الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ٦
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ذو الحجة ١٤١٥
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٥٥٠٣-٨١-٧
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء السادس
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

BP النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 - 1245 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد مهدي
4 ن النراقي: تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1415 ه‍.
1415 ج: نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
- عليهم السلام - لإحياء التراث. ب. العنوان.
ردمك (شابك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزء.
. ISBN 964 - 5503 - 75 - 2 / VOLS 18
ردمك (شابك) 7 - 81 - 5503 - 964 / ج 6
6. ISBN 964 - 5503 - 81 - 7 / VOL
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 6
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك): البيان - قم
الطبعة: الأولى - ربيع الأول 1415 ه‍
المطبعة: ستاره - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 2500 ريال
ساعدت وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي على طبعه
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوجه 9 - بلاك 5
ص. ب. 85 / 996 371 - هاتف 4 - 730001
4

الباب الثالث
في الصلوات الواجبة غير اليومية
وهي عدة صلوات تذكر في مطالب:
5

المطلب الأول
في صلاة الجمعة
والكلام إما في حكمها، أو شرائطها، أو من تجب عليه، أو كيفيتها، أو
وقتها، أو لواحقها، فهاهنا ستة أبحاث.
7

البحث الأول
في حكمها
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى:
صلاة الجمعة واجبة في الجملة، بإجماع الأمة، بل الضرورة الدينية.
وتدل عليه - مضافا إليهما - السنة المتواترة (1).
بل الآية الشريفة (2) - على ما ذكره الأكثر - وإن كان فيه نظر على الأظهر;
لعدم صراحتها في صلاة الجمعة، لعموم الذكر، وعدم المخصص إلا ما قيل: من
اتفاق المفسرين (3).
وإشعار المروي في العلل: " إذا قمت إلى الصلاة فأتها سعيا - إلى أن قال: -
فإن الله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة
فاسعوا إلى ذكر الله) ومعنى فاسعوا هو الانكفاء " (4).
وعدم وجوب السعي إلى غيرها حين النداء، بل ولا استحبابه مترتبا عليه.
والأول ممنوع، كيف؟! وفسره في الكشاف وتفسير البيضاوي بمطلق
الصلاة (5). وبعض المفسرين منا بالحجج عليهم السلام. وعن صاحب التيسير (6)
عن المفسرين: أن المراد إما الصلاة، أو الخطبة، أو سماع الوعظ. وقال بعض
المفسرين: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) فبادروا

(1) انظر: الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة ب 1.
(2) الجمعة: 8.
(3) انظر: رسائل الشهيد الثاني: 51، وروض الجنان: 284.
(4) العلل: 357 / 1، الوسائل 5: 203 أبواب أحكام المساجد ب 7 ح 1، وفيه (الانكفات).
(5) الكشاف 4: 535، تفسير البيضاوي 5: 133.
(6) في النسخ المخطوطة: التفسير.
9

إلى وظائفه من الغسل وقص الأظافر والشوارب والتطيب والتنوير وحلق الرأس،
وغير ذلك (1)
ولو سلم فلا دليل على حجيته، كيف؟! مع أن أكثرهم من أهل الخلاف;
ولا أدري من لا يقبل الإجماعات المتواترة من العلماء على عدم الوجوب العيني،
كيف يقبل دعوى اتفاق المفسرين!؟
والثاني غير مشعر; لصحة تعليل رجحان السعي إلى الصلاة - التي هي من
أفراد الذكر - بأمر الله سبحانه بالسعي إلى مطلقه.
بل في المروي في الكافي إشعار على خلافه، حيث قال: قلت له: قول الله
عز وجل (فاسعوا إلى ذكر الله) قال: " اعملوا وعجلوا فإنه يوم مضيق على
المسلمين " (2) الحديث.
فإن ظاهره الأمر بالتعجيل إلى مطلق العمل.
والثالث: بعدم لزوم حمل الأمر على الوجوب; لأن ارتكاب التجوز في
الذكر ليس بأولى منه في السعي، فيحمل على الاستحباب ويكون ترتبه على النداء
لكثرة ما رغب فيه من الوظائف والأعمال فيما بعد الزوال.
مع أن إرادة الأذان عند الزوال من النداء غير معلومة; لجواز أن يراد به أذان
الفجر، الذي هو أيضا للصلاة من يوم الجمعة - كما نقل بعض المتأخرين في
رسالته في صلاة الجمعة عن بعض المفسرين، وهو ظاهر من حمل الذكر على
وظائف يوم الجمعة كما مر - لعدم دليل على إرادة الصلاة المعهودة، سيما عند نزول
الآية.
فيكون إشارة إلى ما ورد في الروايات من كثرة أعمال يوم الجمعة، حتى إن
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله كانوا يتجهزون للجمعة يوم الخميس لأنه يوم

(1) قد روي بهذا المضمون رواية في تفسير القمي 2: 367.
(2) الكافي 3: 415 الصلاة ب 71 ح 10، الوسائل 7: 353 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 31 ح
1.
10

مضيق، لكثرة وظائفه وأعماله (1).
سلمنا أن المراد بالذكر صلاة الجمعة، ولكن لا تدل الآية على وجوبها إلا
بعد ثبوت ترجيح التجوز في مادة فاسعوا على التجوز في الهيئة; ضرورة عدم
وجوب السعي الذي هو السير بالتعجيل.
المسألة الثانية: إذا عرفت أنها واجبة في الجملة، فاعلم أنه لا خلاف عندنا
في وجوبها عينا على كل من استجمع الشرائط الآتية، مع حضور الإمام المعصوم،
أو من ينصبه بخصوصه - عموما أو لصلاة الجمعة - وتمكنه من إقامتها.
وإنما الخلاف في صورة عدم حضوره ولا حضور منصوبه المذكور، أو عدم
تمكنه - كزمان الغيبة - في انتفاء الوجوب العيني، وثبوته.
فالأول مختار كل من شرط في وجوبه أو جوازه، الإمام أو نائبه، أو جعله
منصب الإمام.
ومنهم: العماني والمفيد في الإرشاد (2)، والشيخ في الخلاف والمبسوط والجمل
والنهاية والمصباح والتبيان (3)، والسيد في الناصريات في المسألة الحادية عشرة والمائة
والميافارقيات (4)، والفقه الملكي، والديلمي في المراسم ورسالته والقاضي
والكفعمي (5)، والوسيلة والسرائر والغنية والمجمع والجامع والمعتبر والشرائع

(1) انظر: الوسائل 7: 353 أبواب صلاة الجمعة ب 31.
(2) حكاه عن العماني في المختلف: 108، الإرشاد 347.
(3) الخلاف 1: 626، المبسوط 1: 143، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 190، النهاية: 103،
المصباح: 324، التبيان 10: 8.
(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 203 قال في المسألة الحادية عشرة بعد المائة: والذي يذهب إليه
أصحابنا في صلاة العيدين بأنهما فرض على الأعيان مع تكامل الشروط التي يلزم معها صلاة الجمعة
مع حضور السلطان العادل. منه رحمه الله تعالى. الميافارقيات (رسائل السيد المرتضى) المجموعة
الأولى: 272.
(5) المراسم: 77، القاضي في المهذب 1: 100، الكفعمي في المصباح: 410.
11

والنافع (1)، والموجز وشرحه للصيمري، والمنتهى والتذكرة والتحرير والإرشاد
والقواعد والنهاية والمختلف (2)، والإيضاح والمهذب والتنقيح (3)، والذكرى
والنكت والدروس والبيان واللمعة (4)، وروض الجنان والروضة وشرح القواعد
للمحقق الثاني (5).
وجماعة من المتأخرين منهم: المحقق الخوانساري ووالده، والشيخ
البهائي، وسلطان العلماء، والمدقق الشيرواني، ومولانا خليل القزويني، والمولى
عبد الله الشوشتري، ورفيع الدين النائيني، وصالح الجيلاني، والفاضل
الهندي (6)، والتوني، والكاظمي، ووالدي العلامة أخيرا، وأكثر مشايخنا (7)،
ومعاصرينا (8).
وهو ظاهر الكراجكي، ومحتمل الحلبي (9)، ونسبه صريحا في الإيضاح
والنكت والبيان وروض الجنان إلى الأخير (10).
بل هو ظاهر الشيخين الجليلين الصدوق والكليني (11)، بل مذهب كافة

(1) الوسيلة: 103، السرائر: 1: 290 و 1: 303، الغنية (الجوامع الفقهية): 560، مجمع
البيان 5: 288، الجامع للشرائع: 94، المعتبر 2: 279، الشرائع 1: 94 و 98، المختصر
النافع: 35 و 36.
(2) المنتهى 1: 317 و 336، التذكرة 1: 144 و 145، التحرير 1: 43 و 185، مجمع الفائدة
والبرهان 2: 333 و 360، القواعد 1: 36، نهاية الإحكام 1: 14، المختلف: 109.
(3) الإيضاح 1: 119، المهذب البارع 1: 413، التنقيح 1: 231.
(4) الذكرى: 230، الدروس 1: 186، اليان: 188، اللمعة (الروضة 1): 299.
(5) روض الجنان: 290، الروضة 1: 299 و 301، جامع المقاصد 1: 371.
(6) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 241 و 244 و 245.
(7) كالسيد بحر العلوم في الدرة النجفية: 165، وصاحب كشف الغطاء: 252، وصاحب
الرياض 1: 184 و 190.
(8) كالمحقق القمي في غنائم الأيام: 100، وصاحب مفتاح الكرامة 1: 72.
(9) الحلبي في الكافي في الفقه: 151.
(10) الإيضاح 1: 119، البيان: 188، روض الجنان: 291.
(11) انظر ص 16.
12

القدماء ظاهرا، حيث لم ينقل أحد مع بذل جهد طائفة من المتأخرين في نقل
الأقوال في هذه المسألة والفحص عن القائل بالوجوب العيني إلا عن ثلاثة أو أربعة
منهم (1); وهو أيضا ليس كذلك كما يأتي.
وتوهم عدم صراحة كلام العماني وإرشاد المفيد والخلاف - كما اتفق لبعض
المتأخرين - فاسد غايته.
لتخصيص الأول فرضية الحضور إلى صلاة الجمعة بالبلد الذي فيه
الإمام، أو المكان الذي فيه أمراؤه، ولولا انتفاء الوجوب بدونه لما كان للتخصيص
وجه.
واستدلال الثاني على وجوب وجود الإمام في كل عهد بأن يجمع الجمعات
والعيدين، ولو وجب مع غيره أيضا، لما كان للدليل معنى. وذكره بعض أمور أخر
قد تصدر من الفقهاء أيضا، ممنوع; إذ كل ما ذكره بعمومه الذي هو مقتضى
ألفاظه لا يمكن صدوره إلا من إمام مبسوط اليد.
وتصريح الثالث بعدم انعقاد الجمعة بدون الإمام أو أميره، وبأنه لم يفعله
من زمان النبي إلى زماننا غيرهما، وبأن الإمامية أجمعوا على اشتراط الإمام فيه بقول
مطلق.
وأما ما ذكره في أثناء كلامه من أن ما روي من جواز الجمعة لأهل القرى
والسواد فهو مأذون فيه فجرى مجرى نصب الإمام.
فهو توجيه للأخبار المروية بحملها على الاستحباب; لحصول ما يجري
مجرى النصب وإن لم يحصل حقيقة النصب الذي هو شرط الوجوب. ففي الحقيقة
هو تأويل لتلك الأخبار، وهو لا يدل على أنه فتواه، كما ارتكب في التهذيب كثيرا،
مع أنه لو كان فتواه أيضا لم يضر، هذا.
ثم إنه على اشتراط الإمام أو نائبه - في وجوبها أو جوازها - الإجماع في كثير
من كلمات الأصحاب، كما في الخلاف والسرائر والغنية وكلام القاضي والديلمي

(1) انظر ص 16.
13

والمعتبر والمنتهى والتحرير والنهاية (1)، وثلاثة مواضع من التذكرة (2)، ومثلها من
الذكرى (3)، وموضعين من شرح القواعد للمحقق الثاني (4)، ومثلهما من رسالته
وكنز العرفان وروض الجنان والروضة (5)، وشرحي الألفية والجعفرية، وعيون
المسائل للسيد الداماد، والرسالتين للفاضل التوني والمحقق الخوانساري، بل
جعل ثانيهما القول بالوجوب بدون الإمام بدعة مخترعة.
وفي شرح الهندي على الروضة نفي الشك عن وقوع الإجماع على اشتراط
الوجوب العيني بالإمام عليه السلام، ودعوى تواتر الإخبار بالإجماع، بل قيل:
قد أطبق الأصحاب على نقل الإجماع عليه لا راد له في الأصحاب (6). وصرح
الأردبيلي في شرح الإرشاد بأن القول بالوجوب العيني في زمان الغيبة قول مع عدم
الرفيق (7)، إلى غير ذلك.
والتشكيك في دعاوي الفاضل الإجماع - لمنعه إياه في المختلف (8) - ليس في
محله قطعا; لأن الممنوع فيه الإجماع على اشتراطه في مطلق الوجوب الشامل
للتخييري أيضا، لا خصوص العيني.
وكذلك لا يضر في هذه الدعاوي ذهاب طائفة من المدعين إلى التخيير في
زمن الغيبة (9); إذ لا منافاة بين التخيير ونفي العينية. واستلزام الاشتراط لانتفاء
المشروعية - لو سلم - لا يوهن في دعوى الإجماع; لاحتمال الغفلة عن الملازمة أو

(1) راجع ص 11.
(2) التذكرة 1: 144 و 145 و 443.
(3) الذكرى: 230 و 231.
(4) جامع المقاصد 2: 371 و 379.
(5) كنز العرفان 1: 168، روض الجنان: 290، الروضة 1: 30.
(6) حكاه. في مفتاح الكرامة 3: 60 عن عيون المسائل للمحقق الداماد.
(7) مجمع الفائدة والبرهان 2: 363.
(8) المختلف: 109.
(9) انظر ص 53.
14

ثبوت مطلق المشروعية بدليل آخر.
والثاني لشيخنا الشهيد الثاني (1)، وتبعه أولاده (2)، وتلاميذه (3)، وجماعة ممن
تأخر عنهم، كالمجلسيين (4)، وصاحب الذخيرة (5) وأكثر الأخباريين اللاحقين
لهم (6)، وإليه كان يذهب والدي العلامة أولا، وألف فيه رسالة مبسوطة لم أر
أحسن منها، وقد كتب عليها التصديق جمع من الأخباريين من معاصريه.
ونسب هذا القول إلى ظاهر المفيد في الإشراف والحلبي في الكافي،
والصدوق في الهداية والمقنع والأمالي بل الفقيه، والكليني (7)، وأبي الفتح
الكراجكي وعماد الدين الطبرسي (8).
أقول: ظاهر الأولين وإن كان ذلك. إلا أن ذهاب الأول إلى خلافه في
الإرشاد بل المقنعة (9)، حيث شرط كون الإمام مأمونا، وليس إلا المعصوم أو
نائبه. وقال أيضا: صادقا في خطبته، ولا يعلم ذلك إلا من الإمام أو من ينصبه..
وتركه لصلاة الجمعة - وإلا لنقل قطعا ولم يخف على تلامذته المدعين
للإجماع على حرمته - مع وفور الشيعة في عهده، ورفعه ستر التقية، ومجادلته في
المذهب مع المخالفين، وتصريحه في كتبه بما ينافي التقية، وتسلط سلاطين الديالمة
الذين هم من الشيعة في بلده..

(1) رسائل الشهيد: 51.
(2) منهم صاحب المدارك 4: 21، ونقل في الحدائق 9: 389 عن الحسن بن الشهيد في الاثني عشرية
وعن ابنه محمد في شرحها.
(3) منهم الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي، نقله عنه في الحدائق 9: 387.
(4) روضة المتقين 2: 574، بحار الأنوار 86: 146.
(5) الذخيرة: 308.
(6) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 17، والبحراني في الحدائق 9: 355.
(7) الإشراف (مصنفات الشيخ المفيد 3): 25، الكافي في الفقه: 151، الهداية: 34، المقنع:
45، الأمالي: 513، الفقيه 1: 267، الكافي 3: 418 عنوان الباب.
(8) حكاه. عنهما في الحدائق 9: 381 و 382.
(9) الإرشاد: 347، المقنعة: 163.
15

مضافا إلى ما قيل: من أن نسبة كتاب الإشراف إلى المفيد غير ثابتة، وفي
الإجازات غير منقول، ولم ينقل إلا في الرسالة المنسوبة إلى الشهيد الثاني ومن تبعه
بعده.
ونسبة خلافه إلى الثاني في الإيضاح والنكت والبيان (1).
مما (2) يقدح في النسبتين جدا; لعدم ثبوت الكتابين بعينهما منهما بأقوى مما
يخالفهما، أو يحكم لهما بالقولين معا.
مع أن ما نقل عن الحلبي في المختلف (3) لا يدل إلا على انعقاد الجمعة بإمام
الجماعة أيضا، لا وجوبه. وأما ذيل كلامه الظاهر في ذلك فهو غير مذكور، وإنما
ذكر في الرسالة المنسوبة إلى الشهيد الثاني (4).
وأما البواقي فلا ظهور لكلماتهم في هذه النسبة أصلا:
أما الهداية والمقنع، فلتصريحهما باشتراط الإمام، وسيأتي ظهوره في
المعصوم، سيما في الأول، حيث عطف عليه قوله: وقاضيه، ولا أقل من احتماله.
وأما الأمالي، فلعدم ذكره فيه إلا وجوب الجمعة، وهو مما لا كلام فيه، كما
يقولون بوجوب الجهاد أيضا، بل يعدونه من فروع الدين، مع أنه مشروط
بالإمام.
ومنه يظهر عدم ظهور كلام الفقيه أيضا، مع أنه ذكر فيه صحيحة محمد
الآتية المتضمنة لذكر الإمام وقاضيه (5)، وسائر أخبار اشتراط الإمام، وأخبار من
يخطب، وسيأتي إجمالها، ونقل في ذلك الباب صحيحة عبد الرحمن: " لا بأس أن
يدع الجمعة في المطر " (6) ولا شك أن هذا ليس شأن الواجب، وحمله على ما يستلزم

(1) الإيضاح 1: 119، البيان: 188.
(2) خبر لقوله: إلا أن ذهاب الأول....
(3) المختلف: 108.
(4) رسائل الشهيد: 79.
(5) انظر: ص 24.
(6) الفقيه 1: 267 / 1221، التهذيب 3: 241 / 645، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 23 ح 1.
16

الحرج لا وجه له. وكذا كلام الكليني.
مع أن الصدوق لو أوجبها لما تركها مع ما له من العز والاحترام عند
سلاطين الشيعة ووزرائهم، ولو فعلها لنقل البتة، ولم يقل الشيخ: إن إلى زماننا
هذا لم يصلها إلا الخلفاء والأمراء (1).
وأما الكراجكي، فلتصريحه باشتراط الإمام المرضي المتمكن. وشيوع
إطلاق الإمام المرضي على الإمام المعصوم - كما صرح به المحقق الخوانساري -
واضح، ولا أقل من الاحتمال; مع أن كتاب تهذيب المسترشدين الذي نقل عنه
ليس موجودا ولم ينقل عبارته إلا في الرسالة الشهيدية التي أنكر جماعة كونها منه،
ونقل بعض العلماء عن صاحب المعالم إنكار الرسالة، ولا بعد فيه، كما يظهر لمن
تأمل فيها وفي سائر ما ذكره الشهيد الثاني في سائر كتبه في صلاة الجمعة.
وأما الطبرسي، فلعدم ذكره إلا وجوب الجمعة عند الإمامية، وكونهم أشد
إيجابا لها من المخالفين، ولا دلالة له على عدم اشتراط الإمام بوجه أصلا.
ومن هذا يظهر سر ما ذكرناه سابقا، من عدم ظهور مخالف من القدماء في
انتفاء الوجوب العيني.
وقد نسب بعض الأخباريين القول بالوجوب إلى جماعة من المتأخرين،
استنادا إلى مواظبتهم على هذه الصلاة (2)، مع أنه لا دلالة لها عليه أصلا.
والحق هو الأول.
لنا: اشتراط الوجوب العيني بالإمام المعصوم أو نائبه الخاص، وإذا انتفى
الشرط انتفى المشروط. أما الثاني فظاهر. وأما الأول فلوجوه من الأدلة:
الأول: الأصول، كأصالة البراءة عن الخطبة والإصغاء إليها، والركعتين،
عند فقد من ذكر.

(1) انظر: الخلاف 1: 627.
(2) كما في الحدائق 9: 395.
17

ولا يضر لنا هنا معارضتها بمثلها في ركعتي الظهر من القراءة والركوع
والسجود وغيرها مما يجب في الركعتين، إذ غاية التعارض الرجوع إلى التخيير
فينتفي الوجوب العيني.
وكذا أصالة عدم توقيف الجمعة - على كون ألفاظ العبادات أسامي
للصحيحة - متعارضة مع أصالة عدم توقيف الظهر أيضا، حيث إنه - لا تتحقق
الظهر الصحيحة مع الجمعة، ويرجع إلى التخيير.
وأما على المختار من أنها ألفاظ للأعم فتبقى أصالة عدم توقيف الجمعة بلا
معارض، حيث إنه لا يعلم تحقق صلاة الجمعة ولو بالمعنى الأعم إذا لم يكن الإمام
أو نائبه كما يأتي، بخلاف الظهر بالمعنى الأعم.
الثاني: الإجماع المحقق - المعلوم من تطابق فتاوى الفقهاء جيلا بعد جيل إلى
زمن الشهيد الثاني - على الاشتراط، من غير ظهور مخالف، أو إلا شاذ نادر، حتى إن
صاحب مصائب النواصب (1) - مع شدة اهتمامه في الرد على الناصبي الطاعن علينا
بترك الجمعة - لم ينقل القول بالوجوب إلا عن الشهيد الثاني. وحتى إن في
المختلف لم ينقل إلا القول بالحرمة والتخيير (2). وجعل الأردبيلي الشهيد بلا
رفيق (3). والخوانساري الوجوب من البدع المحدثة في هذه الأزمان، مع عموم
البلوى في المسألة.
وتكثر دعوى الإجماع عليه بل تواتره، وقد صرح بالتواتر جماعة (4)، بل قيل:
أطبق الأصحاب على نقل الإجماع عليه (5)، وقد نقلنا فيما سبق خمسة أو ستة

(1) وهو القاضي نور الله التستري المستشهد في سنة 1019، وألف كتابه هذا رد على كتاب نواقض
الروافض لميرزا مخدوم الشريفي.
(2) المختلف 108.
(3) مجمع الفائدة 2: 363.
(4) كما في كشف الغطاء: 251، والرياض 1: 183.
(5) قاله المحقق الداماد في كتاب عيون المسائل، على ما حكاه في مفتاح الكرامة 3: 60.
18

وعشرين من دعاوي الإجماع عليه (1)، وعد بعضهم أزيد من أربعين دعوى
عليه (2)، وفي بعضها: أجمع علماؤنا قاطبة، وفي آخر: أجمع علماؤنا الإمامية طبقة
بعد طبقة من عصر أئمتنا عليهم السلام إلى عصرنا على انتفاء الوجوب العيني في
زمان الغيبة (3)، وفي ثالث: غب دعوى الإجماع وعمل الطائفة على عدم الوجوب
في سائر الأعصار والأمصار، وفي رابع: بلا خلاف بين أصحابنا (4)، وفي خامس:
وذلك إجماع أهل الأعصار، فإن من عهد النبي صلى الله عليه وآله إلى زماننا ما
أقام الجمعة إلا الخلفاء والأمراء (5). إلى غير ذلك.
مضافا إلى كون ظهوره عندنا بحيث عده النواصب من معايبنا، قال
صاحب نواقض الروافض. من هفواتهم لزوم ترك الجمعة.
وإلى إطباق علمائنا على تركه إلى زمن الشهيد الثاني مع تمكنهم من الإتيان
به في كثير من الأزمنة، كأزمنة الصفارية، والديالمة، وسلاطين المغول لا سيما
الجايتو وما بعده، وأزمنة آل مظفر، وغيرها، بل في كثير من الأمكنة مطلقا،
كسبزوار وقم والحلة، سيما مع عدم تقاعدهم عما هو أعظم وأشد من ذلك بكثير،
حتى ظهر منهم وشاع، كسب الشيخين، وتحليل المتعتين، ومسح الرجلين.
ولولا ثبوت الإجماع في ذلك لما ثبت إجماع في الفروع أصلا وأبدا; ولا سيما
مع أنه لولا اشتراط الإمام أو منصوبه، لشاع فعله بدونهما في زمن النبي والولي
والحسن، حيث إنهم لم يعينوا أميرا لكل بلدة بلدة، وقرية قرية، وكان يتخلل بين عزل
المنصوب وقيام الآخر زمان كثير لا محالة، فلولا الشرط لفعله الفاقدون
للمنصوب، ولو فعلوه لم يخف بهذه المثابة جدا.

(1) راجع ص 14.
(2) انظر: شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط).
(3) حكاه عن المحقق الثاني في مفتاح الكرامة 3: 60
(4) كما في السرائر 1: 303.
(5) كما في الخلاف 1: 627.
19

الثالث: المستفيضة من الأخبار:
منها: رواية حماد بن عيسى: " إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمع
بالناس.، ليس لأحد ذلك غيره " (1).
نفى التجميع عن غير الخليفة عن الرسول، ونائبه الخليفة عنه؟ وتخصيص
النفي بحال الخليفة حتى يكون بيانا للحكم حال قدومه خلاف الأصل، كما أن
عطفه على " جمع " بحذف العاطف حتى يكون مقيدا بالشرط كذلك من
وجهين (2).
وحملها على التقية - لاشتراطها المصر الدال على عدم التجميع في غيره -
مدفوع، بأن ذكر المصر هنا وارد مورد الغالب فلا اعتبار بمفهومه.
وضعفها سندا - لو سلم - مجبور بالشهرة المحققة والإجماعات المحكية.
ومنها: رواية حفص: " ليس لأهل القرى جمعة " (3).
فإن نفيها عنهم عموما لا يمكن أن يكون لعدم تمكنهم من الصلاة جماعة;
لإمكانها فيها غالبا، كما ورد في بعض الأخبار الآتية أيضا. ولا لعدم وجود قادر
على الخطبة، لوجوده أيضا في الأغلب، سيما أدنى الخطبة التي يقدر عليه كل من
يصلي ولو بالتلقين، وهو: الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وآل
محمد، حي على الفلاح، وسورة خفيفة. فلم يبق إلا لعدم حضور الإمام عليه
السلام أو نائبه، حيث إنه لا يكون إلا في الأمصار، كما هو ظاهر.
ومنها: موثقة ابن بكير - الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه -:

(1) التهذيب 3: 23 / 81، الوسائل 7: 339 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 20 ح 1.
(2) أحدهما حذف العاطف، والآخر التعليق على الشرط. منه رحمه الله.
(3) التهذيب 3: 248 / 679، الإستبصار 1: 420 / 1618، الوسائل 7: 307 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 3 ح 4.
20

عن قوم في قرية ليس من يجمع، أيصلون الظهر يوم الجمعة جماعة؟ قال:
" نعم إذا لم يخافوا " (1).
أي من عدم حضور جماعة المخالفين حيث يقرب قريتهم مصر الجمعة،
صرحت بمغايرة إمام الجمعة لإمام الجماعة. وليس التغاير في مجرد القدرة على
الخطبة، لتلازم القدرة على الجماعة وعلى أقل الواجب من الخطبة غالبا، بل دائما
كما ذكرنا. فلم يبق إلا العصمة أو النيابة بالإجماع. ولو منع، فيحصل الإجمال في
الشرط، الموجب للإجمال في مخصص عمومات الجمعة، والعام المخصص
بالمجمل ليس بحجة.
ومنها: مرسلة الكافي: عن صلاة الجمعة [فقال]: " أما مع الإمام
فركعتان، وأما من يصلي وحده فهي أربع ركعات وإن صلوا جماعة " (2).
والتقريب ما تقدم، ومعنى قوله وحده أي: بدون الإمام.
ومنها: موثقة سماعة: عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: " أما مع الإمام
فركعتان، وأما من يصلي وحده في أربع ركعات بمنزلة الظهر. يعني إذا كان إمام
يخطب، وأما إذا لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات وإن صلوا جماعة " (3).
وجه الاستدلال: أن من المعلوم أن المراد بإمام يخطب ليس من كان مشتغلا
بالخطبة، بل من من شأنه ذلك، ولا يمكن أن يكون المراد شأنه بواسطة القدرة،
لما عرفت من التلازم، فلا يكون إلا باعتبار الصلاحية شرعا، وإطلاق مثل ذلك
شائع، وليس بعد القدرة وسائر ما يشترط في إمام الجماعة ما ينفي الصلوح إلا فقد

(1) التهذيب 3: 15 / 55، الإستبصار 1: 417 / 1599، قرب الإسناد: 69 / 619، الوسائل
7: 327 أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 1.
(2) لم نعثر عليها في الكافي وإنما الموجود فيه موثقة سماعة الآتية، وقال في الرياض 1: 184 وجواهر
الكلام 11: 160 إن تلك الموثقة وردت بنحو آخر في نسخة من الكافي، وأوردها أيضا في الوسائل
7: 314 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 8.
(3) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 4، التهذيب 3: 19 / 70، الوسائل 7: 310 أبواب صلاة
الجمعة و آدابها ب 5 ح 3.
21

العصمة أو النيابة، ولو لم نقل بذلك فلا أقل من حصول الإجمال، المستلزم
لوجوب الاقتصار على المتيقن.
ومنها: صحيحة زرارة الآتية: " إنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي
يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام، فمن صلى بقوم يوم الجمعة في غير
جماعة فليصلها أربعا كالظهر في سائر الأيام " (1).
أي في غير جماعة خاصة كما في شرح الروضة للهندي، أو في غير صلاة
الجمعة كما في الوافي (2)، فتكون في الجمعة جماعة معتبرة غير المعهودة، وليس إلا
مع الإمام، أو يكون مجملا.
ومنها: موثقة البقباق: " إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات،
فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر " (3).
والتقريب ما مر، مع أن في الإتيان بقوله. " لهم من يخطب " الدال على نوع
اختصاص دون: فيهم من يخطب، إشعارا بعدم شمول من يخطب لكل من يقدر
عليه.
ومنها: صحيحة محمد: عن أناس في قرية، هل يصلون الجمعة جماعة؟
قال: " نعم، يصلونها أربعا إذا لم يكن لهم من يخطب " (4).
وجه الاستدلال ما مر أيضا، هذا إذا جعلت لفظة " نعم " تصديقا لما قبلها
ويجعل جملة " يصلونها " مستأنفة، وأريد بالجمعة صلاة الجمعة. ولو جعلت
تصديقا لقوله: " يصلونها " بأن يراد بالجمعة الظهر دلت الرواية بتقريب آخر مر

(1) الكافي 3: 271 الصلاة ب 3 ح 1، الفقيه 1: 124 / 600، الوسائل 7: 312 أبواب صلاة
الجمعة وآدابها ب 6 ح 1.
(2) الوافي 8: 1121.
(3) التهذيب 3: 238 / 634، الإستبصار 1: 420 / 1614، الوسائل 7: 306 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 3 ح 2.
(4) التهذيب 3: 238 / 633، الإستبصار 1: 419 / 1613 بتفاوت يسير، الوسائل 7: 306 أبواب
صلاة الجمعة ب 3 ح 1.
22

أيضا، وهو دلالتها على مغايرة إمامي الجمعة والجماعة.
ومنها: رواية طلحة: " لا جمعة إلا في مصر تقام فيه الحدود " (1).
وليس ذلك إلا فيما كان فيه الإمام أو نائبه. وحمله على التقية لأجل اشتراط
المصر، مردود بأنه لأجل أن الإمام أو أميره لا يكون غالبا إلا فيه; على أن إرادة
مجتمع الناس عنه ممكنة، وكونه مجازا - لو سلم - لا يضر، لأولويته عن الحمل على
التقية.
ومنها: الأخبار المتكثرة المشترطة لصلاة الجمعة بالإمام، كموثقة سماعة،
وصحيحة زرارة، ومرسلة الكافي المتقدمة (2).
وصحيحة زرارة: " لا يكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من
خمسة رهط، الإمام وأربعة، (3).
والأخرى: " صلاة الجمعة فريضة، والاجتماع إليها فريضة مع الإمام " (4).
وصحيحة محمد: " تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين، ومعنى
ذلك إذا كان إمام عادل " (5).
والأخرى: " تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، ولا يجب على أقل
منهم: الإمام، وقاضيه، والمدعي حقا، والمدعى عليه، والشاهدان، والذي

(1) التهذيب 3: 239 / 639، الإستبصار 1: 420 / 1617، الوسائل 7: 307 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 3 ح 3.
(2) في ص 21 و 22.
(3) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 4، التهذيب 3: 240 / 640، الإستبصار 1:
419 / 1612، الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 2.
(4) المحاسن: 85 / 23، أمالي الصدوق: 392 / 13، الوسائل 7: 297 أبواب صلاة الجمعة وآدابها
ب 1 ح 8.
(5) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 2، التهذيب 3: 23 / 80، الإستبصار 1: 421 / 1620،
الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 7 ح 2; ولا يخفى أن ذيل الحديث غير مذكور في
الكافي والاستبصار، وإنما ذكر في التهذيب، ويحتمل قويا كونه من كلام الشيخ.
23

يضرب الحدود بين يدي الإمام " (1).
وصحيحة ابن عمار في قنوت الجمعة: " إذا كان إماما قنت في الركعة
الأولى، فإن كان يصلي أربعا ففي الركعة الثانية قبل الركوع " (2).
والمروي في رجال الكشي بسنده المتصل من أصحابنا الإمامية إلى النبي
صلى الله عليه وآله: " إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمعوا " (3).
دل بالمفهوم على نفي الجواز بدون الإمام، إلى غير ذلك.
دلت هذه الأخبار على اشتراط وجوب الجمعة بوجود الإمام، والمتبادر منه
حين أطلق: المعصوم، كما صرح به جماعة منهم التوني والخوانساري. ولذا ترى
جماعة من علماء العرب - منهم الفاضل في المنتهى (4) - قد حملوه عليه، وجماعة
أخرى كالعماني والسيد والشيخ والحلي أطلقوه (5) وأرادوا به إمام الأصل. ولذا لو
فرض وجود المعصوم في بلد فقال أحد: كان الإمام في بيتي، يتبادر هو قطعا، وأما
عدم التبادر حينئذ فللقرينة الحالية، ولذا لو قال أحد: رأيت الإمام في المنام يتبادر
المعصوم، انظر إلى أنه لو حكي عن زمان الظهور حكايات فقيل: قال الإمام وجاء
الإمام وذهب الإمام، لم يتبادر غير المعصوم.
والظاهر - كما صرح به بعضهم (6) - أن الإمام لا يطلق على غيره إلا
بالقرينة، فيقال: إمام المسجد، وإمام الصلاة، وإمام البلد، ولذا ترى يطلق على

(1) الفقيه 1: 267 / 1222، التهذيب 3: 20 / 75، الإستبصار 1: 418 / 1608، الوسائل 7:
305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 9.
(2) الكافي 3: 427 الصلاة ب 77 ح 2، التهذيب 3: 16 / 59، الإستبصار 1: 417 / 1603،
الوسائل 6: 270 أبواب القنوت ب 5 ح 1.
(3) رجال الكشي 1: 389 / 279 الوسائل 7: 306 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 11.
(4) المنتهى 1: 317.
(5) حكاه عن العماني في المختلف: 108، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى
3): 41، الشيخ في النهاية: 103، الحلي في السرائر 1: 303.
(6) كصاحب مفتاح الكرامة 3: 69.
24

الاثنا عشرية الإمامية، ولذا ورد في الأحاديث أن الإمام إمامان: إمام هدى وإمام
ضلالة (1).
وقد أريد منه ذلك في الأخبار بحيث يثبت منه تبادره عنه في تلك العهود،
كما في صحيحة محمد المتقدمة (2) حيث أطلقه وأراد به إمام الأصل بقرينة قوله
" وقاضيه ".
وفي رواية ابن سيابة: " وعلى الإمام أن يخرج المحبسين في الدين يوم الجمعة
إلى الجمعة، ويوم العيد إلى العيد، ويرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة ردهم إلى
السجن " (3).
وفي رواية الرقي: " إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام، حتى
يعرف " (4).
ورواية إسحاق: " إن الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام " (5).
وفي صحيحة ابن أبي العلاء: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: " لا " (6).
وفي رواية أبي حمزة: " لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت " (7).
وفي رواية أبي هراسة: " لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت
بأهلها " (8).
وفي رواية يونس: " لو لم يكن في الأرض إلا اثنان لكان الإمام أحدهما " (9).

(1) الكافي 1: 215 الحجة ب 25 ح 1.
(2) في ص 23.
(3) التهذيب 3: 285 / 852، الوسائل 7: 340 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 21 ح 1.
(4) الكافي 1: 177 الحجة ب 4 ح 1.
(5) الكافي 1: 178 الحجة ب 5 ح 2.
(6) الكافي 1: 178 الحجة ب 5 ح 1.
(7) الكافي 1: 179 الحجة ب 5 ح 10.
(8) الكافي 1: 179 الحجة ب 5 ح 12.
(9) الكافي 1: 180 الحجة ب 6 ح 5.
25

وفي الحديث المشهور: " من مات ولم يعرف إمام زمانه... " (1).
بل في الآية الشريفة: " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض
ونجعلهم أئمة " (2).
وقال في حق إبراهيم: " إني جاعلك للناس إماما " (3).
بل صرح بعض العلماء أن الإمام في مقابل الرعية.
سلمنا عدم تبادر مطلق الإمام، ولكن لا شك أن المراد من الإمام العادل
- المذكور في صحيحة محمد (4) - حيث يطلق في الأخبار هو إمام الأصل، كما لا
يخفى على المتتبع في الأخبار.
ففي التهذيب عن الباقر عليه السلام: فيمن قتل ناصبيا غضبا لله تعالى
[ولرسوله، أيقتل به؟] قال: " أما هؤلاء فيقتلونه، ولو رفع إلى إمام عادل لم يقتله
به " (5).
وفي الكافي والفقيه عن الصادق عليه السلام: في امرأة قتلت من قصدها
بحرام إنه: " ليس عليها شئ، وإن قدمت إلى إمام عادل هدر دمه " (6).
وفي الكافي عن الرسول صلى الله عليه وآله: " ساعة إمام عادل أفضل من
عبادة سبعين سنة، وحد يقام في أرضه أفضل من مطر أربعين صباحا " (7).

(1) المحاسن: 153 / 78.
(2) القصص: 5.
(3) البقرة: 124.
(4) راجع ص 23، الهامش رقم (5)، وقد ذكرنا أن جملة: " ومعنى ذلك إذا كان إمام عادل "
يحتمل كونها من كلام الشيخ في التهذيب.
(5) التهذيب 10: 213 / 843، الوسائل 29: 132 أبواب القصاص في النفس ب 68 ح 1. وما
بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(6) الكافي 7: 291 الديات ب 4 ح 2، الفقيه 4: 75 / 232، الوسائل 29: 61 أبواب القصاص
في النفس ب 23 ح 1.
(7) الكافي 7: 175 الحدود ب 1 ح 8، الوسائل 18: 12 أبواب مقدمات الحدود ب 1 ح 5.
26

وفي الكافي أيضا، عنه: " لا غزو إلا مع إمام عادل " (1).
وفي التهذيب في باب قتال أهل البغي، عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه
قال: " إن خرجوا على إمام عادل فقاتلوهم، وإن خرجوا على إمام جائر فلا
تقاتلوهم " (2).
وفي التهذيب في باب حد السرقة: " إذا سرق السارق من البيدر من إمام
جائر فلا قطع عليه، فإذا كان من إمام عادل عليه القطع " (3).
وفي المحاسن عن الباقر عليه السلام: " من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه
بلا إمام عادل فهو غير مقبول " (4).
وفي رواية ثواب زيارة الحسين عليه السلام: " من أتى الحسين عارفا بحقه "
إلى قوله: " وعشرين حجة مقبولة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عادل " (5).
وفي رواية أبي بصير: " إن الله أجل وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام
عادل " (6).
سلمنا عدم تبادر الإمام في إمام الأصل، ولكن لا شك في وجوب الحمل
عليه مع القرينة، وأي قرينة أقوى وأدل مما ذكر من فهم الأصحاب، والإجماعات
المنقولة متواترة، والأخبار المتقدمة الظاهرة أو المشعرة بذلك، وسائر ما تقدم.
مع أن قوله في صحيحة محمد: " الإمام وقاضيه " صريح في إمام الأصل،
وهذه الصحيحة بنفسها كافية في إثبات المطلوب. ولا يضر اشتمالها على غير الإمام
ممن لا نقول باشتراطه; لأن خروج بعض الحديث بدليل عن ظاهره أو الحجية لا

(1) الكافي 5: 20 الجهاد ب 5 ح 1، الوسائل 15: 43 أبواب جهاد العدو وما يناسبه ب 10 ح 2.
(2) التهذيب 6: 145 / 252، الوسائل 15: 80 أبواب جهاد العدو وما يناسبه ب 26 ح 3.
(3) التهذيب 10: 628 / 510، الوسائل 28: 289 أبواب حد السرقة ب 24 ح 5.
(4) المحاسن: 92 / 47.
(5) الكافي 4: 580 الحج ب 20 ح 1، الفقيه 2: 346 / 1586، التهذيب 6: 46 / 101،
الوسائل 14: 459 أبواب المزار وما يناسبه ب 49 ح 1.
(6) الكافي 1: 178 الحجة ب 5 ح 6.
27

يوجب خروج الباقي. مع أن المحكي عن صاحب نوادر الحكمة والفقيه والهداية
الفتوى بمضمون الجميع (1).
سلمنا عدم القرينة، فيكون الإمام مجملا، فيجب الاقتصار فيه على
المتيقن، مضافا إلى أنه بعد الإجمال - فحيث خص وجوب الجمعة به - تخرج أخبار
الوجوب في غير موضع الإجماع عن الحجية.
فإن قيل: لا إجمال فيه، بل المراد منه من يقتدى به ويتبع أو يقصد، وهذا
أمر معلوم.
قلنا: من أين علم انحصار معناه في ذلك لغة حتى يجب الأخذ به فيما لا
قرينة فيه، والأصل يجزي لو لم يعلم استعماله في غير ذلك المعنى أيضا، مع العلم
بالوضع لذلك، وقد فسره في القاموس بمعان، منها: قيم الأمر المصلح له،
والنبي، والخليفة، والدليل (2)، وقد فسر اللغويون الأم بالأصل (3)، فيمكن أن
يكون مأخوذا منه.
سلمنا، ولكن لا شك أنه لم يوضع لكل متبع ومقصود ولو لأمر سهل، كمن
قصد رؤيته أو التكلم معه، أو من يتبع ويقتدى به في جلوس في مكان، أو التكلم
بكلام ونحو ذلك; بل يلزم فيه شئ آخر إما اتباع أكثري بل مع وجوبه، أو غير
ذلك، فمن أين ثبت إطلاقه حقيقة في عهد المعصومين على من يتبع في ركوع
وسجود وتسليم؟.
فإن قيل: استعمل لفظ الإمام في الأخبار في إمام الأصل والجماعة،
والأصل عدم التجوز، فيكون للقدر المشترك.
قلنا. فيكون مجازا في الخصوصيات مع استعماله فيها، فالتجوز لازم على
ذلك أيضا، وهذا ليس بأولى من التجوز في إمام الجماعة خاصة.

(1) الفقيه 1: 267 / 1222، الهداية: 34.
(2) القاموس المحيط 4: 78.
(3) انظر: القاموس المحيط 4: 77، ومجمع البحرين 6: 9، وأقرب الموارد 1: 19.
28

ومنها: المروي في العلل والعيون: فإن قال قائل: فلم صارت الجمعة إذا
كان مع الإمام ركعتين وإذا كان بغير إمام ركعتين وركعتين؟ قيل: لعلل شتى
- إلى أن قال -: ومنها أن الصلاة مع الإمام أتم وأكمل، لعلمه وفقهه وفضله وعدله
- إلى أن قال -: فإن قال قائل. فلم جعلت الخطبة؟ قيل: لأن الجمعة مشهد
عام، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم، وترغيبهم في الطاعة، وترهيبهم
عن المعصية، وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد
عليهم من الآفاق - إلى أن قال -: وليس بفاعل غيره ممن يؤم الناس في غير يوم
الجمعة. فإن قال: فلم جعلت خطبتين؟ - إلى أن قال -: والأخرى للحوائج
والأعذار والإنذار والدعاء وما يريد به أن يعلمهم من أمره ونهيه ما فيه الصلاح
والفساد (1).
جعل عليه السلام أولا علة الركعتين علم الإمام وفقهه وفضله، وظاهر أن
مجرد كونه كذلك في بعض الأوقات لا يصلح علة للسقوط دائما، فلا بد من
اشتراط هذه الأوصاف في الإمام، ولا يشترط في إمام الجماعة اتفاقا، فيكون إمام
الجمعة غيره، فهو إما الفقيه أو إمام الأصل، لعدم الفصل، ثم بملاحظة ما يلحقه
من الكلام يتعين الثاني.
وثانيا علة الخطبة حصول سبب للأمير، وليس هو إلا الإمام أو نائبه
الخاص، ثم قال: " وتوقيفهم على ما أراد " وليس هذا شأن كل إمام جماعة. ثم
قال: " وليس بفاعل غيره " ثم قال: " وما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه ".
وإثبات شئ من العلم والفقه والفضل لكل إمام جماعة - مع أنه ممنوع -
يجعل العلة لغوا.
وكون العلل الشرعية معرفات إنما هي في الأدلة والأسباب، دون ما يعلل
به الأحكام، فإن الأصل فيها العلية الحقيقية التامة.

(1) العلل: 264، العيون 2: 109، الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 3 و 39
ب 25 ح 6.
29

وتعميم الأمير لكل من يصلح لأمر ولو للأمر بالمعروف، خلاف الظاهر،
بل هو جدا بارد.
وضعف بعض هذه الأخبار - لو سلم - بما مر مجبور.
وهنا أمور أخر، كل منها يؤيد المطلوب قويا، بل باجتماعها يحصل العلم به،
كعبارة الصحيفة السجادية في دعاء الجمعة والأضحى (1).
وما روي عن أهل البيت عليهم السلام: " أن في كل جمعة وعيد يتجدد
حزن لآل محمد صلى الله عليه وآله، لأنهم يرون حقهم في يد غيرهم " (2).
فإنه لولا أن صلاة اليومين من حق الإمام فأي حق يرى في اليومين لا يرى
في غيرهما من الأيام. وتداول إبراز الأمراء عظمتهم وشوكتهم فيهما لا يفيد; لأن
الشوكة ليست حقا لشخص، مع أنها ترى في سائر الأيام أيضا.
فذلك صريح في المطلوب، إلا أنه لما كان المروي في التهذيب بدون لفظ
الجمعة، وإنما روي معه في طائفة من كتب الأصحاب جعلناه مؤيدا.
والنبويين (3): أحدهما: " أربع إلى الولاة: الفئ، والحدود، والجمعة،
والصدقات " والآخر: " إن الجمعة والحكومة لإمام المسلمين ".
واستمرار عمل النبي والولي وغيرهما من المتمكنين في تعيين إمام الجمعة.
وصحيحة زرارة: حثنا أبو عبد الله عليه السلام على صلاة الجمعة حتى
ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: " لا، إنما عنيت عندكم " (4).
وموثقة عبد الملك: قال: " مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله تعالى "

(1) وهي: " اللهم إن هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي
اختصصتهم بها، قد ابتزوها.... ".
(2) التهذيب 3: 289 / 870، الوسائل 7: 475 أبواب صلاة العيد ب 31 ح 1.
(3) لم نجدهما في الكتب الحديثية التي بأيدينا، وأورد النبوي الأول في المنتهى 1: 317 عن الجمهور،
وأوردهما في الرياض 1: 183 معبرا عنهما بالنبويين المشهورين.
(4) التهذيب 3: 239 / 635، الإستبصار 1: 420 / 1615، الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 5 ح 1.
30

فقلت.: كيف أصنع؟ قال: " صلوا جماعة، يعني صلاة الجمعة " (1).
دلتا على ترك زرارة وعبد الملك لها، ومثلهما لا يتركان الفريضة الكذائية لولا
لها شرط لم يتمكنا منه، سيما مع قراءتهما سورة الجمعة، ورواية زرارة أكثر أخبار
وجوبها. ولا يمكن أن يكون تركهما للتقية; لأنها إن أمكن لهما بدونها فلا معنى
للتقية، وإلا فلا معنى للحث على ترك التقية.
مع أن في قول زرارة: حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه، دلالة واضحة على
المطلوب، إذ لولا أنها منصبه لما كان لذلك الظن وقوله: " نغدو عليك " وجه، بل
كان المناسب أن يقول: حتى ظننت أنه يجوز فعلها عقيب الفاسق أيضا.
وأظهر منه قول عبد الملك: فكيف أصنع، حيث تحير واضطرب، ولولا
اشتراط إذن الإمام لم يكن لذلك وجه. وظاهر أنه لم يكن مراده كيف أصنع مع
وجود التقية، إذ لم يكن جوابه حينئذ " صلوا جماعة ".
وحسنة محمد وزرارة: " تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين " (2).
ونحوها حسنة محمد، وزاد فيها: " فإن زاد على ذلك فليس عليه شئ " (3).
وغيرهما مما دل على أنها لا تجب على من كان بينه وبينها أزيد من فرسخين;
فإنه لولا كون الجمعة منصب شخص معين لم يكن لها موضع معين، ولم يكن
لنفي وجوبها عمن بعد عنها بالزائد عن الفرسخين على الإطلاق وجه.
وأيضا: من الأمور البديهية وقوع الاختلاف بين الفقهاء في نفس العدالة،
وموجباتها، ونواقضها، والكبائر، وأصالة الفسق والعدالة، بحيث لا يكاد يتحقق
فقيهان متفقان في جميع ذلك. ولا شك أن الفاقد للمرتبة العليا فاسق عند المشترط

(1) التهذيب 3: 239 / 638، الإستبصار 1: 420 / 1616، الوسائل 7: 310 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 5 ح 2.
(2) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 2، التهذيب 3: 240 / 643، الإستبصار 1:
421 / 1620، الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 4 ح 5.
(3) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 3، التهذيب 3: 240 / 641، الإستبصار 1:
421 / 1619، الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 4 ح 6.
31

لها في العدالة، والأغلب في البلاد سيما الكبيرة وما حواها وجود فقهاء كثيرة، ولا
أقل من فقيهين، أو وجود مقلدي فقهاء أخر.
وعلى هذا فنقول: لو لم يشترط الإمام، ووجب عينا على الأعيان، فلا يخلو
إما يجب على الجميع الائتمام بواحد، ولو كان فاسقا عنده، أولا.
والأول باطل.
وعلى الثاني فإما يجب على الجميع الائتمام بصاحب المرتبة العليا، أولا.
والأول فاسد; للإجماع القطعي على عدم اشتراط ذلك الشرط.
وعلى الثاني فإما تجب على كل إقامة جمعة مع مقلديه، أو مع من يقلد
مجتهده في بلد واحد، أولا.
والأول غير جائز اجماعا، وكذا الثاني; للإجماع على عدم الاشتراط بعدم
إقامة جمعة ممن ليس هو بعادل عنده، فلم يبق إلا انتفاء الوجوب العيني.
ولو قلنا بعدم جواز ائتمام المجتهد أو مقلده بمجتهد آخر أو مقلده،
المخالف له في بعض مسائل الصلاة - كما اختاره بعضهم - سيما مع ظهور أنه لا
يتفق مجتهدان متفقان في جميع مسائل الصلاة ومقدماتها، يصير المحذور أشد،
والمطلوب أوضح.
وأيضا: من البديهيات وجود عدول عديدة صالحين لإمامة الجماعة والخطبة
في أكثر البلاد وما يقربها إلى فرسخين، حتى نشاهد إقامة قريب من مائة صلاة
الجماعة في المدن الكبيرة وقراها.
وعلى هذا فنقول: لو وجبت الجمعة عينا، ولم تكن منصبا لمعين يجب على
الكل الحضور إلى جمعته، فإما أن يكون بناء أحد هؤلاء العدول على إمامة
الجمعة، أم لا.
فعلى الأول إما يجب على الباقين الحضور إلى جماعته، أم لا.
والأول باطل قطعا; ضرورة عدم دليل على أن إرادة واحد لها وبناءه يوجب
تعيينه وعدم جواز إمامة غيره ممن هو مثله.
32

وعلى الثاني - وكذا على عدم بناء واحد منهم على الإمامة - إما لا يجب عليهم
تعيين إمام لها قبل الزوال، أو يجب.
والأول باطل; لأنه إذا لم يجب عليهم ذلك، فإذا دخل الزوال إما تجب
إمامة الجمعة على كل هؤلاء العدول، أو على واحد مع عدم امكان درك الجميع
جمعته من رأس الفرسخين أو الفرسخ، بل الأقل أيضا سيما مع عدم الاطلاع
والقسمان باطلان.
وعلى الثاني، أي وجوب التعيين قبل الزوال - فمع عدم دليل عليه،
واستلزامه مفاسد لو اختلفوا في التعيين، ولا دليل على ما يرفع شيئا منها - إما
يجتمعون على تعيين واحد، أو لا، بل يتركون ذلك الواجب.
فعلى الأول إما لا يتعين شرعا بهذا التعيين، أو يتعين.
والأول باطل; لاستلزامه انتفاء فائدة وجوب التعيين، بل عود المحذورات
اللازمة على عدم وجوب التعيين.
وإن تعين شرعا فإما لا تبطل جمعة غيره لو شرع فيها بعد التعيين، أو
تبطل.
والأول ينفي فائدة وجوب التعيين، وتعود المحذورات، والثاني يوجب زيادة
شرط في إمام الجمعة لم يقل به أحد.
وإن لم يجتمعوا على التعيين حتى دخل الزوال، فإما تجوز لكل منهم إقامة
الجمعة، أو لواحد منهم.
والقسمان باطلان كما مر.
فلم يبق إلا عدم وجوب الجمعة إلا مع من عينه الله سبحانه.
وأيضا: من الضروريات اشتراط العدالة في إمام الجمعة، وعلى هذا فإما
يجب على كل من في البلد وما دون الفرسخ من القرى تحصيل العلم بعدالة واحد
معين شرعا، أو لا.
والأول باطل، سيما في المدن الكبيرة الكثيرة القرى، كإصبهان وشام
33

وقسطنطينية ونحوها; إذ حصول ذلك ليس اختياريا، سيما مع اختلاف العلماء في
العدالة ومنافياتها، فالتكليف به تكليف بغير الاختياري.
. فتعين الثاني، وحينئذ فإذا لم تظهر عدالة الإمام لجماعة بل للأكثر، كما هو
الأغلب، فإما تجب عليهم إقامة جمعة أخرى، أو تسقط الجمعة عنهم.
والقسمان باطلان، أما الأول، فللزوم إقامة جمعتين فيما دون فرسخ، بل في
مسجد وهو باطل، سيما مع عدم العلم ببطلان جمعة أخرى، وأما الثاني فظاهر.
فإن قيل: يجب عليهم الخروج إلى ما فوق الفرسخ.
قلنا - مع أنه لا دليل عليه، وأنه في الأكثر يورث الفتنة -: قد لا يمكن
الخروج لحر أو برد أو خوف، أو تقام الجمعة أيضا من مجهول لهؤلاء فيما فوق
الفرسخ، أو لم ييأسوا من ظهور عدالة الأول إلى أول الزوال، أو لم يعين الإمام
إلا حينئذ، مع أن اجتماع جميع هؤلاء على واحد أيضا قد لا يتيسر، فيلزم خروج
جماعات إلى أطراف، إلى غير ذلك من المفاسد. فيلزم أن يكون منصب إمامة
الجمعة معينا من جانب الله سبحانه.
والإنصاف أن هذه الوجوه من الأدلة القوية على نفي الوجوب العيني في زمن
الغيبة.
ومما يؤكد نفيه: أنه كان النبي والخلفاء بعده يعينون لصلاة الجمعة، كما
كانوا يعينون للإمارة والحكومة.
ومما يؤكده أيضا: كثرة الأخبار الدالة على الوجوب بزعم الموجبين، مع
ذهاب أكثر المتقدمين والمتأخرين إلى نفيه، وعدم العمل بها مع اطلاعهم على هذه
الأحاديث.
وأيضا: يحكم العرف والعادة بأن صلاة الجمعة لو كانت واجبة كصلاة
العصر، وسائر الصلوات اليومية لشاع ذلك، بحيث لا يشك فيه أحد، بل صار
من الضروريات كسائر الصلوات، ولم يكن بهذه المثابة حتى أنه لم يفعلها من
العلماء الإمامية في قريب من ألف سنة إلى زمن الشهيد الثاني، ولم يشتهر وجوبها،
34

بل ذهب كثير منهم إلى حرمتها.
فإن قيل: لعل التقية كانت مانعة.
قلنا: هل التقية فيه كانت أشد منها في أمر المتعة؟ مع كونها مستحبة، ومع
ذلك صار ضروريا. وكذا مسح الرجلين، والسجود على الأرض، وعدم جواز
التكفير، إلى غير ذلك.
احتج المثبتون للوجوب العيني بوجوه:
الأول: الآية. وقد عرفت عدم دلالتها (1)
والثاني: الاستصحاب، فإن الجمعة كانت واجبة في زمن النبي صلى الله
عليه وآله وخلفائه فيستصحب.
ويرد أولا: بمعارضته باستصحاب وجوب الظهر وعدم وجوب الجمعة،
فإن قبل إيجاب الجمعة كان الظهر واجبا، والجمعة غير واجبة، فإنه علم انتفاء
لأول وثبوت الثاني إلى زمان تمكن المعصوم، ولم يعلم فيما بعده، فيستصحب
وجوب الأول وعدم وجوب الثاني.
وثانيا: بمعارضته باستصحاب وجوب الظهر في زمان نزول الجمعة على من
لم يتمكن من حضور جمعة المعصوم.
فإن قلت: لا ينافي ذلك عند من يشترط المعصوم في عهده لكل أحد، ولو
لم يتمكن الحضور إلى جمعته.
قلنا: فيسقط استصحابك رأسا; إذ على هذا يكون الاشتراط في عهده
مسلما، ولا يجري الاستصحاب في الواجب المشروط.
وثالثا: بأن الأصل في الواجب ما دام الوصف كونه بشرطه، فلا يجري
الاستصحاب. إلا أن تمامية ذلك إنما هي على ما يأتي من عدم تمامية دلالة الظواهر
على وجوب الجمعة مطلقا. وإلا فلا يتم; لأن الواجب ما دام الوصف لو ثبت

(1) راجع ص 9
35

بالإطلاق، فالأصل فيه ليس كونه بشرطه.
ورابعا: بانتفاء الاستصحاب بما مر من الأدلة على الاشتراط.
وقد يجاب عن الاستصحاب أيضا: بتغير الموضوع، فإن موضوع الوجوب
الموجودون في زمانهم، والنزاع في غيرهم.
ويضعف: بفرض الكلام في شخص واحد مدرك للزمانين، ويتم المطلوب
بالإجماع المركب.
الثالث: أصل عدم اشتراط المعصوم، فإنه لا خلاف في اشتراط إمام
الجماعة، والشك في اشتراط الزائد، فينفي بالأصل.
وجوابه أولا: أنه إن أريد إجراء الأصل من دون ملاحظة ما يدعيه من
إطلاقات وجوب الجمعة الآتية، فالأصل مع الاشتراط; لأصالة عدم الوجوب
بدون الشرط.
وإن أريد إجراؤه بملاحظة الإطلاقات، فهو إنما يتم إن تمت دلالتها على
وجوب صلاة الجمعة مطلقا، ثم على ثبوت أن صلاة الجمعة صادقة على ما يقتدى
فيه بغير إمام الأصل، وسيأتي عدم التمامية.
وثانيا: أن الأصل إنما يعمل به إذا لم يكن هناك دليل يخرج عنه، وإنا قد
بينا الدليل على اشتراط إمام الأصل أو نائبه، ولو منع صراحة ما مر فيه فغايته
الإجمال، وبه تخرج مطلقات وجوب الجمعة عن الحجية.
سلمنا حجية المخصص بالمجمل، ولازمه حجية مطلقات الظهر أيضا،
كالمروي في الكافي في باب التفويض: إن الرسول زاد ركعتين في الظهر والعصر
والعشاء، فلا يجوز تركهن إلا في سفر، ولم يرخص رسول الله لأحد تقصير
الركعتين اللتين ضمهما، بل ألزمهم إلزاما واجبا، ولم يرخص لأحد في شئ من
ذلك إلا للمسافر (1).
وصحيحة زرارة: " عشر ركعات: ركعتان من الظهر، وركعتان من

(1) الكافي 1: 266 الحجة ب 52 ح 4.
36

العصر، وركعتا الصبح، وركعتا المغرب، وركعتا العشاء الآخرة، لا يجوز الوهم
فيهن " - إلى أن قال -: " وهي الصلاة التي قرضها الله على المؤمنين في القرآن، وفوض
إلى محمد صل الله عليه وآله، فزاد النبي في الصلاة سبع ركعات " (1).
وموثقة سماعة: " إذا زالت الشمس فصل ثماني ركعات، ثم صل الفريضة
أربعا، فإذا فرغت من سبحتك، قصرت أو طولت، فصل العصر " (2).
وصحيحة محمد بن أحمد: " إذا زالت الشمس، فقد دخل وقت الصلاة،
وبين يديها سبحة، وهي ثمان ركعات، فإن شئت طولت وإن شئت قصرت، ثم
صل الظهر " (3) إلى غير ذلك.
فتتعارضان بالعموم من وجه، ويرجع في مورد التعارض إلى التخيير.
الرابع: الروايات العديدة: كصحيحة زرارة: (فرض الله تعالى على الناس
من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة، منها صلاة [واحدة]، (4) فرضها الله
عز وجل في جماعة، وهي الجمعة " (5).
وصحيحة أبي بصير ومحمد: " إن الله فرض في كل سبعة أيام خمسا وثلاثين
صلاة، منها صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة، (6).
وأخرى لزرارة: على من تجب الجمعة؟ قال: " على سبعة نفر من المسلمين،
ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين، أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة ولم

(1) الكافي 3: 273 الصلاة ب 3 ح 7، الوسائل 4: 49 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح
12.
(2) التهذيب 2: 245 / 976، الإستبصار 1: 249 / 895، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5
ح 11.
(3) التهذيب 2: 249 / 990، الإستبصار 1: 254 / 913، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5
ح 13.
(4) في النسخ: واجبة، وما أثبتناه موافق للمصادر.
(5) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 6، الفقيه 1: 266 / 1217، التهذيب 3: 21 / 77،
الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 1.
(6) الكافي 3: 418 الصلاة ب 73 ح 1، الوسائل 7: 299 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 14.
37

يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم " (1).
وثالثة له قد تقدمت (2): " لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل
من خمسة رهط: الإمام وأربعة ".
ورابعة له قد تقدمت أيضا (3): " صلاة الجمعة فريضة، والاجتماع إليها
فريضة مع الإمام، فإن ترك رجل ثلاث. جمع من غير علة فقد ترك ثلاث
فرائض ".
وصحيحة منصور: " يجمع القوم إذا كانوا خمسة فما زاد " - إلى أن قال -:
" الجمعة واجبة على كل أحد، ولا يعذر الناس فيها إلا خمسة " (4).
وصحيحة زرارة أيضا: " الجمعة واجبة على من إن صلى الغداة في أهله
أدرك الجمعة " (5).
وصحيحة عمر بن يزيد: " إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة،
وليلبس البرد والعمامة " (6).
وصحيحة أخرى لأبي بصير ومحمد: " من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات
طبع الله على قلبه " (7)
وقريبة منها روايات أخر.

(1) الفقيه 1: 267 / 1218، الوسائل 7: 304 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 4.
(2) في ص 23.
(3) في ص 23.
(4) التهذيب 3: 239 / 636، الإستبصار 1: 419 / 1610، الوسائل 7: 304 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 2 ح 7.
(5) التهذيب 3: 240 / 642، الإستبصار 1: 421 / 1621، الوسائل 7: 307 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 4 ح 1.
(6) التهذيب 3: 245 / 664، الإستبصار 1: 418 / 1607، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 24 ح 2.
(7) التهذيب 3: 238 / 632، المحاسن: 85 / 22، الوسائل 7: 299 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب
1 ح 15.
38

والنبوي المروي في بعض الكتب: " كتب عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى
يوم القيامة " (1).
والآخر: " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على
قلوبهم " (2).
والثالث خطبته عليه السلام: " إن الله فرض عليكم الجمعة، فمن تركها
في حياتي أو بعد مماتي وله إمام عادل، استخفافا بها أو جحودا لها، فلا جمع الله
شمله، ولا بارك له في أمره " (3) الحديث.
وصحيحة محمد المتقدمة: " تجب الجمعة على من كان منها على رأس
فرسخين، ومعنى ذلك إذا كان إمام عادل " (4).
وصحيحة زرارة السابقة أيضا، المصدرة بقوله: حثنا أبو
عبد الله...) (5)
وموثقات البقباق، وسماعة، وعبد الملك المتقدمة جميعا (6)، وغير ذلك مما
هو بمضمون ما مر أو قريب منه.
والجواب عنها - مع أن بعض هذه الأخبار خطاب مشافهة، ولا يثبت
العموم فيها - إما بالخصوص أو الكلية.
أما الأول: فأما عن الأولى: فبعدم دلالتها على أزيد من أن بعضا من
الخمسة والثلاثين الواجبة من الجمعة إلى الجمعة صلاة الجمعة، وهو أعم من أن
يكون واحدا منها، أو فردا من واحد، فإنه إذا كانت الجمعة واجبة في بعض

(1) المعتبر 2: 277، الوسائل 7: 301 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 22، وقريب منه في كنز
العمال 7: 721 / 21092.
(2) صحيح مسلم 2: 591 / 865.
(3) سنن ابن ماجة 1: 343 / 1081.
(4) راجع ص 23.
(5) راجع ص 30.
(6) راجع ص 22، 21، 31.
39

الأوقات، والظهر في بعض، أو الأول على بعض الأشخاص - كما في زمن الغيبة
على من يحضر عند الإمام الغائب من أولاده وأصحابه - والثاني على بعض آخر،
فلا محالة تكون الجمعة بعضا من الخمسة والثلاثين.
ولو لم تصدق البعضية على مثل ذلك، لم تصدق على صلاة الجمعة أصلا;
لعدم وجوبها في شئ من الأزمنة على قرية ليس فيها من لا يصلح للإمامة، أو
طائفة كذلك، ولا على المرأة والمسافر، والمملوك والمريض وغير ذلك.
والحاصل: أنا نسلم وجوب الخمسة والثلاثين صلاة في كل جمعة إلى
الجمعة على الناس، وأن بعضا منها صلاة واجبة تجب فيها الجماعة، ولكن لا نسلم
أن هذا البعض واجب على الكل; لصدق البعضية بوجوبه (1) في الجملة.
بل لا يمكن أن يراد أنه واجب على الكل; ضرورة عدم وجوبه على كثير
من الناس. ولا يمكن أن يقال: خرج ما خرج بالدليل; لأن هذا إنما هو على
تقدير وجود لفظ عام، كأن يقول: منها صلاة واجبة على الكل، وليس كذلك،
بل يجب التقدير، فلا يقدر إلا ما علم وجوب تقديره، فمن أين يقدر ما يعم فاقد
الإمام أيضا؟.
مع أن في كثير من النسخ هكذا: " فرض الله تعالى على أولئك الناس " وعلى
هذا، فيسقط الاستدلال رأسا; لجواز أن يكون إشارة إلى أهل زمانه عليه
السلام.
وأما عن الثانية: فبأنا نسلم أن بعضا من الخمسة والثلاثين مما يجب على
كل مسلم أن يشهدها ويحضرها، ولكن بين لنا ذلك البعض، هل هو الركعتان
الصادرتان من مطلق إمام الجماعة، أو من إمام الأصل؟.
ووجوبه على كل مسلم لا يدل إلا على وجوبه عليهم عند تحقق شرائطه،
ألا ترى أنه يصح أن يقال: إن الصلوات الواجبة كثيرة، منها ما يجب على كل

(1) في " ق ": بوقوعه.
40

مسلم، وهو صلاة الزلزلة، مع أنه قد لا تتحقق الزلزلة في مائة سنة إلا مرة
واحدة، ولا تقع في بعض الأصقاع أصلا.
مع أن قوله: " كل مسلم " متعلق بقوله: " أن يشهدها " والشهود يتوقف على
التحقق، فالمعنى: يجب على كل مسلم أن يشهدها لو تحققت. ولا نزاع في ذلك.
وتفسير " يشهدها " بأن يفعلها خلاف الحقيقة.
وأما عن الثالثة والرابعة والخامسة: فبتعليق الوجوب فيها على الإمام وهو
لو لم يكن ظاهرا في إمام الأصل، يكون محتملا له قطعا، فلا يعلم الوجوب
بدونه.
ولا يفيد إطلاق البعض في قوله: " أمهم بعضهم " في أولاها; إذ ظاهر أن
الإضافة فيه للعهد، إذ هذا البعض هو الإمام الذي ذكره بقوله: " أحدهم الإمام "
مضافا إلى احتمال كون الذيل من كلام الصدوق.
مع أن ما يدل على الوجوب في الأولى وهو قوله: " على سبعة نفر " لا عموم
فيه، وما فيه العموم وهو قوله: " فإذا اجتمع... " لا دلالة فيه على الوجوب.
وفي الثانية لا دلالة إلا على نفي الوجوب على الأقل من خمسة، وأما
الوجوب على كل خمسة فلا.
وأما عن السادسة: فبعدم دلالة صدرها على وجوب أصلا; لخلوه عن
الدال عليه، مع ما فيه من إجمال التجميع، لما يأتي.
وأما ذيلها فلم يوجب إلا الجمعة، وهي حقيقة في اليوم المعهود مجاز في
غيره، والمعنى المجازي المراد له عليه السلام غير معلوم لنا، فكما يمكن أن يكون
الركعتين مع إمام الجماعة، يمكن أن يكون ما كان مع إمام الأصل، أو ما كان
يصلى في زمان الظهور، وهو ما كان مع الخلفاء والولاة. وظهورها في هذا الزمان
في مطلق صلاة الجمعة - لو سلم - لا يفيد; لأصالة عدم الظهور في زمان
الصدور.
ومنه يظهر الجواب عن السابعة أيضا، مضافا إلى أن الوجوب فيها غير باق
41

على معناه الحقيقي; ضرورة عدم الوجوب على كل من إن صلى الغداة في أهله
أدرك الجمعة.
وتخصيص الوجوب بمن كان على أقل من فرسخين، ليس أولى من التجوز
في الوجوب، مع أنه لا يلائم تتمة الحديث حيث قال عليه السلام: " وكان رسول
الله صلى الله عليه وآله إنما يصلي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا
الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله رجعوا إلى رحالهم قبل الليل ".
فإن مع التخصيص المذكور لم يكن الرجوع موقوفا على التأخير.
وأما عن الثامنة: فبعدم عموم فيها أصلا; لعدم تعين المرجع في قوله:
" كانوا " و " ليلبس " عندنا، فلعله كان من فيهم إمام الأصل، وإرجاعه إلى
المسلمين أو الناس لا دليل عليه، مضافا إلى أن عطف ما ليس بواجب قطعا على
قوله " فليصلوا " يوهن في وجوبه أيضا.
وأما عن التاسعة وما بمعناها: مع ضعف أكثرها سندا، فبعدم الدلالة على
الوجوب أصلا; إذ قد تحصل من ارتكاب المكروه أو ترك المستحب كدرة في القلب
أيضا، ولذا ورد أشد من ذلك في ترك بعض المستحبات أيضا، سيما مع أنه رتب
الطبع وما بمعناه على ترك ثلاث جمع المتصفة بالمتوالية، وسيما مع التقييد في بعض
تلك الروايات بتركها تهاونا بها.
مضافا إلى أن إرادة الركعتين مع الخطبتين من لفظ الجمعة - الحقيقة في اليوم -
غير معلومة بل إرادتهما مع صدورهما عن الإمام ممكنة، بل يمكن أن يكون المراد
غسل الجمعة أيضا.
ومنه يظهر الجواب عن العاشرة والحادية عشرة، مع أنهما خاليتان عن
العموم جدا، بل ذكر الودع في الثانية صريح في حصوله، فهو مخصوص بأيام
حياته.
وعن الثانية عشرة: مع ما مر، أن فيه قيد الإمام العادل، وقد عرفت ظهوره
في المعصوم، وقيد الاستخفاف والجحود، وهو مسلم.
42

وأما عن الثالثة عشرة: فبما مر أيضا، من قيد الإمام العادل.
وأما عن البواقي: فبأنها على نفي الوجوب أدل، ولذا النافي له بها استدل،
كما مر في دليل القول الأول.
مع أن شيئا منها لا يدل على الوجوب على الجميع:
أما، الثلاثة الأولى، فلخلوها عن لفظ الوجوب، أو الأمر الدال عليه، بل
أولاها متضمنة، للفظ " الحث " الظاهر في الاستحباب.
وأما الأخيرة، فلعدم دلالتها على عموم الوجوب، فلعله على من كان
يتمكن من الائتمام بإمام الأصل، أو الاستئذان منه.
ومما ذكر يظهر الجواب عن سائر ما لم يذكر أيضا، فإنها بين ضعيفة وخالية
عن الدال على الواجب أو عمن تجب عليه، ومتضمنة للفظ الجمعة المحتملة لأن
يكون تجوزها ما وقع مع الإمام أو نائبه لا ونحو ذلك.
وأما الثاني - أي: الجواب عن الجميع كليا - فتارة بعدم حجية شئ منها
على فرض الدلالة; لمخالفتها الشهرة القديمة الموجبة لخروجها عن الحجية.
وأخرى: بخروجها عن الحجية لتخصيصها بما مر من الأخبار الدالة على
اشتراط الإمام، أو من يخطب زائدا على من يصلح للجماعة، وقد عرفت احتمالهما
لإمام الأصل لولا تعينهما له، والمخصص بالمجمل ليس بحجة في مقام الإجمال
قطعا، فيعمل فيه بأصالة عدم الوجوب.
وثالثة: بعدم إفادتها لمطلوبهم; إذ غايتها وجوب صلاة الجمعة (على كل
أحد) (1) عينا وهو مما لا شك فيه، وإنما الكلام في صلاة الجمعة إنها ما هي؟.
والخصم يقول: إنها ما وقع مع الإمام، أو بإذنه، ولا تفيد هذه الأخبار في
رده.
أما على القول بكون العبادات أسامي للصحيحة فظاهر.
وأما على القول بالأعم فبعد بيان مقدمة، هي:

(1) ما بين القوسين يوجد في " ح " فقط.
43

أن أجزاء العبادات على القول بكونها أسامي للأعم على قسمين: ما يعلم
انتفاء المسمى بانتفائه قطعا، كالركوع والسجود بالنسبة إلى الصلاة، وما يعلم
عدم انتفائه بانتفائه كذلك، كذكر الركوع.
وقد يكون هنا قسم ثالث، وهو: ما يشك في كونه مما ينتفي المسمى بانتفائه
أم لا، كما إذا لم ينضبط المعنى العرفي في لفظ في زمان، أو انضبط فيه وشك في
معناه في الزمان السابق ولم تجر أصالة الاتحاد، كما في ما نحن فيه على القول بعدم
ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ صلاة الجمعة، لو سلم فيها الحقيقة المتشرعة في
هذا الزمان في الأعم مما كان مع الإمام.
فما كان من القسمين الأولين فحكمه ظاهر.
وما كان من الثالث فتجري فيه أصالة عدم الجزئية بواسطة أصالة عدم
الوجوب إن لم يكن موقوفا عليه لوجوب سائر الأجزاء، وأصالة الجزئية بواسطة
أصالة عدم وجوب السائر بدونه إن كان موقوفا عليه له، كما في ما نحن فيه.
والحاصل: أن الوضع للأعم إنما هو في ما إذا لم يكن الجزء مما احتمل كونه
سببا للتسمية، وأما معه فلا.
ألا ترى أنه إذا وضع اسم لعبد، ثم تغير لون العبد، واصفر بعد الحمرة،
لا يتغير الموضوع له؟ بخلاف ما إذا وضع لفظ لعبد أحمر من جهة أنه أحمر، فلا
يطلق اللفظ بعد زوال الحمرة، وكذا لو شك أنه هل هو موضوع لمطلق العبد أو
للأحمر منه. نعم لا يختلف الإطلاق لو تغير حمرة يده مثلا.
فإنا نعلم أن إطلاق الصلاة على الأركان المخصوصة والأجزاء المعلومة ليس
لأجل خصوص السورة أو ذكر الركوع مثلا، ولكن نعلم أنه موضوع لمعنى هما
جزءان له، فيختلف في أنه هل المعنى القدر المشترك أو مع هذا الجزء، فالحق
القدر المشترك.
والملخص: أن النزاع في الوضع للصحيح أو الأعم إنما هو فيما إذا علم
وضع لفظ لشئ أو استعماله فيه مجازا، وشك في أن المستعمل فيه أو الموضوع له
44

هو بتمام أجزائه أو لا; وأما لو شك في أن الموضوع له أو المستعمل فيه هل هو هذا
الشئ لأجل هذا الجزء أو الشرط فلم يقل أحد بأنه للأعم.
ولو شئت التوضيح فانظر إلى لفظ وضع لكتاب، فإنه لا تتغير التسمية لو
وجد فيه أغلاط وتروك ولا يقال إنه موضوع للصحيح، بخلاف ما إذا وضع لفظ
له من جهة أنه صحيح غاية الصحة.
إذا عرفت ذلك نقول: إنا لو سلمنا كون صلاة الجمعة حقيقة في الأعم مما
كان مع الإمام في هذا الزمان، فلا نسلمه في زمان الشارع; لجواز أن يكون معناه
حينئذ ما كان معه، ولم تثبت فيها الحقيقة الشرعية حتى يحكم باتحادها مع عرف
هذا الزمان بأصالة عدم النقل، فلا نعلم أنها هل هي ما كان مع الإمام أم لا،
ولا بعد في ذلك، كما أن صلاة الجماعة لا تصدق إلا مع الائتمام بإمام ولو تحقق
جميع الأجزاء من إقامة الصفوف وغيرها، بل قد ينتفي المسمى بانتفاء أقل من
ذلك، كمجرد قصد الصلاة، فإن بانتفائه ينتفي المسمى ولو تحقق جميع سائر
الأجزاء.
والحاصل: أنه يمكن أن يكون المستعمل فيه ما كان مع الإمام لأجل أنه
كذلك، وعلى هذا فلا يدل ما دل على وجوب صلاة الجمعة على وجوب ما لا إمام
فيه أو نائبه أصلا; إذ لا نسلم أنه صلاة جمعة.
ورابعة: بأنه لا دخل لهذه الأخبار بالمطلوب أصلا; إذ لا نزاع لأحد في
وجوب صلاة الجمعة، بل هو من ضروريات الدين، ولا في عدم اختصاصه
بزمان دون زمان من حيث هو زمان، بل الكل قائلون بوجوبها في كل زمان من
حيث هو هذا الزمان، وإنما الاختلاف في شرط من شرائطها أنه هل هو الاقتداء
بالمعصوم أو نائبه، أم لا.
وهل الاستدلال بهذه الأخبار على مطلوبكم إلا كمن استدل على عدم
اشتراط العدالة في إمام الجماعة بعمومات مرغبات الجماعة؟ أو كمن استدل
بعمومات وجوب الحج على وجوبه مع سد الطريق أيضا؟ ألا ترى إنا نقول
45

بوجوب الحج إلى يوم القيامة، ولا ينافيه لو فرض سد الطريق أو منع التقية عن
الحج في ألف سنة.
والحاصل أنا نقول: إن الله سبحانه جعل لنا إماما بعد إمام إلى يوم
القيامة، بحيث لم يخل زمانا عنه، ونهى عباده عن الإتيان بما يقتضي غيبته
واستتاره، وأمرنا بصلاة معه كذلك; وحصول الحرمان عن خدمته بعصيان الأمة
وإيجابه تعطيل واجب مشروط به بسوء أعمالنا لا ينافي دوام وجوبه، ولا أدري ما
يقول الموجب في حق عدم وجوبها في بلاد التقية - التي هي أكثر بلاد الإسلام -
وأزمنتها.
فإن قيل.: لا شك أن مفاد تلك الأخبار وجوبها في كل جمعة وعلى كل
مسلم، سواء حضر المعصوم أم لا، ومقتضى الاشتراط اختصاص الوجوب
بحال الحضور، فعموم الروايات يدفع الاشتراط.
قلنا: هذا اشتباه نشأ من الخلط بين شرط الوجوب وشرط الصحة، وكذا
بين كون الشئ مخصصا للعام أم لا، وكونه من أفراد مخصصه القطعي أم لا.
بيان ذلك. إن الشئ إن كان شرطا لوجوب شئ يكون موجبا لتخصيص
عمومات وجوبه ومقيدا لإطلاقاته لا محالة، بخلاف ما إذا كان شرطا لصحته،
فإنه لم يقل أحد بأن قوله تعالى " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا... " مخصص
لقوله سبحانه: " أقيموا الصلاة " نعم لما كان انتفاء شرط الصحة مستلزما لانتفاء
المشروط الصحيح، فبانتفائه ينتفي التمكن عن الإتيان بالمطلوب، ووجوبه
مخصوص بحال التمكن قطعا، فيكون انتفاء الشرط من أفراد عدم التمكن الذي
خص العام به عقلا وشرعا قطعا.
والحاصل: أنا لا ندعي أزيد من أن الائتمام بالمعصوم أو نائبه شرط لصحة
الجمعة، فإذا لم يتمكن المكلف منه فنقول: إن عمومات وجوب الجمعة مخصصة
- باعترافك - بحال التمكن من صحيحها قطعا، ولذا لا يقول بوجوبها عند فقد
إمام عادل أو من يخطب أو العدد اللازم ونحوها، ونحن أيضا لا ندعي أزيد من
46

ذلك.
نعم نحن نقول: إنه يشترط في صحتها الائتمام بالمعصوم، فإذا لم يتمكن
منه ينتفي التمكن من الجمعة الصحيحة، وأنت لا تقول به.
فليس النزاع إلا في انتفاء إمكان الائتمام بالمعصوم، هل هو من أفراد عدم
التمكن من الجمعة المخصوصة عموماتها بغيره قطعا أم لا؟ وليس ذلك نزاعا في
التخصيص أصلا، فلا وجه للتمسك بالعمومات في دفعه.
فنحن وأنتم متفقون في اختصاص العمومات بحال التمكن من الجمعة
الصحيحة، ومختلفون في أن حال عدم إمكان الائتمام بالمعصوم هل هي حال
التمكن أم لا؟ فأنت تقول بالتمكن، لعدم اشتراط الصحة به، ونحن نقول
بعدمه، للاشتراط، وليس في يدك شئ يتمسك به سوى أصالة عدم الاشتراط،
وقد عرفت حالها.
والحاصل: أن الأخبار المتقدمة وما لم يذكر منها بأجمعها - على فرض الحجية
والدلالة على الوجوب - بين دالة على وجوب الجمعة في الجملة، أو على وجوبها
المطلق، أو على وجوبها على كل أحد، أو وجوبها أبدا.
والاحتجاج بالأولى إنما يصح في مقابلة من ينفي وجوبها رأسا.
وبالثانية في مقابلة من قال: إنها واجبة مقيدة، نحو: إن كنت متوضئا
فتجب عليك الصلاة.
وبالثالثة في مقابلة من قال: إنها واجبة على طائفة خاصة، نحو: تجب
الصلاة على المتطهرين.
وبالرابعة في مقابلة من قال: إنها واجبة في زمان، ثم نسخ، أو كان وجوبها
مخصوصا ببعض الأزمنة، نحو: تجب الصلاة في زمان النبي.
ونحن لا نقول بشئ من ذلك، بل نقول: إنها واجبة مطلقة على كل أحد
إلى يوم القيامة، ولكنه مثل الصلاة بالنسبة إلى الوضوء، حيث خلق الله سبحانه
الماء ثم أمر كل أحد إلى يوم القيامة بالصلاة، وشرط فيها الوضوء أي: أمر به
47

عندها، ونفى صحتها بدونه، فكذلك جعل الله سبحانه للأمة إماما بعد إمام إلى
يوم القيامة وأمر الناس بطاعته والاجتناب عما يوجب غيبته واستتاره. ثم أمر كل
أحد إلى يوم القيامة بصلاة الجمعة، وشرط فيها الاقتداء بذلك الإمام، ونفى
صحتها بدونه.
بل نسبته إلى صلاة الجمعة كنسبة الترتيب في الوضوء بالنسبة إلى الصلاة;
لاتفاق الكل على اشتراط الإمام، وإنما النزاع في وصف منه، فكما لا يعقل عن
العالم الاحتجاج بأوامر الصلاة على من يقول بوجوب الترتيب في الوضوء فكذا
ها هنا. وهل يصح الرد على الخصم هنا إلا بنص يصرح بعدم وجوب الترتيب،
أو بأصالة عدم وجوبه؟.
وليس هنا نص يصرح بعدم وجوب الائتمام بالإمام أو نائبه، فلم يبق إلا
أصالة عدم وجوب الائتمام به. وهل يصح من فاضل الاستدلال في مقابل ذلك
الخصم بالآيات والروايات؟!.
نعم كما أنه لو لم يتمكن أحد من الطهارة المائية، أو من الترتيب فيها، ولم
تثبت بدلية التيمم عنها، ينتفي التمكن من الصلاة المأمور بها، ولذا يسقط
وجوبها، كذلك نقول: لو لم يتمكن أحد من الائتمام بالإمام أو نائبه، ينتفي
التمكن من صلاة الجمعة المأمور بها، ولذا تسقط. وهذا ليس من باب تخصيص
مخصوص بعموماتها، بل هو من التخصيص بالتمكن والقدرة الثابت باعتراف
الخصم شرعا وعقلا فيها وفي كل أمر.
فليس شئ ينفع للخصم هنا إلا أن يقول: إنه لم يثبت الأمر بالاقتداء
بالإمام أو نائبه، وهو أصل عدم اشتراط الصحة; إذ عدم الثبوت لا يفيد بدون
ضم الأصل. أو يقول: إنه ثبت الأمر بالاقتداء بغير الإمام، وليس له شئ يدل
على ذلك.
وبعبارة أخرى في أصل الجواب. المراد من هذه الأخبار ومعناها:
إما وجوب الجمعة في الجملة، فهو مما لا كلام فيه.
48

أو وجوبها بشرائطها مجملة، فلا ينفع لك أصلا; إذ الواجب حينئذ الكلام
في الشرائط، وليس لك شئ في رد هذا الشرط إلا الأصل.
أو وجوبها بشرط عدم شرط، مطلقا أو إلا بعض الشروط المذكورة، فيكون
منافيا لمطلوبك من اشتراط كثير من الشرائط الغير المذكورة فيها، سيما انتفاء
التقية (1) ونحوها، فكيف لا يضر ذلك ويضر عدم ذكر شرط واحد آخر؟! فإن
الفريقين قائلان بالوجوب والكل يشترطون شروطا إلا أنا نشترط شرطا واحدا
آخر، فكيف - تصير هذه الأخبار ردا علينا دون الباقين؟! وكيف يمنع شرط واحد
عن الشمول دون شروط كثيرة؟!.
فإن قيل: سلمنا جميع ذلك، ولكن نقول: إنه لا شك أن بواسطة عدم
التمكن من الشرط في غير زمان النبي والولي وقليل من زمان مولانا الحسن عليه
السلام وأزمنة ظهور القائم، على القول بالاشتراط ينتفي التمكن عن صلاة
الجمعة المأمور بها، فيسقط وجوبها في جميع تلك الأزمنة التي هي أكثر بكثير من
زمان التمكن، فهل تحسن تلك التسديدات والتعميمات مع وجود مثل هذا
التخصيص؟!.
قلنا; بعد النقض بأوامر الجهاد وعموماته، والحدود، ووجود الإمام في كل
عصر لدفع الشبهات وإقامة الحجج والردع عن الباطل ونحو ذلك; أولا: إنك
تقول باشتراط الإمام العادل والعدد والذكورة والحرية والحضر والصحة، مع أنه
ليس الجامع لجميع هذه الشرائط مساويا للفاقد لها البتة، بل تقول باشتراط انتفاء
التقية، وتسند عدم وقوع الجمعة من العلماء في جميع الأزمنة السالفة إلى التقية،
مع أن التقية كانت قائمة في غير زمان النبي والولي وقليل من زمان الحسن إلى
قريب من هذه الأزمنة في جميع البلاد، بل إلى هذا الزمان في معظم بلاد الإسلام،
بل غير شرذمة من ولايات العجم، فكيف لا يضر هذا التخصيص لك ويضر
لنا؟!.

(1) في جميع النسخ: انتفاء عدم التقية، والظاهر زيادة كلمة عدم ".
49

مع أنا نقول: إنه لا علم لنا بلزوم خروج الأكثر أيضا، لإمكان كون أزمنة
ظهور القائم عليه السلام أكثر بكثير من جميع تلك الأزمنة، بل هو الظاهر من
الأخبار، يل يحتمل أن تكون في جميع أزمنة الغيبة للإمام بلاد وأصحاب كثيرة
يقيمون الجمعة، كما يستفاد من بعض الحكايات (1).
هذا كله مع أن كل ذلك إذا قلنا بوضع صلاة الجمعة للأعم. ولكن إذا
قلنا بالوضع للصحيحة، كما هو مذهب كثير من الأصحاب، أو قلنا بأن خصوص
الجمعة اسم لما فعل مع الإمام، كما عن القاضي وبعض آخر، وهو المحتمل، فلا
ينفع الاستدلال بالآية والأخبار أصلا، بل اللازم إبطال هذين الأمرين، ويكون
جميع تلك الاستدلالات تطويلا بلا طائل، وسكوتا عما يقول الخصم.
وقد يستدل أيضا بروايات أخر بينة الوهم لا فائدة في التعرض لها.
المسألة الثالثة: وإذا ثبت في المسألة السابقة انتفاء الوجوب العيني للجمعة
مع عدم حضور الإمام أو نائبه، فهل ينتفي عنها الجواز أيضا؟ بمعنى تجويز
الشارع فعلها بدلا عن الظهر، ومعناه الوجوب التخييري، وإلا فلا معنى للجواز
بمعنى تساوي الطرفين مطلقا فيها.
أم لا ينتفي بل تجوز؟.
الأول الأظهر، وفاقا لظاهر المفيد في الإرشاد (2)، والسيد في المواضع الثلاثة
المتقدمة (3)، والشيخ في الجمل (4)، وصريح الحلي والديلمي وابن حمزة

(1) لعله أراد بها حكاية الجزيرة الخضراء، أوردها في البحار 52: 159.
(2) الإرشاد 2: 342.
(3) في ص: 11 ولم يتوهم من قول السيد في الفقه الملكي: والأحوط، أنه لا يقول بانتفاء
الوجوب، حيث قال: والأحوط أن لا يصلي الجمعة إلا بإذن السلطان وإمام الزمان، لأنها إذا
صليت على هذا الوجه انعقدت وجازت بإجماع، وإذا لم يكن فيها إذن السلطان لم يقطع على
صحتها وإجزائها. فإن آخر كلامه صريح في نفي الجواز، والاحتياط عنده الدليل سيما في هذا
الكتاب الذي رد فيه على العامة بالاحتياط، وبناؤه فيه على ذلك. منه رحمه الله.
(4) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 190.
50

والقاضي (1)، والفاضل في المنتهى وموضع من التحرير (2) (3)، وهو أحد احتمالات
كلام العماني والتبيان والغنية والموجز وشرحه والمجمع والمراسم (4)، وإليه ذهب
الفاضل الهندي من متأخري المتأخرين (5)، ونقله في الحدائق عن بعض علماء
البحرين (6)، واختاره غير واحد من مشايخنا (7).
لاستصحاب وجوب الظهر من وجوه:
أحدها: أنه كان واجبا على كل أحد قبل إسلام عدد الجمعة بل قبل
الهجرة; لعدم تشريع الجمعة قبلها. وتشريعها علم انتفاء وجوبها ما دام حضور
الإمام وتمكنه، بالإجماع، وانتفاؤه مع انتفائه غير معلوم فيستصحب وجوبه مع
عدم تمكنه.
ولا يعارضه استصحاب وجوب الجمعة مع انتفاء تمكن الإمام; لمعارضته
مع استصحاب عدم وجوبها حينئذ الثابت لها قبل التشريع.
وثانيها: استصحاب وجوب الظهر بعد تشريع الجمعة على من لم يكن على
رأس فرسخين أو أدون من جمعة المعصوم وإن كان له إمام الجماعة والخطيب، ويتم
المطلوب بعدم الفصل.
وثالثها: استصحاب وجوب الظهر على هذا الشخص، لو فرض بقاؤه إلى
زمان انتفاء تمكن الإمام، كما كان كذلك، ويتم المطلوب بالإجماع على المشاركة أو

(1) الحلي في السرائر 1: 303، حكاه عن الديلمي في الرياض 1: 190، ابن حمزة في الوسيلة:
103، القاضي في شرح جمل العلم والعمل: 123.
(2) المنتهى 1: 317، التحرير 1: 43.
(3) في " س " زيادة: والشيخ إبراهيم القطيفي.
(4) حكاه عن العماني في المختلف: 108، التبيان 10: 8، الغنية (الجوامع الفقهية): 560، مجمع
البيان 5: 288، المراسم: 77.
(5) كشف اللثام 1: 245.
(6) الحدائق 9: 442.
(7) كصاحب الرياض 1: 183.
51

عدم الفصل.
ورابعها: استصحاب الحكم السابق على زمان تشريع الجمعة، وهو
وجوب الظهر على جميع المكلفين، وبعد تشريعها لم يثبت نقض ذلك الحكم إلا
بالنسبة إلى بعضهم، وكوننا منهم أول الدعوى لو لم نقل بكوننا غيرهم.
والحاصل: أن الله سبحانه ما أوجب الجمعة إلا بعد مدة مديدة من البعثة،
وكانت الفريضة بالنسبة إلى جميع المكلفين في تلك المدة هي الظهر بالضرورة، ثم
بعد تلك المدة تغير التكليف بالنسبة إلى بعض المكلفين، بالإجماع والضرورة
والأخبار المتواترة، فمن ثبت تغير حكمه فلا نزاع، ومن لم يثبت فالأصل بقاء
الظهر اليقينية بالنسبة إليه حتى يثبت خلافه، ولم يثبت.
والتوضيح: أنا نعلم علما ضروريا أن الظهر كانت ثابتة قبل، تشريع الجمعة
على كل أحد، وكانت بحيث لو لم تشرع الجمعة كانت واجبة عليهم إلى يوم
القيامة، ويعلم أن الموجودين في هذا الزمان كانوا يعلمون وجوبها عليهم وعلى من
بعدهم إلا مع ناسخ أو مسقط، وكانت بعينها كصلاة العصر والفجر وغيرهما،
يعتقدون وجوبها إلا بناسخ أو مسقط، ويستفاد ذلك من أخبار الظهر المتقدمة
أيضا، وتدل عليه مرسلة الفقيه: " إنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي يوم
الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام " (1) فإن الوضع فرع الثبوت.
ثم بالإجماع والأخبار علم سقوط الظهر عمن أدرك الإمام أو نائبه متمكنا،
ولم يعلم سقوطه من غيره فيستصحب، ثم إنه لم يعلم من أدلة وجوب الجمعة
- كما مر - سقوط الظهر عنا، فيكون واجبا عينيا علينا، فلا تكون الجمعة مشروعة
إجماعا; إذ شرعية الجمعة مسقطة للظهر قطعا.
ويدل عليه أيضا أصل الاشتغال، فإن كل أحد مكلف بأحد الأمرين من
الظهر والجمعة قطعا، وبعد انتفاء الوجوب العيني للجمعة بما مر يكون الظهر مبرئا

(1) الفقيه 1: 267 / 1219، الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 1.
52

للذمة - قطعا، بخلاف الجمعة; لأنها إما جائزة أو محرمة، فلا تحصل البراءة اليقينية
إلا بالظهر، فيتعين وجوبه، ويستلزمه عدم مشروعية الجمعة; إذ مع مشروعيتها
لا يتعين وجوب الظهر.
ويدل عليه أيضا أن جوازها متوقف على التوقيف، والأصل عدمه; لأن
المسلم من الموقف ما كان مع الإمام أو نائبه، إذ عرفت احتمال كون الجمعة اسما
لما كان معه، مضافا إلى ما مر من سقوط إطلاقاتها بعروض الإجمال لها، كما مر.
ويدل عليه أيضا أن جميع ما مر من الأخبار المستدل بها على الاشتراط أو
أكثرها يدل على اشتراط الشرعية به، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.
خلافا للشيخ في المصباح والمعتبر والشرائع والنافع والنكت والروضة وظاهر
الخلاف (1)، وهو مختار والدي العلامة - رحمه الله - أخيرا:
فتجوز الجمعة بمعنى أنها أحد فردي الواجب مطلقا، فقيها كان الإمام أم
لا، بل تستحب، فهي أفضل الفردين.
ونسب إلى نهاية الشيخ والحلبي والمختلف والتذكرة (2)، وليس كذلك،
ومنهم من نسبه إلى المشهور، وفيه نظر.
أما الجواز بالمعنى المذكور، فللجمع بين أدلة الاشتراط وعمومات الجمعة.
ولأوامر الجمعة; فإن مقتضاها الوجوب، وهو أعم من العيني أو
التخييري، ولما انتفى الأول بالإجماع أو أدلة الاشتراط أو بالأصل تعين الثاني.
ولحصول التعارض بين عمومات الظهر والجمعة وأصولهما فيرجع إلى
التخيير.
ولمرسلة الكافي وموثقة سماعة وصحيحة زرارة المتتالية المتقدمة في أدلة المختار
في المسألة السابقة (3)، الدالة على أن من صلى الصلاة يوم الجمعة في جماعة أو مع

(1) مصباح المتهجد: 324، المعتبر 2: 297، الشرائع 1: 98، المختصر النافع 1: 36، الروضة
1: 301، الخلاف 1: 626.
(2) نسب إليهم في غاية المراد كما في مفتاح الكرامة 3: 63.
(3) راجع ص 21 و 22.
53

من يخطب لا تجب أربع ركعات فتجب الجمعة، ولما انتفى الوجوب العيني بما مر
ثبت التخييري.
وأما أفضلية الجمعة، فلصحيحة زرارة، وموثقة عبد الملك المتقدمتين (1)،
المصدرة أولاهما بقوله: " حثنا " والثانية بقوله: " مثلك يهلك " حيث إن ظاهرهما
يشعر بأن الرجلين كانا متهاونين بالجمعة، ولم يقع من الإمامين إنكار عليهما، فلا
تكون واجبة، ولكن ترغيبه إياهما يدل على الاستحباب.
وبعض أخبار أخر مرت، وكانت قاصرة عن إفادة الوجوب، إما لاشتمالها
على الجملة الخبرية، أو التحذير بما يحذر بمثله في ترك المستحبات.
والمروي في مصباح المتهجد: " إني لأحب للرجل أن لا يخرج من الدنيا
حتى يتمتع ولو مرة، وأن يصلي الجمعة في جماعة " (2).
وروي في أمالي الصدوق أيضا بزيادة قوله: " ولو مرة " بعد قوله " في جماعة "
أيضا (3).
ويضعف الأول: بأنه جمع بلا شاهد.
والثاني: بمنع أعمية الوجوب المستفاد من الأمر; لاختصاصه - بحكم
التبادر - بالعيني، بل وكذا في مطلق الوجوب، ولأن مآل التخيير إلى وجوب شئ
آخر غير الفرد وهو أحدهما لا على التعيين.
سلمنا الأعمية ولكن غير الإجماع من أدلة الاشتراط يدل على اشتراط
الوجوب المستفاد من تلك الأوامر، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط سواء كان
وجوبا عينيا أو تخييريا.
والثالث: بأنه إنما يصح لو تمت دلالة أدلة الجمعة على الوجوب، ثم على
عدم ثبوت تخصيص عمومات الجمعة بما مر من أدلة الاشتراط، أو عدم خروجها

(1) في ص 30 و 31.
(2) مصباح المتهجد: 324، الوسائل 21: 14 أبواب المتعة ب 2 ح 7.
(3) لم نجده في الأمالي، وقد نقله عنه في الوافي 8: 1115، وفيه: " ويصلي الجمعة ولو مرة ".
54

عن الحجية بواسطة إجمال دليل الاشتراط.
فإن قلت: إجماله يوجب الإجمال في أدلة الظهر أيضا.
قلنا: فيرجع إلى الاستصحابات المتقدمة.
والرابع - أي الأخبار الثلاثة -: بما مر من تقيدها بالإمام أو بمن يخطب،
مع ما فيها من الإجمال المتقدم ذكره.
والخامس: أولا: بأنه يمكن أن يكون قوله عليه السلام: " إنما عنيت
عندكم " وقوله عليه السلام: " صلوا جماعة " إذنا لهما أو أمرا بالتجميع مع مأذون
سرا، ولا كلام في الصورتين في الوجوب العيني.
وثانيا: بأنه يمكن أن يكون حثا على حضور جماعة المخالفين، حيث كان
الرجلان من معاريف أصحابهما وكان عدم حضورهما مظنة للضرر، فلا يدلان
على جواز التجميع في غير موضع التقية، وهو الذي يظهر من المقنعة، حيث قال:
يجب حضور الجمعة مع من وصفناه من الأئمة فرضا، ويستحب مع من خالفهم
تقية وندبا، روى هشام بن سالم عن زرارة قال: " حثنا أبو عبد الله " الحديث.
انتهى (9).
والسادس: بأنه إنما يتم لو تعين المراد من صلاة الجمعة، وسلمت تلك
الأخبار من التخصيص بأدلة الاشتراط أو الإجمال بها.
ومنه يظهر ضعف السابع أيضا.
مضافا إلى أن قوله: " في جماعة " مقيد قطعا، ضرورة اشتراط الجماعة فيها
بشروط كالعدالة والعدد وغيرهما، وعلى هذا فكما يمكن التقييد بهذه الجماعة،
يمكن أن تكون مقيدة بجماعة المخالفين، بل هي الغالب في زمانهم عليهم
السلام.
وإلى أنه يمكن أن يكون المراد من الجمعة ظهرها; لعدم ثبوت الحقيقة

(1) المقنعة: 164.
55

الشرعية، ولذا أطلقت الجمعة على الظهر في الأخبار، كما في صحيحة البقباق
السابقة: " إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات " (1) بل هو الظاهر; إذ
لو كان المراد صلاة الجمعة لكان التقييد بالجماعة لغوا، ولم يكن وجه لقوله: أحب
أن يصليها في جماعة، فيكون الخبر تأكيدا لاستحباب الجماعة في ظهر الجمعة.
وإلى وجوب تخصيصها بما إذا كان إمام يخطب، أو مطلق الإمام بموثقة
سماعة ومرسلة الكافي المتقدمتين، فيخص إما بإمام الأصل أو بالمجمل الموجب
للخروج عن الحجية.
ولظاهر نهاية الشيخ والمختلف والذكرى (2)، و [البيان] (3) وأحد احتمالات
كلام العماني والمبسوط والتبيان (4)، بل يحتمله كلام جمع آخر، كالغنية والموجز
وشرحه للصيمري والمجمع والمراسم (5):
فتجوز من غير ذكر الأفضلية; لبعض ما مر بجوابه.
وللمحقق الثاني زاعما أنه مذهب جمهور القائلين بالجواز في زمن الغيبة، بل
قال: لا نعلم أن أحدا من علماء الإمامية في عصر من الأعصار صرح بكون
الجمعة في حال الغيبة واجبة حتما مطلقا أو تخييرا بدون حضور الفقيه (6)، وهو أحد
احتمالات اللمعة والدروس (7):
فتجوز مع الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، ولا تجوز بدونه.
أما انتفاء العيني، فللإجماع المنقول (8)، بل المحقق.

(1) تقدمت في ص 22 بعنوان موثقة البقباق.
(2) النهاية: 107، المختلف: 109، الذكرى: 231.
(3) في النسخ: التبيان، والصحيح ما أثبتناه، راجع البيان: 188.
(4) حكاه عن العماني في المختلف: 108، المبسوط 1: 151، التبيان 10: 8.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 560، مجمع البيان: 288، المراسم: 77.
(6) رسائل المحقق الكركي 1: 163.
(7) اللمعة (الروضة 1): 299، الدروس 1: 186.
(8) راجع ص 19.
56

وأما ثبوت التخييري، فللأخبار المثبتة للوجوب لها عموما، والوجوب ماهية
كلية صادقة على جميع أفرادها.
وأما اشتراط الفقيه، فلما دل على اشتراط الإمام أو نائبه في مطلق الوجوب
الشامل للوجوبين، والنائب شامل للفقيه أيضا.
وبعبارة أخرى: ثبت وجوبها مطلقا مع الإمام أو نائبه، والوجوب أعم من
التخييري والعيني، والنائب من الخاص والعام، والعيني منفي في الغيبة، والنائب
الخاص غير موجود، فيتعين التخيير والنائب العام.
ويضعف - بعد منع شمول الوجوب للتخييري كما مر - بمنع دليل على
كفاية النائب العام; إذ الأخبار إنما كانت متضمنة للإمام، والنائب أدخل
بالإجماع، وهو في العام غير متحقق.
إن قيل: الفقيه نائب من الإمام بصريح الروايات في جميع ما كان له، ومنه
الجمعة، فتكون له.
قلنا: النيابة في الجميع ممنوعة، ولا دليل عليه، والثابت من الروايات ليس
إلا في الجملة أو في بعض الأمور.
ولظاهر نهاية الإحكام (1)، وأحد احتمالات اللمعة والدروس، فكالسابق
من دون ذكر عدم الجواز بدونه.
ولظاهر التنقيح والمهذب (2)، وصريح المحقق الثاني في حواشي الإرشاد،
فكسابقه بزيادة ذكر أفضلية الجمعة.
وللمحكي في شرح الجعفرية للجواد، ويشعر به كلام الذكرى (3)، فالجواز
مع الفقيه إن أمكن، وبدونه إن لم يمكن.
ولظاهر الإرشاد والقواعد وجهاد التذكرة بل صلاته (4)، وظاهر

(1) نهاية الإحكام 2: 14.
(2) التنقيح 1: 231، المهذب البارع 1: 413.
(3) الذكرى: 231.
(4) الإرشاد 1: 257، القواعد 1: 36، التذكرة 1: 145 و 443.
57

الأردبيلي (1)، والتوني، فترددوا.
ويظهر أدلة هذه الأقوال، وجوابها مما ذكر.
ثم لا يخفى أن ما ذكرنا - من عدم جواز الجمعة في زمان الغيبة وحرمتها -
إنما هو إذا فعلت بدلا عن الظهر، وأما بدون ذلك فهل يجوز فعلها أم لا؟.
صريح النافين لمطلق وجوبها: الثاني; إذ عدم جوازها بدلا ليس إلا لعدم
ثبوت توقيفها وتشريعها بدون الشرط، فإن الجمعة الموقفة هي التي تكون بدلا عن
الظهر، فتنتفي بانتفاء البدلية قطعا، والعبادة إذا لم تكن موقفة مشروعة كانت
محرمة، لكونها تشريعا وإدخالا في الدين.
أقول: من الأمور الضرورية الثابتة بالأخبار المتواترة المنضمة بالإجماع
والاعتبار: مشروعية الاحتياط، وثبوته ندبا من الشارع، وتعلق التوقيف به.
ويلزمه كون كل ما كان من أفراد الاحتياط مشروعا ندبا موقفا، ولا شك أن
الإتيان بالجمعة مع الظهر من أفراد الاحتياط; لكونها مبرئة للذمة قطعا، وليس
الاحتياط إلا ذلك، فتثبت مشروعيتها ندبا من الاحتياط، فتكون بهذا القصد
جائزة ومستحبة.
فإن قيل: فعلها أيضا يحتمل التشريع، فيكون حراما، فلا يكون موافقا
للاحتياط.
قلنا: التشريع فعل شئ لم يثبت من الشرع، وفعلها مع الظهر بهذا القصد
ثابت بأدلة الاحتياط، فلا يكون تشريعا، كما في سائر موارد الاحتياط، فإنها أيضا
غير ثابتة من الشرع بخصوصها، وإلا لم يكن احتياطا، وثبوتها واستحبابها إنما هو
بمجرد أدلة الاحتياط.
والتوضيح: أن العبادة التي لم تثبت بخصوصها لا يمكن أن تفعل بقصد
أنها عبادة ثابتة بخصوصها; لأن القصد ليس أمرا اختياريا، فما لم تثبت لا يمكن
ذلك القصد.

(1) مجمع الفائدة 2: 363.
58

فإذا فعلت فإما يؤتى بصورتها لا بقصد عبادة (ولا بأن يظهر للناس أنها
عبادة ثابتة بخصوصها) (1) كالحمية في يوم الفطر بقصد الإمساك، ولا حرمة فيه
قطعا; للأصل، وعدم الدليل.
أو يؤتى لا بقصد أنها عبادة ثابتة بخصوصها، ولكن يظهر للناس أنها عبادة
ثابتة بخصوصها، وهذا هو التشريع المحرم.
أو يؤتى. بها لاحتمال أن تكون موقفة واجبة فيما يتأتى فيه هذا الاحتمال، كما
في المسألة، فيقصد بها الخروج عن احتمال ترك الواجب، ولا يظهر للناس إلا أن
فعلها لذلك. وهذا ليس دليل على حرمته أصلا، بل لا يحتملها، بل مقتضى أدلة
الاحتياط، وقوله: " لكل امرئ ما نوى " (2) حسنه واستحبابه وترتب الثواب عليه.
وعلى هذا فيكون فعل الجمعة بهذا القصد مستحبا، ويكون مع الجماعة;
إذ لا جمعة بدونها، فإن ما يحتاط به هو بهذه الهيئة، لا أن الركعتين مع الخطبتين
مطلقا مستحبة والجماعة أمر زائد.
وعلى هذا تكون الجمعة مستحبة لا وجوب فيها أصلا، ويكون الواجب
هو الظهر، ويجوز مع الجماعة أيضا بل يستحب.

(1) ما بين القوسين ليس في " ق ".
(2) الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.
59

البحث الثاني
في شرائطها
أي: ما تتوقف صحتها عليه، وهي أمور:
الشرط الأول: إمام الأصل، أو نائبه الخاص، وقد تقدم بدليله.
الشرط الثاني: العدد، بالإجماع المحقق، والمحكي مستفيضا (1). وأقله
سبعة في الوجوب العيني، وخمسة في التخييري على الأصح، بمعنى: أنها تجب
عينا إذا اجتمعت سبعة، وتخييرا إذا اجتمعت خمسة.
وفاقا للمحكي عن الصدوق والشيخ والقاضي وابني حمزة وزهرة (2)، وجماعة
من المتأخرين منهم: الهندي وصاحبا الذخيرة والحدائق (3)، ومال إليه في الذكرى
والمدارك (4).
أما انتفاء مطلق الوجوب بالنقص عن الخمسة، فبالإجماع، وقوله في بعض
الأخبار الآتية: " ولا جمعة لأقل من خمسة " أو: " لا تكون جمعة ما لم يكن خمسة "
وسائر الأخبار المشتملة على ذكر الخمسة (5).
وأما ثبوت العيني بالسبعة، فبالإجماع أيضا، والأخبار الآتية المصرحة
بالوجوب على السبعة الظاهر في العيني.

(1) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 560، التذكرة 1: 146، جامع المقاصد 1: 383، والرياض
1: 184.
(2) الصدوق في الفقيه 1: 267، الشيخ في النهاية: 103، والمبسوط 1: 143، القاضي في شرح
جمل العلم والعمل: 123، ابن حمزة في الوسيلة: 103، ابن زهرة في الغنية (الجوامع
الفقهية): 560.
(3) كشف اللثام 1: 248، الذخيرة: 299، الحدائق 10: 74.
(4) الذكرى: 231، المدارك 4: 29.
(5) انظر: الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2.
60

وأما انتفاء العيني في الخمسة، فلمفهوم الشرط في قوله في صحيحة عمر بن
يزيد: " إذا كانوا سبعة يوم الجمعة، فليصلوا في جماعة " (1).
بل منطوق صحيحة محمد: " تجب الجمعة على سبعة نفر، ولا تجب على
أقل منهم " (2) الحديث.
ولا يضر اشتماله على اشتراط أشخاص يخالف اشتراطهم الإجماع، أو
الشهرة; لأنه محتمل التمثيل، مع أن خروج جزء من الحديث عن الحجية لا يخرج
الباقي عنها.
المؤيدين بصحيحة متقدمة لزرارة: على من تحب الجمعة؟ قال: " على سبعة
نفر من المسلمين، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين، أحدهم الإمام، فإذا
اجتمع سبعة ولم يخافوا، أمهم بعضهم وخطبهم " (3).
فإن في إثباتها الوجوب - الظاهر بل الحقيقة في العيني - للسبعة أولا، ونفيها
حقيقة الجمعة - الشاملة للعيني والتخييري - ثانيا عن [الأقل من] (4) الخمسة،
إشعارا بعدم وجوب العيني على الخمسة.
واحتمال كون قوله: " ولا جمعة.... " من كلام الصدوق بعيد غاية البعد.
نعم هو محتمل في قوله: " فإذا اجتمع.... " كما مر، ولذا جعلناه أيضا داخلا في
التأييد مع حجية مفهومه.
مع أن جعل الأول أيضا من قول الصدوق لا يسقط التأييد بالرواية; إذ
الجواب بالسبعة بعد السؤال عمن تجب عليه الجمعة - الظاهر في السؤال عن أقل
الواجب لعدم حاجة ما سواه إلى السؤال - كاف في التأييد، بل يصلح للاستدلال

(1) التهذيب 3: 245 / 664، الإستبصار 1: 418 / 1607، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة
ب 2 ح 10.
(2) الفقيه 1: 267 / 1222، التهذيب 3: 20 / 75، الإستبصار 1: 418 / 1608، الوسائل 7:
305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 9.
(3) الفقيه 1: 267 / 1218، الوسائل 7: 304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 4.
(4) أضفناه لاقتضاء المعنى.
61

أيضا.
ويؤيده أيضا الترديد في موثقة أبي العباس: " أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة
أو خمسة أدناه " (1).
ومتعلق الإجزاء هي كون الجمعة مأمورا بها، أي: أدنى ما يجزئ في الأمر
السبعة أو الخمسة، بأن يكون أحدهما إجزاء في أحد قسمي الأمر، والآخر في
الآخر، ولا يستلزم تفكيكا. ويكون أدناه إما. خبرا لمبتدأ محذوف، أي هي، أي:
الخمسة أدناه، أو صفة للخمسة، فتكون الخمسة أدنى الأدنى، وبذلك يسلم
الخبر عن الخدش دون ما إذا جعلنا المتعلق أحد الوجوبين أو الصحة.
وتؤيده أيضا صحيحة الحلبي: " في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو
سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة " (2).
ومما ذكر ظهر دليل ثبوت التخييري في الخمسة أيضا.
خلافا للمحكي عن القديمين (3)، والمفيد والسيد والحلي والفاضلين
والمحقق الثاني (4)، بل الأكثر، كما صرح به جمع ممن تأخر (5)، فأوجبوا على الخمسة
عينا.
لإطلاق أوامر الجمعة بالنسبة إلى كل عدد، خرجت [ما دون] (6) الخمسة
بالاتفاق، فينفي الزائد بالأصل.

(1) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 5، التهذيب 3: 21 / 76، الإستبصار 1: 419 / 1609،
الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 1.
(2) الفقيه 1: 331 / 1489، الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 3.
(3) ابن جنيد والعماني، حكاه عنهما في المختلف: 103.
(4) المفيد في المقنعة: 164، السيد في الإنتصار: 53، الحلي في السرائر 1: 290، المحقق في المعتبر 2:
282، والشرائع 1: 94، العلامة في نهاية الإحكام 2: 19، والمنتهى 1: 317، المحقق الثاني في
جامع المقاصد 1: 383.
(5) انظر: المدارك 4: 27، والذخيرة: 298.
(6) أضفناه لاقتضاء المعنى.
62

ولتعلق الأمر في الآية بالسعي بالجميع، وأقله ثلاثة، والمنادي والإمام
خارجان عنهم، فأقله الخمسة.
وللمستفيضة من الأخبار، كصحيحة منصور، وصحيحة زرارة المشتملة
على خمسة رهط: الإمام وأربعة، وموثقة البقباق، المتقدمة كلها (1).
وموثقة ابن أبي يعفور: " لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة " (2).
والمروي في رجال الكشي بسنده المتصل عن النبي: " إذا اجتمع خمسة
أحدهم الإمام فلهم أن يجمعوا " (3).
وضعف الكل ظاهر; لاندفاع الأصل بما مر، ولخلو الجميع من الدال على
الوجوب جدا، غايتها الرجحان كما هو الثابت من الجملة الخبرية، مع أن دلالة
الثانية ليست إلا بمفهوم ضعيف غايته، والأخيرتين لا تدلان إلا على أن مع
الخمسة تكون الجمعة، أولهم التجميع، وأين هما من احتمال الوجوب؟!.
ثم لو دل بعضها على الوجوب العيني بالخمسة لتعارض مع ما ذكرنا، وكان
المرجع أيضا التخيير; لأنه المرجع عند التعارض مهما أمكن، سيما مع وجود
الشاهد له وهو صحيحة زرارة المذكورة (4).
ثم إن هذا الشرط يختص بالابتداء دون الاستدامة، بلا خلاف ظاهر
بيننا، كما صرح به غير واحد منا (5)، بل عن الشيخ جعله قضية المذهب (6).
فلو نقص العدد بعد الدخول في الصلاة ولو بالتكبيرة لم يسقط الوجوب،
بل يتمها الباقي إماما كان أو مأموما أو كليهما; لاستصحاب الصحة الخالي عن

(1) راجع ص 22 و 23 و 38.
(2) التهذيب 3: 239 / 637، الإستبصار 1: 419 / 1611، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة
ب 2 ح 8.
(3) رجال الكشي 1: 389 / 279، الوسائل 7: 306 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 11.
(4) في ص 61
(5) انظر: المدارك 4: 29، والحدائق 10: 77، والرياض 1: 185.
(6) الخلاف 1: 600.
63

مكاوحة ما دل على اشتراط الوجوب بالعدد (1)، لظهوره - بحكم التبادر، وندرة
النقص بعد الاجتماع والدخول في الصلاة جدا، بل كأنه لم يتحقق إلى الآن - في
الابتداء، بل مدلول بعضه عدم تعلق الوجوب بدون العدد الظاهر أو الصريح
في عدم مسبوقيته بالوجوب، وهو غير السقوط.
وتدل على عدم السقوط لو نقص العدد بعد تمام الركعة: رواية جابر في
صلاة الجمعة: " ومن أدرك ركعة فليضف إليها أخرى " (2).
وصحيحة البقباق. " من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة " (3).
ولا يدل مفهوماهما على السقوط لو انفضوا قبل الركعة، كما عن محتمل نهاية
الإحكام والتذكرة (4); لعدم ثبوت كون الباقي بعد الانفضاض غير مدرك الركعة
إلا بعد ثبوت اشتراط بقاء العدد في الإدراك.
ثم إن مقتضى ما ذكرنا من الاستصحاب وإن كان عدم الاشتراط ولو
نقص عددهم بعد الشروع في الخطبة قبل الصلاة، إلا أنه خارج بالإجماع.
الشرط الثالث: الخطبتان، بإجماعنا المحقق، بل إجماع أكثر أهل العلم،
على الظاهر المصرح به في كلام جماعة (5); له، وللمروي في المعتبر عن جامع
البزنطي: " لا جمعة إلا بخطبة، وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين " (6) وضعفه
منجبر بالعمل.
المؤيدين بأخبار أخر متقدمة، كصحيحة محمد، وموثقتي البقباق

(1) وقد يستدل لذلك باستصحاب الوجوب، وفيه نظر، لمعارضته باستصحاب عدمه. منه رحمه الله.
(2) التهذيب 3: 160 / 344، الوسائل 7: 347 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 8.
(3) التهذيب 3: 161 / 346، الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 6.
(4) نهاية الإحكام 2: 22، التذكرة 1: 147.
(5) انظر: المنتهى 1: 318، والتذكرة 1: 150، والمدارك 4: 30، والحدائق 10: 81، والرياض
1: 185.
(6) المعتبر 2: 283.
64

وسماعة (1)، الدالة بالمفهوم على أنه إذا لم يكن لهم من يخطب لا يجمعون.
وجعلها مؤيدة لما مر من الإجمال فيمن يخطب، واحتمال إرادة الوجوب من
الجملة، فيكون مفهومها نفي الوجوب دون الصحة.
وبأخبار أخر تأتي في عدد الخطبة وكيفيتها وآدابها.
وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: يجب الإتيان بخطبتين إجماعا; له، ولصحيحة عمر بن
يزيد: " وليقعد قعدة بين الخطبتين " (2).
فإن إيجاب القعود بين الخطبتين يستلزم إيجابهما من باب المقدمة.
المؤيدين بما تقدم من رواية المعتبر، وما بمعناها من الروايات السابقة،
كصحيحة زرارة، ورواية العلل (3)، وبصحيحة معاوية بن وهب: " الخطبة وهو
قائم خطبتان، يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون الفصل بين
الخطبتين " (4) والأخبار الواردة في كيفية الخطبة (5).
المسألة الثانية: يجب في كل منهما الحمد لله سبحانه، والصلاة على النبي
وآله، وشئ من الوعظ، بزيادة قراءة سورة في الأولى خاصة، دون الثانية.
وفاقا للأكثر في الثلاثة الأولى، بل عن الخلاف ظاهر الإجماع عليها (6).
لا لورودها في الأخبار; لعدم دلالة شئ منها في شئ من الثلاثة على
الوجوب، مضافا إلى اشتمال أكثرها على ما ليس بواجب قطعا.
بل لأصل الاشتغال، فإن المراد بالخطبة في الأخبار ليس معناها اللغوي

(1) راجع ص 21 و 22.
(2) التهذيب 3: 245 / 29، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 2.
(3) راجع ص 22 و 29.
(4) التهذيب 3: 20 / 74، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.
(5) انظر: الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25.
(6) الخلاف 1: 616.
65

قطعا، بل الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعية فيها كالمتشرعة الظاهر اتحادهما; لأصالة
عدم النقل وعدم معلومية صدقها في شئ من العرفين على أقل من ذلك، وصدقها
على المتضمن للثلاثة قطعا.
والحاصل: أنا نعلم وجوب اشتمالها على الحمد وشئ آخر من الصلاة أو
الوعظ أو كليهما أو أحدهما لا على التعيين، فليس بين الزائد المعلوم قدر مشترك
يقيني الوجوب فيعمل فيه بأصل الاشتغال.
ولجماعة منهم. المبسوط والجمل والعقود، والمراسم والوسيلة والسرائر
والشرائع والنافع (1)، وغيرهم، في الرابع; لقوله عليه السلام في صحيحة محمد في
الخطبة الأولى بعد ذكر الثلاثة: " ثم اقرأ سورة من القرآن " (2)
وللمعتبر والنافع (3)، وجماعة أخرى (4)، في الخامس; للأصل الخالي عن
معارضة ما مر، لاختصاص الأمر بالأولى، وعدم توقف صدق الخطبة على القراءة
قطعا.
خلافا لمن زاد في الأولى الثناء والشهادة بالرسالة أيضا، كالسيد (5)، وفي
الثانية الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، والصلاة على أئمة المسلمين، كالنافع
وحكي عن السيد أيضا (6); لورود الجميع في بعض الأخبار الخالي عن الدال على
الوجوب جدا (7)، مضافا إلى جواز اتحاد الثناء مع الحمد، كما عن ظاهر
الخلاف (8).

(1) المبسوط 1: 147، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 190، المراسم: 77، الوسيلة: 103،
السرائر 1: 292، الشرائع 1: 95، المختصر النافع: 35.
(2) الكافي 3: 422 الصلاة ب 75 ح 6، الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 1.
(3) المعتبر 2: 284، المختصر النافع: 35.
(4) منهم صاحب المدارك 4: 34، والذخيرة: 300، والحدائق 10: 93.
(5) حكاه عنه في المعتبر 2: 284.
(6) المختصر النافع: 35، وحكاه عن السيد في المعتبر 2: 284.
(7) انظر: الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25.
(8) الخلاف 1: 616.
66

وفيهما القراءة أيضا، كالمحكي عن الأكثر (1); لدعوى الإجماع في
الخلاف (2) المردود بعدم الحجية، مضافا إلى أنها على مطلق القراءة الشامل للآية
أيضا، فلا ينطبق على المدعى، إلا مع ما قيل من عدم الفرق بين الخطبتين (3)
الممنوع ثبوته جدا.
ولمن نقص الثانية عن الأولى كالنافع والحلي والسيد (4)، أو الثالثة عنهما كما
عن الأخير (5)، وعن الثانية خاصة كما عن الثالثة أيضا (6)، أو الرابعة عنهما كما عن
الحلبي (7)
ولمن اكتفى عن الرابعة بآية تامة الفائدة، كما عن الخلاف وجماعة (8).
كل ذلك للأصل المندفع بما ذكرنا.
ولمن أوجب الرابعة بين الخطبتين فقط، كما عن الاقتصاد والمهذب
والإصباح والجامع (9); للصحيح: " يخرج الإمام بعد الأذان، فيصعد المنبر،
فيخطب، ولا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثم يقعد الإمام على المنبر قدر
ما يقرأ قل هو الله أحد، ثم يقوم فيفتتح خطبته " (10).
وهو غير دال على مطلوبهم.

(1) حكاه عنهم في الرياض 1: 186.
(2) الخلاف 1: 617
(3) انظر: الرياض 1: 186.
(4) المختصر النافع: 35، السرائر 1: 295، حكاه عن السيد في المعتبر 2: 284.
(5) حكاه عنه في المعتبر 2: 284.
(6) حكاه عنه في نهاية الإحكام 2: 34.
(7) الكافي في الفقه: 151
(8) الخلاف 1: 616، انظر: جامع المقاصد 2: 395 والذخيرة: 300.
(9) المهذب 1: 103، الجامع للشرائع: 94.
(10) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 7، التهذيب 3: 241 / 648، الوسائل 7: 343 أبواب صلاة
الجمعة ب 25 ح 3.
67

فروع:
أ: يجب أن يكون الحمد بلفظه، بلا خلاف ظاهر، بل عن التذكرة الإجماع
عليه (1); لظاهر الإجماع.
وهل يتعين الحمد لله، كما هو صريح جماعة (2)، أو يجزئ مثل الحمد للرحمن،
أو لرب العالمين، كما عن نهاية الإحكام (3)؟.
الثاني أقوى; للأصل. والأول أحوط كما في الصلاة أيضا، فإن الأحوط
الإتيان بلفظها.
ب: هل يتعين في الوعظ نوع خاص من الأمر بالتقوى أو الإطاعة أو
التحذير ونحوها؟ الحق لا; للأصل.
ج: الأولى زيادة الشهادتين في الأولى، والصلاة على أئمة المسلمين،
والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات; لورودها في بعض الأخبار (4).
د: قالوا: يجب الترتيب فيحمد أولا; ثم يصلي، ثم يعظ، ثم يقرأ; لظاهر
الإجماع، والموثقة (5).
وفي ثبوت الأول كلام، كما في دلالة الثانية; للأمر فيها بالتأخير بعد ما لا
يجب قطعا، وباعتبار عدم تعين الصلاة الواجبة من بين الصلاتين المذكورتين
فيها.

(1) التذكرة 1: 150.
(2) كالشهيدين في الذكرى: 236، والمسالك 1: 34، وصاحبي الحدائق 10: 94، والرياض 1:
185.
(3) نهاية الإحكام 2: 33.
(4) كما في الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25.
(5) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 1، التهذيب 3: 243 / 655، الوسائل 7: 342 أبواب
صلاة الجمعة ب 25 ح 2.
68

ه‍: الظاهر عدم وجوب العربية في الخطبتين كما عن المسالك (1); للأصل.
ويؤيده انتفاء الفائدة التي هي علة التشريع لو لم يفهمها العدد. ولو ضم خطبة
- يفهمها السامعون بأي لغة كانت - مع العربية، كان أولى وأحوط.
المسألة الثالثة: يجب تقديم الخطبتين على الصلاة، وفاقا للمعظم، بل في
المدارك: إنه المعروف من مذهب الأصحاب (2)، وفي المنتهى: لا نعرف فيه
مخالفا (3)، وفي الوافي: وهذا مما لا يختلف فيها أحد فيما أظن (4).
لظاهر الإجماع، وللمروي في العلل: فلم جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل
الصلاة، وجعلت في العيدين بعد الصلاة؟ قيل: " لأن الجمعة أمر دائم... " (5).
والمستفيضة المصرحة بأن خطبة النبي قبل الصلاة (6)، والمشتملة على أن
الإمام يخطب قبل الصلاة (7).
فإن في دلالتها على الوجوب وإن كان نظر، إلا أنه يتم باستلزام رجحان
التقديم لوجوبه بالإجماع المركب.
خلافا لظاهر الصدوق، في العيون والعلل والهداية والفقيه، فذهب إلى
تأخرهما عن الصلاة يوم الجمعة (8); لكونهما بدل الركعتين.
ولمرسلته: " أول من قدم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان... " (9).
والأول اجتهاد في مقابلة النص.

(1) المسالك 1: 34.
(2) المدارك 4: 37.
(3) المنتهى 1: 327.
(4) الوافي 9: 1317.
(5) العلل: 265، الوسائل 7: 333 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 15 ح 4.
(6) انظر: الوسائل 7: 332 أبواب صلاة الجمعة ب 15.
(7) انظر: الوسائل 5: أبواب صلاة الجمعة ب 14 و 25.
(8) عيون أخبار الرضا " ع " 2: 110، العلل: 265، الهداية: 34، الفقيه 1: 278.
(9) الفقيه 1: 278 / 1263، الوسائل 7: 332 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 15 ح 3.
69

والثاني ضعيف بالشذوذ، والمعارضة مع أقوى منه وأكثر.
وهل تجب إعادة الصلاة لو عكس؟.
الظاهر: نعم; لوجوب الإتيان بالصلاة بعد الخطبة.
ولو لم يعد عمدا أو لعذر، فهل يبطل ما فعل وتجب الظهر، أم لا؟.
الظاهر: الأول; لأن وجوب الإعادة ولو في الجملة يدل على عدم كون ما
أتى به موافقا للمأمور به، ولأن الأمر بالخطبة قبل الصلاة نهى عن ضده الذي هو
الصلاة قبل الخطبة، والنهي يوجب الفساد.
المسألة الرابعة: يجوز إيقاع الخطبتين بعد تحقق الزوال، وقبله على الأظهر،
وفاقا في الأول للأكثر، بل عليه الإجماع في كلام جماعة (1)، وفي الثاني، للخلاف
والمبسوط (2)، والقاضي والمحقق (3)، وعن الشهيدين الميل إليه (4)، واختاره جمع من
المتأخرين منهم: صاحب الذخيرة والفاضل الهندي (5)، ونسبه في النافع إلى أشهر
الروايتين (6)، بل عن الخلاف: الإجماع عليه (7).
للأصل فيهما.
وظاهر الإجماع في الأول.
والروايات الدالة على توقيت الصلاة بأول الزوال المستلزم لجواز تقديم
الخطبتين عليه (8)، وصحيحة ابن سنان: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي
الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، ويخطب في الظل الأول فيقول جبرئيل:

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 560، والرياض 1: 187.
(2) الخلاف 1: 620، المبسوط 1: 151.
(3) القاضي في المهذب 1: 103، المحقق في المعتبر 2: 287، والشرائع 1: 95.
(4) الشهيد الأول في الذكرى: 236، والبيان: 189، الشهيد الثاني في المسالك 1: 34.
(5) الذخيرة: 311، كشف اللثام 1: 249.
(6) المختصر النافع: 35.
(7) الخلاف 1: 621.
(8) الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة ب 8.
70

يا محمد - صلى الله عليه وآله - قد زالت الشمس، فأنزل فصل " (1) في الثاني.
وتأويل الصلاة في الروايات بها وما في حكمها - أعني الخطبة - لكونها بدلا
من الركعتين، خلاف الأصل والظاهر.
كتأويل الخطبة في الصحيحة بالتأهب لها كما عن التذكرة (2).
أو تأويل الظل الأول بأول الفئ كما عن المنتهى (3)، أو بما قبل المثل من
الفئ، والزوال بالزوال عن المثل كما عن المختلف (4).
أو حملها على أنه إذا أراد تطويل الخطبة كان يشرع فيها قبل الزوال، ولم
ينوها خطبة الصلاة، حتى إذا زالت الشمس كان يأتي بالواجب منها للصلاة، ثم
ينزل فيصلي.
ولا ينافي المطلوب تصريح الصحيحة بأن الصلاة كانت حين تزول الشمس
قدر شراك، فلا تكون أول الزوال بل بعده; لأن قدر الشراك كناية عن غاية
القلة. وحمله على طوله أو موضع القدم منه خلاف الظاهر جدا. مع أن النزول
عن المنبر بعد الخطبتين وتسوية الصفوف يستدعي هذا القدر من الوقت أيضا،
فلا تكون الخطبة إلا قبل الزوال، بل لا يحصل العلم بالزوال قبله. مع أن ما بعد
هذا اللفظ من قوله: " في الظل الأول " وقول جبرئيل: " قد زالت الشمس فأنزل "
صريح في وقوعها قبله.
والقول (5): بأن الأولية أمر إضافي يختلف باختلاف المضاف إليه.
وأنه لا بد من تقدير شئ مع الظل الأول، وليس تقدير ابتدائه مثلا أولى
من تقدير انقضائه.

(1) التهذيب 3: 12 / 42، الوسائل 7: 316 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 4.
(2) التذكرة 1: 151.
(3) المنتهى 1: 325.
(4) المختلف 104.
(5) انظر: جامع المقاصد 2: 393.
71

وأن معنى قول جبرئيل: " أنه قد زالت ": قدر شراك، بقرينة ما قبله.
ساقط جدا:
أما الأول، فلأن الظل مستعمل مقابل الفئ، والأول قبل الزوال، والثاني
بعده، وقد يوصف بالأول لتأكيد بيان قبلية الزوال - كما في طائر يطير بجناحيه -
حيث قد يطلق الظل على ما بعد الزوال أيضا.
وأما الثاني، فلمنع الاحتياج إلى التقدير، فإن المراد إيقاع الخطبتين قبل
الزوال، وأما كونه آخر الظل الأول أو قبله فلا، بل يحصل المراد بمجرد ظرفيته
لهما، والظرف لا تجب مساواته للمظروف.
وأما الثالث، فلمنع كون المعنى ذلك، بل المراد أنه قد حصل الزوال.
وإنما كان يصلي قدر الشراك، لما مر من إخبار جبرئيل، والنزول والتقدم وتسوية
الصفوف.
خلافا للمحكي عن ابن حمزة في الأول، فأوجب تقديمهما على الزوال (1);
ولعله لما مر من الأخبار الدالة على وجوب الصلاة بمجرد الزوال وتضيق وقتها.
وهو كان حسنا لولا الإجماع على جواز الإيقاع بعد الزوال، كما هو المحقق
ظاهرا - لعدم قدح مخالفة واحد فيه - والمصرح به في كلام جماعة. مضافا إلى أن
الأمر بفعل في وقت وإرادته مع مقدماته شائعة، خصوصا مثل الخطبة التي هي
كجزء من الصلاة.
وللسيد والعماني والحلبي والحلي والفاضل (2)، وجمع آخر (3)، ونسبه في
الذكرى إلى معظم الأصحاب (4)، وعن روض الجنان والتذكرة شهرته (5)، في

(1) الوسيلة: 104.
(2) حكاه عن مصباح السيد في السرائر 1: 296، وعن العماني في المختلف: 104، الحلبي في الكافي في
الفقه: 151، الحلي في السرائر 1: 296، الفاضل في نهاية الإحكام 2: 35، والمختلف: 104،
والتذكرة 1: 151.
(3) كصاحبي الحدائق 10: 11، والرياض 1: 187.
(4) الذكرى: 236.
(5) روض الجنان: 293، التذكرة 1: 151.
72

الثاني، فأوجبوا إيقاعهما بعد الزوال.
لأصل الاشتغال.
وما دل على أن الخطبة بعد الأذان من الآية (1) والرواية (2).
وعلى أن الخطبتين عوض من الركعتين (3)، فإن البدل وقته وقت المبدل منه.
ورواية ابن ميمون: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى
الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون " (4).
واستحباب التنفل بركعتين عند الزوال، فلو وقعت الخطبة قبله لزم تخلل
النافلة بينها وبين الصلاة.
ويضعف الأول: باندفاعه بالإطلاقات وبما مر.
والثاني: بعدم دلالته على التعين والوجوب، بل غايته الرجحان. مضافا إلى
ابتنائه في الآية والروايات على وجوب كون الأذان يوم الجمعة عند الزوال، وعدم
جواز الأذان للخطبة قبله، وهو - كما قيل (5) - ممنوع. وفي الآية على إرادة الأذان
للصلاة من النداء، والخطبة من الذكر، وهما ممنوعان.
والثالث: بمنع البدلية أولا، ووجوب الاتحاد في الوقت ثانيا سيما إذا علم
تغاير الوقتين في الجملة، فإنهما لو كانا بدلا لكانا عن الركعتين الأخيرتين، فلا
يكون وقتهما أول الزوال قطعا; لوجوب تأخيرهما عن الأوليين، مع أنه يجوز.
والرابع: باحتمال أن يكون القعود بعد الخطبة، مضافا إلى عدم دلالته على
الوجوب.

(1) الجمعة: 9.
(2) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 7، التهذيب 3: 241 / 648، الوسائل 7: 343 أبواب صلاة
الجمعة ب 25 ح 3.
(3) انظر: الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة ب 6.
(4) التهذيب 3: 244 / 663، الوسائل 7: 349 أبواب صلاة الجمعة ب 28 ح 2.
(5) انظر: الذخيرة 312.
73

والخامس: بجواز اختصاص التنفل بمن لم يقدم الخطبة.
المسألة الخامسة: يجب القيام في الخطبتين بلا خلاف، كما صرح به
جماعة (1)، بل هو مذهب الأصحاب، كما في المدارك (2)، بل إجماعي، كما عن
التذكرة وروض الجنان وشرح القواعد (3); لظاهر الإجماع المؤيد بجملة من
الأخبار، كصحيحتي معاوية بن وهب (4)، وعمر بن يزيد (5)، والمروي في تفسير
القمي: عن الجمعة كيف يخطب الإمام؟ قال: " يخطب قائما إن الله تعالى يقول:
" وتركوك قائما. " (6).
وقد يستدل له بهذه الأخبار. وفي دلالتها على الوجوب نظر.
كما قد يستدل أيضا بما ورد أنهما صلاة حتى ينزل [الإمام] (7) فإن دلالته إنما
يتم على ثبوت عموم المنزلة، أو التشبيه، وهو ممنوع، مع أن جميع أجزاء الصلاة
لا يجب فيه القيام.
ثم لو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته، وصلاة من علم بذلك من
المأمومين; ويعلم وجهه مما سبق، فيما إذا أخرهما عن الصلاة.
وأما من لم يعلمه فصلاته صحيحة، وإن رآه جالسا، وإن انكشف له عدم
العذر; لإتيانه بما كان مأمورا به له على وجهه حينئذ، ولأن المستند التام ينحصر
في الإجماع المنتفي هنا.
ومنه يعلم أنه يجوز الجلوس مع عدم إمكان القيام; للأصل، واختصاص

(1) انظر. مجمع الفائدة 2: 341، والحدائق 10: 84، والرياض 1: 186.
(2) المدارك 4: 38.
(3) التذكرة 1: 151، روض الجنان: 285، جامع المقاصد 2: 398.
(4) التهذيب 3: 20 / 74، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.
(5) التهذيب 3: 245 / 664، الإستبصار 1: 418 / 1607، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة
ب 2 ح 10.
(6) تفسير القمي 2: 367، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 16 ح 3.
(7) أضفناه من المصدر، انظر: الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 2.
74

الإجماع بحال الإمكان، فلا تجب الاستنابة.
وهل تجب فيه الطمأنينة؟.
صريح الفاضل وغيره: نعم (1); للتأسي، وعموم التشبيه والبدلية، وأصل
الاشتغال.
والكل ضعيف، يظهر وجهه مما سبق. والأصل ينفيه.
المسألة السادسة: لا شك في رجحان اتحاد الخطيب والإمام; للاحتياط،
والمروي في تفسير القمي المتقدم، وقوله في موثقة سماعة السابقة: " وأما إذا لم يكن
إمام يخطب فهي أربع ركعات " (2).
وفي صحيحة زرارة: " لمكان الخطبتين مع الإمام " (3).
وفي رواية العلل المتقدمة بعد بيان علة الخطبة: " وليس بفاعل غيره ممن يؤم
الناس في غير يوم الجمعة " (4).
وقوله في صحيحة أخرى لزرارة تقدمت: " أمهم بعضهم وخطبهم " (5).
وللاتحاد في صلاة النبي والأئمة عليهم السلام.
والأخبار المتضمنة للنهي عن الكلام والإمام يخطب (6).
وهل يجب ذلك كما عن الراوندي في أحكام القرآن والمنتهى والتذكرة (7)، لما

(1) انظر: التذكرة 1: 151، والمدارك 4: 38، والذخيرة: 299.
(2) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 4، التهذيب 3: 19 / 70، الوسائل 7: 310 أبواب صلاة
الجمعة ب 5 ح 3.
(3) الفقيه 1: 124 / 600، الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 1.
(4) العلل: 265، الوسائل 7: 344 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 6.
(5) الفقيه 1: 267 / 1218، الوسائل 7: 304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 4.
(6) الوسائل 7: 330 أبواب صلاة الجمعة ب 14.
(7) فقه القرآن: 135، المنتهى 1: 324، التذكرة 1: 146.
75

مر كلا أو بعضا. أولا كما عن نهاية الإحكام (1)، وظاهر المدارك والذخيرة:
التردد (2)، للأصل.
الحق هو الثاني; لما ذكر، وعدم دلالة شئ مما مر على الوجوب حتى موثقة
سماعة، لجواز أن يراد بالإمام فيها مطلق من يتبع ولو في أمر أو نهي، مع ما مر من
الإجمال في معنى قوله " يخطب ".
المسألة السابعة: ويجب الفصل بينهما بجلوس، على الأشهر الأظهر; لقوله
عليه السلام في صحيحة عمر بن يزيد: " وليقعد قعدة بين الخطبتين " (3) المؤيد
بصحيحة ابن وهب السابقة (4).
والتأسي.
وقوله في موثقة سماعة بعد الخطبة الأولى: " ثم يجلس ثم يقوم " (5).
وفي حسنة محمد - أو صحيحته - بعد ذكر الخطبة والأمر بالقراءة: " ثم
تجلس قدر ما يمكن هنيئة ثم تقوم " (6).
وفي صحيحة محمد بن النعمان في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام بعد
الخطبة الأولى: " ثم جلس قليلا ثم قام " (7).
وفي مرسلة الفقيه بعد ذكر الخطبة الأولى: " ثم يجلس جلسة خفيفة ثم

(1) نهاية الإحكام 2: 18.
(2) المدارك 4: 39، الذخيرة: 299.
(3) التهذيب 3: 245 / 664، الإستبصار 1: 418 / 1607، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة
ب 2 ح 10.
(4) في ص 74.
(5) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 1، التهذيب 3: 243 / 655، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة
الجمعة ب 25 ح 2.
(6) الكافي 3: 422 الصلاة ب 75 ح 6، الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 1.
(7) الكافي 8: 173 خطبة الجمعة لأمير المؤمنين عليه السلام ح 194.
76

يقوم " (1).
وفي حسنة محمد: " ثم يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد
ثم يقوم " (2).
خلافا للمحكي عن ظاهر المهذب والنهاية، فقالا باستحبابه (3)، وعن
النافع والمعتبر والمنتهى فترددا في الوجوب (4); للأصل المندفع بما مر.
ويستحب كون الجلسة خفيفة، وأن تكون بقدر قراءة سورة التوحيد; لما
مر.
وأن يكون حال الجلوس ساكتا; لقوله في صحيحة ابن وهب: " يجلس
بينهما جلسة لا يتكلم فيها ".
وحمله على النهي عن التكلم بالخطبة (5)، خلاف مقتضى عمومه.
ولا يجب ذلك وفاقا لبعضهم (6); للأصل.
وقيل بالوجوب; للنهي المذكور (7).
ويرد بعدم صراحته في الحرمة كما هو شأن الجمل الخبرية.
وفي اشتراط الطمأنينة في الجلوس قول (8)، ينفيه الأصل.
ولو خطب جالسا لعذر يفصل بينهما بسكتة عند جماعة (9)، وبضجعة على

(1) الفقيه 1: 275 / 1261، الوسائل 7: 407 أبواب صلاة الجمعة ب 53 ح 3.
(2) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 7، التهذيب 3: 241 / 648، الوسائل 7: 343 أبواب
صلاة الجمعة ب 25 ح 3.
(3) المهذب 1: 103، النهاية: 105.
(4) النافع: 35، المعتبر 2: 285، المنتهى 1: 327.
(5) كما في جامع المقاصد 2: 399.
(6) كصاحبي الحدائق 10: 88، والرياض 1: 186.
(7) كما في الذكرى: 236.
(8) كما في التذكرة 1: 151، والروض: 294، والمدارك 4: 39.
(9) انظر: المنتهى 1: 327، وجامع المقاصد 2: 399، والمدارك 4: 40.
77

ما احتمله في التذكرة (1).
ولا دليل على شئ منهما، إلا أن يستدل للأول بوجوب الجلسة مع
السكوت، وما لا يدرك كله لا يترك كله.
ويرد: بمنع وجوب السكوت، فيجوز الفصل بدعاء ونحوه أيضا. بل لولا
احتمال الإجماع لكان الحكم بعدم وجوب الفصل أيضا قويا، إلا أن يدعى توقف
تحقق التعدد بالفصل، وفيه نظر.
المسألة الثامنة: لا تشترط فيهما الطهارة على الأصح، وفاقا للحلي والنافع
والشرائع والمعتبر والمختلف والتبصرة والذخيرة والقواعد (2)، وغيرها (3); للأصل
والإطلاقات، الخاليين عن المخرج.
خلافا للخلاف والمبسوط وابن حمزة والمنتهى والروضة وروض الجنان وشرح
القواعد وظاهر التذكرة (4)، وغير واحد من المتأخرين (5).
للتأسي.
والاحتياط.
وعموم التشبيه أو وجوب الحمل على أقرب المجازات حيث انتفت الحقيقة،
في صحيحة ابن سنان: " إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي
صلاة حتى ينزل الإمام " (6).
واقتضاء وجوب الموالاة بين الخطبة والصلاة له.

(1) التذكرة 1: 151.
(2) السرائر 1: 291، المختصر النافع: 35، الشرائع 1: 95، المعتبر 2: 285، المختلف: 103،
التبصرة: 31، الذخيرة: 315، القواعد 1: 37.
(3) انظر: مجمع الفائدة 2: 384، وكشف اللثام 1: 251.
(4) الخلاف 1: 618، المبسوط 1: 147، الوسيلة: 103، المنتهى 1: 327، الروضة 1: 298،
الروض: 296، جامع المقاصد 2: 401، التذكرة 1: 151.
(5) كصاحبي المدارك 4: 41، والرياض 1: 186.
(6) التهذيب 3: 12 / 42، الوسائل 7: 313 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 4.
78

وقضية البدلية.
ويرد الأول - على فرض ثبوت كون النبي متطهرا في الخطبة دائما، وهو ممنوع -
بعدم وجوبه، كما بينا في موضعه.
وكذا الثاني إن أريد من حيث إنه احتياط; وإن أريد من جهة استصحاب
الاشتغال فيعارض باستصحاب عدمه بالطهارة.
والثالث: بمنع عمومه، وعدم دليل على الحمل على أقرب المجازات، كما
بين الحكمان في موضعهما.
مضافا إلى احتمال إرادة المعنى اللغوي من الصلاة; لتقدم الحقيقة اللغوية
على المجاز الشرعي. واحتمال عود الضمير إلى الجمعة كما تلائمه الوحدة.
وإن ضعف الأول منهما: بثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة أولا، وعدم
إمكان إرادة الحقيقة اللغوية - لعدم كون الخطبة دعاء فقط - ثانيا، وعدم ملائمته
لفاء التفريع ثالثا. والثاني: بانتفاء ذلك الاحتمال; لما في الرواية من الغاية، مع
معارضة الوحدة بالقرب، وتوسط الضمير بين اسمين، فتجوز مراعاة أيهما كان في
المطابقة.
والرابع: بمنع وجوب الموالاة أولا، ومنع اقتضائه لاشتراط الطهارة; لجواز
التطهر في أثناء الخطبة أو في المسافة بين المنبر والمحراب ثانيا.
والخامس: بمنع البدلية أولا، ومنع اقتضائها الاشتراك في جميع الأحكام
ثانيا، ولذا لم يشترط فيهما القبلة والتسليم والتكبير ونحوها. هذا حكم الحدث.
ولا تشترط الطهارة من الخبث أيضا; لما مر. ويظهر من بعضهم أن عدم
اشتراطها مسلم عند المشترطين للطهارة من الحدث.
وظاهر المنتهى وبعض آخر اشتراطها (1); لعين ما مر بجوابه.
ومما ذكر يظهر عدم اشتراط شئ من الطهارتين في السامعين أيضا، كما هو
ظاهر الأكثر، حيث قيدوا بالخطيب أو الإمام.

(1) المنتهى 1: 327، وانظر: البيان: 189.
79

ويظهر من بعض متأخري المتأخرين الميل إلى اشتراطها فيهم (1)، وهو
ضعيف غايته.
المسألة التاسعة: هل يجب على الخطيب رفع الصوت بحيث يسمعها العدد
المعتبر فصاعدا، أم لا؟.
تردد فيه في الشرائع (2)، وهو في موقعه، بل مقتضى الأصل العدم.
وجزم بالوجوب في القواعد وشرحه (3).
لأصل الاشتغال.
والتأسي، فإنه روي: أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا خطب رفع
صوته كأنه منذر جيش (4).
ولأن المقصود من الخطبة لا يحصل بدونه.
ويرد الأول: بما مر مرارا.
وكذا الثاني، مضافا إلى منع ثبوت ذلك دائما من النبي صلى الله عليه وآله،
والرواية ضعيفة، ولو ثبتت لدلت على رفع الصوت كثيرا، وهو غير واجب قطعا.
والثالث: بمنع انحصار المقصود في فهم الحاضرين، بل لا دليل على كونه
مقصودا في التحميد والصلاة، وهما أيضا من الخطبة. ولو كان المقصود منحصرا
فيه لزم رفع الصوت بحيث يسمعه جميع من تجب عليه الجمعة، ولا يقولون
بذلك، بل لا دليل عليه. فما يجعلونه فائدة لحضور الباقين يكون فائدة لمطلق
الخطبة.
وكذا فائدته فائدة الخطبة عند تعذر رفع الصوت بهذا القدر، وفائدته

(1) انظر: الذخيرة: 315، والحدائق 10: 102، والرياض 1: 186.
(2) الشرائع 1: 95.
(3) القواعد 1: 37، جامع المقاصد 2: 399.
(4) صحيح مسلم 2: 592 / 43 بتفاوت يسير.
80

لحضور الأصم، ولذا اشترط بعضهم فيهما العربية ولو لم يفهمها العدد (1)، فيمكن
أن تكون تعبدا كالصلاة والقنوت بالعربي والإنصات للقرآن بالنسبة إلى من لا
يفهم العربية.
وأما رواية العلل المتقدمة (2) فلا تدل إلا على أن شرع الخطبة لأن يكون سبب
للأمير للترغيب والتحذير، ومقتضاه أنه إذا أراد ذلك كان له باعث، ولم يقل أن
شرعها للترغيب والتحذير.
نعم يستحب الرفع بحيث يسمع كل من يمكن قطعا.
المسألة العاشرة: لا يجب إصغاء العدد ولا الحاضرين للخطبة، وفاقا
للمعتبر والنافع والمبسوط والذخيرة (3); للأصل، ولأن تخصيص الوجوب بالعدد
تخصيص بلا دليل، وتعميمه يوجب التكليف بالممتنع إن لم نوجب رفع الصوت
على الخطيب بحيث يسمعه الكل، وما لا يقولون به، ولا دليل عليه إن أوجبناه.
خلافا للأكثر كما صرح به بعض من تأخر (4).
لبعض ما مر.
وللأمر في الآية بالإنصات والاستماع للقرآن (5)، وورد ورود الآية في
الخطبة (6)، وسميت قرآنا لاشتمالها عليه.
وللصحيحة المتقدمة المصرحة بأنها صلاة حتى ينزل الإمام (7).

(1) كما في المدارك 4: 35.
(2) في ص 69.
(3) المعتبر 2: 294، النافع 1: 36، المبسوط 1: 148، الذخيرة: 315.
(4) انظر: جامع المقاصد 2: 401، والمدارك 4: 63، وكفاية الأحكام: 21.
(5) الأعراف: 204.
(6) انظر: مجمع البيان 2: 515، وتفسير الفخر الرازي 5: 102.
(7) راجع ص 78.
81

والنصوص الكثيرة الآتية الناهية عن الكلام في أثناء الخطبة (1); لظهور أن
وجه النهي فيها إنما هو وجوب الإصغاء.
وبعض الأخبار المتقدمة المتضمنة لقوله: " خطبهم " و " يخطب بهم " فإنه لا
يتحقق بدون الإصغاء.
ويضعف ما مر: بما مر، سيما ما ذكروه من انتفاء الفائدة، فإن استماع الكل
- سيما في المدن الكبيرة مع ذلك الاجتماع العظيم - ممتنع عادة، ففائدة حضور من
لا يمكنه السماع - مع وجوب الجمعة عليه قطعا - هي الفائدة في المطلق.
والثاني: بمنع ورودها في الخطبة، وضعف مستنده، ومعارضته مع ما عن
بعض التفاسير أنها في الصلاة المكتوبة (2)، وعن تفسير القمي: " أنها في صلاة
الإمام الذي يأتم به " (2) وعن التبيان: أن فيها أقوالا (4).
- والقول بكفاية إطلاقها; لشمولها للقراءة في الخطبة، فيتم المطلوب
بالإجماع المركب.
مردود بأن الإجماع المركب إنما يفيد لو كان الإنصات حال القراءة لأجل أنها
جزء من الخطبة، وأما لأجل أنها قرآن فلا إجماع أصلا. مع أنه على الإطلاق يرد
عليه عدم وجوب الإنصات في المطلق، والتخصيص بالبعض ليس أولى من
الحمل على الاستحباب.
والثالث: بما مر، مضافا إلى أنه لا يدل على أزيد على أن الخطيب في
الصلاة، دون السامعين، سلمنا ولكن لا يجب الإصغاء في الصلاة.
والرابع - بعد تسليم حرمة الكلام -: بمنع انحصار وجهها في الإصغاء،
مع أن الإصغاء ممكن مع الكلام أيضا، كما أن عدمه يكون مع عدمه، ويمكن
أن يكون وجهها كونها صلاة كما يقولون هؤلاء به.

(1) انظر: الوسائل 7: 330 أبواب صلاة الجمعة ب 14.
(2) انظر: مجمع البيان 2: 515.
(3) تفسير القمي 1: 254.
(5) التبيان 5: 67.
82

والخامس. بمنع توقف الخطبة لهم على ذلك، فإنه يصدق بمجرد الخطبة
في محضر منهم.
نعم يستحب الإصغاء إجماعا; له، ولبعض ما مر، وللمروي في الدعائم:
" يستقبل الناس الإمام عند الخطبة بوجوههم ويصغون إليه " (1).
المسألة الحادية عشرة: لا خلاف في مرجوحية الكلام للإمام والمأمومين في
أثناء الخطبة، وتدل عليها المستفيضة: كصحيحة محمد: " إذا خطب الإمام يوم
الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتى يفرغ من خطبته، فإذا فرغ تكلم ما بينه
وبين ما أن تقام الصلاة " (2).
والمرويات في قرب الإسناد: أحدها: " يكره الكلام يوم الجمعة والإمام
يخطب، وفي الفطر والأضحى والاستسقاء " (3).
والثاني. " إن عليا كان يكره رد السلام والإمام يخطب " (4).
والثالث: " ورجل شهدها - أي الجمعة - والإمام يخطب فقام يصلي، فقد
أخطأ السنة " (5).
والمستفيضة المصرحة بأنه: " لا كلام والإمام يخطب " (6) وأنه: " لا يصلي
الناس ما دام الإمام على المنبر " (7).

(1) الدعائم 1: 183، مستدرك الوسائل 6: 22 أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 5.
(2) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 2، التهذيب 3: 20 / 71، الوسائل 7: 330 أبواب صلاة
الجمعة ب 14 ح 1.
(3) قرب الإسناد: 150 / 544، الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 5.
(4) قرب الإسناد: 149 / 539، الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 6.
(5) قرب الإسناد: 34 / 111، الوسائل 7: 416 أبواب صلاة الجمعة ب 58 ح 1.
(6) انظر: الوسائل 7: 330 أبواب صلاة الجمعة ب 14.
(7) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 7، التهذيب 3: 241 / 648، الوسائل 7: 343 أبواب صلاة
الجمعة ب 25 ح 3.
83

والنبوي: " إذا قلت لصاحبك: انصت، والإمام يخطب، فقد لغوت " (1).
وهل يحرم ذلك؟ كالمشهور، ومنهم: الشيخ في النهاية والخلاف مدعيا فيه
الإجماع عليها (2).
أولا؟ كالمبسوط وموضع من الخلاف (3)، على ما قيل (4) - وإن أنكره
بعضهم، وهو كذلك، فإن كلامه في هذا الموضع الذي صرح فيه بالكراهة وعدم
الحظر إنما هو في الكلام ما بين الخطبة والصلاة، كما يظهر من دليله - والمحقق
والذخيرة (5).
الحق هو الأول، لا للمستفيضة الأخيرة; لعدم دلالتها على الحرمة، مع
كون النهي عن الصلاة أخص من المدعى. ولا لقوله: " هي صلاة حتى ينزل " لما
مر.
بل لصحيحة محمد: " لا بأس أن يتكلم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة
يوم الجمعة ما بينه وبين أن تقام الصلاة " (6).
دلت بمفهوم الشرط على ثبوت البأس الذي هو العذاب في التكلم قبل
الفراغ.
والمروي في مجالس الصدوق في مناهي النبي: " أنه نهى عن الكلام يوم
الجمعة والإمام يخطب، فمن فعل ذلك فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له " (7).
وفي دعائم الإسلام: عن الصادق عليه السلام: " إذا قام الإمام يخطب،

(1) سنن ابن ماجة 1: 352 / 1110، سنن أبي داود 1: 290 / 1112، سنن الدارمي 1: 364.
(2) النهاية: 105، الخلاف 1: 615.
(3) المبسوط 1: 148، الخلاف 1: 625.
(4) انظر: المهذب البارع 1: 409، والذخيرة: 315، والحدائق 10: 96.
(5) المحقق في الشرائع 1: 97 و 99، والمختصر: 36، والمعتبر 2: 294، الذخيرة: 315.
(6) الفقيه 1: 269 / 1229، الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 3.
(7) أمالي الصدوق: 347، الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 4.
84

فقد وجب على الناس الصمت " (1).
وفيه أيضا: عنه عليه السلام: " إنما جعلت الخطبة عوضا عن الركعتين
اللتين أسقطتا من صلاة الظهر، فهي كالصلاة لا يحل فيها إلا ما يحل في
الصلاة " (2).
وضعف هذه بالشهرة المحكية (3)، بل المحققة، بل الإجماع المنقول في
الخلاف (4)، منجبر.
احتج المخالف: بالأصل الخالي عن المخرج; لعدم دلالة بعض ما جعلوه
مخرجا حتى صحيحة محمد، لعدم صراحة ثبوت البأس في الحرمة، وضعف
الباقي.
وبقوله: لا ينبغي ويكره، في الروايات السابقة.
وبعض الروايات العامية (5).
وجواب الأول ظهر مما مر.
ويجاب عن الثاني بأعمية اللفظين، فيشملان الحرام أيضا.
وعن الثالث بعدم الحجية.
فروع:
أ: هل ترك الكلام واجب فقط، أو شرط في صحة الصلاة أيضا؟.
الظاهر الأول، بل ادعي نفي القول بخلافه (6)، بل عن نهاية الإحكام:

(1) الدعائم 1: 182، مستدرك الوسائل 6: 22 أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 2.
(2) الدعائم 1: 183، مستدرك الوسائل 6: 15 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 2.
(3) انظر: الحدائق 10: 96، والرياض 1: 189.
(4) الخلاف 1: 615.
(5) انظر: سنن البيهقي 3: 221.
(6) كما في الذخيرة: 315، والحدائق 10: 100.
85

الإجماع على عدم البطلان (1); للأصل.
وعن المسالك وروض الجنان: الاشتراط في العدد دون الزائد (2). والأصل
ينفيه.
ب: استحباب الإصغاء وحرمة الكلام هل يختص بالعدد أم يشمل
الجميع؟.
الظاهر الثاني; لعموم الأدلة.
وعن التذكرة: الأول، إلا أن يمنع تكلم غير العدد عن سماع العدد (3).
ج: هل يختص الأمران بالمتمكن عن السماع، أو يعم غيره أيضا كالبعيد،
والأصم؟.
المحكي عن بعضهم: الثاني (4).
وهو كذلك في حرمة الكلام، وفاقا للمحكي عن المسالك وروض الجنان
وحواشي القواعد والمنتهى (5); للعموم. دون الإصغاء; لعدم إمكانه في حقهما.
د: هل يحرم غير الكلام مما يحرم في الصلاة كالالتفات ونحوه، أم لا؟.
الظاهر: الثاني; للأصل.
وقال بعض متأخري الأخباريين بالأول (6)، ونقله عن السيد; لرواية
الدعائم. ويضعف بالضعف.

(1) نهاية الإحكام 2: 38.
(2) المسالك 1: 35، الروض: 297.
(3) التذكرة 1: 152.
(4) كما في الحدائق 10: 100.
(5) المسالك 1: 297، الروض: 297، المنتهى 1: 331.
(6) انظر: الحدائق 10: 100.
86

ه‍: هل تختص الحرمة بحال الاشتغال بالخطبة، أو تعم حال السكوت بين
الخطبتين أيضا؟.
المحكي عن النهاية والتذكرة: الأول (1); للأصل.
وعن المسالك وروض الجنان وظاهر الروضة: الثاني (2).
وهو الأقوى، لا لقوله: " وهي صلاة حتى ينزل [الإمام] " (3) لما عرفت، ولا
لقوله في صحيحة ابن وهب: " يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها " (4) لعدم دلالته
على الوجوب، واختصاصه بالإمام.
بل لمفهوم الشرط في صحيحة محمد المتقدمة (5)، وبه يندفع الأصل المتقدم.
و: هل حرمة الكلام تختص بغير الإمام؟ كما عن ظاهر نهاية الشيخ والحلي
والحلبي ونهاية الإحكام والدروس والبيان (6).
أو تعمه أيضا؟ كظاهر الروضة وروض الجنان والمسالك (7) وحواشي
القواعد، وبعض آخر (8).
الحق هو الأول; للأصل، واختصاص الأدلة بغيره، ويؤيده بعض الأخبار

(1) نهاية الإحكام 2: 38، التذكرة 1: 152.
(2) المسالك 1: 35، الروض: 297، الروضة 1: 298.
(3) التهذيب 3: 12 / 42، الوسائل 7: 313 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 4; وما بين المعقوفين
أضفناه من المصدر.
(4) التهذيب 3: 20 / 74، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.
(5) في ص 83.
(6) النهاية: 105، الحلي في السرائر 1: 295، الحلي في الكافي في الفقه: 152، نهاية الإحكام 2:
38، الدروس 1: 187، البيان: 189.
(7) الروضة 1: 298، الروض: 297، المسالك 1: 35.
(8) كالمهذب البارع 1: 410، والحدائق 10: 101.
87

النبوية الدالة على تكلمه في أثناء الخطبة (1).
وللمخالف بعض ما مر - مع جوابه - من تنزيلها منزلة الصلاة.
ز: لا بأس بالتكلم ما بين الخطبة والصلاة، للأصل، وبعض ما تقدم من
الأخبار (2).
المسألة الثانية عشرة: يستحب أن يكون الخطيب بليغا جامعا بين الفصاحة
- التي هي خلوص الكلام عن ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد، وعن
كونها غريبة وحشية - وبين القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من
الزمان والمكان والحاضرين، مع الاحتراز عن الإيجاز المخل، والتطويل الممل;
ليكون كلامه أوقع في القلوب، وبه يحصل من الخطبة المطلوب.
مواظبا على الطاعات، مجانبا عن المحرمات; ليكون وعظه أبلغ تأثيرا، ولا
يكون من الذين يقولون ما لا يفعلون.
متعمما مترديا شتاء وصيفا; لرواية سماعة (3)، وصحيحة عمر بن يزيد (4).
معتمدا حال الخطبة على سيف أو قوس أو عصا; للأخيرة.
قائما على مرتفع من منبر ونحوه; لفعل الحجج، وبعض الأخبار (5).
وأن يكون أذان المؤذن بعد صعود المنبر، أو جلوسه; لرواية ابن ميمون (6)،
ورواية الدعائم: " إذا صد الإمام المنبر جلس، فأذن المؤذنون بين يديه، فإذا
فرغوا من الأذان قام فخطب " (7).

(1) صحيح مسلم 2: 596 و 597 ب 14 و 15.
(2) في ص 84، الهامش 6.
(3) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 1، التهذيب 3: 243 / 655، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة
الجمعة ب 24 ح 1; بتفاوت يسير.
(4) التهذيب 3: 245 / 664، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة ب 24 ح 2.
(5) الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.
(6) التهذيب 3: 244 / 663، الوسائل 7: 349 أبواب صلاة الجمعة ب 28 ح 2.
(7) الدعائم 1: 183، مستدرك الوسائل 6: 15 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 3.
88

وأما بعض الروايات الدالة على تقديم الأذان فلا يفيد أزيد من
الرخصة (1).
وأن يستقبل الناس بوجهه عند الخطبة، ويستقبله الناس; لمرسلة الفقيه:
" كل واعظ قبلة، وكل موعوظ قبلة للواعظ " يعني في الجمعة والعيدين وصلاة
الاستسقاء في الخطبة يستقبلهم الإمام، ويستقبلونه حتى يفرغ من خطبته " (2).
وقريبة منها رواية السكوني (3).
وأن يجلس أمام الخطبة; لبعض ما مر، مضافا إلى نفي الخلاف عنه في
بعض العبائر (4).
وأن يسلم على الناس إذا استقبلهم; لمرفوعة عمرو بن جميع (5).
خلافا للخلاف (6); لأصالة البراءة.
وهو كان حسنا لولا المرفوعة المنجبرة بالشهرة، مضافا إلى ثبوت المسامحة في
المقام، وعموم أدلة استحباب التسليم الشامل للمسألة.
ولذا عن الفاضل في النهاية والتذكرة: استحبابه مرتين، مرة إذا دنا المنبر
يسلم على من عنده، قال: لاستحباب التسليم لكل وارد، وأخرى إذا صعده،
فانتهى إلى الدرجة التي يلي القعود (7).
الرابع من الشرائط: الجماعة، فلا تصح فرادى، إجماعا من المسلمين، وبه
استفاضت النصوص، وقد تقدم شطر منها.

(1) انظر: الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.
(2) الفقيه 1: 275 / 1261، ولا يوجد فيه: في الخطبة... إلى آخر المرسلة، الوسائل 7: 407 أبواب
صلاة الجمعة ب 53 ح 3.
(3) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 9، الوسائل 7: 407 أبواب صلاة الجمعة ب 53 ح 1.
(4) كما في الرياض 1: 187.
(5) التهذيب 2: 244 / 662، الوسائل 7: 349 أبواب صلاة الجمعة ب 28 ح 1.
(6) الخلاف 1: 624.
(7) نهاية الإحكام 2: 40، التذكرة 1: 152.
89

وهل اشتراطها إنما هو في الابتداء خاصة؟ كما عن جماعة (1)، بل لعلهم
الأكثر.
أو تشترط استدامة أيضا؟ كما عن المنتهى والبيان (2)، ونسب إلى محتمل
الشرائع والقواعد (3).
مقتضى الاستصحاب المتقدم في العدد: الأول، وظاهر إطلاق بعض
الأخبار: الثاني.
وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: تتحقق الجماعة بنية اقتداء المأمومين بالإمام، فلو أخلوا بها
جميعا بطلت صلاتهم. ولو أخل بعضهم، فإن كان من العدد بطلت صلاة الجميع
أيضا مع علمهم بالإخلال، وصلاة المخل خاصة إن لم يعلم الباقي، وإن كان من
الزائد بطلت صلاته خاصة مطلقا.
وهل تجب على الإمام نية الإمامة؟ قال الشهيدان: نعم (4). وقيل: فيه
نظر، من حصول الإمامة إذا اقتدي به، ومن وجوب نية كل واجب (5).
أقول: ويمكن أن يكون مراد المشترط لنية الإمام كونه عالما باقتداء المأمومين
به حتى يحصل العلم بالإمامة بالنسبة إليه أيضا. وعلى هذا، فلا ريب في
اشتراطها حتى تشرع صلاته; إذ لا ينفك ذلك العلم عن النية ويستلزمها. فلو
لم يعلمه لم تحصل المشروعية، ولو علمه حصلت النية أيضا.
هذا، مع أنه لما لم تكن الجمعة منفكة عن الجماعة لزم قصد القربة بالجماعة

(1) انظر: المسالك 1: 34، وكشف اللثام 1: 252، والحدائق 10: 114، والرياض 1: 187.
(2) المنتهى 1: 335، البيان: 190.
(3) الشرائع 1: 99، القواعد 1: 37.
(4) الشهيد الأول في الذكرى: 234، والبيان: 191، الشهيد الثاني في المسالك 1: 34، والروض
: 285.
(5) كما في الرياض 1: 187.
90

أيضا، وهو يتوقف على قصد الجماعة، فمراد المشترط لنية الإمام الائتمام به إن كان
مجرد قصده الإمامة، كان ما قيل صحيحا، ولكن مراده ما هو المصطلح من النية
في العبادات من قصد القربة بها.
وعلى هذا، فالتنظر فيها فاسد البتة، بل يتعين القول باشتراطها.
المسألة الثانية: لو لم يدرك المأموم الخطبة وأول الصلاة، فإن أدرك الإمام
قبل الدخول في الركوع الثاني صحت جمعته، ويجب عليه الائتمام بركعة وإتمام
الأخرى، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في المدارك وغيره (1).
للمستفيضة من الصحاح، وغيرها، منها: صحيحتا البقباق: " من أدرك
ركعة فقد أدرك الجمعة " (2).
وصحيحة العزرمي: " إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة،
فأضف إليها ركعة أخرى، واجهر بها، وإن أدركته وهو يتشهد، فصل أربعا " (3)
وغير ذلك.
وأما صحيحة ابن سنان: " لا تكون الجمعة إلا لمن أدرك الخطبتين " (4).
فلمخالفتها لفتوى الطائفة شاذة، ولموافقتها لعمل جمع من العامة (5) تحتمل
التقية، أو المراد منها نفي الكمال والفضيلة، أو نفي الحقيقة حيث إن حقيقة
الجمعة هي الركعتان مع الخطبتين النائبتين عن الأخيرتين، فيكون المراد من أخبار

(1) المدارك 4: 17، وانظر: التذكرة 1: 182، والذكرى: 234.
(2) الأولى: التهذيب 3: 161 / 346 الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 6.
الثانية: الفقيه 1: 270 / 1232، التهذيب 3: 243 / 657، الإستبصار 1:
422 / 1623، الوسائل 7: 345، 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 2 و 4.
(3) التهذيب 3: 244 / 659، الإستبصار 1: 422 / 1625، الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة
ب 26 ح 5.
(4) التهذيب 3: 160 / 345 و 243 / 658، الإستبصار 1: 422 / 1624، الوسائل 7: 346
أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 7.
(5) انظر: الإستذكار 2: 291، والمجموع 4: 558.
91

الإدراك إدراك ما يجزئ الجمعة.
وكذا إن أدركه في الركوع الثاني، على الأظهر الأشهر، بل عليه كافة من
تأخر، كما في الذكرى وغيره (1)، وفي السرائر نسبه إلى باقي الفقهاء غير الشيخ،
مدعيا تواتر الأخبار به (2)، وفي الخلاف الإجماع عليه (3).
لأن الجمعة تدرك بإدراك الركعة، وإدراكها يتحقق بإدراك الركوع.
أما الأول، فلما تقدم من المعتبرة.
وأما الثاني، فللأخبار المستفيضة كصحيحة الحلبي: " إذا أدركت الإمام
وقد ركع، فكبرت وركعت قبل أن يرفع رأسه، فقد أدركت الركعة، فإن رفع
الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة " (4).
وصحيحة سليمان: " في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع، فكبر الرجل وهو
مقيم صلبه، ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الركعة " (5).
ومضمرة الشحام: عن الرجل انتهى إلى الإمام وهو راكع، قال: " إذا كبر
وأقام صلبه، ثم ركع، فقد أدرك " (6).
ورواية ابن شريح: " إذا جاء الرجل مبادرا والإمام راكع، أجزأته تكبيرة
لدخوله في الصلاة والركوع " (7).

(1) الذكرى: 275، وانظر: الذخيرة: 311، والرياض 1: 183.
(2) السرائر 1: 285.
(3) الخلاف 1: 622.
(4) الكافي 3: 382 الصلاة ب 61 ح 5، الفقيه 1: 254 / 1149، التهذيب 3: 43 / 153،
الإستبصار 1: 435 / 1680، الوسائل 8: 382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 2.
(5) الكافي 3: 382 الصلاة ب 61 ح 6 بتفاوت يسير، التهذيب 3: 43 / 152، الإستبصار 1:
435 / 1679، الوسائل 8: 382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1.
(6) الفقيه 1: 254 / 1150، الوسائل 7: 383 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 3; بتفاوت يسير.
(7) الفقيه 1: 265 / 1214، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.
92

وتدل عليه أيضا رواية الجعفي (1)، ومرسلة الفقيه (2)، الواردتان في قدر
انتظار الإمام في الركوع.
وصحيحة البصري (3)، الواردة فيمن ظن أنه إن مشى إلى الإمام رفع رأسه
من الركوع.
والمروي في الاحتجاج عن الحميري: عن مولانا الصاحب عليه السلام:
" إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة، اعتد بتلك الركعة " (4).
خلافا للمحكي عن المقنعة والشيخ في النهاية والتهذيب والاستبصار
والقاضي (5)، فاشترطوا في إدراكها إدراك تكبيرة الركوع.
لحسنة الحلبي: " إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة، فقد
أدركت الصلاة، وإن أنت أدركته بعد ما ركع، فهي الظهر أربعا " (6).
وقريبة منها صحيحته (7).
والصحاح الأربع لمحمد: الأولى: " إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام
للركعة، فلا تدخل معهم في تلك الركعة " (8).
والثانية: " لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام " (9).

(1) التهذيب 3: 48 / 167، الوسائل 8: 394 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 1.
(2) الفقيه 1: 255 / 1151، الوسائل 8: 395 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 2.
(3) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 5، الفقيه 1: 254 / 1148، التهذيب 3: 44 / 155،
الإستبصار 1: 436 / 1682، الوسائل 8: 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.
(4) الإحتجاج: 488، الوسائل 8: 383 أبواب صلاة الجمعة ب 45 ح 5.
(5) حكاه عن المقنعة في الذخيرة. 312 ولم نجده فيها، النهاية: 114، التهذيب 3: 44، الإستبصار
1: 435، القاضي في المهذب 1: 103.
(6) الكافي 3: 427 الصلاة ب 78 ح 1، التهذيب 3: 243 / 656، الإستبصار 1:
421 / 1622، الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 3.
(7) الفقيه 1: 270 / 1233، الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 1.
(8) التهذيب 3: 43 / 149، الإستبصار 1: 434 / 1676، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة
الجماعة ب 44 ح 2.
(9) التهذيب 3: 43 / 150، الإستبصار 1: 435 / 1677، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة وآدابها ب 23 ح 1.
93

والثالثة: " إذا لم تدرك تكبيرة الركوع، فلا تدخل معهم في تلك
الركعة " (1).
والرابعة: " إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت
الصلاة " (2).
ويضعف هذه الأخبار; مضافا إلى قصورها عن المقاومة لما مر، لاعتضاده
بالشهرة العظيمة، ولاستفاضته وكثرته، وانتفائهما فيها حيث إن الأصل في أكثرها
محمد; بأن ما مر أخص مطلقا من هذه الأخبار، فيجب تخصيصها به،
لاختصاصه بالراكع الغير الرافع رأسه، وشمولها له ولغيره ممن رفع رأسه، كما في
حسنة الحلبي، وصحيحته، أولهما ولمن كبر، فلم يدخل في الركوع أيضا كما في
البواقي، فيجب التخصيص بغير الرافع رأسه.
مع أن لأعمية غير الأوليين - أي: الصحاح الأربع - وجها آخر أيضا،
وذلك لأن مدلولها عدم الدخول وعدم إدراك الصلاة وعدم الاعتداد ما لم يدرك
التكبير. وظاهر أنه لا يعارض ما دل على إدراك الركعة فقط مما مر; لعدم المنافاة.
وإنما يعارض هذه منضما مع ما دل على إدراك الصلاة بإدراك الركعة مما مر، وهو
كان مخصوصا بصلاة الجمعة، فيكون أخص مطلقا عن البواقي، فتخص به،
ويعمل بمدلولها في غير صلاة الجمعة، فإن مدلول الثلاثة الأولى ليس زائدا عن
مرجوحية الدخول والاعتداد، وهما وإن لم يمكن ارتكابهما في صلاة الجمعة لوجوب
الدخول - ومنه يظهر فساد الجواب بحمل هذه الروايات على الكراهة مطلقا - إلا
أنهما يجريان في غيرها. ومدلول الأخيرة عدم إدراك الصلاة، وهو أيضا مسلم; لأن
الثابت مما مر ليس أزيد من إدراك ما يجزئ عن الجماعة.

(1) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 2، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 4.
(2) التهذيب 3: 43 / 151، الإستبصار 1: 435 / 1678، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة
الجماعة ب 44 ح 1.
94

هذا كله مضافا إلى أن مع التعارض يجب العمل بما مر أيضا; إذ من
المرجحات المنصوصة تقديم الأحدث، ولا شك أن رواية الاحتجاج أحدث من
الجميع.
فرعان:
أ: مقتضى ما مر إدراك الصلاة إذا أدرك الإمام في حد الراكع ولو أخذ في
الرفع، كما هو أحد وجهي المسألة.
إلا أن رواية الاحتجاج تفيد بالمفهوم عدم الاعتداد لو لم يدرك تسبيحة
واحدة. ولكن في إفادتها الوجوب نظر، فيمكن أن يراد المرجوحية الإضافية وقلة
الكمال. ومراعاة مدلولها أحوط.
ب: لو شك في أنه حين دخل الركوع رفع الإمام رأسه أم لا صحت
جمعته; لاستصحاب ركوع الإمام، وأصالة عدم رفع رأسه. ولا تعارضهما أصالة
عدم إدراكه; لزوالها بهما.
المسألة الثالثة: لو ركع المأموم في الركعة الأولى مع الإمام، ومنعه الزحام
عن السجود فيها، لا يجوز له أن يسجد على ظهر غيره، أو رجله، أو يومئ لها،
إجماعا، بل ينتظر حتى يتمكن من السجود، فإن أمكنه السجود بعد قيام
الصفوف سجد، ولحق الإمام في الركوع الثاني وجوبا، وما حصل له من الإخلال
بالمتابعة في الركن مغتفر بالعذر، كما سيأتي في محله.
وإن فرغ من السجدة الأولى وقد رفع الإمام رأسه من الركوع الثاني، ففي
لزوم الانفراد، أو حذف ما فعل ومتابعة الإمام، أو الجلوس حتى يفرغ الإمام من
الصلاة ثم الإتيان بالركعة الثانية، أو التخيير بين الأول والثالث، أقوال، ولكل
وجه، ولعل الأخير أوجه.
وإن لم يمكنه السجود حتى يركع الإمام ثانيا لم يركع مع الإمام في الركعة
الثانية، بل يصبر إلى أن يسجد الإمام لها، فإذا سجد سجد معه ونوى بهما للركعة
95

الأولى، ثم أتم صلاته بركعة أخرى بعد تسليم الإمام، وصحت صلاته، إجماعا
محققا، ومحكيا في المعتبر والمنتهى والتنقيح والذكرى والحدائق (1); له، ولرواية
حفص: في رجل أدرك الجمعة وقد ازدحم الناس، فكبر مع الإمام وركع، ولم
يقدر على السجود، وقام الإمام والناس في الركعة الثانية، وقام هذا معهم، فركع
الإمام، ولم يقدر هو على الركوع في الركعة الثانية من الزحام، وقدر على السجود
كيف يصنع؟. فقال أبو عبد الله عليه السلام: " أما الركعة الأولى، فهي إلى عند
الركوع تامة فلما لم يسجد لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن له ذلك، فلما
سجد في الثانية، فإن كان نوى أن هذه السجدة للركعة الأولى، فقد تمت الأولى،
وإذا سلم الإمام قام، فصلى ركعة يسجد فيها، ثم يتشهد ويسلم، وإن كان لم
ينو أن تكون تلك السجدة للركعة الأولى لم تجز عنه الأولى ولا الثانية، وعليه أن
يسجد سجدتين، وينوي أنهما للركعة الأولى، وعليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد
فيها " (2).
وضعفها - إن سلم - لم يضر; للانجبار في هذا الحكم بما مر.
ولو لم ينو بهما للأولى بطلت صلاته مطلقا سواء نوى بهما للثانية، أو لم ينو
شيئا منهما، وفاقا لنهاية الشيخ والفاضل (3)، وجماعة (4) فيهما، وللحلي والقاضي
والفاضلين (5)، وغيرهما (6)، في الأول خاصة بل قيل: إنه المشهور بين

(1) المعتبر 2: 299، المنتهى 1: 333، التنقيح 1: 232، الذكرى: 234، الحدائق 10: 114.
(2) الكافي 3: 429 الصلاة ب 80 ح 9، الفقيه 1: 270 / 1235، التهذيب 3: 21 / 78،
الوسائل 7: 335 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 17 ح 2.
(3) النهاية: 107، نهاية الإحكام 2: 28.
(4) منهم صاحب الحدائق 10: 117 و 118; ونقله في مفتاح الكرامة 3: 158 عن غاية المرام
والموجز وكشف الالتباس.
(5) الحلي في السرائر 1: 300 القاضي في المهذب 1: 104، المحقق في الشرائع 1: 98، والعلامة في
المنتهى 1: 333.
(6) كالشهيد الأول في الدروس 1: 191، والشهيد الثاني والروضة 1: 306.
96

المتأخرين (1).
لعدم إجزائهما للأولى ولا للثانية، بصريح الرواية التي هي في نفسها
معتبرة، ومع ذلك بدعوى الشهيد اشتهارها مطلقا (2)، وغيره اشتهارها بين
المتأخرين منجبرة. فلو لم يأت بسجدتين أخريين لزم خلو الركعتين عن السجدة
رأسا، وإن أتى بهما للأولى، ثم أتى بالركعة الثانية زاد في الصلاة ركنا، وإن أتى
للثانية نقص من الأولى السجدتين لما مر، مضافا إلى أن الأعمال بالنيات فيما إذا
نوى بما أتى للثانية.
خلافا في الأول للمحكي عن مصباح السيد والمبسوط والخلاف (3)، بل عن
الأخير الإجماع عليه، فلا تبطل، بل يحذف السجدتين، ويسجد أخريين للأولى،
ويتم الصلاة; للإجماع المنقول، والرواية المنقولة.
والأول مردود: بعدم الحجية، سيما مع كثرة المخالفة.
والثاني: بعدم الدلالة; لعدم تعين أن يكون قوله: " وعليه أن يسجد "
معطوفا على جواب الشرط، بل يمكن أن يكون كلاما مستأنفا مؤكدا لما تقدم،
ويكون المعنى: أنه إذا لم ينو للأولى لم تجزء عنها ولا عن الثانية، بل كان الواجب
عليه أن ينوي بهما للأولى، وعليه بعد ذلك ركعة ثانية.
مضافا إلى معارضتها بما يفهم من المبسوط حيث قال: إن على البطلان
رواية (4)، فإنه في حكم رواية مرسلة.
وفي الثاني للحلي والبيان والدروس وروض الجنان والروضة والمدارك وشرح
القواعد والذخيرة (5)، فحكموا بالصحة; لأن أجزاء الصلاة لا تفتقر إلى نية، بل

(1) كما في الحدائق 10: 117.
(2) الذكرى: 235.
(3) حكاه عن المصباح في المعتبر 2: 299، المبسوط 1: 145، الخلاف 1: 603.
(4) المبسوط 1: 145.
(5) انظر في السرائر 1: 300، البيان 194، الدروس 1: 191، الروض: 298، الروضة 1:
298، المدارك 4: 81، جامع المقاصد 2: 430، الذخيرة: 316.
97

هي على ما افتتحت عليه ما لم يحدث نية مخالفة، فهما ينصرفان مع الإطلاق إلى
ما في الذمة.
ويضعف: بأنه اجتهاد في مقابلة النص، مضافا إلى أن عدم افتقار
الأبعاض إلى النية والانصراف إلى ما في الذمة إنما هو في مقام الإتيان بالفعل في
محله على الترتيب الشرعي الذي وضعت عليه الصلاة، لا فيما يحتمل وجهين، كما
في المسألة.
ولو زوحم عن ركوع الأولى وسجودها جميعا صبر حتى يتمكن منهما، ثم
يفعلهما، ويلتحق بالإمام إن أمكن قبل رفع الإمام من ركوع الثانية; لصحيحة
عبد الرحمن (1)
ولو زوحم عن ركوعها خاصة صبر حتى يلحقه في ركوعه الثانية، فيركع معه
للأولى، ويتم الصلاة; وإن لم يمكن تداركهما قبل رفع الإمام يركع معه، ويسجد
في الثانية للأولى، فإن نوى بهما أو بأحدهما للثانية أو أطلق، فكما مر.
وإن لم يلحقه أيضا إلا بعد رفع الرأس من الثانية:
ففي إدراك الجمعة، كجمع من الأصحاب منهم: الذكرى وشرح
القواعد (2)، استنادا إلى عموم الصحيحة، وصدق إدراك الركعة، وإطلاقات
وجوب الجمعة، وعدم اشتراط استدامة الجماعة.
وعدمه، كبعض آخر (3); للتوقف على درك ركوع في صدق إدراك الركعة.
قولان، ولعل أولهما أظهرهما; لبعض ما ذكر.
وكذا إن لم يدرك إلا بعد الرفع من السجدة الأخيرة، فقد يقال بإدراك
الجمعة; لجميع ما ذكر.

(1) الفقيه 1: 270 / 1234، التهذيب 3: 161 / 347، الوسائل 7: 335 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 17 ح 1.
(2) الذكرى: 235، جامع المقاصد 2: 434.
(3) انظر: المعتبر 2: 300، والروضة 1: 306.
98

وقد يقال بعدمه فيعدل إلى الظهر أو يستأنفها على اختلاف القولين.
ولعل الأخير أظهر; لعدم انطباقه على الصحيحة، لعدم إمكان القيام في
الصف هنا لانتفاء حالة قيامهم. ولا على روايات درك الركعة; لكونها حقيقة في
الركوع، وعدم معلومية عدم اشتراط الاستدامة في الجماعة.
المسألة الرابعة: ذكر بعضهم شرائط لإمام الجمعة (1)، وتحقيق المقال:
أنا إن قلنا باشتراط الإمام أو نائبه الخاص وأنه لا تجوز الجمعة مع غيره،
فالتعرض لذكر هذه الشرائط ساقط إلا لذكر شرائط النائب، وهو أيضا مما لا فائدة
فيه.
وأما على سائر الأقوال حتى على جوازها احتياطا فالتعرض له لازم، ولكن
لا يشترط فيه أمر زائد على ما يشترط في إمام الجماعة إجماعا، سوى الفقاهة عند
من بقول باشتراطها في الوجوب التخييري (2)، وسوى السلامة عن البرص والجذام
عند الحلي، فاشترطها في الجمعة دون مطلق الجماعة (3).
أما الفقاهة فاشتراطها عند من يقول به ظاهر، والمراد منها معلوم.
وأما السلامة عن المرضين، فلا دليل على اختصاص اشتراطها بالجمعة
أصلا، فهي بالنسبة إليها كمطلق الجماعة، ويأتي تحقيقه وبيان شرائط إمام الجماعة
في بحث الجماعة إنشاء الله.
الخامس من الشروط: الوحدة في مسافة فرسخ، أي لا يكون في هذه
المسافة أكثر من جمعة ولا بين الجمعتين أقل من هذه المسافة، إجماعا منا محققا،
ومحكيا مستفيضا فتوى (4) - إلا عن ابن فهد في الجمعة المندوبة خال الغيبة، فأجاز

(1) كما في الشرائع 1: 97، والحدائق 10: 2، والذخيرة: 302.
(2) راجع ص 57.
(3) السرائر 1: 280.
(4) كما في الخلاف 1: 628، والتذكرة 1: 149، والحدائق 10: 128، والرياض 1: 187.
99

في موجزه التقارب فيها (1) - ونصا:
ففي صحيحة محمد: " يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال " يعني لا تكون
جمعة إلا فيما بينه وبين ثلاثة أميال، وليس تكون جمعة إلا بخطبة، قال: " فإذا كان
بين الجماعتين في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء " (2).
وموثقته: " إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء
ويجمع هؤلاء، ولا يكون بين الجماعتين أقل من ثلاثة أميال " (3).
دلتا بالمفهوم على ثبوت البأس - الذي هو العذاب - بتجميع الطائفتين إذا
لم يكن بينهما ثلاثة أميال، مضافا إلى نفيهما أقل هذه المسافة بين الجماعتين بأن يبقى
النفي على ظاهره وحملت الجمعة أو الجماعة على الصحيحة، أو يحمل على النهي
تجوزا.
وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: هل الوحدة شرط تبطل بانتفائها الجمعة، أو واجب
خارج؟.
مقتضى إثبات البأس لتجميع الطائفتين تعلق النهي المفسد للعبادة بهما
فتكون شرطا; وكذا مقتضى نفي الجمعة والجماعة فيما لم يكن كذلك إذا حملت
الجملتان على الخبرية، وإن أمكن الحمل على نفي الكاملة أيضا باعتبار مقارنتها
للمنهي عنه الخارجي وهو الإيقاع في المكان المقارب، ولكن في كونه خارجيا أيضا
نظر بل المنهي عنه هو الفرد المخصوص كالصلاة في المكان المنصوب، فالقول
بعدم شرطية الوحدة وإن كانت واجبة ساقط جدا.

(1) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 253.
(2) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 7، التهذيب 3: 23 / 79، الوسائل 7: 314 أبواب صلاة
الجمعة وآدابها ب 7 ح 1.
(3) الفقيه 1: 274 / 1257 بتفاوت يسير، التهذيب 3: 23 / 80، الوسائل 7: 315 أبواب صلاة
الجمعة وآدابها ب 7 ح 2.
100

المسألة الثانية: الشرط هل هو عدم التعدد الواقعي حتى تبطل الجمعتان
معه ولو لم يعلم به شئ من الطائفتين بل ولو جزمتا بعدم التعدد، أو الجزم بعدم
التعدد، أو عدم الجزم بالتعدد؟.
صرح شيخنا الشهيد الثاني بأن الشرط عدم العلم بالتعدد (1).
وإلى هذا أيضا يشير قول من قال بعدم بطلان اللاحقة إذا لم يكونوا عالمين
بحال السابقة; لاستحالة توجه الخطاب إلى الغافل (2)
ورده آخر بأن خطاب الوضع يستوي فيه الغافل والمتذكر إلا أن يكون
الخطاب مخصوصا بالمتذكر، وليس هناك اختصاص ولا تخصيص.
ومقتضى قول الأول: الثالث، ومقتضى الثاني: الأول.
والحق هو الثالث، فالشرط هو عدم العلم بالتعدد، والمانع هو العلم به;
لأصالة عدم اشتراط الزائد عن الأول ولا مانعية الزائد عن الثاني، وأصالة عدم
تقيد الإطلاقات بالزائد، الخاليتين عما يزيلهما; إذ ليس إلا الإجماع. وحاله
ظاهرة. والخبران، وهما أيضا لا يقيدان المطلقات بالزائد; لأن دلالتهما على
الاشتراط والمانعية بواسطة مفهوم الجملة الشرطية، ومنطوق الجملة المنفية.
أما الأول: فهو أنه إذا لم يكن بين الجماعتين ثلاثة أميال ففي تجميع
الطائفتين بأس وعذاب، أي إذا كان أقل من ثلاثة أميال فيحرم تجميعهما. ولا
شك أنه لا يمكن إبقاؤه على مقتضى وضع الألفاظ للمعاني الواقعية حتى يكون
المعنى: إذا كان في الواقع أقل يحرم ذلك سواء جزمت الطائفتان بانتفاء الواقع أو
لم تعلما به ولو بعد الفحص ما أمكن; الإيجابه تكليف ما لم يعلم، واقتضائه إخراج
من لم يعلم وقوع جمعة أخرى ولو بعد الفحص - وإن احتملها بل أو ظنها - بدون
مخصص إن قلنا بعدم وجوب الجمعة عليه حال الاحتمال; إذ معه لا يعلم وقوع
جمعة أخرى في الأقل واقعا حتى يكون هو المخصص.

(1) روض الجنان: 294.
(2) كما في المدارك 4: 46، والحدائق 10: 130.
101

والقول بأنه لا يحرم حينئذ بل بعد كشف الواقع يكون معاقبا يلزم العقاب
على فعل الواجب; وبأنه لا يعاقب ولكن تبطل جمعته يلزم الإبطال بدون دليل إذا
كان سببه النهي والحرمة المنتفيين هنا حينئذ، ولا باعث له غيرهما. فانحصر أن
يكون إذا علم أن بينهما أقل ولو بعد الفحص يحرم، فيكون هو المانع، والشرط
عدمه
وأما الثاني: فمع عدم تحصيل معنى لهذه الجملة في الصحيحة; إذ لا يظهر
معنى لقوله: " إلا فيما بينه وبين ثلاثة أميال " وتكون محتملة.
إما تكون الجمعة والجماعة فيهما باقيتين على إطلاقهما، وتكون الجملة
محمولة على الإنشائية تجوزا، فيكون خطابا شرعيا وحكما اقتضائيا، حالها حال
الأول.
أو تكون الجملة باقية على خبريتها، وتقيد الجمعة والجماعة بالصحيحتين،
فيكون خطابا وضعيا، وإخبارا عن الواقع.
وإذ لا مرجح لأحد الحملين يكون مجملا لا تقيد به الإطلاقات، ولا تزال
به الأصول.
مع أنه على الحمل على الصحيحتين أيضا يكون كالأول; إذ الصحة هي
موافقة المأمور به، فيكون المعنى: لا يكون بين جماعتين مأمور بهما أقل من ثلاثة
أميال، فما كان أقل لا يكون من المأمور به.
ولا شك أنه لا يمكن أن يكون المعنى: فما كان أقل واقعا سواء جزم
بالأكثرية أم لا ليس مأمورا به; ضرورة تحقق الأمر حينئذ وشمول الإطلاقات له.
بل وكذلك إذا لم يعلم الأقلية بعد الفحص وإن احتملها; لعين ما مر. فالمعنى:
فما علم أقليته لا يكون مأمورا به.
ومما ذكر طهر فساد ما حكي عن بعضهم من جعل الحكم هنا من باب
خطاب الوضع، وقوله بأن خطاب الوضع مما يستوي فيه الغافل والمتذكر; فإنه
ليس الأمر هنا من باب خطاب الوضع، ولو كان لكان مما يتضمن الاقتضاء
102

والحكم الشرعي، ومثله لا يستوي فيه الغافل والمتذكر.
هذا كله مع أنه لو كان الشرط عدم التعدد واقعا أو معلوما والمانع التعدد
الواقعي أو عدم العلم بالوحدة، لزم سقوط الجمعة غالبا في المدن الكبيرة على
القول بعدم اشتراط الإمام أو نائبه; إذ قلما يحصل العلم بعدم التعدد، لجواز
تجميع خمسة في بيت، إما لعدم علمهم بهذا التجميع أو لعدم اعتنائهم بهذه
الجمعة.
المسألة الثالثة: لا شك أن الشرط هو عدم تعدد الجمعة الصحيحة لولا
انتفاء هذا الشرط، فلو كانت هناك جمعة فاسدة مع قطع النظر عن هذا الشرط
أيضا جازت جمعة أخرى، كما إذا علم تدليس النائب في دعواه إذن الإمام ونيابته
على القول باشتراط الإمام أو نائبه، أو فسقه على القول الآخر.
والمناط فسق هذا الإمام عند نفسه ومن يقتدي به، فلو كان فاسقا على رأي
إمام آخر لا على رأيه أو رأي مجتهده - كأن يرتكب عملا لم يكن كبيرة عنده وكان
كبيرة عند الآخر - لم يضر.
وكذا إذا كان فاسقا في نفس الأمر ولكن كان عادلا عند من يقتدي به ولو
واحدا منهم لم تصح جمعة أخرى; لصدق تحقق الجمعة الصحيحة.
المسألة الرابعة: هل الشرط هو عدم العلم بوقوع جمعة أخرى مطلقا،
والمانع العلم بوقوعها كذلك، أو عدم العلم بسبق جمعة أو مقارنتها لهذه، والمانع
العلم بالسبق أو المقارنة؟.
الحق هو الأول; لاطلاق الروايتين (1). فلو علم كل من الطائفتين بتجميع
الأخرى بطلت جمعتهما وإن كانت إحداهما سابقة، ولو علم إحداهما دون
الأخرى بطلت جمعة العالمين.
المسألة الخامسة: قيل: يعتبر الفرسخ من المسجد إن صليت فيه، وإلا

(1) المتقدمين في ص: 100.
103

فمن نهاية المصلين (1).
واستشكل فيما لو كان بين الإمام والعدد وبين الجمعة الأولى النصاب
فصاعدا وبين بعض المأمومين وبينها أقل منه.
فاحتمل بطلان صلاة القريب خاصة; لاستجماع من عداه شرائط
الصحة.
واحتمل بطلان صلاة المجموع; إذ المجموع جماعة واحدة عرفا.
والظاهر الأول; لصدق تحقق النصاب بين البعيد منهم وبينها.
بل الظاهر ذلك فيما لو صليت في المسجد أيضا; لعدم دليل على اعتبار
الفرسخ من المسجد. إلا أنه يأتي في بحث صلاة المسافر أن نهاية الفرسخ ليست
محدودة حقيقة بل هي أمر تقريبي لا يظهر التفاوت فيه في أمثال ذلك.
المسألة السادسة: لو اتفق وقوع جمعتين في مسافة فرسخ فله صور:
الأولى: أن تسبق إحداهما ولو بالتكبيرة، قالوا: لا ريب في صحة السابقة
وبطلان اللاحقة، وعن التذكرة: أنه مذهب علمائنا أجمع (2)، وعن الشهيد الثاني:
أن صحة السابقة إنما هي إذا لم يعلم بوقوع اللاحقة وإلا لم تصح صلاة كل
منهما (3)، وعن بعضهم: عدم بطلان السابقة مطلقا وعدم بطلان اللاحقة إذا لم
يكونوا عالمين بحال السابقة (4).
والحق: بطلان الجمعتين مع علم كل منهما، وصحتهما مع عدم علم شئ
منهما، وبطلان جمعة العالم خاصة مع الاختلاف، ويظهر وجهه مما سبق.
الثانية: أن تقترنا، قالوا ببطلانهما جميعا; لامتناع الحكم بصحتهما، ولا
أولوية لإحداهما وإن كان إمام إحداهما أرجح من حيث الزهد والفقه والراتبية;

(1) كما في الروض: 286.
(2) التذكرة 1: 150.
(3) الروض: 294.
(4) كما في كشف اللثام 1: 252.
104

لعدم ثبوت الترجيح بذلك في المقام.
وإطلاق كلامهم بل صريح بعضهم عدم الفرق بين ما إذا علم كل فريق
بالآخر، أم لا، مع حصول العلم بالاقتران بعد الفراغ (1).
واستشكل بعضهم في صورة عدم العلم (2)، وهو في موقعه، بل التحقيق
- على ما علم وجهه - أن مع علم الفريقين تبطل الجمعتان، ومع جهلهما تصح
كلتاهما، ومع الاختلاف تبطل جمعة العالم خاصة.
الثالثة: أن يشتبه الحال إما باعتبار الاشتباه في تحقق سبق لإحداهما وعدمه،
أو باعتبار اشتباه السابقة منهما مع العلم بسبق إحداهما من أول الأمر أو بعد العلم
بالسابقة، وحكم الكل واضح على ما قدمناه.
ثم على المختار إن بطلت جمعة واحدة دون الأخرى يعيد الأخرى الصلاة
جمعة، إن بقي وقتها بالاقتداء بالأولى إن أمكن، أو التباعد من موضع الأولى
بقدر النصاب، وظهر إن لم يبق وقتها، أو لم يمكن الاقتداء ولا التباعد.
وإن بطلت الجمعتان يعيدها الطائفتان جمعة مجتمعتين على واحدة مع
الوقت، وظهرا بدونه.
وللقوم فيما إذا اشتبه السبق أو السابقة في المعاد أقوال نشأت من حكمهم
بصحة الجمعة السابقة ولو مع العلم بجمعة لاحقة، وبطلان اللاحقة ولو مع
عدم العلم، ولا فائدة كثيرة في ذكرها على ما اخترناه.

(1) انظر: التذكرة: 150، والروض: 286، ومجمع الفائدة 2: 370.
(2) كما في الذخيرة: 312.
105

البحث الثالث
في من تجب عليه الجمعة
ويراعى فيه شروط:
الأول والثاني: البلوغ والعقل، ويجمعهما التكليف، ولا ريب في اشتراطه
في هذه الصلاة وغيرها.
فلا تجب على المجنون حال جنونه وإن كان دوريا. ولو أفاق وقت الصلاة
خوطب بها خطابا مراعى ببقاء الإفاقة إلى آخر الصلاة.
ولا على الصبي وإن كان مميزا; نعم تصح من المميز تمرينا وتجزئه عن ظهره
كذلك.
الثالث: عدم الأنوثية بالإجماع المحقق والمحكي في المعتبر والمنتهى
والتذكرة (1)، وتدل عليه الروايات بلا معارض (2).
فلا تجب على المرأة وإن أذن لها زوجها وأمنت من الفتنة، أو كانت من
العجائز; لعموم ما دل على السقوط. وإن استحبت للعجائز مع الإذن، عند
الفاضل في النهاية (3).
والحق وجوبها على المشكل من الخناثي، وفاقا للروض (4); للشك في
خروجه عن العمومات ولو من جهة احتمال كونها طبيعة ثالثة

(1) المعتبر 2: 289، المنتهى 1: 321، التذكرة 1: 153.
(2) انظر: الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1.
(3) نهاية الإحكام 2: 42.
(4) الروض: 287.
106

وخلافا للشهيد (1)، بل نهاية الإحكام (2)، بل ظاهر كل من اشترط
الذكورية (3); للشك في ذكوريته التي هي سبب الوجوب.
ويرد بمنع اشتراط الذكورية، بل الشرط عدم الأنوثية، فيشك في خروجه
بعد ما علم دخوله في عنوان كل أحد; نعم لو لم يخرج عن الطبيعتين جاء فيه
الإشكال.
الرابع: الحرية، بالإجماع والأخبار، فلا تجب على العبد مطلقا سواء كان
قنا أو مدبرا أو مكاتبا لم يؤد شيئا، وإن أمره المولى; للعمومات.
والإيجاب حين الأمر - لأن السقوط لرعاية حق المولى - استنباط مردود.
نعم يمكن القول به حينئذ; لوجوب إطاعته، لا لخصوصية الصلاة.
الخامس: انتفاء السفر فلا تجب على المسافر، إجماعا فتوى ونصا.
قالوا: المراد منه السفر الشرعي، فتجب على من لم يقصد المسافة، وناوي
الإقامة عشرة، والمقيم في بلد ثلاثين يوما، وعن المنتهى الإجماع عليه (4)
ولا تجب على كثير السفر والعاصي بسفره، وفي المنتهى: لم أقف على قول
لعلمائنا في اشتراط الطاعة بالسفر في السقوط (5)، واستشكل فيه بعضهم (6)
أقول: لا شك في عدم ثبوت حقيقة شرعية للسفر والمسافر، فيجب الحكم
بالسقوط عمن كان مسافرا عرفا، وفي صدقه عرفا على من لم يقصد المسافة نظر،
فيكون داخلا تحت عمومات الجمعة، ولكن يصدق على البواقي، فالحكم فيها
بالسقوط إلا من ثبت فيه الإجماع متجه.

(1) الذكرى: 232.
(2) نهاية الإحكام 2: 45.
(3) كالمعتبر والمنتهى راجع الرقم (1) من الصفحة السابقة وجامع المقاصد 2: 385.
(4) المنتهى 1: 322.
(5) المنتهى 1: 322.
(6) انظر: الذخيرة: 300.
107

والمسافر في أحد المواضع الأربعة مسافر تسقط عنه الجمعة، وإن تخير بين
القصر والإتمام في الصلاة.
السادس: انتفاء المرض والعمى إجماعا نصا وفتوى. ولا ينافيه عدم ذكر
الأعمى في بعض الأخبار (1); لأن غايته الإطلاق الواجب تقييده بالمقيد، مع
إمكان إدخاله في المريض، وإن كان فيه نظر.
وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق فيهما بين ما يشق
معهما الحضور وعدمه، بل صرح جماعة بالتعميم (2). واعتبر بعض أصحابنا فيهما
التعذر أو التعسر (3)، وهو تقييد للنص بلا دليل.
السابع: انتفاء العرج، ذكره الشيخ في عدة من كتبه (4)، والمحقق (5)، وجمع
آخر من أصحابنا، بل في المنتهى: أنه مذهب علمائنا أجمع (6)، وعليه الإجماع في
شرح القواعد أيضا (7).
وقيده في التذكرة بالبالغ حد الإقعاد وادعى عليه إجماعنا (8)، وقيده بعضهم
بحصول المشقة بالحضور (9).
وليس في الروايات تصريح به سوى ما ذكره السيد في المصباح قال: وقد
يروى: " أن العرج عذر " (10).

(1) الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1.
(2) كالعلامة في المنتهى 1: 323، والسبزواري في الذخيرة: 300، وصاحب الرياض 1: 187.
(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 34، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 386.
(4) كالنهاية: 103، والمبسوط 1: 143، والجمل والعقود (الرسائل العشر): 190.
(5) في الشرائع 1: 96، والمختصر النافع: 36.
(6) المنتهى 1: 323.
(7) جامع المقاصد 2: 386.
(8) التذكرة 1: 153.
(9) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 34، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 386.
(10) نقله عنه في المعتبر 2: 290.
108

وما في كتاب الشيخ أبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي، قال - بعد
ذكر صحيحة زرارة -: وروي مكان " المجنون " " الأعرج " (1).
وهما وإن كانا كافيين بعد انجبارهما بدعوى الإجماع المتقدمة، إلا أن احتمال
إرادة المقعد أو ما يشق معه الحضور - لا أقل - من الإجماع - بل قيل (2): يشعر
به سياق عبارة المنتهى (3) - يضعف الانجبار في غير ما يشق، فتخصيص السقوط
به أولى.
الثامن: انتفاء الكبر بالشيخوخة، فلا تجب على الشيخ الكبير، إجماعا كما
في المنتهى (4); للنصوص منها:
صحيحة زرارة: " وضعها عن تسعة: الصغير والكبير " (5) الحديث.
وخطبة الأمير المنقولة في الفقيه والمصباح: " إلا على الصبي والمريض
والمجنون والشيخ الكبير (6) الخبر.
وقيده، بعضهم بالبالغ حد العجز (7)، وجماعة بالبالغ حده أو المشقة
الشديدة (8)، وعبر بعضهم بالهم - بكسر الهاء - أي الشيخ الفاني (9)، وآخر بالكبير
المزمن (10)

(1) مستدرك الوسائل 6: 5 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1، نقلا عن كتاب العروس.
(2) الرياض 1: 187.
(3) قال فيه: ولا تجب على الأعرج وهو مذهب علمائنا أجمع، لأنه معذور بعرج لحصول المشقة في
حقه. المنتهى 1: 323.
(4) المنتهى 1: 324.
(5) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 6، الفقيه 1: 266 / 1217، الوسائل 7: 295 أبواب صلاة
الجمعة وآدابها ب 1 ح 1.
(6) الفقيه 1: 275 / 1262، مصباح المتهجد: 341، الوسائل 7: 297 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح
6.
(7) كالعلامة في القواعد 1: 37.
(8) كما في جامع المقاصد 2: 387.
(9) كالمحقق في الشرائع 1: 96، والشهيد في الروض 287، وصاحب الرياض 1: 187.
(10) كما في الإرشاد 1: 257.
109

وقيل: كل ذلك تقييد للنص بلا دليل (1).
أقول: الظاهر انفهام بعض هذه المراتب - لا أقل من كونه موجبا للمشقة -
من النص، ويؤكده حصول الكبر والشيخوخة لغة بالتجاوز عن الستين مع إتيان
من بلغها من الحجج بالجمعة، فالتقييد بإيجابه المشقة لازمة.
التاسع: انتفاء المطر، وفاقا للأكثر، بل عن التذكرة أنه لا خلاف فيه بين
جملة العلماء (2); وتدل عليه صحيحة عبد الرحمن: " لا بأس بأن يترك الجمعة في
المطر " (3).
والظاهر أن المراد المطر الكثير الموجب لنوع تعسر لا مطلقا.
وألحق به بعضهم الوحل، والحر والبرد الشديدين، إذا خاف الضرر
معها (4).
وعن السيد أنه قال: وروي أن من يخاف على نفسه ظلما أو ماله فهو
معذور (5)، وكذا من كان متشاغلا بجهاز ميت، أو تعليل والد، ومن يجري مجراه
من ذوي الحرمات الوكيدة.
والظاهر عدم السقوط إلا بما ورد به النص أو أوجب الحرج أو الضرر أو
كان واجبا مضيقا.
العاشر: عدم تباعد الجمعة منه بفرسخين أو بأزيد من فرسخين على
اختلاف القولين والروايتين، فالأول قول الصدوق في المقنع والفقيه والأمالي (6)،

(1) قاله صاحب الحدائق 10: 151
(2) التذكرة 1: 153.
(3) الفقيه 1: 267 / 1221، التهذيب 3: 241 / 645، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 23 ح 1; وفي الجميع: تدع، بدل يترك.
(4) كما في التذكرة 1: 153، والروض: 287، والحدائق 10: 151.
(5) نقله عنه في المعتبر 2: 191.
(6) لم نعثر عليه في المقنع، وحكاه عنه في الحدائق 10: 152، ووجدناه في الهداية: 34; وهو في
الفقيه 1: 266 / 1217، والأمالي: 514.
110

وابن حمزة (1); وعليه دلت صحيحة زرارة، ورواية خطبة الأمير عليه السلام.
والثاني مختار الشيخين والسيد والحلبي والحلي والديلمي والفاضلين (2)، بل
هو الأشهر كما قيل (3)، وعن الخلاف والغنية وظاهر المنتهى: الإجماع عليه (4);
وعليه دلت صحيحة محمد (5)، والمرويات في العلل (6)، والعيون (7)، والدعائم (8)،
والأمر في ذلك سهل.
وعن العماني: الوجوب على من إذا غدا من أهله بعد ما يصلي الغداة يدرك
الجمعة (9)، وعن الإسكافي: وجوبها على من يصل إلى منزله إذا راح منها قبل خروج
نهار يومه (10)، وهو مناسب لسابقه.
وتدل عليهما صحيحة زرارة المتقدمة (11)، وهي بمخالفة الشهرة العظيمة
شاذة، ومع ذلك بجميع ما مر معارضة، فحمل الوجوب فيها على الاستحباب
متعين.

(1) الوسيلة: 103.
(2) المفيد في المقنعة: 164، الطوسي في النهاية: 103، حكاه عن السيد في المعتبر 2: 290، الحلبي
في الكافي في الفقه: 151، الحلي في السرائر 1: 293، الديلمي في المراسم: 77، المحقق في المعتبر
2: 291، والشرائع 1: 96، العلامة في القواعد 1: 37، والمختلف: 106.
(3) كما في الرياض 1: 188.
(4) الخلاف 1: 594، الغنية (الجوامع الفقهية): 560، المنتهى 1: 323.
(5) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 3، التهذيب 3: 240 / 641، الإستبصار 1:
421 / 1619، الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 4 ح 6.
(6) العلل: 266 ب 182.
(7) العيون 2: 111، الوسائل 7: 308 أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 4.
(8) الدعائم 1: 181، المستدرك 6: 12 أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 1.
(9) حكاه عنه في المعتبر 2: 290، والمختلف: 106.
(10) حكاه عنه في المختلف: 106.
(11) في ص 38.
111

وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: قد عرفت سقوط وجوب حضور الجمعة عن المذكورين
قطعا، فهل يجوز لهم الحضور والتجميع، ويجزئ ذلك عن ظهرهم أم لا؟.
الظاهر نعم، وفاقا لجماعة (1); لعدم دلالة أخبار الوضع والسقوط على
الزائد على وضع الوجوب، حتى ما صرح فيه بوضع الجمعة; إذ لا معنى لوضع
نفسها، بل حكمها، وهو كما يحتمل أن يكون مطلق المشروعية يحتمل الرجحان،
فإن أدلة الجمعة منها ما يثبت منه الوجوب، ومنها ما لا يدل على أزيد من الرجحان
والمشروعية، ولا يلزم من انتفاء الأول انتفاء الثاني.
نعم لو كان أخبار الجمعة منحصرة بما كان صريحا في الوجوب، أمكن أن
يقال إن بانتفائه ووضعه ينتفي الرجحان; لأن ثبوته حينئذ يكون تبعيا، كثبوت
الجنس بثبوت فصله، فيرتفع بارتفاع متبوعه، ولكن ليست منحصرة، فيبقى ما
دل على مطلق مشروعيته أو رجحانه خاليا عن المعارض.
مضافا في المسافر، إلى المروي في ثواب الأعمال والأمالي: " أيما مسافر صلى
الجمعة رغبة فيها وحبا لها، أعطاه أجر مائة جمعة [للمقيم] " (2).
وفي المرأة، إلى صحيحة أبي همام: " إذا صلت المرأة في المسجد مع الإمام
يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها، وإن صلت في المسجد أربعا
نقصت صلاتها، لتصل في بيتها أربعا أفضل " (3).
المسألة الثانية: غير الصبي والمجنون من هؤلاء لو حضروا فهل تجب عليهم
حينئذ كلا أو بعضا، أم لا؟.

(1) كالشيخ: في النهاية: 103، والحلي في الكافي: 151، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):
560.
(2) ثواب الأعمال: 37، الأمالي: 19 / 5، الوسائل 7: 339 أبواب صلاة الجمعة ب 19 ح 2، وما
بين المعقوفين من المصادر.
(3) التهذيب 3: 241 / 644، الوسائل 7: 340 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 22 ح 1.
112

صرح الشيخ في النهاية بالوجوب (1)، وحكي عن المفيد أيضا (2)، وفي المعتبر
والنافع والشرائع: الوجوب في غير المرأة (3)، وفي المدارك: أنه المشهور مطلقا (4)،
بل عن ظاهر الغنية الإجماع في غير المرأة (5)، وعن الإيضاح في غيرها وغير العبد
والمسافر (6)، وفي شرح القواعد: نفي الخلاف عن الوجوب على الأعمى والمريض
والكبير والأعرج ومن هو على رأس أزيد من فرسخين (7)، وفي التذكرة: على
المريض والممنوع للمطر والخوف (8)، وفي المنتهى: على المريض (9)، وفي
المدارك: نفي الخلاف عنه في البعيد (10).
لعمومات وجوب الجمعة.
واختصاص ما دل على وضعها عنهم - بعد ضم بعضها إلى بعض - بإفادة
وضع وجوب الحضور عليهم إليها، لا مطلقا، وإلا لما جاز فعلها لهم بدلا عن
الظهر، وهو باطل إجماعا.
وخبر حفص المنجبر بالشهرة المحققة والمحكية: إن الله عز وجل فرض
الجمعة على جميع المؤمنين والمؤمنات، ورخص للمرأة والمسافر والعبد أن لا يأتوها،
فلا حضروها سقطت الرخصة، ولزمهم الفرض الأول، فمن أجل ذلك أجزأ
عنهم (11).

(1) النهاية: 103.
(2) حكاه عنه في المدارك 4: 54.
(3) المعتبر 2: 292، النافع 1: 36، الشرائع 1: 96.
(4) المدارك 4: 54.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 560.
(6) الإيضاح 1: 124.
(7) جامع المقاصد 2: 388.
(8) التذكرة 1: 144.
(9) المنتهى 1: 323.
(10) لم نعثر عليه في المدارك، وحكى في الرياض 1: 188، عن المدارك نفي الخلاف في العبد، ولم
نعثر عليه أيضا فيه.
(11) الكافي 3: 429 الصلاة ب 80 ح 9، الغنية 1: 270 / 1235، التهذيب 3: 21 / 78،
الوسائل 7: 337 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 18 ح 1.
113

ويؤيده في المرأة: المروي في قرب الإسناد: عن النساء هل عليهن من
صلاة العيدين والجمعة ما على الرجال؟ قال: " نعم " (1) بحمله على صورة
الحضور.
ويضعف الأول: بتخصيص العمومات بالمسقطات.
والثاني: بالمنع، غايته تصريح بعض ما دل على الوضع بوضع لزوم
الشهود، ولكنه صرح في بعض آخر بوضع وجوب الجمعة أو نفسها، ولا يدل
الأول على تقييد الثاني أيضا. وجواز الفعل بدلا عن الظهر إجماعا - لو سلم - لا
يدل على الوجوب العيني.
والرواية مخصوصة بثلاثة.
فالحكم بالوجوب بالحضور في الثلاثة متجه. وكذا في البعيد; لأنه مع
الحضور يخرج من عنوان البعيد ويدخل في العنوان الآخرة. وفي الأعرج أيضا إذا
كان السقوط عنه بواسطة الإجماع أو الانجبار المفقودين في المقام جدا. بل في
المحبوس بالمطر على الظاهر; لتبادر أن المراد التحرز عن المطر، فبعد الحضور لا
يكون في المطر. وكذا في كل من كان السقوط عنه للحرج أو الضرر دون النص.
فإن ثبت الإجماع المركب في البواقي، وهم: الكبير والمريض والأعمى،
فيتم الحكم بالوجوب فيهم أيضا، وإلا فلا.
خلافا لمن لم يوجبها عينا على شئ منهم كالمدارك (2); لعموم المسقطات
وضعف الروايات.
أو على المرأة والعبد والمسافر كبعضهم; لذلك أيضا، وللزوم الاقتصار في
تخصيص المسقطات بالمجمع عليه وهو غير الثلاثة.
أو على الأولين خاصة، كبعض آخر; لما مر مع ظن الإجماع على الوجوب

(1) قرب الإسناد: 224 / 871، الوسائل 7: 338 أبواب صلاة الجمعة ب 18 ح 2.
(2) المدارك 4: 55.
114

على البواقي.
أو على الأولى خاصة، كما عن المبسوط (1)، بل نسب إلى الأكثر أيضا.
للأصل.
والاتفاق، كما في المعتبر (2).
واختصاص انجبار الخبر بغيرها.
وإطلاق صحيحة أبي همام المتقدمة بالكراهة الغير المجامعة للوجوب.
ويرد الأول: باندفاعه بما مر.
والثاني: بعدم الحجية سيما مع مخالفة الأجلة.
والثالث: بأن الضعف سندا غير ضائر بعد وجود الرواية في الكتب
المعتبرة، مع أن دعوى الشهرة في الجميع لها جابرة، مضافا إلى فتوى الأجلة ومنهم
التهذيب والكافي والمقنعة والنهاية والإشارة والتحرير والمنتهى وغيرهم
بمضمونها (3).
والرابع: بأن النقص غير الكراهة المصطلحة، ولذا جمع مع الصلاة أربعا
في المسجد أيضا، فيمكن أن يكون هذا واجبا ناقصا أجره عن واجب آخر، وهو
الصلاة أربعا في البيت.
ومما ذكر يظهر الجواب عن أدلة الأقوال السابقة عليه أيضا.
المسألة الثالثة: هل ينعقد بهؤلاء عدد الجمعة أم لا؟.
الظاهر عدم الخلاف في غير المرأة والعبد والمسافر، بل ادعي الاتفاق في
بعضهم في طائفة من العبائر (4).

(1) المبسوط 1: 143.
(2) المعتبر 2: 292.
(3) التهذيب 3: 21، الكافي في الفقه: 151، حكاه عن المقنعة في المدارك 4: 54، النهاية 103،
الإشارة: 97، التحرير 1: 44، المنتهى 1: 321; وانظر: المدارك 4: 54، والذخيرة: 301.
(4) كما في الإيضاح 1: 124، وجامع المقاصد 2: 388، والرياض 1: 188.
115

ووجهه; بعد ما عرفت من جواز تجميعهم بل وجوبه مع الحضور، وإطلاق
ما دل على اشتراط العدد بالنسبة إليهم; ظاهر.
ومنه يظهر الانعقاد أيضا بالعبد والمسافر، كما هو مذهب الأكثر.
وأما المرأة فالظاهر عدم الانعقاد بها، وفاقا للأكثر، بل عن جماعة دعوى
الاتفاق عليه (1).
لاختصاص أدلة اشتراط العدد بالمسلمين أو الضمير الراجع إلى المذكر، أو
القوم أو الرهط أو النفر.
واختصاص الأولين بالرجال ظاهر، وكذا البواقي; لتصريح اللغويين
باختصاصها بالرجال. ومنهم من تردد بين الاختصاص والاشتراك، وغايته
الإجمال الموجب لعدم حجية عمومات انعقاد الجمعة في موضع الإجمال. والجواز
والوجوب لا يستلزمان الانعقاد أيضا كما لا يخفى.

(1) كما في المدارك 4: 55، والذخيرة: 301.
116

البحث الرابع
في كيفيتها
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: اعلم أن صلاة الجمعة كصلاة الصبح كمية وكيفية،
بالإجماع والنصوص.
إلا أنه لا يجب فيها الجهر بالقراءة، كما لا يجب الإخفات أيضا; للأصل
السالم عما يصلح للمعارضة.
ومرسلة ابن فضال: " السنة في صلاة النهار بالإخفات " (1). غير صريحة في
إيجاب الإخفات.
كما أن قوله في صحيحتي ابن أبي عمير ومحمد: " وإنما يجهر إذا كانت
خطبة " (2) غير صريحة في إيجاب الجهر.
نعم يستحب الجهر فيها; لذلك، مضافا إلى فتوى الأصحاب، بل
إجماعهم كما في المدارك وغيره (3).
المسألة الثانية: المشهور - كما صرح به غير واحد (4) - أن في الجمعة قنوتين،
أحدهما في الأولى قبل الركوع، والثاني في الثانية بعده، وعن الخلاف الإجماع

(1) التهذيب 2: 289 / 1161، الإستبصار 1: 313 / 1165، الوسائل 6: 77 أبواب القراءة في
الصلاة ب 22 ح 2;
(2) التهذيب 3: 15 / 53 و 54، الإستبصار 1: 416 / 1597 و 1598، الوسائل 6: 161 و 162
أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 8 و 9.
(3) المدارك 4: 10، وانظر: نهاية الإحكام 2: 49، والذخيرة: 317.
(4) انظر: المدارك 3: 446، - والحدائق 8: 372.
117

عليه (1).
لصحيحة أبي بصير: سئل عن القنوت يوم الجمعة فقال: " في الركعة
الثانية " فقال له: حدثنا بعض أصحابنا أنك قلت: في الركعة الأولى، فقال: " في
الأخيرة " وعنده ناس كثير، فلما رأى غفلة منهم قال: " يا محمد هو في الركعة الأولى
والأخيرة " قلت: جعلت فداك قبل الركوع أو بعده؟ قال: " كل القنوت قبل الركوع
إلا الجمعة، فإن الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع، والأخيرة بعد
الركوع " (2).
وصحيحة زرارة وفيها بعد ذكر صلاة الجمعة: " وعلى الإمام فيها قنوتان،
قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعد الركوع " (3)
وموثقة سماعة: " أما الإمام فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من
القراءة قبل الركوع، وفي الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود " (4).
والمرويين في العلل والعيون في صلاة الجمعة: فإن قال: فلم جعل الدعاء
في الركعة الأولى قبل القراءة، ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة "؟ (5)
الحديث.
خلافا للمحكي عن الإسكافي والمفيد والمختلف والمدارك، فقالوا: إن
قنوتها واحد في الأولى قبل الركوع (6); لظواهر المستفيضة، كصحاح ابن عمار (7)،

(1) الخلاف 1: 631.
(2) التهذيب 2: 90 / 334، التهذيب 3: 17 / 62، الإستبصار 1: 339 / 1275، الإستبصار
1: 418 / 1606، الوسائل 6: 273 أبواب القنوت ب 5 ح 12.
(3) الفقيه 1: 266 / 1217، الوسائل 6: 272 أبواب القنوت ب 5 ح 4.
(4) التهذيب 3: 245 / 665، الوسائل 6: 272 أبواب القنوت ب 5 ح 8.
(5) العلل: 260 ب 182، العيون 2: 105، الوسائل 6: 262 أبواب القنوت ب 1 ح 5.
(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 106، المفيد في المقنعة: 164، المختلف: 106، المدارك
3: 447.
(7) الكافي 3: 427 الصلاة ب 77 ح 2، التهذيب 3: 16 / 59، الإستبصار 1: 417 / 1603،
الوسائل 6: 270 أبواب القنوت ب 5 ح ا.
118

وسليمان (1)، وعمر بن يزيد (2)، وموثقتي أبي بصير (3)، ورواية عمر بن حنظلة (4).
وأكثرها لا يدل إلا على ثبوت القنوت في الأولى، وهو غير مناف للقنوت في
الثانية أيضا بدليل آخر، ولا دلالة له على الاختصاص، وما دل منه عليه يحتمل
إرادة القنوت المخصوص بصلاة الجمعة.
وللمحكي عن الصدوق والحلي، فقالا بأنه واحد في الثانية (5)، كسائر
الصلوات; لعمومات القنوت المتقدمة في محله، الواجب تخصيصها بهذه
المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة ومخالفة العامة، كما يستفاد من الصحيحة
الأولى.
ثم على المختار من تعدد القنوت فهل هو ثابت مطلقا، كما عن ظاهر
الأكثر، بل عن ظاهر الخلاف الاجماع عليه (6)، أم يختص بالإمام، كما عن
جماعة (7).
الظاهر الأول; لإطلاق جملة من الأخبار المتقدمة.
احتج الثاني بظواهر جملة أخرى منها.
ويجاب بأنها مثبتة للقنوتين للإمام، لا نافية لهما عن غيره، مع أن الظاهر من
سياقها أن المراد من الإمام فيها من يقابل المنفرد ومن يصلي أربعا، لا المأموم أيضا.

(1) التهذيب 3: 16 / 56، الإستبصار 1: 417 / 1600، الوسائل 6: 271 أبواب القنوت ب 5
ح 6.
(2) التهذيب 3: 245 / 664، الوسائل 6: 272 أبواب القنوت ب 5 ح 11.
(3) الأولى: الكافي 3: 426 الصلاة ب 77 ح 1، التهذيب 3: 18 / 64، الوسائل 6: 270 أبواب
القنوت ب 5 ح 2.
الثانية: التهذيب 3: 16 / 58، الإستبصار 1: 417 / 1602، الوسائل 6: 271 أبواب
القنوت ب 5 ح 7.
(4) الكافي 3: 327، الصلاة ب 77 ح 3، التهذيب 3: 16 / 57، الوسائل 6: 271 أبواب القنوت
ب 5 ح 5.
(5) الهداية: 34، السرائر 1: 299.
(6) الخلاف 1: 631.
(7) انظر: المعتبر 2: 244، والتذكرة 1: 128.
119

البحث الخامس
في وقتها
أول وقتها الزوال بمعنى أن يخطب في الفئ الأول، فإذا زالت الشمس
صلى، أو يخطب أيضا بعد الزوال، على اختلاف القولين كما يأتي، فيكون المراد على
الثاني أن وقت الصلاة بعد الزوال بقدرهما، أو يبنى على دخولهما في الصلاة، أو
يكون المراد وقت الصلاة ومقدماتها، وأن الوقت بالأصالة للصلاة وإن وجب
تأخيرها عن الخطبتين، كما أن بعد أربع الركعات من الزوال مشترك بين
الظهرين، لكن يجب تقديم الظهر على العصر.
ثم إن كون أول وقتها ما ذكر للإجماع المحكي في الخلاف وروض الجنان
وشرح القواعد (1)، بل المحقق عند المحقق; لعدم قدح مخالفة من سيذكر فيه،
والأخبار المتكثرة من الصحاح وغيرها، كصحاح علي وابن أبي عمير والفضيل
وزرارة والحلبي وابن سنان ومرسلتي الفقيه وموثقتي سماعة والساباطي ورواية
القسري، الآتية كثير منها، (2)، وغير ذلك.
والاستدلال بأصالة عدم المشروعية قبل الزوال، وتوقف الوظائف الشرعية
على التوقيف ضعيف; لاندفاع الأول، وحصول الثاني بالمطلقات.
خلافا للمحكي في الخلاف عن بعض أصحابنا، وعزاه إلى السيد
أيضا (3)، فيجوز فعلها عند قيام الشمس.
وهو شاذ جدا، مع أنه قال الحلي بعد نقل هذه النسبة عن الشيخ: ولعل

(1) الخلاف 1: 620، الروض: 284، جامع المقاصد 2: 366.
(2) في ص 123 و 124 و 125، ورواية القسري في التهذيب 2: 284 / 1137، الوسائل 5: 379
أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 3.
(3) الخلاف 1: 620.
120

شيخنا سمعه من المرتضى مشافهة، فإن الموجود في مصنفات السيد موافق
للمشهور (1); ومع ذلك لا دليل عليه سوى روايات عامية لا حجية فيها (2).
وفي آخره أقوال:
الأول: صيرورة ظل كل شئ - أي الفئ الزائد - مثله، وهو المشهور بين
الأصحاب، كما صرح به جماعة (3)، إلا أنه - كما اعترف به جماعة ممن تأخر، (4) - لا
دليل عليه إلا ما قالوه من الشهرة، وما في المنتهى من دعوى الإجماع، وكون النبي
صلى الله عليه وآله أنه يصلي في ذلك الوقت (5).
والأولان ليسا بحجة، سيما مع مصير جمع من أعاظم القدماء على
خلافه (6)، وعدم كون ثانيهما صريحا في دعوى الإجماع على آخر الوقت; لما في
كلامه من نوع إجمال. قال: والوقت شرط في الجمعة وهو أن يصير ظل كل شئ
مثله، وهو مذهب علمائنا أجمع، إلا ما نقله الشيخ قدس سره عن السيد
المرتضى، قال: وفي أصحابنا من قال. إنه يجوز أن يصلي الفرض عند قيام
الشمس يوم الجمعة خاصة وهو اختيار المرتضى. انتهى (7).
والثالث لا دلالة فيه; لأن الوقت الذي كان يصلي النبي صلى الله عليه وآله
فيه كان ينقص عن ذلك المقدار غالبا، ولم يقل أحد بالتوقيف بذلك الناقص،
كذا في الذكرى (8).

(1) السرائر 1: 296.
(2) صحيح مسلم 2: 588 / 32، سنن أبي داوود 1: 284 / 1035، سنن ابن ماجة 1: 350.
(3) كالشهيد الثاني في الروض: 284، والسبزواري في الذخيرة: 298.
(4) كالشهيد الأول في الذكرى: 235، والشهيد الثاني في الروض: 284، والسبزواري في الذخيرة
: 298.
(5) المنتهى 1: 318.
(6) انظر: ص 122.
(7) المنتهى 1: 318.
(8) الذكرى: 235.
121

وهو غير جيد; لأن مراد المستدل أن فعل النبي صلى الله عليه وآله في هذا
الوقت يدل على بقاء الوقت إليه فينفي التضيق، وينفى ما زاد عنه بعدم ثبوت
التوقيف. ولا يضر فعله في الناقص غالبا في ذلك; لأن فعل النادر كاف في نفي
التضيق، كما أن عدم ثبوت التوقيف كاف في نفي الزائد.
فالصواب أن يرد بعدم ثبوت فعل النبي صلى الله عليه وآله في هذا الوقت
أولا، وحصول التوقيف بالمطلقات ثانيا.
وقد يستند تحديدهم هذا إلى أخبار دلت على أنها مضيقة بالنسبة إلى
الظهر (1)، ولا بد حينئذ من أن ينضبط آخره، ولا ينضبط بقدر الفعل ولا بساعة،
فاستنبطوا مما دل من الأخبار على أن وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر سائر
الأيام هذا التحديد; لأن نهاية أول وقت الظهر إنما هو المثل، فغاية ما يؤخر المتنفل
الظهر أن يؤخرها عن المثل في الغالب، فإذا جعل ما بعد المثل وقت العصر دل
على انتهاء وقت الجمعة حينئذ.
وضعفه ظاهر; لمنع عدم الانضباط بقدر الفعل بأن يشرع في أول الوقت
حتى يتم، ولو سلم فما الضرر فيه، ومنع دلالة جعل ما بعد المثل وقت العصر
على انتهاء وقت الجمعة حينئذ، فلعله ينتهي قبله بل أو بعده أيضا.
والثاني: مضئ قدر الأذان والخطبتين والركعتين من أول الزوال، بمعنى
وجوب التلبس في أول الوقت وإن تفاوت آخره بالنسبة إلى بطء القراءة وسرعتها،
واختصار الخطبة والسورة والقنوت والأذكار وتطويلها. لا بمعنى أن الوقت بقدر
ما يمكن من هذه الأمور، حتى جاز التأخير من أول الوقت والإتيان بأقل الواجب
بعده. ولا بمعنى أن الوقت بقدر أقل الواجب منها; لمخالفته الإجماع، بل
الضرورة.
وهو المحكي عن الحلبي وابن زهرة وظاهر المقنعة والإصباح والمهذب (2)،

(1) انظر: الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8.
(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 151 - 153، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560، المقنعة:
164، المهذب 1: 103.
122

وقد مال إليه جماعة من المتأخرين (1)، وعن الغنية الإجماع عليه (2).
للمستفيضة من الصحاح، كصحيحة ابن أبي عمير: عن الصلاة يوم
الجمعة، فقال: " نزل بها جبرئيل مضيقة، إذا زالت الشمس فصلها " (3).
فإن التضيق لا يكون إلا مع مساواة الوقت للفعل، مضافا إلى الأمر
بالصلاة بعد الزوال بلفظة الفاء الدالة على التعقيب.
ومن الأول ظهرت دلالة صحيحة الفضيل، وفيها: " والجمعة مما ضيق
فيها، فإن وقتها يوم الجمعة ساعة تزول " (4).
وزرارة، وفيها: " فإن صلاة الجمعة من الأمور المضيقة، إنما لها وقت واحد
حين تزول " (5).
ومن الثاني دلالة صحيحة علي، وفيها: " فإذا زالت الشمس فصل
الفريضة " (6).
وابن سنان: " إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة " (7).
هذا مضافا إلى أن المستفاد من قوله: " إذا زالت فصل الفريضة " الفورية;
لأن مقتضاه أن وقت تحقق الزوال صلها، فيكون ذلك الوقت وقتا للفعل.
وإلى تصريحه في الصحيحة الثانية بأن وقتها ساعة تزول. ولا ينافيه لفظ
الساعة; لأنها تطلق عرفا على الزمان القليل، لا الساعة النجومية.

(1) كيحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 94، والشهيد الأول في الدروس 1: 188، والبيان 187،
والشهيد الثاني في الروضة 1: 296.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 560.
(3) الكافي 3: 420 الصلاة ب 74 ح 4، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 16.
(4) الكافي 3: 274 الصلاة ب 4 ح 2، الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 1.
(5) التهذيب 3: 13 / 46، الوسائل 7: 316 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 1.
(6) قرب الإسناد: 214 / 840، الوسائل 7: 326 أبواب صلاة الجمعة وآدابها 11 ملحق بالحديث 16.
(7) الكافي 3: 420 الصلاة ب 74 ح 2، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 15.
123

ومنه تظهر دلالة مرسلة الفقيه أيضا: " وقت صلاة الجمعة ساعة تزول
الشمس، ووقتها في السفر والحضر واحد، وهو من المضيق " (1).
وفي الثالثة (2) بأن لها وقتا واحدا. فإنه لا يكون واحدا لو زاد وقتها عن
ذلك; إذ لا شك أن أول الوقت فيها أفضل.
وتدل عليه أيضا صحيحة الحلبي: " وقت الجمعة زوال الشمس " (3).
ولما لم يسع الزوال للصلاة فزيد مما بعد بقدر يسعها.
وابن سنان: " وقت صلاة الجمعة عند الزوال " (4).
وموثقة الساباطي: " وقت صلاة الجمعة إذا زالت الشمس شراك أو
نصف " (5).
وسماعة: " وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس " (6).
ورواية إسماعيل: جعل الله لكل صلاة وقتين، إلا الجمعة في السفر
والحضر، فإنه قال: " وقتها إذا زالت الشمس " (7).
وموثقة الأعرج: عن وقت الظهر، هو إذا زالت الشمس؟ فقال: " بعد
الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلا في السفر أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت " (8).
ويؤيده الاحتياط، وأصالة الاشتغال، وإجماع المسلمين على المباشرة إليها

(1) الفقيه 1: 267 / 1220، الوسائل 7: 318 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 12.
(2) أي: مضافا إلى تصريحه في الصحيحة الثالثة....
(3) الفقيه 1: 269 / 1227، الوسائل 7: 318 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 11.
(4) التهذيب 3: 13 / 43، الوسائل 7: 317 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 5.
(5) التهذيب 2: 273 / 1086، الوسائل 4: 245 أبواب المواقيت ب 40 ح 1.
(6) الكافي 3: 420 الصلاة ب 74 ح 1، التهذيب 3: 12 / 41، الوسائل 7: 317 و 318 أبواب
صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 8 و 14.
(7) مصباح المتهجد: 324، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 18.
(8) التهذيب 2: 244 / 970، الإستبصار 1: 247 / 884، الوسائل 4: 145 أبواب المواقيت ب
8 ح 17.
124

حين الزوال.
ولا يرد على هذا القول ما قيل: من أنه لو صح لما جاز التأخير عن الزوال
بالنفس الواحد، مع أن النبي صلى الله عليه وآله: " كان يخطب في الظل الأول
فيقول جبرئيل: يا محمد، قد زالت الشمس، فأنزل فصل " (1).. وهو دليل على
جواز التأخير بقدر قول جبرئيل ونزوله.
لأن الوقت على هذا القول بقدر ما يسع الخطبتين أيضا، والنبي صلى الله
عليه وآله لما قدمهما كانت له الوسعة، مع أنه ليس المراد الحصر الحقيقي بل
العرفي.
ولا أنه ينافي الأخبار الدالة على جواز ركعتي الزوال بعد دخول وقت
الفريضة (2); لمعارضتها مع أكثر منها عددا وأصح سندا من الروايات الدالة على
وجوب تأخير الركعتين عن الزوال كما يأتي.
ولا مرسلة الفقيه: " أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي
ساعة " (3).
لأن المراد بالساعة الزمان القليل. ولو أنكرته فيكون مجملة; لأن النجومية
من الاصطلاحات الطارئة.
نعم يرد على صحيحة الحلبي وما تأخر عنها: أنه لا شك أنه ليس المراد أن
تمام وقتها الزوال أو عنده أو حينه أو إذا زالت; بل المراد أنه أول وقتها. ووقت
الفعل ما يجوز فيه فعله لا ما يجب، كما يقال. أول وقت الظهر الزوال.
فالاستدلال بها غير سديد، بل بالوجوه المتقدمة عليها أيضا:
أما الوجه المتقدم عليها من جعل وقتها واحدا، فلأنه لا تدل الوحدة على
الانطباق على الفعل والتضيق، ألا ترى أنه جعل لغيرها من الصلوات وقتين، مع

(1) التهذيب 3: 12 / 42، الوسائل 7: 316 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 4.
(2) انظر: الوسائل 7: 322 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11.
(3) الفقيه 1: 267 / 1223، الوسائل: 318 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 13.
125

أن كلا منهما موسع، وورد في الأخبار أن لصلاة المغرب وقتا واحدا؟! فيمكن أن
يكون المراد أن لها وقتا واحدا من وقتي الفضيلة والإجزاء، أو الاضطرار والاختيار،
أو غيرهما، وإن كان ذلك الوقت الواحد متسعا.
وأما ما تقدم على ذلك الوجه من جعل وقتها ساعة تزول، فلما مر أولا.
وأما ما تقدم عليه فلمنع استفادة الفورية; إذ ليس معنى قوله: إذا ضربك
زيد اضربه، أنه اضربه حين ضربه، لجواز أن يقال: اضربه بعد ساعة، وإذا
جاز ذلك التقييد من غير لزوم تجوز ولم يكن الأمر بنفسه للفورية فما الدليل على
تقييده بهذا الوقت؟ ألا ترى أنه يقال: إذا مات زيد فانكح زوجته، ولا تجوز
فيه؟! ويقال: إذا تزوجت امرأة فانفق عليها، وليس المراد أنفق حين التزوج.
وأما ما تقدم عليه، فللخلاف في إفادة الفاء الجزائية للتعقيب، سلمناه
ولكن مفادها تعقيب الجزاء الشرط دون متعلق الجزاء والجزاء هو وجوب الصلاة
لا فعلها; لعدم ترتبه على الشرط. وحصول الوجوب بالزوال مسلم ولكن ليس
فوريا.
وأما ما تقدم عليه، فلعدم ملازمة بين التضيق في صلاة الجمعة وتوقيتها
بهذا القدر; لأن استعمال الواجب المضيق فيما انطبق الفعل على الوقت اصطلاح
جديد للأصوليين، وأما العرف واللغة فلم يعلم ذلك منهما بل هو أمر إضافي، ولذا
ورد أن وقت صلاة المغرب مضيق وهو من الغروب إلى غروب الحمرة، مع أنه يتسع
أضعاف صلاة المغرب; فإذا جاز الإتيان بصلاة الظهر في سائر الأيام من الزوال
إلى قريب الغروب، وحد صلاة الجمعة ما بين الزوال وصيرورة الظل مثله يصدق
التضيق عرفا ولغة.
هذا مضافا إلى أن صلاة يوم الجمعة في الصحيحة الأولى شاملة لظهرها أيضا.
وقد ورد في موثقة الأعرج أن وقتها عند الزوال، وفي بعض الأخبار أن وقت الظهر
يوم الجمعة مضيق، وهو محمول على الأفضلية قطعا، فيمكن أن يكون هي المراد
في الصحيحة أيضا. وحمل الصلاة على الجمعة ليس بأولى من حمل التضيق على
126

الأفضلية إلا أن يراد أولوية التقيد والتخصيص من التجوز إن كان ذلك مجازا.
ومن هذا يظهر ضعف كل هذه الوجوه أيضا.
إلا أن يقال: إن كل واحد واحد وإن كان كذلك، إلا أنه يستفاد من تعليل
قوله في الصحيحة الأولى: " إذا زالت الشمس فصلها " بكونها مضيقة، وتفريع
" كون وقتها ساعة تزول " عليه، في الثانية، وترتب " وحدة وقته وكونه حين تزول "
عليه، في الثالثة، وجوب الفعل حين الزوال وعدم جواز التأخير عنه.
ومنه تظهر قوة هذا القول وضعف سابقه.
كما يظهر ضعف قول الحلي بامتداد وقتها إلى وقت الظهر (1)، واختاره في
الدروس والبيان (2)، وهو محتمل كلام المبسوط (3) التحقق البدلية، وأصالة
البقاء.
والأول جدا ممنوع، والثاني بما مر مدفوع.
وأما ما في الموثقة السابقة (4) من أن وقتها إذا زالت الشمس قدر شراك أو
نصف.
فلا ينافي ما مر; لعدم تحقق الزوال لنا قبل ذلك، مع أن مثل ذلك التأخير
لا ينافي أولية الزوال عرفا.
ومنه يظهر عدم منافاة ما في صحيحة [ابن سنان] (5) أيضا: من أن " رسول
الله صلى الله عليه وآله كان يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ".
وكذا لا تنافيه رواية الشيخ في المصباح: عن صلاة الجمعة، فقال: " وقتها
إذا زالت الشمس فصل ركعتين قبل الفريضة، وإن أبطأت حتى يدخل الوقت

(1) السرائر 1: 296.
(2) الدروس 1: 188، البيان 186.
(3) المبسوط 1: 147.
(4) في ص 124
(،) في النسخ: زرارة، ولم نعثر على رواية منه بذلك المضمون، والظاهر أنه سهو، انظر: التهذيب
164، المهذب 1: 103.
127

هنيئة فابدأ بالفريضة " (1).
لعدم صراحتها في فعل الركعتين بعد الزوال، بل ما بعده ظاهر في فعله
قبله.
ولا مرسلة الفقيه: " أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن يمضي
ساعة " (2).
لجواز أن يكون الانتهاء انتهاء ما يجوز فعل الصلاة فيه وإن وجب الشروع
في الأول.
وكذا ظهر ضعف القول بامتداد الوقت إلى القدمين، كما اختاره بعض
متأخري الأخباريين (3); لجعل وقت العصر في الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام
في الأخبار ومبدأ وقت الظهر القدمين، مضافا إلى ما أشير إليه في قدح مثل هذا
الوجه الذي ذكروه للقول الأول (4).
فروع:
أ: على ما اخترناه من وجوب الشروع في أول الزوال عرفا فهل لآخره حد
لا يجوز تطويل الخطبتين والسورة والقنوت والأذكار إلى أن يتجاوز عنه، أو يجوز
التطويل بأي قدر شاء؟.
مقتضى الأصل: الثاني، إلا أن يتجاوز عن حد يتعارف التطويل به في
الصلوات. بل لا يبعد جواز التطويل بقدر ثبت جوازه من العمومات ولو بلغ إلى
المثل بل تجاوز عنه إلى تضيق وقت العصر; للأصل.

(1) المصباح: 323، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 17.
(2) تقدمت في ص 125.
(3) انظر: الحدائق 10: 138.
(4) راجع ص 121.
128

ب: قالوا: لو خرج الوقت وقد تلبس بالصلاة فإن أدرك ركعة في الوقت
صحت جمعته بلا خلاف; لصحيحة البقباق: " من أدرك ركعة فقد أدرك
الجمعة " (1).
والأخرى: " إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة، وإن فاتته فليصل
أربعا " (2).
والروايات المتقدمة في بحث الوقت المصرحة بأن من أدرك ركعة فقد أدرك
الوقت (3).
وتخصيص بعضها بمن أدرك ركعة من صلاة الإمام فلا يشمل الإمام - مع
أنه غير ضائر للإجماع المركب - تخصيص بلا مخصص.
ولو لم يدرك الركعة فذهب جماعة، منهم: الشيخ والمحقق والفاضل في
القواعد، إلى صحة الجمعة (4).
لاستصحاب صحة الصلاة، وكون ما فعل لو ضم معه الباقي صحيحا.
والنهي عن إبطال العمل.
واستكماله شرائط الوجوب; لظنه سعة الوقت. فيجب الإتمام; لمشروعية
الدخول، ولا يشرع إلا فيما وجب إتمامه. وانكشاف الضيق لا يصلح لرفع
الوجوب.
ويرد الأول: بما يأتي من دليل البطلان، مع أن الصحة الواقعة وكون ما
فعل كما ذكر واقعا ممنوع، وبحسب ظنه لا يفيد.
والثاني: بالمنع على الإطلاق، مع أن المنهي عنه هو الإبطال فيما لم يبطل،
والخصم يدعي البطلان.

(1) التهذيب 3: 161 / 346، الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة وبابها ب 26 ح 6.
(2) الفقيه 1: 270 / 1232، الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 2.
(3) انظر: الوسائل 4: 217 أبواب المواقيت ب 30.
(4) الشيخ في المبسوط 1: 147، المحقق في المعتبر 2: 277، الفاضل في القواعد 1: 36.
129

والثالث: بأن استكمال الشرائط بحسب ظنه لا يوجبه واقعا، نعم يتعبد
بظنه لو لم يظهر خلافه، ووجوب الإتمام أولا ممنوع، بل الواجب عليه الإتمام لو
صادف الواقع ظنه، كما يجب الشروع في الصلاة على ظان البقاء. والحاصل أن
المشروط بشئ يجب إتمامه مع بقاء الشرط لا مطلقا.
وبما ذكر يظهر ضعف قول آخر اختاره بعض مشايخنا الأخباريين من الفرق
بين المتلبس بظن البقاء فأوجب الإتمام، وبدون ظنه فلا يجب (1).
وذهب جمع آخر، منهم: الشهيد، والفاضل في التحرير، والمحقق الثاني
وصاحبا المدارك والذخيرة، إلى فوات الجمعة (2).
وهو الحق; لمفهوم الأخبار المتقدمة، بل صريح ذيل الصحيحة الثانية،
ولأن توقيت الفعل بوقت يجعل صحته مشروطا به، فإذا خرج الوقت انتفى الشرط
فينتفي المشروط.
ثم لا يخفى أن الكلام في هذه المسألة على القول بتحديد وقتها بالقدمين أو
المثل أو وقت الظهر ظاهر.
وأما على قول الحلبي (3) - الذي هو المختار - فقد يتوهم عدم جريان المسألة
فيه; لعدم تحديد لآخر الوقت، حيث إنه يجب الشروع بالزوال حتى يتم فلا
يشمله قوله: " من أدرك ركعة في الوقت ".
وذلك إنما كان صحيحا لو كان مراد القائل أنه يجب الشروع في أول
الزوال، ويجوز التطويل إلى أي قدر شاء; بل يحد الآخر إما بالتعارف، أو
القدمين، أو وقت الظهر، فتشمله الروايات أيضا.
وعلى هذا، فعلى ما هو الظاهر من جواز التطويل إلى تضيق وقت العصر
وملاحظة شمول أحاديث الركعة للمضطر والمختار، لا يكون فارق بين قولي الحلي

(1) الحدائق 10: 141.
(2) الذكرى: 235، التحرير 1: 43، جامع المقاصد 2: 367، المدارك 4: 16، الذخيرة: 298.
(3) راجع ص 122.
130

والحلبي إلا في مجرد الإثم بالتأخير عن أول الوقت لو كان عن عمد. فتأمل.
ج: قالوا: لو فاتته الجمعة بفوات الوقت يصلي الظهر أربعا أداء إن كان
وقته باقيا، وقضاء إن خرج وقته.
أقول: لا شك في أنه إذا فاتت الجمعة من جهة فوت شرط منها غير
الوقت، يجب الظهر قضاء أو أداء; لصحيحتي البقباق المتقدمتين (1)، وحسنة
الحلبي: " فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا " (2).
وكذا لا شك في أنه لو كان الفوات بفوات الوقت وفات وقت الظهر أيضا،
يجب الظهر قضاء; لإطلاق ما تقدم.
وأما أداء الظهر بفوات الوقت فلا يكون إلا على القول المشهور أو القدمين
أو الحلبي مع انتهاء وقت جواز الاستمرار قبل وقت الظهر، وإلا فلا يتحقق وقت
فاتت الجمعة بفوات الوقت وأمكن أداء الظهر.
د: لو وجبت الجمعة فصلى الظهر فإما يكون عمدا أو نسيانا، وعلى
التقديرين إما يتمكن من الجمعة بعده أم لا.
فإن كان عمدا بطلت ظهره مطلقا; لأنه كان منهيا عنه، ولعدم كونه مأمورا
به. ثم إن تمكن من الجمعة وجب السعي إليها; لوجوبها عليه. وإلا أعاد الظهر;
للعمومات المتقدمة.
ولو كان سهوا أو نسيانا كأن ينسى وجوب الجمعة أو أنه يوم الجمعة، فمع
التمكن من الجمعة بعد التذكر يأتي بها; لوجوبها، وعدم إيجاب ما فعل لرفعه.
ومع عدمه صح ما فعل; لأن المأتي به موافق لتكليفه حيث إن الناسي لا
يكلف بما نسيه فأتى بما كلف به، والأصل عدم وجوب غيره.

(1) في ص 129.
(2) الكافي 3: 427 الصلاة ب 78 ح 1، التهذيب 3: 160 / 343، التهذيب 3: 243 / 656،
الإستبصار 1: 421 / 1622، الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 3.
131

ه‍: لو صلى الظهر وقت الجمعة ثم ظهر عدم التمكن من الجمعة في
وقتها، فإن كان عمدا بطل ظهره; لكونه منهيا عنه فيعيده ثانيا.
وإن كان سهوا صح; لأنه كان مأمورا به واقعا وظاهرا، وذلك النسيان لا
يوجب ارتفاع الأمر أو فساد الأمر الواجب عليه.
و: لو لم تكن شرائط الجمعة مجتمعة في أول الوقت ولكن احتمل اجتماعها
قبل خروج الوقت، فهل تجوز له صلاة الظهر لعدم اجتماع شرائط الجمعة وأصالة
عدم اجتماعها، أم لا تجوز لأن مشروعية الظهر إنما هي إذا علم عدم التمكن من
الجمعة؟.
فيها قولان، الظاهر: الأول; للأصل المذكور، وبه يحصل العلم الشرعي
بعدم التمكن من الجمعة.
ثم لو صلى الظهر حينئذ واجتمعت الشرائط فالأقرب عدم الاجتزاء
بالظهر; لعدم دليل على سقوط الجمعة.
وقيل بالاجتزاء (1); لسقوط التكليف عنه فيه بفعل الظهر، وامتناع وجوبهما
معا.
ويضعف بمنع المقدمتين في المورد.
ز: لو صلى الجمعة وهو شاك أو ظان في أنها هل وقعت في وقتها أو وقعت
كلا أو بعضا خارج الوقت، صحت; لاستصحاب الوقت. وإفادته ظن البقاء غير
ضائر; لأنه قائم مقام العلم هنا شرعا.
ومنه يظهر وجوب الشروع في الجمعة لو لم يتلبس مع ظن امتداد الوقت أو
الشك فيه أيضا، بل ظن عدم الامتداد.
ح: لو ظن أو تيقن عدم اتساع الوقت للجميع، ولكن ظن أو تيقن اتساعه

(1) كما في جامع المقاصد 2: 423.
132

للركعة، وجبت الجمعة على الأقرب; للأخبار المتقدمة. بل تجب ما لم يتيقن عدم
اتساع الوقت لها; لأن اليقين لا ينقضه إلا يقين آخر. وتخصيص الأخبار بمن
أدرك ركعة مع ظن إدراك الجميع - كما قيل (1) - تخصيص بلا دليل.

(1) انظر: جامع المقاصد 2: 369.
133

البحث السادس
في لواحق صلاة الجمعة
وفيه مسائل وخاتمة:
المسألة الأولى: يحرم السفر بعد الزوال قبل صلاة الجمعة يوم الجمعة على
المستجمع لشرائط وجوبها، إلى غير جمعة البلد وغير مكان تقام فيه جمعة أخرى،
إجماعا مصرحا به في التذكرة والمنتهى وغيرهما (1).
وهو الحجة في المقام، دون غيره مما ذكروه كالنبوي: " من سافر من دار إقامته
يوم الجمعة دعت عليه الملائكة، لا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته " (2).
والمروي في النهج: " لا تسافر في يوم جمعة حتى تشهد الصلاة، إلا فاصلا
في سبيل الله أو في أمر تعذر به " (3).
وفي مصباح الكفعمي: " ما يؤمن من يسافر يوم الجمعة قبل الصلاة، أن
لا يحفظه الله في سفره ولا يخلفه في أهله ولا يرزقه من فضله " (4).
وفي الفقيه والخصال: " يكره السفر والسعي في الحوائج يوم الجمعة،
يكره (5) من أجل الصلاة، وأما بعد الصلاة فجائز يتبرك به " (6)

(1) التذكرة 1: 144، المنتهى 1: 336، وانظر: المدارك 4: 59، والذخيرة: 313.
(2) المغني (لابن قدامة) 2: 218، نقلا عن الدارقطني في الأفراد.
(3) نهج البلاغة (عبده) 3: 143، الوسائل 7: 407 أبواب صلاة الجمعة ب 52 ح 6، وفيه:
" ناصلا " والمعنى واحد، أي خارجا.
(4) مصباح الكفعمي: 420، الوسائل 7: 406 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 52 ح 5.
(5) في الفقيه والوسائل: بكرة، وما في المتن موافق للخصال.
(6) الفقيه 1: 273 / 1251، الخصال: 393 / 95، الوسائل 7: 406 أبواب صلاة الجمعة ب 52
ح 1.
134

وفحوى قوله تعالى: (وذروا البيع) (1).
وصحيحة أبي بصير: " إذا أردت الشخوص في يوم عيد وانفجر الصبح
وأنت في البلد، فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد " (2).
وإذا حرم السفر لتفويت العيد حرم لتفويت الجمعة بطريق أولى.
وأنه بعد الزوال مأمور بالصلاة، والأمر بالشئ نهي عن ضده الخاص عند
المحققين من العلماء.
لضعف الأول أولا، وعدم دلالته على الحرمة ثانيا; لشيوع ورود مثل ذلك
في المكروهات أيضا، مع أنه لو سلم تردد الأمر بين تخصيص اليوم بما بعد الزوال
قبل الصلاة، أو الحمل على الكراهة، وليس الأول بأولى، سيما مع كونه تخصيصا
للأكثر.
وهو وجه الضعف في الثلاثة المتعقبة له، مضافا إلى التضمن للجملة الخيرية
في الأول منها، وللفظ الكراهة في الثالث.
والخامس: بمنع دلالة الفحوى; لجواز أن يكون لنفس البيع مدخلية سيما
مع أنه ليس مسقطا لوجوب الجمعة بخلاف السفر.
والسادس: بمنع الأولوية، مضافا إلى عدم دلالته أيضا على الحرمة.
والسابع أولا: بمنع الأمر بالجمعة حينئذ إلا بعد ثبوت حرمة السفر، وهو
أول الكلام، فإنه بعد ما ثبت سقوطها عن المسافر فيكون وجوبها مقيدا بعدم
السفر وما دام حاضرا، فإذا دخل الزوال نقول: إنها تجب عليه لو لم يسافر، وأما
معه فلا نسلم الوجوب. وثانيا: بمنع كون السفر ضدا مطلقا; لجواز إمكان
إقامتها في السفر، فالسفر لا يكون حينئذ ضدا خاصا.
قيل: لا تجب الجمعة على المسافر قطعا، فيكون السفر مجوزا لتفويت

(1) الجمعة: 9.
(2) الفقيه 1: 323 / 1480، التهذيب 3: 286 / 853، الوسائل 7: 471 أبواب صلاة العيد
ب 27 ح 1.
135

الواجب، وتجويز تفويت الواجب منفي، فجواز السفر منفي.
قلنا - بعد تسليم عدم وجوبها على مثل هذا المسافر أيضا الذي وجب
عليه أول الوقت -: إن بطلان تجويز تفويت الواجب ممنوع، إنما الباطل تفويته،
وأما تجويز التفويت فهو الإتيان بما يسقط وجوبه معه شرعا، ولا دليل على بطلانه.
وقد يرد الأخير أيضا بأنه لو حرم السفر لم تسقط الجمعة; لوجوبها على
العامي بسفره. فلو حرم السفر لم يحرم السفر، وما كان كذلك فهو باطل.
وفيه: إنما يتم في صورة إمكان جمعة أخرى، وعدم الحرمة حينئذ مسلم،
وأما في صورة عدم الإمكان فالمحرم يكون هو الفوات دون السفر.
فروع:
أ: وإذا عرفت أن دليل الحرمة منحصر في الإجماع، فلا يحرم فيما لم يثبت
الإجماع فيه:
ومنه: ما إذا كان السفر واجبا، أو مضطرا إليه، ويدل عليه أيضا المروي
عن النهج.
ومنه: ما إذا كان بين يدي المسافر جمعة أخرى يمكن له إدراكها، فلا يحرم
حينئذ، وفاقا لجماعة (1).
قيل: يلزم أن تكون الجمعة واجبة عليه في السفر مع أنه خلاف
النصوص.
قلنا: لا نسلم اللزوم; لأن منع الحرمة حينئذ لانتفاء الإجماع، أو مع
إمكان الجمعة لو أراد، لا إمكان الجمعة مطلقا.
وقد يجاب أيضا بلزوم التخصيص في تلك النصوص; لأن ها هنا
حكمين، أحدهما: أن كل حاضر تجب عليه صلاة الجمعة،
وثانيهما: أن كل مسافر لم تجب عليه. وهذا قبل السفر حاضر داخل

(1) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 313 والوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)
ونسبه في المدارك 4: 61 إلى المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 421 فراجع.
136

في موضوع الأول، ومقتضاه وجوب الجمعة عليه ولو في حال السفر; لعدم
التقييد، فإذا تركها حال الحضور ثم سافر وجب عليه الإتيان في السفر. فعموم
الأول اقتضى وجوبها حال السفر على ذلك، وعموم الثاني عدمه. والترجيح
للأول; للإجماع على وجوب الجمعة على الحاضر مطلقا من غير أن يكون مشروطا
بعدم صدق السفر عليه لاحقا.
وفيه: أن الظاهر المتبادر من الوجوب على الحاضر وجوبها عليه ما دام
حاضرا، أي أن يفعلها في الحضر.
خلافا لبعضهم فحرمه أيضا (1); لعموم الأخبار. وقد عرفت أنه لا عموم.
ولاستلزامه تجويزه الدور; لأن جوازه موقوف على وجوب صلاة الجمعة على
هذا المسافر، وهو على حرمة السفر عليه، إذ لا تجب في السفر المباح قطعا، وهي
على عدم وجوب صلاة الجمعة إذ لو وجبت لم يحرم، وهو على جواز السفر لوجوبها
في السفر المحرم.
وفيه: منع المقدمة الأولى أولا; لما مر. والثانية ثانيا; لإمكان تخصيص أدلة
الحرمة بمن لم تجب عليه أول الوقت.
ولثالث، فاحتمل التفصيل بالجواز لو كانت الجمعة الأخرى قبل محل
الترخص إن أمكن، وعدمه إن كانت فيه (2). ودليله مع جوابه ظاهر.
ب: قال في روض الجنان: ومتى سافر بعد الوجوب كان عاصيا، فلا
يترخص حتى تفوت الجمعة فيبتدئ السفر من موضع تحقق الفوات، ونسبه إلى
الأصحاب (3). وهو كذلك.
ج. لو كان بعيدا عن الجمعة بفرسخين فما دون، يخرج مسافرا في صوب
الجمعة; لما مر من انتفاء الإجماع في محل النزاع سيما إذا كان الخروج قبل زمان

(1) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 35، وصاحب المدارك 4: 61
(2) انظر: الذكرى: 233.
(3) الروض: 295.
137

تعلق وجوب السعي. وفيه أقوال أخر لا فائدة في ذكرها.
د: يكره السفر بعد طلوع الفجر يوم الجمعة إلى الزوال، إجماعا، كما في
التذكرة والمنتهى; له، ولإطلاق الروايات المتقدمة، خرج منه بعد وقت صلاة
الجمعة بالإجماع، فيبقى الباقي.
ومقتضى إطلاقها الكراهة مطلقا سواء كان المسافر ممن استجمع شرائط
الجمعة أو لا. وتقييد بعضها بقوله: " حتى تشهد الصلاة " لا يوجب تقييد
البواقي، كما أن تقييد البعض بقوله: " قبل الصلاة " لا يوجب تقييد غيره بما إذا
كان هناك صلاة.
ثم لا شك أن الكراهة للمستجمع إنما هي قبل الزوال، وبعده يحرم في
حال ويباح في أخرى، وكذا غير المستجمع بالنسبة إلى قبل الصلاة وبعد وقت
الصلاة.
وأما ما بين الزوال وخروج وقت الصلاة فلا يحرم عليه قطعا، فهل يكره أو
يباح؟ مقتضى الإطلاقات: الأول.
المسألة الثانية: اختلف الأصحاب في الأذان الثاني يوم الجمعة، وفي المراد
منه، فذهب في المبسوط والمعتبر في الأول إلى الكراهة (1); للأصل. والحلي (2)،
وعامة المتأخرين إلى الحرمة; لكونه غير متوقف فيكون بدعة، ولرواية حفص:
" الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة " (3) وجعله ثالثا باعتبار تقدم الأذان الأول
والإقامة.
وقيل في الثاني: هو ما وقع ثانيا بالزمان بعد أذان آخر في الوقت سواء كان

(1) المبسوط 1: 149، المعتبر 2: 296.
(2) السرائر 1: 295.
(3) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 5، التهذيب 3: 19 / 67، الوسائل 7: 400 أبواب صلاة
الجمعة وآدابها ب 49 ح 1.
138

بين يدي الخطيب أو على المنارة أو غيرهما (1).
وقيده بعضهم بما إذا كان من مؤذن واحد قاصد كونه ثانيا (2).
وقيل: إنه ما لم يكن بين يدي الخطيب لأنه الثاني باعتبار الإحداث سواء
وقع أولا بالزمان أو ثانيا (3).
وقيل: ما يفعل بعد نزول الإمام مضافا إلى الأذان الذي عند الزوال (4).
وقال في المجمع في معنى قوله (إذا نودي): إذا أذن لصلاة الجمعة،
وذلك إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة، ولم يكن على عهد رسول الله نداء
سواه - إلى أن قال -: فكان إذا جلس الإمام على المنبر أذن على باب المسجد،
فإذا نزل أقام الصلاة، ثم كان أبو بكر كذلك، حتى إذا كان عثمان وكثر الناس
وتباعدت المنازل زاد أذانا فأمر بالتأذين الأول على سطح دكة له بالسوق، وكان
يؤذن عليها، فإذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذنه، فإذا نزل أقام الصلاة.
انتهى (5).
وإذا كان الأمر كذلك فالبحث عن المسألة قليل الفائدة.
مع أنه لا دليل على الحرمة سوى الرواية، وأنه بدعة.
والأول ضعيف بإمكان إرادة أذان العصر.
والثاني بعدم اختصاصه بنوع خاص من الأذان، بل ولا بالأذان ولا بيوم
الجمعة، بل كل عبادة فعلت تشريعا بأن يظهر للناس أنها من الشريعة فهي
حرام.
وعلى هذا يمكن أن يقال في المسألة: إن كل أذان وقع ثانيا في الوقت من
مؤذن واحد بإظهار أنه ثان مشروع - بل مؤذنين بهذا القصد - فهو حرام، وما عداه

(1) كما في الروض: 295، والرياض 1: 189.
(2) كما في المسالك 1: 35.
(3) كما في مجمع الفائدة 2: 376، والحدائق 10: 182.
(4) كما في السرائر 1: 295.
(5) مجمع البيان 5: 288.
139

ليس بحرام ولا مكروه; للأصل.
المسألة الثالثة: إذا أذن لصلاة الجمعة حرم البيع.
لا للآية الكريمة; لما عرفت من عدم صراحتها في أذان صلاة الجمعة.
ولا لمرسلة الفقيه: كان بالمدينة إذا أذن يوم الجمعة نادى مناد: حرم البيع
لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة) (1) حيث إن ظاهره عموم
ذلك الفعل حتى في زمان النبي والولي، وهما قررا المنادي على قوله، وتقريرهما
حجة.
لمثل ما مر في الآية، فإن تخصيص الأذان بأذان صلاة الجمعة ليس بأولى
من ارتكاب التجوز في الحرمة.
بل للإجماع المحقق والمحكي (2)، وكون الأمر بالشئ مستلزما للنهي عن
ضده.
ومقتضى الأخير اختصاص الحرمة بمن وجبت عليه الجمعة وفي زمان
وجبت، كما أن الثابت من الأول أيضا ليس الزائد عنه.
وكذا مقتضاهما الاختصاص بالبيع المانع عن الصلاة، فلا يحرم العقد
المقارن للذهاب إليها، ولا المانع من إدراك الصلاة ولو بعد الأذان.
وكذا مقتضى الثاني حرمته قبل الأذان لو كان مانعا عن الإدراك، بل قبل
الزوال لولا الإجماع على عدمها فيه مطلقا، وكذا حرمة غير البيع من أنواع
المعاوضات بل مطلق الشواغل.
وهل يحرم على من لم تجب عليه الصلاة لو كان أحد طرفي المعاوضة وكان
الآخر ممن تجب عليه؟.
قيل: نعم; لأنه معاون على الإثم (3).

(1) الفقيه 1: 195 / 914، الوسائل 7: 408 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 53 ح 4.
(2) انظر: التذكرة 1: 156، والمدارك 4: 76، والمفاتيح 1: 23، وكشف اللثام 1: 256،
والرياض 1: 190.
(3) كما في نهاية الإحكام 2: 54، والروض: 296، والمدارك 4: 78.
140

وفيه نظر; لمنع كونه معاونا.
ثم لو وقع البيع أو غيره، فهل ينعقد ويصح وإن كان حراما؟.
يبتني على اقتضاء النهي في المعاملة للفساد وعدمه، ولما كان الحق عندنا هو
الأول يكون فاسدا.
المسألة الرابعة.
إذا لم يكن إمام الجمعة ممن يصح الاقتداء به تخير المكلف - متى ألجأته التقية
أو الضرورة إلى الصلاة معه - بين الصلاة أربعا قبل الفريضة، ثم يصلي معه
نافلة، كما في روايتي الحضرمي (1) وابن سنان (2)، وبين أن يصلي معه ثم يتمها
بركعتين بعد فراغه، كما في روايات أخر (3)، وفي الأفضل منهما تردد.
وروي وجه ثالث أيضا، وهو: الصلاة معهم نافلة ثم الصلاة أربع ركعات
بعدها (4). والكل جائز.

(1) التهذيب 3: 246 / 671، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 29 ح 3.
(2) الفقيه 1: 265 / 1210، الوسائل 8: 302 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 2 و 3.
(3) الوسائل 7: 349 أبواب صلاة الجمعة ب 29.
41) كما في الكافي 3: 374 الصلاة ب 55 ح 6، التهذيب 3: 266 / 756، الوسائل 7: 350 أبواب
صلاة الجمعة وآدابها ب 29 ح 4.
141

خاتمة
في سائر آداب يوم الجمعة وسننه
فمنها: الغسل، وقد مر.
ومنها: التنفل للظهرين زائدا على كل يوم، بالإجماع في الجملة.
والزيادة عند الأكثر بأربع ركعات حتى يكون المجموع عشرين ركعة;
لصحيحة يعقوب: عن التطوع يوم الجمعة، قال: " إذا أردت أن تتطوع يوم
الجمعة في غير سفر صليت ست ركعات ارتفاع النهار، وست ركعات قبل نصف
النهار، وركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة، وست ركعات بعد الجمعة " (1).
وصحيحة ابن أبي نصر: عن التطوع يوم الجمعة، قال: " ست ركعات في
صدر النهار، وست [ركعات] قبل الزوال، وركعتان إذا زالت الشمس، وست
ركعات بعد الجمعة، فذلك عشرون [ركعة] سوى الفريضة " (2).
وروايته: " صلاة النافلة يوم الجمعة ست ركعات بكرة، وست ركعات
صدر النهار، وركعتان إذا زالت الشمس، ثم صل الفريضة وصل بعدها ست
ركعات " (3).

(1) التهذيب 3: 11 / 36، الإستبصار 1: 410 / 1567، الوسائل 7: 324 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 11 ح 10.
(2) التهذيب 3: 246 / 668، الإستبصار 1: 410 / 1569، الوسائل 7: 323 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 11 ح 6; وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(3) الكافي 3: 427 الصلاة ب 79 ح 1، التهذيب 3: 10 / 34، الإستبصار 1: 409 / 1565،
الوسائل 7: 325 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ح 13.
142

وفي الفقيه - بعد ما نسب مضمون هذه الرواية إلى رسالة أبيه - زاد: وفي
نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: " وركعتين بعد العصر " (1).
ورواية ابن خارجة: " أما أنا فإذا كان يوم الجمعة وكانت الشمس من
المشرق مقدارها من المغرب في وقت صلاة العصر صليت ست ركعات، فإذا
ارتفع النهار صليت ستا، فإذا زاغت أو زالت صليت ركعتين، ثم صليت الظهر،
ثم صليت بعدها ستا " (2)
وفي مرسلة رواها الشيخ: " صل يوم الجمعة عشر ركعات قبل الصلاة
وعشرا بعدها " (3).
والمروي في السرائر نقلا من كتاب حريز، عن الباقر عليه السلام: " إن
قدرت يوم الجمعة أن تصلي عشرين ركعة فافعل ستا بعد طلوع الشمس، وستا
قبل الزوال إذا تعالت الشمس، وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم،
وركعتين قبل الزوال وست ركعات بعد الجمعة " (4).
وفي العلل: " إنما زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك
اليوم " (5).
وست ركعات عند الإسكافي (6)، حتى يكون المجموع اثنتي وعشرين
ركعة.
ويدل عليه ما تقدم من نوادر ابن عيسى، وصحيحة الأشعري: عن
الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال: " هي ست ركعات بكرة،

(1) الفقيه 1: 267 / ذ ح 1223.
(2) الكافي 3: 428 الصلاة ب 79 ح 2، التهذيب 3: 11 / 35، الإستبصار 1: 410 / 1566،
الوسائل 7: 325 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ح 12; وبتفاوت في عبارة: ارتفع.
(3) التهذيب 3: 247 / 673، الوسائل 7: 322 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 4.
(4) مستطرفات السرائر: 71 / 1، الوسائل 7: 326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 1.
(5) العلل: 266 ب 182، الوسائل 7: 322 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 1.
(6) حكاه عنه في المختلف: 110.
143

وست بعد - ذلك اثنتا عشرة ركعة، وست ركعات بعد ذلك ثمان عشرة ركعة،
وركعتان بعد الزوال، فهذه عشرون ركعة، وركعتان بعد العصر فهذه ثنتان
وعشرون ركعة " (1).
والأربع المتقدمة عند الصدوقين كما في المشهور، إن فرقت النوافل وصليت
بعضها قبل الفريضة وبعضها بعدها، وإن قدمت النوافل أو أخرت فهي ست
عشرة ركعة كسائر الأيام (2).
ويدل عليه الرضوي: " لا تصل يوم الجمعة بعد الزوال غير الفرضين
والنوافل قبلهما أو بعدهما، وفي نوافل يوم الجمعة زيادة أربع ركعات يتمها عشرين
ركعة، يجوز تقديمها في صدر النهار وتأخيرها إلى بعد صلاة العصر، فإن استطعت
أن تصلي يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست ركعات، وإذا انبسطت ست
ركعات، وقبل المكتوبة ركعتين، وبعد المكتوبة ركعات، فافعل، وإن
صليت نوافلك كلها يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها إلى بعد المكتوبة أجزأك وهي
ست عشرة ركعة، وتأخيرها أفضل من تقديمها، وإذا زالت الشمس يوم الجمعة
فلا تصل إلا المكتوبة " (3).
وورد في بعض الأخبار أنها ست عشرة مطلقا، ففي صحيحة سليمان بن
خالد: النافلة يوم الجمعة، قال: " ست ركعات قبل زوال الشمس وركعتان عند
زوالها، والقراءة في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين، وبعد الفريضة ثمان
ركعات " (4).
وفي صحيحة الأعرج: عن صلاة النافلة يوم الجمعة، فقال: " ست عشرة

(1) التهذيب 3: 246 / 669، الإستبصار 1: 411 / 1571، الوسائل 7: 323 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 11 ح 5.
(1) الفقيه 1: 267 نقلا عن رسالة أبيه.
(3) فقه الرضا " ع ": 129، مستدرك الوسائل 6: 21 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 1.
(4) التهذيب 3: 11 / 37، الإستبصار 1: 410 / 1568، الوسائل 7: 324 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 11 ح 9.
144

ركعة قبل العصر، ثم قال: كان علي عليه السلام يقول: ما زاد فهو خير، وقال
إن شاء رجل أن يجعل فيها ست ركعات في صدر النهار وست ركعات نصف النهار
ويصلي الظهر ويصلي معها أربعة ثم يصلي العصر " (1).
أقول: ولعل المشهور لما رأوا كراهة التنفل بعد العصر، وتعارض أدلتها مع
رواية الركعتين بعده، وترجيح الأول بالاشتهار. ورأوا قصور الرضوي مقاومة لما
مر، ودلالة لأن صدره يصرح بتجويز تقديم العشرين على الزوال وتأخيرها عن
العصر، فغاية ما يثبت من قوله " أجزأك وهي ست عشرة ركعة " كفاية الست عشرة
لو قدم أو أخر، وهذا غير التفصيل الذي قاله الصدوق من أنه في الصورتين
يقتصر عليها، وسندا لضعف الرواية، وعدم كون هذا المعنى التفصيلي الذي
تضمنه من المستحبات التي تتحمل التسامح. ورأوا عدم منافاة الصحيحين
الأخيرين لاستحباب العشرين، لأن غاية ما تدل عليه الأولى أن الست عشرة
ركعة من النوافل يستحب أن يفعل بالترتيب الذي فيها، والثانية تضمنت قوله " ما
زاد فهو خير "..
أسقطوا قولي الإسكافي والصدوق، ولم يلتفتوا إلى الصحيحين، وقالوا
بالعشرين مطلقا. ولا بأس به.
إلا أنه لما كانت الكراهة في العبادات بمعنى أقلية الثواب والمرجوحية
الإضافية لا تدل أدلة كراهة التنفل بعد العصر على عدم استحباب الركعتين، فلو
قيل بهما أيضا مع أقلية ثوابهما عن سائر الركعات كان حسنا.
ثم إنه يستحب فعل العشرين كلها قبل الفريضة، وفاقا للنهاية والمبسوط
والخلاف والمقنعة (2)، وكافة المتأخرين، بل الأكثر مطلقا، بل في المنتهى: وقت
النوافل يوم الجمعة قبل الزوال إجماعا (3).

(1) التهذيب 3: 245 / 667، الإستبصار 1: 413 / 1580، الوسائل 7: 323 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 11 ح 7.
(2) النهاية: 104، المبسوط 1: 150، الخلاف 1: 632، المقنعة: 165.
(3) المنتهى 1: 337.
145

لتضافر الأخبار بإيقاع فرض الظهر فيه أول الزوال، والجمع بين الفرضين
فيه، ونفي التنفل بعد العصر، وصحيحة علي بن يقطين: عن النافلة التي تصلى
يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أم بعدها؟ قال: " قبل الصلاة " (1).
والرواية: " إذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا نافلة " (2).
وخلافا للمحكي عن والد الصدوق، فتأخيرها عن الفريضة أفضل (3).
للرضوي المتقدم، ورواية ابن مصعب: أيما أفضل أقدم الركعات يوم
الجمعة أو أصليها بعد الفريضة؟ قال: " لا، بل تصليها بعد الفريضة " (4).
وسليمان بن خالد: أقدم يوم الجمعة شيئا من الركعات؟ قال: " نعم ست
ركعات " قلت: فأيهما أفضل أقدم الركعات يوم الجمعة أم أصليها بعد الفريضة؟
قال: " تصليها بعد الفريضة أفضل " (5).
وحملها على ما إذا زالت الشمس ولم يتنفل - كما قيل (6) - بعيد
ويضعف بالشذوذ.
مضافا إلى مناقضة قوله في الأولى " وإذا زالت الشمس... " لما قبله مما يدل
على أفضلية التأخير.
وإجمال الروايتين من حيث الركعات هل هي المجموع أو الست، ومن
حيث الفريضة هل هي الأولى أو الفرضين، فلا يصلح استنادا لشئ منهما.

(1) التهذيب 3: 12 / 38، الإستبصار 1: 411 / 1570، الوسائل 7: 322 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 11 ح 3.
(2) أمالي الشيخ 705، الوسائل 7: 329 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 13 ح 5.
(3) حكاه عنه في المختلف: 110.
(4) التهذيب 3: 246 / 670، الإستبصار 1: 411 / 1572، الوسائل 7: 328 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 13 ح 3.
(5) التهذيب 3: 14 / 48، الإستبصار 1: 411 / 1573، الوسائل 7: 328 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 13 ح 1.
(6) انظر التهذيب 3: 14 ذ. ح 48، والمعتبر 2: 302.
146

وعن السيد والإسكافي والعماني (1)، فيستحب ست منها بين الظهرين;
للأخبار المتقدمة الدالة عليه.
ورد: بمعارضتها مع ما دل على أفضلية الجمع بين الفرضين، وعلى أنه إذا
زالت الشمس يوم الجمعة لا نافلة، فتبقى صحيحة الأشعري (2) خالية عن
المعارض.
مضافا إلى أنها لا تدل على أزيد من كون ذلك مستحبا موجبا للثواب، ولا
كلام فيه وإنما الكلام في الأفضل، وصرح في صحيحة ابن يقطين بأفضلية تقديم
الكل ولا معارض لها، فتتبع.
ثم المشهور في كيفية التقديم: أن يصلي الست عند انبساط الشمس،
والست عند ارتفاعها، والست قبل الزوال، وركعتان عنده. وهو حسن.
أما في توزيع الثماني عشرة، فلدلالة كثير من الأخبار المتقدمة على فعل
الست عند الارتفاع والست قبل الزوال بلا معارض. نعم ورد الست بعد الطلوع
أو البكرة، وهما وإن كانا أعمين إلا أن الشهرة وما دل على كراهية التنفل ما بين
الطلوعين وعند الطلوع ورواية ابن خارجة (3) تعين ما ذكروه.
وأما في الركعتين، فلتظافر الأخبار به.
ثم المراد ب‍: عند الزوال فيهما هو حال الزوال، عند ظاهر كلام السيد
والإسكافي والحلبي (4)، والشيخ في النهاية والمبسوط، بل المفيد والقاضي (6).
لما ورد في بعض ما مر من فعلهما بعد الزوال قبل الفريضة، وفي بعضه إذا
زالت الشمس.

(1) حكاه عنهم في المختلف: 110.
(2) المتقدمة في ص 143.
(3) المتقدمة في ص 143.
(4) نقل كلام السيد والإسكافي في المختلف: 110، الحلبي في الكافي في الفقه: 152.
(5) النهاية: 104، المبسوط 1: 150.
(6) المفيد في المقنعة: 165، القاضي في المهذب 1: 103.
147

إلا أنهما يعارضان ما دل على أن وقت الفريضة يوم الجمعة أول الزوال،
وأنه لا نافلة قبلها بعد الزوال كما مر، والمروي في السرائر المتقدم (1)، والمروي فيه
أيضا: " إذا قامت الشمس فصل ركعتين، إذا زالت فصل الفريضة ساعة
تزول " (2).
وفيه أيضا: عن الركعتين اللتين قبل الزوال يوم الجمعة، قال: " أما أنا فإذا
زالت الشمس بدأت بالفريضة " (3).
والمروي في مجالس الشيخ عن أبي عبد الله عليه السلام: وكان لا يرى
صلاة عند الزوال إلا الفريضة، ولا يقدم صلاة بين يدي الفريضة إذا زالت
الشمس (4).
وصحيحة علي: عن الزوال يوم الجمعة، قال: " إذا قامت الشمس صل
الركعتين، فإذا زالت الشمس فصل الفريضة " (5).
ورواية ابن أبي عمير في الصلاة يوم الجمعة وفيها: قلت: إذا زالت
الشمس صليت الركعتين ثم صليتها، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: " أما
أنا إذا زالت الشمس لم أبدأ بشئ قبل المكتوبة " (6).
والمروي في قرب الإسناد: " إذا قامت الشمس صل الركعتين، فإذا زالت
الشمس قبل أن تصلي الركعتين فلا تصلهما وابدأ بالفريضة " (7) إلى غير ذلك.
ولذا ذهب العماني إلى أنهما قبل الزوال (8) بترجيح هذه الأخبار; لأكثريتها،

(1) في ص 143.
(2) مستطرفات السرائر: 54 / 6، الوسائل أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ح 16.
(3) مستطرفات السرائر: 29 / 19، الوسائل 7: 326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 15.
(4) أمال الطوسي: 704، الوسائل 7: 328 أبواب صلاة الجمعة ب 13 ح 4.
(5) قرب الإسناد: 214 / 840 بتفاوت يسير، الوسائل 7: 326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 16.
(6) الكافي 3: 420 الصلاة ب 74 ح 4، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 16.
(7) قرب الإسناد: 214 / 840.
(8) حكاه عنه في المختلف: 111.
148

وأصرحيتها، وأوفقيتها لعمومات المنع من النافلة بعد دخول الفريضة، وغير
ذلك.
وجمع جمع من المتأخرين بينهما بفعلهما عند الزوال قبل تحققه (1) بشهادة رواية
ابن عجلان: " إذا كنت شاكا في الزوال فصل ركعتين، فإذا استيقنت الزوال
فصل الفريضة " (2).
وهو أيضا يرجع إلى مذهب العماني.
ولا يخفى أن بعد إيقاع التعارض بين ما ورد في الركعتين بخصوصهما
وإسقاطهما، تبقى عمومات: لا نافلة بعد الزوال، وأن وقت الفريضة أول
الزوال، وما ضاهاهما مما تقدم، خالية عن المعارض، وبه تظهر قوة قول العماني،
ويتعين حال قيام الشمس والآن المتصل بالزوال ببعض ما مر أيضا.
فرع:
ظاهر إطلاق النصوص والفتاوي عموم استحباب العشرين وتقديمها لمن
يصلي الجمعة أو الظهر. وعن نهاية الإحكام ما يشعر باختصاصه بالأول (3)، ولا
وجه له.
ومنها: أن يجهر فيه بالقراءة في صلاة الجمعة والظهر.
أما الأولى فبلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة مستفيضا (4); وتدل
عليه صحيحة عمر بن يزيد وفيها: " وليقعد قعدة بين الخطبتين، ويجهر
بالقراءة " (5).

(1) انظر: الرياض 1: 191.
(2) الكافي 3: 428 الصلاة ب 80 ح 3، التهذيب 3: 12 / 39، الإستبصار 1: 412 / 1574،
الوسائل 7: 318 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 10.
(3) نهاية الإحكام 2: 52.
(4) كالمحقق في المعتبر 2: 208، والعلامة في التذكرة 1: 155، والشهيد الثاني في الروضة 1:
314، وصاحب الحدائق 8: 189.
(5) التهذيب 3: 245 / 664، الوسائل 7: 313 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 5.
149

وفي صحيحة زرارة: " والقراءة فيها بالجهر " (1).
وفي صحيحة العرزمي: " إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة
فأضف إليها ركعة أخرى، واجهر فيها، فإن أدركته وهو يتشهد فصل أربعا " (2).
وتؤيده صحيحة محمد: عن الصلاة في السفر، قال: " تصنعون كما
تصنعون في الظهر، ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة، وإنما يجهر إذا كانت خطبة " (3).
ونحوها صحيحة جميل (4).
وإنما جعلنا الأخيرتين مؤيدتين لاحتمال كون الجملة الإخبارية إنشاء لبيان
الجواز حيث وقعت بعد جملة أخرى مثلها نافية.
وظاهر صحيحة العرزمي وإن كان الوجوب، إلا أن عدم قول به بين
الأصحاب ظاهرا أوجب شذوذه المانع عن إثبات الزائد عن الاستحباب بها.
وأما الثانية، فعلى الأقوى الأشهر، كما صرح به جمع ممن تأخر (5)، بل عن
الخلاف الإجماع عليه (6); لصحيحة عمران الحلبي: عن الرجل يصلي الجمعة
أربع ركعات، أيجهر فيها بالقراءة؟ فقال: " نعم " (7).
وحسنة الحلبي: عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا، أجهر
بالقراءة؟ فقال: " نعم " (8)

(1) الفقيه 1: 266 / 1217، الوسائل 6: 160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 2.
(2) التهذيب 3: 244 / 659، الإستبصار 1: 422 / 1625، الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 26 ح 5.
(3) التهذيب 3: 15 / 54، الإستبصار 1: 422 / 1625، الوسائل 6: 162 أبواب القراءة في
الصلاة ب 73 ح 9.
(4) التهذيب 3: 15 / 53، الإستبصار 1: 416 / 1597، الوسائل 6: 161 أبواب القراءة في
الصلاة ب 73 ح 8.
(5) انظر: المدارك 4: 89، والحدائق 8: 189.
(6) الخلاف 1: 633.
(7) التهذيب 3: 14 / 50، الوسائل 6: 160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 1.
(8) الكافي 3: 425 الصلاة ب 76 ح 5، التهذيب 3: 14 / 49، الإستبصار 1: 416 / 1593،
الوسائل 6: 160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 3.
150

وصحيحة محمد: " صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة واجهروا
بالقراءة " فقلت: إنه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال: " اجهروا بها " (1).
ورواية محمد بن مروان: عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصليها في
السفر؟ قال: " تصليها في السفر ركعتين والقراءة فيها جهرا " (2).
وبهذه الأخبار يخصص ما لعله دل بعمومه على الجهر في مطلق الظهر، مع
أنه قد عرفت عدم دليل عليه سوى ما لا يجري هنا.
ولكن في دلالة غير الأخيرتين على الرجحان نظرا; لاحتمال إرادة الجواز.
وأما الأخيرتان فمخصوصتان بالسفر، ولذا ترى الصدوق ظاهره الجواز في
الظهر في غير ما إذا صليت في السفر جماعة والاستحباب فيه (3).
وهو وإن كان حسنا بمقتضى ظواهر الأخبار إلا أن اشتهار الرجحان
مطلقا، بل نقل الإجماع عليه، مع عدم دليل على المنع، كاف في إثبات المطلوب
في مقام المسامحة.
خلافا لبعض الأصحاب - على ما نقله في المعتبر قائلا إنه الأشبه بالمذهب (4) -
فمنع من الجهر بالظهر مطلقا، وعن بعض المتأخرين استقرابه (5); لصحيحتي
محمد وجميل.
ويرد: بعدم دلالتهما على الحرمة، مضافا إلى احتمالهما التقية، كما صرح به
جمع من الطائفة (6)، وصحيحة أخرى لمحمد المتقدمة.

(1) التهذيب 3: 15 / 51، الإستبصار 1: 416 / 1595، الوسائل 6: 161 أبواب القراءة في
الصلاة ب 73 ح 6.
(2) التهذيب 3: 15 / 52، الإستبصار 1: 416 / 1596، الوسائل 6: 161 أبواب القراءة في
الصلاة ب 73 ح 7.
(3) الفقيه 1: 269.
(4) المعتبر 2: 209.
(5) كالشهيد في الذكرى: 193، والدروس 1: 175، والبيان: 162.
(6) كالشيخ في الإستبصار 1: 417، وصاحب المدارك 4: 90، والسبزواري في الذخيرة: 317،
وصاحب الرياض 1: 192.
151

وللمحكي عن الحلي، فمنعه إذا صليت فرادى (1); للمروي في قرب
الإسناد: عن رجل صلى العيدين وحده والجمعة، هل يجهر فيهما؟ قال: " لا يجهر
إلا الإمام " (2).
ويرد: بعدم الحجية أولا، والمعارضة مع الأقوى منه مما مر ثانيا، وعدم
الدلالة ثالثا لعدم صراحته في الظهر، إلا أن يكون " وحده " قيدا للجمعة أيضا
وهو غير معلوم، فيكون المعنى: أن في الجمعة لا يجهر غير الإمام، وهو كذلك إذ
لا قراءة على غير الإمام.
والظاهر اختصاص استحباب الجهر بالقراءة في الأوليين; لانصراف
القراءة إليهما.
ومنها: المباكرة إلى المسجد للإمام وغيره، وأن يكون مع سكينة ووقار،
لابسا أفضل ثيابه، داعيا بالمأثور أمام التوجه إلى المسجد; كل ذلك للمستفيضة
من النصوص (3).
ومنها: الاستطابة والتنظيف بأمور:
منها: التنوير، ففي رواية حذيفة: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يطلي العانة وما تحت الأليتين في كل
جمعة " (4).
وفي مرفوعة البرقي: يزعم الناس أن النورة يوم الجمعة مكروهة، فقال:
" ليس حيث ذهبت، أي طهور أطهر من النورة يوم الجمعة؟! " (5).

(1) السرائر 1: 298.
(2) قرب الإسناد: 215 / 842، الوسائل 6: 162 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 10.
(3) كما في الوسائل 7: باب 27 و 42 و 47 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.
(4) الكافي 6: 507 الزي والتجمل ب 45 ح 14، الوسائل 7: 367 أبواب صلاة الجمعة ب 38 ح
2.
(5) الكافي 6: 506 الزي والتجمل ب 45 ح 10، الوسائل 7: 336 أبواب صلاة الجمعة ب 38 ح
1.
152

وأما مرسلة الفقيه: " إنها يوم الجمعة تورث البرص " (1).
ومرسلة الريان: " من تنور يوم الجمعة فأصابه البرص فلا يلومن إلا
نفسه " (2).
فمحمولان على التقية كما تشعر به المرفوعة.
ويستفاد من الرواية الأولى استحباب التنوير في كل سبعة أيام، بل في
روايتي أبي بصير (3)، وخلف بن حماد (4)، ما يدل على رجحانه كل ثلاثة أيام.
ويتأكد الرجحان في كل خمسة عشر يوما، حتى روي عن أمير المؤمنين عليه
السلام: " أحب للمؤمن أن يطلي في كل خمسة عشر يوما " (5).
وعن الصادق عليه السلام: " السنة في النورة في كل خسة عشر يوما " (6).
ويشتد التأكيد في عشرين حتى روي: " فإن أتت عليك عشرون يوما،
وليس عندك فاستقرض على الله " (7).
ويكره شديدا ترك طلي العانة للرجال فوق أربعين يوما، وللنساء فوق
عشرين، روي عن الصادق عليه السلام: قال: " قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يترك عانته فوق أربعين يوما، ولا يحل
لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تدع ذلك منها فوق عشرين يوما " (8).

(1) الفقيه 1: 68 / 267، الوسائل 7: 367 أبواب صلاة الجمعة ب 38 ح 4.
(2) الفقيه 1: 68 / 268، الوسائل 7: 367 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 38 ح 5.
(3) الكافي 6: 505 الزي والتجمل ب 45 ح 6، الوسائل 2: 69 أبواب آداب الحمام ب 32 ح 4.
(4) الكافي 6: 505 الزي والتجمل ب 45 ح 4، الوسائل 2: 70 أبواب آداب الحمام ب 32 ح 6.
(5) الكافي 6: 506 الزي والتجمل ب 45 ح 8، الفقيه 1: 67 / 258، الوسائل 2: 71 أبواب
آداب الحمام ب 33 ح 3.
(6) الكافي 6: 506 الزي والتجمل ب 45 ح 9، الفقيه 1: 67 / 259، الوسائل 2: 71 أبواب
آداب الحمام ب 33 ح 2.
(7) الكافي 6: 506 الزي والتجمل ب 45 ح 9، الفقيه 1: 67 / 259، الوسائل 2: 71 أبواب
آداب الحمام ب 33 ح 2.
(8) الكافي 6: 506 الزي والتجمل ب 45 ح 11، الفقيه 1: 67 / 260، الوسائل 2: 139 أبواب آداب الحمام ب 86 ح 1.
153

وطلي الإبطين أفضل من حلقهما، كما أن حلقهما أفضل من نتفهما كما ورد
في الرواية (1).
وروي عن الصادق عليه السلام: " إنه من أراد أن يتنور فليأخذ من النورة
ويجعله على طرف أنفه ويقول: اللهم ارحم سليمان بن داوود كما أمرنا بالنورة،
فإنه لا تحرقه النورة " (2).
ويستحب بعد النورة الطلي بالحناء وروي: " أنه من دخل الحمام فأطلى ثم
أتبعه بالحناء من قرنه إلى قدمه، كان أمانا من الجنون والجذام والبرص والإكلة،
إلى مثله من النورة " (3).
وفي رواية أخرى " أنه ينفي الفقر " (4).
وفي رواية عبدوس: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام وقد خرج من
الحمام وهو من قرنه إلى قدمه مثل الورد من أثر الحناء (5).
وكذا يستحب أخذ الحناء بالأظافير بعدها، ففي رواية الحكم بن عتيبة:
" إن الأظافير إذا أصابتها النورة غيرها حتى تشبه أظافير الموتى، فغيرها بالحناء " (6).
بل لا يختص بما بعد النورة، ففي المروي في الخصال: " أربع من سنن
المرسلين: العطر، والنساء، والسواك، والحناء " (7).
وإطلاقه يقتضي استحباب الحناء في اليدين والرجلين أيضا، وقد ورد في

(1) كما في الوسائل 2: 136 أبواب آداب الحمام ب 85.
(2) الكافي 6: 506 الزي والتجمل ب 45 ح 13، الوسائل 2: 66 أبواب آداب الحمام ب 29 ح
1.
(3) الكافي 6: 509 الزي والتجمل ب 47 ح 1، الوسائل 2: 73 أبواب آداب الحمام ب 35 ح 1.
(4) الكافي 6: 509 الزي والتجمل ب 47 ح 3، الوسائل 2: 73 أبواب آداب الحمام ب 35 ح 2.
(5) الكافي 6: 509 الزي والتجمل ب 47 ح 4، الوسائل 3: 73 أبواب آداب الحمام ب 35 ح 3.
(6) الكافي 6: 509 الزي والتجمل ب 47 ح 2، الوسائل 2: 75 أبواب آداب الحمام ب 36 ح 2.
(7) الخصال: 242 / 93، الوسائل 2: 10 أبواب السواك ب 1 ح 18.
154

الأخبار أخذ الإمام الحناء بيديه (1)
وأما ما في بعض الأخبار من خلافه (2) فإن دل فعلى التقية محمول; لأن تركه
من عادة العامة.
وكذا يستحب خضاب اللحية بالحناء وبالسواد، واستفاضت بهما
الروايات (3).
ومنها: غسل الرأس بالخطمي، فإنه روي " أن غسل الرأس بالخطمي في
كل جمعة أمان من البرص والجنون " (4)
وفي رواية ابن سنان: " من أخذ من شاربه وقلم أظفاره وغسل رأسه
بالخطمي في كل جمعة كمن أعتق نسمة " (5)
وفي رواية سفيان السمط: أن هذه الثلاث تنفي الفقر وتزيد في
الرزق (6)
وروي ذلك في الأخير خاصة أيضا (7)
وكذا في غسله بالسدر (8)، وروي: أنه يجلي به الهم ويصرف وسوسة
الشيطان سبعين يوما (9).

(1) الوسائل 2: 75 أبواب آداب الحمام ب 36 ح 1.
(2) الوسائل 2: 76 أبواب آداب الحمام ب 36 ح 4.
(3) الوسائل 2: 88 أبواب آداب الحمام ب 45 و 46.
(4) الكافي 6: 504 الزي والتجمل ب 44 ح 2، الفقيه 1: 71 / 290، التهذيب 3:
236 / 624، الوسائل 7: 354 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 32 ح 1.
(5) الكافي 6: 504 الزي والتجمل ب 44 ح 4، التهذيب 3: 236 / 623، الوسائل 7: 354
أبواب صلاة الجمعة ب 32 ح 2.
(6) الكافي 6: 504 الزي والتجمل ب 44 ح 1، الوسائل 2: 60 أبواب آداب الحمام ب 25 ح
1.
(7) كما في ثواب الأعمال: 19، الوسائل 2: 61
(8) الوسائل 2: 62 أبواب آداب الحمام ب 26 ح 1.
(9) انظر: الوسائل 2: 62 - 63 أبواب آداب الحمام ب 26 ح 2 و 4 و 5.
155

ومنها: حلق الرأس، فقد روي: أن أبا عبد الله عليه السلام كان يحلق
في كل جمعة (1).
ولولا ذلك لكفى اشتهاره بين الأصحاب في إثبات استحبابه.
ومنها: أخذ الشارب، ففي مرسلة الفقيه: " أخذ الشارب من الجمعة إلى
الجمعة أمان من الجذام " (2).
وفي رواية عبد الله بن هلال: " خذ من شاربك وأظفارك في كل جمعة، فإن
لم يكن فيها شئ فحكها، لا يصيبنك جنون ولا جذام ولا برص " (3).
وفي رواية أبي بصير: ما ثواب من أخذ من شاربه وقلم أظفاره في كل
جمعة؟ قال: " لا يزال مطهرا إلى الجمعة الأخرى " (4).
وفي رواية السكوني: " لا يطولن أحدكم شاربه، فإن الشيطان يتخذه مخبأ
يستتر به " (5).
وفي رواية عبد الرحيم القصير: " من أخذ من أظفاره وشاربه كل جمعة وقال
حين يأخذ: بسم الله وبالله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله، لم يسقط منه
قلامة ولا جزازة إلا كتب به عتق نسمة، ولا يمرض إلا مرضه الذي يموت
فيه " (6).

(1) الكافي 6: 485 الزي والتجمل ب 34 ح 7، الفقيه 1: 71 / 286، الوسائل 2: 107 أبواب
آداب الحمام ب 60 ح 7.
(2) الفقيه 1: 73 / 306، الوسائل 7: 356 أبواب صلاة الجمعة ب 33 ح 5.
(3) الكافي 6: 490 الزي والتجمل ب 38 ح 3، التهذيب 3: 237 / 628، الوسائل 7: 357 أبواب
صلاة الجمعة وآدابها ب 33 ح 11.
(4) الكافي 6: 490 الزي والتجمل ب 38 ح 8، الوسائل 7: 358 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب
33 ح 13.
(5) الكافي 6: 487 الزي والتجمل ب 36 ح 11، الفقيه 1: 73 / 308، الوسائل 2: 114 أبواب
آداب الحمام ب 66 ح 3.
(6) الكافي 6: 491 الزي والتجمل ب 38 ح 9، الفقيه 1: 73 / 304، التهذيب 3: 237 / 627،
الوسائل 7: 362 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 35 ح 2.
156

وفي رواية أبي كهمش بعد ذكر زيادة الرزق بالجلوس بعد صلاة الفجر:
" ألا أعلمك في الرزق ما هو أنفع من ذلك؟ " قال، قلت: بلى، قال: " خذ من
شاربك وأظفارك في كل جمعة " (1).
وقريبة منها رواية أخرى وفيها: " ولو بحكها " (2) إلى غير ذلك.
ويستحب أيضا أخذ شعر الأنف، وروي أنه يحسن الوجه (3).
وقطع الزائد من اللحية عن القبضة، كما ورد في المستفيضة (4). والظاهر
ابتداء القبضة من آخر الذقن كما قيل; للأصل، ولأنه المتبادر.
ومنها: تقليم الأظفار كما مر، وفي الصحيح: " تقليم الأظفار يوم الجمعة
يؤمن من الجذام والبرص والعمى، وإن لم تحتج فحكها حكا " (5).
وفي خبر آخر: " فإن لم تحتج فأمر عليها السكين والمقراض " (6).
وورد في الأخبار استحبابه يوم الخميس أيضا، ففي رواية خلف: أنا
أشتكي عيني، فقال: " ألا أدلك على شئ إن فعلته لم تشتك عينك؟ " فقلت: بلى،
فقال: " خذ من أظفارك في كل خميس " قال: ففعلت فما اشتكيت عيني إلى يوم
أخبرتك " (7).

(1) الكافي 6: 491 الزي والتجمل ب 38 ح 11، الوسائل 7: 359 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب
33 ح 16.
(2) الكافي 6: 491 الزي والتجمل ب 38 ح 12، الوسائل 7: 359 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب
33 ح 17.
(3) الكافي 6: 488 الزي والتجمل ب 37 ح 1، الوسائل 2: 118 أبواب آداب الحمام ب 68 ح 1.
(4) الوسائل 2: 112 أبواب آداب الحمام ب 65.
(5) الكافي 6: 490 الزي والتجمل ب 38 ح 2، الفقيه 1: 73 / 302، الوسائل 7: 355 أبواب
صلاة الجمعة ب 33 ح 1.
(6) الفقيه 1: 73 / 303، الوسائل 7: 355 أبواب صلاة الجمعة ب 33 ح 2.
(7) الكافي 6: 491 الزي والتجمل ب 38 ح 13، الوسائل 7: 360 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب
34 ح 1.
157

وفي مرسلة الفقيه: " من أخذ من أظفاره كل خميس لم يرمد هو وولده " (1).
ويستحب في قص الأظافير أن يبدأ بالخنصر الأيسر ثم يختم بالخنصر
الأيمن، كما في مرفوعة ابن أبي عمير (2)، ومرسلة الفقيه (3)، وغيرهما.
ويستحب دفن الظفر بعد قطعه، وكذا الشعر والدم، كما في مرسلة
الفقيه (4)، وغيرهما.
ومنها: الطيب، فإنه من أخلاق الأنبياء، وفي رواية معمر: " لا ينبغي
للرجل أن يدع الطيب في كل يوم، فإن لم يقدر فيوم ويوم لا، وإن لم يقدر ففي
كل جمعة ولا يدع " (5).
والأخبار في الباب أكثر من أن يأتي عليها الكتاب.
ومنها يظهر استحباب التطيب في كل يوم.
ومما يستحب في كل يوم أيضا: تسريح اللحية والتمشط فيها إجماعا،
واستفاضت الروايات به، وفي مرسلة الفقيه: " من سرح لحيته سبعين مرة وعدها
مرة مرة لم يقربه الشيطان أربعين يوما " (6).
وروي: " أنه يجلب الرزق، ويحسن الشعر، وينجز الحاجة، ويزيد في ماء
الصلب، ويقطع البلغم " (7).
وروي: " أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسرح تحت لحيته أربعين

(1) الفقيه 1: 74 / 312، الوسائل 7: 360 أبواب صلاة الجمعة ب 34 ح 3.
(2) الكافي 6: 492 الزي والتجمل ب 38 ح 16، الوسائل 2: 135 أبواب آداب الحمام ب 83 ح
1.
(3) الفقيه 1: 73 / 305، الوسائل 2: 135 أبواب آداب الحمام ب 83 ح 2.
(4) الفقيه 1: 74 / 317 و 318، الوسائل 2: 128 أبواب آداب الحمام ب 77 ح 3 و 4.
(5) الكافي 6: 510 الزي والتجمل ب 48 ح 4، الفقيه 1: 274 / 1255، الوسائل 7: 364 أبواب
صلاة الجمعة وآدابها ب 37 ح 1.
(6) الفقيه 1: 75 / 322، الوسائل 2: 126 أبواب آداب الحمام ب 76 ح 1.
(7) روضة الواعظين: 308، الوسائل 2: 126 أبواب آداب الحمام ب 76 ح 2.
158

مرة ومن فوقها سبع مرات " (1).
ويستحب التمشط عند كل صلاة فريضة ونافلة، كما في رواية أبي
بصير (2).
ويبدأ في التسريح من تحت اللحية إلى الفوق، ويقرأ إنا أنزلناه، ثم يسرح
من الفوق إلى التحت، ويقرأ والعاديات (3).
ويكره التمشط قائما; للمستفيضة من الأخبار، وورد أنه يورث الفقر،
ويوجب الدين وضعف القلب (4).
ويستحب أيضا السواك وروي: أنه من سنن المرسلين وأخلاق الأنبياء،
ومطهرة للفم، ومرضاة للرب، ومفرحة للملائكة، وهو من السنة، ويجلو البصر،
ويشد اللثة، ويذهب بالبلغم وبالحفر (5) وهو صفرة الأسنان أو تقشير فيها أو بثرة
تحت أصولها (6) وقد مر في بحث الوضوء.
ومما يستحب في كل ليلة الاكتحال، واستفاضت به الأخبار (7).
والأفضل أن يكون المجموع وترا بأن يكتحل في اليمنى أربعا وفي اليسرى
ثلاثا، أو اليمنى ثلاثا واليسرى ثنتين، أو يكون كل واحد وترا، وقد روي كل
ذلك (8).
ويستحب أن يكون ذلك عند المنام، وأن يكون الميل من الحديد، والكحل
من الأثمد، وهو حجر معروف يؤتى به الآن من مكة، كذا قيل.

(1) روضة الواعظين: 308، الوسائل 2: 127 أبواب آداب الحمام ب 76 ح 3.
(2) تفسير العياشي 2: 13 / 25، الوسائل 2: 122 أبواب آداب الحمام ب 71 ح 5.
(3) انظر: الوسائل 2: 126 أبواب آداب الحمام ب 76 ح 4 و 5.
(4) انظر: الوسائل 2: 125 أبواب آداب الحمام ب 74.
(5) انظر: الوسائل 2: 5 أبواب السواك ب 1.
(6) البثر والبثور: خراج صغار، واحدتها: بثرة. والخراج بضم المعجمة وكسرها وخفة راء: ما يخرج
في البدن من القروح والورم. الصحاح 2: 584، مجمع البحرين 2: 294.
(7) انظر: الوسائل 2: 98 أبواب آداب الحمام ب 54.
(8) انظر: الوسائل 2: أبواب آداب الحمام ب 57 و 58.
159

المطلب الثاني
في صلاة العيدين: الفطر والأضحى
والكلام إما في حكمها، أو شرائطها، أو وقتها، أو كيفيتها، أو لواحقها،
فها هنا خمسة أبحاث.
161

البحث الأول
في حكمها
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: صلاة العيدين مشروعة ضرورة وكتابا وسنة، قال الله
سبحانه: " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " (1).
وقال: " فصل لربك وانحر " (2)
قال في الوافي: قد ورد في الأخبار أن الآية الأولى نزلت في زكاة الفطر
وصلاة عيد الفطر، والثانية نزلت في صلاة عيد الأضحى ونحر الهدي
والأضحية (3)، انتهى.
وفي مرسلة الفقيه: عن قول الله عز وجل: (قد أفلح من تزكى) قال:
من أخرج الفطرة " فقيل له: (وذكر اسم ربه فصلى) قال: " خرج إلى الجبانة
فصلى " (4).
واستفاضت الأخبار بمشروعيتها، بل كونها فريضة كما يأتي.
المسألة الثانية: وهي واجبة في الجملة، بإجماعنا المحقق والمحكي
مستفيضا (5)، وأخبارنا المروية مستفيضة، بل في المعنى متواترة:

(1) الأعلى: 14 و 15.
(2) الكوثر: 2.
(3) الوافي 9: 1283.
(4) الفقيه 1: 323 / 1478، الوسائل 7: 450 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 4 والجبان والجبانة،
بالتشديد: الصحراء - الصحاح 5: 2091.
(5) كما في المعتبر 2: 308، والمنتهى 1: 339، والتذكرة: 157، والذكرى: 238.
163

ففي صحيحة جميل: " صلاة العيدين فريضة، وصلاة الكسوف
فريضة " (1).
وفي الأخرى: عن التكبير في العيدين، قال: " سبع وخمس " وقال: " صلاة
العيدين فريضة " (2).
ونحوها رواية الشحام (3).
ومرسلة ابن المغيرة: عن صلاة الفطر والأضحى، فقال: " صلها ركعتين
في جماعة وغير جماعة، وكبر سبعا وخمسا " (4).
وفي الفقه الرضوي: " وصلاة العيدين فريضة واجبة مثل صلاة يوم
الجمعة " (5).
صحيحة سعد: عن المسافر إلى مكة وغيرها هل عليه صلاة العيدين الفطر
والأضحى؟ قال: " نعم إلا بمنى يوم النحر " (6).
وابن سنان: " من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما
وجد وليصل في بيته وحده كما يصلي في الجماعة " (7).
وإن كان في الاستدلال ببعض هذه الأخبار نظر يظهر وجهه مما يأتي، إلى

(1) الفقيه 1: 320 / 1457، الإستبصار 1: 443 / 1711، الوسائل 7: 483 أبواب صلاة
الكسوف ب 1 ح 2.
(2) التهذيب 3: 127 / 270، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 4.
(3) التهذيب 3: 127 / 269، الإستبصار 1: 443 / 1710، الوسائل 7: 420 صلاة العيد ب 1
ح 4.
(4) الفقيه 1: 320 / 1461، التهذيب 3: 135 / 294، الإستبصار 1: 446 / 1724، الوسائل
7: 426 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 1.
(5) فقه الرضا " ع ": 132، مستدرك الوسائل 6: 124 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 2.
(6) الفقيه 1: 323 / 1481، التهذيب 3: 288 / 867، الإستبصار 1: 447 / 1727، الوسائل
7: 432 أبواب صلاة العيد ب 8 ح 3.
(7) الفقيه 1: 320 / 1463، التهذيب 3: 136 / 297، الإستبصار 1: 444 / 1716، الوسائل
7: 424 أبواب صلاة العيد ب 3 ح 1.
164

غير ذلك.
وأما ما في صحيحة زرارة: " صلاة العيدين مع الإمام سنة " (1).
فالمراد بها مقابل الفرض الثابت بالكتاب، والمعنى أن كونها مع الإمام
سنة، فلا ينافي ما مر من ثبوتها بالكتاب أيضا.
وهل يختص وجوبها بحال حضور الإمام أو من ينصبه، أو يعم حال الغيبة
أيضا؟
الأول مذهب الأكثر، وفي الذخيرة: عدم ظهور مصرح بالوجوب في زمن
الغيبة (2)، بل في روض الجنان وشرح الألفية الإجماع على انتفائه (3)، وعن
الانتصار والناصريات والخلاف والمعتبر والمنتهى والنهاية والتذكرة وغيرها:
الإجماع، أو عدم الخلاف في اشتراط وجوبها بشروط الجمعة التي منها السلطان
العادل عندهم (4).
للمعتبرة المستفيضة المصرحة باعتبار الإمام، الظاهر في إمام الأصل، أو
المحتمل له الموجب لخروج عمومات وجوبها عن الحجية في موضع الإجمال كما مر،
كصحيحة زرارة في صلاة العيدين: " ومن لم يصل مع إمام في جماعة فلا صلاة
له، ولا قضاء عليه " (5).
والأخرى: " لا صلاة يوم الفطر والأضحى إلا مع إمام " (6).

(1) الفقيه 1: 320 / 1458، التهذيب 3: 134 / 292، الإستبصار 1: 443 / 1712، الوسائل
7: 419 أبواب صلاة العيد ب 1 ح 2.
(2) الذخيرة: 318.
(3) روض الجنان: 299.
(4) الإنتصار: 56، الناصريات (الجوامع الفقهية): 203، الخلاف 1: 251، المعتبر 2: 308،
المنتهى 1: 342، نهاية الإحكام 2: 55 - 56، التذكرة 1: 157، وانظر: الغنية (الجوامع
الفقهية): 561، والتنقيح 1: 234، الرياض 1: 192.
(5) الكافي 3: 459 الصلاة ب 93 ح 1، التهذيب 3: 129 / 276، ثواب الأعمال 79،
الوسائل 7: 423 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 10.
(6) ثواب الأعمال: 78، الوسائل 7: 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 2.
165

والثالثة: " من لم يصل مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء
عليه " (1).
وصحيحة محمد: عن الصلاة يوم الفطر والأضحى، فقال: " ليس صلاة
إلا مع إمام " (2).
وأبان: " إنما صلاة العيدين على المقيم، ولا صلاة إلا مع إمام " (3).
وموثقة سماعة: " لا صلاة في العيدين إلا مع إمام، فإن صليت وحدك فلا
بأس " (4).
وفي الفقه الرضوي: " فإن صلاة العيدين مع الإمام مفروضة ولا تكون إلا
بإمام وخطبة " (5) إلى غير ذلك.
ولا دلالة بل ولا إشعار في تنكير الإمام ولا في مقابلة الجماعة بالوحدة في
جملة منها على كون المراد من الإمام فيها مطلق إمام الجماعة، مع أنه في بعض منها
عرف باللام.
ومع ذلك معارض بموثقة سماعة: متى يذبح؟ قال: " إذا انصرف الإمام "
قلت: فإن كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة؟ فقال: " إذا استقلت
الشمس " وقال: " لا بأس أن تصلي وحدك ولا صلاة إلا مع إمام " (6). حيث أثبتت
الجماعة مع نفي الإمام.
مضافا إلى بعض ما مر في اشتراط وجوب صلاة الجمعة بهذا الشرط من

(1) التهذيب 3: 128 / 273، الإستبصار 1: 444 / 1714، ثواب الأعمال 78، الوسائل
7: 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 3.
(2) التهذيب 3: 128 / 275، الإستبصار 1: 444 / 1715، الوسائل 7: 421 أبواب صلاة العيد
ب 2 ح 4.
(3) التهذيب 3: 387 / 862، الوسائل 7: 422 أبواب العيد ب 2 ح 7.
(4) الفقيه 1: 320 / 1459، التهذيب 3: 128 / 274، الإستبصار 1: 445 / 1719، ثواب
الأعمال: 78، الوسائل 7: 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 5.
(5) فقه الرضا " ع ": 131، مستدرك الوسائل 6: 122 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 1.
(6) التهذيب 3: 287 / 861، الوسائل 7: 422 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 6.
166

الأصول، وعبارة الصحيفة (1)، ورواية عبد الله بن دينار: " ما من عيد للمسلمين
أضحى ولا فطر إلا وهو يجدد لآل محمد فيه حزنا " قلت: ولم ذلك؟ قال: " لأنهم
يرون حقهم في يد غيرهم " (2).
ويمكن القدح: أما في روايات اعتبار الإمام، فبأنها ظاهرة في نفي
المشروعية بدونه وهم ولا يقولون به، والأخبار - كما تأتي - مصرحة بخلافه، بل
الإجماع منعقد على المشروعية. والحمل على نفي الوجوب تجوز ليس بأولى عن
الحمل على نفي الكمال. وأقربيته عن نفي الحقيقة ووجوب الحمل على الأقرب
ممنوع.
وأما في عبارة الصحيفة فبعدم الصراحة.
وأما في رواية ابن دينار، فبأن الحق كما يمكن أن يكون اختصاص الوجوب
بالحضور بجماعة الإمام، يمكن أن يكون اختصاص الكمال به، فإنهم إذا رأوا
حضور الناس بصلاة المخالف معتقدا أنه الأكمل يرون حقهم في يد غيرهم.
والثاني - كما قيل (3) - لجماعة من متأخري المتأخرين، ومال إليه في
البحار (4)، واستظهره في الكفاية (5)، واختاره شيخنا صاحب الحدائق، وعزاه إلى
كل من يقول بوجوب صلاة الجمعة عينا في زمن الغيبة (6) وفيه نظر.
واستدلوا بالإطلاقات المتقدمة.
والمروي في ثواب الأعمال: في صلاة العيد: " فأما من كان إمامه موافقا
لمذهبه وإن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلي بعد ذلك حتى تزول

(1) راجع ص 30.
(2) الكافي 4: 169 الصيام ب 28 ح 2، الفقيه 1: 324 / 1484 رواها مرسلة، التهذيب 3:
289 / 870 وفيه عن عبد الله بن ذبيان، الوسائل 7: 475 أبواب صلاة العيد ب 31 ح 1.
(3) في الحدائق 10: 203، والرياض 1: 193.
(4) البحار 87: 354.
(5) الكفاية: 21.
(6) الحدائق 10: 205.
167

الشمس " (1).
وأجابوا عن أخبار اعتبار الإمام. بشمولها لإمام الجماعة.
ويرد: بمنع الإطلاق، فإن غاية ما دلت عليه الأخبار كون صلاة العيد
فريضة، ولا كلام فيه، وأما وجوبها على كل أحد في كل حال فلا. ألا ترى أنه
يصح أن يقال: الجهاد فريضة، مع أنه ليس بواجب على الاطلاق، وكذا الزكاة
مع أنها مشروطة بشروط.
واقتران صلاة العيد في بعضها بصلاة الكسوف - الواجبة مطلقا - لا يفيد;
لأن وجوبها مطلقا أيضا بدليل خارج.
والقول بأن حمل الطبيعة الكلية يقتضي اتصاف كل فرد منها بالوجوب - كما
في الذخيرة (2) - فاسد جدا بوجوه شتى.
نعم ظاهر روايات ابن المغيرة وسعد وابن سنان (3) الاطلاق، ولكنها ليست
للوجوب قطعا; لعدم وجوبها على المنفرد والمسافر إجماعا.
وأما المنقول عن ثواب الأعمال فهو من كلام الصدوق لا جزء الرواية، ومع
ذلك لا دلالة له على الوجوب مع إمام غير مفترض الطاعة، فيمكن أن يكون
الإتيان بها معه من باب الاستحباب، مضافا إلى أنه يمكن أن يكون ذلك الإمام
منصوب السلطان لصلاة العيد والجمعة.
أقول: وبما ذكرنا ظهر ضعف مستند الفريقين، وإن كان الحق مع الأول،
لا لما ذكروه، بل للأصل السالم عن المعارض المعلوم في غير موضع الإجماع، فلا
تجب إلا مع الإمام أو منصوبه الخاص.
ويؤيده بل يدل عليه: استئذان الناس عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام
في أن يخلف رجلا أو يأمره بأن يصلي لبقية الناس وعدم قبوله كما في صحيحة

(1) ثواب الأعمال: 780.
(2) الذخيرة: 318.
(3) راجع ص 164.
168

محمد (1)، والمرويات عن دعائم الاسلام (2)، و [المحاسن] (3) وكتاب عاصم بن
حميد (4).
المسألة الثالثة: وإذا عرفت عدم وجوبها في زمان الغيبة، فهل تستحب
مطلقا جماعة أو فرادى كما عن الأكثر؟.
أو الأول خاصة؟ كما هو ظاهر الحلي، بل عليه حمل كلام الأصحاب (5).
أو الثاني كذلك؟ كما عن المقنعة والمبسوط والتهذيب والناصريات وجمل
العلم والعمل والاقتصاد والمصباح ومختصره والجمل والعقود والخلاف والحلبي (6)،
وجماعة من متأخري المتأخرين (7)، وإن جوز بعض المتأخرين إرادة هؤلاء جميعا غير
الحلبي الوحدة عن الإمام (8)، كما قيل في بعض أخبار الجمعة فيشمل الجماعة
أيضا. وقيل: مرادهم الفرق بينها وبين الجمعة باستحباب صلاتها منفردة بخلاف
الجمعة، كما نص به في المراسم (9).
أو لا تستحب مطلقا؟ كما عن المقنع والعماني (10).
الحق هو الأول.

(1) التهذيب 3: 137 / 302، الوسائل 7: 451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 9.
(2) دعائم الإسلام 1: 185، مستدرك الوسائل 6: 133 أبواب صلاة العيد ب 14 ح 2.
(3) في النسخ: المجالس، والظاهر هو سهو من النساخ، انظر: المحاسن: 222.
(4) حكاه عنه في البحار 87: 373 / 26.
(5) السرائر 1: 315
(6) المقنعة: 194، المبسوط 1: 171، التهذيب 3: 135، الناصريات (الجوامع الفقهية): 203،
جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 44، الإقتصاد: 270، المصباح: 598،
الجمل والعقود (الرسائل العشر): 74، الخلاف 1: 664، الحلبي في الكافي في الفقه: 154.
(7) كصاحبي المدارك 4: 97، والحدائق 10: 220.
(8) الرياض 1: 193.
(9) المراسم: 78.
(10) المقنع: 46، حكاه عن العماني في المختلف 1: 113.
169

أما استحباب الجماعة، فلعمل الأكثر، ودعوى الإجماع صريحا من
الحلي (1)، وظاهرا من الراوندي والمختلف (2)، وهما كافيان في مقام الاستحباب.
وتقرير الإمام في موثقة سماعة الثانية (3)، وعموم رواية الحلبي: " في صلاة
العيدين، إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم
الجمعة " (4).
وقد يستدل أيضا بمرسلة ابن المغيرة السابقة (5).
وفيه: أنه إنما يتم إذا علم أن المقصود بالذات فيها قيد في جماعة وغير
جماعة، لا قيد ركعتين. مع أنه لو لم يحمل على ذلك لكان إطلاقها مخالفا للإجماع;
لأن التخيير المستفاد منه حينئذ مخصوص بصورة فقد الشرائط، وإلا فمع اجتماعها
تجب الجماعة إجماعا، فلا بد فيه من مخالفة للظاهر، وهي كما تحتمل أن تكون ما
ذكر، تحتمل أن تكون ما مر.
وأما استحباب الانفراد فللشهرة، والمرسلة، وصحيحة ابن سنان، وموثقتي
سماعة المتقدمة (6)، وموثقة الحلبي: عن الإمام لا يخرج يوم الفطر والأضحى،
أعليه صلاة وحده؟ فقال: " نعم " (7).
احتج للثاني: بصحيحتي زرارة المتقدمتين النافيتين للصلاة بدون الإمام في
جماعة (8)، بل ما ينفيها بدون الإمام مطلقا.

(1) السرائر 1: 316.
(2) المختلف: 113، وحكاه عن الراوندي أيضا.
المتقدمة في ص 166.
(4) الفقيه 1: 331 / 1489، الوسائل 7: 482 أبواب صلاة العيد ب 39 ح 1.
(5) في ص 164.
(6) في ص، 164 - 166.
(7) التهذيب 3: 136 / 299، الإستبصار 1: 444 / 1717، الوسائل 7: 424، أبواب صلاة العيد
ب 3 ح 2.
(8) راجع ص 165.
170

ورواية ابن قيس: " إنما الصلاة يوم العيدين على من خرج إلى الجبانة، ومن
لم يخرج فليس عليه صلاة " (1).
والغنوي وفيها: أرأيت إن كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أيصلي في بيته؟
قال: " لا " (2).
والجواب عن الأول بما يأتي، مع أنه لو حمل الإمام على المعصوم نفي الجماعة
أيضا.
وعن الثاني: بأنه يدل على نفي الوجوب عن المنفرد وهو مسلم، مع أنه نفى
الصلاة عن غير الخارج إلى الجبانة وإن كانت جماعة، وهو لا يقول به، فالحمل
على ما ذكرنا متعين.
وعن الثالث: بأنه محتمل لإرادة نفي الوجوب، حيث إنه ليس سؤالا عن
الوقوع الذي هو حقيقته، ومجازه كما يمكن أن يكون جواز الصلاة يمكن أن يكون
وجوبها، مع أن المسؤول عنه أعم من الجماعة والانفراد، والتخصيص بالأخير ليس
بأولى مما ذكرنا.
وللثالث (3): بروايات نفي الصلاة بدون إمام الأصل، خرج الانفراد بأدلته
فيبقى الباقي.
وبأصالة عدم جواز الجماعة في النوافل لأخبار المنع (4).
وبمفهوم قوله " فإن صليت وحدك " في موثقة سماعة الأولى (5).
وبعدم جوابه بقوله: نعم، والاكتفاء ببيان وقت الذبح بعد ما سئل فيها

(1) التهذيب 3: 285 / 851، الإستبصار 1: 445 / 1720، الوسائل 7: 423 أبواب صلاة العيد
ب 2 ح 9.
(2) الفقيه 1: 321 / 1464، التهذيب 3: 288 / 864، الوسائل 7: 422 أبواب صلاة العيد ب 2
ح 8.
(3) أي: احتج للقول الثالث، وهو استحباب صلاة العيدين فرادى خاصة.
(4). انظر: الوسائل 8: 45 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 و ص 333 أبواب صلاة الجماعة ب
20.
(5) المتقدمة في ص 166.
171

عن فعلها جماعة حيث لم يكن إمام الأصل [في موثقته الثانية] (1).
والاقتصار على الأمر بالانفراد في صورة عدم شهود جماعة الناس في
صحيحة ابن سنان المتقدمة (2).
والنهي في موثقة الساباطي: هل يؤم الرجل بأهله في صلاة العيدين في
السطح أو بيت؟ قال: " لا يؤم بهن ولا يخرجن وليس على النساء خروج " (3). ولا
قائل بالفرق بين الإمامة للأهل وغيرهم.
والجواب عن الأول: بخروج الجماعة أيضا بأدلتها السابقة.
فإن قلت: لو خرج معه الانفراد أيضا، لزم خروج جميع الأفراد، وإلا لزم
ترجيح المرجوح; لأظهرية أدلة خروج الانفراد وأكثريتها وأصرحيتها.
قلت - مع أنه يمكن أن يكون المراد بالصلاة وحده صلاتها مع غير الإمام
ولو في جماعة، كما مر في توجيه قول القائلين بهذا القول، فتشمل أدلة الانفراد
للجماعة أيضا، وتزيد الجماعة بأدلتها، ولا يلزم ترجيح المرجوح -:
إن على تقدير إخراج الانفراد خاصة أيضا يلزم خروج الأكثر; لخروجه
وخروج الجماعة مع منصوب الإمام، ولا شك أنهما أكثر بكثير من الصلاة مع إمام
الأصل، وهو أيضا غير جائز، فيتعين إخراج الكلام عن الحقيقة التي هي نفي
الصلاة، بل عن حمله على نفي الصحة أيضا والحمل على نفي الوجوب أو
الكمال، فلا ينافي استحباب شئ من الجماعة أو الانفراد.
وعن الثاني: بأن أدلة المنع عن الجماعة في النوافل - لو سلم شمولها لهذه
أيضا - لكانت عامة بالنسبة إلى ما ذكرنا، فتخصص به، كما خصصت صلاة
الاستسقاء أيضا.
وعن الثالث: مع ما ذكر من احتمال شموله للجماعة أيضا، بأنه مفهوم

(1) أضفناه لاقتضاء السياق، راجع ص 166.
(2) في ص 164.
(3) التهذيب 3: 289 / 872، الوسائل 7: 471 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 2.
172

وصف لا حجية فيه. وإن كان نظره إلى عموم مفهوم " إن صليت " فلا يمكن إبقاء
البأس حينئذ على معناه; لأنه لا يقول بثبوت العذاب مع عدم الصلاة.
وعن الرابع: بمنع كونه سؤالا عن فعلها جماعة، بل هو إخبار عنه كما هو
حقيقته. مع أنه على ما ذكرنا من احتمال شموله للجماعة المنفردة عن الإمام أيضا
لما كان اكتفاء ببيان وقت الذبح خاصة.
وعن الخامس: مع ما ذكر من احتمال الشمول، بعدم منافاة استحباب أمر
لاستحباب غيره، وعدم وجوب التعرض لكل مستحب في كل خبر، مع أن جماعة
الناس أعم من الواجب والمستحب، فيدل على استحباب الجماعة أيضا.
وعن السادس: بجواز أن يكون المراد نفي الجماعة بهن إذا اجتمعت
الشرائط الموجبة على الرجل، فإنه يجب حينئذ عليه حضور الجماعة. أو يكون المراد
المرجوحية الإضافية التي هي أحد مجازات الجملة المنفية; لجواز أن يكون الخروج
إلى الصحراء وشهود عيد الناس أرجح من ذلك. أو نفي تأكد الجماعة في حق
النسوة كما عن الذكرى (1)، ويشعر به التعرض في ذيله لخروجهن أيضا.
وللرابع (2): بالنصوص المتقدمة المتضمنة لأنه لا صلاة إلا مع إمام (3)،
ورواية الغنوي السابقة (4)، وقد مر جوابهما.
فرع:
المستفاد من إطلاق الأخبار ومقتضى ظواهر كلمات كثير من الأصحاب
التخيير بين الجماعة المستحبة والانفراد.
وقال في الذخيرة: المشهور بين الأصحاب استحباب هذه الصلاة منفردا
مع تعذر الجماعة (5).

(1) الذكرى: 238.
(2) أي: احتج للقول الرابع، وهو عدم استحباب صلاة العيدين مطلقا.
(3) راجع ص 166.
(4) في ص 171.
(5) الذخيرة: 319.
173

فإن أراد الجماعة الواجبة كما هو الظاهر، فلا كلام فيه، وإلا فلا دليل على
هذا التقييد.
ثم من أراد الاحتياط في زمن الغيبة فهل هو في فعلها جماعة كما في
الذخيرة (1)، أو فرادى كما قيل (2)، أو في تركها؟
الظاهر هو الأول، ويظهر وجهه مما في صلاة الجمعة قد مر.

(1) الذخيرة: 319.
(2) الرياض 1: 194.
174

البحث الثاني
في بيان شرائطها، ومن تجب عليه أو تستحب
اعلم أنه لا شك في اشتراطها عند وجوبها بشرائط، وإن اختلفوا فيها،
فمنهم من صرح باشتراطها بشرائط الجمعة (1)، ومنهم من نقص عنها (2).
وكذا لا شك في عدم وجوبها - على القول به - على من لا تجب عليه الجمعة
كلا أو بعضا.
ولسقوط القول بوجوبها في هذه الأزمان عندنا لا فائدة مهمة في التعرض
لذلك.
وأما استحبابها جماعة أو فرادى، فظاهر الأكثر عدم اشتراطها صحة أو
استحبابا بهذه الشروط، بل تستحب بلا قيد، وعلى كل مكلف تصح منه
الصلاة.
ويدل عليه الأصل، لا أصل العدم - كما قيل - لأنه مع الاشتراط، بل
الأصل الإطلاقي. وهو في الانفراد ظاهر؟ لإطلاق أخباره.
وأما الجماعة وإن لم يكن ما يدل عليها من الأخبار مطلقة إلا أن فتوى الأكثر
والإجماع المنقول مطلقان، بل وكذا رواية الحلبي (3) بالنسبة إلى غير العدد.
فلا ينبغي الريب في عدم اشتراط غير العدد، لا في الصحة ولا في
الاستحباب. بل في عدم اشتراطه أيضا; لإطلاق الأولين وإن كان ظاهر بعض
المتأخرين اشتراطه مع الاستحباب في الجماعة أيضا.

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 169، والخلاف 1: 664، والحلي في السرائر 1: 315، والمحقق في الشرائع
1: 100، والمعتبر 2: 309.
(2) كالعلامة في القواعد 1: 39، والتذكرة 1: 157.
(3) انظر: ص 170.
175

ولا يضر مفهوم الرواية; لاحتمال كون الجملة الخبرية للوجوب، فيكون
المنفي في المفهوم عند انتفاء العدد الوجوب. ولا التشبيه بالجمعة فيها; لعدم ثبوت
عمومه حتى بالنسبة إلى الشرائط الخارجية.
كما لا يضر في المسافر: صحيحة أبان المتقدمة (1)، والفضيل: " ليس في
السفر جمعة ولا فطر ولا أضحى " (2).
ولا في المرأة: موثقة الساباطي السابقة (3)، وصحيحة ابن سنان: " إنما
رخص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء العواتق في الخروج في العيدين
للتعرض للرزق " (4).
ورواية محمد بن شريح: عن خروج النساء في العيدين، فقال: " لا، إلا
عجوز عليها منقلاها " يعني الخفين (5).
ولا في المريض: رواية الغنوي المذكورة (6).
ولا في الخمسة: الرضوي: " وصلاة العيدين واجبة مثل صلاة الجمعة إلا
على خمسة: المريض، والمملوك، والمرأة، والصبي، والمسافر " (7).
لظهور بعضها في نفي الوجوب، واحتمال بعض آخر له.
ولا في تعددها فيما دون الفرسخ: عدم نصب أمير المؤمنين عليه السلام من
يصلي بمن بقي في البلد من الضعفاء، معتذرا بأني لا أخالف السنة (8); لعدم
صراحته في الحرمة مع كون الصلاة حينئذ واجبة.

(1) في ص 166.
(2) التهذيب 3: 289 / 868، الإستبصار 1: 446 / 1726، الوسائل 7: 432 أبواب صلاة العيد
ب 8 ح 4.
(3) في ص 172.
(4) التهذيب 3: 287 / 858، الوسائل 7: 471 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 1.
(5) الكافي 5: 538 النكاح ب 86 ح 1، الوسائل 7: 472 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 3.
(6) في ص: 171.
(7) فقه الرضا " ع ": 132، مستدرك الوسائل 6: 124 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 2.
(8) راجع ص 169. الرقم (1).
176

ولا بالنسبة إلى الخطبة. المروي في العلل والعيون: " إنما جعلت الخطبة يوم
الجمعة في أول الصلاة، وجعلت في العيدين بعد الصلاة " (1).
والرضوي: " صلاة العيد مع الإمام فريضة، ولا تكون إلا بإمام
وخطبة " (2).
وذكرهم الخطبتين في بيان كيفية الصلاة، حيث إن ظاهر ذكر شئ في بيان
كيفية شئ جزئيته له أو شرطيته.
لأن الجعل في الأولى أعم من الشرطية، فيصح أن يقال: جعل التعقيب
بعد الصلاة والأذان قبلها.
والنفي في الثاني راجع إلى الوجوب أو الكمال، كما مر.
ومنع ذكر الخطبتين في بيان كيفية الصلاة، بل أكثر الأخبار المثبتة لها خالية
عنها، وما تعرض فيه لها لم يزد على أن قال: الخطبة بعد الصلاة.
هذا كله مضافا إلى التصريح بالثبوت - مع انتفاء بعض الشروط - في
الأخبار، كصحيحة سعد المتقدمة المصرحة بثبوتها للمسافر (3).
والمروي في قرب الإسناد: عن النساء هل عليهن صلاة العيد؟ قال:
" نعم " (4).
وفي الذكرى، عن كتاب إبراهيم بن محمد الثقفي، بإسناده إلى علي عليه
السلام: أنه قال: " لا تحبسوا النساء عن الخروج في العيدين، فهو عليهن
واجب " (5).
الدالين على ثبوتها للمرأة.
وصحيحة منصور: " مرض أبي يوم الأضحى، فصلى في بيته ركعتين ثم

(1) العلل: 265، العيون 2: 110، الوسائل 7: 443 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 12.
(2) فقه الرضا " ع ": 131، مستدرك الوسائل 6: 122 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 1.
(3) راجع ص 164.
(4) قرب الإسناد: 224 / 871 بتفاوت يسير، الوسائل 7: 473 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 6.
(5) الذكرى: 239.
177

ضحى " (1).
ودلالة بعض هذه الأخبار على الوجوب غير مفيد للقائل به; لأنه بين
معارض بمثله المانع عن إثباته الحكم، وضعيف غير صالح لدفع الأصل.

(1) الفقيه 1: 320 / 1426، التهذيب 3: 136 / 300 و 288 / 865، الإستبصار 1:
445 / 1718، الوسائل 7: 425 أبواب صلاة العيد ب 3 ح 3.
178

البحث الثالث
في وقتها
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: مبدأ وقتها طلوع الشمس من يوم العيد، ومنتهاه زوالها
فيه، وفاقا للمشهور، بل في الذخيرة: أن الظاهر أنه اتفاقي (1); ونقل فيه اتفاقهم
عليه عن النهاية أيضا (2)، بل في شرح القواعد وعن التذكرة: الإجماع عليهما (3)،
وعن المنتهى علي الثاني (4).
أما الأول، فللإطلاقات المقتضية لصحة فعلها في أي وقت كان، خرج قبل
الطلوع بالإجماع فبقي الباقي. أو لأن مقتضى إضافة الصلاة إلى يوم العيد في
الأخبار المتضمنة لانتسابها إليه - وليس المراد إلا نسبة الفعل فيه - وقوعها فيه،
والأصل عدم توقيت آخر، خرج ما بين الطلوعين إما بالاجماع، أو لعدم صدق
المبدأ عرفا إلا بطلوع الشمس.
خلافا للمحكي عن النهاية والمبسوط والاقتصاد والكافي والغنية والوسيلة
والإصباح والسرائر، فقالوا: وقتها انبساط الشمس وارتفاعها (5); للأصل،
والاستصحاب.
ويندفعان بالإطلاق.

(1) الذخيرة: 320.
(2) نهاية الأحكام 20: 56.
(3) جامع المقاصد 2: 451، التذكرة 1: 157.
(4) المنتهى 1: 343.
(5) النهاية: 134، المبسوط 1: 169، الإقتصاد: 270، الكافي في الفقه: 153، الغنية (الجوامع
الفقهية): 561، الوسيلة (: 111)، السرائر 1: 320.
179

وأما الأخبار المستفيضة الدالة على أن الطلوع وقت الخروج إليها (1)، فلا
تصلح دليلا لشئ من القولين، وإن تمسك بعضهم (2) بها للأول، سيما بما تضمن
أن " أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا " (3) حيث إن الأذان إعلام بدخول
الوقت.
وفيه: منع كون الأذان حقيقة فيما ذكر، وإنما هو إعلام فيمكن أن يكون
إعلاما لدخول وقت مقدماتهما المستحبة، ويكفي أدنى ملابسة في الإضافة.
وآخر (4) للثاني، حيث إنه إذا كان وقت الخروج الطلوع يتأخر وقت الصلاة
عنه.
وفيه - مع كونه أخص من المدعى، إذ قد لا يمتد زمان الخروج إلى وقت
الانبساط -: أنها لا تدل على عدم جواز الصلاة أول الطلوع لمن لا يخرج بوجه.
وأما الثاني (5)، فلمثل ما مر أيضا، مضافا إلى الاستصحاب، بإخراج ما
بعد الزوال وقطع الاستصحاب فيه بالإجماع. بل إلى الإجماع (6); لعدم قدح
مخالفة من سيأتي فيه.
وقد يستدل لذلك بصحيحة محمد بن قيس: " إذا شهد عند الإمام
شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار (7) في ذلك اليوم إذا
كانا شهدا قبل الزوال، وإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بالإفطار في ذلك

(1) انظر: الوسائل 7: 452 أبواب صلاة العيد ب 18 و ص 473 أبواب صلاة العيد ب 29.
(2) كصاحب الرياض 1: 194.
(3) الكافي 3: 459 الصلاة ب 93 ح 1، التهذيب 3: 129 / 276، الوسائل 7: 429 أبواب
صلاة العيد ب 7 ح 5.
(4) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 261، فتمسك هو بالأخبار الدالة على أن الطلوع وقت
الخروج إلى الصلاة، للقول الثاني، وهو: أول وقتها انبساط الشمس.
(5) أي: الجزء الثاني من أصل المسألة، وهو: آخر وقتها زوال الشمس في يوم العيد.
(6) أي: بل مضافا إلى الإجماع.
(7) زاد في الكافي: " وصلى ".
180

اليوم وأخر الصلاة إلى الغد " (1).
قيل: دلت على الفوات بعد الزوال، وإلا لما كان للتأخير إلى الغد وجه.
وعلى الامتداد إليه; لظهور الشرطيتين فيها في سقوط قوله: وصلى بهم بعد
قوله " في ذلك اليوم " في الشرطية الأولى، وإلا للغتاطرا، فلا وجه للتفصيل بهما
بعد اشتراكهما في الحكم بالإفطار (2).
ويرد على الأول: أن المراد بالفوات بعد الزوال فوات وقتها مطلقا، لا وقتها
في ذلك اليوم فقط، فالصحيح دال على خلاف المطلوب. مع أن الصلاة في الغد
غير معمول به عند المستدل، فهذا الجزء في حكم السقوط عنده، فلا يصلح دليلا
لشئ، ودلالته التبعية على ترك الصلاة بعد الزوال فرع بقاء متبوعه.
وعلى الثاني: أن مقتضى ذكر الشرطيتين سقوط شئ في الشرطية الأولى،
وأما أنه هو: وصلى بهم فلا دليل عليه، فلعله: وصلى بهم بعد الزوال، أو:
وسقطت الصلاة، أو: وقضى الصلاة (3). ودعوى الإجماع المركب هنا باطلة
جدا.
ويحتمل أن يكون قوله: " وأخر الصلاة " مستأنفة، وكان حكما للصورتين،
لا معطوفة على الجزائية الثانية، وتكون فائدة التفصيل أمرا غير معلوم لنا سقط من
البين.
وعليهما: أنه لأحد أن يقول: إن غاية ما يدل عليه، الامتداد إلى الزوال
والفوات به في الصورة المذكورة فيها، فيجوز أن ينتهي بما قبل الزوال، أو يبقى
بعد الزوال في غير هذه الصورة، فلا يثبت بها الحكم كليا. فتأمل.
خلافا لبعض مشايخنا، فقال بعدم امتداد وقتها إلى الزوال، بل اختصاصه

(1) الكافي 4: 169 الصيام ب 27 ح 1، الفقيه 2: 109 / 267، الوسائل 7: 432 أبواب صلاة
العيد ب 9 ح 1.
(2) انظر: الرياض 1: 194.
(3) قد ذكرنا أن في الكافي زيادة " وصلى " في الشرطية الأولى، فلا وجه لهذه الاحتمالات.
181

بصدر النهار (1)، وعزاه إلى ظاهر الشيخين (2).
للأخبار المشار إليها المتضمنة لأنه إذا طلعت الشمس خرجوا (3)، وأن
الغدو إلى الصلاة بعد الطلوع (4)، وأن الحجج خرجوا بعده (5).
وإطلاق المرفوعة: " إذا أصبح الناس صياما ولم يروا الهلال، وجاء قوم
عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا وليخرجوا من الغد أول النهار إلى عيدهم " (6)
خرج عنه أول النهار بالإجماع، فيبقى الباقي.
والمروي في الدعائم: في القوم لا يرون الهلال، فيصبحون صياما، حتى
مضى وقت صلاة العيد من أول النهار، فيشهد شهود عدول أنهم رأوه من ليلتهم
الماضية، قال: " يفطرون ويخرجون من غد، فيصلون صلاة العيد من أول
النهار " (7).
ويرد الأولان: بأن مقتضاهما دخول الوقت بالطلوع، لا انحصار وقته
بالزمان المتصل به أو القريب منه.
والثانيان: بعدم الحجية; لمخالفتهما الشهرة العظيمة الجديدة والقديمة،
مضافا إلى ضعف ثانيهما في نفسه، واحتمال أول النهار فيه نصفه الأول لا جزأه
الأول.
المسألة الثانية: من فاتته صلاة العيد في وقتها فليس عليه قضاء، سواء كان
ممن وجبت عليه الصلاة أو استحبت; لصحيحتي زرارة المتقدمتين في البحث

(1) الحدائق 10: 227.
(2) المفيد في المقنعة: 194، والطوسي في المبسوط 1: 169.
(3) راجع ص 180.
(4) انظر: الوسائل 7: 452 و 473 ب: 18 و 29 أبواب صلاة العيد.
(5) انظر: الوسائل 7: 452 و 453 ب: 18 و 19 أبواب صلاة العيد.
(6) الكافي 4: 169 الصيام ب 27 ح 2، الفقيه 2: 110 / 468، الوسائل 7: 433 أبواب صلاة
العيد ب 9 ح 2.
(7) الدعائم 1: 187، مستدرك الوسائل 6: 124 أبواب صلاة العيد ب 6 ح 1.
182

الأول (1)، وبهما تخصص عمومات موجبات قضاء الصلوات الفائتة، مضافا في
صورة الاستحباب إلى اختصاصها بالصلوات الواجبة، وعدم تعقل وجوب قضاء
المستحب.
وأما رواية أبي البختري: " من فاتته صلاة العيد فيصل أربعا " (2).
فشاذة; إذ لم يعمل بها إلا شاذ في صورة مخصوصة، ومع ذلك بما مر
معارضة، ولقول جمع من العامة موافقة (3)، ولإرادة الظهر محتملة وإن كانت
بعيدة.
ومن لا يجب القضاء عليه لا يستحب أيضا; للأصل السالم عن المعارض
حتى فتوى الحلي (4)، وإن نسب استحباب القضاء إليه (5)، ولكن كلامه ليس
صريحا فيه، كما يظهر للمتأمل فيه (6). وعمومات قضاء النوافل بين ظاهرة وصريحة
في اليومية، فلا تفيد فيمن تستحب له الصلاة.
إلا إذا كان الفوات لأجل عدم ثبوت العيد إلا بعد خروج الوقت،
فيستحب القضاء في الغد، سواء كان ممن تجب عليه الصلاة أو تستحب;
لصحيحة محمد بن قيس والمرفوعة والدعائمي، المتقدمة (7)، وفاقا للمحكي عن
الصدوق والكليني والإسكافي (8).

(1) في ص 165 - 166.
(2) التهذيب 3: 135 / 295، الإستبصار 1: 446 / 1725، الوسائل 7: 426 أبواب صلاة العيد
ب 5 ح 2.
(3) انظر: بداية المجتهد 1: 224، ومغني المحتاج 2: 244، والإنصاف 2: 433.
(4) السرائر 1: 318.
(5) كما في الحدائق 10: 231.
(6) قال في السرائر: وليس على من فاتته صلاة العيدين قضاء واجب وإن استحب له أن يأتي بها
منفردا.
(7) في ص 181 - 182.
(8) الصدوق في الفقيه 2: 109، الكليني في الكافي 4: 169، حكاه عن الإسكافي في المختلف
114.
183

ومال إليه جماعة من متأخري المتأخرين، بل ظاهرهم الوجوب (1).
ولكن الروايات عن إفادته قاصرة: أما غير المرفوعة فظاهر; لمكان الجملة
الخبرية، مع ضعف الدعائمي. وأما هي فلأنها وإن تضمنت الأمر، ولكن
الخروج ليس بواجب إجماعا، فيتردد بين التجوز في المادة أو الهيئة، ولا ترجيح.
ولكن الظاهر اختصاص ذلك بعيد الفطر; لاختصاص الروايات. ولا يلزم
خرق إجماع; إذ ظاهر الشيخين الكليني والصدوق أيضا الاختصاص (2).
وإلا إذا كان ممن تجب عليه ولحق خطبة الإمام، فيستحب له الجلوس حتى
يسمع الخطبة، ثم يقوم فيصلي وإن كان بعد الزوال; لإطلاق صحيحة زرارة:
أدركت الإمام على الخطبة، قال: " تجلس حتى يفرغ من خطبته، ثم تقوم
فتصلي " (3).
والتخصيص بمن تجب عليه للفظ الإمام، والحكم بالاستحباب لمقام
الجملة الخبرية.
خلافا في الأول في صورة وجوب الصلاة لمحتمل المحكي في الروضة عن
بعضهم، فحكم بالقضاء (4). وقائله كمستنده غير معلوم، إلا أن يستند إلى
عمومات القضاء. ويجاب بما مر.
وللمحكي عن علي بن بابويه، والإسكافي والمقنعة والوسيلة، فحكموا
بوجوب القضاء إذا لحق الخطبتين (5); للصحيح المتقدم. وهو على الوجوب غير
دال، كما أن كلام هؤلاء في القضاء غير صريح.

(1) انظر: الذخيرة: 320، والحدائق 10: 231، والرياض 1: 194.
(2) الكليني في الكافي 4: 169، الصدوق في الفقيه 2: 109.
(3) التهذيب 3: 136 / 301، الوسائل 7: 425 أبواب صلاة العيد ب 4 ح 1.
(4) الروضة 1: 307.
(5) حكاه عن علي بن بابويه في الحدائق 10: 231، وعن الإسكافي في المختلف: 114، المقنعة:
200، الوسيلة: 111.
184

وفي الثاني للمحكي عن الحلي (1). ولا مستند له مع أن فتواه ليست صريحة
في ذلك.
وفي الثالث للأكثر، فلم يثبتوا الصلاة في الغد; للأصل، ومخالفة الصحيح
والروايات الثلاث لنقل الإجماع على انتفاء القضاء مطلقا، والشهرة المحققة.
ويرد: بعدم صلاحية الإجماع المنقول لمعارضة الخبر سيما الصحيح منه،
وعدم ثبوت تحقق الشهرة القديمة الموجبة لدخول الخبر في حيز الشذوذ.
وفي الرابع للمشهور، فلم يثبتوا الصلاة إذا كان فراغ الإمام عن الخطبة
بعد الزوال.
لاحتمال كون المراد من الصحيح إن لم تزل الشمس.
وعدم صراحته في القضاء.
وعموم نافيات القضاء هنا.
ويرد الأول: بأن الاحتمال لا يدفع الإطلاق بل العموم المستفاد من ترك
الاستفصال.
والثاني: بأن مرادنا من القضاء ما يفعل بعد الوقت استدراكا له، سواء
ينوي القضاء أم لا.
والثالث: بأنها تنفي وجوبه دون استحبابه.

(1) السرائر 1: 318.
185

البحث الرابع
في كيفيتها
وهي: ركعتان مطلقا، جماعة صليت أو فرادى، يكبر تكبيرة الإحرام لهما
ثم يقرأ الحمد وسورة وجوبا، ثم يكبر خمسا بعد القراءة استحبابا على الأقوى،
ويقنت عقيب كل منها كذلك، ثم يكبر ويركع ويسجد، ويقوم للثانية فيقرأ الحمد
والسورة وجوبا، ثم يكبر أربعا استحبابا، ويقنت عقيب كل منها كذلك، ثم يكبر
خامسة للركوع، ويتم الصلاة.
أما كونها ركعتين مطلقا فعلى الأشهر الأقوى; لمرسلة ابن المغيرة السابقة (1)،
وصحيحة ابن سنان: " صلاة العيدين ركعتان بلا أذان وإقامة، وليس قبلهما ولا
بعدهما شئ " (2) وسائر ما يأتي من الأخبار.
خلافا للإسكافي وعلي بن بابويه (3)، والتهذيب (4)، فيما إذا لحق خطبتي
الإمام، فقالوا: إما أربع ركعات بعد استماع الخطبة إما بتسليمتين كالأول، أو
تسليمة كالثاني، أو مخيرا بينها وبين الركعتين كالثالث، لرواية أبي البختري المتقدمة
بردها (5).
وأما النية وتكبيرة الإحرام والقراءة وجوبا، فبالإجماع بل الضرورة.
وأما زيادة التكبير، فبالأول والأخبار.

(1) في ص 164.
(2) التهذيب 3: 128 / 271، الإستبصار 1: 446 / 1722، الوسائل 7: 429 أبواب صلاة العيد
ب 7 ح 7.
(3) حكاه عنهما في المختلف: 114.
(4) التهذيب 3: 134.
(5) راجع ص 183.
186

وأما كون الزائد خمسا في الأولى وأربعا في الثانية، فعلى المشهور المنصور،
بل عليه الإجماع عن الانتصار والاستبصار والناصريات والخلاف والسرائر
والمختلف (1); للمعتبرة المستفيضة كمرسلة ابن المغيرة السابقة، وصحيحة
الشحام: عن التكبير في العيدين، قال: " سبع وخمس " (2).
وجميل: عن التكبير في العيدين، قال: " سبع وخمس " وقال: " صلاة
العيدين فريضة " وسألته: ما يقرأ فيهما؟ قال: " والشمس وضحاها، وهل أتاك
حديث الغاشية، وأشباههما " (3).
ومعاوية: عن صلاة العيدين، فقال: ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما
شئ، وليس فيهما أذان ولا إقامة، يكبر فيهما اثنتي عشرة تكبيرة يبدأ بتكبير ويفتتح
الصلاة، ثم يقرأ فاتحة الكتاب، ثم يقرأ والشمس وضحاها، ثم يكبر خمس
تكبيرات، ثم يكبر فيركع فيكون يركع بالسابعة، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم
فيقرأ فاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية، ثم يكبر أربع تكبيرات ويسجد
سجدتين ويتشهد ويسلم " قال: " وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وآله،
والخطبة بعد الصلاة " (4).
والكناني: عن التكبير في العيدين، قال: " اثنتي عشرة تكبيرة، سبع في
الأولى وخمس في الأخيرة " (5).

(1) الإنتصار: 56، الإستبصار 1: 448، الناصريات (الجوامع الفقهية): 203، الخلاف 1:
658، السرائر 1: 316، المختلف 1: 112.
(2) التهذيب 3: 127 / 269، الإستبصار 1: 443 / 1710، الوسائل 7: 437 أبواب صلاة العيد
ب 10 ح 12.
(3) التهذيب 3: 127 / 270، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 4.
(4) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 3، التهذيب 3: 129 / 278، الإستبصار 1:
448 / 1733، الوسائل 7: 434 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 2.
(5) الفقيه 1: 324 / 1485، التهذيب 3: 130 / 280، الإستبصار 1: 447 / 1728، الوسائل
7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 6.
187

ورواية علي بن أبي حمزة: في صلاة العيدين، قال: " يكبر ثم يقرأ، ثم يكبر
خمسا ويقنت بين كل تكبيرتين، ثم يكبر السابعة ويركع بها، ثم يسجد ثم يقوم في
الثانية فيقرأ، ثم يكبر أربعا يقنت بين كل تكبيرتين، ثم يكفر ويركع بها " (1).
وسليمان بن خالد: في صلاة العيدين: " كبر ست تكبيرات واركع
بالسابعة، ثم قم في الثانية فاقرأ، ثم كبر أربعا واركع بالخامسة، والخطبة بعد
الصلاة " (2).
وأبي بصير: " التكبير في الفطر والأضحى اثنتا عشرة تكبيرة، يكبر في الأولى
واحدة، ثم يقرأ، ثم يكبر بعد القراءة خمس تكبيرات، والسابعة يركع بها، ثم
يقوم في الثانية فيقرأ، ثم يكبر أربعا والخامسة يركع بها " (3).
ويعقوب بن يقطين بل صحيحته: التكبير في العيدين أقبل القراءة أو
بعدها؟ وكم عدد التكبير في الأولى وفي الثانية والدعاء بينهما؟ وهل فيهما قنوت أم
لا؟ فقال: " تكبير العيدين للصلاة قبل الخطبة، يكبر تكبيرة يفتتح بها الصلاة، ثم
يقرأ ويكبر خمسا ويدعو بينها، ثم يكبر أخرى يركع بها، فذلك سبع تكبيرات بالتي
افتتح بها، ثم يكبر في الثانية خمسا، يقوم فيقرأ ثم يكبر أربعا ويدعو بينهن، ثم
يكبر التكبيرة الخامسة " (4).
وإسماعيل الجعفي: في صلاة العيدين، قال: " يكبر واحدة يفتتح بها
الصلاة، ثم يقرأ أم الكتاب وسورة، ثم يكبر خمسا يقنت بينهن، ثم يكبر واحدة

(1) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 5، التهذيب 3: 130 / 279، الإستبصار 1:
448 / 1734، الوسائل 7: 434 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 3; بتفاوت يسير.
(2) التهذيب 3: 130 / 281، الإستبصار 1: 448 / 1735، الوسائل 7: 436 أبواب صلاة العيد
ب 10 ح 9.
(3) التهذيب 3: 131 / 286، الإستبصار 1: 449 / 1736، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد
ب 10 ح 7.
(4) التهذيب 3: 132 / 287، الإستبصار 1: 449 / 1737، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد
ب 10 ح 8.
188

ويركع بها، ثم يقوم فيقرأ أم القرآن وسورة، يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى،
وفي الثانية والشمس وضحاها، ثم يكبر أربعا ويقنت بينهن، ثم يركع
بالخامسة " (1).
ومحمد: عن التكبير في الفطر والأضحى، فقال. " ابدأ فكبر تكبيرة، ثم
تقرأ، ثم تكبر بعد القراءة خمس تكبيرات، ثم تركع بالسابعة، ثم تقوم فتقرأ، ثم
تكبر أربع تكبيرات، ثم تركع بالخامسة " (2) إلى غير ذلك.
ولا تنافيه صحيحة محمد: " الصلاة قبل الخطبتين والتكبير بعد القراءة سبع
في الأولى وخمس في الثانية " (3) حيث يستفاد منها أن التكبير في الأولى ثمانية،
التكبيرة للإحرام والسبع بعد القراءة.
لأنه إنما هو إذا جعل " سبع " خبرا للتكبير وليس كذلك، بل خبره قوله:
" بعد القراءة " وما بعده جملة مستأنفة تشمل تكبيرة الإحرام أيضا.
خلافا للمحكي عن الصدوقين والعماني (4)، فجعلوا التكبير الزائد سبع
تكبيرات.
وعن محتمل السيد والمفيد (5)، بل الديلمي والحلبي والقاضي وابن زهرة (6)،
فجعلوه ثمان تكبيرات خمسا للأولى وثلاثا للثانية حيث قالوا: إنه إذا نهض للثانية

(1) التهذيب 3: 132 / 288، الإستبصار 1: 449 / 1738 وفيه: إسماعيل الجبلي، الوسائل 7:
436 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 10.
(2) التهذيب 3: 132 / 289، الإستبصار 1: 449 / 1739، الوسائل 7: 436 أبواب صلاة العيد
ب 10 ح 11.
(3) التهذيب 3: 287 / 859، الوسائل 7: 441 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 2; بتفاوت يسير.
(4) نسب ذلك إلى ابن بابويه والعماني في المنتهى 1: 340. وفي المختلف: 112 أن العماني قائل
بالمشهور، ونسب إلى ابني بابويه ثمان تكبيرات، ولكن المستفاد من عبارات الفقيه 1: 324،
والمقنع: 46، والهداية: 53 الطريق المشهور أيضا، فراجع.
(5) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 203، والانتصار: 56، المفيد في المقنعة: 195.
(6) الديلمي في المراسم: 78، الحلبي في الكافي في الفقه: 153، القاضي في المهذب 1: 122،
ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.
189

كبر وقرأ ثم كبر أربعا يركع بالأخيرة منها، فإن جعلت الأولى تكبيرة القيام يكون
الزائد في الثانية ثلاثا، وإن جعلت تكبيرة صلاة العيد يكون موافقا للمشهور.
ومستندهما - كما قيل (1) - غير ظاهر، إلا أن يستند للثاني إلى ثبوت الخمس
للثانية بالأخبار، ولاستحباب التكبير للقيام والركوع لم يبق إلا ثلاثا.
وإلى موثقة سماعة وفيها: " ثم يقوم في الثانية فيقرأ، فإذا فرغ من القراءة كبر
أربعا ويركع بها " (2).
ورواية علي بن أبي حمزة المتقدمة (3)، على ما في بعض نسخ التهذيب، فإن
فيه في الثانية " ثم يركع بها " بإسقاط قوله " يكبر ".
ويرد الأول: بعدم ثبوت التكبير للقيام، وبدلالة الأخبار على كون الخمس
بعد القراءة.
والثانيتان باحتمال إرادة الأربع الزائدة الواجبة، ولم يذكر الخامسة لعدم
وجوبها، فلا ينافي ثبوت استحبابها بدليل آخر.
وأما كون التكبيرات الزائدة في الركعتين بعد القراءة فعلى الحق الموافق
للأكثر، بل عن الانتصار والخلاف: الإجماع عليه (4); لأكثر ما مر من الأخبار.
خلافا للمحكي عن الإسكافي وهداية الصدوق، فجعلاه في الأولى قبل
القراءة (5); لروايات كثيرة كصحاح ابن سنان (6)، وإسماعيل بن سعد (7)، وهشام

(1) الرياض 1: 195
(2) التهذيب 3: 130 / 283، الإستبصار 1: 450 / 1742، الوسائل 7: 439 أبواب صلاة العيد
ب 10 ح 19.
(3) في ص 188
(4) الإنتصار: 56، الخلاف 1: 658.
(5) حكاه عن الإسكافي في المختلف 1: 111، الهداية: 53.
(6) التهذيب 3: 131 / 284، الإستبصار 1: 450 / 1740، الوسائل 7: 439 أبواب صلاة العيد
ب 10 ح 18.
(7) التهذيب 3: 131 / 285، الإستبصار 1: 450 / 1741، الوسائل 7: 439 أبواب صلاة العيد
ب 10 ح 20.
190

ابن الحكم (1)، والكناني (2)، وموثقة سماعة (3).
ويجاب عنها بمرجوحيتها عن الأخبار المتقدمة; لموافقتها لمذهب العامة،
لأنهم بين قائل بالتقديم في الركعتين، ونقله في المنتهى عن الشافعي، وأبي هريرة،
والفقهاء السبعة، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك، والليث، وأحمد في
إحدى الروايتين، وقائل بالتقديم في الأولى خاصة، ونقله عن ابن مسعود،
وحذيفة، وأبي موسى، والحسن، وابن سيرين، والثوري، وأصحاب الرأي، أي
أبي حنيفة وأتباعه (4).
مضافا إلى أن في الثلاثة الأولى جعل السبع قبل القراءة وهو مما لم يقل به
أحد; لأن تكبيرة الركوع بعدها قطعا، فإما تحمل هذه السبع على السبع
الافتتاحية، وأهمل فيها ذكر تكبيرات العيد تقية، أو المعنى: بعض السبع قبل
القراءة، وحينئذ فيمكن أن تكون هي تكبيرة الافتتاح.
وللمنقول عن علي بن بابويه، فجعلها قبلها في الركعتين (5). ولم أعثر على
مستنده.
وعن السيد والمفيد والصدوق والديلمي والحلبي والقاضي وابن زهرة،
ففرقوها في الثانية، فجعلوا واحدة منها قبل القراءة والباقية بعدها (6).
وهذا إنما هو على جعلهم الأربعة التي غير تكبيرة الركوع من خصائص هذه

(1) التهذيب 3: 284 / 847، الإستبصار 1: 450 / 1744، الوسائل 7: 438 أبواب صلاة العيد
ب 10 ح 16.
(2) الفقيه 1: 324 / 1485، التهذيب 3: 130 / 280، الإستبصار 1: 447 / 1728، الوسائل
7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 6.
(3) تقدمت في الصفحة السابقة.
(4) انظر: المنتهى 1: 342.
(5) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 3: 172.
(6) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 44، المفيد في المقنعة: 195،
الصدوق في الفقيه 1: 324، الديلمي في المراسم: 78، الحلبي في الكافي في الفقه: 154،
القاضي في شرح جمل العلم والعمل: 131، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.
191

الصلاة; وحينئذ فيرد قولهم بعدم الدليل والمخالفة لما مر.
وأما لو جعلت الأولى للقيام، والثلاثة لصلاة العيد فليست لهم مخالفة مع
المشهور في ذلك المقام، وإنما يكون خلافهم في المقام السابق خاصة، وقد مر
جوابه.
وأما كون التكبيرات الزائدة على سبيل الاستحباب دون الوجوب، فوفاقا
للمحكي عن المفيد والتهذيب والخلاف وفي المعتبر والشرائع والنافع والمنتهى
والتحرير والذكرى (1)، وطائفة من متأخري المتأخرين (2).
للأصل السالم عن معارضة الدال على الوجوب; لورود أكثر الأخبار
بالجملة الخبرية الغير الدالة عليه سوى مرسلة ابن المغيرة ورواية سليمان بن خالد
المتقدمتين (3).
والواردة فيهما وإن كانت بلفظ الأمر إلا أنهما تعارضان صحيحة زرارة:
عن الصلاة في العيدين فقال: " الصلاة فيهما سواء يكبر الإمام تكبيرة الصلاة قائما
كما يصنع في الفريضة، ثم يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات وفي الأخرى
ثلاثا سوى تكبيرة الصلاة والركوع والسجود، إن شاء ثلاثا وخمسا، وإن شاء خمسا
وسبعا، بعد أن يلحق ذلك إلى وتر " (4).

(1) حكاه عن المفيد في المقنعة في الحدائق 10: 242، ولم نجده فيها، التهذيب 3: 134، حكاه
عن الخلاف في الذخيرة: 321، المعتبر 2: 312، الشرائع 1: 101، النافع: 38، المنتهى 1
341، التحرير 1: 46، الذكرى: 241.
(2) لم نجد فيهم من صرح بالاستحباب وقال في المدارك 4: 104 إن الوجوب أصح، وفي البحار 78:
351: الاحتياط في الإتيان بهما، وفي الكفاية: 21، وكشف اللثام 1: 263، والحدائق 10:
243: الأقرب الوجوب.
(3) في ص 164، 188.
(4) التهذيب 3: 134 / 291، الإستبصار 1: 447 / 1732، الوسائل 7: 438 أبواب صلاة العيد
ب 10 ح 17.
192

المؤيدة برواية الغنوي: عن التكبير في الفطر والأضحى، قال: " خمس
وأربع، فلا يضرك إذا انصرفت على وتر " (1).
والرضوي: " روي أن أمير المؤمنين عليه السلام صلى بالناس صلاة العيد
فكبر في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات، وقرأ فيهما سبح
اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية " (2).
فإن التعليق في الأولى على المشية، ونفي الضرر إذا انصرف على الوتر
مطلقا في الثانية، وفعل علي عليه السلام في الثالثة، قرائن على عدم إرادة الحقيقة
من الأمر في الخبرين، ولولاها لكان التعارض موجبا للرجوع إلى الأصل.
وترجيح الدال على الوجوب لكون الروايات الأخيرة موافقة لمذهب كثير من
العامة - على ما في الاستبصار (3) - غير جيد; إذ لا يعلم هذا الكثير هل كانوا في
زمان صدور الرواية أو بعده، وهل كان المخالفون لهم أكثر أم لا.
مضافا إلى عدم إمكان حمل الأمر في المرسلة على حقيقته; لقوله: " وغير
جماعة " مع عدم وجوب الصلاة فرادى إجماعا فلا يكون تكبيرها واجبا، والوجوب
الشرطي مجاز كالندب. وأيضا: أمر بالسبع والخمس، وفيهما تكبير الركوع الغير
الواجب قطعا.
خلافا للسيد والإسكافي والحلي والحلبي والاستبصار والقواعد وشرحه (4)،
بل الأكثر كما في المختلف والذكرى والنكت وروض الجنان وشرح الألفية

(1) التهذيب 3: 286 / 854، الوسائل 7: 437 أبواب صلاة ب 10 ح 14.
(2) فقه الرضا " ع ": 132 - 133، مستدرك الوسائل 6: 126 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 4.
(3) الإستبصار 1: 448.
(4) السيد في الإنتصار: 56، وجمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 44 - 45،
والناصريات (الجوامع الفقهية): 203، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 112، الحلي في السرائر
1: 316، الحلبي في الكافي في الفقه: 153 - 154، الإستبصار 1: 447، القواعد 1: 39،
جامع المقاصد 2: 455.
193

وغيرها (1)، بل ظاهر الإستبصار الإجماع عليه (2)، فأوجبوها لما أشير إليه بجوابه.
وأما القنوت فبالإجماع والأخبار، وأما استحبابه فوفاقا لكل من قال
باستحباب التكبيرات وبعض من قال بوجوبها; للأصل السالم عن معارضة غير
الجمل الخبرية الغير المفيدة للوجوب، مضافا إلى كونه لازم استحباب التكبيرات.
خلافا للمحكي عن الأكثر (3)، وعن الانتصار الإجماع عليه (4); لما ذكر
بجوابه.
وقد يستدل له ولوجوب بعض ما مر أيضا بالتأسي وأصل الاشتغال،
وجوابهما ظاهر.
وأما كونه خمسة في الأولى وأربعة في الثانية، فلصحيحة الكناني المفصلة (5)،
وموثقة سماعة (6)، وروايتي جابر (7)، ومحمد بن عيسى بن أبي منصور (8)، المصرحة
بأن بين كل تكبيرتين في صلاة العيد الدعاء، خرج ما بين تكبيرة الافتتاح وغيره
بالإجماع، فيبقى الباقي.
وأما ما تضمن ذكر الدعاء بين كل تكبيرتين من الخمس والأربع فلا ينافي
ذلك; إذ لا منافاة بين استحبابه بين كل اثنتين منها وبين استحباب غيره أيضا،
مع أن إرادة بين كل تكبيرتين من الخمس والأربع وتكبيرة الركوع أيضا ممكنة.

(1) المختلف: 112، الذكرى: 241، روض الجنان: 301، وانظر: جامع المقاصد 2: 455،
والمدارك 4: 104.
(2) الإستبصار 1: 448.
(3) كما في التنقيح 1: 237، والروض: 301، والمفاتيح 1: 149، والرياض 1: 197.
(4) الإنتصار: 57.
(5) الفقيه 1: 324 / 1485، التهذيب 3: 132 / 290، الإستبصار 1: 450 / 1743، الوسائل
7: 469 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 5.
(6) التهذيب 3: 131 / 283، الإستبصار 1: 450 / 1742، الوسائل 7: 439 أبواب صلاة العيد
ب 10 ح 19.
(7) التهذيب 3: 140 / 315، الوسائل 7: 468 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 3.
(8) التهذيب 3: 139 / 314، الوسائل 7: 468 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 2.
194

فروع:
أ: يستحب التوجه بالتكبيرات المستحبة الافتتاحية في الصلوات اليومية هنا
أيضا، كما صرح به في الذكرى (1); لعمومات استحبابها وإطلاقاتها كما تقدمت
في موضعه.
وقال بعض مشايخنا الأخباريين بعدم استحبابها; للأصل، حيث إن
المتبادر من الإطلاقات الفرائض اليومية.
واتفاق أخبار صلاة العيد على عدم ذكر هذه التكبيرات.
والمروي في العلل والعيون: فلم جعل سبع في الأولى وخمس في الأخيرة ولم
يسو بينهما؟ قيل: " لأن السنة في صلاة الفريضة أن يستفتح بسبع تكبيرات فلذلك
بدئ هنا بسبع تكبيرات، وجعل في الثانية خمس تكبيرات لأن التحريم من التكبير
في اليوم والليلة خمس تكبيرات " (2).
قال: وقضية ذلك عدم الإتيان بالسبع الافتتاحية وإلا للزم الجمع بين
العوض والمعوض عنه (3).
ويرد: بأن الأصل بالإطلاقات مدفوع، والتبادر الذي ادعاه ممنوع.
وعدم ذكرها في هذه الأخبار لا يدل على عدم الاستحباب بعد ذكرها في
أخبار أخر، ولذا لا ينكر استحباب تكبيرات السجود ولا بعض مستحبات أخر،
ولا وجوب ذكر الركوع والسجود ونحوها، مع عدم ذكرها في هذه الأخبار.
ورواية العلل لا تدل على أن السبع عوض عن هذه السبع وإلا لزم كونها
ثمانا; لاستحباب تكبيرة الركوع في كل صلاة. بل يمكن أن يكون المراد أنه لما
كان افتتاح الصلوات بشبع كان المناسب أن تكون التكبيرة الأولى التي هي أيضا

(1) الذكرى: 243.
(2) العلل: 270، العيون 2: 114، الوسائل 7: 433، أبواب صلاة العيد ب 10 ح 1.
(3) الحدائق 10: 258.
195

كالافتتاح سبعا حتى يتوافق الافتتاحان.
ب: لا خلاف في وجوب السورة في الركعتين، ولا في عدم تعين سورة، ولا
في أفضلية السور الثلاث: الأعلى والشمس والغاشية.
وإنما الخلاف في الأفضل منها في كل من الركعتين.
فعن الخلاف والسيد والمفيد والحلبي والقاضي وابن زهرة والمدارك وغيرهم:
أنه الشمس في الأولى والغاشية في الثانية (1); لصحيحتي معاوية وجميل
المتقدمتين (2). إلا أن في الثانية زاد " وأشباههما " فليست صريحة في أفضليتهما، ومع
ذلك لم تعين فيها وظيفة كل ركعة إلا بترتيب الذكر الضعيف دلالته.
وعن المبسوط والنهاية والمقنع والفقيه والنافع والقواعد والإرشاد وجمع آخر:
أنه الأعلى في الأولى والشمس في الثانية (3); لرواية الجعفي السابقة (4)، وصحيحة
الكناني وفيها: " وتقرأ الحمد وسبح اسم ربك الأعلى، وتكبر السابعة، وتركع
وتسجد، وتقوم، وتقرأ الحمد والشمس وضحاها " (5) الحديث.
وعن علي بن بابويه: أنه الغاشية في الأولى والأعلى في الثانية (6)، وعن
العماني: نحوه في الأولى والشمس في الثانية (7); للرضوي: " واقرأ في الركعة الأولى

(1) الخلاف 1: 662، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): 44، المفيد في
المقنعة: 194 - 195، الحلبي في الكافي في الفقه: 153، القاضي في المهذب 1: 122، ابن
زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 561، المدارك 4: 108، وانظر كشف اللثام 1: 258.
(2) في ص 187.
(3) المبسوط 1: 170، النهاية: 135، الهداية: 52، الفقيه 1: 324، النافع: 37، القواعد 1:
38، الإرشاد 1: 259 - 260; وانظر السرائر 1: 316، والمراسم: 78، والجوامع للشرائع:
107.
(4) في ص 188.
(5) الفقيه 1: 324 / 1485، التهذيب 3: 132 / 290، الوسائل 7: 469 أبواب صلاة العيد ب
26 ح 5.
(6) حكاه عنه في المختلف: 112.
(7) حكاه عنه في المختلف: 112.
196

هل أتاك حديث الغاشية، وفي الثانية والشمس أو سبح اسم " (1).
ولا يخفى أنه لا يوافق تعينهما في الثانية، نعم المروي عن أمير المؤمنين عليه
السلام في الرضوي السابق يعين الأعلى فيها (2).
أقول: الظاهر التخيير بين مفاد هذه الأخبار وإن كان القولان الأولان
أولاها; لأشهريتهما وأصحية أخبارهما. وكان الأولى منهما ثانيهما; لأكثرية أخباره،
فتأمل.
ج: لا يتعين في القنوت لفظ مخصوص وجوبا; للأصل وعدم صراحة ما
تضمنه في الوجوب، وصحيحة محمد: عن الكلام الذي يتكلم به فيما بين
التكبيرتين في العيدين، فقال: " ما شئت من الكلام الحسن " (3).
ويعضده اختلاف الروايات في القنوت المرسوم بينهم.
وربما ظهر من عبارة الحلبي وجوب " اللهم أهل الكبرياء والعظمة " إلى
آخره (4)، وهو شاذ.
ويستحب القنوت بالمأثورات ويتخير بينها (5).
د: يستحب رفع اليدين مع كل تكبيرة، كما صرح به جملة من الأصحاب;
لرواية يونس: عن تكبير العيدين أيرفع يده مع كل تكبيرة أم يجزيه أن يرفع في
أول تكبيرة؟ فقال: " يرفع يده مع كل تكبيرة " (6).

(1) فقه الرضا " ع ": 131، مستدرك الوسائل 6: 126 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 4.
(2) راجع ص 193 وفيه: " وقرأ فيهما سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية ". ومقتضى
الترتيب في الذكر تعين الغاشية في الثانية.
(3) التهذيب 3: 288 / 863، الوسائل 7: 467 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 1.
(4) الكافي في الفقه: 154.
(5) القنوت المشهور مذكور في مصباح المتهجد: 598، وذكره ابن طاووس أيضا في الإقبال: 289.
منه رحمه الله.
(6) التهذيب 3: 288 / 866، الوسائل 7: 474 أبواب صلاة العيد ب 30 ح 1.
197

ه‍: يستحب رفع اليدين عند كل قنوت تلقاء وجهه; لبعض ما مر في
بحث القنوت.
و: يستحب الجهر بالقراءة فيها للإمام والمنفرد; لصحيحة ابن سنان
وفيها: " ويجهر بالقراءة كما يجهر في الجمعة " (1).
ز: تستحب الخطبة لها في الجماعة بالإجماع، كما صرح به في المعتبر (2)، وهو
الحجة فيه مضافا إلى الأخبار المصرحة بثبوت الخطبة لها مطلقا القاصرة عن إفادة
الوجوب.
منها: المروي في العلل والعيون. وإنما جعلت الخطبة يوم الجمعة في أول
الصلاة وجعلت في العيدين بعد الصلاة لأن الجمعة أمر دائم - إلى أن قال -:
والعيد إنما هو في السنة مرتين والناس إليه أرغب، وإن تفرق بعض الناس بقي
عامتهم (3).
وفيه إشعار باختصاصها بصلاة الجماعة، فلا تستحب للمنفرد، والظاهر
أنه إجماعي.
والخطبة فيهما كما في صلاة الجمعة حتى في التعدد، إلا أنهما هنا بعد الصلاة
بالإجماع المحقق والمحكي في طائفة من كلماتهم (4). والنصوص به وبأن تقديمهما
على الصلاة من بدع عثمان مستفيضة (5).
ويستحب للحاضرين استماعهما; للنص (6).
ح: لو نسي التكبيرات أو القنوت - كلا أو بعضا - حتى يدخل في الركوع
مضى في صلاته.

(1) التهذيب 3: 130 / 282، الوسائل 7: 476 أبواب صلاة العيد ب 32 ح 1.
(2) المعتبر 2: 324.
(3) العلل: 265، العيون 2: 110، الوسائل 7: 443 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 12.
(4) كما في الخلاف 1: 662، والتذكرة 1: 159.
(5) الوسائل 7: 440 أبواب صلاة العيد ب 11.
(6) الدعائم 1: 186، مستدرك الوسائل 6: 146 أبواب صلاة العيد، ب 25 ح 1.
198

أما على المختار من استحبابها فظاهر.
وأما على القول بالوجوب فلأنه لا يمكن تداركه في الصلاة; إذ بالرجوع
إلى موضعه يزيد الركن وهو مبطل، وفعله بعد الركوع موقوف على الدليل، وإعادة
الصلاة منفية بعموم صحيحة زرارة: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور،
والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود " (1).
وهل يقضي المنسي بعد الصلاة على الوجوب؟.
قيل: نعم (2); لصحيحة ابن سنان: " إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو
سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا " (3).
وقيل: لا (4)، وهو الحق; للأصل، وضعف دلالة الصحيحة، للزوم
تخصيصها إما بالتذكر في الصلاة قبل فوات المحل، أو بغير الركوع والسجودين
وتكبيرات الصلوات اليومية، لأنها بين مستحبة وبين مبطل تركها للصلاة. والأول
أولى بل متعين; لكون الثاني تخصيصا للأكثر.
ولو زاد التكبير فلا يضر على المختار. وعلى الآخر يبطل مع العمد; لأصالة
بطلان الصلاة بالزيادة فيها كما مر. دون السهو; للإجماع على عدم إبطال زيادة
غير الركن سهوا.
ط: لو شك في عدد التكبير بنى على الأقل; للأصل. ولو ذكر الإتيان به
بعد فعله لم يضر على القولين.
ى: لا يتحمل الإمام غير القراءة; لأصالة عدم السقوط، فيأتي المأموم

(1) الفقيه 1: 225 / 991، الوسائل 6: 91 أبواب القراءة في الصلاة في 29 ح 5.
(2) نسبه في المعتبر 2: 315 وفي المدارك 4: 110 إلى الشيخ، ولكن لم نجده فيما بأيدينا من كتب
الشيخ، وقال في مفتاح الكرامة 3: 205: وليس لذلك في الخلاف عين ولا أثر.
(3) الفقيه 1: 228 / 1007، التهذيب 2: 350 / 1450، الوسائل 6: 316 أبواب الركوع ب 12
خ 3.
- كما في المعتر 2: 315
199

بالتكبيرات والقنوتات.
يا: لو أدرك المأموم بعض التكبيرات مع الإمام دخل معه، فإذا ركع الإمام أتى
بالتكبير والقنوت مخففا، ولحق به في الركوع، وإن لم يمكن ذلك ترك من التكبير
والقنوت ما يمنعه من اللحوق، على المختار، وعلى القول بالوجوب فيحتمل تركه
مطلقا أو مع قضائه بعد التسليم، وترك المتابعة ونية الانفراد، وترك القنوت
خاصة، وبطلان الصلاة. والله أعلم.
200

البحث الخامس
في سائر ما يتعلق بهذا الباب
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يستحب في صلاة العيدين زيادة على ما مر أمور:
منها: أن يصلي في مكان بارز - أي غير مسقف - بالإجماع; له، ولصحيحة
أبي بصير: " لا ينبغي أن تصلي صلاة العيد في مسجد مسقف ولا في بيت، إنما
تصلي في الصحراء أو في مكان بارز " (1).
وأن يكون مكانا يرى فيه آفاق السماء; للمستفيضة من الأخبار (2).
والأفضل الإصحار بها أي الخروج إلى الصحراء، بالإجماع كما نقله
جماعة (2); وهو الدليل عليه، مضافا إلى المعتبرة، كمرفوعة محمد: " السنة على أهل
الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين، إلا أهل مكة فإنهم يصلون في
المسجد الحرام " (4).
وصحيحة معاوية: " وينبغي للإمام أن يلبس يوم العيدين بردا، ويعتم،
شاتيا كان أو قائظا، ويخرج إلى البر حيث ينظر إلى آفاق السماء، ولا يصلي على
حصير ولا يسجد عليه " (5).

(1) الفقيه 1: 322 / 1471، الوسائل 7: 449 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 2.
(2) الوسائل 7: 449 أبواب صلاة العيد ب 17.
(3) انظر: المنتهى 1: 344، والذخيرة: 322، والرياض 1: 195.
(4) الكافي 3: 461 الصلاة ب 93 ح 10، التهذيب 3: 138 / 307، الوسائل 7: 451 أبواب
صلاة العيد ب 17 ح 8.
(5) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 3، التهذيب 3: 129 / 278، الوسائل 7: 440 أبواب
صلاة العيد ب 11 ح 1 و ب 17 ح 6.
201

ومرسلة الفقيه: عن قول الله عز وجل (قد أفلح من تزكى) قال: " من
أخرج الفطرة " فقيل له: (وذكر اسم ربه فصلى) قال: " خرج إلى الجبانة
فصلى " (1) والجبانة والجبان: الصحراء.
وعن النهاية: لا تجوز إلا في الصحراء (2). قيل: ولعل مراده تأكد
الاستحباب (3).
ومقتضى المرفوعة ورواية أخرى (4) استثناء مكة - كما صرح به أكثر
الأصحاب أيضا (5) - فإن أهلها يصلون في المسجد الحرام. ولتكن فيه أيضا تحت
السماء; للعمومات السابقة.
وألحق بها الإسكافي المدينة; للحرمة (6). وعن الحلي حكايته عن طائفة
أيضا (7).
ويرده العمومات وخصوص رواية المرادي (8).
ويستثنى أيضا حال الضرورة المانعة عن الخروج، ووجهه ظاهر. بل
الموجبة لمشقة، كمطر أو وحل أو برد أو حر أو خوف; لعمومات نفي العسر
والحرج، وعدم إرادة الله سبحانه العسر من العباد، وفي بعض الأخبار إشعار به
أيضا.
ومنها: يستحب أن يكون الخروج بعد طلوع الشمس، بالإجماع كما عن

(1) الفقيه 1: 323 / 1478، الوسائل 7: 450 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 4.
(2) النهاية: 133.
(3) الرياض 1: 195.
(4) الفقيه 1: 321 / 1470، الوسائل 7: 449 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 3.
(5) انظر المعتبر 2: 316، والذخيرة: 322، والرياض 1: 195.
(6) حكاه عنه في المختلف: 115.
(7) السرائر 1: 318.
(8) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 4، الوسائل 7: 451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 7.
202

الخلاف (1); لأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يخرج بعده كما في بعض
الأخبار (2)، ومولانا الرضا عليه السلام خرج بعده (3).
ولصحيحة زرارة: " أذانهما طلوع الشمس، فإذا طلعت خرجوا " (4).
وموثقة سماعة: عن الغدو إلى الصلاة في الفطر والأضحى، فقال: " بعد
طلوع الشمس " (5).
والمروي في الإقبال: " لا تخرج من بيتك إلا بعد طلوع الشمس " (6).
وعن المفيد أن وقته قبل الطلوع (7)، ولا مستند له واضحا، وما مر يرده،
ونسب إلى ظاهر جوامع الجامع للطبرسي أيضا (8)، ولا ظهور له فيه.
ومنها: أن يسجد على الأرض دون غيرها مما يصح السجود عليه، إظهارا
لمزيد التذلل فيها; وعليه تدل جملة من الصحاح وغيرها (9).
بل يستحب أن يصلي على الأرض بحيث لا يكون تحته بساط ولا بارية ولا
حصير; لصحيحة معاوية وفيها: " لا تصلين يومئذ على بساط ولا بارية " (10)
وأخرى وفيها - في صلاة العيد -: " ولا يصلى على حصير ولا يسجد
عليه " (11).

(1) الخلاف 1: 675.
(2) الوسائل 7: 452 أبواب صلاة العيد ب 18.
(3) كما في الوسائل 7: 453 أبواب صلاة العيد ب 19 ح 1.
(4) الكافي 3: 459 الصلاة ب 92 ح 10، التهذيب 3: 129 / 276، الوسائل 7: 429 أبواب
صلاة العيد ب 7 ح 5.
(5) التهذيب 3: 287 / 859، الوسائل 7: 473 أبواب صلاة العيد ب 29 ح 2.
(6) الإقبال: 281، الوسائل 7: 452 أبواب صلاة العيد ب 18 ح 2.
(7) المقنعة: 194.
(8) جوامع الجامع: 493.
(9) انظر: الوسائل 7: 449 أبواب صلاة العيد ب 17.
(10) التهذيب 3: 285 / 849، الوسائل 7: 451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 10.
(11) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 3، التهذيب 3: 129 / 278، الوسائل 7: 450 أبواب
صلاة العيد ب 17 ح 6.
203

ويدل عليه الرضوي الآتي.
ومنها: أن يقول المؤذن عوض الأذان والإقامة - فإنه لا أذان لها ولا إقامة -
: الصلاة، بالرفع أو النصب، ثلاثا، بلا خلاف فيه بين العلماء كما قيل (1);
لصحيحة إسماعيل بن جابر: أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة؟ قال:
" ليس فيهما أذان ولا إقامة، ولكنها ينادى: الصلاة، ثلاث مرات " (2) إلى غير ذلك.
وعن العماني: أنه يقال: الصلاة جامعة (3)، ولم نقف على مستنده.
وهل المقصود من النداء الإعلام بالخروج إلى الصلاة فينادى عند الخروج،
أو بالدخول فيها فينادى عند القيام إليها؟.
الظاهر تأدي السنة بكل منهما كما قيل (4).
والظاهر اختصاص هذا النداء بالجماعة، فلا نداء في الانفراد.
ومنها: الخروج إلى الصلاة - جماعة أو فرادى - بعد الغسل، متطيبا، لابسا
أحسن ثيابه، كما استفاضت به الروايات.
منها: صحيحة ابن سنان المتقدمة (5)، والرضوي: " وإذا أصبحت يوم
الفطر اغتسل، وتطيب، وتمشط، والبس أنظف ثيابك، واطعم شيئا من قبل أن
تخرج إلى الجبانة، فإذا أردت الصلاة فابرز تحت السماء، وقم على الأرض، ولا
تقم على غيرها " (6).

(1) المدارك 4: 113.
(2) الفقيه 1: 322 / 1473، التهذيب 3: 290 / 873، الوسائل 7: 428 أبواب صلاة العيد
ب 7 ح 1.
(3) حكاه عنه في المنتهى 1: 245.
(4) المدارك 4: 113.
(5) في ص 164.
(6) فقه الرضا " ع ": 213، مستدرك الوسائل 7: 133 أبواب صلاة العيد ب 14 ح 3.
204

والمروي في الدعائم: " ينبغي لمن خرج إلى العيد أن يلبس أحسن ثيابه،
ويتطيب بأحسن طيبه " (1).
ومنها: خروج الإمام حافيا، ماشيا، مشمرا ثيابه; لخروج النبي والوصي
ومولانا الرضا عليه السلام كذلك، كما تدل عليه الرواية المروية في خروج مولانا
عليه السلام في مرو، وفيها: أنه لما بعث إليه المأمون أن يصلي العيد، قال: " وإن لم
تعفني خرجت كما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام "
فقال المأمون: أخرج كيف شئت، وأمر المأمون القواد والناس أن يركبوا ويباكروا
إلى باب أبي الحسن عليه السلام - إلى أن قال -: فلما طلعت الشمس قام فاغتسل
وتعمم بعمامة بيضاء من قطن، ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه،
وتشمر، وقال لجميع مواليه: " افعلوا مثل ما فعلت " ثم أخذ بيده عكازا، ثم خرج
ونحن بين يديه، وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق، وعليه ثياب
مشمرة - إلى أن قال -: فتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج والصياح لما نظروا إلى
أبي الحسن عليه السلام، وسقط الفؤاد عن دوابهم ورموا بخفافهم (2) الحديث.
ومنه يثبت استحباب ذلك للمأمومين أيضا; وتدل عليه حكاية الإجماع على
الإطلاق عن التذكرة ونهاية الإحكام (3)، والمروي في المعتبر والتذكرة: أن رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول: " من أغبرت قدماه في سبيل الله تعالى حرمهما على
النار " (4).
وهذا أيضا سبيل الله، كما يدل عليه المروي في الدعائم: عن علي عليه
السلام أنه كان يمشي في خمس مواطن حافيا ويعلق نعليه بيده اليسرى، وكان

(1) الدعائم 1: 185، مستدرك الوسائل 6: 130 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 1.
(2) الكافي 1: 488 الحجة ب 11 ح 7، العيون 2: 147 / 21، الوسائل 7: 453 أبواب صلاة
العيد ب 19 ح 1.
(3) التذكرة 1: 159، نهاية الإحكام 2: 64.
(4) المعتبر 2: 317، التذكرة 1: 160; والحديث عامي موجود في مسند أحمد 3: 479.
205

يقول: إنها مواطن لله فأحب أن أكون فيها حافيا، يوم الفطر، ويوم النحر، ويوم
الجمعة، وإذا عاد مريضا، وإذا شهد جنازة (1).
بل يستفاد من إطلاق الإجماع وما بعده استحبابه للمنفرد.
وكذا يظهر من رواية صلاة مولانا استحباب التعمم لكل من الإمام
والمأموم، ويدل عليه بعض روايات أخر (2).
ومنها: الذهاب إلى المصلى من طريق والعود من آخر، بل الظاهر
استحباب ذلك في كل ذهاب وإياب، ففي رواية السكوني: إن النبي صلى الله
عليه وآله كان إذا خرج إلى العيدين لم يرجع عن الطريق الذي بدأ فيه، يأخذ في
طريق غيره (3).
وفي رواية موسى بن عمر: قلت للرضا عليه السلام: إن الناس رووا أن
رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره، فهكذا كان؟
قال: فقال: " نعم فأنا أفعل كثيرا " ثم قال لي: " أما إنه أرزق لك " (4).
ونحوه روي في الإقبال، وفي آخره: " وهكذا فافعل فإنه أرزق لك " (5).
المسألة الثانية: يستحب أن يطعم قبل خروجه إلى الصلاة في عيد الفطر،
وبعد عوده في الأضحى، بإجماع أصحابنا كما نص عليه جماعة (6)، وهو الحجة
فيه; للنصوص المستفيضة، منها: رواية المدائني: " أطعم يوم الفطر قبل أن
تصلي، ولا تطعم يوم الأضحى حتى ينصرف الإمام " (7).

(1) الدعائم 1: 185، مستدرك الوسائل " 6: 136 أبواب صلاة العيد ب 15 ح 3.
(2) انظر: الوسائل 7: 440، أبواب صلاة الجمعة ب 11.
(3) الفقيه 1: 323 / 1479، الوسائل 7: 479 أبواب صلاة العيد ب 36 ح 1.
(4) الكافي 5: 314 المعيشة ب 159 ح 41، الكافي 8: 147 / 124، الوسائل 7: 479 أبواب
صلاة العيد ب 36 ح 2.
(5) الإقبال: 283، الوسائل 7: 479، أبواب صلاة العيد ب 36 ذ. ح 2.
(6) منهم المحقق في المعتبر 2: 317، والعلامة في التذكرة 1: 159، وصاحب المدارك 4: 114.
(7) الكافي 4: 168 الصيام ب 26 ح 2، الفقيه 2: 113 / 483، التهذيب 3: 138 310،
الوسائل 7: 444 أبواب صلاة العيد ب 12 ح 5.
206

ويؤكده أن الصدقة في الفطر قبل الصلاة وفي الأضحى بعدها، فاستحب
فيهما أن يكون الأكل حين أكل المساكين لتشاركهم فيه، ولأن في تعجيل الإطعام
في الفطر دفعا لهواجس النفس، وفي الأضحى يستحب الأكل من الأضحية ولا
يكون إلا بعد الصلاة.
ويستحب في الأول الحلو; لفتوى جماعة - منهم: المبسوط والسرائر والمهذب
والمنتهى والتحرير والتذكرة (1) - به.
وأفضل الحلو التمر أو الزبيب أو السكر; للمرويين في الإقبال والفقه
الرضوي:
الأول: " كل تمرات يوم الفطر، فإن حضرك قوم من المؤمنين فأطعمهم مثل
ذلك " (2).
والثاني: " والذي يستحب الإفطار عليه يوم الفطر الزبيب والتمر، وأروي
عن العالم الإفطار على السكر " (3).
وفي الثاني أضحيته إن كان ممن يضحى; للأخبار، منها: صحيحة زرارة:
" لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم شيئا، ولا تأكل يوم الأضحى إلا من هديك
وأضحيتك إن قويت عليه، وإن لم تقو فمعذور " (4).
وأما الإفطار بالتربة الحسينية فقد ورد في بعض الروايات (5)، ولكن لشذوذه
- كما صرح به في الروضة وغيرها (6) - يشكل تخصيص أخبار الحرمة به (7)، فالترك

(1) المبسوط 1: 169، السرائر 1: 318 - المهذب 1: 121، المنتهى 1: 345، التحرير 1: 46،
التذكرة 1: 159.
(2) الإقبال: 281، الوسائل 7: 445 أبواب صلاة العيد ب 13 ح 2.
(3) فقه الرضا " ع ": 210، مستدرك الوسائل 6: 130 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 2.
(4) الفقيه 1: 321 / 1469، الوسائل 7: 443 أبواب صلاة العيد ب 12 ح 1.
(5) انظر: الوسائل 7: 445 أبواب صلاة العيد ب 13 ح 1.
(6) الروضة 1: 308، وانظر: مجمع الفائدة 2: 409.
(7) كما في الوسائل 24: 220 و 226 أبواب الأطعمة المحرمة ب 58 و 59.
207

أحوط.
المسألة الثالثة: يرجح التكبير في العيدين، بالإجماع، والأخبار المستفيضة
بل المتواترة، الآتي ذكر جملة منها.
ولا يجب، بل يستحب على الأقوى الأشهر، بل عليه كافة من تأخر، وفي
شرح القواعد: أنه قول الأكثر، بل قال بإمكان ادعاء الإجماع عليه (1)، بل عن
المنتهى عليه الإجماع (2).
للأصل، ورواية النقاش: " أما إن في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون " قال،
قلت: وأين هو؟ قال: " في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفي صلاة الفجر
وفي صلاة العيد، ثم يقطع " قال، قلت: كيف أقول؟ قال: تقول: " الله أكبر الله
أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر الله أكبر (3)، ولله الحمد، الله أكبر على ما
هدانا، وهو قول الله تعالى: (ولتكملوا العدة - يعني الصيام - ولتكبروا الله على
ما هداكم) " (4).
وصحيحة علي: عن التكبير أيام التشريق أواجب هو أم لا؟ قال:
" يستحب، وإن نسي فلا شئ عليه " (5).
والمروي في مستطرفات السرائر: عن التكبير بعد كل صلاة، قال: " كم
شئت، إنه ليس بمفروض " (6).

(1) جامع المقاصد 2: 448 - 449.
(2) المنتهى 1: 247.
(3) التكبير الثالث لا يوجد في المصادر، وهو موافق لنسخة الوافي 9: 1341.
(4) الكافي 4: 166 الصيام ب 35 ح 1، الفقيه 2: 108 / 464، التهذيب 3: 138 / 311،
الوسائل 7: 455، أبواب صلاة العيد ب 20 ح 2.
(5) التهذيب 5: 488 / 1745، قرب الإسناد: 221 / 862، الوسائل 7: 461 أبواب صلاة العيد
ب 21 ح 10.
(6) مستطرفات السرائر: 30 / 27، الوسائل 7: 465 أبواب صلاة العيد ب 24 ذ. ح 1.
208

وحمل السنة في الأولى على الوجوب النبوي دون الكتابي - مع عدم مناسبته
للاستدراك فيه - ينافي ذيلها المصرح بالوجوب الكتابي، كما دل عليه بعض نصوص
أخر، وصرح به جمع من المفسرين منهم: التبيان والمجمع وفقه القرآن
للراوندي (1)، وكذا ينافي قوله سبحانه: (واذكروا الله في أيام معدودات) (2) فإنها
أيام التشريق، والذكر فيها التكبير كما في الخبر الصحيح (3).
ومنه يظهر عدم إمكان حمل الفرض المنفي في الأخير على الكتابي أيضا، مع
أنه غير ملائم لجعله النفي علة للتفويض إلى المشية.
كما أن العدول إلى الجواب بقوله " يستحب " في الثانية لا يلائم حمل
الاستحباب فيها على المعنى الشامل للوجوب أيضا، بل هو صريح في أن المراد به
المعنى المصطلح.
نعم يمكن الخدش في دلالة الأخيرة بعدم صراحتها في التكبيرات
المطلوبات، فيحتمل المسنون في التعقيب.
خلافا للمنقول في الفطر خاصة عن متشابه القرآن لابن شهرآشوب (4)،
وفي الأضحى كذلك مطلقا عن جمل السيد (5)، وعلى من كان بمنى عن التبيان
والمبسوط والاستبصار والجمل والعقود وروض الجنان للشيخ أبي الفتوح وفقه
القرآن للراوندي والقاضي وابن حمزة (6)، وفيهما عن السيد والإسكافي (7).

(1) التبيان 2: 125، مجمع البيان 1: 277، فقه القرآن 1: 160.
(2) البقرة: 203.
(3) انظر: الوسائل 7: 457 أبواب صلاة العيد ب 21.
(4) متشابهات القرآن 2: 177.
(5) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 45.
(6) التبيان 2: 125، المبسوط 1: 170، الإستبصار 2: 299، الجمل والعقود (الرسائل العشر):
248، فقه القرآن 1: 160، القاضي في المهذب 1: 261، ابن حمزة في الوسيلة: 112.
(7) السيد في الإنتصار: 57، حكاه عن الإسكافي في المختلف 1: 115.
209

للإجماع، حكاه في الانتصار (1).
وطريقة الاحتياط.
والأمر به في الآيات الثلاثة الواردة في هذه التكبيرات (2)، كما صرحت به
الروايات والأخبار كالمروي في الخصال: " والتكبير في العيدين واجب، أما في
الفطر ففي خمس صلوات يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر
من يوم الفطر، وهو أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، ولله
الحمد، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أبلانا، يقول الله عز وجل:
(ولتكبروا الله على ما هداكم) " (3).
وفي العيون: " والتكبير في العيدين واجب، لا في الفطر دبر خمس صلوات
ويبدأ في دبر المغرب ليلة الفطر " (4).
ونحوه المروي في تحف العقول (5).
وموثقة عمار: " التكبير واجب دبر كل فريضة أو نافلة أيام التشريق " (6).
وأخرى: عن الرجل ينسى أن يكبر أيام التشريق، قال: " إن نسي حتى
قام من موضعه فليس عليه شئ " (7).
دلت بمفهوم الشرط على وجوب شئ لو لم ينتبه حتى قام من موضعه.

(1) الإنتصار: 58.
(2) البقرة: 185: (ولتكبروا الله على ما هداكم) البقرة: 203: (واذكروا الله في أيام معدودات)
الحج: 28: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام).
(3) الخصال: 609، الوسائل 7: 457 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 6.
(4) العيون 2: 124، الوسائل 7: 456 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 5.
(5) تحف العقول: 422، الوسائل 7: 456 أبواب صلاة العيد ب 20 ذ. ح 5.
(6) التهذيب 5: 270 / 923، الإستبصار 2: 299 / 1070، الوسائل 7: 466 أبواب صلاة العيد
ب 25 ح 1.
(7) التهذيب 5: 270 / 924، الإستبصار 2: 299 / 1071، الوسائل 7: 465 أبواب صلاة العيد
ب 23 ح 2.
210

ورواية حفص: " على الرجال والنساء أن يكبروا أيام التشريق في دبر
الصلاة، وعلى من صلى وحده ومن صلى تطوعا " (1).
وصحيحة علي المتقدمة وفي ذيلها: عن النساء هل عليهن التكبير أيام
التشريق؟ قال: " نعم ولا يجهرن " (2).
وحسنة معاوية: " يكبر ليلة الفطر وصبيحة الفطر كما يكبر في العشر " (3).
ويجاب عن الجميع: بتعين حمل الدال على الوجوب على الاستحباب،
بقرينة ما مر من الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع، المؤيدة
باختلاف النصوص والفتاوى في كيفية التكبير، وبترك عامة الناس له مع عموم
البلوى.
مضافا إلى رد الأول: بمنع الحجية.
والثاني: بمنع الوجوب.
وآية الفطر: بعدم صراحتها في الأمر إلا أن يجعل اللام فيها لام الأمر، وهو
- كما صرح به بعض الأجلة (4) - غير معلوم، ودخولها - كما قيل - على صيغة
الخطاب نادر، وبعدم التصريح فيها بالتكبير المراد، فلعله هو إجلال الله الواجب
في كل حال.
نعم فسره في رواية النقاش بذلك، ولكن فيها التصريح بعدم الوجوب،
ومع ذلك معارضة بالمروي في العلل الدال على أن المراد به التكبيرات الزائدة في
الصلاة، حيث قال: فلم جعل التكبير فيها - أي في عيد صلاة الفطر - أكثر منه
في غيرها من الصلوات؟ قيل: لأن التكبير إنما هو تعظيم لله وتمجيده على ما هدى
وعافى، كما قال الله عز وجل: (ولتكملوا العدة، ولتكبروا الله على ما

(1) التهذيب 3: 289 / 869، الوسائل 7: 463 أبواب صلاة العيد ب 22 ح 2.
(2) قرب الإسناد: 224 / 872، الوسائل 7: 463 أبواب صلاة العيد ب 22 ح 3.
(3) الكافي 4: 167 الصيام ب 35 ح 2، الوسائل 7: 455 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 1.
(4) انظر: جامع المقاصد 2: 449، وكشف اللثام 1: 261.
211

هداكم) (1).
والآيتين الأخريين: باختلاف التفاسير والروايات فيهما، ففي بعضها أن
المراد بالأيام المعدودات أيام التشريق، وبالمعلومات عشر ذي الحجة المستحب فيها
التكبير قطعا، وفي بعض آخر بالعكس (2) وإذا لم يتعين الدال على المطلوب، مع
عدم صراحة آية الأيام المعلومات في الوجوب - لعدم تعين كونها أمرا - يسقط
الاستدلال.
ورواية الخصال والثلاثة المتعقبة لها: بأنه إن ثبت الحقيقة في المعنى
المصطلح في الوجوب فكذا في الاستحباب والسنة الواردين فيما مر، فيجب حمل
أحد الفريقين على المجاز بقرينة الآخر، ولعدم التعين يرجع إلى الأصل. وإن لم
يثبت في شئ منهما فالاستدلال باطل.
مع أن التكبير المحكوم بوجوبه في رواية الخصال منفي الوجوب في غيرها
كرواية النقاش، حيث لم يذكر فيها بعض الفقرات.
ومع أن بقاء الوجوب في رواية عمار على حقيقته غير ممكن; لتضمنها النافلة
المنفي وجوبه عقيبها في صحيحة داوود: " التكبير في كل فريضة، وليس في النافلة
تكبير أيام التشريق " (3).
والروايات المتضمنة للفظة " على ": باستعمالها في المستحب كثيرا.
والحسنة: بعدم صراحتها في الوجوب.
فروع:
أ: محل التكبير أما في الفطر فعقيب أربع صلوات: مغرب العيد،

(1) العلل: 269، الوسائل 7: 433 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 1.
(2) انظر: التبيان 2: 175، ومجمع البيان 2: 299، و ج 7: 81، والبرهان 1: 203. و ج 3: 87،
والوسائل 7: 457 أبواب صلاة العيد ب 21، و ج 14 / 270 أبواب العود إلى منى ب 8.
(3) التهذيب 5: 270 / 925، الإستبصار 2: 300 / 1072، الوسائل 7: 467 أبواب صلاة العيد
ب 25 ح 2.
212

وعشائه، وفجره، وصلاة العيد، على المشهور، وتدل عليه رواية النقاش السابقة.
وعن المقنع والأمالي بل الفقيه (1): زيادة ظهره وعصره أيضا. وهو الأظهر;
لمرسلة الفقيه حيث قال بعد ذكر الرواية المذكورة: وفي غير رواية سعيد: في
الظهر والعصر.
والرضوي: " وكبر بعد المغرب، والعشاء الآخرة والغداة، وصلاة العيد،
والظهر، والعصر " (2).
والمروي في تفسير العياشي وفيه: " في الفطر تكبير ولكنه مسنون: في
المغرب، والعشاء، والفجر، والظهر، والعصر، وركعتي العيد " (3).
ولا يضر ضعف هذه الروايات; للتسامح، مع أن بعضها معتبر.
ولا ينافيه قوله " ثم يقطع " في رواية النقاش; لجواز كون مجازه معنى مفاده
خفة الاستحباب فيما بعد.
ولا ما مر من كونه عقيب خمس صلوات يبدأ من المغرب إلى العصر; لأنه
لا يفيد قصر الاستحباب، ولا يجب ذكر جميع ما يستحب في كل خبر، فاكتفى
فيه بالخمس وهي المغرب والعشاء والفجر والعيد والظهر، ويقطع في العصر، إذ
هي الفرائض الخمس اليومية، ويستفاد الزائد من غيره.
ولا يستحب عقيب النوافل غير صلاة العيد تطوعا في الفطر; للأصل.
وبعض الأخبار المثبتة له - مع ماله من المعارض - مخصوص بأيام التشريق (4)،
والإجماع المركب غير ثابت.

(1) المقنع: 46، الأمالي: 517، الفقيه 2: 108.
(2) فقه الرضا " ع ": 209.
(3) تفسير العياشي 1: 82 / 195، مستدرك الوسائل 6: 137 أبواب صلاة العيد ب 16 ح 4.
(4) انظر: الوسائل 7: 466 أبواب صلاة العيد ب 25.
213

وعن الإسكافي استحبابه (1)، ولم نقف له على مستند.
وأما في الأضحى فعقيب خمس عشرة صلاة فريضة لمن كان بمنى، وعقيب
عشر صلوات مفروضة لمن كان في غيرها. مبدؤهما ظهر يوم العيد، على الحق
المعروف من مذهب الأصحاب، بل قيل: بلا خلاف أجده (2); للأخبار
المستفيضة الآتية بتحقيقها في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
وظاهر الأكثر اختصاص الاستحباب هنا أيضا بالفرائض; لصحيحة
داوود المتقدمة.
وعن الشيخ والإسكافي: استحبابها عقيب النوافل أيضا (3); لموثقة عمار
ورواية حفص المتقدمتين (4).
ويرد بالمعارضة مع ما مر، فيرجع إلى الأصل. وحمل ما مر على نفي الوجوب
غير ممكن; لانتفائه في الفريضة أيضا.
وعن البزنطي والإسكافي والمفيد: استحباب الخروج بالتكبير إلى صلاة
العيدين (5)، واستحسنه في المنتهى (6)، وقواه بعض الأجلة (7). وهو الأظهر;
لحديث خروج مولانا الرضا عليه السلام (8)، ولما روي عن علي عليه السلام: إنه
خرج يوم العيد، فلم يزل يكبر حتى انتهى إلى الجبانة (9).

(1) حكاه عنه في المختلف: 115.
(2) الحدائق 10: 289.
(3) الشيخ في الخلاف 1: 670، حكاه عن الإسكافي في المختلف 1: 115.
(4) في ص 210 - 211.
(5) حكاه عن جامع البزنطي في المعتبر 2: 320، لم نعثر - فيما بأيدينا من الكتب الفقهية - على ما
حكاه عن الإسكافي، المفيد في المقنعة: 202.
(6) المنتهى 1: 348.
(7) كشف اللثام 1: 260.
(8) الكافي 1: 488 الحجة ب 11 ح 7، عيون أخبار الرضا " ع " 2: 147 / 21، الوسائل 7: 453
أبواب صلاة العيد ب 19 ح 1.
(9) المغني لابن قدامة 2: 231.
214

والتكبير فيهما وإن احتمل مطلقه لون التكبير المخصوص، إلا أنه أيضا من
أفراد المطلق، فلا بأس به سيما مع احتمال إرادته في المقام.
ب: يستحب هذا التكبير للجامع والمنفرد والرجال والنساء والحاضر
والمسافر، وبالجملة كل مكلف; للإطلاقات، مع التصريح بالنساء والمنفرد في
طائفة من الأخبار (1).
ج: لو نسيه حتى قام من موضعه سقط; لموثقة عمار السابقة (2).
د: يستحب فيه رفع اليد قليلا أو تحريكها؟ لصحيحة علي: عن التكبير
أيام التشريق هل يرفع فيه اليدين أم لا؟ قال: " يرفع يده شيئا أو يحركها " (3).
ه‍: الظاهر تقديم هذا التكبير على سائر التعقيبات، كما صرح به بعض
متأخري المتأخرين (4); لما رواه الصدوق عن علي عليه السلام: أنه كان إذا صلى
كل صلاة يبدأ بهذا التكبير (5) فتأمل.
و: قد اختلفت كلمات الأصحاب وأخبار الأطياب في صفة هذا التكبير في
العيدين.
فمما ورد في الفطر ما مر في رواية النقاش وما سبق في رواية الخصال (6)،
ومنه أيضا ما هو كالأول إلا في التكبير بين التهليل والتحميد فمرتان، ومنه ما هو
كذلك أيضا إلا فيه فمرة، ومنه ما هو غير ذلك.
ومما ورد في الأضحى ما في حسنة زرارة: " الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله،
والله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة

(1) الوسائل 7: 463 أبواب صلاة العيد ب 22.
(2) في ص 210.
(3) قرب الإسناد: 221 / 861، الوسائل 7: 464 أبواب صلاة العيد ب 22 ح 5.
(4) حكاه صاحب الحدائق 10: 292، عن بعض المحققين من مشايخه.
(5) الفقيه 1: 328 / 1478، الوسائل 7: 460 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 6.
(6) راجع ص 208 - 210.
215

الأنعام " (1) ومنه غير ذلك، والعمل بالكل أحسن.
المسألة الرابعة: المشهور بين الأصحاب - بل في شرح القواعد وعن
الخلاف وظاهر المنتهى: الإجماع عليه (2) - كراهة التنفل قبل صلاة العيد وبعدها
إلى الزوال; للمستفيضة من الصحاح، كصحيحة زرارة: " صلاة العيدين مع
الإمام سنة، وليس قبلهما ولا بعدهما صلاة ذلك اليوم إلى الزوال، فإن كان فاتك
الوتر ليلتك قضيته بعد الزوال " (3).
والأخرى: " ليس في يوم الفطر والأضحى أذان ولا إقامة " إلى أن قال:
" وليس قبلهما ولا بعدهما صلاة " (4).
وثالثة: " لا تقض وتر ليلتك إن كان فاتك حتى تصلي الزوال في يوم
العيدين " (5).
وصحيحة ابن سنان وفيها: " ليس قبلهما ولا بعدهما شئ " (6).
ورواية الهاشمي: " ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلا بالمدينة،
قال: يصلي في مسجد الرسول في العيد قبل أن يخرج إلى المصلى، ليس ذلك إلا
بالمدينة " (7).

(1) الكافي 4: 516 ب 91 ح 2، التهذيب 3: 139 / 313، الوسائل 7: 458، أبواب صلاة العيد
ب 21 ح 2.
(2) جامع المقاصد 2: 457، الخلاف 1: 665، المنتهى 1: 346.
(3) التهذيب 3: 129 / 277، الوسائل 7: 419، 420 أبواب صلاة العيد ب 1 ح 2 - 3.
(4) الكافي 3: 459 الصلاة ب 93 ح 1، التهذيب 3: 129 / 276، الوسائل 7: 429 أبواب
صلاة العيد ب 7 ح 5.
(5) الفقيه 1: 322 / 1474 وفيه: عن حريز، الوسائل 7: 428 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 2.
(6) التهذيب 3: 128 / 271، ثواب الأعمال: 78، الوسائل 7: 429 أبواب صلاة العيد ب
7 ح 7.
(7) الكافي 3: 461 الصلاة ب 93 ح 11، الفقيه 1: 322 / 1475، التهذيب 3: 138 / 308،
الوسائل 7: 430 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 10.
216

وحمل الثلاثة الأولى على نفي التوظيف غير ضائر; إذ يدل على أنه لا صلاة
موظفة من الشارع مشروعة منه قبل صلاة العيد وبعدها، أعم من أن يكون
توظيفها بالخصوص أو بالعموم، فلا تكون صلاة أصلا، ولا تكون عمومات
الصلوات من ذوي الأسباب وغيرها شاملة ليوم العيد.
إلا أن يكون مراده من التوظيف جعلها وظيفة هذا اليوم، أو وظيفة قبل
صلاة العيد أو بعدها، حتى يكون المعنى: لا صلاة قبل صلاة العيد من حيث
إنها قبلها.
وهذا وإن كان محتملا بحسب الظاهر إلا أنه ينفيه قيد " ذلك اليوم "
والتفريع بقوله " فإن كان " في الأولى، ويتعين منهما التوظيف بمعنى التوقيف
مطلقا، فلا تكون صلاة موقفة ومشروعة قبل صلاة العيد وبعدها إلى الزوال.
ولكن مقتضى ذلك عدم المشروعية، فهو الأظهر، كما هو مذهب جماعة من
القدماء كما قيل (1)، وهو ظاهر الكليني (2)، والصدوق في ثواب الأعمال (3)،
والمحكي عن ابني حمزة وزهرة والحلبي (4).
واشتهار الكراهة بين المتأخرين - المعتضد بالإجماع المنقول وأصل البراءة -
لا يصلح لرد الأخبار المعتبرة الموافقة لفتوى جمع من قدماء الطائفة.
ومعارضتها مع عمومات النوافل ذوات الأسباب إنما هي بالعموم من وجه،
فيرجع في موضع التعارض إلى الأصل، وهو معنا; إذ مرادنا عدم ثبوت شرعيتها
دون تحريمها. والرجوع إلى عمومات الأمر بالصلاة مطلقا فاسد; لأنها أعم مطلقا
من الأخبار المانعة فتخص بها قطعا. وتقديم التعارض مع الفرقة الأولى تحكم.

(1) الرياض 1: 197.
(2) الكافي 3: 459.
(3) ثواب الأعمال: 78.
(4) ابن حمزة في الوسيلة: 111، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562، الحلبي في الكافي
في الفقه: 155.
217

مع أنه يمكن القول بتعارض الأخبار المانعة مع كل من الفريقين
بالخصوص المطلق; للتصريح بالمنع عن قضاء الوتر بضميمة الإجماع المركب.
فالقول باستثناء صلاة تحية المسجد - لو صليت العيد فيه - للتعارض
المذكور ضعيف.
وأما ما رواه الصدوق في ثواب الأعمال من صلاة أربع ركعات بعد صلاة
العيد (1)، فيحتمل بعد الزوال. ولو سلم فهذا يكون مستثنى، كصلاة ركعتين
قبلها في مسجد النبي صلى الله عليه وآله، فإنها أيضا تستثنى بالنص والمعتضد
بعمل الأصحاب من غير تعد إلى غيره من الأمكنة الشريفة; لاختصاص النص
بل تصريحه بعدم التعدي (2)، فالقول به ضعيف.
ثم إن كراهة التنفل أو حرمتها تعم حال وجوب صلاة العيد واستحبابها،
ولمن يصليها جماعة أو فرادى، بل لمن لم يصلها; لإطلاق الأخبار.
المسألة الخامسة: قالوا: يحرم السفر بعد طلوع الشمس من يوم العيد، قبل
صلاته لمن وجبت عليه (3)، ونفى بعضهم الخلاف عنه (4)، وأثبت بعضهم الإجماع
عليه (5).
فإن ثبت وإلا فلا دليل عليه، كما يظهر مما ذكرنا في السفر يوم الجمعة.
نعم يكره بعد طلوع فجره قبل الصلاة لمن وجبت عليه أو استحبت;
لفتوى الأصحاب (6)، وصحيحة أبي بصير المتقدمة في الجمعة، الغير الناهضة

(1) ثواب الأعمال: 77، الوسائل 7: 427 أبواب صلاة العيد ب 6 ح 1.
(2) راجع ص 216، الهامش 7.
(3) كما في الشرائع 1: 102، والمدارك 4: 122، والذخيرة: 320.
(4) كما في الرياض 1: 230.
(5) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.
(6) منهم الحلي في السرائر 1: 320، والعلامة في المنتهى 1: 348، والسبزواري في الذخيرة: 320.
218

لإثبات الزائد بن الاستحباب (1); لاحتمال الجملة فيها الخبرية.
ولا كراهة فيما قبل الفجر، ولا بعد الصلاة أو الزوال; للأصل.
وكذا يكره نقل المنبر إلى المصلى لو كان مقام ليس له منبر، بل يعمل للإمام
شبيه منبر من طين، بلا خلاف كما في المنتهى (2)، بل بالاتفاق كما في الذخيرة (3)،
بل بالإجماع كما في النهاية والتذكرة والمدارك وشرح القواعد وعن المعتبر
والذكرى (4).
وهو الحجة فيه، مضافا إلى صحيحة إسماعيل بن جابر وفيها: " وليس فيهما
منبر، المنبر لا يحرك عن موضعه، ولكن يصنع للإمام شئ شبه المنبر من طين،
فيقوم عليه فيخطب الناس، ثم ينزل " (5).
وهي لمكان الجملة الخبرية عن إفادة الحرمة قاصرة، فاحتمالها لأجلها،
ضعيف.
المسألة السادسة: إذا اتفق العيد والجمعة فالحاضر لصلاة العيد بالخيار في
حضور صلاة الجمعة - عند وجوبها - وعدمه فيصلي الظهر، على الأشهر الأظهر،
بل عليه الإجماع عن بعضهم (6); للروايات الخاصية (7) والعامية (8)، الصحيحة
وغيرها.

(1) راجع ص 135.
(2) المنتهى 1: 345.
(3) الذخيرة: 322.
(4) نهاية الإحكام 2: 65، التذكرة 1: 159، المدارك 4: 122، جامع المقاصد 2: 458، المعتبر
2: 325، الذكرى: 241.
(5) الفقيه 1: 322 / 1473، التهذيب 3: 290 / 873 بتفاوت يسير، الوسائل 7: 476 أبواب
صلاة العيد ب 33 ح 1
(6) انظر: الخلاف 1: 673، والمنتهى 1: 348.
(7) كما في الوسائل 7: 447 أبواب صلاة العيد ب 15.
(8) انظر: سنن ابن ماجة 1: 415، وسنن أبي داود 1: 281.
219

والظاهر اختصاص التخيير بغير الإمام، وأما هو فيجب عليه حضور
الجمعة، فإن حضر العدد صلاها، وإلا يصلي الظهر.
ويستحب لإمام العيد إعلام المأمومين بذلك; للنص، وفعل الحجة (1)،
وفتوى الطائفة (2).

(1) انظر: الوسائل 7: 447 أبواب صلاة العيد ب 15.
(2) كما في المعتبر 2: 326، والمنتهى 1: 349، والذكرى: 243.
220

المطلب الثالث
في صلاة الآيات
والكلام إما في سببها، أو وقتها، أو كيفيتها، أو أحكامها، فها هنا أبحاث
أربعة.
222

البحث الأول
في سببها
وهو: ما يوجبها.
أجمع علماؤنا كافة على وجوب الصلاة لكسوف الشمس، وخسوف القمر.
وادعاء الإجماع عليه قد استفاض، بل تواتر، وهو دليله، مضافا إلى النصوص
المستفيضة:
ففي صحيحة جميل (1)، وروايتي أبي أسامة (2)، ومحمد بن حمران (3)،
ومرسلة المقنعة (4): " صلاة الكسوف فريضة ".
وفي رواية علي بن عبد الله: " أيها الناس، إن الشمس والقمر آيتان من
آيات الله " إلى أن قال: " فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا " (5).
وفي مرسلة الفقيه: " فإذا انكسف أحدهما فبادروا إلى مساجدكم " (6).
وفي مكاتبة الواسطي: إذا انكسفت الشمس أو القمر، وأنا راكب لا أقدر
على النزول، قال: فكتب إلي: " صل على مركبك الذي أنت عليه " (7) إلى غير
ذلك.

(1) التهذيب 3: 290 / 875، الوسائل 7: 485 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 9.
(2) التهذيب 3: 127 / 269، الوسائل 7: 484 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 8.
(3) التهذيب 3: 155 / 331، الوسائل 7: 484 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 7.
(4) المقنعة 209، الوسائل 7: 484 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 6.
(5) الكافي 3: 208 / 7 و 463 / 1، التهذيب 3: 154 / 329، المحاسن: 313 / 31، الوسائل
7: 485 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 10.
(6) الفقيه 1: 341 / 1510، الوسائل 7: 491 أبواب صلاة الكسوف ب 6 ح 2.
(7) الكافي 3: 465 الصلاة ب 95 ح 7، الفقيه 1: 346 / 1531، التهذيب 3: 291 / 878،
الوسائل 7: 502 أبواب صلاة الكسوف ب 11 ح 1.
223

وكذا تجب لزلزلة الأرض، وكأنه أيضا إجماعي، كما في شرح الإرشاد (1) بل
في المنتهى (2)، وعن الخلاف والمعتبر والتذكرة: الإجماع عليه وكل مخوف (3).
نعم، لم يتعرض الإسكافي وابن زهرة والحلبي لها، بل الأخير لم يتعرض لغير
الكسوفين (4)، ولكن الأولين ذكرا كل مخوف سماوي (5)، واندراجها تحته محتمل.
وفي الحدائق عن المفاتيح حكاية القول باستحباب صلاة الزلزلة (6)، وليس
كذلك، بل حكاه في الرياح ونحوها (7).
وتدل على وجوبها لها رواية الديلمي: " إن الله تعالى وكل بعروق الأرض
ملكا، فإذا أراد الله أن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك الملك أن يحرك عرق كذا وكذا
إلى أن قال: قلت: فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال: " صل صلاة الكسوف " (8).
والرضوي: " وإذا هبت الريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصل لها صلاة
الكسوف، وكذلك إذا زلزلت الأرض فصل صلاة الكسوف " (9).
وصحيحة محمد والعجلي: " إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صليتها
ما لم تتخوف أن تذهب وقت الفريضة، فإن تخوفت فابدأ بالفريضة، واقطع ما
كنت فيه من صلاة الكسوف، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت،
واحتسب ما مضى " (10).

(1) مجمع الفائدة 2: 413.
(2) المنتهى 1: 349.
(3) الخلاف 1: 682، المعتبر 2: 329، التذكرة 1: 163.
(4) الحلبي في الكافي في الفقه: 155.
(5) حكاه عن الإسكافي في المختلف 1: 116، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.
(6) الحدائق 10: 300.
(7) الموجود في المفاتيح 1: 30 حكاية القول باستحباب الصلاة في الزلزلة والرياح وغيرها من أخاويف
السماء. فراجع.
(8) الفقيه 1: 343 / 1517، العلل: 556 / 7، الوسائل 7: 486 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 3
(9) فقه الرضا " ع ": 135، مستدرك الوسائل 6: 165 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 1.
(10) الفقيه 1: 346 / 1530، الوسائل 7: 491 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 4.
224

فإن " بعض هذه الآيات " يشمل الزلزلة أيضا، وقوله " فارجع " يدل على
وجوبها وإن لم يدل قوله " صليتها " عليه.
وإن أمكن الخدش في الأول: بمنع الشمول; لعدم تعين المشار إليه أولا،
وعدم تحقق معنى الآية ثانيا. وفي الثاني: بأن لعل وجوبها حينئذ لتتميم العمل،
فتأمل.
ثم مقتضى الأخيرة - إن تمت دلالتها - وجوب الصلاة لكل مخوف سماوي
من ريح عاصف، أو ظلمة عارضة، أو حمرة شديدة، أو صاعقة عظيمة، أو رعد
شديد، أو صوت قوي، كما هو مذهب المفيد والسيد والصدوقين والعماني
والإسكافي والحلي والديلمي والقاضي والخلاف (1)، وجمهور المتأخرين، بل عن
الخلاف إجماع الفرقة عليه (2).
وهو المختار; لما ذكر، ولصحيحة زرارة ومحمد: أرأيت هذه الرياح والظلم
التي تكون هل يصلى لها؟ قال: " كل أخاويف السماء - من ظلمة أو ريح أو فزع -
فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن " (3).
ويؤيده الصحيح المروي في الفقيه: " إنما جعلت للكسوف صلاة لأنه من
آيات الله تبارك وتعالى " (4) الحديث.
والمروي في الدعائم: " يصلى في الرجفة والزلزلة، والريح العظيمة،
والظلمة، والآية تحدث، وما كان مثل ذلك، كما يصلى في صلاة كسوف الشمس

(1) المفيد في المقنعة: 210، السيد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 46، الصدوق في
المقنع: 44 حكاه عن العماني والإسكافي في المختلف: 116، الحلي في السرائر 1: 321،
الديلمي في المراسم: 80، القاضي في المهذب 1: 124، الخلاف 1: 682.
(2) الخلاف 1: 682.
(3) الكافي 3: 464 الصلاة ب 95 ح 3، الفقيه 1: 346 / 1529 التهذيب 3: 155 / 330.
الوسائل 7: 486 أبواب صلاة الكسوف: ب 2 ح 1.
(4) الفقيه 1: 342 / 1513، الوسائل 7: 483 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 3.
225

والقمر سواء " (1).
وإنما جعلناهما مؤيدين; مع كون مفهوم التعليل في الأول حجة، والآية في
الثاني - سيما مع قوله " وما كان مثل ذلك " - لجميع المطلوب شاملة، وضعفه بما ذكر
مجبورا; لعدم صراحة الجعل في الأول والجملة في الثاني في الوجوب.
ولمثل ذلك لم يستدل هنا ببعض ما استدل به بعض آخر أيضا. مع كفاية
ما ذكر في المطلوب; لكونه صريحا صحيحا، وبعمل معظم الطائفة، ودعوى
الإجماع والشهرة معتضدا.
ولا يضر قوله فيه: " حتى يسكن " حيث إنه لا يجب فعل الصلاة إلى هذه
الغاية.
لأن لفظة " حتى " إما للتعليل أو الغاية، وعلى الثاني إما لغاية الوجوب أو
الصلاة بمعنى أن يصلي متصلا حتى يسكن، وعدم الوجوب - إن كان قائما - هو
على الأخير خاصة وهو احتمالي، وبمحضه لا يرفع اليد عن حقيقة الأمر.
فالقول باستحباب الصلاة لنير الثلاثة الأولى كما نقله في الشرائع (2)، أو
الترديد في وجوبه له كما فيه وفي المعتبر والنافع (3)، أو عدم وجوبه كما هو محتمل من
لم يتعرض له كلا أو بعضا كجماعة من الأصحاب، لا وجه له.
فروع:
أ: المصرح به في النص المثبت للوجوب هو: المخوف السماوي، أي الناشئ
من جهة العلو. وشموله للأخاويف الأرضية كالصوت الشديد الخارج من
الأرض، والخسف المجرد عن الزلزلة إن أمكن، وسقوط جبل ونحوها، في الأخبار

(1) الدعائم 1: 202، مستدرك الوسائل 6: 165 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 2.
(2) الشرائع 1: 103.
(3) الشرائع 1: 103، المعتبر 2: 330، النافع: 38.
226

غير معلوم، ولو سلم ظهورها في ذلك فإنما هو في بعض عبارات الفقهاء (1)،
فالقول بعدم الوجوب لها - كما هو ظاهر بعض الأجلة (2)، بل المفيد والخلاف (3) -
متعين.
ب: لا صلاة لانكساف سائر الكواكب بعضها ببعض، أو بأحد النيرين،
أو أحدهما ببعضها، وفاقا لنهاية الإحكام والتذكرة والموجز والدروس والبيان
والروضة والجعفرية وحواشي الإرشاد للمحقق الثاني والذخيرة وشرح الروضة (4);
للأصل، وعدم النص، وخفائه غالبا عن الحس، وعدم ترتب خوف عليه
للعامة.
وخلافا للمحكي عن شرح الإرشاد لفخر المحققين والذكرى (5); لاندراجه
تحت الأخاويف.
وضعفه ظاهر، كيف؟! ولا يطلع عليه غالبا إلا بقول المنجمين الغير
المورث للخوف للمعظم.
ج: المذكور في الرواية هو الأخاويف، ولا بدلها من خائف وهو غير
فهو إما خائف مطلقا ولو كان واحدا، أو معظم الناس لو اطلعوا عليه.
كلهم فليس مرادا بالإجماع وعدم إمكان العلم.
ولكن الأول غير معلوم فيقتصر فيه على الثاني; للأصل، وبه صرح جماعة
من الأصحاب (6).

(1) كما في المختلف: 116، ومجمع الفائدة 2: 414.
(2) انظر: كشف اللثام 1: 266.
(3) المفيد في المقنعة: 210، الخلاف 1: 682.
(4) نهاية الإحكام 2: 76، التذكرة 1: 165، الدروس 1: 191، البيان: 206، الروضة 1: 311،
الذخيرة: 324.
(5) الذكرى: 247.
(6) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 311، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 265، وصاحب
الرياض 1: 198.
227

هذا في غير الثلاثة الأولى; للتنصيص بها بخصوصها، فتجب الصلاة لها
ولو لم يوجب خوفا. والنص وإن وقع في بعض من غيرها أيضا إلا أنه مع درجه في
الأخاويف، إلا في بعض ما لا دلالة له على الوجوب (1).
د: المناط التخويف لولا العارض. فلو لم يحصل الخوف من بعضها لكثرة
وقوعه وتكرره في بلدة تجب الصلاة؟ لصدق المناط والاستصحاب. وبذلك يمكن
درج الثلاثة الأولى في الأخاويف أيضا.

(1) كالرضوي والمروي في الدعائم، المتقدمين في ص 224 - 225.
228

البحث الثاني
في وقتها
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ابتداء وقت صلاة الكسوفين الأخذ في الكسف، بمعنى
جواز الشروع في الصلاة حينئذ، وعدم جواز التقديم، بالإجماع، حكاه جماعة (1).
أما الثاني فظاهر، وأما الأول فللأمر بها حين تحقق الكسوف - الصادق
بالشروع - في الأخبار، كرواية علي بن عبد الله، ومرسلة الفقيه، وصحيحة محمد
والعجلي المتقدمة (2)، وغيرها، وصحيحة جميل: " وقت صلاة الكسوف في الساعة
التي تنكسف " (3).
وآخرها تمام الانجلاء، على الأقوى، بمعنى أنه يجوز تأخيرها إلى زمان يتم
بتمام الانجلاء. ولا يجوز التأخير عنه عمدا، ولو أخر كان قضاء.
وفاقا في الأول للعماني والسيد والحلبي والديلمي والمعتبر والشرائع والمنتهى
والدروس والذكرى وشرح القواعد والمدارك والذخيرة (4)، وشرح الروضة، ومال
إليه في البيان وروض الجنان والمسالك (5).

(1) كما في المنتهى 1: 352، والذخيرة: 324، والرياض 1: 198.
(2) راجع ص 223 - 224.
(3) الكافي 3: 464 الصلاة ب 95 ح 4، التهذيب 3: 293 / 886، الوسائل 7: 488 أبواب
صلاة الكسوف ب 4 ح 2.
(4) حكاه عن العماني في المنتهى 1: 352، حكاه عن السيد في المختلف: 117، الحلبي في الكافي
في الفقه: 156، الديلمي في المراسم: 81، المعتبر 2: 330، الشرائع 1: 103، المنتهى 1:
352، الدروس 1: 195، الذكرى: 244، جامع المقاصد 2: 471، المدارك 4: 129، الذخيرة:
324.
(5) البيان: 207، روض الجنان: 303، المسالك 1: 36.
229

للاستصحاب، وأصالة البراءة عن حرمة التأخير، ورواية ابن أبي يعفور:
" إذا انكسف الشمس والقمر وانكسف كلها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام
يصلي بهم، وأيهما كسف بعضه فإنه يجزي الرجل يصلي وحده " (1).
وجه الدلالة: أنه لا يعلم كلية الكسوف أو جزئيته أبدا، ولا يظن غالبا سيما
لعامة الناس، سيما عند الأعراب الذين لا منجم عندهم قبل الشروع في
الانجلاء، فلو تم الوقت به - كما هو القول الآخر - لما كان لهذا التفصيل الوارد في
ذلك الحديث مورد وكان لغوا.
وتؤيده موثقة الساباطي: " إن صليت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن
الشمس والقمر وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل، وإن أحببت أن تصلي فتفرغ
من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز " (2).
وصحيحة الرهط، وفيها: " صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله والناس
خلفه في كسوف الشمس، ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها " (3).
فإن الذهاب والانجلاء حقيقتان في تمام الانجلاء، ولو كان الوقت يخرج
قبل تمام الانجلاء لم يجز التطويل إليه.
وصحيحة ابن عمار: " إن فرغت تبل أن ينجلي فأعد " (4).
ولو كان الوقت يخرج قبل الانجلاء لم تشرع الإعادة وجوبا ولا استحبابا.
وإنما جعلنا الثلاثة الأخيرة مؤيدة لاحتمال أن يقال: إن المراد بانتهاء وقتها
بالأخذ في الانجلاء وجوب الشروع والدخول فيها قبله، وإن جاز التطويل بعد
الدخول إلى تمام الانجلاء، وإن وجوب الإعادة أو استحبابها قبل تمام الانجلاء
لا ينافي وجوب فعلها قبل الأخذ فيه.

(1) التهذيب 3: 292 / 881، الوسائل 7: 503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 2.
(2) التهذيب 3: 291 / 876، الوسائل 7: 489 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 5.
(3) التهذيب 3: 155 / 333، الوسائل 7: 489 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 4.
(4) التهذيب 3: 156 / 334، الوسائل 7: 498 أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 1.
230

ودعوى الإجماع على انتفاء الأمرين - كما قيل (1) - مشكلة جدا، فإنه غير
ثابت البتة.
خلافا للمحكي عن الشيخين وابن حمزة والحلي والنافع (2)، والفاضل في
جملة من كتبه منها القواعد والإرشاد (3)، وعليه دعوى الشهرة في كلام جماعة (4)،
بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا (5)، وفي شرح الإرشاد لفخر المحققين إلى
الإمامية، مؤذنين بإجماعهم عليه، فقالوا: إن آخره الشروع في الانجلاء.
لزوال العذر الموجب.
وحصول رد النور.
وصحيحة حماد: ذكرنا انكساف القمر وما يلقى الناس من شدته، قال:
فقال أبو عبد الله عليه السلام: " إذا انجلى منه شئ فقد انجلى " (6).
وضعف الأولين ظاهر.
ويضعف الثالث: بأنه إنما يفيد إذا كان هناك دليل على ذهاب الوقت
بمطلق الانجلاء، وليس كذلك، مع أنه لا يعلم أن المراد تساوي الحالتين، في ماذا
ولا يعلم أن مراد السائل من الشدة ماذا.
ويمكن أن يستدل لهم بصحيحة جميل السابقة حيث صرحت بأن " وقتها
في الساعة التي تنكسف " وهي تصدق ما دامت لم تشرع في الانجلاء; إذ تنكسف

(1) الرياض 1: 198.
(2) الشيخ الطوسي في النهاية: 137، حكاه عن المفيد في المعتبر 2: 33، الحلي في السرائر 1: 322،
النافع: 39.
(3) القواعد 1: 39، الإرشاد 1: 261.
(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 36، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 471، وصاحب
الرياض 1: 198.
(5) التذكرة 1: 163.
(6) الفقيه 1: 347 / 1535، التهذيب 3: 291 / 877، الوسائل 7: 488 أبواب صلاة الكسوف
ب 4 ح 3.
231

شيئا فشيئا، ولا تصدق بعده، بل هو ساعة تنجلي. وظاهر الكلام الحصر; لحمل
الخبر الخاص على المبتدأ المعرفة. والحمل على وقت الوجوب خلاف الظاهر بل
الحقيقة.
ويجاب عنها: بأن دلالتها على عدم وقت غيرها بعموم مفهوم الحصر، ويجب
تخصيصه بما دلت عليه رواية ابن أبي يعفور من بقاء وقت بعد هذه الساعة أيضا،
وليس إلا إلى تمام الانجلاء إجماعا.
وإجماعا في الثاني وهو: عدم جواز التأخير عن تمام الانجلاء، على الظاهر.
وهو الدليل عليه - وبه يدفع الاستصحاب - مع بعض الأخبار الآتية
المتضمنة لمثل قوله " إذا فاتتك صلاة الكسوف " إذ لولا توقيته بوقت محدود لم يتحقق
فوت، وليس بعد تمام الانجلاء حد إجماعا.
وصحيحة جميل السابقة الدالة على انحصار الوقت بالساعة التي تنكسف،
خرج ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.
ومكاتبة الواسطي السابقة (1)، فإنه لولا التوقيت لما كان وجه لوجوب
الصلاة راكبا.
وتؤيده أخبار القضاء (2)، المستلزم للتوقيت الغير المتجاوز عن تمام الانجلاء
بالإجماع.
وإنما جعلناها مؤيدة لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للقضاء في المعنى
المصطلح، وإن كان هو الظاهر من بعض أخبار المقام.
وقد يستدل له أيضا بمثل قوله عليه السلام في الأخبار: " إذا انكسفتا أو
إحداهما فصلوا " (3) حيث أوجب الصلاة وقت الانكساف.
ويضعف: بأنه يفيد السببية دون التوقيت كما في قوله عليه السلام " إذا

(1) في ص 223.
(2) الآتية في ص 237 - 238.
(3) انظر: الوسائل 7: 485 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 10.
232

زالت الشمس فصل " وليس معناه إذا انكسفت فصل وقت الكسوف.
فرع:
قد فرع جماعة من الأصحاب على التوقيت المذكور أنه لو قصر الوقت عن
الصلاة سقطت أداء; لاستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها. وقضاء;
إذ لا قضاء فيما لا يجب أصله (1).
ومقتضى ذلك أنه لو شرع فيها ابتداء الوقت، ثم تبين ضيقه عنها لم يجب
الإتمام، بل يقطعها لانكشاف عدم الوجوب.
قال في الذخيرة بعد ذكر ذلك: والظاهر أن الأدلة غير دالة على التوقيت،
بل ظاهرها سببية الكسوف لإيجاب الصلاة، ومقتضى - ذلك عدم تقدير الوجوب
بمقدار إدراك الصلاة أو ركعة منها، فإن ثبت إجماع على شئ من ذلك تعين المصير
إليه، وإلا لم يكن معدل عن إطلاق الأدلة (2). انتهى.
ويظهر ضعفه مما ذكرنا من أدلة التوقيت.
وأضعف منه ما ذكره في الحدائق بعد نقل السقوط بدليل الاستحالة
المذكورة من أن التعويل على مثل هذه القواعد العقلية في مقابل إطلاق الأخبار
فاسد (3).
فإن استحالة التكليف بعبادة في وقت لا يسعها من البديهيات التي لا تقبل
الارتياب، فإنه تكليف بما لا يطاق، ولو عزل العقل عن أمثال هذه الأحكام فبأي
شئ تثبت حجية الأخبار؟.
نعم لو منع التوقيت، لم يكن ظاهر الفساد بهذه المثابة، ورجع إلى كلام
الذخيرة، أو أراد عدم ثبوت ترتب عدم وجوب القضاء أو الفعل بعده على ذلك،
كما لا يترتب على عدم وجوب الحج على من مات عام الاستطاعة في الطريق عند

(1) انظر: الدروس 1: 195، ومجمع الفائدة 2: 418، والمدارك 4: 130.
(2) الذخيرة: 325.
(3) الحدائق 10: 308.
233

جماعة، فله أيضا وجه.
ثم أقول: إن مقتضى الإطلاقات وجوب الصلاة بمجرد حصول السبب
الذي هو الانكساف، سواء اتسع زمانه زمان الصلاة أم لا، ومقتضى دليل
التوقيت وجوب التلبس بالصلاة في الوقت المعين، فإن كان الوقت بقدر يفي
بتمامها يتمها فيه، وإلا فيتمها فيما بعده، سيما إذا كان هناك دليل على وجوب
الإتمام لو لم يتم في الوقت، كما في المورد، لصحيحة زرارة ومحمد الآتية، فيجب
التلبس بالصلاة في ساعة الانكساف.
سلمنا اقتضاء التوقيت للتمام فيه، فيتعارض الإطلاق ودليل التوقيت في
صورة عدم الاتساع، وتعارضهما بالعموم من وجه، ومحل التعارض صورة عدم
اتساع الوقت واللازم فيها الرجوع إلى المرجح إن كان، وإلا فالتخيير، فالحكم
بالسقوط ووجوب القطع لا وجه له.
مع أن التخيير أو السقوط إنما يكون إذا لم يكن دليل آخر على الحكم في
صورة عدم اتساع الوقت عموما أو خصوصا، والدليل الخارجي هنا موجود، وهو
صحيحة زرارة ومحمد وفيها: " وإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما
بقي " (1).
فإنها بعمومها تشمل ما إذا لم يتسع زمانه الصلاة أيضا، وحكم فيها بوجوب
الإتمام.
فإن قيل: مدلول الصحيحة وجوب الإتمام لو شرع فيها كما هو مختار
المنتهى (2)، وأما وجوب فعلها لو لم يشرع فمن أين؟.
قلنا: نحن نقول بوجوب التلبس في الوقت الذي هو الساعة التي

(1) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156 / 335، الوسائل 7: 494 أبواب
صلاة الكسوف ب 7 ح 6.
(2) المنتهى 1: 352.
234

تنكسف; للأمر في الإطلاقات، وتعيين الوقت في صحيحة جميل (1).
مع أن من يقول بوجوب القضاء في صورة العلم باحتراق البعض والترك
حينه، له أن يقول بأنه لو لم يشرع يجب عليه الفعل بعده; لأدلة وجوب القضاء.
فإنه لا يجب فيه وجوب أداء كما في النائم عن اليومية. وإطلاق القضاء على ما كان
له وقت يسعه البتة - يجب فيه أو لم يجب - اصطلاح جديد.
مع أن ها هنا كلاما آخر، وهو: إنا لو سلمنا أن التوقيت يقتضي وجوب
انطباق تمام الفعل على الوقت، فمقتضى أدلة التوقيت أن التوقيت بهذا الوقت
لوجوب الصلاة منحصر بصورة الاتساع، وعند عدمها إما ينتفي التوقيت، أو
الوجوب، ولا يعلم أحد الأمرين، فتبقى الإطلاقات بلا معارض معلوم.
فالوجوب مطلقا ولو لم يتسع زمان الكسوف - كما اختاره في الحدائق (2)،
ويميل إليه كلام الذخيرة (3)، واحتمله الفاضلان (4) كما قيل - قوي جدا.
ولكن المسألة قليلة الفائدة; لأن مثل هذا الكسوف إما لا يحس به حتى
يعلم وتجب صلاته، أو يحس ولا يحس بانجلائه التام قبل أخف صلاة يفعل،
فيجب الاستصحاب.
المسألة الثانية: وقت هذه الصلاة في سائر الآيات غير الزلزلة وقتها;
لصحيحة زرارة ومحمد السابقة (5)، فإن لفظة " حتى " فيها إما للغاية أو التعليل.
وعلى كل منهما يثبت التوقيت; لدلالتها على انتفاء الوجوب بعد السكون، إما
بمفهوم الغاية أو العلة.

(1) المتقدمة في ص 229.
(2) الحدائق 10: 309.
(3) الذخيرة: 325.
(4) انظر: المعتبر 2: 341، ونهاية الإحكام 2: 79.
(5) في ص 225.
235

وحملها على الأمر بتطويل الصلاة وإعادتها حتى يسكن يوجب صرف الأمر
عن حقيقته; لعدم وجوب ذلك قطعا، فالأمر قرينة على إرادة التعليل، أو كونها
غاية الوجوب، وبها تقيد الإطلاقات لو كانت.
ومقتضى التوقيت وجوب التلبس حين حدوث الآية، فإن وفى زمانها بها،
وإلا فيتمها بعدها كما مر.
وأما في الزلزلة فلا وقت لها; للأصل، وعدم ثبوت الزائد في السببية عن
أدلتها. فوقتها تمام العمر. ولا يجب الفور - للأصل - وإن استحب.
المسألة الثالثة: لو ترك صلاة أحد الكسوفين، فإن كان كليا قضاها مطلقا
سواء علم به وتركها عمدا أو نسيانا أو اضطرارا، أو لم يعلم به.
وكذا إن كان جزئيا وعلم به حاله.
وإن كان جزئيا ولم يعلمه فلا قضاء عليه.
وفاقا للأكثر في الجميع كما صرح به جماعة (1)، بل عن جماعة التصريح بعدم
الخلاف في الأول (2)، بل عن التذكرة (3)، وإطلاق عبارتي الانتصار والخلاف
الإجماع عليه (4)، كما عن السرائر نفي الخلاف في الثاني ()، مع شمول إطلاق
عبارتي الانتصار والخلاف له، وعن التذكرة نفي الخلاف عن الثالث (6)، بل عن
القاضي التصريح بالإجماع فيه (7).
لنا على الأول: عمومات قضاء الفوائت المذكورة في مظانها. وتخصيص

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 353.
(2) كما في الرياض 1: 199.
(3) التذكرة 1: 143.
(4) الإنتصار: 58، الخلاف 1: 678.
(5) السرائر 1: 321.
(6) التذكرة 1: 163.
(7) انظر: شرح جمل العلم والعمل: 136.
236

الجميع باليومية لا وجه له، ودعوى تبادرها ممنوعة.
مضافا في صورة العلم بالكلية، إلى فحوى المعتبرة الآتية المثبتة للقضاء في
صورة الجهل، ومرسلة حريز: " إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصل
فليغتسل من غد وليقض الصلاة، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس
عليه إلا القضاء من غير غسل " (1).
والجزء الأخير من موثقة الساباطي الآتية.
وفي صورة الجهل بها، إلى ذيل تلك المرسلة، والأخبار المستفيضة
كصحيحة زرارة ومحمد: " إذا انكسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم، ثم
علمت بعد ذلك، فعليك القضاء، وإن لم يحترق كلها فليس عليك
قضاء " (2).
والفضيل ومحمد: أيقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم، وإذا
أمسى فعلم؟ قال: " إن كان القرصان احترقا كلهما قضيت، وإن كان احترق
بعضهما فليس عليك قضاؤه " (3).
ورواية حريز: " إذا انكسف القمر، ولم تعلم به حتى أصبحت، ثم
بلغك، فإن كان احترق كله فعليك القضاء، وإن لم يكن احترق كله فلا قضاء
عليك " (4).
وبهذه يقيد إطلاق موثقة الساباطي: " وإن لم تعلم حتى يذهب الكسوف

(1) التهذيب 3: 157 / 337، الإستبصار 1: 453 / 1758، الوسائل 7: 500 أبواب صلاة
الكسوف ب 10 ح 5.
(2) الكافي 3: 465 الصلاة ب 95 ح 6، التهذيب 3: 157 / 339، الإستبصار 1:
454 / 1759، الوسائل 7: 500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 2.
(3) الفقيه 2: 346 / 1532، الوسائل 7: 499 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 1.
(4) التهذيب 3: 157 / 336، الوسائل 7: 500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 4.
237

ثم علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف، وإن أعلمك أحد وأنت نائم
فعلمت ثم غلبتك عيناك فلم تصل فعليك قضاؤها " (1).
وصحيحة علي: عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ فقال: " إذا
فاتتك فليس عليك قضاء " (2).
وقريبة منها رواية الحلبي (3).
ولنا على الثاني:
عمومات القضاء.
وإطلاق صدر مرسلة حريز، وذيل الموثقة.
وخصوص مرسلة الفقيه (4): " إذا علم الكسوف ونسي أن يصلي فعليه
القضاء، وإن لم يعلم به فلا قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كله ".
قيل: هي وإن اختصت بالنسيان إلا أنه يلحق به العمد بالفحوى، مع
عدم قائل بالفرق بينهما (5).
وقوله في الرضوي الآتي: " وإن لم يحترق القرص فاقضها ".
خلافا في ذلك للمحكي عن جمل السيد ومصباحه ومسائله المصرية

(1) التهذيب 3: 291 / 876، الإستبصار 1: 454 / 1760، الوسائل 7: 501 أبواب صلاة
الكسوف ب 10 ح 10.
(2) التهذيب 3: 292 / 884، الإستبصار 1: 453 / 1756، قرب الإسناد: 219 / 858.
الوسائل 7: 501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 7.
(3) التهذيب 3: 157 / 338، الإستبصار 1: 453 / 1757، الوسائل 7: 501 أبواب صلاة
الكسوف ب 10 ح 9.
(4) كذا في النسخ، ولكن لم نعثر عليها فيه، بل وجدناها في الكافي 3: 465 ذ. ح 6، وعنه في
الوسائل 7: 500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 3.
(5) انظر: الرياض 1: 199.
238

الثالثة (1)، والشيخ في التهذيب، والحلي (2)، وقواه في الروضة (3)، ورجحه في
المدارك (4)، فلا قضاء حينئذ; للأصل، وإطلاق صحيحة علي ورواية الحلبي
السابقتين، وذيلي صحيحتي زرارة ومحمد، والفضيل ومحمد. وتخصيصهما بحال
الجهل لا وجه له، واختصاص ما قبلهما بها لا يصلح قرينة لاختصاصهما أيضا،
ولا يدل عليه بوجه أصلا.
ويجيبون هؤلاء عن أدلة وجوب القضاء حينئذ بعد تضعيف الرضوي سندا:
بأن العمومات مخصصة بما مر; لأعميتها مطلقا.
والمرسلة والموثق - لاختصاصهما بحال العلم، وشمولهما لاحتراق الكل -
أعمان من وجه من ذيلي الصحيحين الأولين; لاختصاصهما باحتراق البعض، ولا
مرجح لشئ من الفريقين، وإن كان أحدهما أرجح سندا والآخر من حيث
الاعتضاد بالشهرة فتوى، إلا أنهما مع عدم صلاحيتهما للترجيح على التحقيق
متكافئان. وموافقة الذيلين لمذهب العامة (5) - كما تستفاد عن الانتصار والخلاف -
لا تضر بعد مخالفة صدرهما، فيبقى إطلاق الصحيح والرواية الأخيرين الذي هو
أخص مطلقا من عمومات القضاء سالما عن معارض ظاهر.
وجعل إطلاق المرسل والموثق قريبا من النص في احتراق البعض، لندرة
احتراق الكل، وغلبة انكساف البعض - مع عدم اعتبار أمثال ذلك - لا تفيد; إذ
لو صح لكان إطلاق الصحيح والخبر الأخير أيضا بسقوط القضاء قريبا من النص
فيه.
مضافا إلى أن سياق المرسلة ربما يشير إلى كون موردها خصوص احتراق

(1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 46، حكاه عن المصباح في المدارك 4: 135،
وعن المسائل المصرية في المختلف: 116.
(2) التهذيب 3: 157، الحلي في السرائر 1: 321.
(3) الروضة 1: 315.
41) المدارك 4: 136.
(5) انظر: المغني 2: 280، والأم 1: 244.
239

الكل; للأمر بالغسل في صورة العمد، ونفيه وإثبات القضاء في صورة الجهل،
وشئ منهما لا يوافق المشهور في احتراق البعض.
وأما المرسلة الأخيرة فخصوصيتها ممنوعة; لأنها إنما هي إذا كان المشار إليه
لقوله: " هذا " مجموع الحكمين، وهو غير معلوم، بل الأصل والعرف يقتضي
اختصاصه بالأخير، فتكون هذه أيضا أعم من وجه كسابقتيها، وقد عرفت
الحال.
أقول: كل ذلك كان مفيدا لولا انجبار الرضوي المذكور بما مر من الشهرة
المحققة والمحكية مستفيضة، وحكاية نفي الخلاف، ودعوى الإجماع. وأما معه
فيرد به دعوى ضعفه، ثم يعارض به الذيلان لتساويهما، فإن رجحناه بمخالفة
العامة وإلا فيشتغلان بأنفسهما، ولا يعلم مخصص أو معارض للمرسلتين
والموثقة، فيعمل بإطلاقهما في الحكم بالقضاء مع العلم، سواء احترق الكل أو
البعض، مع أن ظهور الذيلين في حال الجهل مما لا يقبل المنع، سيما ذيل الثانية،
فلا ينافيان المطلوب أصلا.
ولنا على الثالث: ما استدل به المخالف في الثاني. مضافا إلى رواية حريز
والموثقة الخاليتين عن مكاوحة الرضوي أيضا; لضعفه الخالي عن الجابر في المقام.
مع أن رواية حريز خاصة مقدمة على الجميع.
خلافا فيه خاصة للمحكي عن الصدوقين والإسكافي (1)، والحلبي
والديلمي في ظاهر قوله (2)، والمقنعة والانتصار والخلاف (3)، فأوجبوا القضاء فيه،
وعن ظاهر الأخيرين الإجماع عليه; له، وللعمومات.
والرضوي: " وإن انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك أن تصليها
إذا علمت، فإن تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصل، وإن لم يحترق القرص

(1) حكاه عنهم في المختلف: 116.
(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 156، الديلمي في المراسم: 81.
(3) المقنعة: 211، الإنتصار: 58، الخلاف 1: 678.
240

فاقضها ولا تغتسل " (1).
ويرد الأول: بعدم الحجية، مع احتمال اختصاصه - كما قيل (2) - باحتراق
الكل، ومعارضته بنقل ادعاء الإجماع على انتفاء القضاء في هذه الصورة عن
القاضي (3)، ونفي الخلاف إلا عن المفيد كما عن ظاهر التذكرة (4).
والثاني: بوجوب تخصيصها بما مر من الأدلة الخاصة المعتضدة بالأصل
والشهرة.
والثالث: بضعفه الخالي عن الجابر في المقام بالمرة، مع معارضته بما هو
أخص مطلقا منه من رواية حريز السالفة.
المسألة الرابعة: لو ترك صلاة غير الكسوفين والزلزلة من الآيات جهلا به،
فعن الشرائع والتذكرة والتحرير والبيان (5)، بل نسبه جماعة إلى المشهور (6)، بل
قيل: إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا (7): عدم وجوب القضاء;
للأصل، وعدم دليل سوى العمومات المتبادرة منها اليومية، مع أنها إنما تدل على
الوجوب على مفوت الفريضة، وهي ليست فريضة بالنسبة إليه، لامتناع تكليف
الغافل، وفحوى ما دل عليه في الكسوفين، لكون وجوب صلاتهما أقوى.
ولو كان عن عمد، فعن التحرير والذكرى: وجوب القضاء (8)، واحتمله
في نهاية الإحكام (9).

(1) فقه الرضا " ع ": 135، مستدرك الوسائل 6: 174 أبواب صلاة الآيات ب 9 ح 1.
(2) انظر: الرياض 1: 199.
(3) انظر: شرح جمل العلم والعمل: 136.
(4) التذكرة 1: 163.
(5) الشرائع 1: 103، التذكرة 1: 163، التحرير 1: 47، البيان: 208.
(6) كما في الذخيرة: 325، والرياض 1: 199.
(7) كما في المدارك 4: 134.
(8) التحرير 1: 47، الذكرى: 244.
(9) نهاية الإحكام 2: 78.
241

وقوى في الروضة وجوبه على التقديرين (1)، ومال إليه في الذخيرة (2). وهو
قوي جدا; للعمومات الشاملة لمثلها أيضا، لعدم ظهور مخصص، ولو لم يكن
واجبا في الوقت، كما يأتي في بحث القضاء.
وأما الزلزلة فتجب مدة العمر; للأمر المطلق، وعدم ثبوت التوقيت فيها.

(1) الروضة 1: 315.
(2) الذخيرة: 325.
242

البحث الثالث
في كيفيتها
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هي ركعتان، فيهما عشر ركوعات وقيامات وقراءات،
وأربع سجدات، بعد كل خمس ركوعات سجدتان، وقبل كل ركوع
قراءة.
فينوي، ثم يكبر للإحرام، فيقرأ وجوبا، ثم يركع فيقوم من غير أن
يسجد، فيقرأ، ثم يركع، ثم يقوم ويقرأ ويركع، ثم كذلك، ثم كذلك، ويسجد
بعد الركوع الخامس، فيقوم ويفعل كما فعل في الأولى، بالإجماع المحقق والمحكي
عن الناصريات والانتصار والخلاف والمعتبر والمنتهى وغيرها (1); له، وللمستفيضة
كصحيحة زرارة ومحمد: " هي عشر ركعات وأربع سجدات، تفتتح الصلاة
بتكبيرة، وتركع بتكبيرة، وترفع رأسك بتكبيرة إلا في الخامسة التي تسجد فيها،
وتقول: سمع الله لمن حمده، وتقنت في كل ركعتين قبل الركوع، وتطيل القنوت
والركوع على قدر القراءة والركوع والسجود، فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد فادع
الله حتى ينجلي، وإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي، وتجهر
بالقراءة " (2) الحديث، كما يأتي.
وصحيحة الحلبي: " عن صلاة الكسوف كسوف الشمس والقمر، قال:
عشر ركعات وأربع سجدات، تركع خمسا، ثم تسجد في الخامسة، ثم تركع

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 204، الإنتصار: 59، الخلاف 1: 679، المعتبر 2: 334،
المنتهى 1: 350، وانظر: التذكرة 1: 162، والرياض 1: 200.
(2) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156 / 335، الوسائل 7: 494 أبواب
صلاة الكسوف ب 7 ح 6.
243

خمسا، ثم تسجد في العاشرة " (1) الحديث.
وصحيحة الرهط: " إن الصلاة في هذه الآيات كلها سواء، وأشدها وأطولها
كسوف الشمس، تبدأ فتكبر بافتتاح الصلاة، ثم تقرأ أم الكتاب وسورة، ثم تركع
ثم ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ أم الكتاب وسورة، ثم تركع الثانية ثم ترفع
رأسك من الركوع، فتقرأ أم الكتاب وسورة، ثم تركع الثالثة ثم ترفع رأسك من
الركوع، فتقرأ أم الكتاب وسورة، ثم تركع الرابعة ثم ترفع رأسك من الركوع،
فتقرأ أم الكتاب وسورة، ثم تركع الخامسة، فإذا رفعت رأسك قلت: سمع الله
لمن حمده، ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتين، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في
الأولى " (2) الحديث.
والرضوي: " إن صلاة الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات، تفتتح
الصلاة بتكبيرة واحدة، ثم تقرأ الفاتحة وسورا طوالا، وطول في القراءة والركوع
والسجود ما قدرت، فإذا فرغت من القراءة ركعت، ثم رفعت رأسك بتكبير ولا
تقول: سمع الله لمن حمده، تفعل ذلك خمس مرات، ثم تسجد سجدتين، ثم
تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الركعة الأولى " (3).
والدعائمي: " صلاة الكسوف في الشمس والقمر وعند الآيات واحدة،
وهي عشر ركعات وأربع سجدات، يفتتح الصلاة بتكبيرة ويقرأ بفاتحة الكتاب
وسورة طويلة ويجهر فيها بالقراءة، ثم يركع فيلبث راكعا مثل ما قرأ، ثم يرفع أسه
ويقول: الله أكبر " (4) وساق الحديث قريبا مما مر.
وأما روايتا أبي البختري ويونس الدالة أولاهما على أن عليا عليه السلام

(1) الفقيه 1: 346 / 1533، الوسائل 7: 495 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 7.
(2) التهذيب 3: 155 / 333، الوسائل 7: 492 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.
(3) فقه الرضا " ع ": 134، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف ب 6 ح 1.
(4) دعائم الإسلام 1: 200، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف ب 6 ح 2.
244

صلى في الكسوف ركعتين في أربع ركعات وأربع سجدات (1)، وثانيتهما على أن أبا
جعفر عليه السلام صلى حال الخسوف ثماني ركعات (2).
فشاذتان، وعلى التقية - لموافقتهما للعامة كما صرح به جماعة (3) - محمولتان،
مع أنهما سيما الثانية ليستا صريحتين في أن ما فعلاه كان صلاة الكسوف.
المسألة الثانية: تجب القراءة قبل كل ركوع كما مر، إجماعا.
وكيفيتها أن يقرأ بعد تكبيرة الافتتاح وقبل الركوع الأول الحمد وسورة أو
بعضها فيركع، فإذا انتصب منه قرأ الحمد ثانيا وسورة أو بعضها إن كان أتم
السورة في الأولى، وإلا فلا يقرأ الحمد، بل يقرأ السورة من حيث قطع خاصة،
فيركع، فإذا انتصب يقرأ الحمد وسورة أو بعضها مع تمام السورة في الثانية،
والسورة خاصة من حيث قطعها في الثانية بدونه، وهكذا يفعل إلى أن يتم خمس
ركوعات، فيسجد بعد الخامسة، فإذا قام من السجود قرأ الحمد وسورة أو بعضها
وركع، فإذا انتصب قرأ كما في الركعة الأولى إلى أن يتم خمس ركوعات.
وعلى هذا فتتعين الفاتحة قبل الركوع الأول بعد النية وقبل السادس بعد
القيام من السجود، وأما قبل سائر الركوعات فيتخير بين قراءة الفاتحة وعدمها،
بمعنى أنه إن أتم السورة في الركوع السابق تجب قراءة الحمد، وإلا فلا.
بلا خلاف من أحد مطلقا في الأول أي أصل تعين الفاتحتين. وصرح به في
تتمة صحيحة الحلبي المتقدمة (4) قال: " وإن شئت قرأت سورة في كل ركعة، وإن
شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة، فإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة

(1) التهذيب 3: 291 / 879، الإستبصار 1: 452 / 1753، الوسائل 7: 493 أبواب صلاة
الكسوف ب 7 ح 4.
(2) التهذيب 3: 292 / 880، الإستبصار 1: 453 / 1754، الوسائل 7: 494، أبواب صلاة
الكسوف ب 7 ح 5.
(3) كالشيخ في الخلاف 1: 679 والتهذيب 3: 292، والعلامة في المنتهى 1: 350.
(4) في ص 243.
245

الكتاب، وإن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول
ركعة حتى تستأنف أخرى ".
وبلا خلاف من أحد - صريح - في موضع تعين الفاتحتين، وتدل عليه
أيضا الصحيحة المذكورة.
وعن الفاضل: الاحتمال ضعيفا أنه إن لم يتم السورة قبل الركوع الخامس
لا تجب الفاتحة قبل السادس، بل يقرأ من حيث قطع السورة، ولكن قال: تجب
الفاتحة في ركوع آخر من الثانية حيث لا يجوز الاكتفاء بالحمد مرة في الركعتين (1).
وقوى في الحدائق ذلك الاحتمال بما يأتي من النهي عن قراءة الفاتحة إن لم
يتم السورة (2).
أقول: لا يخفى أن قوله في الصحيحة " إلا في أول ركعة " أخص مطلقا مما
يأتي، ومقتضاه أن النهي إنما هو في غير أول ركعة فيجب التخصيص به.
مع أنه لا إطلاق أو عموم يدل على جواز القطع خلال السورة في الركوع
الخامس والأخذ منه في السادس، ولو كان لكان مقتضاه جواز ذلك في تمام
الركوعات، فإيجاب حمد في الثانية يكون مخالفا له; للنهي المذكور.
وبلا خلاف من غير المحكي عن الحلي (3)، ومحتمل الروضة (4)، في الثاني،
فلم يوجب الحمد زيادة على مرة في كل من الركعة الأولى والثانية مطلقا ولو أكمل
السورة وأتمها في كل ركوع، بل استحبها.
وهو محجوج - بعد ظاهر الإجماع المحقق، والمحكي ظاهرا في كلام جماعة (5)
كما قيل - بالأمر الدال على الوجوب في المعتبرة المستفيضة، منها الصحيحة

(1) التذكرة 2: 162.
(2) الحدائق 10: 333.
(3) حكاه عنه في الحدائق 10: 331.
(4) الروضة 1: 12.
(5) كالمحقق في المعتبر 2: 334، والعلامة في المنتهى 1: 350، وصاحب الرياض 1: 200.
246

المتقدمة، ومنها تتمة صحيحة زرارة ومحمد (1): قال، قلت: كيف القراءة فيها؟
فقال: " إن قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن نقصت من السورة
شيئا فاقرأ من حيث نقصت، ولا تقرأ فاتحة الكتاب ".
والصحيحان المرويان في مستطرفات السرائر وكتاب علي بن جعفر وفيهما:
عن القراءة في صلاة الكسوف، قال: " تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب " قال: " فإذا
ختمت سورة وبدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن قرأت سورة في ركعتين أو
ثلاث فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتى تختم السورة " (2).
ويؤيده الرضوي: " ولا تقرأ سورة الحمد إلا إذا انقضت السورة، فإذا
بدأت بالسورة بدأت بالحمد " (3).
ثم إنه كما أن قراءة الحمد بعد إكمال السورة واجبة عزيمة، فهل تركها مع
عدم إكمالها أيضا كذلك للنهي، أم تجوز قراءتها أيضا؟.
الظاهر: الثاني; لا لما قيل من أن النهي لوروده مورد توهم الوجوب لا يفيد
الحظر، لأن الحق إفادته له حينئذ أيضا.
بل لعدم النهي صريحا; لوروده بما يحتمل الجملة المنفية الغير الصريحة في
الحرمة.
ثم إن الموجب للفاتحة هل هو ختم السورة في الركوع السابق - إما بقراءتها
أجمع فيه أو مع ما قبله، أو بقراءة بعضها الأخير خاصة إن جاز - أو الابتداء
بالأخرى في الركوع الذي فيه أخذا من مبدئها أو أثنائها إن جاز؟.
مقتضى الصحيحين الأخيرين والرضوي الأول، ومقتضى قوله في
الصحيحة الأولى: " حتى تستأنف أخرى " الثاني.

(1) المتقدمة في ص 243.
(2) مستطرفات السرائر: 54 / 7، مسائل علي بن جعفر " ع ": 248 / 586، الوسائل 7: 497 أبواب
صلاة الكسوف ب 7 ح 13.
(3) فقه الرضا " ع ": 134، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 6 ح 1.
247

والأول أظهر; لصراحة مقتضيه، وإمكان ورود الثاني مورد الغالب من
عدم الاستئناف ما لم يختم الأولى، أو محمولا على عدم جواز الاستئناف ما لم يختم
السابقة، وعدم جواز الاقتصار على النصف الأخير من السورة من غير قراءة
نصفها الأول في ركوع هذا النصف أو ما قبله.
هذا حكم الفاتحة.
وأما السورة فانعقد الإجماع على وجوبها فيها، وهو الحجة فيه، دون
الأخبار; لخلوها عن الأمر بها، غايتها تضمنها الجمل الخبرية المقترنة بما ليس
للوجوب أيضا، ولو كان أمر فهو أيضا مقترن بما ليس للوجوب قطعا، نعم في قوله
" فاقرأ من حيث نقصت " في صحيحة زرارة ومحمد نوع دلالة.
وكذا انعقد الإجماع على وجوب سورة تامة أو بعض سورة قبل كل ركوع.
والظاهر انعقاده على وجوب إتمام سورة واحدة في الركوعات العشر أيضا.
وتدل صحيحة زرارة ومحمد على وجوب الأخذ فيما بعده من حيث قطع لو
اكتفى بالبعض.
وهذا هو القدر الثابت وجوبه في أحكام السورة، بل لا يبعد وجوب إتمام
السورة في كل ركعة من الركعتين حتى لا تخلو ركعة عن سورة تامة، أو إتمام
سورتين في الركعتين حتى لا يخلو مجموع الصلاة عن السورتين.
وأما ما عدا ذلك فلم يثبت وجوبه، فليعمل فيه بالأصل.
فتجوز له قراءة عشر سور، في كل ركعة سورة، وأقل منها إلى اثنتين، مخيرا
في كيفية التوزيع في الناقص عن العشر، فيقرأ خمسا في ركعة وأربعا أو أقل في
أخرى، أو واحدة في ركعة وواحدة في أخرى، أو واحدة وبعضها في ركعة ومثلها
في الأخرى، وهكذا إلى غير ذلك من الفروع المتكثرة.
بل تجوز قراءة سورتين أو أزيد وبعض سورة.
نعم لو شرع ابتداء في سورة يجب إتمامها بالترتيب; لأنه مقتضى وجوب
سورة تامة ووجوب القراءة من حيث قطع.
248

بل مقتضى وجوب إتمام السورتين مع وجوب الأخذ من موضع القطع
وجوب إتمام سورتين ابتداء، وكذا مقتضى الأخير عدم جواز رفض سورة كما
جوزه بعضهم (1).
المسألة الثالثة: تستحب في هذه الصلاة أمور:
منها: أنه إن فرغ عن الصلاة قبل تمام الانجلاء جلس في مصلاه ودعا الله
سبحانه ومجده، أو يعيد الصلاة.
أما الأول فلصحيحة زرارة ومحمد المتقدمة في المسألة الأولى (2).
والمروي في الدعائم: صلى علي عليه السلام صلاة الكسوف، فانصرف
قبل أن ينجلي، فجلس في مصلاه يدعو ويذكر الله، وجلس الناس كذلك يدعون
ويذكرون الله حتى تجلت (3).
وأما الثاني فلصحيحة ابن عمار السابقة في المسألة الأولى من البحث
الثاني (4).
ويدل عليهما أيضا الرضوي: " إن صليت وبعد لم ينجل فعليك الإعادة،
أو الدعاء والثناء على الله تعالى وأنت مستقبل القبلة " (5).
وظاهر الثالثة وإن كان وجوب الإعادة بخصوصها، كما عن ظاهر السيد
والحلبي والديلمي (6)، واختاره بعض مشايخنا الأخباريين (7)، ومفاد الأولى وجوب
القعود بخصوصه، ومقتضى الرابعة الوجوب التخييري بينهما، كما هو ظاهر

(1) كما في الروضة 1: 312.
(2) راجع ص 243.
(3) الدعائم 1: 201، مستدرك الوسائل 6: 173 أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 7 ح 2.
(4) في ص 230.
(5) فقه الرضا " ع ": 135، مستدرك الوسائل 6: 173 أبواب صلاة الآيات ب 7 ح 1.
(6) السيد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 46، الحلبي في الكافي في الفقه: 156،
الديلمي في المراسم: 81.
(7) الحدائق 10: 334.
249

الصدوق في الفقيه (1)، بل والده في الرسالة (2) وإن نفى القول به في المدارك
والذخيرة (3).
إلا أن ضم موثقة الساباطي - المتقدمة في المسألة الأولى من البحث
الثاني (4) - مع الثالثة يخرجها عن الظهور، ويصير قرينة على إرادة عدم المنع من
النقيض عنها.
وحمل الموثقة على الفراغ من الصلاة الأولى بعيد غايته، وعدم فتوى واحد
بمفاد الأولى يمنعها عن الحجية وإثبات خلاف الأصل بها، وكذا ضعف الرابعة،
فلم يبق إلا الحكم باستحبابهما مخيرا.
ومنهم من أجاب عن دليل وجوب الإعادة عليه: بمعارضته مع دليل
وجوب القعود، والجمع بينهما يمكن بالتخيير وبالحمل على الاستحباب، وإذ لا
قول بالأول، فيبقى الثاني. مع أنه أرجح; لموافقته الأصل (5).
وفيه: أن بعد تحقق التعارض يتعين التخيير; لأنه حكم المتعارضين
الخاليين عن المرجح، فلا يساويه الحمل على الاستحباب. وهذا التخيير حكم
اضطراري لمن لا يعلم الترجيح، فلا ضير في عدم القائل به إلا إذا علم عدم
القائل به مع التعارض وعدم الترجيح أيضا، أي علم الإجماع على عدم التخيير
مع التعارض أيضا، وهو هنا غير معلوم، بل القائل بالتخيير أيضا موجود.
وقد أنكر الحلي استحباب الإعادة أيضا (6)، فإن أراد معينة - كما هو
المحتمل - فهو كذلك، وإن أراد مطلقا فلا وجه له إلا على أصله من عدم حجية
الآحاد.

(1) الفقيه 1: 347.
(2) حكاه عنه في المختلف: 117.
(3) المدارك 4: 143، الذخيرة: 326.
(4) راجع ص 230.
(5) انظر: الرياض 1: 200.
(6) السرائر 1: 324.
250

ومنها: أن يطول في صلاته بقدر زمان الكسوف تقريبا المعلوم بالحس، أو
المظنون بالاستصحاب، بإجماع العلماء كما عن المعتبر (1)، وعن المنتهى لا نعرف فيه
خلافا (2); له، وللموثقة المتقدمة، والرضوي: " وتطول في الصلاة حتى ينجلي " (3)
وغير ذلك.
ولو انجلى وبقي شئ من الصلاة أتمها، كما مر في النص، يخففها، صرح
به في الرضوي قال بعد ما ذكر: " وإذا انجلى وأنت في الصلاة فخفف ".
والمستفاد من الأخبار أشدية استحباب التطويل في كسوف الشمس.
ومقتضى إطلاق ما ذكر استحباب الإطالة حتى للإمام، وتدل عليه أيضا
مرسلة الفقيه: انكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين، فصلى بهم حتى كان
الرجل ينظر إلى الرجل ابتلت قدمه من عرقه (4).
ورواية القداح: " انكسفت الشمس في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله،
فصلى بالناس ركعتين، وطول حتى غشي على بعض القوم ممن كان وراءه من طول
القيام " (5).
إلا أن في صحيحة زرارة ومحمد: " يستحب أن يقرأ فيهما بالكهف والحجر
إلا أن يكون إماما يشق على من خلفه " (6).
وتوافقها العمومات الواردة في صفة صلاة الجماعة الآمرة بالتخفيف
والإسراع لرعاية حال المأمومين.

(1) المعتبر 2: 336.
(2) المنتهى 1: 350.
(3) فقه الرضا " ع ": 135، مستدرك الوسائل 6: 166 أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 3 ح 3.
(4) الفقيه 1: 341 / 1511، الوسائل 7: 499 أبواب صلاة الكسوف ب 9 ح 2.
(5) التهذيب 3: 293 / 885، الوسائل 7: 498 أبواب صلاة الكسوف ب 9 ح 1.
(6) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156 / 335، الوسائل 7: 494 أبواب
صلاة الكسوف ب 7 ح 6.
251

وطريق الجمع تخصيص هذه العمومات بغير صلاة الكسوفين بالأخبار
المتقدمة، وتخصيص تلك الأخبار بغير صورة العلم بكونه شاقا على من وراءه.
ومنها: أن يقرأ السور الطوال مثل يس والنور والكهف والحجر مع سعة
الوقت، بالإجماع كما عن الخلاف والمنتهى وغيرهما (1); وهو الدليل عليه، مع
الصحيحة والرضوي (2) السابقتين، ورواية أبي بصير: " ويقرأ في كل ركعة مثل يس
والنور "، إلى أن قال: قلت: فمن لم يحسن يس وأشباهها، قال: " فليقرأ ستين آية
في كل ركعة " (3).
والدعائمي وفيه: " وإن قرأ في صلاة الكسوف بطوال المفضل... " (4).
وإنما قيدنا بالسعة لما مر من الأمر بالتخفيف إذا خرج الوقت، وهو أخص
من أدلة التطويل.
ومنها: إطالة الركوع والسجود; لمطلقاتها، وحكاية الإجماع عليها
بخصوص المورد في المنتهى (5)، ومثلها كافية في المقام.
وتستحب إطالة الركوع بقدر القراءة إجماعا، كما عن الخلاف والغنية (6)،
وهو الحجة فيه، مضافا إلى مضمرة أبي بصير: " ويكون ركوعك مثل قراءتك
وسجودك مثل ركوعك " (7).

(1) الخلاف 1: 679، المنتهى 1: 351، وانظر: المعتبر 2: 337.
(2) المتقدم في ص 244.
(3) التهذيب 3: 294 / 890، الوسائل 7: 493 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 2.
(4) الدعائم 1: 201، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 6 ح 2، وتتمة
الرواية: ورتل القراءة فذلك أحسن.
(5) المنتهى 1: 351.
(6) الخلاف 1: 679، الغنية (الجوامع الفقهية): 562.
(7) التهذيب 3: 294 / 890، الوسائل 7: 493 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 2.
252

واستدل جماعة بالفقرة الثانية على استحباب كون السجود أيضا مثل
القراءة (1).
وفيه نظر; لأنها تدل على استحباب كونها مثل الركوع، ولازمه أنه لو كان
الركوع أخف من القراءة أو أطول استحب ذلك في السجود أيضا.
وقد يستدل له بقوله في صحيحة زرارة ومحمد: " ويطيل القنوت والركوع
مثل القراءة والركوع والسجود " (2).
وهو أيضا مخدوش; لأنه مبني على كون السجود منصوبا، بل عدم ذكر
الركوع الثاني كما في بعض كتب الفقه (3)، وأما مع خفضه فلا، وكذا مع تكرر
الركوع كما في كتب الحديث، بل يحصل حينئذ إجمال في الحديث لا يمكن
الاستدلال به.
ومنه يظهر ما في استدلال بعضهم بها على استحباب مساواة القنوت
للقراءة (4)، مضافا إلى احتمال كون المراد أن مجموع القنوت والركوع يستحب أن
يكون كذلك. ولا ينافيه ثبوت استحبابه في الركوع خاصة; لأن للاستحباب
مراتب عديدة.
ومنها: أن يكبر عند الرفع من كل ركوع سوى الخامس والعاشر، فيقول
فيهما، سمع الله لمن حمده، نص على الجميع في صحيح زرارة ومحمد (5)، والمروي

(1) كما في الذخيرة: 326.
(2) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156 / 335، الوسائل 7: 494 أبواب
صلاة الكسوف ب 7 ح 6.
(3) كالرياض 1: 200.
(4) كما في مجمع الفائدة 2: 417.
(5) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156 / 335، الوسائل 7: 494 أبواب
صلاة الكسوف ب 7 ح 6.
253

في الدعائم (1)، وعلى الأخير في صحيحتي المستطرفات (2) والرهط (3); وبهذه يختص
الرضوي المتقدم في المسألة الأولى (4)، فالمراد منه عدم التسميع في غير الأخيرة.
ثم إن مقتضاه عدم استحباب التسميع في غير الأخيرتين، وبه صرح في
صحيحة الحلبي المتقدم بعضها (5): " ولا تقل سمع الله لمن حمده في رفع رأسك
من الركوع إلا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها ".
وأما ما في بعض الأخبار من التسميع عند الانتصاب من ركوع تمت السورة
قبله (6)، فمع أنه لا يقاوم ما مر، وأنه مبني على الغالب المتعارف من تمام السورة
في الأخيرتين، يكون أعم مطلقا مما مر فيخص به.
ثم الروايتان الأوليان تتضمنان التكبير عند الهوي إلى كل ركوع، فهو أيضا
مستحب. ولم يتعرض له كثير من الأصحاب; لأنه معلوم بالقياس إلى سائر
الصلوات، والمهم بيان ما يختص به هذه من بينها.
ومنها: أن يقنت بعد القراءة وقبل الركوع في كل زوج من الركوعات حتى
يقنت في الجميع خمس قنوتات، قيل: بلا خلاف (7); وهو الدليل عليه، مضافا
إلى صحيحتي زرارة ومحمد، والرهط، ورواية ابن أذينة (8)، والرضوي،
والدعائمي.

(1) الدعائم 1: 200، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف ب 6 ح 2.
(2) مستطرفات السرائر: 54 / 7، الوسائل 7: 497 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 13.
(3) التهذيب 3: 155 / 333، الوسائل 7: 492 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.
(4) في ص 244.
(5) في ص 244.
(6) لم نعثر عليه في الكتب الحديثية، ورواه الشهيد - رحمه الله - في النفلية ص 37 مرسلا حيث قال:
وروي نادرا عمومه - أي عموم قول سمع الله.... - إذا فرغ من السورة لا مع التبعيض.
(7) كما في الحدائق 10: 338.
(8) الفقيه 1: 347 / 1534، الوسائل 7: 495 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 8.
254

وعن الصدوق والنهاية والمبسوط والوسيلة والإصباح والجامع والمنتهى
والتحرير والنفلية والبيان والدروس: جواز الاقتصار في القنوت على ما قبل
الخامس والعاشر (1). ولا ريب فيه; لأنه دعاء مستحب، ومع ذلك به خبر
مرسل، لقول الصدوق بعد ذكره: لورود الخبر (2).
والظاهر كما في المسالك عدم استحباب الجمع بين القنوت في الرابع
والخامس، بل إنما يستحب في الخامس مع تركه قبلها (3)، وعن المبسوط والنهاية
وابن حمزة والبيان: جواز الاكتفاء بالقنوت قبل العاشر (4).
ومنها: أن يجهر فيها بالقراءة، بالإجماع كما عن الخلاف وظاهر المعتبر
والمنتهى والتذكرة (5); له، ولصحيحة زرارة ومحمد، وما روي عن النبي والولي أنهما
صليا صلاة الكسوف فجهرا فيها (6).
وعن موضع من التذكرة ونهاية الإحكام: استحباب الإسرار بصلاة كسوف
الشمس، لأنها صلاة نهار لها نظيرة بالليل (7). ويرده ما مر.
ومنها: أن يكون بارزا تحت السماء; لقوله في الصحيحة المذكورة: " وإن
استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنك بيت فافعل ".

(1) الصدوق في الهداية: 36، النهاية: 137، المبسوط 1: 173، الوسيلة: 113، الجامع
للشرائع: 109، المنتهى 1: 351، التحرير 1: 47، النفلية: 37، البيان: 211، الدروس
1: 195. ولا يخفى أن الموجود في النهاية والمبسوط والوسيلة والجامع هو جواز الاكتفاء بما
قبل العاشر فقط كما سيأتي في الرقم (4).
(2) الهداية: 36.
(3) المسالك 1: 37.
(4) المبسوط 1: 173، النهاية: 137، ابن حمزة في الوسيلة: 113، البيان.
(5) الخلاف 1: 681، المعتبر 2: 339، المنتهى 1: 351، التذكرة 1: 163.
(6) سنن أبي داوود 1: 309 ح 1188، وروى الشيخ في الخلاف 1: 681 عن علي عليه السلام
أنه جهر بالقراءة في الكسوف، ورواها عنه في الوسائل 7: 497 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح
14.
(7) التذكرة 1: 163، نهاية الإحكام 2: 75.
255

ولا ينافيه الأمر في جملة من الأخبار بالمبادرة إلى المساجد حينئذ; إذ لم تكن
المساجد مسقفة في الصدر الأول، مع أن للمسقف منها أيضا بارزا من فضاء أو
سطح. هذا إذا ثبتت الحقيقة الشرعية في المسجد، وإلا فالأمر أظهر.
256

البحث الرابع
في أحكامها
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تجوز هذه الصلاة جماعة وفرادى، إجماعا; لروايتي روح
ومحمد بن يحيى:
الأولى: عن صلاة الكسوف تصلى جماعة؟ قال: " جماعة وغير جماعة " (1).
والثانية: عن صلاة الكسوف تصلى جماعة أو فرادى؟ فقال: " أي ذلك
شئت " (2)
وقوله في صحيحة زرارة ومحمد: " إلا أن يكون إماما يشق على من خلفه ".
ويستحب أن تكون جماعة; للإجماع المحكي عن التذكرة (3)، وغيرها (4)،
والعمومات; وهما الحجتان فيه، مؤيدتين بفعل الحجج إياها جماعة (5).
ولا فرق في ذلك بين الكسوف الكلي والجزئي على المشهور، ولا بين الأداء
والقضاء.
خلافا للمحكي عن الصدوقين فنفياها في الثاني (6)، وللمفيد ففي
الرابع (7)، ومستندهما - كما صرح به جماعة (8) - غير واضح.

(1) التهذيب 3: 292 / 882، الوسائل 7: 503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 1.
(2) التهذيب 3: 294 / 889، الوسائل 7: 503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 3.
(3) التذكرة 1: 163.
(4) كالذخيرة: 326.
(5) راجع ص 251. الهامش (4) و (5).
(6) المقنع: 44، وحكاه عنهما في المختلف: 118.
(7) المقنعة: 211.
(8) كصاحب الرياض 1: 200.
257

نعم في رواية ابن أبي يعفور - المتقدمة في المسألة الأولى من البحث الثاني (1) -
فرق بين الكلي والجزئي في ذلك، إلا أنها غير دالة على المنع عن الجماعة في
الجزئي، وإنما غايتها الدلالة على إجزائها فرادى، وهو لا ينافي استحباب الجماعة.
كما أنها لا تدل على وجوب الجماعة في الكلي، كما قد ينسب إلى ظاهر
الصدوقين (2).
نعم يظهر منها تأكد استحبابها مع الكلية، وهو كذلك.
المسألة الثانية: إذا حصلت الآية الموقتة في وقت فريضة حاضرة: فإن
تضيق وقت إحداهما تعينت للأداء، ثم يصلي بعدها ما اتسع وقتها.
وإن تضيقتا قدمت الحاضرة.
وإن اتسع الوقتان تخير في تقديم أيهما شاء.
بالإجماع في الأول، كما صرح به جماعة، منهم: المدارك والذخيرة
والحدائق (3)، وإن كان ظاهر كلام الصدوق في الحكم بتقديم الحاضرة شاملا
لذلك أيضا (4).
وبلا خلاف في الثاني كما عن الذكرى (5)، بل بالإجماع كما صرح به بعض
الأجلة في شرح الروضة (6)، وحكي عن التنقيح أيضا (7).
وعلى الحق المشهور في الثالث.
أما الأول فلاستلزام تجويز تقديم غير المضيقة منهما تجويز الإخلال بالواجب

(1) راجع ص 230.
(2) انظر: الرياض 1: 200.
(3) المدارك 4: 144، الذخيرة: 326، الحدائق 10: 345.
(4) المقنع: 44.
(5) الذكرى: 246.
(6) الظاهر هو الفاضل الهندي في شرحه على الروضة المسمى ب‍ " المناهج السوية " وهي مخطوطة.
(7) التنقيح 1: 244.
258

لا لضرورة، مضافا إلى الأخبار الآتية على تقدير تضيق الحاضرة، وأما مطلقات
تقديم الحاضرة فيأتي جوابها.
وأما الثاني فلصحيحة محمد والعجلي المتقدمة (1)، وصحيحة محمد: عن
صلاة الكسوف في وقت صلاة الفريضة، فقال: " ابدأ بالفريضة " (2)
والخزاز: عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس ويخشى فوات
الفريضة، فقال: " اقطعوا وصلوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم " (3).
ومحمد: ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب وقبل العشاء الآخرة، فإن صلينا
الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة، فقال: إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك
واقض فريضتك، ثم عد فيها " (4).
والمروي في الدعائم: من وقف في صلاة الكسوف حتى دخل وقت
صلاة، قال: " يؤخرها ويمضي في صلاة الكسوف حتى يصير إلى آخر الوقت، فإن
خاف فوت الوقت قطعها وصلى الفريضة " (5).
وبعض هذه الأخبار وإن اختص بما إذا دخل في صلاة الكسوف، ولكنه
يثبت الحكم في غيره بطريق أولى.
وأما الثالث فللأصل، والجمع بين ما دل على جواز صلاة الآيات في وقت
الفريضة قبلها، كصحيحة محمد والعجلي، ورواية معاوية بن عمار: " خمس
صلوات لا يتركن على حال: إذا طفت بالبيت، وإذا أردت أن تحرم، وإذا نسيت
فصل إذا ذكرت، وصلاة الكسوف، والجنازة " (6).

(1) في ص 224.
(2) الكافي 3: 464 الصلاة ب 95 ح 5، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 1.
(3) التهذيب 3: 293 / 888، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 3.
(4) التهذيب 3: 155 / 332، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 2.
(5) الدعائم 1: 201، مستدرك الوسائل 6: 167 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 2.
(6) الكافي 3: 287 الصلاة ب 10 ح 2، التهذيب 2: 172 / 683، الوسائل 4: 241 أبواب
المواقيت ب 39 ح 4، وفي جميع المصادر قدم قوله: " وصلاة الكسوف " على قوله: " وإذا
نسيت.... ".
259

وما دل على وجوب الابتداء بالفريضة، كصحيحة محمد، والرضوي: " ولا
تصلها في وقت الفريضة، فإذا كنت فيها ودخل عليك وقت الفريضة، فاقطعها
وصل الفريضة، ثم ابن علي ما صليت من صلاة الكسوف " (1).
فإنهما دليلان تعارضا، ولا مرجح، فيصار إلى التخيير.
وتوهم أعمية الأول مطلقا - لشموله قبل وقت الفريضة أيضا - فيجب
تخصيصه بالثاني.
مدفوع: بأعمية الثاني أيضا من جهة شموله لتضيق وقت الفريضة،
واختصاص الأول بما إذا لم يتضيق وقتها، فالتعارض بالعموم والخصوص من
وجه، والحكم التخيير.
وحمل الأول على وقت [الفضيلة] (2) - كما في الحدائق (3) - حمل بلا دليل،
والاستشهاد له بصحيحتي الخزاز ومحمد عليل، مع أنه ليس بأولى من حمل الثاني
على آخر وقت الإجزاء.
وقد يستدل أيضا على التخيير: بأنهما فرضان اجتمعا، ولا أولوية لأحدهما،
والجمع محال، وتعين أحدهما ينافي وجوب الآخر.
ويمكن منع انتفاء الأولوية; لأهمية الفرائض اليومية. ومنع المنافاة المذكورة
كما في الظهرين والعشاءين في الوقت المشترك.
خلافا في الأخير للمحكي عن الصدوق في المقنع والفقيه ورسالة أبيه (4)،
والنهاية ومصباح السيد والمفيد وابن حمزة والقاضي (5)، وجعله في المبسوط

(1) فقه الرضا " ع ": 135، مستدرك الوسائل 6: 167 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 1.
(2) في النسخ: الفريضة، والصحيح ما أثبتناه.
(3) الحدائق 10: 348.
(4) المقنع: 44، الفقيه 1: 347، حكاه عن الرسالة في المختلف: 117.
(5) النهاية: 137، حكاه عن المصباح في المعتبر 2: 340، ابن حمزة في الوسيلة: 112، القاضي في
المهذب 1: 125.
260

أحوط (1)، واختاره في الحدائق (2); لما مر بجوابه.
فروع:
أ: إذا اتسع الوقتان، فهل المستحب تقديم صلاة الآية؟ كما هو محتمل
المبسوط أولا (3)، وظاهر صحيحة محمد والعجلي.
أو الحاضرة؟ كما عن الفاضل (4) وغيره (5)، بل لعله المشهور.
الظاهر: الثاني; لأهمية الحاضرة، وكثرة النصوص التي هي بتقديمها آمرة،
مع احتمال كون مجاز الجملة الخبرية في الصحيحة هو الجواز الخالي عن الرجحان.
ب: لو اجتمعت الآية مع فريضة أخرى، فمع تضيق إحداهما قدم; والوجه
ظاهر. ومع تضيقهما أو اتساعهما تخير من غير ترجيح ما لم يكن موجب ولا مرجح
خارجي، ويجب أو يرجح تقديم ما يوجد مقتضيه مع وجوده.
وعن المبسوط؟ والتحرير: رجحان تقديم صلاة الجنازة عليها (6)، كما عن
الأخير تقديمها على صلاة العيد مع تساوي الوقتين (7)، ولا يحضرني وجهه.
ج: لو دخل في الآية بظن سعة وقت الحاضرة، ثم تبين ضيقها في الأثناء
قطعها وصلى الحاضرة، إجماعا كما صرح به جماعة (8)، ودلت عليه أكثر الأخبار
السالفة.
ثم بنى على ما قطع، وفاقا للصدوق والسيد ونهاية الشيخ والمنتهى والتحرير

(1) المبسوط 1: 172.
(2) الحدائق 10: 347.
(3) المبسوط 1: 172.
(4) التذكرة 1: 164، نهاية الأحكام 2: 79.
(5) كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 243.
(6) المبسوط 1: 172، التحرير 1: 47.
(7) التحرير 1: 47.
(8) كالمعتبر 2: 341، والتذكرة 1: 164، والذخيرة: 326.
261

والبيان والدروس (1)، بل الأكثر كما صرح به جمع ممن تأخر (2)، بل علمائنا كما في
المنتهى (3) مؤذنا بإجماعهم عليه.
لا لصحيحتي الخزاز ومحمد - كما في الذخيرة (4) - لاحتمال إرادة العود إلى
أصل الصلاة.
بل لصحيحة محمد والعجلي، والرضوي المنجبر بما مر.
خلافا للمحكي عن المبسوط والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى
فيستأنف (5)، والمعتبر فتردد (6); لأن البناء بعد تخلل صلاة لم يعهد من الشرع،
ولعمومات إبطال الفعل الكثير.
ويضعف: بأن ما ذكر عهد من الشرع، ومخصص للعمومات. مع أنه لا
عموم يدل على إبطال الفعل الكثير بحيث يشمل المقام.
ولا فرق في وجوب إتمام الآئية بعد الحاضرة بالبناء بين ما إذا خرج وقتها
بعد الحاضرة أولا; لإطلاق دليله، مضافا إلى ما مر من وجوب إتمام صلاة
الكسوف لو خرج وقتها في الأثناء.
ثم مدلول ما ذكر وجوب البناء، ومقتضاه تحريم فعل ما يبطل الصلاة
عمدا قبل الاشتغال بالحاضرة أو بعده قبل إتمام الآئية. ولو فعله، أو فعل سهوا
ما يبطلها مطلقا يجب الاستئناف قطعا.
وهل الحكم يختص باليومية، أو يعم غيرها من الفرائض أيضا؟.

(1) الصدوق في المقنع: 44، السيد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 45، المنتهى 1:
353، التحرير 1: 47، البيان: 209، الدروس 1: 195.
(2) كالشهيد في البيان: 209، والسبزواري في الذخيرة: 326.
(3) المنتهى 1: 353.
(4) الذخيرة: 326.
(5) المبسوط 1: 172، التذكرة 1: 164، نهاية الأحكام 2: 80، الذكرى: 247.
(6) المعتبر 2: 341.
262

الظاهر: الأول، كما صرح به بعض الأجلة (1); لأن المتبادر من الصحيحة
والرضوي اليومية فيستأنف في غيرها الآئية.
بل قد يتردد في جواز القطع في غيرها أيضا; لعموم حرمة إبطال العمل،
فيعارض عموم وجوب الفريضة.
ويضعف: بمنع عموم الأول.
د: لو ضاق الوقتان فصلى الحاضرة وخرج وقت الآئية، فهل يجب عليه
قضاؤها أم لا؟.
فعن ظاهر إطلاق المفيد عدمه مطلقا (2)، وعن بعضهم وجوبه كذلك (3)،
وعن المعتبر والمنتهى والتحرير والروضة التفصيل (4): فالأول مع عدم تفريط في
تأخير إحدى الصلاتين، والثاني مع التفريط في تأخير إحداهما.
ومنهم من فرق بين التفريط في صلاة الكسوف والحاضرة (5).
ومنهم من تعرض لتفريط إحداهما دون الأخرى (6).
والوجه عندي القضاء مطلقا فيما يجب فيه القضاء، فيجب مع العلم
بالكسوف مطلقا، وبدونه إن كان كليا; لجريان أدلة هذا التفصيل في المقام بعينه.
فسبب الوجوب موجود، والعارض لا ينافيه; إذ ليس إلا عدم التقصير في التأخير،
بل عدم تحقق الوجوب أداء في بعض الصور، وهو لا ينافي وجوب القضاء لدليل
آخر، كما في صلاة النائم تمام الوقت، وصوم الحائض. فتدبر.
ه‍: لو كانت الحاضرة نافلة قدم الآية وجوبا مع ضيقها، بلا خلاف

(1) انظر: كشف اللثام 1: 267.
(2) المقنعة: 211.
(3) انظر: الذكرى: 247.
(4) المعتبر 2: 341، المنتهى 1: 354، التحرير 1: 47، الروضة 1: 314.
(5) كما في الذخيرة: 327.
(6) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 473.
263

ظاهرا كما قيل (1)، وعن المنتهى أن عليه علماءنا أجمع (2).
وتدل عليه صحيحة محمد: فإذا كان الكسوف آخر الليل فصلينا صلاة
الكسوف فاتتنا صلاة الليل، فبأيهما نبدأ؟ فقال: " صل صلاة الكسوف واقض
صلاة الليل " (3).
واختصاصها بصلاة الليل غير ضائر; لعدم القائل بالفرق، وتنقيح المناط
القطعي، بل طريق الأولوية، لأفضلية صلاة الليل عن سائر النوافل.
وكذا مع سعتها على ما يقتضيه إطلاق كلام جماعة (4)، ويدل عليه إطلاق
صحيحة أخرى لمحمد: عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة، فقال: " ابدأ
بالفريضة " فقيل له: في وقت صلاة الليل، فقال: " صل صلاة الكسوف قبل
صلاة الليل " (5).
ولا إشكال فيه على القول بالمنع من النافلة في وقت الفريضة، وأما على
القول بالجواز ففيه إشكال، سيما مع ضيق وقت النافلة وسعة الآئية. ولا بعد في
العمل بالإطلاق المذكور حينئذ أيضا; إذ غايته تعارض إطلاق النافلة مع ذلك
الإطلاق، ورجوع النافلة إلى أصل عدم المطلوبية، والآئية إلى الإجماع على جواز
فعلها.
المسألة الثالثة: لا يجوز أن يصلي الآئية ماشيا أو راكبا، اختيارا، كما مر
مشروحا في مسألة الصلاة كذلك.
ويجوز في حال الاضطرار إجماعا; له، ولمكاتبة الواسطي: إذا انكسفت
الشمس والقمر وأنا راكب لا أقدر على النزول، فكتب: صل على مركبك الذي

(1) الرياض 1: 202.
(2) المنتهى 1: 454.
(3) التهذيب 3: 155 / 332، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 2.
(4) انظر: الذكرى: 247، والرياض 1: 202.
(5) الكافي 3: 464 الصلاة ب 95 ح 5، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 1.
264

أنت عليه " (1).
المسألة الرابعة: يشترط في وجوب هذه الصلاة العلم بوجود سببها، فلا
تجب بدونه وإن ظن قويا بالقواعد الرصدية; للأصل.
وكذا لا اعتبار بشهادة واحد أو أكثر بالعلم بحصوله من القواعد.
ولو شهد بمشاهدته فالأقرب عدم الكفاية ما لم يحصل العلم، والاكتفاء
مع تعدد العدل أحوط.
وتجب بحصول العلم بالمشاهدة، أو إخبار جماعة عنها، أو غير ذلك، كأن
يظن بالقواعد وضم معها حصول الظلمة حال كون الشمس تحت غيم لا يوجب
بنفسه هذه الظلمة، بل وكذا لو حصل العلم بمحض القواعد المجربة مرارا
لأهلها.
ولكن في حصوله بمجردها إشكال; لتخلف القواعد كثيرا، لاختلاف
الآلات الرصدية، واحتمال اختلالها.
وكذا الحكم في خروج وقت هذه الصلاة بالانجلاء لو غاب القرص قبله
تحت غيم أو غرب، فيستصحب البقاء إلى أن يحصل العلم بالانجلاء.
المسألة الخامسة: لو اجتمعت آئيتان - من الآئية الموقتة - في وقت واحد،
فمع اتساعه لهما يفعلهما مخيرا في تقديم أيتهما شاء، ولو وسع لإحداهما لا غير
فالظاهر التخيير; للأصل.
وقيل بوجوب تقديم صلاة الكسوف; لكون وجوبها إجماعيا (2).
وفي إيجاب ذلك للحكم بالوجوب نظر ظاهر.

(1) الكافي 3: 465 الصلاة ب 95 ح 7، الفقيه 1: 346 / 1531، التهذيب 3: 291 / 878،
قرب الإسناد: 393 / 1377، الوسائل 7: 502 أبواب صلاة الكسوف ب 11 ح 1.
(2) الذكرى: 247.
265

ولا يدل عليه أيضا قوله في صحيحة الرهط: " وروي أن الصلاة في هذه
الآيات كلها سواء، وأشدها وأطولها كسوف الشمس " (1).
لجواز أن يكون المراد الأشدية في المشقة باعتبار طولها.
ويحتمل قريبا جواز التداخل، فيكتفي بصلاة واحدة للجميع; لما ثبت
عندنا من أصالة تداخل الأسباب.
المسألة السادسة: لو شك في عدد الركوعات فيأتي حكمه في بحث الخلل
الواقع في الصلاة. إن شاء الله سبحانه تعالى.

(1) التهذيب 3: 155 / 333، الوسائل 7: 492 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.
266

المطلب الرابع
في الصلاة على الأموات
والكلام فيها: إما في من يصلى عليه، أو في من يصلي عليه، أو في كيفيتها،
أو في أحكامها، فهنا أربعة أبحاث.
268

البحث الأول
في من يصلى عليه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا تجب الصلاة على غير المسلمين من جميع طوائف الكفار
إجماعا; له، وللأصل.
بل لا تجوز; للأول، ولقوله سبحانه بعد ذكر الكفار والمنافقين: (ولا
تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا
وهم فاسقون) (1).
إلا أن في دلالتها نظرا; لاحتمال إرادة الدعاء - الذي هو معنى الصلاة -
عنها. وتعديتها ب‍ " على " لتضمنها معنى الترحم، كما في قوله سبحانه: (إن الله
وملائكته) (2).
بل تتعين إرادة ذلك بملاحظة خبر محمد بن مهاجر: " كان رسول الله صلى
الله عليه وآله إذا صلى على ميت كبر فتشهد، ثم كبر فصلى على الأنبياء ودعا، ثم
كبر ودعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة ودعا للميت، ثم كبر وانصرف، فلما نهاه الله
تعالى عن الصلاة على المنافقين كبر فتشهد، ثم كبر فصلى على النبيين، ثم كبر ودعا
للمؤمنين، ثم كبر الرابعة وانصرف " (3).
ويدل على عدم الجواز أيضا أنه نوع مودة نهي عنها مع الكفار.

(1) التوبة: 84.
(2) الأحزاب: 56.
(3) الكافي 3: 181 الجنائز ب 52 ح 3، الفقيه 1: 100 / 469، التهذيب 4: 189 / 431،
العلل: 303 / 3، الوسائل 3: 60 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.
269

ومنه يظهر أنه لا تجوز الصلاة على المرتد الخارج بارتداده عن الإسلام،
والمنكر لضروري الدين من دون شبهة محتملة في حقه لصدق الكفر بالرسول.
وكذا لا تجوز الصلاة على النواصب، والخوارج، والغلاة، وإن كانوا من
المنتحلين للإسلام، بالإجماع، وقول الحسين بن علي عليهما السلام، المروي في
الاحتجاج (1)، المتقدم في بحث غسل الميت، وبهما يخرجون عما يأتي مما دل على
وجوب الصلاة على أهل القبلة أو الأمة (2)، مع أن صدقهما على الغلاة غير معلوم.
المسألة الثانية: تجب الصلاة على كل مسلم - عدا من ذكر - سواء كان
شيعة إمامية، أو غير إمامية، أو غير الشيعة، بالإجماع بل الضرورة في الأول،
وعلى الأظهر الأشهر - كما صرح به جمع ممن تأخر (3) - في البواقي، بل عن المنتهى
نقي الخلاف (4)، وعن التذكرة الإجماع على وجوبها على كل مسلم (5).
لعموم النبوي المشهور: " صلوا على من قال: لا إله إلا الله " (6).
ورواية طلحة بن زيد: " صل على من مات من أهل القبلة، وحسابه على
الله " (7).
والسكوني: " صلوا على المرجوم من أمتي، وعلى القاتل نفسه من أمتي، ولا
تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة " (8).

(1) قال عليه السلام لمعاوية: " لو قتلنا شيعتك، ما كفناهم ولا صلينا عليهم ولا قبرناهم " -
الإحتجاج: 297.
(2) انظر: الوسائل 3: 132 أبواب صلاة الجنازة ب 37.
(3) منهم السبزواري في كفاية الأحكام: 22، وصاحب الرياض 1: 202.
(4) المنتهى 1: 447.
(5) التذكرة 1: 44.
(6) الجامع الصغير 2: 98 / 5030.
(7) التهذيب 3: 328 / 1025، الإستبصار 1: 468 / 1809، الوسائل 3: 133 أبواب صلاة
الجنازة ب 37 ح 2.
(8) الفقيه 1: 103 / 480، التهذيب 3: 328 / 1026، الإستبصار 1: 468 / 1810، الوسائل
3: 133 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 3.
270

وضعفها - لو كان - منجبر بالعمل، مع أن ثانيتها صحت عن ابن محبوب
الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، فلا يضر وقوع طلحة قبله،
مضافا إلى أن الشيخ ذكر في فهرسته أن كتابه معتمد (1).
خلافا للمحكي عن المفيد وظاهر التهذيب والحلبي، فمنعوا عن الصلاة
على غير أهل الحق (2). والحلي فلم يوجبها (3). ويعزى إلى الديلمي أيضا (4);
لاشتراطه في الغسل اعتقاد الحق.
للأصل.
واستفاضة النصوص بل تواترها على كفرهم (5)، المستلزم لعدم جواز
الصلاة عليهم بالإجماع والآية المتقدمة وما بمعناها من الأخبار (6)، وعلى
نصبهم (7)، الموجب له بالأول.
ويرد الأول: بما مر.
والثاني: بمنع الصغرى أولا. وأخبار كفرهم معارضة بروايات إسلامهم،
كما مر شطر منها في كتاب الطهارة.
وكلية الكبرى ثانيا. وإثباتها بالإجماع والآية فاسد: أما الأول فلوضوح
انعقاده على نوع خاص من الكفار دون الكلية. وأما الثاني فلما مر في معنى الآية،
مع دلالة العلة على أن المنهي عن الصلاة عليهم هم الكافرون بالله ورسوله،
وكون المتنازع فيه كذلك ممنوع جدا، وإن كانوا كفارا ببعض الحق.
والتوضيح: أنه لا شك أن المراد بالكفر في المقدمتين ليس حقيقته اللغوية،

(1) الفهرست: 86.
(2) المفيد في المقنعة: 85، التهذيب 1: 335، الحلبي في الكافي في الفقه 157.
(3) السرائر 1: 356.
(4) المراسم: 45.
(5) الوسائل 1: 13 أبواب مقدمة العبادات ب 1 وأيضا ج 28: 339 أبواب حد المرتد ب 10.
(6) الوسائل 3: 69 أبواب صلاة الجنازة ب 4.
(7) الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.
271

وأما الحقيقة الشرعية فلو سلمناها فإنما هي في غير أهل القبلة، فالمراد في دليل
الصغرى الذي هو الأخبار أحد مجازاته، وفي دليل الكبرى الذي هو الإجماع
والآية هو حقيقته الشرعية إن ثبتت، وإلا فمعناه المجازي أيضا، واختلاف
المعنيين على ثبوت الحقيقة الشرعية معلوم، وعلى تقدير عدم ثبوتها محتمل، فلا
يثبت الاستلزام المدعى. بل - لظهور مورد الإجماع، ومقتضى التعليل المذكور في
الآية - الاختلاف معلوم على التقديرين.
فإن قيل: استعمل في دليل الصغرى الكافر في المتنازع فيه، والأصل في
الاستعمال الحقيقة.
قلنا: بل الاستعمال أعم منها.
فإن قيل: يكفي التجوز أيضا; لأن حرمة الصلاة أحد وجوه الشبه، فيثبت
المطلوب بعموم التشبيه.
قلنا: عمومه ممنوع جدا كما بينا في موضعه، سيما مع تبادر بعض أحكام
أخر كما في المورد.
سلمنا أصالة الحقيقة، ولكن الثابت له الحكم في دليل الكبرى غير هذا
المعنى بالتقريب المتقدم، فلا يفيد.
ومما ذكر يظهر الجواب عن أخبار نصبهم أيضا.
وقد يجاب عن الآية وما بمعناها: بوجوب تخصيصها بما مر من الأخبار
الموجبة.
ويضعف: بأن المعارضة لو سلمت فبالعموم من وجه، والترجيح للآية لو
دلت قطعا; إذ كل خبر لم يوافق كتاب الله فهو زخرف، سيما مع موافقته للعامة،
بل التقية بل الأصل.
هذا كله مع عدم التقية، وأما معها فتجب قولا واحدا بكيفية يأتي ذكرها
إن شاء الله.
272

فرعان:
أ: لا خلاف بين الأصحاب ظاهرا - كما في الذخيرة (1) وغيرها - في وجوب
الصلاة على مرتكبي الكبائر من أهل الحق; وتدل عليه العمومات السالفة،
وخصوص صحيحة هشام بن سالم شارب الخمر والزاني والسارق يصلى عليهم
إذا ماتوا؟ فقال: نعم " (2).
ب: في حكم المسلم من يلحق به من المجانين، إجماعا.
المسألة الثالثة: لا تجب الصلاة على أطفال المسلمين ما لم يبلغوا ست
سنين، وتجب إذا بلغوا هذا الحد، على الأظهر الأشهر في الحكمين، بل عن السيد
والمنتهى الإجماع عليه (3)، ويشعر به كلام الدروس (4).
أما الأول فللأصل، وصحيحة زرارة الواردة في صلاة أبي جعفر عليه
السلام على ابن له مات، حيث قال: " ألا إنه لم يكن يصلى على مثل هذا " وكان
ابن ثلاث سنين " كان علي عليه السلام يأمر به، فيدفن ولا يصلى عليه، ولكن
الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله " قلت: فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال:
" إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين " (5).
دلت بالمفهوم على عدم الوجوب بانتفاء الوصفين المتحقق بانتفاء أحدهما.
ونحوها مرسلة الفقيه: متى تجب الصلاة عليه؟ قال: " إذا عقل الصلاة
وكان ابن ست سنين " (6).

(1) الذخيرة: 328.
(2) الفقيه 1: 103 / 481، التهذيب 3: 328 / 1024، الإستبصار 1: 468 / 1808 وفيه: عن
هشام بن الحكم، الوسائل 3: 132 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 1.
(3) السيد في الإنتصار: 59، المنتهى 1: 448.
(4) الدروس 1: 111.
(5) الكافي 3: 207 الجنائز ب 73 ح 4، الوسائل 3: 95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 3.
(6) الفقيه 1: 105 / 488، الوسائل 3: 95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 2.
273

إلا أنه يخدشها احتمال إرادة الثبوت من الوجوب، والتمرينية من الصلاة
كما ذكروه في سائر أخبار الباب. ولا يحتمل ذلك في الصحيحة بقرينة التفريع في
قوله: " فمتى... ".
وقد يستدل أيضا بصحيحة الحلبي: عن الصلاة على الصبي متى يصلى
عليه؟ فقال: " إذا عقل " (1).
وعلي: عن الصبي يصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟ قال: " إذا
عقل الصلاة صلي عليه " (2).
والرضوي: " واعلم أن الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة " (3).
بضميمة صحيحة محمد: في الصبي متى يصلى عليه؟ قال: " إذا عقل
الصلاة " قلت: متى يعقل الصلاة وتجب عليه؟ قال: " لست سنين " (4).
فإن الثلاثة المتقدمة على هذه الصحيحة دلت على عدم وجوب الصلاة قبل
عقل الصلاة، ودلت هذه على أن عقل الصلاة إنما هو لست سنين، فلا تجب قبل
الست.
أقول: يرد عليه أنه لا شك أن من الأطفال من يعقلها قبل الست، ومن لا
يعقلها إلا بعدها، فالصحيحة واردة مورد الغالب.
وأيضا: من البديهيات أنه لا يتفاوت الحال في عقلها في يوم أو يومين أو
عشرة ونحوها، فلا يكون غير عاقل لها قبل الست بأيام يسيرة ويصير عاقلا بكمال
الست، فالمراد من الصحيحة التقريب، فلا يثبت المطلوب الذي هو عدم

(1) الكافي 3: 206 الجنائز ب 73 ح 2، الفقيه 1: 104 / 486، التهذيب 3: 198 / 456،
الإستبصار 1: 479 / 1855، الوسائل 3: 95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.
(2) التهذيب 3: 199 / 458، قرب الإسناد: 218 / 855، الوسائل 3: 96 أبواب صلاة الجنازة
ب 13 ح 4.
(3) فقه الرضا " ع ": 178، مستدرك الوسائل 2: 272 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.
(4) التهذيب 2: 381 / 1589، الإستبصار 1: 408 / 1562، الوسائل 4: 18 أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها ب 3 ح 2.
274

الوجوب قبل الست في كل أحد ولو بنحو يوم.
على أنه يمكن إن يكون المراد من الصحيحة ثبوت العقل والوجوب معا،
أي: وجوب الصلاة التمرينية بمعنى ثبوتها كما ذكروه في الست، فلا ينافي ثبوت
العقل المعلق عليه صلاة الجنازة قبل الست.
خلافا فيه (1) للمحكي عن الإسكافي، فأوجب الصلاة على الصبي مطلقا
بعد أن يكون خرج حيا مستهلا (2).
للنصوص المستفيضة: كصحيحة ابن سنان، وفيها: " وإذا استهل فصل
عليه وورثه " (3).
وعلي: كم يصلى على الصبي إذا بلغ السنين والشهور؟ قال: " يصلى عليه
على كل حال، إلا أن يسقط لغير تمام " (4).
ونحوها مرسلة أحمد (5).
ورواية السكوني: " يورث الصبي ويصلى عليه إذا سقط عن بطن أمه ما
استهل صارخا " (6).
ويجاب عنها - مع عدم دلالة غير الأولى على الوجوب -: بأنها أعم مطلقا
مما مر بأجمعها حتى روايات التعليق بالعقل، فيجب تخصيصها به، سيما مع
اعتضاده بالشهرة القوية - التي كادت أن تكون في نفي ذلك إجماعا - وبالأصل،

(1) أي في الحكم الأول، وهو: عدم وجوب الصلاة على الطفل ما لم يبلغ ست سنين.
(2) حكاه عنه في المختلف 1: 119.
(3) التهذيب 3: 199 / 459، الإستبصار 1: 480 / 1857، الوسائل 3: 96 أبواب صلاة
الجنازة ب 14 ح 1.
(4) التهذيب 3: 331 / 1037، الإستبصار 1: 481 / 1861، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة
الجنازة ب 14 ح 2.
(5) التهذيب 3: 331 / 1036، الإستبصار 1: 480 / 1859، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة
الجنازة ب 14 ح 4.
(6) التهذيب 3: 331 / 1035، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 3.
275

وبمخالفته العامة - التي هي مرجحة له لو تحقق التعارض أيضا - كما صرح بها
جماعة من الأصحاب (1)، وتشهد لها جملة من الأخبار، منها صحيحة زرارة
السابقة، وفي صحيحة أخرى له - بعد صلاته عليه السلام على طفل له -: " لم
يكن يصلي على الأطفال، وإنما كان أمير المؤمنين يأمرهم فيدفنون، ولا يصلي
عليهم، وإنما صليت عليه من أجل أهل المدينة كراهة أن يقولوا: لا يصلون على
أطفالهم " (2).
وفي رواية هشام: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن الناس يكلمونا
ويردون علينا قولنا: إنه لا يصلى على الطفل (3) الحديث.
وعن المفيد والجعفي والمقنع، فأوجبوا الصلاة على من يعقل الصلاة (4)،
وهو بإطلاقه يشمل من لم يبلغ الست أيضا، وإرجاعه إلى المشهور إنما يصح إذا
كان دليل على تلازم عقلها وبلوغ الست، وليس كذلك كما عرفت، فهو قول
مخالف على الظاهر للمشهور.
لروايات التعليق على العقل المتقدمة.
ويجاب عنها: بعدم دلالتها على الوجوب بالعقل، غايتها الرجحان، وهو
غير المطلوب. سلمنا ولكنها أعم مطلقا من صحيحة زرارة السالفة، فتختص بها
قطعا.
وأما الثاني (5)، فللإجماع، لعدم قدح مخالفة شاذ - يأتي - فيه أصلا، ولهذه

(1) كالشيخ في الإستبصار 1: 480، والعلامة في المختلف 1: 119، وصاحب الحدائق 10:
371.
(2) الكافي 3: 206 الجنائز ب 73 ح 3، التهذيب 3: 198 / 457، الإستبصار 1: 479 / 1856،
الوسائل 3: 98 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 1.
(3) الكافي 3: 209 الجنائز ب 73 ح 8، التهذيب 3: 332 / 1039، الوسائل 3: 100 أبواب
صلاة الجنازة ب 15 ح 3.
(4) المفيد في المقنعة: 229، حكاه عن الجعفي في الذكرى: 54، المقنع: 21.
(5) أي وجوب الصلاة على الطفل إذا بلغ ست سنين.
276

الصحيحة (1) بضميمة الإجماع المركب، حيث إن بها ثبت الوجوب ببلوغ الست
مع عقل الصلاة، وكل من يقول بذلك يقول بوجوبها به مطلقا، فإن المفيد وتابعيه
وإن لم يقولوا بوجوبها به من دون العقل، ولكنهم لا يقولون بوجوبها به مطلقا، بل
بالعقل وإن كان قبل الست.
مضافا إلى أن الظاهر عدم انفكاك بلوغ الست عن عقل الصلاة; لثبوت
الخطاب التمريني بها فيها، كما ورد في صحيحة الحلبي وفيها: قلت: متى تجب
الصلاة عليه؟ قال: " إذا كان ابن ست سنين، والصيام إذا أطاقه " (2).
وظاهر أنه لا تمرين بدون عقلها.
وبذلك تظهر دلالة موثقة الساباطي أيضا على المطلوب: عن المولود ما لم
يجر عليه القلم، هل يصلى عليه؟ قال: " لا، إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا
جرى عليهما القلم " (3).
حيث إن الخطاب التمريني أيضا قلم لا محالة. بل لا فرق في صدقه بينه
وبين التكليفي أصلا; لثبوته من الشرع.
ولا ينافيه حصر الصلاة في الرجل والمرأة الظاهرين في البالغ; لانتفاء
الظهور مع شرطية جري القلم، فإن المتبادر منها عدم استفادة جري القلم من
السابق، وحمل الجملة الشرطية على التأكيد خلاف الظاهر جدا، فهي قرينة على
إرادة المعنى الأعم من الرجل والمرأة.
نعم، الموثقة مثبتة للرجحان، وأما دلالتها على الوجوب فغير ظاهرة.
خلافا للعماني، فاشترط في الوجوب البلوغ (4)، وتبعه بعض متأخري

(1) أي: صحيحة زرارة المذكورة في صدر المسألة.
(2) الكافي 3: 206 الجنائز ب 73 ح 2، الفقيه 1: 104 / 486، التهذيب 3: 198 / 456،
الإستبصار 1: 479 / 1855، الوسائل 3: 95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.
(3) التهذيب 3: 199 / 460، الإستبصار 1: 480 / 1858، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة
الجنازة ب 14 ح 5.
(4) حكاه عنه في المختلف: 119.
277

المتأخرين (1)، فقال بوجوبها بالبلوغ، واستحبابها بالعقل للصلاة، وعدم
مشروعيتها قبله.
للموثقة المذكورة.
والأصل.
وعدم احتياجه إليها قبله.
ورواية هشام، وفيها: " إنما يجب أن يصلى على من وجبت عليه الصلاة
والحدود، ولا يصلى على من لا تجب عليه الحدود " (2).
ويجاب عن الأولى: بما مر.
وعن الثاني: باندفاعه بما ذكر.
وعن الثالث: بالمنع، وانتقاضه بالصلاة على النبي والأئمة عليهم السلام،
مع أنه اجتهاد في مقابلة الدليل.
وعن الرابع: بالضعف بالشذوذ، ومخالفة شهرة القدماء وعمل صاحب
الأصل.
فرع:
مقتضى طائفة من الأخبار المتقدمة عدم استحباب الصلاة على من لم يعقل
الصلاة، كما حكي القول به عن جماعة منهم: المفيد والكليني والصدوق
والمبسوط (3)، ومال إليه جمع من متأخري المتأخرين (4)، بل ظاهر الأول انتفاؤه عند
آل محمد عليهم السلام.

(1) كالفيض الكاشاني في الوافي 3: 75 أبواب التجهيز ب 91 بالطبع الحجري.
(2) الكافي 3: 209 الجنائز ب 73 ح 8، التهذيب 3: 332 / 1039، الوسائل 3: 100 أبواب
صلاة الجنازة ب 15 ح 3.
(3) المفيد في المقنعة: 231، حكاه عن الكليني في كفاية الأحكام: 22، الصدوق في المقنع: 21،
المبسوط 1: 180، لكن عبارته - كما قال المحقق السبزواري (ره) في الذخيرة: 328 - مشعرة بنفي
استحباب الصلاة عمن لم يبلغ ست سنين، فراجع.
(4) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 328، والعلامة المجلسي في البحار 78: 359، والآقا جمال
الخوانساري في شرحه على الروضة: 113، لكن ظاهر وعباراتهم نفي الاستحباب أو الميل إليه
فيمن لم يبلغ ست سنين.
278

وظاهر طائفة أخرى - مرت مستندة للإسكافي (1) - رجحانها واستحبابها،
كما حكي عن الأكثر (2).
ومقتضى قاعدة ترجيح المخالف للعامة من الأخبار العمل بالأولى، فعلى
مضمونها الفتوى. ولا تفيد حكاية الشهرة وأدلة الاحتياط للخروج عن الخلاف،
وإن كان المقام متحملا للتسامح; لأنه إنما هو إذا لم يكن دليل على انتفاء
الاستحباب، وهذه الأخبار الراجحة على معارضتها أدلة عليه.
وفعل الحجة - الوارد في بعض ما مر من الأخبار - للتقية ورفع التهمة، كما
يستفاد من الرواية.
واستبعاد ذلك لإمكان الاعتذار لترك الصلاة بأعذار وعدم ارتكاب
المحرم.
مدفوع: بأن في العذر أيضا مظنة التهمة، والحرمة مع عدم قصد المشروعية
ممنوعة.
المسألة الرابعة: لو وجد بعض الميت فإن كان صدرا أو ما فيه الصدر يصلى
عليه وجوبا، وفاقا للمحكي عن النهاية والمبسوط والخلاف والمقنعة والمراسم
والوسيلة والسرائر والمعتبر والشرائع والنافع (3)، وجملة من كتب الفاضل (4)،
وغيرها، بل هو المشهور، كما هو في طائفة من الكلمات مذكور (5)، بل الظاهر كونه
إجماعيا.

(1) راجع ص 275.
(2) انظر: الذخيرة: 328.
(3) النهاية: 40، المبسوط 1: 182، الخلاف 1: 715، المقنعة: 85، المراسم: 46،
الوسيلة: 63، السرائر 1: 167، المعتبر 1: 316، الشرائع 1: 37، النافع: 15.
(4) كما في المنتهى 1: 434، والتذكرة 1: 46، والقواعد 1: 19.
(5) المختلف: 46، الحدائق 10: 374، الرياض 1: 68.
279

فهو الحجة فيه، لا الأخبار الواردة في المقام; لخلوها طرا عن الدال على
الوجوب، بل غايتها الرجحان.
نعم في رواية طلحة بن زيد: " لا تصل على عضو رجل من رجل أو يد أو
رأس منفردا، وإن كان البدن فصل عليه وإن كان ناقصا من الرأس واليد
والرجل " (1).
ولكنها أخص من المدعى، إلا أن يتم بالإجماع المركب.
وظاهر بعض المعتبرة رجحان الصلاة على كل عضو تام (2)، وقيل
بوجوبها (3)، والاستحباب أظهر.
بل الظاهر من بعض الأخبار الاستحباب في كل عظم (4)، ولا بأس به.
ويشترط في الصلاة على العضو المنفرد موت صاحبه، إجماعا كما في
الذكرى (5)، فلو كان الباقي حيا لا يصلى عليه.
المسألة الخامسة: لو اشتبه ميت المسلم بغيره: فإما لا يكون الميتان
حاضرين، كأن يفقد أحدهما، وكان الموجود مشتبها، فالظاهر عدم وجوب
الصلاة على الحاضر; للأصل، فإنه لا تجب الصلاة على المسلم إلا مع حضوره.
وإن كانا حاضرين يصلى عليهما بنية الصلاة على المسلم، بمعنى أنه يتوجه
إليهما، وينوي المسلم منهما بالصلاة; لإمكان الصلاة عليه بهذا الوجه، فتجب،
ولا دليل على اشتراط تعيينه بخصوص شخصه الخارجي في النية أيضا، سيما في
مثل ذلك المقام.

(1) التهذيب 3: 329 / 1029، الوسائل 3: 136 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 7.
(2) انظر: الوسائل 3: 137، 138 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 9 و 13.
(3) كما عن الإسكافي في المختلف: 46.
(4) انظر: الوسائل 3: 136 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 8.
(5) الذكرى: 54.
280

وأما الصلاة على كل واحد واحد بشرط إسلامه - كما قيل (1) فصحته غير
معلومة; لأجل التعليق في القصد.
ويشكل الأمر فيما لو كثر الموتى بحيث يوجب الجمع تباعد البعض بالحد
الخارج عن القدر المجوز، ولا يبعد العفو عن هذا التباعد حينئذ.
المسألة السادسة: الحق المشهور وجوب الصلاة على ولد الزنا إذا كان بالغا
مسلما، بل عن الخلاف الإجماع عليه (2); للعمومات المتقدمة.
خلافا للمحكي عن الحلي فمنع عنها (3); لكفره المانع منها.
وفي كل من الموصوف والوصف نظر، يظهر وجهه مما مر.
ولو كان صبيا فعن الذكرى الاستشكال فيه (4); لعدم لحوقه بالأبوين حتى
يتبعهما أو أحدهما في الإسلام.
وهو كان في موقعه لو كان دليل الصلاة عليه مجرد الإجماع، أو اللحوق،
ولكن العمومات المتقدمة في الصبي وإطلاقاته تشمل كل ما لم يخرج بالإجماع،
فتجب الصلاة عليه.
ومنه يظهر وجوب الصلاة على لقيط دار الإسلام، بل دار الكفار إذا
احتمل كون الطفل متولدا من المسلم. نعم، لا تجب على المتولد من الكافرين;
لأن الإجماع أخرجه.

(1) انظر: المبسوط 1: 182.
(2) الخلاف 1: 713.
(3) السرائر 1: 357.
(4) الذكرى: 54.
281

البحث الثاني
في من يصلي على الميت
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: صلاة الميت واجبة كفاية على كل من علم بموته.
أما وجوبها فقد مر.
وأما عدم وجوبها على الجميع، فللإجماع بل الضرورة، وللعلم بأن المطلوب
ليس إلا إدخال واحدة في الوجود.
وأما عدم تعينها على أحد بخصوصه، فللأصل، وإطلاقات الأمر بالصلاة
المتقدمة، ونحو صحيحة علي - في أكيل السبع إذا بقي عظامه -: " يغسل ويصلى
عليها ويدفن " (1).
فتكون واجبة كفائية.
ولا ينافيه توجه الخطاب في بعض الأخبار إلى الولي; لأنه إما على سبيل
الأفضلية العينية الغير المنافية للوجوب الكفائي، أو مخصوص بالإمامة فيها، كما
يأتي.
مع أن الخطاب فيها إلى الولي أو من يأمره، فلو كان للوجوب لكانت واجبة
كفاية أيضا على الولي أو مأذونه. ولو عصى ولم يفعل ولم يأذن، تجب حينئذ على
سائر الناس كفاية أيضا. فالواجب الكفائي هو الصلاة بإذن الولي سواء فعلها
بنفسه، أو بنصب الغير. وإن لم يفعلها ولم يأذن للغير، يكون الواجب الكفائي هو

(1) الكافي 3: 212 الجنائز ب 76 ح 1، الفقيه 1: 96 / 444، الوسائل 3: 134 أبواب صلاة
الجنازة ب 38 ح 1.
282

الصلاة مطلقا، فيصدق على الصلاة أنها واجبة كفاية.
فإن قيل: حاصله الوجوب الكفائي على الولي، أو من يأذن له، فما الوجه
في الإطلاق؟.
قلنا: الوجه ما ذكر من الوجوب على غيرهما أيضا لو لم يأذن لأحد، فلا
يختص الوجوب بهما، فإن لازم ذلك عدم براءة أحد علم بموته إلا بالعلم بصلاة
الولي أو مأذونه، أو بصلاته، فلو لم يصل عليه يكون الكل معاقبا، ولو فعله أحد
يسقط عن الكل، وهو معنى الواجب الكفائي ولو لزم أولا مراعاة إذن الولي. مع
أنه لا منافاة بين الوجوب الكفائي والإناطة برأي بعض المكلفين.
المسألة الثانية: أحق الناس بالصلاة على الميت وأولاهم بها، أحقهم
وأولاهم به، بلا خلاف صريح أجده، وفي المدارك: أنه مقطوع به في كلام
الأصحاب، وأن ظاهرهم أنه مجمع عليه (1)، وفي الذخيرة: أنه في الجملة مما لا
خلاف فيه (2)، وفي الحدائق: نفي الخلاف صريحا في الحكم (3)، ونسبه في المنتهى
إلى علمائنا (4)، مؤذنا بالإجماع عليه، والظاهر أنه كذلك، وإن لم يذكره في الكافي،
ولكنه غير قادح في الإجماع، فهو الحجة فيه.
مضافا إلى مرسلتي ابن أبي عمير والبزنطي: " يصلي على الجنازة أولى الناس
بها، أو يأمر من يحب " (5).

(1) المدارك 4: 155.
(2) الذخيرة: 334.
(3) الحدائق 10: 382.
(4) المنتهى 1: 450.
(5) الأولى: الكافي 3: 177 الجنائز ب 48 ح 1، التهذيب 3: 204 / 483، الوسائل 3: 114
أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.
الثانية: الكافي 3: 177 الجنائز ب 48 ح 5، الوسائل 3: 114 أبواب صلاة الجنازة ب 23
ح 2.
283

والرضوي: " ويصلي عليه أولى الناس به " (1).
والآخر: " أولى الناس بالصلاة على الميت الولي أو من قدمه الولي، فإن كان
في القوم رجل من بني هاشم فهو أحق بالصلاة إذا قدمه الولي، فإن تقدم من غير
أن يقدمه الولي فهو غاصب " (2).
وقصور السند مجبور بما مر، مع أن كلا من المرسلتين بنفسه معتبر، ومنهما
ما عن المجمع على تصحيح ما يصح عنه قد صح.
واستدلوا أيضا بالآية الكريمة (3).
ورده جماعة من المتأخرين بعدم الدلالة (4). وهو كذلك; لعدم ثبوت إرادة
الأولوية في مثل ذلك أيضا، سيما مع أنه لا يبين الأولى منهم. وإجراء دليل تعميم
المطلقات هنا - كما قيل (5) - باطل; لأنه الإطلاق المنتفي هنا.
نعم لو تمسك في أمثالها بالتعميم بالحكمة لجرى هنا أيضا، ولكنه غير تام
بلا شبهة، كما بيناه في موضعه، سيما إذا كان بعض الموارد أشيع وأظهر، فإن
الميراث والتربية والتصرف في الأمر والنيابة ونحوها أظهر من نحو الصلاة
والتجهيز.
واحتجاج الحجج بالآية في أولوية أولي الأرحام في الميراث والإمامة لا يدل
على التعميم أصلا; إذ لعله مستند إلى قرينة مخفية علينا، أو لأجل ظهورها في
الأولوية فيما للميت حق التصرف فيه وتوليته من الحقوق المالية وغيرها، فلا يتعدى
إلى ما لا ظهور لها فيه كالمورد.
مع أن الظاهر إجماع الفريقين على إرادة الأولوية فيما ذكر منها، كما يظهر من

(1) فقه الرضا " ع ": 184.
(2) فقه الرضا " ع ": 177، مستدرك الوسائل 2: 278 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 1.
(3) (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) - الأنفال: 76.
(4) كصاحب المدارك 4: 156، والسبزواري في الذخيرة: 334.
(5) انظر: الرياض 1: 203.
284

تتبع كتبهم، فلذا استدل بها الإمام، ولا أقل من احتمال كون ذلك مسلما عند
الكل مصححا لاستدلالهم بها، فالتجاوز عنه باطل.
مع أنه ورد في بعض الأخبار ما ينافي العموم: روى العياشي في تفسيره عن
مولانا الباقر عليه السلام: في قول الله سبحانه: (وأولو الأرحام بعضهم أولى
ببعض في كتاب الله): " إن بعض أولى ببعض في الميراث، لأن أقربهم رحما إليه
أولى به " (1).
وفي [كتاب] (2) ابن الجحام: عن قول الله عز وجل: (هو أولو الأرحام
بعضهم أولى ببعض)، قال: " نزلت في ولد الحسين عليه السلام " قلت: جعلت
فداك، نزلت في الفرائض؟ قال: " لا " قلت: في المواريث؟ قال: " لا " قال:
" نزلت في الإمرة ".
ثم هذه الأحقية والأولوية هل هي على سبيل التعيين واللزوم؟ كما هو محتمل
أكثر الكلمات، وظاهر كثير منها وصريح بعضها، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه
في الإمامة، ويشعر به استدلالهم بالآية هنا كاستدلالهم بها في المواريث المراد منها
فيها التعين قطعا.
أولا، بل على سبيل الأفضلية والاستحباب؟ كما هو محتمل بعض من
العبارات أيضا.
الظاهر في بادئ النظر هو: الثاني; للأصل، والإطلاقات، وعدم دليل على
الأحقية بمعنى الوجوب; إذ لا دليل عليها سوى:
الآية المردودة دلالتها رأسا، مضافا إلى قصورها عن إفادة الوجوب لو دلت

(1) تفسير العياشي 2: 72 / 86، الوسائل 26: 89 أبواب موجبات الإرث ب 8 ح 11.
(2) في النسخ: مكاتبة ولكنا لم نعثر على مكاتبة منه بذلك المضمون، والرواية موجودة في البحار 23:
257 / 3 عن كنز جامع الفوائد، عن محمد بن العباس. ومحمد بن العباس هو ابن الحجام، له
كتب منها: تأويل ما نزل في النبي وآله عليهم السلام، كما قاله الشيخ في الفهرست: 149.
فالصحيح هو كتاب ابن الحجام، ويشهد له أن المصنف سيذكر الرواية في كتاب الإرث باب
مواريث ذوي الأنساب، عن كتاب ابن الحجام.
285

أيضا.
والأخبار الأربعة الغير الناهضة لإثبات اللزوم; لمكان الجملة الخبرية في
ثلاثة منها، وعدم الزيادة على التصريح بالأولوية الغير الصريحة في الوجوب في
الأخيرة.
والإجماع الغير المعلوم تحققه على اللزوم جدا، كيف؟! مع أنه لا دلالة
صريحة في أكثر العبارات على إرادة اللزوم، ومع ذلك لم يذكر بعضهم أصل
الأولوية (1) كما مر، ومنهم من نص على إشكال إثبات الوجوب: قال المحقق
الأردبيلي - بعد تضعيفه الأدلة -: وبالجملة الحكم بعدم جوازها مطلقا أو جماعة
إلا بإذن الولي، سيما مع مقابلة هذه الرواية فقط مع الأوامر العامة في الصلاة على
الأموات، وعدم نقل الاستئذان من الخلف، والأصل الدال على العدم، مع
الصعوبة في الجملة، لا يخلو عن صعوبة، إلا أن يكون اتفاقيا (2). انتهى. وظاهر
المدارك التردد (3)، وصرح بعضهم بأن مراد الأصحاب إنما هو في الجماعة (4)،
وخصه بعضهم بالإمامة (5).
فلا يثبت الإجماع على اللزوم في مطلق الصلاة، بل الجماعة أو الإمامة البتة.
وتقديم الولي على من أوصى الميت إليه بالصلاة لا يدل على ثبوت اللزوم،
حيث إن المقدم على الواجب لا يكون إلا واجبا; لعدم دليل على وجوب العمل
بمثل هذه الوصية أيضا، مع أن أصل التقديم خلافي كما يأتي.
إلا أن في قوله في الرضوي الأخير: " فهو غاصب " دلالة على الأول.
وضعفه غير ضائر; لتحقق الجابر كما مر. إلا أنه مخصوص بالجماعة; لمكان لفظ
التقديم.

(1) راجع الكافي في الفقه 156.
(2) مجمع الفائدة 2: 456.
(3) المدارك 4: 156.
(4) كما في الذخيرة: 334.
(5) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 456.
286

فالأظهر الأول في إمامة الجماعة، وعدم التقدم بدون إذن الولي، والثاني
في غيرها.
فروع:
أ: صرح الأكثر بأن المراد بأولى الناس بالميت أولاهم بميراثه، وعزاه في
الذخيرة إلى فهم الأصحاب وعملهم (1)، ونسبه بعض متأخري المتأخرين إلى
الأصحاب (2)، وفي المنتهى: أنه قول علمائنا (3)، مؤذنين بالإجماع عليه، وفي
الحدائق: أنه لا خلاف فيه (4).
وهو كذلك; أما على استحباب التقديم، فلما ذكر، فإن مثله كاف في المقام
حينئذ.
وأما على اللزوم، فللتعليل المذكور في المروي في تفسير العياشي المتقدم،
المنجبر بما ذكر، وصحيحة الكناسي، المشهورة، الواردة في تفضيل الأولى من ذوي
الأرحام بقوله: " ابنك أولى بك من أمك (5) وابن ابنك أولى بك من أخيك " (6)
الحديث.
فإنه قد أثبت فيها الأولوية المطلقة - المعلقة عليها الصلاة في الأخبار المتقدمة -
للأكثر من المقدمين في الميراث، ويتم المطلوب في الباقي بعدم الفصل.
مع أن الأولى بالميراث هو الأولى بالميت بأي معنى أخذ قطعا، إلا في نادر،
كما في الوصي للأب أو الحاكم الشرعي، مع المعتق بل مثل ابن العم، فإن كونه
أولى منهما به بجميع المعاني غير معلوم.

(1) الذخيرة: 334.
(2) كصاحب الرياض 1: 203.
(3) المنتهى 1: 450.
(4) الحدائق 10: 382.
(5) كذا في النسخ، وفي المصادر: " ابن ابنك ".
(6) الكافي 7: 76 المواريث ب 3 ح 1، التهذيب 9: 268 / 974، الوسائل 26: 63 أبواب
موجبات الإرث ب 1 ح 2.
287

فلا يضر عدم استفادة المراد من الأولى من الأخبار المتقدمة. بل قيل
باستفادته منها أيضا (1); لدلالة تتبع النصوص على أن المراد بالأولى مطلقا المستحق
للميراث، كما في المرسل: في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام، قال: " يقضيه
أولى الناس به " (2).
فقد أطلق الأولى وأراد الأولى بالميراث.
ولذا ورد في الصحيح مثله مبدلا لفظة " به " بقوله " بميراثه " (3).
وكما في صحيحة الكناسي المتقدمة.
ولكن فيه نظر; إذ قد ورد في النصوص الأولى مطلقا بمعنى آخر أيضا،
قال الله سبحانه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (4).
وفي الخبر: قال النبي صلى الله عليه وآله: " ألست أولى بكم من
أنفسكم " (5).
وكون المراد به في المرسل ذلك ممنوع; فإنه لا يقضيه الأب والجد والأم
وباقي المستحقين للميراث غير الابن الأكبر، عند الأكثر، وظاهر أنه ليس بالأولى
بالميراث مطلقا. ومنه يعلم أن وروده في الصحيح أيضا لا يخلو عن تجوز. وكذا لا
نسلم أن المراد منها في صحيحة الكناسي الأولى بالميراث خاصة وإن كان كذلك
واقعا.
ب: قد ظهر مما ذكر أولوية كل طبقة مقدمة في الإرث على المتأخرة فيها.
وأما أهل كل طبقة واحدة فقالوا فيهم: الأب أولى من الابن، والجد للأب

(1) الرياض 1: 203.
(2) الوسائل 8: 278 أبواب قضاء الصلاة ب 12 ح 6، نقله عن كتاب غياث سلطان الورى للسيد
ابن طاووس.
(3) الكافي 4: 123 الصيام ب 44 ح 1، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح
5.
(4) الأحزاب: 6.
(5، تفسير القمي 1: 174.
288

من الأخ، والمتقرب بالأبوين من المتقرب بأحدهما، وبالأب خاصة من المتقرب
بالأم، والعم من الخال. وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب، بل تكرر نفي
الخلاف، بل دعوى الوفاق على الأول (1).
فعلى كون الحكم على سبيل الاستحباب يكفي ما ذكر في ثبوته، مضافا -
في بعض أفراد المتقرب بالأبوين - إلى التصريح بأولويته في صحيحة الكناسي، بل
في مطلقه إلى عموم تعليل المروي في تفسير العياشي.
وأما لو بني الحكم على الوجوب فإثبات الحكم بذلك وببعض التعليلات
التي ذكروها في المقام - مما لا يقبلونها في غير المقام - مشكل، ولذا استشكل بعض
المتأخرين في الحكم (2).
والحكم بكون الأكثر نصيبا أولى من الأقل مطلقا - لصحيحة الكناسي -
فاسد; لأن تقديم بعض من هو أكثر نصيبا فيه لا يدل على الكلية، إلا بالقياس
المردود.
إلا أنه يمكن إثباته في جميع أفراد المتقرب بالأبوين بضم الإجماع المركب إلى
الصحيحة. وفي الجميع بأصل الاشتغال; لثبوت ولاية من ذكروه إجماعا دون
غيره. واحتمال ولاية غيره إنما يضر في هذا الأصل لو أوجبنا اجتماع الأولياء المتعددة
في الصلاة، وليس كذلك كما يأتي.
ج: يظهر من بعضهم أن مع تعدد الولي من طبقة يقدم الأكبر سنا (3).
فإن ثبت الحكم بشهرة أو نحوها، فيحكم به على استحباب تقديم الولي،
وإلا فلا دليل عليه، كما لا دليل أصلا على المختار من وجوب التقديم.
وقد يستدل بصحيحة الصفار: رجل مات، وعليه قضاء شهر رمضان
عشرة أيام، وله وليان، هل يجوز لهما أن يقضيا جميعا، أحد الوليين خمسة أيام

(1) التذكرة 1: 47، المدارك 4: 157، الذخيرة: 334.
(2) كما في المدارك 4: 158.
(3) كما في الحدائق 10: 390.
289

والآخر خمسة؟ فوقع عليه السلام: " يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام " (1).
ودلالتها ممنوعة، بل هي تدل على ثبوت الولاية لكل منهما، وإن كان
القضاء على أكبرهما.
د: لا ريب في ثبوت الولاية للأنثى أيضا; لعموم التعليل المتقدم،
وتصريح الأصحاب، وصحيحة زرارة: المرأة تؤم النساء؟ قال: " لا، إلا على
الميت إذا لم يكن أحد أولى منها " (2) الحديث.
وصحيحة الصفار وفيها: " وإن لم يكن له ولي من الرجال، قضاه وليه من
النساء " (3).
وإذا اجتمع الذكور والأنثى في طبقة فحكموا بتقديم الذكر، ونفى عنه
الريب بعض من تأخر (4)، والحكم به في كلماتهم قد تكرر، بل عن المنتهى نفي
الخلاف عنه (5).
وهو يكفي في المقام - على الاستحباب - مضافا إلى تقديم صحيحة
الكناسي الابن علي الأم (6)، بضميمة عدم الفصل.
وأما على القول بالوجوب، فدليله الصحيحة مع الضميمة، والأصل
المتقدم.

(1) الكافي 4: 124 الصيام ب 44 ح 5، الفقيه 2: 98 / 441، التهذيب 4: 247 / 732،
الإستبصار 1: 108 / 355، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3.
(2) الفقيه 1: 259 / 1177، الوسائل 3: 117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 1.
(3) لا توجد إلا في فقه الرضا " ع ": 212، ورواها عنه في الحدائق 10: 390، والمستدرك 7: 449
أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 1، فالظاهر وقوع السهو في التعبير عنها بصحيحة الصفار.
(4) انظر: المدارك 4: 159.
(5) المنتهى 1: 451.
(6) هذا بناء على ما ورد في المتن من الصحيحة " ابنك أولى بك من أمك " - تبعا للرياض - ولكن
الموجود في المصادر: " ابنك أولى بك من ابن ابنك " كما أشرنا إليه سابقا.
290

وحكي القول بمشاركتها مع الورثة (1)، وهو ضعيف.
وقد يظهر من بعضهم تقدم الذكر ولو تأخر طبقة، على الأنثى ولو تقدمت.
وعموم رواية العياشي بضميمة الإجماع المركب يضعفه.
وتقويته بمفهوم صحيحة الصفار السابقة، وصحيحة حفص الواردة في
القضاء: قلت: إن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: " لا، إلا الرجل " (2).
ضعيفة جدا; لدلالة الأولى على عدم قضاء المرأة مع وجود الولي من
الرجال، ويمنع ولايتهم مع وجود المرأة الأقرب. وعدم دلالة الثانية إلا على
اختصاص القضاء بالرجل، وهو لا يدل على تقديمه مطلقا، بل يدل على أنه قد
تكون المرأة أولى بالميت مع وجود الرجل، وإن كان القضاء عليه.
ه‍: الزوج أولى بالزوجة من سائر أقاربها، وإن كانت متمتعة أو مملوكة، كما مر
بدليله في بحث غسل الميت.
ولا تلحق به الزوجة; للأصل.
و: لو تعددت الأولياء فقد يحصل التأمل في ثبوت ولاية الصلاة لهم; إذ ليس
المراد بالأولى الذي له تولية الصلاة جميعهم، إذ ليس المطلوب إلا صلاة واحدة،
ولا واحدا منهم، لأنه ليس بأولى من جميع من هو غيره، لوجود المساوي له في
الولاية، وإرادة الأولى في الجملة غير معلومة.
وهو كان في موقعه لو انحصر الدليل على أولوية الأولى بالمرسلتين المتضمنتين
للفظ الأولى (3).
وأما الرضوي الأخير (4) فهو يثبت الأولوية للولي الصادق على كل واحد.

(1) حكاه صاحب المدارك 4: 160.
(2) الكافي 4: 123 الصيام ب 44 ح 1، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح
5.
(3) راجع ص 283 - 284.
(4) راجع ص 284.
291

وضعفه منجبر باشتهار عدم جواز التقدم إلا بإذن الولي، ودعوى الإجماع عليه في
كلام بعض المتأخرين، فيثبت تولية الصلاة لكل من المتعدد.
وعلى هذا فلو لم يكن بينهم اختلاف بأن لا ينازع بعضهم بعضا في
الصلاة، أو المأذون فيها، فلا إشكال.
ولو خالفوا فيها فأراد كل منهم الصلاة بنفسه، أو في من يصلي، فأراد كل
منهم صلاة شخص، فقالوا: يقدم الهاشمي، ثم الأفقه، ثم الأقرأ، ثم الأسن،
ثم الأصبح (1)، بمعنى أنه ينبغي للأولياء الاجتماع على تقديمه.
فإن أرادوا بذلك الأفضلية كما هو الظاهر، بل صريح الأكثر، فهو كذلك;
لاشتهار الحكم الكافي في إثبات الأفضلية، مضافا في الأول إلى الرضوي المتقدم،
والعامي: " قدموا قريشا ولا تقدموهم " (2).
وإن أرادوا اللزوم، فلا دليل عليه; لقصور الروايتين عن إثباته سندا
ودلالة، والخلو عن الجابر المعلوم في المقام.
والمناط في الترجيح إنما هو الصلاة دون الإذن، فلو اختلفت الأولياء في هذه
الصفات وأرادوا نصب الغير لم تعتبر هذه الصفات فيهم، بل تعتبر في المصلي.
ثم إن اجتمعوا على الأفضل فهو، وإن لم يتفقوا عليه، وتساووا في
الصفات، فقيل: يقرع (3). والحق جواز تقدم كل من الأولياء، أو من أذن له
أحدهم، وكفاية صلاته، ويظهر وجهه مما مر.
ز: لو انحصر الأولى بالميت في الصغير أو المجنون، فالظاهر أنه لا ولاية
للصلاة حينئذ لأحد، بل يجوز تقدم من شاء; إذ المذكور في الأخبار أنه يصلي
الأولى بالميت، أو الولي، أو يأمر من يحب، وظاهر أن الصغير والمجنون لا

(1) كما في الشرائع 1: 105، والتذكرة 1: 47، والمسالك 1: 37.
(2) الجامع الصغير 2: 253 / 6108 و 6109 و 6110.
(3) كما في المبسوط 1: 184.
292

يصلحان لتعلق هذا الحكم، فهما خارجان من الأخبار، وغيرهما ليس مصداقا
للأولى والولي حتى يتعلق به الحكم.
فهما وإن كانا أولى بالميت - ولذا يقدمان في الإرث لذلك - ولكن لا
يصلحان للحكم، وغيرهما وإن كان صالحا له، ولكن ليس بأولى إلى الميت، وإن
كان أولى إلى الصغير والمجنون، لعدم دليل عليه.
ومنه يظهر أن الحكم كذلك لو كان الأولى بالميت غائبا لا يمكن الاستيذان
منه قبل فوات الصلاة.
ولو كان مع أحدهما أنثى في مرتبته تقدم في الصلاة أو الإذن; لأنها أيضا
من الأولياء، وإن كانت تؤخر عن الذكور لأدلة غير جارية هنا.
ح: لو مات أحد، ولم يعلم له قريب ولا ولي غير الحاكم، فهو أولى الناس
به مع وجوده، وعدول المسلمين مع عدمه، فلا تجوز لأحد الصلاة عليه إمامة
بدون إذنه، ولو اطلع الحاكم تجب عليه المبادرة في الصلاة أو الإذن.
ط: لا شك في جواز تقدم من يعلم إذن الولي بالفحوى; لصدق الأمر
والتقديم.
وهل يكفي في تحقق الإذن شاهد الحال؟.
فيه نظر; لأن المذكور في الأخبار أمر الولي أو تقديمه، وصدقهما في المورد
غير معلوم.
إلا أن يقال: إن عدم جواز تقدم غير الولي أو المأذون منه كان بالرضوي
بتوسط الانجبار بما ذكر، وتحقق الانجبار في المورد غير معلوم، فيجوز له التقدم.
ولا بأس به.
ي: ظاهر الشرائع والنافع والذكرى وغيرها: اختصاص التوقف على إذن
الولي بالجماعة (1)، ونسبه في روض الجنان إلى الأصحاب كافة (2)، ونحوه في

(1) الشرائع 1: 105، النافع: 40، الذكرى: 57، وانظر: الرياض 1: 204.
(2) روض الجنان: 311.
293

الذخيرة (1)، بل صرح بعضهم بأن ذلك في الإمام دون المأموم (2)، ولعله أيضا
مرادهم من الجماعة.
وهو كذلك; لما عرفت من انحصار الدليل على التوقف بالرضوي المشتمل
على لفظ التقدم، الظاهر أو المحتمل للإمامة، فينحصر بها. مع أن العلم
بانجباره أيضا منحصر فيها.
يا: لو تقدم أحد بدون إذن الولي، فهل فعل حراما فقط، أو تبطل معه
صلاته؟.
قد يقال بالأول; لأن الواجب الذي هو الاستئذان من الولي أمر خارج عن
حقيقة الفعل، فلا يبطل بانتفائه.
وفيه: أن الواجب هو الاستيذان قبل الصلاة فصلاته قبله ضده، والأمر
بالشئ نهي عن ضده، والنهي يوجب فساد العبادة.
مع أن المصرح به في الرضوي أنه غاصب، وفي كلام كثير من الأصحاب
أنه لا يجوز، وادعى عليه بعض مشايخنا الإجماع (3)، فيكون التقدم والإمامة حراما
البتة، وليس المراد منهما إلا الصلاة مقدما - إذ ليست الإمامة غير ذلك - فتكون
باطلة.
وهل تبطل صلاة المأمومين حينئذ أيضا أم لا؟.
مقتضى الأصل: الثاني; إذ ليست المأمومية هنا إلا التأخر في تكبيرة الإحرام
والمتابعة في الأفعال والأقوال، ولا يتحمل الإمام عن المأموم واجبا تبطل ببطلانه
صلاته، غايته متابعته قولا وفعلا مشروعا لمن ليس له قوله وفعله كذلك، وهو لا
يوجب البطلان.

(1) الذخيرة: 334.
(2) مجمع الفائدة 2: 456.
(3) الرياض 1: 204.
294

وأما ما دل على بطلان صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام، فلا يفيد هنا;
لمنع كونها صلاة.
ومنه يظهر سقوط الصلاة عن الغير بوقوع صلاة على الميت ولو بدون إذن
الولي; لأنها إن كانت فرادى لم يشترط فيها الإذن، وإن كانت جماعة لا ينفك عن
مأموم لا يشترط له الإذن أيضا.
يب: إطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في أحقية الولي بالصلاة بين ما لو
أوصى الميت بها إلى غيره أم لا. قيل: ولعله المشهور (1)، بل عن المختلف نسبته
إلى علمائنا (2)، مؤذنا بدعوى إجماعهم عليه.
خلافا للمحكي عن الإسكافي في صورة الوصية (3); لعموم آية النهي عن
تبديل الوصية (4).
ورد: بأنه معارض بعمومات الآية والأخبار المتقدمة. والترجيح معها;
للشهرة.
ويضعف: بأن الآية الثانية - كما مر (5) - غير دالة، والشهرة للترجيح غير
قابلة، والأخبار مع الكتاب غير مكافئة، فلو تمت دلالة الآية على لزوم مطلق
الوصية حتى مثل المسألة لكان الترجيح مع الوصية. ويتم تحقيقه في بحث
الوصايا.
المسألة الثالثة: لا تشترط في المصلي على الميت وحده العدالة إجماعا;
للأصل والعمومات.
والمشهور اشتراطها في إمام الجماعة فيها وإن كان وليا، وقيل: بلا خلاف

(1) الرياض 1: 203.
(2) المختلف: 120.
(3) حكاه عنه في المختلف: 120.
(4) البقرة: 181.
(5) في ص 284.
295

أجده (1)، وعن المنتهى: أنه اتفاق علمائنا (2); له، ولأصالة عدم مشروعية الاقتداء
بغير ما اتفقوا عليه، وإطلاق ما دل على اعتبارها في إمام الجماعة.
ويمكن القدح في الأول: بعدم الحجية.
وفي الثاني: بأن عمومات مشروعية الجماعة هنا من غير تقييد - كما يأتي -
تثبت الشرعية، وتدفع الأصالة.
وفي الثالث: بمنع إطلاق يشمل المسألة; لأنه بين متضمن للفظ الصلاة
الغير الصادقة هنا على الحقيقة، ومطلق لا يعلم صدقه على إمام الصلاة مطلقا،
بل تحتمل إرادة إمام الملة.
ولذا ناقش في اعتبارها المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد، قال بعد ذكر
اشتراط العدالة وأنه محل تأمل: إذ لا دليل على الاشتراط هنا، مع أنه لا يتحمل
شيئا وليس إلا تقدم صورة، إلا أن يكون إجماعا (3).
وكذا في الذخيرة، فقال: إن للمنازعة فيه مجالا; لعموم النص، وعدم
كونها صلاة حقيقة (4).
ومراده من النص ليس نصوص صلاة الميت; لأن عمومها لا يكفي في
تعميم الإمام، فإن جواز صلاة كل أحد لا يثبت مشروعية الائتمام به ومطلوبية
متابعته. إلا أن يقال: إن الصلاة تشمل الجماعة أيضا، ومشروعية الصلاة لكل
أحد ولو جماعة تستلزم مشروعية الاقتداء به. ولكن فيه تأمل.
بل المراد النص الدال على الجماعة هنا، كالرضوي الأخير في الهاشمي،
حيث يشمل غير العادل منه أيضا (5)، وصحيحة زرارة: المرأة تؤم النساء؟ قال:

(1) الرياض 1: 204.
(2) المنتهى 1: 451.
(3) مجمع الفائدة 2: 459.
(4) الذخيرة: 335.
(5) راجع ص 284.
296

" لا، إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها، تقوم وسطهن في الصف، تكبر
ويكبرن " (1).
وإذا ثبت الحكم في المرأة يثبت في الرجل بالإجماع المركب، والفحوى.
ومنه تظهر قوة جانب عدم اعتبارها، وإن كان الاعتبار أحوط.
وعلى هذا فالاحتياط للولي الغير العادل استنابة غيره من العدول، كما أن
على لزوم اعتبارها يجب عليه ذلك لو أراد الجماعة.
المسألة الرابعة: يستحب للولي ولو كان عادلا تقديم الأكمل منه - لو
وجد - بالهاشمية; للرضوي المتقدم.
أو الأعلمية; للمرسل: " من أم قوما وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم
إلى سفال إلى يوم القيامة " (2).
أو الأسنية; لبعض الأخبار (3).
بل في مطلق الكمال إذا كان الأكمل في تلك الصفات عادلا.
وفي الذخيرة احتمال ترجيح الولي مع اجتماعه الشرائط مطلقا; لاختصاصه
بمزيد الرقة التي هي مظنة الإجابة من الله سبحانه (4).

(1) الفقيه 1: 259 / 1177، التهذيب 3: 206 / 488، الإستبصار 1: 426 / 1648، الوسائل
3: 117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 1.
(2) الفقيه 1: 247 / 1102، الوسائل 8: 346 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 1.
(3) الوسائل 8: 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
(4) الذخيرة: 335.
297

البحث الثالث
في كيفية الصلاة عليه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يجب أن ينوي أولا صلاة الميت تقربا إلى الله تعالى; لأنها
عبادة، فتفتقر إلى النية.
ولا تجب نية الوجوب أو الندب، على ما مر في كتاب الطهارة.
ويشترط تعيين الميت، بأن يقصد الصلاة على هذا الميت أو هذه الأموات،
إذا لم يتعين المصلى عليه من الخارج، حتى يصدق الامتثال وينصرف الأمر إليه.
ولا تشترط معرفة الميت; للأصل.
وهل يكفي منوي الإمام للمأموم إذا لم يتعين من الخارج؟ فيه احتمال قوي.
وتجب استدامة النية حكما إلى الفراغ.
وعلى المأموم عند إرادة الائتمام نية الاقتداء كغيرها من الصلوات، على
احتمال. وفي شرح الإرشاد: أنه ليس بمعلوم الوجوب; لعدم سقوط شئ (1)،
وهو كذلك.
ثم يكبر خمس تكبيرات، أولاها تكبيرة الإحرام، بالإجماع، والنصوص
المستفيضة بل المتواترة معنى من طرقنا كصحيحتي ابن سنان (2)، وصحيحة

(1) مجمع الفائدة 2: 432.
(2) الأولى: التهذيب 3: 315 / 976، الإستبصار 1: 474 / 1832، الوسائل 7: 74 أبواب
صلاة الجنازة ب 5 ح 6.
الثانية: الفقيه 1: 105 / 468، التهذيب 3: 330 / 1033، الوسائل 7: 76 أبواب
صلاة الجنازة ب 5 ح 13.
298

إسماعيل بن سعد (1)، وحسنة أبي ولاد (2)، وروايتي أبي بصير (3)، وروايات
الحضرمي (4)، والجعفري (5)، وابن زائدة (6)، وغير ذلك مما يأتي بعضها.
وفي الرضوي: " إذا أردت أن تصلي على الميت، فكبر عليه خمس
تكبيرات " (7).
وإن كان في دلالة بعضها على الوجوب تأمل، ولكنه غير ضائر; لكفاية
ثبوت مطلق الرجحان في إثبات الإيجاب بالإجماع المركب.
وأما ما يدل على الأربع فلما مر غير مكافئة، وعلى التقية محمولة; لأنه
مذهب جميع العامة كما صرح به عظماء الطائفة (8)، واستفاضت به أحاديث
العترة، منها المروي في العلل: لأي علة تكبر على الميت خمس تكبيرات، ويكبر
مخالفونا أربع تكبيرات؟ (9) الحديث.
وفي العيون: " فمن قبل الولاية يكبر خمسا، ومن لم يقبل الولاية يكبر أربعا،

(1) التهذيب 3: 192 / 439، الإستبصار 1: 477 / 1848، الوسائل 3: 74 أبواب صلاة
الجنازة ب 5 ح 5.
(2) التهذيب 3: 316 / 980، الإستبصار 1: 474 / 1836، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة
الجنازة ب 5 ح 9.
(3) الأولى: التهذيب 3: 315 / 977، الإستبصار 1: 474 / 1833، الوسائل 3: 75 أبواب
صلاة الجنازة ب 5 ح 8.
الثانية: التهذيب 3: 315 / 978، الإستبصار 1: 474 / 1834، الوسائل 3: 75 أبواب
صلاة الجنازة ب 5 ح 10.
(4) الكافي 3: 181 الجنائز ب 52 ح 5، التهذيب 3: 189 / 430، الخصال: 280 / 26،
المحاسن: 316 / 36، العلل: 302 / 1، الوسائل 3: 73 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 4.
(5) العلل: 302 / 3، الوسائل 3: 73 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 3.
(6) التهذيب 3: 316 / 979، الإستبصار 1: 474 / 1835، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة
الجنازة ب 5 ح 11.
(7) فقه الرضا " ع ": 183، مستدرك الوسائل 2: 255 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 2.
(8) كالسيد في الإنتصار: 59، والعلامة في التذكرة 1: 50، والشهيد في الذكرى: 58.
(9) العلل: 303 / 1، الوسائل 3: 77 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 17.
299

فمن أجل ذلك تكبرون خمسا ومن خالفكم يكبر أربعا " (1).
بل به اعترف علماء العامة. قال بعض شراح صحيح مسلم: إنما ترك
القول بالتكبيرات الخمس في صلاة الجنازة، لأنه صار علما للتشيع، وقال عبد الله
المالكي في كتابه المسمى بفوائد مسلم: إن يزيدا كبر خمسا، وكان رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يكبرها، وهذا المذهب الآن متروك، لأنه صار علما على القول
بالرفض.
مع أنه يحتمل حملين آخرين:
أحدهما: الحمل على الصلاة على المنافقين والمتهمين بالنفاق، كما مر في
رواية محمد بن مهاجر (2)، وفي صحيحة إسماعيل بن سعد: عن الصلاة على
الميت، فقال: " أما المؤمن فخمس تكبيرات، وأما المنافق فأربع، ولا سلام
فيها " (3).
وفي صحيحة هشام بن سالم: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يكبر على قوم خمسا، وعلى آخرين أربعا، فإذا كبر على رجل أربعا فاتهم
بالنفاق " (4).
وفي رواية إسماعيل بن همام: " فأما الذي كبر عليه خمسا فحمد الله تعالى
ومجده في التكبيرة الأولى، ودعا في الثانية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا في
الثالثة للمؤمنين والمؤمنات، ودعا في الرابعة للميت، وانصرف في الخامسة، وأما
الذي كبر عليه أربعا، فحمد الله تعالى ومجده في التكبيرة الأولى، ودعا لنفسه وأهل
بيته في الثانية، ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة، وانصرف في الرابعة فلم يدع

(1) عيون أخبار الرضا " ع " 2: 81 / 20، الوسائل 3: 76 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 16.
(2) راجع ص 269.
(3) التهذيب 3: 192 / 439، الإستبصار 1: 477 / 1848، الوسائل 3: 74 أبواب صلاة
الجنازة ب 5 ح 5.
(4) الكافي 3: 181 الجنائز ب 52 ح 2، التهذيب 3: 197 / 454 و 317 / 982، الإستبصار 1:
475 / 1839، العلل: 303 / 2، الوسائل 3: 72 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 1.
300

له، لأنه كان منافقا " (1).
والثاني: أن المراد بالأربع الإخبار عما يقال بين التكبيرات من الدعاء، فإن
الخامسة ليس بعدها دعاء، كما تكشف عنه رواية أبي بصير: سأله رجل عن
التكبير على الجنائز، فقال: " خمس تكبيرات " ثم سأله آخر عن الصلاة على الجنازة
فقال: " أربع صلوات " فقال الأول: جعلت فداك، سألتك فقلت: خمسا وسألك
هذا فقلت: أربعا، فقال: " إنك سألتني عن التكبيرة، وسألني هذا عن الصلاة "
ثم قال: " إنها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات " (2).
هذا كله مع أن الإثبات مقدم على النفي، فلعل راوي الأربع لم يسمع
الخامسة; لكونها منفردة عن الدعاء، وكونه بعيدا عن الإمام عليه السلام.
ثم إنه لا فرق في وجوب التكبيرات الخمس بين كون الميت مؤمنا أو مخالفا
تجب عليه الصلاة; للعمومات المتقدمة المثبتة للوجوب، ولو بضميمة الإجماع
المركب.
وأما ما مر من روايات تكبير النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعا، فإنما هو
في المنافق، وصدقه على مطلق المخالفين غير معلوم، وإن أطلق عليهم في بعض
الأخبار، ولكن الاستعمال أعم من الحقيقة، والمجاز غير منحصر في واحد.
المسألة الثانية: يدعى بين كل تكبيرتين بالدعاء إجماعا; له، وللمستفيضة
بل المتواترة معنى من الأخبار (3).
وهل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟.

(1) التهذيب 3: 317 / 983، الإستبصار 1: 475 / 1840، الوسائل 3: 64 أبواب صلاة
الجنازة ب 2 ح 9.
(2) التهذيب 3: 318 / 986، الإستبصار 1: 476 / 1842، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة
الجنازة ب 5 ح 12.
(3) انظر: الوسائل 3: 60 أبواب صلاة الجنازة ب 2.
301

الحق هو الأول، وفاقا للأكثر كما صرح به جماعة (1)، بل عن ظاهر الخلاف
والمنتهى والذكرى الإجماع عليه (2).
لا لوقوع الأمر به في الأخبار المتكاثرة.
ولا لوروده في بيان كيفية الواجب.
ولا لحمله مع ذلك على الصلاة في رواية أبي بصير السابقة بقوله فيها تارة
" أربع صلوات " وأخرى " خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات ".
ولا لتوقف حصول البراءة اليقينية عليه كما في الذخيرة (3).
لإمكان القدح في الأول: بمنع الأمر به في الأخبار، وغايتها الجمل الخبرية
التي هي أعم من الوجوب. مع أنها لو فرضت دلالتها على الوجوب لم تكن نافعة
في المقام; لأن هذه الأوامر ليست واردة على مطلق الدعاء، بل على دعوات
مخصوصة غير واجبة إجماعا، معارضة بعضها مع بعض في الخصوصية، المانع
تعارضها عن إيجاب واحد منها.
ومنه يظهر وجه القدح في الثاني أيضا، مضافا إلى أنه إن أريد وروده في بيان
الكيفية الواجبة للواجب، فلا دليل عليه، وظهوره فيه ممنوع، وإن أريد مطلق
الكيفية له - أي الأعم من الواجبة والمستحبة - فلا يفيد.
ومنه يظهر القدح في الثالث أيضا. والحمل وإن كان حقيقة في الحقيقي وهو
يوجب اتحاد صلاة الميت مع ما ذكر فيكون واجبا، إلا أن إرادة الحقيقي هنا غير
ممكنة; لأن حقيقة الدعاء على الميت - الذي هو معنى الصلاة لغة - معلومة، وهي
مطلق الدعاء عليه، فيكون خصوص الأربع مغايرا للحقيقة.
مع أن حقيقة صلاة الميت لو كانت هي ما يجب شرعا في صلاة الجنائز،

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 451، والسبزواري في الذخيرة: 328، وصاحب الرياض 1:
204.
(2) الخلاف 1: 724، المنتهى 1: 451، الذكرى: 59.
(3) الذخيرة: 328.
302

لكان المحمول مغايرا للموضوع هنا قطعا؟ لوجوب أمور أخر فيها من النية والقيام
والاستقبال وغيرها. فلا بد من ارتكاب تجوز إما في الحمل أو الموضوع بإرادة
المشروع من الصلاة أو الواجب منها أو المستحب، والمقصود غير متعين،
فالاستدلال به غير تام.
وفي الرابع: بأن المعلوم اشتغال الذمة به - وهو خمس تكبيرات - علمت
البراءة عنه، والاشتغال بالزائد غير معلوم، فلا يستدعي اليقين بالبراءة.
بل (1) لوقوع الأمر بالصلاة على الميت مطلقة في أخبار كثيرة، والصلاة لغة
حقيقة في الدعاء فيجب الدعاء له، وبوجوبه تجب الأربع بالإجماع المركب.
فإن قيل: الدعاء وإن كان حقيقة لغوية للصلاة، ولكنه مجاز شرعي;
لحصول الحقيقة الشرعية فيها، فهو معنى مجازي أيضا كالتكبيرات، فلا تتعين
إرادته.
قلنا: نعم، كذلك حين ثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة. وحصولها في زمان
النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيما زمان صدور الأخبار النبوية - المتقدم ذكرها
في صدر الباب - غير معلوم، فالحمل على الحقيقة اللغوية لازم، وليس هو إلا
مطلق الدعاء.
فإن قيل: تجب في صلاة الميت التكبيرات وتعدد الصلوات وأمور أخر
أيضا، وهي خارجة عن حقيقتها اللغوية، فعدم إرادتها معلوم، والمجاز غير
متعين.
قلنا: وجوب هذه الأمور لا يستلزم إرادتها من الصلاة، بل الثابت من
الأمر بالصلاة ليس إلا وجوب الدعاء وإن علم وجوب أمور أخر بأوامر أخر.
ويؤكد ما ذكرنا من إرادة المعنى اللغوي، وكونها هنا بمعنى الدعاء: ما مر
من رواية محمد بن مهاجر السالفة (2)، المصرحة بأن بعد ما نهى الله عن الصلاة

(1) عطف على قوله: لا لوقوع الأمر به....
(2) في ص 269.
303

على المنافقين بقوله سبحانه: (ولا تصل على أحد منهم) ترك النبي صلى الله عليه
وآله وسلم الدعاء عليهم، واقتصر بالتكبيرات والثناء والصلاة والدعاء للمؤمنين.
ورواية أبي بصير المتقدمة (1)، المتضمنة لقوله: " أربع صلوات " سيما بعد
السؤال عن الصلاة على الميت.
وتدل على المطلوب - بضميمة الإجماع المركب المذكور - صحيحة ابن أذينة
والفضيل: " إذا صليت على المؤمن فادع له، واجتهد في الدعاء " (2) الحديث.
خلافا لصريح الشرائع وظاهر النافع، فيستحب الدعاء (3)، وهو ظاهر
المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد (4).
للأصل.
والاختلاف العظيم في الدعاء الوارد فيها.
وإطلاق الروايات المتضمنة لأن الصلاة على الميت خمس تكبيرات، الواردة
في مقام البيان، الدالة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك.
والأصل يدفع بما مر.
والاختلاف إنما يوهن في الوجوب لو كان المدعى وجوبه أمرا معينا واختلف
فيه، دون ما إذا كان الواجب هو القدر المشترك بين المختلفات، وكان الاختلاف
في الخصوصيات كما في المقام.
والإطلاق إنما يفيد لو كان السؤال عن الصلاة. والظاهر من الروايات
المذكورة كون السؤال والجواب فيها إنما هو بالقياس إلى خصوص التكبير ومقداره;
لكونه محل الخلاف بين الخاصة والعامة، ولذا لم يذكر سائر الواجبات من النية

(1) في ص 301.
(2) الكافي 3: 187 الجنائز ب 57 ح 2، التهذيب 3: 196 / 450، الوسائل 3: 67 أبواب صلاة
الجنازة ب 3 ح 3.
(3) الشرائع 1: 106، النافع: 40.
(ها) مجمع الفائدة 2: 434.
304

والقيام والاستقبال وغيرها، مع وجوبها إجماعا. مع أن بعد التسليم غايتها
الإطلاق، فيجب تقييده بما مر.
المسألة الثالثة: مقتضى الأمر بالصلاة على الميت في أوامرها، والدعاء له في
صحيحة ابن أذينة والفضيل: وجوب ذلك، أي الدعاء له، فلا مناص عنه.
ولا تضره صحيحة زرارة ومحمد: " ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء
موقت، تدعو بما بدا لك، وأحق الموتى أن يدعى له أن يبدأ بالصلاة على
النبي " (1).
لأنها أعم مطلقا مما مر، فيجب التخصيص به.
ولا موثقة يونس: عن صلاة الجنازة أصلي عليها على غير وضوء؟ فقال:
" نعم، إنما هو تسبيح وتكبير، وتحميد وتهليل " (2).
لأن جهة إثبات هذه الأمور لا تنافي ثبوت الغير أيضا. وأما جهة نفي الغير
التي هي الملحوظة في الرواية فإنما هي بالنسبة إلى الركوع والسجود; لأن انتفاءهما
هو الصالح لعلية انتفاء الوضوء. ولو سلم العموم، فتكون أعم مطلقا مما مر
أيضا، فتخص به.
ولكن لا يتعين في الدعاء له لفظ خاص، ولا موضع خاص; للأصل.
وكذا لا يتعين في الدعوات الأربع غير ما ذكر شئ خاص معنى أو لفظا،
وفاقا للإسكافي (3)، وجماعة من المتأخرين، منهم: المدارك والذخيرة والحدائق (4)،
ونسبه في الأول إلى الأكثر.
للأصل السالم عن المعارض الدال على الوجوب جدا، إلا الرضوي الآتي

(1) التهذيب 3: 189 / 429، الوسائل 3: 89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 3.
(2) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 1، الفقيه 1: 107 / 491، التهذيب 3: 203 / 475،
الوسائل 3: 89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 2.
(3) حكاه عنه في الحدائق 10: 405.
(4) المدارك 4: 167، الذخيرة: 329، الحدائق 10: 405.
305

المتضمن للأمر (1)، ولكنه تعلق بألفاظ ومعاني لا يجب جميعها إجماعا، فيحمل على
الاستحباب قطعا. ولصحيحة زرارة ومحمد وموثقة يونس المتقدمتين.
ويؤيده اختلاف النصوص، وعدم توافق بعضها مع بعض في تعيين
الأذكار، مع كثرتها واستفاضتها.
بل هو دليل على المطلوب; حيث إن ايجاب الكل غير ممكن، والبعض
المعين تحكم، وترجيح بلا مرجح، والتخيير بينها غير صحيح، لاشتمال الأكثر على
معاني وألفاظ غير واجبة إجماعا. والقدر المشترك بين الجميع ليس إلا الدعاء
المطلق، وهو المطلوب. مع أنه يثبت بالتخيير الذي هو المرجع عند التعارض
أيضا، لأن من أفراد المخير هنا مطلق الدعاء بعد رفع اليد عن خصوص اللفظ
بالإجماع.
خلافا لجماعة (2)، بل نسب إلى المشهور، إما مطلقا كما في الذخيرة (3)، أو
مقيدا بكونه بين المتأخرين كبعض آخر (4)، بل عن الخلاف الإجماع عليه (5)،
فأوجبوا الشهادتين بعد التكبيرة الأولى، والصلاة على النبي وآله بعد الثانية
والدعاء للمؤمنين بعد الثالثة، وللميت بعد الرابعة.
للشهرة.
والإجماع المنقول.
وتحصيل اليقين بالبراءة.
ولرواية محمد بن مهاجر السالفة في أول الباب (6)، ورواية إسماعيل بن همام
المتقدمة في المسألة الأولى (7)، والرضوي الآتي.

(1) انظر ص 308.
(2) كالعلامة في التحرير 1: 19، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 424
(3) الذخيرة: 328.
(4) انظر: الرياض 1: 204.
(5) الخلاف 1: 724.
(6) راجع ص 269.
(7) راجع ص 300.
306

ويرد الأولان: بعدم الحجية.
والثالث: بحصولها بالنسبة إلى ما علم به اشتغال الذمة.
والروايات: بعدم الدلالة على الوجوب، ولو تضمن بعضها قوله: " كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل كذا " المشعر بالدوام والمواظبة.
مع أن أولاها تتضمن الصلاة على الأنبياء الدال على الاستغراق، وهم لا
يقولون بوجوبه، وتخالف ما تضمنته الثانية من الدعاء لنفسه خاصة.
وثانيتها تتضمن التحميد والتمجيد بعد الأولى، وهم لا يوجبونهما، وتخالف
ما تضمنته الأولى من الشهادة.
وثالثتها تتضمن أمورا لا يجب شئ منها قطعا، وتخالف ما في مواضع أخر
من ذلك الكتاب لفظا ومعنى.
ومع ذلك كله، فهي مع ما مر من الأخبار الدالة على نفي التوقيت - كما مر
- أو المشتملة على أذكار أخر معارضة. هذا.
ثم إنه على القول بوجوب الأذكار الأربعة لا يتعين فيها لفظ مخصوص، كما
نقل التصريح به عن كثير من الأصحاب، بل لعله إجماعي، ويدل عليه الأصل
أيضا، فتجوز تأديتها بأي لفظ كان.
المسألة الرابعة: تجوز تأدية الدعاء المطلق - على المختار - والأذكار الأربعة
- على القول بوجوبها - بالفارسية، على الأقوى، وتجوز قراءة الدعوات المأثورة من
المكتوب أيضا; للأصل.
وما يظن دليلا لعدم جوازهما - لو كان به قائل هنا - يعلم دفعه مما مر في
مسألتي جواز القراءة في الصلاة عن المصحف، وجواز القنوت بالفارسية.
المسألة الخامسة: يستحب الدعاء بالأذكار الأربعة الموزعة على التكبيرات
الأربع، تأسيا بما حكي عن النبي صلى الله عليه وآله، واتباعا للشهرة والإجماع
المحكيين، وخروجا عن شبهة الخلاف.
307

وتأديتها (1) بما في الرضوي؟ لأجله، حيث إنه تفصيل ذلك المجمل، قال:
" وارفع يديك بالتكبير الأول وكبر وقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأن الموت حق، والجنة حق، والنار حق،
والبعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. ثم كبر
الثانية وقل: اللهم صل على محمد وآل محمد، وباركت على محمد وآل محمد، وارحم
محمدا وآل محمد، أفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت وسلمت على إبراهيم
وآل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد. ثم تكبر الثالثة وتقول: اللهم اغفر لي
ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وتابع
بيننا وبينهم بالخيرات، إنك مجيب الدعوات، وولي الحسنات، يا أرحم الراحمين.
ثم تكبر الرابعة وتقول: اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، نزل
بساحتك، وأنت خير منزول به، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا، وأنت أعلم به
منا، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كأنه مسيئا فتجاوز عنه، واغفر لنا
وله، اللهم احشره مع من يتولاه ويحبه، وأبعده ممن يتبرأ ويبغضه، اللهم ألحقه
بنبيك، وارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين. ثم تكبر الخامسة وتقول: ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. ولا تسلم ولا تبرح من مكانك
حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال " (2).
ثم المشهور أن هذا التوزيع هو الأفضل.
وعن العماني والجعفي أن الأفضل جميع الأذكار الأربعة عقيب كل
تكبيرة (3)، وإن اختلفت عباراتهما في كيفية الأدعية، كما ورد في موثقة سماعة (4).

(1) أي: وتستحب تأدية الأذكار....
(2) فقه الرضا " ع ": 177، مستدرك الوسائل 2: 247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.
(3) حكاه عنهما في الذكرى: 59.
(4) الكافي 3: 182 الجنازة ب 54 ح 1، التهذيب 3: 191 / 435، الإستبصار 1:
478 / 1849، الوسائل 3: 63 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 6.
308

وقيل: الأولى تكرار الدعاء له (1)، كما ورد في رواية كليب (2)، بل التشهد
والصلاة على النبي وآله بعد كل تكبيرة، كما في صحيحتي أبي ولاد (3)، والحلبي (4).
ولا شك أنه لا بأس بشئ منها، ويجوز العمل بكل منها، بل بغيرها مما ورد
في الروايات المخالفة لما ذكر، كصحيحة زرارة (5)، وموثقة عمار (6)، وغيرهما، وإن
اختلفوا في الأفضل، فمن رجح المشهور فنظره إلى حصول موافقة الاحتياط،
والخروج عن الشبهة به، ومن رجح الأخير فنظر إلى صحة الرواية وتعددها، ومن
رجح الجمع بين الجميع في الجميع فكان نظر إلى الأمرين، وليس ببعيد، إذ
المشهور لا يقول بحرمة الزائد عن الواجب قطعا.
ومنه يظهر فساد ما قيل - بعد ذكر تكرار الدعاء بل التشهد والصلاة ونقل
أولويتها عن بعضهم -: ولعله لصحة السند، إلا أن الأفضل ما قدمنا، فإن دفع
الشبهة وموافقة المشهور مهما أمكن لعله أولى (7).
ثم إنه قد وردت في صحيحة الحلبي زيادة: " اللهم عفوك عفوك " بعد
الدعاء المذكور فيها في كل تكبيرة، وكذا في موثقة عمار في كل تكبيرة بعد أدعية
مذكورة فيها، وفي موضع من الفقه الرضوي في كل تكبيرة أيضا بعد أدعية مذكورة
ولا ريب في رجحان ذكره لو دعا بهذه الأدعية، ولا في جوازه، بل رجحانه
من حيث هو دعاء بعد كل دعاء آخر من الدعوات المتقدمة ويحتمل رجحانه

(1) كما حكاه في الرياض 1: 205 أيضا.
(2) التهذيب 3: 315 / 975، الوسائل 3: 64 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 7.
(3) الكافي 3: 184 الجنائز ب 54 ح 3، التهذيب 3: 191 / 436، الوسائل 3: 62 أبواب صلاة
الجنازة ب 2 ح 5.
(4) الكافي 3: 184 الجنائز ب 54 ح 4، الوسائل 3: 61 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 3.
(5) الكافي 3: 183 الجنائز ب 54 ح 2، الوسائل 3: 61 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 2.
(6) التهذيب 3: 330 / 1034، الوسائل 3: 65 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 11.
(7) الرياض 1: 205.
(8) فقه الرضا " ع ": 185.
309

بخصوصه أيضا بعد الكل; إذ يظن من وروده في الروايات الثلاث مع اختلاف
الأدعية أنه راجح برأسه من غير تعلقه بدعاء. فتأمل.
المسألة السادسة: إن كان الميت طفلا يستحب أن يقول في دعائه ما في
رواية عمرو بن خالد: عن علي عليه السلام في الصلاة على الطفل أنه: " كان
يقول: اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا " (1).
وليس بواجب; لعدم دلالتها على الوجوب، وإن كان مطلق الدعاء
- الصادق على ذلك أيضا - واجبا، ولكن لا ينحصر به، بل ولا في السؤال لجعله
مصلحا لحال أبيه، لتأتي رفع الدرجة وإعطاء المثوبة في حقه.
ومقتضى إطلاق الرواية وكلام الأصحاب استحباب ذلك في الصلاة على
الطفل الذي تجب الصلاة عليه أيضا، إلا أن في الرضوي: " إن الطفل لا يصلى
عليه حتى يعقل الصلاة، فإذا حضرت مع قوم يصلون عليه فقل: اللهم اجعله
لأبويه ولنا ذخرا ومزيدا وفرطا وأجرا " (2) ولكنه لا يدل على الاختصاص.
المسألة السابعة: ما مر من وجوب الدعاء للميت، واستحباب توزيعه على
النحو المتقدم إنما هو في الصلاة على المؤمن. وأما غير المؤمن ممن تجب الصلاة عليه
من المخالف والمستضعف ومجهول الحال، فلا يجب الدعاء له، بل يقول في كل
منهم بدعائه.
أما في المخالف فيقول ما في صحيحة محمد: " إن كان جاحدا للحق فقل:
اللهم املأ جوفه نارا، وقبره نارا، وسلط عليه الحيات والعقارب " (3) والجاحد وإن
كان أعم منه، إلا أنه يكفي شموله له.

(1) التهذيب 3: 195 / 449، الوسائل 3: 94 أبواب صلاة الجنازة ب 12 ح 1.
(2) فقه الرضا " ع ": 178، مستدرك الوسائل 2: 272 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.
(3) الكافي 3: 189 الجنائز ب 58 ح 5، الوسائل 3: 71 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 5.
310

وأما الأدعية التي وردت في بعض الأخبار في المنافق وعدو الله والعدو لأهل
البيت من الذين لا تجب الصلاة عليهم (1) - فلأن صدق الموضوع على كل مخالف
غير معلوم - خارجة عن محل الكلام، وإنما هي لمن ابتلي بصلاة هؤلاء لعذر، أو
المراد بالصلاة فيها مجرد الدعاء.
وأما في المستضعف - وهو من لا يعرف الحق، ولا يبغض أهله على
اعتقادهم من غير تقصير - فيقول ما في صحيحة محمد: " الصلاة على المستضعف
والذي لا يعرف: الصلاة على النبي، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات، تقول: (ربنا
اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم). إلى آخر الآيتين " (2)
والآية الثانية هكذا: (ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من
آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم) (3).
أو ما في صحيحة زرارة ومحمد: " الصلاة على المستضعف والذي لا يعرف
مذهبه: يصلى على النبي وآله، ويدعى للمؤمنين والمؤمنات، ويقال: اللهم اغفر
للذين تابوا " (4) الآية.
وفي صحيحة ابن أذينة والفضيل: " وإن كان واقفا مستضعفا، فكبر،
وقل: اللهم اغفر للذين " (5) الآية.
وفي صحيحة الحلبي: " إن كان مستضعفا فقل: اللهم اغفر
للذين... " (6) الآية.

(1) انظر: الوسائل 3: 69 أبواب صلاة الجنازة ب 4.
(2) الكافي 3: 186 الجنائز ب 57 ح 1، الوسائل 3: 67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 2.
(3) الغافر: 7 و 8. 7 و 8.
(4) الفقيه 1: 105 / 489، الوسائل 3: 67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 1.
(5) الكافي 3: 187 الجنائز ب 57 ح 2، التهذيب 3: 196 / 450، الوسائل 3: 67 أبواب صلاة
الجنازة ب 3 ح 3.
(6) الكافي 3: 187 الجنائز ب 57 ح 3، الفقيه 1: 105 / 491، الوسائل 3: 68 أبواب صلاة
الجنازة ب 3 ح 4.
311

وأما في المجهول فتقول ما في هذه الصحيحة أيضا: " وإذا كنت لا تدري
ما حاله فقل: اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ".
ونحوه في الرضوي (1).
وظاهر الأمر في هذه الأخبار الخالية عن المعارض الوجوب، كما هو مذهب
جماعة (2).
ولا يعارض المجهول ما في صحيحة زرارة ومحمد السابقة " المستضعف
والذي لا يعرف مذهبه " لأنه ليس صريحا في المجهول; لاحتمال كون قوله: " لا
يعرف " بصيغة الفاعل، ويكون بيانا للمستضعف، أي: لا يعرف الحق الذي
هو مذهبه حقيقة.
وقيل بعدم الوجوب في الأول; لأن التكبير عليه أربع، وبها يخرج عن
الصلاة (3).
وفيه - مضافا إلى أنه لا يتعين وقوع الدعاء وجوبا بعد الرابعة، وإلى أنه لا
ضير في وجوب هذا الدعاء بعد الخروج -: منع كون التكبير هنا أربعا. وأما
الأخبار الدالة عليها فكما مر واردة في المنافق، وصدقه على كل مخالف غير معلوم،
فتخصيص المخالف من أخبار الخمس لا دليل عليه، وعدم معلومية التفرقة بين
المنافق والمخالف غير ضائر، وإنما الضائر معلومية عدم التفرقة، وهي غير
حاصلة.
وظاهر تصريحات القوم كون هذه الدعوات في هذه الصلاة بعد الرابعة.
ولا بأس بالقول باستحبابه; لذلك.
المسألة الثامنة: تجب في هذه الصلاة مضافا إلى ما مر أمور:

(1) فقه الرضا " ع ": 178، مستدرك الوسائل 2: 252 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 1.
(2) كالشهيد في البيان: 76، وصاحب المدارك 4: 166، وصاحب الرياض 1: 206.
(3) كما في جامع المقاصد 1: 425.
312

منها: الاستقبال بلا خلاف، كما في المدارك والذخيرة والحدائق (1)، بل
الظاهر أنه إجماعي، كما يستفاد من كتب الأصحاب وعمل الناس مستمرا من
الصدر الأول إلى هذا الزمان.
فهو الحجة فيه، مضافا إلى استفادته من رواية أبي هاشم الجعفري الواردة
في الصلاة على المصلوب أيضا (2)، حيث علل فيها وجوب القيام على منكبه الأيسر
بقوله: " فإن ما بين المشرق والمغرب قبلة " أولا، وأمر بالقيام على المنكب المخالف
للقبلة الموجب لمواجهة القبلة ثانيا. وقال: " وليكن وجهك إلى ما بين المشرق
والمغرب " ثالثا.
وتؤيده أيضا روايتا جابر والرضوي الآتيتان في المسألة الثانية من البحث
الرابع (3).
ولو تعذر من المصلي أو الميت، أو جهلت القبلة سقط وجوبه; للأصل.
ومنها: القيام مع القدرة إجماعا، كما عن الذكرى وفي المدارك والذخيرة
والحدائق (4)، والظاهر منها ومن استمرار عمل الناس عليه أنه أيضا إجماعي.
ويسقط مع العجز قطعا.
وفي الاكتفاء بصلاة العاجز مع وجود القادر احتمالان، أظهرهما
الاكتفاء، اقتصارا فيما يخالف الأصل على موضع الوفاق، مضافا إلى اشتمال
العمومات للعاجز أيضا، فصلاته مشروعة، فيؤدي بها الواجب.
ومنها: جعل رأس الميت إلى يمين المصلي في غير المأموم مع الإمكان، بلا
خلاف أجده، بل في الذخيرة والحدائق نفي الخلاف فيه صريحا (5)، وتؤيده - مع
الاستمرار المتقدم - موثقة عمار: عن ميت صلي عليه، فلما سلم الإمام فإذا الميت

(1) المدارك 4: 170، الذخيرة: 331، الحدائق 10: 422.
(2) الكافي 3: 215 الجنائز ب 78 ح 2، التهذيب 3: 327 / 1021، الوسائل 3: 130 أبواب
صلاة الجنازة ب 35 ح 1.
(3) انظر ص 336.
(4) الذكرى: 58، المدارك 4: 171، الذخيرة: 331، الحدائق 10: 423.
(5) الذخيرة: 331، الحدائق 10: 425.
313

مقلوب رجلاه إلى موضع رأسه، قال: " يستوي وتعاد الصلاة عليه وإن حمل ما لم
يدفن، فإذا دفن فقد مضت الصلاة ولا يصلى عليه " (1).
بل في مفهوم الشرط في قوله: " فإذا دفن فقد مضت " دلالة على المطلوب.
قالوا: ولا بد مع ذلك من كون الميت مستلقيا (2).
ومنها: تقارب المصلي إلى الجنازة بحيث لا يكون متباعدا كثيرا، ذكره جمع
من الأصحاب (3)، واستدل بالتأسي، وأصل الاشتغال، وعدم صدق الصلاة
عليه مع كثرة البعد.
وفي الكل نظر، إلا أنه لم ينقل فيه خلاف، وعليه استمرار العمل من
الصدر الأول.
قالوا: والمرجع فيه إلى العرف (4).
وعن الذكرى: لا يجوز التباعد بمائتي ذراع (5).
وعن الفقيه القرب بحيث لو هبت الريح تصل الثوب إلى الجنازة (6). وكأن
مراده الاستحباب.
وصرح جماعة (7) باشتراط عدم ارتفاع الجنازة عن موقف المصلي، ولا
انخفاضها كثيرا. فإن ثبت الإجماع، وإلا ففيه النزاع.
ولا يضر الاختلاف الغير البالغ حد التفاحش قطعا.

(1) الكافي 3: 174 الجنائز ب 45 ح 2، التهذيب 3: 201 / 470، التهذيب 3: 322 / 1004،
الإستبصار 1: 482 / 1870، الوسائل 3: 107 أبواب صلاة الجنازة ب 19 ح 1.
(2) كما في الدروس 1: 113، والذخيرة: 331.
(3) منهم الشهيد في الدروس 1: 113، والسبزواري في الذخيرة: 331، والفاضل الهندي في كشف
اللثام 1: 126.
(4) كما في الذخيرة: 331.
(5) الذكرى: 61.
(6) الفقيه 1: 101.
(7) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 308، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 331،
فراجع.
314

ولا يجب رفع الحائل بين المصلي وبين الجنازة; للأصل.
ومنها: كون الصلاة بعد التغسيل - أو ما في حكمه من التيمم عند تعذره -
والتكفين،. حيث يجبان، فظاهرهم الاتفاق عليه، كما في الحدائق (1)، وفي
المنتهى: لا نعلم فيه خلافا (2)، وفي المدارك: هذا قول العلماء كافة (3).
فإن ثبت الإجماع كما هو الظاهر، وإلا فالأصل وصدق الامتثال يقتضيان
العدم.
وكيف كان تصح صلاة الجاهل والناسي قبل ذلك; لعدم ثبوت الإجماع
فيهما.
ولو كان الميت فاقدا للكفن يغسل فيجعل في القبر، وتستر عورته بلبنة أو
نحوها، ويصلى عليه ثم يدفن، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة (4).
لموثقة عمار: في قوم كانوا في سفر فإذا هم برجل ميت عريان، وهم عراة،
فكيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه به؟ قال: " يحفر
له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته، ويصلى عليه، ثم يدفن " (5).
وإن أمكن ستر عورته بثوب صلي عليه قبل الوضع في لحده; لمفهوم مرسلة
ابن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام الواردة في
قوم يمشون على الشط، فإذا هم برجل ميت عريان، وليس للقوم ثوب يوارونه،
فكيف يصلون عليه؟ قال: " إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا
قبره ويضعونه في لحده، يوارون عورته بلبن أو حجار أو تراب، ثم يصلون عليه،
ثم يوارونه في قبره " قلت: ولا يصلون عليه وهو مدفون بعد ما يدفن؟ قال: " لو

(1) الحدائق 10: 425.
(2) المنتهى 1: 456.
(3) المدارك 4: 173.
(4) كالمدارك 4: 173، والرياض 1: 205.
(5) الكافي 3: 214 الجنائز ب 77 ح 4، الفقيه 1: 104 / 482، التهذيب 3: 179 / 406،
التهذيب 3: 327 / 1022، الوسائل 3: 131 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 1.
315

جاز ذلك لأحد لجاز لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يصلى على المدفون
ولا على العريان " (1).
وهل هو على سبيل الوجوب أو الجواز؟ فيه وجهان، والأظهر الثاني;
للأصل، وقصور الرواية عن الدلالة على الوجوب.
المسألة التاسعة: لا تشترط في هذه الصلاة الطهارة من الحدث، بالإجماع
المصرح به في جملة من الكتب، كالخلاف والتذكرة والمنتهى والذكرى وروض
الجنان والروضة (2)، والمستفيضة من الأخبار، كصحيحة محمد (3)، وموثقة يونس (4)
والرضوي (5)، معللا في بعضها بأنه إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل، وفي آخر
بأنه ليس بالصلاة إنما هو التكبير، والصلاة هي التي فيها الركوع والسجود،
والأخبار المصرحة بجواز هذه الصلاة من الحائض، كصحيحة محمد (6)، وموثقة
سماعة (7)، وروايات عبد الحميد (8)، وعبد الرحمن (9) وابن المغيرة (10)،

(1) التهذيب 3: 328 / 1023، المحاسن: 303 / 12، الوسائل 3: 132 أبواب صلاة الجنازة ب
36 ح 2.
(2) الخلاف 1: 724، التذكرة 1: 49، المنتهى 1: 455، الذكرى: 60، الروض: 309،
الروضة 1: 139.
(3) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 4، الوسائل 3: 110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 1.
(4) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 1، الفقيه 1: 107 / 495، التهذيب 3: 203 / 475،
الوسائل 3: 110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 3.
(5) فقه الرضا " ع ": 179، مستدرك الوسائل 2: 269 أبواب صلاة الجنازة ب 8 ح 1.
(6) الكافي 3: 179 الجنائز ب 50 ح 4، الفقيه 1: 107 / 496، التهذيب 3: 204 / 479،
الوسائل 3: 112 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 1.
(7) الفقيه 1: 107 / 497، التهذيب 3: 204 / 481، الوسائل 3: 113 أبواب صلاة الجنازة ب
22 ح 5.
(8) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 3، التهذيب 3: 203 / 476، الوسائل 3: 110 أبواب صلاة
الجنازة ب 21 ح 2.
(9) الكافي 3: 179 الجنائز ب 50 ح 3، التهذيب 3: 203 / 478، الوسائل 3: 113 أبواب صلاة
الجنازة ب 22 ح 3.
(10) التهذيب 3: 204 / 482، الوسائل 3: 113 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 4.
316

والرضوي (1).
ولا من الخبث، كما صرح به بعض الأصحاب (2); للأصل السالم عن
المعارض، المؤكد بإطلاقات أخبار جواز صلاة الحائض، مع عدم انفكاكها عن
الخبث غالبا.
ولا ستر العورة; للأصل المذكور، وفاقا للفاضل (3)، وخلافا
للذكرى (4)، لوجه غير وجيه.
ولا قراءة فيها واجبا إجماعا، كما عن الخلاف والروض (5); للأصل،
وصحيحة محمد وزرارة وموثقة يونس، المتقدمتين في المسألة الثالثة (6).
وأما ما في رواية القداح من " أن عليا كان إذا صلى على ميت يقرأ بفاتحة
الكتاب " (7).
ورواية ابن سويد: في الصلاة على الميت " يقرأ في الأولى بأم الكتاب " (8).
فلا يدلان على الوجوب وغايتهما الاستحباب، ولا بأس به إن لم يكن عدمه
إجماعيا كما ادعاه في الروض بل الخلاف (9)، ولكن الظاهر من الذكرى عدم
ثبوته (10)، بل ظاهر المنتهى جواز قراءة الفاتحة، حيث قال في الجواب عن الرواية

(1) فقه الرضا " ع ": 179، مستدرك الوسائل 2: 278 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 1.
(2) انظر: روض الجنان: 309.
(3) المنتهى 1: 451، التحرير: 19.
(4) الذكرى: 58.
(5) الخلاف 1: 723، الروض: 309.
(6) راجع ص 305.
(7) التهذيب 3: 319 / 988، الإستبصار 1: 477 / 1845، الوسائل 3: 89 أبواب صلاة
الجنازة ب 7 ح 4.
(8) التهذيب 3: 193 / 440، الإستبصار 1: 477 / 1844، الوسائل 3: 89 أبواب صلاة
الجنازة ب 7 ح 5.
(9) الروض: 309، الخلاف 1: 723.
(10) الذكرى: 60.
317

بأن وقوعه مرة لا يدل على الوجوب، ونحن لم نوظف فيها شيئا، بل المستحب
الشهادة، ومعناها موجود في الفاتحة فجاز أن يقرأها (1).
ولا ينافيه الصحيح والموثق المذكوران; لاحتمالهما نفي الوجوب. بل هو
الظاهر من الصحيح، حيث إن النفي تعلق بها وبالدعاء الموقت، مع أنه مستحب
إجماعا، وحمل الروايتين على التقية إنما هو إذا كان لهما معارض ينافيهما. والأحوط
الترك.
ولا تسليم كذلك، إجماعا أيضا كما عن السيد والخلاف والذكرى
والروضة (2).
وتدل عليه المستفيضة من الأخبار كصحيحتي الحلبي (3)، والأشعري (4)،
ورواية الحلبي (5)، والمرويين في الفقه الرضوي (6)، وتحف العقول (7)، النافية جميعا
التسليم في صلاة الميت، وبإزائها روايات دالة بظاهرها على الاستحباب (8)،
والكلام فيه هنا كالكلام فيه في القراءة.
وهل يشترط فيها ترك ما يجب تركه في سائر الصلوات - غير الحدث والخبث -
من التكلم والالتفات والفعل الكثير والقهقهة وغيرها؟.

(1) المنتهى 1: 452.
(2) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 52، والانتصار: 59، الخلاف
1: 724، الذكرى: 60، الروضة 1: 139.
(3) الكافي 3: 185 الجنائز ب 55 ح 3، التهذيب 3: 192 / 438، الإستبصار 1:
477 / 1847، الوسائل 3: 91 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 2.
(4) التهذيب 3: 192 / 439، الإستبصار 1: 477 / 1848، الوسائل 3: 91 أبواب صلاة
الجنازة ب 9 ح 1.
(5) الكافي 3: 185 الجنائز ب 55 ح 2، التهذيب 3: 192 / 437، الإستبصار 1:
477 / 1846، الوسائل 3: 91 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 3.
(6) فقه الرضا " ع ": 184، مستدرك الوسائل 2: 269 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 1.
(7) تحف العقول: 418، الوسائل 3: 91 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 5.
(8) كموثقة عمار ورواية يونس. انظر الوسائل 3: 65 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 10 و 11.
318

ظاهر المدارك والذخيرة بل صريحهما الاستشكال (1). وهو في موقعه; لعدم
الدليل، وعدم ثبوت الإجماع بل ولا نقله، والأصل هو المناص، والاحتياط أولى.
المسألة العاشرة: تستحب في هذه الصلاة مضافا إلى ما مر أمور:
منها: وقوف المصلي عند وسط الرجل وصدر المرأة على المشهور، بل عن
الغنية الإجماع عليه (2); لرواية ابن المغيرة: " من صلى على امرأة فلا يقوم في
وسطها، ويكون مما يلي صدرها، وإذا صلى على الرجل، فليقم في وسطه " (3).
وفي الرضوي: " إذا أردت أن تصلي على الميت، فكبر عليه خمس تكبيرات،
يقوم الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة " (4).
وعن الاستبصار الوقوف عند رأس المرأة وصدر الرجل (5); لرواية موسى
ابن بكر: " إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها، وإذا صليت على الرجل فقم عند
صدره " (6).
وعن الخلاف ووالد الصدوق عكس ما في الاستبصار (7); لنقل الأول
الإجماع عليه.
وفي رواية جابر: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم من الرجل
بحيال السرة ومن النساء أدون من ذلك قبل الصدر " (8).

(1) المدارك 4: 172، الذخيرة: 331.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.
(3) الكافي 3: 176 الجنائز ب 47 ح 1، التهذيب 3: 190 / 433، الإستبصار 1:
470 / 1818، الوسائل 3: 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 1.
(4) فقه الرضا " ع ": 183، مستدرك الوسائل 2: 255 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 2.
(5) الإستبصار 1: 471.
(6) الكافي 3: 177 الجنائز ب 47 ح 2، التهذيب 3: 190 / 432، الإستبصار 1:
470 / 1817، الوسائل 3: 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 2.
(7) الخلاف 1: 730، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 119.
(8) التهذيب 3: 190 / 434، الإستبصار 1: 471 / 1819، الوسائل 3: 119 أبواب صلاة
الجنازة ب 27 ح 3.
319

واستظهر بعض مشايخنا الجمع بين الأخبار الثلاثة بالتخيير (1).
والوجه التخيير بين الكل، جمعا. وعدم ظهور قائل بما حكي عن الخلاف
علينا لا يضر; لأن الإجماع المنقول يكفي في إثبات الاستحباب. نعم عن المقنع
إطلاق الوقوف على الصدر (2)، ومستنده غير واضح.
ومقتضى ظاهر أكثر الأخبار الوجوب، إلا أن الإجماع أوجب الصرف عنه.
والعموم (3)، إلا أن تعسره بل تعذره عند التعدد، واستمرار العمل على خلافه
أوجب التخصيص بالإمام والمنفرد. ولو اقتصر على ما إذا كثر المأمومون لكان
أولى، فيقف المأموم الواحد أو الاثنان خلف الإمام مقام الاستحباب، ويدل عليه
ما سيأتي من استحباب وقوف المأموم الواحد خلف الإمام، فالتخصيص بالأولين
مطلقا ليس بحسن.
ثم إن لاستحباب هذا الوقوف قالوا: إذا تعددت الجنائز المختلفة بالذكورة
والأنوثة جعل وسط الأول محاذيا لصدر الثانية (4).
ولكن الأخبار الواردة عند التعدد لا تساعده (5)، بل منها ما صرح بوضع
المرأة عند رجلي الرجل، ومنها ما صرح بوضع رأسها على أليتيه أو وركه. والأخيران
أخصان من الأول، والمجموع مما مر; لشمولهما الوحدة والتعدد، والاختلاف
وعدمه، والعمل بالخاص مقدم.
ومنها: أنه إذا اجتمعت الجنائز المختلفة جعل الرجل مما يلي الإمام والمرأة

(1) انظر: الحدائق 10: 427.
(2) المقنع: 21.
(3) عطف على الوجوب، أي: مقتضى ظاهر أكثر الأخبار العموم.
(4) كما في المختصر النافع: 40، وكشف اللثام 1: 126، والرياض 1: 205.
(5) انظر: الوسائل 3: 124 أبواب صلاة الجنازة ب 32.
320

إلى القبلة لصحيحتي محمد (1)، والحلبي (2)، ومرسلة ابن بكير (3).
وعليها يحمل ما تضمن تقدم الرجال وتأخر النساء أو عكسه، بحمل الأول
على التقدم بالنسبة إلى الإمام، والثاني بالنسبة إلى القبلة، حملا للمجمل على
المفصل، وتقديما للنص على المحتمل.
وأما رواية الحلبي المتضمنة لعكس ما ذكر (4)، فمع إمكان التكلف فيها
وإرجاعها إلى الأول، شاذة، ولدعوى الإجماع المتكررة مخالفة، فهي بالنسبة إلى
ما مر مرجوحة، سيما مع أكثريته عددا وأصحيته سندا.
والصبي في قبلة الرجل والمرأة في قبلته; لمرسلة ابن بكير.
ومقتضى إطلاقها تقديم الصبي على المرأة بالنسبة إلى الإمام وإن لم يبلغ
الست حيث يصلى عليه - إما لضرورة أو للقول باستحبابها أو وجوبها - كما عن
الصدوقين (5).
ومنهم من خصه بالبالغ ستا، وجعل غيره مما يلي قبلة النساء، لوجه
اعتباري (6) لا يصلح مقيدا لإطلاق الرواية ولو كان في مقام الفضيلة.
كما لا يصلح له عدم ثبوت استحباب الصلاة عليه، لأنه قد تدعو إليها

(1) الكافي 3: 175 الجنائز ب 45 ح 4، التهذيب 3: 323 / 1005، الإستبصار 1:
471 / 1822، الوسائل 3: 124 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 1.
(2) التهذيب 3: 323 / 1006، الإستبصار 1: 471 / 1823، الوسائل 3: 128 أبواب صلاة
الجنازة ب 32 ح 10.
(3) الكافي 3: 175 الجنائز ب 45 ح 5، التهذيب 3: 323 / 1007، الإستبصار 1:
472 / 1824، الوسائل 3: 125 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 3.
(4) التهذيب 3: 323 / 1008، الإستبصار 1: 472 / 1825، الوسائل 3: 127 أبواب صلاة
الجنازة ب 32 ح 7.
(5) المقنع: 21، ونقل عن والده في الفقيه 1: 107.
(6) قال الشهيد الثاني في روض الجنان ص 309:... لتكون الصلاة عليه مندوبة فيتأخر عمن تجب
عليه.
321

الضرورة.
ودعوى الندرة فيها فلا يشملها الإطلاق ضعيفة; لأن في زمان صدور الخبر
ومكانه الندرة ممنوعة، لكثرة المخالطة مع العامة، كما تشعر به صلاتهم عليهم
السلام على أطفالهم، كما مر.
ولا إيجابه (1) بعد من تجب الصلاة عليه عن الإمام أو عمن تجب الصلاة
عليه (2); لأن مضرة مثل هذا القدر من التباعد غير ثابتة، مع أن دليلها ليس إلا
الإجماع المنتفي في موضع النزاع.
فالقول بالتخصيص ضعيف.
وأضعف منه إطلاق العكس، كما في النافع والنهاية (3); لعدم ظهور مستنده
بالمرة، مع مخالفته لإطلاق المرسلة ودعوى الإجماع عن شيخ الطائفة (4).
ومنها: وقوف المأموم ولو كان واحدا خلف الإمام، بخلاف غيرها من
الصلوات، فإن المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام.
وإذا كان مع الرجال نساء وقفن خلفهم. وإن كانت فيهن حائض انفردت
عن جميعهن.
كل ذلك للنصوص (5)، وفتوى الأصحاب.
إلا أن في المنتهى احتمل في الحائض انفرادها عن الرجال خاصة; لتذكير
الضمير في النصوص (6).

(1) عطف على عدم ثبوت استحباب، أي: ولا يصلح دليلا لجعل الصبي ما دون الست في قبلة النساء
إيجابه....
(2) انظر: الرياض 1: 206.
(3) النافع: 41، النهاية: 144.
(4) الخلاف 1: 722.
(5) انظر: الوسائل 3: أبواب صلاة الجنازة ب 22 و 28.
(6) المنتهى 1: 455.
322

ويرده إطلاق الوحدة والبروز في موثقة سماعة: عن المرأة الطامث إذا
حضرت الجنازة، قال: " نعم وتصلي عليها وتقوم وحدها بارزة عن الصف " (1).
ولا يضر عدم شمول سائر النصوص لجمعها مع النساء من جهة تذكير
الضمير.
ومنها: كون المصلي متطهرا; للشهرة بل الإجماع، ورواية عبد الحميد: الجنازة
تخرج بها ولست على وضوء، فإن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة، أيجزيني أن أصلي
عليها على غير وضوء؟ قال: " تكون على طهر أحب إلي " (2).
وأما الرضوي: " وقد كره أن يتوضأ إنسان عمدا للجنازة، لأنه ليس
بالصلاة، إنما هو التكبير، والصلاة هي التي فيها الركوع والسجود " (3).
فلا يضرنا; لأن الكراهة لا يمكن أن تكون بالمعنى المصطلح، لاستحالة
تحققه في العبادة، فهي إما بمعنى الحرمة، أو عدم المشروعية، أو المرجوحية
الإضافية. والأولان لا يثبتان به; لضعفه. والثاني يؤكد المطلوب. وأما الحمل على
قصد الوجوب من العمد، ففيه ما لا يخفى من البعد.
ومنها: نزع النعلين، بلا خلاف أجده، ونسبه في المدارك والذخيرة إلى
مذهب الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع (4).
وهو الحجة فيه، مضافا إلى رواية سيف بن عميرة: " ولا يصلى على الجنازة
بحذاء، ولا بأس بالخف " (5).

(1) الفقيه 1: 107 / 497، التهذيب 3: 204 / 481، الوسائل 3: 113 أبواب صلاة الجنازة ب
22 ح 5 وفي المصادر: " تتيمم وتصلي.... ".
(2) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 3، التهذيب 3: 203 / 476، الوسائل 3: 110 أبواب صلاة
الجنازة 21 ح 2.
(3) فقه الرضا " ع ": 179، مستدرك الوسائل 2: 269 أبواب صلاة الجنازة ب 8 ح 1.
(4) المدارك 4: 178، الذخيرة: 332.
(5) الكافي 3: 176 الجنائز ب 46 ح 2، التهذيب 3: 206 / 491، الوسائل 3: 118 أبواب صلاة
الجنازة ب 26 ح 1.
323

ومرسلة المقنع: " لا يجوز للرجل أن يصلي على جنازة بنعل حذو " (1).
ونحوه الرضوي (2)، إلا أنه عبر بقوله: " ولا يصلي ".
ولضعف الرواية سندا وقصورها دلالة على الحرمة حتى الوسط - لاحتمال
إرادة تساوي الطرفين من الجواز - لا يثبتان سوى الكراهة الموجبة لاستحباب
الترك، فالقول بالمنع - كما عن المقنع - ضعيف.
واستحباب نزع الحذاء إما يشمل جميع النعال حتى العجمية ونحوها، أو
يدل على استحباب نزعها أيضا بالفحوى، أو عدم الفارق، فيستحب نزعها
أيضا.
ويستثنى الخف; لما مر.
وصرح جماعة باستحباب التحفي (3)، واستدلوا عليه ببعض الوجوه
الضعيفة، إلا أن يحكم به بفتواهم، حيث إن المقام يتحمل المسامحة.
ومنها: رفع اليدين بالتكبيرات الخمس أجمع، إجماعا محققا، ومحكيا
مستفيضا، في الأولى (4)، ووفاقا للمحكي عن والد الصدوق (5)، والتهذيب
والاستبصار (6)، والمعتبر والشرائع والنافع (7)، والمنتهى والإرشاد وغيرهما، من كتب
الفاضل (8)، وظاهر المدارك وشرح الإرشاد والذخيرة والحدائق (9)، وجمع آخر من

(1) لم نعثر عليها في المقنع المطبوع، ولكن نقلها عنه في الذكرى: 61.
(2) فقه الرضا " ع ": 179، مستدرك الوسائل 3: 281 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.
(3) كما في المعتبر 2: 355، والتذكرة 1: 49، والمدارك 4: 178.
(4) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 564، والمعتبر 2: 355، وجامع المقاصد 1: 426.
(5) حكاه عنه في الرياض 1: 206.
(6) التهذيب 3: 195، الإستبصار 1: 479.
(7) المعتبر 2: 355، الشرائع 1: 106، النافع: 41.
(8) المنتهى 1: 455، الإرشاد 1: 262، وانظر: التذكرة 1: 49، والتحرير 1:
19.
(9) المدارك 4: 179، مجمع الفائدة 2: 449، الذخيرة: 333، الحدائق 10: 440.
324

المتأخرين (1)، بل ادعي عليهم شهرتهم، في البواقي (2).
لصحيحة العرزمي: " صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام خلف
جنازة، فكبر خمسا يرفع يديه في كل تكبيرة " (3).
وبمضمونها رواية محمد بن خالد (4).
ورواية يونس عن مولانا الرضا عليه السلام: إن الناس يرفعون أيديهم في
التكبيرة على الميت في التكبيرة الأولى، ولا يرفعون فيما بعد ذلك، فاقتصر على التكبيرة
الأولى كما يفعلون أو أرفع يدي في كل تكبيرة؟ فقال: " ارفع يديك في كل تكبيرة " (5).
خلافا للمحكي عن المفيد والسيد والنهاية والمبسوط والحلي (6)، بل نسبه
جماعة إلى الأكثر (7)، وعن الغنية والسرائر وشرح الجمل للقاضي الإجماع
عليه (8)، فقالوا: إنه في غير الأولى غير مستحب.
لموثقة غياث: " عن علي عليه السلام أنه لا يرفع يده في الجنازة إلا مرة
واحدة، يعني في التكبير (9).

(1) كما في جامع المقاصد 1: 426، والرياض 1: 206.
(2) كما في الرياض 1: 206.
(3) التهذيب 3: 194 / 445، الإستبصار 1: 478 / 1851، الوسائل 3: 92 أبواب صلاة
الجنازة ب 10 ح 1.
(4) التهذيب 3: 195 / 447، الإستبصار 1: 478 / 1850، الوسائل 3: 93 أبواب صلاة
الجنازة ب 10 ح 2.
(5) الكافي 3: 184 الجنائز ب 54 ح 5، التهذيب 3: 195 / 446، الإستبصار 1:
478 / 1852، الوسائل 3: 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 3.
(6) المفيد في المقنعة: 228، السيد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 52، النهاية:
145، المبسوط 1: 185، الحلي في السرائر 1: 356.
(7) كما في المدارك 4: 178، والذخيرة: 333، والرياض 1: 206.
(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 564، السرائر 1: 356، شرح جمل العلم: 158.
(9) التهذيب 3: 194 / 443، الإستبصار 1: 479 / 1854، الوسائل 3: 93 أبواب صلاة
الجنازة ب 10 ح 4.
325

وبمضمونها رواية الوراق (1).
ويؤيده الرضويان المصرحان برفع اليد في التكبيرة الأولى (2).
ويرد; بعد الجواب عن الرضويين بعدم الدلالة إلا بمفهوم الوصف الذي
ليس بحجة، سيما مع احتمال كون الرفع في تكبيرة الإحرام آكد وأشد استحبابا;
أن الفعل مقدم على الترك عند التعارض، سيما إذا كان الترك بالفعل الذي لا
يعارض القول، سيما في مقام الاستحباب الذي يجوز تركه ولو دائما، سيما إذا كان
موافقا لعمل أكثر العامة، بل رؤسائهم كأبي حنيفة ومالك والثوري (3)، بل الجميع
في ذلك العهد، كما يستفاد من رواية يونس، سيما إذا كان رواية الفعل متأخرة عن
الترك حيث إن رواية يونس عن الرضا عليه السلام والبواقي عن الصادق عليه
السلام، والأخذ بالأحدث من المرجحات المنصوصة.
ومنه ظهر أن أدلة الاستحباب عن المعارض خالية، ولو سلم فهي راجحة.
فترجيح المخالف بموافقة الشهرة وحكاية الإجماع ضعيف، كيف؟! مع أنهما
بنفسهما ليستا بحجة، والشهرة المرجحة إنما هي في الرواية، وهي هنا مفقودة، بل
ليست إلا الفتوى، ومع ذلك ليست هي أيضا إلا المحكية.
ومنها: وقوف المصلي موقفه حتى ترفع الجنازة; للشهرة، وروايات
حفص (4)، ويونس (5)، والرضوي (6).
وفي الأخير: " ولا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال ".
ومقتضى إطلاقاتها شمول الحكم للإمام، والمأموم، والمنفرد.

(1) التهذيب 3: 194 / 444، الإستبصار 1: 478 / 1853، الوسائل 3: 93 أبواب صلاة
الجنازة ب 10 ح 5.
(2) فقه الرضا " ع ": 177 و 183، مستدرك الوسائل 2: 247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.
(3) انظر: بدائع الصنائع 1: 314، وبداية المجتهد 1: 235.
(4) التهذيب 3: 195 / 448، الوسائل 3: 94 أبواب صلاة الجنازة ب 11 ح 1.
(5) التهذيب 3: 318 / 987، الوسائل 3: 65 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 10.
(6) فقه الرضا " ع ": 178، مستدرك الوسائل 2: 247 أبواب صلة الجنازة ب 2 ح 1.
326

فلا يخصص بالأول، كما عن الإسكافي والشهيد (1)، من غير وضوح
المستند.
نعم لو فرض صلاة جميع الحاضرين استثني منهم أقل ما يمكن به رفع
الجنازة قطعا، ووجهه ظاهر.
ومنها: كون المصلين عليه كثيرا; للشهرة، وأقربية دعائهم إلى الاستجابة،
ورجاء مجاب الدعوة فيهم، والنبوي: " من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد
أوجب " (2).
واستدل عليه أيضا بروايات لا تفيد أزيد من مطلوبية شفاعة أربعين رجلا
من المؤمنين كما في الصحيح (3)، أو ممن لا يشرك بالله، أو مائة كما في روايات
عامية (4)، أو دعائهم له (5).
وهي أعم من المطلوب، ولكنها لا بأس بها في مقام التسامح، سيما مع عدم
العلم بوقوع الدعاء غالبا إلا مع الصلاة.
ولا يضر اختصاص العدد فيها; لأن رجاء حصول وصف الإيمان وعدم
الشرك في العدد مع التجاوز أقرب.
ومنها: الصلاة في المواضع المعتادة لذلك، ذكره جملة من الأصحاب (6)،
وعللوه بأنه ليكون طريقا إلى تكثير المصلين، حيث إن السامع موته يقصدها
للصلاة عليه فيها.

(1) حكاه عن الإسكافي في الذكرى: 64، الشهيد في الذكرى: 64.
(2) كما في سنن أبي داوود 3: 202 / 3166، وسنن الترمذي 2: 246 / 1033.
(3) انظر: الوسائل 3: 285 أبواب الدفن ب 90.
(4) انظر: صحيح مسلم 2: 654 / 947 و 655 / 949.
(5) انظر: الوسائل 3: 104 أبواب صلاة الجنازة ب 18.
(6) كصاحب المدارك 4: 182، والسبزواري في الذخيرة: 331، وصاحب الحدائق 10: 448.
327

المسألة الحادية عشرة: تجوز صلاة الجنازة في المساجد كلها، مع عدم العلم
بإيجابها تلوثها، بلا خلاف أجده، وفي الذخيرة: الظاهر أنه لا خلاف فيه بين
الأصحاب (1)، ونفى الريب عنه في المدارك (2).
لصحيحة الفضل: هل يصلى على الميت في المسجد؟ قال: " نعم " (3).
ونحوها موثقته (4)، ورواية محمد (5).
ولكنها مكروهة مطلقا، وفاقا للأكثر، كما صرح به في المدارك والذخيرة
والحدائق (6); للشهرة المحكية (7) الكافية في المقام، ورواية أبي بكر العلوي،
وفيها - بعد إخراجه عن المسجد حيث أراد صلاة الجنازة فيه -: " يا أبا بكر، إن
الجنائز لا يصلى عليها في المسجد " (8).
والنبوي: " من صلى على جنازة في المسجد فلا شئ له " (9).
وضعفهما - لو كان - لا يضر في مقام التسامح، سيما مع الانجبار بالشهرة.
خلافا للمدارك، فنفى الكراهة مطلقا; للأصل، وضعف الرواية (10).
والجواب ظاهر.

(1) الذخيرة: 332.
(2) المدارك 4: 182.
(3) الفقيه 1: 102 / 473، التهذيب 3: 320 / 992، الإستبصار 1: 473 / 1829، الوسائل
3: 122 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 1.
(4) التهذيب 3: 325 / 1015، الوسائل 3: 122 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 1.
(5) التهذيب 3: 325 / 1014، الإستبصار 1: 473 / 1830، الوسائل 3: 122 أبواب صلاة
الجنازة ب 30 ح 1.
(6) المدارك 4: 182، الذخيرة: 332، الحدائق 10: 448.
(7) انظر: الذخيرة: 332.
(8) الكافي 3: 182 الجنائز ب 53 ح 1، التهذيب 3: 326 / 1016، الإستبصار 1:
473 / 1831، الوسائل 3: 123 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 2.
(9) سنن أبي داوود 3: 207 / 3191 بتفاوت يسير.
(10) المدارك 4: 183.
328

وللمحكي عن الإسكافي، فخص الكراهة بالمساجد الصغار دون
الجوامع (1).
ولعله لأن الجوامع من المواضع المعتادة.
والإطلاق مع عدم نص على خصوص تلك المواضع، واستناد استحباب
الصلاة فيها إلى علة غير صالحة للتقييد، يرده. والله أعلم.

(1) حكاه عنه في الذكري: 62.
329

البحث الرابع
في سائر أحكامها
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في تكرار الصلاة على الميت الواحد:
فالمعظم على الجواز، إما مع الكراهة مطلقا، كما هو المشهور على ما ذكره
في المختلف وغيره (1)، بل عن الغنية الإجماع عليه (2).
أو جماعة دون فرادى، كما عن الحلي (3).
أو ممن صلى عليه مرة خاصة مطلقا، دون من لم يصل عليه، كما عن ظاهر
الخلاف (4)، بل نسبه في الذكرى إلى ظاهرهم احتمالا (5).
أو منه بشرط أن لا يكون إماما كما في المدارك (6).
أو منه مطلقا أو مع منافاته للتعجيل أيضا، كما عن الشهيد الثاني (7).
أو الثاني وإذا خيف على الميت أيضا، كما عن قول للفاضل (8).
أو إذا خيف عليه خاصة، كما عن قول آخر له (9).

(1) المختلف: 120، وانظر الحدائق 10: 449.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.
(3) السرائر 1: 360.
(4) الخلاف 1: 726.
(5) الذكرى: 55.
(6) المدارك 4: 185.
(7) روض الجنان: 310، قال فيه: والظاهر أن المراد: من المصلى الواحد أو مع منافاة التعجيل.
(8) حكاه عنه في روض الجنان: 310. فقيد الكراهية بأمرين: منافاة التعجيل، والخوف على
الميت.
(9) التذكرة 1: 51.
330

واحتمل في الاستبصار استحبابه مطلقا (1).
وظاهر شرح الإرشاد للأردبيلي عدم مشروعيته كذلك (2).
ولا يخفى أن مقتضى الأصل الأخير.
ولا تدفعه عمومات الأمر بالصلاة مطلقا، أو بالصلاة على الميت، أو
إطلاقاتهما; لاختصاص الأولى بما ثبتت فيه الحقيقة الشرعية، وهو ذات الركوع
والسجود. والثانية بالواجبة المنتفية هنا إجماعا، لأنه حقيقة الأمر، ولا يحضرني
الآن عام أو مطلق صريح في مطلق الرجحان أو الجواز في صلاة الميت.
ولا المستفيضة المتضمنة لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلى الله عليه
وآله وسلم (3); لأن المستفاد من أكثرها أن المكرر كان الدعاء لا التكبيرات المتخلل
بينها الأدعية، وأنها وقعت من الأمير وأهل البيت خاصة.
إلا أنه يندفع بما ورد في خصوص التكرار، كموثقتي عمار ويونس: الأولى:
" الميت يصلى عليه ما لم يوار بالتراب، وإن كان قد صلي عليه " (4).
والثانية: عن الجنازة لم أدركها حتى بلغت القبر، أصلي عليها؟ قال: " إن
أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليها " (5).
والأخبار المستفيضة المشتملة على الصحيح المصرحة بصلاة مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام على سهل بن حنيف خمس صلوات، في كل صلاة خمس
تكبيرات، صلى عليه، ثم مشى، ثم وضعه، فصلى عليه إلى تمام الخمس (6). وفي

(1) الإستبصار 1: 485.
(2) مجمع الفائدة 2: 453.
(3) انظر: الوسائل 3: 80 أبواب صلاة الجنازة ب 6.
(4) التهذيب 3: 334 / 1045، الإستبصار 1: 484 / 1874، الوسائل 3: 86 أبواب صلاة
الجنازة ب 6 ح 19.
(5) التهذيب 3: 334 / 1046، الإستبصار 1: 484 / 1875، الوسائل 3: 86 أبواب صلاة
الجنازة ب 6 ح 20.
(6) انظر: الوسائل 3: 80 أبواب صلاة الجنازة ب 6.
331

بعضها: " أنه كلما أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم نصل على سهل، فوضعه،
فكبر عليه خمسا حتى صلى عليه خمس مرات " (1).
والواردة في صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على عمه حمزة سبعين
تكبيرة (2).
وأكثرها وإن كانت محتملة لغير المطلوب بأن يصلي صلاة واحدة مشتملة
على هذا العدد، إلا أن في المروي في العيون وصحيفة الرضا عليه السلام: أنه
كبر على حمزة أولا خمس تكبيرات، ثم شركه مع كل شهيد يصلي عليه بعده حتى
تم العدد (3).
ومع هذه الأخبار المعتضدة بغاية الاشتهار بل الإجماع لا ينبغي الريب في
المشروعية والجواز.
ولا تنافيه روايتا وهب وإسحاق: الأولى: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم صلى على جنازة، فلما فرغ جاء أناس فقالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم - لم ندرك الصلاة عليها، فقال: لا يصلى على جنازة مرتين، ولكن ادعوا
له " (4).
ونحوها الثانية (5).
والمروي في قرب الإسناد: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى
على جنازة، فلما فرغ جاءه قوم لم يكونوا أدركوها، فسألوا الرسول أن يعيد الصلاة

(1) الكافي 3: 186 الجنائز ب 56 ح 3، الفقيه 1: 101 / 470، التهذيب 3: 197 / 455،
الوسائل 3: 81 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 5.
(2) كما في الوسائل 3: 80 أبواب صلاة الجنازة ب 6.
(3) عيون أخبار الرضا " ع " 2: 45 / 167، الوسائل 3: 82 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 7.
(4) التهذيب 3: 332 / 1040، الإستبصار 1: 485 / 1879، الوسائل 3: 87 أبواب صلاة
الجنازة ب 6 ح 24.
(5) التهذيب 3: 324 / 1010، الإستبصار 1: 484 / 1878، الوسائل 3: 87 أبواب صلاة
الجنازة ب 6 ح 23.
332

عليها، فقال لهم: قد قضيت الصلاة عليها، ولكن ادعوا لها " (1).
لعدم صراحتها في الحرمة أو عدم المشروعية - لمكان الجملة الخبرية - وعدم
منافاة قضاء الصلاة لجواز صلاة أخرى، فيحتمل الحمل على الكراهة.
والإيراد: بأن الكراهة بالمعنى المصطلح هنا - لكونها عبادة قطعا - منفية.
وبمعنى أقلية الثواب أو المرجوحية الإضافية غير ممكنة; إذ ليس ما يضاف إليه إلا
الفرد الآخر من هذه الطبيعة أي الصلاة على الميت الذي لم يصل عليه، ولا معنى
للنهي عن عبادة وتفويتها لقلة ثوابها ومرجوحيتها بالنسبة إلى غيرها الذي فات ولا
تحقق له.
مدفوع: بأنه لا يجب أن يكون المضاف إليه فردا من هذه الطبيعة، بل
يمكن أن يكون من غيرها مما لا يمكن اجتماعها مع المضاف وهو هنا التعجيل،
فيمكن أن يكون المراد بيان ترجيحه على التكرار، فينبغي التقديم عليه لو كان
سببا لتفويته كما هو الأغلب.
ومن هنا ظهر مستند الكراهة أيضا، وإطلاقه يقتضي الكراهة مطلقا، كما
هو المشهور، فهي الحق المنصور.
ولا يضر اختصاص المورد بمن لم يدرك الصلاة; لأن العبرة بعموم الجواب
لا خصوص السؤال. مع أنه لا قائل بالفرق بهذا النحو، فيدل على الكراهة لمن
صلى، بالإجماع المركب، بل بدلالة الفحوى.
ولا ينافيها ما مر من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والولي مع جنازة
حمزة وسهل; لأن الفعل لا يعارض القول. مع أنه لا معارضة هنا; لجواز ارتكابهما
المكروه بهذا المعنى قطعا ولو خمس مرات، بل ألف مرة، لعدم محذور فيه بالمرة،
سيما مع احتمال وجود أمر هناك يوجب إحراز ثواب ورجحان أكثر مما يفوته التكرار،
من إظهار شرف شخص معين، أو استمالة قلب أهله، أو ترغيب الغير إلى التشبه
به، أو مكافاة لسعي منه، أو غير ذلك.

(1) قرب الإسناد: 88 / 293، الوسائل 3: 84 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 13.
333

ولذا استدل بعضهم به لانتفاء الكراهة في مثل حمزة وسهل ممن له مزية.
ولكنه يضعف بأنه إنما يتم لو علم أن العلة مطلق المزية، وهو غير معلوم،
بل ظاهر بعض الروايات في سهل أنه لمزايا خاصة، حيث علله بكونه جامعا
لمناقب خمسة (1).
دليل المخالف:
للأول: تكرار الصحابة صلاة النبي فرادى.
وفيه مع ما مر: أن الانفراد غير معلوم، بل المذكور في الأخبار أنه كلما دخل
قوم صلوا عليه، أو صلوا عليه فوجا فوجا، أو عشرة عشرة، مع أن صلاة حمزة
وسهل كانت جماعة البتة.
وللثاني: اختصاص روايتي الجواز (2) - ظاهرا كأولاهما، أو صريحا كثانيتهما -
بمن لم يصل، فبهما يقيد إطلاق روايات المنع الدالة على الكراهة، أو المحمولة
عليها للاتفاق على الجواز.
وفيه; مع منع ظهور أولى الروايتين فيمن لم يصل، وخروج من صلى في
الجملة أيضا بروايات تكرار الصلاة على حمزة وسهل، وعدم معارضة بين الجواز
والكراهة; أن دلالة روايات المنع على كراهة صلاة من لم يصل صريحة غير قابلة
للتخصيص بغيرها، إلا أن يقال بتعارض روايتي الجواز مع روايات المنع فيمن لم
يصل، فلا يحكم فيه بالجواز، فيرجع فيه إلى دليل آخر، وهو انتفاء الزائد عن
الكراهة بالإجماع، وتبقى الكراهة فيمن صلى خالية عن المعارض، فيجاب حينئذ
بغير الأخير من الأجوبة الثلاثة السابقة عليه.
وللثالث: ما مر بإخراج الإمام بروايات صلاة سهل.
وجوابه يظهر مما مر.
وللثلاثة المتعقبة له: إخراج المخوف عليه من الأموات أو المنافية للتعجيل

(1) انظر: الوسائل 3: 86 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 18.
(2) وهما موثقتا عمار ويونس، راجع ص 331.
334

من الصلاة، عن روايات الجواز أيضا، بأدلة استحباب رفع الخوف عليه
والتعجيل في أمره (1).
وجوابه ظاهر.
وللسابع: ظاهر الجملة الخبرية في روايتي الجواز، وعمل النبي والولي.
ويرد: بعدم صراحة الجملة فيهما في الرجحان، فلعل مجازها الجواز، سيما
الجواز في هذا المقام المتضمن للرجحان في الترك. وعدم معلومية الوجه في عمل
الحجتين، فلعله أمر لا يجري في غير الموردين.
وللثامن: ضعف روايات الطرفين، فتبقى أصالة عدم مشروعية الزائد عن
المجمع عليه، وهو القدر الواجب كفاية.
وانتفاء الوجوب له قطعا، والاستحباب إجماعا، والإباحة والكراهة
المصطلحة عقلا، وبمعنى المرجوحية الإضافية شرعا، لتوقفها على وجود بدل
شرعي له من أفراد طبيعته، فلم يبق إلا الحرمة.
ويرد الأول: بمنع ضعف الروايات أولا، وعدم ضيره بعد الانجبار ثانيا.
والثاني: بمنع انتفاء مطلق الاستحباب، بل هو ثابت إجماعا وإن كان أقل
ثوابا مما يقارنه غالبا - وهو التعجيل - وهو معنى الكراهة في المقام.
المسألة الثانية: من أدرك مع الإمام بعض التكبيرات وفاته البعض دخل
معه في الصلاة عليه، وأتم ما بقي منها، بلا خلاف بين العلماء كما عن المنتهى (2)،
بل بالإجماع كما عن الخلاف (3).
للمستفيضة من الصحاح وغيرها، منها: صحيحة الحلبي: " إذا أدرك

(1) انظر: الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 47.
(2) المنتهى 1: 455.
(3) الخلاف 1: 725.
335

الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي منها متتابعا " (1).
والعيص: عن الرجل يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة، قال: " يتم ما
بقي " (2).
وقريبة منها رواية زيد الشحام (3).
ورواية خالد القلانسي: في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو
تكبيرتين، فقال: " يتم التكبير وهو يمشي معها، فإذا لم يدرك التكبير كبر عند القبر،
فإن كان أدركهم وقد دفن، كبر على القبر " (4).
وجابر: أرأيت إن فاتتني تكبيرة أو أكثر، قال: " تقضي ما فاتك " قلت:
أستقبل القبلة؟ قال: " بلى وأنت تتبع الجنازة " (5).
والرضوي: " إذا فاتك مع الإمام بعض التكبير ورفعت الجنازة فكبر عليها
تمام الخمس وأنت مستقبل القبلة " (6).
والمروي صحيحا في كتاب المسائل لعلي: عن رجل يدرك تكبيرة أو اثنتين
على ميت كيف يصنع؟ قال: " يتم ما بقي من تكبيرة ويبادره دفعة، ويخفف " (7).
ولا تنافيها رواية إسحاق بن عمار: " إن عليا عليه السلام كان يقول: لا

(1) الفقيه 1: 102 / 471، التهذيب 3: 200 / 463، الإستبصار 1: 482 / 1865، الوسائل
3: 102 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 1.
(2) التهذيب 3: 199 / 461، الإستبصار 1: 481 / 1861، الوسائل 3: 102 أبواب صلاة
الجنازة ب 17 ح 2.
(3) التهذيب 3: 200 / 464، الإستبصار 1: 481 / 1863، الوسائل 3: 102 أبواب صلاة
الجنازة ب 17 ح 3.
(4) التهذيب 3: 200 / 462، الإستبصار 1: 481 / 1862، الوسائل 3: 103 أبواب صلاة
الجنازة ب 17 ح 5.
(5) التهذيب 3: 325 / 1012، الإستبصار 1: 484 / 1877، الوسائل 3: 103 أبواب صلاة
الجنازة ب 17 ح 4.
(6) فقه الرضا " ع ": 179، مستدرك الوسائل 2: 274 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 1.
(7) مسائل علي بن جعفر: 117 / 53، الوسائل 3: 140 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 7.
336

يقضى ما سبق من تكبيرة الجنائز " (1).
لاحتمال إرادتها نفي الوجوب. وهو كذلك; لانتفاء وجوب أصله بعد سبق
الغير إلى الصلاة.
مع أنها - على ما في أكثر النسخ - ليست نصا في المسألة; لجواز كون فعل
النفي مبنيا للمفعول و " سبق " مبنيا للفاعل، دون العكس كما هو الظاهر لو حملت
الرواية على المسألة.
وعلى هذا، فإما أن يكون مراده عليه السلام ذكر أن ما سبق من صلوات
الجنائز على الأموات قبل أيام خلافته بالتكبيرات الأربع كما يفعله المخالفون، أو
بدون إذن الولي لتقية ونحوه لا يقضى، بل يكتفى بما سبق، أو يكون مراده أن
صلاة الجنائز ليست كسائر الصلوات، حيث يقضى إذا ظهر الخلل فيها بعد
انقضائها في الجملة، بل ما سبق لا يقضى أصلا.
نعم ما في بعض النسخ الآخر من قوله: " ما بقي " مكان قوله: " ما سبق "
يكون صريحا في المسألة.
مضافا إلى أنه مع التعارض أيضا فالترجيح لما تقدم بالاشتهار رواية وفتوى،
والأصحية سندا.
وحملها على إرادة نفي الدعاء - كما عن التهذيبين (2) - بعيد جدا.
ثم إنهم ذكروا كما قيل: أنه يأتي بالتكبيرات الباقية متتابعة أي من غير تخلل
الدعاء بينها، في صورة إيجاب الاشتغال بالدعاء حصول المنافي من بعد الميت، أو
الانحراف عنه، أو عن القبلة. واستدلوا له بإطلاق الصحيحة الأولى.
واختلفوا في صورة التمكن منه بدون المنافي، فقال في الشرائع والنافع
والإرشاد والذخيرة والحدائق وغيرها بالتتابع حينئذ أيضا (3); لإطلاق الصحيحة.

(1) التهذيب 3: 200 / 465، الإستبصار 1: 481 / 1864، الوسائل 3: 103 أبواب صلاة
الجنازة ب 17 ح 6.
(2) التهذيب 3: 200، الإستبصار 1: 482.
(3) الشرائع 1: 107، النافع: 41، الإرشاد 1: 263، الذخيرة: 336، الحدائق 10: 464.
337

وعن الفاضل في بعض كتبه (1)، والذكرى وروض الجنان والروضة (2):
تخصيص التتابع بالصورة الأولى، ونسبه في البحار إلى الأكثر، حيث قال: وقال
الأكثر: إن أمكن الدعاء يأتي بأقل المجزي، وإلا يكبر ولاء من غير دعاء (3).
انتهى.
قيل: لعموم ما دل على وجوب الدعاء، خرج منه صورة الضرورة بالنص
والإجماع (4).
ورد: بأن الوجوب كفائي إجماعا، فلا تشمل أدلة الوجوب لموضع النزاع.
وأجيب عنه: بأن هذا يتم لو كان متعلق الوجوب الكفائي هو نفس الدعاء
لا الصلاة. وليس كذلك بل المتعلق هو الصلاة، وليس الكلام فيها، بل في
وجوب الدعاء، وهو في حق من دخل في الصلاة عيني، للأمر به الذي هو حقيقة
فيه، ولا إجماع على كفائيته (5).
وفيه: منع عينية وجوب الدعاء على من دخل في الصلاة.
قوله: للأمر به.
قلنا: إن أريد به الأمر المتعلق به بعد دخوله في الصلاة بخصوصه من غير
اشتمال على الأمر بالدخول في الصلاة، فليس هناك أمر كذائي. وإن أريد الأمر
المتعلق به في ضمن ما تضمن الأمر بالدخول في التكبير وبعد الأمر به، فشموله
لمثل ذلك الشخص يتوقف على حمل الأمر الأول بالتكبير على الوجوب
والاستحباب أو مطلق الرجحان، والأول غير جائز، والثاني مجاز، وهو ليس بأولى
من تخصيص ذلك الأمر وما بعده - من الأمر بالدعاء والتكبيرات الباقية - بالصلاة

(1) كالتذكرة 1: 51.
(2) الذكرى: 63، الروض: 313، الروضة 1: 142.
(3) البحار 78: 363.
(4) الرياض 1: 208.
338

الأولى، أي: نفس الصلاة الغير المسبوقة بغيرها.
إلا أن يقال بمنع سقوط الوجوب الكفائي ما لم تتم الصلاة الأولى، فالأمر
الأول باق على حقيقته التي هي الوجوب، وشامل لمثل هذا الشخص أيضا، وكذا
باقي الأوامر، خرج منها من أدرك الجنازة بعد تمام الصلاة. والحاصل: أن الأوامر
مطلقة شاملة للكل، فيجب على الجميع، والمسلم سقوطه إنما هو عمن لم يدخل
الصلاة إلا بعد تمام صلاة.
ويجاب حينئذ: بأن عموم ما دل على وجوب الصلاة الشامل للدعاء أيضا
- كما مر - معارض بعموم الصحيحة الآمرة بالتتابع، بالعموم والخصوص من
وجه. فكما يمكن تخصيص الثاني بغير حال الضرورة، يمكن تخصيص الأول بغير
مثل ذلك الشخص، ولا ترجيح.
ومنع العموم في الصحيح، بل غايته الإطلاق المنصرف إلى صورة عدم
التمكن من الدعاء كما هو الغالب.
مردود أولا: بدلالته على العموم عرفا وإن كان فيها كلام لغة.
وثانيا: بورود مثل ذلك في الأول أيضا; لأنه أيضا مطلق فينصرف إلى غير
من دخل في الأثناء كما هو الغالب.
وثالثا: بمنع غلبة عدم التمكن من الدعاء المخفف، سلما إذا أدرك
تكبيرتين أو ثلاثا.
بل لنا أن نقول بكون التعارض بالعموم المطلق، وأن الصحيحة أخص
مطلقا; لاختصاصها بالداخل في الأثناء، وأعمية العمومات. وأخصيتها إنما هي
لو سلمنا الإجماع على خروج صورة الضرورة منها، وهو غير ثابت. بل نقول: إن
وجوب الاستقبال وعدم انحراف الميت ونحوهما، إنما كان ثبوته بالإجماع، وتحققه
بالنسبة إلى الجميع - حتى في موضع يوجب ترك الدعاء الواجب بالأخبار، وفي
موضع رفعت الجنازة في الأثناء - غير مسلم، فخصوصية العمومات ممنوعة، ولازمه
تخصيصها بالصحيحة.
339

إلا أنه يمكن أن يقال بعدم معارضة الصحيحة للعمومات أصلا; لأنها إنما
هي إذا أرجعنا الضمير في قوله: " منها " إلى التكبيرة وهو ممنوع، بل يحتمل رجوعه
إلى الصلاة، بل هو الأولى، للأقربة، فيكون المأمور به إتمام ما بقي من الصلاة
متتابعا أي: من غير فصل خارجي، ولعل تقييده لدفع توهم جواز تأخير الباقي
بعد رفع الجنازة إلى استقرارها، فيكون هذا قريبا من المعنى المصرح به في سائر
الأخبار من الإتمام ماشيا وتابعا للجنازة.
وربما يشعر بإرادة هذا المعنى قوله في الصحيحة المروية عن المسائل: " يبادره
دفعة ويخفف " (1).
بل يمكن أن يكون المعنى: حال كونه - أي المصلي - متتابعا للجنازة،
فيتحد مع باقي الأخبار معنى.
وعلى هذا، فيكون القول الثاني هو الأقوى، وتؤكده رواية القلانسي
السابقة (2) حيث إنه لو وجب الولاء في التكبيرات كما هو مقتضى الصحيحة - لو
حملت على هذا المعنى - لم يبلغ الحال إلى المشي خلف الجنازة قطعا.
فرعان:
أ: هل يدعو هذا الشخص بعد التكبير الذي أدركه مع الإمام دعاء
الإمام، ويدعو فيما بقي بما هو وظيفة هذا التكبير ولو أوجب التكرار، استحبابا أو
وجوبا، على اختلاف القولين؟.
أو يدعو فيما أدركه دعاء الإمام وفيما بقي ما فاته من الدعاء؟.
أو يدعو في كل تكبير بما هو وظيفته ولو أوجب عدم متابعة الإمام فيه؟.
الظاهر - كما صرح به في المنتهى من غير نقل خلاف فيه (3) - الأخير;

(1) راجع ص 336.
(2) في ص 336.
(3) المنتهى 1: 456.
340

لعمومات توظيف الأدعية، وعدم ثبوت وجوب متابعة الإمام في المقام.
ب: مقتضى رواية القلانسي أنه لو رفعت الجنازة وقبل الإتمام يمشي معها،
ويتم، ومقتضى الروايتين المتعقبتين لها أنه يتمها مستقبل القبلة. فلو أمكن الجمع
بينهما فلا إشكال، وإلا فالظاهر ترجيح المشي مع الجنازة مواجهتها.
المسألة الثالثة: لا يتحمل الإمام في هذه الصلاة شيئا من التكبيرات ولا
الأذكار; والظاهر الإجماع عليه كما قيل أيضا، وهو أيضا مقتضى الأصل.
نعم تجب متابعته في التكبيرات; اتباعا لظاهر الاجماع، وتحقيقا لمعنى
الاقتداء.
ولو سبق بتكبيرة أو أزيد سهوا أو ظنا أن الإمام قد كبر لم تبطل الصلاة;
للأصل، والإجماع.
وقالوا باستحباب الإعادة مع الإمام (1).
ولا بأس بالقول به; لقولهم، وإلا فلا دليل عليه. والحمل على السبق في
الركوع والسجود قياس باطل.
ولو سبق عمدا قيل: يأثم ويستمر حتى يلحقه الإمام (2). واستجود في
المدارك وجوب إعادة التكبير مع الإمام، واحتمل بطلان الصلاة أيضا (3). ولا وجه
له; إذ غايته النهي عنه، ولم يثبت بطلان هذه الصلاة بمثله.
المسألة الرابعة: النقيصة في التكبيرات الخمس تبطل الصلاة ولو سهوا;
لعدم صدق الامتثال. إلا أن يتداركها قبل بطلان الصورة.
والزيادة لا تبطلها مطلقا; للخروج عن الصلاة بالخامسة.
ولو شك في عدد التكبيرات بنى على الأقل; للأصل. ولو أتى به ثم تذكر

(1) كما في الشرائع 1: 107، والتذكرة 1: 52.
(2) الذكرى: 63.
(3) المدارك 4: 187.
341

سبقه لم يضر.
المسألة الخامسة: لو دفن من تجب الصلاة عليه بغير صلاة تجب الصلاة
عليه في القبر، ما دام الميت باقيا ولو استصحابا، بحيث لو كان على تلك الحال
خارجا يصلى عليه، فيصلى على قبره كما كان يصلى على جنازته، وفاقا لجماعة منهم
المحقق الأردبيلي، والفاضل السبزواري (1).
لاستصحاب الوجوب.
وأصالة عدم تقييده واشتراطه بما قبل الدفن.
وأصالة جواز التأخير عنه. ولا تعارضها أصالة عدم الوجوب بعده،
لمعارضتها مع أصالة عدم الوجوب قبله بخصوصه أيضا.
ولعمومات وجوب الصلاة عليه السالمة عن مكاوحة ما يصلح للمعارضة
والاستثناء.
وأما بعض الأخبار التي يتوهم منافاته لها، كموثقتي عمار ويونس، المتقدمتين
في المسألة الأولى (2)، وموثقتي عمار ومرسلة ابن أسلم، المتقدمة في المسألة الثامنة
من البحث السابق (3)، ورواية ابن ظبيان: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أن يصلى على قبر، أو يقعد عليه " (4).
فليس كذلك; لعدم التعارض.
أما الأولى، فلأن مفهومها أنه لا يصلى عليه مطلقا أي حتى وإن كان قد
صلي عليه بعد الدفن، لا أنه لا يصلى عليه أصلا. مع أنه لا دلالة له على الحرمة
في الأول أيضا; لجواز إرادة انتفاء الرجحان المطلق، حيث إنه يكره تكرار

(1) مجمع الفائدة 2: 450، كفاية الأحكام: 22.
(2) راجع ص 331.
(3) راجع ص 315.
(4) التهذيب 1: 461 / 1504، التهذيب 3: 201 / 469، الإستبصار 1: 482 / 1869، المقنع:
21، الوسائل 3: 105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 6.
342

الصلاة.
وأما الثانية، فلظهور قوله فيها: " لم أدركها " في وقوع الصلاة عليها أولا،
ولذا علق الصلاة ثانيا على المشية، فهي أيضا كسابقتها تنفي تكرار الصلاة بعد
الدفن. ومع ذلك فغايتها نفي ضرب من الاستحباب; إذ المراد بقوله: " صل "
ليس حقيقته - للتعليق المذكور - ومجازه كما يمكن أن يكون مطلق الاستحباب،
يمكن أن يكون تأكده.
وأما الثالثة، فلدلالتها على كفاية الصلاة مقلوبا إذا علم بعد الدفن، وهو لا
يدل على عدم وجوبها لو لم يصل عليه أصلا.
وأما الرابعة، فلأن غايتها رجحان كون الصلاة قبل الدفن، وأين هو من
سقوطها لو لم يصل عليه؟ بل وجوب التقدم أيضا بدليل لا يدل على سقوطها لو
لم يتقدم.
ومنه يظهر عدم دلالة الخامسة أيضا.
وأما السادسة، فلأنها إنما هي في إقامة الصلاة عند القبور لا صلاة الميت.
نعم هنا روايتان، ظاهرهما التعارض:
إحداهما: قوله في ذيل الخامسة: قلت: ولا يصلون عليه وهو مدفون؟
إلى آخره.
والثانية: صحيحة زرارة ومحمد: " الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنما هو
الدعاء " قلت: فالنجاشي لم يصل عليه النبي؟ قال: " [لا]، إنما دعا له " (1).
وظاهر أنهما لا تصلحان لمعارضة ما مر; لشذوذهما جدا، لدلالتهما على المنع
مطلقا، ولا قائل به من الأصحاب، وإن حكي عن بعضهم القول به محدودا بحد

(1) التهذيب 3: 202 / 473، الإستبصار 1: 483 / 1873، الوسائل 3: 105 أبواب صلاة
الجنازة ب 18 ح 5.
343

يأتي ذكره.
ومع ذلك فهما موافقتان للمحكي عن أبي حنيفة (1)، وعلى فتاواه أكثر
العامة، ومعارضتان لأكثر منهما من المعتبرة الدالة على جواز الصلاة بعد الدفن،
وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى بعده.
كرواية القلانسي المتقدمة (2).
وصحيحة هشام: " لا بأس أن يصلي الرجل على الميت بعد ما يدفن " (3).
ورواية مالك: " إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة
عليه وقد دفن " (4).
وعمرو بن جميع: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا فاتته
الصلاة على الميت صلى على القبر " (5).
وروي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على قبر مسكينة دفنت
ليلا (6).
والرضوي: " فإن لم يلحق الصلاة على الجنازة حتى يدفن الميت فلا بأس
أن يصلي بعد ما دفن " (7).
والترجيح لها; للأشهرية رواية، والأبعدية عن فتاوى العامة، والاعتضاد
بعمل الطائفة، وبه يثبت الجواز، وهو أيضا دليل آخر على الوجوب بضميمة

(1) بداية المجتهد 1: 238.
(2) في ص 336.
(3) التهذيب 1: 477 / 1530، التهذيب 3: 200 / 466، الإستبصار 1: 482 / 1866،
الوسائل 3: 104 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 1.
(4) الفقيه 1: 103 / 475، التهذيب 3: 201 / 467، الإستبصار 1: 482 / 1867، الوسائل
3: 104 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 2.
(5) الفقيه 1: 103 / 476، التهذيب 3: 201 / 468، الإستبصار 1: 482 / 1868، الوسائل
3: 105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 3.
(6) انظر: سنن النسائي 4: 40.
(7) فقه الرضا " ع ": 179، مستدرك الوسائل 2: 274 أبواب صلاة الجنازة ب 16 ح 1.
344

الإجماع المركب.
هذا مع احتمال حملهما على معنى آخر، بأن يكون السؤال في ذيل الخامسة
عن جواز تقديم دفن من ذكر على الصلاة اختيارا، فيكون المراد أنه هل يجوز إن
يدفن أولا ذلك الشخص، ثم يصلى عليه؟ فيكون المنع متعلقا به، ولا يثبت المنع
عن الصلاة لو دفن أولا اضطرارا، بل ولا اختيارا. ويجري ذلك المعنى في مرسلة
أخرى لابن أسلم لا تتضمن الصدر المذكور أيضا (1); إذ الظاهر اتحاد الروايتين.
ويكون قوله: " بعد ما يدفن " في الصحيحة خبرا للصلاة، ويكون قوله:
" إنما هو " علة له، يعني: إن الصلاة تكون بعد الدفن، لأن صلاة الميت دعاء،
يجوز في كل وقت، وصلاة النبي أيضا لم تكن إلا هذه الصلاة دون الصلاة
الحقيقية.
والإيراد بأن اختصاص الصلاة بما بعد الدفن مما لم يقل به أحد، مشترك;
إذ اختصاص ما بعد الدفن بالدعاء الخالي عن التكبير; وعدم جواز غيره أيضا
كذلك، والتأويل يجري على المعنيين.
ومنه يظهر وجه ما ذكرنا من سلامة العمومات المذكورة عن المعارض، مع
أنه لو سلمت المعارضة، فتكون بالعموم من وجه، فلولا ترجيح العمومات بما
ذكرنا في مورد التعارض وهو: من لم يصل عليه حتى يدفن، لوجب الرجوع إلى
الاستصحاب، ومقتضاه أيضا وجوب الصلاة على من لم يصل عليه، وتخصيص
الروايتين وما بمعناهما - لو كان - بمن صلي عليه.
مع أنهما فيه أيضا معارضتان بما مر، والترجيح له كما عرفت. بل لولا
الترجيح أيضا لكان المرجع استصحاب الجواز، وإن كان مع الكراهة كما مر.
فالحق الجواز له أيضا مطلقا، كما عن علي بن بابويه والعماني (2). وقربه الشهيد في

(1) التهذيب 3: 201 / 471، الإستبصار 1: 483 / 1871، الوسائل 3: 106 أبواب صلاة ب
18 ح 8.
(2) حكاه عن علي بن بابويه في الذخيرة: 333، وعن العماني في المختلف: 120.
345

البيان (1)، واختاره في الذخيرة (2)، بل هو ظاهر المحكي عن المعتبر والمنتهى (3).
خلافا في الأول (4) للأخيرين والمدارك، فقالوا بعدم الوجوب (5)، وإن
جوزوها لوجه اعتباري لا وجه له.
وفي الثاني (6) للمحكي عن المختلف، فمنع عنه مطلقا (7)، ولعله للجمع
بين أخبار الجواز وروايات المنع بتخصيص الثانية بمن صلي عليه.
وهو كان حسنا، لو كان له شاهد. مع أنه غير جار في رواية القلانسي (8);
لتصريحها بصلاة الجماعة عليه. بل - كما قيل (9) - في غيرها أيضا; لتبادر صورة
الصلاة عليه منها.
وعن الشيخين والقاضي والحلي والكيدري وابني حمزة وزهرة والشرائع
والإرشاد (10)، وغيرها، بل الأكثر كما في الذخيرة والمدارك، وعن الذكرى
والروضة (11) فقيدوا الجواز بيوم وليلة، بل ظاهر بعض هؤلاء شمول التحديد لمن
لم يصل عليه أيضا.

(1) البيان: 77.
(2) الذخيرة: 333.
(3) المعتبر 2: 358، المنتهى 1: 449.
(4) أي: الصلاة بعد الدفن على من لم يصل عليه.
(5) المنتهى 1: 450، المعتبر 2: 358، المدارك 4: 188.
(6) أي: الصلاة بعد الدفن على من صلي عليه.
(7) المختلف: 120.
(8) المتقدمة في ص 336.
(9) الرياض 1: 207.
(10) المفيد في المقنعة 231، الطوسي في النهاية: 146، القاضي في المهذب 1: 132، الحلي في
السرائر 1: 360، حكاه عن الكيدري في الذكرى: 55، ابن حمزة في الوسيلة: 120، ابن
زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 564، الشرائع 1: 107، الإرشاد 1: 262.
(11) الذخيرة: 333، المدارك 4: 187، الذكرى: 55، الروضة 1: 142 وفيها: على أشهر القولين.
346

وعن الديلمي فقيده بثلاثة أيام (1).
وعن الإسكافي فيما لم تتغير صورته (2).
وفي المدارك، فنفى البعد عن التقدير بيوم الدفن (3).
ولا مستند لشئ منها كما اعترف به في المعتبر والمنتهى لغير الأخير (4)، مع أنه
يحتمل أن يكون مرادهم تحديد الجواز الخالي عن الكراهة ويكون بعده مكروها،
فلا يكون لهم خلاف في أصل الجواز.
إلا أن الظاهر من إثباتهم الكراهة للتكرار مطلقا أولا، ثم تحديدهم الجواز
بذلك أنهم يحرمونه بعده.
ولذا نسب جماعة (5) إليهم بعده الحرمة، وأثبت بعضهم لأجل ذلك لها بعده
الشهرة (6).
وكيف كان فعدم المستند يرده، والجمع بين الأخبار به فرع شاهد عليه.
وقد يجمع بينها بحمل أخبار الجواز على مجرد الدعاء بشهادة صحيحة زرارة
المتقدمة وغيرها.
وهو كان حسنا لو كانت مقاومة لما مر، وقد عرفت عدمها، فاللازم طرحها،
أو حملها على ما ذكرنا من المحامل، أو على مرتبة من الكراهة.
المسألة السادسة: لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة على الأخرى، فعن

(1) المراسم: 80.
(2) حكاه عنه في المختلف: 120.
(3) المدارك 4: 188.
(4) المعتبر 2: 359، المنتهى 1: 450.
(5) منهم صاحب المدارك 4: 187، والآقا جمال الخوانساري في الحواشي على الروضة: 123، وصاحب
الحدائق 10: 459.
(6) كما في الرياض 1: 208. ومرجع الضمير في " لها " الحرمة، وفي " بعده " التحديد.
347

الصدوقين والشيخ والفاضلين (1)، بل - كما قال جماعة (2) - هو المشهور: أنه يتخير
المصلي بين إتمام الصلاة على الأولى واستينافها للثانية، وبين قطع الأولى والصلاة
عليهما معا.
وعن الإسكافي (3) تخييره بين أن يجمع بينهما بأن يتم على الثانية خمسا مشتركا
معها الأولى في الجميع فتزيد تكبيرات الأولى عن الخمس، وبين أن يتم الخمس
للأولى مشتركا للثانية معها فيما بقي، ثم يومئ برفع الأولى، ويتم ما بقي إلى
الخمس للثانية، وهو المحكي عن ظاهر التهذيبين (4)، بل عن جماعة من
المتأخرين (5).
احتج للأول تارة بصحيحة علي: في قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو
- تكبيرتين، ووضعت معها أخرى، قال: " إن شاؤوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من
التكبير على الأخيرة، وإن شاؤوا رفعوا الأولى وأتموا التكبير على الأخيرة " (6).
وأخرى بالرضوي المنجبر ضعفه بدعوى الشهرة: " وإن كنت تصلي على
الجنازة وجاءت الأخرى، فصل عليهما صلاة واحدة خمس تكبيرات، وإن شئت
استأنفت على الثانية " (7).
وللثاني بالصحيحة.
وفي الكل نظر: أما الأخير فلأنه إنما يتم لو لم يتعين المصلى عليه بالنية،

(1) الصدوق في المقنع: 21، وحكاه عن والده في الذكرى: 63، الشيخ في النهاية: 147، المحقق
في المعتبر 2: 360، العلامة في المنتهى 1: 458.
(2) كصاحب الحدائق 10: 467، وصاحب الرياض 1: 209.
(3) حكاه عنه في الذكرى: 64.
(4) التهذيب 3: 316، الإستبصار 1: 474.
(5) كالشهيد في الذكرى: 63، والمجلسيين في روضة المتقين 1: 432، والبحار 78: 364،
فراجع.
(6) الكافي 3: 190 الجنائز ب 59 ح 1، التهذيب 3: 327 / 1020، الوسائل 3: 129 أبواب
صلاة الجنازة ب 34 ح 1.
(7) فقه الرضا " ع ": 179، مستدرك الوسائل 2: 285 أبواب صلاة الجنازة ب 29 ح 1.
348

وإلا - كما هو الواقع - فيمكن أن يكون معنى الفقرة الأولى: إن شاؤوا تركوا الأولى
باقية في مكانها بعد تمام الصلاة عليها حتى يصلى على الأخيرة إما صلاة مستأنفة،
كما هو أحد الاحتمالين، أو منضمة بعضها مع ما بقي من الأولى فتشترك الثانية
مع الأولى فيما بقي منها، ولا تشترك الأولى مع الثانية فيما زيد لها، كما هو الاحتمال
الآخر.
ومع ذلك يمكن أن يكون المراد بإتمام التكبير على الأخيرة استئناف الصلاة
لها، لا ضم الباقي مع ما أدركته من الأولى، فيكون المراد من الصحيحة التخيير
بين رفع الأولى وتركها بعد إتمام صلاتها.
ومنه يظهر وجه النظر في الأول أيضا، مضافا إلى احتمال مذهب الإسكافي
في الصحيحة أيضا، وعدم دلالتها على القطع بوجه.
وأما في الثاني فلاحتمال أن يكون المراد منه بيان تجويز التشريك والتفريق،
مع بيان أولوية تقديم المتقدمة من الجنائز مع التفريق، فيكون المعنى: إن كنت
تريد الصلاة على جنازة حاضرة فجاءت الأخرى، فأنت بالخيار بين التشريك،
وبين أن تصلي بالأولى ثم بالثانية. وهذا المعنى وإن احتاج إلى حمل قوله " تصلي "
على إرادتها ولكن المعنى الذي راموه أيضا يحتاج إلى إرادته عليه السلام ترك
الصلاة بالأولى، وإسقاط ما تقدم من التكبير، وهو خلاف الظاهر.
فالصواب أن يستدل للقول الأول بالأصل. فيقال بجواز القطع والصلاة
عليهما معا; لأصالة عدم حرمته. ودليل حرمة إبطال العمل - لو تم - لم يجر هناك.
وجواز الإتمام والاستيناف للثانية; لأصالة عدم وجوب التعجيل لها، ولا القطع،
ولا التشريك.
ولعل هذا مراد الفاضل في المنتهى حيث استدل بأن مع كل من شقي
التخيير تحصل الصلاة وهو المطلوب (1).
وأما احتمال جمعهما إلى أن يتم الخمس للثانية كما هو مذهب الإسكافي،

(1) المنتهى 1: 458.
349

فيرده إيجاب زيادة صلاة الأولى عن خمس تكبيرات، وهي باطلة بالأخبار المصرحة
بأن صلاة الميت خمس تكبيرات. واحتمال جمعهما فيما بقي من تكبيرات الأولى
وتفريد الثانية بالباقية، فيرده عدم القائل.
المسألة السابعة: إذا تعددت الجنائز يجوز تخصيص كل منها
بصلاة.
ويجوز تشريك الجميع; للأصل، والإجماع، والروايات الواردة في كيفية
ترتيب الجنائز (1).
وحينئذ فينوي الجميع، ويشرك بينهم في الأذكار فيما يتحد لفظه، ويراعي
الجميع في المختلف، فلو كان منهم مؤمن وطفل ومجهول، راعى وظيفة كل واحد
منهم، ومع اتحاد الصنف يراعي تثنية الضمير وجمعه وتذكيره وتأنيثه،
أو يذكر مطلقا مؤولا بالميت، أو يؤنث كذلك مؤولا بالجنازة، ولعل الأول
أولى.
المسألة الثامنة: يشترط في وجوب الصلاة على الميت وجوده
إجماعا; وتدل عليه روايات انتفاء الصلاة على اللحم المجرد ونحوه (2). فلا
يصلى على الرميم لو لم يصل عليه أولا، وما أكله السبع، والغريق في البحر
ونحوها.
المسألة التاسعة: يجوز إيقاع هذه الصلاة في كل وقت من غير كراهة، ولو
كان من الأوقات المكروهة فيها الصلاة; للأصل، والإجماع المحقق، والمحكي
عن الخلاف والمنتهى والتذكرة وغيرها (3)، والنصوص المستفيضة كصحيحتي الحلبي (4)،

(1) انظر: الوسائل 3: 124 أبواب صلاة الجنازة ب 32.
(2) انظر: الوسائل 3: 134 أبواب صلاة الجنازة ب 38.
(3) الخلاف 1: 721، المنتهى 1: 458، التذكرة 1: 51، وانظر المدارك 4: 188.
(4) التهذيب 3: 321 / 999، الإستبصار 1: 470 / 1815، الوسائل 3: 108 أبواب صلاة
الجنازة ب 20 ح 1.
350

ومحمد (1)، وروايته (2)، والمروي في العلل (3)، والعيون (4)، وغيرها.
وأما رواية الحلبي: " تكره الصلاة على الجنائز حتى تصفر الشمس وحين
تطلع " (5).
فلا تصلح معارضة لما مر; لوجوه عديدة، منها كونها موافقة للعامة (6).
ولو زاحمت هذه الصلاة فريضة حاضرة فمع ضيق وقت إحداهما - ولو بمثل
الخوف على الجنازة - وسعة الأخرى يقدم المضيق وقتها بلا خلاف، والوجه ظاهر.
ولو تضيقتا معا: ففي وجوب تقديم الحاضرة، كظاهر الحلي والشرائع
والنافع والمدارك (7)، وجماعة أخرى (8)، بل حكي عليه الشهرة (9).
أو صلاة الجنازة، كما عن ظاهر المبسوط (10).
قولان، ولعل الأول أقرب; لتقدم الفريضة على السنة، وكون الصلاة في
الدين هي العمدة.
ولو اتسعتا فلا تقديم لأحدهما وجوبا قطعا.

(1) الكافي 3: 180 الجنائز ب 51 ح 2، التهذيب 3: 321 / 998، الإستبصار 1:
470 / 1814، الوسائل 3: 108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.
(2) الكافي 3: 180 الجنائز ب 51 ح 1، التهذيب 3: 321 / 997، الإستبصار 1:
470 / 1813، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 3.
(3) العلل: 268، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 4.
(4) العيون 2: 113، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 4.
(5) التهذيب 3: 321 / 1000، الإستبصار 1: 470 / 1816، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة
الجنازة ب 20 ح 5.
(6) انظر: بداية المجتهد 1: 242.
(7) الحلي في السرائر 1: 360، الشرائع 1: 107، النافع: 41، المدارك 4: 189.
(8) منهم العلامة في المنتهى 1: 458، والشهيد في الدروس 1: 114، والفاضل الهندي في كشف
اللثام 1: 132.
(9) الرياض 1: 208.
(10) المبسوط 1: 185.
351

وفي أفضلية تقديم الحاضرة أو الجنازة روايتان خاصتان (1)، أولاهما
معتضدة بعمومات فضيلة أول الوقت، وثانيتهما بعمومات استحباب تعجيل
التجهيز.
والوجه التخيير، وإن كان الأول أظهر; لما مر من كون الحاضرة فريضة
عمدة وصلاة الجنازة سنة.

(1) الوسائل 3: 123 أبواب صلاة الجنازة ب 31.
352

الباب الرابع
في الصلوات النوافل الغير اليومية
وهي كثيرة مضبوطة في كتب الأدعية لا حصر لها، فإن الصلاة خير
موضوع، فمن شاء استقل، ومن شاء استكثر، إلا إنا نذكر هنا مما ذكره
الأصحاب أربع صلوات:
354

الأولى
صلاة الاستسقاء
وهو: طلب السقي أو السقيا أو الإسقاء، وهو كان مشروعا في الملل
السابقة، كما يستفاد من الكتاب (1) والسنة، وإن لم يستفد منهما كونه بالصلاة أو
مجرد الدعاء بلا صلاة، حيث إن الطريقين ثابت في ملتنا. أما الأخير فبإجماع
الفريقين، وورود دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذلك في بعض
أخبارنا (2)، وهو - كما قيل (3) - أدنى الاستسقاء.
وأوسطه الدعاء عقيب صلاة أو في أثنائها، حيث إنه أقرب إلى الإجابة.
وأفضله الاستسقاء بالصلاة، فتستحب عند غور الأنهار، وفتور الأمطار
وحبسها عرفا، بإجماعنا المحقق والمصرح به في كلمات جماعة (4)، بل إجماع كل من
يحفظ عنه العلم غير أبي حنيفة، فإنه قال بمجرد الدعاء (5)، ومع ذلك النصوص
به مستفيضة بل متواترة معنى.
والكلام إما في كيفيتها، أو مستحباتها.
أما الأولى: فهي ركعتان بالإجماع، والنصوص، ففي موثقة ابن بكير:
في الاستسقاء، قال: " يصلي ركعتين، ويقلب رداءه الذي على يمينه، فيجعله على
يساره، والذي على يساره على يمينه، ويدعو الله فيستسقي " (6).
ورواية طلحة: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى للاستسقاء

(1) (وإذ استسقى موسى لقومه....) - البقرة: 60.
(2) انظر: الوسائل 8: 7 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.
(3) الروضة 1: 319.
(4) كالعلامة في التذكرة 1: 167، وصاحب الرياض 1: 209.
(5) انظر: بداية المجتهد 1: 215.
(6) التهذيب 3: 148 / 321، الوسائل 8: 9 أبواب صلاة الاستسقاء ب 3 ح 1.
355

ركعتين وبدأ بالصلاة قبل الخطبة، وكبر سبعا وخمسا، وجهر بالقراءة " (1).
ومرسلة الفقيه: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي للاستسقاء
ركعتين، ويستسقي وهو قاعد، وقال: بدأ بالصلاة قبل الخطبة، وجهر
بالقراءة " (2).
وصحيحة هشام: عن صلاة الاستسقاء، قال: " مثل صلاة العيدين، يقرأ
فيها، ويكبر فيها، كما يقرأ ويكبر فيهما، يخرج الإمام، فيبرز إلى مكان نظيف في
سكينة ووقار وخشوع ومسكنة، ويبرز معه الناس، فيحمد الله، ويمجده، ويثني
عليه، ويجتهد في الدعاء، ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير، ويصلي مثل
صلاة العيدين بركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد، فإذا سلم الإمام، قلب ثوبه،
وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر، والذي على الأيسر
على الأيمن، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك صنع " (3) إلى غير ذلك.
ويستفاد من صريح بعض هذه الأخبار، ومن مماثلتها للعيدين في الأخيرة
أنه يكبر فيها سبعا وخمسا كما في العيدين، كما عليه إجماع علمائنا محققا، ومحكيا
مستفيضا (4)، وتدل عليه روايات أخر أيضا، منها رواية ابن المغيرة: يكبر في
صلاة الاستسقاء كما يكبر في العيدين، في الأول سبعا -، وفي الثانية خمسا، ويصلي
قبل الخطبة، ويجهر بالقراءة، ويستسقي وهو قاعد (5).
وكذا تظهر من المماثلة المذكورة المماثلة في القراءة وما يقرأ فيها من السورة
استحبابا، وإن جاز كل سورة. والقنوتات، كما عليه الإجماع; لأنها - كالتكبيرات -

(1) التهذيب 3: 150 / 326، الإستبصار 1: 415 / 1748، الوسائل 8: 10 أبواب صلاة
الاستسقاء ب 4 ح 1.
(2) الفقيه 1: 338 / 1505، الوسائل 8: 7 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 6 و 7.
(3) الكافي 3: 462 الصلاة ب 94 ح 2، التهذيب 3: 149 / 323، الإستبصار 1:
452 / 1750، الوسائل 8: 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 1.
(4) الخلاف 1: 658، التذكرة 1: 167، الذخيرة: 346، الحدائق 10: 484.
(5) الكافي 3: 463 الصلاة ب 94 ح 4، الوسائل 8: 6 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 3.
356

من الأحكام الشائعة الظاهرة للعيدين المنصرفة إليها المماثلة المطلقة قطعا، كما
عليه الإجماع أيضا.
إلا أنهم صرحوا بأنه ينبغي أن يكون القنوت هنا بطلب الرحمة وتوفير المياه،
ولا يتعين فيه دعاء خاص، بل يدعو بما تيسر له وأمكنه، وإن كان أفضل ذلك
الأدعية المأثورة عن أهل بيت العصمة، فإنهم أعرف بما يناجي به الرب سبحانه.
وربما يقال: إن مقتضى المماثلة شمولها للوقت أيضا، فيخرج ما بين طلوع
الشمس إلى الزوال، كما نص عليه الشهيدان (1)، وعن العماني والحلبي (2)، ونسبه
في الذكرى إلى ظاهر الأصحاب (3)، وفي المختلف إلى ظاهر الشيخين (4)، حيث
إنهما لم يتعرضا لوقتها، إلا أنهما حكما بمساواتها للعيد (5).
وأنت خبير أنه ليس بظاهر; إذ المتبادر من المساواة والمماثلة المساواة في
الكيفية لا الأمور الخارجية.
ومنه يحصل الخدش فيما استظهره في الذكرى أيضا; إذا الظاهر - كما صرح
به بعض الأجلة (6) - أنها وجهه، وإلا فالأكثر - ومنهم: الصدوق والحلي والديلمي
والفاضلان - لم يتعرضوا لوقتها.
وكذلك يحصل الخدش في استفادة المماثلة في الوقت من الصحيحة، ومن
رواية مرة مولى خالد: " ثم يخرج كما يخرج يوم العيدين " (7).
ومنه بضميمة الأصل والإطلاق يظهر أن الأقوى عدم التوقيت فيها، كما

(1) الشهيد الأول في البيان: 220، الشهيد الثاني في الروضة 1: 319.
(2) حكاه عن العماني في المختلف: 126، الحلبي في الكافي في الفقه: 162.
(3) الذكرى: 251.
(4) المختلف: 126.
(5) انظر: المقنعة 207، الإشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 29، المبسوط 1: 134، الإنتصار: 271.
(6) كشف اللثام 1: 270.
(7) الكافي 3: 462 الصلاة ب 94 ح 1، التهذيب 148 / 322، الوسائل 8: 5 أبواب صلاة
الاستسقاء ب 1 ح 2.
357

عن المعتبر والنهاية والتذكرة التحرير والدروس (1) وجمع آخر (2)، بل عن النهاية
والتذكرة الإجماع عليه (3).
إلا أن في الأخير: أن الأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال; لأن ما بعد العصر
أشرف.
وضعفه ظاهر، كما حكي عن الإسكافي والحلي من التوقيت بما بعد
الفجر (4).
وأما مستحباتها وسننها - مضافة إلى ما استفيد مما مر - أمور:
منها: أن يصوم الناس ثلاثا متوالية، والخروج يوم الثالث، بلا خلاف فيه
ظاهر، كما قيل (5); له، وللنصوص. منها: رواية حماد السراج وفيها: " ليس
الاستسقاء هكذا فقل له: يخرج فيخطب الناس، ويأمرهم بالصيام اليوم وغدا،
ويخرج بهم اليوم الثالث وهم صيام " (6) الحديث.
ومنها: أن يكون الخروج يوم الاثنين، وفاقا للصدوق والشيخ والقاضي
والحلي وابن حمزة (7)، بل هو المشهور كما صرح به جماعة (8)، بل قيل (9): إن
الأصحاب لم يتعرضوا لغير الاثنين، إلا أبا الصلاح ومن بعده.

(1) المعتبر 2: 364، نهاية الإحكام 2: 104، التذكرة 1: 168، التحرير 1: 47، الدروس
1: 196.
(2) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 270، وصاحب الحدائق 10: 485.
(3) نهاية الإحكام 2: 104، التذكرة 1: 168.
(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 126، وأما الحلي فلم يعين لها وقتا، انظر: السرائر 1: 325.
(5) انظر: التذكرة 1: 167.
(6) التهذيب 3: 148 / 320، الوسائل 8: 8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 1.
(7) الصدوق في المقنع: 47، الشيخ في النهاية: 138، القاضي في المهذب 1: 144، الحلي في
السرائر 1: 325، ابن حمزة في الوسيلة: 113.
(8) منهم صاحب الرياض 1: 209، وانظر: مفتاح الكرامة 3: 249.
(9) الرياض 1: 209.
358

لرواية مرة، وفيها: قلت له: متى يخرج جعلت فداك؟ قال: " يوم
الاثنين " (1).
والمروي في العيون: متى تفعل ذلك؟ وكان يوم الجمعة، فقال: " يوم
الاثنين، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاني البارحة في منامي، ومعه
أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال: يا بني، انتظر يوم الاثنين فابرز إلى الصحراء
واستسق... " (2) الحديث.
وعن المفيد في المقنعة والحلبي: أنهما لم يذكرا سوى الجمعة (3); ولعله
لشرفه، وما ورد من تأخير قضاء الحوائج إليه (4)، وذم الاثنين، والنهي عن طلب
الحوائج فيه (5).
وخير أكثر المتأخرين بين اليومين (6); لما ذكر، وللنص، وهما كانا حسنين
لولا النص الخاص الواجب تقديمه - سيما مع الاعتضاد بعمل الأكثر - على العام.
وعن صريح الذكرى والدروس والبيان وظاهر التحرير والشرائع والنفلية:
الترتيب بينهما بتقديم الاثنين (7)، فإن لم يتفق فالجمعة.

(1) الكافي 3: 462 الصلاة ب 94 ح 1، التهذيب 3: 148 / 322 الوسائل 8: 5 أبواب
صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
(2) عيون أخبار الرضا " ع " 2: 165 / 1، الوسائل 8: 8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 2.
(3) لا يوجد في المقنعة: 207 - 208، بل صرح الشهيد ره في الذكرى: 250، بأن المفيد ره لم
يعين وقتا للخروج، الحلبي في الكافي: 162.
(4) انظر: الوسائل 7: 381، 383 أبواب صلاة الجمعة ب 40 و 41 ح 20 و 1..
(5) كما في الوسائل 11: 351 أبواب آداب السفر إلى الحج ب 4 ح 1 و 2 و 3.
(6) كالمحقق في المعتبر 2: 362، والعلامة في القواعد 1: 40، والشهيد في اللمعة (الروضة 1):
319، والشهيد الثاني في روض الجنان: 324، والعلامة المجلسي في البحار 88: 312.
وصاحب الحدائق 10: 485.
(7) الذكرى: 250، الدروس 1: 196، البيان: 218، التحرير 1: 47، الشرائع 1: 109، النفلية:
44.
359

وعن العماني والإسكافي والديلمي: أنهم لم يعينوا لها وقتا (1).
ومنها: الإصحار بها إجماعا، كما عن المعتبر والمنتهى والذكرى وغيرها (2);
للتأسي، والأخبار، كرواية العيون السابقة، ورواية أبي البختري: " مضت السنة
أنه لا يستسقى إلا بالبراري، حيث ينظر الناس إلى السماء، ولا يستسقى في
المساجد إلا بمكة " (3).
وذكر بعضهم: أنه لو حصل مانع من الصحراء كخوف وشبهه، صليت في
المساجد (4). ولا بأس به.
ومنها: أن يخرجوا حفاة، نعالهم بأيديهم; لأنه أبلغ في التذلل والانكسار،
وللأمر بالمشي كما يمشي في العيدين.
في ثياب بذلة; للتذلل، والتأسي، كما ذكره الفاضل في التذكرة والنهاية (5).
في تواضع وتخشع واستكانة وسكينة ووقار، كما مر في بعض الأخبار.
مطرقين، مكثرين لذكر الله والاستغفار من ذنوبهم وسيئات أعمالهم، قال
الله سبحانه: (واستغفروا ربكم يرسل السماء عليكم مدرارا) (6).
ومنها: أن يكون المؤذنون بين يدي الإمام، وفي أيديهم غيرهم، كما في
رواية مرة.
وأن يخرج المنبر بخلاف العيد; لهذه الرواية أيضا، وفي الرضوي: " يخرج

(1) حكاه عن العماني والإسكافي في المختلف: 125، الديلمي في المراسم: 83.
(2) المعتبر 2: 362، المنتهى 1: 355، الذكرى: 251، وانظر: الرياض 1: 209.
(3) التهذيب 3: 150 / 325، قرب الإسناد: 137 / 481، الوسائل 8: 10 أبواب صلاة
الاستسقاء ب 4 ح 1.
(4) كما في الذكرى: 251.
(5) التذكرة 1: 168، نهاية الإحكام 2: 103.
(6) هود: 52.
360

الإمام، ويبرز تحت السماء، ويخرج المنبر والمؤذنون أمامه " (1).
ومنها: أن يستصحبوا الشيوخ، سيما أبناء الثمانين، والعجائز، والأطفال،
والبهائم; لتصريح الأصحاب، ولأنهم أقرب إلى الرحمة، ومظنة الرقة، وأسرع
إلى الإجابة.
وفي النبوي: " إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر " (2).
وفي آخر: " لولا أطفال رضع، وشيوخ ركع، وبهائم رتع لصب عليكم
العذاب صبا " (3).
وفي الرضوي في جملة الخطبة المذكورة فيه هنا: " اللهم ارحمنا بمشايخ
ركع، وصبيان رضع، وبهائم رتع، وشبان خضع " (4).
وفي بعض خطب الاستسقاء: " اللهم ارحم أنين الآنة، وحنين الحانة،
اللهم ارحم تحيرها في مراتعها، وأنينها في مرابضها " (5).
وفي بعض الروايات: خروج سليمان بن داوود إلى الاستسقاء، ورجوعه
لدعاء النملة (6).
وزاد بعضهم التفريق بين الأطفال وأمهاتهم، ليكثروا من الضجيج
والبكاء، وليكون ذلك سببا لإدراك الرحمة (7).

(1) فقه الرضا " ع ": 153، مستدرك الوسائل 6: 181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.
(2) مسند أحمد 2: 89.
(3) سنن البيهقي 3: 345، الجامع الصغير 2: 443; باختلاف يسير.
(4) فقه الرضا " ع ": 154، مستدرك الوسائل 6: 181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.
(5) الفقيه 1: 335 / 1504، نهج البلاغة (محمد عبده) 1: 225 ح 111، مستدرك الوسائل 6:
199 أبواب صلاة الاستسقاء ب 11 ح 2.
(6) كما في الفقيه 1: 333 / 1493، الوسائل 8: 7 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 5.
(7) انظر: المختصر النافع: 41، والذخيرة: 346.
361

ومنها: أن يكون الخارجون من المسلمين خاصة، كما ذكره جماعة (1)، فيمنع
الكفار بأصنافهم عن الحضور معهم.
وعن الحلي زيادة المتظاهرين بالفسق والمكر والخداعة من أهل الإسلام
أيضا (2).
وعلل في المنتهى بأنهم أعداء الله، ومغضوب عليهم، وقد بدلوا نعمة الله
كفرا، فهم بعيدون عن الإجابة، وقال الله سبحانه: (وما دعاء الكافرين إلا في
ضلال) (3).
ثم ذكر ما ورد في دعاء فرعون حين غار النيل، كما ورد في رواياتنا (4)،
ورجح عدم المنع (5)
وفي الحدائق: ويعضده خروج المنافقين مع النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، وكذا خروج المنافقين مع الرضا عليه السلام (6)، ويعضده أيضا ما ورد من
أن الله عز وجل ربما حبس الإجابة عن المؤمن، لحب سماع دعائه، وعجل الإجابة
للكافر، لبغض سماع صوته (7)، على أنهم يطلبون ما ضمنه الله تعالى لهم من
رزقهم، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد (8).
ومنها: أن يصلى جماعة; للتأسي وظواهر الأخبار، بل قيل: إن ظواهرها

(1) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 135، والقاضي في المهذب 1: 145، والمحقق في النافع: 41،
والشهيد في الذكرى: 251، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 270.
(2) السرائر 1: 325.
(3) الرعد: 14.
(4) الفقيه 1: 334 / 1502.
(5) المنتهى 1: 355.
(6) أنظر: الوسائل 8: أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 و 2.
(7) كما في الوسائل 7: 61 أبواب الدعاء ب 21.
(8) الحدائق 10: 488.
362

متفقة على الجماعة، وليس هناك خبر يدل على جوازها فرادى (1).
وهو وإن كان كذلك، إلا أن إجماعنا - كما صرح به جماعة (2) - المؤيد بقضية
التشبيه بالعيدين كاف في إثباته.
ومنها: أن يقلب رداءه بأن يجعل الذي على يمينه على يساره، وبالعكس;
للنصوص المستفيضة، كموثقة ابن بكير، وصحيحة هشام المتقدمتين (3).
وفي رواية مرة: " يصلي بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة، ثم يصعد
المنبر، فيقلب رداءه، فيجعل الذي على يمينه على يساره، والذي على يساره على
يمينه، ثم يستقبل القبلة، فيكبر الله مائة تكبيرة رافعا بها صوته، ثم يلتفت إلى
الناس عن يمينه، فيسبح الله مائة تسبيحة رافعا بها صوته، ثم يلتفت إلى الناس
عن يساره، فيهلل الله مائة تهليلة، رافعا بها صوته، ثم يستقبل الناس، فيحمد
الله تعالى مائة تحميدة، ثم يرفع يديه، فيدعو ثم يدعون " (4) الحديث.
ومرفوعة [محمد بن سفيان] (5): عن تحويل النبي صلى الله عليه وآله وسلم
رداءه إذا استسقى، فقال: " علامة بينه وبين أصحابه، يحول الجدب خصبا " (6).
وفي الرضوي: " ثم يسلم، ويصعد المنبر، فيقلب رداءه " إلى أن قال:
" ثم يحول وجهه إلى القبلة " (7) الحديث.

(1) الحدائق 10: 495.
(2) انظر: المنتهى 1: 356، والمدارك 4: 314، والرياض 1: 228.
(3) في ص: 355 - 356.
(4) الكافي 3: 462 الصلاة ب 94 ح 1، التهذيب 3: 149 / 322، الوسائل 8: 5 أبواب
صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
(5) في النسخ: محمد بن سنان، والصحيح ما أثبتناه كما يظهر من المصادر وكتب الرجال.
(6) التهذيب 3: 150 / 324، الوسائل 8: 9 أبواب صلاة الاستسقاء ب 3 ح 2، ورواها في
الفقيه 1: 338 / 1506 مرسلة.
(7) فقه الرضا " ع ": 153، مستدرك الوسائل 6: 181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.
363

ثم إن التقليب على الوجه المذكور يتوقف على أحد القلبين: إما جعل
الأسفل الأعلى، أو الظاهر الباطن، فيتخير بينهما. وأما جمع الثلاثة - كما في بعض
كتب أصحابنا (1) - فغير ممكن، ولعل مراده الجمع بالإتيان بهما معا ولو في زمانين،
تحصيلا للاحتمالين، لا في آن واحد.
ثم إن مقتضى إطلاق الموثقة استحباب ذلك للإمام والمأموم كما نص عليه
في الخلاف والمبسوط (2)، واختاره في الذكرى والبيان وروض الجنان والمسالك (3).
خلافا لجماعة (4)، فخصوه بالإمام، وحكي عن الخلاف أيضا (5)، وهو
خطأ (6); لتقييد ما في الروايات به، ووجوب حمل المطلق على المقيد.
ويضعف: بأنه إنما هو مع التنافي، ولا منافاة بين المطلق والمقيد، إلا على
اعتبار مفهوم اللقب، وهو ضعيف جدا.
وهل يقلب مرة؟ كما هو ظاهر الأكثر; للأصل والإطلاق.
أو مرتين؟ كما احتمله بعضهم، مرة بعد السلام، لصحيحة هشام (7)،
وأخرى بعد صعود المنبر، لرواية مرة، والرضوي.

(1) الروضة 1: 319.
(2) الخلاف 1: 688، المبسوط 1: 135، وانظر الهامش (6).
(3) الذكرى: 251، البيان: 219، روض الجنان: 325، المسالك 1: 39.
(4) كالمفيد في المقنعة: 208، والديلمي في المراسم: 83، والمحقق في الشرائع 1: 109.
(5) حكاه عنه في الحدائق 10: 489.
(6) قال في الخلاف: تحويل الرداء يستحب للإمام، سواء كان مقورا أو مربعا، وبه قال مالك وأحمد.
وقال الشافعي: إن كان مقورا حوله، وإن كان مربعا فيه قولان: أحدهما يحوله والآخر يقلبه.
ويفعل مثل ذلك المأموم. وقال محمد: يقلبه وحده دون المأموم. انتهى. والظاهر أن الماتن قد نظر
إلى جملة: ويفعل مثل ذلك المأموم، ولكنه من قول الشافعي، - انظر: مغني المحتاج 1: 325
والأم 1: 251 - فتظهر صحة ما حكي عن الخلاف من القول بالاختصاص.
(7) المتقدمة في ص 356.
364

أو ثلاث مرات؟ كما عن المفيد والديلمي (1)، و [القاضي] (2)، ولا مستند لهم
ظاهرا إن أرادوا متتالية، كما هو ظاهر المحكي عنهم أنهم يجعلونها بعد الخطبة (3).
نعم إن أريد واحدة بعد السلام، وأخرى قبل الخطبة، والثالثة بعدها،
أمكن الاحتجاج للأولين بما مر، وللثالثة بالمرفوعة حيث إن معنى " إذا استسقى ":
إذا فرغ منه. إلا أنه. يضعف بأن الظاهر منه إذا أراد الاستسقاء، أو اشتغل به،
فيكون قبل الخطبة.
ومنه - مضافا إلى كون ذلك كلام السائل - يظهر ضعف زيادة الثالثة.
وكذا يظهر ضعف زيادة الأولى بعدم دلالة الصحيحة على أنه كان بعد
التسليم فورا، مع أنه لا يراخى محسوسا كثيرا بينه وبين صعود المنبر، فيحمل
المجمل على المبين، فلا يستب إلا مرة بعد صعود المنبر قبل الاشتغال بالدعاء،
كما تدل عليه رواية مرة والرضوي.
ومنها: أنه إذا صعد الإمام المنبر وحول الرداء يستقبل القبلة، ويكبر الله
مائة مرة، ثم يلتفت إلى يمينه ويسبح مائة، ثم إلى يساره ويهلل مائة، ثم يستقبل
الناس، ويحمد الله مائة، رافعا صوته في الأذكار.
كل ذلك للشهرة المتأخرة، ورواية مرة، وإن لم يذكر فيها رفع الصوت في
التحميد، ولكن تكفي في إثباته فتاواهم.
ولبعض القدماء أقوال أخر في الأذكار (4)، لا مستند لها، والمتبع ما في
الرواية.
قالوا: ويتابعه المأمومون في الأذكار (5)، وزاد بعضهم في رفع الصوت

(1) المفيد في المقنعة: 208، الديلمي في المراسم: 83.
(2) في جميع النسخ: الحلي، ولم نعثر عليه في السرائر، والظاهر أنه سهو، كما يظهر من كشف اللثام
1: 269، والحدائق 10: 489; راجع المهذب 1: 144.
(3) انظر: الحدائق 10: 489.
(4) كالقاضي قي المهذب 1: 144، والديلمي في المراسم: 83.
(5) كما في الكافي في الفقه: 163.
365

أيضا (1). ولا بأس به; لأنه مقام التسامح.
وأما التحويل إلى الجهات فلم أعثر على مصرح بالمتابعة فيه، والأصل
ينفيه.
ثم مقتضى الرواية المذكورة كون الأذكار قبل الدعاء. فإن كان المراد
بالخطبة أيضا هو ذلك الدعاء كما صرح به جماعة (2)، فثبت منه تقدم الأذكار على
الخطبة أيضا، كما عن العماني والشيخ وابن حمزة (3)، وجمهور المتأخرين، وإلا فثبت
منها ومن مرسلة الفقيه الراوية لخطبة مولانا أمير المؤمنين (4)، حيث إنه يعقب
الدعاء فيها للحمد والصلاة بلا فصل بضميمة أصالة عدم دعائه بغير بذلك،
فتأمل.
ومنها: أن يخطب بالناس، بالإجماع والنصوص.
وهل المراد بالخطبة هنا هو الدعاء فقط، وإن جاز أو استحب تصديره
بالحمد والصلاة؟ كما صرح به بعض مشايخنا (5)، ويدل عليه عدم ذكر خطبة في
رواية مرة، بل ذكر أنه بعد السلام يصعد المنبر، ثم يذكر، ثم يدعو، وكذا في
الرضوي المشتمل على عبارات الدعاء أيضا (6).
أو ما يشمل على الحمد والصلاة والوعظ والدعاء؟.
أو مع خروج الدعاء عنها؟ كما عن الذكرى (7).
كل محتمل; لجواز استعمال الخطبة في الدعاء مجازا، كما أنها في الحمد

(1) كما في الكافي في الفقه: 163.
(2) انظر: روض الجنان: 325، والحدائق 10: 491.
(3) حكاه عن العماني في المختلف: 125، الشيخ في المبسوط 1: 135، ابن حمزة في الوسيلة: 113.
(4) الفقيه 1: 335 / 1504، والمتقدمة في ص 361.
(5) انظر: الحدائق 10: 491 و 493.
(6) فقه الرضا " ع ": 153، مستدرك الوسائل 6: 181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.
(7) الذكرى: 252.
366

والصلاة والوعظ أيضا كذلك، ولعدم دلالة عدم ذكرها في بعض الروايات
بخصوصها على اتحادها مع الدعاء.
والظاهر من رواية خطبة أمير المؤمنين عدم اشتراط تضمنها الوعظ.
والأولى اشتمالها على الحمد والصلاة والوعظ والدعاء، وتقديم الثلاثة
الأولى على الأخير.
وهل تتعدد الخطبة فيه كما في العيدين؟ كما في الذكرى (1); لقوله في
الصحيحة: " يصلي بمثل صلاة العيدين بركعتين " (2).
أولا، بل تكفي الخطبة الواحدة؟ كما ذكره بعض مشايخنا (3); للإطلاق،
ووحدة الخطبة المروية.
وهو الأظهر; لذلك، والتشبيه إنما هو في الصلاة، والخطبة خارجة عنها.
ثم الخطبة هنا بعد الصلاة بإجماعنا المحقق، والمحكي مستفيضا (4)،
كالنصوص (5). وما دل على أنها قبل الصلاة شاذة (6)، وللحمل على التقية - كما
قيل (7) - محتملة.
ومقتضى الأصل عدم شرطية الخطبة ولو كان المراد منها الدعاء في الصلاة،
فتجوز الصلاة بقصد الاستسقاء منها بلا دعاء.
وكذا تختص الخطبة والأذكار بما إذا صليت جماعة; لأنه الوارد في الأخبار،
فالمنفرد يصلي وإن شاء يدعو.
ومنها: أن يبالغوا في الدعاء، وإن تأخرت الإجابة أعادوا الخروج، بالإجماع

(1) الذكرى: 251.
(2) راجع ص 356.
(3) انظر: الحدائق 10: 494.
(4) الخلاف 1: 687، السرائر 1: 326، التذكرة 1: 168، المفاتيح 1: 35، الرياض 1: 210.
(5) الوسائل 8: أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 و 5.
(6) وهي رواية إسحاق بن عمار، راجع الوسائل 8: 11 أبواب صلاة الاستسقاء ب 5 ح 2.
(7) كما في الوسائل 8: 12 ذيل الحديث 2، والرياض 1: 210.
367

كما عن المنتهى (1); لأن الله يحب الملحين في الدعاء، ولأن الحاجة باقية فكان
طلبها مشروعا. ويبنون على الصوم الأول إن لم يفطروا بعده، وإلا فيستأنفون
الصوم استحبابا.
ومنها: قول المؤذن قبل الصلاة: الصلاة، ثلاثا، كما في العيدين;
لتصريحهم به. لا للتشبيه بصلاة العيد كما قيل; لعدم دلالته عليه. ولا أذان فيها
ولا إقامة بالإجماع والنص (2).
ومنها: أن يجهر فيها بالقراءة; للنصوص المستفيضة (3). وأضافوا إليها
القنوتات. أيضا، ولا بأس به.
ومنها: أن يكون الدعاء والخطبة قاعدا، كما تدل عليه المرسلة المتقدمة في
صدر البحث (4)، ورواية ابن المغيرة السابقة (5)، وغيرها.
ولم أعثر على أحد من الأصحاب عد ذلك من المستحبات، بل - كما
قيل (6) - ظاهر كلامهم القيام حال الاستسقاء. ولم أر له وجها سوى التشبيه
بالعيدين، وفيه ما فيه. وحمل ما في الروايتين على العذر ينفيه إشعارهما
بالاستمرار.

(1) المنتهى 1: 356.
(2) كرواية مرة، السابقة في ص 363.
(3) الوسائل 8: أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 و 5.
(4) راجع ص 356.
(5) راجع ص 356.
(6) الحدائق 10: 495.
368

الثانية
صلاة التسبيح
وتسمى بصلاة جعفر عليه السلام، وصلاة الحباء
واستحباب هذه الصلاة ثابت بإجماع علماء الإسلام، كما صرح به جمع من
الأعلام (1)، واستفاضت به نصوص أئمة الأنام، وثوابها عظيم، وأجرها جسيم،
كفارة للآثام.
ففي الصحيح: " متى ما صليتهن غفر الله لك ما بينهن، إن استطعت كل
يوم، وإلا فكل يومين، أو كل جمعة، أو كل شهر، أو كل سنة، فإنه يغفر لك ما
بينهما " (2).
ففي صحيحة ابن أبي البلاد: أي شئ لمن صلى صلاة جعفر؟ قال: " لو
كان عليه مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا لغفرها الله له " قلت: فهذه لنا؟!
قال: " فلمن هي إلا لكم خاصة؟! " (3).
وفي رواية أبي بصير: " إن أنت صنعته كل يوم كان خيرا لك من الدنيا وما
فيها، وإن صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما، أو كل جمعة، أو كل شهر، أو كل
سنة غفر لك ما بينهما " (4).
وفي رواية إبراهيم بن عبد الحميد: قلت: فما ثوابها؟ قال: " لو كان عليه
مثل رمل عالج ذنوبا غفر له) (5).

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 359، والمجلسي في البحار 88: 212.
(2) التهذيب 3: 186 / 420، الوسائل 8: 50 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 3.
(3) الفقيه 1: 348 / 1539، التهذيب 3: 186 / 421، ثواب الأعمال: 40، الوسائل 8: 54
أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 2.
(4) الكافي 3: 465 الصلاة ب 96 ح 1، الوسائل 8: 49 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 1.
(5) الكافي 3: 466 الصلاة ب 96 ذ. ح 1، التهذيب 3: 187 / 423، المقنع: 43، الوسائل 8:
54 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 3.
369

وفي رواية الثمالي: " إذا أنت صليتها لو كنت فررت من الزحف وكان عليك
مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا غفرت لك ".
وفي آخرها: " ويكتب لك بها اثنتي عشرة ألف حسنة، الحسنة منها مثل
جبل أحد وأعظم " (1).
وفي رواية إسحاق: من صلى صلاة جعفر هل يكتب له من الأجر مثل ما
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجعفر؟ قال: " إي والله " (2).
وفي الفقه الرضوي: " من صلى صلاة جعفر كل يوم لا تكتب عليه
السيئات، وتكتب له بكل تسبيحة فيها حسنة، وترفع له درجة في الجنة " إلى
أن قال: " فإنك إن صليتها محي عنك ذنوبك، ولو كانت مثل رمل عالج، أو مثل
زبد البحر " (3) إلى غير ذلك.
وهي: أربع ركعات، بالإجماع نصا، وفتوى.
. بتسليمتين، على الحق المشهور، كما صرح به في الذكرى وغيره (4). بل
الظاهر كونه إجماعيا; إذ لم ينقل الخلاف فيه إلا عن المقنع (5)، مع أنه قال في
البحار بعد نقل كلام المقنع والذكرى: لا دلالة في عبارة المقنع، إلا من حيث إنه
لم يذكر التسليم، ولعله أحاله على الظهور، كما في التشهد والقنوت وغيرهما (6).
انتهى.
إلا أنه قال في المقنع - على ما نقله في المختلف -: وروي أنها بتسليمتين (7).

(1) الفقيه 1: 347 / 1536، الوسائل 8: 51 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 5.
(2) الكافي 3: 467 الصلاة ب 96 ح 7، الفقيه 1: 349 / 1540، التهذيب 3: 188 / 426،
الوسائل 8: 50 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 2.
(3) فقه الرضا " ع ": 155، مستدرك الوسائل 6: 224 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 2.
(4) الذكرى: 249، وانظر: أيضا المختلف: 127.
(5) لم نعثر عليه في المقنع، والموجود فيه: صلى أربع ركعات (ص 43) وقد حكى الخلاف عنه في
المختلف: 127.
(6) البحار 88: 212.
(7) المختلف: 127.
370

وهو يشعر بما في الذكرى.
وكيف كان فخلافه غير قادح في الإجماع، فهو الدليل عليه.
مضافا إلى مرسلة المقنع المذكورة المنجبرة.
ورواية الثمالي، وفيها بعد ذكر كيفية الركعتين الأوليين: " ثم تتشهد،
وتسلم، ثم تصلي ركعتين أخراوين، تصنع فيهما مثل ذلك، ثم تسلم " (1).
والرضوي وفيه بعد ذكر الركعتين: " ثم تشهد وتسلم، فقد مضى لك
ركعتان، ثم تقوم، وتصلي ركعتين أخريين على ما وصفت لك " الحديث (2).
يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة " الزلزلة " وفي الثانية " والعاديات "
وفي الثالثة " النصر " وفي الرابعة " التوحيد ".
اختاره الصدوق والسيد والإسكافي والقاضي والحلبي والديلمي (3)، بل هو
المشهور، كما صرح به جماعة (4)، وعليه كافة المتأخرين; لروايتي إبراهيم بن عبد
الحميد (5)، والمفضل بن عمر (6).
وعن علي بن بابويه العكس في الأوليين (7); للرضوي: " يقرأ في أولاهما
فاتحة الكتاب والعاديات، وفي الثانية: إذا زلزلت، وفي الثالثة: إذا جاء نصر الله،
وفي الرابعة: قل هو الله أحد، وإن شئت كلها بقل هو الله أحد) (8).

(1) الفقيه 1: 347 / 1536، الوسائل 8: 51 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 5.
(2) فقه الرضا " ع ": 156، مستدرك الوسائل 6: 224 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 2.
(3) الصدوق في المقنع: 43، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 43، حكاه
عن الإسكافي في المختلف: 127، القاضي في المهذب 1: 149، الحلبي في الكافي: 161،
الديلمي في المراسم: 85.
(5) المتقدمة في ص 369.
(6) مصباح المتهجد: 275.
(7) حكاه عنه في المختلف: 127.
(8) فقه الرضا " ع ": 155، مستدرك الوسائل 6: 228 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 1.
371

وعن العماني: العكس في الوسطيين (1). وعن المقنع: التوحيد في
الجميع (2).
ولم نقف لهما على مستند.
وفي صحيحة بسطام (3)، ورواية ابن المغيرة (4): أنه يقرأ في كل ركعة
بالتوحيد، والجحد.
وفي صحيحة ابن أبي البلاد (5): الزلزلة، والنصر، والقدر، والتوحيد.
والظاهر أن المراد الترتيب في هذه السور بالنسبة إلى الركعات.
والظاهر التخيير بين كل ما روي، وإن كان المشهور أولى.
ويجوز التوحيد في الجميع; للرضوي المتقدم. بل كل سورة; لإطلاق رواية
الثمالي، وعدم دلالة غيرها على الشرطية.
ثم بعد الفراغ من القراءة في كل ركعة يقول قائما: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم يركع ويقولها عشرا، ثم يرفع رأسه
ويقولها عشرا قائما، ثم يسجد ويقولها عشرا في السجدة، ثم يرفع رأسه ويقولها
كذلك جالسا، ثم يسجد ويقولها كذلك ساجدا، ثم يرفع رأسه ويقولها كذلك
جالسا، فيكون الجميع ثلاث مائة تسبيحات أربع، في كل ركعة خمس وسبعون،
وألف ومائتا ذكر، في كل ركعة ثلاث مائة.
بالإجماع نصا وفتوى في ما عدا محل التسبيح الذي قبل الركوع، وترتيب
الأذكار الأربعة، والتسبيح الذي بعد السجدة الثانية من الركعتين الأولى والثالثة.
وعلى الحق المشهور قديما وحديثا - بل ظاهر الإجماع - فيها أيضا.

(1) حكاه عنه في المختلف: 127.
(2) المقنع: 43.
(3) التهذيب 3: 186 / 420، الوسائل 8: 50 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 3.
(4) الفقيه 1: 348 / 1538، الوسائل 8: 53 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 1.
(5) المتقدمة في ص 369.
372

لصحيحة بسطام، ورواية أبي بصير، والرضوي في الجميع، مضافة إلى
رواية الثمالي في الأخير.
وظاهر الصدوق في الفقيه (1): التخيير في الأولين (2)، بين ما ذكر وبين ما في
رواية الثمالي: " تفتتح الصلاة، ثم تكبر خمس عشر مرة تقول: الله أكبر وسبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله. ثم تقرأ الفاتحة ثم سورة وتركع، وكذا في سائر
الركعات ".
وعن العماني: كون التسبيح بعد السجدة الثانية في الركعتين بعد القيام قبل
القراءة (3). ولا مستند له.
والعمل على المشهور; لاشتهاره رواية وفتوى، بل كونه مجمعا عليه.
فروع:
أ: الحق المشهور جواز احتساب هذه الصلاة من النوافل الليلية والنهارية
الأدائية والقضائية; لروايتي ذريح (4)، ورواية أبي بصير (5)، وفي العيون: إن
مولانا الرضا عليه السلام كان يصلي في آخر الليل أربع ركعات بصلاة جعفر
ويسلم في كل ركعتين، ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد
التسبيح، ويحتسب بها من صلاة الليل (6).
وفي الذكرى عن بعض الأصحاب جواز جعلها من الفرائض أيضا (7).

(1) الفقيه 1: 348.
(2) أي: محل التسبيح الذي قبل الركوع، وترتيب الأذكار الأربعة.
(3) حكاه عنه في المختلف: 127.
(4) الأولى: التهذيب 3: 187 / 422، الوسائل 8: 57 أبواب صلاة جعفر ب 5 ح 1.
الثانية: الكافي 3: 466 الصلاة ب 96 ح 2، الوسائل 8: 58 أبواب صلاة جعفر ب 5
ح 3.
(5) الفقيه 1: 349 / 1549، الوسائل 8: 58 أبواب صلاة جعفر ب 5 ح 5.
(6) عيون أخبار الرضا " ع " 2: 178 / 5، الوسائل 4: 55 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب
13 ح 24.
(7) الذكرى: 250.
373

وظاهره قبوله. وإليه مال بعض المحققين من متأخري المتأخرين.
وربما يدل عليه إطلاق قضاء الصلاة في إحدى روايتي ذريح. ويثبته أيضا
جواز هذه الأذكار في الصلاة قطعا.
ورده بعض مشايخنا الأخباريين بإيجابه التغيير الفاحش في الفريضة، مع
أن العبادات توقيفية (1).
وفيه: منع التغيير، وثبوت التوقيف بجواز كل ذكر ودعاء في الصلاة.
ب: يستحب القنوت فيها في الركعتين الثانية والرابعة قبل الركوع بعد
القراءة والتسبيح إجماعا; للعمومات، وخصوص روايتي العيون (2)،
والاحتجاج (3).
إلا أن في الأخيرة: " والقنوت فيها مرتان في الثانية قبل الركوع، وفي الرابعة
بعده ".
ولم أر قائلا به، والعمل على الأول.
ج: إذا كانت له حاجة يستعجل بها يصلي الأربع ركعات مجردة عن
التسبيح، ثم يقضي التسبيح وهو ذاهب في حوائجه، كما صرح به في روايتي أبي
بصير (4)، وأبان (5). ومقتضى إطلاقهما أنه لا يشترط قصد تعيين المحل مما يقضي.
ولو عرضت الحاجة في الأثناء فهل يجوز تجريد الباقي وقضاء ما بقي؟
الظاهر نعم; لفحوى الروايتين.

(1) انظر: الحدائق 10: 507.
(2) عيون أخبار الرضا " ع " 2: 178 / 5، الوسائل 4: 55 أبواب أعداد الفرائض نوافلها ب 13 ح
24.
(3) الإحتجاج: 491، الوسائل 8: 56 أبواب صلاة جعفر ب 4 ح 1.
(4) الفقيه 1: 349 / 1534، الوسائل 8: 60 أبواب صلاة جعفر ب 8 ح 2.
(5) الكافي 3: 466 الصلاة ب 96 ح 3، التهذيب 3: 187 / 424، الوسائل 8: 59 أبواب
صلاة جعفر ب 6 ح 1.
374

د: لو صلى ركعتين فعرضت له حاجة جاز أن يذهب إلى حاجته، ثم يصلي
الباقيتين، كما صرحت به صحيحة ابن الريان (1) ومقتضى مفهومها أنه لو لم يكن
هاهنا أمر لا بد منه يصلي الأربع في مقام واحد، وهو الأحوط.
ه‍: لو سها عن بعض التسبيحات أو كلها في محل، وتذكر في محل آخر من
هذه الصلاة قضاه فيه، رواه الشيخ في كتاب الغيبة، والطبرسي في الاحتجاج،
عن مولانا الصاحب عليه السلام، وفيه بعد السؤال عن سهو التسبيح في قيام أو
قعود أو ركوع أو سجود، وتذكره في حالة أخرى من هذه الصلاة: " إذا سها في حالة
من ذلك، ثم ذكر في حالة أخرى، قضى ما فاته في الحالة التي ذكره " (2).
ومقتضى إطلاق الجواب القضاء لو تذكر بعد الصلاة أيضا.
و: قد تكرر في الأخبار أنه يجوز فعلها في أي وقت شاء من ليل أو نهار،
سفر أو حضر، إلا أنه ورد في التوقيع المروي في كتاب الاحتجاج: أن أفضل
أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة (3).
ز: يستحب أن يقول في آخر سجدة من صلاة جعفر بعد التسبيح ما في
مرفوعة السراد: يا من لبس العز والوقار، يا من تعطف بالمجد، وتكرم به، يا من
لا ينبغي التسبيح إلا له، يا من أحصى كل شئ علمه، يا ذا النعمة والطول، يا
ذا المن والفضل، يا ذا القدرة والكرم، أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى
الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم الأعلى، وكلماتك التامات، أن تصلي على
محمد وآل محمد، وأن تفعل بي كذا وكذا (4).

(1) الفقيه 1: 349 / 1541، التهذيب 3: 309 / 957، الوسائل 8: 59 أبواب صلاة جعفر ب
6 ح 1.
(2) الغيبة: 230، الإحتجاج: 482، الوسائل 8: 61 أبواب صلاة جعفر ب 9 ح 1.
(3) الإحتجاج: 491، الوسائل 8: 56 أبواب صلاة جعفر ب 4 ح 1.
(4) الكافي 3: 466 الصلاة ب 96 ح 5، الفقيه 1: 349 / 1544، الوسائل 8: 56 أبواب صلاة
جعفر ب 3 ح 2.
375

أو بما في رواية المدائني (1)، وهو أيضا قريب مما ذكر.
ويتخير بينهما، ويجوز الجمع أيضا.

(1) الكافي 3: 467 الصلاة ب 96 ح 6، التهذيب 3: 187 / 425، الوسائل 8: 55 أبواب
صلاة جعفر ب 3 ح 1.
376

الثالثة
ألف ركعة نافلة شهر رمضان
زيادة على النوافل المرتبة
فإنها مستحبة على الأشهر رواية وفتوى، بل عليه الإجماع عن السيد والحلي
والديلمي (1).
خلافا للمحكي عن الصدوق (2)، وفي الخلاف عن قوم من أصحابنا (3)،
ولطائفة من الأخبار (4).
وهما مردودان بالشذوذ، مع أن ظاهر الصدوق في الفقيه الجواز المستلزم
للاستحباب (5)، فيكون الجواز إجماعيا، وبه ينتفى اعتضاد الأخبار المانعة بأدلة
الاحتياط، مع أنه لا تستفاد منها الحرمة أيضا، وتبقى روايات الاستحباب (6)
الراجحة بالاشتهار والانجبار بعمومات مرغبات الصلاة (7) خالية عن المعارض،
مع إمكان التأويل في المانعة بوجوه عديدة.
ثم في كيفية توزيع الألف على الشهر صورتان قال بكل منهما طائفة، ونسب
في المنتهى واحدة منهما، وفي الذكرى الأخرى - كما حكي - إلى أكثر
الأصحاب (8).

(1) السيد في الإنتصار: 56، الحلي في السرائر 1: 310، الديلمي في المراسم: 82.
(2) حكاه عنه في الرياض 1: 210.
(3) الخلاف 1: 351.
(4) انظر الفقيه 2: 88 / 395 و 396، الوسائل 8: 42، 43 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9 ح 1 و 2.
(5) الفقيه 2: 89.
(6) انظر: الوسائل 8: 28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7.
(7) انظر: الوسائل 4: 38 أبواب أعداد الفرائض ب 10، وأيضا: دعائم الاسلام 1: 133.
(8) المنتهى 1: 358، الذكرى: 255.
377

إحداهما: أن يصلي في كل ليلة من الشهر عشرين ركعة، ثمان بعد المغرب،
واثنتي عشرة بعد العشاء، أو بالعكس، ويزيد في العشر الآخر في كل ليلة عشر
ركعات بعد العشاء، وفي الليالي الثلاثة القدرية مائة زائدة على وظيفتها.
ثانيتهما: ما ذكر، إلا أنه يقتصر في الليالي الثلاثة على المائة، فيبقى ثمانون
ركعة يوزعها على الجمعات الأربع فيصلي في كل يوم جمعة عشرا، أربعا بصلاة
علي عليه السلام، يقرأ في كل ركعة بعد الحمد التوحيد خمسين مرة، وأربعا بصلاة
جعفر - كما مرت - وركعتين بصلاة فاطمة عليها السلام، يقرأ بعد الحمد في الأولى
القدر مائة مرة، وفي الثانية التوحيد كذلك، وعشرين في ليلة الجمعة الأخيرة
بصلاة علي، وعشرين في عشرين في عشيتها ليلة السبت بصلاة فاطمة عليها السلام.
وعلى الطريقتين دلت الروايات (1)، والتخيير طريق الجمع بينهما.
ولو اتفقت عشية الجمعة الأخيرة ليلة العيد قال الشهيد الثاني: يصلي
وظيفتها في آخر ليلة سبت منها (2). ويدل عليه إطلاق رواية مفضل (3)، فما قيل:
إن دليله غير معلوم (4)، ليس بجيد.
ولو اتفق في الشهر خمس جمعات ففي كيفية التقسيط احتمالات، بل أقوال،
أظهرها سقوط وظيفة الجمعة الأخيرة، لإعطاء كل جمعة حقها. ويحتمل تخييره في
تعيين الجمعة المسقطة حقها.
ولو نقص الشهر سقطت وظيفة ليلة الثلاثين، ولا يشرع قضاؤها وإن
نقصت الألف; إذ لا تكليف بعبادة موقتة لم يخلق وقتها.
ولا يصلي ليلة الشك أول شهر رمضان. وهل يقضيها إذا ثبتت الرؤية؟

(1) الوسائل 8: 28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7.
(2) المسالك 1: 39.
(3) التهذيب 3: 66 / 218، المقنعة: 170، الوسائل 8: 28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 1.
(4) انظر: جميع الفائدة 3: 26.
378

الظاهر ذلك; لعمومات قضاء النوافل (1)، ومنه يظهر استحباب قضاء كل
ما فات منها.
ولا فرق في استحباب هذه النوافل بين الصائم وغيره; للعمومات.
وعن الحلبي التخصيص بالأول (2). ومستنده غير ظاهر.

(1) كما في الوسائل 4: 274 أبواب المواقيت ب 57.
(2) الكافي في الفقه: 159.
379

الرابعة
صلاة يوم الغدير
واستحبابها مشهور بين الأصحاب قديما وحديثا، وتدل عليه رواية العبدي
وغيرها.
وكيفيتها على ما في هذه الرواية قال بعد ذكر فضائل هذا اليوم المبارك:
" ومن صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف
ساعة يسأل الله عز وجل، يقرأ في كل ركعة سورة الحمد، وعشر مرات قل هو الله
أحد، وعشر مرات آية الكرسي، وعشر مرات إنا أنزلناه، عدلت عند الله عز وجل
مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة، وما سأل الله عز وجل حاجة من حوائج الدنيا
والآخرة إلا قضيت له كائنة ما كانت الحاجة " إلى أن قال: " وليكن من دعائك
في دبر هاتين الركعتين أن تقول: ربنا إننا سمعنا " إلى آخر الدعاء.
وهو طويل مذكور في التهذيب، والمصباح (1).
وأنكرها الصدوق حاكيا له عن شيخه ابن الوليد أيضا; لضعف
الرواية (2).
ويضعف: بأنه مقام المسامحة، مع أنها بما ذكرنا منجبرة، وبروايات أخر
معتضدة، فهو ضعيف، كما حكي عن الحلبي من استحباب الجماعة والخطبتين
والخروج إلى الصحراء فيها (3)، كما يأتي في بحث الجماعة.

(1) التهذيب 3: 143 / 317، مصباح المتهجد: 680، الوسائل 8: 89، 90 أبواب بقية الصلوات
المندوبة ب 3 ح 1 و 2.
(2) الفقيه 2: 55.
(3) الكافي في الفقه: 160.
380

والأولى مراعاة الترتيب الذكري في القراءة كما عليه جماعة (1). وقد تقدم
القدر على آية الكرسي، وقيل: به رواية (2).

(1) كما في النهاية: 142، والمراسم: 82، والمختلف 1: 128.
(2) انظر: السرائر 1: 312.
381