الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ١٦
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٥ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
(في شرح شرائع الاسلام)
بتأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء السادس عشر
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
نام كتاب: جواهر الكلام
تأليف: الشيخ محمد حسن النجفي
ناشر: دار الكتاب الاسلامية
تيراژ: 1500 جلد
نوبت چاپ: دوم
تاريخ انتشار: 1365
چاپ از: چاپخانه خورشيد
آدرس ناشر: تهران، بازار سلطاني، دار الكتب الاسلامية
تلفن 520410 - 527449
1

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله
كتاب الخمس
وهو حق مالي فرضه الله مالك الملك بالأصالة على عباده في مال مخصوص له
ولبني هاشم الذين هم رؤساؤهم وسواسهم، وأهل الفضل والاحسان عليهم عوض
إكرامه إياهم بمنع الصدقة والأوساخ عنهم، كاكرامه تعالى لهم بجعله ذلك من
شرائط الايمان وبقرنه وبتشريكه ذاته تعالى معهم في ذلك مبالغة في نفي احتمال
الصدقة والوسخية التي تنزه عنها تلك الذات الجامعة لجميع صفات الكمالات،
وتعظيما وإجلالا لهم باظهار هذه الشركة، وإلا فحقه تعالى لوليه كما أشار إليه
الصادق (عليه السلام) بقوله في خبر معاذ (1): (إن الله لم يسأل خلقه مما في
أيديهم قرضا من حاجة به إلى ذلك، وما كان لله من حق فإنما هو لوليه) إلى آخره
إكراما منه له، وإلا فوليه (عليه السلام) أيضا لا يحتاج إلى ما في أيدي الناس
بل قال الصادق (عليه السلام) أيضا في مرفوعة الحسين بن محمد (2): (من زعم

(1) أصول الكافي ج 1 ص 537 " باب صلة الإمام عليه السلام " الحديث 3 - 1.
(2) أصول الكافي ج 1 ص 537 " باب صلة الإمام عليه السلام " الحديث 3 - 1.
2

إن الإمام (عليه السلام) يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر، إنما الناس
يحتاجون أن يقبل منهم الإمام (عليه السلام) قال الله عز اسمه (1): (خذ من
أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وقال (عليه السلام) أيضا في خبر ابن
بكير (2): (إني لآخذ من أحدكم الدرهم، وإني لمن أكثر أهل المدينة مالا
ما أريد بذلك إلا أن تطهروا) الحديث.
على أنه قد تظافرت الأخبار وشهد له التدبر والاعتبار بأن الدنيا بأسرها
لهم (عليهم السلام) كما يومي إليه (3) تسمية ما جعله الله لهم من الأنفال فيئا،
إذ هو بمعنى الرجوع أي أنه كان في أيدي الكفار ثم أرجعه الله إليهم، وفي خبر
ابن الريان (4) (كتبت إلى العسكري (عليه السلام) جعلت فداك روي لنا أن
ليس لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من الدنيا إلا الخمس، فجاء الجواب إن
الدنيا وما عليها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي مرسل محمد بن عبد الله
المضمر (5) (الدنيا وما فيها لله ولرسوله ولنا، فمن غلب على شئ منها فليتق الله
وليؤد حق الله وليبر إخوانه، فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله ونحن براء منه)
وفي آخر (6) عن الباقر (عليه السلام) (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
خلق الله تعالى آدم وأقطعه الدنيا قطيعة فما كان لآدم فلرسول الله صلى الله عليه وآله

(1) سورة التوبة - الآية 104.
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 3.
(3) الوسائل - الباب 1 - من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.
(4) أصول الكافي ج 1 ص 409 " باب أن الأرض كلها الإمام عليه السلام " - الحديث 6 - 7
(5) أصول الكافي ج 1 ص 408 " باب أن الأرض كلها للإمام عليه عليه السلام "
الحديث 2 عن أحمد بن محمد بن عبد الله.
(6) أصول الكافي ج 1 ص 409 " باب أن الأرض كلها الإمام عليه السلام " - الحديث 6 - 7
3

وما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو للأئمة من آل محمد عليهم السلام وفي خبر أبي بصير (1)
عن الصادق (عليه السلام) (قلت له: أما على الإمام زكاة؟ فقال: أحلت
يا أبا محمد، أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام عليه السلام يضعها حيث يشاء ويدفعها
إلى من يشاء، جائز له ذلك من الله، إن الإمام عليه السلام يا أبا محمد لا يبيت ليلة أبدا
ولله في عنقه حق يسأله عنه) إلى غير ذلك.
خصوصا الأراضي كما استفاضت به الأخبار (2) أيضا، والأنهار الخمسة
بل الثمانية التي خرقها جبرئيل (عليه السلام) بإبهامه بأمر الله تعالى منها سيحان
وجيحان وهو نهر بلخ والخشوع وهو نهر الشاش بلد وراء النهر ومهران وهو نهر
الهند ونيل مصر ودجلة وفرات، فقد قال الصادق (عليه السلام) في خبر المعلى
ابن خنيس (3): (إن ما سقت هذه أو استقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا
وليس لعدونا منه شئ إلا ما غصب عليه، وإن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى
ذه - يعني بين السماء والأرض - ثم تلا هذه الآية (4) (قل هي للذين آمنوا
في الحياة الدنيا) المغصوبين عليها خالصة لهم يوم القيامة بلا غصب) بل عن
السندي بن الربيع عن ابن أبي عمير حمل هذه الأخبار على ظاهرها لا باطنها،
قال: إنه أي ابن أبي عمير لم يكن يعدل بهشام بن الحكم شيئا، وكان لا يغب
إتيانه ثم انقطع عنه وخالفه، وكان سبب ذلك أن أبا مالك الحضرمي كان أحد
رجال هشام وقع بينه وبين ابن أبي عمير ملاحاة في شئ من الإمامة، قال ابن

(1) أصول الكافي ج 1 ص 408 " باب أن الأرض كلها للإمام عليه السام "
الحديث 4.
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.
(3) الوسائل - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 7 "
(4) سورة الأعراف - الآية 30.
4

أبي عمير الدنيا كلها للإمام على جهة الملك، وأنه أولى بها من الذين هي في أيديهم
وقال أبو مالك كذلك أملاك الناس لهم إلا ما حكم الله به للإمام من الفئ والخمس
والمغنم، فذلك له، وذلك أيضا قد بين الله للإمام أين يضعه وكيف يصنع به،
فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا إليه فحكم هشام لأبي مالك على ابن أبي عمير، فغضب
ابن أبي عمير وهجر هشاما بعد ذلك، مع احتمال عدم إرادته أي ابن أبي عمير
ما عساه ينساق إلى الذهن من المحكي من كلامه مما ينافي ضرورية الحكم المذكور
وبداهته وإن ساعده ظاهر الأخبار السابقة المقطوع بعدم إرادته منها، وإن
كان شرح ذلك باظهار باطنها وبابطان ظاهرها محتاجا إلى إطناب لا يسعه المقام،
وعلى كل حال فالخمس في الجملة مما لا ينبغي الشك في وجوبه بعد تطابق الكتاب
والسنة والاجماع عليه بل به يخرج الشاك عن المسلمين ويدخل في الكافرين كالشك
في غيره من ضروريات الدين نعم يقع البحث فيه من غير هذه الجهة (وفيه فصلان)
(الأول فيما يجب فيه)
وهو بحسب استقراء الأدلة الشرعية منحصر في سبعة على
الأصح كما ستعرف فيما يأتي.
الأول من غير خلاف فيه كما في ظاهر الغنية أو صريحها (غنائم دار
الحرب) بين المسلمين والكافرين كفرا تستحل به أموالهم وتسبى به نساؤهم
وأطفالهم، كأن يكون بانكار ولو عنادا للملك الجبار أو النبي المختار (صلى الله
عليه وآله) أو المعاد أو شك في ذلك في غير فسحة النظر، أو إثبات إله أو نبي
آخر، لا غيره من أقسام الكفر مما لا يجري فيه ذلك كالمرتدين بغير النصب ملة
أو فطرة وإن شاركوا الكفار في القتل ونجاسة السؤر وحرمة الذبائح والنكاح
ونحوها، كما هو واضح، كوضوح وجوب الخمس في الأول في الجملة، بل الظاهر
الاجماع عليه، بل في الرياض دعواه صريحا، كما في المدارك حكايته عن المسلمين عليه
بل على تمام ما في المتن، وهو الحجة معتضدا بعدم الخلاف في الغنية بعد الأخبار
5

الكثيرة (1) بل في الرياض أنها متواترة، والآية (2) سواء قلنا بكون
الغنيمة في الآية والنصوص حقيقة في المفروض كما لعله الظاهر عرفا بل ولغة
كما قيل، أو في الأعم منه ومن غيره مما أفاد الناس كما يومي إليه إدراج السبعة
فيها في البيان بل هو كصريح جهاد التذكرة وغيره، بل ظاهر كنز العرفان
وعن مجمع البيان نسبته إلى أصحابنا.
بل يشهد له - مضافا إلى المحكي من فقه الرضا (عليه السلام) (3) وظاهر
صحيحة ابن مهزيار (4) الطويلة - خبر حكيم مؤذن بني عبس (5) (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عز وجل: (واعلموا إنما غنمتم) فقال بمرفقيه
على ركبتيه ثم أشار بيده، ثم قال: هي والله الإفادة يوما بيوم، إلا أن أبي
جعل شيعته في حل ليزكيهم) وغيره وإن كان عليه يلزم زيادة تخصيص في الآية
بل لعله مناف للعرف واللغة كما اعترف به في الرياض، بل ظاهر مقابلة الأصحاب
لها بباقي السبعة ذلك أيضا.
لكنه عليه بل وعلى الأول يتجه تعميم المصنف بل وغيره من الأصحاب
كالشيخ والحلي وابن حمزة والعلامة والشهيدين والمقداد وغيرهم، بل لا أعرف فيه
خلافا (لما حواه العسكر وما لم يحوه من أرض وغيرها) بل هو من معقد
إجماع المدارك، كما أنه مندرج في خبر أبي بصير (6) عن الباقر (عليه السلام)
قطعا، قال: (كل شئ قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 0 - 5
(2) سورة الأنفال - الآية 42.
(3) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1.
(4) الوسائل - الأب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
(5) أصول الكافي ج 1 ص 514 " باب الفئ والأنفال " - الحديث 10
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 0 - 5
6

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن لنا خمسه، ولا يحل لأحد أن يشتري من
الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا) بل وغيره أيضا مما سيمر عليك، بل لعل خبر
عمر بن يزيد (1) يشهد له في الجملة أيضا، قال: (رأيت مسمعا بالمدينة وقد
كان حمل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) تلك السنة مالا فرده عليه، فقلت له:
لم رده عليك؟ فقال: إني قلت له حين حملت إليه المال: إني وليت البحرين
الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئتك بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت
أن احبسها عنك أو أعرض لها وهي حقك الذي جعله الله لك في أموالنا، فقال:
أموالنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس، يا أبا سيار إن الأرض كلها لنا
فما أخرج الله منها من شئ فهو لنا، فقلت له: وأنا أحمل إليك المال كله، فقال:
يا أبا سيار قد طيبناه لك وأحللناك منه، فضم إليك مالك، وكل ما في أيدي شيعتنا
من الأرض فهم فيه محللون، يحل ذلك لهم حتى يقوم قائمنا (عليه السلام) فيجيبهم
طسق ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم، وأما ما كان في أيدي غيرهم
فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا (عليه السلام) فيأخذ الأرض
من أيديهم ويخرجهم عنها صغرة).
ومنه بل وغيره من الأخبار يستفاد إباحتهم (عليهم السلام) لشيعتهم حقهم
في الأرض معتضدا ذلك بالسيرة القطعية على عدم إخراج الخمس من هذه الأراضي
من غير فرق بين أسهم الخمس الستة، ولا استبعاد في تسلطهم على ذلك بالنسبة
للأسهم الثلاثة أيضا بعد أن كان أهلها عيالهم واتباعهم، ونقصهم عليهم، كما أن
زيادة حقهم لهم، بل هو وسائر الناس وجميع ما في أيديهم ملك لهم، كما سمعته
من الأخبار السابقة، فلا إشكال حينئذ فيما يأخذه الشيعة في هذا الزمان من

(1) أصول الكافي ج ص 408 " باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام "
الحديث 3
7

الأرض المفتوحة عنوة من حاكم الجور وإن كان فيها الخمس، بل لعل استفاضة
الأخبار (1) بل تواترها بتحليل نحو ذلك لنا معللا بطيب مولدنا ونحوه يراد به
ما كان لهم في مثل هذه الأراضي، ضرورة أنه المحتاج إليه، بل به قوام الشيعة
وإن كان مثله أيضا ما فتح بغير إذنهم مما حكم الله تعالى به لهم خاصة، بل وسائر
الأنفال أيضا، بل وسائر غنائم دار الحرب وإن كان عن فتح سابق بإذنهم كما
صرح بذلك كله الأستاذ في كشفه، فتشعر حينئذ هذه الأخبار أيضا بوجود
الخمس في الأراضي المغتنمة أيضا مضافا إلى ما سمعت.
فما في الحدائق - من الاطناب بانكار ذلك على الأصحاب وأنه لا دليل
عليه سوى ظاهر الآية (2) التي يمكن تخصيصها بظاهر ما ورد من الأخبار في
هذا المضمار من قصر الخمس على ما يحول وينقل من الغنائم دون غيره من الأراضي
والمساكن كصحيح ربعي (3) وغيره مما اشتمل على القمسة أخماسا وأسداسا عليهم
وعلى الغانمين الذي لا يتصور بالنسبة للأرض، ضرورة عدم استحقاق الغانمين
ذلك في الأرض، إذ هي للمسلمين كافة إلى يوم القيامة، وأمرها بيد الإمام عليه السلام
بل ملاحظة هذه الأخبار الواردة في بيان أحكام الأرض المفتوحة عنوة خصوصا
أرض خيبر وبيان حكم الخراج مما يشهد لذلك أيضا، لخلوها جميعها عن التعرض
فيها للخمس مع تعرض بعضها للزكاة - مما لا ينبغي أن يلتفت إليه.
ومن العجيب دعواه ظهور سائر الأخبار في قصر الحكم على ذلك مع أنا
لم نقف على خبر منها كذلك، نعم ظاهر بعضها الوارد في كيفية القسمة غير الأرض
لكن لا على جهة الحصر والتخصيص، كما أن تلك الأخبار الواردة في المفتوحة

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال من كتاب الخمس
(2) سورة الأنفال - الآية 12
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 3
8

عنوة وأنها ملك للمسلمين وكيفية خراجها لا تأبى التقييد بما هنا من كون ذلك
بعد الخمس، كما صرح به الشيخ في نهايته، بل هو ظاهر الأصحاب بل كأنه من
المسلمات عندهم، نعم قد يشعر به خمس المقنعة فلاحظ وتأمل.
فالوجه حينئذ وجوب الخمس في سائر ما يغنم من دار الحرب لكن ينبغي
استثناء صفايا الإمام منه من فرس وجارية ونحوهما، كما نص عليه غير واحد من
الأصحاب، لصحيح ربعي (1) عن الصادق (عليه السلام) (كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثم يقسم ما بقي
خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه،
ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عز وجل لنفسه، ثم يقسم
الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل، يعطي كل
واحد منهم جميعا، وكذلك الإمام (عليه السلام) يأخذ كما أخذ رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وخبر أبي بصير (2) عن الصادق (عليه السلام) (سألته
عن صفو المال قال: الإمام (عليه السلام) يأخذ الجارية الروقة والمركب الفارة
والسيف القاطع والدرع قبل أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال..) الحديث.
بل لعل منه قطايع الملوك أيضا، لمضمر سماعة (3) (سألته عن الأنفال
فقال: كل أرض خربة أو شئ يكون للملوك فهو خالص للإمام (عليه السلام)
ليس للناس فيها سهم) وقول الصادق (عليه السلام) في خبر داود بن فرقد (4):
(قطايع الملوك كلها للإمام (عليه السلام) ليس للناس فيها شئ) كما أنه في جهاد
الكتاب واللمعة والروضة التصريح باخراج المؤن التي أنفقت على الغنيمة بعد
تحصيلها بحفظ وحمل ورعي ونحوها قبله، بل وهو الأقوى في النظر والموافق للعدل

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 3
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 15 - 8 - 6
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 15 - 8 - 6
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 15 - 8 - 6
9

المناسب لغيره مما يتعلق فيه الخمس، بل هو قضية ما تسمعه فيما يأتي من عموم
ما دل (5) على تأخر الخمس عن المؤونة الشامل لما هنا في وجه، خلافا للمحكي عن
بعضهم، فقدم الخمس عليها، وهو ضعيف.
بل في الأخير كالأول التصريح باخراج الجعائل أيضا أي ما يجعله الإمام عليه السلام
على فعل مصلحة من مصالح المسلمين، وهو قوي أيضا، بل لا يبعد عدم وجوبه على
المجعول له من هذه الحيثية وإن تعلق به من حيث الاكتساب مع اجتماع شرائطه
بل عن الشيخ إخراج السلب أيضا، بل هو خيرة جهاد الكتاب، إذ هو
من قبيل الجعائل بناء على عدم استحقاق القاتل إياه بدون شرط الإمام، وإن
فارقها باندراجه تحت اسم الغنيمة بالمعنى الأخص بالنسبة للسالب دونها، فيمكن
القول حينئذ بوجوب الخمس عليه وإن قدم بالنسبة إلى أصل القسمة للغنيمة بمعنى
إخراج الخمس من الغنيمة بدون ملاحظته، لا أنه يجعل من حصة الغانمين خاصة،
لكن ظاهر التذكرة عدم الخمس فيه على السالب أيضا حاكيا له عن بعض علمائنا
وعلله بأنه قضى (عليه السلام) بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب، وهو لا يخلو
من بحث.
بل في جهاد الكتاب أيضا كما عن الشيخ تقديم الرضائخ للنساء والعبيد
ونحوهم ممن لا حق له في الغنيمة أيضا، بل عن ابن الجنيد ذلك في النقل أيضا،
وهو العطاء لبعض الغانمين، وهو لا يخلو من قوة، بل لا يجب أيضا على من
رضخ لهم، لعدم اندراجهم في آية الغنيمة بالمعنى الأخص، ودعوى إرادة الأعم
منها كما سمعته سابقا فيجب الخمس حينئذ فيها بل وجميع ما تقدم بعد التسليم
يدفعها اتفاق الأصحاب على الظاهر إلا النادر على عدم إرادة غير السبعة منها على
تقدير ذلك، هذا.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس
10

وتمام البحث في ذلك كله في باب الجهاد، بل وفي غير ذلك من المباحث التي
لها نوع تعلق بالمقام وإن أشار إليها بعضهم هنا، منها تقييد الغنيمة هنا الواجب
فيها الخمس بإذن الإمام لاخراج المأخوذ بغير إذنه، وبالقهر والغلبة لاخراج
المأخوذ بإذنه بغيرهما كالسرقة والغيلة والدعوى الباطلة والربا ونحوها، إذ الأول
للإمام (عليه السلام)، والثاني لآخذه، كما يشهد للأول خبر الوراق (1) عن
رجل سماه عن الصادق (عليه السلام) (إذا غزا قوم بغير إذن الإمام (عليه السلام)
فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام (عليه السلام) وإذا غزا قوم بأمر الإمام (عليه
السلام) فغنموا كان للإمام (عليه السلام) الخمس) وللثاني بعد الأصل مفهوم
خبر حكيم المتقدم (2) سابقا، كآخر أيضا (3) (الخمس من خمسة أشياء - إلى
أن قال -: والمغنم الذي يقاتل عليه) لكن في الروضة أن هذا التقييد للاخراج
عن اسم الغنيمة بالمعنى المشهور، لأن الأول للإمام (عليه السلام) خاصة، والثاني
لآخذه، نعم هو غنيمة بقول مطلق فيصح إخراجه منها، وهو واضح الفساد
بالنسبة للأول بعد تسليم أنه للإمام (عليه السلام) كما هو صريح كلامه، إذ هو
حينئذ كالأنفال التي لا يتعلق فيها خمس إن لم يكن منها، بل خبر أبي بصير (4)
السابق يشعر بعدم تعلق الخمس في سائر أمواله.
نعم في كون ذلك للإمام (عليه السلام) مطلقا كما هو المشهور - بل عن
الحلي الاجماع عليه، أو هو كالمأذون فيه للغانمين عدا الخمس كما عن المنتهى قوته
بل في المدارك أنه جيد، بل يشهد له حسنة الحلبي (5) عن الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 16
(2) الوسائل - الباب - 4 من أبواب الأنفال - الحديث 8 من كتاب الخمس
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 11 - 8
(4) أصول الكافي ج 1 ص 408 " باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام "
الحديث 4
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 11 - 8
11

(في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة فقال:
يؤدي خمسا ويطيب له) أو التفصيل بين ما يغنمه المخالفون على وجه الجهاد
والتكليف بالاسلام نحو ما يقع من خلفاء الجور فللإمام (عليه السلام)، وما
أخذ جهرا وغلبة وغصبا لا بذلك العنوان فليس كما اختاره في الحدائق، بل فيها
أني لم أعلم قائلا بالاطلاق، ولا دليل له، إذ مرسلة الوراق موردها ما سمعت -
بحث يأتي الكلام فيه عند تعرض المصنف له، وإن كان يقوى الآن في النظر
الأول، لاطلاق النص والفتوى والاجماع المحكي، وما سمعته من الحدائق لا ينبغي
أن يصغى إليه، وجيد بالنسبة للثاني فيما اندرج منه تحت اسم الغنيمة عرفا دون
الربا ونحوه، وإن اختاره الأستاذ في كشفه مطلقا، خلافا للدروس وغيره
لا للصحيح عن ابن البختري (1) عن الصادق (عليه السلام) (خذ مال الناصب
حيث ما وجدته وادفع إلينا الخمس) وعن أبي بكر الحضرمي (2) عن المعلى قال:
(خذ من مال الناصب حيث ما وجدت وابعث (وادفع خ ل) إلينا الخمس) إذ
هو مبني على إرادة الحربي من الناصب بمعنى الناصب للحرب، ولا شاهد له بناء
على معروفية غير ذلك منه، أو على الأولوية أو المساواة منه، وقد يمنعان بعد
تسليم ذلك في الناصب وأنه كالحربيين فيه، وإلا فلو قلنا: إنه كالمرتدين في حرمة
المال ونحوه - كما هو صريح الحلي، بل هو الذي دعاه إلى تفسير الناصب في
الخبرين بالمعنى الأول، إذ هو في الثاني قد اعتصم بالاسلام، وإن رده في
الحدائق بأنه خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفا وخلفا من الحكم بكفر الناصب،
وجواز أخذ ماله وقتله - لم نحتج حينئذ إلى منعهما، بل لاطلاق الآية والنصوص
إذ دعوى اشتراطه المقاتلة في اسم الغنيمة واضحة المنع، ومن ذلك يظهر لك ما في
إخراجها، بل وإخراج المغتنم بغير إذن الإمام (عليه السلام) أيضا عنها بالمعنى

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 6 - 7
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 6 - 7
12

المشهور كما سمعته من الروضة.
ومنها إلحاق البغاة بالمشركين في وجوب الخمس في المغتنم من أموالهم مما
حواه العسكر كما صرح به بعضهم، بل في الروضة نسبته للأكثر، واستشكله في
الحدائق بأنه لا دليل عليه. بل ظاهر الأدلة كتابا وسنة خلافه، نعم تباح
أموالهم للمسلمين من غير فرق بين ما حواه العسكر وغيره، وهو جيد فيما لا يدخل
منهم ببغيه تحت اسم الناصب، وإلا أمكن الاستدلال عليه بالخبرين السابقين
بناء على إرادة الناصب فيهما بالمعنى المعروف.
ومنها تقييد المغتنم ب‍ (ما لم يكن غصبا من مسلم) أو ذمي أو (معاهد)
ونحوهم من محترمي المال، ووجهه واضح، نعم لا فرق فيما كان في يد المحاربين
بين أموالهم وأموال غيرهم من أهل الحرب أيضا وإن لم يكن الحرب معهم في تلك
السرية، لاطلاق الأدلة كتاب وسنة، كما أنه لا فرق فيما يجب فيه من المغتنم
(قليلا كان أو كثيرا) وفاقا لصريح جماعة وظاهر آخرين، بل لا أعرف فيه
خلافا سوى ما يحكى عن ظاهر غرية المفيد من اشتراط بلوغ مقدار عشرين دينارا
وهو ضعيف جدا لا نعرف له موافقا ولا دليلا، بل هو على خلافه متحقق
كما عرفت.
ومن الغنيمة عرفا فداء المشركين وما صولحوا عليه وفاقا للدروس والروضة
وكشف الأستاذ، فيجب فيه الخمس، بل هو منها قطعا بالمعنى الأعم وإن كان
في وجوب الخمس فيه حينئذ بحث، لمنع إرادة ما عدا السبعة منه. فتأمل.
وليس الجزية من أحدهما ولا من الملحق به قطعا وإن حكى الأول
من الكتب السابقة الأخير عن ابن الجنيد، لكنه ضعيف.
(الثاني) من السبعة الواجب فيها الخمس (المعادن) إجماعا محصلا
13

ومنقولا صريحا في الخلاف والسرائر والمنتهى والتذكرة والمدارك وغيرها،
وظاهرا في كنز العرفان وعن مجمع البحرين والبيان، بل في ظاهر الغنية نفي الخلاف
بين المسلمين عن معدن الذهب والفضة، كما أن ظاهره فيها أو صريحه الاجماع على
غيرهما من أفراده أيضا وكتابا بناء على إرادة الأعم من الغنيمة، وسنة
مستفيضة عموما وخصوصا، منها صحيح الحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام)
(عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس، وعن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس وكذلك
الرصاص والصفر والحديد، وكل ما كان من المعادن يؤخذ منها ما يؤخذ من
الذهب والفضة) ومحمد (2) عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل (عن معادن
الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر فقال: عليها الخمس) كصحيحه الآخر
المروي (3) في غير الفقيه (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الملاحة فقال:
وما الملاحة؟ فقلت: أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحا، فقال:
هذا المعدن فيه الخمس، فقلت: فالكبريت والنفط يخرج من الأرض قال:
فقال: هذا وأشباهه فيه الخمس) بل والفقيه أيضا وإن كان الموجود من بعد
قول (يصير ملحا) (هذا مثل المعدن) إلى آخره، وصحيح زرارة (4)
عن أبي جعفر (عليه السلام) (سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كل ما كان
ركازا ففيه الخمس، وقال: ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه من حجارته
مصفى الخمس) بناء على إرادة المعادن من الركاز كما هو المناسب للسؤال بل
وللسائل لما في المغرب وعن ابن الأثير من أنه كذلك عند أهل العراق، أو الأعم
منها وغيرها من المال المدفون وما فيه وعنه أيضا من أنه عند الحجاز الكنوز
المدفونة، فهو وإن كان يناسب إرادته المسؤول إلا أن الظاهر منه ما قلناه، إلى

(1) الوسائل - الباب - 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 2 - 1 - 4 - 3
(2) الوسائل - الباب - 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 2 - 1 - 4 - 3
(3) الوسائل - الباب - 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 2 - 1 - 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 2 - 1 - 4 - 3
14

غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي كادت تكون متواترة.
ومنها مع التأمل والتدبر يستفاد تعميم المعدن لغير منبت الجواهر من الذهب
والفضة ونحوها وإن فسره به في القاموس، بل مال إليه الفاضل المعاصر في رياضه
مدعيا أنه المتبادر منه عرفا، بل فيه أن العموم مخالف لبعض النصوص (1)
السابقة المتضمن لكون الملاحة مثل المعدن لا نفسه، لكنه كما ترى ممنوع،
بل لعل العرف على خلافه، كما أن ذلك البعض من النصوص مع أن الموجود في
غير رواية الفقيه ما عرفت لا صراحة فيه، بل لعل مثله مما يقال فيما يراد به
المعدن نفسه أيضا، على أنه من جملة مسمى المعدن، خصوصا بعد أن عرفت أن
العرف على الأعم من ذلك بل واللغة كما عن ابن الأثير أنه ما يخرج من الأرض
ويخلق فيها من غيرها مما له قيمة، بل في التذكرة المعادن كلما خرج من الأرض
مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة، سواء كان منطبعا بانفراده كالرصاص والصفر
والنحاس والحديد أو مع غيره كالزيبق، أو لم يكن منطبعا كالياقوت
والفيروزج والبلخش والعقيق والبلور والشبه والكحل والزاج والزرنيخ
والمغرة والملح، أو كان مايعا كالقير والنفط والكبريت عند علمائنا أجمع) كما
أنه قال في المنتهى أيضا: (ويجب الخمس في كل ما يطلق عليه اسم المعدن سواء
كان منطبعا بانفراده كالرصاص والنحاس والحديد أو مع غيره كالزيبق، أو غير
منطبع كالياقوت والفيروزج والبلخش والعقيق، أو مايعة كالقار والنفط والكبريت
ذهب إليه علمائنا أجمع) بل صرح بهذا التعميم أو ما يقرب منه كثير من
الأصحاب كالشيخ في جمله وخلافه ونهايته، وابن حمزة في وسيلته وابن زهرة
في غنيته، بل ذكر فيها الموميا والعنبر كالسرائر في الأول والشهيد الأول في
دروسه، بل زاد فيها المغرة والجص والنورة وطين الغسل ذا العلاج، كما أنه في

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 4
15

بيانه بعد تعداد جملة منها قال: (وألحق به حجارة الرحى وكل أرض فيها خصوصية
يعظم الانتفاع بها كالنورة والمغرة) والثاني في روضته بل ومسالكه، قال فيهما:
(المعدن بكسر الدال ما استخرج من الأرض مما كانت أصله ثم اشتمل على
خصوصية يعظم الانتفاع بها كالملح والجص وطين الغسل وحجارة الرحى والجوهر
من الزبرجد والعقيق والفيروزج وغيرها) والأستاذ في كشفه، إلى غير ذلك
من عباراتهم الظاهرة بل الصريحة في ذلك التعميم، وفي دوران الحكم مدار التسمية
الشاملة لذلك كله، ولذ قال في السرائر (إنه يجب في كل كل ما يتناوله اسم المعدن
على اختلاف ضروبه سميناه وذكرناه أو لم نذكره، وقد حصر بعض أصحابنا
وهو شيخنا أبو جعفر الطوسي في جمله وعقوده، فقال: (الخمس يجب في خمسة
وعشرين جنسا) وهذا غير واضح وحصر ليس بحاصر، ولم يذكر في جملة ذلك
الملح ولا الزمرد ولا المغرة ولا النورة) إلى آخره، وإن كان ما حضرني من
عبارة الجمل لا حصر فيها كما ذكر، وإن أكثر من الأمثلة كالوسيلة بل وغيرها،
وإلا فهو صرح في النهاية بأن المدار التسمية.
فظهر من ذلك كله أنه لا إشكال عندنا في وجوب الخمس في المعادن كلها
(سواء كانت منطبعة) بانفرادها (كالذهب والفضة والرصاص) والنحاس أو
مع غيرها كالزيبق (أو غير منطبعة كالياقوت والزبرجد) والفيروزج والعقيق
(والكحل، أو مايعة كالقير والنفط والكبريت) نعم توقف في المدارك كما
عن غيره، بل استجوده في الرياض في المغرة والجص والنورة وطين الغسل وحجارة
الرحى، للشك في تناول اسم المعدن لها، وعدم الدليل عليها بالخصوص، وهو
جيد خصوصا في مثل الجص لولا ما عرفت من ظهور اتفاق الأصحاب على التعميم
السابق فضلا عن محكيه، سيما بالنسبة إلى المغرة التي هي من معقد إجماع التذكرة
16

المتجه مع ملاحظته التعميم لسائر الأفراد المشكوك في صدق اسم المعدن عليها،
بل في الرياض (إنه ينبغي القطع بوجوب الخمس فيها أي هذه الأفراد المشكوك
فيها بناء على عموم الغنيمة لكل فائدة، والكل منها بلا شبهة، ووجوبه فيها من
هذه الجهة غير وجوبه فيها من حيث المعدنية، وتظهر الثمرة في اعتبار مؤونة السنة
فتعتبر على جهة الفائدة لا على المعدنية، ولعل هذا أحوط) انتهى، لكن فيه
أنه قد يقال لا تلازم بين البناء على عموم الغنيمة والقول بوجوب الخمس فيها إن
لم نقل إنها من المعدن، لظهور اتفاق الأصحاب عدا النادر على عدم وجوبه في
غير السبع منها، وظاهر حصر الخمس في خمسة في بعض النصوص، اللهم إلا أن
يدعى اندراجه في الخامس منها كما تعرفه إن شاء الله، وكذا لا تلازم بين القول
بوجوب الخمس فيها لا من جهة المعدنية وبين كونه متأخرا عن مؤونة السنة حينئذ
حتى يكون ذلك ثمرة، إذ لعل الظاهر من أخبار المؤونة غيرها، فيبقى إطلاق
الآية وغيره من غير معارض، أو لعله ملحق بالمعادن وإن لم نقل إنه منها كما عساه
يومي إليه عبارة البيان السابقة، بل وكشف الأستاذ، لظاهر الصحيح (1) السابق
على رواية الفقيه له، بل لعل توسعهم في المعدن هنا حتى أدرجوا فيه ما عرفت
لذلك على معنى إرادة المعدن وما في حكمه وإن توسعوا في العبارة لا أن المراد
اندراج سائر الأفراد السابقة في موضوعه، خصوصا مع ملاحظة ما وقع لهم في
غير المقام من عدم هذه التوسعة في المعدن، بل لعل أخذ الغير في تعريفي النهاية
والتذكرة يقتضي إخراج جملة مما سمعت عن المعدن، بل هو مضاد لما سمعته من
الروضة في تفسيره، اللهم إلا أن يراد بالغير ما كان أصله منها إلا أنه صار غيرها
بالاستحالة لا أنه غيرها أصلا، ولكن خلق فيها على ما عساه يوهمه ظاهر العبارة
كما أنه يراد بما في الروضة أنه المخرج من الأرض مما كان أصله منها لكنه خرج

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 4
17

عنها وصار غيرها، فحينئذ يتحد التفسيران من هذه الجهة، وإن كان قد يشكل
تعريف الروضة بعدم اعتبار كون الأصل من الأرض في المعدن، بل لعل القير
ونحوه من المعلوم أنه ليس كذلك وبدخول مثل الكماة ونحوه فيه، وكان هذا
التسامح والاجمال في المعدن لما عرفت، أو لإرادة الايكال إلى العرف، ولعله
الأقوى لكن فيما سلب عنه الاسم عرفا ولعل منه الجص ونحوه والكماة ونحوها
كما يشهد له السيرة المستقيمة، أما ما شك فيه وكان مندرجا فيما سمعته من التفسير
له فيحتمل وجوب الخمس فيه، لعدم تحقق معارضة العرف اللغة فيه، وعدمه
للأصل، فتأمل جدا.
(و) كيف كان ففي صريح الخلاف والسرائر وظاهر غيرهما بل في الدروس
نسبته إلى الأكثر أنه (يجب فيه الخمس بعد المؤونة) وإن قل من غير اعتبار
نصاب، بل في ظاهر الأول أو صريحه كصريح الثاني الاجماع عليه لاطلاق الأدلة
(وقيل) والقائل الشيخ في نهايته وعن مبسوطه وابن حمزة في وسيلته،
ووافقهما جماعة من المتأخرين، بل في المدارك نسبته إلى عامتهم (لا يجب حتى
يبلغ) ما يخرج منه قيمة (عشرين دينارا) ولو في معدن الذهب، لكن لا
تجزي القيمة القديمة، بل لا بد من اعتبار القيمة وقت الخروج، فمتى خرج من
الصفر ونحوه ذلك وجب الخمس، فما عن الشهيد من الاجتزاء بالقيمة التي كانت في
صدر الاسلام لا يخلو من نظر (و) على كل حال فبلوغ النصاب المذكور
(هو المروي) صحيحا عن أبي الحسن (عليه السلام) سأله ابن أبي نصر (1)
(عما أخرج من المعدن قليل أو كثير هل فيه شئ؟ فقال: ليس فيه شئ حتى
يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا).

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1
18

وقيل كما عن أبي الصلاح اختياره، والفقيه والمقنع روايته (1) مرسلا
(لا يجب حتى يبلغ قيمته دينارا واحدا) لخبر ابن أبي نصر (2) عن محمد بن
علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن (عليه السلام) أيضا (سألته عما يخرج من
البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فيه زكاة؟
فقال: إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس) (والأول أكثر) قائلا من القدماء،
إذ هو مع أنه صريح من عرفت ظاهر غيره: بل حكي عن المفيد والإسكافي والعماني
وغيرهم، بل قد عرفت دعوى الاجماع عليه والثاني أكثر قائلا من المتأخرين،
بل قد عرفت حكايته عن عامتهم، بل هو الأقوى في النظر، لوجوب تقييد الاطلاق
بالصحيح المعتضد بالأصل وبالشهرة المتأخرة التي قد يدعى اقوائيتها من المتقدمة،
خصوصا هنا باعتبار صراحة الفتوى بذلك منهم دون الأول: على أنها أعظم منها
بل في الرياض أنها كادت تكون إجماعا بل لعلها إجماع في الحقيقة، والخروج عن
الاجماع المذكور بعد موهونيته باعراض المتأخرين وبعض القدماء عنه، بل وحاكيه
الأول في نهايته وعن مبسوطه، وعدم صراحة أولهما فيما نحن فيه بل ولا ظهوره
عند التأمل كما لا يخفى على من لاحظه، كعدم صراحة ثانيهما بالاجماع المصطلح،
بل ظاهره إرادة نفي الخلاف منه الموهونة بثبوته ممن عرفت ممن تقدم على حاكيه
وقصور الخبر سندا عن مقاومة ذلك الصحيح الذي رواه ابن أبي نصر من غير
واسطة أصلا فضلا عن أن تكون مجهولة، بل ودلالة، لعدم تناوله غير معدن
الذهب والفضة أو لا، واحتماله الجواب عن غيرهما والاستحباب ثانيا.
نعم لا يعتبر في النصاب المذكور الاخراج دفعة وفاقا لظاهر جماعة وصريح
آخرين، لاطلاق الأدلة، بل لا فرق بين تحقق الاعراض بين الدفعات وعدمه،
وفاقا لظاهر بيان الشهيد الأول وصريح مسالك الثاني والمدارك وغيرها لذلك أيضا

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث (5)
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث (5)
19

وخلافا للفاضل في المنتهى فاعتبر عدم الاهمال في الانضمام المزبور، ولم نعرف له
مأخذا معتدا به.
وكذا لا فرق قطعا بين اتحاد المستخرج للمعدن وتعدده بحيث اشتركوا
في حيازته إذا بلغ نصيب كل واحد منهم النصاب، أما إذا لم يبلغ فقد صرح
غير واحد بعدم الوجوب على أحد منهم، بل لا أعرف من صرح بخلافه، لكن
قد يقال بظهور صحيح ابن أبي نصر السابق بل وغيره من الأخبار بخلافه، كما
اعترف به الشهيد في بيانه، وهو أحوط إن لم يكن أولى، بل قد يدعى ظهور
الصحيح المذكور في عدم اعتبار ذلك في المتعددين غير الشركاء أيضا وإن كان
بعيدا جدا إن لم يكن ممتنعا.
نعم لا فرق في الظاهر بين ما يخرج من معدن واحد أو معادن متعددة
إذا بلغ مجموع الخارج منها نصابا كما صرح به الأستاذ في كشفه تبعا للشهيد في
مسالكه وسبطه في مداركه في وجه فيهما، لاطلاق الأدلة، إلا أن الانصاف عدم
خلوه عن الاشكال، للأصل وانسياق المتحد من الأدلة السابقة، خصوصا صحيح
النصاب (1) على أنه صرح في السرائر والمنتهى بعدم الخمس فيما لو وجد ركازا
دون النصاب ثم وجد ركازا آخر دون النصاب واجتمعا نصابا، ولم أجد الفرق
بينه وبين ما نحن فيه، بل يحتمل قويا إرادة من عدا الأستاذ وجوب الضم بالنسبة
لما يخرج به بعد ذلك في المنتهى، قال: إذا اشتمل المعدن على جنسين كالذهب
والفضة ضم أحدهما إلى آخر، وكذا ما عداهما، خلافا لبعض الجمهور فلا يضم
في الذهب والفضة خاصة، بل كاد يكون كلام المدارك نصا في إرادة ذلك، فينفرد
الأستاذ في كشفه بما سمعت لولا أن الظاهر من الدروس ذلك أيضا.

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1
20

ثم من المعلوم أنه بعد إحراز النصاب المزبور يجب الخمس فيه وفيما زاد وإن
قل، لظاهر الأدلة السابقة،
ولا يجزي في الخمس إخراج خمس تراب المعدن مثلا
لجواز اختلافه في الجوهر، أما لو علم التساوي أو الزيادة ففي المسالك والمدارك
إجزاؤه، لكن قد يشكل بظهور ذيل صحيح زرارة (1) السابق في أول البحث
في تعلق الخمس بعد التصفية وظهور الجوهر، بل قد يدعى ظهور غيره في ذلك
أيضا، بل لعله المتعارف المعهود، ولذا صرح الأستاذ في كشفه بعدم
الاجزاء فتأمل.
ولو لم يخرج الجوهر من المعدن حتى عمله دراهم أو دنانير أو حليا أو نحو
ذلك من الآلات فزادت قيمته اعتبر في الأصل الذي هو المادة الخمس، وفي الزائد
حكم المكاسب، فيقوم حينئذ سبيكه ويخرج خمسه، كما هو واضح، وبه صرح
في المسالك والمدارك، لكن قال في الأول بعد ذلك بلا فاصل: (وكذا لو أتجر
به قبل إخراج خمسه) وقد يشكل بأن المتجه وجوب الخمس في الثمن أيضا بناء
على تعلق الخمس بالعين، وعلى تعلق الخمس بالبائع مع بيعه له جميعه كما صرح به
في التذكرة والمنتهى مستشهدا له في الأخير بما رواه الجمهور (2) بل والشيعة
وإن كان بتفاوت يسير بينهما لكنه غير قادح عن أبي الحرث المزني (أنه اشترى
تراب معدن بمائة شاة متبع فاستخرج منه ثمن ألف شاة، فقال له البائع: رد
علي البيع فقال: لا أفعل، فقال: لآتين عليا (عليه السلام) فلا سعين بك،
فأتى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: إن أبا الحرث أصاب معدنا فأتاه
علي (عليه السلام) فقال: أين الركاز الذي أصبت؟ قال: ما أصبت ركازا إنما

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 3
(2) ذكر ذيله في كنز العمال ج 3 ص 306 الرقم 5118
21

أصابه هذا فاشتريته منه بمائة شاة متبع، فقال له علي (عليه السلام): ما أرى الخمس
إلا عليك) وكأنه (رحمه الله) فهم البايع من الضمير، وهو كذلك لما في المروي (1)
في الكافي والتهذيب من نقل هذه (أنه قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لصاحب
الركاز: إن الخمس عليك، فإنك أنت الذي وجدت الركاز، وليس على الآخر
شئ، لأنه إنما أخذ ثمن غنمه) ويدفع بأنه وإن كان متعلقا بها وجاز له بيعه
وكان الخمس عليه لكن له ضمانه على أن يؤديه من مال آخر، فيتجه حينئذ تعلق
الوجوب بالأصل خاصة دون الزيادة الحاصلة بالاكتساب، كما صرح به في المنتهى
والتذكرة أيضا معللا له بأن الخمس تعلق بالعين لا بالثمن، نعم يجب فيها ذلك من
حيث الربح بعد اجتماع شرائطه، هذا.
وفي كشف الأستاذ (لو وجد شيئا من المعدن مطروحا في الصحراء فأخذه
فلا خمس) ولعله لظهور الأدلة في اعتبار الاخراج وإن كان للنظر فيه مجال،
بل قد يدعى تناول الأدلة لمثله مع فرض مطروحيته مباحا بأن كان المخرج له
حيوانا مثلا، وقد يشهد له في الجملة ما صرح به غير واحد من الأصحاب من أن
المعدن إن كان في ملك مالك فأخرجه مخرجه كان المعدن لصاحب الأرض، وعليه
الخمس، بخلاف الأرض المباحة، فإنه لمخرجه، إذ لا فرق عند التأمل بين المطروح
وبين ذلك.
كما أن ما في الكشف المذكور من أن لوجوب الخمس فيما يحتاج إلى
العمل من التراب كالتربة الحسينية والظروف وآلات البناء وجها محل للنظر أيضا
إذ لا نعرف وجه الوجه سوى احتمال الاندراج في بعض تفاسير المعدن أو ما ألحق
به باعتبار الخصوصية التي يعظم الانتفاع بها، لكنه كما ترى، للقطع بعدم إرادة
نحو ذلك من الخصوصية المذكورة، كالقطع بعدم عد قابلية الأرض للظروف

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1
22

والآلات من الخصوصية المعدنية أو الملحق بها، ضرورة قبول أكثر الأرض
لذلك وإن أريد بالخصوصية المعنى الحاصل بعد العمل من حيث العمل نفسه كما
هو ظاهر العبارة فهو أوضح نظرا نعم ما فيه من أنه لم حصل شئ قليل من
المعدن في مكان فاستنبطه مرة بمقدار النصاب ثم انقطع ففي دخوله في حكم المعادن
إشكال في محله وإن كان الأقوى في النظر وجوبه، لاطلاق الأدلة المقتضي
دخول ذلك كاقتضائه
عدم الفرق بين أفراد المستنبطين بعد تحقق الملك للمستنبط
نفسه أو سيده كما لو كان عبدا.
بل ولا بين المسلم والكافر وإن حكى عن الشيخ، بل هو ظاهر البيان أنه
يمنع الذي من العمل في المعدن، لكن صرح الأول بأنه لو خالف وعمل ملك
وكان عليه الخمس لاطلاق الأدلة، نعم اعترف في المدارك بأنه لم يقف له على دليل
يقضي بمنع الذمي من العمل في المعدن، وهو كذلك بالنسبة إلى غير ما كان في
ملك الإمام (عليه السلام) من الأراضي الميتة ونحوها، أو المسلمين كالأراضي
المفتوحة عنوة، وأما فيها فقد يقال بعدم ملكه أصلا فضلا عن منعه فقط، لعدم
العلم بتحقق الإذن من الإمام (عليه السلام) لهم في الأول، وعدم كونه من
المسلمين في الثاني، كما أنه قد يقال ببقاء المعادن على الإباحة الأصلية لسائر بني آدم
نحو الحطب والماء وإن كانت في الأراضي المذكورة، أو يقال بالفرق بين ما كان
للإمام (عليه السلام) والمسلمين، فيلتزم بعدم الملك في الثاني دون الأول، لعموم
إذنه (عليه السلام) الحاصل من قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (من أحيى
أرضا ميتة فهي له) أو يفرق بين الذمي وغيره بامكان التزام معاملة الذمي لذمته
معاملة المسلمين في نحو ذلك دون غيره، لكن يتجه على الأول حينئذ بل وعلى
الأخير استثناء ذلك من إطلاق الحكم بملكية المعدن لمالك الأرض، بل لعله من

(1) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 5
23

اللازم في الجملة، للقطع بملك المجيز من المسلمين له إذا كان في الأرض المفتوحة
عنوة، مع أنها ملك لسائر المسلمين، ولعله لأنه بنفسه في حكم الموات وإن كان
في أرض معمورة منها بغرس أو زرع ولتمام الكلام محل آخر.
وكذا لا فرق بين المكلف وغيره كما صرح به في البيان، وإن كان لم
يخاطب هو باخراج الخمس إلا أنه يثبت في المال نفسه ذلك، لاطلاق الأدلة، بل
ظاهرها أن الحكم المذكور من الوضعيات الشاملة للمكلفين وغيرهم.
(الثالث) من السبعة الواجب فيها الخمس (الكنوز) جمع الكنز
المسمى في جملة من عبارات الأصحاب منها التذكرة والمنتهى بالركاز من الركز
بمعنى الخفاء بلا خلاف فيه في الخلاف والحدائق وظاهر الغنية أو صريحها، بل
مع زيادة (بين أهل العلم) في المنتهى، بل (إجماعا) في الخلاف والتذكرة
وظاهر الإنتصار أو صريحه، بل في المدارك أجمع العلماء كافة على وجوب الخمس
فيه للآية على عموم الغنيمة فيها، خصوصا له للمروي (1) عن الفقيه والخصال
في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) (يا علي إن عبد المطلب
سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الاسلام إلى أن قال: ووجد
كنزا فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله واعلموا أنما غنمتم..) الآية
وعموم السنة، منها خبر سماعة (2) سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس
فقال: (في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير) وخصوص صحيح الحلبي (3) عن
الصادق (عليه السلام) (عن الكنز كم فيه؟ فقال: الخمس) وصحيح زرارة (4)

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 3
24

المتقدم سابقا في المعادن بناء على إرادة الكنز أو الأعم منه ومن المعادن من
الركاز فيه، وغير ذلك.
(و) الكنز (هو) كما في التنقيح بل والتذكرة بل والمنتهى والبيان
والروضة والمسالك (كل مال مذخور تحت الأرض) مع زيادة (قصدا) في
الأخيرين، ولعل الذخر يغني عنه إن قلنا باعتباره في مسماه كما صرح به في الأخير
قال: فلا عبرة باستتار المال بالأرض بسبب الضياع، بل يلحق باللقطة، ويعلم ذلك
بالقرائن الحالية كالوعاء، وإلا كانت زيادته مفسدة، لعدم الفرق في الظاهر نصا
وفتوى في وجوب الخمس بالكنز بين ما علم قصد الذخر فيه وعدمه بل لو علم
عدمه كما في بعض المدن المغضوب عليها من رب العالمين، ولعله لذا قال الأستاذ
في كشفه: (مذخورا بنفسه أو بفعل فاعل) اللهم إلا أن يلتزم إلحاق نحوه
بالكنز لا الدخول في مسماه أو منع جريان الحكم في مثله كالمذخر في جدار أو
في بطن شجرة أو خباء من بيوت أو خشب أو تحت حطب فإنه صرح الأستاذ
المذكور بعدم الخمس فيه وإن كان هو لا يخلو من إشكال في البعض إن لم يكن
الكل، بل منع لامكان دعوى التنقيح، سيما مع ملاحظة إلحاقهم الموجود في
جوف الدابة والسمكة به بالنسبة للخمس بعد تسليم الشك، أو عدم الصدق وعدم
إرادة المثال من الأرض لما يشمل مثل بعض ذلك وعدم إمكان الاستدلال
بعموم الكتاب والسنة.
ثم إن ظاهر تعريف الأصحاب للكنز والركاز المجعول في كلام بعضهم معقدا
لنفي الخلاف وللاجماع من آخر بعد تفسيره منهم بما سمعت عدم الفرق بين النقدين
وغيرهما مما يعد مالا، بل صرح في التذكرة والمنتهى والدروس والبيان بذلك،
بل قد تشعر عبارة الأولين بعد التأمل فيها بالاجماع عليه عندنا، لكن في كشف
الأستاذ أن الظاهر تخصيص الحكم بالنقدين، وغيره يتبع الحكم اللقطة بل لعله
25

ظاهر السرائر أيضا، وربما يشهد له بعد الأصل وفهم النوع من صحيح
النصاب (1) الآتي وإن حكي في الرياض الاتفاق على إرادة المقدار منه لا النوع
- صحة سلب اسمه عن أكثر ما عداهما بل جميعه، إلا أنه قد يقال بعد الاغضاء
عن عموم الآية والسنة كما عرفت منشأ النعيم المزبور صدق اسم الركاز الموجود
في صحيح زرارة (2) السابق المفسر في المصباح المنير وغيره بالمال المدفون، وفي
القاموس بما ركزه الله في المعادن أي أحدثه، ودفين أهل الجاهلية وقطع الذهب
والفضة من المعدن فلا يقدح سلب اسمه عنه حينئذ بل الظاهر من ملاحظة
كلام الأصحاب خصوصا التذكرة والمنتهى والبيان إرادة الركاز من الكنز هنا
ولعله لذا فسره المصنف وغيره هنا بما سمعت مما هو معنى الركاز دونه، فتأمل جيدا
ويعتبر في وجوب الخمس فيه النصاب بلا خلاف أجده فيه وإن أطلق بعض
القدماء بل في الخلاف والغنية والسرائر وظاهر التذكرة والمنتهى والمدارك
الاجماع عليه، بل في معقد الأربعة المتأخرة أنه عشرون دينارا، كما أن معقد
الأول بلوغ نصاب يجب في مثله الزكاة للأصل وصحيح البزنطي (3) عن
الرضا (عليه السلام) (سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز فقال، ما يجب
الزكاة في مثله ففيه الخمس) ولعله المروي (4) في المقنعة مرسلا وإن كان هو
أصرح منه بالنسبة إلى إرادة المقدار وغيره، قال: (سئل الرضا (عليه السلام)
عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك ففيه
الخمس، وما لم يبلغ حد ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه (لكن في الغنية أنه
بلوغ قيمة دينار فصاعدا بدليل الاجماع، وهو غريب، بل دعواه الاجماع عليه

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 2
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 2 - 6
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 2 - 6
26

اغرب، إذ لم نعرف له موافقا ولا دليلا، نعم كان على بعض الأصحاب أو أكثرهم
عدم الاقتصار على العشرين دينارا نصاب الذهب الظاهر في اعتبار ذلك حتى في
الفضة بحيث لا يجزي الأقل منه ولو مائتا درهم المساوية له في صدر الاسلام، بل
كان ينبغي ذكر المائتي درهم نصاب الفضة معه للصحيح السابق ومعقد إجماع
الخلاف بل في المسالك (أنه ينبغي القطع به) إلى آخره فيقال حينئذ يعتبر
بلوغ العشرين في الذهب والمائتين في الفضة، وأيهما كان في غيرهما كما صرح به
في المنتهى والتذكرة وغيرهما لا أنه يجزي في الذهب مثلا مائتا درهم لو فرض قلتها
عن العشرين، أو في الفضة العشرون لو فرض قلتها عن المائتين، وإن أمكن تخريجه
من لفظ مثله في الصحيح المزبور خصوصا مع ملاحظة تناوله لغير النقدين، بل
قد يوهمه عبارتا البيان والمسالك إلا أن المنساق إلى الذهن منه ما ذكرنا، ولعل
ذلك الاقتصار للمساواة المزبورة، أو لإرادة المثالية أو لدعوى إرادة ذلك من
الصحيح المذكور بقرينة الصحيح (1) المتقدم سابقا في المعادن المشتمل على تفسير
نحو العبارة فيه بالعشرين دينارا، سيما مع تقارب المسؤول عنه واتحاد الراوي
والمروي عنه فيهما.
(ف‍) يتجه حينئذ ما في المتن وغيره من أنه (إذا بلغ) الكنز
(عشرين دينارا وكان في أرض دار الحرب أو دار الاسلام وليس عليه أثره
وجب فيه الخمس) وعلى كل حال فلا نصاب له غير ذلك، فيجب حينئذ في بالغه
والزائد عليه وإن قل الخمس كما هو ظاهر الأصحاب، بل كاد يكون صريحهم،
بل هو صريح بعضهم كالعلامة في المنتهى والتذكرة والشهيد في الدروس والبيان
وغيرهما، لكن في المدارك يشكل بأن مقتضى الصحيح السابق مساواة الخمس
للزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأول، إلا أني لا أعلم بذلك مصرحا، ويدفع

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1
27

بظهوره بعد أن عرفت إرادة السؤال عن المقدار فيه بالاتفاق المحكي في مساواة
الخمس للزكاة في مبدأ تعلق الوجوب لا المساواة في النصب ليكون ما بين
النصابين عفوا كالزكاة، خصوصا مع ملاحظة المرسل السابق في المقنعة، لا أقل
من الشك، فتبقى الأخبار السابقة على إطلاقها اقتصارا على القدر المتيقن
خروجه منه.
كما أنها هي كذلك بالنسبة إلى اعتبار الحول، فلا يعتبر فيه حول حينئذ
قطعا كما صرح به غير واحد،
كالقطع بعدم اعتبار بلوغ النصاب فيه بضمه إلى
مال آخر زكاتي أو غيره وإن حكي عن الشافعي ذلك، نعم في إجزاء حصوله
بضم بعض الكنوز إلى بعض وجه وقول تقدم نظيره في المعادن، مع أن المصرح
به هنا في السرائر والمنتهى والتذكرة عدمه بل لعله لا يخلو من قوة، وليس
هو كالاخراج دفعات من كنز واحد ضرورة، بل ولا كالمال المذخور في ظروف
متعددة في مكان واحد أو كالواحد، فإن إجزاء الضم فيهما لا يخلو من قوة
لا عدمه، بل ينبغي القطع به في الأول، كما هو واضح وتقدم نظيره في المعدن
فلاحظ وتأمل.
ثم الكنز إن وجد في أرض الحرب وإن كانت ملكا لواحد خاص منهم
بل ودار الاسلام إذا كانت مباحة أو لم تكن ملكا لواحد من المسلمين بالخصوص
كالمعمور من المفتوح عنوة وكان لا أثر للاسلام من سكة ونحوها عليه فلا
خلاف أجده في وجوب الخمس على واجده، لاطلاق الأدلة السابقة المستفاد منها
ملكيته لواجده المنفي عنها الخلاف في الحدائق على البت في الأول، والظهور
في الثاني، بل فيها الاتفاق عليه حكاه في الفائدة الثالثة من الفوائد التي ذكرها
فيها، بل قد يظهر من الغنية الاجماع عليه وعلى سابقه أيضا، والمقطوع بها بين
الأصحاب في المدارك في الأول، كما أنه قد تشعر عبارته بعدم الخلاف في الثاني
28

وهو كذلك، ضرورة انسياقه إلى الذهن من خطابه بتخميسه أو لزومه له كما
اعترف به في الحدائق بل قد يستفاد أيضا في الجملة من صحيح ابن مسلم (1)
عن أحدهما عليهما السلام (سألته عن الورق توجد في دار فقال: إن كان
الدار معمورة فيها أهلها فهي لأهلها، وإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت)
كصحيحه الآخر (2) عن الصادق (عليه السلام)، مضافا إلى ما في المدارك من
أن الأصل في الأشياء الإباحة والتصرف في مال الغير إنما يحرم إذا ثبت كون
المال لمحترم أو تعلق به نهي خصوصا أو عموما، والكل هنا منتف، وإن كان
في اقتضاء ذلك بعد تسليمه ملكية الواجد المتوقفة على ذكر الشارع سببا
ينقطع به استصحاب عدمها للواجد وثبوتها للأصيل نظر واضح.
بل وكذا الموجود في دار الاسلام السابقة وكان عليه أثر الاسلام أيضا
على الأقوى، وفاقا للخلاف والسرائر والمدارك وكشف الأستاذ، بل لعله ظاهر
ما عن المفيد والمرتضى والحسن من الاطلاق أيضا، بل لعله ظاهر ابن زهرة في
غنيته بل تحتمل عبارته دعواه الاجماع عليه، وخلافا للفاضلين والشهيدين في
البيان والمسالك والمقداد وعن المبسوط فلقطة، بل في التنقيح أن عليه الفتوى
لما سمعته سابقا من إطلاق وجوب الخمس وغيره المؤيد باشعار صحيحة عبد الله
ابن جعفر (3) الواردة في الموجود في جوف الدابة التي ستسمعه فيما يأتي والسالم
عن معارض معتد به، إذا هو إما أصالة احترام مال المسلم المتوقف الاستدلال بها
على ثبوت كونه مالا لمسلم، وهو في حيز المنع، لأعمية أثر الاسلام والأرض
منه، على أنهما لا يفيدان إلا ظنا لا دليل على حجيته هنا، وإما تناول تعريف

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 1 لكن الثاني عن أبي جعفر عليه السلام
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 1 لكن الثاني عن أبي جعفر عليه السلام
(3) الوسائل - الباب - 9 - من كتاب اللقطة - الحديث،
29

اللقطة له الذي هو مال ضائع عليه أثر ملك إنسان ووجد في دار الاسلام، وهو
كذلك في حيز المنع أيضا، لظهور الضائع في عدم قصد صاحبه الذخر بخلاف
المكنوز، وأما قول الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن قيس (1) (قضي علي
(عليه السلام) في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها، فإن وجد من يعرفها وإلا
تمتع بها) فهو مع معارضته بصحيحتي ابن مسلم المتقدمتين لا دلالة فيه على التفصيل
المزبور، والجمع بينهما وبينه بذلك لا شاهد عليه، وليس بأولى من الجمع بحمله
على كون الخربة لمالك معروف، أو على ما إذا كان الورق غير مكنوز وحمل
الصحيحين على المكنوز، نعم لو علم ولو من القرائن المفيدة قطعا بالعادة كونه
من الكنوز الاسلامية اتجه الحكم بعدم اندراجه فيما نحن فيه، للقطع بكونه
لمحترم المال، بل هو إما لقطة يعرف بها، أو أنه يرجع أمره إلى حاكم الشرع،
أو من مجهول المالك فيتصدق به، لظهور اتفاق الأصحاب على إرادة غير المعلوم
كونه لمسلم من الكنز هنا كما يومي إليه التفصيل بأثر الاسلام وعدمه، وإن لم
نجنح إلى ذلك التفصيل لكن لأعمية الأثر من ذلك لامع تسليم دلالته.
ومن هنا كان لا وجه لاحتمال التمسك باطلاق الأخبار كون الخمس في الكنز
الشامل لمثل المفروض، ولعل من ذلك ما يوجد الآن من بعض الكنوز العباسية
أو الأموية أو نحوهما من الدول الاسلامية، بل الظاهر تعين الوجهين الأخيرين فيه
بل قد يومي إلى الثاني منهما موثق إسحاق (2) الآتي، وأما احتمال اللقطة الواجب
تعريفها في مثله فبعيد جدا بل لعل مثله ليس من المال الضائع كما عرفت سابقا
بل قد يظهر منهم في كتاب اللقطة أنه لواجده، وهو متجه إن لم يكن إجماعا،
ولكن الانصاف عدم خلو المسألة عن إشكال لاطلاق النصوص، بل قد يقوى
جريان حكم الخمس عليه، وكيف كان فما ذكرنا يظهر أولوية جريان الحكم المزبور

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 - 3
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 - 3
30

في المكنوز في أرض الاسلام المغنومة من الكفار التي يعلم عدم استعمال المسلمين
لها بعد الفتح في كنز ونحوه، أو الأرض التي لا يد للمسلمين والكفار عليها،
بل وكذا الأرض المملوكة لمسلم خاص إلا أنها خرجت بخلوها عن أهلها وانجلائهم
وإعراضهم عنها، فصارت مباحة، فيكون الموجود فيها كالموجود في الأرض
المباحة، كما هو مضمون صحيحي ابن مسلم السابقين، بل وكذا ما وجده في
أرضه المملوكة له باحياء كما صرح به في المدارك، بل حكاه في الحدائق عن جمع،
فيملكه ويخرج خمسه إن لم يكن عليه أثر إسلام، وإلا جرى فيه الخلاف السابق
الذي قد عرفت قوة كونه كذلك أيضا، أما لو كانت مملكة بابتياع أو هبة أو
نحوها مما لا يحصل بسببه ملك للكنز وكان عليه أثر الاسلام ففي المنتهى والتذكرة
والمسالك وغيرها عرفه البائع، فإن عرفه وإلا فالمالك الذي قبله هكذا، بل لا
أجد فيه خلافا بيننا، لوجوب الحكم به له مع دعواه إياه إجماعا في المنتهى،
قضاء لظاهر يده السابقة، بل قد يدعى أنه محكوم بملكيته له ما لم ينفه عن نفسه
لذلك من غير حاجة إلى دعواه إياه، كما عساه يومي إليه في الجملة صحيحتا ابن مسلم
السابقتان، فيجب تعريفه إياه حينئذ قطعا بل هو أولى من اللقطة في ذلك بناء
على أنه ليس منها، فما في المدارك حينئذ من أنه يمكن المناقشة في وجوب تعريفه
لذي اليد السابقة إذا احتمل عدم جريان يده عليه، لأصالة البراءة من هذا التكليف
مضافا إلى أصالة عدم التقدم لا ينبغي أن يصغى إليه كما لا يخفى على من له أدنى
ممارسة للفقه، وإن قال في الحدائق: إنه لا يخلو من قرب، بل فيها أنه يؤيده
صحيحة عبد الله بن جعفر (1) المتضمنة لحكم الموجود في جوف الدابة التي ستسمعها
فيما يأتي، وهو كذلك، لكن قد يقال بإرادة المثال من البائع فيها، أو يفرق
بظهور المدفون في الدار أنه لصاحبها الأول بخلاف الدابة، نعم لو علم انتفاءه عن

(1) الوسائل - الباب - 9 - من كتاب اللقطة - الحديث 1
31

بعض الملاك ولو ببعض القرائن المفيدة له عادة لم يجب تعريفه له، لانتفاء فائدته
كانتفاء فائدته بالنسبة للمالك السابق على البائع بعد دعوى معرفة البائع إياه لتقديمه
عليه إذا تداعياه، كما هو مقتضى الترتيب السابق في التعريف، بل صرح به في
المسالك وإن كان لا يخلو من تأمل باعتبار تساوي الجميع في عدم اليد لهم وقت
التعريف، كمساواتهم فيها قبله، وقرب زمان يد أحدهم من يد المعرف لا يقتضي
ترجيحه على غيره، ولعله لذا أطلق في البيان وجوبه تعريفه من كل من جرت
يده على المبيع من غير ذكر الترتيب، وإن لم يعرفه جميع من أمكنه تعريفه إياه
من الملاك السابقين فالمتجه بل صرح به بعضهم صيرورته حينئذ كالموجود في أرض
المسلمين يجري فيه الخلاف السابق، أما إذا لم يكن عليه أثر للاسلام فقضية إطلاق
لقطة الكتاب بل كاد يكون صريح الشهيدين في الدروس والمسالك مساواته للأول
في وجوب التعريف أيضا وترتيبه، بل قد يظهر من الغنية الاجماع على تعريفه
من البائع، كصريحه على أنه إن لم يعرفه أحد كان لواجده بعد إخراج الخمس،
وظاهر التذكرة والمنتهى بل صريحهما اختصاص التعريف فيما عليه أثر للاسلام
دون ما لا أثر له عليه، فإنه لواجده على أحد قولي الشيخ، أو لقطة على الثاني،
وفيه بحث، لاشتراك الجميع في المقتضى للتعريف السابق.
نعم ينبغي التفصيل بعده إذا أنكروه بأنه للواجد إن لم يكن عليه أثر
الاسلام، وإلا جرى فيه الخلاف السابق، لا أنه مطلقا للواجد كما عساه يوهمه
لقطة الكتاب، كاطلاقه هنا ذلك أيضا حيث قال: (ولو وجده في ملك) له
(مبتاع عرفه البائع، فإن عرفه فهو أحق به، وإن جهله فهو للمشتري وعليه
الخمس) اللهم إلا أن يريد بالضمير الكنز الذي لا أثر للاسلام عليه، لكن
32

لا يكون كلامه حينئذ مشتملا على حكم القسمين، والظاهر إرادته الجنس من
البائع لا البائع القريب خاصة، أو المثالية منه، وإلا فلا فرق بينه وبين الواهب
والمصالح وغيرهما، بل في المسالك ووراث كل واحد منهم، ولا بأس به، ولو
تعددوا ورثة كانوا أو غيرهم واتفقوا على نفيه أو ثبوته فلا إشكال، كما أنه
كذلك لو تنازعوا فيه، لرجوعه حينئذ إلى حكم التداعي، أما لو ادعاه بعضهم
ونفاه الآخر عن نفسه اختص به في غير صورة الإرث على إشكال تعرفه فيما يأتي
بل وفيها إذا صرح بأن سبب ملكه غير الإرث، أو أطلق دعوى ملكيته من
غير تعرض للسبب كما صرح به في المسالك، لثبوت يد له سابقا، وعدم معارض له
في دعواه، وإن كان لا يخلو من إشكال، لعدم ثبوت يد له غير يد الشركة،
ففي الزائد على حصته يكون كدعوى الأجنبي الموقوف قبولها على البينة، كما هو
ظاهر تخصيص التعريف بالبائع ونحوه في كلام الأصحاب أما لو صرح بأن سبب
ملكه الإرث فليس له إلا حصته قطعا، وهل يملك الباقي الواجد لعدم مدع له
ولا تلازم بين الحكم ظاهرا بحصة منه لذلك المدعي وبين ثبوت كون الباقي لمسلم
محترم المال، لاحتمال كذبه، أو هو كاللقطة خصوصا عند من اعتبر عدم أثر
الاسلام في ملكية الكنز، إذ ليس هو أقوى إمارة من ظهور مدع بعضه بسبب
يقتضي الشركة بينه وبين غيره من باقي الورثة وإن نفوه هم عن أنفسهم، أو كمجهول
المالك يتصدق به؟ احتمالات، بل يحتمل تسليمه حاكم الشرع أو إيقافه حتى يدعوه
لكن أول الاحتمالات لا يخلو من قوة، كما أنه لا يخلو من قوة أيضا احتمال
وجوب دفع الباقي إلى من يدعيه من الملاك السابقين على مورث هذا الوارث،
فيشترك فيه الطبقتان أو الطبقات.
وفي إلحاق المستأجر والمستعير ونحوهما بالمالك في سائر ما تقدم وجه، بل
اختاره الأستاذ في كشفه مصرحا فيه بتقديم المالك عليه عند التعارض، وعدم
33

شاهد حال لأحدهما كما عن أحد قولي الشيخ، بل عن معتبر المصنف اختياره،
وهو جيد إن أريد بالمالك المؤجر، لفرعية يده عن يده، وإلا فتقديم السابق
عليه لا يخلو من نظر بل منع، وقيل كما عن مختلف الفاضل اختياره، بل قربه
الشهيد في بيانه: يقدم المستأجر، لثبوت يده حقيقة ويد المالك حكما، ولاستبعاد
إجارة دار فيها كنز، كما أنه جزم في الأخير بالعمل بقرينة الحال لمن وجدت له
مع اليمين، بل قد يظهر من الأستاذ في كشفه اختياره أيضا، وهو لا يخلو من
وجه، فتأمل جيدا فيه وفي جميع ما تقدم ليظهر لك وجه جملة من الفروع التي
تركنا التعرض لها لذلك أو لغيره، منها مساواة الأرض المنتقلة إليه بإرث للمبتاعة
في أكثر ما تقدم أو جميعه، فتأمل.
بل منه يظهر الحال أيضا في الموجود من الكنز في مالك الغير، إذا الحكم
فيه كما صرح به في المدارك كالحكم في الأرض المملوكة للواجد، بل في المنتهى
والتذكرة والبيان وغيرها التصريح أيضا بتعريفه صاحب الدار، لكن في الأولين أنه
إن لم يعترف به فهو لأول مالك من دون تعرض للتعريف ولاشتراط الاعتراف ولا
لحكمه بعده إذا لم يعترف به بناء على اشتراطه، وفي الثالث أنه إن لم يعترف به
فهو لواجده، فيخمسه من غير تعرض لتعريفه المالك السابق على من في يده وقت
الوجود، بل استغرب في الحدائق حكمه في مثله بأنه لواجده، وعليه الخمس من
غير تفصيل بين أثر الاسلام وعدمه مع تفصيله بذلك في الموجود في الأرض
المباحة، وهو في محله، بل هو أولى في الحكم بكونه لقطة حتى فيما لا أثر للاسلام
عليه من السابق، لموثق إسحاق بن عمار (1) سأل أبا إبراهيم (عليه السلام)
(عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم
تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 3
34

لعلهم يعرفونها، قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: يتصدق بها) من حيث ظهوره
بذلك كما اعترف به في الحدائق وإن كان قد يمنع عليه ويدعى ظهوره في أنه
من مجهول المالك، لكن لما كان لا تفصيل فيه بظهور أثر الاسلام وعدمه مع
أنه يمكن تحصيل الاجماع على ملكية الواجد الثاني إذا لم يعترف به المالك،
مضافا إلى اطلاق الأدلة السابقة ضعف الركون إلى اطلاقه بالنسبة إليه، بل
وبالنسبة للثاني لما عرفته سابقا، فالأولى تنزيله على معلومية كونه لمسلم، فيتجه
أمره حينئذ بالصدقة، كما أنه يحتمل تنزيل ما في الخلاف من أنه إذا وجد
ركازا في ملك مسلم أو ذمي في دار الاسلام لا يتعرض له إجماعا - على ذلك أو
على إرادة حرمة التعرض، وإن كان الحكم فيه لو تعرض ما سمعت أو نحو ذلك
مما ينزل عليه صحيحا ابن مسلم (1) المتقدمان في أول المبحث الظاهر أن أيضا في
ملكية صاحب الدار ما فيها، فتأمل جيدا، فإن المسألة لا تخلو من بحث، وقد
ذكرنا التحقيق فيها في كتاب اللقطة، وهو مناف لما هنا، فلاحظ وتدبر.
(وكذلك) يجب تعريف البائع (لو اشترى دابة ووجد في جوفها
شيئا له قيمة) فإن عرفه وإلا فهو للمشتري، وعليه الخمس لصحيح عبد الله بن
جعفر (2) قال: (كتبت إلى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة
للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر لمن
يكون ذلك؟ فوقع عليه السلام عرفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشئ لك رزقك الله إياه)
لكن ظاهره تعريف البائع خاصة، اللهم إلا أن يريد المثال أو علم نفيه عن غيره
كما أن ظاهره عدم الفرق بين ما عليه أثر الاسلام أو لا، بل لعله ظاهر في الأول،
وهو مما يؤيد المختار، ضرورة مساواته للأرض المبتاعة، بل ظاهره عدم الخمس

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 و 2
(2) الوسائل - الباب - 9 - من كتاب اللقطة - الحديث 1
35

أيضا كما هو مقتضى الأصل أيضا، لكن في المدارك أنه قد قطع به الأصحاب،
وظاهره كالكفاية والحدائق الاتفاق عليه لكن فيها بعد ذلك (أن ظاهرهم
اندراجه في مفهوم الكنز، وهو بعيد، نعم يمكن دخوله في قسم الأرباح).
قلت: بل جزم في الحدائق بذلك، وببطلان اندراجه في الكنز، وهو
جيد بالنسبة للثاني، بل لم أعرف أحدا من الأصحاب صرح بخلافه، نعم قد
يظهر من بعضهم إلحاقه به تنقيحا، وهو موقوف على الدليل، فإن ثبت إجماعا
كان أو غيره تعين القول به، كما أن الظاهر أنه كذلك، لعدم
وصول شئ منها إلينا، كما أن الظاهر عدم اندراجه في قسم الأرباح، ضرورة
كونه بمعزل عنه، إذ ليس هو مما أعد أو أخذ للتعرض له، نعم إن قلنا بعموم
الغنيمة لكل فائدة اتجه وجوبه فيه على أن يكون قسما مستقلا غير السبعة، ولعله
لذا قال في السرائر في باب اللقطة ما لفظه: (وكذلك إذا ابتاع بعيرا أو بقرة أو
شاة وذبح شيئا من ذلك فوجد في جوفه شيئا أقل من مقدار الدرهم أو أكثر
عرفه من ابتاع ذلك الحيوان منه، فإن عرفه أعطاه إياه، وإن لم يعرفه أخرج منه
الخمس بعد مؤونة طول سنته، لأنه من جملة الغنائم والفوائد وكان له الباقي،
وكذلك حكم من ابتاع سمكة فوجد في جوفها درة أو سبيكة أو ما أشبه ذلك،
لأن البائع باع هذه الأشياء ولم يبع ما وجده المشتري، فلذلك وجب عليه تعريف
البائع، وشيخنا أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) لم يعرف بائع السمكة الدرة، بل
ملكها المشتري من دون تعريف البائع، ولم يرد بهذا خبر عن أصحابنا، ولا رواه
عن الأئمة (عليهم السلام) أحد منهم، والفقيه سلار في رسالته يذهب إلى ما اخترناه، وهو
الذي يقتضيه أصول مذهبنا) انتهى. وهو صريح في عدم اندراج ذلك في الكنز
وفي عدم الفرق في التعريف بين السمكة والدابة، كما أنه كاد يكون صريحا في عدم
الفرق بين ما عليه أثر الاسلام وغيره.
36

لكن قد يشكل اعتبار إخراج مؤونة سنته منه بعد فرض عدم اندراجه
في الأرباح اللهم إلا أن يقال بعموم ما دل على اعتبارها للأرباح وغيرها إلا
ما خرج من الكنز والمعدن ونحوهما، كما أنه يشكل إطلاقه وإطلاق غيره بما في
المسالك من أنه إنما يتم مع عدم أثر الاسلام، وإلا فلا يقصر عما يوجد في الأرض
لاشتراك الجميع في دلالة أثر الاسلام على مالك سابق، والأصل عدم زواله،
فيجب تقييد جواز التملك بعدم وجود الأثر، وإلا كان لقطة في الموضعين، إلا
أن ذا قد يدفع بالصحيح السابق (1) إذ لعله الفارق، مع أن التحقيق عندنا عدم
الفرق كما عرفت، بل لعل كلامهم هنا مؤيد لما سمعت.
بل يشكل أيضا بظهور الفرق بين الدابة والسمكة، ضرورة كون الموجود
في الأولى كالموجود في الأرض المملوكة، بخلاف الثانية فكالمباحة أو المملوكة التي
يعلم عدم كون ما فيها لمالكها، ومن هنا وجب تعريف البائع فيها دونها، بل
القطع حاصل غالبا بعدم كون ما في جوف السمكة البائع، فلا فائدة في التعريف،
بل قد يقال إن ما وقع من مال المسلم في البحر ووصل إلى جوف السمكة صار
كالمعرض عنه، فيجوز أخذه لمن وجده كما يومي إليه ما ذكر في السفينة المنكسرة (2)
وإن خدشه في المسالك بأن الحكم في السمكة غير مقصور على المأخوذة من البحر
بل هو متناول للمملوكة بالأصل، كما لو كانت في ماء محصور مملوك للبائع بحيث
يكون منشؤها فيه، فتكون كالدابة، ومع ذلك فالأصل ممنوع، لكنه كما ترى
واضح المنع بظهور انصراف كلام الأصحاب إلى الأفراد المتعارفة، فلا يقدم فيه
الالتزام بالمساواة للدابة في الفرض المذكور، كما أنه لا يقدح فيه التزام مساواة
الدابة للسمكة في عدم التعريف ونحوه إذا فرض اصطيادها وحيازتها كالغزال

(1) الوسائل - الباب - 9 - من كتاب اللقطة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب اللقطة
37

ونحوه وعلم تقدم ما وجد في جوفها على يد البائع كالسمكة، نعم حكي عن التذكرة
الميل إلى مساواة السمكة للدابة مطلقا في التعريف للبائع من حيث إن القصد إلى
حيازة السمكة يستلزم القصد إلى حيازة جميع أجزائها وما يتعلق بها، وفيه أن
المتجه حينئذ الحكم بملكية الصياد لما في جوفها لا تعريفه إياه، والظاهر إن لم يكن
المقطوع به خلافه.
بل قد يظهر ذلك من الأخبار أيضا، كخبر أبي حمزة (1) عن أبي جعفر
(عليه السلام) (إن رجلا عابدا من بني إسرائيل كان محارفا إلى أن قال:
فأخذ غزلا فاشترى به سمكة، فوجد في بطنها لؤلؤة، فباعها بعشرين ألف درهم
فجاء سائل فدق الباب فقال له الرجل: ادخل، فقال له: خذ أحد الكيسين،
فأخذ أحدهما وانطلق، فلم يكن أسرع من أن دق السائل الباب فقال له الرجل:
ادخل، فدخل فوضع الكيس مكانه، ثم قال: كل هنيئا مريئا، إنما أنا ملك
من ملائكة ربك أراد ربك أن يبلوك، فوجدك عبدا شاكرا، ثم ذهب) وخبر
حفص بن غياث (2) عن الصادق (عليه السلام) المروي عن الراوندي في قصص
الأنبياء قال: (كان في بني إسرائيل رجل وكان محتاجا فألحت عليه امرأته في
طلب الرزق فابتهل إلى الله في الرزق، فرأى في النوم أيما أحب إليك درهمان من
حل أو الفان من حرام؟ فقال: درهمان من حل فقال: تحت رأسك فانتبه فرأى
الدرهمين تحت رأسه، فأخذهما واشترى بدرهم سمكة واقبل إلى منزله، فلما رأته
امرأته أقبلت عليه كاللائمة وأقسمت أن لا تمسها، فقام الرجل إليها فلما شق
بطنها إذا بدرتين فباعهما بأربعين ألف درهم) والمروي (3) عن أمالي الصدوق
عن علي بن الحسين (عليهما السلام) حديثا يشتمل على أن رجلا شكا إليه الحاجة
فدفع إليه قرصتين، قال له: خذهما فليس عندنا غيرهما فإن الله يكشف بهما عنك،

(1) الوسائل - الباب 10 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2 - 4
(2) الوسائل - الباب 10 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2 - 4
(3) الوسائل - الباب 10 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2 - 4
38

إلى أن قال: (فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين فباع
اللؤلؤتين بمال عظيم، فقضى منه دينه وحسنت بعد ذلك حاله) قيل: ونحوه
المروي (1) في تفسير العسكري (عليه السلام).
(و) من ذلك كله ظهر لك حال ما في المتن من أنه (لو ابتاع سمكة
فوجد في جوفها شيئا أخرج خمسه وكان له الباقي ولا يعرف) البائع
من غير فرق بين أثر الاسلام وعدمه كما ظهر لك وجه ذلك كله، كظهور الوجه
في الخمس أيضا، إذ هو كالدابة على ما اعترف به في المدارك وغيرهما، بل لم أجد
أحدا فصل بينهما فيه، بل وظهر مما تقدم أيضا وجه ما ذكره هنا بقوله: (تفريع:
إذا وجد كنزا في أرض موات من دار الاسلام فإن لم يكن عليه سكة
أو كان عليه سكة عادية) أي قديمة، كأنه نسبة إلى عاد قوم هود (اخرج
خمسه وكان له الباقي، وإن كان عليه) أثر (سكة الاسلام قيل يعرف كاللقطة،
وقيل يملكه الواجد وعليه الخمس و) قد بينا أن الثاني لا (الأول أشبه)
فلاحظ وتأمل.
(الرابع) مما يجب فيه الخمس (كلما يخرج من البحر بالغوص) مما
اعتيد خروجه منه بذلك (كالجواهر والدور) ونحوهما بلا خلاف أجده فيه
كما اعترف به في الحدائق، بل في ظاهر الانتصار وصريح الغنية والمنتهى الاجماع
عليه، كظاهر نسبته إلى علمائنا في التذكرة للآية بالتقريب السابق، وصحيحي
الحلبي (2) سأل الصادق (عليه السلام) (عن العنبر وغوص اللؤلؤ فقال: عليه
الخمس) كخبر محمد بن علي بن أبي عبد الله (3) سأل أبا الحسن (عليه السلام) (عما

(1) الوسائل - الباب 10 - من كتاب اللقطة - الحديث 5
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
39

يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة ما فيه
قال: إذا بلغ ثمنه دينار ففيه الخمس) ومرسل حماد (1) عن العبد الصالح عليه السلام
(الخمس من خمسة أشياء من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة)
وابن أبي عمير (2) عن غير واحد عن الصادق (عليه السلام) المروي عن الخصال
والمقنع (الخمس من خمسة أشياء: الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ونسي ابن
أبي عمير الخامس) وأحمد بن محمد (3) عن بعض أصحابنا (الخمس من خمسة أشياء
الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الذي يقاتل عليه ولم يحفظ الخامس) إلى غير
ذلك مما هو مستغن بصحة سنده ووضوح دلالته عن الانجبار، وما هو منجبر
بالاجماع المحكي إن لم يكن محصلا خصوصا بالنسبة إلى عدم الفرق في أنواع ما يخرج
فما في المدارك من الاقتصار على ذكر صحيحة الحلبي الأولى ثم المناقشة فيها
بقصورها عن إفادة التعميم كما ترى.
نعم يجب فيه الخمس * بشرط أن يبلغ قيمته دينارا فصاعدا * كما هو
المشهور نقلا وتحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا، بل في التذكرة والمنتهى نسبته
إلى علمائنا، بل في الثاني لا يعتبر في الزائد نصاب إجماعا، بل لو زاد قليلا أو
كثيرا وجب الخمس فيه، كما أنه في التنقيح اتفق الأصحاب على اعتبار دينار،
وفي الحدائق (اتفق الأصحاب قديما وحديثا على نصاب الدينار في الغوص) إلى
آخره، مضافا إلى الأصل ومفهوم الخبر السابق، بل الاجماع بقسميه بالنسبة إلى
عدم الخمس في الناقص عن ذلك، وإلى إطلاق الأدلة ومنطوق ذلك الخبر المعتضد
والمنجبر بما عرفت بالنسبة للوجوب في الزائد عليه، فما عن غرية المفيد من اعتبار

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 4 - 11
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 7
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 4 - 11
40

عشرين دينارا فيه ضعيف لا نعرف له مأخذا معتدا به، كما اعترف به غير واحد.
ومما تقدم سابقا في المعدن والكنوز يظهر لك البحث هنا في اعتبار اتحاد
الاخراج والمخرج والنوع وتعدد الشركاء ونحو ذلك ضرورة تساوي الجميع في
جهة البحث، كما اعترف به في الرياض وغيره، لكن في الروضة أن الأجود اعتبار
اتحاد النوع في الكنز والمعدن دون الغوص وفاقا للعلامة (ره) وعليه بيان الفرق.
ثم إنه لا يراد بوجوب الخمس في المذكور باعتبار ذاته، بل المراد خروجه
بالغوص (و) إلا ف‍ (لو أخذ منه شئ) وكان خارجا لنفسه على الساحل
ونحوه (من غير غوص لم يجب الخمس) قطعا للأصل السالم عن معارضة الأدلة
السابقة الظاهرة في غيره عدا خبر الدينار (1) بل وهو أيضا بناء على انصرافه إلى
المتعارف، بل ظاهر المشتمل (2) على العدد منها عدمه فيه أيضا، وكذا المخرج
بالآلات من غير غوص، لكن في البيان أنه لو أخذ منه شئ بغير غوص فالظاهر
أنه كحكمه ولو كان مما ألقاه الماء على الساحل، ولعله للخبر (3) السابق المحتاج
إلى جابر في ذلك، وليس، بل الموهن متحقق على الظاهر.
كما أنه في المسالك جزم بالحاق ما يخرج من داخل الماء بآلة مع عدم دخول
المخرج في الماء بالغوص، وفيه منع، كمنع ما في الوسيلة من تعلق الخمس بما يؤخذ
على رأس الماء في البحر إن أراد غير جهة الربح كما هو ظاهره، نعم قد يقوى
تعلق الخمس فيما لو غاص وشده بآلة مثلا ثم أخرج بل هو من أفراد الغوص على
الظاهر، كما أنه يقوى وجوب الخمس فيما ذكره الأولان مع دخوله في قسم الأرباح

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحدث 4 و 11
والباب 3 منها - الحديث 7
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
41

ولا ينافيه إطلاق العبارة نفيه فيه بعد ظهوره في إرادة ذلك من جهة الغوص،
إذ لا ينافي نفيه من جهة ثبوته من أخرى ولو من جهة بلوغ النصاب وعدمه،
كما لو فرض اجتماع جهتي الخمس أو جهاته فبلغ نصاب إحداها دون الأخرى تعلق به
الخمس من هذه الجهة قطعا كما لو فرض معدن تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلا
بالغوص فأخرج منه شئ لا يبلغ نصاب المعدن ويبلغ نصاب الغوص وجب فيه
الخمس حينئذ بناء على تعلقه بمثل ذلك مما يخرج بالغوص، فتأمل.
ثم الخمس على الغواص إن كان أصيلا، وإن كان أجيرا فعلى المستأجر،
والمتناول من الغواص لا يجري عليه حكم الغوص إلا إذا تناول وهو غائص مع
عدم نية الأول الحيازة على إشكال فيه، للشك في اندراجه في إطلاق الأدلة،
كالشك في اندراج ما لو غاص من غير قصد فصادف شيئا، وإن جزم بهما
الأستاذ في كشفه.
ولا يجب الخمس فيما يخرج بالغوص من الأموال الغارقة في البحر وإن كانت
لآلي ونحوها، للأصل وظهور النصوص والفتاوى في غيرها، وإن استشكل فيه
في الحدائق، بل هو لآخذه بعد إعراض صاحبه وانقطاع رجائه، لخبر الشعيري
والسكوني (1) (في سفينة انكسرت في البحر فأخرج بعضه بالغوص وأخرج
البحر بعض ما غرق، فقال: أما ما أخرجه البحر فهو لأهله، الله أخرجه، وأما
ما أخرج بالغوص فهو لهم، وهم أحق به) وإن كان يشكل انطباق تفصيلهما على
القواعد الشرعية، ضرورة اتحاد إباحتهما مع الاعراض، وعدمها مع عدمه،
اللهم إلا أن يقال بعدم اعتبار الاعراض فيما يخرج بالغوص، بل يكفي في ملك
آخذه انقطاع رجاء صاحبه عن حصوله وتركه التعرض لخروجه كما هو المتعارف
بين غريقي البحر، لا الاعراض والإباحة لكل أحد، فلو أخرجه البحر حينئذ

(1) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 و 1
42

فهو على ملك مالكه اقتصارا فيما خالف الأصل واستصحاب الملك على المتيقن،
فتأمل جيدا.
وكذا لا يجب في الحيوان ونحوه مما هو من غير المعادن المعتاد خروجها
بالغوص، للأصل وغيره، فما حكاه الشهيد في بيانه عن بعض من عاصره من جعله
من قبيل الغوص ضعيف جدا بل باطل قطعا، كالمحكي عن الشيخ في التذكرة
والمنتهى من تعلق الخمس به لو أخذ غوصا أو أخذ قفيا.
نعم لو غاص فأخرج حيوانا بغوصه فظهر في بدنه شئ من المعدن فالأحوط
بل الظاهر كما في كشف الأستاذ تعلق الخمس به، مع أنه لا يخلو من إشكال أيضا
إذا فرض عدم اعتياد كون الحيوان محلا لذلك.
والأنهار العظيمة كفرات ودجلة والنيل حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج
منها إذا فرض تكون مثل ذلك فيها كالبحر، لاطلاق الأدلة التي لا يحكم عليها
ذكر البحر في الخبر السابق (1) بعد خروجه مخرج الغالب، نعم قد يقال بانصراف
الاطلاق إلى ما يخرج من البحر خاصة لأنه المتعارف، لكن لعل ذلك من ندرة
الوجود لا الاطلاق، إلا أن ظاهر الأستاذ أنه من الثاني حيث أطلق مساواة
ما يخرج منها لما يغرق في البحر، فتأمل.
ولو غاص قاصدا للمعدن فأخرج معه مالا آخر فهل يوزع المصرف عليهما
لما ستعرف إن شاء الله من عدم تعلق الخمس بالغوص إلا بعد إخراج مؤونته منه
أو يختص بالمعدن؟ وجهان أقواهما الثاني وأحوطهما الأول، كما أنه يقوى عدم
احتساب المصرف عليه لو كان المقصور غيره فاتفق الاتيان به، أما لو شركهما
بالقصد فالوجه التوزيع.
ولو غاص غوصات متعددة فأصاب ببعضها في مقام واحد قوي أخذ

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه القمس - الحديث 5
43

مصارف الجميع منه، بخلاف ما إذا اختلف الزمان أو المكان، لكن ومع ذلك
فقد أجاد الأستاذ في كشفه بقوله: لا بد من الاحتياط الكامل في مثل هذه المسائل
الفاقدة للأقوال والدلائل.
(تفريع): لا يجب في المسك خمس إذا لم يدخل في قسم الأرباح عند أهل
العلم كافة إلا في رواية عن أحمد وعمر بن عبد العزيز كما في التذكرة والمنتهى،
وهو مع الأصل الحجة، بل ولا في شئ من أنواع الطيب
عدا (العنبر) فإنه
يجب فيه بلا خلاف أجده بل في المدارك والحدائق الاجماع عليه، كظاهر
الغنية أو صريحها لصحيح الحلبي المتقدم (1) سابقا، لكن هل لا نصاب له كما
هو ظاهر النهاية والوسيلة بل والسرائر، بل قد يظهر من الأخير الاجماع عليه
إن لم يكن صريحه، لاطلاق الصحيح، ومال إليه في المدارك والحدائق، بل
استقر به في الكفاية، أو أن له حكم المعادن مطلقا فيعتبر فيه العشرون كما عن
غرية المفيد، لأنه منها أو ملحق بها، لأصالة البراءة في الناقص عنه، أو أن له
حكم الغوص مطلقا كما هو ظاهر جمع الحلبي لهما في السؤال أو يفصل بأنه إذا
خرج بالغوص روعي فيه مقدار دينار لاندراجه في الخبر السابق (2) الذي
لا يقيده ما بعد (من) البيانية بعد إرادة المثال وإن جني من وجه الماء أو
من الساحل كان له حكم المعادن لأصالة البراءة في الناقص عنه كما صرح به في
المنتهى والتذكرة وغيرهما بل في المدارك والكفاية والحدائق نسبته إلى الأكثر؟
أقوال سوى الثالث - فلم أجد قائلا به ولا من نسب إليه ذلك عدا ظاهر الأستاذ
في كشفه أو صريحه هنا وإن قوى نصاب المعادن فيه - أحوطها أولها بل أقواها
في غير الخارج بالغوص منه، بل وفيه على تأمل، لعدم تحقق الجابر للخبر (3)

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
44

المذكور حتى يحكم على إطلاق الصحيح (1) السابق بعد تسليم عدم ظهور البيان
فيه لما لا يشمل ذلك وإن كان المراد منه المثال، فتأمل.
والعنبر معروف، لكن عن القاموس أنه روث دابة بحرية، أو نبع عين
فيه، وعن المبسوط والاقتصاد أنه نبات في البحر، وفي السرائر عن كتاب الحيوان
للجاحظ (أنه يقذفه البحر إلى جزيرة، فلا يأكل منه شئ إلا مات، ولا ينقره
طير بمنقاره إلا نصل فيه منقاره، وإذا وضع رجليه عليه نصلت أظفاره) وفيها
أيضا عن منهاج البيان لابن جزلة المتطيب (أنه من عين في البحر)
وفي البيان (قال أهل الطب: هو جماجم تخرج من عين في البحر، أكبرها وزنه
ألف مثقال) وفي الحدائق عن كتاب مجمع البحرين عن كتاب حياة الحيوان
(العنبر المسموم قبل أن يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته، فيقذفه
رجيعا، فيطفو على الماء، فيلقيه الريح إلى الساحل) والأمر سهل، إذ لا مدخلية
لجميع ذلك فيما نحن فيه من تعلق الخمس به.
(الخامس) مما يجب فيه الخمس (ما يفضل عن مؤونة السنة)
على الاقتصاد (له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات)
بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل في الخلاف والغنية والتذكرة والمنتهى الاجماع
عليه، بل في ظاهر الانتصار والسرائر أو صريحهما ذلك، بل أرسله في الرياض عن
الشهيد الثاني أيضا، بل في الأخيرين من الأربعة دعوى تواتر الأخبار به، وهو
الذي استقر عليه المذهب والعمل في زماننا هذا، بل وغيره من الأزمنة السابقة
التي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة (عليهم السلام)، فما عن ظاهر القديمين
- من عدمه أو العفو عنه في هذا القسم، للأصل المعلوم انقطاعه بغير واحد من

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1
45

الأدلة القطعية، وحصر الخمس في غير هذا القسم في خبر عبد الله بن سنان (1) عن
الصادق (عليه السلام) (ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة) الواجب تقييده بما
عرفت أيضا إن لم نقل بشمول لفظ الغنائم له كما دلت عليه الأخبار (2) المعتبرة
المتقدمة سابقا باطل قطعا، بل في البيان دعوى انعقاد الاجماع على خلافه في
الأزمنة السابقة لزمانهما، مع أن المحكي من عبارة الإسكافي منهما بل قيل والعماني
لا ظهور فيها بذلك، بل ظاهرها التوقف في حصول العفو منهم (عليهم السلام) عنه
وعدمه، لاختلاف الرواية في ذلك.
بل ربما مال إليه بعض متأخري المتأخرين، لخبر حكيم مؤذن بني عبس (3)
عن الصادق (عليه السلام) قال: (قلت له: واعلموا أنما غنمتم - إلى آخرها -
قال: هي والله الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا في حل من ذلك ليزكوا)
وصحيح حرث بن المغيرة النضري (4) عنه (عليه السلام) أيضا (قلت له: إن
لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك وقد علمنا أن لك فيها حقا، قال:
فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، وكل من والى آبائي فهو في حل مما
في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب) وخبر يونس بن يعقوب (5) قال:
(كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من القماطين فقال:
جعلت فداك يقع في أيدينا الأموال والأرباح والتجارات نعلم أن حقك فيها
ثابت وإنا عن ذلك مقصرون، فقال (عليه السلام): ما أنصفنا كم إن كلفناكم
ذلك اليوم) وأبي خديجة (6) عنه (عليه السلام) أيضا، قال: (قال له رجل

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 8 والباب 8 من
أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5 و 6
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال الحديث 8 - 9 - 6 - 4
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال الحديث 8 - 9 - 6 - 4
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال الحديث 8 - 9 - 6 - 4
(6) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال الحديث 8 - 9 - 6 - 4
46

وأنا حاضر حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله (عليه السلام) فقال له رجل: ليس
يسألك أن يعترض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا
يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه فقال: هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب
والميت منهم والحي وما توالد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال، أما والله
لا يحل إلا لمن أحللنا له، ولا والله ما أعطينا أحدا ذمة وما لأحد عندنا عهد
ولا لأحد عندنا ميثاق) وعبد الله بن سنان (1) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
(على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة (عليها السلام) ولمن يلي
أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس، فذلك لهم خاصة يضعونه حيث
شاءوا. وحرم عليهم الصدقة، حتى الخياط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه
دانق إلا من أحللناه من شيعتنا ليطيب لهم به الولادة، أنه ليس شئ عند الله
يوم القيامة أعظم من الزنا، إنه ليقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب سل هؤلاء
بما نكحوا) إلى غير ذلك، مضافا إلى ما دل على إباحة مطلق الخمس لشيعتهم
فضلا عن خصوص هذا القسم منه.
بل يظهر من الخبر الأخير وغيره وسؤال الثاني والثالث إن خمس هذا القسم
من الخمس لهم خاصة، كخبر علي بن مهزيار أو صحيحه (2) قال: (قال لي أبو علي
ابن راشد قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك ذلك،
فقال لي بعضهم: وأي شئ حقه فلم أدر ما أجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس،
فقلت: ففي أي شئ؟ فقال: في أمتعتهم وضياعهم، قلت: فالتاجر عليه والصانع
بيده فقال: ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم) كصحيحه الآخر (3) عن علي بن
محمد بن شجاع النيشابوري سأل أبا الحسن (عليه السلام) (عن رجل أصاب من

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 8 - 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 8 - 3 - 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 8 - 3 - 2
47

ضيعته من الحنطة مائة كر - إلى أن قال -: فوقع (عليه السلام) لي منه الخمس
مما يفضل عن مؤونته) بل وغيرها من الأخبار السابقة ونحوها المتضمنة لإباحة
خمس هذا القسم، ضرورة ظهور ذلك في أنه لهم، إذ لا معنى لإباحة مال غيرهم،
فيندرج حينئذ فيما دل من الأخبار التي تأتي إن شاء الله في محلها على إباحة حقهم
وما لهم لشيعتهم.
ومن ذلك كله قال في المدارك: إن الأخبار لواردة بثبوت الخمس في هذا
النوع مستفيضة جدا، وإنما الاشكال في مستحقه وفي العفو عنه في زمن الغيبة
وعدمه، فإن في بعض الروايات دلالة على أن مستحقه مستحق خمس الغنائم وفي
بعض آخر إشعارا باختصاص الإمام (عليه السلام) بذلك، ورواية علي بن مهزيار
مفصلة كما بيناه، وفي الجميع ما عرفت، ومقتضى صحيحة الحرث بن المغيرة
النضري (1) وصحيحة الفضلاء (2) وما في معناهما إباحتهم (عليهم السلام) لشيعتهم
حقوقهم من هذا النوع، فإن ثبت اختصاصهم بخمس ذلك وجب القول بالعفو عنه
مطلقا كما أطلقه ابن الجنيد، وإلا سقط استحقاقهم من ذلك خاصة وبقي نصيب
الباقين، والمسألة قوية الاشكال، والاحتياط فيها مما لا ينبغي تركه بحال، بل
يظهر من الخراساني في كفايته الميل أو الجزم باختصاصه به وإباحته، بل احتمل
تنزيل كلام المتقدمين والأخباريين المبيحين للخمس على ذلك أيضا.
لكن لا يخفى عليك أن هذا وسابقه منهما من غرائب الكلام، ضرورة
عدم الاشكال في أن مستحقه مستحق الخمس من غيره من الأقسام، وإن حكي
عن المنتقى تشييده أو اختياره كالذخيرة، لكنه ضعيف جدا، بل ظاهر الأصحاب
كافة أو صريحهم خلافه كما عن جماعة الاعتراف به أيضا، بل هو ظاهر الأخبار

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 9 - 1
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 9 - 1
48

أيضا التي سيمر عليك في بيان قسمته وغيره من المباحث طرف منها، وإلا فهي
أكثر من أن تحصى، بل لعلها من قسم المتواتر، خصوصا ما ورد منها في كون
المراد بالغنيمة في الآية الشريفة ما هو أعم من غنائم دار الحرب، منها الصحيح
الطويل (1) (فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله
تعالى (2): (واعلموا أنما غنمتم) - إلى آخرها، إلى أن قال -: فالغنائم والفوائد
يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الانسان
للانسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل
عدو يصطلم فيؤخذ ماله) الحديث. فتدل الآية حينئذ بناء على ذلك مضافا
إلى الأخبار (3) على اشتراك هذا القسم من الخمس بين الأصناف كغيره من الأقسام
والمناقشة فيها - بعد التسليم باختصاصها، لاشتمالها على خطاب المشافهة
بالحاضرين، وإلحاق غيرهم بهم بالاجماع الممنوع دعواه هنا كما ترى، لمنع حصول
شرطه من توافق الحاضرين وغيرهم في سائر الشرائط، إذ لا ريب في اختلاف
الزمانين بحضور المعصوم وعدمه وبعد التسليم فلا بد من تخصيصها أو حملها
على بيان المصرف لا الملكية والاختصاص جمعا بينها وبين ما دل على الإباحة من
الأخبار - واضحة الفساد، إذ مقتضاها أولا صيرورته مختصا بهم (عليهم السلام)
بالعرض دون الأصالة، وهو كما ترى، بل مخالف لما استشعره من تلك الأخبار
التي هي الأصل في هذا الوهم هنا، وابتناؤها ثانيا على منع إمكان الاستدلال
بقاعدة الاشتراك الثابتة بالاجماع وغيره، لعدم إحراز التوافق من كل وجه
المعلوم بطلانه، ضرورة عدم قدح مثل هذه الاحتمالات الفاقدة لشهادة إمارة

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
(2) سورة الأنفال - الآية 42
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس
49

من الأمارات، والقاضية ببطلان الاستدلال في أكثر المقامات بسبب قيام احتمال
شرطيته بشئ من المقارنات لنزول تلك الخطابات، كما هو واضح.
وأوضح منه فسادا ما في آخرها من لا بدية تخصيصها أو حملها على
ما سمعت المتوقفين على معارض مقاوم لمقابله الظاهر من أكثر النصوص وسائر
الفتاوى، خصوصا الثاني منهما، لشدة مخالفته ظاهر الآية من عدم تساوي
المعطوف والمعطوف عليه منها من الأصناف، وليس إلا ظاهر تلك الخطابات
والإضافات في الأخبار السابقة المطعون في أسانيد أكثرها، والمعارضة بالأقوى
منها من وجوه تقدمت الإشارة إلى بعضها، فلا محيص عن حمل تلك الإضافات
والخطابات على إرادة ولاية التصرف والقسمة، خصوصا وهم في الحقيقة عياله
وأطفاله، ومع أنها غير مساقة لبيان الاختصاص والملكية له دونهم، بل ولا دلالة
في بعضها كإباحته إياه على اختصاصه به، ضرورة تسلطهم على أموال سائر بني آدم
وأبدانهم فضلا عن عيالهم من أيتامهم ومساكينهم ومن إذا أعوزهم خمسهم كان
الاتمام عليهم لهم من أموالهم، على أن بعض المعتبرة كالصحيح (1) المتضمن لحكاية
صالح الواقفي واستباحته الخمس وغيره من صحيح ابن مهزيار (2) الطويل ظاهر
أو صريح في أن لهم إباحة حصصهم وحصص غيرهم من الأصناف، لظهور كون
غالب ما في أيديهم في ذلك الوقت من الخمس من هذا القسم، فلا ريب حينئذ في
إرادة ما عرفت من نحو هذه الخطابات، سيما بعد معارضتها بما سمعت من ظهور
أكثر النصوص وكافة الفتاوى بخلافها المعتضد أيضا بما دل من النصوص الكثيرة
التي منها بعض أخبار الخصم السابقة على حكمة تحريم الصدقة على بني هاشم،
وأنه وجب الخمس عوضا عنها، إكراما لهم وصيانة لهم عن الأوساخ، وكفا

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأنفال - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
50

لوجوههم عن السؤال لرعيتهم وخدامهم وعبيدهم، وأنه لو علم احتياجهم إلى أزيد
من ذلك لا وجب لهم غيره.
ومن الواضح البين أن خمس ما عدا الأرباح قليل التحقق في هذه الأزمان
بل وغيرها، فلو فرض اختصاص ذلك بالإمام (عليه السلام) بقت يتامى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ومساكينه وأبناء السبيل منهم حيارى في شدة الضيق
والعسر، بل من هذا الأخير ينقدح لك وضوح بطلان الاشكال في الثاني أيضا
ضرورة منافاة إباحة مثل هذا القسم من الخمس في عام زمان الغيبة، لما عرفت من
حكمة أصل مشروعية الخمس، مضافا إلى ظهور النصوص والفتاوى بل وصريح
اجماع البيان بل والكتاب أيضا بخلافه، نعم في خصوص حقه (عليه السلام) منه
بحث يأتي تفصيله عند تعرض المصنف له إن شاء الله، فما ورد منهم (عليهم السلام)
مما هو ظاهر في إباحة الخمس مطرح أو منزل على حصة خاصة، أو خصوص ذلك
الوقت من خصوص زمان ذلك الإمام (عليه السلام) بخصوصه، إذ أمر خمس كل
زمان راجع إلى إمام ذلك الزمان (عليه السلام)، بل قد يمنع تسلط إمام زمان
على إباحة ما يتجدد في زمان إمام آخر، إلا أن يكون ذلك منه عن أمر مالك
الخلائق لا إباحة منه جارية على نحو إباحة الملاك وأهل الولاية لأموالهم وما لهم
الولاية عليه، وإلا فهي لا تشمل ما يتجدد في غير زمانه مما يتعلق به
الخمس، فتأمل.
وعلى كل حال فلا ينبغي الاشكال في شئ من الأمرين السابقين إنما
البحث في متعلق الخمس من هذا القسم، فإن النصوص ومعاقد إجماعات الأصحاب
فضلا عن عباراتهم لا تخلو من اختلاف فيه في الجملة، ففي المقنعة والقواعد
والإرشاد ومعقد إجماع الإنتصار كالمتن، بل إليه يرجع ما في النافع واللمعة
والبيان والتنقيح والتذكرة وإن كان في الأول الاقتصار على أرباح التجارات
51

كالثاني، لكن مع إبدالها بالمكاسب، وفي الثالث والرابع كمعقد إجماع الخامس
حاصل أنواع التكسبات من التجارة والصناعة والزراعة، بل وكذا معقد إجماع
الخلاف أيضا جميع المستفاد من أرباح التجارات والغلات والثمار، وفي السرائر
تارة كالتحرير ومعقد إجماع المنتهى أرباح التجارات والمكاسب وما يفضل من
الغلات والزراعات على اختلاف أجناسها، وأخرى سائر الاستفادات والأرباح
والمكاسب والزراعات كالنهاية جميع ما يغنمه الانسان من أرباح التجارات والزراعات
وغير ذلك، بل وكمعقد إجماع الغنية أيضا كل مستفاد من تجارة وزراعة وصناعة
أو غير ذلك من وجوه الاستفادة أي وجه كان.
وأما النصوص ففي خبر حكيم مؤذن بني عبس (1) وعلي بن محمد بن شجاع
النيسابوري (2) وعبد الله بن سنان (3) وصحيح ابن مهزيار (4) المتقدمة سابقا
ما عرفت، كخبر محمد بن الحسن الأشعري (5) قال: (كتب بعض أصحابنا إلى
أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل
من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه
الخمس بعد المؤونة) وموثق سماعة (6) (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس
فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير) ومكاتبة يزيد (7) المتضمنة للسؤال
عن الفائدة، فقال: (الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد
الغرام أو جائزة) والمروي (8) في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن
علي بن محبوب (كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ
إلى ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيه الخمس فكتب الخمس في ذلك، وعن

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 2 - 8 - 3 - 1 - 6 - 7 - 10
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 2.
52

الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة تأكله العيال إنما يبيع منه الشئ بمائة
درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس فكتب أما ما أكل فلا، وأما البيع فنعم هو
كسائر الضياع) وخبر الريان بن الصلت (1) قال: (كتبت إلى أبي محمد عليه السلام
ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي
وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة فكتب يجب عليك فيه الخمس) وعن
الرضوي (2) بعد ذكر الآية قال: (وكل ما أفاد الناس غنيمة، لا فرق بين
الكنوز والمعادن والغوص - إلى أن قال -: وربح التجارة وغلة الضيعة وسائر
الفوائد والمكاسب والصناعات والمواريث وغيرها، لأن الجميع غنيمة وفائدة) وفي
مكاتبة ابن مهزيار في الصحيح (3) الطويلة المشتملة على إباحة نوع من الخمس للشيعة
في بعض السنين، قال فيها: (وإنما أوجب عليهم الخمس في سنتي هذه من الذهب
والفضة التي قد حال عليها الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا
دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارته ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها
تخفيفا مني عن موالي ومنا مني عليهم، لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم
في ذاتهم، وأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى:
(واعلموا أنما غنمتم) - إلى آخرها - فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة
يغنمها المرء والفائدة يفيدها، والجائزة من الانسان للانسان التي لها خطر، والميراث
الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال
يؤخذ ولا يعرف له صاحب، وما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة،
فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي، فمن كان عنده شئ من
ذلك فليوصله إلى وكيلي، ومن كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لإيصاله ولو بعد

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 9 - 5
(2) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 9 - 5
53

حين، فإن نية المؤمن خير من عمله، فأما الذي أوجب من الضياع والغلات
في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته، ومن كانت ضيعته
لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك) الحديث. وخبر الحسين
ابن عبد ربه (1) قال: (سرح الرضا (عليه السلام) بصلة إلى أبي وكتب إليه
أبي هل علي فيما سرحت إلي خمس، فكتب إليه لا خمس فيما سرح به صاحب الخمس)
والمستفاد من التأمل في النصوص والفتاوى وبعض معاقد الاجماعات تعلقه
بكل استفادة تدخل تحت مسمى الكسب حتى حيازة المباحات، بل وإن لم يكن
من الأمور الاختيارية في وجه كالنماء الحاصل بالتولد ونحوه مما لا خمس فيه من
المأخوذ هبة أو المنتقل ميراثا كما ستعرف، ولا ينافيه نحو ما في المتن بعد احتمال
أو ظهور إرادة ذلك مما ذكر فيه، ومنه أو ملحق به عندهم فاضل الزراعات والغلات
لا الهبة والمواريث والصدقات ونحوها إلا إذا نمت مثلا، فإنه يجب في نمائها
الخمس كما نص عليه في البيان، ويقتضيه إطلاق غيره، وإن كان قد يشكل في النماء
الذي لا يدخل تحت مسمى الاكتساب كالتولد ونحوه، لكن قد يدفع بظهور
جملة من عبارات الأصحاب كالسرائر والغنية والنهاية التي بعضها معقد إجماع فيما
هو أعم من الاكتساب عرفا، بل لعل فاضل الغلات والزراعات من ذلك، بل
ما نحن فيه حينئذ كالمال المخمس الذي قد يزداد بعد تخميسه زيادة متصلة أو منفصلة
فإنه يجب الخمس حينئذ في الزائد كما صرح به في الروضة والمسالك سواء أخرج
الخمس من العين أو القيمة، وسواء نما المخرج خمسا أيضا بقدر تلك الزيادة أو لا،
إذ هي زيادة في ملك المستحق، فلا تحتسب خمسا لغيره، بخلاف نماء مال المالك
فإنه ربح جديد، فيجب خمسه كما صرح به في المسالك، بل قد يقال إن المتجه
وجوب خمس تلك الزيادة وإن لم يكن قد أخرج الخمس مثلا انتظارا به لتمام الحول

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 2
54

كما لو ربح مثلا مقدار مائة فلم يخرج خمسه ثم أتجر بذلك الربح غير ضامن لمقدار
الخمس منه، أو قلنا ليس له ضمانه، أو كان ممن ليس له ذلك فربح، فإنه يجب
إخراج خمس الربح الأول، ويتبعه نماؤه من الربح الثاني لكونه نماء مال الغير
ضرورة اشتراك ذوي الخمس معه وإن كان له تأخير الأداء إلى تمام الحول، ثم
يجب عليه إخراج خمس الربح الثاني، فلو ربح أولا مثلا ستمائة وكانت مؤونته منها
مائة وقد أخذها فاتجر بالباقي مثلا من غير فصل معتد به فربح خمسمائة كان تمام
الخمس مائتين وثمانين، مائة من الربح الأول، ويتبعها نماؤها من الربح الثاني،
وهو مائة أيضا، فيكون الباقي من الربح الثاني أربعمائة، وخمسها ثمانون، فيكون
المجموع مائتين وثمانين كما ذكرنا، فتأمل جيدا.
وكيف كان فعبارات الأصحاب السابقة لا تخلو من نوع إجمال بالنسبة
إلى تعلق الخمس في النماء الحاصل من المال المنتقل بإرث ونحوه بناء على عدم الخمس
فيه إذا فرض حصول ذلك النماء بما لا يدخل به تحت مسمى الكسب كالتولد
ونحوه، بل لعل ظاهر كثير من عبارات الأصحاب خلافه، وإن كان الأحوط
الاخراج، لظهور جملة منها كما عرفت في إرادة الأعم من ذلك إن لم يكن الأقوى
لكن على كل حال ما عن الشيخ في مبسوطه من عدم الخمس في المن والعسل الذي
يؤخذ من الجبال للأصل محجوج بجميع ما عرفت، بل هما حينئذ كغيرهما من
الترنجبين والصمغ والشير خشك ونحوها.
ومن الاكتساب قطعا الاستئجار على الأعمال عبادات كانت أو غيرها،
فما في خبر ابن مهزيار (1) (كتبت إليه رجل دفع إليه مال ليحج به فعلى ذلك
المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج فكتب ليس عليه
الخمس) مطرح أو محمول على إرادة نفيه بالنسبة للقسم الأول من السؤال،

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب ما يجب فبه الخمس - الحديث 1
55

ضرورة وجوب إخراج ما يحتاجه نفس العمل وإن لم يرد إيقاعه في
تمام الإجارة، إذ هو حينئذ كرأس المال ومؤونة السنة أولا ثم يجب الخمس في
الباقي أو على غير ذلك، إذ لم نعرف أحدا من الأصحاب توقف في ذلك، بل ولا
في المنصوص عداه إشارة إليه، بل عمومها وإطلاقها قاض بخلافه.
بل قد يستفاد من معقد إجماع الغنية وبعض العبارات وخبر الأشعري (1)
وموثق سماعة (2) ومكاتبة يزيد (3) وخبر السرائر (4) والرضوي (5) وصحيح
ابن مهزيار (6) بل ومفهوم خبر ابن عبد ربه (7) وإن كنا لم نجد عاملا بظاهره
من التفصيل تعلقه بنحو الهبات والهدايا والجوائز بل والمواريث وغيرها، إلا أن
ظاهر الأصحاب عدمه، نعم حكي عن أبي الصلاح تعلقه بالهبة والهدية والميراث
والصدقة، وأنكره عليه ابن إدريس، فقال: إنه لم يذكره أحد من أصحابنا
غيره ولو كان صحيحا لنقل أمثاله متواترا، والأصل براءة الذمة، لكن لا يخفى
عليك قوته من جهة الأدلة، بل مال إليه في اللمعة، فالاحتياط لا ينبغي أن يترك
بل قد يدعى دخول الهبة في الاكتساب، كما لعله الظاهر من الروضة، لأن
قبولها نوع منه، ومن ثم يجب حيث يجب كالاكتساب للنفقة، وينتفي حيث
ينتفي كالاكتساب للحج، بل كثيرا ما يذكر الأصحاب أن قبول الهبة ونحوها
اكتساب، وحيث نقول بتعلق الخمس بها ففي كشف الأستاذ (لا يجوز لمالكها
الرد إذا تعلق وإن كانت هي في نفسها مما يصح فيه ذلك، لخروج بعضها عن الملك

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1 - 6 - 7 - 10 - 3
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1 - 6 - 7 - 10 - 3
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1 - 6 - 7 - 10 - 3
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1 - 6 - 7 - 10 - 3
(5) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1
(6) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1 - 6 - 7 - 10 - 3
(7) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 2
56

الذي هو أقوى من التصرف، نعم لو اعتبر في تعلق الخمس استقرار الملك اتجه
حينئذ جواز الرد قبله، لعدم الخروج حينئذ وكذا البحث في المنتقل بوجه
الجواز كالذي فيه الخيار، فليس له الرد حينئذ بعد ظهور الربح، لتبعض
الصفقة) انتهى، وفيه بحث لسبق تعلق حق جواز الرجوع عليه.
ثم لا فرق في الربح بين النماء والتولد وارتفاع القيمة ولو للسوق كما صرح
به في الروضة وغيرها، لصدق الربح والفائدة، لكن في المنتهى واستجوده في
الحدائق (لو زرع غرسا فزادت قيمته لزيادة نمائه وجب عليه الخمس في الزيادة،
أما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه ولم يبعه لم يجب عليه) وكذا في
التحرير إلا أنه لم يقيده بعدم البيع، ونظر فيه في المسالك فقال: (ولو زاد
ما لا خمس فيه زيادة متصلة أو منفصلة وجب الخمس في الزائد وفي الزيادة لارتفاع
السوق نظر) وقطع العلامة في التحرير بعدم الوجوب فيه، بل جزم بخلافه في
الروضة، فقال: الرابع أرباح المكاسب من تجارة إلى أن قال: ولو بنماء
وتولد وارتفاع قيمة وغيرها، خلافا للتحرير حيث نفاه في الارتفاع، قلت: قد
يريد بقرينة قيده في المنتهى الغرس الذي يراد الاكتساب بنمائه دون أصوله،
فإنه لا خمس فيها حينئذ وإن ارتفعت قيمتها كما صرح به الأستاذ في كشفه: بل
وبعدمه أيضا في زيادة أعيانه إذا لم يقصد الاكتساب بها، بل قال أيضا: إن ما لم
يقصد الاسترباح به ولا بفوائده وإنما الغرض الانتفاع بها فالظاهر أنه كسابقه
وفوائده كفوائده أي يتعلق الخمس بها دون أعيانه، ولعله لاطلاق خبر
السرائر (1) المتقدم وغيره.
وكيف كان فخمس هذا القسم وإن شارك غيره في توقف تعلقه شرعا على
إخراج سائر الغرامات التي حصل بسببها النماء والربح لعدم صدق اسم الفائدة

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 10
57

والغنيمة بدونه ومكاتبة يزيد (1) وخبر الاكرار (2) المتقدمين سابقا وغيرهما
لكنه يزيد باختصاص تعلقه بالفاضل عن مؤونة السنة له ولعياله، كما صرح به
أكثر الأصحاب، بل في المدارك نسبته إليهم مشعرا بدعوى الاجماع عليه،
كنسبته في المنتهى والتذكرة إلى علمائنا، بل في السرائر دعواه صريحا عليه
غير مرة، كظاهر إجماع غيرها، وهو بعد شهادة التتبع له والأصل الحجة،
مضافا إلى خبري ابن مهزيار (2) والأشعري (3) المتقدمين سابقا وصحيح
ابن أبي نصر (5) (كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) الخمس أخرجه قبل المؤونة
أو بعد المؤونة فكتب بعد المؤونة) وخبر إبراهيم بن محمد الهمداني (6) إن من
توقيعات الرضا (عليه السلام) إليه أن الخمس بعد المؤونة، وهي وإن أطلق فيها
لفظ المؤونة لكن بمعونة ما عرفت وظاهر خبر السرائر وذيل خبر ابن مهزيار
الطويل بل والآخر يجب إرادة ما عرفت من المؤونة فيها، بل قد يشعر قوله في
الخبر الأخير (7) (فأما الغنائم والفوائد) إلى آخره بتحديد ذلك بالسنة التي
هي معقد الاجماع السابق، بل لعله المتعارف المعهود من إطلاق هذا اللفظ كما
اعترف به غير واحد، كما أنه يستفاد من خبر السرائر إرادة مؤونة عياله مع
مؤونته، بل هو من مؤونته المستفاد اعتبارها من خبر ابن مهزيار، بل هو صريح
خبر إبراهيم بن محمد الهمداني (8) المروي عن ابن مهزيار في التهذيب أيضا، قال:
(كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك فيما
أوجبه على صاحب الضياع نصف السدس من بعد المؤونة وأنه ليس على من لم يقم
ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك، واختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا:

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 7 - 2 - 3 - 1 - 5 - 4
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 7 - 2 - 3 - 1 - 5 - 4
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 7 - 2 - 3 - 1 - 5 - 4
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 7 - 2 - 3 - 1 - 5 - 4
(5) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1 - 2
(6) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1 - 2
(7) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 7 - 2 - 3 - 1 - 5 - 4
(8) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 7 - 2 - 3 - 1 - 5 - 4
58

يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل
وعياله، فكتب (عليه السلام) بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان)
فليست الأخبار حينئذ خالية عن الإشارة إلى المراد بالمؤونة، بل ولا عن تحديدها
بالسنة، نعم هي خالية عن تفصيل المؤونة وبيانها كخلوها عن بيان العيال واجبي
النفقة أو الأعم منهم ومندوبيها، وهو في محله في كل منهما سيما الأول، لعدم
إمكان الإحاطة ببيان ذلك جميعه، خصوصا مع ملاحظة الأشخاص والأزمنة
والأمكنة وغيرها.
فالأولى إيكاله إلى العرف كايكال المراد بالعيال إليه، إذ ما من أحد إلا
وعنده عيال، وله مؤونة، ولعله لا فرق فيه على الظاهر بين واجبي النفقة وغيرهم
مع صدق اسم العيلولة عليه عرفا، كما صرح به في المسالك والمدارك والرياض وإن
أطلق بعضهم، بل اقتصر في السرائر وعن غيره على الأول، لكن لا صراحة
فيه بعدم اندراج غيره معه، كما أنه لا فرق في تناوله المؤونة بين ما يحتاجه
لنفس المأكل والمشرب والملبس والمسكن ونحوها وبين ما يحتاجه لزياراته وصدقاته
وجوائزه وهداياه وأضيافه وغيرها مما هو جار على نسق العرف والعادات بحيث
لا يعد من السرف والسفه والمستنكر عادة مع ملاحظة حال الشخص بالنسبة إلى
ما يناسبه من جميع ذلك، وبالجملة إيكال المؤونة والعيال إلى العرف أولى من
التعرض لبيانهما وتفصيلهما، وإن قال في المسالك والروضة وتبعه عليه غيره: المراد
بالمؤونة هنا ما ينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم، كالضيف والهدية
والصلة لاخوانه وما يأخذه الظالم منه قهرا أو يصانعه به اختيار "، والحقوق اللازمة
له بنذر أو كفارة ومؤونة التزويج وما يشتريه لنفسه من دابة وأمة وثوب ونحوها
ويعتبر في ذلك ما يليق بحاله عادة، وزاد في الأخير والمدارك والرياض ما يغرمه
في أسفار الطاعات من حج مندوب أو زيارات، بل لم يستبعده في المسالك أيضا
59

وقال في كشف الأستاذ: (ما يفضل عن مؤونة السنة لنفسه ونفقة عياله الواجبي
النفقة ومماليكه وخدامه وأضيافه وغيرهم وعطاياه وزياراته وحجاته فرضا أو ندبا
ونذوره وصدقاته ومركوبه ومسكنه وكتبه وجميع حوائجه مما يناسب حاله)
ثم قال بعد ذلك: (ويدخل في المؤونة دار تناسبه وزوجة كذلك وما يحتاج
من ظروف وأسباب وغلمان وجوار وخيل وفراش وغطاء ولباس ومراكب
ونحوها مما يليق بحاله) وفي البيان ((مؤونة سنة له ولعياله، ومنها قضاء ديونه
وحجه وغزوه وما ينوبه من ظلم أو مصادرة) إلى غير ذلك من العبارات التي
لا استقصاء فيها لتمام ذلك، لعدم انحصار أنواع الاحتياج وأفراده الذي هو
معنى المؤونة.
بل قد يندرج فيه حلي نسائه وبناته وثياب تجملهم مما يليق بحاله، بل
وما يحتاجه لتزويج أولاده واختتانهم ومرضهم أو مرض أحد من عياله غيرهم،
بل وما تعارف في مثل هذا الزمان من المصارف عند موت أحد منهم وغير ذلك
مما لا يمكن عده ولا حصره، ومن هنا ترك التعرض له في النصوص وأكثر الفتاوى
نعم لو شك في شئ بالنسبة لاحتسابه من المؤونة احتمل عدم اعتباره، لاطلاق
الأدلة في وجوب الخمس الواجب الاقتصار معها على المتيقن، مع احتمال الاعتبار
وإن بعد للأصل، وتقييد الاطلاق بدليل المؤونة المحتمل اندراج ذلك فيها،
فهي كالمجمل حينئذ بالنسبة إليه وإن تيقن في بعض الأشياء أنه منها، لا أنه تمام
المراد بها، كما أنه قد يشك أيضا في اعتبار بعض ما تقدم من المؤونة أو يستظهر
عدمه، إما لأنه من مؤونة السعة، ضرورة اختلاف مراتب المؤونة بالنسبة
للشخص الواحد، والمعتبر الوسط المعتاد الذي لا يعد بتركه مقترا وإن كان بفعله
لا يعد سرفا، لأنه الذي ينصرف إليه الاطلاق كما في أمثاله أو لأنه من غير
المعتاد، كما لو اتفق أنه ظلم أو عصب منه شئ أو أنكر عليه بعض من له في ذمته
60

ممن لا يستطيع إثباته عليه أو سرق منه أو نحو ذلك، فإن احتساب ذلك كله من
المؤونة وإن لم يكن من مال التجارة لا يخلو من إشكال أو منع.
ومن هنا صرح في المسالك والروضة والدروس وغيرها بعدم جبر تلف أو
خسران غير مال التجارة بالربح وإن كان في عامه، بل قد يقوى ما هو الأحوط
من عدم جبر خسارة أو تلف مال تجارة بربح أخرى، خصوصا إذا فرض تعقب
الربح للخسارة، ضرورة مراعاة مؤن الحول من حين حصوله. فلا يخرج منه
الخسارة السابقة، بل ولا التجارة الواحدة في الوقتين، إذ هي في الحقيقة
كالتجارتين، سيما أيضا لو كان الربح في الوقت الثاني، بل ولا هي في وقت واحد
أيضا إذا فرض التلف بسرقة ونحوها لا بتغير السعر ونحوه مما يحصل به الخسران
في التجارة، نعم قد يقوى الجبر لخسران بعض مال التجارة بربح الآخر في
الحول الواحد، كما لو فرض أنه بيع بعض أعيان التجارة الواحدة بأنقص من
رأس المال ثم تغير السعر فباعه بأضعافه، لعدم صدق الربح والغنيمة عرفا بدون
ملاحظة خروجه، لكن في الروضة وفي جبر خسران التجارة بربحها في الحول
وجه قطع به المصنف في الدروس إلا أنه لعله يريد ما ذكرنا، وإلا كان محلا للنظر
والتأمل، كما أن ما في كشف الأستاذ كذلك أيضا حيث قال فيه: (ولا يجبر
خسران غير مال التجارة بالربح منها، والأحوط أن لا يجبر خسران تجارة بربح
أخرى، بل يقتصر على التجارة الواحدة) انتهى. فظهر حينئذ أن إطلاق بعض
الأصحاب عدما يأخذه الظالم قهرا أو مصانعة منها قد ينزل على ما هو المتعارف
والمعتاد من الظلم كالخراج ونحوه لا الاتفاقي، بل قد يستفاد من قوله (عليه السلام)
في خبر ابن مهزيار (1) الطويل: (تخفيفا مني عن موالي ومنا مني عليهم) إلى
آخره خروج جميع ما يغتاله السلطان في أموالهم عنها حتى يلائم التخفيف والامتنان

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
61

وكذا الاشكال في احتساب أروش جناياته وقيم متلفاته العمدية منها
بخلاف الخطائية، وإن كان قد يدفع من الديون التي قد عرفت احتسابها
من المؤونة، بل هي مما يحتاجه الناس في كثير من الأوقات، بل هو من أعظم
مؤنهم، لكن يعتبر في ذلك وفي الديون وفي النذور والكفارات ونحوها سبقها
أو مقارنتها لحول الربح مع الحاجة، بل قد لا تعتبر الحاجة في الدين السابق مثلا
لصيرورة وفائه بعد شغل الذمة به من الحاجة وإن لم يكن أصله كذلك دون
المتجدد منها بعد مضي الحول، فإنه لا يزاحم الخمس في ربح ذلك العام الماضي،
بل سائر المؤن السابقة كذلك أيضا، كما صرح به بعضهم،
بل هو ظاهر الأصحاب
جميعهم على ما اعترف به في الكفاية حتى استطاعة الحج فإنها من المؤونة بالنسبة
إلى عام الاستطاعة، أما لو استطاع من فضلات أحوال متعددة وجب الخمس فيما
سبق على عام الاستطاعة، وكانت مؤونة الحج في ذلك العام من جملة مؤونة السنة
إذا صادف سير الرفقة حول تلك الفضلة، وإلا فكالفضلة المتقدمة، كما لو كان
حول فضلة سنة الوجوب رمضان فمضى شعبان المكمل لحولها قبل سير القافلة للحج
وقد تكمل ما يكفي الحج، فإنه يجب الخمس في تلك الفضلة وإن كانت الاستطاعة
للحج حصلت في تلك السنة.
نعم لو لم يسافر مع تيسر الرفقة عصيانا بقي الخمس على سقوطه، إذ هو
كالتقتير حينئذ المصرح باحتساب ما قتر فيه له في البيان والمسالك والروضة
والمدارك والكفاية، بل لا أعرف فيه خلافا، بل لعله ظاهر معقد إجماع الغنية
والسرائر والمنتهى والتذكرة لصدق كونه من المؤونة التي لا يتعلق الخمس إلا
بالزائد عليها وإن لم يصرفه فعلا فيها، مع أنه نظر فيه في الأخير بالنسبة إلى ترك
الحج عصيانا، ولعله لا يخلو من وجه أو قوة فيه وفي سائر التقتيرات، لانصراف
المؤونة عرفا إلى ما يتلفه في حوائجه ومآربه إرفاقا من الشارع بالمالك، خصوصا
62

بالنسبة إلى بعض الأشياء التي لا يعد تركها نقصا في حقه من شراء كتب ومراجعة
أطباء وصنعة ولائم ونحوها وإن كانت هي لو فعلها من مؤنه، إذ لا تلازم بين
كونها منها وعدم النقص في تركها، ضرورة أعمية المؤونة من ذلك، ولعله لذا
قال الأستاذ في كشفه: (لو اقتصر في قوت أو لباس أو آلات مساكن أو أوضاع
ولم يفعل ما يناسبه لم يحسب التفاوت من المؤونة على الأقوى) بل ظاهره ذلك
حتى فيما يحتمل النقص بتركه، فلو فضل من مؤونته حينئذ بسبب التقتير مما لم يتخذ
للقنية كالحبوب وجب الخمس فيه، وأولى منه الفاضل لا للتقتير.
أما لو أسرف وجب عليه خمس الزائد قطعا كما صرح به جماعة، بل لا
أعرف فيه خلافا، بل لعله لذلك أوله ولسابقه أشير بتقييد المؤونة بالاقتصاد في
معقد إجماع الغنية والسرائر والمنتهى والتذكرة، ومنه يعلم وجه ما في الدروس
مستجودا له في الكفاية من أنه لو وهب المال في أثناء الحول أو اشترى بغبن
حيلة لم يسقط ما وجب من الخمس حينئذ.
ولو كان عنده مال آخر لا خمس فيه أو أخرج خمسه ففي إخراج المؤونة
منه خاصة أو من الربح كذلك أو بالنسبة بمعنى أنه لو كانت المؤونة مائة والأرباح
مائتين والمال الآخر ثلاثمائة مثلا بسطت المؤونة عليهما أخماسا، فيسقط من
الأرباح خمسها، ويخمس الباقي، وهو مائة وستون؟ وجوه كما في الروضة والمسالك
وغيرهما، أحوطها الأول، وأعدلها الأخير، وأقواها الثاني وفاقا للكفاية
والحدائق وظاهر الروضة، للأصل، وظاهر النصوص والفتاوى ومعاقد الاجماعات
خصوصا في مثل رأس المال المحصل للربح، فإن كلامهم كالصريح في عدم احتساب
شئ منه في المؤونة، وإن أطلق في الدروس، فقال: (والمؤونة مأخوذة من
تلاد المال في وجه ومن طارفه في وجه، ومنهما بالنسبة في وجه) لكن قد
يريد غيره، فتأمل، وخلافا لمجمع البرهان فالأول للاحتياط الذي لا يجب مراعاته
63

عندنا، وإطلاق أدلة الخمس المحكوم عليها بما دل على اعتبار المؤونة مما عرفت
الذي لا يقدح فيه عدم صحة السند على تقدير تسليمه بعد انجباره بما
سمعت وعدم انحصار الدليل فيه، كما أنه لا شاهد لتنزيله على غير ذلك ممن
لا مال له آخر غيره إلا دعوى تبادر المؤونة في ذلك الممنوعة على مدعيها ولزوم
عدم الخمس في نحو أرباح أموال السلاطين والأكابر وزراعاتهم مما ينافي أصل
حكمة وجوب الخمس الذي لا بأس بالتزامه.
نعم قد يقوى عدم احتساب ما عنده من دار وعبد ونحوه مما هو من
المؤونة إن لم يكن عنده من الأرباح، لظهور المؤونة في الاحتياج وإرادة الارفاق
فمع فرض استغنائه عن ذلك ولو بسبب انتقال بإرث ونحوه مما لا خمس فيه وقد
بنى على الاكتفاء به يتجه حينئذ عدم تقدير احتساب ذلك من المؤونة، بل قد
يتجه مثله في ربح مال من قام غيره بمؤونته لو جوب شرعي كالزوجة أو تبرع قد
رضي المتبرع له به، كما أن المتجه الاكتفاء بما بقي من مؤن السنة الماضية مما كان
مبنيا على الدوام كالدار والعبد ونحوهما بالنسبة إلى السنة الجديدة، فليس له حينئذ
احتساب ذلك وأمثاله من الربح الجديد، نعم لو تلفت أو انتقلت ببيع ونحوه اتجه
احتسابه لكن مع إدخال ثمن المبيع منها في ما يريد أن يستجده، فإن نقص
أكمل، وإن اتفق أنه ربح به دخل في الأرباح التي يجب إخراج خمسها، وكذا
في كل ما اتخذه للقنية إذا أراد بيعه، فتأمل.
نعم قد يقال إن ظاهر تقييد المؤونة في السنة (1) يقتضي وجوب إخراج
خمس ما زاد منها عليها من غير فرق بين المأكل وغيره من ملبس أو فرش أو أواني
أو غير ذلك إلا المناكح والمساكن، فإنها إذا أخذت من ربح سنة لا يجب إخراج

(1) هكذا في النسخة الأصلية والصواب " تقييد المؤونة بالسنة "
64

خمسها بعد السنة، بخلاف غيرهما فإنه يجب إخراج خمس الجميع بعد السنة، ولعله
لهذا استثنيت المناكح والمساكن كما ستسمع الكلام فيهما دون غيرهما لاطلاق أدلة
الخمس المقتصر في تقييدها على المتيقن، وهو مؤونة السنة، والله العالم.
(السادس) مما يجب فيه الخمس (إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم وجب
فيها الخمس) عند ابني حمزة وزهرة وأكثر المتأخرين من أصحابنا، بل في الروضة
نسبته إلى الشيخ والمتأخرين أجمع، بل في المنتهى والتذكرة نسبته إلى علمائنا،
بل في الغنية الاجماع عليه، وهو بعد اعتضاده بما عرفت الحجة، وإن كان قيل
إنه لم يذكر الخمس في ذلك جماعة من القدماء كابن أبي عقيل وابن الجنيد والمفيد
وسلار والتقي، إذ هو مع عدم منافاته لحجية الاجماع المنقول عندنا أعم من الحكم
بالنفي، مضافا إلى المروي في التهذيب عن أبي عبيدة الحذاء (1) بسند صحيح
بل قيل أعلى درجات الصحة، قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: أيما
ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس) بل في الحدائق أنه رواه المفيد في
المقنعة عن الحذاء أيضا والمحقق في المعتبر عن الحسن بن محبوب، بل قال: إنه
روى الشيخ المفيد في باب الزيادات من المقنعة عن الصادق (عليه السلام) (2)
مرسلا (الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس) وبذلك كله ينقطع
الأصل، ويقيد مفهوم حصر الخمس في الكنوز والمعادن وفي الغنائم إن لم نقل
إنها منها كما ادعاه في المنتهى، فما عن الشهيد الثاني في فوائد القواعد من الميل
إلى عدم الخمس فيها استضعافا للرواية ضعيف جدا، إذ هي مع اعتضادها بما سمعت
في أعلى مراتب الصحة كما عرفت، فما في الروضة تبعا لما عن المختلف أنها من
الموثق ليس في محله، على أنه حجة عندنا أيضا.
ثم إن ظاهر النص والفتوى قصر الحكم على الشراء خاصة، للأصل، لكن

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 1 - 2
65

في البيان واللمعة والروضة عمومه له ولغيره، بل ظاهرها مطلق الانتقال من مسلم
ولو بغير عقد معاوضة تنقيحا للمناط، وفيه تأمل بل منع بالنسبة إلى غير عقود
المعاوضة، ولذا اقتصر عليها الأستاذ في كشفه، ولعله لدعوى إرادة مطلق
الانتقال بعوض من الشراء وكذا ظاهر النص والفتوى بل هو صريح جماعة عدم
الفرق بين أرض المزرع والمسكن وغيرهما، خلافا لما عن المعتبر فخصها بالمزرع
دون المسكن، وتبعه عليه في المنتهى بعد اعترافه، بأن إطلاق الأصحاب يقتضي
العموم، واستجوده في المدارك، ولعله لا يخلو من وجه، للأصل، ودعوى
تبادر ذلك من الأرض وتعارف التعبير عن غيرها بالدار والمسكن، إلا أن فيهما
معا تأملا خصوصا إن أرادا حتى الأرض المتخذة للمسكن.
فالأولى ثبوت الخمس سواء كانت مزرعا أو مسكنا بل و (سواء كانت
مما فيه الخمس كالأرض المفتوحة عنوة) حيث يصح بيعها، كما لو باعها إمام المسلمين
في مصالحهم أو باعها أهل الخمس، إذ قد عرفت ثبوته في الأراضي من الغنائم أو
غير ذلك، بل قد يقال به في المبيع منها تبعا لآثار التصرف فيها وفاقا للمحكي
عن جمع من المتأخرين بناء على حصول الملك للمتصرف بذلك، وإن كان هو
يزول بزوال تلك الآثار، لكنه لا يمنع تناول النص والفتوى له فتأمل الأردبيلي
في هذا التعميم من المصنف وغيره معللا له بعدم جواز بيع المفتوحة عنوة لعدم
ملك أحد بالخصوص لها ولزوم تكرار إخراج الخمس فيها حينئذ في غير محله،
وإن تبعه تلميذة في المدارك في خصوص البيع لآثار التصرف، لما عرفت، وعدم
وضوح بطلان اللازم، بل الظاهر صحته لاختلاف جهتي الخمس فيهما، فتأمل.
(أو) كانت (ليس) مما (فيه) الخمس (كالأرض التي أسلم عليها
أهلها) طوعا بل وسواء باعها الذمي من ذمي آخر أو لا لتعلق الخمس فيها،
نعم أرباب الخمس بالخيار بين الرجوع على البائع والرجوع على المشتري، فيرجع
66

على البائع بما قابل خمسها من الثمن إن لم يختر الفسخ، لتبعض الصفقة، بل وكذا
لو باعها لمسلم وإن كان الأصلي، بل وكذا لا يسقط لو ردها بالإقالة وإن
احتمله في البيان والمسالك، بل قد يقال به أيضا فيما لو ردها بخيار كان له بشرط
أو غيره، لاطلاق الأدلة، وإن كان لا يخلو من تأمل، لامكان دعوى ظهور
اللازم المستقر من الشراء، لكن عليه يكون هو المستقر في ذمته الخمس، بل قد
يكون ليس له بدون رضي الناقل بناء على تعلق الخمس بالعين ولم نكتف بضمانه
للزوم تبعض الصفقة عليه حينئذ.
وكذا لا يسقط الخمس باسلامه بعد صيرورة الأرض في ملكه، بخلاف
ما لو أسلم قبله وإن كان بعد العقد قبل القبض الذي يتوقف عليه الملك، ولو تملك
ذمي من مثله بعقد مشروط بالقبض فأسلم الناقل قبل الاقباض أخذ من الذمي
الخمس في وجه قوي، وعلى كل حال فليس للذمي الخيار مع عدم لزوم الضرر في
أخذ الخمس منه، بل ومعه على الأقوى، لأنه حكم شرعي من غير قبل المالك،
ولو اشتراها من مسلم ثم باعها منه أو من مسلم آخر ثم اشتراها كان عليه خمس
الأصل مع خمس الأربعة الأخماس وهكذا حتى تفنى قيمتها، ولو اشترى الخمس في
جميع الدفعات أخذ منه خمسه، ولو كرر الشراء مرتين فخمسا الخمسين، ولو شراها
وشرط نفي الخمس أو تحمله بطل الشرط بل والعقد على الأقوى.
ومصرف هذا الخمس مصرف غيره من الأخماس كما هو ظاهر النص والفتوى
بل كاد يكون صريحهما، بل هو كذلك وإن لم نقل بالحقيقة الشرعية، ضرورة
كفاية المتشرعية الواجب حمل الفتاوى ومثل هذا النص عليها فيه، لكن في
المدارك وعن المنتقى احتمال إرادة تضعيف العشر الذي هو الزكاة على الذمي من
النص تبعا للمحكي عن مالك من القول بمنع الذمي من شراء الأرض العشرية،
وأنه إذا اشتراها ضوعف عليه العشر فيجب الخمس، بل في الأخير احتمال صدور
67

هذا الخبر تقية منه، فإن مدارها على الرأي الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور
الحكم، ومعلوم إن رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر (عليه السلام)،
فينقدح حينئذ ما في التمسك به لاثبات هذا الحكم، وليس بمظنة بلوغ الاجماع
ليغني عن طلب الدليل، فإن جمعا منهم لم يذكروه، كما عن آخر التوقف فيه،
وهو منهما بعد ما سمعت مما تقدم عجيب، كالعجب في التوقف في متعلق الخمس هنا
بعد ظهور النص والفتوى في كون الأرض كغيره مما ثبت فيه الخمس.
نعم يتخير من إليه أمر الخمس بين أخذ رقبة الأرض وبين ارتفاعها من
إجازة وحصة مزارعة ونحوهما كما صرح به غير واحد، لكن في الحدائق أن
الأقرب التخيير إذا لم تكن الأرض مشغولة بغرس أو بناء، وإلا تعين الأخذ من
الارتفاع، وطريقه أن تقوم الأرض مع ما فيها بالأجرة، وتوزع الأجرة على
ما للمالك وعلى خمس الأرض، فيأخذ الإمام (عليه السلام) أو المستحق ما يخص
الخمس من الأجرة، قلت: قد يقال إن له أخذ خمس الرقبة هنا أيضا وإن كان
ليس له قلع الغرس والبناء اللذين في حصة الخمس، بل عليه إبقاؤه بالأجرة، كما
أن له أخذ القيمة لو بذلت له، فتقوم الأرض حينئذ مشغولة بالغرس أو البناء
بالأجرة، ثم يأخذ الخمس تلك القيمة، ولذا أطلق في البيان فقال: (ويجوز الأخذ
من الرقبة ومن الارتفاع) وفي المسالك (ويتخير الإمام (عليه السلام) أو الحاكم
بين أخذ خمس العين أو خمس الارتفاع) وفي الروضة بعد أن اختار عموم الحكم
لأرض المزرع والمسكن قال: (وطريق معرفة الخمس أن تقوم مشغولة بما فيها
بأجرة للمالك ثم قال: ويتخير الحاكم بين أخذ خمس العين والارتفاع) كما أن
الأستاذ في كشفه بعد أن اختار ذلك قال: (وطريق الأخذ في هذا القسم أن
يقوم مشغولا بما فيه بأجرة للمالك) وقال الشهيد الأول في المنسوب إليه من حواشي
القواعد: (ويتخير الإمام (عليه السلام) بين خمس أصلها وحاصلها) وفي حاشية
68

على الإرشاد مدونة أظن أنها لولد المحقق الثاني (والظاهر أن المراد أرض الزراعة
كما صرح به بعض أصحابنا، فيتخير بين إخراج الخمس من رقبتها أو ارتفاعها)
إلى غير ذلك من عباراتهم الظاهرة فيما ذكرنا عدا الأخيرتين منها، بل يمكن إرادة
ذلك أيضا من أوليهما بل وثانيتهما، فتأمل.
ومقصودهم بقولهم: (مشغولة) إلى آخره مراعاة ذلك في التقديم احترازا
عن دخول النقص لمن له الخمس لو قوم بدون ملاحظة الأجرة، بل لولاه لأحاط
بالقيمة كما اعترف به في المسالك، وعن دخوله لمن عليه لو لم يلاحظ استحقاق بقاء
المشغولية، فتأمل جيدا.
ولا حول ولا نصاب هنا للاطلاق، بل ولا نية على ذمي قطعا، بل ولا
على غيرها حين الأخذ والدفع لاطلاق الدليل، خلافا لما عن الدروس فأوجبها عند
الأخذ والدفع عن الأخذ والدافع لا عن الذمي، ولعله ظاهر المسالك حيث قال:
(ويتوليان أي الحاكم والإمام (عليه السلام) النية عند الأخذ والدفع وجوبا
عنهما لا عنه، مع احتمال سقوط النية هنا، وبه قطع في البيان، والأول خيرة
الدروس) انتهى، غير ظاهر الوجه بالنسبة للأخذ بعد فرض كون النية عن الأخذ
لا الذمي، والأمر سهل.
ويلحق بالذمي والمسلم في ذلك كله ما هو في حكم أحدهما من صبيانهم
ومجانينهم وغيرهم كما في غيره من الأحكام، بل في كشف الأستاذ (وفي دخول
المنتحل للاسلام الخارج عنه في الحقيقة وجهان) لكن ستعرف فيما يأتي أن
بعضهم استوجه اشتراط التكليف في وجوب الخمس، والله أعلم.
(السابع) مما يجب فيه الخمس (الحلال إذا اختلط بالحرام، ولا يتميز)
صاحبه أصلا حتى في عدد محصور ولا قدره أيضا أصلا ولو على الإشاعة مما
اختلط معه (وجب فيه الخمس) وفاقا للنهاية والغنية والوسيلة والسرائر والنافع
69

والقواعد والتذكرة والمنتهى والإرشاد والتحرير واللمعة والبيان وحواشي البخارية
والتنقيح والروضة وحاشية الإرشاد والحدائق والرياض وغيرها، بل في المنتهى
نسبته إلى أكثر علمائنا، والمفاتيح إلى المشهور، بل في ظاهر الغنية أو صريحها
الاجماع عليه، وهو بعد شهادة التتبع له في الجملة الحجة، مضافا إلى ما في البيان
من دعوى اندراجه في الغنيمة، وإلى ما في صحيح ابن مهزيار (1) السابق (ومثل
عدو يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ لا يعرف له صاحب، وما صار إلى
موالي من أموال الخرمية الفسقة) إلى آخره، وإلى خبر ابن زياد (2) عن
الصادق (عليه السلام) قال: (إن رجلا أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:
يا أمير المؤمنين إني أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه فقال له: أخرج الخمس
من ذلك المال فإن الله عز وجل قد رضي من المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه
يعلم) ونحوه خبر السكوني (3) الذي رواه المشايخ الثلاثة أيضا بل وعن المفيد
روايته مرسلا أيضا، بل وعن البرقي روايته عن النوفلي عن الصادق عن آبائه
عن علي (عليه السلام): تصدق بخمس مالك فإن الله رضي من الأشياء
بالخمس، وسائر المال لك حلال) كمرسل الصدوق (4) في الفقيه (جاء رجل إلى
أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه أفلي توبة؟ قال عليه السلام:
ائتني بخمسه، فأتاه بخمسه فقال: هو لك، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه))

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 1 - 4 - 3
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 1 - 4 - 3
(4) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 1 - 4 - 3
70

وبسنده المروي عن الخصال بسند قوي إلى عمار بن مروان (1) (سمعت
أبا الحسن (عليه السلام) يقول فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال
المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس).
بل ربما استدل عليه أيضا بالموثق (2) عن الصادق (عليه السلام) (أنه
سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل قال: لا إلا أن لا يقدر على شئ يأكل
ولا يشرب ولا يقدر على حيلة فإن فعل فصار في يده شئ فليبعث بخمسه إلى
أهل البيت (عليهم السلام)) بل في مجمع البرهان إمكان الاستدلال عليه بصحيح
الحلبي (3) عن الصادق (عليه السلام) أيضا (في الرجل من أصحابنا يكون في
لوائهم ويكون معهم فيصيب غنيمة فقال: يؤدي خمسا ويطيب له) لكنهما كما
ترى وإن كانا لا يخلوان من نوع تأييد، خصوصا بعد انجبارها كقصور غيرهما
سندا ودلالة بما عرفت.
فما في مجمع البرهان من التأمل في ذلك، بل مال إلى خلافه تلميذه في
المدارك وتبعه عليه الكاشاني بل والخراساني في الظاهر بل ربما استظهر أيضا من
ترك جماعة من القدماء التعرض له، فأوجب عزل ما تيقن انتفاؤه عنه، والتفحص
عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من العلم به، فيتصدق به على الفقراء كغيره من
مجهول المالك الذي قد ورد بالتصدق به نصوص (4) كثيرة مؤيدة بالاطلاقات

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 6 وفيه
قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام... الخ "
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحب فيه الخمس - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 8
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 و 7 و 13
والباب 7 منه
71

المعلومة والاعتبارات العقلية في غير محله، بل هو مع مخالفته الاحتياط في
المصرف بل والمال في بعض الأحوال اجتهاد في مقابلة النصوص، خصوصا مع
ظهور تلك الروايات في غيرها ما نحن فيه من الممتزج المجهول قدرا وصاحبا،
ولقد أجاد في رده في الحدائق بأن طرح هذه النصوص المتكررة في الأصول
المتفق عليها بين الأصحاب مما لا يجتري عليه ذو مسكة، وكذا المناقشة منه ومن
غيره في مصرف هذا القسم من الخمس بأنه لا دلالة في هذه النصوص على مساواته
لغيره من الخمس في ذلك، بل ظاهر الأمر بالتصدق في خبر السكوني وإعطائه إياه
في مرسل الفقيه وما ورد في حكم مجهول المالك خلافه، إذ يدفعها بعد موافقة
الاختصاص للاحتياط كما صرح به بعضهم، بناء على اختصاص الصدقة المحرمة
عليهم بالزكاة المفروضة ونحوها ظهور لفظ الخمس في النصوص والفتاوى في ذلك
بل لعله حقيقة شرعية فيه، بل ينبغي القطع بالمتشرعية التي تحمل عليها الفتاوى
وبعض النصوص، خصوصا بعد ذكر الأصحاب له في هذا الباب، ومن هنا
اعترف في البيان أن ظاهر الأصحاب ذلك، على أن خبر الخصال كالصريح فيه،
بل وصحيح ابن مهزيار، بل وخبري السكوني وابن زياد بمعونة التعليل السابق
فيهما، بل الموثق السابق صريح فيه بناء على ظهوره فيما نحن فيه، والأمر بالصدقة
بعد وقوع التعبير بمثله عن الخمس مستدلا عليه بآية التطهير والتزكية لا دلالة فيه
كاعطائه إياه إن سلم رجوع الضمير فيه إلى الخمس بعد ما سمعت أن للإمام عليه السلام
التصرف فيه يفعل به ما يشاء، بل لعل قوله (عليه السلام) فيه: (ائتني) مشعر
بالمختار، وأخبار مجهول المالك مع ظهورها في غير ما نحن فيه يجب الخروج
عنها بما هنا.
نعم لو علم قدر المال والصاحب سقط الخمس ووجب الدفع إليه كغيره من
72

الشركاء من غير إشكال بل ولا خلاف، وإن كان ظاهر ترك الاستفصال في بعض
الأخبار السابقة يقتضي خلافه، لكن الضرورة وخبر الخصال وصحيح ابن مهزيار
كاف فيه،
بل لعل الظاهر أيضا سقوطه لو علمه في عدد محصور، فيجب التخلص
من الجميع بالصلح ونحوه كما صرح به في المدارك والروضة ولو إجبارا بمعنى
التوزيع عليهم حتى لو ظنه خصوص واحد منه، إذ هو لا يجدي ولا يغني كما في
سائر الشبه المحصورة، بل وكذا لا عبرة به لو ظن أن زيدا مثلا صاحبه في غير
المحصور، لكن في الحواشي المنسوبة للشهيد في إعطائه إياه وجهان، بل ظاهر
ذيل عبارته فيها جريانه مجرى العلم في تعبد المكلف به هنا، وهو لا يخلو من نظر
بل منع، وإن كان يوافقه الاحتياط في بعض الأحوال.
فالأقوى حينئذ أنه كما لو لم يظن له صاحبا أصلا يتصدق به على من يشاء
من الفقراء بعد اليأس كما صرح به في الحواشي المذكورة والبيان والروضة
والمدارك سواء كان بقدر الخمس أو أزيد أو أنقص، لاطلاق الأمر بالتصدق
بمجهول المالك، ولأنه أقرب الطرق إيصالا إلى صاحبه، لكن في الحدائق بعد
أن حكى ذلك عن المدارك ومستنده والقول بوجوب إخراج الخمس ثم الصدقة
بالزائد عن غيرها اعترض الأول بأن ظاهر تلك الأخبار المال المتميز في حد ذاته
لا المشترك الموقوف صحة قسمته على رضا الشريكين الذي هو صلح عن استحقاق
كل منهما في المقسوم بالآخر أو كالصلح، والثاني بذلك أيضا بالنسبة إلى الصدقة
بالزائد، ثم قال: (وبما ذكرنا يظهر أن الأظهر دخول هذه الصورة تحت إطلاق
الأخبار المتقدمة أي أخبار الخمس وأنه لا دليل على إخراجها) وفيه مع عدم
ثبوت ما ذكره من القول الثاني لأحد من الأصحاب وإن حكاه في المدارك عن
التذكرة وجماعة لكن الموجود فيها في الفرض وجوب الاخراج سواء قل عن
الخمس أو كثر، نعم قال بعد ذلك: (وكذا لو عرفه بعينه، ولو عرف أنه أكثر
73

من الخمس وجب إخراج الخمس وما يغلب على الظن في الزائد) وهو مع أنه لا ظهور
فيه بوجوب إخراجه خمسا، بل لعل ظاهر العطف خلافه، إلا أن يدعى إيجابه
صرف الزيادة في مصرف الخمس أيضا كما فهمه منه في البيان على الظاهر، بل حكى
في الكفاية عن بعضهم احتماله، وإن كان لا دليل عليه حينئذ، بل ينبغي الصدقة
بها كما في الروضة، وغير (1) ما نحن فيه، إذ يمكن دعوى وجوب الخمس فيه
دونه كما هو ظاهر الروضة بل صريحها، لصدق عدم معرفة المقدار وعدم التمييز
فيه وإن علم مقدارا إجماليا أنه أكثر من الخمس مثلا، فيندرج تحت إطلاق تلك
الأدلة، بل لو علم أنه أقل من الخمس أوجب في الروضة دفع ما يتيقن البراءة به خمسا
في وجه، وإن كان قد استظهر قبل ذلك كونه صدقة أنه لا شمول في أكثر
نصوص المقام لذلك، سيما المشتمل على التعليل برضا الله في التطهير بالخمس، إذ
ظاهرها عدم معرفة الحلال من الحرام عينا وقدرا، على أنه لو اكتفى باخراج
الخمس هنا لحل ما علم من ضرورة الدين خلافه إذا فرض زيادته عليه، كما أنه لو
كلف به مع فرض نقيصته عنه وجب عليه بذل ماله الخالص له، وأما مانع الشركة
فهو مشترك الالزام على الصدقة والخمس، فإن استند إلى اقتضاء الأمر باخراج
خمسه قيام من في يده المال مقام المالك الأصلي في ذلك كنا أولى بتقرير ذلك أيضا
في الصدقة به، مع إمكان التخلص باستئذان حاكم الشرع الذي هو ولي
الغائب وغيره.
نعم في المدارك (إن الاحتياط يقتضي دفع الجميع إلى الأصناف الثلاثة
من الهاشميين، لأن هذه الصدقة لا تحرم عليهم قطعا) قلت: هو كذلك،
لكن قد يظهر من البيان خلافه حيث قال هنا: (تصدق به على مصارف الزكاة)
أما لو علم الصاحب وجهل قدر المال إجمالا وتفصيلا وجب الصلح كما صرح

(1) الظاهر زيادة حرف الواو في قوله " وغير ما نحن فيه " لأنه خبر لقوله " وهو "
74

به جماعة، وكان مرادهم ولو إجبارا، لكن في الرياض (وجوب مصالحته بما
يرضى به ما لم يعلم زيادته على ما اشتغلت الذمة به بيقين) وهو جيد، وعنده
حينئذ يتجه إجبار الحاكم له على الصلح، وفي التذكرة (أنه إن أبي دفع إليه
خمس المال، لأن هذا القدر جعله الله مطهرا للمال) وهو لا يخلو من وجه،
خصوصا مع ملاحظة التعليل السابق، وإن استشكله بعضهم بظهور النصوص
السابقة سيما خبر الخصال في خلافه من مجهولية المالك، ثم قال: (فالاحتياط يقتضي
وجوب دفع ما يحصل به يقين البراءة من يقين الشغل، ولا يبعد الاكتفاء بدفع
ما يتيقن انتفاؤه عنه، لأصالة براءة الذمة عن الشغل بغيره، قلت: لعل الصلح ولو
إجبارا بما يرضى به ما لم يزد أولى منه هنا، للقطع بكون بعض الأعيان المختلطة له
فلا يجوز التصرف في ذلك المال إذا لم يأذن، نعم ما ذكره متجه بالنسبة
للديون، فتأمل.
ولو علمه إجمالا أي أكثر من الخمس أو الثلث مثلا دفع إليه ما تيقنه، بل
وما يحصل به يقين البراءة احتياطا إن لم يصالحه، وفي المدارك في نحو الفرض يحتمل
قويا الاكتفاء باخراج ما يتيقن انتفاؤه عنه، ووجهه ما عرفت، ولا فرق في ذلك
كله بين المختلط بكسبه أو من ميراث كما صرح به جماعة، وإن كان ظاهر جملة
من النصوص الأول.
ولو تبين المالك بعد اخراج الخمس أو الصدقة ففي الضمان وعدمه وجهان بل
قولان، من اطلاق قوله صلى الله عليه وآله وسلم (1): (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) ومن أنه
تصرف بإذن المالك الأصلي فلا يستعقب ضمانا، ولعل الأقوى الأول وفاقا للروضة
والبيان وكشف الأستاذ، لمنع اقتضاء الإذن رفع الضمان، بل أقصاها رفع الإثم
وبعد التسليم فاقتضاؤها إياه إن لم يكن هناك دليل عليه، لا أنها بحيث تعارضه،

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 90 وكنز العمال ج 5 ص 257 الرقم 5197
75

فالجمع حينئذ بينهما بالضمان وعدم الإثم هو المتجه.
ولو كان خليط الحرام مما فيه الخمس أيضا لم يكف خمس واحد لهما كما صرح
به بعضهم، لتعدد الأسباب المقتضي لتعدد المسببات، فيجب حينئذ بعد إخراج
خمس التطهير خمس آخر، فما في الحواشي البخارية من الاكتفاء به ضعيف جدا،
كدليله من الاطلاق الذي لم يسق لبيان ذلك، ولو علم زيادة الحرام عن الخمس
بعد إخراجه منه تصدق بها، لكن في البيان احتمال استدراك الصدقة في الجميع
بالاسترجاع، فإن لم يمكن أجزأ وتصدق بالزائد بل في الكشف احتمال الاكتفاء
بالسابق) وهما كما ترى أولهما مبني على حرمة مثل هذه الصدقة على بني هاشم،
كما أن ثانيهما مستلزم لحلية معلوم الحرمة.
ولو خلط الحرام بالحلال عمدا خوفا من كثرة الحرام، وليجتمع شرائط
الخمس فيجتزئ باخراجه عصى بالفعل، وأجزأه الاخراج، ويحتمل قويا تكليف
مثله باخراج ما يقطع معه بالبراءة إلزاما له بأشق الأحوال ولظهور الأدلة في غيره
ولو تملك شيئا بمقابلة ذلك المخلوط أمكن الرجوع في الخمس إلى الناقل
والمنقول إليه، لكن يختص ذلك في المال المختلط دون ما أخذ في مقابلته إلا إذا
جهل صاحبه، بل وإن جهل فإنه يجب إخراج خمسه حينئذ عن صاحبه صدقة
لا خمسا، لمعلومية قدره الباقي على ملكه.
ولو تصرف في المختلط بحيث صار الحرام منه في ذمته لم يسقط الخمس،
فإن لم يعرف مجموع ذلك المختلط حتى يخرج خمسه وجب عليه دفع ما يحصل به
يقين البراءة في وجه، وفي آخر دفع ما ينتفي معه يقين الشغل، وفي ثالث وجوب
الصلح مع الإمام (عليه السلام) أو من يقوم مقامه، لكونه من معلوم الصاحب
أو كمعلومه، بل الإمام (عليه السلام) ممن يستحقه معلوم قطعا، بل قد يقال
إن عليه الصلح بما يرضى به ما لم يعلم زيادته على ما اشتغلت ذمته به، كما عرفته
76

سابقا في نظيره، لكن قد يفرق بينهما بوجود الأعيان المختلطة هناك المحتاج
تصرفه فيها إلى الصلح دونه هنا، فالوجه حينئذ الصلح مع إمكانه، وإلا فدفع
ما يحصل به يقين البراءة، أو ما ينتفي معه يقين الشغل في وجه قوي.
أما لو تصرف بالحرام قبل اختلاطه ثم اشتبه عليه مقدار ما ثبت في ذمته
كان له حكم مجهول المالك يتصدق بما يحصل به اليقين احتياطا، أو يرتفع به اليقين
لكن في كشف الأستاذ أنه يعالج بالصلح ثم الصدقة، ولا ريب أن الأحوط
الأول وإن كان هو أحوط من الأخير.
ولو كان الاختلاط من أخماس أو زكوات فهو كمعلوم الصاحب في وجه
قوي، وفي الكشف أن الأقوى كونه كالسابق.
ولو كان الاختلاط مع الأوقاف فهو كمعلوم الصاحب في وجه قوي.
ولو حصل الاشتباه بين الثلاثة أو أحدها وبين غيرها أو بينها بعضها مع
بعض فالأقوى فيه الرجوع إلى الحكم السابق، وهو إخراج الخمس إلا في اختلاط
الأوقاف، فإن علاجها الصلح، ثم قال: (ولو كان ما فيه الواجب مشتركا فامتنع
أحد الشركاء عن القسمة أدى غير الممتنع سهمه وحل التصرف بمقدار أربعة أخماس
حصته، ولو أمكن جبره على القسمة أجبر) انتهى، وهو جيد، لكن المتجه
فيما ذكره بل وفي غيره من الفروع المتصورة هنا التي يصعب إرادتها من ظاهر
النصوص مراعاة الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة، بل قد يقوى في النظر
عدم اندراج نحو اختلاط الزكاة مثلا فيما نحن فيه من اختلاط الحلال والحرام
الذي يجب إخراج خمسه للذرية، بل ينبغي القطع به، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(فروع):
(الأول الخمس يجب في الكنز) لما عرفت من الأدلة السابقة، بل ظاهرها
77

ذلك (سواء كان الواجد له حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا) كما في التحرير
والقواعد والمنتهى والتذكرة والبيان والمسالك وغيرها، بل هو قضية إطلاق الباقين
بل سواء كان مجنونا أو عاقلا ذكرا أو أنثى مسلما أو ذميا كما صرح به أيضا في
بعض هذه الكتب، للأدلة السابقة الظاهرة في أنه من أحكام الوضع والأسباب
التي لا تفاوت فيها بين المكلف وغيره، نعم يكلف ولي الطفل والمجنون ومولى
العبد إن لم يكن مكاتبا، وإلا كان عليه إخراج الخمس بل (وكذا المعادن
والغوص) كما في القواعد لعين ما سمعت أيضا، لكن ما في المتن كالقواعد قد
يشعر باعتبار التكليف والحرية في غير هذه الأنواع الثلاثة، واستشكله في المدارك
بالنسبة للثاني بأن مال المملوك لمولاه، فيتعلق به خمسه، كما أنه استوجهه بالنسبة
للأول، وقضيته عدم الخمس في أرباح تجاراته أو ماله المختلط بالحرام، بل وأرضه
المشتراة له لو كان ذميا وغنيمته، وفي غير الأخير منه نظر وتأمل إن لم ينعقد إجماع
عليه، خصوصا الثاني منه الذي إخراج الخمس فيه لتطهير المال، بل والأول لمساواة
بعض أدلتهما السابقة بعض أدلة الثلاثة السابقة في إفادة تعلق الخمس بالمال نفسه،
وإن لم يكن صاحبه مكلفا كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما تقدم منها، ولا ينافيه
الخطابات التكليفية في البعض الآخر، كما لم ينافه في الثلاثة المتقدمة، ضرورة
ظهور موردية المكلف فيه لا شرطيته كي يحصل التنافي، فلاحظ وتأمل جيدا،
بل قد يؤيده إطلاق الفتاوى ومعاقد الاجماعات.
الفرع (الثاني لا يعتبر الحول في) وجوب (شئ من الخمس) مما تقدم
عدا الأرباح بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك الاجماع عليه، بل فيها عن
المنتهى أنه قول العلماء كافة إلا من شذ من العامة، بل في الرياض نسبته إلى
إجماعنا الظاهر المصرح به في كلام جماعة، بل في التذكرة نسبته في المعدن إلى عامة
أهل العلم، وهو الحجة بعد إطلاق الأدلة السابقة كتابا وسنة المعتضد به وباطلاق
78

الفتاوى ومعاقد الاجماعات، بل يمكن دعوى تحصيل الاجماع عليه، بل وعلى
وجوبه فورا زيادة على ذلك أيضا، لأنه حق للغير المطالب به حالا إن لم يكن
قولا، مع أنه يكفي في عدم جواز إبقائه عدم الإذن من مستحقه، إذ هو من
قبيل الأمانة الشرعية عنده.
بل وكذا لا اعتبار للحول في الأرباح أيضا على المشهور بين الأصحاب
نقلا وتحصيلا، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن السرائر من اعتباره، مع
أن عبارتها ليست بتلك الصراحة، بل ولا ذلك الظهور كما اعترف به بعضهم، بل
قد وقع لمثل العلامة في المنتهى ممن علم أن مذهبه عدم اعتبار ذلك بعض
العبارات الظاهرة في بادئ النظر في عدم الوجوب إلا بعد الحول المراد منها بعد
التروي التضيق كعبارة السرائر، خصوصا بعد دعواه الاجماع فيها ظاهرا على
ذلك، ضرورة كون مظنته التضييق لا أصل الوجوب، على أنه محجوج باطلاق
الأدلة حتى معاقد الاجماعات، بل فيما حضرني من نسخة المفاتيح الاجماع عليه أيضا
واستثناء المؤونة لا دلالة فيه على تأخر الوجوب بعد إرادة إخراج قدرها تخمينا
منها، لصدق اسم المؤونة به لا المصارف الفعلية كي يستلزم تأخر الوجوب عنها،
لعدم تعقل تعقب وجوبه عليها قبل حصولها، ولعل ذا هو الذي ألجأ الحلي إلى
الخلاف، إن كان، إلا أنه كما ترى.
فالأقوى حينئذ اتحاد جميع محال الخمس في عدم اعتبار الحول (ولكن
يؤخر) جوازا خصوص (ما يجب في أرباح التجارات) كما صرح به جماعة،
بل لا أجد فيه خلافا، بل الظاهر الاجماع عليه، بل قد يشعر به صحيح ابن
مهزيار (1) الطويل المتقدم سابقا (احتياطا للمكتسب) وإرفاقا به، لامكان
تجدد مؤن له لم يكن قد دخلت في تخمينه، بل في البيان (وللمستحق، لاحتمال

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
79

نقصان المؤونة) لكن قد يشكل بأن تعجيل الاخراج عن الزائد المعلوم لا يسقط
الوجوب فيما تجدد وعلم زيادته، إذ التقديم مبني على التخمين والظن فمتى فضل
شئ من المؤونة وجب إخراج خمسه سواء كان بسبب نقص النفقة أو بغيره،
فتعجيل الاخراج مما علم زيادته أغبط للمستحق على التقديرين ولو عورض ذلك
بمثله في المكتسب فإن له الرجوع على المستحق لو ظهر له نقص ما قدره عن
المؤونة دفع بالمنع مع تلف العين وعدم علم المستحق، لأنه هو الذي سلطه عليه
باختياره، بل ومع العلم أيضا وبقاء العين في وجه قوي، كما استوجهه في المسالك
فضلا عن أحدهما، لاحتمال كون المعتبر عند إرادة التعجيل تخمين المؤونة وظنها
وإن لم تصادف الواقع، على أنه بعد تسليمه ولو في الجملة لا يرفع الاحتياط
للمكتسب، لما فيه من تكلف المطالبة، واحتمال عدم الحصول له معها أيضا،
وغير ذلك، هذا وقد يشعر تعليل المصنف وغيره التأخير بالاحتياط وتخصيص
فائدته به بل ظاهر غيره حصرها فيه بعدم جواز التصرف والاكتساب بالخمس،
وهو كذلك لكونه مال الغير، نعم لو ضمنه وجعله في ذمته جاز له ذلك، لكن
ليس في الأدلة هنا تعرض لبيان أن له ضمانه مطلقا أو بشرط الملاءة أو الاطمينان
من نفسه بالأداء أو غير ذلك، بل لا تعرض فيها لأصل الضمان، وجواز
التأخير أعم من ذلك، بل هو أمانة في يده يجري عليه حكم الأمانات، فتأمل.
ثم المراد بالحول في معقد الاجماعات وغيرها هنا تمام الاثني عشر كما صرح به
بعضهم، لأصالة الحقيقة، فلا يكفي الطعن في الثاني عشر قياسا على الزكاة، ومبدئه
كما في المسالك والروضة ظهور الربح، بل فيهما أنه لو حصل له ربح في أثناء الحول
لوحظ له حول آخر بانفراده. نعم كانت مؤونة بقية الحول الأول معتبرة منهما،
ويختص هو بالباقي إلى زمان حصوله، كما أنه اختص الأول بالمدة السابقة عليه،
80

وهكذا، ونحوهما في ذلك كشف الأستاذ حيث قال: (ولكل ربح عام مستقل،
والقدر المشترك بينهما يوزع عليهما، وعليه يتجه حينئذ سقوط الخمس عمن كان
له ربح قام ببعض مؤونة سنته نصفها مثلا ثم حل له ربح آخر عند انقضاء مؤونة
الأول قام بالنصف من سنته وزاد لكن لا يحملها إلى زمان أول حصوله
وهكذا وإن كان قد حصل له تمام مؤونة سنة من الربح وزاد، بل وعمن يحل له
في كل يوم ربح ككثير من أرباب الصنائع والحرف، لكن لا يقوم كل واحد
منها بمؤونته إلى أول حصوله ولو مع ملاحظة توزيع المشترك بينهما من المدة عليهما
سواء أريد باخراج مؤونة المشترك منهما التوزيع على حسب النسبة أو غيره)
وهو وإن كان قد يوافقه ظاهر الفتاوى لكن كأنه معلوم العدم من السيرة
والعمل، بل وإطلاق الأخبار، بل خبر عبد الله بن سنان (1) المتقدم سابقا المشتمل
على قوله (عليه السلام): (حتى الخياط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه
دانق) كالصريح بخلافه وإن كان هو مقيدا بأخبار المؤونة، ولعله لذا قال في
الدروس والحدائق: (ولا يعتبر الحول في كل تكسب، بل يبتدئ الحول من
حين الشروع في التكسب بأنواعه، فإذا تم خمس ما فضل) وهو جيد لا يرد عليه
ما سمعت موافق للاحتياط، بل وللاقتصار على المتيقن خروجه عن إطلاق الأدلة
بل قد يدعى القطع به في نحو الصنائع المبني ربحها على التجدد يوما فيوما أو
ساعة بعد أخرى، تنزيلا لها باعتبار إحرازها قوة منزلة الربح الواحد الحاصل في
أول السنة، ولذا كان يعد صاحبها بها غنيا، بل لعل بعض الحرف مثلها
فيما ذكرنا أيضا، فتأمل.
لكن قد يناقش بأنه لا دليل عن احتساب المؤونة السابقة على حصول
الربح مع فرض تأخر حصوله عن أول زمان التكسب، إذ هو حينئذ كالزمان

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 8
81

السابق على التكسب، بل المنساق من النصوص والفتاوى احتساب مؤونة السنة
من أول حصول الربح، إذ ذلك وقت الخطاب بالخمس، ومن هنا مال في المدارك
والكفاية لما في الدروس لكن جعل أول السنة ظهور الربح في أولهما، فقال بعد
أن نظر في استفادة ما سمعته عن جده من الأخبار: ولو قيل باعتبار الحول من
حين ظهور شئ من الربح ثم احتساب الأرباح الحاصلة بعد ذلك إلى تمام الحول
وإخراج الخمس من الفاضل عن مؤونة ذلك الحول كان حسنا والله أعلم.
الفرع (الثالث إذا اختلف المالك) للدار مثلا (والمستأجر) لها
(في الكنز فإن اختلفا في ملكه) بأن قال كل منهما أنه لي (فالقول قول)
المالك (المؤجر مع يمينه) لأصالة يده، وفرعية يد المستأجر عنها، وقيل قول
المستأجر، لفعلية يده، ومخالفة دعوى المؤجر الظاهر المتعارف من عدم إجارة
داره وفيها كنز، وقد تقدم البحث في ذلك ونظائره مفصلا (وإن اختلفا في
قدره فالقول قول المستأجر) المنكر للزيادة الموافق بانكاره أصالة البراءة وغيرها
كما أن القول قول المالك لو فرض إنكاره الزيادة، بأن ثبت مثلا أنه للمستأجر
فادعى على المالك مقدارا أنكره عليه فالقول قوله أيضا لعين ما عرفت، فالضابط
أنه يقدم قول من نسب إلى الخيانة بيمينه، وتخصيص المصنف المستأجر، بناء
منه على تقديم قول المالك في السابق، وتعارف إنكار الزيادة من المستأجر حينئذ
إذ لا وجه لادعاء غير المالك الزيادة والمالك النقصان، كما هو واضح.
الفرع (الرابع الخمس يجب بعد) إخراج (المؤونة التي يفتقر إليها
إخراج الكنز والمعدن) والغوص ونحوها (من) آلات و (حفر وسبك
وغيره) بلا خلاف أجده كما اعترف به في المفاتيح، بل في المدارك نسبة ما في
المتن إلى القطع به في كلام الأصحاب، كما أنه في الخلاف الاجماع عليه، ولعله
كذلك، بل يمكن تحصيله في الجميع وإن سمعت الخلاف فيه في الغنيمة، مضافا
82

إلى إشعار قوله (عليه السلام) في مكاتبة يزيد (1) السابقة: (وحرث بعد الغرام)
إلى آخره، وخبر علي بن محمد بن شجاع النيسابوري (2) المتقدم آنفا المشتمل على
السؤال عن الضيعة وما حصل منها من الاكرار التي صرف منها ثلاثون كرا على
عمارة الضيعة إلى آخره بذلك بعد إلغاء الخصوصية وعدم القول بالفصل، بل قد
يقال بامكان تحميل لفظ المؤونة الوارد خروجها قبل الخمس في النصوص السابقة
لذلك أيضا على أن يراد منها الأعم من مؤونة العيال، على أن اسم الغنيمة والفائدة
ونحوهما الظاهر من الأدلة اعتبارهما في جميع أنواع الخمس لا يتحقق قبل خروجها،
بل هو الموافق للعدل والمناسب للطف الذي يقرب العبد إلى الطاعة.
نعم هل يعتبر النصاب فيما اعتبر فيه من أنواع الخمس قبلها أو بعدها؟ وجهان
في المدارك أقواهما في النظر الثاني، للأصل وظاهر المنساق إلى الذهن من مجموع
الأدلة وفاقا للمنتهى والتذكرة والبيان والدروس، بل ظاهر الأولين كونه مجمعا
عليه بيننا حيث نسب الخلاف فيه فيهما إلى الشافعي وأحمد، بل في المسالك نسبته
إلى تصريح الأصحاب أيضا، بل قال: إنهم لم يتعرضوا فيه لخلاف كما ذكروه في
مؤونة زكاة الغلات.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 7 - 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 7 - 2
83

(الفصل الثاني)
من فصلي كتاب الخمس
(في قسمته)
والمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك
في صريح الإنتصار وظاهر الغنية وكشف الرموز أو صريحهما أنه (يقسم ستة
أقسام، ثلاثة) منها (للنبي (صلى الله عليه وآله) وهي سهم الله وسهم رسوله
وسهم ذي القربى) كما صرح به في القواعد وغيرها، بل كأنه مفروغ منه،
ولعله لأن المراد بذي القربى الإمام (عليه السلام) كما ستعرفه، وهو الإمام في
حياته، فيأخذ الثلاثة حينئذ سهم له بالأصالة وسهم الله، لأن ما كان
له فهو لوليه وسهم ذي القربى باعتبار أنه الإمام (عليه السلام) حال حياته، ولا
إمام غيره، وحينئذ فاطلاق المصنف كون الثلاثة للنبي (صلى الله عليه وآله) على
هذا الوجه ولو لأنه لم يعرف في ذلك خلاف وإن كان ظاهر الآية وغيرها من
النصوص خلافه، وكذا لم يعرف أيضا في أن سهم الله عز وجل ملك للنبي
(صلى الله عليه وآله) حقيقة يتصرف به كيف يشاء كغيره من أملاكه، بل هو
قضية إجماع المرتضى كما في الحدائق دعواه عليه، وفي خبر معاذ صاحب الأكسية (1)
عن الصادق (عليه السلام) (إن الله تعالى لم يسأل خلقه مما في أيديهم قرضا من

(1) أصول الكافي ج 1 ص 537 " باب صلة الإمام عليه السلام " الحديث 3
84

حاجة به إلى ذلك، وما كان لله من حق فهو لوليه) وفي خبر البزنطي (1) عن
الرضا عليه السلام (إنه قيل له: فما كان لله من الخمس فلمن هو؟ فقال عليه السلام:
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو
للإمام) إلى آخره، وفي مرسل ابن بكير (2) عن أحدهما (عليهما السلام) في
تفسير آية الغنيمة (خمس الله عز وجل للإمام (عليه السلام) وخمس الرسول (صلى
الله عليه وآله) للإمام (عليه السلام)، وخمس ذي القربى لقرابة الرسول الإمام
واليتامى يتامى آل الرسول والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم
إلى غيرهم) وفي مرسل أحمد المرفوع (3) (فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم:
سهم لله وسهم للرسول وسهم لذوي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم
لابن السبيل، فالذي لله فلرسول الله فرسول الله أحق به، فهو له والذي للرسول
هو لذوي القربى والحجة في زمانه، فالنصف له خاصة، والنصف لليتامى والمساكين
وأبناء السبيل من آل محمد (عليهم السلام) الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة،
عوضهم الله مكان ذلك بالخمس، هو يعطيهم على قدر كفايتهم، فإن فضل منهم
شئ فهو له، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده، كما صار له الفضل
كذلك لزمه النقصان) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على المطلوب صريحا وضمنا
المعتضدة بفتاوى الأصحاب ومحكي الاجماع بل ومحصله على الظاهر.
فما في خبر زكريا بن مالك الجعفي (4) عن الصادق (عليه السلام) (إنه
سأله عن آية الغنيمة فقال: أما خمس الله فللرسول يضعه في سبيل الله، وأما
خمس الرسول فلا قاربه، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 6 - 2 - 1
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 6 - 2 - 1
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 1 من أبواب قسمة الخمس - الحديث 9
وذيله في الباب 3 منها - الحديث 2
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 6 - 2 - 1
85

بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم، وأما المساكين وأبناء السبيل فقد عرفت أنا
لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا، فهي للمساكين وأبناء السبيل) يجب تأويله أو
طرحه، سيما مع ملاحظة اشتماله على غير ذلك مما هو مخالف للمعلوم من المذهب
كما ستعرف.
(و) المراد بذي القربى في الكتاب والسنة (هو الإمام (عليه السلام)
بلا خلاف معتد به أجده فيه بيننا، بل الظاهر الاجماع عليه، بل هو من معقد
إجماع الإنتصار والغنية، كما أنه في التذكرة نسبته إلى علمائنا، وفي المنتهى عن
الشيخ الاجماع عليه للمرسلين السابقين، ومرسل ابن عيسى (1) عن العبد الصالح
(الخمس على ستة أسهم: سهم لله وسهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وسهم
لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل، وسهم الله وسهم
رسوله لأولي الأمر من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وراثة، فله ثلاثة
أسهم، سهمان وراثة، وسهم مقسوم له من الله، وله نصف الخمس كملا، ونصف
الخمس الباقي بين أهل بيته) إلى آخره، إلى غير ذلك من المعتبرة الصريحة فيه
والظاهرة وغير الممتنع إرادته منها حتى ما جاء فيها بلفظ الجمع بالحمل على إرادة
مجموع الأئمة عليهم الصلاة والسلام مضافا إلى ما في المنتهى والمختلف وعن المعتبر
من أن لفظ ذي القربى في الآية مفرد لا يتناول أكثر من واحد، فينصرف إلى
الإمام، لأن القول بأن المراد منه واحد هو غير الإمام منفي بالاجماع، لكن
قد يناقش باحتمال إرادة الجنس منه كابن السبيل، وإن كان قد يفرق بينهما بأنه
مجاز صير إليه في الثاني للقرينة، إذ ليس هناك واحد متعين يمكن حمل اللفظ عليه
دون الأول، فإنه لا قرينة، بل قد عرفت مما تقدم وجودها بخلافه، بل لعل
عطف اليتامى والمساكين وابن السبيل مع أن المراد منهم أقرباؤه أيضا يعين إرادة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 8
86

الإمام من الأول، فتأمل، فما عن بعض علمائنا والظاهر أنه ابن الجنيد كما حكاه
عنه في المختلف من عدم هذا السهم للإمام بل هو لأقارب النبي (صلى الله عليه وآله)
من بني هاشم كالمحكي عن الشافعي بزيادة المطلب مع هاشم ضعيف جدا، وإن
كان قد يشم من المدارك الميل إليه لظاهر بعض الأخبار (1) التي منها خبر زكريا
السابق القاصرة عن مقاومة ما تقدم من وجوه، بل لا تأبى الحمل عليه، لكنه
في غير محله قطعا، بل كاد يكون مخالفا للمقطوع به من المذهب.
(و) مما سمعت ظهر لك أن ما كان للنبي (صلى الله عليه وآله) من
سهمه وسهم الله ينتقل (بعده للإمام (عليه السلام) القائم مقامه) فيكون حينئذ
الآن نصف الخمس كملا لصاحب الأمر روحي له الفداء ونفسي لنفسه الوقاء،
سهمان بالوراثة، وسهم بالأصالة كما هو مضمون الأدلة السابقة المعتضدة باجماع
الإنتصار وغيره، بل هو محصل على الظاهر، فما عن الشافعي من انتقاله بعد
موت النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المصالح كبناء القناطر وعمارة المساجد وأهل
العلم والقضاة وأشباه ذلك وأبي حنيفة من السقوط أصلا غلط عندنا قطعا،
وأوضح منه غلطا ما عن الثاني خاصة من سقوط سهم ذي القربى بموت النبي (صلى
الله عليه وآله) إذ هو اجتهاد منشأه هوى النفس والشيطان في مقابلة الكتاب
والسنة إن لم يكن الضرورة، ولا غرو في حرمان الورثة غير الإمام السهمين
المذكورين بعد أن كان الظاهر أن استحقاقهما سيما سهم الله عز وجل بمقام النبوة
المساوي لمقام الإمامة، أو أعلا منه بمرقاة، بل قيل بعلو مقام الإمامة منه.
(نعم ما كان) قد (قبضه النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام)
من الأسهم السابقة (ينتقل إلى وارثه) ضرورة صيرورته حينئذ كسائر أمواله
التي فرض الله تقسيمها على الوارث، واحتمال اختصاص الإمام (عليه السلام) به

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس
87

أيضا لقبض النبي (صلى الله عليه وآله) له مثلا بمنصب النبوة أيضا باطل قطعا،
إذ هو وإن كان كذلك لكنه صار ملكا من أملاكه بقبضه وإن كان سببه منصب
النبوة، وفرق واضح بينه وبين انتقال الاستحقاق السابق للإمام بعد أن علم
ملاحظة الوصف فيه الذي لا يشاركه فيه غير الإمام، بخلاف المقبوض فإنه قد
صار خصوصية الذات لها مدخلية، وما في خبر زكريا السابق من أن خمس الرسول
لأقاربه مطرح أو يراد به الأئمة بعد موت النبي (صلى الله عليه وآله) على إرادة
لا خمس المستحق لا المقبوض، أو ورثته على إرادة الثاني، وإلا فهو على ظاهره
غير مطابق للمعلوم من المذهب ولذا قال في الحدائق: إن أريد حال الحياة
فلا قائل به ولا دليل عليه، بل الاجماع والأخبار على خلافه، وإن أريد بعد
موته فلا قائل به أيضا هنا مع دلالة الأخبار على خلافه، لدلالتها على كونه للإمام
(عليه السلام) وابن الجنيد وإن خالف في سهم ذوي القربى إلا أنه لم يخالف في
سهم الرسول، والأمر سهل بعد وضوح الحال، ومن ذلك كله علم مصرف الثلاثة
من الأسهم الستة.
(و) أما ال‍ (ثلاثة) الأخرى فهي (للأيتام والمساكين وأبناء
السبيل) كتابا وسنة مستفيضة جدا بل متواترة وإجماعا بقسميه عليه، بل وعلى
أن المراد بهم أقارب النبي (صلى الله عليه وآله) لا مطلقا، وإن حكي عن ابن
الجنيد ذلك مع استغناء ذي القربى، لكن خلافه غير قادح في محصل الاجماع
فضلا عن محكيه، خصوصا بعد استفاضة الأخبار التي مرت وسيمر عليك بعضها
في ذلك، وفي أن ما زاد من الخمس عليهم للإمام، وأنه لا يحل الخمس لغير
بني هاشم، جعله الله لهم عوض تحريم الزكاة، فمن تحل له الزكاة يحرم عليه الخمس
وبالعكس، وبعد أن لم نعثر له على مستند، إذ إطلاق الآية وبعض الأخبار
88

مقيد عندنا بالسنة والاجماع بقسميه، وعنده وإن كان بغير دليل، كما أن
خبر زكريا بن مالك المتقدم يجب حمله على إرادة ما ذكرنا أو غيره، وإلا فهو
لا يتم أيضا عندنا وعنده كما هو واضح.
(وقيل) ولم نعرف قائله منا كما اعترف به في المسالك وغيرها، نعم هو
محكي عن الشافعي وأبي حنيفة: (بل يقسم) الخمس (خمسة أقسام) بحذف
سهم الله تعالى وإن افتتح به في الآية تيمنا وتبركا، وإلا فالأشياء كلها له،
فالمراد حينئذ أن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسه، أو المراد أن من حق
الخمس أن يكون متقربا به إلى الله تعالى لا غير، وأن قوله: (وللرسول ولذي
القربى) من قبيل التخصيص بعد التعميم تفضيلا لهذه الوجوه على غيرها،
كقوله تعالى (1): (وملائكته ورسله وجبريل وميكال) إلى غير ذلك من اللغو
الذي لا يستحق أن يسطر، نعم قد يظهر من المدارك الميل إلى هذا القول مستدلا
عليه بأصح رواية وصلت إليه، وهي صحيحة ربعي (2) عن الصادق (عليه السلام)
(كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له
ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين
قاتلوا عليه، ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عز وجل لنفسه
ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل، يعطي
كل واحد منهم جميعا، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله (صلى الله عليه
وآله)) وهي مع أنها حكاية فعل محتمل لرفع يده صلى الله عليه وآله عن حقه توفيرا

(1) سورة البقرة - الآية 92
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 3
89

لغيره، ومشتملة على حذف سهمه صلى الله عليه وآله لا سهم الله تعالى الذي هو مذهب
ذلك القائل قاصرة عن معارضة ما تقدم من محكي الاجماع بل ومحصله على الظاهر
وظاهر الكتاب والمعتبرة المستفيضة جدا، بل ما اشتمل منها على ثبوت سهم الله
متواتر على الظاهر.
(و) منه يعلم حينئذ أن (الأول) مع كونه (أشهر) أقوى وأصح
بل لا شهرة ولا قوة ولا صحة في غيره، إذ هو وإن كان لمجهول النسب القادح
في تحصيل الاجماع على بعض الطرق إلا أنه حيث يكون له جهة صحة، لا إذا كان
موافقا للعامة ومخالفا للكتاب والمستفيض من السنة أو المتواتر ومحكي الاجماع
المعتضد بتتبع فتاوى الأصحاب وغير ذلك، فلا ريب في إمكان تحصيل الاجماع
حينئذ بخلافه حتى على الطريق المذكور كما هو واضح، فتأمل.
(ويعتبر في الطوائف الثلاثة انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوة، فلو انتسبوا
بالأم خاصة لم يعطوا شيئا من الخمس على الأظهر) الأشهر، بل عليه عامة أصحابنا
كما اعترف به في الرياض عدا المرتضى (رحمه الله) وابن حمزة على ما حكي عنهما،
مع أن فيما حضرني من نسخه وسيلة الثاني موافقة المشهور، ويؤيده نسبة غير
واحد من الأصحاب ذلك للمرتضى خاصة، نعم وافقه عليه المحدث البحراني في
حدائقه حاكيا فيها عن المسلك نقله أيضا في ميراث أولاد الأولاد عن الحلي
ومعين الدين المصري، وفي بحث الوقف عن المفيد والقاضي أيضا، بل وعن رسالة
لبعض أفاضل العجم صنفها في اختيار مذهب السيد، نقله عن القطب الراوندي
والفضل بن شاذان وابن أبي عقيل وأبي الصلاح والشيخ في الخلاف وابني زهرة
والجنيد، بل وعن كتاب الميراث من كنز العرفان عن الراوندي أيضا والشيخ
أحمد بن المتوج البحراني، ثم قال: ونقل عن المقدس الأردبيلي الميل إليه، وهو
مختار المدقق مير محمد باقر الداماد والمولى محمد صالح المازندراني في شرح الأصول
90

والسيد نعمة الله الجزائري والشيخ عبد الله بن صالح البحراني، لكن قد عرفت
أنهم هنا لم ينسبوا الخلاف إلا للمرتضى (رحمه الله) وكأنه لأن مبناه في المقام
ليس صدق اسم الولد حقيقة وعدمه، حتى أنه يلزم مدعي الصدق في غيره موافقة
المرتضى هنا كما استفاده هذا المحدث، وجعل مدار المسألة ذلك وجودا وعدما،
حتى أنه نسبه لبعض من عرفت من هذه الجهة، بل هو صريح المرسل الطويل (1)
عن العبد الصالح المروي في كتب المحمدين الثلاثة الذي يكفي اتفاقهم على روايته
جبرا لارساله فضلا عن شهادة النظر في متنه والتأمل فيه وفيما اشتمل عليه من
الأحكام المخالفة لمن جعل الله الرشد في خلافهم، وعم عمل كافة الأصحاب عداه به
وإن ذكر في بعض الكتب مستندا غيره الذين فيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات، وعن
اعتضاده بموافقة الاحتياط الذي جعله الله طريق السلامة خصوصا فيما اشتغلت الذمة به
بيقين، وبامكان دعوى انصراف اسم الولد إلى غيره وإن كان هو حقيقة فيه سيما
المضاف منه، كامكان دعوى منع دخوله بذلك وإن سلم كونه حقيقة أيضا تحت
اسم القبيلة والعشيرة التي حرم الله عليها الصدقة معوضا لها عنها بالخمس، ولأن
دخل لذلك فدخوله من جهة الأب تحت اسم القريشي مثلا الذي أحل الله له الصدقة
وحرم عليه الخمس أولى حينئذ من وجوه.
ودعوى أن الموجود في أخبار الخمس لفظ الآل والذرية والعترة وذوي
القرابة وأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ونحو ذلك من الألفاظ التي لا كلام
في دخول المفروض فيها، دون لفظ الابن واسم القبيلة، خصوصا بعد تفسير
الآل في رواية (2) بالذرية، وأخرى (3) بمن حرم نكاحه على محمد (صلى الله

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 8
(2) معاني الأخبار ص 94 " باب معنى الآل والأهل والعترة والأمة " الحديث 2 - 1
(3) معاني الأخبار ص 94 " باب معنى الآل والأهل والعترة والأمة " الحديث 2 - 1
91

عليه وآله) ونص الكتاب العزيز (1) على أن عيسى من ذرية إبراهيم وليس
إلا من جهة الأم، يدفعها بعد منع دخوله عرفا في أكثر هذه الألفاظ أو جميعها
عدا الذرية أنه لا ينبغي التوقف في كون المفهوم من أخبار المقام وأخبار تحريم
الصدقة أن موضوع الخمس وحرمة الصدقة الهاشمي أو نحوه قال الصادق عليه السلام
في خبر زرارة (2): (لو كان عدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة إن
الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهما) مما لا يدخل فيه المفروض عرفا بل ولا
في بني هاشم وبنى عبد المطلب وإن كان ابنا حقيقة، إذ المصاديق العرفية للتراكيب
لا تدور مدار نحو ذلك، فتأمل إلى غير ذلك من العواضد والجوابر والمبعدات
لقول المرتضى إذ قضيته تحليل الخمس لسائر الفرق حتى الأموية، إذ قل ما يخلو
أحد من كون أحد جداته من أمه أو أبيه وإن علت علوية، فيشارك حينئذ
بني هاشم سائر الناس في خمسهم، وهو معلوم البطلان، بل قد يدعى السيرة القطعية
بخلافه، مع أنه لو كان كذلك لشاع وذاع حتى خرق الأسماع، فكيف والشائع
خلافه، كما أن المروي عن أئمتنا كذلك، قال في المرسل المزبور (3) بعد أن ذكر
أن نصف الخمس للإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والنصف الآخر بين
أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (وهؤلاء الذين جعل الله لهم
الخمس هم قرابة النبي (صلى الله عليه وآله) الذين ذكرهم الله تعالى، فقال (4):
(وأنذر عشيرتك الأقربين) وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والأنثى،
ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد، ولا فيهم ولا منهم في هذا

(1) سورة الأنعام - الآية 84 و 85
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب المستحقين للزكاة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 8
(4) سورة الشعراء - الآية 214
92

الخمس من مواليهم، وقد تحل صدقات الناس لمواليهم، وهم والناس سواء، ومن
كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحل له، وليس له
من الخمس شئ، لأن الله تعالى يقول: ادعوهم لآبائهم).
وإلا فقد توافق المرتضى (رحمه الله) وغيره في كونه ابنا حقيقة كما يظهر
من جماعة من الأصحاب في غير المقام، بل قد يظهر من المحكي عن ابن إدريس في
كتاب المواريث الاجماع عليه، كما عن المرتضى فيه أيضا نفي الخلاف فيه، بل
وكذا المحكي عن خلاف الشيخ في باب الوقف والميراث، بل ظاهره فيهما إجماع
الأمة على ذلك، فلاحظ، لكثرة استعماله في الحسن والحسين (عليهما السلام)
بل وباقي الأئمة كثرة يبعد معها إرادة المجاز، خصوصا في المقام الذي أريد منه
الافتخار والاستظهار على الغير، كبعد احتمال الخصوصية في الأئمة (عليهم السلام)
وإن كان قد يحتمل، لأنهم من طينة واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض بل لم
يعلم حقائقهم وكيفية خلقهم سوى خالقهم، إلا أن الظاهر مما ستسمع خلافه،
ولمعلومية حرمة زوجة ابن البنت بقوله تعالى (1): (وحلائل أبنائكم) وحرمة
بنت ابن البنت بقوله (2): (وبناتكم) وحرمة زوجة الجد بقوله (3): (ما نكح
آباؤكم) وحلية إرادة الزينة لابن البنت وابن بنت البعل، وحجب الأبوين عما
زاد من السدس والزوج إلى الربع والزوجة إلى الثمن بقوله (4): (إن كان له ولد)
ولخبر أبي الجارود (5) قال:
(قال أبو جعفر عليه السلام: يا أبا الجارود ما يقولون
لكم في الحسن والحسين (عليهما السلام)؟ قلت: ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قال: فبأي شئ احتججتم عليهم؟ قلت: احتججنا عليهم

(1) سورة النساء - الآية 27
(2) سورة النساء - الآية 27
(3) سورة النساء - الآية 26 - 12
(4) سورة النساء - الآية 26 - 12
(5) البحار ج 10 ص 66 من طبعة الكمباني
93

بقول الله عز وجل (1) في عيسى بن مريم (عليهما السلام) ومن ذريته داود
وسليمان وأيوب إلى قوله: وعيسى، قال: فبأي شئ قالوا لكم؟ قلت: قالوا: قد
يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب، قال: فبأي شئ احتججتم عليهم
قلت: بقول الله تعالى (2) لرسوله: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) قال:
فأي شئ قالوا لكم؟ قلت قالوا: قد يكون في كلام العرب أبناء رجل ويقول آخر:
أبناؤنا، قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: يا أبا الجارود لأعطينكها من كتاب الله
عز وجل (3): حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم إلى أن انتهى إلى قوله: وحلائل
أبنائكم الذين من أصلابكم، فسلهم يا أبا الجارود هل كان لرسول الله نكاح حليلتهما؟
فإن قالا نعم كذبوا وفجروا، وإن قالوا لا فهما إبناه لصلبه (.
وصحيح ابن مسلم (4) عن أحدهما (عليهما السلام) (لو لم يحرم على الناس
أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) بقول الله عز وجل (5): وما كان لكم أن تؤذوا
رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده حرم على الحسن والحسين (عليهما
السلام) بقول الله عز وجل (6): ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء، ولا
يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده).
والمروي (7) عن عيون الأخبار واحتجاج الطبرسي في حديث طويل يتضمن

(1) سورة الأنعام - الآية 84 و 85
(2) سورة آل عمران - الآية 54
(3) سورة النساء - الآية 27 - 26
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة - الحديث 1
من كتاب النكاح
(5) سورة الأحزاب - الآية 53
(6) سورة النساء - الآية 27 - 26
(7) عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 81 إلى 85 - الحديث 9
من الباب 7
94

ذكر ما جرى بينه وبين الرشيد لما أدخل عليه، وموضع الحاجة منه أنه قال له
الرشيد: (لم جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ويقولون: يا بن رسول الله وأنتم من علي (عليه السلام) وإنما ينسب المرء إلى أبيه
وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي (صلى الله عليه وآله) جدكم من قبل أمكم، فقلت:
يا أمير المؤمنين لو أن النبي (صلى الله عليه وآله) نشر فخطب إليك
كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله لم لا أجيبه بل افتخر على العرب
وقريش بذلك: لكنه لا يخطب إلي ولا أزوجه، فقال: ولم؟ فقلت:
لأنه ولدني ولم يلدك، فقال: أحسنت يا موسى، ثم قال: كيف قلتم إنا ذرية النبي
(صلى الله عليه وآله) والنبي لم يعقب، وإنما العقب للذكر لا الأنثى، وأنتم ولد
لابنته ولا يكون لها عقب ثم ساق الخبر إلى أن قال فقلت: أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف
إلى أن قال وعيسى، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ فقال: ليس لعيسى أب
فقلت: إنما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم وكذلك ألحقنا بذراري
النبي (صلى الله عليه وآله) من قبل أمنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) وكذلك
أزيدك يا أمير المؤمنين قال: هات قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فمن حاجك
فيه الآية ولم يدع أحد أنه أدخله النبي (صلى الله عليه وآله) تحت الكساء
إلا علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فالأبناء هم الحسن والحسين،
والنساء هي فاطمة، وأنفسنا وأنفسكم إشارة إلى علي بن أبي طالب).
والمروي (1) عن كتاب الإختصاص للمفيد في حديث طويل عن الكاظم
(عليه السلام) مع الرشيد أيضا، قال فيه: (وإني أريد أن أسألك عن مسألة
فإن أجبتني أعلم أنك قد صدقتني وخليت عنك ووصلتك ولم أصدق ما قيل فيك

(1) الاختصاص - ص 55 و 56
95

فقلت: ما كان علمه عندي أجبتك فيه، فقال: لمن لا تنهون شيعتكم عن قولهم
لكم يا بن رسول الله وأنتم ولد علي، وفاطمة إنما هي وعاء، والولد ينسب إلى الأب
لا الأم، فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة فعل، فقال:
لست أفعل أو تجيب، فقلت: فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شئ
فقال: لك الأمان، فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
ووهبنا له إسحاق إلى أن قال وعيسى، فمن أبو عيسى؟ فقال: ليس له أب
إنما خلق من كلام الله عز وجل وروح القدس، فقلت: إنما ألحق عيسى بذراري
الأنبياء من قبل مريم، وألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي
(عليه السلام) فقال: أحسنت أحسنت يا موسى زدني من مثله، فقلت: اجتمعت
الأمة برها وفاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى
المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن
والحسين (عليهم السلام) فقال الله تبارك وتعالى: فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك
من العلم فقل: تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم،
فكان تأويل أبناءنا الحسن والحسين (عليهما السلام) ونساءنا فاطمة، وأنفسنا علي
(عليه السلام) فقال: أحسنت).
والمروي (1) عن الكافي عن بعض أصحابنا، قال: (حضرت أبا الحسن
الأول عليه السلام وهارون الخليفة وعيسى بن جعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة، وقد جاءوا
إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال هارون لأبي الحسن: تقوم فأبى
فتقدم هارون فسلم وقام ناحية، فقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن: تقدم فأبى
فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون فقال جعفر لأبي الحسن (عليه السلام):

(1) فروع الكافي ج 2 ص 553 الطبع الحديث
96

تقدم فأبى فتقدم جعفر وسلم ووقف مع هارون فتقدم أبو الحسن (عليه السلام)
وقال: السلام عليك يا أبة أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك
أن يصلي عليك فقال هارون لعيسى: سمعت ما قال؟ قال: نعم، فقال: أشهد
أنه أبوه حقا).
والمروي (1) عن المشايخ الثلاثة بطرق عديدة ومتون متقاربة عن عابد
الأحمسي، قال (دخلت على أبي عبد الله وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل
فقلت: السلام عليك يا بن رسول الله فقال: وعليك السلام إي والله إنا لولده،
وما نحن بذوي قرابته).
والمروي عن كتاب مطالب السؤل (2) في مناقب آل الرسول لمحمد
ابن طلحة الشامي الشافعي قال: (قد نقل أن الشعبي كان يميل إلى آل الرسول
وكان لا يذكرهم إلا وهو يقول: هم أبناء رسول الله وذريته، فنقل عنه ذلك
إلى الحجاج بن يوسف وتكرر ذلك منه وكثر نقله عنه، فأغضبه ذلك من الشعبي
ونقم عليه، فاستدعاه الحجاج يوما وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة
والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما، فلما دخل الشعبي لم يهمش له ولا وفاه حقه من الرد
عليه، فلما جلس قال له: يا شعبي ما أمر يبلغني عنك فيشهد عليك بجهلك قال:
ما هو يا أمير؟ قال: ألم تعلم أن أبناء الرجل هل ينسبون إلا إليه والأنساب
لا يكون إلا بالآباء، فما بالك تقول عن أبناء علي أنهم أبناء رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وذريته، وهل لهم اتصال برسول الله إلا بأمهم فاطمة، والنسب
لا تكون بالبنات وإنما يكون بالأبناء، فأطرق الشعبي ساعة حتى بالغ الحجاج في
الانكار عليه وقرع إنكاره مسامعه والشعبي ساكت، فقال: يا أمير ما أراك إلا

(1) فروع الكافي ج 1 ص 87 " باب النوادر " - الحديث 3
(2) ص 4 المطبوعة عام 1287 مع الاختلاف في اللفظ
97

متكلما بكلام من يجهل كلام الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) أو يعرض عنهما
فازداد الحجاج غضبا منه، وقال: المثلي تقول هذا يا ويلك، قال: نعم هؤلاء
قراء المصرين حملة الكتاب العزيز أليس قد قال الله تعالى: يا بني آدم يا بني إسرائيل
وعن إبراهيم ومن ذريته.. عيسى، وهل كان اتصال عيسى بالثلاثة إلا بأمه،
وقد صح النقل عن رسول الله هذا ابني سيد، فخجل الحجاج وعاد
يتلطف الشعبي).
بل هو من الآل أيضا، والمروي عن تفسير العياشي عن أبي عمر
والزبيري (1) عن الصادق (عليه السلام) (قلت له: ما الحجة في كتاب الله أن
آل محمد هم أهل بيته؟ قال: قول الله تبارك وتعالى (2): (إن الله اصطفى آدم
ونوحا وآل إبراهيم وال عمران) وآل محمد، هكذا نزلت على العالمين ذرية
بعضها من بعض والله سميع عليم، ولا يكون الذرية من القوم إلا نسلهم من
أصلابهم، وقال: اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور).
والمروي (3) عن العيون والمجالس عن الرضا (عليه السلام) في مجلس له مع
المأمون إلى أن قال: (وأما العاشرة فقول الله عز وجل (4): (حرمت عليكم
أمهاتكم وبناتكم) الآية، فأخبروني هل كانت ابنة أحدكم يصلح أن يتزوجها لو كان
حيا؟ قالوا: نعم، قال: ففي هذا بيان أني من آله ولستم من آله، ولو كنتم من آله
لحرم بناتكم عليه كما حرم عليه بناتي، لأني من آله وأنتم من أمته، فهذا فرق بين
الآل والأمة، لأن الآل منه والأمة إذا لم تكن من الآل ليست منه، وأما

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 169 سورة آل عمران - الحديث 35
(2) سورة آل عمران - الآية 3
(3) عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 239 و 240 المطبوعة عام 1377
(4) سورة النساء - الآية 27
98

الحادية عشر فقوله عز وجل (1) في سورة المؤمن: وساق الكلام إلى أن قال
وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بولادتنا
منه) الحديث وقال أيضا في الخبر المذكور ردا على من ادعى أن الآل هم الأمة
(أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا: نعم قال: فتحرم على الأمة قالوا:
لا، قال: هذا فرق بين الآل والأمة).
بل قد يستظهر من هذا الأخير ما نحن فيه، إذ المنتسب بالأم داخل في الآل
لما ورد من تفسيره بالذرية في خبر (2) وبمن حرم نكاحه على رسول الله (صلى الله
عليه وآله) في آخر (3) فتحرم عليه الصدقة بنص الخبر المذكور، وإذا حرم عليه
ذلك حل له الخمس، لأنه لم حرمت عليه، فيعارض المرسل (4) السابق المصرح
بحلية الصدقة له، على أنه مع موافقته للعامة مشتمل على التعليل بالآية الكريمة
الظاهرة في إرادة التقريب منه لا التحقيق، إلا فهي بمعزل عما نحن فيه، حيث
إن سبب نزولها ما كان معتادا في الجاهلية من تبني اليتيم وجعله كالولد الحقيقي في
سائر الأحكام حتى أنهم أعابوا على النبي (صلى الله عليه وآله) لما تزوج بزينب
زوجة زيد بن حارثة، لأنه كان تبناه صغيرا حتى كان يدعى زيد بن محمد (صلى
الله عليه وآله) فنزلت الآية ردا عليهم، لا أنها النفي بنوة ابن البنت الذي هو
المطلوب، كما أن قول الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
مع أنه قول أعرابي جاهل لا يعارض الكتاب والسنة محتمل لإرادة المتعارف

(1) سورة المؤمن - الآية 29
(2) معاني الأخبار ص 94 " باب معنى الآل والأهل والعترة والأمة " الحديث 2 - 1
(3) معاني الأخبار ص 94 " باب معنى الآل والأهل والعترة والأمة " الحديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 1 من أبواب قسمة الخمس - الحديث 8
99

المعتاد في جلب المنافع الدنيوية ودفع المضار بالأولاد وأولادهم دون أولاد البنات
فكانوا كالأباعد بالنسبة إلى ذلك، بل لعل ظهور إرادة هذا الشاعر المجاز والمبالغة
في النفي شاهد على العكس، إذ من البعيد إرادته بيان الوضع واللغة، فتأمل،
كقوله (صلى الله عليه وآله) (1): (أنت ومالك لأبيك) إذ المراد منه نوع
من المجاز قطعا لا ما نحن فيه.
والقول أن الولد مخلوق من ماء الأب، والأم ظرف ووعاء كما في خبر عبد الله
ابن هلال (2) عن الصادق (عليه السلام) (سألته عن رجل تزوج ولد الزنا فقال:
لا بأس، إنما يكون مخافة العار، وإنما الولد للصلب وإنما المرأة وعاء) من غرائب
الكلام بعد ما عرفت من الأخبار (3) المتضمنة لرد عين هذه الدعوى من المخالفين
بل قوله تعالى (4): (يخرج من بين الصلب والترائب) أي صلب الرجال وترائب
المرأة، وقوله (5): (نطفة أمشاج نبتليه) أي مختلطة من مائهما (6) كما في التفسير فإنه تفسير للأمشاج لا لقوله: (نبتليه) أقوى شاهد
على رده أيضا، مضافا إلى الأخبار الدالة على ذلك.
وكذا القول أنه يصح سلب اسم الولدية عنه عرفا، إذ فيه أنه إن سلم
فالمراد نفيه بلا واسطة كولد الولد، بل قد يناقش في العمل بالمرسل المذكور بعدم
حجيته في نفسه، بل وعدم قابلية الشهرة لجبره أيضا بعد ظهور كون مستندها

(1) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 1 من
كتاب التجارة
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة - الحديث 8 من
كتاب النكاح
(3) المتقدمة في ص 95 و 96
(4) سورة الطلاق - الآية 7
(5) سورة الدهر - الآية 2
100

عندهم عدم صدق اسم الولد حقيقة لا هذا المرسل حتى يكون عملهم به طريق تبين
ومن هنا كان الاحتياط في ترك أخذه الخمس والزكاة وإن كان الأقوى في النظر
ما عرفت، لامكان دفع جميع ذلك بأدنى تأمل ونظر، خصوصا بعد تحرير الطريقة
ووضوحها، لكن المحدث المزبور قد بالغ في اختيار ذلك لاختلال طريقته مشددا
للانكار على الأصحاب بتسجيع شنيع وخطاب فظيع حتى أنه تجاوز ما يجب
عليه من الآداب مع حفظة السنة والكتاب، ونسأل الله تعالى أن يغفر له ذلك،
كما أنه أوضح الآن له المسالك والمدارك، والله أعلم.
(و) كيف كان ففي المدارك وعن الذخيرة المعروف من مذهب الأصحاب
أنه (لا يجب استيعاب) أشخاص (كل طائفة) من الطوائف الثلاثة (بل لو
اقتصر من كل طائفة على واحد جاز) كما أنه يجوز البسط عليهم متفاوتا، بل عن
غيرهما نفي الخلاف فيه، بل قد يفهم من المنتهى الاجماع عليه، للأصل وإرادة
الجنس من الجمع المعرف في الكتاب والسنة كابن السبيل، بل هو وآية الزكاة (1)
قرينة عليه في الأولين، لعدم القول بالفصل، وكون الخمس زكاة في المعنى،
وللموثق بل الصحيح (2) في الكافي عن الرضا (عليه السلام) (سئل عن قول الله:
(واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول) الآية، فقيل له: فما كان
لله فلمن هو؟ فقال: لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وما كان لرسول الله (صلى
الله عليه وآله) فهو للإمام (عليه السلام) فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من
الأصناف أكثر وصنف أقل ما يصنع به؟ قال: ذاك إلى الإمام (عليه السلام)
أرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف يصنع إنما كان يعطي على ما يرى
وكذلك الإمام) وتعسر الاستيعاب بل تعذره في أغلب الأحوال والأوقات

(1) سورة التوبة - الآية 60
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 1
101

خصوصا بعد انتشار الذرية الطاهرة في سائر الأماكن، على أن خمس الشخص
نفسه غالبا لا قابلية فيه للاستيعاب، بل ينبغي القطع به حينئذ مع العسر أو التعذر
لقلة الخمس أو تشتت المستحقين، وعدم التوقف فيه بوجه من الوجوه.
نعم قد يشكل عدم الايجاب فيما لو فرض التمكن من الاستيعاب وفي القدر
الممكن منه بأنه الموافق للاحتياط في البراءة عما اشتغلت الذمة به بيقين، وبمنع
إرادة الجنسية من الجمع المزبور، لكونه حقيقة في الاستغراق، وسقوط
الوجوب في المتعذر والمتعسر لا يستلزم إرادة الجنسية منه التي هي معنى مجازي له
كما أن إرادتها في الزكاة لدليل وقرينة لا تستلزم ذلك هنا، وبعدم ظهور الصحيح
المزبور فيما نحن فيه من عدم وجوب الاستيعاب المذكور، بل أقصاه عدم وجوب
تساوي القسمة في الأصناف الثلاثة بحيث يجب أن يكون لكل صنف ثلث تام وإن
كان المستحق قليلا، على أنه أوكل الأمر فيه إلى الإمام عليه السلام وهو عند التأمل
خارج عن البحث، إذ الإمام (عليه السلام) يراد منه كفاية الجميع ولو من نصيبه
فلا ضير إن فاوت أو منع، إنما الكلام فيمن أراد إيصال الخمس بنفسه، خصوصا
في مثل هذه الأوقات، وإلا فالإمام (عليه السلام) ولي الجميع، والوصول إليه وصول
إليهم جميعهم، وهو العالم بالمصالح والمفاسد وقدر حاجاتهم، لا يتهم بميل نفس أو
شيطان أو أغراض دنيوية أو صداقات ومحبات أو توصل إلى بعض الفوائد النفسانية
بخلاف غيره، وبأنه المنساق من أخبار المقام، خصوصا مرسلة حماد بن عيسى (1)
عن العبد الصالح المتقدمة سابقا المشتملة على كيفية القسمة قال فيها: (فسهم
ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب والسنة
- إلى أن قال -: إن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم
فلم يبق منهم أحد وجعل للفقراء قرابة الرسول نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 8
102

الناس وصدقات النبي (صلى الله عليه وآله) وولي الأمر فلم يبق فقير من فقراء
الناس ولم يبق فقير من فقراء قرابة الرسول إلا وقد استغنى) الحديث بل
وغيرها من الأخبار أيضا بل لعل بعضها أظهر منها على أنه هو الموافق لحكمة
الخمس والغرض الباعث لوجوبه، وإلا فلو خص به بعض الطائفة بقيت أطفال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو مساكينه أو أبناء سبيله حيارى.
ولعله من ذلك كله مال في الحدائق إلى القول بوجوب الاستيعاب، بل
صرح بضعف المشهور، كما أنه في السرائر قال: (والظاهر يقتضي أنه يفرق في
جميع من تناوله الاسم في بلد الخمس كان أو في غيره من البلاد قريبا كان أو بعيدا
إلا أن ذلك يشق والأولى أن نقول يخص به من حضر البلد الذي فيه الخمس)
لكن قال بعد ذلك: (ومتى حضر الثلاثة الأصناف ينبغي أن لا يخص به قوم
دون قوم بل الأفضل تفريقه في جميعهم) وظاهره الاستحباب، كما أنه لعله
المفهوم من عبارة المبسوط المحكية وإن نسب إليه الخلاف أيضا، نعم قال في
الدروس: (وفي اعتبار تعميم الأصناف نظر، أما الأشخاص فيعم الحاضر)
ولقد أجاد المعاصر في الرياض حيث قال: (إن الاحتياط في تحصيل البراءة اليقينية
عما اشتغلت به الذمة يقتضي البسط على الثلاثة، بل استيعابها أيضا إلا أن يشق
ذلك فيقتصر على من حضر البلد، ويبسط عليهم مع الامكان كما عن ظاهر السرائر
والدروس وإن ضعفه من تأخر عنهما معربين عن عدم خلاف في فساده كما مضى،
فإن تم إجماعا وإلا فما فيهما قوي جدا، وإن كان خيرة المتأخرين لعله أقوى)
انتهى. وهو وإن كان في كلامه السابق على ذلك ما عساه ينافي ما وقع له هنا،
لكنه جيد جدا مناقشة واختيارا، خصوصا مع ملاحظة السيرة في الأمصار
والأعصار، بل لعل القول بالاستيعاب ساقط في هذه الأزمان، لافضائه إلى تعطيل
جميع الذرية، وشدة الحاجة لقلة ما يحصل من الناس بحيث لو روعي فيه
103

الاستيعاب لم يحصل لأحد منهم فائدة يعتد بها، بل لا يحصل ما يملأ الجوف في
غالب الأوقات، نعم لو أمكن جمع ما في أيدي الناس من الخمس اتجه القول به
حينئذ، لامكانه هذا، وربما يأتي في البحث عن جواز التخصيص بطائفة ماله
نفع في المقام إن شاء الله، والله أعلم.
وهنا مسائل: الأولى في مستحق الخمس وهو من أنتسب
إلى هاشم جد النبي (صلى الله عليه وآله) بنسب صحيح أو كالصحيح لا الزنا
ونحوه، وذريته محصورة فيمن ولده عبد المطلب الذي قيل إن له عشرة
أسماء غير اسمه المشهور الذي تعرفه العرب وملوك العجم وملوك الحبشة وملوك
القياصرة به منها: عامر، وشيبة الحمد، وسيد البطحاء، وساقي الحجيج، وساقي
الغيث، وغيث الوادي في العام الجدب، وحافر بئر زمزم، وأبو السادة العشرة:
عبد الله وأبي طالب والعباس وحمزة والزبير وأبي لهب وضرار والغيداق، وربما
سمي حجل، ومقوم والحارث، وهو أسنهم، لكن ربما قيل إنهم أحد عشر
بجعل حجل غير الغيداق، بل اثني عشر بإضافة قشم مع ذلك، إلا أن نسله منهم
قد انحصر في الخمسة الأولى، بل الأربعة منهم، إذ عبد الله ليس له إلا النبي صلى الله عليه وآله
المنحصر نسله في فاطمة، فدخل في نسل أبي طالب.
وانحصر الخمس حينئذ فيمن كان نسل عبد المطلب منهم وهم بنو أبي طالب
والعباس والحارث وأبي لهب الذكر والأنثى بل لم يعرف منهم اليوم إلا المنتسب
إلى الأولين، بل لم يبارك الله إلا في ذرية الأول منهما، وإن كان لا خلاف في
استحقاق الجميع الخمس، بل الاجماع محصل ومنقول عليه، كما أنه المفهوم من
المعتبرة المستفيضة إن لم تكن المتواترة، فما عساه يظهر من بعض الأخبار من
تخصيصه بذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو آله وأهل بيته غير مراد
104

قطعا إن لم نقل إن الجميع من آله وأهل بيته عرفا، نعم في الدروس (ينبغي
توفير الطالبيين على غيرهم، وولد فاطمة على الباقين) ولا بأس به خصوصا الثاني
منه، بل ولا بما في كشف الأستاذ (ليس بالبعيد تقديم الرضوي ثم الموسوي
ثم الحسيني والحسني، وتقديم كل من كان علاقته بالأئمة عليهم السلام أكثر) لكن قال فيه
بعد ذلك: (إنه يصدق مدعي النسب إن لم يكن متهما كمدعي الفقر) وفيه بحث
لعدم صدق الامتثال قبل إحراز مصداق الموضوع، وأصالة صحة دعوى المسلم
فيما لا يعارضها فيها أحد لا تكفي قطعا في فراغ ذمة الدافع، بل أقصاها عدم
الحكم بفسق الأخذ لو اتفق، والقياس على الفقر مع أنه مع الفارق لا نقول به.
ودعوى عموم بعض ما ذكر مستندا له هناك للمقام - إذ عمدته أصالة صحة
قول المسلم ودعواه التي لا معارض لها المستفادة من جملة من المعتبرة، كخبر الكيس
المطروح (1) الذي ادعاه واحد من عشرة، وصحيح (2) تصديق الامرأة في
عدم الزوج لها، وفي أنها جحشت إذا أراد زوجها مراجعتها، وغير ذلك -
يدفعها منع كون العمدة ذلك، بل لعله الأصل في غير المسبوق بالغنى، أو الاتفاق
المحكي إن لم يكن محصلا، أو السيرة القطعية المستمرة في سائر الأعصار والأمصار،
أو العسر والحرج في تكليف البينة، أو ما يفهم من خصوص بعض الأخبار (3)
المنجبرة، أو غير ذلك، وإلا فهي لا تتأتى في جملة من أبواب الفقه التي لا تخفى
على الخبير الماهر، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب كيفية الحكم - الحديث 1
من كتاب القضاء
(2) الوسائل الباب - 23 و 25 - من أبواب عقد النكاح من كتاب النكاح
والباب - 11 - من أبواب أقسام الطلاق - الحديث 1 من كتاب الطلاق
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء
105

نعم قد يحتال في الدفع للمجهول المدعي بأن يوكله من عليه الحق في الدفع
إذا فرض عدالته أو قلنا بعدم اشتراطها، فإنه يكفي في براءة ذمته وإن علم أنه هو
قبضه، لأن المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكل ما لم يعلم الخلاف
لكن الانصاف أنه لا يخلو من تأمل أيضا.
(و) كيف كان ف‍ (في استحقاق بني المطلب) أخي هاشم خلاف
و (تردد) ينشأ من أصالة عدم الاستحقاق، وتوقف الشغل اليقيني على البراءة
اليقينية، والمرسل (1) عن العبد الصالح (وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم
قرابة النبي (صلى الله عليه وآله) الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فقال: (وأنذر
عشيرتك الأقربين) (2) وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والأنثى، ليس
فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد - إلى أن قال -: ومن كانت أمه
من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحل له، وليس له من الخمس
شئ، لأن الله تعالى يقول: ادعوهم لآبائهم) إلى آخره.
ويستفاد من ذيله كغيره من الأخبار بل هو معلوم غير محتاج إلى الدليل
أن الخمس لمن حرمت عليه الصدقة، ولا ريب في ظهور ما ورد من النصوص في
ذلك ولو بانضمام قرائن خارجية كما لا يخفى على من لاحظها في أن المحرم عليهم
الصدقة بنو هاشم، خصوصا نحو قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن سنان (3):
(لا تحل الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم) وفي خبر ابن خنيس (4)

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 8
(2) سورة الشعراء - الآية 214
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب المستحقين للزكاة - الحديث 3
من كتاب الزكاة
(4) الوافي ج 2 ص 28 - الباب - 18 - من أبواب زكاة المال - الحديث 4
وفيه " من ولد عبد المطلب "
106

(لا تحل الصدقة لأحد من ولد العباس ولا لأحد من ولد علي (عليه السلام)
ولا لنظرائهم من بني هاشم) إذ هو وإن كان لا صراحة فيه في نفي الحرمة عن
غيرهم لكن اقتصاره عليهم كغيره من الأخبار على كثرتها مع أن بعضها في مقام
المدح أو غيره المقتضي بيان من حرمت الصدقة عليهم كالصريح في الاختصاص،
بل قد يدعى أنه المنساق إلى الذهن من سير أخبار الخمس أيضا سيما ما اشتمل منها
على النسبة ونحوها إليهم (عليهم السلام) أو إلى محمد (صلى الله عليه وآله) إلى
غير ذلك مما ستسمع بعضه.
ومن الاقتصار على المتيقن خروجه من عموم الكتاب والسنة، وهو من
عدا بني هاشم والمطلب، وقول الصادق (عليه السلام) في خبر زرارة (1): (لو
كان عدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة) لكن (أظهره المنع) وفاقا
للمشهور بين الأصحاب، بل هو ظاهر معقد إجماع الانتصار وغيره، بل لعله
كذلك، إذ لا نعرف فيه خلافا ولا حكي إلا عن الإسكافي الذي لا يقدح خلافه
فيه عندنا، وغرية المفيد خصوصا بعد وضوح ضعف مستندهما مما عرفت، إذ
التمسك بعموم الفقراء المعلوم إراة الخاص منهم الذي لم يتيقن منه إلا بنو هاشم
دخول للدار من غير الباب، والخبر المذكور مع قصوره عن المقاومة باعراض
المشهور وغيره وموافقته لظاهر المروي (2) من طرق العامة الذين جعل الله الرشد
في خلافهم عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (أنا وبنو المطلب لم نفترق
في جاهلية ولا إسلام، وشبك بين أصابعه وقال: بنو هاشم وبنو المطلب شئ
واحد) محتمل لإرادة النسبة إلى عبد المطلب بحذف أول الجزءين كغيره من النسبة

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب المستحقين للزكاة - الحديث 1
من كتاب الزكاة
(2) كنز العمال ج 7 ص 140 - الرقم 1237
107

إلى المركب وإن كان ذلك مقتضيا لجعله من العطف التفسيري الذي لا تأسيس فيه
والله أعلم.
المسألة (الثانية هل يجوز أن يخص ب‍) النصف من (الخمس) الذي هو
لغير الإمام (عليه السلام) (طائفة)؟ (قيل) بل هو المشهور نقلا وتحصيلا
خصوصا بين المتأخرين، بل نسب إلى الفاضلين ومن تأخر عنهما: (نعم) للأصل
والصحيح (1) السابق، واتفاق عدم قابلية الخمس للقسمة أثلاثا، والسيرة والطريقة
وظاهر الكتاب بناء على إرادة بيان المصرف كما في الزكاة، إذ الخمس زكاة في
المعنى، بل هو مقتضى وجوبه عوضا عنها وبدلا و (قيل) كما عن ظاهر المبسوط
وأبي الصلاح: (لا) ونظر فيه في الدروس واختاره في الحدائق للشغل، وظاهر
اللام والعطف في الآية وما ماثلها من السنة، بل لو أريد المصرف منها لجاز تخصيص
أحد الأصناف الستة بجميع الخمس، وهو معلوم العدم، إذ يجب دفع نصف الإمام
له، وللتأسي بفعل النبي (صلى الله عليه وآله) وصريح ما دل على قسمة الخمس ستة
أقسام من مرسل ابن عيسى (2) المتقدم آنفا وغيره (و) لا ريب في أنه (هو
الأحوط) وإن كان الأول أقوى، بل لعله لا خلاف معتد به فيه، لعدم ظهور
عبارة من حكي عنه ذلك فضلا عن صراحتها فيه، للاكتفاء في البراءة عن الشغل
بالمستفاد من ظاهر الأدلة، ومنع ظهور اللام والعطف بذلك بعد ما سمعت من احتمال
المصرف في خصوص هذا النصف المؤيد بفهم المشهور وظاهر الصحيح وغيرهما،
وأعمية فعل النبي (صلى الله عليه وآله) من الوجوب حتى يثبت التأسي بناء على
اعتبار معرفة الوجه فيه، فلا يعارض القول وغيره من الأدلة السابقة، واحتمال
الندب فيما دل على التسديس كما أشار إليه الحلي في عبارته السابقة، أو إرادة قسمة

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 8
108

تمام الخمس لا كل شئ يحصل منه وإن قل، إذ ربما قيل إن الآية ونحوها وإن
سلم دلالتها على الملك والاشتراك لكن بالنسبة إلى خمس جملة الغنائم، وإن كان
لا يخلو من نظر، وقد تقدم سابقا ما يفيدك ملاحظته هنا، فلاحظ وتأمل.
المسألة (الثالثة) يجب إيصال جميع الخمس إلى الإمام (عليه السلام) حال
حضوره كما هو المفهوم من النصوص (1) والفتاوى، بل يشهد له الاعتبار أيضا،
فيأخذ نصفه له يصرفه فيما يشاء كما عرفت، و (يقسم) أي (الإمام عليه السلام)
النصف الآخر منه (على الطوائف كلها) الحاضر والغائب (قدر الكفاية
مقتصدا) من غير إسراف ولا تقتير (فإن فضل) منه شئ (كان) ملكا
(له وإن أعوز) ونقص (أتم من نصيبه) على المشهور بين الأصحاب نقلا
وتحصيلا، بل في المسالك نسبته إلى أجلاء الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا
صريحا إلا من الحلي، وإن توقف فيه في المختلف، بل والمنتهى، فلم يوجب إتمام
الناقص، ولم يجوز تناول الزائد، بل بالغ في إنكار الأول وأطنب حتى أنه ربما
أساء في بعض كلماته الأدب محتجا بما حاصله من أن الأصل براءة الذمة وحرمة التصرف
في مال الغير بغير إذنه عقلا وشرعا، وأنه لا يخرج عنهما إلا بدليل، وليس،
بل ظاهر اللام والتفصيل القاطع للشركة خلافه، وأنه لم يعرف عيال للإمام عليه السلام
يجب نفقتهم عليه غير عياله، ولا سمع استحقاق أحد لماله، نعم يصرف عليهم مع
فرض الاعواز من بيت المال، لأن لهم حظا فيه كسائر الناس، وليس هو مختصا
بأرباب الزكاة، وهو جيد على أصوله من عدم جواز العمل بأخبار الآحاد المسندة
صحيحا فضلا عن المرسلة، إذ لم نعثر على ما يوجب الخروج عما ذكر وإن كان
بعضه محلا للنظر في نفسه إلا على مرسلة حماد بن عيسى (2) المجمع على تصحيح

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 1
109

ما يصح عنه المقتضي لعدم قدح من علم فسقه ممن تأخر عنه في وجه فضلا عن
غير المعلوم عن العبد الصالح (عليه السلام) قال فيها: (فسهم ليتاماهم، وسهم
لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به
في سنتهم، فإن فضل عنهم شئ فهو للوالي، وإن عجز ونقص عن استغنائهم كان
على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنما صار عليه أن يمونهم
لأن له ما فضل عنهم) ومرسلة أحمد المضمرة (1) قال فيها: (فالنصف له خاصة،
والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد (صلى الله عليه وآله) الذين
لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة، عوضهم الله تعالى مكان ذلك بالخمس، فهو يعطيهم
على قدر كفايتهم، فإن فضل منهم شئ فهو له، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه
لهم من عنده، كما صار له الفضل لزمه النقصان) لكن يتعين العمل بهما عندنا،
لانجبارهما بفتوى الأصحاب، واحتمال إرادتهم بكون الفاضل له ولايته وحفظه
والقيام به كما في السرائر مع ضعفه بل بطلانه يدفعه الفقرة الثانية لهم، بل قد يشهد
لصحتهما زيادة على ذلك الاعتبار، وملاحظة متنيهما، خصوصا الأولى منهما، بل
في المعتبر ردا على الطعن فيهما (ينبغي اتباع ما نقله الأصحاب وأفتى به الفضلاء
ولم يعلم من باقي العلماء رد له من كون الإمام يأخذ ما فضل، ويتم ما أعوز، وإذا
سلم النقل عن المعارض والمنكر لم يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم، فإنا نعلم
مذهب أبي حنيفة والشافعي وإن كان الناقل عنه واحدا، بل ربما لم يعلم الناقل عنه
بلا فصل، وإن علمنا نقل المتأخرين له، وليس كل ما أسند عن مجهول لا يعلم
نسبته إلى صاحب المقالة، فلو قال إنسان لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام ولا
مذهب الشافعي في الفقه لأنه لم ينقل مسندا كان متجاهلا، وكذا مذهب أهل
البيت عليهم السلام ينسب إليهم بحكاية بعض شيعتهم سواء أرسل أو أسند إذا لم ينقل عنهم

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 2
110

ما يعارضه، ولا رده الفضلاء منهم) انتهى.
وكيف كان فمدار البحث هنا على قبول هاتين المرسلتين وردهما، فكثرة
البحث حينئذ كما وقع من بعض متأخري المتأخرين تطويل من غير طائل، نعم
يمكن الاحتجاج بالآية على بعض المطلوب بل جميعه في وجه، لكنه لا يخلو من
سماجة بعد تفصيل النصوص ما يراد منها، والأمر سهل، بل في الحدائق ما يظهر
منه سقوط البحث في ذلك الآن، قال: (إن المفهوم من الأخبار إيصال جميع
الخمس إلى الإمام (عليه السلام) حال وجوده، وأما إن الواجب عليه فيه ماذا
فنحن غير مكلفين في البحث عنه، بل ربما كان ذلك سوء أدب في حقه، إذ هو
المرجع في سائر الأحكام والأعرف بالحلال والحرام) لكن فيه أن ثمرة البحث عنه
دفع حصة الإمام (عليه السلام) في هذا الزمان إلى السادة للاتمام كما عن المحقق
الثاني الاعتراف به مفرعا له عليه، وإن أشكله في الرياض بأنه قد توقف جماعة في
المسألة، ومع ذلك ذهبوا إلى صرف حصته في زمان الغيبة إليهم على وجه التتميم
كالفاضل في التحرير والمختلف وصاحب الذخيرة، إلا أنه يدفعه احتمال غفلتهم عن
ذلك، أو هو وارد عليهم، نعم قد يشكل بأن وجوب التتميم على الإمام عليه السلام
حيث يقصر نصيبهم من تمام الخمس لا أنه إذا كان بتقصير من العباد في الدفع كما
في مثل هذا الزمان، إذ من الواضح فرض المسألة السابقة في قسمة الخمس جميعه
لا الحاصل منه ولو بعضا كما أومأ إليه الشهيد في بيانه، حيث قال: (ومع حضور
الإمام (عليه السلام) يدفع إليه جميع الخمس، فيقسم على الأصناف بحسب احتياجهم
فالفاضل له والعوز عليه للرواية عن الكاظم (عليه السلام)) إلى آخره، فيكون
البحث السابق حينئذ علميا محضا، خصوصا بعد ما ورد (1) (إن الله تعالى لم يبق

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 8 والباب 1
من أبواب ما يجب فيه الزكاة
111

فقيرا من السادة بالخمس، كما لم يبق فقيرا من غيرهم بالزكاة، ولو علم عدم كفايتهما
لشرع غيرهما) إذ هو حينئذ كالصريح في سقوط ثمرة ذلك البحث من هذه
الحيثية، وإن كان قد يقال إنه يتفرع عليه كما عن المحقق الثاني الاعتراف به عدم
جواز إعطاء الفقير من الذرية زائدا على مؤونة السنة، لكن فيه أن ذلك وإن
كان هو الأقوى في النظر وفاقا للدروس والمسالك وغيرهما، بل لا أجد فيه خلافا
وإن جعل الجواز وجها في المسالك لاطلاق الأدلة وحصول الوصف حين القبض،
إذ الفرض الدفعة لا التدريج، وما تقدم في الزكاة، إلا أنه قد يمنع تفريعه عليه،
ضرورة عدم التلازم بين عدم جواز إعطاء الزائد للمرسلين المنجبرين بفتوى
المشهور وبين كون الفاضل للإمام عليه السلام بل هو متجه حتى على مذهب الحلي،
إذ لعله يوجب حفظه لحوائجهم ونوائبهم المستقبلة أو صرفه في مصارف بيت المال
أو غيرها، كما هو واضح، والله أعلم.
المسألة (الرابعة ابن السبيل) بمعنى المسافر فعلا سفر طاعة أو غير معصية
على الأقوى لا العازم على السفر وإن لم يفعل (لا يعتبر فيه الفقر) في بلده بلا
خلاف أجده فيه، بل في المنتهى الاجماع عليه، لاطلاق الأدلة كتابا وسنة،
ومقابلته بالفقراء فيها (بل) يكفي في استحقاقه الخمس (الحاجة في بلد التسليم
ولو كان غنيا في بلده) بل ربما استظهر من إطلاق بعضهم عدم اعتبار الفقر فيه
عدم اعتبار هذه الحاجة فيه أيضا، فيعطى وإن كان غير محتاج، بل لعله كاد
يكون صريح السرائر، لكن اعترف الشهيد في روضته بأن ظاهرهم عدم الخلاف
في اشتراط ذلك فيه، ولعله لأنه المنساق إلى الذهن منه، والمتيقن في براءة الذمة
وظاهر المرسلين السابقين، بل في أولهما مواضع للدلالة على المطلوب، كما لا يخفى
على من لاحظه بتمامه في الأصول، وغير ذلك، فالتمسك حينئذ باطلاق الآية بل
112

بمقابلته للفقير فيها لعدم الاشتراط ضعيف، على أنه يكفي في المقابلة عدم اعتبار
فقره في بلده،
وتمام الكلام فيه وفي موضوعه بل وبعض الأحكام الأخر المتعلقة به
من شرطية عجزه عن الاستدانة وبيع ماله في بلده في استحقاقه وعدمها وغير ذلك
في باب الزكاة، ضرورة اتحادها مع المقام في جميع ذلك (وهل يراعى ذلك)
أي الفقر (في اليتيم) بمعنى الطفل الذي لا أب له (قيل) بل هو المشهور
نقلا إن لم يكن تحصيلا: (نعم) للشغل وبدلية الخمس عن الزكاة المعتبر فيها ذلك
وكونه المنساق إلى الذهن من الأدلة والمرسلين السابقين، بل في أولهما مواضع
للدلالة على المطلوب لا تخفى على الملاحظ له بتمامه، تركنا التعرض لها خوف
الإطالة، بل قيل: ولأنه لو كان له أب لم يستحق شيئا قطعا، فإذا كان المال له
كان بالحرمان أولى، إذ هو أنفع له من الأب، ولتقسيم الإمام الخمس بينهم
على قدر كفايتهم والفاضل له والعوز عليه، فمع فرض الكفاية انتفي النصيب،
بل في المدارك الجزم بتعين ذلك بناء على القول بالصرف قدر الكفاية، لكن
الأول كما ترى اعتبار محض، والثاني إن لم يرجع إلى ما ذكرنا من ظهور المرسلين
في ذلك فيه نظر بين، كما في الروضة، إذ هو أعم من اعتبار الفقر، إذ قد يدعى
استحقاقهم الكفاية من الخمس خاصة وإن كان عندهم مال يمكن اكتفاؤهم به،
كما هو واضح، ومنه يعرف ما في جزم المدارك بما عرفت.
(وقيل) كما في السرائر وعن المبسوط: (لا) يعتبر، فيعطى اليتيم وإن
كان غنيا، لاطلاق الأدلة، والمقابلة للفقير كتابا وسنة، ولأنه ليس من الصدقات
بل هو من حق الرئاسة والإمارة، ولذا يأخذه الإمام (عليه السلام) وإن كان
غنيا، بل جعله الله تعالى شأنه له حقا فيه (و) لذا توقف فيه في الدروس كظاهر
المتن وغيره.
لكن (الأول) مع كونه (أحوط) بل لا بد من عمل المتوقف به
113

تحصيلا للبراءة اليقينية أصح وأقوى، لوجوب الخروج عن الأول ببعض ما عرفت
فضلا عن جميعه، وعدم اقتضاء هذه المقابلة المباينة، إذ لعل النص على الذكر
للتأكيد والاهتمام كالصلاة الوسطى بالنسبة إلى مطلق الصلاة، ودفع احتمال ظهور
الفقير في البالغ، أو لإرادة التخصيص بسهم مستقل غير سهم الفقراء البالغين
رأفة بهم بناء على المحكي عن ظاهر بعض من إرادة الاشتراك لا المصرف
بل وعلى المختار من إرادة المصرف، لكنه لا يخلو من رجحان قطعا ولو للخروج
عن شبهة الخلاف، وعدم التلازم بين الأخير واستحقاق اليتيم له وإن كان غنيا
إذ لعله وإن لم يكن من الصدقات خصه الله بالفقراء، ولذا منعه الأغنياء غير اليتامى
المسألة (الخامسة) حكم الخمس بالنسبة إلى جواز النقل وعدمه مع وجود
المستحق وعدمه وإلى الضمان وعدمه حكم الزكاة، لاتحاد الطريق والتنقيح، فمن
منع نقل الزكاة إلى غير البلد - للاجماع المحكي ومنافاة الفورية والتغرير وغير ذلك -
قال هنا أيضا: (لا يحل حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحق) ومن
قال بالجواز هناك - للأصل والمعتبرة (1) ومنع الفورية المنافية، أو أن النقل
شروع في الاخراج، فلم يكن منافيا، كالقسمة مع التمكن من إيصالها إلى شخص
واحد، واندفاع التغرير بالضمان المحكي عليه الاجماع عن المنتهى مضافا إلى ما ورد
به من المعتبرة (2) - قال به هنا أيضا ومنه يعلم حينئذ أنه (لو حمل)
الخمس (والحال هذه) أي أن المستحق موجود (ضمن) كالزكاة، بل (و) مما
تقدم في باب الزكاة يعلم عدم الاشكال حينئذ في أنه (يجوز) حمل الخمس (مع
عدمه) ولا إثم ولا ضمان لما عرفت من اتحادهما بالنسبة إلى ذلك، فراجع وتأمل

(1) الوسائل الباب - 37 - من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة
(2) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة
114

المسألة (السادسة) صرح جماعة بأن (الايمان معتبر في المستحق) بل
لا أجد فيه خلافا محققا كما اعترف به بعضهم، بل في الغنية الاجماع عليه، للشغل
المقتضي للاقتصار على المتيقن، وكون الخمس كرامة ومودة لا يستحقهما غير المؤمن
المحادد لله، ولأنه عوض الزكاة المعتبر فيها ذلك إجماعا في المدارك وغيرها، لكن
في المتن كالنافع الحكم باعتباره (على تردد) لاطلاق الكتاب والسنة الذي لم
يسق لبيان سائر الشرائط، مع أن من الواجب الخروج عنه بما عرفت، بل قد
يدعى أن المنساق منه إلى الذهن خصوصا إطلاق السنة المؤمن، وعن المحقق الثاني
أن من العجائب هاشمي مخالف يرى رأي بني أمية، فيشترط الايمان لا محالة.
(و) كيف كان فليس هو ك‍ (العدالة) إذ هي (لا تعتبر) فيه
(على الأظهر) بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في المدارك والرياض بعد
نسبته في أولهما إلى مذهب الأصحاب، لاطلاق الأدلة السالم عن المعارض، والسيرة
المستمرة خصوصا في غير معلوم الفسق، لكن قد يوهم ما في المتن الخلاف فيه،
بل لعله من المرتضى لما حكي عنه من اعتبارها في الزكاة مستندا لما يشمل المقام من
النهي كتابا وسنة عن معونة الفساق والعصاة، بل قد يقال بلزوم اعتبارها هنا
لاعتبارها فيها مع قطع النظر عن ذلك، بل لبدلية الخمس عن الزكاة وعوضيته عنها
بل قيل إنه زكاة في المعنى، وإن كان ذلك كله كما ترى لا يجوز الاعتماد على
مثله في إثبات الأحكام الشرعية، نعم هو صالح للتأييد، ولقد أجاد في المدارك
حيث قال: والقول باعتبار العدالة هنا مجهول القائل، ولا ريب في ضعفه.
(و) إذ فرغ من البحث في كتاب الخمس شرع فيما (يلحق بذلك)
وهو (مقصدان):
(الأول في الأنفال) جمع نفل ساكنا ومحركا بمعنى الغنيمة في المصباح
بل وعن القاموس وإن عطف عليها الهبة فيه، نعم عن الأزهري النفل ما كان زيادة
115

عن الأصل، سميت الغنائم بذلك لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم، وسميت
صلاة التطوع نافلة لأنها زيادة عن الفرض، وقال الله تعالى (1): (ووهبنا له
إسحاق ويعقوب نافلة) أي زيادة على ما سأله (و) كيف كان ف‍ (هي) هنا
(ما يستحقه الإمام (عليه السلام) من الأموال على جهة الخصوص كما كان للنبي
(صلى الله عليه وآله) سميت بذلك لأنها هبة من الله تعالى له زيادة على ما جعله
له من الشركة في الخمس، إكراما له وتفضيلا له بذلك على غيره (وهي) عند
المصنف ومن تابعه (خمسة: الأرض التي تملك من غير قتال) ولم يوجف عليها
بخيل ولا ركاب (سواء انجلى) عنها (أهلها أو سلموها) للمسلمين (طوعا)
وهم فيها بلا خلاف أجده، بل الظاهر أنه إجماع، لقول الصادق (عليه السلام)
في الموثق (2): (الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم، أو قوم
صولحوا وأعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهذا كله
من الفئ، والأنفال لله وللرسول، فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يجب)
كقوله (عليه السلام) في صحيح حفص أو حسنه (3): (الأنفال ما لم يوجف
عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم، وكل أرض خربة
وبطون الأودية فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله، وهو للإمام (عليه السلام) من بعده
يضعه حيث شاء) وقول أبي الحسن الأول (عليه السلام) في مرسل حماد بن
عيسى (4):
(وله بعد الخمس الأنفال، والأنفال كان أرض خربة قد باد أهلها،
وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صولحوا عليها وأعطوا بأيديهم
على غير قتال، وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام، وكل أرض ميتة
لا رب لها، وله صوافي الملوك مما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأن

(1) سورة الأنبياء - الآية 72
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 10 - 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 10 - 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 10 - 1 - 4
116

الغصب كله مردود، وهو وارث من لا وارث له) إلى آخره، إلى غير ذلك من
الأخبار المعتبرة المستفيضة جدا، بل ظاهر بعضها كالصحيح المتقدم أن كل ما لم
يوجف عليه بخيل ولا ركاب من الأنفال لا خصوص الأرض منه كما هو ظاهر
المصنف وغيره من الأصحاب.
(والأرضون الموات) عرفا، ولعلها التي لا ينتفع بها لعطلتها بانقطاع
الماء عنها، أو استيجامها، أو استيلاء الماء عليها، أو التراب أو الرمل، أو ظهور
السبخ فيها، أو غير ذلك من موانع الانتفاع (سواء ملكت ثم باد أهلها، أو لم
يجر عليها ملك) لمسلم (كالمفاوز) لاطلاق المعتبرة (1) المستفيضة التي منها ما تقدم
المعتضدة بظاهر اتفاق الأصحاب، نعم قد يظهر من المتن وغيره كمفهوم بعض
الأخبار من المرسل السابق وغيره أن ما كان لها مالك معروف ليست من الأنفال،
وبه صرح في المدارك، وجعل الضابط اختصاصه بالموات الذي لا مالك له، لكن
في صحيح الكابلي (2) بعد أن ذكر أن الأرض كلها لهم (عليهم السلام) (فمن
أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام (عليه السلام) من
أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من
بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها، يؤدي خراجها إلى الإمام (عليه السلام) من أهل بيتي، وله ما أكل منها) إلى آخره، بل نسبه في الحدائق
إلى تصريح جملة من الأصحاب.
ومنه يستفاد حينئذ أن من ملك موات الأرض المفتوحة عنوة بالاحياء
المأذون فيه منه (صلوات الله عليه) يزول ملكه عنها برجوعها مواتا كما هو أحد
القولين في المسألة، نعم لا دلالة فيه على زوال الملك إذا كان بغير الاحياء بل

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال
(2) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2
117

بالإرث أو الشراء أو الفتح أو نحوها برجوعها مواتا، فالمتجه حينئذ بقاؤها على
الملك إلا إذا باد أهلها، فترجع للإمام (عليه السلام) وتكون من الأنفال، لأنه
وارث من لا وارث له، ولعله على هذا يحمل التقييد في المرسل السابق وغيره
ببواد الأهل لا على ما يشمل المتقدم.
ومن ذلك يعلم أن عمار المفتوحة عنوة لو مات بعد الفتح ليس من الأنفال
في شئ، لأن له مالكا معلوما، وهو المسلمون، وإطلاق بعض الأصحاب
والأخبار (1) (أن الموات له (عليه السلام) منزل على غيره قطعا، نعم لا يعتبر
فيما له (عليه السلام) من الموات بقاؤه على صفة الموت، للأصل وظاهر صحيح
الكابلي السابق، فلو اتفق حينئذ إحياؤه كان له (عليه السلام) أيضا من غير فرق
بين المسلمين والكفار إلا مع إذنه، وإطلاق الأصحاب والأخبار ملكية عامر
الأرض المفتوحة عنوة المسلمين يراد به ما أحياه الكفار من الموات بعد (قبل ظ)
أن جعل الله الأنفال لنبيه (صلى الله عليه وآله)، وإلا فهو له أيضا وإن كان
معمورا وقت الفتح، نعم المدار على الموات من حين نزول آية الأنفال لا قبلها
وكان معمورا حينها، واحتمال اختصاص الأنفال بالموات الذي تتسلط عليه يد
المسلمين ويدخل تحت سلطانهم لأن المراد بها ما يختص به الإمام (عليه السلام)
من الغنائم زيادة على غيره، أو لغير ذلك مناف لعموم الأدلة، كاحتمال أنه وإن
كان له لكنه إن أحياه الكفار ثم فتحه المسلمون عنوة دخل في ملكهم، لا طلاق
ما دل على ملكيتهم لعامر الأرض المفتوحة عنوة، إذ يدفعه قوة عموم أدلة
المقام، ضرورة عدم سوق ذلك الاطلاق لبيان مثله، على أنه من المعلوم إرادة
العامر من المفتوحة عنوة غير المغصوب كسائر باقي أموال الغنائم، فكونه حينئذ
للمسلمين موقوف على كونه إحياء صحيحا مفيدا ملكيته للكفار، فإذا فتحوا

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 17
118

انتقل منهم للمسلمين، فلا يستدل به عليه حينئذ، نعم لو ثبت عموم إذن الإمام (عليه السلام) في تمليك المحيي للموات وإن كان كافرا أمكن حينئذ القول بانتقاله
للمسلمين كباقي العامر، على أنه قد يناقش أيضا في جريان سائر أحكامه، فتأمل
جيدا، والله أعلم.
(و) ذكر المصنف من الأنفال (سيف البحار) بالكسر أي ساحلها
كما عن الجوهري، لكن يحتمل عطفه في كلامه على المفاوز، فيكون مثالا
للأرض الموات التي لم يجر عليها ملك، وعلى أول الخمسة، فيكون قسما آخر غيرها
إلا أنه قد يخدش الأول بأنه لا يشمل حينئذ شطوط الأنهار العظيمة من دجلة
والفرات وغيرهما قديمها ومتجددها، لعدم كونها من الموات، بل لا يحتاج أغلب
أنواع الانتفاع بها إلى كلفة عظيمة من حيث قربها إلى الماء، كما أنه يخدش الثاني
احتياجه إلى دليل حينئذ غير دليل الأولين يدل على كونها من الأنفال، وليس،
وقد يدفع الأول بأنها قبل بروزها وجفاف الماء عنها من الموات، ضرورة تعطيلها
عن الانتفاع بغلبة الماء عليها، فهي ملك الإمام (عليه السلام) حينئذ وإن برزت
بعد ذلك وكان يمكن الانتفاع بها، نعم ما كان بارزا منها سابقا على آية الأنفال
ليس للإمام (عليه السلام) حينئذ بناء على ذلك، إلا أن يقال بمنع اختصاص
الأنفال بالموات والمنتقل من يد الكفار بغير قتال، بل هو أعم منه ومن كل
أرض لا رب لها وإن لم تكن مواتا، لقول الباقر (عليه السلام) في خبر
أبي بصير (1) المروي عن المقنعة (لنا الأنفال، قلت: وما الأنفال؟ قال: منها
المعادن والآجام، وكل أرض لا رب لها وكل أرض باد أهلها فهو لنا) وقول
الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار (2) المروي عن تفسير علي بن
إبراهيم بعد أن سأله عن الأنفال، فقال: (هي القرى التي قد خربت وانجلى

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 28 - 20
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 28 - 20
119

أهلها، فهي لله وللرسول (صلى الله عليه وآله)، وما كان للملوك فهو للإمام
(عليه السلام)، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف بخيل ولا ركاب،
وكل أرض لا رب لها) الحديث.
بل قد يشمله عموم جملة من الأخبار أن من الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل
ولا ركاب وإن كان الظاهر منه سيما مع ملاحظة جملة أخرى منها ما كان في يد
الكفار ثم استولي عليه من دون أن يوجف عليه بخيل ولا ركاب لا مطلق ما لم
يوجف عليه وإن لم يكن في يد أحد، إلا أن في الأول غنية عن ذلك، مضافا
إلى ما دل (1) على أن الأرض كلها لهم عليهم السلام الذي لا ينافيه خروج بعض الأفراد منها
ومنه يعلم الجواب عن الخدش الثاني على تقدير العطف المزبور، لكن الانصاف
أنه مع ذلك كله لا يخلو من إشكال من حيث ظهور كلمات أكثر الأصحاب في
اختصاص الأنفال بالموات وما كان عليه يد الكفار ثم استولي عليه من دون أن
يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أما غير الموات الذي لم يكن لا حديد عليه ومنه
ما نحن فيه فلا دلالة في كلامهم على اندراجه في الأنفال، بل ظاهره العدم،
فيكون من المباحات الأصلية حينئذ، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة
في كلام الأصحاب.
(و) منها (رؤوس الجبال وما يكون بها) مما هو منها (وكذا
بطون الأودية والآجام) بالكسر والفتح مع المد جمع أجمة بالتحريك وهو الشجر
الكثير الملتف كما عن القاموس، ونحوه ما في المصباح، لكن فيه أن الجمع أجم
مثل قصبة وقصب، والآجام جمع الجمع، إلا أنه على كل حال ما في الرياض تبعا
للروضة من أن الأجمة الأرض المملوة من القصب ونحوه ليس في محله إلا أن يريدا

(1) أصول الكافي ج 1 ص 407 الطبع الحديث
120

ما ذكرناه، والأمر سهل، لقول العبد الصالح في مرسل حماد بن عيسى (1):
(وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام) الحديث، كقول أبي الحسن
الأول (عليه السلام) في خبر الحسن بن راشد (2) والصادق (عليه السلام) في
خبر داود بن فرقد (3) المروي عن تفسير العياشي قلت: (وما الأنفال؟ قال:
بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام) الخبر، والباقر (عليه السلام) في خبر
محمد بن مسلم (4) المروي في المقنعة بعد أن سئل عن الأنفال أيضا، فقال: (كل
أرض خربة أو شئ يكون للملوك وبطون الأودية ورؤوس الجبال) وفي خبر
أبي بصير (5) المروي عن تفسير العياشي بعد أن قيل له أيضا وما الأنفال؟ فقال:
(منها المعادن والآجام) بل في صحيح ابن مسلم وموثقه (6) وصحيح حفص (7)
عد بطون الأودية منها، وهي كافية في إثبات المطلوب بعد تتميمها بعدم القول
بالفصل إن قطعنا النظر عن الأخبار السابقة لضعفها، وإلا فمع النظر إليها لانجبار
ذلك الضعف باطلاق الأكثر وصريح بعضهم كانت المسألة من الواضحات، بل
إطلاقها حينئذ قاض بعدم الفرق في الثلاثة بين ما كان منها في أرض الإمام أو غيره
خلافا للروضة في الآجام وعن الحلي في الثلاثة فحصاها بالأول، للأصل
المنقطع بما سمعت، بل رده في البيان بعد أن حكي خلاف الحلي في الأولين من

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 4
(2) التهذيب ج 4 ص 128 الرقم 366 عن الحسن بن راشد قال: حدثنا
حماد بن عيسى قال: حدثنا بعض أصحابنا ذكره عن أبي الحسن الأول (عليه السلام).. الخ
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 32 - 22 - 28 - 1
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 32 - 22 - 28 - 1
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 32 - 22 - 28 - 1
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 10 و 12 من
كتاب الخمس
(7) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 32 - 22 - 28 - 1
121

الثلاثة بأنه يفضي إلى التداخل وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه بذلك، لكن في
المدارك بعد ذكره ما في البيان (إنه جيد لو كانت الأخبار المتضمنة لاختصاصه
(عليه السلام) بذلك على الاطلاق صالحة لاثبات هذا الحكم، إلا أنها ضعيفة
السند، فيتجه المصير إلى ما ذكره الحلي قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق)
وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما تقدم.
بل قد يقال بملكية الإمام لرؤوس الجبال وإن فرض أنها نفسها ليست من
الموات وكذا بطون الأودية، للاطلاق السابق، بل وإن كانت من المفتوحة
عنوة، تحكيما للاطلاق المزبور على ما دل على ملكية المسلمين لعامرها ولو بترجيحه
عليه، بناء على تعارض العموم من وجه بينهما، بل قد يقال بندرة ترتب ثمرة
على الخلاف المزبور بالنسبة للأولين، لأغلبية الخراب والموات فيهما، فيدخلان
حينئذ في القسم السابق على كل حال، واحتمال تبعيتهما في الملك للأرض التي
يكونان فيها وإن كانا هما مواتا فتظهر الثمرة حينئذ فيه بعيد لا دليل عليه.
نعم لو اتفق صيرورة الأرض المملوكة جبلا أو بطن واد بعد أن كانت
معمورة ومملوكة أمكن القول ببقاء ملكية الأرض استصحابا، مع أنه قد عرفت
فيما مضى أن الحق التفصيل بين ما كان ملكها بالاحياء، وغيره فيزول الأول بمجرد
الموت دون الثاني، وما نحن فيه من أفراد تلك المسألة عند التأمل، أما بالنسبة
للآجام فالثمرة في كمال الوضوح والغلبة بخلاف الأولين، بل قد يقال بعدم الخلاف
فيهما من الحلي، لأن عبارة السرائر ليست بتلك الصراحة، قال فيها: (ورؤوس
الجبال وبطون الأودية والآجام التي ليست في أملاك المسلمين، بل التي كانت
مستأجمة قبل فتح الأرض، والمعادن التي في بطون الأودية التي هي ملكه، وكذلك
رؤوس الجبال، فأما ما كان من ذلك في أرض المسلمين ويد مسلم عليه فلا يستحقه
(عليه السلام)، بل ذلك في أرض المفتتحة عنوة، والمعادن التي في بطون الأودية
122

مما هي له) انتهى، نعم هي كالصريحة بالنسبة للآجام، ولعل منشأه
تبعية نبات الأرض لها في الملك، لأنه نماؤها، بل هو في الحقيقة منها، إذ هي
أصله، فالآجام التي في أرض المسلمين حينئذ لهم كالذي في عامر المفتوحة عنوة لو
مات فاستوجم مثلا والتي في أرضه له وإليه أشار في المتن بقوله: ورؤوس الجبال
وما يكون بها لكن قد عرفت أن إطلاق الأدلة يقتضي أعم من ذلك، فلا مانع
حينئذ من كون الأرض ملكا لغير الإمام (عليه السلام) والآجام ملكا له، إلا
أنه لا يخفى عليك أن مقتضى التبعية المزبورة كون جميع نبات أرض الإمام عليه السلام
ملكا له وإن لم يكن من الآجام لا أنه من المباحات الأصلية، كما أن جميع نبات
أرض غير الإمام الذي ليس بآجام ملك لأربابها، إذ قد عرفت تضمن النصوص
عد الآجام من الأنفال دون غيرها، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلام
الأصحاب مع احتياجها إليه، والسيرة المستمرة في جميع الأعصار والأمصار على
معاملة النباتات من آجام وغيرها في أرض المسلمين كالمفتوحة عنوة أو الإمام عليه السلام
خاصة كمواتها معاملة المباحات الأصلية كالماء الجاري فيهما ونحوه تملك بالحيازة من
غير فرق المتحيز بين الشيعة وغيرهم، وقد يأتي إن شاء الله في أول المقصد الثاني
ما له نوع تعلق في المقام، خصوصا ما تسمعه فيه من كلام الشهيد في الحواشي،
فلاحظ وتأمل، والله أعلم.
(وإذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطايع) أراضي
(وصفايا فهي) من الأنفال التي للنبي (صلى الله عليه وآله) ثم (للإمام عليه السلام)
بعده بلا خلاف أجده فيه، للمعتبرة المستفيضة التي فيها الصحيح وغيره، منها
صحيحة داود بن فرقد (1) عن الصادق (عليه السلام) ((قطايع الملوك كلها للإمام (عليه السلام)، وليس للناس فيها شئ) وموثقة سماعة بن مهران (2) (سألته

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 6 - 8
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 6 - 8
123

عن الأنفال فقال: كل أرض خربة أو شئ يكون للملوك فهو خالص للإمام عليه السلام
ليس للناس فيه سهم) ومرسلة حماد بن عيسى (1) عن العبد الصالح (عليه السلام)
إلى أن قال: (وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب،
لأن الغصب كله مردود) وخبر الثمالي (2) عن الباقر (عليه السلام) المروي عن
تفسير العياشي (ما كان للملوك فهو للإمام) إلى غير ذلك، بل ظاهر بعضها
اندراج سائر ما للملوك فيها صفايا وقطايع كان أو غيرهما من الأموال المعتادة
الاقتناء، كما هو قضية الضابط الذي في المدارك، بل والمنتهى والحدائق من أن
كل أرض فتحت من أهل الحرب فما كان يختص به ملكهم فهو للإمام، اللهم إلا
أن يريدوا بالاختصاص المصطفى من الأموال لا غيره، ولعله المنساق من
الأخبار السابقة المعاضدة للأصل.
نعم هي له (إذا لم تكن مغصوبة من مسلم أو معاهد) ممن كان محترم المال
للأصل، والاقتصار على المتيقن، والمرسل السابق.
(وكذا له أن يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرس) جواد (أو ثوب)
مرتفع (أو جارية) حسناء أو سيف فاخر ماض (أو غير ذلك ما لم يجحف)
فيكون من الأنفال عند علمائنا أجمع كما في المنتهى، لقول الصادق (عليه السلام)
في صحيح ربعي (3): (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أتاه المغنم
أخذ صفوه وكان ذلك له إلى أن قال: وكذلك الإمام عليه السلام يأخذ كما أخذ
رسول الله (صلى الله عليه وآله)) وفي خبر أبي بصير (4) بعد أن سأله عن
صفو المال (الإمام عليه السلام يأخذ الجارية الروقة والمركب الفاره والسيف القاطع

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 4 - 31 - 15
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 4 - 31 - 15
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 4 - 31 - 15
124

والدرع قبل أن يقسم الغنيمة، فهذا صفو المال) وفي موثق أبي الصباح (1)
(نحن قوم فرض الله طاعتنا، لنا الأنفال ولنا صفو المال) وكأنه من عطف
الخاص على العام تنبيها على مزيد اختصاصه (عليه السلام) به ردا على العامة
القائلين بسقوط ذلك بعد الإمام عليه السلام (2) وقول العبد الصالح في مرسل حماد (3)
(وللإمام (عليه السلام) صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال، صفوها الجارية
الفارهة والدابة الفارهة والثوب والمتاع مما يحب ويشتهي، فذلك له قبل القسمة
وقبل إخراج الخمس).
لكن في المدارك أن قيد الاجحاف مستغنى عنه، بل كان الأولى تركه ولعله
لاطلاق الأدلة، بل قد يقضي بأن له ذلك وإن كان هو الغنيمة لا غير، إلا أنك
قد عرفت اشتراطه قي معقد إجماع المنتهى المعتضد بالأصل، والاقتصار على المتيقن
وإطلاق ما دل على استحقاق الغانمين الغنيمة، بل وبامكان دعوى أنه المنساق من
النصوص، بل قد يدعى ظهورها في نفي الأخير، كظهور أكثرها والمتن بل وغيره
في أن هذا القسم من الأنفال موقوف ملكيته على أخذ الإمام (عليه السلام)
واصطفائه لا قبله كغيره من الأنفال التي حصل تمليك الله تعالى له إياه قهرا،
وإن كان له تعلق باستحقاق الاصطفاء، فإن لم يأخذ حينئذ ولم يصطف كان من
الغنيمة، ويجري عليه حكمها لا حكم مال الإمام (عليه السلام)، إلا أن موثق
أبي الصباح بل وغيره ظاهر في أنه كغيره من الأنفال الداخلة في ملكه (عليه السلام)
قهرا، ويؤيده بعد انفراد هذا القسم عنها بذلك، خصوصا بعد قوله تعالى: (4)

(1 الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الأنفال - الحديث 2
(2) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " بعد النبي صل الله عليه وآله وسلم،
(3) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب الأنفال - الحديث 4
(4) سورة الأنفال الآية 1
125

(يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) إذ الظاهر إرادة تمليك الأعيان
وأنها هي الأنفال، وعليه فهل المدار على وجود المصطفى في حد ذاته ونفسه أو
بحسب نسبة الغنيمة؟ وجهان، أقواهما الأول، بل هو الظاهر من الأخبار، كما
أنه على الأول هل يختص جواز أخذه واصطفائه بما لو كان في المال مصطفى أولا
فله حينئذ أخذ ما يريد ويحب ويشتهي وإن لم يكن من الأشياء المصطفاة في
حد ذاتها ونفسها كما عساه يشعر به ذيل خبر أبي بصير وعبارة المتن وغيرها؟
وجهان، لا يبعد في النظر الأول، لأنه المتيقن المنساق من النصوص السابقة،
فيقتصر عليه في الخروج عن الأصل، وإطلاق استحقاق الغانمين الغنيمة، والله أعلم
(وما يغنمه المقاتلون) في سرية أو جيش (بغير إذنه (عليه السلام) فهو)
من الأنفال (له (عليه السلام) على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا،
بل نسبه غير واحد إلى الشيخين والمرتضى وأتباعهم، بل قي التنقيح نسبته إلى
عمل الأصحاب، كما في الروضة نفي الخلاف عنه، وفي بيع المسالك أن المعروف
من المذهب مضمون المقطوعة (1) الآتية لا نعلم فيه مخالفا، بل عن الحلي الاجماع
عليه، وهو الحجة وإن ناقشه فيه في المعتبر، فقال: (وبعض المتأخرين يستلف
صحة دعواه مع إنكاره العمل بخبر الواحد، فيحتج لقوله بدعوى إجماع الإمامية
وذلك مرتكب فاحش، إذ هو يقول: إن الاجماع إنما يكون حجة إذا علم أن
الإمام (عليه السلام) في الجملة، فإن كان يعلم ذلك فهو منفرد بعلمه، فلا يكون
علمه حجة على من لم يعلم) إذ هي كما ترى مآلها إلى إنكار حجية الاجماع المنقول
المفروغ منها في محلها، فلا بأس حينئذ بجعله الحجة لنا هنا، خصوصا مع شهادة
التتبع له واعتضاده بقول الصادق (عليه السلام) في مرسل الوراق (2) المنجبر به
وبالشهرة العظيمة) إذا غزا قوم بغير أمر الإمام (عليه السلام) فغنموا كانت

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 16
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 16
126

الغنيمة كلها للإمام (عليه السلام)، فإذا غزوا بأمر الإمام (عليه السلام) فغنموا
كان للإمام (عليه السلام) الخمس) بل وبمفهوم قوله (عليه السلام) أيضا في حسن
معاوية بن وهب (1) بإبراهيم بن هاشم أو صحيحه المروي عن باب الجهاد من
كتاب الوافي بعد أن سأله عن السرية يبعثها الإمام (عليه السلام) فيصيبون غنايم
كيف تقسم؟ قال: ((إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام (عليه السلام) اخرج
منها الخمس لله تعالى وللرسول (صلى الله عليه وآله) وقسم بينهم ثلاثة أخماس،
وإن لم يكونوا قاتلوا المشركين كان كلما غنموا للإمام (عليه السلام) يجعله
حيث أحب).
فما عساه يظهر من نافع المصنف من التوقف في هذا الحكم، بل في المنتهى
قوة قول الشافعي الذي هو المساواة للمأذون فيها، بل في المدارك أنه جيد
لاطلاق الآية الواجب تقييده كاطلاق غيرها من الأخبار بما عرفت، مع أنها من
خطاب المشافهة، وخصوص حسنة الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام) (في
الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة فقال: يؤدي
خمسا ويطيب له) الواجب حمله بسبب ما تقدم على التحليل منه (عليه السلام)
لذلك الشخص أو الإذن منه (عليه السلام) له في تلك الغزوة، إذ الغالب عدم
صدور أصحابهم إلا بإذنهم، خصوصا في مثل ذهاب الأنفس، أو غير ذلك من
التقية ونحوها - ضعيف جدا، وإن أمكن تأييده زيادة على ما سمعت بصحيحة
علي بن مهزيار (3) الطويلة المتقدمة سابقا عن أبي جعفر عليه السلام المشتملة على عداد
ما يجب فيه الخمس إلى أن قال فيها: (ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله) لكن في

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 8
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
127

الحدائق أن الظاهر منها إرادة المخالف لا الكافر المشرك، وبما عساه يظهر من
بعض أخبار التحليل (1) الآتية من إباحة نصيبهم لشيعتهم من الفئ والغنائم التي
من المعلوم أن موردها زمان استيلاء الجور وظهور كلمة أهل الباطل، إذ لا ريب
في إشعار ذلك بعدم استحقاقهم (عليهم السلام) الجميع، بل هو كصريح المروي (2)
عن العسكري (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) منها
(أنه قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): قد علمت يا رسول الله أنه سيكون
بعدك ملك عضوض وجبر فيستولي على خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه، ولا
يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه، وقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك منه شيئا من
شيعتي) إلى آخره، فتأمل جيدا.
ثم إنه كان على المصنف ذكر ميراث من لا وارث له غير الإمام عليه السلام هنا
من الأنفال، إذ هو كذلك عند علمائنا أجمع كما في المنتهى، لقول أبي جعفر
(عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (3): (من مات وليس له وارث من قبيل
قرابته ولا مولى عتاقه ولا ضامن جريرته فماله من الأنفال) والصادق (عليه السلام)
في خبر أبان بن تغلب (4) (من مات ولا مولى له ولا ورثة فهو من أهل هذه
الآية يسألونك عن الأنفال قال الأنفال لله والرسول) والعبد الصالح في مرسل
حماد بن عيسى (5) المتقدم آنفا (وهو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له)
إلى غير ذلك.

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 0 - 20
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 0 - 20
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ولاء ضمان الجريرة - الحديث 1 - 8 من كتاب الإرث
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ولاء ضمان الجريرة - الحديث 1 - 8 من كتاب الإرث
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 4
128

بل كان عليه التعرض لحكم المعادن هنا أيضا، إذ قد اختلف الأصحاب
فيها فبين من أطلق كونها من الأنفال وأنها للإمام (عليه السلام) كالمفيد وعن
الكليني والشيخ والديلمي والقاضي والقمي في تفسيره، واختاره في الكفاية كما
عنه في الذخيرة، بل هو ظاهر الأستاذ في كشفه أيضا من غير فرق بين ما كان منها
في أرضه أو غيرها، وبين الظاهرة والباطنة، للموثق المروي عن تفسير علي بن
إبراهيم (1) عن الصادق (عليه السلام) بعد أن سئل عن الأنفال فقال: (هي القرى
التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول (صلى الله عليه وآله)، وما كان
للملوك فهو للإمام (عليه السلام)، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه
بخيل ولا ركاب، وكل أرض لا رب لها، والمعادن منها، ومن مات وليس له
مولى فماله من الأنفال) وخبر أبي بصير (2) المروي عن تفسير العياشي عن الباقر
(عليه السلام) (لنا الأنفال، قلت: وما الأنفال؟ قال: منها المعادن والآجام
وكل أرض لا رب لها) الحديث، وخبر داود بن فرقد (3) المروي فيه أيضا
عن الصادق (عليه السلام) في حديث (قلت: وما الأنفال؟ قال: بطون الأودية
ورؤوس الجبال والآجام والمعادن وكل أرض لم يوجف عليه بخيل) إلى آخر.
وبين من أطلق كون الناس فيها شرعا سواء كما في النافع والبيان، بل حكاه
في الروضة عن جماعة للأصل والسيرة، وإشعار إطلاق أخبار (4) الخمس في
المعادن، ضرورة أنه لا معنى لوجوبه على الغير، وهي ملك للإمام (عليه السلام).
وبين من فصل بين أرضه وغيرها كالحلي والفاضل في المنتهى بل والتحرير

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 20 - 28 - 32
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 20 - 28 - 32
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 20 - 28 - 32
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس
129

والشهيد في الروضة وغيرهم، فيختص بالأول تبعا للأرض، بل هي منها، فما دل
على ملكها له دال على ذلك دون غيره، للأصل السالم عن معارض معتبر صالح
لقطعه فيما تقدم من الأخبار عدا الموثق (1) منها، لعدم تحقق الشهرة الجابرة
لغيره، بل في الدروس أن الأشهر مساواة الناس فيها، وأما هو فمع إبدال (منها)
فيه عن بعض النسخ بفيها فيخرج حينئذ عن الاطلاق الشاهد للأول غير واضح
الدلالة، لاحتمال عود الضمير فيه إلى الأرض، سيما مع قربها إليه، بل في الرياض
تأييده زيادة على ذلك باستلزامه لو رجع إلى الأنفال استئناف الواو التي الأصل
فيها العطف، خصوصا وهو مغن عن قوله (منها) هنا وإن كان قد يخدش بأنها
للعطف أيضا، لكنه عطف الجمل دون المفردات، بل لعله منه أيضا بجعل منها
خبرا عن المعادن وما قبلها من الأرض الخربة والتي لا رب لها، بل لعله الظاهر
من متن الخبر بقرينة ما قبله وما بعده.
نعم قد يؤيد بخلو الأخبار المروية في الأصول المعتمدة على كثرتها المتعرض
فيها للمعادن عن ذلك، بل وبما مرت إليه الإشارة آنفا من إشعار المعتبرة المستفيضة
الدالة على وجوب الخمس على من أخرج المعدن بعدمه أيضا، إذ لا معنى لوجوبه
فيما له (عليه السلام) على الغير، وإن كان قد أجاب بعضهم عن ذلك ويفهم من
آخر بأنه يجوز أن يكون الحكم في المعادن أن من أخرجه بإذنه (عليه السلام)
يكون خمسه له والباقي لمخرجه، فتحمل حينئذ أخبار الخمس في المعادن على ما إذا
كانت بإذنه (عليه السلام) ولو في حال الغيبة باعتبار تحليله (عليه السلام) ذلك،
لكن فيه أولا أنه يقتضي اختصاص هذا الخمس به، لكونه عوضا عن التصرف
في ماله، لا أنه كغيره من الخمس يوزع على الأصناف كما هو ظاهر النصوص
والفتاوى، وإن كان يحتمل أن يقال إنه حكم شرعي مترتب على إخراج المعدن

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 20
130

المأذون فيه، وثانيا أنه يقتضي ملكية الإمام (عليه السلام) له جميعه لو أخرج
في حاله وجوده وعدم إذنه مع ظهور بعض (1) تلك الأخبار أو صراحتها في
خلافه، وثالثا أنه يقتضي حصر هذا الحكم في زمن الغيبة فيمن حلل لهم من
الشيعة دون غيرهم، فمن أخرجه منهم كان جميعه حينئذ للإمام عليه السلام، ورابعا أنه
يتمشى هذا الجواب على تقدير ثبوت كونه له عليه السلام فيرتكب جمعا، وإلا فلا ريب
أنه خلاف الظاهر المنساق إلى الذهن من تلك الأخبار عند فقد الدليل.
نعم قد يجاب عن ذلك بامكان تنزيل أخبار الخمس على المعادن المملوكة لمالك
خاص تبعا للأرض، أو بالاحياء، فإن ظاهر الشهيد في الروضة خروجها عن محل
النزاع، وأنه لا كلام في أنها ليست من نقل الإمام (عليه السلام) لكنه لا يخلو
من تأمل ونظر، خصوصا الثاني، لاطلاق جماعة ممن عرفت أن المعادن من
الأنفال، فتأمل جيدا، فإن المسألة غير سالمة الاشكال، والاحتياط الذي جعله الله
ساحل بحر الهلكة فيها مطلوب، هذا، وقد عد في المقنعة من الأنفال البحار
والمفاوز، كما عن أبي الصلاح الأول، ولم نقف له على دليل فيما لم يرجع إلى
الأراضي السابقة من المفاوز، ولا لهما في البحار كما أعترف به غير واحد، اللهم
إلا أن يكونا أخذاه مما دل من الأخبار (2) على أن الدنيا وما فيها للإمام عليه السلام
وعلى أن جبرئيل قد كرى برجله الأنهار الخمسة أو الثمانية، وأن ما سقت وما
استقت للإمام (عليه السلام)، خصوصا خبر حفص بن البختري (3) عن الصادق
(عليه السلام) قال: (إن جبرئيل (عليه السلام) كرى برجله خمسة أنهار،
ولسان الماء يتبعه الفرات ودجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ، فما سقت أو سقي

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يجب فيه الخمس
(2) أصول الكافي ج 1 ص 407 " باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام "
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 18
131

منها فللإمام (عليه السلام)، والبحر المطيف بالدنيا وهو أفسيكون) وما عساه
يظهر من خبر مسمع بن عبد الملك (1) الآتي المشتمل على حكاية توليته الغوص
وإتيان خمس ما حصل له.
وكذا زاد في كشف الأستاذ وفي الأنفال ما لم نقف له على دليل، فقال:
(منها ما يوضع له من السلاح المعد له والجواهر والقناديل من الذهب والفضة
والسيوف والدروع، ومنها ما يجعل نذرا للإمام (عليه السلام) بخصوصه على
أن يستعمله بنفسه الشريفة، أو يصرفها على جنده من الدراهم والدنانير وجميع
ما يطلب للجيوش، ومنها المعين للتسليم إليه ليصرفه على رأيه) وهو كما ترى
لا يتجه ولا يتم سواء فرض إرادة الإمام الحي منه (عليه السلام) أو الميت،
إذ المراد بالأنفال ما اختص بأصل ملكيتها بمعنى عدم صحة ملك غيره لها بوجه
من الوجوه إلا منه (عليه السلام)، وما ذكره (رحمه الله) مع الاغضاء عن صحة
بعضه في نفسه بحيث يدخل في ملكه (عليه السلام) خصوصا لو فرض إرادة غير
القائم (عليه السلام) منه كما هو الموجود في زماننا بالنسبة إلى ما يأتون به
للحضرات المشرفات من الأسلحة وغيرها لا يختص به (عليه السلام)، بل لو فرض
غير الإمام (عليه السلام) وأعد له أو نذر له أو أعطي مالا ليصرفه اختص به أيضا
ولعل مراده بالأنفال مطلق المال الذي يرجع إليه.
ومن هنا قال: إن هذه الثلاثة من الأنفال لا يجوز التصرف فيها بل يجب
حفظها والوصية بها، ولو خيف فساد شئ منها بيع وجعل نقدا وحفظ على النحو
السابق، ولو أراد المجتهد الاتجار به مع المصلحة قوي جوازه، ولو وقف عليه
واقف كان للمجتهد أو نائبه وإلا فعدول المسلمين قبضه عنه، ولو خاف من التلف
مع بقاء العين أقرضها من ملي تقي، ومع تعدد المجتهدين يجوز لكل منهم التوجه

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 12
132

لذلك، ولو اختلف آراؤهم عول على قول الأفضل، ولو ظهرت خيانة الأمين أو
خيف عليه من التلف عند شخص انتزعه الحاكم وجعله عند غيره، وكذا لو كان
قرضا وخشي من إفلاس المقترض أو من وارثه، ولو احتاجت بعض الأمور
المختصة به إلى إصلاح وتوقف على بذل المال أخذ من ماله الآخر من قناديل
أو سلاح أو فرش ونحوها مقدار ما يصلحه، ويتولى أو وكيله أو
مأذونه، فإن لم يكن أحدهم قام عدول المسلمين مقامهم، وإلا فحكم الأنفال
الإباحة زمن الغيبة عنده وعند غيره من الأصحاب كما ستعرف تحرير ذلك
إن شاء الله، نعم ما ذكره (رحمه الله) من هذه الأحكام وإن كان بعضها مستفادا
من أصول المذهب وقواعده لكن جملة منها محل للتوقف والنظر، كما أن حكم
أصل موضوعها من بعض الأمور الثلاثة كذلك أيضا، فتأمل.
ثم إنه لا كلام في كون الأنفال ملكا للنبي (صلى الله عليه وآله) كما يدل
عليه الكتاب والسنة والاجماع، ثم من بعده للقائم مقامه، فما في خبر محمد بن
مسلم (1) (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وسئل عن الأنفال فقال:
كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل لله عز وجل نصفها يقسم بين الناس
ونصفها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
فهو للإمام (عليه السلام)) كخبر حريز (2) المروي عن تفسير العياشي عنه أيضا
يجب تأويله بإرادة القسمة تفضلا أو حمله على التقية كما في الحدائق أو طرحه لما
عرفت، واحتمال تأييده بأن آية الأنفال تقتضي التشريك بينه وبين الله تعالى فيها
فيصرف سهم الله في سبيله والآخر يختص به (عليه السلام) لا يصغى إليه في مقابلة
ما عرفت، سيما بعد ما ورد أيضا أن ما كان لله فهو لوليه (3) زيادة على المستفاد

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 7 - 25
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 7 - 25
(3) أصول الكافي ج 1 ص 537 " باب صلة الإمام عليه السلام " الحديث 3
133

هنا من الأخبار المتواترة من اختصاصه (عليه السلام) بها، فلا يجوز التصرف
بشئ منها حينئذ بدون إذنه في زمن الحضور والغيبة كما أشار إليه المصنف بقوله:
المقصد (الثاني) من المقصدين الملحقين بكتاب الخمس (في كيفية التصرف في
مستحقه) من الأنفال والخمس (وفيه مسائل: الأولى لا يجوز التصرف في
ذلك بغير إذنه) عقلا وشرعا بل ضرورة من الدين كغيره من الأملاك (ولو
تصرف متصرف كان غاصبا) ظالما مأثوما (ولو حصل له فائدة) تابعة للملك
شرعا لا التابعة لغيره من البذر ونحوه (كانت للإمام عليه السلام) كما هو قضية أصول
المذهب وقواعده في جميع ذلك من غير فرق بين زمني الحضور والغيبة، وتحليل
الأنفال منهم (عليهم السلام) للشيعة في الثاني خروج عن موضوع المسألة، إذ
هو إذن، فما في المدارك من تخصيص ما في المتن بعد أن جعل ذلك فيه إشارة
للأنفال تبعا لجده في المسالك بالحضور حاكيا له عن نص المعتبر في غير محله،
قال: (أما حال الغيبة فالأصح إباحة الجميع كما نص عليه الشهيدان وجماعة
للأخبار (1) الكثيرة المتضمنة لإباحة حقوقهم (عليهم السلام) لشيعتهم في حال
الغيبة، قال في البيان، وهل يشترط في المباح له الفقر؟ ذكره الأصحاب في ميراث
فاقد الوارث، أما غيره فلا، وأقول: إن مقتضى العمومات عدم اشتراط ذلك
مطلقا، نعم ورد في الميراث (2) رواية ضعيفة ربما تعطي اعتبار ذلك،
ولاستقصاء البحث فيه محل آخر) انتهى. وظاهره بل صريحه عدم اختصاص
الإباحة بالمناكح والمساكن والمتاجر، بل هو صريح جده في المسالك والروضة أيضا
بل نسبه في الأخيرة إلى مشهور، قال فيها: (والمشهور أن هذه الأنفال مباحة
حال الغيبة، فيصح التصرف في الأرض المذكورة بالاحياء وأخذ ما فيها من شجر

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال من كتاب الخمس
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ولاء ضمان الجريرة - الحديث 10
134

وغيره، نعم يختص ميراث من لا وارث له بفقراء بلد الميت وجيرانه للرواية،
وقيل بالفقراء مطلقا، لضعف المخصص، وهو قوي، وقيل مطلقا كغيره) انتهى
بل هو صريح الشهيد الأول في دروسه بل وبيانه، قال في الأول: (والأشبه
تعميم إباحة الأنفال حال الغيبة كالتصرف في الأرضين الموات والآجام وما يكون
بها من معدن وشجر ونبات لفحوى رواية يونس (1) والحارث (2) نعم لا يباح
الميراث إلا لفقراء بلد الميت) وقال في البيان في حكم الأنفال: (ومع وجوده
لا يجوز التصرف في شئ من ذلك بغير إذنه، فلو تصرف متصرف أثم وضمن،
ومع غيبته فالظاهر إباحة ذلك لشيعته، وهل يشترط في المباح له الفقر؟ ذكره
الأصحاب في ميراث فاقد الوارث، أما غيره فلا) بل هو ظاهر المحكي من عبارة
سلار في المختلف واختاره في الكفاية والحدائق، لكن ظاهر نهاية الشيخ وسرائر
الحلي وقواعد الفاضل بل وتحريره ومنتهاه وتذكرته تخصيص الإباحة بالثلاثة
المذكورة أو الأول منها، بل في الحدائق نسبته إلى ظاهر المشهور، قال فيها:
ظاهر المشهور هنا هو تحليل ما يتعلق من الأنفال بالمناكح والمساكن والمتاجر
خاصة، وأن ما عدا ذلك يجري فيه الخلاف الذي في الخمس، بل قد يظهر من
المحكي عن أبي الصلاح في المختلف تحريم الثلاثة أيضا، قال: ويلزم من تعين عليه
شئ من أموال الأنفال أن يصنع فيه ما بيناه من تشطير الخمس، لكونه جميعا
حقا للإمام (عليه السلام) فإن أخل المكلف بما يجب عليه من الخمس وحق الأنفال
كان عاصيا لله سبحانه ومستحقا لعاجل اللعن المتوجه من كل مسلم إلى ظالمي
آل محمد وآجل العقاب، لكونه مخلا بالواجب عليه لأفضل مستحق، ولا رخصة
في ذلك بما ورد من الحديث فيها، لأن فرض الخمس والأنفال ثابت بنص القرآن
والاجماع من الأمة وإن اختلفت فيمن يستحقه، فاجماع آل محمد دال على ثبوته

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 6 - 9
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 6 - 9
135

وكيفية استحقاقه، وحمله إليهم وقبضهم إياه، ومدح مؤديه وذم المخل به، ولا
يجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذ الأخبار، انتهى.
والأقوى في النظر الأول، بل ينبغي القطع به في الأراضي المحياة، بل
في المدارك أنه أطبق عليه الجميع، كما أنه في الكفاية تارة الظاهر لا خلاف بينهم
في إباحة التصرف للشيعة في زمن الغيبة في أراضي الموات وما يجري مجراها،
وأخرى أنهم صرحوا بأن المحيي يملك الأرض الموات في زمان الغيبة، بل ادعى
بعض المتأخرين إطباق الأصحاب عليه إلى آخره، ولعله كذلك كما يشهد له
ملاحظة كلامهم في باب إحياء الموات، مضافا إلى السيرة القطعية والأخبار المعتبرة
كالصحيح عن عمر بن يزيد (1) قال: (رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك
بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) مالا في تلك السنة فرده
أبو عبد الله (عليه السلام)، فقلت له: ولم رد عليك أبو عبد الله (عليه السلام)
المال الذي حملته إليه؟ فقال: إني قلت له حين حملت المال إليه: إني كنت وليت
البحرين الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم
إليك وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها، وهي حقك الذي جعله الله لك في
أموالنا، فقال: أو مالنا من الأرض وما أخرجه الله منها إلا الخمس يا أبا سيار؟
إن الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شئ فهو لنا فقلت له: وأنا أحمل
إليك المال كله فقال: يا أبا سيار قد طيبناه لك وأحللناك منه، فضم إليك مالك
وكلما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون، يحل ذلك لهم حتى يقوم
قائمنا (عليه السلام) فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم

(1) ذكر ذيله في الوسائل في الباب 4 من أبواب الأنفال - الحديث 12 وتمامه
في أصول الكافي ج 1 ص 408 " باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام " الحديث 3
136

وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا عليه السلام
فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم عنها صغرة قال عمر بن يزيد: فقال لي
أبو سيار: ما أرى أحدا من أصحاب الضياع ولا من يلي الأعمال يأكل حلالا
غيري إلا من طيبوا له ذلك).
وخبر يونس بن ظبيان أو المعلي بن خنيس (1) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسم ثم قال: إن الله تعالى بعث جبرئيل وأمره أن
يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض، منها سيحان وجيحان وهو نهر بلخ،
والخشوع وهو نهر الشاش، ومهران وهو نهر الهند، ونيل مصر ودجلة وفرات
فما سقت أو استقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا، وليس لعدونا منه شئ
إلا ما غصب عليه، وإن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه وذه يعني بين السماء
والأرض، ثم تلا هذه الآية (2) قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا المغصوبين
عليها خالصة لهم يوم القيامة بلا غصب) وصحيح عمر بن يزيد (3) قال، (سمعت
رجلا من أهل الجبال يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أخذ أرضا مواتا
تركها أهلها، فعمرها وأكرى أنهارها وبنى فيها بيوتا وغرس فيها نخلا وأشجارا
قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:
من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له، وعليه طسقها يؤديه للإمام (عليه السلام)
في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه) إلى غير ذلك
من الأخبار (4) الواردة في خصوص الأراضي التي ليس ذا محل إحصائها فضلا

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 17 - 13
(2) سورة الأعراف - الآية 30
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 17 - 13
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 4 و 17 و 20
و 28 و 32
137

عن التعليل الوارد في أخبار (1) تحليل الخمس وغيره من حقوقهم لشيعتهم التي
سيمر عليك بعضها بطيب الولادة المراد منه بحسب الظاهر حل المأكل والمشرب
اللذين يتكون منهما نطفة الولد الحاصل بسببه الزكاة وطيب الولادة، وهو لا يحصل
إلا بإباحة حقوقهم (عليهم السلام) من الأراضي حتى الخمس المشترك بينهم وبين
غيرهم في الأرض المفتوحة عنوة على ما عرفت سابقا، وإباحة قبالتنا من يد غيرهم
ومقاسمتنا إياه وعطاياه واقطاعه في الأراضي المشتركة بين المسلمين أيضا التي
أمرها إلى الإمام (عليه السلام)، لشدة الاحتياج إليها، بل لا يمكن التعيش
بدونها، بل لعل التكليف باجتنابها مما لا يطاق، إذ فيه من العسر والحرج ما لا
يتحمل، كما هو واضح.
وفضلا عن إطلاق كثير من الأخبار تحليل حقهم (عليهم السلام) الشامل
للأرض وغيرها من الأنفال، كصحيحة الحرث النضري (2) عن الصادق عليه السلام
قلت له: (إن لنا أموالا وتجارات ونحو ذلك وقد علمت أن لك فيها حقا،
قال: فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، وكل من والى آبائي فهم في
حل مما في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب) وصحيح الفضلاء (3) عن
الباقر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (هلك الناس في
بطونهم وفروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا وإن شيعتنا من ذلك في حل
وآباءهم في حل) وعن الصدوق روايته (وأبناءهم) وصحيح ابن مهزيار (4)
قال: (قرأت في كتاب لأبي جعفر (عليه السلام) إلى رجل يسأله أن يجعله في
حل من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب (عليه السلام) بخطه من أعوزه شئ

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 9 - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 9 - 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 9 - 1 - 2
138

من حقي فهو في حل) والحسن عن سالم بن مكرم (1) عن الصادق (عليه السلام)
قال: قال له رجل وأنا حاضر: حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله (عليه السلام)
فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنما يسألك خادما يشتريها أو
امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: هذا لشيعتنا
حلال، الشاهد منهم والغائب الميت منهم والحي وما يولد منهم إلى يوم القيامة
فهو لهم حلال، أما والله لا يحل إلا لمن حللنا له، ولا والله ما أعطينا أحدا ذمة
وما عندنا لأحد عهد، ولا لأحد عندنا ميثاق) والموثق عن الحرث بن المغيرة
النضري (2) قال: (دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فجلست عنده فإذا نجية
قد استأذن عليه، فأذن له، فدخل فجثى على ركبتيه ثم قال: جعلت فداك إني
أريد أن أسألك عن مسألة، والله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار، فكأنه
رق له، فاستوى جالسا فقال: يا نجية سلني، فلا تسألني اليوم عن شئ إلا
أخبرتك به، قال: جعلت فداك ما قول في فلان وفلان؟ قال: يا نجية إن لنا
الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال، وهما والله أول من ظلمنا
حقنا في كتاب الله، وأول من حمل الناس على رقابنا، ودماؤنا في أعناقهما إلى
يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، وإن الناس ليتقلبون في حرام إلى يوم القيامة
بظلمنا أهل البيت، فقال نجية: إنا لله وإنا إليه راجعون ثلاث مرات، هلكنا
ورب الكعبة، قال: فرفع جسده عن الوسادة فاستقبل القبلة فدعا بدعاء لم أفهم منه
شيئا إلا إنا سمعناه في آخر دعائه، وهو يقول: اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا
قال: ثم أقبل إلينا بوجهه فقال: يا نجية ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا)

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 4
(2) ذكر صدره وذيله في الوسائل في الباب 4 من أبواب الأنفال - الحديث 14
وتمامه في التهذيب ج 4 ص 145 الرقم 405
139

وخبر أبي حمزة (1) عن الباقر (عليه السلام) في حديث قال: (إن الله
تعالى جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفئ إلى أن قال -: فنحن
أصحاب الخمس والفئ، وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا) وخبر داود
الرقي (2) عن الصادق (عليه السلام)، قال: (سمعته يقول: الناس كلهم يعيشون
في فضل مظلمتنا، إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك) وخبر الفضيل (3) قال: (قال
أبو عبد الله (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام):
أحلي نصيبك من الفئ لآباء شيعتنا ليطيبوا، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام):
إنا قد أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا) والمروي (4) عن العسكري عليه السلام
عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) (أنه قال لرسول الله (صلى الله عليه
وآله): قد علمت يا رسول الله أنه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر فيستولي
على خمسي من السبي والغنائم، ويبيعونه ولا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه، وقد
وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي، لتحل لهم منافعهم من
مأكل ومشرب، ولتطيب مواليدهم، ولا يكون أولادهم أولاد حرام، فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما تصدق أحد أفضل من صدقتك، وقد
تبعك رسول الله في فعلك، أحل للشيعة كلما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه
على واحد من شيعتي، ولا أحلها أنا وأنت لغيرهم) إلى غير ذلك من الأخبار
التي لا يقدح في الاستدلال بما فيها من التعليل والتعميم لسائر حقوقهم اشتمال
بعضها على تحليل تمام الخمس الذي لا نقول به.
على أنه قد يدعى ظهوره في إرادة الأموال التي في أيدي مخالفينا مما لم
يخرجوا منها الخمس ولا غيره من حقوقهم (عليهم السلام)، بمعنى إباحة سائر

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 19 - 7 - 10 - 20
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 19 - 7 - 10 - 20
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 19 - 7 - 10 - 20
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 19 - 7 - 10 - 20
140

التصرفات لنا فيها من مأكل ومشرب ولباس وبيع وغيره وإن كان محرما عليهم،
لا إرادة إباحة الخمس المتعلق في أموال الشيعة بسبب اكتساب أو عثور على كنز
أو نحو ذلك من أسبابه المتقدمة، وكيف وقد أكدوا صلوات الله عليهم وجوبه
وشددوا النكير على من ترك إخراجه، بل في بعض الأخبار لعنه كما سيأتي
إن شاء الله ذكر جملة منها، وبذلك حينئذ يجمع بين أخبار الإباحة وأخبار الحث
على إخراجه وإيصاله إلى أهله، وإن أشكل ذلك على كثير من الأصحاب حتى
وقعوا من جهته في كمال الاضطراب على ما ستعرف إن شاء الله.
وكيف كان فسبر هذه الأخبار المعتبرة الكثيرة التي كادت تكون متواترة
المشتملة على التعليل العجيب والسر الغريب يشرف الفقيه على القطع باباحتهم عليهم السلام
شيعتهم زمن الغيبة، بل والحضور الذي هو كالغيبة في قصور اليد وعدم بسطها
سائر حقوقهم (عليهم السلام) في الأنفال، بل وغيرها مما كان في أيديهم، وأمره
راجع إليهم مما هو مشترك بين المسلمين، ثم صار في أيدي غيرهم من أعدائهم كما
نص عليه الأستاذ في كشفه، ولقد أجاد حديث قال بعد تعداده الأنفال: (وكل
شئ يكون بيد الإمام (عليه السلام) مما اختص أو اشترك بين المسلمين يجوز أخذه
من يد حاكم الجور بشراء أو غيره من الهبات والمعاوضات والإجارات، لأنهم
أحلوا ذلك للإمامية من شيعتهم) إلى آخره، من غير فرق بين الفقير منهم والغني
نعم في خصوص ميراث من لا وارث له الخلاف السابق الذي ليس ذا محل تحريره
أما غير الشيعة فهو محرم عليهم أشد تحريم وأبلغه، ولا يدخل في أملاكهم شئ
منها، كما هو قضية أصول المذهب بل ضرورته، لكن في الحواشي المنسوبة للشهيد
على القواعد عند قول العلامة: (ولا يجوز التصرف في حقه بغير إذنه، والفائدة
حينئذ له) قال: (ولو استولى غيرنا من المخالفين عليها فالأصح أنه يملك لشبهة
الاعتقاد كالمقاسمة وتملك الذمي الخمر والخنزير، فحينئذ لا يجوز انتزاع ما يأخذه
141

المخالف من ذلك كله وكذا ما يؤخذ من الآجام ورؤوس الجبال وبطون
الأودية لا يحل انتزاعه من آخذه وإن كان كافرا، وهو ملحق بالمباحات المملوكة
بالنية لكل متملك، وآخذه غاصب تبطل صلاته في أول وقتها حتى يرده) انتهى
وفيه بحث لامكان منع شمول ما دل على وجوب مجاراتهم على اعتقادهم ودينهم
لمثل ذلك من استباحة تمليك الأموال ونحوه، خصوصا بالنسبة للمخالفين، وإن
ورد (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) على أن ذلك لا يقضي بصيرورته
كالمباح الذي يملك بالحيازة والنية لكل أحد حتى من لم يرد أمر باجرائهم
ومعاملتهم على ما عندهم من الدين، وكيف وظاهر الأخبار بل صريحها أنه في
أيدي غير الشيعة من الأموال المغصوبة، نعم قد يوافق على ما ذكره من حيث
التقية وعدم انبساط العدل، ولعله مراده وإن كان في عبارته نوع قصور.
كما أنه يوافق في الجملة في المعنى المزبور بالنسبة للشيعة خاصة، ضرورة عدم
إرادة إباحة التصرف لهم التي لا يترتب عليها ملك أصلا، كإباحة الطعام للضيف،
بل المراد زيادة على ذلك رفع مانعية ملكهم (عليهم السلام) عن تأثير السبب المفيد
للملك في نفسه وحد ذاته كالحيازة والشراء والاتهاب والاحياء ونحو ذلك،
فلا يرد حينئذ لزوم تبعيض التحليل في نحو الجواري المغتنمة من دار الحرب بغير
إذن الإمام إن قلنا بمساواته للمأذون فيه، أو جواز النكاح بغير عقد التحليل
إن قلنا بأنها جميعا للإمام، ولا غير ذلك مما لا يترتب خلافه شرعا على الإباحات
المحضة، لما عرفت أن المراد بالتحليل منهم (عليهم السلام) المعنى المذكور المفيد
للملك، فيكون الوطء حينئذ بملك اليمين كالعتق والوقف ونحوهما من التصرفات
الأخر، أو يقال بتنزيل إباحتهم (عليهم السلام) لشيعتهم منزلة الإباحة الأصلية
.

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق - الحديث 5 و 6 من كتاب الطلاق والباب 3 من أبواب ميراث المجوس - الحديث 2 من كتاب الإرث
142

التي يملك بسببها المباح بالحيازة، فيكون حينئذ شراؤها من يد المخالفين للفك
من أيديهم، لا أنه شراء حقيقة مفيد للملك، بل المملك الاستيلاء المتعقب لذلك
الشراء الصوري، أو يقال بما في الدروس بل حكي عن جماعة ممن تأخر عنه على
ما قيل، قال، بعد أن حكم بحل المناكح في زمن الغيبة ممثلا له بالأمة المسببة:
(وليس من باب التحليل، بل تمليك الحصة أو الجميع من الإمام) مشيرا بالترديد
إلى القولين السابقين، وقد يشهد له في الجملة خبر العسكري (عليه السلام) (1)
المتقدم سابقا، أو يقال إن هذه العقود التي تقع من الشيعة مع مخالفيهم مأذون
فيها من المالك الذي هو الإمام (عليه السلام) وإن كان من في يده معتقدا أنها
له، ولم يوقع العقد عن تلك الإذن، بل بنية أنه المالك، لكن ذلك لا يؤثر
فسادا في العقد الجامع لشرائط الصحة واقعا التي منها الإذن، فينتقل حينئذ ملك
الإمام (عليه السلام) إلى الثمن المدفوع عن العين يطالب به الغاصب أو القيمة لو
كانت أزيد منه، كما أنه ينتقل إليها لو كان العقد مجانا نحو الهبة وغيرها، لأن
تصرفه ناش عن اعتقاد أنه ملكه وماله، فيكون الإذن في الحقيقة للمتهب مثلا
دون الواهب، ولا بأس في ترتب الملك وحصوله على عقد يحرم على الموجب دون
القابل، فتأمل.
إلا أن الانصاف خروج ذلك كله عن مقتضى القواعد الفقهية، كما هو
واضح لا يحتاج إلى بيان، فلا حاجة حينئذ إلى شئ من هذه التكلفات، بل
يقال إنها إباحة محضة أجرى الشارع عليها حكم سائر الأملاك، وإلا فهي ملك
للإمام لا تخرج عنه، نعم ما ذكرناه أخيرا لو لم نقل بصيرورة تمام القيمة في
العقود المجانية مثلا في ذمة الغاصب كالزائد منها على الثمن في عقود المعاوضة وأنه
غاصب ظالم في خصوص تصرفه من بيع أو هبة وإن كان لشيعي أمكن انطباقه

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 20
143

حينئذ على القواعد، ولكن التزامه في غاية البعد، بل مخالف للمعلوم من المذهب
وإن أمكن في نفسه.
وكيف كان فهل يترتب الملك ويحصل لو استولت يد الشيعي على ما
استولت عليه يد المخالف بغير الأسباب الشرعية المملكة كالبيع ونحوه بل كان
بسرقة ونحوها؟ ظاهر ما سمعته من كلام الشهيد في حواشيه العدم، بل هو الذي
نسمعه مشافهة من بعض مشايخنا، لكن إطلاق أدلة الإباحة ينافيه، ولعله
لما ذكره الشهيد من شبهة الاعتقاد أو للتقية بمعنى استعداد الزمان في نفسه للتقية
الموجبة خفاء المعصوم (عليه السلام)، فلا يجدي حينئذ فرض عدم الضرر
من كل جهة.
أما ما لم يكن في يد المخالفين من الأنفال كميراث من لا وارث له أو غيره
فيحتمل فيها الرجوع أيضا إلى سلطان الجور، لقيامه زمان التقية مقام سلطان
العدل، والأقوى عدمه، لاطلاق الأدلة، وعدم عموم يقتضي إقامته مقامه فيما
يشمل ذلك، والغنايم من أهل الحرب والفتوحات التي تحصل لبعض سلاطين الشيعة
كسلطان الفرس في زماننا هذا الذي لا يد لسلطان المخالفين عليه بوجه من الوجوه
بل لعل اليد له عليه خمسها للإمام (عليه السلام) وقبيله إن لم نعتبر الإذن، أو
اعتبرناها وقلنا بقيام إذن حاكم الشرع مقامها وكان قد حصلت، وإلا كان الجميع
للإمام (عليه السلام)، لكن هو مباح للشيعة منهم يملكونه بحيازتهم واستيلائهم
عليه، إذ هو من الأنفال التي قد عرفت الحكم فيها، أما على تقدير أن الخمس
منها له ولقبيله فهل هو مباح كذلك، أو حقه منها خاصة، أو لا يباح شئ منه
أو يباح خصوص المناكح، أو هي والمساكن والمتاجر، أو أن الحكم فيه كالحكم
في غيره من خمس الأرباح ونحوه مما سيتعرض له المصنف؟ وجوه قد تسمع فيما
144

يأتي إن شاء الله ما يرجح بعضها، وإن كان يقوى في النظر الآن الأول منها،
خصوصا بالنسبة للمناكح والمساكن، إلا أن الحزم عدم ترك الاحتياط في كثير
مما سمعت من المسائل، لعدم تحريرها في كلام أحد من العلماء هنا، وعدم وضوح
أدلتها من الكتاب والسنة، فتأمل، والله أعلم.
المسألة (الثانية إذا قاطع الإمام (عليه السلام) أحدا (على شئ من
حقوقه) بقليل أو كثير (حل له) أي للمقاطع (ما فضل عن القطيعة) التي
هي ربع حاصل الأرض أو ثلثه (ووجب عليه الوفاء) بلا خلاف أجده في شئ
منه، بل ولا إشكال، ضرورة مساواة الإمام (عليه السلام) في ذلك لغيره، بل
أجاد في المدارك حيث قال: إن ترك التعرض لذلك أقرب إلى الصواب.
المسألة (الثالثة) صرح جماعة بأنه (ثبت) شرعا (إباحتهم (عليهم
السلام) المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة) كما نطق بعين ذلك المرسل (1)
عن الصادق (عليه السلام) المروي عن غوالي اللئالي، بل اختص هو من بين أخبار
الباب بهذا الجمع وهذا اللفظ، قال: (سأله بعض أصحابه فقال: يا بن رسول الله
ما حال شيعتكم فيما خصكم الله به إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال (عليه السلام):
ما أنصفناهم إن واخذناهم، ولا أجبناهم إن عاقبناهم، نبيح لهم المساكن لتصح
عباداتهم، ونبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم، ونبيح لهم المتاجر ليزكوا أموالهم)
والمراد كما صرح به أيضا الإباحة (وإن كان ذلك بأجمعه للإمام (عليه السلام)
كأرض الموات وغنائم دار الحرب بغير إذنه على الأصح، التي منها الجواري
المسبية (أو بعضه) كالمغتنم بإذنه مثلا، فإنه مباح أيضا (ولا يجب إخراج
حصة الموجودين من أرباب الخمس منه) وإن كان في عباراتهم نوع اختلاف
بالنسبة للمباح هل هو الأنفال، أو الخمس، أو الأعم، بل وفي أنه المناكح خاصة

(1) المستدرك - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 3
145

أو هي والمتاجر والمساكن؟ ففي المقنعة بعد ذكر الخمس والأنفال وأخبار التحليل
والتشديد قال: (واعلم أرشدك الله تعالى أن ما قدمته في هذا الباب من الرخصة
في تناول الخمس والتصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة، للعلة التي سلف ذكرها
في الآثار عن الأئمة (عليهم السلام) لتطيب ولادة شيعتهم، ولم يرد في الأموال
وما أخرته عن المتقدم مما جاء في التشديد في الخمس والاستبداد به فهو يخص
الأموال) انتهى. وبذلك نفسه جمع بين الأخبار في الاستبصار حاكيا له عنه
مستوجها إياه، وفي النهاية (فأما حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في
حقوقهم (عليهم السلام) مما يتعلق بالأخماس وغيرها مما لا بد لهم من المناكح
والمتاجر والمساكن، فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال).
وفي التهذيب (فإن قال قائل: إذا كان الأمر في أموال الناس مما ذكرتموه
من لزوم الخمس فيها، وفي الغنائم ما وصفتم من وجوب إخراج الخمس فيها، وكان
أحكام الأرض ما بينتم من وجوب اختصاص التصرف فيها بالأئمة (عليهم السلام)
إما لأنها مما يخصون برقبتها دون سائر الناس مثل الأنفال والأرضين التي ينجلي أهلها
عنها، أو للزوم التصرف فيها بالتقبيل والتضمين لهم، مثل أرض الخراج وما يجري
مجراها، فيجب أن لا يحل لكم منكح ولا يتخلص لكم متجر ولا يسوغ لكم مطعم
على وجه من الوجوه، وسبب من الأسباب، قيل له: إن الأمر وإن كان على
ما ذكرتموه من السؤال من اختصاص الأئمة (عليهم السلام) بالتصرف في هذه
الأشياء، فإن لنا طريقا إلى الخلاص مما ألزمتموناه، أما الغنائم والمتاجر والمناكح
وما يجري مجراها مما يجب للإمام (عليه السلام) فيها الخمس فإنهم قد أباحوا ذلك
لنا، وسوغوا لنا التصرف فيه، وقد قدمنا فيما مضى ذلك، ويؤكده أيضا ما رواه
إلى أن قال بعد أن ذكر بعض أخبار التحليل: فأما الأرضون فكل أرض تعين لنا
أنها مما قد أسلم أهلها عليها فإنه يصح لنا التصرف فيها بالشراء منهم والمعاوضة وما
146

يجري مجراها، وأما أراضي الخراج وأراضي الأنفال والتي قد انجلى أهلها عنها
فإنا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الإمام (عليه السلام) مستترا، فإذا ظهر
يرى هو في ذلك رأيه، فنكون نحن في تصرفنا غير آثمين، وقد قدمنا ما يدل
على ذلك، والذي يدل عليه أيضا ما رواه إلى أن قال بعد أن ذكر بعض الأخبار
الدالة عليه: فإن قال قائل: إن جميع ما ذكرتموه إنما يدل على إباحة التصرف
لكم في هذه الأرضين، ولم يدل على أنه يصح لكم تملكها بالشراء والبيع، فإذا لم
يصح الشراء والبيع فما يكون فرعا عليه لا يصح أيضا كالوقف والنحلة والهبة وما
يجري مجرى ذلك، قيل له: إنا قد قسمنا الأرضين فيما مضى على أقسام ثلاثة:
أرض يسلم أهلها عليها، وهي تترك في أيديهم، وهي ملك لهم، فما يكون حكمه
هذا الحكم صح لنا شراؤها وبيعها، وأما الأرضون التي تؤخذ عنوة أو يصالح
أهلها عليها فقد أبحنا شراءها وبيعها لأن لنا في ذلك قسما، لأنها أراضي المسلمين
وهذا القسم أيضا يصح الشراء والبيع فيه على هذا الوجه، وأما الأنفال وما يجري
مجراها فليس يصح تملكها بالشراء والبيع، وإنما أبيح لنا التصرف حسب) ثم
ذكر بعض الأخبار الدالة على بعض ذلك، انتهى.
وفي السرائر بعد أن ذكر الأنفال وأنها للنبي (صلى الله عليه وآله) ثم
للقائم مقامه قال: (فأما في حال الغيبة وزمانها واستتاره (عليه السلام) من
أعدائه خوفا على نفسه فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق
بالأخماس وغيرها مما لا بد لهم منه من المناكح والمتاجر، والمراد بالمتاجر أن يشتري
الانسان مما فيه حقوقهم (عليهم السلام) ويتجر في ذلك، فلا يتوهم متوهم أنه إذا
ربح في ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس، فليحصل ما قلناه، فربما اشتبه
والمساكن، فأما ما عدا الثلاثة الأشياء فلا يجوز التصرف فيه على حال) إلى آخره
وتبعهم في هذا التعبير وهذا الاجمال جماعة من المتأخرين بل جميعهم، ففي المتن
147

ما عرفت، وفي النافع (لا يجوز التصرف فيما يختص به الإمام (عليه السلام)
مع وجوده إلا بإذنه، وفي حال الغيبة لا بأس بالمناكح، وألحق الشيخ المساكن
والمتاجر به) وفي القواعد بعد ذكر الأنفال (وأبيح لنا خاصة حال الغيبة المناكح
والمساكن والمتاجر، وهي أن يشتري الانسان ما فيه حقهم (عليهم السلام) ويتجر
فيه، لا إسقاط الخمس من ربح ذلك المتجر) وفي التحرير (أباح الأئمة (عليهم
السلام) لشيعتهم المناكح في حال ظهور الإمام (عليه السلام) وغيبته، وألحق
الشيخ المساكن والمتاجر وإن كان ذلك بأجمعه للإمام أو بعضه، ولا يجب إخراج
حصة الموجودين من أرباب الخمس منه، قال ابن إدريس: المراد بالمتاجر) إلى
آخر ما سمعته في كلامه، وفي المنتهى (مسألة وقد أباح الأئمة حالتي ظهور الإمام
وغيبته، وعليه علماؤنا أجمع، لأنه مصلحة لا يتم التخلص من المآثم بدونها،
فوجب في نظرهم (عليهم السلام) فعلها، والإذن في استباحة ذلك من دون
إخراج حقهم (عليهم السلام) منه لا على أن الواطئ يطأ الحصة بالإباحة، إذ
قد ثبت أن يجوز إخراج القيمة في الخمس، فكان الثابت قبل الإباحة في الذمة
إخراج خمس العين من الجارية أو قيمته، وبعد الإباحة ملكها الواطئ ملكا تاما
فاستباح وطأها بالملك التام) إلى آخره، ونحوه في التذكرة إلا أنه لم يحك الاجماع
فيها، وزاد تفسير المتاجر بما سمعته من السرائر، وفي الدروس بعد ذكر الأنفال
(وفي الغيبة يحل المناكح كالأمة المسبية، ولا يجب إخراج خمسها، وليس من
باب التحليل بل تمليك الحصة أو للجميع من الإمام (عليه السلام) والأقرب أن
مهور النساء من المباح وإن تعددن لرواية سالم (1) ما لم يؤد إلى الاسراف،
كاكثار التزويج والتفريق، وتحل المساكن، إما من المختص بالإمام (عليه السلام)
كالتي انجلى عنها الكفار، أو من الأرباح بمعنى أنه يستثنى من الأرباح مسكن

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 4
148

فما زاد مع الحاجة، وأما المتاجر فعند ابن الجنيد على العموم، لرواية يونس بن
يعقوب (1) وعند ابن إدريس أن يشتري متعلق الخمس ممن لا يخمس، فلا يجب
عليه إخراج الخمس إلا أن يتجر فيه ويربح) إلى آخره، وفي البيان (ورخص في
حال الغيبة المناكح والمساكن والمتاجر أي جلب الأمة المسبية وإن كانت للإمام (عليه السلام)، وسقوط الخمس في المهر وفي المسكن وفيما يشتري ممن لا يخمس
إلا إذا نمى فيجب في النماء، وقول ابن الجنيد: بأن الإباحة إنما هي من صاحب
الحق في زمانه فلا يباح في زماننا ضعيف، لأن الروايات ظاهرها العموم، وعليه
إطباق الإمامية) إلى غير ذلك من العبارات، كعبارة المختلف والإرشاد والمسالك
المشترك كثير منها في الاجمال بالنسبة إلى إرادة الإباحة في الأنفال أو في الأعم
منها والخمس، وإلى المراد بالمناكح والمتاجر والمساكن، وإلى إرادة الإباحة لكل
أحد أو لمن في يده وإلى غير ذلك وإن أطنب العلامة في المختلف بنقل العبارات
والأدلة معللا ذلك بأنها من أمهات المسائل.
لكن في حاشية الشهيد على القواعد (للمناكح تفسيران: الأول إسقاط
الخمس من السراري المغنومة حال الغيبة، الثاني إسقاط مهور الزوجات، لأن ذلك
من جملة المؤن، وللمساكن تفسيرات: الأول مسكن يغنم من الكفار فيجوز
تملكه ولا يجب إخراج الخمس منه، الثاني مسكن الأرض المختصة بالإمام عليه السلام
كرؤوس الجبال، الثالث المراد بالمسكن مطلق المنزل وإن كان من غير ذين،
كما لو حصل بكسب من ربح تجارة أو زراعة أو صناعة، فإنه يخرج منه الخمس بعد
المؤونة التي من جملتها دار السكنى، وللمتاجر تفسيرات: الأول ما يشتري من
الغنائم الحربية حال الغيبة، فإنها بأسرها أو بعضها للإمام (عليه السلام) وهي مباح
لنا لا بمعنى إسقاط الخمس من مكسبها بل عن أصلها، الثاني ما يكتسب من

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 6
149

الأرض والأشجار المختصة به (عليه السلام) ولو ألحق هذا بالمكاسب المطلقة كان
أقوى، الثالث ما يشترى ممن لا يخرج الخمس استحلالا أو اعتقادا لتحريمه، فإنه
يباح التصرف وإن كان بعضه للإمام (عليه السلام) وذويه (1) وهذه التفسيرات
كلها حسنة، وقد علل الأئمة (عليهم السلام) ذلك بحل الصلاة والمال وطيب
الولادة) انتهى. وقد تبعه في أكثر ذلك جماعة منهم الشهيد في مسالكه، قال
فيها: (المراد بالمناكح السراي المغنومة من أهل الحرب في حال الغيبة، فإنه يباح
لنا شراؤها ووطؤها وإن كانت بأجمعها للإمام (عليه السلام) على ما مر، أو بعضها
على القول الآخر، وربما فسرت بالزوجات والسراري التي يشتريها من كسبه الذي
يجب فيه الخمس، فإنه حينئذ لا يجب إخراج خمس الثمن والمهر، وهذا التفسير
راجع إلى المؤونة المستثناة، وقد تقدم الكلام فيها، وأنه مشروط بحصول الشراء
والتزويج في عام الربح، وكون ذلك لائقا بحاله، والمراد بالمساكن ما يتخذه منها
في الأرض المختصة به (عليه السلام) كالمملوكة بغير قتال ورؤوس الجبال، وهو
مبني على عدم إباحة مطلق الأنفال في حال الغيبة وفسرت أيضا بما يشتريه من
المساكن بمال يجب فيه الخمس كالمكاسب، وهو راجع إلى المؤونة أيضا كما مر،
وبالمتاجر ما يشتري من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب حال الغيبة وإن كانت
بأسرها أو بعضها للإمام، أو ما يشتري ممن لا يعتقد الخمس كالمخالف مع وجوب
الخمس فيها، وقد علل إباحة هذه الثلاث في الأخبار بطيب الولادة وصحة الصلاة
وحل المال) انتهى. مضافا إلى ما سمعته سابقا من الدروس والبيان وغيرهما.
لكن قد يناقش في التفسير الأول للمناكح بأنه وإن كان يدل عليه بعض
الأخبار السابقة بل وخبر الفضيل (2) عن الصادق (عليه السلام) (من وجد برد

(1) وفي النسخة الأصلية " دونه " بدل " وذويه "
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 10
150

حبنا في كبده فليحمد الله على أول النعم، قلت: جعلت فداك ما أول النعم؟
قال: طيب الولادة، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال أمير المؤمنين عليه السلام
لفاطمة (عليه السلام): أحلي نصيبك من الفئ لآباء شيعتنا ليطيبوا، ثم قال
أبو عبد الله (عليه السلام)، إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا) وخبر
ضريس الكناسي (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) أتدري من أين
دحل الناس الزنا؟ فقلت لا أدري، فقال: من قبل خمسنا أهل البيت إلا شيعتنا
الأطيبين، فإنه محلل لهم ولميلادهم) وغيرهما، إلا أنه فيه ما عرفت من حل سائر
التصرفات في سائر الأنفال حال الغيبة لا خصوص النكاح منه، فلا يناسبه هذا
التخصيص الموهم، على أنه لا تلائمه بعض العبارات بل والأخبار الظاهرة في أن
متعلق التحليل الخمس والجواري المغتنمة من دار الحرب بغير إذنه التي كلها للإمام
لا الخمس خاصة له ولقبيله، بل ولا يلائمه ظهور بعض الأخبار في إباحة ذلك حالتي
ظهور الإمام وغيبته كما صرح به بعضهم، بل قد عرفت أنه معقد إجماع المنتهى
إلا أن يدفع الثاني بإرادة الأعم من الحالين من الغيبة (2) تنزيلا للظهور الذي
لا بسط فيه لليد منزلتها، كما أنه قد يدفع الأول بأنه مبني على مساواة المغتنم
بغير إذنه له معها في استحقاق الخمس أو حيث يكون فيه الخمس، كما لو كان مع
الإذن كما في بعض فتوح الثاني، أو خصوص من أذن لهم من الشيعة بأن يكونوا
معهم تحت لوائهم، أو في نحو المأخوذ سرقة بناء على تعلق الخمس فيه، لكونه
من الاكتساب أو لأن الخمس يجب في كل فائدة أو غير ذلك.
وأما التفسير الثاني لها الذي قد عرفت التصريح من غير واحد برجوعه إلى
المؤونة المستثناة بل قد يظهر من المدارك أولويته من التفسير الأول بالنسبة إلى

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 3
(2) متعلق بالإرادة: أي المراد بالغيبة الأعم من الحالين
151

عبارة المتن ففيه أنه لا يناسب ذكرهم له بالخصوص بعد ذكرهم المؤونة وأنه منها
بل ولا يناسب تخصيصه بالشيعة ولا زمن الغيبة، بل ولا إطلاق الإباحة، إذ هو
مستثنى من خمس الأرباح خاصة في خصوص عام الربح مع اشتراط مناسبة الحال فيه
على أنه ليس من حقوق الأئمة (عليهم السلام) كي يستثنى أو يباح منهم، ضرورة
عدم تعلق حقهم (عليهم السلام) به إلا بعد المؤونة التي هو منها، بل ولا يناسبه
التعليل بطيب الولادة، ضرورة عدم مدخلية حرمة المهر فيه، لعدم اشتراطه
في صحة النكاح.
ومن ذلك كله يظهر لك المناقشة أيضا في التفاسير الأخر للقسمين الأخيرين
فلا ريب في إجمال عبارات الأصحاب في هذا المقام وسماجتها وعدم وضوح المراد
منها، أو عدم صحته، بل يخشى على من أمعن النظر فيها مريدا إرجاعها إلى
مقصد صحيح من بعض الأمراض العظيمة قبل أن يأتي بشئ، وظني أنها كذلك
مجملة عند كثير من أصحابها وإن تبعوا في هذه الألفاظ بعض من تقدمهم ممن
لا يعلمون مراده، وليتهم تركونا والأخبار فإن المحصل من المعتبر منها أوضح
من عباراتهم، إذ هو إباحتهم حقوقهم التصرفية والمالية كالأنفال مطلقا، سواء
كان ابتداء حصولها في أيدينا أو انتقلت إلينا من يد غيرنا ممن خالفنا في الدين
حتى ما يحصل للشيعة من الغنائم مع سلاطين الجور مناكح وغيرها، وإن كان في
حسنة الحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام) المتقدمة سابقا أمر مثله بتأدية الخمس
وأنه يطيب له بعده، لكن قد يراد به بالنسبة إلى خصوص ذلك الوقت من
زمان ذلك الإمام (عليه السلام) لا زمان غيره ولو زمان الغيبة، كأمره عليه السلام
مواليه بالخمس مما صار في أيديهم من أموال الخرمية الفسقة في صحيحة ابن

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 8
152

مهزيار (1) الطويلة، وكذا حقوقهم من الأخماس التي لهم وقبيلهم مما حصل
وثبت استحقاقهم إياه في يد غيرنا ممن خالفنا من سائر الفرق تشبثوا بصورة
الاسلام أولا، فأباحوا لنا سائر التصرفات بما في أيديهم من مأكل ومشرب
ومنكح ومتجر ومسكن واستيهاب وهدايا وعطايا وميراث وغير ذلك، وإن علمنا
ثبوت حقوقهم (عليهم السلام) فيها، للحكمة التي أشاروا (عليهم السلام) لها في
المتواتر من أخبارهم، وهي تزكية شيعتهم وطيب ولادتهم حيث علموا عليهم السلام
أنه لا بد لشيعتهم من الاختلاط معهم والبيع والشراء منهم وغير ذلك، وأنه لا
يمكنهم اعتزالهم عنهم وبوجه من الوجوه، بل لعل خصوص خبر سالم بن مكرم (2)
المتقدم في المسألة ظاهر في ذلك كله، إن لم يكن صريحا عند التأمل، كما أن خبر
الثمالي (3) مشعر بذلك أيضا، قال: (سمعته يقول: من أحللنا له شيئا أصابه
من أعمال الظالمين فهو له حلال، وما حرمناه من ذلك فهو حرام) بل وخبر
عبد العزيز بن نافع (4) قال: (طلبنا الإذن على أبي عبد الله (عليه السلام)
وأرسلنا إليه (عليه السلام) فأرسل إلينا ادخلوا اثنين اثنين، فدخلت أنا ورجل
معي، فقلت للرجل: أحب أن تستأذنه المسألة، فقال: نعم، فقلت له: جعلت
فداك إن أبي ممن كان سباه بنو أمية وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم أن
يحرموا ولا يحللوا ولم يكن لهم مما في أيديهم قليل ولا كثير، وإنما ذلك لكم، فإذا
ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد على عقلي ما أنا فيه، فقال
له: أنت في حل مما كان من ذلك، وكل من كان في مثل حالك من ورائي فهو
في حل من ذلك) إلى آخره، إلى غير ذلك من الأخبار المشعرة بإرادة الحل من

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 4 - 18
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأنفال - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 4 - 18
153

نحو ذلك الذي من الواضح عسر التعيش وحرجه بدونه، لا حقوقهم (عليهم السلام)
من الأخماس التي تثبت في الأموال التي بيد الشيعة بسبب اكتساب أو وجدان
كنز أو غوص أو غير ذلك، وإن كان قد يشعر به بعض الأخبار لكنه معارض
بما هو أقوى منه مما ستعرفه في المسألة الرابعة من غير فرق في ذلك بين نصف
الخمس الذي لقبيلهم والنصف الذي لهم، وإن ظهر من صاحب المدارك الميل إلى
عموم إباحتهم (عليهم السلام) مالهم من الأنفال ومن نصف الخمس الذي في أيدي
الشيعة أو انتقل إليهم من يد غيرهم ممن خالفهم، لاطلاق كثير من الأدلة إباحة
حقوقهم الشامل لذلك كله، إلا أنك ستعرف فيما يأتي ضعفه، ووجوب تنزيله
على ما ذكرنا من حقوقهم، لمكان قوة المعارض، فإن أكثرها لا يأباه عند التأمل
حتى قول الصادق (عليه السلام) في خبر حكيم مؤذن بني عبس (1) في تفسير
الغنيمة: (هي والله الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا في حل من ذلك
ليزكوا) على أن يراد به الحل مما يقع في أيديهم ممن وجب عليه ذلك من غير
الشيعة، أو يحمل هو نظيره على إرادة التحليل من خصوص ذلك الإمام عليه السلام
في خصوص ذلك الزمان، أو غير ذلك كما ستعرف إن شاء الله، هكذا.
ويمكن أن يراد باستثناء المناكح والمساكن أنه لا بأس باتخاذهما من الربح
في أثناء السنة وإن تعلق به الخمس، وأنه لا يجب إخراجه بعد السنة بخلاف غيرهما
من المؤن، فإنه لا يستثني له إلا مقدار السنة، ويجب عليه الخمس فيها بعد السنة
كما أشرنا إليه في بحث المؤونة، بل لعل هذا مراد من سمعت تفسيره إياها بذلك
فلا يرد عليه أنهما كغيرهما من المؤن، ضرورة ظهور الفرق حينئذ بينهما وبين
غيرهما، بل يمكن إرادة ما يشترى من الربح في أثناء السنة للتجارة وإن كان
الخمس فيه من المتاجر على معنى أن له في أثناء السنة الشراء للتجارة ولو بعد أن

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال
154

يربح وتعلق الخمس به وإن استلزم ذلك التأخير سنين، ولا يجب عليه بتمام السنة
إخراج خمس المال مع عدم ظهور ربح فيه باعتبار أن ثمنه كان من ربح تلك السنة
وتعلق فيه الخمس، وإن كان الأحوط له إخراج الخمس من ثمنه، فإذا تجدد له ربح
كان من ربح السنة الثانية، وإن كان يقوى جواز إبقائه، وتلحقه حصته من
الربح المتجدد مضافا إلى ما فيه من خمس السنة الأولى، فتأمل جيدا فإنه دقيق،
والله العالم.
المسألة (الرابعة ما يجب من الخمس) بأحد الأسباب السابقة (يجب
صرفه إليه مع وجوده) وحضوره (عليه السلام) كما هو ظاهر الأكثر وصريح
البعض كالفاضل في قواعده وغيره، بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى حصته، ضرورة
وجوب إيصال المال إلى أهله، أما حصة قبيله فالظاهر أنها كذلك أيضا،
خصوصا خمس الغنائم وفاقا لمن عرفت، تحصيلا للفراغ اليقيني، ولأنه الواقع
والمأثور، بل كان وكلاؤهم (عليهم السلام) على قبض الخمس في كثير من النواحي
حتى في الغيبة الصغرى، ولظهور سياق أكثر الأخبار فيه من إضافته إليهم عليهم السلام
وتحليلهم (عليهم السلام) بعض الناس منه، وغير ذلك مما يومي إلى أن ولاية
التصرف والقسمة إليه (عليه السلام)، وللأمر بايصاله إلى وكيله (عليه السلام)
في صحيحة ابن مهزيار (1) الطويلة، بل لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق
الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أن الخمس جميعه للإمام (عليه السلام)
وإن كان يجب عليه الاتفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، ولذا لو زاد
كان له (عليه السلام)، ولو نقص كان الاتمام عليه من نصيبه، وحللوا منه
من أرادوا.
وخلافا للفاضل في المنتهى والتحرير والتذكرة فاجتزى بايصالها إلى أهلها

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
155

في غير خمس الغنائم على إشكال فيه أيضا في الأولين، بل عن المصنف الاجتزاء
بالايصال إلى الأصناف مطلقا في الغنائم وغيرها، لاقتضاء امتثال إطلاق الأمر
الاجتزاء، ولا ريب في ضعفه، خصوصا وكثير من الأخبار كالكتاب مشتمل
على مجرد ثبوته في المال بأحد الأسباب السابقة مما هو حكم وضعي لا تكليفي كي
يستدل باطلاقه، فما في المدارك من الاشكال في إطلاق وجوب صرف الخمس كله
للإمام (عليه السلام) مع حضوره ليس بتلك المكانة، لكن قال: إن الأمر فيه
هين، وفيه أنه وإن كان كذلك ظاهرا من حيث أنا في زمن الغيبة إلا أنه قد
تترتب عليه قوة القول بمساواة حصة قبيله حصته في وجوب صرفها في هذا الزمان
إلى يد الفقيه العادل الذي هو وكيل الإمام (عليه السلام) ومنصوبه العام والمتولي
لكل ما يتولاه، كما عن المجلسي الميل إليه أو القول به لا حصته فقط.
(و) أما (مع) غيبته (عليه السلام) التي عبر عنها المصنف ب (عدمه)
مخالفا للحس المأنوس غير المستبشع من التعبير، بل للصحيح منه الموافق للأدب
ف‍ (قيل) والقائل الديلمي وتبعه صاحب الذخيرة، ولا ثالث لهما فيما أجد،
نعم حكاه في المقنعة والنهاية وغيرهما قولا من دون تعيين القائل، وفي الحدائق
عن جملة من معاصريه، بل قال: إنه مشهور بينهم، وعن المحدث عبد الله بن صالح
البحراني: (يكون) الخمس بأجمعه (مباحا) للشيعة وساقطا عنهم، فلا يجب
إخراجه عليهم،
للأخبار المتقدم سابقا في أول مسائل الأنفال أكثرها مع
زيادة خبر يونس بن يعقوب (1) قال: (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)
فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال
والتجارات، ونعرف أن حقك فيها ثابت، وإنا عن ذلك مقصرون، فقال
أبو عبد الله (عليه السلام): ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم) وخبر ضريس

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 6
156

الكناسي (1) قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (أتدري من أين دخل على
الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا
الأطيبين، فإنه محلل لهم ولميلادهم) وخبر محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما
السلام) قال: (وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكوا أولادهم) وصحيح
زرارة (3) عن الباقر (عليه السلام) قال: (إن أمير المؤمنين (عليه السلام)
حللهم يعني الشيعة من الخمس لتطيب مواليدهم) وخبر أبي حمزة (4) عنه عليه السلام
في حديث قال: (إن الله تعالى جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفئ،
ثم قال تبارك وتعالى (5): (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فنحن أصحاب الخمس والفئ،
وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا، والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح
وخمس يخمس فيضرب على شئ منه إلا كان حراما على من يصيبه فرجا كان أو
مالا) والمرسل (6) المروي عن تفسير العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال:
(إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة إذا قام صاحب الخمس فقال: يا رب خمسي،
وإن شيعتنا من ذلك في حل).
والمناقشة فيها وفيما تقدم من الأخبار أيضا بإرادة تحليل إمام ذلك العصر
(عليه السلام) خاصة في حقه خاصة، فلا يتناول نحو زماننا، ولا النصف الآخر
الذي هو لغيره، لأنه ليس له إلا تحليل ما يملكه فقط دون ملك غيره كما عن ابن

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 3 - 5
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 3 - 5
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 15 - 19 - 22
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 15 - 19 - 22
(5) سورة الأنفال - الآية 42
(6) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 15 - 19 - 22
157

الجنيد التصريح به، يدفعها ظهور أكثر الأخبار في إرادة دوام التحليل واستمراره
وعموميته لتمام الخمس، سيما المشتمل منها على التعليل بطيب الولادة، بل كاد يكون
صريح بعضها، فيعلم منه أنه (عليه السلام) له الولاية على ذلك، وأنه مأمور
من الله مالك الملك بذلك، كما هو واضح، وأشير إليه في مضمر أبي خالد الكابلي (1)
قال: (قال: إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي ما في بيت المال رجلا واحدا
فلا يدخلن في قلبك شئ، فإنه إنما يعمل بأمر الله) مضافا إلى ما علم من وقوع
تحليله لبعض الناس في زمانه (عليه السلام) من تمام الخمس سهمه وسهم قبيله الذين هم
عياله وأولى بهم من أنفسهم، بل هو كذلك بالنسبة إلى سائر المؤمنين فضلا عنهم
فما سمعته عن ابن الجنيد مما لا ينبغي الالتفات إليه، بل كاد يكون مخالفا للمعلوم
المقطوع به من المذهب، كما اعترف به في الحدائق، لتواتر التحليل بالنسبة إلى
غير حق المحلل في الجملة، ولذلك أعرض عنه كل من تأخر عنه، على أنه أباح
صاحب الزمان (عليه السلام) أيضا روحي لروحه الفداء الخمس لشيعته في التوقيع
المروي عن كتاب إكمال الدين عن محمد بن محمد بن عصام الكليني عن محمد بن
يعقوب (2) الكليني عن إسحاق بن يعقوب أنه ورد عليه من التوقيعات بخط
صاحب الزمان (عليه السلام) (أما ما سألت عنه من أمر المنكرين إلى أن قال:
وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران، وأما
الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى أن يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم
ولا تخبث).
نعم قد يناقش فيها بقصور أسانيد جملة منها عن إثبات المطلوب، سيما بعد
إعراض المشهور عنها، بل ودلالة جملة أخرى منها بسبب ظهورها في إباحة حقه

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 16
158

(عليه السلام) خاصة من الخمس لاتمامه، وحتى باقي الأئمة (عليهم السلام) وباقي
الذرية، بل في الرياض (ليس في شئ منها تصريح بإباحة الأخماس كلها، بل ولا
ما يتعلق بالأئمة (عليهم السلام) جميعا، وإنما غايتها إفادة إباحة بعضهم شيئا منها
أو للخمس مطلقا، لكن كونه ما يتعلق بالجميع أو به خاصة فلا، مع أن مقتضى
الأصول تعين الأخير بل قال: وليس في تعليل الإباحة بطيب الولادة والتصريح
بدوامها وإسنادها بصيغة الجمع في جملة دلالة على تحليل ما يتعلق بالأصناف الثلاثة
بل ولا ما يتعلق بمن عدا المحلل من باقي الأئمة (عليهم السلام)، لظهور أن ليس
المقصود من الأول تطيبها من كل محرم وإلا لاستبيح بذلك أموال الناس كافة
وهو مخالف للضرورة، فيحتمل طيبها من مال المحلل خاصة أو ما يتعلق بجميعهم
(عليهم السلام) من الأمور الثلاثة المتقدمة، كما نزلها عليه جمهور الأصحاب
وإرادة هذا مما يجتمع معه إطلاق الدوام والإباحة بصيغة الجمع، فلا دلالة في شئ
منها على عموم التحليل والكلية، مع أن (حللنا) بالإضافة إلى من يأتي مجاز قطعا
وكما يمكن ذلك يمكن التعبير عن المحلل أو مع من سبقه خاصة، والترجيح لا بد له
من دليل، وليس، إن لم نقل بقيامه على الأخير، ولذا في المدارك لم يجعل هذه
القرائن إمارة على إباحة الأخماس مطلقا، وإنما استند إليها لاثباتها بالإضافة إلى
حقوقهم (عليهم السلام) خاصة، ولكن فيه أيضا ما عرفته) انتهى.
وإن كان فيه من المنع ما لا يخفى إن أراد انكار الظهور فضلا عن أصل
الدلالة، وكيف وفي بعضها التصريح بالتحليل إلى يوم القيامة، وفي آخر (فليبلغ
الشاهد الغائب) وفي ثالث (شيعتنا وأبناءهم) وفي رابع (إلى أن يظهر أمرنا)
إلى غير ذلك من القرائن الكثيرة، بل انكار ظهور التعليل بذلك مكابرة واضحة
كانكار ظهورها في إرادة تمام الخمس، خصوصا المصرح فيها بلفظه، إذ احتمال
إرادة الحق منه لا دليل عليه فيها، بل قد يدعى ظهور إرادة تمامه من المشتمل
159

على التعبير بحقي منها، فضلا عن الذي هو بصيغة الجمع منها كما لا يخفى على من
لاحظها بتمامها بعين الانصاف، بل ولا يخفى أيضا ظهورها في إباحة الأعم من
الثلاثة التي ادعى تنزيل الأصحاب لها عليها، بل هو كصريح بعضها، بل هي
جميعها تأبى التنزيل على إرادة النكاح منها بالتفسير الثاني له، بل هو لا يناسبه
التعليل، ضرورة عدم خبث الولادة بحرمة مهر الزوجة كما تقدمت الإشارة إليه
سابقا، إلى غير ذلك مما في كلامه وإن كان قد سبقه ببعضه أو أكثره المحدث
البحراني في حدائقه.
نعم هي بأسرها قاصرة عن مقاومة ما دل على وجوب اخراج الخمس سهمهم
وسهم قبيلهم وعدم إباحة شئ منه، كخبر محمد بن زيد الطبري (1) قال:
(كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا (عليه السلام)
يسأله عن الإذن في الخمس، فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم إن الله واسع كريم
ضمن على العمل الثواب، وعلى الخلاف العذاب، لا يحل مال إلا من وجه أحل
الله، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا، وما نبذل ونشتري
من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا
ما قدرتم عليه، فإن إخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص ذنوبكم، وما تمهدون
لأنفسكم يوم فاقتكم، والمسلم من يفي بما عهد إليه، وليس المسلم من أجاب باللسان
وخالف بالقلب، والسلام).
وخبره الآخر (2) قال: (قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا
(عليه السلام) فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس، فقال: ما أمحل هذا،
تمحضونا المودة بألسنتكم، وتزوون حقا جعله الله لنا وجعلنا له، وهو الخمس،

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأنفال - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأنفال - الحديث 2 - 3
160

لا نجعل أحدا منكم في حل).
والحسن (1) كالصحيح (كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) إذ
دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بقم، فقال: يا سيدي
اجعلني من عشرة الألف درهم في حل فإني أنفقتها، فقال له: أنت في حل، فلما
خرج صالح قال أبو جعفر (عليه السلام): أحدهم يثب على أموال آل محمد
ويتاماهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذها ثم يجئ فيقول: اجعلني
في حل، أتراه ظن أني أقول لا أفعل، والله ليسألنهم الله تعالى يوم القيامة عن
ذلك سؤالا حثيثا).
وخبر أبي بصير (2) (قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما أيسر ما يدخل
به العبد النار، قال: من أكل من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم) وصحيحة علي
ابن مهزيار (3) الطويلة المتقدمة في الأبحاث السابقة، والمحكي من عبارة الفقه
الرضوي (4) المشتملة على المبالغة في التشديد باخراجه.
وخبر الحسين بن حمدان (5) المروي عن الخرائج والجرائح في حديث عن
صاحب الزمان (عليه السلام) (أنه رآه وتحته بغلة شهباء وهو متعمم بعمامة
خضراء يرى منه سواد عينيه، وفي رجله خفان حمراوان، فقال: يا حسين كم
ترز أعلى الناحية ولم تمنع أصحابي من خمس مالك ثم قال: إذا مضيت إلى
الموضع الذي تريد أن تدخله عفوا وكسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقه،
قال: قلت: السمع والطاعة ثم ذكر في آخره أن العمري أتاه وأخذ خمس

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأنفال - الحديث 1 - 8
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الأنفال - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 5
(4) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 7
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأنفال - الحديث 1 - 8
161

ماله بعد ما أخبره بما كان).
وخبر أبي الحسن الأسدي (1) عن أبيه المروي عن الاكمال، قال: (ورد
على توقيع من محمد بن عثمان العمري ابتداء لم يتقدمه سؤال، بسم الله الرحمن
الرحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من استحل من مالنا درهما إلى
أن قال: فقلت: في نفسي إن ذلك في كل من استحل محرما، فأي فضيلة في
ذلك للحجة، فوالله لقد نظرت بعد ذلك التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما وقع
في نفسي بسم الله الرحمن الرحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على كل من
أكل من مالنا درهما حراما، قال الخزاعي: وأخرج إلينا أبو علي الأسدي هذا
التوقيع حتى نظرنا فيه وقرأناه).
وخبر محمد بن جعفر الأسدي (2) قال: (كان فيما ورد على الشيخ أبي جعفر
محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الدار
(عليه السلام) وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا
ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه
فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على
لساني ولسان كل نبي مجاب، فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا، لعنة الله عليه،
يقول الله عز وجل (3): (ألا لعنة الله على الظالمين) إلى أن قال، وأما ما
سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج
منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتسابا للأجر وتقربا إليكم فلا يحل
لأحد أن يتصرف في مال غيرنا بغير إذنه فكيف يحل ذلك في مالنا، أنه من فعل
شيئا من ذلك بغير أمرنا فقد استحل منا ما حرم عليه، ومن أكل من مالنا شيئا

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأنفال - الحديث 7 - 6
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأنفال - الحديث 7 - 6
(3) سورة هود عليه السلام - الآية 21
162

فإنما يأكل في بطنه نارا، وسيصلى سعيرا) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
التي مر في أثناء الأبحاث السابقة شطر منها من خبر الريان بن الصلت (1) وصحيح
ابن مهزيار (2) عن أبي علي بن راشد، وخبر محمد بن علي بن شجاع النيسابوري (3)
وغيرها مما لا يمكن الإحاطة بها، ولقد أجاد بعض مشايخنا في دعوى تواترها.
ومع ذلك فهي معتضدة بالاعتبار المستفاد من جملة من الأخبار (4) المشتملة
على بيان حكمة مشروعية الخمس للذرية، وأنه عوض عن الزكاة صيانة لهم من
الأوساخ، وكفا لماء وجوههم، بل ومعتضدة بالمعلوم من سبر أخبار غير المقام
بل وبعض أخباره (5) من أن لهم (عليهم السلام) وكلاء في الأطراف على قبض
الأخماس، خصوصا في الغيبة الصغرى التي هي نيف وسبعون سنة، فإن النواب
الأربعة كانوا يقبضون فيها الأخماس ويعملون بها بأمره كما اعترف به المجلسي
وغيره، بل قيل: وبظاهر الكتاب أيضا، وما كان مثله من السنة أيضا كأخبار
كيفية القسمة (6) وغيرها، وإن كان قد يقال لا دلالة فيها على عدم التحليل
والإباحة، بل أقصى ما يستفاد منها حكم وضعي هو ثبوت الخمس الذي لا ينافيه
ورود التحليل منهم بل يؤكده، اللهم إلا أن يدعى إرادة التكليفي منه الذي هو
أداؤه إلى مستحقيه، فينافيه حينئذ أخبار الإباحة، ويحتاج تقديمها إلى مرجح
وليس، بل هو على العكس قائم بسبب الاعتضاد بالأصول وأخبار الباب وغيرها من
حرمة التصرف بمال الغير ونحوها، مضافا إلى الاعتضاد بفتاوى الأصحاب، إذ
القائل بتحليل تمام الخمس في غاية الندرة، بل لعله لا يقدح في تحصيل الاجماع
على خلافه.

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 10 - 0 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 3 - 2 - 5
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 3 - 2 - 5
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 10 - 0 - 0 -
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يجب فيه الخمس - الحديث 3 - 2 - 5
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 10 - 0 - 0 -
163

والمناقشة في دلالة الآية باختصاصها بالغنائم المختصة بحال الحضور دون
الغيبة، وبأنها من خطاب المشافهة المحتاج تعديه إلى غيره إلى الاجماع، وهو إنما
يتم مع التوافق في الشرائط الممنوع في محل البحث في غاية الضعف، كما أشرنا
إليه فيما تقدم من البحث في خمس أرباح المكاسب، كالمناقشة في دلالتها ودلالة
ما ماثلها من الأخبار على استحقاق الأصناف وملكيتهم نصف الخمس لينافي التحليل
من الإمام عليه السلام له، وإن أطنب في بيانها في الذخيرة كما أنه أطنب في الحدائق
والرياض في رده، لكن ليس للجميع ثمرة يعتد بها، لتناهي أصل المناقشة في
الوهن بحيث لا تحتاج إلى شد حبزوم أو تشمير ساعد.
وبالجملة لا ريب في مرجوحية أخبار التحليل بالنسبة إلى ما دل على عدمه
من وجوه كثيرة، فلا وجه للجمع بينهما بتقييد الثانية بأخبار التحليل الذي
لا يقبله كثير منها، إذ هو فرع التكافؤ المفقود هنا، أو بحمل الأولى على زمن
الغيبة والثانية على الحضور الذي يأباه كل منهما، ضرورة ظهور أخبار التحليل
أو صراحتها في الحضور أو في الأعم منه ومن الغيبة، كظهور مقابلة فيه أيضا،
بل لعل بعضها في الغيبة أظهر منه في الحضور، خصوصا ما تضمن حكمة مشروعية
الخمس وتعويضهم عنه بدل الزكاة، وإرادة كف وجوه ذرية رسول الله (صلى الله
عليه وآله) عن السؤال والذل والمسكنة، وأنه لو يعلم الله عدم كفايته لهم لشرع
لهم غيره، أو بغير ذلك من أوجه الجمع التي يقطع بفسادها بأدنى نظر وتأمل،
ولقد أجاد في السرائر في رد هذا القول بعد أن حكاه عن قوم بأنه لا يجوز العمل
عليه ولا يلتفت إليه ولا يعرج عليه، لأنه ضد الدليل ونقيض الاحتياط وأصول
المذهب وتصرف في مال الغير بغير إذن قاطع، فلا يجوز العمل به على حال، إلى
آخره، ونحوه غيره من أساطين الأصحاب، على أنه لم يظهر لنا مراد قائله هل هو
سقوط الخمس بحيث لو أخرجه من كان في يده على أنه خمس وتناوله أحد منه كان
164

أكل مال بالباطل، أو عدم وجوبه عليه وإن كان لو أخرجه صح لأهله تناوله،
أو أن المراد الإباحة لغير من في يده من الشيعة، وإلا فهو يجب عليه إخراجه
وإن كان الظاهر إرادته الوسط، بل قد يقطع بعدم إرادته الأخير، لكن على
كل حال ضعف هذا القول في غاية الوضوح.
(و) من هنا (قبل) على ما حكاه غير واحد من أجلاء الأصحاب
بأنه (يجب) عزله و (حفظه ثم يوصى به) إلى ثقة (عند ظهور إمارة
الموت) وهكذا حتى يصل إلى صاحب الأمر عليه السلام روحي لروحه الفداء، إلا أني لم
أعرف قائله بالخصوص وإن نسبه بعضهم إلى المفيد في المقنعة، لكن ظني أنه وهم
كما لا يخفى على من تدبر عبارتها تماما، فإنه وإن كان قد حكى القول بالسقوط
وبالدفن وباستحباب صلة الذرية وفقراء الشيعة والقول بالوصية به، وقال: (إن
هذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم، لأن الخمس حق وجب لصاحبه عليه السلام
لم يرسم ما يصنع فيه قبل غيبته حتى يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه عليه إلى
وقت إيابه والتمكن من إيصاله إليه) إلا أنه قال بعد ذلك بلا فاصل: (وإن
ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه في شطر الخمس الذي هو خالص للإمام (عليه السلام)
وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد (صلى الله عليه وآله) وأبناء سبيلهم ومساكينهم
على ما جاء في القرآن لم يبعد إصابة الحق في ذلك، بل كان على صواب) وظاهره
اختيار الأخير، ونحوه في ذلك الحلي في سرائره، بل هو أصرح فيما قلناه.
وكيف كان فلم نقف له على دليل سوى ما أشار إليه من كون الخمس حقا
لإمام لم يأمرنا ما نصنع فيه، فيجب حفظنا له كما في سائر الأمانات الشرعية،
وفيه مع ما في الايداع من التغرير بالمال وتعريضه للتلف سيما في مثل هذه
الأوقات منع كونه تماما للإمام (عليه السلام) إن أراد الملكية والاستحقاق
كما بيناه سابقا، ودلت عليه الآية وأخبار القسمة وغيرها، وإن ناقش فيه بعض
165

متأخري المتأخرين بما لا ينبغي الاصغاء إليه ولكن أطنب في رده بعض الناس
بل وكذا إن أراد ولاية التصرف والقسمة المقتضيين تسليمه بيده (عليه السلام)
ليعطي من يشاء كيف يشاء ويمنع من يشاء، لعدم ظهور دليلها في الأعم من
حالتي الظهور والغيبة، وكيف وقد ناقش بعضهم في وجوبها حال الحضور، فجوز
دفع نصف الخمس إلى أهله لمن كان في يده تمسكا بالأصل وإطلاق أدلة استحقاقهم
له ووجوبه على من كان في يده كما تقدم البحث فيه سابقا، وإن كان الأصح
عندنا وجوب الدفع للإمام (عليه السلام) حال الظهور، لما عرفت.
إلا أن الانصاف عدم ظهور في الأدلة السابقة فيما يشمل مثل هذا الزمان،
بل قد يظهر من بعضها خلافه، خصوصا ما دل منها على حكمة مشروعية الخمس
السابقة، بل في المروي عن كتاب الطرائف لابن طاووس بإسناده عن عيسى بن
المستفاد (1) عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) تصريح
بخلافه، قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأبي ذر وسلمان
والمقداد: أشهدوني على أنفسكم بشهادة أن لا إله إلا الله إلى أن قال: وأن
علي بن أبي طالب (عليه السلام) وصي محمد (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين
وأن طاعته طاعة الله وطاعة رسوله، والأئمة من ولده (عليهم السلام) وأن مودة
أهل بيته مفروضة واجبة على كل مؤمن ومؤمنة مع إقام الصلاة لوقتها، وإخراج
الزكاة من حلها، ووضعها في أهلها، وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من
الناس حتى يدفعه إلى ولي المؤمنين وأميرهم، ومن بعده من الأئمة عليهم السلام من ولده
فمن عجز ولم يقدر إلا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي
من ولد الأئمة (عليهم السلام)، فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم
الناس ولا يريد بهم إلا الله تعالى إلى أن قال: فهذه شروط الاسلام) الحديث

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 21
166

فيبقى حينئذ ما دل على استحقاقهم النصف وملكهم إياه المقتضيين تسليمه إياهم
كما هو الموافق لأصول المذهب على حاله سالما عن المعارض، مقتصرا في الخروج
عنه على المتيقن، وهو حال الظهور دون غيره، كالزكاة التي الخمس بدل عنها،
فإنها لا تسقط ولا يوصى بها إجماعا في هذه الأزمان وإن كان يجب تسليمها
للإمام (عليه السلام) عند الظهور، اللهم إلا أن يفرق بينهما بظهور أشدية تعلق
حق الإمام (عليه السلام) بالخمس دونها، ولذا لو زاد كان له.
بل ربما قيل أو يقال أنه بأجمعه له، كما يومي إليه إضافته إلى نفسه وتصرفه
به بالتحليل وغيره وإن كان يجب أن يصرف منه على الأصناف الثلاثة ما يكفيهم
بل وعن غيره لو نقص عنهم، ففي الحقيقة جعلهم الله عيالا له، وأوجب له في رقاب
الناس ذلك مقابلة هذه العيلولة، إلا أن التحقيق ما قدمناه سابقا الذي ظاهر
الأصحاب الاتفاق عليه، ومع الاغضاء عن ذلك كله فيندفع جميع ما تقدم بتسليمه
إلى الفقيه المأمون الذي هو وكيله على كل ما كان يفعله من القسمة ونحوها،
إذ احتمال قصر وكالته على خصوص القضاء والفتوى كما في الحدائق ضعيف جدا
مناف لما عليه الأصحاب في سائر الأبواب، بل وللمعلوم من ضرورة المذهب.
(و) على كل حال فهذا القول في غاية السقوط، وأولى منه بذلك ما حكاه
الشيخان والحلي وغيرهم، بل أشار إليه المصنف بقوله: (قيل) من أنه يجب
أن (يدفن) تمام الخمس، إذ هو مع أنه مجهول القائل مناف للاحتياط
والاعتبار والكتاب والسنة وفتاوى الأصحاب والأصول العقلية والشرعية لم
نقف له على دليل سوى ما أرسل (1) من ظهور الكنوز عند قيام القائم عليه السلام،
وهو مع أنه ليس بحجة في نفسه فضلا عن أن يعارض تلك الحجج، بل أقصاه

(1) البحار المجلد 13 ص 177 " باب خروجه عليه السلام وما يدل عليه "
الطبعة الكمباني
167

ظهور الكنوز التي تصادف قيامه (عليه السلام)، وإلا فقد تتلف أو تلتقط قبل
ذلك لا دلالة فيه على الإذن بذلك فضلا عن الأمر به، كما هو واضح
لا يحتاج إلى بيان.
(و) أما ما (قيل) من أنه (يصرف النصف إلى مستحقيه ويحفظ
ما يختص به بالوصاية أو الدفن) فهو جيد جدا بالنسبة للشق الأول منه موافق
للمشهور بين الأصحاب قديما وحديثا نقلا وتحصيلا إن لم يكن المجمع عليه،
وللأصول والكتاب والسنة التي قد علمت قصور أخبار التحليل عن مقاومتها،
بل يجب تنزيلها على ما ذكره غير واحد ناقلا له عن الأصحاب من إباحة المناكح
أو هي والقسمين الآخرين معها، وإن كان لا يساعده سياق كثير منها كما تقدمت
الإشارة إليه سابق، أو على ما حكي عن المجلسي في بعض حواشيه على التهذيب
والكافي من إرادة الإباحة والتحليل قبل إخراج الخمس بمعنى أن له ضمانه في ذمته
ثم يتصرف بما فيه عين الخمس في المناكح والمساكن والمتاجر لا سقوط الخمس وبراءة
الذمة منه، وإن كان فيه من العجب ما لا يخفى، بل هو مخالف للمجمع عليه بين
الأصحاب نقلا وتحصيلا، ضرورة معلومية الإباحة في الأمور الثلاثة بالتفاسير
المتقدمة، بمعنى سقوط الخمس منها كما مر الكلام فيه مفصلا، أو على إرادة
الإباحة من حقوقهم (عليهم السلام) خاصة في زمانهم لا الإباحة الشاملة لحق
الأصناف وحق الصاحب (عليه السلام) في زمانه، إذ من المعلوم أنه في الغيبة
الصغرى وهي نيف وسبعون سنة كان الوكلاء الأربعة المشهورين يقبضون حقه
بل سائر الخمس من الشيعة ويعملون به بأمره (عليه السلام)، وإن كان أيضا
لا يلائمه ما في جملة منها من إرادة دوام الإباحة منها وعمومها، على أنه ورد منه
(عليه السلام) في التوقيع السابق الإباحة، أو على ما أشرنا إليه غير مرة من إرادة
168

تحليل ما تعلق فيه الخمس في يد غيرنا من المخالفين وغيرهم منكحا كان أو مسكنا
أو متجرا أو غيرها، ولو فرض فيها ما يأبى ذلك وكان معتبر السند أمكن حمله
على إباحة خصوص ذلك الإمام (عليه السلام) في ذلك الزمان أو غير ذلك.
وأما الشق الثاني منه فهو وإن كان مال إليه في المقنعة واختاره في النهاية
لما سمعته في وجهي القولين السابقين لكن في الدفن الذي هو أحد فردي التخيير
منه ما عرفت، ومن هنا اقتصر في السرائر بعد اختياره له على الفرد الأول منه
مصرحا بعدم جواز الثاني، كالمحكي من عبارة ابن البراج وأبي الصلاح بل في
السرائر (أن هذا القول هو الذي يقتضيه الدين وأصول المذهب وأدلة العقول
وأدلة الفقه وأدلة الاحتياط، وإليه يذهب وعليه يعول جميع محققي أصحابنا
المصنفين المحصلين الباحثين عن مأخذ الشريعة وجهابذة الأدلة ونقاد الآثار بغير
خلاف بينهم) إلى آخره، لكن قد يناقش فيه أيضا بأنه يتم حيث لا دليل
يدل على وجوب دفعه إلى قبيله من الأصناف الثلاثة كما ادعاه فيها بل حكي عن
سائر المحصلين التصريح بعدم نص فيه معين، وأطنب بنقل عبارات بعض من
صرح بذلك أو يظهر منه كالمفيد والمرتضى والشيخ، وهو ممنوع، إذ قد يستدل
عليه مضافا إلى الفحوى المورثة علما برضاه في الدفع إلى أقاربه وعياله المحتاجين
الحيارى ذكورا وأناثا الذين لا يعلمون كيف يفعلون ولا يدرون أين يتوجهون
خصوصا مع عداوة أكثر الناس لهم، وإرادتهم إراقة دمائهم بغضا وحسدا
لآبائهم، بل قد يقطع من ذلك ونحوه بعدم رضاه في المنع فضلا عن إذنه بالجواز
وكيف وقد كانوا يبيحون ما هو أعظم من ذلك للأجانب عنهم مع حاجتهم إليه
فضلا عن أقاربهم وغناهم عنه، وإلى معرضية للتلف إن لم يدفع، بل لعل ذلك من
الاحسان المحض الذي لم يجعل الله سبيلا على فاعله، وإلى ظاهر خبر عيسى بن
169

المستفاد (1) المروي عن كتاب الطرائف لابن طاووس الذي قدمناه آنفا ما سمعته
سابقا من وجوب إتمام الناقص من الخمس عن مؤونة الأصناف على الإمام عليه السلام
من ماله وأخذه الزائد للمرسلين (2) السابقين المنجرين بما عرفت، وإن بالغ الحلي
في إنكار ذلك وأطنب على ما أشرنا إليه سابقا، بل استظهر من نفي المفيد وغيره
النص في هذه المسألة وإيجابهم الوصية به ونحوها عدم اعتمادهم على هذين المرسلين
لكن فيه أنه لعلهم لم يعثروا عليهما أو غفلوا عنهما أو لم يتنبهوا لتفريع ذلك على
ما فيهما، أو غير ذلك.
(و) من هنا (قيل): لا يوصى به ولا يدفن (بل) يجب أن
(تصرف حصته (عليه السلام)) إلى الأصناف الموجودين أيضا، لأن عليه الاتمام
عند عدم الكفاية، وكما يجب ذلك مع وجوده فهو واجب عليه عند غيبته) لأن
الحق الواجب لا يسقط بغيبة من يثبت عليه مؤبدا، بل اختاره المصنف فقال:
(وهو الأشبه) وفاقا للتحرير وظاهر المحكي من عبارة غرية المفيد وزاد المعاد
للمجلسي وكشف الأستاذ والمنقول في الرياض عن الديلمي وجمع من متأخري
المتأخرين وإن كنا لم نتحققه، خصوصا الأول، إذ المحكي عنه في المختلف الإباحة
لسائر الخمس، ومع التسليم فلم يبلغوا حد الشهرة الجابرة للمرسلين بالنسبة إلى ذلك
كي يصح العمل بهما فيه، بل هي بسيطة ومركبة على خلافه، إذ الظاهر من مقنعة
المفيد والمحكي من جواب مسائل له في السرائر ونهاية الشيخ وعن مبسوطه بل
وغيره من كتبه وسرائر الحلي وما عن ابن البراج وأبي الصلاح وغيرهم وجوب
الوصية به ونحوها لا جواز الدفع إليهم فضلا عن وجوبه، وفي الوسيلة (أنه
يقسم بين مواليه والعارفين بحقه من أهل الفقه والصلاح والسداد) وأما المتأخرون

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 21
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قسمة الخمس - الحديث 1 و 2
170

فالمصنف في النافع والفاضل في المختلف والإرشاد والقواعد وظاهر المنتهى
والشهيدان في الدروس والبيان واللمعة وظاهر الروضة وغيرهم على جواز الدفع
والتخيير بينه وبين الوصية ونحوها لا وجوبه، بل نسبه إلى المشهور في الروضة
وإلى كثير في الرياض، بل ظاهر موضع آخر من الثاني أنه الذي استقر عليه رأي
المتأخرين، وفي المدارك والمفاتيح والوافي والحدائق سقوطه في زمن الغيبة،
فأي شهرة يمكن أن تدعى حينئذ على الوجوب، بل هي على الخلاف متحققة إن
لم يكن إجماع، بل لا صراحة في المتن والتحرير والمحكي من عبارة الغرية بإرادة
الوجوب وإن كان ما ذكر دليلا للحكم في الأولين من إيجاب الاتمام ظاهرا في
ذلك أو صريحا، ومن العجيب ذكره ذلك في المختلف والمنتهى بل وغيرهما دليلا
للجواز مع اقتضائه الوجوب، فتأمل.
وكيف كان فالعمل بالمرسلين السابقين غير موافق لأصول المذهب بعد ما
عرفت، واحتمال عدم احتياج العمل بهما بالنسبة إلى ذلك إلى جابر إذ ليس هو
مدلولهما بل هو لازم ما تضمناه من قسمة الإمام (عليه السلام) الخمس بينهم قدر
الكفاية، فإن أعوز كان عليه، وإن زاد كان له الذي قد عرفت انجباره بعمل
الأصحاب هناك، بل لا خلاف فيه إلا من الحلي كما قدمنا البحث فيه سابقا
يدفعه أنه عمل بهما، وذلك لاستفادة وجوب الاتمام عليه في هذا الزمان منهما
المقتضي استحقاقهم أخذ حقه ووجوب دفع الوكيل الذي هو الفقيه إياه إليهم
تفريغا لذمة الإمام (عليه السلام) كما أومأ إليهم تعليل غير واحد منهم بعدم سقوط
الوجوب بالغيبة، على أنه لو سلم ذلك كله لأمكن المناقشة في دلالتهما بما ذكرناه
سابقا في محله من ظهورهما في كيفية قسمة تمام ما شرعه الله تعالى من الخمس حال
انبساط يد الإمام (عليه السلام) وظهور سلطانه وتساوي الغريب والبعيد إليه
والقوي والضعيف المقتضي لجلب تمام ما يحصل من الخمس إليه، فيقسمه هذه القسمة
171

المسطورة نحو ما يقسم ما يحصل من الزكاة كذلك، قال في المرسل المزبور (1)
المشتمل على قسمة الخمس كما عرفت في حاصل الأرض المفتوحة عنوة (بدأ فأخرج
منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا، ونصف العشر مما سقي بالدوالي
والنواضح، فأخذه الوالي فوجهه في الجهة التي وجهها الله على ثمانية أسهم
للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل
الله وابن السبيل ثمانية أسهم، تقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في
سنتهم بلا ضيق ولا تقتير، فإن فضل من ذلك شئ رد إلى الوالي، وإن نقص
من ذلك شئ ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم
حتى يستغنوا) إلى آخره، وفي المرسل المزبور أيضا (2) (وهو وارث من لا وارث
له، يعول من لا حيلة له) إلى غير ذلك مما هو ظاهر في أن ذلك عند بسط يد
الإمام (عليه السلام) لا في مثل زمن الغيبة أو نحوه مما كان فيه الإمام (عليه السلام)
بهذا الحال، فإنه لا يجب عليه قطعا لو اتفق حصول الجزء اليسير في يده الذي
هو كالعدم بالنسبة إلى الخمس كله إعطاؤه تماما للأصناف ودفعه إليهم، كما هو
واضح لا يحتاج إلى بيان، خصوصا مع خلو الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)
عن فعل أحد منهم شيئا من ذلك مع أنه كان لهم وكلاء في البلدان على قبض ما يحصل
من ذلك وغيره، بل ظاهر ما ورد عنهم قبض حقهم لهم مما اتفق حصوله منه
وإباحة من أرادوا إباحته، ولو كان الأمر كما سمعت لاختص ذلك بالأصناف،
ضرورة كثرتهم وشدة حاجتهم وقلة ما يحصل من الخمس من بعد وفاة النبي (صلى
الله عليه وآله) الذي هو أول زمان الابتلاء، ومن المعلوم خلافه، كما أنه من
المعلوم عدم وجوب ذلك على الإمام (عليه السلام) في مثل هذا الزمان المشرد فيه
عن الأوطان، والذي لم يستطع أن يرى فيه أحدا من أفراد الانسان، وكيف

(1) أصول الكافي ج 1 ص 541 - 542 الطبع الحديث
(2) أصول الكافي ج 1 ص 541 - 542 الطبع الحديث
172

وسائر لوازم الإمامة ساقطة في هذه الأوقات المشحونة بالمحن والابتلاءات،
ودعوى توكيل الفقيه المأمون في القيام بما يمكن من ذلك عنه ممنوعة كل المنع،
كدعوى القيام حسبة وإن لم يوكله كالولايات ونحوها في وجه.
وبالجملة فدعوى وجوب دفع حق الإمام (عليه السلام) للأصناف الآن
من حيث وجوب الاتمام عليه حتى في هذا الزمان للمرسلين السابقين مما لا تستأهل
أن يسود بها قرطاس أو يستعمل فيها يراع، وفي خبر المعلى بن خنيس (1) المروي
في أصول الكافي في باب سيرتهم (عليهم السلام) في أنفسهم إذا ظهر أمرهم، قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يوما: جعلت فداك ذكرت آل فلان
وما هم فيه من النعم، فقلت: لو كان هذا لكم لعشنا معكم، فقال (عليه السلام):
هيهات هيهات يا معلى أما والله أن لو كان ذلك ما كان إلا سياسة الليل وسياحة
النهار ولبس الخشن وأكل الجشب، فزوي ذلك عنا، فهل رأيت ظلامة قط
صيرها الله نعمة إلا هذه) وهو كالصريح في سقوط هذه التكاليف عنهم عند
قصور اليد، وأما الاستناد إلى إذن الفحوى بالطريق المتقدم ففيه منع حصول
العلم بالرضا بذلك، إذ المصالح والمفاسد التي في نظر الإمام (عليه السلام) مما لا
يمكن إحاطة مثلنا به، خصوصا من لم تزهد نفسه في الدنيا منا، فقد يكون صلة
واحد من شيعته أو إطفاء فتنة بينهم أو فعل أمور لها مدخلية في الدين أولى من
كل شئ في نظره، كما يومي إليه تحليلهم بعض الأشخاص وأقاربهم في شدة الحاجة
فكيف يمكن القطع برضاه فيما يفعله غيرهم، خصوصا مع عدم خلوص النفس من
الملكات الردية كالصداقة والقرابة ونحوهما من المصالح الدنيوية، فقد يفضل على
البعض لذلك ويترك الباقي في شدة الجوع والحيرة، بل ربما يستغني ذلك البعض
بقبض ما حصل له فيحتال في قبض غيره إلى تمليك زوجته أو ولده ما عنده

(1) أصول الكافي ج 1 ص 410 الطبع الحديث
173

كي يبقى فقيرا فيقبض ما يشاء، وكيف يمكن أن يقاس هذا بفعل أمير المؤمنين
(عليه السلام) (1) مع عقيل الذي فر منه لعدم صبره على تلك المؤونة، ويومي
إلى جملة مما ذكرنا مع عدم الاعتماد على نحو هذه الفحوى في أموالهم (عليهم السلام)
ذيل توقيع العمري (2) الذي ذكرناه سابقا، بل كاد يكون صريحا في بعضه،
ضرورة أنه سأله عما يقطع في نظرنا وخيالنا بأنه إحسان محض وأنه يرضى به
المالك ومع ذلك نهاه عنه.
ولو أغضينا عن ذلك كله وتكلفنا الجواب عنه كما لعله مقتضى الانصاف
لاتجه مع اقتضاء الفحوى وجوب حصره في الأصناف الثلاثة بحيث لا يجوز
صرفه في غيره من الوجوه ولا حفظه والوصية به إلى أن يصل إلى
يده (عليه السلام)، كما هو واضح، ومن هنا لم يوجبه كثير بل المشهور كما
عرفت، فخيروا بينه وبين الوصية به، بل في القواعد خير بينهما في تمام الخمس،
فقال: (ومع الغيبة يتخير المكلف بين الحفظ بالوصية به إلى أن يسلم إليه وبين
صرف النصف إلى أربابه وحفظ الباقي وبين قسمة حقه على الأصناف) وإن كان
فيه منع واضح بالنسبة إلى حصة الأصناف يعرف مما تقدم، ولذا اقتصر غيره على
هذا التخيير في حق الإمام (عليه السلام) خاصة جمعا بين ما دل على حكم الأمانة
وبين ما دل على جواز دفعه للسادة من إذن الفحوى المستفادة مما عرفت، ومما
ورد من الحث على إعانتهم وإكرامهم وسد فقرهم، سيما في مثل هذه الأزمان
المقتضي للرضا بدفع ذلك إليهم بطريق أولى، لكن فيه ما سمعت من عدم
انحصار ذلك فيهم خاصة، بل قد يتفق بعض مصارف يقطع الانسان بأنها أولى

(1) البحار - ج 40 ص 347 الطبع الحديث - الباب 98 من المجلد التاسع
الحديث 29 الطبعة الكمباني
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأنفال - الحديث 6
174

من إعانة بعض السادة، خصوصا من لم يكن منهم في غاية الفقر ولا غاية التقوى
والصلاح، ومن هنا لم يخصه ابن حمزة بهم كما سمعته، بل قال: (إنه ينقسم نصيبه
على مواليه العارفين بحقه من أهل الفقر والصلاح والسداد).
خلافا للحر العاملي في وسائله فجعل الدفع إلى غيرهم مرتبة ثالثة مشروطة
بعدم حاجة الأصناف، واستوجهه في الرياض حيث قال: (وهل يجوز دفعه إلى
الموالي كالذرية كما استحسنه ابن حمزة ونفى عنه البعد المفيد في غير الغرية أم لا؟
الوجه التفصيل بين وجود المستحق من الذرية فلا، ومع فقده فلا بأس به، لما
مر من الاعتبار القطعي وأنه إحسان محض ليس شئ على فاعله) انتهى، إلا
أنك خبير بما فيه من عدم الدليل المعتبر القاطع للعذر في ذلك، كما أنك خبير بأن
ما سمعته من ابن حمزة ليس قولا باحة حقه (عليه السلام) لشيعته التي ذهب إليها
الكاشاني في مفاتيحه، ومال إليها في المدارك تمسكا بما ورد من أخبار التحليل
والإباحة بعد حملها على إرادة حقهم (عليهم السلام) من ذلك وإن جاء بعضها
بلفظ الخمس التي قد عرفت إعراض أكثر الأصحاب عنها بالنسبة إلى ذلك، بل
حملوها على ما تقدمت الإشارة إليه أو غيره، ضرورة اقتضاء ذلك عدم وجوب
إخراجه وإفرازه على من وجب عليه من الشيعة، بخلاف الأول فإنه يوجب
إخراجه بل وإيصاله إلى المجتهد على الظاهر وإن جوز له صرفه على من عرفت،
لكن في الحدائق بعد اختياره الإباحة في زمن الغيبة مصرحا بموافقة الكاشاني له
وإن اختلف معه في مدرك ذلك نقل قول ابن حمزة وقال: إنه عين ما اخترناه
نعم اعترضه بأنه لا دليل على ما ذكره من التخصيص وإن كان أولى، وأولى منه
صرفه على السادة المستحقين، وفيه ما عرفت، بل لعل مبنى اعتراضه أن مدركه
في التحليل والإباحة ليس إذن الفحوى كي يحتاج في إحرازها إلى هذه الأصناف
ولا أخبار التحليل الواردة من غير صاحب الأمر (عليه السلام)، لأنها منزلة
175

على التحليل منهم في زمانهم لمن أرادوا تحليله، فلا يفيد بالنسبة إلى زماننا، بل
هو خصوص بالتوقيع من صاحب الزمان (عليه السلام) الذي قدمناه سابقا في
أخبار التحليل المشتمل على تحليل الخمس تمامه للشيعة إلى أن يظهر أمرهم لتطيب
ولادتهم ولا تخبث، إلا أنه يجب الخروج عنه في غير حقه لمكان المعارض دونه
فيراد حينئذ منه تحليل حقه من الخمس لا غير، وفيه أن هذا التوقيع مع معارضته
بالتوقيعين وخبر الحسين عن الحجة (عليه السلام) أيضا المتقدمة في أخبار التحريم
مقابل أخبار التحليل، بل وعدم اشتهاره بين أساطين الأصحاب من المفيد
والشيخ وغيرهما، بل قد سمعت ما في المقنعة من الاعتراف بعدم النص وشدة
التحير والمحنة، واحتماله كثيرا من الوجوه التي ذكرناها في غيره من أخبار
التحليل أنه لا يجوز الاعتماد عليه في قطع الأصول والأدلة كتابا وسنة، لاشتمال
سنده على المجاهيل الذين لا يجوز الركون إلى أخبارهم قبل التبين، فكيف
مع تبين العدم.
ومن ذلك كله يظهر لك سر ما ذكره المفيد من المحنة والحيرة، لعدم
وضوح مأخذ قاطع للعذر لشئ من الأقوال المذكورة، كما يومي إليه ظهور
الاضطراب في هذه المسألة من أساطين الأصحاب في تمام الخمس فضلا عن حق
الإمام (عليه السلام) منه، منهم المفيد في مقنعته كما عرفت، والشيخ في نهايته
فإنه بعد أن اعترف بعدم النص المعين فيه، وحكى القول بالإباحة والوصاية والدفن
والتفصيل بين حق الإمام (عليه السلام) وغيره قال: وهذا مشيرا إلى الأخير
مما ينبغي أن يكون العمل عليه، ثم قال بعد أن ذكره مستند ذلك: (ولو أن
إنسانا استعمل الاحتياط أو عمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن
والوصاية لم يكن مأثوما) ونحوه عن مبسوطه.
176

لكن قد عرفت بحمد الله تعالى وضوح السبيل في مصرف حق غير
الإمام، وإن اضطرب فيه من عرفت، وأما حقه (عليه السلام) فالذي يجول
في الذهن، أن حسن الظن برأفة مولانا صاحب الزمان روحي لروحه الفداء
يقضي بعدم مؤاخذتنا في صرفه على المهم من مصارف الأصناف الثلاثة الذين هم
عياله في الحقيقة، بل ولا في صرفه في غير ذلك من مصارف غيرهم مما يرجح
على بعضها وإن كان هم أولى وأولى عند التساوي، أو عدم وضوح الرجحان،
بل لا يبعد في النظر تعين صرفه فيما سمعت بعد البناء على عدم سقوطه،
إذ غيره من الوصية به أو دفنه أو نحوهما تعريض لتلفه وإذهابه من غير فائدة
قطعا، بل هو إتلاف له.
وأقوى من ذلك معاملته معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذر الوصول
إليه روحي له الفداء، إذ معرفة الملك باسمه ونسبه دون شخصه لا تجدي،
بل لعل حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذر الوصول إليه للجهل به، فيتصدق
به حينئذ نايب الغيبة عنه، ويكون ذلك وصولا إليه على حسب غيره من الأموال
التي يمتنع ايصالها إلى أصحابهما، والله أعلم بحقائق أحكامه.
المسألة (الخامسة) صرح غير واحد بأنه (يجب أن يتولى صرف حصة
الإمام (عليه السلام) في أصناف الموجودين) بناء على أن الحكم فيه ذلك
في زمن الغيبة (من إليه الحكم) ممن جمع شرائط الفتوى (بحق النيابة)
التي جعلها الشارع له خاصة في أمثال ذلك، فيصرفه مؤديا به ما على الإمام (عليه السلام) من الاتمام للخمس (كما يتولى أداء ما يجب على الغائب) غير
الإمام بل في الرياض نسبته إلى المتأخرين، وفي المسالك إلى كل من أوجب صرفه
بذلك، وفي المحكي عن زاد المعاد إلى أكثر العلماء، لانحصار ولاية ذلك
وأمثاله فيه، خلافا لما عساه يظهر من المحكي من غرية المفيد من جواز صرفه لمن
177

في يده، ومال إليه في الحدائق محتجا بأنا لم نقف على دليل يوجب صرف
الأموال ونحوها إليه لا عموما ولا خصوصا، بل أقصاه نيابته بالنسبة للترافع
والأخذ بحكمه وفتاواه، وقياسه على النواب الذين ينوبونهم (عليهم السلام)
حال وجودهم لذلك أو لما هو أعم منه لا دليل عليه، وهو وإن كان كما ذكر
خصوصا بالنسبة إلى ما يخص الإمام (عليه السلام) من الأموال إذ دعوى
ولايته عن الغائبين حتى الإمام وحتى في ذلك كما ترى، وإلا كان من الواجب
دفع تمام الخمس والزكاة إليه على حسب ما كان حال ظهور الإمام (عليه
السلام) كما اعترف به المجلسي في المحكي عنه في زاد المعاد، حيث قال:
(وأكثر العلماء قد صرحوا بأن صاحب الخمس لو تولى دفع حصة الإمام (عليه
السلام) لم تبرأ ذمته بل يجب عليه دفعها إلى الحاكم، وظني أن هذا الحكم
جار في جميع الخمس) انتهى. اللهم إلا أن يفرقوا بينهما بظهور الأدلة في ولاية
الإمام (عليه السلام) على الخمس والزكاة ونحوهما حال ظهوره، فيقتصر عليها
في الخروج عن ظاهر الخطابات المقتضى الاجزاء بتولي المكلفين بهما صرفهما
لا ما يشمل زمان الغيبة، فتسقط حينئذ ولايته فيه لا أنها باقية حتى
يتولاها الحاكم عنه، وفيه بحث، على أن ذلك لو سلم لا يجدي فيما نحن فيه
من دعوى عموم ولاية الحاكم حتى لمثل المقام الموقوفة على دليل، وليس، لكن
ظاهر الأصحاب عملا وفتوى في سائر الأبواب عمومها، بل لعله من المسلمات
أو الضروريات عندهم.
بل صرح غير واحد منهم هنا بعدم براءة الذمة لو صرفه غيره وبضمانه، بل
في الكفاية عن الشهيد الثاني إجماع القائلين بوجوب الصرف للأصناف على الضمان،
لكن في كشف الأستاذ (إن للمجتهد الإجازة. إن كان الأحوط الإعادة) كما
أن فيه أيضا (لو دفع إلى من ظنه مجتهدا فظهر خلافه فإن بقيت العين استرجعت
178

منه، وإن تلفت وكان عالما بأنه حق الصاحب عليه السلام ضمن، وإن تعذر إرجاعها
وكان المذكور معذورا فلا ضمان عليه، وإلا ضمن) إلى غير ذلك من الأحكام
المذكورة هنا المبنية على المفروغية مما عرفت من ولايته ونصبه، بل في زماننا
هذا من يصالح عن حقه بمقدار يحتمل نقيصته وزيادته في ذمة المصالح بمراتب،
ولا يكلف بالدفع حتى يتيقن البراءة أو لا يتيقن بقاء الشغل، وبالجملة يجرونه مجرى
حضور الإمام (عليه السلام) بالنسبة إلى جميع ذلك، ومنه عدم جواز تولي
غيره صرفه، نعم في كشف الأستاذ (جوازه لعدول المسلمين إذا تعذر الوصول
إليه ولم يمكن حفظ المال حتى يصل الخبر) كما أن فيه وفي غيره التصريح بجواز
التوكيل فيه، إلا أنه لا يخفى عليك عدم جرأة المتورع على بعض هذه الأحكام،
لعدم وضوح مأخذها خصوصا بعد أن شرع له العقل والشرع طريق الاحتياط.
ثم إن ظاهر بعضهم أن ايجاب الدفع المزبور للحاكم إنما هو حيث نقول
بأن الحكم فيه الصرف وإلا فبناء على وجوب حفظه لأنه أمانة أو التخيير بينه
وبين الدفع واختار المكلف الحفظ مثلا لا يجب، وقد يشكل بأن مقتضى ولاية
المجتهد ومنصوبيته وجوب تسليمه إليه لأن وصوله إليه وصول إلى مالكه، ثم
هو يرى رأيه فيه من دفع للأصناف أو حفظ أو غيرهما كما هو ظاهر الروضة أو
صريحها، وقد يدفع بمنع الولاية له على حفظ مال الغائب الذي هو في يد أمين
ولو شرعي مكلف بحفظه حتى يوصله إلى مالكه بل قد يشكل وجوب الدفع إليه
ولو للصرف بناء على أن تصرفه فيه بإذن الفحوى ونحوها لا لتأدية واجب عن
الإمام (عليه السلام) ضرورة جواز التصرف لمن تحصل له وإن لم يكن الحاكم
إذ ليس له خصوصية حينئذ، بل لا يجب دفعه إليه وإن كان الفحوى حاصلة
له أي الحاكم دونه، بل لعله لا يجوز له في وجه، اللهم إلا أن يكون دفعه
إليه لتشخيص كونه مالا له، ضرورة عدم طريق إلى تعينه غير قبض النائب في
179

زمن الغيبة، إذ ليس هو كقبض المستحق في الزكاة ونصف الخمس، لكونه
مال شخص مخصوص لا يتعين بعد إشاعته في المال إلا بقبضه أو من يقوم مقامه
كما هو واضح، فتأمل جيدا فإن كثيرا من مباحث المقام غير محرر في كلام
الأصحاب كما أشرنا إلى بعضه فيما تقدم، ومنها ما نحن فيه من ولاية الحاكم على
نحو ما عرفت، فلم يحرروا أن ذلك له من باب الحسبة أو غيرها، وعلى
الأول ما وجه تقديمها على ولاية عدول المؤمنين، وعلى الثاني فهل هي انشاء ولاية
ونصب له من الله تعالى على لسان الإمام، أو بعنوان النيابة عنه والوكالة،
وإلا فالولاية له، وعلى الأخير فهل هي على الاطلاق بحث له عزل وكيل مجتهد
آخر، وله الوكالة عن الإمام (عليه السلام) لا عنه فلا ينعزل بموته أو جنونه
أو غيرهما مما ينعزل بها الوكيل عن وكالته، أو ليس له شئ من ذلك بل يوكل
عن نفسه خاصة، لكن على تقديره فهل إطلاق توكيله ينصرف إلى الأول أو
الثاني وإن كان الظاهر في هذا الأخير الثاني، كما أن الظاهر قصر وكالة الحاكم
عن الإمام (عليه السلام) على مناصب الإمامة والولايات العامة لا ما يشمل
أموره المختصة به من ضياعه وجواريه وغير ذك إلا من حيث الولاية على الغائب
أما لو أريد إدخال شئ الآن مثلا في ملك القائم (عليه السلام) متوقف على
قبول ونحوه لم يكن له القبول بناء على عدم عموم ولايته عن الغائبين في أمثال
ذلك، بل هي خاصة في حفظ أموالهم وتأدية ما يجب عنهم، ثم إن جملة من هذه
المباحث يأتي تحقيقها في القضاء والله أعلم، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا
وباطنا على تواتر آلائه ووفور نعمائه، وصلى الله على محمد وآله ذوي الأيادي
العظيمة والمنن الجسيمة التي منها توفيقنا ببركاتهم لاتمام كتاب الخمس ضحوة يوم
الخميس تاسع عشر من عاشور من السنة الحادية والثلاثين بعد الألف والمائتين.
180

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
(كتاب الصوم)
الذي هو من أشرف الطاعات وأفضل القربات، ولو لم يكن فيه إلا
الارتقاء من حطيط النفس البهيمية إلى ذروة الشبه بالملائكة الروحانية لكفى به
منقبة وفضلا على أنه قد ورد فيه من الأخبار ما ظهر بها علو مرتبته ظهور
الشمس في رابعة النهار، ضرورة اشتمالها على أنه أحد الخمسة التي بني الاسلام
عليها (1) وأنه جنة من النار (2) وأنه به يدخل العبد الجنة (3) وأن نوم الصائم
عبادة، ونفسه وصمته تسبيح، وعمله متقبل، ودعائه مستجاب (4) وأنه ليرتع
في رياض الجنة وتدعو له الملائكة حتى يفطر (5) وأن له فرحتين فرحة حين يفطر
وفرحة حين يلقى الله (6) وأنه في عبادة ما لم يغتب مسلما (7) ولا يجري عليه
القلم حتى يفطر ما لم يأت بشئ ينقض صومه (8) وأن خلوق فم الصائم عند الله
أحب من ريح المسك (9) وأنه زكاة الأبدان (10) وأن من صام يوما لله

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 8 - 11 - 38 - 16
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 8 - 11 - 38 - 16
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 8 - 11 - 38 - 16
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 17 و 4
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 8 - 11 - 38 - 16
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 8 - 11 - 38 - 16
(7) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 12 - 34 - 16 - 2
(8) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 12 - 34 - 16 - 2
(9) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 12 - 34 - 16 - 2
(10) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 12 - 34 - 16 - 2
181

عز وجل في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه
بالجنة حتى إذا أفطر، قال الله جل جلاله ما أطيب ريحك وروحك، يا ملائكتي
اشهدوا أني قد غفرت له (1) وأنه الذي يستعان به على النازلة والشدة من الفقر
وغيره (2) وغلبة الشهوة (3) وإذهاب البلغم والحفظ وصحة البدن (4) وأنه
يباعد الشيطان كتباعد المشرق والمغرب، ويسود وجهه (5) وأن لله ملائكة
موكلين بالصائمين والصائمات يمسحونهم بأجنحتهم، ويسقطون عنهم ذنوبهم وأن
لله ملائكة قد وكلهم إلا استجاب فيه (7) وأن من صام يوما تطوعا لو أعطي
ملأ الأرض ذهبا ما وفي أجره دون يوم الحساب (8) وكل أعمال بني آدم
بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف إلا الصبر فإنه لي وأنا أجزي به، فثواب الصبر
مخزون في علم الله، والصبر الصوم (9) وكأن وجه اختصاصه تعالى بالصوم كما في
غيره من الأخبار المروية عند الطرفين أنه أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه
لغير الله تعالى، بخلاف غيره كالحج والصلاة، ولما في الصوم من ترك الشهوات
والملاذ في الفرج والبطن الموجب لصفاء العقل والفكر بواسطة ضعف القوى
الشهوية وقوة القوى العقلية، فيصل بسببهما إلى دقائق الحكمة وإلى كمال

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الصوم المندوب
(3) الوسائل - الباب - 4 من أبواب الصوم المندوب
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 14 والمستدرك
الباب 1 منها الحديث 11
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 36 - 3 - 32 - 33
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 36 - 3 - 32 - 33
(7) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 36 - 3 - 32 - 33
(8) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 36 - 3 - 32 - 33
(9) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 36 - 3 - 32 - 33
182

المعارف الربانية التي هي أشرف أحوال النفس الانسانية، ومن جرب ذلك
واختبره بأن راض نفسه باستعماله مع ترك اللغو في أفعاله وأقواله وكان من
العارفين المتنبهين عرف استغناءه عن إقامة الأدلة والبراهين، بل والفرق بينه وبين
غيره من سائر العبادات، وإن كان كل منها فيه قرب إلى رب العالمين.
وعلى كل حال فما ورد في فضل الصوم وفوائده أكثر مما يحصى فضلا عما ورد
في خصوص صوم شهر رمضان (1) منه ورجب (2) وشعبان (3) ويوم الغدير (4)
وأيام البيض (5) وستة شوال (6) وكل خميس وجمعة (7) واثنين (8) وثلاثة أيام
من كل شهر أول خميس وآخر خميس ووسط أربعاء (9) وغير ذلك، على أن فيه
من الحكم العجيبة والأسرار الغريبة من معرفة عظم فضل الله في المأكل والمشرب
والمنكح وشدة ألم الجوع والعطش كي يرأف الغني بالفقير وغير ذلك مما لا يخفى
على من كان مسرح عقله الخوض في حكم الله ومراعاة أسراره على تفاوت الناس
في هذه المرتبة حتى ينتهي إلى أهل العصمة صلوات الله وسلامه عليهم، فإنهم
يعرفون ما فيه من الأسرار ما لا يعرفه غيرهم، فعن الحسن بن أمير المؤمنين
(عليهما السلام) (10) (أنه جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الصوم المندوب
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الصوم المندوب
(5) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الصوم المندوب
(6) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 1
(7) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 1
(8) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 1
(9) الوسائل - الباب - 7 - عن أبواب الصوم المندوب
(10) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 4
183

عليه وآله) فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أنه قال له: لأي
شئ فرض الله عز وجل الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما، وفرض على الأمم
أكثر من ذلك؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إن آدم لما أكل من
الشجر بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش
والذي يأكلونه بالليل فضل من الله عز وجل عليهم، وكذلك كان على آدم ففرض
الله ذلك على أمتي، ثم تلا هذه الآية (1): (كتب عليكم الصيام كما كتب على
الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات) قال اليهودي: صدقت يا محمد،
فما جزاء من صامها؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما من مؤمن يصوم
شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال أولها يذوب
الحرام من جسده، والثانية يقرب من رحمة الله عز وجل، والثالثة يكون قد
كفر خطيئة آدم أبيه، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت، والخامسة أمان
من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة يعطيه الله براءة من النار، والسابعة
يطعمه الله من طيبات الجنة، قال: صدقت يا محمد) إلى آخره.
(و) على كل حال ف‍ (النظر) فيه يقع (في أركانه وأقسامه ولواحقه
وأركانه أربعة).
(الأول الصوم) لغة الامساك (و) شرعا على ما عرفه المصنف
(هو الكف عن المفطرات مع النية) وقد عرفه غيره بغير ذلك، ولا يكاد
ينطبق شئ منها على خواص التعريف الحقيقي، فيعلم منه عدم إرادتهم من
ذلك بل المراد مجرد التصوير في الجملة، إذ عرف المتشرعة واف في معرفته
كغيره من ألفاظ العبادات، فلا وجه للإطالة في ذكر التعاريف وما يرد عليها

(1) سورة البقرة - الآية 179
184

طردا وعكسا وما لا يرد، كما أن الظاهر عدم وجوب معرفة أنه الكف أو
الترك، وإلا لزم بطلان صوم أكثر الناس إن لم يكن جميعهم، وإنما هو بحث
علمي، بل الظاهر عدم وجوب علم المفطرات على التفصيل،
فلو نوى الامساك عنها
أو عن جملة أشياء تدخل هي فيها لم يبعد الصحة، نعم قد يشكل فيما لو نوى
الامساك عن بعضها دون الآخر بتخيل أنه ليس منها وإن كان لم يفعله، لعدم
حصول نية الصوم الشرعي، مع أن الصحة لا تخلو من وجه، بل هي الظاهر
فيما إذا لم يلاحظ عدم الامساك عنه في النية، فتأمل جيدا والله العالم.
وكيف كان فهي أي النية في الصوم كما تقدم في الصلاة
إما ركن فيه وإما شرط في صحته وقد تقدم هناك أنها هي بالشرط أشبه
بل هنا أولى، لوقوعها ليلا، واحتمال تعلقها ببعض الصوم لعيد كاحتمال وقوع
بعض أجزأ الصوم ليلا وكيف كان فالظاهر جريان جملة مما سمعته سابقا
في المقام، كاعتبار نية الوجه والقضاء والأداء والأصالة والتحمل، لعدم تعقل
الفرق كما لا يخفى، فما عساه يتوهم من المتن والشيخ من الفرق حيث اجتزيا هنا
بنية القربة بخلاف الصلاة في غير محله، ولعل ذلك منهما في معرض عدم وجوب
التعيين لما تقدم من أن التحقيق عندنا عدم اعتبار شئ من ذلك، فلو لم ينوها
أو نوى شيئا منها في محل ضده على وجه لا ينافي التعيين ولا يقتضي تغير النوع
صح، كما لو نوى صفة خارجة، والتشريع مقتض للعقاب دون الفساد بلا معارض
للأصل، نعم لو توقف التعيين على شئ من المذكورات أو غيرها وجب مقدمة
لحصول التعيين الذي يتوقف الامتثال عليه كما حرر في محله إلا أنه يحتاج إليه مع تعدد
نوع المأمور به، إذ مع اتحاده لا اشتراك كي يحاج إلى التعيين فيكفي في
رمضان حينئذ على المختار من عدم اعتبار نية الوجه أن ينوي أنه يصوم غدا
متقربا إلى الله تعالى من غير حاجة إلى التعرض لكونه من رمضان، لعدم
185

صحة غيره فيه، فقصد امتثال الأمر بالصوم غدا مثلا لا يكون إلا للأمر
المتعلق به فتعينه مجز عن تعيينه، على أنه عند التحليل تعيين، ولم أعرف خلافا في
ذلك، بل عن الغنية والتنقيح الاجماع عليه، نعم في الذخيرة عن بعض الأصحاب
اعتبار نية التعيين فيه أيضا من غير أن يذكر اسمه، وفي غيرها نسبته إلى العلامة.
وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه، لما عرفت خصوصا مع عدم مستند له
سوى ما قيل من قاعدة الشك، ومن أن امتثال الأمر فرع تعقل المكلف أن
الأمر أمره بذلك، فإذا لم يعتقد أن الصوم غدا مما أمر الشارع به لم يكن
ممتثلا للتكليف بالصوم غدا وإن كان ممتثلا للتكليف بالصوم المطلق، فالامتثال
يتوقف على اعتقاد أنه الصوم الذي تعلق به غدا، ونحن لا نعني بالتعيين سوى
هذا إذ به يتعين كونه من رمضان، وفي الأول منع جريان قاعدة الشك،
خصوصا في نحو النية التي عرفت كون التحقيق فيها أنها من الشرائط، وخصوصا
في الصوم الذي يمكن منع إجماله بملاحظة النصوص الآتية في محلها، وفي الثاني أن
القائل بعدم التعيين لا يكتفي بقصد امتثال الأمر بالصوم وإن لم يعلم أنه مأمور به
غدا كي يتجه عليه ما ذكره، بل أقصاه - كما سمعت التصريح به في الاستدلال
الاكتفاء بقصد امتثال الأمر المتعلق بصوم غد عن تعيين كونه من رمضان،
لعدم تعدد الأمر به، فمع فرض قصد الأمر المتعلق به حينئذ يتعين كونه شهر
رمضان، وحينئذ فمرجع القولين إلى قول واحد، ولو سلم اكتفاؤه بذلك
لم يعتبر التعيين أيضا بعد فرض عدم قابلية الزمان إلا لشخص خاص من الصوم،
فتعينه كاف عن تعيينه.
نعم قد يقال بأنه يعتبر فيه عدم قصد المكلف الاطلاق الذي ينافي
التشخص بأن يكون مراده الكلية من حيث الكلية، فإن ذلك حينئذ كنية
الخلاف، بل يكفي مصداق الاطلاق الذي يجامع التشخص، وعلى كل
186

حال فلا وجه إلى رده في الذخيرة بأن مبنى دليل عدم التعيين على أن الصوم عبارة
عن الامساك المخصوص بنية التقرب إلى الله تعالى وحينئذ فإذا نوى الصوم متقربا
إلى الله تعالى فقد حصل الامتثال، سواء قصد كونه صوم شهر رمضان أو لم
يقصد. وبالجملة لا ريب في حصول الفعل ممتثلا لأمر الأمر به مطلقا وإن
لم يحصل الفعل قاصدا به امتثال الأمر الخاص، واثبات أن الاجزاء يستدعي
حصول الفعل بالقصد المذكور يحتاج إلى دليل، نعم إتمام هذا الاستدلال
يتوقف على إثبات أن النية خارجة عن حقيقة الصوم، وأنه حقيقة شرعية في مهية
الامساك المعين من غير اعتبار استجماع شرائط الصحة في معناه الحقيقي حتى إذا
انتفي بعض شرائط الصحة صدق الصوم حقيقة، إذ المتجه حينئذ الاحتياج إلى
دليل في اثبات اعتبار الأمر الزائد على القدر المسلم بخلافه على التقديرين الآخرين
ضرورة توقف يقين الفراغ من يقين الشغل على الاتيان بالفرد المعلوم حصول
الامتثال به ثم قال: (وحيث كان اثبات الأمرين المذكورين لا يخلو عن عسر
كانت البراءة اليقينية من التكليف الثابت تقتضي اعتبار قصد التعيين، لكن
عند انتفائه لا يلزم الحكم بوجوب القضاء، لأن القضاء بتكليف جديد منوط
بفوات الفعل أداء، ولم يثبت في موضع البحث فتدبر) وظاهره الميل إلى اعتبار
التعيين لكن على الوجه الذي ذكره.
وفيه أولا ما عرفت من أنه لا ريب في ظهور تعلق النية بالصوم ووقوعها
ليلا في خروجها عنه، إذ القول بتعلقها ببعض الصوم أو وقوع بعض أجزاء
الصوم ليلا كما ترى، وثانيا عدم فهم اعتبار الخصوصية في النية وعدم دلالة
الدليل عليه كاف في الحكم بالامتثال بمقتضى الآية، فإذا أمسك المكلف عن
المفطرات من طلوع الصبح إلى غروب الشمس مع نية القربة في هذا الامساك عالما
بأن الامساك في هذا اليوم مما طلبه الشارع صدق عليه في عرف فرق الاسلام أنه
187

صام، ولا يفهم أحد من قوله فليصمه أمرا زائدا على ما يعبر عنه في عرف فرق
الاسلام بالصوم، كما أن اعتبار النية الذي ظهر من خارج لا يدل على أزيد من
اعتبار نية القربة في هذا الامساك، فالآتي بهذا الامساك آت بما يفهم من هذا
الأمر وهو دليل الاجزاء.
نعم قد يقال بوجوب نية التعيين لو كان المكلف جاهلا بعدم وقوع
غير شهر رمضان فيه، فجوز صلاحية الزمان له ولغيره، وبوجوبها أيضا كما
قواه في البيان في المتوخي لشهر رمضان، كالمحبوس الذي لا يعلم الأهلة لأنه
زمان لا يتعين فيه الصوم، ولأنه معرض للقضاء، والقضاء يشترط فيه التعيين مع
احتمال العدم فيه. لأنه بالنسبة إليه شهر رمضان، واحتمل اشتراط التعيين على تقدير
عدم وجوب التحري عليه، بل يجوز له الصوم في أي وقت شاء، وإلا لم يجب
ونفى عنه البأس في المدارك ولا ريب في ضعفه، إذ لا فرق بينهما من حيث
صيرورته بذلك شهر رمضان في حقه، فإن كان ذلك مجزيا عن التعيين ففيهما معا
وإلا فلا، نعم قد يفرق بينهما بأن المتجه إحداث نية التعيين لشهر رمضان للمتوخي
على الأول، وهي غير نية التعيين لصوم كل يوم، والتحقيق عدم وجوب التعيين
عليه على كل حال بعد صيرورة مظنونه أو مختاره شهر رمضان بالنسبة إليه، بل
قد يناقش في وجوب التعيين في الأول، والتعدد الذي منشأه الجهل لا ينافي صدق
امتثال الأمر المتحد في الواقع، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فلا ريب في أن نية التعيين في الجميع أحوط، بل في الدروس
وفي المبسوط فسر نية القربة أن ينوي صوم شهر رمضان، وفي البيان ولو أضاف
التعيين إلى القربة والوجوب في شهر رمضان فقد زاد خيرا، والأقرب استحبابه
ثم قال: وأما التعرض لرمضان هذه السنة فلا يستحب ولا يضر، ولو تعرض
لرمضان سنة معينة في غيرها ففي البيان إن كان غلطا لغى، وإن تعمد فالوجه
188

البطلان، وناقشه في المدارك بحصول الامساك مع نية التقرب، فيحصل الامتثال
ويلغو الزائد مع أن هذه لا معنى لها، فإنها إنما تقع على سبيل التصور لا التصديق
قلت: لكن تكون سببا لعدم قصد امتثال خصوص الأمر المتعلق به في هذه
السنة، وهو كاف في البطلان، فتأمل جيدا.
وكيف كان فهل يكفي ذلك في النذر المعين وأخويه وما يشبههما
(قيل) قال المرتضى وابن إدريس: نعم وقواه الفاضل في المنتهى لأنه
زمان تعين بالنذر للصوم، فكان كشهر رمضان، واختلافهما بأصالة التعيين
وعرضيته لا يقتضي اختلافهما في هذا الحكم وقيل: ذهب جماعة منهم الشيخ
إلى أنه لا يكفي وهو الأشبه وفاقا للفاضل في جملة من كتبه والشهيدين
والمقداد وغيرهم، بل في المسالك أنه المشهور لأنه زمان لم يعينه الشارع في الأصل
للصوم، ولا بالنذر على وجه لا يصح وقوع غيره فيه حتى مع السهو والنسيان
والجهل ونحوها، إذ لا دليل عليه بالنسبة إلى ذلك، والالتزام بالنذر أعم من
رفع الصلاحية، بل ربما احتمل صحة وقوع غيره فيه مع العمد وإن أثم بترك
ايقاع النذر فيه وإن كان فيه ما فيه، بل يمكن منع وقوع غيره فيه حتى مع السهو
والجهل فضلا عن غيره لاختصاصه بالنذر فيه، بل ظاهر ما يأتي في المدارك المفروغية
من ذلك وإن كان خلاف ما حكاه فيها عن المنتهى بل في الدروس الاجماع عليه
فالانصاف حينئذ أنه إن تم ذلك كان الالحاق بشهر رمضان متجها، وإلا كان
المتجه العدم، ومن ذلك يظهر لك ما في المدارك والذخيرة وغيرهما من عدم الفرق
بين شهر رمضان والنذر المعين سواء كان تعيينه في أصل النذر الذي هو السبب
في وجوبه وبين ما كان مطلقا بالأصل ثم تعين بنذر آخر مثلا، واحتماله بدعوى
أن الثاني صالح للوقوع في سائر الأزمنة وإنما أفاد النذر فوريته خاصة فهو كالنذر
للواجب المطلق كما ترى، وأوضح منه فسادا ما قيل من أن مبنى الوجهين على تفسير
189

المعين فإن فسر بأنه الفعل الذي إذا فات محله صار قضاء لم يكن معينا، وإن
فسر بأنه الفعل الذي لا يجوز تأخيره عن ذلك الزمان الذي تعلق به كان معينا،
ضرورة عدم دوران الحكم على هذا اللفظ كي يرجع إلى تفسيره، بل ظاهرهما
عدم الفرق أيضا بين ذلك وبين قضاء شهر رمضان عند تضييق الوقت في عدم وجوب
التعيين بل وإن لم يتضيق إذا لم يكن في ذمة المكلف صوم واجب سواه، وقلنا
بامتناع المندوب لمن في ذمته واجب، وفي الجميع ما عرفت، وامتناع تعمد الندب
لمن عليه قضاء لا يمنع من الصحة لو وقع نسيانا ونحوه مما افترق به عن شهر
رمضان، فلا ريب في أن الأحوط والأقوى اعتبار التعيين في غيره، لكن في
المسالك أنه يلزم القائل بوجوب التعيين هنا القول بوجوب التعرض للوجوب أيضا
لاقتضاء دليله له، وهو أن الزمان بأصل الشرع غير معين، وإنما تعين بالعارض،
وما بالأصل لا يزيله ما بالعارض، فلا بد من نية التعيين، وهذا بعينه آت في
الوجوب، ومقتضى كلام المصنف الاكتفاء في النذر المعين بالقربة والتعيين،
وفيه سؤال الفرق بين الأمرين، اللهم إلا أن يحمل نية القربة على ما يعم الوجوب
كما سيأتي مثله عن جماعة، وفي المدارك بعد أن حكى ذلك عنه قال: وهو غير
جيد لعدم الملازمة كما اعترف هو به في مواضع من كتبه، قلت: وهو كذلك
إذ الوجوب والندب حال عدم توقف التعيين عليهما من الصفات الخارجية اللاحقة
للفعل على كل حال سواء نوى أو لم ينو بخلاف نية التعيين التي قد عرفت عدم
تحقق الامتثال بدونها، لعدم انصراف الفعل في القابل للوجوه إلى المكلف به
في نفسه، كما هو واضح، والله أعلم.
(ولا بد فيما عداهما) أي شهر رمضان والنذر بناء على الالحاق (من
نية التعيين وهو القصد إلى الصوم المخصوص) كالكفارة والنذر المطلق ونحوهما
بلا خلاف كما عن التنقيح الاعتراف به، بل عن المعتبر نسبته إلى فتوى الأصحاب
190

مشعرا بدعوى الاجماع. بل في التحرير دعواه صريحا (فلو اقتصر على نية
القربة وذهل عن تعيينه لم يصح) لعدم تميز المنوي وتشخصه مع صلوحه لوجوه
متعددة، فلا يقع حينئذ لشئ منها، ولا أمر بالصوم المطلق حتى يصح له،
فليس حينئذ إلا الفساد، نعم ألحق الشهيد في البيان بالواجب المعين المندوب المعين
كأيام البيض، بل حكى عنه ثاني الشهيدين في الروضة أنه ألحق به في بعض تحقيقاته
مطلق المندوب، لتعينه شرعا في جميع الأيام إلا ما استثني، فيكفي نية القربة
واستحسنه هو، وتبعه في الذخيرة، وفي المدارك لا بأس به خصوصا مع براءة
ذمة المكلف من الصوم الواجب، وهو ظاهر في الاجتزاء بذلك وإن كانت
ذمته مشغولة بواجب، إلا أنه لا يخفى ما فيه بل وما في الجميع ضرورة عدم
صلاحية أمثال ذلك للاستغناء عن نية التعيين التي أوجبها العقل في بعض الأحوال
فضلا عن الشرع وتوقف عليها صدق الامتثال باعتبار عدم انصراف الفعل إلى
أحد الخصوصيات بدونها كما هو واضح فتأمل، هذا.
وقد ظهر من تفسير المصنف نية التعيين أنه لا يستغنى بها عن نية القربة كما
عن المبسوط ضرورة مغايرتها له حينئذ فلا يجزي أحدهما عن الآخر كما اعترف به
المصنف في المحكي عن معتبره، والمراد بالخصوصية في التفسير المزبور ما تفيد تعيين
الصوم الواقع على وجه تشخصه، فلا يجب التعرض لخصوص الكفارة مثلا بل
يكفي القصد إلى ما في ذمته مع فرض اتحاده وإن لم يعلم كونه قضاء أو كفارة
كما صرح به شيخنا في كشفه، ودعوى أنها أوصاف داخلة في حقيقة المكلف به
فيجب حينئذ قصدها واضحة المنع، فتأمل هذا.
(و) على كل حال فإن كان الصوم معينا ف‍ (لا بد من خطورها)
أي النية (عند أول جزء من الصوم) كغيره من الأعمال تحصيلا للمقارنة
191

المفهوم اعتبارها من نحو قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (إنما الأعمال
بالنيات) وغيره، لكن لما كان تحصيل ذلك متعسرا إن لم يكن متعذرا
- ضرورة عدم العلم بطلوع الفجر إلا بعد الوقوع، فتقع النية بعده، وذلك غير
المقارنة المعتبرة فيها بالنسبة إلى غير الصوم من الأعمال - اجتزى الشارع عن ذلك
في الصوم المعين فضلا عن غيره بوقوعها في الليل، وهو الذي أشار إليه المصنف
بقوله: (أو تبييتها) في أي جزء من الليل، خلافا لبعض العامة فخصها
بالنصف الأخير ولا ريب في ضعفه، كضعف ما عساه يظهر من المحكي عن المرتضى
من كون النية قبل طلوع الفجر إلى الزوال إذا أريد منه ما لا يشمل جميع الليل
الذي لا ينبغي التأمل في جواز وقوع النية في أي جزء من أجزائه، بل لا تبطل
بعد وقوعها بفعل ما ينافي الصوم بعدها قبل طلوع الفجر سواء في ذلك الجماع
وغيره لاطلاق دليل الاجزاء، خلافا لما عن البيان من الجزم بعدم جوازها بالتناول
ثم قال: (وفي الجماع وما يبطل الغسل تردد من أنه مؤثر في صيرورة المكلف
غير قابل للصوم، فيزيل حكم النية، ومن حصول الشرط وزوال المانع بالغسل)
لكن لا يخفى عليك ما فيه، بل في المدارك أنه دعوى خالية عن الدليل، قلت
بل الدليل على خلافها، ضرورة أن الصوم المنوي من طلوع الفجر، فلا مدخلية
لاجزاء الليل التي يقع فيها المفطر.
وكيف كان فلا إشكال في إجزاء تبييتها ليلا إلا أنه يعتبر فيه كونه
(مستمرا على حكمها) غير ناقض لها بما ينافيها من نية أخرى أو غيرها جاعلا له
المصنف قسيما للخطور من غير خلاف يعرف فيه، بل الاجماع بقسميه عليه بل
السيرة التي هي أعظم من الاجماع عليه، بل يمكن دعوى صدق كون الصوم بالنية

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10.
192

على ذلك، إذ نية كل شئ بحسب حاله لكن قد يقال إن المتجه حينئذ عدم
ذكر الفرد الأول من الفردين لعدم الفائدة فيه، اللهم إلا أن يكون ذلك لبيان
الاجتزاء به إذا اتفق ردا على المحكي عن ابن أبي عقيل من ايجاب وقوع النية
ليلا الظاهر في عدم اجراء المقارنة المزبورة، إلا إذا حمل على إرادة تعذرها أو
تعسرها كما عرفت، أو يمنع إرادة المقارنة المزبورة في نحو عبارة المصنف بل
ما يشمل حصولها بعد تحقق الفجر، كما يشهد له ما في الروضة هنا من أن ظاهر
الأصحاب أن النية للفعل المستغرق للزمان المعين تكون بعد تحققه لا قبله لتعذره
وممن صرح به المصنف في الدروس في نيات أعمال الحج كالوقوف بعرفة، فإنه
جعلها مقارنة لها بعد الزوال، فيكون هنا كذلك، وحينئذ يتجه ذكر المصنف له
فردا مقابلا للتبييت، لكن بناء عليه يقع جزء من الزمان بلا نية حينئذ، وهو
خلاف المعلوم من الشرع.
ولعل من ذلك كله ينقدح لك قوة ما قلناه سابقا من أن النية عبارة عن
الداعي الذي لا ريب في تصور مقارنة خطوره، ضرورة إمكان استمراره مما
قبل الفجر إلى ما بعده، كما أنه يكفي وجوده في الليل مستمرا على حكمه في صدق
استناد الصوم إلى النية عرفا، وحينئذ فلا حاجة في جواز تقديم النية ليلا إلى
دليل خاص، اللهم إلا أن يقال أنه وإن قلنا بأن النية الداعي لكن لا نقول
بالاكتفاء بخطوره آنا ما قبل الشروع في الفعل وإن غاب حاله كما في نحو المقام
إذ لا ريب في صحة صوم من نواه من أول الليل ثم نام إلى ما بعد طلوع الفجر
على أنه لا يعقل فرق بين ذلك وبين الوقوع قبل الليل حتى أجزأ الأول دون
الثاني، خلافا لابن الجنيد فاجتزى بهما معا، ونحوه ما تسمعه من الشيخ الذي
سيشير إليه المصنف، لكن لا ريب في ضعفهما، وحينئذ فلا بد من الاستناد
إلى دليل خاص في ذلك كله، اللهم إلا أن يدعى أن للصوم خصوصية، فيصدق
193

مع وجود الداعي وإن غاب بالنوم ونحوه أنه بنية دون غيره، كما أن له خصوصية
في هذا الصدق بالنسبة إلى الليل والنهار.
وكيف كان فلا يجوز تأخير النية عن الفردين في الواجب المعين ولو
للعارض، بل قد يظهر من إطلاق المتن عدم الفرق في ذلك بين المعين وغيره وإن
كان هو بالنسبة إلى الثاني واجبا شرطيا، لكن - مع أنه قد ينافيه لفظ
النسيان في الجملة - مقتضى ذلك عدم جواز تجديد النية قبل الزوال في القضاء
والكفارة والنذر المطلق لمن لم ينو الصيام من الليل مختارا، ولم أعرف به قائلا
من الأصحاب، بل المنسوب في المدارك وغيرها إلى قطعهم استمرار وقت النية
فيه من الليل إلى الزوال إذا لم يفعل المنافي نهارا، لصحيح عبد الرحمن بن
الحجاج (1) عن أبي الحسن عليه السلام: ((في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع
النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان وإن لم يكن نوى ذلك من
الليل قال: نعم فليصمه ويعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا) والصحيح عن محمد بن
قيس (2) عن أبي جعفر عن علي (عليهما السلام) (إذا لم يفرض الرجل على نفسه
صياما ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر فهو بالخيار
إن شاء صام وإن شاء أفطر) وسئل الصادق عليه السلام في موثق الساباطي (3) (عن
الرجل يكون عليه الأيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي
الصيام؟ فقال: هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى
الصوم فليصم، وإن كان نوى الافطار فليفطر، وسئل فإن كان نوى الافطار
يستقيم الصوم بعد ما زالت الشمس فقال: لا) الحديث، وقال له الحلبي (4):
(إن رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أيصوم؟ قال: نعم) كقوله عليه السلام في

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 2 - 5 -؟ - 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 2 - 5 -؟ - 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 2 - 5 -؟ - 1
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 2 - 5 -؟ - 1
194

خبر عبد الله بن سنان (1) (إن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم،
فإنه يحسب له من الساعة التي نوى فيها) وقال صالح بن عبد الله (2) لابن إبراهيم
عليه السلام: (رجل جعل الله عليه الصيام شهرا فيصبح وهو ينوي الصوم ثم يبدو له
فيفطر، ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم فقال: هذا كله جائز).
بل إطلاق المحكى عن ابن الجنيد يقتضي جواز تجديد النية بعد الزوال،
ولعله للأصل وإطلاق بعض النصوص السابقة بل ترك الاستفصال فيه، وصحيح
عبد الرحمان (3) سأل أبا الحسن (عليه السلام) (عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم
يشرب ولم ينو صوما وكان عليه يوم من شهر رمضان أله أن يصوم ذلك اليوم
وقد ذهب عامة النهار؟ قال: نعم له أن يصوم ويعتد به من شهر رمضان)
ومرسل ابن أبي نصر (4) (قلت للصادق (عليه السلام): الرجل يكون عليه
القضاء من شهر رمضان ويصبح فلا يأكل إلى العصر أيجوز أن يجعله قضاء شهر
رمضان؟ قال: نعم) وصحيح هشام بن سالم (5) قال للصادق (عليه السلام):
(الرجل يصبح ولا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم فقال:
إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، وإن نواه بعد الزوال
حسب له من الوقت الذي نوى) وهو لولا ندرته لكان في غاية القوة، لعدم
المعارض إلا موثق عمار (6) المنفي فيه الاستقامة الذي يمكن إرادة الكمال منه
كما أومأ إليه صحيح هشام (7) بل هو كالصريح في إرادة نحو ذلك، ويرجع إليه
ما في المسالك من أنه إن أوقع النية قبل الزوال أثيب على الصوم لجميع النهار،
وإن نوى بعده حسب له من الوقت الذي نوى فيه إلى آخر النهار، والصوم

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 6 - 9 - 8 - 10 - 8
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 6 - 9 - 8 - 10 - 8
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 6 - 9 - 8 - 10 - 8
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 6 - 9 - 8 - 10 - 8
(7) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 6 - 9 - 8 - 10 - 8
195

صحيح على التقديرين، وحمل العامة الخبر الأول على ما قبل الزوال كما ترى،
وأضعف منه حمل الخبر الثاني على الناوي صوما مطلقا مع نسيان القضاء فأراد
صرفه بعد العصر إليه، إذ هو مع أنه خلاف ظاهر الخبر أو صريحه لا دليل على
المنزل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، وأضعف منهما استدلاله في المحكي عن المعتبر
بأن الصوم الواجب يجب أن يأتي به من أول النهار أو بنية تقوم مقام الاتيان به
من أوله وقد روى إلى آخر صحيح هشام السابق، إذ هو واضح الضعف، فليس
حينئذ إلا الندرة، خصوصا والخبر الثاني الذي هو العمدة في إثبات الدعوى
مرسل لا جابر له، بل قد عرفت الاعراض عنه، وخصوصا مع مخالفة الحكم
القواعد المحكمة والعمومات المعمول بها.
نعم لا بأس بالقول به في المندوب المتسامح فيه وفاقا للمرتضى والشيخ
وابن إدريس والفاضل والشهيدين وغيرهم، بل عن المنتهى نسبته إلى الأكثر،
بل عن الإنتصار والغنية والسرائر الاجماع عليه للأصل وإطلاق بعض النصوص،
حتى قول الصادق (عليه السلام) في صحيح هشام (1): (كان أمير المؤمنين عليه السلام
يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شئ وإلا صمت، فإن كان عندهم شئ أتوا به،
وإلا صام) وخصوص موثق أبي بصير (2) سأل أبا عبد الله (عليه السلام) (عن
الصائم المتطوع تعرض له الحاجة قال: هو بالخيار ما بينه وبين العصر، وإن مكث
حتى العصر ثم بدا له أن يصوم وإن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم
إن شاء) وغير ذلك متمما بعدم القول بالفصل، وأن المراد بالعصر فيه بقاء زمان
يصلح لتجديد نية الصيام كما صرح غير واحد باعتبار ذلك، وخلافا للمحكي عن
الأكثر فجعلوه كالواجب في عدم جواز التجديد بعد الزوال للأصل الذي قد

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 1
196

عرفت انقطاعه، كما عرفت أن المراد من صحيح هشام بن سالم تفاوت الفضل،
فلا ريب أن الأقوى حينئذ ذلك.
قد ظهر من ذلك كله أن الأولى حمل ما في المتن على الواجب المعين بالأصل
أو بالعارض، فإنه هو المتجه فيه وجوب الاستحضار أو التبييت باعتبار توقف
الصحة حال الاختيار عليهما، إذ لا دليل عليها بدونهما وإن جدد قبل الزوال حتى
في القضاء المنذور تعيينه مثلا وإن كان مقتضى استصحاب حكمه قبل النذر ذلك
إلا أنه لما كان الحكم مخالفا للقواعد وجب الاقتصار فيه على المتيقن من النصوص
من الواجب غير المعين، بل لا ريب في ظهورها لاشتمالها على لفظ البدو وغيره
فيه، وربما كان ذلك من حيث توسعته (و) حينئذ يتجه قول المصنف:
ف‍ (لو
نسيها) أي النية (ليلا) وفي الدروس أو كان جاهلا بوجوب ذلك اليوم
(جددها نهارا) في ما (بينه) أي الليل و (بين الزوال) من المدة على معنى
أنه يجددها حالة الذكر على الفور في هذه المدة لئلا يخلو جزء من النهار من النية
اختيارا لا أن له التراخي بها إليه، فإن فعل حينئذ بطل وإن جددها قبل الزوال
كما صرح به في المسالك إذ لا خلاف يعتد به في أن ذلك حكم الناسي في المعين
بل قيل: إن ظاهر المعتبر والتذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق ولعله كذلك عدا
ما عساه يظهر من المحكي عن ابن أبي عقيل في المختلف من عدم الفرق بين العامد
والناسي في بطلان الصوم مع الاخلال بالنية من الليل وهو وإن كان مقتضى
القواعد إلا أنه يجب الخروج عنها بما سمعت من ظهور الاتفاق المعتضد بفحوى
ما دل على انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال وبنبوي
الرفع وبالمروي (1) عن النبي (صلى الله عليه وآله) (إن ليلة الشك أصبح
الناس فجاء أعرابي إليه فشهد برؤية الهلال فأمر النبي (صلى الله عليه وآله) مناديا

(1) سنن البيهقي ج 4 ص 212 مع الاختلاف في اللفظ
197

ينادي من لم يأكل فليصم ومن أكل فليمسك) بتقريب أنه إذا جاز مع العذر
وهو الجهل بالهلال جاز مع النسيان كما في التذكرة وغيرها وإن كان هو كما ترى
كأصل الاستدلال بالمرسل المزبور وأضعف منه الاستدلال في المدارك بأصالة
عدم اعتبار تبييت النية مع النسيان كما هو واضح وعدا ما عساه يظهر من
إطلاق ما يحكى عن المرتضى من أن وقت النية في الصيام الواجب من قبل طلوع
الفجر إلى وقت الزوال من جواز تأخير النية اختيارا وابن الجنيد ويستحب
للصائم فرضا وغير فرض أن يبيت الصيام لما يريده به وجائز أن يبتدئ وقد
بقي بعض النهار ويحتسب به من واجب إذا لم يكن أحدث ما ينقض الصيام ولو
جعله تطوعا كان أفضل من التأخير إلى ما بعد الزوال إلا أنه لا ريب في ضعفهما
معا بل يجب حمل الأول على إرادة تحديد الوقت الاختياري والاضطراري
كما أنه يجب حمل الثاني على ذلك أو غير المعين من الواجب.
وعلى كل حال فعبارة المتن في المعين لكن فيما حضرني من النسخة تعقيب
ذلك بقوله: فلو زالت الشمس فات محلها واجبا كان الصوم أو ندبا وقيل:
يمتد وقتها إلى الغروب كصوم النافلة والأول أشهر وكأنه مناف لحمل العبارة
السابقة على الواجب المعين الذي لم نعرف قائلا بامتداد وقتها فيه إلى الغروب عدا
ما سمعته من عبارة ابن الجنيد السابقة كما أنه لا يستقيم التعميم السابق مع قوله:
كصوم النافلة الظاهر في المفروغية منه واحتمال إرادة المعين من الندب والمطلق
من النافلة يدفعه أنه لا فرق عند الأصحاب بين أفراد الندب في الحكم المزبور
ويمكن حمل العبارة الأخيرة على إرادة بيان منتهى وقت النية الاختياري
والاضطراري في الواجب والندب ولا ينافيه كون العبارة السابقة في الواجب
المعين والأمر سهل بعد ما عرفت تفصيل الحال في أفراد المسألة الذي منه أنه إذا
ترك النية في المعين عمدا حتى أصبح لم يجزه تجديد النية قبل الزوال لعدم الدليل
198

فيبقى على مقتضى القواعد لكن في البيان جعل الاجزاء وجها وأقرب منه
العدم وفي الكتاب فيما يأتي ولو قيل بانعقاده كان أشبه ولا ريب في ضعفه
فيجب عليه حينئذ القضاء.
بل لا يبعد وجوب الكفارة وفاقا للمحكي عن أبي الصلاح بل في البيان
أن به كان يفتي بعض مشايخنا المعاصرين لأن فوات الشرط أو الركن أشد من
فوات متعلق الامساك بل ما نحن فيه أشد قطعا، ضرورة أنه من أفراده
العاصي الذي قصد عدم الامتثال وعزم عليه إلا أنه اتفق إمساكه عن المفطرات
لعارض في بدنه أو غيره ومن ذلك يظهر لك ضعف القول بعدم الكفارة وإن
قطع به الفاضل في المحكي من المنتهى وقواه في المدارك لأصالة البراءة المقطوعة
بما يظهر من نصوص الكفارة الآتية.
ولو نوى من الليل صوما غير معين ثم نوى الافطار ولم يفطر كان له تجديد
النية بعد ذلك بناء على أن ذلك مفسد للصوم كما لو أصبح بنية الافطار ثم جدد
النية بعد ذلك ويحتمل العدم لفساد الصوم بذلك كما هو المفروض فلا يكون
له التجديد ولا ريب في ضعفه هذا وفي المدارك تبعا لما سمعته من المسالك
في الجملة (ولو جدد النية في أثناء النهار فهل يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه
من وقت النية أو من ابتداء النهار أو يفرق بين ما إذا وقعت النية بعد الزوال
أو قبله؟ أوجه أجودها الأخير لصحيح هشام بن سالم) قلت: قد عرفت إرادة
تفاوت الفضل من الصحيح لا أصل الثواب المترتب على صدق اسم الصيام الشامل
لما نحن فيه بالأدلة الشرعية التي لا معنى لاستبعاد تأثير النية فيما مضى بعدها هنا
على أن معنى تأثيرها احتساب اليوم بجميعه يوم صيام فالامساك المتأخر أشبه
شئ بإجازة الفضولي في التأثير في السابق لا أنه ينوي التقرب فيما مضى من
إمساكه لعدم معقوليته على وجه الحقيقة كما هو واضح والله أعلم.
199

(و) كيف كان فقد ظهر لك من ذلك ابتداء وقت النية وانتهائه
فما (قيل) من أنه (يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه) وأنه (لو سها عند
دخوله فصام كانت النية الأولى كافية) كما هو خيرة النهاية والمبسوط والخلاف
واضح البطلان قال في الأول: (إن نسي أن يعزم على الصوم في أول الشهر
وذكر في بعض النهار جدد النية وقد أجزأه فإن لم يذكرها وكان من عزمه قبل
حضور الشهر صيام الشهر إذا حضر فقد أجزأه أيضا فإن لم يكن في عزمه ذلك
وجب عليه القضاء) وفي الثاني (نية القربة يجوز أن تكون متقدمة، فإنه إذا
كان من نيته صوم الشهر إذا حضر ثم دخل عليه الشهر ولم يجددها لسهو لحقه أو
نوم أو اغماء كان صومه صحيحا، فإن كان ذاكرا فلا بد من تجديدها) وفي
الثالث (وأجاز أصحابنا في نية القربة في شهر رمضان خاصة أن تتقدم على الشهر
بيوم أو أيام) وحاصلها بعد رجوع بعضها إلى بعض الاجتزاء بذلك للناسي مثلا
خاصة، فأما الذاكر فلا يجتزى به إجماعا في المختلف بل في البيان قولا واحدا،
وهو شئ غريب، بل لا يوافق ما ذكر دليلا له من أن مقارنة النية ليست شرطا
في الصوم، فكما جاز أن تتقدم من أول ليلة الصوم وإن تعقبها النوم والأكل
والشرب والجماع جاز أن تتقدم على تلك الليلة بالزمان المتقارب كاليومين والثلاث
إذ هو مع أنه قياس ومع الفارق اعتبارا ودليلا من الاجماع بقسميه والنصوص
التي منها خبر التبييت يقتضى الاجتزاء بذلك مع الذكر أيضا، ويكفي ذلك
في ضعف هذا القول وسقوطه، والله أعلم.
(وكذا قيل: تجزي نية واحدة لصيام الشهر كله) لكن القائل هنا
الشيخان والمرتضى وأبو الصلاح وسلار وابن زهرة وغيرهم، بل عن المنتهى
نسبته إلى الأصحاب من غير نقل خلاف، بل في المحكي عن الرسية للمرتضى
200

والانتصار والخلاف والغنية الاجماع عليه صريحا ولا استبعاد في ذلك، ضرورة
إمكان تأثير النية فيه للدليل وإن طال وتخلل الفصل، كما أثرت في أجزاء اليوم
الواحد وفي النهار مع وقوعها في أول الليل، فلا مانع حينئذ من أن يكون
الثلاثون يوما بالنسبة إلى ذلك كالعمل الواحد بعد اقتضاء الدليل، وليس المراد
من ذلك القياس كي يرد أنه ممنوع أولا، ومع الفارق ثانيا، ولا أن المراد أنه
عمل واحد حقيقة كاليوم الواحد كي يرد عليه أن صوم كل يوم مستقل بنفسه
لا تعلق له بما قبله وما بعده شرعا وعرفا، ولذلك تتعدد الكفارة بتعدده،
ولا يبطل صوم الشهر ببطلان بعض أيامه كالصلاة، ولا غير ذلك مما هو واضح
المنع، بل المراد التنظير بعد دلالة الدليل، إلا أنه في المقام منحصر في الاجماع
المحكي المعتضد بالشهرة القديمة، فمع القول بحجيته لا محيص عنه هنا، وعدم
الاطلاع عليه من غير جهة النقل غير قادح في حجيته، كعدم العمل به من جماعة
ممن تأخر، بل ربما قيل إنه المشهور بينهم، ضرورة معارضته بعمل من تقدم
واشتهاره بينهم، وعدم الصيام لمن لم يبيت الصيام بعد تسليم اعتبار ما دل عليه
مخصوص بغير الفرض، أو يراد من التبييت فيه ما يشمل المقام الذي وقعت النية
فيه من أول ليلة، كما أن دليل المقارنة يجب تخصيصه أو تنزيله على نحو ذلك
وقاعدة الشغل بعد تسليم جريانها في نحو المقام يجب الخروج عنها بالدليل المزبور
على أنه قد اعترف في الذخيرة هنا بعدم اقتضائها القضاء لو خالفها، ولعله لعدم
صدق الفوات به، فتأمل جيدا.
ومن ذلك كله مال في الرياض وغيره إلى القول به، بل فيه أنه مال إليه في
المعتبر أيضا، إلا أنه لا ريب في أن الأولى تجديد النية لكل يوم عملا بالاحتياط
قال في محكي المنتهى: (ولو قلنا بالاكتفاء بالنية الواحدة فإن الأولى تجديدها
بلا خلاف) ونحوه عن الغنية، وهما صريحان في جواز تفريق النية في المقام عند
201

القائل بالاكتفاء بالنية الواحدة وإن منعوه منه في غير المقام، فما وقع من ثاني
الشهيدين من إشكاله بأن القائل بالاكتفاء بالنية الواحدة للشهر يجعله عبادة
واحدة، ومن شأن العبادة الواحدة أن لا يجوز تفريق النية على أجزائها في
غير محله، إذ لو سلم امتناع التفريق في غير المقام، إلا أن ظاهر القائل الجواز هنا
بل قد سمعت ما في الغنية والمنتهى، ولعله لما عرفت من أنه ليس عبادة واحدة
عندهم كي يتأتى عليه إشكال التفريق، بل حكمها حكمها من هذه الحيثية الخاصة،
وإلا فلا ريب في عدم ارتباط صوم يوم بآخر كما هو واضح.
نعم في الذخيرة (أنه لا يبعد القول بأن كل واحد من الأيام عبادة مستقلة
والمجموع أيضا عبادة مستقلة، فلو قيل بذلك لم يبعد أن يقال المجموع أيضا
يحتاج إلى نية، كما أن الأجزاء تحتاج إليها، لكن لا أعرف أحدا صرح بهذا)
قلت: لوضوح بطلانه باعتبار وضوح عدم مدخلية الاجتماع في العبادة.
ومن ذلك يظهر لك أن المتجه بناء على هذا القول الاجتزاء بنية واحدة
لبعض الشهر إذا فاته النية للبعض الآخر لعذر أو غيره، ضرورة أولوية الاجتزاء
بها للبعض منه للجميع، لكن عن البيان (إن الأوجه عدم الاكتفاء بذلك،
لأن شهر رمضان إما عبادة واحدة أو ثلاثون عبادة، فلا يجوز أن يجعله قسما
آخر) وفي المدارك (إن ضعفه ظاهر، إذ المفروض كونه عبادة واحدة، فلا
وجه لتفريق النية، لكن العبادة الواحدة لا يمتنع الاتيان ببعضها لفوات البعض
الآخر، ومتى وجب الاتيان به تعين باعتبار النية فيه على هذا الوجه) قلت: مضافا
إلى ما قد عرفت من أن المراد من الوحدة فيه الاجتزاء بالنية الواحدة لا غير.
وكيف كان فهذا الحكم مختص بشهر رمضان، أما غيره فيجب فيه تجديد
النية لكل يوم يوم بلا خلاف أجده فيه، بل في الدروس الاجماع عليه من غير
فرق بين نذر شهر معين أو أيام معينة متتابعة وبين غيرهما، للقاعدة السالمة عن
202

المعارض هنا، لكن عن المنتهى تعليله بأنه عندنا لعدم النص، وعندهم للفرق
بين صوم لا يقع فيه غيره وبين صوم يجوز أن يقع فيه سواه، وفي المدارك وكان
مراده جواز الوقوع لولا النذر، إذ لا ريب في امتناعه بعده، وأما تعليله بعدم
النص فهو مشترك بين صوم شهر رمضان وغيره، والأمر سهل بعد وضوح المقصود
(و) على كل حال فالمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا أنه (لا يقع
في) شهر (رمضان صوم غيره) واجبا أو مندوبا، من المكلف بصومه
وغيره كالمسافر ونحوه، بل هو المعروف في الشريعة، بل كاد يكون من قطعيات
أربابها إن لم يكن من ضرورياتها، لكن عن مبسوط الشيخ (لو كان مسافرا
سفر القصر فصام بنية رمضان لم يجزه، وإن صام بنية التطوع كان جائزا، وإن
كان عليه صوم نذر معين ووافق ذلك شهر رمضان فصام عن النذر وهو حاضر
وقع عن رمضان، ولا يلزمه القضاء لمكان نذر، وإن كان مسافرا وقع عن
النذر وكان عليه القضاء لرمضان، وكذا إن صام وهو حاضر بنية صوم واجب
عليه عن رمضان وقع عن رمضان ولم يجزه عما نواه، وإن كان مسافرا وقع
عما نواه) وهو غريب، خصوصا بعد مرسل الحسن بن بسام (1) قال: (كنت
مع أبي عبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا
هلال شهر رمضان فأفطر، فقلت له: جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت
صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر فقال: إن ذلك تطوع ولنا أن نفعل
ما شئنا، وهذا فرض وليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا) وكأنه أومأ بذيله إلى
ما استدل به هنا غير واحد من أصحابنا من أن العبادة وظيفة متلقاة من الشارع
فتتوقف على النقل، ولم يثبت التعبد في شهر رمضان بصوم سوى الصوم الواجب
منه بالأصالة، فيكون فعله بدعة محرمة، وزاد في المختلف الاستدلال بقوله

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 5
203

تعالى (1): (فمن كان منكم مريضا) إلى آخره، فإن إيجاب العدة يستلزم إيجاب
الافطار، وبقوله (عليه السلام) (2): (ليس البر الصيام في السفر) إلى أن قال
في الجواب عما ذكر دليلا للجواز من أنه زمان لا يجب صومه عن رمضان فأجزأه
عن غيره كغيره من الأزمنة التي لا يتعين الصوم فيها، قال: الفرق أن هذا
الزمان لا ينفك عن وجوب الصوم عن رمضان ووجوب الافطار، بخلاف غيره
من الأزمنة، ولا يجب إفطاره في السفر فأشبه العيد في عدم صحة صومه،
والانصاف أن جميع ذلك محل للنظر، بل بعضه مصادرة، فالعمدة حينئذ معلومية
عدم وقوع غير رمضان فيه في الشريعة.
(و) أنه (لو نوى غيره) فيه (واجبا كان أو ندبا) لم يقع عما
نواه قطعا إذا كان ممن يصح منه شهر رمضان، وفي الدروس إجماعا فيه وفي
غيره من المعين لو نوى فيه غيره، نعم قد سمعت ما في المبسوط من أنه إن نوى
ذلك (أجزأه عن رمضان دون ما نواه) ونحوه عن المرتضى ومعتبر المصنف،
وفي المختلف أنه لا يخلو من قوة، بل هو صريح التذكرة، لحصول نية القربة،
والزائد عليها باعتبار عدم إمكان وقوعه لغو لا عبرة به، ولذا لم يحتج إلى نية
التعيين التي تحتاج إليها للتمييز بين المنوي وغيره، وهذا لا يقتضي عدم إيجاب
النية أصلا، ضرورة أعمية وقوع الامساك من الصوم وغيره، كما أنه لا يرد أن
المتجه حينئذ عدم وجوب نية التعيين لو تضيق وقت الصلاة باعتبار عدم وقوع
غيرها فيه، إذ هو مع ندرة فرضه، وعدم تعين الوقت للصلاة، لامكان وقوعها
قبله مثلا قد يجاب عنه بمنع كون التعيين فيه كشهر رمضان بحيث لا يصلح
وقوع غيره فيه كائنا ما كان كما هو واضح، وقد ظهر من ذلك حينئذ أن

(1) سورة البقرة - الآية 180
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 11
204

الصوم المأمور به وقع على وجهه وبشرطه، فكان مجزيا، ولأنه لا فرق عند التأمل
بين الجاهل بكونه شهر رمضان والناسي وبين العالم، والظاهر الاتفاق على الاجزاء
في الأول فكذا الثاني، قال في التذكرة: (لو نوى الحاضر في رمضان صوما
مطلقا وقع عن رمضان إجماعا، ولو نوى غيره مع الجهل فكذلك، للاكتفاء بنية
القربة في رمضان وقد حصلت، فلا تضر الضميمة) وفي المدارك أما الوقوع عن
رمضان مع الجهالة بالشهر فالظاهر أنه موضع وفاق كما اعترف به بعض الأصحاب
في يوم الشك، والفرق بينهما بارتفاع حكم الخطاب عنهما دونه كما ترى غير صالح
لقاعدة تبعية الأفعال للنيات، لكن قد يناقش بأن إلغاء الزائد على نية التقرب
إنما هو بالنسبة إلى وقوع ما نواه، لا أنه لغو بحيث يكون كما لو نوى الصوم
المطلق الذي ينصرف إلى شهر رمضان، ضرورة أنه لا دليل على ذلك، بل معلومية
تضاد جزئيات الكلي وأن إرادة أحدهما تنافي إرادة الآخر تقتضي خلافه،
فلا ريب في اقتضاء القواعد حينئذ البطلان في الفرض باعتبار خلو الفعل عن النية
بالخصوص، وبالاطلاق المنصرف إليه، ولا يقع عما نواه لعدم صلاحية الزمان،
فدعوى وقوع الصوم المأمور به على وجهه وبشرطه فيكون مجزيا كما ترى.
نعم لو كان الفرض أنه نوى صوم شهر رمضان وأنه قضاء عما في ذمته مثلا
أمكن فيه تقرير ذلك لا أنه إنما نوى من أول الأمر القضاء مثلا، وعدم الفرق
بين الجاهل وغيره مسلم من حيث القاعدة، لكن خرجنا عنها فيه للاجماع
ولنصوص يوم الشك، خصوصا خبر الزهري (1) منها الطويل المشتمل على أقسام
الصوم، وعن المقنعة أنه ثبت (2) عن الصادقين (أنه لو أن رجلا
تطوع شهرا وهو لا يعلم أنه من شهر رمضان ثم تبين له من بعد صيامه أنه كان

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب بقية الصوم الواجب - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 13
205

من شهر رمضان أجزأ ذلك عن فرض الصيام) فلا يقاس عليه العالم الذي قد نهي
عن نية غير رمضان فيه، ومن هنا كان مختار الحلي والشهيدين وجماعة عدم
الاجزاء عنهما في العالم، بل الظاهر أنه لا يجزي وإن جدد النية قبل الزوال،
للأصل السالم عن معارضة ما يقتضي الاجزاء بعد بطلان القياس عندنا على الاجتزاء
بالتجديد لناسي النية ونحوه، أما الجاهل ونحوه فقد عرفت الاجتزاء فيه عن
رمضان، وألحق في الدروس الواجب المعين في رمضان بذلك، فقال: (ويتأدى
رمضان بنية النفل مع عدم علمه، والأقرب سريانه في غيره من الواجبات المعينة
ثم قال: ويتأدى رمضان وكل معين بنية الفرض غيره بطريق الأولى "
وظاهره الفرق في رمضان وغيره بين نية النفل وغيره، ولعله لنصوص يوم الشك
واتحاد صنف الواجب بخلاف المندوب، نعم قد يتوقف في أصل الحكم بتأدي
المعين غير رمضان بنية النفل أو فرض آخر غيره، لعدم الدليل، وحرمة القياس،
فتأمل جيدا، وحكم تجديد النية بعد الانكشاف ما تسمعه في يوم الشك،
والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (لا يجوز أن يردد نية صومه بين الواجب والندب)
قطعا بناء على اعتبار نية الوجه (بل لا بد من قصد أحدهما تعيينا)
بل وعلى تقدير عدم اعتبار نية الوجه إذا لم يذكر القربة، بل ذكرهما مرددا بينهما
أما إذا ذكرها فلا بأس، لأن هذه الضميمة غير منافية للتقرب، فلا تكون مبطلة
بل لو قلنا بصحة العبادة وإن اشتملت على الوجه الذي لا يطابق الواقع فنوى
الوجوب في مقام الندب وبالعكس كان الحكم بالصحة هنا أولى، كما وهو واضح،
ودعوى أنه مع التعرض للوجه يتعين قصد أحدهما وإن لم نقل بوجوب التعرض
عارية عن الدليل، بل إطلاق الاكتفاء سابقا في رمضان بنية أنه يصوم متقربا
إلى الله تعالى مناف لذلك، واحتمال إرادة ما يتناول الطاعة بالفعل والوجه الذي
206

يقع عليه من القربة كما ترى، نعم يمكن أن يريد المصنف وجوب التعيين مع تعدد
ما على المكلف من الواجب والمندوب، فإن من الواضح حينئذ عدم جواز الترديد
له بل لا بد من التعيين، لا أن المراد وجوب التعيين في صوم اليوم المشخص الذي
لم يرد من المكلف غيره، فإنه غير متجه بناء على عدم اعتبار نية الوجه قطعا،
كما هو واضح، والله أعلم.
(ولو نوى الوجوب) أي وجوب شهر رمضان في صوم (آخر يوم
من شعبان مع الشك لم يجز عن أحدهما) عن المشهور بين الأصحاب، بل في
الرياض نسبته إلى عامة من تأخر، بل عن المبسوط نسبته إلى الأصحاب مشعرا
بدعوى الاجماع عليه، لبطلانه بالنهي عنه المقتضي للفساد في العبادة ولو كان
لشرطها، قال الصادق (عليه السلام) في موثق سماعة (1): (إنما يصام يوم الشك
من شعبان، ولا يصومه من شهر رمضان، لأنه قد نهي أن ينفرد الانسان
بالصيام في يوم الشك، وإنما ينوي من الليل أنه يصوم من شعبان، فإن كان من
شهر رمضان أجزأ عنه بفضل الله عز وجل وبما وسع على عباده، ولولا ذلك لهلك
الناس) وفي خبر الزهري (2) (سمعت علي بن الحسن (عليهما السلام) يقول: يوم
الشك أمرنا بصيامه ونهينا عنه، أمرنا أن يصومه الانسان على أنه من شعبان،
ونهينا أن يصومه على أنه من شهر رمضان وهو لم ير الهلال) وفي صحيح هشام (3)
عن الصادق (عليه السلام) (يوم الشك من صامه قضاء وإن كان كذلك يعني
من صامه على أنه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وإن كان يوما من شهر
رمضان، لأن السنة جاءت في صيامه على أنه من شعبان، ومن خالفها كان عليه

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 4 - 8 مع اختلاف في الثاني
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 4 - 8 مع اختلاف في الثاني
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 5
207

القضاء) وفي صحيح محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) (في الرجل
يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان، فقال (عليه السلام): عليه قضاؤه وإن
كان كذلك، وقال الصادق (عليه السلام) في خبر الأعشى (2): (نهى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) عن صوم ستة أيام: العيدين والتشريق والذي يشك فيه
من رمضان) وقال له عبد الكريم (3): (إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم
القائم (عليه السلام) فقال: لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا
اليوم الذي يشك فيه) وعن المقنع روايته بزيادة من شهر رمضان.
وعلى كل حال فالمراد ما في النصوص السابقة من النهي عن صومه على أنه
من شهر رمضان، إذ صوم يوم الشك لا بهذه النية بل نية أنه من شعبان مندوب
إليه بلا خلاف فيه بيننا إلا من المفيد فيما حكي عنه، فكرهه على بعض الوجوه،
وهو شاذ، بل على خلافه النصوص والاجماع في محكي الانتصار والغنية والخلاف
وظاهر غيرها كالتنقيح والروضة، بل هو أولى من حمل النهي عن صومه فيما سمعت
على التقية، لأنه مذهب جماعة من العامة، وإن كان يشهد له بعض المعتبرة (4)
(عن اليوم الذي يشك فيه فإن الناس يزعمون أن من صامه بمنزلة من أفطر في
شهر رمضان فقال: كذبوا، إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفق له، وإن
كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيام) كل ذلك مضافا إلى ما فيه من
التشريع المقتضي لعدم تحقق الامتثال، خلافا لابني أبي عقيل والجنيد فاجتزيا
بها عن شهر رمضان لو صادف، وعن خلاف الشيخ اختياره محتجا عليه باجماع

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 7
208

الفرقة وأخبارهم على أن من صام يوم الشك أجزأ عن رمضان ولم يفرقوا، وهو كما
ترى، ضرورة تحقق الفرق في النص والفتوى، والأولى الاستدلال عليه بصحيح
معاوية (1) وموثق سماعة (2) الآتيين.
والمناقشة في بعض الأدلة السابقة كصحيح هشام باحتمال قوله: (يعني)
إلى آخره من الراوي لا الإمام (عليه السلام) فلا يكون حجة، وصحيح محمد
ابن مسلم وما شابهه باحتمال تعلق الجار بيشك بل هو أولى من (يصوم) لقربه
والاجماع على تر ك العمل به على هذا التقدير لا يقتضي حمله على المعنى الذي يصلح
لأن يكون حجة، إذ لا دليل يعتد به على ذلك، على أن أقصاه أولوية ذلك من
الابطال، وهي لا تصلح لجعل ذلك المعنى حجة على الدعوى، ولو سلم فالمعنى
المعتمد عليه في هذه الأدلة غير منحصر فيما ذكر لاحتمال الورود مورد التقية،
وهو معنى جيد يصح أن يحمل عليه أخبار أهل العصمة، بل في الذخيرة احتمال
الجمع بين هذه النصوص والنصوص (3) الدالة على نفي القضاء عمن صام يوم الشك
بحمل الأولى على الندب والأخرى على نفي الوجوب، والتشريع إنما يقتضي الحرمة
دون الفساد واضحة الدفع بعدم جريانها في البعض الآخر من النصوص التي
سمعتها الذي هو الشاهد لإرادة ذلك في باقي النصوص، بل هو الشاهد على أن
قوله: (يعني) إلى آخره من الإمام (عليه السلام) على أن كونه من الراوي
المشافه بالخطاب كاف في المطلوب، وتعلق الجار بيشك غير قادح بعد أن كشفت
النصوص الحال عن صوم يوم الشك وأنه صام بنية أنه من رمضان كان عليه
قضاؤه، وإن صام بنية أنه من شعبان أجزأ، فوجب حينئذ حمل النصوص المطلقة
على هذا التفصيل، فلو سلم تعلقه بيشك كان دالا على المطلوب، ولا يعارضه

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 5 - 6 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 5 - 6 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 5 - 6 - 0 -
209

حسن معاوية (1) أو صحيحه قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (الرجل يصوم
اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك فقال: هو شئ وفق له)
وموثق سماعة (2) (سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان لا يدري
هو من شعبان أو من رمضان فصامه من شهر رمضان فقال: هو يوم وفق له
ولا قضاء عليه) بعد التنزيل على التفصيل المزبور، خصوصا وقد روى الأخير
في الكافي (صامه فكان من شهر رمضان) وهو أضبط من غيره، وكون التشريع
يقتضي الحرمة دون الفساد إذا لم يكن في ابتداء النية ولم يخرج الفعل به عن قصد
امتثال الأمر المتعلق به، وما نحن فيه من ذلك.
وكذا المناقشة باحتمال هذه النصوص النهي عن صومه محتسبا له من شهر
رمضان وإن لم يظهر كونه كذلك، فتكون كالنصوص المتضمنة لذلك، ففي خبر
محمد بن الفضيل (3) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (وفي اليوم الذي يشك
فيه إلى أن قال: لا يعجبني أن يتقدم أحد بصيام يوم) وفي المرسل (4)
(كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لأن أفطر يوما من شهر رمضان أحب إلي من أن
أصوم يوما من شعبان أزيده في شهر رمضان (وفي خبر سهل بن سعد (5) (سمعت الرضا
(عليه السلام) يقول: الصوم للرؤية والفطر للرؤية، وليس منا من صام قبل الرؤية للرؤية
وأفطر قبل الرؤية للرؤية، قلت: يا بن رسول الله فما ترى في صوم يوم الشك؟
فقال: حدثني أبي عن جدي عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين
(عليه السلام): لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من
شهر رمضان) إلى غير ذلك، ضرورة صراحة بعض النصوص السابقة بعدم العبرة

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الصوم الحديث - 7 - 8 - 9
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الصوم الحديث - 7 - 8 - 9
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الصوم الحديث - 7 - 8 - 9
210

به وإن بان أنه من شهر رمضان، لكن ومع ذلك فالمسألة لا تخلو من إشكال،
ومن هنا كان ما عليه المشهور قويا باعتبار موافقته للاحتياط، هذا وفي المدارك
وغيرها (لا يخفى أن نية الوجوب مع الشك إنما تتصور من الجاهل الذي يعتقد
الوجوب لشبهة، أما العالم بانتفائه شرعا فلا يتصور منه ملاحظة الوجوب إلا على
سبيل التصور، وهي غير النية فإنها إنما تتحقق مع الاعتقاد كما هو واضح))
قلت: هذا جار في غير المقام مما كان من التشريع، ولعل الصورة كافية في ثبوته
وترتب الحكم عليه.
(و) كيف كان فيوم الشك (لو نوى) المكلف صومه (مندوبا)
لأنه من شعبان (أجزأ عن رمضان إذا انكشف أنه منه) بلا خلاف أجده
فيه، بل ربما ظهر من المصنف والفاضل نفيه بين المسلمين، بل الاجماع بقسميه
عليه بل المحكي منهما مستفيض حد الاستفاضة إن لم يكن متواترا كالنصوص (1)
التي فيها الصحيح وغيره المتضمنة لبيان وجه الاجزاء من أنه يوم وفق له، وقد
سمعت أن في خبر الزهري منها التعليل بأن الفرض إنما وقع على اليوم بعينه،
ومنه بل ومن التأمل في غيره يستفاد الاجزاء به عن شهر رمضان وإن لم ينوه ندبا
بل نواه عن قضاء أو نذر أو نحوهما، وبالجملة العنوان أنه صامه على أنه من
شعبان فبان كونه من رمضان، وقد سمعت التصريح به في الدروس وأنه أولى
من الاجتزاء بالمندوب وإن ناقشه فيها في المدارك، لكنه في غير محله نعم قد
يتوجه عليه ما ذكرنا سابقا فلاحظ وتأمل.
ثم إن إطلاق النص والفتوى يقتضي الاجتزاء بذلك وإن لم يجدد النية
إذا بان أنه من رمضان في أثناء النهار، لكن في الدروس (ولو نوى الندب
وظهر الوجوب جدد نية الوجوب وأجزأ وإن كان بعد الزوال، وكذا لو نوى

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب وجوب الصوم
211

الوجوب عن سبب فظهر استحقاق صوم اليوم لغيره جدد التعيين، وهنا يجب
التعيين في رمضان) وعن المعتبر أيضا التصريح بوجوب التجديد، إلا أنه قال في
المدارك: (إنما يتم إذا اعتبرنا ذلك في صوم رمضان، نعم لا بأس باعتبار التعيين
هنا وإن لم يفتقر إليه صوم رمضان، لتعلق النية بغيره، فلا ينصرف إليه بغير
نية) وفيه أنه قد يقال: إن الصرف هنا شرعي لا مدخلية للنية فيه، ومنه يعلم
عدم وجوب التجديد للاطلاق المزبور.
(و) قد تبين من ذلك كله حكم صوم يوم الشك بنية أنه من رمضان
أو من شعبان ندبا أو قضاء ونحوه، أما (لو صامه على أنه إن كان من) شهر
(رمضان كان واجبا وإلا كان مندوبا) ف‍ (قيل) والقائل الشيخ في الخلاف
والمبسوط والعماني وابن حمزة والفاضل في المختلف والشهيد في جملة من كتبه:
(يجزي) عن رمضان إذا صادفه (وقيل) والقائل الشيخ في باقي كتبه وابن
إدريس والمصنف وأكثر المتأخرين: (لا يجزي) عنه (وعليه الإعادة، وهو
الأشبه) بأصول المذهب وقواعده، لأن صوم هذا اليوم إنما يقع على وجه
الندب على ما يقتضيه الحصر الوارد في النص، ففعله على خلاف ذلك لا يتحقق به
الامتثال، ودعوى أنه نوى الواقع فوجب أن يجزيه، وأنه نوى العبادة على
وجهها فوجب أن يخرج عن العهدة، وأن نية القربة كافية وقد نواها، يدفعها
منع الأولين بعد أن عرفت كون الوجه المعتبر الندب خاصة بمقتضى الحصر الوارد
في الرواية، ولا ينافيه كون ذلك اليوم من رمضان، فإن الوجوب إنما يتحقق
إذا ثبت دخوله لا بدونه، والوجوب في نفس الأمر لا معنى له، وأما الثالث
فيدفعه أنه لا يلزم من الاكتفاء في صوم شهر رمضان بنية القربة الصحة مع إيقاعه
على خلاف الوجه المأمور به بل على الوجه المنهي عنه، وأيضا فإن نية التعيين
تسقط فيما علم أنه من شهر رمضان لا فيما لم يعلم، هذا حاصل ما في المدارك
212

والرياض والذخيرة، نعم في الأخير بعد أن ذكر التشريع دليلا لعدم الاجزاء
قال: (ويرد عليه أن غاية ما يستفاد من ذلك تحريم بعض خصوصيات النية،
ولا يلزم منه فساد الصوم، والحق أن إثبات وجوب القضاء لو صامه على الوجه
المذكور في غاية الاشكال) قلت: يقوى في النظر عدم وجوب القضاء إذا كان
قد نوى القربة المطلقة، والترديد إنما هو في الشئ في نفسه وفي حد ذاته لا أنه
ترديد في النية، إذ هو كالترديد لاحتمال طرو العارض من حيض أو سفر الذي
صرح بصحة الصوم معه، وأنه ليس من الترديد في النية، ولعله بذلك يمكن
رجوع النزاع هنا إلى حفظ، ضرورة أن من المستبعد القول بالصحة مع فرض
كون الترديد في النية، وما في الدروس من أنه يشترط الجزم مع علم اليوم،
وفي يوم الشك بالتردد قول قوي يجب حمله على ما ذكرنا، لقوله في التذكرة
لو نوى أنه يصومه عن رمضان أو نافلة لم يصح إجماعا، كما أن من المستبعد
القول بالعدم إذا كان بالفرض الذي ذكرنا، ودعوى توقف الصحة على نية
الندب المقابل للوجوب وعلى كونه من شعبان يمكن منعها، إذ المسلم البطلان مع
نية أنه من شهر رمضان خاصة، فتأمل جيدا، هذا. ولا يخفى أن موضوع هذه
المسألة أخص من موضوع المسألة السابقة يعني قوله: (ولا يجوز أن يردد)
إلى آخره لاختصاص هذه بصوم يوم الشك وإطلاق تلك، فما عن بعض الشارحين
من اتحاد المسألتين وأنه مكررة ليس بجيد.
(ولو أصبح) في يوم الشك (بنية الافطار ثم بان أنه من الشهر جدد
النية) إذا كان لم يفعل ما يقتضي الافطار (واجتزأ به) كغيره من أفراد
الجاهلين والناسين بلا خلاف أجده فيه، بل لعل الاجماع بقسميه عليه كما عرفته
سابقا، إذ المسألة من واد واحد (وإن كان ذلك بعد الزوال أمسك) وجوبا
بلا خلاف، بل عن ظاهر المنتهى أنه لم يخالف فيه أحد من علمائنا إلا النادر
213

من العامة وعن الخلاف الاجماع عليه، وهو الحجة بعد اعتضاده بما عرفت،
وبما قيل من عموم عدم سقوط الميسور بالمعسور بناء على أن الواجب عليه الصوم
مع النية فإذا فاتت لم يفت، وإن كان هو كما ترى، المعروف بين الأصحاب
عدم الاجتزاء بهذا الامساك (و) إن (عليه القضاء) لعدم كونه صوما معتبرا
باعتبار فوات وقت النية منه، إذ ما بعد الزوال ليس منه كما عرفت، ووجوب
الامساك أعم من كونه صوما معتبرا، خلافا للإسكافي فساوى بين ما قبل
الزوال وبعده، فيجدد النية ويجزي به، ولا ريب في ضعفه كما تقدم سابقا،
فلاحظ وتأمل.
بقي في المقام (فروع) كثيرة ذكر المصنف منها (ثلاثة: الأول)
ما تقدمت الإشارة إليه سابقا من أنه (لو نوى الافطار في يوم من) شهر
(رمضان) عصيانا (ثم) تاب ف‍ (جدد النية قبل الزوال) فالمعروف بين
الأصحاب كما في المدارك وإن نسبه المصنف إلى ال‍ (قيل) مشعرا بتمريضه أنه
(لا ينعقد وعليه القضاء) لأن الاخلال بالنية في جزء من الصوم يقتضي فساد
ذلك الجزء لفساد شرطه، ويلزم منه فساد الكل، لأن الصوم لا يتبعض، فيجب
قضاؤه، ودليل التجديد المخالف للقواعد غير شامل لما نحن فيه قطعا، بل قد
عرفت فيما تقدم القول بوجوب الكفارة بذلك فضلا عن القضاء (و) أن قول
المصنف: (لو قيل بانعقاده كان أشبه) في غاية الضعف، وفي المسالك إنما يتجه
على القول بالاجتزاء بالنية الواحدة للشهر كله مع تقدمها، أو على القول بجواز
تأخير النية إلى ما قبل الزوال، وفيه أن القول الثاني غير متحقق، واللازم على
الأول عدم اعتبار تحديد النية مطلقا للاكتفاء بالنية السابقة.
(الثاني لو عقد نية الصوم ثم نوى الافطار ولم يفطر ثم جدد النية كان
صحيحا) وفاقا للأكثر في الذخيرة، وللمشهور في المدارك استصحابا للصحة
214

السابقة بعد السلامة عن المعارض، لحصر الناقض للصوم في صحيح ابن مسلم (1)
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث
خصال: الطعام والشراب، والنساء، والارتماس في الماء) ولأن نية الافطار إنما
تنافي نية الصوم لا حكمها الثابت بالانعقاد الذي لا ينافيه النوم إجماعا، ولأن النية
لا يجب تجديدها في كل أزمنة الصوم إجماعا، فلا تتحقق المنافاة، خلافا للمحكي
عن أبي الصلاح فجزم بالفساد بذلك، بل جعله موجبا للقضاء والكفارة، وإن
خالفه فيه الفاضل في المختلف للأصل السالم عن المعارض بعد أن وافقه على الأول
لفوات الشرط الذي هو النية التي كان مقتضى الأصل اعتبارها في جميع أجزاء
العبادة، إلا أنه للمشقة والحرج اعتبر فيما عدا الابتداء حكمها المفسر بأن لا يتأتي
بنية تخالفها ولا ينوي قطعها، فمع أحدهما تفوت النية حينئذ حقيقة وحكمها،
فيبطل الفعل خصوصا في نحو الصوم الذي لا يتبعض، فإذا فسد جزء منه بفوات
النية فسد جميعه، كما هو واضح.
ومرجع الجميع من الطرفين إلى اعتبار استمرار النية في الصحة وعدمه،
والتحقيق حصول البطلان بنية القطع التي هي بمعنى إنشاء رفع اليد عما تلبس به
من الصوم على نحو إنشاء الدخول فيه، ضرورة خلو الزمان المزبور عن النية،
فيقع باطلا، ودعوى تأثير النية الأولى فيه وإن كان بهذا الحال واضحة المنع،
وأما نية القطع بمعنى العزم على ما يحصل به ذلك، وإن لم يتحقق الانشاء المزبور
وكذا نية القاطع فقد يقوى عدم البطلان بهما، استصحابا للصحة السابقة التي
لم يحصل ما ينافيها، إذ الواقع عند التأمل يؤكدها، ودعوى كون المعتبر في
الصحة العزم في سائر الأزمنة على الامتثال بالصوم في سائر أوقات اليوم لا نعرف
لها مستندا وإن كان مقتضى الاقتصار على المتيقن ذلك، والتردد في الأثناء

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
215

مناف للجزم المعتبر في النية كالابتداء.
نعم في كشف الأستاذ (أن التردد في الأثناء إن كان للتوقف على
السؤال فلا إشكال) وفيه أنه يمكن أن يكون ذلك خارجا عما نحن فيه، ضرورة
بقاء عزمه السابق على الصوم، إلا أن تردده في حصول المنافي، فتأمل، وقال فيه
أيضا: (إنه لو نوى الابطال لزعم الاختلال فبان عدم الاشكال فلا إشكال
وكذا لو زعم رجحان ترك الصيام فبان الرجحان) قلت: يمكن أن لا يكون
ذلك أيضا مما نحن فيه من نية القطع، ضرورة تحقق الفساد بها بناء عليه من غير
فرق في أسباب حصولها، فليس في الحقيقة إنشاء عدم الصوم في الفرض، بل
أقصاه أنه تخيل البطلان فعزم على ما ينافي الصوم لو كان معتبرا، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فتجديد النية الذي ذكره المصنف في المتن بل ربما قيل: إنه
كاد يكون صريح المنتهى وأنه إذا لم يجدد لا اشكال يعتد به في البطلان
لا مدخلية له فيما نحن فيه، ضرورة كون المقتضي للبطلان النية المزبورة، فإن
ثبت ذلك وجب الحكم بالبطلان بها وإلا وجب القول بالصحة كذلك، كما أطلقه
في المحكي عن المعتبر، والله أعلم بحقيقة الحال، ومما ذكرنا يعلم ما في كلام جماعة
من الأصحاب وإطلاقهم حتى الدروس، قال: ويجب استمرار حكمها، فلو نوى
الافطار في الأثناء أو ارتد ثم عاد فالمشهور الاجزاء وإن أثم، وكذا لو كره
الامتناع من المفطرات يأثم ولا يبطل، أما الشهوة لها مع بقاء إرادة الامتناع
والاستمرار عليها حكما فلا إثم، ولو تردد في الافطار أو في كراهة الامتناع
فوجهان مرتبان على الجزم، وأولى بالصحة هنا، والوجه الافساد بالجميع، فتأمل
جيدا، والله أعلم.
الفرع (الثالث) قد تقدم البحث في أن (نية الصبي المميز صحيحة)
216

أولا (وصومه شرعي) أو تمريني، لكن في المسالك هنا (لا اشكال في صحة
صومه، لأن الصحة خطاب الوضع، وهو غير متوقف على التكليف وإن كان
صومه تمرينيا) وفيه أن الصحة والبطلان اللذين هما موافقة الأمر ومخالفته
لا تحتاج إلى توقيف من الشارع، بل يعرف بمجرد العقل لكونه مؤديا للصلاة
وتاركا لها، فلا تكونان من حكم الشرع في شئ، بل هو عقلي مجرد كما صرح
به ابن الحاجب وغيره.
الفرع الرابع مقتضى أصول المذهب وقواعده أنه لا يجوز العدول من
فرض مع تعيين الزمان للأول بل ولو صلح الزمان لهما، أما لو كان بعد الزوال في
قضاء رمضان لم يجز قطعا، بل وكذا لو عدل من فرض غير متعين إلى نقل،
لكن في الدروس وجهان مرتبان وإن قال إنه أولى بالمنع، نعم فيها يجوز العدول
من نفل إلى نفل ما دام محل النية باقيا، ولا ريب في أن الأحوط إن لم يكن
الأقوى العدم في الجميع، والله أعلم.
الركن (الثاني) في (ما يمسك عنه الصائم، وفيه مقاصد: الأول يجب
الامساك عن كل مأكول معتادا كان كالخبز والفواكه أو غير معتاد كالحصى
والبرد، وعن كل مشروب ولو لم يكن معتادا كمياه الأنوار وعصارة الأشجار)
بلا خلاف أجده في المعتاد منهما بيننا، بل بين المسلمين بل لعله من الضروريات
المستغنية عن ذكر ما دل عليه من الكتاب المبين وسنة سيد المرسلين، فيفسد
حينئذ في تعمده الصوم ويجب القضاء والكفارة، إنما الكلام في غير المعتاد:
والمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا أنه كالمعتاد في الحكم شهرة عظيمة، بل لم
يحك الخلاف إلا عن الإسكافي والمرتضى فلم يفسدا الصوم بابتلاع غير المعتاد
كالحصاة ونحوها، وعن بعض أصحابنا وإن كنا لم نعرفه، فأوجب القضاء فيه
خاصة دون الكفارة، وهو موافق في الافساد به مخالف في خصوص الكفارة
217

التي لا ينبغي التوقف فيها بعد تسليم تحقق صدق الافطار له المقتضي لوجوب
القضاء، ضرورة شمول أدلة وجوبها حينئذ لمثله، فالأخير حينئذ مع كونه مجهول
القائل واضح الضعف، بل وكذا سابقه الذي لم نتحقق كونه مذهب المرتضى،
بل المحكي عنه في مسائل الناصرية لا خلاف فيما يصل إلى جوف الصائم من جهة فمه
إذا اعتمده أنه يفطره مثل الحصاة والخرزة وما لا يؤكل ولا يشرب، وإنما خالف
في ذلك الحسن بن صالح، وقال: إنه لا يفطر، وروي نحوه عن أبي طلحة،
والاجماع متقدم ومتأخر عن هذا الخلاف، فسقط حكمه، وكفى به خصما لنفسه
مع فرض خلافه، مضافا إلى تناول النهي عن الأكل والشرب في الكتاب والسنة
لذلك، وعدم اعتياد المأكول والمشروب لا يقتضي عدم صدق الأكل والشرب،
بل ولا يقتضي ندرة في إطلاقهما على ازدرادهما، ضرورة عدم التلازم بينهما،
فالمعتاد حينئذ وغير المعتاد سواء في صدق الأكل والشرب، كما هو واضح بأدنى
تأمل، ومنه يظهر ما في الاستدلال بانصراف الأكل والشرب إلى المعتاد كغيره
من المطلقات، فيكون حينئذ باختلاف الأزمنة والأمكنة، فيكون مفطرا
في أحدهما دون الآخر، وهو مقطوع بعدمه في الشرع هنا، وأما قول الباقر
(عليه السلام) (1): (لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام
والشراب، والنساء، والارتماس في الماء) كقول الصادق (عليه السلام) (2):
(الصيام من الطعام والشراب) فيمكن إرادة ما يشمل غير المعتاد من الطعام
والشراب فيهما كما جزم به في المختلف حتى جعل الخبرين من أدلة المطلوب، لكنه
لا يخلو من نظر، خصوصا بعد خبر مسعدة بن صدقة (3) عن جعفر عن أبيه
عن آبائه (عليهم السلام) (أن عليا (عليه السلام) سئل عن الذباب يدخل في حلق

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2
218

الصائم فقال: ليس عليه قضاء، أنه ليس بطعام)) ضرورة ظهوره في عدم عموم
الطعام لكل مطعوم، بل هو دال على أن الذي يوجب القضاء المعتاد من الطعام
خاصة لا مطلقا بحيث يشمل غير المعتاد، اللهم إلا أن يقال إن خبر مسعدة خال
عن شرائط الحجية بحيث يصلح مقيدا للاطلاق في الكتاب والسنة، والخبران
الأولان لو سلم إرادة خصوص المعتاد من الطعام والشراب فيهما فليسا بمساقين
لنحو المقام قطعا، كما لا يخفى على من لاحظهما متأملا، فأصالة صحة الصوم
حينئذ مقطوعة بالاطلاق المزبور بعد تسليم صدق اسم الصوم على الامساك عن
خصوص المعتاد، وإلا لم يثبت أصل الصوم فضلا عن استمراره، فتأمل جيدا،
والله أعلم.
(و) يجب فيه الامساك أيضا (عن الجماع) المتحقق بدون الانزال
قطعا (في القبل) للمرأة (إجماعا) من المسلمين فضلا عن المؤمنين بقسميه،
مضافا إلى الكتاب والسنة، بل ويجب الامساك عن الجماع في دبر المرأة
والغلام والبهيمة وقبلها على الأظهر الأشهر، بل المشهور، بل في الخلاف الاجماع
على بعضه، قال: (إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء
والكفارة، دليلنا إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، ثم قال: إذا أتى بهيمة فأمنى
كان عليه القضاء والكفارة، فإن أولج ولم ينزل فليس لأصحابنا فيه نص، لكن
مقتضى المذهب أن عليه القضاء، لأنه لا خلاف فيه، وأما الكفارة فلا تلزمه،
لأن الأصل براءة الذمة) وإن كان قد يناقش بأن دليل القضاء دليل الكفارة،
فالمتجه نفيهما أو إثباتهما، ومن هنا قال ابن إدريس: لما وقفت على كلامه كثر
تعجبي، والذي دفع به الكفارة به يدفع القضاء مع قوله: لا نص لأصحابنا فيه
وإذا لم يكن فيه نص مع قولهم (1): (اسكتوا كما سكت الله) فقد كلفه القضاء

(1) ذكر مضمون الحديث في تفسير الصافي في سورة المائدة ذيل الآية 101
والبحار - الباب - 33 - من أبواب كتاب العلم - الحديث 5
219

من غير دليل، وأي مذهب لنا يقتضي وجوب القضاء، بل أصول المذهب تقتضي
نفيه، وهي براءة الذمة، والخبر المجمع عليه، لكن مقتضاه اختيار عدم القضاء
والكفارة فيه، فلا يكون مفسدا للصوم، بل عن ظاهر الشيخ نوع تردد في
الفساد بالوطئ في دبر المرأة فضلا عن غيرها،
قال: (يجب القضاء والكفارة بالجماع
في الفرج أنزل أو لم ينزل، سواء كان قبلا أو دبرا فرج امرأة أو غلام أو ميتة
أو بهيمة وعلى كل حال على الظاهر من المذهب، وقد روي أن الوطئ في الدبر
لا يوجب نقض الصوم إلا إذا أنزل معه، وأن المفعول به لا ينقض صومه بحال
والأحوط الأول) قلت: كأنه أشار بالرواية إلى ما رواه أحمد بن محمد في
الصحيح (2) عن بعض الكوفيين يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) (في الرجل
يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة قال: لا ينقض صومها، وليس عليها غسل) وعلي
ابن الحكم في الصحيح عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (إذا أتى
الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها، وليس عليها غسل) لكن
المحكي عنه في تهذيبه أنه اعترف بعدم العمل بهما.
وإلى كثير مما ذكرنا أشار المصنف بقوله: (و) يجب الامساك أيضا عن
الجماع (في دبر المرأة على الأظهر، ويفسد صوم المرأة، وفي فساد الصوم بوطئ
الغلام والدابة تردد وإن حرم، وكذا الكلام في فساد صوم الموطوء والأشبه
أنه يتبع وجوب الغسل) كما أن منه يعرف عدم المحيص للفقيه عن القول بالفساد
بالوطئ في دبر المرأة وفاقا للمشهور شهرة عظيمة، بل قد عرفت دعوى الاجماع
الذي يشهد له التتبع في المقام، فالاجماع لا بأس بدعواه، وكفى به دليلا،

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الجناية - الحديث 3 - 4 من كتاب الطهارة
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الجناية - الحديث 3 - 4 من كتاب الطهارة
220

مضافا إلى آية المباشرة (1) بناء على إرادة ما يشمله من الإذن في المباشرة فيها
كي يكون المنهي عنه في الصوم المباشرة في القبل والدبر، ومتى كان محرما فيه
أفسد إجماعا، بل لو سلم إرادة خصوص الوطئ في القبل من إباحة المباشرة بناء
على حرمة الوطئ في الدبر في نفسه أمكن دعوى استفادة حرمة أخرى من جهة
الصوم للوطئ فيه، وبها يتم المطلوب، لكن لا يخفى الاجماع بعده، والأمر سهل
بعد عدم انحصار الدليل في ذلك، بل قد عرفت الاجماع وغيره، مضافا إلى
صحيح ابن الحجاج (2) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعبث بأهله
في شهر رمضان حتى يمني قال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع)
كمرسل ابن سوقة (3) وغيره الدال على تحقق الفساد بصدق الجماع الذي لا ريب
في تحققه في الوطئ بالدبر، اللهم إلا أن يدعى أنه خلاف المنساق هنا، ومضافا
إلى ما دل على وجوب الغسل به في باب الجنابة بناء على التلازم بينه وبين الافطار
إذا كان بالاختيار، كما أومأ إليه المصنف والفاضل وغيرهما وإن ناقشه فيه في
المدارك والذخيرة، لكن اعترف أولهما بأنه يلوح ذلك من الأخبار، قلت:
منها ما دل (4) على تعمد البقاء على الجنابة من الليل أو بعد الانتباه مرتين كما
تسمع إن شاء الله، كل ذلك مضافا إلى الفتاوى، بل يمكن دعوى الاجماع
المركب، وفي معقد إجماع الغنية عد في عداد ما يوجب القضاء والكفارة أن
يحصل جنبا في نهار الصوم مع تذكر للصوم عن عمد واختيار، سواء كان ذلك

(1) سورة البقرة - الآية 183
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم والباب 15
منها - الحديث 2
221

بجماع أو غيره، وسواء كان مبتدئا بذلك فيه أو مستمرا عليه من الليل.
ومن ذلك يظهر لك الوجه في الفساد بوطئ البهيمة: مضافا إلى ما سمعته
من نفي الخلاف من الشيخ الذي لا ينافيه ما ذكره أولا من عدم معرفته النص
لأصحابنا بعد إرادة الخبر منه لا الفتوى، بل مقتضاه الفساد به وإن لم يجب
الغسل به كما هو المحكي عنه أيضا، ولعله لقاعدة الشغل بناء عليها أو لصدق الجماع
عليه، واشتراط الغسل بالتقاء الختانين فلا يجب الغسل به، لعدمه فيه، وإن
فسد به الصوم لصدق الجماع، أو لأنه المراد من نفي الخلاف الاجماع، فيكون
حينئذ هو الحجة في الفساد به تعبدا وإن لم يجب الغسل به، نعم يتجه عليه
ما قدمناه سابقا من وجوب الكفارة أيضا، لاتحاد الدليل كما تسمع لذلك تتمة
إن شاء الله.
ولا فرق في الموطوء بين الحي والميت، بل ولا الواطي، فلو أدخلت المرأة
مثلا ذكر ميت في فرجها أو دبرها أفطرت، لاتحاد المدرك في الجميع.
وكذا لا فرق بعد تحقق اسم الوطئ والجماع بين الصغير والكبير،
خصوصا بناء على التلازم بين الغسل والافطار، فلو أولج في صغير أو صغيرة من
إنسان أو حيوان أفسد صومه، ولو أولج الصغير في الكبير أو الكبيرة فسد
صوم الموطوء، نعم قد يستشكل في إدخال آلة الطفل الصغير قبل نشوه كما في
كشف الأستاذ، كما أنه يستشكل في الفساد بادخال ذكر البهيمة للاشكال في الغسل
وربما ظهر من بعض البطلان أيضا، وهو لا يخلو من وجه ينشأ من احتمال التلازم
بين حكم الواطئية والموطوئية، ومنه ينقدح وجوب الغسل وإن كان قد تقدم لنا
في باب الغسل ما ينفيه.
ويتحقق الجماع عرفا بغيبوبة الحشفة، ولعله الذي كشف عنه الشارع
بالتقاء الختانين، ومنه يتجه اعتبار دخول مقدارها من المقطوع، فلو دخل
222

بجملته ملتويا ولم يبلغ الحد ولو أرسل بلغ فلا فساد.
كما أنه لا فساد أيضا مع النسيان والقهر المانع عن الاختيار والشك في الأصل
وفي غيبة الحشفة والايلاج في غير الفرجين بلا إنزال وإدخال غير الذكر من إصبع
وغيره ولو طعن بزعم غير الفرج فدخل فيه من غير قصد فلا شئ عليه، بل
وكذا العكس بناء على عدم اعتبار نية القاطع، ولو ارتفع القهر والنسيان أو طلع
الصبح بعد إدخاله فنزعه من حينه فلا بأس، ولو تراخى فسد الصوم كما هو
واضح، هذا.
وفي كشف الأستاذ (إن جماع الخنثى لمثله مشكلا أولا قبلا أو دبرا يقضي
الفساد على الأقوى) وفيه ما لا يخفى مع عدم الانزال، خصوصا مع عدم
الاشكال، والتحقيق فساد صومها بموطوئيتها دبرا من الرجل، وبوطئها للمرأة
مع وطئ الرجل إياها، وإن كان لا يحكم بفساد صوم كل من الرجل والامرأة
بخلافها هي، أما لو وطئت كل من الخنثى الأخرى فلا قطع بفساد صومهما،
ضرورة احتمال كونهما امرأتين، ولاجماع بالنسبة إليهما، والمساحقة لا تفسد ما لم
يكن معها إنزال، وبذلك يظهر لك ما في عبارة الأستاذ من الاجمال، والله
العالم بحقيقة الحال.
(و) كذا يجب الامساك في الصوم (عن الكذب على الله ورسوله
والأئمة عليهم السلام) بلا خلاف أجده فيه كما في الرياض، بل قال:
ولا في وجوب الامساك عن مطلق الكذب بل مطلق المحرمات، وإنما الخلاف
في إيجابه الفساد والافطار الموجب للقضاء والكفارة، كقول المصنف بعد الحكم
بوجوب الامساك عنه: (وهل يفسد الصوم بذلك؟ قيل: نعم، وقيل: لا،
وهو الأشبه) مما هو مشعر بمعلومية وجوب الامساك عنه، وهو كذلك بالنسبة
إلى نفسه كغيره من المحرمات، أما حرمة أخرى من حيث الصوم على وجه تخصه
223

دون باقي المحرمات فقد يمنع عدم الخلاف فيه، بل يمكن نفي الخلاف في عدمه،
وستسمع ما يأتي للمصنف في المقصد الثاني، ولكن الأمر في ذلك سهل، نعم
هو متجه على القول بالفساد، فيكون حينئذ محرما من جهتين كما هو المحكي عن
الشيخين والقاضي والتقي والسيدين في الإنتصار والغنية وغيرهم، كالأستاذ في
كشفه والفاضل في الرياض، بل في الخلاف نسبته إلى الأكثر، بل في الدروس إلى
المشهور، بل في الأخيرين الاجماع عليه، وهو الحجة، مضافا إلى موثق سماعة (1)
(سألته عن رجل يكذب في رمضان فقال: قد أفطر وعليه قضاؤه، فقلت:
ما كذبته؟ قال: يكذب على الله ورسوله) وموثقه الآخر (2) وخبر أبي بصير (3)
(سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم
قال: قلت: هلكنا قال: ليس حيث تذهب، إنما ذلك الكذب على الله وعلى
رسوله وعلى الأئمة (عليهم السلام) كخبره الآخر (4) عنه (عليه السلام) أيضا
(إن الكذب على الله ورسوله وعلى الأئمة (عليهم السلام) يفطر الصائم) وكذا
خبره المروي عن نوادر ابن عيسى (5) وفي المرفوع (6) إلى الصادق (عليه السلام)
المروي عن الخصال (خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل والجماع والارتماس
في الماء والكذب على الله ورسوله وعلى الأئمة (عليهم السلام)) ونحوه
المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (7).
إلا أنه مع ذلك كله صار أكثر المتأخرين إن لم يكن جميعهم إلى عدم
الفساد به، كما هو المحكي عن المرتضى في الجمل أيضا والعماني، للأصل وحصر

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 7 - 6
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 7 - 6
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 7 - 6
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 7 - 6
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 7 - 6
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 7 - 6
(7) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
224

المفطر في غيره في الصحيح (1) بعد موهونية الاجماع بمصير أكثر المتأخرين كما
عرفت إلى خلافه، بل في المعتبر دعواه مكابرة، بل المرتضى الذي هو العمدة في
حكاية ابن زهرة له كما لا يخفى على الماهر قد سمعت قوله بخلافه، والشهرة المحكية
في الدروس لم نتحققها، وبعد الطعن في النصوص سندا واشتمالا على ما لا يقول به
الخصم من نقض الوضوء واحتمال القراءة بالصاد المهملة، فيكون المراد منه نحو
المراد من غيره كالمروي (2) عن عقاب الأعمال عن رسول الله صلى الله عليه وآله (من
اغتاب أخاه المسلم بطل صومه ونقض وضوؤه) إلى آخره، كوصيته صلى الله عليه وآله لعلي
عليه السلام المروية (3) عن تحف العقول لابن شعبة (يا علي احذر الغيبة والنميمة، فإن
الغيبة تفطر، والنميمة توجب عذاب القبر) وقول الباقر عليه السلام في خبر محمد بن
مسلم (4) المروي عن الخصال (والغيبة تفطر الصائم وعليه القضاء) وفي كتاب
الاقبال (5) رأيت في أصل من كتب أصحابنا (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
إن الكذب يفطر الصائم والنظرة بعد النظرة والظلم كله قليله وكثيره) بل قد
يقال: إن المراد بنصوص المقام التعريض بها في قضاة العامة ورواتهم وأتباعهم
بقرينة اشتمالها على نقض الوضوء بالكذب، فيكون المطلوب حينئذ بيان حال
صومهم وصلاتهم أي أنه لا صوم لهم ولا صلاة بسبب ذلك.
وعلى كل حال فلا ريب أن الأحوط الأول وإن كان الثاني لا يخلو
من قوة، بل المتجه مراعاة الكفارة أيضا كما هو المعروف بين من قال بكونه
مفطرا، لعموم ما دل على وجوبها بالافطار المفروض تحققه، وخلو نصوص المقام
عنها أعم من عدم وجوبها، وتسمع إن شاء الله فيما يأتي التحقيق في نظائر المسألة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5 - 10 - 8 - 9
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5 - 10 - 8 - 9
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5 - 10 - 8 - 9
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5 - 10 - 8 - 9
225

وأن المستفاد من النصوص أن الأصل وجوب الكفارة في كل ما تحقق به اسم
الافطار إذا كان على جهة العمد والاختيار لا خصوص المتعارف من أكل
المفطرات كالأكل ونحوه.
وكيف كان فالأولى إلحاق الزهراء وباقي الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)
لرجوع الكذب عليهم إلى الكذب على الله، خصوصا بناء على ما في كشف
الأستاذ من كون المراد الكذب في نسبة الأحكام الشرعية مستفادة من قول أو
فعل أو تقرير دون الأمور العادية والطبيعية، نعم قال: الاحتياط في تسرية
الأحكام إليها وإلى القضاء والفتوى، وإن كان قد يناقش بأن من الفتوى ما يكون
إخبارا، فمع فرض كونها باطلا كانت كذبا، وباطلاق النصوص الظاهر في تناول
الأعم من الأحكام الشرعية، وفي التحرير لا فرق بين الدنيا والدين بناء على
الافطار به، كظهوره في عدم الفرق بين الرجوع عن الكذب والأخبار من
حينه بالصدق وعدمه مع التوبة وعدمها والجهل بالحكم وعدمه، أما لو نقل قول
الكاذب عليهم أو قصد الهزل أو قصد الكذب فبان صدقا بناء على عدم الفساد
بنية القطع أو الصدق فبان كذبا أو كان ناسيا للصوم فلا فساد، وفي كشف
الأستاذ أو أفاد المعنى بفعل أو تقرير أو في مقام تقية أو دون البلوغ أي لا فساد،
لكن قد يناقش باحتمال إرادة ما يشمل الأول من الكذب، خصوصا إذا كان
بالكتابة والإشارة كما اعترف به هو بعد ذلك فيهما، وخصوصا إذا كان المقصود
من الفعل الأخبار، والتقية عنده ترفع الإثم لا أنها ترفع حكم الافطار من القضاء
والمفطر لا فرق فيه بين ما قبل البلوغ وعدمه، ودعوى أن الافطار بما هنا من
جهة الإثم المفقود في الصبي يمكن منعها، كما أنه قد يناقش في بعض ما ذكره
بقوله: لو حد ث بحكم صادق ثم قال: كذبت، أو كاذب فقال: صدقت أو
أخرج الخبر الكاذب إلى الانشاء بعهد أو يمين أو نحوهما أو أخبر بخبر عن إمام
226

عليه السلام مسند إلى واسطة، أو كذب ليلا فقال: نهارا ما أخبرت به البارحة صدق
أو أخبر صادقا في الليل فقال في النهار خبري ذاك كذب، أو سأله سائل هل قال
النبي صلى الله عليه وآله كذا؟ فقال: نعم في مقام لا أولا في مقام نعم، أو أفاد المعنى بإشارة
أو كناية ترتب الفساد، فلاحظ وتأمل، ولا فرق بين أقسام الصوم ولا بين
اللغات، نعم يشترط فيه قصد الافهام، فلو تكلم بالخبر غير موجه خطابه إلى أحد
أو موجها له إلى من لا يفهم معنى الخطاب فلا فساد، والله أعلم.
(و) كذا يجب الامساك (عن الارتماس) على المشهور بين الأصحاب
بل قيل: إنه إجماع، لقول الصادق (عليه السلام) في خبر يعقوب
ابن شعيب (1) (لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم) كقوله في صحيح الحلبي (2)
(لا يرتمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء) وفي مرسل ابن زياد (3) (أن
الحسن الصيقل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يرتمس في الماء قال: لا
ولا المحرم، قال: وسألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول قال: لا) وقال الباقر
عليه السلام في خبر ابن مسلم (4): (الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد
بالثوب وينضح المروحة وينضح البوريا تحته، ولا يغمس رأسه في الماء).
(وقيل) والقائل المرتضى في المحكي من أحد قوليه وابن إدريس وغيرهما:
(لا يحرم) للأصل (بل يكره) حملا للنهي في النصوص المزبورة عليه بقرينة
قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الله بن سنان (5): (يكره للصائم أن يرتمس في
الماء) والتعبير به فيه وفي لبس الثوب المبلول المعلوم أنه للكراهة في خبر الصقيل

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 4 - 2 - 9
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 8
عن حماد عن حريز
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 4 - 2 - 9
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 4 - 2 - 9
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 4 - 2 - 9
227

وفيه أن الأصل مقطوع بما سمعت مما لا يقبل حمله على الكراهة، كمحكي الاجماع
بل خبر ابن مسلم كالصريح في نفيها عند التأمل، مضافا إلى عدم المقتضي، وخبر
ابن سنان بعد الطعن في سنده يمكن إرادة الحرمة من الكراهة فيه، بل هو
أولى من حمل النهي في النصوص السابقة عليها: والجمع بينه وبين الثوب المبلول
بلفظ النهي في خبر واحد أعم من الكراهة بعد استقلال كل منهما بنهي.
(و) بالجملة لا محيص للفقيه عن القول (الأول) بل هو (أشبه) واستبعاد
كون خصوص غمس الرأس من البدن مفطرا مع فرض عدم دخول شئ من الماء
في شئ من المنافذ اجتهاد في مقابلة النص، كالقول بأنه محرم ولكن لا يوجب
قضاء ولا كفارة وإن اختاره المصنف لقوله: (وهل يفسد) الصوم (بفعله؟
الأشبه لا) تبعا للمحكي عن استبصار الشيخ وتبعه عليه غيره كالفاضل وولده
والمحقق الثاني وثاني الشهيدين وغيرهم، للأصل بعد خلو النصوص عن
التعرض لهما حتى حكي عن الشيخ أنه قال: لا أعرف حديثا في إيجاب القضاء
والكفارة أو أحدهما به، واقتصارها على النهي المراد منه حقيقة الحرمة التي هي
أعم منهما بعد فرض تعلقها بخارج عن العبادة، لكنه كما ترى هدم للمستفاد في
سائر الأبواب من الأحكام الوضعية في أمثال هذه النواهي كالأوامر بقرينة
كون المقصد الأهم للشارع بيان الصحة والفساد، حتى صار ذلك من تفاهم أهل
العرف في خطاب المتعلق بعبادة أو معاملة مما يوصف بالصحة والفساد، وعليه
بنوا كثيرا من الشرائط والموانع كما لا يخفى على المتتبع، ودعوى أن النهي هنا
للاحتياط عن دخول الماء المنافذ لا لأنه مفطر اجتهاد لا دليل عليه، كل ذلك
مضافا إلى ظهور خبر الخصال (1) المتقدم في المسألة السابقة في أنه من المفطرات

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 6
228

وأنه كالأكل والشرب، بصراحته في ذلك، بل وصحيح ابن مسلم (1) (لا يضر
الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب والنساء والارتماس في
الماء) وغير ذلك مما هو دال على كونه مفطرا بعد قطع النظر عن محكي الاجماع
المؤيد بالشهرة العظيمة، وخبر إسحاق بن عمار (2) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا عليه قضاء ذلك اليوم قال: ليس عليه قضاء
ولا يعدون) قاصر عن المعارضة سندا ودلالة من وجوه.
بل المتجه إيجاب الكفارة مع القضاء بناء على ما ستعرف من ظهور الأدلة
في وجوبها بكل مفسد للصوم، بل هي من معقد محكي الاجماع، فالقول بوجوب
القضاء فيه خاصة كما عن أبي الصلاح للأصل ضعيف أيضا لما عرفت، وخلو
النصوص عن التعرض غير قادح بعد ظهور نصوص أخر فيه، على أن عدها إياه
هنا مع الأكل والشرب في الصحيح وغيره لا يخلو من إشعار باتحاد الحكم فيها،
ولعله لذا قال في المحكي عن المبسوط: إن وجوب القضاء والكفارة به أظهر
في الروايات.
وكيف كان فالمراد من الارتماس هنا غمس الرأس خاصة لا جميع البدن
كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا بل ولا ترددا عدا ما سمعته من
الدروس لتعلق النهي به فيما سمعت من النص (3) الذي لا ينافيه إطلاق الارتماس
في آخر (4) فيكفي حينئذ في ترتب الحكم غمسه وإن كان البدن كله خارجا،
والظاهر أن المراد غمسه دفعة للغسل أو للتبريد، فلو غمسه على التعاقب لم يتعلق

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 2 و 7
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
229

الحكم وإن احتمله في المدارك، لكن لا ريب في ضعفه، نعم لو غمسه تدريجا
حتى انتهى إلى حصول تمام رأسه تحت الماء حينا ترتب الحكم، وعلى كل حال
فما في الدروس بعد أن ذكر المفطرات الثمانية التي منها الارتماس ولو غمس رأسه
دفعة أو على التعاقب ففي إلحاقه بالارتماس نظر، نعم لو سبق الماء إلى حلقه قضى
ولو سبق في الأغسال الواجبة أو المستحبة فلا شئ، وفي التبرد احتمال لا يخلو
من نظر بل منع وإن كان هو ظاهر المتن وغيره ممن عبر بالارتماس الظاهر في
ارتماس البدن جميعه، لكن قد عرفت أن ظاهر الأدلة خلافه.
ثم إن المنساق إلى الذهن من الرأس هنا تمام ما فوق الرقبة، وفي المدارك
لا يبعد تعلق التحريم بغمس المنافذ كلها دفعة وإن كانت منابت الشعر خارجة من
الماء، وفيه أنه مبني على كون منشأ الحكم الاحتياط في عدم إدخال الماء المنافذ،
وليس في شئ من النصوص إشعار به، نعم لا يقدح في الصدق خروج الشعر
وحده من الماء، كما أنه لا بأس بالإفاضة ونحوها مما لا يسمى ارتماسا وإن كثر
الماء، بل لا بأس برمس بعضه في الماء وإن كان ما فيه المنافذ، ولو شك في التمام
بنى على الصحة، وخبر العدل فضلا عن العدلين بدخوله تماما يقوم مقام العلم
على الأقوى، وفي كشف الأستاذ (أما سد المنافذ وإدخال الرأس في مانع من
وصول الماء إليه متصلا به فلا يرفع حكم الغمس، وفي المنفصل يقوى رفعه) وفي
الأول نظر واضح، ضرورة كون الرأس اسما للبشرة، وذو الرأسين يبطل بغمسهما
معا ما لم يكن أحدهما زائدا، فيكون المدار على الأصلي، مع أن طريق الاحتياط
أسلم، وما كان منه عن نسيان أو قهر أو سقوط من غير اختيار أو إلقاء نفسه زاعما
أن الالقاء لا يسبب انغماس الرأس بالماء لا يبعث على فساد، فحينئذ الناسي لا يفسد
صومه ولا غسله، كما أن العامد يفسدان معا بالنسبة إليه، ولو ارتمس في المغصوب
أو فيما كان في آنية من أحد النقدين ناسيا للصوم بطل غسله دون صومه، ولو توقف
230

خروج نفس محترمة أو مال كذلك عليه صح الغسل وفسد الصوم، وكذا إذا
كان الصوم نافلة أو واجبا موسعا، وفي المدارك احتمال حرمته تعبدا بناء على
أنه محرم غير مفسد كالتكفير في النافلة، قال: (إطلاق النص وكلام الأصحاب
يقتضي أنه لا فرق في هذا الحكم بين صوم الفريضة والنافلة، ثم إن قلنا: إنه
مفسد جاز فعله في صوم النافلة كغيره من المفطرات، وإن قلنا بالتحريم خاصة
كما هو الظاهر احتمل التحريم في صوم النافلة كالتكفير في الصلاة المندوبة،
والإباحة إما لقصور الأخبار المانعة عن إفادة العموم أو لأنه إذا جاز تناول المفطر
جاز فعل ما هو مظنة له بطريق أولى) قلت: هذا كله يؤيد ما قلناه من إرادة
الفساد من نحو هذا النهي، ضرورة إطلاق الصوم في النصوص، وإرادة الحرمة
منه خاصة في النافلة بل الواجب الموسع مع جواز الابطال فيهما كما ترى لا يقبله
ذوق فقيه، وكذا التكفير، فتأمل جيدا، هذا.
وفي المسالك بعد أن حكم أن الأصح الحرمة من غير إبطال قال: (وتظهر
فائدة التحريم فيما لو ارتمس في غسل مشروع فإنه يقع فاسدا للنهي عن بعض
أجزائه المقتضي للفساد في العبادة، لو كان ناسيا ارتفع حدثه، لعدم توجه
النهي إليه، والجاهل عامد) وفي المدارك (أنه جيد إن وقع الغسل في حال
الأخذ في الارتماس أو الاستقرار في الماء لاستحالة اجتماع الواجب والمحرم في
الشئ الواحد أما لو وقع في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء، فإنه يجب الحكم
بصحته، لأن ذلك واجب محض لم يتعلق به نهي أصلا، فينتفي المقتضي للفساد)
وفي الذخيرة بعد أن حكاه عن المدارك (هو حسن إن كان الغسل يتحقق باخراج
البدن من الماء، لكن لي في ذلك تأمل، لأن المتبادر من الغسل المأمور به في
الأخبار غير ذلك، وبالجملة لا يحصل اليقين بامتثال التكليف بهذا الفعل) قلت:
قد بينا في محله أن المراد من الغسل ما يشمل ذلك، فلاحظ.
231

ثم لا يخفى أن مراد الشهيد التفريع على الحرمة خاصة، وإلا فعلى البطلان
لا ينبغي التأمل في الصحة بكل ما يصدق معه الارتماس في حال المكث أو الخروج
أو غيرها بعد حصول المبطل منه للصوم، وحينئذ فالمتجه الحرمة بالارتماس والمكث
والخروج بناء على أن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار، فهو كالداخل في الدار
المغصوبة، فإنه يأثم بخروجه منها وإن كلف به كما تقرر في محله، فيتجه بناء على
ذلك ما أطلقه الشهيد، بل منه يظهر أيضا ما في المدارك من أن الأظهر مساواة
الجاهل للناسي في الصحة، لاشتراكهما في عدم التوجه النهي وإن أثم الجاهل
بتقصيره في التعلم، ضرورة إمكان منعه عليه، وأنه لا مانع من توجه النهي إليه
بعد أن كان التقصير بسوء اختياره، والأمر سهل، هذا.
وألحق بعضهم كالشهيد الثاني وغيره غير الماء من المايعات به في حكم
الارتماس، بل قال في المسالك: (في حكم الماء مطلق المايع وإن كان مضافا كما نبه
عليه بعض أهل اللغة والفقهاء) قلت: قد يشكل بأن الموجود في النصوص التقييد
بالماء، اللهم إلا أن يقال إنه غير مناف للمطلق، فلا يتقيد به، نعم قد يمنع
انسياق المطلق لما يشمل الارتماس بكل مايع، بل أقصى ما يسلم منه الماء المضاف
ونحوه، ولعله لذا قال الأستاذ في كشفه ويقوى عدم إدخال باقي المايعات في حكم
الرمس إلا ما كان من المياه المضافة ونحوها في وجه قوي، ولكن مع ذلك
الاحتياط لا ينبغي تركه، والله أعلم.
(وفي إيصال الغبار) الغليظ من الدقيق والتراب أو غيرهما (إلى) ما
يحكم معه بالافطار من (الحلق خلاف) و (الأظهر التحريم وفساد الصوم)
وفاقا للمشهور، بل لم أجد فيه خلافا بين القائلين بعموم المفطر للمعتاد وغيره
إلا من المصنف في المعتبر فتردد فيه، كما اعترف بذلك الفاضل في الرياض، بل ظاهر
232

الغنية والتنقيح وصريح السرائر ومحكي نهج الحق الاجماع عليه، ومن ذلك يعلم
ما في قول المصنف: (خلاف) اللهم إلا أن يريد المرتضى ومن تبعه على
القول باختصاص المفطر بالمعتاد، لكن كان عليه حينئذ تقييد الغبار بذلك، أو
المفيد لقوله فيما حكي عنه: (ويجتنب الصائم الرائحة الغليظة والغبرة التي تصل إلى
الجوف، فإن ذلك نقص في الصوم) بناء على أن مراده نقص فضيلة الصوم،
لكن فيه أن من المحتمل القراءة بالضاد المعجمة، بل هو متعين، لقوله في موضع
آخر على ما حكي عنه: (وإن تعمد الكون في مكان فيه غبرة كثيرة أو رائحة
غليظة وله غناء عن الكون فيه فدخل حلقه شئ من ذلك وجب عليه القضاء).
وكيف كان فلم نتحقق ما ذكره المصنف من الخلاف، نعم هو متحقق
بالنسبة إلى القضاء خاصة أو مع الكفارة، وهو شئ آخر، مع أن الأقوى
فيه وجوبهما معا به بناء على ما عرفت وتعرف من وجوبهما بكل مفطر مع العمد
والاختيار لا خصوص الأكل ونحوه، مضافا إلى خصوص خبر المروزي (1)
الذي هو دليل الأصحاب في المقام على أصل الافطار به، قال: (سمعته يقول:
إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو
كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين، فإن ذلك له
مفطر كالأكل والشرب والنكاح) وإضماره بعد معلومية عروضه من تقطيع
الأخبار لا من أصل الرواية كما بين في محله غير قادح، فلا جهة للمناقشة فيه
بذلك، وأنه لا يجدي في دفعه الانجبار بالشهرة، ضرورة عدم ثبوت كونه
خبرا حتى تجبره الشهرة، كما أنه لا يقدح فيه اشتماله على ما لا تقول به من
الافطار من شم الرائحة والمضمضة والاستنشاق بعد أن تبين في محله كون الخبر
الواحد وإن كان نحو المقام مما كان الجواب فيه متحدا عن الجميع بمنزلة الأخبار

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
233

المتعددة، مع أنه يمكن فرضها جميعا على وجه يوجب ذلك وإن كان بعيدا،
بل نحن في غنية عنه بناء على اندراج نحوه في الاطلاقات، لعدم اعتبار الاعتياد
في المفطر، مضافا إلى محكي الاجماع وغيره، فما في المعتبر من أن هذه الرواية
فيها ضعف، لأنا لا نعلم القائل، وليس الغبار كالأكل والشرب ولا كابتلاع
الحصى والبرد واضح الضعف، وإن كان يشهد له الموثق (1) عن الرضا عليه السلام
(سألته عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقه قال: لا بأس
وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه قال: لا بأس) المؤيد بالأصل، وصحيح
الحصر (2) في غيره الواجب تقييدهما بما سمعت، كوجوب حمل الموثق المزبور
بعد ما عرفت من قصوره عن المقاومة من وجوه، منها ما قيل من موافقته العامة
على دخول الغبار لا إيصاله إليه ولو بفعل باعث عليه، والمفطر عندنا الثاني لا الأول
الذي هو ما يوصله الهواء من دون قصد، بل في كشف الأستاذ (أنه لا يلزم
سد الفم والأنف من غبار الهواء، ويلزم عما يحدث بكنس أو نسفه أو تقليب طعام
أو حفر أرض ونحوها) وظاهره الفرق بين ترك التحفظ من الهواء وبين تركه من
الكنس ونحوه سواء كان منه أو من غيره كما صرح به قبل ذلك، قال: (ثالثها
وصول الغبار الغليظ إلى الجوف بايصاله إليه أو بفعل باعث عليه منه أو من غيره)
وهو مشكل بناء على أن الافطار به لاطلاق النصوص باعتبار دخول الأجزاء
الجوف لا لخصوص الخبر المزبور، وإلا كان المتجه الاقتصار على ما إذا كان
الباعث منه خاصة لا الأعم منه ومن غيره عدا الهواء ونحوه، وفي تعليق الإرشاد
الايصال تمكينه من الوصول بأن لا يتحفظ مع التمكن منه، بل قد يشكل بناء
على ما ذكرنا تقييده بالغليظ كما وقع من الأستاذ وغيره، بل نسب إلى الأكثر

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
234

ومال إليه بعض متأخري المتأخرين معللا له بالاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن وفرع عليه في الكشف عدم البطلان بالشك في دخول الغليظ والوصول إلى
الجوف، وخروج آثار الغبار بنخامته وبصاقه لا يدل على غلظه، إذ قد يحصل
من استمرار الخفيف، لكن لا يخفى عليك أن المتجه الافطار به وإن لم يكن
غليظا، بناء على أن المدرك الاطلاق، بل ولو قلنا الخبر المزبور، إذ هو مطلق
أيضا، ولقد أجاد في المدارك والذخيرة حيث قال: (إن الاعتبار يقتضي عدم
الفرق) لكن في الرياض (أن التقييد لا يخلو من قوة لا للجمع لعدم شاهد
عليه، بل لعدم دليل على الابطال على الاطلاق سوى الرواية، وهي لقطعها وعدم
معلومية المسؤول عنه فيها لا تصلح للحجية وإن حصلت معها الشهرة، لأنها إنما
تجبر الرواية المسندة لا المقطوعة، ولا إجماع على الاطلاق، لوقوع الخلاف فيما
عدا الغليظ مع شهرة التقييد به كما عرفته) وفيه أن القطع غير قادح بعد ما ذكرناه
في محله، ومعقد بعض الاجماع مطلق أيضا، مضافا إلى ما يظهر من الفاضل وغيره
من أن مدرك الافطار به الاطلاقات وأنه كابتلاع غير المعتاد لا خصوص الخبر،
وفي المسالك لم يقيد المصنف الغبار بكونه غليظا كما فعله جماعة وورد في بعض
الأخبار، والظاهر أن عدم القيد أجود، لأن الغبار المتعدي إلى الحلق نوع من
المتناولات وإن كان غير معتاد، فيحرم ويفسد الصوم ويجب به الكفارة سواء
في ذلك الغليظ والرقيق، بل الحكم فيه أغلظ من المأكول إذا كان غبار ما يحرم
تناوله، وهو جيد جدا، نعم ينبغي أن يستثنى ما يعسر التحرز منه، كما أنه
ينبغي أن يعلم أنه مطلقا غير مفطر مع النسيان والقهر إلا إذا خرج إلى فضاء الفم
بهيئة الطين فابتلعه، فإنه يفسد حينئذ ويأثم.
وعلى كل حال فعن أكثر المتأخرين إلحاق الدخان الغليظ به الذي يحصل
منه جزء يتعدى إلى الحلق، بل في المدارك نسبته إلى المتأخرين، وقد يشكل
235

بمنافاته للأصل وغيره، ولذا مال إلى العدم في المدارك والذخيرة، وفي كشف
الأستاذ (أنه غير مفطر إلا لمن اعتاده وتلذذ به، فقام عنده مقام القوت، فإنه
أشد من الغبار، وكذا البخار غير مفطر إلا مع الغلبة والاستدامة، فإنه إذا فقد
الماء قد يقوم هذا مقامه، والأحوط تجنب الغليظ منها مطلقا) وفيه ما لا يخفى
مما لا يرجع إلى دليل معتبر، نعم قد يقال بالافطار به بناء على شمول الاطلاقات
للغبار باعتبار كونه أجزاء وصلت إلى الجوف بالحلق، والمفروض عدم اعتبار
الاعتياد بالمفطر، ومثله يجري في الدخان الذي هو أشد من الغبار في بعض
الأحوال، فالقول بكونه مفطرا خصوصا بالنسبة إلى بعض الأشخاص الذين
يستعملون التنباك لا يخلو من قوة، بل يجب معه القضاء والكفارة كالغبار،
لما عرفت، ولسلب الاسم معه في عرف المتشرعة، وخبر الدخنة (1) يمكن حمله
على اتفاق الدخول لا المقصود منه، أو على الحلق دون الجوف، أو نحو ذلك،
والله أعلم.
(و) يجب أيضا الامساك (عن البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع
الفجر من غير ضرورة على الأشهر) بل المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت
تكون إجماعا، بل هي كذلك في الخلاف والوسيلة والغنية والسرائر وظاهر التذكرة
كالمحكي عن الإنتصار وظاهر المنتهى أيضا، بل هو إن لم يكن محصلا يمكن دعوى
تواتره، كالنصوص (2) التي فيها الصحيح وغيره القريبة من التواتر، بل لعلها
كذلك كما في الرياض، خصوصا إذا لوحظ معها ما دل من النصوص على فساد
الصوم بتعمد الجنابة في النهار بتقريب أن ذلك ليس إلا لمنافاة تعمد الجنابة للصوم
بل ما نحن فيه أولى بالبطلان باعتبار سبق انعقاد الصوم وعدمه، كما صرح بذلك

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم
236

في المختلف ومحكي المنتهى وأومأ إليه في المعتبر، بل عن الإنتصار (ليس لهم أن
يقولوا إن حكم الجنابة لا ينافي الصوم بدلالة أنه قد يحتلم نهارا ويؤخر اغتساله
ولا فساد، لأنا لم نوجب ذلك للمنافاة بين الجنابة والصوم، بل لأنه اعتمد لأن
يكون جنبا في نهار الصوم، وليس كذلك من احتلم نهارا أو استمر على حاله،
لأن كونه جنبا في هذا الحال من غير اعتماد، ولأن بقاءه على الجنابة الواقعة
بالاحتلام ليس بأكثر من حصول الجنابة في النهار، وأما الجنابة الواقعة في الليل
وتمكن من إزالتها فقد اعتمد أن يكون جنبا في النهار، فاختلف الموضوعان.
وعلى كل حال فالحكم من القطعيات، بل لم أتحقق فيه خلافا، ورواية
الصدوق في المقنع خبر حماد بن عثمان (1) قال: (سئل أبو عبد الله (عليه السلام)
عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخر الغسل إلى أن يطلع الفجر
فقال له: قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجامع نساءه من أول الليل ويؤخر الغسل
إلى أن يطلع الفجر، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوما مكانه)
أعم من العمل به، وكونه لا يروي إلا ما يعمل به غير ثابت، على أن محجوج
بما عرفت من الاجماعات والنصوص التي لا يعارضها غيرها، إذا هو بين مطلق غير
مساق لذلك يجب تقييده بها، كقوله تعالى (2): (أحل لكم ليلة الصيام الرفث
إلى نسائكم) وقوله (3): (فالآن باشروهن)) إلى (حتى يتبين) وبين ما يجب
تأويله إلى ذلك وإن بعد، لقصوره عن المقاومة من وجوه، كصحيح العيص (4)
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فأخر
الغسل حتى يطلع الفجر قال: يتم يومه ولا شئ عليه) المحمول على غير العمد،

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 4
(2) سورة البقرة - الآية 183
(3) سورة البقرة - الآية 183
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 4
237

أو الفجر الكاذب أو كاد أن يطلع أو الضرورة لاعواز الماء أو التقية، لأن العدم
مذهب الجمهور كما في المعتبر والتذكرة، ويؤيده النسبة إلى عائشة، ولا ينافيه
النسبة إلى الأقشاب في خبر الحماد المحمول على التأكيد في التقية بقرينة ما فيه من
أنه كان يجامع نساءه من أول الليل ويؤخر الغسل حتى يطلع الفجر ويفوته وقت
الفضيلة التي لا ينبغي أن ينسب إلى من له أدنى رابطة في الدين، فضلا عمن هو
أساسه ونظامه والمتأسي بأفعاله وأقواله، مع ظهور (كان) في استمرار ذلك
منه، مع أن صلاة الليل واجبة عليه اتفاقا بعد الاغضاء عن حرمة شهر رمضان
ونوافله وإحياء ليله بالعبادة فلا يشك من له أدنى ممارسة لكلماتهم في أن ذلك
منهم خارج مخرج التقية، أو التعريض بهم على نحو الاستهزاء والسخرية بهم
وبعائشة التي روت لهم ذلك، وكذا صحيح حبيب الخثعمي (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي صلاه الليل في شهر رمضان ثم يجنب
ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر) ورواية إسماعيل بن عيسى (2) قال:
(سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا
حتى أصبح أي شئ عليه؟ قال: لا يضره هذا ولا يفطر ولا يبالي، فإن أبي
عليه السلام قال: قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أصبح جنبا من جماع من غير
احتلام) ونحوه خبر سعد بن إسماعيل (3) بل وصحيح القماط (4) سئل الصادق

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 6
(3) ليس سعد بن إسماعيل رواية عن الإمام عليه السلام بهذا المضمون نعم روى
في الاستبصار ج 2 ص 85 - الرقم 266 نحو ذلك عن سعد بن إسماعيل عن أبيه
إسماعيل بن عيس وأشار إليه في الوسائل أيضا
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
وليس فيه " أو على العمد "
238

عليه السلام (عمن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح قال: لا شئ
عليه، وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال أو على غير العمد) وكذا خبر
سليمان (1) بن أبي زينبة (كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن رجل
أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخر الغسل حتى طلع الفجر فكتب إلي بخطه
أعرفه مع مصادف يغتسل من جنابته ويتم صومه ولا شئ عليه)).
وبالجملة لا بد من طرحها وتأويلها، لقصورها عن المقاومة من وجوه، منها
إعراض الأصحاب، وللعلم أو الظن المتاخم له بأنها صدرت غير مراد منها ظاهرها
كما هو واضح، بل المتجه وجوب الكفارة مع القضاء فيه، لاطلاق ما دل على
وجوبها في فساده، وخصوص خبر سليمان بن جعفر المروزي (2) عن الفقيه عليه السلام
قال: (إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم
شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم، ولا يدرك فضل يومه) وخبر إبراهيم بن
عبد الحميد (3) عن بعض مواليه (سألته عن احتلام الصائم فقال: إذا احتلم نهارا
في شهر رمضان فليس له أن ينام حتى يغتسل، وإن أجنب ليلا في شهر رمضان
فلا ينام ساعة حتى يغتسل، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق
رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم، ويتم صيامه ولم يدركه أبدا)
وموثق أبي بصير (4) عن الصادق عليه السلام (في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل
ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح قال: يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو
يطعم ستين مسكينا، قال: وقال: إنه خليق أن لا أراه يدركه أبدا) لكن
في المدارك أن هذه الروايات كلها ضعيفة السند، فيشكل التعويل عليها في إثبات

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 4 - 2
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 4 - 2
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 4 - 2
239

حكم مخالف للأصل، ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن أبي عقيل والمرتضى
من أن الواجب بذلك القضاء دون الكفارة، أما الحائض والمستحاضة والنفساء
فينبغي القطع بعدم ترتب ذلك عليهن مع الاخلال بالغسل تمسكا بمقتضى الأصل
السالم من المعارض، وفيه مع أنا لم نتحقق حكايته عن المرتضى، بل المنقول عنه
في المختلف مذهب المشهور، كما أن المحكي عن الخلاف في المسألة أن أبي عقيل
خاصة أن خلافه بعد اتفاق من عداه من الأصحاب على العمل بالأخبار
المزبورة، بل في الخلاف والغنية وعن ظاهر الإنتصار الاجماع عليه غير قادح،
بل لا يضر معه ضعف السند، على أن فيها الموثق وغيره، مضافا إلى ما دل على
وجوب القضاء للافساد الذي ستعرف أصالة وجوب الكفارة معه، فحينئذ الأصل
يقتضيها لا ينفيها، واقتصار بعض النصوص أو أكثرها على القضاء لا ينافي وجوبها
بالنصوص المزبورة، حتى ما تسمعه من صحيح الاستغفار وإن كان فيه كمال
الاشعار، ولو سلم فهي أقوى منها دلالة قطعا، ولو سلم فهي أرجح منها من
وجوه أخر.
ثم إن ظاهر المشهور كما اعترف به في الحدائق عدم الفرق في الفساد بالبقاء
عمدا على الجنابة بين شهر رمضان وغيره من أفراد الصوم الواجب معينا أو غيره
والمندوب، ضرورة عدهم له في سلك غيره من المفطرات التي لا يختلف فيها أفراد
الصوم، ثم حكي بعضهم الاجماع على ما هو من جملتها من دون إيماء إلى التفريق
بينه وبين غيره، لكن في المعتبر (ولقائل أن يخص هذا الحكم برمضان دون
غيره من الصيام) قلت: كأنه أخذه من اختصاص نصوص المقام على كثرتها فيه،
ولا قياس يقتضي التعدية، بل قيل: إن صحيح الحلبي (1) منها مشعر بذلك،

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
240

قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ثم نام
متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح قال: يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من
شهر رمضان ويستغفر ربه) وإن كان قد يمنع، إذ المراد منه القضاء بعد أن
يفرغ من شهر رمضان، فليس هو حينئذ إلا كغيره من النصوص في الاختصاص
المحتمل للأهمية، ولأنه الواقع مكررا من الناس، ومن هنا كثر السؤال عنه وعن
قضائه دون غيره من أفراد الصوم، بل لعل جملة من المفطرات إنما وردت فيه
بالخصوص، إلا أن الأصحاب عدوها منه إلى غيره، مع أنه قد يؤيد ذلك هنا
صحيح ابن سنان (1) الوارد في قضائه لا فيه، قال: (كتب أبي إلى أبي عبد الله
عليه السلام وكان يقضي شهر رمضان فقال: إني أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة ولم
أغتسل حتى طلع الفجر فأجابه لا تصم هذا اليوم وصم غدا) وصحيحة الآخر (2)
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقضي رمضان فيجنب من أول الليل
ولا يغتسل حتى يجئ آخر الليل وهو يرى أن الفجر قد طلع قال: لا تصوم ذلك
اليوم ويصوم غيره) وموثق سماعة (3) (سألته عن رجل أصابته جنابة في
جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر فقال:
عليه أن يتم صومه ويقضي يوما آخر، فقلت: إذا كان ذلك من الرجل وهو
يقضي رمضان قال: فليأكل يومه ذلك وليقض، فإنه لا يشبه رمضان شئ من
الشهور) ومراده بعدم الشبه أنه يجب فيه الامساك حرمة له وإن فسد الصوم
لا أنه من جهة لحوق قضائه بأدائه في الحكم، فيختصان بذلك، ويبقى غيره من
الصوم المندوب والواجب الموسع والمضيق على أصالة عدم البطلان بذلك كما اختاره
في المدارك والذخيرة والرياض بعد أن حكي الأخير منهم التردد عن المنتهى من

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 1 - 3
241

النصوص ومن الفتاوى، وعن المعتبر الميل إلى الاختصاص، قال: وهو الأظهر
وفاقا لجملة ممن تأخر، لما مر من عدم بلوغ فتوى الأصحاب بالاطلاق الاجماع،
مع اختصاص عبائر جملة منهم كالنصوص برمضان كابن زهرة والشيخ في
الخلاف وغيرهما، مضافا إلى جملة من المعتبرة المصرحة بالعدم في التطوع، وفيها
الصحيح والموثق وغيرهما، ويلحق به ما عداه من الصوم الواجب بمعونة ما مر
من الدليل، ويستثنى منه قضاء رمضان للصحيحين والموثق.
وفيه أولا أنه لا يخفى على المتتبع لكلمات الأصحاب إطلاقها على وجه يظهر
منه عدم الاختصاص، ومن هنا نسب القول بالبطلان في الندب الكركي في تعليقه
على الكتاب إلى الشيخ والأصحاب، قال: وعليه الفتوى، وكذا النذر المطلق
وما جرى مجراه، ومنه يعلم ما في نسبته إلى خلاف الشيخ، مع أن الموجود فيما
حضرني من نسخته ونسخة الغنية لا ظهور فيهما في الاختصاص بل ولا إشعار،
ضرورة أعمية ذكر القضاء والكفارة من ذلك، كما هو واضح، وثانيا إن الذي
عثرنا عليه مما ورد في صوم التطوع خبر حبيب الخثعمي (1) (قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم
إني قد أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أو لا أصوم قال: صم)
وموثق ابن بكير (2) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجنب ثم ينام حتى
يصبح أيصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال: أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف
النهار) وخبره الآخر (3) عنه (عليه السلام) أيضا، قال: (سئل عن رجل
طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى من النهار
ما مضى قال: يصوم إنشاء وهو بالخيار إلى نصف الليل) ووصفها بالمعتبرة بعد

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2 - 3
242

فرض إعراض المعظم عنها غير لائق، على أنه لو عمل بها في خصوص التطوع لم
يتعد منه إلى غيره، ضرورة معلومية التسامح فيه بما لا يتسامح في غيره، كما في
صلاة التطوع بالنسبة إلى صلاة الفريضة، ولعله لذا ظهر من الدروس العمل بها
في خصوص التطوع، قال: (ولو أصبح جنبا ولم يعلم العقد المعين خاصة، وفي
الكفارة وما وجب تتابعه وجهان، وإن كان نفلا ففي رواية ابن بكير (1) صحته
وإن علم بالجنابة ليلا، وفي رواية كليب إطلاق الصحة إذا اغتسل، ويحمل
على المعين أو الندب للنهي عن قضاء الجنب في رواية ابن سنان (3)) وكذا
ثاني الشهيدين في المسالك عند قول المصنف: (ولو استيقظ جنبا لم ينعقد صومه
قيل ولا ندبا) قال: (نسبته إلى القول ساكتا عليه يشعر بتوقفه فيه، ووجه
عدم الجواز أنه غير معين فلم يصح صومه كقضاء رمضان، وأن الجنب غير قابل
للصوم في تلك الحال والصوم لا يتبعض، ومستند الجواز رواية عبد الله بن بكير
عن الصادق (عليه السلام) إلى آخرها، وفي رواية كليب إطلاق الصحة إذا
اغتسل، وحملها الشهيد على المعين أو الندب، وهو يشعر بتجويزه ذلك، ويؤيده
أيضا جواز تجديد النية للعازم على الافطار خصوصا بعد الزوال، وهو أيضا
مناف للصوم، وعدم قابلية الصوم للجنب إنما يمنع منه حال الجنابة، أما بعد
الغسل فلا يمنع عدم تبعض الصوم مطلقا، كيف وقد تقدم النص الصحيح بأن
الناوي بعد الزوال إنما له من الصوم ما بعد النية، وهذه الأدلة وإن ضعف بعضها
إلا أنها لا يقصر عن أدلة جواز صوم النافلة سفرا، وقد عمل بها المصنف والجماعة

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 3
(2) لم نعثر على هذه الرواية كما أنه ذكر في الحدائق أنه لم يقف عليها بعد التتبع
في كتب الاخبار
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
243

تساهلا بأدلة السنن، وخبر (1) من بلغه شئ من أعمال الخير يشملها) وهو كما
ترى صريح في الاقتصار على التطوع، خصوصا بعد قوله آنفا في شرح قول
المصنف: (ولو استيقظ جنبا لم ينعقد صومه) لا فرق في ذلك بين من علم بالجنابة
ليلا وتعمد البقاء عليها ومن لم يعلم بها حتى أصبح، لاطلاق النهي في الخبر،
ولأن القضاء موسع، نعم لو تضيق برمضان أمكن جواز القضاء للثاني، كما ينعقد
مع ذلك كل صوم معين، وفي حكم القضاء النذر المطلق والكفارة قبل التلبس بها
ولو كان في الأثناء حيث يشترط التتابع أو في أثناء صوم يشترط تتابعه فوجهان،
أجودهما عدم صحة الصوم، ولا يقطع التتابع لعدم التقصير، وظاهر الذخيرة
موافقته في جميع ذلك أو أكثره.
فظهر من ذلك كله أن القول باختصاص التطوع بالصحة دون باقي أقسام
الصوم أولى من التعدي منه إلى غيره المرجوح بالنسبة إلى التعدي فيما دل على
بطلان الصوم في شهر رمضان وقضائه إلى غيرهما كما أومأنا إليه سابقا، فتأمل،
بل الواجب الموسع يفسده الاصباح بالجنابة وإن لم يكن عالما بها، أو كان قد
نسيها أو غير ذلك من صور الاضطرار حتى فيما يشترط فيه التتابع مع الوقوع في
الأثناء، وإن كان يقوى عدم بطلان التتابع به، لعدم التقصير كما سمعته
من الشهيد.
وعلى كل حال فمن البقاء على الجنابة عمدا إحداث سببها في وقت لا يسع
الغسل بعد حصوله ولا التيمم، ولو وسع التيمم فقط عصى وصح الصوم على
إشكال، وتارك التيمم مع فقد الماء حتى يصبح كتارك الغسل، لعموم المنزلة،
وما في المدارك من أن الأصح عدم وجوب التيمم مبني على أصل فاسد قد ذكرناه

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب مقدمة العبادات
244

في كتاب الطهارة، وعدم الأمر به هنا في صحيح ابن مسلم (1) وخبر ابن
عيسى (2) لابتناء السؤال ظاهرا على تخيل سعة الوقت، لا أقل من احتمال ذلك
فيهما، فيبطل الاستدلال، كما أنه يبقى عموم المنزلة سالما، فتأمل جيدا.
والأحوط بل الأقوى وجوب البقاء معه مستيقظا حتى يصبح فيه، خلافا
له أيضا، قال: لأن انتقاض التيمم بالنوم لا يحصل إلا بعد تحققه، وبعده يسقط
التكليف، لاستحالة تكليف الغافل، وهو كما ترى، وكذا الكلام في كل ما يصح
فيه الصوم بالتيمم عوضا عن الغسل.
ولو تيقظ بعد الصبح محتلما فإن علم سبق الجنابة عليه ليبس المني مثلا دخل
في حكم البقاء غير متعمد حتى يصبح، وإلا فهو كمن أجنب بالنهار من ذوي
الأعذار، فلا يفرق فيه بين الموسع وغيره، والله أعلم.
والظاهر أن حدث الحيض والنفاس كحدث الجنابة في الابطال، بل هو
أشد، ضرورة بطلان الصوم بمفاجأته قهرا، فليس هو إلا للمنافاة بينه وبين
الصوم، فالبقاء حينئذ متعمدا حتى الصبح مبطل للصوم، كما أومأ إليه موثق
أبي بصير (3) عن الصادق عليه السلام (إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت أن تغتسل
في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم) وعلى كل حال فالتردد في أصل
الحكم كما هو ظاهر المعتبر ومحكي الذكرى بل عن نهاية الفاضل الميل إلى العدم،
بل قيل إنه الذي يعطيه كلام الجمل والمبسوط في غير محله قطعا، بل لعل المتجه
وجوب الكفارة مع القضاء وإن لم ينص عليها في الخبر، إلا أنك ستعرف أصالة
وجوبها في تعمد الافطار، وتنتقل إلى التيمم عند حصول موجبه ولو كان الضيق

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
245

بسوء الاختيار الموجب للإثم، بل تبقى مستيقظة إلى الصبح معه كالجنب.
نعم لو حصل النقاء حيث لم يبق مقدار فرصة الغسل أو بدله أو اشتغلت
بالغسل أو بدله في وقت تظن سعته له ففاجأها الصبح أو لم تعلم بنقائها في الليل
حتى دخل النهار صح صومها المعين، وفي كشف الأستاذ أو المندوب دون الموسع
وهو مبني على أن المندوب بالنسبة إليها كالمندوب بالنسبة إلى الجنب، وفيه بحث
يعرف مما قدمناه سابقا، بل هو قال بعد ذلك: لا فرق في الواجب الموسع بين
تعمد الاصباح وعدمه في الافساد، وفي التطوع لا بأس به مطلقا على إشكال.
وأما حدث الاستحاضة فقد تقدم في كتاب الطهارة تفصيل البحث فيها
خصوصا عند شرح قولهم: وإذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر، وفي الحدائق
في المقام تارة المشهور بين الأصحاب توقف صوم المستحاضة على الأغسال،
وأخرى أن الحكم متفق عليه بينهم، وفي المدارك (إن المتأخرين قيدوا ذلك
بالأغسال النهارية وحكموا بعدم توقف صوم اليوم الماضي على غسل الليلة المستقبلة
وترددوا في توقف صوم اليوم الآتي على غسل الليلة الماضية) قلت: يظهر لك
التحقيق في ذلك كله بملاحظة ذلك المقام الذي العمدة فيه بعد كلام الأصحاب
صحيح ابن مهزيار (1) (كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها
في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من
غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل كل صلاتين هل يجوز صلاتها وصومها
أم لا؟ فكتب تقضي صومها ولا تقضي صلاتها، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر
فاطمة (عليها السلام) والمؤمنات من نسائه بذلك) وإن كان فيه من الاشكال
بنفي قضاء الصلاة ما لا يخفى، فلاحظ وتأمل كي تعرف شرطية ما له مدخلية في
الصوم من أفعالها أو أنه الغسل خاصة بل الغسل النهاري منه دون الليلي، لعدم

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
246

تعقل تأخر الشرط، وتعرف أيضا أن الصغرى حينئذ لا مدخلية لشئ من أفعالها
في الصوم، لعدم الغسل فيها، أو أن أفعالها لها مدخلية كما هو مقتضى مفهوم
قوله: (وإذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر) وتعرف غير ذلك أيضا حتى ما في
شرح اللمعة للفاضل الإصبهاني في المقام أن الوجوه ستة: الأول اشتراط صومها
بكل ما عليها كما هو ظاهر الشيخ وابن إدريس، الثاني عدم اشتراطه بشئ كما
يظهر من المبسوط والمنتهى حيث أشعر كلامهما بالتوقف في القضاء إن أخلت
بالأغسال، والثالث اشتراطه بالغسل النهاري خاصة، وهو اختيار الدروس والبيان
والرابع اشتراطه بالغسل الفجري وعدم اشتراطه بالغسل للظهرين إن تجددت
الكثرة في اليوم، وهو الذي احتمله العلامة في التذكرة، الخامس اشتراطه بالغسل
الفجري خاصة، وهو الذي احتمله العلامة في النهاية مع وجوب تقديمه على الصوم
بناء على أنه لا يكون مشروطا إلا بما تقدمه، والسادس اشتراطه بما قارنه أو
تقدم عليه لا بما تأخر عنه، وهو الذي اختاره ثاني الشهيدين، ويحتمله كلام
أولهما في اللمعة، وربما يحتمل وجوب القضاء مع صحة صومها، لأن القضاء أمر
جديد ورد به النص، وأفتى به الأصحاب، ولم يقم على الفساد دليل، وإيجاب
القضاء لا يدل عليه، والله أعلم.
هذا كله في تعمد البقاء على الجنابة إلى الصبح (و) أما (لو أجنب فنام
غير ناو للغسل) ولا لعدمه بل كان ذاهلا أو مترددا واتفق أنه استمر نومه
(فطلع الفجر فسد الصوم) كما عن الفاضل وغيره، بل عن منتهى الأول أن
عليه مع ذلك القضاء، ذهب إليه علماؤنا، وظاهره الاجماع عليه، ويعضده تعبير
كثير من غير خلاف يعرف بينهم، ومنهم المصنف في المعتبر، إلا أنه استدل عليه
بأنه مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم، ويعود كالمتعمد على البقاء
على الجنابة، وفيه أنه لا يلزم من انتفاء نية الغسل تحقق العزم على ترك الاغتسال
247

لجواز الذهول عن كل منهما، ومن هنا جعل في الرياض مراده صورة النوم مع
العزم على الترك، قال: وإلا لما توجه الاستدلال وورد عليه ذلك، مع أن مورد
الاستدلال ما هو الغالب، ضرورة ندرة الذهول، إلى أن قال: وحينئذ يمكن
تنزيل باقي إطلاق عبارات القوم على ذلك، ومال إلى عدم القضاء لعدم الدليل
وإن كان أحوط، وأما الاستدلال عليه بصحيح أحمد بن محمد (1) عن أبي الحسن
عليه السلام قال: (سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثم
ينام حتى يصبح متعمدا قال: يتم صومه ذلك اليوم، وعليه قضاؤه) والحلبي (2) عن
أبي عبد الله عليه السلام المتقدم آنفا، ففيه ما سمعته من أن الظاهر من تعمد النوم منهما
العزم على البقاء على الجنابة أيضا، فتنتفي الدلالة على وجوب القضاء في حال
الذهول، ولذلك كله قال في المدارك: إن وجوب القضاء في هذه الصورة غير
واضح، لكنها نادرة، قلت: بعد الاغضاء عن المناقشة في دلالة الصحيحين
المزبورين يمكن دعوى دلالة خبر سليمان المروزي (3) وخبر إبراهيم بن عبد الحميد (4)
المتقدمين آنفا في الكفارة على متعمد البقاء، بل منهما يتجه القول بوجوبها في
المقام مع القضاء كما هو الأصل في كل مفطر فعل عمدا، بل في المسالك إنما يصح
النومة الأولى بعد الجنابة مع نية الغسل ليلا، إلا لم يصح النوم، ولا بد مع
ذلك من احتمال الانتباه، وإلا كان كمتعمد البقاء، وشرط بعض الأصحاب مع
ذلك اعتياده الانتباه، وإلا كان كمتعمد البقاء على الجنابة، ولا بأس به، لكن
في المدارك أنه مشكل جدا، خصوصا على القول بأن غسل الجنابة إنما يجب لغيره

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 3 - 4
248

مع أنه لا معنى لتحريم النوم، لسقوط التكليف معه، ولعل المراد تعلق الحرمة
بالتوجه إليه والأخذ في مقدماته، وكيف كان فلا ريب في تحريم العزم على ترك
الاغتسال، وأما تعلق الحرمة بالنوم فغير واضح، خصوصا مع اعتياد الانتباه
قبل طلوع الفجر، قلت: قد يدل عليه صحيح معاوية بن عمار (1) الآتي على
حرمة النوم في الجملة، وأولى منه خبر إبراهيم بن عبد الحميد المتقدم سابقا،
والأمر سهل.
(ولو كان) الجنب النائم قد (نوى الغسل) فاتفق أنه استمر إلى أن
أصبح (صح صومه) المعين، لصحيح العيص (2) وغيره من النصوص (3) بل
لا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف الاجماع، لكن في موضع من المعتبر (ولو
أجنب فنام ناويا للغسل حتى أصبح فسد صوم ذلك اليوم، وعليه قضاؤه، وعليه
أكثر علمائنا) ثم استدل عليه بصحيح ابن أبي يعفور (4) الآتي وصحيح ابن
مسلم (5) وهو عجيب، ضرورة أن المعروف بين الأصحاب ما ذكرناه، بل هو
قال في موضع آخر من المعتبر: (من أجنب ونام ناويا للغسل فطلع الفجر فلا شئ
عليه، لأن نومه سائغ ولا قصد له في بقائه، والقاعدة مترتبة على التفريط والإثم
وليس أحدهما مفروضا، أما لو انتبه ثم نام ثانيا ناويا للغسل فطلع الفجر فعليه
القضاء، لأنه فرط في الاغتسال مع القدرة، ولا كذا المرة الأولى، لأن في المنع
منها تضييقا على المكلف) ثم استدل بصحيحي ابني عمار (6) وأبي يعفور (7)
وهو صريح فيما ذكره الأصحاب، فلا بد من حمل كلامه الأول على صورة الانتباهة

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2 - 3 - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 0 -
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2 - 3 - 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2 - 3 - 1 - 2
(6) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2 - 3 - 1 - 2
(7) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2 - 3 - 1 - 2
249

أو غير ذلك أو يكون قد عدل عنه، وإطلاق صحيحي أحمد (1) والحلبي (2)
وخبر أبي بصير (3) وصحيح ابن مسلم (4) وموثق سماعة بن مهران (5) في
القضاء يجب تقييده بمن لم ينو الغسل، بل لعل المراد من التعمد فيها ذلك على
معنى تعمد النوم إلى الصبح، أو بما إذا نام بعد الاستيقاظ، أو نحو ذلك مما لا
بأس به للجمع بين الفتاوى وباقي النصوص التي هي كالمقيدة لهذه المطلقات، فما عن
المنتهى من أنه لو أجنب ثم نام ناويا للغسل حتى يطلع الفجر ولم يستيقظ فمفهوم
ما تقدم من الأحاديث يدل على الافساد والقضاء في غير محله، إذ لا ريب في
أن مراده الاطلاق المزبور الذي عرفت وجوب الخروج عنه للنص والفتوى ومحكي
الاجماع صريحا وظاهرا، وأما احتمال الفرق بين الجنابة مستيقظا مثلا وبينها
محتلما فيجب القضاء في الأول بالنومة الأولى لأنه كالمنتبه ثم نام، بخلاف المحتلم
في نومه، والفرض عدم علمه حتى الصبح فإنه لا قضاء عليه، لعدم التقصير
بوجه، واستيقاظ المحتلم ثم نومه كنوم الجنب مستيقظا، فينبغي تساوي الحكم
فيهما فهو تهجس في النصوص والفتاوى، ضرورة صراحتهما معا في خلافه،
فلاحظ وتأمل كي تعرف ذلك وتعرف ما في الذخيرة من الاحتمالات في الجمع
بين النصوص.
هذا كله في غير المنتبه (ولو) كان قد (انتبه ثم نام ناويا للغسل)
أولا (فأصبح نائما فسد صومه وعليه قضاؤه) لصحيح معاوية بن عمار (6)

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4 - 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4 - 3 - 1
(5) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 3
(6) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4 - 3 - 1
250

(قلت للصادق عليه السلام في الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر
رمضان قال: ليس عليه شئ، قلت: فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح قال: فليقض
ذلك اليوم عقوبة) وصحيح ابن أبي يعفور (1) عنه (عليه السلام) أيضا (قلت
له: الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح قال: يتم صومه
ويقضي يوما آخر، فإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه وجاز له) وغيرهما
معتضدة بالشهرة العظيمة، بل في المدارك (لا أعلم فيه مخالفا، بل عن الخلاف
الاجماع) هذا، وفي المسالك أيضا هنا (قد تقدم أن النومة إنما يصح مع العزم
على الغسل وإمكان الانتباه واعتياده، فإذا نام بالشرط ثم انتبه ليلا حرم عليه
النوم ثانيا وإن عزم على الغسل واعتاد الانتباه، لكن لو خالف وأثم فأصبح
نائما وجب عليه القضاء خاصة ونوقش بعدم وضوح مأخذ الحرمة، وربما كان
قوله (عليه السلام): (عقوبة) بناء على أنها إنما تكون على فعل المحرم، وفيه
أن ترتب مثل هذه العقوبة لا يقتضي تحريمه، والأصح إباحة النومة الثانية بل
والثالثة أيضا وإن ترتب عليهما القضاء كما هو ظاهر المحكي عن منتهى الفاضل،
للأصل السالم عن المعارض) قلت: خبر إبراهيم بن عبد الحميد واضح الدلالة على
الحرمة) للنهي فيه صريحا عن النوم حتى يغتسل، والأمر سهل، ضرورة كون
المفروض الصوم المعين الذي يجب على المكلف حفظه من كل ما يقتضي إبطاله،
ومنه البقاء جنبا إلى الصبح.
وأما لو أنتبه في الفرض بعد ذلك أيضا فسيأتي التعرض له في كلام المصنف
والمشهور فيه وجوب القضاء والكفارة فيكون حاصل ما عند الأصحاب في النوم
مع نية الغسل أنه على ثلاثة أقسام: الأول لا يوجب شيئا، وهو الذي استمر

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 2
مع الاختلاف
251

إلى الصبح، والثاني الذي حصل معه انتباهة، وهو موجب للقضاء خاصة، الثالث
ما حصل معه انتباهتان، وهو موجب للقضاء والكفارة، لكن قد يناقش في
عدم الكفارة في الثاني إن لم يكن إجماعا بناء على ما أومأنا إليه غير مرة من
أصالة ترتبها على كل مبطل مقصور، واقتصار النصوص هنا على القضاء أعم من
عدمها، كما أنه ينبغي أن يعلم أن الفاضل الإصبهاني حكى عن فخر الاسلام في
شرح الإرشاد أنه قال: الانتباه من الاحتلام وفي حال الجماع لا يعد من الانتباهتين
بل المعتبر انتباهة بعد نومة جنبا، ثم أيده هو بالنصوص من الأصحاب والأخبار
فإن الحكم إنما علق على النوم ثلاثا يتخللها انتباهتان بعد الجنابة، قال: ولو أجنب
في النوم ولم ينتبه بالاحتلام ثم انتبه فالظاهر أنه أيضا غير معدود، وإنما المعدود
ما بعد العلم بالجنابة كما هو نص الشارع، قلت: قد أومأنا سابقا إلى بعض ذلك
وقلنا إن الانتباه من الاحتلام كالجنابة مستيقظا، ولا ريب في عدم عد تلك
اليقظة عندهم انتباهة، فكذلك هذه، لعدم صدق أنه نام جنبا ثم استيقظ،
وهو المدار نصا وفتوى، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه بحال، والله أعلم.
(و) ستسمع تمام البحث عند تعرض المصنف لحكم الانتباهتين، كما أنك
تعرف فيما يأتي تمام الكلام فيما ذكره هنا من أنه (لو استمنى أو لمس امرأة فأمنى
فسد صومه) لكن ينبغي أن يعلم أن المراد بالاستمناء هنا طلب الامناء بغير
الجماع مع حصوله لا مطلق طلبه وإن كان محرما أيضا، إلا أنه لا يترتب على حكم
سوى الإثم، بخلاف الأول فإنه لا خلاف أجده في حصول الافطار به، بل في
المعتبر (ويفطر بانزال الماء بالاستمناء والملامسة والقبلة اتفاقا) ومحكي المنتهى
(الانزال نهارا مفسد للصوم مع العمد سواء أنزل باستمناء أو ملامسة أو قبلة
بلا خلاف) وفي المدارك (قد أجمع العلماء كافة على أن الاستمناء مفسد للصوم)
وفي شرح الإصبهاني اللمعة إفساده مما أطبق عليه الأصحاب ونصت به الأخبار،
252

وفي صحيح ابن الحجاج (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعبث
بأهله في شهر رمضان حتى يمني قال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع)
وخبر سماعة أو موثقه (2) (سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل قال: على إطعام
ستين مسكينا مدا لكن مسكين) وخبر أبي بصير (3) (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل وضع يده على شئ من جسد امرأته فأدفق فقال: كفارته أن يصوم
شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، أو يعتق رقبة) بل في صحيح ابن
مسلم (4) أنه سأل أبا جعفر عليه السلام (هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان
فقال: إني أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه " إلى غير ذلك
من النصوص الظاهرة في الافطار وإن لم يكن قد قصد بذلك الامناء ولا كان من
عادته كما هو مقتضى إطلاق الفاضلين وغيرهما، مع أنه لا يخلو من إشكال،
خصوصا إذا كان الملموسة حلالا، بل في المدارك الأصح أن ذلك إنما يفسد إذا
تعمد الانزال، وربما يؤيده أنه المناسب للجمع بين إطلاق الأخبار السابقة وبين
مرسل المقنع (5) عن علي (عليه السلام) (لو أن رجلا لصق بأهله في شهر رمضان
فأمنى لم يكن على شئ) وتسمع تمام الكلام في ذلك إن شاء الله فيما يأتي.
(ولو احتلم بعد نية الصوم نهارا لم يفسد صومه) بلا خلاف، بل
الاجماع بقسميه على من غير فرق بين أقسام الصوم، بل لا يجب عليه البدار في
الغسل، وفي المدارك لا أعلم فيه خلافا أيضا، وخبر إبراهيم بن عبد الحميد (6)

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 4 - 5
(4) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 13 - 5
(5) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 13 - 5
(6) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 4
253

المتقدم آنفا محمول على ضرب من الندب، نعم لو ترك الغسل لليوم الثاني فهو من متعمد البقاء على الجنابة، بل لو كان ناسيا قضى في المعين على ما تسمع الكلام
فيه إن شاء الله، كما أنه لو كان جاهلا كذلك، بل المتجه في الأخير الكفارة
إلا إذا كان معذورا بعدم خطور السؤال بباله فعليه القضاء خاصة، والله أعلم
(وكذا) لا يفسد الصوم (لو نظر إلى امرأة) حلال أو حرام
(فأمنى على الأظهر) عند المصنف (أو استمع فأمنى) للأصل وغيره،
خلافا للشيخ فعليه القضاء إذا كان المنظورة لا تحل له بشهوة، ولأبي الصلاح
فإنه حكي عنه أنه قال: لو اصغي إلى حديث أو ضم أو قبل فأمنى فعليه القضاء،
نعم قد يشكل فيما إذا لم يكن مقصوده الامناء ولا عن عادته، ومن هنا قال في
المدارك: الأصح أن ذلك غير مفسد إلا إذا كان من عادته الامناء، وكذا
القول في التخيل لو ترتب عليه الانزال فلا بأس به، وستسمع تحقيق الحال في
ذلك، بل (و) في (الحقنة) وأن الأقوى كونها (بالجامد جائزة وبالمايع
محرمة، ويفسد بها الصوم) لكن (على تردد) عند المصنف وخلاف تعرف
تمام الكلام فيه إن شاء الله.
وهنا (مسألتان: الأولى كلما ذكرنا أنه يفسد الصيام) غير البقاء على
الجنابة (إنما يفسده إذا وقع عمدا) لا بدونه كالذباب يطير إلى الحلق والغبار
الذي يدخل من غير قصد، فإنه لا يفسد الصوم بأقسامه قولا واحدا ونصوصا (1)
بخلاف الأول فإنه يفسده بأقسامه أيضا (سواء كان عالما) بكونه مفطرا (أو
جاهلا) به على تردد عند المصنف في الجاهل لا الأول الذي لا ريب في فساد
الصوم معه ينشأ من الخلاف فيه، فإن المحكي عن الأكثر بل هو المشهور فساد
صومه كالعالم، فيجب عليه القضاء والكفارة، لاطلاق ما دل على وجوبهما،

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
254

وعن الشيخ في التهذيب وابن إدريس أنه إذا جامع أو أفطر جاهلا بالتحريم لم يجب
عليه شئ، وظاهرهما سقوطهما معا كما عن المنتهى احتماله لسقوط القلم عنه، وفي
المعتبر (الذي يقوى عندي فساد صومه ووجوب القضاء دون الكفارة) وفي
المدارك (وإلى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين، وهو المعتمد).
قلت: فيكون حاصل الأقوال ثلاثة، وربما كان التفصيل بين الجاهل
المقصر في السؤال فيجب عليه القضاء والكفارة وبين غير المقصر لعدم تنبه،
فلا يجب عليه الكفارة خاصة، واختاره بعض مشايخنا قولا رابعا، إذ دعوى
كون محل البحث الأول دون الثاني محل منع، اللهم إلا أن يقال إن الكفارة
إنما هي عقوبة، ولا وجه لها مع عدم الإثم، لأن المفروض عدم تنبه بحيث يصح
عقابه، وفيه أن إطلاق بعض أدلة الكفارة شامل للجميع، فيمكن حينئذ منع
اعتبار الإثم في وجوبها، وسقوطها في النسيان ونحوه للدليل أعم من ذلك، إلا
أن الانصاف عدم خلوه من الاشكال، بل الذي يقوى في النفس من ملاحظة
النصوص والفتاوى حتى في غير المقام اعتبار الإثم في الكفارة، لا أقل من الشك
والأصل البراءة.
ومن ذلك يظهر لك حينئذ قوة القول الأخير، أما القضاء فلاطلاق أدلته
الذي لا يعارضه موثق زرارة وأبي بصير (1) (قالا: سألنا أبا جعفر (عليه السلام)
عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلا أن
ذلك حلال له قال: ليس عليه شئ) بعد ظهوره في غير المتنبه من الجاهل، وأن
المراد حينئذ من نفي الشئ عليه فيه نفي الكفارة، وهو كذلك بناء على ما قدمناه
بل هو شاهد له عند التأمل كالنصوص الدالة على عذر الجاهل، كقول الصادق

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 12
255

(عليه السلام) في صحيح عبد الصمد (1) (أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ
عليه) وغيره (2) بناء على إرادة عدم الإثم والمؤاخذة، واحتمال إرادة الأعم
من ذلك يدفعه أن التعارض بين الأدلة حينئذ من وجه، ولا ريب في كون
الرجحان لأدلة القضاء من وجوه، منها الشهرة، ومنها ظهور جملة من أدلة القضاء
في الجاهل كما لا يخفى على من لاحظ المقام وغيره.
وأما الكفارة فلاطلاق موثقي سماعة (3) وصحيح ابن الحجاج (4) وخبر
عبد السلام بن صالح الهروي (5) وغيرها مما رتب فيها الكفارة على الجماع ونحوه
مما لا ريب في شموله للجاهل والعالم، فما في المدارك من أنه لا دلالة في شئ
من الروايات التي وصلت إلينا في هذا الباب على تعلق الكفارة بالجاهل، إذ الحكم
فيها وقع معلقا على تعمد الافطار، وهو إنما يتحقق مع العلم بكون ذلك الفعل
مفسدا للصوم، فإن من أتى بالمفطر جاهلا كونه كذلك لا يصدق عليه أنه تعمد
الافطار وإن صدق عليه أنه تعمد لذلك الفعل، بل رواية ابن سنان (6) التي هي
الأصل في هذا الباب إنما تضمنت تعلق الكفارة بمن أفطر في شهر رمضان متعمدا
من غير عذر، والجهل بالحكم من أقوى الأعذار، كما يدل عليه صحيح عبد الرحمن

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 12 و 13
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب 10 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
256

ابن الحجاج (1) المتضمن لحكم تزويج المرأة في عدتها، حيث قال: (قلت:
فأي الجهالتين أعذر جهالته أن ذلك محرم عليه أم جهالته أنها في عدة؟ فقال:
إحدى الجهالتين أهون من الأخرى، الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه، وذلك أنه
لا يقدر على الاحتياط معها، فقلت: في الأخرى هو معذور قال: نعم) لا يخفى
ما فيه، بل قد يمنع عليه عدم تناول تعمد الافطار للجاهل، ضرورة صدقه على
من أكل المفطر في الواقع وإن لم يعلم أنه كذلك، ولو أنه يعتبر فيه ذلك لم يتجه
له الحكم بأن عليه القضاء، لما في الحدائق من أن روايات القضاء قد علق الحكم
فيها على من أفطر عامدا، والفرض عدم صدقه على الجاهل، فالتفرقة حينئذ بينه
وبين الكفارة في غير محلها ودعوى أن مطلق الجهل عذر واضحة المنع، وخبر
ابن سنان لا صراحة فيه في ذلك بل ولا ظهور، بل لعل الظاهر منه غير المتنبه
من الجاهل، لأنه الذي لا يقدر على الاحتياط، بخلاف المتنبه فإنه يستطيع السؤال
فالاستدلال له به على ذلك في غير محله، كالاستدلال بموثق زرارة وأبي بصير (2)
المتقدم سابقا الذي حملناه على غير المتنبه من الجاهل، وبذلك كله ظهر لك ما في
بقية الأقوال، خصوصا نفيهما معا مطلقا وإن اختاره المحدث البحراني،
والله هو العالم.
هذا كله فيمن تناول المفطر جهلا (و) (لو كان سهوا) عن
الصوم (لم يفسد) صومه (سواء كان الصوم واجبا أو ندبا) فلا يترتب عليه
قضاء فضلا عن الكفارة بلا خلاف أجده فيه، كما عن المنتهى الاعتراف بذلك،
قال: لا خلاف بين علمائنا في أن الناسي لا يفسد صومه ولا يجب عليه قضاء ولا

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة - الحديث 4
من كتاب النكاح
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 12
257

كفارة بفعل المفطر ناسيا، وفي صحيح الحلبي (1) أنه سئل (عن رجل نسي
فأكل وشرب ثم ذكر قال: لا يفطر، إنما هو شئ رزقه الله تعالى فليتم صومه)
ونحوه غيره مما لا فرق في إطلاقه كالفتوى بين أقسام الصوم الواجب والمندوب
والمعين وغيره ولا بين أفراد المفطرات، نعم قد عرفت في الجملة وتعرف ما (فيما ظ)
يأتي حكم نسيان الجنابة حتى يطلع الفجر، والله أعلم.
(وكذا) في عدم فساد الصوم (لو أكره على الافطار) بأن توعد
على تركه بما يكون خطر له في نفسه أو من يجري مجراه بحسب حاله مع قدرة
المتوعد على فعل ما توعد به، وشهادة القرائن بأن يفعله به لو لم يفعل (أو وجر
في حلقه) بلا خلاف أجده في الأخير، لعدم صدق الاختيار الظاهر اعتباره في
الافطار من الأدلة عليه كما هو واضح، أما الأول فعن الأكثر أنه كذلك للأصل
وحديث الرفع (2) ومشاركة الناسي في عدم الإثم بالتناول، ولا ينافيه ترتب
القضاء على المريض بعد اختصاصه بالدليل، والمحكي عن مبسوط الشيخ الفساد
لصدق الاختيار معه، وضعفه في المدارك بأنه ليس بمفطر اختيارا، وقال: (نعم
يمكن الاستدلال على هذا القول بعموم ما دل على كون الاتيان بتلك الأمور
المخصوصة مفسد للصيام، لكن في إثبات العموم على وجه يتناول المكره نظر) قلت: الأولى الاستدلال بما دل على حكم اليوم الذي يفطر للتقية، إذ هو في
معنى الاكراه، كمرسل رفاعة (3) عن الصادق عليه السلام أنه قال: (دخلت على
أبي العباس بالحيرة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذلك
إلى الإمام إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام علي بالمائدة فأكلت

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد
(3) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 5
258

معه وأنا أعلم والله أنه من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما وقضاؤه أيسر علي
أن يضرب عنقي ولا أ عبد الله) وفي آخر (1) (أفطر يوما من شهر رمضان
أحب إلي من أن يضرب عنقي) حيث أطلق عليه اسم الافطار، مؤيدا ذلك كله
بما عساه يظهر من تتبع النصوص (2) الواردة في المتسحر في رمضان بعد الفجر
قبل المراعاة وغيره من التنافي بين الأكل ونحوه والصوم بحيث لم يجتمعا وإن كان
الأكل جائزا شرعا، ولذا أمر المتسحر المزبور بعدم صوم يومه إذا كان قضاء
عن رمضان مطلقا ولو كان للفجر مراعيا، على أن حقيقة الصوم ليست إلا
الامساك عن المفطرات، وهو غير متحقق لغة وعرفا قطعا بل وشرعا، إذ ليس
هو إلا ما عند المتشرعة، ولا ريب أنه الامساك وعدم وقوع المفطر باختيار المكلف
أصلا، وهو منتف، ولذا صح سلب الصوم والامساك عنه، وأطلق عليه الافطار
في الخبر المزبور، وليس هو إلا للفساد، فيجب القضاء، لعدم قائل بالفرق بينهما
كل هذا مع ضعف دليل الخصم، ضرورة انقطاع الأصل وإرادة رفع المؤاخذة
من حديث الرفع لا القضاء، وعدمه في الناسي لدليل مخصوص لا له، والمشاركة
للناسي في عدم الإثم لا توجب المشاركة في عدم القضاء بعد حرمة القياس عندنا
فحينئذ قول الشيخ في غاية القوة كما مال إليه شيخنا في الرياض واختاره في المسالك
وستسمع تردد المصنف فيه فيما يأتي، ومنه علم حال اليوم الذي يفطر للتقية، قيل
ومنه الذي يفطر قبل الغروب.
قلت: قد يفرق بامكان إدراجه في التقية التي هي دين باعتبار ذهابهم إلى
أن الغروب ذهاب القرص، فلا يستعقب قضاء، بخلاف الأول، اللهم إلا أن
يدعى رجوعه أيضا إلى ذلك باعتبار اكتفائهم بالبينة وإن لم تكن عادلة، وحينئذ

(1) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
259

منه ينقدح الفرق بين مسألة الاكراه والتقية، ويضعف خبر القضاء فيها بالارسال
ويختص دليل القضاء حينئذ في الاكراه غير التقية بما ذكرناه مؤيدا، والأحوط
سلك الجميع من واد واحد، للشك في شمول دينية التقية لمثل ذلك الذي مرجعه
في الحقيقة إلى موضوع مصداقا أو مفهوما لا إلى حكم، ولتفصيل الحال في
شقوقها محل آخر.
وعلى كل حال فيكفي فيها وفي الاكراه مطلق ظن الضرر بل خوفه كما هو
المستفاد من النص والفتوى، خلافا لما عساه يظهر من الدروس فخصه بخوف التلف
ولعله للمرسلين (1) السابقين اللذين لا دلالة فيهما على التخصيص، فلا يعارضان
المطلقات، نحو (التقية في كل ضرورة، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به) (2)
ونحو (التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله تعالى (3)) هذا،
وفي المسالك وحيث ساغ الافطار للاكراه والتقية يجب الاقتصار على ما تندفع به
الحاجة، فلو زاد عليه كفر، ومثله ما لو تأدت بالأكل فشرب أو بالعكس، وهو
جيد بالنسبة إلى وجوب الاقتصار، لكن قد يناقش في وجوب الكفارة بناء
على ما اختاره، وهو من فساد الصوم، إذ الكفارة تختص بما يحصل به الافطار
ويفسد به الصوم، والفرض حصولهما بالمباح مما وقع عليه الاكراه، فلا فساد
حينئذ، ولا إفطار بالزائد، فلا تتعلق به الكفارة، وإن كان محرما تعبدا احتراما
لشهر رمضان مثلا، والله العالم.
المسألة (الثانية لا بأس بمص الخاتم ومضغ الطعام للصبي وزق الطائر وذوق

(1) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 5 و 4
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الأمر والنهي - الحديث 1 - 2 من كتاب الأمر بالمعروف
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الأمر والنهي - الحديث 1 - 2 من كتاب الأمر بالمعروف
260

المرق) ونحوها مما لا يتعدى إلى الحلق، للأصل وإطلاق الصحيح (1) (لا يضر
الصائم) وخصوص صحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن المرأة
يكون لها الصبي وهي صائمة فتمضغ الخبز وتطعمه قال: لا بأس، والطير إن كان
لها) وصحيح عبد الله بن سنان (3) عنه عليه السلام أيضا (في الرجل يعطش في شهر
رمضان قال: لا بأس أن يمص الخاتم) وصحيح حماد بن عثمان (4) قال: (سأل
عبد الله بن أبي يعفور أبا عبد الله عليه السلام وأنا أسمع عن الصائم يصب الدواء في أذنيه
قال: نعم ويذوق المرق ويزق الفرخ) إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة بصدق
اسم الصوم مع عدم الابتلاع، ولا ينافيه خبر سعيد الأعرج (5) (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يذوق الشئ ولا يبلعه فقال: لا) بعد حمله على
الكراهة التي هي أولى من جمع الشيخ بينها بحمله على من لا يكون به حاجة إلى
ذلك، قال: (والرخصة إنما وردت في ذلك لصاحبة الصبي، أو الطباخ الذي
يخاف فساد طعامه، أو من عنده طائر إذا لم يزقه هلك، فأما من هو مستغن عن
جميع ذلك فلا يجوز له أن يذوق الطعام) ضرورة قصوره عما دل على الجواز
من العموم والخصوص المعتضدين بالفتاوى، فلا يجسر على هذا الحكم بمثله، بل
لو مضغ شيئا فسبق منه شئ إلى الحلق بغير اختياره لم يفسد صومه على الأصح
للإذن وصدق عدم التعمد، لكن عن المنتهى (أنه لو أدخل في فيه شيئا وابتلعه
سهوا فإن كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه، وإلا وجب القضاء) ولا يخلو من نظر

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 2
(5) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 2
261

بعد ما عرفت، والله أعلم.
(و) كذا لا بأس ب (الاستنقاع في الماء للرجال) بلا خلاف أجده
فيه، للأصل وإطلاق بعض النصوص (1) وخصوص خبر ابن راشد (2) (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: الحائض تقضي الصلاة قال: لا، قلت: تقضي الصوم قال:
نعم، قلت: من أين جاء هذا؟ قال: أول من قاس إبليس قلت: فالصائم
يستنقع في الماء قال: نعم، قلت: فيبل ثوبا على جسده قال: لا قلت: من أين
جاء هذا؟ قال: من ذاك) وخبر حنان بن سدير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا
قال: (سألته عن الصائم يستنقع في الماء قال: لا بأس ولكن لا يغمس رأسه،
والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمله بقبلها) بل مقتضاهما عدم الكراهة في ذلك
بعد حمل النهي في الأول عن بل الثوب وفي الثاني للامرأة عليها، كما هو كذلك
كما ستعرف، والله أعلم.
(ويستحب السواك للصائم باليابس) بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه
عليه، بل (وبالرطب) عند الأكثر، بل عن المنتهى أنه قول علمائنا أجمع إلا
ابن أبي عقيل فكرهه، قلت: ومقتضاه أنه لا خلاف بين الجميع في الجواز،
لكن في المختلف حكى عنه المنع، وعلى كل حال فضعفه واضح، إذ لا دليل عليه
سوى حسن الحلبي (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يستاك قال: لا بأس به
وقال: لا يستاك بسواك رطب) وحسن ابن سنان (5) عنه (عليه السلام) أيضا
(أنه كره للصائم أن يستاك بسواك رطب، وقال: لا يضر أن يبل سواكه بالماء

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 0 - 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 0 - 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 0 - 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 10 - 11
(5) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 10 - 11
262

ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شئ) وموثق الساباطي (1) عنه (عليه السلام) أيضا
(في الصائم ينزع ضرسه قال: لا، ولا يدمي فاه ولا يستاك بعود رطب)
ونحوها، وعلى تقدير أن قوله المنع يجب حمل الكراهة في الحسن عليه، كما أنه
على الكراهة يجب حمل النهي عليها، لكن في الأول أنه قاصر عن مقاومة الأصل
والعمومات والاطلاقات خصوصا قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن
سنان (2): (يستاك الصائم أي ساعة من النهار أحب) وغيره، وخصوص
صحيح الحلبي (3) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أيستاك الصائم بالماء وبالعود
الرطب يجد طعمه؟ فقال: لا بأس به) من وجوه لا تخفى، منها الاعتضاد
بالشهرة العظيمة، بل سمعت إجماع المنتهى، وأما الثاني فإنه وإن حكي عن الشيخ
وابن زهرة وجماعة من المتأخرين للتسامح في الكراهة فينبغي حمل النصوص
السابقة عليها، لكن لعل الأولى منه جمعا باعتبار مراعاة كلام الأصحاب إرادة
الأقل رجحانا لا عدمه بالمرة، أو الحمل على التقية، خصوصا بعد المروي (4)
عن قرب الإسناد بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال: (قال
علي (عليه السلام): لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أول النهار
وآخره، فقيل لعلي (عليه السلام) في رطوبة السواك فقال: المضمضة بالماء أرطب
منه، فقال علي (عليه السلام): فإن قال القائل: لا بد من المضمضة لسنة الوضوء
قيل له فإنه لا بد من السواك للسنة التي جاء بها جبرئيل) وخبر موسى بن
أبي الحسن الرازي (5) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: (سأله بعض
جلسائه عن السواك في شهر رمضان قال: جائز، فقال بعضهم: إن السواك يدخل
رطوبته في الجوف فقال: الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب، فإن قال قائل

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 12 - 1 - 3 - 15 - 4
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 12 - 1 - 3 - 15 - 4
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 12 - 1 - 3 - 15 - 4
(4) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 12 - 1 - 3 - 15 - 4
(5) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 12 - 1 - 3 - 15 - 4
263

لا بد من) إلى آخر ما تقدم في الخبر السابق، وكيف كان فالأمر سهل إن كان
الخلاف في الكراهة وعدمها، وعن الشيخ في التهذيب أن الكراهة في هذه
الأخبار إنما توجهت إلى من لا يضبط فيبصق ما يحصل في فيه من رطوبة العود
أما من يتمكن من حفظ نفسه فلا بأس باستعماله على كل حال، وكأنه جمع آخر
لكن لا شاهد له، والأمر سهل بعد كون النزاع في الكراهة وعدمها، والله أعلم
(المقصد الثاني فيما يترتب على ذلك، وفيه مسائل) قد تقدم الكلام في
حكم (الأولى) منها، وهي (يجب مع القضاء الكفارة بسبعة أشياء: الأكل
والشرب المعتاد وغيره، والجماع حتى تغيب الحشفة في قبل المرأة أو دبرها، وتعمد
البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، وكذا لو نام غير ناو للغسل حتى يطلع الفجر
والاستمناء، وإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق) بل وفي غير ذلك مما عرفته مفصلا
فلاحظ وتدبر.
(الثانية لا تجب الكفارة إلا في صوم) شهر (رمضان وقضائه بعد
الزوال، والنذر المعين، وفي صوم الاعتكاف إذا وجب) بلا خلاف فيما عدا
الثاني من ابن أبي عقيل فلم يوجبها في وإن أثم بالافطار كما في المدارك، لكن
هو قد نقل عنه أنه قال: (من جامع أو أكل أو شرب في قضاء شهر رمضان أو
صوم كفارة أو نذر فقد أثم وعليه القضاء ولا كفارة عليه) ومقتضى إطلاقه
خلافه في النذر المعين أيضا، بل حكى في الدروس عنه أنه لا كفارة في غير رمضان
ثم قال: وهو شاذ.
وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه للمعتبر المستفيضة في خصوص قضاء شهر
رمضان بعد الزوال، كخبر بريد العجلي (1) وصحيح هشام بن سالم (2) وموثق

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 1 - 2
264

زرارة (1) ومرسل حفص (2) وإن اختلفت في كيفيتها، وبها ينقطع الأصل،
ويطرح موثق الساباطي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يكون عليه أيام
من شهر رمضان ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال: هو بالخيار
إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصيام ثم أفطر بعد ما
زالت الشمس قال: قد أساء، ليس عليه شئ إلا قضاء ذلك اليوم الذي يريد أن
يقضيه) لقصوره عن المعارضة بوجوه، أو يحمل على التقية، لا على ما عن
الشيخ من إرادة ليس عليه شئ من العقاب، لأن من أفطر في هذا اليوم لا يستحق
العقاب وإن أفطر بعد الزوال ولزمته الكفارة، إذ هو مع أنه مناف لقوله
عليه السلام فيه: (أساء) وللتفصيل بين قبل الزوال وبعده مخالف للمعلوم من أن
الكفارة لا تكون إلا مع الذنب، كما أنه من المعلوم نصا وفتوى التحديد بالزوال
فما في صحيح هشام من التحديد بالعصر مطرح أو محمول على إرادة دخول
الصلاتين بالزوال إلا أن هذه قبل هذه، أو أن الوهم من النساخ بابدال الظهر
بالعصر أو نحو ذلك، لا أنه يجمع بينها بالإثم بالافطار بالزوال والكفارة بما بعد
العصر، لعدم المقاومة والشهرة العظيمة على الخلاف، بل لعل الفقيه الماهر يمكنه
القطع بفساد ذلك، فميل بعض متأخري المتأخرين تبعا لاحتمال بعض المتقدمين إليه
لا يلتفت إليه.

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم
الحديث 10 وذيله في الباب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 4 مع
الاختلاف اليسير في اللفظ
265

وللمعتبرة أيضا في صوم النذر، منها صحيح علي بن مهزيار (1) قال:
(كتب بندار مولى إدريس يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم
أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب وقرأته لا تتركه إلا من علة، وليس عليك
صوم في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك، فإن كنت أفطرت ذلك من
غير علة فتصدق بعدد كل يوم على سبعة مساكين، نسأل الله التوفيق لما يحب
ويرضى) وللمعتبرة أيضا في صوم الاعتكاف كموثق سماعة (2) وخبر زرارة (3)
وعبد الأعلى بن أعين (4) وإن اختلفت في كيفيتها، إذ الكلام الآن في أصل
وجوبها، ويأتي إن شاء الله في مظانها البحث عنها، فخلاف ابن أبي عقيل في ذلك
مع أنا لم نجد له شاهدا في الأخيرين مما لا يصغى إليه، سيما مع شهرة الأصحاب
شهرة عظيمة، بل لا بأس بدعوى الاجماع معها.
(نعم ما عداه لا تجب فيه الكفارة مثل صوم الكفارات والنذر الغير المعين والمندوب
وإن فسد الصوم) بلا خلاف أجده، بل عن المنتهى أنه قول العلماء كافة، بل
لا يبعد جواز الافطار قبل الزوال وبعده كما عن العلامة وغيره التصريح به، لكن في
المدارك وربما قيل بتحريم قطع كل واجب، لعموم النهي عن إبطال العمل:
وهو ضعيف لما ذكرناه في بطلان الاستناد إلى عموم الآية (5) لوجوه، والله أعلم
(تفريع من أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد صومه وعليه
القضاء) بلا خلاف ولا إشكال (وفي وجوب الكفارة تردد) كما في كل
جاهل للحكم، إذ ما نحن فيه من أفراده وقد قدمنا سابقا أن (الأشبه الوجوب)

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب بقية الصوم الواجب - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف الحديث 5 - 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف الحديث 5 - 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف الحديث 5 - 1 - 4
(5) سورة محمد صلى الله عليه وآله - الآية 35
266

فيه إلا إذا كان جهلا بحيث يرتفع الإثم معه، فلاحظ وتدبر.
(و) كذا قد تقدم الكلام في حكم ما (لو وجر في حلقه أو أكره إكراها
يرتفع معه الاختيار) وأنه (لم يفسد صومه) قطعا (و) أما (لو خوف
فأفطر وجب القضاء على تردد) عند المصنف (ولا كفارة) قطعا، لكن
ينبغي أن يعلم أنه قد أطلق المصنف وغيره عدم البطلان بالاكراه الرافع للاختيار
مع أن من صوره الاغماء والجنون ونحوهما، وعدم البطلان بهما لا يخلو من
إشكال، اللهم إلا أن يكون ذلك مستثنى باعتبار أنه فعل الغير، أو يحمل كلامهم
على إرادة رفع الاختيار لا على هذا الوجه، قال المحقق الثاني في حواشي المتن:
(وينبغي أن يكون كذلك أي كالايجار ما لو أكره على الافطار حتى ارتفع
قصده وذهب اختياره كما لو قهره ذو شوكة بضرب شديد ونحوه أو تخويف
عظيم وتهديد بليغ حتى لم يملك أمره ولم يكن له بد من إيقاع الفعل، أما لو
خوف تخويفا لا يرفع القصد لكن حصل بسببه الخوف وشهدت القرائن بأنه
إن خالف أوقع به إلا أن قصده لم يذهب واختياره لم يرتفع ففي إفساد صومه
قولان) إلى آخره، وكذا في، المسالك، وظاهرهما عند التأمل أن المراد برفع
الاختيار ما لا يحصل معه زوال العقل، وأن الفرق بينه وبين القسم الثاني أنه
وقع به الفعل، بخلاف الثاني بالخوف من وقوعه، والله أعلم.
المسألة (الثالثة) المشهور بل عن الإنتصار والغنية الاجماع عليه أن
(الكفارة في شهر رمضان عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا مخيرا في ذلك) للأصل وصحيح ابن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
(في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر قال: يعتق
نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا، فإن لم يقدر تصدق بما

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
267

يطيق) وخبر أبي بصير (1) (سألت الصادق عليه السلام عن رجل وقع يده على شئ
من جسد امرأة فأدفق فقال: كفارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين
مسكينا أو يعتق رقبة)) وموثق سماعة (2) المروي عن النوادر (سألته عن
رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا قال: عليه عتق رقبة أو إطعام ستين
مسكينا أو صوم شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم، ومن أين له مثل ذلك اليوم)
وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل
أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا قال: عليه خمسة عشر صاعا، لكل مسكين
مد) ونحوه حسن جميل (4) في الأمر بالصدقة الدال على عدم الترتيب، وإلا لم
يناسب إطلاق الأمر بها المحمول على أنها أحد الخصال بقرينة النصوص السابقة.
(وقيل) والقائل ابن أبي عقيل والمرتضى في أحد قوليه على ما حكي عنهما
ليست على التخيير (بل هي على الترتيب) بمعنى العتق أولا، فإن لم يجد فالصيام
فإن لم يستطع فالاطعام، لخبر عبد المؤمن بن الهيثم الأنصاري (5) عن أبي جعفر
عليه السلام (إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: هلكت وأهلكت، فقال: وما أهلكك
قال: أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أعتق رقبة
قال: لا أجد فقال: صم شهرين متتابعين، قال: لا أطيق فقال: تصدق على
ستين مسكينا، قال: لا أجد فأتي النبي صلى الله عليه وآله بعذق في مكتل فيه خمسة عشر
صاعا من تمر، فقال له: خذ هذا فتصدق به، فقال: والذي بعثك بالحق نبيا
ما بين لابتيها أهل البيت أحوج إليه منا، فقال: خذه فكله أنت وأهلك فإنه
كفارة لك وهو مع اتحاده وقصوره سندا، وعدم صراحته في الترتيب بل

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 13 - 10 - 2 - 5
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 13 - 10 - 2 - 5
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 13 - 10 - 2 - 5
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 13 - 10 - 2 - 5
268

ولا ظهوره (1) وإن وقع الترتيب في الذكر، واشتماله على كون الصدقة به عليه
أهله كفارة له قاصر عن معارضة النصوص السابقة المعمول بها بين الأصحاب،
ولو وضحت دلالته لاتجه حمله على الندب لذلك، كالمروي (2) عن كتاب علي بن
جعفر أنه سأل أخاه (عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ما عليه؟ قال:
عليه القضاء وعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فاطعام
ستين مسكينا، فإن لم يجد فليستغفر الله)) أو التقية من المحكي عن أبي حنيفة
والثوري والشافعي والأوزاعي على معنى أن أبا جعفر عليه السلام نقل الخبر الأول على
حسب ما رووه تقية، وأن الكاظم عليه السلام ذكر الحكم على ما عندهم.
(وقيل) والقائل الصدوق: إنه (يجب بالافطار بالمحرم ثلاث كفارات
وبالمحلل كفارة واحدة) على التخيير فيكون مخالفا للمشهور في الشق الأول،
وإطلاق النصوص السابقة حجة عليه، واحتمال تقييدها بخبر عبد السلام بن صالح
الهروي (3) (قلت للرضا عليه السلام: يا بن رسول الله قد روي عن آبائك فيمن جامع
في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات وروي عنهم أيضا كفارة واحدة
فبأي الحديثين نأخذ؟ قال: بهما جميعا، متى جامع الرجل حراما أو أفطر على
حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات: عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين
وإطعام ستين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم، وإن نكح حلالا أو أفطر على حلال
فعليه كفارة واحدة، وقضاء ذلك اليوم، وإن كان ناسيا فلا شئ عليه)) مؤيدا
باطلاق موثق سماعة (4) السابق على ما رواه الشيخ بالواو لا (أو) وبما في الفقيه

(1) وفي النسخة الأصلية " ولا ظهور " بدون الضمير
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 9
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2
269

من أن الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أن عليه ثلاث
كفارات فإني أفتي به فيمن أفطر بجماع محرم أو بطعام محرم عليه، لوجود ذلك
في روايات أبي الحسن الأسدي (1) فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن
عثمان العمري انتهى، والظاهر اتصال ذلك بالناحية، لأنه من وكلائها التي لا ينطق
إلا عنها فرع المقاومة المفقودة بقلة القائل بل شهرة القائل بالخلاف شهرة عظيمة
وفي المحكي عن معتبر المصنف أن هذه الرواية لم يظهر العمل بها بين الأصحاب
ظهورا يوجب العمل بها، وربما حملناها على الاستحباب ليكون آكد في الزجر
مضافا إلى ما في المدارك من أن في طريق هذه الرواية علي بن محمد بن قتيبة،
وهو غير موثق بل ولا ممدوح مدحا يعتد به، وعبد السلام بن صالح الهروي،
وفيه كلام، فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل، وإن أمكن
مناقشته بأن العلامة في المحكي عن تحريره قد حكم بصحتها، وفي المختلف أن
عبد الواحد بن عبدوس النيشابوري لا يحضرني الآن حاله، فإن كان ثقة فالرواية
صحيحة يتعين العمل بها، وظاهره عدم التوقف فيها إلا من عبد الواحد الذي هو
من مشايخ الصدوق المعتبرين الذين أخذ عنه الحديث، وقد أكثر في الرواية عنه
في كتبه، كما أن ابن قتيبة قد قيل إنه من مشايخ الكشي وقد أكثر النقل عنه
في كتابه، فلا أقل من أن يكونا هما من مشايخ الإجازة المتفق بينهم كما قيل على
عدم احتياجهم (إلى ظ) التوثيق، وأما حمدان بن سليمان فهو ثقة في كتب الرجال
ولا خلاف فيه، وأما عبد السلام فقد وثقه النجاشي، وقال: إنه صحيح الحديث
وما ذكره الشيخ في كتب الرجال من أنه عامي فهو وهم، وقد أورد الكشي
روايات تدل على أنه من فضلاء الشيعة، وبالجملة يمكن تصحيح الخبر المزبور بناء
على الظنون الاجتهادية، إلا أنه مع ذلك لا يخلو من دغدغة، والعمدة ما ذكرناه

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 3
270

سابقا (و) منه قد ظهر لك مع كون (الأول أكثر) قائلا أنه أظهر دليلا
فلا مناص للفقيه عنه، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه، وأما الكلام في باقي
أحكام الكفارة فيأتي في محله إن شاء الله، والله أعلم.
المسألة (الرابعة إذا أفطر زمانا نذر صومه على التعيين كان عليه القضاء)
بلا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى (وكفارة كبرى مخيرة) كشهر رمضان
عند المشهور بين الأصحاب، بل عن الإنتصار الاجماع عليه، لخبر عبد الملك بن
عمير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (من جعل لله عليه أن لا يركب محرما فركبه قال:
ولا أعلمه إلا قال: فليعتق رقبة أو ليصم شهرين أو ليطعم ستين مسكينا) وخبر
القاسم بن فضيل (2) قال: (كتبت إليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما لله
فوقع ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة؟ فأجاب يصوم يوما بدل يوم
وتحرير رقبة مؤمنة) ونحوه مكاتبة علي بن مهزيار (3) والاقتصار فيهما على
التحرير محمول على التخيير بقرينة الخبر السابق وعدم القائل به خصوصا.
(وقيل) والقائل الصدوق: (كفارة يمين) لصحيح الحلبي (4)
عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يجعل عليه نذرا ولا يسميه قال: إن
سميت فهو ما سميت، وإن لم تسم شيئا فليس شئ، فإن قلت: لله علي كفارة
يمين) وصحيح علي بن مهزيار (5) (كتب بندار مولي إدريس يا سيدي إني

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الكفارات - الحديث 7 من كتاب
الايلاء والكفارات عن عبد الملك بن عمرو وهو الصحيح
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب بقية الصوم الحديث 3 عن القاسم الصيقل
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم الواجب الحديث 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 2 - من النذر والعهد - الحديث 5
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم الواجب الحديث 1 - 4
271

نذرت أن أصوم كل سبت، وإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب
وقرأته لا تتركه إلا من علة، وليس عليك صوم في سفر ولا مرض إلا أن تكون
نويت ذلك، وإن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم على سبعة
مساكين) (والأول أظهر) عند المصنف وغيره، خلافا لسيد المدارك فالثاني
لصحة السند بخلاف راوي خبر الأول، فإنه غير موثق ولا ممدوح مدحا يعتد به
وجهالة القاسم بن فضيل، وإضمار الثالث الذي في طريقه علي بن محمد بن جعفر
الرزاز، وهو غير موثق أيضا، مع تضمن الأخيرتين الأمر بالتحرير خاصة، ولم
يقل به أحد، والجمع بالتخيير بينه وبين باقي خصال الكبرى ليس بأولى مع الجمع
بالتخيير بينه وبين كفارة اليمين، وتحمل الرواية الأولى حينئذ على الاستحباب
قلت: لا ريب في أن الأحوط الأول وتحقيق الحال يأتي إن شاء الله في محله وإن
كان جميع ما ذكره واضح الدفع، والله أعلم.
وأما المسألة (الخامسة) التي ذكرها المصنف هنا وهي أن (الكذب
على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام حرام على الصائم وغيره وإن
تأكد على الصائم لكن لا يجب به قضاء ولا كفارة على الأشبه.
والسادسة وهي أن الارتماس حرام على الأظهر ولا يجب به
كفارة ولا قضاء وقيل يجبان به والأول أشبه - فقد عرفت الكلام فيهما مفصلا
ومنه تعرف ما في كلام المصنف فلاحظ وتأمل وتدبر والله أعلم.
المسألة السابعة لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصح وفاقا للإسكافي
والشيخ وابن إدريس وجماعة من المتأخرين بل ومعظمهم للأصل وحصر ما يضر
الصائم (1) في غيره وكثير مما تسمعه في التقطير في الإحليل ومما يصل إلى الجوف

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
272

من غير الحلق وغير ذلك وخصوص صحيح علي بن جعفر (1) سأل أخاه عليه السلام
(عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان فقال:
لا بأس) وموثق ابن فضال (2) (كتب إلى أبي الحسن عليه السلام ما تقول في اللطف
يستدخله الانسان وهو صائم؟ فكتب لا بأس بالجامد) بل لا أجد فيه خلافا
قبل الفاضلين في المعتبر والمختلف فحرمها الأول خاصة وأوجب بها الثاني القضاء
خاصة نعم أطلق ابن بابويه عدم الجواز والمفيد الفساد والمرتضى في المحكي
عن جملة عن قوم من أصحابنا وجوب القضاء والكفارة وعن آخرين القضاء
خاصة وعن ناصرياته وأما الحقنة فلم يختلف في أنها تفطر وفي الغنية وجوب
القضاء بها خاصة كالمحكي عن أبي الصلاح ويمكن إرادة الجميع المايع كما هو المنساق
من الاحتقان فينحصر الخلاف حينئذ فيمن عرفت وضعفه واضح لابتنائه
على عدم حجية الموثق كي يصلح لتقييد صحيح البزنطي (3) سأل أبا الحسن عليه السلام
(عن الرجل يحتقن يكون به العلة في شهر رمضان فقال: الصائم لا يجوز له أن
يحتقن) مؤيدا بما عن فقه الرضا عليه السلام (4) (لا يجوز للصائم أن يقطر في أذنه
شيئا ولا يسعط ولا يستحقن) وفيه - مضافا إلى ما تحرر في الأصول من حجية
الموثق سيما مع اعتضاده بما سمعت - أنه يمكن دعوى انسياق المايع من الصحيح
المزبور كما اعترف به في المدارك وغيرها فيبقى غيره على مقتضى الأصل.

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 2 هكذا
في المطبوع من الوسائل ولكن الموجود في الكافي والتهذيب والاستبصار " التلطف "
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 4
(4) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
والباب 5 منها - الحديث 2
273

(و) من ذلك كله ظهر لك أنه لا ينبغي التوقف في أنه (يحرم)
الاحتقان (بالمايع) وإن حكي عنم ابن الجنيد إطلاق استحباب الامتناع من
الحقنة لأنه يصل إلى الجوف بل عن المرتضى (أن قوما قالوا بأن الحقنة
تنقص الصوم ولا تبطله وهو الأشبه) لكن لا يخفى عليك أن الصحيح (1)
المزبور وما سمعته من الناصريات ومحتمل إجماع الغنية حجة عليهم بل وعلى معتبر
المصنف لا لما في المختلف من أن تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية - فيكون
بين الصوم والاحتقان الذي هو نقيض المعلول منافاة وثبوت أحد المتنافيين
يقتضي عدم ثبوت الآخر وذلك يوجب عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان الذي
أورد عليه في المدارك وغيرها بأن نقيض المعلول إنما هو جواز الاحتقان لا نفسه
واللازم من ذلك انتفاء الصوم عند جواز الاحتقان لا عند حصوله وإن كان
محرما كما هو واضح وإن أمكن مناقشة فيه بل مقتضاه البطلان ولو جاز
الاحتقان لمرض ونحوه - بل لظاهر انسياق البطلان عرفا من نحو هذه النواهي
في العبادة لا الحرمة خاصة كما هو محرر في محله.
(و) حينئذ ف‍ (يجب به القضاء على الأظهر) خلافا لمن عرفت بل
الأقوى إن لم ينعقد إجماع كما حكاه في المختلف عن السيد وجوب الكفارة به
لاندراجه فيمن أفطر متعمدا اللهم إلا أن يدعى انسياق غيره منها وفيه بحث
فمن الغريب بعد ذلك كله ما في الرياض من أنه لولا اشتهار القول بالتحريم بالمايع
- بل عدم الخلاف فيه إلا من المرتضى حتى أنه نستفاد من الناصرية والغنية
الاجماع على الافطار به والقضاء - لكان القول بالجواز غير بعيد لما مر من الأدلة
في السعوط مع قوة احتمال الجمع بين أخبار المسألة بالحمل على الكراهة سيما
الرضوي المتضمن للنهي عن السعوط بكلمة (لا يجوز) الداخلة على كلتيهما

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 4
274

وهي بالإضافة إلى السعوط للكراهة فليكن بالإضافة إلى الاحتقان كذلك
لئلا يلزم استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز إذ هو كما ترى جمع لا شاهد عليه
ولا داعي إليه نعم ما ذكره غير واحد من الأصحاب من كراهة الاحتقان
بالجامد لم أقف فيه على خبر بالخصوص إلا أنه لا بأس به للتسامح فيها وكراهة
بعض النظاير والاحتياط ونحو ذلك بل قد يتكلف له بدعوى إرادة الأعم من
الحقيقة والمجاز من النهي في الصحيح بقرينة ما في الموثق وغيره مما دل على الجواز
في الجامد بعد إرادة الأعم من المايع من الاحتقان والله أعلم.
المسألة (الثامنة من أجنب ونام ناويا للغسل) قبل الفجر (ثم انتبه ثم
نام كذلك ثم انتبه ونام ثالثة ناويا حتى طلع الفجر لزمته) مع القضاء (الكفارة
على قول مشهور) بل في الخلاف والغنية والوسيلة وجامع المقاصد الاجماع عليه
وهو الحجة مع خبر المروزي (1) ومرسل عبد الحميد (2) بعد تقييدهما بما دل على
القضاء خاصة في الانتباهة الواحدة ولأنه كتعمد البقاء على الجنابة لندرة
الانتباه قبل الفجر زائدا على ذلك ولكن مع ذلك كله فيه تردد
عند المصنف بل جزم بعدم الكفارة في المعتبر وتبعه الفاضل في المنتهى وبعض
متأخري المتأخرين للأصل و قصور سند الخبرين بل ودلالتهما لاطلاقهما الكفارة
على تارك الغسل حتى الصبح و تقييدهما بما إذا تعمد الترك كما في خبر أبي بصير (3)
ممكن أو أولى من التقييد المزبور والبحث في مثل هذا الاجماع معلوم
وفيه أن الأصل مقطوع والقصور مجبور بل في الدلالة ممنوع ضرورة
إمكان التقييد بهما معا ولو سلم فهو أولى للشهرة وغيرها مما عرفت والبحث هنا
ضعيف لشهادة التتبع له قبل المصنف وأضعف منه البحث في أصل الحجية

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 4 - 2 والثاني مرسل إبراهيم بن عبد الحميد
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 4 - 2 والثاني مرسل إبراهيم بن عبد الحميد
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 4 - 2 والثاني مرسل إبراهيم بن عبد الحميد
275

والذاهل عن نية الغسل في الانتباهتين أو إحداهما أولى بالوجوب والظاهر أنه
لا إثم عليه في النوم وإن زاد على الثالث مع احتمال الانتباه احتمالا معتدا به
للأصل ولا تلازم بين الكفارة والإثم.
المسألة (التاسعة يجب القضاء) خاصة (في الصوم الواجب المعين)
كشهر رمضان (بتسعة أشياء) عند المصنف الأول (فعل المفطر قبل مراعاة
الفجر مع القدرة) تمسكا بالاستصحاب ثم ظهر سبق طلوعه بلا خلاف أجده فيه
نصا وفتوى بل في صريح الانتصار والخلاف وظاهر الغنية الاجماع عليه مضافا
إلى عموم الفوات في وجه الصادق بعدم إمساك تمام اليوم سواء كان ظانا لبقاء
الليل أو شاكا فيه أو ظانا عدمه لاشتراك الجميع في جوار الاقدام لقاعدة
اليقين وللآية الكريمة (4) الظاهرة في عدم اعتبار الأمر بامساك النهار واقعا
كي يحتج بباب المقدمة المقتضية للصوم مع ظن البقاء أيضا فضلا عن الشك مع
أنه لا خلاف في جواز تناول المفطر فيه كما اعترف به بعضهم وفي نفي الكفارة
بالأصل السالم فما توهمه بعض العبارات من وجوبها على الشاك فضلا عن الظان
للعدم واضح المنع.
والمعروف بين الأصحاب بل في الرياض لا خلاف أجده فيه أنه لا قضاء
على العاجز عن المراعاة كالمحبوس والأعمى بلا خلاف أجده للأصل وجواز
التناول له مع اختصاص النص والفتوى بحكم التبادر وغيره بصورة القدرة كما
لا يخفى على من تدبرهما لكن قد يناقش بانقطاع الأصل بعموم (5) (من فاتته)
بناء على صدق اسمه عليه بعدم الامساك في بعض اليوم في أي حال يكون إلا ما
علم عدم البأس فيه كالنسيان ومن هنا كان تناول المفطر في غير شهر رمضان

(1) سورة البقرة - الآية 183
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 1
276

بعد طلوع الفجر مفسدا للصوم واجبا كان أو مندوبا مع المراعاة وبدونها كما عن
العلامة وغيره التصريح به وقد رواه الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام في غير رمضان
وإسحاق بن عمار (2) وعلي بن أبي حمزة (3) عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في
قضاء شهر رمضان لكن في المدارك ينبغي تقييد ذلك بغير الواجب المعين
أما هو فالأظهر مساواته لصوم شهر رمضان وهو لا يخلو من نظر تعرفه فيما يأتي
وبأن جواز التناول له للاستصحاب لا ينافي ثبوت القضاء عليه وبمنع اختصاص
النص بما في القادر فالاحتياط لا ينبغي تركه ومراعاة غير العارف كعدمها
وفي معاملته حينئذ معاملة العاجز أو تكون مراعاته رجوعه إلى غيره - فيكون
هو المدار حينئذ في القضاء وعدمه - وجهان أقواهما الأول.
(و) الثاني (الافطار إخلادا إلى من أخبر) كالجارية ونحوها (أن
الفجر لم يطلع مع القدرة على عرفانه ويكون طالعا) بلا خلاف أجده فيه أيضا
بل في الغنية الاجماع عليه لأصالة عدم الكفارة وعموم الفوات في القضاء في
وجه وقال معاوية بن عمار (4) للصادق (عليه السلام): (آمر الجارية أن تنظر
طلع الفجر أم لا فتقول: لم يطلع بعد فآكل ثم أنظر فأجده قد كان طلع حين
نظرت فقال: تتم يومك وتقضيه أما إنك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان
عليك قضاؤه) وصريحه كالموثق سقوط القضاء مع المراعاة بنفسه مع أنه لا خلاف
فيه بل في صريح الإنتصار وظاهر المحكي عن المنتهى وغيره الاجماع عليه بل
ظاهر النص والفتوى سقوطه مع المراعاة وإن كان شاكا أو ظانا بالفجر ثم تبين
أنه تناول بعده لكن قد يشكل باطلاق ما دل على القضاء بتناول المفطر وبأنه

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
277

أولى بذلك من الظان ببقاء الليل باخبار الجارية والاستصحاب ومن هنا مال إليه
في الرياض وهو أحوط إن لم يكن أقوى نعم ظاهرهما أي الصحيح والموثق
كالفتاوى اعتبار المباشرة في ذلك فلا يجدي غيره وإن كانوا عدولا متعددين
واختصاص السؤال في صدره بالجارية لا ينافي العموم المستفاد من الجواب
خلافا لثاني المحققين والشهيدين وغيرهما فأسقطوا القضاء بالعدلين لكونهما حجة
شرعية بل عن غيرهما الاكتفاء بالعدل الواحد بناء على أن المقام من الاخبار
لا الشهادة فيكون الواحد فيه حجة شرعية وهما معا كما ترى ضرورة أنه
ليس المدار في سقوطه على كون التناول بحجة شرعية وإلا لكفى الاستصحاب
بل على مباشرة المراعاة فبدونها يبقى مندرجا تحت إطلاق ما دل على القضاء
بذلك من خبر علي بن أبي حمزة (1) وغيره وحجية العدلين أو العدل الواحد
لا تنافي ثبوت القضاء وإلا وجب تخصيص ما دل عليها بما هنا.
والثالث ترك العمل بقول المخبر بطلوعه أي الفجر والبقاء
على ما كان عليه من الافطار لظنه إرادة المخبر كذبه للسخرية ونحوها
بلا خلاف أجده بل في ظاهر المدارك وعن غيرها الاجماع عليه بل هو أولى قطعا
من الأولين في وجوب القضاء وسأل عيص بن القاسم (2) الصادق (عليه السلام)
(عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت فنظر إلى الفجر
فناداهم فكف بعضهم وظن بعضهم أنه يسخر فأكل فقال: يتم صومه ويقضي)
أما الكفارة بالجميع مشترك في نفيها بالأصل ولا فرق بين تعدد المخبر واتحاده
وعدالته وفسقه خلافا لجماعة فاستقربوا الكفارة بأخبار العدلين ولعلهم يريدون
إذا لم يظن السخرية باخبارهما فإن جواز التناول حينئذ مع إخبارهما بل إخبار

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
278

العدل الواحد وترك المراعاة اعتمادا على الاستصحاب الذي يشك في حجيته مع
هذا الفرض لا يخلو من نظر بل لعل المتجه الكفارة لانقطاع الأصل بالخبر
فهو كالمتعمد نعم لو أخبر العدلان أو العدل الواحد فراعى فلم يتبين له ذلك
ساغ له التناول سواء ظن الخطأ أو لا بناء على جواز التناول له حال الشك
وفي الموثق (1) (عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر فقال أحدهما هو ذا وقال
الآخر ما أرى شيئا قال: فليأكل الذي لم يتبين له الفجر وقد حرم على الذي
زعم أنه رأى الفجر أن الله عز وجل يقول: كلوا واشربوا حتى يتبين.. الخ)
ومن ذلك بان أن الأحوال ثلاثة ولعل التقييد بما في المتن بظن الكذب
إشارة إليها أو إلى قسمين منها كما أن نصوص نفي الشئ على من راعى بنفسه
فأخطأ شاملة باطلاقها لمثل المقام وإن كان المخبر عدلا أو عدلين والظاهر
اختصاص هذا الحكم وسابقيه بشهر رمضان دون غيره من الواجب والمندوب
المضيق والموسع المعين وغيره بلا إشكال في شئ منه إلا في المضيق والمعين
خصوصا بعد ما ورد من استيناف يوم آخر وإفطار ذلك اليوم في قضاء رمضان
الذي هو أولى من غيره بالالحاق بل قد يدعى أن مقتضى إطلاق خبري ابن
أبي حمزة (2) وإسحاق بن عمار (3) ذلك وإن تضيق بدخول رمضان بل في
الثاني منهما التعليل بأنك أكلت مصبحا فيؤخر حينئذ إلى ما بعده كما أنه أطلق
في صحيح الحلبي (4) الافطار أن تسحر في غير شهر رمضان مضافا إلى أنه
الموافق للضوابط ضرورة ظهور الأدلة كقول الباقر (عليه السلام) في صحيح

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 2 - 1
279

ابن مسلم (1): (لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام
والشراب والنساء والارتماس) ونحوه مما أطلق فيه اعتبار الاجتناب عن ذلك
في اعتبار الصوم اللغوي في الشرع إلا ما خرج بالدليل من النسيان ونحوه
بل خبر (2) أبي بصير وسماعة في المسألة الآتية كالصريح في ذلك بل منه يظهر
دلالة قوله تعالى (3): (ثم أتموا الصيام) عليه فلاحظ وتدبر.
وحينئذ فهو في الفرض مفطر لا يصلح للامتثال به لأمر الصوم فإن كان
مما له بدل انتقل إلى بدله وإلا سقط ودعوى أن صحيح معاوية بن عمار (4)
بل وموثق سماعة (5) كالصريحين في إطلاق الصحة مع المراعاة من غير فرق بين
شهر رمضان وغيره بل ربما قيل إن الصحيح منهما عام بترك الاستفصال فيها مع
رجحانها عليها بظهور الصحيح وتصريح الموثق بكون ذلك في شهر رمضان
ومن ذلك بان ضعف إلحاق المعين فضلا عن غيره به وإن كان قد يحتج للأول
بعدم معلومية الفساد شرعا لأعمية فساد الصوم لغة منه كما في الناسي ومع
احتمال ذلك يجب إمساكه تحصيلا لامتثال الأمر القطعي فلا يجب القضاء
لأنه بأمر جديد ولا فوات معلوم بعد عدم التقصير في الاجتهاد نعم هذا
مختص بالواجب المعين لأنه الذي يفرض فيه القضاء المتوقف على أمر جديد المنفي

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(3) سورة البقرة - الآية 183
(4) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
280

فيما نحن فيه ولا كذلك الواجب المطلق لأن أمره لعدم توقيته بوقت باق
فلا بد من الخروج عن عهدته ولا يحصل بمثل هذا الصوم المشكوك في صحته
وفساده ومن هنا نظهر الحكم في المندوب بقسميه ويذب عن النصوص بأنها
مع ضعف السند في بعضها بين مختص برمضان موردا فلا يعارض ووارد في
قضائه مما لا يجري فيه الأصل المذكور ومنساق منه عدم المراعاة لكن الجميع
كما ترى خصوصا بعد ما عرفت من ظهور الأدلة في اعتبار الامساك لغة عن
المفطرات في الصوم شرعا إلا ما ثبت فيه خلافه كالناسي ونحوه ومقتضاه
الافطار في الجميع إذ حقيقة الصوم ليست إلا عبارة عن الامساك عن المفطرات
وهو في المقام لم يتحقق قطعا لا لغة ولا عرفا ولا شرعا إذ ليس معناه عنده
إلا ما هو المتبادر عند المتشرعة من الامساك ودم وقوع المفطر باختيار
المكلف أصلا وهو منتف ولذا يصح سلب اسم الصوم والامساك عنه كما
يصح إطلاق لفظ الافطار عليه ومنه ينقدح الاستدلال عليه أيضا بما في بعض
نصوص القضاء من ظهور دورانه على تحقق الافطار وأنه متى ثبت ثبت القضاء
بل لا يخفى على من تتبع النصوص خصوصا الواردة منها فيما تقدم من المسألتين
غاية وضوحها في التنافي بين فعل المفطر والصوم بحيث لا يجتمعان وإن كان التناول
جائزا شرعا لاستصحاب ونحوه.
(وكذا) يجب القضاء خاصة في الرابع من التسعة وهو (الافطار
تقليدا) لمن أخبر (أن الليل دخل) حيث يجوز له التقليد لعمى وشبهه
أو قلنا بجواز التعويل فيه على العدل الواحد أو العدلين (ثم تبين فساد الخبر)
ضرورة عدم منافاة الجواز شرعا للقضاء الذي قد عرفت ظهور النصوص في ثبوته
بمطلق فعل المفطر إلا ما قام الدليل عليه بل هو أولى بالقضاء من التناول في الليل
باخبار المخبر ببقائه المعتضد باستصحابه وحجية البينة أو خبر العدل ليست
281

أزيد من ذلك فلا يستلزم شئ منها سقوط القضاء المترتب على ما عرفت
مع أن في الخلاف والغنية الاجماع على القضاء خاصة على من أفطر شاكا في دخول
الليل وكان غير داخل ويندرج فيه بعض أفراد المقام بل لو أريد من الشك
ما يشمل الظن - كما هو معناه لغة ويفهم من كثير من الأخبار الواردة في بحث
الخلل في الصلاة بل وفتاوى الفقهاء - اندرج فيه جميع أفراده إذ لا يحصل من
الخبر نفسه ولو كان شهادة أزيد من الظن المفروض اندراجه في الشك.
وأما الكفارة فالأصل عدمها بعد عدم الإثم في التناول والجواز شرعا
نعم لو تناول باخبار المخبر وكان لا يجوز له التقليد اتجه وجوبها مع القضاء
لصدق الافطار عمدا حتى لو كان جاهلا بعدم جواز التقليد في وجه بل في بعض
النصوص (1) الصحيحة ما يقتضي وجوبها مطلقا من غير تقييد بالعمد بل هو
في أكثر أخبارها في كلام الرواة خاصة فلا يصلح مقيدا لما أطلق من أخبارها
وحينئذ فالأصل وجوبها مطلقا إلا ما قام الدليل فيه على العدم وليس منه ما نحن فيه
وبعض الأخبار (2) الدالة على اشتراط التعمد بالنسبة إليها بل والقضاء أيضا
ضعيف السند بل والدلالة ومن ذلك كله يظهر لك محل النظر فيما في جملة من كتب
الأصحاب خصوصا الرياض والمدارك والذخيرة بل وجامع المقاصد وأن دعوى
ظهور المتن فيمن لا يجوز له التقليد - إذ لا إشكال في سقوط القضاء عمن يجوز
له كالأعمى ونحوه كما أنه لا كفارة على من لا يجوز له التقليد للأصل -
واضحة النظر من وجوه لا تخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا اللهم إلا أن يقوم
إجماع على بعضها كسقوط القضاء عمن جاز له التقليد وعمن أخذ بخبر العدل
أو العدلين بناء على جواز ذلك ودون ثبوته خرط القتاد فتأمل جيدا والله

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
282

العالم بحقيقة الحال.
(و) الخامس (الافطار للظلمة الموهمة) أي الموجبة لحصول الوهم بالمعنى
المصطلح ل‍ (- دخول الليل) أو الشك كما هو لفظ النهاية مقابلا له في صورة
القضاء بغلبة الظن وحينئذ لا خلاف ولا إشكال في وجوب القضاء بل الاجماع
بقسميه عليه لعموم ما دل عليه مما عرفت لكن قد يشكل عدم الكفارة
حينئذ بما سمعت مما يقتضي وجوبها بل هو هنا من العالم العامد ولو بملاحظة
الأصل الشرعي وعدم جواز الاقدام له حتى لو استمر الاشتباه ودعوى اعتبار
العلم بالافطار بالنهار في وجوبها بحيث لا يكفي الأصل ونحوه واضحة المنع كما عرفته
سابقا وإجماع الغنية ومحتمل إجماع الخلاف على سقوطها عمن تناول شاكا في
الليل كما هو صريح المختلف متبين خلافه نعم قد يقال بانتفائها مع جهله بعدم
جواز الاقدام بذلك بناء على سقوطها عن الجاهل بالحكم وبه أيضا مع مصادقة
الواقع للأصل مع أن في فوائد الشرائع وحاشية الإرشاد الاشكال في الأخير
كنظائره من الافطار معتقدا أنه من رمضان فظهر أنه عيد ونحوه لكن قال
بعد ذلك في الأول: والذي ينساق إليه النظر حصول الإثم دون الكفارة وإن
أريد من الوهم الظن كما هو أحد إطلاقاته بل ينبغي إرادة غير الغالب هنا بقرينة
قوله: (فلو غلب على ظنه لم يفطر) فلم يقض ففيه أن سقوط القضاء به حينئذ
دون الثاني مذهب ابن إدريس خاصة ولم يساعد عليه شئ من الأدلة ضرورة
عدم الفرق فيها بين مراتب الظن حيث يجوز التعويل عليه أو لا يجوز بل لعل
دعوى استفادة سقوطهما معا عن الغالب والكفارة خاصة عن غيره من الأدلة ولو
بدعوى أنه مقتضى الجمع الذي لا شاهد له بين النصوص من الغرائب ولذا شدد
النكير عليه في المختلف وجعل منشأ خياله هذا ما توهمه من كلام شيخنا أبي جعفر
مما هو ليس مقصودا له ومثله في الغرابة ما عن الشهيد من تفسير الوهم على هذا
283

التقدير بترجيح أحد الطرفين لأمارة غير شرعية والآخر الترجيح لها مع ما في
الروضة من أنه غير تام أيضا لأن الظن المجوز للافطار لا يفرق فيه بين الأسباب
المثيرة له لكن الانصاف أن تفسير المتن وما شابهه بالأول أي إرادة الشك
من الوهم أو الطرف المرجوح بعيد أيضا جدا بل قد عرفت ما فيه من إشكال
عدم الكفارة.
ولعل الأولى إرادة الخطأ منه بمعنى أن الظلمة أوقعت الصائم في الخطأ فيها
حتى تخيل أنه ليل ومثله يتجه فيه وجوب القضاء للاطلاق السابق وخصوص
موثق سماعة (1) هنا بخلاف ما لو علم أن في السماء علة من سحاب ونحوه وظن
دخول الليل معه فإنه لا يقضي لا للرخصة له شرعا إذ قد عرفت أعميتها من
سقوط القضاء وأنها لا تنافي إطلاق ما يقتضيه بل لأن أبا الصباح الكناني (2)
سأل أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفي السماء غيم
فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم يغب فقال: قد تم صومه ولا يقضيه)
والشحام (3) روى عنه عليه السلام أيضا (في رجل صائم ظن أن الليل قد كان وأن
الشمس قد غابت وكان في السماء سحاب فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس
لم تغب فقال: تم صومه ولا يقضيه) والباقر عليه السلام قال لزرارة (4): (وقت
المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى
صومك وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا) وبها يقيد إطلاق ما دل
على القضاء.
كما أنك قد عرفت أن دليل القضاء على الأول بناء على ما ذكرناه من

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 4 - 1
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 4 - 1
(4) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 4 - 1
284

التفسير مضافا إلى الاطلاق موثق سماعة (1) (سألته عن قوم صاموا شهر رمضان
فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فظنوا أنه ليل فأفطروا ثم إن السحاب
انجلى فإذا الشمس فقال: على الذي أفطر صيام ذلك اليوم إن الله تعالى يقول
ثم أتموا الصيام إلى الليل فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه لأنه أكل
متعمدا) وهو كالصريح فيما ذكرنا بل من علم أن نظر الأصحاب في تعبيرهم
إلى النصوص وأنهم كالناقلين بالمعنى يقطع بكون المراد ما في هذا الخبر وهو
ظاهر أو صريح في تخيلهم كون السحاب الليل والمراد من الظن حينئذ القطع
نحو قوله (2): (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) لمعلومية عدم جواز الاعتماد
عليه مع عدم العلة والمناقشة في دلالته على القضاء - باحتمال إرادة وجوب إتمام
صيام ذلك اليوم والاستدلال بالآية لا ينافيه بل يؤكده كقوله عليه السلام:
(فمن أكل) إلى آخره إذ التعمد في الأكل الموجب للقضاء إنما يتصور بعد
الانجلاء لأنه إفطار حينئذ لا قبله إذ هو تعمد للأكل كناسي الصوم لا
للافطار - كما ترى إذ هو مخالف للظاهر من وجوه خصوصا بعد فهم معظم
الأصحاب منه ذلك والتعبير عنه بالافطار وظهور الاستدلال فيه بقرينة تتمته
بقوله (عليه السلام): (فمن) إلى آخره في إرادة بيان قضاء ذلك اليوم
كما هو واضح.
نعم لا وجه للاستدلال به كما عن المعظم على القضاء على من أفطر بظن
الدخول ولو للعلة في السماء مؤيدا باطلاق ما دل عليه والطعن في سند المعارض
وفي دلالة الصحيح منه بأن مضي الصوم لا يستلزم عدم القضاء وشذوذ العمل
باطلاقه الشامل لصورتي الوهم والشك ولا قائل بهما قطعا كالظن مع التمكن

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(2) سورة البقرة - الآية 43
285

من العلم بالمراعاة ونحوها الذي لم يقل أحد بسقوط القضاء به إلا ما يحكى عن
صاحب الذخيرة لهذا الصحيح الذي يمكن تخصيصه بهذه الصورة توفيقا بينه وبين
الأصول المقتضية اعتبار حصول العلم بدخول الليل المؤيدة بما دل من النصوص (1)
على لزوم مراعاة الوقت بالنظر إلى القرص والحمرة مع دلالة بعضها (2) كما قيل
على أنه مع عدم القدرة لا بد في الحكم بدخول الوقت من العلم بغيبوبة القرص
أو زوال الحمرة كل ذا مع ندرة القائل بأصل العارض أو شذوذه إذ لم يعرف
القول به بحيث لم يرجع عنه بعد ذلك إلا من الصدوق لرجوع الشيخ عما سمعته
منه في النهاية إلى القضاء في المبسوط وعبارة الغنية والخلاف وفي الرياض وابن
البراج على ما في المختلف - وإن كان لا يوافق ما حضرني من نسخته - الشك
المحتلم إرادة المعنى الشامل للظن منه بل قيل إنه المعروف منه لغة ويكونون
من القائلين بالقضاء معه حينئذ بل في الأخيرين الاجماع عليه والفاضل قد رجع
عنه في المختلف ومال إلى القضاء.
إذ لا يخفى عليك سقوط ذلك كله بناء على تفسير الصحيح بما ذكرناه
ضرورة خلو نصوص السقوط حينئذ عن المعارض إلا الاطلاق المقيد بها والطعن
في السند ممنوع بل لعل جميعها صحاح كما يعلم من البحث في الرجال والندرة
ممنوعة بعد فتوى الصدوق والشيخ والقاضي والمصنف هنا والنافع والفاضل في
الإرشاد والقواعد وغيرهم بل يمكن إرادة المثبت للقضاء مع الظن ما لا يجوز
التعويل عليه منه فإن المتجه فيه ذلك بل والكفارة مع العلم بعدم الجواز
بل ومع عدم العلم بالجواز في وجه يعلم مما تقدم بل لعل المفيد الذي هو أصل
الخلاف في المقام بنى ذلك على ما يظهر من كلامه من عدم جواز التعويل على

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل - الباب 24 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
286

الظن بحال بل يجب الصبر إلى حصول اليقين ولعل غيره ممن وافقه كالمرتضى
وأبي الصلاح وغيرهما كذلك كما أن ظاهر المحكي عن ابن إدريس بناء إيجابه
القضاء على من أفطر بالظن الضعيف على عدم جواز عمله بالظن المزبور.
ومن ذلك كله ظهر لك ما في نفي الخلاف في المدارك عن جواز العمل بالظن
عند تعذر العلم بل عن الذخيرة أن ما ذكره من نفي الخلاف غير واضح فإن
أكثر عباراتهم خال عن التصريح به وفي التذكرة ما يشير إلى وجود الخلاف في
ذلك فلاحظ وتأمل وقد ظهر لك مما ذكرنا الحكم في جميع الصور حتى لو أفطر
بالاعتقاد الجازم حيث لا يكون في السماء علة ثم بان الخلاف وأن المتجه وجوب
القضاء عليه للاطلاق وصحيح زرارة غير معلوم شموله لمثله كي يقيد به
والأولوية من الظن حيث يعمل به ممنوعة وعلى كل حال فالأمر حينئذ في المراد
من المتن ونحوه سهل بعد معرفة الحكم في شقوق المسألة والله أعلم.
(و) السادس (تعمد القئ) على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة
بل إجماع من المتأخرين بل في الخلاف وظاهر الغنية والمحكي عن المنتهى الاجماع
عليه وقد رواه الحلبي (1) في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) كالصحيح
المروي عن كتاب علي بن جعفر (2) وأرسله ابن بكير (3) أيضا عن بعض
أصحابنا عنه عليه السلام وأضمره سماعة (4) في الموثق إلى غير ذلك من النصوص
المقتصرة في مقام البيان على بيان القضاء خاصة بل في بعضها (5) بعد الأمر
بالإعادة التعرض لإثمه وأنه إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له وهو كالصريح
في عدم الكفارة التي يفزع إليها في تكفير الذنب وإطلاق الصحيح (6) في
أحد طريقيه الافطار منزل على ما في غيره مما أطلق فيه ذلك ثم عقب بما هو

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 10 - 7 - 5 - 6 - 1
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 10 - 7 - 5 - 6 - 1
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 10 - 7 - 5 - 6 - 1
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 10 - 7 - 5 - 6 - 1
(5) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 10 - 7 - 5 - 6 - 1
(6) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 10 - 7 - 5 - 6 - 1
287

كالبيان للمراد منه من وجوب القضاء عليه كل ذلك مضافا إلى صريح إجماع
الخلاف وظاهر غير المؤيد بالتتبع بل لم نعرف القائل بوجوبهما معا عليه منا
وإنما حكي عن المرتضى إرساله كما أنه لا دليل عليه سوى إطلاق نصوص
الكفارة (1) فيمن أفطر عمدا الذي يجب الخروج عنه بما عرفت بل قيل إن
المتبادر من الافطار الافساد بالأكل والشرب وأن إطلاق الوصف عليه في
نصوص المقام أعم من الحقيقة والمجاز أولى من الاشتراك وإن كانت المناقشة
فيه واضحة حتى لو سلم تبادر الأكل من الافطار في نصوص الكفارة لكن
التجوز باطلاقه عليه هنا يقتضي الاشتراك في وجوه الشبه والمنزلة اللهم إلا أن
يدعى تبادر الإثم والقضاء منها خاصة وفيه منع واضح نعم قد يقال له في
خصوص المقام لما عرفت كوضوح منع مجازية إطلاق الافطار عليه بعد وجوب
القضاء به المتوقف على الفساد ضرورة سقوطه بصحيح العبادة عند الفقهاء.
وما أبعد ما بين هذا القول والقول بعدم وجوب شئ به أصلا كما عن
المرتضى للأصل المقطوع بما سمعت وأن الصوم الامساك عما يدخل الجوف
لا ما يخرج منه الذي هو اجتهاد في مقابلة النص وحصر الباقر (عليه السلام)
في صحيح ابن مسلم (2) (ما يضر الصائم) في أربع خصال: الطعام والشراب
والنساء والارتماس الذي إن لم نقل باندراج ذلك في الطعام فيه بناء على إرادة
الأعم من ابتلاعه أو إخراجه منه وجب تقييده بما سمعت وأما قول الصادق
(عليه السلام) في الصحيح أو الموثق (3): (ثلاثة لا يفطرن الصائم: القئ

(1) الوسائل - البا ب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 8
288

والاحتلام والحجامة) إن لم يحمل على نفي الكفارة فالمراد منه ما هو الغالب
وأشار إليه المصنف (و) غيره من أنه
(إن ذرعه) القئ وسبقه قهرا لم
يفطر الذي لا خلاف أجده فيه نصا وفتوى سوى ما عن ابن الجنيد من
وجوب القضاء به إذا كان من محرم بل إذا استكثر الكفارة أيضا ولا ريب
في ضعفه وعدم الدليل عليه بعد البناء على عدم البطلان بابتلاع المحرم للأمر
بقيئه الذي هو مفطر كما عرفت كما هو ظاهر كلام الإسكافي وإلا لم يحتج حينئذ
في وجوب القضاء إلى ذرع القئ فتأمل.
(و) السابع ما تقدم الكلام فيه من (الحقنة بالمايع و)
الثامن (دخول
الماء إلى الحلق للتبرد) بالمضمضة وغيرها فغلبه ودخل الجوف والمراد (1) دخول
الماء الفم فغلب ودخل ما يبطل به الصوم من الحلق وعلى كل حال فالمراد واحد
والحكم لا خلاف فيه أجده بل هو من معقد النسبة إلى علمائنا في المحكي عن
المنتهى بل عليه الاجماع في الإنتصار والخلاف والغنية ورواه سماعة (2) في
موثقه لكن مضمرا بل في خبر ابن الصلت (3) عن يونس إطلاق الإعادة
للدخول بالحلق بالمضمضة في غير وقت الفريضة للتبرد وغيره إلا أن الظاهر كونه
من كلام يونس كما أومأ إليه بنسبة ذيله في الدروس وغيرها و أولويته من
القضاء بدخول الماء الحلق في الوضوء لصلاة النافلة كما في الصحيح (4) عن الصادق
عليه السلام يمكن منعها أولا وأصل الحكم ثانيا كما ستعرف فالأولى الاقتصار في
الاستدلال على قطع الأصل وعموم حديث الرفع ونحوه ذلك مما يقضي بعدم
القضاء على ما عرفت الذي يجب بملاحظته تنزيل ما عن الصادق عليه السلام في موثق

(1) هكذا في النسخة الأصلية والظاهر إبدال حروف الواو بأو أي " أو المراد "
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4 - 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4 - 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4 - 3 - 1
289

الفطحية (1) من أنه ليس على المتمضمض إذا دخل حلقه الماء شئ إذا لم يتعمد
ذلك في الأولى والثانية والثالثة على غير مضمضة التبرد كما هو واضح.
ولا يلحق به في القضاء ما لو ابتلعه لنسيانه الصوم بعد الوضع في الفم مثلا
لاطلاق دليله العفو عنه بعد انسياق غيره من أدلة المقام خلافا لظاهر المعتبر أو
صريحه فأوجبه وهو ضعيف نعم صريح بعضهم إلحاق العبث بالتبرد بل هو
في معقد إجماع المنتهى وفي معقد إجماع الإنتصار التمضمض لغير الطهارة من
التبرد وغيره ولعله لأولويته من المضمضة للعطش وصلاة النافلة وخبر يونس
والمفهوم في موثق سماعة وانتفاء حقيقة الصوم به وخروج النسيان مثلا لا يقضي
بخروجه والاجماع المحكي لكن في الجميع نظر إذ لعل العطش جزء سبب في
دخوله الحلق ولذا فرق المصنف بينه وبين العبث فيما تسمعه في الفروع على
أن النافلة فيها البحث الآتي ويونس لا حجة في قوله والمراد من المفهوم في
موثق سماعة مضمضة العطش لا مطلق مضمضة غير الوضوء والاجماع المحكى
لا يجسر هنا على رفع اليد عن تلك الأدلة به ويمنع انتفاء حقيقة الصوم شرعا به
إلا أن الاحتياط مع ذلك كله لا ينبغي تركه وكذا لو أدخل غير الماء فمه عبثا
أو لغرض صحيح فدخل جوفه لا دليل على القضاء به إلا دعوى التنقيح وفيها
منع واضح كوضوح المنع أيضا في إلحاق الاستنشاق للتبرد بها بناء على أن
الدخول في الأنف كالدخول في الفم وإن كان هو صريح الدروس بل من معقد
إجماع الغنية بل في الرياض بعد أن حكاه قولا إنه أحوط إن لم نقل بكونه المتعين
هذا كله في دخول الماء للتبرد ونحوه (دون التمضمض به للطهارة) فإنه
لا قضاء لو دخل وكان في وضوء الفريضة المؤداة بلا خلاف نصا وفتوى بل
الاجماع في الإنتصار والخلاف ومحكي المنتهى عليه بل معقد الأول منها التمضمض

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 5
290

للطهارة والأخيرين المضمضة للصلاة نافلة كانت أو فرضا وهو أخص من الأول
لاندراج الكون على الطهارة ونحوه فيه واحتمال أخصية الأول منه أيضا
باندراج التجديد فيه بخلافه لعدم كونه طهارة بعيد. والطهارة من الأكبر
مندرجة فيهما معا وهذا التعميم هو الموافق للأصل وحديث الرفع وموثق
الفطحية وما أرسله من إخبار الطائفة في الخلاف والاجماع المحكي وغير ذلك فما
في صحيح حماد (1) عن الصادق عليه السلام من أن عليه القضاء إن كان وضوؤه لصلاة
نافلة بناء على إرادة المضمضة له وأنها مستفادة بالأولى ينبغي حمله على الندب
لضعفه عن مقاومة غيره عموما وخصوصا من وجوه منها الموافقة لظاهر الفتاوى
إلا أنه ومع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه سيما مع ما حكي عن جماعة من القول
به أو الميل إليه.
والتمضمض للتداوي وإزالة النجاسة لا قضاء فيه أيضا لا للالحاق بالصلاة
الذي يمكن منعه بل لاتحاد الجميع في أصالة عدم القضاء خرج المضمضة ونحوها
للتبرد فيبقى غيره عليه خصوصا مع جواز المضمضة له شرعا حتى للتبرد
للأصل ومرسل حماد (2) عن الصادق عليه السلام وموثق الفطحية (3) وغيرها نعم
في خبر الشحام (4) عن الصادق عليه السلام (لا يبلع المتمضمض ريقه حتى يبزق ثلاث
مرات) كما أن في مرسل حماد (5) عنه أيضا (في الصائم يستنشق ويتمضمض
فقال: نعم ولكن لا يبلغ) وإليه أومأ في الدروس بذكره كراهة المبالغة فيه
للصائم ولولاه لأمكن قراءتها بالعين المهملة والأمر سهل بعد أن كان الحكم
أدبا. والمراد أنه لا إشكال في الجواز خلافا للمحكي عن كتابي الحديث

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2 - 5 - 2
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2 - 5 - 2
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2 - 5 - 2
(4) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2 - 5 - 2
291

للشيخ فمنع عنه للتبرد في الاستبصار وفي التهذيب (إن كان لغير الصلاة فدخل
حلقه فعليه الكفارة والقضاء)) ولا نعرف له في الأول موافقا ولا دليلا معتدا به
بل يمكن إرادة رجحان الترك من عدم الجواز فيه كما هو مقتضى المحكي من
استدلاله بما في خبر ابن الريان عن يونس (1) (والأفضل للصائم أن لا يتمضمض)
وكذا الثاني حتى في نحو التبرد الذي أوجبنا القضاء فيه أيضا للأصل المؤيد
بخلو نصوص بيان الحاجة عنها والفتاوى وإيجاب صيام الشهرين بالتمضمض
والاستنشاق وشم الرائحة الغليظة ودخول الغبار الأنف والحلق بكنسه في خبر
المروزي (2) الضعيف جدا الذي لا قائل باطلاقه لشموله ما إذا لم يتعد الحلق
فينبغي تقييده بما إذا تعمد الازدراد جمعا وتقييده بصورة التعدي خاصة فيه
إطراح لما مر من الأدلة فتأمل جيدا والله أعلم.
(و) التاسع (معاودة) أي رجوع (الجنب) باحتلام أو جماع
أو غيرها إلى (النوم ثانيا حتى يطلع الفجر) الصادق (ناويا للغسل) لاجماعي
الخلاف والغنية الشاهد فيهما التتبع والرضوي (3) بناء على حجيته وبصحيحتي
ابني معاوية (4) وأبي يعفور (5) عن الصادق عليه السلام المحتاج دلالتهما على عدم
الكفارة إلى قبح التأخير عن وقت الحاجة ونحوه أما إذا لم ينتبه من النومة

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 3
عن ريان بن الصلت عن يونس وهو الصحيح كما تقدم في 289
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1
(3) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2 والأول عن معاوية بن عمار
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2 والأول عن معاوية بن عمار
292

الأولى أو نام ناويا لعدم الغسل فقد مر تفصيل البحث فيه فلاحظ والذاهل
أولى بالقضاء من الناوي والظاهر عدم الإثم عليه بالنوم مطلقا للأصل
والعقوبة في صحيح ابن عمار أعم من الإثم قطعا خلافا لبعضهم فحرمه بعد
الانتباه ولا ريب في ضعفه بل ستعرف أنه لا إثم عليه بالزيادة على الثلاث
فضلا عنها.
(و) أما (من نظر إلى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى) فقد
(قيل) إن (عليه القضاء) بل هو خيره الشهيد والمحكي عن المفيد والمبسوط
وسلار وغيرهم للنهي (وقيل لا يجب وهو الأشبه) عند المصنف وفاقا للسيدين
والفاضلين والشهيدين والقاضي والحلي للأصل المعتضد بما في الخلاف ومحكي
الناصرية من الاجماع ولا نهي مقتضي للفساد (وكذا لو كانت محللة لم يجب)
القضاء أيضا بل هو أولى نعم لو كان من عادته الامناء بذلك وقد قصده
وجبت الكفارة عليه فضلا عن القضاء لاندراجه حينئذ فيما دل عليهما (1) في
الاستمناء إذ لا فرق فيه بين اللعب والنظر والتخيل وغيرها من أسبابه وكأنه
لا خلاف فيه كما اعترف به في الرياض بل في المختلف واللمعة وجوبهما معا بالقصد
خاصة كما أن في الروضة ذلك بالاعتياد خاصة وإن كان دخول الثاني في الاستمناء
بسبب اعتياده مع أنه غير مقصود لا يخلو من نظر كما أن إيجاب الكفارة
بالقصد بدعوى الاندراج كذلك خصوصا والموجود في نصوص
الكفارة (2) الملاعبة واللزق بالأهل ونحوهما مما لا يشمل ذلك والالحاق يقضي
بالكفارة ولو مع عدم القصد كما هو المشهور في الملحق به ولا قائل به.
نعم قد يقوى وجوب القضاء خاصة بكل منهما بل وبكل إنزال غير مقصود
حصل من النظر والاستماع بشهوة لغلام أو امرأة محللة أو محرمة وفاقا للفاضل

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
293

في المختلف والشهيد في اللمعة لما يفهم من فحاوي نصوص (1) اللمس والتقبيل وما
فيها من التعليل بخوف الانزال وعدم الأمن منه وإن بدو القتال اللطام ونحو ذلك
مما هو ظاهر في البطلان لو وقع ولذا حسن التحرز عنه نعم إن كان معتاد
الانزال حرم عليه هذه المقدمات وإلا كان تركها (2) مستحبا وإن اشترك
الجميع في البطلان مع الانزال ومن ذلك ظهر لك أنه لا فرق بين المحلل والمحرم
ضرورة عدم مدخلية الإثم بالنظر في فساد الصوم كما هو واضح والله أعلم.
(فروع) قد تقدم ما يعرف به (الأول) منها وهو (لو تمضمض
متداويا أو طرح في فيه خرزا أو غيره لغرض صحيح فسبق إلى حلقه لم يفسد
صومه ولو فعل ذلك عبثا قيل عليه القضاء وقيل لا وهو الأشبه).
(الثاني ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه) ولو بمخرج يحرم
ابتلاعه للصائم بل ولغيره إذا صار من الخبائث (فإذ ابتلعه عمدا وجب عليه
القضاء) قولا واحدا عندنا خلافا لأبي حنيفة فلم يوجبه والمناقشة بعدم
تسميته أكلا وبما رواه عبد الله بن سنان (3) عن الصادق عليه السلام (في الرجل الصائم
يقلس فيخرج منه الشئ أيفطره ذلك؟ قال لا قلت: فإن ازدرده بعد أن
صار على لسانه قال لا يفطره ذلك) واهية، لمعلومية إرادة ما يشمل مثل ذلك
من الأكل الممنوع منه في الصوم وبالفرق بين محل البحث وما في الصحيح المحتمل
أصل اللسان المتصل بالحلق أو كون الازدراد بغير اختياره كما هو الغالب
فإن المراد بالقلس كما في موثق سماعة (4) الجشأة التي يرتفع الطعام بها من جوف

(1) الوسائل - الباب 33 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
(2) ليس في نسخة الأصلية كلمة " تركها " والصحيح ما أثبتناه
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 3
294

الرجل من غير أن يكون تقيؤا وقد سأله عن ذلك فقال: (لا ينقض وضوءه
ولا يقطع صلاته ولا يفطر صيامه) وفي مختصر النهاية والصحاح أنه خروج
الطعام من الجوف ملء الفم أو دونه وليس بقئ فإن عاد فهو القئ وحكاه في
الصحاح عن الخليل بعد أن فسره فيه بالقذف ولولا اعتبار ملء الفم أمكن
إرجاع الجميع إلى شئ واحد
وسئل أبو عبد الله عليه السلام في الموثق الآخر (1)
(عن الرجل يخرج من جوفه القلس حتى يبلغ الحلق ثم رجع إلى جوفه وهو
صائم فقال: ليس بشئ) وسئل الباقر عليه السلام عن القلس أيضا في صحيح ابن
مسلم (2) (أيفطر الصائم؟ فقال: لا) على أنه لا أجد عاملا بما في صحيح
ابن سنان نعم في النهاية وعن القاضي الاقتصار على القضاء فيمن ابتلع ما حصل
في فيه من ذرع القئ وعن ابن الجنيد (والقلس لا يفطر فإن تحصل في الفم
ثم عاد إلى جوف الصائم فالأحوط القضاء وإن تعمد أفطر) وفي المختلف والظاهر
أنه يريد بذلك وجوب الكفارة فيكون المراد مما حكاه عن المبسوط من أنه
إن تعمد أفطر والتحقيق وجوبهما معا في ابتلاع ما تخلف في الفم من القئ أو
القلس عمدا كما عن ابن إدريس التصريح به لاندراجه فيما دل عليهما خلافا
لصريح الغنية فالقضاء خاصة بل ظاهره الاجماع عليه ولا ريب في ضعفه
لصدق تناول المفطر وإلا لم يجب به القضاء عمدا كما هو المفروض عليه وأما
القلس عمدا من دون تخلف ما يبتلعه عمدا منه فلا شئ فيه إذا لم يصل الطعام
فيه إلى الفم ولو وصل ولكن سبقه رجوعه ولم يبتلعه اختيارا فوجوب القضاء
به لتفريطه بالتسبيب لا يخلو من قوة بل هو من القئ فيشمله حينئذ ما دل
عليه ونصوص المقام محمولة على ما إذا حصل القلس قهرا أو لم يصل به الطعام إلى الفم

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 1
295

(و) من ذلك كله ظهر لك أن (الأشبه القضاء والكفارة) أيضا في
ابتلاع الخارج من الغذاء من بين الأسنان في العمد بل لا أجد فيه خلافا
صريحا، إذ إيجاب القضاء عليه ردا على أبي حنيفة من غير تعرض للكفارة
لا يقتضي نفيها (و) أما (في السهو) ف‍ (لا شئ عليه) قطعا إن لم يكن
قصر في التخليل أما معه فجرى الريق ببقية طعام في خلل الأسنان ففي فوائد
الشرائع الأقرب وجوب القضاء خاصة لتعريضه صومه للافطار بتهاونه في تخليل
الأسنان وللنظر فيه مجال والله أعلم.
(الثالث لا يفسد الصوم ما يصل إلى الجوف بغير الحلق) من منافذ
البدن المعلومة (عدا) ما عرفت البحث فيه من (الحقنة بالمايع) لصدق اسم
الصوم معه شرعا لكون المعتبر فيه عدم الوصول إلى الجوف بما يسمى أكلا
وشربا لا مطلق الواصل والموصول إليه كيف ما كان وأصالة الصحة فيما لو كان
ذلك طاريا بعد الانعقاد وفحوى ما تعرفه من كراهة الكحل والسعوط
والاحتقان بالجامد والتقطير بالإذن وإيصاله الماء من منافذ الشعر ببل الثوب أو
الجسد ونحو ذلك ونحوها وحصر الباقر عليه السلام ما يضر الصائم في أربع (1): الطعام
والشراب والجماع والارتماس بل في آخر (2) عن الصادق عليه السلام (الصيام من
الطعام والشراب) كما أن في جملة من النصوص (3) تعليل عدم الفطر بالكحل
والذباب بأنه ليس بطعام والغالب فيما يصل بغير الحلق من منافذ البدن لا يسمى
طعاما ولا شرابا نعم لو فرض منفذ ولو بالعارض لهما في البدن أفطر به قطعا

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم والباب 39 منها
الحديث 2
296

إن كان مما يصل به الغذاء أما لو كان في مكان لا يتغذى بالوصول منه لسفله
عن المعدة مثلا ففيه وجهان أقواهما عدم الافطار.
(و) حينئذ فما (قيل) - من أن (صب الدواء في الإحليل حتى يصل
إلى الجوف يفسده) كما حكاه في المختلف عن المبسوط قال: قال: وإن كان يابسا
لم يفطر واختاره هو فيه كما حكى عن جماعة مستدلا بأنه قد أوصل جوفه مفطرا
بأحد المسلكين فإن المثانة تنفذ إلى الجوف فكان موجبا للافطار كما في الحقنة -
في غاية الضعف خصوصا مع إمكان منع نفوذ المثانة إلى الجوف وأنه إنما يرشح
لها رشحا أو معلوميته وأضعف من ذلك ما حكاه عنه أيضا فيه مع اختياره له
أيضا من الافطار بطعنه نفسه أو أمره به فوصل إلى جوفه بخلاف ما لو طعنه
غيره الذي هو كما لو أوجر في حلقه لكن لا كفارة للأصل بل استقرب فيه
أيضا مستظهرا له عن المبسوط الافطار بوصول دواء الجرح إلى جوفه والجميع
كما ترى مع أنه مخالف للأدلة مخالف للمشهور بين الأصحاب بل الشيخ نفسه
صرح في الخلاف بعدم الافطار بالتقطير في الذكر ولا بوصول الدواء إلى جوفه
من جرحه ولا بوصول الرمح مثلا إليه رطبا كان أو يابسا استقر في الجوف
أو لا باختياره أو لا مقتصرا في حكاية الخلاف في ذلك على العامة ومن ذلك
كله ظهر لك ما في قول المصنف: وفيه تردد.
ولو وضع الشئ في المنفذ ولم يعلم وصوله إلى الجوف فلا إفطار قطعا
بل وكذا لو وصل وكان غير مقصود ولا معتادا واحتمال الافطار بهذا التعريض
في غاية الضعف فمحل البحث حينئذ في الموضوع بقصد الايصال فوصل أو كان
معتاد الوصول بالوضع وقد عرفت أن الأقوى فيه العدم أيضا والله أعلم.
الرابع لا يفسد الصوم بابتلاع النخامة وهي في مختصر النهاية (البزقة
التي تخرج من أقصى الحلق من مخرج الخاء المعجمة) وفي الصحاح (النخامة
297

النخاعة وبالعكس) لكن في المختصر المزبور (النخامة البزقة التي تخرج من
أصل الفم مما يلي النخاع) وعن الدروس (أنها النخامة أو ما يخرج من الصدر
أو الخيشوم) والمغرب (ما يخرج من الخيشوم عند الننخع) وعلى كل حال
فلا يفسد ابتلاعها ولا اجتلابها.
(و) لا (البصاق) المجموع في الفم أو لا (ولو كان عمدا ما لم ينفصل
عن الفم) بل في التذكرة نسبة الثاني إلى علمائنا قال: (سواء جمعه في فمه ثم
ابتلعه أو لم يجمعه)) وفي الخلاف نفي الخلاف فيه بل ظاهره ذلك في النخامة
أيضا للأصل في الجميع والسير في بعض والحرج فيه وفي آخر حتى أثر النخامة
المختلف بعد البصق وقول الصادق عليه السلام في الموثق (1): (لا بأس بأن يزدرد
الصائم نخامته) وإطلاق قوله عليه السلام في خبر عبد الله بن سنان (2): (من نخع
في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته) وفحوى بعض
نصوص الفلس (3) وغير ذلك مما لا فرق فيه بين الوصول إلى فضاء الفم وعدمه
وبين جلبها وعدمه واحتمال أن الثاني من قبل القئ كما عن بعض العامة - ومقتضاه
الافطار به ولو ردها به كدعوى مساواة فضاء الفم للخارج عنه كما اختاره
أول الشهيدين وثاني المحققين وغيرهما - في غاية الضعف إذ لا شاهد لهما بل
عليهما متحقق كما عرفت نعم لو انفصلا عنه ثم ابتلعهما أفسدا كما لو كانا من
أجنبي بل في التذكرة ((لو ترك في فمه حصاة وشبهها وأخرجها وعليها بلة من
الريق ثم أعادها وابتلع الريق أفطر وإن كان قليلا فاشكال ينشأ من أنه لا يزيد

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب أحكام المساجد - الحديث 1 من
من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
298

على رطوبة المضمضة ومن أنه ابتلع ريقا منفصلا عن فمه فأفطر به كالكثير
وفيها أيضا (لو بل الخياط الخيط بالريق أو الغزال المغزل بريقه ثم يرده إلى الفم
على ما يعتاد عند الفتل فإن لم يكن عليه رطوبة تنفصل فلا بأس وإن كانت
وابتلعها أفطر عندنا وهو قول أكثر الشافعية) وإن كان في جميع ما ذكره
منع واضح متى استهلك بما في الفم بحيث يعد ابتلاع ريقه لا غيره وعليه تحمل
نصوص (1) ذوق المرق وغيره ومضغ الطعام ونحوه وسئل الرضا عليه السلام في خبر
أبي الحسن الرازي (2) (عن السواك الرطب يدخل رطوبته في الحلق فقال:
الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب) بل وخبر أبي بصير (3) وعلي بن
جعفر (4) في امتصاص ريق أحد الزوجين الأخر مع أنه أعم من الابتلاع كما
أن النبوي (5) العامي من مصه صلى الله عليه وآله لسان عائشة كذلك مع أنه أعم من رطوبته
أيضا بل وخبر أبي ولاد الحناط (6) الذي قال للصادق عليه السلام: (إني أقبل بنتا لي
صغيرة وأنا صائم فيدخل في جوفي من ريقها شئ فقال له: لا بأس ليس عليك
شئ) ولعله أولى من حمله في الدروس على عدم القصد وعلى كل حال فمتى
استهلك لم يكن به بأس بل كان كما لو أخرج لسانه ثم رده وابتلع ما عليه الذي
صرح غير واحد بعدم البطلان به بل في التذكرة (عندنا).
وأما ما ينزل من الفضلات من رأسه إذا استرسل وتعدى الحلق

(1) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 4
عن موسى بن أبي الحسن الرازي
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 3 - 1
(5) سنن البيهقي ج 4 ص 234
(6) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 3 - 1
299

من غير قصد لم يفسد الصوم) بلا خلاف ولا إشكال و (لو تعمد ابتلاعه أفسد)
كما في الإرشاد وفي الدروس وغيرها إن صار في فضاء الفم وربما حد كما في
فوائد الشرائع بما بعد الحاء المهملة والأقوى كونه كالأول لا يبطل مطلقا وفاقا
لجماعة بل المشهور على الظاهر لأكثر ما سمعت أو جميعه حتى خبر النخامة (1)
بناء على شمولها للخارج من الجوف والرأس كما في الذخيرة بل لو سلم وجوب
الاجتناب مطلقا أو إذا وصل إلى فضاء الفم تحصيلا ليقين البراءة مع فرض الشك
فيها بدونه أمكن القول بعدم القضاء معه أيضا في أحد الوجهين بل جزم به في
الذخيرة والرياض في مواضع لعدم العلم بتحقق سببه من الافطار ونحوه بذلك
إذ الفرض احتمال كونه مفطرا وإن كان قد يناقش بامكان تحقيق سببه بأصالة
عدم وقوع المراد والمطلوب من المكلف فيندرج فيما دل على القضاء إذا لم يفعل
وكيف كان فعلى الفساد تجب الكفارة مع القضاء بل ربما قيل بوجوب
كفارة الجمع بناء على حرمة ابتلاعه ووجوبها فيه وفيهما معا منع نعم لو خرج
من فمه مثلا دم فابتلعه أمكن وجوب ذلك بناء عليه وقد يحتمل عدم الافطار به
لأنه من الريق وإن حرم ابتلاعه لأنه دم ولو شك في الفضلة أنها من الرأس
أو الصدر بناء على الفرق بينهما كان له ابتلاعه للأصل ولو اشتبهت محصورة
لا يجوز له الابتلاع إلا أنه إذا ابتلع لا قضاء ولا كفارة عليه في وجه قوي.
(الخامس ما له طعم) إذا تغير الريق بطعمه من غير انفصال أجزاء منه
(كالعلك) ونحوه (قيل) والقائل كما قيل الشيخ في النهاية والإسكافي:
يفسد الصوم وإن كان الذي عثرت عليه في الأولى نفي جواز العلك للصائم
وإلا فلم يعده في موجبات القضاء ولا مفسدات الصوم فيمكن إرادة الكراهة منه
والمحكي عن ابن الجنيد فيما حضرني من المختلف غير صريح فيه (وقيل) والقائل

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
300

الأكثر أو المشهور: (لا يفسده وهو الأشبه) للأصل وحصر الباقر عليه السلام
(ما يضر الصائم) في غيره ومضغه عليه السلام العلك وهو صائم في صحيح ابن مسلم (1)
إلا أنه حذره منه لأنه قد وجد في نفسه منه شيئا وفي خبر أبي بصير (2) سأل
الصادق عليه السلام (عن الصائم يمضغ العلك قال: نعم إن شاء) لكن عن الشيخ أنه
غير معمول عليه ولعل المراد ظهوره أو إشعاره في عدم الكراهة لا في الرخصة
فيه نعم هو مكروه كما يستفاد من التحذير السابق والجمع بين ما عرفت وحسن
الحلبي أو صحيحه (3) قال للصادق عليه السلام: (الصائم يمضغ العلك فقال: لا)
فالقول بعدم الجواز لذلك ولامتناع انتقال الاعراض فوجود الطعم لا يكون
إلا بتحلل أجزاء ذي الطعم وابتلاعها مفسد وفيه منع التحلل أولا ولعل
الطعم المزبور بالمجاورة وعن المنتهى قد قيل من لطخ باطن قدميه بالحنظل وجد
طعمه ولا يفطره إجماعا ومنع الافطار بمثل هذه الأجزاء التي لا تدرك بالحس
وإنما يعلم وجودها بوجود بعض الأعراض الحالة فيها ثانيا نعم لو كان مفتتا
فوصل منه شئ إلى الجوف بطل صومه كما لو وضع سكرة في فمه وابتلع الريق
بعد ما ذابت فيه والله أعلم.
(السادس إذا طلع الفجر وفي فيه طعام لفظه ولو ابتلعه فسد صومه
وعليه مع القضاء الكفارة) إجماعا بل في المدارك أنه موضع وفاق بين العلماء
كما أنه معلوم من نصوص المذهب (4) واحتمال إلحاق ما في الفم بما في الجوف
فيجوز ابتلاعه حينئذ لا ينبغي الالتفات إليه.
(السابع المتفرد برؤية هلال شهر رمضان) يجب عليه الصوم ف‍ (إذا

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 3 - 2
(3) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 3 - 2
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
301

أفطر عليه القضاء والكفارة) لتناول الأدلة له خلافا لما عن بعض العامة فيصوم
مع جماعة الناس وأبي حنيفة فلا تجب الكفارة وإن وجب القضاء.
(المسألة العاشرة) لا إشكال ولا خلاف في أنه (يجوز الجماع) في ليلة
الصيام (حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل) فإن عصى ولم يغتسل
كان عاصيا بذلك لا بجماعه
(ولو تيقن ضيق الوقت) عن الجماع والغسل
(فواقع) وطلع الفجر عليه وهو جنب أثم قطعا و (فسد صومه و) كان
(عليه الكفارة) مع القضاء بناء على ما عرفت من وجوبهما بذلك وفي
الخلاف الاجماع عليه نعم لو قيل بمشروعية التيمم بدله للضيق عنه كالصلاة أمكن
القول بصحة صومه وعدم الكفارة وإن كان قد أثم بنقله حال الاختيار إلى
الاضطرار
(ولو فعل ذلك ظانا سعته) فبان عدمها (فإن كان مع المراعاة لم
يكن عليه شئ) كما في الأكل إذ لا فرق بين سائر المفطرات في ذلك فالدليل
حينئذ متحد وبه يخرج عن ظهور ما يقتضي القضاء من النصوص بحصول ما ينافي
الامساك (و) حينئذ ف‍ (إن أهمل) المراعاة (فعليه القضاء) خاصة لأصالة
عدم الكفارة وإطلاق الأدلة في القضاء فدغدغة سيد المدارك وفاضل الذخيرة
فيه بأنه لا دليل عليه سوى باب التشبيه بوجوب القضاء بالأكل قبل المراعاة وهو
متوقف على ثبوت التعليل في الأول وفيه تأمل في الثاني في غير محلها بعد ما سمعت
من احتياج عدم القضاء إلى المخرج لا القضاء.
المسألة (الحادية عشر تتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين
من صوم تتعلق به الكفارة) من شهر واحد فضلا عن الشهرين إجماعا منا بقسميه
من غير فرق بين تخلل التكفير وعدمه واتحاد جنس الموجب وعدمه والوطئ
وغيره لصدق الافطار المعلق عليه الكفارة خلافا للمحكي عن أحمد والزهري
فواحدة وأبي حنيفة إن لم يكفر في إحدى الروايتين وفي الأخرى كالأول
302

(وإن كان) تكرر الموجب في (يوم واحد قيل تتكرر) الكفارة (مطلقا)
كما عن المرتضى في إحدى الروايتين وفي الأخرى الوطئ خاصة وثاني المحققين
بل وثاني الشهيدين وإن قال: إن لم ينعقد الاجماع على خلافه بل صرح الأول
بتعدده في الأكل والشرب بتعدد الازدراد وفي الجماع بالعود بعد النزع
وكذا الثاني منهما لكن قال يتجه في الشرب اتحاده مع اتصاله وإن طال
للعرف و (قيل إن تخلله التكفير) وإلا فلا مطلقا كما عن الإسكافي وقيل إن
اختلف الجنس أو تخلل التكفير واختاره الفاضل في المختلف وفي اللمعة
والدروس بالوطئ مطلقا ومع تخلل التكفير أو تغاير الجنس في غيره لكن في
الدروس منهما في الأخير على الأحوط وقال فيها: ومع اتحاده فلا تكرار قطعا
وفي الروضة عن المهذب إجماعا (وقيل لا تتكرر) مطلقا كما هو خيرة الشيخ
وابن حمزة والمصنف والفاضل في المحكي عن منتهاه وغيرهم (وهو الأشبه) في
غير الوطئ (سواء كان من جنس واحد أو مختلفا) تخلل التكفير أو لا للأصل
وما تسمعه من خبر العيون (1) وتعليقها في أكثر النصوص على الافطار ونحوه
المتحقق بالأول بل سياق جميع النصوص ذلك حتى النادر منها الذي علق فيها في
كلام السائل على العبث بالأهل حتى أمنى ضرورة إرادة المفطر منه لا فعله مطلقا
حتى ممن لا يجب عليه صيام السفر ونحوه خصوصا بعد عدم استفصاله كعدم
استفصاله عن الافطار مع غلبة تعدده إن كان بالأكل بناء على حصوله بتعدد
الازدراد وكعدم أمره بالتعدد للجماع الذي هو في الغالب الاستمناء مع إدخال
الفرج في الجماع وهما سببان بل المأمور به له كفارة واحدة.
أما الوطئ فقد يقال بالتعدد لتعدده لما رواه الصدوق في العيون والمحكي

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
303

عن الخصال بإسناده عن الفتح بن يزيد الجرجاني (1) (إنه كتب إلى أبي الحسن
عليه السلام يسأله عن رجل واقع امرأة في شهر رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر
مرات قال: عليه عشر كفارات لكل مرة كفارة فإن أكل أو شرب فكفارة
يوم واحد) وما في المختلف عن ابن أبي عقيل أنه قال: ذكر أبو الحسن زكريا
ابن يحيى صاحب كتاب شمس الذهب عنهم (عليهم السلام) أن الرجل إذا جامع
في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء والكفارة وإن عاد إلى المجامعة في يومه ذلك
مرة أخرى فعليه في كل مرة كفارة وفي المعتبر لا ريب أن قول الشيخ ليس
لأصحابنا فيه نص وهم وإلا فقد روي (2) عن الرضا عليه السلام أن الكفارة تتكرر
بتكرر الوطئ واختاره المرتضى وعن المنتهى بعد نقلها في حجة السيد أنه
يحتمل أن يكون قول الشيخ قبل وقوفه على هذه الرواية لكن أجاب عنها بأنه
لم يحضرني الآن حال رواتها وبالجملة القول بالتكرار في خصوص ذلك غير بعيد
لا مطلقا فإنه لا دليل عليه سوى أصالة تعدد المسببات بتعدد الأسباب وفيه
منع السببية بعد أن كان المعلق عليه الافطار وسوى دعوى وجوبها للامساك
بعد الافطار كالامساك قبله وفيه أن الأول صوم يصدق على إبطاله اسم الافطار
بخلاف الثاني بل لا ينكر ظهور النصوص أو صارحتها في كون الأول سببا
للكفارة لا الأعم منه ومن الأخير ولا مع شئ من التفاصيل السابقة إذ لا
أثر لاختلاف الجنس والاستدلال في المختلف بأن الكفارة تترتب على كل
واحد من المفطرات فمع الاجتماع لا يسقط الحكم وإلا لزم خروج الماهية عن
مقتضاها حالة انضمامها إلى غيرها فلا يكون تلك الماهية تلك الماهية وهذا

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 3
304

خلف يدفعه - مع أنه يمكن تقريره في غير المختلف جنسا - ما عرفت من صدق
السبب حالة الانفراد دون الاجتماع فلا تغير للماهية التي هي الافطار وليس لها
حالة اجتماع وانفراد كما هو واضح ولا أثر أيضا لتخلل التكفير بعد ما عرفت من
أن السبب صدق الافطار الذي لا تفاوت فيه بين التكفير وعدمه ومن الغريب
الاستدلال عليه في المختلف بأن الثاني مؤثر كالأول لاشتراكهما في الصدق
فإما أن يكون أثره الأول ويلزم تحصيل الحاصل أو غيره وهو المطلوب وأما
إذا لم يكفر فلأن الحكم معلق على الافطار وهو أعم من المتحد والمتعدد
والأصل براءة الذمة إذ فيه - مع أنه مخالف لدعوى تعليقها على اسم التناول
لا الافطار في السابق إن تخلل التكفير - غير مجد على كل حال وإن أردت تمام
العجب فالحظ ما في المختلف.
ومن ذلك كله يظهر لك أيضا أنه لا كفارة في إفساد ما وجب قضاؤه من
الصوم بترك مراعاة ونحوه من الأسباب السابقة لأنه إمساك لا صوم صحيح
وإلا كان مسقطا للقضاء واحتمال كون وجوب صوم آخر غيره حكما شرعيا لا
لأنه باطل وهذا تدارك له يدفعه إطلاق النص والفتوى عليه اسم القضاء كاطلاق
اسم الافطار على فعله.
وكذا لا تجب الكفارة بافطار الصوم الذي عرض له مشكوك المانعية مثلا
بناء على أن إتمامه عند أهل هذه القاعدة لتوقف يقين البراءة عليه وإلا فهو
غير معلوم كونه صوما صحيحا ولا فاسدا فلا يجب قضاؤه بعروض المشكوك
مثلا لعدم العلم بالفوات وإلا وجب عليه اجتناب ذلك للاحتياط الواجب
فلو تناول مفطرا في مثل هذا اليوم الذي قد فرض سبق عروض المشكوك قبل
تناوله لم تجب عليه الكفارة لعدم العلم بكونه إفطارا لاحتمال تحققه قبله
بعروض ذلك الذي لم يكن معتمدا له وإنه به تحقق الافطار فتأمل جيدا.
305

(فرع من فعل ما تجب به الكفارة ثم سقط فرض الصوم بسفر)
قهري (أو حيض) أو جنون (وشبهه قيل تسقط الكفارة) واختاره الفاضل
في جملة من كتبه إن لم يكن فعل المسقط للتخلص منها وقيل كما في فوائد
الشرائع تسقط إن لم يكن المسقط اختياريا كسفر ونحوه وإن كنت لم أتحقق
قائله (وقيل لا) تسقط مطلقا كما هو خيرة الأكثر بل في الخلاف الاجماع
عليه (وهو الأشبه) لذلك لا لصدق الافطار إذ التحقيق انتفاء الأمر
بالمشروط مع العلم بانتفاء شرطه نعم يمكن أن يكون مبني الكفارة ولو بمعونة
الاجماع السابق المعتضد بفتوى الأكثر التكليف ظاهرا الذي به يحصل هتك
الحرمة بالجرأة بل قد يظهر ذلك أيضا من صحيح زرارة ومحمد بن مسلم (1) عن
أبي جعفر (عليه السلام) الوارد في الفرار من الزكاة بعد تعلقها وأنه كالفار من
الكفارة بالافطار بالسفر في آخر النهار وإلا فهو دال على بعض الدعوى
وهو ما إذا كان المسقط من فعل المكلف مقصودا به إبطال الكفارة
وإن حكي عن بعض المتأخرين أن موضع الخلاف في غيره ولعله لأنه لو لم يكن كذلك
لصار عذرا لسائر العصاة المتناولين للمحرمات وسيأتي من المصنف الجزم
بوجوب الكفارة على من أفطر من المسافرين قبل بلوغ محل الترخص وإن سافر بعد
ذلك حتى بلغه ولعله يخرجه عن موضوع النزاع أيضا كما أن ظاهر الفاضل وغيره
خروج سقوط الكفارة عمن أفطر آخر الشهر ثم بان أنه من شوال عن ذلك أيضا
وأنه من المسلمات ولا بأس به إن كان إجماعا لو قلنا إن مدار وجوبها على
إفطار شهر رمضان واقعا وإلا فبناء على أن مدار الكفارة التكليف شرعا
ظاهرا يتجه حينئذ وجوبها فيه أيضا كما لو طرأ الحيض وتبين عدم الخطاب

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب زكاة الذهب والفضة - الحديث 2
عن أبي عبد الله عليه السلام
306

بالصوم واقعا حتى يتحقق إفطار.
المسألة (الثانية عشر من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا) فإن كان
مستحلا فهو مرتد لانكاره الضروري لو كان بأكل وشرب وقال الباقر عليه السلام في
صحيح بريد (1): (في رجل شهد عليه أنه أفطر شهر رمضان ثلاثة أيام يسأل
هل عليك في إفطارك إثم فإن قال: لا فإن على الإمام أن يقتله وإن قال: نعم
فإن عليه أن ينهكه ضربا) وإليه أشار المصنف وغيره بقوله: (عزر مرة فإن
عاد كذلك عزر ثانيا) لكن قد يستفاد من الخبر (2) في المسألة الآتية تقدير
تعزيره بخمسة وعشرين سوطا بناء على مساواة الجماع لغيره وإن كان ظاهر
الفتاوى هنا عدم التقدير كما أنك سمعت ما في الصحيح المزبور وعلى كل حال
(فإن عاد قتل) عند أكثر الأصحاب بل قيل إنه المشهور ورواه سماعة (3)
وقيل يقتل في الرابعة للمرسل (4) عنهم (عليهم السلام) (إن أصحاب الكبائر
يقتلون في الرابعة) وهو وإن كان معارضته للأول بالتعميم والتخصيص بل هذا
المرسل معارض بالصحيح (5) (أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحد مرتين
قتلوا في الثالثة) إلا أنه أحوط خصوصا في الدماء وخصوصا بعد الطعن في
سند الخبرين معا ولتمام الكلام في المسألة محل آخر وعلى كل حال ففي التذكرة
(إنما يقتل في الثالثة أو الرابعة لو رفع في كل مرة إلى الإمام وعزر أما إذا

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1 - 2
(4) المبسوط للشيخ قده - كتاب المرتد - حكم تارك الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب حد المكسر - الحديث 2
من كتاب الحدود
307

لم يرفع فعليه التعزير خاصة) وهو جيد.
المسألة (الثالثة عشر من وطأ زوجته في شهر رمضان وهما صائمان مكرها
لها كان عليه كفارتان) وتعزيران مجموعهما خمسون سوطا ولا قضاء عليها إن
كان برفع الاختيار بل وبغيره في المشهور بل ظاهر التذكرة الاجماع عليه
(و) على كل حال (لا كفارة عليها فإن طاوعته فسد صومهما وعلى كل
واحد منهما كفارة عن نفسه ويعزران) أي كل منهما (بخمسة وعشرين
سوطا) كل ذلك لقول الصادق عليه السلام في خبر المفضل بن عمر (1) (في رجل أتى
امرأته وهو صائم وهي صائمة فقال: إن كان استكرهها فعليه كفارتان وإن
كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين
سوطا نصف الحد وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطا وضربت
خمسة وعشرين سوطا) ولا يقدح ضعفها في إثبات حكم مخالف لأصالة عدم
التحمل عن الغير وعدم الكفارة على المتحمل عنه للاكراه بعد انجبارها بفتوى
المشهور شهرة عظيمة بل لا أجد فيه خلافا إلا ما حكاه في المختلف عن ظاهر
العماني مع أن ما حكاه من عبارته فيه يمكن منع ظهورها فيه بل في ظاهر المعتبر
وغيره وصريح الخلاف الاجماع عليه بل في المعتبر وعن المنتهى والتنقيح أن
علماءنا ادعوا الاجماع على ذلك ومع ظهور القول بها ونسبة الفتوى إلى الأئمة
(عليهم السلام) يجب العمل بها وتعلم نسبة الفتوى إلى الأئمة (عليهم السلام)
باشتهارها بين ناقلي مذهبهم كما تعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل اتباعهم مذاهبهم
وإن استندت في الأصل إلى آحاد من الضعفاء وهو جيد جدا والمناقشة فيه في
المدارك والذخيرة واهية فلا ينبغي حينئذ التوقف في الحكم المزبور خصوصا
بعد مخالفته للجمهور وامكان تقريبه من الاعتبار بأنه باكراهه صار كأن الفعلين

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
308

منه فيجب بهما مسببهما.
نعم ينبغي الاقتصار عليه فلا يلحق بالجماع غيره ولو للزوجة ولا
اكراهها إياه ولا اكراه الأجنبي لهما على الفعل أو على اكراه الآخر ولا
النائمة خلافا للشيخ ولا المدلس عليها ولا تندرج الأمة في المرأة المضافة
إليه كما عثرنا عليه في رواية الخبر المزبور في كتب الفروع والأصول بل لم نعثر
على نسخة بالتجريد من الإضافة على أن اندراجها في المرأة فيه ما فيه
كدعوى الالحاق وإن لم تكن مندرجة خلافا للفاضل فاستقرب الكفارتين
باكراهها أيضا وقد يجتمع في حالة واحدة الاكراه والمطاوعة ابتداء واستدامة
وحينئذ يلزمه حكمه ويلزمها حكمها كما في الروضة والمدارك والرياض ولعله لظهور
النص في استمرار الاكراه إلى الفراغ فيبقى غيره على مقتضى الضوابط فلا
حاجة حينئذ إلى دعوى الاندراج في المطاوعة في النص الواضح منعها.
نعم قد يقال فيما لو أكرهها ابتداء أنه وجب عليه الكفارتان بأول مصداق
الجماع ومطاوعتها بعد ذلك سبب آخر لوجوب الكفارة عليها باعتبار صدق
الافطار عليها عمدا إن لم تكن قد أفطرت بالاكراه الأول إن كان رافعا للاختيار
أو قلنا بعدم الافطار به مطلقا وإلا فلا كفارة عليها لأنه قد طاوعته بعد أن
أفطرت اللهم إلا أن يدعى ظهور النص المزبور في كون الموجب للكفارتين
الاكراه بتمام الوطئ حتى أنه لو ارتفع صدق الاكراه في الأثناء بنوم ونحوه
بحيث كان وقوع تمام الفعل لا للاكراه الأول لم تجب الكفارتان وفيه بحث.
ولو كان مفطرا بسفر ونحوه وهي صائمة فأكرهها فعن بعضهم وجوب
الكفارة عنها لا عنه وقد يحتمل كما في القواعد السقوط لكونه مباحا غير
مفطر لها لانتفاء المقتضي للتحريم وهو فساد الصوم إذ المفروض أن صومها
لا يفسد بذلك لكن في المدارك أن الأصح التحريم لأصالة عدم جواز إجبار
309

المسلم على غير الحق الواجب عليه وفيه بحث والله أعلم.
والتقييد في المتن بشهر رمضان خال عنه النص فيمكن طرد الحكم في كل
ماله كفارة من الصوم الواجب عليهما أو في خصوص قضاء الصوم عند تعينه
اللهم إلا أن يدعى انسياق شهر رمضان والحكم مخالف للقواعد ومنه يعلم
ما في قول المصنف:
و (كذا) تجب الكفارتان (لو كان الاكراه
لأجنبية) حاكيا له عن بعضهم بقرينة قوله: (وقيل لا يتحمل هنا وهو
الأشبه) لما عرفت وغلظ الذنب لا يفيد أولوية إذ لا يقبل التكفير لعظمه كما
في تكرار الصيد عمدا إلا أن الانصاف قوة القول بها في جملة مما سمعت
فالاحتياط لا ينبغي تركه خصوصا فيما لو أكرهها على أنها زوجته ثم بان أنها أجنبية
إذ لا عظم فيه للذنب حينئذ كما أنه لا يخفى عليك بعد ما ذكرنا ما يمكن تصوره
من الفروع وإن كثرت والله أعلم.
المسألة (الرابعة عشر كل من يجب عليه شهران متتابعان) في نذر أو
كفارة مرتبة أو مخيرة كذا قيل ويمكن دعوى انسياق المعنيين من المتن وما
شابهه بل المتجه في المخير الانتقال إلى الفرد الآخر من التخيير كما أن المتجه
عدم عنوان الحكم المستفاد من الخبرين الآتيين به بمثل هذه العبارة الظاهرة في
المباينة لها باعتبار اشتراط تعذر الخصال الثلاث في الانتقال إلى الثمانية عشر
ولعله لذا عبر في الدروس بما يفيد ذلك فقال: ولو عجز عن الخصال الثلاث صام
ثمانية عشر يوما متتابعا على الأشبه وقد يظهر من الأول من الخبرين أن الذي
ينبغي مراعاته من الثلاث عند التعذر الاطعام لأنه أخفها ومع فرض التخيير
إنما يطالب المكلف به لأنه أدنى ما يمتثل به فلو عجز صام ولعل صحيحي
الصدقة (1) بما يطيق يوميان إلى ذلك وإلى قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 و 3
310

وعلى كل حال ف‍ (لو عجز صام ثمانية عشر يوما) عن كل عشرة مساكين
ثلاثة أيام (ولو عجز عن الصوم أصلا) ففي النافع في باب الكفارات بل في معقد
ما حكي من شهرة المسالك وما حكي أيضا في الرياض عن الشيخ وجماعة تصدق بمد
عن كل يوم من الستين أو الثمانية عشر على اختلاف الوجهين كما في الرياض وفيه
نظر يعرف مما مر ويأتي وإلا (استغفر الله فهو كفارته) إلا أنه لم أقف
في الأدلة على ما يدل على ذلك نعم في الموثق (1) (عن رجل ظاهر من امرأته
فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدق ولا يقوى على الصيام قال: يصوم ثمانية عشر
يوما) وخبر أبي بصير وسماعة (2) إذ سألا أبا عبد الله عليه السلام (عن الرجل يكون
عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على
الصدقة قال: فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام) وهما معا
كما ترى غير دالين على تمام ذلك ومقتضاهما كما في المدارك الانتقال إلى الثمانية
عشر بعد العجز عن الخصال الثلاثة وإن كان ما ذكره لا يخلو من نظر بل الأول
منهما في خصوص الظهار وفي الرياض أن سياق الثاني صدرا وذيلا اختصاص
الحكم بصيامها بصورة العجز عن الخصال الثلاث التي هي في الكفارة خاصة
فهذا القسم خارج عن موردها البتة لكن قد يناقش فيه بظهور السؤال في
الأعم ولا ينافيه ذكر العجز عن العتق والصدقة لامكان إرادة التكفير لهما لو
عجز عن أداء النذر أيضا فتأمل جيدا فالأولى التعميم بالنظر إلى هذا الحكم.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الكفارات - الحديث 1 من كتاب
الايلاء والكفارات
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب بقية الصوم الواجب - الحديث 1
وفيه عن أبي بصير إلا أن الموجود في الاستبصار ج 2 ص 97 - الرقم 314 عن أبي بصير وسماعة بن مهران مع الاختلاف في لفظه
311

نعم قد يقال إن مقتضى الجمع بينهما وبين الصحيحين (1) (في رجل أفطر
في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر قال: يعتق نسمة أو يصوم
شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا فإن لم يقدر تصدق بما يطيق) التخيير
في البدل كما في المختلف والدروس لا أنه الصوم خاصة كما عن المشهور لاقتضائه
طرح الصحيحين ولا التصدق المزبور المقتضي طرح المعتبرين ولو بالعمل ولا
دليل على الجمع بينهما بالترتيب بمعنى أنه إن عجز عن الصوم تصدق بما يطيق فلم
يبق إلا التخيير وما في المدارك بعد أن حكى عن جده القطع به - من أنه جيد
لو تكافأ الدليلان وليس لضعف سند الأولين وصحة الأخيرين - فيه ما لا يخفى
من وضوح معادلة الصحة بالعمل وفي اشتراط التتابع في الثمانية عشر قولان
ينشئان من الاطلاق ومن أنه بدل عن صوم يعتبر فيه التتابع لكن قد يمنع
الثاني بظهور الخبر المزبور في أن ذلك بدل عن الاطعام إلا أنه الأحوط إن لم
يكن المنساق من الاطلاق كما اختاره في الدروس ولو حصل العجز بعد صوم
شهر ففي المدارك (احتمل وجوب تسعة لأن الثمانية عشر بدل عن الشهرين
فيكون نصفها بدلا عن الشهر والسقوط لصدق صيام الثمانية عشر ووجوب
الثمانية عشر بعد الفجر لأن الانتقال إلى البدل لا يكون إلا بعد العجز عن
المبدل وما صامه أولا إنما كان محسوبا من المبدل فلا يجزي عن البدل
وهذا الاحتمال لا يخلو من قوة) قلت: قد يتجه بناء على المختار السقوط
والتصدق بما يطيقه الذي كان يجزيه من العجز أولا.
ولو عجز عن الثمانية عشر أتى بالممكن من الصوم والاطعام وفي الدروس
أن فيه وجها مخرجا وهو الاتيان بالممكن منهما ابتداء حتى لو أمكن الشهران

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 و 3
312

متفرقين وجب ولو قدر على صيام الأكثر من ثمانية عشر ففي الشرائع في الوجوب
نظر قلت: ظاهر الأدلة عدمه كما أن ظاهرها عدم الأقل لو قدر عليه خاصة
وأما الاستغفار فلم أجد في النصوص تعميم بدليته أيضا نعم قال الصادق عليه السلام
في خبر أبي بصير (1): ((كل من عجز عن الكفارة التي يجب عليه صوم أو عتق
أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة
فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار) والباقر عليه السلام في الموثق (2) في كفارة
اليمين لما قيل له فإن عجز عن ذلك قال: (فليستغفر الله عز وجل ولا يعودها) وهما
غير عامين لجميع صور تعذر الشهرين بل في أولهما التصريح بخروج يمين الاستظهار
ثم إن المعتبر منه كما في الرياض مرة واحدة بالنية عن الكفارة مضافا
إلى اللفظ الدال على الندم على ما فعل والعزم على عدم العود إن كان عن ذنب
قلت: إن لم ينعقد إجماع كما عساه يظهر من المدارك حيث قال: هذا الانتقال مع
العجز عن الصوم إلى الاستغفار مقطوع به في كلام الأصحاب بل ظاهرهم أنه
موضع وفاق فإن تم وإلا أمكن إرادة سقوط الكفارة من الخبرين ما دام
عاجزا والاجتزاء بالتوبة لا على أنها بدل عن الكفارة وربما يومي إليه ما في
الموثق (3) في المظاهر أنه يستغفر ويطأ فإذا وجد الكفارة كفر وعن الشيخ
العمل به في التهذيبين إذ لو كان بدلا لأجزأ وإن تمكن وفي الدروس ولو قدر
بعد الاستغفار فاشكال إذ لا تجب الكفارة على الفور ومن الامتثال أما
لو قدر بعد الثمانية عشر أو ما أمكن منها فلا شئ ولعل فيه شهادة على بعض

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الكفارات - الحديث 1 - 4 من كتاب الايلاء والكفارات
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الكفارات - الحديث 6 من كتاب
الايلاء والكفارات
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الكفارات - الحديث 1 - 4 من كتاب الايلاء والكفارات
313

ما ذكرنا وتمام الكلام في المسألة في باب الكفارات إن شاء الله.
المسألة (الخامسة عشر لو تبرع متبرع بالتكفير عمن وجبت عليه الكفارة
جاز) وإن كان حيا لاقتضاء تنزيل نحوه من النصوص منزلة الدين ذلك
مضافا إلى ابتناء حق الله على التخفيف (لكن) مقتضى ذلك عدم الفرق بين
الصوم وغيره كما هو المحكي عن مبسوط الشيخ واختاره في المختلف لا أنه
(يراعى في) خصوص (الصوم الوفاة) كما اختاره المصنف وإن كان قد
يوجه بأن الصوم كالصلاة لا يؤدى عن الحي أصالة وإن أذن وفيه بحث إن لم
ينعقد إجماع على خلافه والأقوى عدم التبرع عن الحي مطلقا وفاقا لجماعة
بل لعله المشهور للأصل أما الميت فالمعروف بين الأصحاب صحة التبرع عنه
مطلقا لكن ظاهر الدروس ترتب الاجزاء وعدمه في الحي على القولين في الميت
قال: وأولى بالمنع لعدم إذنه ولتحقيق الحال في ذلك محل آخر والله أعلم.
(المقصد الثالث فيما يكره للصائم وهو) عند المصنف (تسعة أشياء):
الأول (مباشرة النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة) مع ظن عدم الامناء لمن تتحرك
شهوته بذلك إجماعا عن المنتهى وفي الخلاف (يكره القبلة للشاب إذا كان
صائما ولا يكره للشيخ دليلنا إجماع الفرقة) وفي التذكرة أجمع العلماء على
كراهة التقبيل لذي الشهوة وسأل الحلبي (1) الصادق عليه السلام (عن مس الصائم
شيئا من المرأة أيفسده أم ينقضه؟ فقال له: إن ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة
أن يسبقه المني) وسماعة (2) أيضا (عن الالتصاق بالأهل فقال: ما لم يخف على
نفسه فلا بأس) ومنصور بن حازم (3) (عن تقبيل الجارية والمرأة فقال، أما
الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس وأما الشاب الشبق فلا فإنه لا يؤمن

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 6 - 3
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 6 - 3
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 6 - 3
314

والقبلة إحدى الشهوتين) الحديث وزرارة (1) الباقر عليه السلام (عن المباشرة
والتقبيل فقال له: فليتنزه عن ذلك إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه).
ومن ذلك كله قيد إطلاق الكراهة بما عرفت جماعة من الأصحاب منهم
الفاضلان والشهيدان وغيرهم لكن فيه أن التسامح وما تحقق في الأصول من
عدم حمل المطلق على المقيد في أمثال المقام واحتمال أن منشأ الكراهة التلذذ كما
ورد (2) في كراهة شم الريحان لا خوف الوقوع في المبطل بل قد يومي إليه
قول النبي صلى الله عليه وآله (3) لما سئل (عن قبلة الرجل امرأته وهو صائم: هل هي إلا
ريحانة يشمها) بقرينة ما ستسمعه من كراهة شم الرياحين للصائم يقتضي الجمع
بين ذلك وبين ما يستفاد منه إطلاق الكراهة - كترك الاستفصال في خبر
الأصبغ (4) قال: (جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أقبل وأنا صائم
فقال: عف صومك فإن بدو القتال اللطام) وقال عليه السلام أيضا (5): (أما يستحي
أحدكم أن لا يصبر يوما إلى الليل أنه كان يقال إن بدو القتال اللطام) وصحيح
ابن مسلم (6) سأل الباقر عليه السلام (عن الرجل يجد البرد أيدخل مع أهله في لحاف
وهو صائم فقال له: يجعل بينهما ثوبا) - بالشدة والضعف ولعله لذا أطلق
جماعة الكراهة منهم المصنف هنا وفي النافع بل هو مقتضى ما في التهذيب
أنه روى عبد الله بن سنان (7) رخصة للشيخ في المباشرة ومن إطلاق اسم
الرخصة بل سأل رفاعة (8) أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل لامس جارية في شهر

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 13 - 4 - 15 - 5 - 7 - 8 لكن الأول عن محمد
ابن مسلم وزرارة
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 3
315

رمضان فأمذى فقال: إن كان حراما فليستغفر الله استغفار من لا يعود أبدا
ويصوم يوما مكان يوم وإن كان من حلال فليستغفر الله ولا يعود ويصوم
يوما مكان يوم) ولكن نسبه في التهذيبين إلى الشذوذ ومخالفته لفتوى أصحابنا
كلهم ثم إلى وهم الراوي لأنه شرع فيه ليفرق بين الحلال والحرام ثم سوى
بينهما في الحكم ولعل حمله على الاستحباب كما عن موضع آخر من التهذيب
أولى وفي الوافي أن التقييد بالأبد الظاهر في إرادة رمضان وغيره في الأول
دون الثاني يرفع التسوية المزبورة وظاهره الفرق بين رمضان وغيره في الحلال
وقد يشهد له خبر أبي بصير (1) سأل أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل كلم امرأته في
شهر رمضان وهو صائم فقال: ليس عليه شئ وإن أمذى فليس عليه شئ
والمباشرة ليس بها بأس ولا قضاء يومه ولا ينبغي أن يتعرض لرمضان).
وكيف كان فلا إشكال في أصل الجواز خصوصا بعد ما روى أبو بصير (2)
عن الصادق عليه السلام نفي البأس عن وضع الرجل يده على جسد امرأته وهو صائم
وعن تقبيلها وعن مصها لسانه وعلي بن جعفر (3) عن أخيه موسى (عليه السلام)
نفي البأس عن مص كل منهما لسان الآخر نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يقصد
الانزال بذلك ولا كان من عادته وإلا حرم في الصوم المعين لأنه كتعمد
الابطال اللهم إلا أن يدعى توقفها على حصول الانزال وإلا فلا كما عرفته
سابقا وإما إذا لم يغلب على ظنه ذلك ففي التذكرة أن الأقرب الكراهة لا
الحرمة لأن التعريض للافساد مشكوك فيه ولا يثبت التحريم بالشك قلت:

(1) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 16
والباب 34 منها الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 3
316

قد يومي إليها إيجاب الكفارة بناء على ملازمتها للإثم إلا أن يعلم العدم على
اللازق بأهله فأنزل في الموثق (1) الشامل لمحل الفرض كمعاقد الاجماعات عليها وإن
لم يكن من قصده الانزال قال هو في التذكرة في المقام: إذا عرفت هذا فلو قبل
لم يفطر إجماعا فإن أنزل وجب القضاء والكفارة عند علمائنا وبه قال أحمد
ومالك بل قد يقال بإرادة الحرمة من تلك النصوص المقيدة حتى ما ورد بلفظ
الكراهة منها بناء على أنها للأعم منها ومن المصطلح في العرف القديم.
ومنه ينقدح وجه آخر للجمع بينها غير ما ذكرناه من الشدة والضعف
إلا أنه ينافي ذلك حكم الأصحاب هنا بالكراهة أما مطلقا أو لخصوص من تتحرك
شهوته ولا يملك إربه الشامل لصورة الظن قطعا فيمكن أن يكون هذا منهم
مع ضميمة ما ذكروه سابقا من الكفارة لو أنزل بالملامسة والتقبيل وإن لم يكن
من قصده لعدم التلازم عندهم بين الكفارة والإثم كما أومأنا إليه في السابق
فوجوبها حينئذ بذلك لا ينافي الكراهة في مقدمة الانزال كما هو صريح نهاية
الشيخ أو كصريحها فتأمل جيدا والله أعلم.
(و) الثاني (الاكتحال بما فيه صبر) ونحوه مما يجد طعمه (أو
مسك) بلا خلاف أجده وهو المراد من البأس في مفهوم مضمر سماعة (2)
(إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فلا بأس) وقول أحدهما
(عليهما السلام) في صحيح ابن مسلم (3): (إذا لم يكن كحلا تجد له طعما
في الحلق فلا بأس) لا الحرمة إجماعا محكيا صريحا وظاهرا إن لم يكن محصلا
مضافا إلى نفي البأس عن مطلق الكحل في خبر ابن مسلم (4) وابن أبي العلاء (5)

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 2 - 5 - 1 - 7
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 2 - 5 - 1 - 7
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 2 - 5 - 1 - 7
(5) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 2 - 5 - 1 - 7
317

وابن أبي يعفور (1) والقداح (2) معللا بأنه ليس بطعام ولا شراب وعن
خصوص ما فيه مسك في خبر ابن أبي غندر (3) الذي منه يعلم بطلان احتمال
الجمع بينهما بالاطلاق والتقييد كما في الذخيرة على أنك قد عرفت الاجماع على
الكراهة نعم قد يحتمل الجمع بين هذه النصوص وبين النهي عن الكحل بالذرور
وشبهه في موثق ابن فضال (4) وعن الكحل في صحيح الحلبي (5) معللا بأنه
يخاف أن يدخل رأسه وعن الذرور في صحيحي سعد بن سعد (6) بالرخصة فيه
مطلقا مع الكراهة وشدتها فيما فيه مسك أو يجد طعمه في الحلق مؤيدا بالتسامح
فيها وقاعدة عدم حمل المطلق على المقيد في نحوه هذا وقد يتوهم من التعليل
بتخوف دخول الرأس الافطار لو علمه وليس بمراد لما عرفته سابقا من عدمه
بوصول مثل ذلك مما ليس بطعام وشراب من غير الحلق فهو كالتعليل المستفاد
من التقييد بما إذا لم يجد طعمه مما لا افطار به قطعا وإن وجده كما عرفت يراد منه
الكراهة في الواصل وفيما يخاف منه أو الشدة في الأول فتأمل جيدا والله أعلم
(و) الثالث (اخراج الدم المضعف) أي يخشى منه الضعف بحجامة
وغيرها وإن كان مورد النصوص (7) الأولى إلا أن التعليل فيها بتخوف الغشيان
أو ثوران المرة والضعف يقتضي التعميم بل لغير إخراج الدم مما يورث شيئا
من ذلك من غير فرق بين شهر رمضان وغيره للاطلاق وقول الصادق عليه السلام في
صحيح ابن سنان (8): (لا بأس بأن يحتجم الصائم إلا في رمضان فإني أكره
أن يغرر بنفسه إلا أن لا يخاف على نفسه) محمول على الشدة فيه كما أن نفي

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 6 - 4 - 11 - 8 - 9 - 3
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 6 - 4 - 11 - 8 - 9 - 3
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 6 - 4 - 11 - 8 - 9 - 3
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 6 - 4 - 11 - 8 - 9 - 3
(5) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 6 - 4 - 11 - 8 - 9 - 3
(6) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 6 - 4 - 11 - 8 - 9 - 3
(7) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 0 - 12
(8) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 0 - 12
318

البأس عن الاحتجام للصائم في موثق الساباطي (1) وأن لا ينبغي للحجام أن
يحجم وهو صائم محمول على الرخصة في الأول وشدة الكراهة في الثاني
نعم تطابقت نصوص المقام على نفي البأس مع عدم الخوف وهو كذلك كما أن
في خبر القداح (2) منها عن أبي عبد الله (عليهما السلام) التصريح بأن الحجامة
لا تفطر الصائم وأنه قد احتجم النبي صلى الله عليه وآله وهو صائم مضافا إلى الاجماع
بقسميه عليه لكن قد يقيد ذلك في الصوم المعين بما إذا لم يعلم حصول الغشيان
لحرمة الابطال به كما هو واضح.
(و) الرابع (دخول الحمام كذلك) أي ما يخاف معه الضعف ونحوه
لما عرفت من التعليل المزبور مضافا إلى قول الباقر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (3)
وقد سئل عنه: (لا بأس ما لم يخش ضعفا) وبه يقيد إطلاق نفي البأس في خبر
أبي بصير (4) عن الصادق (عليه السلام) أو يحمل على مطلق الرخصة للاجماع
على عدم العزيمة.
(و) الخامس (السعوط بما لا يتعدى) إلى ما يحصل به الافطار من
(الحلق) كما في كثير من عبارات المتأخرين لقول الباقر (عليه السلام) في
خبر غياث (5): (لا بأس بالكحل للصائم وكره السعوط للصائم) وسأل ليث
المرادي (6) الصادق (عليه السلام) (عن الصائم يحتجم ويصب في أذنه الدهن

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 13 - 11
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 13 - 11
(3) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 1
(6) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 1
319

فقال: لا بأس إلا السعوط فإنه يكره) لكن لا تقييد فيهما بما في المتن كالخلاف
والنهاية ومحكي الجمل والاقتصاد والمرتضى للأصل وحصر ما يضر الصائم في صحيح
ابن مسلم (1) في غيره وما سمعته من تعليل نفي البأس عن الكحل بأنه ليس
بطعام ولا شراب وفحوى كراهة الاكتحال بذي الطعم وما تقدم في الفرع
الثالث خلافا للمحكي عن المفيد وسلار وإن كان مقنعة الأول غير صريحة في
ذلك فأوجبا القضاء والكفارة به وعن المرتضى نسبته إلى قوم من أصحابنا
وفي الفقيه (لا يجوز) لكن قد يريد الكراهة بقرينة ما عن المقنع (لا بأس)
وكيف كان فلا دليل عليه سوى دعوى إرادة الحرمة من لفظ الكراهة
في الخبرين المزبورين وسوى أنه أوصل إلى جوفه أو دماغه المفطر وفيه أولا
منع لزوم السعوط الوصول إليهما فتعمده أعم من تعمد الوصول وحصوله من
دونه لا يوجب القضاء فضلا عن الكفارة ومنه قد منع الأول (الثاني ظ) منهما
ولذا لم يفطر التقطير في الإذن بلا خلاف أجده فيه حتى من المفيد إلا من
أبي الصلاح، وخبر ليث (2) وصحيح حماد حسنه (3) وإطلاق غيرهما والأصل
حجة عليه، وقد عرفت المراد من تعليل الكحل في صحيح الحلبي (4) بل منع
قدح الثاني (الأول ظ) أيضا بعد ما عرفت في الفرع الثالث، ومنه يعلم منافاة
تقييد المصنف هنا إطلاقه السابق، كما أن منه يعلم ما في المحكي عن أبي الصلاح
وابن البراج من إيجاب القضاء به خاصة، بل وما في المختلف من أنه إن تعمد

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1 و 2
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 9
320

الوصول إلى الحلق قضى وكفر، وإلا فلا، وما أبعد ما بين هؤلاء وما عن ابن
الجنيد ومقنع الصدوق من عدم الكراهة، لاطلاقهما نفي البأس، لكن قد
يريدان مطلق الجواز، والله أعلم.
(و) السادس (شم) كل نبت طيب الريح، وعن نص أهل اللغة تسميته
ب‍ (الرياحين) بلا خلاف أجده، بل عن المنتهى الاجماع عليه، للنهي عنه في
خبري ابن راشد (1) وخبر الصيقل (2) والمرسل (3) معللا في بعضها بأنه لذة
ويكره للصائم التلذذ، نحو ما ورد (4) عن الصادق عليه السلام لما سئل عن تركه شم
الريحان إذا صام فقال: (أكره أن أخلط صومي بلذة) ولي آخره (5) بأنه بدعة
للصائم، بخلاف الطيب فإنه سنة، ومنه مضافا إلى الاجماع المزبور، وخبر
أبي بصير (6) وصحيح البجلي (7) وخبر سعد بن سعد (8) وإشعار التعليل وغير
ذلك يعلم إرادة الكراهة من النهي كما هو مقتضى الجمع بينها وإن ضعف سند
نصوص النهي، فدغدغة سيد المدارك في الكراهة المتسامح فيها كظاهر المقنعة
فيما عدا النرجس منها في غير محله.
(نعم تتأكد) الكراهة (في النرجس) للنهي عنه بالخصوص في خبر
ابن رئاب (9) معللا بأنه ريحان الأعاجم، وفي الكافي (10) (أخبرني بعض
أصحابنا أن الأعاجم كانت تشمه إذا صاموا، وقالوا إنه يمسك بالجوع) وفي
الاستبصار (كان للمجوس يوم يصومونه، فلما كان ذلك اليوم كانوا يشمون
النرجس) ومراد الجميع ما في المقنعة من أن النهي عنه خلافا لهؤلاء وتنزها عن
الشبه بهم، ومن الجميع علم شدة الكراهة، ضرورة زيادته على علة كراهة

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 7 و 12
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 13 - 2 - 15 - 14 - 9 - 8 - 10 - 4 - 5
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(9) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(10) تقدم آنفا تحت رقم 2.
321

الريحان من التلذذ ونحوه بذلك.
هذا كله في خصوص الريحان وخصوص النرجس، وإلا ففي خبر ابن
راشد (1) (كان أبو عبد الله عليه السلام إذا صام تطيب، ويقول: الطيب تحفة الصائم)
وفي المرسل السابق ما سمعت من الفرق بينهما بالسنة والبدعة، وفي آخر (2) أن
(من تطيب أول النهار وهو صائم لم يكن يفقد عقله) نعم عن الحلي وابن زهرة
إلحاق خصوص المسك منه بالرياحين، بل عن العلامة إلحاقه بالنرجس منه، لكن
لا دليل عليه، إذ خبر غياث (3) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (أن عليا
عليه السلام كره المسك أن يتطيب به الصائم) دال على الأول مؤيدا بما تقدم من كراهة
الاكتحال بالكحل فيه المسك، وبغلظ رائحته التي في النهاية، وعن ابن البراج
وجوب القضاء بشمها حتى تصل إلى الحلق لمضمر المروزي (4) (إذا
تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس
بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين) وبأن الرائحة عرض
وانتقاله بدون محله محال، فوصولها إلى الجوف دال على وصول محلها، وهو
موجب للافطار، وإن كان فيه من الضعف ما لا يخفى، سيما مع معارضته ما يقتضي
الصحة من الأصل والحصر في صحيح ابن مسلم (5) وغيره، وفحوى موثق عمر
ابن سعيد (6) عن الرضا عليه السلام سأله (عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 16 - 6
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 16 - 6
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 16 - 6
(4) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 11 عن عمرو بن سعيد وهو الصحيح
322

الدخنة في حلقه فقال: لا بأس) وغير ذلك.
(و) السابع (الاحتقان بالجامد) على ما تقدم من الكلام فيه.
(و) الثامن (بل الثوب) ولبسه (على الجسد) بلا خلاف أجده
فيه، قال ابن راشد (1) للصادق عليه السلام: (الحائض تقضي الصلاة قال: لا، قلت:
تقضي الصوم قال: نعم، قلت: من أين جاء هذا؟ قال: أول من قاس إبليس،
قلت: فالصائم يستنقع في الماء قال: نعم، قلت: فيبل ثوبا على جسده قال: لا،
قلت: من أين جاء هذا؟ قال: من ذاك)
وسأله الصيقل (2) (عن الصائم يلبس
الثوب المبلول فقال: لا) وسمع عبد الله بن سنان (3) يقول: (لا تلزق ثوبك
إلى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره) لكن الأخير يقضي برفع
الكراهة بالعصر مع أنه لا يرتفع اسم البلل به، فإما أن يراد منه ما قبل العصر
أو التخفيف به جمعا بين الأدلة، كما أن خبر الصيقل يقضي بكراهة لبسه وإن لم
يكن على الجسد، ولا ينافيه سابقه ولا حقه، لعدم المعارضة، بل ولا قول
الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (4): (الصائم يستنقع في الماء ويصب
على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح بالمروحة وينضح البوريا تحته، ولا يغمس رأسه
في الماء) بعد إرادة الرخصة منه، وكيف كان فالمراد الكراهة من النهي المزبور
قطعا، للأصل والاجماع في الظاهر، والحصر في الصحيح المزبور المنساق بل
الثوب من التبرد به فيه أو أنه شامل له مضافا إلى الضعف نصوص النهي، والله أعلم
(و) التاسع (جلوس المرأة في الماء) على المشهور بين الأصحاب نقلا
وتحصيلا، للنهي في موثق حنان (5) عنه معللا بأنه تحمله بقبلها، وهو مضافا
إلى الشهرة العظيمة والأصل والحصر في الصحيح وغيره وإطلاق الرخصة في استنقاع

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 5 - 4 - 3 - 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 5 - 4 - 3 - 2 - 6
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 5 - 4 - 3 - 2 - 6
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 5 - 4 - 3 - 2 - 6
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 5 - 4 - 3 - 2 - 6
323

الصائم في الماء وعدم الوصول إلى الجوف قطعا، بل لعل الاستنجاء أعظم منه،
وغير ذلك مما لا يخفى شاهد على إرادة الكراهة من النهي لا الحرمة الموجبة
للقضاء خاصة كما عن الحلبي أو مع الكفارة كما عن القاضي وابن زهرة ومدعيا
عليه ثانيهما الاجماع الموهون بمصير غير من عرفت إلى خلافه الذي هو مظنة
الاجماع لا ما ذكره، فمن العجيب ميل سيد الرياض إليه في الجملة، نعم هو أحوط
ويلحق بالماء غيره من المايعات كما ألحق في اللمعة بالمرأة الخنثى والخصي الممسوح
لمساواتهما لها في العلة، والله أعلم.
(الركن الثالث) من أركان الصوم (في الزمان الذي يصح فيه الصوم
وهو النهار دون الليل) إجماعا بل ضرورة من المذهب بل الدين (و) حينئذ
ف‍ (لو نذر الصيام ليلا لم ينعقد، وكذا لو ضمه إلى النهار) لعدم مشروعيته،
والنذر إنما يلزم المشروع لا أنه يشرعه، من غير فرق بين ضم النهار معه وعدمه
بل الظاهر عدم انعقاده نفسه أيضا كما عن التذكرة التصريح به، واستحسنه في
المدارك، لكونه حينئذ بعضا من غير المشروع الذي لم ينعقد بالنذر.
(و) كذا (لا يصح صوم العيدين) بحال إجماعا من المسلمين
(و) حينئذ ف‍ (لو نذر صومهما لم ينعقد) خلافا لما عن بعض العامة من انعقاد النذر وأن عليه قضاءه، بل قال: إنه لو صامه أجزأ عن النذر وسقط
القضاء، وهو كما ترى، بل لا فرق فيما ذكرنا بين جهل الناذر وعلمه، فلو نذره
جاهلا أنه عيد لم ينعقد إجماعا، بل لم يكن عليه قضاؤه، ضرورة عدم مدخلية
الجهل بالحكم أو الموضوع في المشروعية، فلو نذر العيد للجهل بكونه عيدا أو
بحرمة الصوم فيه لم ينعقد، ولم يكن عليه قضاء قطعا، بل وكذا لو نذر يوم
السبت المخصوص مثلا وكان هو العيد
(و) أما (لو نذر يوما معينا) باسم
مخصوص (فاتفق) كونه (أحد العيدين) كما لو جعل لله عليه صوم كل سبت
324

مثلا فاتفق يوم مخصوص اجتمع فيه الوصفان بعد أن افترق كل منهما بمصداق
آخر (لم يصح صومه) قطعا وإجماعا، ترجيحا لما دل على حرمته على ما دل
على الوفاء بالنذر (و) لكن (هل يجب قضاؤه) لصدق اسم الفوات الذي
يكفي فيه حصول عنوان الوجوب وإن منع الوصف الآخر من التأدية الذي هو
كالحيض والسفر والمرض ونحوها مما يمنع صحة الصوم، لا أنه يكشف عن بطلان
تعلق النذر، ولمكاتبة القاسم بن أبي القاسم الصيقل (1) إليه (عليه السلام)
(يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم
يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم
أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه قد وضع الله عنك الصيام في هذه
الأيام كلها، وتصوم يوما بدل يوم إن شاء الله) وصحيح ابن مهزيار (2) قال:
وكتب إليه يعني أبا الحسن (عليه السلام) (يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما
من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة
أو أيام التشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف
يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها، ويصوم
يوما بدل يوم إن شاء الله).
(قيل) والقائل الصدوق والشيخ وابن حمزة: (نعم) يجب قضاؤه
(وقيل) والقائل الشيخ في موضع آخر من المبسوط وابنا البراج وإدريس
وأبو الصلاح والفاضلان وثاني الشهيدين وغيرهم: (لا) يجب قضاؤه، للأصل
ولظهور عدم تعلق النذر لتخصيص عموم الوفاء بالنذر بما دل على حرمة صوم
العيد، والقضاء وإن قلنا أنه بفرض جديد لكن لا بد فيه من حصول سبب

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 10 من كتاب النذر والعهد - الحديث 1
325

الأداء، وليس، ضرورة كونه كنذر السنة الخارج عنها يوما العيد ونحوها،
والعامان من وجه بعد تحكيم أحدهما على الآخر يكونان كالعام والخاص المطلقين
في خروج محل التخصيص عن حكم العام، والفرق بين المقام وبين السفر والمرض
والحيض واضح، ضرورة كون الزمان هنا غير صالح، فلا وجه للقضاء الذي
هو تدارك مصلحة الأداء، بخلاف الثلاثة، فإن الزمان صالح إلا أن المكلف منعه
مانع، فتأمل جيدا، وضعف المكاتبة الأولى لجعل الكاتب والمكتوب إليه،
وتعليق القضاء فيها على المشيئة بلفظة (إن) التي هي للمحتمل، فتحمل حينئذ
على الندب، واشتمال الثانية على ما أجمع الأصحاب على خلافه من مساواة يوم
الجمعة ليومي العيدين.
(و) من هنا كان هذا (هو الأشبه) عند المصنف وغيره، لكن
فيه أن الأصل مقطوع بما عرفت، ومنع ظهور عدم تعلق النذر بعد أن كان
عنوانه موجودا، نعم لما تعارضت الأدلة كان مقتضى الجمع بينها ترجيح دليل
الحرمة باعتبار إمكان تدارك الواجب بالقضاء دونها، وكذا بالنسبة للحيض
والسفر والمرض، إذ لا فرق بين يوم العيد ويوم الحيض مثلا في جميع ذلك،
وكون المنع في الأول في التكليف والثاني في المكلف غير مجد، والضعف في
المكاتبة بعد معلومية منعه بالنسبة إلى الاضمار خصوصا في المقام المشتمل على ما لا
يقع منهم مع غير الإمام (عليه السلام) غير قادح بعد المكاتبة الصحيحة المصرح
فيها باسمه (عليه السلام) واشتمالها على يوم الجمعة غير قادح، على أنه في خصوص
رواية التهذيب لها دون الكافي، والتعليق على المشية معلوم إرادة التبرك منه،
ضرورة عدم الفرق بين الواجب والندب في عدم التعليق عليها، على أنه لا خلاف
في وجوب القضاء بالنسبة إلى ما اشتملت عليه من السفر والمرض، وخبر زرارة (1)

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3
326

وغيره المشتمل على نفيه في السفر مطرح، فلا وجه حينئذ للاشكال فيها من هذه
الجهة، كما لا إشكال في عدم صحة حملها على الندب، ومن هنا كان الأحوط إن
لم يكن الأقوى وجوب القضاء.
(وكذا البحث في أيام التشريق) وهي الحادي عشر والثاني عشر
والثالث عشر من ذي الحجة باعتبار أن لحوم الأضاحي تشرق فيها أي تقدد،
أو لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس، للاجماع في المعتبر على تحريم صومها
(لمن كان بمنى) فيكون حكمها حكم يومي العيدين كما اشتمل عليه المكاتبتان،
وإن كان لتمام البحث في اعتبار الكون بمنى في الحرمة وللنسك مقام آخر،
والله أعلم.
(الركن الرابع من يصح منه الصوم، وهو العاقل المسلم، فلا يصح صوم
الكافر) إجماعا (وإن وجب عليه) بناء على خطابه بالفروع كما هو المعروف
عندنا، بل لو ارتد في الأثناء فسد صومه وإن عاد إلى الاسلام بعده، خلافا
للمصنف ومحكي المبسوط والحلي ويحيى بن سعيد، وفاقا للفاضل والشهيد وغيرهما
لبطلان جزء منه بفوات استدامة النية، والصوم لا يتبعض، ولا دليل على سراية
تجديد النية لو جددها وكان قبل الزوال فضلا عن غير ذلك، مضافا إلى قوله
تعالى (1): (لئن أشركت ليحبطن عملك) ودعوى اشتراط ذلك بالموت على
الشرك منافية لاطلاق الآية، فلا ريب حينئذ في كون الاسلام في مجموع النهار
شرطا، بل قد عرفت سبق أن الايمان شرط في صحة العبادات التي منها الصوم
فضلا عن الاسلام، فلا تصح عبادة المخالف وإن جاء بها جامعا للشرائط عندنا،
نعم قد أشرنا سابقا إلى احتمال الصحة مع جمعها للشرائط عندهم إذا تعقب الايمان
مع أن التحقيق خلافه، وأن عدم التدارك لما فعله غير الزكاة تفضلا من الله تعالى.

(1) سورة الزمر - 65
327

(ولا) يصح صوم (المجنون) الذي رفع الله القلم عنه مطبقا أو
أدواريا، مستغرقا للوقت أو بعضه، لفوات الأمر المعتبر بقاؤه في صحة العبادة
(ولا) صوم (المغمى عليه) وغيره ممن فقد العقل الذي هو شرط في التكليف المعتبر
في صحة العبادة ضرورة كونه حينئذ كالمجنون، وإلى ذلك أشار في محكي المنتهى
في الاستدلال على ذلك بأنه بزوال عقله سقط التكليف عنه وجوبا وندبا، فلا
يصح منه الصوم مع سقوطه، وزاد بأن كلما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه
أفسده إذا وجد في بعضه كالجنون والحيض، وبأن سقوط القضاء يستلزم سقوط
الأداء في الصوم، والأول ثابت على ما يأتي فيتحقق الثاني، لكن مع ذلك
كله في المقنعة (فإن استهل عليه الشهر وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثم
أغمي عليه وقد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه، لأنه
في حكم الصائم بالنية والعزيمة على أداء الفرض) ونحوه في الخلاف.
وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: (وقيل إذا سبقت من المغمى عليه النية
كان بحكم الصائم) بل في المدارك أنه نقل عن ظاهر الشيخ في الخلاف أيضا أنه ساوى
بين الجنون وبين الاغماء في الصحة مع سبق النية، قال: ولا يخلو من قرب،
وناقش في جميع ما تقدم بمنع الملازمة، فإن النائم غير مكلف قطعا، مع أن صومه
لا يفسد بذلك إجماعا، وبالمنع من كون الاغماء مفسدا للصوم مع سبق النية،
بل ذلك محل النزاع، فكيف يجعل دليلا، وبأن سقوط القضاء يجامع صحة الأداء
وفساده، كما أن وجوبه يجامع وجوب الأداء وعدمه، لأنه فرض مستأنف،
فيتوقف على الدليل، وينتفي بانتفائه، فلا يكون في سقوط القضاء دلالة على
سقوط الأداء، ثم قال: والحق أن الصوم إن كان عبارة عن مجرد الامساك عن
الأمور المخصوصة منع النية كما هو المستفاد من العمومات وجب الحكم بصحة صوم
328

المغمى عليه إذا سبقت منه النية كما اختاره الشيخان، وإن اعتبر مع ذلك وقوعه
بجميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب بحيث يكون كل جزء أجزائه
موصوفا بذلك اتجه القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الاغماء، لأنه لا يوصف
بوجوب ولا ندب، ويلزم من فساده فساد الكل، لأن الصوم لا يتبعض، إلا
أن ذلك منفي بالأصل، ومنقوض بالنائم، فإنه غير مكلف قطعا، مع أن صومه
لا يفسد بذلك إجماعا، وفيه ما لا يخفى من وضوح الفرق بين النوم والغفلة وبين
الجنون والاغماء ولو من حيث الأدلة الشرعية، ومن أن المراد من الدليل الثاني
اقتضاء الصحة في الجنون ونحوه الذي لا ينبغي لفقيه التزامه، ضرورة معلومية
عدم الاكتفاء في الصوم بالنية واتفاق الامساك ولو مع عدم أهلية القصد، وإلا
لزم صحته من الميت ونحوه، إذ لا فرق بينه وبين الجنون في رفع التكليف، بل
لعل المتجه بناء على ما ذكره الصحة ولو مع عدم الامساك، ضرورة عدم الافطار
بما يقع منه حينئذ كالغافل والناسي والنائم، ومن ذلك ظهر لك ما في كلامه الأخير
الذي ظاهره فيه الميل إلى الشق الأول من الشقين، مضافا إلى القطع بعدم كفاية
ذلك بعد ظهور النصوص في اعتبار مصاحبة النية لتمام العمل، وهذا من جملة
المؤيدات لكونها هي الداعي الذي يمكن دعوى مصاحبته لتمام العمل، بخلاف
الاخطار، والصحة مع زواله في الأثناء في النائم والغافل للدليل غير قادحة في ذلك
مع أنه يمكن دعوى عدم زواله في الغافل، وأنه إنما زال الالتفات إليه، بل ربما
ادعي ذلك في النائم أيضا، لكنه بعيد، فتأمل، ومن أن المراد من الدليل
الثالث أن سقوط القضاء دليل على سقوط الأداء، وإلا لصدق عليه اسم الفوات
الذي علق عليه القضاء، فليس حينئذ هو إلا كالصبي ونحوه مما لم يصدق عليه
اسم الفوات، فتأمل جيدا.
(و) بذلك كله ظهر لك أن (الأول أشبه) بأصول المذهب وقواعده
329

إذ لا ريب في عدم صدق الصائم على المجنون والمغمى عليه والسكران بخلاف
النائم ونحوه، ولعل مراد الشيخين من كونه بحكم الصائم بالنسبة إلى سقوط
القضاء لا الصحة بمعنى امتثال الأمر، وكان الذي دعاهما إلى التعبير المزبور فرقهما
في القضاء وعدمه في المغمى عليه بذلك، فأوجباه على من لم تسبق منه النية،
بخلاف من سبق منه، فوجب حينئذ التعبير عنه بصحة صومه، وأنه بحكم
الصائم من هذه الجهة، لأنها عند الفقهاء بمعنى إسقاط القضاء، ومن هنا تقل ثمرة
الخلاف في الفرض بناء على سقوط القضاء عنه كما ستعرف الحال فيه.
(و) على كل حال ف‍ (يصح صوم الصبي المميز) مع جمعه لما عدا البلوغ
من الشرائط صحة شرعية يترتب عليها الثواب بناء على ما سلف لنا سابقا من
كونها عباداته شرعية كذلك لا تمرينية، ولا أنها صحيحة بمعنى جواز وصفها بها
باعتبار كونها من أحكام الوضع التي لا يعتبر فيها البلوغ: فيكون حينئذ معنى
صحتها ترتب الأثر عليها لولا أن تفقد الأمر، ولعل هذا هو المراد مما حكي عن
ثاني الشهيدين من أن الصحة لا تستلزم كون صومه شرعيا، لأنها من خطاب
الوضع، وهو لا يتوقف على التكليف، وإن كان هو كما ترى، وفي المدارك أنه
غير جيد، وقد تقدم تفصيل الحال في ذلك، والله أعلم.
(و) أما (النائم) فلا خلاف ولا إشكال في صحة صومه (إذا سبقت
منه النية ولو استمر إلى الليل) بل الاجماع بقسميه عليه، بل لعله من الضروريات
المستغنية عن الاستدلال بالاجماع والروايات، وما في السرائر من أن النائم غير
مكلف بالصوم وليس صومه شرعيا محمول على إرادة أن الامساك في حال النوم
لا يوصف بوجوب ولا ندب، لعدم الأمر حينئذ، فلا يوصف بالصحة التي هي
بمعنى موافقته، بخلاف الصحة التي هي بمعنى إسقاط القضاء، فما في المختلف من
تغليطه في ذلك قائلا إنه بحكم الصائم وإنه لا يسقط عنه التكليف بذلك لزوال
330

عذره سريعا في غير محله، خصوصا قوله أخيرا: (وأنه لا يسقط) إلى آخره
وإن أراد منه ما أطال به ثاني الشهيدين في مسالكه حيث قال: (إن تكليف
النائم والغافل وغيرهما ممن يفقد شروط التكليف قد ينظر فيه من حيث الابتداء
به بمعنى توجه الخطاب إلى المكلف بالفعل، وأمره بايقاعه على الوجه المأمور به
بعد الخطاب، وقد ينظر فيه من حيث الاستدامة بمعنى أنه لو شرع في الفعل قبل
النوم والغفلة أو غيرهما ثم عرض له ذلك في الأثناء، والقسم الأول لا إشكال في
امتناع التكليف به عند المانع من تكليف ما لا يطاق، من غير فرق فيه بين أنواع
الغفلة، وهذا هو المعنى الذي أطلق الأكثر من الأصوليين وغيرهم امتناعه، كما
يرشد إلى ذلك دليلهم عليه وإن أطلقوا الكلام فيه، لأنهم احتجوا عليه بأن
الاتيان بالفعل لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم به المستلزم للعلم بتوجه الأمر نحوه
فإن هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد إجماعا، إذ لا يتوقف
صحتها على توجه الذهن إليها فضلا عن إيقاعها على الوجه المطلوب، كما سنبينه
إن شاء الله تعالى، وأما الثاني فالعارض قد يكون مخرجا عن أهلية الخطاب
والتهيؤ له أصلا كالجنون والاغماء على أصح القولين وهذا يمنع استدامة
التكليف كما يمنع ابتداءه، وقد لا يخرج عن ذلك كالنوم والسهو والنسيان مع
بقاء التعقل، وهذه المعاني وإن منعت من ابتداء التكليف بالفعل لكن لا تمنع
استدامته إذا وقع على وجه) إذ هو أيضا كما ترى مخالف لاطلاق كلامهم في
امتناع تكليف الغافل وحديث رفع القلم، ولصريح الدليل الذي عولت عليه
الإمامية في امتناعه من كونه قبيحا عقلا، لجريانه مجرى تكليف البهائم والجمادات
من غير فرق بين الابتداء والاستدامة، وإلا كان آثما بالاخلال بها، وهو باطل
بالضرورة، نعم لا بأس بدعوى إجراء الشارع إياه مجرى الصحيح في استحقاق
الثواب وفي إسقاط القضاء وفي نحو ذلك، فإن كان المراد بالاستدامة ذلك على
331

معنى اكتفاء الشارع في المركبات بالنية أولا ثم وقوع الفعل جامعا للشرائط
ثانيا فمرحبا بالوفاق، وإلا كان محلا للمنع، كمنع دعوى مساواة الجنون
والاغماء للنوم والغفلة، ضرورة وضوح الفرق بينها ولو باعتبار سرعة زوالهما
وكونهما كالطبيعة الثانية للانسان، بل لا يمكن تعيشه بدون النوم، ولعله لذا
فرقت الأدلة بينها، وكفى بها فارقة.
(نعم لو لم يعقد صومه بالنية مع وجوبه ثم طلع الفجر عليه نائما واستمر
حتى زالت الشمس فعليه القضاء) بلا خلاف ولا إشكال، لفساد الأداء بفوات
النية التي هي شرط فيه، بل المتجه بناء على ما قدمناه سابقا وجوب الكفارة عليه
أيضا مع تعمد الترك في صوم شهر رمضان مثلا، خلافا لسيد المدارك.
(و) كذا لا خلاف ولا إشكال في أنه (لا يصح صوم الحائض
والنفساء) بل الاجماع بقسميه عليه، والنصوص (1) متواترة في الحائض المتحد
حكم النفساء معها على ما بيناه في محله (سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع
بعد الفجر) وكذا لا إشكال ولا خلاف في أنه (يصح من المستحاضة إذا
فعلت ما يجب عليها من الأغسال أو الغسل) وغيرهما، وإنما الكلام في بطلان
صومها إذا أخلت بذلك أو بالأغسال خاصة أو النهاري منه خاصة بالنسبة إلى يوم
الصيام، بخلاف اليوم الذي بعده، فإنه يخل فيه الاخلال بغسل ليلته، وقد تقدم
الكلام في ذلك مفصلا في باب الحيض وغيره، فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان فالمشهور نقلا وتحصيلا أنه (لا يصح الصوم الواجب)
صوم شهر رمضان وغيره (من مسافر يلزمه التقصير إلا ثلاثة أيام في بدل الهدي
وثمانية عشر يوما في بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا، والنذر
المشترط سفرا وحضرا على قول مشهور) بلا خلاف معتد به، للنصوص التي

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب ما يصح منه الصوم
332

يمكن دعوى تواترها، منها قول أبي جعفر عليه السلام (1): (ليس من البر الصيام
في السفر) كقول الصادق عليه السلام في خبر الساباطي (2): لا يحل الصوم في السفر
فريضة كان لو غيره، والصوم في السفر معصية) وقوله عليه السلام في صحيح عمار بن
مروان (3): (من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد أو في
معصية الله أو رسولا لم يعص الله عز وجل أو طلب عدو وشحناء أو سعاية
أو ضرر على قوم مسلمين) وقال سماعة (4): (سألته عن الصيام في السفر فقال:
لا صيام في السفر، قد صام أناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فسماهم العصاة إلا
الثلاثة الأيام التي قال الله عز وجل في الحج) وقال محمد بن حكيم (5): (سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لو أن رجلا مات صائما في السفر ما صليت عليه)
إلى غير ذلك من النصوص.
نعم يستثنى من ذلك صوم الثلاثة دون السبعة للآية (6) والاجماع المحكي
إن لم يكن المحصل، والخبر المزبور، وخبر يونس (7) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(في رجل متمتع لم يكن معه هدي قال: يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم ويوم
التروية ويوم عرفة، قال: فقلت له: إذا دخل يوم التروية وهو لا ينبغي أن

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 10
وهو قول أبي الحسن عليه السلام كما في التهذيب ج 4 ص 218 الرقم 622
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 8
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة المسافر - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب ما يصح منه الصوم الحديث 1 - 3
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 9
(6) سورة البقرة - الآية 192
(7) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب ما يصح منه الصوم الحديث 1 - 3
333

يصوم بمنى أيام التشريق قال: فإذا رجع إلى مكة صام، قال: قلت: فإن أعجله
أصحابه وأبوا أن يقيموا بمكة قال: فليصم في الطريق، قال: فقلت: يصوم في
السفر قال: هو ذا يصوم في غرفة، وأهل عرفة هم في السفر) ولا ينافي ذلك
صحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) (الصوم الثلاثة أيام إن صامها
فآخرها عرفة، وإن لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في أهله ولا يصومها
في السفر) بعد القطع بإرادة الرخصة منه وأنه لا يجب عليه أن يصومها في السفر
كما عساه يوهمه ظاهر الآية على ما أومأ إليه بنفي الأمر فيما أرسله المفيد (2) قال:
(سئل عمن لم يجد هديا وجهل أن يصوم الثلاثة أيام كيف يصنع؟ فقال عليه السلام:
أما إنني لا آمره بالرجوع إلى مكة ولا أشق ولا آمر بالصيام في السفر ولكن
يصوم إذا رجع إلى أهله).
وصوم الثمانية عشر يوما أيضا لصحيح ضريس (3) عن أبي جعفر عليه السلام
(سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس عامدا قال: عليه بدنة
ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في
أهله) لكن ظاهر الاقتصار في الاستثناء على غيره في المحكي عن المرتضى في
الجمل والشيخ في الاقتصار وسلار والراوندي وابني حمزة وزهرة يقتضي عدم
جوازه، للاطلاق المقيد بما عرفت، وعن الصدوقين جواز صومها أي الثمانية
عشر سفرا في جزاء الصيد وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.
وأما النذر المقيد به فقد تشعر عبارة المتن بوجود الخلاف فيه، إلا أني

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الذبح - الحديث 10 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الذبح - الحديث 5 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الاحرام بالحج والوقوف بعرفة
الحديث 3
334

لم أجده لأحد من أصحابنا كما اعترف به بعضهم، لصحيح علي بن مهزيار (1)
(كتب بندار مولى إدريس يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم
أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه السلام وقرأته لا تتركه إلا من علة، وليس
عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك، وإن كنت أفطرت
منه من غير علة فتصدق بقدر كل يوم على سبعة مساكين) ولا يقدح جهالة الكاتب
بعد قراءة علي ولا إضمار المكتوب إليه بعد العلم بكونه الإمام عليه السلام كما هو
محرر في محله، ولا اشتماله على كون كفارة النذر الصدقة على سبعة، وكون
المرض كالسفر مع احتمال رفع الأخير بدعوى تخصيص الإشارة في السفر، ولا
احتمال كون المراد نوى الصوم ثم سافر فيخرج عن الدلالة على المطلوب، ضرورة
عدم منافاة للظهور الذي مناط الاستدلال في أكثر الأحكام عليه، فهو حينئذ
جامع لشرائط الحجية، خصوصا بعد اعتضاده بما عرفت، فما في المعتبر من أنه
لمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولا مشهورا مما يشعر بتوقفه فيه وتبعه بعض
متأخري المتأخرين في غير محله قطعا، كما أن الواجب حينئذ تقييد خبر إبراهيم
ابن عبد الحميد (2) عن أبي الحسن عليه السلام به، قال: (سألته عن الرجل يجعل لله
عليه صوم يوم مسمى قال: يصومه أبدا في السفر والحضر) سيما بعد معارضته
بخبر كرام (3) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى
يقوم القائم عليه السلام فقال: صم ولا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا
اليوم الذي يشك فيه أنه من شهر رمضان) وخبر القاسم بن أبي القاسم الصيقل (4)
قال: (كتبت إليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1 - 7 - 2
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1 - 7 - 2
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبوب بقية الصوم الواجب - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1 - 7 - 2
335

فيوافق ذلك يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه
صوم ذلك كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه قد وضع الله
عنك صيام في هذه الأيام كلها، وتصوم يوما بدل يوم إن شاء الله) وخبر
زرارة (1) (إن أمي جعلت عليها نذرا إن رد الله عليها بعض ولدها من شئ
كانت تخافه عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقوم فيه ما بقيت، فخرجت معنا
مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر أتصوم أو تفطر؟ فقال: لا تصوم،
وضع الله عز وجل حقه عنها وتصوم هي ما جعلت على نفسها) وخبر معاوية بن
عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يجعل لله عليه أن يصوم شهرا أو أكثر
من ذلك فيعرض له أمر لا بد أن يسافر أيصوم وهو مسافر؟ قال: إذا سافر
أفطر، لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره) المعتضدة بعموم
ما دل على النهي عن الصوم في السفر من النصوص الكثيرة (3).
فما عن المفيد والمرتضى وسلار من الاكتفاء باطلاق النذر لتناوله السفر
ولعموم الوفاء بالنذر واضح الضعف، ضرورة اشتراط قصده خصوصا منفردا
أو منضما إلى الحضر، فلا يكفي قصد ما يشمله على الاجمال والعموم المزبور، مع
أن التعارض بينه وبين ما دل على النهي عن الصوم في السفر من وجه، والرجحان
لما هنا من وجوه يجب تخصيصه بما عرفت، ولا غرابة بعد الدليل في عدم
مشروعيته مع إطلاق النذر وإن قلنا بجواز صوم الندب في السفر، كما لا غرابة

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 8
عن عمار الساباطي مع الاختلاف في اللفظ
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب من يصح منه الصوم
336

في مشروعيته بالنذر عليه خصوصا وإن قلنا بحرمة الصوم ندبا في السفر، كما هو
واضح،
وأضعف من ذلك ما عن المفيد أيضا من جواز مطلق الصوم الواجب
عدا شهر رمضان في السفر، لاطلاق ما دل على وجوبه الذي يجب الخروج عنه
ببعض ما عرفت فضلا عن جميعه، ولا الافطار في السفر رخصة من الله للناس
وهدية لهم فيما أوجبه هو عليهم، فلا ينبغي أن ترد هديته، لا فيما أوجبوه هم
على أنفسهم بسبب من الأسباب كما أومأ إليه بعض النصوص كخبر الحسن بن
أسباط (1) عن رجل، قال: (كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة
والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر فقلت له: جعلت
فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر،
فقال: إن ذلك تطوع، ولنا أن نفعل ما شئنا، وهذا فرض فليس لنا أن نفعل
إلا ما أمرنا) ونحوه خبر إسماعيل بن سهل (2) عنه (عليه السلام) أيضا، إلا
أنه كما ترى لا يصلح بمثل ذلك الخروج عن تلك النصوص الدالة على خلاف ذلك
نصا وظاهرا التي يمكن دعوى تواترها، بل خبر كرام (3) المتقدم يدل على
خلاف ما ذكره وأنه إذا سقط الصوم الذي ابتدأ الله بايجابه عليه فأولى بالسقوط
ما أوجبه المكلف على نفسه، وفي خبر محمد بن مسلم (4) عن أبي عبد الله عليه السلام
(وإن ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم) مضافا إلى ما تقدم وغيره من
النصوص الدالة على خلافه بالخصوص، فضلا عن العموم المقطوع بعدم إرادة
خصوص شهر رمضان منه، هذا، وربما قيل إن خلاف المقيد ليس بمطلق الواجب

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب من يصح منه الصوم
الحديث 5 - 4 والأول عن الحسن بن بسام الجمال وهو الصحيح كما يأتي في ص 339
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب من يصح منه الصوم
الحديث 5 - 4 والأول عن الحسن بن بسام الجمال وهو الصحيح كما يأتي في ص 339
(3) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح خبر زرارة كما هو الظاهر
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1
337

كما حكاه عنه الفاضلان والشهيد وغيرهم، بل إنما هو في خصوص المتعين ولو بالشروع
فيما يجب فيه التتابع، وقد يؤيده صدر عبارته المحكية عنه، لكن ذيلها وما
فيها من التعليل يشهد للأول، فلاحظ وتأمل، وعلى كل حال ضعفه بمكانة من
الوضوح، كضعف المحكي عن الصدوقين من جوازه سفرا في كفارة جزاء الصيد
وربما يأتي إن شاء الله التعرض له، والله أعلم.
هذا كله في الواجب (وهل يصوم مندوبا؟ قيل) والقائل الصدوقان
وابنا البراج وإدريس وغيرهم على ما حكي عن بعضهم: (لا) يجوز، بل نسبه
الأخير إلى جملة المشيخة الفقهاء من أصحابنا المحصلين (وقيل) والقائل ابن حمزة:
(نعم) يجوز بلا كراهة (وقيل) والقائل الأكثر على ما في شرح الإصبهاني:
(يكره، وهو الأشبه) عند المصنف وجماعة جمعا بين ما دل على المنع من
الاطلاقات والعمومات وخصوص صحيح زرارة (1) عن الصادق (عليه السلام)
(لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره) كخبر
محمد بن مسلم (2) المروي عن تفسير العياشي عنه (عليه السلام) أيضا (أنه لم يكن
رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم في السفر تطوعا ولا فريضة) وصحيح البزنطي (3)
(سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصيام بمكة والمدينة ونحن في سفر قال:
فريضة قلت: لا ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة فقال: تقول: اليوم وغدا
قلت: نعم فقال: لا تصم) وخبر الساباطي (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(إذا سافر فليفطر، لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره، والصوم

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 6 - 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 6 - 2
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 8
338

في السفر معصية) وبين ما دل على الجواز من مرسل ابن سهل (1) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (خرج أبو عبد الله (عليه السلام) من المدينة في أيام بقين من
شعبان فكان يصوم ثم دخل شهر رمضان وهو في السفر فأفطر فقيل له أتصوم
شعبان وتفطر في شهر رمضان؟ فقال: نعم شعبان إلي إن شئت صمت وإن
شئت لا، وشهر رمضان عزم من الله عز وجل علي الافطار) وخبر الحسن بن
بسام الجمال (2) قال: (كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة والمدينة
في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر، فقلت له: جعلت فداك
أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر فقال:
إن ذلك تطوع، ولنا أن نفعل ما شئنا، وهذا فرض وليس لنا أن نفعل إلا ما
أمرنا) وفحوى ما دل على جوازه نذره الظاهر في ثبوت مشروعيته قبله، وما عساه
يشعر به استفصال أبي الحسن (عليه السلام) في صحيح البزنطي (3) المتقدم،
والمناقشة في سندهما يدفعها الانجبار بما عرفت، وفي دلالتهما باحتمال الامساك
بلا نية أو نذر الصوم فيه أنه خلاف الظاهر منهما إن لم يكن المقطوع به، فلا
بأس بالعمل بهما لا للتسامح في أدلة السنن كي يرد عليه أنه هنا دائر بين الوجوب
والحرمة الذاتية كصوم يوم العيد ومستلزم لتخصيص أدلة الحرمة بل لجمعهما شرائط
الحجية ولو بملاحظة الانجبار بالشهرة، والاعتضاد باطلاق ما دل على صوم التطوع
الذي بينه وبين ما دل على حرمة الصوم تعارض العموم من وجه.
وعلى كل حال فيستثنى من الكراهة أو الحرمة صوم الثلاثة الأيام للحاجة
بالمدينة بلا خلاف أجده فيه، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 4 - 5 - 2
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 4 - 5 - 2
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 4 - 5 - 2
339

ابن عمار (1) (إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء
وتصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة، وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط
فيها نفسه حتى نزل عذره من السماء، وتقعد عندها يوم الأربعاء، ثم تأتي ليلة
الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي صلى الله عليه وآله ليلتك ويومك، وتصوم يوم الخميس
ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى الله عليه وآله ومصلاه ليلة الجمعة، فتصلي عندها
ليلتك ويومك وتصوم يوم الجمعة، وإن استطعت أن لا تتكلم بشئ في هذه
الأيام إلا ما لا بد لك منه، ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة، ولا تنام في ليل
ولا نهار، فإن ذلك مما يعد فيه الفضل، ثم احمد الله في يوم الجمعة واثن عليه وصل
على النبي صلى الله عليه وآله وسل حاجتك، وليكن فيما تقول: اللهم ما كان لي إليك من حاجة
شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه
إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله نبي الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها، فإنك
أحرى أن تقضى حاجتك إن شاء الله).
وألحق بها المفيد في المقنعة باقي المشاهد، قال فيها: (ولا يجوز لأحد أن
يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا إلا صوم ثلاثة أيام لدم المتعة من جملة العشرة
الأيام، ومن كانت عليه كفارة يخرج عنها بالصيام، وصوم النذر إذا نواه في
الحضر والسفر معا، أو علقه لوقت من الأوقات، وصوم ثلاثة أيام للحاجة أربعاء
وخميس وجمعة، متواليات عند قبر النبي صلى الله عليه وآله أو في مشهد من مشاهد الأئمة (عليهم
السلام) وقد روي حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام، وجاءت أخبار
بكراهة ذلك، وأنه ليس من البر الصيام في السفر، وهي أكثر، وعليها العمل عند
فقهاء العصابة، فمن أخذ بالحديث لم يأثم إذا كان أخذه من جهة الاتباع، ومن
عمل على أكثر الروايات واعتمد على المشهور منها في اجتناب الصيام في السفر على

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب المزار - الحديث 1 من كتاب الحج
340

كل وجه سوى ما عددناه كان أولى بالحق) وفهم ابن إدريس منها حرمة صوم
التطوع، ولعل ذلك هو الظاهر من أولها، بل يمكن إرادة الحرمة من الكراهة
في آخرها، إلا أن قوله: (فمن أخذ) إلى آخره ينافي ذلك، بل هو نص في
الجواز، بل يؤيده ما حكي عنه قبل ذلك من جواز صوم الواجب عدا شهر رمضان
في السفر فضلا عن المندوب، وقد عرفت تحقيق الحال في ذلك، وأما سلار
فالمحكي عنه أنه بعد ما عد صوم الواجب في السفر من المحرمات وصوم النافلة فيه
من المكروهات قال: ((ولا يصوم المسافر تطوعا ولا فرضا إلا صوم الثلاثة
الأيام لدم المتعة، وصوم النذر إذا علقه بوقت حضر وسفر، وصوم الثلاثة أيام
للحاجة أربعاء وخميس وجمعة، وقد روي جواز الصوم التطوع في السفر) قيل:
لعله أراد بنفي الصيام في السفر ما يعم التحريم والكراهة، وبالجواز انتفاء
الكراهة، وهو كما ترى، وقال ابن حمزة: (وأما صيام النفل فضربان: مستحب
وجائز، فالأول صيام ثلاثة أيام عند قبر النبي صلى الله عليه وآله لصلاة الحاجة، والثاني
ما سوى ذلك، وروي كراهية الصوم في السفر، والأول أثبت) قيل: وهو
يعطي جواز المندوب غير الثلاثة بالمعنى الأخص المرادف للمباح، وفيه أن الصوم
الشرعي لا يكون إلا عبادة، والعبادة لا تقع إلا راجحة، فيمكن أن يكون
المراد بالاستحباب المتأكد منه، وبالجواز غير المتأكد، والأمر سهل بعد أن
عرفت حقيقة الحال.
هذا كله في الصوم في السفر الموجب للتقصير، أما المنقطع فلا إشكال في
صحة الصوم فيه (و) حينئذ ف‍ (يصح ممن له حكم المقيم) في وطنه كناوي
الإقامة عشرا والمتردد ثلاثين يوما والعاصي بسفره وكثير السفر وغيرهم مما تقدم
تفصيله في الصلاة بلا خلاف أجده فيه، قال الصادق عليه السلام (1): (هما يعني

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة المسافر الحديث 17
341

التقصير والافطار واحد، إذا قصرت أفطرت، وإذا أفطرت قصرت) كما هو
واضح، هذا.
(و) قد تقدم الكلام في أنه (لا يصح) صوم شهر رمضان ولا غيره
من الصوم الواجب (من الجنب إذا ترك الغسل عامدا مع القدرة حتى يطلع
الفجر و)
أما (لو استيقظ بعد) طلوع (الفجر جنبا) فالمعروف بين الأصحاب
أنه (لم ينعقد صومه قضاء عن) شهر (رمضان) لصحيح عبد الله بن سنان (1)
(كتب أبي إلى أبي عبد الله عليه السلام وكان يقضي شهر رمضان وقال: إني أصبحت
بالغسل فأصابتني جنابة فلم أغتسل حتى طلع الفجر فأجابه لا تصم هذا اليوم وصم
غدا) وما رواه هو أيضا عنه عليه السلام في الصحيح (2) أنه سأله (عن الرجل يقضي
شهر رمضان فيجنب من أول الليل ولا يغتسل حتى يجئ آخر الليل وهو يرى
أن الفجر قد طلع قال: لا تصوم ذلك اليوم ويصوم غيره) وفي المدارك أن
إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين من أصبح في النومة
الأولى أو الثانية، ولا في القضاء بين الموسع والمضيق، وفيه منع إطلاق في النص
يقتضي الأخير، خصوصا بعد قوله عليه السلام: (وصم غدا) بل قد يمنع شمول
إطلاق الفتوى لذلك، نعم هما مطلقان بالنسبة إلى الأول، ومن هنا استدل في
المسالك على أصل الحكم مضافا إلى إطلاق الخبر بأن القضاء موسع، ومقتضاه أن
المقتضي لعدم الانعقاد كونه موسعا، ثم قال: نعم لو تضيق برمضان أمكن
جواز القضاء للثاني، كما ينعقد مع ذلك كل صوم معين، وفي المدارك أنه يحتمل
مساواته لصوم رمضان، فيصح إذا أصبح في النومة الأولى خاصة، وفيه أنه
لا دليل على المساواة المزبورة على وجه يخرج عن القياس المحرم، فلا يبعد الحكم

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 1
342

بصحته مطلقا تمسكا بالاطلاق المقتصر على تقييده بالاصباح عمدا، بخلاف
الفرض الذي هو بحكم الجنابة في النهار نسيانا ونحوه، بل أن لم ينعقد إجماع على
البطلان في الموسع أمكن ذلك فيه أيضا، ويحمل الصحيح المزبور على الاصباح
عمدا، بل قد يدعى ظهوره في ذلك، ومن هنا حكي عن الذخيرة الاعتراف
بعدم وضوح الدلالة على البطلان وعدم الانعقاد، ولو سلم فينبغي قصر الحكم
عليه خاصة، لكن في المسالك أن في حكم القضاء النذر المطلق والكفارة قبل
التلبس لها، بل في ظاهر حاشية الكركي على الكتاب نسبة إلحاق ذلك والندب
إلى الشيخ والأصحاب، وأن عليه الفتوى، ولعل الوجه فيه أن مبنى البطلان في
القضاء التوسعة المشتركة بين الجميع، لكن قد يمنع ذلك، ومن هنا قال في
المدارك أنه يمكن المناقشة في إلحاق النذر المطلق وصوم الكفارة بالقضاء، لعدم
وضوح مستنده، قلت: ويؤيده إطلاق الأصحاب في أول الكتاب أن المفطر
تعمد البقاء على الجنابة الظاهر في عدم الفطر بغيره، وفي عدم الفرق بين صوم
شهر رمضان وغيره وفي المسالك أيضا أنه لو كان ذلك في أثناء الكفارة حيث
يشترط التتابع أو في أثناء صوم يشترط تتابعه فوجهان، أجودهما عدم صحة
الصوم، ولا يقطع التتابع لعدم التقصير، وناقشه في المدارك بأن عدم التقصير
إنما يقتضي انتفاء الإثم لا تحقق الامتثال مع عدم الاتيان بالمأمور به على
وجهه، قلت: يمكن أن يكون مستنده ما تسمعه في محله إن شاء الله من عدم
قطع التتابع بما يقع قهرا كالمرض والحيض ونحوهما، نعم تتجه المناقشة في حكمه
بفساد الصوم بما عرفت، بل هنا أولى بالصحة، لأنه كالمعين.
(و) من ذلك كله يعرف الوجه فيما يشعر به قول المصنف (قيل: ولا)
يصح الصوم أيضا (ندبا) في الفرض من تمريض هذا القول، وإن نسبه
الكركي إلى الشيخ والأصحاب كما سمعت، إذ مبني البطلان فيه الالحاق بالقضاء
343

لعدم التعيين فيه، ولأن الجنب غير قابل للصوم في تلك الحال، والصوم لا يتبعض
لكن قد عرفت أن الالحاق بعد عدم الدليل عليه لا يخرج عن القياس كما اعترف
به في المدارك مع أن عبد الله بن بكير (1) قد روى عن الصادق (عليه السلام)
(في الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح أيصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال: أليس
هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار) وحبيب الخثعمي (2) عنه (عليه السلام)
أيضا في الصحيح (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن التطوع وعن
هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أني أجنبت فأنام متعمدا حتى
ينفجر الفجر أصوم أو لا أصوم؟ قال: صم) بل مقتضى الخبر الأول الجواز في
القضاء أيضا باعتبار توسعة الأمر في نيته، لكن خرج للأدلة السابقة، فيبقى
غيره على الجواز، وفي الدروس وإن كان الصوم نفلا ففي رواية ابن بكير صحته
ولو علم بالجنابة ليلا، وفي رواية كليب إطلاق الصحة إذا اغتسل، ويحمل على
المعين أو الندب للنهي عن قضاء الجنب في رواية عبد الله بن سنان (3) لكن في
الحدائق أن ما أسنده إلى رواية كليب هو مضمون رواية ابن بكير، والرواية
التي ذكرها لم أقف عليها في كتب الأخبار بعد الفحص والتتبع، قلت: لكن
حمله الرواية على ما ذكره ظاهر في المفروغية من الجواز في المعين والندب، وفي
المسالك أنه يؤيده أيضا جواز تجديد النية في الندب للعازم على الافطار خصوصا
بعد الزوال، وهو أيضا مناف للصوم، وعدم قابلية الصوم للجنب إنما يمنع منه
حال الجنابة، أما بعد الغسل فلا، ويمنع عدم تبعض الصوم مطلقا، كيف وقد

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
344

تقدم النص الصحيح (1) بأن الناوي بعد الزوال إنما له من الصوم ما بعد النية،
وهذه الأدلة وإن قصر بعضها إلا أنها لا تقصر عن أدلة جواز صوم النافلة سفرا
وقد عمل المصنف وجماعة بها تساهلا بأدلة السنن، وخبر من بلغه شئ من أعمال
الخير يشملها، وناقشه في المدارك وإن وافق على الجواز فيما عدا شهر رمضان
وقضائه للأصل وصحيح الخثعمي، ومن ذلك كله يظهر لك الحال في الالحاق
المزبور، وأن الأقوى الصحة مع تعمد الاصباح جنبا في الندب فضلا عن حال
عدم التعمد إن لم ينعقد إجماع على الخلاف، فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (إن كان في رمضان فصومه صحيح، وكذا في
النذر المعين) بلا خلاف ولا إشكال، كما لا خلاف) (و) لا إشكال في أنه
(يصح) الصوم (من المريض ما لم يستضر به) لاطلاق الأدلة السالم عن
معارضة إطلاق ما دل على الافطار للمريض من الآية (2) والرواية (3) بعد
معلومية كون المراد منه خصوص المتضرر به نصا وفتوى لا مطلق المرض،
وعلى ذلك ينزل خبر عقبة بن خالد (4) عن الصادق عليه السلام (في رجل صام وهو
مريض قال: يتم صومه ولا يعيد يجزيه) ضرورة عدم جواز الصوم للمريض
الذي يتضرر بالصوم بزيادة مرضه أو بطؤ برئه أو حدوث مرض آخر أو مشقة
لا تتحمل أو نحوه ذلك، وأنه إذا تكلفه مع ذلك لم يجزه، بل كان آثما بلا خلاف
أجده، بل الاجماع بقسميه عليه، والنصوص (5) مستفيضة فيه أو متواترة

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 8
(2) سورة البقرة - الآية 180
(3) الوسائل - الباب - 18 -. 20 - من أبواب من يصح منه الصوم
(4) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 20 - و 22 - من أبواب من يصح منه الصوم
345

مضافا إلى قوله تعالى (1): (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام
أخر) بل لا يبعد البطلان مع الغفلة عن المرض كما ستعرف، والمدار في معرفة
الضرر إليه، لأن الانسان على نفسه بصيرة، قال سماعة (2): سألته ما حد المرض
الذي يجب على صاحبه فيه الافطار كما يجب عليه في السفر؟ فقال: هو مؤتمن
عليه مفوض إليه، فإن وجد ضعفا فليفطر، وإن وجد قوة فليصم، كان المرض
ما كان) وقال عمر بن أذينة (3): (كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله ما حد
المرض الذي يفطر فيه صاحبه والمرض الذي يدع صاحبه فيه الصلاة من قيام؟
قال: بل الانسان على نفسه بصيرة، وقال: ذاك إليه هو أعلم بنفسه) ونحوهما
غيرهما، ويكفيه الظن بالضرر قطعا من أمارة أو تجربة أو قول عارف أو نحو ذلك
بل قد يقوى الاكتفاء بالخوف الذي لا يعتبر في صدقه عرفا حصول الظن
كما هو مقتضى تعليق الحكم على الخوف في إطلاق المحكي عن الأكثر، بل لعله
المراد من الظن في القواعد والدروس واللمعة
نعم نص شارح الأخير على عدم
كفاية مجرد الاحتمال، فأوجب الصوم مع اشتباه الحال، لثبوته في الذمة
فيستصحب ما لم يعلم مسقطه، وهو العلم بالضرر أو ظنه، وفيه أن الأصل براءة
الذمة إلى أن يحصل القطع، وصوم كل يوم عبادة متجددة، والتمسك باطلاق
أدلة الصوم ليس بأولى من التمسك باطلاق الآية والنصوص، مضافا إلى تعليق
الحكم على الخوف في صحيح حريز (4) عن الصادق عليه السلام (الصائم إذا خاف
على عينه من الرمد أفطر) ودعوى إرادة الظن منه لا شاهد عليها، كما أنه

(1) سورة البقرة - الآية 180
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 4 - 5
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1
346

لا مقتضي لها، بل منافية لنفي الحرج في الدين، وإرادة الله بالناس اليسر دون
العسر، وسهولة الملة وسماحتها، نعم يعتبر فيه كونه خوفا معتدا به لا نحو
الناشئ من الأوهام السوداوية، وكذا الكلام في غير المقام المشترك معه في كون
المدرك حسن التجنب عن كل ما فيه خوف، بل ربما كانت النفوس مجبولة عليه
من غير اعتبار للظن، بل ربما لا يمكن حصوله في كثير من المقامات، كما هو
واضح، والله العالم.
وعلى كل حال فإذا بان عدم الضرر لم يكن عليه إثم في إفطاره لتعبده بظنه
إنما الكلام في الصحة لو صام بزعم عدم الضرر فبان خلافه، فيحتمل عدمها
لعدم الأمر له في الواقع به وإن تخيل هو الأمر، ضرورة كونه حينئذ كالحائض
التي لم تعلم بحيضها، والمسافر الذي لم يعلم بسفره، ودعوى أن الفساد هنا للنهي
عن التغرير بالنفس مثلا، وليس في الفرض، لتخيل عدم الضرر، يدفعها منع
كون الفساد لذلك، بل لظهور أدلة المقام في إخراج هذا الموضوع عن الأوامر
بل وإدخاله في المنفي عنه الصوم واقعا، ويحتمل الصحة، لتعليق الحكم في صحيح
حريز (1) على الخوف المفروض انتفاؤه، فيكون حينئذ مأمورا، والأمر يقتضي
الاجزاء، وتعليقه في غيره على الضرر المنصرف إلى الواقع لا يجدي بعد الصحيح
المزبور الذي هو بمنزلة المقيد له، ويكون الحاصل حينئذ من المجموع أنه إذا
خاف الضرر وجب الافطار عليه، ولعل ذا لا يخلو من قوة.
وكيف كان فقد ظهر لك أن المدار في الافطار على خوف الضرر من غير
فرق بين المريض والصحيح في ذلك، لاطلاق قوله عليه السلام (2): (كل ما أضر به
الصوم فالافطار له واجب) ولأنه المناسب لمقتضى سهولة الملة وسماحتها، وإرادة

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2
347

الله اليسر بالناس دون العسر، ولظهور النصوص في أن المبيح للفطر في المريض
الضرر، فلا يتفاوت بين الصحيح والمريض معه، لكن تردد في المنتهى في
الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام من ذلك، ومن عموم الأمر بالصوم السالم
عن معارضة المرض، وفيه ما لا يخفى خصوصا بعد ما عرفت من عدم مدخلية
المرض، وإلا لأبيح له الافطار مع عدم الضرر، وهو معلوم البطلان نصا وفتوى
بل المدار على الضرر الذي لا تفاوت فيه بين الصحيح والمريض الذي من أقسامه من
يخشى حدوث مرض آخر بالصوم الذي هو كالصحيح الذي يخاف المرض بالصوم
وبالجملة فالعمدة اشتراك الصحيح والمريض في معظم المدارك المسوغة للافطار
كما هو واضح، والله أعلم.
(مسألتان: الأولى البلوغ الذي تجب معه العبادات) وتصح معه
المعاملات (الاحتلام) أي خروج المني من الذكر والأنثى في اليقظة أو النوم
بالجماع أو غيره (أو الانبات) للشعر الخشن على العانة (أو بلوغ خمس عشرة
سنة في الرجال على الأظهر) الأشهر، بل المشهور شهرة عظيمة، خلافا لابن
الجنيد فاكتفى ببلوغ الأربع عشرة (و) لا ريب في ضعفه وضعف غيره من
الأقوال المحكية في المقام على فرض ثبوتها، أو بلوغ (تسع) سنين (في
النساء) كما بينا ذلك كله وغيره على وجه لم نسبق إليه في كتاب الحجر مفصلا
عند تعرض المصنف له، فلاحظ وتأمل.
المسألة (الثانية) يستحب للوالي أن (يمرن الصبي والصبية على الصوم)
وغيره من العبادات (قبل البلوغ) ويعودا عليه سواء قلنا بشرعية عبادتهما
أو لا عند تمييزهما على وجه يمكن حصول الصورة منهما، وفي المتن ومحكي القواعد
والتحرير وغيرهما (ويشدد عليهما لسبع مع الطاقة) ومقتضاه حصول التمرين
قبلها، وهو جيد إذا فرض حصول التميز والطاقة قبلها، وفي المعتبر ويؤخذ الصبي
348

بالصوم إذا بلغ ست سنين وأطاق الصوم استحبابا، وفي صحيح زرارة والحلبي
وحسنهما (1) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل (عن الصلاة على الصبي متى يصلي
عليه؟ فقال: إذا عقل الصلاة، قلت: متى تجب الصلاة عليه؟ قال: إذا كان
ابن ست سنين، والصيام إذا أطاقه) وخبر سماعة (2) (سألته عن الصبي متى
يصوم؟ قال: إذا قوي على الصيام) لكن في اللمعة والنافع أنه يمرن الصبي
لسبع، ولعله الحسن الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (إنا نأمر صبياننا بالصيام
إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فإن كان إلى نصف النهار أو
أكثر من ذلك أو أقل، فإذا غلبهم العطش أفطروا حتى يتعودوا الصيام ويطيقونه
فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بما أطاقوا من صيام، فإذا غلبهم العطش
أفطروا) وفيه مع اشتماله على التفرقة بين صبيانهم (عليهم السلام) وصبيان
غيرهم الذين هم محل البحث، ولذا والمرسل (4) عن الصادق عليه السلام (الصبي يؤخذ
بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه، فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام
إلى ذلك الوقت، فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر) علق التمرين في النهاية
كالمحكي عن ابني بابويه على الطاقة والتسع أنه يمكن أن يكون ذلك مبنيا على
ما هو الغالب من الفرق بين صبيانهم (عليهم السلام) وصبيان غيرهم في شدة التمييز
والطاقة اللذين هما المدار في التمرين، ويشتد باشتدادهما، وربما كان في المحكي عن
المبسوط نوع إيماء إلى ذلك، قال: (ويستحب أخذه أي الصبي بذلك إذا
أطاقه، وحد ذلك بتسع سنين فصاعدا، وذلك بحسب حاله في الطاقة) هذا كله

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب صلاة الجنازة - الحديث 1 من
كتاب الطهارة
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2 - 3 - 11
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2 - 3 - 11
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2 - 3 - 11
349

بناء على تفرقة الرواية بين صبيانهم (عليهم السلام) وصبيان غيرهم، أما على كونها
بالسبع فيهما كما رواها في المختلف فهي دالة على استحباب التمرين للسبع، كما
سمعته من بعضهم.
وعلى كال حال فالتحقيق الذي يجتمع عليه الأدلة ما ذكرنا، ولا ينافيه
صحيح معاوية بن وهب (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في كم يؤخذ
الصبي بالصيام؟ فقال: ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة، فإن هو
صام قبل ذلك فدعه، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته) ضرورة عدم المنافاة
بين الأخذ في هذا الوقت وبين الأمر به قبل هذا الوقت، مع احتمال كون المراد
الأخذ الشرعي دون التمريني على أن يكون المراد أنه يؤخذ به إذا بلغ، ويحصل
البلوغ بالاحتلام ونحوه في إحدى السنتين غالبا، فتأمل جيدا، ومن الغريب
ما عن الشارح من أن مقتضى هذه الرواية عدم تحديد مبدأ وقت التمرين، إذ
فيه أنه لو كان كذلك لم يبق لقوله عليه السلام: (فإن هو صام قبل ذلك فدعه)
وكذا قوله (عليه السلام): (ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته) فائدة
وأما ما رواه السكوني (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (إذا أطاق الغلام
صوم ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صيام شهر رمضان) فلم أجد من أفتى به
سوى ما يحكى عن المقنعة من أنه يؤخذ الصبي بالصيام إذا بلغ الحلم أو قدر على
صيام ثلاثة أيام متتابعات قبل أن يبلغ الحلم، ولعل المتجه حمله على شدة التشديد
عليه إذا كان كذلك.
وقد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا فرق في استحباب التمرين بين الصبي والصبية
على الوجه الذي ذكرنا، ضرورة اشتراكهما في حكمته التي أومأ إليها حسن الحلبي

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1 - 5
350

وفي المدارك أنه قطع الأصحاب باستحباب تمرينها قبل البلوغ، والتشديد عليها
للسبع، لكن قال: (ولا ريب في استحباب التمرين إلا أن تعيين مبدئه يتوقف
على الدليل) قلت: قد يعرف الحال فيها مما سمعته في الصبي.
وعلى كل حال فقد قيل إنه يتخير في الصوم الواجب وغيره من كل عبادة
واجبة يمرن عليها بين نية الوجوب والندب، فالوجوب لأن الغرض التمرين على
الفعل الواجب، والندب لعدم وجوبه عليه، وفي الروضة أنه قد ذكر ذلك
المصنف وغيره، قلت: لكن في البيان رجح الوجوب، قال: (ينوي الصبي
الوجوب، ولو نوى الندب جاز) وفي الذكرى (وهل ينوي الوجوب أو الندب؟
الأجود الأول ليقع التمرين موقعه) وقال: (ويكون المراد بالوجوب في حقه
ما لا بد منه يعني ولو تمرينا، أو المراد به الواجب على المكلف، ويمكن الثاني
لعدم وجه الوجوب في حقه) وفي الروضة (أن الندب أولى) وعن العلامة أنه
اقتصر عليه واختاره بعض المتأخرين، لأنه لا معنى لأفعل شيئا لوجوبه على
غيره، ولا معنى للوجوب التمريني إلا الأولوية المتحققة في الندب أو الوجوب
العقلي، لقبح مخالفة الأمر من والد ونحوه عقلا، ولا عبرة به إذا خالف الشرع
ولا يجدي كون الغرض التمرين على فعل الواجب، فإن التمرين عليه لا يستلزم
التمرين على إيقاعه لوجهه، على أن الغرض من التمرين تسهيل التكليف عليه
لتعوده به، ولا صعوبة في النية ليمرن عليها، بل الأولى أن لا ينوي إلا القربة،
فإن الندب أيضا لا معنى له في حقه، فإن الأحكام الشرعية كلها متساوية في انتفائها
من غير المكلف، فكما لا وجوب عليه شرعا لا ندب بالنسبة إليه، إلا أن يمنع
عدم خطاب المميز بالمندوبات، فإنها باعتبار ما ليست مكلفا بها، ومعنى رفع القلم
إنما هو رفع قلم الايجاب ورفع المؤاخذة، فإن من البين كونه يثاب بفعل الطاعات
بل ذلك متعين بناء على شرعية عبادات الطفل على جهة الندبية، ولا ينافيه كون
351

الحكمة في ذلك التمرين، ضرورة كون المراد منه التمرين على نفس الأفعال
لا نياتها كما هو واضح، نعم بناء على التمرينية قد يتجه ذلك، لكون الإثم
فيه نية الوجوب في الواجب، والندب في المندوب، ودعوى أنه لا معنى للوجوب
التمريني إلا الأولوية المتحققة في الندب أو الوجوب العقلي، لقبح مخالفة الأمر
من والد ونحوه عقلا، ولا عبرة به إذا خالف الشرع، يدفعها بعد الاغضاء عما
فرضه من مخالفة الشرع لما حكم العقل بقبح مخالفته أن المراد منه التشبه بالبالغين
بابراز الصورة الصادرة منهم، كما هو واضح، والله أعلم.
(النظر الثاني أقسامه) أي مطلق الصوم الشامل للصحيح والفاسد
(وهي أربعة: واجب وندب ومكروه) كراهة عبادة (ومحظور) ولو
للتشريع، أما (الواجب) ف‍ (ستة) باستقراء الأدلة الشرعية، والاجماع
بقسميه، الأول (صوم شهر رمضان) والثاني صوم (الكفارات) التي
سيأتي تفصيلها إن شاء الله (و) الثالث صوم بدل (دم المتعة) في الحج
(و) الرابع صوم (النذر وما في معناه) من العهد واليمين ونحوهما (و) الخامس
صوم (الاعتكاف على وجه) كالنذر واعتكاف يومين الموجب لاعتكاف ثالث
(و) السادس صوم (قضاء الواجب، القول في شهر رمضان والكلام في علامته
وشروطه وأحكامه، أما الأول ف‍) لا إشكال ولا خلاف بيننا في أنه (يعلم
الشهر برؤية الهلال) وحينئذ (فمن رآه وجب عليه الصوم ولو أنفرد، وكذا
لو شهد فردت شهادته، وكذا يفطر لو أنفرد ب‍) رؤيته (هلال شوال) كل
ذلك لصدق الرؤية المأمور بالصوم والافطار لها، وصدق شهادة الشهر، وللسنة
المستفيضة أو المتواترة، والاجماع بقسميه، خلافا لما عن بعض العامة من عام
صوم المنفرد وفطره إلا في جماعه الناس، وهو محجوج بالكتاب والسنة والاجماع
352

(و) أما (من لم يره) ف‍ (لا يجب عليه الصوم) للأصل وظاهر كثير
من النصوص (إلا أن يمضي من شعبان ثلاثون يوما) فيجب الصوم
حينئذ إجماعا أو ضرورة من الدين
(أو يرى رؤية شايعة) على
وجه تفيد العلم الذي هو مدار التكاليف، فيجب الصوم حينئذ بلا خلاف ولا
إشكال، ضرورة عدم اعتبار الزائد على ذلك، نعم إن لم يكن الشياع على الوجه
المزبور بل كان مفيدا للظن كان المتجه عدم الاجتزاء به، للأصل السالم عن
المعارض، وظاهر النصوص، خلافا للفاضل في التذكرة فاكتفى به، لمساواة الظن
الحاصل من شهادة العدلين، بل حكاه في المدارك عن الشارح وغيره، قال:
واحتمل في موضع من الشرح اعتبار زيادة الظن على ما يحصل منه بقول العدلين
ليتحقق الأولوية المعتبرة في مفهوم الموافقة، إلا أن ذلك كله كما ترى، ضرورة
توقفه على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معللا بإفادتها الظن ليتعدى إلى ما
يحصل به ذلك، وليتحقق الأولوية المذكورة، وليس في النص ما يدل على هذا
التعليل، وإنما هو مستنبط، فلا عبرة به، مع أن اللازم من اعتباره الاكتفاء
بالظن الحاصل من القرائن إذا ساوى الظن الحاصل من شهادة العدلين أو كان
أقوى، وهو باطل إجماعا، فلا دليل له حينئذ سوى معلومية الاكتفاء بالعلم في
جميع التكاليف، فيكون الأمر دائرا مداره، وما أطنب به في الحدائق من
الاستدلال عليه لصحيح محمد بن مسلم (1) وموثق عبد الله بن بكير (2) وخبر
أبي العباس (3) وخبر إبراهيم بن عثمان الخزاز (4) التي سيمر عليك بعضها المشتملة
على تفسير الصوم للرؤية بما يؤل الشياع لا دلالة فيه على غير المفيد للعلم
كما اعترف هو به، لعدم ذكر لفظ الشياع فيه نفسه حتى يستند إلى صدقه بدعوى

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 11 - 14 - 12 - 10
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 11 - 14 - 12 - 10
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 11 - 14 - 12 - 10
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 11 - 14 - 12 - 10
353

شموله للأعم، وكذا الاستدلال عليه بخبر سماعة (1) المشتمل على الأمر بالصوم
إذا رآه أهل المصر وكانوا خمسمائة، وخبر عبد الحميد الأزدي (2) وخبري
أبي الجارود (3) المشتملة على الأمر بذلك وبالصوم بصوم الناس والفطر بفطرهم
إن لم نحملها على إرادة الصوم بصوم العامة والافطار بفطرهم للتقية، وعلى كل
حال لا دلالة فيها على غير ما عرفت، وحينئذ لا ينحصر المخبرون في عدد، ولا
يفرق في ذلك بين خبر المسلم والكافر والصغير والكبير الذكر والأنثى كما قرر في
حكم التواتر، ضرورة كون المدار على حصول العلم الذي تدور معه التكاليف.
وكيف كان (فإن لم يتفق ذلك وشهد شاهدان) عدلان (قيل)
ولكن لم نعرف القائل: (لا تقبل، وقيل) والقائل الصدوق والشيخ
وبنو زهرة وحمزة والبراج وأبو الصلاح: (تقبل مع العلة) خاصة، ومع عدمها
يعتبر الخمسون، نعم في عباراتهم خلاف بالنسبة إلى داخل المصر وخارجه، ففي
المختلف عن المقنع (واعلم أنه لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا
عدد القسامة، ويجوز شهادة رجلين عدلين إذا كانوا من خارج البلد، أو كان
بالمصر علة) ومقتضاه قبول شهادتهما مع الخروج عن البلد مطلقا، لكن في شرح
الإصبهاني لللمعة أن الموجود فيها عندنا من نسخ المقنع بالواو، ثم قال: ولعلها
أوضح، لأن الظاهر أنه أفتى بلفظ خبر حبيب الجماعي (4) وقد ذكره تماما من
غير تغيير، وقال في محكي المبسوط ما حاصله: (إنه مع العلة تقبل شهادتهما من

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 7 - 4
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 7 - 4
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 5
والمستدرك - الباب - 9 - منها الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 13
354

البلد وخارجه، وبدونها لا يقبل إلا شهادة القسامة خمسين رجلا من البلد أو
خارجه) ونحوه عن ابني زهرة وحمزة، وقال في محكي الخلاف: (لا يقبل في
هلال رمضان إلا شهادة شاهدين، فأما الواحد فلا يقبل منه، هذا مع الغيم،
فأما مع الصحو فلا يقبل فيه إلا خمسون قسامة أو اثنان من خارج البلد) وقال
في محكي النهاية: (إن كان في السماء علة لم يثبت إلا شهادة خمسين رجلا من أهل
البلد أو عدلين من خارجه، وإن لم يكن هناك علة وطلب فلم ير لم يجب الصوم
إلا أن يشهد خمسون من خارج البلد أنهم رأوه) وكذا عن ابن البراج، لكن
من المعلوم إرادتهم اعتبار الخمسين إذا لم يحصل الشياع بالأقل، وإلا أجزأ قطعا،
كما هو واضح.
(وقيل) والقائل المشهور: (تقبل مطلقا) سواء كان في السماء علة أو لا
(وهو الأظهر سواء كانا من البلد أو خارجه) لاطلاق ما دل على قبولهما، وخصوص
المعتبرة المستفيضة، كصحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (أن عليا عليه السلام
كان يقول: لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين) وصحيح منصور
ابن حازم (2) عنه عليه السلام أيضا أنه قال: (صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته، فإن
شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه) وصحيح عبد الله الحلبي (3)
عنه عليه السلام أيضا، قال علي عليه السلام: (لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا
شهادة رجلين عدلين) وصحيح الشحام (4) عنه عليه السلام أيضا سأله عن الأهلة
فقال: (هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، وإذا رأيته فأفطر، فقلت:
أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم قال: لا إلا أن تشهد

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 8 - 4 - 7
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 8 - 4 - 7
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 8 - 4 - 7
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 4
355

لك بينة عدول، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم) إلى
غير ذلك من النصوص المعتضدة بغيرها التي لا معارض لها سوى خبر إبراهيم بن
عثمان الخزاز (1) عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قلت له: كم يجزي في رؤية
الهلال؟ فقال: إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوه بالتظني،
وليس رؤية الهلال أن تقوم عدة، فيقول واحد: قد رأيته ويقول الآخرون
لم نره، إذا رآه مائة، وإذا رآه مائة رآه ألف، ولا يجوز في رؤية
الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين، وإذا كان في السماء علة
قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر) وخبر حبيب الجماعي (2) قال:
أبو عبد الله عليه السلام: (لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد
القسامة، وإنما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علة
فأخبرا أنهما رأياه، وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية) الذين ردهما في المعتبر بأن
اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم، ثم لا يفيد اليقين بل قوة
الظن، وهي تحصل بشهادة العدلين إلى أن قال: (وبالجملة فإنه مخالف لعمل المسلمين
كافة، فكان ساقطا) وفي محكي المنتهى بالمنع من صحة السند، ولعله لما قيل من
أن في طريق الأول العباس بن موسى وهو غير معلوم الحال وإن كان الظاهر أنه
الوراق الثقة الذي هو من أصحاب يونس بقرينة روايته عنه هنا، وفي يونس
كلام، وجهالة حبيب في سند الثانية، وفي محكي المختلف بالحمل على عدم عدالة
الشهود، وحصول التهمة في أخبارهم، وظني والله أعلم أنهما تعريض لما في يد
العامة من الاجتزاء بشهادة رجلين في الصحو مع القطع بكذبهما باعتبار عدم العلة
في الرائي والمرئي وكثرة المتطلعين وغير ذلك.

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 10 - 13
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 10 - 13
356

وعلى كل حال فلا ريب في سقوطهما في مقابلة ما عرفت، لكن أطنب في
الحدائق وظن أنه قد جاء في الباب بما لم يلم به أحد من الأصحاب، وهو الجمع
بين هذين الخبرين وبين غيرهما من النصوص الدالة على الاجتزاء بشهادة الشاهدين
بأنه لا بد من العلم مع عدم العلة من الغيم ونحوه، ولا يجزي التظني وإن كان
من شهادة العدلين، وهذا هو الذي أشاروا (عليهم السلام) إليه بقولهم (1):
إذا رآه الواحد رآه عشرة، وإذا رآه عشرة رآه مائة، وليس معنى رؤيته أن
يقوم واحد من العشرة فيقول: رأيته يقول التسعة لم نره، نعم لو كان
هناك غيم أو نحوه اجتزي بالشاهدين، لامكان اختصاصهما حينئذ بالرؤية دون
غيرهما، بل لعل اعتبار كونهما من خارج البلد جريا مجرى الغالب، لأنهما لو كانا
قد رأياه وهما من أهل البلد لرآه غيرهما أيضا بخلاف الخارجين، كما أن اعتبار
الخمسين في الخبرين ليس إلا لإرادة حصول العلم، ونصوص الاجتزاء بالشاهدين
ليس فيها إلا الاهمال المتحقق في حال الغيم، وعلى تقدير الاطلاق فهو مقيد
بالخبرين المزبورين، إلا أن ذلك جميعه كما ترى، إذ هو مع إمكان تحصيل الاجماع
المركب بخلافه واضح الضعف من وجوه، خصوصا بعد ما عرفت من أن مبنى
تلك النصوص الانكار على ما هو متعارف عند العامة من الشهادة على الهلال
زورا، وأنه يجئ الواحد منهم فيقول: رأيته من بين الجم الغفير، بل ربما
ادعى رؤيته في غير إمكانها كما لا يخفى على من له علم بأحوالهم وفساد مذهبهم
فخرجت هذه النصوص مخرج الانكار عليهم لا لبيان عدم الاجتزاء بالشاهدين
العدلين اللذين قد اكتفى الشارع بهما في جميع الموضوعات التي فيها ما هو أعظم
من رؤية الهلال بمراتب كالدماء ونحوها، فلا ينبغي التوقف في ذلك ولا الاطناب
في فساد ما يخالفه.

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 10 و 11
357

والظاهر من النص والفتوى الاجتزاء بهما من غير اعتبار لحكم الحاكم
بشهادتهما، بل لكل من قامت الشهادة عنده الصوم والافطار بعد فرض إحراز
العدالة تمسكا باطلاق الأدلة، بل قال الصادق عليه السلام في صحيح منصور بن حازم (1)
(فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه) وفي صحيح الحلبي (2)
وقد قال له: (أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم:
قال: لا، إلا أن تشهد لك بينة عدول، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك
فاقض ذلك اليوم) بل الظاهر من إطلاقهما الاجتزاء بهما وإن ردهما الحاكم لعدم
تحقق عدالتهما أو نحو ذلك مما لم يكن كذلك عند غيره ممن شهدوا عنده.
ولو اختلف الشاهدان في صفة الهلال بالاستقامة والانحراف ونحو ذلك
مما يقتضي اختلاف المشهود عليه بطلت شهادتهما،
ولا كذلك لو اختلفا في زمان
الرؤية مع اتحاد الليلة، ولو شهد أحدهما برؤية شعبان الاثنين وشهد الآخر
برؤية رمضان الأربعاء احتمل القبول لاتفاقهما في المعنى، وعدمه لأن كل
واحد يخالف الآخر في شهادته، ولم يثبت أحدهما، ولعل الأول أقوى، هذا،
وفي المدارك لا يكفي قول الشاهد اليوم الصوم أو الفطر، بل يجب على السامع
الاستفصال، لاختلاف الأقوال في المسألة، فيجوز استناد الشاهد إلى سبب
لا يوافق مذهب السامع، نعم لو علمت الموافقة أجزأ الاطلاق كما في الجرح
والتعديل، وقد يناقش بأن مقتضى شهادته كونه كذلك واقعا، وهو لا اختلاف
فيه، ولذا لم يجب استفصاله في الشهادة بالملك والغصب والنجاسة ونحوها مما هي
مختلفة الأسباب أيضا، وكذلك الجرح والتعديل وإن ظهر منه المفروغية من
وجوب استفصال الشاهد بهما، ولعل الأمر بالعكس كما يشهد له الاكتفاء بما

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 9
358

يذكره علماء الرجال فيهما، بل السيرة من العلماء وغيرهم على عدم استفصال الشاهد
إذا شهد بالفسق أو العدالة، وما ذاك إلا لما ذكرناه، فتأمل جيدا.
ثم إن الظاهر ثبوت بالشهادة على الشهادة، لاطلاق أو عموم ما دل
على قبولها، ولأن الشهادة حق لازم الأداء، فيجوز الشهادة عليه كسائر الحقوق
خلافا للفاضل في المحكي عن تذكرته فلم يثبته بها بل أسنده فيها إلى علمائنا
مستدلا عليه بأصالة البراءة، واختصاص مورد القبول بالأموال وحقوق الآدميين
وفيه بعد انقطاع الأصل بما عرفت أن اختصاص مورد القبول بذلك لا يقتضي
تخصيص العموم، كما أن الظاهر ثبوته بحكم الحاكم المستند إلى علمه، لاطلاق
ما دل على نفوذه وأن الراد عليه كالراد عليهم (عليهم السلام) من غير فرق بين موضوعات
المخاصمات وغيرها كالعدالة والفسق والاجتهاد والنسب ونحوها، وفي المدارك
ولأنه لو قامت عنده البينة فحكم بذلك وجب الرجوع إلى حكمه كغيره من الأحكام
والعلم أقوى من البينة، ولأن المرجع في الاكتفاء بشهادة العدلين وما يتحقق به
العدالة قوله، فيكون مقبولا في جميع الموارد، ومقتضاه المفروغية من الثبوت
بحكمه المستند إلى شهادة العدلين، وحينئذ يتجه الاستدلال به في المقام، ضرورة
كون المستند في الثبوت عند الغير في المشبه به ليس إلا حكمه الحاصل في الفرض،
إذ شهادة الشاهدين عنده ليس شهادة عند غيره، والحصر في قوله عليه السلام (1):
(لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين) مراد منه بالنسبة إلى الشهادة
بمعنى أني لا أجيز في الشهادة على رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين لا فاسقين
أو مجهولين كما هو عند العامة، ولا عدل واحد لا أن المراد عدم ثبوته إلا بذلك
ضرورة ثبوته بالشياع وبالحكم بالبينة وبغير ذلك، فاحتمال العدم حينئذ للخبر
المزبور الذي هو بعد الاغضاء عما ذكرناه معارض لما (بما ظ) دل على قبول حكمه

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أحكام شهر رمضان - الحديث 8
359

من وجه، ولا ريب في رجحانه عليه من وجوه في غاية الضعف، وأضعف منه
الاستناد إلى عدم ثبوت عموم حكم الحاكم لما يشمل ذلك، إنما المسلم منه في
خصوص موضوعات المخاصمة دون غيرها، إذ هو كما ترى مناف لاطلاق الأدلة،
وتشكيك فيما يمكن تحصيل الاجماع عليه، خصوصا في أمثال هذه الموضوعات
العامة التي هي من المعلوم الرجوع فيها إلى الحكام، كما لا يخفى على من له خبرة
بالشرع وسياسته، وبكلمات الأصحاب في المقامات المختلفة، فما صدر من بعض
متأخري المتأخرين من الوسوسة في ذلك من غير فرق بين حكمه المستند إلى علمه
أو البينة أو غيرهما لا ينبغي الالتفات إليه، لما عرفت من ثبوت الهلال بذلك،
بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين الحاكم الآخر وغيره، فيجب الصوم أو الفطر
على الجميع، نعم لو قال: اليوم الصوم أو الفطر من غير تصريح بكونه لرؤية أو
شهادة ففي الدروس في وجوب استفساره على السامع ثلاثة أوجه، ثالثها إن كان
السامع مجتهدا استفسره، قلت: قد يقوى في النظر عدم وجوب استفساره،
ضرورة كون ذلك منه حكما، فيجب اتباعه به، لاطلاق ما دل عليه.
(و) كيف كان ف‍ (إذا رؤي) الهلال (في البلاد المتقاربة كالكوفة
وبغداد) ونحوهما مما لم تختلف فيه المطالع (وجب الصوم على ساكنيها أجمع)
بلا خلاف ولا إشكال بعد قول الصادق عليه السلام في صحيح منصور (1): (فإن
شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه) وفي صحيح هشام (2) فيمن
صام تسعة وعشرين يوما (إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا
ثلاثين على رؤيته قضى يوما) وغيرهما من النصوص (دون) البلاد (المتباعدة

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 13
360

كالعراق وخراسان) ونحوهما مما علم فيه اختلاف المطالع أو احتمل، فلا يجب
الصوم ولا القضاء (بل يلزم حيث رؤي) للأصل بعد انصراف النصوص إلى
غير الفرض لكنه قد يشكل بمنع اختلاف المطالع في الربع المسكون، إما
لعدم كروية الأرض بل هي مسطحة، فلا تختلف المطالع حينئذ، وإما لكونه
قدرا يسيرا لا اعتداد باختلافه بالنسبة إلى علو السماء، وربما يومي إلى ذلك
مضافا إلى الاطلاق المزبور، خصوصا صحيح هشام المشتمل على النكرة الشائعة
المتناولة للجميع على البدل قوله عليه السلام في الدعاء (1) (وجعلت رؤيتها لجميع
الناس مرءا واحدا) وعدم اتفاق حصول الاختلاف بين البلاد الشرقية والغربية
في ذلك، ولعله لذا قال في الدروس بعد نسبة ما في المتن إلى قول الشيخ: ويحتمل
ثبوت الهلال في البلاد الغربية برؤيته في البلاد الشرقية وإن تباعدت، للقطع
بالرؤية عند عدم المانع، بل ظاهر المحكي عن المنتهى اختياره في أول كلامه،
لكن قال في آخره: وبالجملة إن علم طلوعه في بعض الأصقاع وعدم طلوعه في
بعضها للتباعد عنه لكروية الأرض لم يتساو أحكامهما، أما بدون ذلك فالتساوي
هو الحق، واستجوده في المدارك، ويمكن أن لا يكون كذلك، ضرورة عدم
اتفاق العلم بذلك عادة، فالوجوب حينئذ على الجميع مطلقا قوي، وحينئذ يسقط
ما ذكره في الدروس من التفريع بما لو رأى الهلال في بلد وسافر إلى آخر يخالفه
إلى (في ل ظ) حكمه انتقل حكمه إليه، فيصوم زائدا أو يفطر على ثمانية وعشرين
يوما، حتى لو أصبح معيدا ثم انتقل أمسك، ولو أصبح صائما للرؤية ثم انتقل
ففي جواز الافطار نظر، أي لو رأى الهلال في بلد ليلة الجمعة مثلا ثم سافر إلى
بلد بعيدة مشرقية قد رؤي الهلال فيها ليلة السبت أو بالعكس صام في الأول
أحد وثلاثين يوما، ويفطر في الثاني على ثمانية وعشرين يوما، ولو أصبح

(1) وهو من جمل دعاء السمات
361

معيدا ثم انتقل ليومه ووصل قبل الزوال أمسك بالنية وأجزأه، ولو وصل بعد
الزوال أمسك مع القضاء، ولو أصبح صائما للرؤية احتمل جواز الافطار لانتقال
الحكم، وعدمه لتحقق الرؤية، وسبق التكليف بالصوم، ضرورة سقوط ذلك
كله على المختار، لكن في الدروس أنه لو روعي الاحتياط في هذه الفروض كان
أولى، وفي المدارك أنه لا ريب في ذلك: لأن المسألة قوية الاشكال، قلت:
لكن يسهل الخطب ندرة وقوع شئ من الفروض السابقة، والله أعلم.
(ولا يثبت) الهلال (بشهادة الواحد على الأصح) خلافا لسلار
فاجتزأ في هلال شهر رمضان بالنسبة إلى الصوم دون حلول الأجل ونحوه بشهادة
العدل الواحد، لقول أبي جعفر عليه السلام في خبر محمد بن قيس (1) قال أمير المؤمنين
عليه السلام: (إذا رأيتم الهلال فافطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين، وإن لم تروا
الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل، وإن غم عليكم فعدوا
ثلاثين يوما ثم افطروا) لكن مع ندرة خلافه، بل يمكن دعوى استقرار
الاجماع بعده بل وقبله على ذلك، وكون خبره في شوال، مضافا إلى الطعن في
سنده باشتراك محمد بن قيس بين الثقة والضعيف، وإن كان قد يدفع بأنه هنا
البجلي الثقة بقرينة كون الراوي عنه يوسف بن عقيل، وفي دلالته بصحة إطلاق
لفظ العدل على الواحد فما زاد، لأنه مصدر يقع على القليل والكثير، فيقال
رجل عدل ورجلان عدل ورجال عدل، واضطرابه لأن الشيخ رواه في الاستبصار
بطريقين أحدهما ما سمعت، والثاني (إذا رأيتم الهلال فافطروا أو يشهد عليه بينة
عدل من المسلمين) وفي التهذيب بطريقين أيضا، أحدهما ما سمعت،
والثاني (إذا رأيتم الهلال فافطروا وأشهدوا عليه عدولا من المسلمين) وقصوره
عن معارضة المعتبرة المستفيضة لعدم الاكتفاء بما دون العدلين من وجوه لا ينبغي

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 1
362

الالتفات إليه، كما هو واضح.
(و) كذا (لا) يثبت (بشهادة النساء) منفردات ومنضمات إلى الرجال
إجماعا بقسميه ونصوصا (1)
(و) كذا (لا اعتبار) في ثبوته (بالجدول)
الذي هو حساب مخصوص عند المنجمين مأخوذ من مسير القمر واجتماعه مع
الشمس، لاستفاضة النصوص (2) في عدم ثبوت دخول الشهر إلا بالرؤية أو مضي
ثلاثين يوما من الشهر السابق، على أن أكثر أحكام التنجيم من الحدس الذي
خطأه أكثر من صوابه، بل هم لا يثبتون أول الشهر على وجه لزوم الرؤية بذلك
وإنما هو على معنى تأخر القمر عن محاذاة الشمس ليرتبوا عليه مطالبهم من حركات
الكواكب وغيرها، ويعترفون بأنه لا يمكن رؤيته، وإنما يظنون في بعض
الأحوال مقارنة الرؤية للتأخر المفروض، فقد يخطئ وقد يصيب، فضبط
الحساب المزبور وكونه كأيام الأسبوع عندنا وأنه من القطعيات وليس من
أحكام المنجمين لا تقتضي تحقق الرؤية به التي يظنها المنجم بسبب التأخر المزبور
وحينئذ فما عن بعض الجمهور وشاذ منا لم نتحققه من الثبوت به، لقوله
تعالى (3): (وبالنجم هم يهتدون) وبأن الكواكب والمنازل يرجع إليها في القبلة
والأوقات التي هي أمور شرعية واضح الضعف، ضرورة تحقق الاهتداء بالنجم
بمعرفة الطرق ومسالك البلدان ومعرفة الأوقات ونحو ذلك، وأن الذي يرجع إليه
في الوقت والقبلة مشاهدة النجم لا ظنون أهل التنجيم الكاذبة في أكثر الأوقات
الذين مما ورد (4) فيهم (من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر بما أنزل على محمد

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أحكام شهر رمضان
(3) سورة النحل - الآية 16
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 2
363

(صلى الله عليه وآله)).
(و) كذا (لا) اعتبار (بالعدد) المراد به هنا ما صرح به المصنف
في المحكي عن معتبره من عد شعبان ناقصا أبدا وشهر رمضان تاما أبدا الذي
يكذبه الوجدان، والنصوص الصحيحة الصريحة، كقول الصادق عليه السلام في صحيح
حماد بن عثمان (1): (شهر رمضان شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من
النقصان) وقال له عليه السلام الحلبي (2) في الصحيح أيضا: ((أرأيت إن كان الشهر
تسعة وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ قال: لا إلا أن تشهد لك بينة عدول،
فإن شهدوا أنهم رأوه الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم) وقال أبو جعفر عليه السلام
في صحيح ابن مسلم (3): (إذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين)) إلى غير ذلك
من النصوص التي لا يعارضها غيرها من النصوص (4) المنسوبة إلى أهل البيت عليهم السلام
التي جميعها أو أكثرها لا يخلو من ضعف وإن تكثر عددها واشتملت على القسم
بالله خصوصا بعد إعراض الأصحاب عنها، بل في محكي المعتبر أن عمل المسلمين
على خلافها، بل لو صح سندها لوجب تأويلها بما ذكره الشيخ في كتابي الأخبار
أو بغيره أو طرحها بعد منافاتها للوجدان والمشاهد بالعيان، فما عن قوم من
الحشوية كما في المعتبر من العمل بها لا ينبغي أن يلتفت إليه، ولعل المراد بها
سيما المشتمل منها على القسم بالله على أن شهر رمضان لا ينقص التعريض بما
يستعمله المخالفون في هذه الأزمنة من نقصان يوم أو يومين بدعوى رؤية الهلال
على وجه هم يعلمون كذبها، ولذلك لم يوفقوا لعيد فطر ولا لأضحى أبدا،

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3 - 9 - 5
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3 - 9 - 5
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3 - 9 - 5
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث
24 إلى 30
364

فمن الغريب ما عن المفيد في بعض كتبه من القول بالعدد، اللهم إلا أن يريد به
غم الشهور الذي ستعرف الحال فيه، وأغرب منه ما في من لا يحضره الفقيه
حيث إنه بعد أن ذكر جملة من الروايات الدالة على ذلك المشتركة في الضعف كما
في المدارك قال: (من خالف هذه الأخبار وذهب إلى الأخبار الموافقة للعامة
في ضدها اتقي كما يتقى العامة ولا يتكلم إلا بالتقية كائنا من كان إلا أن يكون
مسترشدا فيرشد ويبين له، فإن البدعة إنما تماث وتبطل بترك ذكرها، ولا قوة
إلا بالله) وكأنه إليه أشار المصنف ببعض الحشوية، لكن لا ينبغي ترك الأدب
معه، لأنه من أجلاء الطائفة ومن خزان آل محمد صلى الله عليه وآله، فهو أعلم بما قال وإن
صدر منه ما هو أعظم من ذلك من القول بجواز السهو على المعصومين عليهم السلام ووقوعه
الذي من ضرورة مذهب الشيعة خلافه، ونسأل الله العفو والعافية والمغفرة لنا
وله، فإنه الغفور الرحيم الرؤف الحليم العليم الحكيم.
(و) كذا (لا) اعتبار (بغيبوبة الهلال) في ليلة الرؤية (بعد
الشفق) في ثبوت كونه لليلة السابقة، لما عرفته من النصوص (1) المعتضدة بالعمل
بل لعل الوجدان على أنه قد يكون كذلك فيما هو معلوم إنما هو هلال ليلته إذا
كان الشهر تاما، خلافا للصدوق أيضا في المحكي من مقنعه، قال فيه: (إعلم
أن الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة، وإن غاب بعد الشفق فهو لليلتين،
وإن رؤي فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليال) ولعله لقول الصادق (عليه السلام)
في خبر إسماعيل بن الحر (2) (إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، وإن غاب
بعد الشفق فهو لليلتين) الذي هو مع ضعفه معلوم القصور عن معارضة غيره من
وجوه، بل يمكن تحصيل الاجماع على خلافه، مضافا إلى ما سمعته من دعوى

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 3
365

الوجدان الذي لا تصلح هذه الأخبار لمعارضته، والله أعلم.
(و) كذا (لا) اعتبار (برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال) في
ثبوت أنه لليلة الماضية على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة يمكن تحصيل
الاجماع معها، ولذا نسبه في المنتهى إلى أكثر علمائنا إلا من شذ منهم، بل في
الغنية دعواه على ذلك معللا له بأن من خالف من أصحابنا لم يؤثر خلافه في دلالة
الاجماع، بل نسبه في التذكرة إلى علمائنا أجمع من دون إشارة إلى شذوذ المخالف
وفي الخلاف نسبته إلى الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن عمر وأنس،
ثم قال: ولا مخالف لهم، فدل على أنه إجماع الصحابة، وعلى كل حال فذلك هو
الحجة بعد الأصل، وخبر محمد بن عيسى (1) المعتضد بما عرفت، قال: (كتبت
إليه جعلت فداك ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان فيرى من الغد الهلال قبل
الزوال، وربما رأيناه بعد الزوال، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا
كيف تأمر في ذلك؟ فكتب (عليه السلام) يتم إلى الليل، فإنه إن كان تاما رؤي
قبل الزوال) والمناقشة في سندها وجهالة المكتوب إليه واضحة السقوط بعد
الانجبار بما عرفت، ومعلومية كون المكتوب إليه هنا الإمام (عليه السلام) ولو
بالقرائن الموجودة في نفس الخبر المزبور، كسقوط دعوى طرحها باعتبار اضطرابها
لكون المفروض في السؤال وقوع الاشتباه في شهر رمضان، وأنه إنما رؤي في
غد تلك الليلة، وهو يوم الثلاثين من شعبان، وعلى هذا فالحكم بصوم ذلك
اليوم يدل على اعتبار الرؤية قبل الزوال، وقول السائل فترى أن نفطر إلى آخره
كالتعليل في الجواب يدل على أن الاشتباه في هلال شوال، وأنه لا اعتبار برؤيته
قبل الزوال في الحكم به لليلة الماضية، لأنه قد يتفق رؤية هلال الليلة اللاحقة
قبل الزوال إذا كان الشهر تاما، فتكون مضطربة ساقطة في نفسها فضلا عن النظر

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 4
366

إلى معارضتها لغيرها، ضرورة كون المراد بهلال شهر رمضان هلال شوال توسعا
ولو بقرينة ذيل الرواية، لصدق الإضافة بأدنى ملابسة، وأغرب من ذلك دعوى
دلالتها على الاعتبار بحمل قوله (عليه السلام): (إن كان تاما) إلى آخره على
أن المراد الشهر المستقبل تاما رؤي هلاله قبل الزوال، إذ لا يخفى عدم
مدخلية تمام الشهر المستقبل ونقصانه في رؤية الهلال قبل الزوال وعدمها، فقد
يرى هلاله وإن كان ناقصا باعتبار تمامية الشهر الماضي كما هو واضح.
وخبر جراح المدائني (1) عن الصادق (عليه السلام) (من رأى هلال
شوال بنهار في رمضان فليتم صومه) والمناقشة في سنده مدفوعة بما عرفت،
وفي دلالته بكونه مطلقا يحمل على المقيد وهو ما تسمعه مما دل على التفصيل
يدفعها معلومية اعتبار المقاومة في الحمل المزبور، وهي مفقودة هنا من وجوه،
والمرسل (2) المروي عن بعض الكتب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (إذا
رأيتم الهلال أو رآه ذوا عدل منكم نهارا فلا تفطروا حتى تغرب الشمس، كان
ذلك في أول النهار أو في آخره، وقال: لا تفطروا إلا لتمام ثلاثين من رؤية
الهلال أو بشهادة شاهدين عدلين أنهما رأياه) بل لا يخفى عليك ما فيه من الاشعار
بأن المراد من إطلاق الرؤية الرؤية في الليل، وحينئذ تكون النصوص (3)
المستفيضة أو المتواترة كما قيل الدالة على أن الصوم والافطار للرؤية دالة على
المطلوب، ضرورة ظهورها أو صراحتها في حصر الطريق بذلك، على أن الأمر
بالصوم فيها إنما يكون قبل دخول وقت الصوم، إذ لو أمر به بعد مضي جزء
من وقته فإما أن يتوجه إلى مجموع الوقت، أو إلى الليلة المستقبلة من النهار،

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 2
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 333
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب أحكام شهر رمضان
367

والأول باطل، لانتفاء القدرة عليه، وكذا الثاني، لعدم كونه صوما شرعيا،
فتعين كون المراد الأمر بصوم يوم ليلة الرؤية وإفطار يوم ليلتها.
والمناقشة في ذلك بأن ظهور لفظ الرؤية في الرؤية الشائعة المتعارفة لا يدل
على عدم إرادة غيرها من اللفظ، وإنما يقتضي ذلك القطع بإرادتها منه،
ويتوقف إرادة الغير وعدمها على دليل يدل عليه، ومع فرضه لا يكون ذلك
معارضا له، إذ كما لا يدل اللفظ على إرادة الرؤية الغير الشائعة فكذا لا يدل على
عدم إرادتها، وليس الظهور هنا بمنزلة ظهور اللفظ في المعنى الحقيقي، إذ ذاك
يقتضي إرادته خاصة حذرا من لزوم المجاز، بخلافه هنا، فإن المفروض دلالة
اللفظ حقيقة عليهما معا، إلا أنه ينساق إلى الذهن، منهما الشائع المتعارف، فمع
فرض دليل يدل على إرادة الآخر معه لا يكون منافيا له، فظهر لك أن المعنى
الظاهر من اللفظ قسمان: أحدهما الموضوع له اللفظ، وثانيهما الفرد الشائع من
المعنى الموضوع له اللفظ، والأول هو الذي يقتضي عدم إرادة غيره، بخلاف
الثاني الذي ما نحن فيه منه، فإنه لا يعارض ما يدل على اعتبار الرؤية قبل الزوال
وبأن المراد من الأمر بالصوم بعد مضي جزء من الوقت هو الامساك في البقية
المستقبلة على وجه الاعتداد به، كما ورد استعماله في ذلك في كثير من الأخبار
الواردة في الصوم المندوب إذا أراده في أثناء النهار ولم يكن قد تناول مفطرا،
كصحيحي عبد الرحمن (1) وموثق أبي بصير (2) وغيرهما.
يدفعها أولا اقتضاؤها اعتبار الرؤية قبل الزوال لنفسها لا لكشفها عن
صلاحية الرؤية في الليلة السابقة، إلا أنه اتفق المانع من غيم أو أخطأه المتطلع

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 2 و 6
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 1
368

أو نحو ذلك، وحينئذ يمكن دعوى الضرورة على خلافه وأن المعتبر إنما هو الرؤية
الليل دون النهار بالمعنى المزبور، وثانيا أنه بعد تسليم ظهور تلك النصوص
في إرادة الحصر، وتسليم كون المنساق إلى الذهن الرؤية الليلية يكون المعنى
لا تصوموا إلا للرؤية الليلية، ولا تفطروا إلا لها، فتعارض حينئذ ما دل على
اعتبارها قبل الزوال، كما هو واضح بأدنى تأمل، وأن إطلاق الأمر بالصوم
على الامساك في البقية في بعض النصوص (1) للقرينة الدالة عليه لا ينافي ظهوره
مع عدمها فيما قلناه.
وبالجملة لا يكاد ينكر منصف ظهور تلك النصوص في عدم اعتبار غير الرؤية
الليلية، كظهور النصوص الواردة في إفطار يوم الشك بمجرد الاستهلال في
ليلته وعدم رؤيته فيها إذا كانت مصحية من غير تعرض للاستهلال في النهار،
كصحيح هارون بن خارجة (2) وخبر الربيع بن ولاد (3) وخبر محمد بن مسلم (4)
وخبر عبيد بن زرارة (5) ودعوى كون المراد منها عدم الرؤية في جميع زمن
اعتبارها الذي منه قبل الزوال مخالفة لظاهرها أو صريحها كما لا يخفى على من
لاحظها، كدعوى دفع ذلك كله أو أكثره بأن الرؤية قبل الزوال كاشفة عنها في
الليل ولكن اتفق خطأ المتطلع أو حصول المانع أو نحو ذلك، إذ هي واضحة
المنع إن أريد كشفها على جهة العلم، بل لا يدعيها الخصم، ولئن ادعاها كان

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4 - 2
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4 - 2
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1 - 10
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1 - 10
369

ردها عليه مفروغا منه وداخلة تحت التظني التي قد استفاضت النصوص (1) أو
تواترت في عدم الاعتبار به هنا إن أريد كشفها على جهة الظن بعد التسليم،
ودعوى خروج خصوص هذا الظن للدليل القاصر عن معارضة ما سمعت من وجوه
كما ترى، إذ ليس هو إلا نصوص قد وردت على حسب غيرها مما ورد (2) في
العمل بالجدول والعدد والتطوق ونحوها مما هو مطروح عند الأصحاب، لمعارضة
المتواتر من غيرها كما اعترف به الشيخ في التهذيب مكررا، أو محمول على بعض
الوجوه التي لا مدخلية لها فيما نحن فيه، منها الحسن كالصحيح (3) عن أبي عبد الله
عليه السلام (إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلته الماضية، وإذا رأوه بعد الزوال
فهو لليلته المستقبلة) ومنها موثق عبيد بن زرارة (4) عنه عليه السلام أيضا (إذا رأوا
الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، وإذا رأوا بعد الزوال فذلك اليوم
من شهر رمضان) ومنها صحيح محمد بن قيس (5) عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا رأيتم الهلال فافطروا أو شهد عليه عدل من
المسلمين، وإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام، وإن
غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم افطروا) ومنها موثق إسحاق بن عمار (6) عن
أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان
فقال: لا تصم إلا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه، وإذا رأيته وسط

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب أحكام شهر رمضان
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 2 و 3
والباب 9 من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 6 - 5 - 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 6 - 5 - 1 - 3
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 6 - 5 - 1 - 3
(6) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 6 - 5 - 1 - 3
370

النهار فأتم صومه إلى الليل) ومنها خبر داود الرقي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
(إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير فهو ههنا هلال جديد رؤي أو لم ير)
ومنها المرسل (2) عن أبي جعفر عليه السلام (إذا أصبح الناس صياما ولم يروا الهلال
وجاء قوم عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا وليخرجوا من الغد أول النهار
إلى عيدهم، وإذا رؤي هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال،
وإذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان).
لكن لا يخفى عليك شذوذ هذه النصوص الفاقد بعضها بعض شرائط
الحجية، وأنها كغيرها من نصوص العدد والجدول والتطوق وغيرها، وقد ألقتها
الطائفة وأعرضت عنها واستقر عملها قديما وحديثا على نصوص الرؤية، فالواجب
حينئذ طرحها أو حملها على بعض الوجوه ولو بعيدا، لكونه أولى من الطرح،
ولذا حمل الشيخ الأولين منها اللذين هما العمدة في هذا المقام، ولذا اقتصر عليهما
بعض على اعتبارها مع شهادة الشاهدين بالرؤية في الليل في الصحو الذي يعتبر
فيه لولاها الخمسون، إلا أنه كما ترى مع بعده في نفسه ولا يتم على القول باعتبار
الشاهدين مطلقا مناف لظاهرها وظاهر ما دل على اعتبار الخمسين وما دل على حكم
الشاهدين، ولا بد حينئذ من ارتكاب التخصيص في الأولين كما لا يخفى، ولعل
الطرح أولى من هذا الحمل، أو يحملان على إرادة بيان كون ذلك أمارة يستفاد
منها الظن، وربما تفيد إذا انضمت مع غيرها كشهادة الواحد أو المتعدد ممن
لا يعتبر شهادته حصول القطع، ولعل ذلك هو الوجه في ذكرها، أو أن المراد
منها بيان ذلك ليظن السامع ممن يتقى منه الاجتزاء بها وإن لم تكن هي كذلك،

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 4
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب 6 من أبواب أحكام شهر رمضان
الحديث 2 وتمامه في الفقيه ج 2 ص 110 الرقم 468
371

فتندفع التقية بذلك مع عدم التصريح بالاعتبار، وكون المحكي عن الشافعي
وأبي حنيفة ومالك وغيرهم عدم اعتبار ذلك بل قيل إنه المشهور بينهم فتوى
ورواية لا ينافي وجودها من غيرهم، كأبي ثور وأبي يوسف اللذين هما في زمن
الصادق (عليه السلام) وغيرهما، بل حكاه المرتضى عن ابن مسعود وابن عمر وأنس
وقال: إنه لا مخالف لهم، بل الظاهر أن استفاضة النصوص بعدم العمل هنا بالشك
والظن وأن شهر رمضان فريضة من فرائض الله لا يؤدي بهما تعريضا في الرد
عليهم وأن المشهور بين رواتهم ومحدثيهم ذلك.
وأما صحيح محمد بن قيس فقد يقال بدلالته على المطلوب باعتبار كون
المراد من الوسط فيه ارتفاع النهار، وتخصيص ذلك لكونه المظنة في ابتداء
رؤية الهلال نهارا بخلاف أول طلوع الشمس أو قبلها، لا أقل من الاحتمال الذي
يبطل به الاستدلال، ودعوى كون المراد من الوسط ما بعد الزوال فيدل بالمفهوم
على خلاف المطلوب لا شاهد لها، بل لعل اشتراط الوسط فيما بين قبل الزوال
وبعده ينافيها، وتكلف تخصيص خصوص الأخير منها لاقتضاء إلغاء المفهوم
في الوسط على تقدير دخول جزء مما قبل الزوال لا داعي له، مع احتمال كون
الفائدة في الاقتصار كون ذلك ابتداء مظنة الرؤية نهارا كما أومأنا إليه، فتأمل
جيدا، ولعله لذلك ونحوه جعله بعضهم دليلا للمشهور، وكذا موثق إسحاق
أيضا بناء على كون المراد من الوسط فيه ما عرفت، فيكون المراد الأمر باتمام
صومه على أنه من شعبان كما فهمه الراوي حيث قال (عليه السلام) يعني أتم صومك
إلى الليل على أنه من شعبان دون أن ينوي أنه من رمضان، لا أن المراد منه
ما قبل الزوال، لحمل الأمر فيه بالاتمام على الوجوب، ولا يكون ذلك إلا للحكم
بكونه لليلة الماضية للرؤية قبل الزوال، إذ هو كما ترى، ولا أقل من الاحتمال
المبطل للاستدلال.
372

وأما خبر داود الرقي فالظاهر كون المراد الحكم بطلوعه في الليلة المستقبلة
بمجرد عدم الرؤية في المشرق فيما قبل تلك الليلة عند الفجر، وهو حينئذ خارج عما
نحن فيه وإن كان أيضا لا عبرة بذلك كما أومأ إليه في الدروس بقوله: (ولا عبرة
بعدم طلوعه من المشرق في دخول الشهر في الليلة المستقبلة إلا في رواية داود
الرقي) بل واللمعة حيث قال: (ولا عبرة بالخفاء ليلتين في الحكم به بعدها)
بناء على قراءتها بالثاء المنقطة من فوق ثلاثا، فيكون عين ما في الدروس، وربما
يؤيده أنه ليس في نفس ولا فتوى اعتبار خفاء الليلتين حتى يكون إشارة إليه،
اللهم إلا أن يكون إشارة إلى ما يشعر به المرسل (1) عن الصادق (عليه السلام)
(قد يكون الهلال لليلة وثلث، وليلة ونصف، وليلة وثلثين، وليلتين، ولا
يكون وهو لليلة) من أن منتهى الخفاء ليلتين، وعلى كل حال لا عبرة بذلك
لما نراه بالوجدان من الخفاء أزيد من ليلتين.
وأما مرسل الصدوق فهو مع عدم كونه حجة كخبر داود الرقي يجري فيه
بعض ما ذكرنا.
وقد بان لك من ذلك كله أنه لا يليق بالفقيه العارف بقواعد الفقه ولسانه
الركون إلى هذه النصوص، والاعراض عن تلك النصوص التي ادعي تواترها،
والموافقة مع ذلك لقوله (2): (لتكملوا العدة) بناء على إرادة الثلاثين منها
مع قيام نحو هذه الأمارات على ما أشار إليه بعض النصوص، ولقوله تعالى (3):
(أتموا الصيام إلى الليل) كما أشار إليه بعض آخر، وللأصل والاجماع المحكي
وغيرها، فما عن المرتضى (رحمه الله) في الناصريات من اعتبار ذلك حيث أنه

(1) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 2
وفي ذيله " ولليلتين إلا شئ ولليلة " كما في المقنع ص 58 الطبع الحديث
(2) سورة البقرة - الآية 181 - 183
(3) سورة البقرة - الآية 181 - 183
373

بعد أن ذكر قول الناصر: (إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية)
قال: (هذا هو الصحيح، وهو مذهبنا، بل قال: إن عليا (عليه السلام) وابن
مسعود وابن عمر وأنسا قالوا به، ولا مخالف لهم) وقد سمعت ما حكاه الشيخ
في الخلاف عن هؤلاء، وربما يستظهر ذلك أيضا من الصدوق والكليني باعتبار
إيرادهما رواية التفصيل في الفقيه والكافي، خصوصا الأول الذي ذكر في أوله أنه
ما يورد فيه إلا ما يعتقد أنه حجة بينه وبين ربه، لكن من تتبع كتابه المزبور
بعلم عدوله عن ذلك، كما أن من تتبع الكافي يعلم أنه قد يورد فيه ما لا يعمل به
فانحصر الخلاف حينئذ فيمن عرفت، نعم مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين،
إلا أن منشأه اختلاف الطريقة، لكن من غرائب الاتفاق خيرة العلامة الطباطبائي
له في مصابيحه مع استقامة طريقه، وأما ما ذهب إليه العلامة في المختلف من
التفصيل بين الصوم والفطر فيعتبر في الأول دون الثاني فكأنه ليس قولا في المسألة
ضرورة أن منشأه الاحتياط، بل قال في آخر المبحث: لو رأى الهلال في أول
الشهر قبل الزوال ولم ير ليلة أحد وثلاثين هلال شوال وجب صومه إن كان هذا
الفرض ممكنا، أو حصلت علة، لأن الاحتياط للصوم متعين، فلا يجوز الاقدام
على الافطار بناء على مثل هذه الروايات المفيدة للظن المعارضة بمثلها، ومنه يعلم أن المراد بالاحتياط تأكد الصوم في الأول بنية الندب لا بنية أنه رمضان، وأنه
يقوى بذلك احتمال تقدم الهلال، فلا وجه حينئذ لمناقشة بأن الاحتياط في
الصوم في الأخير معارض بحرمته في العيد، وبأنه مناف لنية كونه من رمضان
نعم قد يقال إن الحكم فيما ذكره من الفرع كذلك مع قطع النظر عن الاحتياط
إذ من الواضح كون ذلك عند القائل أمارة يجوز تخلفها، فهو حينئذ كما لو ثبت
بشهادة العدلين، ومما يؤيد أن ما في المختلف ليس قولا في المسألة وضوح عدم
الفرق، بل ولا بين سائر الأهلة في الأمارة المزبورة، خصوصا مع إطلاق بعض
374

الأدلة، اللهم إلا أن يقال باختصاص الشهرين اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن
لكنه كما ترى.
(و) كذا (لا) يعلم (بتطوقه) بظهور النور في جرمه مستديرا
بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك عدا ما عساه يظهر من الصدوق في
الفقيه، حيث روى فيه الصحيح الدال عليه بناء على ما ذكره في صدره من أنه
لا يورد فيه إلا ما يعمل عليه، وربما مال إليه الخراساني في الذخيرة، لصحة الخبر
الدال عليه، وهو صحيح مرازم (1) عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) ((إذا
تطوق الهلال فهو لليلتين، وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليال) وكون
نسبته إلى معارضيه نسبة المقيد إلى المطلق الذي هو ما دل على وجوب الصوم
بالرؤية أو الشاهدين أو مضي ثلاثين يوما، وما دل على عدم وجوب قضاء يوم
الشك إلا مع قيام البينة بالرؤية في الليلة السابقة، وفيه أن الشرط في حمل المطلق
على المقيد المكافأة المفقودة في المقام قطعا، من وجوه بعد الاغضاء عن سنده
الذي منع صحته في التذكرة، وعن احتماله الاختفاء تحت الشعاع لليلتين أو ثلاث
كاحتمال خبر الغيبوبة (2) قبل الشفق وبعده ذلك أيضا، بل يقوى في الظن أن
المشار إليه في نصوص النهي عن العمل بالشك والتظني هنا هو ذلك ونحوه مما
عرفت وتعرف، ومن الغريب ما في التهذيب فإنه مع مبالغته للعمل بأمثال هذه
النصوص حتى جعلها مخالفة للمعلوم من الأدلة بالتواتر وغيره قال هنا بعد أن
أورد هذا الصحيح وخبر إسماعيل بن الحر (3) المتقدم آنفا الوجه في هذين الخبرين
وما يجري مجراهما مما هو في معناهما أن ذلك إنما يكون أمارة على اعتبار دخول

(1) الوسائل - الباب 9 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 2
عن محمد بن مرازم عن أبيه
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 3
375

الشهر إذا كان في السماء علة من غيم أو ما يجري مجراه، فجاز حينئذ اعتباره في
الليلة المستقبلة بتطوق الهلال وغيبوبته قبل الشفق وبعد الشفق، ولعله يريد
ما ستسمعه منه في النصوص الآتية من الاعتبار الاحتياطي بمعنى أنه ينبغي له
الاحتياط مع ذلك، لقوة الظن بكون اليوم السابق من شهر رمضان، وإلا فلا
فرق بين العلة وعدمها في عدم كون ذلك علامة، بل هو قول حينئذ بما هو خارج
عن النصوص جميعا، واحتمال الاكتفاء هنا بالظن كالوقت بالنسبة إلى الفريضة
خلاف الظاهر النصوص والفتاوى أو صريحها، وإن كان متجها من حيث
القياس المعلوم بطلانه عند الإمامية.
(و) كذا (لا) عبرة (بعد خمسة أيام من أول الهلال في) السنة
(الماضية) وصوم يوم الخامس وإن كان موافقا للعادة، بل في المحكي عن عجائب
المخلوقات للقزويني قد امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحا، وبه خبر عمران
الزعفراني (1) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن السماء تطبق علينا بالعراق اليوم
واليومين والثلاثة فأي يوم نصوم؟ قال: أفطر اليوم الذي صمت من السنة الماضية
وصم اليوم الخامس) وخبره الآخر (2) أيضا (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
إنا نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما فأي يوم نصوم؟ قال:
أفطر اليوم الذي صمته من السنة الماضية، وعد خمسة أيام وصم اليوم الخامس)
ومرسل الصدوق (3) عنه عليه السلام (إذا كان شهر رمضان في العام الماضي في يوم
معلوم فعد في العام المستقبل من ذلك اليوم خمسة أيام، وصم يوم الخامس) وخبر

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3 - 4 مع اختلاف في لفظ الأول
(2) فروع الكافي ج 2 ص 81 الطبع الحديث
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3 - 4 مع اختلاف في لفظ الأول
376

محمد بن عثمان الخدري (1) عن بعض مشايخه عنه صلوات الله عليه (صم في العام
المستقبل يوم الخامس من يوم صمت عام الأول) وخبر عاصم بن حميد (2) عن
جعفر بن محمد (عليه السلام) (عدوا اليوم الذي تصومون فيه وثلاثة أيام بعده
وصوموا يوم الخامس، فإنكم لن تختلفوا) وخبر غياث (3) الذي هو نحوه،
نعم قيد ذلك بعضهم بغير السنة الكبيسة، أما فيها فيعد ستة أيام لخبر
السياري (4) قال: (كتب محمد بن الفرج إلى العسكري عليه السلام يسأله عما روي
من الحساب في الصوم عن آبائك (عليهم السلام) في عد خمسة أيام بين أول السنة
الماضية والسنة الثانية التي تأتي فكتب صحيح، ولكن عد في كل أربع سنين
خمسا، وفي السنة الخامسة ستا فيما بين الأولى والحادث وما سوى ذلك فإنما هو
خمسة خمسة، قال السياري: وهذه من جهة الكبيسة، قال: وقد حسبه أصحابنا
فوجدوه صحيحا، قال: وكتب إليه محمد بن الفرج في سنة ثمان وثلاثين ومائتين
هذا الحساب لا يتهيأ لكن إنسان يعمل عليه، إنما هذا لمن يعزف السنين، ومن
يعلم متى كانت السنة الكبيسة، ثم يصح له هلال شهر رمضان أول ليلة، فإذا
صح الهلال لليلته وعرف السنين صح له ذلك إن شاء الله) ولعل هذا من كلام
الكليني وأن قوله (قال) ثانيا يراد منها بيان تاريخ الكتابة الأولى التي رواها
أولا، وحينئذ يكون ذلك وجها للنصوص المزبورة جميعها، وأنها خاصة فيمن
عرف ذلك، والظاهر اختصاص هذه المعرفة على وجهها القطعي بأهل البيت عليهم السلام
خاصة، أو تحمل النصوص المزبورة على إرادة بيان الأمر بصوم يوم الخامس
لا على أنه من شهر رمضان بل من شعبان ليحصل الاجزاء به لو بان أنه من شهر
رمضان، أو على ما قيل من اختصاص الاعتبار بها مع غم الشهور وإذا كانت في

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 1 - 8 - 8 - 2
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 1 - 8 - 8 - 2
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 1 - 8 - 8 - 2
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 1 - 8 - 8 - 2
377

السماء علة بناء على الاجتزاء بالظن حينئذ، وإن كان الأقوى عدم اعتبارها مطلقا
لقصورها عن معارضة غيرها ولو بالتقييد من النصوص المزبورة التي ادعي تواترها
ولعلها كذلك المفتى بمضمونها على وجه يمكن تحصيل الاجماع عليه، خصوصا مع
ملاحظة المحكي منه على لسان جماعة، وخصوصا مع تصريح غير واحد بكون هذه
النصوص وما جرى مجراها مما لا يفيد بالنسبة إلينا إلا الظن من الشواذ المهجورة
المطرحة التي خرجت منهم (عليهم السلام) مخرج التقيد، أو لخصوص العالم بها على
وجه يحصل له القطع دون الظن والتخمين، أو يراد منها الاحتياط لكونها من
الأمارات المفيدة للظن أو غير ذلك، وإن أبيت فليس لها إلا الطرح وردها إلى
علمهم (عليهم السلام) بها هذا.
وفي اللمعة بعد أن ذكر مثل ما هنا من عدم العبرة بشئ من الأمور
السابقة قال: والخفاء لليلتين في الحكم به بعدها خلافا لما روي في شواذ الأخبار
من اعتبار ذلك كله، وهو جيد، لكني لم أقف على من أفتى باعتبار الخفاء
ليلتين في الحكم بخروج الهلال بعدهما، ولا على خبر دال عليه، اللهم إلا أن
يكون أشار به إلى ما رواه الصدوق في المحكي عن مقنعه مرسلا (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (قد يكون الهلال لليلة وثلث، وليلة ونصف، وليلة وثلثين،
وليلتين، ولا يكون وهو لليلة) باعتبار إشعار الاقتصار على ليلتين أنه لا يكون
لثلاث، وإلى خبر داود الرقي (2) عنه صلوات الله عليه (إذا طلب الهلال في
المشرق غدوة فلم ير فهو هنا هلال جديد رؤي أو لم ير) إلا أنهما كما ترى مع
ضعفهما وشذوذهما غير ظاهرين في شئ من ذلك، ومن هنا قد يحتمل في عبارته

(1) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 2
وفي ذيله " ولليلتين إلا شئ ولليلة " كما في المقنع ص 58 من الطبع الحديث
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 4
378

لثلثين بالثائين المثلثتين، ويكون متعلقا بجميع ما ذكره سابقا أي لا عبرة
بشئ من ذلك لكون الهلال لليلة الثلاثين، ويكون المراد بالخفاء ما في خبر
داود المزبور، كما قال في الدروس: (ولا عبرة بعدم طلوعه من المشرق في دخول
الشهر في الليلة المستقبلة إلا في رواية داود) ولعل ذلك أولى، لأن الخفاء ليلتين
مما لم يذكره أحد ممن وصل إلينا كلامه، والله أعلم.
(و) قد بان لك من ذلك كله أنه لا يحكم بشئ من ذلك عدا الرؤية
نعم (يستحب صوم) يوم (الثلاثين من شعبان بنية الندب) بلا خلاف معتد به
نصا وفتوى، بل الاجماع بقسميه عليه، بل (و) على أنه (إن انكشف من
الشهر أجزأ) مضافا إلى النصوص (1)
(و) أما (لو صامه بنية رمضان لأمارة
قيل: يجزيه وقيل: لا) يجزيه (وهو الأشبه) كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا
هذا كله فيما لو صامه (فإن أفطره فأهل شوال ليلة التاسع والعشرين من هلال
رمضان قضاه) قطعا، لانكشاف خروجه قبل ذلك، ضرورة عدم نقصان الشهر
عن تسعة وعشرين (وكذا لو قامت بينة برؤيته ليلة الثلاثين من شعبان) بلا
خلاف نصا وفتوى ولا إشكال، أما إذا كان هلاله ليلة التاسع والعشرين من
هلال رمضان ببينة ففي وجوب القضاء وعدمه وجهان، أقواهما الأول إجراء
للبينة مجرى اليقين.
(و) حيث بان عدم العبرة بشئ من الأمور السابقة كان المتجه في (كل
شهر تشتبه رؤيته يعد ما قبله ثلاثين) ويحكم به من غير فرق بين شهر رمضان
وغيره، لأصالة بقاء الشهر ببقاء القمر في المحاق السالمة عن معارضته عادة ونحوها
فيما لو كان الاشتباه في شهر أو شهرين على وجه لا تقضي العادة بنقصانهما، وفي

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب وجوب الصوم
379

صحيح محمد بن قيس (1) (كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: وإن غم عليكم فعدوا
ثلاثين ثم أفطروا) وفي صحيح محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام)
(وإذا كان ذا علة فأتم شعبان ثلاثين) ونحوهما غيرهما (و) أما (لو غمت
شهور السنة) كلها فالأكثر كما في المسالك (عد كل شهر منها ثلاثين) أيضا،
للأصل المزبور أيضا، لكن أشكله في المسالك بأن ذلك خلاف الواقع في جميع
الأزمان وبمنع كون التمام هو الأصل، إذ ليس للشهر شرعا وظيفة معينة حتى
يكون خلافها خارجها عن الأصل، وإنما المعتبر شرعا الأهلة، وهي محتملة للأمرين
وأجاب بأن معنى الأصل أن الشهر المعين كشعبان مثلا واقع ثابت، فالأصل
استمراره إلى أن يتحقق زواله، ولا يتم ذلك إلا بمضي ثلاثين، وكذا القول
في غيره، أو تقول إذا حصلت الخفية للهلال وهو المحاق فالأصل بقاؤها، وعدم
إمكان الرؤية إلى أن يتحقق خلافه بمضي الثلاثين، ولكن ذلك يتوجه في
الشهرين والثلاثة، أما في جميع السنة كما هو المفروض ففيه إشكال، لبعده وعدم
وجود نظيره، ومن ثم قال جماعة من الأصحاب منهم العلامة والشهيد في الدروس
بالرجوع إلى رواية الخمسة (3) ولا بأس به عملا بالرواية وقضاء العادة، لكن
يبقى الاشكال فيما لو غم بعض السنة خاصة كما هو الواقع، وحينئذ فعد الثلاثين
للشهرين أقوى، وفيما زاد نظر، ثم ذكر خبر الزعفراني (4) وقال: وعمران مجهول
والرواية مرسلة في طريق، وضعيفة في آخر، وغير مقيدة بغمة الجميع، ومحتاجة
إلى تقييد الخمسة بغير السنة الكبيسة، وفيها ستة عملا بالعادة ومقتضى الحساب

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 0 - 3
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 0 - 3
380

قلت: (و) لعله لذلك (قيل ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة) لكن في
المدارك أن القول باحتساب بعضها ناقصا مجهول القائل مع جهالة قدر النقص
وجهالة خصوص الناقص (و) من هنا (قيل) والقائل الشيخ في المحكي عن
مبسوطه، والفاضل في المحكي من جملة من كتبه، والشهيدان في الدروس والروضة
(يعمل في ذلك برواية الخمسة) وفي المختلف أن المعتمد في ذلك العادة لا
الرواية، وفيه منع اطراد العادة بالنقيصة على هذا الوجه، كمنع صلاحية الرواية
للعمل بها كذلك (و) حينئذ فلا ريب في أن (الأول أشبه) بأصول
المذهب وقواعده مع كون المراد تنقيح حال شهر أو شهرين بل وأزيد من ذلك
مع تعدد المكلف واتحاده، ضرورة امكان جريان الأصل حينئذ بلا معارض،
أما إذا كان محل التكليف تمام السنة كما لو نذر عبادة مثلا في سنة هلالية واتفق
غم الشهور كلها أشكل حينئذ وجوبها في جميعها على ثلاثين للأصل المعلوم عادة
انقطاعه، فالمتجه حينئذ فعلها فيما لم يتيقن بمقتضى العادة نقصانه، وكذا كل
ما كان من هذا القبيل، بخلاف ما لو كان محل التكليف شهرا بخصوصه أو شهرين
ونحو ذلك، ولا يخفى عليك أن العادة لا تعارض حكم الثلاثين في الشهرين فما زاد
ضرورة عدم الحكم بتمامها واقعا كي يلزمه نقصان ما بعدها، بل هي تامة بمقتضى
الأصل الذي هو حجة في مقتضاه خاصة دون لازمه، كما هو واضح، فتأمل جيدا
فإنه لا يخلو من دقة، ومنه يعلم كون المدار على ثلاثين إلا مع العلم عادة بالنقصان
ولو على الوجه المزبور، والله أعلم.
(ومن كان بحيث لا يعلم الشهر) شهر رمضان بخصوصه (كالأسير
والمحبوس صام شهرا تغليبا) له على غيره إذا كان قد تحرى فغلب هو على ظنه أنه
شهر رمضان دون غيره من الأشهر، إذ احتمال وجوب السنة تماما عليه للمقدمة
مناف لنفي الضرر والعسر في الشريعة، وصوم غير المظنون مناف لتعبد المرء بظنه
381

وحينئذ (فإن استمر الاشتباه فهو برئ، وإن اتفق في شهر رمضان أو بعده
أجزأه، وإن كان قبله قضاه) بلا خلاف أجده، بل الاجماع في محكي التذكرة
والمنتهى عليه، لصحيح عبد الرحمان بن الحجاج (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: (قلت له: رجل أسرته الروم ولم يصم شهر رمضان ولم يدر أي شهر هو
قال: يصوم شهرا يتوخاه ويحسب، فإن كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان
لم يجزه، وإن كان بعد رمضان أجزأه) ولا يشكل ذلك بأن شرط صحه القضاء
نية التعيين، وهو لم ينو القضاء وإنما نوى الأداء، إذ هو مع أنه اجتهاد في مقابلة
النص والفتوى يمكن التخلص منه بما قيل من أنه ينوي الوجوب عما في ذمته،
فإن كان ذلك الشهر شهر رمضان أجزأه ذلك، لما عرفت من الاكتفاء فيه بنية
القربة، لأنه لا يقع فيه غيره، وإن كان ما بعده تعين كونه قضاء، لأنه هو
الثابت في الذمة، وقد تبين في محله عدم وجوب التعرض لنية الأداء والقضاء،
وإن كان قد يناقش فيه بأنه غير جازم بكونه في ذمته بعد فرض احتمال التقدم
على شهر رمضان.
وعلى كل حال فقد صرح غير واحد من الأصحاب بأنه يلحق ما ظنه حكم
الشهر في وجوب الكفارة في افساد يوم منه إن لم يتبين تقدمه، وإلا كان فيه
الوجهان فيمن فعل موجبا للكفارة ثم سقط فرض الصوم عنه بحيض أو مرض
أو نحوهما، وكذا إن تبين تأخره كان في وجوب كفارة الافطار في رمضان
أو كفارة الافطار في قضائه وجهان، وفي وجوب متابعته وإكماله ثلاثين لو لم ير
الهلال في الطرفين، فإن رآه فيهما لم يكن عليه إلا صوم شهر هلالي، نعم لو تبين
مخالفته لرمضان، وكان رمضان تاما كان عليه قضاء يوم إن لم يكن الشهر الذي

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 1
عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله
382

صامه شوالا أو ذا الحجة، وإلا فصيام يومين أو أكثر، لمكان العيدين وأيام
التشريق، نعم لو كان رمضان ناقصا وقد صام شوالا وكان تاما لم يكن عليه
قضاء، ويلحقه أيضا أحكام العيد من الصلاة والفطرة وحرمة الصوم وغير ذلك
من أحكام الشهر واجباته ومندوباته، لكن قد يشكل ذلك بأنه ليس في النص
الذي هو العمدة في المقام ما يقتضي ذلك من إطلاق منزلة ونحوها، ومجرد وجوب
الصوم للظن أعم من ذلك، ولو سلم فجريان الوجهين فيما لو بان التقدم بل والتأخر
في غاية الاشكال، ضرورة ظهور عدم إفطاره شهر رمضان، إذ هو حينئذ كمن
زعم يوما من شهر رمضان فأفطره ثم بان أنه ليس منه، وأشكل من ذلك كله
ما ذكروه أيضا من غير خلاف فيه بينهم بل ربما ظهر من بعضهم الاجماع عليه من
أنه إن لم يظن شهرا تخير في كل سنة شهرا مراعيا للمطابقة بين الشهرين في
سنتين بأن يكون بينهما أحد عشرا شهرا لا أزيد ولا أنقص، وإلا كان أحد
الشهرين على اليقين غير رمضان، ثم يجري عليه الأحكام السابقة، وفيه أولا أنه
لا دليل على هذا التخيير، ودعوى انحصار الامتثال فيه بعد العلم ولو بالاطلاقات
والاستصحاب ونحوهما ببقاء التكليف يدفعها منع العلم ببقاء التكليف، بل لعل
العلم بسقوطه لعدم الطريق إلى امتثاله متحقق، والتخيير لم يثبت كونه طريقا
شرعا، والانتقال إليه من مجرد فرض الخطاب بالصوم ممنوع، سيما مع تعدد
الطرق الممكن تكليف الشارع بها في هذا الحال من القرعة وغيرها، ثم بعد
الاغضاء عن ذلك كله إجراء أحكام شهر رمضان عليه كما ترى، مع أن العلامة
في التذكرة لم يقطع بذلك بالنسبة إلى التتابع في الصورة الأولى فضلا عن الثانية،
قال: (فإذا توخى شهرا فالأولى وجوب التتابع فيه وإن كان له أن يصوم قبله
وبعده) ولعله لذلك كله وغيره مال بعض المحققين من مشايخنا إلى سقوط الأداء
عنه، ويتعين عليه القضاء، ولو حصل له العلم بعدم التقدم لو صام أمكن القول
383

بوجوب صومه ناويا ما في ذمته من الأداء أو القضاء، فتأمل جيدا، ثم إنه إذا
اختار شهرا فهل يتعين ذلك في حقه بحيث لا يجوز له العدول عنه إلى شهر آخر؟
وجهان؟ أقواهما العدم، كما أن الظاهر العدول في المظنون لو تجدد له ظن بغير
الشهر الذي ظنه أولا.
(و) كيف كان ف‍ (وقت الامساك) عن المفطرات (طلوع الفجر
الثاني) بلا خلاف بين علماء الإسلام، بل إجماعهم بقسميه عليه، وقد قال الله
تعالى (1): (كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر) نعم في المدارك وغيرها (أنه يستثنى من ذلك الجنابة، فيجب
الامساك عنها قبل طلوع الفجر إذا لم يتسع الزمان لها وللاغتسال، لبطلان الصوم
بتعمد البقاء على الجنابة) وهو كذلك مع فرض قصور الوقت عن الغسل والتيمم
أما إذا كان عن الأول خاصة فقد يقال بصحة صومه وإن أثم بالجنابة، كتعمد
البقاء عليها حتى ضاق الوقت، والإثم بذلك أعم من البطلان، نحو من أراق الماء
بعد دخول الوقت، لكن الانصاف عدم خلو ذلك هنا من الاشكال باعتبار عدم
دليل يعتد به في قيام التيمم مقام الغسل، خصوصا بعد أن لم يرد هنا نحو ما ورد
في الصلاة من عدم سقوطها بحال ونحوه كما أشرنا إلى ذلك سابقا، والله أعلم.
(ووقت الافطار غروب الشمس) بلا خلاف أيضا كذلك (و) إنما
الكلام في (حده) والتحقيق أنه (ذهاب الحمرة من المشرق) كما أشبعنا فيه
البحث في كتاب الصلاة، خلافا لجماعة منا وكثير من العامة، فلاحظ وتأمل.
(ويستحب) له (تأخير الافطار حتى يصلي المغرب إلا أن تنازعه نفسه

(1) سورة البقرة - الآية 183
384

أو يكون من يتوقعه للافطار) لصحيح الحلبي (1) (سئل أبو عبد الله عليه السلام
عن الافطار قبل الصلاة أو بعدها فقال: إن كان معه قوم يخاف أن يحبسهم عن
عشائهم فليفطر معهم، وإن كان غير ذلك فليصل ثم ليفطر) ومرسل عبد الله بن
بكير (2) عنه عليه السلام أيضا (يستحب للصائم إن قوي على ذلك أن يصلي قبل أن
يفطر) وموثق زرارة وفضيل (3) عن الباقر عليه السلام (في رمضان تصلي ثم تفطر
إلا أن تكون مع قوم ينتظرون الافطار، فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم
وأفطر ثم صل، وإلا فابدأ بالصلاة، قلت: ولم ذلك؟ قال: لأنه حضرك فرضان
الافطار والصلاة فابدأ بأفضلهما، وأفضلهما الصلاة، ثم قال: تصلي وأنت صائم
فتكتب صلاتك تلك وتختم بالصوم أحب إلي) ولعل المراد كما قيل إنه تكتب
صلاتك مختومة بالصوم بمعنى كتابتها صلاة الصائمين، ورواه في المقنعة (4) عنهما
عنه عليه السلام (تقدم الصلاة على الافطار إلا أن تكون مع قوم يبتدئون بالافطار،
فلا تخالف عليهم وأفطر معهم وإلا فابدأ بالصلاة، فإنها أفضل من الافطار،
وتكتب صلاتك وأنت صائم أحب إلي) هذا.
وفي المدارك (أنه ربما ظهر من العبارة عدم استحباب تأخير الافطار إذا
نازعته نفسه في تقديم الصلاة، ولم أقف على رواية تدل عليه، وربما كان وجهه
استلزام تقديم الصلاة على هذا الوجه فوات الخشوع والاقبال المطلوب في العبادة
وعندي أن الأولى تقديم الصلاة في هذه الصورة، لاطلاق النصوص المتقدمة،
ومخالفة النفس في الميل إلى خلافه، فإن الخير عادة) قلت: في المقنعة (5) روى
أيضا في ذلك (أنك إذا كنت تتمكن من الصلاة وتفعلها وتأتي على حدودها
قبل أن تفطر فالأفضل أن تصلي قبل الافطار، وإن كنت ممن تنازعك نفسك

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب آداب الصائم الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب آداب الصائم الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب آداب الصائم الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 5
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب آداب الصائم الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 5
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب آداب الصائم الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 5
385

للافطار وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالافطار ليذهب عنك وسواس
النفس اللوامة، غير أن ذلك مشروط بأن لا يشتغل بالافطار قبل الصلاة إلى أن
يخرج وقت الصلاة) وربما توهم كون ذلك بعد الفتوى به من المصنف وغيره
كافيا في إثباته للتسامح، وفيه أنه هنا مقتض لرفع مستحب آخر، فيشكل جريان
دليل التسامح فيه، إذ الظاهر اختصاصه بما إذا كان المقابل احتمال الإباحة، على
أنه قد يمنع استحباب الافطار في الفرض بدعوى كون الظاهر من النص والفتوى
عدم استحباب تقديم الصلاة حينئذ لاستحباب الافطار، والأمر وإن ورد به
لكنه في مقام توهم ترك الأولى، فلا يراد منه إلا بيان عدم كونه كذلك حينئذ
لكنها كما ترى خصوصا مع ملاحظة الموثق، وقد يلحق به منازعة النفس على
التنباك والقهوة والترياك ونحوها إن لم يدخل تحت المراد من الافطار.
وعلى كل حال فالظاهر عدم اختصاص الحكم في شهر رمضان، لاطلاق
الأدلة، وعدم اعتبار كون المنتظر قوما وإن كان هو الموجود في النصوص المزبورة
والممسك أدبا خارج عن أصل المسألة، ضرورة ظهور النص والفتوى في الصوم
المعتبر شرعا، نعم ظاهر صحيح الحلبي الاجتزاء في ثبوت الندب في المستثنى بمخافة
حبس القوم عن عشائهم، هذا، وفي الحدائق الظاهر أن المراد بالصلاة المأمور
بتقديمها في هذه النصوص هي صلاة المغرب وحدها محافظة على وقت فضيلتها
لضيقه، فيكفي في تأدي السنة تقديمها خاصة، وفيه أن ذلك وإن كان ظاهر
المصنف أيضا إلا أنه قد ينكر ظهور النصوص في ذلك، خصوصا مع ملاحظة
تعليل الختم بالصوم، ومنه يعلم منع كون الحكمة في ذلك المحافظة على وقت
الفضلية، بل لو أفطر بما لا ينافي المحافظة على وقت الفضيلة فاته المستحب كما هو
واضح، كما أنه قد يعلم من التأمل في بعض النصوص المزبورة خصوصا الموثق
المزبور كون المراد هنا أفضلية الافطار في المستثنى لا أن الاستحباب مخصوص
386

فيه بمعنى أنه لو لم يفطر وقدم الصلاة في الفرض المزبور لم يترتب له شئ من
الثواب، بل المراد أنه في هذا الحال الأولى مراعاة المنتظر، وكذلك العكس،
فتأمل جيدا، والله أعلم.
إلى هنا تم الجزء السادس عشر من كتاب جواهر الكلام
بحمد الله ومنه، وقد بذلنا غاية جهدنا في تصحيحه
ومقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة المصححة
بقلم المصنف طاب ثراه وقد خرج بعون
الله تعالى خاليا عن الأغلاط إلا نزرا
زهيدا زاغ عنه البصر
ويتلوه الجزء السابع عشر
في شروط الصوم
إن شاء الله
تعالى
عباس القوچاني.
387