الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٣٥
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمود القوچاني / تصحيح : السيد إبراهيم الميانجي
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات:

جواهر الكلام
في شرح شرايع الاسلام
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266 من الهجرة
تصحيح وتحقيق وتعليق
محمود القوچاني
عنى بتصحيحه: العالم الفاضل السيد إبراهيم الميانجي
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه، وطبع
بنفقة
المكتبة الاسلامية الجزء الخامس والثلاثون
طهران شارع البوذرجمهرى
تليفون 521966
جميع حقوق الطبع محفوظة للناشر
1

نام كتاب: جواهر الكلام
مؤلف: شيخ محمد حسن النجفي
ناشر: كتاب فروشى اسلاميه
تعداد: 3000 جلد
نوبت چاپ: دوم 1366 شمسي
چاپخانه: آيدا
بسم الله الرحمن الرحيم
* (كتاب الاقرار) *
بمعنى الاعتراف في الصحاح وعن مجمع البحرين، والاذعان المحق عن
القاموس، وفي المسالك والاسعاد لبعض الشافعية الاثبات من قولك: قر الشئ يقر
إذا ثبت، وأقررته إذا أفدته القرار.
وعلى كل حال فهو ليس من العقود والايقاعات، لأنه ليس بانشاء،
إلا أنه لما كان مشابها للايقاع في الجملة ذكره المصنف فيها، ولذا عرفه في الوسيلة
بأنه " إخبار بحق على نفسه "، وفي النافع والدروس " إخبار عن حق لازم له "
وفي الإيضاح " إخبار عن حق سابق للغير ونفيه لازم للمقر " وفي الروضة " إخبار
عن حق سابق على وقت الصيغة " وفي القواعد " إخبار عن حق سابق لا يقتضي تمليكا
بنفسه، بل يكشف عن سبقه " إلى غير ذلك من كلماتهم التي لاحظوا فيها
التمييز في الجملة.
ولعل الأولى من ذلك إيكاله إلى العرف الكافي في مفهومه ومصداقه، وفي
الفرق بينه وبين الشهادة والدعوى والرواية والترجمة، وأنه لا فرق فيه بين الاثبات
2

والنفي كالاقرار بالابراء ونحوه الذي لاحظه الفخر، بل ولا بين الأعيان والمنافع
والحقوق كحق الخيار والشفعة ونحوهما، بل ولا بين حقوق الناس المستلزمة للمقر له
وبين حقوق الله تعالى كالاقرار بشرب الخمر ونحوه، بل لعل تعريفه بالأعم في
كتب اللغة والأصحاب للإشارة إلى إيكاله إلى العرف الذي لم يتغير فيه.
والأصل في شرعيته بعد الاجماع من المسلمين أو الضرورة السنة (1) المقطوع
بها من طرق العامة والخاصة التي ستسمع بعضها، بل في لكتاب العزيز ما يدل على
اعتباره في الجملة، نحو قوله تعالى (2): " أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري؟
قالوا: أقررنا " " وآخرون اعترفوا بذنوبهم " (3): " ألست بربكم قالوا بلى " (4)
" كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم " (5) الذي هو كالنبوي (6)
" قولوا الحق ولو على أنفسكم " وخبر جراح المدائني (7) عن الصادق عليه السلام " لا
أقبل شهادة الفاسق إلا على نفسه " وغيرهما مما هو دال على ذلك أيضا، مضافا إلى
النبوي المستفيض أو المتواتر (8) " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " ومرسل
عطار (9) عن الصادق عليه السلام " المؤمن أصدق على نفسه من سبعين مؤمنا " والنصوص

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار وسنن البيهقي ج 6 ص 83 و 84
(2) سورة آل عمران: 3 - الآية 81.
(3) سورة التوبة: 9 - الآية 102.
(4) سورة الأعراف: 7 - الآية 172.
(5) سورة النساء: 4 - الآية 135.
(6) البحار ج 77 ص 171 وفيه " قل الحق ولو على نفسك ".
(7) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الاقرار الحديث 1.
(8) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2 والمستدرك الباب - 2 -
منه الحديث 1.
(9) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 1.
3

المتفرقة في الأبواب التي منها الأخذ به في الحد بالزنا (1) وغيره ومنها إقرار
بعض الورثة بالدين (2) وإقرار المريض (3) وغير ذلك.
* (و) * كيف كان ف‍ * (النظر) * فيه يكون * (في الأركان واللواحق،
وأركانه) * غالبا * (أربعة) * صيغة ومقر ومقر له ومقر به، إذ قد يحتاج إلى
مقر له كالاقرار بما يوجب الحد، اللهم إلا أن يقال: إن الحق حينئذ لله تعالى
وإقرار له به، والأمر سهل.

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب حد الزنا.
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب الاقرار الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الاقرار.
4

* (الأول:) *
* (في الصيغة) *
* (وفيها مقاصد) *
* (الأول:) *
* (في الصيغة الصريحة، وهي اللفظ المتضمن للاخبار عن حق واجب، كقوله
لك علي أو عندي أو في ذمتي أو ما أشبهه) * وفي المسالك " الاقرار عبارة عن الصيغة
المخصوصة، فتعريفها يقتضي تعريفه، فكان قوله: " وهي اللفظ " إلى آخره تعريفا
له، كما صرح به غيره " وأنكر عليه ذلك في مجمع البرهان، وقال: " ليست هي
الاقرار بل هو الاخبار والتلفظ بها الذي هو مدلولها كما قال المصنف هنا وفي
التذكرة وغيرها، نعم قد يطلق عليها الاقرار أيضا باعتبار تسمية الدال باسم
المدلول.
قلت: لا ريب في ظهور كلماتهم في أن الاقرار من مقولة الألفاظ وإن كان
من حيث مدلولها، لا أنه من المعاني المستقلة في نفسها التي مما يدل عليها الصيغة
المزبورة نحو الأمر والنهي، ضرورة عدم صدق الاقرار مع عدم التلفظ بالصيغة،
بخلاف الأمر الذي هو للطلب المدلول عليه بالصيغة أو غيرها.
بل لعل التأمل بالجيد في كلامهم يقتضي عدم صدق الاقرار على الإشارة الفعلية
الدالة على الاعتراف بالحق، لعدم صدق الاخبار عليها حقيقة وإن لحقها حكم
5

الاقرار، اللهم إلا أن يراد من الاخبار في كلامهم مطلق ما يفيد الاعلام بقول أو
فعل، إلا أنه كما ترى، وحينئذ فيراد من صيغة الاقرار إضافة البيان لا مثل
صيغة البيع الذي هو بمعنى النقل الحاصل بالصيغة وغيرها، ولعل هذا هو مراد ثاني
الشهيدين. وعلى كل حال فالأمر سهل.
نعم قال فيها: " وأراد بالواجب معناه اللغوي، وهو الثابت، فيخرج به
الاخبار عن حق مستقبل، فإنه ليس إقرارا وإنما هو وعد أو ما في معناه، وبهذا
يستغنى عما عبر به غيره من قوله: " عن حق سابق " وتناوله للحق المؤجل أظهر
من تناول السابق له، لأنه أمر ثابت الآن وإن كان استحقاق المطالبة به مستقبلا
ويمكن اندراجه في السابق أيضا من حيث إن أصل الحق سابق وإنما المستقبل
المطالبة به، وتأخر استحقاق المطالبة أمر خارج عن الاقرار، لأنه عبارة عن التأجيل،
وذكره في الاقرار بالحق ليس إقرارا، وإنما هو دفع لما لزم من الاخبار بأصل
الحق، ومن ثم يقبل الاقرار بالحق لا بالأجل، كما سيأتي " وقد سبقه إلى ذلك
الكركي في جامعه.
لكن في مجمع البرهان " في عدم كون الاقرار إلا بحق سابق تأمل، فإن
ذلك غير منقول من الشارع، بل مجرد اصطلاح نجده في بعض كتب الأصحاب،
بل الذي يفهم من ظاهره أعم من ذلك، ولذلك تراهم يطلقونه على غير ذلك أيضا
وهو ظاهر، إلا أنه يمكن أن يقال: الأصل براءة الذمة وعدم لزوم شئ، والذي
علم كونه اقرارا يلزم به ذلك، وغيره لم يعلم بل ولا يظن بحيث يكون معتبرا
ومخرجا للأصل عن أصله، فيبقى تحت النفي، فتأمل. فالمعلق بمنزلة وعد بلزوم
شئ له بشرط كذا، ولا دليل على لزومه إذ الأصحاب لم يقولوا بوجوب الوفاء
بالوعد على ما يظهر وإن كان ظاهر بعض الآيات (1) والأخبار (2) وجوب
الوفاء بالوعد، إلا أن في كون ذلك وعدا صريحا أيضا تأملا، ودخوله

(1) سورة التوبة: 9 - الآية 77.
(2) الوسائل الباب - 109 - من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
6

" تحت المسلمون " (1) غير ظاهر، وبالجملة الأصل دليل قوي، والخروج عنه
يحتاج إلى دليل أقوى ".
قلت: لا يمكن انكار صدق الاقرار على الحقوق المعلقة بنذر أو عهد أو يمين
على شئ متوقع أو معلوم الحصول، فإذا أقر مثلا أن لزيد عليه مائة درهم إذا
عوفي مريضه بنذر أو عهد أو يمين أو إذا جاء شهر كذا ونحو ذلك مما هو ليس
كالمؤجل بل أصل الاستحقاق متوقف على أمر مستقبل لوقوعه بسبب تقبل ذلك كان
إقرارا، وإنكار صدق الاقرار عليه أو عدم جريان حكمه عليه من المنكرات التي
لا تسمع من مدعيها، اللهم إلا أن يقال إنه حق سابق باعتبار تقدم السبب
أو قصده على استحقاق المقر له ولو على وجه الشرط، إلا أن ذلك
كما ترى.
نعم من هذا وغيره يظهر أن مرادهم في التعريف التمييز في الجملة لا مطلق
الاقرار، بل صريح كلماتهم تحقق الاقرار بمضمون " له علي " ونحوه، ومما يؤيد
ذلك تسالمهم في سائر أبواب الفقه في النكاح وغيره على إجراء حكم الاقرار على
كل من المدعي والمنكر، وأن كلا منهما يؤخذ باقراره، ولا ريب في عدم صدق
الاقرار بحق سابق على مثل إنكار الزوج أو الزوجة الزوجية، ولا على مثل إنكار
البائع المبيع أو المشتري الشراء، ولا على مثل اعتراف الحاكم مثلا بانشاء الحكومة
لزيد على عمرو، ونحو ذلك مما لا ينكر عدم صدق كونه إخبارا بحق سابق لازم
على المقر للمقر له، مع أنه إقرار قطعا، فيعلم من ذلك كله أنه ليس المراد من هذا
التعريف الطرد والعكس، بل إنما هو تعريف لبعض أفراد الاقرار.
بل من ذلك يظهر لك زيادة قوة لما ذكرناه من أن ايكال الاقرار إلى
العرف أولى من التعرض لتحديده، فإنه الذي يميز بين أفراده، حتى أنه في القضية
الواحدة يجعل قائلها مدعيا من جهة ومقرا من جهة أخرى، ولعل ما ذكره في
الصحاح من أن الاقرار الاعتراف أولى من هذه التعاريف، فتأمل جيدا، فإنه

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب المكاتبة.
7

تحقيق نافع، والله العالم.
* (و) * كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه * (يصح الاقرار بغير العربية) *
من العربي وغيره، بل الاجماع بقسميه عليه، لتناول الاقرار للجميع، بل عن
المفاتيح الاجماع على ذلك * (اضطرارا أو اختيارا) * بخلاف العقد والايقاع، نعم يعتبر
العلم بالوضع، فلو لم يعلم العربي مثلا مؤدي اللفظ لم يقع قطعا، بل لو ادعى
عدم العلم وكان ذلك ممكنا في حقه قبل عملا بالظاهر وأصالة عدم تجدد علمه بغير
لغته، ولا فرق بعد دلالة اللفظ على ما يفيد الاقرار بين كونه على القانون العربي
مادة وهيئة أو لا ضرورة كون المدار على حصول مسمى الاقرار المعلوم عدم اعتبار
ذلك فيه، بخلاف العقود والايقاعات التي هي أسباب لحصول مسبباتها لا كواشف
عن أسباب، كالاقرار الذي هو إخبار عن حصول السبب، فيكفي فيه ما يكفي في
الاخبار من غير فرق في ذلك بين الحقيقة اللغوية والعرفية والمجاز، ضرورة كون
المدار على اللفظ الدال بنفسه أو بقرينة على ما يفيد الاقرار
* (و) * من الغريب دعوى بعض الناس ظهور كلمات الأصحاب في اشتراط كون
صيغة الاقرار حقيقة عرفا أو لغة.
نعم لا خلاف بينهم في اشتراط التنجيز لما فيه من كونه إخبارا عن حق ثابت،
وهو لا يقبل التعليق المقتضي لعدم وقوع المعلق قبل وقوع المعلق عليه. ف‍ * (لو
قال: لك علي كذا إن شئت أو إن شئت) * بضم التاء أو فتحها * (لم يكن إقرارا
وكذا لو قال: إن قدم زيد، وكذا إن رضي فلان أو إن شهد) * أو نحو ذلك
لاشتراك الجميع في التعليق المنافي للاخبار وإن كان على صفة يتحقق وقوعها،
وليس هذا نحو الاقرار بما ينافيه الذي يؤخذ ببعضه ويترك الآخر، ضرورة
كون الشرط والجزاء كلاما واحدا، لكون الحكم بينهما لا في كل واحد منهما،
ولا في الجزاء فقط والشرط حرف كما عن بعض أهل العربية.
كما أنه لا يخفى عليك الفرق بين المقام وبين ما ذكرناه سابقا من الاقرار
بالحق المستقبل المعلق على شئ، فإنه ليس إقرارا مطلقا، بل هو إقرار بالحق
8

المعلق بمقتضى السبب المتعلق به، كما هو واضح.
* (ولو قال: إن شهد لك فلان فهو صادق لزمه الاقرار في الحال، لأنه
إذا صدق لزمه (وجب خ ل) الحق وإن لم يشهد) * كما هو خيرة الشيخ في المحكي
عن مبسوطه، وابن سعيد في المحكي عن جامعه، وخيرة الفاضل في جملة من كتبه،
بل عن فخر الاسلام عن والده نسبته إلى الأصحاب وإن كنا لم نتحققه لغير من عرفت،
ووجهه ما أشار إليه المصنف من أنه إذا صدق على تقدير الشهادة لزمه الحق،
لوجوب مطابقة الخبر الصادق لمخبره في الواقع، فيكون في ذمته على ذلك التقدير،
ومن المعلوم أنه لا دخل للشهادة في ثبوت المقر به في الذمة في نفس الأمر، فيثبت
حينئذ مطلقا، إذ الصدق مطابقة نسبة الخبر للنسبة الخارجية، فلا بد من تحقق
النسبة الخارجية في تحقق الصدق على تقدير الشهادة.
وبالجملة الشهادة ليست سببا محصلا، بل السبب المقتضي لشغل الذمة أمر
آخر من بيع أو قرض أو نحوهما، فإذا حكم بالصدق على تقدير الشهادة فقد حكم
بثبوت سبب يقتضي شغل الذمة، ومع ثبوته يجب الحكم على تقدير الشهادة وعدمه،
لما عرفت من أن المقتضي للشغل غير الشهادة.
وأيضا المال إما أن يكون ثابتا في ذمته أو لا، والثاني باطل لاستلزامه كذب
الشاهد على تقدير الشهادة، لأنه خبر غير مطابق، لكنه حكم بصدقه على تقديرها،
فيكون مخالفا للفرض، فيتعين الأول، وأيضا يصدق " كلما لم يكن المال ثابتا في
ذمته لم يكن صادقا على تقدير الشهادة " وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا: " كلما
كان صادقا على تقدير الشهادة كان المال في ذمته " لكن المقدم حق لاقراره، فإنه
حكم بصدقه على تقدير الشهادة فالتالي مثله، إلى غير ذلك مما قرر في وجه
الحكم المزبور.
فما في غاية المراد - من توقف الطلبة فيه باعتبار أن استثناء نقيض المقدم
ينتج نقيض التالي، فيكون التقدير " لكنه لم يشهد فلا يكون صادقا " - واضح
9

الفساد بعد ما عرفت من توجيهه، ولذا قال فيها بعد أن حكى ذلك عنهم: " وهو
خطأ، لأنه عقيم ".
وكذلك ما في حاشية الكركي على الكتاب من أنه " خفي وجه هذه المسألة
على كثير من الطلبة نظرا إلى أن الاستثناء هل هو لعين المقدم أو لنقيض التالي؟
ثم كيف يلزم المال المعلق لزومه على شهادة لم تحصل!؟ " ضرورة أنه لا وقع لشئ
من ذلك بعد الإحاطة بما ذكرناه.
نعم أشكله في غاية المراد بأن تعليق الصدق على شهادته يوجب توقفه عليها،
لضرورة التعلق، وشهادته وإن كانت ممكنة في نفس الأمر فإنها قد تكون ممتنعة
بالنظر إلى المقر، والمعلق على الممتنع ممتنع، وبأن التعليق مبطل للاقرار وإن كان
المعلق عليه ممكنا، لأن الواجب لا يقبل التعليق، ولو كان لامكان الشهادة مدخل في
الثبوت لم يكن فرق بين التعليقات مع كونها ممكنة، ولأن لفظة " فهو صادق " في
قوة " فله علي " وهذه العبارة لا تلزم، فكذا الأخرى
وتبعه عليه الكركي وثاني الشهيدين وغيرهما، لظهور كون المراد من
مثل هذه العبارة في محاورات الناس أنه من الممتنع شهادة الشخص المزبور، لامتناع
الكذب عليه، لا أن المراد الاعتراف بصدقه على تقدير الشهادة، نحو قول أحدهم:
" إن شهد فلان أني لست لأبي فهو صادق " ولا يريد إلا ما سمعته، للقطع بعدم
تصديقه على كونه ليس لأبيه.
بل في المسالك " لا يخرج بذلك عن التعليق، بل هو أدنى مرتبة منه، فإنه
إذا قال: " له علي كذا إن شهد به فلان " لا يكون إقرارا اتفاقا، مع أنه
صريح في الاعتراف بالحق على تقدير الشهادة والاقرار في مسألة النزاع إنما جاء
من قبل الالتزام، فلأن لا يكون إقرار أولى، وما ذكر في توجيه الاقرار وارد في
جميع التعليقات، فإنه يقال: ثبوت الحق على تقدير ثبوت الشرط يسلتزم ثبوته
الآن، إذ لا مدخل للشرط في ثبوته في نفس الأمر " إلى آخر ما قيل في الدليل،
وإن كان هو كما ترى، ضرورة أن التعليق في مسألة النزاع بيان لحكم الشهادة
10

على تقديرها، بخلاف غيرها الذي هو تعليق محض.
فالعمدة حينئذ في الاشكال عدم ظهور العبارة المزبورة في إرادة الاقرار على الوجه
المزبور، بل لعل الظاهر منها خلاف ذلك، ولا أقل من الشك والأصل براءة
الذمة، خصوصا بعد ما في مجمع البرهان من احتمال أن القائل المزبور لم يعرف
صحة ما ادعى عليه وعدمها، فيقول: أنا أعرف صدق هذا الشخص، فإن شهد فهو
صادق وإن أعطى المدعى لامكان لزومه لي حينئذ من غير شعور لي بسبب جناية من
غير اختيار أو استقراض وكيلي أو نحو ذلك، واحتمال كون المراد ثبوت ذلك في ذمته
قبل شهادته، ولم يكن حين الاقرار، فيكون الشهادة بعد ذلك صدقا وحقا،
فلا يدل على ثبوت الحق قبل الاقرار، بل قبل الشهادة، فإن الصدق يستدعي ثبوت
ما يشهد به قبلها لا قبل الاقرار، ويكون إقراره بالصدق حينئذ لمعرفته بصدقه
بعدها لا لعلمه بوقوع المخبر به في نفس الأمر، نحو ما يقول من لا يعلم بشئ في
ذمته: " إنه لو قال المعصوم بأن ذمتك مشغولة فهو صادق " وليس هذا إقرارا بالعلم
بما يقوله قبل قوله، بل لا علم له بذلك إلا من قوله، فلو لم يقل لم يلزمه القول
به، ولا قبله على تقدير القول.
ولعله لذا قال الفاضل في المحكي عن تذكرته بعد أن بالغ في ترجيح ما
سمعته من الشيخ: " حتى لو قال زيد الذي علق الصدق على شهادته: لا أشهد وأن
المدعي كاذب أو أني أشهد ببراءته، والأقرب أنه إن ادعى عدم علمه بما قال وأن
المقر له لا يستحق في ذمته شيئا وأنه توهم أن فلانا لا يشهد فإن كان مما يخفى عليه
ذلك قبل قوله، وحمل على التعليق، وكان لغوا " وإلى ذلك أشار فخر الاسلام
فيما حكاه عن والده " أن المقر إن كان عارفا بهذه الملازمة العقلية لزمة الاقرار
وإلا فلا - ثم قال -: وهو الأصح عندي ".
قلت: لا يخفى عليك مقامات هذه العبارة، فقد تصدر ممن يريد الالتزام
بالحق والاعتراف به، فيقول: إن شهد على ذلك فهو صادق، أي لأن الواقع كما
11

شهد، فهو في الحقيقة بمنزلة أن يقول لمن شهد عليه فعلا: " هو صادق " كما
اعترف به في المسالك في أول كلامه، وبمنزلة من كان مطلعا مثلا على قيام زيد،
فيقول: " كل من يخبر بقيامه فهو صادق " وإن أخبر به زيد فهو صادق
ونحو ذلك.
وقد تصدر هذه العبارة ممن يعلم ببراءة ذمته وأنه لا يقبل فيها شهادة شاهد
ولا خبر مخبر. فيريد من هذا التركيب شبه التعليق على محال، وهذا المقام غالبا
يجري بين المتخاصمين.
وقد تصدر من الشاك فيريد بها بيان أني أعلم صدق ذلك بشهادة زيد،
وغير ذلك من المقامات التي لا تخفى على من له أدنى خبرة بالمحاورات.
نعم قد يقال إنها مع قطع النظر من سائر المقامات تستلزم الاقرار بالحق
باعتبار ظهور الحكم بالصدق في معلومية الواقع لديه، وهو لا يختلف بالشهادة وعدمها،
وحينئذ يكون التعليق فيها بمعنى أنه إن شهد كان متصفا بالصدق وإن لم يشهد به
لم يكن متصفا به، ضرورة تبعية الصدق للاخبار بالواقع لا للواقع نفسه وإن لم
يخبر به، وحينئذ فالواقع واقع لا يتغير بشهادته وعدمها، ولكن الاتصاف بالصدق
يدور مدار الشهادة وعدمها، فمن الغريب إطناب ثاني الشهيدين تبعا للشهيد في
أن المقام كباقي صور التعليق.
وأغرب منه دعوى إرادة التعليق على المحال من هذا التركيب على كل حال
ومثله دعوى احتمالها كذلك لمحتملات متعددة، ضرورة أنه لا ينكر ظهور الحكم
بالصدق لمن أخبر به فعلا أو لمن يقدر إخباره به في اطلاع الحاكم إلى الواقع
وانكشافه لديه، ولذا حكم بصدق من يخبر به.
ومن ذلك كله يظهر لك الوجه فيما ذكره الشيخ والمصنف من الفرق بين
تعليق الاقرار على شهادة زيد مثلا وبين تعليق الوصف بالصدق، وأن الثاني من
لوازمه الاقرار بالحق بخلاف الأول، بل ويظهر لك ما في كثير من الكلمات في المقام
12

التي ذكرناها وغيرها، فتأمل جيدا.
ومما ذكرنا قد ظهر لك عدم الفرق بين العبارة المزبورة وبين قوله: " إن
شهد علي شاهد بذلك فهو صادق " بل في القواعد والمسالك أن مثله " فهو صحيح "
أو " حق " وهو كذلك بناء على إرادة ما يساوي الصدق منه نعم لو قال: " إن شهد
لك صدقته " أو " لزمني " أو " أديته " لم يكن مقرا، لعدم الملازمة بين التصديق
والحكم بالصدق الذي هو إخبار عن الواقع وما في نفس الأمر لأن الكذب والصدق
بحسب نفس الأمر ونحوه قوله: " لزمني " بعد معلومية عدم لزوم الحق بشهادة
الواحد، فالمراد منه الوعد بالتزام الأداء وأصرح منهما في الوعد قوله: " أديته "
كما هو واضح، بل وكذا لو قال: " فهو عدل " أو نحو ذلك مما لا ظهور فيه في
الاعتراف بكون الواقع كما يشهد.
* (و) * كيف كان خلاف بل ولا إشكال في أن * (إطلاق الاقرار
بالموزون) * من أهل بلد مخصوص * (ينصرف إلى ميزان) * تلك * (البلد) *
إذ كان فيها، لأن ألفاظ الاقرار كغيرها في الحمل على المتعارف إن كان، وإلا
فعلى اللغة. * (وكذلك) * الكلام في * (المكيل) *.
بل * (وكذا إطلاق) * النقدين من * (الذهب والفضة فينصرف إلى النقد
الغالب) * من المشكوك * (في بلد الاقرار) * إذا كان المقر من أهله، من غير
فرق بين المغشوش وغيره والناقص وغيره. وأما لو قال: " له عندي وزن درهم فضة "
أو " مثقال ذهب " فلا يجب حمله على النقد الغالب، وهو المسكوك، بل يعتبر فيه
مصداقهما ولو من غير المضروب.
بل في المسالك " ويفارق النقد الغالب أيضا في أنه يعتبر خلوصه من الغش،
بخلاف النقد، فإنه يحمل على المتعارف وإن كان مغشوشا، لأن ذلك هو المفهوم
منهما ".
وفيه ما لا يخفى من عدم اعتبار ذلك فيه أيضا إذا كان المغشوش متعارفا في
تلك البلد، نحو ما يأتي من ذهب أهل الجزية، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع
13

من وجوب حمل اللفظ على المفهوم منه عرفا وإلا فلغة.
نعم قد يظهر من المصنف اعتبار بلد الاقرار وإن تعارف في بلد المقر غيره،
وفيه منع، بل الظاهر اعتبار بلد المقر كما عن جماعة التصريح به وإن أقر في
بلد تعارف فيها غير ما في بلده إلا مع القرائن.
* (ولو كان نقدان غالبان أو وزنان مختلفان وهما في الاستعمال سواء رجع
في التعيين إلى المقر) * بلا خلاف أجده فيه وإن عين في الناقص لأصالة
البراءة من الزائد، ولو تعذر الرجوع إليه حمل على الأقل، لأنه
المتيقن.
وظاهر تقييد المصنف وغيره بالسواء يقتضي أنه لو كان بعض النقد أو الوزن
غالبا في المعاملة حمل الاطلاق عليه، كما صرح به بعضهم أيضا، وفيه منع واضح
إذا لم تكن الغلبة في الاستعمال تورث ظنا بالمراد من الاطلاق على وجه يكون
هو المفهوم منه عرفا.
نعم لا إشكال في اعتبار التعدد في الرجوع إليه في التعيين، ضرورة انسياق
المتعارف من اللفظ مع الاتحاد، ولكن في مجمع البرهان " لا يبعد القبول أيضا،
لأنه يمكن أن يريد غير المتعارف في البلد وإن كان خلاف الظاهر " وفيه ما لا يخفى
مع التعيين منفصلا، لكونه منافيا لما ثبت عليه بظاهر اللفظ الذي هو حجة شرعية،
فهو حينئذ كالانكار بعد الاقرار، وستسمع تمام الكلام في ذلك عند تعرض المصنف
له في القصد الثاني، والله العالم.
* (ولو قال: له علي درهم) * لزمه درهم واحد وإن كرر إلى المأة مثلا،
بلا خلاف ولا إشكال، لاحتمال إرادة التأكيد احتمالا مساويا لعدمه أو راجحا،
والأصل براءة الذمة.
نعم لو قال: * (ودرهم لزمه اثنان) * بلا خلاف، بل في المسالك ظاهرهم
الاتفاق عليه، لأن المعطف يقتضي المغايرة، فلا يحتمل التأكيد، واحتمال عدم
14

معرفته بالقانون العربي أو إرادة درهم آخر لزيد ونحوه لا يلتفت إليه بعد تبادر
التعدد إلى الذهن، فلا يلتفت إلى الاحتمال البعيد. * (وكذا) * الكلام فتوى
ودليلا لو قال: * (ثم درهم) *
بل في المتن والتحرير والدروس والمسالك ومحكي المبسوط وتعليق
الإرشاد، * (أو قال: درهم فدرهم) * لمساواته للأولين في العطف المقتضي للمغايرة
وعدم التأكيد، وأما احتمال " فدرهم لازم لي " ونحوه لمجئ الفاء غير عاطفة
فبعيد لا ينافي الحكم بالظاهر، خلافا للفاضل في قواعده وإرشاده وولده في المحكي
من شرحه له، فلا يلزمه إلا واحد.
بل عن المبسوط " أنه لا خلاف فيه، لمجيئ الفاء غير عاطفة، والأصل براءة
الذمة " وفيه أن الأحمال لا ينافي الظهور الذي هو مدار الحكم، وإلا لجرى
نحوه في الصورتين الأولتين اللتين وافق فيهما الخصم، ضرورة إمكان مثل هذا
الاحتمال باضمار ونحوه فيهما، هذا.
ولكن في المسالك تبعا لما عن التحرير والدروس " أنه قال: " أردت فدرهم
لازم لي " اتجه قبول قوله بيمينه لو خالفه المقر له " بل ربما جعل بعض الناس
هذا جمعا بين الكلمة، فيحتمل كلام المصنف على ما إذا لم يقل ذلك، وكلام الفاضل
على ما إذا قال.
وفيه منع القبول مع فرض انفصال القول وتبادر التعدد من اللفظ المزبور،
لأنه من تعقيب الاقرار بما ينافيه ولو من حيث الظهور المزبور، وإلا لم يحكم
بالدرهمين وإن لم يقل، لأصالة البراءة، وفرض تساوي احتمال العطف وغيره،
وربما تسمع لذلك زيادة تحقيق إنشاء الله.
ولو قال: " درهم ودرهمان " لزمه ثلاثة، لامتناع التأكيد وبعد احتمال
غير العطف، وكذا لو قال: " درهم ودرهم ودرهم " لزمه ثلاثة، بل كل ما زاد
زاد، لما عرفته من ظهور العطف.
لكن في القواعد والإرشاد وغيرهما أنه لو قال: " أردت بالثالث تأكيد الثاني "
15

قبل ولو قال: أردت تأكيد الأول ولم يقبل، ولعله لصلاحية تأكيد الثاني بالثالث
لفظا بتكرر حرف العطف، بخلاف الأول الخالي منه، فلا يصلح الثالث المشتمل عليه
تأكيدا له لفظا فضلا عن عدم صلاحيته له معنى ".
لكن قد يناقش بنحو ما سمعته من منافاة القول المزبور للظهور مع فرض
الانفصال، فلا يسمع وإلا لم يحكم بالثلاثة وإن لم يقل، لأصالة البراءة مع فرض
تساوي الاحتمال.
وكذا تجب الثلاثة لو قال: " درهم ودرهم ثم درهم " أو " درهم ثم درهم
ودرهم " لامتناع احتمال التأكيد اللفظي، بل عن التحرير والدروس " وكذا
درهم ودرهم فدرهم " وهو كذلك بناء على عدم الاعتداد باحتمال مجيئها لغير العطف،
هذا كله إذا عبر بما سمعت من التعبير المزبور.
* (أما لو قال:) * له علي درهم * (فوق درهم) * أو تحت درهم أو فوقه
درهم أو تحته درهم * (أو مع درهم) * أو معه درهم لزمه درهم واحد بلا خلاف
أجده فيه، بل لم يحك عن أحد منا التعبير بما لا يقتضي الجزم بذلك إلا الفاضل في
محكي التذكرة، فعبر بالأقرب، ولعله لأن الأصل براءة الذمة بعد تساوي احتمال
إرادة الاقرار بالزائد، واحتمال إرادة درهم لي أو فوقه في الجودة وتحته في الرداءة،
بل في المتن والدروس لو قال ذلك * (أو) * قال: * (قبل درهم أو بعده لزمه درهم
واحد.) * بل في محكي المبسوط أنه أقوى، كالمسالك وجامع المقاصد أنه أصح،
ولعله * (لاحتمال) * إرادة له درهم قبل وجوب درهم لعمرو، أو مضروب قبل
درهم احتمالا مساويا لاحتمال إرادة الاقرار، فهو حينئذ كاحتمال * (أن يكون
أراد) * في المثال السابق * (مع درهم لي) * والأصل براءة الذمة * (فيقتصر
على المتيقن) *.
خلافا للفاضل في القواعد، فقال: يلزمه درهمان، ولعله لأن القبلية والبعدية
يرجعان إلى الزمان، ولا يتصف بهما نفس الدرهم، فلا بد من رجوع التقدم والتأخر
16

إلى المقر، وليس ذلك إلا الوجوب عليه.
وأجيب بأنهما كما يكونان بالزمان يكونان بالمزية والرتبة ونحوهما،
بل لو سلم اختصاصهما بالزمان جاز رجوعهما إلى غير الوجوب، بأن
يريد درهم مضروب قبل درهم وما أشبهه، بل لو سلم إرادة الوجوب فيهما
جاز إرادته بالنسبة إلى غير المقر بأن يريد لزيد درهم قبل وجوب درهم لعمرو
ونحوه.
والمناقشة بأنه لو سمع هذه الاحتمالات لسمعت في نحو " له علي درهم
ودرهم " الذي قد عرفت الاتفاق على لزوم درهمين يدفعها وضوح الفرق بينهما
باعتبار كونها خلاف المعنى الحقيقي فيه، دون مثال القبلية والبعدية الذي لا يدل
على المدعى بطريق الحقيقة، بل قد يمنع عدم اتصاف الدرهم بهما مع معلومية
كون الظرف إذا وقع بعد نكرة كان صفة، من غير فرق بين ظرف الزمان والمكان،
وكون المتعلق في ظرف الزمان هنا كونا خاصا لا يقتضي كون المتعلق وجوب
درهم آخر له على المقر.
قلت: هذا خلاصة ما ذكروه في المقام، لكن الانصاف ظهور شغل الذمة
بدرهمين لو قال: " له علي درهم قبله درهم " أو " بعده درهم " والثلاثة لو قال:
" قبله درهم وبعده درهم " بل قد يقال: بلزوم الدرهمين في نحو " فوقه درهم " أو
" مع درهم " أو " معه درهم " وإن قلنا لا خلاف بينهم في لزوم درهم واحد، إذ لعله
لاختلاف عرف وقتهم وما نحن فيه من العرف، ضرورة دوران المسألة على ذلك، إذ
لا نصيب فيها للتعبد
* (و) * كيف كان ف‍ * (كذ) * لك يلزمه درهم واحد * (لو قال:) * له علي
* (درهم في عشرة و) * قد علم منه أنه * (لم يرد الضرب) * بذلك وإنما يريد الظرفية
للدرهم الواحد بلا إشكال ولا خلاف، كما أنه لا إشكال ولا خلاف في لزوم العشرة إذا
علم منه إرادة الاقرار بما يقتضيه الضرب.
إنما الكلام في صورة الاطلاق، والظاهر لزوم درهم واحد لأنه المتيقن،
17

والأصل براءة الذمة، ولا ظهور في العبارة يترجح به أحد الاحتمالين، بل ربما
احتمل فيه ثالث، وهو إرادة معنى " مع " من " في " نحو قوله تعالى (1):
" ادخلوا في أمم " فيلزمه حينئذ أحد عشر، وحينئذ يكون المثال كالمشترك الذي
يرجع فيه إلى المقر في التعيين، ويقبل منه بغير يمين إذا لم يدع عليه إرادة
خلافه، وإلا حلف، ومع تعذره يؤخذ بالأقل الذي هو المتيقن على كل حال
وينفي الزائد بأصل البراءة.
* (ولو قال غصبته ثوبا في منديل أو حنطة في سفينة أو ثيابا في عيبة) *
أو زيتا في جرة أو تمرا في جراب * (لم يدخل الظرف في الاقرار) * لاحتمال
إرادة " لي " في الجميع، وكذا الاقرار بالظرف لا يقتضي الاقرار بالمظروف،
فلو قال: " له عندي غمد فيه سيف " أو " جرة فيها زيت " أو " جراب فيه تمر "
أو " سفينة فيها طعام " لم يكن إقرارا بالمظروف، لاحتمال " لي " أيضا والوصفية
لا يقتضي الاستحقاق على هذا الوصف، إذ لا تنافي بين الاقرار بالموصوف مع التصريح
بكون الوصف له، وكذا لو قال: " غصبته فرسا عليها سرج " أو " حمارا
على ظهره لحاف " أو " له زمام " أو " دابة مسرجة " أو " دارا مفروشة "
أو نحو ذلك.
نعم لو قال: " دابة بسرجها " و " دارا بفراشها " دخل، لظهور الباء في
ذلك. وكذا لو قال: " ثوبا مطرزا " لأن الطراز كالجزء منه، مع احتمال العدم
إذا كان الطراز يصنع بعد النسج.
ولو قال: " غصبته فصا في خاتم " كان إقرارا بالفص، أما لو قال: " خاتما
فيه فص " ففي المسالك " في كونه إقرارا بالفص وجهان، أظهرهما العدم، لاحتمال
أن يريد فيه فص لي " وفيه أن المنساق في عرفنا دخوله، على أنه كالجزء منه حتى
أنه لو باعه دخل فيه، فهو حينئذ كما لو قال: " له هذا الخاتم " وكان فيه فص،

(1) سورة الأعراف: 7 - الآية 38
18

فلا يقبل منه منفصلا استثناء الفص.
بل في القواعد " لو قال: له خاتم وجاء به وفيه فص واستثناء فإن الظاهر
عدم قبوله " وإن كان قد يناقش بأن الاقرار بالخاتم المطلق لا يقتضي الاقرار بأن
فيه فصا، ضرورة صدقه بدونه، ولعله لذا كان المحكي عن الفخر والمقدس صحة
الاستثناء، وعن الكركي أنه لا يخلو من قوة.
ولو قال: " له عندي جارية " فجاء بها وهي حامل صح استثناء الحمل لعدم
اندراجه في الاقرار السابق حتى يكون منافيا، بل عن التذكرة الحمل عندنا
لا يدخل في الاقرار ولا في البيع.
بل ذكروا في كتاب القضاء أنه لا يسمع دعوى " هذه بنت أمتي " لجواز
ولادتها في غير ملكه، بل ولو قال مع ذلك: " ولدتها في ملكي " لاحتمال الحرية
أو تملك غيره لها، بل لو أقر بأنها بنت أمة فلان لم يلزمه شئ بمجرد ذلك،
وأنه لو فسره بما ينافي الملك قبل منه، لكن مع هذا كله ذكر صحة الاستثناء
في القواعد احتمالا، بل عن التحرير والإرشاد والإيضاح الاشكال في ذلك، ولعله
لأن الحمل نماؤها فيتبعها، وفيه أنه لا يقتضي التبعية في الاقرار، كما هو واضح،
والله العالم.
وكيف كان فلا يدخل الظرف في الاقرار بالمظروف ولا بالعكس، فيصح
استثناؤه حينئذ منفصلا خلافا للمحكي عن أبي حنيفة، فحكم بدخول كل من
الظرف والمظروف في الآخر، وكذا البواقي، وعن أبي علي منا كل ما لا يوجد بغير
ظرف كالسمن فالاقرار به إقرار بظرفه، وهما معا كما ترى.
* (ولو قال: له) * عندي * (عبد عليه عمامة) * ففي المتن وغيره * (كان
إقرارا بهما، لأن له أهلية الامساك) * فتكون له يد على ملبوسه مثلا، وما في يده
لسيده، فإذا أقر بالعبد كان ما في يده لسيده
* (وليس كذلك لو قال: دابة عليها سرج) * لعدم اليد للدابة على ما عليها
وإن حكي عن بعض الأصحاب إلا أنه كما ترى. ومن هنا لو جاء بعبد عليه عمامة
19

وقال: " هذا العبد لزيد " كانت العمامة له أيضا، ولو جاء بدابة عليها سرج وقال:
" هذه الدابة لزيد " لم يكن السرج له.
لكن قد يناقش بأن دخول ما على العبد حينئذ من جهة اليد لا من جهة
الاقرار، ومع ذلك فالسيد المقر له لا يد له على العبد، وإنما اليد عليه للمقر
فإذا أقر ببعض ما تحت يده لا يسري الاقرار لغيره، بل في المسالك " هذا كله
أوجه ".
ومما ذكر يظهر لك ما في تردد الفاضل في القواعد في دخول السرج والفراش
لو قال: " دابة مسرجة " و " دار مفروشة " لأنها إذا سلمها بغير الوصف لم تكن
المقر بها، فهي كما لو قال: " عبد عليه عمامة " إذ قد عرفت أنه لا منافاة بين التصريح
بكون الوصف له وكون الموصوف للمقر له، اللهم إلا أن يدعى فهم العرف مع
عدم التصريح بتبعية الاقرار بالصفة للاقرار بالموصوف.
ولعل جعل المدار على العرف في جميع ما تقدم أولى من الاطناب حتى
فيما حكوا الاتفاق عليه، ضرورة معلومية عدم التعبد في أمثال هذه المسائل، وهو
مختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والأحوال.
ولعل من ذلك " له علي ألف في هذا الكيس " ولم يكن في الكيس شئ،
فإنه يلزمه الألف، لأن " علي " يقتضي ذلك، ولا أثر لقوله: " في هذا الكيس "
المقتضي لرفع الاقرار، بل الظاهر وجوب الاتمام لو كان ناقصا.
بل الظاهر ذلك حتى لو قال: " الألف الذي في الكيس " وإن جزم في القواعد
ومحكي التحرير بعدم إلزامه بالاتمام، وفيهما أيضا أنه لو لم يكن فيه شئ ففي
لزوم الألف وجهان.
لكن قد يقال: إن قوله " علي " ينافي ذلك كله، فيؤخذ به ولا يلتفت إلى
غيره مما ينافيه، كما عن التذكرة، وأولى من ذلك الرجوع فيه إلى العرف، ومع
الشك فالأصل البراءة.
20

ولعله إلى ما أشرنا من الرجوع إلى العرف مبني النصوص فيمن أوصى بصندوق
وفيه مال، فقال الورثة: إنما لك الصندوق، فقال الصادق عليه السلام: " الصندوق وما فيه
له " (1) وفيمن أوصى لرجل بسيف وكان في جفن وعليه حلية، فقال الورثة:
إنما لك النصل، فقال الرضا عليه السلام: " لا بل السيف بما فيه له " (2) وفيمن أوصى
بالسفينة ولم يسم ما فيها وفيها طعام، فقال الصادق عليه السلام: " هي للذي أوصى له بها،
إلا أن يكون متهما، وليس للورثة شئ " (3) والله العالم.
* (و) * لو عطف ببل فإن كانا مطلقين مختلفين أو معينين لم يقبل إضرابه،
وألزم بهما، لعموم " إقرار العقلاء " (4) وقاعدة عدم سماع الانكار بعد الاقرار
بعد أن كان كل منهما غير الآخر ولا يدخل فيه. ف‍ * (لو قال: له) * علي * (قفيز
حنطة) * مثلا * (بل قفيز شعير لزمه القفيزان وكذا لو قال: له هذا الثوب بل هذا
الثوب) * أو هذا الدرهم بل هذا الدرهم بلا خلاف أجده بين من تعرض له كالشيخ
والحلي والفاضلين والشهيدين والكركي وغيرهم.
نعم عن أبي علي أنه أوجب ما بعد (ها خ) بل في المختلفين دون ما قبلها، وكأنه
مال إليه بعض متأخري المتأخرين، ولعله لمعلومية كونها للاضراب من غير نكير،
ولأن الانسان قد يسهو وقد يغلط فيستدرك ببل، مضافا إلى أصل البراءة.
ودعوى انسداد باب الاقرار بالأخذ بذلك لجريان نحو ذلك في أكثر
الاقرارات ممنوعة، ضرورة كون المدار على ما يقتضيه القانون العربي وتقتضيه
قاعدة عدم اعتبار معنى الكلام إلا بعد تمامه، كما في صحيح هشام (5) عن أبي

(1) الوسائل الباب - 58 - من كتاب الوصايا الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 57 - من كتاب الوصايا الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 59 - من كتاب الوصايا الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 4 - من أبواب آداب القاضي الحديث 3 من كتاب
القضاء
21

عبد الله عليه السلام قال: " كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يأخذ بأول الكلام دون آخره "
ودعوى تمامه قبل ذكر بل واضحة الفساد، ضرورة كون المراد من الكلام مجموع
ما يتكلم به المتكلم في ذلك الأمر، ولا بأس بالزام ذلك، حتى لو قال: " هذا الشئ
لزيد، بل لعمرو " فيحكم به حينئذ للأخير منهما مع اتصال الكلام وإن لم يحك
فيه خلاف فضلا عن التزامه في المعنيين اللذين هما في الحقيقة كالمختلفين باعتبار
التشخيص.
لكن مع ذلك كله قد يقال: بعدم صلاحية جميع ما سمعت، لمعارضة قاعدة
إقراء العقلاء وقاعدة سماع الانكار بعد الاقرار، خصوصا بعد عدم الخلاف في
العمل بهما في الفرض إلا ممن عرفت، وليس العطف ببل من مكملات الكلام ومتمماته
كالاستثناء ونحوه، نعم لو دلت قرائن الأحوال على صدور ذلك منه غلطا عمل عليه
وحكم بالثاني، كما هو واضح
* (أما) * لو كانا مطلقين وكان أحدهما أكثر لزمه الأكثر بلا خلاف أجده
فيه بيننا، بل ولا إشكال بناء على ما عرفت. ف‍ * (لو قال: له قفيز بل قفيزان
لزمه القفيزان حسب) * دون الثلاثة وإن حكى عن زفر وداود، لكنه واضح الضعف،
ضرورة ظهور اللفظ في إرادة دخول الأقل في الأكثر لا أقل من الشك، والأصل
براءة الذمة عما زاد عن الاثنين، وكذا لو عكس وقال " له قفيزان بل قفيز "
لدخول الأقل فيه على كل حال.
ولو قال: " له دينار بل ديناران بل ثلاثة " لزمه الثلاثة، وهكذا، ولو قال:
" دينار بل ديناران بل قفيز بل قفيزان " لزمه ديناران وقفيزان، ولو قال:
" دينار وديناران بل قفيز وقفيزان " لزمه ثلاثة دنانير وثلاثة أقفزة وهكذا،
لما عرفت.
* (و) * إن لم يكن أحدهما أكثر لم يلزمه إلا أحدهما ف‍ * (لو قال: له) *
علي * (درهم بل درهم لزمه واحد) * للأصل بعد احتمال إرادته من الثاني عين
22

الأول - بمعنى أنه أضرب ليستدرك، فذكر أنه ليس عليه إلا ذلك، فأعاد الأول ولم
يستدرك - احتمالا مساويا لإرادة درهم آخر غير الأول
لكن في قواعد الفاضل احتمال لزوم الاثنين، بل كأنه مال إليه الكركي في
جامعة، بل في الإيضاح هو الأصح، لأن " بل " للاستدراك والانكار والاعتراف،
وتواردهما على محل واحد محال، فتعين التغاير، والانكار لا يقبل.
ومحصله أن شرط صحة استعمال " بل " مغايرة ما قبلها لما بعدها، فكما
لا يصح أن يقال: " جاء رجل بل رجل " إلا بتأويل أن أحد الرجلين غير الآخر
فكذا لا يصح " له درهم بل درهم " إلا بتأويل أن الأول غير الآخر، وإلا كان
الاضراب لاغيا.
وفيه منع تعين التأويل المزبور على وجه يترتب عليه الحكم بالاقرار بهما،
لامكان التأويل الذي ذكرناه وإن خرجت به عن الاضراب، والأصل براءة الذمة،
بل ولو مع التزام غلطية هذا الاستعمال.
ولو كان أحدهما معينا والآخر مطلقا فإن اتحدوا قدرا ووصفا حمل المطلق
على المعين، سواء تقدم أو تأخر، كما لو قال: " له درهم بل هذا الدرهم " أو " هذا
الدرهم بل درهم " وإنما جمع بينهما لصدق المغايرة مع عدم المنافاة، إذ يصح أن
يقال: " له درهم " يحتمل كونه هذا وغيره، بل هو هذا الدرهم لكن يتعين الوصف
الزائد في أحدهما، وهو المتعين، فتعين المعين.
وإن اختلفا وكان المعين هو الأقل تعين إكمال المقر به بالمعين لزوما وبغيره
تخييرا، كما إذا قال: " له هذا القفيز بل قفيزان " فيلزمه المعين مع أحد ما شاء
منهما، ولو عكس فقال: " له قفيزان بل هذا القفيز " ففي المسالك " دخل المطلق
ولم يتغير حكم الأكثر " وفيه منع التفاوت بينهما بل قد يقال بعدم دخول المطلق
في جميع الصور، فيلزم بالمعين وبغيره مما هو مصداق للمطلق، بل يمكن دعوى
ظهور اللفظ في ذلك، مضافا إلى قاعدة الاضراب وغيرها، بل لعل هذا أولى مما
سمعته من الإيضاح في المطلقين.
23

نعم لو جمع بين المختلفين كمية وتعيينا كما لو قال: " له هذا القفيز من
الحنطة بل هذان القفيزان من الشعير " فأولى بعدم التداخل، ويلزمه الثلاثة، هذا
مع تقدم الاثبات على " بل ".
أما إذا تقدم النفي كما إذا قال: " ما له علي درهم بل درهمان " أو " ما له
هذا الدرهم بل هذا " أو " هذان " أو " ما له علي درهم بل درهم " فالمتقدم منفي
على أصله، والثابت ما بعد " بل " على أنه عطف بلكن لزمه ما بعدها، إذ لا يعطف
بها في الاقرار على وجه يكون ما بعدها إقرارا إلا بعد النفي، لوجوب مغايرة
ما قبلها لما بعدها نفيا وإثباتا، وإلا فقد يعطف بها بعد النهي لكن لا بحيث يكون
ما بعدها إقرارا، وعن بعض النحويين جواز العطف بها بعد الايجاب.
ولو قال: " له عشرة لا بل تسعة " لزمه عشرة بلا خلاف بين من تعرض له،
ولكن يأتي فيه احتمال لزومهما معا له.
* (ولو أقر لميت بمال) * صح بلا خلاف ولا إشكال * (و) * وجب دفعه
إلى وارثه، فلو * (قال، لا وارث له غير هذا ألزم التسليم إليه) * إن كان دينا بلا خلاف
ولا إشكال لعموم " إقرار العقلاء على أنفسهم " (1) مع عدم ضرر على الغير بعد
أن يظهر لكون المال في ذمته والمال المدفوع عوضا عنه ماله، ولا يتعين إلا بقبض
المستحق أو وكيله.
بل ظاهر المصنف والإرشاد ووكالة القواعد إلزامه بالتسليم في العين أيضا، بل
هو صريح المحكي عن المبسوط والجامع والتذكرة وغيرهم، بل في مجمع البرهان
أنه المشهور، بل في التحرير الاجماع عليه، لأنه بمنزلة إقراره بأن هذا لهذا
ابتداء، ولأنه مخاطب بايصال الحق إلى أهله، فيلزم بما هو تكليفه، لأن
المال في يده.
خلافا للفخر والكركي وثاني الشهيدين، فلا يلزم بالتسليم إلا بعد البحث
الذي يحصل معه اليأس من الوارث، لأنه بعد أن أقر بكونه للميت كان إقراره بأن

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
24

لا وراث له غير هذا إقرار في حق الغير، فلا يلزم بالتسليم المقتضي للتغرير بعين المال
لو ظهر بعد ذلك وارث، بخلاف الدين الذي لا تغرير فيه، لكونه باقيا في الذمة
على كل حال.
نعم لو أراد تسليمها إليه لم يمنع لعدم المنازع الآن، فإن ظهر وارث آخر
طالب بحقه، فإن بقيت العين رجع إليها، وإلا تخير في مطالبة من شاء منهما
بالمثل أو القيمة.
ونوقش بأنه متى جاز وجب كما أنه متى لم يلزم لكونه إقرارا في حق
الغير لم يجز له التسليم، فلا معنى لعدم المنع من التسليم مع عدم الالزام، وقد تقدم
تحقيق المسألة في كتاب الوكالة، فلاحظ وتأمل.
لكن في المسالك هنا " أن مقتضى إطلاق المصنف هنا إلزامه بالتسليم حتى لو
علم أن الوارث غيره أو معه - ووجهه - بأن الاقرار وقع جملة واحدة لازمها أن
المال لهذا المعين المشار إليه، فيلزم بالتسليم إليه، ولا يلتفت إلى الاحتمال، كما
لا يجب علينا البحث في سبب الملك مع احتمال كونه غير صحيح - ثم ضعفه - بأنه مع
العلم بوجود وارث للميت غيره أو معه يكون تعيينه الثاني منافيا لاقراره به للميت
المسموع، فلا يسمع بل يحكم به لوارثه كيف كان ".
وفيه ما لا يخفى من أنه لا وجه لالزام الحاكم له بدفع مال إلى غير صاحبه،
بل عليه منعه منه لو فعل، والاقرار بعد فرض العلم بفساده لا يقتضي ذلك، كما
هو واضح. والمنساق من عبارة المصنف وما شابهها مع عدم العلم بالحال، وتمام الكلام
في المسألة في كتاب الوكالة، والله العالم.
* (ولو قال: له علي ألف إذا جاء رأس الشهر لزمه الألف، وكذا لو قال:
إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف) * لعدم الفرق بينهما في المعنى، فإن الشرط وإن
تأخر لفظا فهو متقدم معنى، وحينئذ فهما سواء في إفادة الالتزام بذلك إذا جاء
رأس الشهر إذا لم يعلم منه إرادة الالتزام بهذا اللفظ المخصوص الذي ليس هو من
الملزمات الشرعية، بناء على عدم وجوب الوفاء بالوعد، وإلا كان إخبارا منه
25

بالتزامه له بذلك عند رأس الشهر بملزم شرعي غير اللفظ المزبور، فيندرج في قوله
صلى الله عليه وآله (1): " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " وفي أن " المرء مصدق
على نفسه " (2) بعد أن كان في الأسباب الشرعية ما يلزم على هذا النحو
كالنذر ونحوه.
وهو معنى صحيح، سواء جعلته من الاقرار بالمعلق على معنى الاقرار
بموجب السبب الذي شرع فيه التعليق، أو جعلته من الاقرار المعلق، بناء على
صحته بالنسبة إلى المستقبل، لأن الخبر عما وقع لا يقبل التعليق، لا الخبر بالمستقبل،
ضرورة معلومية صحة الاخبار بأن زيدا يضرب عمرا غدا إن ضربه مثلا، كضرورة
معلومية دلالة الصيغة المخصوصة في المقام على التزامه بذلك عند رأس الشهر على
وجه لا يتوقف بعد على شئ آخر من تجديد سبب ونحوه، فيجب حملها عليه
إلا إذا علم إرادة الوعد به.
ومن هنا صح للمصنف إطلاق الالتزام بذلك، بل في المسالك حكايته عن
جماعة وإن كنا لم نتحققه من أحد سوى الفاضل في التبصرة، حيث قال: " ولو
قال: إذا جاء رأس الشهر فله على ألفا وبالعكس لزمه ألف، بخلاف إن قدم زيد "
مع أنه غير ظاهر في تمام الموافقة للمصنف، إذ لا يخفى عليك بناء على ما ذكرنا
عدم الفرق بين التعليق على رأس الشهر أو على قدوم زيد، ضرورة اتحاد المدرك
في الجميع.
وأما اعتبار السبق في الاقرار فقد عرفت الكلام فيه سابقا، وأنه لا دليل
عليه، بل ظاهر الاطلاق خلافه، خصوصا قوله عليه السلام (3): " المؤمن أصدق

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 1 وفيه " المؤمن أصدق
على نفسه من سبعين مؤمنا عليه ".
(3) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 1.
26

على نفسه من سبعين مؤمنا ".
ومنه يعلم فساد ما في المسالك من " أن العبارة المقتضية للاقرار بالحق المؤخر
قد تكون صريحة في التعليق، كما إذا علقه بشرط لا يطابق الأجل الشرعي،
كقوله: " إن قدم زيد " ونحوه، وهذا لا إشكال في فساده، وقد تكون صريحا
في التأجيل، كقوله: " له ألف مؤجلة إلى شهر " ولا إشكال في لزوم أصل المال،
وإنما الاشكال في قبول الأجل، وقد تكون محتملة للتعليق والتأجيل، كقوله:
" له ألف إذا جاء رأس الشهر " والخلاف فيه في موضعين: أحدهما في أصل الصحة
والثاني على تقدير الصحة في ثبوت الأجل وعدمه " لما عرفت من عدم انحصار وجه الصحة
في التأجيل الشرعي.
كما أن منه يعلم فساد ما فيها أيضا من تحرير أصل المسألة، حيث قال في
الفرض ونحوه من التعليق على الأجل: " إن علم من قصده إرادة التعليق فلا شبهة
في بطلان الاقرار، لما تقدم من أن الاقرار يلزمه التنجيز، لأنه إخبار عن أمر
واقع، فلا يجامع اشتراط وقوعه بأمر مستقبل، لأن الواقع لا يعلق بشرط، وإن
قصد التأجيل صح إقراره، وإن أطلق ولم يعلم منه إرادة أحد الأمرين فظاهر المصنف
وجماعة حمله على المعنى الثاني، لأنه ظاهر فيه، وحملا للكلام على الوجه الصحيح
ما أمكن حمله عليه، ويحتمل قويا الرجوع إليه في قصده، وقبول قوله فيه مطلقا
أو مع اليمين إن ادعى المقر له خلاف ما ادعى قصده، لاحتمال اللفظ للمعنيين،
وكما أن حمله على التأجيل يفيد حكما شرعيا فكذا حمله على التعليق، لأن
البطلان أيضا حكم شرعي، والأصل براءة الذمة من التزام شئ بدون اليقين والظهور،
وهو منتف هنا، لاشتراك اللفظ بين المعنيين، وفصل بعضهم فقال، إن قدم الشرط
فقال: " إن جاء رأس الشهر فعلي كذا " كان إقرارا معلقا فيبطل، وإن أخره كان
إقرار بمؤجل، والفرق أنه إذا بدا بالشرط لم يكن مقرا بالحق، وإنما علقه على
الشرط، بخلاف ما إذا أخره، فإنه يكون قد أقر بالألف أولا، فإذا قال: إذا جاء رأس
الشهر احتمل أن يريد به محلها ووجوب تسليمها، وأن يريد به الآخر، فلا
27

يحمل على الثاني حذرا من تعقيبه الاقرار بالمنافي، بل على الأول، لعدم
المنافاة ".
قلت: وإليه أشار المصنف بقوله: * (ومنهم من فرق وليس شيئا) * إلا أني
لم أجده لأحد من أصحابنا ممن تقدم عليه، نعم هو المشهور من أقوال الشافعية،
بل ومن تأخر عنه إلا الفاضل في التحرير، فقال عند بيان بطلان الاقرار بالتعليق
" وكذا إن قال: إن قدم زيد أو رضي فلان أو شهد، أو إذا جاء رأس الشهر فلك
على كذا، ولو قال: لك على كذا إذا جاء رأس الشهر لزمه ".
وفيه ما لا يخفى من أنه لا فرق في اللغة والعرف بين تقدم الشرط وتأخره،
وأن الشرط وإن تأخر لفظا فهو متقدم معنى وله صدر الكلام، مضافا إلى ما عرفت
مما ذكرناه من وجه المسألة الذي لا يتفاوت فيه بين التقدم والتأخير.
ومنه يعلم وجه النظر في كلام جميع من تعرض للمسألة كالفاضل في القواعد
وغيرها، والشهيد والكركي والأردبيلي وغيرهم حتى الشيخ في المحكي عن مبسوطه،
حيث بنوا المسألة على عدم ظهور في اللفظ على كونه تعليقا فيبطل، أو تأجيلا
فيصح، ولم يلتفتوا إلى الصحة وإن لم يكن تأجيلا، لأن في الشرع أسبابا تشرع
الالتزام معلقا وقد أخبر بها، وهو مصدق على نفسه، بل لا يكاد يفهم التأجيل من
حاق اللفظ المزبور، ضرورة ظهوره في تعليق الملك عليه وأصل الاستحقاق لا أنه
قد ملك عليه ولكن أداؤه يستحق عند رأس الشهر، ولو فرض انحصار وجه الصحة
في التأجيل كان الجزم بالبطلان حينئذ متجها لظهور اللفظ في تعليق أصل الاستحقاق
دونه، كما يحكى عن ثاني الشهيدين في تمهيد القواعد.
بل مما ذكرنا يعلم النظر فيما أطال فيه بعض المتأخرين هنا من أنه على
تقدير الصحة ولزوم الألف هل تكون حالة كما عن أبي على والمبسوط والسرائر
وجامع الشرائع والإرشاد وشرحه والإيضاح، بل عن التذكرة نسبته إلى أكثر
علمائنا، لتوقف التأجيل على ما يقتضي الأصل خلافه، أو لا تلزم إلا إلى الأجل؟
28

كما عن الشيخ في أحد قوليه والقاضي والمصنف جزما أو ظاهرا، والفاضل في
التذكرة والتحرير والمختلف وجامع المقاصد والمسالك ومجمع البرهان والكفاية،
بل في المسالك نسبته إلى الأكثر.
وفي جامع المقاصد أن عليه الفتوى، لأنه إقرار بهما باعتبار كون التأجيل
حقه، فهو نحو قوله: " دراهم طبرية " مثلا، إذ الكلام لم يقع منه إلا جملة
واحدة، فلا يحكم عليه بشئ منه إلا بعد تمامه الذي هو التأجيل هنا، بل لولا
ذلك لا نسد باب الاقرار بالمؤجل، بل ربما أدى ذلك إلى إنكار أصل الحق المؤجل
مخافة الالتزام بالحلول إذا أقر به، إلى غير ذلك مما أطالوا به في الاستدلال على
ذلك هنا، وذلك كله مبني على انحصار وجه الصحة في التأجيل.
أما على ما ذكرناه فلا وقع لشئ من ذلك، ضرورة أنه اعترف بأصل
الاستحقاق عليه عند رأس الشهر، وفي الشرع من الأسباب ما تشرع ذلك كذلك،
ولا يؤخذ بأزيد مما أقر. به، لأن الأصل البراءة، نعم يتجه الالتزام بالحلول بناء
على إرادة التأجيل من ذلك، لأنه ليس في الشرع من الأسباب ما يقتضي التأجيل
بغير الشرط الذي هو مخالف للأصل إلا في عقل الدية، فمع فرض عدم احتماله يتجه
الالتزام بالحلول، وربما تسمع لذلك تتمة إنشاء الله عند البحث في تعقيب الاقرار
بما ينافيه.
وبذلك كله ظهر لك التحقيق في أصل المسألة، وأن الصواب إطلاق عبارة
المصنف بعد جعل رأس الشهر فيها من باب المثال لكل تعليق وإن لم يكن من
الآجال الشرعية.
كما أنه يظهر لك التحقيق في مسألة التأجيل وأنه دعوى من المقر الذي
اعترف بوجود الحق في ذمته للمقر به إلا إذا احتمل وجود سبب شرع فيه التأجيل
من غير اشتراط، كقتل الخطأ الموجب للدية على العاقلة مؤجلة، فلا يحكم عليه
حينئذ بالحلول، لاحتمال كون ما أقر به من ذلك، ولو صرح به كان أولى بالقبول
قطعا، كما اعترف به الفاضل.
29

لكن في الدروس " ولو أسند الأجل إلى عمل العقد فالقبول أظهر، ومنهم،
من قطع به، وهو ضعيف لأنا نأخذ بأول كلامه، وهو " له علي ألف "
والباقي مناف، فإن سمع مع الاتصال فلا فرق بينه وبين غيره، وإلا يسمع
فكذلك ".
وفيه أنه إنما لم نسمعه مع الاتصال في غيره لتضمنه دعوى الشرطية ونحوها مما
هو خلاف الأصل بخلافه كما أشرنا إليه سابقا.
وكذا ما فيها أيضا في أصل المسألة " ولو قال: " له علي ألف مؤجل " فهو
كقوله: " له علي ألف إذا جاء رأس الشهر " إذا نوى به الأجل فليقبل فيهما على
قول قوي، لئلا ينسد باب الاقرار المؤجل، نعم لو أسند الأجل إلى الفرض لم
يقبل إلا أن يدعى تأجيله بعقد لازم " إذ لا يخفى عليك أن انسداد باب الاقرار
بالمؤجل لا يقتضي ثبوته فيه وإن كان مدعيا بالنسبة إلى غيره، كدعوى تأجيل
الفرض بعقد لازم المعلوم عدم سماعها فيه بدون بينة، كما هو واضح، فتأمل
جيدا. والله العالم.
* (ولو قال المالك) * للعبد مثلا: * (بعتك أباك) * فأنكر الولد أصل الشراء
كان القول قوله في ذلك بيمينه، للقاعدة المعلومة * (فإذا حلف الولد) * أسقطت
دعوى الشراء عليه.
ولكن على كل حال * (انعتق المملوك) * باقرار سيده على أنه باعه من
ابنه * (و) * إن لم يحلف الولد، نعم إن حلف * (لم يلزمه الثمن) * ولا غيره مما
يترتب على المشتري، وهو واضح. كوضوح عدم الولاء لكل منهما عليه، لأنه
قد اعترف بأن انعتاقه كان بسبب ملك الولد له، فلا ولاء له عليه، والفرض أن
الولد قد أنكر شراءه، فلا يكون له ولاء عليه، وقد تقدم الكلام سابقا في هذه
المسألة وجملة من فروعها المتعلقة باعتراف العبد معهما بالشراء وعدمه وغيره.
* (ولو قال: ملكت هذه الدار من فلان أو غصبتها منه أو قبضتها منه كان
إقرارا له بالدار) * بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ولا إشكال، إلا ما يحكى
30

عن التذكرة من الحكم بذلك في الأول على إشكال * (و) * لا ريب في ضعفه، ضرورة
ظهور العبارة في انتقال الملك منه إليه، كظهور الأخيرين في كونها
في يده.
نعم هو * (ليس كذلك لو قال: تملكتها على يده، لأنه يحتمل المعونة) *
بسبب السعي في حصول الائتلاف والاتفاق على المعاملة، ويحتمل إرادة إطلاقه أو
شهادته على ذلك وغيرهما مما لا يقتضي إقرارا بملك أو يد مستلزمة له احتمالا
مساويا لاحتمال إرادة التمليك منه، بل قد يدعى ظهوره في الأول كما هو
واضح.
* (ولو قال: كان لفلان علي ألف لزمه الاقرار) * بها بلا خلاف أجده بين
من تعرض له، كالشيخ والفاضل والكركي وثاني الشهيدين والأردبيلي، وإلا ما
يحكى عن يحيى بن سعيد، فلم يجعله إقرارا والشافعي في أحد قوليه، ولا ريب في
ضعفه، لا لأن كان لا تدل على الزوال لغة، لقوله تعالى (1): " وكان الله عليما
حكيما " وغيره كما في المسالك وغيرها كي يناقش بظهورها عرفا في ذلك أو لغة
أيضا، بل لدلالتهما على ثبوت الحق في ذمته، وإن سلم أيضا أنها دلت على
زواله، فهو كقوله: " قضيت دينك " ونحوه ممن يكون مقرا بالحق ومدعيا
سقوطه.
ولعله إلى هذا أشار المصنف في تعليله الحكم * (بأنه (2) إخبار عن تقدم
الاستحقاق، فلا تقبل دعواه في السقوط) * أي المستفادة من قوله: " كان " أو صرح
بها ولو متصلة بذلك، وعدم سماع الدعوى من المدعي لو ادعى بمثل هذا اللفظ -
لعدم ظهوره في الاستحاق الفعلي، أو ظهوره في العدم - لا ينافي جعله إقرارا من
المقر، فما عن المبسوط - من احتمال العدم لذلك - واضح الضعف ومن هنا جعل
الأقوى خلافه.

(1) سورة النساء: 3 - الآية 17 و 92 و 104 و 111 و 170.
(2) وفي الشرائع: " لأنه اخبار ".
31

* (المقصد الثاني) *
* (في) * الأقارير * (المبهمة:) *
* (وفيها مسائل:) *
* (الأولى:) *
لا خلاف في صحة الاقرار بالمبهم ولو لفظ " شئ " كما عن الشيخ في مبسوطه
الاعتراف به، بل لعل ظاهره نفيه بين المسلمين، وفي محكي التذكرة الاجماع
عليه، لعموم أدلة الاقرار الذي هو إخبار يقبل الاجمال والتفصيل، مؤيدا بأن
الحاجة قد تدعو إليه، وربما كان في ذمته ما لم يعلم قدره، ولا بد له من التخلص
منه، فيقر به، فيقع بعد الصلح، بخلاف غالب أفراد الانشاء الذي لا ضرورة فيه
إلى تحمل الجهالة والغرر مع كونه هو السبب الموجب لثبوت الحق، وعلى كل
حال فمن ذلك وغيره قلنا بسماع الدعوى المجهولة وإن لم تكن في دعوى الاقرار به،
خلافا لجماعة كما أشبعنا الكلام في ذلك في كتاب القضاء، فلاحظ وتأمل.
وحينئذ ف‍ * (إذا قال: له علي مال) * صح لما عرفت و * (ألزم التفسير) * بلا
خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال إذا كان المراد منه ما يشمل الالزام بدفع أقل
32

ما يصدق عليه فإن امتنع مع قدرته عليه حبس وفاقا للمشهور فيه وفي ترك المدعى
عليه جواب المدعي الذي قد أشبعنا الكلام فيه في كتاب القضاء على وجه يعلم منه
ضعف القول بعدم حبسه.
بل يقول له الحاكم: إن لم تفسر جعلتك ناكلا، فإن أصر حلف المقر
له الذي لا يتم هنا إلا في صورة الدعوى، لا الاقرار ابتداء بحيث لم يعلم المقر له
الحق إلا من إقراره، وغير ذلك مما قيل فيه من استعمال مراتب الأمر
بالمعروف فيه، فلاحظ وتأمل لتعرف تحقيق المقام مما هناك، إذ لا فرق
في الظاهر.
ولو مات قبل التفسير ففي التحرير والدروس فسر الوارث وفي القواعد وعن
غيرها " طولب الورثة إن خلف تركه " والشرط مراد الأولين قطعا، ضرورة عدم
وجوب القضاء إذا لم تكن تركة قطعا.
كضرورة مطالبته بالتعيين مع علمه، وإلا فلو قال: " لا أعلم " كان القول
قوله بيمينه إذا طلبه المقر له، ثم يسلم المدعي أقل ما يتمول، ولا يسلم
إليه ما يدعيه المدعي بيمينه، إذ لا يمين على المدعي إلا مع الرد المفقود
في المقام.
فما عن التحرير والدروس - من أنه لو قال المقر: " لا أعلم " أو قال المقر:
" أنسيت " أمكن قبول تعيين المدعي بيمينه - لا يخفى عليك ما فيه، خصوصا بعد
الإحاطة بما ذكرناه في كتاب القضاء من انحصار طريق ثبوت الحق للمدعي
في مثله بالبينة.
وكيف كان فمطالبة الوارث بالتعيين مع دعوى العلم عليه لانتقال التركة
إليه، لاحق الاقرار الذي لا يورث، كما هو واضح.
ولو ادعى المقر له على الوارث بل والمقر أنه أراد بالمال خلاف ما فسره به
توجه له اليمين، ولكن يمين الوارث على نفي العلم، وقد يتوهم من عبارة القواعد
عدم سماع الدعوى إذا كانت على المقر، لأنه أدرى بما أراد، وفيه ما لا يخفى من
33

أنه يقتضي تصديقه بيمينه لا عدم سماع الدعوى عليه، والله العالم.
وكيف كان * (فإن فسر بما يتمول) * مما هو مصداق له * (قبل ولو كان
قليلا) * بلا خلاف أجده فيه، كما عن المبسوط الاعتراف به، بل عن التذكرة
الاجماع عليه، بل * (و) * لا إشكال للصدق.
نعم * (لو فسره بما لم تجر العادة بتموله كقشر الجوزة أو اللوزة) * ونحوه
* (لم يقبل) * لعدم صدق المال عليه فضلا عن انصراف إطلاقه إليه على وجه يثبت
في الذمة من غير خلاف أجده في شئ من ذلك، إلا من الفاضل في المحكي عن
تذكرته، فقبله، لأن المال أعم من غير المتمول، إذ كل غير متمول مال
ولا ينعكس.
ورده في المسالك وغيرها بأنه وإن دخل فيه إلا أن قوله " علي " يقتضي
ثبوت شئ في الذمة، وما لا يتمول لا يثبت في الذمة وإن حرم غصبه ووجب رده.
وفيه أن ما لم تجر العادة بتموله إذا اتفق تموله كان مالا، ويثبت في الذمة
بل ينبغي القطع به في مثل حبة الشعير والحنطة ونحوهما مما ذكروه مثالا أيضا
لغير المتمول مما هي مال ومتمولة عرفا، وإلا فلو فرض عنده جملة من الحب فأتلفها
جماعة كل واحد منهم حبة أو أتلف واحد منهم الجميع حبة حبة لم يكن
اشكال في ضمانهم، والتسامح في الحبة أو في جزء منها لقلتها لا لعدم ماليتها.
ولعل مراد المصنف بغير المتمول هو الذي لم تجر العادة بتموله وجعله من
المال والاستيلاء عليه، بل إن اتفق ملكه له تبعا أعرض عنه، فلا يقبل تفسير المال
المقر به بذلك، بل لعل الجزء اليسير من المال كذلك، فتأمل والله العالم.
* (وكذا) * لا يقبل * (لو فسر المسلم) * لآخر مثله * (بما لا يملكه ولا
ينتفع به كالخمر) * التي ليست بمحترمة * (والخنزير وجلد الميتة، لأنه لا يعد) *
شئ منها * (مالا) * عرفا ولا شرعا فضلا عن ثبوتهما في ذمة له، فما في حاشية
34

الكركي - من أن في إقرار المسلم للمسلم بالخمر إشكال، أقر به عدم القبول -
لا يخلو من نظر، اللهم إلا أن يريد الخمر المحترمة، وفيه أن احترامها يمنع
من غصبها منه وإتلافها عليه، لا أنه يجعلها مالا له على وجه يضمنها بالاتلاف أو
يملكها المسلم بحيث له بيعها وشراؤها، ضرورة كون المستفاد من أدلة الخمر والميتة
والخنزير خلاف ذلك، وأنها لا تدخل في ملك المسلم أبدا.
وما يقال من أن كل خل مسبوق بالخمرية مع أنه غير مسلم لا يقتضي
ملكيته لها على الوجه المزبور، بل أقصاه خروجها حينئذ عن ملكه، ولكن تبقى
محترمة ثم تدخل في ملكه بالخلية باعتبار يده واستيلائه.
وكيف كان فإذا فسر بها أو بالخنزير المال للذمي فقد صرح غير واحد بالقبول،
وأنه يضمن له القيمة، لكن قد يشكل بأنه ليس مالا في الواقع وإن اعتقده المقر له،
ولذا أطلق المصنف عدم القبول من المسلم إذا أقر بهما الذمي.
وفي الدروس " لو أقر به للمستحل فالأقرب الصحة، ويشكل بأنه لا يعد
مالا شرعا، ولا عبرة باعتقاد المقر له، لفساده ولا يرده الاقرار بالخمر ولا الخنزير
للذمي، لأنه يقر في شرع الاسلام على اعتقاده فيهما إذا لم يتظاهر، نعم لو فسره
بجلد الميتة بعد الدبغ وكان المقر له ممن يعتقد طهارته لم يبعد القبول لأنه من
جملة أمواله " وإن كان ما فيها من الفرق بينهما وبين جلد الميتة لا يخلو من نظر،
ضرورة اشتراك الجميع في عدم المالية واقعا، فتأمل جيدا.
* (وكذا) * لا يقبل * (لو فسره بما ينتفع به ولا يملك كالسرجين النجس
والكلب العقور) * لعدم كونهما مالا * (أما لو فسره بكلب الصيد أو الماشية أو كلب
الزرع قبل) * لأنها مال بناءا على جواز بيعها، بل في المسالك " وكذا الجرو
القابل للتعليم " وفيه نظر.
* (ولو فسره برد السلام لم يقبل) * لا * (لأنه لم تجر العادة بالاخبار عن
ثبوت مثله في الذمة) * بل لأنه ليس ما لا لغة وعرفا، ونحوه حد القذف وما شابهه
35

من الحقوق التي لا تندرج في إطلاق المال.
ولو فسره بالمستولدة له قبل، كما جزم به الفاضل، بل عن مجمع البرهان
لا ينبغي النزاع فيه، لأنها مملوكة ومال وشئ فيصح الاقرار بها، وأشكله
الكركي بأن " الاستيلاد حق مشترك بينهما وبين الله تعالى، وقبول التفسير لها
يقتضي إبطاله - ثم قال -: واحتمل في الدروس اعتبار تصديقها والاستفسار، وفيه
قوة ".
وفيه أن أقصى ذلك عدم إبطال حق الاستيلاد بالاقرار، فلا يسلمها حينئذ
إلى المقر له ولكن يغرم المقر قيمة الولد والمنافع وقيمتها للمقر له من حين
الاقرار، لأن الاستيلاد حق الله سبحانه وتعالى، وهو مبني على التغليب، فإن مات
الولد قبله سلمت إليها واستعيدت القيمة، بل لو قلنا بتسليمها إلى المقر له، وأنه
يغرم المقر قيمة الولد يوم سقط حيا، لأن الممنوع هو التصرف الناقل للملك ابتداءا،
والاقرار إخبار عن حق سابق كان تفسير المالك بها أولى بالقبول.
وعلى كل حال فلا وجه للاشكال المزبور، إذا أقصى ما ذكره أن يكون
نحو تفسير المال بمال قد دفعه إلى آخر باقرار منه له، فإنه ليست له القيمة في
ذمته، فتأمل جيدا.
36

* (الثانية:) *
* (لو قال: له علي شئ ففسره) * المسلم * (بجلد الميتة أو السرجين
النجس قيل: يقبل، لأنه‍) * ما * (شئ) * يمكن الانتفاع به، ويحرم أخذهما
منه، لثبوت الاختصاص فيها، وفي المسالك نسبته إلى العلامة في أحد قوليه.
* (ولو قيل: لا يقبل لأنه لا يثبت) * شئ منهما * (في الذمة كان
حسنا) * بل جزم به غير واحد، بل لم أجد القول بالقبول في الجلد من المسلم
العارف لأحد من أصحابنا، بل عن ظاهر المبسوط والتذكرة الاجماع عليه، وعن
مجمع البرهان كأنه مجمع عليه، نعم عن أحد وجهي الشافعية القبول، لقبوله
الدباغ.
وعن مجمع البرهان " لا يبعد القبول فيه وفي الخنزير والكلب الذي لا منفعة
له أصلا إذا كان القائل ممن يعتقد جواز الانتفاع بها، سواء كان كافرا أو مسلما
مخالفا أو موافقا جاهلا مع كونه جاهلا بمثله " وفيه أنها قرائن تخرج الفرض
عن البحث.
وأما السرجين النجس ففي التذكرة " في التفسير بالكلب المعلم والسرجين
إشكال أقربه القبول، لأنها أشياء يثبت فيها الحق والاختصاص، ويحرم أخذها
ويجب ردها " وفي الدروس احتمال القبول، وفيه أن ظاهر " له علي " الملك
المعلوم عدمه فيه.
ومنه يعلم عدم القبول في نظائره مما لا تملك، بل لا يقبل تفسيره بما لا يتمول
كحبة الحنطة بناءا على عدم ثبوتها في الذمة، وإن قال في المسالك: إنه أولى بالقبول
هنا، وحكاه عن التذكرة، لأنه شئ يحرم أخذه، وعلى من أخذه رده، ثم حكى عدم
القبول لأنه لا قيمة له، فلا يصح التزامه بكلمة " علي " ولهذا لا تصح الدعوى به، ورده
37

يمنع عدم سماع الدعوى به، قال: " وعليه يترتب ثبوته بعلي وإن لم يكن متمولا
وهو مناف لصريح كلامه في المسألة السابقة، فلاحظ. على أن سماع الدعوى
به لا يقتضي ملكه عليه في الذمة، إذ يمكن دعواه برقه نفسه.
وكيف كان فلا يخفى عليك أن الشئ أعم من المال، فكل ما عرفت قبول
تفسيره به من الكلاب الثلاثة وغيرها فهنا أولى بالقبول، بل احتمل غير واحد قبول
تفسيره بحق رد السلام، وإن كان فيه أن مثله لا يملك، ويسقط بالفوات، وخلاف
المتعارف في معرض الاقرار.
واحتمل في مجمع البرهان عدم سقوطه بالفوات، فيجب الرد فيما هو واجب،
ويستحب في المستحب مع بقاء محله، قال: " ورأيت في كتاب الثوري أنه يصح
ممن يرى في حق السلم، فيحتمل القبول " ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام،
ككثير من الكلمات في المقام، والله العالم.
* (ولو قال مال جليل أو عظيم أو خطير) * أو جزيل * (أو نفيس) * ونحوها
من أي مال وغيره * (قبل تفسيره ولو بالقليل) * بلا خلاف أجده إلا من أبي علي
في العظيم، فجعله كالكثير الذي ستسمع الكلام فيه، لاحتمال إرادة عظم الخطر من
الأولين بكفر المستحل ووزر الغاصب ونحوه، واحتمال أن المقر مما يستعظم
القليل ويستكثره، وعنده أنه مال نفيس، على أنه ليس لمعنى هذه الألفاظ حد في
الشرع ولا في اللغة ولا في العرف، والناس مختلفة في ذلك، ولوجوب الأخذ في
الاقرار بالمتيقن، ومع قيام تلك الاحتمالات وغيرها لا يقين بإرادة غير ما فسره به
إلى غير ذلك مما ذكروه في المقام الذي مبناه أن لفظ العظيم والخطير ونحوهما
ليس من الموضوعات اللغوية أو العرفية للعظمة العددية، إذ لا ريب في استعمال العظيم
مثلا حقيقة في غير ذلك من الشرف ونحوه. وحينئذ فمعنى العظيم قدر مشترك بين
الجميع الذي من أفراده العظمة من حيث العدد.
نعم قد يحصل من قرائن الأحوال وغلبة الاستعمال ونحوهما انسياق في بعض
التراكيب نحو " مال عظيم " مثلا لإرادة العدد، إلا أنها قرائن أحوال، ومنها
38

حال سكوته عن تفسير العظيم بغير ذلك، فمع فرض ذكر تفسيرها بعد ذلك بما
لا مدخلية للعدد فيه قبل، وانكشف به المراد من اللفظ، فكان الانسياق المزبور الذي قلنا: إنه مستفاد من قرائن الأحوال مقيدا بحال عدم التعقيب بالتفسير
بغيره.
ومن هنا لم يكن ذلك من تعقيب الاقرار بالمنافي، ضرورة عدم كونه من
معاني اللفظ حقيقة، بل ولا مجازا، وإنما هو انسياق في حال مخصوص، بل قد
يتوقف في الحكم به مع فرض تعذر التفسير بموت ونحوه، وإن كان الظاهر ذلك،
وكلامهم لا يأباه، إذا أقصى ما فيه قبول التفسير بغيره لو حصل، فلا ينافي الحكم به
حال عدمه، ودعوى وجوب الأخذ بالمتيقن في الاقرار يدفعها معلومية عدمها وأنه
يؤخذ بما يدل عليه اللفظ ولو دلالة انسياق على الوجه الذي ذكرنا، بل الظاهر
شمول أدلة الاقرار بذلك أيضا، ولعل هذا أقصى ما يوجه به كلامهم، وله
شواهد كثيرة.
نعم قد تصل هذه القرائن في بعض التراكيب لشدة غلبة الاستعمال إلى حد
تجعله كالمعنى المستفاد من وضع اللفظ بحيث لا يسمع فيه التفسير بعد ذلك بغيره،
كما ستعرفه فيما لو قال: " له علي مال أكثر من مال فلان " فلاحظ
وتأمل.
وعلى كل حال فلا إشكال في اعتبار التمول هنا بناءا على اعتباره في المجرد
عن العظمة، لما سمعته مكررا من ظهور اللام للتمليك، فالكلام فيه حينئذ كالكلام
في ذلك بعد أن قبل تفسيره العظمة مثلا بما لا مدخلية له في المقدار، فيجري فيه
احتمال قبول تفسيره هنا بالقليل وإن لم يكن متمولا الذي قد سمعت القول به
من الفاضل في التذكرة، كما أنك سمعت كون التحقيق خلافه.
* (ولو قال: كثير قال الشيخ) * في المحكي من خلافه ومبسوطه: * (يكون
ثمانين) * وتبعه ابن زهرة وقطب الدين الكيدري والقاضي، بل هو المحكي عن
أبي علي، بل قال: إن العظيم كالكثير في العدد المذكور، بل عن الخلاف والغنية
39

الاجماع عليه، وهو الحجة للقول المزبور.
و * (رجوعا في تفسيره الكثرة إلى رواية النذر) * (1) المتضمنة للجواب عما
نذرته أم المتوكل إذا عوفي ولدها، وحاصله أن من نذر الصدقة بمال كثير لزمه
ثمانين درهما، لقوله تعالى (2) " ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة " فإنها عدت
فوجدت ثمانين موطنا، بدعوى أن ذلك فيها تحديد لأول مصداق الكثرة أينما
وقعت في وصية أو إقرار نحو ما وقع في تحديد الوجه (3) والركوع (4)
والمسافة (5) وغيرها من الألفاظ التي لا نصيب للعرف في تعيين أول مصاديقها،
ولذا قال في محكي الخلاف: " إذا قال: أعطوه كثيرا من مالي فإنه يستحق ثمانين
على ما رواه أصحابنا في حد الكثرة " لكن في المحكي عن إقراره الاستدلال بالرواية
التي تضمنت أن الوصية بالمال الكثير وصية بثمانين، ولذا اعترف ابن إدريس وغيره
بعدم وجود هذه الرواية، قد سمعت ما حكيناه عنه في الوصايا.
وعلى كل حال فالرواية مرسلة وموردها خاص بالنذر، وإطلاقها في
الآية على الثمانين على فرض تسليمها لا يقتضي انحصار أول المصاديق فيها، اللهم
إلا أن يراد أن أقصى ما يثبت إطلاقه عليه ذلك لا غير، لكنه أيضا
كما ترى.
وعن بعض العامة الموافقة على انحصار الكثير فيما دلت عليه الآية، لكنه
جعل العدد اثنين وسبعين مدعيا أن غزواته وسراياه صلى الله عليه وآله كانت كذلك، وفي
المسالك " أكثر السير على خلاف الأمرين، والأشهر فيها أن غزواته كانت بضعا

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 و 4 وفيهما الناذر
نفس المتوكل.
(2) سورة التوبة: 9 - الآية 25.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب الوضوء من كتاب الطهارة.
(4) الوسائل الباب - 28 - من أبواب الركوع من كتاب الصلاة.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب صلاة المسافر من كتاب الصلاة.
40

وعشرين، وكذا سراياه ستين، وفي كثير منها لم يحصل قتال، ولا يوصف بالنصرة،
وبعضها يكون فيها خلافها " قلت: ومن ذلك كله يحصل الظن القوي بعدم كون
المرسلة المزبورة عن المعصوم عليه السلام.
* (وربما خصها بعض الأصحاب بموضع الورود، وهو حسن) * وأحسن منه
عدم العمل بها مطلقا خصوصا مع إجمال المال هنا، فإن أفراد المال جنسا ونوعا
مختلفة أشد اختلاف.
ومن الغريب بعد ذلك كله ما عن ابن الجنيد من جعل العظيم كالكثير في إفادة
العدد المذكور، والمعروف بين الأصحاب - عدا من عرفت - العكس، فيقبل فيها
التفسير بأقل ما يتمول، نحو ما سمعته في " عظيم " و " جزيل " وإن كان فيه
أيضا ما عرفت، والمتجه الرجوع إلى العرف مع مراعاة الاحتياط في
أقل المصداق وإن كان هو مختلفا في بعض الأحوال بالنسبة إلى المقر
والمقر له.
* (وكذا لو قال:) * مال * (عظيم جدا كان كقوله:) * مال * (عظيم) * بلا
خلاف أجده فيه، ضرورة تبعيته لما سمعته من الاحتمال في العظيم. * (و) * لكن في
المتن * (فيه تردد) * ولعله من ذلك، ومن اقتضائه المبالغة في الكثرة المقتضية زيادتها
عما دل عليه اللفظ الخالي عنها، فلا يقبل تفسيرهما بأمر واحد، ولا يخفى عليك
ما فيه بعد الموافقة على ما سمعته في المجرد عن ذلك، إذا لفظ " جدا " ليس إلا
تأكيدا للمعنى المراد من العظيم، ومن هنا لم نجد هذا التردد لغيره، كما اعترف
به غير واحد.
* (ولو قال:) * له علي مال * (أكثر من مال فلان ألزم بقدره وزيادة) *
كما عن الشيخ ويحيى بن سعيد والشهيدين في الدروس واللمعة والروضة ومجمع
البرهان، وظاهرهم عدم قبول التفسير بالكثرة من حيث الاعتبار وإن قيل في لفظ
" كثير " ولعله لبعد إرادته هنا من حيث التقييد المزبور.
ولكن الفاضل في التحرير والإرشاد بعد أن وافق على الحمل ذلك عند
41

الاطلاق قال: " ولو ادعى عدم إرادة الكثرة في المقدار - بل أن الدين أكثر بقاء
من العين، والحلال أكثر بقاء من الحرام - وقبل قوله حينئذ في التفسير
بأقل ما يتمول ".
وفي القواعد: " ولو قال: أكثر من مال فلان وفسره بأكثر عددا أو قدرا
ألزم بمثله، ورجع في الزيادة إليه - إلى أن قال -: ولو فسر بالبقاء والمنفعة والبركة
وكان أقل في العدد والقدر ففي السماع نظر " وظاهره أنه مع الاطلاق وعدم التفسير
يحمل على كثرة العدد والمقدار.
وفي محكي التذكرة القطع بقبول التفسير بأقل ما يتمول وإن كثر مال فلان،
قال: " لأنه يحتمل أن يريد به أنه دين لا يتطرق إليه الهلاك، وغير ذلك معرض
للهلاك، أو يريد أن مال زيد علي حلال ومال فلان علي حرام، والقليل من
الحلال أكثر بركة من الكثير من الحرام - وقال -: وكما أن القدر مبهم في هذا
الاقرار فكذلك الجنس والنوع مبهمان، ولو قال: له علي أكثر من مال فلان
عددا فالابهام في الجنس والنوع، ولو قال: له من الذهب أكثر من مال فلان فالابهام
في القدر والنوع، ولو قال: من صحاح الذهب فالقدر وحده، ولو قال: له علي
أكثر من مال فلان وفسره بأكثر منه عددا أو قدرا لزمه أكثر منه، ويرجع
إليه في تفسير الزيادة ولو حبة أو أقل ".
وفي المسالك بعد حكاية ذلك عنها " وهذا القول هو الموافق للحكم المتفق
عليه في المسائل السابقة، فإن الكثرة ونظائرها إذا لم تحمل عند الاطلاق على كثرة
المقدار واكتفى في نفي الزيادة باحتمال إرادة كثرة الأخطار فكذلك الأكثرية،
ودعوى أن كثرة المقدار هي المتبادرة من اللفظ مشتركة بين الموضعين، ولا أقل
من قبول تفسيره بما شاء من ذلك لا كما أطلقه المصنف ".
وفيه (أولا) إمكان الفرق بين المقام والسابق بالتقييد المزبور الذي تشمئز
النفس مما ذكر فيه من الاحتمال، و (ثانيا) أن الموافق للضوابط ما ذكروه هنا،
وإن خفي علينا ما ذكروه هناك، فلا ينبغي أن نجري في المقام على ما ذكروه هناك
42

وإن لم يقولوا به هنا مع عدم معرفة وجه الأول.
ثم إن قبول التفسير مع انفصاله بعد فرض ظهور اللفظ في معناه ظهورا كاد
أن يلحقه بالتصريح مخالف لقاعدة عدم سماع الانكار بعد الاقرار التي تسمعها
إنشاء الله في البحث عن تعقيب الاقرار بالمنافي.
ومن الغريب ما عساه يظهر من التذكرة من كون اللفظ المزبور مبهما وإن
لم يذكر تفسيره، ضرورة عدم اقتضاء قبول التفسير ببعض التأويلات المذكورة
الابهام مع عدم ذكرها، والفرض ظهوره في معناه عرفا، ومثله يجري في الألفاظ
السابقة التي إن سلم لهم قبول تفسيرها، بما سمعته من الاحتمال، وإن كان منفصلا
فلا يسلم لهم دعوى إبهامها لو لم يذكر التفسير، بل يحكم بمقتضاها العرفي مع
مراعاة الاحتياط مع عدم التفسير أو تعذره، فتأمل جيدا.
وكيف كان فلا إشكال * (و) * لا خلاف في أنه * (يرجع في) * تفسير * (تلك
الزيادة إلى المقر) * لأنها مجهولة، بل عن المبسوط أنه يقبل تفسيرها ولو بحبة
حنطة بلا خلاف، بل قد سمعت في التذكرة الاجتزاء بأقل من ذلك، بل في
المسالك التصريح بعدم اعتبار التمول فيها، لأنها جزء من المقر به الذي لا يعتبر
في أجزائه ذلك، إذا لا بد من انتهائها إلى ما لا يتمول، وإنما يشترط التمول في مجموع
المقر به فيما إذا قال: " له علي مال ".
ومنه يعلم الفرق بين المقام وبين الاقرار بالمال الذي قد عرفت اعتبار التمول
فيه، وفيه أن المنساق مالية ما يكون به أكثر مستقلا، ولعله لذا اعتبر في جامع
المقاصد كونها متمولة، فهو واضح.
* (ولو قال: كنت أظن) * أو أعتقد * (ماله عشرة) * مثلا * (قبل ما بنى
عليه إقراره) * إلا أن يعلم كذبه * (ولو ثبت) * شرعا * (أن مال فلان يزيد
عن ذلك لأن الانسان يخبر عن وهمه، والمال قد يخفى على غير صاحبه) * بل
هو الغالب بلا خلاف أجده بين من تعرض له في الحكم والتعليل، مضافا إلى أصلي
43

البراءة وعدم العلم، بل لا فرق بين قوله قبل ذلك: " إني أعلم مال فلان " وعدمه،
لأن علمه مستند إلى ما يظهر له.
ولا يشكل ذلك بواقعية اللفظ وتعبدية الاقرار للعلم بأن طريق الواقع هنا
اعتقاده، والمقام مقام إخبار لا إنشاء يكون عنوانه الواقع كيف ما كان، وليس
في لفظة الذي أقر به دلالة على أن معتقده كذا، وحينئذ فاخباره بأن عليه أكثر
من مال زيد لا طريق له إلا اعتقاده، كما لا طريق له إلى معرفة اعتقاده إلا إخباره،
نعم إن لم يقل إن معتقدي كذا أمكن القول بالعمل بظاهر إقراره الذي هو ظاهر في
مطابقة الواقع لمعلومه إذا لم يذكر خلافه، فتأمل جيدا.
ولو علم كذبه في دعواه بأن كان لفلان مال ظاهر أزيد مما ادعاه فلا إشكال
في عدم القبول، كما أنه لو شهد بالقدر ثم أقر بالأكثر لم تسمع، وكذا لو أقر
بأنه قدر يزيد عما ادعى ظنه، لكن في بعض الكتب أنه ينبغي تقييد ذلك بما إذا
لم يطل، بحيث يتجدد له النسيان والاشتباه، وفيه أن مقتضى التعبد بالأخذ بإقراره
عدم الالتفات إلى احتمال ذلك.
ولو قال: " لي عليك ألف دينار " فقال: " لك علي أكثر من ذلك " لزمه
الألف وزيادة، ولو فسر بأكثر فلوسا أو حب حنطة أو حب دخن ففي القواعد
الأقرب عدم القبول، ولعله لكونه من تعقيب الاقرار بالمنافي لأن أفعل
التفضيل سواء قرن بمن أو أضيف من جنس المفضل عليه حقيقة، فاستعماله
في غيره مجاز.
لكن في محكي التذكرة في المثال لم يلزمه أكثر من الألف، بل ولا
الألف، لأن لفظة الأكثر مبهمة، لاحتمالها الأكثر في العدد والقدر، فيحتمل
أنه أراد أكثر منه فلوسا أو حب حنطة أو حب شعير أو دخن فيرجع إليه في ذلك،
ثم قال: " والتحقيق أن " أكثر " إن قرن بمن لم تجب مشاركته في الجنس، وإلا
وجب، لأن " أفعل " بعض ما يضاف إليه ".
بل في جامع المقاصد النظر فيما ذكره أخيرا، لصحة قولنا: " يوسف أحسن
44

إخوته " مع أنه ليس بعضا مما أضيف إليه - إلى أن قال -: " والذي يقتضيه النظر
أنه إن لم يذكر المميز في التفضيل فالابهام قائم، والمرجع في التفسير إليه، ولا
دليل على وجوب اتحاد الجنس، ومما يذكر من الآيات هنا فأكثرها مع المميز،
والذي لم يذكر فيه حذف منه اعتمادا على دلالة المقام، ولا يمكن الحكم بشغل
الذمة بمجرد الاستناد إلى قرائن الأحوال مع عدم التفسير ".
نعم إن فسر بعد ذلك بما ينافيها ولم يكن ثم مجاز في لفظ قبل، وهذا
هو المدار كما ذكرناه مكررا، فالكلام حينئذ في المقام مبني على أن التفسير بغير
الجنس في أفعل التفضيل من المجاز فلا يقبل في المنفصل، أو من الحقيقة فيقبل وإن
نافى قرائن الأحوال التي منها السكوت، ولعل الأقوى الأول.
ولو قال في المثال: " أكثر ذلك " لم تلزم الألف وإنما يلزمه أكثرها،
وهو ما زاد على نصفها، وتقدير " من " فيه لبيان الجنس لا للابتداء كما هو الشأن
في " من " التفضيلية في المجرد، فيكون التقدير حينئذ " له على الأكثر من بين
أفراد الألف " والله العالم.
* (ولو قال غصبتك شيئا وقال: أردت نفسك لم يقبل) * بلا خلاف أجده،
لأن الحر لا يغصب، إذ هو على المشهور الاستيلاء على مال الغير عدوانا، ونفسه
ليست مالا، ولتبادر كون المغصوب غير المغصوب منه، ولأنه جعل له مفعولين
الثاني منها " شيئا " فيجب مغايرته للأول
لكن في جامع المقاصد " لم لا يكون " شيئا " بدلا من الضمير، فالفعل حينئذ
متعد إلى مفعول واحد ".
وأجيب بأن المفعول إذا كان حرا لزم إثبات مفعول آخر يتعلق الغصب به
حقيقة، وفيه أن البدلية على فرض صحتها كافية في ذلك.
وأجيب أيضا بأن اشتراط إبدال النكرة من المعرفة أن تكون منعوتة، نحو
قوله تعالى (1): " بالناصية * ناصية كاذبة " وهو منتف هنا، وفيه أنه مناف

(1) سورة العلق: 96 - الآية 15 و 16.
45

لما حكاه في المسالك عن محققي أهل العربية كالزمخشري وابن هشام من جواز إبدال
كل منهما من الأخرى مطلقا. وجعلوا من ذلك قوله تعالى (1): " يسألونك
عن الشهر الحرام قتال فيه " وقوله تعالى (2): " قل هو الله أحد " إلى غير ذلك
من الآيات القرآنية والشواهد اللغوية، وفيه أنه يمكن قيام الظرف في الأول مقام
النعت، ومنع البدلية في الثاني، بل هو خبر للضمير الذي لفظ الجلالة عطف
بيان أو بدل منه.
نعم قد يقال: إن المنساق في الفرض المفعولية لا البدلية التي هي إن صحت
يكون بدل اشتمال فيه، وصحته مع تنكيره وخلوه عن ضمير راجع إلى المبدل
منه لا يخلو من نظر، فتأمل جيدا.
ولو كان المقر له عبدا فبناء على أن مدرك المسألة الأول صح التفسير به،
لأنه مال بخلافه على الثاني، إذ لا مغايرة حينئذ، ولعله الأقوى كما عن الشهيد
الجزم به.
ولو قال: " غصبته " وقال: " أردت نفسه " ففي القواعد قبل، وكذا لو قال:
" غبنته " لأنه قد يغصب ويغبن في غير المال، وقد يناقش بأنه مناف لما سمعته
من تعريف الغصب عند المشهور، نعم لو قلنا بأن الغصب القهر ظلما اتجه حينئذ
تفسيره به.
اللهم إلا أن يقال: إن أصل البراءة وقاعدة الأخذ بالمتيقن في الاقرار
يقتضي قبول تفسيره الغصب بذلك وإن كان مجازا إلا أن إرادة الحقيقة متوقفة على
إضمار " مالا " أو " شيئا " والأول أولى، لما عرفت، بل قد يقال: إن قبول
تفسيره بذلك أولى مما ذكروه من قبول تفسير الألفاظ السابقة بتلك الاحتمالات
البعيدة.

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 217 - 234.
(2) سورة الاخلاص: 112 - الآية 1.
46

المسألة * (الثالثة) *
* (الجمع المنكر يحمل على الثلاثة كقوله: له دارهم أو دنانير) * مع تعذر
التفسير، وإلا ألزم به، فإن أبى حبس على حسب ما سمعته سابقا، ضرورة عدم
الفرق بين المقام وغيره في الابهام، وإن حصل متيقن يؤخذ به، إلا أنك قد عرفت
كونه خبرا لا إنشاء، فهو مبهم فيما وقع منه في نفس الأمر، كما عرفت الكلام
فيه مفصلا.
نعم حمله على الثلاثة أو قبول تفسيره بها مبني على ما حرر في الأصول من
أن الحق كون أقله ذلك من غير فرق بين جمع القلة والكثرة عرفا وإن ذكر أهل
العربية الفرق بينهما، لكنه لعله اصطلاح خاص، نعم لو فسره بالاثنين بناء على
أنه من أهل النظر وكان إخباره مبنيا على ذلك أو قلد من يرى ذلك قبل تفسيره
به، أما لو فسره به بإرادة المجازية فلا يقبل إذا كان منفصلا.
* (ولو قال:) * " له * (ثلاثة آلاف " واقتصر كان بيان الجنس إليه إذا فسره
بما يصح تملكه) * بلا خلاف ولا إشكال، ضرورة معلومية الجنس والوصف في فاقد
التمييز من العدد، فيقبل تفسيره حينئذ بما يتمول ولو بحب الدخن ونحوه، نعم لو
فسره بقطعة واحدة تقبل التجزئة إلى ثلاثة آلاف جزء لم يقبل، لأن المتبادر من
ذلك الكم المنفصل لا المتصل، كما هو واضح.
47

المسألة * (الرابعة) *
* (إذا قال: له) * على * (ألف ودرهم ثبت الدرهم) * قطعا * (ورجع في تفسير
الألف إليه) * لابهامه باعتبار عدم ما يدل في اللفظ على تمييزه.
* (وكذا لو قال: ألف ودرهمان) * بل * (وكذا لو قال: مأة ودرهم أو
عشرة ودرهم) * بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل عن ظاهر التذكرة الاجماع
عليه. لأن الدرهم وقع معطوفا لا مميزا فكان كقوله: " ألف وعبد " و " ألف
ثوب وفرس " إلا أن عرفنا الآن قد يخالفه في مثل قوله: " له على درهم وألف " أو
" ألف درهم وعشرون " بناء على أن ذلك ونحو منه أيضا باعتبار عدم ذكر المميز
للألف والعشرين، والسابق لا يصلح مميزا للمتأخر عنه.
* (أما لو قال: مائة وخمسون درهما) * مثلا * (كان الجميع دراهم) *،
للعرف * (بخلاف) * قوله: * (مائة ودرهم) * الذي بالعطف يظهر منه
عدم التميز به.
* (وكذا) * يراد من الجميع الدارهم * (لو قال: " ألف وثلاثة دراهم ") * بل
* (وكذا لو قال: " ألف ومائة درهم " أو " ألف وثلاثة وثلاثون درهما ") * لأن
العرف يقضي بأن التمييز المتأخر للجميع، خلافا لما تسمعه من الفاضل وغيره ممن
حكى عنه، نعم لو فسره بعد ذلك بغيره أمكن القبول بناء على أن ذلك فهم
انسياق لا حقيقة، وأن مثله يقبل فيه التفسير بخلافه، بل جزم به في
التحرير، لا أنه إذا لم يفسره يبقى مجملا، فيقتصر فيه على المتيقن مما هو
أقل ما يتمول.
* (ولو قال: " على درهم وألف " كانت الألف مجهولة) * بلا خلاف أجده في
شئ من ذلك إلا ما في المختلف من أنه لو قال: " له على ألف وثلاثة دراهم "
48

أو " مائة وخمسون درهما " رجع إليه في تفسير الألف والمائة لا في الدراهم، والدرهم
ليس تمييزا للألف وللمائة، وكما يحتمل أن يكون تمييزا للمجموع يحتمل أن
يكون تمييزا للأخير، فلا يثبت في الذمة شئ بمجرد الاحتمال، قيل ولقوله
تعالى (1): " أربعة أشهر وعشرا " ومقتضاه التعدية إلى نحو ذلك من
الأمثلة.
بل في المسالك عن بعضهم التصريح بأن كل تمييز متأخر يعود إلى الذي
يليه خاصة مطلقا لأصالة البراءة، ولأنه كالاستثناء المتعقب للجمل المتعددة،
خصوصا إذا كان التمييز غير مطابق لجميع الأعداد، كقوله: " مائة
وعشرون درهما " فإن مميز المائة مفرد مجرور ومميز العشرين منصوب، فلا
يصلح لهما.
إلا أن ذلك كله كما ترى بعد وروده في الكتاب العزيز (2): " إن هذا
أخي له تسع وتسعون نعجة " وفي الحديث (3) " أن النبي صلى الله عليه وآله توفي وهو ابن
ثلاث وستين سنة " وقال الشاعر:
ولها اثنتان وأربعون حلوبة * سودا كخافية الغراب الأسحم.
إلى غير ذلك مما هو دال على المقصود، مضافا إلى فهم العرف الذي لا وجه
معه للاستدلال من بعضهم على الخلاف، إذ هو من قبيل إثبات اللغة بالعقل، ومن
الغريب دعوى عدم الالتفات إلى ذلك وإن كان ظاهرا في العرف، بناء على أن
القاعدة في الاقرار الاقتصار على المتيقن، فالاحتمال البعيد كاف في ذلك، إذ هو
كما ترى لا محصل له.
ومما ذكرنا يظهر لك الحال فيما فرعوه على المسألة من صحة البيع لو قال:
" بعتك بمائة وعشرين درهما " بناء على فهم العرف، وبطلانه بناء على

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 217 - 234.
(2) سورة ص: 38 - الآية 23.
(3) البحار ج 22 ص 503 ط الحديث.
49

ما سمعته من المختلف، اللهم إلا أن يقال: فرق بين الاقرار وغيره، للقاعدة
السابقة، فتأمل.
ولو قال: " له درهم ونصف " ونحوه فالظاهر عرفا إرادة نصف درهم، كما
صرح به غير واحد، لكن في الإرشاد يرجع إليه في تفسيره، إلا أنا لم نعمل أن
ذلك لانكار ظهوره في ذلك، أو لعدم العبرة بهذا الظهور في الاقرار
المبني على اليقين أو الحقائق اللغوية، وإن كان على كل حال فيه
ما لا يخفى.
نعم لو قال: " له نصف ودرهم " فالنصف مبهم عرفا، وكذا لو قال: " مأة
وقفيز حنطة " فالمائة مبهمة، ولا ينافي ذلك ما تقدم من الحمل على الدارهم في نحو
مائة وثلاثة دراهم بعد أن كان العرف الذي عليه المدار في جميع الأمثلة
فارقا.
المسألة * (الخامسة) *
* (إذا قال: له على كذا كان إليه التفسير كما لو قال: شئ) * فيقبل بما
يقبل فيه، كما عن جماعة التصريح بذلك مضافا إلى ما عن الصحاح والقاموس من
التصريح بأن " كذا " كناية عن الشئ، بل وإلى العرف إذا لم يكن إشارة إلى
شئ مخصوص.
لكن عن التنقيح أجمع الأدباء على أنه كناية عن العدد، بل عن المهذب
البارع لم يوجد في كلام العرب غير ذلك إلا أنهما معا اعترفا بأنه يستعمل عرفا
لغير العدد، وبأن الحقيقة العرفية مقدمة وحينئذ فالنتيجة واحدة، بل عن جماعة
التصريح بأن اصطلاح الأدباء عرف خاص، فلا يحمل عليه ألفاظ العرف العام، بل
لو قلنا إنه في اللغة والعرف العام يكون كناية عن العدد وعن الشئ فاللازم في الاقرار
50

الأخذ بالمتيقن، وحينئذ فلو كرره مرة أو أزيد بلا عطف كان تكريرا
للاقرار بالشئ
* (ولو فسره بالدرهم) * مثلا * (نصبا) * على التمييز كما هو المعروف
وعلى القطع كما عن بعض الكوفيين * (أو رفعا) * على البدلية من كذا الذي هو
بمعنى شئ * (كان إقرارا بدرهم) * واحد، بل عن التذكرة والإيضاح والمهذب
البارع والمقتصر الاجماع على ذلك في الرفع، * (و) * لعله كذلك.
نعم * (قيل) * والقائل الشيخ وابن زهرة والفاضل في الإرشاد والتبصرة:
* (إن نصب كان له عشرون) * درهما. * (وقد يمكن هذا مع الاطلاع على القصد) *
المتضمن لإرادة الكناية به عن عدد مفرد تميزه منصوب، وهو وإن كان متعددا إلا
أن أصل البراءة يوجب الاقتصار على المتيقن الذي هو الأقل، وفي محكي
التذكرة إن كان المقر عارفا وإلا رجع إلى تفسيره، وعن المختلف وغيره يحمل على
ذلك وإن كان من أهل اللسان، وعن السرائر أنه يرجع إلى تفسير المقر.
ولا يخفى عليك ما في الجميع ما لم يعلم إرادة المقر الكناية بذلك عن العدد
على الوجه الذي ذكرناه، لعدم فهم العرف العام منه ذلك، والأصل البراءة،
فيقتصر فيه على المتيقن الذي هو الدرهم إن لم نقل إنه الظاهر منه، بل لو قلنا
إنه كناية عن العدد لكن لا يفهم منه عرفا الكناية به على الوجه المزبور، لامكان
كون النصب كالرفع في إمكان إرادة الواحد الذي هو عدد أيضا، كما هو واضح،
هذا كله إن نصب أو رفع.
* (وإن خفض) * على الإضافة * (احتمل بعض الدرهم، وإليه تفسير البعضية) *
لامكان إرادته جزء درهم، وكذا كناية عنه احتمالا مساويا لغيره، فيقبل تفسيره
به، وحينئذ مع تعذره يقتصر عليه، لأنه المتيقن، ومن هنا جزم به المعظم.
* (و) * لكن * (قيل) * والقائل من عرفته في صورة النصب: * (يلزمه مائة
درهم) * وفيما حضرني من نسخة الشرائع بل هي التي شرحها في المسالك أيضا
* (مراعاة لتجنب الكسر) * أي بعض الدرهم * (ولست أدري من أين نشأ هذا
51

الشرط) * الذي مقتضاه اعتبار الصحة في الدرهم، مع أنه على تقدير، لا يقتضي المائة،
بل أقصاه لزوم الدرهم، كما في النافع والدروس واللمعة والتنقيح ونهاية المرام،
بل في الأخير والرياض نسبته إلى الأكثر بجعل الإضافة بيانية أو اللحن في الاعراب،
فيلحق بصورة الرفع والنصب.
بل في الإيضاح " لو قال كذا درهم صحيح بالجر لم يلزمه مأة باتفاق الكل،
وإن كانت موازنة المبهمات بالمعينات بواسطة الاعراب يقتضي ذلك، لأن التقييد
بالصحيح ينفي احتمال نصف درهم أو ثلث درهم " إلى آخره وإن كان دعواه الاتفاق
المزبور لا يخلو من نظر أو منع.
ومن الغريب دعوى ذلك من الشيخ، مع أن المحكي عنه الاعتراف بأن
الصيغة من غير الاقرار بالشئ لا تكون إقرارا بذلك الشئ ومن المعلوم أن دلالة
الاعراب إن كانت فهي ظنية، كمعلومية بناء نقل الأموال على الاحتياط التام
بل في الإيضاح الاجماع عليها.
نعم لو علم من المقر إرادة الكناية بذلك عن العدد على الوجه الذي ذكرناه
اتجه حينئذ إلزامه بالمائة، ولعله على هذا يحمل ما سمعته من الفاضل من الحمل
على ذلك إذا كان من أهل اللسان، فلا وجه لمؤاخذة الشهيد له بأنه إن أراد بكونه
من أهل اللسان كونه عربيا فلا ثمرة له، وإن عنى به كونه نحويا - وهو ظاهر
كلامه - فلنا أن نمنع اللزوم، لأصالة البراءة واحتمال الرفع البدل والنصب التمييز
والجر والإضافة، إلى آخره.
وكيف كان فلا ريب في عدم لزوم المائة مع عدم العلم بإرادة الكناية على
الوجه الذي ذكرناه، للأصل وعدم فهم أهل العرف موازنة المبهمات بالمعينات
بواسطة الاعراب ومقارنة اللفظ لآخر، بل هو في الحقيقة رجوع عن التعيين إلى
التخمين، ولا حمل للخطابات الجارية مجرى العرف العام على الاصطلاح الخاص،
بل الأقوى عدم لزوم الدرهم بعد احتمال إرادة الجزء على الوجه الذي ذكرناه،
هذا.
52

ولكن في حاشية الكركي على الكتاب " أن المصنف علل ما حكاه عن
الشيخ بلفظ القيل بمراعاة جانب الكسر، ثم طعن فيه بعدم استلزامه ذلك مبعدا
له ذلك بعدم علمه بالمنشأ، لاحتماله البعض، وكأنه أراد بالشرط الخفض وعبارته
تحتاج إلى تكلف ما ".
قلت: الظاهر بناء على النتيجة المزبورة أنه يريد التعليل بمراعاة جانب
الكسر أي الخفض المقتضي للموازنة بأقل عدد يكون كذلك وهو المائة كما
يحكى عن الشيخ التعليل به، ورده بأنه لم أدر من أين نشأ هذا الشرط، وهو اعتبار
الموازنة المذكورة على تقدير الجر والنصب بعد احتمالها غير ذلك، فتأمل جيدا
وإن كانت العبارة غير نقية.
ولعل ما فيها من التشويش ناش (1) من عبارة المبسوط، إذ هي تحرير
ما فيه، فإنه بعد أن جعل الأصح أولا ما ذكره المصنف من لزوم أقل درهم ثم
حكى القول بلزوم درهم أو مائة درهم قال: " وألزم من قال بما صححناه بأنه إذا
كسر كان إقرارا بدون الدرهم، لأنه أقل ما يضاف إلى الدرهم، فيقال: ثلثا درهم أو
بعشر درهم أو نصف أو ربع أو ثمن نظر الأول بأن لقائل أن يقول: إن ذلك
ليس بصحيح، وإنما هو كسر " وهي كما ترى، ضرورة عدم فساد بالتزام كونه
كسرا، والأمر سهل بعد أن عرفت تحقيق الحال.
كسهولة أمر المناقشة من المسالك في المحكي عن التذكرة عن بعض - مما
حاصله أنه إن قال: كذا درهم صحيح لزمه مأة، وإن لم يصفه بالصحة اكتفى بالجزء،
لأن الوصف بالصحة يمنع من الحمل على الجزء، لأنه كسر لا صحيح - بأن
الصحيح يقبل التجزئة كما يقبلها غيره، فيصح أن يريد به بعض درهم صحيح، بمعنى
أن بعض درهم الصحيح مستحق له، وباقيه لغيره، والنعت وإن كان الأصل فيه أن
يعود إلى المضاف دون المضاف إليه لأنه المحدث عنه إلا أنه مع الجر يتعين كونه

(1) في النسختين الأصليتين: " ناشئا " والصحيح ما أثبتناه.
53

نعتا للمضاف إليه، هو سائغ أيضا مع ظهور قصده، بل لعل التأمل يقضي كونها
مناقشة لفظية.
ولو وقف قبل تفسيره بجزء درهم، بل يلزم بذلك مع تعذر التفسير، لما
عرفت من كونه كذلك في صورة عدم الوقف، فمع الوقف المحتمل للرفع والجر
ينبغي الأخذ بالمتيقن، وهو جزء الدرهم، ولا يحتمل النصب بناء على وجوب
الألف فيه وفي الوقف، نعم لو قلنا بوجوب الدرهم في صورتي الرفع والجر اتجه
حينئذ إلزامه به في الوقف المحتمل لهما إذا أعرب، ولذا حمله غير واحد عليه،
بل نسبه بعضهم إلى الأكثر وإن كان فيه ما فيه.
* (و) * كيف كان فقد ظهر لك الحال مما ذكرناه فيما * (لو قال:) * له
علي * (كذا وكذا) * فإن الظاهر منه إرادة التأكيد الموافق لأصالة البراءة، كما
لو قال: شئ شئ، وحينئذ * (فإن اقتصر) * عليه * (فإليه التفسير) * بما يتحقق
به مسماه * (وإن اتبعه بالدرهم نصبا) * على التمييز أو القطع * (أو رفعا) * على
البدلية * (لزمه درهم) * واحد وإن خفضه ففيه الكلام السابق من الالتزام بالدرهم
أو جزء جزئه الذي مرجعه إلى الجزء أيضا.
* (وقيل) * والقائل من عرفت: * (إن نصب لزمه أحد عشر) * درهما بناء على
الموازنة المزبورة، فإنه أقل عدد مركب من دون عطف، ومع الجر والوقف يلزمه مع
تعذر التفسير ما يلزمه مع الجر بلا تكرار، ضرورة احتماله على المختار إضافة جزء إلى
جزء ثم أضاف الآخر، فيكون نحو نصف تسع درهم، وحينئذ لا فرق بين تكرار
" كذا " المحمول على التأكيد وعدمه.
أما على كلام الشيخ فيأتي التزامه بثلاث مائة درهم، لأنه أقل عدد أضيف
إلى آخر وميز بمفرد مجرور، إذ فوقه أربع مائة إلى تسع مائة، ثم مائة مائة
ثم مائة ألف، ثم ألف ألف، فيحمل على المتيقن، واحتمال تركيب أحد عشر
وشبهه مما لا يأتي، لأن مميزه لا يأتي مجرورا، والمأتان وإن كانت أقل وفي
قوة تكرار المائة إلا أنه مثنى والفرض الافراد، وهذا وإن لم يصرح به الشيخ
54

لكنه لازم له.
وكذا لو كررها وأتبعه مرفوعا أو منصوبا لزمه واحد على ما قلناه، ومع
الجر والوقف يلزمه جزء درهم أو جزء جزء جزء درهم، وهما بمعنى، إذ
الأخير أحد مصداق الأول أيضا ولم يحك عن الشيخ هنا شئ لا في النصب
ولا في الجر.
* (ولو قال: كذا وكذا درهما نصبا أو رفعا لزمه درهم) * بلا خلاف فيه
بيننا في صورة الرفع، نعم عن الشافعي قول بلزوم درهم وزيادة، لأنه ذكر سببين
متغايرين بالعطف، فيجعل الدرهم تفسيرا للقريب منهما، وهو معطوف، فيبقى
المعطوف عليه على إبهامه، فيرجع في تفسيره إليه على حسب ما عرفته، وهو مناف
لأصل البراءة بعد احتمال جعل الدرهم بدلا من مجموع المعطوف والمعطوف
عليه، على أن يكون المعنى " له علي كذا وكذا شئ وشئ هو
درهم ".
ومنه يعلم الحال في صورة النصب المحتملة لكون التمييز بالدرهم لهما أيضا
وإن احتملت مع ذلك درهمين، لأنه ذكر جملتين وفسر بدرهم، فيعود إلى الجميع
كمائة وعشرون درهما واحتملت أكثر من درهم بناء على أنه تفسير للأخير ويبقى
الأول على إبهامه، إلا أن أصل البراءة يعين الأول.
* (و) * منه يعلم ضعف ما * (قيل) * من أنه * (إن نصب لزمه أحد
وعشرون) * كما عن الشيخ ومن عرفت بناء على الموازنة المذكورة التي بعد
تسليم احتمال اللفظ تنفى بأصل البراءة وقاعدة الاقتصار في الاقرار بمثل ذلك على
المتيقن * (و) * هكذا الكلام في جميع ما ذكر في صور المقام التي عرفت الكلام
في أصلها مفصلا.
كما عرفت أن * (الوجه الاقتصار) * في المقام ونظائره * (على اليقين إلا
مع العلم بالقصد) * إن تعذر التفسير، وإلا كان إليه على حسب ما سمعت
55

في غيره من الاقرار بالمبهم، وألزم البيان على نحو ما سمعته في الاقرار
بالمبهم.
المسألة * (السادسة) *
* (إذا قال: هذه الدار) * مثلا * (لأحد هذين) * مثلا صح و * (ألزم
البيان) * على نحو ما سمعته في الاقرار بالمبهم، إذ لا فرق بي الابهام بين المقر به
والمقر له، وحينئذ * (فإن عين) * أحدهما * (قبل) * وسلمت إليه، لأنه ذو يد
ولو للأصل، فينفذ إقراره، وربما احتمل عدم قبول إقراره في التعيين، لخروجها
عن يده بالاقرار الأول، فهو حينئذ شاهد يجري عليه حكمه، هما معايدهما
عليها أو خارجان عنها، وتفصيل ذلك في كتاب القضاء.
* (و) * على الأول * (لو ادعاها الآخر كانا خصمين) * إلا أن من أقر بها
له ذو يد، فيكون داخلا والآخر خارجا، ويجري عليهما حينئذ حكم دعوى
الداخل والخارج.
* (ولو ادعى) * الخارج * (على المقر العلم كان له إحلافه) * على نفيه وعلى
البت إن ادعى عليه الغصب مثلا منه، لعموم " البينة على المدعي واليمين على من
أنكر " (1) ولأنه لو أقر له تبعه بالغرم عنها، فإن نكل حلف المدعي وغرم،
ولكن عن التذكرة " لو قلنا إنه لا يغرم لو عاد إلى الاقرار لم يحلف إذا نكل،
لأنه لا يلزمه شئ، وإن قلنا إنه يغرم عرضنا عليه اليمين، فإن حلف سقطت
الدعوى، وإن نكل حلف المدعي وغرم " وفيه أن أصل الدعوى غير متوجهة
على البناء المزبور فضلا عن الحلف، على أن ما ذكره مبني على أن اليمين

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 من كتاب القضاء
وفيه " البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه " وفي المستدرك الباب - 3 - منها
الحديث 4 وسنن البيهقي ج 10 ص 252 " البينة على المدعي واليمين على من أنكر ".
56

المردودة كالاقرار، أما بناء على أنها كالبينة أو أصل مستقل برأسه فالمتجه إحلاف
المدعي وغرامة المقر وإن لم نقل يغرم بالاقرار، ضرورة كونها كالبينة أو
أصلا مستقلا.
ثم إن أصر المقر على أنها لمن عين فذاك * (ولو أقر للآخر) * المدعي
* (لزمه الضمان) * للمثل أو القيمة، للحيلولة، إذ لا تنتزع من الأول الذي قد سبق
حقه بالاقرار السابق، نعم لو صدقه الأول دفعت إليه ولا غرامة، كما أنه كذلك لو
ثبت سبق إقراره بها للعين وكذب المقر له ثانيا ذلك، أما إذا لم يكذب فالغرامة
له عليه، كما هو واضح.
وكيف كان فهل للمقر بعد إقراره للثاني إحلاف الأول؟ وجهان: من
عموم " اليمين على من أنكر " (1) وأنه يدفع به الغرم عن نفسه لو أقر بها، ومن أن
المقر مكذب نفسه في دعواه أنها للثاني باقراره الأول، وأنه لو نكل امتنع الرد،
إذ لا يحلف على أثبات مال غيره، وفي المسالك " وهو حسن إلا أن يظهر لاقراره
ما يدفع التكذيب كالغلط فالأول أحسن " وفيه أن الظاهر حسنه على
كل حال.
وعلى الأول فحلفه على نفي العلم بأنها للثاني، لأنه ربما استند في ملكها
إلى الاقرار خاصة، فلا يمكنه الحلف على البت مع احتماله، لأنه مالك بحسب
ظاهر الحال وقد ادعى فيما هو ملك له، فيحلف على البت.
* (ولو قال) * المقر لما طولب بالبيان: * (لا أعلم دفعها إليهما) * برضاهما
أو بالدفع إلى وكيلهما، لانحصار الحق فيهما، أو الحاكم * (وكانا) * معا
* (خصمين) * فيلزمها حكم المتداعيين الخارجين عن العين، لأن يد وكيلهما
كانت احتياطا.
ثم إن صدقاه على عدم العلم فذاك * (ولو ادعيا) معا * (أو أحدهما علمه) *
بأنها لأحدهما * (كان القول قوله مع يمينه) * على نفي العلم، كما أن لأحدهما

(1) راجع ص 56.
57

على الآخر ذلك أيضا إن ادعاه عليه وذلك كله واضح.
بل مما ذكرناه في تفسير العبارة يندفع ما أورده الكركي وثاني الشهيدين
على المصنف بأن في تسلميه إليهما تسليما لغير المالك بعد أن اعترف أنها لأحدهما
دون الآخر قال: " والوجه رفع الأمر إلى الحاكم ليسلمها إلى من تثبت له
خاصة " إذ قد عرفت أن المراد دفعها إليهما على الوجه المزبور.
ولو قال: " هذا لزيد أو للحائط " مثلا فلا إقرار وإن تردد فيه الفاضل
وولده بلا ترجيح، لأن ترديده بين القابل للملك وغيره يجري مجرى قوله: " هو
لزيد أوليس له " ولا ريب في عدم كونه إقرارا، نعم لو قال: " هو له وللحائط "
كان إقرارا له بالنصف في وجه قوي، بل في القواعد وغيرها هو الأقوى، بل ربما
احتمل كون الجميع لزيد، لامتناع كون الحائط مالكا فيلغو بعد اعترافه بانحصار
الملك فيهما وإن كان فيه أن إلغاء ذكر الحائط لا يقتضي استحقاق زيد ما لم يقر
له به، كما هو واضح.
المسألة * (السابعة:) *
* (إذا قال هذا الثوب أو هذا العبد) * مثلا * (لزيد) * كان من الاقرار
بالمبهم عكس السابقة، لأن " أو " للابهام لغة وعرفا، وحينئذ * (ف‍) * يأتي فيه ما
يأتي في نظائره مما سمعته سابقا.
و * (إن عين قبل منه) * بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل ولا إشكال
حتى في قبول تعيينه، استصحابا لبقاء حكم يده على الملك، فإن وافقه المقر له
فذاك * (وإن أنكر) * أي * (المقر له كان القول قول المقر مع يمينه) * فإذا
حلف سقطت دعواه ولكن ليس له تسليم ما أقر به له مع إصراره على نفيه منه.
* (و) * إنما هو مجهول المالك باقراره الأول ف‍ * (للحاكم انتزاع ما أقر به) *
منه وحفظه إلى أن يظهر مالكه، لأنه ولي من لا ولي له، وفي المسالك وغيرها
58

" أو يرجع المقر له عن الانكار * (وله إقراره في يده) * التي لم يثبت عدوانها،
ولأنه يكلف بايصاله إلى مالكه بدس ونحوه.
هذا وظاهر ما سمعته من المسالك وغيرها المفروغية من قبول رجوع المقر
له إلى التصديق واستحقاقه حينئذ المقر به، ومن عدم تسليمها إلى المقر له بعد
نفيها عنه، وفي حاشية الكركي تعليل الأول بانحصار الحق فيهما، وبأنه برجوعه
يدعي مالا لا يد لأحد عليه، ولم يسبق منه الاعتراف به لغيره، قال: " فإن قيل
يلزم من إنكار كونه ملكا له كون الملك لغيره، لامتناع ملك بغير مالك، قلنا:
كلامه لا يدل على ذلك بشئ من الدلالات، نعم هو مستفاد من خارج،
فلا يكون مانعا من قبول رجوعه إذا لم يثبت بقوله حقا لغيره ثم رجع
عنه ".
قلت: قد يناقش (أولا) بأن الاعتراف به لغيره مدلول التزام لعبارته
و (ثانيا) بأن نفيه له عن نفسه اعتراف بخروجه عنه، فيؤخذ به وإن لم يعترف
به للغير، إذ قد عرفت أن متعلق الاقرار يكون إثباتا ونفيا، اللهم إلا أن يكون
إجماعا، وقاعدة سماع الاقرار بعد الانكار إنما هي فيما لا يقتضي الرجوع
عن الاقرار الأول، كما لو أنكر مثلا دينا لزيد عليه ثم أقر به ونحو
ذلك، فتأمل جيدا.
ولعله لذا قال في المحكي من قضاء التحرير: " فإن رجع المقر له وقال:
غلطت بل هو لي ففي قبول ذلك منه إشكال، ولو رجع المقر وقال: غلطت بل
هو لي فإن كان في يده فالأقرب القبول، وإن لم يكن في يده فالأقرب العدم، لانتفاء
سلطنة اليد، وهكذا كل من نفى عن نفسه شيئا ثم رجع فيه قبل أن يقر
لغيره أو بعده " إلى آخره.
إلا أنه مناف لما جزم به هنا في القواعد ومحكي التذكرة والتحرير والإيضاح
وجامع المقاصد ومجمع البرهان من التسليم إلى المقر له إذا رجع إلى الانكار
الذي قد سمعت المفروغية منه في المسالك وحاشية الكركي معللين له بما سمعت،
59

وبأن أقوال المسلمين وأفعالهم محمولة على الصحة إذا احتملت، وهي هنا محتملة،
لاحتمال نسيان كونه له أولا ثم تذكر، واحتمال انتقاله إليه الآن بإرث ونحوه
وقد نهى الشارع عن التجسس ولأنه مال لا يدعيه غيره، وصاحب اليد مقر له به، وقد
زال حكم الانكار بالتصديق، فيبقى الاقرار سليما عن المعارض.
والجميع كما ترى بناء على مؤاخذة المقر باقراره تعبدا وإن كان
نفيا، نعم لو قلنا بمؤاخذته للمعارض اتجه قبول رجوعه، لعدم المعارض
حينئذ.
لكن منه يتجه قبول رجوع المقر فيما أقر به للغير الذي نفاه وبقي مصرا،
مع أنه في القواعد جعل الأقرب عدم القبول فارقا بين المقر والمقر له، بل هو المحكي
عن الكتب السابقة أيضا بل ظاهر ما سمعته من تعليل الكركي المفروغية من عدم
قبول رجوعه، لأنه قد صرح بكونه للغير، ولم يقتصر على نفيه عن نفسه كالمقر
له، فاقراره الأول حينئذ قد مضى عليه، وحكم عليه به، والمشروط بعدم التكذيب
إنما هو نفوذ الاقرار في حق المقر له بحيث يجب عليه تسليم المقر به لا أن
ذلك شرط صحة الاقرار في نفسه، إذ لا دليل عليه، نعم قد سمعت ما حكيناه عن
قضاء التحرير وعن مجمع البرهان أنه لم يستبعد قبول رجوعه مع إصرار المقر
له على الانكار، لما سمعته من أصالة الصحة وعدم المعارض.
وفي القواعد الحكم ببطلان الاقرار لو ادعى المقر له جنسا غير ما فسره
المقر أو لم يدع شيئا، ونحوه عن المبسوط بناء على أن معنى بطلان إقراره عدم
مؤاخذته بما أقر به من الدارهم مثلا تفسيرا التي أنكرها المقر له.
وتحقيق المسألة ما أشرنا إليه من أن أقصى أدلة الاقرار إلزام المقر بما
أقر به لم أقر له به على وجه لا يسمع إنكاره مع مطالبة المقر له بما أقر به
وإن لم يكن له طريق إلا إقرار المقر، أما إذا اعتقد نفيه عنه ونفاه ورجع المقر
عن الاقرار وادعى المال لنفسه فلا دليل على لزوم إقراره به.
وربما يشهد له في الجملة قولهم: " ينتزعه القاضي أو يقره في يده " معللا
60

بعضهم الأخير بامكان رجوعه به وإن كان فيه ما فيه. بل العبارة في أصل الحكم أيضا
لا تخلو من تشويش، ضرورة ظهورها في كون التخيير للقاضي على وجه لا معارضة
للمقر في ذلك. مع أن ما ذكروه من التعليل بأن يده غير عادية ونحوه قاض
بعدم سلطنة للحكام على مال في يد مسلم يعلم صاحبه بزعمه ومكلف بايصاله
إليه ولو بدس ونحوه ولم يثبت عدوان يده عليه.
ولعله من هنا جعل فخر المحققين " أو " في قول والده: " ثم إما أن يترك في
يد المقر أو القاضي " للترديد لا التخيير، بل عن جامع الشرائع الحكم ببقائها في
يد المقر إلا أنه خلاف ظاهر المتن أو صريحه كالإرشاد والتذكرة وجامع المقاصد
والمسالك وغيرها على ما حكي عن بعضها
نعم في غاية المراد " أنها تبقى في يد المقر إن قبلنا رجوعه، لأصالة بقائه،
ولا مكان أن يدعيها فتثبت له، وإن لم نقل به ففي انتزاعها منه وجهان، الأول
نعم، لأنه عزاه إلى غيره، والحاكم ولي الغير، والثاني لا، لأن القابض له أهلية
الامساك، الظاهر أنه غير ظالم، لأصالة صحة تصرف المسلم، فتبقى يده على ما
كانت عليه، لأصالة بقاء حق الامساك " وإن اعترضه الكركي بأن الاستحقاق خلاف
الأصل، كما أن العدوان خلاف الأصل، لتوقف كل منهما على سبب يقتضيه،
والأصل عدمه، واليد الشرعية أعم من استحقاقها الإدامة وعدمه، لامكان حصول
المقر به في يد المقر بوجه حسبة كالتخليص في يد ظالم وإطارة الريح الثوب إلى داره
والأصل عدم ما يقتضي أمرا زائدا.
ولكن فيه أن يد المسلم يكفي في صحتها الاحتمال، وذو اليد الشرعية أيضا
هو المكلف بايصال المال إلى صاحبه، بل التحقيق أن مجهول المالك ليس للحاكم
انتزاعه من يده قهرا، لاطلاق أوامر (1) الصدقة به الظاهرة في أن لمن في يده
ذلك، وحينئذ فالتحقيق عدم سلطنة الحاكم على انتزاع ما نحن فيه قهرا من

(1) الوسائل الباب - 2 - من كتاب اللقطة الحديث 2 و 7 والباب - 7 -
منه.
61

يده لأن أقصاه كونه مجهول المالك بلا عدوان من صاحب اليد.
ومنه يظهر لك النظر في التخيير المزبور الذي قد صرح به غير
واحد.
كما أن التحقيق كون الاقرار حجة للمقر له على المقر، فمع فرض
تكذيبها لا تكون حجة كالبينة، فحينئذ إذا توافق المقر والمقر له على خطأ
الاقرار وكذبه أو التواطؤ فيه والفرض انحصار الحق فيهما يتجه قبول الرجوع
من كل منهما إثباتا ونفيا، نعم لو أصر المقر على كونه للغير والمقر له على نفيه
كان من في يد المال بالخيار بين إبقائه في يده والتوصل إلى إيصاله، والدفع إلى
الحاكم بناء على شمول ولايته للفرض.
ولا فرق في ذلك بين عدالة المقر وعدمها، فما عن التذكرة والإيضاح من
اعتبارها في البقاء في يده لا دليل عليه، ولا تصغي في المقام إلى دعوى الاجماع، فإن
المتعرض من عرفت مع عدم خلو كلامهم عن التشويش والاضطراب، على أن
جملة منهم ذكروا الحكم بلفظ الأقرب ونحوه.
نعم يبقى الكلام بناء على ما ذكرنا فيما لو رجع المقر والمقر له دفعة،
ولعل المتجه فيه كونه للمقر، وأولى من ذلك لو رجع قبل رجوع المقر له، أما
لو رجع المقر له والمقر باق على الاقرار أنه له فهو للمقر له دون المقر، فتأمل
جيدا، فإن المقام لا يخلو من مزلقة للأقدام، والله أعلم بحقائق الأحكام.
ثم إن ظاهر قوله في القواعد وغيرها: " لا يسلم للمقر له مع التكذيب "
عدم جواز ذلك، لكن قد يشكل بأن المقر مع إصراره على الاقرار بأنه له إذا
دفعها إليه مع الانكار لم يكن قد دفع إليه إلا ماله بزعمه، فله التسليم
حينئذ بمقتضى إقراره.
ومن هنا قيل: إن المراد من نحو العبارة المزبورة عدم التسليم على طريق
اللزوم والوجوب.
وربما وجه الأول بأن المقر به قد نفاه عن نفسه بتكذيبه، فكيف يجوز
62

تسليمه ما ليس له؟ بل لعله من الإعانة على الإثم بزعم المقر له، وفي جامع المقاصد
" ربما بني ذلك على أن المقر هل هو مؤاخذ باقراره هذا أم لا؟ فعلى الأول يجوز
له التسليم، إذ هو بالنسبة إليه مال المقر له، وعلى الثاني لا يجوز له " وكان فيه
إشارة إلى ما ذكرناه من اعتبار عدم التكذيب في حجية الاقرار وعدمه.
وليس في شئ من كلامهم التعرض إلى أن موضوع المسألة بالنسبة إلى
الحاكم أو بالنسبة إلى ما بين المقر والمقر له، كما أنه ليس فيه التعرض إلى
أن ذلك من حيث الاقرار أو من حيث الاطلاع على الواقع أن العين للمقر له،
فإنه جهة أخرى غير الالزام بمقتضى الاقرار الذي قلنا يعتبر في حجيته على المقر
عدم تكذيبه كالبينة، ولذا قلنا فيما سبق: إن العين يبقى في يد المقر يدسها في
مال المقر له أو يوصلها إليه بطريق آخر.
ولو أصر المقر على عدم التعيين لجهل أو نسيان رجعا إلى الصلح في العين،
وفي المسالك " يحتمل قويا - مع عدم اتفاقهما على الصلح - القرعة بينهما
في العين، لأنها لكل أمر مشكل، خصوصا فيما هو معين عند الله مشتبه عندنا،
والحال هنا كذلك ".
قلت: كما أنه يحتمل كون الصلح قهرا من الحاكم قطعا للخصومة، فلا
مدخلية لاتفاقهما عليه، بل قد يستفاد مما تقدم في الصلح وتسمعه في كتاب القضاء
احتمال الحكم باشتراك العين بينهما.
ولو قال: " له درهم أو درهمان " ثبت الدرهم وطولب بالجواب عن الثاني،
وكذا لو ردد بين ألف وألفين مطلقين، لكن في المسالك احتمال لزوم الأكثر على
تقدير البدءة به لأنه كالرجوع عن الاقرار، فلا يسمع، ونحوه ما عن أول الشهيدين
فيما لو قال: " له علي دينار أو درهم " من الالتزام بالأول، بل عنه أنه قواه،
وفي الدروس " لو قال: له علي ألف أو مأة احتمل المطالبة بالتعيين ولزوم الأول،
ولو قال: له علي مأة أو ألف احتمل لزوم الثاني ".
63

ولكن الجميع كما ترى ضرورة اعتبار تمامية الكلام نصا (1) وفتوى في
اللزوم بمقتضاه، كما هو واضح.
المسألة * (الثامنة:) *
لو قال: له عندي دراهم وديعة، ففي القواعد والدروس وجامع المقاصد
ومحكي المبسوط والتذكرة والتحرير والحواشي قبل تفسيره سواء اتصل كلامه أو
انفصل، بل هو مقتضى إطلاق المحكي عن السرائر قبول تفسيره، بل في جامع المقاصد
إطباقهم على القبول سواء صدقه عليه المالك أو لا، وذكروا وجهه أنه مع الاتصال
لا يرفع مقتضى الاقرار فيقبل، وأما مع الانفصال فلأن قوله: " عندي " يحتمل
الوديعة وغيرها، فيكون التفسير بها تفسيرا للفظ ببعض محتملاته مع اعتضاده بأصل
البراءة، هذا.
ولكن في القواعد متصلا بما سمعت " ولو ادعى المالك أنها دين فالقول قوله
مع اليمين، بخلاف ما لو قال: أمانة " وقد قال بعض شراحه: " إنا لم نجد ذلك
لغيره من العامة والخاصة ".
ووجه بأن الوديعة تقتضي القبض والأخذ من المالك، فبمقتضى قوله صلى الله عليه وآله (2):
" على اليد ما أخذت حتى تؤدي " يجب أن يقدم قول المالك في أنها دين، لأن
الدين لا يتحقق البراءة منه إلا بأدائه، ولو قدمنا قول المقر لوجب أن يقبل قوله
في المسقط كالتلف، وهو خلاف مقتضى الخبر.
أو يقال: كونها وديعة يتضمن تقديم قول المقر في الرد وفي التلف، وذلك

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب آداب القاضي الحديث 3 من كتاب
القضاء.
(2) سنن البيهقي ج 6 ص 95.
64

زائد على أصل كونها عنده، وهو دعوى على الغير، فمقتضى قوله صلى الله عليه وآله (4):
" البينة على المدعي " يجب أن لا ينفذ الاقرار في ذلك، لأن نفوذه إنما هو في حق
المقر دون غيره.
أو يقال: إن المراد من قبول التفسير في العبارة مع عدم مخالفة
المالك.
إلا أنه في جامع المقاصد قال: " في الكل نظر، أما الأول فلا نسلم أن
تقديم قول المقر يقتضي خلاف مقتضى الخبر، لأن ذلك إنما يلزم لو لم يكن يده
التي أقر بها تقضي تقديم قوله، أما معه فلا، وذلك لأن الأصل براءة ذمته، فإذا
أقر بما شغلها وجب الوقوف على مقتضاه، والمقر به هو الاشتغال بحكم الوديعة،
فلا يتجاوز إلى حكم الدين وغيره، وأما الثاني فلأن نفوذ التفسير بالوديعة يقتضي
عدم شغل ذمته بالبينة على الرد أو التلف عند الاختلاف فيهما استنادا إلى أصالة
البراءة وعدم تحقق شاغل سوى الوديعة المقر بها، فتقديم قوله ليس لكونه مدعيا
ليخالف مقتضى الخبر، بل استنادا إلى أصل البراءة، وأما الثالث فلأنه مع مخالفته
لظاهر العبارة المتبادر من قبول التفسير غير صحيح في نفسه، لاطباقهم على قبول التفسير،
سواء صدق عليه المالك أم لا، ولأن اعتبار عدم مخالفة المالك يقتضي عدم الفرق بين
هذه المسألة وغيرها وقد صرح المصنف في التحرير بخلاف هذا الحكم، قال: " إذا
قال: له عندي دراهم ثم فسر إقراره بأنها وديعة قبل تفسيره، سواء فسره بمتصل
أو منفصل فيثبت فيها أحكام الوديعة من قبول ادعاء التلف أو الرد، وبهذا صرح في
التذكرة أيضا وشيخنا في الدروس، وهو المختار - ثم قال -: واعلم أن قوله:
بخلاف ما لو قال أمانة " المراد به أنه لو قال: له عندي دراهم أمانة وادعى
المالك أنها دين قدم قول المقر باليمين لا المالك، والفرق أن الأمانة لا تستلزم
القبض، لامكان إطارة الريح المال إلى ملك المقر أو وضع المالك إياها أو غيره في

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 من كتاب
القضاء.
65

منزله، فلا يثبت دخوله في العهدة إلى الأداء وهذا الفرق ضعيف كما عرفت،
والحكم واحد ".
قلت: قد تقدم في الكتب السابقة معلومية تقديم مدعي القرض على مدعي
الوديعة، لموثق إسحاق بن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام المروي في الكافي
والتهذيب " في رجل قال لرجل: لي عليك ألف درهم، فقال الرجل: لا ولكنها
وديعة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: القول قول صاحب المال مع يمينه " وموثقه الآخر (2)
الذي رواه المشائخ الثلاثة قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل استودع رجلا
ألف درهم فضاعت، فقال الرجل: كانت عندي وديعة، وقال الآخر: إنما كانت
لي عليك قرضا، قال: المال لازم له، إلا أن يقيم البينة أنها كانت
وديعة ".
بل ظاهر المحكي عن ظاهر التذكرة في ذلك المقام موافقتها لمقتضى الضوابط
التي منها أصالة الضمان بالاستيلاء على مال الغير، قال: " لو ادعى صاحب اليد أن
المال وديعة عنده وادعى المالك الاقتراض قدم قول المالك مع يمينه، لأن المتشبث
يريد بدعواه رد ما يثبت عليه من وجوب الضمان بالاستيلاء على مال الغير، فكان
القول قول المالك، ولرواية إسحاق " وحكاه في المختلف عن الشيخ في النهاية وابن الجنيد،
ثم حكي عن ابن إدريس التفصيل بأن المدعى عليه إن وافق المدعي على صيرورة
المال إليه وكونه في يده ثم بعد ذلك ادعى أنه وديعة فلا يقبل قوله، وأما إذا لم
يقر بقبض المال أولا بل ما صدق المدعي على دعواه، بل قال: " لك عندي وديعة "
فليس الاقرار بالوديعة بالتزام الشئ في الذمة، وقال: وفرق ابن إدريس
ضعيف.
وبالجملة لا إشكال في أصل المسألة نصا وفتوى، نعم كان الفاضل نظر إلى
اقتصار الخبرين على الوديعة، ففرق بينها وبين الأمانة، بل عن الشهيد أنه حكي

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الرهن الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الوديعة الحديث 1.
66

عن إملائه التصريح بما سمعته من الفرق المزبور وزاد بأن الاعتراف بالوديعة يستلزم
القبض، والأصل فيه الضمان للخبر.
نعم قد يناقش بأن الاعتراف بكونها أمانة يستلزم الاعتراف بالقبض، على
معنى دخولها في قبضته واستيلائه، ومع فرض أن الأصل فيه الضمان لا يتفاوت بين
دعوى الوديعة وغيرها مما يندفع به الضمان.
كما أنه قد يناقش بالتنافي بين الحكم بأن القول قول المالك مع اليمين لو
ادعى القرض وبين قبول التفسير بالوديعة اتصل كلامه أو انفصل، اللهم إلا أن
يريد بالقبول عدم التنافي بين إقراره بأن عنده دراهم وبين كونها وديعة، سواء
اتصل أم انفصل لا أن المراد القبول على وجه يمضي على المالك لو ادعى القرض مثلا،
والاطباق الذي ذكره في جامع المقاصد واضح المنع إذا فرض إرادته ذلك، وما
حكاه عن التحرير والدروس لا ينافي ما ذكرنا من إرادة قبوله من حيث عدم المنافاة
فتأمل جيدا.
وكيف كان ف‍ * (إذا قال: " لفلان علي ألف " ثم دفع إليه) * ألفا * (وقال:
هذه التي كنت أقررت بها كانت وديعة فإن) * صدقه المقر له فلا بحث، وإن
كذبه أي * (أنكر المقر له) * ذلك، وقال له: " هذه هي وديعة ولي عليك ألف
أخرى دينا وهي التي أردتها باقرارك " * (كان القول قول المقر مع يمينه) *
وفاقا للأكثر، للأصل، ولأن " علي " غير منحصر مدلولها في الثبوت في الذمة،
لاحتمال إرادة صيرورتها مضمونة عليه بالتعدي وإن كانت عينها باقية، ولو سلم
انسياق الأول منها فهو تبادر إطلاقي يقبل فيه التفسير بخلافه الذي لم يخرجه عن
حقيقته، بل أقصاه الخروج به عن إطلاقه مع السكوت عليه، كما عرفت الكلام في
نظائره. بل لم أجد في ذلك خلافا إلا من الحلي في المحكي من سرائره منا ومن
أبي حنفية وأحمد من العامة.
نعم توقف فيه الفاضل في القواعد من دون ترجيح، وكذا الشهيد في المحكي
من حواشيه عليها، ولعله لاقتضاء " علي " الايجاب في الذمة بقرينة الاكتفاء بها
67

في الضمان، فلا يقبل تفسيره بالوديعة، بل هو كما لو أقر بثبوت ثوب في ذمته فجاء
بعبد قد أعترف بأنه للمقر له مفسرا به ذلك.
ولكن فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم وضع " علي " لذلك، بل هي للأعم
منه مع دخولها في ضمانة وعهدته لتعد أو تفريط، فإن صدق كونها عليه لا ينكر،
فهي حينئذ للقدر المشترك الذي لو سلم انسياق الذمة منها فلا يخرج تفسيره بها
عن الحقيقة، وقد عرفت قبول التفسير بالخلاف في نظائره.
مضافا إلى ما عن الشيخ في الخلاف من أنه " أجمعنا على أنه إذا قال: لفلان
ألف وديعة قبل منه ذلك، ولو كان قوله: له علي ألف يقتضي الذمة وجب أن
لا يقبل تفسيره بالوديعة، لأنه أقر بألف ثم عقبه بما يسقطه، ولأن حروف
الصلات يقوم بعضها مقام بعض، كما في قوله تعالى (3): " ولهم علي ذنب " أي
عندي. " ولأصلبنكم في جذوع النخل " (4) أي عليها، فيجوز إرادة " عندي "
من " علي " هنا " وإن كان قد يناقش بأن قبوله مع الاتصال الذي لا بحث فيه
لا يقتضي قبوله مع الانفصال الذي هو محل البحث، وقيام حروف الصلة مقام بعض
من باب المجاز الذي لا يقبل في الاقرار مع الانفصال، وإلا لأفسد بابه، فالتحقيق
حينئذ في الجواب ما ذكرناه، ولا ينافيه الاكتفاء بها في الضمان الذي يكفي فيه
إنشاء كون ما في ذمة زيد مثلا في عهدته الذي هو معناها، لكن لما لم يكن فرد
غير الثبوت في الذمة فيه تعين كونها ضمانا، والله العالم.
* (وكذا لو قال: " لك في ذمتي ألف " وجاء بها وقال: هي) * أي التي
أقررت بها * (وديعة وهذه بدلها) * إذ أقصى ما في كلامه تفسير كيفية كونها في
ذمته، ولعله لأنها تلفت منه بتعد أو تفريط، فصح الاخبار عنها أنها في ذمته
وأن ما دفعه بدل عنها، وكأنه إلى ذلك أشار في الدروس بقوله: " أما لو قال

(1) سورة الشعراء: 26 - الآية 14.
(2) سورة طه: 20 - الآية 71.
68

هذه بدلها وكانت وديعة فإنه يقبل للمطابقة، أي بين دعواه وتفسيره، فيكون المراد
من قوله: " وديعة " في المتن أي كانت وديعة ولكن تلفت تلف ضمان، فصار بدلها
في الذمة فدفعه بدلا عنها، وبذلك تطابق تفسيره ودعواه، ولعله لذا لم يحك الخلاف
فيها عن ابن إدريس، نعم توقف فيها الفاضل كالأولى ".
ولكن في المسالك " إن لم يقبل في الصورة الأولى فهنا أولى، وإن قبلنا
قوله فوجهان هنا: أحدهما - وهو الذي قطع به المصنف - القبول، لجواز أن
يريد به ألف في ذمتي إن تلفت الوديعة، لأني قد تعديت فيها، أو يريد كونها
وديعة في الأصل، وأنها تلفت ووجب بدلها في الذمة، وغايته إرادة المجاز، وهو
كون الشئ في الذمة وديعة باعتبار أن سببها كان في الذمة، والمجاز يصار إليه
بالقرينة، والثاني العدم، لأن العين لا تثبت في الذمة، والأصل في الكلام الحقيقة
وقد تقدم كثير من الدعاوي المجازية في الاقرار ولم يلتفت إليها، فلا وجه
لتخصيص هذه، وهذا لا يخلو من قوة ".
وفيه أنه لا وجه للقبول مع فرض المجازية وانفصال القرينة، كما أنه لا ينبغي
التردد فيه مع فرض التفسير بأنه وديعة قد تلفت وهذه بدلها، كما فرضها في
المسالك، ولأنه يؤول إلى ما ذكرناه من التفسير من دون تجوز، نعم لو اعترف
بأنها وديعة باقية أمكن فيه حينئذ الكلام السابق الذي منشأ عدم القبول فيه انسياق
ثبوت المال في الذمة، بل قد يزيد هنا احتمال عدم القبول بظهور اللفظ ظهورا
إن لم يكن حقيقة، في إرادة ثبوت عين المال في الذمة، فهو كالحقيقة بحيث لا يقبل
التفسير بالخلاف، كما أن منشأ القبول ودعوى المساواة للأول في الصدق مع
الدخول في العهدة مثلا.
فالتحقيق حينئذ تفصيل فرض المسألة بما ذكرناه، ولعل
عدم القبول في الثاني لا يخلو من قوة، كما سيظهر لك في المسألة الثالثة.
وفي جامع المقاصد " أن القبول أرجح، لأن غايته إرادة المجاز، وهو كون
الشئ في الذمة وديعة باعتبار أن سببها كذلك، والمجاز يصار إليه بالقرينة " وفيه
ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا.
69

* (أما لو قال: " لك في ذمتي ألف وهذه التي أقررت بها كانت وديعة " لم يقبل) * كما في القواعد والإرشاد والتلخيص والحواشي والمسالك على ما حكي عن بعضها،
وعن المبسوط أنه قواه، وفي جامع المقاصد أنه أولى، ولعله * (ل‍) * ما اشتهر
بينهم من تعليل ذلك ب‍ * (أن ما في الذمة لا يكون وديعة) *.
* (و) * منه يعلم أن هذه * (ليست ك‍) * المسألة * (الأولى ولا كالوسطى) *
بل في المسالك " الفرق بينهما واضح، أما الأولى فلأنه لم يصرح فيها بكون المقر
به في الذمة فلا ينافي كونه وديعة ابتداء. وأما الثانية فإنه وإن صرح بكونها في الذمة
المنافي لكونها وديعة إلا أنه ادعى أن الذي أحضره بدلها لا عينها، فرفع التنافي
بتأويله. وأما الثالثة فقد جمع فيها بين وصفها بكونها في الذمة وكونها وديعة من غير
تأويل، فلهذا لم يسمع المجاز وإن كان ممكنا هنا، بأن تكون قد تلفت بعد الاقرار
والذي أحضره بدلها وأطلق عليه الوديعة باعتبار كونه عوضا ومسببا عنها، إلا أنه لما
لم يدع المجاز لم يكن عن الحقيقة صارف، ولو صرف عنها بمجرد تمحل المجاز
من غير أن يدعي لم يحكم بشئ من الحقائق أصلا، فما قيل هنا - من توجيه القبول
أيضا كالسابقة في احتمال المجاز - واه جدا كما لا يخفى ".
وكأنه عرض بذلك إلى الشهيد في الدروس، لأنه قال: " ولو قال: لك في
ذمتي ألف ثم أحضرها وقال: هي وديعة فادعى المقر له التغاير ففيه وجهان مرتبان،
أولى بالمنع، لأن " علي " مشتركة بين العين والذمة، بخلاف الذمة، فإنها لا تستعمل
في العين، والوجه المساواة، لأن تسليمها واجب في الذمة، ولأن المجاز ممكن،
واستعماله مشهور مع اعتضاده بالأصل المقطوع به، وهو براءة الذمة، ولأن التفريط
يجعلها في الذمة وإن كانت عينها باقية ".
وفي جامع المقاصد " لا يخفى أنه إن كان المشار إليه بقوله وهذه هو الألف
الذي قال إنه في الذمة لم يلزمه سوى ما أقر به إذا لم يفسر بشئ آخر، ولو
سلمنا أن ما في الذمة ينافي التفسير بالوديعة على كل حال فغاية ما يلزمه أن يكون
70

وقد وصف المقر به بوصف يمنع ثبوت مثله، وإن كان المشار إليه بهذه شيئا غير
مذكور، بل هو مقدر، بأن أحضر ألفا، وقال: هذه التي أقررت بها إلى آخره
فهنا يتجه وجوب ألف أخرى، وعدم قبول قوله في أن المقر به هو ما أحضره
وجهان كالمسألة السابقة، لكن عدم القبول هنا أولى، لأن ما في الذمة لا يكون
وديعة - ثم قال -: ليس ببعيد القبول، لأن قوله: " كانت وديعة " لا ينافي تجدد
ثبوتها في الذمة بتلف قارنه الضمان، وغاية ما يلزم ارتكاب المجاز في حكمه بأن
المأتي به كان وديعة، فإن الوديعة حقيقة التالف، والمأتي بدله، ولا محذور في
المجاز إذا دل عليه دليل، خصوصا إذا كان شائعا في الاستعمال ".
وفي مجمع البرهان بعد أن ذكر أن ظاهر العبارات الالتزام بالعين قال:
" وفيه تأمل، لما قد تقدم من أنه يصح إطلاق كون " علي " على الوديعة، وهو
مثل " في ذمتي " لأن ظاهر " له علي " ذلك، وإن سلم الفرق وظهور كون " في
ذمتي " في غير الوديعة فليس ببعيد إطلاقه عليها، فيحمل عليه للضابطة المتقدمة،
وكذا يصح إطلاق ما في الذمة على الحاضرة، وهو متعارف، إما بالمعنى المتقدم،
أي باعتبار ما يؤول إليه بالتلف مع التفريط أو بغيره فينبغي القبول هنا أيضا،
للضابطة، إذ لم يكن خلاف الاجماع فتأمل ".
قلت: وقد تكرر منا غير مرة أن الاقرار من الاخبار الذي وقت حاجته
وجوده، فلا يقبل فيه تأخير قرينة المجاز، فلا يخرج بذلك عن الكذب ولا عن
الالتزام بمقتضى الاقرار، نعم إذا كان متصلا على نحو غيره من قرائن المجاز قبل،
من غير فرق في ذلك بين دعواه وعدمه.
ولا ريب في أن مقتضى الحقيقة في قوله: " لك ألف في ذمتي " ثبوت نفس
المال في الذمة، وليس هو نحو " على " كما اعترف به في الدروس، حينئذ قوله
منفصلا: " وهذه التي أقررت بها كانت وديعة " وقد أحضرها بعينها وادعى أنها هي
المراد بما أقر به من كونها في ذمته لا غيرها لم يقبل، لأنه من المجاز المنفصل،
حتى لو استعد سبب ضمانه لها بالتعدي أو التفريط فإنه لا يصدق حقيقة أنها في ذمته
71

قبل التلف.
نعم لو قال ثم قال ولو منفصلا: " وهذه - مشيرا إلى الألف التي أقر
بها - كانت وديعة " ولم يعترف بما أحضره أنه عينها لم يلتزم بالعين، ضرورة عدم
اقتضاء قوله: " كانت وديعة " زيادة على الاقرار بأنها في ذمته، إذ يمكن كونها
وديعة في الأصل، وقد تلفت بتعد أو تفريط فاشتغلت ذمته بمثلها وهي التي أقر
بها، فهو في الحكم مساو لما لو قال: " له ألف في ذمتي وقد كانت وديعة وتلفت
وهذه بدلها " الذي قلنا إنه مطابق لما أقر به، أقصاه أنه تفصيل لكيفية ما ثبت في
ذمته، لا زيادة على ما أقر به، فلا بد من حمل عبارة المصنف وما شابهها على الصورة
الأولى لا الأخيرة.
وبذلك يظهر لك النظر في الكلمات السابقة، وخصوصا ما في جامع المقاصد
مما ذكره على التقدير الثاني، أما دعوى الاتحاد على التقدير الأولى فهو جيد،
ضرورة أن أقصاه بقوله أخيرا: " هذه - مشيرا إلى الألف التي أقر بها أنها - وديعة "
فهو إما غالط بوصف ما في الذمة بالوديعة، أو أن المراد كونها وديعة في الأصل ثم
صارت في الذمة. وعلى كل حال هي ألف واحدة إذا لم يشر إلى وديعة حاضرة
عنده، وهو التقدير الثاني.
* (ولو قال: " له على ألف " ودفعها) * أو لم يدفعها كما هو مقتضى إطلاق
محكي المبسوط والغنية والتذكرة * (و) * على كل حال ثم * (قال) * منفصلا
عن الاقرار السابق: * (كانت) * الألف التي أقررت بأنها له على * (وديعة وكنت
أظنها باقية فبانت تالفة) * قبل الاقرار من غير تعد ولا تفريط * (لم يقبل) * بلا
خلاف أجده * (لأنه مكذب لاقراره) * السابق الذي كان مقتضاه وجودها وأنها له
عليه حتى لو أقام البينة بذلك، لاشتراط حجيتها له بعدم تكذيبه لها، نعم لو قال:
" بانت تالفة بوجه يكون ضمانها عليه " قبل، لموافقته حينئذ لاقراره
الأول، هذا.
72

ولكن في المسالك " لو قيل بقبول قوله أيضا كما في السابقة كان وجها، بل
هنا أولى، لأن قوله كان مبنيا على الظاهر من أنها موجودة يجب عليه حفظها
وكونها عنده كما سبق، إنما ظهر بعد الاقرار تلفها قبله، فلا منافاة بين كلاميه
إلا على تقدير تفسير " على " بكونها في الذمة، ولعل إطلاقهم ذلك بناء على أن
الظاهر من " على " هو هذا المعنى لا مجرد وجوب الحفظ، وذلك المعنى لو سلم
كونه مجازا فقد سمع منه دعوى المجاز فيما سبق ".
وفيه أن دعواه التلف قبل الاقرار مناف لقوله: " على " بجميع معانيه
الحقيقة والمجازية، ضرورة أنها مع تلفها بغير تفريط ليس عليه حفظها ولا التخلية
بينها وبين مالكها فضلا عن دخولها في عهدته، وكون إقراره مبنيا على الظاهر لا ينافي
الأخذ منه تعبدا من هذه الجهة، كما هو واضح.
إنما الكلام في قوله كمحكي المبسوط والغنية وغيرهما: * (أما لو ادعى تلفها
بعد الاقرار قبل) * معللين له بعدم التنافي بين إقراره الأول والتلف بعده، وظاهره
القبول بغير بينة، ووجهه أن قوله: " علي " مشترك بين الالتزام بها وغيره،
والدعوى الأولى غير منافية له، ولكن في القواعد " قبل بالبينة " ومقتضاه عدم
السماع بدونها، كما أن مقتضاه عدم السماع في السابق حتى مع البينة، ووجه الثاني
قد عرفته مما قدمناه، أما الأول فلعل وجهه أن ظاهر قوله الأول الالتزام بها
إما لتلفها مضمونة أو لدخولها في عهدته، فقوله الأخير مناف، فلا يسمع
منه إلا بالبينة.
وفيه أن البينة على تلفها بعد الاقرار لا يرفع ضمانه المستفاد من إقراره الأول،
اللهم إلا أن يكون قوله: " علي " أعم من الالتزام ومن وجوب الحفظ والتخلية
ونحوهما من الحقوق التي لا يقتضي الثبوت في الذمة.
ولكن فيه أنه إذا فرض سماع ذلك منه كفى مجرد دعواه التلف بعد الاقرار
بيمينه، ولعله لذا في الدروس بعد أن جعل العنوان " لك في ذمتي " قال: " ولو
قال: كانت وديعة أظن بقاءها وقد تبين لي تلفها لا بتفريط بلا ضمان علي فإن عللنا
73

باحتمال التجوز صدق بيمينه، وإن عللنا باحتمال التفريط أغرم " وإن كان فيه
مناقشة من حيث التفصيل بين التلف قبل الاقرار وبعده وبأن محل البحث لو قال:
" علي " لا " لك في ذمتي ".
إلا أنه على كل حال يعرف منه ما في المناقشة فيما ذكروه من التعليل في
المسألة السابقة من احتمال الدخول في العهدة ووجوب الحفظ والتخلية، ونحو ذلك
التي مثلها يجئ في المقام لو ادعى التلف بعد الاقرار، مضافا إلى إمكان الفرق بينها
بالنسبة إلى اللفظ المزبور من حيث الحقيقة والمجاز اللذين قد عرفت تفاوت قبول
تفسير الاقرار مع الانفصال بتفاوتها.
المسألة * (التاسعة:) *
* (إذا قال: له في هذه الدار) * مثلا * (مائة قبل) * بلا خلاف أجده بين
من تعرض له من الشيخ والفاضلين والشهيدين والكركي وغيرهم وإن فرضوا المثال
في العبد الذي يقبل فيه التفسير بأرش الجناية، لعموم أدلة الاقرار، إلا أنه لما كان
المقر به من غير جنس الدار صار الاقرار مجملا لاحتماله وجوها * (و) * قد عرفت
سابقا أنه إذا أقر بمبهم * (رجع في تفسير الكيفية إليه) * على نحو ما سمعته
في الاقرار بالمبهم.
وحينئذ فإن فسره بجزء منها قيمته مأة الذي هو أحد محتملات اللفظ قبل
وصار المقر له شريكا بنسبة ذلك الجزء، وكذا يقبل إن فسره بجزء يقصر قيمته
عن مأة على معنى أنه اشتراه بذلك، بل في المسالك " وإن قال: إنه دفع في ثمنها
مائة وهو اشتراها لنفسه كانت قرضا عليه " ونحوه ما في القواعد ومحكي المبسوط
والتذكرة والتحرير والدروس وجامع المقاصد في العبد الذي فرضوه مثلا في
المسألة.
74

لكن قد يناقش بأن ذلك ليس من محتملات اللفظ، فيها أيضا " وإن قال:
إن المقر له نقد في ثمنها لنفسه مأة سئل ثانيا عن مجموع ثمنه، وهل وزن هو
شيئا أم لا؟ فإن قال: الثمن مأة ولم أزن فيه شيئا كان إقرارا له بالدار " وقد يناقش
بنحو ما سمعت أيضا.
نعم إن قال: إنه وزن أيضا سئل عن كيفية الشراء هل كان دفعة أو على
التعاقب؟ فإن قال: دفعة وأخبر أنه وزن مائة أيضا فهي بينهما نصفان، وإن قال:
إنه وزن مأتين فللمقر له ثلثها، وهكذا. سواء كانت القيمة مطابقة لذلك أم لا.
وإن أخبر أنهما اشترياها بعقدين رجع إليه في مقدار كل جزء، وقبل ما يفسره،
حتى لو قال: إنه اشترى تسعة أعشارها بمأة والمقر له اشترى عشرها بمأة قبل
لأنه محتمل، سواء وافق في ذلك القيمة أو لا بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى عن
مالك، نعم عن التذكرة تقييد قبوله باليمين، وفيه أنه كغيره من صور التفسير إذا
أنكر المقر له.
وإن قال: أردت أوصى له بمأة من ثمنها قبل، وبيعت ودفع إليه من ثمنها
المأة، حتى لو أراد أن يعطيه المائة من غير ثمنها لم يكن له ذلك إلا برضاه،
لأنه استحق ألفا من ثمنها، فوجب البيع في حقه إلا أن يرضى بتركه، بلا خلاف
أجده بين من تعرض له من الكتب السابقة، نعم الظاهر أن مرادهم مع
احتمال الثلث.
وإن فسره بأنه دفع إليه مائة ليشتريها له ففعل ففي المسالك " فهو إقرار له
بها " أجمع وفيه المناقشة السابقة، وإن فسره بأنها رهن عنده على المأة ففي قبوله
وجهان: من أن ظاهر الاقرار كون الدار محلا للألف، ومحل الدين الذمة لا
المرهون الذي هو وثيقة له، ومن أن له تعلقا ظاهرا بالمرهون، وعن المبسوط أنه
الصحيح، والتحرير أنه الوجه، والتذكرة أنه أقوى، وجامع المقاصد فيه قوة، وجزم
به الفاضل في القواعد.
هذا كله مع تصديقه إياه * (فإن أنكر) * أي * (المقر له شيئا من تفسيره
75

كان القول قول المقر مع يمينه) * حيث يكون اللفظ قابلا له، لأنه أعم بما أراد
ولأصالة براءة ذمته مما سوى ذلك.
المسألة * (العاشرة:) *
* (إذا قال: له في ميراث أبي أو من ميراث أبي مائة) * مثلا * (كان
إقرارا) * بلا تناقض عند المشهور، لأن المراد تركة أبيه، وقد يكون استحق ذلك
بوصية أو دين أو نحوهما من المتعلقات التي يكون في التركة.
* (و) * أما * (لو قال: في ميراثي من أبي أو من ميراثي من أبي لم يكن
إقرارا) * على المشهور بين الأصحاب * (وكان كالوعد بالهبة) *.
* (وكذا لو قال: " له ألف من هذه الدار " صح) * إقرارا بلا تناقض
* (و) * أما * (لو قال: " من داري " لم يقبل) *.
* (و) * كذا * (لو قال: له في مالي ألف) * ونحو ذلك * (لم يقبل) *
للتناقض بين ظهور إضافته إليه المقتضية له ملكا حال الاقرار وبين كونه ملكا
سابقا للغير متصلا إلى حين الاقرار، ومن المعلوم عدم كون الشئ الواحد مملوكا
لشخصين في زمان واحد.
* (ومن الناس) * القائلين بعدم صحة الاقرار مع الإضافة * (ومن فرق بين " له في
مالي " وبين " له في داري ") * فجعله إقرارا في الأول بلا تناقض بخلاف الثاني، وذلك
* (ب‍) * سبب * (أن بعض الدار لا تسمى دارا) * لأنها اسم للمجموع، فإذا قال: " لفلان
بعض داري " لم يقبل، لأن الباقي على ملكه لا يسمى دارا * (و) * أما * (بعض المال) *
فإنه * (يسمى مالا) * فإذا قال مثلا: " له في مالي مائة " صح إقرارا، لأن الفاضل
يسمى مالا.
ومن هذا يظهر أنه لا فرق عند هذا القائل بين قوله: " داري لفلان " و " مالي
76

لفلان " لأنه استغرق بالاقرار الجميع، فلم يبق مع الاقرار ما يصحح الإضافة إلى
نفسه فيهما، وإنما يفرق بينهما حيث يقر ببعض المال والدار، وهو كما ترى
ليس بشئ.
كالفرق من بعضهم بين " من ميراث أبي " و " في ميراث أبي " في جعل " في "
إقرارا دون " من " محتجا بأن " في " تقتضي كون مال المقر ظرفا لمال المقر له
بخلاف " من " المقتضية للفصل وللتبعيض الظاهرين في الوعد بأنه يقطع له شيئا من ماله،
إذ هو مجرد دعوى بلا شاهد.
نعم في المختلف الخلاف في أصل المسألة، فصحح الاقرار في الأمثلة المزبورة
جميعها، للاكتفاء في الإضافة بأدنى ملابسة التي هي إن لم تكن من أفراد الحقيقة
فلا ريب في أنها من المجاز المشهور، بل قد يدعي هنا أنه المنساق منها عرفا،
ولأن الإضافة قد تكون للملك وقد تكون للتخصيص، ولما امتنع الحمل على الأول
الاستناد الملك المصرح به باللام إلى غيره حمل على الثاني، لوجود القرينة الصارفة
للفظ عن أحد محامله إلى غيره مما دلت عليه، ولا يحكم ببطلان الثاني المصرح به
للاحتمال في الأول.
وتبعه على ذلك الكركي، بل مال إليه أيضا ثاني الشهيدين، بل حكاه هو
أيضا عن أولهما وإن لم نتحققه وعلى كل حال فحجتهم ما سمعت.
مضافا إلى أن ذلك إن اقتضى التناقض فليقتضه أيضا فيما ذكر، وأنه لا تناقض
فيه بين قوله: له في ميراث أبي أو منه، لأن ما كان ميراثا لأب المقر ملك له أو على
حكم مال الميت مع الدين، وعلى كل تقدير فليس ملكا للمدين وإن اقتضى
الاقرار المذكور كونه ملكا له.
ودعوى إرادة الاستحقاق لا الملك مخالفة للظاهر بل وللوضع اللغوي
والشهرة في الاستعمال العرفي، ولأن جاز مثله فيه فجواز نحوه في المسألة
المزبورة أولى.
77

* (و) * كذا ما قالوه من أنه لا تناقض فيها * (لو قال: في هذه المسائل:
" بحق واجب " أو " بسبب صحيح " أو ما يجري مجراه صح في الجميع) * إقرارا بلا
خلاف فيه بينهم باعتبار كون ذلك قرينة على إرادة الإضافة بأدنى ملابسة، فإنه
إذا جعل ذلك قرينة على العدول على الظاهر في قوله: " في داري " فصحة الاقرار
وإخراج الكلام عن التناقض قرينة عليه أيضا، إذ أقصاه أنه آكد وإلا فهو من
حيث نفسه لا يرفع التناقض، بل يزيده ويؤكده.
هذا، ولكن يظهر لي خلو هذا البحث عن الثمرة المعتدة بها، بل هو أشبه شئ
بالنزاع اللفظي، ضرورة أنه لا كلام ولا بحث في صحته إقرارا على فرض الفهم منه
عرفا على وجه يلحق بالحقائق العرفية للهيئة التركيبية بحيث يعد التفسير بما
ينافيه منفصلا رجوعا عن الاقرار إلى الانكار، أما مع فرض عدم ذلك ولو بأن
يكون من قسم المنساق منه المعنى إن لم يفسر بما ينافيه فقد عرفت قبول التفسير
فيه ولو منفصلا.
كما لا يخفى عليك أنه مع الرجوع إلى حقيقة اللفظ من حيث هي واضح
التناقض، ضرورة مجازية الإضافة بأدنى ملابسة، بل لا ريب في اشتراك قوله مثلا:
داري أو عبدي لزيد بين الوعد وإنشاء التمليك، بل لعل مراعاة الحقيقة في الإضافة
يقتضي أحدهما وإلا كان تناقضا لو أريد منه بالاقرار، ضرورة رجوعه إلى أن ما
هو ملك لي الآن لزيد.
ودعوى وجوب صون كلام العقلاء عن مثله - بعد تسليمها، لامكان إرادة
اللافظ ذلك إفسادا للاقرار، إذ هو من مقاصد العقلاء، وقد تدعو الحاجة إليه تخلصا
أو غيره - لا ينحصر علاجها في التنزيل على الاقرار بجعل الإضافة بأدنى ملابسة،
وجعل اللام على حقيقتها، بل يمكن جعل اللام للعاقبة أو نحو ذلك مما لا يكون
معه إقرارا، بل وعدا وغيره وإن كان مجازا ولا أقل من الشك، والأصل براءة الذمة
مما يترتب على كونه إقرارا.
وكان مقصودا لأصحاب ذلك كما يومئ إليه تصريحهم بتنزيله على الاقرار
78

لو ضم إليه ما يدل عليه من قوله: " بسبب صحيح " أو " بحق لازم " أو نحو ذلك
مما يدل على كونه مستحقا له سابقا بسبب من الأسباب الصحيحة، فيكون حينئذ
من القرائن الصارفة والمعينة، بخلاف ما إذا لم يضم إليه شئ من ذلك، فإن أقصاه
تعين أفراد المجاز بلا قرينة معينة، وحينئذ يكون كالمشترك ونحوه مما لم يعلم
كونه إقرارا، وقد عرفت التمسك في نفيه بأصل البراءة ونحوه، وبذلك ظهر لك
الوجه في المسألة بحذافيرها.
* (المقصد الثالث) *
* (في الاقرار المستفاد من الجواب) *
* (فلو قال: " لي عليك ألف " فقال: رددتها) * أو قيمتها * (أو أقبضتها) *
أو أبرأتني منها * (كان إقرارا) * بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر التذكرة
أنه موضع وفاق، والكفاية نسبته إلى قطع الأصحاب، بل لا إشكال فيه، ضرورة
اقتضاء الرد والابراء الاعتراف بما ادعاه المدعي عليه، بل هما فرع الثبوت والاستحقاق
ولازمها، فادعاؤهما يستدعي ثبوت الملزوم، والأصل عدم ثبوت اللازم، وحينئذ
فهو مقر ومدع نحو ما لو قال: " كان له علي دين ألف وقضيت منه خمسمائة "
الذي لا خلاف في أنه لا يقبل في القضاء فيه إلا ببينته، وهو واضح. وكذا دعوى
قضيتها في جواب " لي عليك ألف " فإنه ظاهر ولو من حيث كون الجواب مشتملا
على الضمير الراجع إلى ما في كلام المدعي في أن ذلك لك علي * (و) * لكن
قضيتها.
نعم * (لو قال: زنها) * أو أنقدها أو خذها أوزن أو خذ * (لم يكن إقرارا) *
79

بلا خلاف أجده، لعدم صدق الاقرار على مثله عرفا، خصوصا بعد قوة احتمال
الاستهزاء في مثل ذلك، نحو " حل كيسك " أو " هي ميراثك " ونحوهما مما
يستعمل في التهكم والاستهزاء في جواب الدعوى، بل ربما كان اللفظ صريحا في
التصديق ولكن تنضم إليه قرائن تخرجه عن موضوعه إلى الاستهزاء، نحو قوله:
" صدقت وبررت " مع تحريك الرأس الدال على شدة التعجب والانكار وغيرهما
مما يستعمل في العرف كثيرا، والغرض أن هذه الألفاظ مع عدم القرائن لا تدل
على الاقرار والاعتراف بما ادعاه، وإشعار الحال إذا لم يكن من دلالة لفظ لا يترتب
عليه حكم الاقرار الذي قد عرفت.
* (ولو قال: نعم أو أجل أو بلى كان إقرارا) * بلا خلاف أجده، بل ولا
إشكال، لأن قوله: " لي عليك ألف " إن كان خبرا فنعم حرف تصديق له، وإن
كان استفهاما بحذف أداته فهي بعده للاثبات والاعلام، كما أن " لا " لنفيه
و " أجل " مثلها، بل " بلى " عرفا كذلك، فتقع جوابا للخبر المثبت على إرادة
إثباته نحو " نعم " وإن كان لغة لابطال النفي، فلا يجاب بها الاثبات وإن قدر
استفهاما محذوف الأداة فهي تأتي لجوابه أيضا وإن كان قليلا لغة نحو قول
النبي صلى الله عليه وآله (1): " أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قالوا: بلى " لكنه في
العرف كثير، والمدار في الاقرار الآن عليه، بل لو قلنا بأن استعمالها في الاثبات
غلط ولكن يترتب عليه حكم الاقرار وإن كان غلطا، بمعنى خروجه عن القانون
اللغوي، كما هو واضح.
* (ولو قال: أنا مقر به) * أو بما تدعيه أو بدعواك أو بما أدعيت أو نحو ذلك
* (لزمه) * مقتضى الاقرار به.
* (ولو قال: أنا مقر واقتصر لم يلزمه، لتطرق الاحتمال) * على المشهور
في الأول، للتبادر عرفا خلافا لمحكي التذكرة والدروس وغيرهما، فلا يكون إقرارا

(1) سنن ابن ماجة ج 2 ص 573 الطبعة الأولى بمصر.
80

حتى يقول: إنه مقر به لك، لأنه وإن كان ظاهرا في الاقرار إلا أنه لا ظهور
فيه في الاقرار للمخاطب، لجواز إرادة الاقرار للغير، ولتصادم الوجهين وأصالة عدم
الاقرار توقف فيه جماعة: منهم الفخر والأردبيلي وغيرهما.
وفيه أن الضمير عائد إلى الألف في عبارة المقر له التي هي الدعوى، مؤيدا
بصون الكلان عن الهذر والعبث والسفه، ضرورة تحققها لو أجاب مثلا بأني مقر
بأن الزكاة مثلا واجبة، ولو أن الاحتمال كائنا ما كان كان معتبرا لكان موجودا حتى
لو قال: " لك " لأن " مقرا " اسم فاعل يحتمل الحال والاستقبال، فيكون وعدا،
كما لو قال: " أقر لك " لكن من الواضح عدم العبرة فيه عرفا، فكذا
المفروض.
بل في المسالك " مع أنه قد قيل: إن قوله: " أقر به لك " إقرار أيضا
لأن قرينة الخصومة وتوجه الطلب يشعر بالتنجيز ".
قلت: ظاهر جامع المقاصد عدم كونه إقرارا نعم فيه وفي القواعد بل قيل
يلوح من التذكرة والدروس التصريح بأن الاقرار بالاقرار إقرار، معللا بعضهم
ذلك بأن الاقرار إخبار جازم بحق سابق، والاقرار حق أو في معنى الحق،
لثبوت الحق به، فيندرج في عموم " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ": (1)
وظاهرهم إرادة الاقرار بأنه لك سابقا لا أنه يقر به فيما يأتي إذ
هو وعد.
اللهم إلا أن يقال: إنه بقرينة كونه جوابا لقوله: " لي عليك ألف " يفهم منه
الاعتراف بالحق فعلا ولكن وعد بالاخبار به فيما يأتي، وكذا الكلام في قوله:
جوابا: " لست منكرا له " كما صرح به غير واحد وإن استشكل فيه في محكي
التحرير، واحتمل عدمه جماعة: منهم الشهيدان في الدروس والروضة، لاحتمال
السكوت المتوسط بين الاقرار والانكار، فيكون حينئذ عدم الانكار أعم من الاقرار
وأيضا الأصل عدمه.

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
81

لكن لا يكاد ينكر تبادر الاقرار من مثله عرفا، ولا ينافيه صحة قوله:
" لا أنكره ولا أقر به " لغة وعرفا، إذا الكلام في قول: " لست منكرا له " نعم
صرح غير واحد بعدم كونه إقرارا لو اقتصر على قوله: " لست منكرا " من دون
ضم " له " مع أنه لا يخلو من إشكال، كالاشكال فيما حكي عن التذكرة من
أنه لو قال: " لا أنكر أن تكون محقا " لم يكن إقرارا، لجواز أن يريد في
شئ آخر فتأمل.
بل لولا فتوى المصنف ومن تأخر عنه في ما لو اقتصر على قول " أنا مقر "
بأنه لم يكن إقرارا لأمكن الاشكال فيه بظهوره عرفا في مقام الجواب في الاقرار،
خصوصا بعد قوله تعالى (1): " أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري؟ قالوا:
أقررنا " وقوله (2): " فاشهدوا " وإن كان في نفسه محتملا للاقرار
بغير ذلك.
* (ولو قال: اشتريت مني أو استوهبت مني فقال: نعم فهو إقرار) * بالشراء
منه أو الهبة كذلك، فيترتب على كل منهما حكمه من المطالبة بالثمن، وكونه
ملكا بالأصل للبائع والواهب، وجواز الرجوع لو كان في البيع خيار، أو كان
يجوز الرجوع بالهبة أو ظهر بطلانهما أو غير ذلك.
ولو قال: " اشتر مني أو اتهب " فقال: " نعم " فهو إقرار على ما صرح به الفاضل
والكركي وثاني الشهيدين وغيرهم وظاهرهم إنه إقرار بالملكية، لأن وعده بالشراء
منه يقتضي ذلك، إذا البيع الصحيح لا يصدر عن غير مالك، لكن قد يشكل ذلك كله
بأنه أعم من الاعتراف له بالملكية له، ضرورة احتمال التوكيل وغيره، ودعوى أن
إقراره بذلك يقتضي الاقرار باليد المقتضية للملكية مع أن الأصل عدم التوكيل
كما ترى.
ولعله لذا فرق في محكي التذكرة بين أن يقول: " اشتر مني عبدي هذا "

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية 81.
(2) سورة آل عمران: 3 - الآية 81.
82

فيقول: " نعم " وبين أن يقول: " اشتر هذا العبد " فيقول: " نعم " لظهور الأول
في الاقرار بالملكية بخلاف الثاني، فإنه ظاهر في ملكية البيع لا المبيع. بل عن
بعض الجزم بعدم كونه إقرارا بالملكية، ولا أقل من الشك، والأصل
العدم.
* (ولو قال: " أليس لي عليك كذا " فقال: " بلى " كان إقرارا) * بلا خلاف
ولا إشكال، لأن " بلى " أصلها " بل " زيدت عليها الألف، فهي رد لقوله: " ليس
عليك " الذي دخل عليه حروف الاستفهام ونفي له، ونفي النفي إثبات، فيكون
إقرارا، وهذا معنى قوله في المسالك: " إن " بلى " مختصة بالنفي لغة ومبطلة
له، سواء كان مجردا، نحو " زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل: بلى وربي " (1)
أم مقرونا بالاستفهام حقيقة، نحو " أليس زيد بقائم " فتقول " بلى " أو تقريرا
نحو " ألم يأتكم نذير؟ قالوا: بلى " (2) " ألست بربكم قالوا: بلى " (3) إجراء
للنفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى، ولذا حكي عن ابن عباس (4)
بل في في غاية المراد حكايته عن إطباق العلماء والمفسرين أنه لو قالوا: نعم كفروا "
ولعله لأن " نعم " تصديق للخبر نفيا كان أو إثباتا.
* (و) * من هنا قال غير واحد في المفروض * (لو قال: " نعم " لم يكن
إقرارا) * بل نسب إلى الشيخ وأكثر الأصحاب، كما عن الإيضاح وغيره وإن كنا
لم نتحققه، بل عن الشيخ أيضا نسبته إلى الفقهاء، لأنه حينئذ تصديق للنفي لا إثبات
للخبر وإبطال للنفي، كما سمعته في " بلى ".
* (و) * لكن مع ذلك * (فيه تردد من حيث يستعمل فيه الأمران) * أي
" نعم " و " بلى " في ذلك * (استعمالا ظاهرا) * في العرف الذي هو مقدم على اللغة،

(1) سورة التغابن: 64 - الآية 7
(2) سورة الملك: 67 - الآية 8 و 9.
(3) سورة الأعراف: 7 - الآية 172.
(4) تفسير روح المعاني ج 9 ص 101.
83

بل عن جماعة من أهل العربية منهم ابن هشام أنها كذلك لغة، وحكاه في المغني
عن سيبويه، بل قال: نازع السهيلي وغيره في المحكي عن ابن عباس وغيره في
الآية (1) متمسكين بأن الاستفهام التقريري خبر موجب، وكذلك منع سيبويه
من جعل " أم " متصلة في قوله تعالى (2)، " أفلا تبصرون * أم أنا خير " لأنها تقع بعد
الايجاب، وإذا ثبت أن الاستفهام التقريري إيجاب فنعم بعده تصديق له، واستشهد
على ورودها لغة في جواب الاستفهام التقريري بقول الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله وقد
قال لهم: " ألستم ترون ذلك لهم ": " نعم " وبقول الشاعر:
أليس الليل يجمع أم عمرو * وإيانا فذاك بنا تداني
نعم وأرى الهلال كما تراه * ويعلوها النهار كما علاني
وفي المسالك " وحينئذ فالحكم بكونه إقرارا قوي وعليه أكثر
المتأخرين ".
قلت: لا يخفى عليك أن أقصا ما في هذه الشواهد صحة قيام " نعم " مقام
" بلى " في إفادة الاثبات، وهو لا يجدي في الحكم بكون ذلك إقرارا، نعم لو ثبت
أنها في العرف كذلك على وجه لا يراد منها التصديق ولو استعملت فيه كانت مجازا
نحو " بلى " ترتب عليها حكم الاقرار، وهو إن كان ظاهر الآبي في كشف
الرموز لكن دون ثبوته خرط القتاد، ولا أقل من الشك، والأصل عدم
الاقرار.
بقي الكلام في شئ وهو أن ظاهر ترتب حكم الاقرار على الدلالات اللفظية
وإن كانت ظنية، من غير فرق في ذلك بين الحقائق والمجازات، واحتمال قصره
على الأول لا دليل عليه، ضرورة عموم الدليل الدال على الحجية من غير فرق بين
الاقرار وغيره، وما اشتهر بين الأصحاب من أن القاعدة في الاقرار الاقتصار على

(1) سورة الأعراف: 7 - الآية 172.
(2) سورة الزخرف: 43 - الآية 51 و 52.
84

المتيقن إنما المراد به غير ما كان من دلالة الألفاظ التي هي حجة في غيره، نعم
قد تكرر منا قبول التفسير بالمنافي فيما كان يظهر من السياق ونحوه مقيدا بما إذا
لم يتعقبه التفسير بالمنافي، وإلا فإذا وصل في الظهور إلى حد يعد تفسيره بالمنافي
منفصلا من الانكار بعد الاقرار لا يسمع أيضا.
* (المقصد الرابع) *
* (في صيغ الاستثناء) *
الذي لا خلاف عندنا في جريانه في الاقرار، بل الاجماع بقسميه عليه، بل
وعند غيرنا عدا ما يحكى عن مالك، فمنعه فيه، ولا ريب في فساده، نعم يعتبر فيه
عندنا الاتصال العادي بالمعنى الذي يصح في الاستعمال عادة، خلافا للمحكي عن
ابن عباس، فجوزه إلى شهر، وحمل على قبول خبره به إلى تلك المدة
وإن كان هو كما تراه أيضا، وحكاه في الرياض عن ابن إدريس ولم
نتحققه.
* (و) * على كل حال ف‍ * (قواعده) * كثيرة قد ذكر منها جملة في الأصول،
ولكن اقتصر المصنف منها هنا على * (ثلاثة) *:
85

* (الأولى:) *
* (الاستثناء من الاثبات نفي، ومن النفي إثبات) * بلا خلاف معتد به بين
الخاصة والعامة أجده في الأول، بل استفاض نسبته إلى جميع علماء الإسلام، نعم
عن بعض الأصولين حكاية الخلاف فيه عن الحنفية، مع أنه حكى عنهم القول بالنفي
في " له علي عشرة إلا ثلاثة " وإن أمكن أن يكون ذلك عندهم لأصل البراءة لا
للاستثناء، لكنه على كل حال واضح الفساد، بل ولا في الثاني من غير أبي حنيفة،
والبداهة تشهد بخلافه، ضرورة كونه كالأول كما حرر في محله.
* (الثانية:) *
* (الاستثناء من الجنس جائز) * إجماعا بقسميه، بل * (ومن غير
الجنس) * وإن قال المصنف: * (على تردد) * والفاضل على الأقوى مشعرين
بوجود الخلاف فيه بيننا، إلا أنه لم نجده كما اعترف به غيرنا، بل عن القاضي
في شرح المختصر لا نعرف خلافا في صحته لغة ووروده في كلام العرب والقرآن،
وتأويله بما يرجع إلى المتصل لا مقتضي له، وظاهره نفيه بينهم أيضا.
لكن عن الفاضل في التذكرة حكاية منع الاستثناء من غير الجنس عن أبي
حنيفة إلا في المكيل والموزون والمعدود بعضها من بعض، وحكى عن محمد بن الحسن
وزفر وأحمد بن حنبل عدم جوازه مطلقا بحال، بل عن سعد الدين في شرح الشرح
حكايته في الجملة عن الآمدي.
وكيف كان فلا ريب في ضعفه بل فساده نعم في كونه حقيقة أو مجازا خلاف،
والحق الثاني.
ثم إن الظاهر إرادة دخول المستثنى في المستثنى منه لولا الاستثناء من الجنس
وعدم دخوله فيه من غير الجنس، حتى لو قال: " قام القوم " وأراد منهم معدودين
ليس منهم زيد ثم قال: " إلا زيد " كان من غير الجنس.
86

القاعدة * (الثالثة) *
* (يكفي في صحة الاستثناء أن يبقى بعد الاستثناء بقية سواء كانت أقل أو
أكثر) * كما صرح به غير واحد، بل في الإيضاح نسبته إلى أكثر علمائنا وأكثر
الأشاعرة وأكثر الفقهاء وأكثر المتكلمين، بل عن المبسوط والغنية والسرائر جواز
استثناء الأكثر بلا خلاف إلا من ابن درستويه النحوي وأحمد بن حنبل،
بل في التنقيح نسبته إلى الفقهاء، كما أن في نهاية المرام نسبة المنع
إلى شاذ.
لكن في الإيضاح منع قوم من استثناء الأكثر، ومنع القاضي وأبو بكر
والحنابلة من الاستثناء الأكثر والمساوي، وأوجبوا في المستثنى أن يكون أقل،
وأوجب أبو الحسين البصري بقاء كثرة تقرب من مدلول اللفظ ونحوه غيره، بل نقل
عن الأكثرين المحققين في مسألة منتهى التخصيص بالا أو غيرها اعتبار بقاء جمع
وكثرة تقرب من مدلول العام.
وربما يوهم التنافي بينه وبين ما سمعت من كلامهم هنا، ولكن يمكن دفعه
بأن المراد في الأصول بيان الحقيقة ولو للهيئة التركيبية وحينئذ لا ريب في اعتبار
بقاء كثرة تقرب من مدلول العام بخلافه في الفقه فإن المراد أصل الجواز ولو مجازا،
لأن المراد في المقام ونحوه الالتزام الذي لا تفاوت فيه بين الحقيقة والمجاز.
وكيف كان
ف‍ * (التفريع) *
* (على القاعدة الأولى أنه إذا قال: " له علي عشرة ") * من الدراهم
* (إلا درهما كان إقرارا بتسعة ونفيا للدرهم) * لأنه أثبت العشرة ثم نفى عنها
بالاستثناء واحدا إذ الفرض أنه استثناء، * (و) * قد عرفت أنه من الاثبات نفي.
نعم * (لو قال: إلا درهم) * بالرفع وكان مراده الجريان على القانون
87

العربي * (كان إقرارا بالعشرة) * لأنه ليس استثناء حينئذ وإلا لنصب، فلا بد من
حمل " إلا " فيه على معنى غير التي يوصف بها وبما بعدها ما قبلها، ولما كانت
العشرة مرفوعة بالابتداء كان الدرهم صفة للمرفوع فارتفع، وكان المعنى عشرة موصوفة
بكونها غير درهم، وحينئذ فقد وصف المقر به ولم يستثن منه شيئا، وأقصاها أنها
صفة مؤكدة صالحة للاسقاط، إذ كل عشرة هي درهم نحو نفخة واحدة،
كما هو واضح.
* (ولو قال: " ما له عندي شئ إلا درهم " كان إقرارا بدرهم) * لأنه نفي
كل شئ وأثبت الدرهم بالاستثناء الذي هو من النفي إثبات. * (وكذا لو قال:
ما له عندي عشرة إلا درهم) * بالرفع الدال على أنه استثناء من المنفي التام * (كان
إقرارا بدرهم) * فيكون إثباتا * (و) * أما * (لو قال: إلا درهما) * بالنصب
* (لم يكن إقرارا بشئ) * على المشهور كما في المسالك. قيل: لا لأن النصب
غير جائز فيه حتى يكون قرينة على جعله استثناء من الموجب بجعل النفي داخلا
على المستثنى والمستثنى منه، فكأنه قال: " المقدار الذي هو عشرة إلا درهما ليس
له علي "، أي التسعة ليس له علي، فلا يكون إقرارا بشئ، لأن اتفاق النحاة على
جواز النصب والرفع فيه وإن كان الثاني أكثر، بل لكونه محتملا لذلك وللاستثناء
المقتضي للاقرار بدرهم للقاعدة المزبورة، ولا ريب أن الأصل البراءة.
وفيه منع العبرة بمثل الاحتمال المزبور بعد أن كان اللفظ ظاهرا في الاستثناء
وإلا لا نسد باب الاقرار، بل يشك في أصل جوازه، ضرورة عدم الاستثناء فيه
حقيقة كي يتجه نصبه حينئذ عليه، لأنه الاخراج من الحكم لا من نفس العدد، بل
هو أشبه شئ بالتوصيف الذي هو ممنوع هنا للنصب.
واحتمال ذكره على الحكاية في جواب من قال: " لي عليك عشرة إلا درهما "
لا يتم في الفرض الذي هو ابتداء كلام، كاحتمال خروجه من النسبة الايجابية التي
تسلط عليها السلب، ضرورة أن السالب ليس له إلا حكم واحد وهو السلب،
كما هو واضح. فلا صحة له إلا على تقدير وتكلف لا يخرج به عن حقيقة الكلام،
88

بحيث لا يغرم المقر.
ومن ذلك ينقدح الاشكال فيما ذكروه دفعا للتنافي بين دخول المستثنى في
المستثنى منه وخروجه منه، إذ الشئ الواحد لا يكون داخلا خارجا، بل الأولى
في دفعه حينئذ أن يقال: إن دخوله في ظاهر اللفظ لا ينافي خروجه في نفس الأمر
كما حرر في محله، والله العالم.
وحينئذ فإذا قال: " ليس له علي عشرة إلا خمسة " التزم بالخمسة سواء
وقف أو رفع أو نصب إلا مع القرينة الدالة على إرادة بيان عدم الالتزام بالخمسة
التي يعبر عنها بالعشرة إلا خمسة، كما هو واضح، فتأمل جيدا.
* (ولو قال: " له خمسة إلا اثنين وإلا واحدا كان إقرارا باثنين) * بلا
خلاف ولا إشكال، إذ الضابط في هذه المسائل أنه مع تعدد الاستثناء إن كان متعاطفا
أو الثاني مستغرقا لما قبله سواء ساواه أو زاد عنه، كما لو قال: " له عشرة إلا
ثلاثة إلا أربعة - أو إلا ثلاثة ". رجع الجميع إلى المستثنى منه، ويكون الاقرار
بالباقي وهو الاثنان في الأول والثلاثة أو الأربعة في الثاني، وإن كان
الثاني أقل من سابقه ولم يكن معطوفا عليه عاد الثاني إلى متلوه لا إلى
الأول.
نعم لو استغرق المتعدد الراجع إلى الأول بالتعاطف أو غيره بطل ما حصل به
الاستغراق، كما لو قال: " له علي عشرة إلا ستة وإلا خمسة " أو قال: " له علي عشرة إلا
ستة إلا سبعة " فيبطل حينئذ الاستثناء الثاني، لأنه لا خلاف كما اعترف به غير واحد
في بطلان الاستثناء المستغرق بل في الروضة الاتفاق عليه، ولعله قاعدة ثالثة، بل الظاهر
عدم حمله على الغلط بل لو ادعاه لم يسمع، نعم لو تعقبه استثناء آخر يزيل استغراقه
كما لو قال مثلا له ثلاثة إلا ثلاثة إلا اثنين احتمل البطلان فيهما أيضا، وبطلان الأول
خاصة دون الثاني، فيلزمه درهم حينئذ، وصحتهما فيلزمه درهمان، لأن ثلاثة إلا
درهمين في مقام درهم، وهو المستثنى بعد الاقرار، ولعل الأخير لا يخلو من قوة، بل
عن الفخر الجزم به.
89

* (و) * كيف كان فإذا تعدد الاستثناء ولم يتعاطف ولا استغرق الثاني رجع
كل تال إلى متلوه، سواء كان قد ابتدأ بالنفي أو بالاثبات وصار الاستثناء الأول
مضادا للمستثنى منه في النفي والاثبات. ف‍ * (لو قال:) * له علي * (عشرة إلا
خمسة إلا ثلاثة كان إقرارا بثمانية) * لأن العشرة مثبتة والخمسة منفية، فيبقى خمسة
والثلاثة مثبتة، فتضاف إلى الخمسة الباقية، فيصير المقر به ثمانية.
ولو ابتدأ بالنفي فقال: " ما له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة " فالاقرار
باثنين لأن الخمسة مثبتة من النفي، والثلاثة منفية من الخمسة، فيبقى المقر
به اثنان، ولو قال: " له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية " فهو إقرار بتسعة، ولو
عد إلى الواحد فهو إقرار بخمسة.
والضابط على ما ذكرناه أن يسقط المستثنى في الأول من المستثنى منه ويجبر
الباقي بالثاني، ويسقط الثالث ويجبر بالرابع، وهكذا، أو يسقط جملة المنفي
من جملة المثبت بعد جمعهما، فالمقر به هو الباقي، وهو ضابط آخر، بل قد
يضبط أيضا بأن تحط الأخير مما يليه ثم باقيه مما يليه، وهكذا إلى الأول،
فالمقر به الباقي.
وعلى الثلاثة يكون المقر به مع الانتهاء إلى الواحد خمسة، ضرورة أنه
على الأخير يحط الواحد من الاثنين يبقى واحد، يحط من الثلاثة يبقى اثنان،
يحطان من الأربعة يبقى اثنان أيضا، يحطان من الخمسة يبقى ثلاثة، تحط من
الستة يبقى ثلاثة، أيضا، تحط من السبعة تبقى أربعة، تحط من الثمانية تبقى
أربعة أيضا، تحط من التسعة تبقى خمسة، وعلى سابقه يكون المثبت ثلاثين، لأنه
عشرة وثمانية وستة وأربعة واثنان، والمنفي خمسة وعشرين، لأنه تسعة وسبعة
وخمسة وثلاثة وواحد، فإذا أسقطنا جملة المنفي الذي لا إقرار فيه من المثبت
الذي فيه الاقرار يكون الباقي خمسة، وأما على ما ذكرناه فكذلك،
كما هو واضح.
90

إنما الكلام فيما ذكره جماعة من أنه لو قال متصلا بقوله: " إلا واحدا
إلا اثنين إلا ثلاثة إلا أربعة " إلى تسعة لزمه واحد، وقال في الدروس: " ولو
أنه لما وصل الواحد قال: إلا اثنين إلا ثلاثة إلى التسعة لزمه واحد، لأنا نضم
الأزواج إلى الأزواج تكون ثمانية وأربعين، والأفراد إلى الأفراد تكون تسعة
وأربعين، فإذا أسقطنا الأول من الثاني بقي واحد ".
وفيه (أولا) أن ضم الأزواج إلى الأزواج يقتضي أن تكون خمسين،
لأنها في السابق كما عرفت كانت ثلاثين، ويضم إليها الاثنان والأربعة والستة
والثمانية، وهي عشرون، والعشرة لا تعد إلا في المرة الأولى، والأفراد إذا ضمت
إلى الأفراد تبلغ تسعة وأربعين، لأنها كانت في السابق خمسة وعشرون، ويضم
إليها الثلاثة والخمسة والسبعة والتسعة، وهي أربعة وعشرون، والواحد لا يعد إلا
في المرة السابقة، فيكون المجموع تسعة وأربعين، وحينئذ فتسقط الأفراد -
التي هي منفية لا الأزواج المثبتة - من الأزواج، يكون الباقي واحدا.
و (ثانيا) أن هذا متوقف على معرفة استثناء الاثنين على وجه يكون مثبتا
إذ لا يصح أن يكون مستثنى من الواحد الذي يليه للاستغراق، ولا من الاثنين
المستثنى منهما الواحد للاستغراق أيضا، ولا من الخمسة الثابتة التي حصل الاقرار
بها، لاقتضائه حينئذ كونهما منفيين لا ثابتين، ولا من الخمسة المنفية، لاقتضاء
الاستغراق في قوله بعدهما: " إلا ثلاثة " ضرورة كون الباقي منها بعد إخراج
الاثنين ثلاثة، ودعوى خروجها حينئذ من السبعة المثبتة التي حصلت بضم الاثنين
إليها يقتضي تعدد المستثنى به في الاستثناء.
وبالجملة هو مجمل غير موافق للضوابط إلا مع القرينة التي لا بأس به معها
ولو بأن تجعل جملة الأزواج مثبتة مستثنى منها، وجملة الأفراد منفية مستثناة،
ويكون جملة الكلام بمنزلة إقرار واحد بخمسين، مستثنى منه تسعة وأربعون،
ويصير جملة الكلام بمنزلة قوله: " له علي عشرة " يخرج منها تسعة، ويضم إليها
ثمانية، ويخرج منها سبعة، ويضم إليها ستة، وهكذا من دون نظر إلى استغراق
91

التالي لمتلوه.
وهو كما ترى خارج عن عد المفروغ منها عندهم، بل لا يوافق ما ذكره
الشهيد أيضا في عكس أصل الفرض بأن قال: " له علي عشرة إلا واحد إلا اثنين
إلا ثلاثة إلا أربعة " وهكذا إلى التسعة، فإنه يلزمه واحد، لأن الثلاثة الأول
كلها منفية من العشرة، لعدم صحة استثناء التالي فيها من متلوه لاستغراقه، فتكون
جملة واحدة مستثناة من العشرة منفية فيها، وهي حينئذ يبقى منها أربعة ثم تجبر بالرابع،
وهو الأربعة، فتكون ثمانية، وقد انحط بالخامس منها خمسة بقي ثلاثة، فتجبر
بالسادس وهو الستة، تكون تسعة، ويحط منها بالسابع سبعة يبقى اثنان، فتجبر
بالثامن، وهو الثمانية، ويكون عشرة، ثم يحط منها التسعة يبقى واحد، كما هو
مقتضى ضابط ضم الأفراد إلى الأزواج وإسقاطها منها، والباقي هو المقر به.
ضرورة كون الأفراد هنا سبعة وعشرين، لأنها الستة الأولى المنفية ثم الخمسة
ثم السبعة ثم التسعة وهي سبع وعشرون، والأزواج المثبتة ثمانية وعشرون، لأنها
العشرة والأربعة والستة والثمانية، وهي ثمانية وعشرون، فإذا أسقطت الأفراد منها
يبقى واحد، نعم لا يأتي فيه الضابط الثالث وإن كان هو كما ترى، ضرورة اقتضاء
ما ذكرناه من القواعد بطلان الاستثناء الرابع، لعدم صحته من متلوه، واستغراقه
لو رجع إلى العشرة، فليس هو حينئذ إلا بالجعل المزبور الذي لا يلائم القواعد
المذكورة، فالالزام بمثله مع عدم القرائن الدالة على إرادة ذلك ممنوع خصوصا
بعد النظر إلى أصل البراءة ونحوه.
* (و) * كيف كان فقد بان كل بما ذكرناه الحال في جميع أطراف المسألة
وضوابطها وقواعدها التي منها أنه * (لو كان الاستثناء الأخير بقدر الأول) * أو
أزيد * (رجعا جميعا إلى المستثنى منه) * لا إلى متلوه للاستغراق. * (كقوله:
" عشرة إلا واحدا إلا واحدا " فيسقطان) * معا * (من الجملة الأولى) * كما
هو واضح.
* (و) * لا فرق عندنا في صحة الاستثناء في الاقرار بين الأعداد والأعيان
92

للعرف، ف‍ * (لو قال: لفلان هذا الثوب إلا ثلثه أو هذه الدار إلا هذا البيت أو) *
هذا * (الخاتم إلا هذا الفص صح، وكان كالاستثناء) * من العدد، * (بل أظهر) * منه
في النفي والاثبات، خلافا للمحكي عن بعض الشافعية فمنعه، لأن الاقرار بالعين
نص فيها أجمع، فالاستثناء منها رجوع بعد الاقرار، ولأنه غير المعهود، وفيه
من المصادرة ما لا يخفى
* (وكذا لو قال: " لفلان هذه الدار والبيت لي " أو " الخاتم لفلان والفص
لي " إذا اتصل الكلام) * وإن لم يكن من الاستثناء المصطلح إلا أن له حكمه،
ضرورة كونه كلاما واحدا متصلا بعضه ببعض على وجه التقييد ونحوه مما لا يكون
ما بعده من الانكار بعد الاقرار عرفا، كما هو واضح.
* (و) * على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه * (لو قال: هذه العبيد
لزيد إلا واحدا) * صح عندنا، إذ هو من الابهام في استثناء الأعيان و * (كلف
البيان) * كما سمعته في المبهم غير المستثنى، وحينئذ * (فإن عين صح ولو أنكر
المقر له كان القول قول المقر مع يمينه) * لأنه أعلم بنيته وإن امتنع حبس على
ما تقدم في الاقرار المبهم.
* (وكذا لو مات أحدهم وعين الميت قبل منه) * لأنه أبصر، * (ومع
المنازعة فالقول قول المقر مع يمينه) * خلافا للمحكي عن بعض العامة، فلم
يقبله، للتهمة ولندرة الاتفاق، كما هو واضح الفساد.
93

* (التفريع) *
* (على) * القاعدة * (الثانية إذا قال: " له ألف إلا درهما " فإن منعنا
الاستثناء من غير الجنس) حقيقة أو حقيقة ومجازا * (فهو إقرار بتسعمائة وتسعة وتسعين
درهما) * كما في القواعد والتحرير والإرشاد والدروس والمسالك وغيرها، لأن
إخراج الدرهم منها دال على كونها من جنسه، إذ الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل،
فالدرهم من أفراد الألف لولا الاستثناء.
لكن فيه أن القاعدة المزبورة تقتضي خروج المستثنى من جنسه، وهو أعم
من كونه الألف، بل يكفي كونه من جملة الألف دراهم يصح استثناء الدرهم منها،
فلا يقبل تفسيرها بالخالية عن الدارهم، ولعله لذا قال في الإيضاح: إن الأصح عدم
كونها دراهم، بل عن الشهيد في الحواشي الأقوى أنه يؤتى بالتفسير، إذ لا وجه
لذلك إلا ما قلناه.
نعم قد يقال: إن العرف يفهم من ذلك كون التمييز للألف أجمع الدراهم،
وهو إن تم غير القاعدة المزبورة التي فرعوا عليها ذلك على القول بعدم الجواز،
كما هو واضح.
* (و) * من هنا قال المصنف وغيره ممن تقدم عليه وتأخر عنه: * (إن
أجزناه) * أي الاستثناء من غير الجنس حقيقة على أن يكون مشتركا لفظا أو
معنى * (كان تفسير الألف إليه) *، لأنها مجملة لا يعينها استثناء الدرهم بعد
فرض صحته حقيقة من الجنس وغيره، وحينئذ * (فإن) * فسرها بالجنس فلا بحث
وإن * (فسرها بشئ) * من غيره كالجوز والنبق ونحوهما فإن كان * (يصح وضع
قيمة الدرهم منه) * ويبقى منه ما يصلح كونه مستثنى منه * (صح) * وألزم بما
يبقى منه بعد وضع الدرهم، بلا خلاف أجده فيه بينهم * (وإن كان) * الدرهم
94

* (يستوعبه) * بحيث لم يبق مستثنى منه فلا خلاف بينهم أيضا في عدم صحة
التفسير.
ولكن * (قيل) * والقائل أبو علي فيما حكي عنه: * (لا يبطل الاستثناء) *
ويلتزم بما فسره به الألف * (لأنه) * بتفسيره يكون قد * (عقب الاقرار بما يبطله،) *
إذ التفسير بيان للألف التي أقر بها أولا مبهمة، ووقع الاقرار بها صحيحا،
فكان التفسير بها بمنزلتها، وهو إن كان متأخرا إلا أنه في قوة المتقدم، لأنه كشف
عن حقيقة ما أقر به أولا لا إحداث أمر جديد لم يكن حتى يقال إنه متأخر،
وإنما المتأخر الاستثناء، وقد وقع مستغرقا * (فيصح الاقرار ويبطل المبطل) * ويلزمه
الألف المفسرة غير المستثنى منها شئ واختاره الفخر والشهيدان والكركي.
* (وقيل: لا يبطل) * إقراره الأول بالمستثنى والمستثنى منه، للأصل
وعموم " إقرار العقلاء (1) " * (و) * لكن * (يكلف تفسيره بما يبقى منه بقية
بعد إخراج قيمة الدرهم) * كغيره من الاقرار بالمبهم إذا فسره أولا بما لا يصح، فإنه
يلزم بغير ذلك التفسير كالابتداء وإن تكرر ذلك غير مرة، لاتحاد الدليل، ودعوى
كونه من تعقيب الاقرار بالمنافي واضحة الفساد، ضرورة أن التفسير ليس ابتداء
إقرار، بل هو بيان وكشف للأول، فمع فرض عدم صلاحيته يطالب بغيره، لا أنه
يؤخذ ببعض ويلغى آخر، ولعل هذا لا يخلو من قوة وإن كنا لم نجد قائلا به
قبل المصنف، نعم جزم به الفاضل في الإرشاد، وجعله الوجه في المختلف، ولا ترجيح
في القواعد ومحكي المبسوط والتذكرة والنافع والتحرير وغيرها، والأمر في ذلك
كله سهل.
إنما الاشكال في منافاة ما سمعته بل وما تسمعه بل في المسألة الآتية لما هو معلوم
عند أهل العربية من أن الاستثناء المنقطع لا إخراج فيه، وإنما " إلا " فيه بمعنى
" لكن " وحاصله بناء على جوازه حقيقة أن " إلا " تأتي لاخراج ما لولاه لدخل
ولغيره، قال نجم الأئمة: " إن المتصل ما دخل في المستثنى منه قبل " إلا " لفظا

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
95

أو تقديرا والمنفصل ما خرج قبله " وقد اعترف في المسالك في المسألة الآتية بأن
الاستثناء المنقطع لا يقتضي الاخراج فيه، و " إلا " فيه بمعنى " لكن " كما صرحوا
به في فنه.
وحينئذ فالمتجه في المثال الالتزام بالألف المفسرة من غير أن ينقص منها
ما يقابل الدرهم، إذ يكون المراد بقوله: " إلا درهما " لكن درهم ليس له علي،
وهو أمر خارج عما أقر به، وإلا فتقدير وضع ما قابل الدرهم المقر به يجعل
الاستثناء متصلا لا منفصلا، كما هو الفرض في بناء التفريع عليه.
قال العضدي: " إعلم أن الحق أن المتصل أظهر، فلا يكون مشتركا أي
لفظا، ولا للمشترك، بل حقيقة فيه ومجاز في المنقطع، فلذلك لا يحمل علماء
الأمصار على المنفصل إلا عند تعذر المتصل، حتى عدلوا للحمل على المتصل عن
الظاهر وخالفوه، ومن ثم قالوا في قوله: " له عندي مأة درهم إلا ثوبا " و " له
علي إبل إلا شاة " معناه إلا قيمة الثوب وقيمة الشاة فيرتكبون الاضمار، وهو
خلاف الظاهر فيصير متصلا، ولو كان المنقطع ظاهرا لم يرتكبوا مخالفة الظاهر
حذرا عنه " وهو صريح في أنه مع التقدير المزبور يكون متصلا.
وفي جامع المقاصد عن الفاضل في كتاب نهج الوصول وابن الحاجب أنهما
حكيا عن علماء الأمصار إضمار قيمة الثوب في " له علي عشرة إلا ثوبا " وهو ظاهر
في ذلك أيضا
* (و) * من ذلك يعلم الاشكال أيضا فيما ذكره المصنف وغيره من أنه * (لو قال:) *
له علي * (ألف درهم إلا ثوبا فإن اعتبرنا الجنس بطل الاستثناء) * لأنه من
غير الجنس * (وإن لم نعتبره) * بل قلنا بجوازه حقيقة أو مجازا * (كلفنا المقر
ببيان قيمة الثوب، فإن بقي بعد قيمته شئ من الألف صح وإلا كان فيه الوجهان) *
السابقان، بل لا أجد خلافا بينهم في شئ من ذلك.
نعم في المسالك " إن قلنا: إن الاستثناء المنقطع مجاز فقد صرح بإرادة
96

المجاز فلا إشكال في صحته من هذا الوجه، ورجع إليه أيضا في بيان قيمة الثوب،
لكن هل يعتبر فيها عدم استغراق الألف؟ ظاهر كلام المصنف وكثير ذلك، لأنهم
بنوه على القول بصحة الاستثناء الشامل للحقيقة والمجاز، بل هو في الثاني أظهر،
لأنه القول الأشهر، ويشكل بأن الاستثناء المنقطع لا يقتضي الاخراج، " إلا "
فيه بمعنى " لكن " كما صرحوا به في فنه فلا مانع حينئذ من استغراقه، ويكون
بمنزلة جملتين: إحداهما إقرار والأخرى إثبات أمر آخر، ولا إشكال في عدم ثبوت
الزائد منه غير المستثنى منه، لأن الزائد محض دعوى، وإنما الكلام في المساوي، لكنه
مع ذلك يشكل باستلزامه مع الاستغراق إلغاء الاقرار بل قد ذكر بعض الأصوليين
والفقهاء أن الاستثناء في المثال المذكور متصل، وأن المراد منه قيمة الثوب، فكأنه
استثنى من الألف درهم دراهم بقدر القيمة، فاعتبر فيه عدم الاستغراق كالمتصل،
وهذا متجه ".
قلت: هو مع أنه أمر آخر غير ما ذكرناه يأتي عليه ما قلنا من الاشكال،
بل فيه أوضح، لاعترافه بعدم اقتضاء الانقطاع الاخراج، وأن " إلا " فيه بمعنى
" لكن " فلا تفاوت بين المستوعب وغيره في عدم تعلقه بالمقر به، كما عرفت. ولا
مخلص عن هذا الاشكال إلا بفرض كلامهم في منقطع علم إرادة سقوط عينه من
المقر به ولو بأن يكون له عليه ألف درهم مثلا، فدفع وفاء ثوبا ولم يحاسبه
عليه، فأراد الاقرار به كذلك، ولا يلزم من ذلك كونه متصلا، ضرورة أنه لم
يقدر القيمة على وجه الاضمار حتى يكون كذلك، بل استدرك الوفاء بالثوب
عنها، وهو غير داخل، فأراد إخراج غير الجنس من جنس آخر، وإخراجه منه ليس
إلا على معنى تنقيصه منه، ضرورة عدم دخوله فيه حتى يخرج منه، وليس
مرادهم أن ذلك من لوازم المنقطع، بل فرض كلامهم في منقطع هو كذلك.
بل قد يدعى أن المنساق من نحو هذا الفرد من المنقطع ذلك، كانسياق إرادة
النقصان من نحو قوله: " له علي عشرة دنانير إلا خمسة دراهم " مثلا أو " مائة
درهم إلا دينارا " وليس هذا لتنقيص من المستثنى منه إخراجا كي ينافي الانقطاع،
97

بل هو أمر آخر غير الاخراج الذي يلحظ في المتصل.
ودعوى إجماع علماء الأمصار على إضمار القيمة في مثله فيكون متصلا
يمكن منعها على مدعيها، ولو سلمت فمفروض البحث إرادة الانقطاع منه، فليس
حينئذ إلا دعوى تبادر التنقيص المزبور الذي لا ينافي الانقطاع، بل قد يدعى أن
هذا أقرب إلى الحقيقة، وأولى من الاضمار المحصل للاتصال مع ظهور اللفظ في
الانقطاع.
بل قد يقال بالتزام ذلك في كل مقام يقبله، ومع التعذر يكون منقطعا لا
مدخلية له في المستثنى منه، حتى في التنقيص الذي لا ينافي الانقطاع، بل يمكن
تنزيل ما عليه علماء الأمصار من تقدير القيمة في المثال المزبور على هذا المعنى لا على
ما ظنه العضدي من إرادة تحصيل اتصال الاستثناء.
بل قد يشهد له أن علماء الأمصار إنما لهم كلام في هذا المقام، وإلا فلا مقام
له آخر ذكروا فيه ذلك، على أن الاحتمال المزبور مجاز لا قرينة عليه، بل
لا يتم فيما ذكرناه من المثال المشتمل على إخراج الدراهم من الدنانير
وبالعكس.
وبذلك كله يتجه ما سمعت من الأصحاب، بل ظاهرهم أنه مفروغ منه،
وعليه فرعوا مسألة التفسير بالمستوعب وغيره، ولقد أطنب الأردبيلي وتبعه بعض
من تأخر عنه في إيراد الاشكال المزبور على كلام الأصحاب، ولم يطمئن بمخلص
منه، ولكنه قد سأل الله تعالى التوفيق لحل المشكلات، وقد استجاب دعاءه
بما عرفت.
بل من جميع ما ذكرنا تعرف الحال في باقي ما أورده من الاشكالات على
الأصحاب، والحمد لله الذي رزقنا ما اطمأنت به أنفسنا وإن قصرت عنه أذهان
جملة من المتفقهة، والله الهادي.
* (ولو كانا مجهولين كقوله: له ألف إلا شيئا) * صح، و * (كلف
98

تفسيرهما) * لأنه كما يصح الاقرار بالمجهول واستثناء المجهول يصح الجمع بينهما،
لعموم " إقرار العقلاء " (1) وغيره.
* (و) * حينئذ * (كان النظر فيهما كما قلناه) * في السابق، فإن فسرهما بجنس
واحد بأن قال: " الألف دراهم والشئ عشرة " فلا بحث، وإن فسرهما بالمختلف فقال:
" الألف جوز والشئ درهم " بنى على صحة الاستثناء حقيقة من غير الجنس
وعدمه. وفي المسالك " فإن أبطلناه صح تفسير الألف وجاء في بطلان الاستثناء أو
التفسير الوجهان ".
قلت: قد يحتمل بطلان أصل التفسير وتكليفه بتفسير ينطبق عليه المستثنى
والمستثنى منه، لأنه كلام واحد فتأمل، وإن صححناه حقيقة صحا معا، واعتبر
في الدرهم عدم الاستغراق، ومعه يأتي فيه البحث السابق، وإن صححناه مجازا ففي
المسالك احتمل قبول تفسيره كما يصح لو صرح بهما مختلفين ابتداء، لأن التفسير
بيان للواقع لا إحداث حكم كما مر، وقد تقدم أنه مع التصريح بإرادة المنفصل
يقبل ويحتمل العدم، لأن إطلاق الأول منزل على الحقيقة، وإنما يرجع إليه
في تفسير المجمل بما يوافق الحقيقة لا بما يخالفها.
وذهب جماعة منهم الشهيد في الدروس والعلامة إلى قبول تفسيره بالمنقطع
مطلقا مع حكمهم بأنه مجاز حتى حكموا فيما لو قال: " له ألف إلا ثوبا " أنه
لو فسر الألف بالجوز قبل، ولا يخلو من نظر لأن في قبول المجاز في المنفصل
سد باب الاقرار، ودعوى الفرق بينه وبين تفسير المقتضي له واضحة المنع. ومن
ذلك يعلم ضعف الاحتمال الأول
ولو اقتصر في المسألة على تفسير أحدهما فإن قلنا ببطلان المنفصل أو جعلناه
مجازا تبعه الآخر في التفسير حملا على الحقيقة، وفيه البحث السابق، بل المتجه
تقدير ما يتحقق به الاتصال ويطالب بالبيان في غيره، كما أن في قبول إخباره
بالمنفصل الكلام الذي تسمعه.

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
99

ولو كانا مجهولين من كل وجه بأن لا يذكر العدد بأن قال: " له شئ إلا
شيئا " أو " مال إلا مالا " صح ورجع في تفسيرهما إليه أيضا، وروعي في الاستغراق
والاتصال ما قدمناه في السابقة، ويعتبر مع ذلك في الأول زيادته عن أقل متمول
ليستثني منه أقل ما يتمول، ويبقى منه بقية تكون متمولة.
وعن بعض العامة بطلان هذا الاستثناء، لاستيعابه في الصورة، فيبطل، ويجب
أقل متمول، وهو وإن كان موافقا في الحكم إلا أن فيه نظرا واضحا، ضرورة
قبول المستثنى والمستثنى منه للقليل والكثير، فلا يلزمه الاستغراق، وحينئذ فلا بد
من تكليفه بالتفسير لهما، ويتفرع عليهما مسألة الجنس والاستغراق وعدمهما،
نعم على قول البعض المزبور يقتصر في تكليفه على تفسير الأول من غير نظر إلى
غيره، وهذه فائدة القولين، كما هو واضح.
* (التفريع) *
* (على) * القاعدة * (الثالثة: لو قال: " له علي درهم إلا درهما " لم يقبل
الاستثناء) * لاستيعابه المقتضي لفساده، فيلزم بالدرهم المقر به بل لو ادعى الغلط لم
يسمع منه إلا مع القرائن الدالة على ذلك.
* (ولو قال:) * له * (درهم ودرهم إلا درهما ف‍) * عن المبسوط والسرائر
أنه * (إن قلنا: الاستثناء يرجع إلى الجملتين كان إقرار بدرهم) * لصحة الاستثناء
من مجموع الدرهمين في الجملتين. * (وإن قلنا يرجع إلى الجملة الأخيرة وهو
الصحيح) * عند المصنف هنا وفي النافع والآبي * (كان إقرار بدرهمين وبطل
الاستثناء) * لاستيعابه حينئذ.
بل لعله قضية كلام الفاضل في كثير من كتبه وولده والمقداد وسيد المدارك
وإن كان لمدرك آخر، وهو بطلان الاستثناء على كل حال، لاستلزامه التناقض
100

والرجوع عن الاعتراف لوقوع الاقرار على الدرهم بلفظ يفيد النصوصية، فلم يصح
إخراج أحدهما بعد أن نص على ثبوته، كما لو قال: " جاء زيد المسلم وعمرو
المسلم وخالد المسلم إلا زيدا " بخلاف ما لو قال: " له درهمان إلا درهما " فإنه
قابل للتجوز في الدرهمين.
وأجيب أن التجوز عن نصف الدرهم بدرهم صحيح لصحة قولنا " له درهم
إلا نصفه " فكأنه استثنى من كل درهم نصفه، ونصفا درهم درهم، وذلك لأن
دلالة لفظ " درهم " على مسماه ليس كدلالة " زيد " العلم على مسماه، إذ لا يمكن
أن يراد بالاسم بعض مسماه، بخلاف إرادة البعض من المجموع لصحة إطلاق اسم
الكل على الجزء، فلا يلزم النقض، بل غايته التجوز في إطلاق كل من الدرهمين
على بعض.
والأولى أن يقال: إن المنساق عرفا بعد تعذر الاستثناء مما يليه ومن
سابقه استثناؤه من المفهوم عرفا، وهو الدرهمان، كاستثناء الستة من الخمسة
والخمسة في قوله: " له علي خمسة وخمسة إلا ستة " ونظائره التي حكى العضدي
فيها الاتفاق على صحته.
بل لا يخفى بناء على ما ذكره النحاة والمفسرون من الحذف والتقدير في
مثل الاستثناء والعطف ونحوهما أن الأمر أوسع من ذلك كله.
على أن واو العطف بمثابة ألف التثنية عند النحاة والأصوليين، وقد عرفت
سابقا أن الاستثناء من العين صحيح مع قيام احتمال التناقض فيه، ومن هنا كان
على ما حكي خيرة الخلاف والدروس والحواشي وجامع المقاصد ومجمع البرهان
الالتزام بدرهم واحد، ولعله الأقوى لما عرفت، من غير فرق بين القول بالرجوع
إلى الأخيرة أو إلى الجميع، وما ذكره الشيخ ومن تبعه من البناء المزبور غير
ظاهر، لأن الاستثناء إنما يختص بالأخيرة إذا لم يستغرق، أما معه فيجب عوده
إلى الجميع، كما يجب عوده إلى المستثنى منه لو كان مستغرقا.
ووجهه أن قرينة المقام تقتضي عوده إلى الجميع، والاختصاص بالأخيرة
101

إنما هو مع عدم القرينة، وليس عود الاستثناء خاصة على القول به لكونه حقيقة
في ذلك ليمتنع حمله على المجاز، بل لا بد من أمر آخر يدل على إرادة المجاز،
لجواز الغفلة عن تعذر الحقيقة وعدم إرادة المجاز، بل لأن مخالفة الأصل مع
العود إلى الأخيرة أقل، فإذا عارضه أمر آخر - مخالفته للأصل أكثر وهو إلغاء
الاستثناء وجعله هذرا - تعين ارتكاب العود إلى الجميع، خصوصا بعد ما ذكرناه
من الانسياق عرفا في مثل هذا التركيب، ولعله العمدة، وحينئذ فالمراد من الجميع
هنا مجموع ما حصل من قوله: " درهم ودرهم " لا كل واحد واحد منهما، لعدم
قابليته، والمراد بالجميع في قول القائل برجوعه إليه إذا تعقب الجمل المتعددة
كل واحدة بخصوصها، لا نحو الجميع المزبور الذي مستنده الانسياق العرفي في
مثل هذا التركيب المحمول على الوجه الصحيح بعد تعذر المستثنى منه في كل
واحدة واحدة.
أما لو قال: " له ثلاثة دراهم ودرهمان إلا درهمين " صح وكان الاستثناء
من الثلاثة القابلة، فيلزمه حينئذ ثلاثة دراهم، بخلاف ما لو قال: " له درهمان
ودرهمان إلا درهمين " فإنه يرجع إلى المجموع الذي هو الأربعة، لما سمعته
من الانسياق، وقد وافق عليه هنا الفاضل وإن منعه في مثل " درهم ودرهم " للفرق
بين المفرد والتثنية بالنسبة إلى الاستثناء المزبور من جهة النصوصية وعدمها، إلا
أنه كما ترى لا فرق بينهما من حيث إرادة المجموع بعد تعذر كل منهما.
ولو قال: " له ثلاثة إلا درهما ودرهما ودرهما " فالظاهر لزوم الاثنين وبطلان
خصوص الأخير الذي حصل به الاستغراق، وربما احتمل بطلان الجميع، لكن
ضعفه لا يخفى، والله العالم.
102

* (النظر الثاني) *
* (في المقر) *
* (ولا بد أن يكون مكلفا حرا مختارا جائز التصرف) * بلا خلاف * (و) * لا إشكال
نعم * (لا تعتبر عدالته) * عندنا بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه، كما عن السرائر
الاجماع على إطلاق يشمل العدل والفاسق، بل يمكن تحصيل الاجماع على ذلك، لكن
في المسالك " نبه بذلك على خلاف الشيخ، حيث حكم بالحجر على غير العدل في
التصرفات المالية المقضي لعدم نفوذ إقراره بها ".
قلت: قد تقدم البحث في ذلك في السفيه، فلاحظ وتأمل. ولكن الانصاف،
عدم قدح مثله في تحصيل الاجماع المزبور، خصوصا بعد إمكان حمل كلام الشيخ
على الفاسق فسقا يكون به سفيها، سيما مع ملاحظة ما سمعته منه هنا من نفي
الخلاف، وكذا ما يحكي أيضا عن الراوندي وأبي المكارم من اعتبار العدالة
في الرشد.
ومن الغريب ما يحكي عن الشهيد في الحواشي من أنه يشترط العدالة في
المقر إلا في المفلس والموصي في حال المرض والسفيه، وظني أن نسخة الحاكي
غلط، وأنها " لا يشترط " ويكون اعتبارها حينئذ في الثلاثة للتهمة، وهذا ليس
بشرط في الاقرار من حيث كونه كذلك بل إنما هو في خصوص بعض الأفراد في
بعض الأحوال مما تسمعه في إقرار المريض.
وعلى كل حال * (ف‍) * لا إشكال في عدم اعتبار العدالة في صحته، لعموم
أدلته معتضدة بما سمعت، كما أنه لا إشكال بل ولا خلاف عندنا في أن * (الصبي
103

لا يقبل إقراره ولو كان بإذن وليه) * وعن التذكرة لا يقبل عند علمائنا سواء كان
مراهقا أو لا، وسواء كان مميزا أو لا، خلافا لبعض العامة، فأجاز إقراره بإذن
وليه، وهو كما ترى، لما عرفته مكررا من أن عبارته مسلوبة إقرارا وإنشاء،
نعم هو كذلك مما لا يصح به إنشاؤه.
و * (أما لو أقر بماله أن يفعله كالوصية) * بالمعروف التي قد عرفت الحال
في جوازها منه في محله * (صح) * على ما صرح به غير واحد، لقاعدة من ملك شيئا
ملك الاقرار به التي طفحت بها عباراتهم، بل صريح بعضهم أنه لا خلاف فيها
عندهم، وأنه لا ينبغي أن يقع وإن كان لنا فيها إشكال فيما زاد على مقتضي قوله
صلى الله عليه وآله (1). " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " ونحوه مما سمعته في
محله، ومنه ما نحن فيه، ضرورة عدم التلازم بين جواز وصيته بذلك وجواز إقراره
به، ولعله لذا قال الكركي في حاشيته: " لا يصح " فتأمل جيدا.
* (و) * كيف كان ف‍ * (لو أقر المجنون) * مطبقا أو أدوارا حال دوره * (لم
يصح) * بلا خلاف ولا إشكال.
* (كذا المكره) * بجميع أفراده، وعن التذكرة الاجماع عليه، نعم لو أكره
على الاقرار بشئ فعدل عنه إلى الاقرار بغيره صح، لعدم الاكراه فيما أقر به،
كما لو أكره على الاقرار بمأة فأقر بمأتين ألزم به، أما لو أقر بالأقل فهو
مكره على ما صرح به غير واحد، وبالجملة فالمدار على تحقق الاقرار على ما أقر
به، وقد ذكرنا في كتاب الطلاق جملة من الفروع في (المكره) (2) لا يخفى عليك
إتيان ما يأتي منها هنا.
* (و) * كذا لا يصح الاقرار من * (السكران) * ولو بمحرم وإن وجب
عليه قضاء الصلاة، خلافا للإسكافي فألزم من أسكر حراما باختياره باقراره كقضاء
الصلاة، وهو - مع أنه قياس - واضح الفرق، وفي محكي التذكرة " السكران الذي

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2
(2) راجع ج 32 ص 10 - 17.
104

لا يحصل أو لا يكون كامل العقل حال سكره لا يقبل إقراره عند علمائنا أجمع،
وكذا الكلام في النائم والمغمى عليه والمبرسم والساهي والغافل وغيرهم من غير
المكلفين بلا خلاف أجده في شئ منها، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، ضرورة
وضوح اعتبار الاختيار من النصوص المتفرقة في الأبواب والفتاوى في جميع الأسباب
الشرعية التي منها الاقرار إلا ما خرج بدليله، كضمان المتلفات ونحوه ".
* (أما المحجور عليه للسفه فإن أقر بمال لم يقبل) * بلا خلاف أجده فيه،
بل عن بعضهم الاجماع عليه، كما تقدم في كتاب الحجر، بل في الدروس هنا " ولا
يلزم بعد زوال حجره ما أبطلناه قبله " وفي المسالك " وإذا فك الحجر عنه
لا يلزم ما أقر به من المال، هذا بحسب الظاهر، وأما فيما بينه وبين الله تعالى
شأنه فيلزمه التخلص مما لزمه منه، كما لو كان قد لزمه بغير اختيار صاحبه، بأن
أتلف عليه ما يضمن بالمال " ونحوه في مجمع البرهان.
وهو إن تم إجماعا فذاك، وإلا أمكن المناقشة فيه، لعموم " إقرار
العقلاء " (1) المقتصر في تخصيصه على الحجر عن تعجيل ما أقر به له، لا أنه
لا يلتزم به حتى لو فك حجره، إذ هو غير مسلوب العبارة، ولذا صح بيعه
للغير بل ولنفسه بإذن وليه، ولا هو أقل من العبد الذي يؤخذ باقراره بعد
العتق.
اللهم إلا أن يقال: إن الحجر عليه في المال لعدم قابليته لحفظ المال،
فكل سبب يصدر منه فيه حال سفهه لا أثر له في الظاهر بدون انجباره بنظر الولي،
ومنه المؤاخذة بما صدر منه من الاقرار حاله.
نعم لو علم اشتغال ذمته فما بينه وبين الله تعالى فيما أقر به وجب عليه
التخلص، بل عن التذكرة أنه لو حصل بيده مال باختيار صاحبه حال الحجر
كالقرض لا يلتزمه، لأن الجحر منع من معاملته وصار كالصبي، ولكن في المسالك

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
105

" الوجه الضمان إن باشر إتلافه كالصبي " وفيه أن ضمانه حينئذ لا للمعاملة التي
هي الفرض، بل للاتلاف الذي لا يعتبر فيه جواز التصرف.
نعم الانصاف إن لم يكن إجماعا جواز تصرفاته في ذمته، لأن الحجر إنما
هو في ماله لا في ذمته فيتبع بها حينئذ بعد فك الحجر، وفي مجمع البرهان بعد
أن حكي عن التذكرة أنه إذا سلطه المال على ماله بالبيع وشبهه بعد الحجر
لا يجب على أداء ذلك، لأنه بتسليطه السفيه على ماله مضيع لماله، فلا عوض له،
فكأنه أتلفه بنفسه، قال: " هذا مع عدم علمه بسفه مشكل، بل مع علمه أيضا،
فإنه " على اليد ما أخذت " (1) وما سلمه إليه إلا للعوض، بل يكون حينئذ مع
علمه بعدم لزوم العوض سفيها أيضا، كالمتصرف فلا يخرج ماله عن ملكه، ولا
يلزمه عدم العوض بتسليطه بلا عوض كالهبة ونحوها، فيكف على وجه العوض؟
فالظاهر العوض بناء على قوانينهم فافهم ".
وهو وإن لم يكن عين ما قلناه لكنه قريب منه مع فرض إرادته لزم
العوض الذي سماه، وإن كان مراده مطلق الضمان فظاهره أيضا عدم اختصاصه
بما إذا باشر الاتلاف، كما سمعته من المسالك، بل يكفي فيه يده.
نعم الظاهر أنه بناء على ما ذكرنا لا تسلط له على الولي بتعجيل ذلك إليه
للحجر، أما بناء على ضمانه لقاعدة الضمان بالاتلاف وباليد فالمتجه مطالبة الولي،
كما لو أتلف السفيه مال الغير بغير اختيار مالكه، بخلاف ما احتملناه الذي مقتضاه
صحة المعاملة في ذمة السفيه.
نعم مع جهل البائع يثبت له الخيار وإلا كان له الثمن في ذمته، وليس
له مطالبة الولي، لأن معاملته مع قد وقعت بغير إذنه، فتأمل جيدا، والله
العالم.
* (و) * كيف كان فلا خلاف في أنه * (يقبل) * إقراره * (فيما عداه) * أي

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 95
106

المال * (كالخلع والطلاق) * ونحوهما مما هو ليس تصرفا ماليا، وإلا أنه قد
قدمنا في كتاب الحجر (1) احتمال عدم جواز الخلع له بدون مراعاة الولي
البذل جنسا وقدرا، لأنه تصرف مالي وإن جاز له الطلاق بلا عوض، كما أنه
قد تقدم هناك احتمال عدم وجوب الانفاق عليه لو أقر بنسب يتبعه النفقة وإن
ألحقناه به، لأنه ليس مالا، فيكون حينئذ كمن لا نفقة له، فينفق عليه من بيت
المال وإن التحق نسبه به، بل قد احتملنا عدم نفوذ إقراره بما يوجب القصاص إذا أراد
فداء نفسه منه بالمال، بل يجب على الولي فداؤه منه مع الامكان، إلا أن ذلك
كله يدفعه ما أومأنا إليه هنا ممن أن المتيقن من الحجر عليه التصرف في نفس
المال دون غيره وإن استتبع مالا، لاطلاق الأدلة وعمومها.
* (ولو أقر) * حال الحجر * (ب‍) * أمر مشتمل على أمرين: مال وغيره
كال‍ * (سرقة) * فإنها مال وعليه الحد * (قبل في الحد) * لعدم كونه تصرفا ماليا
* (لا في المال) * للحجر عليه فيه، ولا ضرر في التبعيض، لعدم الملازمة بين الحد
وبينه، فقد يجتمعان، وقد يوجد ضمان المال بشهادة رجل وامرأتين دون الحد،
وقد ينعكس كما في الفرض، وقد أشكل الحال على الأردبيلي، ولكن يدفعه أن
ذلك ليس من التناقض في شئ، كما أوضحناه في غير المقام.
* (ولا يقبل) * عندنا * (إقرار المملوك) * وإن كان بالغا عاقلا * (بمال
ولا حد ولا جناية توجب أرشا أو قصاصا) * بل عن التذكرة وظاهر السرائر وقضاء
المبسوط الاجماع على أنه لا يقبل إقراره بعقوبة ولا مال، وفي جامح المقاصد
" أجمع أصحابنا على أنه لا يقبل إقراره على نفسه بمال ولا حد ولا جناية مطلقا "
وفي المسالك وعن غيرها نفي الخلاف فيه، وعن الخلاف والغنية الاجماع على عدم قبول
إقراره بما يوجب حناية على بدنه، وعن المبسوط لا يقبل إقراره بحد عندنا، ولا يقبل
إقراره بالمال على مولاه بلا خلاف.
وبالجملة فالمسألة مفروغ عنها عندنا، لأنه لا مال له، وبدنه مملوك لغيره،

(1) راجع ج 26 ص 57.
107

فإقراره إنما هو في حق الغير، بل لو قلنا بملكه مطلقا أو على بعض الوجوه فهو محجور
عليه بالتصرف فيه الذي منه الاقرار.
خلافا لبعض العامة فقبله في الحد والقصاص طرفا ونفسا دون المال، لأن
عليا عليه السلام قطع عبد بإقراره، ولأن الاقرار أولى من البينة.
وفيه مع عدم ثبوت ما أرسله في طرقنا أنه يمكن أن يكون بتصديق المولى
له، والفرق بين البينة والاقرار الذي قد عرفت أنه في حق الغير واضح.
* (و) * كيف كان ف‍ * (لو أقر) * وصدقه المولى قبل بلا خلاف، كما
عن الغنية والسرائر، بل ولا إشكال، من غير فرق بين المال والجناية، لأن الحق
لا يعدوهما، والمنع إنما كان لحق السيد وقد انتفى.
وقد يظهر من بعض العبارات احتمال العدم في الحد والقصاص، لعدم أهليته
للاقرار، لأنه لا يقدر على شئ، والمولى لا يملك ثبوت الحد والقصاص
عليه.
وفيه ما لا يخفى من منع عدم أهليته، للعموم المعتضد بعدم الخلاف،
وخصوصا في المال المتحد في المدرك مع غيره، فينزل حينئذ عدم القدرة على ما
عارض حق المولى، وحينئذ يتجه تعجيل الحد والقصاص.
أما المال فإن كان عينه موجودا دفع إلى المقر له، وإن كان تالفا أو لم
يصدق المولى أو كان مستندا إلى جناية أو إتلاف * (مال) * (1) تعلق بذمته.
و * (يتبع به إذا أعتق) * بلا خلاف ولا إشكال، لعموم " إقرار العقلاء " (2)
بعد معلومية عدم ضمان السيد لما يتلفه من مل الغير بغير إذنه.
ومنه يعلم أن المراد بما في المتن وغيره من عدم القبول عدم تعجيله مما هو للسيد

(1) وفي الشرائع: " بمال "
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
108

ملكا أو ولاية.
هذا، وفي المسالك " والفرق بين المملوك والمحجور عليه للسفه حيث نفذ بعد
العتق ولم يقع لاغيا بخلاف السفيه أن المملوك كامل في نفسه، معتبر القول لبلوغه
ورشده، إنما منع من نفوذه حق المولى، فإذا زال المانع عمل السبب عمله،
بخلاف السفيه، فإن عبارته في المال مسلوبة شرعا بالأصل، لقصوره كالصبي
والمجنون، فلا ينفذ في ثاني الحال كما لا ينفذ إقرارهما بعد الكمال ".
وفيه ما عرفت من أنه مجرد دعوى لا شاهد لها، بل عموم الأدلة على
خلافها، بل الفرق بينه وبين الصبي في كمال الوضوح.
هذا ولكن قد يظهر من المتن اختصاص التبعية بعد العتق بالمال دون الجناية،
بل لعله ظاهر الفاضل في القواعد أيضا لأنه قال: " لا يقبل إقرار العبد بمال ولا
حد ولا جناية توجب أرشا أو قصاصا إلا أن يصدقه السيد، ويتبع بعد العتق
بالمال، ولو قيل يقبل ويتبع به وإن لم يصدقه السيد كان وجها " لكنه فرض
المسألة في صورة التصديق، ولا ريب في اختصاص المال حينئذ بذلك، ضرورة
التعجيل بالحد والجناية مع التصديق بخلاف المال الذي لا يضمنه السيد عنه وإن
صدقه.
نعم لا فرق بينهما في صورة عدم التصديق بلا خلاف أجده فيه إلا ما في الدروس
فإن ظاهره التوقف في المقام، قال: " وأما العبد فلا يقبل إقراره بما يتعلق بمولاه
من نفسه أو ماله، نعم يتبع بالمال بعد العتق، وقيل يتبع في الجناية أيضا، وكذا
لو أقر بحد أو تعزير ".
وفي جامع المقاصد بعد أن حكي ذلك عنه قال: " ومقتضي إطلاق عبارة
المصنف أنه يتبع في الجميع، ولا أرى مانعا إلا في الحد من حيث ابتنائه على
التخفيف ودرئه بالشبهة ".
وفيه أن احتمال عدم العبرة باقراره بعد أن كان الظن الاجتهادي بقبوله لا يعد
شبهة يسقط بها الحد وإلا كان ظن المجتهد في الحد غير حجة.
109

فالتحقيق التبعية به مطلقا كما عن السرائر والتحرير وقضاء الدروس وكشف
اللثام وظاهر قضاء المبسوط وغيرها، بل قد عرفت أني لم أجد خلافا في ذلك، لعموم
" إقرار العقلاء " (1) الذي كان المانع من نفوذه معجلا حق المولى، فإذا زال
بالعتق مثلا عمل المقتضي عمله، ودعوى عدم أهليته للاقرار لأنه لا يقدر على
شئ كما ترى، خصوصا بعد اتفاقهم ظاهرا عليه في المال، وتوقف الفاضل فيه
في حجر القواعد وجعله وجها هنا في غير محله كما عرفت، ومن هنا لم أجد من
اختار العدم في مال أو في جناية أو في حد.
* (ولو كان) * العبد * (مأذونا في التجارة فأقر بما يتعلق بها) * من دين
ونحوه * (قبل) * على المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا * (لأنه يملك التصرف
فيملك الاقرار) * لما عرفت من أنه من ملك شيئا ملك الاقرار به، لكن في
التذكرة استشكله، وفي جامع المقاصد والمسالك أن عذره واضح، بل عن حجر
الأخير أن الأصح عدم القبول، ولعله لعموم الحجر على المملوك إلا ما دل عليه
الإذن، وهو التجارة، وكون الاستدانة من لوازمها ممنوع، ولو سلم افتقارها
إليها في بعض الموارد فلا يدل على الملازمة، ولو سلمت فاللزوم غير بين، فلا
يدل الإذن فيها على الإذن فيها بالالتزام، وانتفاء دلالتي المطابقة والتضمن ظاهر
وشهادة الحال ليست حجة لشغل الذمة الخالية، وتضرر المعاملين بالصبر إلى ما بعد
العتق يندفع بالاشهاد، وليس إقرار العبد بأولى من إقرار الوكيل الذي ذكروا
عدم نفوذه على الموكل.
ومن هنا فصل بعض الناس بين ما كان من لوازمها عرفا وبين ما ليس من
لوازمها، وإن تعلق بها فلا يقبل، بل احتمل بعضهم تنزيل إطلاق كلام
الأصحاب على ما حكاه من ظاهر التحرير من فرض المسألة في أن سيده أذن
له في التجارة والمعاملة بمائة دينار مثلا ولم يدفع إليه شيئا فعاد وبيده أعراض

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
110

يدعي شرائها في ذمته وبقاء الثمن، فإنه يقبل إقراره في المقدار الذي أذن له فيه،
ويؤخذ منه المال الذي في يده، والفاضل يكون في ذمته يتبع به بعد العتق.
وعن آخر احتمال تنزيل عبارة القواعد التي هي كعبارة المتن على أنه أذن
له في التجارة بمقدار معين ودفع إليه مالا لتجر به، ثم عاد وبيده أعراض يدعي
أنه شراها في ذمته وأن دينها باق، وادعى تلف ما كان في يده، إلى غير ذلك من
كلماتهم في المقام التي لا تخلو من تشويش.
وتحقيق الحال أن يقال: أنه إن كان الإذن في التجارة على وجه الاستنابة
وكانت بمال مخصوص أو بقدر مخصوص كان حاله كحال عامل القراض في أنه
يصدق في ما ائتمن عليه، إن كانت الإذن في التجارة مطلقة على وجه يشمل
الاستدانة وغيرها كان مصدقا في ذلك، وبالجملة فتصديقه يتبع ما أذن له فيه،
وعبارات الإذن مختلفة، بل لاحظ للفقيه في كثير منها، ضرورة كون المدار على
ما يفهم منها عرفا.
نعم قد ذكرنا في كتاب الوكالة أن قاعدة تصديق الأمين فيما ائتمن عليه
لا يقتضي عدم صحة الدعوى بين الآذن وبين غير المأذون فيما أقر به وأنكره الآذن
في بعض الأحوال، لأن أقصاها عدم دعوى له على الأمين، بمعنى نفوذ قوله
عليه بيمينه، فلا يتوجه له حينئذ غير ذلك، وأما غيره فلا دليل على سقوط دعوى
الآذن فيه ولا على نفوذ إقرار المأذون على وجه لم يكن للإذن دعوى على ذلك
الغير.
وحينئذ فالمتجه في المقام هو ما ذكرناه في الوكالة من أن الوكيل مصدق
فيما وكل فيه بالنسبة إليه نفسه، فلو أقر مثلا بأني قد قبضت ما في ذمة زيد
منه بالوكالة عنك وتلف من يدي وأنكر الموكل قبضه بعد اعترافه بوكالته لم
يكن له على الوكيل إلا اليمين، ولكن له مطالبة من عليه المال ولا تبرأ ذمته
منه باعتراف الوكيل أني قد قبضت، كما تقدم الكلام في ذلك محررا، بل
لعل هذا معنى قولهم: " إن إقرار الوكيل ليس إقرار على الموكل " نعم قاعدة
111

التصديق مقعدة وما نحن فيه من هذا القبيل.
وإن كانت الإذن على معنى رفع الحجر عنه في التصرفات لا على وجه
الاستنابة فلا ريب في قبول إقراره فيما رفع الحجر عنه فيه وإن لم يلتزم بذلك
الولي، لأنه ليس وكيلا عنه، ولعل حمل كلامهم وقولهم: " يؤخذ ما أقر به
مما في يده " إلى آخره كما ستسمع على هذا أولى من الأول.
* (و) * على كل حال ففي المتن والقواعد ومحكي المبسوط والتحرير والإرشاد
والدروس وظاهر الغنية وغيرها أنه * (يؤخذ ما أقر به مما في يده وإن كان أكثر لم
يضمنه مولاه) * بل في جامع المقاصد لا ريب أن القبول إنما هو بقدر ما في يده،
لأن الإذن في التصرف إنما يتناوله، فالزائد لا يضمنه المولى * (و) * لكن * (يتبع
به إذا أعتق) *.
وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن المدار في ذلك على ما يفيده
الإذن التي بها يكون العبد بمعنى الوكيل.
نعم لو فرض دفع مال إليه وأذن له بالتجارة فيه واستدان لها أزيد مما في
يده توجه حينئذ اتباعه به بعد العتق، إذ هو كالاقتراض بلا إذن ونحوه مما
يكون ضمانه على العبد دون المولى.
ولعله لذا قال في مجمع البرهان في عدم ضمان المولى الزيادة عما في يده
تأمل، لأن التاجر قد يخسر بحيث يذهب رأس ماله ويلزمه الديون في ذلك،
لأنه قد يكن ظن النفع للنقل من بلد آخر مثلا بأجرة، وظهر بعد النقل عدم
حصول الأجرة، أو لوقوع سرقة أو ظلمة أو حرق أو غرق أو نحو ذلك، كما
إذا كان وكيلا في التجارة ودفع الدين، فإنه على الموكل، فتأمل ".
قلت: قد يقال: المراد أن بالإذن في التجارة هنا رفع المنع عن معاملته على الوجه
الذي عرفته، لا أنها بمعنى الوكالة عن المولى على وجه تشتغل ذمته بما يستدينه لها،
ولا ينافي ذلك ملكية المولى لما في يده، إذ لا مانع من كون العين التي استقرضها مثلا
112

ملكا لمولاه، وكون عوضها في ذمة العبد المأذون، بل لا مانع من التزام مثل ذلك لو
اشترى عينا بثمن في ذمته، فإن العين تكون ملكا للسيد، ولكن الثمن في ذمة العبد،
إذ هو من جملة أموال السيد أيضا، نحو ما لو اشترى المولى بمال في ذمته، فإن ما في ذمة
عبده بإذنه لا يقصر عن المال الذي في ذمته، فيكون للمولى حينئذ ذمتان: إحداهما
ذمته والأخرى ذمة عبده، فله جعل ثمن المبيع في كل من الذمتين برضا البائع، ولا
يلزم من ذلك جوازه في ذمة الأجنبي، ضرورة عدم كون ما فيها من أمواله كما هو
واضح.
وحينئذ فإذا اتفق خسارته في التجارة تبقى ذمته مشغولة من دون ضمان
على المولى إلا أن يكون وكيلا عنه في ذلك، وليس مجرد الإذن في التجارة
توكيلا.
بل ربما يؤيد ذلك ذكرهم أحكاما للعبد المأذون لا تنطبق على الوكالة
ومنها ما سمعته من أخذ ما أقر به مما في يده وإن زاد اتبع بعد العتق، مع أنه إذا
كان وكيلا اتجه الرجوع به على الموكل الذي هو السيد، كما سمعته من
الأردبيلي، خصوصا مع إطلاق المعظم العبد المأذون في التجارة سواء دفع له سيده
مالا أو لا، وقد يكون في يده شئ وقد لا يكون، فلا إصلاح لهذا الكلام إلا بما
سمعت، ويكون الرجوع على ما في يده وإن كان من كسبه الذي هو للمولى أو
من الأعيان التي اشتراها في الذمة، باعتبار اقتضاء الإذن ورفع الحجر عنه ذلك،
بل قد يقوى عدم جواز الرجوع بها لقاعدة " لا ضرر ولا ضرار " فتأمل جيدا.
وقد أشبعنا الكلام في مسألة المأذون ونقلنا النصوص المتعلقة بها في كتاب
القرض (1) فلاحظ. وربما كان بعض ما ذكرناه هنا منافيا لبعض ما هناك.
وعلى كل حال فلعله بهذا يمكن إصلاح إطلاقهم السابق أن المأذون في التجارة
يقبل إقراره فيما يتعلق بها، فتأمل جيدا.
نعم قد يقال: إنه يتوجه على هذا تعلق الدين بكسبه مضافا إلى ما في يده

(1) راجع ج 25 ص 73 و 75.
113

وقد يتكلف تناول ما في يده له أو يقال: لا يلتزم السيد به، لأن له قطع الإذن
فيبقى العبد مشغول الذمة غير متمكن من الأداء، فيتبع به بعد العتق، وعلى كل
حال فهو أمر آخر لا تعلق له في أصل المسألة.
وكيف كان فاقراره يقبل فيما يتعلق بالتجارة المأذون فيها دون غيرها
وحينئذ فلو أقر بدين ولم يذكر سببه لم ينفذ إلا أن يسنده إلى الوجه الذي يقبل
إقراره فيه.
وهل يشترط في نفوذ الاقرار وقوعه حالة الإذن أو ينفذ وقد وقع بعد زوال
الإذن في المسالك " وجهان، أظهرهما الأول، كما لو أقر الولي بتصرف في مال المولى
عليه بعد زوال الولاية " قلت: قد تقدم في الوكالة ما يستفاد منه قوة الثاني.
ولا يصح إقرار المولى عليه بحد ولا غيره من العقوبات كالتعزير وضرب
اليد في الاستمناء ونحو ذلك، بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في جامع المقاصد،
بل عن الخلاف والإيضاح الاجماع عليه، لأن إيلام العبد حق متعلق به وبالمولى،
فلا يكفي إقرار المولى.
نعم لو أقر عليه بجناية في النفس أو الطرف نفذ فيه، لكن لا على معنى
القصاص منه، بل على معنى رفعه فيها أو فدائه بأرشها على حسب ما عرفته في
جناية العبد، وكذا لو أقر عليه بمال يرجع إلى ما في يده أو إلى كسبه لعموم
" إقرار العقلاء على أنفسهم " (1).
أما لو أقر عليه بما يرجع إلى ذمته بعد العتق كان شهادة لا إقرارا، وقد
ذكرنا تمام الكلام في كتاب القضاء عند قولهم، " وإذا ادعى على المملوك فالغريم
مولاه سواء كانت الدعوى مالا أو جناية " إلى آخره فلاحظ وتأمل كي تعرف مما
ذكرنا توجيه الدعوى تارة على المولى خاصة وأخرى على العبد كذلك وثالثة
عليهما.
هذا وفي القواعد " لو أقر عليه بالجناية فالأقرب قبول قوله، ويجب المال

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
114

ويتعلق برقبته، لا في حق العبد كفك الإرث، فيعتق بالقيمة وإن قصرت على
القولين " والمراد أن إقرار مولاه بالجناية عليه لا ينفذ إلا في حق المولى
خاصة، سواء كانت خطأ أو عمدا، دون العبد الذي هو غير المولى، حتى لو
فرض موت مورثه المقتضي لفكه بالقيمة ليرث لا يدفع من ماله أزيد من قيمته وإن
كانت أقل من أرش جنايته المقر بها.
نعم لو كانت جنايته ثابتة بالبينة مثلا اتجه حينئذ فكه بأرشها من
التركة وإن زاد على قيمة العبد بناء على أن الواجب فيها الأرش كائنا
ما كان.
وتفصيل الحال في ذلك أنه لو أقر المولى بجنايته خطأ فإن كانت مستوعبة
لقيمته تخير بين دفعه فيها وبين فدائه بقيمته وإن كانت أقل من الأرش على
الأصح، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، وقيل بالأرش بالغا ما بلغ
كما سمعته في المكاتب، ويأتي في الديات، إنشاء الله.
وإن لم تكن مستوعبة تخير بين دفع ما قابلها من العبد وبين فكه بأرشها،
فلو اتفق موت مورثه في هذا الحال قبل الفداء أو الدفع لم يتغير الحكم المزبور،
فتدفع إليه القيمة من التركة فيدفعها إلى المجني عليه أو ما قابل جنايته منها
والزائد له، ويفك العبد ويرث بقية المال.
نعم بناء على احتمال وجوب الأرش كائنا ما كان يمكن دفع ذلك من
التركة، لتوقف الفك عليه، ولا يجب على المولى دفعه من نفسه، إذ المولى
محير بين دفعه وفدائه، فله اختيار الأول، ويحتمل هنا عدم استحقاقه وإن قلنا
باستحقاقه في غير الفرض، لتجدد خطاب الفك بالقيمة هنا، فتقوم حينئذ هي مقام
العبد، ويتعلق بها حق المجني عليه. ولأن الجناية إنما هي باقراره الذي لا يمضي
على العبد، لا أنها ثابتة ببينة أو باقرار العبد، ولعله إلى هذا لمح الفاضل واختار
ما سمعت.
وإن كانت الجناية المقر بها عمدا فقد عرفت أنه لا قصاص عليه لأنه إقرار
115

بحق الغير، بل قد يقال: ليس له دفعه للاسترقاق مع فرض عروض موت المورث
في هذا الحال، لكن يدفع القيمة التي أخذها من التركة إليه، نعم لو كان قد
دفعه فيها قبل ذلك واسترقه المجني عليه فك منها بها، كما أنه كذلك لو دفعه
في الخطأ أيضا.
هذا وفي الدروس " فلو أقر أي المولى بالجناية عمدا على المكافئ وأنكر
سلم المجني عليه ولم يقتص منه، ولو اتفق موت مورثه بعد إقرار مولاه عليه
بالجناية فكه بقيمته، ويتعلق بها حق المجني عليه مع الايعاب، ولا يتوجه هنا
الفك بأقل الأمرين، لأن ذلك وظيفة المولى ".
وقد ناقشه الكركي في إطلاقه، بل أطنب في أصل المسألة، بل حكى عن
فخر المحققين بناء صورة العمد فيها على أن الواجب في العمد القصاص خاصة أو أحد
الأمرين: هو أو الدية، وقد حكى عن الأكثر الثاني. ولكن لا يخفى عليك ما
في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه.
* (و) * كيف كان فقد تقدم في كتاب الفلس (1) أنه لا خلاف معتد به في
أنه * (يقبل إقرار المفلس) * بدين سابق * (و) * لكن * (هل يشارك المقر له
الغرماء) * لعموم " إقرار العقلاء " (2) * (أو يأخذ حقه من الفاضل) * لأنه إقرارا في حق الغير؟ * (فيه تردد) * وخلاف، وقد أشبعنا الكلام فيه بل وفي باقي أطراف
المسألة من الاقرار بالعين وغيره في كتاب الفلس (3) فلاحظ وتأمل.
* (وتقبل وصية المريض) * والصحيح * (في الثلث وإن لم يجز الورثة) *
إجماعا أو ضرورة من المذهب إن لم يكن الدين * (وكذا) * يقبل * (إقراره) *
من الثلث * (للوارث أو الأجنبي مع التهمة) * فيهما * (على أظهر القولين) *
بل الأقوال التي هي ستة أو سبعة، بل قيل هي عشرة كما أشبعنا الكلام فيه

(1) راجع ج 25 ص 287.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
(3) راجع ج 25 ص 287 - 289.
116

وفي غيره من فروع المسألة في كتاب الحجر (1) وقلنا إن هذا القول هو الذي
تجتمع عليه نصوص (2) المسألة وأن غيره من الأقوال مستلزم لطرحها أجمع
أو بعضها، فلاحظ وتأمل.
* (ويقبل الاقرار بالمبهم ويلزم المقر بيانه، فإن امتنع حبس وضيق عليه
حتى يبين، وقال الشيخ رحمه الله: يقال له إن لم تقر جعلت نكالا، فإن أصر
أحلف المقر له) * كما تقدمت الإشارة إليه في المقصد الثاني.
* (و) * كيف كان فقد عرفت أنه لا خلاف ولا إشكال في أنه * (لا يقبل إقرار الصبي
بالبلوغ) * أي دعواه * (حتى يبلغ الحد الذي يحتمل البلوغ) * فيه كالعشر
سنين، فإنه يقبل حينئذ لو ادعاه بالاحتلام فيها، كما صرح به الحلي فيما حكي
عنه والفاضل والكركي والشهيدان وغيرهم، بل لم يحك أحد منهم خلافا في
ذلك.
بل ظاهر المصنف وصريح غيره القبول بلا يمين وإلا دار، ضرورة توقف
صحة يمينه على بلوغه، فلو توقف عليها ثبوت البلوغ دار.
وفي الدروس " يمكن دفع الدور بأن يمينه موقوفة على إمكان بلوغه،
والموقوف على يمنيه إنما هو وقوع بلوغه، فتغايرت الجهة " وفي جامع المقاصد
" ضعفه ظاهر، لأن إمكان البلوغ غير كاف في صحة أقوال الصبي وأفعاله ".
قلت: وهو كذلك إذ دعوى اختصاص اليمين بالاكتفاء بامكان البلوغ مصادرة
واضحة، لكن مقتضاه عدم صحة دعواه أيضا مطلقا، للأصل وغيره.
وما في مجمع البرهان - من أن دليل المسألة كأنه الامكان وظهور الصدق
في المسلمين وعدم إمكان الاشهاد عليه مثل قبول انقضاء العدة عن المرأة وغيره - كما
ترى، ضرورة عدم كون الامكان من الأدلة، وظهور الصدق في المسلمين إنما
هو في البالغ، كقاعدة القبول فيما لا يمكن إلا من قبل المدعي بناء على تسليمها

(1) راجع ج 26 ص 59 - 93.
(2) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الوصايا.
117

التي منها تصديق المرأة في الحيض وانقضاء العدة، مضافا إلى ما دل (1) على
تصديقها في نحو ذلك.
وحينئذ فثبوت البلوغ بمجرد دعواه أو مع اليمين - بحيث يجب على من
بيده مال له دفعه إليه ويجب قبول شهادته وجميع الأحكام المترتبة على البلوغ
وإن تعلقت بغيره سواء كان في مقام الخصومة أو لا - لا يخلو من منع، اللهم إلا
أن يكون إجماعا.
ثم على تقديره فقد صرح غير واحد بأن الصبية مثله أيضا في قبول دعوى
الاحتلام، بل عن التذكرة قبوله لو ادعته بالحيض في وقت الامكان، وأشكله في
الدروس بأن مرجعه إلى السن، أي مرجعه إلى دعوى البلوغ بالتسع، لأن إمكان
الحيض لا يكون إلا معه، وناقشه في مجمع البرهان بأنه لا فرق بين الاحتلام
والحيض، قد يعرفان بالعلامات قبل العلم بالسن مع الاحتمال ثم يعلم
السبق.
قلت: قد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الحيض وغيره في قاعدة الامكان،
وفي جعلهم الحيض علامة للبلوغ، وفي غير ذلك، إنما الكلام هنا في قبول دعواها
الحيض على الوجه الذي عرفته في الصبي، ولا ريب في اقتضاء القواعد عدمه،
وتوهم الاجماع هنا أيضا كالصبي معلوم العدم، كما لا يخفى على الخبير
المتتبع.
ولو ادعاه بالانبات اعتبر، لأن محله ليس عورة كما صرح به غير واحد،
بل لو فرض كونه عورة فهو موضع حاجة، كرؤية الطبيب وشهود الزنا.
ولو ادعاه بالسن طولب بالبينة، كما صرح به الفاضل والشهيدان والكركي،
وظاهرهم عدم الفرق بين الغريب وخامل الذكر وغيرهما، خلافا للمحكي عن
التذكرة، فألحقهما فيها بمدعي الاحتلام لعجزه عن البينة.

(1) الوسائل الباب - 47 - من أبواب الحيض من كتاب الطهارة، والباب - 24 -
من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
118

وفيه أن ما يعتبر فيه البينة لا يتغير حكمه بعجز المدعي عنها، وما سمعته
في الاحتلام مما لا يجري نحوه هنا يقتضي عدم الفرق بينهما وبين غيرهما في التصديق
كما لعله ظاهر المتن إلا أنه واضح الضعف.
ويمكن إرادته قبول دعواه البلوغ على الاجمال بناء على أن من أسبابه
ما يصدق فيه وهو الاحتلام وإن كان هو أيضا واضح الضعف وإن استوجهه بعضهم،
ضرورة عدم صلاحية ذلك لسماع دعواه المجملة، خصوصا بعد ما عرفت من عدم
قبول دعواه المفصلة فضلا عن المجملة.
ثم لا يخفى عليك إرادة الدعوى من الاقرار في المتن وغيره وإن استلزمت
هي بعض الأحكام المتعلقة به، كغيرها من الدعاوى، لكن لا يكون بذلك إقرارا
وإلا لم يكلف البينة في السن، ولم يحتج إلى الاختبار في الانبات ولا إلى اليمين
في الاحتلام بناء عليه، كما هو واضح.
ولو أقر المراهق ثم اختلف هو والمقر له في البلوغ فالقول قوله من غير
يمين إن كان الاختلاف قبل تحقق بلوغه، وإن كان بعده قيل يحلف أنه حين أقر
لم يكن بالغا، لكن قد ذكرنا في كتاب البيع (1) أنه لو اختلفا فيه كذلك
احتمل تقديم قول مدعي البلوغ، لأصالة الصحة، وفي الدروس وجامع المقاصد فيه
وجهان.

(1) راجع ج 23 ص 196 - 198.
119

* (النظر الثالث) *
* (في المقر له) *
وقد ذكر المصنف له شرطا واحدا * (وهو أن يكون له أهلية التملك) *
لكن في القواعد وغيرها له شرطان: أحدهما ذلك، والثاني عدم التكذيب، بل في
الدروس ومحكي التذكرة وغيرها ثلاثة، والثالث تعيين المقر له فمن أقر
لرجل لا يعرف بطل إقراره، لكن قد يشكل بطلان الاقرار المزبور بخروجه
عن ملكه بالاقرار على كل تقدير، وإنما تعذر معرفة مستحقه، فيكون مالا
مجهول المالك، بل قد يشكل الشرط الثاني بأنه ليس شرطا في صحة الاقرار
على نحو الشرط الأول، بل في نفوذه في حق المقر له، كما سمعت تحقيقه في
مسألة ما لو رجع المقر له عن إنكاره، ولعله لذا اقتصر المصنف هنا على الشرط
الأول الذي لم أجد خلافا فيه، بل ولا إشكالا.
* (فلو أقر) * بالملك * (لبهيمة) * مثلا * (لم يقبل) * قطعا نعم في الدروس
لو أقر للدابة احتمل البطلان والاستفسار، ونفي عنه البأس بعض الناس، لأنه إذا
أوصى بذلك لعلفها أو نذره له جاز، كما ذكره الفاضل وجماعة فيما إذا أوصى
لها وقصد صرفه لعلفها.
وفيه أن ذلك. لا يقتضي صحة الاقرار بالملكية الظاهرة من اللام،
والاستفسار إنما يجب في المبهم، ولا إبهام في الفرض، كما لا انصراف إلى إرادة
ذلك من مثله * (و) * لو بملاحظة تعذر الحقيقة الذي لا يصلح بمجرده معينا،
كما هو واضح.
نعم * (لو قال:) * علي كذا * (بسببها صح، ويكون الاقرار للمالك) * كما
120

عن المبسوط، بل عن شرح الإرشاد للفخر نسبته إلى نص الأصحاب، لأن المراد
من السبب كون الألف في ذمته لمالكها بسبب جناية منه عليها أو استيفاء منفعة أو
نحو ذلك مما يرجع إلى مالكها.
* (و) * لكن مع ذلك كله * (فيه إشكال) * كما اعترف به الفاضل في
قواعده وغيرها، * (إذ قد يجب بسببها ما لا يستحقه المالك، كأروش الجنايات
على سائقها أو راكبها) * أو قائدها، ولا انسياق في اللفظ للأول، ودعوى غلبة
إرادة الأول على وجه يفهم من اللفظ المزبور ذلك واضح المنع وإن أطنب بعض
الناس في بيانه بما لا طائل تحته، نعم في الدروس الأقرب الاستفسار، فلو فسره
بالجناية على شخص قبل وإن لم يعينه على الأقرب، ويطالب بالتعيين، ويحتمل
بطلان الاقرار، كما لو أقر لرجل مبهم، كواحد من خلق الله أو من بني آدم،
وقوي الفاضل في هذا القبول ومطالبة الحاكم بالتعيين، ونحوه في المسالك وجامع
المقاصد ومحكي التذكرة والحواشي.
ولكن لا يخفى عليك عدم دليل على وجوب الاستفسار، ضرورة عدم كونه
كالاقرار بالمبهم، وما عن الفاضل من مطالبة الحاكم بالتعيين لا وجه له، لعدم
توجه حق له على المقر، وإمكان إبداء العذر عن بيانه، كما هو واضح. نعم
لو ادعى المالك أنه قصده توجه له اليمين عليه، وإلا فلا.
ولو قال: " لمالكها - أو لزيد - بسببها علي كذا " لزمه بلا خلاف ولا
إشكال، خلافا لبعض الشافعية فأبطله، لأن الغالب لزوم المال بالمعاملة التي لا تتصور
معها، وهو كما ترى.
هذا وفي القواعد " ولو قال: بسبب حملها لم يلزمه شئ، إذ لا يمكن
إيجاب شئ بسبب الحمل " وفيه أنه إن كان المراد أنه قال: لمالك الدابة
علي كذا بسبب حملها توجه عليه إمكان صحة الاقرار وبطلان الضميمة، نحو ما
لو قال: " له كذا من ثمن خمر أو خنزير " أو نحوهما، مع احتمال كون المراد
121

بسبب إتلاف حملها أو الوصية له بذلك، وكذا إن كان المراد " علي كذا بسبب
حمل بهيمة ".
* (ولو أقر لعبد صح) * بلا خلاف كما عن نهاية المرام الاعتراف به
* (ويكون المقر به) * حينئذ * (لمولاه) * والفرق بينه وبين البهيمة واضح * (لأن
للعبد أهلية
التصرف) * على وجه يكون صاحب يد، ولذا تصح إضافة البيع والهبة
وسائر الانشاءات إليه، وعدم ملكية العبد شرعا لا ينافي الملكية العرفية التي هي
عبارة عن السلطنة واليد، فهو إن لم يكن حقيقة، فهو مجاز شائع على وجه ينصرف
إليه الاطلاق المزبور، فعموم " إقرار العقلاء " (1) حينئذ بحاله، وملكية مولاه
لذلك، لأن جميع ما في يده لمولاه، كما هو واضح.
ونحو ذلك في الصحة لو أقر لمقبرة أو مسجد أو مشهد من مشاهد الأئمة
عليهم السلام أو مشعر من مشاعر الله أو نحو ذلك مع الاسناد إلى سبب صحيح من
الوقف ونحوه إجماعا كما عن الإيضاح، ووجها واحدا كما عن جامع المقاصد،
بل لعلها كذلك مع الاطلاق المنصرف عرفا إلى السبب الصحيح وإن توقف فيه
بعضهم، نعم لو أسنده إلى سبب باطل ففيه البحث السابق.
* (ولو أقر لحمل) * فلانة مثلا * (صح سواء أطلق أو بين سببا محتملا
كالإرث أو الوصية) * بلا خلاف أجده فيه في صورة التصريح، بل عن ظاهر التنقيح
الاجماع عليه، بل عن شرح الإرشاد للفخر الاجماع عليه صريحا، بل ولا إشكال
لعموم " إقرار العقلاء " (2) ولا ينافي صحة الاقرار اعتبار سقوطه حيا في استقرار
ملكه، كما لا ينافي ميراثه والوصية له، وهو واضح.
ومن الصحة فيها يستفاد الصحة في صورة الاطلاق، ضرورة الاكتفاء في صحة
الاقرار إمكان صحته، خلافا للفخر في إيضاحه فقال: " إن الأصح البطلان " ولم
أجد من وافقه عليه، بل المحكي عنه هو في شرح الإرشاد كالتنقيح نسبته إلى
الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه.

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
122

مضافا إلى ضعف وجه المنع، وهو أنه لا ملك للحمل في الحقيقة وإنما يوجد
بسبب يصلح للتمليك، فإذا لم يقر به لم يصح، وأن الملك في صورة صحته كالوصية
والإرث مشروط بسقوطه حيا فقبله لا يعلم الصحة، بل هو مراعي، فكان جانب
عدم الصحة أولى على التقديرين.
وفيه أن الاقرار محمول على وجود السبب المصحح، والسقوط حيا إنما
هو لاستقرار الملك لا لأصل وجوده * (و) * مع تسليمه فالاقرار محمول على
المعنى الحاصل بالوصية والإرث مثلا الذي قد عرفت عدم لاشكال في صحة
الاقرار به مع التصريح، فلا محيص عن الصحة في صورة الاطلاق أيضا.
بل * (لو نسب الاقرار) * بذلك * (إلى السبب الباطل كالجناية عليه) *
والمعاملة مع المعلوم عدمهما * (فالوجه الصحة) * عند المصنف والفاضل والكركي
والشهيدين، بل في المسالك أنه أشهر * (نظرا إلى مبدء (1) الاقرار وإلغاء
لما يبطله) * نحو غيره من صور تعقيب الاقرار بالمنافي، مثل الاستغراق في الاستثناء *
وقوله: " من ثمن خمر " بل في المسالك " الفرق بينه وبين المعلق على شرط أن
الشرط مناف للاخبار بالاستحقاق في الزمن الماضي، فلم يتحقق ماهية الاقرار
مع الشرط، بخلافه مع المنافي المتعقب، فإنه إخبار تام، وإنما تعقبه ما يبطله،
فلا يسمع، وكون الكلام كالجملة الواحدة لا يتم إلا بآخره يتم فيما هو من
متمماته كالشرط والصفة، لا فيما لا يتعلق به بل ينافيه، ومن ثم أجمعوا على بطلان
المعلق دون المعقب بالمنافي ".
وفيه أن ظاهر العبارة في الفرض اتحاد قصد المتكلم بها وإن وقع بيانها
تدريجا، فلا فرق عرفا بين سبق الاقرار سندا إلى السبب الباطل وبين تقديم
ذكر السبب على الاقرار المسبب به، بخلاف الاستثناء المستغرق الذي هو قصد
مستقل عائد إلى نقيض القصد الأول، فهو كالرجوع عن الأول، نحو ما سمعته

(1) وفي الشرائع: " نظرا إلى المبدأ الاقرار ".
123

في الاضراب بلفظ " بل ".
بل لعل معنى عدم أخذه عليه السلام بأول الكلام حتى يأتي بآخره (1) هو
ما ذكرناه من انتظار ما يتم به ما قصده من افتتاح كلامه إلى آخر ما يتم به
مقصوده، فمتى عقبه مستأنف يقتضي فساد الأول لا يسمع، لا ما إذا كان
المقصد الأول في نفسه غير صحيح.
ولعل الفساد في قوله: " من ثمن خمر " من جهة اعترافه بكونه بالثمن الظاهر
في المعاوضة المحمولة على الصحة، فيكون كالمعترف بها مدعيا فسادها، أما لو قال:
" له على رطل خمر " مثلا أو " له علي خنزير " لم يلتزم بشئ ولا يقال: إنه قد
اعترف بأنه له عليه، فلا بد من إلزامه بما يتحقق التزامه، ولا يقبل قوله: " رطل
خمر أو خنزير ".
بل التأمل في العرف يشهد لما قلناه الذي مرجعه إلى أنه في الفرض قد بين
ما أقر به على وجه لا يمكن صحته فالضميمة وما يضم إليه شئ واحد، لا أنه أقر
ثم جاء بالمنافي، بل تكلم بكلام لا يمكن وقوعه، فلا يكون إقرارا ولا أقل من
الشك في ذلك، والأصل البراءة.
ولعله لذلك لم يرجح في محكي المبسوط وشرح الإرشاد للفخر والدروس
والتنقيح ومجمع البرهان، بل عن أبي علي والقاضي الجزم بالبطلان، وفي الإيضاح
هو الأصح.
* (ويملك الحمل) * بقدر * (ما أقر به بعد وجوده حيا) * كما صرح
به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا، لكن ظاهر المتن ومن عبر كعبارته عدم الملك
له قبل تولده وإن منع غيره عن التملك في تلك المدة، بل صرح بعض الناس
بذلك، ولعله للأصل وغيره، خصوصا إذا كان مضغة ونحوها من الجمادات، وعزل
النصيب له في الميراث أعم من ملكه له.
هذا ولكن قد يظهر من بعض حصول الملك له وهو حمل وإن لم تحله

(1) الوسائل الباب - 4 - من آداب القاضي الحديث 3 من كتاب القضاء.
124

الحياة إلا أن إقراره مشروط بتولده حيا، وقد ذكرنا جملة من الكلام في ذلك
في غير المقام، ولعل المتجه القول بالكشف بناء على ظهور النص (1) والفتوى في
ملك الحمل إذا ولد حيا، ضرورة كونه حينئذ شرطا متأخرا عن المقتضي للملك
من الوصية والإرث دون غيرهما من الوقف والهبة ونحوهما وإن قبل الولي أو
الحاكم له.
* (و) * كيف كان فلا إشكال في ملكه بعد تولده حيا، كما لا إشكال في
عدم وجوب الاستفسار مع فرض اتحاده، لاستقرار ملكه حينئذ عليه سواء مات
بعد ذلك فينتقل إلى وارثه أم بقي، لعدم افتراق الحال في الملك على هذا التقدير،
وهو واضح.
نعم * (لو أسقط ميتا) * احتيج حينئذ إلى التفسير * (فإن فسره بالميراث) *
تبين بطلان كونه وارثا و * (رجع إلى) * بقية * (باقي الورثة) * لأن الحكم
بالصحة كان مراعي بتولده حيا * (وإن قال: هو وصية) * تبين بطلانها
و * (رجع إلى ورثة الموصي، وإن أجمل طولب ببيانه) * وعمل عليه كما في
القواعد وغيرها.
وظاهرهم استحقاق ذلك عليه على وجه إن امتنع حبس نحو ما سمعته في
الاقرار بالمبهم ولا يخلو من مناقشة، للأصل بعد عدم ثبوت حق لمعين عليه،
فيوكل أمره إليه، وهو أعرف بتكليفه فيه، فيما في المسالك - من أن المتولي
لتكليفه بالتفسير حيث يمتنع هو الحاكم ليوصل الحق إلى مستحقه - واضح الضعف،
ضرورة عدم تكلفه بذلك بعد أن كان المال في يد من هو مكلف بايصاله إلى
مستحقه.
ولو تعذر التفسير لموت المفسر ونحوه ففي القواعد ومحكي التذكرة والتحرير
وجامع المقاصد بطلان الاقرار، كمن أقر لرجل لا يعرف، ولا مجال للقرعة هنا،

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ميراث الخنثى من كتاب المواريث
125

لعدم انحصار من يقرع بينهم.
ولكن أشكل في المسالك ومجمع البرهان بخروجه عن ملكه بالاقرار على كل
تقدير، وإنما تعذر معرفة مستحقه، فيكون مالا مجهول المالك، وبطلان ملكه
بالموت قبل الوضع إنما أوجب بطلان السبب الناقل إلى الحمل لا بطلان ملك غيره
كالوارث، وورثة الموصي، وكما يحتمل كون المقر هو المالك يحتمل كونه
غيره.
وفي الأول منهما أنه يمكن دفع الاشكال بأن الأصل في المال المقر به
أن يكون ملكا للمقر، وإنما خرج عنه باقراره للحمل، وملكه مراعي بولادته
حيا، فكان خروجه عن ملكه مراعي كذلك، فإن فقد شرط الملك لم يصح الاقرار،
لأنه كان مراعي، فيرجع إلى أصله ظاهرا.
وفيه أنه باقراره للحمل المقتضي كون المقر به لغيره من الورثة أو ورثة
الموصي خرج عن مقتضي حكم اليد واحتمال كون المقر مالكا باعتبار احتمال
كونه من أحدهم، وإلا فمع القطع بكونه ليس منهم يكون مجهول المالك
لو كان قد خرج عن يده، وإلا فهو أعرف بتكليفه فيه بناء على ما ذكرناه، والله
العالم.
* (ويحكم بالمال للحمل بعد سقوطه حيا) * كاملا * (لدون ستة أشهر من
حين الاقرار) * المتعقب للوطء ولو بآن ما بلا خلاف ولا إشكال، للعلم حينئذ
بوجوده حين الاقرار، إذ لا يمكن تولده لدون الستة لو لم يكن موجودا، فإن
الأقل الستة، فيتبين صحة السبب المسوغ له من وصية أو إرث.
* (و) * كذا لا خلاف ولا إشكال في أنه * (يبطل استحقاقه لو ولد لأكثر
من) * أقصى * (مدة الحمل) * على الخلاف فيها، للعلم حينئذ بعدم وجوده حال
الاقرار، لعدم إمكان تأخره عنها كما بين في محله.
* (و) * إنما الاشكال * (لو وضع فيما بين الأقل والأكثر) * من الأقصى ولو
126

في منتهى التسعة فما دونها، لتعارض الأصل والظاهر فيه، إذا لأصل عدم تقدم العلوق
به على أزيد من الأقل وعدم استحقاقه المقر به، والظاهر أنه لا يولد لما دون
تسعة أشهر للعادة.
* (و) * لكن إن * (لم يكن للمرأة زوج) * ولو بالتحليل * (ولا مالك) *
تمكن وطؤهما لها * (حكم له به) * لا * (لتحققه حملا وقت الاقرار) * إذ
احتمال الشبهة وغيرها حينئذ قائم، بل لقوة الظاهر حينئذ الدال على وجوده في
حال الاقرار، وعدم العبرة بالاحتمال المزبور، ولذا يحكم بثبوت نسبة لمن كانت
فراشا له معه.
* (ولو كان لها زوج أو مولى) * حاضران معها على وجه يمكن حصول
وطء منهما لها * (قيل) * والقائل الشيخ ويحيى بن سعيد والفاضل والشهيد
والكركي: * (لا يحكم) * بالمال * (له لعدم اليقين بوجوده) * الذي هو شرط في
صحة الاقرار له.
* (و) * لكن في المتن * (لو قيل يكون له بناء على غالب العوائد كان
حسنا) * إذ عادة النساء لا يلدن إلا في تسعة أشهر، فإذا ولدته لهذه المدة من
حين الاقرار كان وجوده حين الاقرار غالبا، فلو ولدته فيما بين الأقل والأكثر
فوجوده حال الاقرار ثابت بطريق أولى وإن لم يكن غالبا.
وعن حواشي الشهيد أنه قوي، لأن الأصل في الأقراء الصحة، للقاعدة
القائلة بأن الاقرار يحمل على الصحة مهما أمكن، ووجوده حين الاقرار أمر
ممكن فلا يحكم ببطلان الاقرار بمجرد الاحتمال.
وفيه ما لا يخفى من عدم قاعدة تقتضي ذلك بعد عدم العلم بوجود المقر له
بناء على أنه شرط لصحة الاقرار، بل لو لم نقل بشرطيته وقلنا: إن الباطل من
علم عدم أهليته للتملك، فيبقى المحتمل تحت عموم " إقرار العقلاء " (1) كما لو

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
127

أقر لشبح لا يعلم أنه انسان أو غيره أمكن تنقيح عدم وجوده حال الاقرار فيما نحن
فيه بأصالة عدم تقدمه، لأنه حادث والأصل تأخره، والعادة بعد تسليم أنها
كما ذكر لا يعمل عليه مع عدم دليل على اعتبارها في مثله، والفرض عدم حصول
العلم منها، فالمتجه حينئذ ما ذكره الشيخ والجماعة.
بل لعله كذلك في الصورة السابقة إن لم يكن إجماعا، لاتحاد المدرك
فيهما، وعدم وجود الزوج والمالك لا يرفع الاحتمال الذي لا يقتضي عدم اعتباره
بالنسبة للالحاق لقاعدة الفراش عدم اعتباره في المقام، فالمتجه تساويهما في الحكم
مع فرض عدم الاجماع وعدم حصول العلم الذي يكتفي به الشرعيات.
ثم لو كان الحمل مستحقا لما أقر له به فإن متحدا استحق الجميع
ذكرا كان أو أنثى بوصية أو ميراث عندنا. * (ولو كان الحمل ذكرين) * أو
أنثيين مثلا * (تساويا فيما أقر به) * كذلك إلا أن ينص على التفضيل في الوصية
لأن الظاهر التسوية في كل سبب اقتضى التمليك التشريكي حتى الاقرار إلا
مع التصريح بالتفضيل.
وإن كان ذكرا وأنثى تساويا في الوصية وتفاوتا في الإرث، إلا أن يكونا
ممن يرثان على السواء، كالأخوة من الأم.
* (لو وضع أحدهما ميتا كان ما أقر به للآخر، لأن الميت كالمعدوم) * إذا
كان جهة الاستحقاق الوصية للحمل كيف كان أو الإرث بالولادة مع انحصار الإرث بالحمل،
أما إذا كانت الوصية مفصلة على وجه تكون الوصية لأحدهما لا يرجع إلى الآخرة أو كان
إرثا بجهة لا توجب الانتقال إلى الآخر - بأن كانا أخوين لأم لا ثالث لهما من
جهتها فحياتهما توجب لهما الثلث ولأحدهما خاصة السدس - فلا يكون ما أقر به
للآخر مطلقا.
ومن هنا قال في المسالك: " الأجود أن يقال: ينزل الميت كأن لم يكن،
وينظر في الحي على ما ذكر من حال جهة الاستحقاق، وحينئذ فلا بد من الرجوع
128

إلى المقر في الجهة ليعلم مقدار استحقاق الحي، ولا يلزم من كون الميت كالمعدوم
على ما أشار إليه في التعليل أن يكون مجموع ما أقر به للآخر كما عرفت ".
قلت: يمكن إرادة المصنف وغيره كونه كالمعدوم في بطلان الاقرار بالنسبة
إليه، والأمر سهل.
* (وإذا أقر بولد لم يكن إقرارا بزوجية أمه) * عندنا * (ولو كانت
مشهورة بالحرية) * والعفاف لاحتمال وطء الشبهة والاكراه ونحوهما، خلافا
للمحكي عن أبي حنيفة فجعله إقرار بها إذا كانت عفيفة، وضعفه واضح.
نعم في المسالك " هل يلزمه باقراره مهر المثل؟ قولان: أقر بهما ذلك،
لاستلزام تولده منه الوطء عادة، ولحوقه به يقتضي كون الوطء شبهة وهو يوجب
مهر المثل ".
وفيه * (أولا) * إمكان التولد منه بلا وطء و * (ثانيا) * هو أعم من الوطء
الموجب لذلك، إذ من المحتمل إكراهها له على ذلك أو غيره، والله العالم.
129

* (النظر الرابع) *
* (في اللواحق) *
* (وفيه مقاصد:) *
* (الأول:) *
* (في تعقيب الاقرار بالاقرار) *
* (إذا كان في يده دار على ظاهر التملك) * بمقتضى اليد * (فقال) * مقرا * (هذه
لفلان بل لفلان بها للأول، وغرم قيمتها للثاني) * إن لم يصدقه * (لأنه
حال بينه وبينها، فهو كالمتلف) * بلا خلاف معتد به أجده فيه، لعموم " إقرار
العقلاء " (1) وللحيلولة التي سمعتها.
بل في الإيضاح من قواعدهم " أن كل إقرارين متساوي الدلالة على
الاقرار صدرا من شخص واحد أهل للاقرار حكم عليه لا على غيره بموجب كل
منهما لولا الآخر، ويقدم الأول فيما يتعارضان فيه، يعني العين، ويكون تفويتا
منه على الثاني " وظاهره الاجماع على ذلك.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون سلمها هو للمقر له أو الحاكم المستند
لاقراره وإن حكي عن بعض العامة، خلافا لأبي علي فقال: " إن كان المقر حيا

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
130

سئل عن مراده، وعمل عليه، وإن كان المقر ميتا كان المقر لهما بمنزلة متداعيين
لشئ هو في يد غيرهما، فيأخذه ذو البينة، ومع عدمها فالحالف، فإن حلفا
اقتسماه " وفي الدروس " ليس بذلك البعيد " ونحوه عن ظاهر الحواشي.
بل مال إليه بعض متأخري المتأخرين، لأنه قد يسهو وقد ينسى وقد يغلط
وقد يشك، و " بل " للاضراب من غير ارتياب، فرجوعه إما عن تحقيق أو
تخمين، وهو سبب الاقرار لهما في كلام متصل في المعلوم انحصار الحق فيهما،
أما التخصيص لأحدهما فلا، ومرجع ذلك إلى ما في الدروس، فإنه بعد أن نفي
البعد عنه قال: " لأنه نسب الاقرار إليهما في كلام متصل، ورجوعه عن الأول
إلى الثاني يحتمل كونه عن تحقيق وتخمين، فالمعلوم انحصار الحق فيهما، أما
تخصيص أحدهما فلا ".
وعلى كل حال ففيه أن احتمال السهو وغيره لا ينافي التعبد بظاهر قوله
صلى الله عليه وآله (1): " إقرار العقلاء " إلا أن إقرار الثاني (2) وقع بعد
تعلق حق الغير به، فلا ينفذ فيه في نفس العين، لكن لما كان ذلك من جهة إقراره
الأول صار هو السبب في الحيلولة، نحو الشهادة التي رجع عنها، واتصال الكلام
مع ما سمعته من الاحتمال لو أثر لاقتضى الاختصاص بالثاني الذي هو مقتضي
رجوعه، بل واستقر عليه، ولذا لو اتفق ملكيته لها سلمها للمقر له ثانيا.
ولعله هو الذي سمعته من ابن الجنيد، فكان ذلك قولا غير قوله. وعلى كل حال
فهما واضحا الضعف.
وأضعف منه ما عن أبي حنيفة من أنه لا يغرم للثاني وإن حكاه في المسالك
احتمالا، لأن الاقرار الثاني صادف ملك الغير لها، فلا ينفذ عاجلا.
وكذا لو قال: " لزيد بل لعمرو بل لخالد " في الدفع للأول والغرامة لكل

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2
(2) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والصحيح " أن الاقرار الثاني " كما هو
كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.
131

من الأخيرين كمال القيمة، نعم لو قال " بل لعمرو وخالد " لزمه قيمة واحدة بينهما،
ولو قال: " لزيد وعمرو بل لخالد " لزمه كمال القيمة لخالد، ولو قال: " بل ولخالد "
فالثلث، ويحتمل النصف، لأن " بل " للاضراب والعطف يقتضي التشريك مع أحدهما،
والأول أظهر.
* (وكذا لو قال: غصبتها من فلان بل من فلان) * لأن الاقرار بالغصب
من الشخص يستلزم الاقرار له باليد الدالة على الملكية، لكن في القواعد الاشكال
في ذلك، ولعله لعدم التنافي بين الاقرارين، فإن الغصب من ذي اليد صادق وإن
لم يكن مالكا، لأنها قد تكون في يده بإجارة أو إعارة ونحوهما، فيحكم بها
للأول، لسبق الاقرار باليد له الدالة على الملكية، ولا يغرم للثاني لانتفاء ما يدل
على ملكيته.
وفيه أن الاقرار بالغصب إما أن يقتضي الاقرار بالملك على وجه يقتضي
الضمان أولا، فإن اقتضاه فقد أقر للاثنين بذلك، فكانت كالسابقة فيضمن للثاني،
وإن لم يقتض لم يجب الدفع إلى الأول في هذه الصورة فضلا عن الغرم للثاني،
لعدم الاقرار له بما يقتضي الملك، لأن الفرض أعمية الغصب من الملك، واحتمال
الفرق بعد المعارض للأول بخلاف الثاني الذي عارضه حق الأول بسبب الاقرار
يدفعه أنه مقتض لعدم الغرامة للثاني وإن صرح بالملكية.
اللهم إلا أن يفرق بأن الغصب الذي أقر به ثانيا لا يتقوم على فرض
اشتراكه بين أمور متعددة لا يقتضي بعضها ذلك، فالتحقيق ظهور الاقرار بالغصب
في اليد المقتضية للملك، بل في غير المقام كالمفروغ منه، فتساوي الأولى حينئذ،
ومثلها ما لو قال: " غصبته من زيد لا بل من عمرو " أو قال: " غصبته من زيد "
أو " غصبه زيد من عمرو " بل ظاهر القواعد عدم جريان الاشكال السابق فيهما وإن
كان فيه ما فيه.
* (أما لو قال: غصبتها من فلان وهي لفلان لزمه تسليمها إلى المغصوب منه) *
باعترافه بالغصب منه المقتضي لوجوب الرد إليه، لاستلزامه كون اليد شرعية
132

* (ثم لا يضمن) * لمن أقر له بملكها، كما عن الشيخ والفاضل وولده وإن
وجب دفع المال إليه إذا اتفق صيرورة المال إليه بإرث ونحوه، للأصل مع عدم
التفريط فيه بإقراره للأول بما أقر به للثاني كالصورة الأولى التي فرط فيها
بذلك واستحق عليه الغرم.
* (و) * حينئذ ف‍ * (لا يحكم للمقر له بالملك) * لأن الاقرار بما قد أثبت
لغيره عليه حقا إقرار بما في يد شخص لغيره، فلا يكون مسموعا، بل هو * (كما
لو كانت دار في يد فلان وأقر بها الخارج لآخر، وكذا لو قال: هذه لزيد
وغصبتها من عمرو) * فيما ذكرناه من التعليل وإن وجب الدفع فيها لزيد باعتبار
سبق الاقرار بالملك له، كما صرح به الفاضل وغيره، ولا يغرم حينئذ لعمرو
عكس الأولى.
لكن قد يشكل بأنه حال أيضا بينه وبين ماله بالاقرار الأول الذي قد
عرفت ظهوره في الاعتراف باليد المقتضية للملك، فيحصل التنافي بين الاقرارين في
المعنى وإن لم يتنافيا صورة، ومن هنا لم ينفذ إقراره بالملك للثاني مع كونه
صريحا فيه.
ولعله لذا كان خيرة الفخر والشهيدين والكركي الغرامة للثاني أيضا كالأولى
بل جعل الأول الضمان قطعيا إن قلنا بالضمان في المسألة الثانية وإلا فوجهان،
وإن كان قد يناقش بأن ضمانه في تلك الصورة بسبب اعترافه فيها بما يقتضي الضمان
وهو الغصب، بخلاف هذه الصورة التي لم يعترف فيها إلا بكونها ملكا للثاني
فليست أولى منها بالضمان، نعم هي كالأولى بسبب الحيلولة بالاقرار الأول
وإن كان متعلقه الغصب، إلا أنك قد عرفت ظهوره في الاعتراف باليد التي
مقتضاه الملك.
وقد يقال إن الضمان لما سمعته من القاعدة التي من المعلوم انتفاؤها في
الفرض، ضرورة عدم إقراره للثاني بعين ما أقر به للأول حتى يحصل التنافي
المقتضي للرجوع وإن أقر بالغصب من شخص والملك لآخر، وهما غير متنافيين
133

لتحقق الغصب منه بسبب تعلق حق إجارة ونحوهما مما لا يقتضي الملك، ولا يستلزم
ذلك ثبوت الملك لمن أقر له بها باعتبار عدم التنافي لأنه باعترافه أولا بأنه قد
غصبها من زيد خرجت عن يده على وجه ينفذ إقراره فيها، ولذا كان كالشهادة،
واستلزام الاعتراف بالغصب للاعتراف باليد المقتضية للملك إنما هو إذا لم يتصل
به ما يقتضي كونها غير يد ملك كما في الفرض، بخلاف الصورتين السابقتين، لكن
مقتضى ذلك عدم وجوب دفعها عليه لمن اعترف بغصبها منه، لاحتمال نفوذ الحق،
فيرجع إليه في تفسير الحق، ولم نجد أحدا التزم ذلك، وليس إلا لأن الاعتراف
بالغصب مستلزم للاعتراف باليد المقتضية للملك شرعا، فلا يجدي دعوى كونها
غير يد ملك وإن اتصل، كما أنه لم نجد من ادعى التعبد في القاعدة المزبورة،
وأن صدق الرجوع له مدخلية في ذلك نحو رجوع الشاهد، وإنما ذكروا وجهها
ما سمعته مما هو مشترك بين الصور الثلاثة. فالتحقيق حينئذ دفعها للأول والغرامة
للثاني.
* (ولو أقر بعبد لانسان فأنكر المقر له قال الشيخ) * بل في المسالك
وأتباعه وإن كنا لم نتحقق غير القاضي منهم: * (يعتق) * حتى لو أقر العبد
بملكيته لثالث وصدقه * (لأن كل واحد منهما) * أي المقر والمقر له قد
* (أنكر ملكيته) * وإقرار العبد غير مقبول * (فيبقى بغير مالك) * والأصل
الحرية، وزاد من تأخر عنه في الاستدلال على ذلك بعد أن فرضوا المسألة من
دون الزيادة التي ذكرها بما يرجع حاصله إلى ذلك، وهو كونه لا مالك له بنفي
المقر والمقر له وإن اختلفت العبارة في تقريره.
وفيه (أولا) أن فرض المسألة لا يتم إلا إذا كانت للمقر يد شرعية على انسان
تقتضي سلطنة الملك بحيث يكون مملوكا بمقتضى ظاهر الحال، إذ لو لم يكن
كذلك لم ينفذ إقرار المقر وإن صدقه المقر له، بل لا يعد ذلك إقرارا،
وحينئذ فلا يلزم من نفي المالك ظاهرا انتفاؤه واقعا بعد أن كان الفرض أن رقية
العبد أمر متحقق كما عرفته، بل معنى إقرار المقر أنه ملك وأنه لزيد، وبطلان
134

الثاني بالتكذيب لا يقتضي بطلان الأول وإن كان مقتضاه حصر الملك فيه ونفيه عن
غيره، وإلا لكان في غير العبد من الأموال كذلك على وجه يلحق بالمباحات.
ودعوى محالية الجمع بين الرقية وانتفاء العلقة عن المقر والمقر له وغيرهما
يدفعها ما سمعت من أن نفي العلقة إنما هو ظاهرا فيتبعها نفي الرقية ظاهرا.
واحتمال القول إن المراد الحرية ظاهرا التابعة لنفي الرقية ظاهرا يدفعه
أن المنفي ظاهرا علقة المعين لا مطلق العلقة، بعد ما سمعت من كون الفرض تحقق
ملكيته، فليس العبد حينئذ على هذا الفرض إلا كغيره من الأموال التي لا تكون
بنحو ذلك من المباحات قطعا، وحينئذ فأصل الحرية بعد هذا الفرض لا وقع له،
ولعله لذا قال المصنف:
* (ولو قيل: يبقى على الرقية المجهولة المالك كان حسنا) * بل اختاره
سائر من تأخر عنه كالفاضل والكركي وثاني الشهيدين وغيرهم.
ومنه يعلم ضعف ما احتمل الفاضل من الحرية إن ادعاها العبد، بل عن
الإيضاح أنه الأصح، ففي الدروس والحواشي أنه أقرب لأنه مدع ولا منازع له
كالكيسي وفيه - بعد ما سمعت من فرض تحقق ملكيته - أنه يجب على الحاكم
وعلى المقر العالم بملكيته أن ينازعه ويدافعه، ويثبت اليد عليه ويصونه عن الضياع
كما في غير العبد من الأموال.
بل منه يعلم أيضا فساد ما أطنب فيه بعض الناس من إنكار ما يقتضي تحقق
ملكيته، وأنه ليس هو المفروض في كلامهم، فيبقى أصل الحرية بحاله، إذ قد عرفت
مقتضاها على وجه لا ينافيها الانتفاء عن العين ظاهرا.
* (ولو أقر أن المولى أعتق عبده ثم اشتراه قال الشيخ: صح الشراء، ولو
قيل يكون ذلك استنقاذا لا شراء كان حسنا) * وذلك لأنه وإن ذكروا من غير
خلاف يعرف بينهم أنه يشترط في الاقرار كون المقر به تحت يد المقر وتصرفه
الدالين على الملك لولا الاقرار، إلا أنه بقرينة كلامهم في المقام مؤيدا بعموم
135

" إقرار العقلاء " (1) وغيره يراد منه عدم نفوذ الاقرار فيما هو في يد غير المقر
إذ قد عرفت أن دليل الاقرار إنما يقتضي جوازه على نفسه، لا أن المراد لغوية
الاقرار من أصله، بل هو فيما يتعلق بنفسه ماض عليه فعلا، فلا يجوز له استخدامه
بمجرد الإذن مما هو في يده دون رضا العبد، ولا يبرأ بدفع منافعه وكسبه إلى
صاحب اليد، إلى غير ذلك من الأحكام الكثيرة.
نعم هو لا يمضي على غيره، فيبقى على الملكية له شرعا على وجه يصح له
ولمعامليه التصرفات أجمع كما اعترف به ثاني الشهيدين، بل والفخر
والمقداد في المحكي من شرح الإرشاد للأول منهما والتنقيح للثاني، وحينئذ
فإذا اشتراه منه المقر بعتقه صح في الجملة بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل
الاجماع عليه، وليس من الإعانة على الإثم قطعا، وهكذا الحال في نظائره
أجمع.
نعم في المسالك " بخلاف ما لو قال فلانة أختي من الرضاع ثم أراد نكاحها
لم يمكن منه لأن في الشراء غرض استنقاذه من أسر الرق، وهذا الغرض لا يحصل
هناك، إذ يمنع من الاستمتاع بفرج اعترف بأنه حرام عليه ".
وفيه أنه يمكن إجراء صورة العقد عليها لغرض من الأغراض، وهو غير
الاستمتاع بفرجها، نحو إيقاع صورة الشراء في الفرض وإن لم ينتفع بالعبد.
وعلى كل حال فلا إشكال في جواز إجراء الصورة في الفرض، بل ظاهرهم عدم
اعتبار إذن الحاكم، كما صرح به في الدروس، خلافا لما يحكي عن بعض من
اشتراطه.
إنما الكلام في كونه شراء حقيقة من الجانبين أو استنقاذا كذلك منهما
أو بيعا من جهة البائع واستنقاذا من جهة المشتري؟ أوجه أو أقوال، إلا أن
الثاني منها في غاية الضعف، ضرورة عدم تصور أخذ البائع الثمن استنقاذا ممن
يشتريه، بل والأول وإن توهم من ظاهر المحكي عن الشيخ، ووجه بأنه

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2
136

محكوم برقيته ظاهرا، وإنما يحكم بعتقه على المشتري بعد الحكم بصحة البيع،
وبأن العتق يترتب على ملكه المتوقف على صحة الشراء، إذ ليس هنا سبب موجب
لانتقاله عن ملك البائع الثابت ظاهرا سواه.
لكن فيه منع الحكم برقيته ظاهرا في حق المشتري المعترف بحريته قبل
الشراء، فالمتجه فساد الشراء بالنسبة إليه، لامتناع شراء الحر، كمنع دعوى
العتق على المشتري بعد الحكم بصحة البيع، ضرورة عدم انعتاق على المشتري،
لعدم دخول في ملكه، وإنما ثبت حريته باعتبار نفوذ الاقرار منه بعد استقلال
اليد عليه ولو بالاستنقاذ المقتضي لانقطاع تشبث البائع.
ومن ذلك يعلم ما في دعوى ترتب العتق على الملك المتوقف على صحة الشراء
لعدم سبب غيره، إذ قد عرفت أن السبب الاقرار المزبور لا الشراء.
ومن هنا يظهر قوة الثالث الذي مرجعه إلى جريان أحكام البيع الصحيح
بالنسبة إلى البائع والاستنقاذ بالنسبة إلى المشتري، ونظائره في الأحكام الظاهرية
كثيرة، منها ما مر في النكاح في اعتراف أحد الزوجين بالزوجية وإنكار الآخر
وغيره.
ولا يخفى عليك ما يتفرع على الوجوه الثلاثة، ضرورة ثبوت خيار المجلس
والشرط لهما معا، وخيار الحيوان للمشتري على الأول، بل لو كان البيع بثمن
معين فخرج معيبا كان له رده واسترداد العبد، بخلاف ما لو باع عبدا وأعتقه المشتري
ثم خرج الثمن المعين معيبا ورده، فإنه لا يسترد العبد، بل يعدل إلى القيمة لاتفاقهما
على حصول العتق هناك.
ولو أشكل في المسالك أصل الخيار على هذا القول بأنه ينعتق على المشتري قهرا
بتمام القبول كما ينعتق قريبه إذا اشتراه، بل هذا أقوى، لأن هذا حر بالنسبة
إليه قبل الشراء، وبالنظر إلى غيره بعده بلا فصل، فلا يتجه ثبوت خيار المجلس
للبائع ولا خيار العيب، بل يتجه له الأرش، وليس هذا كتصرف المشتري بالعتق
137

وغيره حيث يكون للبائع خيار، لأن الممنوع من التصرف إنما هو الواقع باختياره،
وهذا لا يتوقف على اختياره، وبهذا يقوى جانب كونه فداء من الجانبين من هذا
الوجه وإن كان من جانب البائع لا ينتظم الفداء بحسب الصورة، من حيث جواز أخذه
العوض وتوقفه على رضاه، وعلى ما يريده من العوض مخالف لحكم الفداء.
ولكنه كما ترى من غرائب الكلام، ضرورة وضوح الفرق بين المقام وبين
انعتاق القريب كما عرفت. وكيف كان فلا يخفى عليك ما يتفرع على الأول غير
ما ذكرناه.
وأما ما يتفرع على الثالث فقد ذكروا ثبوت أحكام البيع أجمع للبائع، فإنه
بائع حقيقة، فله الفسخ بخيار المجلس والرد بالعيب والغبن والشرط وغير ذلك مما
هو من توابع البيع، أما المشتري فليس له الخيار في المجلس، بل ولا الرد بالعيب
ولا غير ذلك مما هو من توابع الشراء، لعدم كونه مشتريا حقيقة كي يترتب
عليه ذلك أو غيره من أحكام الشراء.
نعم قد يقال: إن له أخذ الأرش لأنه بزعم البائع شراء يوجبه، وبزعم
المشتري يستحق جميع الثمن، فالأرش الذي هو جزء من الثمن متفق عليه على
التقديرين.
قلت: قد يقال بثبوت ذلك كله له أيضا، لأنه بعد أن كان مشتريا حقيقة
بالإضافة إلى البائع، فله إجراء جميع ذلك على البائع من حيث كونه مشتريا
حقيقة بالنسبة إليه، كم مال إليه الأردبيلي، أو لأنه بيع في ظاهر الشريعة فيتبعه
أحكامها كذلك أيضا إلا أن ذلك كله لا يخلو من بحث.
نعم قد يقال إنه بانشاء الفسخ في المجلس يعلم استحقاقه رد الثمن، لأنه إن
كان شراء حقيقة فقد فسخه، وإلا فهو على استحقاقه للثمن، لعدم حصول عقد
اقتضى انتقاله عنه بزعمه، فثمرة الفسخ تحصل له على هذا الوجه
ودعوى عدم تأثير فسخه بعد زعمه عدم بيع يقتضي الفسخ واضحة المنع، ضرورة
عدم مدخلية الزعم في تسبيب الأسباب في حد ذاتها، ولكن هو لزعمه عدم
138

الفسخ ليس له إلزام البائع بما يقتضيه الفسخ حقيقة، ولكن له على الوجه
الذي ذكرناه.
وبذلك يفرق بين الفسخ الواقع من البائع والفسخ الواقع منه، فإن الأول
حقيقي، وله الالزام بمقتضاه، بخلاف الثاني، فإنه بزعمه ليس كذلك، ولكن
يستحق بالرد بالوجه الذي ذكرناه.
ولعله على هذا ينزل كلام الأصحاب وإطلاقهم عدم إجراء أحكام البيع بالنسبة
إلى المشتري بخلاف البائع، بل يمكن تنزيل كلام الأردبيلي على ذلك لأن
مراده ثبوت الأحكام له على نحو ثبوتها للبائع، وأن كلامه في المقام لا يخلو من
تشويش، فتأمل جيدا فإنه لا يخلو من دقة.
وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك اندفاع ما يورد على هذا الوجه من
أن البيع مركب من الايجاب والقبول، ولا يتصور الصحة في جانب والفساد في
آخر، وكيف يكون القابل مستنقذا والموجب بائعا؟ إذ قد عرفت أنه مشتر حقيقة
بالنسبة إلى صحة بيع البائع، فجميع أحكام الشراء جارية عليه من جهة البائع وإن
كان هو مستنقذا بالنسبة إلى نفسه.
* (و) * كذا مما ذكرنا يعلم المراد فيما ذكره المصنف وغيره من أنه * (ينعتق
لأن بالشراء سقط عنه لواحق ملك الأول) * فلا علقة له حينئذ بزعمه، لايجاد
القاطع لعلقته فيه بزعمه وبظاهر الشرع، فيبقى مقرا بعتقه ممن هو في يده بزعم
البائع، لا أن المراد أنه ينعتق بالاقرار، ضرورة عدم كون الاقرار من أسباب
العتق، وإنما هو كاشف عن السبب له سابقا.
* (و) * كيف كان ف‍ * (لو مات هذا العبد كان للمشتري) * إذا كانت دعواه
أن المالك أعتقه على وجه يكون الولاء له * (من تركته قدر الثمن مقاصة، لأن
المشتري إن كان صادقا فالولاء للمولى إن لم يكن له وارث سواه، وإن كان كاذبا
فما ترك للمشتري، فهو مستحق على هذا التقدير قدر الثمن على اليقين، و) * أما
139

* (ما فضل) * ف‍ * (يكون موقوفا) * لاحتمال رجوع البائع إلى تصديق المشتري،
ومع اليأس يجري فيه البحث السابق الذي عرفته في تكذيب المقر
له، كما أنك قد عرفت جملة من الكلام في هذه المسألة وفروعها في
كتاب العتق (1).
لكن في الدروس هنا إشكال المقاصة بأنه دفع مالا متبرعا به، فإذا استهلك
مع التسليط فلا ضمان، وزاد في المسالك بأنه إنما افتدى متقربا إلى الله تعالى
باستنقاذ حر، فيكون سبيله سبيل الصدقات، والصدقات لا يرجع فيها.
وفي الدروس " وقد يجاب بأن مثل هذا الدفع مرغب فيه للاستنقاذ،
ويكون ذلك مضمونا على القابض لظلمه " وزاد في المسالك بأن " المبذول على وجه
الفدية لا يمنع من الرجوع فيه، لأنه ليس تبرعا محضا، والقربة لا تنافي ثبوت
العوض، كما لو فدى أسيرا في بلد المشركين ثم استولى المسلمون على بلادهم،
ووجد الباذل عين ماله، فله أخذه ".
قلت: قد عرفت في كتاب البيع (2) أن من اشترى مغصوبا عالما بغصبه
وتلف الثمن في يد البائع لم يكن له الرجوع عليه لتسليطه عليه، وقد ذكرنا ما عندنا
في ذلك هناك، إلا أن المقام ليس منه، وذلك لأن المدفوع هنا إنما كان لقطع
علقة المالك في ظاهر الشرع، وليس المراد تسليطه على ما دفعه إليه عوض تسليطه
على المغصوب على نحو شراء المملوك من مالكه، فلا تسليط منه له على ما دفعه
إليه على كل حال.
ومع فرضه ليس له الرجوع مع التلف كالمغصوب، بل قد يتوقف في أصل
المقاصة مع فرض جهل البائع بما ادعاه المشتري، والفرض تلف العين في يده، وقد
كان بوجه شرعي ظاهري يخرجه عن الظلم وإن كان هو محتملا باعتبار عموم " على
اليد ما أخذت حتى تؤدي " (3) ونحوه مما يقتضي الضمان، ولا ينافيه الحكم ظاهرا

(1) راجع ج 34
(2) راجع ج 22 ص 305 إلى 309
(3) سنن البيهقي ج 6 ص 95.
140

بعد معلومية الواقع للمشتري.
وفي الدروس " ثم إن كان أقر بأن المعتق غير صاحب اليد أو بأنه حر الأصل
أو بأنه عتيق صاحب اليد إلا أنه لا ولاء له عليه ضاع ماله، ولو قدر على مقاصة
الممسك فله ذلك في صورة كونه معتقا أو عالما بالحرية، لا مع انتفاء الأمرين "
وظاهره عدم المقاصة في غيرهما كما ذكرنا.
ثم إن الظاهر عدم الفرق في الأحكام المزبورة بين شراء من اعترف بحريته
وبين من اعترف بعتقه ولم يكن طريق شرعي إلى إثبات ذلك على من في يده،
وكذا في غير ذلك.
لكن في المسالك " ولو كان إقراره بأنك غصبت العبد من فلان ثم اشتراه منه
ففي صحة العقد وجهان: أحدهما الصحة، كما لو أقر بحريته ثم اشتراه وتظهر
الفائدة في لحوق أحكام البيع بالنسبة إلى البائع، ووجوب دفعه على المشتري إلى
المالك، والثاني المنع، لأن التصحيح ثم للافتداء والانقاذ من الرق، ولا يتجه مثله
في تخليص ملك الغير ".
وفيه أن الاستنقاذ والافتداء للرق ليس منصوصا بخصوصه كي يقتصر عليه،
بل هو من عمومات الاحسان ونحوه مما هو مشترك بين الجميع، بل لا ينبغي التأمل
في الصحة ولو فرض أن دعواه الغصب منه، كما هو واضح. هذا وفي الدروس أشكل
أيضا أصل نفوذ الاقرار بالحرية على وجه يحكم بها بمجرد شرائه، فإن في ذلك
ضررا على العبد. وربما كان عاجزا عن التكسب، فلا ينقذ إقراره في حقه إلا أن
يجعل إقراره بمثابة عتقه مباشرة أو يصدقه العبد على الحرية، وفية معلومية عدم
توقف الحرية إخبارا وإنشاء على اختيار العبد، ولذا يصح عتق العاجز وينفذ إقرار
مالكه بعتقه.
141

* (المقصد الثاني) *
* (في تعقيب الاقرار بما يقتضي ظاهره الابطال) *
* (وفيه مسائل:) *
* (الأولى:) *
* (لو قال: " له عندي وديعة وقد هلكت " لم يقبل) * بلا خلاف أجده بين
من تعرض له من الشيخ والفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم، لظهور قوله
" له عندي " في بقائها، فينافيه دعوى الهلاك، إذ الهالك لا يكون وديعة، وكذا لو
قال: " رددتها "
* (أما لو قال: " كان له عندي " فإنه يقبل) بيمينه بلا خلاف أجده فيه
أيضا، لعدم ظهور ذلك في البقاء المنافي لدعوى الهلاك أو الرد، فيبقى على مقتضى
قبول قول الودعي في الرد والتلف، نعم لو فرض استعمال أهل العرف - ولو المبتذل -
للأولى في معنى الثانية ولو على أن يكون قوله: " وقد هلكت " قرينة على إرادة
" كان " اتجه القبول أيضا لما عرفت، ولا يكفي احتمال إرادة ذلك في رفع اليد عن
ظاهر ما يقتضي الاقرار الذي به انقطع الأصل وغيره، وقد تكرر منا غير مرة أن
ما يوجد في بعض العبارات - من دعوى الاكتفاء في عدم الاقرار بالاحتمال
الذي لا يقابل بظاهر الحقيقة - لا ينبغي الالتفات إليه، لعدم دليل عليه، بل ظاهر
الأدلة خلافه.
142

* (ولو قال) * المسلم: * (له علي مال) * ثم قال: * (من ثمن خمر) * غير
محترمة * (أو خنزير لزمه المال) * إجماعا مع الفصل، كما عن التذكرة، بل ومع
الوصل بلا خلاف أجده فيه، بل في نهاية المرام نسبته إلى علمائنا، لاقتضاء ذلك
سقوط الأول، ضرورة عدم سقوط الثمن لهما في شرع الاسلام، لكن في الدروس
" قيل " مشعرا بنوع توقف فيه، بل في مجمع البرهان " فيه تأمل، من قاعدة
الاقرار المذكورة في التذكرة مرارا، وهي أنه مبني على اليقين، فكلما لم يتيقن
لم يلزم بشئ، ولا يخرج عنه بالظن وغيره، ويسمع فيه الاحتمال ولو كان نادرا،
ولا شك في أنه يحتمل كون اعتقاده لزوم الثمن بشرائهما لاعتقاده صحة ذلك مطلقا،
أو إذا كان الشراء من الكافر، أو لزوم ذلك إذا كان في زمان الكفر، ونحو ذلك
وبالجملة مع إمكان احتمال لا يلزمه معه شئ ولا يصير الكلام لغوا محضا ومتناقضا
بحسب اعتقاده يشكل الحكم باللزوم بمجرد ذلك، للأصل والقاعدة، ولهذا قال في
التذكرة نقلا عن بعض الشافعية: " لو قال: لفلان علي من ثمن الخمر ألف لم يلزمه
شئ يرده بحال - إلى أن قال -: ويؤيده نقل الاجماع في التذكرة في صورة
الفصل الخارجة عن العادة دون صورة الوصل، وما حكاه فيها أيضا عن الجويني أنه
كان يقول كنت أود لو فصل بين أن يكون المقر جاهلا بأن ثمن الخمر لا يلزم
وبين أن يكون عالما، فيعذر الجاهل دون العالم، ولكن لم يصر إليه أحد من
الشافعية، وقد تبعه في ذلك تلميذه في نهاية المرام، حتى قال: إن ما ذكره الجويني
لا يخلو من قوة " ونحوه في الرياض.
إلا أن الجميع كما ترى لا ينبغي الالتفات إليه، خصوصا من القاعدة التي
قد عرفت ما فيها غير مرة، ولو صحت لا نسد باب الاقرار، وأما ما ذكره من
التهجسات فليس شئ منها بشئ، ولهذا لم يذهب إليه أحد من العامة الذين مبنى
مذهبهم على نحو هذه الاعتبارات.
نعم لو قال المقر: " كان ذلك من ثمن خمر أو خنزير فظننته لازما لي "
وأمكن الجهل بذلك في حقه توجهت دعواه، وكان له تحليف المقر له على نفيه إن
143

ادعى العلم بالاستحقاق، ولو قال: لا أعلم حلف على عدم العلم بالفساد، ولو لم يمكن
الجهل بذلك في حق المقر لم يلتفت إلى دعواه، والله العالم.
المسألة * (الثانية) *
* (إذ قال: له علي ألف وقطع، ثم قال: من ثمن مبيع لم أقبضه لزمه
الألف) * بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، سواء عين المبيع أو أطلق،
لاستقرار الاقرار، * (و) * حينئذ فالثاني مجرد دعوى عدم استحقاق التسليم عليه
فلا يسمع.
نعم * (لو وصل فقال: " له علي ألف من ثمن مبيع " وقطع ثم قال: " لم
أقبضه ") * فعن المبسوط والخلاف والقاضي * (قبل سواء عين المبيع) * كهذا العبد
* (أو لم يعينه) * وعن الإيضاح أنه أقوى، وعن المختلف نفي البعد عنه، وكأنه
مال إليه بعض متأخري المتأخرين، لأن قوله: " من ثمن مبيع " مقبول من جهة
اتصاله، وهو أعم من كونه مقبوضا وغير مقبوض، فإذا قال بعد: " لم أقبضه "
فقد ذكر بعض محتملاته بل ما يوافق الأصل، مضافا إلى أصل البراءة والقاعدة التي
سمعتها، وأن الانسان محل السهو والنسيان، وفيه أن قبول قوله: " من ثمن
مبيع " بمعنى عدم الحكم بمنافاته، لا أنه بحيث يمضي على المقر له على وجه لو
وصله بعد ذلك بالمنافي لظاهر الأول القاطع لأصل البراءة قبل، والقاعدة المزبورة
قد عرفت عدم إقعادها.
ومن هنا قال المصنف: * (وفيه احتمال التسوية بين الصورتين، ولعله أشبه) *
بأصول المذهب وقواعده، بل هو خيرة الحلي والفاضل والكركي وغيرهم، بل لعل
الأقوى عدم القبول لو وصل الكلام بتمامه، بأن قال: " له علي ألف من ثمن مبيع
لم أقبضه " وفاقا للفاضل والمصنف في النافع والشهيد في اللمعة والمحكي عن الحلي
144

ويحيى بن سعيد، بل مال إليه غير واحد من المتأخرين، لنحو ما سمعته
في الأولى من منافاة الأخير للأول الذي مقتضاه ثبوت المال في ذمته على وجه
يستحق أداؤه عليه.
خلافا للمحكي عن المبسوط والخلاف فيقبل، بل مال إليه في المسالك، بل
في نهاية المرام أنه الأصح، وفي الكفاية أنه الأقرب، لأن الكلام جملة واحدة،
ولامكان صدقه فيما أخبر به وأراد التخلص بالاقرار به، فلو لم يقبل وألزم
بخلاف ما أقر به لا نسد باب الاقرار بالواقع حيث يراد، وهو مناف للحكمة،
والمنافاة ممنوعة، وإنما هو وصف زائد على الاقرار المطلق، والواقع هو الاقرار
المقيد لا المطلق، كما لو قيد الألف بقيد آخر غير ذلك.
وفيه أن كون الكلام جملة واحدة لا يقتضي قبول ما يقتضي إبطال الاقرار
منها، وإلا لقبل قوله: " له علي عشرة دراهم قضيتها " وإمكان صدقه لا محصل
له، فلا يكفي في رفع اليد عما يقتضيه الاقرار الأول وكذا ما ذكره أخيرا.
المسألة * (الثالثة) *
* (لو قال: ابتعت بخيار أو كفلت بخيار أو ضمنت بخيار قبل إقراره بالعقد، ولم
يثبت الخيار) * بلا خلاف أجده فيه قبل الأردبيلي وتلميذه والخراساني، بل عن
موضع من التذكرة ما يشعر بالاجماع عليه، ضرورة ظهوره في العرف في كونه
إقرار ودعوى.
بل ينبغي القطع بعدم القبول إذا كان المراد منه إفساد ما وقع منه من الضمان
والكفالة بذلك بناء على بطلان الشرط المزبور فيها، ولكونه مجهولا باعتبار
عدم ذكر الأجل، ضرورة كونه من مدعي الفساد حينئذ الذي لا ريب في عدم
قبوله من دون بينة خصوصا بعد معلومية توقف ثبوت الخيار على اشتراطه، والأصل
عدمه كغيره من الشرائط، فما وقع من المقدس الأردبيلي - من القبول في الفرض،
145

لكون الكلام جملة واحدة، وللقاعدة والأصل ونحو ذلك مما تكرر منا نقله
عنه - لا ينبغي الالتفات إليه.
ومن الغريب ما في الرياض من التسوية بين هذه المسألة والمسألة السابقة، وهي
لو قال: " له علي كذا من ثمن مبيع لم أقبضه " في الخلاف وإن قلنا نحن: إن
حكمهما واحد باعتبار تضمن الأخير دعوى فيما أقر به أولا وإن لم يكن منافيا له،
لا أنه أحد أفراده.
ومن ذلك يظهر لك النظر فيما اعترف به المخالف في المقام من عدم ذكره
منافيا للأول، إذ هو كما عرفت دعوى جديدة فيما أقر به وإن لم يكن منافيا،
نحو قوله: " كان لك علي دين وقضيته ".
هذا وفي المسالك في المسألة السابقة " وموضع الاشتباه ما إذا كان المقر غير
معتقد لزومه على هذا الوجه باجتهاد أو تقليد، وإلا فلا إشكال في اللزوم،
لأنها مسألة اجتهادية، فيؤخذ على المعتقد بما يدين به، ويبقى على مقتضى نظر
المفتي ".
وقد سبقه للكلام في هذه المسألة الكركي في جامعه وقال: " وهنا نكتة
سنح ذكرها هنا، وهو أن المؤاخذ بهذا الاقرار ونظائره من المواضع المختلف
فيها هو كل مقر، سواء كان ممن له أهلية الاجتهاد أم لا، معتقدا قبول مثل ذلك
أم لا. أم يقال: إن من يعتقد مثل ذلك وعلم ذلك من مذهبه يعامل بمعتقده؟
لا أعلم في ذلك كلاما للأصحاب، والذي يقتضيه النظر أنه يلزم بمعتقد الحاكم
كائنا ما كان ".
قلت: لعله جعله من نقض الفتوى بالحكم الذي بيناه في كتاب القضاء،
وكون المسألة عرفية لا يقتضي صدور الكلام من المعتقد على اعتقاده الذي قد يغفل
عنه ويتكلم على طريقة العرف، فيصيب في استعماله وإن كان مخطئا في اعتقاده الذي
هو ليس اصطلاحا له ولا قرينة على إرادته بخطابه ذلك، نعم لو علم منه الخطاب على
ذلك اتجه حينئذ المؤاخذة به، والله العالم.
146

المسألة * (الرابعة) *
* (إذا قال: " له علي دراهم ناقصة " صح إذا اتصل بالاقرار،) * لأنه
حينئذ * (كالاستثناء) * بلا خلاف أجده فيه إلا ما عن الإيضاح من أن الأصح عدم
القبول عملا بأول الكلام وكون الوصف منافيا للسابق، لاقتضائه الرجوع عن
بعضه، ولا يخفى ضعفه، إذ لم يثبت بالاقرار سواه حتى يقال إنه سقط، ولا منافاة
بين الأمرين، فقطع بعض الكلام عن بعض وألزمه به بعيد عن مقصد الشارع،
خصوصا بعد ما سمعت من صحيح هشام (1) المتضمن عدم الأخذ بالكلام حتى يتم،
مضافا إلى فهم العرف كونه كلاما واحدا أو أنه ليس إقرارا ودعوى، ولا
رجوعا، بل قيل: لولا ذلك لأدى إلى تعذر الاقرار ممن عليه دراهم
ناقصة.
نعم لو انفصل لم يسمع بلا خلاف أجده فيه، بل في جامع المقاصد لا بحث
فيه، ولعله لكونه حينئذ دعوى جديدة يقتضي رفع ما حكم بثبوته، فلا تسمع
بدون البينة، لكن عن التحرير احتمال القبول إذا كان التعامل بالناقص غالبا،
وهو كذلك.
* (و) * على كل حال ف‍ * (يرجع في قدر النقيصة) * مع فرض تعددها
* (إليه) * بلا خلاف ولا إشكال.
* (وكذا) * يقبل مع الاتصال * (لو قال:) * له علي * (دراهم زيف) *
أي مغشوشة لنحو ما سمعته * (لكن يقبل تفسيره بما فيه فضة) من أفرادها
المتعددة
* (ولو فسره بما لا فضة فيه لم يقبل) * لعدم صدق الدرهم الزيف أي

(1) الوسائل الباب - 4 - من آداب القاضي الحديث 3 من كتاب القضاء.
147

المغشوش عليه، ولو فرض تعارف الناقص والمغشوش معاملة وإطلاقا كالتام والصحيح
لم يعتبر الاتصال في قبوله، كما هو واضح.
ولو قال: " له علي دريهمات " أو " دراهم صغار " وفسرها بالناقص لم
يقبل إلا مع الاتصال، لأن الغالب في الدرهم التام وإن كان صغيرا في شكله، نعم
لو كان في الدراهم ما يعد صغيرا وكان ناقصا قبل والمدار في هذه وغيرها قبول التفسير
مع الانفصال بما يندرج تحت إطلاقها عرفا دون غيره.
وأما مع الاتصال فقد تكرر منا قبول كل ما يعد في العرف أنه كلام في
مقصد واحد، وبعضه يشهد لبعضه ولو على حسب قرائن المجاز دون غيره مما يكون
رجوعا عن الأول، أو دعوى فيه تقتضي رفع ما يقتضيه ولو إطلاقه، ومع الشك يؤخذ
بظاهر ما يقتضي الاقرار، ويحتمل العدم، للأصل وغيره.
ومن ذلك:
المسألة * (الخامسة:) *
التي هي * (لو قال: " له علي عشرة لا بل تسعة ") * لم يقبل منه و * (لزمه
عشرة) * لأن ذلك يعد رجوعا عن الأول عرفا * (وليس كذلك لو قال:) *
" له * (عشرة إلا واحدا ") * فإنه كلام عن مقصد واحد، واحتمال بداء الاستثناء
له بعد الاقرار بالعشرة لا يلتفت إليه في مثله، ولو قال: " أودعتني مأة فلم أقبضها "
أو " أقرضتني مأة فلم آخذها " فعن التحرير والتذكرة الجزم بالقبول مع الاتصال،
لاستعمال ذلك عرفا مع عدم القبض، بل يستعمل فيه الايجاب وحده، فيقال
" أودعتني فلم أستودع " وأقرضتني فلم أقترض " ومن دون تناقض.
لكن في القواعد الاشكال في ذلك، بل لا ترجيح في محكي الإيضاح والدروس
والحواشي، بل في الجامع المقاصد " إن الذي يقتضيه النظر إن باع وأودع وأقرض
إن صدق على الايجاب حقيقة لم يفرق بين الاتصال والانفصال في القبول، وإلا لم
يقبل مع الانفصال قطعا، ومع الاتصال فالراجح عدم القبول، لأنه يقتضي رفع
148

الاقرار من أصله، وأنا في ذلك من المتوقفين "
وهو كما ترى لم يأت بشئ، بل احتمال صدق " باعني " على الايجاب
وحده بحيث يقبل منه قول: " فلم أقبل " منفصلا واضح الضعف.
فالتحقيق الرجوع إلى ما ذكرناه من القاعدة التي مقتضاها هنا على الظاهر
القبول في مفروض المسألة مع الاتصال وعدمه مع الانفصال وإن حكي عن التذكرة
الاشكال فيه لكنه في غير محله.
بقي الكلام في صحة البدل في عبارة المقر، والتحقيق الرجوع فيه إلى
ما ذكرناه من القاعدة التي مرجعها إلى العرف. لكن في القواعد " الأقرب صحته
إن لم يرفع مقتضى الاقرار، كما لو قال: له هذه الدار هبة أو صدقة " ونحوه عن
التذكرة والتحرير والإيضاح، وفي جامع المقاصد أنه الأصح، بل عن الحواشي أنه
المشهور، وحينئذ يكون المقر به في المثال هبة يجوز له الرجوع فيها، لأن البدل
مستعمل عرفا ولغة فيجري مجرى الاستثناء، وليس رافعا للاقرار من أصله،
والكلام إنما يتم بآخره، مضافا إلى أصل البراءة وغيره، وظاهرهم صحة البدل الذي
لا يقتضي رفع الاقرار من أصله.
أما لو قال: " له هذه الدار عارية أو سكنى " ففي القواعد " فيه نظر ينشأ من
كونه رفعا لمقتضى الاقرار ومن صحة بدل الاشتمال لغة " وعن التذكرة الجزم
بالصحة، وعن التحرير أنه أقرب.
لكن لا يخفى عليك ما فيه من عدم اقتضاء صحة بدل الاشتمال لغة صحته
إقرارا، ضرورة صحة بدل الغلط وبدل الاضراب لغة ولا ريب في عدم قبولهما،
لكونهما رجوعا، ولعله لذا جزم الكركي بعدم القبول وإن قال بقبول البدل الذي
لا يرفع أصل الاقرار، نحو ما سمعته من الفاضل أولا.
ومن الغريب قوله في القواعد أيضا " ولو قال: له هذه الدار ثلثها أو ربعها ففيه
الاشكال " أي الذي سمعته منه في بدل الاشتمال الذي لا يخفى وضوح الفرق بينه وبين
ذلك باقتضاء الأول بطلان الاقرار من أصله بخلاف الثاني الذي هو كالاستثناء،
149

مع أن المحكي عن الإيضاح أن الأقوى عدم قبوله، ولا يخلو من وجه إن لم يفهم
العرف منه أنه على حسب المجاز الذي يذكر قرينته متصلة به على نحو الاستثناء،
وإلا كان رجوعا حتى مع الشك بناء على ما سمعته سابقا.
المسألة * (السادسة) *
* (إذا شهد) * على نفسه بالاقرار * (بالبيع وقبض الثمن ثم أنكر) *
القبض * (فيما بعد وادعى أنه أشهد تبعا للعادة ولم يقبض قيل) * وإن لم نتحقق
هنا قائله من العامة فضلا عن الخاصة * (لا تقبل دعواه لأنه مكذب لاقراره) *.
وفيه أنه معترف باقراره ولكن يدعى كونه على الوجه المزبور، فلا تكذيب.
ومن هنا لم نجد خلافا في القبول نعم عن أبي إسحاق من العامة عدم قبول دعوى
الواهب عدم الاقباض بعد إقراره به.
وربما احتمل الإشارة بالخلاف هنا إلى ما بنيت عليه المسألة وهو مسألة سماع
الدعوى بالاقرار التي قد حررنا الكلام فيها في كتاب القضاء، مع أنه لم نجد
خلافا في سماعها، وإنما تردد فيها المصنف وبعض من تأخر عنه.
وعلى تقديره لا مدخلية لها في مسألتنا. ضرورة الاعتراف في المقام باقراره،
لكنه يدعي كونه على الوجه المزبور بل في الدروس في الهبة " أنه إن قلنا بسماع
الدعوى بالاقرار صح له إحلافه على عدم المواطاة وإلا فلا ".
* (وقيل) * والقائل الشيخ ومن تأخر عنه إلى الكفاية: * (تقبل) * دعواه ويتوجه
له على المقر له اليمين على نفي ما يدعيه من عدم القبض * (لأنه أدعى ما هو معتاد)
من الاقرار لرسم القبالة مخافة تعذر الشهود أو لغيره.
* (وهو أشبه) * بأصول المذهب وقواعده التي منها البينة على المدعي واليمين
على من أنكر الشامل للفرض، ولا يشكل بكونها تكذيبا لاقراره، * (إذ ليس
150

هو مكذبا لاقراره، بل) * هو * (مدعيا شيئا آخر) * معه، * (فيكون على المشتري
اليمين) * لعموم قوله صلى الله عليه وآله (1) " واليمين على من أنكر ".
* (وليس كذلك) * في سماع الدعوى * (لو شهد الشاهدان بايقاع البيع
ومشاهدة القبض، فإنه لا يقبل إنكاره، ولا يتوجه) * له * (اليمين) * عندنا وعند
أكثر العامة في المحكي عن قضاء كشف اللثام * (لأنه إكذاب للبينة) * وهو
كذلك فإني لا أجد فيه خلافا إلا من الكركي في حاشية الكتاب، حيث قال
" هذا إذا لم يدع المواطاة في القبض عند البينة وإعادة المقبوض بعد المفارقة
فإن ادعاه كان له الاحلاف أيضا " ونحوه عنه في تعليق الإرشاد أيضا.
لكن فيه ما لا يخفى ضرورة خروجه عن الفرض إذ هو دعوى إعادة المقبوض
بعد مضي البينة لا إنكار ما شهدت به عليه، كما هو واضح.
هذا وفي الدروس " لو أقر ثم ادعى المواطاة فله إحلاف المقر له على
الاستحقاق لا على عدم المواطاة أما لو أقر بين يد الحاكم ثم ادعاها لم يسمع وكذا
لو شهد الشاهد بمشاهدة القبض " وعن شرح الإرشاد للفخر أنه يحلف على الاقباض
أو الاستحقاق، وفي محكي الكفاية يحلف على الاقباض، لكن في جامع المقاصد
والروضة يحلف على الاقباض أو عدم المواطاة.
وفيه أن الحلف على نفي المواطاة لا يقتضي نفي دعوى عدم القبض للمواطاة،
إذ يمكن عدمه من دون مواطاة، وكأنه هو الذي لحظه الشهيد في عدم الاكتفاء
بالحلف على نفيها وإن أبرز الدعوى بها، إلا أن المراد عدم القبض مواطاة، لا
أن الدعوى نفس المواطاة، كما هو واضح بأدنى تأمل.
نعم قد يناقش في قوله: " أما " إلى آخره بأن إقراره بين يدي الحاكم
لا يقتضي عدم قبول دعواه المستأنفة حتى لو حكم الحاكم باقراره الذي لا يزيد على

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 وفيه " البينة
على المدعي واليمين على المدعى عليه " وفي المستدرك الباب - 3 - منها الحديث 4
وسنن البيهقي ج 10 ص 252 " البينة على المدعي واليمين على من أنكر ".
151

اعترافه به الآن حال الدعوى لكنه يدعي كونه على الوجه المزبور ولم يكن باقراره
بمحضر من الحاكم قطع لهذه الدعوى المفروض سماعها منه.
كما أنه قد يناقش فيما ذكره المصنف وغيره من أن ذلك ليس تكذيبا
لاقراره إلى آخره بأن المراد من تكذيبه هو دعوى خلاف مقتضاه لا إنكاره،
ولا ريب في أنه هنا كذلك، لكنه ادعى كون صدوره للوجه المزبور، فإن كان
ذلك كافيا في قبول دعواه على وجه يستحق اليمين على المدعى عليه لعموم " البينة
على المدعي واليمين على من أنكر " (1) اتجه التعدية لغير المقام، فلو ادعى المقر
مثلا أن إقراره كان لمصلحة من المصالح التي منها أن يقر المدعى عليه بماله عليه
في مقابلة إقراره الصوري، ومنها دفع ضرر يكون عليه وغير ذلك إلا أن ذلك
مناف لما يفهم من المصنف وغيره أن السبب في سماع الدعوى في المقام
جريان العادة.
بل في جامع المقاصد وغيره تعليله بكونه مما تعم به البلوى، وبنحو ذلك
مما يظهر منه خصوصية للمقام سوغت سماع الدعوى فيه وإن كانت مكذبة
لاقراره.
نعم قول المصنف " إذ ليس إلى آخره طاهر أو صريح في أن المقام ليس من
تكذيب الاقرار، بل من دعوى شئ آخر معه، ونحوه غيره في التعليل المزبور
وإن كان هو كما ترى، ضرورة صدق التكذيب عليه، إذ دعوى عدم القبض بعد
الاقرار به تكذيب له قطعا وإن ذكر وجها لاقراره.
ولعل الأقوى في النظر إن لم يكن إجماع عدم خصوصية للمقام، فتسمع
الدعوى بما لا ينافي الاقرار مطلقا إذا ذكر وجها ممكنا لاقراره الأول، بل لو
ادعى علم المقر له به استحق له اليمين عليه، بل لا يبعد جريان نحو ذلك في البينة،
لعموم الأدلة التي منها " البينة على المدعي واليمين على من أنكر " (2) وليس

(1) راجع ص 151.
(2) راجع ص 151.
152

في شئ منها اعتبار عدم استلزامها تكذيبا للاقرار والبينة في القبول وإن ذكر وجها
ممكنا لهما.
بل لعل اتفاقهم ظاهرا على سماع دعوى الفساد بعد فعل ما حكم الشارع
بصحته واعترافه بذلك مؤيد لما ذكرناه، وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في كتاب
القضاء.
* (المقصد الثالث) *
* (في الاقرار بالنسب) *
الذي أجمع العلماء كافة على قبوله فيه، كما في نهاية المرام، ولا خلاف
بين العلماء في ثبوته به كما في الكفاية، مضافا إلى عموم أدلته، وخصوص
النصوص (1) الواردة التي فيها الصحيح والقوي والمرسل، وقد تقدم جملة منها
في كتاب النكاح.
* (و) * كيف كان ف‍ * (فيه مسائل:) *

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث - 0 -
من كتاب المواريث
153

* (الأولى:) *
* (لا يثبت الاقرار بنسب الولد الصغير) * ولو أثنى * (حتى تكون البنوة
ممكنة، ويكون المقر به مجهولا، ولا ينازعه فيه منازع، فهذه قيود ثلاثة) *
لا خلاف في اعتبارها في الاقرار بنسب الولد وإن اختلف التعبير عنها، ففي كثير
من الكتب التعبير بالعبارة المزبورة، وفي جملة أخرى " يشترط في الاقرار به عدم
تكذيب الحس والشرع وعدم المنازع " إلا أن المراد واحد، مضافا إلى ما تقدم
اعتباره في المقر من البلوغ والعقل، بل في الرياض من عدم الحجر وإن كان فيه
ما فيه.
نعم ظاهر ما حضرنا من نسخة الشرائع ومحكي السرائر والنافع اختصاص
اعتبارها في الصغير، وليس كذلك قطعا وإن أوهمه المحكي عن عبارة المبسوط أيضا،
لكنه قال بعد ذلك: " وإن كان كبيرا، فإنه يعتبر فيه أربعة شروط: الثلاثة التي
ذكرناه، والرابع تصديقه " ويمكن تنزيل العبارات الثلاثة على ذلك أيضا.
بل لعل المعروف من نسخة الشرائع المشروحة فيما عندنا من المسالك عدم
التقييد بالصغير، بل لا يكاد يتم قوله: " فلو انتفى " إلى آخره مع فرض بلوغ
المقر وصغر المقر به، كما أنه يمكن تنزيل إطلاق الإرشاد ومحكي المبسوط
والسرائر والتذكرة وغيرها على ما في الكتاب والقواعد والدروس وغيرها من التقييد
بامكان التولد عادة، لأنه المتيقن من الاجماع الذي هو عمدة دليل المسألة وإن
قلنا سابقا في اللحوق بالفراش: " إن ابن العشر يمكن التولد منه على خلاف
العادة ".
بل في المسالك هنا " أن الأولى اعتبار مطلق الامكان " لكن فيه ما عرفت
من عدم الدليل هنا غير الاجماع المعلوم منه ذلك، بخلاف قاعدة الفراش، إذ نصوص
المقام لا دلالة في شئ منها على ثبوت النسب بالنسبة إلى غير المقر من أرحامه ففي
154

الخير (1) " إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينتف عنه أبدا " وفي المرسلة (2)
" رجل ادعى ولد امرأة لا يعرف له أب ثم امتنع من ذلك قال: ليس له ذلك ".
وفي الصحيحين (3) في أحدهما " عن المرأة تسبى من أرضها ومعها الولد
الصغير، فتقول: هذا ابني، والرجل يسبى فيلقى أخاه فيقول: أخي ويتعارفان،
وليس لها بينة على قولهما، فقال عليه السلام ما يقول من قبلكم؟ قلت: لا يورثونهم،
لأنهم لم يكن لهم على ذلك بينة، إنما كانت ولادة في الشرك، فقال: سبحان الله،
إذا جاءت بابنها أو بنتها ولم تزل مقرة وإذا عرف أخاه وكان ذلك في صحة من عقلهما
ولم يزالا مقرين ورث بعضهم من بعض ".
والخبر (4) " عن رجلين جاءا من الشرك، فقال أحدهما لصاحبه: أنت أخي
فعرفا بذلك، ثم أعتقا ولكن بعرفان بالأخاء، ثم إن أحدهما مات، فقال: الميراث
للأخ يصدقان " إلى غير ذلك من النصوص التي لا دلالة فيها على ثبوت النسب
بالنسبة إلى غير المقر وإن كان قد يشم ذلك منها بالنسبة إلى الصغير، خصوصا
صحيح المرأة التي أثبت لها إرثه بمجرد إقرارها، بل قوله عليه السلام: " لا ينتفى عنه
أبدا " كناية عن كونه له ولدا شرعا أزيد من ولد الفراش.
لكنه كما ترى يحتاج إلى إتمام ذلك بالاجماع فالمتجه حينئذ الاقتصار فيه
على المتيقن الذي ذكرناه، وليس هو إلا الامكان العادي اللهم إلا أن يقال
إن المراد منه ما يمكن فيها ولو نادرا، فيبقى خارق المعتاد الذي هو كالاعجاز
خارجا، لا ما يكون فيها ولو نادرا فتتفق الكلمة حينئذ.

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 4 - 3 من كتاب المواريث.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 4 - 3 من كتاب المواريث.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1 بسندين.
راجع الكافي ج 7 ص 165 و 166.
(4) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 2 من كتاب
المواريث.
155

وعلى كل حال * (فلو انتفى إمكان الولادة لم يقبل، كالاقرار ببنوة من
هو أكبر منه سنا أو مثله في السن أو أصغر منه بما لم تجر العادة بولادته لمثله) *
بناء على اعتبار العادة * (أو أقر ببنوة) * ولد * (امرأة له وبينهما مسافة لا يمكن
الوصول إليها في مثل عمره) * عادة بلا خلاف أجده شئ من ذلك ولا إشكال
وإن تصادقا.
* (وكذا لو كان الطفل معلوم النسب) * شرعا لغيره * (لم يقبل إقراره) *
أيضا كذلك * (وكذا لو نازعه منازع في بنوته لم يقبل) * أيضا * (إلا ببينة) *
أ، بالقرعة كما صرح به جماعة، ولعله للاشكال من تعارض الاقرارين، ولفحوى
الصحاح المستفيضة الواردة في وطء الشركاء الأمة المشتركة (1) مع تداعيهم جميعا
في ولدها.
ولو دخلت حربية مثلا دار الاسلام ومعها ولد فاستلحقه مسلم أو ذمي مقيم
بدار الاسلام لحق به، إلا أن يعلم عدم دخوله دار الحرب وعدم خروجها إلى دار
الاسلام وعدم مساحقتها لموطوءته، فلا يلحق لتكذيب الحس إياه ولا يكفي إمكان
إنفاذ الماء في قارورة إليها، لبعد وقوعه والانخلاق منه.
* (ولا يعتبر تصديق الصغير) * بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الكفاية
والرياض، بل في المسالك ومجمع البرهان والمحكي عن جامع المقاصد الاجماع
عليه، سواء كان مراهقا رشيدا أو لا، بل لا يعتبر تصديقه أيضا بعد بلوغه ورشده،
لما ستعرفه من عدم سماع إنكاره بعدهما، بل عن نهاية المرام الاجماع على أنه
لا يتوقف نفوذ الاقرار به على بلوغه وتصديقه، وفي الكفاية لا نعرف فيه
خلافا قلت: ولا إشكالا، ضرورة كونه مع ذلك هو مقتضى إطلاق
الأدلة
ولو استلحق المنتفى باللعان غير صاحب الفراش ففي ثبوت نسبه وجهان، من
عدم المنازع ومن إمكان الشبهة، ولعل الأول أقوى.

(1) الوسائل الباب - 57 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
156

ولو استلحق عبد الغير أو أمته ففي ثبوت نسبه مع التصديق أو لا معه
إذا كان غير كامل تردد، من العموم ومن أنه يمنع إرثه بالولاء، والأول
أقوى.
ولو استلحق عبد نفسه الكبير وكذبه لم يثبت النسب، وفي عتقه نظر من
إقراره بموجبه ومن عدم ثبوت النسب، والأول أقوى إلزاما له باقراره، نعم لو كان
مشهور النسب أمكن عدم العتق، لالتحاقه بغيره شرعا.
* (و) * كيف كان ف‍ * (هل يعتبر تصديق الكبير؟ ظاهر كلامه في النهاية لا) *
يعتبر، لأن المحكي عنه اقتصاره على اشتراط عدم كونه مشهور النسب، لكن
يمكن أن يكون تركه كترك اشتراط الامكان الذي لا ريب في اشتراطه.
* (وفي المبسوط) * وتبعه جميع من تأخر عنه * (يعتبر) * ذلك بل عن أبي
علي لا نعلم فيه خلافا * (هو الأشبه) * للأصل وغيره. وحينئذ * (فلو أنكر
الكبير لم يثبت النسب) * بينهما وإن كان يؤخذ المقر باقراره، بل لا يحتاج إلى
الانكار، فيكفي سكوته في عدم الثبوت، ولذا كان المعتبر في كلام الأصحاب التصديق،
نعم في قواعد الفاضل اعتبار عدم تكذيبه، ويمكن إرادة التصديق من الذي هو الموافق
للأصل، كما هو واضح.
* (ولا يثبت النسب) * بين المقر والمقر به * (في غير الولد إلا بتصديق المقر
به) * فيثبت لكن على الوجه الذي ستعرفه، كما هو المشهور بين الأصحاب،
بل في نهاية المرام والكفاية الظاهر أنه لا خلاف في ذلك، ولعلهما لم يعتنيا بما
عن المبسوط من عدم اعتبار التصديق في الصغير ولدا كان أو غيره، أو لم يتحققاه أو
نزلا كلامه على ما عن الوسيلة من عدم اعتباره في غير الولد بالنسبة إلى جريان
أحكام المقر عليه لا المقر به، وعلى تقديره فهو واضح الضعف، للأصل السالم عن
المعارض.
* (و) * حينئذ ف * (إذا أقر بغير الولد للصلب ولا ورثة له وصدقه
157

المقر به توارثا بينهما) * بلا خلاف ولا إشكال، لا لثبوت النسب بذلك، بل
للنص (1).
* (و) * كذا * (لا يتعدى التوارث إلى غيرهما) * بلا خلاف أجده فيه على
ما في الرياض، وعن الكفاية وعن نهاية المرام الظاهر أنه لا خلاف فيه، ولعله للأصل
الذي خرجنا عنه في الولد الصغير بالاجماع الذي اعترف به غير واحد، لكن عن
المبسوط والسرائر والجامع والتحرير والتلخيص التعدية إلى أولادهما خاصة وإن
كان لم يظهر لنا وجهه.
* (و) * حينئذ ف‍ * (لو كان له ورثة مشهورون لم يقبل إقراره في النسب) *
الموجب للتوارث، لكونه حينئذ إقرارا في حق الغير، ضرورة كون الإرث حقا
لغيره، وليس من حقوق نفسه حتى يكون مقتضى الاقرار بثبوتها عليه، ولا ينافي
ذلك الحكم بالإرث لهما إذا تقارا ولا وارث غيرهما، لما سمعته من النص (2)
المعتضد بالفتوى، بل وبقاعدة أن المقر له مدع، ولا معارض له، والإرث بالولاء
مشروط بعدم وارث له، وهو وإن كان لا يكفي فيه الأصل إلا أن ظاهر الأدلة هنا
الاكتفاء بالاقرار المزبور في عدم الإرث له مع وجود أحد المتقاربين نفسه
دون غيره.
هذا وقد يظهر من الصحيح (3) المزبور عدم الفرق بين الأب والأم في
لحوق الولد الصغير بالاقرار، بل لعله ظاهر المصنف هنا والنافع، بل قيل هو ظاهر
النهاية والمبسوط والوسيلة والسرائر والجامع والإرشاد والتبصرة والتلخيص،
بل قيل إنه خيرة التذكرة والحواشي ومجمع البرهان والمحكي عن التحرير في
أحكام الأولاد.

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1 من كتاب
المواريث.
158

ولكن في الدروس والروضة الاختصاص بالأب، بل في الإيضاح " الحق أن
النص لا يتناولها " بل فيه " قد وردت رواية بصيغة الجمع المذكر " وهي لا تتناول
الإناث عنده وإن كان لم نتحققها، نعم في الخبر (1) لا يثبت نسب تدعيه النساء
وينكره الرجال وورثتهم " وهو مع عدم جامعيته لشرائط الحجية يمكن تخصيصه
بما دل على ثبوته باقرارها في الولد الصغير (2) مؤيدا بعدم الفرق بينهما وبين
الرجل في ذلك.
بل قيل: إنها أولى منه فيه، وإمكان إقامتها البينة على أصل الولادة غير
إقامتها على ولادة المقر به بخصوصه الذي تتعذر في الغالب، ومن ذلك يقوى الظن
بالحاق الأم بالأب في ذلك.
نعم ينبغي الاقتصار على خصوص الولد للصلب دون ولد الولد، كما صرح
به غير واحد، بل عن الكفاية نسبته إلى الأصحاب تارة واستظهار تارة واستظهار نفي الخلاف
فيه أخرى، وحينئذ لا يثبت به نسب على حسب ما سمعته في الولد
للصلب.
أما الالتزام بما يقتضيه الاقرار على المقر نفسه من نفقة وحرمة نكاح
مثلا ونحو ذلك كما في كل مقام قلنا بعدم ثبوت النسب فيه بالاقرار فالمتجه
ثبوته.
وعلى كل حال فظاهر المصنف وغيره، بل هو صريح جماعة ثبوت النسب
الذي لا يتعدى إلى غير المقر بالاقرار بالولد وإن اشترط التصديق من الكبير في
ذلك، فيكون الفرق حينئذ بين الولد وغيره من المتصادقين بالنسبة إلى التعدية في

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1 وهو نقل
بالمعنى والظاهر أن هذا اللفظ مأخوذ من عنوان الباب المشار إليه في الوسائل فإن فيه
" باب أنه لا يثبت نسب وارث تدعيه النساء وينكره الرجال أو ورثتهم ".
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1 من كتاب
المواريث.
159

الإرث إلى غير المتقارين في الأول دون الثاني، فإنه يقتصر عليهما على الوجه
المزبور.
بل ظاهر المسالك المفروغية من ذلك، حيث قال في شرح قوله: " وإذا
أقر بغير الولد " إلى آخره: " هذا من جملة ما افترق فيه الاقرار بالولد من غيره،
فإن الاقرار بالولد مع التصديق أو بدونه يثبت به النسب، ويتعدى التوارث إلى
غيرهما من أنسابهما بشرطه، وأما الاقرار بغير الولد للصلب وإن كان ولد ولد
فيختص حكمه مع التصديق بالمتصادقين، لما تقرر من أن ذلك إقرار بنسب الغير،
فلا يتعدى المقر، ولو لم يحصل تصديق افتقر إلى البينة ".
لكن ربما ظهر من بعض التردد في ذلك، لأصالة عدم التعدي من غير فرق
بين الولد الكبير وغيره بعد أن لم يكن نص ولا إجماع " وفي الرياض هو في غاية الجودة
كالروضة ونهاية المرام وغيرهما.
قلت: يمكن تحصيل الاجماع عليه في الولد أو شهرة تصلح لجبر الخبر (1)
والمرسل (2) الدالين على لحوق الولد بالاقرار، وأنه لا ينتفى بالنفي أبدا بالنسبة
إلى دلالته على ذلك: وإن اعتبرنا التصديق فيه - لما عرفته من كون الشهرة أو
الاجماع على ذلك مع كونه موافقا للقواعد - فيضعف العمل بهما بالنسبة إلى
العمل بهما في ذلك وإن كان ظاهر النهاية كما سمعت ذلك، لكن بعد حصول التصديق
يثبت النسب المستفاد من فحوى الخبرين المزبورين الدالين على كونه أعظم من
الفراش.
أما غير الولد فيبقى على قاعدة عدم ثبوت النسب بالاقرار صغيرا كان أو كبيرا
إلا مع التصديق ولو من الصغير بعد بلوغه، فيثبت التوارث بينهما خاصة على الوجه

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 4 - 3 من كتاب المواريث.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 4 - 3 من كتاب المواريث.
160

المزبور، لما سمعته من النصوص (1).
بل نص غير واحد من الأصحاب على أنه يشترط فيه مع ذلك شرطان آخران:
أحدهما أن يكون الملحق به ميتا، فما دام حيا لم يكن لغيره الالحاق به وإن كان
مجنونا، والثاني أن لا يكون الملحق به قد نفى المقر به، أما إذا نفاه ثم استلحقه
وارثه بعد موته ففي لحوقه وجهان، من سبق الحكم ببطلان هذا النسب، وفي إلحاقه
به بعد الموت إلحاق عار بنسبه، وشرط الوارث أن يفعل ما فيه حظ المورث لا ما
يتضرر به، ومن أن المورث لو استلحقه بعد ما نفاه باللعان وغيره لحق به وإن لم
يرثه عندنا.
ولكن في الرياض بعد ذكر هذين الشرطين " للقاصر في فهم المراد بالمشروط
بهذين الشرطين عجز، فإنه إن كان ثبوت النسب بين المتصادقين بحيث يتوارثان
ويتعدى توارثهما إلى غيرهما فللاشتراط وجه، إلا أنهم كما يأتي لا يقولون به،
بل صرحوا بأن غاية هذا الاقرار يفيد ثبوت التوارث بين المتصادقين خاصة، وأنه
لا يتعدى التوارث إلى غيرهما إلا أن يقرن الدعوى بالبينة، وإن كان ثبوت النسب
بينهما خاصة بحيث يتوارثان من دون تعدية - كما هو الظاهر من حكمهم المذكور
بعدم تعدية التوارث عنهما إلى غيرهما من الأقارب - فلا وجه للاشتراط، ولا لما
مر في توجيه اشتراط الشرط الثاني: من أن للوارث أن يفعل ما لا يضر بالمورث،
وذلك فإن المشروط بهذا المعنى يحصل بمجرد الاقرار والتصديق الذي هو بمنزلته،
وليس فيهما ما يوجب الضرر على المورث، لعدم استيراث المقر به من إرثه
ولا من إرث أقاربه، وإنما يورث المقر بعد وارثه إذا لم يكن له وارث
غيره "
قلت: كان المراد من الشرط الأول الذي مرجع الشرط الثاني إليه أنه
مع حياة الملحق به يعتبر إلحاقه ونفيه لا إلحاق غيره به، فلا فائدة لاقرار

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث - 0 -
161

المقر، خصوصا إذا قلنا إنه بالنفي ينتفي على وجه لا يلحقه بالالحاق كصورة
العكس.
ولذا قال في الدروس الذي هو الأصل في الشرط المزبور لمن تأخر عنه:
" لو أقر بأخ من الأب والأب موجود فنفى ثبوته في موضع يجوز النفي لم يتوارثا
وإن تصادقا، ولو مات الأب وهما على التصادق أو استلحقه بعد موت أبيه ففي
ثبوت نسبه وجهان " ثم ذكر الوجهين السابقين، وظاهره الميل إلى الآخر منهما،
بل في المسالك التصريح بأنه أقوى.
وفيه أن الأدلة التي منها ظاهر نصوص الأمة التي ليست فراشا تقتضي أن
النفي في الانتفاء كاللحق في الالحاق، فلا ينفع الالحاق في الأول ولا النفي في الثاني،
وحينئذ فلا يكون شرطا كي يتجه عليه الاعتراض، والله العالم.
ولو تصادق البالغان على نسب ثم رجعا فإن كان بنوة لم يقبل، لأنه كالفراش
بل أشد، بل في الدروس والأقرب القطع بعدم صحة الرجوع في نسب الولد، أما غير
البنوة ففي قبول الرجوع وجهان كما في الدروس، إلا أنك قد عرفت ظهور بعض
النصوص (1) المزبورة في اعتبار بقائهما على الاقرار في التوارث، لقوله عليه السلام:
" لم يزالا مقرين " بل قد عرفت أن ثبوت التوارث بالاقرار على خلاف القواعد.
فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن.
ولو قال: هذا ولدي من الزنا فهو من باب تعقيب الاقرار بالمنافي، فهل
يؤخذ بأول كلامه فيلحق به أو بآخره فلا يثبت به حكم النسب؟ نظر كما في
الدروس.
ولو قال: هو أخي واقتصر، ثم قال: أردت إخوة الدين أو الرضاع ففي
الدروس الوجه القبول، لامكانه. وفيه أنه خلاف الحقيقة.
ولو أقر بأخ فكذبه المقر به صدق بعد موت المقر ففي إرثه نظر، من
أن في إنكاره استحقاق الوارث غيره، ومن زوال المانع من ثبوت الأخوة،

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1
162

وهو التكذيب.
ولو أقر ببنوة الكبير فكذبه به فلما مات رجع إلى الاعتراف فالاشكال
بحاله.
ولو أقر الابن بأبوة رجل فأنكره فلما مات اعترف بالأبوة له فالاشكال
هنا ضعيف، لأن الاقرار بالبنوة بعد الموت مسموع في الكبير والصغير عند الأصحاب
بخلاف الاقرار بغيرها من النسب فينزله هذا الاقرار منزلة الاقرار المبتدأ.
وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، والله العالم.
المسألة * (الثانية:) *
* (إذا أقر بولد صغير فثبت نسبه ثم بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره،
لتحقق النسب سابقا على الانكار) * بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد،
بل لا يمين له عليه لو طلبه منه، لأن غايته استخراج تصديقه أو نكوله، وكلاهما
غير مسموع، بل قد يقال: إن ظاهرهم عدم الالتفات إليه حتى بالنسبة إليه في
حقه كالولد الفراشي مع احتمال الالتفات أخذا باقراره.
المسألة * (الثالثة:) *
* (إذ أقر ولد الميت بولد آخر له فأقرا بثالث ثبت نسب الثالث إن كانا
عدلين) * لحصول البينة * (ولو أنكر الثالث الثاني لم يثبت نسب الثاني) * الذي
كانت ولديته باقرار الأول * (لكن يأخذ الثالث نصف التركة) * لأن المشارك له
الأول خاصة * (ويأخذ الأول ثلث التركة) * لأن نصيبه ذلك بمقتضى إقراره
* (و) * أما * (الثاني (باقرار الأول خ ل)) * الذي أقر به الأول ونفاه الثالث
يأخذ * (السدس) * من الأصل، * (وهو تكملة نصيب الأول) * إذ ليس له إلا
163

زيادة ما في يد الأول المقر بلا خلاف أجده فيه بل عن السرائر أنه مذهبنا، بل
عن موضعين من الإيضاح وموضع من جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب، بل عن
التذكرة أنه مذهب علمائنا أجمع، كما عن الخلاف الاجماع عليه.
وفي الخبر (1) " إذا أقر واحد من الورثة بدين أو وارث جاز ذلك في
حصته، وكذا إذا أقر اثنان ولم يكونا عدلين، فإن كانا عدلين مضى ذلك على
الورثة ".
وأوضح منه خبر وهب بن وهب (2) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال:
" قضى علي عليه السلام في رجل مات وترك ورثة فأقر أحد الورثة بدين على أبيه أنه
يلزمه ذلك في حصته بقدر ما ورث، ولا يكون ذلك في ماله، وإن أقر اثنان من
الورثة وكانا عدلين أجيز ذلك على الورثة، وإن لم يكونا عدلين الزما في حصتهما
بقدر ما ورثا، وكذلك إذا أقر بعض الورثة بأخ أو أخت إنما يلزم في حصته وقال
علي عليه السلام: من أقر لأخيه فهو شريك في المال، ولا يثبت نسبه، فإن أقر اثنان
فكذلك، إلا أن يكونا عدلين فيلحق نسبه، ويضرب في الميراث معهم ".
ومعناه كما اعترف به الشيخ أنه يلزم بقدر ما يصيب حصته، ففي المثال لو
فرض أخوان وأخت واعترف بهما أحدهما التزم لها من حصته بالخمس، لأن
نصيبها لو اعترف بها الآخر معه الخمس، فلما أنكر التزم لها المقر خمس حصته،
وهو معنى إلزامه بما فصل من نصيبه، ضرورة كون خمس نصيبه هو الزائد في
يده على نصيبه بمقتضى اعترافه، وهو تكملة نصيبه مع أخيه المنكر الذي اقتسم المال
معه نصفين، مؤيدا بأنه لا ينقص باقراره نصيبه الثابت له باعتراف المنكر، وإنما
النزاع في الحقيقة بين المقر به والأخ الآخر المنكر، فمع فرض اليمين استحق
بعض نصيبه على الإشاعة، وأما نصيب المقر، فلا نزاع فيه لأحد.

(1) الوسائل الباب - 26 - من كتاب الوصايا والظاهر أنه (قد) أخذه
من عنوان الباب المشار إليه وفي ذلك الباب روايات بهذا المضمون مع الاختلاف
(2) الوسائل الباب - 26 - من كتاب الوصايا الحديث 5 و 6.
164

وبذلك افترق المقام عن المشتركين في مال اللذين مقتضى القاعدة فيهما تلف
ما يتلف عليهما بالنسبة، وما يبقى لهما كذلك ومقتضاه قسمة نصيب الأخ المقر بينه
وبين أخته أثلاثا ويكون ما أخذه الأخ المنكر عليهما.
ولعله لذا قال في المسالك: " ربما قيل في مفروض المتن بقسمة
النصف بين المقر والمقر له بالسوية، لقاعدة الشركة، فيكون الثالث كالغاصب
لهما ".
وفيه أنه كالاجتهاد في مقابلة النص، ضرورة ظهور الأدلة نصا (1) وفتوى
في تنزيل الاقرار على الإشاعة في الأسهم، مثل الاقرار بالدين، وذلك لأن الثاني
حق شائع فيما في يد الأول والثالث بالسوية، فلها الثلث من كل منهما.
هذا وقد تقدم لنا سابقا في الكتب السابقة زيادة كشف للمسألة، والفرق
بين الاقرار وغيره. وعلى كل حال فالضابط في صورة المتن ونظائرها بناء على
ما ذكرنا أن يأخذ أصل المسألة على قول المنكر، وأصلها على قول المقر، وتضرب
إحداهما في الأخرى ويقسم الحاصل باعتبار مسألة الانكار، فيدفع نصيب المنكر
منه إليه، ثم باعتبار مسألة الاقرار، فيدفع نصيب المقر منه ويدفع الباقي إلى
المقر به، فمسألة الانكار في هذه الصورة من اثنين، ومسألة الاقرار من ثلاثة،
فتضرب أحدهما في الآخر، فثلث المرتفع - وهو اثنان - للمقر ونصفه ثلاثة للمنكر،
ويبقى سهم للآخر.
وأما الضابط على الثاني فهو أن ينظر في أصل المسألة على قول المنكر ويضرب
نصيبه إليه فيها، ثم يقسم الباقي بين المقر والمقر به، فإن انكسر صححه بالضرب.
فأصل المسألة في هذه الصورة على قول المنكر اثنان، يدفع إليه منهما واحد،
والآخر لا ينقسم على اثنين، فتضرب اثنين في أصل المسألة، فالمرتفع وهو أربعة
نصفه للمنكر ونصفه للآخر، لكل منهما واحد، كما هو واضح. هذا كله إذا

(1) الوسائل الباب - 26 - من كتاب الوصايا
165

لم يكونا معلومي النسب.
* (و) * إلا ف‍ * (لو كانا) * أي الاثنان * (معلومي النسب فأقرا بثالث
ثبت نسبه إن كانا عدلين) * لحصول البينة التي يثبت بها، كونهما مقرين لا ينافي
كونهما شاهدين.
* (ولو أنكر الثالث أحدهما لم يلتفت إليه، وكانت التركة بينهم أثلاثا) *
لثبوت نسب الأولين واعترافهما بالثالث، سواء كانا عدلين أو لا، لكن مع
عدالتهما يثبت نسبه معهما، وبدونها يثبت شركته معهما بالإرث خاصة، لما
عرفت من أن الاقرار في غير البنوة لا يثبت النسب، وإنما يثبت التوارث بين المتصادقين
على الوجه الذي قد عرفت.
المسألة * (الرابعة:) *
* (لو كان للميت) * وارث في الظاهر * (إخوة وزوجة فأقرت) * الزوجة
* (له) * أي الميت * (بولد) * صغير أو كبير * (كان لها) * الثمن بمقتضى إقرارها،
وهو نصف نصيبها لولا إقرارها، ثم ينظر * (فإن صدقها الإخوة) * على ذلك * (كان
الباقي) * وهو ثلاثة أرباع التركة * (للولد دون الإخوة) *، بل إن كان فيهم عدلان
ثبت نسبه أيضا مع ذلك.
* (وكذا) * الحكم في * (كل وارث في الظاهر أقر بمن هو أقرب منه) *
كالعم المقر بأخ للميت * (دفع إليه جميع ما في يده) * لعموم " إقرار العقلاء " (1)
بخلاف الأجنبي الذي هو شاهد غير مقر، وبخلاف الوارث واقعا المعلوم كذب إقراره
* (ولو كان مثله) * في الإرث * (دفع إليه من نصيبه) * أي المقر * (بنسبة نصيبه) * أي المقر
به إلى أنصباء الورثة، كما لو أقر أحد الأخوين بأخت مثلا دون الآخر دفع
المقر من نصيبه - وهو النصف - خمسا منه لأنه نسبة نصيب الأخت إلى سهام

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
166

الأخوين، ويبقى من نصيبها خمس آخر في نصيب الأخ غير المقر، ومرجعه إلى
أن المقر يدفع إلى المقر له ما زاد من نصبيه لولا الاقرار على تقدير وجود المقر
به، فالزوجة في الفرض تدفع الثمن، لأنه الفاضل من نصيبها لولا الاقرار بالولد،
كما أن الأخ يدفع الخمس، لأنه الفاضل من نصيبه لولا الاقرار بالأخت،
وهكذا.
* (وإن أنكر الإخوة) * الولد * (كان لهم ثلاثة أرباع، وللزوجة الثمن،
وباقي حصتها) * لولا الاقرار * (للولد) * بلا خلاف معتد به في شئ من ذلك،
بل ولا إشكال بعد الإحاطة بما ذكرناه في المسألة السابقة من القاعدة والنصوص (1)
والفتاوى.
ولو أقر الوارث ظاهر بمساو فأنكر المقر له نسب المقر له وليس له بينة
ففي الدروس حاز المقر له التركة مع يمينه عملا بالمتفق عليه فتأمل.
المسألة * (الخامسة) *
* (إذا مات صبي مجهول النسب فأقر انسان ببنوته ثبت نسبه) * بلا خلاف
فيه، كما عن المبسوط، بل قيل ظاهره نفيه بين المسلمين، بل ظاهره وغيره كصريح
غير واحد أنه كذلك * (صغيرا كان أو كبيرا، سواء كان له مال أو لم يكن) *
ولعله لذا نسبه في جامع المقاصد إلى الأصحاب، وحكي عن الشيخ نفي الخلاف
فيه، بل في المسالك في شرح عبارة الكتاب في المسألة بتمامها هذا الحكم مشهور بين
الأصحاب ذكره الشيخ في المبسوط وغيره، وادعى على الاتفاق، وفي الروضة أن
عليه فتوى الأصحاب واستظهر في الرياض أنه مجمع عليه وأنه لا خلاف فيه يعرف،
إلى غير ذلك من كلماتهم الظاهرة في الاتفاق المزبور على ثبوت النسب بذلك في
الميت مطلقا.

(1) الوسائل الباب - 26 - من كتاب الوصايا.
167

* (و) * حينئذ فإذا ثبت نسبه كذلك * (كان ميراثه) * أجمع مع عدم وارث
غيره * (للمقر) * لأنه أبوه شرعا بالاقرار المزبور كالفراش أو أزيد * (ولا يقدح
في ذلك احتمال التهمة كما لو كان حيا ولو مال) * خلافا لأبي حنيفة، فلم يلحقه
به في الميت ذي المال دون الحي، وهو واضح الضعف، لمعلومية عدم اعتبار التهمة
شرعا، وعلى تقديره فلا فرق بين الحي والميت، فاستحسانه غير تام.
* (و) * وعلى كل حال فبناء على ما سمعت * (يسقط اعتبار التصديق في طرف
الميت ولو كان كبيرا، لأنه في معنى الصغير، وكذا لو أقر ببنوة مجنون، فإنه
يسقط اعتبار تصديقه، لأنه لا حكم لكلامه) * كالصبي بلا خلاف كما في جامع المقاصد
والرياض ومحكي المبسوط، بل في الثاني الاجماع عن بعض.
لكن لا يخفى عليك تتمة ذلك كله باتفاق الأصحاب ظاهرا على الحكم المزبور،
وإلا فهو مخالف للقواعد في الكبير، فإن عدم إمكان تصديقه لموته أو جنونه لا تقتضي
ثبوت النسب فيه بمجرد دعوى المدعي، بل مقتضاه عدمه بناء على أنه شرط في
ثبوت النسب، وفحوى نصوص الولد (1) بناء على أن المراد منه الصغير لولا
الاجماع لا يستفاد منها حكمه بعد حرمة القياس والاستحسان.
ولعله لذلك استشكل في محكي التذكرة في الكبير وتبعه في المسالك قال:
" لأصالة عدم النسب، ولا نص في المسألة ولا إجماع، ولذلك توقف في التذكرة،
وعذره واضح، والوجهان آتيان في استلحاق المجنون بعد بلوغه عاقلا سواء مات
أو لا " ونحوه في جامع المقاصد إلا أنه قد استقر رأيه أخيرا على موافقة
الأصحاب، وكان مرداهما عدم إجماع محصل، وإلا فقد عرفت ما نقلاه
عن المبسوط.
ومن الغريب قول الكركي في المحكي من تعليقه على الإرشاد عدم القبول في

(1) الوسائل الباب - 6 و 9 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب
المواريث.
168

المجنون مطلقا راجح ولم نجده لغيره إلا أنه لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد ما
عرفت من الاتفاق المزبور.
بل قد يقال إن الولد في الخبر (1) والمرسل (2) السابقين شامل باطلاقه
للصغير والكبير والحي والميت والمجنون والعاقل، ولذا سمعت أن ظاهر النهاية
عدم الفرق إلا أنه لما كان الاتفاق سن غيره على اعتبار التصديق في الكبير مؤيدا
باستعباد نفوذ الاقرار في حقه مع إنكاره حصل الشك فيه إذا كان مع ذلك حيا
عاقلا. أما غيره فلا شك، خصوصا بعهد اتفاق الأصحاب - كما عرفت - على ثبوت
الحكم، وليس ذلك إثبات شرطية للتصديق في الكبير على كل حال حتى يقال.
لا دليل على سقوطها بالموت أو بالجنون، بل هو أخذ بالمتيقن بعد حصول الشك
الذي قد عرفت كونه فيه خاصة دون غيره.
ولعل هذا هو الوجه في اتفاق الأصحاب، لا الالحاق بالصغير الذي لا يتم على
قواعد الإمامية التي منها حرمة القياس والاستحسان وكان ما وقع من المصنف وغيره
من التعليل بكونه في معنى الصغير مع الموت وأنه لا حكم لكلامه مع المجنون إنما
يراد به تقريب النص ورفع الاستبعاد الذي يقع في النفس لا الاستدلال بذلك، وإنما
الدليل ما عرفت.

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث
169

المسألة * (السادسة:) *
* (إذا ولدت أمته ولدا فأقر ببنوته لحق به وحكم بحريته بشرط) * إمكان
تولده منه و * (أن لا يكون لها زوج) * ولا محلل بحيث تكون فراشا له يلحق به
ولدها بلا خلاف في شئ من ذلك ولا إشكال، إذ لا ينقص عن الطفل المجهول،
لكن هل تكون الجارية أم ولد؟ في محكي التذكرة إشكال ينشأ من إمكان
استيلادها بالنكاح ثم ملكها بعد ذلك، فلا تكون أم ولد، أو أنه استولدها بشبهة
أو إباحة، ومن أن الظاهر أنه استولدها في ملكه، لأنه محقق.
وفي المسالك " ربما يرجع الوجهان إلى تعارض الأصل والظاهر، وترجيح
الأصل هو الغالب ".
قلت: لا ريب أن مقتضى الأصل عدم كونها أم ولد إذا لم يعلم تاريخ ملكه
لها، بل لا ظهور في ولادتها في ملكه بكون علوقها كذلك، نعم لو علم تاريخ ملكه
لها وكان يمكن علوقها فيه أمكن القول حينئذ بأن مقتضى الأصل تأخر علوقها،
ولكن الكلام في إثبات كونها أم ولد بالأصل المزبور كما تقدم البحث في
نظائره.
وعلى كل حال فلا ظاهر يعارض الأصل فضلا عن احتمال تقدمه عليه،
مع عدم كونه ظاهر شرع حتى لو قال: " ولدي وقد ولدته في ملكي " فإن الولادة
أعم من العلوق به كذلك، نعم لو أقر بأنها علقت به في ملكه أو أقر بأنها في
ملكه منذ سنتين مثلا وعمر الولد الذي استلحقه به سنة مثلا صارت أم ولد قطعا
بلا خلاف بل ولا إشكال.
* (لو أقر بابن إحدى أمتيه وعينه لحق به) * بلا خلاف ولا إشكال لكن
على الوجه الذي عرفته في لحوق الولد باستلحاقه.
* (ولو ادعت الأخرى أن ولدها هو الذي أقر به فالقول قول المقر) * حينئذ
170

* (مع يمينه) * لأنه منكر، ولو نكل حلفت هي وثبت حقها لها على مقتضى الدعاوي،
لكن ذلك كذلك إذا كان في دعواها عليه بذلك حقا لها، بأن تكون بها أم ولد،
فيثبت حينئذ كونا أم ولد دون لحوق الولد به، وإلا لم يكن لها الدعوى عليه،
إذ الحق حينئذ للولد لا لها.
* (ولو لم يعين ومات) * أي المولى لا يعرض على القافة، لعدم الاعتداد
بها عندنا، ولا يعتق نصف كل واحد منهما، للقطع بكونه خلاف الواقع، ولا يوقف
حتى يصطلحا، ولا يشتركان في حصة المقر به مع عدم ثبوت نسب واحد منهما،
ولا غير ذلك من الاحتمالات التي لم نجد قائلا منا بشئ منها، بل ومخالفة للقواعد
الشرعية.
نعم * (قال الشيخ ره يعين الوارث) * لا بمعنى أن ينشأ تعيينا من دون علم
سابق له بحقيقة الحال، لأن النسب لا يلحق بالتشهي، بل إذا كان عالما بالحال ولو
باقرار المورث قبل إخباره بذلك لأن الحق انتقل إليه من المورث.
* (فإن امتنع) * مع التعيين لعدم علمه أو لغيره * (أقرع بينهما) * وتبعه
الشهيد في الدروس * (و) * لكن * (لو قيل باستعمال القرعة بعد الوفاة مطلقا كان
حسنا) * بل هو الأقوى وفاقا للمشهور، لحصول الاشكال بموته، لعدم دليل على
قبول إخبار الوارث من حيث كونه كذلك، بل هو إقرار في حق الغير، بل قيل:
إن التعيين إنما يعتد به إذا كان من جميع الورثة، والمقر به منهم، فلو اعتبر تعيينه
لزم الدور وإن كان فيه ما فيه.
ثم إذا خرجت القرعة لواحد وكان قد ذكر المقر ما يقتضي أمية أمه صارت
أم ولد بذلك من دون قرعة أخرى. كما هو واضح.
171

المسألة * (السابعة:) *
* (لو كان له أولاد ثلاثة) * مثلا * (من أمة فأقر ببنوة أحدهم فأيهم عينه
كان حرا والآخران رق) * من غير فرق في المعين بين كونه الأكبر أو الأوسط أو
الأصغر، بناء على ما هو المشهور من عدم كون الأمة فراشا للمولى وإن وطأها،
وأن الولد لا يلحق به إلا بإقراره، كما تقدم البحث فيه سابقا، خصوصا في
اللعان.
أما لو قلنا: إنها فراش ففي المسالك " تحرر المعين ومن ولد بعده، فإن عين
الأكبر تبعه الأخيران، وإن عين الأوسط لحقه الأصغر وبقي الأكبر رقا، كما
أنه لو عين الأصغر بقي الأكبر والأوسط على الرقية، وكان هو حرا خاصة، وكذا
الحكم لو لم يعين واستخرج بالقرعة، إلا أنه بناء على هذا يكون الأصغر ولدا حرا
على كل حال، لأنه إما مقر به أو تابع، بخلاف الآخرين، وحينئذ فهل يفتقر إلى
إدخاله في القرعة؟ وجهان، من أنها لاخراج المشتبه ولا اشتباه فيه، ولجواز أن تقع
على غيره، فيلزم استرقاقه مع أنه معلوم الحرية، ومن أن إدخاله فيها لا لاسترقاقه،
بل ليرق غيره إن خرجت عليه ويقتصر بالحرية عليه وهو أحسن - ثم قال -: وربما
قيل بمنع حريته، لأن أمه وإن كانت أم ولد يجوز أن يكون رقيقا في نفس
الأمر، ويشكل بأنا إذا حكمنا بصيرورتها فراشا ألحقنا به أولادها ظاهرا من غير
التفات إلى إمكان كونهم من غيره ولو بوجه صحيح، فلا يقدح هذا التجوز،
والأصحاب أهملوا التفريع على هذا القول نظرا إلى الأشهر بينهم من عدم صيرورتها
فراشا بالوطء.
قلت: لا إشكال في لحوق كل ولد منها به، وهي فراش له، والاحتمالات لا عبرة
بها كالحرة، إنما الكلام في أن اعترافه بولد من أولادها لا يقتضي كونها فراشا له
دائما، إذ قد يكون وطؤها شبهة وهي فراش لغيره، ومن هنا كان الاقرار بولد
172

من الحرة لا يقتضي الاقرار بزوجيتها، إذ أقصاه أنه وطء يوجب لحوق الولد، وهو
أعم من ذلك.
نعم لو وطأها بالملك وقلنا: إنها بذلك تكون فراشا لم يحتج إلى لحوق
أولادها به إلى إقرار إذ بعد العلم بكونها فراشا له وقد جاءت بأولاد ولم يعلم تجدد
فراش آخر يحكم بكون الجميع له.
ولعل الأصحاب أهملوا ذكر التفريع المزبور على هذا القول، لأن مفروض
البحث عدم العلم بفراشيتها إلا من الاقرار بالبنوة، وقد عرفت أنه أعم من ذلك لا لما
ذكره، والأمر سهل بعد معلومية فساد الأصل الذي بني عليه هذا التفريع، ولهذا
أهمل الأصحاب التفريع على ذلك.
* (و) * على كل حال ف‍ * (لو اشتبه المعين وقد مات المولى أو لم يعين
استخرج بالقرعة) * التي هي لكل أمر مشكل، وقد سمعت الكلام في تعيين
الوارث.
المسألة * (الثامنة:) *
* (لا يثبت النسب) * بالشهادة * (إلا بشهادة رجلين عدلين) * نعم يثبت بالاستفاضة
كما أشبعنا الكلام فيه في كتاب الشهادات.
* (و) * المراد هنا بيان أنه * (لا يثبت بشهادة رجل وامرأتين على الأظهر) *
الأشهر بل المشهور، خلافا للمحكي عن الشيخ في خلافه مدعيا فيه ظاهرا أو
صريحا إجماع الفرقة وأخبارهم، بل عنه في المبسوط هنا اختياره في أول كلامه،
وأنه قواه في الشهادات، لكن في المسالك هو شاذ، وعن السرائر أن أصول مذهبنا
تقضي عدم ثبوته بالرجل والامرأتين، بل عنه في المبسوط في آخر الباب الجزم
بعدم ثبوته بذلك أو بالشاهد واليمين، بل قيل هذا منه يرشد إلى أن دعواه في
الخلاف والاجماع والأخبار على غير ما نحن فيه، بل قيل: إنهما مساقان للرد على
173

من قال: لا يثبت النسب بإقرار الورثة أصلا وكيف كان فقد ذكرنا في كتاب
الشهادات تمام الكلام في أنه لا يثبت بذلك * (ولا بشهادة رجل ويمين،) *
فلاحظ وتأمل.
نعم لا خلاف عندنا * (و) * لا إشكال نصا (1) وفتوى في أنه * (لا) * يثبت
* (بشهادة) * شاهدين * (فاسقين ولو كانا وارثين) * وإن كان يؤخذان بما يتقضيه
إقرارهما.
المسألة * (التاسعة:) *
* (لو شهد الأخوان) * مثلا * (وكانا عدلين بابن للميت يثبت نسبه) *
بلا خلاف كما عن حواشي الشهيد، بل قيل: هو محل وفاق حتى من العامة على
الظاهر * (و) * أما * (ميراثه) * للمال دونهما فهو المشهور بين الأصحاب، بل عن
ظاهر التذكرة الاجماع عليه في مواضع: منها قوله: فيها " لو كان المقر به مما
يحجب المقرين عن الميراث حاز المال المقر به، ولا شئ للمقرين إجماعا "
إلى آخره.
* (ولا يكون ذلك دورا) * كما عن المبسوط في أول كلامه، قال: " يثبت نسبه
ولا يرث، لأنه لو ورث لحجب الأخوين وخرجا عن الإرث، فيبطل إقرارهما،
لأنه إقرار ممن ليس بوارث، فيبطل النسب، فيبطل الإرث، فيلزم من صحة الإرث
بطلانه ومن بطلانه صحته " لكنه قال بعد ذلك: " ولو قلنا يثبت الميراث أيضا كان
قويا، لأنه يكون قد ثبت بشهادتهما، فيتبعه الميراث لا بالاقرار " وفي محكي السرائر
" أن كلامه الأول كلام المخالف، والثاني مختاره " وهو كذلك لأنه أجل من
صدور هذه الخرافة منه، خصوصا بعد ما سمعت من الخبرين (2) الناصبين على

(1) الوسائل الباب - 26 - من كتاب الوصايا الحديث 5 و 6 و 7.
(2) الوسائل الباب - 26 - من كتاب الوصايا الحديث 5 و 6.
174

العدلين والفاسقين، ومنهما يستفاد قبول إقرارهما وإن كانا فاسقين، لكون المعتبر
في صحة الاقرار كونهما وارثين في الظاهر لأنه من المعلوم عدم صحة اعتبار كونهما
وارثين في نفس الأمر، إذ هو لا يجتمع مع خروجهما عن الإرث بالاقرار،
بل يكفي في قبول إقرارهما كونهما صاحبي يد في الجملة على مال الميت
* (و) * من هنا * (لو كانا فاسقين لم يثبت النسب ولكن يستحق دونهما
الإرث) * لاقرارهما بلا خلاف معتد به أجده فيه، فلا حاجة حينئذ إلى ما سمعته عن الشيخ
من كون قبول العدلين من حيث الشهادة لا الاقرار، إذ لا يكاد يظهر فرق بين
تسمية ما أخبرا به شهادة أو إقرارا، وبالجملة فالمسألة من والواضحات.
المسألة * (العاشرة:) *
* (لو أقر) * الأخ مثلا * (بوارثين أولى منه) * دفعة بأن قال: هما الوارثان
ولا شريك لهما * (فصدقه كل واحد منهما عن نفسه لم يثبت) * بذلك * (النسب) *
قطعا لما عرفته مكررا، نعم لو تصادقا وكانا عدلين والمقر عدل أيضا ثبت النسب
أيضا * (و) * لكن * (يثبت الميراث) * المقر به من الوارث لولا إقراره.
* (و) * على كل حال * (دفع إليهما) * معا * (ما في يده) * ولو صدق أحدهما
الآخر وكان عدلا والمقر أيضا عدلا اختص بالميراث دون الآخر، لثبوت
نسبه دونه.
* (ولو تناكرا بينهما لم يلتفت إلى إنكارهما) * بلا خلاف أجده فيه، لأن
استحقاقهما للإرث ثبت في حالة واحدة، وهي الاقرار بهما دفعة، فلم يكن أحدهما
أولى من الآخر، بخلاف ما لو أقر بأحدهما ثم أقر بالآخر، فإن اشتراكهما في
التركة متوقف على مصادقة الأول، نعم تبقى الدعوى قائمة بينهما، بل وبين
المقر إذا ادعيا عليه العلم، بل وبدونه، إنما الكلام هنا في استحقاقهما الميراث
175

من حيث الاقرار الذي لا ترجيح لأحدهما على الآخر فيه، كما هو واضح.
وكذا لا يلتفت إلى تناكر التوأمين، فلو أقر الأخ ببنوة أحد التوأمين لحقه
الآخر ولا اعتبار بانكار أحدهما صاحبه.
* (ولو أقر) * الوراث ظاهرا الذي هو العم مثلا * (بوارث) * آخر * (أولى
منه) * وهو الأخ فقال وارث الميت: زيد أخوه * (ثم أقر بآخر أولى منهما) *
وهو الولد فقال: وارثه ولده هذا * (فإن صدقه المقر له الأول) * بأن زيد المعين
ولده الوراث له * (دفع المال إلى الثاني) * بلا خلاف ولا إشكال، * (وإن كذبه) *
أحلف و * (دفع المقر إلى الأول المال) * إلزاما له باقراره * (وغرمه للثاني) *
لنحو ما سمعته فيمن أقر بعين لشخص ثم أقر بها لآخر.
* (ولو كان الثاني) * المقر له بعد الاقرار بالوارث الأول * (مساويا للمقر
له أولا) * بالإرث كما لو قال: هذا أخ الميت وارث مع الأول * (ولم يصدقه
الأول دفع المقر إلى الثاني مثل نصف ما حصل للأول) * لأن ذلك هو الذي أتلفه
عليه، نحو ما لو قال: هذه العين لزيد ثم قال: هي له ولعمرو، كما صرح بذلك
كله غير واحد من غير تقييد للغرامة بما إذا دفع أو نفس الوراث غيره، بل في
الدروس " سواء نفي وارثا غيره أو لا على الأشبه " بل في المسالك نسبة ما في المتن
إلى المشهور، بل في غاية المرام ما في النافع الذي هو كالمتن إلى الشيخ في
النهاية وغيره من الأصحاب.
لكن في القواعد " يغرم للود إن نفى وارثا غيره وإلا فاشكال " كما عن غيره
تقييد الغرمة بما إذا كان دفعها إلى الأخ، وكان وجه إشكال الفاضل فيما إذا لم
ينف من أنه لما أقر بالأخ أولا من دون ثبوت نسب الولد كان هو المفوت للتركة،
ومن عدم المنافاة بين الاقرارين، لامكان اجتماعهما على الصدق، فلم يصدر مناف
للاقرار بالولد، إذ ليس قوله: " هذا أخ " أن المال له وأنه الوارث فقط، وقد
يكون نسي أن له ولدا، أو لم يعلم ثم تذكر، أو ثبت عنده، وقاعدة الاقرار
176

التي هي (1) الأخذ باليقين وقد سمعت من جماعة أنه لو أقر شخص في يده
مال لميت بأن زيدا وارثه ولا وارث غيره لم يلزم بتسليم العين، فهنا
أولى.
ناقشه في جامع المقاصد بأنه لا يلزم من عدم المنافاة عدم الفرق، والمقتضي
للغرم هو إقراره بالأخ أولا المقتضي لاستحقاقه جميع التركة، فاقراره به على
هذا الوجه بمنزلة واحدة في وجوب دفع التركة إلى الأخ بمقتضى الاقرار فيغرم،
وهو مختار الشيخ في النهاية.
والتحقيق في المسألتين معا أعني ما إذا تعرض إلى نفي وارث غير الأخ وعدمه
أن يبنى ذلك على أنه هل يؤمر المقر بدفع التركة إلى المقر به بمجرد الاقرار
أم يجب البحث على الحاكم ليعلم انحصار الوارث في المقر به إذا رفع الأمر إليه؟
ففيه وجهان تقدما في أحكام المقر له، أصحهما وجوب البحث.
فعلى الأصح إن دفع العم بغير إذن الحاكم ضمن، لأنه المباشر للاتلاف،
وإن دفع بإذنه أو كان الدافع الحاكم فإن كان بعد البحث والاجتهاد فلا ضمان على
أحدهما، وإلا فهو من خطأ الحكام، ولا فرق في ذلك كله بين أن ينفي وارثا غيره
أو لا، إذ لا عبرة بذلك في وجوب الدفع وعدمه.
وعلى الوجه الآخران استقل العم بدفع التركة إلى الأخ وجب القطع
بضمانه لأنه المباشر للاتلاف وإن كان بأمر الحاكم استنادا إلى إقراره فإن نفى
وارثا غيره ضمن أيضا، وإلا فوجهان، والأصح تفريعا القول بالضمان وقد أومأ
شيخنا الشهيد إلى هذا في بعض حواشيه وتبعه ثاني الشهيدين على ذلك كله.
ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد التأمل بما شرحنا به عبارة المصنف وأنه كمسألة
الاقرار بالعين لشخص ثم الاقرار بها لآخر التي لا مدخلية فيها لدفع الحاكم وغيره
مما ذكره، ضرورة عدم كون مفروض البحث الاقتصار على الاقرار بالأخ الذي

(1) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة إلا أن الموجود في المسودة التي هي
بخط المصنف طاب ثراه " وقاعدة الاقرار هي الأخذ ".
177

لا ينافيه الاقرار بالولد، بل المراد الاقرار به وارثا، كضرورة عدم مدخلية ما ذكره
من مسألة الأمر بدفع العين لما في يده بعد إقراره بأنه لا وارث غيره من دون فحص
وعدمه، مع أنك قد عرفت التحقيق فيها، فإن البحث في تلك إنما هو من جهة
الاحتياط من مجئ وارث معلوم النسب غير من أقر له، ومحل الكلام هنا حصول
وارث باقراره، وبالجملة كأنه من غرائب الكلام.
بل منه يعلم النظر في غيره من الكلمات، وتحقيق المسألة ما سمعت من كونها
كالاقرار بالعين لشخص ثم الاقرار بها لآخر، سواء دفع أو لم يدفع، نعم قد
يتوقف الغرمة مع الاقتصار على أنه وارث ثم أقر بمساو له مع أنه قد سمعت
تصريح الدروس بعد الفرق، بل هو ظاهر غيره أيضا ولعله لاقتضاء إقراره الأول
استحقاقه ولو بمعونة أصالة عدم غيره، فهو كالاقرار باليد المقتضية للملك وتعقيب
إقرار آخر بما ينافيها، والفرض أن وارثية الثاني جاءت من إقراره لا من
ثبوت نسبه، فتأمل جيدا فإن المسألة قد اختل فيها قلم جملة من
الأفاضل.
ولو أقر أحد الأخوين بولد وكذبه الآخر أخذ الولد نصيب المقر خاصة
فإن أقر المنكر بأخ دفع إليه ما في يده، ولو أقر به الأخ الأول الذي
أقر بالأول أيضا لم يكن عليه غرم، لوصول نصيب كل من الولدين إليه، كما
هو واضح.
178

المسألة * (الحادية عشر) *
* (لو أقر بزوج للميتة ولها ولد أعطاه ربع نصيبه) * لأنه الذي يستحقه
الزوج مما في يد المقر * (وإن لم يكن ولد أعطاه نصفه) * الذي هو استحقاق
الزوج.
وهو معنى قوله في النافع: " ولو أقر بزوج للميتة دفع إليه مما في يده
بنسبة نصيبه، وهي النصف إن كان المقر به غير الولد والربع إن كان
هو الولد ".
بل وما عن النهاية والسرائر " إن أقر بزوج للميتة أعطى مقدار ما كان
نصيبه من سهمه " وبنحو ذلك عبر الفاضل في القواعد وغيرها، قال: " لو أقر بزوج
لذات الولد أعطاه ربع ما في يده، ولو لم يكن لها ولد أعطاه النصف " بل والشهيد
في اللمعة.
نعم في الدروس كما عن النهاية ومن تأخر عنها " لو أقر بزوج لذات الولد
أعطاه ربع ما في يده إن كان المقر ولدا، وإن كان المقر بالزوج أحد الأبوين
وكان الولد ابنا لم يدفع إليه شيئا، وإن كان بنتا دفع الفاضل عن نصيبه، وهو
نصف الثمن ".
وإن اعترض الكركي على ما سمعته من إطلاق الفاضل الذي هو كاطلاق
المصنف فقال: إنه غير مستقيم، وتبعه ثاني الشهيدين، وذلك لأن المتجه - بناء
على ما تقدم من كون المقر يعطي ما زاد على نصيبه من سهم المقر له - أن كان التعبير
بذلك، لا ربع نصيبه ونصفه مطلقا إذ هو وإن تم في إقرار الولد والأخ مثلا لكنه
لا يتم فيما إذا كان المقر الأبوين أو أحدهما وكان معهما بنت، فإن نصيبهما على
تقدير عدم الزوج الخمسان فرضا وردا، ومع وجوده السدسان، والزائد على
نصيبهما في الأول لا يبلغ الربع، بل قد لا يتحقق فاضل أصلا، كما إذا كان المقر
179

الأبوين أو أحدهما وكان للزوجة ولد ذكر، فإنه لا يزيد نصيبهما شئ، نعم
ما ذكروه إنما يتم على قاعدة الشركة التي قد عرفت النص والفتوى على خلافهما
فيما مضى.
قلت: هو كذلك إلا أنه يمكن حمل إطلاقهم على صورة اتحاد الوارث
ولدا أو أبا أو أما، فإنه يعطي الربع أو النصف مما في يده الذي هو جميع التركة،
كما عساه يشعر به اتحاد الضمير في كلامهم، وأنه الظاهر من بعضهم في مفروض
مسألة الاقرار بالزوجة التي هي نحو هذا المسألة، أو يحمل على صورة توزيع حصة
الزوج المنكرة على الجميع بالسوية، كما سمعته سابقا فيما لو أقر أحد الأخوين
بأخت، فإنه يعطيها خمس نصيبه، لأن لها خمسا في المجموع، بل ظاهر بعضهم
جعله ضابطا مساويا لضبطه بأنه يعطى الزائد على نصيبه، وليس هو إلا على
هذا التقدير.
وكيف كان فالأمر سهل بعد العلم بعدم كون ذلك رجوعا عن الأول،
لاحتمال خصوصية في الفرض، بل أقصاه الاطلاق على الوجه الذي ذكرناه وإن
انساق إلى الذهن من العبارات خلافه أو الاهمال في خصوص ما ينطبق على ذلك من
أفرادها.
* (ولو أقر بزوج آخر) * ماتت عنه الزوجة * (لم يقبل) * في حق الزوج
المقر به أولا قطعا بل لا خلاف فيه ولا إشكال، كما أنه لا خلاف * (و) * لا إشكال
في أنه * (لو أكذب) * مع ذلك * (إقراره الأول أغرم للثاني مثل ما حصل للأول) *
لقاعدة الحيلولة بالاقرار.
إنما الكلام في انصرافه إلى التكذيب مع اقتصاره على الاقرار بزوج آخر، كما
لو قال: " زيد زوجها " ثم قال: " عمر وزوجها " فعن الأكثر بل عن المشهور اعتبار التكذيب
في الغرامة، وإلا كان إقرار لغوا، ولا غرامة، بل في القواعد ومحكي التذكرة نسبته
إلى الظاهر من كلام الأصحاب، وعن الفخر والشهيد في حواشيه أن من قواعد
180

الأصحاب الغرامة بالاقرار المضاد للأول إلا في الزوجية والميراث، للنص عليه
بل عن التنقيح نحو ذلك، ولعله لفهم العرف في مثله اللغو أو الاشتباه، لمعلومية
عدم الزوجين للمرأة على وجه تموت عنها.
نعم لو صرح بالرجوع عن الأول اتجه الغرامة حينئذ، للتفويت بالاقرار،
إلا أن الشهيد في الدروس جعل فيه وجهين، بل مال إلى الغرامة ثاني الشهيدين،
بل في جامع المقاصد هو الأقوى، لأن الأصل في الاقرار الصحة، وكون الثاني
هو الزوج أمر ممكن، وربما ظن أن الأول هو الزوج فأقر ثم تبين خلافه،
فالغاء الاقرار مع إمكان صحته ينافي عموم قوله صلى الله عليه وآله (1): " إقرار العقلاء على
أنفسهم جائز " ولو حكمنا بفساد الاقرار بمجرد تطرق الاحتمال لبطل أكثر
الأقارير، وهو وإن كان لا يخلو من وجه إلا أنك قد سمعت حكاية اتفاق الأصحاب
ظاهرا على خلافه.
ولعله لفهم أهل العرف من مثله اللغوية، ولا أقل من الشك في كونه إقرارا،
والأصل البراءة، وكذا الكلام في جميع نظائره، بل وجه النص المرسل ذلك
أيضا، لا أنه لغو تعبدا وإن فهم العرف منه الرجوع. بل لعل اعتبار التكذيب في
الأصحاب للعلم بكونه إقرارا.
وعلى كل حال ففي الدروس " ولو قلنا بالغرم فتأول كلامه بتزويجه إياها
في عدة الأول ثم ماتت فظنت أنه يرثها زوجان وكان مما يمكن في حقه
الاشتباه فالأقرب القبول " وجزم به في المسالك وإن كان لا يخلو من نظر
في الجملة.
* (ولو أقر بزوجة) * للميت * (ولو ولد أعطاها ثمن ما في يده) * لأنه حق
الزوجة حينئذ * (وإن لم يكن ولد أعطاها الربع) * الذي هو حقها مع عدم الولد،
والكلام في إطلاق المتن وما شابهه كالكلام السابق، بل المحكي هنا عن النهاية
والسرائر فرض المسألة في إقرار الولد، وكان قراءة " أقر " في المتن بناء للمجهول

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2
181

أظهر في المراد الذي هو مع اتحاد الوارث وكونه ولدا أو غير ولد، ونحوه في ذلك
المسألة السابقة.
* (وإن) * كان * (أقر بأخرى غرم لها مثل نصيب الأولى (1)) *
أي نصف الثمن مع فرض التعدد * (إذا لم تصدقه) * الأولى ومع التصديق يقسمان.
* (ولو أقر بثالثة أعطاها ثلث النصيب، ولو أقر برابعة أعطاها الربع من
نصيب الزوجة) * كما هو واضح، إلا أن ظاهر المصنف وغيره الاكتفاء في الغرامة
هنا بمجرد الاقرار بأن هندا زوجة مثلا وإن لم يقل لا زوجة غيرها، بل وإن قال:
" وما أدري بأن له زوجة أخرى أو لا " ولعله لنحو ما سمعته في الاقرار بالوارث
المساوي بعد الاقرار بالأول الذي مقتضاه ولو للأصل انحصار الإرث فيه، فيغرم
حينئذ باقراره المقتضي لذلك، كالاقرار باليد المقتضية للملك ثم أقر بعدها
بكونه ملكا لزيد، والفرض أن الزوجة الثانية لا طريق إلى ثبوتها إلا إقراره
فتأمل جيدا.
* (ولو أقر بخامسة وأنكر إحدى الأول لم يلتفت إليه) * بالنسبة إلى
ذلك قطعا لسبق إقراره * (وغرم لها مثل نصيب واحدة منهن) * ربع الثمن أو ربع
الربع بلا خلاف ولا إشكال، للحيلولة بالاقرار.
نعم لو اقتصر على الاقرار بزوجيتها والفرض أنها خامسة باقراره ففي غرامته
بمجرد ذلك البحث السابق في الاقرار بالزوج من دون تكذيب.
ولا مدخلية هنا لامكان إرث الخامسة فصاعدا، لما سمعته في تزويج المريض
ودخوله وطلاقه، فإن زوجته ترثه إلى سنة وإن خرجت من العدة، ضرورة كون
المراد الاقرار بزوجة خامسة مات عنها، كما هو واضح. وإلا فلو كان الزوج
مريضا وتزوج بعد الطلاق ودخل استرسل الاقرار ولم يقف عند حد إذا مات في

(1) وفي الشرائع " مثل نصف نصيب الأولى ".
182

سنته، وعن حواشي الشهيد وشرح الإرشاد للفخر والتنقيح الاجماع على قبول الاقرار
في مثل ذلك.
قلت: لا ينبغي التأمل في قبوله مع التصريح به، لكن هل قبوله بمعنى الشركة
للأربعة التي أقر بهن سابقا أو غرامة الخمس للمقر بها؟ الظاهر الثاني، وعن
الأردبيلي أن الوجه الاستفصال من المقر، فيقبل إن فسره بذلك.
قلت: لا إشكال في القبول حينئذ بناء على اقتضائه الغرامة على المقر، إذ
هو إقرار منه بالتزامه، أما لو فسره بما يقتضي كونه لغوا فالوجه قبوله أيضا
على تأمل حتى لو قال: " له خمس زوجات دفعة " ولو فسر الخامسة بالمطلقة في
المرض قبل أيضا، وكان نصيب الزوجية منهن ولا غرامة عليه وإن تناكرن فيما
بينهن كالاقرار بالأربع دفعة مثلا.
ولو اعترف الولد بالزوجة أعطاها الثمن، فإن أقر بأخرى غرم لها نصف
الثمن إن لم تصدقه الأولى، فإن أقر بثالثة واعترف الأوليان بها واعترف الثانية
بالأولى استعاد من الأولى نصف الثمن لاقرارها، ومن الثانية المقرة بهما سدسه
لاعترافه، فيصير معه ثلثا الثمن، يسلم إلى الثالثة منه ثلثا لاعترافه، ويبقى له ثلث
آخر عوضا عما اغترمه، ويفوت منه واحد وهو سدس الثمن.
ومثاله الثمانية والأربعون مثلا التي ثمنها ستة، فيستعيد من الأولى نصفه:
ثلاثة، (1) ومن الثانية سدسه: وهو واحد، لأنه الفاضل عن نصيبهما، فيصير
معه ثلثا الثمن: أربعة، يدفع ثلثه: وهو اثنان، ويبقى معه اثنان الثلث
الآخر، فيفوت عليه واحد: سدس الثمن، لأنه غرم للثانية نصف الثمن،
وهو ثلاثة.

(1) في النسخة الأصلية المبيضة " نصف ثلاثة " والصحيح ما أثبتناه كما هو كذلك
في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.
183

الثانية عشر:
لو أقر الأخ من الأب بأخ من الأم أعطاه السدس، فإن أقر الأخ من
الأم بأخوين منها وصدقه الأول سلم الأخ من الأم إليهما ثلث السدس بينهما
بالسوية، لأنه الفاضل من نصيبه ويبقى معه الثلثان، وسلم إليهما الأخ من الأب
سدسا آخر بلا خلاف أجده فيه، بل عن بعضهم نسبته إلى نص الأصحاب، فالمسألة
حينئذ من ستة وثلاثين: ثلثها اثنا عشر، وستة سدسها، وقد أخذة أولا الأخ من
الأم باقرار الأخ من الأب، فلما أقر بأخوين بعد منها وصدقه الأول كان
لهم الثلث، وهو الاثني عشر، لكل واحد منهم أربعة، فإذا دفع من سدسه اثنين،
لأنه الفاضل من نصيبه وأعطى الأخ من الأب السدس وهو ستة كان لكل
واحد أربعة.
هذا وفي القواعد " يحتمل أن يسلم الأخ من الأم الثلثين من السدس، ويرجع
كل منهم على الأخ من الأب بثلث السدس " ولعله لقاعدة الشركة في الأعيان
التي قد عرفت النص (1) والفتوى على خلافها هنا.
وعلى كل حال فلو كذبه فعلى الأول للأول ثلثا السدس، ولهما الثلث
الذي هو الفاضل عن نصيبه، وعلى الثاني السدس بينهم أثلاثا، كما
هو واضح.
ولو أقر الأخ من الأم بأخ من الأب أو من الأم أو منهما فكذبه الأخ
من الأب فللمقر حصته كملا، لعدم مزاحمة الأخ من الأبوين أو من الأب له،
وأما الأخ من الأم فلأن مقتضى إقراره به أن يكون لهما الثلث لكل منهما السدس،
فليس في يده ما يفضل عن استحقاقه.
وكذا لو أقر بأخوين من الأب أو منهما، لعدم نقص حصته بالاقرار

(1) الوسائل الباب - 26 - من كتاب الوصايا والباب - 5 - من كتاب الاقرار.
184

المزبور، بخلاف ما إذا أقر بأنهما من الأم كما سمعت.
ولو أقر الأخوان من الأم بأخ منها دفعا له ثلثا ما في يدهما، سواء صدقهما
الأخ من الأب أو كذبهما، لأن لهما الثلث على كل حال، فلا أثر لتصديقه
ولا تكذيبه. وكذا لا أثر لهما لو أقر به أحدهما خاصة، فيدفع ثلث ما في يده،
لأنه الفاضل من استحقاقه. نعم لو صدق وكان عدلا فهو شاهد، فإذا كان المقر
كذلك ثبت النسب، فيأخذ حينئذ ثلث ما في يد الآخر المكذب،
وإلا فلا.
الثالثة عشر:
لو كان أحد الولدين عبدا أو كافرا فأقر الحر المسلم بآخر فأعتق العبد
أو أسلم الكافر قبل القسمة شاركا مع تصديقهما به، لما تسمعه في كتاب المواريث.
ولو كذبا بعد زوال المانع أو كذب الكافر قبل زواله فلا شئ لهما، لأن
الوراث بزعمهما حينئذ واحد، فلا يصدق الاسلام مثلا على ميراث قبل قسمته،
إلا أن يرجع إلى التصديق، فإنه يقبل ويقاسم لاعترافهما بأخوته وأنه حر قبل
القسمة، مع أنه لا يخلو من إشكال، لأن المال صار مستحقا لغيره.
ولو كان أحد الولدين غير مكلف عزل النصف، فإن اعترف بعد زوال المانع
دفع الفاضل عن نصيبه، وإن كذب ملك المعزول.
ولو مات قبل الكمال وقد تخلف السدس خاصة ففي القواعد " فإن كان
أفرزه الحاكم للايقاف فهو للمقر له، وإلا فثلثاه " أي إن كان الحاكم قسم
النصف، وميز حصة غير المكلف منه على تقدير التصديق - وهو ثلث الأصل - وترك
السدس إلى أن يكمل غير المكلف فلم يتخلف إلى حين موته سواه فهو للمقر له،
لأن الوارث لغير المكلف هو أخوه المقر وهو معترف له به.
وإن لم يكن قد أفرزه الحاكم للايقاف بل كان النصف بأجمعه موقوفا
185

إلى أن ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وهو السدس كان للمقر به ثلثا السدس: ثلث من
جهة كونه شريكا في النصف بثلثه بزعمه، لأن الذاهب من الشريكين والباقي
لهما، وثلث بالإرث من أخيهما، والثلث الآخر للمقر.
وعن الشهيد هذا إن تلف بغير سبب الميت، وأما إذا كان بسببه كانفاق
وليه عليه كان السدس كله للمقر به، لأن له على الصغير دينا باعتراف أخيه
الوراث، وهذا ما يقوم به.
الرابعة عشر.
لو أقر أحد الأبوين بابن وأنكر الثاني ثم مات المنكر عن ابن مصدق
فالأقرب ثبوت نسب العم مع فرض العدالة. وفي القواعد " ويحتمل العدم، لكن
يأخذ من تركة الميت ما يفضل عن نصيبه " ولعله لأنها تتضمن الشهادة على أبيه
وهي غير مسموعة.
وفيه أنها إقرار على نفسه، وليس شهادة على أبيه وإن اقتضى ذلك تكذيبه،
بل عن الإيضاح " أن الشهادة بالنسب بالنسبة إلى الأب مقبولة من الابن عليه بعد
موته بالنص " وهو صريح في وجود النص، مضافا إلى العموم (1).

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
186

* (كتاب الجعالة) *
بتثليث الجيم وإن كان كسرها أشهر كما في المسالك، وهي على ما صرح
به غير واحد لغة ما يجعل للانسان على شئ بفعله، وشرعا إنشاء الالتزام بعوض
على عمل محلل مقصود بصيغة دالة على ذلك، والمراد ما يعتبر فيها شرعا كما في
غيرها من العقود والايقاعات، إذ لا حقيقة لها في الشرع غير ما في اللغة كما
ذكرناه.
وعلى كل حال فلا خلاف بين المسلمين في مشروعيتها، بل الاجماع بقسميه
على ذلك.
مضافا إلى قوله تعالى (1): " ولمن جاء به حمل بعير " بناء على حجية
مثله ما لم يعلم نسخه، بل وإلى قوله تعالى (2): " تجارة عن تراض " بل
و " أوفوا بالعقود " (3) بناء على إرادة العهود منها كما عن الصادق عليه السلام (4) وإليه
يرجع ما عن الجواد عليه السلام (5) " أن رسول الله صلى الله عليه وآله عقد لعلي عليه السلام بالخلافة
في عشرة مواطن ثم أنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود التي عقدت
عليكم لأمير المؤمنين عليه السلام ".

(1) سورة يوسف: 12 - الآية 72.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 29.
(3) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(4) الوسائل الباب - 25 - من كتاب النذر والعهد الحديث 3.
(5) تفسير البرهان ج 1 ص 413 والبحار ج 36 ص 191.
187

بل قيل إن الايفاء والوفاء بمعنى، والعقد العهد الموثق، ويشمل هنا كل
ما عقد الله على عباده وألزمه إياهم من الايمان به وملكية وليه ورسوله وأوصياء
رسله وتحليل حلاله وتحريم حرامه والاتيان بفرائضه وسننه ورعاية حدوده
وأوامره ونواهيه وكل ما يعقده المؤمنون على أنفسهم من عقود الإناث
والمعاملات الغير المحظورة وغير ذلك مما يدل على إرادة ما يشملها من العقد والميثاق
وغيرهما.
وإلى السنة المستفيضة أو المتواترة من الطرفين (1) كخبر وهب بن وهب (2)
عن الصادق عليه السلام " سألته عن جعل الآبق والضالة فقال: لا بأس " ونحوه خبر
مسمع (3) وعلي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (4) و " سئل الباقر عليه السلام عن الرجل
يعالج الدواء للناس فيأخذ عليه جعلا فقال: لا بأس، وعن الرجل يرشو الرشوة
على أن يتحول من منزله فيسكنه، فقال: لا بأس به " (5) وخبر عبد الله بن
سنان (6) قال: " سمعت أبي سأل أبا عبد الله عليه السلام وأنا أسمع فقال: ربما أمرنا الرجل
فيشترى لنا الأرض والغلام والدار والجارية فنجعل له جعلا، قال: لا بأس " إلى
غير ذلك مما يمر عليك بل وما مر في الإجارة مما هو منزل على الجعالة.
وإلى أن الحاجة تدعو إلى مشروعيتها، فإن العمل قد يكون مجهولا

(1) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب الجعالة وسنن البيهقي ج 6 ص 200.
(2) الوسائل الباب - 21 - من كتاب اللقطة الحديث 6.
(3) ليس لمسمع خبر في باب الجعالة إلا ما رواه في التهذيب ج 6 ص 398
الرقم 1203 وهو وإن كان دالا على مشروعية الجعالة إلا أنه ليس نحو خبر وهب بن وهب.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الجعالة الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 85 - من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2 من كتاب
التجارة. والجملة الثانية مروية عن أبي عبد الله عليه السلام.
(6) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الجعالة الحديث 1.
188

كرد الآبق والضالة ونحو ذلك ما لا يقوم به عقد الإجارة، كما هو واضح.
* (و) * كيف كان ف‍ * (النظر في الايجاب والأحكام واللواحق، أما الايجاب فهو
أن يقول: من رد عبدي أو ضالتي أو فعل كذا فله كذا) * أو نحو ذلك، بل عن
التذكرة الصيغة كل لفظ دال على الإذن في العمل واستدعائه بعوض يلزمه،
كقوله: " من رد عبدي أو ضالتي أو خاط ثوبي أو بنى لي حائطا " أو ما أشبه ذلك
من الأعمال المحللة المقصودة في نظر العقلاء، وفي الدروس ومحكي التحرير صيغة
دالة على الإذن في الفعل بعوض إلى غير ذلك من كلماتهم المتفقة على تحقيق صيغتها
بكل لفظ، من غير فرق بين " من رد " و " إن رددت " وغيرهما، وبين التقييد
بالزمان والمكان والحال وعدمه.
وحينئذ فمعاطاتها ما دل على ذلك من الأفعال بكتابة وغيرها وإن كان لا فرق
بينها وبين الصيغة في الحكم.
إنما الكلام في أنها من العقود المصطلحة أو الايقاعات ظاهر قول المصنف
* (و) * غيره * (لا يفتقر إلى قبول) * واقتصاره على ذكر الايجاب ووضعها في قسم
الايقاع الثاني، ولعله الأصح، لما تسمعه من صحة عمل المميز بدون إذن وليه
بعد وضعها.
بل قيل في غير المميز والمجنون وجهان، ومن المعلوم عدم صحة ذلك مع
فرض اعتبار القبول فيها ولو فعلا، لسلب قابلية الصبي والمجنون قولا وفعلا عن
ذلك، ولذا لا يجوز معه عقد من العقود الجائزة وصحتها من غير مخاطب خاص،
والعقد يقصد فيه التعاقد من الطرفين وليس هنا، خصوصا إن قلنا بصحتها ممن
لم يسمع عبارة الجعل بقصد العوض، كما هو أحد الاحتمالين في القواعد، بل في
الدروس أنه الأقرب، وعن الإيضاح أنه الأصح، بل هو خيرة الكركي أيضا إذا
لم يكن الراد عالما بأن العمل بدون الجعل تبرع وإن قصد العامل العوض، لعدم
انفكاكه من التبرع حينئذ بخلاف غير العالم.
وعلى كل حال فوجهه صدق عنوان الجعالة مع فرض كون الصيغة تشمل
189

والعامل وقصده الرجوع، فالمقتضي حينئذ موجود والمانع مفقود، ودعوى اعتبار
قصده بالعمل جوابا لايجابه في الرجوع بالعوض لا دليل عليها، بل مقتضى إطلاق
الأدلة خلافها، بل ظاهر الفاضل في القواعد احتمال الاكتفاء في الرجوع بالرد
لا على قصد التبرع ولا الاستحقاق.
مضافا إلى عدم اعتبار المقارنة بين الايجاب والقبول وغيرها مما يعتبر في
العقود، مع أنه لا دليل على إخراجها عنها كالوكالة، بل يقوى في الظن أن الجعالة
على نحو التسبيب الصادر من الشارع نحو " من فعل كذا فله كذا " المعلوم كونه
غير عقد، وإطلاق اسم العقد عليها - وإن وقع من المصنف وغيره، بل في معقد إجماع
التذكرة أنها عقد جائز، ولعله لذا قال في جامع المقاصد: " ظاهرهم أنها من
العقود الجائزة " فيكون القبول فيها فعليا، بل حمل بعضهم نفيهم القبول على نفيه
لفظا، كما عبر به الفاضل - يمكن حمله على إرادة العهد منه، بل ينبغي الجزم
به، لصدوره ممن ظاهره أو صريحه الايقاعية.
وخبر علي بن جعفر (1) عن أخيه عليه السلام المروي عن كتابه " سألته عن
رجل قال لرجل: أعطيك عشرة دراهم وتعلمني عملك وتشاركني هل يحل له
ذلك؟ قال: إذا رضي فلا بأس " لا يراد منه القبول العقدي، بل المراد منه عدم
البأس مع تراضيهما على ذلك، ويؤيده زيادة على ما ذكرنا ترتب أثرها على من
لم يرد الفعل أو لا ثم أراد وفعل، حتى لو تلبس بالعمل ثم رفع يدا عنه ثم
عاد إليه وإن توقف فيه بعضهم، بل بناء على العقدية والايقاعية.
لكن التحقيق صحته للصدق، وليس ذلك إلا لأنها من باب التسبيب، وإلا
فمع فرض كونها ذلك فسخا أو كالفسخ لا بد من إيجاب جديد، وجواز مثله في
الوكالة من باب الإذن لا من بقاء عقدها، على أن القبول هنا في الصيغة العامة إذا
كان العمل قابلا للتكرار يقتضي كونها بمنزلة عقود متعددة حتى يكون الفسخ من
بعضهم مختصا به دون غيره.

(1) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الجعالة الحديث 1.
190

وبالجملة فالتأمل التام خصوصا بعد ما تسمعه من الأحكام التي لا توافق
قواعد العقود العامة مع فرض عدم دليل مخرج لها يقتضي أنها بالتسبيب أشبه.
ودعوى أنها كالوصية التي من إيجابها " افعلوا كذا " ونحوه لا يخفى
عليك ما فيها بعد الإحاطة بما ذكرناه في الوصية، وأنها قسمان: وصية عهدية،
وليست من العقود في شئ، وأخرى عقدية، وهي بمنزلة الهبة، ومن هنا لا تمنع
إيقاع الجعالة في بعض أفرادها على نظم العقد المشتمل على الايجاب والقبول.
إنما الكلام في أصل مشروعيتها على وجه إذا فقدت بعض ما يعتبر في العقود
تكون باطلة، ومن هنا قال في المسالك: " تظهر الفائدة فيما لو فعل العامل لا بقصد
العوض ولا بقصد التبرع بعد الايجاب، فعلي الأول يستحق العوض، لوجود المقتضي
له، وهو الصيغة مع العمل، وعلى الثاني لا يستحق وإن كان قد عمل، لأن المعتبر
من القبول الفعلي ليس هو مجرد الفعل، بل لا بد معه من انضمام الرضا والرغبة
فيه لأجله، كما نبه عليه في الوكالة " والذي ذكره في الوكالة عدم الاكتفاء
في قبوله العقدي بفعل ما وكل فيه، بل لا بد فيه مع ذلك من اقترانه بالرغبة
والرضا ووقوعه قبل أن يرد، وكان مراده اعتبار قصد ارتباط القبول بالايجاب
وعقده به.
وعلى كل حال فالأصح عدم اعتبار ما يعتبر في العقود المصطلحة في الجعالة،
بل تصح بدون ذلك وإن كان له فعلها بكيفية العقد، بل لا يبعد اعتبار ما يعتبر
فيه حينئذ.
ولو كذب المخبر فقال: " قال فلان: من رد ضالتي فله كذا " لم يستحق
الراد على المالك شيئا، للأصل وغيره، بل ولا على المخبر كما صرح به في
القواعد أيضا وغيرها، للأصل أيضا وغيره، وكذبه لا يوجب ضمانه، وقاعدة الغرور
لا محل لها هنا، ضرورة كون التفريط وقع منه بتركه التثبت والتفحص وتعويله
على خبره.
* (و) * كيف كان فهي * (تصح على كل عمل مقصود) * للعقلاء على وجه
191

يخرج عن كونه سفها كالإجارة * (محلل) * بل في القواعد ضبطه كذلك، نعم
لا بد من إرادة المعنى الأعم من المحلل ليشمل المباح والمندوب والمكروه كما
هو مقتضى إطلاق الأدلة أو عمومها لا خصوص المباح منه، نعم لا تصح على الحرام
بل ولا على الواجب، كما صرح به هنا غير واحد، حتى أنهم قالوا لو قال: " من
دلني على مالي فله كذا " فدله من كان المال في يده لم يستحق الجعل، لأن
ذلك واجب عليه بالشرع، فلا يجوز أخذ العوض عليه، بخلاف ما لو دله من
لم يكن في يده، فإنه يستحق لعدم وجوبه، وخصوصا إذا لحقه بالبحث عنه
مشقة.
لكن قد تقدم في المكاسب البحث عن جواز أخذ العوض على الواجب الشرعي
والتوصلي العيني والكفائي إلا ما كان واجبا من الآخر بالعوض كالصناعات التي
جرت السيرة على أخذ العوض عنها، بل وجوب أشخاصها به وإن كان أصلها
واجبا كفائيا.
وقد يقال: إن الأصل جواز أخذ العوض خصوصا الجعل الذي ستعرف
صحته على عمل راجع إلى غيره، نحو " من رد عبد زيد فله كذا " إلا ما خرج
بدليل من إجماع وغيره، وإلا فالوجوب من حيث كونه وجوبا لا ينافي تناول
العوض عن الواجب، فلاحظ وتأمل.
* (و) * على كل حال فلا خلاف محقق في أنه * (يجوز أن يكون العمل
مجهولا) * في الجعالة * (لأنه عقد جائز كالمضاربة) * التي بناء مشروعيتها على
جهالة العمل، كما أن الغرض من شرعية الجعالة تحصيل الأعمال المجهولة غالبا
كرد الآبق والضالة ونحوهما مما لا تعلم مسافته مع مسيس الحاجة إليه، بل لعله
موضع وفاق كما عن بعضهم.
وما عن الوسيلة - من أنه يشترط تعيين العمل والأجرة - ويمكن إرادته
إخراج المجهول من كل وجه، بحيث لا يصح الجعل فيه عرفا لا المجهول في
192

الجملة كعمل رد الآبق والضالة الذي يصدق عليه كون العمل معينا بالمعنى
المزبور، بل جواز الجعالة على مثله من قطعيات الفقه، بل عن الشافعية في أحد
الوجهين اشتراط جهالة العمل في الجعالة، لأنه الثابت من شرعيتها، فلا يصح
على المعلوم وإن كان فيه ما لا يخفى، بل صحتها على المعلوم نحو " من خاط ثوبي
هذا " أو " حج عني فله درهم " أو لي، كما هو واضح. هذا كله في العمل.
* (وأما العوض ف‍) * عن المبسوط والوسيلة وجملة من كتب الفاضل أنه
* (لا بد أن يكون معلوما بالكيل أو بالوزن أو العدد إن كان مما جرت العادة
بعده) * بل في المسالك وعن الكفاية والمفاتيح المشهور بين الأصحاب اشتراط
كون العوض معلوما في صحة الجعالة مطلقا كما يشترط ذلك في عوض الإجارة
بل عن جامع المقاصد أطلق الأصحاب عدم جواز كون الجعل مجهولا، وعن
الإيضاح ومجمع البرهان نسبته إلى الأصحاب.
وظاهر ذلك - كما عن المبسوط والتذكرة التصريح به - فساد العقد مع
الجهالة، لكن عن الإيضاح أن المانع من جهالته لا يقول إنه يبطل أصل العقد،
وإنما يبطل المسمى، فلو جعل له جعلا مجهولا صحت الجعالة وكانت له أجرة المثل.
ولعله إليه أشار في المسالك، فإنه قال: " وحيث كان العوض مجهولا ولم
نقل بصحته فسد العقد، وثبت العمل بأجرة المثل، ومثله ما لو قال: إن فعلت كذا
فأنا أرضيك أو أعطيك شيئا أو نحو ذلك - ثم قال -: وربما قيل بعدم فساد العقد
بذلك، وإن أجرة المثل حينئذ هي العوض اللازم للعمل بواسطة الجعالة، وهو
بعيد ".
قلت: لكن قد حكى هو قبل ذلك إطباقهم على صحة الجعالة مع عدم تعيين
الجعل، ولزوم أجرة المثل، ونحوه في الروضة، وفي الدروس " ولو كان مجهولا
فأجرة المثل قولا واحدا من دون تعرض لبطلان الجعالة " قلت: لا يخفى عليك
أن القول بالصحة جعالة في مثل الفرض في غاية البعد، بل هو إما جعالة فاسدة،
193

وما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، كما لو جاء بنحو ذلك في الإجارة، أو أنه
جائز شرعا في نفسه ولا يدخل في عقد من العقود، من غير فرق بين الأعيان
والأعمال، فله أن يأذن له في سكنى الدار بأجرة المثل، كما له أن يستعمل بها
من يأمره بالعمل.
وكيف كان فاشتراط المعلومية فيه على الوجه المزبور لا تخص المكيل
والموزون والمعدود، إذ قد تكون بغيرها، فيعتبر فيه المعلومية بما يرفع الغرر
عنه، كما في البيع والإجارة، ولا تكفي المشاهدة عند من لا يكتفى بها في
الإجارة.
ولعله لذا قال المصنف بعد أن ذكر المعلومية في المكيل إلى آخره: * (ولو
كان مجهولا ثبت بالرد أجرة المثل كأن يقول: من رد عبدي فله ثوب أو
دابة) * إلا أن إقامة الدليل على ذلك في غاية الصعوبة، لاطلاق الأدلة، ولأن
مبني الجعالة على الجهالة في أحد العوضين قطعا، فصار أمرها مبينا على احتمال
الغرر، فكما تمس الحاجة إلى جهالة العمل تمس الحاجة إلى جهالة العوض بأن
لا يريد بذل شئ آخر غير المجعول عليه، إذ قد يتفق ذلك (1) بأن يريد تحصيل
الآبق ببعضه وعمل الزرع ببعضه ونحو ذلك، ودعوى عدم الرغبة في مثل ذلك في
العادة مخالفة للوجدان، فإنها مطردة بالرغبة في أعمال كثيرة مجهولة بجزء منها
ومما ذكرنا يعلم ما في الاستدلال على أصل الحكم بأنه لا حاجة إلى
احتمال الجهالة فيه بخلاف العمل، فإنه لا يكاد يرغب أحد في العمل إذا لم يعلمه
بالجعل، فلا يحصل مقصود العقد، مع أنه لا محصل له بحيث يرجع إلى دليل
معتبر.
نعم لو ثبت النهي عن النبي صلى الله عليه وآله عن مطلق الغرر أمكن الاستدلال به،

(1) جاء في النسخة الأصلية المبيضة أولا " إذ لا يتفق ذلك " ثم رقم " قد " فوق
" لا " والظاهر أنه بعنوان التصحيح والبدل عن كلمة " لا " ولكن في المسودة التي هي بخط
المصنف طاب ثراه " إذ لا يتفق ذلك ".
194

إلا أنا لم نتحققه في غير البيع والإجارة الملحقة به كما ذكرناه في الصلح (1) لكن
مقتضي ذلك صحة الجعل المجهول، والرجوع إلى مسماه في مثل الثوب والعبد
ونحوهما، ولم نعلمه قولا لأحد، بل قد سمعت ما في الدروس من وجوب أجرة المثل قولا واحدا.
نعم في القواعد " لو قيل بجواز الجهالة إذا لم يمنع من التسليم كان حسنا
كقوله: من رد عبدي فله نصفه، من رد ثوبي فله ثلثه " وظاهره الميل إليه،
بل عن المحقق الثاني أنه مختاره، ثم قال: " وهو قوي " بل عن التذكرة أنه أقوى،
والإيضاح أنه أصح ونفي البأس عنه في الروضة، وكأنه مال إليه في المسالك،
وعن الكفاية أنه غير بعيد، وعن المفاتيح أنه أظهر، بل عن ظاهر مجمع البرهان
اختياره.
قلت: لعله الأقوى أيضا، ولا ينافيه ما سمعته من الاجماع على وجوب
أجرة المثل في المجهول، لظهور إرادة حاكيه في غير الفرض، قال في الدروس:
" ولو كان مجهولا فأجرة المثل قولا واحدا، ولو لم تمنع الجهالة التسليم كثلث
العبد المجهول قيل يصح، ولو كان معلوما فأولى بالصحة، إلا أن يمنع الاستئجار
على الارضاع بجزء من المرتضع بعد الفصال " قلت: ونحوه ما يجعل للدلال مما زاد
على مقدار معين في قول.
فتحصل من مجموع ما ذكرناه عدم اعتبار المعلومية في العوض كالإجارة والبيع
وعدم الاكتفاء بالمطلق ذي الأفراد المختلفة، كالثوب والدابة ونحوهما، وخصوصا
مثل الشئ والمال، فيرجع إلى أجرة المثل في الثاني وإلى المسمى في الشخص
المجهول، كجزء العبد الآبق " ونحوه " ويلحق به جعل ما زاد على المقدار المعين
إن قلنا بصحة الجعالة (2) فيه للنصوص وقد تقدم في بحث المرابحة تمام الكلام
فيه فلاحظ وتأمل.

(1) راجع ج 26 ص 217 - 218.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب أحكام العقود.
195

وكيف كان فيجوز الجمع في الجعالة بين المدة والعمل، مثل " من رد عبدي
من مصرفي شهر فله كذا " لاطلاق الأدلة وإن لم نقل بجوازه في الإجارة، كما
صرح به هنا في الدروس.
وكذا يجوز " من رد عبدي أو أمتي " ويستحق برد أيهما كان.
وإذا عين الجعل اشترط كونه مما يملك، فلو جعل حرا أو خمرا بطل،
ولا أجرة للعامل إلا أن يتوهم الملك، ولو جعل الذمي لمثله خمرا، صح فإن
أسلم أحدهما قبل القبض فالقيمة على قول.
* (ويعتبر في الجاعل أهلية الاستئجار) * بلا خلاف أجده، كما اعترف به
الفاضل في محكي التذكرة، قال: " يشترط فيه أن يكون أهلا لاستئجار مطلق
التصرف، فلا ينفذ جعل الصبي والمجنون والسفيه والمحجور عليه لفلس والمكره
وغير القاصد، ولا نعلم فيه خلافا " قلت: بل ولا إشكال، لما عرفته مكررا في كل
عقد وإيقاع مما يدل على عدم صحة شئ منهما من هؤلاء.
* (و) * أما ما يعتبر * (في العامل) * فهو * (إمكان تحصيل العمل) * عقلا
وشرعا بنفسه إن شرط عليه المباشرة، أو مطلقا إن لم يشترط، فإن لم يمكن
تحصيل العمل له كذلك لم يصح الجعل له، كما لا يصح استئجاره، فلو قال:
" من استوفي ديني على المسلم فله كذا " لم يدخل الذمي كما في الدروس، أما
لو قال: " من رد عبدي المسلم " ففي التذكرة والدروس يدخل الذمي، ولعله
لضعف السبيل، لكن قيده في الأخير بما إذا لم يكن الجعل ممتنعا في حقه بأن كان
العوض بعضه.
وعلى كل حال فالمراد بالامكان ذلك لا جواز التصرف، ضرورة عدم الدليل
على اعتباره في عامل الجعالة التي قد سمعت قوة القول بأنها من باب التسبيب،
ولعله لذا نص في التذكرة وغيرها على استحقاق الجعل برد الصبي المميز ولو
من غير إذن وليه، بل في الأول يجوز قطعا، بل المسالك وغيرها في غير المميز
وجهان، من حصول الفرض وعدم القصد إلى العوض، ولا يعتبر في العامل التعيين
196

بلا خوف أجده فيه، لاطلاق الأدلة مؤيدا، بأنه الأوفق بمشروعيتها إذ الغرض
رد الآبق مثلا من أي راد كان، بل قد لا يتمكن منه معين، كما أنه قد لا يكون
المتمكن حاضرا، وربما لا يعرفه المالك، فإذا أطلق الاشتراط وشاع ذلك سارع
من يتمكن منه إلى تحصيله، فيحصل الغرض.
* (و) * لكن * (لو عين الجعالة لواحد فرد غيره كان عمله ضائعا) * بلا خلاف
أجده فيه، لأنه متبرع حيث لم يبذل له أجرة ولا لمن يشمله، نعم في المسالك
" هذا إذا شرط على المجعول له العمل بنفسه أو قصد الراد العمل لنفسه أو أطلق،
أما لو رده نيابة عن المجعول له حيث يتناول الأمر النيابة فإنه لا يضيع عمله،
وكان الجعل لمن جعل له " وفيه أن قصد النيابة مع عدم أمر من المنوب عنه ولا عمل
في ذمته لا يجعله نائبا، للأصل، بل لورده عبد المجعول له لم يكن نائبا عنه
وإن قال في محكي التذكرة استحقه المولى، لأن رد عبده كرده، ويده كيده،
وحينئذ فاطلاق المصنف والجماعة في محله.
* (ولو تبرع أجنبي بالجعل وجب عليه الجعل مع الرد) * وإن لم يعد نفع
إليه، ولا يلزم المالك شئ للعالم ولا للباذل، ولعل منه قوله تعالى (1):
" ولمن جاء به حمل بعير " بلا خلاف ولا إشكال، كما اعترف به في جامع المقاصد
لما عرفته من أن الجعالة من التسبيب الذي لا يعتبر فيه ملك عوض بعوض، كالبيع
والإجارة، كما هو واضح. نعم لو قصد المتبرع المالك فأجاز لزمه بناء على جريان
الفضولي فيه، بل وكذا لو قصد الرجوع به عليه.
* (ويستحق) * العامل * (الجعل بالتسليم) * إلى يد المالك، مع التصريح
بالجعل على ذلك أو إطلاق الرد بناء على أن المتبادر فيه القبض.
وحينئذ * (فلو جاء به إلى البلد) * بل والمنزل ولم يقبضه المالك * (ففر
لم يستحق الجعل) * بلا خلاف أجده. نعم لو صرح بما لا يقتضي التسليم كالايصال
إلى البلد استحق الجعل، بل في مجمع البرهان " لو قال: من خاط لي هذا الثوب

(1) سورة يوسف: 12 - الآية 72.
197

فالظاهر أنه يستحق بالعمل دون التسليم " وهو لا يخلو من وجه.
ثم إن الموت كالفرار كما اعترف به في التذكرة والمسالك، بل في الروضة
وإن كان في داره أيضا لاشتراكهما في عدم صدق الرد، لكن في القواعد " يحتمل
الاستحقاق مع الموت بالنسبة " بل في الإيضاح هو الأقوى، لأن المانع ليس من
قبله، وأن الرد الممكن عادة قد حصل، وتسليمه من الموت ليس داخلا تحت
قدرة البشر، بل ربما مال إليه في الجملة في جامع المقاصد والروضة، إلا أنه
كما ترى. ولذ اعترف بضعفه في المسالك، إذ لا دخل في ذلك لاستحقاق الجعل
على العمل المخصوص المنفي في الصورتين.
* (والجعالة) * جائزة من الطرفين، سواء قلنا بكونها عقدا أو إيقاعا
بلا خلاف أجده، كما اعترف به في المسالك والكفاية، بل في التذكرة أنها عقد
جائز من الطرفين إجماعا، مضافا إلى أن المستفاد من أدلتها كونها بمنزلة أمر
للغير بعمل له أجرة، فلا يجب المضي فيه من الجانبين.
نعم عن أبي علي لو جعل عاما لمن جاء بالآبق فخرج الناس عند عمومه لما
جعل من الجعل فأشهد المولى على نفسه بأنه قد فسخ ما كان جعله لم ينفسخ بذلك،
ويمكن إرادته ما صرح به في التذكرة والدروس وجامع المقاصد والمسالك من
أن العقد إنما ينفسخ إذا علم العامل بالفسخ من الجاعل، وإلا فهو على حكمه
كالوكيل إذا لم يعلم بالعزل، وهو وإن كان لا يخلو من إشكال إذا لم يكن
إجماعا، ضرورة اقتضاء كونها من الجائز انفساخها بالفسخ علم العامل أو لم يعلم،
وعدم انعزال الوكيل حتى يعلم بالعزل إنما هو لدليله المقتصر فيه عليه خاصة،
فيستحق حينئذ أجرة المثل لا المسمى لما عمله بعد الفسخ، أما لما عمله قبله ففيه
احتمالان: أحدهما ذلك أيضا، والثاني نسبته من المسمى كما ستسمع.
وعلى كل حال فلا إشكال في جوازها بل ظاهر كثير منهم وصريح
بعض أنها كذلك قبل التلبس وبعده، لكن في المتن أنها * (جائزة قبل التلبس،
فإن تلبس فالجواز باق في طرف العامل ولازم من طرف الجاعل، إلا أن يدفع
198

أجرة ما عمل) * وظاهره كونها كالرهن في اللزوم من جانب والجواز من آخر.
بل ظاهره كالمحكي عن المبسوط والإرشاد والتبصرة توقف فسخ الجاعل على
دفع الأجرة، وهو أنه لا دليل عليه بل ظاهر الأدلة من الاستصحاب وغيره
خلافه، بل في المسالك أنه مخالف للاجماع، فلا يبعد إرادته لزومها بالنسبة إلى
ما مضى، كما عبر به في الدروس قال: " والجعالة جائزة من طرف العامل مطلقا
ومن طرف المالك ما لم يتلبس العامل، فإن تلبس فهي جائزة فيما بقي، وعليه
فيما مضى بنسبته إلى الجميع " وإن كان هو أيضا لا يخلو من إشكال، ضرورة عدم
تصور الفسخ على الوجه المزبور، واستحقاق النسبة من المسمى لا ينافي الفسخ
مطلقا كاستحقاق الجميع من عدم العلم بالفسخ، إذ لعله وإن تحقق الفسخ إلا أنه
لما كان عمل المسلم محترما وقد عمل على الجعل المزبور استحق بنسبة ما تراضيا عليه.
والفرق بينه وبين عامل القراض أن المشروط للعامل فيه جزء من الربح،
وقبل ظهوره لا وجود له، ولا معلومية حتى ينسب إليه ما فعل، بخلاف عامل
الجعالة، فإنه مضبوط يمكن الاعتماد على نسبته، فهو حينئذ كالإجارة التي يطرأ
لها الفسخ.
لكن قد يناقش بأن الجعالة إنما هي على تمام العمل وإن كان ذا أجزاء
كالخياطة والنساجة فضلا عن رد الآبق ونحوه، فما يقع سابقا على مسمى التمام
مقدمات وإن كانت من أجزاء العمل لكن ليست هي من العمل المجعول عليه، ولذا
صرح في المبسوط والتحرير والقواعد والتذكرة والدروس وجامع المقاصد والمسالك
والروضة ومجمع البرهان والكفاية وغيرها بأن العامل إذا فسخ قبل إتمام العمل
لا شئ له، بل في الكفاية أنه المشهور.
وقد علله غير واحد منهم بأنه بفسخه أسقط حقه، وذلك لأن الجاعل لم
يجعل له العوض إلا في مقابلة مجموع العمل، ولم يحصل غرضه ولم يأت العامل
بما شرط عليه، وحينئذ فهو كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح بخلاف
الإجارة، والفرق أنها لازمة تجب الأجرة فيها بالعقد، وتستقر شيئا فشيئا،
199

والجعالة جائزة لا يثبت فيها شئ إلا بشرط ولم يوجد، وهذا بعينه جار في
فسخ الجاعل بالنسبة إلى عدم استحقاق المسمى، نعم حيث إن العامل لا يقدم على
العمل إلا بالعوض ولا تقصير منه فهو غير متبرع، فيبقي على أصالة احترام عمل
المسلم فينبغي ضمانه بأجرة المثل، ضرورة كون المقتضى له الغرور وعدم التقصير
ونحوها لا العقد المقتضي للتقسيط.
ومما ذكرنا يظهر لك ضعف ما احتمله الكركي وجماعة من استحقاق
العامل أجرة المثل أو النسبة من المسمى كما إذا فسخ الجاعل، لأنه بفسخه إنما أسقط
حقه بالنسبة إلى ما بقي لا ما مضى، والفرض أنه أقدم على العوض وفسخه، لأن
له الحق الفسخ، ويقوى الاحتمال لو مات أو منعه ظالم.
وفيه أن إقدامه على العوض على عمل المجموع من حيث إنه كذلك أو
على الرد ونحوه مما لا مدخلية لمقدماته الخارجية في تحقق مسماه، نعم لو فرض
إرادة الجاعل التوزيع على أجزاء العمل على نحو الإجارة اتجه حينئذ التقسيط
على المسمى، إلا أنه ينبغي عدم الفرق بين الجاعل والعامل في ذلك، خصوصا في
صورة الموت أو شغل الظالم.
ولعل جعل المدار في المسألة على هذا أولى فيقال: إن كانت الجعالة على عمل
لا يتجزأ كالرد ونحوه أو يتجزأ ولكن قصد الجعل عليه من حيث تماميته فلا شئ للعامل
إذا لم يكن الفسخ من قبل الجاعل، للأصل وغيره، وإن كان بفسخ من قبله استحق
أجرة المثل على ما وقع منه من مقدمات العمل خصوصا إذا كان بعضه الذي مقدمة
أيضا لتمامه، لقاعدة الغرور، واحترام عمل المسلم، ونفي الضرر، كما في عامل القراض
بل لعل الحكم كذلك في صورة الانفساخ بموت الجاعل ونحوه فضلا عن فسخه.
ولو قصد توزيع الجعل على العمل ذي الأجزاء على نحو الإجارة اتجه
حينئذ الحكم بالتقسيط كما في الإجارة، بل لا فرق في ذلك بين الفسخ من قبل
الجاعل والعامل، ومع الاطلاق فالظاهر الأول في الجعالة، فيجري عليه ما سمعت
فتأمل جيدا، فإن المقام غير محرر في كلماتهم.
200

ولو فسخ العامل ثم أراد العمل بالجعل فهل ينفسخ العقد أم يستمر إيجاب
الجاعل؟ وجهان لا ترجيح بينهما، وفي جامع المقاصد والمسالك يبنى على أن الجعالة
هل هي عقد أم لا؟ فعلي الأول يحتمل الانفساخ، لأن ذلك هو قضية العقد الجائز
فلا يستحق بعد ذلك بالعمل شيئا، سواء علم المالك بفسخه أو لا، ويحتمل عدمه،
لأن العبرة بايجاب المالك وإذنه في العمل بعوض، وذلك أمر لا قدرة للعامل على
فسخه، وإنما تركه العمل في معنى الفسخ، ومثله ما لو فسخ الوكيل الوكالة
ثم فعل مقتضاها.
وفيه ما لا يخفى من منافاة الوجه الثاني للقواعد، وبقاء الإذن في الوكالة
لا يقتضي بقاء عقد الوكالة الذي يجوز فيه الفسخ، والفرض حصوله منه، فأي
وجه لعوده جديدا من دون إنشاء جديد من المالك.
نعم قد يقال على الثاني يتجه عدم بطلانها واستحقاقه العوض بالفعل، لأنها
عبارة عن الايجاب والإذن في الفعل، وحكمه بعد الإذن بيده لا بيد غيره، نحو
العهد واليمين، خصوصا مع كون الجعالة بلفظ العموم ونحوه مما لا وجه لفسخه
ممن لا سلطنة له على ذلك، لا بالنسبة إلى نفسه، ولا بالنسبة إلى غيره. وحينئذ
فمعنى قولهم: " يجوز للعامل الفسخ " أنه لا يجب عليه الوفاء بالعمل، سواء
شرع فيه أم لا، بل يجوز له تركه متى شاء وإن بقي حكم الأول. وكيف كان
فقد سمعت إطلاقهم جوازها.
لكن قد يستشكل فيه بحيث يترتب عليه عدم قبول دفع العوض في صورة
الفسخ بعد وصول الآبق والضالة مثلا إلى يد العمل قبل وصولها إلى يد المالك بأنه
لا يكاد يتحقق للفسخ معنى حينئذ، إذ لا يجوز له تركها، بل يجب تسليمها إلى
المالك أو من يقوم مقامه، فيتم العمل.
ويدفعه أن فائدة الفسخ حينئذ عدم وجوب السعي في إيصالها للمالك، إذ
الواجب عليه حينئذ إعلامه بها، فإن كان قد بقي لردها مقدار يعتد به من العوض
فالفائدة ظاهرة، وإن لم يكن بقي فالساقط هو ما قابل ذلك المتخلف، ولا يحصل
201

به نقص يعتد به على العامل.
ولو توقف إيصالها أو خبرها إلى المالك على عمل يقابل بأجرة ففي
المسالك أمكن ثبوت أجرة المثل لذلك العمل، لأنه عمل محترم مأذون فيه
شرعا مبتداء بإذن المالك، فلا يضيع على العامل، ويظهر للفسخ معنى على
التقديرين.
قلت: ليس الفرض في المقام إلا كالأمانة الشرعية التي من المعلوم
عدم استحقاق العوض على الاعلام بها بعد أن كان واجبا عليه، كمعلومية عدم
جواز التصرف له فيها بعد معرفة مالكها بنقل ونحوه حتى يأذن له، نعم قد يقال
بسقوط وجوب الاعلام عنه مع فرض توقفه على بذل مال منه.
* (ولو عقب الجعالة على عمل معين بأخرى وزاد في العوض أو نقص
عمل بالأخيرة) * بلا خلاف ولا إشكال مع سماع الجعالتين قبل التلبس بالعمل
وإطلاقهما، ضرورة اقتضاء الثانية فسخ الأولى، إذ لا وجه لصحتهما معا إلا مع
إرادة زيادته الجعل الأول، فيكون المراد من الثانية أن له ذلك مع الأول،
وهو خروج عن الفرض. ومن هنا صرح غير واحد بكون الثانية رجوعا عن الأولى
بل في المسالك نسبة ذلك إلى إطلاق الأصحاب.
أما إذا لم يسمع العامل إلا إحدى الجعالتين فالعبرة بما سمعه منهما من
غير فرق بين الأولى والثانية، كما صرح به الكركي وثاني الشهيدين، ولكن قد
يشكل بأنه مع فرض اقتضاء الثانية فسخ الأولى، وقلنا بعدم اعتبار العلم وتحققه
يتجه الرجوع إلى أجرة المثل، ولعله لذا صرح الفاضل في المحكي عن تذكرته
بذلك.
وربما أشكل بأنه أقدم على المسمى، فيستحقه دون أجرة المثل، خصوصا
مع زيادتهما عليه، بل ربما احتمل وجوب أقلهما.
وفيه أن الاقدام على المسمى بعد فرض انفساخ العقد المقتضي لاستحقاقه
لا يقتضي استحقاقه إياه، ولا غرور بعد أن أقدم على عقد جائز للمالك فسخه في
202

كل وقت، وكان له طريق إلى إلزامه به بصلح ونحوه، ولعل هذا هو المتجه
سواء زادت أجرة المثل أو نقصت.
بل قد يقال باستحقاقه جعل الثانية، لانفساخ الأولى بها وعدم اعتبار
السماع في استحقاق الجعل كما سمعته سابقا، فإذا فرض حصول الجعالة الثانية
قبل تلبسه والفرض عدم علمه بالثانية إنما سمع الأول خاصة استحق جعل الثانية
حينئذ، فتأمل جيدا.
نعم لو سمع بالثانية في أثناء العمل ففي القواعد والمسالك وغيرهما له من
الأولى بنسبة ما عمل إلى الجميع، وفي المسالك " ومن الثانية بنسبة ما بقي ".
لكن أشكله بأنه إنما جعل العوض الثاني على مجموع العمل ولم يحصل،
قال: " ويفارق الحكم بالنسبة في الأولى من جهة حصول الفسخ فيها من قبل المالك،
فيفسخ عمل العامل، بخلاف الثانية، فإنه لم يقع فيها فسخ، خصوصا مع علم العامل
بالمال، فإن علمه حينئذ للمتخلف واقع بغير عوض مبذول من المالك في مقابلته،
لأن الجعالة لا تقابل بالأجرة إلا فيما استثني سابقا، وهذا ليس منه - ثم قال -:
ويمكن توجيهه بأن عمل العامل بأمر المالك بالعوض المعين، وقد أتمه، ولا
سبيل إلى وجوب العوض الأول خاصة للرجوع عنه، ولا إلى مجموع الثاني،
لأنه لم يعمل مجموع العمل بعد الأمر به، ولا سبيل إلى الرجوع إلى أجرة
المثل، لأن العوض معين، فلم يبق إلا الحكم بالتوزيع ".
قلت: لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرنا، وأنه لا يرجع
إلى محصل، ضرورة كون المتجه بعد فرض عدم التوزيع في الجعالة أجرة المثل
بالنسبة إلى ما مضى، وأما ما بقي فهو متبرع لو عمل، لأنه مع فرض كون الجعل
في الثانية لتمام العمل والفرض سبق بعضه منه لا يندرج فيها، ولا إذن للمالك بغير
ذلك كي يضمن له، ولا غرور منه، فتأمل نعم لو سمع بالثانية قبل التلبس بالعمل
فعمله استحق الجعل الأخير حينئذ قطعا. هذا كله مع الاطلاق في الجعالتين.
أما مع التقييد بالزمان أو المكان فيهما فالظاهر عدم المنافاة، كما لو قال:
203

" من رد عبدي من الشام فله مأة " ثم قال: " من رده من بغداد فله خمسون " أو
قال: " من رد عبدي يوم الجمعة فله عشرة " ثم قال: " من رد عبدي يوم السبت
فله خمسة ".
وكذا لو كانت الأولى مطلقة والثانية مقيدة بزمان أو مكان وكان العوض
في الأولى أقل، لجواز اختصاص القيد بأمر اقتضى الزيادة، نعم لو كان المقيد
أنقص احتمل كونه رجوعا، لأنه إذا رده مع القيد رده مطلقا، فلو استحق
الزائد لذلك لزم أن يلغو القيد وأن يجمع بينهما بحمل المطلق على غير صورة
المقيد، ولعل هذا أظهر، بل هو المنساق إلا مع القرينة الصارفة عنه حينئذ، فيكون
رجوعا، وفي المسالك وهذا أظهر وإن كان في بعض فروضه لا يخلو من نظر
بدلالة القرينة، كما إذا كان المكان أو الزمان أقرب من المقيد.
وكيف كان فلعل إطلاق الأصحاب العمل بالأخيرة ولا ينافي ما سمعته من
التفصيل بعد تنزيله على صورة الاطلاق، ولم أجد تحريرا في كلامهم لكون
اقتضاء الجعالة الثانية الفسخ للأولى ذاتيا، بمعنى كونه كذلك وإن كان ناسيا
للأولى من حيث التنافي، كالوصية ثانيا بضد ما أوصى به أولا، أوليس كذلك.
كما أني لم أجد لأحد احتمال كون الجعالة ثانيا كالأعواض على
الأعمال الأخروية، فإنها وإن تكررت تقتضي كون الجميع عوضا، فتأمل
جيدا.
204

* (وأما الأحكام فمسائل:) *
* (الأولى:) *
* (لا يستحق العامل الأجرة إلا إذا بذلها الجاعل أولا) * ثم حصل العمل
من العامل وإلا * (فلو حصلت الضالة) * مثلا * (في يد إنسان قبل الجعل لزمه
التسليم) * ولو بالأعلام والتخلية. * (ولا أجرة) * له على ذلك، لوجوبه عليه،
وقد سمعت عدم صحة أخذ العوض عنه، كما صرح به غير واحد، بل عن التذكرة
نسبته إلى أكثر علمائنا، بل لا أجد فيه خلافا.
* (وكذا لو سعى في التحصيل تبرعا) * لما سمعت.
نعم عن التذكرة " أنه لو قال: " من رد علي مالي فله كذا " فرده من كان
المال في يده نظر فإن كان في رد من في يده مزيد كلفة ومؤونة كالعبد الآبق
استحق الجعل، وإن لم يكن كالدراهم والدنانير فلا، لأن ما لا كلفة فيه لا يقابل
العوض " واستوجهه بعض من تأخر عنه.
المسألة * (الثانية:) *
* (إذ بذل جعلا) * على رد الضالة مثلا * (فإن عينه) * بالدينار ونحوه
* (فعليه) * لزم * (تسليمه مع الرد) * بلا خلاف ولا إشكال.
* (وإن) * ذكر عوضا ولكن * (لم يعينه) * بل قال: " فله علي أجرة "
أو " عوض " أو نحو ذلك * (لزمه مع الرد أجرة المثل) * بلا خلاف ولا إشكال،
أيضا لفساد العقد مع احترام العمل أو لأنها حينئذ هي الجعالة * (إلا في رد
الآبق على رواية) * مسمع بن عبد الملك كردين * (أبي سيار (1) عن أبي عبد الله

(1) التهذيب ج 6 ص 398 الرقم 1203.
205

عليه السلام إن النبي صلى الله عليه وآله جعل في الآبق دينارا إذا أخذ في مصره وإن أخذ في
غير مصره فأربعة دنانير) * التي عمل بها المشهور كما اعترف به غير واحد بل في
الرياض أن الشهرة بها عظيمة قديمة ومتأخرة، بل عن غاية المرام نسبته إلى
المتأخرين كافة، بل عن المقتصر أن الرواية ضعيفة، لكنها تأيدت بعمل الأصحاب
وشهرتها حتى صار العمل بها وبما ألحق بها قريبا من الاجماع.
بل في محكي الاخلاف " أن أصحابنا رووا أنه إن رد العبد الآبق من
خارج البلد استحق الأجرة أربعين درهما قيمتها أربعة دنانير، وإن كان من البلد
فعشرة دراهم قيمتها دينار - إلى أن قال -: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ".
وفي محكي المبسوط " قد روى أصحابنا فيمن رد عبدا أربعين درهما قيمتها
أربعة دنانير " إلى غير ذلك مما في محكي المقنعة من أنه ثبتت السنة بذلك، بل
في محكي السرائر نسبته إلى التوظيف شرعا تارة وإلى ورود الأخبار بذلك
أخرى، وغيرهما مما يشعر بنصوص أخر (1) في المقام تعضد الخبر المزبور
المنجبر بما سمعت وبعمل ابن إدريس الذي لا يعمل إلا بالقطعيات وبغير ذلك.
* (و) * لكن مع ذلك كله * (قال الشيخ في المبسوط: هذا على الأفضل
لا الوجوب) * وإلا فالواجب أجرة المثل، وتبعه الآبي والمقداد وثاني الشهيدين
في المسالك وبعض متأخري المتأخرين على ما حكي عن بعضهم.
* (و) * لكن لا يخفى عليك أن مقتضي قواعدهم * (العمل على الرواية) *
المنجبرة بما سمعت، بل ربما استشعر من عبارته فضلا عما سمعت الاجماع
عليها.
وأما تقدير الدنانير بالدراهم على حسب ما سمعت فهو من أنه كذلك في الديات
قد سمعت ما في الخلاف من دعوى الاجماع والأخبار، فما في مجمع البرهان
- من أنه لا وجه لذلك، لأنه غير موجود في الرواية وما رأيته في موضع آخر
سوى المتن والتذكرة - في غير محله.

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الجعالة والباب - 21 - من كتاب اللقطة.
206

ولا يلحق بالعبد الأمة، لعدم الصدق، وعدم ما يقتضي الالحاق.
نعم لا فرق في العبد بين الصغير والكبير والمسلم والكافر والصحيح والمعيب
للاطلاق نصا وفتوى الذي مقتضاه ذلك أيضا * (ولو نقصت قيمة العبد) * عن ذلك
كما صرح به جماعة بل ربما نسب إلى المشهور إذ نقصان قيمته لا ينافي الجعل
الشرعي، كما أنه لا ينافي ثبوت أجرة المثل إن لم نقل بالتقدير هنا، ودعوى
أن الواجب أقل الأمرين من أجرة المثل والمقدر شرعا، كما في حاشية الكركي،
وعن الإيضاح وغيره لا وجه لها، هذا كله في العبد الذي قد سمعت الرواية فيه.
* (وقيل) * كما صرح به غير واحد * (الحكم في البعير كذلك وإن لم أظفر
فيه بمستند) * خاص نحو العبد، نعم قد سمعت ما عن المقتصر، وعن المهذب نسبته
إلى كثير ممن تأخر عن عصر الشيخين، بل عن مجمع البرهان أنه المشهور، بل
عن جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب، بل عن السرائر نسبته أيضا إلى الأخبار
والتوظيف الشرعي كما عن المقنعة أنه مما ثبت به السنة قال فيها: " إذا وجد
الانسان عبدا آبقا أو بعيرا شاردا فرده على صاحبه كان له على ذلك جعل، وإن
كان وجده في المصر فدينار قيمته عشرة دراهم جياد، وإن كان وجده في غير المصر
فأربعة دنانير قيمتها أربعون درهما جياد، وبذلك ثبتت السنة عن النبي صلى الله
عليه وآله ".
إلا أنه مع ذلك استشكل فيه في القواعد، ولعله مما سمعت، ومن الشك
في صلاحية ذلك للخروج به عما تقتضيه القواعد من أجرة المثل، وفيه أنه لا شك
بعد انجبار المرسل بما سمعت.
* (أما لو استدعى الرد ولم يبذل أجرة لم يكن للراد شئ لأنه متبرع
بالعمل) * كما في القواعد والإرشاد والتحرير، بل قيل هو قضية كلام اللمعة،
للأصل الذي لا يقطعه طلبه الأعم من كونه بأجرة.
وفيه أنه مناف لقاعدة احترام عمل المسلم كماله التي اعترفوا بها فيمن
207

أمر غيره بعمل له أجرة ما لم يصرح بالتبرع أو يقصده العامل، بل وقالوا في من
أمر غيره بالبيع والشراء وأداء ثمنه إنه يلزمه العوض، وفيمن ضمن بسؤاله
وأدي إنه يرجع، بل عن سبعة كتب حكاية الاجماع على ذلك صريحا وظاهرا،
بل قيل: ورد به خبران وما اختلف فيه اثنان، وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الضمان
نعم قد يقال بعدم الأجرة في الرد الذي لم تجر العادة بأجرة لمثله، للأصل
وغيره.
لكن قد يقال هنا بالمقدر في العبد حيث يستحق فيه الأجرة، لاطلاق الرواية
التي سمعتها المنزلة على إرادة تقديرا أجرة المثل بذلك، فمع فرض كون المقام مما
يستحق فيه أجرة المثل يتجه الرجوع إلى الرواية في تقديرها بعد فرض تنزيلها
على ذلك، ولذا لم يكن له شئ حيث لا تكون له أجرة، لابتدائه في العمل
من دون أمر.
ولعله من هنا ينقدح فرض موضوع المسألة نصا وفتوى فيما إذا كان الرد
مما له أجرة في العادة. أما إذا لم يكن له أجرة في العادة فإنه حينئذ لم يكن له
أجرة مثل كي تقدر بما في الخبر المزبور (1).
ومن هنا اتجه كون المدار على ذلك، بل لعله ظاهر المعظم، ولعله لذا
جعله في الدروس الأولى إلا أني لم أجده لغيره، نعم قد سمعت ما في ظاهر المقنعة
الذي نحوه عن النهاية والوسيلة من استحقاق الجعل المقدر وإن لم يستدع للخبر
المزبور، لكن لا جابر له في ذلك، بل والأول أيضا إذ لم نجد عاملا بالخبر
المزبور (1) غير من عرفت. بل لم نتحقق ما حكي عن الوسيلة، فانحصر الخلاف
فيه في المقنعة والنهاية المحتملين لإرادة ذكر مضمون الرواية، خصوصا النهاية
التي هي متون أخبار، ولعله لذا قال ابن إدريس: " لا يظن ظان أن من رد شيئا
من الضوال والآبق واللقط يستحق على صاحبه من غير أن يجعل له، فإنه خطأ

(1) التهذيب ج 6 ص 398 - الرقم 1203.
(2) التهذيب ج 6 ص 398 - الرقم 1203.
208

فاحش " وكأنه عرض بذلك إلى ما عن ابن مسعود وعمر وشريح وعمر بن
عبد العزيز وأصحاب الرأي في إحدى الروايتين راوين له عن علي عليه السلام (1).
المسألة * (الثالثة:) *
* (إذا قال من رد عبدي فله دينار فرده جماعة كان الدينار لهم جميعا
بالسوية) * بلا خلاف ولا إشكال * (لأن العمل حصل من الجميع لا من كل
واحد) * وهو من مصاديق " من رد " والفرض عدم تفاوت نفس الرد وإن تفاوتت
مقدماته، نعم لو فرض تفاوته اتجه حينئذ قسمة الدينار على حسب نسبة تفاوته
وكذا لو قال لجماعة: " إن رددتم عبدي فلكم كذا " فردوه، فالجعل بينهم
يوزع على قدر العمل على تقدير تفاوته وإلا فعلي الرؤوس.
* (أما لو قال: من دخل داري) * مثلا * (فله دينار فدخلها جماعة كان
لكل واحد دينار) * بلا خلاف معتد به ولا إشكال سواء دخلوا دفعة أو مترتبين
أو مختلفين، * (لأن العمل) * على كل حال * (قد حصل من كل واحد) * منهم
بخلاف الأول الذي كان الجعل فيه لمن صدر عنه الرد مستقلا، سواء كان
واحدا أو متعددا، إذ الرد لا يتعدد، والذي صدر عنه الرد بالاستقلال إنما
هو الجماعة، ولم يصدر عن فرد واحد منهم، ولا كذلك دخول الدار، ولكن يعتبر
فيه أن يكون لذلك غاية تصلح للمقابلة بالجعل، نعم لو قال: " من رد عبدا
من عبيدي فله دينار " فرد كل واحد عبدا استحق كل واحد منهم دينارا.
فما عن المختلف - من احتمال التساوي، فيستحق الداخلون كلهم دينارا
واحدا، لأنه المبذول، والعموم يقتضي التشريك لا الزيادة على المبذول - لا وجه
له، بل هو مناف للغة والعرف، كما هو واضح.
نعم لو تشخص الجعل كما لو قال: " من دخل داري فله هذا الدينار " فدخلها
جماعة دفعة اشتركوا فيه، لتساويهم في حصول سبب الاستحقاق، ولذا لو ترتبوا

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 200.
209

استحقه الأول منهم، لأنه المستحق، فلا يكون للثاني جعل.
* (فروع:) *
* (الأول:) *
* (لو جعل لكل واحد) * مثلا * (من ثلاثة جعلا أزيد من الآخر) *
على عمل لا يقبل الاختلاف كرد العبد، بناء على أنه كذلك * (ف‍) * إن جاء به واحد
منهم فله جعله. وإن * (جاؤوا به جميعا كان لكل واحد منهم ثلث ما جعل
له، ولو كانوا أربعة كان له الربع أو خمسة فله الخمس، وكذا لو ساوى بينهم
في الجعل) * بلا خلاف أجده في شئ من ذلك.
نعم قد يقال بناء على ما تقدم سابقا من أن العامل إذا لم يتم العمل استحق
أجرة المثل على ما مضى منه لا نسبته من المسمى يتجه في المقام الرجوع إليها
أيضا لا النسبة المزبورة من المسمى المجعول على الاتيان بتمام العمل لا بعضه، بل
لعل المقام أولى، لعدم صدق الرد على كل واحد منهم، بل ربما احتمل عدم
استحقاق أحد منهم شيئا لذلك، إذ الرد من مجموعهم الذي لم يجعل له
جعل.
لكني لم أجد من احتمله هنا ولا الأول حتى في العمل القابل للاختلاف.
كخياطة الثوب الذي جعل فيه لكل من الثلاثة مثلا جعلا متفاوتا أو متساويا
على خياطته، فخاطه الثلاثة، فإنهم ذكروا استحقاق كل من الثلاثة بنسبة ما عمل
إلى مجموع العمل مما عين له، والله العالم.
210

الفرع * (الثاني:) *
* (لو جعل لبعض الثلاثة جعلا معلوما) * متساويا أو مختلفا * (ولبعضهم) *
جعلا * (مجهولا) * جهالة تمنع من التسليم به * (فجاؤوا به جميعا كان لصاحب
المعلوم ثلث ما جعل له، وللمجهول ثلث أجرة مثله) مع فرض عدم تفاوتهم فيه،
وإلا فبالنسبة حتى من لم يعين له، فإن له بنسبة أجرة المثل، زادت على الثلث
أو نقصت، كما هو واضح.
الفرع * (الثالث:) *
* (لو جعل لواحد) * معين * (جعلا على الرد) * مثلا * (فشاركه آخر
في الرد) * على وجه التنصيف متبرعا بالعمل لنفسه أو للمالك أو لم يقصد المساعدة
* (كان للمجعول له نصف الأجرة، لأنه عمل نصف العمل) * ومع فرض التفاوت
له بالنسبة بناء على ما سمعت. * (و) * على كل حال ف‍ * (ليس للآخر شئ،
لأنه تبرع) *.
* (و) * لكن * (قال الشيخ) * في المبسوط * (يستحق نصف أجرة المثل،
وهو بعيد) * بل ضعيف، بل فاسد، لأنه لو استقل بالفعل لم يستحق شيئا إجماعا،
لتبرعه بالعمل فيكف يستحق مع المشاركة، ولعله لذا حمل كلامه على ما يرجع
إلى العمل بخبر مسمع ولو على بعض الأقوال، ولا بأس به.
وعن الفاضل قول باستحقاق العامل الجميع حيث يشاركه لا بنية مساعدته،
لحصول غرض المالك.
وفيه أن ذلك لا يقتضي استحقاق الجميع كما لو رده الأجنبي بل
لعل القول بعدم استحقاقه شيئا أولى من ذلك، لعدم إتيانه بتمام العمل مع فرض
211

المساعدة، فما حصل منه لم يجعل له جعل، وما جعل له لم يحصل منه وإن كان
فيه (أولا) أنه لا ينقص عن الاتيان ببعض العمل الذي قد عرفت استحقاقه فيه
أجرة المثل أو نسبة المسمى. و (ثانيا) أن عمل المساعد مع إذن المالك يكون
من عمله، كما لو وكله أو استأجره، فإنه لا إشكال في استحقاقه الجعل
حينئذ.
نعم في الدروس " لو قال: من رد عبدي بصيغة العموم فوكل واحد آخر
أو استأجره على رده ففي استحقاقه الجعل نظر، من إجرائه مجرى التوكيل في
المباحات، ومن حمل الاطلاق على المباشرة " وهو مع أنه في العموم لا العامل
الخاص غير واضح الوجه، إذ ما ذكره أخيرا لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم
فهم المباشرة، والله العالم.
ولو قصد الشريك المساعدة للعامل فالجميع، للعامل، كما صرح به غير واحد،
وهو كذلك إذا لم يكن قد شرط عليه العمل بنفسه وكان ذلك بإذنه كما تقدم الكلام
فيه سابقا.
وحينئذ فلو قال أحد الثلاثة في الفرع الأول: " أعنت صاحبي " فلا شئ
له، ولكل واحد منهما نصف ما شرط له، ولو قال اثنان: " عملنا لإعانة صاحبنا "
فلا شئ لهما، وله جميع ما شرط له، ولو أعانهم رابع فلا شئ له، وإن قال:
" قصدت العمل للمالك " فلكل واحد من الثلاثة ربع ما جعل له، بل وكذا لو قال:
" لم أقصد إعانة لهم " فضلا عن قصد التبرع لنفسه، وفي المسالك لو أعان بعض العامل
فله من حصته بمقدار عمل اثنين، والله العالم.
212

الفرع * (الرابع:) *
* (لو جعل جعلا معينا على رده من مسافة معينة فرده من بعضها كان له
من الجعل بنسبة المسافة) * كما عن الشيخ وابن حمزة، وبه صرح الفاضل، بل
في المسالك نسبته إلى الأصحاب وغيرهم، والمراد بنسبة المسافة نسبة أجرة ما عمل
إلى الأجرة أجمع لا باعتبار المسافة خاصة.
وربما أشكل بأن ما فعل ما ضرب الجعل عليه، لأنه إنما ضربه على الرد
من بغداد مثلا ولا يلزمه ضرب جزئه ببعض الطريق، وقد يكون الغرض متعلقا
برده من بغداد، وكما لا يستحق أجرة لما زاد عن بغداد على ما صرح به غير واحد
لأنه غير داخل فيما جعل لا يستحق لما نقص إلا أن يكون هناك قرينة دالة على
أن المطلوب الرد مع الأجرة، وإنما المعين للبعيد لا غير، فيستحق تمام الأجرة
في الأبعد، وبالنسبة فيما دون.
ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا في مسألة الفسخ.
ومنه يعلم أن المتجه ما ذكره مع إرادة التوزيع، وإلا استحق أجرة
المثل بالأنقص، لأنه عمل محترم بخلاف الرد من الزائد الذي هو تبرع محض،
فلاحظ وتأمل.
بل لو كان الأبعد لا يدخل فيه الأقل المجعول له لم يستحق شيئا من
المسمى أيضا على الأصح، لأنه لم يجعل له إن رده منه شيئا، فهو حينئذ كما
لو جعل على رد شئ فرده غيره، واحتمال وجوب أجرة المثل له لمكان الأمر
بالرد كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء الأمر بالرد من جهة الإذن فيه من ضدها،
فلا شئ له حينئذ، كما لا شئ له لو لم يجده في المعين، لمكان انتفاء المجعول له.
ولكن استشكل فيه الفاضل، ولعله مما عرفت ومن أنه أمر بالرد في الجملة
فيستحق أجرة المثل، وفيه ما سمعت، اللهم إلا أن يفرض كون استدعاء الرد
213

على وجه ما يوجب أجرة لمثل لغير المعين، والله العالم.
* (ويلحق بذلك مسائل التنازع، وهي ثلاث:) *
* (الأولى:) *
* (لو قال: شارطتني) * أي أمرتني بالعمل وجعلت لي جعلا معينا أو
استحق به أجرة المثل * (فقال الملك: لم أشارطك) * ولم آمرك * (فالقول قول
المالك بيمينه) * بلا خلاف أجده فيه، لأنه منكر، إذ الأصل عدم الأمر وعدم
الشرط، أما لو كان النزاع في أن المالك هل شارطه على شئ بعينه أو أمره على
وجه يوجب أجرة المثل فقد اتفقا على ثبوت شئ في ذمة المالك وإنما اختلفا
في تعيينه فكان كالاختلاف في القدر والجنس الذي ستسمع الكلام فيه
* (وكذا القول قوله) * أي المالك * (لو جاء بأحد الآبقين فقال المالك:
لم أقصد هذا) * بلا خلاف أجده فيه أيضا لأن مرجعه أي دعوى العامل على
المالك الشرط على هذا الآبق الذي رده وهو ينكره، فالقول قوله، لأصالة عدم
الشرط وإن كانا متفقين على أصله في الجملة، وبهذا خالف السابق.
وكذا لو قال المالك: " شرطت العوض عليهما درهما " فقال العامل: " بل
على أحدهما " أو " على هذا الحاضر " فإن القول قوله أيضا، لأصالة براءة ذمته،
وهل يثبت للعامل قسط من رده من المجموع؟ عن ظاهر التذكرة ذلك، ونظر
فيه في المسالك، لأنه المجعول عليه لا الأبعاض.
ومثله ما لو اتفقا على وقوع الجعالة عليهما فرد أحدهما خاصة. قلت: هو
من المسألة المتقدمة.
214

المسألة * (الثانية:) *
* (لو اختلفا في قدر الجعل أو جنسه فالقول قول الجاعل مع يمينه) * كما
عن الشيخ وجماعة في الاختلاف في القدر، لأن الفعل فعله، فيقدم قوله فيه، كما
يقدم في شرط أصل الجعالة مع أنه منكر بالنسبة إلى دعوى الزيادة، والأصل
براءة ذمته، بل ما نحن فيه أولى من عوض الإجارة التي قد سمعت فيها كذلك،
فإذا حلف * (قال الشيخ ره و) * من تبعه * (تثبت للعامل) * حينئذ * (أجرة
المثل) * لأن اليمين تنفي الزائد، ولا ثبت ما يدعيه، فليس حينئذ إلا أجرة
المثل بعد الاتفاق على أن العمل بعوض، ولم يثبت فيه مقدر، وهو أحد الأقوال
الخمسة في المسألة.
والثاني ما أشار إليه المصنف بقوله: * (ولو قيل: يثبت أقل الأمرين من
الأجرة والقدر المدعي كان حسنا) * لاعتراف العام بعدم استحقاق الزيادة لو كان
ما يدعيه أقل من أجرة المثل، ومرجعه إلى أن القول قول المالك، لكن الثابت
أقل الأمرين لا أجرة المثل على الاطلاق واختاره الفاضل في جملة من كتبه،
والشهيد في اللمعة، لأن أجرة المثل إن كانت أقل فقد انتفى ما يدعيه العامل
بيمين المالك، فتثبت الأجرة لم سمعته سابقا، وإن كان ما يدعيه أقل من الأجرة
فلاعترافه بعدم استحقاق الزيادة وبراءة المالك منها، فيكف تثبت له؟. وبذلك
يظهر ضعف إطلاق القول الأول.
الثالث تقديم قوله أيضا، لكن يثبت مع يمينه أقل الأمرين من أجرة
المثل ومدعى العامل، وأكثر الأمرين منها ومن مدعي المالك. أما الأولان فلما
عرفت، وأما الأخيران فلأن ما يدعيه المالك إن كان أكثر من أجرة المثل
فهو يعترف بثبوته في ذمته للعامل، فيؤخذ باقراره، والعامل لا ينكره فقد ثبت
باتفاقهما.
215

وفي المسالك " وبهذا يظهر قوة هذا القول على الأولين، لكن يبقى الاشكال
فيهما من حيث توقف ثبوت ذلك على يمين المالك مطلقا، لأنه مع مساواة ما
يعترف به المالك لأجرة المثل أو زيادته عليها لا تظهر لليمين فائدة، لأنه ثابت
باتفاقهما من غير يمين، واليمين لا يثبت غيره، فلا فائدة فيها، وأما نقصان ما يدعيه
عن أجرة المثل فقد تظهر فائدة يمينه في إسقاط الزائد عنه مما يدعيه العامل، فيتجه
يمينه لذلك ".
الرابع تقديم قول المالك إلا أن الثابت بيمينه هو ما يدعيه، لا أجرة المثل
ولا الأقل، وهو قول الشيخ نجيب الدين بن نما شيخ المصنف وإليه أشار بقوله:
* (وكان بعض من عاصرناه يثبت مع اليمين ما ادعاه الجاعل) * ووجهه أنهما
متفقان على وقوع العقد وتشخصه بأحد العوضين، فإذا انتفى أحدهما وهما ما
يدعيه العامل بيمين المالك ثبت الآخر، لاتفاقهما على انتفاء سواه، مضافا إلى
أصالة براءة ذمته من الزائد على ما يعترف به، كما يقدم قول المستأجر في نفي
الزائد من مال الإجارة.
وبهذا يظهر جواب ما أورده المصنف عليه ونسبه بسببه إلى الخطأ فقال بعد
أن حكاه * (وهو خطأ، لأن فائدة يمينه إسقاط دعوى العامل، لا ثبوت ما يدعيه
الحالف) * وحاصله أن المالك إنما يحلف على نفي ما يدعيه العامل لا على إثبات
ما يدعيه هو فيكف يثبت مدعاه؟
وجوابه أنه يثبت بالانحصار المتفق عليه وكونه منكرا للزائد وقد حلف
على نفيه. وفي المسالك وهذا قوي، وهو خيرة الشهيد في الدروس.
قلت: لكن قد يقال إن اختصاص الدعوى بينهما في الأمرين لا يقتضي
الانحصار واقعا كذلك، ضرورة احتمال كون الواقع خلافهما، ولا لاقتضى اليمين
من أحد المتداعيين في اختلاف الجنس في البيع ونحوه على نفيه ثبوت الجنس
الآخر، وهو معلوم العدم.
الخامس أنهما يتحالفان، لأن كل واحد مدع ومدعى عليه، فلا ترجيح
216

لأحدهما، فيحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر، ولأن العقد الذي
تشخص بالعوض الذي يدعيه المالك غير العقد الذي تشخص بما يدعيه العامل،
فكان الاختلاف فيه كالاختلاف في الجنس، وهذا هو الذي اختاره العلامة في
القواعد.
ولكن في المسالك فيه نظر، لأن العقد متفق عليه، وإنما الاختلاف في
زيادة العوض ونقصانه، فكان كالاختلاف في قدر الثمن في البيع، وقدر الأجرة في
الإجارة، والقدر الذي يدعيه المالك متفق على ثبوته فيهما، وإنما الاختلاف في
الزائد، فيقدم قول منكره، وقاعدة التحالف أن لا يجتمعا على شئ، بل يكون
كل منكرا لجميع ما يدعيه الآخر، ثم على تقدير التحالف فالذي يثبت بعد
تحالفهما فيه الأوجه المتقدمة من أجرة المثل والأقل واختار في القواعد ثبوت
أقل الأمرين ما لم يزد ما ادعاه المالك على أجرة المثل، فيثبت الزيادة بتقريب
ما سبق ويبقى الاشكال في توقف ثبوت ما يدعيه المالك زائدا عن أجرة المثل أو
مساويا على اليمين، كما مر.
قلت: قد تقدم الكلام منا في نظير المسألة في كتاب البيع وغيره،
وقلنا هناك: إن المدار على كيفية إبراز الدعوى، فإن أبرزاها على وجه
يقتضي اختلافهما في تعيين شخص ما وقع من السبب فلا ريب في أن المتجه
التحالف، ضرورة اقتضاء دعوى كل منهما نفي ما يدعيه الآخر واتفاقهما على
جنس العقد الذي قد تشخص بالشخص الذي اختلفا فيه لا ينافي ضابط التحالف،
كما هو واضح.
وإن أبرزاها على وجه يقتضي الدعوى من أحدهما والانكار من الآخر
كما لو كانت في الزيادة والنقصان من حيث كونهما كذلك فلا ريب في أن القول
قول المالك، كما اعترف به في جامع المقاصد في المقام، فقال: إنه إذا كان صورة
الاختلاف بينهما " استحق عليك كذا بسبب الفعل الفلاني " فقال المالك: " بل
كذا " فإنه يحلف لنفي الزائد ولا يمين من طرف العامل، وهو مؤيد لما تقدم
217

منا سابقا.
بل منه ينقدح لفظية النزاع في نحو المسألة بالنسبة إلى ذلك، بل لعل
إطلاق المعظم في الإجارة ونحوه أن القول قول منكر الزيادة مبني على أن الغالب
إبراز دعواهما على الوجه المزبور، فإن أقصاهما كونهما كالمختلفين في مقدار
القرض أو مقدار الدين لا على وجه الاختلاف في تشخيص العقد.
وحينئذ فالكلام فيما نحن فيه كذلك، بل أولى، بل ترجع الأقوال
الثلاثة إلى قول واحد، ضرورة أن الشيخ وإن أطلق ثبوت أجرة المثل إلا أنه ينبغي
القطع بإرادته ذلك من حيث هذه الدعوى لا من كل وجه، فإن قاعدة الاقرار من
المالك أو العامل ولو بعد اليمين قد تقتضي النقصان عنها أو الزيادة عليها، كما
أن إطلاق ثبوتها عليه من دون يمين من العامل على نفي ما ادعاه المالك من المسمى
منزل على صورة نقصانها منه، أو على فرض إسقاط المالك الدعوى عليه من هذه
الجهة، والالتزام له بأجرة المثل، وإلا فمع فرض زيادتها على ما يدعيه وعدم
رضا المالك بدفعها له حتى يكون مستحقا لها لا بد من يمينه على نفيه كي يبقى
العمل بلا مسمى شرعي، فيتجه وجوب أجرة المثل له، إذ لا يكفي في استحقاقه
إياها يمين المالك على نفي ما ادعاها، ضرورة احتمال كون المسمى ما يدعيه المالك
والفرض نقصانه عن أجرة المثل، كما هو واضح بأدنى تأمل. ولقد سلف لنا في
الكتب السابقة الكلام في نظير المسألة.
بل قد يظهر لك من التأمل فيه دفع الاشكال المزبور، المورد على توجه
اليمين على المالك في نفي ما ادعاه العامل مع فرض كونه أنقص من أجرة المثل أو
مساويا من أنه لا فائدة فيه، إذ بعد وقوعه يلتزم بأجرة المثل، والفرض مساواتها
أو زيادتها، وذلك لأن عموم قول " البينة على المدعي واليمين على من أنكر " (1)

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 وفيه " البينة
على المدعي واليمين على المدعى عليه " وفي المستدرك الباب - 3 - منها الحديث 4
وسنن البيهقي ج 10 ص 252 " البينة على المدعي واليمين على من أنكر ".
218

يقتضي استحقاق اليمين منه على كل حال، ولو لم يكن إلا بيان الصدق في الدعوى
لكفى، إذ هو غرض من أغراض العقلاء.
وكذا الاشكال فيما ذكرناه من استحقاق المالك على العامل اليمين إذا أراده
منه، بأنه مع فرض وقوعه منه قبل دعوى العالم مسمى خاصا لا فائدة بعد يمين
المالك إذا ادعى العامل لأن اللازم بعد اليمين أقل الأمرين من الأجرة وما ادعاه
العامل، فيدفع إليه من أول الأمر، فلا يكون موقوفا على يمين المالك، إذ هو
كما ترى، ضرورة عدم ثبوت أقل الأمرين إلا بعد انتفاء دعوى العامل، ولا يحصل
إلا بيمين المالك، كما هو واضح.
وقد ظهر لك من ذلك كله أن القول قول المالك في نفي الزيادة، ولكن
لما كان الثابت هنا أجرة المثل لضعف ما سمعته عن ابن نما توقف ثبوتها حينئذ
على يمين العامل أيضا على نفي ما يدعيه المالك من المسمى إذا فرض نقصانه عنها
وأراده منها، وهذا المعنى إذا أريد منه التحالف في المقام لا بأس به أيضا، هذا
كله في الاختلاف في القدر.
وأما الاختلاف في جنس الجعل ففي المسالك " فيه قولان: أحدهما - وهو
الذي قطع به المصنف وقبله الشيخ وجماعة - تقديم قول المالك أيضا، لأن القول
وقوله في أصله فكذا في جنسه وقدره، لأنه تابع له، ولأنه اختلاف في فعله فيرجع
إليه فيه ".
وفيه أن صريح كلام المصنف والشيخ الرجوع فيه إلى أجرة المثل أو
الأقل منها ومن المدعي الذي ينبغي ملاحظة قيمته هنا بالنسبة إليها، لا الرجوع
إلى ما ادعاه من الجنس، كما هو واضح.
" والقول الثاني التحالف والرجوع إلى أجرة المثل، لأن كلا منهما منكر
ما يدعيه الآخر، ولا قدر يتفقان عليه ويختلفان فيما زاد عليه، بل مجموع ما
يدعيه كل منهما ينكره الآخر، وهي قاعدة التحالف " ويمكن القول بإرادته
219

للشيخ والمصنف وغيرهما وإن ذكروا فيه أن القول قول المالك، وجعلوه
كالاختلاف في القدر، إلا أن المراد جواز دفع المالك أجرة المثل بمجرد الحلف
على نفي دعوى العامل، على نحو ما سمعته في القدر، لا أن المراد الالتزام بها
حتى لو كانت أكثر من قيمة المسمى وأراد المالك حلف العامل على نفيه.
ثم إنه لا يخفى عليك جريان البحث السابق في أن اللازم أجرة المثل مطلقا
أو أقل الأمرين أو هما وأكثرهما كما سمعته سابقا لكن في المسالك " الأقوى
تفريعا على ذلك ثبوت أجرة المثل مطلقا مع مغايرتها جنسا لما اختلف في تعيينه،
ومع موافقتها لدعوى العامل جنسا فأقل الأمرين أوجه، ومع موافقتها لدعوى
المالك خاصة إن كان النقد الغالب الذي تثبت به أجرة المثل هو الذي يدعيه
المالك فثبوت الزائد عليه من أجرة المثل إذا كان مدعاه أزيد أجود، وأما أخذ كل
من الدعويين باعتبار القيمة ونسبتها إلى أجرة المثل وإثبات الأقل والأكثر
فبعيد، لعدم اتفاقهما على ما يوجب إلزامها بالزائد بخلاف الموافق في
الجنس ".
وفيه أن مقتضى النظر عدم الفرق بينهما، ضرورة عدم جواز أخذ الزائد
على قيمة ما فات منه بزعمه، بل أقصاه المقاصة بقيمته، والله العالم.
المسألة * (الثالثة:) *
* (لو اختلفا في السعي بأن قال: " حصل في يدك قبل الجعل فلا جعل لك ") *
بناء على ما عرفت من أنه إذا حصل بيده الآبق قبل الجعل لا يستحق جعلا عليه
وإن رده، لوجوبه عليه، فإذا ادعاه المالك فقد أنكر استحقاقه الجعل، وقال
العامل: " قد حصل بيدي بعد الجعل " * (فالقول قول المالك تمسكا بالأصل) *
الذي يقتضي براءة ذمة المالك، لأن الشك في الشرط شك في المشروط ولو لتعارض
الأصول وتساقطهما، وقد سمعت غير مرة أن العلم بتاريخ زمان الجعل دون الحصول
220

لا يقتضي العلم بحصوله في يده بعده على وجه يترتب عليه ثبوت الجعل، وكذا
لو تنازعا في حصوله في يده قبل العلم بالجعل، بناء على عدم الاستحقاق معه، أو
في السعي لتحصيله على وجه لا عمل له يستحق به.
نعم في المسالك " وعلى ما تقدم نقله عن التذكرة - من أنه إذا حصل بيده
قبل الجعل وتوقف تسليمه على مؤونة وحصل الجعل ورده استحق الجعل - لا يتم
هذا الاختلاف لاستحقاقه على التقديرين ".
قلت: قد مر ما يستفاد منه الكلام في ذلك.
ولو تنازعا في التفريط والتعدي حلف العامل، لأنه أمين، وفي الدروس
خبر السكوني (1) وغياث (2) عن علي عليه السلام يدلان عليه، وعن التذكرة أن
الذي يقتضيه النظر ذلك، ولكن لم أقف فيه على شئ.
فحينئذ فعلف الدابة ونفقة العبد على المالك على الأقوى، كما في الدروس،
وفي جامع المقاصد مؤونة الدابة والعبد وما يلزمه القماش ونحوه مما هو كالنفقة -
مثل الجعالة التي إن لم يبذلها ذهب المال أو بعضه الذي هو أزيد من المطلوب -
على المالك، لأنه ملكه، ويد العامل كيد الوكيل.
ولو قال: " إن علمت ولدي القرآن - أو علمتني - فلك كذا " فعلمه
البعض وامتنع من تعليم الباقي فعن التذكرة لا شئ له على إشكال. قال: " وكذا
لو كان الصبي بليدا لا يتعلم على إشكال. كما لو طلب العبد فلم يجده - وقال
أيضا -: أما لو مات الصبي في أثناء التعليم فإنه يستحق أجرة ما علمه، لوقوعه
مسلما بالتعليم بخلاف رد الآبق، فإن تسليم العمل بتسليم الآبق، وهنا ليس عليه
تسليم الصبي ولا هو في يده، ولو منعه أبوه فللمعلم أجرة المثل لما علم - قال -: ولو
قال: إن خطت لي هذا القميص فلك درهم فخاط بعضه فإن تلف في يد الخياط لم

(1) الوسائل الباب - 49 - من كتاب العتق الحديث 3 - 1.
(2) الوسائل الباب - 49 - من كتاب العتق الحديث 3 - 1.
221

يستحق شيئا، وإن تلف في يد رب الثوب بعد ما سلمه إليه استحق من الأجرة
بنسبة ما عمل ".
وفي جامع المقاصد في الفرق بين هذا المسألة ومسألة التعليم نظر، وقد سبق
لنا بعض الكلام في بعض هذه المسائل، والله العالم.
222

* (كتاب الأيمان) *
الأيمان جمع يمين وهي لغة الجارحة المخصوصة، ويقال أيضا: على القدرة
والقوة، لكن مجاز على الظاهر.
وشرعا على ما ذكره غير واحد الحلف بالله أو بأسمائه الخاصة لتحقيق ما يحتمل
الموافقة والمخالفة في الاستقبال، والمراد بكونه شرعا ما يترتب عليه من الحنث
والكفارة ونحوهما من الأحكام التي رتبها الشارع على اليمين، إلا فهو يمين
لغة قطعا وإن كان قد يقال: إنها مأخوذة من اليد اليمنى، لأنهم كانوا يتصافقون
بأيمانهم إذا حلفوا، بل الظاهر أعمية المعنى الشرعي من الاستقبال، ولذا أطلق
الفاضل، بل في كشف اللثام التصريح بالماضي والمستقبل، واختصاص الثاني بالكفارة
ونحوهما لا ينافي صدق اليمين على الأعم.
والمراد باحتمال المخالفة إمكان وقوعها عقلا لا شرعا، فيصح على
فعل الواجب وترك الحرام دون الممتنع، خلافا لبعضهم كما تسمع تحقيقه
إنشاء الله في المحلوف عليه.
نعم اليمين على أقسام: (منها) يمين اللغو، ولها تفسيران على ما في التنقيح:
أحدهما الحلف لا مع القصد على ماض أو آت، وثانيهما أن يسبق اللسان إلى
اليمين من غير قصد أنها يمين، وكلاهما غير مؤاخذ به، قلت: لعل تفسيرها بغير المؤاخذ
بها مطلقا أولى.
223

وفي موثق مسعدة بن صدقة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سمعته يقول في
قول الله عز وجل (2): لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، قال: اللغو قول
الرجل: لا والله وبلى والله، ولا يعقد على شئ " ونحوه المروي في تفسير العياشي
عن عبد الله بن سنان (3) عن الصادق عليه السلام.
وفي خبر أبي بصير (4) عنه عليه السلام أيضا في قول الله تعالى: " لا يؤاخذكم
الله " - إلى آخرها - قال: " هو لا والله وبلى والله ".
وفي خبر أبي الصباح (5) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله:
لا يؤاخذكم الله - إلى آخرها - قال: هو لا والله وبلى والله وكلا والله لا يعقد
عليها أو لا يعقد على شئ " بل في خبر محمد بن مسلم (6) المروي عن تفسير العياشي
تفسير العرضة بذلك، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى (7): ولا
تجعلوا الله عرضة لأيمانكم، قال: هو قول الرجل: لا والله وبلى والله " وفي
مرسل ابن أبي عمير (8) المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام في
قوله تعالى: (9) لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم - إلى آخرها - قال: نزلت في
أمير المؤمنين وبلال وعثمان بن مظعون، فأما أمير المؤمنين عليه السلام فحلف أن لا ينام
في الليل أبدا، وأما بلال فحلف أن لا يفطر في النهار أبدا، وأما عثمان بن مظعون

(1) الوسائل الباب - 17 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 225.
(3) الوسائل الباب - 17 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 17 - من كتاب الأيمان الحديث 3 - 5 - 4.
(5) الوسائل الباب - 17 - من كتاب الأيمان الحديث 3 - 5 - 4.
(6) الوسائل الباب - 17 - من كتاب الأيمان الحديث 3 - 5 - 4.
(7) سورة البقرة: 2 - الآية 224.
(8) الوسائل الباب - 19 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(9) سورة المائدة: 5 - الآية 87.
224

فإنه حلف أن لا ينكح أبدا - إلى أن قال -: فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله ونادى الصلاة
جامعة، وصعد المنبر وحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام يحرمون
على أنفسهم الطيبات؟! ألا أني أنام الليل وأنكح وأفطر في النهار، فمن رغب
عن سنتي فليس مني، فقام هؤلاء، فقالوا: يا رسول الله فقد حلفنا على ذلك؟
فأنزل الله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم
الأيمان (1) " ومن هنا قلنا: إن تفسيرها بمطلق غير المؤاخذ بها أولى.
و (منها) يمين الغموس، وهي على ما في التنقيح الحلف على الماضي
والحال مع تعمد الكذب، وسميت غموسا لأنها تغمس الحالف في الإثم
أو في النار، وفي بعض الروايات أنها من الكبائر، وفي بعض أنها تدع
الديار بلاقع.
قلت في مرسل ابن حديد (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " الأيمان ثلاث:
يمين ليس فيها كفارة، ويمين فيها كفارة، ويمين غموس توجب النار، فاليمين
التي ليس فيها كفارة: الرجل يحلف على باب بر أن لا يفعله، فكفارته أن
يفعله، واليمين التي تجب فيها الكفارة: الرجل يحلف على باب معصية أن لا يفعله
فيفعله، فتجب عليه الكفارة، واليمين الغموس التي توجب النار: الرجل يحلف
على حق امرئ مسلم على حبس ماله ".
وفي مرسل الصدوق ره (3) عن الصادق عليه السلام " اليمين على وجهين - إلى
أن قال -: وأما التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف الرجل على مال امرئ
مسلم أو على حبس ماله " إلى غير ذلك من النصوص.
وعلى كل حال فلا كفارة فيها، لعدم العقد القابل للحل فيها، لأنها على

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
(2) الوسائل الباب - 9 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 9 - من كتاب الأيمان الحديث 3 وفيه " على مال امرئ
مسلم أو على حقه ظلما " كما في الفقيه ج 3 ص 231 الرقم 1094.
225

الاخبار بما مضى كذبا.
و (منها) يمين المناشدة، وهي الحلف على الغير ليفعلن أو يتركن،
وسيذكرها المصنف.
و (منها) يمين العقد، وهي الحلف على الفعل أو الترك في المستقبل، وهي
التي يقع بها الحنث وتجب بها الكفارة.
وإليها أشار المصنف بقوله: * (والنظر في أمور أربعة) *.
* (الأول) *
* (ما به تنعقد اليمين) *
* (لا تنعقد اليمين إلا بالله أو بأسمائه التي لا يشركه فيها غيره أو مع إمكان
المشاركة ينصرف إطلاقها إليه، فالأول كقولنا: " ومقلب القلوب) * والأبصار "
* (" والذي نفسي بيده " " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ") * بالتحريك الانسان
والمملوك ذكرا كان أو أنثى.
* (والثاني كقولنا: " والله " والرحمن " " والأول الذي ليس
قبله شئ ").
* (والثالث كقولنا " والرب " والخالق " " والبارئ " والرازق ") *
وحاصله أن أقسام اليمين العاقدة ثلاثة مرجعها إلى الحلف بالله أو بأسمائه المختصة
به أو الغالبة عليه.
فالأول أن يقسم بما يفهم من (منه ظ) ذاته المقدسة بذكر ما يختص به
من الأفعال صلة أو غيره، نحو قوله: " والذي نفسي بيده " فعن أبي سعيد
226

الخدري (1) " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا اجتهد في اليمين قال: لا والذي نفس أبي القاسم
بيده " ونحوه " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة " وعن علي عليه السلام " والذي أصوم
وأصلي له " إلى غير ذلك.
وفي المسالك " وهذا القسم تنعقد به اليمين سواء أطلق أو قصد به الباري تعالى،
حتى لو قال: قصدت غيره لم يقبل ظاهرا ولو قبل منه عدم القصد إلى اليمين " قلت:
لا يخلوا من نظر.
الثاني الحلف بأسمائه المختصة به التي لا تطلق على غيره، كالله، والرحمن،
ورب العالمين، ومالك يوم الدين، وخالق الخلق، والأول الذي ليس قبله شئ،
والحي الذي لا يموت، والواحد الذي ليس كمثله شئ، وعن بعضهم عد " الخالق "
" والرازق " منها.
وفي المسالك " الأصح أنهما من الثالث، لأنهما يطلقان في حق غير الله تعالى،
قال الله تعالى (2): " وتخلقون إفكا " وقال تعالى (3): " وارزقوهم " وفيه
أن ذلك غير إطلاق لفظ " الخالق " " والرازق " على الاطلاق.
والثالث ما يطلق في حق الله وحق غيره، لكن الغالب استعماله في حق الله
تعالى وإن تقيد في حق غيره بضرب من التقييد، كالرحيم والرب والخالق والرازق
والمتكبر والقاهر.
وفي الدروس بعد أن حكي عن بعض جعل قسم الأول الحلف بالله معرضا
بالمصنف وغيره، وهو ضعيف، لأن مرجعه إلى أسماء تدل على صفات الأفعال
كالخالق والرازق التي هي أبعد من الأسماء الدالة على صفات الذات كالرحمن
والرحيم التي هي دون اسم الذات، وهو الله جل اسمه، بل هو الاسم الجامع.

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 26.
(2) سورة العنكبوت: 29 - الآية 17.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 5.
227

وأجاب عنه في المسالك بأن تخصيصها بذلك من حيث دلالتها على الذات
من غير احتمال مشاركة غيره، ومع ذلك ليست من أسمائه تعالى المختصة ولا
المشتركة، وإنما جعلوها في المرتبة الأولى لمناسبة التقسيم، فإن أسمائه تعالى
لما انقسمت إلى أقسام كثيرة: منها المختص به والمشترك الغالب به، وغيره والدال
على صفة فعل وغير ذلك من الأقسام لم يناسب إدخال هذه في جملة الأقسام ولو
ناسب بعضها لأنها ليست أسماء، ولا تأخيرها عنها لأنها أخص به تعالى من كثير
من الأقسام، فأفردت قسما، وجعلت أولا لجهة اختصاصها، ولكونها قسما
لا ينقسم، وما هذا شأنه يقدم في القسمة على ما ينقسم، واسم الله وإن كان أدل
على الذات منها إلا أنه من جملة أسمائه تعالى، فناسب ذكره مع باقي الأسماء،
فلم يكن فيما ذكروه من التقسيم قصور من هذا الوجه، وإن كان ما اعتبره حسنا
أيضا إلا أنه غير مناف لما ذكره الجماعة.
قلت: إن كان المراد ما ذكره فالسؤال والجواب لا حاصل له، ضرورة
رجوعه إلى مجرد لفظ وتسمية، ولا ريب في أن صدق الحلف بالله على الحلف
باسمه المختص به العلمي أتم.
بل عن سيد المدارك في نهاية المرام احتمال اختصاص الحلف بلفظ الجلالة،
لدعوى تبادره من النصوص (1) الآمرة بالحلف بالله وإن كان مخالفا للاجماع
في الظاهر، بل والمحكي عن الشيخين، بل قد يمنع التبادر بعد ملاحظة سياق
تلك الأخبار الظاهر في إرادة ذاته المقدسة من لفظ المزبور لا خصوصها.
بل في الرياض " مع أن في الصحيحة التعبير بالإله وبالله (2) وعليه ينتفى

(1) الوسائل الباب - 15 و 30 - من كتاب الأيمان.
(2) هكذا في النسخة الأصلية إلا أن الموجود في الرياض " مع أن في الصحيحة
الأولى وقع التعبير بالا به لا بالا بالله، وعليه ينتفى خصوصية اللفظ " والمراد من الصحيحة
التي أشار إليها هي صحيحة محمد بن مسلم الآتية في الصفحة التالية الرقم (6)
228

خصوصية اللفظ قال: - ويشهد له أيضا ما سيأتي من الصحيح (1) الدال بانعقاد
اليمين بعمر الله ويا هناه يا هناه من التعليل في الأول بقوله: فإن ذلك بالله عز
وجل، وفي الثاني بقوله: فإنما ذلك طلب الاسم، وليس المراد بالله فيه ما ذكره
من الخصوصية قطعا، بل ما ذكرنا من مطلق الذات المقدسة، وحينئذ فيدل
التعليل على انعقاد اليمين بكلما دل عليهما، ولو كان غير لفظ الجلالة فلا وجه لما
احتمله، ولذا لم يحتمله أحد من أصحابنا، بل أطبقوا على عدم الفرق بين هذه
اللفظة وغيرها من أسمائه المقدسة ".
قلت: ستعرف عدم مدخلية التعليل الثاني فيما نحن فيه، بل المراد به طلب
الاسم أي النداء، وليس من القسم في شئ.
وعلى كل حال فالذي وصل إلينا من النصوص المتعلقة في هذا المقام هي
خبر علي بن مهزيار (2): " قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك قول
الله عز وجل (3): والليل إذ يغشى والنهار إذا تجلى، وقوله عز وجل (4):
والنجم إذا هوى وما يشبه هذا، فقال: إن لله عز وجل أن يقسم من خلقه
بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به عز وجل ".
وخبر الحسين بن زيد (5) عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث
المناهي " نهى أن يحلف الرجل بغير الله، وقال: من حلف بغير الله فليس من الله في
شئ، ونهى أن يحلف الرجل بسورة من كتاب الله عز وجل، وقال: من حلف
بسورة من كتاب الله فعليه بكل آية منها كفارة يمين، فمن شاء بر ومن شاء فجر،
ونهي الرجل أن يقول للرجل: لا وحياتك وحياة فلان ".
وصحيح محمد بن مسلم (6) " قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول الله عز وجل:

(1) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 4 - 1
(2) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 4 - 1
(3) سورة الليل: 92 - الآية 1.
(4) سورة النجم: 53 - الآية 1.
(5) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 2 - 3.
(6) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 2 - 3.
229

والليل إذا يغشى (1) والنجم إذا هوى (2) وما أشبه ذلك، فقال: إن لله عز وجل
أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به ".
وصحيح الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله،
فأما قول الرجل: لا بل شانئك (4) فإنه قول أهل الجاهلية، ولو حلف الرجل

(1) سورة الليل: 92 - الآية 1.
(2) سورة النجم: 53 - الآية 1.
(3) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 4.
(4) وعن بعض نسخ الكافي " لا أب لشانيك " قال الجوهري: " لا أب لشانئك
ولا أبا لشانئك: أي لمبغضك، قال ابن السكيت: هو كفاية عن قولهم: لا أب لك "
انتهى.
وقيل: أسند عدم الأب إلى مبغضة والمراد نسبته إليه رعاية للأدب، فيكون المراد
بالخبر الحلف على نثل هذا مثل أن يقول: " لا أبا لشانئك إن لم يكن كذا " أي لا
أب لك.
وعلى نسخة الأصل يمكن أن يكون تقديره " لا، بل أكون من شانئك ومبغضك إن
فعلت كذا " أو يكون أصله " لا أب لشانئك ".
وقيل يمكن أن يكون " لا " نفيا لما ذكر المخاطب. ويكون حرف القسم في
شانئك مقدرا فيكون القسم بعرقي رأسه الملزومين لحياته كما في قولهم: " لعمرك وحياتك "
وحينئذ فيكون " شانيك " بفتح النون على صيغة التثنية، قال الجوهري ناقلا عن ابن
السكيت: " الشانان: العرقان يتخذان من الرأس إلى الحاجبين ثم إلى العينين ".
وأما قولهم: " يا هناه " فمعناه يا هذا ويا فلان، ويقال في المؤنث: " يا هنناه "
قال الجزري: بفتح النون ويسكن ويضم الهاء الأخيرة ويسكن، وهو في التثنية " هننان "
وفي الجمع " هنات وهنوات " وفي المذكر " هن وهنان وهنون " ولك أن تلحقه الهاء
لبيان الحركة، فتقول: " يا هنة " وأن تشبع الحركة فتصير ألفا، فتقول: " يا هناه
أقبل ".
وقال الجوهري: " هذه اللفظة تختص بالنداء، وقيل: معنى " يا هناه " يا بلهاء،
نسبة إلى قلة المعرفة بمكائد الناس وشرورهم " انتهى.
وقيل: لما كانوا يذكرونه قبل ذكر المطالب كان مظنة أن يتوهم أنه قسم، فأزال
عليه السلام الوهم بأنه ليس المراد الحلف، بل هو نائب مناب الاسم في النداء، ويحتمل
بعيدا أن يكون المراد إذا نودي به الله عز وجل.
وأما " يا هياه " بالياء المثناة التحتانية فكأنه بمعنى " يا هناه " بالنون، وفي
بعض نسخ الفقيه بالنون في الموضعين، وهو الظاهر، والتكرير للتأكيد (منه رحمه الله).
230

بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله، وأما قول الرجل: يا هناه ويا هناه فإنما ذلك
طلب الاسم، ولا أرى به بأسا، فأما قوله: لعمر الله وقوله لاهاه (1) فإنما
ذلك بالله عز وجل " وكذا رواه الصدوق (2) ولكن قال في آخره: " وأما
قول الرجل لعمر الله وأيم الله فإنما هو بالله " ونحوه المروي عن قرب الإسناد (3)
وخبر سماعة (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا أرى للرجل أن يحلف إلا
بالله، وقال: قول الرجل: لا بل شانئك فإنما هو من قول الجاهلية، ولو حلف
الناس بهذا وشبهه لترك أن يحلف بالله ".
وفي خير زرارة (5) المروي عن تفسير العياشي " سألت أبا جعفر عليه السلام
عن قول الله (6) وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون، قال: إن ذلك قول
الرجل لا وحياتك " وعنه أيضا (7) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " شرك طاعة قول

(1) لا ها الله: الهاء للتنبيه، وقد يقسم بها تقول: " لا ها الله ما فعلت " أي " لا
والله " أبدلت الهاء من الواو، وإن شئت حذفت الألف التي بعد الهاء، وإن شئت أثبتت
(منه رحمه الله).
(2) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 4 راجع الفقيه ج 3 ص 230 - الرقم 1085.
(3) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 4 راجع الفقيه ج 3 ص 230 - الرقم 1085.
(4) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 5 - 11.
(5) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 5 - 11.
(6) سورة يوسف: 12 - الآية 106.
(7) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 12.
231

الرجل: لا والله وفلان ".
ولعله لذا وغيره تردد بعضهم في أصل جواز الحلف بغير الله تعالى، لكنه
في غير محله، للسيرة القطعية على جوازه، مضافا إلى الأصل وإلى وجوده في
النصوص، كخبر أبي جرير القمي (1) " قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك
عرفت انقطاعي إليك ثم حلف وحق رسول الله صلى الله عليه وآله وحق فلان وحق فلان
حتى انتهيت إليه أنه لا يخرج ما تخبرني به إلى أحد من الناس، وسألته عن
أبيه أهو حي أم ميت؟ قال: قد مات والله - إلى أن قلت -: فأنت الإمام، قال:
نعم ".
وخبر محمد بن يزيد الطبري (2) قال: " كنت قائما على رأس الرضا عليه السلام
بخراسان - إلى أن قال -: فقال: بلغني أن الناس يقولون إنا نزعم أن الناس
عبيد لنا لا وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله ما قلته قط ولا سمعته من أحد من آبائي
ولا بلغني عن أحد من آبائي، قال: ولكن إن الناس عبيد لنا في الطاعة موال لنا في
الدين، فليعلم الشاهد الغائب ".
وفي مرفوع القاسم بن علا عن عبد العزيز بن مسلم (3) عن الرضا عليه السلام
في حديث طويل في صفة الإمام والرد على من يجوز اختياره إلى أن " تعدوا - وبيت
الله - الحق، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ".
وفي خبر علي بن أبي حمزة (4) عن أبي الحسن عليه السلام قال: " وحقك لقد
كان مني في هذه السنة ست عمر ".
وفي خبر علي بن مهزيار (5) قال: " قرأت في كتاب لأبي جعفر الثاني
عليه السلام إلى داود بن القاسم إني قد جئت وحياتك ".
نعم هي لا كفارة عليها، للأصل وقول الصادق عليه السلام في خبر ابن أبي يعفور (6)

(1) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 6 - 7 - 8.
(2) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 6 - 7 - 8.
(3) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 6 - 7 - 8.
(4) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 10 - 14 - 13 -.
(5) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 10 - 14 - 13 -.
(6) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 10 - 14 - 13 -.
232

" اليمين التي تكفر أن يقول الرجل: لا والله ونحو ذلك " وخبر ميسرة (1)
" إن أمير المؤمنين عليه السلام مر برحبة القصابين بالكوفة فسمع رجلا يقول: لا والذي
احتجب بسبع طباق، قال: فعلاه بالدرة فقال له: ويحك إن الله لا يحجبه شئ
ولا يحتجب عن شئ، قال الرجل: أنا اكفر عن يميني يا أمير المؤمنين، قال:
لا، لأنك حلفت بغير الله ".
* (و) * كيف كان فلا إشكال في أن * (كل ذلك) * أي الأقسام الثلاثة
* (ينعقد به اليمين مع القصد) * بل ولا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا
إلى النصوص (2) بل وإطلاق الأدلة كتابا (3) وسنة (4).
نعم صرح المصنف * (و) * غيره بأنه * (لا تنعقد بما لا ينصرف إطلاق اسمه
إليه كالموجود والحي والسميع والبصير وإن نوى بها الحلف، لأنها مشتركة فلم
يكن لها حرمة) * في * (القسم) * بل لا أجد فيه خلافا بينهم في ذلك إلا ما
يحكي عن الإسكافي من انعقادها بالسميع والبصير، لكن في كشف اللثام لادعائه
اختصاصهما به تعالى، ويحتمل كلامه العدم.
قلت: بل هو على دعوى الاختصاص خارج عما نحن فيه أيضا، إذ الكلام
على فرض اشتراكهما وعدم انصرافها.
لكن الانصاف عدم خلو الحكم المزبور من إشكال إن لم يكن إجماعا
مع فرض قصد الحالف بها الذات المقدسة، وخصوصا مع القرينة الحالية أو المقالية
الدالة على ذلك، لصدق الحلف بالله حينئذ على القسم بها، بل هي مع القرينة كالقسم
الأول.
ودعوى أن اشتراكها أسقط حرمة القسم بها لا شاهد لها، بل قد عرفت

(1) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 9.
(2) الوسائل الباب - 15 و 30 و 32 - من كتاب الأيمان.
(3) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
(4) الوسائل الباب - 15 و 30 و 32 - من كتاب الأيمان.
233

أن إطلاق الأدلة يشهد بخلافها، بل خبر السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال أمير المؤمنين عليه السلام: من حلف وقال لا ورب المصحف فعليه كفارة واحدة "
قد يظهر منه ما قلناه، ضرورة اشتراك رب المصحف بين الله تعالى وبين من له
بل اشتراكه أوضح منه، لما سمعت.
ودعوى أنها كالعقود اللازمة لا يجوز عقدها إلا باللفظ الصريح بنفسه قد
عرفت ما فيها في المقيس عليه فضلا عن المقيس، والتخلص عن ذلك باحتمال
إرادتهم الحلف بها على الاطلاق لا مع خصوص قصد الذات بها فضلا عن ذكر
ما يدل على إرادة ذلك منها مناف لظاهرهم، بل صريح بعضهم كالأصبهاني في
كشفه، فإنه قال: " وإن نوى الحلف به تعالى " مفسرا بذلك عبارة القواعد التي
هي كعبارة الكتاب وغيرها، بل لعل المنساق منها ما ذكره، وحينئذ فلا دليل إلا
الاجماع ودون إثباته خرط القتاد.
* (ولو قال: " وقدرة الله " " وعلم الله " فإن قصد المعاني الموجبة
للحال) * الزائدة على الذات كما يقول الأشعري أو المقدور والمعلوم * (لم ينعقد
اليمين) * لأنها حلف بغير الله تعالى، وقد عرفت عدم الانعقاد به * (وإن قصد
كونه قادرا عالما) * باعتبار أنها أمور ينتزعها العقل من الذات وإلا فليس إلا
الذات * (جرى) * حينئذ الحلف بهما * (مجري القسم بالله القادر العالم) * ولأنها
في العرف أيمان بالله تعالى وإن قصد الأمور المنتزعة، إذ لا يتعين الحلف به تعالى
بالحلف بذاته مع مشاركتها للذات في الحرمة، وربما يحترم الذات فلا يقسم لها،
بل بما يتعلق بها، وقد سمعت التعليل في الصحيح (2) لكون لعمر الله يمينا بأنه قسم
بالله، مع أن مرجعه إلى القسم بعمره الذي هو الحياة.
ومما ذكرنا يعلم الوجه في الانعقاد مع الاطلاق المنصرف إلى الحلف بالله

(1) الوسائل الباب - 39 - من كتاب الأيمان الحديث 1 وفيه ".. فحنث
فعليه كفارة واحدة ".
(2) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 4.
234

عرفا، خصوصا إذا كان ممن يعتقد عدم زيادة الصفات، وفي المسالك " يحتمل العدم،
لاشتراك اللفظ فسقط حرمته، وكون المسألة اجتهادية قد اختلف فيها أكابر
العلماء، فلا ينصرف إلى أحد الأمرين بدون القصد، وذلك يوجب وقوف اليمين " وفيه
منع الاشتراك، والاختلاف لا ينافي الانصراف غرفا.
* (وكذا ينعقد بقوله: وجلال الله وعظمة الله وكبرياء الله) *، لأنها وإن
شاركت القدرة والعلم في كونها من الصفات لكنها ليست من الصفات التي ذهب بعضهم
إلى زيادتها، وإنما مرجعها إلى ذاته المتصفة بالكبرياء والعظمة والجلال، بل عن
المبسوط الاجماع على ذلك.
ومنه يعلم قوة ما ذكرناه من أعمية الحلف بالله للحلف بذاته أو الأمور
الانتزاعية الراجعة إليها.
ولكن المصنف قال: * (وفي الكل تردد) * وجعله في المسالك " مما عرفت
ومن أن اشتراك القدرة والعلم يمنع من الانعقاد بهما وإن قصد بهما أنه كغيرهما
من أسمائه المشتركة من غير أغلبية عليه تعالى والعظمة والجلال والكبرياء كذلك
لأنها تستعمل في الصفة الزائدة، وربما أطلقت على ما يطلق عليه القدرة والعلم،
ويقول الانسان: " عاينت كبرياء الله وعظمته " ويريد مثل ذلك، ولأن هذه
الصفات ليست من أسماء الله تعالى الغالبة ولا المشتركة، فلا تنعقد بها اليمين،
لأنها لا تنعقد إلا بالله وأسمائه، والأشهر الأول " قلت: والأصح، لما عرفت.
* (ولو قال: أقسم بالله أو أحلف بالله) * ينشئ بذلك الحلف * (كان
يمينا) * لغة وعرفا، * (وكذا لو قال: " أقسمت بالله " أو حلفت بالله ") * بقصد إنشائه
بذلك الحلف بالله تعالى * (و) * اليمين، لاندراجه عرفا فيما دل على الحلف بالله الذي
منه قوله تعالى (1): " وأقسموا بالله جهد أيمانهم ".
نعم * (لو قال: أردت الاخبار عن يمين ماضية) * أو الوعد بيمين
آتية * (قبل: لأنه إخبار عن نيته) * والأصل عدم الانعقاد، لكن في المسالك

(1) سورة الأنعام: 6 - الآية 109.
235

" يحتمل عدم القبول ظاهرا، لظهور كونه إنشاء، كما لا يقبل إخباره عن قوله: " أنت
طالق " أني أردت طلاقا سابقا " وفيه منع الحكم في المشبه به فضلا عن المشبه،
ضرورة عدم اختصاص اللفظ في الانشاء على وجه يحمل الاطلاق عليه وإن لم يكن
ثم قرينة حال تشهد بذلك، بل استعماله في الوعد والاخبار من الحقيقة أيضا.
ومن ذلك يظهر أنه لا ينبغي الحكم باليمين مع إطلاق اللفظ وعدم قرينة
تدل على إرادة الحلف، لأصالة عدم ترتب أحكام اليمين مع عدم العلم بقصدها بعد
عدم دلالة اللفظ، وإن كان قد تشعر عبارة المتن وغيرها بالحكم باليمينية مع
الاطلاق، لكن فيه منع واضح. نعم بعد أن يحكم باليمينية للقرائن الدالة على
ذلك لم يقبل منه ظاهرا وإن أخبر بخلافها، مع احتماله إذا كان مورده تكليفا
راجعا إليه، وليس حقا متعلقا بغيره. ومنه ربما ينقدح الفرق في الجملة بينه
وبين الطلاق، خصوصا بعد النصوص الواردة في اليمين (1) أنه على ما في الضمير،
فتأمل جيدا.
* (ولو لم ينطق بلفظ الجلالة) * في الألفاظ الأربعة * (لم ينعقد) * يمينه
قطعا وإن نواه وأضمره، لعدم صدق الحلف بالله، وقال الصادق عليه السلام في خبر
السكوني: " إذا قال الرجل أقسمت أو حلفت فليس بشئ حتى يقول: أقسمت
بالله أو حلفت بالله ".
* (وكذا لو قال: اشهد) * مجردا على لفظ الجلالة، بل هو أولى بعدم
الانعقاد * (إلا أن يقول: بالله) * بل عن الخلاف ليس بيمين وإن قال، لأن لفظ
الشهادة لا تسمى يمينا ولم يطرد علف اللغة ولا الشرع، لكن المبسوط أنه إن
أراد به اليمين كان يمينا، بل لعله ظاهر المصنف أيضا، بل في المسالك أنه أشهر،
وظاهره الميل إليه، قال: " لورود الشرع بهذه اللفظة بمعنى اليمين قال الله
تعالى (2) " قالوا: نشهد أنك لرسول الله " والمراد نحلف، ولذلك قال الله تعالى

(1) الوسائل الباب 17 و 12 - من كتاب الأيمان.
(2) سورة المنافقين: 63 - الآية 1.
236

على الأثر: " اتخذوا أيمانهم جنة ".
وفيه أنه لا وجه لجعل ذلك منهم إنشاء يمين مع عدم ذكر لفظ الجلالة،
فلا بد مع فرض إرادة اليمين منهم على ذلك بقوله تعالى: " اتخذوا أيمانهم " من
كون اليمين منهم بغير اللفظ المزبور، نعم هو لا يخلو من قوة من، لتعارف اليمين به
في العرف واستعماله في أيمان اللعان، إلا أن ذلك مع العلم بقصد اليمين منه.
أما مع الاطلاق فقد يظهر من المصنف بل والفاضل في القواعد الحكم بيمينه
أيضا، بل حكاه عن الشيخ أيضا بقوله: * (وفيه للشيخ قولان) * ونحوه الشهيد
في الدروس، إلا أن الذي حكاه عنه في المسالك التصريح باعتبار القصد فيه وأنه
لا يكون يمينا مع الاطلاق، بل حكى عنه فيها أن لفظ القسم كذلك، نعم غيره
فرق بينهما ولعل الفرق أن لفظ القسم ظاهر في ذلك وحمله على غيره خلاف الظاهر
فلا يصار إليه إلا مع دعوى إرادته، بخلاف الشهادة.
بل في المسالك " بهذا المعنى صرح غير الشيخ من أتباعه والعلامة في المختلف
والتحرير - ثم قال -: فإن قيل: القصد معتبر في سائر الأيمان فكيف ينعقد هنا
مع الاطلاق؟ فيكون تقييد الشيخ أجود من إطلاق من حكم بصحته مع الاطلاق
قلنا: ليس المراد من القصد الذي لم يعتبره القصد إلى اليمين الموجب لانعقاده
في نفس الأمر، لأن ذلك لا نزاع في اعتباره، وإنما الكلام في القصد الذي لا يحكم
بوقوعه من اللفظ إذا لم يكن صريحا، وإذا كان صريحا يحكم بوقوعه على
من تلفظ به ظاهرا وإن لم يعلم منه قصده إلى مدلول اللفظ، وإن كان محتملا
على السواء لا نحكم به إلا مع تصريحه بإرادة المعنى المطلوب، هذا بحسب الظاهر
وأما فيما بينه وبين الله تعالى فالمعتبر ما نواه، وحينئذ فيحكم بوقوع اليمين ممن
سمع منه قول: " أقسمت بالله لأفعلن " ما لم يخبر عن إرادة الخبر، ولا نحكم
على من سمع منه " أشهد بالله لأفعلن " إلا من إخباره بإرادة اليمين، وعلى قول
الشيخ لا يحكم باليمين فيهما إلا مع إخباره بإرادة اليمين، كما لو تلفظ بالكنايات
في الطلاق والظهار وقلنا بوقوعه بها أو ببعضها على ما سبق تحقيقه ".
237

قلت: قد حققنا أيضا أنه لا لفظ صريح بذلك بحيث يحكم به على الوجه
الذي ذكره، ضرورة اشتراك هذه الصيغ بين الاخبار والانشاء ولا تحمل على
الأخير منهما إلا مع القرائن الدالة على ذلك، ولو سلم فالظاهر عدم الفرق فيما عندنا
الآن من العرف بين اللفظين المزبورين في إرادة القسم به أو عدمه، كما هو واضح
بأدنى تأمل، والله العالم.
* (و) * على كل حال ف‍ * (لا كذلك لو قال: اعزم بالله) * أو عزمت بالله
لأفعلن * (فإنه ليس من ألفاظ القسم) * بل في كشف اللثام لم يرد قسما إلا للطلب كان
يقول: " عزمت عليك لما فعلت كذا " فلا تنعقد به اليمين حينئذ وإن قصده به فضلا عن
الاطلاق المحتمل للاخبار عن عزمه والحلف على المعزوم عليه أو الوعد بذلك،
خلافا لبعض العامة وإن كان لا يخلو من وجه إن لم يكن إجماعا بناء على
التوسعة في ألفاظ القسم، فإنه يتحقق عرفا بكل ما يصلح مؤديا له، ويندرج في
قولهم عليه السلام (1) " من حلف بالله " وإن كان ظاهر الأصحاب بل وبعض
النصوص (2) خلافه.
ثم إن المراد بذلك ونحوه عدم كونه يمينا يترتب عليه الكفارة، وإلا
فيمكن حرمة الحلف به وإن لم يكن يمينا منعقدة، كما ورد النهي عن قول:
" الله يعلم " فيما ليس بصحيح، قال الصادق عليه السلام في خبر وهب بن عبد ربه (3)
ووهب بن حفص (4) وغيرهما: " من قال: الله يعلم فيما لا يعلم اهتز عرشه
لذلك إعظاما له " وقال: (5) " إذا قال العبد: علم الله وكان كاذبا قال الله عز
وجل: ما وجدت أحدا تكذب عليه غيري؟ ".

(1) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب - 15 و 30 - من كتاب الأيمان.
(3) الوسائل الباب - 5 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الأيمان الحديث 3 عن وهيب بن حفص إلا
أن الموجود في الكافي ج 7 ص 437 وهب بن حفص.
(5) الوسائل الباب - 5 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2.
238

* (ولو قال: لعمر الله) * بفتح العين مرفوعا على الابتداء والخبر محذوف
وهو " يميني " أو " قسمي " * (كان قسما وانعقدت به اليمين) * بلا خلاف معتد
به أجده فيه، للنص (1) المتقدم، وإن قيل هو من البقاء والحياة، وهو قريب
من العمر بالضم، لكنه لم يستعمل في القسم إلا مفتوحا، وهو بهذا المعنى محتمل
للمعاني المانعة من انعقاده، كالقدرة والعلم وغيرهما من الصفات، إلا أنه كالاجتهاد
في مقابلة النص المعمول به بين الأصحاب، والله العالم.
* (و) * كيف كان فلا خلاف معتد به بيننا نصا وفتوى في أنه لا ينعقد اليمين
بغير " الله " على الوجه الذي قدمنا، ف‍ * (لا تنعقد بالاطلاق ولا بالعتاق ولا بالتحريم
ولا بالظهار ولا بالحرم ولا بالكعبة والمصحف والقرآن والأبوين) * ولا بغير ذلك
مما سمعته في النصوص (2) السابقة أو ما يستعمله العامة.
* (ولا بالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام) * فضلا عن غيرهم من المخلوقات
المعظمة والأماكن المشرفة، كالأنبياء والملائكة وغيرهم، للأصل وما سمعته من
النصوص السابقة الناهية (3) عن الحلف بغير الله والأمر بالحلف به إن أريد، بل
قد سمعت الاشكال في أصل جواز الحلف بغيره وإن لم يكن منعقدا، وأن الأقوى
جوازه، لما عرفت. بل لا ينبغي ترك الوفاء به مع منافاته لتعظيم ما أريد تعظيمه
شرعا، بل لا بد منه مع فرض الإهانة في بعض الأحوال.
ولعل هذا هو المراد بالمحكي عن ابن الجنيد من انعقاده بما عظم الله من
الحقوق، نحو " وحق رسول الله " و " حق القرآن " لا وجوب الكفارة، كما أنه
يمكن أن يراد بما يحكي عنه أيضا من انعقاده بالطلاق والعتاق والصدقة ونحوها
انعقاد ما يقبل التعليق منها على ذلك لا على أنه يمين، وإلا كان شاذا يمكن
تحصيل الاجماع على خلافه، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (4) بذلك أيضا،

(1) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 14 و 15 - و 30 و 31 من كتاب الأيمان.
(3) الوسائل الباب - 15 و 30 - من كتاب الأيمان
(4) الوسائل الباب - 14 - من كتاب الأيمان
239

بل لعله من ضروري مذهب الشيعة في الطلاق والعتاق ونحوهما.
وأما اليمين بالبراءة فقد عرفت الكلام فيه سابقا، ويأتي أيضا، كما أنه لا
إشكال في طرح ما تضمن (1) من النصوص من الكفارة على الحلف بآية من آي
القرآن أو حمله على ضرب من الندب.
* (وكذا) * لا ينعقد بقول * (وحق الله، فإنه حلف بحقه، لا به تعالى) *
كما في القواعد ومحكي الخلاف وغيرهما، قيل: " لأنه مشترك بين ما يجب له
على عباده من العبادات التي أمر بها، وفي الحديث (2) " قلت: يا رسول الله ما حق الله؟
قال: أن لا تشركوا به شيئا وتعبدوه وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة " وبين القرآن،
لقوله تعالى (3): " وإنه لحق اليقين " وبين كونه وصفا كغيره من الصفات الراجعة
إلى ذاته من غير اعتبار زيادة - إلى أن قال -: فإذا قال: وحق الله لأفعلن لم
ينعقد، لاشتراكه بين أمور كثيرة أكثرها لا ينعقد به اليمين، سواء قصد تلك
الأفراد التي لا إشكال في عدم الانعقاد بها مع قصدها أم أطلق، لأن المتبادر من
حقه غيره ".
وفيه أن اشتراكه يقتضي عدم الانعقاد به حتى مع قصد الأخير، نحو ما
سمعته في السميع والبصير.
* (وقيل) * والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطه وجماعة: * (ينعقد) *،
لأنه يمين بالله عرفا ولغلبة استعمالها في المعنى الأخير، ولأن " حق " صفة عامة
فإذا أضيف إلى الله تعالى اختص به، فكان يمينا كسائر صفات ذاته من العظمة
والعزة وغيرهما.
* (وهو بعيد) * عند المصنف لكن الانصاف أنه قريب، خصوصا مع ملاحظة

(1) الوسائل الباب - 30 - من كتاب الأيمان الحديث 2.
(2) روى ذلك مع الاختلاف اليسير في مجمع الزوائد ج 1 ص 50.
(3) سورة الحاقة: 69 - الآية 51.
240

استعماله في عرفنا بإرادة القسم بالذات فيه من غير التفات إلى شئ آخر، مضافا
إلى صدق الحلف بالله عرفا، وإليه يرجع ما عن المختلف والتنقيح من الرجوع
إلى عرف الحالف، فإن قصد به الحلف بالله انعقد يمينا وإلا فلا.
بل وما في الدروس من أنه الأقوى إذا قصد به الله الحق أو المستحق
للإلهية، قال: " ولو قصد به ما يجب لله على عباده لم ينعقد، ولو أطلق فالأقرب
الانعقاد، لأن الاستعمال في الأولين أغلب، ولو قال: والحق فوجهان مرتبان
وأولى بالانعقاد، لأنه وإن اشترك إلا أنه في الله أغلب، كالرحيم والعليم
والحنان ".
واعترضه في الرياض بأنه غير مفهوم من اللفظ، ومجرد القصد إليه غير كاف
إذا لم يضم إليه ما ينعقد به " وهو كما ترى.
بل إلى ما ذكرناه يرجع ما في كشف اللثام حيث إنه بعد أن حكى ما سمعته
من المبسوط قال: " وهو المختار إن أراد الحق الذي هو " الله " ولو أطلق فالأقرب
الانعقاد " والله العالم.
* (ولا ينعقد اليمين) * على وجه تتعلق به الكفارة ونحوها من أحكامه
* (إلا بالنية) * والقصد إليها وإلى العقد بها كما ستسمع تحقيقه إنشاء الله بلا خلاف
ولا إشكال.
* (و) * حينئذ ف‍ * (لو حلف من غير نية) * على الوجه المزبور بل كان لسبق
لسان أو لدفع ضرر أو غير ذلك * (لم ينعقد سواء كان بصريح) * كقول: " والله "
* (أو كناية) * كقول: " والسميع " وغيره مما لا يحمل إطلاقه على اليمين، إذ لا
مدخل هنا لصريح اللفظ في عقد اليمين، إذ أقصاه أنه صريح في القسم، وهو غير
القصد إلى العقد به. * (و) * على كل حال ف‍ * (هي يمين اللغو) * أو منه التي
قد سمعت تفصيل الكلام فيها في أول الكتاب.
* (والاستثناء بالمشيئة) * في اليمين بأن يعلقه على مشيئة الله جائز قطعا،
241

بل عن بعض العامة وجوبه لظاهر قوله تعالى (1): ولا تقولن لشئ إني فاعل
ذلك غدا إلا أن يشاء الله " وهي مع أنها في غير اليمين أيضا ظاهرة في الأدب
والإرشاد.
وعلى كل حال فهو * (يوقف اليمين عن الانعقاد) * بلا خلاف أجده فيه،
بل الاجماع بقسميه عليه لو لم يكن المحلوف عليه الواجب أو المندوب أو ترك
الحرام أو المكروه، فلا يحنث حينئذ بالفعل المحلوف عليه، ولا تلزمه الكفارة،
للنبوي (2) المنجبر بما عرفت " من حلف على يمين فقال: إنشاء الله تعالى لم
يحنث " وخبر السكوني (3) عن أبي عبد الله: " قال أمير المؤمنين عليه السلام: من
استثنى في اليمين فلا حنث ولا كفارة " ولعله المراد من خبر علي بن جعفر (4)
عن أخيه موسى عليه السلام المروي عن كتابه قال: " سألته عن الرجل يحلف على الشئ
ويستثنى ما حاله؟ قال: هو على ما استثنى ".
بل ظاهره كالفتاوى الايقاف مطلقا وإن كان المتعلق فعل الواجب أو المندوب،
بل حكاه في الرياض عن الأكثر بل في الدروس قول الفاضل بقصره على ما لم
يعلم مشيئة الله إياه نادر، بل في الرياض " هو كالاجتهاد في مقابلة النص، بل فيه
المناقشة بمنع العلم بتعلق المشيئة بها على الاطلاق، فقد لا يشاؤها في حق هذا
الحالف لعارض لا يعلم به ".
قلت: قال الفاضل في قواعده: " وضابط التعليق بمشيئة الله أن المحلوف عليه
إن كان واجبا أو مندوبا انعقدت " وفي كشف اللثام " ولم يوقفها التعليق، لأنهما
مما شاء قطعا إلا على رأي الأشعري ".
ثم قال: " وإلا فلا " وفي كشف اللثام " لما عرفت من تساوي طرفي
المباح في مشيئته تعالى، وعليه ينزل إطلاق الأصحاب والأخبار (5) مع احتمال

(1) سورة الكهف: 18 - الآية 23.
(2) سنن البيهقي ج 10 ص 46.
(3) الوسائل الباب - 28 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2 - 0 -.
(4) الوسائل الباب - 28 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2 - 0 -.
(5) الوسائل الباب - 28 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2 - 0 -.
242

النبوي (1) منها أن من تبرك بذلك في يمينه وفق للوفاء، وقيل بعدم الفرق،
لعموم النص والفتوى، وهو بعيد من حيث الاعتبار " وظاهره الميل إليه ونحوه
السيد في شرح النافع.
بل إن لم يكن إجماعا أمكن القول بعدم إيقاف المشيئة مطلقا إذ المراد
منها - كما يظهر من ملاحظة النصوص (2) خصوصا ذيل خبر سلام (3) الآتي
استثناء مشيئة الله - عدم وقوع الفعل المحلوف عليه، فإنه حينئذ يسلب القدرة
عليه، فإذا لم يسلبها على أنه قد شاءه، إذ لا يقع فعل من العبد إلا بمشيئته وإن كان
لم يسلبه الاختيار، ومن هنا استفاضت النصوص (4) بالأمر بذكر المشيئة مع
النسيان متى ذكر، لأن التبرك حاصل على كل حال، ففي الرياض " أن إطلاق
الخبرين والعبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في الحكم بين قصد التعليق بالمشيئة
والتبرك، وبه صرح شيخنا في الروضة خلافا لسبطه في الشرح، فقال بالفرق واختصاص
الحكم بالأول ".
قلت: الظاهر أن الذي دعاه إلى ذلك ضعف خبر السكوني (5) متنا ودلالة
عن إثبات أصل الحكم، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن من الفتاوى الجابرة له. ومن
ذلك يعلم أنه لا وجه لرده في الرياض بالانجبار، ضرورة عدم معلوميته في الفرض، بل
ربما يظهر من بعض تعليلاتهم خلافه.
ثم إن ظاهر النص والفتوى أن ذلك كذلك. * (إذا اتصل) * الاستثناء
* (باليمين أو انفصل بما جرت العادة) * به في الكلام الواحد، كالتنفس والسعال
والتثؤب ونحوهما مما لا يخل بالمتابعة عرفا، ل‍ * (أن الحالف لم يستوف غرضه و) *

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 46
(2) الوسائل الباب - 25 و 26 و 27 و 29 - من كتاب الأيمان.
(3) الوسائل الباب - 25 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 29 - من كتاب الأيمان الحديث - 0 -.
(5) الوسائل الباب - 28 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
243

لم يتم ما أراد أن يحلف عليه.
نعم * (لو تراخي عن ذلك من عذر حكم باليمين ولغا الاستثناء) * بلا
خلاف أجده بيننا، للخروج عن العادة وإطلاق أدلة حكم اليمين واستصحابه، بل
في كشف اللثام " لو أثر مطلقا لم يتحقق حنث إلا في واجب أو مندوب أو مع
الغفلة عنه رأسا، لجواز أن يستثنى إذا شاء أن يحنث، خلافا للمحكي عن الحسن
وعطا من أن له ذلك ما دام في المجلس " ولا ريب في ضعفه.
هذا * (و) * لكن مع ذلك أصل اعتبار المشيئة مع التراخي * (فيه رواية مهجورة) *
لم يعمل بها أحد من أصحابنا، بل ولا من العامة، وهي صحيحة عبد الله بن ميمون
القداح (1)، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: للعبد أن يستثنى ما بينه
وبين أربعون يوما إذا نسي " وزاد في رواية الفقيه (2) " إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه
أناس من اليهود فسألوه عن أشياء فقال: تعالوا غدا أحدثكم ولم يستثن، فاحتبس
جبرئيل أربعين يوما ثم أتاه، وقال: ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن
يشاء الله، واذكر ربك إذا نسيت " (3).
وفي خبره الآخر عنه عليه السلام (4) أيضا قال أمير المؤمنين عليه السلام: " الاستثناء في
اليمين متى ما ذكر وإن كان بعد أربعين صباحا، ثم تلا هذه الآية: واذكر ربك
إذا نسيت ".
وراية حمزة بن حمران (5) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز
وجل: (6) واذكر ربك إذا نسيت، قال: ذلك في اليمين إذا قلت: والله لأفعلن
كذا وكذا، فإذا ذكرت أنك لم تستثن فقل: إنشاء الله ".

(1) الوسائل الباب - 29 - من كتاب الأيمان الحديث 6 - 7.
(2) الوسائل الباب - 29 - من كتاب الأيمان الحديث 6 - 7.
(3) سورة الكهف: 18 - الآية 24.
(4) الوسائل الباب - 29 - من كتاب الأيمان الحديث 4 - 1
(5) الوسائل الباب - 29 - من كتاب الأيمان الحديث 4 - 1
(6) سورة الكهف: 18 - الآية 24.
244

ورواية الحلبي وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام (1)
" في قول الله عز وجل: واذكر ربك إذا نسيت، قال: إذا حلف الرجل فنسي أن
يستثني فليستثن إذا ذكر ".
ورواية حسين القلانسي أو بعض أصحابه (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " للعبد
أن يستثني في اليمين فيما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي ".
وخبر زرارة (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل واذكر ربك
إذا نسيت، فقال: إذا حلفت على شئ ونسيت أن تستثني فاستثن إذا ذكرت ".
إلا أنها أجمع لا صراحة فيها في التأثير مع التأخير، ولعله لذا حملت على
التعليق بالمشيئة نية ولكن نسي التلفظ بها، أو على ضرب من الندب في اليمين
والوعد، نحو خبر مرازم (4) قال: " دخل أبو عبد الله عليه السلام يوما إلى منزل
معتب وهو يريد العمرة، فتناول لوحا فيه كتاب فيه قسمة أرزاق العباد وما يخرج
لهم، فإذا فيه لفلان وفلان وفلان وليس فيه استثناء فقال: من كتب هذا الكتاب
ولم يستثن فيه؟ كيف ظن أنه يتم؟ ثم دعى بالدوات فقال: ألحق فيه إنشاء الله،
فألحق فيه في كل اسم إنشاء الله ".
وخبر أبي بصير (5) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث " إن قريشا سألوا
رسول الله صلى الله عليه وآله: عن مسائل: منها قصة أصحاب الكهف، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: غدا
أخبركم ولم يستثن، فاحتبس الوحي أربعين يوما حتى اغتم وشك أصحابه،
فلما كان بعد أربعين صباحا نزل عليه سورة الكهف - إلى أن قال -: ولا تقولن
لشئ - إلى آخرها - فأخبره أنه احتبس الوحي عنه أربعين صباحا، لأنه قال
لقريش: غدا أخبركم بجواب مسائلكم ولم يستثن ".

(1) الوسائل الباب - 29 - من كتاب الأيمان الحديث 2 - 3 - 5.
(2) الوسائل الباب - 29 - من كتاب الأيمان الحديث 2 - 3 - 5.
(3) الوسائل الباب - 29 - من كتاب الأيمان الحديث 2 - 3 - 5.
(4) الوسائل الباب - 26 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 27 - من كتاب الأيمان الحديث.
245

وخبر سلام بن المستنير (1) عن أبي جعفر عليه السلام " في قول الله (2) ولقد
عهدنا إلى آدم من قبل. الآية فقال: إن الله عز وجل لما قال لآدم: ادخل
الجنة، قال له: يا آدم لا تقرب هذه الشجرة، قال: وأراه إياها، قال آدم لربه:
كيف أقربها وقد نهيتني عنها أنا وزوجتي؟ قال: فقال لهما: لا تقرباها يعني
لا تأكلا منها، فقال آدم وزوجته: نعم يا ربنا لا نقربها ولا نأكل منها، ولم
يستثنيا في قولهما: نعم، فوكلهما لله في ذلك إلى أنفسهما وإلى ذكرهما، قال:
وقد قال الله عز وجل لنبيه في الكتاب (3): ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا
إلا أن يشاء الله أن لا أفعله، فتسبق مشيئة الله أن لا أفعله فلا أقدر أن أفعله،
قال: فلذلك قال الله عز وجل لنبيه (4) واذكر ربك إذا نسيت، أي استثن
مشيئة الله في فعلك ".
* (و) * كيف كان فالمشهور على ما اعترف به غير واحد: أنه * (يشترط
في الاستثناء النطق، ولا يكفي النية) * لا طلاق الأدلة وعمومها المقتصر في تقييدها
وتخصيصها على المتيقن الذي هو النطق دون غيره، خصوصا بعد البناء على أن
الحكم تعبدي محض، خلافا للفاضل في المختلف فاكتفى بها، وتبعه في كشف
اللثام، لما عرفت من اعتبار النية في انعقاد اليمين، فإذا لم ينو فعل القسم عليه إلا
معلقا بالمشيئة فلم ينو الحلف عليه مطلقا، فلم ينعقد إلا معلقا بها، وفي الدروس
" ولا تكفي النية وإن اقترنت باليمين، قاله في المبسوط وتبعه ابن إدريس، وفي
النهاية يكفي إن حلف سرا، وفي المختلف يكفي مطلقا، وهو قوي، وعليه حمل
رواية عبد الله بن ميمون (5) جواز استثناء الناسي إلى أربعين يوما ".
وفيه أن الاستثناء المزبور عند القائل به لا يتقيد بالمدة المزبورة، ودعوى

(1) الوسائل الباب 25 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(2) سورة طه: 20 - الآية 115.
(3) سورة الكهف: 18 - الآية 23 و 24.
(4) سورة الكهف: 18 - الآية 23 و 24.
(5) الوسائل الباب - 29 - من كتاب الأيمان الحديث 6.
246

أن التقييد بها وارد مورد المبالغة يدفعها أن الأزيد من ذلك أبلغ، ولعله لذا أجاب
عنها المصنف بالهجر.
وأما ما حكاه عن النهاية فلعله لما في كشف اللثام عن بعض الكتب عن الباقر
عليه السلام (1) " إذا حرك بها لسانه أجزأ وإن لم يجهر، وإن جهر بها إن كان
جهر باليمين فهو أفضل " ونحوه قول الصادق عليه السلام في خبر السكوني: (2) " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: من حلف سرا فليستثن سرا، ومن حلف علانية فليستثن علانية "
وعلى كل حال فلا مخالفة فيهما للمطلوب كفتوى النهاية، ضرورة كون محل
البحث تركها سرا وعلانية، والاقتصار على نيتها.
هذا وفي القواعد " ولو قال: لأشربن اليوم إلا أن يشاء الله أو لا أشرب إلا
أن يشاء الله لم يحنث بالشرب ولا بتركه فيهما، كما في الاثبات " أي كما أنه يوقف
اليمين فلا يحنث بالفعل ولا بالترك لمنعه من الانعقاد فكذا بصيغة الاستثناء،
لاتحاد المعنى.
وفي كشف اللثام " وقد يقال هنا بالحنث بالترك في الأول والفعل في الثاني
لاشتراط الحل، وهو فعل خلاف المحلوف عليه، وهو الترك في الأول والشرب
في الثاني بالمشيئة، فما لم يعلم تحققها لم يجز له خلاف المحلوف عليه، بخلاف
الاثبات، فإنه يتضمن اشتراط العقد أي فعل المحلوف عليه بالمشيئة. ويدفعه أن
المباحات يتساوى فعلها وتركها في تعلق مشيئة الله، ووقوع كل منهما كاشف
عن التعلق، نعم يفترق الحال في التعليق بمشيئة غيره تعالى كما سيأتي " انتهى.
وفي المسالك " ولو قال: والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله أو لا أفعلن
إلا أن يشاء الله فوجهنا: أشهرهما أنه كالأول، فلا يحنث بالفعل ولا بعدمه،
ويحتمل الحنث في الأول إن لم يفعل، وفي الثاني إن فعل، لأن شرط منع

(1) دعائم الاسلام ج 2 ص 95.
(2) الوسائل الباب - 25 - من كتاب الأيمان الحديث 2.
247

الحنث مشكوك فيه ".
قلت: لا ينبغي التأمل في تفاوت المفهوم من قوله: " إن شاء الله " و " إلا أن يشاء
الله " في حد ذاتهما، لكن الدليل الذي هو خبر السكوني (1) وغيره شامل لهما،
وقد عرفت بناء المسألة عندهم على التقييد، كما أن مقتضاه أيضا عدم الفرق بين
تقديم المشيئة على المحلوف عليه وتأخيره عنه وتوسطه، بل الظاهر الصحة مع
التأخير وإن لم يكن عازما عليه من ابتداء اليمين، بل عزم عليه في أثنائه أو بعده
بلا فصل، كما صرح به غير واحد، إن احتملوا مع ذلك العدم اقتصار على المتيقن،
هذا كله في التعليق في مشيئة الله تعالى.
أما تعليقها على مشيئة غيره فلا إشكال ولا خلاف في جوازها أيضا، لاطلاق
الأدلة سواء كان التعليق لعقدها أو لحلها، * (و) * حينئذ ف‍ * (لو قال:) * والله
* (لأدخلن الدار) * (2) اليوم * (إن شاء زيد) * مثلا * (فقد علق) * عقد
* (اليمين على مشيئته) * على وجه كانت شرطا في ذلك. * (فإن قال: شئت انعقدت
اليمين) * لتحقق الشرط حينئذ، فإن ترك حنث. * (وإن قال: لم أشأ لم
تنعقد) * اليمين، لفقد الشرط * (و) * كذا * (لو جهل حاله إما بموت أو غيبة) *
أو غيرهما * (لم تنعقد اليمين، لفوات الشرط، ولو قال:) * والله * (لأدخلن
الدار إلا أن يشاء زيد فقد عقدت اليمين) * ولكن له حلها بالدخول قبل مشيئته،
سواء شاء بعد ذلك أو لا، لحصول الحل بفعل مقتضي اليمين، فلا تؤثر المشيئة بعده
فيه، كما أنها تنحل بما اشترطه في حلها من مشيئة زيد أن لا يدخل، فإن لم
يدخلها وشاء زيد أن لا يدخلها بر بمشيئته أيضا * (و) * ذلك لأنه * (جعل
الاستثناء مشيئة زيد، فإن قال زيد: قد شئت أن لا يدخل فقد وقفت اليمين) * أي
انحلت، لأن متعلق المشيئة المذكورة هو عدم دخوله، فكأنه قال: " لأدخلن
إلا أن يشاء زيد أن لا أدخل " فلا ألتزم بالدخول * (لأن) * المستثنى والمستثنى

(1) الوسائل الباب - 28 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(2) وفي الشرائع: " لا أدخل الدار ".
248

منه متضادان، ولذا كان * (الاستثناء) * من النفي إثباتا أو * (من الاثبات نفي‍) * ا
ولما كان المحلوف عليه إثبات الدخول كان الاستثناء عدم الدخول، فإذا شاءه فقد
حل اليمين، ولو فرض أنه قد شاء الدخول فاليمين بحالها، لأن مشيئته بالفعل
غير مستثناة.
وكذا لو جهل حال مشيئته، لأن الانعقاد حاصل، وإنما الحل مشروط
بمشيئته عدم الدخول، ولم يحصل الشرط الذي مقتضي الأصل عدمه، فلم يقع الحل.
وكذا الكلام لو كان متعلق اليمين النفي فله اشتراط عقدها حينئذ بذلك،
بأن يقول مثلا: " والله لا دخلت الدار إن شاء زيد أن لا أدخلها " والبحث فيه كالسابق
في أنه قال: " شئت " انعقدت اليمين، لوجود الشرط، وإن قال لم أشأ لم
تنعقد، لفوات الشرط.
وكذا لو جهل حال مشيئته لموت أو غيبة، لعدم حصول شرط الانعقاد، كما
هو واضح.
* (و) * له اشتراط حلها بذلك كما * (لو قال:) * والله * (لا دخلت) *
الدار * (إلا أن يشاء فلان) * دخولها، والكلام فيه كالساق أيضا إلا أن المستثنى
منه نفي فيكون الاستثناء إثباتا، فكأنه قال: " لا دخلتها إلا أن يشاء زيد أن
أدخل ف‍) * إن * (قال) * فلان: * (قد شئت أن تدخل فقد سقط حكم اليمين ل‍) * ما
عرفت من * (أن الاستثناء من النفي إثبات) * وحينئذ فإن دخل بعد ما شاء بر
يمينه، كما أنه يبره أيضا إن لم يدخل قبل مشيئة الدخول، نعم إن دخل وقد شاء
أن لا يدخل حنث ولا تنفع مشيئة الدخول بعد ذلك، وإن لم تعرف المشيئة فهي
منعقدة أيضا كما عرفت. هذا ما اقتضاه لفظ الاستثناء عند الاطلاق أو مع قصده.
أما لو قصد في استثنائه عكس ذلك بأن قال: " أردت بالاستثناء مخالفة
مشيئته " فأردت بقولي: " لأدخلن الدار إلا أن يشاء أن أدخل " فإني أخالفه
ولا أدخل، وبقوله " لا أدخل إلا أن يشاء أن لا أدخل " فإني أخالفه وأدخل
قبل منه ودين بنيته، وانعكس الحكم. إن شاء في الأول قبل أن يدخل انحلت
249

اليمين وارتفع وجوب الدخول، لوقوع الشرط وإن شاء أن لا يدخل في الثاني
انحلت اليمين أيضا، لوجود شرط الحل، والتضاد بين المستثنى والمستثنى منه
حاصل على هذا التقدير أيضا، والحكم مع الجهل بمشيئته كالسابق.
والضابط أنه كلما كان العقد موقوفا وجهل الشرط فلا عقد، وكلما كان
الحل موقوفا فهي منعقدة إلا مع علم شرط الحل.
ولو فرض أنه قصد الحلف أيضا على المستثنى كالمستثنى منه دين بقصده، ولو
جهل قصده مع الاطلاق في صورة الحل بعد العلم بكون المراد أحدهما فمع فرض
تبادر مشيئة عدم الدخول في صورة الاثبات والدخول في صورة النفي كما هو الظاهر
انصرف إليه وإلا بطل، للاحتمال المفضي إلى جهل الاستثناء الموقف لليمين.
* (و) * كيف كان ف‍ * (لا يدخل الاستثناء) * بمشيئة الله تعالى المراد بها
الايقاف * (في غير اليمين) * الذي ثبت بدليله، فلا يقاس عليه غيره، لحرمته عندنا
خصوصا بعد ما سمعت من الأدلة في محلها على اعتبار التنجيز في العقود والايقاعات
إلا ما خرج بالدليل منها وهو مناف لذلك، ضرورة كونه تعليقا.
لكن عن الشيخ قول بصحته في الطلاق والعتاق والاقرار، بمعنى أنه يوقفه،
لاطلاق ما دل على دخوله في اليمين مع دعوى أن تعليق الطلاق والعتق والاقرار
على المشيئة يمين أيضا وإن لم يكن بالله، كما مر عليه التنبيه في باب الظهار (1)
بل قد عرفت تقارب اليمين والشرط، وهو كما ترى إلا أن قوله المزبور الذي
هو: " الايقاف بمعنى البطلان " فهو متحد مع القول بالبطلان مع التعليق على
الشرط الفاسد، وإنما يخالفه القول بصحة العقد والايقاع واختصاص البطلان بالشرط
كما عن ابن إدريس، وقد عرفت ضعفه في محله وأن الأصح بطلانهما معا، كما
هو المحكي عن الشيخ أيضا في الخلاف.
* (وهل يدخل) * أي الاستثناء * (في الاقرار؟ فيه تردد) * وخلاف
* (والأشبه) * الأشهر بل المشهور * (أنه لا يدخل) * بل يكون تعقبه إياه

(1) راجع ج 33.
250

كتعقب الاقرار بالمنافي، فيلغو الاستثناء ويلزم الاقرار، خلافا لمن عرفت ممن
قال بدخوله فيه موقفا له عليها، لأصالة براءة الذمة، لكنه واضح الضعف،
ضرورة كون الاقرار إخبارا وقد عرفت عدم قابليته للتعليق، فهو أولى بالجزم
من الطلاق والعتق، فمن الغريب تردد المصنف فيه وجزمه بالأولين، والله
العالم.
* (والحروف التي يقسم بها) * بشهادة أهل اللسان ثلاثة: وهي * (الباء
والواو والتاء) * بل قيل: إن أصلها الباء التي تدخل على الظاهر والمضمر بخلافهما
وتليهما الواو التي تدخل على الأسماء الظاهرة جميعها بخلاف التاء المختصة بالقسم
بلفظ الجلالة، كقوله تعالى (1) " تالله تفتؤ تذكر يوسف " و " تالله لأكيدن
أصنامكم " (2) نعم ربما قيل: " ترب الكعبة " و " تالرحمن " لكنه نادر.
وعلى كل حال فلا شبهة في انعقاد القسم بقوله: " بالله لأفعلن " مع
إرادته.
بل في المسالك " يحمل عليه عند الاطلاق، لاشتهار الصيغة في الحلف شرعا
وعرفا ولو قال: لم أرد به اليمين، وإنما أردت وفقت بالله أو اعتصمت به أو أستعين
أو أؤ من ثم ابتدأت لأفعلن فوجهان أظهرهما القبول إذا لم يتعلق به حق
آدمي، كما لو ادعى عدم القصد، وهذا بخلاف ما لو أتى بالتاء أو الواو " قلت:
هو لا يخلو من نظر لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما أسلفناه في مسألة دعوى عدم
القصد، له لعل كلامه هنا لا يخلو من منافاة لكلامه السابق في الجملة، بل يمكن
النظر أيضا فيما يظهر منه من التفصيل بين حق آدمي وغيره باعتبار أن القسم وإن
تعلق بآدمي فهو حق لله في عنقه تجب عليه الكفارة مع عدم فعله، لا أنه يتعلق
به حق المطالبة والمقاصة ونحوها، مع احتماله كما تسمعه في النذر إنشاء الله.
* (وكذا) * ينعقد اليمين * (لو خفض ونوى القسم من دون النطق ب‍) * أحد

(1) سورة يوسف: 12 - الآية 85.
(2) سورة الأنبياء: 21 - الآية 57.
251

* (حروف القسم) *، فقال: الله لأفعلن ولكن * (على تردد) * ينشأ من
وروده لغة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله: " وكأنه الله (1) ما أردت إلا
واحدة " وكون الجر مشعرا بالصلة الخافضة، وبناء اللغة على الحذف والتقدير،
ومن استمرار العادة على الحلف بغير هذه الكيفية، بل لا يعرف ذلك إلا خواص
الناس، والأصل البراءة، وعن الشيخ في الخلاف اختياره.
ولكن لا يخفى عليك أن * (أشبهه الانعقاد) * لاندراجه في إطلاق الأدلة
بعد أن يكون صحيحا في اللغة، نعم لو رفع أو نصب أشكل إجراء حكم اليمين
بأنه لحن، لكن في المسالك الوجهان، بل قال: " أولى بالوقوع هنا مع النصب،
لجوازه بنزع الخافض " وفيه أنه غير مطرد، والفرق بينهما وبين الأول واضح،
ولعله لذا اقتصر المصنف عليه.
ولو قال باله وشدد اللام وحذف الألف بعدها فهو غير ذاكر لاسمه تعالى
صريحا، فإن البله هي الرطوبة، لكن في المسالك " إن نوى به اليمين انعقد،
لأنه لحن شائع في ألسنة العوام والخواص، وقد يستجيز العرب حذف الألف في
الوقف لأن الوقف يقتضي إسكان الهاء، فالوجه وقوع اليمين به مع قصده ".
وفيه ما لا يخفى بعد فرض كونه لحنا، ضرورة اشتراط الجريان على القانون
العربي في الصيغة العربية في القسم وغيره، نعم إن ثبت ما ذكره من جواز حذف
الألف في الوقف مطردا على وجه يشمل المقام وفرض حصوله كذلك اتجه
الانعقاد حينئذ.
* (ولو قال: ها لله كان يمينا) * بلا خلاف ولا إشكال، لأنه مما يقسم به
لغة، وتقديره في مثل " لا ها الله فعلت " لا والله فعلت " وها التنبيه يؤتي بها في
القسم عند حذف حرفه، بل عن ابن هشام في المغني أنه يجوز في الصيغة المزبورة

(1) هكذا في النسختين الأصليتين المبيضة والمسودة والظاهر أنه سهو من قلمه
الشريف والصحيح كما جاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وآله لركانة: " " الله ما أردت إلا
واحدة " راجع سنن البيهقي ج 7 ص 342.
252

حذف الهمزة ووصلها مع اثبات الألف وحذفها.
* (وفي) * الانعقاد ف‍ * (أيمن الله تردد من حيث هو جمع يمين) * عند
الكوفيين، وإن أورد عليه بجواز كسر همزته وفتح ميمه، ولا يجوز مثل ذلك في
الجمع من نحو " أفلس " و " أكلب " لكن عليه يكن القسم به لا بالله، بل وعلى
القول الآخر يكون القسم بوصف من أوصافه الذي هو اليمن والبركة لا باسمه.
* (و) * لكن * (لعل الانعقاد أشبه لأنه موضوع للقسم بالعرف) * بل ينبغي
الجزم به بعد ما سمعت من النص عليه، ولا مدخلية لكونه رأسا أو حرفا مفردا
مشتقا من اليمن أو جمعا في ذلك بعد تعارف القسم به، والغالب فيه رفعه على الابتداء
وإضافته إلى اسم الله، والتقدير " أيمن الله قسمي " ولكن يجوز جره بحرف القسم
وإضافته إلى الكعبة وكاف الضمير.
* (وكذا) * الكلام في * (" أيم الله " و " من الله " و " م الله ") * مما هو
مقتضب من " أيمن " تخفيفا بحذف بعض حروفه وإبداله لكثرة الاستعمال، بل
عن ابن آوى في استدراك الصحاح في هذه الكلمات إحدى وعشرون لغة: أربع
في " أيمن " بفتح الهمزة وكسرها مع ضم النون وفتحها، وأربع في " ليمن "
باللام المكسورة والمفتوحة والنون المفتوحة والمضمومة، ولغتان في " يمن " بفتح
النون وضمها، وثلاث لغات في " أيم " بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم، وبفتح
الهمزة مع فتح الميم، ولغتان في " إم " بكسر الميم وضمها مع كسر الهمزة فيها،
وثلاث في " من " بضم الميم والنون وفتحها وكسرها، و " م الله " بالحركات الثلاث،
وكل ذلك يقسم به، في كشف اللثام " هيم الله " بفتح الهاء المبدلة من الهمزة،
والله العالم.
253

* (الثاني) *
* (الحالف) *
* (ويعتبر فيه البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد) * بلا خلاف أجده
في شئ من ذلك، بل ولا إشكال كما في غيره من العقود والايقاعات، بل على
الأخير منها هنا الاجماع، عن ظاهر الغنية والدروس وغيرهما، مضافا إلى قوله
تعالى (1): " ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم " فإن كسب القلوب النية
والقصد، وكذا قوله تعالى (2): " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان "
خصوصا بعد رعاية المقابلة باللغو الذي قد سمعت النصوص (3) السابقة فيه الدالة
على المطلوب أيضا وكأن إعادة المصنف ذكره هنا مع ذكره سابقا اعتبار القصد
في الصيغة إما لبيان أنه كما يصلح شرطا لها يصلح شرطا له أيضا، أو للتنبيه على
مغايرته لها من وجه، بأن يراد منه اتصاف الحالف به في نفسه سواء ربطه بمقصود
أم لا، وبالنية ربط القصد بالصيغة الدالة على الحلف، كما ينبه عليه نشره، فإنه
أخرج باشتراط قصده السكران والغضبان الذي لا يملك نفسه، فإنهما لا قصد
لهما في أنفسهما، بخلاف الكامل الخالي من موانع القصد، فإنه قاصد في الجملة،
لكن قد يربط قصده بالصيغة، فيكون قاصدا ناويا، وقد لا يتوجه بقصده إليها،
فيكون لاغيا بحلفه، ولعله لذا اعتبر الفاضل في الإرشاد في الحالف أن يكون

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 225.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
(3) الوسائل الباب - 17 - من كتاب الأيمان.
254

قاصدا ناويا، وربما تسمع زيادة تحقيق لذلك إنشاء الله.
وعلى كل حال * (فلا ينعقد يمين الصغير) * وإن كان مميزا قد بلغ عشرا
وإن تعلق بما جاز له من الوصية.
* (ولا المكره) * لعموم ما دل على (1) أن الاكراه أحد الأمور التي
رفعت عن الأمة، وخصوص خبر عبد الله بن سنان (2) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام:
لا يمين في غضب ولا في قطعية رحم ولا في جبر ولا في إكراه، قال: قلت: أصلحك
الله فما فرق بين الجبر والاكراه؟ قال: الجبر من السلطان، ويكون الاكراه من
الزوجة والأم والأب وليس ذلك بشئ ".
* (ولا المجنون) * مطبقا أو أدوارا لسلب عبارته * (ولا السكران) * لعدم
قصده أو عدم العبرة بقصده، بل * (ولا الغضبان إلا أن يملك نفسه) * على وجه
يكون كغير الغضبان بالنسبة إلى عقد اليمين، فتشمله العمومات حينئذ بخلاف الأول
المنزل عليه قوله عليه السلام (3) " لا يمين في غضب ".
إلا أن الانصاف ظهور ذكر الغضبان هنا نصا وفتوى دون باقي العقود
والايقاعات، وكذا قول المصنف وغيره: * (وتنعقد اليمين بالقصد) * مضافا إلى
ما سمعته من الجمع بين النية والقصد في عبارة الإرشاد، بل وغيره كالمصنف الذي
قد ذكر أولا اعتبار النية فيه بالصريح والكناية، وثانيا اعتبار القصد في الحالف،
وثالثا أنه ينعقد بالقصد، وقبول دعوى عدم القصد منه وإن كان اللفظ صريحا وغير
ذلك، في زيادة اليمين باعتبار قصد آخر فيه غير قصد باقي العقود والايقاعات،
وأنه لا يكفي في انعقاده مجرد القصد إلى إنشاء صيغة الصريحة، كما في صيغ
العقود والايقاعات، بل لا بد مع ذلك من قصد العقد والربط بصيغة اليمين، وهو
المراد بالنية.

(1) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الأيمان والباب - 56 - من أبواب جهاد
النفس من كتاب الجهاد.
(2) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الأيمان الحديث 1
(3) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الأيمان الحديث 1
255

ومن هنا لم يحكم على الحالف بالصيغة الصريحة بانعقاد يمينه إلا أن يضم
مع ذلك قرائن قطعية تدل على ذلك، وإلا فمجرد التلفظ بصيغة اليمين لا يحكم
عليه بانعقاد اليمين عليه على وجه تجب عليه الكفارة وإن علم منه إرادة الحلف
الذي هو أعم من اليمين المنعقدة التي هي من كسب القلب، وهو معنى قول المصنف وغيره:
إنها تنعقد بالقصد وإنه لا بد في اليمين من النية وغير ذلك مما ذكروه في اليمين
دون غيره من العقود والايقاعات، والتأمل فيه يشرف الفقيه على القطع بمدخلية
قصد خاص في انعقاد اليمين.
ولعله لذلك أطلق في الرواية (1) أنه " لا يمين في غضب " باعتبار غلبة
إثارة الغضب للحلف من دون ملاحظة العقد، وكذا ما يحصل من اليمين بإكراه
الزوجة والأم والأب وغيرهما.
بل لعله إلى ذلك يرجع ما في الكفاية، قال: " ويدخل في يمين اللغو كل
يمين لفظا لم يقرن بها نيتها، كسبق اللسان بعادة أو غير عادة، أو جاهلا بالمعنى،
أو للغضب المسقط للقصد، أو لمجرد النفي والاثبات كذلك ".
بل ولعله إليه يرجع ما في المسالك في شرح قول المصنف " وينعقد بالقصد "
قال: " لا شبهة في انعقادها بالصيغة مع باقي الشرائط، وإنما الغرض أنها لا تنعقد
بدونه، فالمقصد من العبارة مفهومها لا منطوقها، ونبه بذلك على خلاف بعض العامة،
حيث حكم بانعقاد اليمين بالقسم الصريح وإن لم يقصد، وإنما يتوقف على القصد
ما ليس بصريح، كالكناية بالحق والقدرة والكلام ونحو ذلك " خصوصا مع ملاحظة
كلامه السابق على هذا، والله العالم.
* (ويصح اليمين من الكافر) * وإن كان كفره بجحود الخالق * (كما يصح
من المسلم) * كما عن الشيخ وأتباعه وأكثر المتأخرين، لاطلاق الأدلة وعمومها
كتابا (2) وسنة (3) اللذين لا ينافيهما كفره بعد أن كان مخاطبا بفروع

(1) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
(3) الوسائل الباب - 15 - و 30 من كتاب الأيمان
256

الشريعة، ولعموم قوله صلى الله عليه وآله: (1) " البينة على المدعي واليمين على من أنكر "
ولازم ذلك توجه اليمين على الكافر وإن كان جاحدا ولا قائل بالفصل، بل قد يدل
انعقادها في مثل ذلك الذي قد يتعلق بالفروج والدماء والأموال على انعقادها في
غيره بطريق أولى.
بل منه يظهر فساد ما تسمعه من التعليل للعدم بعدم معرفة الكافر بالله
المقتضي لعدم اعتبار اليمين منه مطلقا، وقال الصادق عليه السلام في خبر جراح المدائني (2)
" لا يحلف بغير الله، وقال: اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلفوهم إلا بالله عز
وجل " وقال الحلبي في الصحيح (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أهل الملل
يستحلفون فقال: لا تحلفوهم إلا بالله عز وجل " وسأله سماعة (4) أيضا " هل
يصلح لأحد أن يحلف أحدا من اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم؟ قال: لا يصلح
لأحد أن يحلف إلى بالله عز وجل " ونحوه صحيحة الآخر (5) كل ذلك
مضافا إلى النصوص الناهية عن عدم الرضا إذا حلف له بالله (6).
ومن الغريب بعد ذلك كله المعتضد بعمل الأكثر بل المشهور مناقشة فاضل
الرياض بعدم إطلاق يشمل مفروض المسألة لاختصاصه في الكتاب وبعض السنة
بمقتضى قاعدة خطاب المشافهة بحاضر مجلسه والمتيقن منهم المسلمون خاصة
والتعدية إلى غيرهم ومنهم الكفار مطلقا يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة،
إذ ليست إلا الاجماع، وهو مفقود في محل النزاع، وأما إطلاق باقي السنة فغير
نافع أيضا لوروده لبيان حكم آخر غير حكم المسألة، ولا اعتداد بمثلها فيها كما

(1) الوسائل الباب - 3 - من كيفية الحكم الحديث 5 وفيه " البينة على المدعي
واليمين على المدعى عليه " وفي المستدرك الباب - 3 - منها الحديث 4 وسنن البيهقي
ج 10 ص 252 " البينة على المدعي واليمين على من أنكر ".
(2) الوسائل الباب - 32 - من كتاب الأيمان الحديث 2 - 3 - 5.
(3) الوسائل الباب - 32 - من كتاب الأيمان الحديث 2 - 3 - 5.
(4) الوسائل الباب - 32 - من كتاب الأيمان الحديث 2 - 3 - 5.
(5) الوسائل الباب - 32 - من كتاب الأيمان الحديث 5 بسند الشيخ (قده).
(6) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الأيمان والمستدرك الباب - 4 - منه.
257

مر غير مرة، وأما الصحيحان فليسا من مفروض المسألة، لكون اليمين على المستقبل
الموجب مخالفتها للحنث والكفارة، ولا كذلك موردهما، لتعلقه باستحلافهم في مقام
الدعوى، وهو غير الحلف الذي قدمناه.
ولا يخفى عليك ما في آخر كلامه بعد ما ذكرناه كما اعترف هو به
بعد ذلك، بل ولا أول كلامه، ضرورة ثبوت قاعدة الاشتراك في التكاليف بين
المسلم وغيره والذكر والأنثى والحر والعبد من غير حاجة إلى عموم في
خصوص كل مورد، بل لا ينافيها المباشرة الخطابية، نحو " أوفوا بالعقود " (1)
ونحوه كما هو واضح بأدنى تأمل.
ومن ذلك كله يعلم ما في المحكي عن الشيخ في الخلاف في المتن وغيره بقوله:
* (وقال في الخلاف: لا يصح) * مع أن المحكي عنه فيه أيضا الرجوع عن ذلك إلى
الأول، بل ربما كان ذلك اتفاقا من الجميع عدا ابن إدريس المعلوم نسبه، فيفيد
المسألة زيادة قوة، خصوصا بعد وضوح ضعف ما ذكر دليلا له من الأصل
المقطوع بما عرفت، ومن أن الكافر لا معرفة له بالله الذي قد عرفت ما فيه،
مع أنه غير شامل لمن كان كفره بما لا ينافي معرفة الله، ومن أن " الاسلام يجب
ما قبله " (2) المراد به قطع ما ثبت وجوبه كالصلاة الواجبة ونحوها، وهو غير
منعه عن الثبوت في حال الكفر، فلعل اليمين تنعقد عليهم حال كفرهم بحيث توجب
مخالفتها عليهم الحنث والكفارة، وإسلامهم بعد يجب ما وجب عليه قبله بالمخالفة
من الكفارة.
هذا وفي المسالك وتبعه في الرياض الميل إلى ما عن العلامة من التفصيل بين
الكافر العارف بالله وغيره، فينعقد من الأول دون الثاني، بل في الرياض نسبته إلى

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(2) المستدرك الباب - 15 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 والخصائص
الكبرى ج 1 ص 249 وكنز العمال ج 1 ص 17 الرقم 343 والجامع الصغير ج 1
ص 123.
258

التنقيح وسيد المدارك، بل قال: وعليه كثير ممن تبعهم.
ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، ضرورة صدق الحلف مطلقا
فهو حينئذ من الأسباب التي لا مدخلية للمعرفة بالله وعدمها في ترتب أحكامها،
بل قد يحصل في فساق مظهري الاسلام من هو أقل من الكافر معرفة بالله تعالى
شأنه، وعلى كل حال فلا محيص عما عليه الأصحاب.
وتظهر فائدة الصحة في بقاء اليمين لو أسلم في المطلقة أو قبل خروج المؤقتة،
وفي العقاب على متعلقها لو مات على كفره ولما يفعله، لا في تدارك الكفارة لو
سبق الحنث الاسلام، لأنها تسقط عنه به بلا خلاف يظهر، كما اعترف به في الرياض
وإن حكى عن سيد المدارك التأمل فيه، وهو في غير محله بعد الخبر المزبور (1)
المعتضد بالعمل على وجه يمكن أن يكون إجماعا، كما عن بعض الاعتراف به،
وفحوى سقوط قضاء الصلاة الذي سقوط الكفارة أولى منه.
* (و) * كيف كان فعلى القول بصحة اليمين منه ففي المتن * (في صحة
التكفير منه تردد، منشأه الالتفات إلى اعتبار نية القربة) * به ولم أجده لغيره،
إذ لا ريب في أن الكفارة من العبادات المعتبر في خصالها أجمع نية القربة التي لا تقع
من الكافر على الوجه الذي ذكرنا سابقا، من غير فرق بين الجاحد وغيره.
واحتمال كون المراد من نية القربة قصد التقرب إلى الله سواء حصل
القرب أم لا - نحو ما سمعته في عتق الكافر - واضح الفساد، كاحتمال كون وجهه
أن بعض خصال الكفارة قد يشك في اعتبار نية القربة فيه كالاطعام والكسوة كما
يقوله بعض العامة الذين لم يعتبروا النية إلا في الصوم من خصالها، ضرورة خروجه
عن كلمات الأصحاب وقواعدهم.
وعلى كل حال فتردده في غير محله، ولذا جزم كل من قال بصحة يمينه
بعدم صحة التكفير منه حال كفره، لكن قال: ذلك لا يمنع صحتها وترتب الحنث

(1) المذكور في ص 258 الرقم (2).
259

عليها وعقابه عليها لو مات كافرا.
* (ولا تنعقد من الولد مع والده إلا مع إذنه، وكذا يمين المرأة والمملوك إلا
أن يكون اليمين في فعل واجب أو ترك قبيح) * بلا خلاف في شئ من ذلك في الجملة،
بل عن الغنية الاجماع عليه، لخبر ابن القداح (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يمين
لولد مع والده، ولا للمرأة مع زوجها، ولا للمملوك مع سيده " وصحيح منصور
ابن حازم (2) عنه عليه السلام أيضا قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يمين للولد مع
والده، ولا للمملوك مع مولاه، ولا للمرأة مع زوجها، ولا نذر في معصية، ولا
يمين في قطيعة " ونحوه خبره الآخر (3) عن أبي جعفر عليه السلام، وخبر أنس بن محمد
عن أبيه (4) عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام
قال: " ولا يمين في قطيعة رحم، ولا يمين لولد مع والده، ولا امرأة مع زوجها، ولا
للعبد مع مولاه ".
وعلى كل حال فقد قيل: إن مقتضاها كالعبارة ونحوها عدم الصحة هنا،
لأنه أقرب المجازات إلى نفي المهية بعد تعذر الحقيقة، مضافا إلى شهادة سياق
الصحيح (5) المتضمن لنفي النذر على المعصية المراد منه نفي الصحة إجماعا
بذلك.
ومن هنا كان عدم الصحة خيرة الفاضل في الإرشاد وثاني الشهيدين في المسالك
وغيرهما ممن تبعهما على ذلك، ولأن اليمين إيقاع ولا تقع موقوفة.
هذا ولكن قول المصنف متصلا بما سمعت: * (ولو حلف أحد الثلاثة في غير ذلك
كان للأب والزوج والمالك حل اليمين ولا كفارة) * ظاهر في الصحة بدون الإذن وإن
كان له حلها، وكذا عبارته في النافع، بل وعبارة الدروس، بل في المسالك وعن المفاتيح
نسبته إلى الشهرة، وحينئذ فلو مات الأب أو طلقت المرأة أو أعتق العبد قبل

(1) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الأيمان الحديث 3 - 2
(5) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الأيمان الحديث 3 - 2
260

الحل انعقدت وإن لم نشترط بقاء المبدأ في صدق المشتق، لكن من المعلوم عدم
اشتراط الإذن في الابتداء بعد الموت والفراق والعتق فكذا في استدامتها، بل يتحقق
الحنث والكفارة على هذا القول مع فرض عقدها حال عدم علمهم أو معه ولم يحلوا
أو مضى وقت اليمين، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك من الفرق بين القولين.
ولعل الأخير منهما أقرب، للعمومات الدالة على لزوم الوفاء باليمين،
ولكن ضعفه في الرياض باختصاصها إجماعا بالأيمان الصحيحة، وكون اليمين
منها في المسألة أول الكلام، ودعواه مصادرة، وعلى تقدير تسليمها تخصص
بالمعتبرين (1) الظاهرين في نفي الصحة مفهوما وسياقا، وطرحهما والاقتصار
في التخصيص على المتيقن منه بالاجماع - وهو صورة المنع لا عدم الإذن - لا وجه
له أصلا إلا على تقدير عدم العمل بأخبار الآحاد، أو بالخبرين خاصة باعتبار
تضعيف أحدهما ووجود إبراهيم بن هاشم الذي لم ينص على توثيقه في الآخر،
وأقصاه أنه حسن وليس بحجة، ويضعف الجميع حجية الآحاد المعتبرة الاسناد،
وجواز التخصيص بها للقطعيات كما برهن عليه في محله، ووثاقة إبراهيم على
الرأي الصحيح، مع أن الخبر الذي هو حسن به مروي في الفقيه بطريق صحيح،
وبالجملة فلا ريب في ضعف هذا القول وإن كان للأكثر.
قلت: فيه (أولا) أن تخصص العمومات بالصحيحة يبطل الاستدلال في
كل مقام عليها بأوفوا بالعقود (2) ونحوها، و (ثانيا) أنه قد يقال: إن ظاهر
قوله: " مع والده " نفيها مع معارضة الوالد، إذ تقدير وجوده ليس بأولى من
تقدير معارضته، بل هذا أولى للشهرة والعمومات، بل قد يقال: إنه منساق من
مثل التركيب المزبور، خصوصا مع ملاحظة أن منشأ ذلك تقديم طاعة الوالد
والزوج والسيد على أولئك، فيكون الحاصل أنه لا يمين للولد على فعل شئ مع
إرادة الوالد تركه سواء تقدمت أو تأخرت.

(1) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
261

بل لو لم يكن هذا المراد لما كان وجه لاستثناء الإذن، ضرورة خلو النصوص
المزبورة عن الصحة معها التي لا خلاف فيها بين الأصحاب، بل الاجماع ظاهرا
عليها، وليس إلا لأن المراد من التركيب المزبور ما ذكرناه، ومعها لاحقا أو سابقا
لا معارضة بين الولد والوالد، وليس ذا من الايقاف في شئ، بل أقصاه بقاء
اليمين على مقتضى الصحة التي لم يتحقق معارضة المانع لها وهو النهي.
ومن هنا كان فتوى أكثر الأصحاب على ذلك حتى المصنف ولا تناقض
في كلامه، ضرورة كون المراد بأوله من عدم الانعقاد بقرينة آخره أن للوالد
مثلا الحل، فهي يمين متزلزلة، ويصدق عليها أنها غير منعقدة، لا أن المراد من
عدم انعقادها فسادها حتى يكون منافيا لتفريع الحل، بل لعل التأمل يقتضي القطع
بكون المراد ذلك.
فمن الغريب غفلة هؤلاء المتأخرين عن ذلك مع أنه الأصح، وكذا غفلتهم
عن حكم المستثنى، فإن متأخري المتأخرين أخذوا الأصحاب بأن وجهه غير
واضح، لاطلاق النص، وعدم دليل على إخراج هذا الفرد، وتعين الفعل عليه
وجودا وعدما لا يقتضي ترتب آثار انعقاد الحلف عليه حتى تترتب الكفارة على
الحنث.
وأغرب من ذلك قوله في الرياض: " ويمكن أن يوجه كلام الجماعة بما
لا ينافي ذلك، بأن يراد من الاحلال الأمر بترك ما حلف على فعله، أو فعل ما
حلف على تركه، ونفي جواز الاحلال بهذا المعنى لا ينافي عدم انعقاد اليمين أصلا
وربما يشير إلى إرادة هذا المعنى عبارة الدروس الموافقة للعبارة في الاستثناء، حيث
قال في كتاب النذر وللزوج حل نذر الزوجة فيما عدا فعل الواجب وترك الحرام
حتى في الجزاء عليهما، وكذا السيد لعبده، والوالد لولده على الظاهر فتدبر ".
إذ هو كما ترى مناف لما هو كالصريح في كلامهم من أن الاستثناء من الانعقاد
لا من الاحلال.
بل الوجه في كلامهم عدم شمول النصوص المزبورة لهذا الفرد، ضرورة كون
262

الحاصل منها تقديم طاعة الوالد مثلا لو نهى عن متعلق اليمين على ما يقتضيه
اليمين من الالزام، وهذا في غير الواجب والحرام اللذين لا مدخلية للوالد فيهما،
فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالمراد حينئذ من نفي اليمين مع الوالد في
الفعل الذي يتعلق بفعله إرادة الولد وتركه إرادة الوالد، وليس المراد مجرد نهي
الوالد عن اليمين الذي لا فرق فيه بين الواجب والحرام وغيرهما، بل المراد ما عرفت
مما لا يدخلان هما فيه، فيبقى اليمين والمتعلق بهما على مقتضى وجوب الوفاء باليمين،
كما هو واضح بأدنى وتأمل.
ولعل الاشتباه في المقام نشأ من الاشتباه في المقام الأول، ومن تخيل كون
المانع من الحل الوجوب والحرمة، فناقشوهم بما عرفت، وعبارة الدروس أجنبية
عما ذكره.
هذا وفي الكفاية " ولو ظهر الحنث قبل الإذن فالظاهر أنه لا كفارة عند
الجميع " وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.
* (و) * كيف كان ف‍ * (لو حلف بالصريح وقال لم أرد اليمين قبل منه،
ودين بنيته) * لما عرفت من أعمية صراحة اليمين من العقد به، وليس صراحته
في الدلالة على العقد به بل هي في كونه يمينا، وهو أعم من العقد عليه، بل قد يقال:
لا يحكم عليه بكون اليمين عاقدة بمجرد وقوع الحلف الصريح منه وإن لم يقل
ما لم تكن قرائن قطعية دالة على ذلك، وبذلك افترق اليمين عن العقد والايقاع
المعتبر فيهما القصد أيضا ولكن صيغهما صريحة في إرادة العقد بهما.
كما أنه مما ذكرنا يظهر لك النظر فيما ذكره غير واحد من التعليل هنا
للحكم المزبور بأن القصد من الأمور الباطنة التي لا يطلع عليها غيره، ولجريان
العادة كثيرا باجراء لفظ اليمين من غير قصد، بخلاف الطلاق، فإنه لا يصدق لتعلق
حق الآدمي به، وعدم غلبة عدم القصد فيه، فدعواه القصد خلاف الظاهر،
اللهم إلا أن يتكلف إرجاعه إلى ما قلناه.
ثم قال في المسالك: " ولو فرض اقتران اليمين بما يدل على قصده كان دعوى
263

خلافه خلاف الظاهر فيتجه عدم قبوله من هذا الوجه، ولكن مقتضى العلة الأول
وإطلاق الفتوى القبول، وحق الله لا منازع فيه، فيدين بنيته ".
قلت: ينبغي الجزم به مع فرض كون القرائن الظنية ظنا خارجا عن الحجية،
لعدم كونه ناشئا من لفظ، كما أنه ينبغي عدم الالتفات إلى دعواه مع فرض كون
القرائن قطعية، كما هو واضح.
الأمر * (الثالث) *
* (في متعلق اليمين) *
* (وفيه مطالب) *
المطلب * (الأول:) *
لا خلاف عندنا في أنه * (لا ينعقد اليمين على الماضي نافية أو مثبتة، و) *
حينئذ * (لا يجب بالحنث فيها الكفارة ولو تعمد الكذب) * بل الاجماع
بقسميه عليه، وهي المسماة بالغموس، لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار
قال الصادق عليه السلام (1): " اليمين على وجهين - إلى أن قال -: وأما التي عقوبتها
دخول النار فهو أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم أو على حبس ماله " وقال عليه السلام

(1) الوسائل الباب - 9 - من كتاب الأيمان الحديث 3 وفيه " على مال امرئ
مسلم أو على حقه ظلما " كما في الفقيه ج 3 ص 231 الرقم 1094
264

أيضا (1): " الأيمان ثلاثة: يمين ليس فيها كفارة، ويمين فيها كفارة، ويمين
غموس توجب النار، فاليمين التي ليست فيها كفارة: الرجل يحلف على باب بر
أن لا يفعله، فكفارته أن يفعله، واليمين التي تجب فيها الكفارة: الرجل يحلف
على باب معصية أن لا يفعله فيفعله، فيجب عليه الكفارة، واليمين الغموس التي
توجب النار: الرجل يحلف على حق امرئ مسلم وحبس ماله " إلى غير
ذلك من النصوص، خلافا للشافعي فأوجب فيها الكفارة، ولا ريب في
فساده عندنا.
* (وإنما ينعقد على المستقبل بشرط أن يكون واجبا) * كصلاة الفريضة
وصومها * (أو مندوبا) * كصلاة النافلة وصومها * (أو ترك قبيح) * كزنا ونحوه
* (أو ترك مكروه) * كالتغوط تحت شجرة مثمرة * (أو) * ترك * (مباح يتساوى
فعله وتركه أو يكون الترك أرجح (2)) * بحسب الدنيا لا إذا كان الفعل أرجح
فيها، فإنه لا ينعقد على الترك الذي هو المرجوح * (و) * مع انعقادها * (لو خالف
أثم، ولزمته الكفارة) * بلا خلاف ولا إشكال كما ستعرف.
* (ولو حلف على ترك ذلك) * أي ترك ما يكون فعله أرجح ولو بحسب
الدنيا من المباح * (لم تنعقد ولم تلزمه الكفارة، مثل أن يحلف لزوجته أن لا يتزوج
أو لا يتسرى) * مع أن فعلهما أرجح من تركهما دنيا أو دنيا * (أو تحلف هي كذلك) *
أي أن لا تتزوج مع أن الزوج أرجح لها في الدنيا، قال منصور بن حازم (3):
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة حلفت لزوجها بالعتاق والهدي إن هو مات أن
لا تتزوج بعده أبدا ثم بدا لها أن تتزوج، فقال: تبيع مملوكها، إني أخاف عليها
الشيطان، وليس عليها في الحق شئ، فإن شاءت أن تهدي هديا فعلت " وهو وإن
لم يكن يمينا بالله، مع احتماله وأن الجزاء العتاق والهدي إلا أنه مشعر بما نحن

(1) الوسائل الباب - 9 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(2) وفي الشرائع: " أو يكون البر أرجح ".
(3) الوسائل الباب - 45 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
265

فيه ولو من جهة التعليل بخوف الشيطان بناء على أن المراد منه الخوف من ذلك
إذا لم تتزوج على أنا في غنية عنه بما تسمعه من النصوص الدالة على عدم
انعقادها على مثل هذا مما هو مرجوح دنيا أو آخرة ولو تجدد له ذلك.
وكذا الكلام فيما ذكره المصنف من قوله: * (أو تحلف أنها لا تخرج معه
ثم احتاجت إلى الخروج) * قال عبد الرحمن بن الحجاج (1): " سألت أبا
الحسن عليه السلام عن امرأة حلفت بعتق رقيقها وبالمشي إلى بيت الله أن لا تخرج إلى
زوجها أبدا، وهو ببلد غير الأرض التي هي فيها، فلم يرسل إليها نفقة، واحتاجت
حاجة شديدة ولم تقدر على نفقة، فقال عليه السلام: إنها وإن كانت غضبى فإنها حلفت
حيث حلفت وهي تنوي أن لا تخرج إليه طائعة وهي تستطيع ذلك، ولو علمت
أن ذلك لا ينبغي لها لم تحلف، فتخرج إلى زوجها، وليس عليها شئ في يمينها،
فإن هذا أبر ".
كل ذلك مضافا إلى ما يدل (2) على عدم انعقاد اليمين في هذه الثلاثة، لكونه
من المرجوع دنيا أو دينا من النصوص الآتية مع أنه لا أجد في شئ منها خلافا
كما اعترف به بعضهم، نعم لو فرض رجحان شئ منها دنيا أو دينا لبعض العوارض
انعقدت اليمين، كما عن الشيخ التصريح به في التسري، لعموم ما دل على
انعقادها.
وربما استفيد من عدم انعقاد اليمين لامرأته على ترك التزويج أنه لا يكره
تزويج الثانية فصاعدا وإلا لانعقدت اليمين على تركه، وهو أصح القولين مع
عدم العوارض.
وفي قواعد الفاضل " إنما تنعقد اليمين على فعل الواجب أو المندوب أو
المباح إذ تساوى فعله وتركه في المصالح الدينية أو الدنيوية، أو كان فعله أرجح
أو على ترك الحارم أو المكروه أو المرجوح في الدين والدنيا من المباح، فإن

(1) الوسائل الباب - 45 - من كتاب الأيمان الحديث 2
(2) الوسائل الباب - 18 و 26 - من كتاب الأيمان.
266

خالف أثم وكفر، ولو حلف على فعل حرام أو مكروه أو مرجوع من المباح أو
على ترك واجب أو مندوب لم تنعقد اليمين، ولا الكفارة بالترك، بل قد يجب الترك
في فعل الحرام وترك الواجب أو ينبغي كغيرهما مثل أن يحلف أن لا يتزوج على
امرأته أو لا يتسرى " إلى آخره.
وفي التحرير " متعلق اليمين إن كان واجبا كما إذا حلف أنه يصلي الفرائض
أو يصوم شهر رمضان أو يحج حجة الاسلام أو لا يزني أو لا يظلم أو لا يشرب الخمر
أو غير ذلك من الواجبات انعقدت اليمين، ويجب بالحنث فيهما الكفارة وكذا
إن كان مندوبا، كما إذا حلف أنه يصلي النافلة أو يصوم تطوعا أو يتصدق ندبا
أو يحج مستحبا لا فرق بينهما في الانعقاد وتعلق الكفارة مع الحنث، وإن كان
مباحا كما إذا حلف أنه يدخل النار أو لا يدخلها أو يسلك طريقا دون آخر أو
ما أشبه ذلك فإن كان البر أرجح في الدنيا وجب الوفاء، فإن حنث أثم وكفر، وكذا
إن تساوى الفعل والترك، وإن كان الترك أولى في الدنيا جاز الحنث ولا كفارة،
ولم ينعقد اليمين، وإن كان مكروها مثل أن يحلف أن لا يفعل النوافل أو لا
يتصدق تطوعا لم ينعقد اليمين، ولا كفارة مع الحنث، وإن كان محرما مثل أن
يحلف ليقتلن مؤمنا أو ليفعلن الزنا أو ليقطعن رحمه أو ليهجرن المسلمين لم ينعقد
اليمين، ويحرم البقاء عليها، ويجب الحنث ولا كفارة ".
وفي كشف اللثام في شرح عبارة القواعد المزبورة " والاتيان بالواو
هنا وفي السابق بأو يعطي أنه يكفي في انعقاد اليمين على الفعل الرجحان أو التساوي
دينا أو دنيا وإن كان مرجوحا في الآخر، ولا ينعقد على الترك إلا إذا كان
مرجوحا فيهما، والفرق غير ظاهر، بل إما المراد بالواو " أو " أو العكس، أو المراد
في الأول التساوي في الدين خاصة تساوي في الدنيا أو رجح أو في الدنيا خاصة
تساوي في الدين أو رجح، بأن لا يراد التساوي في أحدهما والمرجوحية في الآخر، وفي
الثاني المرجوحية فيهما جميعا أو بالتفريق، والمراد أن المناط في انعقاد اليمين على
الفعل هو التساوي أو الرجحان في أحدهما، وعلى الترك هو المرجوحية في أحدهما
267

وإن اشترط في الأول أن لا يكون مرجوحا في الآخر " انتهى محتاجا إلى التأمل.
وفي الدروس " متعلق اليمين كمتعلق النذر، ولا إشكال هنا في تعلقها بالمباح،
ومراعاة الأولى في الدنيا أو الدين وترجيح مقتضى اليمين مع التساوي، وهذه
الأولوية متبوعة ولو طرءت بعد انعقاد اليمين، فلو كان البر أولى في الابتداء ثم
صار المخالفة أولى اتبع، ولا كفارة عندنا ".
وفي الكفاية " لا ريب أن متعلق اليمين إذا كان راجحا بحسب الدين والدنيا
انعقدت اليمين وإذا كان مرجوحا في الدين والدنيا لم تنعقد والأصل فيه روايات
متعددة، كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) وحسنة زرارة (2) التي
لا تقصر عن الصحيحة، وصحيحة سعيد الأعرج (3) وغيرها، الظاهر أن متعلق
اليمين إذا كان مرجوحا بحسب الدين لم تنعقد، وجاز تركه، وقد قطع به
الأصحاب، ويستفاد ذلك من أخبار كثيرة، ويبقى الاشكال في الأمر الذي ترجح
بحسب الدين ولم يبلغ حد الوجوب وترجح تركه بحسب الدنيا لتعارض عموم
الأخبار فيه، وظاهر الأصحاب الانعقاد هنا، ويشكل نظر إلى قول أبي عبد الله عليه السلام
في صحيحة زرارة (4): " لا ما كان لك فيها منفعة في أمر الدين أو دنيا فلا شئ
عليك فيها، وإنما تقع عليك الكفارة فيما حلفت عليه مما يعد معصية أن لا تفعله
ثم تفعله " والظاهر عدم انعقاد اليمين إذا كان متعلقها المباح الذي ترجح تركه
بحسب الدنيا نظرا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وآله في صحيحتي سعيد الأعرج (5): " إذا
رأيت خيرا من يمينك فدعها " ويؤيده صحيحة محمد بن مسلم (6) وصحيحة

(1) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 5 - 3 -.
(2) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 5 - 3 -.
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 23 - من كتاب الأيمان الحديث 2 عن أبي جعفر عليه السلام
مع الاختلاف في اللفظ أيضا.
(5) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان الحديث 1 بسندين.
(6) الوسائل الباب - 23 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
268

عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) ومرسلة محمد بن سنان (2) ورواية لعبد الرحمن (3)
ومرسلة ابن فضال (4) ورواية ابن بابويه عن الصادق عليه السلام مرسلا (5) وما
رواه عن سعيد بن الحسن (6) عنه عليه السلام والاشكال ثابت في المباح الذي يتساوى
طرفاه بحسب الدنيا، وقد قطع الأصحاب بالانعقاد هنا، ونقل إجماعهم على ذلك،
ويشكل نظرا إلى رواية زرارة (7) ورواية حمران (8) ورواية عبد الله بن
سنان (9) ورواية أبي الربيع الشامي (10) وما رواه الشيخ عن الحلبي (11)
في الصحيح " كل يمين لا يراد بها وجه الله فليس بشئ في طلاق ولا
غيره ".
وفي اللمعة " ومتعلق اليمين كمتعلق النذر " وفي الروضة " في اعتبار كونه
طاعة أو مباحا راجحا دنيا أو دينا أو متساويا، إلا أنه لا إشكال هنا في تعلقها
بالمباح، ومراعاة الأولى فيهما، وترجيح مقتضى اليمين مع التساوي " إلى غير ذلك
من عباراتهم المتفقة ظاهرا في انعقاد اليمين على المباح المتساوي فعلا وتركا على فعله
أو تركه، فضلا عما إذا كان الحلف في أحدهما مع فرض رجحانه بحسب المصالح
الدنيوية.
نعم لا ينعقد على المرجوح منه دنيا على إشكال فيه، للمرسل عن بعض
أصحابنا (12) عن أمير المؤمنين عليه السلام " في رجل حلف أن يزن الفيل فأتوه به

(1) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 5
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان الحديث 3 - 11 - 4
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان الحديث 3 - 11 - 4
(4) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان الحديث 3 - 11 - 4
(5) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان الحديث 8 - 10 والثاني عن سعد بن الحسن.
(6) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان الحديث 8 - 10 والثاني عن سعد بن الحسن.
(7) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 3 - 2.
(8) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 3 - 2.
(9) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الأيمان الحديث 7 و 8.
(10) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الأيمان الحديث 7 و 8.
(11) الوسائل الباب 14 - من كتاب الأيمان الحديث 5.
(12) الوسائل الباب - 46 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
269

فقال عليه السلام: لم يحلفون بما لا يطيقون؟ فقلت: قد ابتليت، فأمر بقرقور - أي
سفينة طويلة - فيه قصب فأخرج منه قصب كثير، ثم علم صبغ الماء بقدر ما عرف
صبغ الماء قبل أن يخرج القصب، ثم صير الفيل حتى رجع إلى مقداره الذي
كان انتهى إليه صبغ الماء أولا ثم أمر بوزن القصب الذي أخرج، فلما وزنه قال:
هذا وزن الفيل ".
وقال عليه السلام (1) أيضا: " في رجل مقيد حلف أن لا يقوم من موضعه حتى
يعرف وزن قيده، فأمر فوضعت رجله في إجانة فيها ماء حتى إذا عرف مقداره مع
وضع رجله فيه. ثم رفع القيد إلى ركبتيه ثم عرف مقدار صبغه، ثم أمر فألقي في
الماء الأوزان حتى رجع الماء إلى مقدار ما كان من الماء في القيد، فلما صار الماء
على ذلك الصبغ الذي كان والقيد في الماء نظر كم الوزن الذي ألقي في الماء، فلما
وزنه قال: هذا وزن قيدك ".
وقال (2): " كان رجل جالس وبين يده خمسة أرغفة وجاءه رجل ومعه
ثلاثة أرغفة فألقاها معه، فجاء رجل لا شئ معه، فجلس معهما يأكلون فلما فرغوا
ألقي إليهما ثمانية دراهم ومضى، فقال صاحب الخمسة لصاحب الثلاثة، خذ ثلاثة
دراهم وامض فقال: لا أرى دون النصف، فقال: لا تفعل فحلف أنه لا يرضى دون
النصف وارتفعا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقصا عليه قصتهما، فقال: كم لك؟ قال:
خمسة، فقال: هذه خمسة عشر، أي ثلاثا، وقال للآخر: كم لك؟ قال: ثلاثة،
فقال: هذه تسعة، وذلك أربعة وعشرون، نصيب كل واحد منهما ثمانية، فلصاحب
الثلاثة تسعة، قد أكلت ثمانية، فإنما بقي لك واحد، ولصاحب الخمسة خمسة عشر
أكل ثمانية وبقي له سبعة ".
ونقلناه بطوله لاشتماله على كرامة لحلال المشكلات، والمراد انعقاد اليمين

(1) الوسائل الباب - 21 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 8 - 5 مع الاختلاف في اللفظ فيهما.
(2) الوسائل الباب - 21 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 8 - 5 مع الاختلاف في اللفظ فيهما.
270

على وزن الفيل والقيد ونحوهما مما هو مرجوح بحسب الدنيا. اللهم إلا أن
يقال بعدم منافاة مثل ذلك للانعقاد.
وأما الراجح دينا من الواجب والمندوب وترك الحرام والمكروه فلا إشكال في
انعقاده عليه، كما لا إشكال في عدم انعقاده على نقيضه، ولا مدخلية للمصالح الدنيوية
في ذلك، فإن الآخرة خير وأبقى.
ولعل ما ذكرناه هو المحصل من مجموع النصوص، قال محمد بن مسلم (1):
" سألت أبا جعفر عليه السلام عن الأيمان والنذور واليمين التي هي لله طاعة فقال:
ما جعل لله عليه في طاعة فليقضه، فإن جعل لله شيئا من ذلك ثم لم يفعل فليكفر
عن يمينه، وأما ما كان يمينا في معصية فليس بشئ " ويمكن إرادة ما يشمل ترك
المندوب وفعل المكروه من المعصية فيه ولو بقرينة المقابلة للطاعة الشاملة للواجب
والمندوب وترك الحرام والمكروه.
وفي مرسل الصدوق (2) قال الصادق عليه السلام: " اليمين على وجهين: أحدهما
أن يحلف على شئ لا يلزمه أن يفعله، فحلف أنه يفعل ذلك الشئ، أو يحلف على
ما يلزم أن يفعله، فعليه الكفارة إذا لم يفعله " الحديث ولا ريب في شموله للمباح
المتساوي والواجب.
وقال الصادق عليه السلام أيضا في خبر ميسرة (3): " اليمين التي تجب فيها الكفارة
ما كان عليك أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ففعلته فليس عليك شئ، لأن فعلك طاعة
لله، وما كان عليك أن لا تفعله فحلفت أن لا تفعله ففعلته فعليه الكفارة " ولا ريب في
شموله للحلف على ترك الحرام إن لم يكن مختصا به.
بل ظاهر خبر زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام حصر الكفارة فيه، قال:
" كل يمين حلفت عليه لك فيها منفعة في أمر دين أو دنيا فلا شئ عليك فيها،
وإنما تقع عليك الكفارة فيما حلفت عليه فيما فيه لله معصية إن لم تفعله ثم تفعله "

(1) الوسائل الباب - 23 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 5 - 4 - 2.
(2) الوسائل الباب - 23 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 5 - 4 - 2.
(3) الوسائل الباب - 23 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 5 - 4 - 2.
(4) الوسائل الباب - 23 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 5 - 4 - 2.
271

وإن كان من المعلوم نصا وفتوى كون الحصر فيه إضافيا إلا أنه دال على عدم
انعقاد اليمين على المرجوح دنيا أو دينا.
وكذا خبره الآخر (1) عنه عليه السلام أيضا " كل يمين حلفت عليها أن لا تفعلها
مما له فيه منفعة في الدنيا أو الآخرة فلا كفارة عليه، إنما الكفارة في أن
يحلف الرجل والله لا أزني والله لا أشرب الخمر، والله لا أسرق، والله لا أخون،
وأشباه هذا، أو لا أعصى ثم فعل، فعليه الكفارة فيه ".
وفي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (2) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
ليس كل يمين فيها كفارة، فأما ما كان منهما مما أوجب الله عليك أن تفعله فحلفت
أن لا تفعله فليس عليك فيه الكفارة، وأما لم يكن مما أوجب الله عليك أن
تفعله فحلفت أن لا تفعله ثم فعلته فعليك الكفارة " وهو شامل للمباح،
كما أن صدره دال على عدم انعقاد اليمين على ترك الواجب خاصة أو مع
المندوب.
وفي خبر حمران (3) قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام: اليمين التي
تلزمني فيها الكفارة، فقال: ما حلفت عليه مما لله فيه طاعة أن تفعله فلم تفعله
فعليك فيه الكفارة، وما حلفت عليه مما لله فيه المعصية فكفارته تركه، وما لم
يكن فيه معصية ولا طاعة فليس هو بشئ "
وصحيح زرارة (4) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أي شئ الذي فيه الكفارة
من الأيمان؟ فقال: ما حلفت عليه مما فيه البر فعليك الكفارة إذا لم تف به،
وما حلفت عليه مما فيه المعصية فليس عليك الكفارة إذا رجعت عنه، وما كان
سوى ذلك مما ليس فيه بر ولا معصية فليس بشئ ".
وصحيحه الآخر (5) عن أحدهما عليها السلام " سألته عما يكفر من الأيمان.

(1) الوسائل الباب - 23 - من كتاب الأيمان الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2 - 3 - 4.
(5) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2 - 3 - 4.
272

فقال: ما كان عليك أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ففعلته فليس عليك شئ إذا فعلته،
وما لم يكن عليك واجبا أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ثم فعلته فعليك الكفارة "
ونحوه صحيحه الآخر (1) عن أبي جعفر عليه السلام ولا ريب في شموله للمباح
المتساوي.
وفي خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) عن الصادق عليه السلام " سألته عن
الرجل يقسم على الرجل في الطعام ليأكل فلم يطعم هل عليه في ذلك الكفارة؟
وما اليمين التي تجب فيها الكفارة؟ فقال: الكفارة في الذي يحلف على المتاع
أن لا يبيعه ولا يشتريه ثم يبدو له، فيكفر عن يمينه، وإن حلف على شئ والذي
حلف عليه إتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خير، ولا كفارة عليه، إنما ذلك
من خطوات الشيطان " وهو كالصريح في المباح أيضا.
وقال الرضا عليه السلام في صحيح البزنطي (3): " إن أبي عليه السلام كان حلف عن
بعض أمهات أولاده أن لا يسافر بها فإن سافر بها فعليه أن يعتق نسمة تبلغ مائة
دينار، فأخرجها معه، وأمرني فاشتريت نسمة بمائة دينار فأعتقها " وفي كشف
اللثام وهو وإن احتمل كون الحلف فيه هو أنه إن سافر فعليه العتق، لكن الظاهر
خلافه، والظاهر أنه لو لم يكن ينعقد لما حلف.
كما أن خبر زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قلت: الرجل يحلف
بالأيمان المغلظة أن لا يشتري لأهله شيئا، قال: فليشتر لهم، وليس عليه شئ
في يمينه " من الحلف على المرجوح ولو دنيا أو مما خلاف يمينه خير مما
حلف عليه.

(1) أشار إليه في الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 4 وذكره
في الكافي ج 7 ص 447.
(2) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 5 - 6.
(3) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 5 - 6.
(4) الوسائل الباب 13 - من كتاب الأيمان الحديث 2.
273

وكذا خبر محمد العطار (1) قال: " سافرت مع أبي جعفر عليه السلام إلى مكة
فأمر غلامه بشئ، فخالفه إلى غيره فقال أبو جعفر عليه السلام: والله لأضربنك يا غلام
فقال: فلم أره ضربه، فقلت: جعلت فداك إنك حلفت لتضربن غلامك فلم أرك ضربته
فقال: أليس الله يقول: وإن تعفوا أقرب للتقوى " (2) إلى غير ذلك من النصوص
الدالة منطوقا ومفهوما على انعقاده على المباح المتساوي، ومنها ما تسمعه
من النصوص (3) المشتملة على اشتراط انحلال اليمين بما إذا كان خلافه
خيرا منه.
مضافا إلى قوله تعالى (4): " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك؟ تبتغي
مرضاة أزواجك، والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم " وإلى
اتفاق الأصحاب ظاهرا كما اعترف به في الدروس والروضة والمسالك وغيرهما،
بل في كشف اللثام وعن الغنية دعواه صريحا.
فما سمعته من اللمعة - من اعتبار كون متعلق اليمين كمتعلق النذر -
واضح الضعف وإن تبعه في الكفاية، كما سمعته لبعض النصوص (5) التي يجب
طرحها في مقابلة ما عرفت.
بل في كشف اللثام " أنه يمكن أن يقال في خبري حمران (6) وزرارة (7).
أنه إذا انعقدت اليمين على شئ كان فيه البر والطاعة لله، فمعنى هذه الأخبار أنه
لا يتحقق يمين على شئ لا يكون فيه بر ولا طاعة ولا معصية، فإنه إن تساوى أو
ترجح الفعل أو الترك دينا أو دنيا فإذا حلفت عليه انعقدت اليمين ووجب الوفاء،

(1) الوسائل الباب 38 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان.
(4) سورة التحريم: 66 - الآية 1 و 2.
(5) التي تقدمت الإشارة إليها في ص 268 و 269.
(6) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 2 - 3.
(7) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الأيمان الحديث 2 - 3.
274

فكان فيه البر والطاعة " وإن كان هو كما ترى كتأويلهما وغيرهما بما إذا كان
خلاف المحلوف عليه خيرا، فالأولى طرحها لقصورها عن المعارضة ولو بالتقييد أو
التخصيص من وجوه، أو يحمل القابل منها على إرادة النذر من اليمين، لاطلاقه
عليه في كثير من النصوص (1) ويطرح غيره، خصوصا صحيح الحلبي (2) منها
الدال على اعتبار نية القربة في اليمين المحتمل أيضا لأن يراد من وجه الله فيه أن
يكون يمينه باسم الله لا بالطلاق والعتاق.
وكذا لا وجه لما سمعته من الكفاية من الاشكال في انعقاد اليمين على الراجح
في الدين ولم يبلغ حد الوجوب المرجوح في الدنيا - وحكي عنه في الرياض أو
بالعكس وإن خلت منه ما عندنا من نسختها - بدعوى تعارض عموم الأخبار فيه
بعد أن اعترف أن ظاهر الأصحاب الانعقاد فيه، وهو كذلك.
والخبران اللذان ذكرهما واستشكل في الحكم المزبور من جهتهما لا دلالة
فيهما على صورة التعارض المزبور الذي لا وجه له، ضرورة عدم معارضة المصالح
الدنيوية للرجحان الأخروي إلا إذا فرض رجوع تلك المصالح إلى الآخرة أيضا
على وجه يكون الراجح بسببها مرجوحا، فيندرج فيما تسمعه من النصوص (3)
المعتضدة بالفتاوي الدالة على انحلال اليمين إذا فرض أن خلاف متعلقها
خير منه.
ولذا صرح في المسالك بأنه على القول بكراهة التزويج على امرأته يحتمل
انعقاد اليمين مع كون الحالف ممن تنعقد اليمين في حقه لعارض اقتضى

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 4 والباب - 8 -
منه الحديث 4 والباب - 17 - منه الحديث 4 و 11 والباب - 18 - من كتاب الأيمان
الحديث 5 والباب - 3 - من أبواب المتعة الحديث 1 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب - 14 - من كتاب الأيمان الحديث 5.
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان.
275

رجحان تجويزه كما فرضوا اليمين على ترك كثير من الأمور الراجحة بمجرد
العوارض.
وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في عدم الحنث وعدم الكفارة إذا كان خلاف
اليمين خيرا منهما، قال سعيد الأعرج (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يحلف على اليمين فيرى أن تركها أفضل وإن لم يتركها خشي أن يأثم، قال: يتركها،
أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها " وفي مرسل
محمد بن سنان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " من حلف على يمين فرأى غيرها خير منها
فأتى ذلك فهو كفارة يمينه وله حسنة " ومرسل ابن فضال (3) عنه عليه السلام أيضا
" من حلف على يمن فرأى ما هو خير منها فليأت الذي هو خير منها وله حسنة "
إلى غير ذلك من النصوص التي مر بعضها المعتضدة بفتاوى الأصحاب من غير خلاف
فيه بينهم فيما أجد، وكلام الأصحاب في ملاحظة الرجحان الدنيوي من حيث
هو كذلك إنما هو في المباح لا في معارضة الرجحان الأخروي، كما أن خبريه (4)
إنما هما في عدم انعقاد اليمين المتضمنة خلاف منفعة دنيوية أو أخروية، لكونه
حينئذ من المباح المرجوح دينا أو خلاف الواجب أو المندوب أو فعل حرام أو
مكروه، والكل قد عرفت عدم انعقاد اليمين عليه، وليس فيهما تعرض لصورة المعارضة
التي فرضها، كما هو واضح بأدنى تأمل، خصوصا مع ملاحظة ما اعترف به من
فتوى الأصحاب.
وكذا الكلام في خبري أبي الربيع الشامي (5) وعبد الله بن سنان (6)
عن الصادق عليه السلام " أنه لا تجوز يمين في تحليل حرام ولا تحريم حلال ولا قطيعة
رحم " المحمولين على الحلف على خلاف الراجح ولو دنيا أو على غير ذلك

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 3 - 4.
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب - 23 - من كتاب الأيمان الحديث 2 و 3.
(5) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الأيمان الحديث 6 و 7.
(6) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الأيمان الحديث 6 و 7.
276

نعم ما سمعته من النصوص (1) وغيرها ظاهر في عدم انعقاد اليمين على ذلك
حتى في صورة التجدد بمعنى أنه كان عند اليمين راجحا ثم صار مرجوحا دنيا
أو آخرة كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا
إنما الكلام في عود مقتضى اليمين إذا عاد الرجحان وعدمه، ففي الروضة
" وفي عود اليمين بعودها بعد انحلاله وجهان، أما لو لم تنعقد ابتداء للمرجوحية
لم تعد وإن تجددت بعد ذلك، مع احتماله ".
قلت: لا ريب في ضعفه، لظهور النصوص في عدم انعقاده من أول الأمر وأنه
ليس بشئ، بل لعلها ظاهرة أيضا في أن المتجدد كذلك أيضا وإن جزم البهائي
بعوده مع عودها وعدم وقوع المخالفة منها، لكن الأقوى خلافه، لما عرفت وللأصل
وغيرهما.
بقي شئ وهو الاجمال في خيرية خلاف اليمين التي تقتضي بعدم الحنث وعدم
الكفارة هل هو نقيض اليمين كالترك بالنسبة إلى الفعل وبالعكس أو الأعم منه
ومن أضدادها؟ مثل أن يحلف على أن يعطي لزيد كذا وكان عطاؤه لعمرو مثلا
خيرا له من عطائه لزيد، بل الاجمال في نفس الخيرية أيضا، ضرورة أن عدم الوفاء
بالحلف على مال أو عمل مع فرض عدم رجحان فيه خير له من الوفاء لبقاء ماله
في يده وعدم تحمله مشقة التعب في العمل، ولكن يسهل الخطب أن الضابط وجوب
الوفاء في جميع محال الشك، لعموم ما دل (2) على وجوب الوفاء به.
* (و) * كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه * (لا ينعقد) * اليمين * (على
فعل الغير كما لو قال والله لتفعلن) * وهي المسماة بيمين المناشدة * (فإنها لا تنعقد
في حق المقسم عليه ولا المقسم) * للأصل وغيره، وخبر عبد الرحمن بن أبي
عبد الله (3) عن الصادق عليه السلام المتقدم سابقا، وخبر حفص وغيره (4) عنه عليه السلام

(1) الوسائل الباب - 18 و 23 و 24 - من كتاب الأيمان.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 1 و 89 والوسائل الباب - 23 - من كتاب الأيمان.
(3) الوسائل الباب - 42 - من كتاب الأيمان الحديث 2 - 1.
(4) الوسائل الباب - 42 - من كتاب الأيمان الحديث 2 - 1.
277

" أنه سئل عن الرجل يقسم على أخيه قال: ليس عليه شئ إنما أراد إكرامه ".
وما في مرسل ابن سنان (1) عن علي بن الحسين عليهما السلام " إذا أقسم الرجل
على أخيه فيما يبر قسمه فعلى المقسم كفارة يمين " مع إرساله محمول على الندب،
بل قيل يحتمل أن يراد بالقسم عليه أنه أقسم عنه، كأن يقول: " والله ليأتيني
اليوم زيد " لظنه إجابته فلم يجب، أو يحمل على التقية، فإن المحكي عن بعض
العامة وجوبها عليه.
* (و) * كذا لا خلاف ولا إشكال في أنه * (لا ينعقد على مستحيل) * عقلا أو
شرعا أو عادة * (كقوله: " والله لأصعدن) * إلى * (السماء " بل تقع لاغية) *
بل عن الخلاف الاجماع عليه، لأن الاستحالة تنافي نية الحلف عليه، إلا أن لا يكون
عالما بالاستحالة حين الحلف، كأن يقول: " لأقتلن زيدا " وكان قد مات وهو لا يعلم،
بل قد سمعت دلالة النصوص (2) على أنها إنما تنعقد فيما فيه بر أو طاعة * (و) * نحو
ذلك مما يدل على أنها * (إنما تنعقد على ما يمكن وقوعه) * بالشرط السابق،
* (و) * يراد باليمين عليه الالتزام بوقوعه.
بل * (لو) * حلف على ممكن و * (تجدد العجز) * مستمرا إلى انقضاء وقت
المحلوف عليه أو أبدا إن لم يقيد بوقت * (انحلت اليمين، كأن يحلف ليحج في
هذه السنة فيعجز) * فيها إلا أن يكون المحلوف عليه متسع الوقت وفرط
بالتأخير، ولو تجددت القدرة بعد العجز في غير المقيد بالوقت أو فيه قبل خروجه
وجب بلا خلاف ولا إشكال، وهو غير عود الرجحان، كما هو واضح.

(1) الوسائل الباب - 42 - من كتاب الأيمان الحديث 4
(2) الوسائل الباب - 23 و 24 - من كتاب الأيمان.
278

* (المطلب الثاني) *
* (في الأيمان المتعلقة بالمأكل والمشرب، وفيه مسائل:) *
* (الأولى:) *
* (إذا حلف لا يشرب من لبن عنز له ولا يأكل من لحمها لزمه الوفاء) *
مع فرض الرجحان ولو دنيا أو المساواة * (وبالمخالفة الكفارة إلا مع الحاجة إلى
ذلك) * ابتداء، فلا ينعقد، لكونه مرجوحا أو في الأثناء، فينحل لما
عرفته سابقا * (و) * أولى منه لو كان الأكل راجحا دينا كالهدي والأضحية.
نعم مع الانعقاد * (لا يتعداها التحريم) * لعدم شمول اللفظ عرفا إلى غيرها
مما ولدته.
* (وقيل) * والقائل الشيخ وأتباعه وابن الجنيد على ما حكي عنهم: * (يسري
التحريم إلى أولادها على رواية) * قد رواها عيسى بن عطية (1) " قلت لأبي
جعفر عليه السلام: إني آليت أن لا أشرب من لبن عنزي ولا آكل من لحمها، فبعتها
وعندي من أولادها فقال: لا تشرب من لبنها ولا تأكل من لحمها فإنها منها " و * (فيها
ضعف) * في السند جدا ولا جابر، بل أعرض عنها المتأخرون، فلا بد من طرحها
أو حملها علي إرادة ما يشمل ذلك من يمينه.
بل لا حنث في الفرض بالجبن والأقط والسمن والزبد والكشك منها منفردة
وممزوجة بعضها ببعض، لعدم الصدق، إذ اليمين عند الطلاق تنصرف إلى مدلول
اللفظ حقيقة، وفي تقديم العرفية على اللغوية أو بالعكس البحث المعلوم، والحق

(1) الوسائل الباب - 37 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
279

تقديم العرفية مع الاطلاق.
نعم لو نوى الحالف خلاف الظاهر كنية العام بالخاص، أو المطلق بالمقيد،
أو المجاز بالحقيقة، أو بالعكس في الثلاثة صح، كمن حلف لا يأكل اللحم وقصد
الإبل، أو لا يأكل لحما وقصد الجنس، أو ليعتقن رقبة وقصد مؤمنة، أو ليعتق رقبة
مؤمنة وقصد مطلق الرقبة، أو لا شربت له ماء من عطش وقصد قطع كل ماله
فيه منه.
أما لو نوى ما لا يحتمل اللفظ كما لو نوى بالصوم الصلاة ففي الدروس والقواعد
" لغت اليمين فيهما " ولعله لأن غير المنوي لا يقع، لعدم قصده، ولا المنوي لعدم
النطق به، وفيه نظر، لاطلاق قولهم: " إن اليمين على ما في الضمير " المقتصر في
الخروج منه على المتيقن إن كان، وهو حيث لا يذكر ما يراد منه ولو بالاستعمال
الغلط، وأما هو فباق على إطلاق الأدلة التي منها " من حلف على شئ " (1)
ونحوه وخصوصا إذا كان اللافظ ممن لا يحسن العربية مثلا، ونحوه الألفاظ
الملحونة مادة.
بل لعل مشروعية التورية على الضوابط باعتبار أن الحلف على ما في الضمير،
فله أن يذكر شيئا ويريد منه أمرا آخر غير ما اقترحه عليه إن أريد رفعه بالتورية،
إلا إذا كان مظلوما، فإن اليمين حينئذ على ما في ضميره لا ضمير الظالم الحالف،
فتأمل جيدا.

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان الحديث 2 و 3 وفي الأول " إذا
حلف الرجل على شئ " وفي الثاني " من حلف على شئ ".
280

المسألة * (الثانية:) *
* (إذا حلف لا آكل طعاما اشتراه زيد لم يحنث بأكل ما يشتريه زيد
وعمرو) * وفاقا للشيخ والأكثر، لأن الشراء عقد واحد، فإذا اشترك فيه اثنان
ولم ينفرد أحدهما به اختص كل واحد في العرف بنصفه، فلم يكمل الصفقة
لأحدهما، فلم يقع الحنث، لأن الأسماء في الأيمان تتبع العرف وحينئذ فليس
له جزاء يقال: إن زيدا انفرد بشرائه، بل كل جزء يقال: إنه اشتراه زيد
وعمرو، فهو كما لو حلف " لا لبست ثوب زيد " فلبس ثوبا لزيد وعمرو، أو قال:
" لا دخلت دار زيد " فدخل دارا لزيد وعمرو، وكذا الكلام في كل فعل أضيف
إلى معين فشاركه غيره فيه، كما لو حلف على ثوب نسجه زيد فشاركه في نسجه
عمرو، أو ثوب غزلته هند فشاركتها زينب مثلا.
وربما احتمل في الفرض الحنث، بل عن المبسوط أنه قواه كسابقه، لأنهما
لما اشترياه كان كل منهما قد اشترى نصفه عرفا، ومن ثم كان على كل واحد
نصف ثمنه، ولذا ثبت لكل منهما الخيار في الحيوان والمجلس وغيرهما، كما أنه
ثبت لكل منهما جميع أحكام المشتري والبائع ولعله بذلك يفرق بين الشراء والنساجة
والغزل، حينئذ فإن كان لزيد نصفه فقد أكل من طعام اشتراه زيد، ولعله
لا يخلو من قوة.
ومنه يعلم ما في دعوى أنه لا يلزم من لزوم كل واحد نصف ثمنه أن يكون
مشتريا لنصفه، وإنما الواقع أن كل واحد منهما نصف مشتر لجميعه لا مشتر تام
لنصفه، ضرورة منافاته للصدق العرفي الذي هو المناط.
وكذا يعلم ما في التشبيه بالثوب والدار اللذين لا يخفى الفرق بينهما بأن بعض
القميص ليس قميصا وبعض الدار ليس بدار، والحال أن زيدا لم يشتر جميع القميص
وجميع الدار، بخلاف الطعام الذي يقع اسمه على القليل والكثير، على أن اتحاد
281

العقد لو اقتضى كون المشتري لمجموعهما لكان كذلك حتى مع الشراء لا على الإشاعة
بعقد واحد مع إشاعة الثمن وعدمها، والعرف بخلافه.
ثم إنه على الأول فالحكم كذلك * (ولو اقتسماه على تردد) * كما عن
المبسوط ينشأ من أن القسمة تمييز لما اشتراه زيد عما اشتراه عمرو، فيصدق على
ما حصل لكل واحد منهما أنه الذي اشتراه، ومن أن الذي اشتراه غير معين وما
حصل له بالقسمة معين، فهذا ليس هو الذي اشتراه بعينه، فلا يحنث به، وليست
القسمة بيعا وإن اشتملت على رد، ولا نسلم أن القسمة تمييز ما اشتراه، بل تمييز
حقه من المشترك بينهما بالشراء المشترك، ولعله الأقوى، ويمكن إرجاع تردد
المصنف إلى أصل المسألة، فلا يكون مختاره الأول، فتأمل.
* (ولو اشترى كل واحد منهما طعاما) * منفردا * (وخلطاه قال الشيخ:
إن أكل زيادة عن النصف حنث) * مع فرض تساويهما، لأنه بالزيادة عن النصف
يعلم أنه أكل ما اشتراه زيد. * (وهو حسن) * بناء على أن مدار العلم بتحقق المحلوف
عليه، فمع فرض كون الخلط على وجه لا يتحقق معه ذلك إلا بالزيادة على النصف
اتجه الوقوف معه وإلا فلا.
وأما دعوى عدم الحنث حتى لو أكله كله لأنه لا يمكن الإشارة إلى شئ منه بأنه
اشتراه زيد فصار كما لو اشتراه زيد مع غيره بتقريب ما تقدم فهي واضحة الفساد،
ضرورة عدم توقف الصدق على الإشارة المزبورة، وفرق واضح بينه وبين
المشبه به.
وأضعف منه ما عن ابن البراج من الحنث بالأكل منه مطلقا محتجا بأنه
لا يقطع على أنه يأكل من طعام زيد إذ هو كما ترى، ضرورة كون الحنث
منوطا بالقطع بأكل ما اشتراه زيد الذي هو متعلق اليمين، لا عدم القطع بأنه
لم يأكل منه.
وأما التفصيل - بأنه إن أكل من المخلوط قليلا يمكن أن يكون مما اشتراه
282

الآخر كالحبة والحبتين من الحنطة لم يحنث، وإن أكل قدرا صالحا كالكف والكفين
حنث، لأنه يتحقق عادة أن فيه ما اشتراه زيد، وإن لم يتعين لغا - فليس مخالفا
لما ذكرناه بل مرجعه إلى دعوى التحقيق.
وكذا التفصيل بأن الطعام إن كان مائعا كاللبن والعسل وما يشبه ذلك كالدقيق
حنث يأكل قليله وكثيره، لامتزاجه واختلاط جميع أجزائه بعضا لبعض، فأي
شئ أكله يعلم أن فيه أجزاء مما اشتراه زيد، وإن كان متميزا كالرطب والخبز
لم يحنث حتى يأكل أكثر مما اشتراه عمرو، لدخول الاحتمال في المتميز
وانتفائه عن الممتزج، فإن مرجعه أيضا إلى ما ذكرناه وإن اختاره الفاضل
في المحكي عن مختلفة. ومن ذلك يعلم ما في المسالك من ذكر وجوه خمسة
في المسألة.
* (و) * ومما ذكرناه يعلم الحال فيما * (لو حلف لا يأكل تمرة معينة فوقعت
في تمره) * فإنه * (لم يحنث إلا بأكله أجمع أو تيقن أكلها) * أجمع فإنه الذي
يحنث به، إذا أكل بعضها ليس أكلا لها، وكذا في أكل الرمانة وعدمه
بالنسبة إلى الحبة، إلا أن يكون عرف يقتضي الصدق.
* (و) * على كل حال ف‍ * (لو تلف منه تمرة لم يحنث بأكل الباقي مع
الشك) * في كونها فيه، لعدم العلم حينئذ بأكل المحلوف عليها، ولو فرض العلم
بدون ذلك اتبع، كما لو كانت من جنس مخصوص ووقعت في أجناس مختلفة،
فأكل مجموع جنس المشتبه فيه المحلوف عليه حنث، كما هو واضح. وعلى
كل حال فوجوب الاجتناب من باب المقدمة لا مدخلية له في الحنث، كما
هو واضح.
لكن في المسالك بعد أن ذكر ما سمعت قال: " والفرق بين هذا وبين ما لو
اشتبهت الحليلة بنساء أجنبيات حيث حكموا بتحريم الجميع، أو اشتبهت أجنبية
بزوجاته أن الأصل في النكاح تحريم ما عدا الحليلة، فما لم تعلم بعينها يحرم النكاح
عملا بالأصل إلى أن يثبت السبب المبيح، بخلاف التمرة المحلوف عليها، فإن
283

أمرها بالعكس، إذ الأصل جواز أكل التمرة إلا ما علم تحريمه بالحلف، فما لم
يعلم يبقى على أصل الحل، وكذا القول في نظائره من الأعداد المشتبهة بغيرها
المخالف لها في الحكم، فإنه يعلم فيه بالأصل من حل وحرمة وطهارة ونجاسة،
هذا من حيث الحنث وعدمه، وهل حل التناول ملازم لعدم الحنث؟ المشهور ذلك،
وهو الذي أطلقه المصنف، واستقرب العلامة وجوب اجتناب المحصور الذي لا يشق تركه،
لأنه احتراز عن الضرر المظنون، ولا جرح فيه، ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله (1):
" ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال ".
وفيه ما لا يخفى إن كان مراده مدخلية الحنث في ذلك، ضرورة عدم حصوله
وإن قلنا بالوجوب من باب المقدمة، حتى لو اشتبهت الامرأة المحلوف عليها في
غيرها إلا مع نكاح الجميع، كما هو واضح، والله العالم.
المسألة * (الثالثة:) *
* (إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا ف‍) * لا إشكال في الحنث إذا أخبره عنه
اختيار، وعدمه إذا أكله فيه، بل جزم المصنف تبعا للمحكي عن الخلاف والمبسوط
والجامع بأنه * (إن أكله اليوم حنث، لتحقق المخالفة، ويلزمه التكفير معجلا) *
لاندراجه فيما دل على ذلك من الكتاب (2) والسنة (3) بل التوقيت كما يقتضي
نفي الفعل فيما بعد الوقت المقدر يقتضيه قبله، فكأنه حلف أن لا يأكله قبل الغد ولا
بعده، فكما يحنث بالتأخير يحنث بالتقديم، لأن معناه لا أكله إلا غدا.
وحينئذ فما أشكله به بعضهم - من أن الحنث لا يتحقق إلا بمخالفة اليمين بعد
انعقادها، ولم يحصل قبل الغد الذي هو تمام سبب الوجوب، فلا يحصل المسبب

(1) البحار ج 2 ص 272 ط الحديث.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
(3) الوسائل الباب - 23 و 24 - من كتاب الأيمان.
284

قبله، وبامكان موته قبل مجئ الغد فيسقط، ولأن تعليقه الأكل على مجئ الغد
تعليق بما لا يقدر عليه الحالف، فكيف يحنث قبل حصوله؟ ومن هنا جزم الكركي
وتبعه ثاني الشهيدين بمراعاة وجوبها ببقائه إلى الغد، وتمكنه من أكله لو كان
موجودا - لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.
ثم قال الثاني: وربما بني الحكم على جواز التكليف مع علم الآمر بانتفاء
شرطه، وقد مر البحث فيه في الصوم إذا طرأ المانع في أثناء النهار وقد أفسده قبله
باختياره (1)، وقد يفرق بين المقام وبنيه بأنه هنا لم يتم سبب الوجوب قطعا،
لتعليق اليمين على أمر متجدد ولم يحصل بعد، بخلاف مسألة الصوم المفروضة فيما
إذا اجتمعت الشرائط وتم السبب، وإنما طرأ بعد ذلك ما أبطله، فلا يبعد
القول بوجوب الكفارة، لاجتماع شرائط التكليف في ابتداء الفعل بخلاف محل
الفرض.
إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة تحقق مخالفة اليمين وصدقها المقتضية
للحنث والتكفير حتى لو مات قبل الغد، لأنه مكلف بأكله في الغد الذي هو قيد في
الحقيقة للمأمور به لا الأمر، بل لا يكاد ينكر كون المراد من نحو المثال عرفا " إني
لا آكله إلا غدا " وإن تحقق الحنث بأكله اليوم ووجب التكفير معجلا فهو ليس من
قبيل الموقت، ولأن المراد منه إن جاء غد لأكلته، فلا وجه لتشبيه بالصوم ونحوه،
بل ولو كان هو الصوم التي من شرائط التكليف به أيضا عدم حصول البطلان في أثنائه
فقد ذكرنا وجوب الكفارة عليه أيضا، وليس إلا للصدق عرفا المتحقق في المقام،
ولولاه لم يكن وجه لوجوبها عليه، وإن بقي على صفات التكليف إلى غد الذي فرض
أنه من سبب الوجوب فقبله لا تكليف فلا حنث، فما سمعته من الكركي وثاني الشهيدين
من المراعاة واضح الضعف، فتأمل.
* (وكذا) * الكلام * (لو هلك الطعام قبل الغد أو بشئ من جهته) *

(1) راجع ج 16 ص 306.
285

بل ينبغي القطع به في الثاني مع فرض إتلافه بعد التمكن من أكله، نعم
لو هلك في الغد قبل التمكن من أكله باختياره أو بغير اختياره فهو كما
لو تلف قبله.
أما إذا هلك فيه لا باختياره لكن بعد التمكن من أكله ولم يفعل ففي المسالك
" في حنثه وجهان، من إخلاله بمقتضى اليمين بعد انعقادها مختارا، ومن أن الوقت
موسع قد جوز له الشارع تأخيره، لأن جميع الغد وقت له، فليس مقصرا بالتأخير،
وربما خرج الوجهان على أن من مات في أثناء الوقت ولم يصل هل يجب عليه
القضاء أم لا؟ لأن التأخير عن أول الغد كتأخير الصلاة عن أول الوقت. وربما يفرق
بينه وبين ما لو قال: " لآكلن هذا الطعام " وأطلق ثم أخر مع التمكن حتى تلف الطعام،
فإنه ليس هناك لجواز التأخير وقت مضبوط، والأمر فيه إلى اجتهاد الحالف، فإذا
مات بان خطأه وتقصيره، وها هنا الوقت مقيد مضبوط، وهو في مهلة من التأخير
إلى تلك الغاية، وهكذا نقول: من مات في أثناء الوقت ولم يصل لا يقضي على الأظهر ".
وفيه أن وقت الموسع العمر وتضييقه مشروط بظن ضيق العمر عنه بقرائن
حالية، فلا تقصير مع حصول الموت قبله مطلقا، بل مع ظهور الأمارة مطلقا والمخالفة،
فلو مات فجأة لم يتبين الخطأ، حيث لم يخالف ما ناطه الشارع به كالوقت الموسع.
ثم إذا قلنا بالحنث في الغدد فهل يحكم به في الحال أو قبيل الغروب؟ وجهان
وتظهر فائدة الوجوب المعجل في جواز الشروع في إخراجها حينئذ، وفيما لو مات
فيما بين الوقتين، قلت: لا وجه لاحتمال البقاء إلى قبل الغروب بعد فرض تحقق
الحنث، كما أنه لا وجه لاحتمال عدم الحنث في المخالفة في المطلق لو مات بعد التمكن
ولم يفعل للصدق عرفا، بل ولا في الموسع وإن اقتضى الرخصة في التأخير، إلا أنها
لا تنافي صدق عدم الوفاء بيمينه الذي هو المناط في تحقق الكفارة، بل لعل القضاء
في الفريضة من ذلك، لصدق اسم الفوات، وتمام الكلام في ذلك في الأصول، هذا
كله إذا هلك من جهته.
286

* (و) * أما * (لو هلك) * قبل الغد أو بعده قبل التمكن منه * (من غير جهته
لم يكفر) * بلا إشكال ولا خلاف.
المسألة * (الرابعة:) *
* (لو حلف لا شربت من) * ماء * (الفرات حنث بالشرب من مائها) * عند
الشيخ في محكي الخلاف والأكثر على ما في المسالك * (سواء كرع منها أو اغترف
بيده أو بإناء) * لصدق العرف بل واللغة، لأن: " من " للابتداء الذي معناه حينئذ
كون الفرات مبدءا للشرب، سواء كان بواسطة أو بغيرها، بل قد يؤيده قوله
تعالى (1): " إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه -، إلى قوله تعالى - إلا
من اغترف غرفة بيده " لأن الاستثناء حقيقة في المتصل.
* (وقيل) * والقائل الشيخ وابن إدريس في محكي المبسوط والسرائر:
* (لا يحنث إلا بالكرع منها) * الذي هو الشرب منه حقيقة، بخلاف غيره فإنه مجاز،
كالحلف على الشرب من الإداوة الذي لا يحنث فيه بصب الماء منها بيده أو بغيرها
ثم يشربه * (والأول هو) * مقتضى * (العرف) * عند المصنف ومن عرفت، بل
في المسالك " الشرب من الشئ بواسطة أو غيرها غير منضبط، لأنه لو اعتبر عدم الواسطة
لزم عدم الحنث بالكرع أيضا لأن أخذه بالفم سابق على الشرب، بدليل أنه لو مجه
من فيه بعد أخذه لم يكن شاربا، ولو صب من الكوز في القدح وشرب لا يصدق عليه
أنه شرب من الكوز، فدل على عدم انضباط الواسطة، وإنما المرجع إلى العرف،
وهو دال في الشرب من النهر على ما يعم الواسطة، وفي الكوز على ما كان بغير واسطة،
وعلى أن توسط الفم غير مانع مطلقا "،
قلت: قد يقال: إن العرف فارق بين الشرب من الفرات وبين الشرب من مائه،

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 249.
287

فالأول لا يصدق إلا على الكرع منه بخلاف الثاني وإن لم يفرق بينهما في المسالك
بل جعل موضوع المسألة الشرب من ماء الفرات، وحينئذ فالاستثناء في الآية
منقطع، ولا بأس به وإن قلنا بمجازيته، والله العالم.
المسألة * (الخامسة:) *
* (إذا حلف لا أكلت رؤوسا) * أو لا شريتها مثلا * (انصرف) * عند الأكثر
* (إلى ما جرت العادة بأكله غالبا) * وبيعه منفردا * (كرؤوس البقر والغنم والإبل) *
وإن كان الأخير معتادا عند أهل البادية وبعض البلدان، بل وقرى الحجاز عملا
بالانسياق عرفا، خلافا للمحكي عن ابن إدريس، فلم يلتفت إلى الانسياق،
وضعفه واضح.
لكن في المسالك " ولعل العرف غير منضبط، والمصنف حمل الاختلاف على
العادة، وليس بجيد، بل الاختلاف واقع وإن استقرت العادة في مقابلة
اللغة ".
وفيه * (أولا) * أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل، ضرورة كونه من
الانصراف، وإلا فلا ريب في عدم تجدد عرف في الرأس مخالف للغة. و (ثانيا) أنه
لا وجه معتد به له مع فرض استقرار العادة في انصراف اللفظ الصادر من أهل العادة
على وجه يكون حقيقة، نعم لو لم يبلغ حد الحقيقة وصار مجازا راجحا بناء
على تحققه يكون من تعارض الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح، ومع فرض التردد
فيه إنما يحنث بالمتيقن دون غيره، نعم لو فرض تقديم الحقيقة لأنها الأصل اتجه
حينئذ الحنث بالجميع.
* (و) * أما على الأول ف‍ * (لا يحنث برؤوس الطيور والسمك والجراد، و) *
لكن * (فيه تردد) * وخلاف كما عرفت. * (ولعل الاختلاف) * المزبور
288

* (عادي) * بمعنى أن منشأه اختلاف العادة في الانسياق المزبور باختلاف الأمكنة
والأزمنة، لا أنه مع فرض استقرارها كما سمعته من المسالك، وقد عرفت الضابط
على التقادير كلها، والله أعلم.
* (وكذا) * الكلام * (لو حلف لا يأكل لحما و) * لكن * (هنا يقوى) *
عند المصنف * (أنه يحنث بالجميع) * للعرف المؤيد بقوله تعالى (1):
" ومن كل تأكلون لحما طريا " بل عن ابن إدريس أنه قواه أيضا محتجا بترجيح
عرف الشرع على العادة وإن كان هو كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء الاطلاق
المزبور العرف الشرعي الذي لا مدخلية له في حمل لفظ الحالف المحمول على عرفه
الذي هو إن كان في مثل عرفنا سنة الألف والمأتين والاثنين والخمسين لا يندرج
فيه الجراد قطعا بل والسمك.
* (ولو حلف لا يأكل شحما لم يحنث) * عند الشيخ * (ب‍) * أكل * (شحم
الظهر) * الأبيض الملاصق للحم بحيث لا يختلط بالأحمر في الظهر، لأنه لحم سمين،
ولهذا يحمر عند الهزال.
* (و) * لكن * (لو قيل يحنث عادة كان حسنا) * لصدق اسم الشحم عليه
دون اللحم فيها، بل عن ابن إدريس الاجماع على تسميته شحما، بل لعله في
السابق كذلك بدليل استثناء الله تعالى عنه بقوله (2): " حرمنا عليهم شحومهما
إلا ما حملت ظهورهما " والأصل فيه الاتصال، لأنه الحقيقة بخلاف المنفصل
الذي لا يحمل عليه الاطلاق إلا مع القرينة، وإن كان قد يشكل بعد التسليم بأنها
موجودة، لأنه عطف معه " الحوايا أو ما اختلط بعظم " وهو لحم اتفاقا فيلزم أن
يصير الاستثناء متصلا ومنفصلا، فحمله في الجميع على المنفصل أولى، إلا أنه قد يجاب
عنه بأن العطف في قوة تكرار العامل المقتضي لتكرار الاستثناء، فلا يضر اختلافهما
بالاتصال والانفصال، ولو سلم فالتحقيق ما عرفت من أن المدار على العرف الذي هو

(1) سورة فاطر: 35 - الآية 12.
(2) سورة الأنعام: 6 - الآية 146.
289

شحم فيه فيحنث، والله العالم.
* (وإن قال:) * والله * (لا ذقت شيئا) * معينا مثلا * (ف‍) * لا ريب في حنثه
بأكله الذي هو ذوق وزيادة ولو * (مضغه ولفظه) *.
* (قال الشيخ: يحنث، وهو حسن) * لأنه حقيقة في إدراك طعم الشئ في
الفم بالقوة المودعة في اللسان، ولا مدخلية لادخاله في الحلق في تحقق مسماه، ولذا
جاز في الصائم أن يذوق الطعام من غير أن يفطر به، فاحتمال عدم الحنث به لأنه
لا يفطر الصائم واضح الضعف بعد أن عرفت عدم الملازمة، بل لو كان المراد من عدم
ذوقه الكناية عن أكله حنث به أيضا.
المسألة * (السادسة:) *
* (إذا قال: لا أكلت سمنا فأكله) * جامدا أو ذائبا * (مع الخبز حنث) *،
لتحقق أكله حينئذ، * (وكذا لو أذابه على الطعام وبقي متميزا) * على وجه يصدق
أكله بأكل الطعام.
أما لو شربه ذائبا بغير طعام ونحوه ففي المسالك " لا يحنث، لعدم دخول الأكل
في الشرب، مع احتماله ها هنا نظرا إلى العرف، وهو بعيد، وانضباط العرف
ممنوع " ولا يخلو من نظر وإن كان الأمر سهلا لأن المسألة عرفية، هذا كله
إذا حلف على السمن.
* (أما لو حلف أن لا يأكل لبنا فأكل جبنا أو سمنا أو زبدا لم يحنث) *
لأنها مختلفة اسما وصفة وإن كان بعضها في الأصل راجعا إلى بعض، نعم احتمل
في المسالك الحنث بالزبد، لاشتماله عليه دون العكس، إذ الزبد مجموعه السمن
وباقي المخيض، إلا أنه كما ترى، لأن المدار على الاسم عرفا، وفيها أيضا
" أنه يدخل في اللبن الحليب واللبأ والرائب والمخيض " ولعله كذلك في
العرف الآن.
290

المسألة * (السابعة:) *
* (لو قال: لا أكلت من هذه الحنطة فطحنها دقيقا أو سويقا لم يحنث) * عند
الشيخ والمصنف وغيرهما * (وكذا لو حلف لا يأكل الدقيق فخبزه وأكله) *
لزوال الاسم الذي هو عنوان الحلف، بل هي حينئذ كما لو نبتت فصارت حشيشا
وأكل حشيشها، وكصيرورة البيض فرخا، فالتقييد بالحنطة والدقيق ونحوهما
يقتضي زوال اليمين بزوال القيد.
بل قد جعلها في الدروس قاعدة، قال: الصفة قيد للموصوف، فلو زالت
فلا يمين، ولو جامعت الإشارة فالوجهان، فلو حلف لا يلبس قميصا ففتقه واتزر به
لم يحنث، ولو ارتدى به أو اتزر به يقبل فتقه فالأقرب الزوال، لأنه ليس لبس
مثله، ولو قال: هذا القميص ففتقه ثم لبسه فكما مر، ولو قال: هذا الثوب وهو
قميص فارتدى به مفتوقا أو غيره فوجهان أيضا، من تغليب الإشارة ومن أنه قميص
في الواقع، فينصرف إلى لبس مثله، وكذا لو قال: لحم سخلة فتكبر أو عبد فيعتق
أو حنطة فتخبز عند الشيخ، وقال القاضي والفاضل يحنث لو حلف على حنطة
معينة فأكلها خبزا، وكذا لو عين الدقيق فخبزه، إذ الحنطة لا تؤكل غالبا إلا
خبزا، أما لو كان التغيير بالاستحالة كالبيضة تصير فرخا والحب زرعا فلا حنث،
ولو زالت الصفة ثم عادت عادت اليمين، كالسفينة تنقض ثم تعاد ".
وفي المسالك قد جعل المسألة أيضا من باب تعارض الاسم والإشارة، فإن هذه
تقتضي تعلق اليمين بها ما دامت موجودة وإن تغيرت، وتقييدها بالحنطة والدقيق
ونحوهما يقتضي زوال اليمين بزوال القيد، وكأنه أخذه مما سمعت من الدروس
إلا أن ما ذكره من التعليل يقتضي أعمية المسألة من ذلك، بل سمعت خلو عبارة
المتن عن الإشارة في الدقيق.
291

وكيف كان فالمخالف فيها القاضي على ما حكي عنه فيحنث، لأن الحنطة إنما
تؤكل غالبا كذلك فصار كما لو قال: " لا آكل هذا الكبش " فذبحه وأكله،
ولأن الحقيقة النوعية ما تبدلت وإنما المتغير بعض أوصافها، بخلاف ما لو صارت الحنطة
حشيشا والبيض فرخا، وكذا الحكم فيما لو قال: " لا آكل الرطب " فصار تمرا،
والبسر فصار رطبا، والعنب فصار زبيبا، أو " لا أشرب من هذا العصير "
فصار خلا.
وذكر أنه باحث الشيخ في ذلك، وأورد عليه أن عين الحنطة باقية، وإنما
تغيرت بالتقطيع الذي هو الطحن، فأجابه بأن متعلق اليمين مسمى الحنطة، والدقيق
لا يسمى حنطة، كما أن الخبز لا يسمى دقيقا، فألزمه بأن من حلف لا يأكل هذا
الخيار أو هذا التفاح ثم قشره وقطعه وأكله لا يحنث، ولا شبهة في أنه يحنث، فالتزم
بمثل ذلك في الخيار والتفاح.
وفيه وضوح الفرق بعدم خروجهما عن مسماهما بالتقطيع الذي لم يحدث
به لهما اسم زائد على كونه خيارا مقطعا، بخلاف الحنطة المطحونة التي لا تسمى
حنطة لغة ولا عرفا إلا على وجه المجاز، وبقاء الحقيقة لا ينافي تغير الاسم الذي هو
المدار، وبهذا حصل الفرق.
وعن الفاضل في المختلف أنه حقق المسألة بما محصله يرجع إلى اختيار القاضي
في الحنطة والدقيق، دون الرطب إذا صار تمرا والعنب زبيبا ونحو ذلك، والفرق
أن ما يصلح للأكل حالة اليمين على حالته التي هو عليها يتعلق به التحريم على
تلك الحالة دون غيرها مما ينتقل إليها عن اسمه الأول، وما لا يؤكل على
تلك الحالة يتعلق به التحريم على حالة يؤكل، كالحنطة والدقيق، فيحنث
بأكلهما خبزا.
قلت، لا إشكال في الحنث مع فرض إرادته أكلها على الوجه الذي تؤكل معه،
كما لعله المتعارف في الاطلاق عرفا إنما الكلام في الحنث مع قصده كون
عنوان الحلف مصداق اللفظ، ولا ريب في أن التحقيق ما ذكره الشيخ،
292

لما عرفت.
بل الظاهر عدم مدخلية ذكر الإشارة مع الاسم هنا، حتى لو كان متعلق
اليمين أكل الحنطة والدقيق، كما أشار المصنف إليه بذكر الإشارة في الأول
وتركها في الثاني.
وما ذكره القاضي من أن المدار على تغير الحقيقة دون الاسم مناف لما
يفهم من اللفظ عرفا مع التجرد عن القرائن كما حققناه في الأصول، إذ احتمال
كون العنوان الذات لا من حيث التسمية بالاسم المزبور لا دليل عليه، بل ظاهر تعليق
الحكم على الاسم إرادة مسماه من حيث كونه مسمى به، كما هو واضح بأدنى التفات
إلا مع القرينة.
ومن هنا بان أن محل الخلاف بين الشيخ والقاضي في ذلك لا من حيث
تعارض الإشارة والاسم، اللهم إلا أن يراد بالإشارة اصطلاح آخر.
هذا وقد ذكر في الدروس قبل هذه القاعدة قاعدة تضمنت في الجملة لحكم
معارضة الإشارة، قال: " قاعدة: الإضافة تتخصص بالمضاف إليه كدار زيد وسرج
الدابة، والإشارة تخصص بالمشار إليه، فلو تبدلت الإضافة زالت اليمين، بخلاف
ما أشار إليه، ولو جمع بين الإضافة والإشارة كدار زيد هذه ولم ينو أحدهما
فالأغلب تغليب الإشارة، فتبقى اليمين وإن زال ملكه، ويحتمل تغليب الإضافة
لربط اليمين بهما، فتزول بزوال أحدهما ".
قلت: لعل المتجه في المسألة مع فرضها بالإشارة والاسم ترجيح الإشارة،
فيحنث حينئذ بالخبز مع احتمال العدم، لما عرفت، والله العالم.
* (وكذا لو حلف لا يأكل لحما فأكل ألية) * أي * (لم يحنث) * لعدم
الصدق عرفا، لخروجهما عن اللحم والشحم معا لمخالفتها لهما اسما وصفة، وكذا
البحث في السنام، وقيل: يحنث، لأنها من اللحم، وهو ضعيف، وفي الحنث بما
خالط اللحم من شحم الظهر والبطن ما سمعته سابقا أما عدم حنثه بالشحم إذا
كان في البطن فهو مقطوع به.
293

* (وهل يحنث بأكل الكبد والقلب؟ فيه تردد) * قيل من أنهما بمعناه وقد
يقومان مقامه، ويؤيده في القلب قوله صلى الله عليه وآله (1): " إن في الجسد مضغة " والمضغة
القطعة من اللحم، ومن عدم انصراف اللفظ إليهما عند الاطلاق، بل يصح سلب شراء
اللحم عن شرائهما.
ولا يخفى عليك ما في الأول الذي لا مدخلية له في الصدق الذي هو عنوان
اليمين، وفي المسالك " وجهان آتيان في لحم الرأس والخد واللسان والأكارع،
وأولى بالدخول لو قيل به ثم، وأما الكرش والمصران والمخ فلا " قلت: وكذا
غيره عرفا.
المسألة * (الثامنة:) *
* (لو حلف لا يأكل بسرا فأكل) * رطبا لم يحنث، وكذا العكس، لمخالفة
كل واحد منهما للآخر اسما ووصفا، إذ الأول لما لم يرطب من ثمرة النخل والثاني
لما نضج وسرت فيه الحلاوة والمائية.
وأما إذا أكل * (منصفا أو) * حلف * (لا يأكل رطبا فأكل منصفا) * وهو
الذي صار نصف الواحدة منه رطبة ونصفها بقي بسرا * (حنث) * عند الأكثر على
ما في المسالك، لصدق اسم الرطب على الجزء المرطب والبسر على الجزء الذي لم
يرطب، فيحنث بأكله.
* (و) * لكن * (فيه قول آخر) * عن القاضي وابن إدريس، وهو عدم الحنث،
لعدم صدق كل واحد من اسم الرطب والبسر عليها حقيقة، إذ لا يتبادر من الرطب
إلا ما رطب كله ومن البسر إلا ما لم يرطب منه شئ، وإنما لهما اسم خاص، وهو
لا يخلو من وجه وإن قال المصنف إنه * (ضعيف) *.

(1) البحار ج 70 ص 50 وفيه " في الانسان مضغة ".
294

وعن الفاضل في المختلف التفصيل بأنه إن أكل البسر منه حنث في البسر ولم
يحنث في الرطب، وإن أكل الرطب منه حنث في الرطب لا البسر، وإن أكل الجميع
فإن كان أحدهما أغلب بأن كان مذنبا جرى عليه حكم الغالب، فالبسر يشمل
المذنب، فيحنث به دون الرطب، وما رطب أكثره يحنث به في الرطب دون البسر،
ولو تساويا حنث به في الرطب، لأنه يطلق عليه اسمه دون البسر، إذ لا يسمى
به عرفا.
وفي المسالك " هذا إذا أكل الجميع أو النصف الموافق لمقتضى اليمين أما
لو أكل النصف المخالف خاصة فلا إشكال في عدم الحنث ولو كانت يمينه أن لا يأكل
رطبة أو بسرة فأكل منصفة فلا إشكال في عدم الحنث، لأن الرطبة اسم لما ترطب
كلها والبسرة لما لم يرطب منه شئ، ذلك غير متحقق في النصف ولا المعظم، بخلاف
مطلق البسر والرطب، فإنه يصدق ببعضها " انتهى. ولا يخلو من نظر إلا أن الأمر
سهل، إذ المدار على الصدق عرفا.
المسألة * (التاسعة:) *
* (اسم الفاكهة) * لما يتفكه به أي ينعم قبل الطعام وبعده مما لا يكون
مقصودا بالقوت من التفاح والمشمش وغيرهما من الثمار، ولا خلاف عندنا في أنه
* (يقع) * اسمها * (على الرمان والعنب والرطب) * ولا ينافي ذلك عطف النخل
والرمان عليها في الكتاب العزيز (1) لامكان كونه للاهتمام بشأنها ومزيد شرفها،
نحو عطف جبرئيل وميكائيل على الملائكة في قوله تعالى (2): " من كان عدوا لله
وملائكته ورسله " وعطف الصلاة الوسطى على الصلوات، خلافا لبعض العامة فلم
يجعل الرمان والرطب منها، ولا ريب في ضعفه.

(1) سورة الرحمن: 55 - الآية 28.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 98.
295

وحينئذ * (فمتى حلف لا يأكل فاكهة حنث بأكل كل واحد من ذلك) *
وكان اقتصار المصنف من اسم الفاكهة على ذلك للخلاف المزبور، وإلا فلا ريب في
وقوعه على غيرها من السفرجل والخوخ والنيمو وغيرها، بل عن الأزهري لم أعلم
أحدا قال النخل والرمان ليسا من الفاكهة، ومن قال ذلك من الفقهاء فلجهله بلغة
العرب وبتأويل القرآن، نعم في المسالك " لا تدخل الخضروات كالقثاء والخيار
والباذنجان والجزر والقرع فيه قطعا ".
* (وفي البطيخ تردد) * وخلاف، فعن المبسوط دخوله، للصدق
ولقوله صلى الله عليه وآله (1): " نعم الفاكهة البطيخ " وما روي (2) أيضا " أنه صلى الله عليه وآله كان
يحب من الفاكهة العنب والبطيخ " ولأن له نضجا وإدراكا كالفواكه، وقيل هو
من الخضروات، لقول الصادقين عليهما السلام لزرارة (3): " إنه عفى صلى الله عليه وآله عن الخضر،
فقال: وما الخضر؟ قال كل شئ لا يكون له بقاء: البقل والبطيخ والفواكه " فإن
العطف يقتضي المغايرة، والأولى الرجوع فيه إلى العرف، فإن فقد فلا حنث
للأصل.
* (والأدم اسم لكل ما يؤتدم به) * أي يضاف إلى الخبز مثلا ويؤكل معه،
كالمرق والدهن والجبن والتمر ونحوها * (ولو كان ملحا) * بلا خلاف في محكي
الخلاف * (أو مائعا كالدبس أو غير مائع كاللحم) * والجبن، خلافا لبعض العامة،
فخصه بما يصطبغ به، والعرف أعدل شاهد عليه، مضافا إلى قوله صلى الله عليه وآله (4):

(1) لم نعثر على هذا اللفظ مع التتبع التام في مظانه.
(2) المستدرك الباب - 61 - من أبواب الأطعمة المباحة الحديث 6 من كتاب
الأطعمة والأشربة.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 9 من
كتاب الزكاة.
(4) المستدرك الباب - 31 - من أبواب الأطعمة المباحة الحديث 2 من كتاب
الأطعمة والأشربة.
296

" سيد إدامكم الملح " وقوله صلى الله عليه وآله وقد أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها
تمرة (1) وقال: " هذا إدام هذه " وقوله صلى الله عليه وآله (2): " سيد إدم أهل الدنيا
والآخرة اللحم ".
المسألة * (العاشرة:) *
* (إذا قال: لا شربت ماء هذا الكوز) * مثلا * (لم يحنث إلا بشرب الجميع) *
وإن توقف شربه أجمع على التكرار، * (وكذا لو قال: لا شربت ماءه) * والظاهر
أنه من تصحيف النساخ، كما عن الشهيد، والصحيح " لأشربن ماءه " بنون التأكيد
يريد بذلك أنه لو حلف على فعل شئ من هذا القبيل لا يبر إلا بفعل الجميع،
ولو حلف أن لا يفعله لم يحنث بفعل البعض، لأن البعض غير المجموع في الموضعين
خلافا لما عن بعض العامة من الحنث بالبعض، وهو مناف للعرف المستفاد من إضافة
الماء إلى الإداوة المقتضي لتناول الجميع في نفي الاثبات.
نعم لو قال: لا شربت من ماء هذه الإداوة أو هذه البئر أو النهر حنث
بالبعض * (و) * إن قال: لظهوره في ذلك عرفا، خصوصا بعد عدم صلاحيتها
للتبيين.
بل قيل: * (لو قال: لا شربت من ماء هذه البئر) * وهذا النهر * (حنث بشرب
البعض، إذ لا يمكن صرفه إلى إرادة الكل) * فينصرف عرفا إلى البعض، ولصدق
أنه شرب ماء دجلة والفرات على من شرب منهما.
* (وقيل: لا يحنث، وهو حسن) * لأن التعذر لا يقتضي إرادة البعض المخالفة

(1) المستدرك الباب - 52 - من أبواب الأطعمة المباحة الحديث 7 من كتاب
الأطعمة والأشربة.
(2) الجامع الصغير ج 2 ص 35 وفيه " سيد الإدام في الدنيا.. ".
297

لما يقتضيه حقيقة اللفظ، وأقصاه عدم الحنث حينئذ، ودعوى فهم العرف إرادة البعض
من ذلك ممنوعة في الفرض، لكن في المسالك " ينبغي على هذا ألا ينعقد يمينه،
لأن الحنث فيه غير متصور، كما لو حلف لا يصعد إلى السماء - ثم قال -: ويتفرع
على ذلك ما لو قال: لأشربن ماء هذه البئر أو النهر، فيحتمل حمل اليمين على
البعض، فيبر بشرب بعضه وإن قل، والأظهر أنه لا يبر بشرب البعض، بل يكون
كالحالف على غير المقدور، فلا ينعقد اليمين، لأن البر فيه غير متصور " ولا يخلو
من نظر، ولكن لا فائدة في صورة النفي بين القول بعدم الحنث بشرب البعض وبين
كونها لاغية، والله العالم.
المسألة * (الحادية عشرة:) *
* (ولو قال: لا أكلت هذين الطعامين لم يحنث بأكل أحدهما) * كما أنه لو
قال: لآكلن هذين الطعامين لم يبر إلا بأكلهما، لأن الجمع بين شيئين أو أشياء
بصفة واحدة يصير كل واحد مشروطا بالآخر بغير خلاف عندنا على ما في المسالك،
خلافا لما عن بعض العامة من الفرق بين الاثبات والنفي، فحكم بالحنث بأحدهما
في الثاني، ووافق على توقف البر على أكلهما في الأول، وربما استعمل في العرف
كذلك إلا أن الكلام مع قصد الحالف ما يستفاد من اللفظ نفسه، وإلا فيدان بنيته
في صورة الاثبات، كما هو واضح.
* (وكذا لو) * جمع بين الشيئين أو الأشياء بحرف العطف ف‍ * (قال: لا أكلت
هذا الخبز وهذا السمك) * مثلا * (لم يحنث إلا بأكلهما) * كما أنه لا يبر إلا
بأكلهما في الاثبات * (ل‍) * ظهور العرف في * (أن الواو العاطفة للجمع، فهي) *
حينئذ * (كألف التثنية) * وواو الجمع بالنسبة إلى ذلك من غير فرق بين الاثبات
والنفي.
* (و) * لكن * (قال الشيخ) * هنا: * (لو قال: لا كلمت زيدا وعمرا فكلم
298

أحدهما حنث، لأن الواو تنوب مناب الفعل) * فكأنه قال: " لا كلمت زيدا ولا
كلمت عمرا.
* (والأول أصح) * من حيث اللفظ نفسه إلا مع القصد، بل جعلها في الدروس
قاعدة فقال: " قاعدة: الجمع بين شيئين أو أشياء بواو العطف يصير كل واحد
منهما مشروطا بالآخر قضية للواو، فلو قال: لا أكلت الخبز واللحم والفاكهة،
أو لآكلنها فلا حنث إلا للثلاثة، ولا بر إلا بها " انتهى.
نعم لو قال: ولا عمرا حنث بالكلام مع كل واحد منهما، لصيرورتهما
بمنزلة يمينين، حتى أنه لو حنث في إحداهما لم تنحل الأخرى، وكذا لو قال:
لا أكلم أحدهما أو واحدا منهما ولم يقصد واحدا بعينه حنث بالكلام مع أحدهما،
إلا أنه تنحل اليمين حينئذ، فلا يحنث إذا كلم الآخر، لأنها يمين واحدة،
والله العالم.
المسألة * (الثانية عشرة:) *
* (إذا حلف لا آكل خلا فاصطبغ به) * أي جعله إداما للخبز مثلا
* (حنث) * لانصراف الحلف إلى أكله منفردا أو مع غيره مع بقائه متميزا * (و) * أما
* (لو) * استهلك بالمزج بأن * (جعله في طبيخ) * مثلا * (فأزال عنه اسمه لم يحنث) *
وإن بقيت الحموضة وغيرها من أوصافه، لعدم الصدق وكذا السكباج، لكن في
كشف اللثام احتمال الحنث به وإن لم يستهلك فيه الخل، قال: " بناء على أنه لا يسمى
بأكل الخل، وكذا لو شرب مرقة فيها خل وإن لم يستهلك " قلت: لعله لمكان
المزج، والله العالم.
299

المسألة * (الثالثة عشرة:) *
* (لو قال: لا شربت لك ماء من عطش فهو حقيقة في تحريم الماء) * في حال
العطش إلا أنه قد يراد منه عرفا عدم التناول من مائه شيئا وإن قل، وفي
المسالك " فاللفظ حينئذ خاص والسبب عام عكس المسألة الأصولية، وهي عموم
اللفظ مع خصوص السبب " وفيه أن المقام خارج عن ذلك، ضرورة كون المراد
الكناية بذلك عن الأعم منه، وليس هذا من عموم السبب.
* (و) * على كل حال ففي المتن * (هل يتعدى إلى الطعام) * وغيره؟ * (قيل: نعم
عرفا) * وفي المسالك " فيكون من باب التعارض اللغة والعرف أو الحقيقة المتروكة
والمجاز الغالب، وهو حسن من انضباط العرف أو دلالة القرائن إليه، وإلا تمسك
بالحقيقة لأصالة البراءة فيما زاد عليها، ولأن إرادة العام من اللفظ الخاص ليس
من أفراد المجاز المستعملة اصطلاحا، فكيف يحمل عليه عند الاشتباه، وإنما غايته
أن يحمل عليه مع قصده أو ظهور القرائن بإرادته ".
وفيه ما لا يخفى، ضرورة ظهور كلامه في المفروغية من دلالته عرفا على
ذلك حتى يكون من التعارض الذي ذكره، ودعوى عدم كونه من أفراد المجاز
المستعملة واضحة المنع، إذ هو باب كثير " نحو لا تعطه فلسا " ولا تقبل منه ترابا،
بل لعل مفهوم الموافقة نحو قوله: " لا تقل لهما أف " (1) منه، بل لعله من
قسم الكناية التي يمكن دعوى كونها من الحقيقة فضلا عن المجاز فتأمل.
* (وقيل: لا) * يتعدى منه إلى غيره * (تمسكا بالحقيقة) * لأن الأيمان
تبنى على الألفاظ لا على القصود التي لا يحتملها اللفظ ولم تستعمل لغة فيها، كما
إذا حلف على الصلاة وقال: أردت الصوم، فإنه لا بقبل اتفاقا، وفيه - بعد التسليم -
منع واضح، ضرورة أنه لا مجال عن القول بالتعدية مع فرض القصد، لأنه من

(1) سورة الإسراء: 17 - الآية 23.
300

الاستعمال الصحيح الشائع بل المستحسن، لا نحو استعمال الصلاة في الصوم، ولعل
البحث في هذه ونظائره أن متعلق اليمين هو المكنى عنه باللفظ المزبور أو هو مع
معنى اللفظ أولى من هذا البحث وإن كان الأقوى فيه الثاني لأنهما مرادان منه.
هذا وفي الدروس " قاعدة: لو تعارض عموم اللفظ وخصوص السبب فإن نوى
شيئا فذاك، وإلا فالأقرب قصره على السبب، لأنه الباعث على اليمين،
كما لو رأى منكرا في بلد فكرهه لأجله فحلف على عدم دخوله ثم زال المنكر
فله الدخول ".
قلت: لا يخفى ما فيه، بل فتح باب التخصيص والتقييد بالدواعي يعدم جملة
وافرة من الفقه، والله العالم.
* (المطلب الثالث:) *
* (في المسائل المختصة بالبيت والدار) *
* (الأولى:) *
* (إذا حلف على فعل) * كالبيع والتزويج وغيرهما * (فهو يحنث بابتدائه) *
الذي هو مصداقه، * (ولا يحنث باستدامته) * التي لا يصدق معها اسم الفعل المحلوف
عليه * (إلا أن يكون الفعل ينسب إلى المدة) * بأن يقال سكنته مدة أو ركبته
كذلك * (كما ينسب إلى الابتداء) * فإنه يحنث حينئذ بها كما يحنث بابتدائه.
* (فإذا قال: لا آجرت هذه الدار أو لا بعتها أو لا وهبتها تعلقت اليمين بالابتداء لا
بالاستدامة) * لعدم صدق الإجارة التي هي اسم لايقاع الصيغة الخاصة وكذا البيع
والهبة، بل لا استدامة لها وإن بقي آثارها.
* (أما لو قال: لا سكنت هذه الدار وهو ساكن بها أو لا أسكنت زيدا وزيد
301

فيها حنث باستدامة السكنى أو الاسكان) * لصدق سكناه وإسكانه استدامة كصدقهما
ابتداء، وذلك لأنهما ينسبان إلى المدة، فيقال سكنتها شهرا وأسكنته كذلك، إذ
الضابط الفارق بين الأفعال المحلوف عليها التي استدامتها كابتدائها في الصدوق وغيرها
أن ما لا يتقدر بمدة كالبيع والهبة والتزويج وغيرها من العقود والايقاعات والدخول
والخروج ونحو ذلك لا يحنث باستدامتها، لأن استدامة الأحوال المذكورة ليست
كانشائها، إذ لا يصح أن يقال: بعت شهرا، ولا دخلت كذلك.
بل قد عرفت أن هذه الاستدامة ليست استدامة للأفعال نفسها، بل هي
بقاء لآثارها، بخلاف القيام والقعود والسكنى والاسكان واللبس والركوب ونحوها
مما يصح نسبتها إلى المدة فيقال: لبسته شهرا. وقمت يوما. وقعدت ليلة. وركبته
كذلك. فإنه يحنث باستدامته كابتدائه، للصدق عليهما على حد سواء، نعم قد
يقع الشك في بعض الأفعال كما تسمعه في التطيب والوطء ونحوهما.
بل جعل ذلك في الدروس قاعدة، فقال: " قاعدة: الابتداء والاستدامة شيئان،
فما ينسب إلى المدة كالسكنى والاسكان والمساكنة دون ما لا ينسب كالدخول
والبيع، وفي التطيب وجهان، فلو حلف لا سكنت هذه الدار وهو ساكن بها وجب
التحول في الحال وإن بقي رحله لا للسكنى، بخلاف ما لو قال: لا دخلت
هذه الدار وهو فيها، أو لا بعت وقد باع بخيار فاستمر عليه، أو لا تزوجت وله زوجة
فلم يطلقها ".
قلت: كان الوجه في الضابط المزبور أن التقييد بالمدة يقتضي الصدق في تمام
المدة، إلا أنك ستعرف الاشكال في صدق اسم الفعل واسم المصدر، وإلا فمن المعلوم
عدم صدق " لبس " في آنات استدامة اللبس وإن صدق عليه أنه لابس ومتلبس،
نعم قد يطلق الفعل في التقيد بالمدة ويراد الكون والمصدر، وحينئذ يكون عليه
المدار، فتأمل جيدا.
* (و) * كيف كان فلا إشكال في أن من حلف أن لا يسكن هو * (يبر) *
يمينه * (بخروجه) * نفسه فورا * (عقيب اليمين) * وإن بقي رحله ومتاعه بل
302

وأهله، لأن الفرض تعلق الحلف بسكناه نفسه ولا بأهله ومتاعه، كما أنه لا إشكال في
الحنث مع مكثه نفسه وإن أخرج أهله ورحله، خلافا لبعض العامة فيهما، ويمكن
حمله على غير الفرض.
* (ولا يحنث بالعود لا للسكنى، بل لنقل رحله) * مثلا وإن مكث بخلاف
ما لو حلف على دخولها، ولو مكث بعد اليمين ولو قليلا ففي المسالك " إن لم يكن
لأجل نقل متاعه حنث، لصدق الاستدامة " وفيه نظر، ولو كان لأجله بأن نهض
يجمع المتاع ونحوه مما يحتاج إليه الخروج فعن التحرير الحنث، لصدق إقامته
فيها مع التمكن من الخروج، وفيه منع واضح. ولعله لذا جزم في القواعد بعدمه،
لأن المشتغل بأسباب الخروج لا يعد ساكنا في الدار.
ومن هنا اتفقوا على أنه لو خرج ثم عاد لنقل متاعه أو لعيادة مريض أو
نحو ذلك لم يحنث، لعدم صدق السكنى عليه بذلك، بل في المسالك " لو احتاج
إلى أن يبيت فيها ليلة لحفظ المتاع فوجهان، أجودهما عدم الحنث، لأن الضرورة
على هذا الوجه لا تجامع الحنث، بل ربما نافت أصل اليمين " وإن كان فيه ما لا يخفى
من الخروج عن أصل البحث الذي هو صدق السكنى وعدمه.
ولو خرج في الحال ثم اجتاز بها لم يحنث، لأن ذلك لا يعد سكنى وإن
تردد فيها ساعة أو أزيد بلا غرض، لعدم صدقها بذلك، إذ ليس المراد منها المكث
مطلقا، بل اتخاذها سكنى، وهي لا تصدق بذلك، وإن احتمله في المسالك، ولا ينافي
ذلك فورية الخروج عرفا، لأن كونها مسكنا لا يخرج عنه بمجرد النية، كما
أن المقيم لا يصير مسافرا بمجردها، بخلاف من خرج ثم عاد لا لها، فإنه بعد أن
خرج عن اسم الساكن بخروجه احتاج في عوده إلى صدق اسم الساكن إلى إحداث
إقامة يصدق معها ذلك.
* (وكذا البحث في استدامة اللبس والركوب) * ونحوهما مما عرفت اتحاد
الابتداء والاستدامة في الصدق فيه، اللهم إلا أن يفرق بين الحلف على عدم لبسها
303

أو لا يلبسها، فإن الاستدامة يصدق عليها اسم اللبس، لا فعل اللبس الذي هو إحداث
وتجديد، فتأمل جيدا فإنه جار في غيره، والله العالم.
* (أما التطيب ففيه التردد) * مع عدم صدق النسبة إلى المدة، فلا يقال:
تطيب شهرا بل منذ شهر وإن كان باقيا عليه، كالطهارة مع البقاء عليها، بل لعله
حقيقة في الابتداء مجاز في الاستدامة، ومن صدق اسم المتطيب عليه فعلا، ولذا
حرمت عليه الاستدامة في الاحرام.
* (ولعل الأشبه أنه لا يحنث بالاستدامة) * لصحة السلب، ولأنه لم يحلف
على أن لا يكون متطيبا، بل على أنه لا يتطيب، وبينهما فرق.
وربما كان عنوان الحرمة في الاحرام كونه متطيبا لا تطيبه، وإلا كان من
دليل خارج كحرمة شمه.
وكذا الكلام في الوطء الذي لا يقال فيه وطأت يوما أو شهرا، وحينئذ فمن
حلف أن لا يطأ لا يحنث بالاستدامة ما لم يعد بعد النزع وإن حرمت على الصائم
والمحرم كالابتداء.
قلت: هكذا ذكروه، لكن لعل ما أشرنا إليه من التفاوت بين صدق اسم الفعل
وبين اسم المصدر آت في المقام ونحوه وإن التفتوا إليه في خصوص التطيب،
* (وكذا) * الوطء ونحوهما دون الأمثلة السابقة.
نعم * (لو قال: لا دخلت دارا) * لم يحنث بالوقوف على الحائط، بلا خلاف
كما عن الخلاف والمبسوط و * (حنث بالابتداء دون الاستدامة) * قطعا لأنها لا تعد
دخولا وإن طال مكثه فيها، كما هو واضح.
304

المسألة * (الثانية:) *
* (إذا حلف) * الخارج عن الدار مثلا وقال: * (لا دخلت هذه الدار فإن
دخلها أو شيئا منها أو غرفة من غرفها) * أو دهليزا خلف الباب أو بين البابين أو
تجاوز الباب * (حنث) * للصدق عرفا، بخلاف الطاق خارج الباب وعتبة الدار.
* (ولو نزل إليها من سطحها) * الذي لا فرق في اسم الدخول إليها بينه
وبين الباب وبين طرح نفسه في الماء فحمله الماء والقعود في سفينة ونحوها فدخلت،
إلا إذا لم يكن يريد الدخول فقط من السطح أو حمله الماء أو السفينة قهرا إلى
أن دخل، فلا يحنث وإن صعد السطح أو دخل الماء أو السفينة مختارا.
لكن عن المبسوط " إن قعد في سفينة أو على شئ فحمله الماء فأدخله أو
طرح نفسه في الماء فحمله الماء فأدخله حنث، لأنه دخل باختياره، فهو كما لو
ركب فدخل راكبا ومحمولا " ونحوه عن الجواهر، ويمكن إرادتهما القصد.
وفيه أيضا " أنه إن كان فيها شجرة عالية عن سورها فتعلق بغصن منها من
خارج الدار وحصل في الشجرة نظر، فإن كان أعلى من السطح لم يحنث بلا خلاف
لأنه لا يحيط به سورها، وإن حصل بحيث يحيط به السور حنث، لأنه في جوف
الدار، وإن حصل بحيث يكون موازيا لأرض السطح فالحكم فيه كما لو كان
واقفا على نفس السطح " انتهى. والأمر سهل بعد أن كان المرجع العرف.
* (أما إذا) * تسلق من خارج أو من جدار الغير ف‍ * (نزل إلى سطحها) *
خاصة ففي المتن وغيره * (لم يحنث، ولو كان محجرا) * لعدم صدق دخولها حينئذ
خلافا لما عن بعض من إلحاق المحوط بالدار، لإحاطة جدران الدار به، ولآخر
من الحنث بصعوده وإن لم يكن محوطا.
لكن الانصاف عدم خلو الأخير من وجه في العرف، خصوصا بعد ملاحظة
305

اندراجه في قوله عليه السلام (1): " من دخل دار غيره بدون إذنه فدمه هدر "
فتأمل.
وفي المسالك " هذا كله إذا لم يكن السطح مسقفا وإلا كان كطبقة أخرى
في الدار " قلت: لم يتضح أن وجه المنع في الفرض عدم صدق الدخول بالتسلق
إلى السطح أو من حيث كون السطح ليس دارا، فإن كان الأول لم يفرق بين
تسقيفه وعدمه، وإن كان الثاني فتوجه المنع فيه واضح. وظاهر الفاضل في القواعد
الثاني، قال: " إذا حلف على الدخول لم يحنث بصعوده السطح وإن كان محجرا،
فعلي هذا لا يجوز الاعتكاف في سطح المسجد، ولا تتعلق الحرمة به - أي التي للمسجد -
على إشكال ".
وفي كشف اللثام من الاشكال في دخوله، لأن عدم الحنث بالصعود على
السطح لا يعين خروجه عن الدار لجواز أن يدخل فيها، لكن لا يدخل صعوده في
مفهوم دخول الدار عرفا، ويؤيده ملك صاحب الدار له، ومبني الاحتمالين على
أن من المعلوم توقف حصول الدار على السطح، ولكن يحتمل أن يكون توقف الكل
على الجزء وأن يكون توقف المشروط على الشرط، فتأمل.
* (ولو حلف لا أدخل بيتا) * من بيوت الدار مثلا * (فدخل غرفة) * أو
غيرها مما لا يدخل تحت اسم البيت * (لم يحنث) * بلا خلاف كما عن الخلاف
والمبسوط، لعدم الصدق بخلاف الدار، ولو كان الحالف في الدار أو في البيت لم
يحنث بالاستدامة التي هي ليست من الدخول الذي لم يجر فيه الضابط المزبور،
ضرورة عدم صحة نسبته إلى المدة، فلا يقال: دخلته شهرا بل منذ شهر نحو
البيع.
خلافا لما عن بعض العامة من الحنث بها أيضا، لأن حكمها شرعا كالابتداء،

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 وفيه
" من دخل دار غيره فقد أهدر دمه " وفي المستدرك الباب - 23 - منها الحديث 4 وفيه
" من دخل على مؤمن في منزله بغير إذنه فدمه مباح ".
306

ولذا حرم المكث على من دخل دارا مغصوبة لم يعلم بها، وهو كما ترى، ضرورة
كون العنوان في الغصب مطلق التصرف الذي منه المكث بخلاف اسم الدخول، وحينئذ
فلا يتحقق الدخول.
* (و) * لا إشكال في أنه * (يتحقق الدخول) * الذي هو عنوان اليمين
* (إذا صار) * منتقلا بجميع بدنه * (بحيث لورد بابه كان من ورائه) *
فلا يحنث بدخول يده أو رجله، بل لا بد من دخول بدنه على وجه يصدق عليه
اسم الدخول، وكذا الخروج، والله العالم.
المسألة * (الثالثة:) *
* (إذا حلف) * الحضري * (لا دخلت بيتا حنث بدخول بيت الحاضرة) *
الذي هو المتخذ من الطين والآجر والمدر والحجر والخشب * (ولا يحنث بدخول
بيت من شعر أو أدم) * والصوف والجلد وأنواع الخيام، بناء على أن المنساق غيره
من البيت عندهم * (و) * هو المتخذ مما عرفت. نعم * (يحنث بهما البدوي ومن
له عادة بسكناه) * لدخولهما في متعارفه الشامل لهما والبيت الحاضرة أيضا كما
في المسالك.
لكن قد يقال بالحنث للحضري بدخولهما أيضا لأنهما من البيوت في لغة
أهل البادية الذين هم من أهل اللسان، وقد قال الله تعالى شأنه (1) " وجعل
لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها ".
وربما أجيب بأن الاستعمال أعم من الحقيقة، وبعد التسليم فالعرف مقدم
على اللغة، ومن هنا قلنا يحنث به البدوي خاصة، ولهذا حكموا باختصاص لفظ
الرؤوس والبيوض بأنواع خاصة.

(1) سورة النحل: 16 - الآية 80.
307

قلت: لا يخفى على من نظر كلامهم في الأمثلة السابقة وغيرها الخلط بين
الانسياق والحقائق، ولعل المقام منه، إذا البيت حقيقة للأعم من ذلك كله، ولكن
قد ينساق غيرها من البيت في لسان الحضر، مع أنه يمكن أن يكون المدار مسماه
الذي هو عنوان اليمين وإن لم يحضر في ذهن الحالف، بل وإن حضر غيرهما من
الأفراد ما لم ينو الحلف من نوع خاص، وإلا فلا وجه للفرق بين الحضري
والبدوي حتى حكم بالشمول للجميع في الثاني دون الأول مع أنه لم يحضر في
ذهنه بيت الحاضرة.
وبالجملة فالظاهر من كل متلفظ إرادة عنوان حكمه معنى لفظه إلا مع
النية أو الانسياق الدال على إرادته خصوص أفراد منه، وإلا كان الحكم على
كل ما يصدق عليه، وعن المبسوط الحنث مطلقا إن كان بدويا وكذا إن كان قرويا
يعرف بيوت البادية وإلا فلا.
* (ولو حلف لا دخلت دار زيد ولا كلمت زوجته ولا استخدمت عبده كان
التحريم تابعا للملك) * عرفا * (فمتى خرج شئ من ذلك عن ملكه) * بأن باع
الدار وطلق الزوجة وباع العبد * (زال التحريم) * بل في المسالك " لو اشترى زيد
دارا أخرى أو عبدا أو تزوج امرأة حنث بالثاني دون الأول إلا أن يقول أردت
الأول بعينه، فلا يحنث بهما، ولو قال: أردت دارا جرى عليها ملكه أو عبدا
كذلك أو امرأة جرت عليها زوجيته حنث بكل منهما " قلت: لا إشكال مع
إرادته، إنما الكلام مع إطلاقه وخلوه عن النية وجعله العنوان مفاد اللفظ، والظاهر
التبعية كما ذكره المصنف، هذا كله إذا لم يضف إلى الإضافة التعيين.
* (أما لو) * أضافه بأن * (قال: لا دخلت دار زيد هذه) * مثلا وجعل
قصده تابعا لمفاد اللفظ * (تعلق التحريم بالعين ولو زال الملك) * تغليبا للتعيين على
الإضافة، واستقر به في القواعد.
* (وفيه قول بالمساواة، وهو حسن) * لانسياق إرادة المركب من الإضافة
أو التعيين الذي يزول بزوال أحد جزئيه، فلا يحنث بخروجه عن الإضافة، وعن
308

الفاضل في المختلف أنه استقر به في ضمن تفصيل لا يخرج عنه وإن تردد فيه في
محكي التحرير والإرشاد، والله العالم.
المسألة * (الرابعة:) *
* (إذا حلف لا دخلت دارا فدخل براحا) * بفتح الباء وهو الأرض الخالية
من البناء والشجر والزرع سواء * (كان دارا) * أو لم يكن * (لم يحنث) * لعدم
الصدق، بل يصح السلب.
* (أما لو قال: لا دخلت هذه الدار فانهدمت وصارت براحا قال الشيخ:
لا يحنث) * أيضا لأنه من تعارض الإشارة والاسم الذي قد عرفت ظهور التركيب
في مثله على وجه ينتفي متعلق اليمين بانتفاء أحدههما، فهو حينئذ كالمسألة السابقة
التي استحسن المصنف فيها عدم الحنث.
* (و) * لكن هنا قال: * (فيه إشكال من حيث تعلق اليمين بالعين فلا اعتبار
بالوصف) * ولعله لأن الفرض أن الوصف في السابق مقصود غالبا بخلاف الدار،
فإن الحكم فيها لمحض الاسم أو المشار إليه، قيل: وهذا هو السر في ترجيح
المصنف زوال الحنث بانتفاء الوصف في السابقة واستشكاله هنا.
ولكن فيه أنه يمكن أن يعكس الاعتبار بأن يقال: إذا كان زوال الوصف
في السابقة موجبا لزوال الحكم مع أن حقيقة المحلوف عليه وهو المرأة والعبد والدار
باقية فليزك الحكم هنا مع زوال حقيقة المحلوف عليه وهو الدار، لأن عرصة الدار
المعتبر عنها بالبراح لا تسمى دارا حقيقة.
بل يمكن أن يقال بزوال حكم الإشارة أيضا، لأنها تعلقت بعين تسمى دارا
وهي اسم مركب من العرصة وما تشتمل عليه من البناء وغيره، والجزء الذي هو
العرصة غير المركب فلا يكون هو المشار إليه
نعم لو قيل بعدم اشتراط أمر زائد على العرصة في اسم الدار - كما عن
309

بعضهم لأن المتعارف في ألسنة الشعراء من إطلاق اسم الدار على ذاهبة الرسوم،
بل يقال: دار بني فلان وفلان لصحار ليس فيها عمارة - اتجه الحنث حينئذ لبقاء
الاسم والإشارة، إلا أنه ينافيه الجزم في سابقه بعدم الحنث فضلا عما استحسنه
سابقا، على أن الحق عدم تسمية العرصة دارا إلا على المجاز الذي يشهد له عدم
تبادر الذهن إليها أو تبادر الغير عند الاطلاق، وصحة السلب وغير ذلك من
علاماته.
وربما تكلف على هذا التوجيه أيضا بيان الوجه في حكم المصنف بزوال
الحنث في السابقة واستشكاله هنا، إلا أنه لا حاصل له، والتحقيق ما عرفت من
عدم الحنث فيهما، والله العالم.
* (ولو حلف لا دخلت هذه الدار من هذا الباب ف‍) * لا إشكال في عدم
الحنث لو دخل من منفذ آخر غيرها، كما أنه لا إشكال في أنه إن * (دخل منه حنث) *.
* (و) * لكن الكلام فيما * (لو حول الباب عنها إلى باب مستأنف فدخل
بالأول قيل: يحنث، لأن الباب الذي تناولته اليمين باق على حاله ولا اعتبار
بالخشب الموضوع، وهو حسن) * لأن الباب عرفا اسم للمنفذ المحتاج إليه في الدخول
دون الباب المنصوب عليه، بل لعل تسميته بالباب باعتبار كونه موضوعا عليه،
وحينئذ فيحنث بالأول لبقاء اسمه دون الثاني الخارج عنه بالإشارة المفروضة.
ومن الغريب احتمال العكس، لأن الباب اسم للخشب المتخذ فيدور الحكم
مداره، فلا يحنث بالأول، لعدم الباب بخلاف المنفذ الجديد الموضوع عليه الباب
التي يصدق الدخول منها.
وأغرب منه احتمال عدم الحنث بكل منهما، لأنها تحمل على المنفذ والخشب
جميعا، لأن الإشارة وقعت عليهما جمعيا، فلا يحنث بدخول منفذ آخر وإن
نصب عليه الباب، ولا بدخول ذلك المنفذ إذا لم يبق عليه باب.
والتحقيق ما عرفت، وحينئذ فلو خلع الباب ولم يحولها إلى موضع آخر
حنث بالدخول إلى المنفذ وإن احتمل عدمه بناء على أن الاعتبار بالخشب لا
310

بالمنفذ، ولو نقل الباب إلى دار أخرى فدخلها منه لم يحنث، لأن القصد الدار
المعينة التي كانت على منفذها، نعم لو أراد أن لا يدخل منها حيث تنصب حنث.
ومن الغريب احتماله في المسالك الحنث على الأول.
* (ولو قال: لا دخلت هذه الدار من بابها ففتح لها باب مستأنف فدخل به
حنث لأن الإضافة متحققة فيه،) * وكذا لو قال: لا أدخل باب هذه الدار ففتح
لها باب جديد، واحتمال عدم الحنث فيهما لأن اليمين انعقدت على الباب الموجودة
فصار كما لو حلف أن لا يدخل دار زيد فباعها واضح الضعف، ضرورة عدم اشتراط
تناول اللفظ بأن يكون المتناول موجودا عند اليمين، ولذا يحنث لو قال: لا أدخل
دار زيد فملك دارا بعد اليمين وباب الدار صادق على كل فرد يكون لها بخلاف
دار زيد، فإنها لا تصدق إلا على المقيدة بملكه، فإذا زال الملك زالت الإضافة
حقيقة، والتبادر أعدل شاهد على ذلك.
المسألة * (الخامسة:) *
* (إذا حلف لا دخلت أو لا أكلت أو لا لبست اقتضى التأبيد) * لما تحقق في
الأصول من أن النفي للطبيعة الذي لا يتحقق بدون ذلك، بخلاف الحلف على
الفعل الذي يتحقق بجزئي من جزئياته، كما ذكرناهما في الأمر والنهي وقلنا إن
الأول لا يقتضي فورا ولا تراخيا ولا وحدة ولا تكرارا، بخلاف النهي الذي مفاده
مفاد التكرار باعتبار إرادة النفي الذي لا يتحقق إلا بعدم إيجاد الطبعية مطلقا.
نعم هذا كله مع الاطلاق * (فإن ادعى أنه نوى مدة معينة) * أو وصفا من
الأوصاف وغيرهما مما يقتضي التخصيص أو التقييد * (دين بنيته) * وقبل منه ذلك
في نظائره، ولعل من ذلك خبر أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل أعجبته

(1) الوسائل الباب - 49 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
311

جارية عمته فخاف الإثم، فحلف بالأيمان أن لا يمسها أبدا فورث الجارية أعليه
جناح أن يطأها؟ فقال: إنما حلف على الحرام، ولعل الله رحمه فورثه إياها لما
علم من عفته " باعتبار أنه نوى عدم مسها محرما أو أنه حلف على عدم مسها
وهي مملوكة لعمته، فإذا زال ملكها عنها حلت له، نحو ما سمعته في " عبد زيد "
والله العالم.
* (ولو حلف لا أدخل على زيد بيتا فدخل عليه وعلى عمرو ناسيا) *
ليمينه * (أو جاهلا بكونه فيه فلا حنث) * ولا بحث، لما ستعرفه من ارتفاع حكم
اليمين بالنسيان والجهل.
* (وإن دخل مع العلم) * به وتذكره اليمين * (حنث سواء نوى الدخول
على عمرو وخاصة أو لم ينو،) * وفاقا للمحكي عن الشيخ في الخلاف والأكثر،
لصدق الدخول الذي هو حقيقة واحدة لا يختلف باختلاف المقاصد.
* (و) * لكن * (الشيخ) * في المبسوط * (فصل) * بين الدخول على عمرو
خاصة - على معنى استثناء زيد بقلبه - وبين عدم عزله له، فلا حنث بالأول دون
الثاني، لأن الدخول يقبل التخصيص كما يقبله القول، فيصدق عليه أنه دخل.
على عمرو ولا زيد، وضعفه واضح للفرق بين الأقوال والأفعال كما ستعرفه.
* (و) * كيف كان ف‍ * (هل يحنث بدخوله عليه في مسجد أو في الكعبة؟
قال الشيخ: لا، لأن ذلك لا يسمى بيتا في العرف) * إلا بضرب من التقييد، كما
يقال: الكعبة بيت الله أو البيت الحرام والمسجد بيت الله.
* (و) * لكن قال المصنف: * (فيه إشكال يبنى على ممانعته دعوى العرف) *
لأن الله تعالى أطلق عليهما اسم البيت فقال: (1) " طهر بيتي " وقال: (2)
" في بيوت أذن الله أن ترفع " بل عن ابن إدريس أن ذلك عرف شرعي، وهو مقدم

(1) سورة الحج: 22 - الآية 26 - 29.
(2) سورة النور: 24 - الآية 36.
312

على العرف العادي لو سلم، وإن كان الجميع كما ترى، ضرورة ظهور إرادة
غيرهما من إطلاق البيت لو سلم كونهما من أفراده، ولا عرف شرعي، إذ الاطلاق
أعم من الحقيقة، وعلى تقدير تسليمه لا يحمل عليه لفظ الحالف الجاري في تلفظه
مجرى العادة، هذا كله في الدخول.
* (أما لو قال: لا كلمت زيدا فسلم على جماعة فيهم زيد) * عالما بذلك
وباليمين * (و) * لكن * (عزله بالنية) * خاصة أو باللسان معها * (صح) *
عزله وتخصيصه، فلا حنث، والفرق بينه وبين الدخول أنه كلام يقبل التخصيص
والتقييد، بخلاف الدخول الذي هو ماهية واحدة كالضرب لا يتخصص وإن تخصص
الباعث عليه، ولا يقبل الاستثناء، فلا يقال: " دخلت عليك إلا على فلان " بخلاف
قول: " سلام عليكم إلا على فلان " كما هو واضح.
* (وإن) * نوى السلام عليه معهم أو * (أطلق حنث مع العلم) * به وتذكر
اليمين.
المسألة * (السادسة:) *
* (قال الشيخ رحمه الله: اسم البيت) * لو كان متعلقا لليمين مثلا * (لا يقع
على الكعبة ولا على الحمام، لأن البيت ما جعل بإزاء السكنى، وفيه) * عند المصنف
* (إشكال يعرف من قوله تعالى (1) " وليطوفوا بالبيت العتيق ") * وغيره مما مر
* (وفي الحديث (2) " نعم البيت الحمام ") وفيه أن الاستعمال أعم والعرف أعدل شاهد
على إرادة غيرهما من إطلاق البيت، بل قيل: لا يدخل فيه الغرف والمقصرة ونحوهما
مما لا يعد للسكنى، بل عن الخلاف والمبسوط نفي الخلاف فيه وإن كان هو غير

(1) سورة الحج: 22 - الآية 26 - 29.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب آداب الحمام الحديث 1 من كتاب الطهارة.
313

واضح بالنسبة إلى العرف في عرف هذا الزمان، بل وغيره الذي منه ما في الكتاب (1)
والسنة (2) من الترغيب للناس بسكنى غرف الجنة، وأن فوقها غرفا تجري
من تحتها الأنهار، والأمر سهل، نعم لا يدخل فيه بعض المتخذ مرفقا للدار.
بل * (قال: وكذا) * لا يدخل فيه * (الدهليز) * وهو ما دخل عن باب
الدار بينه وبينها * (و) * لا * (الصفة) * المتعارفة عند أهل القرى، وهو كذلك،
لعدم إعدادهما للسكنى، بل يقال: لا يدخل فلان البيت وهو واقف في الدهليز
والصفة، وإنما يدخلان في الدار عرفا، كما هو واضح.
* (المطلب الرابع:) *
* (في مسائل العقود) *
* (الأولى:) *
* (العقد اسم للايجاب والقبول) * بلا خلاف أجده فيه، وحينئذ * (فلا يتحقق
إلا بهما فلو حلف ليبيعن) * بعقد البيع * (لا يبرأ (3) إلا مع حصول الايجاب
والقبول، وكذا لو حلف ليهبن) * بناء على أنها اسم للعقد كالبيع.
* (و) * لكن * (للشيخ في الهبة قولان: أحدهما أنه يبرأ (4) بالايجاب) *
قال في محكي الخلاف: " إن الحالف لا يهب يحنث بالايجاب سواء قبل الموهوب

(1) سورة العنكبوت: 29 - الآية 58 وسورة سبأ: 34 - الآية 37 وسورة
الزمر 39 - الآية 20.
(2) البحار ج 8 ص 119 و 128 و 149 و 158 ط الحديث.
(3) في الشرائع: " لا يبر ".
(4) في الشرائع: " يبر ".
314

أم لم يقبل " ثم نقل عن بعضهم أنه لا يحنث بالايجاب وحده كالبيع، قال: " وهو
قوي " وعنه في المبسوط أنه قوي القولين أيضا وهو يدل على تردده، * (و) * على
كل حال فهو * (ليس بمعتمد) * لأنها كغيرها من العقود.
نعم في المسالك تبعا للقواعد يستثنى من ذلك الوصية، فإنها عقد يفتقر إلى
الايجاب والقبول كما عرفت في محله، لكن لما كان قبولها المعتبر ما كان بعد
الموت إجماعا وإن جاز قبله على الخلاف يحنث الحالف عليها بمجرد الايجاب،
إذ لا يعقل توقف الحنث على ما يقع بعد الموت أو يجوز وقوعه، ولأن المتبادر
من الوصية عرفا - إذا قيل فلان أوصى بكذا وقوله أوصيت بكذا - هو الايجاب،
وفي المسالك مع احتمال توقف الحنث على القبول إطرادا لباب العقود، ودليلها
السابق. قلت: هو الأقوى مع التصريح بعقد الوصية، لأنها المحتمل لإرادة
الايجاب منه خاصة بالقرينة، والله العالم.
المسألة * (الثانية:) *
* (إطلاق العقد ينصرف إلى العقد الصحيح دون الفاسد) * لا لأنه حقيقة فيه
دونه، بل لانصراف البيع و " بعه " ونحوهما إلى إرادة الصحيح، وهو الذي يشعر
به لفظ الانصراف في عبارة المصنف وغيره، مضافا إلى معلومية كون البيع اسما
للأعم منهما على وجه الحقيقة.
ومن الغريب ما في المسالك من دعوى كونه حقيقة في الصحيح مجازا في
الفاسد لوجود خواص الحقيقة، كمبادرة المعنى إلى ذهن السامع عند إطلاق قولهم:
" باع فلان داره " وغيره، ومن ثم حمل الاقرار به عليه، حتى ادعى إرادة
الفاسد لم يسمع إجماعا، وعدم صحة السلب وغير ذلك من خواصه، ولو كان
مشتركا لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة، وانقسامه إلى
الصحيح والفاسد أعم من الحقيقة، إذ هو جميعه كما ترى منطبق على الانصراف
315

الذي ذكرنا، وليس شئ منه يدل على الحقيقة والمجاز، كما هو واضح.
* (و) * على كل حال ف‍ * (لا يبر بالبيع الفاسد لو حلف ليبيعن، وكذا
غيره) * من الصلح والإجارة ونحوهما.
المسألة * (الثالثة:) *
* (قال الشيخ: الهبة اسم لكل عطية متبرع بها كالهدية والنحلة والعمرى
والوقف والصدقة، ونحن نمنع الحكم في العمرى) * قطعا، لأنها كالسكنى والرقبي
تمليك للمنفعة، بخلاف الهبة التي هي تمليك العين، قوله صلى الله عليه وآله (1): " العمري
هبة لمن وهبت له " مع فرضه على ضرب من المجاز.
* (و) * أما * (النحلة) * ففي المتن والمسالك أنها كالعمرى تمليك للمنفعة
أيضا فقال: * (إذ يتناولان المنفعة، والهبة تتناول العين) * إلا أنا لم نتحقق ذلك
في النحلة، بل قد يدعى أنها كالهبة، خصوصا بعد إطلاق الزهراء عليها السلام اسم النحلة
على فدك والعوالي (2) المعلومين كونهما هبة من أبيها لها.
وكذا قوله متصلا بذلك: * (وفي الوقف والصدقة تردد، منشأه متابعة
العرف في إفراد كل واحد باسم) * مع أنه لا تردد في عدم تناولها الوقف المقطوع
بكونه ليس هبة اسما ولا حكما، بل عن ابن إدريس عدم الخلاف فيه.
نعم قد يتردد في الصدقة المندوبة التي هي العطية قربة إلى الله تعالى باعتبار
أنها الهبة بعوض هو القرب إلى الله تعالى، بل لا يكاد ينكر صدق اسم الهبة في عرفنا
عليه، والاختصاص بالاسم لا ينافي اندراجها في الهبة التي هي للأعم منها ومن
فاقدة العوض وذات العوض غير القرب.

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 173 وفيه " العمرى لمن وهبت له ".
(2) البحار ج 8 ص 112 ط الكمباني.
316

أما الواجبة كالزكاة ونحوها فينبغي القطع بعدم كونها من الهبة التي هي
عقد، بل ولا الصدقة المندوبة التي هي الزكاة المندوبة والفطرة المندوبة والكفارة
المندوبة، نعم يقوى لحوق ما عرفت من الصدقة التي هي في الحقيقة هبة بعوض
هو القرب، وثبوت بعض أحكام لها خاصة بها - كعدم جواز رجوع بها ونحوه -
لا ينافي ذلك أيضا، ضرورة اختصاص جملة من أفراد المطلق باسم وأحكام لا تثبت
في غير الفرد المزبور كالسلم ونحوه، فإن هبة الرحم تختص بعدم جواز الرجوع
بها، ولم تخرج بها عن اسم الهبة، وحينئذ فكل صدقة هبة ولا عكس
وحينئذ فما عن ابن إدريس - من الجزم بأنه لا يبرأ الحالف على الهبة
بالوقف ولا بالصدقة لافراد كل باسم، والأصل براءة الذمة، والفرق بين الهبة
والصدقة، ومن جملته جواز الرجوع في الهبة على بعض الوجوه دون الصدقة -
فيه ما لا يخفى، نعم هو كذلك في الوقف بل وفي الصدقة الواجبة، بل والمندوبة
المشخصة باسم كفارة مندوبة ونحوها، دون العطية المتبرع بتمليك عينها قربة
إلى الله.
وأما العطية ففي المسالك " لا إشكال في تناول العطية المتبرع بها لجميع
ما ذكر، لأن العطية أعم من تعلقها بالعين والمنفعة، فيدخل في الأولى الهدية
والوقف والصدقة، وفي الثانية النحلة والعمرى إلا أنه لا يخلو من إشكال في بعضها
كالوقف والعمرى.
بل قال فيها أيضا " وربما دخلت الوصية في تعريف الشيخ أيضا، لأنها
عطية متبرع بها، غايتها أنها بعد الموت، وليس في إطلاق العطية ما يخرجها،
ودخولها في الهبة أبعد ".
وفيه ما لا يخفى من عدم دخول الوصية في الهبة بل والعطية إلا في العرف
المبتذل، ومع فرض كون الحالف من أهله يمكن دعوى اندراجها فيهما.
ومما ذكرنا يظهر لك النظر فيما في الدروس أيضا، قال " والهبة تتناول
317

الهدية لا العمرى على الأقرب والوصية والصدقة الواجبة، وفي المندوبة وجهان،
وكذا في الوقف، والأقرب المغايرة " إلى آخره.
المسألة * (الرابعة:) *
* (إذا حلف) * أن يفعل أو أن * (لا يفعل لم يتحقق) * البر ولا * (الحنث
إلا بالمباشرة) * التي هي حقيقة الاسناد دون مجازه وإن كان المباشر الوكيل
والمأذون والأجير ونحوهم، وكونهم كالمباشر في الحكم الشرعي لا يقتضي جريان
حكم اليمين الذي هو تابع لمفاد اللفظ حقيقة أو مجازا، ولعل الأمر لأيوب عليه السلام
بقوله تعالى (1) " وخذ بيدك ضغثا " في امتثال حلفه على أن يضرب زوجته مشعر
بما ذكرنا، وحينئذ * (فإذا قال: لا بعت أو لا شريت فوكل فيهما لم يحنث) *
لعدم المباشرة، وكذا لو حلف لأبيعن أو أشترين مع فرض إرادته مفاد اللفظ،
نعم إذا نوى أن لا يفعل على وجه يعم الإذن والأمر ونحوهما فلا خلاف في الحنث
حينئذ بفعل غيره بأمره به، بل ولا إشكال، فإن عموم المجاز من الاستعمال
الصحيح المستحسن كعموم الاشتراك، خصوصا في اليمين الذي قد عرفت تصريح
النصوص (2) " بأنه على الضمير " بل ظاهر الفاضل في القواعد انصراف الاطلاق
عرفا إلى ما يشمل التوكيل، وهو لا يخلو من وجه. هذا كله إذا لم يكن ثم
عرف ولو انصرافي.
* (أما) * إذا كان كما * (لو قال: لا بنيت بيتا فبناه البناء بأمره أو
باستئجاره قيل: يحنث نظرا إلى العرف) * وقواه في المسالك. * (و) * لكن في
المتن ومحكي الخلاف والسرائر * (الوجه أنه لا يحنث) * لما سمعته من أن
حقيقة الاسناد المباشرة، ولا عرف هنا بحيث هجر المعنى الحقيقي على وجه يكون

(1) سورة ص: 38 - الآية 44.
(2) الوسائل الباب - 17 و 21 - من كتاب الأيمان.
318

استعماله فيه مجازا، ضرورة الصدق حقيقة لو بنى بنفسه، فالعمل حينئذ بالحقيقة
والاستصحاب لحكمها أولى.
وفي المسالك بناء هذه المسألة تجميع أفرادها على ترجيح المجاز اللغوية
إلا مع معارضة العرف والشرع على وجه تهجر اللغوية، فلا إشكال في ترجيح
العرفية حينئذ، قال: " وإن بقيت مستعملة مرجوحة فوجهان مبنيان على
ترجيح المجاز الراجح والحقيقة المرجوحة، وإن استويا في الاستعمال صار حينئذ
كالمشترك في المنع، من ترجيح أحد أفراده بغير قرينة أو الحمل على الجميع على
قول، وهذه المسألة ترجع إلى جميع هذه القاعدة ".
قلت: قد ذكرنا في الأصول ما يستفاد منه النظر فيما ذكره من القاعدة
كما أنه قد تكرر منا في هذا الكتاب أن الانسياق العرفي من اللفظ تحمل عليه
عبارة الحالف وإن لم يكن من الحقيقة، فمع فرض كون الحالف أراد مفاد إطلاق
" لا بنيت " والفرض أنه شامل لما كان بأمره لا محيص عن العمل به، خصوصا إذا
كان ممن لا يحسنه، وكذا غيره من الصناعة كالحياكة والصياغة إلا إذا قصد جعل
العنوان الحقيقة الاسنادية، كما هو واضح بأدنى تأمل، ومنه يعلم ما في كلام
المصنف فتأمل.
ولو باع الحالف على نفيه فلا إشكال في الحنث وإن انعقد البيع، كما صرح
به في المسالك بل ظاهره المفروغية عنه، قال: " لأن النهي في المعاملة لا يقتضي
الفساد، خصوصا إذا كان النهي لو صف خارج كما هنا ".
قلت: قد ذكرنا في الأصول أن النهي عن المعاملة لنفسها أو لجزئها يقتضي
الفساد عرفا، ويمكن كون الفرض منها باعتبار كونه نفسه مخالفة لليمين، نحو
المعاملة المشتملة على المعاونة في الإثم، بل قد يقال: إن اليمين والنذر والشرط
قاطعة لسلطنة المالك عن التصرف المنافي لمتعلقها، خصوصا تعلقها بحق الغير
كنذر الصدقة والعتق واشتراطهما أو الحلف عليهما، وحينئذ لو خالف وباع بطل
بيعه، ولتحقيق المسألة محل آخر.
319

ثم إنه بناء على اقتضاء اليمين الفساد لو حلف لا يبيع يكون متعلق اليمين
البيع الصحيح لولا اليمين، فيتحقق حينئذ بكل صحيح لولا اليمين لا البيع
الصحيح، وإلا لزم الجمع بين النقيضين، لأنه يلزم من ثبوت اليمين نفيها،
والله العالم.
* (ولو قال: لا ضربت فأمر بالضرب لم يحنث) * لنحو ما سمعته في نحو
" لا بعت " و " لا اشتريت " الذي لم يعارضه عرف * (و) * لو انسياقا نعم * (في) *
قول * (السلطان) * ونحوه ممن عادته أو عادة صنفه عدم مباشرة الضرب * (تردد) *
مما عرفته في " لا بنيت " * (أشبهه) * عند المصنف * (أنه لا يحنث إلا بالمباشرة) *
لنحو ما سمعته منه في نحو " لا بنيت " وقد عرفت أن الأشبه خلافه.
* (ولو قال: لا أستخدم فلانا فخدمه بغير إذنه لم يحنث) * لأن الاستفعال
حقيقة في طلب الفعل، وورود " استقر " بمعنى " قر " و " استوقد " بمعنى " وقد "
غير مناف لكون الحقيقة ما ذكرنا، على أن الحلف إنما يتعلق بفعل نفسه، وخدمة
الغير بلا طلب منه ليس من فعله، فلا يتعلق به يمين.
* (ولو توكل) * الحالف على أن لا يبيع ولا يشترى * (لغيره في البيع
والشراء ففيه تردد والأقرب الحنث) * كما في القواعد * (لتحقق المعنى المشتق
منه) * إلا مع قصد نفيهما لنفسه، أو كان المنساق من إطلاقهما عرفا ذلك، كما
في نحو " لا أتزوج " ولا أنكح " إذ لا يقال للوكيل: إنه تزوج أو نكح، نعم
لو قال: " لا أزوج " و " لا أنكح " من الانكاح حنث قطعا، ولعل التردد من التردد
في الانسياق المزبور من إطلاقهما، ومع الشك فالأصل إرادة النفي مطلقا.
320

المسألة * (الخامسة:) *
* (لو قال:) * والله * (لا بعت الخمر فباعه قيل: لا يحنث) * لما عرفت من
انسياق البيع الصحيح المتعذر في الفرض، بل قد سمعت دعوى كون البيع حقيقة
فيه. * (ولو قيل يحنث كان حسنا) * بل هو المحكي عن الأكثر * (لأن اليمين) *
فيه وفي أمثاله * (ينصرف إلى صورة البيع) * صونا للكلام عن الهذر * (فكأنه
حلف لا يوقع الصورة وكذا لو قال: لا بعت مال زيد قهرا) *.
نعم في المسالك " على هذا التقدير هل يشترط اجتماع شرائط الصحة لولاه؟
قيل: نعم لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة، فيحمل عليه عند تعذرها، ويحتمل
عدمه، للأصل ووجود الصورة على التقديرين " وفي القواعد أن الأول أقرب. قلت:
لا يخفى عليك قوة الثاني، ضرورة تحقق اسم البيع فيه.
* (ولو حلف ليبيعن الخمر) * حقيقة * (لم تنعقد يمينه) * لتعذره.
ولو حلف لا يبيع حنث بالبيع مع الخيار، بل في كشف اللثام " قلنا
بالانتقال بمجرده أو لا، لأن البيع إنما هو العقد " بل فيه وفي القواعد " وبالبيع
المختلف فيه صحة وفسادا كوقت النداء ما لم يعلم حاله من الصحة والفساد، بأن
لا يكون مجتهدا ولا يمكنه الرجوع إلى مجتهد يرجح أحد الرأيين أو يكون
مجتهدا مترددا فيهما، وذلك لأن الأصل الصحة، فيحكم بها ما لم يعلم الفساد
وإن كان الأصل عدم الحنث " قلت: ولا يخلو بعض ذلك من نظر.
321

* (المطلب الخامس) *
* (في مسائل متفرقة) *
* (الأولى:) *
* (إذا لم يعين لما حلف وقتا) * كان وقته العمر ف‍ * (لم يتحقق الحنث
إلا عند غلبة الظن ب‍) * عدم التمكن منه بعد هذا الوقت لظن * (الوفاة) * أو غيره بناء
على أن الأمر المطلق لا يقتضي فورا ولا تراخيا * (ف‍) * متى ظن * (يتعين قبل ذلك
الوقت بقدر إيقاعه كما إذا قال:) * والله * (لأقضين حقه، لأعطينه شيئا
لأصومن لأصلين) * ونحو ذلك، فإن لم يفعل أثم بالتأخير، ثم إن مات قبل
فعله وكان مما يقضى قضي عنه وإلا فات كما لو حلف ليكلمن زيدا فمات قبله،
ولو فرض كذب ظنه بأن زال المرض الذي ظن إيصال الموت به أو نحو ذلك
فالظاهر بقاء حكم اليمين، ولا يحنث وإن أثم بالتأخير، للأصل ولأن التضييق إنما
جاء بأمر عارض لا بأصل اليمين، بخلاف المعين بأصله.
ومثله إذا عين وقتا للمحلوف عليه وكان أوسع منه، فإنه يكون حينئذ
كالواجب الموسع في جواز التأخير إلى آخر الوقت، فلو فرض حصول ظن الضيق
قبل انتهاء الوقت فلم يفعل وبان كذب ظنه بقي على حكم التوسعة الأولى، وكذا
الحكم في الموسع الأصلي كالصلاة، ولا يقوم الضيق لعارض الظن مقام الوقت المضيق
ولا خروجه بخروج الوقت، كما هو واضح
نعم أصل التوسعة المزبورة في الأوامر المطلقة محل بحث وإن كان هو
الأشهر أو المشهور بين الأصحاب، بل لم يذكر في المسالك في مقابله إلا قولا
322

نادرا، وهو أنه يتعين فعله أول أوقات الامكان قال: " نظرا إلى اقتضاء الأمر
المطلق الفور - ثم قال -: وهو ممنوع ولو سلم لم يلزم مثله في اليمين " لكن ربما
قيل بتجديد الأوامر المطلقة التي منها الأمر بوجوب الوفاء بالحلف بالوصول إلى
حد التهاون والتكاسل عنه عرفا.
وفيه أن ذلك ليس غاية يتضيق بها الفعل من حيث فوات الوقت وإن قلنا
بحرمته التي يمكن التخلص منها بالعزم على الفعل والأخذ بأدائه وإن تضيق،
نعم لو فرض توقف ارتفاع التهاون على الفور بأدائه وجب، وهو أمر آخر غير
التضييق بفوت فوات الوقت فتأمل. وقد أشبعنا الكلام فيه في الأصول.
ولا يخفى عليك ما في قوله: " ولو سلم لم يلزم مثله في اليمين " ضرورة كون
البحث فيه كغيره من الأمر المطلق، إذ لا دليل بالخصوص فيه يخرجه عن حكم
الأمر المطلق، اللهم إلا أن يدعى ظهور بعض نصوص اليمين مضافا إلى الاجماع
على عدم الفور فيه، والله العالم.
المسألة * (الثانية:) *
* (إذا حلف ليضربن عبده) * مثلا * (مائة سوط قيل) * والقائل الشيخ في
محكي مبسوطه وخلافه وتبيانه: * (يجزئ) * ضربة واحدة ب‍ * (الضغث) * بالكبس
الذي فيه العدد من الشماريخ أو الأسواط، بل عنه في الخلاف الاجماع صريحا،
وفي الأخيرين ظاهرا، وعن القاموس " هو قبضة حشيش مختلط الرطب واليابس ".
وفي المسالك " هو لغة ملء اليد من الحشيش ونحوه - ثم قال -: والمراد
هنا ضربة بقبضة تشتمل على عدد من القضبان والسياط ونحوهما، ووجه الاجزاء
ما في قصة أيوب عليه السلام حين حلف ليضربن زوجته مائة من قوله تعالى (1):
" وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " الظاهر في تحقق متعلق اليمين المقتضي

(1) سورة ص: 38 - الآية 44
323

لعدم الحنث بضربها بعذق فيه مأة شمراخ، ولأن الضرب حقيقة هو وقوع المضروب
به على المضروب بقوة بفعل الضارب وقد حصل، بل حصل صدق الضرب مائة باعتبار
كون المضروب بالعدد المزبور " بل في كشف اللثام " لا خلاف في أنه لو حلف ليضربنه
مائة ضربة بر به لأن لكل شمراخ ضربة ".
نعم يبقى الكلام في صدق اسم السوط به في مفروض المثال الذي لا يتحقق
إلا بضغث يشتمل على مائة سوط، بناء على أن المراد به الحزمة مما يضرب به
سوطا كان أو غيره، فيكون متعلق اليمين في المثال حزمة تشتمل على مائة سوط،
أما لو فرض كون المحلوف عليه لأضربنه مائة اكتفى بالعذق ذي الشماريخ، بل
العدد المزبور، بل لم يستبعد في كشف اللثام صدق اسم السوط حقيقة على الشماريخ.
وكيف كان فلا يخفى عليك قوة القول المزبور على هذا التقدير، ضرورة
صدق اسم الضرب مائة وإن كان دفعة، واعتبار دعوى التعاقب ممنوعة، بل كادت
الآية (1) تكون صريحة بخلافه مضافا إلى العرف.
ولكن مع ذلك قال المصنف وتبعه غيره: * (والوجه انصراف اليمين إلى
الضرب بالآلة المعتادة كالسوط) * وظاهره مخالفة الشيخ في الاكتفاء بالضرب بالضغث،.
وهو ليس من الآلة المعهودة، ولا يندرج فيه السوط لا من حيث التعاقب والدفعة،
* (و) * قد عرفت اندفاعه بإرادة القبضة مما يسمى سوطا مقدار مأة من الضغث
هنا، فلا مناقشة من هذه الجهة، مضافا إلى عطفه * (الخشبة) * على السوط المقتضي
للاجتزاء بها في مفروض المثال الذي هو الضرب مائة سوط، ولا وجه له إلا
بدعوى إرادة ما يشملها من السوط، وهي ليست بأولى من الدعوى الأولى، فتأمل
جيدا.
ثم قال: * (نعم مع الضرورة كالخوف على) * تلف * (نفس المضروب يجزئ
الضغث) * وكأنه أخذه مما ورد من الاجتزاء به في الحدود في الحال المزبور، قال

(1) سورة ص: 38 - الآية 44.
324

حنان بن سدير (1) عن الصادق عليه السلام " إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتي برجل أجنبي
قد استسقى بطنه وبدت عروق فخذيه وقد زنى بامرأة مريضة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله
فأتى بعرجون فيه مأة شمراخ فضربه به ضربة وخلى سبيله " وذلك قوله
تعالى (2) " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " ولكنه كما ترى إنما هو في
خصوص الحدود التي يمكن ترتب الشارع الاجتزاء بالمصداق فيها على حالي
الاختيار والاضطرار، ولا يقاس عليها اليمين بعد فرض الصدق اختيارا خصوصا
وظاهر قصة أيوب عليه السلام ذلك في الاختيار، فلا وجه لقصر ذلك على حال الاضطرار
كما في الحدود نعم يبقى إشكال اسم السوط في خصوص المثال، وقد عرفت
الحال فيه.
وكيف كان فلو كان المحلوف عليه الضرب أجزأه مسماه وإن كان لا يكفي
فيه وضع اليد والسوط ورفعهما والعض والقرض والخنق ونتف الشعر، خلافا
لأبي علي فقال بالحنث بالعض والخنق والقرص ولأبي حنيفة قال بالحنث بالأولين
ونتف الشعر (3) نعم في الوكز واللكز واللطم وجهان، أجودهما اعتبار صدقه
عرفا.
وهل يشترط فيه الايلام؟ قيل: لا، بل عن ظاهر الخلاف الاجماع عليه،
لانقسام الضرب إلى المؤلم وغيره، والمقسوم صادق على أقسامه حقيقة، والعام لا يدل
على الخاص، ولصدق سلبه عنه، فيقال: ضربه ولم يؤلمه، وهو يقتضي نفي اللزوم،
ويخالف الحد والتعزير حيث يعتبر فيهما الايلام بسبب أن الغرض هناك الزجر

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 من كتاب
الحدود.
(2) سورة ص: 38 - الآية 44.
(3) هكذا في النسختين الأصليتين وفي العبارة تشويش، حيث إن الكلام في
تحقق المحلوف عليه بهذه المعدودات وعدمه، فليس القول بالحنث ببعضها خلافا في
المسألة
325

الذي لا يحصل إلا به، بخلاف اليمين المعلقة بمصداق الاسم.
وقيل: يشترط الايلام كما في القواعد، للعرف ولأن اليمين لا تنعقد إلا
مع رجحان الضرب بسبب حد أو تعزير أو تأديب، ولا يحصل الغرض بدونه، وفيه
أن هذه قرائن، والكلام في جعل متعلق اليمين مسمى الضرب، وإلا فمع القرائن
لا يحنث.
* (هذا) * كله مع فرض انعقاد اليمين على وجه يقتضي الحنث لو لم
يفعل، كما * (إذا كان الضرب) * ل‍ * (مصلحة) * دينية * (كاليمين على إقامة الحد
أو التعزير المأمور به) * البالغ مائة سوط أو دونه.
و * (أما التأديب على شئ من المصالح الدنيوية فالأولى العفو ولا كفارة،) *
لعدم الانعقاد حينئذ باعتبار أن تركها خير منها، ولخصوص خبر محمد بن العطار (1)
المنجبر بالشهرة كما في المسالك، قال: " سافرت مع أبي جعفر عليه السلام إلى مكة
فأمر غلامه بشئ فخالفه إلى غيره، فقال أبو جعفر عليه السلام: والله لأضربنك يا
غلام، قال: ولم أره ضربه، فقلت: جعلت فداك إنك حلفت لتضربن غلامك فلم
أرك ضربته، فقال: أليس الله يقول وإن تعفوا أقرب للتقوى (2) " بل منه يستفاد
الاستدلال أيضا بالآية وإن كانت مساقة لغير ذلك.
بقي شئ وهو أن ظاهر قول المصنف وغيره. الأولى جواز فعل المحلوف
عليه من حيث إنه محلوف عليه، بل صرح الكركي في حاشيته بأن المراد منه
الأفضل، وفي غاية المراد " ليست هذه الأولوية من الأولويات الدالة على خلاف
أو وجه في المسألة، بل المعنى الأولى لهذا الحالف أن يعفو، لا الأولى في الحكم
أن يكون كذا، ويحتمل فيه غير ذلك " قلت: لعل المراد منه بيان عدم انعقادها
أو انحلالها، لأن العفو خير.

(1) الوسائل الباب - 38 - من كتاب الأيمان الحديث 1
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
326

* (و) * كيف كان ف‍ * (يعتبر في الضغث) * حيث يجتزأ به عن الضرب
مائة * (أن يصيب كل قضيب جسده) * كما صرح به غير واحد، ليتحقق صدق
الضرب به، لكن في المسالك " سيأتي في باب الحدود عدم اشتراط وصولها إليه
أجمع، ويكفي انكباس بعضها على بعض، بحيث يناله ثقل الكل، وهنا أولى
بالحكم، لما تقدم من أن المقصود من الحد الردع، وهنا الاسم، والآية (1)
تدل عليه، ومن المستبعد في العدد المجتمع إصابة جميعه للبدن، خصوصا إذا
اجتمعت المائة كما ذكروه، والوجه التسوية بين الأمرين، وحيلولة بعضها ببعض
مع إصابة ثقلها كحيلولة الثياب وغيرها مما لا يمنع تأثير البشرة بالضرب، والغرض
هنا التخفيف ومراعاة المسمى، كما تدل عليه الآية (2) فالاكتفاء بذلك أولى ".
قلت: هذا الكلام على طوله لا حاصل له، ضرورة عدم جريان ما ثبت في
الحدود بدليل خاص في المقام المعتبر فيه صدق المحلوف عليه، فمع فرض عدم
الصدق للضرب مائة إلا مع إصابتها أجمع على وجه يتحقق الضرب بها لا يكفي
وإن اكتفي بها في الحد للتخفيف بدليله.
نعم قد يقال: لا يعتبر في صدق الضرب بالضغث ذلك لو كان هو المحلوف
عليه، فإن المتعارف من الضرب به هو كبسه أجمع ثم الضرب به، وحينئذ لا يحتاج
إلى ذكر حكم الحد، وفرق واضح بين الحلف على الضرب مائة وبين الحلف على
الضرب بالضغث، بل وبين الضرب بمائة سوط وبينه أيضا.
لكن في القواعد الأقرب الاجتزاء بالثاني عن الأول أي لغير ضرورة، وفي
كشف اللثام " لأنه إنما أفاد كون الآلة مائة - ثم قال -: ويحتمل العدم ضعيفا بناء
على تبادر التعاقب " ولا يخفى عليك ما في الجميع.
* (و) * على كل حال يبر بالسوط الواحد مائة مرة فيما لو حلف على
الضرب بمائة إلا أن ينوى ما لا يشمل ذلك، إذ قد يراد ذلك.
هذا وفي القواعد وظاهر كشف اللثام أنه * (يكفي ظن وصولها إليه) *

(1) سورة ص: 38 - الآية 44.
(2) سورة ص: 38 - الآية 44.
327

ولعله لعموم الآية (1) والخبر (2) ومناسبة التخفيف، لأنه يتعسر حصول
(تحصيل خ ل) العلم مع الضرب دفعة، ولكن الجميع كما ترى، ضرورة عدم
دليل على الاجتزاء بالظن بعد فرض اعتبار وصول الجميع إلى الجسد، والآية
والخبر إنما يدلان على صدق الضرب به عرفا، لا على الاجتزاء بالظن، ولعله
لذا يحكي عن بعض العامة القول باعتبار العلم.
* (و) * كيف كان فقد عرفت أنه * (يجزئ ما يسمى به ضاربا) * وأنه
لا يجزئ الوضع، والله العالم.
المسألة * (الثالثة:) *
* (إذا حلف لا ركبت دابة العبد لم يحنث بركوبها) * مع فرض إرادة
حقيقة الإضافة بناء على أنها الملك * (لأنها ليست له حقيقة وإن أضيفت إليه
فعلي المجاز) * نعم إذا أراد الاختصاص لا إشكال في الحنث، بل قد يقوى ذلك مع
الاطلاق، لدلالة العرف عليه، وفي الدروس " الإضافة إلى العبد تقتضي التمليك
إن قلنا يملك، وإن أحلنا ذلك أمكن حمله على المنسوب إليه كالدابة، إعمالا
للفظ في مجازه عند تعذر الحقيقة، وحمله على ما سيملكه بعد عتقه أو كتابته
اقتصارا على الحقيقة الممكنة في الجملة بخلاف الدابة، فإنه لا يتصور لها ملك "
قلت: لا يخفى عليك ما في الاحتمال الأخير وإن جزم في القواعد بالحنث بركوب
الدابة التي يملكها العبد بعد العتق، لكنه واضح الضعف، ضرورة عدم صدق دابة
العبد حقيقة، هذا كله إذا كان متعلق يمينه دابة العبد.
* (أما لو قال: لا ركبت دابة المكاتب حنث بركوبها لأن تصرف المولى

(1) سورة ص: 38 - الآية 44.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 من كتاب الحدود.
328

ينقطع عن أمواله) * بل هو مالك وإن كان ملكا متزلزلا * (و) * لكن مع ذلك
* (فيه تردد) * مما عرفت ومن عدم تمامية الملك، ولذا يمنع من التصرف فيه
بغير الاكتساب، مع أنه بمعرض أن يعود رقا، فيرجع ماله إلى مولاه.
وربما فرق بين المطلق والمشروط، فيحنث بالأول دون الثاني، والحق
الحنث مطلقا للصدق عرفا على وجه لا ينافيه الحجر عليه، كما لا ينافي ملكية الحر
الحجر عليه بأحد أسبابه، بل الظاهر تحقق حقيقة الإضافة بهذا القدر من الملك،
والله العالم.
المسألة * (الرابعة:) *
* (البشارة اسم للاخبار الأول بالشئ السار) * وإطلاقها على غيره نحو
" فبشرهم بعذاب أليم " (1) مجاز بخلاف الاخبار، فإنه صادق على السار وغيره،
وبما وقع أولا وغيره، نعم لا فرق فيها بين المتحد والمتعدد، وإذا أخبروا دفعة
* (ف‍) * حينئذ * (لو قال:) * والله * (لأعطين من بشرني بقدوم زيد) * مثلا
* (فبشره جماعة دفعة استحقو) * ها، * (ولو تتابعوا كانت العطية للأول) * لأن
خبره البشارة دون غيره. * (وليس كذلك لو قال: من أخبرني، فإن الثاني مخبر
كالأول) * كما هو واضح.
المسألة * (الخامسة:) *
* (إذا قال: أول من يدخل داري فله كذا فدخلها واحد) * بعد اليمين أو
جماعة * (فله) * ما حلف * (وإن لم يدخل غيره) * لأن المراد بالأول الذي لم
يسبقه غيره، سواء لحقه غيره أو لا، وإن كان قد ينساق الأول، كما عن بعض العامة

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية 21 وسورة التوبة 9 - الآية 34 وسورة
الشقاق: 84 - الآية 24.
329

اختياره، إلا أن التحقيق خلافه، فيصدق على المفروض أنه أول داخل، لكن عن
المبسوط إن قال: أول من يدخل الدار من عبيدي حر فدخل اثنان معا ودخل
ثالث لم ينعتق الاثنان، لأنه لا أول منهما، ولا الثالث، لأنه ليس بأول، فإن
قال: أول من يدخلها من عبيدي فهو حر (1) فدخلها اثنان معا وثالث بعدهما
تحرر الثالث وحده، لأنه أول داخل وحده، وقد روي في أحاديثنا أن الاثنين
ينعتقان لأنهم رووا (2) أنه إذا قيل أول ما تلده الجارية فهو حر فولدت توأمين
أنهما ينعتقان، وظاهره اعتبار الواحد في الأول، وربما أشعر به عبارة المتن، ولكنه
في غير محله، ضرورة صدق الأول على الواحد والجماعة.
* (و) * كيف كان ف‍ * (لو قال: " آخر من يدخل " كان لآخر داخل) *
وهو الذي لم يلحقه غيره، وهو وإن كان مطلقا يتحقق بما بعد موته ما دامت الدار
باقية إلا أنه كان لآخر داخل * (قبل موته لأن إطلاق الصفة يقتضي وجودها في
حال الحياة) * بشهادة العرف، خصوصا بعد ما في المسالك من أن أضافة الدار إليه
تقتضي الملك، ولا يتحقق بعد الموت، فالجمع بين الأخير وكون دخوله لدار الحالف
يقتضي وجود صفة الدخول حال الحياة، لتحقق دخوله داره، وأيضا فقوله: " وله
كذا " يقتضي ثبوته في ذمته على تقدير الدخول، ولا يتحقق ذلك إلا في حال الحياة
لأن الميت لا يثبت في ذمته شئ إلا في مواضع نادرة ليس هذا منها وإن كان لا يخلو
من نظر فتأمل ولو فرض عدم دخول غير الواحد إلى أن مات كان له جعل الأول،
لعدم صدق الآخر عليه، إذ الظاهر اعتبار مسبوقيته بغيره، وإلا كان الأول والآخر
واحدا، والله العالم.

(1) هكذا في النسختين الأصليتين إلا أن الموجود في المبسوط " من عبيدي وحده
فهو حر " وهو الصحيح فإن هذا القيد هو الفارق بين الصورتين.
(2) الوسائل الباب - 31 - من كتاب العتق الحديث 1 والمستدرك الباب - 27 -
منه الحديث 1 و 2.
330

المسألة * (السادسة:) *
* (إذا حلف لا شربت الماء أو لا كلمت الناس تناولت اليمين كل واحد من
أفراد ذلك الجنس) * لأن الماء اسم جنس معرف يتناول القليل والكثير والعذب
والمالح إلا أن يكون هناك انسياق للأول من الشرب، وأما الناس فهو وإن كان
جمعا وقد قيل إن مقتضاه لغة عدم الحنث بكلام واحد، نحو قوله: " لا كلمت
ناسا ورجالا " لكن قد حققنا في الأصول أن الجمع المعرف باللام يقتضي الاستغراق
الأفرادي، أو هو كاسم الجنس المعرف، فإذا قال: " لا أتزوج النساء " أو " لا أشتري
العبيد " يحنث بتزويج امرأ واحدة وشراء عبد واحد، والله العالم.
المسألة * (السابعة:) *
* (اسم المال يقع على العين) * لغة وعرفا إجماعا، بل * (والدين) * عندنا
وعند الأكثر من غيرنا على ما حكي * (الحال) * منه * (والمؤجل) *، فيقال:
" مال فلان ديون على الناس " و " استوفى فلان ماله من فلان " وشبه ذلك، خلافا
لبعض العامة فخصه بالزكوي وآخر فخصه بالعين، وثالث فخصه بما عدا المؤجل
والجميع كما ترى.
وحينئذ * (فإذا حلف ليتصدقن بماله لم يبر إلا بالجميع) * حتى ثياب
بدنه ودار سكناه وعبيد خدمته وغيرها وإن استثنيت من وفاء الدين لدليله، إذ
المدار هنا على الاسم الشامل للجميع وللعبد الآبق والمال الضال والمغصوب والمسروق
والمدبر والموصى به والمعلق عتقه على صفة وأم الولد، بل والمكاتب بقسميه وإن قيل
فيه وجهان ناشئان من قوله صلى الله عليه وآله (1): " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " ومن

(1) المستدرك الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 6 وفيه " المكاتب رق. "
331

أنه كالخارج عن ملكه، لعدم ملكه لمنافعه ولأرش الجناية عليه، وربما فرق بين
المشروط والمطلق، فيدخل الأول دون الثاني، بل هو خيرة الدروس، ولو كان
يملك منفعة بوصية أو إجارة ففي دخولها في إطلاق المال وجهان أظهرهما ذلك،
ولهذا يصرف في الدين، أما حق الشفعة والاستطراق فلا، وأرش الجناية خطأ أو
عمدا إذا عفى على مال من جملة أفراده، والله العالم.
المسألة * (الثامنة:) *
* (يقع على القرآن اسم الكلام) * عند الأكثر على ما في المسالك، فإذا
حلف أن لا يتكلم حنث بقراءة القرآن حينئذ لقوله تعالى (1) " حتى يسمع كلام
الله " ولأن الكلام لغة وعرفا هو المشتمل على الحروف الهجائية قليلا كان أو كثيرا
مهملا كان أو مستعملا.
وكذا التسبيح والتهليل والدعاء والذكر وغيرها من النظم والنثر، وقد قال.
رسول الله صلى الله عليه وآله (2): " أفضل الكلام أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر " " ولا إله إلا الله كلمة ثقيلة في الميزان خفيفة على اللسان " (3)
ولا ينافي ذلك قوله تعالى (4): " آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا
واذكر ربك كثير وسبح بالعشي والأبكار " بعد معلومية كون المراد منه الكلام
مع الناس لا مطلق الكلام، كما لا ينافيه عدم انقطاع الصلاة به كقراءة القرآن

(1) سورة التوبة: 9 - الآية 6.
(2) صحيح البخاري ج 8 ص 173 ط مصر.
(3) يستفاد مضمونه مما رواه في البحار ج 93 ص 175 فراجع.
(4) سورة آل عمران: 3 - الآية 41.
332

بعد أن كان العنوان لقطعها قوله صلى الله عليه وآله (1): " لا يصلح فيه شئ من كلام الآدميين "
نعم لو فرض انسياق عرفي ولو من القرائن إرادة خصوص كلام الآدميين لم يحنث
حينئذ بغيره.
* (و) * حينئذ فما * (قال‍) * ه * (الشيخ) * قدس سرة من أنه * (لا يقع) *
اسم الكلام * (عرفا) * على القرآن ووافقه عليه الفاضل في محكي الإرشاد لا يخلو
من نظر إلا إذا كان المراد الانسياق عرفا في الجملة * (و) * إلا ف‍ * (هو يشكل ب‍) * ما
عرفت من * (قوله تعالى (2) حتى يسمع كلام الله) * تعالى شأنه وغيره، أو يريد
عدم الحنث، لعدم انعقاد اليمين، لأنه غالبا طاعة أو غير ذلك.
* (و) * كيف كان ف‍ * (لا يحنث بالكتابة والإشارة لو حلف لا يتكلم) * قطعا
لعدم تسميتهما كلاما لغة ولا عرفا، بل يصح أن يقال: ما كلمه وإنما كاتبه وأشار
إليه، وقد قال تعالى شأنه (3): " إني نذرت للرحمن صوما، فلن أكلم اليوم
إنسيا فأشارت إليه " ولو أن الإشارة كلام لحنث بنذرها.
خلافا للمحكي عن جماعة من العامة، فحكموا بالحنث بذلك،
لقوله تعالى (4): " ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو
يرسل رسولا " فاستثنى الرسالة من التكليم، فيدخل الأخيران بطريق أولى،
وكذا يدخل الرمز في الكلام في الآية السابقة، لأصالة الاتصال في
الاستثناء.
والكل كما ترى بل لا يدخل فيه إشارة الأخرس وإن جرى عليه حكم الكلام
في كثير من المقامات، لكن لا تدخل بذلك تحت اسمه في المفروض ونحوه، ولو

(1) المستدرك الباب - 21 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2 من كتاب
الصلاة.
(2) سورة التوبة: 9 - الآية 6.
(3) سورة مريم: 19 - الآية 26.
(4) سورة الشورى: 42 - الآية 51.
333

قال: " لا كلمتك فتنح عني " حنث بخلاف ما لو قال: " أبدا " أو " الدهر " أو
" ما عشت " أو " كلاما حسنا " أو " قبيحا " ونحو ذلك مما هو متعلق اليمين، بل
لا يعد تكليما له.
ولو قال: " لأنك حاسد " أو " مفسد " ففي القواعد إشكال، ولعله من الدخول
في الجملة القسمية وعدم الاستقلال، ومن أن اليمين تمت قبله مع اشتماله على الحكم
والخطاب لغة. قلت: إلا أن يكون المراد غير ذلك ونحوه من الكلام الملحق
باليمين. وكذا لو شتمه مواجهة حنث إلا أن يريد كلام موادة.
ولو حلف على المهاجرة حنث بالمكاتبة والمراسلة وإن قال الفاضل في القواعد
على إشكال، ولعله من الاشكال في شمول المهاجرة لترك جميع ذلك، فإنها قطع
الموادة، وهي تحصل بكل من ذلك، ولا يعلم أنه حلف على قطع جملة مراتبها أو
بعضها، فإن الكلام موجب لفظا منفي معنى، فإن اعتبر اللفظ كفى نوع من القطع،
وإن اعتبر المعنى لزم القطع جملة، لكن لا يخفى عليك أن الظاهر الثاني، ولعله
لذا جزم به في الإرشاد.
ولو حلف أن لا يكلمه فكلم غيره بقصد إسماعه لم يحنث نعم لو ناداه بحيث
يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته ففي القواعد حنث أما لو كلمه حال نومه أو إغمائه
أو غيبته أو موته أو صممه لم يحنث، لكن يحنث لو كلمه حال حياته، كما أنه
يحنث لو سلم عليه، ولو صلى به إماما لم يحنث إذا لم يقصده بالتسليم كما في القواعد،
بل وإن قصده، لعدم الصدق عرفا، والله العالم.
المسألة * (التاسعة:) *
اسم * (الحلي) * مفردا بفتح الحاء وسكون اللام * (يقع على الخاتم
واللؤلؤ) * فضلا عن السوار والخلخال وغيرهما. * (فلو حلف لا يلبس الحلي حنث
334

بلبس كل واحد منهما) * للصدق عرفا ولخصوص قوله تعالى في اللؤلؤ (1):
" وتستخرجوا منه حلية تلبسونها " خلافا لبعض العامة، فذهب إلى عدم تناول
اسمه للؤلؤ، بل قطع به في الدروس، وهو غريب، بل عن التحرير أن العقيق
والشيح يسمى حليا في السوار، بل من أفراده الدراهم والدنانير على بعض الأحوال
التي تستعملها النساء في الزينة، ولو كان متعلق يمينه الحلي معا بضم الحاء أو
كسرها وكسر اللام وتشديد الياء فقد عرفت الحنث في مثله من الجمع المعرف بكل
واحد من أفراده بخلاف الجمع المنكر والمثنى، فإنه لا يحنث إلا بمسماهما،
وقد سمعت الكلام في الايلاء لو قال لزوجاته، " لا وطأتكن " فلاحظ وتأمل.
المسألة * (العاشرة:) *
* (التسري) * في عرفنا * (هو وطء الأمة) * ولو مع عدم الانزال كما في
الدروس * (وفي اشتراط التخدير) * مع ذلك * (نظر) * أقربه العدم، لأن التسري
من السر الذي هو الوطء، قال امرئ القيس:
فقد زعمت سياسة القوم أنني * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي (2).
خلافا لبعض فقال يحصل بثلاثة أمور: ستر الجارية عن أعين الناس، وهو
المعبر عنه بالتخدير، والوطء، والانزال، ولآخر فقال: يكفي الستر والوطء،
وعن المبسوط اعتبار الوطء والانزال، ولعل ذلك كله لاختلاف العرف باختلاف
الأزمنة والأمكنة، والله العالم.

(1) سورة النحل: 16 - الآية 14.
(2) والموجود في ديوان امرئ القيس المطبوع في مصر عام 1378 ص 159
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
335

المسألة * (الحادية عشرة:) *
* (إذا حلف لأقضين دين فلان) * مثلا * (إلى شهر كان غاية) * عرفا
فيجب أن يكون القضاء قبل انقضائه، لأن " إلى " للغاية وبيان الحد، وهي خارجة
عن المغيا إما مطلقا أو هنا بالقرينة، ولو لكونه منفصلا محسوسا.
وربما قيل بجواز تأخيره إلى أن يهل، كما لو قال: " عند الهلال " لأن
" إلى " كما تكون للغاية تكون بمعنى " مع " كقوله تعالى (1) " من أنصاري إلى
الله " أي معه، فلا يحنث حينئذ بالشك.
وفيه أنه مناف للعرف الذي مقتضاة كون الشهر ظرفا للأداء وآخره آخر
الوقت المعين باليمين، لا أن الهلال وقت له دون ما قبله الذي هو مقتضى الثاني،
وحينئذ فيجب احضار الحق متصلا بالهلال، فيدفعه عنده من غير تقديم ولا تأخير،
حتى لو قدم عليه لم يبر كمن حلف على أكل الطعام غدا فأكله أو أتلفه قبله،
ولا ريب في عدم فهم العرف ذلك عند الاطلاق، نعم لو قصده دين به.
* (ولو قال:) * لأقضين دينه * (إلى حين أو زمان قال الشيخ: يحمل على
المدة التي حمل عليها نذر الصيام) * وهي الستة أشهر في الأول والخمسة في الثاني،
لأنه عرف شرعي ناقل عن الوضع اللغوي.
* (وفيه إشكال) * بل منع * (من حيث هو تعد عن موضع النقل) * ولم يصل
إلى حد الحقيقة الشرعية، خصوصا بعد استعماله في الشرع في غير ذلك، كقوله
تعالى (2): " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون " " ولتعلمن نبأه بعد

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية 52 وسورة الصف: 61 - الآية 14.
(2) سورة الروم: 30 - الآية 17.
336

حين " (1) " فذرهم في غمرتهم حتى حين " (2) المفسر في الأخيرين بيوم
القيامة، و " هل أتى على الانسان حين من الدهر " (3) المفسر بتسعة أشهر الحمل
أو الأربعين سنة بناء على أنه إشارة إلى آدم حيث صور من حمأ مسنون وطين
لازب ثم نفخ فيه الروح أربعين سنة.
بل في المسالك شارحا لعبارة المتن أيضا " فهو مشترك ولا يمكن حمله على
جميع معانيه اتفاقا، فهو مبهم، وما ورد (4) في النذر مختص به على خلاف
الأصل، فلا يتعداه " * (وما عداه إن فهم المراد به) * بقصد اللافظ أو قرينة يدل
على تعيين أحد معاني المشترك * (وإلا كان مبهما) * يصلح للقليل والكثير، ولا يحصل
الحنث إلا بالموت، لا صلة براءة الذمة فيما عدا ذلك، وكذا القول في الزمان
والوقت والدهر والمدة وغيرها مما يدل على الزمان المبهم وإن كان فيه منع واضح،
ضرورة كونه من المشترك المعنوي لا اللفظي، وعدم الحنث إلا بالموت من جهة الصدق
والله العالم.
المسألة * (الثانية عشرة:) *
لا خلاف ولا اشكال في أن * (الحنث) * الموجب للكفارة * (يتحقق بالمخالفة
اختيارا) *، بل الاجماع بقسميه عليه * (سواء كان بفعله أو بفعل غيره) * الذي
يرجع إليه أيضا * (كما لو حلف لا أدخل بلدا فدخله بفعله أو قعد) * باختياره * (في
سفينة فسارت به أو ركب دابة) * مختارا * (أو حمله إنسان) * بإذنه، إذ في الجميع

(1) سورة ص: 38 - الآية 88.
(2) سورة المؤمنون: 23 - الآية 54.
(3) سورة الانسان: 76 - الآية 1.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب
الصوم.
337

يصدق أنه دخل البلد راكبا وعلى ظهر وفي سفينة، بل لو حمله بغير
إذنه إلا أنه قادر على الامتناع فلم يمتنع يحنث، لصدق الفعل مختارا عليه
وإن احتمل عدمه.
بل في القواعد الاشكال فيه، لعدم وجود الدخول منه، وإنما استند إلى
غيره، إذ المفهوم من الدخول ما كان باختياره كسائر الأفعال المنسوبة إلى المختار،
ولا اختيار مع السكوت، فإنه إنما يتحقق اختيار الدخول بجعل المركوب آلة
فيه، إنما تتعين الألية مع الإذن، إذ بدونه ربما كان المقصود دخول المركوب،
وإنما دخل الراكب تبعا وإن قصد في نفسه الدخول، فإنه كمن قصد الحنث
ولم يحنث.
وفي كشف اللثام " يحتمل قويا الاكتفاء بالقصد، فإنه بقصده جعل المركوب
آلة - ثم قال -: ويمكن تعميم الإذن له وجعل السكوت في مقابله " * (و) * لا
يخفى عليك ما في الجميع بعد الصدق عرفا أنه دخل مختارا.
نعم * (لا يتحقق الحنث) * عندنا * (بالاكراه) * الذي تطابق النص (1)
والفتوى على عدم تأثير كل سبب شرعي معه، ومنه الفعل الذي هو
سبب الكفارة.
* (ولا مع النسيان) * للحلف مثلا كذلك أيضا * (ولا مع عدم العلم) *
بالمحلوف عليه كما لو دخل الدار من لا يعرف أنها المحلوف عليها، لعموم
قوله صلى الله عليه وآله (2): " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولأن
البعث والزجر المقصودين من اليمين إنما يكونان مع اختيار الفعل ذاكرا لليمين،
ضرورة أن كل حالف إنما قصد بعث نفسه أو زجرها باليمين، وذلك إنما يكون
عند ذكرها وذكر المحلوف عليه حتى يكون تركه أو فعله لأجل اليمين، وهذا

(1) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الأيمان.
(2) الوسائل الباب 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
338

لا تتصور إلا مع القصد إليها والمعرفة بها، وفي الثلاثة لا يتصور بعث ولا زجر، إذ
هما في الأفعال الاختيارية المعلومة دون غيرها.
خلافا لجماعة من العامة، فحكموا بالحنث في الجميع، لوجود المحلوف
عليه مع عدم سقوط الكفارة بالأعذار عندهم، لأنه قد يجب عليه أن يحنث نفسه
ومع ذلك تلزمه الكفارة، كما لو حلف أن لا يفعل الواجب أو يفعل المحرم، فإن
اليمين تنعقد عندهم وإن وجب الحنث حينئذ، كما أنه يتسحب لو حلف على ترك
المندوب إلى غير ذلك من خرافاتهم المعلوم فسادها في مذهبنا.
لكن في خبر علي بن جعفر (1) المروي عن قرب الإسناد وغيره أنه سأل
أخاه عليه السلام " عن الرجل يحلف وينسى ما قال، قال: هو على ما نوى " ولعل المراد
منه أنه نسي ذكر ما قال ولكن ذكر ما نوى، أو يكون أنه نسي ما قال لفظا ومعنى
ويكون الغرض من الجواب أن اليمين لا يبطل في الواقع، بل هو على ما نوى،
فإذا ذكره عمل به، أو يكون أنه إذا نسي ونوى العمل إذا ذكر فله الأجر، وإن
نوى عدم العلم بعد الذكر فلا.
نعم في المسالك وغيرها " هل ينحل اليمين مع عدم الحنث عندنا بالأمور الثلاثة؟
وجهان، أحدهما نعم، لوجود الفعل المحلوف عليه حقيقة، فكان كما لو حنث
عمدا بالنسبة إلى ذلك وإن افترقا بالكفارة وعدمها، فقد حصلت المخالفة وهي
لا تتكرر، فإذا خالف مقتضاها بعد ذلك لم يحنث، وقد حكموا في الايلاء لو وطأ
ساهيا أو جاهلا ببطلان حكمه مع أنه يمين صريحة، وثانيهما لا، لعدم دخوله الثلاثة
تحتها، فالواقع بعد ذلك هو الذي تعلقت به اليمين، فيتحقق به الحنث " وعن الشهيد
في قواعده أنه استقرب الأول ونسبه إلى ظاهر الأصحاب وكأنه أخذه من
كلامهم في الايلاء.
مضافا إلى صدق الاتيان بخلاف اليمين، ضرورة صدق أنه شرب الذي هو
خلاف " لا أشرب " حتى في صورة الاكراه التوعدي مثلا التي يمكن دعوى انحلال

(1) الوسائل الباب - 50 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
339

اليمين فيها من حيث نفسها، باعتبار صيرورة خلاف اليمين جزاء للاكراه، وعدم
الحنث الذي يترتب عليه الكفارة باعتبار ظهور أدلتها في غير الفرض لا يقتضي عدم
اندراج هذه الأفراد في متعلق اليمين، فالأقوى حينئذ الانحلال.
نعم ينبغي أن يعلم أن الانحلال إنما يكون مع تعذر الاتيان بالمحلوف عليه،
كما لو حلف على عدم إيجاد الطبيعة فأوجدها ونحو ذلك، وهو المراد من قولهم:
" إن المخالفة لا تتكرر " أما إذا كان متعلق اليمين صوم كل خميس فإنه لا تنحل
بالمخالفة في خميس مثلا، لمكان تعدد المحلوف عليه وإن اتحد اليمين، كما يشهد
بذلك كلامهم في نذر صوم السنة المعينة والشهر والدهر فلاحظ وتأمل، فإنه قد
اشتبه الحال على بعض الأعلام، والله العالم.
* (النظر الرابع) *
* (في اللواحق:) *
* (وفيه مسائل) *:
* (الأولى:) *
* (الأيمان الصادقة كلها مكروهة) * لقول الله تعالى (1): " ولا
تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " وقول الصادق عليه السلام في خبر أبي أيوب
الخزاز (2): " لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين، فإنه يقول عز وجل:
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " وفي حسن ابن سنان (1) " اجتمع الحواريون

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 224.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الأيمان الحديث 5 - 2.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الأيمان الحديث 5 - 2.
340

إلى عيسى فقالوا له: يا معلم الخير أرشدنا، فقال لهم، إن موسى نبي الله أمركم
أن لا تحلفوا بالله كاذبين، وأنا آمركم ولا صادقين " ولسدير (1) " من حلف بالله
كاذبا فقد كفر، ومن حلف بالله صادقا أثم، إن الله عز وجل يقول: ولا تجعلوا
الله عرضة لأيمانكم " وخبر علي بن مهزيار (2) قال: " كتب رجل إلى أبي
جعفر عليه السلام يحكي له شيئا، فكتب: والله ما كان ذلك وإني لأكره أن أقول:
" والله " على حال من الأحوال، ولكنه غمني أن يقال ما لم يكن " إلى غير ذلك
من النصوص.
* (وتتأكد الكراهة في الغموس) * المراد بها هنا اليمين الصادقة على الماضي
وإن لم يكن ذلك معهودا من معناها، لما عرفته سابقا، لكن في كشف اللثام
" عن العين أن اليمين الغموس هي التي لا استثناء فيها " وظاهره المستقبل أيضا
لا الماضي.
وعلى كل حال فهي مكروهة مؤكدة إذا كانت * (على اليسير من المال) * لمرسل
علي بن الحكم (3) عن الصادق عليه السلام " إذا ادعي عليك مال ولم يكن له عليك فأراد أن
يحلفك فإن بلغ مقدار ثلاثين درهما فاعطه ولا تحلف، وإن كان أكثر من ذلك
فاحلف ولا تعطه ".
بل يستحب عدم الحلف على العظيم من المال أيضا بقصد الاجلال والتعظيم،
لقول النبي صلى الله عليه وآله (4): " من أجل الله أن يحلف به أعطاه خيرا مما ذهب منه "
ودفع زين العابدين عليه السلام إلى امرأته التي ادعت عليه صداقها أربعمائة دينار (5)
وقال: " أجللت الله عز وجل أن أحلف به يمين بر " وظاهر الخبر الأول تحديد
اليسير من المال بمقدار ثلاثين درهما لكن أطلق المصنف والفاضل، وفي كشف اللثام

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الأيمان الحديث 6 - 1.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الأيمان الحديث 6 - 1.
(3) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الأيمان الحديث 3.
(5) الوسائل الباب - 2 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
341

أنه يختلف باختلاف الشخص والحال، ولعل الاقتصار على ما في النص أولى.
وعلى كل حال فاليمين الصادقة مكروهة.
* (نعم ولو قصد دفع المظلمة) * عنه أو عن غيره من إخوانه * (جاز) * بلا
كراهة * (وربما وجبت ولو كذب) * كما في استنقاذ نفس محترمة من القتل
مثلا، قال الصادق عليه السلام (1) في رجل حلف تقية: " إن خشيت على دمك أو
مالك فاحلف ترده عنك بيمنك " وقال زرارة (2) للباقر عليه السلام: " نمر بالمال
على العشارين فيطلبون منا أن نحلف لهم ويخلون سبيلنا، ولا يرضون منا إلا
بذلك، فقال: احلف لهم فهو أحلى من التمر والزبد " ومنه يستفاد الرجحان فضلا
عن عدم الكراهة. وسئل علي عليه السلام (3) " عن الرجل يحلف لصاحب العشور
يحوز بذلك ماله؟ فقال: نعم " وسأل محمد بن أبي الصباح (4) أبا الحسن عليه السلام
" إن أمه تصدقت عليه بنصيب لها في داره فكتبه شراء فأراد بعض الورثة أن يحلفه
على أنه نقدها الثمن ولم ينقدها شيئا، قال: احلف له " إلى غير ذلك.
* (لكن) * في القواعد وغيرها * (إن كان) * ممن * (يحسن التورية ورى وجوبا) *
وإن لم يكن يمينا تخلصا من الكذب الواجب اجتنابه ما أمكنه، * (و) * إن لم يحسنها
أو أعجله الظالم جاز له * (مع) * الكذب * (اليمين) * عليه و * (لا إثم ولا كفارة) *
بلا خلاف ولا إشكال، لما عرفت * (مثل أن يحلف لدفع ظالم عن إنسان أو ماله أو
عرضه) * بل تقدم سابقا أنه يكفي في التورية قصده بما حلف عليه غيره وإن لم يجز
استعماله، فإن الحلف على ما في الضمير بل قد يستفاد من إطلاق نصوص المقام عدم

(1) الوسائل الباب - 12 - من كتاب الأيمان الحديث 3 والمستدرك الباب - 8 -
منه الحديث 4 راجع الفقيه ج 3 ص 230 - الرقم 1086.
(2) الوسائل الباب - 12 - من كتاب الأيمان الحديث 6
(3) الوسائل الباب - 12 - من كتاب الأيمان الحديث 8 وفيه " عن الحلبي أنه
سأل أبا عبد الله عليه السلام... ".
(4) الوسائل الباب - 43 - من كتاب الأيمان الحديث 1
342

وجوب التورية وإن أحسنها، ولا يخلو من قوة وإن كانت أولى مع إمكانها بل تقدم
في الطلاق (1) جملة من أحكام التورية وأحكام الاكراه، فلاحظ وتأمل (2).
لكن في المسالك هنا " المراد بالتورية أن يقصد باللفظ غير ظاهره، إما
في مفرده بأن يقصد بالمشترك معنى غير المطلوب من الحلف عليه، بأن يقصد بما في
قوله: " ما لفلان عندي وديعة " الموصولة لا النافية، أو " ماله عندي فراش " ويعني
الأرض أو " لباس " ويعني الليل أو النساء أو نحو ذلك، أو في الاسناد بأن يقول:
" ما فعلت كذا " ويعني في غير المكان أو الزمان الذي فعله فيه، ونحو ذلك "
وفيه ما عرفت (3).
هذا وفي المسالك بعد أن نسب إطلاق المصنف الكراهة إلى جماعة قال:
" وليس على إطلاقه، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله حلف كثيرا كقوله صلى الله عليه وآله (4) لما حكى
عن سليمان عليه السلام أنه قال: " لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كلها تأتي بفارس
يقاتل في سبيل الله " الحديث: " وأيم الله والذي نفس محمد بيده لو قال إنشاء الله
لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون " وقوله صلى الله عليه وآله أيضا في زيد بن حارثة (5)
" وأيم الله لأن كان خليقا بالإمارة " وغير ذلك من الأيمان المروية عنه صلى الله عليه وآله (6)

(1) راجع ج 32 ص 207 - 210.
(2) هذا على الترتيب الذي جاء في النسخة الأصلية المبيضة، والذي يظهر بالدقة
في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه - وفيها تشويش وتخريج غريب - أن ما بين
القوسين بعد ذكر كلام المسالك والجواب عنه، أي بعد قوله: " وفيه ما عرفت " مع تقديم
وتأخير بين جملتي ما بين القوسين أيضا، فخرج في الهامش قوله: " بل تقدم في الطلاق...
فلاحظ وتأمل " قبل قوله: " بل قد يستفاد.. مع امكانها ".
(3) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة إلا أن الموجود في المسودة " وفيه ما عرفت
من أن الظاهر أعميتها من ذلك، لأن الحلف على ما في الضمير " وبه هذا جاء قوله: " بل
تقدم في الطلاق... " كما أشرنا إليه في التعليقة المتقدمة.
(4) سنن البيهقي ج 10 ص 44.
(5) سنن البيهقي ج 10 ص 44.
(6) سنن البيهقي ج 10 ص 26.
343

ثم قال: - واستثني بعضهم ما وقع منها في حاجة لتوكيد كلام أو تعظيم أمر،
فالأول كقوله صلى الله عليه وآله (1): " فوالله لا تمل الله حتى يملوا " والثاني كقوله صلى الله عليه وآله (2):
" والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " وباقي ما ورد عنه من الأيمان
راجع إلى هذين، وقسمها الأكثر إلى الأحكام الخمسة، فقد تجب في مثل إنقاذ
المؤمن من ظالم وإن كان كاذبا ويتأول في الدعوى عند الحاكم إذا توجهت عليه،
وقد يحرم إذا كانت كاذبة إلا لضرورة، وقد تستحب لرفع ظالم عن ماله المجحف به،
وقد يكره كما إذا كثرت، وعليه تحمل الآية (3) وفي العرضة تنبيه عليه،
وكالحلف على القليل من المال، وما عدا ذلك مباح ".
قلت: هو على طوله خال عن التحصيل، ضرورة عدم منافاة ما ورد من
النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهما السلام من الأيمان لاقترانها بما يزيل مرجوحيتها التي
لا تصدر عنهم، وبهذا الاعتبار انقسمت إلى الأحكام الخمسة، فلا ينافي الكراهة الثابتة
لها مجردة عن هذا الاعتبارات، كما هو واضح.
ثم إن عبارة المصنف قد تشعر بوجوب الحلف كاذبا لدفع الظالم عن مال
غيره أو عرضه، وأصرح منه عبارة القواعد " وقد تجب الكاذبة إذا تضمنت تخليص.
مؤمن أو مال مظلوم أو دفع ظلم عن إنسان أو عن ماله أو عن عرضه ".
لكن صرحوا في غير المقام بعدم وجوب الدفاع عن المال مطلقا، بل في الدروس
التصريح هنا بأن الحلف لدفع الظالم عن مال نفسه المجحف به مستحب،
وفي المسالك " أنه يمكن الفرق بين المال المضر فواته بمالكه وغيره في
الأمرين ".
وفيه أن الظاهر عدم الوجوب في مال الغير مطلقا، نعم يكن حمل. كلامهم

(1) مسند أحمد ج 6 ص 51.
(2) سنن البيهقي ج 10 ص 26.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 224.
344

على إرادة القضية المهملة، فإنه قد يجب ذلك لمال الغير إذا كان وديعة عنده مثلا،
والأمر سهل.
المسألة * (الثانية:) *
لا خلاف في أن * (اليمين بالبراءة من الله سبحانه أو من رسول الله صلى الله عليه وآله) *
والأئمة عليهم السلام * (لا تنعقد) * بل * (و) * لا إشكال، لأنه بغير اسم الله بل المشهور
أنه * (لا يجب بها كفارة) * كما عرفته في كتاب الكفارة (1) بل قد ذكرنا جملة
من أحكامه هناك.
* (و) * لكن لا خلاف في أنه * (يأثم ولو كان صادقا) *، بل ولا إشكال
للنصوص المشتملة على هذه المبالغة في النهي عنه، حتى أنه في النبوي (2) منها
" من قال: إني برئ من دين الاسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقا
لم يعد إلى الاسلام سالما " وفي خبر يونس بن حنان (3) قال: " قال لي: يا يونس
لا تحلف بالبراءة منا، فإنه من حلف بالبراءة منا صادقا أو كاذبا فقد برئ منا "
إلى غير ذلك من النصوص التي ذكرنا بعضها هناك.
لكن قد يستفاد من قول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة (4): " أحلفوا
الظالم إذا أردتم يمينه بأنه برئ من حول الله وقوته، فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل،
وإذا حلف بالله الذي لا إله إلا هو لم يعاجل، لأنه قد وحد الله سبحانه " جواز
تحليف الظالم بالكيفية المزبورة.
بل قد يستفاد أيضا من فعل الصادق عليه السلام وتحليفه من وشى به ذلك أيضا،

(1) راجع ج 33 ص 179.
(2) سنن البيهقي ج 10 ص 30.
(3) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الأيمان الحديث 4 عن يونس بن ظبيان
(4) الوسائل الباب - 33 - من كتاب الأيمان الحديث 2.
345

ففي المرسل عن صفوان الجمال (1) " أن أبا جعفر المنصور قال لأبي عبد الله عليه السلام:
رفع إلي أن مولاك المعلي بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الأموال، فقال: والله
ما كان - إلى أن قال المنصور -: فأنا أجمع بينك وبين من سعى بك، فجاء الرجل
الذي سعى به فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هذا أتحلف؟ قال: نعم: والله الذي لا إله إلا
هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم لقد فعلت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ويلك
تبجل الله فيستحيي من تعذيبك، ولكن قل: قد برئت من حول الله وقوته والتجأت
إلى حولي وقوتي، فحلف بها الرجل، فلم يستتمها حتى وقع ميتا، فقال المنصور:
لا أصدق عليك بعد هذا أبدا، وأحسن جائزته ورده " ونحوه المروي عن الرضا عليه السلام
عن أبيه عليه السلام (2) في محكي الخرائج والجرائح، وعن المفيد أنه رواه في إرشاده
مرسلا (3).
إلا أني لم أجد من أفتى بذلك من الأصحاب، نعم في الوسائل باب جواز
استحلاف الظالم بالبراءة من حول الله وقوته (4) وظاهره الفتوى به، ولا ريب
أن الاحتياط يقتضي تركه إلا في مهدور الدم من الناصب ونحوه.
* (و) * كيف كان فقد * (قيل) * والقائل المفيد وسلار والتقي على ما حكي
عنهم: * (تجب بها كفارة ظهار) * مع المخالفة * (ولم أجد به شاهدا) * معتدا
به، وكذا ما عن النهاية والقاضي من كفارة ظهار ثم كفارة يمين، وعن الصدوق
صوم ثلاثة أيام والصدقة على عشرة مساكين إذا قال: " هو برئ من دين محمد صلى الله عليه وآله،
وكلما يملكه في سبيل الله، وأن عليه المشي إلى بيت الله إن كلم ذا من قرابته "

(1) الوسائل الباب - 33 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 33 - من كتاب الأيمان الحديث 3.
(3) أشار إليه في الوسائل الباب - 33 - من كتاب الأيمان الحديث 3 وذكره في
الإرشاد ص 255 ط حجر إيران.
(4) وهو الباب - 33 - من كتاب الأيمان.
346

والظاهر أن بعض القيود مستغنى عنه في تحقيق الفتوى، * (و) * ما عن
ابن حمزة من كفارة النذر مع المخالفة التي هي عنده كفارة شهر
رمضان. نعم * (في توقيع العسكري عليه السلام إلى محمد بن يحيى (1) يطعم عشرة مساكين
ويستغفر الله تعالى) * وعن الفاضل في المختلف الفتوى به، ولعله ظاهر المصنف وقد
مضى تحقيق الحال في ذلك كله، وأنه لا كفارة وإن أثم.
* (و) * حينئذ ف‍ * (لو قال: هو يهودي أو نصراني أو مشرك إن كان كذا لم
تنعقد، وكان لغوا) * وإن قلنا أنه من حلف بالبراءة، قال إسحاق بن عمار (2):
" قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: رجل قال: هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل كذا
وكذا، قال: بئس ما قال، وليس عليه شئ " وسأل أبو بصير (3) أبا عبد الله عليه السلام
" عن الرجل يقول: هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل كذا وكذا، قال:
ليس بشئ ".
المسألة * (الثالثة:) *
* (لا يجب التكفير إلا بعد الحنث) * ومخالفة مقتضى اليمين ونقضها، لأن
ذلك هو السبب فيها، ولا يتقدم المسبب على سببه، إذ لا يجوز تقديم العبادة قبل
وقت وجوبها، ولا خلاف في أنها لا تجب قبله، بل في المسالك الاجماع
عليه.
* (و) * حينئذ ف‍ * (لو كفر قبله لم يجزه) * ضرورة عدم الخطاب بها، خلافا
لبعض العامة فجوزه قياسا على تعجيل الزكاة قبل تمام الحول، ولقوله صلى الله عليه وآله (4): " إذا

(1) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الأيمان الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 34 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 3.
(3) الوسائل الباب - 34 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 3.
(4) سنن البيهقي ج 10 ص 31.
347

حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فات الذي هو خير، وكفر عن يمينك " وفي
لفظ آخر (1) " فكفر عن نفسك وآت الذي هو خير ".
وهو كما ترى وإن كان في بعض أخبارنا (2) ما يوافقه إلا أنه محمول على
ضرب من الندب أو التقية. ففي خبر طلحة بن زيد (3) عن جعفر بن محمد عن
أبيه عليهما السلام " أن عليا عليه السلام كره أن يطعم الرجل في كفارة اليمين قبل الحنث " مع
احتمال إرادة الحرمة من الكراهة، نعم عنه عليه السلام أيضا في خبر آخر (4) " إذا
حنث الرجل فليطعم عشرة مساكين، ويطعم قبل أن يحنث ".
المسألة * (الرابعة:) *
* (ولو أعطى الكفارة كافرا أو من تجب عليه نفقته فإن كان عالما) * بذلك
* (لم تجزه) * بلا خلاف * (و) * لا إشكال ف‍ * (إن جهل واجتهد ثم بان له لم يعد) *
عند المشهور.
* (وكذا لو أعطى من يظن فقيرا فبان غنيا، لأن) * التكليف ب‍ * (الاطلاع
على الأمور الباطنة يعسر) * وفيه أنه لا عسر في الإعادة لو اتفق الخطأ وإنما هو
لو أوجبنا الأداء عليه لمن هو كذلك في نفس الأمر ابتداء، كما أوضحنا ذلك وأشبعنا
الكلام فيه في الزكاة (5) وقلنا هناك: إن القول بالإعادة الموافقة لمقتضى القواعد
لا تخلو من قوة فضلا عن المقام الخالي عن معارضة بعض النصوص (6) التي مرت
هناك، فلاحظ وتأمل.

(1) مسند أحمد 4 ص 137 و ج 5 ص 63.
(2) المستدرك الباب - 13 - من كتاب الأيمان الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 51 من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 51 من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2.
(5) راجع ج 15 ص 327 إلى 332.
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة.
348

المسألة * (الخامسة:) *
* (لا يجزئ في التكفير بالكسوة إلا ما يسمى ثوبا) * كما مر في كتاب
الكفارة (1) * (و) * حينئذ ف‍ * (لو أعطاه قلنسوة أو خفا لم يجزه لأنه لا يسمى
كسوة، و) * قد قال الله تعالى (2): " أو كسوتهم ".
نعم * (يجزئ الغسيل من الثياب) * أي المغسول * (لتناول الاسم) * وقد
مر الكلام في ذلك في بيان جنس الثوب، وأنه لا يكون باليا مرقعا، وغير ذلك من
الأحكام في بحث الكفارة (3) مفصلا، فلاحظ وتأمل.
المسألة * (السادسة:) *
* (إذا مات وعليه كفارة مرتبة ولم يوص) * وجب إخراجها مقدما على الميراث
كغيرها من الحقوق المالية و * (اقتصر على أقل رقبة تجزئ) * جمعا بين ذلك وبين
حق الوارث بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهرهم أنها من الحقوق المالية وإن كان
معسرا في حياته قد تعين عليه الصوم في المرتبة، وليست هي كالعبادات المحضة
كالصلاة والصوم الذي لا يجب إخراجها عنه إلا مع الوصية وإن ناقشنا نحن في ذلك
في كتاب الوصايا، بل بملاحظة ما ذكرنا هناك يظهر لك الوجه فيما هنا.
فلاحظ وتأمل.
وحينئذ فالترتيب الواجب عليه يلحظ في تركته، وتخرج منه ما تبرأ به ذمته،
إلا أنه يجب الاقتصار على أقل الأفراد ما لم يتبرع الوارث بالزائد، ولا عبرة باعساره

(1) راجع ج 33 ص 272 - 275.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
(3) راجع ج 33 ص 274 - 276.
349

في حال الحياة، إذ هي كالديون لا يستثنى له معها ما استثنى له في زمن حياته من
الدار ونحوها، فيجب عتق الرقبة من ماله مع سعته وإلا فالفرد الآخر، وهكذا.
هذا كله إن لم يوص، وإن أوصى وأطلق فهو كما لم يوص.
* (وإن أوصى بقيمة) * للرقبة * (تزيد عن ذلك) * الذي هو أقل رقبة * (ولم
يجز الوارث كانت قيمة المجزئ) * الذي هو كالدين * (من الأصل والزيادة من
الثلث) * الذي يجب إنفاذ وصاياه منه، فهو حينئذ كمن أوصى بحج واجب عليه
من بلده في إخراج ما قابل الميقات إلى آخر المناسك من الأصل والزائد من الثلث،
ولو فرض عدم سعة ماله لأقل أفراد الرقبة، ولكنه يسع لصيام الشهرين وجب
صرفه فيه، ولكن مع الاقتصار على أقل الأفراد، وهكذا الاطعام. ولو فرض عدم
حصول فرد غير الأقل بما أوصى به من الزيادة لغت ورجعت ميراثا، كما
هو واضح.
* (وإن كانت الكفارة مخيرة) * ولم يوص أخرجت و * (اقتصر على أقل
الخصال قيمة) * وأقل أفراد تلك الخصلة ما لم يتبرع الوارث. * (ولو أوصى بما
هو أعلى ولم تجز الورثة فإن خرج) * التفاوت * (من الثلث فلا كلام، وإلا أخرجت
قيمة الخصلة الدنيا من الأصل وثلث الباقي، فإن قام بما أوصى) * وجب إنفاذه
* (وإلا بطلت الوصية بالزائد واقتصر على الدنيا) * ولا يجب إخراج الوسطى،
لعدم وجوبها بالأصل ولا بالوصية وإن احتمله الفاضل في القواعد، قال: " ولو كان
عليه كفارة مرتبة اقتصر على أقل رقبة تجزئ، فإن أوصى بالأزيد ولم يجز الوراث
أخرج المجزئ من الأصل، والزائد من الثلث، سواء وحب التكفير في المرض أو
الصحة، ويقتصر في المخيرة على أقل الخصال، ولو أوصى بالأزيد أخرج الزائد من
الثلث، فإن قام المجموع بما أوصى وإلا بطلت في الزائد، ويحتمل الوسطى مع
النهوض ".
قلت: لأن الواجب صرف المجموع من حيث نفوذ الوصية به، وهو بعض
الموصى به، فإذا لم يمكن إنفاذ مجموع ما أوصى به يجب المقدور، لعموم " إذا أمرتكم
350

بشئ فاتوا منه ما استطعتم " (1) إلا أنه كما ترى.
نعم لو أوصى بقدر معين كان يسع العليا فلم يجز الوارث اقتصر حينئذ على
إخراج قيمة الدنيا من الأصل وضم إلى ثلثه وصرف في الوسطى، والفرق بينهما
أن الوصية بالعليا نفسها أمر معين فإذ فات لم يكن ما دونه موصى به، فلا يجب
إلا الأدنى الذي يخرج من الأصل، بخلاف الوصية بقدر يسع العليا المقتضية
للتعلق بذلك القدر وبكل جزء جزء، فإذا فات بعضه لعدم خروجه من الثلث يبقى
الباقي، وهو صالح عوضا عن جميع الخصال، وليس هكذا الأعلى المعين الذي
الأوسط ليس جزء منه ولا موصى به.
وإلى ما ذكرنا يرجع كلام الشهيد في الدروس، قال: " وتجب إخراج الكفارة
من تركة الميت، ففي المخيرة أدنى الخصال إلا أن يتطوع الوارث بالأرغب، وفي
المرتبة أدنى المرتبة التي هي فرضه، ولو أوصى بالأزيد ورد الوارث فالزائد من
الثلث، فلو لم يف بالعليا أجزأت الدنيا، والزيادة ميراث " والله العالم.
المسألة * (السابعة:) *
* (إذا انعقدت يمين العبد ثم حنث وهو رق ففرضه الصوم في الكفارات مخيرها
ومرتبها) * لأنه لا مال له يعتق منه أو يطعم أو يكسي بناء على الأصح من عدم
أهليته للملك، بل ينبغي القطع بذلك بناء على اعتبار الملكية في عتق الكفارة
وإطعامها وكسوتها حتى لو أذن السيد أو المتبرع.
* (و) * لكن قال المصنف: * (لو كفر بغيره) * أي الصيام * (من عتق أو
كسوة أو إطعام فإن كان بغير إذن المولى لم يجزه وإن أجزاه، وقيل: لا يجزؤه
لأنه لا يملك بالتمليك والأول أصح، وكذا لو أعتق عنه المولى بإذنه) * وظاهره
عدم اعتبار الملكية وإلا فإذن المولى لا يفيدها، وهو لا يخلو من وجه

(1) سنن البيهقي ج 4 ص 326.
351

وفي المسالك بعد أن أرسل اعتبار الملك في الاطعام والكسوة والعتق إرسال
المسلمات قال: " هذا إذا لم يأذن له المولى أو نهاه، وإن أذن له بتكفير بالعتق
أو الاطعام أو الكسوة ففي إجزائه قولان، منشأهما أنه كفر بما لا يجب عليه، فلا
يسقط عنه الواجب، سواء قلنا بملكه أو أحلناه خصوصا العتق، لأنه لا عتق إلا
في ملك، نعم لو ملكه مولاه المال وقلنا بصحته اتجهت، ومن أن المانع من الاجزاء
كان عدم القدرة، فإذا أذن المولى حصلت وجرى مجرى ما لو كفر المتبرع عن المعسر،
وقد تقدم البحث في ذلك في الكتابة ".
قلت: قد اخترنا هناك الصحة، لاطلاق الأدلة، إلا أن ذلك لا يقتضي الصحة
في غيره، لاحتمال الفرق بينهما بالملك فيه وإن لم يجز له التصرف فيه بغير
التكسب، فمع فرض رفع الحجر عنه الإذن يندرج في إطلاق الأدلة أما غيره فلا
أهلية له للملك.
نعم لو قلنا بعدم اعتبار الملك اتجهت بالصحة حينئذ لاطلاق الأدلة أيضا ولعله
لا يخلو من قوة، خصوصا بناء على إجزاء المتبرع عن المعسر، إذ هو لا ينقص عنه
من هذه الجهة، فلا يعتبر الملك حينئذ حتى في العتق الذي قد ورد فيه (1) " لا عتق
إلا في ملك " لكن قد ذكرنا في محله (2) أن المراد منه عدم صحة عتق ملك الغير.
بغير إذنه، لا أنه لا يصح عتقه عن كفارة الغير بإذن مالكه، وقد ذكرنا بعض النصوص (3)
الدالة على ذلك.
ولا يقال عدم الاجزاء في العبد لأن فرضه الصوم، فلا يجزئ عنه غيره، لأن
تعين الصوم إنما هو لعدم قدرته على غيره، فمع فرض الإذن وعدم اعتبار الملك يصير
قادرا على غيره، ويندرج في إطلاق الأدلة، بل لا فرق بين المولى وغيره في ذلك.
نعم لا بد من إذن العبد إذا نوى الكفارة عنه غيره حتى يكون وكيلا بذلك،

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب العتق الحديث 2 وفيه " لا عتق إلا بعد ملك ".
(2) راجع ج 34 ص 147 - المسألة العاشرة.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب العتق الحديث 2.
352

إذ ليست هي كالديون المحضة التي يصح التبرع بها من دون إذن، مع احتماله إذا
تعقبت الإذن، بناء على صحة الفضولي في مثله، كأداء الزكاة والخمس من مال من هما
عليه كما ذكرناه في الفضولي، بل قد يحتمل جواز التبرع من غير حاجة
إلى الإذن إن لم يكن إجماع على خلافه، نحو أداء الصلاة عن الميت ونحوه،
فتأمل جيدا.
المسألة * (الثامنة:) *
قد تقدم البحث في أنه * (لا تنعقد يمين العبد بغير إذن المولى) * وقلنا إن
الأصح تسلط المولى على فسخه، لا أن سبق إذنه شرط * (و) * لكن بناء عليه
* (لا تلزمه الكفارة قطعا وإن حنث، أذن له المولي في الحنث أم لم يأذن) *
ضرورة عدم انعقادها لفقد شرط صحتها وهو الإذن، فلا كفارة بالحنث حينئذ
ولا إثم.
* (أما لو أذن له في اليمين فقد انعقدت) * بلا خلاف ولا إشكال، وحينئذ
* (فلو حنث بإذنه وكفر بالصوم لم يكن للمولى منعه) * لاطلاق أدلة الوجوب،
ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، مع احتماله إلى أن ينعتق أو يتضيق بظن
الوفاة.
* (ولو حنث من غير إذنه كان له منعه ولو لم يكن الصوم مضرا) * كغيره من
أفراد الصوم، إذنه في اليمين لا ينافيه، إذ هي ليست إذنا في الحنث كي تستتبع
الإذن في التكفير.
* (و) * لكن * (فيه تردد) * من ذلك ومن أن سبب الوجوب مأذون فيه،
والحنث من لوازمه أو توابعه، والإذن في الشئ إذن في لوازمه أو تستلزم الإذن في
لوازمه وتوابعه، ومن أن التكفير بالصوم صار واجبا عليه وليس للسيد منعه مما
وجب عليه كالصوم والصلاة الواجبين، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولعله
353

الأقوى حتى لو كان مضرا.
خلافا لبعض ففصل بينه وبين غير المضر، واختاره في الدروس، قال، " وفرض
العبد في جميع الكفارات الصوم، فلو أذن المولى في العتق أو الاطعام ففي الاجزاء
خلاف سبق، وإنما تلزم الكفارة إذا كان الحلف بإذن السيد والحنث بإذنه، ولو
حلف بغير إذنه فلغو، وإن حنث بإذنه قال الشيخ: يكفر لأن الحنث من لوزام
اليمين، ولو حلف بإذنه وحنث بغير إذنه فله منعه من الصوم المضر به ولو لم يضر به
ففي المنع وجهان، ولو زال الرق ولما يبطله السيد بالأقرب الانعقاد، ويراعى فيه
ما يراعى في الحر حينئذ، وكذا لو كان الحلف بإذنه ثم أعتق، فيعتبر حال الأداء ".
وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.
واحتمل في القواعد أن له المنع عن المبادرة، قال: " وإذا انعقدت يمين العبد
ثم حنث وهو رق ففرضه الصوم في المخيرة والمرتبة، فإن كفر بغيره من إطعام أو
عتق أو كسوة بإذن المولى صح على رأي وإلا فلا، وكذا يبرأ لو أعتق عنه المولى،
ولو حلف بغير إذنه لم ينعقد على قول علمائنا، فإن حنث فلا كفارة ولو بعد العتق
وإن لم يأذن له المولى فيه، ولو أذن في اليمين انعقدت، وإن حنث بإذنه كفر بالصوم،
ولم يكن للمولى منعه، ولو قيل بمنع المبادرة أمكن، ولو حنث بغير إذنه قيل: له
منعه من التكفير وإن لم يكن الصوم مضرا وفيه نظر، فلو حنث بعد الحرية كفر
كالحر، وكذا لو حنث ثم أعتق قبل التكفير ".
ولو حلف بغير إذنه وحنث بغير إذنه فلا كفارة قطعا، بناء على أن شرط
الصحة الإذن وإلا جاء الكلام السابق.
ولو حلف بغير إذن وحنث بها فإن أبطلنا يمينه بدونه فلا كفارة، وإن قلنا
بكونها موقوفة ففي المسالك " في استلزام الإذن في الحنث الإجازة وجهان، من
ظهور دلالته عليه، ومن احتمال الأمرين، فيستصحب أصالة البراءة، وهو الأجود -
ثم قال -: ويتفرع عليهما الصوم، فعلى الأول له الصوم بغير إذنه، لأن الحنث
354

يستعقب الكفارة، فالإذن فيه إذن في التكفير، كما أن الإذن في الاحرام إذن في
بقية أفعال الحج، وعلى الثاني يتوقف لزومهما على عتقه إن جعلناه كاشفا عن لزومه
حين الحلف، وإن جعلناه سببا فلا كفارة ".
قلت: لا يخلو ما ذكره أخيرا من بحث، وعلى كل حال فالأقوى وجوب
التكفير عليه بالصوم مطلقا، نعم يبقى الاشكال في أن له المنع من المبادرة
كما في كل واجب موسع ومطلق. أو لا كما جزم به الكركي،
والله العالم.
المسألة * (التاسعة:) *
* (إذا حنث بعد الحرية كفر كالحر) * بلا خلاف ولا إشكال، لأن الحرية
هي حال الأداء، بل * (و) * كذا * (لو حنث ثم أعتق ف‍) * إن * (الاعتبار بحال
الأداء) * كالحر لا حال الوجوب، لأنها عبادة، والعبادات يراعى فيها حال الأداء
لا حال الوجوب، بل الظاهر أن خطابها كذلك وحينئذ * (فإن كان موسرا كفر
بالعتق أو الكسوة أو الاطعام، ولا ينتقل إلى الصوم إلا مع العجز) * عن الاطعام،
* (هذا في المرتبة، وفي المخيرة كفر بأي خصالها شاء) *.
خلافا لبعض فجعل الاعتبار بحال الوجوب، لأن الكفارة نوع تطهير يختلف
حاله بالرق والحرية، فينظر إلى حالة الوجوب كالحد، فإنه إذا زنى وهو رقيق
ثم أعتق، أو بكر ثم صار محصنا بعد العتق أقيم عليه حد الرق والبكر، وهو
كما ترى لا يرجع إلى محصل شرعي يصح الاعتماد عليه، خصوصا بعد أن كان
ظاهر الأدلة ما ذكرنا، سيما بملاحظة حال الصلاة المختلف كيفية فعلها قصرا وتماما
وصلاة قادر وغيره باعتبار حال أدائها، والله العالم.
355

* (كتاب النذر) *
الذي هو لغة الوعد بشرط أو مطلقا بخير أو بشر، وعن ابن فارس أن أصل
النذر يدل على التخويف وأنه إنما سمي به لما فيه من الايجاب والتخويف
من الاخلاف.
وشرعا بالمعنى الذي سمعته مكررا في غيره الالتزام بالفعل أو الترك على وجه
مخصوص، وإليه يرجع ما عن المهذب والدروس وغيرهما من أنه التزام الكامل المسلم
المختار غير المحجور عليه بفعل أو ترك بقول: " لله تعالى " ناويا القربة.
والأصل في مشرعيته بعد الاجماع والسنة المتواترة التي سيمر عليك شطر منها
قوله تعالى (1): " وليوفوا نذورهم " و " يوفون بالنذر " (2).
* (و) * كيف كان ف‍ * (النظر في الناذر والصيغة ومتعلق النذر ولواحقه) * فهي
أمور أربعة.
* (أما الناذر فهو البالغ العاقل المسلم، فلا يصح من الصبي) * وإن ميز وبلغ
عشرا وكان المنذور ما يصح منه من الوصية بالمعروف وإن قلنا بشرعية عبادته إلا
أنه قد عرفت سلب عبارته التي منها العبادة القولية المترتب عليها أحكام شرعية حتى
صارت من هذه الجهة كالايقاع والعقد اللذين لا إشكال في عدم صحتهما منه،
للأصل وحديث الرفع (3) والاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى معلومية عدم

(1) سورة الحج: 22 - الآية 29
(2) سورة الانسان: 76 - الآية 7.
(3) الوسائل الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
356

التكليف قبل البلوغ.
* (ولا من المجنون) * بقسميه بلا خلاف ولا إشكال، نعم يصح من الأدواري
حال إفاقته والوثوق بفعله.
* (ولا من الكافر) * بأقسامه * (لتعذر نية القربة في حقه) * باعتبار شرطية
الايمان بصحة عبادته والفرض عدمه، فلا يتصور نية القربة منه، إذ ليس المراد منها
أفعل كذا قربة إلى الله وإن لم يكن الفعل مقربا له، ومن هنا لم أجد خلافا في عدم
صحته منه بين أساطين الأصحاب كما اعترف به في الرياض.
نعم تأمل فيه سيد المدارك وتبعه في الكفاية، فإنهما بعد أن اعترفا بالشهرة
وذكرا الدليل المزبور قالا: " وفيه منع واضح فإن إرادة التقرب ممكنة من الكافر
المقر بالله " وفي الرياض لا يخلو من قوة إن لم يكن الاجماع على خلافه كما هو
الظاهر إذ لم أر مخالفا سواهما من الأصحاب، والاحتياط لا يخفى، وهو كما ترى
بعد الإحاطة بما ذكرناه، وقد مر بعض الكلام في ذلك في العتق وغيره، بل الظاهر
عدم صحته من المخالف حتى فرق الإمامية غير الاثني عشرية، لما عرفته من أن
الايمان بهم عليهم السلام شرط صحة العبادات كما استفاضت به النصوص (1) بل كاد يكون
من ضروريات المذهب.
* (و) * حينئذ فمع معلومية * (اشتراطها) * أي النية * (في النذر) * كما
ستعرف لا ينبغي التأمل في عدم الصحة، إذ هو كالصلاة والصوم ونحوهما مما علم
بطلانها من غير الإمامي وإن جاء بها جامعة بجميع الشرائط عدا الايمان
بهم عليهم السلام أجمع، نعم ستعرف المناقشة في اعتبارها فيه عند تعرض المصنف
لذلك.
* (لكن لو نذر) * الكافر * (فأسلم استحب له الوفاء) * كما صرح به غير
واحد، لما روي من أن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: " كنت نذرت اعتكاف ليلة

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمة العبادات.
357

في الجاهلية فقال له النبي صلى الله عليه وآله: أوف بنذرك " مؤيدا بالاعتبار، وهو أنه لا يحسن
أن يترك بسبب الاسلام ما عزم عليه في الكفر من خصال الخير التي الاسلام أولى بها،
مع أن الحكم استحبابي يتسامح فيه.
* (و) * كيف كان ف‍ * (يشترط في نذر المرأة بالتطوعات إذن الزوج) * وفاقا
للمشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين كما قيل، للصحيح (1) " ليس للمرأة
مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلا بإذن زوجها
إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة رحمها " مؤيدا بالمعتبرين (2) المتقدمين
في اليمين بناء على شيوع إطلاقها على النذر في النصوص المستفيضة.
* (منها) * ما وقع الاطلاق فيه في كلام الأئمة عليهم السلام كالمعتبرين: أحدهما الموثق
بعمار عن سماعة (3) " لا يمين في معصية، إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن
يفي بها ما جعل لله عليه في الشكر إن هو عافاه من مرض أو عافاه من أمر يخافه
أو رد عليه ماله أو رده من سفره أو رد رقه فقال: لله علي كذا وكذا شكرا
فهو الواجب على صاحبه أن يفي به " والثاني (4) " جعلت على نفسي شيئا إلى
بيت الله تعالى قال: كفر يمينك، فإنما جعلت على نفسك يمينا فما جعلته لله
تعالى فف به ".
و (منها) ما وقع الاطلاق فيه في كلام الرواة مع تقدير الأئمة عليهم السلام لهم

(1) الوسائل الباب - 15 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الأيمان الحديث 2 والباب - 11 - منه
الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 4 عن عثمان بن عيسى
عن سماعة، وفيه " أو رزقه رزقا " بدل " أو رد رقه " كما يأتي نقله كذلك في الجواهر
في ص 367 الرقم (3).
(4) الوسائل الباب - 8 - من كتاب النذر والعهد الحديث 4 وفيه " شيئا إلى
بيت الله ".
358

عليه، وهو مستفيض (منها) (1) الخبر " إن لي جارية ليس لها مني مكان ولا
ناحية وهي تحتمل الثمن، إلا أني كنت حلفت فيها بيمين، فقلت: لله علي
أن لا أبيعها أبدا، وبي إلى ثمنها حاجة لمؤونة فقال: ف لله بقولك "
ونحوه آخر (2).
وفي ثالث (3) " عن الرجل يحلف بالنذر ونيته في يمينه التي حلف عليها
درهم وأقل، فقال: إذا لم يجعله لله فليس بشئ ".
وفي رابع (4) " إني كنت أتزوج المتعة فكرهتها وتشاقيت بها، فأعطيت
لله عهدا بين الركن والمقام وجعلت علي في ذلك نذرا أو صياما أن لا أتزوجها،
ثم إن ذلك شق علي وقدمت على يميني، ولم يكن بيدي من القوة ما أتزوج في
العلانية فقال: عاهدت الله أن لا تطيعه، والله لئن لم تطعه لتعصينه ".
مضافا إلى ما دل من النصوص (5) على اشتراط اليمين بالقربة المحمول على
النذر، لما عرفته من الاجماع على عدم اشتراط اليمين بها.
وفي الرياض " وحيث ثبت إطلاق اليمين على النذر فإما أن يكون على
سبيل الحقيقة أو المجاز والاستعارة، وعلى التقديرين فدلالة المعتبرين على المقصود
واضحة، لكون النذر على الأول من جملة أفراد الحقيقة المتعينة، وعلى الثاني
مشاركا لها في أحكامها الشرعية، ومنها انتفاؤها عند عدم إذن الثلاثة، هذا مضافا
إلى إلغاء الفرق بالاستقراء والتتبع التام الكاشف عن اشتراك النذر واليمين في كثير

(1) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 11.
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الأيمان الحديث 5.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 4.
(4) الوسائل الباب 3 - من أبواب المتعة الحديث 1 من كتاب النكاح وفيه
" وتشأمت بها " كما يأتي نقله كذلك في الجواهر.
(5) الوسائل الباب - 14 - من كتاب الأيمان.
359

من الأحكام، ولذا يقال: إنه اليمين في نفسها وبالجملة بملاحظة جميع ما ذكر يظهر
الظن المعتمد عليه بصحة ما عليه الأكثر ".
قلت: لا يخفى عليك أن الاستعارة المزبورة في النصوص المذكورة لا تقتضي
الشركة التي ذكرها، كما أنه لا حجة في الاستقراء الذي ذكرها، خصوصا بعد
افتراقهما بأحكام كثيرة، كنية القربة ورجحان المتعلق وغيرها، وليس الاطلاق
المزبور نحو قوله صلى الله عليه وآله (1): " الطواف بالبيت صلاة " إذ لا شئ في النصوص أن
النذر يمين، كما هو واضح.
نعم قد يقال: إن المراد باليمين في المعتبرين ما يشمل النذر بقرينة الشهرة
بين الأصحاب والظن باتحاد المنشأ فيهما، وهو وجوب طاعة الزوج وكونه قيما
على المرأة.
مضافا إلى الصحيح المزبور الذي لا يقدح في حجيته اشتماله على ما لا نقول به
من الأمور المزبورة وعلى الاستثناء الذي قد يقال بمنافاته أيضا بعد انجباره بالعمل،
وقاعدة عدم خرج الخبر عن الحجية بعدم العمل ببعضه والاستثناء إنما هو من
التصرف في مالها، ولا ريب في جواز ذلك لها، بل وجوبه في الحج الواجب والزكاة
الواجبة، وصلة الرحم كذلك، كما أنه لا ينافيه جواز تبرعها في مالها بغير إذنه، إذ
لعل للالزام حكما يفارق التبرع، كما في الولد بل والعبد فيما لا يضر بالسيد،
كالحلف على بعض الأقوال المندوبة ونحوها، وكأنه لعموم قواعد الشرع، فلم يجعل
له ولا للولد والزوجة يمينا ونذرا مطلقا وإن لم يكن مما نافى حق الزوج وحق
الولد وحق السيد.
ولعله لذا قال المصنف وغيره: * (وكذا يتوقف نذر المملوك على إذن المالك،
فإن) * لم يأذن و * (بادر لم ينعقد وإن تحرر، لأنه وقع فاسدا) * بل في الرياض
نفي الخلاف فيه، بل عن صريح المسالك الاجماع عليه وإن لم أتحققه، مضافا إلى

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 87.
360

عموم أدلة الحجر عليه من الكتاب (1) والسنة (2) وخصوص المروي في الوسائل
عن قرب الإسناد (3) " أن عليا عليه السلام كان يقول: ليس على المملوك نذر إلا أن
يأذن له سيده " فما في الكفاية حينئذ من التردد فيه في غير محله.
وكان اقتصار المصنف والفاضل في القواعد والتحرير والشهيد في اللمعة في إلحاق
النذر باليمين على الزوجة والمملوك لاختصاصهما بالخبرين (4) المزبورين دون
الولد والوالد، ولكن في الإرشاد والدروس إلحاقه بهما أيضا لبعض الوجوه
التي عرفتها.
وفي الرياض بعد أن ذكر ما سمعت قال: " ويستفاد منه مشاركة الولد
للزوجة والمملوك في توقف نذره على إذن ولداه كما صرح به العلامة في جملة من
كتبه والشهيد في الدروس، فلا وجه لاقتصار العبارة ونحوها من عبائر الجماعة على
ذكر الأولين خاصة، كما لا وجه لاقتصار السيد في شرح الكتاب على المملوك،
لتطرق القدح إلى ما زعمه - من انحصار ما دل على إطلاق النذر على اليمين في بعض
ما مر من الأخبار، وضعفه، وقصور دلالته بأن الاستعمال أعم من الحقيقة يمنع
من العمل به - بعدم الحصر، لاستفادته من النصوص التي فيها ما هو معتبر السند
بالصحة والموثقية، مع انجبار الضعيف منها بالشهرة التي اعترف بها، وأن مبنى
الاستدلال ليس دعوى ثبوت كون الاطلاق بعنوان الحقيقة خاصة يرد (5) ما ذكره،
بل إما هي على القول بها أو ما قدمنا إليه الإشارة من كونه مجازا أو استعارة يقتضي
الشركة مع الحقيقة فيما يثبت لها من الأحكام الشرعية، ومنها عدم الصحة عند عدم

(1) سورة النحل: 16 - الآية 75.
(2) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الحجر والباب - 87 - من كتاب الوصايا.
(3) الوسائل الباب - 15 - من كتاب النذر والعهد الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 13 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 و 2.
(5) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة. وفي الرياض " خاصة ليرد ما ذكره... "
وهو الصحيح كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.
361

إذن أحد من هذه الثلاثة " وإن كان لا يخفى عليك وجه النظر في كلامه بعد الإحاطة
بما ذكرناه.
وكان سيد المدارك أخذ الاقتصار على المملوك من جده في المسالك، فإنه بعد
أن ذكر فتوى الجماعة بالالحاق، وذكر الدليل على ذلك الاطلاق المزبور، وأجاب
عنه بأنه مجاز ولا بأس باقرار الإمام عليه السلام على مجازيته، قال: " وعموم الأدلة
الدالة على وجوب الوفاء بالنذر من الكتاب والسنة، لا يتخصص في موضع النزاع
بمثل هذه التمحلات - إلى أن قال -: أما المملوك فيمكن اختصاصه بذلك من حيث
له الحجر عليه وانتفاء أهلية ذمته للالتزام بشئ بغير إذن المولى ".
وفيه أن الحجر عليه لا يتناول قول: " لا إله إلا الله " ونحوهما لو حلف
عليها، فالعمدة حينئذ في الاقتصار ما ذكرناه.
بل منه ينقدح الشك في الانجبار بالنسبة إلى إلحاق الولد، لعدم شهرة
فيه، والظن المزبور بالمساواة باعتبار اتحاد المنشأ لا دليل على حجيته،
فتأمل جيدا.
وكيف كان فقد تقدم تحقيق الحال في اليمين في توقف الصحة على الإذن وأن له
الحل، وتقدم ما يتفرع على ذلك، وقد بنى المسألة غير واحد من الأصحاب على
ما تقدم هناك، وستعرف ما فيه، بل ظاهر المصنف وغيره هنا الأول، بل صرح
بالفساد لو تحرر قبل الإذن الذي قد عرفت هناك أنه من ثمرات القولين.
كما أنه صرح بالاكتفاء بلحوق الإذن هنا كالفضولي بقوله: * (وإن أجاز
المالك ففي صحته تردد أشبهه اللزوم) * ولا بأس به بناء على شرطية الإذن، لعموم
الأدلة وإطلاقها، كما قدمنا تحقيقه في محله.
وعن التحرير والإرشاد الاشكال في ذلك، إلا أنه قد اخترنا في اليمين عدم
اعتبار الإذن وأن له الحل، لاطلاق الأدلة، وكأنه ظاهر الدروس هنا، قال:
" وللزوج حل نذر الزوجة فيما عدا فعل الواجب وترك الحرام حتى في الجزاء
362

عليهما، وكذا السيد لعبده والوالد لولده على الظاهر، ولو زال الحجر قبل الحل
لزم في الأقوى " ونحوه في القواعد، بل في غاية المراد " إن أكثر الأصحاب قالوا:
إن له الحل وهو مشعر بالانعقاد ".
قلت: وحينئذ فلا يأتي تفريع الإجازة، ولعل وجه ما ذكره المصنف من
الفرق بين لحوق الإذن وبين الحرية أن الأول على تأهله ويتم بالإذن، بخلاف
الثاني الذي هو كبيع الرهن ثم يفكه، خصوصا بناء على كون الإجازة كاشفة،
فتأمل جيدا.
هذا ولكن قد يفرق بين المقام وبين اليمين فيشترط الإذن هنا للخبرين (1)
في المملوك والزوجة الظاهرين في ذلك المنجبرين بعمل الأصحاب بخلاف مسألة
اليمين التي قد عرفت خلو نصوصها عن الإذن أصلا، وإنما الموجود " لا يمين لولد
مع والده " (2) إلى آخره، وقد قلنا: إنه ظاهر في المعارضة وإنه يقتضي أن له
الحل، لا أن الإذن شرط، وبالجملة لا يخلو كلامهم هنا من تشويش، ومنشأه
الاجتهاد في مدرك المسألة، وأنه نصوص اليمين بناء على شموله للنذر أو الخبران في
خصوص الزوجة والمملوك، فتأمل جيدا.
* (و) * كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه * (يشترط في) * صحت‍ * (ه) *
أي النذر * (القصد) * الاختياري الذي قد مر اعتباره في غيره من العبادات والعقود
والايقاعات * (فلا يصح من المكره) * بقسميه * (ولا السكران ولا الغضبان الذي
لا قصد له) * ولا غيرهم كالنائم والمغمى عليه ونحوهم مما لا قصد له أو لا قصد معتد به
له، بل يشترط فيه أيضا انتفاء الحجر عنه لسفه لو تعلق بمال، نعم لو تعلق بعبادة
بدنية، صح لاطلاق الأدلة، أما المفلس فلا إشكال في صحته منه لو تعلق بغير المال،
أما فيه فإن كان في ذمته فكذلك، ويؤديه حينئذ بعد البراءة من حقهم، وإن كان
فيما تعلق حق الغرماء به فلا ينفذ فيه معجلا قطعا، ولكن هل تراعى صحته بالفك؟

(1) الوسائل الباب - 15 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الأيمان.
363

وجهان، وكذا المرهون كما قدمنا الكلام فيه سابقا.
* (وأما الصيغة فهي إما) * معلقة على شرط يكون به نذر * (بر أو زجر أو) *
لا فتكون به نذر * (تبرع، فالبر قد يكون شكرا للنعمة، كقوله: إن أعطيت
مالا أو ولدا أو قدم المسافر) * أو عافاني الله أو نحو ذلك * (فلله علي كذا، وقد
يكون) * شكرا * (دفعا لبلية كقوله: إن برئ المريض أو تخطاني المكروه فلله
علي كذا) * ويسمى نذر مجازاة أيضا.
* (و) * أما نذر * (الزجر) * فهو * (أن يقول: إن فعلت كذا فلله علي كذا
وإن لم أفعل كذا فلله علي كذا) *
وبالجملة ففي المسالك " كل واحد من المزجور عنه والمجازي عليه إما
أن يكون طاعة أو معصية أو مباحا، ثم إما أن يكون من فعله أو فعل غيره خارجا
عنهما، لكونه من فعل الله كشفاء المريض، ومتعلقه إما فعل أو ترك، فهذه صورة
المسألة، والجزاء على الطاعة كأن يقول: " إن حججت - على معنى إن وفقني الله
للحج - فلله علي صوم كذا شكرا " والزجر عنها كذلك إلا أنه قصد به الزجر عنها
والجزاء على المعصية، كقوله: " إن شربت الخمر فلله علي كذا " زجرا لنفسه
أو شكرا عليها، والمائز القصد كذلك، ولا ريب في انعقاد الأول منهما دون الثاني،
وفي جانب النفي كقوله: " إن لم أصل فلله علي كذا " أو " إن لم أشرب الخمر.. "
فإن قصد في الأول الزجر وفي الثاني الشكر على توفيقه له انعقد دون العكس، وفي
المباح يتصور أمران نفيا وإثباتا، كقوله: " إن أكلت أو لم آكل فلله علي كذا "
شكرا على حصوله أو زجرا على كسر الشهوة، وتتصور الأقسام كلها في فعل الغير،
كقوله: " إن صلى فلان أو قدم من سفره أو أعطاني " إلى غير ذلك من أقسامه،
وضابط المنعقد من ذلك كله ما كان طاعة وقصد بالجزاء الشكر أو تركها وقصد الزجر،
وبالعكس في المعصية، وفيما خرج من فعله يتصور الشكر دون الزجر، وفي المباح
الراجح دنيا يتصور الشكر، وفي المرجوح الزجر وعكسه كالطاعة، وفي المتساوي
364

الطرفين يتصور الأمران، ومثله " إن رأيت فلانا فلله علي كذا " فإن أراد إن
رزقني الله رؤيته فهو نذر بر، وإن أراد كراهة رؤيته فهو نذر نجاح ".
وهو على طوله لا حاصل له بل لا يخلو بعضه من نظر، بل لعل حاصل عبارة
المصنف وغيرها خير منه، وهو أن النذر ينقسم إلى معلق على شرط ومتبرع به،
ويعتبر في الأول أن يكون متعلق النذر مقصودا فيه الشكر على شئ صالح لأن
يشكر عليه، أو الزجر عن فعل يرجح له الانزجار عنه، ولو لأنه مباح مرجوح،
فلو لم يقصد الزجر ولا الشكر - ولو لأن الشرط غير صالح لكل منهما عرفا -
لم ينعقد النذر، كما هو ظاهر المتن وغيره ممن حصر نذر المعلق في الأمرين،
ولعله للأصل وظهور النصوص في ذلك، بل قد يدعى أنه المتعارف في النذر،
ولعله لذا جزم في الروضة بأنه لو انتفى القصد في القسمين لم ينعقد لفقد
الشرط.
* (و) * أما الثاني أي * (التبرع) * الذي لم يعلق على شرط فهو ك‍ * (أن
يقول: لله علي كذا) *
* (ولا ريب في انعقاد النذر في الأولين) * نصا (1) وفتوى، بل الاجماع
بقسميه عليه، نعم لو فرض حصول الشرط قبل النذر انكشف عدم انعقاده لتبين عدم
التعليق، ولصحيح ابن مسلم (2) عن أحدهما عليهما السلام " سألته عن رجل وقع على جارية له،
فارتفع حيضها وخاف أن تكون قد حملت، فجعل لله عتق رقبة وصوما وصدقة إن
هي حاضت، وقد كانت الجارية طمثت قبل أن يحلف بيوم أو يومين وهو لا يعلم،
قال: ليس عليه شئ " وخبر جميل بن صالح (3) قال: " قد كانت عندي جارية
بالمدينة - إلى أن قال -: فأجابني إن كانت حاضت قبل النذر فلا عليك، وإن كانت
حاضت بعد النذر فعليك ".
* (وفي الثالث خلاف والانعقاد أصح) * وفاقا للمشهور، بل عن الخلاف

(1) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد.
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب النذر والعهد الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب - 5 - من كتاب النذر والعهد الحديث 2 - 1.
365

الاجماع عليه، لاطلاق الأدلة وعمومها كتابا وسنة، (منها) قوله تعالى (1):
" إني نذرت لك ما في بطني محررا " و (منها) قول النبي صلى الله عليه وآله (2): " من نذر
أن يطيع الله فليطعه " ودعوى أن النذر لغة هو الوعد بشرط كما عن تغلب والشرع
نزل بلسانهم والأصل عدم النقل يدفعها منع كونه كذلك لغة إذ قد حكي عنه أيضا
أنه مطلق الوعد، بل في الرياض لو سلم فنقل المعارض من اللغة واتفاق أهلها على
ما ذكره يعارض بالعرف المقدم عليها، وإن كان قد يناقش بمنع معلومية كونه
كذلك في زمن صدور الاطلاقات كتابا وسنة.
نعم قد يقال: إن جملة من النصوص الدالة على أحكام النذر قد رتبتها على صيغة
" لله علي " ونحوها من دون ذكر لفظة بالمرة، ففي الصحيح (3) " من جعل لله عليه
أن لا يفعل محرما سماه فركبه فليعتق رقبة أو ليصم شهرين أو ليطعم ستين مسكينا "
ونحوه الخبر في العهد (4) " من جعل عليه عهدا لله وميثاقه في أمر الله وطاعته
فحنث فعليه عتق أو صيام " وفي صحيح الحلبي (5) عن الصادق عليه السلام " إن قلت:
لله علي فكفارة يمين " وفي آخر (6) " فما جعلته لله تعالى فف به " وفي ثالث (7)
" ليس من شئ هو لله طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به " وفي

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية 35.
(2) المستدرك الباب - 12 - من كتاب النذر والعهد الحديث 2 وسنن البيهقي
ج 10 ص 75.
(3) الوسائل الباب - 19 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 والباب - 23 -
من أبواب الكفارات الحديث 7 من كتاب الايلاء والكفارات.
(4) الوسائل الباب - 25 - من كتاب النذر والعهد الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 23 - من كتاب الكفارات الحديث 1 - 3 من كتاب الايلاء والكفارات.
(6) الوسائل الباب - 23 - من كتاب الكفارات الحديث 1 - 3 من كتاب الايلاء والكفارات.
(7) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 6.
366

موثق الساباطي (1) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام " في رجل جعل على نفسه لله
عتق رقبة فأعتق أشل أعرج، قال: إذا كان ممن يباع أجزأ عنه إلا أن يكون
سماه فعليه ما اشترط وسمي " ونحوه الخبران (2) المتقدمان في نذر عدم
بيع الجارية إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المرتبة للحكم على الصيغة
المزبورة.
واحتمالها التقييد بصورة التعليق وإن كان ممكنا إلا أنه فرع وجود الدليل
وليس، ودعوى ورودها مورد الغلب وهو المعلق دون المطلق مردودة، كدعوى
ورودها لبيان حكم آخر غير الصيغة، فإن الدعويين لا يجريان إلا في نحو المطلقات،
وليس منها الأخبار المزبورة، فإنها ما بين عامة لغة وعامة بترك الاستفصال لإفادته
إياه على الأشهر الأقوى.
لكن قد يناقش بأن هذه النصوص وغيرها مما رتب فيها الحكم على الصيغة
المزبورة من دون ذكر النذر مبناها على أنها نذر، ضرورة عدم اقتضائها اللزوم
إذا لم يكن نذرا، ولا يترتب عليها كفارة النذر، لعدم قسم آخر ملزم عندنا غير
اليمين والنذر والعهد، والفرض عدم كونها من الأول والثالث قطعا، فليس إلا النذر،
فمع فرض أخذ الشرط في مفهومه كما هو مبنى الاستدلال لم يجد شئ من إطلاقها،
كما هو واضح.
بل قد يقال إن مقتضى الأصل حينئذ عدم الانعقاد بعد الشك، لمعارضة اللغة
بمثلها، والاجماع المحكي بمنعه، فإن المرتضى وابن زهرة قد قالا بعدم الانعقاد
مدعيا أو لهما الجماع، والنصوص المزبورة - مضافا إلى ما سمعته فيها - بغيرها
كموثق سماعة (3) " سألته عن رجل جعل عليه أيمانا أن يمشي إلى الكعبة أو

(1) الوسائل الباب - 23 - من كتاب العتق الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 11 والباب - 18 -
من كتاب الأيمان الحديث 5.
(3) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 4.
367

صدقة أو نذرا أو هديا إن هو كلم أباه أو أمه أو أخاه أو ذا رحم أو قطع قرابة
أو مأثما يقيم عليه أو أمرا لا يصلح له فعله، فقال: لا يمين في معصية الله، إنما اليمين
الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل لله عليه في الشكر إن هو عافاه الله
من مرضه، أو عافاه من أمر يخافه، أو رد عليه ماله، أو رده من سفره،
أو رزقه رزقا فقال: " لله علي كذا وكذا " شكرا، فهذا الواجب على صاحبه، وينبغي
له أن يفي به ".
وصحيح منصور بن حازم (1) على ما في التهذيب عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " إذا قال الرجل: علي المشي إلى بيت الله وهو محرم بحجة أو علي هدي
كذا وكذا فليس بشئ حتى يقول: لله علي المشي إلى بيته، أو يقول: لله علي
هدي كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا " بل لعلها أوضح دلالة.
بل يمكن تقييد ما عداهما بمفهوم الحصر فيهما مؤيدا بما يشعر به غيرهما أيضا
من نصوص أخر (2) قد تضمنت تقييد ما وقع من النذر بالشكر.
ودعوى أن المقصود منهما بيان لزوم ذكر الله تعالى في النذر وعدم تعلقه
بالمحرم، لا لزوم التعليق كما يتوهم - فلا عبرة بمفهومها، فليس هما حينئذ إلا
كالمطلق المنساق لبيان حكم آخر غير محل الفرض، مع احتمال ورود التعليق فيهما
مورد الغالب في النذر ذلك لا المطلق، مضافا إلى ما يقال في الصحيح من كون الظاهر
أن الشرط فيه متعلق بالجملة الثانية خاصة، وحينئذ فلا دلالة له، بل فيه دلالة
على الآخر - كما ترى، ولا أقل من تعارض هذه الاحتمالات بالاحتمالات السابقة،
فيحصل الشك، والأصل عدم الانعقاد.
ولعله لذا كان ظاهر الفاضل في الإرشاد والشهيد في الدروس التوقف، بل هو

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 4 والباب - 23 -
منه الحديث 1 والباب - 6 - منه الحديث 1.
368

ظاهر سيد المدارك وصاحب الكفاية، وإن قويا الأول، إلا أن الشهرة العظيمة
بل لم نجد الخلاف إلا من السيدين المزبورين ترجح الأول، بل لعل نذر الشكر
أعم من المعلق، إذ قد ينعم الله على الانسان نعمة ويريد شكرها بنذر بعض العبادات،
قال أبو بصير (1): " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لو أن عبدا أنعم الله عليه
نعمة إما أن يكون مريضا أو يبتلى ببلية فعافاه الله من تلك البلية فجعل على نفسه
أن يحرم بخراسان فإن عليه أن يتم ".
* (و) * كيف كان فلا خلاف بيننا في أنه * (يشترط مع الصيغة نية القربة) *
بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى صحيح الحلبي (2) المتقدم في اليمين عن
الصادق عليه السلام " كل يمين لا يراد بها وجه الله عز وجل فليس بشئ في طلاق أو
عتق " بناء على إرادة النذر منه.
وعلى كل حال فلا إشكال في اعتبار نية القربة فيه، لكن على معنى قصد
الامتثال بايقاعه كغيره من العبادات التي تعلق الأمر بايجادها على جهة الوجوب أو
الندب، ضرورة عدم الأمر به هنا، بل ظاهر موثق إسحاق بن عمار (3) كراهة
إيقاعه، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني جعلت على نفسي شكرا لله ركعتين
أصليهما في السفر والحضر، فأصليهما في السفر بالنهار؟ فقال: نعم، ثم قال: إني
لأكره الايجاب أن يوجب الرجل على نفسه، فقلت، إني لم اجعلهما لله علي، إنما
جعلت ذلك على نفسي أصليهما شكرا لله ولم أوجبه لله على نفسي، فأدعهما إذا شئت
قال: نعم ".
بل المراد بها إنشاء الالتزام لله لا لغرض آخر، ومن هنا صح لهم

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المواقيت الحديث 3 من كتاب الحج مع
اختلاف يسير في اللفظ وذكره بعينه في التهذيب ج 8 ص 310 الرقم 1152.
(2) الوسائل الباب - 14 - من كتاب الأيمان الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 6 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
369

الاستدلال على اشتراطهما بالنصوص الكثيرة، كصحيح منصور بن حازم (1) السابق
والموثق (2) المزبور وغيرهما.
ومن هنا قال في المسالك: " ومقتضى هذه الأخبار أن المعتبر من نية القربة
جعل الفعل لله وإن لم يجعله غاية له، وربما اعتبر بعضهم جعل القربة غاية، بأن
يقول بعد الصيغة: " لله " أو " قربة إلى الله تعالى " ونحو ذلك كنظائره من العبادات -
ثم قال -: والأصح الأول، لحصول الغرض على التقديرين، وعموم النصوص، والمراد
بنية القربة أن يقصد بقوله: " لله علي كذا " معناه بمعنى أنه لا يكفي قوله: " لله "
من دون أن يقصد به معناه، وإلا فالقربة حاصلة من جعله لله، ولا يشترط معه
أمر آخر كما قررناه " وظاهره حصول النية المعتبرة في العبادات فيه بالقصد
المزبور.
وأصرح من ذلك عبارته في الروضة، قال: " ويستفاد من الصيغة أن القربة
المعتبرة في النذر إجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره من العبادات، بل يكفي
تضمن الصيغة لها، وهو هنا موجود بقوله: " لله على " وإن لم يتبعها بعد ذلك
بقوله: " قربة إلى الله " أو " لله " ونحوه " وبهذا صرح في الدروس وجعله أقرب،
هو الأقرب، ومن لا يكتفي بذلك ينظر إلى أن القربة غاية الفعل، فلا بد من
الدلالة عليها، وكونها شرطا للصيغة، والشرط مغاير للمشروط، ويضعف بأن
القربة كافية بقصد الفعل لله في غيره، كما أشرنا، وهو هنا حاصل، والتعليل
لازم، والمغايرة متحققة، لأن الصيغة بدونها إن كان كذا فعلي كذا
فإن الأصل في النذر الوعد بشرط، فتكون إضافته لله خارجة " وفيه
ما لا يخفى.
وفي حاشية الكركي " عن الدروس يشترط فيها التقرب إلى الله سبحانه،
وهل يكفي النية في التقرب أو لا بد من التلفظ بالتقرب في تمام الصيغة؟ الأقوى

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 4.
370

الأول - ثم قال -: قلت: إن كان المراد التلفظ بالقربة فالحق أنه لا يشترط، لكن
يشترط التلفظ بما يقتضي القربة، مثل لله علي، وبدون ذلك لا ينعقد ".
والموجود عندنا في نسختين من الدروس بعد أن اعتبر في تعريف النذر
كونه ناويا للتقرب: " وهل يشترط نية القربة للصيغة أو يكفي التقرب في الصيغة؟
الأقرب الثاني " وهو كالصريح فيما ذكرنا.
وفي كشف اللثام في شرح قول الفاضل في القواعد: " ويشترط في الصيغة نية
القربة " قال: " بالمنذور وإن كان النذر لجاج اتفاقا، وللأصل والنصوص، ويعطيها
قوله: لله، ولا حاجة إلى زيادة قوله: قربة إلى الله، للأصل وإطلاق النصوص
والفتاوى ".
وفيه أن نية القربة بالمنذور غير نية القربة بالنذر، على أن المنذور نية
قربته إنما هو وقت أدائه لا وقت الالتزام به، ولا يتم أيضا لو كان المنذور مباحا
متساوي الطرفين أو راجحا في الدنيا، وكان الذي دعاه إلى التفسير المزبور هو عدم
تصور نية القربة في النذر نفسه مع فرض عدم الأمر به على وجه يكون عبادة، بل
قد سمعت النهي (1) عن الايجاب لله.
وأغرب من ذلك دعوى الاجتزاء عن نية القربة المعتبرة في العبادات التي هي
امتثال الأمر المتعلق بقول: " لله علي " الذي هو إنشاء سبب الالتزام والوجوب،
نحو " لزيد علي هكذا وإن فعل كذا " إذ لا يخفى أنه أجنبي عن نية القربة، ودعوى
أنها لازمة له كما سمعته من الروضة واضحة الفساد، كوضوح فساد ما ذكره فيها
جوابا عن الشرطية، و (بالجملة) كلماتهم هنا لا تخلو من تشويش.
وتنقيح الحال أنه إن أرادوا اعتبار نية القربة في النذر على نحو اعتبارها
في العبادة - لأن النذر من العبادات كما يقضي به مضافا إلى ما هنا قولهم بعدم
صحه وقوعه من الكافر، لتعذر نية القربة منه - فلا ريب في عدم الاكتفاء عنها

(1) الوسائل الباب - 6 - من كتاب النذر والعهد.
371

بقوله: " لله علي " الذي هو جزء صيغة الالتزام، لعدم دلالته عليه بإحدى الدلالات
بل لا بد من نية القربة مقارنة للصيغة، ويبقى عليهم المطالبة بدليل كونه عبادة،
ضرورة توقفها على أمر يقتضيها، وليس، كما أنه لا دلالة في شئ مما ذكروه من
النصوص الكثيرة التي ادعوا دلالتها على ذلك، ضرورة أنه لا تفيد سوى اعتبار كون
النذر لله، أي لا لغيره، بمعنى أنه يجب في صيغته التي هي سبب الالتزام أن يقول:
" لله علي " بمعني عدم انعقاد النذر لو جعل الالتزام لغير الله من نبي مرسل أو ملك
مقرب، وهذا غير معنى نية التقرب.
وظني والله أعلم أن الاشتباه من هنا نشأ، وذلك لأنهم ظنوا أن هذه النصوص
والتي دلت على المعنى المزبور دالة على اعتبار نية القربة، ولا يخفى عليك أن
كون الفعل لله بمعنى امتثالا لأمره مباين لكونه له، بمعنى أنه يعتبر في التزام
النذر كون الصيغة الالتزام له لا بغيره ولا مدخلية له في نية القربة، كما هو
واضح.
وحينئذ فالمعتبر في النذر كونه لله بالمعنى الذي ذكرناه لا غيره، وهذا
يجامع نذر المباح وغيره، فإن فرض إرادتهم من نية القربة المعنى المزبور كما
هو ظاهر سيد المدارك في شرح النافع حيث قال: " ويشترط في صحة النذر قصد
الناذر إلى معنى قوله: " لله " وهو المعبر عنه بنية القربة، وإنما لم يذكره
المصنف صريحا، لأن الظاهر من حال المتلفظ بقول: " لله " أن يكون قاصدا إلى
معناه، حتى لو ادعى عدم القصد لم يقبل قوله فيه " إلى آخره، بل هو ظاهر
بعض ما سمعته من المسالك فمرحبا بالوفاق، إلا أنه لا وجه للقول بعدم صحته
من الكافر لتعذر نية القربة منه، ولا لقولهم: إن نية القربة يجزئ عنها قول:
" لله " ولا نحو ذلك مما لا يخفى عليك من كلماتهم، حتى قول المصنف وغيره تفريعا
على اعتبار نية القربة: * (فلو قصد منع نفسه بالنذر لا لله لم ينعقد) * مع أنك
قد عرفت نذر الزجر الذي معناه أن المكلف يوقعه لإرادة منع نفسه عن فعل باعتبار
عظم المنذور الذي يقتضي وقوع الفعل منه الالتزام به بسبب النذر.
372

نعم لو لم يرد بقول: " لله علي " معناه وإنما ذكر لفظه لغضب ونحوه ولم
يقصد إنشاء الالتزام بذلك لله لم ينعقد من هذه الجهة، بل لعل هذا الكلام منهم
مشعر بكون المراد من نية القربة التي ذكروها وفرعوا ذلك عليها هو المعنى
الذي ذكرناه، لا نية القربة المعتبرة في العبادات التي هي قصد امتثال الأمر.
بل لعل عبارة الدروس التي ذكرناها في نسختين كذلك أيضا، ضرورة أن
الأول الذي جعله غير أقرب هو نية القربة للصيغة على حسب نية العتق، بخلاف
الثاني الذي جعله أقرب، وهو التقرب في الصيغة بأن يقو ل: " لله علي " لا نية
قربة أخرى، وهو امتثال الأمر، فتأمل جيدا فإن المسألة دقيقة جدا، ولم أر
من حررها.
بقي الكلام في شئ آخر، وهو أنه يعتبر في الصيغة قول: " لله " بخصوصه
على وجه لا يجزئ غيره من أسمائه المختصة فضلا عن المشتركة المقصود بها ذاته
أو يجزئ كل واحد منها، قال في نهاية المرام في شرح قوله في النافع: " ويشترط
النطق بلفظ الجلالة، فلو قال: علي كذا لم يلزم ": " إن مقتضى عبارة المصنف
وأكثر الأصحاب أنه لا بد في انعقاد النذر من النطق بلفظ الجلالة، واكتفى الشهيد
في الدروس بأحد الأسماء الخاصة، وهو محل إشكال، وكذا الاشكال في انعقاد
النذر مع إبدال لفظ الجلالة بمرادفه من الألفاظ العربية " ونحوه في الكفاية.
ولعله لظهور النصوص (1) المزبورة في اعتبار قول " لله " خصوصا قوله في
صحيح الحلبي (2) السابق: " فإن قلت: لله فكفارة يمين " بل عن ظاهر الإنتصار اعتبار
خصوص هذه اللفظة مدعيا عليه إجماع الإمامية، إلا أنه لا يخفى أن سياق النصوص
أجمع إرادة خصوص ذاته المقدسة لا خصوص هذه اللفظة، ولذا أرسله الشهيد في الدروس

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 23 - من كتاب الكفارات الحديث 1 من كتاب الايلاء
والكفارات.
373

إرسال المسلمات من غير نقل خلاف ولا إشعار باحتمال، ومنه ومن سكوت غيره
يضعف الاعتماد على الاجماع المزبور.
بل المتجه بناء على ما ذكرنا في العقود والايقاعات عدا ما خرج منها
بالدليل الاجتزاء بكل ما دل على إنشاء الالتزام لله تعالى شأنه من غير فرق بين
الأسماء المختصة وغيرها، كما سمعته في اليمين، بل لا يبعد الاجتزاء بالمرادف
من كل لغة لمن لم يحسن العربية على نحو ما ذكرناه في العقد والايقاع، لفحوى
الاجتزاء بإشارة الأخرس في سائر العقود والايقاعات، بل ظاهر الرياض الانعقاد
بالمرادف اختيار أو نحو ذلك يجري في اليمين أيضا، خصوصا بعد اقتضاء الاحتياط
ذلك أيضا.
نعم لو لم يتلفظ أصلا بل اقتصر على قول " علي كذا " لم ينعقد النذر
وإن نوى معنى " لله " كما هو ظاهر الأكثر، للأصل ولقول الصادق عليه السلام في
خبر مسعدة بن صدقة (1): " إذا لم يجعل لله فليس بشئ " وخبر إسحاق بن
عمار (2) المتقدم في صلاة الركعتين شكرا وغيرهما من النصوص المعضدة بفتاوى
الأصحاب.
خلافا للمحكي عن ابن حمزة من أنه إن قال: " علي كذا إن كان كذا "
وجب الوفاء ولا كفارة، وإن قال: " علي كذا " استحب الوفاء، ففرق بين
المشروط وغيره، ولعله لصحيح منصور بن حازم (3) السابق على ما في نسخ الكافي
أو يقول: " لله علي هدى كذا " ولكنه كما ترى. بل في المختلف المحتمل
عدم الوجب في الجميع، لما تواتر من أن مناط الوجوب تعليق النذر بقوله: " لله "

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 6 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 راجع الكافي ج 7
ص 454 والتهذيب ج 8 ص 303 والموجود في الكافي الطبع الحديث " لله على ".
374

إلا أنه في كشف اللثام " لم أظفر بخبر واحد ينص عليه فضلا عن المتواتر، وما
تقدم من الخبرين (1) مع ضعفهما يحتملان الجعل لله بالنية وإن لم يتلفظ به ".
وفيه أن النصوص بين صريح وبين ظاهر في ذلك.
وفي قواعد الفاضل " لو قال: علي كذا ولم يقل: لله استحب له الوفاء "
ولعله لأنه طاعة أو حمل صحيح منصور بن حازم (2) على ما في الكافي عليه،
وفي كشف اللثام لخبر إسحاق بن عمار (3) عن أبي إبراهيم عليه السلام " قلت له:
رجل كانت عليه حجة الاسلام فأراد أن يحج فقيل له تزوج ثم حج، فقال: إن
تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر، فتزوج قبل أن يحج، فقال أعتق غلامه،
فقلت: لم يرد بعتقه وجه الله، فقال: إنه نذر في طاعة الله، والحج أحق من
التزويج، وأوجب عليه من التزويج، قلت: فإن الحج تطوع، قال: وإن كان
تطوعا فهي طاعة لله عز وجل، فقد أعتق غلامه " وفيه أنه مجرد عن قول: " علي "
مع الحكم فيه بحرية الغلام.
وفي النافع " روى إسحاق بن عمار (4) عن أبي إبراهيم عليه السلام في رجل
قال: إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر فبدأ بالنكاح تحرر الغلام وفيه إشكال
إلا أن يكون نذرا ".
وعلى كل حال فالأمر سهل من أن الحكم مستحب والفرض إن لم يكن نذرا
منعقدا فهو وعد أو شبه الوعد.

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 4 والباب - 6 -
منه الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 7 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 في الطبع
الحديث منه عن أبي عبد الله عليه السلام، إلا أن الموجود في الكافي ج 7 ص 455 والاستبصار
ج 4 ص 48 عن أبي إبراهيم عليه السلام.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
375

وفي خبر عمر من خالد (1) عن أبي جعفر عليه السلام " النذر نذران، فما كان
لله وفي به، وما كان لغير الله فكفارته كفارة يمين ".
وفي خبر صفوان الجمال (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قلت له: بأبي أنت
وأمي جعلت على نفسي شيئا إلى بيت الله الحرام فقال: كفر بيمينك، فإنما
جعلت على نفسك يمينا، وماج علته لله فف به ".
وأضعف من ذلك ما عن الشيخين والقاضي من الانعقاد بمجرد النية من دون
ذكر شئ أصلا، وستعرف ضعفه عند تعرض المصنف له.
* (و) * كيف كان ف‍ * (لا بد أن يكون الشرط في النذر) * المعلق * (سائغا إن قصد
الشكر) * بمعنى كونه مما يحسن الشكر عليه حتى يشكل ما كان من فعل الله تعالى،
كالعافية ونحوها الذي لا يوصف بكونه سائغا، فإنه خاص بفعل المكلف، والأمر
سهل بعد وضوح المطلوب.
وقد عرفت في نذر الشكر أنه يجوز كون الشرط واجبا أو مندوبا أو
مباحا راجحا في الدنيا أو متساوي الطرفين أو ترك محرم أو مكروه، لاطلاق
الأدلة وعمومها، كما أنك عرفت في نذر الزجر كونه فعل محرم أو مكروه أو ترك
واجب أو ترك مندوب أو ترك مباح راجح أو متساوي الطرفين.
وبالجملة فالمدار على ما يحسن في العرف النذر له شكرا أو زجرا سواء
تعلق به أو بغيره، حتى لو كان على فعل المعاصي من عدو الدين مثلا فيقول:
إن افتضح زيد مثلا بأن تجاهر بالزنا وشرب الخمر أو قتل زيد الكافر مثله
فلله علي صوم كذا مثلا، وليس اقتصار المصنف على الشكر لخصوصية فيه،
إذ لا فرق بين نذر الشكر والزجر والاستدفاع في اعتبار كون الشرط سائغا بالمعنى
المزبور الذي هو صلاحيته شرعا وعرفا للشكر أو للزجر، كما هو واضح، فلا يصح
نذر الزجر على المندوب أو ترك المكروه فضلا عن الواجب والمحرم.

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 6 - 3 من كتاب
الايلاء والكفارات والأول عن عمرو بن خالد كما في الاستبصار ج 4 ص 55.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
376

* (و) * لا بد أيضا أن يكون * (الجزاء) * في نذر المعلق أو مطلقا * (طاعة) * أي
عبادة من العبادات كما ستعرف تحقيق الحال فيه.
* (و) * على كل حال ف‍ * (لا ينعقد) * عندنا * (النذر بالطلاق ولا بالعتاق) *
كأن يقول: " زوجتي طالق إن فعلت كذا " أو " عبدي حر إن لم أفعل كذا "
بل الاجماع بقسميه عليه، بل النصوص متواترة (1) في عدم انعقاد مثل ذلك،
سواء قصده نذرا أو يمينا، فإنه لا التزام بالحلف بغير الله تعالى وبالنذر بغير الصيغة
المعهودة، والله العالم.
* (وأما متعلق النذر) * سواء كان معلقا أو تبرعا * (فضابطه أن يكون
طاعة مقدورا للناذر، فهو إذن مختص بالعبادات كالحج والصوم والصلاة والهدي
والصدقة والعتق) * ونحوها مما هو مأمور به واجبا أو مندوبا على وجه يكون
عبادة لصحيح منصور بن حازم (2) وموثق سماعة (3) السابقين وصحيح
أبي الصباح الكناني (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قال: علي نذر، قال
ليس النذر بشئ حتى يسمي لله شيئا صياما أو صدقة أو هديا أو حجا " وخبر
أبي بصير (5) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقول: علي نذر، قال ليس
بشئ حتى يسمي النذر، فيقول: علي صوم لله أو يتصدق أو يعتق أو يهدي هديا،
فإن قال الرجل: أنا أهدي من هذا الطعام فليس هذا بشئ إنما تهدى البدن " وغيرها
من النصوص الظاهرة أو المشعرة بذلك.
وحينئذ فلو نذر محرما أو مكروها لم ينعقد بلا خلاف نصا وفتوى، بل
الاجماع محصلا ومنقولا عن الإنتصار وغيره عليه، بل والمباح المتساوي طرفاه

(1) الوسائل الباب - 14 - من كتاب الأيمان.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 4.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 3.
377

أو كان راجحا في الدنيا، بل في الرياض أو الدين ناسبا له إلى إطلاق غير واحد
من الأصحاب، بل عن بعضهم نسبته إلى المشهور، بل عن ظاهر المختلف في مسألة
نذر صوم أول رمضان الاجماع، حيث قال بعد اختياره جوازه ردا على المبسوط
والحلي، للاجماع منا على أن النذر إنما ينعقد إذا كان طاعة.
خلافا للشهيد في الدروس، قال: " وفي تعلق النذر بالمباح شرطا أو جزاء
نظر، أقربه متابعة الأولى في الدين أو الدنيا، ومع التساوي رجح جانب النذر،
لرواية الحسن بن علي (1) عن أبي الحسن عليه السلام " في جارية حلف لها بيمين
فقال: لله علي أن لا أبيعها فقال: ف لله بنذرك " وفيه دقيقة ".
بل وللفاضل في القواعد قال: " الثالث - أي من أقسام متعلق النذر - المباحات
كالأكل والشرب، وفي لزومها بالنذر إشكال، نعم لو قصد التقوى بها على العبادة
أو منع النفس من أكل الحرام وجب ".
وربما يؤيده - مضافا إلى خبري (2) الجارية وإلى عموم الوفاء
بالنذر (3) - خبر يحيى بن أبي العلاء (4) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام " إن
امرأة نذرت أن تقتاد مزمومة بزمام في أنفها فوقع بعير فخرم أنفها فأتت عليا عليه السلام
تخاصم فأبطله فقال: إنما نذرت لله ".
إلا أنها جميعا قاصرة عن معارضة النصوص (5) المزبورة المعتضدة بما سمعت

(1) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 11 وهو نقل بالمعنى.
(2) الوسائل الباب 18 - من كتاب الأيمان الحديث 5 والباب - 17 - من كتاب
النذر والعهد الحديث 11.
(3) سورة الحج: 22 - الآية 29 وسورة الانسان: 76 - الآية 7 والوسائل
الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الايلاء والكفارات.
(4) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 8.
(5) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 و 3 والباب - 17 -
منه الحديث 4.
378

من الشهرة والاجماع المحكي وبالمروي عن ابن عباس (1) قال: " بينما
النبي صلى الله عليه وآله يخطب إذا هو برجل قائما في الشمس فسأل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيل
نذر أن يقوم فلا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، قال: مروه فليتكلم وليستظل
وليقعد وليتم صومه ".
بل وبصحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال: " في رجل حلف
بيمين أنه لا يكلم ذا قرابة له، قال: ليس بشئ فليكلم الذي حلف عليه، وقال:
كل يمن لا يراد بها وجه الله فليس بشئ في طلاق أو غيره " بناء على إرادة النذر
من اليمين وأن المراد من قوله: " لا يراد بها " إلى آخره أن المنذور يعتبر فيه أن
يكون مما يراد به وجه الله تعالى.
بل وبما يشعر به صحيح الكناني (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " ليس من
شئ هو لله طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به، وليس من رجل
جعل لله عليه شيئا في معصيته تعالى إلا أنه ينبغي له أن يتركه إلى طاعة الله "
بناء على أن المراد مما في صدره التحديد على وجه تكون جميع قيوده معتبرة،
بل وبما يستفاد من ملاحظة جميع النصوص من كون النذر مفيدا للالتزام بما هو
ثابت لله على العبد قبل النذر والنذر ملزم به، ومن هنا كان المنذور جزاء للشكر،
بل لعله لا يتصور كون المباح لله عليه، فإن النذر لا يجعل ما ليس لله له.
وبغير ذلك مما يظهر للمتأمل في النصوص التي لا يعارضها خبر يحيى (4)
السابق الظاهر في كون ذلك راجحا لأن " أفضل الأعمال أحمزها " (5) فهو

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 75
(2) ذكر صدره في الوسائل الباب - 11 - من كتاب الأيمان الحديث 12 وذيله
في الباب - 14 - منه الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 6 - 8.
(4) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 6 - 8.
(5) نقله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله كما في نهاية ابن الأثير في مادة:
" حمز ".
379

كالحج ماشيا، بل ولا خبر الجارية (1) بعد احتمالهما الاختصاص بصورة رجحان
البيع على وجه يكون مما يتقرب به إلى الله، وترك الاستفصال وإن كان يأباه إلا
أنه لا يوجب الصراحة، بل غايته الظهور في العموم، وهو يقبل التخصيص بتلك
الصورة، جمعا بينهما وبين تلك النصوص الراجحة عليهما من وجوه التي لا وجه
لطرحها في مقابلتهما، سيما بعد قابليتهما للتأويل بما يرجع إليها دونها، مضافا
إلى تضمنها الأمر بالوفاء بعدم البيع مع رجحانه للحاجة، وهو مناف لما ذكره
جماعة من جواز المخالفة في هذا الصورة، بل عن بعض نفي الخلاف فيه، وعن آخر
دعوى الاجماع عليه.
وفي خبر زرارة (2) " قلت لأبي عبد الله: أي شئ لا نذر فيه فقال: كل
ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه " معتضدا بما سمعته في اليمين
بناء على قاعدة الشركة معه في أحكامه وإن كان قد عرفت ما فيها. وعلى كل حال
فلا ريب في ضعف القول المزبور.
وأضعف منه ما في اللمعة من التفصيل بين المعلق وغيره، فيعتبر الطاعة في
الأول، ويكفي في الثاني المباح الراجح وإن نسبه في الروضة إلى المشهور،
ولكن لم نتحققه، بل المتحقق خلافه، ولعله للجمع بين خبري (3) الجارية
والنصوص (4) المزبورة بالاقتصار على ما فيهما من نذر التبرع، إلا أن فيه عدم
معلومية كون عدم البيع راجحا في الدنيا، بل ظاهرهما العكس. ومن هنا قيل
بالتفصيل المزبور مع الاطلاق في المباح وإن كنا لم نعرف قائله، وهو مناف لما

(1) الوسائل الباب 18 - من كتاب الأيمان الحديث 5 والباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 11.
(2) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 18 - من كتاب الأيمان الحديث 5 والباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 11.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 و 3 والباب - 17 -
منه الحديث 4.
380

قلناه من ظهور الخبرين في غير ذلك، فالأقوى حينئذ الأول، بل إن لم يكن
إجماع كما عساه يظهر من نفي الاشكال عنه في كشف اللثام أمكن الاشكال في انعقاد
النذر على المباح المقترن بما يقتضي رجحانه في الدين، كالأكل للتقوى للعبادة
مثلا، لظهور النصوص المزبورة والفتاوى في العبادات الأصلية، فتأمل جيدا.
هذا وربما أشكل بعضهم بناء على عدم انعقاد النذر على المباح ما لو نذر
الصدقة بمال مخصوص، فإنه يتعين اتفاقا، وكذا في مكان مخصوص، ففي خبر علي
ابن مهزيار (1) " قلت لأبي الحسن عليه السلام: رجل جعل على نفسه نذرا إن قضى
الله عز وجل حاجته أن يتصدق في مسجده بألف درهم نذرا، فقضى الله عز وجل
حاجته فصير الدارهم ذهبا ووجهها إليك أيجوز ذلك أم يعيد؟ قال: يعيد " وسيأتي
تمام الكلام فيه عند تعرض المصنف لمضمونه.
والغرض الآن أن المستحق هو الصدقة المطلقة أما خصوصية المال فمباحة،
فكما لا ينعقد لو خلصت الإباحة فكذا إذا تضمنها النذر، ويقوي الاشكال حكم
كثير من الفقهاء بجواز الصلاة المنذورة في مسجد معين فيما هو أزيد مزية
منه، كالحرام والأقصى، مع أن الصلاة في المسجد سنة وطاعة فإذا جازت مخالفتها
لطلب الأفضل ورد مثله في الصدقة بالمال المعين، وأجيب عنه بأن الصدقة المطلقة وإن
كانت راجحة إلا أن المنذور ليس هو المطلق، إنما هو الصدقة المخصوصة بالمال
المعين وهو أيضا أمر راجح متشخص بالمال المخصوص، والطاعة المنذورة إنما تعلقت
بالصدقة بذلك المال لا مطلقا فكيف يجزئ المطلق عنه، ولأن الطاعة المطلقة
ولا وجود لها إلا في ضمن المعين من المال والزمان والمكان والفاعل وغيرها من
المشخصات، فإذا تعلق النذر بهذا الشخص انحصرت الطاعة فيه كما تنحصر عند فعلها
في متعلقاتها، فلا يجزئ غيرها.
وبهذا يظهر ضعف القول بعدم تعين المكان المنذور للعبادة إن كان غيره أرجح،
منه لأن ذلك الراجح لم يتعلق به النذر، كما أنه لو تعلق بعبادة مخصوصة

(1) الوسائل الباب - 9 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
381

لا يجرئ غيرها مما هو أفضل منها، ولأن فتح هذا الباب يؤدي إلى عدم تعين شئ
بالنذر، حتى صوم يوم معين، والحج في سنة معينة، وغير ذلك. فإن الصوم والحج
في أنفسهما طاعة، وتخصيصهما بيوم أو سنة مخصوصين من قبيل المباح، وذلك
باطل اتفاقا، نعم الظاهر عدم انعقاد النذر على ترك الأفضل من الأفراد، لما عرفت
من قوله عليه السلام (1) " كلما كان لك فيه منفعة دينا أو دنيا فلا حنث فيه " وهو
غير انعقاد النذر على الفرد المرجوح، فتأمل جيدا.
ثم إنه لا خلاف في اعتبار القدرة على المنذور، فلا ينعقد على غير المقدور
عقلا كجمع النقيضين، أو عادة كالصعود إلى السماء، أما لو نذر حج ألف عام أو
صوم ألف سنة ففي القواعد " احتمل البطلان، لتعذره عادة، والصحة لامكان بقائه
بالنظر إلى قدرة الله تعالى ووجوب المنذور مدة عمره " وفي كشف اللثام " أحد
الأخيرين هو الأقوى " وفيه أن مبني الأخير على أن ذكر الألف للمبالغة، وهو
خلاف ظاهر العبارة، كما أن مبني سابقه على الامكان العقلي، وحينئذ فيجب
عليه ما قدر عليه، كما أنه إذا نذر صوم الدهر وجب عليه ما قدر عليه.
وفيه أن المنصرف من نذر صوم الدهر دهر الناذر بخلاف الألف سنة،
وحينئذ فالأول وهو البطلان أقوى، إلا إذا قلنا بأن المنذور عبادات متعددة
فيجب الممكن منها دون غيره، ولذا صرح في كشف اللثام بأن مبني البطلان على كون
المنذور عبادة واحدة، وهو ممنوع، وفيه أن الظاهر ذلك، كما سمعت مثله في
اليمين.
ولو نذر مقدورا ثم تجدد العجز ففي الدروس انفسخ، فإن عادت القدرة
عاد، قيل: ويكفر لو عجز بعد وقته والتمكن من فعله، وهو حق إن كان مضيقا
أو غلب على ظنه العجز بعده وإلا فلا كفارة. وكيف كان فالكلام في تفصيل متعلق
النذر من العبادات.

(1) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
382

* (أما الحج فنقول:) * لا خلاف ولا إشكال في لزوم الحج والعمرة بالنذر،
لأنهما من أكبر الطاعات و * (ولو نذر أن يحج ماشيا لزم) * (1) إن قلنا بأفضلية
الركوب منه ولو على بعض الوجوه، لأن ذلك لا يخرجه عن رجحانه الكافي في
انعقاد النذر، ومن هنا جزم المصنف بلزومه، مع أن مختاره في الحج كون المشي
أفضل لم يضعفه المشي عن العبادة وإلا فالركوب أفضل، ضرورة عدم اعتبار
كونه أفضل الأفراد في انعقاد النذر، بل يكفي رجحانه وإن كان غيره أفضل منه،
كما تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب الحج (2).
* (و) * كذا تقدم هناك (3) البحث في أنه * (يتعين) * مع الاطلاق
* (من بلد النذر) * أو الناذر عند المصنف وغيره * (وقيل من الميقات) * وهو
الأصح مع التجرد عن القرائن، لأن قوله: " ماشيا " حال من الحج، والعامل فيه
" أحج " فكان وصفا فيه.
والحج اسم لمجموع المناسك المخصوصة لأن ذلك هو المفهوم شرعا، فلا
يجب الوصف إلا حالة الحج والاشتغال بأفعاله، لأن ذلك هو مقتضي الوصف، كما
إذا قلت: " ضربت زيدا راكبا " خلافا لما سمعته من المصنف وثاني الشهيدين،
فيجب المشي في طريقه، لأنه المفهوم عرفا من مثله، بل هو الأنسب للمعنى
اللغوي الذي هو القصد، وفيه أنه لا بحث مع القرائن الحالية أو المقالية الدالة
على ذلك، إنما الكلام مع عدمها، ولا ريب في أن حقيقته ما ذكرنا، ولا عرف
يعارضه، مثل نذر زيارة الحسين عليه السلام ماشيا، كما هو واضح. وعليه فهل المعتبر
بلد النذر كما في المتن أو الناذر؟ وجهان كما في المسالك، وقيل يعتبر أقرب
البلدين إلى الميقات، وفي المسالك هو حسن إن لم يدل العرف على خلافه، ولعله
لكون المراد حينئذ المشي في الجملة إلى الحج، وهو يصدق بذلك.

(1) وفي الشرائع " لو نذره ماشيا لزم ".
(2) راجع ج 17 ص 349 - 350.
(3) راجع ج 17 ص 350.
383

وقد قدمنا (1) أيضا أن آخر الحج رمي الجمار أجمع وإن وقع بعد
التحلل، لا طواف النساء كما عن المشهور، لأن الحج اسم لمجموع المناسك التي
رمي الجمار منها، ولصحيح إسماعيل بن همام (2) عن الصادق عليه السلام قال " في الذي
عليه الحج والمشي في الحج: إذ رمي الجمار زار البيت راكبا، وليس عليه شئ "
فلاحظ وتأمل.
وكذا تقدم الكلام أيضا (3) في وجوب القضاء عليه لوفاته الحج ماشيا،
لكن من المعلوم أن من فاته الحج يحتاج إلى لقاء البيت لتحلل بأعمال العمرة،
فهل يلزمه المشي في تلك الأعمال؟ الأظهر لا، لأنه خرج بالفوات عن كونه
حج المنذور، ولذا وجب قضاؤه، فلا يجب فيه عليه المشي، وربما احتمال الوجوب،
لوجوب إتمام الحج على نحو ما وقع الشروع فيه، وفيه منع واضح.
ومن ذلك يعلم عدم وجوب المشي لو فسد الحج المنذور ماشيا وإن احتمل في
المسالك أيضا، والله العالم.
* (ولو حج راكبا مع القدرة أعاد) * بلا خلاف ولا إشكال مع عدم تعيين
النذر في سنة معينة مثلا لعدم خروجه عن عهدة التكليف بوفاء النذر مع القدرة
عليه.
أما مع التعيين فمقتضى إطلاق المصنف وغيره ذلك أيضا للاخلال بالمنذور
في وقته، وهو عبادة تقضي بأصل الشرع، أي تتدارك حيث لا تقع الأولى على
وجهها، كذا مع وجوبها بالعارض مع اشتراكهما في معنى الوجوب، بل تجب
الكفارة للاخلال المزبور، ولأن أصل الحج وقع عنه إلا أنه بقي المشي واجبا
عليه، ولا يمكن تداركه منفردا، فألزم بحجة أخرى ليتدارك فيها المشي، إذ

(1) راجع ج 17 ص 350.
(2) الوسائل الباب - 35 - من أبواب وجوب الحج الحديث 3 من كتاب الحج.
(3) راجع ج 17 ص 351 و 352.
384

لا يشرع المشي عبادة برأسها، إلا أن الجميع كما ترى.
والأولى الاستناد إلى عموم " من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته " (1)
بناء على شمولها للفرض، سواء قلنا بصحة حجه راكبا أم لا، لأنه على كل حال
فاته الحج عن النذر، وصحة الحج في نفسه لا يجدي في وفاء النذر، وإن كان فيه
أيضا أنه منصرف إلى غيره من الموقت بأصل الشرع بخلاف النذر الذي مقتضى
المخالفة فيه الانحلال المقتضي لعدم القضاء كاليمين وترتب الكفارة، وإلحاق الموقت
بالنذر بالموقت بأصل الشرع قياس بل ومع الفارق، ضرورة كون المراد بالموقت
بالنذر دخول الوقت في المنذور على وجه الجزئية بمعنى كون المنذور حج هذه
السنة لا الحج فيها، وفرق واضح بينهما لعدم تصور قضاء الأولى وتداركه، لفواته
بفوات السنة، بخلاف الثاني الذي هو ظرف للفعل، فإنه يمكن قضاؤه بعموم
" من فاتته " إلا أنه قد يقال بعدمه في خصوص النذر من حيث ظهور الأدلة بانحلاله
بالمخالفة، وهو مقتض لعدم الخطاب حينئذ ولو قضاء، هذا كله في القضاء.
أما الكلام في صحة ما وقع منه من الحج في نفسه فقد تقدم تحقيقه في
الحج (2) وفي نذر الموالاة في الوضوء (3) فلاحظ وتأمل.
* (ولو ركب بعضا) * مع القدرة على المشي فهو كما ركب الجميع في
الاخلال إلا أن جماعة من الأصحاب منهم الشيخان على ما حكي قالوا هنا لو فعل
ذلك * (قضى الحج ومشى ما ركب) * ليجتمع من الحجتين حجة ملفقة ماشيا.
* (وقيل) * والقائل المتأخرون * (إن كان النذر مطلقا أعاد ماشيا، وإن
كان معينا بسنة لزمه كفارة خلف النذر) * ولا إعادة، لنحو ما سمعته سابقا، بل

(1) لم نعثر على هذا النص في الأخبار مع التتبع في مظانها من كتب الخاصة
والعامة، والظاهر أنه مأخوذ من صحيحة زرارة المروية في الوسائل في الباب - 6 - من
أبواب قضاء الصلوات الحديث 1 من كتاب الصلاة.
(2) راجع ج 17 ص 352.
(3) راجع ج 2 ص 263 - 266.
385

لعل مراد المصنف حكاية القول المزبور في أصل المسألة لا خصوص راكب البعض.
* (و) * على كل حال فالقول * (الأول مروي) * وقد تقدم تحقيق الحال فيه في
كتاب الحج (1).
* (ولو عجز الناذر عن المشي حج راكبا، وهل يجب عليه سياق بدنة؟
قيل: نعم، وقيل: لا يجب، بل يستحب وهو الأشبه) * بأصول المذهب كما
أشبعنا الكلام فيه في كتاب الحج (2) فلاحظ.
* (ويحنث لو نذر أن يحج راكبا فمشي) * وإن قلنا إن المشي أفضل منه،
لما عرفت من كون المدار رجحان المنذور، لا أنه أرجح من جميع ما عداه، ولا
ريب في رجحان الحج راكبا في نفسه، لأنه أحد أفراد الطبيعة الراجحة، فما في
القواعد - من عدم الانعقاد لو قلنا بكون المشي أفضل لأنه حينئذ مرجوح -
واضح الضعف، وأضعف من ذلك دعوى انعقاد أصل الحج دون الركوب مع أن
الناذر قصد المقيد دون المطلق، والتحقيق ما عرفت.
* (ويقف ناذر المشي في السفينة) * عند الشيخ وجماعة * (لأنه أقرب إلى
شبه الماشي) * ولخبر السكوني (3) * (والوجه الاستحباب، لأن المشي يسقط
هنا عادة) * كما تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب الحج (4) فلاحظ وتأمل.
كما تقدم أيضا في كتاب الحج * (و) * في المقام أنه * (يسقط المشي عن ناذره
بعد طواف النساء) * عند جماعة، بل قيل إنه المشهور، والتحقيق بعد رمي الجمار،
كما سمعت والله العالم.

(1) راجع ج 17 ص 351 - 353.
(2) راجع ج 17 ص 353 - 355.
(3) الوسائل الباب - 37 - من وجوب الحج الحديث 1 من كتاب الحج.
(4) راجع ج 17 ص 351.
386

* (فروع:) *
* (لو نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام انصرف إلى بيت الله سبحانه بمكة) *
بلا خلاف ولا إشكال، لعدم وصف غيره بالحرام، * (وكذا لو قال: " إلى بيت
الله "، واقتصر) * لأنه المتبادر من نحوه " فلان زار بيت الله " و " قاصد إلى بيت
الله " فهو إن لم يكن علما بالغلبة فلا ريب في أنه المنساق عند الاطلاق.
* (و) * مع ذلك * (فيه قول) * للشيخ في محكي الخلاف * (بالبطلان إلا
أن ينوي الحرام) * لاشتراك جميع المساجد في ذلك، وفيه منع الاشتراك في ذلك
عند الاطلاق، بل قد يدعى انصراف إطلاق اسم البيت إليه، ومع التسليم فالواجب
الاتيان لأي مسجد، كما لو نذر أن يأتي مسجدا لا البطلان، إلا أن يريد معينا
ينصرف إليه الاطلاق، والفرض عدمه.
وعلى كل حال فحيث يجب عليه الاتيان إلى المسجد الحرام وجب عليه
عند الوصول إلى الميقات الحج والعمرة، كما في كل داخل عدا ما استثنى، فإن كان
أحدهم لم يجب عليه أحدهما، بل لا يجب عليه صلاة ركعتين في المسجد على الأصح
لعدم دخولهما في مفهوم الاتيان المفروض انعقاد نذره، لأنه مستحب في نفسه،
بل في المسالك قصد المسجد في نفسه عبادة، لقوله عليه السلام: (1) " من مشى إلى
مسجد لم يضع رجله على رطب ولا يابس إلا سبحت إلى الأرضين السابعة " وغيره
من الأخبار (2)، والله العالم:
* (ولو قال:) * لله علي * (أن أمشي إلى بيت الله) * الحرام * (لا حاجا ولا
معتمرا قيل: ينعقد ب‍) * اعتبار اقتضاء * (صدر الكلام) * أحدهما * (و) * حينئذ ف‍ * (تلغو
الضميمة) * التي هي " لا حاجا ولا معتمرا " ولا تفيد رجوعا عن الأول بعد تمام
النذر.

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 0 من كتاب الصلاة.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 0 من كتاب الصلاة.
387

* (وقال الشيخ) * في المبسوط: * (يسقط النذر) * لكونه نذرا في معصية،
ضرورة عدم جواز الاتيان إلى البيت بغير أحد النسكين. * (وفيه إشكال ينشأ من
كون قصد بيت الله طاعة) * في نفسه وإن لم ينضم إليه أحد النسكين، فيكون
نذره منعقدا ووجوب أحدهما أمر خارج من النذر، وإنما يجب بعد الميقات،
فلا ينافي تركهما صحة النذر، غايته أن يعصي بتركهما من حيث مجاوزته الميقات
بغير إحرام لا من حيث النذر.
وفيه أن المنذور هو لقاء البيت مقيدا بكونه غير محرم بأحدهما، وذلك
معصية محضة، فلا ينعقد، وكون وجوب الاحرام طارئا على النذر إنما ينفع لو
لم يقيد النذر بصفة محرمة أما معه فلا، لأنه بدونها غير مقصود وبها غير مشروع،
فالقول بعدم انعقاد النذر أقوى، نعم لو قصد بقوله: " لا حاجا ولا معتمرا " أن
أحدهما غير منذور، وإنما المنذور المشي إلى بيت الله تعالى من غير أن ينفي فعل
أحدهما بغير النذر اتجه ما ذكره وانعقد النذر، ووجب عليه أحدهما عند البلوغ
الميقات لا من حيث النذر، بل من تحريم مجاوزة الميقات بغير إحرام بأحدهما
مع وجوب مجاوزته للقاء البيت، هذا كله في غير من يجوز له دخول البيت غير
محرم، وإلا فلا شبهة في انعقاد النذر لعدم المعصية به حينئذ، والله العالم.
* (ولو قال:) * " لله علي * (أن أمشي " واقتصر فإن قصد موضعا انصرف
إلى) * ما * (قصده) * وانعقد النذر عليه إذا كان طاعة، كالمشي إلى مسجد ونحوه
أو عيادة مريض أو نحوهما * (وإن لم يقصد) * موضعا معينا * (لم ينعقد نذره،
لأن المشي) * من حيث كونه مشيا * (ليس طاعة في نفسه) * وإنما يصير عبادة إذا
كان وسيلة ومقدمة إلى طاعة لا مطلقا.
* (ولو نذر إن رزق ولدا يحج به أو يحج عنه) * انعقد نذره بلا خلاف، بل
الاجماع بقسميه عليه، لعموم الأدلة.
ولو نذر كذلك * (ثم مات) * الوالد * (حج بالولد أو عنه من صلب ماله) * كما
388

عن النافع والقواعد والتحرير والإرشاد وغيرها، بل لا أجد فيه خلافا كما أعترف
به السيد فيما تسمعه من نهاية المرام.
وعلى كل حال فالأصل في ذلك حسن مسمع بن عبد الملك (1) " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: كانت لي جارية حبلي فنذرت لله عز وجل إن ولدت غلاما
أن أحجه أو أحج عنه، فقال: إن رجلا نذر لله عز وجل في ابن له إن هو أدرك
أن يحجه أو يحج عنه فمات الأب وأدرك الغلام بعد، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك
الغلام فسأله عن ذلك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يحج عنه بما ترك أبوه ".
إلا أنه قد يشكل بما في الرياض من " أن مفروض المسألة حصول الشرط
المعلق عليه النذر الموجب لاخراجه من أصل التركة أو مطلقا كما في ظاهر إطلاق
العبارة المحكي في شرح الكتاب للسيد عن أكثر الجماعة، أو بشرط تمكن الناذر
من فعل المنذور في حياته، كما صرح به جده في المسالك، والحال أن ما في الرواية
عدم حصول الشرط الذي هو الادراك إلا بعد الوفاة، ومعه لم تشتغل ذمة الناذر
بالمنذور أصلا، فلا وجه لاخراجه من تركته أصلا، لأنه فرع تعلقه بذمته حال
حياته ليصير دينا عليه يجب إخراجه منها أولا، اللهم إلا أن يكون تعبدا
محضا، لكنه فرع وجود القائل به، وليس، لاتفاق الفتاوى على تصوير المسألة بنحو
ما فرضناه، ولذا استدل عليها بما أسلفنا أولا، ومع ذلك فيه إشكالات أخر،
لكن يسهل الذب عنها بنوع من التوجيهات، فإذا الدليل على الحكم إنما هو
ما قدمناه أولا، مضافا إلى عدم الخلاف فيه الظاهر والمصرح به أولا لكن مقتضاه
كمقتضى القاعدة الأصولية اختصاص الحكم بصورة تمكن الناذر من المنذور في حال
الحياة كما في المسالك، لا مطلقا كما عن أكثر الأصحاب ".
قلت: لكن فيه أن الشهيد نفسه اعترف في المسالك بأن الأصل في هذا
الحكم الحسن المزبور، وقال سبطه في نهاية المرام: " هذه الرواية معتبرة الاسناد،
لأن طريقها إلى مسمع صحيح وسيد المسامعة وأنه روى عن أبي جعفر عليه السلام

(1) الوسائل الباب - 16 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
389

روايات كثيرة وقال النجاشي: إنه كان شيخ بكر بن وائل بالبصرة، ووجهها
وسيد المسامعة، وأنه روى عن أبي جعفر عليه السلام روايات كثيرة، وروى عن أبي عبد الله
عليه السلام وأكثر واختص به، وقال أبو عبد الله عليه السلام: (1) " إني لأعدك لأمر
عظيم يا أبا سيار " وهذا المدح لا يقصر عن التوثيق، فلا يبعد العمل بروايته،
خصوصا مع تلقي الأصحاب لها بالقبول واشتهار مضمونها بينهم، بحيث لا يتحقق
فيه خلاف ".
وهذا كله يدل على أن العمل بمضمون الرواية وإن خالف القواعد، بل
تعبير الأصحاب بمضمونها كالصريح في ذلك، ولو كان مفروض المسألة كما ذكره
من الموت بعد التمكن لم يحتج إلى هذه المتعبة العظيمة، إذ الحكم حينئذ يكون
موافقا للقواعد، ولا كان ينبغي تعبير الأصحاب عن الحكم بما سمعت الذي لا ينكر
ظهور إطلاقه في خلاف ذلك، بل وفي عدم اعتبار حصول الولد في حياته، بل وصريح
الرواية في خلافه، لأن الإمام عليه السلام قد اقتصر في جواب السائل على ما حكاه من
الواقعة في زمن النبي صلى الله عليه وآله، وصريحها حصول الادراك بعد الموت، فمع فرض
العمل بالرواية المزبورة يتجه الحكم بذلك وإن مات الأب قبل حصول الشرط،
وهو الذي يقتضيه إطلاق ما سمعته من الأصحاب.
وما أدري من أين أخذ السيد في الرياض تبعا للسيد في نهاية المرام ما حكاه
من الأكثر من اختصاص الحكم بالموت بعد حصول الشرط؟ وقد سمعت عبائر
الأصحاب التي هي كعبارة المتن.
نعم قال في الدروس: " لو نذر الحج بولد منه أو عنه لزم، فإن مات الناذر
استؤجر عنه من الأصل، ولو مات الولد قبل التمكن فالأقرب السقوط، ولو
مات بعده وجب القضاء، والظاهر مراعاة التمكن في وجوب القضاء على الناذر ".
ولكنه كما ترى لم يفرض عنوان المسألة كموضوع الرواية، لعلنا نوافقه،

(1) رجال النجاشي ص 329 ط إيران.
390

إذ الظاهر بناء على العمل بالرواية الاقتصار على مضمونها الذي هو رزق الولد
وإدراك الغلام، ولا يتعدى منهما إلى غيرهما، ومن هنا عبر الأصحاب بذلك،
ولم يجعلوا العنوان أمرا كليا شاملا له ولغيره، وبذلك ظهر لك النظر فيما في
الرياض والمسالك وغيرهما.
وعلى كل حال فمقتضى الصيغة المزبورة تخير الناذر بين الحج بالولد وبين
الاستنابة عنه، فإن اختار الثاني نوى النائب الحج عن الولد عملا بمقتضى النذر
وإن كان الولد صغيرا، وإن أحج الولد نوى الولد عن نفسه إن كان مميزا، وإلا
حج على نحو الحج بغيره من الأطفال الذي مر في كتاب الحج كيفيته (1).
ولو أخر الأب الفعل إلى أن بلغ الولد فإن اختار الحج عنه لم يجزه
عن جحة الاسلام، وإن أحجه أجزأه، لأن ذلك بمنزلة الاستطاعة بالبذل المنذور.
ولو مات الأب أخرج ذلك من تركته على حسب ما عرفت من اعتبار حصول
شرط النذر أو مع التمكن من المنذور أو مطلقا على المختار، ولكن تخير الوصي
بين الأمرين كالأب، ولو اختلف الأجرة اقتصر على أقلهما كما في الكفارة المخيرة
إن لم يتبرع الوارث بالأزيد، ولا ينافي ذلك ما يظهر من الخبر المفروض فيه
أمر الوالد بالحج عنه بما ترك أبوه المحتمل أنه الفرد المعتبر إخراجه أو انحصار
الإرث في الابن ورضاه أو غير ذلك.
ولو فرض اختيار الولد الحج عن نفسه بالمال صح أيضا وأجزأه على تقدير
استطاعته عن فرضه، لأن متعلق النذر حجه بالمال عن نفسه، وذلك لا ينافي كونه
حجة الاسلام.
ولو مات الولد قبل أن يفعل أحد الأمرين بقي الفرد الآخر وهو الحج عنه، سواء
كان موته قبل تمكنه من الحج بنفسه أم لا، لأن النذر ليس منحصرا في حجه
حتى يعتبر تمكنه في وجوبه، وفي المسالك " نعم لو كان موته قبل تمكن الأب
من أحد الأمرين احتمل السقوط، لفوات متعلق النذر قبل التمكن منه، لأنه

(1) راجع ج 17 ص 236 و 237.
391

أحد الأمرين، والباقي منهما غير أحدهما الكلي، وهو خيرة الشهيد في الدروس،
ولو قيل بوجوب الحج عنه كان قويا، لأن الحج متعلق النذر أيضا وهو ممكن،
ونمنع اشتراط القدرة على جميع الأفراد المخير بينها في وجوب أحدها كما
ولو نذر الصدقة بدرهم، فإن متعلقه أمر كلي وهو مخير بالصدقة بأي درهم اتفق
من ماله، ولو فرض ذهابه إلا درهما واحدا وجب الصدقة به ".
وفيه أن الفرق واضح بين ما ذكره من المثال وبين ما سمعته من الدروس،
ضرورة انعدام متعلق النذر الذي هو التخيير قبل حصول سبب انعقاده وهو التمكن،
فلا يجدي التمكن بعد ذلك من خصوص الفرد الآخر الذي هو غير المنذور، بخلاف
ما ذكره من المثال الذي هو تخيير عقلي لا منذور، بخلاف تعذر أحد الفردين
بعد انعقاد النذر، فتأمل، والله العالم.
* (ولو نذر أن يحج ولم يكن له مال فحج عن غيره أجزأ عنهما) * كما عن
النهاية، للصدق وصحيح رفاعة (1) سأل الصادق عليه السلام " عن رجل حج عن غيره
ولم يكن له مال وعليه نذر أن يحج ماشيا أيجزئ عنه من نذره؟ قال: نعم "
ولكن * (على تردد) * من ذلك ومن أنه أوجب على نفسه الحج كحج الاسلام
الذي لا يجزئ عنه الحج عن غيره، ولأن الأصل عدم تداخل الأسباب.
وربما حمل الخبر على الحج عن غيره تبرعا وفيه أن ذلك أيضا لا يجوز
معه التداخل، ولا يناسب اعتبار عدم المال عنده، كما أنه حمل على العجز، وحينئذ
وإن لم يجب عليه المنذور ولكن لا بعد في أن يثاب ثوابه، وهو كما ترى. وبقاء
الخبر على ظاهره أولى من هذه التمحلات.
نعم لا إشكال في الاجزاء إذا نوى حين النذر العموم للحج عن نفسه وغيره،
وربما حمل الخبر عليه، وهو وإن كان بعيدا إلا أنه لا بأس به، مع عدم العمل
به، لموهونيته بالاعراض عنه إلا من نادر، إذ هو خير من طرحه حينئذ، والله
العالم.

(1) الوسائل الباب - 21 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
392

* (مسائل الصوم) *
* (ولو نذر صوم أيام معدودة) * كالثلاثة والعشرة * (كان مخيرا بين التتابع
والتفريق إلا مع شرط التتابع) * بلا خلاف أجده هنا بيننا، للصدق على التقديرين
وإن كان قد تقدم بعض الكلام في ذلك في كتاب الصوم (1) نعم عن بعض العامة
التنزيل على التتابع.
كما أنه لا أجد خلافا بيننا أيضا في لزوم التتابع مع شرطه في النذر معللين
له بأنه وصف راجح في الصوم، فيلزم نذره، وظاهرهم المفروغية من ذلك، بل في
المسالك أنه لا شبهة فيه، ولولا أن الأمر مستحب يتسامح فيه ويكتفى فيه بأدنى
من ذلك لأمكن إشكاله بعدم دليل على وجه بحيث يحصل رجحان التتابع فيه
من حيث إنه كذلك، اللهم إلا أن يستفاد من المحكي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان
يصوم حتى يقال: إنه ما يفطر ويفطر حتى يقال: إنه ما يصوم (2) ونحو ذلك
والأمر سهل.
إنما الكلام فيما يفهم من العبارة في تخصيص التتابع باللزوم وعدم انعقاد
نذر التفريق، فيبقى حينئذ على التخيير، ووجه بأنه ليس وصفا مقصودا لنفسه،
فلا ينعقد نذره بخلاف التتابع، وهو مناف لما ذكرناه من انعقاد مثله، لعموم
الأمر بالوفاء (3) ولأن المنذور حقيقة هو صوم المتفرق لا نفس التفريق، ولا
شبهة في أنه عبادة راجحة، فينعقد نذره وإن كان غيره أفضل.

(1) راجع ج 17 ص 82 و 83.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5.
(3) سورة الحج: 22 - الآية 29. وسورة الانسان: 76 - الآية 7 والوسائل
الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الايلاء والكفارات.
393

على أن التفريق مراعي شرعا على بعض الوجوه، خصوصا إذا فرض كونه
أشق من التتابع، وليس هو من الأمور الملغاة في نظر الشارع. وحينئذ فلو خالف
وصام العشرة مثلا متتابعا احتسب له خمسة منها في وفاء النذر.
* (و) * على كل حال فلا خلاف ولا إشكال في أن * (المبادرة فيها) * أي
الأيام المنذورة على الاطلاق * (أفضل) * للأمر بالمسارعة (1) وللخروج عن
خلاف القائل بوجوب الفورية فيه * (و) * إن كان الأصح عندنا أن * (التأخير
جائر) * ويتضيق بظن الموت أو نحوه مما لا يتمكن بعده.
* (و) * كذا لا خلاف بيننا ولا إشكال في أنه * (لا ينعقد نذر الصوم إلا أن
يكون طاعة) * لاطلاق ما دل (2) على اشتراط ذلك في المنذور، وحينئذ * (فلو
نذر صوم العيدين أو أحدهما لم ينعقد، وكذا لو نذر صوم أيام التشريق بمنى) *
بناء على حرمته فيها للناسك أو مطلقا على القولين. * (وكذا لو نذرت صوم أيام
حيضها) * ونحوه مما لا يجوز فيه الصوم، خلافا لبعض العامة، فجعل نذر صوم
العيد منعقدا، ويقضي يوما مكانه، وفساده واضح.
* (وكذا لا ينعقد إذا لم يكن متمكنا) * من المنذور بلا خلاف ولا إشكال
* (كما لو نذر صوم يوم قدوم زيد) * مثلا فإنه لا ينعقد عند الشيخ، بل في المسالك
في المشهور * (سواء قدم ليلا) * إجماعا كما في الدروس * (أو نهارا أما ليلا فلعدم
الشرط) * الذي هو اليوم المراد به لغة وعرفا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس
فلم يحصل يوم قدوم له كي يتحقق خطاب النذر * (وأما نهارا لعدم التمكن
من صيام اليوم المنذور) * لأن الفرض مضى بعضه، فالتكليف بصومه تكليف بما
لا يطاق، وصوم الباقي منه مع عدم مشروعيته ليس صوم يوم، ولو فرض علمه ليلا
بقدومه نهارا فيبيت النية لم يكف أيضا بناء على أن المراد اشتراط فعلية القدوم
إذ لا وجوب حينئذ قبله.

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية 133.
(2) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد.
394

بل في المسالك " ولأن علمه بقدومه إنما يستند إلى أمارات قد تتخلف وقد
يكذب الخبر أو يحصل له مانع من القدوم، فالعلم المذكور غير حقيقي، وإنما
هو ظن راجح ".
وفيه أنه يمكن فرضه علما أولا، وأنه يكفي مثل هذه الطمأنينة في العلم
الذي عليه المدار في الأحكام الشرعية ثانيا، ولعله لذا حكي في الدروس عن المبسوط
التصريح بالاجزاء بل الظاهر أنه كذلك حتى لو كان قدومه في آخر جزء من
النهار، لتحقق صدق يوم القدوم. وعلى كل حال في غير هذه الصورة على التقدير
المذكور لا ينعقد النذر المزبور.
لكن مع ذلك قال المصنف: * (وفيه وجه آخر) * وهو كما في المسالك
الانعقاد إن قدم قبل الزوال ولم يكن الناذر أحدث ما يفسد الصوم، ويجب عليه
صومه، لأن هذا لقدر من النهار قابل للصوم ندبا بل واجبا على بعض الوجوه،
فلا مانع من انعقاد نذره، كما لو نذر إكمال صوم اليوم المندوب خصوصا قبل الزوال،
وهذا أقوى، بل يحتمل انعقاده وإن قدم بعد الزوال ولما يحدث ما يفسد الصوم
بناء على صحة الصوم المندوب، وحينئذ فينعقد نذره.
ولو كان صائما ندبا زاد الاحتمال قوة، لأنه حينئذ صوم حقيقي مندوب،
فيكون نذره طاعة، وفيه منع صحته على وجه يكون وفاء للنذر مع فرض عدم
قصده، بل لا دليل على صحة تجديد النية بحيث يجتزأ بها عن ذلك، والاجتزاء
بها عن المندوب أو عن الواجب على بعض الوجوه لا يقتضي الاجتزاء بها في خصوص
الفرض مع حرمة القياس عندنا، والخبر المشهور (1) أنه " لا صيام لمن لم يبيت
الصيام ".
ثم قال في المسالك متصلا بما سمعت: " ويمكن بناء الحكم على أن
المتنفل إذا نوى الصوم نهارا هل يكون صائما وقت النية أم من ابتداء النهار؟

(1) المستدرك الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 1 من كتاب الصوم.
395

فعلي الأول يتجه عدم صحة النذر، لأن المعهود من صوم يوم قدومه صوم
مجموع اليوم ولم يحصل، وعلى الثاني يصح لصدق الصوم في المجموع، واستتباع
الباقي للماضي ".
وفيه أنه وإن قلنا بالثاني يشكل الاجتزاء به عن النذر، لأن أقصاه إعطاء
ثواب صوم اليوم لا صدقه، على أنه قد عرفت عدم اقتضاء الصحة في المندوب الصحة
في الفرض لحرمة القياس.
ثم قال: " ويمكن رجوع الخلاف إلى أمر آخر، وهو أن الناذر إذا التزم
عبادة وأطلق تسمية الملتزم على م ينزل نذره؟ فيه وجهان: أحدهما أنه ينزل على
واجب جنسه، لأن المنذور واجب، فيجعل كالواجب ابتداء من جهة الشرع،
لقرب الواجب من الواجب، والثاني ينزل على الجائز من جنسه، لأن لفظ الناذر
اقتضى التزام الجائز لا الواجب، فلا معنى لالتزامه ما لم يتناوله لفظه، ولعل هذا
أظهر، وعليه يتفرع مسائل كثيرة: منها المسألة المذكورة ".
قلت: المتجه جعله قسما مستقلا يلحقه حكم كل منهما إذا اقتضى دليل
الحكم المزبور شموله لمثله وإلا فلا، خصوصا مثل الحكم الثابت للمندوب من
حيث إنه كذلك، ضرورة أنه لا وجه لثبوته فيه بعد فرض فوات عنوان الحكم،
بل لا يصح نذره كذلك لما فيه من الجمع بين المتنافيين كما هو واضح.
وبذلك كله ظهر لك وجه الضعف المزبور، بل ربما ظهر الاشكال في الصحة لو
قصد بنذره إكمال صومه لو كان ممسكا بناء على اختصاص جواز ذلك من حيث كونه
مندوبا لا واجبا فتأمل جيدا.
* (ولو قال: لله علي أن أصوم يوم قدومه دائما) * على معنى صوم ما وافقه
من أيام الأسبوع * (سقط وجوب اليوم الذي جاء فيه) * لما عرفت. * (و) * لكن
* (وجب) * عليه * (صومه فيما بعد) * بلا خلاف ولا إشكال، لوجود المقتضي وانتفاء
المانع الذي قد كان في يوم القدوم.
* (ولو اتفق ذلك اليوم في رمضان صامه عن رمضان خاصة وسقط النذر
396

فيه) * كما هو المشهور على ما في المسالك * (لأن رمضان) * (1) لا يصلح فيه
غيره، فهو حينئذ * (كالمستثنى) * من المنذور. * (و) * حينئذ ف‍ * (لا يقضيه) * لكن
في المسالك " هذا بناء على عدم صحة نذر الواجب وسيأتي البحث فيه، وتردد المصنف
في حكمه، وهو خلاف ما جزم به هنا، ولو قلنا بصحته كما هو أقوى القولين وجب
صومه بالسببين والنية بحالها، إلا أن الفائدة تظهر مع إفطاره عمدا في وجوب
كفارتين لرمضان وخلف النذر ".
قلت: قد يقال: إن المنشأ هنا ما سمعت من عدم صلاحية غير رمضان فيه،
وهذا غير نذر نفس صومه، ضرورة كون المنذور كلي يوم القدوم وإن اتحد في المصداق
مع يوم شهر رمضان، فلو صح نذره لوقع غير رمضان فيه، فتأمل جيدا فإنه لا يخلو
من دقة.
* (ولو اتفق ذلك) * اليوم * (يوم عيد أفطره إجماعا وفي غير وجوب قضائه
خلاف، والأشبه) * عند المصنف * (عدم الوجوب) * للأصل، وقاعدة احتياج القضاء
إلى فرض جديد وليس، ولخروج العيد عن صلاحية الصوم كالليل، والجهل به
لا يخرجه عن الصلاحية، وخصوص الموثق (2) " عن امرأة جعلت عليها نذرا إن
رد الله تعالى عليها بعض ولدها من شئ كانت تخافه عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي
يقدم فيه ما بقيت، فخرجت عنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر،
أتصوم أم تفطر؟ قال: لا تصوم، وضع الله عز وجل عنها حقه، وتصوم هي ما جعلت
على نفسها فقال: فما ترى إذا رجعت إلى المنزل أتقضيه؟ قال: لا، قلت: أفتترك
ذلك؟ قال: لا، إني أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره " بناء على مساواة
السفر للعيد.

(1) وفي الشرائع " لأنه كالمستثنى ".
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3 من
كتاب الصوم.
397

وعن الصدوق والشيخ في النهاية والمبسوط وابن حمزة وجوب القضاء، لصحيح
ابن مهزيار (1) " كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة
دائما فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو
سفرا أو مرضا هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضائه أم كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب
إلي قد وضع الله الصوم في هذه الأيام كلها، ويصوم يوما بدل يوم إنشاء الله " ونحوه
خبر القاسم الصيقل (2).
وحمله على الندب في خصوص العيد كما في المختلف لا داعي له ولا شاهد
عليه، بل ظاهره خلافه، وهما كما تضمنا قضاء العيد تضمنا قضاء غيره من الأعذار.
وفي ثالث (3) " عن رجل جعل على نفسه نذرا صوما فحضرته نية في زيارة
أبي عبد الله عليه السلام، قال: يخرج ولا يصوم في الطريق، فإذا رجع قضى ذلك ".
والمناقشة بضعف السند والاضمار والمكاتبة مدفوعة بالانجبار بعمل كثير في
مثل السفر والمرض ونحوهما غير العيد، بل عن نهاية المرام نسبته إلى القطع به بين
الأصحاب مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، بل عن الخلاف التصريح به في المرض على
أن خبر ابن مهزيار سليم السند.
ودعوى اضطرابه سندا - باشتماله على محمد بن جعفر الرزاز وهو مجهول -
ومتنا - باشتماله على يوم الجمعة الذي لا يقول فيه أحد من الأصحاب بسقوط
النذر - فيه يدفعها أن كلا منهما غير موجود في نسخة الكافي التي رواية الشيخ
عنها، فلا يبعد أن يكون ذلك من النساخ.
مضافا إلى عدم خروج الخبر عن الحجية بمثل ذلك، فلا محيص حينئذ
عن القول بالقضاء في الجميع بعد الصحيح المعتضد بما سمعت من غيره من النص
والفتوى وغير ذلك على وجه لا يصلح لمعارضته الموثق المزبور من وجوه ولا غيره

(1) الوسائل الباب - 10 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2 - 5 من كتاب الصوم.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2 - 5 من كتاب الصوم.
398

من الاعتبارات التي لا تنافي ثبوت القضاء بالأمر الجديد، واختصاص النصوص
الثلاث بمن عدا الحائض والنفساء غير قادح بعد الاجماع على عدم القول بالفصل،
وتمام الكلام قد ذكرناه في كتاب الصوم (1) فلاحظ وتأمل.
* (ولو وجب على ناذر ذلك صوم شهرين متتابعين في كفارة) * مرتبة * (قال
الشيخ: صام في الشهر الأول من الأيام عن الكفارة تحصيلا للتتابع، فإذا صام من
الثاني شيئا صام ما بقي من الأيام عن النذر لسقوط التتابع) * وحاصله تقديم خطاب
الكفارة على خطاب النذر، من غير فرق بين تقدمه عليه وتأخره عنه، ولعله لامكان
تدارك النذر بالقضاء بخلاف الكفارة.
* (وقال بعض المتأخرين) * وهو ابن إدريس: * (يسقط التكليف بالصوم
لعدم إمكان التتابع وينتقل الفرض إلى الاطعام) * وحاصله تقديم خطاب النذر على
خطاب الكفارة، فيقتضي سقوط الصوم، لتعذر التتابع الذي هو شرط فيه، إذ
المشروط عدم عند عدم شرطه، ولم يثبت من الشارع كون ذلك عذرا لا يقدح في
التتابع، ولا يقاس على إفطار الحائض والنفساء ونحوهما مما ثبت من الأدلة عدم
انقطاع التتابع فيه.
* (و) * لكن مع ذلك قال المصنف: * (ليس) * هذا القول * (شيئا) * موافقا
للأدلة الشرعية * (و) * إنما * (الوجه صيام ذلك اليوم وإن تكرر عن النذر،
ثم لا يسقط به التتابع لا في الشهر الأول ولا في) * الشهر * (الأخير لأنه عذر لا
يمكن الاحتزاز منه ويتساوى في ذلك تقدم وجوب التكفير على النذر وتأخره) *
لاشتراكهما في المقتضي، وهو تعيين اليوم للصوم المنذور بالنذر، والمستفاد من
الأدلة جواز إيقاعه في كل حين، وسبق الكفارة لا ينافي انعقاده، وصيرورته عذرا
غير قاطع للتتابع.
ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من عدم ما يدل على

(1) راجع ج 16 ص 324 إلى 327.
399

عذرية مثله في حصول التتابع بعد حرمة القياس على إفطار الحائض ونحوها.
ومنه حينئذ يعلم قوة كلام ابن إدريس وإن كان فيه أن مبناه على ترجيح
خطاب النذر على الكفارة، كما أن مبني الأول على العكس، والرجوع
إلى التخيير بين الخطابين جيد لو كان به قائل.
وأما سبق الكفارة على النذر وبالعكس فالظاهر عدم مدخليته، ضرورة كون
التعارض بين دليلهما، سواء سبق أحدهما أم لا، ومن هنا صرح المصنف بذلك
وقد وافق في المسالك على ذلك بناء على مختار المصنف لكن قال: " وإنما يتجه الفرق
لو قلنا بتقديم الكفارة وقضاء اليوم عن النذر، فإنه على تقدير تقدم النذر تكون قد
أدخل على نفسه صوم الشهرين بعد وجوب صوم اليوم المعين بالنذر، فيجمع بينهما
بالقضاء، بخلاف ما إذا تقدمت الكفارة، لأنه حينئذ يكون كالمستثنى كما استثنى
الواقع في رمضان.
وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، ولعله لذا قال: " ويحتمل
القضاء أيضا، لأن الوقت غير متعين لصوم الكفارة بخلاف رمضان "
والله العالم.
* (إذ نذر صوما مطلقا فأقله يوم) * لعدم صحة الأقل من ذلك عندنا
* (وكذا لو نذر صدقة اقتصر على أقل ما يتناوله الاسم) * بلا خلاف فيه بيننا ولا
إشكال، بل الاجماع بقسميه عليه.
نعم عن بعض العامة الاجتزاء في الصوم ببعض اليوم ووجوب خمسة دراهم أو نصف
دينار، لأنهما أقل الواجب منها، وهو واضح الضعف وإن قال في المسالك: " إن مبنى
الخلاف على أن المعتبر في النذر أقل واجب من جنسه أو أقل جائز من جنسه، وقد
تقدم الكلام فيه، فعلى الأول يجب خمسة دراهم أو نصف دينار، وعلى الثاني يجزئ
مسمى الصدقة، وهذا يتجه على القول بعدم جواز إعطاء المستحق الواحد أقل مما
يجب في النصاب، والحق أن ذلك على الاستحباب، ومن أوجبه منهم أجاب بأن
400

الخلطاء قد يشتركون في نصاب، فيجب على أحدهم شئ قليل، فيكفيه أن يتصدق
بدانق أو ما دونه مما يتمول، ولك أن تقول: إذا حملنا المطلق على الواجب فالأقل
من الصدقة غير مضبوط جنسا وقدرا، بل الأموال الزكاتية مختلفة الجنس، وليس
لواجبها قيمة مضبوطة، وصدقة الفطرة أيضا واجبة، وليس لها قيمة مضبوطة، فامتنع
إجراء هذه القول في الصدقة، وتعين اتباع مفهوم اللفظ " ولا يخفى عليك خلوه عن
التحصيل على طوله، إذ المسألة من الواضحات، والله العالم.
* (ولو نذر الصيام في بلد معين) * مثلا لا مزية للصوم فيه شرعا * (قال الشيخ:
صام أين شاء) * لعدم انعقاد النذر بالنسبة إليه، لعدم رجحان فيه كما هو المفروض،
والمنذور يعتبر الرجحان في قيده كما يعتبر في وصفه، لاطلاق ما دل (1) على
اعتبار ذلك فيه.
* (و) * لكن * (فيه تردد) * من ذلك ومما عرفته غير مرة من أنه لا دليل
على اعتبار الرجحان في قيود المنذور بعد انصراف ما دل عليه إلى المنذور نفسه،
والفرض حصوله، ضرورة رجحان الصوم المقيد في المكان المخصوص من حيث إنه
صوم، فيجب الوفاء به حينئذ، لعموم ما دل (2) على ذلك، بل الصوم المطلق غير
منذور حتى يقال باجزاء الصوم حيث شاء، ولا القيد نفسه أي المكان نفسه حتى
يقال لا مزية فيه، وإنما هو من قبيل نذر المباح، بل هو الصوم المقيد بكونه في
المكان المخصوص، ولا شك في أنه عبادة راجحة، فيندرج حينئذ فيما دل
على انعقاد مثله.
وبالجملة لا دليل على اعتبار أزيد من الرجحان المزبور، فلا معارض لاطلاق
الأدلة وعمومها. هذا كله مع عدم المزية وإلا فلا إشكال بل ولا خلاف في تعينها
بل عن فخر المحققين الاجماع على ذلك، وإن قال في المسالك: لا يخلو هذه الدعوى

(1) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد.
(2) سورة الحج: 22 - الآية 29 وسورة الانسان: 76 - الآية 7 والوسائل
الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الايلاء والكفارات.
401

من نظر وحينئذ فما يحكى عن الفاضل من التفصيل بين ذي المزية فينعقد وغيره فلا
ينعقد ليس قولا في المسألة، بل مرجعه إلى موافقة الشيخ، وقد عرفت ما فيه،
والله العالم.
* (ومن نذر أن يصوم زمانا) * قاصدا به المصداق العرفي الذي لا يعلم أقله إلا
عاقل العرف إذ غيره يمكن معرفة بعض أفراده، وأما الأقل الذي لا يزيد ولا ينقص
فلا يكاد يتيسر لأحد من الناس إلا السر الإلهي، نحو ما قلناه في الوجه والمسافة
والركوع ونحوها مما كشف الشارع عن أقل مصاديقها، ومن هنا * (كان) * عليه
في الفرض * (خمسة أشهر ولو نذر حينا كان عليه ستة أشهر) * لخبر أبي الربيع
الشامي (1) " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل قال: لله علي أن أصوم حينا وذلك
في شكر، فقال أبو عبد الله عليه السلام: قد أتي علي عليه السلام بمثل هذا، فقال: صم ستة
أشهر، فإن الله تعالى يقول: تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها (2) يعني ستة أشهر "
وخبر السكوني (3) عن أبي عبد الله عن آبائه عليهما السلام " إن عليا عليه السلام قال في رجل
نذر أن يصوم زمانا، قال: الزمان خمسة أشهر والحين ستة أشهر، لأن الله تعالى
يقول: تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها " * (و) * الطعن في سندهما مدفوع بالعمل
بين الأصحاب على وجه لم يظهر فيه مخالف كما اعترف به في المسالك.
نعم * (لو نوى غير ذلك عند) * وقوع صيغة * (النذر لزمه ما نوى) * لأن
النذر كاليمين في أن العبرة بما نوى، حتى أنه لو نوى الصدق العرفي في زمانه الذي
يصدق باليوم لزمه ما نوى، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 - 2 من كتاب الصوم.
(2) سورة إبراهيم: 14 - الآية 25.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 - 2 من كتاب الصوم.
402

* (مسائل الصلاة:) *
* (إذا نذر صلاة) * انصرف إلى ذات الركوع والسجود، دون صلاة الجنازة
والدعاء إلا مع القصد وحينئذ * (فأقل ما يجزؤه منها ركعتان) * كما عن المبسوط
والخلاف. لأنهما أقل عدد علم مشروعيته على الاطلاق، بل الظاهر احتياج الأقل
والأكثر إلى دليل خاص، ومن هنا اقتصر على ثبوتهما في المقامات الخاصة، فلا
ينزل النذر عليه، بل لا يشرع خصوصا بعد المرسل (1) في غير واحد من كتب
الأصحاب من أن النبي صلى الله عليه وآله قد نهى عن البتراء.
* (و) * لكن مع ذلك * (قيل) * والقائل ابن إدريس: أقل ما يجزئه
* (ركعة) * وما في المتن * (وهو حسن) * وتبعه جماعة للتعبد بها شرعا، وفي
المسالك " ربما بني الخلاف على ما تقدم من أن المعتبر هل هو أقل واجب أو
أقل صحيح؟ فعلى الأول الأول، وعلى الثاني الثاني، ويتفرع على ذلك أيضا
وجوب الصلاة قائما أو تجوز ولو جالسا لجوازه في النافلة دون الواجبة اختيارا،
ووجوب السورة عند من أوجبها في الواجبة إلى غير ذلك من الجهات التي يفترق
فيها الواجب والصحيح مطلقا، وكذا الكلام في صلاتها على الراحلة وإلى غير القبلة
راكبا أو ماشيا، ولو صرح في نذره أو نوى أحد هذه الوجوه المشروعة فلا إشكال
في الانعقاد، وفي جواز العدول حينئذ إلى الأعلى وجهان، والأجود اتباع القيد المنذور
مطلقا ".
قلت: قد يشكل إذا كان جواز ذلك فيها من حيث كونها نافلة على وجه
للنفل مدخلية في عنوان الحكم المزبور، ولا ريب في خروجها عن النفل بالنذر،
فلا ينعقد النذر حينئذ على الوجه المزبور، لخروجها به عن عنوان الحكم الذي وقع
النذر عليه، وأولى من ذلك صورة الاطلاق الذي ينبغي الاقتصار في امتثالها على

(1) نيل الأوطار للشوكاني ج 3 ص 28 وفيه " أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن البتيراء ".
403

المتيقن في الصحة، وليس إلا بمراعاة حكم الفريضة من القيام والاستقبال والاستقرار
وقراءة السورة ونحو ذلك مما يعلم معه حصول الامتثال، لأن المنذور طبيعة الصلاة
لا النافلة منها خاصة، ضرورة كون النفل والفرض من عوارض الصلاة لا من
مقوماتها، فهي لولا النذر لكانت نافلة مع فرض عدم سبب آخر يقتضي
وجوبها.
وحينئذ فالمتجه الاقتصار في الاجتزاء في مثل الفرض بركعتين، لأنهما القدر
المشترك بين الفريضة والنافلة، بخلاف الركعة الواحدة الثابتة في خصوص الوتر،
ولا تلازم بين مشروعيتها كذلك ومشروعية نافلة مثلها غيرها بسبب النذر الذي ليس
في أدلته ما يقتضي ذلك.
وبالجملة إنما يثبت في النذر ما هو ثابت لذات الصلاة من حيث كونها كذلك
مع قطع النظر عن نفلها وفرضها.
ومن ذلك يعلم فساد البناء المزبور، وربما كان في خبر مسمع بن عبد الملك (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام " إن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن رجل نذر ولم يسم شيئا،
قال: إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء صام يوما، وإن شاء تصدق برغيف " نوع
إشعار بعدم الاجتزاء بالركعة، كما جزم به الكركي في حاشيته، نعم لو نذر
الركعة في خصوص مقامها التي شرعت فيه انعقد، لظهور كون الانفراد
ذاتيا لها.
ثم قال في المسالك: " ويستفاد من قوله: " فأقل ما يجزئه ركعتان " أنه
لو صلى أزيد من الركعتين صح، وهو كذلك مع إتيانه بهيئة مشرعة في الواجب
أو الندب على الوجهين، كالثلاث أو الأربع بتشهدين وتسليم، وربما قيل: إنه
لا يجزئ إلا ركعتان، لأن المنذور نفل صار واجبا لم يتعبد في النوافل إلا
بركعتين غير ما نص عليه، وهو ضعيف جدا لمنع المقدمتين ".

(1) الوسائل الباب 20 - من كتاب النذر والعهد الحديث 3.
404

وفيه ما عرفت من أن الواجب بالنذر ماهية الصلاة، فيجب فيها المتيقن على
تقديري النفل والفرض، والثلاث والأربع إنما هو في الفرائض المخصوصة التي
لا تشمل المنذورة قطعا، فالمتجه حينئذ الاقتصار على ركعتين، واحتمال كون المراد
الاجتزاء في نذر الصلاة بركعة الوتر مثلا وصلاة المغرب ونحو ذلك مما هو مشروع -
لأن المراد مشروعية نافلة جديدة بالنذر ركعة أو ثلاث - خلاف ظاهر القائل،
وخلاف مقتضى النذر الذي هو السبب في فعلها لا غيره من الأسباب إلا أن يقصد ذلك
كما هو واضح.
وفي القواعد " لو نذر صلاة ونوى فريضة تداخلتا، ولو نوى غيرها لم
يتداخلا، ولو أطلق ففي الاكتفاء بالفريضة على القول بجواز نذر الفريضة
إشكال ".
وقد وقع في الدروس ما لا يخفى عليك النظر فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، كما
لا يخفى عليك الصحيح منه، قال: " ولو نذر هيئة غير مشروعة كركوعين في ركعة
وسجدة واحدة بطل رأسا، ولو نذر هيئة في غير وقتها كالكسوف فوجهان، ولو أطلق
عددا لزمه التثنية، لأنه غالب النوافل، وقيل: يجوز محاذاة الفرائض فيصلي ثلاثا
أو أربعا بتسليمة، ولو نذر صلاة وأطلق قيل تجزئ الركعة للتعبد بها، والأقرب
الركعتان، للنهي عن البتراء (1) وفي إجزاء الثلاث أو الأربع الوجهان، ولا يجزئ
الخمس فصاعدا بتسليمة إلا أن يقيده في نذره على تردد، ولو قيده بركعة واحدة
فالأقرب الانعقاد، والنهي عن التنفل بها، وقد يلزم منه إجزاء الواحدة عند إطلاق
نذر الصلاة، ولا تجزئ الفريضة عند إطلاق الصلاة على الأقوى، لأن التأسيس أولى
من التأكيد " إلى آخره.
ومن الغريب ما فيه من انعقاد نذر الخمس فصاعدا بتسليمة خصوصا بعد جزمه
سابقا بأنه لو نذر هيئة غير مشروعة لم ينعقد.
ثم قال في المسالك: " ولو فصل بين الأزيد من الركعتين بالتسليم ففي شرعية

(1) نيل الأوطار للشوكاني ج 3 ص 28.
405

ما بعد الركعتين بنية الندب وجهان، من سقوط الفرض بالركعتين فلا وجه للوجوب،
ومن جواز كون الواجب أمرا كليا ودخول بعض أفراده في بعض لا يخرج الزائد
عن أن يكون فردا للكلي وإن جاز تركه كما في الركعتين والأربع في مواضع
التخيير، ومثله الكلام في التسبيحات المتعددة في الأخيرتين والركوع والسجود وهذا
يتجه مع قصد الزائد ابتداء ".
قلت: لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم تصوره في الأوامر المطلقة التي
لا ريب في حصول الامتثال بأول فرد من أفرادها، ولا معنى للامتثال عقيب الامتثال،
والتخيير بين الأقل والأكثر في مواضع التخيير إنما هو بين ماهيتين مختلفتين، كما
أوضحناه في محله وكذا أوضحنا وجه التخيير في تسبيحات الأخيرتين وغيرها في
محالها، ولكن الجميع غير ما نحن فيه من كون الواجب كلي الصلاة ولم يكن صورة
تخيير من الشارع حتى تأتي فيه الوجوه المعلومة، فتأمل جيدا.
* (وكذا لو نذر أن يفعل قربة ولم يعينها كان مخيرا إن شاء صام وإن شاء
تصدق بشئ وإن شاء صلى ركعتين) * وغير ذلك مما يصدق عليه أنه قربة، * (وقيل:
تجزؤه) * من الصلاة * (ركعة) * وفيه البحث السابق إلا أنك قد عرفت كون المراد
الاتيان بركعة واحدة امتثالا للنذر، لأن المراد عدم الاجتزاء بمثل الوتر لو جاء
بها وفاء للنذر، ضرورة عدم كون ذلك محلا للشك في الاجتزاء، لأنها طاعة
مشروعة وعبادة معروفة.
لكن في الرياض قد جعل محل الخلاف بين الأصحاب فيها فقال: " وفي
الاجتزاء بمفردة الوتر قولان: أجودهما ذلك وفاقا للحلي وجماعة، لأنها من حيث
انفرادها عن ركعتي الشفع بتكبيرة وتسليمة عندنا صلاة مستقلة، فيشملها عموم
قوله صلى الله عليه وآله (1): " الصلاة خير موضوع " خلافا للشيخين وابن بابويه والقاضي

(1) الوسائل الباب - 42 - من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب
الصلاة.
406

والشهيد في الدروس للنهي في النبوي (1) عن البتراء المفسر في النهاية الأثيرية بأن
الوتر ركعة واحدة (2) وللخبر (3) " عن رجل نذر ولم يسم شيئا " - إلى آخره
ثم أطنب في المناقشة في الخبرين المزبورين إلى أن قال -: وبالجملة فالاستناد إلى
الروايتين لا وجه له من وجوه متعددة، ولعله لهذا لم يستند إليهما السيد وصاحب
شرح الكفاية على هذا القول مع ميلهما إليه، وإنما استندا فيه إلى النصوص (4)
الدالة على أن الوتر اسم للركعات لثلاث لا لخصوص المفردة، ومشروعية فعلها
على الانفراد غير ثابتة، وفي الاستناد أيضا مناقشة، لأن مبناه على عدم ثبوت
شرعيتها مفردة، وهو ممنوع، لما عرفت من كونها عندنا صلاة مستقلة، فيشملها
عموم الرواية السابقة، ولذا أن الشهيد في الدروس خص ما ذكره من عدم الاجتزاء
بها في صورة ما إذا نذر صلاة وأطلق، أما لو قيدها بركعة واحدة قال: الأقرب
الانعقاد، ونحوه الشهيد الثاني في المسالك حيث خص محل النزاع بتلك الصورة،
قال: ولو صرح في نذره أو نوى أحد هذه الأمور المشروعة فلا إشكال في الانعقاد،
وصرح قبل ذلك بثبوت مشروعية ركعة الوتر فقال في تعليل المنع بالاجتزاء
بها (5) مع نذر الصلاة مطلقة لا مقيدة بركعة الوتر: أما مع التقييد بها بل مطلق
الركعة الواحدة، فينعقد ويلزم الاتيان بها بلا شبهة ".

(1) نيل الأوطار للشوكاني ج 3 ص 28.
(2) هكذا في النسخة الأصلية وفي الرياض " بأن يوتر بركعة واحدة " وهو
الصحيح كما هو كذلك في نهاية ابن الأثير.
(3) الوسائل الباب - 2 - من كتاب النذر والعهد الحديث 3.
(4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 6 و 7
و 16 من كتاب الصلاة.
(5) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والمسودة إلا أن في الرياض " في تعليل
المنع بالاجتزاء بها: والركعة نادرة، إذ لم تشرع إلا في الوتر فتأمل هذا ولا ريب
أن الأحوط عدم الاجتزاء بها مع نذر.. "
407

قلت: لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا ولا يصلح كلام الشهيدين في
الدروس والمسالك دليلا للمسألة، إذ لا ريب في عدم اقتضاء مشروعية الوتر في مقام
خاص مشروعيتها على الاطلاق، والنذر إنما غايته الالزام، لا أنه يثبت مشروعية
جديدة كما أنه لا ريب في الاجتزاء بها لو جاء بها امتثالا للنذر في مقامها المعلوم
شرعيته، كما أوضحنا ذلك سابقا، فلاحظ وتدبر.
* (ولو نذر الصلاة في مسجد معين أو مكان معين من المسجد لزم) * بلا خلاف
ولا إشكال * (لأنه) * أي المنذور مع قيده * (طاعة) * فيندرج فيما دل على (1)
وجوب الوفاء بالنذر، بل الظاهر لزومه على وجه لا يجوز له العدول إلى الأعلى
فضلا عن الأدنى والمساوي، لأن النذر تعلق بها مشخصة بالمكان المخصوص، فالوفاء
به يقتضي عدم إجزاء غيره وإن كان أولى منه، وما روي (2) عن أمير المؤمنين عليه السلام
أنه " أمر من نذر إتيان بيت المقدس بمسجد الكوفة " مع أنه في غير
المقام لم يثبت.
خلافا لبعضهم، فجوزه قياسا على نذره ما لا مزية فيه، فإن ذا المزية بالنسبة
إلى ما هو أعلى منه كالذي لا مزية فيه، وهو مع أنه قياس مع الفارق، ضرورة عدم
الانعقاد أصلا في المجرد عن المزية عند القائل باشتراطها بخلاف الفرض، وقد ذكرنا
سابقا أن قول الصادق عليه السلام في خبر زرارة (3) الذي سأله فيه أي شئ لا نذر
فيه: " كلما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه " يراد منه إذا نذر
على تركه، لا ما إذا نذرت على راجح يستلزم تركه، والله العالم.
* (أما لو نذر الصلاة في مكان لا مزية فيه للطاعة على غيره قيل: لا يلزم) *
لخلوه عن الرجحان المعتبر في النذر، ورجحان المكان مزية، فمع فرض عدمها

(1) سورة الحج: 22 - الآية 29 وسورة الانسان: 76 - الآية 7 والوسائل
الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الايلاء والكفارات.
(2) الوسائل الباب - 25 - من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب
الصلاة.
(3) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
408

لا ينعقد النذر * (و) * لكن * (تجب الصلاة) * التي هي من متعلق النذر، وعدم
وجوب القيد لا ينافي وجوبها * (و) * حينئذ فتجب هي إلا أنه * (يجزئ ايقاعها
في كل مكان) *.
* (وفيه تردد) * من ذلك ومما عرفت مكررا من أنه لا دليل على رجحان
أوصاف المنذور، إذ ليست هي المنذور، فيكفي الرجحان في المنذور، وليس
المنذور في الفرض المكان خاصة حتى يرد أنه لا رجحان فيه، بل الصلاة الواقعة
فيه، ولا شبهة في رجحانها، فينعقد نذرها، كالصلاة المنذورة في الوقت
المعين مطلقا.
بل قد سمعت غير مرة أن ذلك هو الأقوى، لعموم الأدلة * (و) * للاجماع
كما في المسالك على أنه * (لو نذر الصلاة في وقت مخصوص لزم) * على وجه لا يجزئ
فعلها في غيره، سواء كان أدنى منه مزية أو مساويا أو أعلى، ولا فرق بين الزمان والمكان
بالنسبة إلى ذلك، ودعوى الفرق بأن الشرع جعل الزمان سببا للوجوب بخلاف
المكان فإنه من ضروريات الفعل لا سببية فيه كما ترى، إذ لا يلزم من سببية بعض
الأوقات بنص الشارع مزية في الصلاة بسببية الوقت الذي يعينه الناذر، فإن هذا
الوقت المعين بالنذر ليس سببا في وجوب المنذور قطعا، وإنما سببه النذر، والزمان
والمكان أمران عارضان، مطلقهما من ضرورات الفعل، ومعينهما بتعيين الناذر، فأي
رابطة بين سببية الوقت للصلاة الواجبة بالأصل وبين الوقت الذي هو بتعيين
الناذر.
ودعوى أن السببية في الوقت حاصلة وإن كان ذلك بالنذر - لأنا لا نعني
بالسببية إلا توجه الخطاب إلى المكلف عند حضور الوقت، وهو حاصل هنا، ولا
يتصور مثل ذلك في المكان إلا تبعا للزمان - يدفعها أن الوقت بالنذر إذا
كان مطلقا كيوم الجمعة فتوجه الخطاب إلى الناذر بالفعل عند دخول الجمعة ليس
على وجه التعيين، بل الأمر فيه كالنذر المطلق بالنسبة إلى العمر، غايته أن هذا
409

مختص بالجمع الواقعة في العمر، فتوجه الخطاب فيه على حد توجهه على تقدير
تعيين المكان دون الزمان.
بل هنا أقوى، لأن الخطاب متوجه إليه بسبب صيغة النذر في أن يؤدي الفعل
في ذلك المكان، ويسعى في تحصيله بقدرته عليه في كل وقت بحسب ذاته وإن امتنع
بحسب أمر عارض على بعض الوجوه، بخلاف الزمان، فإنه لا قدرة له على تحصيله،
وهما مشتركان في أصل تقييد العبادة المنذورة بهما، فيجب تحصيلها على الوجه الذي
عينه عملا بعموم الأوامر (1) الدالة على الوفاء بالنذر على وجهه، إذ العبادة
الخارجة عن قيدهما غير منذورة، وإنما المنذور العبادة في ضمن القيد، ومن هنا
قد يقال بالفساد لو نذر المقيد مع فرض عدم المزية فيه وقلنا باعتبارها فيه، إلا أن
ظاهر القائلين باعتبارها خلافه.
ومن ذلك ينقدح عدم انحلال النذر لو فرض كونه مقيدا ثم طرأ ما يقتضي
مرجوحية القيد، ومن ذلك نذر الحج ماشيا فعجز عجزا أيس من القدرة عليه بعد
ذلك، أو كان الحج معينا، فإن مقتضى ذلك وجوب الحج عليه راكبا، لكنه بعيد
مع فرض اتحاد النذر، وأنه لم يقصد القيد بنذر مخصوص، فإن المتجه حينئذ انحلاله
من أصله، نعم لو أن القيد ملاحظ في النذر وبخصوصه أمكن ذلك، لكونه
حينئذ بمنزلة نذرين، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلامهم،
والله العالم.
* (مسائل العتق:) *
* (إذا نذر عتق عبد مسلم لزم النذر) * بلا خلاف ولا إشكال * (ولو نذر عتق
كافر غير معين لم ينعقد) * كما صرح به بعضهم، بل ظاهر قول المصنف * (وفي
المعين خلاف، والأشبه أنه لا يلزم) * عدم الخلاف في غير المعين وإن كان فيه

(1) سورة الحج: 22 - الآية 29 وسورة الانسان: 76 - الآية 7 والوسائل
الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الايلاء والكفارات.
410

ما لا يخفى، بل قد تقدم في كتاب العتق (1) تحقيق الحال في ذلك، ضرورة ابتنائه
على صحة عتقه وعدمه الذي قد عرفت ما عندنا فيه، فلاحظ وتأمل كي تعرف أنه
لا خصوصية للنذر في المسألة وإن حكي عن الشيخ أنه حمل خبر الحسن بن صالح (2)
" أن عليا عليه السلام أعتق عبدا له نصرانيا فأسلم حين أعتقه " على صورة النذر جمعا
بينه وبين خبر سيف بن عميرة (3) " سأل الصادق عليه السلام أيجوز للمسلم أن يعتق
مملوكا مشركا؟ قال: لا " المحمول على صورة عدم النذر، لكنه كما ترى واضح
الضعف من وجوه.
وربما كان ذلك هو الحامل للمصنف على تخصيص الخلاف في المعين باعتبار
أن ما دل على صحته من الرواية المزبورة خاصة المعين، مضافا إلى ما قيل من أن
غير المعين لا يتصور فيه القربة، بل وصف المنذور المطلق بالكفر يشعر بعلية الوصف
في الحكم، وهو مناف للقربة، لأنه بمنزلة صلته لكونه كافرا، ولا ريب في تحريمه،
بخلاف المعين فإنه قد يحصل من خصوصيات بعض الأشخاص ما يوجب ظن
صلاحه بالعتق، كما اتفق لمن أعتقه علي عليه السلام، فيتجه قصد القربة فيه، وإن كان
هو كما ترى أيضا.
* (ولو نذر عتق رقبة أجزأته الصغيرة والكبيرة) * والذكر والأنثى * (والصحيحة
والمعيبة إذا لم يكن العيب موجبا للعتق) * فإنه حينئذ يكون حرا لا يصلح عتقه
عن النذر الذي هو عتق المملوك لا الحر، كما هو واضح، نعم لا بد من عتق الشخص
بتمامه في تحقق صدق الرقبة، فلا يجزئ البعض، لعدم الصدق الذي هو مدار في
الاجزاء وعدمه، ففي موثق الساباطي (4) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام " في رجل جعل
على نفسه عتق رقبة قد أعتق، أشل أو أعرج، قال: إن كان مما يباع أجزاء عنه،

(1) راجع ج 34 ص 110.
(2) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 2 - 5.
(3) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 2 - 5.
(4) الوسائل الباب - 23 - من كتاب العتق الحديث 3.
411

إلا أن يكون سماه فعليه ما اشترط وسمى ".
ولو علق نذر العتق على برء المريض مثلا ففي جواز بيعه قبل حصول الشرط
قولان ذكرهما الصيمري في شرحه، وقد تقدم بعض الكلام فيهما في كتاب العتق (1)
وربما يشهد للعدم ما سمعته في اليمين من أنه لو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأتلفه قبل
الغد أثم به، وتعلق به الكفارة، ونسبه الصيمري إلى علمائنا، وليس إلا لأن
النذر قبل حصول الشرط له صلاحية التأثير، وإخراجه عن ملكه يزيل
صلاحية التأثير.
وقد يتفرع على ذلك أنه لو أعتقه قبل حصول الشرط أو تصدق بالمال قبل
حصول الشرط الذي علق عليه النذر فالمتجه عدم الصحة، لأنه إن أراد بذلك امتثال
خطاب النذر فهو كتقديم الواجب قبل وقته، وإن أراد غيره فقد عرفت أنه محجور
عليه، لكن في شرح الصيمري الصحة وإن قلنا بعدم جواز بيعه، لأنه مسارعة في
فعل الخير ومبادرة في الطاعة، وهو كما ترى.
ومن ذلك أو أولى منه لو نذر عتقه غدا فأعتقه اليوم، وإن احتمل بعضهم
الفرق بين المعلق على شرط والمعلق على صفة، للقطع بحصول الصفة بخلاف الشرط،
قال: " ولهذا قال علماؤنا: لو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأكله اليوم حنث،
ولو كان معلقا على شرط فأتلفه قبل حصول الشرط لم يتحقق الحنث قولا واحدا،
وحينئذ فلا يصح عتقه قبل الغد " وهو وإن أجاد في الحكم بعدم الصحة قبل الغد
إلا أنه لا يخفى عليك ما في فرقه. ثم إنه احتمل الصحة بعد ذلك بل قواها، للفرق
بين العتق وأكل الطعام بأن الأول من الطاعات المندوب إلى المسارعة إليها، فتعجيلها
خير من تأخيرها.
ولكن لا يخفى عليك ما فيه، ومن الغريب جعل ذلك من باب أن المخالفة
أصلح دينا أو دنيا، فتجوز ويصح العتق، فتأمل جيدا.
* (ومن نذر أن لا يبيع مملوكا لزم النذر) * إذا فرض حصول الرجحان في عدم

(1) راجح ج 34 ص 131.
412

البيع * (و) * لكن * (إن اضطر إلى بيعه قيل) * والقائل الشيخ في محكي النهاية
والقاضي: * (لم يجز) * للأصل وخبر الوشا (1) عن أبي الحسن عليه السلام " قلت له:
إن جارية ليس لها مني مكان ولا ناحية، وهي تحتمل الثمن، إلا أني كنت حلفت
منها بيمين فقلت: لله علي أن لا أبيعها أبدا ولي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المؤونة،
فقال: ف لله بقولك له ".
* (و) * لكن * (الوجه الجواز مع الضرورة) * التي يصير بها ما كان راجحا
مرجوحا، فإنه حينئذ ينحل النذر بلا خلاف أجده فيه، بل عن بعضهم دعوى الاجماع
عليه، وفي المسالك " وكيف كان فالاعتماد على ما اتفق عليه من القاعدة المقررة في
أن النذر واليمين لا ينعقدان مع كون خلافهما أرجح في الدين أو الدنيا. ولا
مخصص لهذه القاعدة المتفق عليها إلا هذه الرواية، فالقول بالجواز هو الصحيح،
وعليه سائر المتأخرين ".
قلت: مر الكلام في هذا الخبر عند البحث عن انعقاد النذر على المباح (2)
كما أنه مر خبر زرارة (3) الدال على عدم الانعقاد على ترك كل ما فيه منفعة في
الدين أو الدنيا.
ولو باع ما نذر ترك بيعه من غير ضرورة ففي صحة البيع وفساده وجهان كما
في شرح الصيمري من النهي وكونه كالمحجور عليه، ومن إطلاق أدلة البيع، وكون
النهي لأمر خارج، وقد اختار هو الثاني، والأقوى عندي الأول كما أشرنا
إليه سابقا.
* (ولو نذر عتق كل عبد قديم لزمه إعتاق من مضى عليه في ملكه ستة
أشهر) * بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك ربما كان إجماعا، والأصل فيه مرسل

(1) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 11 - 1.
(2) راجع ص 378.
(3) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 11 - 1.
413

داود بن محمد النهدي (1) قال: " دخل ابن أبي سعيد المكاري على الرضا عليه السلام
فقال له: أسألك عن مسألة، فقال: لا أخا لك تقبل مني ولست من غنمي، ولكن هلمها،
فقال: رجل قال: عند موته كل مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله، فقال: نعم
إن الله يقول في كتابه: حتى عاد كالعرجون القديم (2) فمن كان من مماليكه أتى
له ستة أشهر فهو قديم حر " وقد تقدم الكلام فيه في كتاب العتق (3).
لكن في المسالك هنا " ولو نذر الصدقة بالمال القديم ونحو ذلك رجع فيه إلى
العرف " وهو لا يخلو من نظر يعرف مما قدمنا سابقا، والله العالم.
* (مسائل الصدقة:) *
* (إذا نذر أن يتصدق واقتصر لزمه ما يسمى صدقة وإن قل) * للصدقة لغة
وعرفا، نعم لا تجزئ الكلمة الطيبة ونحوها مما أطلق عليها اسم الصدقة في
النصوص (4) بضرب من المجاز، نعم يجزئ إبراء الغريم، وفي جوازها على الغني
والهاشمي إشكال كما في الدروس، قال: ولا إشكال مع التعيين، قلت: ولا مع عدمه
للصدق عرفا واعتبار الفقر وغير الهاشمي أمر خارج عن مسماها.
* (ولو قدر (قيد خ ل) بقدر تعين) * بلا خلاف ولا إشكال.
* (ولو قال مال كثير) * وقصد أقل مصداق عرفا * (كان ثمانين درهما) *
بناء على أن ذلك كشف من الشارع لأقل مصداقه أو تحديد فيه لذلك.

(1) ذكر قطعة منه في الوسائل الباب - 30 - من كتاب العتق الحديث 1 وتمامه في
الكافي ج 6 ص 195.
(2) سورة يس: 36 - الآية 39.
(3) راجع ج 34 ص 131.
(4) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الصدقة الحديث 1 والباب - 41 - منها
والمستدرك الباب - 40 - منها من كتاب الزكاة وصحيح مسلم ج 3 ص 82 و 83.
414

والأصل فيه مرسل إبراهيم بن هاشم (1) قال: " لما سم المتوكل نذر إن
عوفي أن يتصدق بمال كثير، فلما عوفي سأل الفقهاء عن حد المال الكثير فاختلفوا عليه،
فقال بعضهم: مائة، وقال بعضهم: عشرة آلاف، قالوا فيه أقاويل مختلفة، فاشتبه
عليه الأمر فقال له رجل من ندمائه يقال له صقعان: ألا تبعث إلى هذا الأسود
فتسأله عنه، فقال له المتوكل: من تعني ويحك؟ فقال له: ابن الرضا عليه السلام، فقال
له: هل يحسن من هذا شيئا؟ فقال: يا أمير الفاسقين إن أخرجك من هذا فلي
عليك كذا وكذا وإلا فاضربني مائة مقرعة، فقال المتوكل: قد رضيت يا جعفر
ابن محمد، صر إليه واسأله عن حد المال الكثير، فصار جعفر إلى أبي الحسن علي بن
محمد عليهما السلام، فسأله عن حد المال الكثير، فقال له: الكثير ثمانون، فقال له جعفر:
يا سيدي أرى أنه يسألني عن العلة فيه، فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الله عز وجل
يقول: " ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة " (2) فعددنا تلك المواطن فكانت
ثمانين موطنا ".
وخبر أبي بكر الحضرمي (3) قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله
رجل عن رجل مرض فنذر لله شكرا إن عافاه الله أن يتصدق من ماله بشئ كثير
ولم يسم شيئا، فما تقول؟ قال يتصدق بثمانين درهما فإنه يجزئه، وذلك بين
في كتاب الله إن الله يقول لنبيه: " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة " (4) والكثير في
كتاب الله ثمانون ".
وفي المحكي عن تفسير العياشي عن يوسف بن المنحت (5) " أنه اشتكى

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 وهو مرسل علي بن
إبراهيم بن هاشم.
(2) سورة التوبة: 9 - الآية 25.
(3) الوسائل الباب - 3 - من كتاب النذر والعهد الحديث 2 - 4 مع الاختلاف في لفظ الثاني.
(4) سورة التوبة: 9 - الآية 25.
(5) الوسائل الباب - 3 - من كتاب النذر والعهد الحديث 2 - 4 مع الاختلاف في لفظ الثاني.
415

المتوكل فنذر إن شفاه الله أن يتصدق بمال كثير، فكتب إلى الهادي عليه السلام يسأله،
فكتب: تصدق بثمانين درهما، وكتب قال الله لرسوله صلى الله عليه وآله: " لقد نصركم
الله في مواطن كثيرة " (1) والمواطن التي نصر الله رسوله ثمانون موطنا، فثمانون
درهما من حله مال كثير " وحينئذ فمتى أطلق الكثير من غير فرق بين الدراهم وغيرها
أريد منه المصداق المفسر بما عرفت كشفا من الشارع أو تحديدا كالمسافة والوجه
والركوع.
لكن في المسالك هنا " أن الحكم مختص بالنذر فلا يتعدى إلى غيره من
الاقرار والوصايا ونحوها، وقوفا فيما خالف الأصل على مورده، وقد تقدم الكلام
في ذلك في البابين ".
وفيه أن مقتضى ذلك العمل به في خصوص النذر وإن كان على خلاف قصد الناذر
تعبدا للخبرين، وهو بعيد، بل المتجه ما ذكرناه من أنه لا فرق فيه بين النذر وغيره،
بل لو نوى الناذر إرادة الكثير في عرفه وفرضنا صدقه على الأقل من ذلك أو أن
أقل مصداقه أكثر من ذلك لزمه ما نوى، وكذا الكلام في لفظ القديم،
فتأمل جيدا.
ومنه يعلم ما في قوله أيضا من أن " الحكم مقصور على نذر الشئ الكثير،
كما هو مورد الرواية، وفي معناه أو الأولى منه نذر دراهم كثيرة، وفي الرواية
المرسلة جعل مورد النذر المال كما فرضه المصنف وجماعة وفي تعديته إلى غير ذلك
كما لو نذر أن يتصدق بثياب كثيرة أو دنانير كثيرة وجهان: من خروجه عن مورد
النص المخالف للأصل، ومن أن الكثرة إذا ثبتت مقدرة بشئ ثبتت فيما ناسبه، خصوصا
على ما يشعر به التعليل، فإنه يدل على إطلاق الكثير بذلك العدد على كل شئ،
وبهذا حكم العلامة في المختلف والشهيد في الدروس، ولا يخلو من نظر، لأن الكثير
استعمل لغة وعرفا في غير ذلك العدد، ودعوى أن ذلك تقدير شرعي، وهو مقدم

(1) سورة التوبة: 9 - الآية 25.
416

عليهما في موضع المنع، والمستند من غير الاجماع لا يخلو من قصور وإن كانت رواية
الحضرمي قرينة الأمر " إذ قد عرفت ما يظهر منه قوة ما في الدروس، خصوصا بعد
استدلال الإمام عليه السلام على ذلك بالمواطن، نعم ينبغي الاقتصار على حال اشتباه أقل
المصداق فيه عرفا، وإلا فلو فرض وضوح مصداق آخر له أقل أو أكثر وقد قصده
الناذر فالمتجه الوقوف على ما قصده.
ثم إنه في محكي الهداية والفقيه (1) أطلق الثمانين، كما في المروي في معاني الأخبار مرسلا عن ابن أبي عمير (2) عن الصادق عليه السلام أنه قال " في رجل نذر
أن يتصدق بمال كثير، فقال: الكثير ثمانون فما زاد، لقول الله تبارك وتعالى: لقد
نصركم الله في مواطن كثيرة (3) وكانت ثمانين موطنا " ومرسل علي بن إبراهيم (4)
" إن المتوكل سم فنذر إن عوفي أن يتصدق بمال كثير، فأرسل إلى الهادي عليه السلام
يسأله عن حد المال الكثير، فقال له: الكثير ثمانون " وفي مرسلة الآخر (5)
" إن المتوكل نذر التصدق بدنانير كثيرة، فأرسل إليه، فقال: الكثير
ثمانون ".
وعن المقنع ثمانون دينارا، وعن ابن إدريس ردها إلى ما يتعامل به دراهم
كانت أو دنانير، وفي المسالك " هو شاذ " لكن الانصاف أنه لا يخلو من وجه، بل في
كشف اللثام " هو قوي ويمكن تنزيل الأخبار وكلامي الصدوق عليه - ثم قال -:
وإن تعومل بهما لم يلزم إلا الدراهم، للأصل ".
وعن الشيخين وسلار والقاضي وابن سعيد إطلاق ثمانين درهما، لما سمعته من
النصوص المشتملة على ذلك.

(1) الفقيه ج 3 ص 232.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب النذر والعهد الحديث 3.
(3) سورة التوبة: 9 - الآية 25.
(4) الوسائل الباب - 3 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(5) تفسير البرهان ج 2 ص 111.
417

وعن الفاضل في المختلف أن الكثرة إن أضيف إلى المال المطلق أو إلى الدراهم
حملت على الثمانين درهما، وإن أضيفت إلى نوع آخر حملت على ثمانين منه،
فلو نذر ثيابا كثيرة حملت على ثمانين ثوبا، ولعله للانسياق، وخصوص المرسل (1)
عن نثر الدر واللئالي " إن المتوكل نذر التصدق بمال كثير إن عوفي فاستفتى الجواد عليه السلام،
فقال: إن كنت نويت الدنانير والدراهم فتصدق بثمانين درهما " وإن كان فيه أن
الجواد عليه السلام لم يلحق بأيام المتوكل فهو إما اشتباه والجواب لعلي بن محمد
الهادي عليه السلام أو لغير المتوكل من الخلفاء.
وعلى كل حال فالذي يقوي في النفس ما ذكره، كما أن الذي يقوى ما سمعته
من ابن إدريس من كون المراد بالدراهم ما تقع به المعاملة وقت النذر، وقد يحتمل
إرادة المتعارف منه وقت السؤال، بل قيل: إن ذلك هو المتعين بناء على الاجتزاء
بها مطلقا، فيخرج حينئذ قيمتها في مثل هذا الوقت، والله العالم.
* (ولو قال خطير أو جليل فسره بما أراد) * مما قصده به إن كان قصد به
شيئا معينا أو مما أراد مما يصدق عليه عرفا ذلك.
* (و) * حينئذ * (مع تعذر التفسير بالموت) * مثلا * (يرجع إلى الولي) *
كما في غيره من الألفاظ المطلقة، لكن في المسالك " هذا الوصف وإن كان دالا عرفا
على زيادة على المتمول إلا أنه قابل للتأويل بأن المال خطير في نفسه شرعا لترتب
الكفر على مستحل القليل منه، وقطع اليد التي قيمتها خمسمائة دينار بربع دينار
منه، وغير ذلك، فيرجع إليه في التفسير، كما تقدم بحثه في الاقرار، لكن هنا
له أن يفسره بما أراده وإن لم يكن قصد شيئا حالة النذر بخلاف الاقرار،
فإن الواجب عليه تفسيره بما يوجب براءة ذمته، بحيث يكون موافقا
للواقع ".
وفيه ما لا يخفى من أن المتجه مع عدم قصده المؤول إرادة المعنى العرفي، فلا

(1) مخطوط.
418

يقبل تفسيرها بغيره مع عدم قصده له، وفرق واضح بين المقام الذي يراد منه الاطلاق
وبين الاقرار الذي هو الاخبار بشئ معين، كما أن المتجه مراعاة الصدق عرفا
لو رجع الأمر إلى الولي، نعم لو أقر الولي أنه قصد شيئا معينا فلا إشكال في لزومه
في حقه وحق الوارث، والله العالم.
* (ولو نذر الصدقة في موضع معين وجب) * سواء اشتمل على مزية أو لا،
بناء على المختار من عدم اعتبار الرجحان في الأوصاف والقيود، بل في المسالك
وكشف اللثام ذلك حتى على القول الآخر، للفرق بين الصدقة وبين الصلاة والصوم
بأن الغرض من الصدقة في المكان المعين الصدقة على أهله، فيكون تعيين المكان
في قوة تعيين المتصدق عليه، فلا يصح العدول عنه إلى غيره وإن كان غيره أفضل منه،
كما لو نذر الصدقة على شخص معين ابتداء، فإنه لا يجوز العدول عنه إلى غيره،
بخلاف الصلاة والصيام، فإن العبادة أمر واحد في نفسها، وإنما تتفاضل بالزمان
والمكان، فإذا نذرها في مكان لا مزية فيه فكأنه قد نذرها بوصف مباح أو
مرجوح، فلا ينعقد على ما تقرر.
قلت: هو جيد بناء على إرادته ومن حضر فيه من الأهل أيضا، كما اعترف
به في آخر البحث، والأمر سهل بعد أن كان المختار في المسألة الانعقاد في مثله.
وعلى كل حال فلا يجزئ الصدقة على أهله في غيره، لأن المفروض نذر الصدقة في
المكان المخصوص.
نعم قيل يأتي على القول بعدم تعيين المكان مع عدم المزية عدم اعتباره هنا
أيضا إذا صرف المنذور على أهله نظرا إلى أن المقصود الصدقة عليهم وقد
حصل، ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من نظائر المسألة، فيجب
حينئذ مراعاة المكان.
* (و) * حينئذ ف‍ * (لو صرفها في غيره) * ولو على أهله * (أعاد الصدقة
بمثلها فيه) * لعدم صدق الامتثال مع التمكن منه إذا كان النذر مطلقا، وضمانه لما
أتلفه إذا كان معينا، بل يكفر أيضا كما في القواعد والمسالك، لكن قد يشكل وجوب
419

الإعادة في المعين بانحلال النذر وذهاب العين إلا أن ظاهر الأصحاب
خلافه.
ولو فرض فساد المكان فالظاهر الاجتزاء بالصدقة على أهله في غيره مع احتمال
انحلال النذر، لكونه نذرا واحدا، والفرض انحلاله، لكن الأقوى الأول،
وقال ابن مهزيار (1): " قلت لأبي الحسن عليه السلام رجل جعل على نفسه نذرا إن
قضى الله عز وجل حاجته أن يتصدق في مسجده بألف درهم نذرا، فقضى الله عز
وجل حاجته فصير الدراهم ذهبا ووجهها إليك أيجوز ذلك أم يعيد؟ قال: يعيد "
وهو شاهد على ما قلناه بناء على أن المراد يعيد الصدقة في مسجده.
وعلى كل حال فقد ظهر لك من جميع ما ذكرناه أنه متى نذر الصدقة على
وجه يعين مقدارا وجنسا ومحلا ومكانا وزمانا، بل لا تجزئ القيمة في المتعين،
ولا يملك المنذور له الابراء منه، وفي وجوب قبوله نظر ينشأ من توهم أنه كالدين
أو الهبة وإن كان لا يخفى عليك قوة الثاني منهما، وحينئذ فإن لم يقبله سقط عنه،
كما عن الفاضل وولده التصريح به، ولعل مرادهما مع الامتناع أبدا للتعذر حينئذ
لا آنا ثم رجع إلى القبول، فتأمل.
ولو أطلق قدرا في الذمة صح، ولا يجزئ غيره، والأقوى الاجتزاء باحتساب
الدين هنا. ولو أبرأه المستحق هنا أو وهبه المعين قبل قبضه أو اعتاض عنه أمكن
الصحة إن كان صيغة نذره " إن لفلان علي كذا " أو " عندي أو له الدابة المعينة "
وجوزناه كما في الدروس.
وإن نذر الصدقة عليه أو الاهداء إليه أو الايصال لم يجز الابراء والهبة
والاعتياض، وعليه يتفرع سقوطه وانتقاله إلى الوارث بعد وفاة المنذور له.
نعم في الدروس له مطالبته به على التقادير، وحينئذ لو اختلفا في الدفع
حلف المنكر، لكن قد يشكل بأنه تكليف شرعي لا يتضيق عليه إلا بعد الوفاة، فليس

(1) الوسائل الباب - 9 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
420

له حق المطالبة.
وفي شرح الصيمري بعد أن اختار ما سمعته من الشهيد قال: " إلا مع الامتناع
لا يجوز حبسه ولا مقاصته، لإباحة التأخير له " وفيه أنه مناف لجواز مطالبته به،
على أنه يمكن فرض النذر مضيقا فتأمل. وكيف كان فيجوز التوكيل في دفعه
وقبضه.
ولو عين شاة فنمت تفرع النماء على التمليك أو التصدق، فيملكه المنذور له
إن قلنا بالتملك القهري.
وإن قال: " أن أتصدق " وفي الدروس في ملكه هنا تردد من إجراء مأخذ
الأسباب مجرى وقوع المسبب أم لا، ولو جعل المال صدقة بالنذر ففي خروجه عن
ملكه تردد من إجرائه مجرى الوقف العام أم لا، وقطع لفاضل بالخروج.
وفيه أنه لا وجه لدخوله في الملك مع فرض كون النذر " أتصدق " كما أنه
لا وجه لعدم كونه ملكا لو نذره صدقة وقلنا بصحته.
ولو نذر صرف زكاة أو خمس على معين لزم إن لم يناف التعجيل المأمور به،
بل في الدروس " ولو نافى الأفضلية كالبسط وإعطاء الرحم والأفقه والأعدل ففيه
نظر أقربه مراعاة النذر - ثم قال -: ولو خرج المعين عن الاستحقاق بطل،
فلو عاد إلى الاستحقاق فالأقرب عود النذر ما لم يكن قد أخرجه " ولا يخلو من
نظر، والله العالم.
* (ومن نذر أن يتصدق بجميع ما يملكه لزمه النذر) * مع فرض عدم ما يقتضي
زوال الرجحان المعتبر في انعقاد النذر وإلا انعقد فيما لم يكن فيه ذلك دونه، لما
عرفته مكررا من الصحة في مثل ذلك وإن قلنا بكراهة الصدقة بجميع المال، إلا أنه
مكروه العبادة الذي قد عرفت انعقاد نذره.
نعم في المتن وغيره * (فإن) * نذر كذلك و * (خاف الضرر قوم ماله وتصدق
أولا فأولا حتى يعلم أنه قام بقدر ما لزم) * بالنذر نظرا إلى صحيح محمد بن يحيى
421

الخثعمي (1) قال: " كنا عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة إذ دخل عليه رجل من
موالي أبي جعفر عليه السلام فسلم ثم جلس وبكى، ثم قال: جعلت فداك إني كنت
أعطيت لله عهدا إن عافاني الله من شئ كنت أخافه على نفسي أن أتصدق بجميع ما
أملك، وإن الله عز وجل عافاني منه، وقد حولت عيالي من منزلي إلى قبة في خراب
الأنصار، وقد حملت كل ما أملك فأنا بائع داري وجميع ما أملك وأتصدق به،
فقال أبو عبد الله عليه السلام: انطلق وقوم منزلك وجميع متاعك وما تملك بقيمة عادلة،
فاعرف ذلك، ثم اعمد إلى صحيفة بيضاء فاكتب فيها جملة ما قومته، ثم انطلق إلى
أوثق الناس في نفسك فادع إليه الصحيفة وأوصه ومره إن حدث بك حدث الموت أن
يبيع منزلك وجميع ما تملك فيتصدق به عنك، ثم ارجع إلى منزلك وقم في مالك
على ما كنت فيه، فكل أنت وعيالك مثل ما كنت تأكل، ثم انظر إلى كل شئ
تصدق به عما يستقبل عليك من صدقة أو صلة قرابة أو في وجوه البر فاكتب ذلك كله
وأحصه، فإذا كان رأس السنة فانطلق إلى الرجل الذي أوصيت إليه، فمره أن يخرج
إليك الصحفية، ثم اكتب فيها جملة ما تصدقت وأخرجت من صلة قرابة أو بر في
تلك السنة، ثم افعل مثل ذلك في كل سنة حتى تفي لله بجميع ما نذرت فيه، ويبقى
لك منزلك ومالك إنشاء الله، قال: فقال الرجل: فرجت عني يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله
جعلني الله فداك ".
وقد اعترف في المسالك بتلقي الأصحاب له بالقبول، وكان مخالفته لضوابط
النذر أولا بالصدقة بالقيمة عن منذور العين، وثانيا بعدم وجب تعجيل الصدقة بما
لا يضر به من المال، وثالثا بعدم بطلان النذر فيما يضر به من الصدقة منه.
ويمكن دفع الأخير بأنه لا وجه للبطلان بعد إمكان دفع الضرر بالطريق
الخاص، فيبقى حينئذ ما دل على وجوب الوفاء بالنذر (2) مؤيدا بالصحيح المزبور

(1) الوسائل الباب - 14 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(2) سورة الحج: 22 - الآية 29 وسورة الانسان: 76 - الآية 7 والوسائل
الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الايلاء والكفارات.
422

بلا معارض، بل والثاني بعدم ما يدل على وجوب التعجيل، لما عرفت أن الأمر
بالوفاء للطبيعة التي لا يقتضي فورا ولا تراخيا لأصالة براءة الذمة من التعجيل بحالها،
بل والأول بناء على إجزاء القيمة في مثله، ولو لأن مقصوده الصدقة بذلك من
حيث قدره لا من حيث عينه، ولعله لذا تلقاه الأصحاب بالقبول لعدم مخالفته
للقواعد بوجه.
ومنه يعلم النظر فيما في المسالك من أنه يبقى الكلام فيما خرج عن النص،
كما لو لم يكن نذر الصدقة بجميع ماله بل ببعضه، وإن كان الأولى خلافه، والضرر
يندفع بتقويمه، فهل يعمل به كما في الرواية أم يبطل النذر؟ وجهان من مشاركته
للمنصوص في المقتضي، وكون كل فرد من أفراد ماله على تقدير نذر الجميع
منذور الصدقة، ولم ينظر إلى آحاده، وإنما نظر إلى المجموع ورجع فيه إلى التقويم،
ومن خروجه عن الأصل، فيقتصر فيه على مورده، ولا يلزم من الحكم في الجميع
الحكم في الأبعاض، لأنهما غيران، وهذا أجود، إذ قد عرفت أن الأول أجود
لا الثاني، والله العالم.
* (ومن نذر أن يخرج شيئا من ماله في سبيل الخير تصدق به على فقراء
المؤمنين أو في حج أو في زيارة أو في شئ من مصالح لمسلمين) * لأن السبيل الطريق،
فالمراد ما كان وصلة إلى الخير والثواب وطريقا إليه من جميع أنواع القرب، وعن
الشيخ أنه حصر سبيل الخير في الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين لمصلحة
والمكاتبين، وجعل سبل الثواب الفقراء والمساكين ويبدأ بأقاربه، وسبيل الله الغزاة
والحج والعمرة، لكنه كما ترى لا دليل عليه، بل العرف شاهد بخلافه إلا أن يقصد
الناذر، والله العالم.
423

* (مسائل الهدي:) *
* (إذا نذر أن يهدي بدنة) * مثلا إلى مكة أو منى لزم بلا خلاف ولا إشكال،
بل في المسالك الاجماع عليه.
وإن لم يعين أحدهما * (انصرف الاطلاق إلى الكعبة، لأنه الاستعمال
الظاهر في عرف الشرع) * ولأنها محله شرعا، قال الله تعالى (1) " ثم محلها إلى
البيت العتيق " وقال (2): " هديا بالغ الكعبة " ولقول الصادق عليه السلام في صحيح
الحلبي (3): " إنما الهدي ما جعل الله هديا للكعبة " ولكن في صحيح ابن مسلم (4)
عن الباقر عليه السلام " في رجل قال عليه بدنة ولم يسم أين ينحر؟ قال: إنما المنحر
بمنى، يقسمونها بين المساكين ".
إلا أنه في المسالك " عمل الأصحاب على الأول ما لم يسم منى ولو بالقصد،
فينصرف إليها وإلا فلا، والرواية باشتراك محمد لا تصلح معارضا وصحتها إضافية "
قلت: قد يقال إنه لا عرف في زماننا لمثل الفرض يقتضي كون المراد الكعبة، فلا
يبعد العمل بالنص بالنسبة إلى ذلك.
* (و) * على كل حال فلا إشكال في أنه * (لو نوى منى لزم) * إنما
الكلام مع الاطلاق.
* (ولو نذر الهدي إلى غير الموضعين لم ينعقد، لأنه ليس بطاعة) * وقد عرفت
اعتبار ذلك في الانعقاد، ضرورة عدم مشرعية الهدي في غيرهما وإن استحب أصل
الذبح، ولعل هذا غير ما يأتي للمصنف من انعقاد نذر نحر الهدي في
غيرهما.

(1) سورة الحج: 22 - الآية 33.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 95.
(3) الوسائل الباب - 4 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 11 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
424

وفي الدروس " ولو نوى غيرهما وقصد الصدقة أو الاهداء للمؤمنين صح، وإن
قصد الاهداء للبقعة بطل، وإن قصد مجرد الذبح فيها فهو من المباح، وأطلق في
المبسوط بطلان النذر، وفي الخلاف الصحة وأوجب التفرقة بها، وفي رواية محمد (1)
السالفة " إذا سمي مكانا فلينحر فيه ".
قلت: ستعرف تمام الكلام في المسألة، وإنما المراد عدم مشروعية الهدي
لغيرهما إلا أن يكون بمعنى الاهداء أو الصدقة كما أومي إليه الشهيد في أول
الكلام، والله العالم.
* (ولو نذر أن يهدي واقتصر انصرف الاطلاق عرفا في الهدي إلى النعم) *
لأن الهدي شرعا عبارة عن ذلك، بل عن الخلاف الاجماع عليه * (و) * لكن * (له
أن يهدي أقل ما يسمى من النعم هديا) * وإن لم يكن جامعا لشرائط الهدي الذي
هو نسك، فهو هدي غير الهدي المعروف في الحج.
* (وقيل) * والقائل الشيخ في أحد قوليه: * (كان له أن يهدي) * كل
ما يتمول * (وإن كان بيضة) * أو تمرة، لأن اسم الهدي يقع على الجميع، فيقال:
أهدى بيضة وتمرة، وقال الله تعالى (2): " يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ
الكعبة " وقد يحكمان بقيمة عصفور أو جرادة، وفي الحديث (3) " من راح في
الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة ".
وفيه أنه مناف للمنساق من الاطلاق، بل ولقول الصادق عليه السلام في صحيح
الحلبي (4) وسئل عن الرجل يقول أنا أهدي هذا الطعام: " ليس بشئ، إن
الطعام لا يهدى " وقال عليه السلام أيضا في خبر أبي بصير (5): " فإن قال الرجل أنا

(1) الوسائل الباب - 11 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 95.
(3) سنن البيهقي ج 3 ص 226 وفيه " قرب بيضة ".
(4) الوسائل الباب - 4 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد الحديث 3
425

أهدي هذا الطعام فليس هذا بشئ، إنما تهدى البدن " وفي صحيح الحلبي (1) عن
الصادق عليه السلام " سئل عمن يقول للجزور بعد ما نحره هذا هدي لبيت الله، فقال عليه السلام:
إنما تهدي البدن وهن أحياء، وليست تهدى حين صارت لحما " إلى غير ذلك
من الأخبار.
بل ظاهرها عدم الفرق بين أن يقول: " علي أن أهدي " أو " أهدي هديا "
أو " أهدي الهدي " وعن الشافعي الموافقة في الأخير دون غيره، بل ظاهرها عدم إجزاء
غير النعم أو غير البدن حتى مع التصريح باهداء الطعام ونحوه فضلا عن الاطلاق،
ولعل المراد أنه الهدي المعتبر شرعا لا مطلق الاهداء، والحصر في البدن في الأخير
إضافي.
* (و) * على كل حال * (قيل: يلزمه ما يجزئ في الأضحية) * من النعم،
فيعتبر السن حينئذ وغيره مما يعتبر فيها، فلا يجزئ المسمى من النعم، بل في
المسالك " المشهور في المسألة أن من قال بوجوب الهدي من النعم اعتبر فيه شروط
الأضحية وجعله مقابلا للقول الثاني لا غير " وحينئذ فقول المصنف * (والأول أشبه) *
ليس قولا لأحد إلا أنك قد عرفت وجهه وإن كان الأوجه خلافه للانسياق والظاهر
النصوص، والله العالم.
* (ولو نذر أن يهدي إلى بيت الله سبحانه غير النعم قيل: يبطل النذر) *
كما في محكي السرائر والجامع والاصباح وغيرها، وفي كشف اللثام هو
اختيار الحسن والقاضي وأبي علي، لاختصاص مشروعية الهدي بالنعم، فلا
يتعلق النذر بغيره.
* (وقيل) * كما عن المبسوط: * (يباع ذلك ويصرف في مصالح البيت) * وعن
الفاضل اختياره في المختلف، لأنه قربة وطاعة ولو لاندراجه في الصدقات ونحوها
لا في اسم الهدي.

(1) الوسائل الباب - 4 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
426

وفي صحيح علي بن جعفر (1) " سأل أخاه عليه السلام عن رجل جعل جارية هديا
للكعبة كيف يصنع؟ قال: إن أبي أتاه رجل جعل جاريته هديا للكعبة فقال له:
مر مناديا يقوم على الحجر فينادي ألا من قصرت به نفقته أو قطع به أو نفد
طعامه فليأت فلان بن فلان، وأمره أن يعطي أولا فأولا حتى يتصدق بثمن
الجارية ".
وفي خبر أبي بكر الحضرمي (2) عن الصادق عليه السلام قال: " جاء رجل إلى
أبي جعفر عليه السلام قال: إني أهديت جارية إلى الكعبة، فأعطيت بها خمسمائة دينار،
فما ترى؟ قال: بعها ثم خذ ثمنها، ثم قم على هذا الحائط حائط الحجر، ثم
ناد، واعط كل منقطع وكل محتاج من الحاج ".
وفي خبر آخر لعلي بن جعفر (3) سأل أخاه عليه السلام " عن الرجل يقول هو
يهدى إلى لكعبة كذا وكذا ما عليه إذا كان لا يقدر على ما يهديه؟ قال: إن كان
جعله نذرا ولا يملكه فلا شئ عليه، وإن كان مما يملك غلام أو جارية أو
شبهه باعة واشترى بثمنه طيبا فيطيب به الكعبة، وإن كانت دابة فليس
عليه شئ ".
وفي المروي عن قرب الإسناد (4) عنه أيضا أنه سأل أخاه عليه السلام " عن رجل
جعل ثمن جاريته هديا للكعبة فقال: مر مناديا يقوم على الجحر فينادي ألا من
قصرت نفقته أو قطع به أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان وأمره أن يعطي أولا فأولا

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب مقدمات الطواف الحديث 7 من كتاب
الحج.
(2) الوسائل الباب - 22 - من أبواب مقدمات الطواف الحديث 8 من كتاب
الحج عن أبي الحر عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 22 - من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2 من كتاب
الحج.
427

حتى ينفد ثمن الجارية ".
وفي خبر ياسين (1) " أن قوما أقبلوا من مصر فمات منهم رجل فأوصى
بألف درهم للكعبة، فسئل الباقر عليه السلام، فقال: إن الكعبة غنية، انظر إلى من أم
هذا البيت فقطع به أو ذهبت نفقته أو ضلت راحلته أو عجز أن يرجع إلى أهله فادفعها
إلى هؤلاء الذين سميت " بناء على أن الوصية لها كالنذر لها، وحينئذ فيستفاد منه
نذر غير الثلاثة وغير النعم، بل قد يستفاد ذلك من الخبر الأخير لعلي بن جعفر وإن
أخرج الدابة منه مع أن الدابة أحد الثلاثة التي يظهر من المصنف وغيره كون
الخلاف في غيرها.
قال: * (أما لو نذر أن يهدي عبده أو جاريته أو دابته بيع ذلك وصرف ثمنه
في مصالح البيت أو المشهد الذي نذر له وفي معونة الحاج والزائرين) * وعن السرائر
نسبته إلى الرواية إلى أن قال: " أو الزائرين الذين خرجوا للسفر وتناولهم اسم
الحاج والزائرين، ولا يجوز لأحد أن يعطي شيئا من ذلك لأحد منهم قبل خروجهم
إلى السفر " مع أنه قال فيها: " فإن قال: متى كان كذا فلله علي أن أهدي هذا
الطعام إلى بيته لم يلزمه ذلك، لأن الاهداء لا يكون إلا في النعم ".
وفي كشف اللثام وهو صريح في الفرق بين الثلاثة وغيرها، للنص ولذا فرق
المصنف أيضا، وقصر الخلاف على غيرها، ومثله المحقق في الشرائع - ثم قال -:
ونحو السرائر الاصباح والجامع بزيادة العصفور والدجاج مع الطعام، وكلام
القاضي بزيادة الثوب على المملوك والدابة إلا أنهم لم يذكروه رواية ونص أبو علي
علي بيع الغلام والجارية وشراء الطيب للكعبة، وقال: ولو قال من الحيوان غير
الإنسي أو الثمانية الأزواج فلم يلزمه شئ، فأخرج الدابة من الثلاثة كما فيما
مر من الخبر ونص المبسوط فإن عين فإن كان مما ينقل ويحول كالنعم والدراهم

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب مقدمات الطواف الحديث 6 من كتاب
الحج.
428

والدنانير والثياب وغيرها انعقد نذره ولزم نقله إلى الحرم وتفرقته في مساكين الحرم
إلا أن يعين الجهة التي نذر لها كالثياب لستارة الكعبة وطيبها ونحوهما، فيكون
على ما نذره، إن كان مما لا ينقل ولا يحول مثل أن يقول: لله على أن أهدي داري
هذه وضيعتي هذه وهذه الشجرة لزمته قيمته لمساكين الحرم، فيباع ويبعث بالثمن
إلى مساكين الحرم، فعمم الانعقاد لكي شئ والصرف في المصالح لكنه خص
الصرف إلى المساكين، ولعله أحوط، للأخبار ولأن الهدي من النعم يصرف إليهم،
ولم يوجب البيع وصرف الثمن فيما ينقل، لامكان صرف نفسه، والأمر كذلك
لكنه إن كان صرف الثمن أصلح للمساكين كان أولى، وعليه ينزل الاطلاق في الأخبار
وكلام الأصحاب، وما فيه من التعميم هو المختار، لما عرفت من الاعتبار والأخبار،
وهو خيرة المختلف والتحرير ".
قلت: يقوى في النظر عدم الفرق بين الثلاثة والنعم وبين غيرها من المال إذا
كان المراد الاهداء والصدقة لا الهدي النسكي، كما أنه يقوى صرفه فيما يرجع إليها
من تعظيم ونحوه، كما أشعر به خبر (1) التطيب الذي منه يستفاد أولوية البناء
ونحوه، ولعل مما يرجع إليها الصرف إلى الحجاج والمعتمرين.
والظاهر مساواة النذر للمشاهد المعظمة لها في ذلك أما النذر لمن فيها من
الأئمة الميامين والأولياء المرضيين فالظاهر إرادة صرفه في سبيل الخير بقصد رجوع
ثوابه إليهم من غير فرق بين الصدقة على المساكين والزائرين وغير الصدقة من وجوه
الخير التي يرجع ثوابها إليهم، كل ذلك مع عدم قصد من الناذر ينافيه وإلا اتبع
قصده، كما أنه يتبع ما يتعارف من لفظه الذي جعله عنوانا لنذره.
ولو نذر زيارة النبي صلى الله عليه وآله انعقد، لأنها من أمهات الطاعات، سواء قصد زيارة
المسجد أو لا، وكذا زيارة أحد الأئمة أو قبور أحد الصالحين.
والظاهر انصراف نذر زيارتهم عليهم السلام إلى قصدهم في امكانهم حتى الحجة (عجل الله
تعالى فرجه الشريف) منهم وإن كان عليه السلام يزار في كل مكان إلا أن يريد ذلك

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
429

لا خصوص السرداب.
ولو عين إماما لم يجز غيره وإن عجز عنه وإن أطلق الوقت فهو موسع ولو
قيده بوقت وجب، فإن أخل بها عامدا ففي الدروس " قضى وكفر وإلا فالقضاء "
قلت: قد يتوقف في وجوب القضاء للأصل فتأمل.
ويكفي في الزيارة الحضور في المقام وفي الدروس " الأقرب وجوب السلام،
لأنه المتعارف من الزيارة " وهو كذلك مع فرض التعارف، وعلى كل حال فلا يجب
الدعاء ولا الصلاة وإن استحبا، والله العالم.
* (ولو نذر نحر الهدي بمكة وجب) *، لأنه عبادة فيها وطاعة * (و) * لكن
* (هل يتعين) * عليه * (التفرقة بها؟ قال الشيخ) * وأكثر المتأخرين كما في
المسالك: * (نعم عملا بالاحتياط) * لحصول يقين البراءة بذلك، بخلاف ما لم
يفرق أو يفرق في غيرها بل قد يدعى انسياق ذلك من الاطلاق، وأنه المقصود من
الذبح والنحر، بل قيل: لو لم يلزمه التفرقة لم يصح النذر، إذ لا فائدة، ولا أدب
في جعل الحرم مجردة بدون الصدقة فيه، * (وكذا) * الكلام في نذر النحر * (بمنى) *
وإن كان فيه أن المنذور نفس الذبح الذي قد عرفت كونه نفسه طاعة فيها، والأصل
براءة الذمة من غيره، نعم لو كان هناك عرف يقتضي التفرقة في أهلهما في إطلاق
النذر وجب اتباعه على وجه لا يجزئ التفرقة في غيرهما فضلا عن عدم التفرقة أصلا
وإلا فلا، والأمر سهل بعد أن كان المدار العرف.
* (ولو نذر نحره) * أي الهدي الذي نذر سوقه إلى مكة * (بغير هذين
الموضعين) * أي مكة ومنى أو أن المراد لو نذر النحر في غير الموضعين على حسب
ما هو المتعارف الآن بين الناس بمن نذر الذبح في بعض البقع الخاصة من المشاهد وغيرها
* (قال الشيخ: لا ينعقد) * لعدم التعبد بذلك شرعا، وقد عرفت اعتبار كون
المنذور طاعة.
* (ويقوى أنه ينعقد) * وفاقا للمحكي عن الأكثر * (لأنه) * يرجع
430

إلى أنه * (قصد) * نذر * (الصدقة على فقراء تلك البقعة، وهو طاعة) * بل
قد يقال: إن نفس الذبح لله طاعة، لأنه يجب إراقة الدماء وخصوص البقعة من
قيود المنذور التي قد عرفت مكررا عدم اعتبار الرجحان فيها نحو الصلاة في البيت،
كل ذلك مضافا إلى ما في صحيح محمد بن مسلم (1) عن الباقر عليه السلام " في رجل
قال عليه بدنة ينحرها بالكوفة، قال: إذا سمى مكانا فلينحر فيه ".
وفي المسالك " قد يستدل به على انعقاد نذر المباح لأن الذبح في غير البلدين
ليس طاعة بمجرده " وفيه ما عرفت من إمكان كون ذلك من القيود التي لا يعتبر فيها
الرجحان وإن قلنا بعدم انعقاد نذر المباح، خصوصا إذا كان المراد من النذر المزبور
تفرقته في فقراء تلك البقعة، كما هو ظاهر المصنف وإن قلنا بعدم اعتبار ذلك في
صحة النذر، لما عرفت من رجحان نفس الذبح شرعا، بل عن المختلف عدم انسياق
التفرقة في أهل تلك البقعة من النذر المزبور، فله التفرقة في غيرها، بل ظاهر
المحكي عنه عدم لزوم أصل التفرقة في أهل تلك البقعة، وقد
ذكرنا أن المسألة تختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، ولعل القول بفهم العرف
إرادة تفرقته في ذلك الموضع من إطلاق نذر الذبح فيه لا يخلو من قوة.
* (ولو نذر أن يهدي بدنة فإن نوى من الإبل لزم) * ذلك بلا خلاف ولا
إشكال * (وكذا لو لم ينو) * بل قصد مسماها الواقعي * (لأنها) * لغة وعرفا
* (عبارة عن الأنثى من الإبل) * خلافا لبعض العامة فقال: اسم البدنة يقع على
الإبل والبقر والغنم جميعا فإن نوى شيئا بعينه فذاك، وإلا تخير، وعن آخر
منهم أنه يتخير ناذرها بينها وبين البقرة أو سبع شياه، لأن المعهود من الشارع إقامة
كل منهما مقام الأخرى.
ولا يخفى عليك أن كلا من القولين خرافة، خصوصا بعد قول الصادق عليه السلام
في خبر حفص بن غياث (2) بطريقين: " من نذر بدنة فعليه ناقة يقلدها ويشعرها

(1) الوسائل الباب - 11 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 11 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 - 2.
431

ويقف بها بعرفة " وقولهم عليهم السلام (1) " البدنة والبقرة تجزئ عن سبعة " وقوله
تعالى (2): " فإذا وجبت جنوبها ".
نعم هل يشترط فيها الصحة والكمال وغيرهما من شروط الأضحية أم يكفي
ما يطلق عليه اسمها لغة؟ في المسالك " وجهان قد سلف الكلام فيهما وبنائهما على
ما تقدم من أن مطلق النذر هل يحمل على أقل واجب من ذلك الجنس أو على
أقل ما يتقرب به منه، ومثله ما لو نذر أن يهدي بقرة أو شاة ".
قلت: قد عرفت أن ذلك لا يبنى على ذلك، بل على أنه إن كان المراد الهدي
النسكي اعتبر فيه حينئذ ما يعتبر فيه وإلا كفى مسماه، بل الظاهر ذلك
حتى مع الاطلاق.
* (وكل من وجب عليه بدنة في نذر فإن لم يجد لزمه بقرة فإن لم يجد فسبع
شياه) * بلا خلاف أجده فيه بيننا، ولم يجد إلا الأقل من سبع شياه فالأحوط
إن لم يكن الأقوى وجوبه، لقاعدة الميسور، " وإذا أمرتكم " نعم لو قدر على
بعض البدنة أو البقرة لا يجزئ، لأن البدل مقدم على البعض، لثبوته شرعا على
تقدير العجز عن مجموع المبدل من غير التفات إلى القدرة على البعض،
والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب الذبح من كتاب الحج.
(2) سورة الحج: 22 - الآية 36.
432

* (وأما اللواحق فمسائل:) *
* (الأولى:) *
لا إشكال ولا خلاف نصا (1) وفتوى في أنه * (يلزم بمخالفة النذر المنعقد
كفارة) * وهي عند جماعة كفارة * (يمين وقيل: كفارة من أفطر) * يوما * (في
شهر رمضان، والأول) * وإن قال المصنف: إنه * (أشهر) * إلا أن الثاني أصح،
كما تقدم الكلام فيه مفصلا (2) * (و) * كذا تقدم في أنه * (إنما تلزم الكفارة
إذا خالف عامدا مختارا) *، فلاحظ وتأمل، والله العالم.
المسألة * (الثانية:) *
* (إذا نذر صوم سنة معينة) * مثل هذه السنة من دون اشتراط التتابع
* (وجب صومها أجمع) * لاطلاق الأدلة وعمومها * (إلا العيدين وأيام التشريق
إن كان بمنى) * ناسكا أو مطلقا على الخلاف السابق، لخروجها عن النذر، خلافا
للعامة في وجه. * (و) * حينئذ ف‍ * (لا تصام هذه الأيام ولا تقضى و) * ذلك لما عرفت
من خروجها عن النذر، نعم * (لو كان بغير منى لزمه صيام أيام التشريق) * لوجود
المقتضي وانتفاء المانع.
لكن قد يشكل ذلك في خصوص أيام التشريق إن لم يكن إجماعا، لشمول
اللفظ لها، وعدم لزوم كونه بمنى فيها، فهي حينئذ كأيام الحيض والسفر التي ستعرف
وجوب قضائها، وربما كان هذا هو الوجه الذي سمعته من العامة، إلا أنه لا أجد
خلافا بين أصحابنا في كونها كالعيدين في خروج ذاتها عن إطلاق النذر إذا كان بمنى،

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات من كتاب الايلاء والكفارات.
(2) راجع ج 33 ص 174 - 178.
433

ولعله لأن الأصل عدم القضاء.
وعلى كل حال * (فلو أفطر عامدا لغير عذر في شئ من أيام السنة قضاه وبنى
إن لم يشترط التتابع وكفر) * بلا خلاف في شئ من ذلك، بل ولا إشكال في التكفير
للمخالفة المقتضية له نصا (1) وفتوى، بل ولا القضاء لعموم " من فاتته " (2)
ولصيرورته بالنذر من الصوم الواجب الموقت الذي يقضي لو فات، وأما البناء فلأن
الفرض عدم نذر التتابع، ففواته لا يقتضي فوات المنذور الذي هو كل يوم يوم بخصوصه،
والتتابع فيه اتفاقي لا نذري، فهو كصوم شهر رمضان الذي ينحل إلى الأمر بصوم
كل يوم يوم منه على انفراده وإن سمي المجموع باسم السنة والشهر إلا أن المنذور
ليس ذلك من هذه الحيثية بل هو ذات كل يوم يوم على وجه لا مدخلية لامتثال
كل يوم يوم بالمخالفة له في غيره، مع احتماله، * (و) * لكن ظاهر الأصحاب الاتفاق
على عدمه، وأنه لا ينحل النذر بذلك، بل يبقى مخاطبا بما بقي من أيامها ومكلفا
بقضاء ما فات مع صحة ما مضى منه قبل المخالفة.
نعم * (لو شرط) * التتابع * (استأنف) * عند المصنف لأن ذكر التتابع يدل
على كونه مقصودا، ولا بد من تحصيله وقد فات بتخلل الافطار، فيجب تحصيله
بالاستئناف وإتمام السنة بعد انقضاء المعين بقدر ما فات فيها.
وفيه أن الأصل البراءة وصوم كل يوم عبادة مغايرة لصوم غيره، وإنما يجب
عليه قضاء ما أخل له ولما لم يكن تدارك ما وجب عليه من التتابع الذي هو صفة للعبادة
لم يجب عليه، لعدم إمكان الاتيان بالصفة دون الموصوف، إذ الاستئناف إنما يفيد
التتابع في القضاء دون المنذور، لأن الفرض كون السنة معينة، بل ربما قيل:
إن اشتراط التتابع فيها لغو وإن كان فيه ما فيه، ولعله لذا جزم الفاضل في القواعد
بعدم الاستئناف.
* (وقال بعض الأصحاب) * وهو الشيخ في المبسوط فيما حكي عنه: إنه * (إن

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات من كتاب الايلاء والكفارات.
(2) راجع التعليقة (1) من ص 385.
434

تجاوز النصف جاز البناء ولو فرق) * عمدا وإلا فلا، * (و) * نسبه إلى رواية
أصحابنا لكن * (هو) * كما ترى * (تحكم) * إن كان مراده بالرواية ما ورد (1) في
الشهر والشهرين، لحرمة القياس عندنا، ودعوى الأولوية ممنوعة كدعوى الحقيقة
الشرعية في التتابع.
وكيف كان فلا يدخل في الفرض شهر رمضان وإن قلنا بصحة نذره إلا إذا
قصده، خلافا للفاضل في القواعد، فأدخله لاندراجه في السنة، وحينئذ فيجب بافطاره
عمدا كفارتان، نعم على كل حال ليس عليه إلا قضاء يوم واحد، كما هو واضح.
هذا كله إن أفطر لغير عذر.
* (و) * أما * (لو كان) * الافطار * (لعذر كالمرض والحيض والنفاس بنى على
الحالين) * أي شرط التتابع وعدمه، لظهور الأدلة في الكفارة في عدم انقطاع التتابع
بالافطار لعذر * (و) * حينئذ ف‍ * (لا كفارة) * للأصل.
أما القضاء فقولان أجودهما ذلك، لعموم " من فاتته " (2) وللنصوص (3)
السابقة، والآخر العدم، للأصل ولأنه كالعيد في عدم الدخول في النذر، * (و) * فيه
منع واضح، ضرورة عدم قابلية العيد للصوم بخلاف الأيام المزبورة.
نعم * (لو نذر صوم الدهر صح) * وإن قلنا بكراهته إذ هو مكروه عبادة
* (ويسقط العيدان وأيام التشريق بمنى) * لما عرفت وفيها الاشكال السابق، بل ربما
احتمل البطلان في الجميع مع إطلاق الصيغة المتناولة للمجموع من حيث هو مجموع
ولم يحصل، وإن كان فيه أن المجموع هنا كالمجموع في السنة والشهر الذين عرفت
تناولها لكل يوم يوم، والمجموع تابع، ولا يضر تخلفه، خصوصا لعارض، بل

(1) الوسائل الباب - 3 و 5 - من أبواب بقية الصوم الواجب من كتاب الصوم.
(2) راجع التعليقة (1) من ص 358.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2 و 5 والباب
- 10 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
435

لو صرح بادخالها في النذر، فالأقوى الصحة فيما عداها وإن كان البطلان هنا أولى
لو قيل به ثم، كما أنه لا يخلو من وجه لو صرح بدخولها من حيث كون المراد
مسمى الدهر على وجه ينتفي بانتفاء اليوم منه، ولكن ذلك خروج عن الفرض الذي
هو إطلاق صوم الدهر على نحو إطلاق صوم الشهر والسنة.
* (و) * كيف كان فلا خلاف في أنه * (يفطر) * ناذر صوم الدهر * (في السفر) *
الذي وضع الله عنه الصوم فيه بعد أن لم يكن قد نواه، بل ظاهرهم وصريح المسالك
أن له اختيار السفر وإن كان غير ضروري، نعم قال في المسالك: " تجب الفدية بمد
عن كل يوم كالعاجز عن النذر " مع أنه لا يخلو من نظر، ضرورة عدم كونه كالعاجز
بحسب ذاته، فلا يثبت له حكمه للأصل وغيره.
وعلى كل حال ففي كلامهم هنا شهادة على ما ذكرناه من عدم وجوب نية
الإقامة لمن كان عليه قضاء شهر رمضان وقد تضيق، لكون الحضر شرط وجوب الصوم،
ولا يجب عليه تحصيله، ومنه المقام ونظائره، والله العالم.
* (وكذا) * تفطر * (الحائض في أيام حيضها) * التي حرم الله عليها الصوم
فيها * (و) * لكن * (لا يجب القضاء) * عليها ولا على المسافر * (إذ لا وقت له) *
لأن الفرض نذر صوم الدهر، لا لعدم اندراجها في متعلق النذر، بل لو أخل عامدا
لا قضاء عليه لذلك وإن وجب التكفير.
ولو كان عليه قضاء شهر رمضان أو صوم كفارة قبل النذر أو بعده فالظاهر
خروجهما عن وجوب النذر، وأن ذلك بحكم المستثنى جريا على المتعارف،
وحينئذ فلا يجب التأخير في قضاء شهر رمضان إلى أن يتضيق بدخول شهر رمضان،
لأن المستثنى كلية.
وأولى من ذلك خروج نفس شهر رمضان وإن دخل في الدهر والسنة إلا أن
المراد إيجاب ما يقتضيه النذر منهما، هذا إن قلنا بصحة نذر الواجب، وإلا فلا إشكال
في الخروج عن الاطلاق.
ومن الغريب احتمال الدخول والخروج في شهر رمضان دون قضائه، وبنائهم
436

الدخول والخروج على مسألة صحة نذر شهر رمضان وعدمه، مع أنه يمكن القول
بالخروج وإن قلنا بصحة نذره، للتعارف الذي ذكرناه.
ولو عين يوما للقضاء فهل له إفطاره قبل الزوال اختيارا؟ في القواعد إشكال،
وفي المسالك وجهان، قلت: لا ريب أن المتجه عدم جوازه، للنذر وإنما يكون
مستثنى إذا تم صحيحا قضاء لا مطلقا وحينئذ فإذا نوى تركه عاد وجوب النذر،
إذ الأمر لا يخرج عنهما، فالمستثنى اليوم الذي تم صومه قضاء، لا الذي نوى
كونه قضاء، وحينئذ فلو أفطره كان عليه كفارة النذر.
وفي القواعد متصلا بالاشكال السابق " فإن سوغناه ففي إيجاب كفارة خلف
النذر إشكال، ينشأ من أنه أفطر يوما من القضاء قبل الزوال ولا كفارة فيه، ومن
كون العدول عن النذر سائغا بشرط القضاء، فإذا أخل به فقد أفطر يوما كان يجب
صومه بالنذر لغير عذر، إذ العذر صوم القضاء ولم يفعله، وبافطاره خرج عن كونه
قضاء، لأن سقوط الكفارة في اليوم الأول يوجب سقوطها في اليوم الثاني، وهكذا،
أي فيؤدي إلى سقوط النذر وخروج المنذور عن الوجوب ".
وفيه أنه لا وجه للاشكال في عدم وجوب كفارة النذر بعد التسويغ وكونه
قضاء، والفرض خروجه عن النذر، بل قد يقوى وجب كفارة النذر خاصة لو
أفطر بعد الزوال، ضرورة عدم تشخصه قضاء إلا بعد تمامه كذلك فلا يلحقه كفارة
قضاء شهر رمضان.
لكن في القواعد " لو عين وأفطر بعد الزوال ففي وجوب الكفارتين أو
إحداهما وأيتهما إشكال " إلا أن في المسالك وكشف اللثام الميل إلى وجوبهما معا
عليه، لأنه أخل بالقضاء والمنذور كليهما من جهتين وإن لم يكن الصوم الذي شرع
فيه المنذور، وفيه أنه لا وجه لأن يتشخص قضاء، لكونه بعد الزوال وقد نوى،
فلا وجه لكفارة النذر، لأن الفرض خروجه عن النذر، وإلا فهو نذر لا قضاء،
ومن هنا يقوى ما ذكرناه من وجب كفارة النذر خاصة، لانكشاف عدم كونه قضاء وإن
437

نواه هو كذلك فتأمل جيدا.
* (و) * كيف كان ف‍ * (السفر الضروري) * الذي يخاف من تركه على
نفس محترمة أو مال يضر بحاله أو نحو ذلك * (عذر لا ينقطع به التتابع و) * إن شرط
في السنة المعينة وفي صوم الدهر، نعم * (ينقطع بالاختياري) * لكن لا فائدة
فيه صوم الدهر بل والسنة بناء على المختار إلا ترتب الكفارة، لعدم إمكان
تداركه فيهما كما عرفته.
بقي شئ وهو أنه لو أخر القضاء حتى ضاق الوقت بدخول شهر رمضان فهل
تتشخص الأيام بكونها قضاء على وجه يلحقها حكم القضاء خاصة أو يبقي لها جهة
النذر؟ وجهان وإن كان المنساق في بادئ النظر أولهما، وكذا لو عين أيام القضاء
بيمين أو عهد، كل ذلك بناء على خروج أيام القضاء عن النذر وإلا فلا فائدة.
ثم إن السفر الاختياري الذي قلنا إنه يقطع التتابع لا يجوز صدوره منه
للنذر وإن قلنا بجواز السفر مع تضييق الصوم، إلا أن التتابع أمر آخر، وحينئذ
يمكن أن يكون السفر معصية، فلا يحرم الصوم فيه، فلا ينقطع التتابع، وتكون
المسألة شبه المسائل الدورية التي يستلزم الوجود فيها العدم، اللهم إلا أن يمنع
حرمة السفر وإن استلزم فوات التتابع المنذور فتأمل جيدا.
* (ولو نذر سنة غير معينة كان مخيرا بين التوالي والتفرقة) * للصدق * (إن
لم يشترط التتابع) * وإلا وجب الاتصال في الامتثال * (و) * حينئذ ف‍ * (له) * في
امتثال الأول * (أن يصوم اثني عشر شهرا) * ولو متفرقة.
* (والشهر) * عرفا * (إما عدة بين هلالين) * وإن نقص * (أو ثلاثون
يوما) * ولا يكفي في صدقه تلفيق الهلالي بمقدار ما مضى منه من غير على وجه
يكون شهرا وإن نقص عن ثلاثين، لأنه متى انكسر الشهر، فلم يصم يوما منه
وجب في الامتثال صوم ثلاثين يوما * (و) * حينئذ ف‍ * (لو صام شوالا وكان
ناقصا أتمه بيوم بدلا عن العيد) * قطعا، وعن الشيخ الاجتزاء به، لدعوى تحقق
الصدق، وفيه ما عرفت، * (و) * من هنا * (قيل:) * يتمه * (بيومين، وهو
438

حسن) * لما عرفت من خروجه عن الهلالي بالانكسار بيوم العيد، فلا بد في صدق
صوم الشهر من ثلاثين يوما حينئذ.
* (وكذا) * الكلام * (لو كان بمنى) * بحيث يحرم عليه الصوم * (في أيام
التشريق، فصام ذا الحجة قضى) * أي أدى بدل * (يوم العيد وأيام التشريق ولو) *
فرض أنه * (كان ناقصا قضى خمسة أيام) * ليكون شهرا ثلاثين يوما.
* (ولو صام سنة واحدة) * مبتدأ بهلال المحرم منها * (أتمها بشهر) * ثلاثين
يوما * (ويومين بدلا عن شهر رمضان وعن العيدين) * بناء على إرادة السنة تامة إذا
فرض تمام شوال وذي الحجة * (ولم ينقطع التتابع بذلك) * لو فرض أنه نذره
* (لأنه لا يمكنه الاحتراز منه) * في كل سنة، فيكون المنذور التتابع في غير
ذلك.
* (و) * كذا * (لو كان بمنى قضى) * وأدى * (أيام التشريق أيضا) * وكأن
الوجه في فصلها عن شهر رمضان والعيدين أن أيام التشريق قد يقطع إفطارها التتابع إذا
كان السفر لها اختياريا.
هذا وربما احتمل وجوب صوم السنة العددية في نذر صوم السنة، لأن
السنة تنكسر لا محالة بسبب رمضان والعيدين، فإذا انكسرت وجب أن يعتبر فيها
العدد أجمع، كما أن الشهر إذا انكسر يعتبر فيه العدد.
وفيه أن يصدق عرفا صوم السنة مع ملاحظة العدد في خصوص المنكسر منها،
نعم قد يحتمل الاجتزاء بصوم السنة بالابتداء من المحرم مثلا إلى المحرم بناء
على إرادة ما عدا شهر رمضان إن لم نقل بدخوله في النذر والعيدين منها، والأمر
سهل بعد أن كان المدار على ما يفهم عرفا.
ولو نذر السنة متتابعا فقد عرفت وجوبه عليه، ويصوم رمضان عن فرضه
إن لم نقل بدخوله، ويفطر العيدين وأيام التشريق إن كان بمنى، وهل يلزمه
تداركها للنذر؟ فيه وجهان: أحدهما لا، لأن المراد صوم ما يمكن صومه منها،
439

وقد فعل، والثاني نعم، لتوقف صدق صوم السنة حقيقة على ذلك.
وفرق بين المعينة التي لا يقوم البدل مقام ما فات منها بخلاف المطلقة التي
هي كالعوض الكلي في البيع والإجارة، ومن هنا لو أفطر فيها لغير عذر وجب الاستئناف
قولا واحدا، بخلاف المعينة التي فيها البحث السابق، وذلك لأن المعينة جميع
أجزائها معين، فلا يزول تعينه بالاخلال ببعضه ولا يمكن تداركه، بخلاف المطلقة
التي يراد منها إيقاع مجموع العدد متتابعا، ومع الاخلال يتمكن من الاتيان
بالمنذور موصوفا بالوصف، فيجب عليه تحصيلا للمكلف به.
نعم الظاهر أن الافطار لعذر الحيض والنفاس والمرض والسفر الضروري لا يخل
بالتتابع، ولكن يقضي ما فات كالمعين، قال أيوب بن رفاعة (1): " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل جعل عليه صوم شهرين متتابعين فيصوم شهرا ثم يمرض هل يعتد به؟
قال: نعم، أمر الله حبسه، قلت: امرأة نذرت صوم شهرين متتابعين، قال:
تصوم وتستأنف أيامها التي قعدت حتى تتم الشهرين، قلت: أرأيت إن هي أيست
من الحيض هل تقضيه؟ قال: لا يجزؤها الأول ".
نعم يمكن إجراء خلاف الشيخ في الاكتفاء بتجاوز النصف في حصول التتابع
في المطلقة أيضا، بل في الدروس حكاه عن الشيخ في نذر السنة مطلقا، بل في القواعد
حكايته عنه في المطلقة.
* (ولو نذر صوم شهر متتابع وجب أن يتوخى ما يصح ذلك فيه) * مقدمة
لوجوب الوفاء بالنذر * (وأقله أن) * يتوخى شهرا * (يصح فيه تتابع خمسة عشر
يوما) * للاكتفاء بالتتابع فيه في مثله نصا (2) وفتوى كما فصلنا الكلام فيه

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الايلاء
والكفارات مع الاختلاف في اللفظ.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب
الصوم.
440

في كتاب الصوم (1) فلاحظ وتأمل * (و) * حينئذ ف‍ * (لو شرع في ذي الحجة) *
وفاء لنذره المفروض * (لم يجز لأن التتابع ينقطع بالعيد) * كما هو واضح.
المسألة * (الثالثة:) *
* (إذا نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان لم ينعقد نذره) * عند المرتضى
والشيخ وأبي الصلاح وابن إدريس * (لأن صيامه مستحق بغير النذر) * فايجابه
بالنذر تحصيل للحاصل، ولأنه على تقدير كونه يوما من رمضان قد استحق صيامه
بالأصل، ولا يمكن أن يقع فيه غيره.
* (وفيه تردد) * عند المصنف مما عرفت، ومن أن مقتضي التعليل الأول
عدم صحة نذر كل واجب، بل مقتضاه عدم صحة اليمين أيضا، وقد عرفت
تواتر نصوص (2) انعقاد اليمين على الواجب، ومنها مضافا إلى عموم أدلة
النذر (3) يقوى الانعقاد، وفاقا لأكثر المتأخرين، وإيجاب صومه بأصل
الشرع لا ينافي وجوبه من جهة أخرى، وليس هذا صحة غير شهر رمضان، بل
هو من تعدد السبب في وجوبه الذي يمكن أن يراد لإفادة الانبعاث حذرا من الكفارة،
وحينئذ فيجوز ترامي النذر، وتعدد الكفارة بتعدده، كما أنه يجوز نذره واليمين
عليه والعهد وغير ذلك مما يقتضي تأكيد وجوبه، وربما فرع على ذلك دخول شهر
رمضان في نذر صوم السنة، والدهر مع الاطلاق، وفيه أنه يمكن المنع للعرف
لا لعدم صلاحية نذره، والله العالم.

(1) راجع ج 17 ص 82.
(2) الوسائل الباب - 23 - من كتاب الأيمان.
(3) سورة الحج: 22 - الآية 29. وسورة الانسان: 76 - الآية 7 والوسائل
الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 6 من كتاب الايلاء والكفارات.
441

المسألة * (الرابعة:) *
لا خلاف بيننا بل ولا إشكال بل نصوصنا متواترة (1) في أن * (نذر المعصية
لا ينعقد، ولا تجب به كفارة، كمن نذر أن يذبح آدميا أبا كان أو أما أو ولدا
أو نسبيا أو أجنبيا وكذا لو نذر ليقتلن زيدا) * مثلا * (ظلما أو نذر أن يشرب
خمرا أو يرتكب معصية (محظورا خ ل) أو يترك فرضا، فكل ذلك) * وشبهه
* (لغو لا ينعقد) * وفي خبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل نذر أن ينحر ولده، فقال: ذلك من خطوات الشيطان " أي
الذي أوقع في نفس بعض العامة، فذهب إلى أن من نذر أن يذبح ولده فعليه شاة
وإن نذر ذبح غيره من آبائه وأجداده وأمهاته فلا شئ عليه، وآخر منهم إلى
أن عليه كفارة يمين، وكذا في كل نذر معصية.
رووا عن ابن عباس أن عليه ذبح شاة (3) وفي بعض النصوص من طرقنا
موافقة لهم في ذلك، ففي خبر السكوني (4) عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام
" أنه أتاه رجل فقال: إني نذرت أنحر ولدي عند مقام إبراهيم إن فعلت كذا وكذا
ففعلته، فقال علي عليه السلام: اذبح كبشا سمينا وتصدق بلحمه على المساكين " ولكن
حمله الشيخ على الاستحباب.
* (ولو نذر أن يطوف على أربع فقد مرت في باب الحج (5) والأقرب أنه
لا ينعقد) * كما عن ابن إدريس وغيره، لأنه هيئة غير مشروعة، ضرورة كون الثابت

(1) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد.
(2) الوسائل الباب - 24 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 - 2.
(3) سنن البيهقي ج 10 ص 72.
(4) الوسائل الباب - 24 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 - 2.
(5) راجع ج 19 ص 401.
442

قولا وفعلا الطواف مشيا، وقد قال صلى الله عليه وآله (1): " خذوا عني مناسككم ".
لكن روى النوفلي عن السكوني (2) عن الصادق عليه السلام قال: " قال علي عليه السلام
في امرأة نذرت أن تطوف على أربع، قال: تطوف أسبوعا ليديها وأسبوعا لرجليها "
ومثله روى أبو الجهم (3) عنه عن علي عليه السلام، بل عن الشيخ العمل بها في النهاية،
كما عن بعضهم الاختصاص بموردها، وهو المرأة دون الرجل.
إلا أن ضعفها مع عدم الجابر يمنع من العمل بها في موردها فضلا عن
غيره، مضافا إلى مخالفتها للأصل من وجوب ما ينذره الناذر ولم يقصده، ويمكن
أن يكون وجهه أن الناذر قصد بذلك فعل طوافين ولكن بالهيئة المزبورة فأبطلها
الشارع، لعدم التعبد بها، وبقي وجوب الطوافين أحدهما لليدين والآخر للرجلين،
كما أنه يمكن العمل بها على جهة الندب للتسامح فيه، والله العالم.
المسألة * (الخامسة:) *
* (إذا عجز الناذر عما نذره) * لكونه في سنة معينة أو مطلقة وحصل
اليأس * (سقط فرضه) * أداء وقضاء لقبح التكليف بما لا يطاق، ولقوله صلى الله عليه وآله (4)
" من نذر فبلغ جهده فلا شئ عليه " وحينئذ * (فلو نذر الحج) * مثلا في سنة
معينة * (فصد سقط النذر، وكذا لو نذر صوما فعجز، لكن روى في هذا) * محمد
ابن منصور (5) عن الرضا عليه السلام * (يتصدق عن كل يوم بمد من طعام) *.

(1) تيسير الوصول ج 1 ص 312.
(2) الوسائل الباب - 70 - من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 من كتاب الحج.
(3) الوسائل الباب - 70 - من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 من كتاب الحج.
(4) الوسائل الباب - 8 - من كتاب النذر والعهد الحديث 5 وفيه " من جعل الله
شيئا فبلغ.. ".
(5) الوسائل الباب - 15 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2 من
كتاب الصوم.
443

قال: " كان أبي يقول: على من عجز عن صوم نذر مكان كل يوم مد " ومثله
رواية الكليني عن علي بن إدريس (1) وزاد فيها " من حنطة أو شعير " بل
رجح الشهيد العمل بمضمونها إلا أنها غير جامعة لشرائط الحجية، فحملها على
الندب متجه.
ومثله أو أولى منه أن يعطي من يصوم عنه مدين، لخبر إسحاق بن عمار (2)
عن الصادق عليه السلام " في رجل يجعل عليه صيام في نذر ولا يقوى، قال: يعطي
من يصوم عنه كل يوم مدين ".
وعلى كل حال فما عن بعض من أنه يجب على العاجز عن الصوم المعين
القضاء دون الكفارة، أي الفدية وعن آخر العكس واضح الضعف، وقد تقدم الكلام
في ذلك في الكفارات (3).
وكذا ينبغي أن يحمل على الندب خبر إبراهيم بن عبد الحميد (4) عن
أبي الحسن عليه السلام قال: " سأله عباد بن عبد الله البصري عن رجل جعل لله نذرا على
نفسه المشي إلى بيت الله الحرام، فمشي نصف الطريق أو أقل أو أكثر، قال:
ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فيتصدق به " بعد حمله على العجز واليأس من
القدرة.

(1) الوسائل الباب 15 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب
الصوم.
(2) الوسائل الباب - 12 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(3) راجع ج 33 ص 199.
(4) الوسائل الباب - 21 - من كتاب النذر والعهد الحديث 2.
444

المسألة * (السادسة:) *
* (العهد) * الذي في الأصل على ما قيل الاحتفاظ بالشئ ومراعاته
* (حكمه حكم اليمين) * كما في النافع والقواعد والإرشاد والمسالك، فينعقد
حينئذ على المباح المتساوي الطرفين ومن دون تعليق على شرط، ولا يعتبر فيه
القربة ولا غيرها مما اعتبر في النذر، للعمومات الدالة على لزوم الوفاء به كتابا (1)
وسنة (2) من غير تقييد بما إذا كان متعلقة طاعة ومشروطا بناء على اعتباره
في النذر، بل في خبر ابن سنان (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز
وجل (4): " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود، قال: العهود " وفي الدروس
واللمعة والروضة ومحكي النهاية حكمه حكم النذر.
قال في الدروس: " تتمة: متعلق العهد كمتعلق النذر، وأحكامه واردة فيه،
وصورته أن يقول: عاهدت الله أو علي عهد الله أن أفعل كذا معلقا أو مجردا،
ويشترط فيه ما يشترط في النذر، والخلاف في انعقاده بالضمير كالنذر " لكن يسهل
الخطب أن الشهيد جوز النذر على المباح ونذر التبرع، نعم في كشف اللثام عن
صريح المقنعة والمراسم والوسيلة وظاهر النهاية وجماعة اختصاصه بالراجح.
وعلى كل حال فحجتهم على ذلك أصل البراءة في غير محل الاتفاق، وهو
مقطوع بما سمعت من العمومات وما يشعر به خبر أبي بصير (5) عن أحدهما عليهما السلام
" من جعل عليه عهد الله وميثاقه في أمر لله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام

(1) سورة النحل: 16 - الآية 91.
(2) الوسائل الباب - 25 - من كتاب النذر والعهد الحديث - 0 - 3.
(3) الوسائل الباب - 25 - من كتاب النذر والعهد الحديث - 0 - 3.
(4) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(5) الوسائل الباب - 24 - من أبواب الكفارات الحديث 2 من كتاب الايلاء
والكفارات.
445

شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا " من حيث جعل مورده الطاعة، وهي
مورد النذر، ومن حيث ذكر كفارته كفارة النذر على الأصح، كخبر أحمد بن
محمد بن عيسى (1) المروي عن نوادره عن أبي جعفر الثاني عليه السلام " في رجل عاهد الله عند
الحجر أن لا يقرب محرما أبدا، فلما رجع عاد إلى المحرم فقال أبو جعفر عليه السلام:
يعتق أو يتصدق على ستين مسكينا، وما ترك من الأمر أعظم، ويستغفر الله
ويتوب إليه ".
بل قد يشعر خبر علي السابي (2) بمساواة العهد للنذر " قلت: لأبي الحسن
عليه السلام: جعلت فداك إني كنت أتزوج المتعة فكرهتها وتشأمت منها،
فأعطيت لله عهدا بين الركن والمقام، وجعلت على ذلك نذرا وصياما أن لا أتزوجها،
ثم إن ذلك شق على وقدمت على يميني، ولم يكن بيدي من القوة ما أتزوج به
في العلانية، فقال: عاهدت الله أن لا تطيعه، والله لئن لم تطعه لتعصينه ".
ونوقش بأن ذلك لا يدل على عدم انعقاده لو كان مورده غير طاعة، وبأنه
معارض بخبر علي بن جعفر (3) عن أخيه عليه السلام " سألته عن رجل عاهد الله في غير
معصية ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال: يعتق رقبة أو يتصدق بصدقة أو يصوم
شهرين متتابعين " حيث علق الكفارة على العهد في غير المعصية الشامل للمباح الذي
هو مورد اليمين، ولا يقدح شموله للمكروه وخلاف المندوب وخلاف الأولى
بعد خروجه بالاجماع المحكي في المسالك، وبأن ذلك غير صالح لتخصيص العمومات
سيما مع قصور سند الأول.
وعلى كل حال ففي الرياض تظهر ثمرة الخلاف فيما مر وفي توقفه على
إذن من يعتبر إذنه على القول الأول دون الثاني إن قلنا بعدم توقف النذر على

(1) الوسائل الباب - 25 - من كتاب النذر والعهد الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب المتعة الحديث 1 من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب - 24 - من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الايلاء
والكفارات.
446

إذنهم، وإلا فلا ثمرة هنا، كما لا ثمرة فيما مر من المقامين أيضا إن قلنا بانعقاد النذر
في المباح المتساوي الطرفين والمتبرع به الغير المعلق على شرط، كما هو الأظهر،
ولكن الأولان خلافه فيتحقق فيهما الثمرة ".
قلت: التحقيق في الثمرة أنه لا دلالة في شئ من النصوص على مساواة العهد
لليمين أو النذر كي يقال بقول مطلق إن حكمه حكمه وشرطه شرطه ومورده مورده،
فالمتجه إثبات أي حكم وافق العمومات له من غير فرق بين النذر واليمين.
وأما الكفارة فالمتجه كونها كبرى مخيرة لخبر أبي بصير (1) المزبور،
إذ لا معارض لذلك سوى إطلاق الصدقة في خبر علي بن جعفر (2) الذي يمكن
حمله على إرادة الصدقة على ستين، ولا يلزم من ذلك كون حكمه حكم النذر
مطلقا، كما أنه لا يلزم من عدم اشتراط كون متعلقة طاعة مثلا للعمومات
مساواته لليمين حتى في الكفارة التي لا دليل عليها فيه، كالقول بأنها كفارة ظهار
كما عن المفيد، وكذا دعوى اعتبار الإذن في الولد والزوجة والسيد، بناء على
أن ذلك حكم اليمين، إذ العمومات قاضية بخلافه حتى لو قلنا باشتراك النذر
معه في ذلك أو غير ذلك، كما عرفت الكلام فيه سابقا، بل لا دليل على انحصار أمره فيهما،
إذ يمكن أن يكون قسما ثالثا يوافق كلا منهما في حكم.
* (و) * كيف كان ففي المتن تفريعا على حكم كونه حكم اليمين ف‍ * (صورته
أن يقول: عاهدت الله أو علي عهد الله أنه متى كان كذا فعلي كذا) * مع أنك
قد عرفت أن مقتضى العمومات كتابا وسنة صحته مع التبرع، بل عن الخلاف
الاجماع عليه، فيوافق اليمين حينئذ بالنسبة إلى ذلك، فهو المناسب لتفريعه على
مساواته لليمين، لا خصوص المعلق.
وعلى كل حال * (ف‍) * لا إشكال ولا خلاف في أنه * (إن كان ما عاهد عليه

(1) الوسائل الباب - 24 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 1 من كتاب الايلاء والكفارات.
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 1 من كتاب الايلاء والكفارات.
447

واجبا أو مندوبا أو ترك مكروه أو اجتناب محرم لزم) * للعمومات وإن قلنا
بعدم انعقاد النذر على واجب.
* (ولو كان بالعكس لم يلزم) * وإن كان فعل مكروه أو ترك مندوب،
وربما يرشد إليه ما سمعته من خبر المتعة (1) الذي مضمونه عدم المستحب
مضافا إلى ما عساه يظهر من غير واحد من الاجماع على عدم خروج مورده عن النذر
واليمين، وهما معا لا ينعقدان على ذلك، * (و) * إلى عموم قوله (2) " كل
ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث فيه ".
نعم * (لو عاهد على مباح لزم) * أيضا * (كاليمين) * للعمومات والخبر
المزبور (3) ودعوى كونه كالنذر في اعتبار كون مورده طاعة خالية عن الدليل
المعتد به. * (و) * كذا يظهر منهم الاجماع أيضا على أنه * (لو كان) * ما عاهد
على تركه * (فعله أولى) * من ذلك ولو من جهة الدنيا * (أو) * كان ما عاهد
على فعله * (تركه) * أولى * (فليفعل الأولى ولا كفارة) * عليه عندنا، كما
عن التبيان، لعدم انعقاده لو كان كذلك ابتداء، وانحلاله لو عرض ذلك في الأثناء،
والله العالم.
* (وكفارة المخالفة في العهد كفارة يمين، وفي رواية) * أبي بصير (4)
* (كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان، وهي الأشهر) * كما سمعت الكلام
فيه سابقا (5).

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب المتعة الحديث 1 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 24 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 2 من كتاب الايلاء والكفارات.
(4) الوسائل الباب - 24 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 2 من كتاب الايلاء والكفارات.
(5) راجع ج 33 ص 174.
448

المسألة * (السابعة:) *
لا خلاف ولا إشكال في أن * (النذر والعهد ينعقدان بالنطق) * بل الاجماع
بقسميه عليه، والنصوص (1) كادت تكون متواترة فيه.
* (وهل ينعقدان ب‍) * انشائهما في * (الضمير والاعتقاد) * من دون ذكر
الصيغة الدالة على ذلك؟ * (قال بعض الأصحاب) * وهو الشيخان والقاضي وابن
حمزة على ما حكي عنهم: * (نعم) * للأصل، ولا أصل له، وعموم الأدلة، وهو
فرع الصدق لغة وعرفا وليس، ولا أقل من أن يكون مشكوكا، ولأنهما عبادة
والأصل فيهما الاعتقاد والضمير، ولقوله صلى الله عليه وآله (2) " إنما الأعمال بالنيات "
و " إنما " للحصر والباء للسببية، وذلك يدل على حصر العمل في النية ولا يتوقف
على غيرها وإلا لزم جعل ما ليس بسبب سببا، ولأن الغرض من اللفظ إعلام
الغير ما في الضمير والاستدلال به على القصد، والله تعالى عالم بالسرائر، ولقوله
تعالى (3): " إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ".
ومن الغريب توقف الفاضل وغيره في القولين مع أن أدلة هذا القول كما
ترى، ضرورة أن كونهما عبادة أعم من الاكتفاء فيها بالاعتقاد، إذ قد تكون
لفظية كالقراءة والذكر، قد تكون بدنية كالركوع والسجود وأفعال الحج،
وقد تكون مالية كالزكاة والخمس.
واعتبار النية التي هي القصد القلبي فيها لا يقتضي الاجتزاء بذلك، وأقصى
ما يدل عليه الخبر (4) المزبور اعتبار النية في العمل، وأنه بدونها لا أثر له، لا أن

(1) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب النذر والعهد.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 284.
(4) الوسائل الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10.
449

العمل هي، ضرورة كون الواقع خلافه، وحينئذ فهو دال على مغايرة النية
للعمل.
وكون الباء للسببية لا يدل على أزيد مما ذكرناه من اشتراط النية في صحة
العمل شرعا، بل كونها سببا في ذلك مبالغة في شدة اعتبارها، على أن السبب قد
يكون تاما وقد يكون ناقصا، ومطلقه أعم من التام، بل الواقع في الأعمال المعتبرة
شرعا ذلك، لأن النية لا تكفي في صحتها من غير انضمام باقي ما يعتبر فيها.
ودعوى انحصار الغرض من اللفظ في الأعلام ممنوعة، إذ يمكن التعبد
بذلك، بل هو مقتضي قوله عليه السلام (1): " إنما يحرم الكلام ويحلل الكلام "
والآية (2) لا دلالة فيها على الانعقاد بالنية.
كل ذلك مضافا إلى النصوص المستفيضة (3) الدالة على أن النذر ليس بشئ
حتى يقول كذا، وفيها الصحيح وغيره، وإن نوقش في الاستدلال بها باحتمال
كون المراد بها اشتراط قصد القربة خاصة لا اشتراط الصيغة، بل قد يظهر ذلك
من سياقها، وإنما ذكر التلفظ والتسمية تبعا للنذور الغالبة، إلا أنه كما ترى
لا ينافي ظهورها في اعتبار القول.
* (و) * لعله لذا وغيره قال المصنف وفاقا للمحكي عن الإسكافي وابن
إدريس وأكثر المتأخرين: * (الوجه أنهما لا ينعقدان إلا بالنطق) * مضافا إلى
أصالة عدم ترتب حكمهما على غير ذلك، وكونهما من الأسباب التي لا يكفي فيها
مجرد القصد وغير ذلك، وهو الأقوى.
نعم لو قيل بصدق العهد لغة وشرعا وعرفا على الانشاء الضميري قوي القول
بالانعقاد للعمومات، ولعله لذا قواه في كشف اللثام فارقا بينه وبين النذر باعتباره

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام العقود الحديث 4 من كتاب التجارة
وفيه " إنما يحل الكلام ويحرم الكلام ".
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 284.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب النذر والعهد.
450

كون النذر في الأصل الوعد، وهو لفظي بخلاف العهد، والله العالم.
* (تم قسم الايقاعات) * والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله
على محمد وأهل بيتة الطاهرين.
وبهذا أكملنا تعاليقنا على الجزء 35 من جواهر الكلام بجواز مولانا أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام في يوم بعثة سيد الكونين خاتم الأنبياء والمرسلين
محمد صلى الله عليه وعلى عترته الطيبين الطاهرين ونسأل الله العلي القدير التوفيق لاتمام
تحقيق هذه الموسوعة الفقهية الكبيرة إنه سميع مجيب.
محمود القوچاني
النجف الأشرف - 27 / رجب المرجب / 1396
وتم تصحيحه وترتيبه وتهذيبه
في اليوم العاشر من شهر شوال سنة
- 1398 - وبتمامه تم المجلد الخامس
من الطبعات السابقة، والحمد لله أولا
وآخرا، وذلك بيد العبد:
السيد إبراهيم الميانجي
عفى عنه وعن والديه
451