.
نعم، لو شرط عدم الفسخ - لو ثبت له الخيار - جاز ولزم، ولم يؤثر
الفسخ لو فسخ.
و: لو شرط البائع إبدال المبيع إن ظهرت المخالفة فاستقرب في

(1) في ص 405.
(2) راجع ص 406.
(3) التحرير 1: 167.
(4) المسالك 1: 182.
(5) الدروس 3: 276.
408

الدروس الفساد (1)، وقال في الحدائق بالصحة مع عدم الظهور والفساد معه (2).
والتحقيق: أنه إن كان المشروط عدم الفسخ وتملك البدل بهذا العقد
فهو فاسد قطعا، لبطلان الشرط.
وإن كان الابدال بعقد آخر بعد رد المبدل منه وفسخه فلا فساد فيه،
لأنه شرط سائغ وكان مرادا من الأول، فيكون صحيحا.
وأما ما في الحدائق فهو غير جيد جدا.
الثامن: خيار الاشتراط.
وهو خيار مخالفة الشرط.
وتوضيحه: أنه إذا لم يف المشروط عليه بالشرط الواقع في متن
العقد ففيه أقوال:
الأول: عدم عصيانه وعدم وجوب الوفاء بالشرط عليه، بل للمشروط
له خيار الفسخ، وفائدة الشرط جعل العقد عرضة للزوال عند فقد الشرط،
نسبه في شرح المفاتيح إلى المشهور.
الثاني: وجوب وفائه به وعصيانه بتركه وعدم ثبوت الخيار له إلا مع
تعذر التوصل إلى الشرط ولو بإجبار المشروط عليه ورفع أمره إلى الحاكم،
فإن تعذر ثبت له الخيار، ذهب إليه جماعة، منهم: المسالك وكفاية الأحكام (3)، وعن السرائر والغنية الاجماع عليه (4).

(1) الدروس 3: 276.
(2) الحدائق 19: 59.
(3) المسالك 1: 191، الكفاية: 97.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.
409

الثالث: وجوب الوفاء، ولو لم يف فالمشروط له مخير بين الاجبار
مع الامكان والفسخ، وإن لم يمكن فله الفسخ.
الرابع: وجوب الوفاء، فإن امتنع فله الفسخ، وهو ظاهر الدروس (1).
الخامس: إن الشرط إن كان مما يكفي العقد في تحققه من دون
احتياج إلى صيغة أخرى - كشرط الوكالة في عقد الرهن - فهو لازم، ولا
خيار فيه إلا مع تعذر تحصيل الشرط، وإن احتاج إلى أمر آخر وراء ذكره
في العقد - كشرط الرهن على الثمن، أو العتق - فلا يجب الوفاء به، بل
يجعل العقد اللازم جائزا.. نسب إلى الشهيد (2).
ولا أرى على هذا التقرير فرقا بين هذا التفصيل والقول الأول، إذ ما
يكفي العقد في تحققه فيتحقق الشرط بتحقق العقد، فلا يكون الشرط
منتفيا حتى يبقى خيار.
ثم إنهم استدلوا للأول بأصالة عدم وجوب الوفاء.
وعدم لزوم العقد بدون الشرط.
وكون الانتقال معلقا على الشرط، فلا يحصل الانتقال اللازم بدونه.
ويرد الأصل الأول بأدلة وجوب الوفاء بالشرط، سيما في ضمن
العقد، كما ذكرناها في كتاب عوائد الأيام.
والثاني بعمومات لزوم البيع.
والثالث بمنع كون الانتقال معلقا، وإنما هو إذا كان الشرط بالمعنى
الأصولي، وليس كذلك، بل هو بالمعنى اللغوي، الذي هو الالزام والالتزام،
مع أنه لو أريد به المعنى الأصولي لاقتضى انفاء البيع انتفاء الشرط من غير

(1) انظر الدروس 3: 214.
(2) نسبه في المسالك 1: 191 والروضة 3: 507 إلى بعض تحقيقاته.
410

حاجة إلى الفسخ، بل يكون العقد من رأسه باطلا ولو وفي بالشرط،
لايجابه التعليق.
ودليل الثاني: أما على وجوب الوفاء فما مر.
وأما على التسلط على الاجبار فلكونه تاركا للواجب.
وأما على التسلط على الفسخ مع التعذر فكأنه الاجماع المنقول،
وأدلة نفي الضرر.
والأولان صحيحان.
وأما الثالث، فيرد بعدم حجية الاجماع المنقول، وإمكان جبر الضرر
بغير الخيار من تقاص ونحوه، مع أن كل شرط ليس مما يتضمن انتفاؤه
الضرر.
وأدلة سائر الأقوال تظهر مما مر.
أقول: ويمكن أن يستدل للمقام برواية أبي الجارود: (إن بعت رجلا
على شرط، فإن أتاك بمالك وإلا فالبيع لك) (1).
وجه الاستدلال: أن الشرط فيها مطلق يعم جميع الشروط، فإن
جعلت لفظة " ما " في قوله: (مالك) موصولة، و " اللام " جارة، يثبت
المطلوب في جميع الموارد.
وإن جعلت لفظة " ما " جزءا للكلمة وكذلك " اللام "، فإما يراد بالمال
المشروط مطلقا مجازا، أو يخص الشرط بالمالية ويتعدى إلى الغير
بالاجماع المركب ويثبت تمام المطلوب، وكذلك في الشروط التي
للمشتري وخياره.

(1) التهذيب 7: 23 / 97، الوسائل 18: 18 أبواب الخيار ب 7 ح 2.
411

وأما إرادة الثمن من المال فهو - مع كونه تخصيصا بلا مخصص -
يوجب لغوية قوله: (على شرط)، إلا أن يخص بشرط إتيان الثمن في وقت
معين خاصة، وهو أيضا تخصيص بلا مخصص، مع أنه أيضا يثبت
المطلوب بضميمة الاجماع المركب.
وأما تخصيص الشرط بشرط خيار الفسخ مع عدم الاتيان بالثمن فهو
تخصيص لا وجه له، بل إخراج للأكثر.
وأما إرادة الخيار من قوله: (فالبيع لك) فبمثل التقريب المتقدم في
قوله: (لا بيع له) (1)، وعلى هذا فيكون الخيار ثابتا له، وله الاجبار أيضا،
لأدلة عموم لزوم الوفاء بالشرط، واستحقاق المشروط له، وعدم منافاة
ثبوت الخيار له أيضا.
فإذن الحق هو القول الثالث.
ولو تلف المبيع قبل الوفاء بالشرط انتفى الخيار بالتقريب المتقدم،
وبقي حق المطالبة والاجبار.
والظاهر فورية هذا الخيار أيضا، للاقتصار على القدر المتيقن..
والتمسك بإطلاق النص، فيه ما مر سابقا، والله العالم.
مسألة: إن مات من له الخيار انتقل الخيار إلى الوارث، بالاجماع
المحقق، والمحكي في موضعين من التذكرة وظاهر السرائر (2)، ونفى عنه
الشبهة في المسالك (3)، وقيل: بلا خلاف (4)، وقيل: ولا يعرف في ذلك

(1) راجع ص: 397.
(2) التذكرة 1: 536 و 537، السرائر 2: 249.
(3) المسالك 1: 181.
(4) الرياض 1: 527.
412

خلاف، وهو الحجة في المقام.
وقد يستدل بالنبوي: (ما ترك الميت من حق فهو لوارثه) (1).
وهم يتم لو ثبت كون الخيار مما ترك وبقاؤه بعد الموت..
واستصحابه غير صحيح، لتغير الموضوع.
ومنه يظهر ضعف الاستدلال بعمومات الإرث (2).
والاحتجاج باستصحاب تزلزل ملكية الطرف الآخر - الموجب لثبوت
الخيار للوارث بالاجماع المركب - يضعف بمعارضته بأصالة عدم حدوث
خيار للوارث أو غيره المزيل للتزلزل، لأنه ليس إلا كون الملك بحيث يثبت
فيه الخيار لأحد.
كما يضعف الاحتجاج بأن ملكية ذي الخيار لما انتقل إليه كانت
متزلزلة فيجب كونها كذلك للوارث أيضا، بمنع الملازمة، فإن ملكية
الوارث ثابتة بعمومات الإرث، وهي ظاهرة في المستقرة، ولو منع الظهور
فالأصل عدم تسلطه على الطرف الآخر.
فروع:
أ: قال في التحرير: لو جعل الخيار لأجنبي فمات، فالوجه عدم
سقوط الخيار، بل ينتقل إلى الوارث لا إلى المتعاقدين (3). انتهى.
أقول: كان الوجه ما ذكره لو كان المناط في الانتقال النبوي المتقدم أو
آيات الإرث، وأما على ما ذكرنا - من أنه الاجماع - فالوجه السقوط، حيث

(1) سنن ابن ماجة 2: 914 / 2738، مسند أحمد 2: 453، بتفاوت.
(2) الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1.
(3) التحرير 1: 168.
413

لم يثبت الاجماع هنا.
ب: لو شرط عدم انتقال الخيار إلى الوارث، فالوجه صحته وعدم
الانتقال، لأن الثابت من الاجماع انتقال ما ليس كذلك من الخيارات.
نعم، تشكل الصحة لو تمت دلالة الظواهر على الانتقال، لأن الشرط
حينئذ يكون مخالفا للسنة.
ج: إن كان الخيار خيار شرط ثبت للوارث في بقية المدة المضروبة،
فلو كان غائبا أو حاضرا ولم يبلغه الخبر حتى انقضت المدة سقط خياره.
د: إن كان الخيار خيار غبن اعتبر فيه الفورية، لعدم ثبوت الزائد منها
عن الاجماع.. والظاهر أن الفورية المعتبرة فيه من حين بلوغ الخبر وعلمه
بالفورية.
ه‍: لا يثبت من أدلة انتقال الخيار إلى الوارث أزيد من أنه كما كان
للمورث ينتقل إلى مجموع الورثة، لأن الخيار نفسه ليس مما يتحصص
بالحصص، ولا دليل على تحصيصه بالنسبة إلى ما فيه الخيار، بأن يكون
لكل وارث فسخ حصته منه، على أن مورثهم لم يملك إلا فسخ الجميع
والمنتقل إليهم إنما هو حقه.
وعلى هذا، فليس للوارث مع التعدد التفريق، بأن يفسخوا في
البعض ويجيزوا في البعض، بل لهم إما فسخ الجميع أو قبوله.
ولو اختلفت الورثة في الفسخ والإجازة، قيل: يقدم الفسخ (1)،
فبفسخه ينفسخ الجميع أو حصته خاصة مع تخير الآخر، لتبعض الصفقة.
وتنظر فيه جماعة (2)، وهو في موقعه، بل الحق تقديم الإجازة، فإذا

(1) كما في المسالك 1: 181 والحدائق 19: 71.
(2) منهم السبزواري في الكفاية: 93 وصاحب الرياض 1: 527.
414

أجاز واحد لزم البيع في الجميع، إذ لم يثبت أثر إلا لفسخ الجميع، الذي
هو بمنزلة فسخ المورث، فإذا أجاز واحد بقي خيار الآخر بلا أثر، بل لا
خيار لهم، إذ لم يثبت إلا خيار الجميع، وينتفي الكل بانتفاء جزئه.
وكونه موجبا لابطال حق من يريد الفسخ - مع معارضته بكون تقديم
الفسخ أيضا مبطلا لحق إجازة الآخر - مردود بمنع كون الخيار حقا للبعض،
وإنما هو أمر ثابت للجميع من حيث هو، على أن لا حجر في إبطال حق
يستلزمه استيفاء حق.
و: إذا كان الخيار في بيع الأرض أو شرائها، فهل للزوجة الخيار، أم
لا؟ استشكل فيه في القواعد (1)، واستبعد في شرحه للشيخ علي في إرثها
من الخيار في الأرض المشتراة (2).
وإذ عرفت أن الخيار إنما هو للجميع دون كل واحد تعلم دخولها في
أهل الخيار، إذ لم يثبت من أدلة الانتقال إلا الانتقال إلى الجميع، الذين
منهم الزوجة، فلم يعلم الانتقال إلى من سواها خاصة.
نعم، لو انحصر الوارث فيها فالحق - على ما ذكرنا من انحصار الدليل
بالاجماع - عدم انتقال الخيار إليها، وأما على الاستدلال بالظواهر يجب
الحكم بالثبوت، لعدم مخرج الإرث الزوجة عن الخيار.
ثم في صورة عدم الانحصار، فإن كان ذو الخيار المورث بائعا، فإن
لم تجوز الزوجة الفسخ ترث حصتها من الثمن، وإن اختارت الفسخ مع
سائر الورثة لم ترث من الأرض ولا من ثمنها، لأن بعد الفسخ يستحق
المشتري الثمن من مال البائع، إذ انتقاله إليه كان من جهة البيع وقد انفسخ،

(1) القواعد 1: 143.
(2) جامع المقاصد 4: 306.
415

وانتقال حصتها من الثمن إليها قبل الفسخ كان انتقالا متزلزلا.
هذا إذا كان الشرط مطلقا.
وإن كان مقيدا برد الثمن، فيتبع الحكم ما قررته الزوجة أولا، فإن
اختارت الفسخ مع رد الثمن من مال الميت تنقص حصتها من الثمن، وإن
اختارته مع رده من مال سائر الورثة لم تنقص.
وإن كان ذو الخيار مشتريا، فإن اختارت الزوجة الإجازة لم ترث من
الأرض، وإن اختارت الفسخ ورثت من الثمن.
ز: لو أسقط بعض الورثة ماله من الخيار ليس له الرجوع بعده، لأن
الثابت من الاجماع خيار غير مثل ذلك الشخص.. ولا يفيد الاستصحاب،
لأن الثابت له أولا لم يكن إلا حقه قبل الاسقاط - أي ما لم يسقط -
فيتعارض الاستصحابان.
ح: لو كان الوارث صغيرا أو مجنونا قام وليه مقامه، وكذا لو جن ذو
الخيار.
مسألة: ذهب أكثر الأصحاب - بل عن ظاهر السرائر وصريح موضع
من التذكرة الاجماع عليه - [إلى] (1) أن المبيع يملك بالعقد (2).
وعن الإسكافي: أنه يملك بانقضاء الخيار مع عدم الفسخ (3)، وهو
المحكي عن الشيخ إذا كان الخيار لهما أو للبائع، وإلا فكالأول على ما في
الخلاف (4)، أو يخرج من ملك البائع وإن لم يدخل في ملك المشتري، كما

(1) ما بين المعقوفين، أضفناه لاستقامة العبارة.
(2) السرائر 2: 248، التذكرة 1: 533.
(3) حكاه عنه في الدروس 3: 270.
(4) الخلاف 3: 22.
416

عن المبسوط (1).
والحق هو: الأول، لصدق البيع المقتضي للملك شرعا بعموماته.
وفقد المانع المعلوم، إذ ليس إلا ثبوت الخيار، ومنافاته له غير
معلومة، بل عدمها معلوم كما في خيار العيب.
ولاطلاق كثير من النصوص (2)، الدالة على جواز بيع المبتاع قبل
القبض مطلقا كما في بعض، ومن البائع كما في آخر، وأن ربحه للمشتري
البائع ثانيا، وفي بعضها صرح بعدم قبض شئ من الثمن والمثمن.
وجه الاستدلال: أنه يدل على جواز بيع المشتري لنفسه، وأن ربحه
له، المستلزم لكونه ملكا له، سواء كان له خيار أو لا، إلا أن دلالته إنما هو
فيما إذا كان الخيار للبائع، لمعارضته مع ما هو أخص منه مطلقا مما يدل
على عدم جواز البيع فيما إذا كان الخيار للمشتري إلا مع إسقاطه الخيار،
كرواية السكوني المتقدمة في خيار الشرط: في رجل اشترى ثوبا بشرط إلى
نصف النهار، فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: (ليشهد أنه قد رضيه
واستوجبه، ثم ليبعه إن شاء) (3).
ورواية الشحام: عن رجل ابتاع ثوبا من أهل السوق لأهله وأخذه
بشرط فيعطى به ربحا، قال: (إن رغب في الربح فليوجب على نفسه
الثوب، ولا يجعل في نفسه إن رده عليه أن يرده على صاحبه) (4).
ويؤيد المطلوب - بل يدل عليه أيضا - إطلاق ما يدل على [أن] (5)

(1) المبسوط 2: 83.
(2) الوسائل 18: 65 أبواب أحكام العقود ب 16.
(3) تقدمت في ص: 381.
(4) التهذيب 7: 26 / 111، الوسائل 18: 25 أبواب الخيار ب 12 ح 2، بتفاوت.
(5) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
417

مال العبد للمشتري مطلقا، أو مع علم البائع، أو مع الشرط (1).
وقد يستدل أيضا بمفهوم النصوص الآتية، الدالة على أن كل مبيع
تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه من دون تقييد بمضي زمان الخيار (2)،
فإنه يدل على أن التالف بعد القبض من مال المشتري وإن كان له خيار،
ولولا أنه ملكه لم يكن كذلك.
وبخصوص موثقة إسحاق بن عمار ورواية معاوية بن ميسرة،
المتقدمتين (3) في خيار الشرط، المصرحتين: بأن كلا من النماء والتلف في
مدة الخيار من مال المشتري.. واختصاصهما بنوع من الخيار بعدم القول
بالفصل منجبر.
وبتعليق إباحة التصرف في الكتاب والسنة على المراضاة والمبايعة،
فلو لم تكن مفيدة للملك لما جاز التعليق عليه.
وبأن الصحة هنا ترتب الأثر، فإن وصف المبيع بها حال وقوعه ثبت
المطلوب، وإلا فلا معنى للخيار.
وبأنه لولا انتقال الملك إلى المشتري لكان موقوفا، فلم يكن فرق
بين بيع المالك والفضولي، وهو باطل (4).
وفي الكل نظر:
أما الأول، فلكون إطلاق مفهومه معارضا مع إطلاق المنطوق الذي
هو أقوى، مضافا إلى معارضته مع ما هو أصح منها سندا، كصحيحة ابن

(1) الوسائل 18: 252 أبواب بيع الحيوان ب 7.
(2) انظر ص: 418.
(3) في ص: 384.
(4) انظر الرياض 1: 527.
418

سنان: عن الرجل يشتري الدابة أو العبد، ويشترط إلى يوم أو يومين،
فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال:
(على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام، ويصير المبيع للمشتري، شرط
له البائع أو لم يشترط، وإن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد
المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع) (1)، وقريبة منها رواية
البصري (2).
واختصاصهما بخيار الحيوان أو الشرط غير ضائر، لما مر.
وأما الثاني، فلمعارضته من جهة التلف مع ما تقدم، ومن جهة النماء
مع صحيحة الحلبي المتقدمة في خيار الحيوان: في رجل اشترى شاة
فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها، قال: (إن كان في تلك الثلاثة أيام شرب لبنها
رد معها ثلاثة أمداد، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شئ) (3).
وترجيح الموثقة وأختها على الصحيحة وصاحبتها بالشهرة ومخالفة
العامة - كما وقع عن بعضهم (4) - غريب، لأن أصل الحكم في النوعين
- وهو بكون التلف ممن لا خيار له، وهو المشتري في النوع الأول، والبائع
في الثاني - مشهور بين الأصحاب، بل - كما صرحوا به - عليه إجماعهم،
فلا يوجب كون ما يدعى لزومه شرعا لأحدهما مشهورا مخالفا للعامة
ترجيحا من هاتين الحيثيتين، كما هو ظاهر جدا.

(1) الكافي 5: 169 / 3، التهذيب 7: 24 / 103، الوسائل 18: 14، 15 أبواب
الخيار ب 5 ح 2، 3 وأورد ذيله في ص 20 ب 8 ح 2.
(2) الكافي 5: 171 / 9، التهذيب 7: 24 / 104، الوسائل 18: 14 أبواب الخيار
ب 5 ح 1.
(3) راجع ص: 380.
(4) انظر الرياض 1: 528.
419

وأغرب منه الترجيح بصراحة الدلالة، فإنها في النوعين على نسق
واحد، بل دلالة الثاني أتم بواسطة مفهوم قوله: (ويصير المبيع للمشتري)،
مضافا إلى ترجيحه بصحة السند.
والتحقيق: انتفاء اللزوم بين الحكم بكون التلف من أحدهما وثبوت
الملكية له، لعدم دليل عليه من عقل أو شرع، ولذا يكون التلف من البائع
قبل القبض وإن لم يكن خيار فيه أيضا، وكذا في زمن الخيار للمشتري
عند القائلين بتملكه.. فالاستدلال بذلك ساقط رأسا، بل وكذلك في
النماء أيضا، فإنه لا دليل على استلزام كون النماء لشخص كون الملك له
أيضا.
وأما الثالث، فلمنع الملازمة المذكورة بقوله: لو لم تكن مفيدة للملك
لما جاز التعليق.
وأما الرابع، فلمنع قوله: ثبت المطلوب، إذ يكفي في الصحة كون
الأثر هو الملكية الحاصلة بمضي مدة الخيار.
وأما الخامس، فلمنع لزوم عدم الفرق إن أريد مطلقا، ومنع بطلان
اللازم إن أريد من وجه.
دليل الإسكافي: الأصل. المندفع بما مر.
وما يدل على أن التلف من البائع كما سبق. وضعفه قد ظهر.
ومفهوم قوله: (ويصير المبيع للمشتري).
وجوابه - بعد كونه أخص من مدعاه، حيث إنه يختص بالخيار
الثابت للمشتري خاصة وبخيار الحيوان وعدم ثبوت الاجماع المركب، ولذا
أفتى بعض المتأخرين بوضوح الحكم في خيار الشرط، واستشكل في
420

خيار الحيوان (1) -: أنه لم يحكم بهذا الجزء من الحديث سوى الإسكافي،
فهو مخالف لشهرة القدماء، بل الاجماع، فعن درجة الحجية ساقطة.
ولم نقف على دليل للشيخ، سيما على النقل الأخير.
ثم إنه تظهر ثمرة الخلاف في الأخذ بالشفعة، وفي جريانه في حول
الزكاة، وغير ذلك، وقالوا في النماء المتجدد في زمان الخيار، ويأتي بيانه.
فروع:
أ: يظهر منهم أن تبعية الملكية المستقرة في النماء المتجدد في زمن
الخيار لملكية الأصل قاعدة كلية ثابتة.
ولذا فرع الأكثر على ملكية المشتري كون النماء المتجدد له وإن فسخ
البائع، وقالوا: ليس له مطالبة المشتري بالنماء ولا بمثله، أو قيمته مع تلفه.
وقال بعض المتأخرين - بعد نقل صحيحة الحلبي المتقدمة (2)،
المصرحة بوجوب رد ثلاثة أمداد للبن الشاة المردودة بعد ثلاثة أيام - إن ما
مر من أن الغلة في زمن الخيار للمشتري فهو مختص بخيار الشرط.
وقال بعض آخر - بعد نقل موثقة إسحاق بن عمار، الدالة على أن
الغلة للمشتري (3)، ونقل الروايات الواردة في خيار العيب، الدالة على ما
يخالف ذلك ظاهرا -: ويمكن الجمع بينهما بحمل الموثقة ونظائرها - الدالة
على أن النماء في زمان الخيار إنما هو للمشتري - على خيار الشرط
واختصاص الحكم به دون غيره من أنواع الخيار، وورود تلك الأخبار في

(1) كما في الكفاية: 93.
(2) في ص: 380.
(3) راجع ص: 384.
421

خيار الشرط مؤيد لذلك الحمل. انتهى.
ويظهر منهما عدم كلية القاعدة.
وهو وإن كان مخالفا لما هو المشهور، ولمقتضى استصحاب ملكية
النماء الثابتة حال الخيار قطعا بلا معارض، إلا أن صحيحة الحلبي
والمستفيضة الواردة في خيار العيب (1) تساعده، وأظهر منها موثقة إسحاق
ابن عمار ورواية معاوية بن ميسرة المتقدمتان (2) - ومخالفة العلية للشهرة
بعد اشتهار الحكم الذي هو العلة واستنادهم في الحكم إلى هذين الخبرين
غير ضائر - الدالتان على أن النماء لمن عليه التلف، فهو الأظهر إلا أن يثبت
الاجماع على الكلية، وهو محل نظر.
وظاهر الموثقة والرواية كون النماء لمن عليه التلف وإن لم يفسخ
البيع بالخيار، ولعل الحكم به مستبعد.
ب: يجوز للمشتري التصرف في المبيع، وللبائع في الثمن، وإن لم
يوجبا البيع على نفسهما قبل التصرف، لأن الناس مسلطون على أموالهم.
ولا فرق في التصرفات بين أنواعها إذا كان الخيار للمتصرف خاصة
إذا لم يكن متلفا ولا ناقلا، وإن كان كذلك فإما يكون الخيار للمتصرف، أو
للآخر، أو لهما..
فإن كان الأول، فالظاهر جوازه وسقوط خياره مطلقا، ناقلا كان
المتصرف أو متلفا، لأن الفسخ عبارة عن إبطال البيع، الذي هو نقل الملكية
المتحققة للمتصرف، ووجود الملكية فرع بقاء المملوك أو عدم انتقال
الملكية، ومع التلف أو النقل لا ملكية له حتى يبطلها، فلا يمكن

(1) الوسائل 18: 14 و 19 أبواب الخيار ب 5 و 8.
(2) في ص: 384.
422

استصحاب الخيار، لتغير الموضوع.
ولكونه (باعثا على) (1) إسقاط حق نفسه لا يعارض الخيار أدلة لزوم
النقل.
وإبطال ملكية الطرف الآخر بعض المشروط الثابت تحققه في ضمن
الكل، فلا يمكن استصحابه.
وأما جواز الفسخ للبائع الشرطي مع تصرفه في الثمن وإتلافه إياه فهو
لأنه معهود بين المتعاقدين، فالمشروط حقيقة خيار فسخ ملكية الطرف
الآخر مع رد مثل الثمن لا ملكية الطرفين وإن كان الخيار لهما أو للآخر
خاصة.
وأما إذا كان للآخر دونه أو لهما، فقيل: لا يجوز إذا كانت ناقلة
- كالبيع والوقف والهبة - إلا بإذن الآخر، لمنافاتها خياره (2).
وقال الفاضل في التذكرة: ولو باع أو وقف أو قبض - أي المشتري -
في زمن خيار البائع أو خيارهما بغير إذن البائع فالأولى الوقوف على
الإجازة (3). وهذا تصريح بالجواز وتزلزله في زمان خيار البائع.
وقال في القواعد: ولو باع أو وقف أو وهب في مدة خيار البائع أو
خيارهما لم ينفذ إلا بإذن البائع (4). وهذا يحتمل الوجهين.
وصرح في السرائر والتذكرة بجواز عتق المشتري العبد في زمان خيار
البائع أو خيارهما (5).

(1) ما بين القوسين ليس في (ق)، وفي نسخة من (ح): باعها على.
(2) الرياض 1: 528.
(3) التذكرة 1: 538.
(4) القواعد 1: 144.
(5) السرائر 3: 249، التذكرة 1: 538.
423

وتردد في الثاني في كون خصوص العتق كالتلف فيرجع البائع بعد
الفسخ إلى المثل أو القيمة، أو كون العتق على الإجازة موقوفا (1).
وقد يقال: الحق صحة البيع وتوقفه على إجازة البائع، فإن فسخ
يرجع المبيع إليه، وإن سقط خياره بأحد مسقطاته لزم.
أما الأول، فلكونه ملكا له، والناس على أموالهم مسلطون،
ولعمومات حلية البيع.
وأما الثاني، فلاستصحاب خيار البائع، فإن معنى خياره أو لازمه:
تسلطه على إرجاع المبيع إلى ملكه، واستصحابه يقتضي جواز أخذه العين
ما دامت باقية.
وأيضا ليس البيع إلا نقل الملك الثابت للبائع، وليس للمشتري في
زمن الخيار إلا الملك المتزلزل، فلا يترتب على بيعه إلا حصول الملكية
المتزلزلة الثابتة للمشتري لمن يشتريه ثانيا، وهي الملكية المنتفية بفسخ
البائع الأول.
ولا تنافيه أصالة لزوم البيع، لأن مقتضاها لزوم نقل الملك الصادر من
البائع، فيكون نقل الملك المتزلزل الصادر من المشتري لازما، ومقتضاه
عدم تسلطه على فسخ ذلك النقل حتى لو لم يفسخ البائع الأول لم يلزمه
أمر أصلا، وهذا لا ينافي تزلزل الملك الحاصل ببيع آخر.
ولا يخفى أن ذلك لا يجري فيما لا يقبل التزلزل من التصرفات
الناقلة، كالوقف والعتق، وكذا في التلف، ومع ذلك يرد عليه ما مر من أن
الفسخ بالخيار كان فسخ ملكية المتصرف وبعد انتقالها لا وجه لبقاء خيار

(1) التذكرة 1: 538.
424

الفسخ.
فالحق: عدم جواز التصرفات المتلفة والناقلة مطلقا في هذه الصورة
إلا بإذن الآخر، لايجابها إتلاف حق الغير الموجب للضرر والضرار، وإذا لم
يجز لم يترتب عليها الأثر لو وقعت أيضا.
ج: يجوز للمشتري الانتفاع بالمبيع بنحو الركوب واستخدام العبد
وسكنى الدار وزرع الأرض ونحوها، للأصل.
وهل للبائع أخذ الأجرة منه بعد الفسخ؟
لا شك في عدمه إذا كان الخيار للبائع، لأن النماء للمشتري حينئذ.
وإن كان الخيار للمشتري فالظاهر العدم أيضا، لأصل العدم، وعدم
صدق العلة التي جعلها في الموثقة وصاحبتها (1) لمن عليه التلف.
نعم، لو آجره المشتري فحكم الأجرة حكم النماء، لصدق العلة
عليها.
د: يجوز للمشتري إجارة المبيع إلى تمام مدة الخيار والزائد عليها،
وحكمها حكم البيع، وحكم وجه الإجارة حكم النماء.
نعم، لو آجره من البائع نفسه في زمن خيار البائع فالظاهر لزوم
الإجارة، لوقوعها بإذنه.
مسألة: إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه، بالاجماع
المحقق، والمحكي عن الغنية والروضة (2)، وفي شرح القواعد للشيخ علي
وفي التذكرة: أنه لا خلاف فيه عندنا (3)، وفي الكفاية: لا أعرف فيه

(1) المتقدمتين في ص: 384.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 589، الروضة 3: 459.
(3) جامع المقاصد 4: 308، التذكرة 1: 473.
425

خلافا (1)، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى النبوي ورواية عقبة بن خالد المتقدمتين في تلف المبيع
في خيار التأخير (2)، وقصورهما سندا - لو كان - منجبر بالعمل، فهما - بعد
الاجماع - مخرجان للحكم هنا عن مقتضى قاعدة حصول الملكية بمجرد
العقد المستلزم لكون التلف من المشتري.
والمراد بكونه من مال بائعه: أنه ينفسخ العقد بتلفه من حينه،
ويرجع الثمن إلى ملك المشتري، وليس للمشتري مطالبة المثل أو القيمة،
لأن هذا مقتضى كونه من ماله، وهو المستفاد من مفهوم الشرط في قوله في
رواية عقبة: (فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله)،
فإنه يدل على أنه ما لم يخرجه ليس ضامنا لحقه، الذي هو الثمن.
ثم إنه لا ريب في الحكم إذا كان التلف بآفة سماوية.
وأما إذا لم يكن كذلك، بل كان من المشتري أو البائع أو الأجنبي،
فقيل بالرجوع إلى مقتضى القاعدة، وهو كون التالف من مال المشتري
ورجوعه إلى المتلف بالمثل أو القيمة لو لم يكن نفسه، وقد ينسب ذلك
إلى فتوى الجماعة (3).
وفي الدروس والمسالك وشرح القواعد للشيخ علي: تخير المشتري
بين الفسخ والرجوع بالثمن، وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة في
الأخيرين (4). وهو مذهب الشيخ - على ما في التذكرة - في الثالث، وأما في

(1) الكفاية: 93.
(2) راجع ص: 401.
(3) انظر الرياض: 1: 528.
(4) الدروس 3: 212، المسالك 1: 182، جامع المقاصد 4: 309.
426

الثاني فمذهبه - على ما في التذكرة - أنه كالتلف بآفة سماوية فيفسخ البيع،
بل ذكر في التذكرة وجها في كون الأول أيضا كالتلف بآفة سماوية، فعلى
المشتري المتلف القيمة للبائع ويسترد الثمن (1).
وأطلق الحلي (2) وجماعة (3): أنه إذا تلف المبيع قبل القبض فهو من
مال بائعه. وهو ظاهر في الاطلاق.
وكون المتبادر من التلف كونه بآفة سماوية ممنوع.
وعلى هذا، فيكون الاطلاق هو مدلول الروايتين، مضافا إلى أن
المفهوم في الأخيرة كاف في إثبات الاطلاق، فعليه الفتوى.
نعم، كون إتلاف المشتري من البائع إنما هو إذا لم يصادف قبضه بل
كان بتفريط منه، وأما إذا صادفه فمن المشتري، والوجه ظاهر، وجعل
مطلق إتلافه بمنزلة القبض لا وجه له.
ثم البائع يعمل مع المتلف - إذا كان غيره - معاملة صاحب المال مع
من أتلفه.
فروع:
أ: النماء بعد العقد قبل التلف للبائع على ما اخترناه، لأن التلف منه.
وعلى المشهور فيه وجهان، مبنيان على أن التلف هل هو أمارة
الفسخ للعقد من أصله - كما قيل، ونسب إلى ظاهر النص وعبارة جماعة (4)

(1) التذكرة 1: 474.
(2) السرائر 2: 241.
(3) منهم المحقق في الشرائع 2: 23 والعلامة في الإرشاد 1: 375 والشهيد في
اللمعة (الروضة 3): 459.
(4) انظر الرياض 1: 528.
427

أو من حين التلف - كما هو ظاهر المسالك (1) وغيره - فيقدرون دخوله في
ملك البائع آنا ما، ويكون التلف كاشفا عنه؟
والحق هو: الثاني، استصحابا للحالة السابقة، وعدم ظهور النص في
خلافه.
ب: قال في التذكرة: إتلاف الثمن المعين كالمثمن في الأحكام المذكورة (2).
ويظهر ذلك في غيره أيضا. وهو كذلك، لصدق المبيع عليه
لغة.. والتفرقة في العرف المتأخر غير ضائرة، لأصالة تأخر الحادث، مع
أن استفادة العموم من رواية عقبة ممكنة.
ج: صرح في التذكرة والدروس: بأنه لو ابراء المشتري البائع من
الضمان لم يبرأ (3). وهو كذلك، للأصل.. وكذا لو شرط البراءة، لكونها
مخالفة للسنة.
د: لو تلف بعض المبيع قبل قبضه، ففي الدروس: أنه من مال البائع
وللمشتري الفسخ أيضا، لتبعض الصفقة (4).
وفي التذكرة: أنه إن كان للتالف قسط من الثمن - كعبد من عبدين -
ينفسخ العقد فيه، ولا يبطل في الآخر، بل يتخير المشتري في الفسخ،
للتبعض.
وإن لم يكن له قسط من الثمن - كما لو سقطت يد العبد - فعلمائنا
فيه قولان:

(1) المسالك 1: 181.
(2) التذكرة 1: 474.
(3) التذكرة 1: 473، الدروس 3: 212.
(4) الدروس 3: 213.
428

أحدهما: تخير المشتري بين الفسخ والامضاء مجانا.
وثانيهما: تخيره بين الفسخ والامضاء مع الأرش (1).
أقول: لا ريب في كون التلف من البائع فيما إذا كان للتالف قسط من
الثمن، لصدق المبيع والمباع عليه.. وأما في غيره، فمقتضى القاعدة كونه
من المشتري، لأنه ماله، وعدم معلومية صدق المبيع والمباع الواردين في
الخبرين عليه، مع أن الأول ضعيف، وانجباره في مثل ذلك غير معلوم،
والثاني مخصوص بالمسروق، والتعدي إلى غيره بعدم الفصل الغير الثابت
هنا.
مسألة: إذا تلف المبيع أو الثمن في زمن الخيار، فمقتضى القاعدة
كونه من المشتري في المبيع ومن البائع في الثمن مطلقا، سواء كان الخيار
للمشتري، أو للبائع، أو للأجنبي، أو لاثنين منهما، أو للثلاثة.
وتدل عليه في صورة كون الخيار للبائع موثقة إسحاق بن عمار
ومعاوية بن ميسرة المتقدمتين (2)، وفي جميع الصور قوله: (فإذا أخرجه من
بيته) المتقدم في رواية عقبة (3)، إلا أنه خرج من هذه فيما إذا كان الخيار
للمشتري خاصة بلا خلاف يعرف، لصحيحة ابن سنان ورواية البصري
المتقدمتين (4)، ويبقى الباقي تحت القاعدة.
وظاهر الصحيحة والروايتين كون التلف من الله، وعلى هذا فيكون
غيره - من كون التلف من البائع أو المشتري أو من شخص معين - باقيا

(1) التذكرة 1: 474.
(2) في ص: 384.
(3) راجع ص: 401.
(4) في ص: 419.
429

على مقتضى القاعدة من كون التلف من مال المشتري، ويرجع على
المتلف إذا كان غيره، [لقاعدة] (1) ضمان التالف.
وهل يبقى الخيار لمن له الخيار بعد التلف، أم لا؟
مقتضى القاعدة التي ذكرناها - من عدم إمكان استصحاب الخيار بعد
انتفاء الملكية - انتفاؤه مطلقا.

(1) في (ق) و (ح): إلى قاعدة، والظاهر ما أثبتناه.
430

المقصد الثالث
في النقد والنسيئة
431

اعلم أن البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن والمثمن وتأخيرهما - ولو
بساعة - والتفريق أربعة أقسام:
الأول: النقد.
والثاني: الكالي بالكالي.
والثالث: النسيئة.
والرابع: السلف.
وما بعض ثمنه نقد وبعضه نسيئة مركب من النقد والنسيئة، ومنه ما
لو شرط أداء الثمن من حين العقد إلى عشرة أيام مثلا بقسط الأيام.
ولو لم يشترط التأخير، ولكن شرط جواز التأخير إما صريحا - نحو:
بعتك بشرط أن يكون لك التأخير إلى عشرة أيام - أو التزاما، نحو بعتك:
بشرط أن لا تؤخر الثمن عن عشرة أيام، حيث إنه يفهم منه عرفا أن له
التأخير ما دون العشرة، ومنه قوله: بعتك بشرط أن تؤدي الثمن اليوم، أو
أن تعجله في اليوم، فإنه يستلزم جواز التأخير ما لم يفت اليوم.
ففيه إشكال، سيما إذا كان زمان تجويز التأخير قليلا بالنسبة إلى جعله
نسيئة نحو ساعة، مع أن شرط التأخير ساعة نسيئة قطعا.. أو كان الزمان
طويلا بالنسبة إلى احتمال كونه نقدا، نحو سنة، فإن الظاهر أن الأول نقد،
سيما إذا قال: بشرط أن تؤدي الثمن اليوم أو الساعة، والثاني نسيئة، سيما
إذا قال: بشرط أن يكون لك التأخير إلى سنة أو لا تؤخر عن السنة، مع أن
شرط التأجيل يكون نسيئة من غير فرق بين الزمان القليل والكثير.
433

ويحتمل أن يشترط في التعجيل عدم شرط التأخير مطلقا ولا تجويزه
إلا في مدة قليلة لا تنافي التعجيل عرفا، نحو ساعة أو يوم.
ويظهر من المسالك (1) وغيره: أن شرط التعجيل في هذا اليوم - مثلا -
نقد، حيث عين مثل ذلك زمان التعجيل.
وتظهر الفائدة في مواضع كثيرة، منها: في خيار تأخير الثمن عن
ثلاثة، فتأمل.
ونذكر أحكامها في مسائل:
المسألة الأولى: من اشترى مطلقا - من غير ذكر تأخير الثمن - كان
الثمن حالا من غير خلاف، كما صرح به بعضهم (2).
ولأنه المتبادر من الاطلاق.
ولأنه لولاه فإما ينصرف إلى أجل معين - وهو تحكم باطل - أو لا،
فيلزم إبطال المبيع، وهو فاسد إجماعا ونصا.
ولانتقاله إلى البائع بالعقد، لأنه مقتضاه، ومقتضى الانتقال تسلطه
على المطالبة حال الانتقال.
ولموثقة الساباطي: في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمى ثم
افترقا، قال: (وجب البيع والثمن، إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد) (3).
ثم لو اشترطا التعجيل لأفاد التأكيد، ولو أخر مع الشرط ففي إفادته
التسلط على الفسخ وعدمه أقوال مرت في فصل أحكام الخيار.. وكذا لو

(1) المسالك 1: 182.
(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 589، الحدائق 19: 119، الرياض 1:
529.
(3) الوسائل 18: 36 أبواب العقود ب 1 ح 2.
434

شرط التأجيل إلى أجل معين وأخر عنه.
المسألة الثانية: بيع النسيئة جائز إجماعا محققا، ومحكيا في
التذكرة (1) وغيره (2)، له، وللمستفيضة، بل المتواترة معنى، الآتي كثير منها
في تلك المسألة وما بعدها.
ولا فرق فيها بين المدة القصيرة والطويلة - حتى مثل ألف سنة - مما
يسلم المتعاقدان عدم بقائهما إليه عادة، بلا خلاف يعتد به، للأصل،
وعمومات البيع والشرط، وخصوص إطلاقات أخبار النسيئة.
ولا تنافيها رواية أحمد بن محمد: إذا بعناهم بنسيئة كان أكثر للربح،
فقال: (بعهم بتأخير سنة)، قلت: فبتأخير سنتين؟ قال: (نعم)، قلت:
بثلاث؟ قال: (لا) (3).
لعدم دلالتها على الحرمة، بل غايتها الكراهة، ويمكن أن يكون ذلك
لطول الأمل، أو صعوبة تحصيل الثمن في هذه المدة الطويلة، مع أنها على
فرض الدلالة مخالفة للشهرة العظيمة لولا الاجماع، ومثلها ليس بحجة،
سيما مع معارضتها من أخبار كثيرة، وموافقتها - كما قيل (4) - لرأي بعض
العامة.
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فمنع من التأجيل على زيادة ثلاث
سنين (5)، ولا مستند له، والرواية المتقدمة على مذهبه غير منطبقة، فهي

(1) التذكرة 1: 546.
(2) الرياض 1: 529.
(3) الكافي 5: 207 / 1، قرب الإسناد: 164، الوسائل 18: 35 أبواب أحكام
العقود ب 1 ح 1.
(4) انظر الرياض 1: 529.
(5) حكاه عنه في المختلف: 364.
435

لحجته غير صالحة.
المسألة الثالثة: يشترط في صحة بيع النسيئة تعيين المدة، بلا
خلاف يعرف.
وفي الكفاية: الظاهر أنه لا خلاف في أنه يشترط أن تكون المدة
معلومة لا تتطرق إليها الزيادة والنقيصة (1).
وفي شرح الإرشاد للأردبيلي - في دليل اشتراط تعيين المدة -: وكأنه
الاجماع، فلو لم يعين المدة أو عين أجلا محتملا للزيادة والنقيصة بطل
البيع، واستدل له باستلزام عدم التعيين للغرر والجهالة في الثمن، لأن للمدة
قسطا من الثمن عرفا وعادة (2).
أقول: أما الغرر فلزومه في جميع الموارد ممنوع، وكيف لا غرر في
قولك: بعتك إلى آخر الشهر، مع احتمال تسعة وعشرين وثلاثين؟!
ويحصل الغرر بقولك: بعتك إلى تسعة وعشرين الشهر أو ثلاثين، وكذا في
تفاوت عشرة أيام ونحوها في نسيئة سنة.
نعم، لا مضايقة في قبول لزوم الغرر فيما يختلف الثمن به عرفا
وعادة، فإن الزمان قيد ووصف للثمن يختلف باختلافه ما بإزائه البتة، فأدلة
المنع عن بيع الغرر تمنع عن مثل ذلك، فلو ثبت الاجماع المركب في
جميع الموارد فهو، وإلا فلا وجه للاستدلال ببطلانه بالغرر.
نعم، يصح الاستدلال بالجهل، بناء على الأصل الذي أصلناه في
كتاب العوائد من أصالة عدم صحة جعل ما في الذمة ثمنا إلا ما ثبتت فيه
الصحة، وهو ما كان معلوما قدرا وجنسا ووصفا وقيدا.

(1) الكفاية: 94.
(2) مجمع الفائدة 8: 327.
436

ومنه يظهر عدم صحة جعل الأجل مجئ الغراب أو إدراك الثمرات
أو ما يشترك بين زمانين - كشهر ربيع أو الجمادى أو يوم جمعة أو يوم
خميس - لعين ما ذكر.
وقيل بالصحة في صورة الاشتراك، ويحمل على الأول، للتعليق على
اسم معين متحقق بالأول (1).
قيل: ولكن ذلك إذا علما بذلك قبل العقد، حتى يقصد أجلا
مضبوطا، ولا يكفي ثبوت ذلك شرعا مع جهلهما أو أحدهما به، ومع
القصد لا إشكال في الصحة وإن لم يكن الاطلاق محمولا عليه.
وتجويز الاكتفاء في الصحة بما يقتضيه الشرع فيه، قصده أم لا - نظرا
إلى كون الأجل الذي عيناه مضبوطا في نفسه شرعا، وإطلاق اللفظ منزل
على الحقيقة الشرعية - غير صحيح، لمنع تنزيل الاطلاق عليها مطلقا، بل
إنما هو بالنظر إلى إطلاق كلام الشارع خاصة، لعدم دليل يدل على التعدي
أصلا (2).
أقول: لا يخفى أن مثل الربيع والجمعة إما مشترك لفظي أو معنوي.
فإن كان الأول - كما هو الظاهر في الربيعين - وإن كان لا يحمل اللفظ
على الأول إلا مع القصد، ولكن ما ذكره - من اقتضاء الشرع ذلك، وانضباط
الأجل في نفسه، وإثبات الحقيقة الشرعية فيها، وتنزيل كلام الشارع عليها -
هنا غير صحيح، إذ لا اقتضاء من الشرع هنا، ولا انضباط، ولا حقيقة
شرعية.
وإن كان الثاني - كما هو المستفاد من كلامه، حيث جعله من باب

(1) الروضة 3: 514.
(2) انظر الروضة 3: 514، الرياض 1: 529.
437

الاطلاق - فاللازم الحمل على الأول، لتحقق المطلق به، إلا إذا علم
قصدهما عدمه، كما هو شأن سائر المطلقات، ولا دخل له أيضا باقتضاء
الشرع والحقيقة الشرعية.
فروع:
أ: الاختلاف الموجب للبطلان هو الذي يوجب التفاوت العرفي ولا
يتسامح به عرفا، فلا بأس بالتأجيل إلى آخر ساعة من اليوم الفلاني، مع أن
الساعة أيضا لها أجزاء، بل وكذلك ساعات اليوم، بل اليوم بالنسبة إلى
الشهر والسنة، ونحو ذلك، ما لم يصرح بما يختلف به، وذلك كما في
الوزن، فإن وزن مائة من - مثلا - يختلف غالبا بمثاقيل عديدة وهو مغتفر إلا
أن يصرح فيقال: بعت مائة من أو مائة من إلا عشرة مثاقيل بالترديد، وكذا
في تراب الحنطة ونحوه.
والدليل على اغتفار هذا القدر من الاختلاف في جميع ما ذكر:
الاجماع، بل الضرورة.
ب: اللازم - كما مر في خيار الشرط - تعيين المدة بما يتعارف
التعيين به من اليوم والشهر والسنة، أو إلى الوقت الفلاني، وإذا عين بواحد
من هذه الأمور لا يضر الاختلاف بالآخر، فلو عين باليوم لا تضر جهالة
ساعاته، ولو عين بالشهر لم تضر جهالة أيامه، ولو عين إلى عيد الأضحى
لم تضر جهالة عدد الأيام إليه، لما مر من اغتفار هذا الاختلاف، وللأخبار
المتضمنة لمثل السنة والسنتين مع اختلاف أيامها، وللاجماع.
ج: لو أجل بالغاية، بأن يقول: بعتك نسيئة إلى آخر الشهر، يحل
الأجل بمجرد تمام الشهر، وكذا لو قال: إلى أول الشهر الفلاني، أو: إلى
يوم الجمعة، فيحل بمجرد دخوله.
438

ولو أجل بالظرفية، كأن يقول: بعتك بمائة درهم تؤديها في يوم أول
الشهر الفلاني، فلا يحل بمجرد دخول ذلك اليوم، بل الظاهر أنه إن كان
مما يكون اختلافه قليلا متسامحا به لم يضر، وإلا بطل، فلو قال: بعتك بأن
تؤدي ثمنها في الشهر الآتي، بطل، وكذا لو قال: بعتك بأن تؤدي ثمنها في
السنة الآتية، ولو قال: بعتك بأن تؤدي ثمنها في يوم أول الشهر أو يوم أول
السنة الفلانية، صح، فتأمل.
المسألة الرابعة: لو باع بثمن حالا وبآخر مؤجلا، بطل على الأظهر
الأشهر، كما صرح به جماعة ممن تأخر (1)، وإليه ذهب الشيخ في المبسوط
والديلمي والحلبي والحلي وابن زهرة والفاضلان والشهيدان (2)، ونسبه
بعض معاصرينا إلى المفيد والإسكافي والسيد والقاضي أيضا (3).
للجهل الواقعي المانع عن انتقال الثمن.
وللأصل المتقدم مرارا.
ولموثقة الساباطي: (فانههم عن بيع ما لم يقبض، وعن شرطين في
بيع) (4).
وقد فسر في رواية السكوني الآتية (5) " الشرطين في بيع " بذلك.
وفي رواية سليمان: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن سلف وبيع، وعن

(1) انظر الرياض 1: 529.
(2) المبسوط 2: 159، الديلمي في المراسم: 174، الحلبي في الكافي: 357،
الحلي في السرائر 2: 287، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 589،
المحقق في النافع: 122، العلامة في التبصرة: 92، الشهيدين في اللمعة والروضة
3: 514.
(3) الرياض 1: 529.
(4) التهذيب 7: 231 / 1006، الوسائل 18: 58 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 6.
(5) في ص: 441.
439

بيعين في بيع) (1)، وقد فسره جماعة بذلك، منهم ابن الأثير في نهايته (2)،
وإن فسره بعض آخر بغير ذلك أيضا.
ولقوله عليه السلام في ذيل صحيحة محمد بن قيس الآتية: (من ساوم
بثمنين أحدهما عاجلا والآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة) (3)، فإن
الأمر بالتسمية نهي عن ضده - وهو الترديد - والنهي موجب للفساد.
ولكن يمكن الخدش في الروايتين الأوليين باشتمالهما على ما ليس
مطلقا أو كليا بمنهي عنه تحريما، فيجب إما تجوز في النهي أو في المنهي
عنه، فيدخل الاجمال المسقط للاستدلال، مضافا في الثانية إلى عدم دليل
على إرادة المطلوب من البيعين في بيع، بل لا يعلم شموله له بالاطلاق
أيضا.
وفي الثالثة: بعدم وجوب التعيين قبل الصفقة قطعا، فيمكن أن
يستحب ذلك.
فلم تبق إلا الأصول المتقدمة، وهي كافية في إثبات المطلوب لولا
الدليل الدافع.
ولكن قد روى محمد بن قيس في الصحيح: (من باع سلعة فقال: إن
ثمنها كذا يدا بيد وكذا وكذا نظرة فخذها بأي ثمن شئت، وجعل صفقتهما
واحدة، فليس له إلا أقلهما وإن كانت نظرة) (4).

(1) التهذيب 7: 230 / 1005، الوسائل 18: 37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 4.
(2) النهاية الأثيرية 1: 173.
(3) الكافي 5: 206 / 1، التهذيب 7: 47 / 201، الوسائل 18: 36 أبواب أحكام
العقود ب 2 ح 1.
(4) الكافي 5: 206 / 1، الفقيه 3: 179 / 812، التهذيب 7: 47 / 201، الوسائل
18: 36 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 1، بتفاوت.
440

والسكوني في الضعيف: (قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين،
بالنقد كذا وبالنسيئة كذا، فأخذ المتاع على ذلك الشرط، فقال: هو بأقل
الثمنين وأبعد الأجلين، يقول: ليس له إلا أقل النقدين إلى الأجل الذي
أجله بنسيئة) (1).
وظاهر الروايتين دال على الصحة والأخذ بثمن النقد بالأجل
المذكور، وحكي العمل به عن نهاية الشيخ (2)، وحكاه في المهذب البارع
عن المفيد والسيد والقاضي (3)، وبعض آخر عن الإسكافي أيضا (4)، وإن
اختلفت الأقوال في الجواز وعدمه مطلقا أو بعد الامضاء، وفي المسالك
نسبه إلى جمع من الأصحاب (5)، وفي شرح الإرشاد للأردبيلي إلى
جماعة (6)، واختاره في الكفاية (7).
ويظهر من المحقق الأردبيلي وصاحب الحدائق نوع تردد في
المسألة (8).
وهو في محله، لاعتبار الروايتين، وخلوهما عن المعارض الصريح،
إلا أن تردا بمخالفة شهرة القدماء، وهو أيضا - بعد نسبته إلى جمع
وجماعة، وحكايته عن الأجلاء المذكورين - فاسد.

(1) التهذيب 7: 53 / 230، الوسائل 18: 37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 2.
(2) النهاية: 388.
(3) المهذب البارع 2: 386.
(4) الرياض 1: 529.
(5) المسالك 1: 182.
(6) مجمع الفائدة 8: 327.
(7) الكفاية: 94.
(8) الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 329، صاحب الحدائق 19: 125.
441

فالأقرب هو الصحة والعمل بمقتضى الروايتين (1)، والترك أحوط.
ولو كان البيع المتردد ثمنه إلى أجلين - كشهر بدينار وشهرين
بدينارين - يصير البطلان أقرب، لعدم المعارض للأصول، وإشكال ثبوت
الاجماع المركب.
المسألة الخامسة: لو باع شيئا نسيئة جاز للبائع أن يشتريه من
المشتري قبل الأجل وبعده، بزيادة أو نقيصة، حالا أو مؤجلا، بغير جنس
ثمنه مطلقا أو بجنس ثمنه، مساويا له، أو بزيادة أو نقيصة إذا لم يشترط
ذلك حال البيع، بلا خلاف في غير ما إذا كان البيع بعد حلول الأجل بجنس
الثمن بزيادة أو نقيصة، للاجماع، وعمومات البيع والشراء (2).
وصحيحة بشار: عن الرجل يبيع المتاع بنساء ويشتريه من صاحبه
الذي يبيعه منه، قال: (نعم، لا بأس به) (3).
ومنصور: رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه،
فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب: أبيعك هذه الغنم
بدراهمك التي لك عندي، فرضي، قال: (لا بأس بذلك) (4).
والأولى خاصة بالنسيئة عامة لجميع صور المسألة.
والثانية عامة للنقد والنسيئة. وتخصيص بعض مشايخنا إياها بالنسيئة

(1) في (ق) و (ح) زيادة: كان العمل أقرب.
(2) الوسائل 18: 40 أبواب أحكام العقود ب 5.
(3) الكافي 5: 208 / 4، الفقيه 3: 134 / 585، التهذيب 7: 47 / 204، الوسائل
18: 41 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 3.
(4) الفقيه 3: 165 / 727، التهذيب 7: 43 / 181، الوسائل 18: 40 أبواب أحكام
العقود ب 5 ح 1.
442

غير موجه (1). وتشمل أيضا أكثر صور المسألة.
ولا معارض لها إلا صحيحة أخرى لمنصور في صورة الشراء نسيئة
- على ما قيل (2) -: عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أم غنم أو
غير ذلك، فأتى الطالب المطلوب ليبتاع منه شيئا، قال: (لا يبيعه نسيئة،
فأما نقدا فليبعه ما شاء) (3).
ولكنها - مع خروجها عن مسألة اشتراء ما بيع بالنسيئة وعدم
صراحتها في اشتراء المبيع الأول - ليست صريحة في عدم الجواز، بل
تحتمل الكراهة، لمقام الجملة الخبرية.
وأما إذا كان البيع بعد حلول الأجل بجنس الثمن بزيادة أو نقيصة،
ففيه خلاف، بل يظهر من كلام بعض مشايخنا الأخباريين كون الخلاف في
ذلك ولو كان قبل حلول الأجل أيضا (4).
وكيف كان، فالحق المشهور فيه أيضا الصحة، وتدل عليه - بعد
الأصل والعمومات - صحيحة بشار المتقدمة، وصحيحة يعقوب وعبيد: عن
رجل باع طعاما بمائة درهم إلى أجل، فلما بلغ ذلك الأجل تقاضاه، فقال
ليس لي دراهم خذ مني طعاما، فقال: (لا بأس به، فإنما له دراهمه يأخذ
بها ما شاء) (5).

(1) انظر الرياض 1: 529.
(2) الرياض 1: 529.
(3) التهذيب 7: 48 / 207، الوسائل 18: 45 أبواب أحكام العقود ب 6 ح 8.
(4) الحدائق 19: 125.
(5) التهذيب 7: 33 / 136، الإستبصار 3: 77 / 256، الوسائل 18: 307 أبواب
السلف ب 11 ح 10 وفيه: عن يعقوب بن شعيب فقط.
443

خلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية وكتابي الحديث (1)، مستدلا
برواية خالد بن الحجاج: عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمى،
فلما جاء الأجل أخذته بدراهمي، فقال: ليس عندي دراهم ولكن عندي
طعام فاشتره مني، فقال: (لا تشتره منه، لأنه لا خير فيه) (2).
ورواية عبد الصمد: أبيع الطعام من الرجل إلى أجل، فأجئ وقد تغير
الطعام من سعره، فيقول: ليس عندي دراهم، قال: (خذ منه بسعر يومه)،
قال: افهم - أصلحك الله - إنه طعامي الذي اشتراه مني، قال: (لا تأخذ منه
حتى يبيعه ويعطيك) (3).
وفيهما - مع المخالفة للشهرة العظيمة المخرجة للخبر عن الحجية،
واختصاصهما بالطعام، وقد جوز بعضهم الاختصاص به (4)، فلا إجماع
مركبا، وأعمية الأولى عن الطعام الذي اشتراه منه، وعن البيع بالزيادة أو
النقيصة، ومطلوبه هما بخصوصهما -: أن أولاهما معارضة مع ما مر
بالتساوي، فيجب إما الرجوع إلى العمومات، أو الحمل على الكراهة.
والثانية وإن كانت أخص منه مطلقا - لاختصاصها بالطعام الذي اشتراه
وأعميته منه - إلا أن احتمال كون قوله: (لا تأخذ) جملة خبرية يمنع عن
إثبات الزائد عن الكراهة عنه أيضا.
هذا إذا لم يشترط في متن العقد بيعه منه ثانيا.

(1) التهذيب 7: 33، الإستبصار 3: 77.
(2) التهذيب 7: 33 / 137، الإستبصار 3: 76 / 255، الوسائل 18: 311 أبواب
السلف ب 12 ح 3.
(3) الفقيه 3: 130 / 566، التهذيب 7: 35 / 145، الإستبصار 3: 77 / 257،
الوسائل 18: 312 أبواب السلف ب 12 ح 5.
(4) انظر الحدائق 19: 129.
444

وأما لو شرط ذلك فيه، بطل بلا خلاف كما قيل (1)، واستدل له
بتعليلات ضعيفة.
نعم، يدل عليه مفهوم الشرط في رواية الحسين بن المنذر: يجيئني
الرجل، فيطلب العينة (2)، فأشتري له المتاع من أجله، ثم أبيعه إياه، ثم
اشتريه منه مكاني، قال: فقال: (إذا كان بالخيار إن شاء باع وإن شاء لم
يبع، وكنت أنت أيضا بالخيار، إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر، فلا
بأس) (3).
والمروي في قرب الإسناد: عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم، ثم
اشتراه بخمسة دراهم، أيحل؟ قال: (إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس) (4).
ومثله في كتاب علي بن جعفر، إلا أنه قال: بعشرة دراهم إلى أجل،
ثم اشتراه بخمسة دراهم بنقد (5).
ولكنها أخص من المدعى، لاختصاصها بما إذا كان البيع الثاني بأقل
من الثمن الأول، أما الأخيرتان فظاهرتان، وأما الأولى فلأنه المأخوذ في
مفهوم العينة.
ومع ذلك، فها هنا كلام آخر، وهو أنه لا يمكن أن يكون البيع الأول
وشرطه صحيحا وخصوص الثاني فاسدا، إذ مع صحة الأولين لا بد وأن
يكون الوفاء بالشرط لازما، وكيف يجتمع ذلك مع فساد الثاني، ولا أن

(1) الرياض 1: 530.
(2) العينة: السلف - لسان العرب 13: 306.
(3) الكافي 5: 202 / 1، التهذيب 7: 51 / 223، الوسائل 18: 41 أبواب أحكام
العقود ب 5 ح 4، بتفاوت يسير.
(4) قرب الإسناد: 114، الوسائل 18: 42 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 6.
(5) البحار 10: 259، الوسائل 18: 42 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 6.
445

يكون مجرد الشرط فاسدا؟! إذ مع فساده وصحة البيع الأول يلزم صحة
الثاني أيضا، إذ يكون وجود الشرط كعدمه، لفساده، ويكون المشتري
بالخيار، فلا بد وأن يكون أصل البيع الأول فاسدا.
وعلى هذا، فلا تكون هناك نسيئة، ولا يجوز بيعه من غير البائع
الأول أيضا، ولا يكون هذا العنوان للمسألة جدا، بل يكون من قبيل أن
يعنون أيضا: أنه لو باع نسيئة لم يجز للمشتري بيعه من البائع بالثمن
المجهول - مثلا - بل يجب أن يعنون مسألة أخرى، وهو أنه لا يجوز شرط
البيع من البائع في عقد البيع، فتأمل.
المسألة السادسة: لا يجب على المشتري نسيئة دفع الثمن قبل
حلول الأجل إجماعا، له، وللأصل، ومقتضى الشرط.. ولا تسلط للبائع
على طلبه، للثلاثة المذكورة.
ولو تبرع المشتري بالدفع لا يجب على البائع الأخذ أيضا، إجماعا
وأصلا.. وتخيل الوجوب - لبعض الاعتبارات العقلية - ضعيف غايته.
وإذا حل الأجل وجب الدفع على المشتري مع المكنة ومطالبة البائع
ولو بشاهد الحال، إجماعا أيضا، ووجهه ظاهر (1). ولو لم يدفع كان للبائع
المطالبة كذلك.

(1) في (ق) زيادة: وإذا دفعه المشتري.
446