الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ١١
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٥ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء الحادي عشر
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
نام كتاب: جواهر الكلام
تأليف: الشيخ محمد حسن النجفي
ناشر: دار الكتب الاسلامية
تيراژ: 1500 جلد نوبت چاپ: دوم
تاريخ انتشار: 1365
چاپ از: چاپخانه خورشيد
آدرس ناشر: تهران، بازار سلطاني، دار الكتب الاسلامية
تلفن 520410 - 527449
1

بسم الله الرحمن الرحيم
خاتمة
(قواطع الصلاة قسمان)
(أحدهما يبطلها عمدا وسهوا، وهو كل ما يبطل الطهارة سواء دخل تحت
الاختيار أو خرج كالبول والغائط وما شابههما من موجبات الوضوء، والجنابة والحيض
وما شابههما من موجبات الغسل) بلا خلاف أجده في حال أجده في حال العمد، بل الاجتماع بقسميه
عليه، بل لعل المنقول منه متواتر، بل قد أجاد من ادعى ضروريته من المذهب، فمن
الغريب ما يحكى عن المجلسي (رحمه الله) من قوة ما عساه يظهر من إطلاق الصدوق عدم
بطلان الصلاة بالحديث عمدا بعد الجلوس من السجدة الثانية من الركعة الرابعة بل يتوضأ
ويرجع، للنصوص (1) التي ستسمعها، مع أن سياق عبارته إنما تقتضي السهو، خصوصا
والمحكي عن أماليه أن ذلك من دين الإمامية، على أنه غالبا يعبر بمضمون النصوص،
كما أنه من الغريب أيضا ما ظن من إطلاق المحكي عن العماني عدم إبطال الحدث للصلاة
بالطهارة الترابية إذا أصاب ماء بعد الحدث، فإنه يتوضأ ويرجع لاتمام الصلاة وإن
أحدث عمدا، إذ لا يبعد أن يكون من ظن السوء في المؤمن المنهي عنه في الشريعة،
بل لعل السهو أيضا كذلك، بل في التذكرة وعن الأمالي والناصرية ونهج الحق ونهاية

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد
2

الاحكام الاجماع عليه، وكذا مجمع البرهان وعن الروض لكن إذا كانت الطهارة مائية
وفي التهذيب " منعت الشريعة للمتوضئ إذا صلى ثم أحدث أن يبني على ما مضى من
صلاته، لأنه لا خلاف بين أصحابنا أن من أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه
استئنافه " وسياق كلامه يقتضي الأعم من السهو والعمد، بل كاد يكون كالصريح منه،
كما أنه يظهر من الأصحاب في غير المقام المفروغية من هذا الحكم، ولذا استدلوا ببعض
النصوص (1) المتضمنة للحدث قبل التسليم على استحبابه وندبيته.
لكن ومع ذلك ففي المتن (قيل: لو أحدث ما يوجب الوضوء سهوا تطهر وبنى
وليس بمعتمد) ولم أجده لأحد من الأصحاب وإن كان قد حكي عن خلاف الشيخ
ومبسوطه ومصباح المرتضى، ولم يحضرني الثالث منها، أما الأول فالذي فيه " أن من
سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك لأصحابنا فيه روايتان: إحداهما وهو الأحوط
أنه يبطل صلاته " ومثله حكى عن المرتضى، وهو مع أنه في السبق لا السهو كما ترى
لا يعد مخالفا، خصوصا وقد قال في الخلاف بعد أن حكى خلاف العامة: دليلنا وذكر
نصوص المشهور والرواية المخالفة، ثم قال: والذي أعمل عليه وأفتي به الرواية الأولى
وخصوصا بعد ما عرفت من نفيه الخلاف في التهذيب كالاجماع من الناصريات. وأما
الثاني فقد قال فيه أولا: إن تروك الصلاة على ضربين: مفروض ومسنون، وعد من
الأول أن لا يحدث ما ينقص الوضوء، ثم قال: وهذه التروك الواجبة على ضربين:
أحدهما متى حصل عامدا كان أو ناسيا أبطل، وهو جميع ما ينقص الوضوء فإنه إذا
انتقض الوضوء انقطعت الصلاة، وقد روي أنه إذا سبقه الحدث جاز أن يعيد الوضوء
ويبني، والأحوط الأول، وظاهره أو صريحه الموافقة أيضا.

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث 5 والباب 3 من أبواب
التسليم - الحديث 2 والباب 1 من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 6
3

وعلى كل حال فقد كان هذا الحكم حقيقا بأن يستغنى بضروريته وغرسه في
أذهان عوام المذهب وخواصه عن حفظ الأخبار الخاصة به وذكرها في الكتب كغيره
من الأحكام التي هي أقل منه في الضرورة، خصوصا بعد معروفية عدم العمل في الصلاة
الذي قد تضمنته النصوص معرضة به للعامة العمياء الذين سوغوا فيها الأعمال من
الوضوء ونحوه، وعدم قابليتها لوقوع الفعل الكثير فيها، خصوصا إذا استلزم التفاتا
وكلاما ونحوهما، وخصوصا إذا كان ماحيا، وشدة التحفظ عن خروج الحدث في
المستحاضة والمسلوس وغيرهما، وظهور نصوص المبطون (1) في اختصاصه بالحكم المذكور
فيه من الوضوء أو البناء عند من قال به، ومعلومية كون تحريم الصلاة التكبير وتحليها
التسليم، وما لوحت إليه النصوص (2) بأمر الإمام المحدث بأن يستنيب أحدا، مع أنه
لو جاز الوضوء والبناء فيها لذكر في شئ من تلك النصوص، ضرورة سبق خطوره في
الذهن بعد فرض مشروعيته وظهور نحو قوله (3): " لا صلاة إلا بطهور " وغيره مما
دل على اعتباره كبعض الصحاح (4) التي جعلته كالوقت والركوع في إرادة الاتصال
في هذا الشرط كغيره من الشرائط من الاستقبال والستر ونحوهما، ولعله هو المتبادر
في كل شرط لمركب جعل الاتصال جزءا منه، ضرورة عدم كون المراد من كونه شرطا
له عدم وقوع جزء منه بدونه ولو سلم فالاتصال منها بل هو معظمها، وبه استحقت
اسم القطع والانقطاع ونحوهما مما لم يطلق فيما لم يعتبر فيه ذلك كالغسل ونحوه، بل
يطلق عليه اسم النقض ونحوه، إلى غير ذلك مما يقف عليه الفقيه المتبحر في نصوصهم

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب نواقض الوضوء - الحديث 3 و 4 والفقيه
ج 1 ص 237 - الرقم 1043 من طبقة النجف
(2) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب صلاة الجماعة
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الوضوء - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الوضوء - الحديث 3 و 8
4

(عليهم السلام)، خصوصا الوارد منها في الصلاة والأحداث كبيرها وصغيرها
لكن ومع ذلك فلم تخلو بحمد الله النصوص الواصلة إلينا عن التعرض للحكم
بالخصوص، فمنها معتبر الحضرمي أو صحيحه (1) عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما)
السلام " إنهما كانا يقولان: لا تقطع الصلاة إلا أربعة: الخلاء والبول والريح
والصوت " وموثق عمار (2) عن الصادق (عليه السلام) الظاهر في السبق اضطرارا فضلا
عن غيره، وسأله " عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال:
إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شئ ولم ينقض وضوءه وإن كان متلخطا
بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة "
وقوي ابن الجهم (3) " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل صلى الظهر أو العصر
فأحدث حين جلس في الرابعة فقال: إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
(صلى الله عليه وآله) رسول الله فلا يعيد، وإن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد "
وخبر علي بن جعفر (4) المروي عن قرب الإسناد وكتاب المسائل عن أخيه (عليه السلام)
" سألته عن رجل يكون في صلاته فعلم أن ريحا قد خرجت منه ولا يجد ريحا ولا يسمع
صوتا قال: يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشئ مما صلى إذا علم ذلك يقينا "
وخبر أبي الصباح الكناني (5) عن الصادق (عليه السلام) " سألته عن الرجل يخفق
وهو في صلاة فقال، إن كان لا يحفظ حدثا إن كان فعليه الوضوء وإعادة الصلاة، وإن
كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء " والظاهر إرادته من ذلك التفضيل بين
النوم الغلب فيكون حدثا، وعدمه فلا يكون، وخبر الحسين بن حماد (6) عن الصادق

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2 - 6 - 7 - 5
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب نواقض الوضوء - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2 - 6 - 7 - 5
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2 - 6 - 7 - 5
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب نواقض الوضوء - الحديث 6
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2 - 6 - 7 - 5
5

(عليه السلام) " إذا أحس الرجل أن بثوبه بللا وهو يصلي فليأخذ ذكره بطرف ثوبه
فيمسه بفخذه فإن كان بللا فليتوضأ وليعد الصلاة، وإن لم يكن بللا فذلك من
الشيطان " إلى غير ذلك.
مضافا إلى ما يومي إليه في الجملة من النهي عن الصلاة حال مدافعة الأخبثين (1)
خصوصا خبر البجلي (2) منها " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيبه الغمز
في بطنه وهو مستطيع أن يصبر عليه أيصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟ قال: إن
احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر " إلى غير ذلك مما يعلم منه
طرح صحيح الفضيلي (3) وخبر القماط (4) أو حملهما على التقية، قال في أولهما: " قلت
لأبي جعفر (عليه السلام): أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا
فقال: انصرف ثم توضأ وابن علي ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام
متعمدا، فإن تكلمت ناسيا فلا شئ عليك، فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا،
قلت: وإن قلب وجهه عن القبلة قال: نعم وإن قلب وجهه عن القبلة " وقال في الآخر:
" سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وجد غمزا في بطنة أو أذى
أو عصرا من البول وهو في صلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو
الرابعة قال: فقال: إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس أن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ
ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه
لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام، قلت: وإن التفت يمينا وشمالا أو ولى عن القبلة
قال: نعم كل ذلك واسع، إنما هو بمنزلة الرجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين
أو ثلاث من المكتوبة، فإنما عليه أن يبني على صلاته، ثم ذكر سهو النبي (صلى الله

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 0 - 1
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 0 - 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 9 - 11
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 9 - 11
6

عليه وآله) " ضرورة أن هذا محل امتثال أمرهم (عليهم السلام) بطرح الأخبار الشاذة
المخالفة للمعلوم من السنة وللمشهور بين شيعتهم وخاصتهم، والموافقة لما في أيدي المخالفين
الذين جعل الله الرشد في خلافهم، إذ المحكي عن الشافعي في القديم وأبي حنيفة وابن
أبي ليلي وداود الوضوء ثم البناء في صورة السبق، بل المحكي عن الشافعي منهم أن له
إخراج الحدث بعد ذلك اختيارا ثم الوضوء والبناء، لأنه حدث طرأ على حدث،
ولأنه حدث واحد، ولنحو ذلك من الأمور التي سببها القياس والاستحسان وبعض
الأحاديث المفتراة، وقد لوح الخبران المزبوران إلى إرادة التقية في ذلك بذكر القياس
فيهما مع أن المقيس عليه عندنا باطل كما تسمعه في محله، وبذكر سهو النبي (صلى الله عليه وآله)
وبالأمر بالانصراف بنفس وجود الغمز ونحوها مما هو ليس حدثا عندنا فلا يوجب
وضوءا، واحتمال إرادة قضاء الحاجة من الانصراف فيه لشيوعه في ذلك ولشهادة الخبر
الثاني مستلزم لجواز فعل الحدث عمدا الذي هو باطل بالضرورة عندنا، اللهم إلا أن
يحمل على ما سمعته من الشافعي من جواز العمد للحدث بعد فرض السبق منه بناء على
إرادة الكناية من قوله فيه: أذى وضربانا وغمزا عن مفاجأة الحدث لذلك، فأمر
حينئذ بالانصراف وإتمام بقية الحدث ثم الوضوء والبناء نحو ما سمعته من الشافعي، على
أن في إطلاقهما نفي البأس عن الالتفات عن القبلة المخالف للنصوص المفتى بها حتى ممن
نسب إليه الخلاف هنا كما قيل شذوذا آخر، كحصرهما النقض بالكلام، والأمر أو
الرخصة بالرجوع إلى مصلاه الذي قد يستلزم فعلا كثيرا ومحوا للصورة والتفاتا عن
القبلة وغير ذلك، مع أن الضرورة تقدر بقدرها، وكأنه لذلك فرقت بين التكلم
والانحراف عن القبلة، لأن التطهير والبناء يستلزمه غالبا دون الكلام، إلى غير ذلك
مما لا يليق بعده لمن له أدنى بصيرة في الفقه الركون إليهما، خصوصا وفي سند أحدهما محمد
ابن سنان وموسى بن عمران، وقد ضعف الأول الأكثر، والثاني مجهول، كما أنه
7

لا حاجة بعد ذلك إلى تأويلهما بما لا ينافي المختار وإن أتعب نفسه فيه الفاضل الإصبهاني
في كشفه، مع أنه يمكن القطع بعدم قبولهما له، ولعله لبعد احتمال التقية في المروي عن
أبي جعفر (عليه السلام) منهما، لأن القول بالبناء من العامة إنما حدث بعده، لكن
فيه منع، وعلى تقديره فالطرح حينئذ لازم.
وكذا الكلام حرفا بحرف في النصوص المتضمنة للحدث قبل التشهد الأخير
المشتملة على الأمر بالوضوء ثم الاتمام، كصحيح زرارة (1) " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال: تمت صلاته،
وإنما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد " وصحيحه
الآخر (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) " في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من
السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد قال: ينصرف فيتوضأ، وإن شاء رجع إلى المسجد،
وإن شاء ففي بيته، وإن شاء حيث شاء يقعد فيتشهد ثم يسلم، وإن كان الحديث بعد
الشهادتين فقد مضت صلاته " وموثق عبيد ابنه (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" سألته عن رجل صلى الفريضة فلما فرغ ورفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة
الرابعة أحدث فقال: أما صلاته فقد مضت وبقي التشهد، وإنما التشهد سنة في الصلاة
فليتوضأ ولبعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيشهد " وخبر ابن مسكان (4) المروي عن
محاسن البرقي عن أبي عبد الله (عليه السلام) " سئل عن رجل صلى الفريضة فلما رفع
رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال: أما صلاته فقد مضت، وأما
التشهد فسنة في الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد " ضرورة أنه

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث - 1 - 4 - 3 لكن روى الأول عن عبيد بن زرارة
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث - 1 - 4 - 3 لكن روى الأول عن عبيد بن زرارة
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث - 1 - 4 - 3 لكن روى الأول عن عبيد بن زرارة
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث 2 - 1 - 4 - 3 لكن روى الأول عن عبيد بن زرارة
8

لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسانهم (عليهم السلام) وكيفية محاوراتهم وأحاط خبرا
بما ذكرناه من اتفاق النصوص (1) والفتاوى على بطلان الصلاة بالحدث في أثنائها من
غير إشارة في شئ منها إلى التفضيل بين التشهد وغيره - بل في خبر ابن الجهم (2) منها
ظهور في العدم بالخصوص، كمفهوم خبر الخصال (3) بسنده إلى علي (عليه السلام)
" إذا قال العبد في التشهد الأخير وهو جالس: أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث
من في القبور ثم أحدث حدثا فقد تمت صلاته " وغيره، وأحاط خبرا أيضا بما سمعته
من العامة العمياء، وخصوص ما ذهب أبو حنيفة ومالك والثوري والشافعي في
أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين من أن التشهد الأخير سنة وليس بواجب،
وما ذهب إليه أيضا من الخروج من الصلاة بالحدث، وتأمل أيضا في هذه النصوص
وتعبيرها بالسنة وأن الصلاة قد تمت وقد مضت ونحوهما مع ترك الاستفصال في الحدث
أنه عمد أو سهو أو اضطرار، والتخيير له في أي مكان شاء قعد تشهد حتى المكان
البعيد المستلزم لجل منافيات الصلاة وغير ذلك - حصل القطع بأنها خرجت مخرج التقية
ولذا أعرض الأصحاب عنها قديما وحديثا عدا ما عساه يظهر من الفقيه في باب أحكام
السهو " فإن رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة وأحدثت فإن كنت
قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك، وإن لم تكن قلت فقد مضت صلاتك فتوضأ ثم عد
إلى مجلسك وتشهد " قيل: والكليني في الكافي حيث عقد لها فيه بابا ولم يذكر
ما يعارضها، وربما مال إليها بعض متأخري المتأخرين، بل جزم الفاضل الإصبهاني منهم
به، ولعله لاعتبار أسانيدها ومعارضتها لمعظم الأدلة السابقة بالاطلاق والتقييد،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 0 - 6
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 0 - 6
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث 5
9

وقصور خبر ابن الجهم والخصال عن مقاومتها، لكنك خبير بما في ذلك بعد الإحاطة
بما ذكرنا، بل لا بأس بدعوى الاجماع في المقام على نفي التفصيل المزبور كما يستفاد من
بعضهم، ضرورة عدم قدح مثل ذلك فيه، كما هو واضح.
ويمكن حمل بعض النصوص المزبورة مضافا إلى ما عرفت على نسيان التشهد
والتحليل بالتسليم ثم الحدث بعده، فإنه يتجه حينئذ الأمر بقضاء التشهد، ولا يكون
حدثا في أثناء الصلاة، بل ربما كان ذلك متجها في جميعها، ولا ينافيه الأمر بالتسليم
مع التشهد بعد الوضوء، إذا قد يلتزم بإعادة لعدم وقوعه بعد التشهد في الأول وإن كان
قد حصل التحليل به وخرج عن صدق كونه في أثناء الصلاة، نعم يتوقف هذا التوجيه
على القول بعدم قدح تخلل الحدث بين الصلاة وأجزائها المنسية من السجدة والتشهد،
وقد قال في الذكرى: " لا فرق بين التشهد الأول والأخير في التدارك بعد الصلاة عند
الجماعة في ظاهر كلامهم سواء تخلل الحدث بينه وبين الصلاة أو لا " ثم حكى خلاف ابن
إدريس في ذلك، ولتحرير البحث فيه مقام آخر.
ويمكن حملها أيضا على صورة نسيان التشهد والتسليم بمعنى أنه أحدث
بتخيل أنه قد أتم الصلاة فبان بعد ذلك عدم التشهد والتسليم بناء على
ما ذكرناه سابقا من عدم انحصار التحليل والخروج بالتسليم حتى في صورة السهو، بل
آخر الصلاة حال السهو ما لم يستلزم نقص ركن، لحصر المبطل نصا وفتوى عمدا وسهوا
فيه خاصة أو مع زيادته، والتسليم ليس منه قطعا، ودعوى أن البطلان من حيث فعل
المنافي في الأثناء لا من حيث ترك التسليم كي ينافي ذلك قد عرفت دفعها فيما تقدم،
أو على غير ذلك
ثم لا يخفى عليك جريان جميع ما ذكرنا في بعض النصوص المتقدمة سابقا في التسليم
المتضمنة أيضا لتمام الصلاة مع الحدث قبلة، بناء على المختار من وجوب التسليم وجزئيته
10

حتى الحمل على التقية أيضا، لشهرة القول بالخروج عن الصلاة وتمامها بالحدث من
أبي حنيفة، نعم لم أعرف أحدا من الأصحاب التزم بالتفصيل هنا بمعنى عدم قدح الحدث
ولو سهوا في الصلاة إذا كان قبل التسليم مع القول بوجوبه وجزئيته كما التزمه من عرفت
في التشهد والتسليم، اللهم إلا أن يكون ذلك بعض دعواه، فيتوضأ حينئذ ويبني على
ما مضى ويسلم، ويرد عليه ما عرفت، بل هنا أولى، ضرورة عدم الأمر بالوضوء
والبناء في شئ من النصوص.
فظهر حينئذ أنه لا صورة تصح بها الصلاة مع الحدث في الأثناء عمدا وسهوا
وسبقا في غير المعلوم خروجه من المبطون والمسلوس والمستحاضة مثلا، نعم قال الشيخ
وابن حمزة في الواسطة فيما حكي عنه: " إن المتيمم إذا دخل في صلاته وأحدث سهوا
ثم أصاب الماء توضأ وبنى " وعن العماني ذلك أيضا إلا أنه أطلق ولم يشترط النسيان،
نعم في الذكرى أن الجميع قد اشترطوا عدم تعمد الكلام وعدم استدبار القبلة،
واستحسنه في المعتبر ومال إليه في الذكرى وجزم به في مجمع البرهان، بل هو ظاهر
الصدوق أيضا حيث أنه أورد في الفقيه أحد الصحيحين الدالين على ذلك، وقد ضمن
العمل بما يورده فيه، وكأنه مال إليه الطباطبائي في مصابيحه، إلا أنه جزم
بعدمه في منظومة، ولعله لصحيح زرارة ومحمد بن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام)
" قلت له: رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء قال:
يخرج ويتوضأ ثم يبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم " وصحيحهما الآخر
أيضا (2) قال: قلت: كما في التهذيب، وفي الفقيه قالا: قلنا لأبي جعفر (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 10
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب 21 من أبواب التيمم - الحديث 4 وذيله في
الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 10
11

" في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أينتقض
الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي؟ قال: لا، ولكنه يمضي في صلاته ولا ينقضها
لمكان أنه دخلها وهو على طهور بتيمم، قال زرارة: فقلت له: دخلها وهو متيمم فصلى
ركعة واحدة وأحدث فأصاب ماء قال: يخرج ويتوضأ ويبني على ما مضى من صلاته
التي صلى بالتيمم ".
قال في التهذيب: ولا يلزم مثل ذلك في المتوضئ إذا صلى ثم أحدث أن يبني
على ما مضى من صلاته، لأن الشريعة منعت من ذلك، وهو أنه لا خلاف بين أصحابنا
أن من أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه استئنافه " وقال في المعتبر: " وهذه
الرواية متكررة في الكتب بأسانيد مختلفة، وأصلها محمد بن مسلم، وفيها إشكال من
حيث أن الحدث يبطل الطهارة، ويبطل ببطلانها الصلاة، واضطر الشيخان بعد تسليمها
إلى تنزيلها على المحدث سهوا، والذي قالاه حسن، لأن الاجماع على أن الحدث عمدا
يبطل الصلاة، فيخرج من إطلاق الرواية، ويتعين حمله على غير صورة العمد، لأن
الاجماع لا تصادمه الرواية، ولا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكره الشيخان، فإنها
رواية مشهورة، ويؤيدها أن الواقع من الصلاة وقع مشروعا مع بقاء الحدث، فلا يبطل
بزوال الاستباحة كصلاة المبطون إذا فاجأه الحدث، ولا يلزم مثل ذلك في المصلي
بطهارة مائية، لأن الحدث مرتفع، فالحدث المتجدد رافع لطهارته، فيبطل لزوال
الطهارة " وكأنه لم يعتد باطلاق العماني، لمسبوقيته بالاجماع ومعروفية نسبه، أو نزله
على خصوص السهو لقرينة، وقال في الذكرى: " رد الرواية في المختلف باشتراط
صحة الصلاة بدوام الطهارة، وبالتسوية بين نواقض الطهارتين عمدا وسهوا كابن إدريس
وبأن الطهارة المتخللة فعل كثير، وكل ذلك مصادرة، ثم أول الرواية يحمل الركعة
على الصلاة تسمية للكل بالجزء، وبأن المراد بما مضى من صلاته ما سبق من الصلوات
12

السابقة على التيمم، قلت: لفظ الرواية " يبني على ما بقي من صلاته " وليس فيها
ما مضى " فيضعف التأويل مع أنه خلاف منطوق الرواية صريحا ".
قلت: المعروف في النسخ " ما مضى " حتى قال في كشف اللثام: لم أر في نسخ
التهذيب وغيرها إلا " ما مضى " فلا ضعف في التأويل حينئذ من هذه الجهة، نعم
لا ريب في بعد إرادة تمام الصلاة من الركعة، لكن يمكن على لفظ " مضى " إرادة
بطلان ما في يده من الصلاة والبناء على صحة الصلاة الماضية بقرينة قوله (عليه السلام):
" التي صلى بالتيمم " ضرورة عدم صدق ذلك على الركعة حقيقة، فهي لم تمض بل
بطلت بالحدث، ولعل السائل لما علم أن وجود الماء كالحدث في نقض التيمم سأل أولا
عن أنه إذا وجد الماء في الصلاة أينتقض تيممه فأجيب بالعدم، وهذا السؤال وجوابه
منصوصان في الخبر الثاني، ثم سأل عما إذا اجتمع الأمران في الصلاة فأجيب بالانتقاض
فكأنه أكد انتقاضه بأنه في حكم مرفوع الحدث، ولذا يبني على ما صلاه بالتيمم،
أو لعله (عليه السلام) كان قد علم أنه يريد السؤال عن إعادة ما صلاه بالتيمم، أو لأنه
لا يعلم العدم أو يظن الإعادة فأراد إعلامه، وبالجملة يجوز أن لا يكون قوله (عليه السلام):
" يبني " من جواب السؤال ولا السؤال عن حال صلاته تلك، ولا يمكن الحكم بالبعد
لمن لم يحضر مجلس السؤال ولا علم حقيقة المسؤول عنه، ويمكن قراءة الخبرين " أحدث "
بالبناء على المفعول على معنى أمطر أي أصابه حادث سماوي كما يومي إليه تفريع الإصابة
عليه بالفاء، ويكون ذلك كناية عن انتقاض الصلاة برؤية الماء، فيعارضان حينئذ
النصوص (1) الدالة بخلافهما المرجحة عليهما بوجوه مذكورة في باب التيمم، وبالجملة
يخرجان حينئذ عما نحن فيه، ولا ينافي ذلك ما في صدر أحدهما من الحكم بعدم الانتقاض
برؤية الماء إذا كان قد صلى ركعتين معللا بالاستصحاب، إذ لعله يفرق بين الركعتين

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التيمم
13

والركعة خصوصا إذا كانت ثنائية وقد تمت أركانه بتمام الركعتين، فيكون هذان
الخبران حينئذ كأخبار الحدث (1) قبل التشهد، لأن رؤية الماء ناقضة كالحدث، وترك
سؤال زرارة عن الفرق بين الاستصحاب في الركعتين والركعة لعلمه بحقيقة الحال،
خصوصا وهو ممن روى الحديث بعد تمام الركعات قبل التشهد الأخير كما سمعته سابقا.
بل من ذلك قد ينقدح في الظن شئ آخر هو أن المصلحة قضت بايداع مثل
زرارة ومحمد بن مسلم ونحوها من أكابر الرواة الحكم بعدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث
في أثنائها الذي قد عرفت موافقته للعامة، للستر على الشيعة وحفظا لدمائهم، بل لعل
الفقيه مع التأمل في جميع ما ذكرناه سابقا ومعروفية بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها
بين أطفال الشيعة حتى عد الحكم بالصحة مع ذلك من منكرات العامة وبدعهم يجزم أن
هذه النصوص جميعها خرجت هذا المخرج، وما أدري ما السبب الذي دعا بعض الناس
إلى طرح النصوص السابقة وعدم الالتفات إليها أبدا، خصوصا أخبار الحدث قبل التشهد
والركون إلى هذين الصحيحين، وكون التعارض بالاطلاق والتقييد مشترك بينهما وبين
أخبار التشهد، والاعتبار المذكور في كلام المحقق في غاية الضعف، وإلا لاقتضى جواز
التيمم والبناء إذا لم يصب الماء، بل ربما كان الاعتبار يرجح الأخيرة، ضرورة اجتماع
الناقضين المقتضيين لبطلان التيمم المستلزم لبطلان الصلاة كما عرفت، بخلافه في المائية
قبل التشهد، فالمتجه الجزم برفض هذين الصحيحين والحكم بشذوذهما كما هو واضح
لكل من رزقه الله معرفة الله اللسان، وميزه بفهم كلام أوليائه من بين أنواع الانسان،
والله أعلم.
والقسم (الثاني لا يبطلها) إلا فعله (عمدا) اختيارا (وهو) أمور:

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد
14

أحدها (وضع اليمين على الشمال) المسمى في النصوص (1) وكتب بعض
الأصحاب بالتكتيف والتكفير من تكفير العلج للملك بمعنى وضع يده على صدره
والتطأمن له، والظاهر أنه لا حقيقة له شرعية وإن كان قد يوهمه بعض العبارات، نعم
ما تسمعه من الحكم الشرعي له إنما هو على كل بعض أفراده لا مطلق الخضوع والتطأمن
كما سيتضح لك أيضا في أثناء البحث، وعلى كل حال فالمشهور بين الأصحاب نقلا
وتحصيلا بل في الخلاف والغنية والدروس وعن الانتصار الاجماع عليه عدم جوازه في
الصلاة، بل لا أجد فيه خلافا إلا من الإسكافي فجعل تركه مستحبا، وأبي الصلاح ففعله
مكروها، واختاره المصنف في المعتبر للاجماع المحكي المعتضد بالتتبع، والنهي في صحيح
محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قلت له: " الرجل يضع يده في الصلاة
وحكى اليمنى على اليسرى فقال: ذلك التكفير لا تفعله " وفي حسن زرارة (3) عن
أبي جعفر (عليه السلام) ومرسل حريز (4) " لا تكفر فإنما يصنع ذلك المجوس "
والمروي عن قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر (5) قال: قال
أخي (عليه السلام) قال علي بن الحسين (عليه السلام): " وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في
الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل " وخبر أبي بصير ومحمد بن مسلم (6) المروي عن الخصال
عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " لا يجمع
المؤمن يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عز وجل يتشبه بأهل الكفر يعني المجوس "
وعن كتاب المسائل لعلي بن جعفر (7) " سألته عن الرجل يكون في صلاته أيضع إحدى
يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه؟ قال: لا يصلح ذلك، فإن فعل لا يعودن له، ثم

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 0 - 1 - 2 - 3 - 4 - 7
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 0 - 1 - 2 - 3 - 4 - 7
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 0 - 1 - 2 - 3 - 4 - 7
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 0 - 1 - 2 - 3 - 4 - 7
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 0 - 1 - 2 - 3 - 4 - 7
(6) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 0 - 1 - 2 - 3 - 4 - 7
(7) البحار ج 10 ص 277 المطبوعة بطهران عام 1377
15

قال علي: قال موسى (عليه السلام): سألت أبي جعفر (عليه السلام) عن ذلك فقال:
أخبرني أبي محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)
قال: ذلك عمل: وليس في الصلاة عمل " وفي المروي عن دعائم الاسلام (1) عن
جعفر بن محمد " إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى واليسرى
على اليمنى، فإن ذلك تكفير أهل الكتاب، ولكن أرسلهما إرسالا، فإنه أحرى أن
ولا تشغل نفسك عن الصلاة " وزاد في الخلاف الاستدلال بأن أفعال الصلاة يحتاج
ثبوتها إلى الشرع، وليس في الشرع ما يدل على كون ذلك مشروعا وبطريقة الاحتياط.
لكن ومع ذلك كله قال في المعتبر: " والوجه عندي الكراهية، أما التحريم
فيشكل، لأن الأمر بالصلاة لا يتضمن حال الكفين، فلا يتعلق بهما تحريم، لكن
الكراهية من حيث هي مخالفة لما دلت عليه الأحاديث (2) عن أهل البيت (عليهم
السلام) من استحباب وضعهما على الفخذين محاذيتين للركبتين، واحتجاج علم الهدى
بالاجماع غير معلوم لنا، خصوصا وقد وجد من أكابر الفضلاء من يخالف في ذلك،
ولا نعلم من وراه من الموافق، كما لا نعلم أنه لا موافق له، وقوله: هو فعل كثير في
غاية الضعف، لأن وضع اليدين على الركبتين ليس بواجب، ولم يتناول النهي وضعهما
في موضع معين، وكان للمكلف وضعهما كيف شاء، وأما احتجاج الطوسي (رحمه الله)
بأن أفعال الصلاة متلقاة قلنا: حق لكن كما لم يثبت تشريع وضع اليمين لم يثبت تحريم
وضعها، فصار للمكلف وضعها كيف شاء، وعدم تشريعه لا يدل على تحريمه، لعدم دلالة
على التحريم، وقوله: الاحتياط يقتضي طرح ذلك قلنا ذلك قلنا متى، إذا لم يوجد ما يدل على

(1) المستدرك - الباب - 14 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة
16

الجواز أم إذا وجد، لكن الأوامر المطلقة بالصلاة دالة باطلاقها على عدم المنع، أو
نقول متى يحتاط، إذا علم ضعف مستند المانع أم إذا لم يعلم، ومستند المانع هنا معلوم
الضعف، وقوله: عندنا تكون الصلاة باطلة قلنا: لا عبرة بقول من يبطل إلا مع وجود
ما يقتضي البطلان، أما الاقتراح فلا عبرة به، وأما الرواية فظاهرها الكراهية
لما تضمنته من قوله (عليه السلام): إنه تشبه بالمجوس، وأمر النبي (صلى الله عليه وآله)
بمخالفتهم ليس على الوجوب، لأنهم قد يفعلون الواجب من اعتقاد الإلهية وأنه فاعل
الخير، فلا يمكن حمل الحديث على ظاهره، فأذن ما قاله الشيخ أبو الصلاح من الكراهية
أولى " إلى آخر ما ذكره.
ولعله لذلك قال المصنف هنا: (وفيه تردد) ورده العلامة في المنتهى بعد أن
حكى عنه أكثره وكذا الشهيد في الذكرى والفاضل الإصبهاني وغيرهما بما حاصلة مع
زيادة منا أيضا بأن التحريم للنهي وغيره من الأدلة السابقة لا لمجرد الأمر بالصلاة،
وترك المستحب لا يقتضي الكراهة على الأصح، والاجماع لا يشترط فيه بناء على حجيته
معلوميته، ضرورة كونه حينئذ كسائر الأدلة الظنية، وإلا كان محصلا، ولا يقدح فيه
وجود مخالف خصوصا من الإسكافي المطرحة أقواله وأبي الصلاح الذي قد سبقه الاجماع
ومن المعلوم أنه ليس المراد من الكثير الكثرة الحسية في سائر أفراده، بل المراد أنه
كذلك بملاحظة دوامه في بعض أفراده، أو بملاحظة النهي عنه صار كثيرا شرعا أي
بحكمه، فلا جهة لقوله: " ولم يتناول " إلى آخره، ضرورة تحقق النهي عنه كما عرفت
والفعل الصلاتي هو المحتاج إلى توقيف قطعا، ولا يكفي فيه عدم ثبوت تحريمه ضرورة
وإلا لجاز سائر الأعمال في الصلاة على أنها منها، وهو واضح الفساد، خصوصا بعد
شيوع أنه لا عمل في الصلاة في نصوصهم (عليهم السلام) ووجوب الاحتياط في العبادة
وعدمه محرر في الأصول، فلعل الشيخ يذهب إليه بمجرد حصول الشك في الفراغ اليقيني
17

استصحابا للشغل، وحاشا أصحابنا رضوان الله عليهم من الاقتراح، بل أقصاه أنه لم
يصل إلينا الدليل، ويكفي ذلك في حصول الشك، فيجب الاحتياط لما عرفت والتشبه
بالمجوس لا مانع من حرمته إلا ما خرج بالدليل، أو يقال في خصوص المقام يحرم لأنه
وقع علة للنهي الظاهر في الحرمة، إلى غير ذلك مما هو واضح.
نعم قد يقال: إن معظم الاجماعات المحكية في المقام ظاهرة بقرينة السياق
- وتوجه نظر أصحابها إلى البحث مع العامة الذين يذهبون إلى استحبابه، وأنه فعل
صلاتي، والاستدلال باحتياج أفعال الصلاة إلى توقيف، وغير ذلك - في فعل التكفير
كما يفعله الناس لا من حيث كونه تكفيرا، ولعله إليه أومأ (عليه السلام) بقوله: " إنه
عمل، ولا عمل في الصلاة " ضرورة إرادة العمل على أنه من الصلاة لا مطلق العمل في
أثنائها كما لا يخفى على من لاحظ مورد هذه العبارة في نصوصهم (عليهم السلام) فلم يبق
حينئذ إلا النصوص، وقد علم الخبير بلسانها ظهورها في الكراهة من اشتمالها على التعليل
الذي غالبا يذكر نظيره للمكروهات، ومن توسط النهي في حسن زرارة ومرسل حريز
بين المكروهات المتبادر منه إرادة الكراهة منه كغيره مما سبقه ولحقه، فيكون حينئذ
قرينة على صرف النهي في صحيح ابن مسلم إلى ذلك وإن لم يكن محفوفا، ومن قوله
(عليه السلام): " لا يصلح " والنهي عن العود دون الأمر بالإعادة، ومن التعليل
بأنه أحرى، وقوله (عليه السلام): " لا يجمع المؤمن " ومن جريان عادتهم (عليهم
السلام) في شدة التأكيد وتكثير الطرق في بيان البطلان والحرمة إذا كان معروف العكس
عند المخالفين لا الاكتفاء بأمثال هذه العبارات، خصوصا وقد أطلقوا (عليهم السلام)
استحباب وضع اليدين على الفخذين المقتضي لجواز غيره من سائر أصناف الوضع، وغير
ذلك مما لا يخفى على العارف الممارس، مضافا إلى المروي عن تفسير العياشي عن إسحاق
18

ابن عمار (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قلت له: أيضع الرجل يده على ذراعه
في الصلاة؟ قال: لا بأس، إن بني إسرائيل كانوا إذا دخلوا في الصلاة دخلوا متماوتين
وقد أنزل الله على نبيه خذما آتيتك بقوة، فإذا دخلت الصلاة فادخل فيها بجلد وقوة،
ثم ذكرها في طلب الرزق فإذا طلبت الرزق فاطلبه بقوة " وإن كان ذيله لا يخلو من
إشكال، ولعله كلام مستقل لا ربط له بالأول.
وقال في الحدائق: " يحتمل أن يكون المراد نبيه هنا موسى (عليه السلام)،
ويحتمل أن يكون نبينا (صلى الله عليه وآله)، وما ذكر فيه من تماوت بني إسرائيل
يحتمل أن يكون راجعا إلى تكفيرهم في الصلاة، فإن المكفر في هيئة المتماوت، وعلى
هذا فالآية دالة على النهي والأمر بالدخول بقوة الذي هو عبارة عن وضع اليدين على
الفخذين، وعلى تقدير كونه خطابا لنبينا (صلى الله عليه وآله) يكون المراد أنه ينبغي
لهذه الأمة أن يأتوا بذلك من الارسال على الفخذين وعدم التكفير " قلت: وعلى كل
حال هو ينفي حينئذ احتمال خروج نفي البأس للتقية، ضرورة منافاة ذلك لها، فتأمل جيدا.
وكيف كان فلعل جميع ما ذكرنا هو الذي ألجأ المحقق إلى القول بالكراهة،
ضرورة أنه لم يرد التكفير الذي يفعل بعنوان أنه من الصلاة ومن أفعالها المندوبة، كما
هو واضح بأدنى تأمل في كلامه، والظاهر أن التعليل المزبور في النصوص أريد به
التعريض والتنبيه على فساد استحسان فعله في الصلاة، فإنه حكي عن عمر لما جئ بأسارى
العجم كفروا أمامه فسأل عن ذلك فأجابوه بأنا نستعمله خضوعا وتواضعا لملوكنا،
فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة، وغفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشرع،
وكم له ولا بأس عليه، إذا لا يعرف كيفية خدمة الملك إلا وزراؤه، لا يقال: لا ريب
في إرادة الحرمة من النهي في النصوص ولو لظهور إرادة التعريض بها للعامة الذين يفعلون

(1) المستدرك - الباب - 14 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
19

ذلك بعنوان الاستحباب الصلاتي، وهو لا ريب في حرمته، لأنه تشريع، فحملها على
الكراهة حينئذ خلاف الظاهر، لأنا نقول: المسلم انصراف النصوص وانسياقها إلى
ما في يد العامة من الفعل نفسه من دون نظر إلى الاعتقاد فيه الذي هو خارج عن حقيقة
الفعل، فلا يتقيد المنهي عنه حينئذ من التكفير بذلك، ولا ينافي إرادة الكراهة حينئذ
من النهي المزبور المسوق لبيان حكم الفعل نفسه لا من حيث العوارض له من التشريعية
ونحوها، كما واضح بأدنى تأمل.
نعم قد يشكل البطلان حينئذ مع قصد التشريع به بناء على عدم بطلان الصلاة
به وأنه محرم خارجي، ولا يمكن دفعه باختصاصه هنا بالنهي عنه الظاهر في الفساد وإن
كان المنهي عنه محرما قبل الصلاة، لما سمعته من فرض إرادة الكراهة من النواهي
المزبورة وأنها مسوقة لبيان حكم نفس الفعل لا من حيث التشريع به، اللهم إلا أن
يدعى ذلك في بعضها دون بعض، فينصرف النهي في صحيح ابن مسلم إلى التكفير
المراد به التشريع، بخلافه في حسن زرارة ومرسل حريز، لكنه كما ترى بعيد وتحكم
بلا حاكم، فالأولى حينئذ الاقتصار على الحرمة دون الابطال، أو القول بهما معا للاجماع
المحكي في الخلاف والدروس وعن موضع من المقاصد العلية، بل لعله المراد من نفي الجواز
فتخرج حينئذ الاجماعات المحكية في الغنية والانتصار والأمالي على ما حكي عن الأخيرين
شاهدا أيضا، أو يقال بالمنع من عدم إبطال التشريع في الصلاة بعد استفاضة النصوص
أنه لا عمل فيها الذي قد عرفت ظهوره في إرادة ذلك، مؤيدا بما دل على الأمر بالإعادة
مع الزيادة في الصلاة والنقصان وغير ذلك مما قدمناه في الأبحاث السابقة، ولعل من
نفى البطلان بالتشريع إنما أراد بالنظر إلى نفس حرمته مع قطع النظر عن هذه النواهي
الظاهرة في ذلك، إذ احتمال كونها مؤكدة لحرمته لا يراد منها البطلان في غاية الضعف
والعرف أعدل شاهد في رده، ومن الغريب ما وقع لسيد المدارك تبعا لأستاذه من القول
20

بالحرمة الأصلية هنا للنهي دون البطلان، إذ هو - مع أنه خرق للاجماع المركب كما
اعترف به المحقق الثاني في جامعه بل البسيط - مخالف للمنساق إلى الذهن عرفا من إرادة
الشرطية في كل ما أمر به أو نهي عنه في الصلاة التي هي من المركبات، بل المقصد
الأصلي منهما ذلك إذا صدرا من الشارع المعد لبيانهما في بيان المركبات، وقد استدل
الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (1) على بطلان الصلاة حال ترك الاستقبال بالأمر
في قوله تعالى (2): " فول وجهك " والفرق بينه وبين النهي مقطوع بعدمه، إذ هو
شرط الوجود، والنهي شرط العدم، وكأنه اغتر بقول الأصوليين باقتضاء النهي الفساد
إذا كان نفس العبادة أو جزءها لا الأمر الخارج عنها، ولم يتنبه لاقتضاء العرف، وأن
مرادهم هناك الاقتضاء العقلي لا العرفي.
هذا كله في حكم التكفير، وقد عرفت سابقا أنه لا حقيقة له شرعية وإن توهم
ذلك من جريان الحكم شرعا على بعض أفراده، وهو وضع اليد على الأخرى، والظاهر
أنه لا فرق فيه بين وضع اليمنى على اليسرى والعكس كما عن مجمع البحرين النص عليه
ويقتضيه ما عن القاموس من أنه خضوع الانسان لغيره، ضرورة تعارف كل منهما في
الخضوع بين الفرس المعبر عنهم في النصوص بالمجوس على الظاهر، وبه صرح الفاضل في
القواعد والشهيد الثاني وغيرهما في معنى التكفير،
وإليه يرجع تصريح الشيخ والشهيد
الأول وبني حمزة وإدريس وسعيد فيما حكي عنهم وغيرهم بتحريم وضع اليمين على الشمال
والعكس، بل هو معقد إجماع الأول منهم، ضرورة إرادة التكفير من ذلك، لا أن
العكس محرم وإن يكن تكفيرا، كإرادة المبسوط وغيره ممن عبر بالكتف ذلك أيضا،

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القبلة - الحديث 3
(2) سورة البقرة الآية 145
21

وقد سمعت ما في خبر قرب الإسناد (1) والخصال (2) وكتاب المسائل (3) والدعائم (4)
ويؤيده أيضا اجتزاء العامة به كما قيل في أصل الاستحباب، ولا ينافي ذلك ما في صحيح
ابن سنان (5) من توهم حصره في وضع اليمنى على اليسرى وإن ظنه بعض الأساطين
لوجوب رفع اليد عن مفهومه بما عرفت لو سلم إرادة الحصر منه، مع إمكان المنع بل
ظهوره بدعوى إرادة العهد الذهني من اللام فيه نحو ما يذكر فرد بحضرتك فتقول ذلك
الأسد أو ذلك الرجل لا الجنسية المقتضية للحصر، كما هو واضح بأدنى تأمل، وفي
كشف اللثام يجوز عود الإشارة فيه إلى الوضع، فلا يكون نصا في الحصر.
فمن الغريب بعد ذلك ما وقع للفاضل وغيره من التردد في صورة العكس أو الميل
إلى العدم، حتى قال في المنتهى بعد أن حكاه عن الشيخ: " نحن نطالبه بالمستند،
والقياس عندنا باطل " ولا ريب في ضعفه كظاهر المتن وغيره ممن اقتصر على وضع
اليمين على الشمال.
والظاهر أيضا أنه لا فرق فيه بين الوضع فوق السرة وتحتها كما صرح به غير
واحد، بل لا أجد فيه خلافا، لاطلاق الأدلة، كما أنه لا فرق بين وجود الحائل وعدمه
بل ولا بين وضع الكف على الكف والذراع والساعد أي العضد وإن استشكل فيه
في التذكرة، قال: " من إطلاق اسم التكفير، ومن أصالة الإباحة " ولا يخفى عليك ما فيه
بل الظاهر تحققه بوضع الذراع على الذراع أيضا، وفي بعض النصوص (6) السابقة
تصريح ببعض ذلك فضلا عن إطلاق وضع اليد على الأخرى، والظاهر أن المدار على

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 4 - 7 - 1 - 5 لكن روى الثالث منها عن محمد بن مسلم وهو الصحيح كما تقدم آنفا
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 4 - 7 - 1 - 5 لكن روى الثالث منها عن محمد بن مسلم وهو الصحيح كما تقدم آنفا
(3) البحار - ج 10 ص 277 - المطبوعة بطهران عام 1377
(4) المستدرك - الباب - 14 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 4 - 7 - 1 - 5 لكن روى الثالث منها عن محمد بن مسلم وهو الصحيح كما تقدم آنفا
(6) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 4 - 7 - 1 - 5 لكن روى الثالث منها عن محمد بن مسلم وهو الصحيح كما تقدم آنفا
22

الهيئة المتعارفة في الخضوع عند مستعمليه من الفرس وأتباعهم، وفي اعتبار القيام فيه
بحيث لا يجري عليه حكم حال غيره تردد، من تعارف الخضوع به حاله، بل في التذكرة
والمنتهى في أول كلامه تفسير التكفير بأنه وضع اليمين على الشمال حال القراءة، وإيماء
خبري الدعائم والخصال، والاقتصار على المتيقن، ومن إطلاق الأدلة، وهو الذي
جزم به في المنتهى في آخر كلامه على القول بالتحريم فضلا عن الكراهة، فقال: التحريم
يتناول حال القراءة وغيرها، لرواية محمد بن مسلم، وعلى كل حال فالعبرة بما يسمى
تكفيرا وخضوعا لا مطلق الوضع وإن كان لغرض، ونحوه قال في جامع المقاصد:
" ولو دعته حاجة إلى الوضع كرفع داء، فوضع لدفعه يده أمكن عدم التحريم هنا للحاجة
وتخيل أنه لا يعد تكفيرا، لكن ظاهر الرواية يتناوله " قلت: لا ريب في إرادة
التكفير من الوضع في النصوص، كما أنه لا ريب في صدقة على نحو ذلك بعد أن عرفت
أنه لا حقيقة له شرعية، والتشبيه بالمجوس في التكفير لا الوضع.
ثم إن صريح المصنف وغيره بل لا أجد فيه خلافا بل ظاهر إرساله إرسال
المسلمات من جماعة من الأصحاب كونه من القطعيات اختصاص الحكم المزبور في صورة
العمد دون السهو، فلو كفر ساهيا عن كونه في الصلاة لم تبطل صلاته، ولعل هذا من
المؤيدات لما ذكرناه سابقا من أن الحرمة فيه، والابطال للتشريع المنفي حال السهو،
وإلا فلم نقف لهم على ما يدل على خروج صورة السهو، خصوصا على القول باجمال
العبادة وأنها للصحيح الجامع للشرائط الفاقد للمانع، ودعوى أن الدليل اختصاص ما دل
على مانعيته بصورة العمد، لما فيه من النهي الذي لا يتصور توجهه إلى الساهي يدفعها
ما سمعته منا غير مرة من أن التحقيق عدم تقيد الحكم الوضعي بالتكليفي وإن استفيد منه
سواء في ذلك الشرط والمانع، والعرف أعدل شاهد به فالمتجه حينئذ إن لم يكن كما ذكرنا
العموم للحالتين إلا إن يثبت إجماع، ودون إثباته مع فرض قطع النظر عن القول
23

بالحرمة التشريعية خرط القتاد، وفي الرياض " وهل يختص الحكم بحالة العمد أم يعمها
وغيرها؟ وجهان مضيا في نظائر المسألة، وظاهر الأكثر هنا الأول، وبه صرح جماعة "
ومقتضاه كون المسألة غير قطعية.
أما إذا اقتضت التقية فعله فلا خلاف في جواز فعله بل وجوبه مع فرض توقف
دفعها عليه، ولا بطلان به حينئذ كما صرح به جماعة، بل الظاهر الاجماع عليه، لعموم
أدلة التقية وكونه مسنونا عندهم لا ينافي ذلك بل أقصاه تخيير المكلف بين الفردين، إذ
التقية دين، فلو فرض عروض عارض يقتضي اختيار الفرد المزبور إما لكونه شعارا
أو غير ذلك تعين فعله ولا بطلان، لأنه أحد الفردين المكلف بهما، نعم لو خالف فلم
يفعل ففي الذكري فكترك الغسل والمسح (1) فإن الجزئية محققة فيهما، فيتحقق النهي عن
العبادة في الجملة، ثم قال: والأقرب هنا الجزم بعدم البطلان، وفي جامع المقاصد في
بطلان الصلاة تردد، نظرا إلى وجوب التقية والاتيان بالواجب أصالة، ومثله ما لو وجب
الغسل في الوضوء والمسح على الخفين ونحو ذلك، قلت: قد يفرق بين التكفير وبين
الغسل والمسح بأنه ليس جزءا في العبادة ولا شرطا، فلا يتعدى النهي بسببه إلى
العبادة، ضرورة تحقق اسم الصلاة الصحيحة عندنا وعندهم مع تركة، والوجوب
العارضي الخارج عن مقتضى التقية في الواقع لا يدخله في الكيفية، بل هو أشبه شئ
بترك ما ألزم فعله الموافق مما ليس من الصلاة، واحتمال أن المجرد عن فعله غير مأمور به
لكون الفرض وجوب الفرد المشتمل على فعله مقدمة لحفظ النفس، فلا صحة للمجرد
حينئذ يدفعه منع عدم الأمر به، بل جميع الأوامر الأولة متعلقة به، ولا ينافيه العصيان
بترك حفظ النفس معه، فهو كمن عصى وصلى تحت الجدار الغير المستقيم المظنون الضرر
فإن صلاته صحيحة وإن عصى بترك التحفظ، وليس هو من انقلاب التكليف كالتيمم

(1) في الذكرى هنا في موضع الوضوء وقد سلف وأولى هنا بالصحة لأنه خارج عن
الصلاة بخلاف الغسل والمسح (منه رحمه الله)
24

عند خوف الضرر والصوم كذلك، لعدم الدليل عليه بالخصوص كي يقتضي بظاهره
ذلك، ووجوب الترك مقدمة لا ينافي الأمر الذاتي كما حققناه في الأصول، وعليه بنينا
عدم الفساد في مسألة الضد وإن قلنا بوجوب المقدمة وإن ترك الأضداد من المقدمات
لا المقارنات، فتأمل.
ولا فرق في التكفير للتقية بين وضع اليمنى على اليسرى والعكس، لما عرفت من
أنه يتأدى بكل منهما وإن كانت الكيفية المندوبة عندهم الأولى، لكن في الذكرى
احتمل البطلان، قال: لأنه لم يأت بالتقية على وجهها، فيكون المحذور سليما من المعارض،
والصحة إذا تأدت بها التقية، وفيه أنه لا وجه للصحة مع فرض عدم مشروعية العكس
عندهم بعد إطلاق الأدلة في المنع منهما معا، ضرورة عدم كون هذا الفرد من الدين
حينئذ، كما أنه لا وجه للبطلان بعد فرض مشروعيتهما معا، إلا أن الكيفية الأولى
مستحب في مستحب، نعم لو فرض توقف دفع التقية على هذه الكيفية وجبت كأصل
التكفير، فلو خالف ولم يفعلها بل فعل العكس لم تبطل صلاته للترك نحو ما سمعته في
التكفير نفسه، وفي بطلانها بسبب ما فعله وجهان، أقواهما الصحة، لأن الشارع قد جعل
حكم التقية في الواقع دينا، وعدم اندفاعها في بعض الأحيان ببعض الموافق لها واقعا
لخبث بعض أهلها ونحوه لا يرفع الدينية عنها، والله أعلم.
(و) منها (الالتفات إلى ما ورائه) كما عبر بذلك جماعة، بل ربما نسب إلى
الأكثر، بل في كشف اللثام الاجماع على عبارة القواعد التي هي كهذه العبارة، وفي
المحكي عن الأمالي " أن من دين الإمامية أن الالتفات حتى يرى من خلفه قاطع للصلاة "
لكن لم أجد هذه العبارة في أكثر نصوص المسألة المروية في الكتب الأربع، بل
الموجود في صحيح ابن أذينة (1) منها سأل الصادق (عليه السلام) " عن رجل يرعف

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
25

وهو في الصلاة وقد صلى بعض صلاته فقال: إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن
خلفه فليغسله من غير أن يلتفت، وليبن علي صلاته، فإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد
الصلاة، قال: والقئ مثل ذلك " وفي صحيح زرارة (1) " أنه سمع أبا جعفر (عليه
السلام) يقول: الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله " وسأله (عليه السلام) محمد بن
مسلم (2) في الصحيح " عن الرجل يلتفت في الصلاة قال: لا، ولا ينقص أصابعه "
وقال هو (عليه السلام) أيضا في صحيح زرارة الآخر (3): " استقبل القبلة بوجهك
ولا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك " فإن الله عز وجل قال لنبيه (صلى الله عليه وآله) في الفريضة:
فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره (4) " ونحوه
صحيحه الآخر (5) عنه (عليه السلام) أيضا، وقال الصادق (عليه السلام): في صحيح
الحلبي أو حسنه (6): " إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان
الالتفات فاحشا، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد " ويقرب منه خبر الخصال (7) بسنده
عن علي (عليه السلام) " الالتفات الفاحش يقطع الصلاة، وينبغي لمن فعل ذلك أن
يبدأ الصلاة بالأذان والإقامة والتكبير " وفي صحيح الحلبي الآخر أو حسنة (8) " وإن
لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه عن القبلة أو يتكلم فقد قطع صلاته " وفي خبر
أبي بصير (9) عن الصادق (عليه السلام) " إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة
فأعد " وفي خبر محمد بن مسلم (10) عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل " عن رجل

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 3 - 1 - 2 - 7 - 6
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 3 - 1 - 2 - 7 - 6
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القبلة - الحديث 3
(4) سورة البقرة - الآية 145
(5) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القبلة - الحديث 3
(6) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 3 - 1 - 2 - 7 - 6
(7) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 3 - 1 - 2 - 7 - 6
(8) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 6
(9) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 3 - 1 - 2 - 7 - 6
(10) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 2
26

دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه الإمام بركعة فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ثم
ذكر أنه فاتته ركعة قال: يعيد ركعة واحدة، يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه، فإذا
حول وجهه عن القبلة استقبل الصلاة استقبالا " وهي كما ترى خالية عن التعبير المزبور.
نعم في صحيح علي بن جعفر (عليه السلام) (1) المروي في التهذيب وعن
قرب الإسناد وكتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه السلام) " سألته عن الرجل يكون
في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق أو أصابه شئ هل يصلح له أن ينظر فيه أو يفتشه؟
قال: إن كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس، وإن كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه
لا يصلح " وفي المروي عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر (عليه السلام) (2) وكتاب
المسائل له أيضا عن أخيه موسى (عليه السلام) " سألته عن الرجل يلتفت في صلاته
هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانا الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته،
فيعيد ما صلى ولا يعتد به، وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك " وفي المروي عن مستطرفات
السرائر نقلا من جامع البزنطي (3) " سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يلتفت
في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع
صلاته، فيعيد ما صلى ولا يعتد به، وإن كانت نافلة فلا يقطع ذلك صلاته، ولكن
لا يعود ".
وتفصيل البحث أن يقال: إن الصور المتصورة في المقام كثيرة جدا، بل ربما
كانت بملاحظة بعض القيود تنتهي إلى ستمائة أو أزيد، إلا أن الذي يهم معرفة الحكم
فيها ستة عشر، وذلك لأن الالتفات إما عن عمد أو سهو، وعلى كل منهما أما أن يقع
بالكل أو بالوجه، وعلى منهما فأما إلى الخلف أو اليمين أو اليسار أو ما بينهما بحيث

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 8
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 8
27

يخرج عن الاستقبال، فأما الصورة الأولى وهي الالتفات بكله إلى الخلف عمدا فهي
المتيقنة من النصوص والفتاوى، ويمكن تحصيل الاجماع عليها فضلا عن محكية، بل
لعلها المرادة من المتن ومن عبر كعبارته، كما يومي إليه ما في المعتبر والمنتهي والتذكرة،
قال فيه: الالتفات يمينا وشمالا ينقص ثواب الصلاة، والالتفات إلى ما ورائه يبطلها
لأن الاستقبال شرط صحة الصلاة، فالالتفات بكله تفويت لشرطها، ويؤيد ذلك
خبر زرارة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) " إذا استقبلت القبلة " إلى آخر الخبر
المتقدم، وأما كراهية الالتفات يمينا وشمالا بوجهه مع بقاء جسده مستقبلا فلرواية
الحلبي (2) " إذا التفت " إلى آخرها وروى زرارة (3) " الالتفات " إلى آخره،
ونحوه في المنتهى والتذكرة، وعن النهاية بل والذكرى بعد التأمل بأكثر الألفاظ وتمام
المعنى، بل لعلها بالنسبة إلى المراد أتم دلالة، ولا ريب في ظهورها في كون المراد بالعبارة
الالتفات بالكل إلى ورائه لا ما يشمل الوجه كما عن الاصباح التقيد به أي الكل،
ويؤيده ما في جامع المقاصد حيث أنه بعد أن ذكر جملة من الصور قال: " ولو استدبر
بوجهه خاصة فلا تصريح للأصحاب فيه، وظاهر شيخنا في الذكري في التروك المستحبة
إلحاقه بالمستدبر، وكذا في غير الذكرى، وقد يوجد ذلك لبعض المتأخرين، ولا بأس
به " إذ هو كما ترى كالصريح في تنزيل العبارة على ما ذكرنا، وإلا كان الالحاق
ظاهر أكثر الأصحاب أو جميعهم، وأوضح منه ما في المحكي عن المقاصد العلية من أن
ظاهر الأصحاب عدم البطلان بالالتفات بالوجه خاصة دبر القبلة كالالتفات به يمينا وشمالا،
وربما قيل بالحاقه بالاستدبار بكله، إذ لو فهم ما ذكرنا من العبارة المزبورة ما صح له
هذه النسبة قطعا، بل قد يقال بامتناع الاستدبار بالوجه خاصة أو بعده بحيث لا تنزل

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القبلة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 3
28

عليه العبارات المزبورة، ضرورة كون المتيسر في الجملة النظر إلى ورائه، وهو غير
الالتفات بالوجه إلى ورائه، قال في المسالك في شرح العبارة " إذا كان بكله ": ولو كان
بوجهه بحيث يصير الوجه إلى حد الاستدبار فالأولى أنه كذلك وإن كان الفرض بعيدا،
أما البصر فلا اعتبار به.
فمن الغريب بعد ذلك كله ما في الرياض حيث أنه - بعد أن نفى الخلاف في
الجملة عن عبارة النافع التي هي كالمتن، واستدل عليها بالصحاح المستفيضة، وأورد على
نفسه أنها شاملة باطلاقها الالتفات بالوجه يمينا وشمالا وأجاب عنه، ثم ذكر صورة السهو -
قال: " هذا كله إذا كان الالتفات بالوجه، وأما إذا كان بجميع البدن فله شقوق مضى
أحكامها في مباحث القبلة " وكأنه أشار إلى ما ذكروه هناك من صلاة الظان والناسي
إلى غير القبلة، وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا، بل وما ستعرفه من الفرق بين
المقام المبني على حصول المانع الذي تعرض له في النصوص في المقام، ومن جهتها ذكره
الأصحاب بالخصوص دون تخلف باقي الشرائط من انكشاف العورة ونحوه وبين مسألة
من صلى لغير القبلة المبنية على فوات الشرط ابتداء المذكورة في ذلك المقام، لا يقال:
لو أراد الأصحاب من العبارة المزبورة هنا الالتفات بالكل دون الوجه لأشعرت مع
التقيد بالعمد كما في كثير من العبارات بجواز الالتفات بالكل دون يمينا وشمالا عمدا،
خصوصا بعد قولهم فيما يأتي: ويكره الالتفات يمينا وشمالا، وهو معلوم الفساد للنصوص
السابقة فضلا عن غيرها، بخلاف ما إذا أريد الوجه منها، لأنا نقول في تنزيلها على
الوجه خاصة ترك لبيان المتيقن من النصوص، وهو الالتفات بالكل الذي كان أولى
بالبيان، لتعرض النصوص له، ولا يكتفى عنه بالأولوية ونحوها، وإرادتهما معا منها
لا يدفع الاعتراض المذكور، نعم يمكن أن يراد بالوراء ما يشمل اليمين والشمال، ضرورة
تسمية الجميع عكس القبلة وخلفها ونحوهما، سيما والمشاهد أنه متى التفت إلى جهة اليمين
29

أو الشمال كان جميع الذي خلفه أو معظمه مشاهدا له، وربما يومي إلى ذلك في الجملة ما
في بعض النصوص المتقدمة من المقابلة لما بين المشرق والمغرب بغيره الشامل لجهتي اليمين
والشمال، مع إطلاق دبر القبلة أو نحوه عليه، فلاحظ وتأمل.
ولقد طال بنا الكلام فيما لا طائل تحته، ضرورة كون المتبع الدليل، ولا ريب
في ظهوره بابطال تعمد الالتفات بالكل مطلقا حتى ما بين اليمين والشمال بحيث يخرج
عما يعتبر من الاستقبال وإن لم يكن فاحشا، لفوات الشرط الذي قد عرفت غير مرة
ظهور ما دل على اعتباره ونظائر في الاتصال الذي ينافيه الانقطاع وإن لم يقارنه شئ
من أفعال الصلاة، ولاطلاق صحيح زرارة وغيره من النصوص السابقة، ولا ريب في
رجحانه على مفهوم صحيح الحلبي المقتضي عدم البطلان بغير الفاحش من الالتفات وإن
كان بالكل على ما هو التحقيق من عموم المفهوم بالاعتضاد بدليل الشرطية وبكونه
منطوقا وبغير ذلك مما تعرفه مما مر من النصوص وغيرها، فيقدم عليه، مع أن معارضته
له بالعموم من وجه، وكذا مفهوما خبري علي بن جعفر (عليه السلام) والبزنطي،
خصوصا والمهم فيهما بيان الفرق بين الفريضة والنافلة (1) لا استيعاب صور الالتفات.
أما الالتفات بالوجه إلى الخلف مع فرض إمكانه ولو بحرف مجموع البدن بحيث
يخرج عن حد الاستقبال به فالأقوى البطلان به، وفاقا لصريح جماعة وظاهر آخرين
إن لم يكن الجميع، لفوات الشرط، ولصدق الفاحش والالتفات إلى الخلف، وصحيح
خرق الثواب (2) وإن كان فيه " لا يصلح " لمنع إشعارها هنا بالكراهة، مضافا إلى
الاعتضاد باطلاق النهي عن الالتفات، ولا ينافي ذلك مفهوم صحيح زرارة المقتضي

(1) وفي النسخة الأصلية " والالتفات " بدل " والنافلة " والصحيح ما أثبتناه
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
30

عدم البطلان بالالتفات بغير الكل، أما بناء على فرض عدم إمكانه (1) إلا به فواضح،
وأما على فرض الامكان فيرجح عليه منطوق صحيح الحلبي بما رجح به منطوقه على
مفهومه من الاعتضاد بدليل الشرطية، وبكونه منطوقا، وبأخبار علي بن جعفر (عليه
السلام) والبزنطي، وبغير ذلك، فيكون الحاصل حينئذ ترجيح منطوق كل منهما على
مفهوم الآخر، لأن التعارض بينهما من وجه، ويرجع إلى أن المبطل أحدهما لا مجموعهما
الذي لا يفهم من تعارض أمثالهما، كما هو واضح بأدنى تأمل.
أما لو التفت بوجهه مع بقاء جسده مستقبلا ويمينا وشمالا فالمشهور بين الأصحاب
نقلا وتحصيلا عدم البطلان به، بل قد يشعر نسبة الخلاف فيه إلى بعض الحنيفة في
المعتبر والتذكرة بالاجماع عليه، للأصل ومفهوم صحاح زرارة وعلي بن جعفر (عليه السلام)
والبزنطي وصحيح خرق الثواب وخبر عبد الملك (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال: لا، وما أحب أن يفعل " المنزل على
ذلك بمعارضة ما تقدم لا على الالتفات بالعين لبعده، كخبر الخضر بن عبد الله (3)
المروي عن ثوب الأعمال ومحاسن البرقي عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إذا قام العبد
إلى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه، ولا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرات، فإذا
التفت ثلاث مرات أعرض عنه " وخبر أبي البختري (4) المروي عن قرب الإسناد عن
الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السلام) " الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان، فإياكم
والالتفات في الصلاة، فإن الله تبارك وتعالى يقبل على العبد إذا قام في الصلاة، فإذا
التفت قال الله تبارك وتعالى عمن تلتفت ثلاثا، فإذا التفت الرابعة أعرض عنه " قيل:

(1) وفي النسخة الأصلية " على عدم فرض إمكانه " والصحيح ما أثبتناه
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2
31

ورواه البرقي في المحاسن، قال وفي رواية ابن القداح (1) عن جعفر بن محمد عن أبيه
(عليهما السلام) قال علي (عليه السلام): " للمصلي ثلاث خصال: ملائكة حافين به
من قدميه إلى عنان السماء، والبر يتناثر من رأسه إلى قدمه، وملك قائم عن يمينه، فإذا
التفت قال الرب تعالى: إلى خبر مني تلتفت يا بن آدم، لو يعلم المصلي من يناجي
ما انفتل " وإن احتمل الجميع الالتفات بالقلب، لكن لا شاهد له ولا داعي إليه،
كاحتمال تنزيلها جميعا على السهو دون العمد كما في كشف اللثام، بل ربما كان في بعضها
ما ينافيه.
ومن هنا حكم غير واحد من الأصحاب بجوازه إلا أنه مكروه، وهو المراد
بقول المصنف وغيره فيما يأتي: " ويكره الالتفات يمينا وشمالا " أي بالوجه كما قيده به
جماعة منها المعتبر والتذكيرة كما عرفت، ضرورة معلومية حرمة الالتفات بالكل دون
اليمين والشمال فضلا عنهما كما سمعته مفصلا، وكذا احتمال تنزيلها على الالتفات بالعين
خاصة، فإنه أيضا لا شاهد له ولا داعي إليه، إذ لا حرمة في الالتفات بالوجه للأدلة
المزبورة، ولم نعرف فيه خلافا بين أصحابنا إلا ما حكاه في الذكرى عن بعض مشائخه
المعاصرين من أنه يقطع الصلاة كما يقوله بعض الحنيفة، قال: لما رووه عن النبي (صلى الله
عليه وآله) أنه قال: " لا تلتفتوا في صلاتكم، فإنه لا صلاة لملتفت " رواه عبد الله بن
سلام (2) وأجاب عنه كالفاضل بحمله على الالتفات بالكل، والظاهر أنه أراد بالبعض
فخر المحققين كما حكاه عنه غير واحد، بل لعله مراد المقداد في التنقيح بالسعيد الذي
حكى عنه ذلك أيضا ثم قال: وهو أولى، إذ يبعد إرادته الشهيد منه، لأن المعروف

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 3
(2) عمدة القاري ج 3 ص 53
32

اختياره المشهور، لكن ستعرف حكايته في كشف اللثام عن ألفيته، إلا أن الشهيد الثاني
قد فهم منها خلاف ذلك.
وكيف كان فقد انحصر الخلاف الفخر خاصة أو مع الشهيد والمقداد بناء على
إرادته الوجوب من الأولوية، نعم مال إليه في المدارك تبعا لشيخه وبعض متأخري
المتأخرين، وفي كشف اللثام أنه الأقوى للأمر في الآية (1) بتولية الوجوه شطر المسجد
الحرام، واحتمال كونه فاحشا، وظهور ما مر من خبري الفضيل (2) والقماط (3) في
غير العمد، واحتماله في المجوز للالتفات من الأخبار، واحتمال الالتفات بالعين أو القلب
فيها، وهو مختار الألفية، وفي الحدائق - بعد أن اعترف أن الأصحاب ردوا فخر
المحققين - قال: " ولكن ذلك منهم عجيب، لأن هذه الأخبار ظاهرة الدلالة عليه كالنور
على الطور " مشيرا إلى سائر النصوص (4) المتضمنة للنهي ونحوه عن قلب الوجه وصرفه
ونحوها تبها لسيد المدارك، بل زاد فيها أنه حملها الشهيد على الكل لصحيح زرارة
إلى آخره، ثم قال: وقد يقال: إن هذا المفهوم مقيد بمنطوق رواية الحلبي (6) فإن
الظاهر تحقق التفاحش بالالتفات بالوجه إلى أحد الجانبين، قلت: قد عرفت فمقتضى
الجواز من النصوص والفتاوى مما لا يصلح شئ من ذلك لمعارضته، إذ الوجوه المأمور
بتوليتها المكنى بها عن الكل قطعا التي هي منه بل معظمه قد يمنع منافاة الالتفات المزبور
لتوليتها، خصوصا بعد قيام الأدلة المذكورة.
ولعل مرجع اعتبار الأصحاب الاستقبال مع حكمهم هنا بالكراهة إلى ذلك،
ومثله المراد في مجموع الآية والنصوص، فلا يتفاوت حينئذ بين طول الالتفات وقصره

(1) سورة البقرة - الآية 145
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 9 - 11
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 9 - 11
(4) الوسائل - الباب 3 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 0 - 3 - 2
(5) الوسائل - الباب 3 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 0 - 3 - 2
(6) الوسائل - الباب 3 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 0 - 3 - 2
33

أو مقارنته لبعض أفعال الصلاة مطلقا أو لما لا يمكن تداركه منها كالأركان وعدمها.
أو مقارنته لأول انعقاد الصلاة وعدمها، فيبطل الأول دون الثاني في الاحتمالات الثلاث
وإن احتمل الأولين منها بعضهم، وكأنه لما ضاق به الخناق وأراد الجمع بين اشتراط
الاستقبال والحكم بعدم قادحية الالتفات بالوجه ارتكب ما سمعت.
وفيه أنه لا ريب في عدم قابلية النصوص والفتاوى للجمع المزبور، ضرورة عدم
الشاهد على مدخلية الطول والقصر في ذلك، إذ ليس هو بناء على اعتبار الاستقبال به
بحيث ينافيه الالتفات إلا كالاستقبال بالكل والالتفات به الذي لا يتفاوت فيه بين
الطول والقصر قطعا، اللهم إلا أن يقال: إن الابطال به مع الطول لا من حيث
الالتفات الذي هو المانع بل لفوات الشرط الذي هو الاستقبال، إذ الالتفات كما أنه
يعتبر فيه سبق غير الحال الذي التفت عنه يعتبر فيه أيضا الانقطاع بسرعة على الظاهر،
فالفرض حينئذ ليس من الالتفات حتى يكون مكروها، بل هو حال آخر فات شرط
الاستقبال فيه، لكنه كما ترى، وكذا لا مدخلية لمقارنة الأفعال وعدمها، لأنه على
التقدير المزبور شرط للصلاة لا لأفعالها خاصة كالطمأنينة مثلا، بل هو مثل الطهارة
والستر ونحوهما مما يعتبر حصوله ما دام المكلف في الصلاة حال الفعل أولا، ومن الواضح
أنه لا زمان متخلل بحيث يكون فيه ليس في صلاة وإن تلبس ببعض الأفعال الخارجة
عنها، إلا أن وصف كونه في صلاة لا حق له، وإلا لم يكن تحريمها التكبير وتحليلها التسليم
وستسمع إن شاء الله زيادة توضيح له، والثالث وإن كان هو أولى من السابقين
- ومرجعه إلى شرطية الاستقبال به ابتداء لا استدامة بحيث ينافيه الفرض - مساعدة
الأدلة عليه والفتاوى لا تخلو من صعوبة، فالأولى حينئذ ما ذكرنا من عدم منافاة هذا
الالتفات للمعتبر من الاستقبال بالوجه وتوليته، والله أعلم.
34

وأما نصوص الوجه (1) ونحوه فلا يخفى على من لاحظها وله أدنى خبرة بالمحاورات
أن المراد منها - حتى خبري الفضيل والقماط المطرحين عندنا كما سمعته في الحدث -
الأعراض عن القبلة والمضي عنها بالكل المكنى عنه بالوجه كالآية المستدل بها في بعض
تلك النصوص (2) فلا شاهد فيها حينئذ على ذلك، ولعله لذا ترك الاستدلال بها في
كشف اللثام مع شدة تجشمه لمختاره حتى استدل باحتمال كونه فاحشا الذي لا يجديه بعد
تسليمه له في تقييد إطلاق أدلة الجواز، نعم يتجه ذلك بناء على ظهور تناول الفاحش
كما سمعته في المدارك، إذ هو ليس من مصداق الموضوع كي يعتبر فيه القطع مثلا، بل
هو من الظن بمعنى اللفظ، فيرجع حينئذ إلى استظهار شمول لفظ الفاحش لذلك، ولا
ينافيه العلم ببعض أفراده، لكن قد يمنع عليه دعوى الشمول، خصوصا والعمدة في
معرفة المراد منه في خصوص الصلاة التي هي توقيفية فهم الأصحاب، وقد عرفت أن
المشهور بينهم، بل لعله إجماع عدم البطلان بذلك، فلا يكون من الفاحش، إذا هم العمدة
في أمثال ذلك لا سواد المتشرعة وأعوامهم الذين يعتقدون كثيرا مما يواظب عليه
العلماء والأتقياء، لشدة استحبابه أو للاحتياط فيه أو نحو ذلك من الواجبات التي
تفسد بتركها العبادات، وربما يؤيده أن المشاهد حال الالتفات بالوجه خاصة يمينا وشمالا
عدم الخروج به عن القبلة، بل أقصاه توجه النظر إلى الجهتين، وإلا فصفحة الوجه بل
صفحتاه معا إلى القبلة، وإن لم يكن على الطريق المتعارف في استقبالهما، فتأمل جيدا.
بل لولا بعض النصوص السابقة وأكثر الفتاوى ومعاقد بعض الاجماعات لأمكن
إرادة الالتفات بالكل من الفاحش، بل ربما احتمل عود الضمير في قوله (عليه

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القبلة - الحديث 3 و 4 والباب 1 من أبواب
قواطع الصلاة - الحديث 9 و 11
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القبلة - الحديث 3
35

السلام) (1): " بكله " إلى الالتفات، فيكون المراد الكامل في التفاحش، والاطلاق
في الحسنة منصرف إليه، وإن كان هو كما ترى، كاحتمال عدم تقييد مفهوم الصحيح
بمنطوق الحسن، لعدم مقاومته له من هذه الجهة، وستعرف ما فيه، خصوصا وهذا
الحسن بمنزلة الصحيح، بل لعله منه كما هو واضح. وبذلك كله ظهر لك البحث في
جميع صور العمد.
أما السهو فظاهر المتن وغيره ممن عبر كعبارته وربما قيل: إنه الأكثر وإن كنا
لم نتحققه تقييد هذا المبطل بالعمد دون السهو والنسيان بل والاضطرار، وفي المحكي
عن البيان في مسألة من نقص ركعة فما زاد من باب السهو أن ظاهر أكثر الأصحاب
عدم بطلان الصلاة بالاستدبار سهوا، ولم نتحققه أيضا، كما أنا لم نتحقق ما في الدروس
في المقام من أن المشهور عدم البطلان بالاستدبار سهوا، إذ لم أجده لغير المصنف إلا
للشيخ في مبسوطة وجمله وعن نهايته، والفاضل في قواعده ومنتهاه وإرشاده وعن تبصرته
ونهاية، وابني حمزة وإدريس وسلار فيما حكي عنهم، مع أنه قيل: إن الأول منهم
قد صرح في مسألة من نقص ركعة سهوا من الجمل والنهاية بأنه أن لم يذكر حتى تكلم
أو استدبر أعاد، والثاني في الإرشاد لو نقصها أو ما زاد سهوا أتم إن لم يكن تكلم أو
استدبر أو أحدث.
قلت: قد يدفع بعد تسليم اتحاد المسألتين بأن المراد التمثيل لذلك بالمبطل المذكور
في مقام كيفية إبطاله عمدا وسهوا أو عمدا خاصة، ولذا ذكر الكلام المعلوم أنه من
المبطل عمدا لا سهوا، نعم كلامه في التذكيرة صريح في كونه مبطلا مطلقا، بل قد
يظهر منه الاجتماع عليه، قال: " لو نقص من عدد صلاته ناسيا ثم ذكر بعد فعل المبطل
عمدا وسهوا كالحدث إجماعا والاستدبار خلافا للشافعي بطلت صلاته " إلا أنه لم يصرح

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 3
36

في المقام بالتقييد كي يتناقض كلامه في الكتاب الواحد، أما اختلافه في الكتب المتعددة
فغير عزيز، لكن في مجمع البرهان عن المنتهى في أحكام الخلل في مسألة من نقص
ركعة التمثيل للمبطل عمدا وسهوا بالالتفات إلى ما ورائه، فيتناقض كلامه السابق، ولعله
يريد بناءه على أحد القولين كما قيده بنحو ذلك في المحكي عن نهاية، على أن المسامحة
بالتمثيل معلومة، فلا يعد نحوها تناقضا وتدافعا، وإن أطنب فيه بعض الناس هنا وجعله
من المناقض للمقام، كما أنه قال أيضا: يناقضه تصريح الشيخين والفاضل وغيرهم في بحث
القبلة بأن الناسي كالظان، إذ قد أجمعوا على أن من صلى ظانا للقبلة ثم بان له الاستدبار
أعاد في الوقت، واختلفوا في خارجة فبعض أوجبه وبعض نفاه، ونقلت الشهرة على
كل من القولين، لكن في إرشاد الجعفرية نسبة الأول إلى عمل الأصحاب، بل في
جملة من كتب الأصحاب ككشف الرموز ونهاية الإحكام والمختلف والموجز الحاوي
وكشف اللثام أن الناسي ليس كالظان، لاشتراط الصلاة بالقبلة أو ما يعلمه أو يظنه،
ورفع النسيان رفع المؤاخذة، وعموم أكثر الأخبار منزل على الخطأ في الاجتهاد لكونه
المتبادر، فإذا كان الناسي كالظان أو أسوأ حالا منه قوي القول بالبطلان هنا، وكاد
يكون المصر على الخلاف نادرا.
قلت: قد يقال: - بعد إمكان منع المصرح في المقامين بما يقتضي التناقض -
أنه لا يخفى وضوح الفرق بين موضوعي المسألتين، ضرورة كون الأول الصلاة لغير
القبلة نسيانا، وما نحن فيه الالتفات نسيانا في أثناء الصلاة عن القبلة، ولا يصدق عليه
أنه صلى لغير القبلة، وفرض استمرار الالتفات قد يمتنع معه صدق مسمى الالتفات،
فثبوت وجوب الإعادة في الوقت أو فيه وفي خارجة في تلك المسألة لا يستلزمه في المقام
نعم قد يستلزم النفي فيها النفي هنا، فتأمل جيدا فإنه قد وقع في المقام خبط.
ومنه يعلم أنه لا جهة للاستدلال ببعض نصوص تلك المسألة على المقام، بل الأولى
37

تحريره مستقلا عن غيره، فيقال: إن في البطلان وعدمه بالالتفات بالكل حتى يستدبر
سهوا قولين، قد عرفت القائل بالثاني منهما، أما الأول فهو خيره الشيخ في ظاهر
التهذيب والشهيدين والمحقق الثاني والفاضل الإصبهاني وغيرهم، بل في كشف اللثام أنه
نص التهذيب والاستبصار والغنية وظاهر الصدوق في الفقيه والهداية والأمالي، قلت:
فيكون من معقد دين الإمامية فيها حينئذ، وعد ثقة الاسلام في الكافي من السبعة
مواضع التي يجب على الساهي فيها إعادة الصلاة الذي ينصرف عن الصلاة بكليته قبل أن
يتمها، وأطلق في المقنعة وجوب الإعادة على من التفت حتى رأى من خلفه، وفي باب
القبلة منها " من أخطأ القبلة أو سها عنها أعاد في الوقت لا في خارجه إلا أن يكون قد
استدبر القبلة، فيجب عليه حينئذ الإعادة كان الوقت باقيا أو منقضيا " لكن قد سمعت
أن ذلك لا يستلزم وجوب الإعادة، اللهم إلا أن يقال: إنه لا ريب في أنه أسوأ حالا
من المجتهد المخطئ، وفيه تأمل ولعله ظاهر المعتبر والتذكرة والذكرى وغيرها، بل
قد عرفت أن الظاهر من التذكرة الاجماع عليه، وفي الغنية الاجماع وجوب الإعادة
على من سها فنقص ركعة أو أكثر ولم يذكر حتى استدبر القبلة أو تكلم بما لا يجوز
مثله في الصلاة، لكن قد عرفت الكلام فيه سابقا، نعم فيها في المقام " ويجب
الاستدامة على ما هو شرط في صحة الصلاة كالطهارة وستر العورة وغيرهما، وقد دخل
في ذلك ترك الالتفات إلى دبر القبلة " وفي فصل القبلة " من توجه مع الظن ثم تبين له
أن توجهه كان إلى غير القبلة أعاد الصلاة إن كان وقتها باقيا، ولم يعد إن كان قد خرج
إلا أن يكون استدبر القبلة، فإنه يعيد على كل حال " إلى آخره، ولعل ما نحن فيه
أسوأ حالا من المصلي بظن القبلة، وفيه تأمل كما عرفت.
وكيف كان فالبطلان مطلقا هو الأقوى، لقاعدة الشرط الظاهر في إرادة
الاتصال منه هنا كما سمعته في الطهارة، وإطلاق ما دل على الانقطاع به من النصوص
38

السابقة، كاطلاق الصحيح (1) " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة " إلى آخره، وتقييد
إضافة الركعة في خبر محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما السلام) لمن نقص سهوا بما
إذا لم يحول وجهه عن القبلة، وإلا كان عليه الإعادة بناء على اتحاد المسألتين، بل لعل
اشتراط ذلك بعدم الانصراف عن مقامه وأنه لا يبرح عن مكانه في غيره من النصوص
المستفيضة (3) كناية عن عدم تحويل وجهه عن القبلة، فتكثر النصوص الدالة على ذلك
حينئذ، وبذلك كله ينقطع الأصل، ويقيد النبوي (4) لو قلنا بإرادة رفع الحكم والإثم
منه. لأنه أقرب مجازا وأليق بإرادة المزية لأمته إكراما له (صلى الله عليه وآله) وإلا
فارتفاع الإثم عقلي، وإن كان التعارض بينه حينئذ وبين الأدلة السابقة من وجه، بل
يمكن ترجيحه على قاعدة الشرطية التي هي عند عدم الدليل، وعلى الاطلاقات التي لم تسق
للبيان بصراحة الدلالة، إلا أن الرجحان لها عليه من غير وجه، بل لا محيص عنه بناء
على شمول الصحيح (5) وأخبار المسبوق (6) للمقام، ضرورة عدم صلاحية النبوي
لمعارضتها، لاطلاقه وتقييدها، على أن خروج كثير من الأفراد عنه واحتمال إرادة
الإثم خاصة منه موهن آخر له.
وأما إطلاق بعض نصوص المسبوق (7) إضافة الركعة، بل فيها الصريح (8) وغيره
في أنه ولو استدبر فالذي يسهل الخطب فيه أن كثيرا من تلك النصوص مطرحة عندنا

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 7 و 10 و 11
(4) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
(6) الوسائل - الباب - 3 و 6 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 1 - 19
(8) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 1 - 19
39

لمعارضتها بما هو أقوى منها، وهي المتضمنة (1) للاتمام ولو بلغ الصين وإن كان بعد سنين
ولو انمحت صورة الصلاة، ومنها ما هو مطلق يمكن تنزيله على ما إذا لم يصدر منه المبطل
كالحدث وتحويل الوجه ونحوهما، وكما سمعته في خبر محمد بن مسلم (2) بل وغيره، فيقيد
به حينئذ، ومن ذلك يعلم ما في خبر القماط (3) المتقدم سابقا في مسألة الحدث الذي قد
عرفت خروجه مخرج التقية.
ثم إن الظاهر وجوب الإعادة في الوقت وخارجه، كما صرح به في جامع المقاصد
لظهور نصوص المقام وغيرها في بطلان ما فعله وعدم الاعتداد به، فيشمله حينئذ " من
فاتته " (4) خلافا للمحكي عن النهاية في موضع منها والبيان والمقاصد العلية في موضعين
ومجمع البرهان ففي الوقت دون خارجه، ولا ريب في ضعفه حتى لو قاسوه على الناسي
للقبلة، لأن الظاهر فيه ذلك أيضا على ما بين في محله.
كما أن الظاهر وفاقا للذكرى عدم الفرق في جميع ما ذكرنا بين الالتفات دبرا
وبين الالتفات بكله يمينا وشمالا بحيث يخرج عما بين المشرق والمغرب الذي ذكرنا أنه
مبطل مع العمد حتى في الإعادة في الوقت وخارجه، لما عرفت، بل لعل المراد بدبر
القبلة في بعض النصوص (5) ما يشمله بقرينة المقابلة بما بين المشرق والمغرب، فضلا
عن نصوص التحويل (6) عن القبلة وقلب الوجه والانصراف ونحو ذلك، خلافا

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 11
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القبلة - الحديث 4
(6) المتقدمة في ص 26
40

لظاهر بعض وصريح آخر، لاطلاق موثق عبد الرحمان (1) عن الصادق (عليه السلام)
" إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت على غير القبلة وأنت في
وقت فأعد، وإن فاتك الوقت فلا تعد " وغيره من النصوص الكثيرة (2) وفيه أن
سائر نصوص (3) ذلك المقام ظاهرة وصريحة كما لا يخفى على من لاحظها في المصلي بظن
القبلة ثم بان له الخطأ، حتى لو كان فيها مطلق انصرف إلى الذي تظافرت النصوص
ببيانه، خصوصا ونسيان القبلة في غاية الندرة، فلا يشمله من صلى لغير القبلة ونحوه،
فضلا عما نحن فيه من الملتفت سهوا في أثناء الصلاة، ودعوى أولويته من الظان في غاية
المنع، ضرورة كون التكليف في القبلة بالظن، فكان مقتضى قاعدة الاجزاء عدم
الإعادة في الوقت فيه، بخلاف نحو المقام الذي لا أمر فيه، بل أقصاه أنه عذر لا أمر
به حتى يقتضي الاجزاء، فيبقى على قاعدة الشرط وعلى إطلاق نصوص المقام انقطاع
الصلاة وبطلانها وعدم الاعتداد بها الموجب للقضاء، والظان مع فرض عدم تبين الخطأ
له حتى خرج الوقت يجزيه ما فعله للقاعدة، فلا تشمله أدلة القضاء، ضرورة عدم مقتض
للبطلان فيه، بل مقتضي الصحة فيه موجود، ولا ينافيه وجوب الإعادة في الوقت،
إذ مرجعه إلى اشتراط اقتضاء هذا الأمر الاجزاء بأن لا يتبين له الخطأ في الوقت،
نعم لو كان في هذه النصوص تعرض لحكم الناسي للقبلة مثلا بالخصوص وأنه يعيد في
الوقت دون خارجه أمكن جريانه في المقام، للقطع بأنه ليس أسوأ حالا منه، لكن
قد عرفت خلوها عن ذلك، ومن هنا استظهر من عرفت سابقا عدم إلحاق الناسي
بالظان، وهو الأقوى خلافا لمن عرفت.
أما الملتفت بكله سهوا بما لا يخرج عن المشرق والمغرب الذي هو مبطل في
صورة العمد فقد يقوى عدم وجوب الإعادة عليه في الوقت فضلا عن خارجه،

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 0 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 0 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 0 - 0 -
41

لاطلاق ما دل (1) على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة إطلاقا ظاهرا في تناول المخطئ
بالاجتهاد والناسي وغيرهما، بل بعضها (2) ظاهر فيما يشمل العمد وإن وجب الخروج
عنه بالأدلة الأخر المعارضة له المتقدمة في محلها، ولولا الاطلاق المزبور لاتجه فيه وجوب
الإعادة أيضا وقتا وخارجا، وحينئذ لا يجب عليه استئناف ما فعله من الأجزاء أركانا
أو غيرها حال السهو، ضرورة اقتضاء تنزيل تلك الجهة منزلة القبلة حال السهو
الاجتزاء بها.
ومما ذكرنا يعلم حال المبطل من الالتفات بالوجه، لعدم ظهور الفرق بينه وبين
الكل في جميع ما تقدم، كما أنه منه يعلم كثير خبط في المقام للخبط في الموضوع حتى ما في
المدارك فإنه بعد أن مال إلى مساواة الوجه للكل في البطلان بمطلق الالتفات به كفخر
المحققين قال: " هذا كله مع العمد، أما لو وقع سهوا فإن كان يسيرا لا يبلغ حد اليمين
واليسار لم يضر، وإن بلغه وأتى بشئ من الأفعال في تلك الحال أعاد في الوقت،
وإلا فلا إعادة " ضرورة خروجه عن مقتضى النصوص والفتاوى، سواء أراد الوجه
خاصة منه أو ما يشمله والكل، ولم أجد من وافقه عليه أو سبقه إليه إلا الكاشاني فيما حكي
من مفاتيحه، وفيه أنه مدخلية لاتيان شئ من الأفعال وعدمه، ضرورة كون
الالتفات من القواطع للصلاة ولو باعتبار فوات شرطها الذي هو الاستقبال، ومن المعلوم
أن شرائط الصلاة ليست كشرائط أجزاء الصلاة من الطمأنينة ونحوها، فمتى انتفى في
حال من أحوال الصلاة سواء قارنه فعل شئ من أفعالها أو لأبطلت، لفوات الشرط
بحصول المانع، وليس في الصلاة زمان يصدق على المكلف فيه أنه ليس في صلاة، ولا
ينافيه وقوع بعض الأفعال التي ليست من الصلاة في أثنائها، على أنه لو سلم كون المراد

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القبلة - الحديث 1 و 2
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القبلة - الحديث 2
42

بهذا الشرط عدم خلو شئ من أفعال الصلاة منه كان المتجه التفصيل بين ما يمكن تداركه
لعدم البطلان بزيادته سهوا أولا، فيتلا في الأول أن لم يكن قد دخل في ركن، وإلا
قضاه إن كان مما يقضى، وإلا سجد للسهو خاصة، وتبطل الصلاة في الثاني، ولو سلم
أن جميعها مما لا يتلافى بفواته أصلا كان المتجه أيضا وجوب إعادتها في الوقت وخارجه
لا الوقت خاصة، فظهر حينئذ أنه لا وجه لهذا التفصيل حتى في غير الفاحش من الالتفات
أيضا: أي ما بين المشرق والمغرب، لما عرفت من الاجتزاء بما يقع معه سهوا تنزيلا
لما بين المشرق والمغرب منزلة القبلة، فلا يحتاج إلى تدارك أصلا فضلا عن إعادة
ما صلاه في الوقت، فتأمل.
هذا كله في الالتفات مختارا ولو سهوا، أما إذا كان مكرها عليه فلا يخلو إما أن
يكون مع ذلك مقصودا له ويعد أنه من أفعاله كما لو جبره شخص على أن يلتفت في
الصلاة أولا، وسيجئ البحث في الأول في الكلام، لأن جماعة من الأصحاب تعرضوا
له فيه، وهما من واد واحد، وأما الثاني وهو الذي ألفته ملفت من غير اختياره فقد
يشك في شمول النصوص له بامكان ظهورها خصوصا المعبر فيها بالأفعال لا المصدر، بل
هي قرينة على المراد في غيرها في الالتفات الذي هو فعل المكلف لا نحو الفرض الذي
هو من الأفراد النادرة، لكن قد يقال: إنه وإن كان كذلك بالنسبة إلى أدلة المانعية
إلا أنه قد يتجه البطلان من حيث فوات الشرط الذي يمكن منع ظهور ما دل عليه في
غير الفرض، فيستقبل الصلاة من رأس، بل لو فرض ضيق الوقت أمكن تكليفه
بالقضاء، ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى، خصوصا بعد ما ذكرنا في الناسي
إذ أقصى ما يقال: إنه ملحق به، وقد عرفت الإعادة فيه وقتا وخارجا، نعم يخالفه
فيما بين المشرق والمغرب، ولعلنا نقول به هنا بناء على شمول تلك الاطلاقات لمثله،
فيتحد الحكم فيهما حينئذ من كل وجه، فتأمل جيدا، والله أعلم.
43

(و) منها (الكلام) بما ليس بدعاء وذكر وقرآن إجماعا بقسميه، بل المنقول
منه كاد يكون متواترا كالنصوص (1) خصوصا مع ملاحظة ما تضمن منها التسبيح ونحوه
بقصد الإشارة إلى الحاجة مثلا تحرزا عن الكلام في الصلاة، وقول أبي الحسن موسى
(عليه السلام) في خبر أبي جرير (2): " إن الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد
فليسبح، وإذا دعته الوالدة فليقل: لبيك " محمول على النافلة بناء على جواز قطعها،
أو على غير ذلك، كالصحيح (3) عن علي بن النعمان الرازي الذي ستعرفه، والظاهر
تحققه بالتكلم (بحرفين فصادا) بلا خلاف أجده بين الأصحاب بل يمكن تحصيل
الاتفاق عليه منهم، وربما كان من معقد صريحه وظاهر، بل في الحدائق الاجماع عليه
صريحا من غير فرق بين المهمل والمستعمل، وعن نجم الأئمة وشمس العلوم النص عليه،
وفي مرسل الفقيه (4) وخبر طلحة بن زيد (5) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام)
" من أن في صلاته فقد تكلم " وعن الذخيرة نفي الخلاف فيه كما في الحدائق الاجماع
عليه، ولعله كذلك بشهادة التتبع، فما في الروضة من أن في اشتراط كون الحرفين
موضوعين لمعنى وجهين، وقطع المصنف بعدم اعتباره في غير محله قطعا، قال: وتظهر
الفائدة في الحرفين الحادثين من التنحنح ونحوه، وقطع العلامة بكونهما حينئذ غير مبطلين
محتجا بأنهما ليسا من جنس الكلام، وهو حسن، وهو أغرب من الأول، ولعل هذا
هو الذي ألجأه إلى ذكر الوجهين في ذلك، وستعرف أن عدم البطلان بصورة الحرفين
الظاهرين من التنحنح ونحوه لا يقتضي عدم البطلان بالتكلم بالحرفين حقيقة إلا أنهما
غير موضوعين لمعنى، كما هو واضح بأدنى تأمل، خصوصا بملاحظة ما تسمعه.

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 0 - 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 7
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 0 - 2 - 4
(5) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 0 - 2 - 4
44

بل لولا الاجماع صريحا في المنتهى والذكرى والمحكي من الروض والمقاصد العلية
المعتضد بظاهره في المدارك وعن الكفاية وبنفي الخلاف في التذكرة وما عن نجم الأئمة
من اشتهاره في اللغة بالمركب من حرفين بعد أن كان فيها لمطلق اللفظ مؤيدا بما صرح به
في المنتهى والتذكرة من سلب اسم الكلام عنه وبما فيها وفي الذكرى أيضا من الحرج
بالتكليف في اجتنابه لعدم انفكاك الصوت عنه لأمكن دعوى بطلانها بالحرف الواحد
المهمل فضلا عن الحرفين، لصدق اسم الكلام عرفا، ضرورة إرادة مطلق اللفظ الذي
هو الصوت المقطع من جنس الحروف منه، وبه يقابل غير الكلام من الأصوات التي
لا تقطيع فيها ولا تسمى نطقا ولا لفظا، مؤيدا بما صرح به بعضهم كما في الحدائق من
أنه جنس لما يتكلم به حرفا واحدا أو أكثر، مع أصالة عدم النقل، وإليه مال في
الحدائق، لكن قال: " إن الأحكام المودعة في الأخبار تبنى على ما هو الغالب المتكرر
الذي يتبادر إليه الاطلاق، وهو هنا ما كان من حرفين فصاعدا، ولعل إجماع الأصحاب
مبني على ذلك " وفيه أن ظاهره تعليل الخروج بعدم صدق الكلام عليه وإدخالهم المهمل
ونحوه مما لا ينصرف إليه الاطلاقات، بل توقفوا في نحو التنحنح والتأوه والأنين ونحوها
مما يكشف أن المدار في المقام على مسمى الكلام، خصوصا وقد عرفت ما في الخبرين (1)
من إدخال الأنين في الكلام وغيرهما من النصوص (2) المسؤول فيها عن التنحنح ونحوه
المشعر بخطور هذه الأفراد النادرة في أذهان المخاطبين والمخاطبين لا على ما ينصرف إليه
الاطلاقات من الأفراد الشائعة قطعا، فالعمدة حينئذ في خروج الحرف الواحد الاجماع
المحكي المعتضد بالتتبع وبنفي الخلاف وغيرهما مما عرفت.
أما الحرف الواحد المفهم نحو " ق " و " ل " و " ع " فلا ينبغي التوقف في

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 و 4
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب قواطع الصلاة
45

إبطاله، لعدم تحقق الاجماع في المقام، بل صريح الشهيد ومن تأخر عنه أنه كلام لغة
وعرفا ومبطل للصلاة، وفي المنتهى أنه الوجه، بل هو كلام عند أهل العربية فضلا عن
اللغة والعرف، وكونه لحنا لوجوب إلحاق هاء السكت حال عدم وصلة لا ينافي ذلك،
لأن المدار على صدق الاسم الذي لا يعتبر فيه الصحة، مع أنه يمكن وصله بالقول الصلاتي
فلا وقف عليه، فما في التذكرة والمحكي عن نهاية الإحكام - من القطع بكونه ليس بكلام
ولكن تردد في البطلان وعدمه، كالقواعد وعن التحرير والدروس من الاعراض به
عن الصلاة، وحصول الافهام فأشبه الكلام لاشتماله على مقصوده، ومن دلالة مفهوم
النطق بحرفين على عدم الابطال به كما في التذكرة، ومن أنه لا يعد كلاما ألا ما انتظم
من حرفين، والحرف والواحد ينبغي أن يسكت عليه بالهاء كما في المحكي عن النهاية - ظاهر
الفساد كما عن شرح المفاتيح للأستاذ الأكبر، وبعد تسليمه لا جهة للوجه الأول من
الاشكال، ضرورة أنه لا دليل على الابطال بما أشبه الكلام، وإجماعهم على البطلان
بالتكلم بحرفين لا يقضي بعدم البطلان بالمفروض، إذ لعل ذلك جرى مجرى الغالب،
أو أرادوا ذكر المعلوم المتيقن أو غير ذلك، على أنه هو كما ترى لا مفهوم له معتبر
يشعر بذلك، اللهم إلا أن يدعى أن مفهوم اللقب حتى في مثل المقام حجة في عبارات
الأصحاب، وبه يثبت الوفاق والخلاف، ومع تسليمه أقصاه خروجه عن الاجماع على
الابطال به لا الاجماع على عدم البطلان به، فيكفي فيه حينئذ صدق الاسم وعدم صحة
السلب، فتشمله الاطلاقات التي قد عرفت شمولها للفرد النادر في المقام، على أنه لا ندرة
في الفرض، ودعوى التمسك باطلاق معقد الاجماع على عدم البطلان بالنطق بحرف
واحد كما ترى، خصوصا بعد جزم حاكي الاجماع بالبطلان هنا أو تردده، وليس المدار
في الفرض على كون المحذوف كالمقدر وعلى ما فيه من الاسناد، ضرورة ثبوت البطلان
للصدق بالمسمى بق مثلا، بل المدار على كونه مفهما بالوضع.
46

ومنه يعلم أنه لا بطلان بق المقتطعة من قام، ولا بز وإن انتقل منها إلى زيد
بحسب المقام، بل ولا بطلان بحروف المعاني من ل و ب ود ونحو ذلك، لعدم الفهم
منها وضعا، والظاهر أن من التكلم بحرفين إشباع حركة الحرف بحيث يتولد منه حرف
إذ لا ينقص عن الكلمة المركبة وضعا منهما من غير فرق بين ما كان بمده أشبه الكلمة
الموضوعة كبا وتا و ثا علما للحروف وبين ما لا يكون كذلك كعا وكا، لما عرفت من
عدم الفرق عندنا بين الموضوع منهما والمهمل، فما عن الروض من اعتبار ذلك
لا يخلو من نظر.
أما مد حرف المد واللين نفسه فقد يقوى عدم البطلان به، لأن المد على
ما حققوه كما قيل: ليس بحرف ولا حركة وإنما هو زيادة في مط (مد خ ل) الحرف والنفس
وذلك لا يلحقه بالكلام، وقولهم: يمد بمقدار خمس ألفات مثلا يراد منه التقدير
لزمان النطق بالألفات المستقلة كما هو ظاهر العبارة المزبورة أو صريحها، لا أنها تكون
بذلك ألفات متعددة، ومن هنا قال في الروضة: " والعجب أنهم جزموا بالبطلان
بالمد (1) مطلقا وتوقفوا في الحرب المفهم من حيث كون المبطل الحرفين فصاعدا، مع
أنه كلام لغة واصطلاحا " قلت: لا ظهور في كلامهم بالجزم بالبطلان بالمد بالمعنى المزبور
بل لعل مرادهم ما ذكرناه أولا، ففي الذكرى بعد أن حكم بالبطلان بالحرف المفهم قال:
" وكذا لو كان الحرف بعده مدة إما ألف أو واو أو ياء " وفي جامع المقاصد في شرح
قول الفاضل: وفي الحرف الواحد المفهم والحرف بعده مدة وكلام المكره عليه نظر،
قال: " المسألة الثانية أن الحرف بعده مدة، والمراد به اشباع الضم أو الفتح أو الكسر
في حرف، وفي الابطال به نظر، منشأه من أنه يعد حرفا واحدا، ومن أن المدة إما
واو أو ألف أو ياء، وتسميتها مدا لكون حرف المد واللين لا يخل بكونها حرفا، وهو

(1) الذي في الروضة بالأول يريد به الحرفين فلا ايراد عليه فلاحظ (منه رحمه الله)
47

الأصح " وفي التذكرة " أما الحرف بعده مدة ففيه نظر أيضا، ينشأ من تولد المد من
إشباع الحركة ولا يعد حرفا، ومن أنه إما ألف أو واو أو ياء " ونحوه عن نهاية
الإحكام، بل قال هو في المسالك بعد أن ذكر البطلان بالحرف المفهم: " وفي حكمه
الحرف بعده مدة ناشئة من إشباع حركته ضما أو كسرا أو فتحا، فإن إشباع أحد هذه
الحركات يلحقها بالواو والياء والألف " إلى غير ذلك من عباراتهم التي بعد التأمل فيها
يكون العجب منه لا منهم على أن حرف اللين الذي يكون المد فيه مد فيه صوت خاصة لا يمكن
النطق به ابتداء لسكونه حتى يكون مع مده من التكلم بحرفين، إنما المتصور إشباع
الحروف المتحركة حتى يتولد منها الحروف المجانسة للحركات كما تسمعه من إرشاد
الجعفرية، هذا. ولكن في جملة من النسخ المعتبرة للروضة " والعجب أنهم جزموا بالحكم
الأول مطلقا " إلى آخره. ولعله لا يريد من الاطلاق ما يشمل المد المزبور، وإلا
توجه عليه ما ذكرنا.
وكيف كان فمن الغريب ما في كشف اللثام حيث جعل محل النظر في شرح
عبارة القواعد مد الحرف الذي لا يؤدي إلى حرف آخر، ومن الواضح أنه لا جهة
للبطلان حينئذ، ثم ذكر بعد ذلك أن وجه التردد فيه من أن الحركات المشبعة إنما تكون
ألفا أو واوا أو ياء، ومن أنه لا يعد حرفا، وهو كما ترى، والأولى ما عرفت، ومنه
يرتفع الاشكال المحكي عن إرشاد الجعفرية حيث قال: " المراد بالمدة في قولهم: " الحرف
الذي بعده مدة " الألف والواو والياء إذا كانت حركة ما قبلها من جنسها " ثم نقل عن
المحقق الثاني أن المراد به الحرف الذي فتحته أو ضمته أو كسرته بحيث يتولد الألف
أو الواو أو الياء، ثم قال: " وأنت خبير بأن الحرف الذي بعده مدة لا يمكن التلفظ به
إلا معها، فيكون الملفوظ فيما نحن فيه حرفين قطعا، فعلى هذا لا ينبغي أن تكون المسألة
48

محل خلاف ولا توقف " قلت: كما أنه لا ينبغي أن يكون محل خلاف وتوقف ما فرضناه
من إشباع الحركات حتى يتولد حروف، بل وكذا لا ينبغي التوقف في البطلان بحكاية
صوت التنحنح والنفخ والأنين والتأوه ونحوها، ضرورة كونها ألفاظا موضوعة للدلالة
على الأصوات المزبورة إلا أنها كان النطق بها مناسبا لمسماها.
نعم في المعتبر - بعد أن حكى عن الشيخ البطلان بالنفخ بحرفين والأنين والتأوه
بهما - قال: " وقال أبو حنيفة: إن التأوه للخوف من الله تعالى عند ذكر المخوفات
لا يبطلها ولو كان بحرفين، ويبطلها لو كان لغير ذلك كالألم يجده " ثم إنه بعد أن ذكر
الاستدلال على البطلان بتعمد الكلام وخبر طلحة (1) قال: " وتفصيل أبي حنيفة
حسن، وقد نقل عن كثير من الصلحاء التأوه في الصلاة، ووصف إبراهيم (عليه السلام)
بذلك (2) يؤذن بجوازه " قلت: ولامكان دعوى انصراف أدلة الكلام لغيره لا أقل
من الشك، فيبقى على أصالة عدم المانعية بناء على التحقيق في جريانها، مضافا إلى إطلاق
ما دل (3) على أن " كل ما ناجيت به الله فهو ليس بكلام " ونحوه مما يمكن ظهوره ولو
فحوى في تناول مثل ذلك، بل لعله من المناجاة كما يشعر به وقوعه في مناجاة زين العابدين
(عليه السلام) وغيرها، وعدم ذكر المتعلق به كمن ذنوبي ونحوه لا ينافيه، فتأمل.
أما الأصوات نفسها فلا بطلان بها، لعدم عدها حروفا عرفا وإن شابهتها في
الصورة كقاش ماش خاق باق ونحوهما، وهذا التفصيل مع أنه الصحيح الموافق للنظر بعد
التأمل ينطبق عليه سائر كلمات الأصحاب إلا بعض متأخري المتأخرين ممن لم يفرق بين
المقامين، فساوى بين الاسم والمسمى لتقاربهما في الصورة، مع أنه لا ريب في أن الأول

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
(2) سورة هود - الآية 75
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب القنوت - الحديث 4
49

من الكلام، ولعل خبري الأنين (1) مبنيان عليه أو على الكراهة لا على أنه مبطل
وإن لم يكن كلاما كما في الحدائق، أو على أن مطلق الأنين كلام، بخلاف الثاني، ولذا
يقال تنحنح ولا يقال تكلم، وعليه موثق الساباطي (2) سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
" عن الرجل يسمع صوتا بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح ليسمع جاريته وأهله لتأتيه
فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو قال: لا بأس " وخبره الآخر (3)
عن رجل من بني عجل " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المكان يكون فيه الغبار
فأنفخه إذا أردت السجود قال: لا بأس " ودعوى الفرق بين التأوه والأنين وبين النفخ
والسعال والتنحنح فيبطل الأولان بخلاف الأخيرة واضحة المنع، لتساوي الجميع في
البطلان مع صدق النطق والتلفظ والتكلم بحرفين، والعدم مع العدم.
ومن ذلك يعلم ما في كلام جملة من الأعلام حتى العلامة الطباطبائي في منظومته
وما في إيراد غير واحد على ما سمعته من المعتبر من أنه إن كان كلاما لم يجز ولو للخوف
من الله، وإلا لجاز بدونه، فلاحظ وتأمل جيدا.
هذا كله في كلام الآدميين، أما الذكر والدعاء والقرآن فلا ريب في جوازها
مطلقا للأدلة السابقة غير مرة، حتى لو كان الغرض من فعلها الدلالة على أمر من الأمور
كما أومأت إليه نصوص (4)
التنبيه بالتسبيح ونحوه على المقاصد، لا أن المراد استعمال
لفظ الذكر في المقصد، فإنه يبطل بلا شبهة، بل المراد استعماله في معناه المسوغ لفعله في
الصلاة إلا أنه يشير بفعله مثلا في غير محله وعلو صوته به ونحو ذلك إلى مقصد من
مقاصده، ولعله على هذا ينزل نص غير واحد من الأصحاب على جواز " ادخلوها

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 و 4
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب السجود - الحديث 3 وهو عن إسحاق بن عمار
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4 - 0 -
50

بسلام آمنين " (1) و " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " (2) بقصد القراءة وإن قصد مع
ذلك التفهيم، ضرورة إرادة قصد التفهيم بالطريق الذي ذكرناه وإن كان الغرض المراد
الآن موافقا لما أريد بالقرآن، وإلا فلا يمكن جمعهما بقصد واحد، إذ من المعلوم تباين
قصد الحكاية للانشاء، ولو فرض أنه قصدهما معا بناء على إمكانه وإن كان خارجا عن
الصحيح من الاستعمال إذ ليس المدار هنا عليه أمكن بطلان الصلاة به، لعدم صدق
القرآنية، بخلاف مطلق الكلام الذي أنيط به البطلان، ومثله ما لو تكلم بالمشترك من
غير تشخيص للقرآنية وغيرها، واحتمال بناء الحكم فيهما معا على قاعدة الشغل، أو على
أن المبطل الكلام إلا ما كان قرآنا مثلا، وأن الأصل الصحة ما لم يكن تلفظ بغير القرآن
والفرض خروج محل البحث عنهما، أو صدقهما عليه لعدم قصد المميز لكل منهما أو
قصدهما معا واضح البطلان بأدنى تأمل.
كما أنه به أيضا يظهر الحكم فيما لو لم يقصد سوى التفهيم بنحو " ادخلوها " إلى
آخرها و " يا يحيى " إلى آخرها وغيرهما، وإن قال في القواعد والتذكرة: بطل على
إشكال، ولأن القرآن لا يخرج عن كونه قرآنا بعدم قصده، وفي الذكرى فيه وجهان:
البطلان والصحة بناء على أن القرآن هل يخرج عن اسمه بمجرد القصد أم لا، قلت:
لا ينبغي التأمل في عدم خروج ما فرض كونه قرآنا بأسلوبه ونظمه ونحوهما مما يشخصه
ويميزه عن القرآن بمجرد القصد، ضرورة عدم صحة سلب الاسم عن قراءة القرآن
وكتابته، بل وغيره من قصائد الشعراء وخطب البلغاء بذلك من غير فرق بين الجميع
والبعض المختص، وبذلك ونحوه امتاز المختص عن المشترك، واحتمال أن مدار الفرق بينهما
باحتياج قرآنية الثاني إلى القصد دون الأول لا مع قصد العدم فإنهما حينئذ سواء في نفي

(1) سورة الحجر - الآية 46
(2) سورة مريم (عليهما السلام) - الآية 13
51

القرآنية ضعيف يشهد العرف بفساده، فظهر حينئذ أنه لا بطلان في مفروض البحث
وفاقا لكشف اللثام وغيره، نعم لو كان المقصود به التفهيم خاصة من القرآن مشتركا
اتجه البطلان بمجرد عدم القصد فضلا عن قصد العدم، ولا جهة لبناء ما نحن فيه على أن
هذا المسموع هل هو عين ما أوجده الله تعالى كما عن أبي علي وأبي الهذيل وإلا لبطلت
المعجزة لقدرتنا على مثله أو حكاية عنه كما عن أبي الهذيل، لاستحالة بقاء الكلام،
ضرورة أنه على القولين لا تخرج تلاوة هذا عن كونها قرآنا قطعا، وإلا لامتنع الوفاء
بنذر القراءة على أحد القولين، بل امتنع فعل الصلاة، فإنها لا تصح بدونه.
(و) منها (القهقهة) فإن تعمدها مبطل بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى،
بل في المعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى وعن غيرها الاجماع عليه، وقال الصادق
(عليه السلام) في الحسن أو الصحيح (1): " القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة "
وسأله (عليه السلام) سماعة (2) في الموثق " عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال:
أما التبسم فلا يقطع الصلاة، وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة " كمرسل الفقيه (3) عن
الصادق (عليه السلام) " لا يقطع التبسم الصلاة وتقطعها القهقهة، ولا تنقض الوضوء "
وفي المروي عن الخصال عن أبي بصير ومحمد بن مسلم (4) عن الصادق (عليه السلام)
أيضا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) " لا يقطع الصلاة التبسم ويقطعها القهقهة " نعم
ظاهرها عدم الفرق بين حالتي العمد وغيره، لكن في المعتبر والتذكرة والذكرى وجامع
المقاصد وعن كشف الالتباس والغربة وإرشاد الجعفرية والروض والمقاصد العلية
والنجيبية والمفاتيح الاجماع على عدم البطلان بالسهو، ولعلة لأن المراد من النصوص
الاهمال لا الاطلاق، فيبقى حينئذ على الأصل، أو لأنها إنما تنصرف إلى الفرد الشائع

(1) الوسائل - الباب 7 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2 - 4
(2) الوسائل - الباب 7 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2 - 4
(3) الوسائل - الباب 7 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 16
52

دون النادر، وهو ناسي الحكم، أو أنه في الصلاة.
أما القهقهة اضطرارا ولو بتقصير في المقدمات فيقوى البطلان بها بلا خلاف
معتد به أجده فيه، لاطلاق النصوص ومعاقد الاجماعات، بل لعله هو الفرد الكثير
الذي وقع السؤال عنه في النصوص، بل قد يظهر من كل من نسب الخلاف فيه إلى
الشافعية الاجماع عليه، بل كأنه يلوح من التذكرة، حيث قال: " القهقهة تبطل الصلاة
إجماعا منا، وعليه أكثر العلماء سواء غلب عليه أم لا " عما في ظاهر جمل العلم والعمل
من الخلاف في ذلك حيث قال: " ولا يقهقه ولا يبصق إلا أن يغلبه " لا ريب في ضعفه
كالذي في مجمع البرهان من أن ظاهر الأخبار يعم الاضطرار، ولا يبعد التخصيص
بالخبر (1) مع عدم التصريح بالعموم في الأخبار، فافهم، ضرورة كون التعارض فيه
حينئذ بعد تسليم إرادة ما يشمل البطلان من خبر الرفع وأن ما نحن فيه مما استكرهوا
عليه بالعموم من وجه، ولا ريب في كون الترجيح لنصوص المقام من وجوه كما هو واضح.
إنما الكلام في المراد من القهقهة، ظاهر مقابلتها في النصوص بالتبسم جواب
السؤال عن الضحك أن ما عدا التبسم قهقهة، إذ احتمال عدم إرادة بيان حكم جميع
الأفراد في الجواب في غاية البعد، والتبسم معلوم، واحتمال اقتضاء مقابلته للقهقهة أنه
ما عداها أيضا فلم يعلم تمام المراد بكل منهما يدفعه أن معنى التبسم ظاهر عرفا بخلاف
القهقهة، فإنها يمكن دعوى أنها ما عداه قضاء للمقابلة لا العكس المقتضي أن يندرج فيما
هو معلوم ظاهر غيره، ولو قلنا: إن التبسم ليس من الضحك في شئ كما هو مقتضى
المحكي عن الجوهري من أنه دون الضحك كان المراد بها مطلق الضحك، ولعله لذا كان
ظاهر المنتهى وجامع المقاصد أنه هو المراد منها هنا، لكنه كما ترى خلاف ظاهر
النصوص والعرف، وبل كثير من كتب الأصحاب، بل وبعض كتب اللغة

(1) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد
53

كالقاموس، قال فيه على ما حكي عنه: " التبسم أقل الضحك وأحسنه " ولعل مرادهما
الضحك المشتمل على صوت كما فسرها في الروضة والمسالك والمنظومة والمحكي عن
الميسية والمقاصد العلية والنجيبة، بل في الأول وإن لم يكن فيه ترجيع ولا شدة، وهو
الموافق لما حكي عن الزوزني في المفضل والبيهقي في المصادر من أنها الضحك بصوت،
فيكون التبسم حينئذ هو الذي لا صوت فيه كما في التذكرة والذكرى والمدارك والمحكي
عن نهاية الإحكام والروض وإرشاد الجعفرية والهلالية، وهو غير مبطل للصلاة نصا
وإجماعا في الأولين إن لم يكن محصلا، ولعلهم بنوا ما ذكروه في القهقهة على أن العرف
يقتضي ذلك، وأنه مقدم على اللغة، أو أنهم رجحوا ذلك لغة كما سمعته من الزوزني
والبيهقي، بل يمكن إرجاع الجميع إليه، فإنه وإن حكي أنه قال في الصحاح والديوان:
" القهقهة في الضحك معروفة، وهي أن يقول: قه قه " وفي الأساس " قه الضاحك إذا
قال في ضحكه: قه، فإذا كرره قيل: قهقه " وفي مجمع البحرين " قه قها من باب ضرب:
ضحك، وقال في ضحكه: قه بالسكون، فإذا كرر قيل: قهقه من باب دحرج " لكن
قد يكون ذلك منهم كناية عن الصوت الذي فيه ترجيع، كما تعارف التعبير عن السعال
بأح أح لا خصوص قه قه، ضرورة كون المشاهد خلو أكثر أفراد الضحك بل المعلوم
أنه من القهقهة من ذلك، وإليه يرجع حينئذ ما قيل من أن في القاموس قهقه رجع في
ضحكه أو اشتد ضحكه كقه فيهما " وفي العين " قهقه الضاحك إذا مد ورجع " وكذا
تهذيب اللغة عن ابن المظفر، بل وما في الجمل والمقاييس " من أنها الاغراق في الضحك "
وشمس العلوم " أنها المبالغة فيه ".
وبالجملة بملاحظة ما سمعته في النصوص من المقابلة مع ظهور إرادة تعميم البيان
لسائر أفراد الضحك لا خصوص فرد منه وبقاء الباقي مضافا إلى ما سمعته من بعض
أهل الفقه واللغة يظن إرادة ما عدا التبسم من القهقهة، سواء اشتمل على لفظ قه قه
54

أولا، ولعل الأولى في ضبطه ما عرفته من الاشتمال على الصوت، فالمناقشة حينئذ بأنه
مخالف للعرف واللغة فالواجب حينئذ الاقتصار على الثابت من القهقهة وينفى الباقي بالأصل
بناء على التحقيق في جريانه في غاية الضعف، إذ لا ريب في حصول الظن بما ذكرنا،
وهو كاف في موضوع الفظ والمراد منه، والظاهر أنه ليس من التبسم الضحك المشتمل
على الصوت والترجيع تقديرا، كما لو منع نفسه عن إظهار كمال الضحك إلا أنه مع ذلك
قد امتلأ جوفه ضحكا واحمر وجهه وارتعش ونحو ذلك مما يقطع بخروجه معه عن
التبسم، فتأمل جيدا.
(و) منها أن (يفعل فعلا كثيرا ليس من الصلاة) فتبطل حينئذ بذلك،
بخلاف القليل بلا بخلاف في الحكمين كما في التذكرة، بل في المعتبر على الأول منهما
العلماء، بل عن نهاية الإحكام وإرشاد الجعفرية ومجمع البرهان والمفاتيح الاجماع عليه
بل في المنتهى أنه قول أهل العلم كافة، وعلى الثاني الاجماع، كما عن كشف الالتباس
الاجماع عليها معا، وفي جامع المقاصد وعن الغرية " لا خلاف بين علماء الإسلام في
تحريم الفعل الكثير في الصلاة وإبطالها به إذا وقع عمدا، بخلاف القليل كلبس العمامة
وقتل الحية والعقرب " إلى آخره. على أن ما تواتر في النصوص فعلا وقولا من
الأفعال في الصلاة كاف في صحة الثاني، ضرورة ظهور كون كثير من مواردها الأفعال
القليلة، بل الظاهر تنزيل الجميع على ذلك، أو على ما ستعرفه من الفعل الكثير غير المنافي.
فمنها ما في الفقيه (1) " أنه رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نخامة في المسجد
فمشى إليها بعرجون من عراجين ابن طاب فحكها ثم رجع القهقرى فبني على صلاته
- قال -: وقال الصادق (عليه السلام) (2): هذا يفتح من الصلاة أبوابا كثيرة "
وابن طاب تمر بالمدينة، وعن بعض النسخ " أرطاب " وكأنه تصحيف، ومنها خبر

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2
55

الحلبي (1) المروي عن مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي سأل الصادق (عليه السلام)
" عن الرجل يخطو أمامه في الصلاة خطوتين أو ثلاثا قال: نعم لا بأس، وعن الرجل
يقرب نعله بيده أو رجله في الصلاة قال: نعم " وفي خبر عمار الساباطي (2) عنه (عليه
السلام) " لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلي، وترضعه وهي تتشهد " وسأل علي
ابن جعفر أخاه (عليه السلام) في المروي (3) عن قرب الإسناد " عن المرأة تكون
في صلاة الفريضة وولدها إلى جنبها يبكي هل يصلح لها أن تتناوله فتقعده في حجرها
وتسكته وترضعه؟ قال: لا بأس، وعن الرجل يكون في صلاته فيرمي الكلب وغيره
بالحجر ما عليه؟ قال: ليس عليه شئ، ولا يقطع ذلك صلاته " و " رأى محمد بن بجيل
الصادق (عليه السلام) يصلي فمر به رجل فرماه بحصاة فأقبل إليه الرجل " (4) وقال
(عليه السلام) لعمار بن موسى: " المرأة إذا أرادت شيئا ضربت على فخذها وهي في
الصلاة " وفي صحيح ابن أبي يعفور (6) " المرأة إذا أرادت الحاجة وهي تصلي
تصفق بيدها " وفي خبر أبي الوليد (7) " أنه (على السلام) رخص لناجية في ضرب
الحائط لايقاظ الغلام ".
وعن الخلاف الاجماع على جواز الايماء باليد ضرب إحدى على الأخرى
وضرب الحائط والتكبير والتسبيح للتنبيه، وفي المرسل (8) " أن النبي (صلى الله عليه وآله)

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 74 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 24 من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2
وذيله في الباب 10 - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4 - 1 - 8
(6) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4 - 1 - 8
(7) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4 - 1 - 8
(8) صحيح مسلم ج 2 ص 73
56

حمل أمامة بنت أبي العاص وكان يضعها إذا سجد ويرفعها إذا قام " وفي المنتهى " لا بأس
أن يعد الرجل عدد ركعاته بأصابعه أو شئ يكون معه من الحصى وشبهه، وعليه علماؤنا
أجمع بشرط أن لا يتلفظ بل يعقده في ضميره، وليس مكروها، وبه قال أهل العلم
كافة إلا أبا حنيفة " إلى آخره وقال الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن المغيرة (1):
" لا بأس أن يعد الرجل صلاته بالخاتم أو بحصى يأخذ به فيعد به " ولحبيب الخثعمي (2)
" أحص صلاتك بالحصى، أو قال: احفظها بالحصى " وقال له (عليه السلام) حبيب
ابن المعلى (3): " إنه لا يحفظ صلاته إلا بتحويل خاتمه من مكان إلى مكان فقال:
لا بأس به " وفي الذكرى أن البزنطي (4) روى عن داود بن سرحان عنه (عليه السلام) في عد
الآي بعقد اليد فقال: لا بأس، وهو أحصى للقرآن " ورأي يونس بن يعقوب (5)
أبا عبد الله (عليه السلام) يسوي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين، وسأله (عليه السلام) الحلبي (6)
" عن الرجل يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب فقال: نعم، وكان أبو جعفر (عليه السلام)
يمسع جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب " و " عن الرجل يحتك في الصلاة فقال:
لا بأس " (7) ورجل من بني عجل (8) " عن نفخ الغبار على مكان السجود فقال:
لا بأس وحنان بن سدير (9) " عن الرجل يومي في الصلاة فقال: نعم قد أومأ
النبي (صلى الله عليه وآله) في مسجد من مساجد الأنصار بمحجن كان معه " ورأي

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 3 - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 3 - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 3 - 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب السجود - الحديث 2 - 1
(6) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب السجود - الحديث 2 - 1
(7) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(8) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب السجود - الحديث 3
(9) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 3
57

زكريا الأعور (1) أبا الحسن (عليه السلام) " يصلي قائما وإلى جنبه رجل كبير يريد
أن يقوم ومعه عصا له فأراد أن يتناولها فانحط أبو الحسن (عليه السلام) وهو قائم في
صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد إلى موضعه من الصلاة " وفي خبر السكوني (2) عن
جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) " أنه قال في رجل يصلي ويرى الصبي يحبو إلى
النار أو الشاة تدخل البيت فتفسد الشئ قال: فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبني على
صلاته ما لم يتكلم " وفي خبره الآخر (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " أنه قال
في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم قال: يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم
إلى الموضع الذي يريده ثم يقرأ " ونحوه غيره (4) في المشي في أثناء الصلاة للحوق
بالصف ونحوه وسأل مسمع (5) أبا الحسن (عليه السلام) " أكون أصلي فتمر بي الجارية
فربما ضممتها إلي قال: لا بأس " وعمار (6) في الموثق أبا عبد الله (عليه السلام) " عن
الرجل يكون في الصلاة فيرى حية بحياله يجوز له أن يتناول نعاله فيقتلها فقال: إن كان
بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها، وإلا فلا " ولعله لعدم الخوف منها حينئذ
لا لعدم جواز غير الخطوة كي ينافي غيره حتى إطلاق حسن الحسين بن أبي العلاء (7)
سأل أبا عبد الله (عليه السلام) " عن الرجل يرى الحية والعقرب وهو يصلي المكتوبة
قال: يقتلهما " وصحيح زرارة (8) عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال " في رجل

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب القيام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب صلاة الجماعة والباب 30 من أبواب
قواطع الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4 - 3 - 1
(7) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4 - 3 - 1
(8) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4 - 3 - 1
58

يرى العقرب والأفعى والحية وهو يصلي أيقتلها؟ قال: نعم إن شاء فعل " وفي خبر
ابن أبي أذينة (1) المروي عن محاسن البرقي عن أبي جعفر (عليه السلام) " لدغت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عقرب وهو يصلي بالناس فأخذ النعل فضربها ثم قال
بعد ما انصرف: لعنك الله ما تدعين برا ولا فاجرا إلا آذيته، قال: ثم دعا بملح جريش
فدلك موضع اللدغة، ثم قال: لو علم الناس ما في الملح الجريش ما احتاجوا معه إلى ترياق
ولا غيره " إلى ذلك من أخبار دفن القمل (2) وقطع الثالول ونزع السن وحك
خرء الطير (3) وعد الاستغفار في الوتر بالسبحة ونحوها.
وموهم الكثرة المنافية في بعض النصوص (5) كاطلاق آخر (6) يجب رده إلى
القلة أو غير المنافي من الكثرة للاجماع بقسميه كما عرفت على البطلان بها من غير
استثناء، فاحتمال التخصيص حينئذ ببعض ما في النصوص السابقة لا محل له، خصوصا
والتعارض غالبا في الفرض بالعموم من وجه، ولا ريب في رجحان مقتضي البطلان من
وجوه، كما أنه يجب طرح أو تنزيل بعض ما يقتضي المنع عن القليل على ما لا ينافي ذلك
لما عرفت، كخبر علي بن جعفر (7) المروي عن كتاب المسائل لأخيه " سألته عن
المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها إلى جنبها هل يصلح أن تتناوله وتحمله وهي قائمة؟
قال: لا تحمل وهي قائمة " فإنه مع معارضته بما سمعت خصوصا الموثق يجب حمله على

(1) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الأطعمة المباحة - الحديث 5 من كتاب
الأطعمة والأشربة لكن رواه عن ابن أذينة
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب قواطع الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب قواطع الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القنوت - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 1 و 2 - من أبواب قواطع الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 1 و 2 - من أبواب قواطع الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 3
59

الكراهة أو غيرها، واحتمال المنع فيه باعتبار استلزام زيادة الركوع لعدم اشتراط النية
فيه يدفعه أولا عدم صدق زيادة الركوع على مثله، مضافا إلى خبر تناول العصا وغيره
والأمر سهل بعد أن ظهر لك ابتناء هذه النصوص على المجمع عليه بين الأصحاب كما
عرفت من عدم البطلان بالقليل والبطلان بالكثير.
فما في الحدائق بعد أن ذكر كثيرا من النصوص المزبورة قال: " ويستفاد منها
أن ما كان من الأفعال مثل ما اشتملت عليه نوعا أو شخصا فلا بأس به أي وإن كان
كثيرا، وما زاد على ذلك وخرج عنه فهو محل الاشكال وإن لم يسم كثيرا عرفا - ثم
قال -: هذا هو القدر الذي يمكن القول به في المقام " في غاية الضعف، ضرورة ابتنائه
على الاعراض عن كلام الأصحاب وعدم الملكة المتصرفة في خطابات السنة والكتاب.
نعم قد يقال: إن هذه النصوص إن لم تدل بمقتضى إطلاق بعضها وظهور المورد
في آخر على عدم البطلان بالكثير كالقليل فلا ريب في عدم دلالتها على البطلان به،
وقد اعترف غير واحد من الأساطين بعدم الوقوف على نص علق فيه البطلان على
الكثير، فالأصل بناء على التحقيق فيه يقتضي عدم البطلان به كالقليل معتضد بما دل
من النصوص على حصر المبطل في غير ذلك، اللهم إلا أن يقال: إنه يكفي فيه بعد
الاجماع بقسميه كما عرفت عليه، بل لعله كالضروري بين المتشرعة بحيث استغنى
بضروريته عن النصوص بالخصوص، بل من شدة معروفية منافاة الصلاة للفعل الكثير
في أثنائها كثر السؤال عن خصوص بعض الأفعال في أثنائها مخافة أنها تكون من المبطل
وأغفل ذكر البطلان بالكثير، ففي الحقيقة هذه النصوص عند التأمل دلالتها على البطلان
به أبلغ من دلالتها على العدم به.
على أن في بعضها نوع إيماء زيادة على ذلك، كخبر (1) اشتراط قتل الحية بأن

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
60

يكون بينك وبينها خطوة بناء على إرادة الكناية بذلك عن الكثير، وصحيح حريز
أو مرسله (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت
غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تخافها على نفسك فاقطع واتبع الغلام
واقتل الحية وخذ الغريم " وموثق سماعة (2) " عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة
فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه قال: يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل
الصلاة، قلت: فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف أن
تذهب أو يصيب منها عنفا فقال: لا بأس أن يقطع صلاته " وعن الفقيه زيادة " ويتحرز
ويعود في صلاته " وفي خبر سلمة بن عطا (3) أنه سأل الصادق (عليه السلام) " أي
شئ يقطع الصلاة؟ فقال: عبث الرجل بلحيته " وقال أيضا لأبي هارون المكفوف (4):
" يا أبا هارون الإقامة من الصلاة، فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تومي بيدك " بناء على أن
الأمر بالقطع فيهما ولو بالاطلاق من حيث الفعل الكثير لا من حيث خصوص استلزام
المفسد من الكلام والاستدبار ونحوهما، وإلا لأمر بفعل ذلك ثم البناء على الصلاة.
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على البطلان بصدور الأفعال في الأثناء، منها
الأخبار (5) الدالة على أن من قام من موضعه عليه إعادة الصلاة إذا سها فترك ركعة
أو أزيد، وفي صحيحة ابن يقطين (6) عن الكاظم (عليه السلام) " أن الحجامة والرعاف
والقئ لا تنقض الوضوء بل تنقض الصلاة " وغير ذلك، وإن كان الانصاف أن الجميع

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2 مع الاختلاف في الثاني
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2 مع الاختلاف في الثاني
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 9
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 12
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 7 و 10 و 11
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب نواقض الوضوء - الحديث 7
61

غير صالح لاثبات ذلك سندا أو دلالة مع فرض قطع النظر عن الاجماع المزبور.
والتحقيق أن البطلان بالفعل الكثير إنما هو لفوات الموالاة بين الأفعال به،
ولعله المراد بمحو الصورة المذكور في كلام غير واحد من الأصحاب، بل هو مراد
الفاضلين ومن تبعهما من الشهيدين وغيرهما فيما عللوا البطلان به من أنه يخرج المصلي به
عن كونه مصليا، وزاد في المحكي من المقاصد العلية ويخيل للناظر أنه معرض عن الصلاة
بل قيل: إنه اقتصر على ذلك في الموجز الحاوي والميسية، واستجوده في كشف
الالتباس، وحكاه في التذكرة عن بعض العامة في تفسير الكثرة، وهو مشعر بعدم
رجوعه إلى الخروج عن الصلاة الذي علل به أولا، ولعله كذلك، ضرورة أعمية
تخيل الناظر الاعراض من الخروج عن وصف الصلاة، إذ قد يتخيل الناظر الاعراض
لغلبة خلو أحوال الصلاة عن بعض الأفعال في أثنائها من المشي ونحوه وإن كانت قليلة
أو لغير ذلك، والمراد بالخروج أن يكون في نفس الأمر خارجا عن وصف الصلاة مع
الاطلاع على حاله، لا أن الحكم بأنه غير مصل لاشتباه من الحاكم في ذلك، ووجه
البطلان حينئذ معه عدم تحقق الامتثال معه، وإليه يرجع المحكي عن السرائر من أن
الكثير ما يسمى في العادة كثيرا مثل الأكل والشرب واللبس وغير ذلك مما إذا فعله
الانسان لا يسمى مصليا بل آكلا وشاربا ولا يسمى في العادة مصليا، فهذا تحقيق الفعل
الكثير الذي يفسد الصلاة، ويورد في الكتب في التروك وقواطع الصلاة، فليلحظ ذلك.
قلت: يظهر منه أن المراد بالكثرة التي يرجع فيها إلى العادة ما أخرجت المصلي
عن كونه مصليا، فلعل مراد جميع من صرح بالرجوع في الكثرة إلى العادة ذلك أيضا
وهم الأكثر من أصحابنا، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا في مقابلة الشافعية، قال فيها:
لأن عادة الشرع رد الناس فيما لم ينص عليه إلى عرفهم، لكن ربما خدش ذلك بأنه
فرع تعليق الحكم في النص على الكثرة حتى يرجع فيها حينئذ إلى العرف والعادة وليس،
62

كما اعترف به غير واحد، ومن هنا جعل المدار في المدارك في المدارك تبعا لأستاذه في الكثرة على
محو صورة الصلاة وعدمه، قال فيها: " لم أقف على رواية تدل بمنطوقها على بطلان
الصلاة بالفعل الكثير، لكن ينبغي أن يراد به ما تنمحي به صورة الصلاة بالكلية كما
هو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر اقتصار فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ".
قلت: لا يخفى عليك أن إرادة مطلق ما يحصل به المحو وإن قل من الكثرة
موقوف على اصطلاح جديد، والمعلوم عدمه، وما في المنتهى - " كلما ثبت أنهم (عليهم
السلام) فعلوه أو أمروا به فهو من حيز القليل " وفي كشف اللثام " رب كثير في العدد
لا يسمى في العرف كثيرا كتحريك الأصابع للعد أو غيره، واحتمل الابطال في التذكرة
ورب فعل واحد يحتمل عده كثيرا في العرف كالوثبة الفاحشة، ولذا استشكل فيه في
التذكرة ونهاية الإحكام " - يجب صرفه إلى غير ذلك، وإلا كان محلا للنظر، ضرورة
عدم تفاوت صدق الكثرة والقلة في هذه الأمور كلها، نعم قد لا يبطل وإن كثر
من وجهة عدم تفويته الموالاة، وقد يبطل مع القلة لثبوت المحو به، ولا يستحق بذلك
تغيير الاسمين، إذ ليس المبطل منحصرا بالكثير ولا العكس.
ثم إنه لا يخفى عليك الاكتفاء في الرجوع في مسمى الكثرة إلى العرف
والعادة بوقوعه في معاقد الاجماعات مثلا من غير حاجة إلى نص بالخصوص، على أنه
ليس مراد الأصحاب كما أشرنا إليه سابقا في الرجوع في الكثرة إلى العادة من
حيث صدق اللفظ وعدمه حتى يتوقف على وجوده في النص وعدمه، بل المراد أن
الصلاة المطلوبة للشارع لا ريب في أن لها صورة خاصة وكيفية محدودة، بل من المعلوم
بالضرورة أن الصلاة من ذوات الهيئات الملاحظ فيها اتصال الأفعال وغيره من
الكيفيات، وليست هي مجرد أفعال من غير مدخلية لاتصالها ونظمها، ولا ريب أن
هذه الصورة إنما يحفظها المكلفون المخاطبون بها المؤدون لها في كل يوم المتشاغلون بها
63

في أكثر الأوقات كما هي عادة الشرع في كل ما طلب له صورة خاصة وهيئة محدودة
ومن ذلك الموالاة في القراءة وغيرها من الأقوال، وقد أشرنا هناك إلى اعتبار الموالاة
بين الأفعال، ولعل ما نحن فيه من ذاك، إذ الظاهر ابتناء المقام على عدم الفعل الكثير
في أثناء أفعال الصلاة بحيث يفوت الموالاة في أدائها.
فحينئذ لو فعل فعلا كثيرا بحيث لا ينافي التشاغل بأفعال الصلاة من حركة
أصابع لعد ركعات واستغفار وتسبيح في صلاة التسبيح وغيرها لم يقدح في الصلاة،
لعدم فوات الموالاة، وعدم ثبوت مقتضي البطلان، مع أن الأصل الصحة، بل هي
ظاهر أكثر النصوص السابقة، ولعل منه حمل أمامة وإرضاع الصبي ولبس الرداء كما
تسمعه في خبر علي بن الحسين (عليهما السلام) (1) بل يومي إلى ذلك أيضا ما ستسمعه
من إطلاقهم كراهة العبث والفرقعة، كاطلاق بعض النصوص (2) نفي البأس عن العبث
بالذكر، أما إذا فعل ما ينافي ذلك كالمشي ونحوه مما لا يمكن معه التشاغل في أفعال
الصلاة لفوات الطمأنينة ونحوها فالمتجه فيها البطلان إذا وصل إلى حد يحكم المتشرعة فيه
بعدم حصول الموالاة المعتبرة، ومع الشك فقد يتجه ذلك أيضا بناء على الأعمية فضلا
عن القول بالصحيحة إن كان الشك المفروض قدح مثله شكا في تناول الأمر
والاطلاقات للفرد المزبور.
ولا يخفى عليك أن ما ذكرنا ليس رجوعا إلى العرف في الأحكام الشرعية كي
يقال: إنه بمعزل عنها وليس هو من مداركها، بل المراد أنه يرجع إليه في حفظ الصورة

(1) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح " الحسين بن علي عليهما السلام " كما يأتي
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 و 2
64

المتلقاة من الشرع التي علق التكليف بها، ففي الحقيقة إنما رجع إليه في متعلق الحكم
الشرعي وموضوعه الذي هو وظيفته.
كما أنه لا يخفى عليك عدم منافاة ذلك لكون الصلاة من محدثات الشرع
ومخترعاته التي لا مجال للعرف في معرفتها بدون التوقيف ومعرفة الفعل الكثير فيها
والقليل والمنافي وغير المنافي، ضرورة أنك قد عرفت كون المراد حفظ الصورة عند
المتشرعة المأمورين بها المتشاغلين في أدائها الذين وصلت إليهم أيضا بالتوقيف، ولعل
كثيرا من المبطلات مستفاد من ذلك كرفع الصوت فيها زائدا على المتعارف، وإطالة
الذكر في أثنائها، أو السكوت أو نحو ذلك، ومنه أيضا بعض الأفعال القليلة الماحية
للصورة بمعنى أن المتشرعة يحكمون بمنافاة مثلها للصلاة كالصفق لعبا أو الوثبة الفاحشة
أو نحو ذلك مما أدخلوه تحت الفعل الكثير، لو ضوح البطلان به وعدم ذكر عنوان
خاص له عند الأصحاب، فالتجأوا إلى ذلك، وقد عرفت ما فيه، وأن كثيرا من
الأمور لم يذكروها اعتمادا على معلومية وجوب المحافظة على الصورة المحفوظة عند المتشرعة
المعلوم من هذه الجهة ما ينافيها وما لا ينافيها عندهم، فاكتفوا بذلك عن ذكرها بالخصوص.
فظهر لك حينئذ أن البطلان بالفعل الكثير إنما هو من حيث تفويته للموالاة،
فلعل من علله بالخروج عن كونه مصليا كالفاضلين وغيرهما أراد ذلك، كما أن الفاضل
الإصبهاني أراد بما ذكره " من أن الفعل الكثير يبطل الصلاة عمدا لا سهوا إن لم يمح
صورة الصلاة وفاقا لاطلاق الأكثر " إلى آخره. عدم المحو لصورة الصلاة وإن فاتت
الموالاة وتحققت المنافاة عرفا، ضرورة كونها حينئذ كفوات الاستقبال والطهارة
والطمأنينة ونحوها مما لا يذهب معه الصورة وإن كانت باطلة حتى على القول بالصحيحي
لا أن المراد بعدم المحو عدم فوات الموالاة أيضا، فيدخل فيه الفعل الكثير الذي
لا ينافي الموالاة، وثبوت البطلان به محل منه، إذ معقد الاجتماع وإن كان مطلقا في
65

بعض المصنفات لكن في المعتبر والمنتهى وغيرهما تعليله بعد دعواه بخروجه عن كونه
مصليا، وقد صرح غير واحد بأن المدار على محو الصورة، كما أنه صرح به بعضهم في
تفسير الكثرة حتى أنه جعل الوثبة الفاحشة من الكثير لمحوها، بخلاف حركة الأصابع
ونحوها، وتصفح كلماتهم أكبر شاهد على ما قلنا من أن المدار عندهم في البطلان بالفعل
الكثير على المحو للصورة ولو بالمعنى ذكرناه من تفويت الموالاة، لا أنه مانع
لنفسه بالخصوص تعبدا.
وكأن الذي ألجأ الإصبهاني إلى ما ذكره أنه قوي في نظره التفصيل بين العمد
والسهو في ذلك، فيبطل الكثير في الأول دون الثاني كما هو ظاهر بعضهم وصريح
آخر، بل نسبة في الذكرى كما ستسمع إلى الأصحاب، وغيرها إلى ظاهرهم، بل ظاهر
نسبته إلى علمائنا في التذكرة الاجماع عليه، للأصل، وحديث الرفع (1) وحصر
الصحيح (2) المبطلات في الخمسة غيره، وفي خبر أبي بكر الحضرمي (3) في الأربع:
الخلاء والبول والريح والصوت كما تقدم سابقا، وخبر علي بن جعفر (4) المروي عن
قرب الإسناد أنه سأل أخاه (عليه السلام) " عن الرجل يقرض أظافيره أو لحيته وهو
في صلاته، وما عليه إن فعل ذلك متعمدا؟ قال: إن كان ناسيا فلا بأس، وإن كان
متعمدا فلا يصلح له " وغير ذلك.
وهو أي التفصيل المزبور لا يتأتى في الكثير الماحي، ضرورة حصول البطلان
به مطلقا، ومن هنا أنكر هو على الفاضلين تعليلهما البطلان بالمحو وتفصيلهما مع ذلك
بين العمد والسهو، وقال: إنه خلاف التحقيق، فإن الخروج من الصلاة قطع لها، وهو

(1) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4 - 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4 - 2
(4) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
66

مبطل لها مطلقا، ثم قال: ولذا نسبه الشهيد في الذكرى إلى الأصحاب أي مشعرا
بالبراءة منه، واستدل به بعموم رفع النسيان (1) وبأخبار سهو النبي (صلى الله عليه وآله) (2)
ثم قال: وهو متروك بين الإمامية يعني سهوه (صلى الله عليه وآله) فليس له حينئذ إلا
ما قلناه إذ لا غرابة في التفصيل بين العمد والسهو في الكثير المفوت للموالاة على
ما ذكرنا، خصوصا والعمدة في ثبوت البطلان به هو حصول المنافاة عند المتشرعة،
ويمكن دعوى حصر ذلك عندهم في حال العمد دون السهو، كما أنه يمكن الاستدلال بسائر
ما عرفت على ذلك، نعم اختصاص البطلان في العمد دون السهو ولو انمحت الصورة
بحيث صح سلب اسم الصلاة عنها مطلقا في سائر الأحوال مستغرب مستبشع مقطوع
بعدمه يسوغ الفرار منه إلى ما عرفت، لكن قد سمعت أنه لا صراحة في كلام المفصلين
بذلك، بل يمكن أن يريدوا ما ذكرنا، وأنه بسبب فوات الموالاة صح إطلاق المحو
عليه، إلا أنه مختص بالعمد، لعدم ثبوت المنافاة عند المتشرعة حال السهو، بل لعل
نصوص (3) تدارك الركعة فما زاد المعمول بها عندنا في بعض الأحوال كالصريحة في
عدم قدح فوات الموالاة سهوا، فضلا عن نصوص النسيان (4) في سائر أجزاء الصلاة
تركا وتقديما وفصلا، فإنها أيضا كالصريحة في أن فوات الموالاة سهوا غير قادحة،
وليس مراد الفاضلين وغيرهما بل هو كالمجمع عليه بينهم عدم البطلان بالكثير سهوا مع
محو الصورة التي يسلب الاسم عنها في سائر الأحوال حتى حال السهو، إذ لا يخفى على
أصاغر الطلبة أن الامتثال لا يتحقق إلا بفرد من الكلي المأمور به.
ومن ذلك يظهر لك وجه الجمع بين كلمات الأصحاب حيث أبطل بعضهم به عمدا

(1) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
67

وسهوا وآخر عمدا خاصة، وتحير ثالث، كما أنه ظهر لك من التأمل في مجموع ما ذكرنا
أنه ليس كل ماح لاسم الصلاة كثيرا، فرب قليل يمحو ويكون البطلان به للمحو وعدم
حصول الامتثال لا للكثرة، وأنه ليس كل كثير ماحيا، فرب كثير ليس بماح ولا
مفوت للموالاة، ومثله لا يبطل صلاة عمدا فضلا عن السهو، للأصل وإطلاق الأدلة،
ولعل منه كثيرا مما اشتملت عليه النصوص السابقة، بل وخبر أبي بصير (3) أنه سأل
الصادق (عليه السلام) " ما يجزي الرجل من الثياب أن يصلي فيه؟ فقال: صلى الحسين
ابن علي (عليهما السلام) في ثوب واحد قلص عن نصف ساقه وقارب ركبتيه ليس على
منكبيه منه إلا قدر جناحي الخطاف، وكان إذا ركع سقط عن منكبيه، وكلما سجد يناله
عنقه فيرده على منكبيه بيده، فلم يزل ذلك دأبه مشتغلا به حتى انصرف " وربما جعل
هو وخبر أمامة من الكثير المتفرق، فيكونان حينئذ دليلين على اعتبار التوالي في
الكثير القادح الذي تردد فيه في التذكرة والمحكي عن نهاية الإحكام، والظاهر أنه
لا بأس به وفاقا للمحكي عن جماعة، خصوصا بناء على ما عرفت من عدم فوات التوالي
بذلك، نعم قد يثبت المحو به فتبطل الصلاة حينئذ من هذه الجهة لا من حيث الكثرة.
كما أن الظاهر اندراج ما ذكره غير واحد في المقام في عداد مبطلات الصلاة من
السكوت الطويل ونحوه فيما قلناه من تفويت الموالاة، لعدم ثبوت مقتضي مانعيته
بالخصوص، وبمعناه عدم اتباع الأفعال بعضها ببعض من دون أن يشتغل بفعل خارج
عنها، وربما أدى السكوت الطويل إلى انمحاء صورة الصلاة بحيث لا يصدق عليها الاسم
في جميع الأحوال، فحينئذ يبطل سواء كان عمدا أو سهوا لا لفوات الموالاة التي يمكن
اعتبار شرطيتها حال العمد، بل لعدم ما يحصل به الامتثال، ومراد الأصحاب بأنه
مبطل عمدا لا سهوا إذا كان البطلان به من حيث فوات الموالاة كالفعل الكثير لا من

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 10
68

حيث المحو التام، ومن ذلك يظهر ما في الذكرى من أن من المبطلات السكوت الطويل
الذي يخرج به عن كونه مصليا، وظاهر الأصحاب أنه كالفعل الكثير، فحينئذ يشترط
فيه التعمد، فلو وقع نسيانا لم تبطل، ويبعد بقاء الصلاة على الصحة فيه وفي الفعل الكثير
المخرجين عن اسم المصلي بحيث يؤدي إلى انمحاء صورة الصلاة، كمن يمضي عليه الساعة
والساعتان أو معظم اليوم، قلت: بل هو مقطوع بعدمه، ولعله هو مراد جامع المقاصد
وكشف اللثام من البطلان به عمدا وسهوا، لكن كان على الثاني منهما التفصيل كما سمعته
في الفعل الكثير بناء على أن السكوت منه.
وعلى كل حال فلا يريد الأصحاب بالسكوت المختص بحال العمد دون السهو
الماحي للصلاة مطلقا كي يتوقف فيه، ومن ذلك ما لو قرأ كتابا في نفسه من غير نطق
واشتغل به عن الصلاة عمدا، فإن طال بحيث حصل المحو أو فاتت الموالاة بطل، وإلا
فلا، للأصل والاضطرار إلى التصور وإطلاق الأدلة، خلافا لأبي حنيفة فأبطلها بذلك
ولا ريب في ضعفه، والله أعلم.
(و) منها (البكاء لشئ من أمور الدنيا) من فقد ميت أو تلف مال، فإن
تعمده مبطل للصلاة على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل لم أجد فيه خلافا
كما اعترف به بعضهم، بل لا خلاف فيه في المحكي من شرح نجيب الدين العاملي، بل
في المدارك ظاهرهم أنه مجمع عليه، بل في الحدائق دعواه صريحا، وفي التذكرة " والبكاء
خوفا من الله سبحانه وخشية من عقابه غير مبطل للصلاة وإن أنطق بحرفين فصاعدا،
وإن كان لأمور الدنيا بطلت صلاته وإن لم ينطق بحرفين عند علمائنا " وبذلك كله
ينجبر خبر النعمان بن عبد السلام (1) عن أبي حنيفة المروي في التهذيب " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال: إن بكى لذكر جنة

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
69

أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، وإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة "
ولعله إلى ذلك أشار في الفقيه (1) بقوله: " روي أن البكاء على الميت يقطع الصلاة،
والبكاء للجنة والنار من أفضل الأعمال في الصلاة " فيزداد حينئذ قوة إلى القوة السابقة
وإن كانت الأولى كافية في جواز العمل به، إذ هو أعظم طرق التبين، فوسوسة
المقدس الأردبيلي وبعض أتباعه في هذا الحكم لضعف الخبر المزبور وعدم ثبوت الاجماع
في غير محلها.
ولا حاجة حينئذ إلى الحاقه بغيره من المنافيات كالفعل الكثير ونحوه على ما حكي
عن الكاشاني والماحوزي، بل لعله ظاهر الذكرى أيضا حيث أنه ذكر هذه المسألة من
مسائل الفعل الكثير، حتى قال: " الرابعة قد يكون الفعل الكثير مبطلا وغير مبطل
باعتبار القصد وعدمه كالبكاء، فإنه إن كان لذكر الجنة أو النار لا يبطل، وإن كان
لأمور الدنيا كذكر ميت له أبطل " إلى آخره. ضرورة كونه حينئذ بقسميه منافيا
كالضحك وإن قل، ولعل الشهيد منهم يريد بالفعل الكثير ما يشمل كل ما ثبت إبطاله
للصلاة من الأفعال ولو قليلا، كما يومي إليه بعض كلماتهم السابقة وركونه هو فيما بعد
إلى النص لا إلى الفعل الكثير بالمعنى السابق المقتضي لعدم البطلان به مع القلة.
ثم المشهور بين الأصحاب ما في المتن من اختصاص ذلك بالعمد، بل لا أجد
فيه خلافا صريحا وإن أطلق جماعة، ولعله للأصل وحديث الرفع وظهور الجواب في
النص المزبور (2) في العمد، بل من النادر أو الممتنع البكاء سهوا، فلا جهة حينئذ
لتعميم البطلان للحالين، اللهم إلا أن يكون المراد السهو عن كونه في الصلاة ولو لظن
إتمامها والفرغ منها، لكن قد عرفت أن الأصل محكم، والخبر ظاهر في غير السهو،
على أنه لا جابر له بالنسبة إلى ذلك، بل الموهن موجود كما هو واضح.
أما المغلوب عليه قهرا ففي المنتهى والذكرى وفوائد الشرائع والمحكي من نهاية

(1) الوسائل - 5 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 4
(2) الوسائل - 5 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 4
70

الإحكام وإرشاد الجعفرية والغرية وكشف الالتباس والروض والمقاصد العلية البطلان
وإن كان لا إثم، بل في الحدائق أنه مما لم يطلع على مخالف فيه، لاطلاق النص والفتوى
وثبوت الحكم في نظائره من الضحك وغيره كما عرفت، لكن قد يناقش بظهور النص
في الاختيار، وبه يفرق بينه وبين القهقهة، فيبقى المضطر حينئذ على الأصل، ولعله لذا
لم يجزم بالبطلان في الروضة، بل جعله وجها، قيل: وهو محتمل نجيب الدين، بل حكى
في التذكرة عن الشافعي عدم البطلان ولم يعقبه بشئ، فلا ينبغي ترك الاحتياط حينئذ
بالاتمام والإعادة.
ثم لا يخفى عليك أن الموجود في النص المزبور انقطاع الصلاة بالبكاء على الميت،
إلا أنه لما كان ذلك في مقابلة ذكر الجنة والنار التي هي منطوق الشرط الأول وكان المنساق
إلى الذهن أن المراد من الثاني مفهوم الأول وإن كان قد صرح ببعض أفراده على جهة
المثال جعل الأصحاب المدار في البطلان وعدمه البكاء على أمور الدنيا والآخرة،
والثاني لا إشكال فيه نصا وفتوى، ضرورة تواتر النصوص في فضل البكاء لله الذي
يبنى له بكل دمعة ألف بيت في الجنة (1) و " ما من شئ إلا وله كيل ووزن إلا
الدموع، فإن القطرة تطفي بحارا من نار، فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجهها
قتر ولا ذلة، فإذا فاضت حرمه الله على النار، ولو أن باكيا بكى في أمة لرحموا " (2)
و " ما من عين إلا وهي باكية يوم القيامة إلا عينا بكت من خوف الله، وما اغرورقت
العين بمائها من خشية الله عز وجل إلا حرم الله عز وجل سائر جسده على النار " (3)
ولم يتقرب العبد بشئ أحب إلى الله عز وجل من ثلاثة، وهي الزهد والورع عن المعاصي

(1) البحار الجزء الثاني من المجلد 19 ص 47 باب فضل البكاء وذم جمود العين
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب جهاد النفس - الحديث 11 - 12 من كتاب الجهاد
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب جهاد النفس - الحديث 11 - 12 من كتاب الجهاد
71

والبكاء من خشية الله الذي يكون العبد به في الرفيع الأعلى لا يشاركه أحد (1)
وسئل الصادق (عليه السلام) (2) " عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي
قال: قرة عين والله، وقال: إذا كان ذلك فاذكرني عنده " وقيل له (عليه السلام)
أيضا (3) " أيتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال: بخ بخ ولو مثل رأس الذباب ".
وأما الأولى فلا أجد فيه خلافا بينهم منه غير فرق بين البكاء للفوات أو للطلب
بل عن الميسية يبطلها البكاء على الميت وإن كان لصلاحه، لكن في الحدائق " أن ظاهر
كلام الأصحاب من حيث تعليقهم الابطال بالأمور الدنيوية الذي هو أعم من أن يكون
لفوتها أو لطلبها هو حصول الابطال بالبكاء لطلب ولد أو شفاء مريض أو نحو
ذلك، وهو مشكل لأنه مأمور به ومندوب إليه في الأخبار، مع أن ظاهر الخبر الذي
هو مستند الحكم إنما هو فواتها لا طلبها، وحينئذ فالظاهر أنه لا تبطل بالبكاء لطلبها،
ولا يعارض ذلك بمفهوم صدر الخبر لدلالته على أنه ما لم يكن من الأمور الأخروية يكون
مبطلا، لأنا نقول مفهوم صدر الخبر أنه ما لم يكن كذلك ليس أفضل الأعمال،
وعدم كونه أفضل الأعمال لا يوجب البطلان " وفيه - مع أنه مخالف لظاهر الفتاوى
باعترافه - أنه مخالف للنص أيضا بناء على ما سمعته سابقا من إرادة المثال بذكر الميت
لكل ما لم يكن لجنة ونار ونحوهما من الأمور الأخروية، فيشمل سائر الأمثلة السابقة
ولا يختص بالفوات كما هو واضح بأدنى تأمل.
نعم الظاهر أنه يقع البكاء لشفاء مريض أو لطلب ولد ونحو ذلك من الأمور
الأخروية فيما إذا بكى متقربا إلى الله ببكائه مثلا ثم إنه أراد من ثواب ذلك وجزائه

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب جهاد النفس - الحديث 15 من كتاب الجهاد
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 5
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 5
72

شفاء المريض مثلا، أو يكون المقصود استعداده بذلك لأن يجاب إذا دعا ويعطى إذا
سأل، وليس ذلك من البكاء لشئ من أمور الدنيا، ضرورة ظهوره في كون البكاء
على نفس ذلك الأمر الدنيوي، أنه هو الباعث على البكاء فواته أو طلبه، لا ما يشمل
الفرض الذي ينزل عليه قول الصادق (عليه السلام) لأبي بصير (1): " إذا خفت
أمرا يكون أو حاجة تريدها فابدأ بالله عز وجل فمجده واثن عليه كما هو أهله، وصل
على النبي (صلى الله عليه وآله) واسأل حاجتك وتباك ولو مثل رأس الذباب، إن أبي (عليه السلام)
كان يقول: إن أقرب ما يكون العبد من الرب عز وجل وهو ساجد باك " أو يراد منه
خروج الدموع خاصة بناء على أن المبطل الصوت لا خروج الدموع خاصة كما ستعرف،
فتأمل جيدا.
بل قد يمنع أيضا كون البكاء لفقد الميت من الأمور الدنيوية مطلقا، فإن البكاء
على الحسين (عليه السلام) وغيره من الأئمة الهادين (عليهم السلام) بل والعلماء المرضيين
ونحوهم ممن كانت العلقة بينهم وبين الباكي أخروية ليس من الدنيا في شئ، وما
سمعته من الميسية معرض عنه، أو ينزل على غير ذلك، واحتمال عد البكاء على الحسين
(عليه السلام) فضلا عن غيره من البكاء لأمر دنيوي - باعتبار أن ما وقع بسببه البكاء
وكان هو الباعث على البكاء أمر في الدنيا دون الآخرة، وترتب الثواب عليه وكونه
عبادة لا ينافي بطلان الصلاة به، وذكر الجنة والنار في النص المزبور مثال لنعيم الآخرة
وأهوالها من البرزخ وغيره - واضح الدفع وإن كان الاحتياط لا ينبغي أن يترك،
خصوصا إذا كان البكاء على الحسين (عليه السلام) من حيث الرحم أو من حيث علقة
السيد والعبد ونحوهما من العلائق، فإن الأفعال تختلف بالقصد وبالجهة والاعتبارات كما
هو واضح، وكأنه لذا قال في مجمع البرهان: " الظاهر أن البكاء لفقد الميت لا يطلق

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الدعاء - الحديث 4 من كتاب الصلاة
73

عليه الأمر الدنيوي إلا أن يضم إليه شئ، ويبعد كونه مطلقا كذلك، فإنه نقل عنه
(صلى الله عليه وآله) البكاء على إبراهيم وكذلك عن الأئمة (عليهم السلام) ويبعد
ارتكابهم (عليهم السلام) أمرا يكون محض دنيوي ولا يحصل عليه الثواب، مع أن
الأخبار (1) دالة على حصول الثواب على البكاء والألم بفقد المحبوب، وخصوصا الولد
نعم لو ضم إليه أمر دنيوي كما يوجد في كثير من الناس حيث يبكي لفقد المعين له في
أموره فلا يبعد ذلك ".
قلت: لكن قد يقال: إن النص خال عن التعليق بالدنيا صريحا، بل المراد
منه ما سمعته منا مكررا، وحينئذ لا يبعد الالتزام معه ببطلان الصلاة بالبكاء لسائر
مصائب الدنيا في النفس والمال والأهل وغير ذلك، وترتب الثواب عليه في نفسه وحد
ذاته لا ينافي بطلان الصلاة معه لو وجد فيها، وبكاء النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة
(عليهم السلام) مع أنه مقتضى الطبيعة البشرية وربما كان يقع قهرا عليهم لا ينافي ما ذكرنا
إذ ليس ذلك واقعا منهم في الصلاة كي يستدل به، ودعوى استبعاد وقوعه منهم (عليهم
السلام) لو كان أمرا دنيويا محضا يدفعها أنه بعد التسليم لا يستلزم صحة الصلاة معه،
إذ ليس المدار على ترتب الثواب عليه، لما عرفت من ظهور النصوص في ترتب الثواب
على سائر المصائب للمؤمن في الدنيا، فتأمل جيدا، فالتمسك بترتب الثواب على عدم
كونه من أمور الدنيا فلا يكون مبطلا في غير محله، على أن المراد بالدنيوي والأخروي
خصوص ما يبكى عليه لا ما يترتب البكاء من الثواب ونحوه، كما هو واضح بأدنى تأمل.
ثم الموجود فيما حضرني من نسخ المتن مد البكاء، فيعتبر فيه الصوت حينئذ،
ولا يكفي خروج الدموع وفاقا لفوائد الشرائع والروضة والمدارك والمحكي عن الغربة
وإرشاد الجعفرية والروض والمقاصد العلية، بل في الحدائق نسبته إلى الشهرة، وإليه

(1) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب الدفن - من كتاب الطهارة
74

يرجع ما في كشف اللثام والمحكي عن الموجز وحاشية الإرشاد والميسية من أن المفسد من
البكاء ما اشتمل على النحيب وإن خفي، لا فيض الدمع بلا صوت، قال في الكشف:
" ويرشد إليه كلام ابن زهرة، إذ جعله من الفعل الكثير " قلت: قد سمعت ما في
الذكرى أيضا، بل يمكن تحصيل الشهرة عليه أو الاجماع بناء على قراءة عبارات
الأصحاب " والبكاء " بالمد كالمتن، للمحكي من تصريح غير واحد من أهل اللغة بالفرق بينه
ممدودا ومقصورا، قال في الصحاح ومجمع البحرين: " البكاء يمد ويقصر، فإذا مددت
أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها " وفي
المجمل " قال قوم: إذا دمعت العين فهو مقصور، وإذا كان ثم نشيج وصياح فهو ممدود "
وفي المقاييس " قال النحويون: من قصره أجراه مجرى الأدواء والأمراض، ومن
مدة أجراه مجرى الأصوات كالثغاء والدعاء والرغاء " وقال نشوان بن سعيد في شمس
العلوم: " قال الخليل: إذا قصرت البكاء فهو بمعنى الحزن أي ليس معه صوت، وإذا
كان معه نشيج وصياح فهو ممدود " وقال الراغب: " بالمد سيلان الدمع على حزن
وعويل يقال: إذا كان الصوت أغلب كالرغاء والثغاء وسائر هذه الأبنية الموضوعة
للصوت، وبالقصر يقال: إذا كان الحزن أغلب " إلى غير ذلك مما هو ظاهر في الفرق
بينهما، وربما يستفاد المراد بالممدود من قول الرضي في مرثية الحسين (عليه السلام):
يا جد لا زالت كتائب حسرة * تغشي الفؤاد بكرها وطرادها
أبدا عليك وأدمع مسفوحة * إن لم يراوحها البكاء يغادها
لكن قد يقال: أولا نمنع أنه ممدود في النص والفتوى، إذ من المحتمل أنه
مقصور فيهما، ولا نسخ مضبوطة بحيث تقطع النزاع لكل منهما، لمعروفية تسامح النساخ
في ذلك، وثانيا إن لفظ البكاء في النص موجود في السؤال الذي لا يبني عليه الحكم
بعد أن كان الفعل في الجواب، وهو مطلق شامل لكل من الحالين بخلاف المصدر،
75

وبذلك أنكر في الحدائق على الأصحاب التوقف والاضطراب، وثالثا أنه يمكن منع
وجود كل من المادتين فضلا عن الفرق بينهما، لما قيل من أن كلام صاحب القاموس
صريح في عدم الممدود، وكذلك كلام الصحاح ظاهر في ذلك، قال في المحكي عن
الذخيرة بعد أن حكى الفرق المزبور عن الصحاح: " إن ما ذكره خلاف المعروف من
العرف ومن ظاهر الأصحاب، فإن أحد منهم لم يشر إلى التفرقة أصلا ولا إلى استشكال
مطلقا، ولو كان فرق أو إشكال لكان اللازم عليهم التعرض سيما في مقام دعوى
الاجماع " وقال في مجمع البرهان: الظاهر صدق البكاء على مجرد الدمع من غير اشتراط
الصوت عرفا ولغة وإن كان له لغة معنى آخر أيضا، والأصل عدم الزيادة في اللفظ
والمعنى، و " إن بكى " في الخبر مشتق من القصور وكذا البكاء في كلام الأصحاب، وأيضا
لا يعقل معنى في الذي معه صوت إلا مع إرادة الحرفين المبطلين، لكنه حينئذ من باب
الكلام بحرفين، ورابعا سلمنا وجودهما والفرق بينهما لكنه لغوي، أما العرف فلا،
وهو مقدم على اللغة، وخامسا أنه مع قيام الاحتمال وجب معرفة يقين البراءة من
الاشتغال، وليس إلا باجتنابهما معا.
ويدفع الأول بعد الاغضاء عما نشاهده من وجدان المد في بعض النسخ أن المتجه
بعد تعارض الاحتمالين وتساقطهما الاقتصار في المبطل على الممدود، لأصالة الصحة
ومعلومية ضعف القول بمانعية ما شك في ما نعيته، ومنه يعرف ما في الخامس، وأما
الثاني فيدفعه أن الفعل مجمل لا مطلق، ضرورة عدم معلومية كونه فعل الممدود أو المقصور
خصوصا في المقام الذي ذكر المصدر في السؤال وأريد من الفعل جوابا له، والثالث لم
نتحققه منهما، مع أنك قد سمعت كلام الجوهري منهما مضافا إلى غيره، والرابع مسلم
لو كان هناك عرف محقق، وخطأ العرف واشتباهاته وتسامحاته ونحو ذلك ليست عرفا
قطعا كما هو واضح، وليس البطلان بالممدود لاشتماله على الحرفين، وإلا لم يعقل اعتبار
76

الصوت في إبطاله، ضرورة معقولية اعتباره كما سمعته في الضحك الذي هو ضده، على
أنك قد عرفت كون التحقيق عدم البطلان بمثل هذه الحروف، لأنها ليست حروفا وإن
سميت بأسماء خاصة كما أوضحناه سابقا، ولعله ينزل على ذلك ما سمعته من التذكرة أو
على ما تقدم من المحقق في التأوه لله، وإلا فلا معنى لعدم البطلان به وإن اشتمل على
حرفين فصاعدا، ومن الغريب تمسك المقدس الأردبيلي لذلك باطلاق أدلة البكاء لله
مثلا التي لم تسق لبيان ذلك، بل هي مسوقة لأمر آخر كما هو واضح.
(و) تعمد (الأكل والشرب) وإن لم يكثرا (على قول) ظاهر من إطلاق
المبسوط والقواعد واللمعة ومعقد إجماع الخلاف، بل لعل المراد منه القليل خاصة،
للاستغناء بذكر الكثير سابقا عن كثيرهما، فعطفهما حينئذ عليه من المصنف وغيره لولا
احتمال التخصيص للاستثناء كالصريح في ذلك، خصوصا مع إمكان دعوى أن الغالب
في الشرب بل والأكل القلة، ضرورة خروج المقدمات عن مسماهما، ومن ذلك يعلم
غرابة ما في التذكرة حيث علل البطلان بمطلق الأكل والشرب بأنهما فعل كثير، قال:
" لأن تناول المأكول ومضغه وابتلاعه أفعال متعددة وكذا المشروب " وهو كما ترى
إلا أنه موافق لمن عرفت في البطلان بهما مطلقا كما هو المحكي عن الأستاذ الأكبر (1)
لكن صرح غير واحد من المتأخرين ومتأخريهم بأنه لا دليل يختصان به حتى يكونا
قاطعين للصلاة مطلقا، قلت: لأن قبول إجماع الشيخ مشكل كما في المنتهى، إذ لا نعلم
أي إجماع أشار إليه، ونحوه في المعتبر، بل في المنتهى أيضا " لو ترك في فيه شيئا

(1) وقد سمعت قوته، نعم قد يقال: إن المحو أو الكثرة حاصلة في أغلب أفراد
الشرب باعتبار تعاطف المشروب وتعاقب تجرعه وإن كان الشرب قليلا بمعنى أنه في العرف
يعد شربة واحدة للمشروب الكثير، فإن كثرة الشرب تحصل بتعدد الشرب مرات لا كثرة
المشروب وإن كان الشرب مرة واحدة، وعلى كل حال فالعمدة ما ذكرناه من المحو بهما على
الوجه المذكور (منه رحمه الله)
77

يذوب كالكسر فذاب وابتلعه لم تبطل صلاته عندنا، وعند الجمهور تفسد، لأنه يسمى
أكلا، أما لو بقي بين أسنانه من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تبطل صلاته قولا
واحدا، لأنه لا يمكن التحرز عنه، وكذا لو كان في فيه لقمة ولم يبتلعها إلا في الصلاة
لأنه فعل قليل " وفي التذكرة " ولو كان مغلوبا بأن نزلت النخامة ولم يقدر على إمساكها
لم تبطل صلاته إجماعا " قال في كشف اللثام: يعني وإن كثر للعذر كالمرتعد، اللهم إلا
أن يقال: إن ابتلاع النخامة وما بين الأسنان وسوغ السكرة مع الريق لا يسميان في
العرف أكلا، فلا ينافي حينئذ إجماع الشيخ المزبور، أو أن ذلك خرج بالدليل كما
يومي إليه ما في المبسوط حيث أنه بعد أن أطلق الفساد بالأكل والشرب قال:
" وروي (1) جواز شرب الماء في صلاة النافلة، وما لا يمكن التحرز عنه مثل ما يخرج
من الأسنان فإنه لا يفسد الصلاة ازدراده " إذ هو كالتقييد لاطلاقه الأول، وعدم
علم المصنف بالاجماع المشار إليه كاشكال الفاضل فيه لا يقدح في حجية الاجماع المنقول.
ويؤيده مضافا إلى ذلك فحوى سياق الخبر الآتي (2) في الرخصة في شرب الماء
في الوتر المشعر بمعلومية منافاة الشرب للصلاة ومحو اسم الصلاة بحصول المتعارف من كل
منهما لا ما تقدم ونحوه، أو علم المتشرعة منافاتهما للصلاة المراد كما أوضحناه في الفعل
الكثير، ولعل ذلك ونحوه مأخذ إجماع الشيخ، إذ لا ريب في حصول البطلان بمحو
الاسم، ولا ريب في حصوله بهما وإن لم يكثرا كما هو الغالب فيهما، إذ أطفال المتشرعة
يعلمون أن الصلاة لا يجتمع معها الأكل والشرب كما هو واضح بأدنى التفات، فتوقف
كثير من الأصحاب في هذا الحكم - حتى أن المصنف منهم رد على الشيخ إجماعه وتبعه
غيره، وجعلوا المدار في البطلان بهما على الكثرة تبعا للمحكي عن السرائر - في غير
محله، نعم في الدروس " يبطلان إذا كثرا أو آذنا بالاعراض " وفي المحكي عن الموجز

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 0 - 1
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 0 - 1
78

وشرحه " إن آذنا بالاعراض أو نافيا الخشوع " بل عن الجعفرية وحاشية الإرشاد
وإرشاد الجعفرية " الاقتصار على الايذان بالاعراض " وعن الجواهر المضيئة " يبطلان
لمنافاتهما الخشوع " كالمحكي عن المهذب البارع من " أن الأقوال في ذلك ثلاثة:
الابطال بالمسمى، وهو ما يبطل الصوم، والابطال بالكثرة فلا يبطل باللقمة الصغيرة،
والابطال بمنافاة الخشوع ولقمة صغيرة - ثم قال -: وهو ما اخترناه ".
لكن الجميع كما ترى، ضرورة عدم ثبوت البطلان بالايذان بالاعراض أو بمنافاة
الخشوع إن لم يرجعا إلى ما ذكره من المحو أو معلومية المنافاة عند المتشرعة، ولعله لذا
قال في جامع المقاصد: " واختار شيخنا في بعض كتبه الابطال بالأكل والشرب المؤذنين
بالاعراض عن الصلاة، وهو حسن، إلا أنه لا يكاد يخرج عن التقييد بالكثرة "
وإن كان فيه نظر أيضا، وكان القول الأول الذي حكاه في المهذب هو الذي حكاه
في جامع المقاصد، حيث قال: " وأغرب بعض المتأخرين فحكم بابطال مطلق الأكل
حتى لو ابتلع ذوب سكرة، وهو بعيد " وربما توهم أيضا من إطلاق بعضهم البطلان
بالأكل والشرب، لكن قد عرفت إجماع المنتهى وغيره الصريح في أن الصلاة ليست
كالصوم تبطل بمطلق المسمى بل يمكن تحصيل الاجماع عليه في الجملة فضلا عن الاجماع المنقول
كما هو واضح بأدنى التفات إلى سيرة أهل الشرع، وعدم مبالغتهم في زوال ما يبقى في
الفم عند الصلاة، فلا ريب في وضوح الفرق بين الأكل المنافي للصوم والمنافي للصلاة،
وليس هذا قول منا بأن القليل من الأكل والشرب غير مبطل للصلاة، فيكونان حينئذ
كسائر الأفعال التي يبطل كثيرها دون قليلها، بل المراد بيان أنه وإن قلنا بأن الأكل
والشرب مطلقا مبطلان للصلاة لحصول اسم المحو أو لثبوت المنافاة في أذهان المتشرعة
أو لاجماع الشيخ أو لغير ذلك فليس المراد أنه يقدح في الصلاة ما يقدح منه في الصوم
إذ المدار ما عرفت، وهو لا يقضي بذلك قطعا كما هو واضح.
79

هذا كله في العمد، أما السهو فالبحث فيه نحو ما سمعته في الفعل الكثير، وقد
صرح غير واحد هنا بأنهما لا يبطلان، بل في المنتهى " لو أكل أو شرب في الفريضة
ناسيا لم تبطل صلاته عندنا قولا واحدا " وعن كشف الرموز " الاجماع عليه " وفي
فوائد الشرائع أطبقوا على ذلك، لكن قال: " إنه ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يمح
الاسم " كما في جامع المقاصد، ويجري فيه ما عرفته هناك، ويزيد بأنه مع تقييده بعدم
المحو لا يبطل عمدا عنده وعند غيره ممن عرفت، والله أعلم.
ثم لا فرق بعد حصول المحو أو المنافاة بين الأكل والشرب وغيرهما حتى العلك
كما صرح به الفاضل في المحكي من نهاية قال: " لو مضغ علكا فكالأكل ". بل في
التنقيح " لو مضغ علكا متفتتا فابتلعه مع الريق أبطل اتفاقا لأنه فعل كثير " وإن كان
لا يخلو من نظر.
وكيف كان فلا فرق في سائر ما تقدم من الموانع بين الفريضة والنافلة (إلا)
في المقام، فإنه على المختار ينبغي تخصيص ذلك (في) غير (صلاة الوتر) عند التشاغل
في الدعاء فيه (لمن أصابه عطش وهو يريد الصوم في صبيحة تلك الليلة) وبينه وبين
الماء خطوتان أو ثلاث، لخبر سعيد الأعرج (1) المروي في التهذيب " قلت لأبي عبد الله:
إني أبيت وأريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب،
وأكره أن أصبح وأنا عطشان وأمامي قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة قال: تسعى
إليها وتشرب منها حاجتك وتعود في الدعاء " وفي الفقيه (2) " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): جعلت فداك إني أكون في الوتر وأكون قد نوبت الصوم فأكون
في الدعاء فأخاف الفجر فأكره أن أقطع على نفسي الدعاء وأشرب الماء وتكون القلة

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2
80

أمامي قال: فقال: فاخط إليها الخطوة والخطوتين والثلاث فاشرب وارجع إلى
مكانك ولا تقطع على نفسك الدعاء ".
(لكن) ينبغي أن يكون رجوعه القهقرى إن اختاره (ولا يستدبر القبلة)
كما أنه ينبغي أن لا يفعل شيئا من منافيات الصلاة التي لا يدل عليها الخبر المزبور،
ولم يسق إطلاقه لبيان عدم منافاتها كنجاسة الإناء بناء على منافاة حمل النجس،
اقتصارا على مورد النص، لعدم الدليل على التعدي حتى منه إلى مطلق النافلة، بل
ومن دعاء الوتر إلى غيره من أحواله فضلا عن غير ذلك، فما عساه يظهر من الخلاف
والمبسوط من التعدي إلى مطلق النافلة ومن غيرهما كالمصنف ونحوه في مطلق أحوال
الوتر لا يخلو من تأمل، اللهم إلا أن يستند في الثاني إلى إطلاق معقد إجماع التنقيح،
قال فيه: " استثناء الوتر إجماع بالقيود المذكورة، ويكون عوده قهقرى أو يقف مكان
شربه وهو أولى، ولا يتعدى الحكم إلى غيره " والمراد بالقيود ما ذكره سابقا من
كون الباعث العطش، والعزم على الصوم الراجح، وكون الماء أمامه، وأن يكون البعد
خطوتين أو ثلاثة، وأن يخاف طلوع الفجر، لكن لعل مراده بالوتر الحال المخصوص
من الوتر لا مطلقا، ضرورة اقتضاء الاقتصار على الرواية ذلك، ولذا حكي عن المهذب
زيادة اشتراط أن يكون في قنوت الوتر كما هو صريح كشف اللثام وظاهر المحكي عن
النهاية والسرائر وغيرهما.
نعم لا بأس باطلاق عدم منافاة الشرب للفرض وإن طال، تمسكا باطلاق
الرواية، أما لو احتاج إلى فعل كثير أو غيره فيشكل الاستدلال بالاطلاق
المزبور عليه بناء على اشتراط الفريضة والنافلة في البطلان بالفعل الكثير كما هو الأصل
في سائر أحكام الفريضة، وما عساه يظهر من الأردبيلي في المقام من الميل إلى عدم بطلان
النافلة بالفعل الكثير واضح الضعف، فيجب حينئذ الاقتصار على مورد الرواية وعدم
81

التعدي مما فيها إلى الرخصة في الفعل الكثير إذا توقف الشرب عليه، خلافا للمحكي
عن الموجز والمقتصر فرخصا فيه للاطلاق، فيه منع واضح، بل ظاهر عد الخطوات
في الخبر المزبور القلة بناء على أن مثله من القليل لا الخطوة الواحدة فقط، بل نزله في
المنتهى على القلة في الشرط فضلا عنه، فلا يكون حينئذ مخصصا ولا مثبتا لحكم جديد،
بناء على أن الممنوع في الصلاة من الأكل والشرب الكثير منهما لا مطلقا، فلا فرق
حينئذ في ذلك بين أحوال الوتر وبينه وبين النافلة وبينها وبين الفريضة، لكنك خبير
بما فيه مما تقدم، مع أنه لو سلم المبنى المزبور كان المتجه التخصيص بالخبر المذكور،
ضرورة ظهوره في طول زمان الشرب نفسه لمكان العطش، فلا يقدح حينئذ وإن كثر
كما نص عليه في التحرير وفوائد الشرائع والمحكي عن المهذب وغيره، للاطلاق وترك
الاستفصال، ومنه يعلم أنه لا فرق بين الصوم الواجب والمندوب، بل قيل: ولا بين
الوتر الواجبة بالنذر أو غيره والمندوبة وإن كان الأخير لا يخلو من نظر، والله أعلم.
(وفي) بطلان الصلاة ب‍ (مقص الشعر للرجل تردد) من إجماع الشيخ في
الخلاف على عدم جوازه، وخبر مصادف (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في رجل
صلى صلاة فريضة وهو معقوص الشعر قال: يعيد صلاته " فليس هذا من النهي عن
الخارج كي يقال: إنه بعد التسليم يقتضي الحرمة دون الابطال، إذ هو مع ما فيه كما
عرفته سابقا مخالف لنص الدليل المزبور، ومن الأصل وإطلاق الأدلة وضعف مصادف
وإشعار خبر الدعائم الآتي (2) واستبعاد الحكم المزبور بقلة النظير، وعدم معروفيته
بين المتشرعة مع غرابته وشدة الحاجة إليه وعدم ثبوت الاجماع أو ثبوت عدمه، إذ لم
نعرف من جزم بما ذكره الشيخ ممن يعتد بقوله، والمحكي عن المفيد " لا ينبغي للرجل

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
82

إذا كان له شعر أن يصلي وهو معقوص حتى يحله، وقد رخص للنساء في ذلك " وهو
كما ترى مشعر بالكراهة، نعم كأنه مال إليه في الذكرى لحجية الاجماع المنقول، والحر
في وسائله والبحراني في حدائقه.
(و) كيف كان ف‍ (- الأشبه) عدم البطلان بذلك وعدم الحرمة وفاقا لمن عدا
ما عرفت، ولكن مع (الكراهة) خروجا عن شبهة الخلاف، ولاشعار الأمر بالإعادة
المحمول على الندب بطلب ترك الفعل، وظاهر خبر الدعائم (1) عن علي (عليه السلام)
أنه قال: " نهاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أربع: عن تقليب الحصى في
الصلاة، وأن أصلي وأنا عاقص رأسي من خلفي، وأن أحتجم وأنا صائم، وأن أخص
يوم الجمعة بالصوم " ولا كراهة ولا تحريم في حق المرأة إجماعا محكيا مستفيضا إن لم يكن
متواترا، وبه يجب الخروج عن قاعدة الاشتراك، والعقص هو جمع الشعر في وسط
الرأس وشدة كما في المعتبر والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد والمسالك، وهو المراد
بما عن الروض من " أنه جمع الشعر في الرأس وشده بظفره " وما المدارك " عقص
الشعر هو جمعه في وسط الرأس وظفره وليه " بل في المحكي عن مجمع البحرين " عقص الشعر
جمعه وجعله في وسط الرأس وشده، ومنه الحديث (2) رجل صلى معقوص الشعر
قال: يعيد " بل في كشف اللثام " أنه يقرب منه قول الفارابي والمطرزي في كتابيه أنه
جمعه على الرأس، قال المطرزي: وقيل: هو ليه وإدخال أطرافه في أصوله - قال في
الكشف -: هو قول ابن فارس في المقاييس - قلت: والفيومي في مصباحه كما قيل،
ثم قال -: قال المطرزي: وعن ابن دريد عقصت شعرها شدته في قفاها ولم تجمعه جمعا
شديدا " وفي العين " العقص أخذك من شعر فتلويها ثم تعقدها حتى يبقى فيها

(1) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
83

التواء ثم ترسلها " ونحوه المجمل والأساس والمحيط وإن خلا عن الارسال، ويقرب منه
ما في الفائق أنه الفتل، وما الصحاح أنه ظفره وليه على الرأس، وهو المحكي في تهذيب
اللغة والغريبين عن أبي عبيد إلا أنه قال: " ضرب من الظفر وهو ليه على الرأس " وفي
المنتهى " وقد قيل: إن المراد بذلك ظفر الشعر وجعله كالكبة في مقدم الرأس على
الجبهة، فعلى هذا يكون ما ذكره الشيخ حقا، لأنه يمنع من السجود " انتهى. وحكى
المطرزي قولا أنه وصل الشعر بشعر الغير.
قلت: لكن يرد على ما في المنتهى - مع أنه خلاف المعروف في تفسيره، ولعله
يريد بالقيل الصحاح - أنه خروج عن المسألة، ولا يختص بالرجل، ولا إشارة في كلام
الشيخ إلى ذلك، وإنما يتعارف مثل هذا العقص في النساء لا الرجال، ويخالف ظاهر
خبر الدعائم (1) كما أنه يمكن أن يرد على من فسره بمطلق الظفر ونحوه أنه مخالف
للسيرة المعلومة لكثرة استعمال ذلك من غير إنكار من العلماء والعارفين، بخلاف المحكي
عن ابن دريد، فإن خبر الدعائم قد يوافقه، بل يمكن إرجاع بعض التفسيرات السابقة
إليه لاطلاقها، والأمر سهل بعد أن عرفت عدم البطلان عندنا بذلك، والمتجه بناء عليه
اجتناب الجميع مع فرض عدم الشاهد على أحد المعاني السابقة للمقدمة على القول بقاعدة
الشغل مطلقا، أما على الأعم مطلقا أو بالنسبة إلى الشك في المانع فيحتمل الحكم بالصحة
تمسكا بالاطلاقات، وليس من الشبهة المحصورة التي يجب اجتنابها، ضرورة وجوب
الاقتصار فيها على المتيقن، وهو الاجمال في مصداق اللفظ مع العلم بتحقق مفهومه،
كالإناء النجس المشتبه بالطاهر، أما الاجمال في المراد من اللفظ والواقع وعدم العلم بتحقق
مفهوم المانع لو فعل أحد التفسيرات السابقة فلا، وفيه أن مقتضي وجوب الاجتناب
متحقق في الجميع من غير فرق كما هو واضح بأدنى تأمل، والله أعلم.

(1) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
84

(ويكره الالتفات) بالوجه (يمينا وشمالا) كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا
(والتثاؤب والتمطي والعبث ونفخ موضع السجود والتنخم وأن يبصق أو يفرقع أصابعه)
بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، إذ هو مقتضى الجمع بين النصوص (1) بعضها مع
بعض، بل هو المفهوم من بعضها (2) وإن كان بلفظ النهي كما لا يخفى على من لاحظها،
بل تضمنت النصوص (3) الزيادة على ذلك كالامتخاط وتحديث النفس ونحوهما، لكن
قيد في كشف اللثام البصاق بعد أن أضاف التنخم أيضا بعدم إخراج الحرفين، وعدم
الاضطرار إليهما لقراءة أو ذكر أو رفع صوت فيما يجب فيه للأخبار، ومنافاتهما الخشوع
ويجري في تقييده الأول ما تقدم سابقا من المناقشة في البطلان بأمثال هذه الحروف التي
لم تكن مقصودة ولا تعد حروفا وإنما هي شابهت أسماء أصواتها بالصورة فظن أنها
حروف، نعم لو فرض قصد ذلك فلا ريب حينئذ في التقييد المزبور، بل هو خروج
عما نحن فيه كما هو واضح، وأما التقييد بعدم الاضطرار فلا بأس به إذا كان المتوقف
قراءة واجبة أو ذكرا كذلك، بخلاف المندوبة فإنه حينئذ يفزع إلى الترجيح في اختيار
العمل بأحدهما.
ثم من المعلوم إرادة الاختياري من التثاؤب كي تتعلق به الكراهة، ودعوى
أنه ليس إلا اضطراريا لا شاهد لها، بل الوجدان يشهد بخلافها، وقول الرضا (عليه
السلام) في صحيح ابن أبي نصر (4): " التثاؤب من الشيطان، والعطسة من الله
عز وجل " وأبي عبد الله (عليه السلام) في الحسن كالصحيح (5) لما سئل " عن الرجل

(1) الوسائل - الباب - 11 و 12 و 14 و 32 - من أبواب قواطع الصلاة والباب 7 من أبواب السجود وصحيح البخاري ج 2 ص 78
(2) الوسائل - الباب - 11 و 12 و 14 و 32 - من أبواب قواطع الصلاة والباب 7 من أبواب السجود وصحيح البخاري ج 2 ص 78
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 9 و 5
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 4
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 4
85

يتثاءب ويتمطى في الصلاة قال: هو من الشيطان ولن يملكه " ونحوه غيره محمول على
إرادة قسم منه لا جميع أفراده، ولو سلم فمقدماته اختيارية، لأنه إنما يكون من ثقل
البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل والنوم، وإضافته إلى الشيطان لأنه الذي
يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها، فيرجع حينئذ إلى التحذير من السبب الذي يتولد منه،
وهو التوسع في الشبع بحيث يثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات، ويمكن أن يراد
من قوله: " ولن يملكه " أي الشيطان لا الانسان بمعنى أنه وإن كان منه إلا إنه لا يملكه
عليه بحيث يوقعه بلا اختيار، بل يحسن له مقدماته حتى يحصل منه، فتأمل جيدا،
فتكون شاهدة للمطلوب، والله أعلم.
(و) كذا يكره أن (يتأوه أو يأن بحرف واحد) لقربه من الكلام كما في
الذكرى، ودخوله في يسير العبث كما في الكشف، وخبر (1) قطع الصلاة بالأنين بناء
على إرادة ما لا يعد كلاما منه، فإن القطع حينئذ ليس إلا للكراهة، ومنه يعلم ما في
مناقشة المدارك بانتفاء ما يدل على كراهة ما ليس بكلام من الأنين، خصوصا مع التسامح
في الكراهة، والأمر سهل، هذا، وقد تقدم البحث سابقا في التأوه خوفا من الله.
(و) كذا يكره عند كل من يحفظ عنه العلم كما في المنتهى أن (يدافع البول
والغائط) فيكون بذلك الزبين الذي هو أحد الثمانية الذين لا يقبل الله منهم الصلاة،
ولقول الصادق (عليه السلام) في صحيح هشام (2): " لا صلاة لحاقن ولا حاقنة،
وهو بمنزلة من هو في ثيابه " وفي خبر الحضرمي (3) أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال: لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين " وغير ذلك، وظاهره الفساد

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 و 4
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 3
86

إلا أنه للأصل وحصر المبطل في غيره فيما تقدم من النصوص (1) وإطلاق صحيح
الفضيل بن يسار (2) في الغمز، وصحيح عبد الرحمان بن الحجاج (3) " سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه أيصلي
على تلك الحال أم لا؟ فقال: إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل
وليصبر " وغيره مضافا إلى ما يلوح من بعض نصوص النهي، والاجماع المحكي في
المنتهى على الصحة إن لم يكن المحصل وجب إرادة الكراهة منه، بل لو فرض حرمة
المدافعة المزبورة للضرر ونحوه كان المتجه الصحة على التحقيق من أن الأمر بالشئ
لا يقتضي النهي عن ضده وإن كان مقدمة المأمور به هنا الحدث المنافي للصلاة، حتى
أنه بسببه ربما يتخيل كونه كالخطاب بالقئ في الصوم مثلا، فإنه مبطل له وإن قلنا بعدم
اقتضاء النهي عن الضد، إذ الفرق بينهما في كمال الوضوح، لاعتبار الكف عن سائر
المفطرات في الصوم، ومع فرض وجوب أحدها لا يتصور الخطاب بالكف عنه،
بخلاف الصلاة فإنه لا يعتبر في صحتها التعبد بنية عدم الحدث فيها حتى ينافي الأمر
بالحدث، كما هو واضح.
ودعوى أنه وإن لم يكن المنافاة من هذه الحيثية إلا أنه لا ريب في حصولها عرفا
بين الأمر بالشئ والأمر بمانعه - إذ هو حينئذ كقوله: صل ولا تصل فحينئذ يتجه
البطلان متى أمر بالمانع كما أومأنا إليه سابقا في بيان وجه البطلان بقراءة العزيمة وإن
لم يسجد من أنه بمجرد القراءة يخاطب بالسجود المستلزم للبطلان الذي لا يجامعه الأمر
بالاتمام المتوقف عليه صحة الفعل - يدفعها أن مبناها أيضا عند التأمل على القول بأن

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 و 4
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 9
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
87

الأمر بالشئ يقتضي النهي عن الضد، وفرض المسألة على تقدير عدم القول بذلك،
ومن الواضح أنه بناء على ذلك لا يرجع حاصل المقام إلى ذلك، ضرورة كونه غير
مأمور إلا بحفظ النفس ودفع الضرر عنها، والفرض أنه توقف الآن على إبطال الصلاة
فمع عصيانه بذلك لم يترك من الصلاة شرطا ولا فعل فيها مانعا، فلا جهة حينئذ إلا
الصحة كما في سائر ما كان من هذا القبيل، كترك إنفاد الغريق وإطفاء الحريق وغيرهما
مما هو متوقف على فعل ما ينافي الصلاة من فعل كثير أو التفات أو نحوهما، بل الظاهر
أنه كذلك حتى لو كان المأمور به نفس الحدث لا ما كان مستلزما للحدث كالأمثلة
السابقة، فتصح صلاته مثلا وإن عصى بترك المأمور به بناء على عدم اقتضاء النهي عن
الضد، ولعل من ذلك العاصي بترك وطي زوجته بعد الأربعة أشهر لو صلى حال خطابه
به، والزوجة الناشزة لنحو ذلك أيضا لو صلت كذلك، وليس في ذلك تناف بين
الخطابين ولا قبح في التكليفين، نعم لو أمر بالصلاة وأمر بالمانع فيها اتجه ذلك، وليس
ما هنا من هذا القبيل، ضرورة كون الأمر بوطي الزوجة لا وطئها في أثناء الصلاة
وإنما اختار المكلف العصيان في ذلك الأمر والاتيان بهذا الأمر كإزالة النجاسة
عن المسجد وغيرها من الأوامر المضيقة التي يعدل عنها إلى أضدادها من الصلاة
وغيرها، فالتحقيق حينئذ بناء المسألة على تلك المسألة من غير فرق بين الأمر
بمستلزم المانع وبين المانع نفسه، إذ الأول إنما كان ضدا باعتبار استلزامه المانع، بل
لولا الفرق الذي ذكرناه بين الصوم وغيره أمكن دعوى انحصار البطلان فيه على القول
بالضد أيضا، بل قد يحتمل ذلك على تقدير الفرق المزبور أيضا، فيقال: إنه لا مانع
من نية التقرب بالصوم وإن كان مخاطبا بالقئ والجنابة ونحوهما، لكن ليس في الصوم
حتى يتنافا الخطابان، بل هو إنما خوطب بهما في حد ذاتهما، فإذا فرضنا العصيان
88

بترك امتثال ذلك الخطاب اتجه الصحة في التقرب بالصوم إلا على مسألة الضد.
ثم إنه قد يستفاد من قوله (عليه السلام): " فإنما هو بمنزلة من هو في ثيابه "
إلحاق باقي الأحداث بهما، ولعله لذا قال المصنف وغيره:
(و) مدافعة (الريح) وربما
يومي إليه صحيح الغمز (1) المزبور وغيره، مضافا إلى ما فيه من سلب الخشوع والاقبال
على الصلاة، بل قال غير واحد أيضا: ومدافعة النوم لبعض ما عرفت، والنهي عن
قرب الصلاة سكارى (2) المفسر بالنوم، قال (عليه السلام) في صحيح زرارة (3): " ولا تقم إلى
الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا فإنهن من خلال النفاق، فإن الله تعالى نهى
المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعني سكر النوم، وقال للمنافقين: وإذا
قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " (4) نعم قد
يفرق بين مدافعة النوم وغيره بأنه إذا دافعه بحيث حصل التوجه إلى العبادة كان إتيانا
بالعبادة على أفضل وجه باعتبار المشقة في مقدماتها، بخلاف مدافعة الأخبثين المنهى عنهما
لنفسهما لا من حيث الصلاة، فالمراد حينئذ بكراهة مدافعة النوم الاشتغال بالصلاة متناعسا
كما دل عليه الخبر المزبور (5) فإنه بذلك يكون كالسكران، وربما دعا على نفسه
في أثناء صلاته.
ثم لا يخفى أن المراد بكراهة مدافعة الأخبثين قبل الشروع في الصلاة مع سعة
الوقت والتمكن من التطهر بعد النقض كما نص عليه في كشف اللثام وغيره، ضرورة
أنه لا معنى للكراهة لو اتفق عروضها في أثناء الصلاة، لحرمة القطع، فلا بدل يعدل
المكلف إليه كي يخاطب بالكراهة حينئذ التي معناها مرجوحية هذا الفرد بالنسبة إلى

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(2) سورة النساء - الآية 46 - 141
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 5
(4) سورة النساء - الآية 46 - 141
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 5
89

العاري عنه، ولعل الأمر بالصبر في الصحيح السابق (1) شاهد على ذلك بناء على إرادة
العزيمة لا الرخصة، وكذا حال ضيق الوقت وحال عدم التمكن من التطهر بعد النقض،
واحتمال الالتزام بالكراهة في الأول - لاطلاق الأدلة وعموم المنزلة. فيجوز له القطع
حينئذ، بل هو الأفضل له، ولا ينافيه الأمر بالصبر المحمول على الإباحة، لأنه في مقام
توهم الحظر - يدفعه أنه لا دليل يعتد به يخرج به عما دل على حرمة قطع الصلاة وإبطالها
حتى الاطلاق المزبور، ضرورة انصرافه إلى غير ذلك كاطلاق الفتاوى، على أن
التعارض بينه وبين دليل الحرمة من وجه، ولا ترجيح له، بل الظاهر رجحان العكس
خصوصا مع ملاحظة غيره من المكروهات لو فرض عروضها في أثناء الصلاة، اللهم
إلا أن يقال: إن العمدة في دليل الحرمة الاجماع كما ستعرفه، والمتيقن منه غير هذا
الفرد، ولذلك كانت المسألة لا تخلو من إشكال وإن كان الأحوط ما قلناه.
ثم من المكروهات المذكورة في بعض النصوص (2) وكتب الأصحاب التكاسل
والتشاغل والغفلة واللهو والاحتفاز أي الاستعجال مستوفزا كان أولا، والاكتمام
والامتخاط والتنخم والصلب أي وضع اليد على الخاصرة أو مجافاة، والصفد في القيام كما
في مختصر النهاية، والصفد أي الاقران بين القدمين معا كأنهما في قيد كما في المختصر
المزبور أيضا، لكن في البيان أن المكروه جمع القدمين وشد اليدين، وحينئذ حمل
الصفد عليه أولى، ومنه المقرنين بالأصفاد، والصفن أي الجمع بين القدمين كما في المختصر
أيضا، وعليه يتحد مع سابقة، لكن قال: وقيل: هو ثني القدمين إلى ورائه كما يفعل
الفرس إذ أثنى حافره، وعليه يكون غيره، ولعل منه الصافات، وفي المنظومة:

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 3 و 5 و 9 والباب 2
منها - الحديث 6 والباب 3 منها - الحديث 1 وصحيح البخاري ج 2 ص 78
90

أو حازقا أو حاقبا أو حاقنا * أو صالبا أو صافدا أو صافنا
وهو صريح في المغايرة، والتخصر قال في المختصر المذكور: قيل أن يأخذ بيده
عصا يتكي عليها، وقيل أن يقرأ من آخر السورة آية أو آيتين، وقيل أن يضع يده على
خصره، ومنه الاختصار راحة أهل النار أي أنه فعل اليهود في صلاتهم، وهو أهل
النار، وفي المنظومة
ولا تخصر فهو كبر وسئم * قد عذب الله به بعض الأمم
وأنه التورك الذي منع * نوع من الصلب ومنعه سمع
ومقتضاه أنه وضع اليد على الخاصر معتمدا على أحد وركيه، ونحوه ما عن
المنتهى من أن التورك المكروه في الصلاة أن يعتمد بيديه على وركيه، وهو التخصر،
لكن في البيان " والتخصير وهو الاعتماد على الخصر، والتورك وهو الاعتماد على الورك
وفي المحكي عن النفلية " أن التورك الاعتماد على إحدى الرجلين تارة وعلى الأخرى
أخرى، والتخصير يقبض خصره بيده ".
قلت: لعل الأولى اجتناب الجميع وإن كنا لم نعثر في أخبارنا إلا على النهي
عن التورك، وقال البزنطي في المحكي عن جامعة بعد أن روى النهي عنه: " فإنه بلغني
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن قوما عذبوا لأنهم كانوا يتوركون تضجرا بالصلاة "
وقال الصدوق في المحكي من فقيهه: " ولا تتورك فإن الله عز وجل قد عذب قوما على
التورك، كان أحدهم يضع يديه على وركيه من ملالة الصلاة " وعن الأزهري " أن
التورك المكروه هو أن يضع يديه على وركيه في الصلاة وهو قائم " وعن الجزري يكره
أن يسجد الرجل متوركا، وهو أن يرفع وركيه إذا سجد حتى يفحش في ذلك،
وقيل أن يلصق أليتيه بعقبيه في السجود، إلى غير ذلك.

(1) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 5
91

ومنها تشبيك الأصابع وتغميض البصر وإطلاقه، بل ينبغي أن يخشع بها كهيئة
المغمض، فلا يحدد بصره نحو شئ، ولا يرفعه للسماء والتصفيق باليد للحاجة، إلا أن
الظاهر اختصاصه بالرجال دون النساء، وحديث النفس بما تهم به من أمور الدنيا،
ونعم ما قال العلامة الطباطبائي:
إياك فيها من حديث النفس * وهم ما تغدو له وتمسي
وإنه أعظم شئ وأشد * وقل ما يسلم من ذاك أحد
أما التفكر في معاني كلام الله ففي البيان أنه لا يكره خلافا للراوندي ما لم يسلب
الخشوع، ومنها التحشي والتنحنح وغيرهما من كل ما هو من خلال النفاق أو سئ
الآداب والأخلاق وكل منافر للعبادة ومعاب فيها ومنافي الخشوع المطلوب فيها، وكل
مشعر بالتكبر أو الغفلة فضلا عنهما نفسهما، بل لعل الحكمة في كثير مما ورد النهي عنه
فيها شئ من ذلك، نعم بعضه لا يعلم سره إلا الله، وكان عدم تعرض المصنف وغيره
لبعضها هنا لعدم تعلق الكراهة بها في جميع أحوال الصلاة، بل هي في بعض أحوال الصلاة
كالقيام وغيره، والمراد هنا ذكر المكروه في جميع أحوال الصلاة، وإلا فقد ذكر بعض
مكروهات تلك الأحوال عند البحث عنها، والأمر سهل.
وكيف كان فمنها كما ذكره غير واحد لبس الخف الضيق، لما في خبر إسحاق
ابن عمار (1) المروي عن معاني الأخبار والمجالس عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ولا لحازق فإن الحاقن الذي به البول، والحاقب الذي به
الغائط والحازق الذي ضغطه الخف " مضافا إلى ما في المدارك من أن في لبسه سلبا
للخشوع ومنعا للتمكن من السجود، فقول المصنف حينئذ: (وإن كان خفه ضيقا
استحب له نزعه لصلاته) مشعرا بعدم كونه من المكروهات ولذا عدل عن ذكره في
سلكها إلى ما سمعت في غير محله.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 5
92

وعلى كل حال فمن أشد ما يراد فيها أيضا ترك الوسوسة التي هي من مصائد
الشيطان وخدعه، ومتى أطيع في شئ منها تعود على ذلك، فينبغي للعاقل عدم الالتفات
إلى شئ منها، وأن يبني على الصحة في جميعها كي لا يبلغ عدوه مراده منه، كما أنه لا بد
فيها من ترك العجب والادلال المانعين من قبولها، بل أجاد العلامة الطباطبائي في قوله:
والذنب خير من صلاة المعجب * إذ لم يسئه ما به كالمذنب
وكذا لا بد من اجتناب سائر حوابس الصلاة كمنع الزكاة والحقوق الواجبة
والنشوز والإباق والحسد والكبر والغيبة وأكل الحرام وشرب المسكر، بل جميع المعاصي
لحصر القبول من المتقي الذي لا يصدق إلا مع اجتناب جميع ذلك، وفي مرفوع البرقي (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثمانية لا يقبل
الله لهم صلاة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مولاه، والناشز عن زوجها وهو عليها
ساخط، ومانع الزكاة، وتارك الوضوء والجارية المدركة تصلي بغير خمار، وإمام قوم
يصلي بهم وهم له كارهون، والزبين، قالوا: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما
الزبين؟ قال: الذي يدافع البول والغائط، والسكران، فهؤلاء ثمانية لا تقبل منهم صلاة ".
(مسائل أربع)
(الأولى إذا عطس الرجل في الصلاة استحب له أن يحمد الله) عند علمائنا
وأكثر العامة، وهو المراد بالجواز في المنتهى وغيره يجوز للمصلي أن يحمد الله تعالى إذا
عطس ويصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) وأن يفعل ذلك إذا عطس غيره، وهو
مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وهو الحجة في العطاس وسماعه، مضافا إلى أنه ذكر

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 6
93

ودعاء لا تمنع عنهما الصلاة، فيبقى ما دل على الأمر بهما من النصوص (1) على إطلاقه
وإلى خصوص صحيح الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام) " إذا عطس الرجل في
صلاته فليحمد الله " وخبر أبي بصير (3) " قلت له: أسمع العطسة فأحمد الله وأصلي
على النبي (صلى الله عليه وآله) وأنا في الصلاة قال: نعم، وإذا عطس أخوك وأنت
في الصلاة فقل: الحمد لله وصل على النبي وآله وإن كان بينك وبين صاحبك اليم "
بل لا بأس أن يزيد حمدا كثيرا كما هو أهله واضعا يده على قصبة أنفه وإن كان في
الصلاة أيضا، عملا باطلاق خبر الحسن بن راشد (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله
وصلى الله على محمد وآله وسلم خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر
من الذباب حتى يصير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة ".
كما أنه لا بأس أيضا بزيادة رب العالمين مع ذلك، أو بدونه وزيادة لا شريك
له أيضا كذلك، لمرسل ابن أبي عمير (5) قال: " عطس رجل عند أبي جعفر (عليه
السلام) فقال: الحمد لله فلم يسمته أبو جعفر (عليه السلام) وقال: نقصتنا حقنا، ثم
قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته،
قال: فقال الرجل، فسمته أبو جعفر (عليه السلام) " وقال (عليه السلام) أيضا في
خبر محمد بن مسلم (6): " إذا عطس الرجل فليقل: الحمد لله لا شريك له، وإذا
سمت الرجل فليقل: يرحمك الله، وإذا رددت فلتقل: يغفر الله لك ولنا، فإن

(1) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 0 - 4 - 1 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 0 - 4 - 1 من كتاب الحج
(5) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 0 - 4 - 1 من كتاب الحج
(6) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 2 من كتاب الحج
94

رسول الله (صلى الله عليه وآله) سئل عن آية أو شئ فيه ذكر الله فقال: كلما ذكر
الله فيه فهو حسن " وفي خبر مسمع (1) قال: " عطس أبو عبد الله (عليه السلام) فقال:
الحمد لله رب العالمين، ثم جعل إصبعه على أنفه فقال: رغم الله أنفي رغما داخرا ".
فجمع ما في جميع هذه النصوص إن لم يخل بموالاة القراءة مثلا حسن، كالاقتصار
على ما في بعضها، ولا يتعين كيفية خاصة منها، وقوله (عليه السلام): " نقصتنا حقنا "
محمول على التأديب أو التعريض بالعامة كما يكشف عنه خبر جابر (2) عنه (عليه السلام)
أيضا، قال: " قال: نعم الشئ العطسة تنفع في الجسد وتذكر الله تعالى، قلت: إن
عندنا قوما يقولون: ليس لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في العطسة نصيب فقال:
إن كانوا كاذبين فلا أنالهم الله شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله) أو غير ذلك لا أنه
شرط في ذلك، ولعل ترك المصنف ومن ماثلة تنبيها على ذلك، بل لا يبعد عدم
اختصاص التحميد بذلك، بل يكفي مطلق الذكر بناء على أنه المراد من ذيل الخبر
المتقدم بمعنى أنه سئل (عليه السلام) عن آية مخصوصة أو شئ فيه ذكر الله يقال عند
العطسة فقال: " كلما " إلى آخره، ويؤيده أن المحكي عن نسخة المازندراني روايته " أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) سئل عن آية تقال عند العطسة أو شئ فيه ذكر الله "
إلى آخره. ولعل هذا أولى مما فهمه منه في الحدائق من أن المسؤول عنه آية معينة أو
ذكر معين يقال عند التسميت أورده، ضرورة إرادة الدعاء من تسميت العاطس ورده
كما ستعرف لا أنه يكفي فيه ذكر الله وإن لم يكن بلفظ الدعاء كما هو مقتضى الخبر
المزبور، والله أعلم.
(وكذا إذا عطس غيره يستحب له تسميته) إذا كان مؤمنا بلا خلاف أجده

(1) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 3 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 3 من كتاب الحج
95

فيه، فإن المصنف وإن تردد فيه في المعتبر لكن قال: إن الجواز أشبه بالمذهب، وهو
كذلك للأصل، ولأن التسميت الدعاء للعاطس، وهو غير ممنوع في الصلاة، فيبقى
إطلاق الأمر به حينئذ على حاله من غير تقييد، وخبر غياث (1) المروي عن مستطرفات
السرائر عن جعفر (عليه السلام) " في رجل عطس في الصلاة فسمته رجل فقال:
فسدت صلاة ذلك الرجل " مع ضعفه وظهوره في فساد صلاة العاطس الذي هو غير
معقول معرض عنه بين الأصحاب فلا يصلح للتقييد، خصوصا مع موافقته لمذهب
الشافعي وبعض العامة، واحتمال أنه باعتبار كاف الخطاب من كلام الآدميين - أو لأنه
تحيته كما تسمعه من خبر الخصال (2) ويشهد له ما رواه العلامة في التذكرة عن معاوية
ابن الحكم الشامي (3) قال: " صليت خلف النبي (صلى الله عليه وآله) فقلت: يرحمك
الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وما شأنكم تنظرون إلي، قال: فجعلوا يضربون
بأيديهم على أفخاذهم، فعرفت أنهم يصمتوني، فلما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الآدميين " - يدفعه - مع ضعف
الخبرين، بل الثاني من طرق العامة، لأنه قد ذكر مستندا للشافعي مع احتمال أو ظهور
الانكار عليه، وقول النبي (صلى الله عليه وآله) لكلامه الثاني لا الأول - أنه دعاء لغة
وعرفا وشرعا وليس من التحية قطعا، على أنها لا تنافي الدعاء إلا إذا خرج عن قصد
الدعائية ولم يكن ملاحظا إلا التحية وهو ممنوع في المقام كمال المنع فتردد المصنف به حينئذ
من ذلك أو من جهة خلو النصوص عنه بالخصوص في غير محله، إذ قد عرفت كفاية

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 3 من كتاب الحج
(3) سنن أبي داود ج 1 ص 336 - الرقم 93 " باب تسميت العاطس في الصلاة "
لكن رواه عن معاوية بن حكم السلمي
96

الأصل والاطلاقات فيه، لأنه من الدعاء، قال في الصحاح: " تسميت العاطس أن
يقول له: يرحمك الله بالسين والشين جميعا " قال تغلب: " الاختيار بالسين، لأنه
مأخوذ من السمت، وهو القصد والمحجة " وقال أبو عبيد: " الشين أعلى في كلامهم
وأكثر " وقال أيضا: " تسميت العاطس دعاء، وكل داع لأحد فهو مشمت ومسمت "
وعن النهاية " التسميت بالسين والشين الدعاء بالخير والبركة، والمعجمة أعلاهما " وفي
المحكي عن المصباح المنير وفي مختصر النهاية " التسميت الدعاء، ومنه تسميت العاطس "
وعن المصباح " تسميت العاطس الدعاء له، والشين المعجمة مثله " وعن التهذيب " سمته
بالسين والشين دعا له " وقال أبو عبيدة: " الشين أعلى وأفشى " وقال تغلب: " السين
المهملة هي الأصل أخذا من السمت، وهو القصد والهدى والاستقامة، وكل داع بخير
فهو مسمت أي داع بالعفو والبقاء إلى سمته " وعن تعليق النافع " التسميت بالمهملة
الدعاء لأمور الدنيا، وبالمعجمة لأمور الآخرة " ولم أجده فيما وصلنا من كلام أهل
اللغة، بل قد سمعت ما ظاهره خلافه، وفي خبر جراح المدائني (1) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " للمسلم على أخيه من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه - إلى أن قال -: ويسمته
إذا عطس يقول: الحمد لله رب العالمين لا شريك له، ويقول له: يرحمك الله فيجيبه يهديكم
الله ويصلح بالكم " وفي المروي (2) عن الخصال عن أبي جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين
(عليهم السلام) " إذا عطس أحدكم فسمتوه قولوا: يرحمك الله، وهو يقول: يغفر
الله لكم ويرحمكم، قال الله عز وجل (3): وإذا حييتم " إلى آخره. وفي الصحيح أو
الحسن (4) " كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا عطس فقيل له: يرحمك الله قال:

(1) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 1 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 3 - 1 من كتاب الحج
(3) سورة النساء - الآية 88
(4) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 3 - 1 من كتاب الحج
97

يغفر الله لكم ويرحمكم، وإذا عطس عنده إنسان قال: يرحمك الله " مضافا إلى ما سمعته
سابقا من النصوص السابقة المتضمنة للتسميت.
نعم قيده في المنتهى وكشف اللثام بما إذا كان مؤمنا، ومقتضاه عدم الجواز أو
الاستحباب إذا لم يكن كذلك، ولعله لظهور النصوص في ذلك، خصوصا التي (1)
جعلته من حقوق الأخوة، ولفظ المسلم في بعضها (2) مراد منه المؤمن كما في كثير من
المقامات لا ما يشمل غير المؤمن، على أن الدعاء بالرحمة لغير المؤمن غير جائز، لكن
عن الأردبيلي والخراساني احتمال الجواز، ولعله للاطلاق الذي لا ينافيه غيره، وجواز
الدعاء بالهداية ونحوها للمخالف، وبه يكون تسميتا، إذ لا يختص هو بذلك كما سمعت
بل لا بأس بالدعاء بالرحمة إذا أريد منها ذلك، ولمرسل عبد الرحمان بن أبي نجران (3)
قال: " عطس رجل عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له القوم: هداك الله فقال له
أبو عبد الله (عليه السلام): يرحمك الله فقالوا له: إنه نصراني فقال: لا يهديه الله حتى
يرحمه " واحتمال مراده (عليه السلام) المنع من تسميته بالهداية أيضا وأنه ليس أهلا
لذلك لأن الهداية مستلزمة للرحمة كما في الحدائق كما ترى، على أنه لا داعي له، إذ ما
تضمن من النصوص عده من الحقوق ونحوه ليس فيها دلالة على منع غيره وإن لم يكن
من الحقوق، كما هو واضح.
والظاهر عدم اشتراط التسميت بتحميد العاطس وصلاته على النبي (صلى الله
عليه وآله) لاطلاق كثير من النصوص، وخبر النقصان (4) محمول على تأكد الندب
كغيره مما يوهم التقييد، حتى العامي (5) " إنه عطس عند النبي (صلى الله عليه وآله)

(1) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 1 - 4 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 1 - 4 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 65 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 1 من كتاب الحج
(4) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 1 من كتاب الحج
(5) صحيح البخاري ج 8 ص 61
98

رجلان فسمت أحدهما ولم يسمت الآخر، فقال الذي لم يسمته عطس فلان فسمته
وعطست أنا فلم تسمتني قال: إن هذا حمد الله وأنت لم تحمد الله ".
ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى أن استحبابه عيني لا كفائي وإن كان ربما حكي
عن التذكرة ذلك، إلا أني لم أجده فيها، ولعل وجهه أنه من التحية التي من المعلوم
كفائية وجوبها، وعليه بنى وجوب الرد في الحدائق وتردد فيه في المحكي عن الروض
والذخيرة، لكن فيه أن العرف واللغة على خلافه بل والشرع، والخبر المزبور محمول
على ضرب من التجوز والتشبيه، نحو قوله (عليه السلام) في المروي (1) عن المناقب
لابن شهرآشوب " جاءت جارية للحسن (عليه السلام) بطاق ريحان فقال لها: أنت حرة لوجه الله
فقيل له في ذلك فقال: أدبنا الله تعالى إذا حييتم بتحية (2) - إلى آخره - وكان أحسن
منها عتقها " وغيره مما هو مراد من التحية فيه مقابلة الاحسان بالاحسان، ومنه يعلم
حينئذ عدم وجوب الرد وفاقا لجامع المقاصد وغيره، للأصل السالم عن المعارض، نعم
هو جائز ومستحب كالتسميت وإن كان في الصلاة، والظاهر عدم تعيين كيفية خاصة
لهما، وإن كان الأحوط الاقتصار على ما سمعته في النصوص.
وفي استحباب التسميت للصبي المميز إشكال، من انسياق البالغ، ومن خبر
السكوني (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " عطس غلام لم يبلغ الحلم عند النبي (صلى الله
عليه وآله) فقال: الحمد لله، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): بارك الله فيك " وقد
يقال: إنه لم يرد به التسميت بل الدعاء للغلام حيث أنه حمد الله بعد العطاس.
ولو سمته جماعة على الاقتران أو التعاقب كان الأولى الرد على كل واحد، وفي

(1) البحار - ج 18 ص 204 من طبعة الكمباني
(2) سورة النساء - الآية 88
(3) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 2 من كتاب الحج
99

الاجتزاء برد واحد للجميع وجه تشهد له السيرة والصدق العرفي، فيخرج عن مقتضى
قاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب، مع إمكان دعوى أن المسبب هنا ما يصدق على الفرض
ضرورة صدق الرد على الجميع، وكيف كان فالمراد باستحباب التسميت والحمد مثلا هو
الثابت في غير حال الصلاة، وخص بالذكر فيها لاحتمال منعها عنه، ويمكن أن يكون
لحال الصلاة مدخلية في شدة استحبابه كما هو مقتضى عبارات الأصحاب، بل لا يخلو
من قوة في التحميد لما سمعته من النصوص الخاصة فيه بخلاف التسميت، فتأمل، والله أعلم.
المسألة (الثانية إذا سلم عليه) وهو في الصلاة من يرد سلامه (يجوز أن يرد)
عليه (مثل قوله: سلام عليكم، ولا يقول وعليكم السلام على رواية (1)) بلا خلاف
أجده في عدم مانعية الصلاة ناقلة كانت أو فريضة من رد السلام، بل الاجماع بقسميه
عليه، والنصوص (2) مستفيضة فيه إن لم تكن متواترة، بحيث لا يصلح لمعارضتها ما في
خبر مسعدة بن صدقة (3) المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهم السلام)
قال: " لا تسلموا على اليهود والنصارى - إلى أن قال -: ولا على المصلي لأنه لا يستطيع
أن يرد السلام، لأن التسليم من المسلم تطوع والرد فريضة، ولا على آكل الربا، ولا
على رجل جالس على غائط، ولا على الذين في الحمام " من وجوه عديدة، وبها والاجماع
المزبور يقيد النهي (4) عن كلام الآدميين في الصلاة، بناء على أن ذلك منه، على
أن التعارض بينه وبين ما دل على وجوب رد التحية تعارض العموم من وجه، ولا ريب
في رجحان الثاني بالنصوص المخصوصة المعمول بها بين الأصحاب المعتضدة بالاجماعات

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 وفي الوسائل
مصدق بن صدقة والصحيح ما أثبتناه كما في الخصال ج 2 ص 82 من طبع القديم
(4) سنن أبي داود ج 1 ص 336 - الرقم 930 " باب تشميت العاطس في الصلاة "
100

المحكية، ومنه مع ظهور جميع نصوص المقام يعلم وجوب الرد لا جوازه بالمعنى الأخص
وإن عبر به المصنف وغيره حتى قال في التنقيح: " الأكثر على أنه أي الرد جائز،
وليس في عباراتهم ما يشعر بالوجوب " وفي كشف اللثام " لم يتعرض غير المصنف
للوجوب " وفي الذكرى " ظاهر الأصحاب مجرد الجواز " بل الظاهر أنهم أرادوا
بيان شرعيته في مقابلة من أنكرها من العامة، ويبقى الوجوب معلوما من القواعد كما
اعترف به غير واحد، ولقد أجاد في المسالك في قوله: " إن كل من قال بالجواز قال
بالوجوب " وفي مجمع البرهان " كأنه على تقدير الجواز يجب كما يفهم من عباراتهم
وأدلتهم كالآية الشريفة (1) ونحوها " إلى آخره، على أن الوجوب في معقد إجماع
الانتصار وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والمحكي من شرح المفاتيح ومعقد نفي الخلاف
في الحدائق والمحكي من الذخيرة، وعن كشف الالتباس " يجب عليه الرد لفظا عند
علمائنا وإن كان المسلم صبيا أو أجنبية يحل نكاحها " وهو أيضا ظاهر عبارة المبسوط
والخلاف صريح الفاضل وأكثر من تأخر عنه أو جميعهم.
إنما البحث في كيفية الرد، والمشهور نقلا وتحصيلا أنه بالمثل، بل في المدارك
وعن غيرها أنه قطع بذلك الأصحاب، بل في الانتصار والخلاف الاجماع عليه، بل
لا أجد في ذلك خلافا إلا من الحلي، فجوزه بعليكم السلام فضلا عن غيرها كما ستعرف
ومال إليه الفاضل في المختلف كما قيل، والأردبيلي في مجمعه، ولا ريب في ضعفه لما عرفت
ولصحيح ابن مسلم (2) قال: " دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وهو في الصلاة
فقلت: السلام عليك فقال: السلام عليك، فقلت: كيف أصبحت فسكت، فلما
انصرف قلت: أيرد السلام وهو في الصلاة؟ فقال: نعم مثل ما قيل له " وصحيح

(1) سورة النساء - الآية 88
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
101

منصور بن حازم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إذا سلم عليك الرجل وأنت
تصلي قال: ترد عليه خفيا كما قال " بل موثق سماعة (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " سألته عن الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة قال: يرد بقوله: سلام عليكم ولا
يقول وعليكم السلام، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قائما يصلي فمر به عمار
ابن ياسر فسلم عليه فرد عليه هكذا ".
والمناقشة في سنده ضعيفة كما حررناه في الأصول كالمناقشة في متنه بأن مقتضاه
تعين الصيغة المزبورة وإن كانت التحية بغيرها، وهو مناف لاعتبار المثل، ضرورة
عدم مدخلية ذلك فيما نحن فيه من عدم جواز الرد بعليكم السلام، مع أنه يمكن تنزيل
الموثق على إرادة بيان ذلك فيكون ذكره لخصوص سلام عليكم مبنيا على الغالب
المتعارف من كون التحية سلام عليكم، فيكون ذلك حينئذ مثلها، ومعارضة ذلك باحتمال
تنزيل خبري المثل على خصوص هذه الصيغة للتعارف المزبور مؤيدا بأنها صيغة قرآنية
فترجح على غيرها باحتمال عدم منافاتها الصلاة لأنها قرآن لا ينافيه إرادة الرد منه يدفعه
- مع وضوح أولوية الأول منه من وجوه - ما تضمنه صدر الصحيح الأول من الفعل،
وما تسمعه من الصحيح الآخر (3).
ومنه يعلم ما في المحكي عن المعتبر من أنه لو سلم عليه بغير " سلام عليكم " لم يجز
الرد، ولو دعا له وكان مستحقا وقصد الدعاء لا الرد لم أمنع منه، والمنتهى والتحرير من
التردد فيه، ضرورة ظهوره أو صراحته في وجوب الرد فضلا عن جوازه وإن لم يكن
بالصيغة المزبورة كما هو مقتضى إطلاق غيره من النصوص ومعقد الاجماع، فلا محيص
حينئذ عن تنزيل الموثق المزبور على ذلك كجملة من عبارات الأصحاب خصوصا نحو

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 3 - 2 - 5
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 3 - 2 - 5
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 3 - 2 - 5
102

عبارة المتن المذكور فيها الصيغة المزبورة مثالا للمثل، وكصحيح ابن مسلم الآخر (1)
أيضا المروي في الفقيه، قال: " سأل محمد بن مسلم أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل
يسلم على القوم في الصلاة فقال: إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه، تقول:
السلام عليك وأشر بأصابعك " فإنه يجب أيضا أن يراد منه تعيين القول المزبور إذا
كانت التحية كذلك، فيخرج بذلك عن إطلاق ما دل (2) على جواز الجواب بغير
المثل في غير الصلاة حتى الأحسن فضلا عن غيره، واحتمال تنزيل الخبرين المزبورين
على إرادة وجوب المثل بالنسبة إلى الأدنى لا الأحسن تهجس بلا شاهد، بل هو اجتهاد
في مقابلة النص.
فما وقع من المدارك تبعا لأستاذه من جواز الجواب بالأحسن في غير محله،
كالمحكي عن الحلي من جواز الجواب بكل من سلام عليكم أو السلام عليكم أو عليكم السلام
بأي صيغة كانت التحية منها، إذ فيه طرح للأدلة السابقة بلا مستند صالح لذلك، مع
أنه قد يمنع عليه أيضا كون الأخيرة من صيغ ابتداء التحية، بل هي ردها، والمعروف
في ابتدائها السلام وسلام عليك والسلام وسلام عليكم، والأولى هي التي سلم بها محمد
ابن مسلم على أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح السابق وأجابه هو بها، فمن الغريب
تركها وإثبات عليكم السلام، وإن كان ربما تبعه على الثاني بعض الناس، بل ربما نسب
إلى ظاهر الأصحاب إلا أنا لم نتحققه كما اعترف به في المحكي من الذخيرة، بل في
التذكرة " لو قال: عليك السلام لم يكن مسلما إنما هي صيغة جواب " ونحوه ما عن
الموجز وكشفه، وبه جزم في الحدائق، وهو الموافق للوارد في النصوص، وفي النبوي

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج
103

العامي (1) " أنه قال لمن قال له: عليك السلام يا رسول الله: لا تقل: عليك السلام
تحية الموتى إذا سلمت، فقل: سلام عليك يقول الراد: عليك السلام " وإطلاق التحية
والسلام منزل على المتعارف منه، وهو الصيغ الأربع المذكورة عندنا دون غيرها،
لأصالة براءة الذمة من وجوب الرد ونحوه من أحكام التحية، هذا.
ولكن الانصاف أن المسألة لا تخلو من إشكال، لاطلاق أدلة التحية والسلام
من غير تقييد في النصوص وإن كان الذي وقع غير الصيغة المزبورة، فإن ذلك لا يصلح
مقيدا للمطلق، قال في المحكي عن القاموس: " التحية السلام " وفي المغرب " حياه
بمعنى أحياه تحية كبقاه بمعنى أبقاه تبقية، هذا أصلها ثم سمي ما حيي به من سلام ونحوه
تحية، قال الله تعالى (2): " تحيتهم يوم يلقونه سلام " وحقيقة حييت فلانا أي قلت:
حياك الله أي عمرك الله " وعن الطبرسي التحية السلام، قال: حيي يحيي تحية إذا سلم،
إلى غير ذلك مما هو ظاهر في كون التحية مطلق السلام، على أن النصوص ظاهرة في
وجوب رد السلام، وهذا منه لصدق السلام عليه قطعا، ودعوى التعارف المزبور على
وجه تنصرف هذه الاطلاقات جميعها إلى الصيغ المزبورة يمكن منعها، وحينئذ لو سلم بها
وجب الرد بمثلها للنصوص السابقة التي لا ينافيها الموثق المزبور بعد تنزيله على ما عرفت
فاحتمال عدم جوابها وإن كانت تحية لظهور النصوص في المقام في جواب غيرها من
التحية أو وجوب جوابها بالعكس لاطلاق الأدلة السابقة لا يخلو من ضعف كما عرفت.
ومن ذلك يعلم حينئذ وجه تردد الخراساني في وجوب رد سلاما وسلام وسلامي

(1) سنن أبي داود - ج 2 ص 644 المطبوعة عام 1371 كتاب الأدب باب " كراهية
أن يقول: وعليك السلام " مع زيادة في الجواهر
(2) سورة الأحزاب - الآية 43
104

والسلام ونحوها، بل عن ابن إدريس الجزم بعدم وجوب الرد بغير ما سمعته منه، وتبعه
في ذلك في الحدائق، إلا أنه حصر وجوب الرد في الأربعة التي ذكرناها، قال: لأنه
القدر المعلوم من الأخبار، والحكم باشتغال الذمة يحتاج إلى دليل قاطع، وليس فليس،
وصدق التحية عرفا مقيد بالأخبار، إذ الحكم شرعي لا عرفي ليكون مناطه العرف،
قلت: لم أجد في النصوص ما يقتضي التقييد، والحكم الشرعي معلق على التحية والسلام
الصادقين على ذلك عرفا كما عرفت.
نعم لو كانت التحية بلفظ الصباح والمساء ونحوهما مما ليس بسلام اتجه عدم
وجوب الرد، للأصل وعدم صدق التحية والسلام، ولو رد عليه بلفظ السلام ونحوه
مع قصد الدعاء جاز، بل وإن ضم إليه مع ذلك قصد الرد، لعدم خروجه به عن القصد
الأول، أما لو قصد الرد خاصة بطلت صلاته، خلافا لمحتمل البيان وظاهر المسالك،
قال فيها: " ولو قال: سلام عليك جاز الرد بمثله والمعهود أي سلام عليكم، ولو سلم
بغير ذلك كما لو عكس أو عرف السلام أو غير ذلك لم يتعين الرد بلفظ السلام، وهل
يجوز إجابته؟ قيل: لا إلا أن يقصد الدعاء ويكون مستحقا، والأجود الرد عليه
بالدعاء أو بالسلام المعهود، لكونه تحية عرفا كتحية الصباح والمساء " وفيه نظر من
وجوه، أحدها ما عرفته من عدم وجوب رد التحية بالصباح والمساء الذي لا دليل عليه
بعد أن عرفت أن المراد من التحية السلام، ثانيها حصره وجوب الرد بلفظ السلام في
الصيغتين المزبورتين، إذ هو مناف لاطلاق النصوص والفتاوى، بل وصريح صحيح
محمد بن مسلم (1) السابق المشتمل على التسليم بالمعرف، ثالثها ما سمعته من البحث في
التحية بعليكم السلام التي أشار إليها بالعكس، رابعها قد يمنع عليه التخيير في رد سلام
عليك بين المثل والسلام المعهود، لظهور المثل بخلافه، وما عن الروض - من أنه لا يقدح

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
105

فيه زيادة الميم في عليكم في الجواب لمن حذفه، لأنه أزيد دون العكس - يدفعه ما سمعته
من أن الواجب المثل دون الأدنى والأحسن، والجواز في غير الصلاة لا يستلزم الجواز
فيها بعد حرمة القياس عندنا، اللهم إلا أن يقال: إن المراد بالمثل في النص والفتوى
الكناية عن عدم جواز خصوص عليكم السلام، وإلا فكل الصيغ يجوز إبدال بعضها
ببعض، إذ الكل متماثلة في تقديم المبتدأ، بل لعل ذلك هو ظاهر عبارة الفاضل في
القواعد لاطلاقه الرد بغير عليكم السلام، بل لعله هو مقتضى التأمل في عبارات
الأصحاب، ضرورة ظهورها في أن محط النظر عدم جواز عليكم السلام، فيكون ذكر
بعضهم لخصوص سلام عليكم مثالا لنحوه من الصيغ وتأكيدا في عدم جواز العكس.
ثم المعلوم بلا خلاف أجده كما اعترف به في الحدائق نصا وفتوى بل في التذكرة
الاجماع عليه كفائية وجوب الرد لا عينيته، وعليه السيرة القاطعة بمعنى أنه يجزي الرد
من واحد ممن هو داخل في السلام لا أنه يجزي غيره، بل في الحدائق " وكذا
استحباب الابتداء به كفاية لا عينا " ولعله لقول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن
بكير (1): " إذا مرت الجماعة بقوم أجزأ عنهم أن يسلم واحد منهم، وإذا سلم على
القوم وهم جماعة أجزأهم أن يرد واحد منهم " وقد يشكل بأن مقتضاه حينئذ سقوط
الاستحباب حينئذ للثاني والثالث، وهو مناف لما دل على الحث على السلام، فيمكن أن
يراد من الاجزاء في الخبر المزبور سقوط شدة التأكد لا أصل الاستحباب، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فالظاهر وجوب الرد لعدم التلازم بين سقوط استحبابه وبين
عدم (2) كونه تحية يجب ردها وإن لم يكن ذلك مستحبا، ومنه يعلم وجوب رده لو اقترن

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 3 من كتاب الحج
(2) ليس في النسخة الأصلية لفظة " عدم " والصحيح ما أثبتناه أو تبديل لفظة
" التلازم " بكلمة " التنافي " كما لا يخفى على المتأمل
106

بما يفسد استحبابه من رياء ونحوه، بل يمكن دعوى وجوب رده وإن كان ملحونا بما
لا ينافي صدق اسم السلام عليه لصدق التحية، نعم لا تعتبر المثلية هنا، بل لا تجوز بل
يرده عليه صحيحا، لكن قال في المحكي من شرح المفاتيح للأستاذ الأكبر: " لو سلم
عليه سلاما ملحونا فالأحوط الرد بصورة الآية أي قاصدا مع ذلك القرآنية " وفيه
إشعار بالتردد في الحكم، ووجهه واضح.
وكيف كان فهل يسقط وجوب الرد برد الصبي المميز؟ الظاهر العدم وإن قلنا
بشرعية عبادته، وفاقا للمدارك وخلافا لغيره، للأصل السالم عن معارض دليل الكفائية
الذي يجب فيه الاقتصار على المتيقن، وهو قيام فعل المكلف عن غيره، مضافا إلى
قاعدة عدم الاجتزاء بالمستحب عن الواجب، وإلى ظاهر الأمر بالرد في الآية والرواية
الذي لم يمتثل أبدا، ضرورة ظهوره في الوجوب الذي لا يشمل الصبي، وشرعية عباداته
على القول بها لا يقتضي اندراجه في هذه الأوامر كما هو واضح، فما عساه يظهر من
جماعة منهم الشهيد من بناء المسألة على الشرعية والتمرينية في غير محله، إلا أن الجميع
متفقون على عدم السقوط على القول بتمرينية فعله، مع أنه ينبغي القطع بذلك، فما عساه
يظهر من مجمع البرهان من السقوط على التقدير المزبور غريب، نعم قد يقال بوجوب
رده لو سلم وإن قلنا بالتمرينية، لصدق اسم التحية الذي لا يتوقف على ترتب الثواب
كما عرفت، فتشمله حينئذ أدلتها آية ورواية، اللهم إلا أن يدعى انسياق الذهن منها
إلى غير ذلك بناء على التمرينية التي لا تقصر عن أفعال البهائم (1) والمجانين والحيوانات
المعلمة، بخلاف ما لو قلنا بشرعيتها فإنها حينئذ تكون معتبرة في النظر تستأهل الرد، ولعله
لما ذكرناه أولا أو للبناء على شرعية أفعاله لم أجد مخالفا هنا في وجوب الرد إلا ما يحكى
عن فوائد الشرائع، ولا ريب أن الأحوط حال الصلاة ضم قصد الدعائية أو القرآنية للرد.

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب " عنها أفعال البهائم "
107

ولو سقط وجوب الرد على المسلم بقيام الغير فالأحوط إن لم يكن الأقوى
عدم الرد من المصلي، اقتصارا فيما كان الأصل عدم جوازه في الصلاة كما أومأنا
إليه سابقا على المتيقن، خصوصا إذا كان بصيغة التسليم المحلل، واستحباب الرد
بغير الصلاة لا يستلزم ذلك فيها، وإلا لجاز ابتداء التحية فيها، ودعوى شمول الأدلة
في حيز المنع، ضرورة ظهور الأدلة في وجوب الرد المقتضي لكون مفروضها غير ذلك
كالمنع لدعوى شمول ما دل على استحباب الرد بعد السقوط لحال الصلاة، بل هي أوضح
منعا، إذ هي على فرض تسليمها ليست بأزيد من إطلاقات استحباب التحية التي لم تسق
إلا لبيان ذلك في حد ذاته لا من حيث مانع الصلاة ونحوه، فما في الذكرى من الجواز
بل والاستحباب في أحد الوجهين بل استجود الجواز والاستحباب في المحكي من الروض
لا يخلو من نظر، فتأمل.
والظاهر وجوب اسماع الرد في الصلاة كغير الصلاة الذي لا أجد فيه خلافا
إلا من المقدس الأردبيلي، ولا ريب في ضعفه، لأصالة عدم البراءة بدونه، لاحتمال
أو ظهور توقف صدق الرد عليه، خصوصا بعد قول الصادق (عليه السلام) في خبر
ابن القداح (1): " إذا سلم أحدكم فليجهر بسلامه ولا يقول سلمت ولم يردوا علي
ولعله يكون قد سلم ولم يسمعهم، وإذا رد أحدكم فليجهر برده ولا يقول المسلم: سلمت
فلم يردوا علي - ثم قال -: كان علي (عليه السلام) يقول: لا تغضبوا ولا تغضبوا،
أفشوا السلام وأطيبوا الكلام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، ثم تلا
عليهم قوله تعالى (1): السلام المؤمن " إلى آخره وبعد قوله (عليه السلام) أيضا

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 38 من أبواب أحكام العشرة - الحديث 1
وذيله في الباب 34 منها - الحديث 3
(2) سورة الحشر - الآية 23
108

في خبر عبد الله بن المفضل (1): " كان الناس فيما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره
وكانوا إذا ردوا عليه أمن من شرهم، وإذا لم يسلم لم يأمنوا، وإن لم يردوا على المسلم
لم يأمن من شرهم، وذلك خلق في العرب " وبعد ظهور الحكمة في إسماع الرد وغير
ذلك مما لا يحتاج إلى تقرير.
أما في الصلاة فلا ريب في انسياق رد غير الصلاة من الأمر بالرد فيها، وقد
أسمع أبو جعفر (عليه السلام) الرد فيها محمد بن مسلم (2) لكن في صحيح منصور بن
حازم (1) السابق الأمر بالرد عليه خفيا، وأصرح منه موثق عمار (4) إذا سلم
عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فرد عليه فيما بينك وبين نفسك ولا ترفع
صوتك " ولم أجد من عمل بهما من أصحابنا إلا المصنف في المعتبر حيث حملهما على
الجواز، وفيه مع أنه ليس عملا بهما أنه مخالف للمنساق إلى الذهن من غيرهما من
النصوص وللفتاوى، والأولى حملهما على الجهر المنهي عنه في الصلاة، وهو المبالغة في
رفع الصوت، ضرورة الاكتفاء بالاسماع تحقيقا أو تقديرا إذا فرض المانع، أو على
التقية، لأن المشهور بين العامة عدم الرد نطقا بل بالإشارة، وعليه يحمل خبر علي بن
جعفر (5) عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الإسناد " سألته عن الرجل يكون
في الصلاة فيسلم عليه الرجل هل يصلح له أن يرد؟ قال: نعم فيشير إليه بإصبعه " أو
على خبر محمد بن مسلم السابق المشتمل على القول مع الإشارة للتفهيم إذا فرض بعده بحيث
يحتاج إلى زيادة العلو في الصوت، أو على غير ذلك مما يحمل عليه الخبران المزبوران،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 13 وفي الوسائل عن
عبد الله بن الفضل الهاشمي
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1 - 3 - 4 - 7
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1 - 3 - 4 - 7
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1 - 3 - 4 - 7
(5) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1 - 3 - 4 - 7
109

على أن المحكي عن أبي حنيفة عدم الرد نطقا وإشارة، فلعل الأمر فيهما بالاخفات تقية
منه وحفظا لأصحابهم (عليهم السلام) من أصحابه، فلا ريب في اقتضاء صناعة الفقه
طرح الخبرين المزبورين، أو حملهما على ما عرفت في مقابلة ما سمعت، خصوصا ولم
يعمل بظاهرهما أحد حتى المصنف، لأنه قال بالجواز لا الوجوب كما هو ظاهرهما، فهما
شاذان معارضان بصحيح ابن مسلم وغيره من النصوص المعتضدة بفتاوى الأصحاب،
وبأصالة الشغل وغيره مما عرفت، فوسوسة الأردبيلي (رحمه الله) في ذلك حتى في غير
الصلاة قائلا: إنه لم يعثر لهم على دليل من إجماع أو غيره في غير محلها.
ولا فرق في وجوب الاسماع بين كون المسلم من وراء ستر وحائط وعدمه،
لاطلاق الأدلة المزبورة، قال في التذكرة: " لو ناداه من وراء ستر أو حائط فقال:
السلام عليك أو كتب وسلم فيه أو أرسل رسولا فقال: سلم على فلان فبلغه الكتاب
والرسالة قال بعض الشافعية: يجب عليه الجواب، والوجه أنه إن سمع النداء وجب
الجواب وإلا فلا " وهو جيد، ضرورة عدم صدق التحية على الكتابة التي هي النقوش
بل ولا على الرسالة التي هي نقل السلام لا الاستنابة من الرسول في التحية، إذ الثانية
لا ريب في أنها تحية بخلاف الأولى، وخبر أبي كهمس (1) - " قلت للصادق (عليه السلام):
عبد الله بن يعفور يقرؤك السلام فقال: عليك وعليه السلام إذا أتيت عبد الله فاقرأه
السلام وقل له " الحديث - لا دلالة فيه على وجوب قول ذلك عند تبليغ الرسالة فضلا
عن وجوب إرسال رد سلام له عوض سلامه، نعم قال الصادق (عليه السلام) في صحيح
ابن سنان (2): " رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام، والبادي بالسلام

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 3 وفي الوسائل
" عبد الله بن أبي يعفور يقرؤك " الخ وهو الصحيح
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 1 من كتاب الحج
110

أولى بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله) " وربما مال إليه بعض المحدثين، خصوصا مع إمكان تأييده بما عن
الشافعي من أن مثله تحية الغائب عرفا، فتشمله الآية، لكنك خبير أنه بمثله لا يخرج
عن السيرة القطعية، وظهور عدم صدق التحية والأصول العقلية، فلا بد حينئذ من حمله
على إرادة شدة التأكد مراعاة لمكارم الأخلاق وجزاء الاحسان بالاحسان.
ثم الظاهر من الأدلة والفتاوى - بل عن مصابيح الظلام الظاهر اتفاق الأصحاب
عليه - فورية الرد وتعجيله لكن على الوجه المتعارف في رد التحية لا المقارنة الحكمية
من غيره فرق بين الصلاة وغيرها، نعم لو تركه فيها واشتغل بالقراءة ونحوها من
الأذكار الواجبة أو المندوبة في وجه اتجه البطلان بناء على اقتضاء الأمر بالشئ النهي
عن مثله من الأضداد على وجه يقتضي الفساد إن قلنا بأن التعمد لافساد الجزء في الصلاة
يستلزم بطلان الكل بحيث لا يجزي بعد إعادة على الوجه الصحيح، لثبوت التشريع
المقتضي للبطلان، أو لأنه في مثل الفرض نحو كلام الآدميين في البطلان، أما لو ترك
الرد ولم يشتغل حال الخطاب به بشئ من أضداده حتى مضى زمانه فلا بطلان، لعدم
المقتضي كما هو واضح، إذ الظاهر أن الرد ليس من الواجبات التي تبقى في ذمة المكلف
بعد تقصيره في الأداء في تلك الحال وإن كان ذلك هو المختار في الواجبات الفورية،
لكن التي يستفاد فوريتها من الأوامر مثلا ولو بالقرينة بخلاف ما نحن فيه، فإن
فوريته من كيفية رد التحية عرفا، فهي من أوصاف المأمور به وقيوده لا الأمر، فعدم
الوجوب حينئذ في ثاني الأزمنة وثالثها لانتفاء كيفية الرد عرفا، وللأصل والسيرة القطيعة.
فما في مجمع البرهان - من أنه لو كان المسلم حاضرا وجب عليه الرد دائما، ولو
غاب وذهب يجب عليه الذهاب حتى يرد عليه عندهم على الظاهر، فلا يجوز فعل الصلاة
المنافي له بناء على مسألة الضد - غريب، ومقتضاه كما صرح به هو أيضا بطلان الصلوات
الآخر وغيرها من العبادات المنافية لذهابه للرد، بل قال: إنه يمكن بطلانها أيضا مع
111

ترك الرد لو فرض عدم إمكان الوصول إلى المسلم أيضا، لاحتمال وجوبه حينئذ في نفسه
وإن لم يسمع، إذ ذاك يجب مع إمكانه، فلا يسقط حينئذ أصل الرد، وهو كما ترى
لا يستأهل ردا، خصوصا في مثل الصلاة المشتغل فيها، لامكان القول بترجيح حرمة
إبطالها على وجوب الرد المستلزم له، ضرورة ظهور الأدلة في وجوبه مع إمكان الجمع،
أما لو فرض عصيان المكلف حتى احتاج الرد إلى الابطال بالمشي ونحوه من المنافيات
بناء على بقاء وجوبه فلا، وليس هو من مسألة الضد بل هو من ترجيح مراعاة الحرمة
على الوجوب، وكذا لا يستأهل ردا احتمال البطلان مطلقا أي سواء اشتغل بضد
أولا، ولعله مقتضى إطلاق البطلان في التحرير، إذ لا وجه له إلا دعوى ظهور
النصوص في وجوب الرد في الصلاة، فيكون كسائر ما يجب فيها من الستر والاستقبال
ونحوهما، ولا ينافيه وجوبه قبلها، إذ هو فهم عرفي من اللفظ كالمحرم قبل الصلاة لو فرض
مجئ نهي به، نحو لا تنظر إلى الأجنبية في الصلاة، وفيه أنه لا شك في ظهور الأدلة
في إرادة أن الصلاة لا تمنع وجوب الرد لا أنه من واجبات الصلاة، فلاحظ وتأمل.
ثم إنه لا يبعد أولوية ترك السلام على المصلي خصوصا مع حصول الاضطراب له
باستحضار كيفية الجواب، وربما يقع في شك في أنه سلم بحيث يجب الجواب أو لا وغير
ذلك، وللنهي في خبر الخصال المتقدم (1) والمروي (2) عن قرب الإسناد عن الصادق
(عليه السلام) " كنت أسمع أبي (عليه السلام) يقول: إذا دخلت المسجد والقوم يصلون
فلا تسلم عليهم وسلم على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم أقبل على صلاتك، وإذا دخلت
على قوم جلوس فسلم عليهم " ولا داعي إلى حملهما على التقية، لمنع جمهور العامة من الرد
نطقا بل عن أبي حنيفة المنع من الإشارة بالأصبع أيضا، إذ لا معارض لهما إلا إطلاق

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2
112

ما دل على استحباب الابتداء بالسلام، ويجب الخروج عنها بهما، مع أن أقصى ذلك
التأخر إلى الفراغ من الصلاة لا سقوط السلام أصلا، وما أرسله في الذكرى (1) عن
الباقر (عليه السلام) " إذا دخلت المسجد والناس يصلون فسلم عليهم، وإذا سلم عليك
فاردد فإني أفعله، وإن عمار بن ياسر مر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو
يصلي فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فرد عليه السلام " ويمكن
حمله على الاستحباب الذي لا ينافي الكراهة، وكيف كان فالأمر في الكراهة خصوصا
مثل هذه الكراهة سهل، هذا.
وقد ظهر لك مما قدمنا سابقا أن رد السلام في الصلاة مستثنى من حرمة كلام
الآدميين للأدلة السابقة، فلا حاجة حينئذ إلى ضم قصد القرآنية معه، ولا يتعين بالصيغة
المذكورة فيه، بل لا يجوز بناء على مراعاة المثلية لو فرض وقوع السلام بصيغة غيرها،
وما عساه يظهر من بعض أدلة الأصحاب على تعين " سلام عليكم " في الرد لو فرض
كون السلام بها - من أنها قرآن، بل عن المنتهى والمعتبر " لا يقال: السلام من كلام
الناس فلا ينطق به في الصلاة، لأنا نقول: لا نسلم أنه من كلام الناس، لأن القرآن
يتضمن مثل هذا اللفظ، ولو قيل: إذا قصد به رد السلام خرج عن القرآن قلنا: لا نسلم
لأنه باعتبار نظمه قرآن وباعتبار قصد رد السلام يكون ردا " ونحوه عن المرتضى في
الانتصار - إنما وقع في مقابلة العامة الذين يحرمون الرد نطقا لذلك، ولا زالوا يذكرون
في مقابلة العامة ما لا يلتزمون به على المختار كما لا يخفى على الخبير الممارس، على أنه يمكن
إرادتهما إثبات صورة ما من الرد خارجة عن كلام الآدميين كي يتوجه الرد على
الشافعي وأبي حنيفة المانعين من ذلك لذلك، نعم قد يقال: لا مانع من ضم قصد الرد
مع القرآنية لعدم التنافي بينهما كما أشرنا إليه سابقا، لا أن ذلك واجب بحيث يتعين

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 3
113

الرد بها على كل حال.
ثم لا يخفى أن المستفاد من قوله تعالى (1): " قالوا سلاما قال سلام " وغيره
والنصوص والفتاوى تحقق الرد في الصلاة بنحو سلام عليكم وغيرها من الصيغ، والظاهر
مشاركة حال غير الصلاة لها في ذلك، خلافا للمحدث البحراني في حدائقه فأوجب
تقديم الظرف في غير الصلاة في الجواب مدعيا أن ذلك هو صريح الأخبار الكثيرة،
وفيه أن وقوع ذلك فيها لا يقتضي الحصر، بل لعله أحد الأفراد، وليس في النصوص
ما يقتضي ذلك كما لا يخفى على من لاحظها، بل في حسنة زرارة (2) عن أبي جعفر
(عليه السلام) في حديث طويل " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا سلم
عليكم مسلم فقولوا: سلام عليكم، فإذا سلم عليكم كافر فقولوا: عليك " وما في الحدائق
- من أن الغرض من هذه الرواية إنما هو بيان الفرق الرد على المسلم والكافر بأن الكافر
يقتصر عليه بقوله: عليك من غير زيادة إردافه بالتسليم عليه، بخلاف المسلم فإنه يردفها
بالتسليم - لا داعي له، ودعوى أن سياقه يشهد بذلك إذ هو (3) " دخل رجل يهودي
على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعائشة عنده فقال: السام عليك فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): عليك، فدخل آخر فقال: مثل ذلك فرد عليه كما رد على
صاحبه، ثم دخل آخر فقال: مثل ذلك فرد عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما
رد على صاحبيه، فغضبت عائشة فقالت: عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود
يا إخوة القردة والخنازير، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الفحش لو كان
ممثلا لكان مثال سوء، إن الرفق لم يوضع على شئ قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا
شانه، فقالت: يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم: السام عليك فقال: أما سمعت

(1) سورة هود (عليه السلام) - الآية 72
(2) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 4 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 4 من كتاب الحج
114

ما رددت عليهم فقلت: عليكم " إلى آخر ما تقدم يمكن منعها بالنسبة إلى ذلك
نعم الغالب في الجواب الصيغة المزبورة لا أنه لا يصح الجواب إلا بها، وعليه
ينزل ما في التذكرة " وصيغة الجواب وعليكم السلام، ولو قال: وعليك السلام جاز،
ولو ترك حرف العطف وقال: عليكم السلام فهو جواب خلافا للشافعية، فلو تلاقى اثنان
فسلم كل واحد منهما على الآخر وجب على كل واحد منهما جواب الآخر، ولا يحصل
الجواب بالسلام وإن ترتب السلامان " وكذا ما عن السيد علي خان في رياض السالكين
قال: " والغالب في كلامهم أن يقولوا للميت والغائب: عليه السلام وللحاضر السلام
عليك، ووجهه أن المسلم على القوم يتوقع الجواب بأن يقال له: عليك السلام، فلما كان
الميت والغائب لا يتوقع منهما جواب جعلوا السلام عليهما كالجواب ".
ومن ذلك كله بان لك أنه لا وجه لطرح الخبر المزبور أو تأويله، خصوصا
مع موافقة ما اشتمل عليه من غير ما نحن فيه لغيره من النصوص، ففي خبر غياث بن
إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
لا تبدأوا أهل الكتاب بالتسليم، وإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم " وفي موثق
سماعة (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اليهودي والنصراني والمشرك إذا
سلموا على الرجل وهو جالس كيف ينبغي أن يرد عليهم؟ قال: يقول: عليكم " وفي
الآخر (3) عن الصادق (عليه السلام) " إذا سلم عليك اليهودي والنصراني والمشرك
فقل: عليك " وبه صرح العلامة في التذكرة قال: " ولا يسلم على أهل الذمة ابتداء
ولو سلم عليه ذمي رد بغير السلام بأن يقول: هداك الله أو أنعم صباحك أو أطال الله
بقاءك، ولو رد بالسلام لم يزد في الجواب على قوله: وعليك " قلت: لكن لم أجد

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 1 - 6 - 3 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 1 - 6 - 3 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 1 - 6 - 3 من كتاب الحج
115

ما ذكره من التخيير فيما حضرني من النصوص، نعم في خبر محمد بن عرفة (1) عن
أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: " قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف أدعو
لليهودي والنصراني؟ قال: تقول: بارك الله لك في دنياك " وهو ليس في رد السلام،
على أن ما ذكر فيه من قوله: " وعليك " باثبات الواو لم أجده إلا في خبر غياث،
والموجود في غيره بدونها، والمعنى حينئذ متجه على تقدير قولهم ما في حسن زرارة (2)
المتقدم، لأن الحاصل حينئذ السام أي الموت والهلاك عليكم، أما مع الواو فيشكل بأن
مقتضاه المشاركة والتقرير على ما قالوا، فيكون المعنى علينا وعليكم، اللهم إلا أن تحمل
على الاستئناف لا العطف، أو يقال: إنها له، ونمنع الاقتضاء المزبور بل أقصاها العطف
على كلام ونحن نجاب في دعائنا وهو لا يجابون في دعائهم، أو يحمل خبر غياث بقرينة
أنه عامي بتري على الموافق لرواياتهم، وقد قيل: إن الأصح والأكثر فيها إثبات
الواو بخلاف نصوصنا.
وكيف كان فظاهر الأمر في النصوص السابقة وجوب الرد بذلك كما نقل عن
ابن عباس والشعبي وقتادة من العامة مستدلين عليه بالآية قائلين: إن الأحسن فيها
للمسلمين وردها لأهل الكتاب، وفيه أنه لا شاهد على ذلك، بل ظاهر الآية اتحاد
الموضع فيها، وحينئذ تختص بالمسلمين للاجماع كما قيل على عدم جواز الجواب بالأحسن
لغيرهم، فتحمل النصوص المزبورة حينئذ على الرخصة، أو يقال: إن ذلك ليس ردا
حقيقة بل هو شئ موهم للرد شرع لتأليف القلوب، كما أنه يجب حمل ما في خبر
زرارة (3) عن الصادق (عليه السلام) " تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام "

(1) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 2 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 4 - 2 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 4 - 2 من كتاب الحج
116

على أنه ليس ردا، بل هو من قبيل قوله عز وجل (1): " سلام عليك سأستغفر لك
ربي " وقوله (2): " وقل سلام فسوف يعلمون " أي لم يقصد به التحية، بل المراد
منه المباعدة والمتاركة، قال الطبرسي فيما حكي عنه في تفسير الآية الأخيرة: " أمرنا
وأمركم سلام أي متاركة - وفي تفسير الآية الأولى - توديع وحجز على ألطف الوجوه،
وهو سلام متاركة ومباعدة عن الجعابي ومسلم، وقيل: هذا سلام إكرام وبر مقابل
جفوة أبيه بأيسر تأدية لحق الأبوة، أي هجرتك على وجه جليل من غير عقوق " إلى آخره.
وحينئذ لو سلم عليه أحد منهم في الصلاة لم يجز جوابهم بقصد الرد بمثل ما سلموا
وإن ذكر مثل قوله: سلام بقصد القرآنية أمكن جوازه.
كما أنه لا يجوز الجواب أيضا لو سلمت عليه وهو في الصلاة امرأة أجنبية بناء
على حرمة سماع صوتها كما هو المشهور على ما في الحدائق، فتكون تحيتها حينئذ محرمة
لا تستأهل الجواب، اللهم إلا أن يقال: يجب جوابها لاطلاق أدلة التحية وإن حرمت
وفيه نظر ظاهر، ونحوه العكس بمعنى لو سلم عليها أجنبي وهي في الصلاة لحرمة الرد حينئذ
عليها بحيث تسمعه، ويؤيده في الجملة قول الصادق (عليه السلام) في خبر غياث (3):
" لا تسلم على المرأة " واحتمال وجوبه عليها خفيا لا دليل عليه، وقال في التذكرة:
" ولو سلم رجل على امرأة وبالعكس فإن كان بينهما زوجية أو محرمية أو كانت عجوزا
خارجة عن مظنة الفتنة ثبت استحقاق الجواب، وإلا فلا " ومقتضاه وجوب الرد على
المحرم، ولعله لاطلاق بعض الأدلة وأصالة الاشتراك، كما أن مقتضاه اختصاص الحرمة في
الأجنبية بذات الفتنة، ولعله للصحيح (4) عن الصادق (عليه السلام) " كان رسول الله

(1) سورة مريم (عليه السلام) - الآية 48
(2) سورة الزخرف - الآية 89
(3) الوسائل - الباب 131 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 2 من كتاب النكاح
(4) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 1 من كتاب الحج
117

(صلى الله عليه وآله) يسلم على النساء ويرددن عليه، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام)
يسلم على النساء وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن، ويقول: أتخوف أن يعجبني صوتها
فيدخل علي أكثر مما أطلب من الأجر " بل هو بناء على حمل الكراهة فيه على غير
الحرمة ظاهر في الأعم من ذلك، كما هو مقتضى صدره، ومنه وغيره مع الأصل والسيرة
جزم جماعة من متأخري المتأخرين بعدم حرمة سماع صوتها، ولتحقيق ذلك محل آخر
وعليه فتحيتها ردا وابتداء كالرجل، لأصالة الاشتراك، لكن في خبر الساباطي (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن على القوم؟ قال:
المرأة تقول: عليكم السلام، والرجل يقول: السلام عليكم " وهو من المؤيدات في الجملة
لما سبق من صدق التحية بذلك، إلا أن الظاهر حمله على الوظيفة لا التعين.
من آداب السلام أن القليل يبدأون الكثير، والراكب يبدأ الماشي،
وأصحاب البغال يبدأون أصحاب الحمير، وأصحاب الخيل يبدأون أصحاب البغال،
لخير عنبسة بن مصعب (2) وفي مرسل ابن بكير (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " سمعته يقول: يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، وإذا لقيت جماعة
جماعة سلم الأقل على الأكثر، وإذا لقي واحد جماعة سلم الواحد على الجماعة " ولا بأس
بالجميع، وربما ذكر لذلك علل مناسبة ونكت حسنة لا بأس بها بعد ورود النص بها،
والله أعلم.
المسألة (الثالثة) لا خلاف في أنه (يجوز أن يدعو المصلي بكل دعاء يتضمن
تسبيحا أو تحميدا أو طلب شئ مباح من أمور الدنيا والآخرة قائما وقاعدا وراكعا

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 3 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 3 - 4 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 3 - 4 من كتاب الحج
118

وساجدا) بل الاجماع بقسميه عليه كما تقدم في مطاوي المباحث السابقة كالقنوت
بالفارسية وغيره شطر من أدلته بالخصوص، وإن كان مطلق ما دل على الدعاء من
الكتاب والسنة كافيا في ثبوته، ضرورة شموله لجميع الأحوال التي منها حال الصلاة
التي هي ذكر ودعاء وتسبيح وتهليل وقرآن، ودعوى أن الأصل عدم جواز تخلل غير
الصلاة في أثناء الصلاة باعتبار أنها أفعال قد اعتبر فيها الهيئة اللازمة للاتصال الذي
ينافيه تخلل غير الصلاة ممنوعة، بل الأصل جواز كل ما لم يثبت منعه من الشارع فيها
ولا يكون سببا لمحو اسمها كما بيناه في محله، على أن النصوص بالخصوص والاجماع بقسميه
قد كفانا مؤنة ذلك، ففي صحيح ابن مهزيار (1) " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن
الرجل يتكلم بالفريضة بكل شئ يناجي ربه قال: نعم " وقال الصادق (عليه السلام)
في صحيح الحلبي (2): " كلما ذكرت الله عز وجل به والنبي (صلى الله عليه وآله) فهو
من الصلاة " وقال (عليه السلام) أيضا في مرسل حماد بن عيسى (3): " كلما كلمت به
الله في صلاة الفريضة فلا بأس به " وقال أبو جعفر (عليه السلام) للشحام (4): " ادع
في طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد " وفي الصحيح عن ابن مسلم (5) قال:
" صلى بنا أبو بصير في طريق مكة فقال وهو ساجد وقد كانت ضلت ناقة لهم: اللهم
رد على فلان ناقته، فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته فقال: وفعل
قلت: نعم، فسكت قلت: أفيعيد الصلاة؟ قال: لا " والمراد الاستفهام عن
فعل الله بعد الدعاء لا التعجب من أبي بصير، أو ذلك لمكان أنه لم يخش من الانكار
عليه الذي يكون بسببه الدعاء بنحو ذلك مرجوحا، كما عساه يومي إليه ما في خبر علي
ابن جعفر (6) المروي عن قرب الإسناد أنه سأل أخاه (عليه السلام) " عن الرجل

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 1 - 5
(5) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 1 - 5
(6) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 1 - 5
119

يقول في صلاته: اللهم رد علي مالي وولدي هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: لا يفعل ذلك
أحب إلي " مع احتماله الأمر بالفعل و " لا " نفي للقطع، وهو على الأول فضلا عن الثاني
دال على المطلوب أي جواز الدعاء فيها، وفي المنتهى أنه ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله)
وعلي (عليه السلام) إنهما دعيا على أقوام ولأقوام قائمين، وفي الذكرى أن النبي (صلى الله عليه وآله) دعا في قنوته لقوم بأعيانهم وعلى آخرين بأعيانهم، كما روي أنه (صلى الله
عليه وآله) قال: " اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعباس بن ربيعة
والمستضعفين من المؤمنين " (1) و " اشدد وطأتك على مضر " (2) ورعل وزكوان
و " قنت أمير المؤمنين (عليه السلام) في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى وعمرو بن
العاص ومعاوية وأبي الأعور وأشياعهم (3) " قاله ابن أبي عقيل، وفي خبر عبد الرحمان
ابن سيابة (4) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدعو وأنا ساجد فقال: نعم ادع
للدنيا والآخرة فإنه رب الدنيا والآخرة ".
إلى غير ذلك من النصوص، خصوصا المتضمنة للصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)
وغيرها من الدعوات، كصحيح ابن سنان (5) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يذكر النبي (صلى الله عليه وآله) وهو في الصلاة المكتوبة إما راكعا وإما ساجدا
فيصلي عليه وهو على تلك الحال فقال: نعم إن الصلاة على نبي الله كهيئة التكبير والتسبيح

(1) كنز العمال ج 7 ص 82 الرقم 695 وفيه " عياش بن أبي ربيعة "
(2) البحار ج 17 ص 23 المطبوعة بطهران عام 1379 وتمام الحديث في صحيح مسلم ج 2 ص 134
(3) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب القنوت - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب السجود - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الركوع - الحديث 1
120

وهي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكا أيهم يبلغها إياه " وغيره (1) من النصوص
وقد مر سابقا جواز قراءة القرآن أيضا في الصلاة في بحث القراءة، وذكر النصوص
الدالة عليها (2) كما أنه مر في المباحث السابقة كثير من فروع هذه المسألة كالدعاء بغير
العربية وبالملحون وغيرهما، ومر أيضا أنه لا يختص الجواز بالدعاء خاصة أي الطلب،
بل يجوز أيضا كل ذكر أفاد تسبيحا أو تحميدا أو غيرهما كما أومأ إليه المصنف (و) دلت
عليه الصحاح السابقة، بل هو مقتضى الأصل المتقدم أيضا.
نعم (لا يجوز أن يطلب شيئا محرما) في الصلاة وغيرها (ولو فعل بطلت
صلاته) كما نص عليه غير واحد، لصيرورته بالنهي عنه من كلام الآدميين، أو لما في
التذكرة " الدعاء المحرم مبطل للصلاة إجماعا، لأنه ليس بقرآن ولا دعاء مأمور به، بل
هو منهي عنه، والنهي عنه يدل على الفساد " وإن كان آخر كلامه لا يخلو من نظر،
ضرورة اقتضائه الفساد إذا تعلق بالصلاة وإن كان المنهي عنه قبلها، أما إذا كان
كالنظر إلى الأجنبية المحرم قبلها وبعدها وفيها لا نهي عنه بالخصوص فلا كما هو واضح
ومنه يعلم أن مقتضى الأصل السابق عدم بطلان الصلاة بذلك إن لم يثبت أنه من كلام
الآدميين، ولم يثبت إجماع على ذلك، لأصالة الصحة كما عرفت، لا البطلان، فعدم
شمول نصوص أدلة الجواز لمثله لا يقتضي البطلان حينئذ، اللهم إلا أن يقال: إن المراد
بجواز الدعاء في الصلاة هو كونه جزءا صلاتيا مندوبا كالقنوت، فالنهي عن المحرم منه
نهي عن جزء الصلاة، فتبطل للتشريع بفعل ما لا يصلح جزءا، وفيه أولا أنه لا يتأتى
في الذي لم يقصد به الجزئية، وثانيا يمكن دعوى عدم إرادة الجزئية من ذلك، ولذا
عبروا عنه بالجواز الظاهر في إرادة عدم مانعية الصلاة منه لا أنه جزء منها، وقوله (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الركوع والباب 17 من أبواب السجود
(2) المتقدمة في ج 10 ص 417
121

في النصوص السابقة: كل ما ناجيت فهو من الصلاة محمول على إرادة التشبيه ونحوه.
نعم قد يسلم ذلك فيما ذكروا استحباب الدعاء فيه بالخصوص كالسجود والقنوت
ونحوهما لا مطلق أحوال الصلاة، كما يومي إليه عدم عد أحد من الأصحاب ذلك من
أجزائها المندوبة، بل ذكروا أن ذلك مما يجوز فيها كالأفعال القليلة مثلا في الصلاة،
وقد يشعر بعدم الجزئية أيضا تقييدهم الجواز أي جواز الدعاء في الصلاة بما إذا لم يمح
صورتها بطوله، أو فوات الموالاة كما لو كان في أثناء القراءة، إذ لو كان ذلك جزءا صلاتيا
لم يحصل محو بشئ من ذلك، بل هو كما إذا طول القنوت أو قرأ السور الطوال، إذ
المحو إنما يحصل بفعل غير الصلاة فيها، فتأمل جيدا.
ثم على البطلان لا فرق على الظاهر بين العالم والجاهل كما في سائر المبطلات، بل
وكذا لو جهل التحريم في أصل ما دعا به كما نص عليه في المسالك، قال فيها بعد أن
نص على البطلان: وجهل التحريم أو كون المحرم مبطلا للصلاة ليس عذرا، نعم
لو كان جهله بما لا يرجع إلى الحكم كما لو ظن الكفر في شخص فدعا عليه وكان مؤمنا
لم تبطل صلاته.
المسألة (الرابعة يجوز) ندبا أو كراهة أو إباحة كما قيل، بل يجب في بعض
الأحوال (للمصلي أن يقطع صلاته إذا خاف تلف مال أو فوات غريم أو تردي طفل
أو ما شابه ذلك) بلا خلاف أجده فيه وإن كان قد علق الجواز في المنتهى على الضرورة
ممثلا لها بمن رأى دابة له انفلتت، والغريم الذي يخاف فواته، والمال الذي يخاف
ضياعه، والغريق الذي يخاف هلاكه، والحريق الذي يلحقه، والطفل الذي يخاف
سقوطه، ونحوه في تعداد الأمثلة المبسوط، وعن المعتبر بعد نقله عنه " هذا صواب إن
كان في البقاء على حاله ضرر " وفي التحرير " يحرم إلا لضرورة دينية أو دنيوية " وفي
المحكي عن الموجز " إلا لعذر " وفي الدروس " إلا لضرورة كفوات مال وتردي
122

طفل " وفي المحكي عن الوسيلة " ما يجوز له القطع ثلاثة أشياء: دفع الضرر عن النفس
وعن الغير وعن المال " وفي الذكرى " قد يجب القطع كما في حفظ الصبي، والمال
المحترم عن التلف، وإنقاذ الغريق والمحترق وحيث يتعين عليه، فلو استمر بطلت صلاته
للنهي المفسد للعبادة، وقد لا يجب بل يباح كقتل الحية التي لا يغلب على الظن أذاها،
وإحراز المال الذي لا يضر فوته، وقد يستحب القطع لاستدراك الأذان والإقامة
والجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة، والائتمام بإمام الأصل أو غيره، وقد يكره كاحراز
المال اليسير الذي لا يبالي بفواته مع احتمال التحريم " وتبعه عليه في فوائد الشرائع
والمسالك وعن غيرها.
(و) تفصيل الحال في المسألة أنه (لا يجوز قطع الصلاة) الواجبة (اختيارا)
بلا خلاف أجده كما اعترف به في المدارك وغيرها، بل في مجمع البرهان " كأنه إجماعي "
وفي كشف اللثام " الظاهر الاتفاق " وفي الرياض " لا خلاف فيه على الظاهر المصرح به
في جملة من العبائر " معربين عن دعوى الاجماع عليه كما صرح به جملة منهم في جملة من
المنافيات المتقدمة كالشهيد في الذكرى في الكلام والحدث والقهقهة، بل في المحكي عن
شرح المفاتيح أنه من بديهيات الدين، واستدل عليه غير واحد من الأصحاب بقوله
تعالى (1): " ولا تبطلوا أعمالكم " وفيه كما في كشف اللثام أنه إنما ينهى عن إبطال
جميع الأعمال، قلت: بل سياقه يشهد بإرادة النهي عن الابطال بالارتداد ونحوه، مع
أنه بناء على إرادة ذلك يكون الخارج منه أضعاف الداخل، واستدل عليه في الحدائق
بنصوص التحريم والتحليل (2) الظاهرة في حرمة سائر المنافيات عليه إلى حصول
المحلل، وهو التسليم، وقد يناقش - بعد الاغضاء عما فيه من احتمال إرادة الافتتاح

(1) سورة محمد (صلى الله عليه وآله) - الآية 35
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم
123

والاختتام، أو إرادة ذلك من حيث الصحة وعدمها، وحل الاجتزاء بها مع فعل شئ
من المنافيات وعدمها، أو نحو ذلك - بأن حاصله حينئذ توقف الحل على فعل التسليم،
وهو لا ينافي جواز القطع اختيارا بأن يسلم مثلا فيفعل المنافي، إذ وصف التحليلية
للتسليم حاصل وإن جئ به في الأثناء، اللهم إلا أن يقال: إن المراد التسليم في محلة،
وثبوت التحليلية بالتسليم في الأثناء من دليل آخر فيكون محرما محللا، وإلا فالمحلل
الحلال التسليم في محله، فتأمل.
واستدل في المحكي عن شرح المفاتيح بقوله (عليه السلام) (1): " لا تعودوا الخبيث من
أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه " وفيه أنه إنما يدل على عدم إطماع الشيطان في الطاعة
والانقياد لإرادته من نقض الصلاة الذي لا يتفاوت فيه بين كونه محرما أو جائزا،
فإن مراده عدم إتمام المصلي ما اشتغل فيه من الصلاة، وبخبري ابني أذينة (2) ووهب (3)
الواردين في الرعاف، وبخبر الثالول (4) وموثق عمار (5) الوارد في الحية، وخبر
عبد الرحمان بن الحجاج (6) الوارد فيمن يصيبه الغمز في بطنه، وبكل ما ورد من
المنع من فعل المنافيات، خصوصا مثل قوله (عليه السلام) (7): " لا تقلب وجهك
فتفسد صلاتك " حيث علل به تحريم الالتفات، وبمفهوم مرسل القطع (8) الذي
ستسمعه إن شاء الله، وفيه أن الأمر بغسل الرعاف والبناء على صلاته إن كان متمكنا

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 11
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 11
(4) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
(6) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(7) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب - القبلة - الحديث 3
(8) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
124

من ذلك للإرشاد والتعليم، إذ هو في مقام توهم انقطاع الصلاة بذلك، وليس المراد
منه الوجوب، لحرمة القطع، وكذلك قوله (عليه السلام) في خبر الثالول: " إن لم
يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس، وإن تخوف أن يسيل الدم فلا يفعله " فإن النهي أيضا
للإرشاد وبيان الانقطاع لو فعله، بل جميع النواهي عن المنافيات كالكلام ونحوه لا يراد
منها إلا بيان المانعية وبطلان الصلاة بها وحرمة الاجتزاء بالصلاة المشتملة على شئ
منها، لا أن المراد منها حرمة القطع للفريضة، واستوضح ذلك في سائر الأوامر والنواهي
الواردة فيما علم جواز قطعه من الوضوء والغسل وغيرهما من العبادات والمعاملات، ومنه
يعلم الوجه في خبري عمار وعبد الرحمان بل وغيرهما الواردة في أمثال ذلك، بل لعل
خبر ابن الحجاج ظاهر في إرادة الرخصة في البقاء على الصلاة من الأمر فيه، لتوهم
الانقطاع بالمدافعة المزبورة، فلاحظ وتأمل على أن خبر الثالول قد اشتمل صدره على
ما يشعر بجواز القطع، قال فيه: " سألته عن الرجل يحرك بعض أسنانه وهو في الصلاة
هل ينزعه؟ قال: إن كان لا يدميه فلينزعه، وإن كان يدميه فلينصرف ".
بل لا يخفى على من سبر النصوص إشعار جملة منها بذلك حتى النصوص (1)
الدالة على القطع لتدارك الإقامة وغيرها من الأمور المندوبة، فحينئذ لا دليل يتمسك
باطلاقه على حرمة قطع الصلاة حتى يحتاج كل صورة تخرج من ذلك إلى دليل خاص،
إذ العمدة الاجماع، وما عساه يظهر من فحاوي كثير من النصوص المتفرقة في أبواب
الصلاة كأخبار الصفق للحاجة (2) وأخبار التيمم (3) وأنه له إتمام الصلاة مع وجدان
الماء في الأثناء أو لا وغيرها، بل لعله ضروري، لكن لا إطلاق في شئ من ذلك،

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب قواطع الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التيمم
125

والمعلوم منه الحرمة في الجملة، فالمتجه حينئذ الاقتصار على المتيقن، ضرورة اقتضاء
الأصول جواز القطع، وليس منه النافلة ولو بالعارض، فتبقي على مقتضاه من الجواز،
كما عساه يشعر به كل من قيد الصلاة بالواجبة بالنسبة إلى حرمة القطع كالقواعد والذكرى
وجامع المقاصد وعن الموجز والكفاية وغيرها، بل قيل: إنه صرح جماعة كثيرون فيما
إذا تذكر في أثناء الاحتياط أن صلاته تامة بالتخيير بين القطع والاتمام نافلة، ولم
يستبعده في الرياض، قال: " لمفهوم بعض الصحاح المتقدمة وخصوص ما مر من المعتبرة
في بحث الالتفات عن القبلة مما يصلح لتقييد إطلاقات المنع " إلى آخره.
خلافا لاطلاق المتن وغيره، بل لعله الأكثر كما اعترف به في الرياض، ويمكن
إرادة الفريضة منه وأنه المنساق هنا، كما أنه يمكن دعوى انسياق اليومية فلا يحرم قطع
غيرها حتى النافلة المنذورة مثلا، وليس منه أيضا قطعا ما إذا خاف على نفسه أو نفس
محترمة يجب عليه حفظها أو عرض أو مال أو غيرهما مما سمعته من أمثلة الأصحاب،
خصوصا بعد قول الصادق (عليه السلام) في مرسل حريز (1): " إذا كنت في صلاة
الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك
فاقطع الصلاة واتبع غلامك أو غريمك واقتل الحية " وخبر سماعة (2) " سألته عن
الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعه يتخوف ضيعته أو هلاكه
قال: يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل الصلاة، قلت: فيكون في الصلاة الفريضة
فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منه عنتا فقال: لا بأس
بأن يقطع صلاته ويتحرز ويعود إلى صلاته " وفي الذكرى " أن السكوني روى عن
علي (عليه السلام) قطعها لرد الصبي يحبو إلى النار والشاة تدخل البيت " ومراده
الخبر (3) " رجل يصلي ويرى الصبي يحبو إلى النار أو الشاة تدخل البيت فتفسد الشئ

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1 - 2 - 3
126

قال: فلينصرف وليحرز ما يتخوف منه ويبني على صلاته ما لم يتكلم " وهو كما ترى
ظاهر في غير ما نحن فيه.
بل ربما نوقش في الخبرين الأولين أيضا باحتمال إرادة القطع والبناء إذا لم يحصل
مبطل، لا الاستئناف بقرينة قوله (عليه السلام) في ذيل ثانيهما: " يعود " إلا أنها
في غاية الضعف لا تستأهل دفعا سيما بعد ممارسة النصوص ومعرفة التعبير بالقطع الذي
به سميت المنافيات قواطع، بل لعل إطلاق الغلام والغريم في الأول يقضي بعدم الفرق
بين ظن فواتهما بالاتمام وعدمه، فيكفي الاحتمال، وبين الضرر بذلك وعدمه، كاطلاق
الكيس والمتاع في الثاني، بل لا يكاد ينكر ظهور السياق في عدم كون القطع من
المحرمات التي يحتاج ارتكابها إلى عروض ما هو أرجح منه في نظر الشارع، ولعله من
هنا سمعت إطلاق العذر والضرورة الدينية والدنيوية ونحوهما، بل ذكر جماعة الأمثلة
التي يعلم عدم إرادة الاقتصار منه عليها، بل قد سمعت ما ذكره في الذكرى من المال
اليسير وإن ناقشه فيه وفي صورة إباحة القطع جماعة، وهو ظاهر نسبته إلى القيل في
المنظومة قائلين (قائلا خ ل) إنه لم يعلم جواز القطع لذلك، وفيه ما عرفت، ولا ينافيه
الأمر في النصوص السابقة بعد معلومية إرادة الجواز بالمعنى الأعم منه، ضرورة عدم
وجوب حفظ المال اليسير الذي لا يضر بالحال أولا يبالي بفوته، وليس هو من الاسراف
قطعا، بل قد يتردد في أصل وجوب حفظ المال وإن عظم ما لم يدخل تحت الاسراف
والسفه والتبذير ونحوها، فتأمل.
كما أنه اعترض في الحدائق ما فيها وفي غيرها أيضا من بطلان الصلاة مع
وجوب القطع معللا له بالنهي المفسد للعبادة بأنه مبني على استلزام الأمر بالشئ النهي
عن ضده الخاص، والظاهر منه في غير موضع من كتابه المذكور عدم القول به، وبالجملة
فالحكم بالبطلان ضعيف، بل غايته حصول الإثم، وفيه أنه لعل البطلان هنا للأمر
127

بالقطع في مرسل حريز السابق الذي لا يجامعه الأمر بالاتمام ضرورة لا للنهي عن
الضد، فإن فرض تلك المسألة الانتقال إليه من الأمر بالشئ لا مع التصريح بالنهي
مثلا عن الضد بالخصوص، وليس هو مبنى المسألة قطعا، ولذا تعدى الأصحاب فجوزوا
قطعها لما لا يجب من حفظ المال وغيره.
ومن ذلك ينقدح البطلان في جميع موارد مسألة الضد أو أكثرها وإن لم نقل
باقتضاء الأمر بالشئ، بل من حيث هذه الأدلة بخصوصها، ضرورة كون المذكور
فيها مثالا لما يشمل الواجب المضيق، إذ هو من العذر قطعا، فالشروع في الصلاة
وتركه مناف لما دل على الأمر بقطعها للعذر الذي منه الواجب، إذ متى أمر بقطعها
لم يتصور صحة اتمامها فضلا عن الابتداء بها، اللهم إلا أن يقال: إن الأمر بالقطع
إنما وقع بالنسبة إلى بعض الأشياء، فيبقى الباقي على قاعدة الضد، وفيه أنك قد عرفت
كون الواقع في النصوص على جهة المثال، ويدفع بأنه مثال لكل ضرر على النفس
والمال والغير مثلا، لا أنه مثال لكل واجب، أو يقال: إن الأمر بالقطع لا يفهم
منه إلا التأكيد لأمر المقدمة الذي لا يقتضي الفساد على ما هو التحقيق في مسألة الضد
وفيه أن الفهم العرفي خير حاكم بين الأوامر الصريحة والضمنية، وكذا النواهي كما لا
يخفى على من لاحظ ذلك بأدنى تأمل، أو يقال إن الأمر بالقطع في مرسل حريز
في مقام توهم الحظر، فلا يفهم منه إلا الإباحة، والوجوب في بعض الأمثلة المذكورة
فيه مبني على قاعدة الضد، فيتوجه حينئذ الاعتراض على الشهيد، بل قد يؤيد عدم
كونه للوجوب معلومية عدم وجوب مطالبة الغريم وطلب الآبق، فلا محيص عن
إرادة غير الوجوب من الأمر، وفيه أنه قد يمنع قاعدة الحظر في نحو المقام المعلوم
وجوبه، إذ بقاء الأمر على حقيقته خير من حمله على الإباحة واستفادة الوجوب من
128

خارج، وأما اشتمال مرسل حريز على المطالبة والطلب فيمكن حملها على الصورة الواجبة
منهما، كما إذا أضرا بالحال أو استلزما الاسراف، أو يقال: إنه لو أريد من الأمر
بالقطع القدر المشترك إلا أنه أيضا هو ليس كالأمر المقدمي، بل الظاهر منه البطلان
ولو بعد دلالة القرينة من خارج، فتأمل جيدا فإنه دقيق، على أنه لو سلم عدم ذلك كله
فلعل الشهيد بناه على خروج المضيقين عن مسألة الضد كما هو ظاهر كلامهم في تحرير
محل النزاع فيها، وقالوا في المضيقين: إن المختار مراعاة الترجيح، فحينئذ يتعين الأمر
بالراجح ويبقى المرجوع بلا أمر، فلا يتصور له صحة أصلا، نعم المختار عندنا مع عصيان
المكلف في فعل الراجح واختيار المرجوح الصحة، تحكيما لاطلاق الأوامر السابقة به
التي لم يقيدها تقديم الراجح بل هو واجب آخر، ولعل الشهيد لا يقول به، فتأمل.
ثم إنه قال في الذكرى: وإذا أراد القطع فالأجود التحليل بالتسليم، لعموم
" وتحليلها التسليم " ولو ضاق الحال عنه سقط، ولو لم يأت به وفعل منافيا آخر فالأقرب
عدم الإثم، لأن القطع سائغ، والتسليم إنما يجب التحليل به في الصلاة التامة، ومن
الغريب أنه حكى عنه في الحدائق أول كلامه ثم قال: وظاهر ضعفه، إذ المتبادر من
الخبر إنما هو بالنسبة إلى الصلاة التامة، وهو بعينه ما ذكره أخيرا في كلامه، ومنه يعلم
أن مرادة الرجحان في الجملة، لاحتمال شمول الخبر لذلك، وهو لا ريب فيه، وعليه
نص المحقق الثاني في فوائده مغيرا للأجود بالأحسن، والأمر سهل.
129

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
(الركن الثالث)
من أركان الصلاة (في بقية الصلوات، وفيه فصول):
الفصل (الأول)
(في صلاة) ظهر يوم (الجمعة) الذي هو خيرة الله من الأيام (1) وسيدها
ويوم المزيد (2) ويوم الشاهد (3) ولم تطلع الشمس على أفضل منه (4) ولا أكثر
معافى من النار (5) تنزل فيه الرحمة ويغفر فيه للعباد (6) وتضاعف فيه الحسنات،
ويمحى فيه السيئات، وترفع فيه الدرجات، ويستجاب فيه الدعوات، وتكشف فيه
الكربات، وتقضى فيه الحوائج العظام، لله فيه عتقاء وطلقاء من النار، ما دعا الله فيه
أحد من الناس وعرف حقه وحرمته إلا كان حقا على الله عز وجل أن يجعله من عتقائه
وطلقائه من النار، ومن مات فيه أو في ليلته مات شهيدا وبعث آمنا (7) بل يكتب
لمن مات فيه عارفا بحق أهل البيت (عليهم السلام) براءة من النار وبراءة من العذاب
ومن مات في ليلته أعتق من النار (8) وهو اليوم الذي حملت فيه مريم، وهبط فيه

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 4 - 10 - 2 - 6 - 11 - 4 - 6
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 1.
130

الروح الأمين (1) وليس للمسلمين عيد بعد يوم غدير خم أولى منه (2) بل هو أعظم
عند الله من يومي الفطر والأضحى، وفيه خمس خصال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله
فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيه أحد شيئا إلا
أعطاه إياه ما لم يسأل محرما، وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبل ولا
شجر إلا وهو يشفق من يوم الجمعة أن تقوم القيامة فيه (3) عظمه الله تبارك وتعالى
وعظمه محمد (صلى الله عليه وآله) (4) وكلام الطير فيه إذا لقي بعضها بعضا سلام سلام
يوم صالح (5) وهو الذي جمع الله فيه الخلق لولاية محمد (صلى الله عليه وآله) ووصيه
في الميثاق، ولذا وغيره سماه الجمعة (6) ولا تركد فيه الشمس كما تركد في غيره لعذاب
أرواح المشركين، فيرفع الله عنهم العذاب فيه لفضله (7) وهو اليوم الأزهر وليلته
الغراء (8) بل هما أربع وعشرون ساعة لله عز وجل في كل ساعة منها ستمائة ألف عتيق
من النار (9) وفيه يخرج قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) كما أن فيه تقوم القيامة (10)
ويؤذن للحور العين فيشرفن على الدنيا فيقلن أين الذين يخطبوننا إلى ربنا (11) وفيه
تفتح أبواب السماء لصعود أعمال العباد، وفيه تزخرف الجنان وتزين لمن أتاها (12)
وإذا كان حيث يبعث الله العباد أتى بالأيام يعرفها الخلائق باسمها وحليتها يقدمها يوم
الجمعة له نور ساطع يتبعه سائر الأيام كأنه عروس كريمة ذات دثار تهدي إلى ذي حلم
ويسار، ثم يكون شاهدا وحافظا لمن يسارع إلى الجمعة (13) وإذا كانت عشية الخميس
وليلة الجمعة نزلت ملائكة من السماء معها أقلام الذهب وصحف الفضة لا يكتبون عشية

(1) الوسائل الباب - 40 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 5 - 18 - 22 - 5 - 8 - 7 - 9 - 13 - 17 - 18
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(9) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(10) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(11) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
(12) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(13) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
131

الخميس وليلة الجمعة ويوم الجمعة إلى أن تغيب الشمس إلا الصلاة على النبي (صلى الله
عليه وآله) (1) وفيه ساعات يستجاب فيه الدعاء والمسألة ما لم يدعى بقطيعة ومعصية
أو عقوق (2) خصوصا الساعة التي تدلى فيها نصف عين الشمس للغروب التي روت
فاطمة (عليها السلام) عن أبيها (صلى الله عليه وآله) فيها أنه سمعته يقول (3): " إن
في الجمعة ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله عز وجل فيها خيرا إلا أعطاه إياه،
قالت: فقلت: يا رسول الله أية ساعة هي؟ فقال: إذا تدلى نصف عين الشمس
للغروب، فكانت فاطمة (عليها السلام) تقول لغلامها: اصعد على الظرب فإذا رأيت
نصف عين الشمس قد تدلى للغروب فأعلمني حتى أدعو " وفي ليلة ينادي الله من فوق
عرشه من أول الليل إلى آخره ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر
فأجيبه، ألا عبد مؤمن يتوب إلي من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه، ألا عبد
مؤمن قد قترت عليه رزقه فيسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده وأوسع
عليه، ألا عبد مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه، ألا عبد مؤمن
محبوس مغموم يسألني أن أطلقه من حبسه قبل طلوع الفجر فأطلقه من حبسه فأخلي
سربه، ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له
وآخذ له بظلامته، فما يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر (4) وإلى سحرها أخر يعقوب
الاستغفار لولده (5) ولله فيها ملك من أول الليل إلى آخره ينادي يا طالب الخير أقبل
ويا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر (6) كما أن له ملكا
آخر ينادي أيضا هل من تائب فيتاب عليه، هل من مستغفر فيغفر له، هل من

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 5
(3) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 5
(4) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 5 - 1
(5) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 5 - 1
(6) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 5 - 1
132

سائل فيعطى سؤله، اللهم أعط كل منفق خلفا، وكل ممسك تلفا إلى أن يطلع الفجر (1)
إلى غير ذلك مما ورد في هذا اليوم وليلته في فضله وشرفه، وما ورد (2) في الصلاة
فيهما والدعاء والمسألة وفعل الخير وتجنب الشر (3) ومن فضل هذا اليوم أن أوجب
الله فيه صلاة الجمعة.
(و) من هنا وقع (النظر في) ماهية صلاة (الجمعة، ومن تجب عليه وآدابها، الأول
الجمعة ركعتان كالصبح) فيما عدا القنوت ونحوه على ما ستعرف (يسقط معهما الظهر)
بلا خلاف فيه بين علماء الإسلام، بل هو عندهم من الضروريات المستغنية بذلك عن
ذكر ما يدل عليه من النصوص والاجماعات (ويستحب فيهما الجهر) إجماع في القواعد
والذكرى والبيان والمدارك والمحكي عن التذكرة ونهاية الإحكام وجامع المقاصد والروضة
في بحث الكسوف والغرية وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية والفوائد الملية والمفاتيح
والحدائق، فهو كالمتواتر، بل في المعتبر لا يختلف فيه أهل العلم، لكن ظني أن المراد
منه مطلق الرجحان مقابل وجوب الاخفات في الظهر في غير يوم الجمعة، لعدم التصريح
بالندب قبل المصنف على وجه يكون به إجماعا، نعم حكي عن مصباح الشيخ وإشارة
السبق والسرائر والاصباح، بل عن المنتهى أنه أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أنه يجهر
بالقراءة في صلاة الجمعة ولم أقف على قول للأصحاب في الوجوب وعدمه، بل في
كشف اللثام أكثر الأصحاب ذكروا الجهر فيها على وجه يحتمل الوجوب، بل عن جمل
العلم والعمل " على الإمام أن يقرأ في الأولى الجمعة وفي الثانية المنافقين يجهر بهما " كما
أنه ربما كان ذلك ظاهر الفقيه والمبسوط والنهاية وجامع الشرائع أيضا، بل هو ظاهر

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب صلاة الجمعة
133

أمر الصادق (عليه السلام) به في صحيح عمر بن يزيد (1) كقوله (عليه السلام) في خبر
عبد الرحمان العزرمي (2): " إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف
إليها ركعة أخرى وأجهر فيها " بل لعله هو مقتضى التدبر في صحيحي جميل وابن مسلم (3)
سألا أبا عبد الله (عليه السلام) " عن صلاة الجمعة في السفر فقال: تصنعون كما تصنعون
في الظهر، ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة، إنما يجهر إذا كانت خطبة " ضرورة أنه لا معنى
لإرادة نفي الرجحان من النفي فيه، لأن التحقيق ثبوته في ظهر يوم الجمعة كما بيناه في
القراءة، فليس إلا إرادة نفي الوجوب، فيتعين إرادته في الجمعة، اللهم إلا أن يقال:
المراد نفي التأكد، كما أن المراد من الأمر الأول رفع وجوب الاخفات، لأنه في مقام
توهم وجوبه لا وجوب الجهر، خصوصا بعد الأصل وشهرة الندب بين المتأخرين شهرة
عظيمة، بل هي إجماع منهم، مضافا إلى ما في المدارك من الاستدلال على رفع الوجوب
بصحيح علي بن جعفر (4) سأل أخاه (عليه السلام) " عن الرجل يصلي من الفرائض
ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه أن لا يجهر؟ قال: إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر " لكن
فيه بعد إرادة معنى اللام من قوله: " عليه " أنه لا مصداق له حينئذ إلا الجمعة من
اليومية المنساقة من لفظ الفرائض، ومثل هذا التخصيص فيه ما فيه، فتأمل جيدا،
والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (تجب بزوال الشمس الذي) هو أول الوقت نصا (5)
وإجماعا كما في كشف اللثام، لكن اختلف في وقت الخطبة كما سيأتي، فمن قدمها على

(1) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 8 - 9
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
134

الزوال أراد بهذا القول وقت الركعتين، ومن أخرها كالمصنف أراد وقتها لكونها
كجزء منها، وعلى كل حال فلا تصح الركعتان قبل الزوال على المشهور شهرة عظيمة،
بل قد يظهر من التذكرة الاجماع عليه، مضافا إلى ما سمعته من معقد إجماع كشف
اللثام والمحكي من إجماع المنتهى وقت الجمعة زوال الشمس، فضلا عن دعوى الاجماع
مما عدا المرتضى على ذلك من غير واحد، وإلى مستفيض النص (1) أو متواتره أن
وقتها حين تزول، بل قيل: إن الثابت من النص وفعل النبي (صلى الله عليه وآله) (2)
والصحابة والتابعين فعلهما بعد الزوال، فيقتصر عليه، لعدم الدليل على شرعية غيره،
والاطلاق بعد معلومية تقييده لا يستند إليه في إثبات ذلك، وخبر سلمة بن الأكوع (3)
قال: " كنا نصلي مع النبي (صلى الله عليه وآله) صلاة الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان
فئ " غير ثابت من طرقنا، بل الثابت من النصوص (4) عندنا التي ستسمع بعضها
خلافة، وأما قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (5): " لا صلاة نصف
النهار إلا يوم الجمعة " فقد يريد منه النافلة أو الزوال ولو بقرينة باقي النصوص، فما في
الخلاف في أصحابنا من قال: إنه يجوز أن يصلي الفرض عند قيام الشمس يوم الجمعة
خاصة وهو اختيار المرتضى في غاية الضعف، وإن حكى في كشف اللثام عن أبي علي بن
الشيخ موافقته، على أن في السرائر لم أجد للمرتضى تصنيفا ولا مسطورا بما حكاه شيخنا
عنه، ولعله سمعه منه في الدرس وعرفه مشافهة.
(وأما أنه يخرج وقتها إذا صار ظل كل شئ مثله) فهو خيرة الأكثر، بل

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(3) صحيح مسلم ج 3 ص 9 وفيه " سلمة بن الأكوع عن أبيه "
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6
135

حكى غير واحد عليه الشهرة، بل في المعتبر أنه مذهب أكثر أهل العلم، بل في المحكي
عن المنتهى الاجماع عليه، لكن لم أجد في النصوص ما هو صريح فيه، بل ولا ظاهر
يعتمد عليه كما اعترف به غير واحد، نعم قيل: إنه يحتمله قول أبي جعفر (عليه السلام)
فيما أرسله الصدوق عنه وأرسله الشيخ في المصباح عن حريز عن زرارة (1) عنه (عليه
السلام) فقال: " أول وقت صلاة الجمعة ساعد تزول إلى أن تمضي ساعة، فحافظ عليها
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا يسأل الله عبد فيها خيرا إلا أعطاه "
وفيه أن الظاهر إرادة النجومية منها بشهادة ما دل من النصوص (2) على أن الليل والنهار
أربعة وعشرون ساعة، وهي لا توافق ذلك، بل لعلها كذلك لو أريد العرفية منها
أيضا، بل قد يشعر تعليل الأمر بالمحافظة بإرادة الندب، وأولى منه الاستدلال بخبر
إسماعيل بن عبد الخالق (3) المروي عن المصباح، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن وقت الصلاة فجعل لكل صلاة وقتين إلا الجمعة في السفر والحضر، فإنه قال: وقتها
إذا زالت الشمس، وفيما سوى الجمعة لكل صلاة وقتان، وقال: وإياك وأن تصلي قبل
الزوال، فوالله ما أبالي بعد العصر صليتها أو قبل الزوال " إذا أريد من العصر أول
وقته، وهو المثل، إلا أنه مع ذلك فيه ما فيه.
بل قد يناقش في الاجماع والنسبة إلى أكثر أهل العلم المزبورين بأنا لم نجد أحدا
صرح به قبل المصنف عدا ما يحكى من عبارة المبسوط " إن بقي من وقت الظهر ما يأتي
فيه بخطبتين خفيفتين وركعتين خفيفتين أتى بها وصحت الجمعة، وإن بقي من الوقت
ما لا يسع للخطبتين وركعتين فينبغي أن يصلي الظهر، ولا تصح له الجمعة " بناء على

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 19 - 18
(2) البحار - ج 14 ص 186 من طبعة الكمباني " باب الأيام والساعات والليل والنهار "
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 19 - 18
136

أن المراد وقت الاختيار الذي هو المثل، وإلا ففي المقنعة وعن جمل العلم والعمل " أن
وقت صلاة الظهر في يوم الجمعة حين تزول الشمس، ووقت صلاة العصر منه وقت
الظهر في سائر الأيام " وقال في الأول: وذلك لما جاء عن الصادقين (عليهما
السلام) (1) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يخطب أصحابه في الفئ الأول،
فإذا زالت الشمس نزل جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمد قد زالت الشمس فصل "
إلى آخره. وقال في الوسيلة: " يجب ثلاثة أشياء: صعود المنبر قبل الزوال بمقدار ما إذا
خطب زالت، وأن يخطب قبل الزوال، ويصلي بعده ركعتين " وأراد ركعتي الفرض
ونحوه عن فقه القرآن للراوندي، وعن المهذب والاصباح " أن الإمام يأخذ بالخطبة
قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت، فإذا زالت صلى " وفي كشف اللثام " نص
الحلبيان على فواتها إذا مضى من الزوال مقدار الأذان والخطبتين والركعتين " قلت:
بل في الغنية الاجماع على ذلك، بل لعل صاحب الفقيه عمله على ما سمعته مما أرسله، كما
أنه يمكن تنزيل ما عن الجعفي على ذلك أيضا وإن قال كما في الذكرى: وقتها ساعة من
النهار، لما روى عن أبي جعفر (عليه السلام) " وقت الجمعة إذا زالت الشمس
وبعده بساعة " ولاجماع المسلمين على المبادرة بها كما تزول الشمس، وهو دليل التضييق
وروى زرارة (3) عن الباقر (عليه السلام) " إن صلاة الجمعة من الأمر المضيق، إنما
لها وقت واحد حين تزول الشمس، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر
الأيام " لكن قد يريد بالساعة ما لا ينافي ما ذكروه: أي ساعة إيقاع الفعل بقرينة
استدلاله بخبر زرارة، أو يريدونهم بالتضييق المذكور ما لا ينافي الساعة المزبورة، وعلى

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 والمستدرك الباب
13 منها الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 19 - 3
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 19 - 3
137

كل حال فما في المعتبر - من أن ذلك لو صح لما جاز التأخير عن الزوال بالنفس الواحد
وأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يخطب في الفئ الأول فيقول جبرئيل: يا محمد
قد زالت الشمس فأنزل وصل، وهو دليل على تأخير الصلاة عن الزوال بقدر قول
جبرائيل ونزوله ودعائه أمام الصلاة، ولو كان مضيقا لما جاز ذلك - في غير محله قطعا
لعدم إرادة المضايقة الحكمية في هذا التضييق.
وكيف كان فالاجماع المزبور بل الشهرة قبل المصنف غير محققة، بل قيل: إن
النصوص مضافا إلى ما سبق متظافرة أو متواترة بخلافه، ففي صحيح الفضيل وربعي (1)
عن الباقر (عليه السلام) " أن من الأشياء أشياء موسعة وأشياء مضيقة، فالصلاة مما
وسع فيه، تقدم مرة وتؤخر أخرى، والجمعة مما ضيق فيها، فإن وقتها يوم الجمعة ساعة
تزول الشمس، ووقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها " ومثله صحيح زرارة (2)
عنه (عليه السلام) أيضا، والمرسل في الفقيه (3) عنه (عليه السلام) " وقت صلاة الجمعة
يوم الجمعة ساعة تزول الشمس، ووقتها في السفر والحضر واحد، وهو من المضيق،
وصلاة العصر يوم الجمعة في وقت الأولى في سائر الأيام " وفي خبر عبد الأعلى بن
أعين (4) عن الصادق (عليه السلام) " أن من الأشياء أشياء مضيقة، ليس تجري إلا
على وجه واحد، منها وقت الجمعة ليس لوقتها إلا وقت واحد حين تزول الشمس "
وقال (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن مسكان (5): " وقت صلاة الجمعة عند الزوال
ووقت العصر يوم الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة ويستحب التكبير بها "
وقال (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي (6): " وقت الجمعة زوال الشمس، ووقت
صلاة الظهر في السفر زوال الشمس، ووقت العصر يوم الجمعة نحوا من وقت الظهر في

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 3 - 12 - 21 - 5 - 11
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
138

غير يوم الجمعة " وسأله (عليه السلام) ابن أبي عمير (1) " عن الصلاة يوم الجمعة فقال
نزل بها جبرائيل مضيقة إذا زالت الشمس فصلها، قال: قلت: إذا زالت الشمس
صليت ركعتين ثم صليتها فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما أنا فإذا زالت الشمس
لم أبدأ بشئ قبل المكتوبة " وسأله (عليه السلام) محمد بن مسلم (2) أيضا في المروري
عن مصباح الشيخ " عن صلاة الجمعة فقال: وقتها إذا زالت الشمس، فصل ركعتين
قبل الفريضة، وإن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة ودع الركعتين
حتى تصليهما بعد الفريضة " وسأله (عليه السلام) ابن أبي عمير (3) أيضا " عن الصلاة
يوم الجمعة فقال: نزل بها جبرائيل مضيقة، إذا زالت الشمس فصلها، قال: قلت:
إذا زالت الشمس صليت الركعتين ثم صليتها فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما أنا
فإذا زالت لم أبدأ بشئ قبل المكتوبة " إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة جدا،
ولعله لذا قال في المنظومة:
ووقتها الزوال للمثل على * مشتهر فتوى عن النص خلا
ومقتضى النصوص ضيق الوقت * وأنه حزم كمثل البت
قلت: لا ريب في أنه أحوط في الفراغ من الشغل اليقيني، لكن قد يناقش
في بعض النصوص المزبورة باحتمال إرادة الظهر من الجمعة، بل لعله الظاهر من بعضها
بقرينة معلومية عدم صلاة الإمام، بل والرواة غالبا للجمعة يومئذ، ومساواة السفر
للحضر في الوقت، ومعلوم أنها ظهر في الأول، واستفاضة النصوص في توقيت الظهر
بذلك في يوم الجمعة، قال إسماعيل بن عبد الخالق (4) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 16 - 17 - 7
(2) الوسائل - الباب 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 16 - 17 - 7
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 16 وذكر الخبر تكرار
منه " قده " لأنه ذكره آنفا
(4) الوسائل - الباب 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 16 - 17 - 7
139

عن وقت الظهر فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا يوم الجمعة أو في السفر، فإن
وقتها حين تزول الشمس " وفي مضمر سماعة (1) " وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول
الشمس " وفي خبر عبد الرحمان بن عجلان (2) عن الباقر (عليه السلام) " إذا كنت
شاكا في الزوال فصل الركعتين، فإذا استيقنت الزوال فصل الفريضة " وقال الصادق
(عليه السلام) في صحيح ابن سنان (3): " إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة "
إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في إرادة بيان مغايرة وقت الفضل للظهر والعصر
يوم الجمعة لوقتهما في غيرها باعتبار تقدم النوافل فيها على الزوال وتأخرها عنه في غيرها
ولا ينافيه التضييق المحمول على بيان شدة التأكد، ولو سلم بعد إرادته من الجمعة في
بعضها أمكن حمله فيها على بيان الفضل كوقت العصر المذكور في كثير منها معها نحو ذكر
الظهر في السفر، بل يحتمل في جملة منها إرادة بيان ابتداء الوقت بالزوال ردا على المحكي
من فعل أبي بكر لها قبله بل رووه (4) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أيضا، فلا تعارض
حينئذ اطلاق الأوامر، واستصحاب بقاء الوقت، وما دل (5) على أن صلاة النهار
أو صلاتي الظهر والعصر لا تفوت إلى مغيب الشمس.
ومن هنا كان المحكي عن ابن إدريس توقيت الجمعة بوقت الظهر فضلا وإجزاء
واختاره الشهيد في الدروس والبيان ناسبا له في الثاني إلى ظاهر الأدلة، بل هو ظاهر
الروضة حيث نسبة إلى ظاهر النصوص ونفى الشاهد على المثل، بل عن جامع الشرائع
" أنه يستحب تقصير الخطبتين خوفا من فوات وقت الفضل " بل عن المسالك أنه

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 8 - 10 - 15
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 8 - 10 - 15
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 8 - 10 - 15
(4) صحيح مسلم ج 3 ص 9
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 و 5 من كتاب الصلاة
140

يناسب أصولنا، وربما يؤيده بما يظهر من النصوص (1) أن الجمعة ظهر عوض الركعتان
فيها بالخطبتين، وإلا فهي هي، وكأنه أومأ إلى ذلك في الروضة بالنسبة المزبورة، بل
قد يظهر من الدروس والبيان وكذا الروضة أن التحديد بالمثل مبني على خروج وقت
الظهر اختيارا به، وبأنها لو فاتت قبل ذلك فإما أن يتضيق كما يقوله ابن حمزة والحلبيان
وفيه من العسر ما لا يخفى مع أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وإما أن يمتد إلى وقت
كالمثل ولا دليل عليه، فلم يبق إلا حمل المضيقات على التأكيد في المبادرة، وبغير ذلك
مما لا يخفى، لكن ومع ذلك فمراعاة التضييق أحوط وأولى، والله أعلم.
(ولو خرج الوقت وهو) متلبس (فيها أتمها جمعة) كما صرح به جماعة، بل
نسبه في البيان إلى كثير، والمحكي عن الذخيرة إلى الشيخ وجماعة، بل في المحكي عن
نهاية الإحكام صحت الجمعة عندنا، بل قيل: إن الاجماع ظاهر كشف الحق، وظاهر
الجميع ما هو صريح القواعد والمحكي عن نهاية الإحكام والألفية وموضع من التذكرة من
عدم الفرق في ذلك بين الركعة وغيرها، فيكفي حينئذ في إتمامها جمعة التلبس فيها في
الوقت ولو بتكبيرة، ولعله كما في كشف اللثام لأنها استجمعت الشرائط وانعقدت جمعة
بلا خلاف، فوجب إتمامها للنهي عن إبطال العمل، وصحت جمعة كما إذا انفضت الجماعة
في الأثناء، وفيه أن التكليف بفعل موقت يستدعي زمانا يسعه، لامتناع التكليف
بالمحال، ولا يشرع فعله في خارجه إلا أن يثبت من الشارع شرعية فعله خارج الوقت
ومن ثم ذهب جماعة إلى اشتراط ذلك بادراك الركعة، بل في جامع المقاصد نسبة إلى
المعظم، كما عن الجعفرية وإرشادها نسبة إلى المشهور، وفي الذكرى وغيرها أنه المناسب
لأصول مذهبنا، قلت: أول من صرح بذلك الفاضل في بعض كتبه، وتبعه من تأخر

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الجمعة
141

عنه، لعموم (1) " من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله " وخصوص (2)
" من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الجمعة " في وجه، فالجمعة حينئذ كغيرها من
الفرائض في ذلك، لعدم دليل يخصها من بينها، فالقول بالادراك ولو بالتلبس بالتكبير
- كالقول بابطالها مطلقا وإن أدرك ركعة كما حكاه في الذكرى عن بعضهم - لا شاهد له
بل هو خلاف ذلك العموم، نعم قد يقال بعدم إجزاء الركعة لو كان ذلك ابتداء
الوجوب، بناء على اشتراط التمكن من تمام الواجب أجزاء شروطا في ابتداء الوجوب
كما تقدم البحث في ذلك في الصغر والحيض وغيرهما من موانع التكليف إذا ارتفعت ولم
يبق من الوقت إلا مقدار ركعة، فلاحظ وتأمل، ولا فرق في الحكم المزبور في المتن
وغيره أي (إماما كان أو مأموما) انفرد بانفضاض المأمومين أو سبق الإمام أو لا،
وسيأتي التعرض لذلك في الجمعة فيما يأتي.
(وتفوت الجمعة بفوات الوقت ثم لا تقضى جمعة) إجماعا بقسميه، وبه يخص (3)
عموم من " فاتته " بل في المدارك أنه إجماع أهل العلم، قال: ويدل عليه قوله (عليه السلام)
في حسنة الحلبي (4): " فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا " وفي صحيحة
عبد الرحمان العزرمي (5) " إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف
إليها ركعة أخرى وأجهر بها، فإن أدركته وهو يتشهد فصل أربعا " وفيه أن الفوات
هنا من حيث الجماعة لا من حيث الوقت.
وكيف كان فيصلي الظهر حينئذ أداء إن كان قد بقي وقتها، وقضاء إن خرج
(و) ما في بعض العبارات (إنما تقضى ظهرا) فالمراد به أنه تفعل وظيفة الوقت ظهرا

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6 - 3 - 5
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6 - 3 - 5
(5) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6 - 3 - 5
142

ولعل هذا هو مراد من أجاب عن ذلك بإرادة القضاء بالمعنى اللغوي، وهو الاتيان
بالفعل، أو بإرادة المجاز لأنها لما أجزأت عنها أشبهت القضاء، والأمر في ذلك سهل
بعد وضوح المراد، والله أعلم.
(ولو وجبت الجمعة) عليه عينا (فصلى الظهر) كانت صلاته باطلة لعدم الأمر
بها، ولم تسقط عنه الجمعة بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل في المحكي عن التذكرة والمنتهى
وجامع المقاصد وظاهر المعتبر الاجماع عليه، للأصل بلا معارض، فما عن أبي حنيفة
وصاحبيه من السقوط غلط قطعا، بل (وجب عليه السعي) حينئذ (فإن أدركها وإلا
أعاد الظهر ولم يجتز بالأولى) لما عرفت، من غير فرق بين العمد والنسيان، ولا بين
أن يظهر في نفس الأمر عدم الوجوب أو لم يظهر بل بقي الحال مجملا، نعم لو صلى الظهر
ناسيا وظهر بعد الفراغ أوفى الأثناء عدم التمكن من الجمعة قبل الشروع في العمل أو حال
التلبس به أمكن القول بالاجزاء، لموافقة الأمر واقعا وعدم التشريع، ولو لم يكن
شرائط الجمعة مجتمعة لكن يرجو اجتماعها قبل خروج الوقت فهل يجوز له تعجيل الظهر
بعد ذلك أم يجب الصبر إلى أن يظهر الحال؟ وجهان كما في جامع المقاصد والمدارك لكن
في الأخير أن أجودهما الثاني، لأن الواجب بالأصل الجمعة، وإنما يشرع فعل الظهر
إذا علم عدم التمكن من الجمعة في الوقت، قلت: لعل وجه الأول الاكتفاء بأصالة عدم
الاجتماع، وعليه حينئذ يتجه الاجتزاء بها إذا لم تتم، أما إذا اجتمعت ففي الاجتزاء بها
حينئذ وجهان، أقواهما العدم، والظاهر عدم الفرق في الرجاء المزبور بين ظن الادراك
واحتماله، لعدم ما يدل هنا على اعتبار الظن، وحديث تعبد المرأ بظنه لا جابر له هنا،
لكن في جامع المقاصد قبل الفرع المزبور أنه لو ظن إدراكها فصلى الظهر ثم تبين أنه في
وقت فعل الظهر لم يكن بحيث يدرك الجمعة وجب إعادة الظهر أيضا لكونه حينئذ متعبدا
بظنه، فكان المتعين عليه فعل الجمعة على حسب ظنه، ولو ظن عدم الادراك ففي جواز
143

المبادرة إلى الظهر بمجرد الظن تردد ينشأ من التعبد بالظن، وأصالة البقاء، وهو كما
ترى، والأمر سهل.
(و) كيف كان ف‍ (لو تيقن) المكلف بالجمعة (أن الوقت يتسع) لأقل
الواجب (من الخطبة وركعتين خفيفتين وجبت الجمعة) بلا خلاف ولا إشكال،
ضرورة عدم اعتبار المسنون ونحوه، بل في جامع المقاصد " ينبغي الوجوب فيما لو شك
في الادراك وعدمه، لأصالة بقاء الوقت واستصحاب وجوب الفعل " وأشكله في المدارك
بأن الواجب الموقت يعتبر وقوعه في الوقت، فمع الشك فيه لا يحصل يقين البراءة بالفعل
والاستصحاب هنا إنما يفيد ظن البقاء، وهو غير كاف في ذلك، قلت: لا إشكال
في الاكتفاء به بناء على حجيته، نعم قد يشكل جريانه فيما لو شك في سعة المقدار المعلوم
من الوقت للفعل وعدمه، وإن كان يقوى أن له الدخول في العمل مع احتمال السعة،
لاطلاق الأدلة واستصحاب بقاء الخطاب الذي لا يقطعه إلا العلم بالقصور، والسعة
لو سلم أنها شرط فهي شرط للصحة واقعا لا العلم بها سابقا على العمل، فيدخل حينئذ
في العمل، فإن طابق امتثل، وإن قصر انتقل إلى الظهر مثلا، وإن شك فالأقوى عدم
الامتثال، بل قد يقال بذلك أيضا في ابتداء التكليف لصغر أو جنون أو نحوهما،
لكن لا لاستصحاب الخطاب بل لاطلاق الأمر بالفعل الذي لا يقيده ما دل على
التوقيت بعد تنزيله على إرادة بيان صحة الفعل فيه لا بيان شرطية التكليف به حتى يكون
الشك فيه شكا في الخطاب، فتأمل جيدا، أما لو شك في بقاء سعة الوقت فالأقوى
جريان الاستصحاب، والاجتزاء بما يقع منه إذا لم يظهر وقوعه في خارج الوقت، وربما
يشير إلى بعض ما ذكرنا ما في الدروس وعن الموجز " أنه يجب الدخول فيها إذا علم
أو ظن أو شك في سعة الوقت " وعن الميسية " أنه يجب الشروع متى احتمل ذلك،
144

فإن طابق صحت، وإلا فلا " فتأمل جيدا
لكن في المتن (وإن تيقن أو غلب ظنه أن الوقت لا يتسع لذلك فقد
فاتت الجمعة ويصلي ظهرا) وفيه ما عرفت من أنه لا جابر هنا لتعبدية المرء بظنه، فالحاقه
باليقين حينئذ محل للنظر، بل المنع كما سمعته مفصلا، كما أنه قد يناقش في ذلك من
أصله أولا بأنه مناف لما سبق من أن من تلبس بالجمعة في الوقت يجب عليه إتمامها، فإنه
يقتضي باطلاقه جواز الشروع فيها مع ضيق الوقت، وثانيا بأن إطلاق ما دل على تنزيل
الركعة منزلة الجميع شامل للمقام، فيكفي حينئذ سعة الوقت للخطبتين وركعة كما جزم به
الشهيدان وأبو العباس والميسي، واستحسنه في المنتهى على ما حكي عن بعضهم، بل
عن نهاية الإحكام عدم الفرق بين المسألة السابقة والمقام فاكتفى هنا أيضا بادراك التكبير
مع الخطبتين، وقال: صحت الجمعة عندنا، وإن كان فيه منع واضح لعدم الدليل الصالح
لاخراج الجمعة عن غيرها من الموقتات في الحكم المزبور، بل ظاهر الأصحاب هنا خلافه
بل في التذكرة " لا يجزي في المقام الركعة خلافا لأحمد " وظاهره الاتفاق فيه بيننا،
وكأنه في محله، لأني لم أعرف من اجتزى بادراكها مع الخطبتين قبل الشهيد ومن عرفت
ولعله لما دل على عدم قضاء الجمعة المقتضي بظاهره عدم الفرق بين الكل والبعض،
كغيره مما دل على أن من لم يدرك الجمعة صلى ظهرا الصادق بعدم الادراك كملا، إذ هو
وإن كان يعارضه عموم قوله (عليه السلام): " من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله "
إلا أنه يرجح عليه بما عرفت من الشهرة العظيمة، بل ربما ظهر من التذكرة الاجماع عليه
واحتمال عدم المعارضة بناء على أن مثله ليس قضاء يدفعه أنه لا ريب في كونه منه حقيقة
ضرورة وقوعه خارج الوقت، وهو القضاء حقيقة، إلا أن الشارع نزله منزلة الوقت
فالبحث حينئذ في شمول هذا التنزيل للمقام الذي نهى عن القضاء فيه، وبه يفرق بينه
وبين غيره من الموقتات، ودعوى الاستناد إلى خصوص ما ورد من أن " من أدرك
145

ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة " يدفعها ظهور هذه النصوص في إرادة إدراك جماعة
الجمعة لا ما يشملها والوقت كما هو واضح بأدنى تأمل.
فظهر حينئذ من ذلك كله أنه لا بد من اتساع الوقت لكل ما يجب في الجمعة
من الخطبة والركعتين في وجوبها، ولا يكفي الركعة فضلا عن غيرها، خصوصا إذا
كان ذلك ابتداء تكليف كالبلوغ وزوال الجنون ونحوهما الذي قد عرفت البحث فيه فيما
تقدم من المباحث السابقة في الموقتات فضلا عن المقام، نعم كان مقتضى ذلك كله عدم
الصحة في المسألة السابقة وإن أدرك ركعة فضلا عن التلبس بها ولو بتكبيرة الاحرام،
ويمكن استنادهم فيها إلى دليل خاص لم نعثر عليه، لا ما ذكر لهم من أن المراد بها من
دخل في الجمعة بتخيل سعة الوقت فبان له الضيق عن الجميع أو عن الأكثر من ركعة
على القولين السابقين، فيتمها حينئذ جمعة، لأنه نواها كذلك، وقد نهي عن إبطال
العمل، إذ هو كما ترى، ضرورة أنه عليه يكون بطلانا للعمل لا إبطالا له، كما يظهر
لك في باقي الموقتات، فلا بد أن يكون المستند لهم أمر آخر غير حديث " من أدرك "
إلى آخرة. كما يومي إليه (1) عدم اعتبار الأكثر الركعة في الادراك، بل اكتفوا فيه
بالتلبس، فإن تم الدليل عليه من إجماع أو ظواهر نصوص كان هو المتبع، وإلا كان
للنظر فيه مجال، إلا أنه قد ظهر لك من ذلك كله عدم التناقض بين المسألتين، لأن
موضوع الأولى من دخل بتخيل السعة بخلاف المقام، فالبحث في الدليل شئ والتناقض
شئ آخر، والذي ذكرناه في الأول دون الثاني، فتأمل جيدا ولاحظ ما أطنب به في
جامع المقاصد، فإن رجع إلى ما قلناه كان جيدا، وإلا كان النظر فيه من وجوه لا تخفى.
هذا كله في غير المأموم، أما هو فلا إشكال في عدم اعتبار سعة الوقت للخطبة
فيه، كما يومي إليه قوله: (فأما لو لم يحضر الخطبة في أول الصلاة وأدرك مع الإمام

(1) وفي النسخة الأصلية " يؤمى إليهم " والصحيح ما أثبتناه
146

ركعة) قبل الشروع في ركوعها بأن دخل في الصلاة قبل تكبير الإمام لركوعه (صلى
جمعة) بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه، كما أنه يمكن دعوى تواتر النصوص به،
منها قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الفضل بن عبد الملك (1): " من أدرك
ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة " وفي صحيح العزرمي (2) " إذا أدركت الإمام يوم
الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى وأجهر فيها، فإن أدركته وهو يتشهد
فصل أربعا " وسأله (عليه السلام) الحلبي (3) أيضا " عمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة
فقال: يصلي ركعتين، فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا، وقال: إذا أدركت
الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة، فإن أنت أدركته بعد ما
ركع فهي الظهر أربع " بل ذيله دال على المطلوب، ضرورة ظهوره في إدراك الصلاة
التي هي الجمعة بادراك الركعة لا الصلاة جماعة وإن لم تكن جمعة
ومنه يتضح حينئذ دلالة جملة من النصوص في المسألة الآتية المشتملة على إدراك
الصلاة بادراك الركعة، إذ احتمال إرادة إدراك الصلاة جماعة وإن لم تكن جمعة مخالف
لظاهرها بلا داع، بل الداعي إلى خلافه حاصل، إذ يصدق على من كان مخاطبا بالجمعة
أنه متمكن منها إذا كان بحيث يدرك ركعة منها للنصوص المزبورة الدالة على إدراك
الصلاة بادراك الركعة، فهي حينئذ دالة على المطلوب من غير حاجة إلى نصوص إدراك
الجمعة بادراك الركعة، كما احتاج إلى ذلك جملة من النصوص في المسألة الآتية المتضمنة
إدراك الركعة بادراك الإمام راكعا، كما هو واضح بأدنى وتأمل، وعلى كل حال فقول
الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: " لا يكون الجمعة إلا لمن أدرك
الخطبتين " قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه، خصوصا يعد موافقته لمذهب عمر

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 6 - 5 - 3 - 7
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 6 - 5 - 3 - 7
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 6 - 5 - 3 - 7
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 6 - 5 - 3 - 7
147

ابن الخطاب وعطا وطاووس ومجاهد، فلا بأس بحمله على نفي الكمال أو على إرادة نفي
حقيقتها التي هي الركعتان مع ما ناب عن الأخيرتين، فمن لم يدركهما لم يدرك الجمعة
حقيقة وإن أجزأه ما أدركه، بل لعل هذا معنى سائر الأخبار، فلا إشكال حينئذ في
إدراك الجمعة بذلك.
(وكذا لو أدرك الإمام راكعا في الثانية على قول) مشهور بين الأصحاب
شهرة عظيمة نقلا وتحصيلا، بل في الخلاف الاجماع عليه، بل فيه والمحكي عن المنتهى
الاجماع أيضا على أنه يستحب للإمام إذا أحس بداخل أن يطيل ركوعه حتى يلحق به،
مضافا إلى النصوص (1) المستفيضة في ذلك منضمة إلى النصوص (2) المستفيضة جدا
في إدراك الركعة والصلاة بادراك الإمام راكعا: أي يشاركه في الركوع، فهي حينئذ
منضمة إلى ما تقدم مما دل (3) على إدراك الجمعة بادراك الركعة كافية في إثبات المطلوب
بل لا بأس حينئذ على الحلي في دعوى تواتر الأخبار بذلك في المحكي عن سرائره،
كما أنه لا بأس على مدعي الاجماع في المقام، إذ لم يحك الخلاف فيه إلا عن المفيد في
المقنعة والشيخ في النهاية وكتابي الأخبار والقاضي، مع أني لم أجده فيما حضرني من
نسخة المقنعة، بل في مفتاح الكرامة أنه ليس له فيما حضرني من نسخها عين ولا أثر،
وكأنهم توهموه من عبارة التهذيب، من لحظه عرف أن ما توهموه منه من كلام
الشيخ لا من كلام المفيد، وإلا لقال الشيخ: " قال الشيخ " قلت: بل يؤيده حصر
الخلاف في ذلك في الشيخ في المحكي عن السرائر وغيره، بل عن مجمع البرهان أن الشيخ
في بحث تطويل الإمام في الركوع ليلحق المأموم قد عدل عن ذلك، فلا مخالف في
المسألة، قلت: قال في المحكي عن تهذيبه بعد ذكر الأخبار الدالة على الجواز والمنع:

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب صلاة الجمعة
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة
148

" إن الإمام إذا صلى بقوم فركع ودخل أقوام فليطل الركوع حتى يلحق الناس الصلاة
ومقدار ذلك أن يكون ضعفي ركوعه " واستدل عليه برواية جابر (1) مضافا إلى ما
سمعته منه في الخلاف المتأخر تصنيفه عن التهذيب، بل عن الراوندي في الرائع أنه قال:
كلام الشيخ في النهاية " من أدرك تكبيرة الركوع فقد أدرك الركعة " لا يدل على
الخلاف على ما ظنه بعض الناس، فإنه دليل الخطاب، وهو فاسد، وإن كان فيه ما فيه
كما أوضحناه في بحث الجماعة.
وكيف كان فلا ريب في ضعفه وإن كان تشهد له جملة من النصوص حتى أنه لها
نفى بعده عن الصواب في المحكي عن التذكرة والنهاية وتردد فيه في المحكي عن كشف
الرموز، بل لعله ظاهر تنكير القول في المتن، لكن قد أوضحنا في الجماعة قصورها
عن المقاومة، كما أوضحنا هناك جملة من المباحث المذكورة في المقام التي منها قول المصنف
وغيره هنا بل في المحكي عن المنتهى الاجماع عليه:
(ولو كبر وركع ثم شك هل كان
الإمام راكعا أو رافعا لم يكن له جمعة وصلى الظهر) فلاحظ وتأمل.
نعم ينبغي أن يعلم أن ما احتمله في المدارك والذخيرة - من الفرق بين الجمعة وغيرها
فلا تدرك الأولى بادراك الإمام راكعا بخلاف غيرها لحسن الحلبي (2) المتقدم سابقا -
من متفرداتهما، بل يمكن تحصيل الاجماع على خلافه، وما عن كشف الرموز - من أن
الشيخ فرق بين الجمعة والجماعة فذهب في الخلاف والمبسوط إلى أنه يدرك الجماعة بادراكه
راكعا، وفي النهاية والاستبصار والمبسوط في الجمعة إلى أنه لا يدرك - يرده ملاحظة
كلام الشيخ، فلاحظ وتأمل، كما أنه ينبغي أن يعلم أن المحكي عن غاية المرام تقييد
إدراك الجمعة بادراك الركعة بما إذا كان الوقت باقيا، أما مع خروج الوقت مثل أن

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
149

يتلبس الإمام ولم يبق من الوقت غير قدر ركعة ويصلي الثانية في غير الوقت فإنه لا يدرك
المأموم الجمعة ما لم يلحقه في الأولى ولو في قوس الركوع، وهو جيد، إذ احتمال الادراك
فيه أيضا عملا بعموم " من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الجمعة " مناف لدليل
التوقيت، ودعوى أن التعارض بينهما من وجه ينفيها ظهور سوق الخبر المزبور لبيان
الادراك من حيث الجماعة، فلا ينافي ما دل على البطلان حينئذ من فقدان شرط آخر،
بل قد يشكل بذلك أيضا الصحة فيما فرضه أخيرا، بناء على ما تقدم سابقا من اشتراط
سعة الوقت لتمام الفعل، واختصاص من أدرك ركعة من الوقت بغير الجمعة، وأن ما ورد
فيها بالخصوص من حيث إدراك الجماعة بالركوع خاصة لا الوقت المتوقف على إدراك
الركعة تامة برفع الرأس من السجدة الأخيرة، ودعوى أن ما ذكروه من اعتبار
سعة الوقت سابقا خاص في غير المأموم بقرينة اعتبار سعته للخطبتين التي من المعلوم
عدمها في المأموم، فتصح صلاته جمعة بادراك الركعة الأولى قطعا وإن تقدمت الخطبتان
وضاق الوقت إلا عن الركعتين يدفعها أن العبرة بما يقتضيه الدليل، وإن كان ما ذكروه
سابقا خاصا في غير المأموم الذي لا يلزم من عدم اعتبار إدراكه الخطبتين عدم اعتبار
سعة الوقت لتمام الركعتين بالنسبة إليه، كما هو واضح، بل هو كالإمام الذي لم يدرك
الخطبتين بناء على عدم اشتراط الخطيب والإمام، فيعتبر فيه سعة الوقت لتمام الركعتين
كما عرفت وإن وقع الخطبتان قبله.
وعلى كل حال فيجوز استخلاف المسبوق وإن لم يحضر الخطبة، للأصل وإطلاق
الأخبار في الجماعة، وعن ظاهر الذكرى الاتفاق عليه، كما أنه لا يجوز له الانفراد
اختيار قبل فراغ الإمام لاشتراط الجماعة، وإن استشكله في المحكي عن نهاية الإحكام،
نعم ما حكي عنها أيضا من الجواز لعذر لا يخلو من وجه، لما ستسمعه في انفراد المزاحم
في سجود الأولى.
150

(ثم الجمعة لا تجب) أو لا تصح (إلا بشروط، الأول السلطان العادل أو
من نصبه) بالخصوص لها خاصة أو مع غيرها من مناصبة، فبدونهما تسقط عينا أو
مشروعية على اختلاف القولين المشتركين في عدم وجوب عقدها حينئذ عينا بلا خلاف
أجده بين الأساطين من علماء المؤمنين بل المسلمين عدا الشافعي فلم يعتبرهما، بل هو
من ضروريات فقه الإمامية إن لم يكن مذهبهم، بل يعرفه المخالف لهم منهم كما نسبه
جماعة منهم إليهم على ما قيل فضلا عن المؤالف، قال في الخلاف: " من شرط انعقاد
الجمعة الإمام أو من يأمره الإمام بذلك من قاض أو أمير ونحو ذلك، ومتى أقيمت
بغير أمره لم تصح - إلى أن قال -: فإن قيل: أليس قد رويتم فيما مضى من كتبكم
أنه يجوز لأهل القرايا والسواد والمؤمنين إذا اجتمعوا العدد الذين تنعقد بهم أن يصلوا
الجمعة قلنا: ذلك مأذون فيه مرغب فيه، فجرى ذلك مجرى أن ينصب الإمام من
يصلي بهم، وأيضا عليه إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون أن من شرط الجمعة الإمام أو
من أمره، وروى محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " يجب الجمعة
على سبعة " - إلى آخر الخبر الآتي - وأيضا فإنه إجماع، فإنه من عهد النبي (صلى الله
عليه وآله) إلى وقتنا هذا ما أقام الجمعة إلا الخلفاء والأمراء ومن ولي الصلاة، فعلم أن
ذلك من إجماع أهل الأعصار، ولو انعقدت بالرعية لصلوها كذلك " وهي كما ترى
صريحة في نفي العينية بدونهما، فلا يضر احتمالها الوجوب التخييري أو توقف المشروعية
على ذلك، وإن كان الظاهر إرادته الأول، لأن مثله يعبر عنه بالجواز، ولأنه الظاهر
من باقي كتبه، ففي المحكي عن مبسوطه أنه اشتراط في أول الباب السلطان العادل أو من
يأمره، ثم قال بعد ذلك: " ولا بأس أن يجتمع المؤمنون في زمان الغيبة بحيث لا ضرر
عليهم فيصلون بخطبتين، فإن لم يتمكنوا من الخطبة صلوا جماعة ظهرا أربع ركعات "

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 9
151

وفي نهايته باب الجمعة وأحكامها " الاجتماع في صلاة الجماعة فريضة إذا حصلت شرائطه،
ومن شرائطه أن يكون هناك إمام عادل أو من نصبه الإمام للصلاة بالناس - إلى أن
قال في آخر الباب -: ولا بأس أن يجتمع المؤمنون في زمان الغيبة بحيث لا ضرر عليهم
فيصلوا جماعة بخطبتين، فإن لم يتمكن من الخطبة جاز لهم أن يصلوا جماعة لكنهم يصلون
أربع ركعات " وقال في باب الأمر بالمعروف منها أيضا: " ويجوز لفقهاء الحق أن
يجمعوا بالناس الصلوات كلها وصلاة الجمعة والعيدين يخطبون الخطبتين، ويصلون بهم
صلاة الكسوف ما لم يخافوا في ذلك ضررا، فإن خافوا في ذلك الضرر لم يجز لهم
التعرض لذلك على حال " ولا يخفى صراحة كلامه في نفي الوجوب العيني عقدا
وظهوره في نفيه اجتماعا بانتفاء الشرط المزبور، وأن جوازه في زمن الغيبة رخصة
لا عزيمة لا في العقد ولا في الاجتماع بعد العقد، فإن وجوبها عينا بالشرط المزبور له
معنيان: الأول وجوب الحضور على كل مكلف إذا عقدها أحدهما أو علم أنه اجتمعت
الشرائط عنده وأنه يعقدها كما دل عليه الكتاب (1) والسنة (2) والاجماع إلا على
من سقطت عنه بالنص (3) والاجماع، والثاني وجوب عقدها عليهما عينا إذا اجتمعت
سائر الشرائط، وفي كشف اللثام " أن ظاهر الشيخ ومن بعده الاتفاق عليه، ويؤيده
وجوب الحضور على من كان على رأس فرسخين كما ستعرف، وللعامة قول بالعدم "
قلت: يدل عليه أيضا تواتر النصوص (4) باطلاق وجوبها وأنها فريضة لا يعذر فيها
أحد إلا من ستعرف، بل لعل وجوبها من الضروريات، بل ادعاه بعضهم، ولا بأس به.
وكيف كان فمن الغريب دعوى بعض المتفقهة أن الشيخ ممن يقول بوجوبها عينا

(1) سورة الجمعة - الآية 9
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 0 - 1 - 0
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 0 - 1 - 0
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 0 - 1 - 0
152

مدعيا عليه الاجماع، وفي الغنية وكذا المحكي عن القاضي " يجب الاجتماع في صلاة الجمعة
بشرط الإمام العادل أو من نصبه وجرى مجراه بالاجماع " وذكر الواو فيه بدل " أو "
دليل على أنه ليس قسما ثالثا، وعليه فالمراد به المجتهد، أما احتمال إرادة سائر الناس
من جهة إذنهم (عليه السلام) لهم كما سمعته من عبارة الخلاف فمقطوع بفساده عند التأمل، فلا ريب
في دلالته حينئذ على نفي العينية، وعن السرائر نفي الخلاف عن اشتراط انعقادها بذلك
وأن اجماع أهل الأعصار عليه، وفي المعتبر السلطان العادل أو نائبه شرط وجوب
الجمعة، وهو قول علمائنا، وقال أبو حنيفة: يشترط وجود إمام وإن كان جائرا وقال
الشافعي: لا يشترط، ورده بأن معتمدنا فعل النبي (صلى الله عليه وآله) فإنه كان يعين
لإمامة الجمعة وكذا الخلفاء بعده كما يعين للقضاء، وكما لا يصح للانسان أن ينصب نفسه
قاضيا من دون إذن الإمام كذا إمامة الجمعة، وليس هذا قياسا بل استدلال بالعمل
المستمر في الأعصار، فمخالفته خرق للاجماع، ثم قال في اللواحق: " المسألة الخامسة لو
لم يكن إمام الأصل ظاهرا سقط الوجوب، ولم يسقط الاستحباب وصليت جمعة إذا
أمكن الاجتماع والخطبتان، وبه قال الشيخ في الخلاف والمبسوط وأنكره سلار " إلى آخره
وقال فيه في موضع آخر: " لو كان السلطان جائرا ونصب عدلا استحب الاجتماع
وانعقدت جمعة، وأطبق الجمهور على الوجوب، لنا أنا بينا أن الإمام العادل أو من
نصبه شرط الوجوب، والتقدير عدم ذلك الشرط، أما الاستحباب فلما بيناه من الإذن
مع عدمه " وفي التذكرة يشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه عند علمائنا أجمع،
للاجماع على أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إلى قوله في المعتبر كذا إمامه الجمعة،
وقال أيضا فيها بعد ذلك بمسافة: " وهل للفقهاء المؤمنين حال والغيبة والتمكن من الاجتماع
والخطبتين صلاة الجمعة؟ أطبق علماؤنا على عدم الوجوب، واختلفوا في استحباب إقامتها
فالمشهور ذلك، وقال ابن إدريس وسلار: لا يجوز " إلى آخره. وقال فيها أيضا بعد
153

ذلك: " ولو كان السلطان جائرا ثم نصب عدلا استحب الاجتماع وانعقدت جمعة على
الأقوى، ولا تجب لفوات الشرط وهو الإمام ومن نصبه، وأطبق الجمهور على الوجوب "
وفي التحرير " أن من شرائط الجمعة الإمام العادل أو من نصبه، فلو لم يكن الإمام ظاهرا
ولا نائب له سقط الوجوب إجماع، وهل يجوز الاجتماع مع إمكان الخطبة؟ قولان "
وعن نهاية الإحكام ومجمع البرهان، وفي الذكرى " وشروطها سبعة: الشرط الأول
السلطان العادل، وهو الإمام أو نائبه إجماعا لما مر، ولأن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان يعين لإمامة الجمعة، ويشترط في النائب أمور تسعة - إلى أن قال -: التاسع إذن
الإمام له كما كان النبي (صلى الله عليه وآله) يأذن لأئمة الجمعات وأمير المؤمنين (عليه
السلام) بعده، وعليه إطباق الإمامية، هذا مع حضور الإمام (عليه السلام) وأما مع
غيبته كهذا الزمان ففي انعقادها قولان - ثم قال -: إن عمل الطائفة على عدم الوجوب
العيني في سائر الأعصار والأمصار " وفي المحكي عن التنقيح " مبني الخلاف أن حضور
الإمام (عليه السلام) هل هو شرط في ماهية الجمعة ومشروعيتها أم في وجوبها، فابن
إدريس على الأول، وباقي الأصحاب على الثاني " وهو كما ترى كالصريح في دعوى
الاجماع على نفي العينية، وفي كنز العرفان له أيضا " السلطان أو نائبه شرط في وجوبها
وهو إجماع علمائنا - إلى أن قال -: ومعتمد أصحابنا فعل النبي (صلى الله عليه وآله)
فإنه كان يعين لإقامة الجمعة وكذا الخلفاء كما يعينون القضاة، ورواياتنا عن أهل البيت
(عليه السلام) متظافرة بذلك ".
وعن رسالة الكركي " أجمع علماؤنا الإمامية طبقة بعد طبقة من عصر أئمتنا
إلى عصرنا هذا على انتفاء الوجوب العيني في زمان الغيبة " وقال في جامعة: يشترط
لوجوب الجمعة السلطان العادل، وهو الإمام (عليه السلام) أو نائبه عموما أو في الجمعة
باجماعنا، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى قوله في المعتبر كذا إمامه الجمعة، وقال
154

فيه أيضا: " الوجوب الحتمي في حال الغيبة منتف بالاجماع " وقال ولده في حاشية
الإرشاد: " لا خلاف بين علمائنا في اشتراط وجوبها بالإمام أو نائبه عموما أو في صلاة
الجمعة، وقد نقل ذلك أجلاء فقهائنا، ويدل عليه عمل الإمامية في جميع الأعصار،
وربما توهم بعض أهل هذا الزمان أن من الأصحاب من ذهب إلى وجوب الجمعة عينا
مع غيبة الإمام (عليه السلام)، كذا إلى عدم اشتراطها بنائب الغيبة عند عدم ظهوره (عليه السلام)
مستندا في ذلك إلى عبارات مطلقة، وهو خطأ فاحش، لتكرر نقل الاجماع على انتفائه
والاطلاق في مثل ذلك للاعتماد على ما عرف في المذهب واشتهر حتى صار التقييد به في
كل عبارة مما يعد مستدركا " وفي الروضة " والحاصل أنه مع حضور الإمام (عليه السلام)
لا تنعقد الجمعة إلا به أو بنائبه الخاص، وهو المنصوب للجمعة أو لما هو أعم منها،
وبدونه تسقط، وهو موضع وفاق " ونحوه عن الروض، وفيها أيضا " ربما عبروا عن
حكمها حال الغيبة بالجواز تارة، وبالاستحباب أخرى نظرا إلى إجماعهم على عدم وجوبها
حينئذ عينا، وإنما تجب على تقديره تخييرا " وفيها أيضا " لولا دعواهم الاجماع على
عدم الوجوب العيني حينئذ لكان القول به في غاية القوة " وفيها أيضا " أنه ربما قيل
بالوجوب حال الغيبة وإن لم يجمعها فقيه " وظاهره عدم تحقق قائل بذلك عنده، وعن
المقاصد العلية " الاجماع على أن ذلك شرط للوجوب العيني أو مع حضور الإمام (عليه
السلام) " وفي آيات أحكام الجواد " الاجماع على عدم الوجوب عينا في زمن الغيبة "
وفي كشف اللثام " لا تجب عينا إجماعا كما هو ظاهر الأصحاب " وفيه أيضا " لم يقل
أحد منا بتعين الجمعة في الغيبة " وعن الداماد " أجمع علماؤنا على أن النداء المشروط به
وجوب السعي لا بد أن يكون من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام أو من
يأذن له ينصبه لها، وعلى ذلك إطباق الإمامية " وعن رسالته في المسألة " أطبق
الأصحاب على نقل الاجماع على عدم الوجوب عينا ".
155

بل ربما يظهر من غير واحد الاستدلال على بطلان بعض ما يلزم الوجوب العيني
بأنه مستلزم للباطل فيكون باطلا، وهو صريح في معلومية بطلانه، كصراحة حصرهم
الخلاف في الجواز والحرمة في ذلك أيضا، خصوصا مع جعلهم الاحتياط في الترك،
ضرورة أنه لا يتم مع قيام احتمال الوجوب، وفي شرح المفاتيح وكشف الأستاذ وعن
غيرهما " الاجماع متواترا على نفي العينية " بل في الأول " أن الناقلين قد يزيدون عن
عدد الأربعين " كما أن في الثاني " كونه فوق التواتر " ولعله كذلك، وهي كما ترى
لا فرق فيها بين زمن الحضور والغيبة، بل صريح بعضها الثاني، وذكرهم الخلاف في زمن
الغيبة في الجواز والحرمة لا ينافي الاجماع على اشتراط العينية كما صرح به فيما سمعته من
التذكرة وغيرها، بل لا ينافيه أيضا على تقدير إرادة اشتراط الصحة به أيضا بعد تنزيله
على حال الظهور بقرينة ما ذكروه حال الغيبة.
وكيف كان فلا ريب في الاجماع المزبور، بل يمكن تحصيله من تتبع نقلته فضلا
عن الفتاوى المجردة عنه، كما أنه يمكن تحصيل نتيجته: أي القطع باشتراط ذلك في الغيبة
مع قطع النظر عنه من عدة أمور:
منها السيرة التي أشار إليها أساطين المذهب ووافقتها فتاواهم وإجماعاتهم،
واعترف بها المخالف في المقام، ولم يسعه إنكارها مع شدة حرصة على إنكار أدلة الشرطية
ويشهد لها أيضا ما في أيدي المخالفين الآن الذي لم يعده أحد أنه من بدعهم ومخترعاتهم
مع أنهم حصروا مبتدعاتهم في الفروع والأصول ولم يتركوا لهم شيئا إلا ذكروه حتى
الأذان الثاني لعثمان في الجمعة، وأنه لو كانت تصلى في ذلك الوقت مع غير النائب في
رأس كل فرسخ لشاع وذاع وصار معلوما عند الأطفال فضلا عن العلماء الماهرين أمناء
الله في أرضه، فلا ريب حينئذ في أنها مأخوذة لهم يدا عن يد إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
كما أنه لا ريب في دلالتها على الشرطية مع عدم صدور ما يدل منهم (عليهم السلام) على
156

نفيها، كما صدر منهم في نفيها بالنسبة إلى تعيين أئمة الجماعة والمؤذنين بحيث علم عدم اعتبار
التعيين، وصار كالضروري بل ضروري، فاستدامه الفعل مع الخلو عن ذلك كالنص
في الشرطية، وإلا كان إغراء بالجهل وقصورا في التبليغ بل مخالفة لما يوحى إليهم،
والاعتماد على إطلاق وجوبها مع صدور ذلك منهم الذي هو كأقوالهم في الحجية كما ترى
على أن من المعلوم عدم استغراق النواب الخلق كافة، كمعلومية كثرة عوارض النواب
من الموت والجنون والفسق ونحوها، فمع فرض كون الجمعة ما صليت في ذلك الزمان
إلا مع المعصوم أو نائبه كما سمعته من الشيخ وغيره ممن حكى هذه السيرة لا بد أن تكون
غير واجبة على الأعيان، لعدم التمكن من ذلك في سائر الأطراف وفي سائر الأحوال
كما هو معلوم بأدنى تأمل، نعم هو متوجه على اشتراط الوجوب بذلك، فمع فقده انتقل
إلى الظهر حينئذ، على أن ظاهر المصنف وغيره ممن حكى هذه السيرة إرادة كون التعيين
منهم (عليهم السلام) على وجه عدم الجواز بدونه كتعيين القضاة (1) ولا إشكال حينئذ
في دلالته على ذلك، وربما يؤيده تنزيل الشهيد في رسالته الاجماع على الاشتراط حال
الحضور، فمن الغريب بعد ذلك كله مناقشة الشهيد وأتباعه في دلالة الفعل المزبور بعد
تسليمه على الشرطية، وكأنه فر من قبح إنكار كون فعلهم يوجب (2) التعيين إلى
ما هو أقبح منه، وأقبح منهما دعوى شرطيته في حال الظهور بحيث يسقط الفرض عمن
لم يتمكن منه، وعدمها في حال الغيبة فتجب وإن لم يتمكن من الشرط، كما هو واضح،
وأقبح من الجميع ما وقع منهم من أن هذا التعيين منهم (عليهم السلام) إنما كان لرفع
التنازع والتنافس والتخاصم، خصوصا مع التوظيف لأهلها ولنحو ذلك من المفاسد

(1) في النسخة الأصلية " القضاء " ولعل الصحيح ما أثبتناه
(2) حرر كلمة " يوجب " في هامش النسخة الأصلية بعنوان التصحيح وهناك عبارة
مرقومة بقلم المصنف " قده " وهي قوله: " الظاهر أن هذا التصحيح غير صحيح - حسن - "
157

المترتبة على عدم التعيين، ولو تأملوا لوجدوا أن ذلك دليل الشرطية، ضرورة أن هذا
وشبهه من أعظم ما يحتاج الناس فيه إلى الإمام، بل قد يخشى من الشك فيه الشك في
الإمام والعياذ بالله.
ومنها ما دل على أن الجمعة من مناصب الإمامة كالقضاء والحدود، كقوله في
دعائم الاسلام (1): " روينا عن علي (عليه السلام) أنه قال: لا يصلح الحكم ولا
الحدود ولا الجمعة إلا للإمام أو من يقيمه الإمام " والمروي عن كتاب الأشعثيات
" أن الجمعة والحكومة لإمام المسلمين " وفي رسالة الفاضل بن عصفور روى مرسلا
عنهم (عليهم السلام) " أن الجمعة لنا، والجماعة لشيعتنا " وكذا روي عنهم
(عليهم السلام) " لنا الخمس ولنا الأنفال ولنا الجمعة ولنا صفو المال " والنبوي المشهور
" أربع للولاة: الفئ والحدود والصدقات والجمعة " وفي الصحيفة (2) المعلوم أنها من
السجاد (عليه السلام) في دعاء يوم الجمعة وثاني العيدين " اللهم إن هذا المقام مقام
لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتم بها قد ابتزوها (3)
وأنت المقدر لذلك - إلى أن قال -: حتى عاد صفوتك وخلفائك مغلوبين مقهورين
مبتزين يرون حكمك مبدلا - إلى أن قال -: اللهم العن أعداءهم من الأولين والآخرين
ومن رضي بفعالهم وأشياعهم لعنا وبيلا " وفيه مواضع للدلالة على المطلوب، ومن
مضحكات المقام تجشم إرادة الأعم منهم (عليهم السلام) ومن أئمة الجماعة من الدعاء
المزبور، كتجشم إرادة خصوص العيد من الفقرة المزبورة، مع أنه بعد تسليمه يتجه
الاستدلال بالاجماع بقسميه والنصوص على اتحادهما في اعتبار عينيتهما بذلك، وقال الباقر

(1) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4
(2) ص 281 - رقم الدعاء 48
(3) الأصل " ابتزوهموها " متعدي إلى مفعولين في حاشية سيد على خان (منه رحمه الله)
158

(عليه السلام) في خبر عبد الله بن دينار (1) الذي رواه الكليني والشيخ والصدوق
مرسلا ومسندا في العلل وغيرها: " يا عبد الله ما من يوم عيد للمسلمين أضحى ولا فطر
إلا ويجدد الله لآل محمد عليه وعليهم السلام فيه حزنا، قال: قلت: ولم؟ قال: إنهم
يرون حقهم في أيدي غيرهم " والجمعة إن لم تكن عيدا موضوعا فهي كذلك حكما،
وقد سأل الحلبي (2) أبا عبد الله (عليه السلام) " عن الفطر والأضحى إذا اجتمعا في
يوم الجمعة فقال: اجتمعا في زمان علي (عليه السلام) فقال: من شاء أن يأتي إلى الجمعة
فليأت، ومن قعد فلا يضره، وخطب (عليه السلام) خطبتين جمع فيهما خطبة العيد
وخطبة الجمعة " وقال (عليه السلام) أيضا في خبر سلمة (3): " اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين
(عليه السلام) فخطب الناس فقال: هذا يوم اجتمع فيه عيدان، فمن أحب أن يجمع
معنا فليفعل، فمن لم يفعل فإن له رخصة يعني من كان متنحيا " وفي خبر إسحاق بن
عمار (4) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) " أن علي بن أبي طالب (عليه السلام)
كان يقول: إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد فإنه ينبغي للإمام أن يقول للناس في
خطبته الأولى أنه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصليهما جميعا، فمن كان مكانه قاصيا فأحب
أن ينصرف فقد أذنت له " مضافا إلى ظهور إسناد الإذن له في كون الاجتماع من
حقوقه، وفي علل الفضل بن شاذان (5) عن الرضا (عليه السلام) تعليل الركعتين
لصلاة الجمعة بأنها عيد، وصلاة العيد ركعتان، إلى غير ذلك مما يدل على مساواة الجمعة
للعيد في ذلك، وحينئذ تتكثر الأدلة على الشرط المزبور بملاحظة ما دل عليه في العيد
من الاجماع والنصوص، ولعله بذا تبلغ سبعين إجماع أو أزيد، كما أن به تزيد النصوص

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
159

الدالة على ذلك حينئذ على التواتر، فلاحظ وتأمل
ومنها موثق سماعة (1) فيما حضرني من نسخة الكافي " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الصلاة يوم الجمعة فقال: أما مع الإمام فركعتان، وأما من يصلي وحده
فهي أربع ركعات وإن صلوا جماعة " لكن رواه في الوافي وغيره عنه (عليه السلام)
بعد قوله: ركعات " بمنزلة الظهر " يعني إذا كان إمام يخطب، فأما إذا لم يكن إمام
يخطب فهي أربع ركعات وإن صلوا جماعة، ورواه في الفقيه إلى قوله: " ركعات "
إلا أنه أرسل فيه (2) عن الباقر (عليه السلام) " إنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما
النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الجمعة لمكان الخطبتين مع الإمام، فمن صلى يوم الجمعة
في غير جماعة فليصلها أربعا كصلاة الظهر في سائر الأيام " وعلى كل حال فهو كالصريح
في مغايرة إمام الجمعة لإمام الجماعة، ولا فارق إلا النصب المزبور، إذا احتمال كونه
لا يحسن الخطبة التي هي التحميد والصلاة على النبي وآله (عليهم الصلاة والسلام) ويا أيها
الناس اتقوا الله وقراءة سورة إن قلنا به في غاية البعد، خصوصا في ذلك الزمان الذي
لا يحتاج فيه إلى تعلم العربية ونحوها، مع أنه أمام جماعة وأكثر ذلك يقوله في الصلاة
الواجبة، بل كان الواجب عليه تعلم ذلك، بل قد يقال بناء على الوجوب العيني بوجوب
تعلم الناس الواجب من الخطبة، ومن كشف الله له الغطاء ونور بصيرته وعلم أن
المتعارف في ذلك الزمان النصب لإمامة الجمعة بل لا تصلى بدونه يفهم أن المنساق هنا
من لفظ الإمام ما هو الأعم من إمام الأصل (عليه السلام) ومنصوبه، لا إمام الجماعة
الذي هو غير معين، ولم يعلم من يختارونه للتقدم منهم، بل لعل التعريف فيه في جملة

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 8 - 1
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 8 - 1
160

من النصوص (1) للمعهودية في الذهن نحو جاء القاضي، بل لا يخفى على من اعتبر لسان
المخالفين المعتبر عندهم النصب الآن انسياق الإمام معرفا ومنكرا إلى ذلك، بل موثق
سماعة (2) في العيد كالصريح في ذلك، قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
متى يذبح؟ قال: إذا انصرف الإمام، قلت: فإذا كنت في أرض ليس فيها إما فأصلي
بهم جماعة فقال: إذا استقبلت الشمس، وقال: لا بأس أن تصلي وحدك، ولا صلاة
إلا مع إمام " إذ قوله: " ليس فيها إمام " مع قوله: " إني أصلي بهم جماعة " واضح الدلالة
على ما قلنا، والظاهر أن ذكر الإمام في النصوص الواردة عنهم (عليه السلام) في زمن خفائهم
مع تعارف نصب المخالفين في ذلك الوقت وعدم إمام منصوب منهم (عليه السلام) جمعا بين ما
تتأدى به التقية والواقع اعتمادا على ما يذكرونه في صفات الإمام (عليه السلام) المفقود
غالبا في نصب المخالفين، أو المراد بيان حكم الجمعة في الواقع المنوط بالإمام المعتبر،
فلا يقدح حينئذ التعبير بهذا اللفظ الموهم دفعا للتقية، وعلى كل حال فانسياق لفظ الإمام
المنكر منه فضلا عن المعرف إلى ما ذكرنا بعد ملاحظة تعارف النصب في تلك الأزمنة
مما لا ينكر، وسبر نصوص المقام والعيدين المشتملة على لفظ الإمام مع ملاحظة ما فيها
مما يقتضي إرادة الإشارة به إلى شخص معين لا ما اتفق صيرورته إماما المختلف
باختلاف الأوقات والأحوال والأمكنة أعدل شاهد على المقام.
ولعل من ذلك صحيح زرارة (3) المروي في الفقيه والأمالي وعقاب الأعمال
وغيرها بطريقين عن أبي جعفر (عليه السلام) " صلاة الجمعة فريضة، والاجتماع إليها
مع الإمام فريضة، فمن ترك ثلاث جمع ترك ثلاث فرائض، ولا يترك ثلاث فرائض

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 8
161

من غير عذر ولا علة إلا منافق " إذ لا يخفى ظهوره فيما قلناه، وأظهر منه فيه وفي الدلالة
على المطلوب صحيح محمد بن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) " عن أناس في قرية
هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال: نعم يصلون أربعا إذا لم يكن لهم من يخطب بهم " وفي
خبر الفضل بن عبد الملك (2) عن الصادق (عليه السلام) " إذا كان قوم في قرية صلوا
الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر، وإنما جعلت
ركعتين لمكان الخطبتين " إذ الظاهر إرادة المنصوب لذلك، لما عرفت من استبعاد
عدم معرفتها، وأنه يجب تعلمها على تقدير الوجوب العيني، فتركه فسق لا يصلح معه
لإمامة الجماعة أيضا، وربما يومي لذلك أيضا إطلاق الأمر (3) بالتجميع بوجود من
يخطب، مع أنه يعتبر فيه صفات أخر العدالة ونحوها، فما تركها إلا للإشارة بمن
يخطب إلى المنصوب المتصف بذلك، وعدم التمكن من النصب الشرعي عن صدور
الخطاب المزبور لا ينافي بيان الحكم في نفسه بمثل هذه العبارة الجامعة بين الواقع وتأدية
التقية، ومثله كثير في النصوص، وإن كان المراد من الخبرين أنهم يصلون أربعا إذا
لم يكن لهم منصوب من قبل الجائرين يخطب بهم كان وجه الدلالة فيه واضحا، كوضوح
الجمع بينه وبين موثق ابن بكير (4) وغيره بالتخيير قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن قوم في قرية ليس لهم من يجمع بهم الصلاة أيصلون الظهر يوم الجمعة في
جماعة؟ قال: نعم إذا لم يخافوا " إذ لا ينكر ظهوره في الرخصة دون العزيمة، وأن المراد
بالجماعة الجمعة كما في غيره من نصوص المقام، وحاصل المراد حينئذ أنه إذا لم يكن لهم
منصوب من الجائرين يجمع بهم الصلاة جاز لهم التجميع بدونه إذا لم يخافوا، ولعل

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
162

السؤال عن خصوص القرى من جهة عدم وجود المنصوب فيها غالبا، بل المحكي عن
أبي حنيفة أنه كان لا يرى إقامة الجمعة إلا في الأمصار
ومنها النصوص (1) المستفيضة الدالة على سقوط الجمعة على من بعد عنها بفرسخين
أو من إن صلى الغداة عند أهله لم يدركها، ضرورة ظهورها في أن للجمعة محلا مخصوصا
معينا يجب السعي إليه على من كان دون هذه المسافة، ويسقط عمن لم يكن كذلك،
كالسقوط عن الأعمى والامرأة ونحوهم سواء تمكنوا من عقد جمعة لهم أولا، فاطلاق
السقوط المزبور مناف للعينية قطعا، ومن كان عنده نائب في هذه المسافة لم يصدق عليه
البعد عنها بذلك، إذ المراد البعد عن الجمعة في سائر الأطراف ومن جميع الجهات،
فلا تخصيص حينئذ على المختار، بخلافه على تقدير العينية، بل لا ينبغي بناء عليها هذا
التكليف الشاق على جملة من الناس، بل هو مفوت للفرض، وحامل لهم على العقوق،
مع أنهم غير مكلفين به، لامكان إقامة الجمعة عندهم، نعم ينبغي مراعاة البعد عنها بفرسخ
لعدم انعقاد جمعتين في الأقل منه، بل إذا لم تكن هي منصب شخص مخصوص مكلف
بإقامتها لم يعقل وجوب السعي المزبور، إذ لم يعلم حصولها جامعة للشرائط فيما بين فرسخين
اللهم إلا أن يرسل الشخص الصالح للإمامة إلى جميع من كان دون الفرسخين من جميع
جهاته أني أريد أن أصلي الجمعة فاسعوا إليها، وهو كما ترى.
ونحوه حمل النصوص المزبورة على إرادة بيان سقوط فرض الجمعة عمن علم بها
وكان بينها وبينه فرسخان ولم يمكنه إقامة الجمعة عنده لاختلال بعض شرائطها، إذ لا
يخفى على من له أدنى معرفة وإنصاف أن المنساق من هذه النصوص خصوصا بعد ما سمعت
من تعارف النصب للجمعة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) ومن بعده سقوط وجوب
السعي عمن بعد عن هذه الجمعة المعقودة من الإمام أو نائبه بمقدار المسافة المزبورة،

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الجمعة
163

وأنه ينتقل فرضه إلى الأربع ركعات ولو كان فيهم الصالح للإمامة، كما هو واضح بأدنى
تأمل وضوح قول الباقر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1): " تجب الجمعة على
سبعة نفر من المسلمين، ولا تجب على أقل من خمسة، منهم الإمام وقاضية والمدعي حقا
والمدعى عليه والشاهدان والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام " في إرادة إمام
الأصل (عليه السلام) أو الأعم منه ونائبه لا إمام الجماعة، والقطع بعدم خصوصية
المذكورين في الوجوب وإن حكي عن ظاهر الصدوق الفتوى به لا ينافي اعتبارها في
الإمام الذي قد عرفت الدليل عليه، فيكون المراد الوجوب على سبعة أحدهم الإمام على
جهة الشرطية، لأنه في مساق بيانها فلا يرد أنه لا ينافي الوجوب على غيرهم أيضا، كما
أن التخيير من جهة السبعة والخمسة جمعا بين النصوص لا ينافي اعتبار الإمام مع كل منهما،
بل لعل قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر طلحة بن زيد (2) عن جعفر عن أبيه
(عليهما السلام): " لا جمعة إلا في مصر تقام فيه الحدود " مشعر أيضا باشتراط الجمعة
بظهور السلطنة المقتضي لإقامة الحدود، وأن المراد منه الكناية بذلك عن ذلك،
وتخصيص المصر لأن الغالب تنصيب الإمام فيه.
وأوضح منه إشعار المروي في العيون عن الرضا (عليه السلام) في خبر العلل (3):
" فإن قال: فلم صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين، وإذا كان بغير إمام
ركعتين ركعتين قيل لعلل شتى: منها أن الانسان يتخطى إلى الجمعة من بعد، فأحب الله
عز وجل أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه، ومنها أن الإمام يحبسهم للخطبة وهم

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 9 وليس في الوسائل
والتهذيب والاستبصار والفقيه لفظة " من خمسة " بل فيها " على أقل منهم " إلى آخره
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 وذيله
في الباب 25 منها - الحديث 6
164

منتظرون للصلاة، ومن انتظر الصلاة فهو في صلاته في حكم التمام، ومنها أن الصلاة مع
الإمام أتم وأكمل لعله وفقهه وعدله وفضله، ومنها أن الجمعة عيد، وصلاة العيد ركعتان
ولم تقصر لمكان الخطبتين، فإن قال: فلم جعل الخطبة؟ قيل: لأن الجمعة مشهد عام،
فأراد أن يكون للإمام سبب إلى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة، وترهيبهم من المعصية،
وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبر هم بما ورد عليه من الآفاق من
الأهوال التي لهم فيها المضرة والمنفعة، فإن قال: فلم جعل الخطبتين؟ قيل: لأن يكون
واحدة للثناء والتمجيد والتقديس لله تعالى، والأخرى للحوائج والأعذار والانذار
والدعاء وما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه وما فيه الصلاح والفساد " وذيله كالصريح
في أنه غير إمام الجماعة، بل رواه في الوسائل عن العلل بعد قوله (عليه السلام):
" والمنفعة " بزيادة " ولا يكون الصائر في الصلاة منفصلا، وليس بفاعل غيره ممن يؤم
الناس في غير يوم الجمعة " وهو نص في المطلوب.
هذا كله مضافا إلى ترك الشيعة الرواة وغيرهم لها لما خفي السلطان، واحتمال أن
ذلك للتقية يدفعه أن الشيعة قد تجاهروا بما ينافي التقية في أمور كثيرة حتى أنهم (عليهم
السلام) تأذوا منهم بذلك، وقالوا (عليه السلام): " إنه ما قتلتنا إلا شيعتنا " (1) ولو أن هذه الفريضة
مما تجب عينا كانت أولى بذلك من غيرها، على أن الظاهر إن لم يكن المتيقن حصول
الترك منهم حال عدم التقية، كما يومي إليه صحيح زرارة (2) قال: " حثنا أبو عبد الله
(عليه السلام) على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نغدوا عليه، فقلت: نغدوا عليك
فقال: لا، إنما عنيت عندكم " إذ لا يخفى ظهوره في استمرار زرارة على الترك، بل
ظاهر لفظ الحث أنه لم يكن ذلك، من أبي عبد الله (عليه السلام) بعنوان الوجوب، كما

(1) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف
مع الاختلاف
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
165

أن انتقال زرارة من المبالغة في الحث إلى إرادة الغدو عليه ظاهر في معروفية اعتبار
الإمام فيها قبل أن يقول (عليه السلام) له: " إنما أردت عندكم " فحينئذ دلالة الصحيح المزبور على
المطلوب واضحة حتى لو كان المراد منه وإن كان بعيدا الحث على حضور جماعة المخالفين
بقرينة أن من عادته (عليه السلام) الحث على أمثال ذلك لا الحث على ما لا ينافي التقية
خصوصا في مثل الجمعة التي هي من مناصب السلطان، إلا أن زرارة وغيره من الشيعة
ربما كانوا يتجنبونها معهم لأنها ليست صلاة في الحقيقة فظن من حثه على صلاة الجمعة
إرادة فعلها معه، فأجابه الإمام (عليه السلام) بأنه " إنما أردت عندكم " وموثق ابن
بكير (1) قال: " حدثني زرارة عن عبد الملك عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال له
: مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله تعالى، قال: فقلت: كيف أصنع؟ قال: صلوا
جماعة يعني صلاة الجمعة " إذ هو واضح الدلالة على استمرار تركها سواء كان ذلك منه
تشكيا له وتأسفا حيث أنه لم يتمكن من صلاتها لعدم تمكن إمامه (عليه السلام) ولذا قال
له (عليه السلام): " كيف أصنع؟ " متحيرا مما علم أنه لا تفعل بدونه (عليه السلام)
ومما صدر منه من هذا الكلام، فأذن له لذلك في صلاتها جماعة منهم ولو مرة، ولما لم
يعنه إماما علم إرادة الرخصة مطلقا، أو يكون المراد كما هو الظاهر توبيخا له على عدم
فعلها، فقال له (عليه السلام) السائل: " كيف أصنع؟ " مبدئا عذره بأنه ما أدري كيف
أصنع لاشتراطها بالسلطان، والوقت تقية فأجابه (عليه السلام) بالأمر بصلاتها
جماعة معهم، فيكون إذنا منه بذلك، ولذا اكتفى به في رفع حيرته، أو يكون
المراد بفعلها في جماعة العامة على نحو ما سمعته من صحيح زرارة (2).
وعلى كل حال فدلالته على المطلوب واضحة، بل قد ينقدح منهما على الأخير
أنه مما يلزم القائل بالعينية وجوب حضورها مع العامة، لأن الفرض المعين إذا لم يمكن

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 1
166

فعله إلا على وجه التقية تعين فعله، لأنها دين ولا يجوز تركه، واحتمال دفعه بأنه لم
يشرع الائتمام بتقية - ولذا أمر بالقراءة معهم وإنما يوهمهم أنه مؤتم بهم، والمفروض
أن من شروطها الائتمام، ويؤيده ما ورد (1) من كيفية صلاة الجمعة معهم بإضافة ركعتين
إلى الركعتين حتى تكون ظهرا، وحينئذ من صلى معهم جمعة ولم يمكنه فعلها ظهرا لم
يجتز بها عن الظهر - يدفعه منع عدم مشروعية الائتمام تقية الذي هو المتابعة في الأفعال
وإن كان يجب عليه القراءة مع التمكن، إذ هو أعم من عدمه، ولعل استفاضة النصوص (2)
بعدم الائتمام بهم يراد به عدم تحمل القراءة، بل فيها إمارات لذلك، بل هو مقتضى
الجمع بينها وبين ما دل (3) على الصلاة خلفهم، بل وهذه النصوص بناء على إرادة
جماعة المنافقين، إذ الأمر مقتض للاجزاء مؤيدا باطلاق ما دل على أنها دين من غير
فرق بين الجمعة وغيرها، وما في النصوص من إضافة الركعتين مبني على إمكان الفعل
لا على وجه التقية، بل لا يبعد حمله على الندب مع التمكن منه أيضا، فحينئذ يقرأ معهم
في الجمعة وتسقط عنه الظهر بذلك، لكن الانصاف عدم خلوه من الاشكال.
وكيف كان فترك الرواة لها أوضع شئ فيما قلناه، كوضوح ما رواه الصدوق
في أماليه باسناده إلى الصادق (عليه السلام) والشيخ في مصباحه عن هشام (4) عنه
(عليه السلام) على ما قيل: إنه قال: " أحب للرجل أن لا يخرج من الدنيا إلا ويتمتع
ولو مرة واحدة، وأن يصلي الجمعة ولو مرة " في عدم الوجوب العيني أيضا، خصوصا
مع جعله كالمتعة، بل قيل يشعر به أيضا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر حماد

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب صلاة الجمعة
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الجماعة
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجماعة
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المتعة - الحديث 7 من كتاب النكاح
167

ابن عيسى (1) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): " إذا قدم الخليفة مصرا من
الأمصار جمع بالناس ليس لأحد ذلك غيره " وإن كان فيه ما فيه.
نعم قد يقال باشعار الآية (2) به ضرورة كون النداء إلى صلاة الجمعة لا يكون
ظاهرا في سائر الأطراف إلا مع ظهور أمر السلطان، لا أن المراد وجوب السعي إليها
مع التخفي في عقدها والتخافت في فعلها، فليس المراد حينئذ إلا ما ذكرنا، ودعوى
إرادة مطلق النداء كائنا ما كان خرج منه ما خرج وبقي الباقي يدفعها القطع بعدم إرادة
الاطلاق على هذا الوجه، ومن ذلك ما في الاستدلال بها على الوجوب العيني، مع أنه
قد يقال بعد الاغضاء عما ذكرنا أنها إنما تدل على وجوب السعي إليها مع العقد لا إيجاب
العقد أيضا الذي يدعيه القائل بالوجوب العيني، بل قد يقال لا يتم الاستدلال بها بناء
على إجمال العبادة وشرطية ما شك فيه، إذ لم يثبت صلاة للجمعة إلا مع المعصوم (عليه السلام)
ونائبه بل قد يقال إنه خطاب للمشافهين ونداء لهم، ولفظ الماضي فيهم، وحكم غيرهم إنما
يثبت بالاجماع ونحوه، ولا إجماع هنا على المشاركة، بل قد عرفته على خلافها، وإطلاق
الخطاب بالنسبة إليهم يمكن لأنهم محرزون للشرط لا لعدم شرطيته، وكذا لا يتم بناء
على إرادة الرسول من الذكر فيها كما هو مذكور في أخبار (3) كثيرة عن أهل البيت
(عليهما السلام) " إن الذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن أهل الذكر معاشر
أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) " بل في كشف اللثام أنه أظهر من احتمال
إرادة الخطبة أو الصلاة، بل فيه أنك لا تصغ إلى ما يدعى من إجماع المفسرين على

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) سورة الجمعة - الآية 9
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء
168

إرادة أحدهما، خصوصا إذا كنت إماميا تعلم أنه لا إجماع إلا قول المعصوم، ثم قال:
" مع أن الصلاة في يوم الجمعة باطلاقها تعم الثنائية والرباعية بل الظهر وغيرها، والسعي
يعم الاجتماع وغيره " وإن كان فيه ما فيه.
ومع الاغضاء عن ذلك كله قد يقال: إن المراد من الآية أصل وجوب السعي
إلى الجمعة من غير تعرض لذكر الشرائط أو أنه منصرف إطلاقها إلى الفرد الشائع في
ذلك الزمان، وقد عرفت أنه الإمام ومنصوبه، بل في كشف اللثام ما حاصله " أن
الآية تجدي لو عمل بها أحد من الإمامية على إطلاقها، وليس كذلك ضرورة من المذهب
فلا قائل منا بأن منادي " يزيد " وأضرابه إذا نادى إلى صلاة الجمعة وجب علينا
السعي وإن لم نتقه، ولا منادي أحد من فساق المؤمنين. فليس معنى الآية إلا أنه إذا
نادى لها مناد بحق فاسعوا إليها وكون المنادي أذن (بإذن خ ل) الإمام له بخصوصه مناديا
بحق ممنوع فلا يعلم الوجوب فضلا عن العيني، وبعبارة أخرى إنما تدل الآية على وجوب
السعي إذا نودي للصلاة لا على وجوب النداء، ومن المعلوم ضرورة من العقل والدين
أنه إنما يجب السعي إذا جاز النداء، وفي أنه هل يجوز النداء لغير المعصوم ومن
نصبه؟ كلام ".
قلت: كأنه يرجع إلى الدور، لتوقف وجوب السعي على مشروعية النداء،
ومشروعيته موقوف على مشروعية الجمعة، وإن أبيت عن ذلك كله فهي مقيدة بما
عرفت من الاجماع وغيره كاطلاق النصوص (1) في وجوبها، وأنه يجب على كل أحد
أن يشهدها إلا الخمسة أو التسعة، بل قد عرفت إيماء ما اشتمل منها على استثناء من كان
على فرسخين إلى المطلوب، بل هو الظاهر أيضا من وجوب مشاهدتها، بل قد يقال
ليس المراد من هذه النصوص ما يحتاج إلى التقييد، بل المراد منها مطلق الوجوب الذي

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة
169

هو من الضروريات التي يكفر منكرها، نحو قولهم الزكاة واجبة والحج واجب وغيرهما
مما يراد منه بعد إحراز شرائطه، كما يومي إليه أنه لم يتعرض فيها لذكر ما هو شرط عند
الخصم أيضا، ودعوى الخروج بالدليل وإلا فالمراد الاطلاق كما ترى خارج عن الاعتدال
في الفهم، ولقد تجشم في كشف اللثام هنا في الجواب عن إطلاق النصوص والآية بما
هو إن تم غير محتاج إليه، فلاحظ وتأمل.
وقد ظهر لك من ذلك كله بطلان العمدة في شبهة العينية، إذ هي بعد الآية
إطلاق صحيح محمد بن مسلم وزرارة (1) " إن الله عز وجل فرض في كل سبعة أيام
خمسة وثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة " الحديث.
وزرارة (2) عن الباقر (عليه السلام) " فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا
وثلاثين صلاة " منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة، وهي الجمعة، ووضعها عن
تسعة " إلى آخره. وصحيحه الآخر (3) قال للباقر (عليه السلام): على من تجب الجمعة؟
قال: " تجب على سبعة نفر من المسلمين، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم
الإمام، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم " وصحيحه الآخر (4) عنه
(عليه السلام) أيضا " الجمعة واجبة على من إن صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة، وكان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما يصلي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا
قضوا الصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجعوا إلى رحالهم قبل الليل، وذلك

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 14 لكن رواه عن
أبي بصير ومحمد بن مسلم
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
170

سنة إلى يوم القيامة " وصحيح منصور (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " يجمع القوم
يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فإن كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم، والجمعة
واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها إلا خمسة " وصحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم (2)
عن أبي جعفر (عليه السلام) " من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات بغير علة طبع الله على
قلبه " وصحيح زرارة (3) عن الباقر (عليه السلام) وحسني زرارة (4) ومحمد بن
مسلم (5) عن الصادق والباقر (عليهما السلام) " إنها تجب على من كان منها على
فرسخين " وصحيحي زرارة (6) وموثق ابن بكير (7) ومفهوم صحيح ابن مسلم (8)
وخبر الفضل بن عبد الملك (9) المتقدمة آنفا، وصحيح عمر بن يزيد (10) " إذا كانوا
سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة، وليلبس البرد والعمامة ويتوكأ على قوس أو عصا،
وليقعد قعدة بين الخطبتين " إلى آخره. وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته (11)
" والجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي " إلى آخره والنبوي (12) " الجمعة
حق واجب على كل مسلم إلا أربعة " وآخر (13) " من ترك ثلاث جمع متهاونا بها

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 2 من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 7 وذيله
في الباب 1 منها - الحديث 16
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 15 - 6 - 24 - 25
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الجمعة
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الجمعة
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الجمعة
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 8 والباب 5 منها - الحديث 1
(7) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
(8) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(9) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(10) ذكر صدره في الوسائل في الباب 24 من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 وذيله
في الباب 16 منها - الحديث 2
(11) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 15 - 6 - 24 - 25
(12) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 15 - 6 - 24 - 25
(13) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 15 - 6 - 24 - 25
171

طبع الله على قلبه " وقال (صلى الله عليه وآله) (1) أيضا: من ترك ثلاث جمع
متعمدا من غير علة طبع الله على قلبه " وقال (صلى الله عليه وآله) (2): " لينتهين أقوام عن ودعهم
الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين " وقال (صلى الله عليه وآله)
أيضا: (3) " إن الله فرض عليكم الجمعة، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي استخفافا
بها أو جحودا لها فلا جمع الله شملة ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا زكاة
له، ألا ولا حج له، ألا ولا صوم له، ألا ولا بر له، حتى يتوب " وحسن ابن مسلم
أو صحيحه (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) " إن الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنها
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشارة لهم وتوبيخا للمنافقين، ولا ينبغي تركها، فمن
تركها متعمدا فلا صلاة له ".
ونحو ذلك من النصوص المسطورة في محالها التي هي بين ضعيف لا جابر له وبين
مطلق قد عرفت الحال فيه وأنه غير مراد منه طلب الفعل من المخاطب الذي من
المعلوم عدم تمكنه من الفعل حال صدور تلك الاطلاقات، وربما كان المراد منها التعريض
بالمانعين من إقامتها مع تمكنهم من الشرط، لأن الإمام بين أظهرهم وقد أعرضوا عنه
وقصروا يده، وزرارة الذي هو العمدة في رواية هذه المطلقات هو الذي حثه أبو عبد الله
(عليه السلام) على فعلها المشعر بأنه كان مستمرا على الترك، كما عرفته سابقا، مضافا
إلى ما فيها من استثناء من كان منها على فرسخين، وقد عرفت دلالته على المطلوب،
بل يمكن إرادة الجماعة الخاصة من قوله (عليه السلام) فيها: " في جماعة " أبهمها للتقية
أو لعلم السامع، بل ربما كان تنكيره مشعرا بذلك، بل ليس معناه سوى أنه فرضها الله
في الجملة في جماعة أي الاجتماع فيها في الجملة مفروض، وهو حق مجمع عليه، كما أن جملة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 26 - 27 - 28
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 26 - 27 - 28
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 26 - 27 - 28
(4) الوسائل - الباب - 70 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 مع الاختلاف
172

منها يمكن إرادة وجوب الاجتماع منها بعد عقدها كما يشعر به لفظ الشهادة والاتيان
والحضور ونحو ذلك، بل هو المراد من وجوب الجمعة في كثير من النصوص، وهو الذي
توعد عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وورد النهي المؤكد عنه، بل هو المراد عند
التأمل من قوله (عليه السلام): " صلاة الجمعة فريضة، والاجتماع إليها مع الإمام فريضة " والمراد من
وجوبها على السبعة المخصوصين، لأنهم حاضرون وغيرهم يجب عليه السعي لحضورها.
وبين ما هو مراد منه الرخصة في الفعل، لأنه في مقام توهم الحظر، كصحيح
الحث (1) وصحيح إمامة البعض (2) وصحيح عبد الملك (3) وموثق ابن بكير (4)
الظاهر سؤاله في الرخصة، كظهور المفهوم في صحيح ابن مسلم (5) الذي هو في الحقيقة
رفع الوجوب مع وجود من يخطب، وصحيح منصور (6) الذي قد اعترف الخصم بإرادة
التخيير منه باعتبار معارضته بأخبار السبع (7) بل ظاهر مساواته بين الخمس فما زاد إرادة
التخيير في الجميع، لظهور اتحاد الطلب في الجميع، نحو المروي عن الكشي في كتاب
الرجال عن ابن مسلم (8) عن محمد بن علي عن جده (عليهما السلام) " إذا اجتمع خمسة
أحدهم الإمام فلهم أن يجمعوا " وخبر هشام (9) المروي عن مصباح الشيخ المتقدم سابقا
وصحيح عمر بن يزيد (10) لا تصريح فيه بالإمام، وعلى تقدير إرادة الصالح منه للجماعة
أمكن حمله على الرخصة كغيره مما عرفت فيه ذلك باعتبار توهم الحظر، والتوعد على ترك

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4 - 7 - 0 - 11
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4 - 7 - 0 - 11
(7) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4 - 7 - 0 - 11
(8) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4 - 7 - 0 - 11
(9) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المتعة - الحديث 7 من كتاب النكاح
(10) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
173

الجمعة بغير علة لا شاهد فيه، إذ ليس أعظم من قصور يد السلطان علة، ولعله المراد
بالعمد في حسن ابن مسلم (1) كما أن النبوي (2) المزبور قد زيد فيه " وله إمام عادل "
بعد قوله (صلى الله عليه وآله): " موتي " في المروي عن الأمالي وعقاب الأعمال،
ولعله حينئذ دال على المطلوب بناء على ما عرفت، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك بعد
الإحاطة بما ذكرناه.
ومن مضحكات المقام دعوى بعض المحدثين تواتر النصوص بالوجوب العيني
وأنها تبلغ مأتي رواية، وقد تصدى والد المجلسي إلى جمعها في رسالة مستقلة قد أجاد
في ترتيبها، لكن العمدة من نصوصها ما أشرنا إليها، وكثير منها لا دلالة فيها على ذلك
بوجه من الوجوه، نعم قد اشتملت على لفظ الجمعة وعلى بيان كيفيتها كما لا يخفى على من
لاحظها، وأغرب من ذلك دعوى بعض مصنفي الرسائل في المسألة كالكاشاني وغيره
الاجماع على الوجوب العيني، مع أن معتمدهم في هذا الخلاف ثاني الشهيدين في رسالته
في المسألة التي قد يظن صدورها منه في حال صغره، لما فيها من الجرأة التي ليست من
عادته على أساطين المذهب وكفلاء أيتام آل محمد (عليهم السلام) وحفاظ الشريعة،
ولما فيها من الاضطراب والحشو الكثير، ولمخالفتها لما في باقي كتبه من الوجوب التخييري
ونسأل الله أن يتجاوز له عما وقع فيها وعما ترتب عليها من ضلال جماعة من الناس، فإنه
قد بذل جهده في تصفح عبارات الأصحاب، فما وجد إلا ظاهر مقنعة المفيد وكتاب
الاشراف له وأبي الفتح الكراجكي وأبي الصلاح، وربما نسب أيضا إلى الشيخ في
الخلاف والنهاية والتهذيب، وإلى الصدوق في المقنع والأمالي، وإلى الشيخ عماد الدين
الطبرسي، وبذلك نسبوه إلى أكثر المتقدمين وإلى إجماع الأصحاب، وقد سمعت عبارة

(1) الوسائل - الباب - 70 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(2) لم نجده فيما أشار إليه - قده - وإنما رواه في المستدرك في الباب - 1 - من أبواب
صلاة الجمعة - الحديث 19 عن تفسير أبي الفتوح
174

الخلاف والنهاية، وأما المفيد فإنه وإن أوهمت عبارته ذلك لكن من المحتمل قويا إرادة
صفات النائب مما ذكره، وأنه ترك اشتراط النيابة لمعلومية، كما أنه ترك ذكر العدالة في
أوصافه لذلك أيضا، بل قيل: إنه كاد يكون ذكره كالمستدرك، خصوصا بعد نقل
الاجماع من تلامذته كالسيد والشيخ وعدم إشاراتهم إلى خلافه.
بل قال هو في إرشاده في باب ذكر طرف من الدلائل على إمام القائم (عليه
السلام): " من ذلك ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح من وجود إمام معصوم
كامل غني عن رعاياه في الأحكام والعلوم في كل زمان، لاستحالة خلو المكلفين من
سلطان يكونون بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وحاجة الكل من ذوي
النقصان إلى مؤدب للجناة مقوم للعصاة - إلى أن قال -: مقيم للحدود حام عن بيضة
الاسلام جامع للناس في الجمعات والأعياد " ظاهره أن ذلك من خواصه كالعصمة
والكمال، وقال فيها في باب صلاة العيدين: " وهذه الصلاة فرض لازم لجميع من لزمته
الجمعة على شرط حضور الإمام، سنة على الانفراد عند عدم حضور الإمام " وفي باب
الأمر بالمعروف - بعد أن ذكر أن إقامة الحدود إلى سلطان الاسلام المنصوب من قبل
الله تعالى، وهم أئمة الهداة من آل محمد (عليهم السلام) ومن نصبوه لذلك من الأمراء
والحكام، وقد فوضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الامكان وأكثر في ذلك - قال
" وللفقهاء من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) أن يجمعوا باخوانهم في الصلوات الخمس
وصلاة الأعياد والاستسقاء والخسوف والكسوف إذا تمكنوا من ذلك " وظاهره أن
ذلك كله من مناصب الأئمة، وأنهم (عليهم السلام) أذنوا فيه، بل قال في المقام:
" فرضنا وفقك الله الاجتماع على ما قدمناه إلا أنه بشريطة حضور إمام على صفات يتقدم
الجماعة " ويمكن أن يريد بالإمام المنصوب إماما ولو بالنصب العام، فيوافق القائل
بانعقادها مع المجتهد.
175

وأما أبو الصلاح فقد قيل: إن المنقول عنه في الايضاح وغاية المراد والمهذب
البارع والروض والمقاصد العلية والمقتصر والجواهر المضيئة استحباب الاجتماع في زمن
الغيبة، بل نقل عنه الفاضل العميدي في تخليص التلخيص والشهيد في البيان والفاضل
المقداد المنع من جوازها كابن إدريس، على أن التأمل في العبارة التي نقلها عنه الخصم
يقضي بأن أقصاها الانعقاد الذي يجامع القول بالتخيير، نعم ظاهره وجوب السعي
بعد انعقادها، فالتخيير حينئذ في العقد خاصة كما هو أحد القولين بين أهل التخيير،
بل قيل: إنه أشهرهما.
وأما أبو الفتح فقد يريد بالإمام في كلامه المنصوب ولو بالعموم، والصدوق
(رحمه الله) وإن قال في الأمالي: " والجماعة يوم الجمعة فريضة واجبة، وفي سائر الأيام
سنة " وفي المقنع " إن صليت الظهر مع الإمام يوم الجمعة بخطبة صليت ركعتين، وإن
صليت بغير خطبة صليتها أربعا " ولم يذكر شيئا من الشرائط لكن قال في الهداية:
" إذا اجتمع يوم الجمعة سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم - ثم قال -: والسبعة الذين
ذكرناهم هم الإمام والمؤذن والقاضي والمدعي حقا والمدعى عليه والشاهدان " وهو ظاهر
في المشهور، بل لعل كلامه في الأولين كذلك، والشيخ عماد الدين الطبرسي في كتابه
المسمى بنهج العرفان إلى هداية الايمان بعد نقل الخلاف بين المسلمين في شرط وجوب
الجمعة إنما قال: " إن الإمامية أكثر ايجابا للجمعة من الجمهور، ومع ذلك يشنعون عليهم
بتركها حيث إنهم لم يجوزوا الائتمام بالفاسق ومرتكب الكبائر والمخالف في العقيدة
الصحيحة " وهي كما ترى لا صراحة فيها بل ولا ظهور، وكفى بهذا المذهب شناعة
احتياج أصحابه في تصحيحه إلى دعوى التواتر، وأخرى إلى الاجماع نسأل الله العفو
عن إثمها، وقد بان لك بحمد الله فسادهما معا.
176

وأوضح منهما فسادا الاستدلال بالاستصحاب: أي وجوب الجمعة حال حضور
الإمام أو نائبه ثابت باجماع المسلمين فيستصحب إلى زمن الغيبة وإن فقد الشرط المدعى
إلى أن يحصل الدليل الناقل عن ذلك الحكم، وهو منتف، وفيه مضافا إلى ما عرفت
من الاجماع على اشتراط الوجوب به حال الحضور، حتى أن الشهيد الثاني الذي هو عمدة
الخصوم سلم ذلك فيه، فالاستصحاب وقاعدة المشاركة تقتضي السقوط حينئذ، لانتفاء
الشرط أولا، وأنه لا يصلح لنفي الشرطية في الصحة بناء على إجمال العبادة إن كان
المراد به ذلك، كأصالة عدم الشرطية، وثانيا أن الحكم قد تعلق بالحاضرين الواجدين
للشرط، فاستصحابه بحيث يثبت الحكم على غيرهم غير معقول، وإن أريد به أن مقتضى
الاستصحاب ثبوته في حق الحاضرين على تقدير فقدهم الشرط ففيه أنه لا معنى
لاستصحاب الحكم المتعلق بهم المحتمل لكونه مشروطا عندهم، ونفي الشرطية بالنسبة
إليهم باطلاق الأدلة خروج عن التمسك بالاستصحاب، ومع الاغضاء عن ذلك فقد عرفت
ما لا يصلح الاستصحاب لمعارضة بعضه فضلا عن جميعه.
وأوضح من ذلك فسادا ما في رسالة ثاني الشهيدين من الاستدلال له بأصالة
الجواز، قال: " فأنا لم تجد على التحريم دليلا صالحا كما سنبينه، والأصل جواز هذا
الفعل بالمعنى الأعم المقابل للتحريم الشامل لما عدا الحرام من الأقسام الخمسة، ثم الإباحة
من الأمور الأربعة منتفية بالاجماع، على أن العبادة لا تكون متساوية الطرفين، وكذا
الكراهة بمعنى مرجوحية أحد الطرفين مطلقا من غير منع من النقيض، فبقي من مدلول
هذا الأصل الوجوب والاستحباب، فالثابت منهما أحدهما، لأن الاستحباب أيضا
منتف بالاجماع، على أنها لا تقع مستحبة بالمعني المتعارف، بل متى شرعت وجبت،
فانحصر أمر الجواز في الوجوب، وهو المطلوب " وهو من غرائب الكلام يقبح بالانسان
التصدي لبيان بطلانه، بل هذا منه مما يؤيد ما ذكرنا من وقوع هذه الرسالة منه في
177

صغر سنه، وأوضح منه تأييدا ما ذكره فيها أيضا من الاستدلال بأن القول بالوجوب
على هذا الوجه قول أكثر المسلمين لا يخرج منه إلا الشاذ النادر من أصحابنا على وجه
لا يقدح في تحقق دعوى كونه إجماعا أو يكاد، فإن جملة مذاهب المسلمين ممن يخالفنا
يقول بذلك، أما غير الحنفية فظاهر، لأنهم لا يعتبرون في وجوبها إذن الإمام، وأما
الحنفية فإنهم وإن شرطوا إذنه لكنهم يقولون: إنه مع تعذرها يسقط اعتبارها، وهذا
أغرب من سابقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون
من هذه المصيبة العظيمة.
ولقد وقفت على جملة من الرسائل المصنفة في المسألة نسجوا فيها على منوان هذه
الرسالة، وقد أكثروا فيها من السب والشتم خصوصا رسالة الكاشاني التي سماها بالشهاب
الثاقب ورجوم الشياطين، ولولا أنه آية (1) في كتاب الله لقابلناه بمثله، لكن لا يبعد
أن تكون هذه الرسالة وما شابهها من كتب الضلال التي يجب إتلافها، اللهم إلا أن يرجح
بقاءها أنها أشنع شئ على مصنفيها لما فيها من مخالفة الواقع في النقل وغيره، بل فيها
ما يدل على أنهم ليسوا من أهل العلم كي يعتد بكلامهم ويعتني بشأنهم، ولو أن الشهيد
يعلم وقوع هذه البلوى ما احتمل الوجوب في الذكرى معترفا بأن عمل الطائفة على خلافه
ومن ذلك ينبغي أن يترك الانسان ذكر بعض الاحتمالات في المسائل القطعية ولو معلقا
له على فقد القاطع، فإنه ربما كان ضلالا لغيره، ونسأل الله تعالى أن يكون ما صدر من
هؤلاء من شدة المبالغة في الوجوب، حتى حكي عن بعضهم أنه لا يحتاط في فعل الظهر
معها ناشئا من حب الرئاسة والسلطنة والوظائف التي تجعل له في بلاد العجم، وإن كان
قد يومي إليه أن أكثر الذاهبين إلى ذلك من أهل هذه النواحي، ولقد قيل: إن بعضهم
كان يبالغ في حرمتها حال قصور يده ولما ظهرت له كلمة بالغ في وجوبها، بل يحكى عنهم

(1) سورة النحل - الآية 127
178

أشياء كثيرة في أمثال ذلك، منها أنه قد ورد علينا في أيام كتابة المسألة من هو في غاية
الوثاقة من أصحابنا ممن تشرف بزيارة سيدنا ومولانا الرضا (عليه السلام) فأخبرنا
بوقوع فتنة عظيمة في إصبهان على مسجد خاص لفعل صلاة الجمعة، وكل محلة انتصرت
لإمامها، وكان ما كان، والله العالم، نسأل الله العفو والعافية والستر في الدنيا والآخرة
وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، ولولا خوف الملل وكون
المسألة من الواضحات لنقلنا أكثر كلماتهم في هذه الرسائل، وأوقفناك على ما فيها من
الفضائح والمعائب، ولكن الله ستار يحب الستر، على أنه كفانا مؤنة ذلك كله الأستاذ
الأكبر في حاشية المدارك وشرح المفاتيح ورسالته في المسألة، فإنه أكثر وأجاد جزاه
الله عن الاسلام وأهله خير الجزاء.
نعم الانصاف أنه كما أفرط هؤلاء في الدعوى المزبورة أفرط آخرون في الحرمة
وأنه لا يجوز لأحد عقدها في زمن الغيبة كما هو المحكي عن ابن إدريس وسلار والطبرسي
والتوني وظاهر المرتضى، بل قيل: إنه يلوح من جمل الشيخ والوسيلة والغنية، بل نسبه
جماعة إلى الشيخ في الخلاف والشهيد في الذكرى وإن كان العيان لا يطابق بعض النقل
المزبور، نعم اختاره بعض متأخري المتأخرين منهم الفاضل الإصبهاني في كشفه، وقد
أطنب في الاستدلال عليه وإن كان حاصلة يرجع إلى ما ذكروه من انتفاء المشروط بانتفاء
شرطه، وبأن الظهر ثابتة بيقين فلا تسقط بفعل غيرها، وبأنه على تقدير عدمه يلزم
الوجوب العيني لأنه ظاهر الأدلة السابقة، وهو باطل بالاجماع، ومرجع الأول والثاني
إلى معلومية اشتراط كل عبادة بإذن الشارع ضرورة من الدين ومن العقل، وكون
الإمامة من مناصب الإمام (عليه السلام) فلا يتصرف فيه أحد، ولا ينوب منابه فيه
إلا بإذنه ضرورة من الدين ومن العقل، والاجماع فعلا وقولا مع ذلك على توقف
الإمامة هنا بخصوصه عند ظهوره على الإذن فيها خصوصا أو عموما، بل خصوصا ولا إذن
179

الآن كما عرفت، ولا دليل على الفرق بين الظهور والغيبة حتى يشترط الإذن عند الظهور
دون الغيبة، وما يتوهم من أن الفقهاء مأذونون لإذنهم في القضاء والفتيا وهما أعظم فظاهر
الفساد، للزوم تعطل الأحكام وتحير الناس في أمور معاشهم ومعادهم وظهور الفساد فيهم
واستمراره إن لم يقضوا أو يفتوا، ولا كذا الجمعة إذا تركت، وأيضا إن لم يقضوا
ويفتوا لم يحكموا بما أنزل الله وكتموا العلم وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
وحرمة الجميع مقطوعة ضرورة من الدين، وإن صلوا الجمعة قاموا مقام الإمام وأخذوا
منصبة من غير إذنه، وإن سلمنا الإذن في بعض الأخبار فهو مظنون كما حصل في سائر
الجماعات، وجواز الأخذ به هنا ممنوع لأنه أخذ لمنصب الإمام وائتمام بمن أخذه، فما لم
يحصل القطع بالإذن كما حصل في سائر الجماعات لم يجز شئ منهما كسائر مناصبه، ولأنه
لا ضرورة تدعو إليه كما تدعو الضرورة إلى اتباع الظن في أكثر المسائل، للاتفاق على
وجوب الظهر إذا لم يحصل الإذن لأحد في إمامة الجمعة، فما لم يقطع به يصلي الظهر تحرزا
عن غصب منصب الإمام والاقتداء بغاصبه وفعل عبادة غير مشروعة، خصوصا وظاهر
الأصحاب وصريح الفاضل الاجماع على أن الجمعة إنما تجب في الغيبة تخييرا، ففعلها مردد
بين الجواز والحرمة، وكل أمر تردد بينهما وجب الاجتناب عنه حتى يعلم الجواز،
وهو ضروري عقلا ودينا، وغاية الأمر أن يتردد فعلها بين الوجوب عينا والحرمة،
والواجب في كل أمر كذلك أيضا الاجتناب، لأن الأصل عدم الوجوب، والناس في
سعة مما لا يعلمون، فالتارك لاحتمال الحرمة والجهل بالوجوب معذور، بخلاف الفاعل
لاحتماله الوجوب أو ظنه مع احتمال الحرمة.
لا يقال: الأربع ركعات أيضا مترددة بين الوجوب والحرمة إن قلنا بتعين الجمعة
ركعتين لا التخيير بينهما، لأنا نقول: نعم ولكنا مضطرون إلى فعل أحدهما متحيرون
إذن في الترجيح، فإما أن يتأمل حتى نرجح إحداهما أو نأتي بهما جميعا، وإذا تأملنا
180

وجدنا الأربع أرجح، إذ ليس فيها غصب لمنصب الإمام ولا اقتداء بغاصبه، وفيها
تأسي بالأئمة (عليهم السلام) فإنهم منذ قبضت أيديهم لم يكونوا يصلون ولا أصحابهم إلا
الأربع، فنحن نصليها حتى تنبسط يد إمامنا (عليه السلام) إن شاء الله.
ومن ذلك ظهر لك أنه لا معنى للجواب عن هذا الدليل بمنع الاجماع على
الاشتراط في زمن الغيبة، ضرورة أنه مقتضى الأصل كما عرفت من غير حاجة إلى
الاجماع، كما أنه لا معنى لتوهم أن الأمر بالسعي إلى الجمعة أو شهودها أمر بعقدها حتى
يظن الإذن في عقدها حينئذ بالكتاب والسنة المستفيضة بل المتواترة من غير شرط
لاطلاقها، نعم الذي يتوهم منه الإذن مطلقا أخبار ثلاثة صحيح الحث (1) وخبر الهلاك (2)
والمتعة (3) وهي محتملة الحث على حضور جمعات العامة كما يعطيه كلام المفيد في المقنعة،
ولأن زرارة وعبد الملك كانا يتركانها خوفا، فآمنهما الإمامان وأذنا لهما بالخصوص في
فعلها، ولغير ذلك، على أن الإذن في كل زمان لا بد من صدوره عن إمام ذلك الزمان
فلا يجدي زمن الغيبة إلا إذن الغائب (عليه السلام) ولم يوجد قطعا، أو نص إمام من
الأئمة (عليهم السلام) على عموم جواز فعلها في كل زمان، وهو أيضا مفقود، وما يقال
من أن حكمهم (عليهم السلام) كحكم النبي (صلى الله عليه وآله) على الواحد حكمهم على
الجماعة إلا إذا دل دليل على الخصوص فهو صواب في غير حقوقهم، فإذا أحل أحدهم
حقه من الخمس مثلا لرجل لم يعم غيره، ولشيعته لم يعم شيعة غيره من الأئمة (عليهم
السلام) فكذا الإذن في الإمامة، خصوصا إمامة الجمعة التي لا خلاف لأحد من المسلمين
في أنه إذا حضر إمام الأصل (عليه السلام) لم يجز لأحد غيره الإمامة فيها إلا بإذنه،
ولو لم يقم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يحرم كتمان العلم وترك الحكم

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المتعة - الحديث 7 من كتاب النكاح
181

بما أنزل الله لم يجز للفقهاء الحكم والافتاء في زمن الغيبة إلا بإذن الغائب روحي له الفداء
ولم يكف لهم إذن من قبله وجعله قاضيا.
وقد ظهر لك مما ذكرنا توجيه ما في السرائر - من أن الأربع ركعات في الذمة
بيقين، فمن قال صلاة ركعتين تجزي عن الأربع محتاج إلى دليل، فلا يرجع عن المعلوم
بالمظنون وأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا - بحيث لا يرد عليه ما قيل من أن
اشتغال الذمة يوم الجمعة بالأربع غير معلوم، والأصل عدمه، إذ قد عرفت أن الاتفاق
حاصل على الأربع ما لم يحصل الإذن في الاقتصار على الركعتين، فلا يجوز الاقتصار
عليهما ما لم يعلم الإذن وإن قيل به، بل ندعى أن الذمة مشغولة بالركعتين المقرونتين
بخطبتين المنفردتين عن ركعتين أخريين، فما لم يعلم الإذن بالأربع لم تبرأ الذمة بيقين،
قلنا: أما على التخيير فالجواب ظاهر، لحصول اليقين بالبراءة بالأربع قطعا، وأما الركعتان
فإنما يحصل اليقين اليقين بالبراءة بهما إذا حصل اليقين بالتخيير، وأما على ما يحتمل من الوجوب
عينا فنقول: من المعلوم اشتراط صحة الركعتين وحصول البراءة بهما بإمام مأذون في
إمامته، بخلاف الأربع فلا شرط لها، فما دام الشك في وجود إمام كذلك يحصل اليقين
بالبراءة بالأربع دون الركعتين، ويؤكد الأمرين استمرار الأئمة (عليهم السلام)
وأصحابهم على الأربع من زمن زين العابدين (عليه السلام)، والاكتفاء في البراءة بالظن
الشرعي وإلا لزم التكليف بما لا يطاق متجه إذا انتفى الطريق إلى العلم، وقد عرفت
العلم بالبراءة بالأربع خصوصا على التخيير، فلا يترك بالظن، وإن تنزيلنا قلنا: الأمر
مردد بين تعين الأربع وتعين الركعتين، ثم تأملنا فلم نر دليلا على الثاني إلا ما يتوهم
من ظاهر الأخبار، وقد عرفت أنها لا تدل على الإذن فضلا عن التعيين، وإذا لم تدل
على الإذن تعينت الأربع ضرورة ولو احتياطا.
ولو قلب الأمر فقال: إنا تأملنا فلم نجد دليلا على تعين الأربع إلا عدم الإذن
182

في سقوط ركعتين وفي الإمامة والائتمام وفي الخطبة، ويدفعها ظواهر الأخبار مع أنه
لا دليل على ثبوت الركعتين ليفتقر إلى الدليل على سقوطهما، قلنا: لا خلاف في ثبوت
الركعتين مع الركعتين إذا انتفت الجماعة أو الخطبتان، ولا خلاف في أنها إنما تثبت
بإذن الشارع، والأخبار كما عرفت إنما تدل على أن في الوجود جمعة ثنائية، وهو لا يجدي
إلا أخبار ثلاثة تحتمل الأمر بها أو إباحتها، لكنها إنما تفيد إن أمكن العمل بها على
إطلاقها، وقد عرفت الاجماع على خلافة، وأن العمل بها مشروط بشرط أو شروط
لم تذكر فيها، أو بارتفاع مانع أو موانع لم يذكر فيها، وأن التردد بين هذين الاحتمالين
يكفي في التردد في الإذن، بل قد عرفت الاجتماع قولا وفعلا على اشتراطها زمن ظهور
الإمام (عليه السلام) بإذنه لخصوص إمام في إقامتها، فما الذي أذن فيه مطلقا في زمن
الغيبة مع ورود الأخبار زمن الظهور، على أنك عرفت أنه لا بد من إذن كل إمام
(عليه السلام) لرعيته أو عموم الإذن من أحدهم (عليهم السلام) لجميع الأزمان، ولا
يوجد شئ منهما زمن الغيبة، وسمعت خبري سماعة (1) وابن مسلم (2) الظاهرين في
عدم عموم الإمام لكل من يصلح إماما في الجماعة، هذا أقصى ما يقال لهم.
وفيه منع شرطية الصحة بذلك في زمن الغيبة خصوصا مع البناء، على أن العمدة
في إثباتها زمن الحضور الاجماع، والمعلوم منه على اشتراط العينية بها لا الصحة، أو على
خصوص زمن الحضور، فيقتصر عليه حينئذ في تقييد الاطلاقات، ومن هنا استوجه
بعضهم العينية على تقدير انتفاء التحريم معللا له بأنه مقتضى الاطلاقات المقتصر على
تقييدها بالحضور، وإن كان فيه أنه وإن كان هو مقتضي الاطلاقات إلا أنه ينبغي رفع
اليد عن اقتضائها العينية بالاجماع على عدمها أيضا فيه كما عرفت، والنصوص المستفيضة

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 9
183

التي تقدم شطر منها، ولو رفعنا يدا عن الاطلاقات التي لم تسق لبيان ذلك كما عرفته سابقا
أمكن حينئذ الاستناد إليها في قطع قاعدة توقف العبادة على إذن الشارع، وقاعدة
التصرف في حق الغير بغير إذنه بعد تسليم عدم اندراج إمامة خصوص الجمعة في باقي
الصلوات التي رخصوا في الإمامة بها، وتسليم أن مطلق إمامة الجمعة من مناصبه لا أن
منصبه وجوب عقد الجمعة والاجتماع إليها من رأس فرسخين من كل ناحية كما عساه
يظهر من النصوص، بخلاف جمعة الغيبة فإنه يخير في عقدها والسعي إليها كما حكاه في
كشف اللثام عن ظاهر شرح الإرشاد لفخر الاسلام، بل استوجه هو أيضا، قال:
" لأنه إذا كان في العقد الخيار لم يمكن التعين على من بعد فرسخين، لأنه إنما يتعين
عليه إذا علم الانعقاد ولا يمكنه العلم به غالبا إلا بعده " قلت: ولظهور النصوص (1)
في وجوب السعي إلى تلك الجمعة، لكن عن شرح الإرشاد للشهيد أن من أوجبها في
الغيبة تخييرا كالمصنف إنما خير في العقد لا في السعي إليها إذا انعقدت، فيوجبه عينا،
وذلك للأخبار والآية (2) على المشهور في تفسيرها.
وكيف كان فلا ريب في صلاحية النصوص المزبورة للخروج بها عن القاعدتين
وللفرق بين زماني الحضور والغيبة، والقضاء وغيره من مناصبهم (عليهم السلام) أعظم
من إمامة الجمعة قطعا، وقد ثبت مشروعيته لغيرهم بأقل من هذه النصوص عددا بمراتب
وأضعف سندا، فهي أولى بذلك، ودعوى أن مثل هذا الظن لا يجوز العمل به في
مثل ذلك من غرائب الكلام، إذ هو إما من الأحكام الشرعية المعلوم ثبوتها بنحو
ذلك، أو كالأحكام، وإن كان الإمامة من مناصبهم (عليهم السلام) إلا أن الإذن

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الجمعة
(2) سورة الجمعة - الآية 9
184

فيها منهم من قبل الله تعالى قطعا، فيكون حكما شرعيا يصلح الدليل الشرعي لاثباته قطعا
وعدم الضرورة في المقام إلى الدليل الظني لا ترفع جواز العمل به، وإلا لوجب الاحتياط
في سائر الأحكام الشرعية، على أنه يمكن هنا دعوى القطع بالإذن بملاحظة النصوص
التي تقدم بعضها، كصحيح الحث (1) وصحيح السبعة (2) وصحيح منصور (3)
وصحيح عمر بن يزيد (4) وموثق ابن بكير (5) وصحيح محمد بن مسلم (6) وخبر
الفضل بن عبد الملك (7) وخبر هشام (8) وخبر الكشي (9) وغيرها من النصوص
المعتبرة التي فيها الصحاح والحسان وغيرهما الواردة عنهم (عليهم السلام) حال قصور أيديهم
في كيفية الخطبة والقنوت والصلاة والعدد والقراءة والمزاحمة وإدراك الركعة وإدراك
التشهد وكيفية القنوت، خصوصا خبر عمر بن حنظلة (10) منها، قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): القنوت يوم الجمعة فقال: أنت رسولي إليهم في هذا إذا صليتم في جماعة
ففي الركعة الأولى، وإذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية " وغير ذلك على وجه يعلم
إرادة بيان ذلك للرواة وتعليمهم حال التمكن من فعلها مع عدم التقية، ومع فرض الحرمة
في زمن الغيبة الذي منه زمن قصور اليد تكون النصوص خالية عن الثمرة المعتد بها، بل
ربما كان تركها حينئذ أولى من وجودها، خصوصا المشتمل منها على ما ينافي التقية كخبر
الخطبة والقنوت وغيرهما، ولولا خوف الملل بالاطناب لذكرناها مفصلة، وسيمر عليك

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 9 - 7 - 11
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 9 - 7 - 11
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(7) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(8) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المتعة - الحديث 7 من كتاب النكاح
(9) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 9 - 7 - 11
(10) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت - الحديث 5
185

في أثناء مباحث الباب جملة وافرة، وذكر بعض الاحتمالات في بعضها لا ينافي الظهور،
كما أنه لا ينافي القطع الحاصل بملاحظتها تماما، وهي أكثر مما جمعها القائل بالوجوب العيني
في ضمن المأتي رواية زاعما دلالتها على مطلوبه، وليست كذلك.
نعم لا ينبغي إنكار ظهورها في مطلق المشروعية، فتصلح ردا للقائل بالحرمة،
بل لا بأس في دعوى تواترها في ذلك أو القطع بالحكم من جهتها لكثرتها واقترانها
بأمور كثيرة تشعر بذلك، خصوصا بعد اعتضادها بالشهرة العظيمة نقلا وتحصيلا، بل
حصر غير واحد الخلاف في ابن إدريس وسلار، بل ربما حكي الاجماع على خلافهما،
بل ربما استظهر من المقاصد العلية ذلك أيضا، بل يمكن تحصيله مع التأمل في كلمات
الأصحاب والتتبع، فلاحظ وتأمل، بل من النصوص المزبورة يعلم ما في دعوى أن
أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ما صلوا الجمعة منذ قبضت أيدي أئمتهم، ضرورة حصول
القطع منها بوقوع ذلك منهم أحيانا حيث لا تقية كما لا يخفى على من لاحظها مع التأمل،
ومع الاغضاء عن ذلك كله فدعوى القطع بالبراءة بفعل الظهر مع التحير والتردد لتصادم
الأدلة وتعارضها حتى على القول بوجوب الجمعة عينا في غاية الغرابة، ضرورة أنه ليس
في الأدلة ما يقضي بوجوب الظهر على سائر المكلفين حتى يعلموا الإذن في الجمعة، وكون
الواجب سابقا الظهر ثم بعد مدة وجبت الجمعة لا يقضي بذلك قطعا، فلا طريق في الفرض
المزبور إلا فعلهما معا احتياطا يرتفع من جهته الحرمة التشريعية كما في غيره، إذ لا حرمة
ذاتية في المقام قطعا كي يحتاج إلى الترجيح بينهما بما ذكره المستدل مما يمكن معارضته
بورود الحث الشديد والتوعد على ترك الجمعة، وأنها مشتملة على الدعاء لآل محمد
(صلى الله عليه وآله) والوعظ والزجر، وبأن فيها تأسيا بفعلهم (ع) لها زمن الظهور، وحفظ
آثار سلطنتهم (عليهم السلام) والتفؤل بها وغير ذلك من المصالح، وفعلها لاحتمال الوجوب
لا غصب فيه قطعا.
186

ثم إن النصوص الدالة على المشروعية المقتضية باطلاقها عدم المنصوب الخاص
ظاهرة في أن ذلك حكم الجمعة في نفسه زمن صدور الأخبار، فلا حاجة حينئذ إلى إذن
إمام الوقت (عليه السلام) كباقي الأحكام الشرعية، وأظرف شئ دعوى احتمال خبري
زرارة (1) وعبد الملك (2) الإذن لهما بالخصوص في إمامة الجمعة مع عدم الاشعار فيهما
بشئ من ذلك، بل ظاهرهما خلاف ذلك، كدعوى أن الأخبار قد صدرت زمن
الظهور المعلوم تقييده بالنائب الخاص، إذ فيها أن أكثر أخبار الإذن بل جميعها زمن
قصور اليد، وهو من زمن الغيبة، إذ المراد بزمن ظهور السلطنة لا ظهور الأجسام
كما هو واضح، وأظرف منهما دعوى أن الذي يوهم الإذن أخبار ثلاثة، إذ قد عرفت
أنها يمكن كونها متواترة بل فوق التواتر، وأظرف من الجميع دعوى توجه القول بالتحريم
وإلا لزم القول بالوجوب عينا الذي قد علمت ما يقتضي نفيه من النص والاجماع وغيرهما
كما أنك علمت ما يقتضي التخيير من غير إطلاق الكتاب والسنة المقتضي بظاهرة التعيين
فلا تلازم بينهما قطعا، وقد ظهر من ذلك سقوط القول بالتحريم على وجه يقرب من
القول بالعينية أو يساويه.
كما ظهر أن العمدة في ثبوت التخيير المزبور تواتر النصوص في مشروعيتها زمن
قصور السلطنة من غير تعرض لاعتبار الشرط المزبور، بل ظاهرها أو صريحها خلافه
منضما إلى الاجماع وغيره مما عرفت على نفي الوجوب عينا، وإلى أنه مقتضي الجمع بين
ما دل على الأربع مع عدم المنصوب مما عرفت سابقا وبين ما دل على مشروعية فعلها
بدونه، والشاهد منها ومن غيرها قائم إذا كنت قد أحطت بما ذكرناه، لا أن الدليل
فيه أصل الجواز وعدم الاشتراط إلا بما يشترط به الظهر إلا ما خرج، وأصل جواز
الإمامة والائتمام، وأصل عدم وجوب أربع ركعات في الظهر عينا إلا ما أجمع عليه،

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
187

واستصحاب جواز فعلها إلى أن يظهر المانع، والتأسي خصوصا بعد قوله (صلى الله عليه
وآله) (1): " صلوا كما رأيتموني أصلي " والآية (2) وما شابهها من الاطلاقات حتى
يستظهر الخصم بالتطويل في ردها وإفسادها كما وقع من الفاضل الإصبهاني في كشفه،
مع أنه يمكن تصحيح بعضها وإبطال ما أبطله به لو كنا في حاجة إليه كما لا يخفى على من
لاحظه، ولعمري لقد أتعب نفسه في المقام وأكثر من النقض والابرام وأطنب في
الجواب على تقدير السؤال وظن أنه بلغ الغاية فيما قيل أو يقال وكل ما يحتمل أنه
قد يقع في الآراء ولم يعلم أنه حفظ شيئا وغابت عنه أشياء، وكأنه احتاط في الفرار
من الوجوب العيني، فوقع من الجانب الآخر، ولو أنصف المتأمل وجدهما معا خارجين
عن الانصاف والاعتدال.
ويقرب منهما في السقوط القول باختصاص التخيير المزبور في المجتهد، إذ ليس
في شئ مما يقتضيه إشعار بذلك فضلا عن الظهور، وإن جزم به المحقق الثاني محتجا
على أصل الجواز بالآية، وخبري زرارة (3) وعبد الملك (4) وصحيحي عمر بن يزيد (5)
ومنصور (6) والاستصحاب، وعلى نفي العينية في زمن الغيبة بالاجماع، وعلى اعتبار
المجتهد بأنه لا نعلم خلافا بين أصحابنا في أن اشتراط الجمعة بالإمام أو نائبه لا يختلف فيه
الحال بظهور الإمام وغيبته، قال: " وعبارات الأصحاب ناطقة بذلك - ثم حكى عبارتي
التذكرة والذكرى في الاشتراط إلى أن قال -: وغير ذلك من كلامهم، فلا نطول
بحكايته، فلا يشرع فعل الجمعة في الغيبة بدون حضور الفقيه الجامع للشرائط، وقد نبه

(1) صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125
(2) سورة الجمعة - الآية 9
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 7
188

المصنف على ذلك في المختلف وشيخنا الشهيد في شرح الإرشاد، وما يوجد من إطلاق
بعض العبارات فعل الجمعة من غير تقييد كما في عبارة هذا الكتاب فالاعتماد فيه على ما
تقرر في المذهب وصار معلوما بحيث صار التقييد به في كل عبارة مما يكاد يعد مستدركا
- ثم قال -: وربما بني القولان في المسألة على أن إذن الإمام شرط الصحة أو شرط
الوجوب، فعلى الأول لا يشرع في الغيبة لفقد الشرط، وعلى الثاني تشرع " وينبغي
أن يراد بالإذن الإذن الخاص لشخص معين لا مطلق الإذن لاشتراط الفقيه حال الغيبة
ويراد بالوجوب الحتمي لينتفي على انتفائه أصل الوجوب، ويراد بقوله: " وعلى الثاني
تشرع " عدم الامتناع إذا دل الدليل لعدم المنافي، وقال في رد ما استند إليه ابن
إدريس على الحرمة بأن من شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من نصبه الإمام للصلاة،
و هو منتف، فتنتفي الصلاة ببطلان انتقاد الشرط: " فإن الفقيه المأمون الجامع لشرائط
الفتوى منصوب من قبل الإمام، ولهذا يمضى أحكامه، وتجب مساعدته على إقامة
الحدود والقضاء بين الناس، لا يقال: الفقيه منصوب للحكم والافتاء، والصلاة أمر
خارج عنهما، لأنا نقول: هذا في غاية السقوط، لأن الفقيه منصوب من قبلهم (عليهم
السلام) حكما كما نطقت به الأخبار (1) وقريبا من هذا أجاب المصنف وغيره ".
قلت: وكأنه منه ومما دل على اشتراط الإمام أو نائبه ممن عرفته سابقا مفصلا
من الاجماع وغيره وقع فيما وقع من دعوى اختصاص التخيير عند القائل به بالفقيه،
لكن قد عرفت فيما مضى أن العمدة في إثبات التخيير في زمن الغيبة النصوص المستفيضة
أو المتواترة على اختلاف كيفية دلالتها، ولا إشارة في شئ منها إلى اشتراط الفقيه،
بل ظاهرها خلافه ظهورا كاد يكون كالصريح، بل منها ما هو دال على ذلك كخبر

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء
189

عبد الملك (1) وغيره قبل نصب الفقيه الذي علمناه من مقبولة ابن حنظلة (2) بل لم
يعلم تأخر أخبار التخيير عن الصادق (عليه السلام) أيضا، ودعوى تقدم النصب وأنه
كان ثابتا زمن النبي (صلى الله عليه وآله) أيضا في حيز المنع، بل ظاهر قوله (عليه السلام):
" فإني قد جعلته " كون النصب منه (عليه السلام) نعم الظاهر إرادته عموم النصب
في سائر أزمنة قصور اليد، فلا يحتاج إلى نصب آخر ممن تأخر عنه، على أن النصب
من إمام الزمان روحي له الفداء متحقق، كما رواه إسحاق بن يعقوب (3) عنه (عليه
السلام) في جواب كتاب له سأله فيه عن أشياء أشكلت عليه، فقال له: " وأما الحوادث
الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليكم "
والاجماع قولا وفعلا على مضمونه، وكأنه لم يعثر على هذا الخبر في كشف اللثام
فأنكر ورود النصب من صاحب الزمان (عليه السلام).
وعلى كل حال فالتخيير الثابت في النصوص حاصل قبل النصب المزبور قطعا،
ضرورة ظهورها في أن ذلك حكم شرعي زمن قصور اليد، وقد عرفت منع قدم النصب
من النبي (صلى الله عليه وآله) وإن أرسل في الفقيه (4) عنه (صلى الله عليه وآله)
" اللهم ارحم خلفائي فقيل له من خلفاؤك؟ فقال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي
وسنتي " إذ هو - مع إرساله واحتماله الإشارة إلى خصوص الأئمة (عليهم السلام)
أو إلى من نصبوه - لا دلالة فيه على النصب كما هو واضح.
وأما ما دل على الاشتراط المزبور الذي عمدته الاجماع المعتضد بالشواهد التي
ذكرناها فهو منزل بقرينة كلامهم في حكمها زمن الغيبة على اشتراطه في العينية، كما هو

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 1 - 10 - 8 من كتاب القضاء
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 1 - 10 - 8 من كتاب القضاء
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 1 - 10 - 8 من كتاب القضاء
190

الأقوى على ما عرفت سابقا، أو الصحة زمن الظهور خاصة، فنصبه (عليه السلام)
نائبا في زمن الغيبة - بعد تسليم أنه غير مختص في التسجيل بالحلال والحرام كما هو الظاهر
من المقبولة (1) خصوصا مع التعبير بقاضيا في خبر أبي خديجة (2) المتحد معها موردا
على وجه يظن أو يقطع باتحاد المراد منهما - لا ينافي ثبوت التخيير لغيره أيضا باطلاق
الإذن، بل لعله هو المستند له في التخيير أيضا بناء على أعمية النيابة من الإذن، كما عساه
يظهر من الذكرى حيث أنه بعد أن حكى الاجماع على اشتراط الجمعة بالسلطان العادل
أو نائبه قال: " ويشترط في النائب أمور تسعة - إلى أن قال -: التاسع إذن الإمام
(عليه السلام) له كما كان (صلى الله عليه وآله) يأذن لأئمة الجمعات وأمير المؤمنين (عليه
السلام) بعده " وإن كان للنظر فيه مجال، إلا أنه على كل حال لا دلالة في النيابة زمن
الغيبة على تقييد ما دل باطلاقه على التخيير لغيره أيضا.
ودعوى إلغاء ثمرة النيابة حينئذ لأن الفرض أنه تخييري بالنسبة إليه أيضا للاجماع
على عدم الوجوب العيني عليه يدفعها أولا أنه ليس الغرض من النيابة خصوص الجمعة
حتى تلحظ لها ثمرة خاصة، وثانيا بامكان جعل الثمرة وجوب السعي إلى ما يعقده من
الجمعة من رأس فرسخين بخلاف غيره لو قد بناء على ما قلناه سابقا، ومن الغريب
دعواه عدم العلم بالخلاف في اشتراط السلطان أو نائبه بين زمن الحضور والغيبة إلا أن
الاجماع على عدم العينية على نائب الغيبة، مع أنا لم نعرف أحدا قبله صرح بذلك، بل
في كشف اللثام " هل يشترط فعلها بإمامة الفقيه المستجمع لشرائط الافتاء أم لا يشترط
في إمامها إلا شروط إمام الجماعة؟ صريح المقيد والحلي العدم، وقد سمعت كلامهما،
وأطلق الشيخ وابنا سعيد، وليس في التذكرة واللمعة والدروس إلا فعل الفقهاء، وهو

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 1 - 7 من كتاب القضاء
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 1 - 7 من كتاب القضاء
191

ظاهر المختلف، قال: لأن الفقيه المأمون منصوب من قبل الإمام (عليه السلام) ولهذا يمضى أحكامه
ويجب مساعدته على إقامة الحدود والقضاء بين الناس، وفي الخلاف " ثم حكى عبارته
المتقدمة سابقا، قلت: يمكن إرادة المتفقهة من الفقهاء نحو ما سمعته من عبارة المقنعة
وإحدى عبارتي النهاية، بل ينبغي الجزم به في نحو عبارة التذكرة التي قد سمعت الاستدلال
فيها في العبارة الثانية على عدم الوجوب بانتفاء الشرط الذي هو السلطان أو نائبه نحو ما
سمعته من المعتبر، بل لعل عبارتي الدروس واللمعة كذلك أيضا بقرينة ما في الذكرى
من الاعتماد في الجواز زمن الغيبة على أن ذلك: أي السلطان أو نائبه شرط مع الامكان
لا مطلقا، بمعنى أن الإذن العام حينئذ موجود فلا حاجة إلى إذن خاص لشخص أو
أشخاص بأعيانهم، بل لعل مراد المختلف الرد على ابن إدريس حيث ادعى الحرمة
لانتفاء الشرط الذي هو السلطان أو نائبه ولو بالايجاب الجزئي، خصوصا مع ملاحظة
كلامه في باقي كتبه وعدم تعرضه لاشتراط الفقيه في الجواز، بل جعل المدار كغيره من
الأصحاب على إمكان الاجتماع والخطبتين، بل عنونوا المسألة بذلك، بل قد سمعت
عبارة الخلاف المصرحة بالإذن لأهل السواد، وما في الغنية قد عرفت الحال فيه سابقا،
فما أدري أين الاجماع الذي ذكره، ولقد أجاد ثاني الشهيدين في رسالته المصنوعة في
المسألة في شدة الانكار عليه في هذه الدعوى، بل ربما وقع منه سوء أدب معه، بل
ظاهره أو صريحه الاجماع على خلاف الدعوى المزبورة، وهو في محله، كما أنه يمكن منع
ما ادعاه من الاجماع على نفي العينية عليه بعد فرض أنه من النواب فيها، ضرورة أن
الأصحاب نفوها لعدم النائب فيها لا أنه مع وجوده لا تجب، فرقا بين زمن الظهور
والغيبة، ومن هنا كان خيرة المحدث المتبحر الشيخ حسين بن عصفور في رسالته وجوبها
عينا عليه، وظاهرها الحرمة على غيره، قال: " والقول بالتخيير له كما وقع لمتأخري
192

أصحابنا دون زمن حضورهم من التحكمات الباردة " وهو كذلك إلا أن ما ذهب إليه
أيضا مثله في البرودة، لما عرفت فيما تقدم سابقا مما يدل على نفيها عينا وثبوتها تخييرا من غير
فرق بين الفقيه وغيره في ذلك، بل يمكن دعوى إجماع من لم يحرم عدا من عرفت عليه
فلاحظ وتأمل، والله أعلم.
وكيف كان (فلو مات الإمام في أثناء الصلاة لم تبطل) إجماعا بقسميه (وجاز
أن يتقدم الجماعة) بنفسه أو بتقديمهم له (من يتم بهم الصلاة) منهم كما في غير الجمعة،
لكن إذا كان جامعا للشرائط التي منها هنا كونه مأذونا حيث تكون الإذن معتبرة،
وفي وجوب تجديد نية الاقتداء به تردد كما عن النهاية من أنه خليفة الأول فينزل منزلة
ومن وجوب تعيين الإمام، وقال في التذكرة: " لو استناب لم يجب على المأمومين
استئناف نية القدوة لأنه خليفة، والغرض من الاستخلاف تنزيل الخليفة منزلة الأول
وإدامة الجمعة، وهو أحد وجهي الشافعي، وفيه إشكال ينشأ من وجوب تعيين الإمام
فيجب استئناف نية القدوة، وفي الآخر يشترط لأنهم انفردوا بخروج الإمام من الصلاة
وكذا لو لم يستنب الإمام وقدم المأمومون إماما " وقد يحتمل كلامه الفرق بين استخلاف
الإمام وتقدمه أو تقديم المأمومين له، والأقوى التجديد في الجميع، وعلى كل حال
فالجواز لا ريب فيه، بل الظاهر وجوب تقدمه وتقديمه للتمكن من تحصيل الشرط مع
النهي عن إبطال العمل.
ودعوى أن الجماعة شرط فيها في ابتداء دون الاستدامة كما جزم به في المدارك
لا شاهد لها إلا القياس على بعض الصور على تقدير تسليمها لاجماع ونحوه، بل ظاهر
ما دل (1) على الشرطية عدم الفرق فيها بين الابتداء والاستدامة، لأنها اسم للمجموع،
قال في المحكي عن المنتهى: " إن لم يستخلفوا ونووا الانفراد فهل يتمون الجمعة أو ظهرا

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة
193

أو تبطل؟ لم أجد لأصحابنا نصا فيه (1)، والوجه وجوب الاستخلاف، فمع عدمه
تبطل الجمعة " وفي التحرير " ولو مات الإمام أو أغمي عليه أو أحدث ولم يستخلف
استخلف المأمومون غيره ليتم بهم، ولو لم يستخلفوا ونوى الجميع الانفراد ففي بطلان
الجمعة نظر " والمراد من ذلك عدم القطع عن الأصحاب بأن الجماعة شرط في الابتداء
دون الاستدامة، وأنه فرق واضح بين الجمعة وغيرها من الفرائض في ذلك، ضرورة
صحة فعلها فرادى، فمع عروض العارض للإمام في الأثناء تصح حينئذ فرادى بخلاف
الجمعة كما تسمع التصريح به من الذكرى في بحث العدد، بل حكي عنها وعن الجعفرية
وشرحها وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والميسية والمسالك التصريح بوجوب التقديم
أو التقدم في الفرض، بل لعله المراد من خبر علي بن جعفر (2) سأل أخاه (عليه السلام)
" عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ما حال القوم؟ قال: لا صلاة لهم إلا بإمام
فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها، وقد تم صلاتهم " إذ الظاهر الاتفاق على عدم
البطلان في غير الجمعة إذا لم يتموا صلاتهم بإمام.
نعم قد يقال بعدم اشتراط الإذن هنا، فيكفي صلاحية الإمامة، لاطلاق ما دل
عليه مع عدم ما يقتضي اشتراطها في مثل الفرض، ولأنها جمعة انعقدت صحيحة فيجب
إكمالها، والإذن شرط في الابتداء دون الأثناء، وعلى الشرطية فالمتجه بطلانها جمعة،
كما إذا لم يوجد صالح للإمامة أصلا، لم عرفت من قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه
وعدم الشاهد على الدعوى المزبورة، لكن في بطلانها وإتمامها ظهرا وجهان ينشئان من
احتمال التنويع وعدم الدليل على الانقلاب أو جواز القلب، فما قصد لم يحصل، وما حصل
لم يكن مقصودا من أول الأمر، واحتمال الفردية وأن المنوي صلاة الظهر، فهو أشبه

(1) وفي النسخة الأصحاب " نصا فيه نصا "
(2) الوسائل - الباب - 72 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1
194

شئ بالقصر والاتمام.
ولا فرق فيما ذكرنا ذكرنا بين وقوع ذلك في الركعة الأولى أو الثانية، لأن إدراك
الركعة بمنزلة إدراك الكل إنما هو بالنسبة إلى الوقت، ومن ذلك كله ظهر لك ما في
التذكرة، قال: " لو لم يستنب الإمام أو مات أو أغمي عليه فإن كان بعد ركعة استناب
المأمومون وقدموا من يتم بهم الصلاة، وللواجد منهم أن يتقدم، بل هو أولى، لأن
الإمام قد خرج والمأمومون في الصلاة، وبه قال الشافعي، وفيه إشكال ينشأ من اشتراط
الإمام أو إذنه عندنا، ومن كونها جمعة انعقدت صحيحة فيجب إكمالها، والإذن شرط
في الابتداء لا في الاكمال، فإن قلنا بالأول احتمل أن يتموها جمعة فرادى كما لو لم يبق
إلا واحد، وأن يتموها ظهرا لعدم الشرط، وهو الجماعة مع العدد، وإن كان في الأولى
قبل الركوع احتمل إتمامها ظهرا، إذ لم يدرك أحد منهم ركعة فلم يدركوا الصلاة،
وجمعة لانعقادها صحيحة، فيكمل كما لو بقي الإمام، وكلا الوجهين للشافعي " إذ هو كما
ترى فيه نظر من وجوه.
(وكذا) لا تبطل الصلاة قطعا (لو عرض للمنصوب ما يبطل الصلاة من
إغماء أو حدث) للأصل وغيره، لكن في التذكرة " لو أحدث الإمام في صلاة الجمعة
أو غيرها أو خرج بسبب آخر جاز أن يستخلف غيره ليتم بهم الصلاة عند علمائنا " وفي
كشف اللثام " ولو أحدث جاز أن يستخلف من يتم بهم إجماعا كما في التذكرة والمنتهى،
وقال أبو حنيفة: إن تعمد الحدث بطلت صلاتهم " قلت: قد يظهر منه الفرق بين
الموت ونحوه والحدث ونحوه بالاستخلاف في الثاني دون الأول، ولعله لخروجه عن
قابلية التكليف، فلا يصح استخلافه الذي هو بمنزلة التوكيل بخلافه في الحدث ونحوه،
وفيه أنه اعتبار لا يصلح لأن يكون مدركا لمثله، والمتجه أنه إن كان للمنصوب إذن في
النصب جاز وإلا فلا، كما أن المتجه بناء على ما عرفت وجوب تحصيل الجماعة الجامعة
195

للشرائط التي منها الإذن حيث يعتبر في إتمام الصلاة، فإن لم يمكن ففي بطلان الصلاة أو
إتمامها ظهرا ما عرفته سابقا، إذ لا فرق بين الحدث وغيره، إطلاق ما دل على الصحة
مع عروض ذلك للإمام مقيد بما دل على اعتبار ما ذكرنا في الجمعة، أو أن أقصاه
التعارض من وجه، ولا ريب في أن الترجيح لما ذكرنا ما لم يحصل إجماع بخلافه، والظاهر
عدمه كما لا يخفى على من لاحظ كلمات الأصحاب في المقام، وعرف ما فيها من التشويش.
نعم لا يشترط في إمام الاتمام أن يكون قد سمع الخطبتين بعد فرض تلبسه
للاطلاق، وليس هو كغير المتلبس أصلا الذي لو جوزنا إمامته في الاتمام كما عن المنتهى
استلزم جواز عقد جمعة بعد جمعة، بل قد يستلزم في بعض صوره حصول الجمعة له بلا
عدد، بخلاف المتلبس الذي أقصاه حصول ركعة من الجمعة بلا عدد، ولا بأس به كالمأموم
المسبوق بركعة، وبه صرح في التذكرة، لكن سأل سليمان بن خالد (1) الصادق (عليه
السلام) في الصحيح " عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبق بركعة كيف
يصنع؟ قال: لا يقدم رجلا قد سبق بركعة ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه " وقال
(عليه السلام) أيضا في خبر معاوية بن شريح (2): " إذا أحدث الإمام وهو في الصلاة
فلا ينبغي أن يتقدم إلا من شهد الإقامة " نحو قوله (عليه السلام) في خبر معاوية بن
ميسرة (3): " لا ينبغي للإمام إذا أحدث أن يقدم إلا من أدرك الإقامة " إلا أن
الظاهر إرادة الكراهة من ذلك بقرينة باقي النصوص (4) المستفيضة المعتبرة المفتى
بمضمونها في صحة استنابة المسبوق كما تسمعها في محلها إن شاء الله.
نعم ظاهر القواعد والتذكرة هنا عدم جواز دخول غير المتلبس في الائتمام بالإمام
الثاني فضلا عن الإمامة، وأنه يتعين عليه الظهر إذا لم يتمكن من جمعة صحيحة، لكن

(1) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الصلاة الجماعة
196

هو لا يخلو من إشكال، لأنها جمعة مشروعة، ولذا صرح غير واحد بالدخول فيها،
ولو كان المأموم في الجمعة ممن يصلي الظهر معهم، ففي جواز استخلافه لاتمام الجمعة وإن
كان هو يصلي ظهرا إشكال أقربه العدم، وقال في كشف اللثام: " الإمام الثاني يجوز
أن يكون مسبوقا إذا أدرك الجمعة بادراك الإمام الأول قبل الركوع أو فيه، أما إذا لم
يدرك الجمعة ففيه تردد كما في التذكرة، واستقرب الجواز في المنتهى والتحرير، ولا يجوز
أن يكون ممن لم يدخل معهم في الصلاة، لأنه عقد جمعة بعد جمعة أو اتباع للإمام
المأمومين، وجوزه في المنتهى " قلت: قال في التذكرة: " لا يشترط في المستخلف أن
يكون قد سمع الخطبة أو أحرم مع الإمام، سواء أحدث الإمام في الركعة الأولى أو
الثانية قبل الركوع - إلى أن قال -: وقال الشافعي: إن استخلف بعد الخطبة قبل أن
يحرم في الصلاة جاز أن يستخلف من حضرها وسمعها، ولا يجوز أن يستخلف من لم يسمعها،
وإن أحدث بعد التحريمة فإن كان في الركعة الأولى جاز أن يستخلف من أحرم معه
قبل حدثه سواء كان دخل معه قبل الركوع أو بعده وإن لم يكن سمع الخطبة، لأنه
بدخوله معه في الصلاة ثبت له حكمها، ولا يجوز أن يستخلف من لم يدخل معه، لأنه يكون
مبتدئا للجمعة، ولا يجوز عقد جمعة بعد جمعة، بخلاف المسبوق، لأنه متبع لا مبتدئ،
وإن أحدث في الثانية جاز له أن يستخلف من دخل معه قبل الركوع أو فيه، ويتمون
بعد الجمعة، وهل يتم هو الجمعة أو الظهر؟ قال أكثر أصحابه: بالأول، وهو جيد
عندنا، لأنه أدرك الجمعة بادراكه راكعا، وإن استخلف من دخل معه قبل الركوع قال
أكثر أصحابه: لا يجوز، لأن فرضه الظهر، فلا يجوز أن يكون إماما في الجمعة، قال
بعضهم يجوز كالمسبوق والمسافر يأتم بالمقيم، وعندي في ذلك تردد، وكذا التردد
لو استناب من يبتدئ بالظهر " وفي التحرير " الأقرب جواز استخلاف من فاتته الجمعة
ويصلي هو الظهر " ولم تحضرني عبارة المنتهى، وفي الجميع ما لا يخفى، ضرورة اشتراط
197

صحة صلاة الجمعة بإمام يصلي جمعة من غير فرق بين الابتداء والاستدامة، وجواز كون
المأموم يصلي ظهرا والإمام جمعة لا يقضي بجواز العكس قطعا، وإلا لجاز ابتداء، وهو
مقطوع بفساده، هذا، وطريق الاحتياط في أكثر صور المسألة لا ينبغي تركه، والله أعلم.
الشرط (الثاني العدد) إجماعا بقسميه ونصوصا (1) نعم لا يعتبر فيه أزيد من
سبعة أحدهم الإمام، ولا يكفي فيه الأقل من خمسة إجماعا في المقامين بقسميه ونصوصا (2)
بل الظاهر اتفاق الأصحاب عدا الحلبي في المحكي عن إشارته على عدم توقف صحة العقد
على الأزيد من الخمسة، وإن اختلفوا في وجوبه عينا بها وعدمه كما أشار إليه المصنف
بقوله: (وهو خمسة، الإمام أحدهم، وقيل سبعة) إذ المراد شرط التعيين، فالأشهر
نقلا وتحصيلا الأول، بل في جامع المقاصد وعن غيره أنه المشهور، والشيخ وبنو حمزة
وزهرة والبراج والكيدري على ما حكي عن الأخيرين على الثاني، بل نقل عن الصدوق
والكتاب والرائع وفي الجواهر عن شيخه على ما قيل، واستحسنه في الذكرى ومال إليه
في المدارك وحكى عن ظاهر رسالة صاحب المعالم، وفي كشف اللثام أنه أقرب، واختاره
في شرح المفاتيح ومنظومة الطباطبائي (و) لعله هو لا (الأول أشبه) لأنه هو الذي
تجتمع به نصوص المقام مفهوما ومنطوقا، ففي صحيح عمر بن يزيد (3) " إذا كانوا سبعة
يوم الجمعة فليصلوا في جماعة " وفي خبر محمد بن مسلم (4) عن الباقر (عليه السلام) " تجب
الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، ولا تجب على أقل، منهم الإمام وقاضيه " إلى آخره.
وصحيح زرارة (5) عنه (عليه السلام) أيضا " على من تجب الجمعة؟ فقال: تجب على
سبعة نفر من المسلمين، ولا جمعة لأقل من خمسة أحدهم الإمام إلى آخره. بل الأخير

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 10 - 9 - 4
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 10 - 9 - 4
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 10 - 9 - 4
198

عند التأمل كالصريح في ذلك، وفي صحيح منصور (1) " يجمع القوم إذا كانوا خمسة
فما زاد، فإن كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم " بل لعل المراد بالأمر فيه بناء على أن
مثله يفيد الوجوب ما ذكره أخيرا لا التعيين، كقول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن
أبي يعفور (2): " لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة " بل وقول أبي جعفر (عليه
السلام) في حسن زرارة (3): " لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من
خمسة رهط الإمام وأربعة " ضرورة كون المراد من منطوق نفي الانعقاد للأقل من
خمسة، فيكون مفهومه ثبوته لهم، واحتمال إرادة نفي الوجوب منه، وعدم الصحة يستفاد
من الأصل، فيكون مفهومة ثبوته في الخمسة، والأصل فيه التعيين يدفعه أن المراد بعد
تسليمه نفيه تعيينا وتخييرا، فيكفي في المفهوم ثبوت الثاني، اللهم إلا أن يدعى ظهور
المنطوق في الأول، فيكون هو الثابت في المفهوم، لكنه كما ترى لا يصلح معارضا
للظهور الحاصل من غيره.
وصحيح البقباق (4) عن الصادق (عليه السلام) " إذا كان قوم في قرية صلوا
الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر " والخبر (5)
في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم
الجمعة " إذ لا وجه للترديد المزبور إلا بالجمع المذكور، لانتفاء الحمل على الندب هنا كما
في غيره مما ظاهره التخيير بين الأقل والأكثر، كقوله (عليه السلام) في خبر أبي العباس (6):
" أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه " أي أدنى المجزي في العينية الأول
وفي التخيير الثاني، إذا احتمال إرادة أن المجزي في العينية سبعة أو خمسة يدفعه أنه لا وجه
للترديد حينئذ إلا ما يقال من أن ذلك لندرة مصر لا يكون فيها (فيه خ ل) سبعة، فذكرها

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 7 - 8 - 2 - 6 - 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 7 - 8 - 2 - 6 - 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 7 - 8 - 2 - 6 - 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 7 - 8 - 2 - 6 - 3 - 1
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 7 - 8 - 2 - 6 - 3 - 1
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 7 - 8 - 2 - 6 - 3 - 1
199

لذلك والخمسة لئلا يتوهم الانحصار فيها، وهو كما ترى لا يحمل عليه كلام السواد فضلا
عن أرباب الفصاحة والبلاغة.
فظهر من ذلك أنه بناء على التعيين بالخمس تخلو نصوص السبعة جميعها عن الثمرة
بل فيها إيهام خلاف الواقع، وقد عرفت أن فيها الصحيح وغيره، مضافا إلى انسياق
ذلك من نفي الوجوب عن الأقل من السبعة في خبر محمد بن مسلم (1) الظاهر في إرادة
العيني ومفهوم غيره، ومن الأمر بالتجميع للخمسة مؤيدا بأنه وارد في مقام توهم الحظر
وبامكان منع ظهور الأمر في العيني، بل هو لمطلق الوجوب، والعينية تستفاد من
اتحاد المأمور به وأصالة عدم البدلية، ومن الغريب ما عن مختلف الفاضل من الاقتصار
على خبر ابن مسلم من أخبار السبعة، وقال: إن في الطريق الحكم بن مسكين ولا يحضرني
الآن حاله، فنحن نمنع صحة السند، ونعارضه بما تقدم من الأخبار، ويبقى عموم
الأخبار سالما عن المعارض، وفيه أن معظم أخبار الخمسة بل جميعها إنما تدل على السقوط
عما دون الخمسة، وهو لا يقتضي الوجوب العيني، مع أن أخبار السبعة كثيرة كما عرفت.
ومثله المصنف في المعتبر في الاقتصار على الخبر المزبور، وقال: " نحن نرى
العمل على الوجوب مع الخمسة لأنها أكثر ورودا ونقلة ومطابقة لدلالة القرآن - إلى
أن قال -: ولو قال: الأخبار بالخمسة لا تتضمن الوجوب وليس البحث في الجواز بل
في الوجوب، ورواية محمد بن مسلم تتضمن سقوط الوجوب عمن قل عددهم عن السبعة
فكانت أدل على موضع النزاع قلنا: ما ذكرته وإن كان ترجيحا لكن روايتنا دالة
على الجواز، ومع الجواز يجب لقوله تعالى (2): " فاسعوا " فلو عمل برواية محمد بن

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 9
(2) سورة الجمعة - الآية 9
200

مسلم لزم تقييد الأمر المطلق المتيقن بخبر الواحد، ولا كذا مع العمل بالأخبار التي تلونا
على أنه لا يمكن العمل برواية محمد بن مسلم، لأنه أحصى السبعة بمن ليس حضورهم
شرطا، فسقط اعتبارها " وفيه مضافا إلى ما عرفت أن الجواز إنما يستلزم أحد الوجوبين
ولا يعين العيني، وإن أراد تعين الحضور إذا انعقدت فليس مما نحن فيه، وإطلاق
الأمر مسلم لكن لا خلاف في تقييده بعدد، ولا يقين بعد تناقض القولين، ضرورة
أن القائل بالسبعة يقول بالخمسة تخييرا لا عينا، وإحصاء السبعة بهؤلاء للتنبيه على
الاختصاص بالإمام كما عرفته سابقا.
ونحوهما ما في المحكي عن المنتهى من أن الأمر بالسبعة لا ينفي الوجوب عن الأقل
إلا من حيث دليل الخطاب أو مفهوم الشرط، وكلاهما لا يعارضان النص، والنص في
خبر ابن مسلم على أنها لا تجب على الأقل مبني على الغالب، إذ من المستبعد انفكاك المصر
من العدد الذي ذكره من الحاكم وغيره، وإذ كان الحكم إنما هو على الغالب، إلى أن
قال: وهذا التأويل وإن كان بعيدا إلا أنه أولى من الاسقاط، قلت: قد عرفت
أنه لا مقتضي للاسقاط كي يحتاج إلى هذا التأويل أو إلى ما في التذكرة من أن أقل من
السبعة قد يكون أقل من الخمسة، فيحمل عليه جمعا بين الأدلة، إذ هو كما ترى لا يخفى
مرجوحيته بالنسبة إلى ما ذكرناه من الجمع من وجوه.
نعم قد يقال: إن جميع النصوص المزبورة صادرة منهم (عليهم السلام) زمن
قصور اليد الذي قد عرفت كون التحقيق فيه التخيير حتى مع السبعة فما زاد، فحينئذ
لا يتجه ما ذكرناه من الجمع بينها إلا إذا لم يكن المراد مما فيها طلب الوقوع، بل هو أشبه
شئ بالحكم الوضعي أو الأخبار: أي الحكم كذا حال وجود الإمام أو المنصوب، إلا
أن الانصاف عدم خلوه عن البعد، فلا يبعد حملها جميعا على إرادة التخيير مع اختلاف
أفراده في الفضل، وحينئذ يكون حكم العدد حال ظهور السلطنة متروكا أو مستفادا
201

من ذلك بتجشم، فتأمل جيدا، والله أعلم بحقيقة الحال.
(و) كيف كان ف‍ (لو انفضوا) جميعهم وليس غيرهم (في أثناء الخطبة أو بعدها
قبل التلبس بالصلاة سقط الوجوب) إذا لم يعودوا وكان الانفضاض لعذر بلا خلاف
أجده فيه، كما اعترف به في كشف اللثام لفوات الشرط، نعم لو عادوا صلوا إن كان
تفرقهم بعد الخطبة ولم يطل الفصل، بل في التذكرة وغيرها وإن طال، للاطلاق وأصالة
عدم اشتراط الموالاة، والمراد من كونهما عوض الركعتين مجرد وجوبهما، لكن عنه
في موضع من النهاية استشكاله، ولعله لأصالة الشغل ومعهودية غيره الذي ينصرف إليه
الاطلاق، وهو لا يخلو من قوة، خصوصا في بعض الأفراد، وخصوصا على قاعدة
شرطية المشكوك، والاحتياط لا ينبغي تركه.
أما لو عاد غيرهم مع الإمام أعاد الخطبة كما صرح به في المدارك وغيرها، لظهور
النصوص في الصلاة في المخطوبين، ولا إطلاق يعتد به في الصحة، فلا مقتضي لها حينئذ
لكن عن الموجز وكشف الالتباس أنه بناء على عدم اشتراط الموالاة لا فرق بين عود
السامعين وغيرهم، ولعله لاطلاق الأدلة، لكن قد يمنع وجوده على وجه يصلح لتناول
هذا الفرد، بل قد يظهر من الأدلة خلافة، بل قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن
سنان (1): " الجمعة لا تكون إلا لمن أدرك الخطبتين " وسقوطهما عن المسبوق بعقد
الجمعة بالعدد السامعين لا يقضي به قطعا كما هو واضح، ونحوه لو تلفق العائدون من
الأولين وغيرهم، ولو كان الانفضاض في الأثناء أعاد من رأس إن فات صدق مسمى
الخطبة، لعدم حصول الامتثال، وإلا بنى لحصوله، إذ ليس في الأدلة ما يقضي بأزيد
من اعتبار مسمى الخطبة، وكون الواقع منها ما فيه التوالي فلا يجدي غيره وإن حصل به
مسماها لا يقيد الاطلاق، فيتمها حينئذ ويجتزي، والمرجع في بقاء الاسم العرف، بل في

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 7
202

التذكرة لو انفضوا قبل الاتيان بأركان الخطبة وسكت ثم عادوا أتم الخطبة سواء طال
الفصل أولا، لحصول مسمى الخطبة، وليس لها حرمة الصلاة، ولأنه لا يؤمن الانفضاض
بعد إعادتها، وهو قول أبي إسحاق، ونمنع اشتراط الموالاة، وقال الشافعي: إن طال
الفصل استأنف الخطبة، وإلا فلا، وعنه أنه مع طول الفصل يصلي أربعا إن لم يعد الخطبة
لبطلانها، ولا يأمن الانفضاض في الإعادة والصلاة، فيصلي ظهرا، والظاهر أن مراده
قبل الاتيان بتمام أركان الخطبة، لقوله في المحكي عن نهاية: ولو انفضوا في الأثناء
فالمأتي به حال غيبتهم غير محسوب، فإن عادوا قبل طول الفصل جاز البناء، وكذا إن
طال، لكن عن موضع آخر منها الاشكال في الأخير.
وعلى كل حال ينبغي تقييد الطول بما إذا لم يمض معه مسمى الخطبة عرفا كما عرفت
وفي القواعد وموضع آخر من التذكرة " لو انفضوا في خلال الخطبة أعادها بعد عودهم
إن لم يسمعوا أولا الواجب منها " وفي الذكرى " لو انفضوا في أثناء الخطبة سقطت،
فلو عادوا أعادها من رأس إن كانوا لم يسمعوا أركانها، ولو سمعوا بنى سواء طال الفصل
أم لا، لحصول مسمى الخطبة، ولم يثبت اشتراط الموالاة إلا أن نقول: هي كالصلاة،
فيعيدها، ويشكل بأنه لا يؤمن انفضاضهم ثانيا لو اشتغل بالإعادة، فيصير ذلك عذرا،
في ترك الجمعة " وقد فهم منها في كشف اللثام وجامع المقاصد البناء على ما سمعوه من
البعض، ومنه ينقدح إمكان إرادته في عباراتي القواعد والتذكرة على معنى أنهم أن لم
يسمعوا تمام الواجب أعاد ما لم يسمعوه، وكذا المحكي عن الجعفرية وشرحها، ولو عادوا
بعد انفضاضهم أعاد الخطيب الخطبة بعد عودهم إن لم يسمعوا الواجب منها قبل الانفضاض
وإن سمعوا الواجب منها أجزأ ذلك سواء طال الفصل أم لا، إذ الأصل عدم اشتراط
الموالاة بين الخطبة ليسمعوا، والمحكي عن الروض ولو عادوا أعادها من رأس أن لم يكونوا
سمعوا أركانها، وإلا بنى وإن طال الفصل، فيتفق الجميع حينئذ على عدم اشتراط الموالاة.
203

لكن الانصاف عدم خلو هذه العبارات عن الاجمال، والتحقيق ما قدمناه من
كون المدار على بقاء الاسم، ولو كان العائد غير الأولين استأنف الخطبة من رأس
بلا خلاف ولا إشكال، لكن عن النهاية أنه أقرب، ويحتمل بل الظاهر أن غير الأقرب
الاجتزاء بسماع الأولين ما مضى منها كما سمعته من الموجز وكشفه في جميع الخطبة،
ولا ريب في ضعفه فيهما وإن حكي عنهما الموافقة في المقام، هذا.
ولا يخفى أن المستفاد من كلامهم في المقام أن العدد شرط في الواجب من الخطبة
كالصلاة، بل في الذكرى لم أقف فيه على مخالف منا، وعليه عمل الناس في الأعصار
والأمصار، وخلاف أبي حنيفة ملحق بالاجماع ومسبوق به أعني الاجماع الفعلي من
المسلمين، وبه صرح الشيخ والفاضل والشهيد في البيان، لكن الشيخ في الخلاف بعد أن
جعله شرطا فيها استدل عليه بالاحتياط، ففهم منه الشهيد في البيان أنه جعله احتياطا،
بل ظهر مما ذكرنا اعتبار العدد المخصوص فيهما جميعا على وجه لا يجزي قيام الغير مع
انفضاض بعضهم في الأثناء، نعم ذلك معتبر في الواجب منها دون المستحب إجماعا
في التذكرة، كما أن فيها وفي الذكرى الاجماع على عدم قدح انفضاض الزائد على العدد
كما هو واضح من غير فرق بين أثناء الخطبة وكمالها.
(و) أما (لو) كان انفضاض العدد المعتبر بعد إن (دخلوا في الصلاة ولو
بالتكبير وجب الاتمام ولو لم يبق إلا واحد) لأنه شرط في الابتداء عندنا دون
الاستدامة كما في كشف اللثام، بل نسبة فيه إلى الشيخ ومن بعده، كما عن بعضهم نفي
الخلاف فيه، ولعله كذلك فيما أجده، لكن عن الأستاذ الأكبر أن الظاهر من
الأخبار اشتراط الاستدامة وعدم اختصاص العدد بابتداء الصلاة، بل هو معتبر في
الصلاة التي هي اسم للمجموع، فإن كان إجماع وإلا أشكل الأمر، قلت: تحصيل
الاجماع في المقام في غاية الصعوبة، لأن أول من صرح به الشيخ في الخلاف معترفا
204

بأنه لا نص فيه لأصحابنا، لكن قال: إن الذي يقتضيه مذهبهم عدم بطلان الجمعة
سواء انفض بعضهم أو جميعهم حتى لا يبقى إلا الإمام، نعم يمكن دعوى ظهور نصوص
العدد ولو بمعونة هذه الشهرة العظيمة في اعتبار ذلك في عقد الجمعة، بل لا ينكر قابليتها
لإرادة ذلك، فتحمل حينئذ عليه، ويبقى استصحاب حكم الجمعة للمتلبس بحاله، مؤيدا
بالنهي (1) عن إبطال العمل.
لكن ظاهر الأصحاب في المقام بل صريح الشيخ وجماعة ذلك وإن بقي الإمام
وحده، بل صرح آخرون به فيما لو بقي مأموم وحده، وقد يشكل بأن عدم اعتبار العدد
في الاستدامة لا يقضي بعدم اعتبار الجماعة فيها أيضا، فالمتجه وجوب اعتبارها مع الامكان
ولو باستخلاف إمام جديد منهم إذا كان المنفض الإمام، والبطلان مع عدمه، إلا بناء على
أن فوات الجماعة اضطرارا غير قادح، وأن المسبوق ونحوه مما هو مستفاد من الأدلة
لا خصوصية له، وفيه بحث، وحينئذ يمكن حمل المتن وما شابهه على إرادة بقاء واحد مع
الإمام لتحصيل مسمى الجماعة كما احتمله المحقق الثاني في فوائد على الكتاب وإن استضعفه
بل يمكن أن يكون هو مقتضى التدبر في عبارة البيان، لأنه قال فيه: " وبعد التلبس
بالصلاة يجب الاتمام ولو كان واحدا - ثم قال في شرط الجماعة -: ولو عرض للإمام
مخرج من الصلاة قدموا من يتم بهم، فإن لم يكن فبهم لم يكن فيهم صالح للإمامة فالأقرب السقوط،
وفي الخلاف لا، وقضية المذهب الاتمام " وظاهره بقرينة نقل ما في الخلاف إرادة سقوط
الجمعة، وما يقال - من أنه لا منافاة لعدم دلالة وجوب الاتمام مع الواحد على عدم اعتبار
الصلاحية للإمامة مع التعدد - غريب الحكم إلا أن يشترط الصلاحية في الواحد أيضا،
وهو أغرب، فلا ريب أن المتجه فيها ما ذكرنا، ولعل كلمات الأصحاب في المقام مساقة
لعدم اعتبار استمرار العدد، وهو مسألة أخرى غير الجماعة، فتأمل جيدا، إلا أنه يسهل

(1) سورة محمد (صلى الله عليه وآله) - الآية 35
205

الخطب قوة عدم اعتبار الجماعة فيها عندنا مع الاضطرار، هذا.
وظاهر المصنف وغيره بل صرح به بعضهم اشتراط الصحة مع الانفضاض بتلبس
العد المعتبر ولو بالتكبير، أما إذا انفضوا قبله بعد تلبس الإمام فلا جمعة لعدم الشرط
في الابتداء فضلا عن الاستدامة، لكن قد يظهر من معتبر المصنف الصحة فيه أيضا،
بل هو صريح الشافية، واستوجهه في المدارك كما أنه استظهره في كشف اللثام، بل لعل
ذلك مقتضى دليلهم على الصحة بعد التلبس، لكن لا يخفى عليك ضعف ذلك بملاحظة
نصوص العدد، كقوله (عليه السلام): " لا جمعة لأقل من خمسة " ونحوه، وأوضح
منه فسادا لو لم يدخل أحد منهم معه، لفوات الجماعة حينئذ التي فرضها الله فيها، فالتحقيق
أن الجمعة للإمام تستقر بدخول العدد معه كما هو واضح، وافتتاحه لها على ذلك بتخيل
لحوق الشرط لا يصيرها كذلك وإن فات، وما أبعد ما بين ذلك وبين ما في التذكرة
والمحكي عن النهاية من اشتراط الصحة باتمامهم ركعة. فإن انفضوا قبلها فلا جمعة، لكن
احتمل في الأخير تحقق الركعة بإدراك الركوع.
وعلى كل حال فلا دليل عليه سوى مفهوم قوله (عليه السلام) (1): " من
أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة " بل وقوله (عليه السلام) (2): " من أدرك
ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى " إذ عدم الإضافة مستلزم للبطلان، وقوله (صلى الله
عليه وآله) (3): " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها " وهو كما ترى أجنبي عن
المقام، بل هو نقله حجة للشافعي ومالك في المحكي من منتهاه، وأجاب عنه بأن الباقي
بعد الانفضاض مدرك ركعة بل الكل، وإنما لا يكون مدركا لو اشترط في الادراك
بقاء العدد، وهو أول المسألة.

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6 - 8
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6 - 8
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
206

ثم إن الظاهر البطلان حيث تبطل الجمعة، لعدم النية، لكن احتمل الفاضل
العدول إلى الظهر، لانعقادها صحيحة فجاز العدول كما يعدل عن اللاحقة إلى السابقة،
وضعفه واضح، وربما تسمع له تتمة فيما يأتي إن شاء الله، والله أعلم.
الشرط (الثالث الخطبتان) عوض الركعتين إجماعا بقسميه، ونصوصا (1)
قولا وفعلا، وما عن الكافي - حيث قال: " وخطبته في أول الوقت مقصورة على حمد
الله والثناء عليه بما هو أهله والصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) والمصطفين من آله
(عليهم السلام) والوعظ " - يمكن إرادته ما يشمل الخطبتين كبعض النصوص (2) قال
في المحكي عن المنتهى: " الخطبة شرط في الجمعة، وهو قول عامة أهل العلم لا نعرف فيه
مخالفا إلا الحسن البصري - واستدل عليه بأخبار الخطبتين، ثم قال -: ولا يكفي الخطبة
الواحدة بل لا بد من الخطبتين، فلو أخل بواحدة منهما فلا جمعة له ذهب إليه علماؤنا
أجمع " كما أنه في التذكرة حكى الاجتزاء بخطبة عن مالك والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور
وابن المنذور وأحمد في رواية وأصحاب الرأي، لكن في البيان " ولا تجزي الجمعة بغير
خطبة، والحسن البصري محجوج بالاجماع، ولا تكفي الواحدة، وقول النعمان مدفوع
بالشهرة " ويمكن أن يريد بها بين العامة والخاصة على وجه يجامع إجماع الخاصة.
وعلى كل حال فالخطبة بالضم من القول والكلام كما في مختصر النهاية، والخطبة
خطبة المنبر والنكاح لا غير في الغريبين، وفي المجمل " الخطاب كل كلام بينك وبين
الآخر، ولذلك سميت الخطبة " وفي الصحاح " خاطبه بالكلام مخاطبة وخطابا وخطبت
على الأمر خطبة بالضم - إلى أن قال -: وخطب بالضم خطابة بالفتح صار خطيبا "
وكيف كان فالظاهر عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها وإن كان الأقوى أنها في اللغة ولو

(1) الوسائل - الباب - 6 و 15 - من أبواب صلاة الجمعة
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة
207

على جهة النقل فيها اسم لكلام مخصوص، واعتبار النية فيها كما في جامع المقاصد الروضة
وعن حاشية الإرشاد ونهاية الإحكام والغرية والروض أعم من ثبوت الحقيقة الشرعية
فيها، ضرورة ابتنائه على أصالتها في كل مأمور به من غير مدخلية لها، على أنه يمكن
منعه باحتمال كون الأمر من حيث أنها شرط صحة الجمعة، ومثله يمنع أصالة العبادة فيه،
على أن المحكي عن الروض التوقف في كون النية فيها شرطا أو واجبا، ولعل غيره
كذلك، فينتفي كونها عبادة، لمعلومية اشتراطها بها، بل لعل ظاهر ترك الأكثر التعرض
لها فيها عدم اعتبارها مطلقا، فتأمل جيدا.
(و) على كل حال ف‍ (- يجب) شرعا هنا (في كل واحدة منهما الحمد لله)
أي التحميد بلا خلاف أجده فيه، بل في الخلاف والغنية وظاهر كشف الحق وغيره
الاجماع عليه، كما أنه اتفقت عليه النصوص (1) القولية والفعلية عدا خبر العيون (2)
" وإنما جعلت خطبتين لأنه تكون واحدة للثناء على الله والتمجيد التقديس لله عز وجل
والأخرى للحوائج والأعذار والانذار والدعاء ولما يريد " إلى آخره. ويمكن كون
المراد المقصد الأصلي فيها ذلك وإن ذكر التحميد ونحوه في ابتدائها، بل الأولى
الاقتصار على لفظ " الحمد لله " كما في صحيح ابن مسلم (3) وخطبتي أمير المؤمنين
(عليه السلام) (4) بل في التذكرة ويجب في كل خطبة منهما حمد الله تعالى، ويتعين
" الحمد لله " عند علمائنا أجمع، واستدل بالتأسي لأن النبي (صلى الله عليه وآله) داوم
عليه، وبالاحتياط، وبقول الصادق (عليه السلام) (5): " يحمد الله " ثم قال: " إذا

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 0 - 6 - 2
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 0 - 6 - 2
(3) فروع الكافي - ج 1 ص 422 من الطبع الحديث " باب تهيئة الإمام للجمعة
وخطبته والانصات، الحديث 6
(4) الفقيه ج 1 ص 275 - الرقم 1262 من طبعة النجف
(5) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 0 - 6 - 2
208

عرفت هذا فهل يجزيه لو قال: الحمد للرحمن أو لرب العالمين؟ إشكال ينشأ من التنصيص
على لفظ الله تعالى، ومن المساواة في الاختصاص به " بل عنه في نهاية الإحكام أن
الأقرب إجزاء " الحمد للرحمن " ولعله لاختصاص بنفسه كلفظ الجلالة، بخلاف " رب
العالمين " وكان مراده بمعقد الاجماع لفظ التحميد، لكن قد عرفت أن الأولى الاقتصار
على لفظ الجلالة، ولا ينافيه ما في موثق سماعة (1) " يحمد الله " بعد انصرافه إلى
اللفظ المزبور كالتسبيح، بل يمكن حمل خبر العيون (2) عليه أيضا.
نعم لا يبعد اعتبار الثناء عليه زيادة على ذلك كما في موثق سماعة بل وصحيح
ابن مسلم وخطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعقد إجماع الخلاف والغنية وظاهر
كشف الحق، بل هو في عبارة جماعة من الأصحاب، إلا أنها تحتمل كمعقد الاجماعات
وموثق سماعة إرادة تفسير الحمد به، لكنه لا تخلو من بعد.
ومنه ينقدح حينئذ قوة المحافظة على لفظ الحمد ولا يجزي عنه الثناء، وفي كشف
اللثام أن المراد بهما واحد، أو الثناء هو الوصف بما هو أهله، والحمد هو الاتيان بلفظه
أو الشكر، أما التمجيد المذكور في خبر العيون والمحكي عن المصباح والسرائر مع الثناء
فالظاهر اتحاده معه، اللهم إلا أن براد منه خصوص التعظيم بخلاف الثناء، لكنه كما ترى.
(و) أما (الصلاة على النبي) محمد (وآله عليهم السلام) فخيرة الأكثر نقلا
وتحصيلا وجوبها، بل هو من معقد إجماع الخلاف والغنية والتذكرة وغيرها، بل
لا خلاف فيه فيما أجد في الثانية، فتركه فيها في إحدى (3) الخطبتين المرويتين عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) يمكن كونه من الراوي، مع أن فيها اللهم أغفر لنا وللمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات الذين توفيتهم على دينك وملة نبيك (صلى الله عليه وآله) "

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 6
(3) روضة الكافي ص 175 - الرقم 194 المطبوعة عام 1377
209

فيمكن اكتفاؤه بهذه الصلاة عن الخطبة والذكر، فتأمل، نعم خيرة المصنف في النافع
والمعتبر والمحكي عن السيد وموضع من السرائر عدم وجوبها في الأولى لموثق سماعة
الآتي (1) لكن قد يقيد بصحيح ابن مسلم وخطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعقد
الاجماع السابق، بل الأولى الاتيان بخصوص لفظ الصلاة لذلك أيضا كما عن الشهيدين
والكركي وغيرهم التصريح به.
(و) أما (الوعظ) فوجوبه خيرة الأكثر نقلا وتحصيلا، بل هو من معقد
إجماع الخلاف والغنية وظاهر كشف الحق، وبه مع صحيح ابن مسلم (2) وإحدى (3)
خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام) يقيد ما يظهر من موثق سماعة من عدم الوعظ في الثانية
كإحدى (4) خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل اعتمد عليه في النافع والمعتبر،
بل في كشف اللثام أن السيد لم يذكره في شئ منهما، لكن هو حكى عن مصباح السيد
مرسلا " أنه يحمد الله ويمجده ويثني عليه ويشهد لمحمد (صلى الله عليه وآله) بالرسالة
ويوشحها بالقرآن ويعظ، وفي الثانية الحمد والاستغفار والصلاة على النبي وعليهم
صلوات الله عليهم أجمعين) ويدعو لأئمة المسلمين ولنفسه وللمؤمنين ".
كما أنك مما ذكرنا تعرف أن ما في المدارك وتبعه عليه غيره - من أن ظاهر المصنف
في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه أن وجوب الحمد والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)
والوعظ موضع وفاق بين علمائنا وأكثر العامة، وذلك لعدم تحقق الخطبة بدونه عرفا -
لا يخلو من خلل كما عرفت، فلاحظ وتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
(2) فروع الكافي - ج 1 ص 422 من الطبع الحديث " باب تهيئة الإمام للجمعة
وخطبته والانصات " الحديث 6
(3) الفقيه ج 1 ص 275 - الرقم 1262 من طبعة النجف
(4) روضة الكافي ص 175 - الرقم 194 المطبوعة عام 1377
210

والظاهر عدم تعيين لفظ حتى الوصية بتقوى الله، بل عن بعضهم نفي الخلاف
فيه، للأصل واختلاف الخطب المأثورة، وما في خبر سماعة " يوصي بتقوى الله " وفي
صحيح ابن مسلم في الخطبتين وفي خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام) في الأولى منهما
" أوصيكم عباد الله بتقوى الله " لا يقضي بالتعيين، ولذا لم يأت به في الخطبة الثانية
من خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام)، نعم عن نهاية الإحكام " أنه لا يكفي الاقتصار
على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها " لأنه قد يتناهى به المنكرون للمعاد، بل
لا بد من الحمل على طاعة الله والمنع عن المعاصي " ولا ريب في أنه أحوط وإن كان
لا يخلو من منع، ولعله إليه أومأ في المدارك بقوله: " يجزي كل ما اشتمل على الوصية
بتقوى الله والحث على الطاعات والتحذير عن المعاصي والاغترار بالدنيا وما شاكل ذلك "
لكن قد يؤيده ما في موثق سماعة من الأمر بالوصية بتقوى الله، نعم يكفي " أطيعوا
الله " كما عنه فيها وفي التذكرة التصريح به، هذا، وفي المدارك " وفي الاجتزاء بالآية
المشتملة على الوعظ عنهما وجهان، أقربهما ذلك - قال -: وكذا الكلام في الآية المشتملة
على التحميد ونحوه من أجزاء الخطبة " وفيه إمكان الفرق بظهور بعض نصوص المقام (1)
في أن المراد بذكر القرآن في الخطبة الوعظ بخلاف التحميد. بل الأقوى عدم الاجتزاء
مطلقا، لأصالة عدم التداخل، فتأمل.
(و) أما وجوب (قراءة سورة خفيفة) فيهما فهو المشهور بين الأصحاب،
لكن في كشف اللثام " لم أظفر له بدليل إلا ما في التذكرة ونهاية الإحكام من أنهما
بدل من الركعتين، فتجب فيهما كما تجب فيها، وضعفه ظاهر " قلت: وموثق سماعة
وصحيح ابن مسلم وخطبتا أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما يظهر منها قراءتها في الأولى
وتتميمه بعدم القول بالفصل يمكن منعه أولا بما ذهب إليه المصنف في النافع والمعتبر من العمل

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة
211

بموثق سماعة، وعكسه ثانيا بظهور الجميع عدا الموثق في عدم وجوب آية في الثانية، ولا
قائل بوجوب سورة معها في الأولى، وإن كان هو الذي يقتضيه الجمع بين النصوص
الفعلية والقولية.
وعلى كل حال فالقول بعدم القراءة أصلا - كما عن الكافي وخطبته في أول
الوقت مقصورة على حمد الله والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله)
والمصطفين من آله (عليهم السلام) ووعظ وزجر، والإشارة على ما حضرني من نسخة
كشف اللثام، وقصرهما على حمد الله والثناء عليه بما هو أهله والصلاة على نبيه وآله (عليهم
السلام) والمواعظ المرغبة في ثوابه المرهبة من عقابه، وخلوها مما سوى ذلك - لا ريب
في ضعفه، بل في كشف اللثام بعد عبارة الكافي " أن لفظ " مقصورة " صريح في عدم
دخول القرآن فيها لا في عدم وجوبها، فقد تجب بينهما كما سمعت وبعدهما " قلت: قد
حكى غيره عن الإشارة زيادة على ما سمعته منها والفصل بينهما بجلسة وقراءة سورة خفيفة
وفي الغنية " صعد المنبر فخطب خطبتين مقصورتين على حمد الله سبحانه والثناء عليه
والصلاة على محمد وآله (صلوات الله عليهم) والوعظ والزجر يفصل بينهما بجلسة ويقرأ سورة
خفيفة من القرآن - إلى أن قال - كل ذلك بدليل الاجماع " وفي النهاية " ينبغي أن
يخطب الخطبتين ويفصل بينهما بجلسة ويقرأ سورة خفيفة ويحمد الله في خطبته ويصلي
على النبي وآله (صلوات الله عليهم) ويدعو لأئمة المسلمين ويدعو أيضا للمؤمنين ويعظ ويزجر
وينذر ويخوف " وعن الاقتصاد " أقل ما يخطب به أربعة أشياء: الحمد لله والصلاة
على النبي وآله (عليهم السلام) والوعظ وقراءة سورة خفيفة من القرآن بين الخطبتين "
ونحو ذلك في البينية المحكي عن الاصباح أيضا، وصحيح محمد بن مسلم وخطبتا
أمير المؤمنين (عليه السلام) صريحة في فعلها قبل الجلوس، وأنها من جملة الخطبة، بل
عقبها أمير المؤمنين (عليه السلام) في إحدى خطبتيه بالصلاة على محمد وآله (عليهم السلام)
212

والدعاء للمؤمنين ونحو ذلك وأطال فيه، يمكن إرادة توشيح الخطبة بالسورة من البينة
فلا مخالفة حينئذ، كما أن ما عن ابن سعيد " وأن يخطب خطبتين قائما إلا من عذر
متطهرا فاصلا بينهما بجلسة وسورة خفيفتين تشتملان على حمد الله والثناء والصلاة على
محمد وآله (عليهم السلام) والوعظ وقراءة سورة خفيفة من القرآن " لم أعرف له شاهدا
إن أراد سورة للفصل غير السورتين.
نعم في الفقيه " خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الجمعة فقال: الحمد
لله - إلى أن قال -: إن أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله عز وجل، أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم، إن الله هو الفتاح العليم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يبدأ بعد
الحمد بقل هو الله أحد يا أيها الكافرين أو بإذا زلزلت الأرض زلزالها أو بألهاكم
التكاثر أو بالعصر، وكان مما يداوم عليه قل هو الله أحد " وفي كشف اللثام بعد الحمد
يعني فاتحة الكتاب، وليس في مصباح الشيخ بعد الحمد، قلت: ومقتضاه حينئذ قراءة
سورتين في الخطبة الأولى إلا الظاهر كونهما من الخطبة لا إحداهما للفصل الذي له
الجلوس، فما ذكره ابن سعيد لا مستند له، اللهم إلا أن يكون فهمه من حسن ابن مسلم (1)
" يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، ولا يصلي الناس ما دام الإمام على
المنبر، ثم يقعد على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد، ثم يقوم فيفتتح خطبة " ويمكن
إرادة الفصل بسورة الخطبة بمعنى الاتيان بها في آخرها، فيوافق حينئذ غيره ممن عرفت
كما أن ما في الخلاف " أقل ما تكون الخطبة أن يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي وآله
(عليهم السلام) ويقرأ شيئا ويعظ الناس، فهذه أربعة أشياء لا بد منها، وإن أخل
بشئ لم يجزه، وما زاد عليه مستحب، دليلنا إجماع الفرقة " يمكن إرادته السورة من
الشئ، فيوافق ما في مبسوطه وجمله، وكذا ما في كشف الحق " ذهبت الإمامية إلى

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
213

وجوب أربعة أشياء في الخطبة: حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على النبي وآله (عليهم
السلام) والوعظ وقراءة شئ من القرآن " وإلا لم نعرف له موافقا عليه فضلا عن
كونه مجمعا عليه عدا ما سمعته من مصباح السيد، مع أن التوشيح قد يقضي بالآية الكاملة.
نعم في الذكرى والمقاصد العلية والمفاتيح والماحوزية قراءة ما تيسر على ما حكي
عن بعضها، كما أنه لا شاهد له سوى خبر صفوان بن معلى (1) " أنه سمع النبي (صلى
الله عليه وآله) يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك (2) " ولا دلالة فيه على ذلك بوجه،
إذ يمكن أنه سمعه يقرأ في أثناء الموعظة، لكن في جامع المقاصد وعن غيره أن الشيخ
في الخلاف وأكثر المتأخرين اختاروا الاجتزاء بالآية التامة، واختاره هو في جملة من
كتبه والشهيدان في البيان والروضة والعلامة الطباطبائي في منظومته:
وكأنه هو الذي أشار إليه المصنف بقوله: (وقيل يجزي ولو آية واحدة مما يتم
بها فائدتها) وهو لا يخلو من وجه، لامكان حمل السورة في النصوص السابقة على أحد
الأفراد، للاكتفاء بها في الخطبة الثانية، ولا قائل بالفرق المزبور، وهو وإن كان يمكن
معارضته بالعكس كما أومأنا إليه سابقا في الجملة إلا أنه قد يترجح بامكان حمل السورة في
الأولى على أحد الأفراد بخلاف الاجتزاء بالآية في الثانية في صحيح ابن مسلم وخطبتي
أمير المؤمنين (عليه السلام)، وخصوصا الأخيرتين اللتين هما نقل قوله (عليه السلام)، واحتمال ترك الراوي له بعيد إن لم يكن مقطوعا بعدمه، مضافا إلى إجماعي الخلاف
وكشف الحق بناء على إرادة ذلك منهما، هذا، ولكن في جامع المقاصد أن المراد بالآية
التامة الفائدة ما يستقل بإفادة معنى يعتد به بالنسبة إلى مقصود الخطبة، سواء تضمنت
وعدا أو وعيدا أو حكما أو قصصا، فلا يجزي نحو قوله تعالى (3): " مدهامتان "

(1) صحيح مسلم ج 3 ص 13 وفيه " صفوان بن يعلى عن أبيه " الخ
(2) سورة الزخرف - الآية 77
(3) سورة الرحمان - الآية 64
214

ولا نحو (1) " فألقي السحرة ساجدين " ولا بأس به.
وقد ظهر لك من ذلك كله تفصيل الحال في الأمور الأربعة (و) لكن
(في رواية سماعة) الموثقة (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " ينبغي للإمام الذي
يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف ويتردى ببرد يمنية أو عدني
ويخطب وهو قائم (ثم يحمد الله ويثني عليه ثم يوصي بتقوى الله ثم يقرأ سورة خفيفة
من القرآن ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي وآله (صلوات الله
عليهم أجمعين) وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات) فإذا فرغ
من هذا قام المؤذن فأقام الصلاة وصلى بالناس " إلى آخرها. وعليها اعتمد في النافع
والمعتبر، وقد عرفت ما يقتضي ثبوت بعض ما زاد عليها، لكن ظاهره وظاهر صحيح
ابن مسلم إيجاب الصلاة على الأئمة (عليه السلام) في الثانية، بل في الثاني منهما ذكرهم
(عليهم السلام) تفصيلا، كما أن ظاهر الموثق المزبور وخطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام)
إيجاب الاستغفار للمسلمين والمسلمات في الثانية، وصحيح ابن مسلم في الأولى، فمقتضى
الجمع بين النصوص ذلك فيهما معا، إلا أن ندرة الفتوى بها وما سمعته من إجماع الشيخ
وغيره على الاجتزاء بدونه وسوق النصوص للأعم من الواجب والمندوب ونحو ذلك
مما لا يخفى يمنع من الجرأة على الوجوب، وإن كان الوجوب في الجملة ظاهر ما سمعته
من مصباح السيد ونهاية الشيخ والنافع والمعتبر وغيرها، بل ربما استظهر من موضع من
السرائر أيضا، لقوله: " قام الإمام متوكئا على ما في يده، فابتدأ بالخطبة الأولى
معلنا بالتحميد لله تعالى والتمجيد والثناء بآلائه وشاهدا لمحمد (صلى الله عليه وآله)

(1) سورة الشعراء - الآية 45
(2) ذكر صدرها في الوسائل في الباب 24 من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 و ذيلها
في الباب 25 منها - الحديث 2
215

بالرسالة وحسن الابلاغ والانذار، ويوشح خطبته بالقرآن ومواعظه وآدابه، ثم يجلس
جلسة خفيفة، ثم يقوم فيفتتح الخطبة الثانية بالحمد لله والاستغفار والصلاة على النبي وآله
(عليهم السلام) ويثني عليهم بما هو أهله ويدعو لأئمة المسلمين، ويسأل الله تعالى أن يعلي
كلمة المؤمنين ويسأل الله لنفسه وللمؤمنين حوائج الدنيا والآخرة، ويكون آخر كلامه إن
الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم
لعلكم تذكرون " (1) إلا أن الظاهر إرادته الندب من ذلك لقوله فيها قبل ذلك:
" أقل ما تكون الخطبة أربعة أصناف: حمد الله والصلاة على النبي وآله (عليهم السلام)
والوعظ والزجر وقراءة سورة خفيفة " وذكره الزجر مع عدها أربعة لا يريد به وجوبه
بالخصوص زيادة على الوعظ كغيره من العبارات السابقة، خصوصا عبارة الإشارة،
وإن كان الأحوط الجمع بين الترغيب والترهيب.
بل الأحوط المحافظة على جميع ما يستفاد من نصوص المقام صحيح ابن مسلم
وموثق سماعة وخطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا ما علم كونه ندبا، ولعل منه
الشهادة بالتوحيد التي يمكن تحصيل الاجماع على عدم وجوبها فضلا عن المنقول، بل
والشهادة بالرسالة وإن ظهر من المرتضى وجوبها كما سمعت.
والمشهور كما عن الذخيرة اعتبار عربيتهما، وفي المدارك " منع أكثر الأصحاب
من إجزاء الخطبة بغير العربية للتأسي، وهو حسن " قلت: قد يفرق فيهما بين الحمد
والصلاة وبين الوعظ، فيجوز بغيرها اختيارا مع فهم العدد، بخلافهما لظهور الأدلة في
إرادة اللفظ فيهما والمعنى فيه، وإن كان الواقع منه (عليه السلام) العربية فيه أيضا،
لكن لعله لأنه (عليه السلام) عربي يتكلم بلسانه لا لوجوبه، وعلى الاشتراط لو لم يفهم

(1) سورة النحل - الآية 92
216

العدد العربية ولا أمكن تعلمها فالأقوى كما عن الفاضل والشهيدين والكركي الاجتزاء
بالعجمية، لأن مقصود الخطبة لا يتم فهم معانيها، فما عن الروض بل هو ظاهر
المنظومة أيضا من وجوب العربية مطلقا كما ترى، وإن أيده في الحدائق بمنع كون العلة
في الخطبة التفهيم بل هو حكمة، وبأن البلدان التي فتحت من العجم والروم وعين فيها
الأئمة لم ينقل الترجمة لهم، ولو وقع لنقل، إذ فيه أن الأصل فيما ظاهره العلة الأول،
ويمكن حضور العدد الذي يفهم في البلدان المزبورة، نعم قد يحتمل كما في المدارك سقوط
الجمعة حينئذ، لعدم ثبوت مشروعيتها على هذا الوجه، مع أن فيه أن يكفي فيها الاطلاقات
مع عدم صلاحية دليل الاشتراط لشمول الفرض، والتحقيق ما عرفت.
وأما ترتيب أجزاء الخطبة بتقديم الحمد ثم الصلاة ثم الوعظ ثم القرآن ففي الذكرى
وغيرها وجوبه، بل عن بعضهم نسبته إلى المشهور، فلو خالف أعاد على ما يحصل معه
الترتيب، ولا ريب في أنه أحوط، بل قد يستفاد بعضه من موثق سماعة وغيره، لكن
في المدارك وعن الروض أن في تعيينه نظرا، وعن المنتهى عده من المستحبات وأنه قال:
فلو عكس ففي الاجزاء نظر، أقربه الثبوت قلت: هو لا يخلو من قوة في البعض،
بل من وجه في الجميع وإن كان الأولى المحافظة على ما في النصوص ضاما إليها ما يقتضيه
المقام مما ينبغي إعلام الناس به، وقد سمعت موثق سماعة، أما صحيح ابن مسلم (1)
فهو " الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، انتجبه لولايته واختصه
برسالته وأكرمه بالنبوة أمينا على غيبه، ورحمة للعالمين، وصلى الله على محمد وآله وعليهم

(1) فروع الكافي - ج 1 ص 422 من الطبع الحديث " باب تهيئة الإمام للجمعة
وخطبته والانصات، الحديث 6
217

السلام، أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأخوفكم من عقابه، فإن الله ينجي من اتقاه
بمفازتهم، لا يمسهم السوء ولاهم يحزنون، ويكرم من خافه، يقيهم شرما خافوا،
ويلقيهم نضرة وسرورا، وأرغبكم في كرامة الله الدائمة، وأخوفكم عقابه الذي
لا انقطاع له ولا نجاة لمن استوجبه، فلا تغرنكم الدنيا ولا تركنوا إليها، فإنها دار غرور
كتب الله عليها وعلى أهلها الفناء، فتزودوا منها الذي أكرمكم الله به من التقوى والعمل
الصالح، فإنه لا يصل إلى الله من أعمال العباد إلا ما خلص منها، ولا يتقبل الله إلا من
المتقين، وقد أخبركم الله عن منازل من آمن وعمل صالحا، وعن منازل من كفر وعمل
في غير سبيله، وقال: " ذلك يوم مجموع له الناس، وذلك يوم مشهود، وما نؤخره إلا
لأجل معدود، يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه، فمنهم شقي وسعيد، فأما الذين شقوا
ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء
ربك، إن ربك فعال لما يريد، وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت
السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ " (1) نسأل الله الذي جمعنا لهذا
الجمع أن يبارك لنا في يومنا هذا، وأن يرحمنا جميعا إنه على كل شئ قدير، إن
كتاب الله أصدق الحديث، وأحسن القصص، قال الله تعالى: " وإذا قرئ القرآن
فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " (2) فاسمعوا طاعة الله وأنصتوا ابتغاء رحمته، ثم
اقرأ سورة من القرآن، وادع ربك، وصل على النبي وسلم، وادع للمؤمنين والمؤمنات
ثم تجلس قدر ما تمكن هنيئة، ثم تقوم وتقول: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
ونستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده

(1) سورة هود عليه السلام - الآية 105 إلى 110
(2) سورة الأعراف - الآية 203
218

لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين
كله ولو كره المشركون، وجعله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا
منيرا، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، أوصيكم عباد الله
بتقوى الله الذي ينفع بطاعته من أطاعه، والذي يضر بمعصيته من عصاه، الذي إليه
معادكم وعليه حسابكم، فإن التقوى وصية الله فيكم وفي الذين من قبلكم، قال الله تعالى:
" ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله، وإن تكفروا فإن لله
ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا (1) " انتفعوا بموعظة الله وألزموا
كتابه، فإنه أبلغ الموعظة وخير الأمور المعاد عاقبة، ولقد اتخذ الله الحجة، فلا يهلك
من هلك إلا عن بينة، ولا يحيي من حي إلا عن بينة، وقد بلغ رسول الله (صلى الله
عليه وآله) الذي أرسل به، فألزموا وصيته وما ترك فيكم من بعده من الثقلين كتاب
الله وأهل بيته (عليهم السلام) الذين لا يضل من تمسك بهما، ولا يهتدي من تركهما،
اللهم صل على محمد عبدك ورسولك سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين،
ثم تقول: اللهم صل على علي أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين، ثم تسمي الأئمة
(عليهم السلام) حتى تنتهي إلى صاحبك، ثم تقول: اللهم افتح له فتحا يسيرا وانصره
نصرا عزيزا، اللهم أظهر به دينك وسنة نبيك (صلى الله عليه وآله) حتى لا يستخفي
بشئ من الحق مخافة أحد من الخلق، اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها
الاسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى
سبيلك، وترزقنا فيها كرامة الدنيا والآخرة، اللهم ما حملتنا من الحق فعرفناه، وما
قصرنا عنه فعلمناه، ثم يدعو الله على عدوه، ويسأل لنفسه وأصحابه، ثم يرفعون أيديهم
فيسألون الله حوائجهم كلها حتى إذا فرغ من ذلك قال: اللهم استجب لنا، ويكون آخر

(1) سورة النساء - الآية 130
219

كلامه أن يقول: إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن
الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (1) ثم تقول: اللهم اجعلنا ممن تذكر
فتنفعه الذكرى، ثم ينزل ".
وأما خطبتا أمير المؤمنين (عليه السلام) فالأولى (2) " الحمد لله أهل الحمد ووليه
ومنتهى الحمد ومحله البدئ البديع الأجل الأعظم الأعز الأكرم المتوحد بالكبرياء،
والمتفرد بالآلاء القاهر بعزه، والمتسلط بقهره الممتنع بقوته، والمتعالي فوق كل شئ
بجبروته، المحمود بامتنانه وباحسانه، المتفضل بعطائه وجزيل فوائده، المتوسع برزقه
المسبغ بنعمته، نحمده على آلائه وتظاهر نعمائه حمدا يزن عظمة جلاله ويملأ قدر آلائه
وكبريائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي كان في أوليته متقادما،
وفي ديموميته مسيطرا، خضع الخلائق بوحدانيته وربوبيته وقديم أزليته، ودانوا لدوام
أبديته، وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اختاره
بعلمه، واصطفاه لوحيه، وائتمنه على سره، وارتضاه لخلقه، وانتدبه لعظيم أمره ولضياء
معالم دينه ومناهج سبيله ومفتاح وحيه، وسببا لباب رحمته، ابتعثه على حين فترة من
الرسل، وهدأة من العلم، واختلاف من الملل، وضلال عن الحق، وجهالة بالرب،
وكفر بالبعث والوعد، أرسله إلى الناس أجمعين رحمة للعالمين بكتاب كريم قد فضله
وفصله وبينه وأوضحه وأعزه وحفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه،
تنزيل من حكيم حميد ضرب للناس فيه الأمثال، وصرف فيه الآيات لعلهم يعقلون،
أحل فيه الحلال، وحرم فيه الحرام، وشرع فيه الدين لعباده عذرا ونذر لئلا يكون
للناس على الله حجة بعد الرسل، ويكون بلاغا لقوم عابدين، فبلغ رسالته وجاهد في

(1) سورة النحل - الآية 92
(2) روضة الكافي ص 173 - الرقم 194 المطبوعة عام 1377
220

سبيله وعبده حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وآله تسليما كثيرا، أوصيكم عباد الله
وأوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ الأمور بعلمه، وإليه يصبر غدا معادها، وبيده
فناؤها وفناؤكم، وتصرم أيامكم وفناء آجالكم وانقطاع مدتكم، فكأن قد زالت عن
قليل عنا وعنكم كما زالت عن من كان قبلكم، فاجعلوا عباد الله اجتهادكم في هذه الدنيا
التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل، فإنها دار عمل، والآخرة دار القرار
والجزاء، فتجافوا عنها، فإن المغتر من اغتر بها، لن تعدو الدنيا إذا تناهت إليها أمنية
أهل الرغبة فيها المحبين لها المطمئنين إليها المفتونين بها أن تكونوا كما قال الله تعالى: " كماء
أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام " الآية (1) مع أنه
لم يصب امرئ منكم في هذه الدنيا خيره إلا أورثته غيره، ولا يصبح فيها في جناح
أمن إلا وهو يخاف فيها نزول جائحة أو تغير نعمة أو زوال عافية، مع أن الموت من
وراء ذلك وهول المطلع والوقوف بين يدي الحكم العدل، تجزى كل نفس بما عملت،
ليجزي الذين أساؤا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، فاتقوا الله تعالى
وسارعوا إلى رضوان الله، والعمل بطاعته، والتقرب إليه بكل ما فيه الرضا، فإنه قريب
مجيب، جعلنا الله وإياكم ممن يعمل بمحابه ويجتنب سخطه، وإن أحسن القصص وأبلغ
الموعظة وأنفع التذكر كتاب الله تعالى، قال الله تعالى: " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له
وأنصتوا لعلكم ترحمون " (2) أستعيذه بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمان الرحيم
والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق
وتواصوا بالصبر " إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه
وسلموا تسليما " (3) اللهم صل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وتحنن على

(1) سورة يونس عليه السلام - الآية 25
(2) سورة الأعراف - الآية 203
(3) سورة الأحزاب - الآية 56
221

محمد وآل محمد، وسلم على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت
وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم أعط محمدا الوسيلة والشرف
والفضيلة والمنزلة الكريمة، اللهم اجعل محمدا وآل محمد أعظم الخلائق كلهم شرفا يوم
القيامة، وأقربهم منك مقعدا، وأوجههم عندك يوم القيامة جاها، وأفضلهم عندك منزلة
ونصيبا، اللهم أعط محمدا (صلى الله عليه وآله) أشرف المقام وحباء السلام وشفاعة
الاسلام، اللهم وألحقنا به غير خزايا ولا ناكثين ولا نادمين ولا مبدلين إله الحق آمين
ثم جلس قليلا، ثم قام فقال: الحمد لله أحق من خشي وحمد، وأفضل من اتقي وعبد،
وأولى من عظم ومجد، نحمده لعظيم غنائه وجزيل عطائه وتظاهر نعمائه وحسن بلائه،
ونؤمن بهداه الذي لا يخبو ضياؤه، ولا يهمد سناؤه، ولا يوهن عراؤه، ونعوذ بالله
من سوء كل الريب وظلم الفتن، ونستغفره من مكاسب الذنوب، ونستعصمه من
مساوي الأعمال ومكاره الآمال والهجوم في الأهوال ومشاركة أهل الريب والرضا بما
يعمل الفجار في الأرض بغير الحق، اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات الذين توفيتهم على دينك وملة نبيك صلى الله عليه وآله اللهم تقبل حسناتهم
وتجاوز عن سيئاتهم وأدخل عليهم الرحمة والمغفرة والرضوان، واغفر للأحياء من
المؤمنين والمؤمنات الذين وحدوك وصدقوا رسلك، وتمسكوا بدينك وعملوا بفرائضك
واقتدوا بنبيك، وسنوا سنتك، وأحلوا حلالك، وحرموا حرامك، وخافوا عقابك
ورجوا ثوابك، ووالوا أوليائك، وعادوا أعدائك، اللهم اقبل حسناتهم وتجاوز عن
سيئاتهم، وأدخلهم برحمتك في عبادك الصالحين إله الحق آمين ".
والثانية " الحمد لله الولي الحميد الحكيم المجيد الفعال لما يريد علام الغيوب،
وخالق الخلق، ومنزل القطر، ومدبر أمر الدنيا والآخرة، ووارث السماوات والأرض

(1) الفقيه ج 1 ص 275 - الرقم 1262 من طبعة النجف
222

الذي عظم شأنه، فلا شئ مثله، تواضع كل شئ لعظمته، وذل كل شئ لعزته،
واستسلم كل شئ لقدرته، وقر كل شئ قراره لهيبته، وخضع كل شئ لملكته (1)
وربوبيته الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وأن تقوم الساعة إلا بأمره
وأن يحدث في السماوات والأرض شئ إلا بعلمه، نحمده على ما كان، ونستعينه من
أمرنا على ما يكون، ونستغفره ونستهديه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
ملك الملوك، وسيد السادات، وجبار الأرض والسماوات، القهار الكبير المتعال،
ذو الجلال والاكرام، ديان يوم الدين، رب آبائنا الأولين، ونشهد أن محمدا (صلى الله
عليه وآله) عبده ورسوله، أرسله بالحق داعيا إلى الحق، وشاهدا على الخلق، فبلغ
رسالات ربه كما أمره لا متعديا ولا مقصرا، وجاهد في الله أعداءه لا وانيا ولا ناكلا
ونصح له في عباده صابرا محتسبا، فقبضه الله إليه وقد رضي عمله، وتقبل سعيه، وغفر
ذنبه صلى الله عليه وآله وسلم، أوصيكم عباد الله بتقوى الله، واغتنام ما استطعتم
عملا به من طاعته في هذه الأيام الخالية، وبالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم وإن لم تكونوا
تحبون تركها، والمبلية لكم وإن كنتم تحبون تجديدها، فإنما مثلكم ومثلها كركب سلكوا
سبيلا فكأن قد قطعوه، وأفضوا إلى علم فكأن قد بلغوه، وكم عسى المجري إلى الغاية
أن يجري إليها حتى يبلغها، وكم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه، وطالب
حثيث في الدنيا يحدوه حتى يفارقها، فلا تتنافسوا في عز الدنيا وفخرها، ولا تعجبوا
بزينتها ونعيمها، ولا تجزعوا من ضرائها وبؤسها، فإن عز الدنيا وفخرها إلى انقطاع،
وإن زينتها ونعيمها إلى زوال، وإن ضرها وبؤسها إلى نفاد، وكل مدة منها إلى منتهى
وكل حي منها إلى فناء وبلاء، أوليس لكم في آثار الأولين وفي آبائكم الماضين معتبر

(1) هكذا في النسخة الأصلية وفي هامشها " لملكوته " وفي الفقيه " لمملكته " والجميع
بمعنى العز والسلطنة
223

وتبصرة إن كنتم تعقلون، ألم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، وإلى الخلف الباقين
منكم لا يقفون قال الله تبارك وتعالى: " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون " (1)
وقال: " كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار
وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " (2) أو لستم ترون إلى أهل
الدنيا وهم يصبحون ويمسون على أحوال شتى، فميت يبكي، وآخر يعزى، وصريع
يتلوى، وعائد معود، وآخر بنفسه يجود، وطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس
بمغفول عنه، وعلى أثر الماضين يمضي الباقي، والحمد لله رب العالمين رب السماوات السبع
ورب الأرضين السبع، ورب العرش العظيم الذي يبقى ويفنى ما سواه، وإليه يؤول الخلق
ويرجع الأمر، ألا أن هذا اليوم يوم جعله الله لكم عيدا، وهو سيد أيامكم، وأفضل
أعيادكم، وقد أمركم الله في كتابه بالسعي فيه إلى ذكره، فلتعظم رغبتكم فيه، ولتخلص
نيتكم فيه، وأكثروا فيه التضرع والدعاء ومسألة الرحمة والغفران، فإن الله عز وجل
يستجيب لكل مؤمن دعاه، ويورد النار من عصاه وكل مستكبر عن عبادته،
قال الله عز وجل: " ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون
جهنم داخرين " (3) وفيه ساعة مباركة لا يسأل الله عبد مؤمن فيها شيئا إلا أعطاه،
والجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي والمريض والمجنون والشيخ الكبير والأعمى
والمسافر والمرأة والعبد المملوك ومن كان على رأس فرسخين، غفر الله لي ولكم سالف
ذنوبنا فيما خلا من أعمارنا، وعصمنا وإياكم من اقتراف الآثام بقية أيام دهرنا، إن

(1) سورة الأنبياء (عليه السلام) - الآية 95
(2) سورة آل عمران - الآية 182
(3) سورة المؤمن - الآية 62
224

أحسن الحديث وأبلغ المواعظ كتاب الله عز وجل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،
إن الله هو الفتاح العليم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يبدأ بعد الحمد بقل هو الله أحد
أو بقل يا أيها الكافرون أو بإذا زلزلت الأرض زلزالها أو بألهاكم التكاثر أو بالعصر،
وكان مما يدوم عليه قل هو الله أحد، ثم يجلس جلسة خفيفة، ثم يقول فيقول: الحمد لله
نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأن محمدا عبده ورسوله صلوات الله عليه وآله وسلامه ومغفرته ورضوانه، اللهم صل
على محمد عبدك ورسولك ونبيك صلاة نامية تامة زاكية ترفع بها درجته، وتبين بها فضله،
وصل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على
إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون
عن سبيلك، ويجحدون آياتك، ويكذبون رسلك، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق
الرعب في قلوبهم، وأنزل عليهم ورجزك ونقمتك وبأسك الذي لا ترده عن القوم
المجرمين، اللهم انصر جيوش المسلمين وسراياهم ومرابطيهم في مشارق الأرض ومغاربها
إنك على كل شئ قدير، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، اللهم
اجعل التقوى زادهم، والايمان والحكمة في قلوبهم، وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي
أنعمت عليهم، وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم إليه، إله الحق وخالق الخلق، اللهم
اغفر لمن توفي من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، ولمن هو لاحق بهم من بعدهم
منهم، إنك أنت العزيز الحكيم " إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى،
وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون " (1) اذكروا الله يذكركم
فإنه ذاكر لمن ذكره، واسألوا الله من رحمته وفضله فإنه لا يخيب عليه داع دعاه، ربنا
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ".

(1) سورة النحل - الآية 92
225

(و) كيف كان ففي المبسوط والنهاية والخلاف والمعتبر والذخيرة والكفاية
والشافية والمنظومة على ما عن بعضها أنه (يجوز إيقاعهما قبل زوال الشمس حتى إذا
فرغ زالت) بل ربما حكي عن الناهلي، بل قيل: إنه يلوح أو يظهر من الآبي والشهيدين،
قلت: في ذكرى أولهما بل في الخلاف الاجماع عليه، بل في الأولين أنه ينبغي، بل في
الوسيلة يجب، بل في كشف اللثام أنه يحتمله الاصباح والمهذب والمقنعة وفقه القرآن
للراوندي، قلت: لعل احتمالها إرادة الجواز أظهر خصوصا في مثل المقنعة التي هي نصب
عين الشيخ، مع أنه ادعى الاجماع كما عرفت، (وقيل) والقائل المعظم في الذكرى،
والأشهر في التذكرة، والمشهور فيما عن الروض (لا يصح إلا بعد الزوال) بل في ظاهر
الغنية الاجماع عليه، وفي المحكي عن السرائر هو الذي تقتضيه أصول المذهب، ويعضده
الاعتبار والعمل في جميع الأعصار، وحاشية المدارك للأستاذ الأكبر أنه الموافق لطريقة
المسلمين في الأعصار والأمصار، لأنهما بعد الأذان للصلاة كتابا (1) بل وسنة كخبر
حريز عن ابن مسلم (2) أنه سأله عن الجمعة فقال: " أذان وإقامة يخرج الإمام بعد
الأذان فيصعد المنبر فيخطب " وموثق سماعة (3) المتقدم ولا أذان للصلاة قبل وقتها،
وقد عرفت أن وقت هذه الصلاة الزوال، كما عرفت سابقا أنه لا أذان قبل الوقت
وإن جاز قبل الفجر أذان، ولبدليتهما عن الركعتين، ولتظافر النصوص (4) باستحباب
ركعتين عند الزوال أو الشك فيه قبل الفريضة، ولا يكونان بين الخطبتين والصلاة اتفاقا
فهما قبلهما، وللاحتياط وللتأسي.
لكن قد يمنع وجوب إيقاعهما بعد الأذان، والآية غير دالة عليه قطعا، بل

(1) سورة الجمعة - الآية 9
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 2
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 2
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة
226

الظاهر الاتفاق على عدم الوجوب، وبه يخرج عن ظاهر الخبرين المضمر أولهما، بل جزم
في الذخيرة بمنع عدم مشروعية الأذان هنا قبل الزوال وإن أطنب في الحدائق في رده،
كما أنه يمنع ظهور أدلة البدلية فيما يشمل ما نحن فيه، والحكم بأنه في صلاة حالهما لعله لأنه
لانتظار الصلاة، ومن انتظرها كان بحكم المصلي كما صرح به في خبر العيون (1)
واستحباب الركعتين بعد فرض تسليم الاتفاق المزبور يمكن تقييده بما إذا لم يخطب قبل
الزوال، بل ربما احتمل كونه ليس تقييدا، وأنه بتقديم الخطبتين اختار الترك، وعلى
كل حال إنما يصلح ردا للقائل بوجوبه أو استحبابه في وجه لا جوازه، فتأمل،
والاحتياط ليس بواجب عندنا، والمروي في صحيح ابن سنان (2) عن الصادق (عليه
السلام) الذي قد يظهر من المقنعة شهرته أو معلوميته عكس ذلك، قال " كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، ويخطب في الظل
الأول فيقول جبرائيل: يا محمد قد زالت الشمس فأنزل وصل ".
بل قد يظهر منه دلالة النصوص (3) الموقتة لصلاة الجمعة أو الظهر يوم الجمعة
بالزوال، ضرورة كون المراد منها نفس الركعتين، ولعله لذا قال المصنف: إنه أشهر في
الروايات، وتأويل الصلاة بها وما في معناها أعني الخطبة لكونها بدلا عن الركعتين
خلاف الظاهر، كتأويل ما في الصحيح (4) بالتأهب لها كما في التذكرة، وتأويل الظل
الأول بأول الفئ كما عن المنتهى، وتأويله بما قبل المثل من الفئ والزوال بالزوال عن
المثل كما عن المختلف مع أن الأخير كما في الذكرى وكشف اللثام وغيرهما يستلزم إيقاع
الصلاة بعد خروج وقتها عنده، قلت: إلا أن يأول الزوال بالقرب منه، أو يريد مثل

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4
227

الباقي من الظل الأول لا ذي الظل، لكن على كل حال هو خلاف ظاهر الخبر المزبور
إن لم يكن صريحه، خصوصا ما فيه من إخبار جبرئيل (عليه السلام)، ولا ينافيه ما في
صدره من قدر الشراك، إذ لعل زوال الشمس الذي هو ميلها عن دائرة نصف النهار
لا يتحقق إلا بذلك، والظاهر إرادة عرض الشراك، إذ هو المناسب حينئذ لأخبار
مثل جبرئيل بالزوال، فتأمل.
(و) كيف كان فقد ظهر أن (الأول أظهر) وإن كان خلاف الأشهر، خصوصا
بعد اعتضاده بالاجماع المزبور، اللهم إلا أن يقال: المراد من الصحيح أنه كان (عليه
السلام) إذا أراد تطويل الخطبة للانذار والابشار والتبليغ والتذكير كان يشرع فيها قبل
الزوال ولم ينوها خطبة الصلاة، حتى إذا زالت الشمس كان بالواجب منها للصلاة ثم ينزل
فيصلي وقد زالت بقدر شراك، ولا بعد في توقيت الصلاة بأول الزوال مع وجوب تأخر
مقدماتها عنه، بل هو من الشيوع بمكان، وخصوصا الخطبة التي هي الجزء منها، لكن
لا داعي إلى شئ من ذلك، نعم لا ريب في عدم وجوب ذلك لمعارضة التأسي بما سمعت
من الأدلة السابقة التي سيقت لنفي الجواز، وقد عرفت ما فيه إلا أنه لا ينكر ظهورها في
نفي الوجوب، مضافا إلى إطلاق الأدلة، والله أعلم.
(و) المشهور نقلا وتحصيلا أنه (يجب أن تكون الخطبة مقدمة على الصلاة)
شهرة عظيمة لا بأس بدعوى الاجماع معها، بل في كشف اللثام استظهار دعواه، كما في
المحكي عن المنتهى نفي العلم بالمخالف فيه، بل عن مجمع البرهان نفي الخلاف للسيرة القطعية
والتأسي بفعل النبي (صلى الله عليه وآله) المعلوم بالنصوص (1) والسيرة القطعية على
وجه يقتضي الوجوب، مضافا إلى مضمر ابن مسلم وموثق سماعة المتقدمين وغيرهما من
النصوص المشتملة على بيان الكيفية التي هي إن لم تدل على الشرطية فلا ريب في استفادة

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة الجمعة والمستدرك الباب 13 منها
228

كون المعروف منها ذلك بحيث تنصرف إليه الاطلاقات، فلا مقتضي حينئذ لصحة غيره.
ومن العجيب اعتبار الصدوق في الفقيه والمقنع والهداية والعيون والعلل تأخيرهما
في الصحة مرسلا (1) عن الصادق (عليه السلام) " إن أول من قدم الخطبة على تأخيرهما
يوم الجمعة عثمان " وعليه نزل نصوص التقديم، وهو من العجائب، ويمكن كون أصل
الخبر قدم الصلاة على الخطبة أو العيد بدل الجمعة كما هو المعروف بدعته فيه، أو كان
العيد يوم الجمعة فعبر به عنه أو غير ذلك مما لا ينكر ارتكابه في مثل الخبر المزبور،
لشذوذه ومخالفته المعلوم من المذهب بل الضروري منه بل من الدين.
بل قد عرفت أن الواجب التقديم فضلا عن الجواز وأنه شرط مع ذلك مع ذلك (فلو
بدأ بالصلاة لم تصح الجمعة) لما سمعته، وما عن بعض متأخري المتأخرين من التوقف
في الشرطية أو فيها وفي الوجوب إن لم يكن إجماعا في غير محله قطعا، بل لا فرق كما في
جامع المقاصد بين العامد والناسي، نعم قد يقال بالاجتزاء خصوصا في الناسي بإعادة
الصلاة فقط بعد الخطبتين مع بقاء الوقت، ضرورة حصول الترتيب به، مع أنه يمكن
منعه في العامد المشرع في ابتداء النية، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(ويجب أن يكون الخطيب قائما وقت إيراده مع القدرة) إجماعا في الخلاف
والتذكرة وجامع المقاصد والغرية وإرشاد الجعفرية والروض وظاهر كشف الحق والمدارك
على ما عن بعضها إن لم يكن محصلا، واستدل عليه جماعة بقول الصادق (عليه السلام)
في صحيح معاوية (2): " إن أول من خطب وهو جالس معاوية - إلى أن قال -:
الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصل بين
الخطبتين " وفيه نظر، والأولى الاستدلال عليه بالبدلية عن الركعتين، وباطلاق الأمر

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
229

بالقيام في موثق سماعة ومضمر ابن مسلم السابقين وغيرهما، وباطلاق الأمر بالجلوس بين
الخطبتين في صحيح عمر بن يزيد (1) وغيره من النصوص، إذ الأصل في الواجب كونه
مطلقا، ولا يتم حينئذ إلا بالقيام، فيجب فيها جميعها، لعدم القول بالفصل، على أنه
المنساق من الجلوس بينهما، وبخبر أبي بصير (2) أنه سأل " عن الجمعة كيف يخطب
الإمام؟ قال: يخطب قائما، إن الله يقول: وتركوك قائما " (3) بل قد يستفاد منه
حينئذ هنا صحة الاستدلال على الوجوب بالتأسي، ومن المعلوم أن فعله (عليه السلام)
وفعل أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن والصحابة القيام فيهما.
نعم قد يتوقف في وجوب الطمأنينة فيه وإن صرح جماعة به، بل في الحدائق
قالوا، لكن دليلها منحصر في البدلية المزبورة، وشمولها لنحو ذلك محل نظر، ولم يثبت
استدامة النبي والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) عليها بل ربما كان الظن بخلافها إذا طالت
الخطبة بالوعظ ونحوه.
أما مع العجز ولو بمستند فقد صرح جماعة بجواز الجلوس حينئذ، بل هو المشهور
على الظاهر بل قيل: إن ظاهرهم الاجماع عليه، بل ربما ظهر ذلك أيضا من المدارك فيما
تسمعه، بل عن الشيخ نجيب الدين أن شيخه المدقق صاحب المعالم ادعى الاجماع على
ذلك، وكأنه كذلك مع تعذر الاستخلاف، كما أنه الأقوى مطلقا، لظهور ما دل
على الشرطية في حال الاختيار، فيبقى الاطلاق حينئذ سالما، ولأنه قد يشعر به صحيح
عمر بن يزيد (4) السابق باعتبار عدم الانكار فيه على معاوية، وذكره حكم الخطبة في حال
القيام الذي قد يشعر بأن لها حالا آخر غيره، وهو ما حكاه عن معاوية، ولأولوية الصلاة
منهما في اعتبار القيام وقد قام الجلوس مقامه مع العجز، بل مقتضى بدليتهما عن الركعتين

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 3
(3) سورة الجمعة - الآية 9
(4) الوسائل - الباب - 16 من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 وهو صحيح معاوية
230

الأخيرتين جريان ذلك فيهما، بل يجري جميع ما عرفته في الصلاة من التجدد في الأثناء
ومن قيام الاضطجاع ونحو ذلك فيهما، اللهم إلا أن يفرق بأن اللازم هنا مراعاة بدليتهما
عن ركعتي الإمام، فلا يجوز حينئذ الجلوس فيهما، بل يتعين حينئذ الاستخلاف، ولعله لذا
جعل الاستنابة أولى في المحكي عن نهاية الإحكام والموجز وكشفه وإن جوز فيها الجلوس،
وجامع المقاصد والغربة وإرشاد الجعفرية أحوط، بل في التذكرة هل يجب الاستنابة
حينئذ؟ إشكال، لكن لا ريب أن الأقوى الأول لما عرفت، مع عدم ثبوت البدلية
على الوجه المزبور، نعم لا ريب أن الاستخلاف أحوط لكن فيهما وفي الصلاة، وإن
كان الأقوى جوازه فيهما فقط مع الاضطرار، لعدم ما يصلح للشرطية المقتضية لسقوط
الجمعة وتقييد الاطلاقات، أما مع الاختيار فيشك في حصول البراءة بعد ظهور موارد
النصوص في الاتحاد، فلا وثوق ولا اطمئنان بإرادة مثله من الاطلاق، وليس ذا من
التقييد كي ينافي ما سمعته حال الاضطرار، كما أن ظهور المورد في النصوص في الاتحاد
ليس تقييدا ليحمل عليه إطلاق غيرهما كما توهمه في الحدائق، فتأمل جيدا فإنه دقيق
نافع في مقامات عديدة تقع من الأصحاب، وربما شدد النكير عليهم غفلة عن حقيقة
الحال في الاطلاقات وكيفية إفادتها.
وقد اعترف الفاضل في المحكي عن منتهاه هنا بظهور عبارات الأصحاب في اتحاد
المتولي للخطبة والإمامة، قال: " الذي يظهر من عبارات الأصحاب أن المتولي للخطبة
هو الإمام، فلا يجوز أن يخطب واحد ويصلي آخر، ولم أقف فيه على نص صريح لهم،
لكن الأقرب ذلك إلا لضرورة " وقال في الذكرى: " لو غاير الإمام الخطيب ففي
الجواز نظر، من مخالفته لما عليه السلف، ومن انفصال كل عن الأخرى، ولأن غاية
الخطبتين أن يكونا كركعتين، ويجوز الاقتداء بإمامين في صلاة واحدة، وذهب
الراوندي في أحكام القرآن إلى الأول، ولعله الأقرب إلا لضرورة " وكأنه أشار
231

بالوجه الثاني من النظر إلى ما عن نهاية الفاضل من جواز التعدد، وعن الجعفرية وإرشادها
موافقته عليه، وفي جامع المقاصد أن فيه قوة للأمرين المزبورين، وفيه أن الانفصال
أعم من جواز الاستخلاف، كما أن عدمه أعم من عدم جوازه، ضرورة إمكان
القول به حتى على عدم الانفصال، لعدم توجه الخطاب بالجمعة إلى واحد بخصوصه بل
إلى مجموع العدد، فالعمدة حينئذ في نفي الشرطية الاطلاقات التي عرفت ضعف التعويل
عليها في الفرض، خصوصا بعد ما سمعته من المنتهى، وعن المصابيح أن المشهور المنع،
وجواز الاقتداء بإمامين في صلاة الجمعة يمكن منعه في الاختيار أيضا، ولو سلم فهو الدليل
بخصوصه لا لمثل هذه الاطلاقات التي لا يجسر في البراءة عن الشغل بها، وأولى منه منعا
التعدد في نفس الخطبة وإن كان مقتضى ما ذكروه من التعليل جوازه أيضا، فتأمل
جيدا، هذا.
وفي المدارك أنه " لو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاة من علم به من المأمومين،
أما من لم يعلم بحاله فقد قطع الأصحاب بصحة صلاته وإن رأوه جالسا، بناء على الظاهر
من أن قعوده للعجز وإن تجدد العلم بعد الصلاة كما لو بان أن الإمام محدث، وهو مشكل
لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه، وخروج المحدث بنص خاص لا يقتضي إلحاق
غيره به " ونحوه عن مصابيح الظلام، قلت: يمكن أن يستفاد مما ورد في المحدث وغيره
أن المعتبر في صحة صلاة المأموم صحة صلاة الإمام ظاهرا، فلا يقدح حينئذ تبين فسادها
بعد ذلك، لاقتضاء الأمر الاجزاء، وهو الأقوى، واحتمال أن البطلان هنا لفوات
الشرط بالنسبة إلى المأمومين لاعتبار صحة الخطبة في صلاتهم لا في صلاة الإمام خاصة
يدفعه أن الظاهر عدم زيادة مدخليتها في صلاتهم عن مدخلية صلاته فيها، فإذا اجتزي
بالظاهر فيها ففي الخطبة بطريق أولى، على أن اقتضاء الأمر الاجزاء هنا لا ينكر،
232

لظهور الأدلة في البناء على الظاهر هنا في كل ما يتعلق بالغير، فمن الغريب عدم تمسك سيد
المدارك به في المقام، مع أن مذهبه في الاجزاء معلوم في تخيل الأمر، فتأمل جيدا،
والله أعلم.
(و) كيف كان في‍ (جب الفصل بين الخطبتين بجلسة) على المشهور بين الأصحاب
نقلا وتحصيلا، بل في ظاهر الغنية الاجماع عليه، كما أن في المحكي عن المنتهى " هو
الظاهر من عبارات الأصحاب والأخبار " وكشف الرموز " أن كلام الأصحاب يدل
على الوجوب " والرياض " الأشهر بل عليه عامة من تأخر مع عدم ظهور قائل بالاستحباب
صريحا بين الطائفة " قلت: ولعله كذلك إذ لم أجد إلا ما في النهاية وعن المهذب من
أنه ينبغي، وفي النافع وعن التنقيح التردد، وأن الوجوب أحوط، وفي المعتبر احتمال
الاستحباب، لأن فعل النبي (صلى الله عليه وآله) كما يحتمل أن يكون تكليفا يحتمل أنه
للاستراحة، ونحوه عن المنتهى، لكن قد يريد الأولان الوجوب من اللفظ المزبور،
بل هو مراد الأول قطعا، لأنه عطفه على معلوم الوجوب، وعطف عليه ما هو كذلك
فقال: وينبغي أن يخطب الخطبتين ويفصل بينهما بجلسة ويقرأ سورة خفيفة، والدليل
غير منحصر بفعل النبي (صلى الله عليه وآله) كي يناقش فيه بما عرفت وبأنه أعم من
الوجوب، واشتراط التأسي بمعرفة الوجه وإدخاله في الكيفية ونحو ذلك مما يمكن دفعه،
بل هو الأمر به في النصوص المستفيضة التي تقدم شطر منها، واحتمال إرادة مطلق الفصل
من الجلوس فيها كما عساه يومي إليه صحيح معاوية (1) لا ينافي ظهور كونه بالجلوس من
غيره، فلا إشكال حينئذ في شرطيته فضلا عن وجوبه.
بل ظاهر المصنف وغيره وجوب أن تكون الجلسة (خفيفة) وهو كذلك إذا
فات بالطول التوالي المعتبر الذي يمكن استفادته من النص والفتوى، فتبطل الخطبة الماضية

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
233

حينئذ قطعا، والتردد فيه من ثاني الشهيدين في المحكي عن روضه في غير محله، بل قد
يقال بوجوب الخفة وإن لم يفت الموالاة لظاهر صحيح معاوية في المقام وخبره في
العيد (1) وصحيح محمد بن مسلم (2) المشتمل على الخطبة وغيرها وإن اختلفت في التعبير
بالقليل والهنيئة والخفية وقدر الفصل ونحو ذلك، وفي حسن ابن مسلم (3) تقديرها
بمقدار قراءة قل هو الله أحد، وظاهر جماعة حمله على الندب، وهو كذلك، لاجزاء
الأقل وصدق الخفة بالأزيد، وعلى كل حال فوجوب الخفة متجه، لكن في الروض
أنه لو أطالها بما لا يخل بالموالاة لم يضر، وهو لا يخلو من وجه، وفي وجوب الطمأنينة
في هذا الجلوس ما سمعته في القيام وإن صرح به في المدارك أيضا، كما أنه عن جماعة
أنه لا يتكلم حاله، للنهي عنه في الصحيح المزبور، لكن المحتمل كما في المدارك وغيرها
إرادة النهي عن التكلم بشئ من الخطبة حاله: وطريق الاحتياط غير خفي
ولو عجز عن القعود فعن جماعة أنه يفصل بسكتة، وفي التذكرة فإن قدر على
الاضطجاع فاشكال، أقربه الفصل بالسكتة أيضا مع احتمال الفصل بالضجعة، قلت:
كان منشأه بدلية الاضطجاع عن الجلوس في الصلاة، وهو كما ترى تخريج، كما أنه قد
يناقش في تعيين السكتة بأنه لا دليل عليه، فالمتجه وجوب ما يحصل به الفصل به أو بغيره
كما أومأ إليه صحيح معاوية المتقدم سابقا، ومنه يعلم ما في المحكي عن المنتهى ونهاية الإحكام والموجز وكشفه والروض وغيرها من أنه لو خطب جالسا تعين الفصل بالسكتة،
وفي التذكرة احتمال الضجعة، وضعفه في المدارك، ونفاها في المحكي عن النهاية، وقد

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(2) فروع الكافي، ج 1 ص 427 من الطبع الحديث " باب تهيئة الإمام للجمعة
وخطبته والانصات " الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
234

عرفت قوة كون المدار على ما يتحقق به الفصل، والله أعلم.
(وهل الطهارة شرط فيهما؟ فيه تردد) ينشأ من التأسي المعتضد بالعمل في سائر
الأعصار كما عن نهاية الإحكام، والاحتياط في البراءة عن الشغل اليقيني، ووجوب
الموالاة بينهما وبين الصلاة، وكونهما ذكرا هو شرط في الصلاة، وبدليتهما من الركعتين
فيكونان بحكمهما، ولوجوب الطهارة عند فعلهما بقدرهما فكذا في بدلهما، ومرسل الفقيه (1)
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) " لا كلام والإمام يخطب، ولا التفات إلا كما يحل في
الصلاة، وإنما جعلت الجمعة ركعتين لأجل الخطبتين، جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين
فهي صلاة حتى ينزل الإمام " ورواه في كشف اللثام عن الصدوق " فهما " لكن لم
نتحققه (2) وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (3) " إنما جعلت الجمعة
ركعتين لأجل الخطبتين، فهي صلاة حتى ينزل الإمام " لعود الضمير عليهما وإن أفرد
للمطابقة للخبر، وتعذر الحقيقة يوجب إرادة المماثلة في الأحكام أو الظاهرة إلا ما أخرجه
الدليل، ومن الأصل بناء على جريانه في نحو ذلك، والاطلاق، وكونهما ذكرا، وذكر
الله حسن على كل حال، مع ضعف ما تقدم كما ستعرف.
(و) من هنا قال المصنف هنا وفي النافع والمعتبر (الأشبه أنها غير شرط)
وفاقا للسرائر وكشف الرموز والقواعد والمختلف والتبصرة والذخيرة والشافعية وظاهر
تركه في النهاية والجملين والغنية والإشارة والمراسم على ما حكي عن بعضها لما عرفت،
وعدم وجوب التأسي فيما لم يعلم وجهه ووجود الاطلاقات، والأمر بالصلاة كصلاته

(1) الفقيه ج 1 ص 269 - الرقم 1228 من طبعة النجف
(2) روى في الوسائل في الباب 14 من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 عن الفقيه
والمقنع بلفظ " فهما صلاة " ولكن الموجود في الفقيه والمقنع " فهي صلاة "
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4
235

(صلى الله عليه وآله) منزل على كيفية نفس الصلاة، والعمل بعد تسليمه أعم من
الوجوب فضلا عن الشرطية، والاحتياط معارض بأصالة البراءة حتى على القول بالوضع
للصحيح في وجه، على أن الاطلاق كاف، مع أن التحقيق الوضع للأعم خصوصا في
الفساد من جهة الشرط، على أن الخطبة ليست عبادة في وجه، وليست مجملة بل لا حقيقة
شرعية فيها، فيصح التمسك حينئذ باطلاقها وإن كانت هي شرطا للصلاة الصحيحة المجملة
لو قلنا به كما حقق ذلك كله في محله، ووجوب المولاة بعد تسليمه لا يدل على الشرطية
ضرورة إمكان فرضها مع عدم الخلل بها فيما لو بقي من غسله مثلا جزء من جانبه الأيسر
أو كان فرضه التيمم أو نحو ذلك مما لا تفوت به الموالاة، واشتراط شرط الصلاة
والمقدم عليها بالطهارة ممنوع وإن كان ذكرا، كمنع اقتضاء البدلية ذلك، والطهارة إنما
تجب بقدر الركعتين عند فعلهما، والمرسل غير حجة عندنا، مع أنه يحتمل كالصحيح
إرادة تنزيلهما منزلة الصلاة لنزولهما (لتنزلهما خ ل) منزلة الركعتين وحكم الصلاة في
الثواب بالنسبة إلى الحاضرين، كما كشفه الرضا (عليه السلام) في المروي عنه في
العلل والعيون بسند معتبر قال: " إنما صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الإمام ركعتين
وإذا كانت بغير إمام ركعتين وركعتين لأن الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد، فأحب
الله عز وجل أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه، ولأن الإمام يحبسهم للخطبة
وهم منتظرون للصلاة، ومن انتظر الصلاة فهو في الصلاة " الحديث. وإرادة معاملة
الحاضرين لهما معاملة الصلاة في التوجه وعدم الكلام كما أومأ إليه أمير المؤمنين
(عليه السلام) فيما أرسله عنه في الدعائم قال (2): " يستقبل الناس الإمام عند
الخطبة بوجوههم، ويصغون إليه ولا يتكلمون بل يستمعون فهم في الصلاة "

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 220 المطبوعة بمصر عام 1370
236

وربما كان في مرسل الفقيه (1) إيماء إلى ذلك أيضا، بل يقوى الظن بقرينة ما سمعته
من الخبرين (2) أن الخبر (3) والصحيح (4) " فهم في صلاة حتى ينزل الإمام "
والتحريف من النساخ.
وحينئذ لا بد من إرادة ذلك ونحوه، لأنه لا قائل باشتراط الطهارة بالنسبة إليهم
كما اعترف به ثاني الشهيدين، قال في المحكي من مسالكه: " ظاهر الأصحاب أنها:
أي الطهارة مختصة بالخطيب دون المأمومين " والروض " لم أقف على قائل بوجوبها على
المأموم " بل عن جماعة نقل ذلك عنه ساكتين عليه، بل قد يناقش فيه على النسخة
المزبورة أيضا بنحو ذلك، ضرورة ظهور كون المراد بقرينة قوله: " حتى ينزل الإمام "
الحكم بكونها صلاة بالنسبة للمأمومين، وقد عرفت عدم الاشتراط بالنسبة إليهم، بل في
كشف اللثام تبعا للمختلف احتمال كون الفاء تعليلية: أي قامت الخطبتان مقام الركعتين
لأنهما صلاة: أي دعاء كما أنهما دعاء، قال: " وحمل الصلاة على الدعاء الذي هو معناه
الحقيقي لغة أولى من حملها على المجاز الشرعي الذي هو التشبيه بالصلاة " وإن كان قد
يناقش فيه بأن الدعاء في لسان المتشرعة مجاز شرعي أيضا.
نعم قد يحتمل فيهما التشبيه في اقتضائهما وجوب الركعتين خاصة بقرينة التفريع
فإن قيامهما مقام ركعتين لا يستلزم أزيد من ذلك، بل في المختلف " كما يحتمل عود
الضمير إلى الخطبتين لمكان القرب كذا يحتمل عوده إلى الجمعة لأجل الوحدة، وتكون
الفائدة في التقييد بنزول الإمام أن الجمعة إنما تكون صلاة معتدا بها مع الخطبة، وإنما
تحصل الخطبة بنزول الإمام، فالحكم بكونها صلاة إنما يتم مع نزول الإمام " وأشكله

(1) الفقيه ج 1 ص 269 - الرقم 1228 المطبوع في النجف
(2) المتقدمين في ص 236
(3) الفقيه ج 1 ص 269 - الرقم 1228 المطبوع في النجف
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4
237

الشهيد في المحكي عن غاية المراد بأن " حتى " للغاية، ولا معنى للغاية هنا، ولو قيل بأن
" حتى " تعليلية مثل أسلمت حتى أدخل الجنة كان وجها، وبأن الحكم على الجمعة بالصلاة
تأكيد وعلى الخطبتين تأسيس، والحمل عليه أولى، وبأن صدر الحديث ظاهر في الحكم
على الخطبتين لأنه تعليل لقصر الجمعة على الركعتين مع أنها بدل.
وفي كشف اللثام " قد توجه الغاية بكون المعنى فهي صلاة حتى ينزل، ثم هي
صلاة حتى يسلم، أي صلاة الجمعة صلاة الظهر انقسمت قسمين، فأحدهما الخطبتان والآخر
الركعتان، فإنما يدل على نزول الخطبتين منزلة الركعتين، وهو لا يقتضي اشتراطهما بما
يشترطان به، وحينئذ يكون الأول تأسيسا أيضا، ولا يخالف الظاهر " قلت " لكن
لا ينطبق على ما ذكره المختلف من فائدة التقييد، ضرورة ظهوره في كون القيد للجمعة
على معنى أن فريضة الجمعة إلى نزول الإمام تكون صلاة وقبله خطبتين، إلا أن هذا لما
كان من قبيل بيان الواضحات ذكر الفائدة المزبورة للتقييد المذكور التي مرجعها إلى قول
الصادق (عليه السلام) في خبر أبي العباس (1): " لا جمعة إلا بخطبة، وإنما جعلت
ركعتين لمكان الخطبتين " وبه يندفع التأكيد ومخالفة الظاهر، ومن الغريب قوله:
" ولو قيل " إلى آخره، ضرورة عدم انطباق ما نحن فيه على ما ذكره من المثال.
وكيف كان فلا ريب في ضعف الظن بإرادة المساواة في الأحكام، ويؤيده عدم
تعرضهم لباقي ما يعتبر في الصلاة من الأحكام الكثيرة فيها، بل في المعتبر - بعد منع
البدلية واحتمال أن التخفيف لمكان التطويل - قال: " ثم من المعلوم أنه ليس حكمهما
حكم الركعتين بدلالة سقوط اعتبار القبلة، وعدم اشتراط طهارة الثوب، وعدم البطلان
بكلام المتخاطب في أثنائها، وعدم افتقار إلى التسليم " وظاهره أن ذلك كله من
المسلمات، لكن في كشف اللثام " أن ما جعلها من المسلمات لا نعرفها كذلك إلا الأول

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 9
238

والأخير " قلت: لم نعرف أحدا ممن تقدم على المصنف اشترط شيئا منها، وإطلاق
اشتراط الطهارة في الخلاف والمحكي عن المبسوط والاصباح ووجوبها في الوسيلة منصرف
إلى الطهارة الحدثية، لأنها هي الحقيقة المتشرعية أو الشرعية كما نص على وجوبها في
الذكرى والدروس، لكن في التذكرة عن الشيخ اشتراط الطهارة من الحدث والخبث،
وعن النهاية شرط بعض علمائنا طهارة الحدث والبدن والثوب والمكان من الخبث اتباعا
لما جرت السنة عليه في الأعصار، إلا أنه لم نتحققه، نعم في المنتهى والبيان والميسية
والمسالك والروضة على ما عن بعضها وجوب الطهارة من الخبث، وهو صريح المنظومة
وشرح المفاتيح أو كصريحهما، وفي المفاتيح عن جامع الشرائع والايضاح وحواشي
الشهيد والموجز وكشفه ورسالة صاحب المعالم وشرحها والماحوذية ووجوب الطهارة من
دون تنصيص على الشرطية ولا على الخبث، وقد عرفت انصراف إطلاقها إلى الحدث.
وقد بان لك كله ندرة القائل باشتراط الطهارة من الخبث وإن كان هو مقتضى
دليلهم، بل مقتضاه إثبات أحكام كثيرة، خصوصا إذا جعلوا حكمها حكم الصلاة
بالنسبة إلى المأمومين أيضا، كما أنه بان القائل باعتبارها مع ضعف دليله.
أما الكلام فلم أجد من أبطل الخطبة به في الأثناء، بل ربما كان في خبر العلل
والعيون (1) شهادة على عدمه باعتبار اشتماله على بيان الحكمة في الجمعة من أن الإمام
يخبرهم بما ورد عليه من الآفاق وبما يريده منهم ونحو ذلك، هذا.
وفي التذكرة فإن خطب في المسجد شرطت الطهارة من الخبث والحدث الأكبر
إجماعا " وكذا ما عن إرشاد الجعفرية، ومرادهما المتعدي أو مطلقا بناء على ما عرفته
في كتاب الطهارة، وعلى كل حال فالشرط إما للكون في المسجد كما في المعتبر، أو للخطبة

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 6 - من أبواب الصلاة الجمعة - الحديث 3 وذيله
في الباب 25 منها - الحديث 6
239

لأنه مأمور بالخروج، والخطبة ضده، لكون اللبث شرطها، لكونها صلاة كما في
الخبر (1) ولكنه لا يكون إجماعيا للخلاف في كونها صلاة بمعنى شبهها من كل وجه،
وللخلاف في النهي عن ضد المأمور به، على أن حرمة شرطها الذي هو ليس عبادة لا يقضي
بفسادها، إلا أن يدعى أن الشرط المحلل منه، وفيه منع، فتأمل جيدا.
ولو أحدث بعد الفراغ منهما قبل الصلاة استخلف كما عن المبسوط والمنتهى،
بل عن الأخير وكذا لو أحدث في أثنائها كما هو الشأن لو أحدث في الصلاة، ولا يخلو
الاطلاق من نظر، والله أعلم.
(ويجب أن يرفع صوته بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعدا) كما صرح به الفاضل
والشهيدان والعليان على ما حكي عن الميسي منهما وغيرهم، لأنه المتيقن في براءة الذمة
من الشغل اليقيني بعد الشك في تناول الاطلاقات لغيره، لمعهودية الاستماع في سائر
الأعصار والأمصار فضلا عن خصوص النبي وآله (صلوات الله عليهم أجمعين)
وقد روي (1) " أنه (صلى الله عليه وآله) كان إذا خطب يرفع صوته كأنه منذر
جيش " بل يمكن منع صدق الخطبة بدونه بل هو كذلك في الوعظ منها الذي هو أحد
واجباتها، بل لا ينكر ظهور " خطبهم " و " يخطب بهم " في النصوص السابقة فيه، ولامكان
دعوى دلالة وجوب الاستماع على القول به عليه، ولغير ذلك.
لكن مع هذا كله قال المصنف وتبعه غيره: (وفيه تردد) لضعف هذه الأدلة
عن قطع الأصل والاطلاقات، إلا أنه كما ترى، نعم قد يقال بعدم الظهور فيها بحيث
تسقط الجمعة بتعذره لصمم في العدد أو لمانع من ريح ونحوه، ولم يمكن تحصيل مكان
لا مانع فيه، فيبقى إطلاق الوجوب بحاله نحو ما سمعته فيما لو سمعوا ولم يفهموا، قال في

(1) صحيح مسلم ج 3 ص 11
240

التذكرة: " لو رفع الصوت بقدر ما يبلغ ولكن كانوا كلهم أو بعضهم صما فالأقرب
الاجزاء كما لو سمعوا ولم يفهموا " قال: " ولا تسقط الجمعة ولا الخطبة وإن كانوا كلهم
صما " وتبعه عليه جماعة، وفي كشف اللثام " لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، ولأن
الوجوب إن سلم فالشرطية ممنوعة، وإن سلمت فعمومها للضرورة ممنوع " لكن في
المدارك " احتمال سقوط الجمعة إذا كان المنافع حاصل للعدد المعتبر، لعدم ثبوت التعبد
بالصلاة على هذا الوجه ".
قلت: ولأن قاعدة الميسور معارضة بما دل على الانتقال إلى الظهر بتعذر الجمعة
الصادق بتعذر بعض ما يعتبر فيها، والتعارض وإن كان من وجه لكن لا ترجيح أو هو لها،
خصوصا مع الاعتضاد بقاعدة الشرطية، فلا أقل حينئذ من الاحتياط بالجمع بين الفرضين
وربما يأتي في الاصغاء ما له نفع في المقام، خصوصا بعد ما عرفت من الاستدلال بوجوب
الاستماع على وجوب الاسماع، بل قد ينقدح منه وجوب إسماع الزائد على العدد ممن
حضر ولا مشقة في إسماعه، بل هو مقتضى الاستدلال بقوله (عليه السلام) (1):
" إذا لم يكن من يخطب بهم " بل وبالتأسي ونحو ذلك، والاكتفاء بخطبة العدد لو لم
يحضر غيرهم لا ينافي الوجوب مع الحضور وعدم تعذر الاسماع أو تعسره، ولو قيل:
إن المراد من نحو " يخطب بهم " المجموع لا الجميع أمكن حينئذ المناقشة في اعتبار إسماع
خصوص السبع بحيث لا يجزي الأقل، وقوله (عليه السلام) (2): " متى اجتمع
سبعة أمهم بعضهم وخطبهم " إنما المراد منه بيان الوجوب إذا لم يكن إلا السبعة، اللهم
إلا أن يدعى أن المراد وجود السبعة مقتض للوجوب ولو كانوا في ضمن المائة، فيدل
حينئذ على إجزاء خطبهم ولو حضر معهم غيرهم، فتأمل جيدا.

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4
241

وكيف كان فلا ريب أن الأحوط إسماع الحاضرين مع عدم المشقة، كما أن
الأحوط الجمع بين الفرضين لو كان المانع من الاسماع من جهة الإمام كبحة الصوت ونحوها
بل هو أشد احتياطا من تعذر السماع بالصمم ونحوه لحصول المنشأية فيه دونه، خصوصا
إذا كانت بحة الصوت خلقة له، والله أعلم.
الشرط (الرابع الجماعة فلا تصح) ابتداء (فرادى) إجماعا بين المسلمين فضلا
عن المؤمنين كما اعترف به في المعتبر والتذكرة والمنتهى والذكرى على ما حكي عن بعضها
ونصوصا كقوله (عليه السلام) في صحيح زرارة (1) منها: " صلاة واحدة فرضها الله
في جماعة " وغيره (2) لكن سمعت فيما تقدم أن ظاهر الخلاف الاكتفاء بتكبير الإمام
وإن انفضوا بعده ولم يكبروا، كما أنت سمعت أيضا أنها شرط في الابتداء لا الاستدامة
وبه صرح بعضهم هنا، لكن في الذكرى " لو بان أن الإمام محدث فإن كان العدد لا يتم
بدونه فالأقرب أنه لا جمعة لهم، لانتفاء الشرط، وإن كان العدد حاصلا من غيره
صحت صلاتهم عندنا، لما سيأتي إن شاء الله في باب الجماعة، وربما افترق الحكم هنا، لأن الجماعة شرط في الجمعة ولم يحصل في نفس الأمر بخلاف باقي الصلوات، فإن القدوة
إذا فاتت فيها يكون قد صلى منفردا، وصلاة المنفرد هناك صحيحة بخلاف الجمعة، أما لو
ظهر فسق الإمام فهو أسهل، لأن صلاته صحيحة في نفسها بخلاف المحدث، ووجه المساواة
ارتباط صلاة كل منهم بالإمام، وإذا يكن أهلا فلا ارتباط، ولا نسلم أن صلاته
صحيحة لفقد الشرط " وفي المدارك بعد أن حكى ذلك عنها إلى قوله: " أما قال:
" لا يخفى ضعف هذا الفرق، لمنع صحة الصلاة عنا على تقدير الانفراد، لعدم إتيان
المأموم بالقراءة التي هي من وظائف المنفرد، وبالجملة فالصلاتان مشتركتان في الصحة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجمعة
242

ظاهرا وعدم استجماعهما الشرائط المعتبرة في نفس الأمر، فما ذهب إليه أولا من الصحة
غير بعيد، بل لو قيل بالصحة مطلقا وإن لم يكن العدد حاصلا من غيره أمكن، لصدق
الامتثال وإطلاق قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة (1) وقد سأله عن
قوم صلى بهم إمامهم وهو غير طاهر أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟: " لا إعادة عليهم، تمت
صلاتهم، وعليه هو الإعادة، وليس عليه أن يعلمهم، هذا عنه موضوع ".
قلت: قد يعتذر الشهيد عن القراءة لو فات محلها بأن تركها كان لعذر فهي
كالمنسية، فلا تقدح في الصحة على تقدير الانفراد، نعم تظهر الثمرة لو بان ذلك في محل
القراءة وإن كان بعد أن فعلها، كما أنه يتجه على كلام الشهيد البطلان لو كان المأموم قد
زاد ركوعا للمتابعة فظهر حدث الإمام ونحو ذلك من الأحكام التي يبعد على الشهيد
التزامها، خصوصا مع ما قيل من ظهور أدلة الجماعة في الائتمام بذي الصلاة الصحيحة
ظاهرا، وأنه هو المنساق في كل ما كان المتعارف في طريقه الظاهر من الصلاة والعدالة
ونحوهما، ولا تنافي بين واقعية الائتمام وظاهرية صحة الصلاة، بل قد عرفت فيما سبق
أنه لا إشكال عندهم حتى عند الشهيد في عدم بطلان الجمعة بموت الإمام في الأثناء، مع
أنه قد انكشف عدم خطابه بالصلاة من أول الأمر، وأنه إنما كان أمرا ظاهريا،
فلا فرق عند التأمل بينه وبين من ظهر حدثه في تبين عدم الصلاة من أول الأمر، ولا
إشكال في حصول ما مضى من الصلاة جماعة، بل قد يقال به فيما لو ظهر إقدام الإمام
على الصلاة بغير وضوء، لكفاية الظاهر عند المأمومين، بل إن لم ينعقد الاجماع أمكن
القول بالصحة على هذا التقدير فيما لو صلى بظن الطهارة وكان عالما بعدمها، لكفاية
الظاهر عندهم، كل ذلك لظهور الأمر في الاجزاء هنا، خصوصا إذا خرج ما في

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 5
243

النصوص (1) من الحكم بالصحة فيما لو بان حدثه أو فسقه أو كفره أو مات في الأثناء
أو أحدث فيه مؤيدا لذلك، فتأمل فإن ذلك كله لا يخلو من بحث كما تسمعه في الجماعة
إن شاء الله.
ولكن عليه فالاشكال في اعتبار إتمام ما بقي من صلاتهم جماعة، فيقدمون من
يأتمون به فيه وعدمه، وقد عرفت فيما مضى البحث فيه المبني على اشتراطها في الابتداء
والاستدامة أو في الأول خاصة، كما أنه تقدم ما يظهر منه اعتبار العدد فيهما وعدمه من
غير فرق بين تبين فساد صلاتهم من أول الأمر وبين الخلل في الأثناء، لكفاية التلبس
ظاهرا أيضا فيه، فالحكم بالبطلان في عبارة الذكرى إن لم يتم العدد إلا به لا يخلو من
منافاة لما سبق، اللهم إلا أن يخص ذلك بما إذا لم يظهر الفساد من أول الأمر،
فلاحظ وتأمل.
وعلى كل حال فالجماعة شرط في صحتها، ولا ريب في توقفها من المأمومين على
نية الاقتداء، واحتمال الاكتفاء بوجوبه في الجمعة عن نيته في غاية الضعف بل البطلان،
ضرورة كون الاقتداء من العبادات المتوقفة على النية، أما وجوب نية الإمامة فتردد
فيها في الذكرى والمحكي عن موضع من نهاية الإحكام، ولعله من وجوب نية كل واجب
ومن حصول الإمامة إذا اقتدي به، ثم استقرب الأول في الذكرى والدروس والبيان
وحاشية الإرشاد وشرح المفاتيح للأستاذ الأكبر وغيرها، كالمحكي عن نهاية الإحكام
والجعفرية وشرحيها، لكن لا يخلو من نظر، إذ هو واجب شرطي، فيكفي فيه
حصوله وإن لم ينوه، كما أن وجوبه من باب المقدمة لا يقتضي أزيد من ذلك، ولعله
لذا كان وخيرة جماعة من متأخري الأصحاب العدم، وهو في غاية القوة، لكن
الاحتياط لا ينبغي تركه.

(1) الوسائل - الباب - 36 و 37 و 41 و 43 - من أبواب صلاة الجماعة
244

(و) كيف كان ف‍ (- إن حضر إمام الأصل (عليه السلام)) كان أعرف بما قيل
هنا من أنه (وجب عليه الحضور) لوجوب الجمعة عليه، وعلى الناس التقديم (و) وجب
عليه (التقدم) لعدم جواز ائتمامه بغيره، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر
حماد (1): " إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمع بالناس، ليس ذلك لأحد غيره "
بل الظاهر بطلان جمعة الغير لو سبق بناء على عدم اشتراط الإذن (نعم إن منعه مانع)
من الحضور (جاز أن يستنيب) لعقد الجمعة، وفي وجوبه عليه نظر، نعم يجب عليه
الاستخلاف لو كان في الأثناء وقلنا باشتراط الجماعة استدامة فيها وإنها متوقفة على إذنه
أيضا، مع أنه يمكن القول بعدم الوجوب أيضا، لأن أقصاه بطلان صلاتهم جمعة ويتعين
عليهم الظهر، وليس في الأدلة ما يدل على وجوب حفظ صحتها لهم عليه، والأمر
سهل بعد الاستغناء عن تحقيق ذلك بغيبته أو حضوره، نسأل الله تعجيل فرجه وأن
يوفقنا للزوم طاعته، والله أعلم.
الشرط (الخامس أن لا يكون هناك جمعة أخرى وبينهما دون ثلاثة أميال)
إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا أو متواترا ونصوصا كقول أبي جعفر (عليه السلام)
في حسن ابن مسلم (2): " يكون بين الجمعتين ثلاثة أمثال لا يكون جمعة إلا فيما بينه
وبين ثلاثة أميال، وليس يكون جمعة إلا بخطبة، وإذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال
فلا بأس أن يجمع هؤلاء، ويجمع هؤلاء " وفي موثقه (3) " إذا كان بين الجماعتين ثلاثة
أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء، ولا يكون بين الجماعتين أقل من ثلاثة
أميال " ولا فرق عندنا بين المصر والمصرين، وفصل النهر كدجلة وعدمه،
والجسر وعدمه، وكبر البلد وعدمه، بل ولا فرق بين جمعة الحضور والغيبة، بل لعل

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
245

الثانية أظهر اندراجا في معاقد الاجماعات، بل والنصوص الصادرة في الزمن المساوي
لها، لكن في المحكي عن الموجز ولا تتعد جمعة في دون الفرسخ إلا بندبها حال الغيبة،
وهو غريب، وكأنه توهمه من عبارة الدروس في صلاة العيد، قال: " ويشترط فيها
الاتحاد كالجمعة إذا كانتا واجبتين، فتنعقد في الفرسخ الواجبة مع المندوبة والمندوبتان
فصاعدا " ومن المعلوم أن مرجع الضمير فيها العيدان لا الجمعة والعيد، وفي كشف اللثام
" لعل المراد من عبارة الموجز أن العامة إذا صلوها وأراد المؤمنون إقامتها عندهم زمن
الغيبة جازت لهم وإن لم يبعدوا عن جمعتهم فرسخا لبطلانها، لا أنه يجوز للمؤمنين إقامة
جمعتين في فرسخ أو أقل، إذ لم يقل بذلك أحد، ولا دل عليه دليل ".
ثم إن الظاهر من النص والفتوى اعتبار ذلك بين تمام الجماعتين، بل هو كصريح
الأول منهما، بل منه يعلم أن المراد بالجمعة الجماعة، بل هو المنساق منه نفسه من غير فرق
بين المسجد وغيره، إذ دعوى انصراف محل الجمعة من المسجد أو الموضع المعد لها من
لفظ الجمعة واضحة المنع، خصوصا بعد التعبير بالجماعة، وخصوصا إذا كان المصلي في
المسجد مقدار العدد المعتبر مع فرض طول مسافته، فما في جامع المقاصد " يعتبر الفرسخ
من المسجد إن صليت فيه، وإلا فمن نهاية المصلي " لا يخلو من نظر، ثم قال: " فلو خرج
بعض المصلين عن المسجد أو كان بعضهم في الصحراء بحيث لا يبلغ بعده عن موضع
الآخر النصاب دون من سواه ولا يتم به العدد فيحتمل صحة جمعة إمامه، لانعقادها
بشرائطها من العدد والوحدة بالإضافة إلى ما هو معتبر في صحتها، ويجئ في جمعته مع
الجمعة الأخرى اعتبار السبق وعدمه، ويحتمل اعتبار ذلك في الجمعتين، لانتفاء البعد
المعتبر بينهما، ولا أعرف في ذلك تصريحا للأصحاب، وللنظر فيه مجال " قلت:
لعل المتجه على كلامه صحة الجمعتين، ضرورة فرض تحقق المسافة بين المسجد وبين
الجمعة الأخرى.
246

نعم تأتي الاحتمالات الثلاثة فيما لو صليت في غيره وكانت المسافة متحققة بين
الإمام والعدد وبين الجمعة الأخرى وغير متحققة بالنسبة إلى باقي المأمومين أو بعضهم،
وإن اقتصر في كشف اللثام على اختصاص البطلان بالقريبين واحتمال صحة الجمعتين،
وفي المدارك على الأول وبطلان الجمعتين، ثم قال: والأقرب الأول عكس المحكي عن
الذخيرة ومجمع البرهان من البطلان فيهم معا، وهو المتجه بناء على ما ذكرنا، ولعله إليه
يرجع ما عن مصابيح الظلام للأستاذ الأكبر من أن المعتبر الصدق العرفي، والظاهر
أن يكون بين مجموع هؤلاء ومجموع هؤلاء ثلاثة أميال.
ثم إنه بناء على ما ذكرنا يمكن جعل المدار على الجماعتين وإن كان حصولها تدريجيا
فلو عقدوا جمعتين مقترنتين مثلا وكان بينهما المسافة حال العقد ثم تكاملت إحداهما بحيث
ارتفع المسافة بينها وبين الأخرى بطلا معا، لعدم المسافة بين الجماعتين الصادق على
ذلك وإن كان حصوله في الأثناء، وسبق الصحة المراعى ببقاء الشرط غير مجد، مع
احتمال اختصاص البطلان بالمتكاملين القريبين، فتأمل جيدا.
وكيف كان (فإن اتفقتا) أي اقترن الجمعتان (بطلتا) قطعا كما عن جماعة،
بل لا خلاف معتد به أجده فيه، لامتناع الحكم بصحتهما معا لما عرفت سابقا من اشتراط
الوحدة نصا وإجماعا، ولا أولوية لإحداهما، فلم يبق إلا الحكم ببطلانهما معا من غير فرق
بين علم كل فريق بالآخر وعدمه، لكن ربما أشكله بعض متأخري المتأخرين بعد
الاعتراف أنه مقتضى إطلاق الأصحاب بأن الاتيان بالمأمور به ثابت لكل من الفريقين
في الثاني، لاستحالة تكليف الغافل، وعدم ثبوت شرطية الوحدة على هذا الوجه،
وليس للروايات التي هي مستند الحكم دلالة واضحة على انسحاب الحكم في الصورة المذكورة
إلا بتكلف، وفيه أنه لا تكلف فيه بناء على ما سلف من أن الأحكام الوضعية المستفادة
من الأوامر والنواهي لا تتقيد بما يقيد به الحكم التكليفي كما حقق في محله، مضافا إلى
247

إطلاق الفتاوى ومعاقد الاجماعات، على أن الظاهر من الخبر المزبور (1) النفي لا النهي
هنا، فلا إشكال حينئذ أصلا، بل ربما قيل: إن مقتضى النص بطلان الجمعتين مطلقا
إلا ما خرج بالدليل، وإن كان قد يناقش فيه بظهور النص في إرادة نفي الصحة عن
مجموعهما الجامع لصحة إحداهما، إلا أنه لما لم يكن في صورة الاقتران إمارة على صحة
خصوص إحداهما اتجه الحكم ببطلانهما، أي عدم إجزاء كل منهما في الفراغ عن يقين
الشغل، بخلاف ما لو سبق إحداهما، فإن استصحاب الصحة إمارة على صحتها، لا أن
الحكم بصحتها للاجماع، وإلا كان مقتضى إطلاق الخبر بطلانها أيضا، ولعل التأمل في
كلام الأصحاب وفيما ذكروه من دليل البطلان في صورة الاقتران والصحة للسابقة يرشد
إلى ما ذكرناه، فتأمل جيدا، ويتحقق الاقتران عند علمائنا وأكثر العامة كما في المدارك
وشرح المفاتيح باستوائهما في التكبير، واعتبر بعضهم الشروع في الخطبة التي هي ليست
من الصلاة حقيقة عندنا، وآخر الفراغ المقتضي جواز عقد جمعة بعد أخرى إذا علم
السبق بالاسراع في القراءة والاقتصار على أقل الواجب، وهو غير جائز اتفاقا منا.
(و) حينئذ ف‍ (إن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الاحرام) عندنا كما في كشف
اللثام (بطلت المتأخرة) لأن الأولى قد انعقدت صحيحة جامعة للشرائط، ولم يثبت
إبطال المتأخرة لها، إذ الخبران (2) كما عرفت إنما يدلان على نفي الصحة عنهما معا لا كل
منهما، فترجيح السابقة حينئذ باستصحاب صحتها وموافقتها لظاهر الأوامر في محله،
مضافا إلى ما في التذكرة من الاجماع ظاهرا أو صريحا على صحتها وبطلان اللاحقة الذي
يشهد لصحة تتبع كلام الأصحاب، بل لا فرق فيه بين علم المصلين عند عقدها أن
اللاحقة ستوقع وعدمه، أو أن جمعة تعقد هناك إما لاحقة أو غيرها وعدمه، ولا بين

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الجمعة
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الجمعة
248

علم مصلي اللاحقة أن جمعة سبقتها أو تعقد هناك وعدمه، ولا بين تعذر الاجتماع والتباعد
عليهما أو على أحدهما علم به الآخرون أولا وعدمه، كما اعترف به في كشف اللثام إلا
أنه قال: " وقد يحتمل البطلان إذا علموا بأن جمعة تعقد هناك إما لاحقة أو غيرها مع
جهل مصليها بالحال أو تعذر الاجتماع والتباعد عليهم مع إمكان إعلام الأولين لهم أو
الاجتماع إليهم أو تباعدهم بناء على وجوب أحد الأمور عليهم والنهي عن صلاتهم كما
صلوها وقد يمنعان للأصل، أو على وجوب عقد صلاة عليهم يخرجون بها عن العهدة،
ولما علموا أن هناك جمعة تنعقد هناك مع احتمال سبقها فهم شاكون في صحة صلاتهم
واستجماعها الشرائط عند عقدها، فلا يصح منهم نيتها والتقرب مع التمكن من الاجتماع
أو التباعد، واحتملت صحة اللاحقة إذا لم يعلموا عند العقد أن جمعة أخرى تعقد هناك
أو لم يتمكنوا من الاجتماع أو التباعد واستعلام الحال، لامتناع تكليف الغافل والمعذور
بما غفل عنه أو تعذر عليه، ووجوب الجمعة ما لم يعلموا المانع ".
قلت: قد عرفت ما يظهر منه ضعف الاحتمال الأخير، وأن الحكم الوضعي الذي
هو البطلان غير مقيد بشئ من ذلك على تقديري النفي والنهي، وأما الاحتمال الأول
فأصله لثاني الشهيدين في المحكي عن روضة ومقاصده، فإنه اعتبر في صحة السابقة عدم
علم كل من الفريقين بصلاة الأخرى، وإلا لم تصح صلاة كل منهم، للنهي عن الانفراد
بالصلاة عن الأخرى المقتضي للفساد، وقد سبقه إليه المحقق الثاني لكن بطريق السؤال
قال: فإن قيل: كيف يحكم بصحة صلاة السابقة مع أن كل واحد من الفريقين منهي عن
الانفراد بالصلاة عن الفريق الآخر، والنهي يدل على الفساد قلنا: لا إشكال مع جهل
كل منهما بالآخر، أما مع العلم فيمكن أن يقال: النهي عن أمر خارج عن الصلاة
لا نفسها ولا جزئها، والوحدة وإن كانت شرطا إلا أنه مع تحقق السبق بتحقق الشرط
ويشكل بأن المقارنة مبطلة قطعا، فإذا شرع في الصلاة معرضا بها للابطال كانت باطلة،
249

إما للنهي عنها حينئذ، أو لعدم الجزم بنيتها. فعلى هذا لو شرع في وقت يقطع بالسبق
فلا إشكال، ومنه اعترض في المدارك على جده بأن للمانع أن يمنع تعلق النهي بالسابقة
مع العلم بالسبق، أما مع احتمال السبق وعدمه فيتجه ما ذكره، لعدم جزم كل منهما بالنية
لكون صلاته في معرض البطلان، ونحوه عن الذخيرة حيث نفى تعلق النهي بالسابقة،
قال: لأن النهي إنما وقع عن التعدد، وهو غير حاصل من السابقة، نعم يمكن أن يعتبر
في صحة السابقة العلم بالسبق أو الظن عند تعذر العلم بأن يعلم أو يظن انتفاء جمعة أخرى
مقارنة لها أو سابقة عليها، إذ مع احتمال السبق وعدمه لا يحصل العلم بامتثال التكليف،
لا يقال: هذا مبني على أن النهي عن الشئ هل يقتضي الاجتناب عما يشك في كونه
فردا له أم لا، وعلى الأول صح اعتبار العلم والظن المذكور، لأن النهي إنما وقع عن
الصلاة اللاحقة والمقارنة، فيجب التحرز عما جاز فيه أحد الأمرين، وعلى الثاني يكفي
في صحة الصلاة عدم العلم بكونها لاحقة أو مقارنة مع أن الراجح الأخير، لأنا نقول:
المستند في اعتبار العلم أو الظن حصول الأمر بجمعة لا تكون مقارنة ولا لاحقة، وامتثال
هذا التكليف يستدعي العلم أو الظن بانتفاء الوصفين، وليس المستند مجرد النهي عن
الجمعة المقارنة واللاحقة حتى ينسحب فيه التفصيل.
والظاهر أن المستفاد من الأخبار الدالة على وجوب وحدة الجمعة أنه متى تحقق
جمعتان يجب أن يكون بينهما المسافة المذكورة، فالتكليف بوجوب اعتبار المسافة بين
الجمعتين أو اعتبار السبق إنما يتحقق إذا حصل العلم بوجود جمعة أخرى كما هو شأن
الأمر المعلق بالشرط، فالمأمور به صلاة جمعة يراعى فيها هذه الشرطية، وعلى هذا
لا يلزم في امتثال التكليف العلم أو الظن بانتفاء جمعة أخرى سابقة أو مقارنة، نعم
يعتبر العلم أو الظن بعدم السبق أو المقارنة، أو حصول المسافة عند العلم بحصول جمعة
أخرى لا مطلقا، وبالجمعة لا يتضح دلالة الأخبار على أكثر من ذلك، فتدبر.
250

ثم قال: ويبقى الاشكال أيضا في صورة يظن الفريق الأول حصول جمعة متأخرة
مع عدم علم أصحابها بالجمعة المتقدمة، وحينئذ فالحكم بصحة السابقة لا يصفو عن كدر
الاشكال، وقد أطنب الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح والمحكي من حاشيته على المدارك
في الانتصار لما سمعته عن الروض، والمناقشة للذخيرة والمدارك مدعيا أنه مراد الأصحاب
فقال: ما حاصله أن البعد بثلاثة أميال شرط في الواقع. فإذا صلى الفريقان في الأدون
على التعاقب مع علم كل من الفريقين بصلاة الآخر فلا بد في صحة السابقة من علم أصحابها
بالسبق، ولا يكفي الظن، لعدم الدليل على حجيته، بل الأصل والعمومات قاضيان
بعدمها، والعلم بالسبق مع البعد في الجملة من المحالات العادية، ولا يمكن تحققه إلا في
صورة صدور كل واحد من الفريقين بمحضر من الآخر، وحينئذ فدخول السابقين في
الصلاة حرام، لكونه مفوتا للواجب الذي هو تحصيل الوحدة في الجمعة فيما دون ثلاثة
أميال، لأن السابقين واللاحقين مخاطبون بتحصيل الوحدة التي هي شرط، وهي
واجبة، كما هم مخاطبون باتيان الجمعة، وليس الخطاب مختصا بفريق دون آخر، فإذا
بادر فريق فربما لم يتيسر للآخر الدخول معهم، فتصير المبادرة منشأ لترك الفريضة،
فتجب على السابقين ترك السبق حتى يتفق أولئك معهم، وتحصيل الوحدة التي قد خوطبوا
بها جميعا، قولكم: إن إمام الفريق اللاحق يصير فاسقا جوابه أن إمام السابقين كذلك
لعدم امتثاله الأمر بالوحدة، فإن قلت: لعل كل فريق لا يعتقد بإمام الفريق الآخر،
لأنا نقول: إن كان كل فريق منهم يحكم ببطلان صلاة الآخر خرجت المسألة عن
فرضها، لأن ما نحن فيه إنما هو وقوع جمعتين صحيحتين عند الجميع لولا السبق واللحوق
ولذا لم يتعين صحة صلاة فريق منهم إلا بالسبق، نعم لو كان إمام الأصل موجودا
تعين على الجميع الحضور عنده، وهو أيضا خلاف الفرض، وكذا يخرج عن الفرض
ما إذا أراد السابقون تحصيل الوحدة والإطاعة إلا أن الفريق الآخر يمنعونهم من ذلك
251

فإن الصحة على هذا الفرض ليست من جهة السبق، بل لو كانوا هم اللاحقين لصحت
صلاتهم أيضا.
فظهر أن نظر الفقهاء ليس إلى هذه الصورة، بل مرادهم من سبق إحداهما تحقق
السبق بعد الدخول في الصلاة، وأنه يشترط حينئذ عدم العلم بجمعة أخرى، ولا يجب
تحصيل العلم بعدم جمعة أخرى، بل يكفي العلم الشرعي بالعدم، وهو الاستصحاب،
فعلى هذا يتعين ما في الروض، ويعلم يقينا أنه هو مراد الفقهاء، وليس مرادهم أنهم
حين الدخول علموا سبقهم، لأن الدخول حرام كما عرفت، ولا يكفي عند الفقهاء عدم
العلم بالسبق كما في المدارك كما كفى عندهم عدم العلم بجمعة أخرى، لأنه يلزم على ذلك أن
حصول العلم بجمعة أخرى غير مضر ما لم يحصل العلم بالسبق، ويلزمه صحة الجمعات
المتعددة الكثيرة في مكان واحد، إذ بعد العلم بالسبق يحصل جمعة صحيحة، فلا يصلون
أخرى، فتأمل، مع أن الشروط معتبرة عندهم في أول الصلاة، وأنه لا تبرأ الذمة إذا
وقع الاشتباه في السبق، وأيضا لو كان عدم العلم كافيا في الصحة تكون الجمعتان صحيحتين
قطعا، وإلا فكيف يكفي عدم العلم بالسبق مع أنهم حكموا بفساد الجمعتين من جهة عدم
العلم بالسابقة، واختلفوا فيما يلزمهم إعادته هل هو الظهر أو الجمعة أو الجميع.
قلت: يمكن أن يكون إطلاق الأصحاب صحة السابقة مبنيا على ما إذا لم يحصل
ما ينافي نية القربة، بل المراد من حيث السبق واللحوق مع اجتماع باقي الشرائط، فما
كان فاسدا حينئذ من جهة أخرى خارج عن محل النزاع، فلا جهة حينئذ للتقييد بما سمعت
ولا للايراد بأن اجتماع أهل الفرسخ لجمعة واحدة واجب على الجميع، ولا لغير ذلك
مما سمعت، أو يكون مبنيا على عدم شرطية السبق في صحتها وإن كانت هي التي يحكم
بصحتها باعتبار حصول الإمارة الشرعية على صحتها ظاهرا، ضرورة انعقادها صحيحة
بوقوعها امتثالا للأوامر المطلقة بها جامعة للشرائط فاقدة للموانع، فيكون حينئذ مقتضي
252

الصحة فيها محققا والمانع غير معلوم، فلا يصح حينئذ انعقاد الثانية، لعدم اجتماع جمعتين
صحيحتين في المكان المفروض، فليس اشتراط السبق فيها حينئذ على حسب الشرائط
الثابتة بنص خاص حتى يحتاج إلى إحرازها في نية التقرب التي يكفي فيها ظاهر الأمر
وعدم العلم بسبق جمعة أخرى، ولا منافاة بين توقف الحكم بصحة الجمعة المخصوصة على
العلم بسبقها وبين صحة الاقدام على التلبس بها لظاهر الأمر وعدم العلم بسبق أخرى،
وكأنه لا مفر للخصم مما ذكرنا فيما لو فرض مانع من حضور كل من الجماعتين مع
الأخرى ومن تباعدها، واحتمال التزامه بسقوط الجمعة حينئذ يدفعه أنه إسقاط للفرض
بلا مقتض، بل ظاهر الاطلاقات وغيرها خلافه، فلا مناص حينئذ في هذا الحال عن
صلاة الجمعة وجمع الظهر معها إذا لم يتبين له الحال، وندرة الاقتران تدفعه، مع أصالة
عدمه أيضا، فتأمل جيدا.
وأولى من ذلك في الصحة ما لو علم بسبق جمعة، إذ دعوى نهيه عن التلبس
ووجوب اجتماعه مع الأخرى، وتواطئهم على الجمعة، سواء كانوا عالمين بالجمعة أو لا،
معذورين في عدم المجئ أو التباعد أولا لا دليل عليها من نص أو إجماع، ونفي الصحة
عن مجموع الجمعتين في الخبرين المزبورين (1) أعم من ذلك قطعا، بل لو أريد منه النهي
كان مختصا بالمتأخر، لأنه به يحصل تعدد الجمعتين، فيجب حينئذ عليهم السعي إليها،
ومع فرض المانع تعين الظهر، ومع عدم علم كل منهم بالسبق فالأصل براءة الذمة من تعين
حضور أحدهم مع الآخر، لأن الفرض التساوي، ويقين البراءة يحصل بجمع الظهر مع
الجمعة، ووجوب تحصيل الجمعة الصحيحة أولا يحصل بالمبادرة إلى فعلها، لأصالة عدم
جمعة في وقت الفعل، فهي صحيحة بحسب الظاهر حتى يعلم وقوع جمعة أخرى، فيحتاج
حينئذ إلى معرفة السبق، فإن لم يعرف صلى الظهر كما ستعرف الحال مفصلا، فظهر أن

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الجمعة
253

إطلاق الأصحاب في محله، وأن له التلبس بالجمعة مع العلم بأن هناك جمعة تقع فضلا
عما لو لم يعلم.
ثم إن تعين السابقة منهما اختصت بالحكم بالصحة، وإلا فلا، وليس لكل منهم
التمسك بالأصل في صحة صلاته بالخصوص حيث لم يعلم السابقة بعينها وإن كان لا يقدح
العلم ببطلان إحداهما في إجزاء الأصل بالنسبة إلى تكليف كل منهما، كالصلاة في الثوب
المشترك، إلا أن من الواضح عدم صلاحية الأصل لتعيين السابقة، ضرورة اقتضاء
أصالة تأخر كل منهما عن الأخرى الاقتران، إلا أنه لما كان هو حادثا أيضا فالأصل
عدمه، ولذا لم يحكم به أحد من الأصحاب عند الاشتباه، على أن الفرض هنا سبق
إحداهما، كما أنهم لم يلتفتوا أيضا هنا إلى العلم بالتاريخ والجهل، وأن مجهول التاريخ يحكم
بتأخره عن معلوم التاريخ، لما أوضحناه في محله من أن الأصل لا يصلح لاثبات صفة
التقدم على آخر والتأخر عنه، إذ هو يقضي بتأخر الشئ في نفسه لا عن آخر بالخصوص
ففي المقام الذي فرض فيه معلومية سبق إحداهما لا على التعيين لا يصلح الأصل
لاستخراجه، ويبقى مجملا ولا يحكم ببراءة ذمة أحد منهما بالخصوص.
نعم لا يسقط الحكم الذي لا يعتبر فيه التعيين، كعدم صحة عقد جمعة أخرى
في هذا المكان، ضرورة ابتنائه على حصول جمعة صحيحة، والفرض حصولها، فالواجب
حينئذ عليهم إعادة الجمعة مع بقاء الوقت وإمكان التباعد عن ذلك المكان بمقدار المسافة
ومع عدم التمكن يعيدون ظهرا، وإليه أشار المصنف بقوله: (ولو لم يتحقق السابقة)
ولو لاشتباهها بعد المعلومية (أعادا) معا (ظهرا) بل هو المشهور بين الأصحاب
نقلا وتحصيلا، بل عن غاية المرام نفي الخلاف عنه، ولعله كذلك بين من تأخر عن
الشيخ ويحيى بن سعيد، إلا أنه ينبغي تقييده بما عرفت من عدم إمكان التباعد، كما أنه
ينبغي تقييد إطلاق الشيخ ويحيي بن سعيد إعادة الجمعة فيه بما عرفت، إذ دعوى وجوبها
254

عليهما ولو في ذلك المكان المخصوص باعتبار أنه لما لم تتشخص السابقة ولم تجز عن
أحدهما على التعيين كانت كالباطلة - ولأن الأمر بصلاة الجمعة عام، وسقوطها بهذه
الصلاة غير معلوم، ولأن المانع من فعل كل منهم إعادة الجمعة معلومية المسبوقية، ولم
يتحقق عند أحد منهما - واضحة البطلان بل اجتهاد في مقابلة النص، وأوضح منها
بطلانا وجوب إعادة الظهر والجمعة عليهما كما عن مجمع البرهان وشرح الأستاذ، بل لم
أجد من احتمله هنا، نعم هو خيرة الفاضل في جملة من كتبه والكركي والمحكي عن
فخر الاسلام وأبي العباس وغيرهم فيما إذا لم يعلم السبق والاقتران، لأن الواقع في نفس
الأمر إن كان هو السبق فالفرض هو الظهر، وإن كان الاقتران فالفرض هو الجمعة،
فلو أتوا بإحداهما دون الأخرى لم تتحقق البراءة بذلك، وفيه أنه لا يجب مثل هذا
الاحتياط، ضرورة استصحاب الشغل بالجمعة، وإطلاق الأمر بها، فيعيدون حينئذ
جمعة ويجتزون بها، لصدق الامتثال، كما هو خيرة المبسوط وجامع الشرائع والمنتهى
والتحرير والإرشاد والدروس والذكرى والبيان والذخيرة والمسالك والروضة والمقاصد
العلية والميسية وغيرها على ما حكي عن بعضها محتجين بما يرجع حاصله إلى ما ذكرنا من
أن ما فعلاه لتردده بين الصحة والبطلان كان كالباطل، والأصل البراءة من الفريضتين
وما في كشف اللثام - من أنه كما يتردد ما فعلاه فكذا ما يفعلانه، فكما أن ما فعلاه
كالباطل فهو كالمبطل - يدفعه أن الجمعة الثانية لا يحكم ببطلانها إلا مع العلم بصلاة جمعة
صحيحة، ولم يعلم هنا، فهي صحيحة بمقتضى ظاهر الشرع، فتكون مجزية، ولا يجب
الاحتياط للاحتمال، وإلا لم يكن لأصل البراءة مورد.
نعم بناء على ندرة احتمال الاقتران بحيث لا يعبأ به أو فرض كونه كذلك كانت
من المسألة السابقة، وعليه بنى احتمال الاجتزاء بالظهر في التذكرة، ومثله لا يعد قولا
في المسألة، ولذا أنكر وجود قائل به في المدارك وإن كان ربما استظهر من عبارة المتن،
255

لعدم اشتراط صدق السالبة بوجود الموضوع، بل عن المنتهى حكاية بلفظ القيل، إلا
أنه علله بالندرة المزبورة، بل حكي عن المختلف وإن كنت لم أتحققه، كما أنه لا يخفى
ضعف ما يحتج به له مضافا إلى الندرة المزبورة التي مرجعها إلى النزاع في الموضوع،
من حصول الشك في شرط إقامة الجمعة، وهو عدم سبق أخرى، فلا يجزي حينئذ
إعادتها، ضرورة أن ذلك مانع لا شرط، فيكفي أصالة عدمه في تحقيقه كما هو واضح
فلا ريب حينئذ في الاجتزاء بإعادة الجمعة مجتمعين أو متباعدين بالفرسخ، ولا يحتاج إلى
تغيير الإمام بناء على ما ذكرنا استصحابا لشغل ذمة الجميع، بل الظاهر كونه كذلك
لو قلنا بوجوب الفرضين عليهما، ضرورة الاكتفاء بالوجوب المقدمي في صحة الائتمام،
لكن في التذكرة " ويتولى إمامة الجمعة من غير القبيلين أو يفترقان بفرسخ " وفي كشف
اللثام " قلت: لأن كلا منهم يحتمل كون صلاته لغوا، لصحة جمعته، فلا تصح صلاة
المؤتمين به، ولذا لا يجتمعان على ظهر بإمام منهما، بل إما أن يجتمعا على ظهر بإمام من
غيرهما، أو على ظهرين بإماميهما، ولا يأتم أحد منهما بإمام الآخر أو ينفردوا، ولا يكفي
إذا اجتمعا على جمعتين افتراقهما بفرسخ بينهما كما يوهمه ظاهر العبارة، بل لا بد من
افتراق كل منهما عما أقيمت فيه الأوليان بفرسخ " وفيه ما عرفت من أن احتمال لغو
الصلاة بعد الوجوب المقدمي المشترك بين الإمام والمأموم غير قادح، نعم ما ذكره أخيرا
جيد إذا كان المراد الاحتياط في رفع مطلق الاحتمال، إلا أن إعادة الظهر مع هذا
الفرض من التباعد في غاية الغرابة، للقطع حينئذ بحصول جمعة صحيحة معه، فتأمل جيدا.
ويتحقق السبق بالتكبير قطعا، لأنه العاقد للصلاة، وكل جمعة انعقدت بعد
أخرى في فرسخ باطلة، لكن عن نهاية الإحكام " أن الاعتبار إنما هو بتمام التكبير
حتى لو سبقت إحداهما بهمزة التكبير والأخرى بالراء فالصحيحة هي التي سبقت بالراء،
256

لأنها التي تقدم تكبيرها " وفي كشف اللثام " لأن انعقاد الصلاة بتمام التكبير كما يفيده
الأخبار " قلت: قد عرفت أنه ليس في شئ من النصوص تعليق الصحة على سبق
الانعقاد كي يكون المدار عليه، بل مبناها حصول وصف الصحة للأولى، وهو يتحقق
بالشروع بها متقدمة على الأخرى وإن كانت صحة أجزاء التكبير مراعاة باتمامه على
وجه الكشف، فلا يبعد أن يكون المدار عليه كما احتمله جماعة، وكذا لا يبعد أن
يكون المدار على سبق الإمام من غير حاجة إلى سبق العدد، أما بناء على ما سمعته من
الخلاف في الانعقاد جمعة وإن انفضوا بعد تكبيره فواضح، وأما على غيره فتكبير العدد
إنما هو كاشف عن الانعقاد، واحتمال عدم الانعقاد قبله ضعيف، ومنه يظهر ضعف
احتمال اعتبار سبقهم أيضا كما وقع من غير واحد على وجه لم يظهر منهم ترجيح الأول
عليه، فتأمل.
وقد ظهر لك من ذلك كله حال جميع صور الاجتماع الذي ذكر في جامع المقاصد
تصور موضوعه باجتماع نائب الإمام في بلد واحد أو بلدين، بل باجتماع الإمام ونائبه
كذلك، ولا محذور في ذلك، لامكان عدم علم أحدهما بصاحبه أو اعتقادهما بلوغ المسافة
الحد المعتبر ثم يظهر خلافه، ولو علم النائبان عدم البلوغ ثم أقدما على الصلاة كذلك لم
يقدح في عدالتهما بوجه ما لم يظهر إقدامهما على معصية تخل بها، قلت: لا حاجة إلى
مراعاة النيابة في هذا الزمان بناء على العينية بل وعلى التخيير، ولا يتوهم تعين فعل
الظهر على الثاني مع العلم بقيام جمعة أخرى فيما دون الفرسخ، للأصل وإطلاق دليل
التخيير، نعم لا يجتزى بالجمعة التي بادر إليها إذا لم يتبين له سبقها، استصحابا للشغل،
فيفعل الظهر حينئذ تحصيلا لليقين، والله أعلم.
النظر (الثاني فيمن تجب عليه) الجمعة بحيث يجب عليه السعي إليها (ويراعى فيه
سبعة شروط: التكليف والذكورية والحرية والحضر والسلامة من العمى والمرض والعرج
257

وأن لا يكون هما) وفي صحيح زرارة (1) " منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة،
وهي الجمعة، ووضعها عن تسعة عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة
والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين " وفي خطبة أمير المؤمنين عليه السلام (2)
" الجمعة واجبة على كل مؤمن إلا الصبي والمريض والمجنون والشيخ الكبير والأعمى
والمسافر والمرأة والعبد المملوك ومن كان على رأس فرسخين " وفي صحيح ابن مسلم (3)
" منها صلاة واجبة، على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة: المريض والمملوك والمسافر
والمرأة والصبي " وخبر منصور بن يعقوب (4) " الجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها
إلا خمسة: المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي " والنبوي (5) " الجمعة حق واجب
على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض " إلى غير ذلك من
النصوص التي لا ضرر في النقيصة فيها والزيادة في المستثنى بعد تحكيم منطوق بعضها على
مفهوم الآخر، أو تكلف تداخل بعضها في بعض، على أن لا خلاف في أكثرها أو جميعها.
بل عن المنتهى وغيره الاجماع على اشتراط البلوغ، بل لعله من ضروريات
المذهب أو الدين كالعقل، فلا تجب على غير البالغ والمجنون المستمر جنونه إلى فواتها،
نعم تصح من المميز بناء على الصحيح من شرعية عباداته، وستعرف كيفية صحتها منه
وحكمه لو بلغ في الأثناء.
وفي المعتبر والمنتهى والتذكرة وإرشاد الجعفرية والذخيرة على ما حكي عن بعضها
الاجماع على اشتراط الذكورة، بل في الأول منها إجماع العلماء، كما عن الثاني " لا تجب
على المرأة، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم " نعم قد يقال بأن الظاهر من النصوص
سقوطها عن المرأة، ولعله المراد من الفتاوى ومعاقد الاجماعات، قال في التذكرة:

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1 - 6 - 14 - 16 - 24
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1 - 6 - 14 - 16 - 24
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1 - 6 - 14 - 16 - 24
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1 - 6 - 14 - 16 - 24
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1 - 6 - 14 - 16 - 24
258

" الذكورة شرط فلا تجب على المرأة إجماعا " ولعله مراد غيره أيضا، فيتجه حينئذ
وجوبها على الخنثى المشكل سواء قلنا بالواسطة في الواقع أولا، للعموم الذي يدخل فيه
المشتبه صدق الخاص عليه، بناء على عدم كونه مقسما للعام، وأنه لم يؤخذ في مفهومه
عدم الخاص كي يكون مجملا بالنسبة إلى الفرض. فيتمسك فيه بأصالة البراءة، على أنه
لو سلم أمكن الوجوب مع الظهر هنا أيضا، لتوقف يقين البراءة على الجمع، ودعوى
أصالة الظهر غير مسموعة كما أوضحناه سابقا، لكن عن شرح الأستاذ الأكبر " أن
المعروف بين الأصحاب عدم وجوبها على الخنثى، لاحتمال كونه امرأة، والأصل براءة
الذمة وعدم التكليف حتى يثبت، ولا ثبوت مع الاحتمال، وشمول كل مسلم للخنثى محل
تأمل، لعدم تبادره من إطلاق لفظ مسلم وإن قلنا بأن العام اللغوي يشمل الأفراد النادرة
لأنه يشمل ما علم أنه فرد لا ما يحتمل، وهذا وإن كان يقتضي عدم وجوب الظهر أيضا،
لاحتمال كونه رجلا إلا أن الظهر هو الأصل، لأن الجمعة مشروطة بالذكورة وغيرها،
والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط، والظهر واجب على المكلفين إلا من
اجتمع فيه شرائط الجمعة، ولأن الواجب أولا كان الظهر ثم تغير إلى الجمعة بالنسبة إلى
من اجتمع فيه شرائطها، والظاهر أن الممسوح مثل الخنثى " وفيه ما لا يخفى خصوصا
بعد ما سمعت من لفظ الناس ونحوه في النصوص، وشرطية الذكورة لا مدرك لها إلا معقد
الاجماع المنقول الذي لا ظن بإرادة الزائد على ما في النصوص من السقوط عن المرأة
فيه، فتأمل جيدا.
وأما الحرية فعليها إجماع العلماء في المعتبر والتذكرة، والاجماع في المحكي عن
المنتهى، ولعل المراد أنها لا تجب على العبد كما في النصوص السابقة، وهو معقد الاجماع
أيضا في الثلاثة المزبورة والذكرى وكشف الالتباس والروض على ما حكي عن بعضها،
قال في التذكرة: " الحرية شرط في الوجوب، فلا تجب على العبد عند علمائنا أجمع،
259

وبه قال عامة العلماء " وقال في الذكرى: الأمر الخامس الحرية، فلا تجب على العبد
بإجماعنا، ولعل غيرهم كذلك، فلا تسقط عن المبعض حينئذ، لعدم صدق العبد حينئذ
عليه، فيبقى مندرجا تحت الأدلة السابقة، نعم لو قلنا باشتراط الحرية في الوجوب أمكن
حينئذ السقوط عنه، لعدم صدق الحر عليه، لكن قد عرفت أنه لا مقتضي لذلك إلا
مقعد الاجماع المزبور الذي يقوى في الظن إرادة عدم الوجوب على العبد منه، كما هو
المراد من معقد الاجماع المتقدم، ويومي إليه زيادة على ذلك ذكر البعض مسألة أخرى
غير ما حكوا الاجماع عليه، وتسمع إن شاء الله تمام الكلام في ذلك.
وأما الحضر فعليه الاجماع في المعتبر ونهاية الإحكام والذكرى ومصابيح الظلام
على ما حكي عن بعضها، بل عن الأخير أنه ضروري، وفي التذكرة " الإقامة أو حكمها
شرط في الجمعة، فلا تجب على المسافر عند عامة العلماء " وقد سمعت أن الموجود في
النصوص المسافر، والمنساق إلى الذهن منه السفر الشرعي وإن لم نقل بثبوت الحقيقة
الشرعية له، ولا يتوقف صدقه على وجوب التقصير عليه قطعا، فتسقط عنه في مواضع
التخيير وإن تعين عليه التمام فيها بنذر ونحوه، واحتمال أن سقوط الجمعة عن المسافر لأن
فرضه التقصير، ولا تقصير في الجمعة التي أقيم فيها الخطبتان بدل الركعتين، فتتعين الجمعة
حينئذ لاطلاق الأدلة كما ترى لا يصلح مستندا شرعيا، فما في التذكرة - من وجوب
الجمعة في المواضع الأربعة كما هو محتمل المحكي عن النهاية - لا يخلو من نظر، اللهم إلا
أن يريد وجوبها من حيث صدق حضورها عليه، إذ الفرض أن تخييره في القصر
والاتمام إنما يكون إذا كان فيها، فمع فرض انعقاد جمعة فيها حال تخييره صدق عليه
حضور الجمعة، فتجب من هذه الجهة لا أنها تجب عليه من حيث مشروعية التمام له،
إذ قد عرفت أنه لا ينافي صدق السفر عليه مع ذلك، وأنه ليس من القواطع كالإقامة
وما في حكمها، على أن احتمال التخيير بين الجمعة وعدمها كما في الدروس أولى بناء على
260

الملاحظة المزبورة، فلا ريب أن الأقوى ما ذكرنا بالنسبة إلى الحيثية المزبورة.
نعم الظاهر خروج المقيم ومن في حكمه وكثير السفر والعاصي بسفره ونحوهم عن
المسافر شرعا لا عرفا، فتجب الجمعة عليهم: وفي المتردد ثلاثين وجهان، لكن عن
صريح جماعة أن المراد بالحضر ما قابل السفر الشرعي فيدخل فيه ناوي الإقامة عشرا
والمقيم ثلاثين يوما، وعن المنتهى الاجماع عليه، وعنه أيضا لم أقف على قول لعلمائنا
على اشتراط الطاعة في السفر لسقوط الجمعة، إلا أن قرب الاشتراط، كما عن نهاية
الإحكام والذكرى وجامع المقاصد وكشف الالتباس والميسية والروض وغيرها أن في
حكم الحضر سفر العاصي وكثير السفر، وفي التذكرة لو نوى الإقامة عشرا تنعقد به
عندنا قولا واحدا، ولا يخفى عليك أن المدار في السقوط السفر الشرعي، وفي الوجوب
ما يقطع حكمه من حضر ونحوه كما يعرف ذلك مفصلا في بحث المسافر.
وفي التذكرة وعن المنتهى نسبة السلامة من العمى إلى علمائنا، والمعتبر والذكرى
إلى الأصحاب، وعن مصابيح الظلام الاجماع عليه، ولا يقدح فيه عدم ذكره في المراسم
كما قيل، كما أنه لا فرق في إطلاق النص والفتوى بين ما يشق معه الحضور وعدمه كما
صرح به بعضهم، وفي المعتبر وعن المنتهى ومصابيح الظلام الاجماع على السلامة من
المرض، ولا ينافيه عدم ذكره في المحكي عن المراسم والألفية واللمعة والموجز الحاوي
وكشف الالتباس، كما أن مقتضى الاطلاق ما صرح به في التذكرة وغيرها من عدم
الفرق فيه بين ما يشق الحضور معه مشقة لا تتحمل عادة وعدمه، وزيادة المرض بالحضور
أم لا، لكن عن إشارة السبق " المرض المانع من الحركة " نحو ما عن فوائد الشرائع "
وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية وشرح نجيب الدين " المرض الذي يتعذر معه الحضور "
وعن المسالك والروض والميسية " المشقة التي لا يتحمل مثلها عادة أو خوف زيادة مرض
أو بطء برء " والجميع كما ترى تقييد للنص وغيره بلا دليل، اللهم إلا أن يدعى أنه
261

المتبادر من المريض.
وأما العرج فعن المنتهى وظاهر الغنية الاجماع عليه، لكن في التذكرة تقييد
معقد الاجماع بما إذا بلغ حد الاقعاد، بل عن صريح جماعة وظاهر آخرين أنه إذا لم
يكن مقعدا يجب عليه الحضور، لكن في التذكرة وعن نهاية الإحكام " أن الوجه
السقوط مع المشقة، والعدم بدونها " وعن فوائد الشرائع والروضة وعن غيرها " العرج
البالغ حد الاقعاد، أو مشقة السعي إليها بحيث لا يتحمل مثله عادة " وفي المعتبر نسبة اشتراطه
إلى الشيخ، ثم قال: " إن كان يريد به المقعد فهو أعذر من المريض، لأنه ممنوع من السعي
فلا يتناوله الأمر بالسعي، وإن لم يرد ذلك فهو في موضع المنع " واستحسنه في المحكي
عن التنقيح، لكن قال في مفتاح الكرامة: إن اقتصاره على نسبته للشيخ لا وجه له،
لأنه قد ذكره المفيد فيما عندنا من نسخ المقنعة، وقد ذكر ذلك أيضا عن نسخها في كشف
اللثام، فقول المحقق والفاضل والشهيد وغيرهم أنه لم يذكره المفيد يجوز أن يكون توهما
من التهذيب، وقد ذكره صاحب الوسيلة والغنية والسرائر وإشارة السبق وجامع الشرائع
وظاهر الغنية الاجماع عليه، نعم لم يذكره الصدوق في الهداية والسيد في الجمل والديلمي
في المراسم وصاحب المعالم في رسالته وتلميذه، ولعله أدرج في المفاتيح والماحوزية تحت
قولهما: كل ما يؤدي معه التكليف إلى الحرج، وعن مصباح السيد أنه قال: " وقد
روي (1) أن العرج عذر ".
قلت: خلاصة الكلام فيما لا إطلاق نص فيه أنه إن حصل ما يصلح لسقوط
التكليف من ضرر أو مشقة لا تتحمل ونحوها مما يندرج به تحت العسر والحرج أو
أهمية واجب آخر مع التعارض ونحوها توجه السقوط، وإلا فلا، وأما احتمال كون
المدار على مطلق العذر وإن لم يصل إلى ذلك بدعوى ظهور فحوى إطلاق الأعذار

(1) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
262

المنصوصة في ذلك ففيه ما لا يخفى، خصوصا بعد تأكيد وجوب صلاة الجمعة بما سمعت في
الكتاب والسنة، ومن ذلك ظهر لك ما عن المبسوط يجوز ترك الجمعة لعذر في نفسه أو
أهله أو قرابته أو أخيه في الدين، مثل أن يكون مريضا يهتم بمراعاته أو ميتا يقوم على
دفنه وتجهيزه، أو ما يقوم مقامه وإن قيل إن نحوه ما في المختلف والتذكرة ونهاية الإحكام
والموجز والدروس والذكرى وكشف الالتباس والمسالك والروض وغيرها، بل عن
المنتهى ونهاية الإحكام وكشف الالتباس " لو مرض له قريب وخاف موته جاز له
الاعتناء وترك الجمعة، ولو لم يكن قريبا وكان معتنيا به جاز له ترك الجمعة إذا لم يقم غيره
مقامه " بل في الأخيرتين " لا فرق في المريض بين قريبه أو ضيفه أو زوجته أو عبده
مع الحاجة إليه " نعم عن المنتهى " لو كان عليه دين يمنعه الحضور وهو غير متمكن
سقطت عنه، ولو تمكن لم يكن عذرا، ولو كان عليه حد قذف أو شرب أو غيرهما
لم يجز له الاستتار عن الإمام لأجله وترك الجمعة " لكن عن نهاية الإحكام وكشف
الالتباس والروض والمسالك " لو كان عليه حد قصاص يرجو بالاستتار الصلح جاز
الاستتار وترك الجمعة " وعنها أيضا " إذا اشتغل بجهاز ميت أو مريض، أو حبس
بباطل أو حق عجز عنه، أو خاف على نفسه أو ماله أو بعض إخوانه لو حضر ظالما أو
لصا أو مطرا أو وحلا شديدا أو حرا أو بردا شديدين أو ضربا أو شتما " قيل:
ونحو ذلك وإن لم يذكر فيها الجميع التذكرة وكشف الالتباس وإرشاد الجعفرية والروض
والمسالك والموجز ومجمع البرهان، وعن إرشاد الجعفرية " لا فرق في المال بين الجليل
والحقير " وفي الذكرى " أن من له خبزا يخاف احتراقه كذلك " وعن السرائر
" روي (1) أن من يخاف ظلما يجري على نفسه أو ماله هو أيضا معذور في الاخلال بها
وكذلك من كان متشاغلا بجهاز ميت أو تعليل الوالد ومن يجري مجراه من ذوي

(1) سنن البيهقي ج 3 ص 185
263

الحرمات الأكيدة يسعه أن يتأخر عنها " ونحوه عن السيد، وعن ابن الجنيد " من كان
في حق لزمه القيام بها كجهاز الميت أن تعليل الوالد أو من يجب حقه ولا يسعه التأخر عنه "
إلى غير ذلك، وقد عرفت الضابطة.
نعم قد يخرج من ذلك المطر، لما في صحيح عبد الرحمان (1) " لا بأس أن تدع
الجمعة في المطر " وفي التذكرة " لا خلاف فيه " وبه صرح الشهيد وغيره، قيل: وألحق به
الفاضل ومن تأخر عنه الوحل، وعن المنتهى " أن السقوط مع المطر المانع والوحل الذي
يشق معه المشي قول أكثر أهل العلم " وأما سقوطها عن الكبير الذي يتعذر عليه
حضورها أو يتعسر أو يشق مشقة لا تتحمل عادة فهو من الواضحات المستغنية عن
صريح إجماع التذكرة على سقوطها عن الذي لا حراك به، كظاهر المحكي عن الغنية، بل
وإجماع مصابيح الظلام على الهم الذي فسره في المحكي عن الكركي بالشيخ الفاني، وفي
المقاصد العلية بالشيخ الكبير العاجز عن الحضور، أو الذي يمكنه ذلك بمشقة شديدة
لا يتحمل مثلها عادة، إنما الكلام في الكبير الذي لم يبلغ ذلك، فإن مقتضى إطلاق
النص ومعقد ظاهر إجماع المحكي عن المعتبر والمنتهى السقوط، لكن قيل: إن في الجمل
والعقود والمبسوط والوسيلة والغنية والسرائر وإشارة السبق ونهاية الإحكام التقييد
بالذي لا حراك به، وفي المراسم وجامع الشرائع والتبصرة وكفاية الطالبين لابن المتوج
والبيان والألفية واللمعة نحو ما في الكتاب، وفي التحرير والقواعد والموجز وكشف
الالتباس وشرح نجيب الدين " البالغ حد العجز " وفي الإرشاد " المزمن " وفي الذكرى
والميسية والروض والشافية وغيرها " البالغ حد العجز أو المشقة الشديدة بواسطة الكبر "
ولم أعرف الوجه في التقييد بذلك في خصوص هذا العذر مع أن النصوص أطلقت فيه

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
264

كغيره من الأعذار، فالمتجه التقييد فيها جميعا أو الاطلاق، وأن المعتبر وجودها لما فيه
من الحرج على الصنف، فلا يجدي قدرة بعض الأشخاص، ولعله لذا حكي عن الصدوق
في الهداية والسيد في الجمل والمفيد في المقنعة والشيخ في النهاية الاطلاق من دون تقييد بما
سمعت، ووجهه ما عرفت، وفي كشف اللثام " أنه لم يذكره ابن سعيد ولا الحلبي
صريحا، وإنما ذكرا السليم وقد يبعد شموله للسلامة منها " قلت: قد حكى غيره عن الجامع
أنه ذكره كما سمعت، على أنه لا بعد فيه مع إرادة المقعد ونحوه من الشيخ، إذ لا ريب
في عدم صدق السليم عليه، والله أعلم.
(و) كذا يعتبر أن (لا) يكون (بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين) فإن
كان سقطت إجماعا بقسميه ونصوصا، وهي الحجة على ما عن الحسن من وجوب الحضور
على من إذا غدا من أهله بعد صلاة الغداة أدرك الجمعة الذي يرجع إليه أو يقرب منه
ما عن ابن الجنيد من وجوب السعي على من يصل إلى منزله إذا راح منها قبل خروج
نهاره إن لم يرجعا إليهما بإرادة مقدار الفرسخين فما دون من ذلك، كقول أبي جعفر
(عليه السلام) (1): " الجمعة واجبة على من إن صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة، وكان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما يصلي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا
قضوا الصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجعوا إلى رحالهم قبل الليل، وذلك
سنة إلى يوم القيامة " المراد منه ذلك بشهادة قوله (عليه السلام) في حسن ابن مسلم (2)
مع زرارة، وأرسله عنه (عليه السلام) في دعائم الاسلام (3): " تجب الجمعة على من كان منها على
فرسخين إذا كان الإمام عدلا " الظاهر في سقوطها عمن زاد على ذلك كما صرح به الرضا
(عليه السلام) في المروي (4) عن العلل والعيون " إنما تجب الجمعة على من كان منها

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 5 - 4
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 5 - 4
(3) المستدرك - الباب - 4 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 5 - 4
265

على فرسخين لا أكثر من ذلك، لأن ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا أو بريد ذاهبا
وبريد جائيا، والبريد أربعة فراسخ. فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي
يجب فيه التقصير، وذلك أنه يجئ فرسخين ويذهب فرسخين " والصادق (عليه السلام)
في حسن ابن مسلم (1) " تجب الجمعة على من كان منها على رأس فرسخين، فإذا زاد
على ذلك فليس عليه شئ " ورواه في المعتبر والذكرى عنه، وعن حريز عن الصادق
(عليه السلام)، وربما كان النهار تسع ساعات والمشي على تؤدة، إذ من المعلوم عدم
الدواب عند جميعهم، وإن أبيت عن ذلك كله فحمله على الندب متعين، لقوة المعارض
الذي منه ما سمعت من الصحيح والحسن مضافا إلى غيرهما مما ستعرف.
إنما البحث في الوجوب على من كان على رأس فرسخين، فالمشهور بين الأصحاب
نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة بل لا أجد فيها خلافا بين المتأخرين الوجوب، بل في
الخلاف والغنية وشرح نجيب الدين وظاهر المنتهى وكشف الحق الاجماع عليه، وهو
مع الصحيحين والمرسل وخبر العلل والعيون والاطلاقات الحجة على ما عن الصدوق وابن
حمزة من العدم واختصاص الوجوب على من كان دونهما، بل عن أمالي الأول منهما
أنه من دين الإمامية، لما مضى من قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة وحسنه (2)
" وضعها عن تسعة - إلى قوله عليه السلام - ومن كان على رأس فرسخين " وقول أمير المؤمنين
(عليه السلام) في الخطبة (3) مثل ذلك، ولا يخفى ضعفه عن المقاومة من وجوه، فيمكن
حمله - كفتوى الصدوق سيما مع وصفه بدين الإمامية ولم نجد له موافقا إلا ابن حمزة،
وأما ابن إدريس فالمحكي عن سرائره مضطرب، بل هو إلى المشهور أقرب منه إلى غيره -
على إرادة الزائد من الفرسخين، سيما والكون عليهما من غير زيادة ونقيصة من الأفراد

(1) الوسائل - 4 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 6
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 6
266

النادرة التي لا يحمل عليها الاطلاق، لا أقل من الشك فيشمله إطلاق ما دل على وجوب
الجمعة، والأمر سهل هذا.
وفي الروضة في شرح قوله في اللمعة: " وتسقط عمن بعد بأزيد من فرسخين "
قال " والحال أنه يتعذر عليه إقامتها عنده أو فيما دون فرسخ، قيل: وقضية ذلك أنه
لا يجب عليه السعي في تحصيل الجمعة أزيد من فرسخ، أما لو كانت متعددة قائمة لزمه
الحضور إلى فرسخين، وهذا التفصيل ليس له أثر في كتب الأصحاب، والموافق له
أن يقول أو فيما دون أزيد من فرسخين " قلت: يمكن أن يريد التعذر عنده أو فيما دون
فرسخ من مكانه الذي هو فيه بالنسبة إلى الجمعة المعقودة، ضرورة أن تمكنه من عقده
في الأزيد من ذلك موجب لعقد الجمعتين في الأقل من فرسخ، وهو غير جائز، فسقوط
السعي عنه حينئذ إلى الجمعة المعقودة لكون المفروض بعده عنها بأزيد من فرسخين،
وسقوط غيرها عنه لتعذره عليه بحيث لا ينعقد جمعتان في أقل من فرسخ، بل ينبغي
الجزم بإرادته ذلك وإن قصرت عبارته، إذ احتمال عدم وجوب العقد في الزائد عن
فرسخ مع أنه مما لا نص ولا فتوى به وعدم انعقاد الجمعتين في الأقل من فرسخ
لا يقتضيه قطعا، فتأمل جيدا.
وكيف كان ففي التذكرة وعن نهاية الإحكام وكشف الالتباس وظاهر إشارة
السبق تحديد البعد المزبور من منزله والجامع لا بين البلدين، بل عن الأولين فلو كان
بين البلدين أقل من فرسخين وبين منزله والجامع أزيد من فرسخين فالأقرب السقوط
لأنه المفهوم من كلام الباقر والصادق (عليهما السلام)، قلت: يمكن أن يكون الدار
على مكان البدن ومكان المصلين فعلا لا البلدين ولا المنزل ولا الجامع ونحوه، وانسياق
الوطن من النصوص إنما هو لغلبة كونه فيه، ولعل ذلك هو الظاهر من المتن وغيره ممن
عبر كعبارته، بل هو الظاهر من النصوص، قال في كشف اللثام: وإنما تعتبر المسافة
267

بين الموضع الذي هو فيه وموضع الصلاة، لا البلدين ولا مكانه والجامع كما في التذكرة
ونهاية الإحكام، فلو كان بينه وبين بعض الجماعة أقل من فرسخين وبينه وبين الآخرين
أزيد وجب عليه الحضور، فإنه المفهوم من كونه منها على رأس فرسخين أو أكثر،
وهو جيد جدا، بل قد يؤيده ما ستعرف من الاجماع على وجوبها عينا على البعيد بالقدر
المزبور لو كان حاضرا، وما هو إلا لعدم صدق البعد المزبور، ولو كان المعتبر الوطن
كان كغيره من ذوي الأعذار الذين ستسمع الخلاف فيهم لو كانوا حاضرين، بل كان
المتجه وجوب الجمعة على من كان موطنه غير بعيد عنها بالبعد المزبور لكن كان هو
بعيدا بأزيد من فرسخين وإن كثر ما لم يكن مسافرا، وهو معلوم البطلان، والله أعلم.
(وكل هؤلاء) عدا المجنون ومن لم تكن عبادته من الصبيان شرعية (إذا)
اتفق منهم أو (تكلفوا الحضور) للجمعة المنعقدة بغيرهم صحت منهم وأجزأتهم عن
الظهر بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، بل في
المحكي عن المنتهى " لا خلاف في إجزائها للمسافر والعبد " وفي كشف اللثام " لا خلاف
في جواز صلاة النساء الجمعة إذا أمن الافتتان والافتضاح وأذن لهن من عليهن استئذانه
وإذا صلينها كانت أحد الواجبين تخييرا " بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، مضافا إلى
ما تسمعه من الاجماعات وغيرها مما يدل على الوجوب والانعقاد المستلزمين للاجزاء
ضرورة، وقال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر سماعة (1) المروي عن الأمالي وثواب
الأعمال والمجالس " أيما مسافر صلى الجمعة رغبة فيها وحبا لها أعطاه الله عز وجل أجر
مائة جمعة للمقيم " وقد حكي الاجماع على عدم وقوع الجمعة مندوبة، بل متى جازت
أجزأت وكانت أحد الفردين، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، كما أنه يمكن القطع به

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
268

من ملاحظة النصوص، وقال أبو الحسن (عليه السلام) في خبر أبي همام (1): " إذا
صلت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها، وإن
صلت في المسجد أربعا نقصت صلاتها، لتصل في بيتها أربعا أفضل " والنقصان بالصاد
كالصريح في الاجزاء، وفي المحكي عن نهاية الإحكام أن صلاة الجمعة أكمل في المعنى
وإن كانت أقصر في الصورة، فإذا أجزأت الكاملين الذين لا عذر لهم فلان يجزي
أصحاب العذر أولى، وأخبار السقوط (2) عن هؤلاء المتقدمة سابقا إن قلنا إن ظاهرها
الرخصة في الترك على وجه يجوز لهم الفعل كانت حينئذ دالة على المطلوب لا منافية له،
وإن قلنا إنها مع ضم بعضها إلى بعض وخبر حفص (3) واتفاق الأصحاب وغير ذلك
ظاهرة في إرادة سقوط السعي إليها لا الجمعة نفسها فالاطلاقات حينئذ دالة على وجوبها
عينا فضلا عن إجزائها، على أنه لو سلم ظهورها في سقوط نفس الجمعة عنهم على وجه
لا يندرجون في إطلاقات الوجوب في هذا الحال كان الاجماع المزبور كافيا في إثبات
المشروعية، على أن الاطلاقات غير منحصرة فيما يدل على الوجوب المنافي للسقوط
المزبور، بل فيها ما لا ينافيه كما لا يخفى على من لاحظها.
ومن ذلك كله يظهر لك ضعف ما في كشف اللثام من احتمال العزيمة في السقوط
المذكور فيما عدا البعيد منهم، وما في المدارك من أن ظاهر المصنف في المعتبر عدم جواز
الجمعة للمرأة، وهو متجه لولا رواية أبي همام المتقدمة، على أن ما نسبه إلى ظاهر المعتبر
لم نتحققه، بل لعل الظاهر خلافه، وإنما فيه نفي الوجوب عليها كما لا يخفى على من
لاحظه، نعم قد يحتمل ذلك في خصوص المسافر، لقول الصادق (عليه السلام) في

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجمعة
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
269

صحيح ربعي والفضيل (1): " ليس في السفر جمعة ولا فطر ولا أضحى " وفي صحيح
ابن مسلم (2) " صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة " وفي صحيحه (3) أيضا
" سألته عن صلاة الجمعة في السفر فقال: يصنعون كما يصنعون في الظهر في غير يوم الجمعة
ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة، وإنما يجهر إذا كانت خطبة " ونحوه صحيح جميل (4)
لكن يمكن إرادة الرخصة من الأمر الوارد في مقام توهم الحظر ونفي التعيين من
الصحيح الأول، وإرادة عقد جمعة للمسافرين بناء على عدم جوازه كما ستسمع لا دخولهم
تبعا، والحمل على التقية بقرينة النهي عن الجهر وغير ذلك.
وعلى كل حال فلا ينبغي التأمل في أصل المشروعية، بل الأقوى الوجوب عينا
على المكلفين منهم لو حضروها مطلقا وفاقا لصريح التهذيب والنهاية والكافي والغنية
والسرائر ونهاية الإحكام وغيرها على ما حكي عن بعضها، بل هو كالصريح ممن علق
الوجوب على حضورهم، ضرورة إرادة الوجوب عينا، إذ احتمال التخييري كما في كشف
اللثام دفعا لاحتمال العزيمة وعدم الانعقاد في غاية الضعف بل واضح الفساد، ضرورة
ثبوت ذلك لهم قبل الحضور، فلا ريب حينئذ في أن ذلك هو المشهور، بل في ظاهر
الغنية أو صريحها الاجماع عليه، وفي التذكرة " ولا يشترط أي في العدد الصحة ولا
زوال الموانع من المطر والخوف، فلو حضر المريض أو المحبوس لعذر المطر أو الخوف
وجبت عليهم وانعقدت إجماعا " وفي المدارك " لا خلاف في وجوبها على البعيد مع
الحضور " وفي المحكي عن المنتهى " أنه تجب على المريض وتنعقد به إذا حضر عند أكثر
أهل العلم " وفيه أيضا " أنه لا خلاف فيه في الأعرج، وكذا من بعد بأزيد من فرسخين "
وفي جامع المقاصد " لو حضر أحد هؤلاء في موضع إقامة الجمعة وجبت عليه وانعقدت به

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب 73 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 9 - 8
(3) الوسائل - الباب 73 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 9 - 8
(4) الوسائل - الباب 73 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 9 - 8
270

بحيث يعتبر في العدد بغير خلاف في غير المسافر " لكن قال: " وينبغي أن يستثنى
المريض إذا شق عليه الانتظار مشقة شديدة، ولو لزم زياد المرض فبطريق أولى،
وكذا الهم " ثم حكى الخلاف في الانعقاد في العبد، كما أنه بعد بأوراق جزم بعدم
الوجوب على المرأة أيضا، وفي المفاتيح " الذين وضع الله عنهم الجمعة متى حضروها
لزمهم الدخول فيها كما ورد النص في بعضهم معللا، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك فيما
سوى المرأة " وفي الرياض " أما وجوبها على من عدا الصبي والمجنون والمرأة فهو المشهور
على الظاهر المصرح به في كلام بعض " وعن ظاهر الغنية الاجماع عليه مطلقا كما هو
ظاهر الايضاح وشرح القواعد للمحقق الثاني لكن فيمن عدا العبد والمسافر، والمنتهى
في المريض خاصة، وصريحه في الأعرج، وإن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد ما سمعت،
بل لا أجد فيه خلافا محققا معتدا به فيما عدا المرأة والمسافر والعبد، وما عن مهذب
القاضي " ويجب صلاتها على العقلاء من هؤلاء إذا دخلوا فيها وتجزيهم إذا دخلوا فيها
وصلوها عن صلاة الظهر " وفي شرح جمل العلم والعمل له أيضا " وجميع من ذكرنا
سقوطها عنهم فأولوا العقد إذا دخلوا فيها وجبت عليهم بالدخول فيها وأجزأتهم صلاتها
عن صلاة الظهر " يمكن إرادته الحضور من الدخول فيها لا نفس الفعل وإن احتمله
في كشف اللثام.
وأما ما عن المبسوط والاصباح من أنهم إن حضروا الجمعة وتم بهم العدد وجبت
عليهم فظاهر الدلالة على المطلوب، ضرورة أولوية الوجوب عليهم مع الانعقاد بغيرهم
منه، ومن هنا يعلم أن مراده بما حكي عنه أيضا فيه من أن أقسام الناس في الجمعة خمسة:
من تجب عليه وتنعقد به، وهو الذكر الحر البالغ العاقل الصحيح السليم من العمى والعرج
والشيخوخة التي لا حراك معها الحاضر ومن هو بحكمه، ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به
وهو الصبي والمجنون والعبد والمسافر والمرأة لكن يجوز لهم فعلها إلا المجنون، ومن
271

تنعقد به ولا تجب عليه، وهو المريض والأعمى والأعرج ومن كان على أكثر من
فرسخين، ومن تجب عليه ولا تنعقد به، وهو الكافر لأنه مخاطب بالفروع عندنا،
ومن اختلف فيه عدم وجوب السعي إليها لا عدم وجوبها عينا لو حضروها، خصوصا
بقرينة ذكره من كان على أكثر من فرسخين الذي لا تأمل في الوجوب عليه مع الحضور
بل لعله خارج عن موضوع المستثنى بناء على ما سمعت من إرادة مكانه لا رحله، بل
لا خلاف معتد به محقق أجده في المرأة من غير المصنف وأول الشهيدين وثاني المحققين
وبعض من تأخر عنهم، بل المصرح به أو كالمصرح به في التهذيب والنهاية والكافي
والغنية والإشارة والسرائر والتحرير والمنتهى الوجوب عليها لو حضرت على ما حكي
عن بعضها، بل هو ظاهر غيرها أيضا، بل هو من معقد إجماع الغنية أيضا، بل في
كشف اللثام عن معتبر المصنف وتذكرة الفاضل التردد فيه لا الخلاف، لكن الذي
وجدته في الأول بعد أن حكى عن الشيخ الاحتجاج على الوجوب الشامل للامرأة بخبر
حفص (1) الذي ستسمعه، قال: وما تضمنه من الوجوب على المرأة مخالف لما عليه
اتفاق فقهاء الأمصار، فلا عبرة بالرواية، إلا أنه من الغرائب، ضرورة أن العكس
مظنة اتفاق فقهاء الأمصار لا عدم الوجوب، ويقرب منه ما في المدارك من أن الحق
انتفاء الوجوب العيني قطعا بالنسبة إلى كل من سقط عنه الحضور، وأما الوجوب
التخييري فهو تابع لجواز الفعل، فمتى ثبت الجواز ثبت الوجوب، ومتى انتفى انتفى،
ونحوهما ما عن مبسوط الشيخ من نفي الخلاف من عدم الوجوب على المسافر والعبد مع
أنا لم نجد موافقا له على ذلك سوى ما عن الوسيلة والاصباح معه احتمالهما عدم وجوب
الحضور، ولعله مراده بقرينة نفي الخلاف، خصوصا وهو ممن قد صرح بالوجوب

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
272

عليهما في التهذيب والنهاية على ما حكي عن أولهما كالكافي والسرائر والغنية والإرشاد
والتلخيص والنافع وشرحه والجامع وغيرها على ما حكي عن بعضها.
ومن ذلك كله بأن لك ضعف الخلاف في الجميع، فما في فوائد الشرائع وحاشية
الإرشاد - من أن أكثر الأصحاب على عدم وجوبها على المسافر والاجماع على عدمه في
العبد - من الغرائب، بل مما ذكرنا يظهر لك الخلل في جملة من المصنفات، بل منه بأن
لك أنه لا وجه للقدح في الاستدلال بخبر حفص على المطلوب بالجهالة في سنده بعد انجباره
بما عرفت، مع أن حفصا وإن كان عامي المذهب لكن له كتاب معتمد " ست " وعن
الشيخ في العدة " أنه عملت الطائفة بما رواه حفص عن أئمتنا ولم ينكروه، ولم يكن عندهم
خلافه، بل إمارات متعددة تشهد بصحة الخبر المزبور " قال فيه: " سمعت بعض مواليهم
يسأل ابن أبي ليلى عن الجمعة هل تجب على المرأة والعبد والمسافر؟ فقال ابن أبي ليلى:
لا تجب الجمعة على واحد منهم ولا الخائف، فقال الرجل: فما تقول إن حضر واحد
منهم الجمعة مع الإمام فصلاها معه هل تجزيه تلك الصلاة عن ظهر يومه؟ فقال: نعم،
فقال له الرجل: فكيف يجزي ما لم يفرضه الله عليه عما فرضه الله عليه؟ وقد قلت: إن
الجمعة لا تجب عليه ومن لم تجب عليه الجمعة فالفرض عليه أن يصلي أربعا، ويلزمك فيه
معنى أن الله فرض عليه أربعا فكيف أجزأ عنه ركعتان، مع ما يلزمك أن من دخل
فيما لم يفرضه الله عليه لم يجز عنه مما فرضه الله عليه، فما كان عند ابن أبي ليلى فيها جواب
وطلب إليه أن يفسرها له فأبى، ثم سألته أنا عن ذلك ففسرها لي، فقال: الجواب
عن ذلك أن الله عز وجل فرض على جميع المؤمنين والمؤمنات ورخص للمرأة والمسافر
والعبد أن لا يأتوها، فلما حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأول، فمن أجل
ذلك أجزأ عنهم، فقلت: عمن هذا؟ فقال: عن مولانا أبي عبد الله (عليه السلام) ".
بل منه يعلم أن المراد سقوط السعي من نصوص الرخصة وإن عبر في بعضها
273

بسقوط الجمعة إلا أن المراد منه عدم الوجوب عينا في هذا الحال، فلا يجب عليهم السعي
بل هو مقتضى ضم بعضها إلى بعض واشتمالها على من كان على رأس فرسخين، واحتمال
أن المراد الرخصة مطلقا المقتضية للتخيير ولو حال الحضور يدفعه اشتمال أكثرها على
المجنون الذي لا يصلح فيه ذلك، نعم يجامع غيره في صدق عدم وجوب السعي، وحينئذ
فإطلاق ما دل على وجوب الجمعة صالح لتناول هذه الأفراد في حال الحضور، على أنه
لو كان المراد سقوطها مطلقا أمكن الاشكال في أصل الاجزاء إلا بدعوى ظهور نصوص
السقوط في ذلك، أو دعوى الاستناد إلى إطلاقات لا تقتضي الوجوب، ولا داعي
إلى هذا التكلف، وفي قرب الإسناد للحميري عن عبد الله بن الحسن عن جده عن علي
ابن جعفر (1) أنه سأل أخاه (عليه السلام) " عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين
والجمعة ما على الرجال؟ فقال: نعم " وخبر أبي همام (2) المتقدم يراد منه أفضلية اختيار
الصلاة في البيت، فلا ينافي الوجوب العيني لو حضرت، ونصوص المسافر السابقة لا بد
من حملها على ما إذا لم يكن قد حضر الجمعة أيضا، فاتضح بحمد الله وجه الوجوب عينا
على الجميع عدا الصبي والمجنون.
بل قد يقال بالوجوب الشرطي في الأول بمعنى أنه لا يشرع منه صلاة الظهر،
لأن الثابت في حقه ما يصح من البالغ في ذلك الحال، والفرض عدم صحة غير الجمعة،
نعم سقط عنه السعي إليها بالنصوص، فيشرع منه الظهر كغيره من البالغين ممن تسقط
عنهم مع عدم الحضور، أما معه فليس من البالغ من تسقط عنه، كما أنه ليس في الأدلة
ما يقضي بمشروعية الظهر له في هذا الحال، وأخبار السقوط أعم من ذلك كما عرفت،
أما الانعقاد بهم ففي كشف اللثام " كأنه لا خلاف فيه فيمن عدا المسافر والعبد والمرأة

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
274

وغير المكلف إلا الهرم الذي لا حراك به، فلم يعد في شئ من المبسوط والوسيلة
والاصباح ممن تنعقد بهم مع تعرضهم لعدم الوجوب عليه - إلى أن قال -: ولعلهم
أدرجوه في المريض أن جعلوا صلاته لأنه لا حراك به مما لا عبرة بها لعدم الركوع
والسجود فيها إلا إيماء " وفي المدارك " اتفق الأصحاب على الانعقاد بالعبد (بالبعيد خ ل)
والمريض والأعمى والمحبوس بعذر المطر ونحوه مع الحضور كما نقله جماعة " وفي التذكرة
وعن المنتهى ما سمعته، وفي الخلاف " تنعقد بالمريض بلا خلاف " وفي الرياض
" لا خلاف ظاهرا في انعقادها فيمن عدا العبد والمسافر " وفي ظاهر الغنية أو صريحها
الاجماع على الانعقاد بالمسافر والعبد، وفي الذكرى " الظاهر أن الاتفاق واقع على
صحتها بجماعة المسافرين وإجزائها عن الظهر " ولعله الظاهر من كشف اللثام أيضا.
قلت: قد صرح بانعقادها بالمسافر والعبد، مضافا إلى ما عرفت في الخلاف
والسرائر والمعتبر والمنتهى والإرشاد والتلخيص وغيرها على ما حكي عن بعضها، وهو
الأقوى خصوصا بناء على أن الساقط عنهم السعي إليها لا الجمعة مطلقا، فيشملهم
حينئذ نصوص الانعقاد بالسبعة ونحوهم، بل مقتضاها حينئذ تعين العقد عليهم، إلا أنه
قد يقوى في النظر تخييرهم في ذلك للأصل، وظهور خبر حفص في حضور الجمعة المنعقدة
بغيرهم، وظهور نص السبعة مثلا في إرادته من حيث العدد لا أي عدد كان، بل قد ينقدح
من ذلك الاشكال في أصل العقد بهم، لعدم دليل صالح عليه، والوجوب حال الحضور
أعم من العقد.
وكيف كان فاصل العقد بهم على التخيير أو التعيين جائز، خلافا للمبسوط
والوسيلة والاصباح والمختلف كما حكي عنها، بل عن الأول نفي الخلاف عنه ولعله للأصل
المقطوع بالاطلاق، ولأن الاعتداد بالعبد يوجب التصرف في ملك الغير بغير إذنه،
وهو قبيح، ولا فارق بين الأصحاب بينه وبين المسافر لتساويهما في العلة، مع أنها لو
275

انعقدت بالمسافر لزم تعينها عليه، لأن العدد إن اجتمعوا مسافرين انعقدت بهم، وإذا
انعقدت وجبت، والاجماع على خلافه، كما أنها لو انعقدت بالعبد لانعقدت بهم
منفردين، ولأنهما ليسا من أهل فرضها كالصبي، فلا تنعقد به، والأول مع أنه لا يتم
مع الإذن يمكن منع اعتبارها في الفرائض، فللعبد صلاة الفريضة أول وقتها أينما أدركته
إذا لم تخل بحق للمولى ولم ينهه، والانعقاد أعم من الوجوب عينا الذي يمكن تسليم
الاجماع على نفيه فيهما، أما عدم الجواز منفردين فمنعه واضح، بل قد عرفت ظهور
الاتفاق من الذكرى وكشف اللثام عليه مؤيدا بما عساه يظهر من الأصحاب، إذ لا فرق
بين إتمام العدد بهم وبين كونهم تمام العدد، فما أطنب به الأستاذ الأكبر في شرح
المفاتيح من عدم الجواز للمسافرين منفردين لا يخلو من نظر.
وعلى كل حال فلا تلازم بين الانعقاد بهم والوجوب عينا، نعم ربما ادعي لزوم
الوجوب عينا للانعقاد مع أنه لا يخلو من نظر أيضا، ضرورة إمكان اختصاصه بحضور
الجمعة المعقودة بغيرهم، لصدق حضور الجمعة حينئذ كالامرأة، فإنه يجب عليها عينا
لو حضرت ولا تنعقد بها، والفرق بينهما وبين الصبي واضح، إذ هما من أهل وجوبها
إذا حضرا، بخلافه لعدم التكليف، وخلاصة البحث أنه منصوص الوضع عن هؤلاء
المتقدمين، منها ما تضمن نفي السعي ونحوه، ومنها ما تضمن سقوط الجمعة، ولا تنافي
بينهما، بل الأول منهما لازم للثاني، نعم كان المتجه السقوط عنهم مطلقا وإن حضروا
عملا بالاطلاق، إلا أن خبر حفص وما سمعته سابقا ظهر منه بقاء هذا الحال مندرجا
تحت إطلاق الأدلة، أما غيره من الأحوال فعلى إطلاق السقوط، ومنه حينئذ عقدهم
الجمعة بأنفسهم، فلا دليل حينئذ على وجوبه عليهم، ضرورة تقييد إطلاق الوجوب
بما دل على السقوط، بل لولا ظهور الاتفاق المتقدم المتمم بعدم القول (القائل خ ل)
بالفصل وبعض الاطلاقات الدالة على المشروعية كقوله: " إني لأحب " ونحوه،
276

واحتمال استفادة الرخصة من أخبار السقوط وغير ذلك مما سمعته سابقا لا شكل الحكم
بالجواز فضلا عن الوجوب عينا كما في المدارك، بل جزم بعدمه الأستاذ الأكبر في شرح
المفاتيح في جماعة المسافرين مؤيدا له بالنصوص السابقة المتضمنة أن صلاة السفر الظهر
التي قد عرفت المراد منها، إلا أنه لا يخفى ضعفه.
كما أنه لا يخفى عدم الفرق بين إتمام العدد بهم وبين كونهم بعض العدد إلا في
الوجوب عينا على الحاضر معهم من غير ذوي الأعذار مع الاتفاق على العقد،
ولكن مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه، بل هو كاللازم، إذ من المحتمل عكس
الاستدلال السابق بدعوى تحكيم إطلاق ما دل على وجوب الجمعة خرج منه ما احتاج إلى
السعي، فيبقى غيره تحت الاطلاق المزبور، فيجب مع حضور المعقودة أو مع التمكن
من العقد، فتأمل جيدا.
ولو حضر ذووا الأعذار تباعدوا ففي صحة الظهر منهم قبل فوات الجمعة كما
إذا لم يحضروا إشكال، أقواه السقوط وإن أثموا، ثم لا ريب في صدق حضور الجمعة
إذا وجدوا بعد العقد، بل وفي حال الشروع بالإقامة بل وفي حال الشروع بالخطبتين
بل وعند التهيؤ، بل قد يقوى ذلك وإن كان قبل الزوال بيسير، والمدار فيه على العرف
ومع الشك فإطلاق السقوط محكم كما عرفت، فتأمل جيدا.
هذا كله في غير المرأة والصبي للاجماع على عدم الانعقاد بالأولى في التذكرة
وغيرها، بل يمكن تحصيله مع اختصاص الرهط والنفر والقوم بل والخمسة والسبعة لتذكير
المميز في نصوص العقد بغيرها، لكن في كشف اللثام " في نسخة للغنية عندنا وقد
قرأها المحقق الطوسي على الشيخ معين الدين المصري وتنعقد بحضور من لم يلزمه من
المكلفين كالنساء، وكتب المصري على الحاشية الصواب إلا النساء " قلت: كما هو
الموجود فيما حضرني من نسختها، وأما الصبي ففي كشف اللثام كأنه لا خلاف في عدم
277

انعقاد جمعة البالغين به وبالمجنون عندنا، وعن الشافعي قول بالانعقاد بالصبي المميز،
وفي المبسوط نفي الخلاف عن العدم منا ومن العامة، قلت: وإن قلنا بشرعية عبادة
الصبي وانعقاد الجماعة في غيرها به، إلا أنه لا يخفى انسياق نصوص من تنعقد به إلى
غيره، كما هو واضح، نعم قد يقال على إشكال بانعقاد جمعة لغير البالغين في مثل أزمنة
التخيير، لعموم ما دل على مشروعية سائر عبادات البالغين، ومنها الجمعة، والاجماع
إنما هو على عدم انعقاد جمعة البالغين به بأن يكون مكملا للعدد، فتأمل جيدا، اللهم
إلا أن يكون الأطفال يشاركون البالغين في عباداتهم ما لم تشترط بشرط لا يمكن حصوله
لغير البالغين كالعدالة التي هي شرط في الإمامة، ووقوعها في غير الجمعة إن ثبت بإجماع
ونحوه وإلا كان ممنوعا، والاستناد فيه إلى بعض النصوص الظاهرة (1) في جواز
إمامة غير البالغ استناد إلى المؤل الذي هو غير حجة، ضرورة ظهورها في إمامته للبالغين
وعلى كل حال بناء على الجواز اعتبار ما يشبه العدالة في إمامة الطفل بأن يكون متجنبا
كبائر البالغين، والاصرار على صغائرهم وكل ما يجب على الولي منعه منه مما فيه فساد
النظام وجه قوي، والله أعلم.
ومن ذلك كله ظهر لك ما في قول المصنف جوابا للشرط السابق: (وجبت
عليهم الجمعة وانعقدت بهم سوى من خرج عن التكليف والمرأة، وفي العبد تردد)
وما له وعليه ووجه تردده سواء كان في العقد أو الوجوب أو فيهما.
كما أنه بان لك منه من تجب عليه وتنعقد به، ومن تجب عليه ولا تنعقد به،
وبالعكس لكن بمعنى عدم وجوب الحضور، ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به (و) أما
من تجب عليه ولا تنعقد به (إذا حضر) ف‍ (الكافر) والملحق به فإنها (لم تصح
منه ولم تنعقد به وإن كانت واجبة عليه) عندنا كما هو واضح، وأوضح منه عندنا ما في

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 3 و 8
278

المتن (و) غيره من أنها (تجب) أي (الجمعة على أهل السواد) أي القرى (كما تجب
على أهل المدن مع استكمال الشرائط) إذ لا خلاف أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه
عليه، كما أن النصوص دالة عليه عموما وخصوصا، كخبر الفضل بن عبد الملك (1)
عن الصادق (عليه السلام)، ومفهوم قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر ابن مسلم (2)
وغيرهما من النصوص المتقدمة في الأبحاث السابقة، وكأن ذكر المصنف وغيره له لخلاف
أبي حنيفة فيه الذي اتقى منه الصادق (عليه السلام) في ضعيف حفص بن غياث (3)
" ليس على أهل القرى جمعة، ولا خروج في العيدين " كضعيف طلحة بن زيد (4)
عنه عن أبيه أمير المؤمنين (عليهم السلام) " لا جمعة إلا في مصر تقام فيه الحدود "
وفي كشف اللثام " احتمال الأول أنه ليس عليهم ذلك، لأن العامة يرون السقوط عنهم
فالعامة من أهل القرى لا يفعلون، وليس على المؤمنين منهم تقية " قلت: وأولى منه
احتمال كون ذلك لفقد اجتماع الشرائط التي منها وجود النائب الذي لم يتعارف وجوده
في كل قرية قرية " واحتمال الثاني أن الجمعة لا تقبل أولا تكمل إذا أخل بإقامة الحدود "
قلت: وأولى منه إرادة الكناية بذلك عن ظهور اليد والسلطنة، والأمر سهل
بعد ما عرفت.
(وكذا) تجب (على ساكني الخيم كأهل البادية إذا كانوا قاطنين) مستكملين
الشرائط للعموم المعتضد بظاهر الفتاوي التي يمكن تحصيل الاجماع منها سوى ما عن
المبسوط " لا تجب على البادية لأنه لا دليل عليه، ولو قلنا إنها تجب عليهم إذا حضر
العدد لكان قويا " وما استظهره الفاضل والشهيد من ابن أبي عقيل كما قيل " إن الجمعة
فرض على المؤمنين حضورها مع الإمام في المطر الذي هو فيه، وحضورها مع أمرائه

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 1 - 4 - 3
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 1 - 4 - 3
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 1 - 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 1 - 4 - 3
279

في الأمصار والقرى النائية عنه " مع أنه لا ظهور معتد به في عبارة الثاني منهما في شرطية
المصر والقرية، والأول بعد تسليم الظهور متردد كما حكاه عنه في كشف اللثام، قال:
من عدم الدليل ومن عموم الأخبار، وهو كما ترى ضرورة أن العموم أحد الأدلة
والخيم جمع خيمة بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر كما عن الصحاح والمصباح،
وعن ابن الأعرابي " الخيمة عند العرب لا تكون من ثياب، بل من أربعة أعواد ثم
تسقف بالثمام (1)، والجمع خيمات وخيم " وعن القاموس " الخيمة كل بيت مستدير
أو ثلاثة أعواد أو أربعة يلقى عليها الثمام ويستظل بها في الحر، وكل بيت بني من عيدان
الشجر " وكيف كان فالظاهر إرادة الأعم، كما أن الظاهر إرادة عدم السفر ونحوه من
القطن في المتن الذي عبر عنه غيره بالاستيطان، بل نسب إلى قطع الأكثر، لكن في
التذكرة " لا يشترط استيطانهم شتاء وصيفا في منزل واحد " ولعله ليس خلافا،
فالأولى إناطة وجوب الجمعة عليهم بصلاتهم تماما، فتأمل، وفي التذكرة " ولو استوطنوا
منزلا ثم سافروا عنه إلى مسافة بعد عشرة أيام فصاعدا لم تجب عليهم الجمعة في المسافة
والمقصد معا، ولو أقاموا دون عشرة أيام ثم سافروا عنه إلى المسافة فالوجه وجوبها عليهم
في المسافة والمقصد لوجوب الاتمام عليهم " وإن كان فيه إشكال ينشأ من مفهوم
الاستيطان هل المراد منه المقام أو ما يجب فيه التمام، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (هنا مسائل، الأولى من انعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة)
للأصل، ولاشتراط الحرية، واستصحاب السقوط والتكليف بالظهر (بل لو هاياه
مولاه لم تجب عليه الجمعة ولو اتفقت في يوم نفسه على الأظهر) الأشهر بل المشهور كما
عن الجواهر المضيئة. وقول أكثر أهل العلم كما عن المنتهى، بل اقتصر غير واحد على

(1) بالثاء المثلثة هو ورق الشجر
280

نسبة الخلاف إلى المبسوط، بل لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين، نعم عن المبسوط
الوجوب، لأنه ملك نفسه في ذلك اليوم، ووافقه الجزائري في شافيته، واستحسنه في
موضع من المدارك قال الشهيد: ويلزمه مثله في المكاتب وخصوصا المطلق، وهو بعيد
لأن مثله في شغل شاغل، إذ هو مدفوع في يوم نفسه إلى الجد في الكسب لنصفه الحر
فالزامه بالجمع حرج عليه، قلت: مضى عن المبسوط وغيره السقوط بمثل التجهيز والمطر،
وقد لا يقصر عنهما ما ذكر، فلا نلزمه بها، وفي موضع آخر من المدارك بعد أن حكى
عن المبسوط ما سمعت قال: وهو توجيه ضعيف، والحق أنه إن ثبت اشتراط الحرية
انتفى الوجوب على المبعض مطلقا، وإن قلنا باستثناء العبد خاصة ممن تجب عليه الجمعة
كما هو مقتضي الأخبار اتجه القول بوجوبها عليه مطلقا.
قلت: يمكن استفادة اشتراطها من معاقد بعض الاجماعات المعتضدة بالفتاوى
وإن كان فيه ما عرفت، كما أنه يمكن القول بالسقوط للاستصحاب وإن لم يثبت اشتراط
الحرية، والاستصحاب الخاص مقدم على العام بعد تسليم اندراجه فيه، وأنه لم يرجع
العام بالتخصيص إلى ما لا يندرج فيه ذلك كما لم يندرج في الخاص، وعدم صدق اسم
العبد عليه لا ينافي ثبوت الحكم عليه من حيث الاستصحاب بعد عدم الظهور من لفظه في
اشتراط رقية الجملة في السقوط، وليس ذا من تغير الموضوع، بل هو أشبه شئ بتغير
الأحوال، ولعله من هنا اتفق الأصحاب على الظاهر على السقوط في غير يومه، بل
عدا من عرفت عليه مطلقا، إذ احتمال أنه من جهة بقائه تحت أمر السيد مع أنه مندفع
في فرض المهاياة وفي فرض الإذن وفي غير ذلك يدفعه أنه لا يحتاج إلى الإذن مع اندراجه
في العمومات، بل لا أثر للنهي كغيرها من الواجبات العينية، وعلى كل حال فالقول
بالسقوط لا يخلو من قوة، إلا أن الاحتياط مع إمكانه لا ينبغي تركه، وقد ظهر لك
من ذلك الحال في الانعقاد وعدمه على تقدير الوجوب وإن لم نقل انعقادها بالعبد،
281

لكن في الذكرى أن فيه الوجهين السابقين.
(وكذا) لا تجب على (المكاتب والمدبر) قطعا. لصدق اسم العبد والمملوك
من غير فرق بين المشروط والمطلق الذي لم يؤد شيئا، وإلا كان من المبعض، والله أعلم.
المسألة (الثانية من سقطت عنه الجمعة) ولم يحضرها (يجوز أن يصلي الظهر في
أول وقتها ولا يجب عليه تأخيرها حتى تفوت الجمعة، بل لا يستحب) بل يستحب
التقديم كغيره من الأيام بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، كما لا إشكال فيه (ولو
حضر الجمعة بعد ذلك لم تجب عليه) لصدق الامتثال حتى لو صلح للخطاب بها، كما لو
أعتق العبد أو برئ المريض أو زال العرج ونحو ذلك، لقاعدة الاجزاء التي لا وجه
معتد به لدفعها باحتمال انكشاف كونه من أهل الجمعة وأن ذلك كان حكما ظاهريا، نعم
استثني من ذلك الصبي إذا صلى الظهر ثم بلغ في وقت الجمعة، فإنها تجب عليه، كما يجب
عليه على ما في الذكرى إعادة الظهر في غير يوم الجمعة لو كان قد صلاها أولا، لتعلق
الخطاب به بعد البلوغ بناء على ذلك، وقد تقدم البحث فيه في المواقيت، فلاحظ وتأمل.
وكذا الخنثى المشكل لو وضحت ذكوريته بعد ما صلى الظهر أعادها جمعة، لأنه قد تبين
أنها فرضه لا الظهر، وقاعدة الاجزاء غير جارية فيه على ما هو التحقيق فيها.
المسألة (الثالثة إذا زالت الشمس لم يجز السفر) ونحوه قبل أدائها (لتعين الجمعة)
عليه بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى عن القطب الراوندي من الكراهة، ولا ريب
في ضعفه، بل يمكن إرادة الحرمة منها كما يومي إليه عدم تعارف نقل خلافه، بل حكى
الاجماع عليه غير واحد، بل يمكن تحصيله، وهو الحجة بعد ظهور الآية (1) وما شابهها
من النصوص (2) في الأمر بترك سائر المنافيات لفعلها، ضرورة عدم الخصوصية للسعي

(1) سورة الجمعة - الآية 9
(2) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب الصلاة الجمعة
282

والبيع ونحوهما في الترك، وخصوصا مع ملاحظة مجموع الآية والاتفاق المزبور معها وما
تسمعه، فليس الحرمة حينئذ مبنية على مسألة الضد التي على القول بها تكون دليلا آخر
بناء على إرادة مطلق المفوت من الضد لا خصوص المنافي عقلا ولو من الشرع كالصلاة
بالنسبة إلى إزالة النجاسة إن قلنا بحرمة إبطالها في هذا الحال أيضا، وحرمة السفر بأول
وقتها وإن لم نقل بتضيقها فيه، لأنه مانع من إقامتها في دوامه، ففيه إسقاط للواجب
بعد حصول سببه، وفي الذكرى ولأن التضيق غير معلوم، فإن الناس تابعون للإمام،
ووقت فعله غير معلوم.
كما أن قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة (1): " لا تسافر يوم
جمعة حتى تشهد الصلاة إلا ناضلا في سبيل الله أو في أمر تعذر به " والنبوي (2) " من
سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره ولا يعان على
حاجته " وقول الصادق (عليه السلام) (3): " إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر
الصبح وأنت في البلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد " بناء على أولوية حرمة السفر
بعد الزوال يوم الجمعة منها بعد الفجر في العيد، وغيرها من النصوص التي سمعتها في
الكراهة قبل الزوال دليل آخر ولو بالانجبار سندا ودلالة بما سمعت، وإن كان مع ذلك
لا يخلو من نظر إلا أنا في غنية عنه بما عرفت، كما أن به يستغنى عن إثبات الحرمة
بالنهي عن الضد كي يرد عليه منع الاقتضاء أولا، وأنه يلزم من تحريمه عدمه ثانيا،
إذ لا مقتضي لتحريم السفر إلا استلزامه لفوات الجمعة كما هو المفروض، ومتى حرم
السفر لم تسقط الجمعة، لأنه سفر معصية، فلا يحرم السفر، لانتفاء المقتضي، فيؤدى

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6
(2) المستدرك - الباب 44 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 مع الاختلاف في اللفظ
(3) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
283

وجوده إلى عدمه فيبطل، وإن كان قد يدفع الأخير بأن هذا السفر وإن لم يكن مفوتا
لخطاب الجمعة لكنه مفوت لفعلها كما هو مبنى الاستدلال على الظاهر فيحرم لذلك،
ومن هنا كان المتجه الجواز فيما إذا أمكنه فعلها في السفر، كما لو سافر على جهة الجمعة أو
عن جمعة إلى جمعة أخرى بين يديه يعلم إدراكها، للأصل، وعدم فوات الغرض، إذ
المكلف به صلاة الجمعة لا جمعة خاصة، وظهور الأدلة في حرمة المفوت المندرج فيه السفر
غالبا الذي ينصرف إليه إطلاق النبوي وغيره بناء على الاستدلال به، نعم الظاهر عدم
الرخصة في الترك لهذا السفر، استصحابا للوجوب الحاكم على إطلاق الرخصة للمسافر،
بل ظاهر تلك النصوص سبق السفر على تعلق الجمعة لا العكس.
ومنه ينقدح عدم السقوط بتجدد سائر الأعذار من العرج ونحوه بعد تعلق
الوجوب، فدعوى أن تجويز السفر في الفرض مما يقتضي وجوده عدمه - لأنه على تقدير
الجواز مقتض لحرمان الجمعة فيكون محرما، وإذا حرم لا يكون مفوتا، لأنه سفر معصية
فيجوز حينئذ، فيفوت فيحرم - واضحة الدفع حينئذ لما عرفت من وجوب الجمعة عليه
عينا، وأنه غير مندرج في أدلة الوضع عن المسافر، قال بعض المحققين: وإلا لكان
السفر جائزا له، وكانت الجمعة موضوعة عنه، ولا إثم عليه في شئ منهما، وهو مخالف
للاجماع، وفيه أنه يمكن القول بالحرمة عليه لاطلاق النهي ونحوه وإن كان لو أثم فسافر
يندرج في الوضع كمن أراق الماء، وليس ذا من سفر المعصية الذي يثبت معه وجوب
الجمعة، بل المراد به المحرم من غير جهة الجمعة، نحو ما لو نذر أن لا يفعل ما ينافي الصوم
فأراد السفر، بل لو قلنا بوجوب الجمعة والصوم وأن سفر المعصية شامل لهما أمكن أن
يقال إن المراد أنه لو لم يكن التحريم لزم الفوات، فثبوت الجمعة من حيث التحريم بسبب
الفوات لا ينافي تعليل عدم الجواز بأن جوازه يستلزم فوات الجمعة، إذ هو ثابت على
تقدير الحرمة أيضا كما في كل علة ومعلول، ومن هنا حكي عن بعض المحققين تقرير
284

الدعوى المزبورة بأنه يلزم تحريم السفر من فرض جوازه، وعدم إمكان الصلاة من
فرض إمكانها.
ومن ذلك كله يظهر لك ما في كشف اللثام من الجواب عن الدعوى المزبورة
بالنقض، وأن الحرمة على تقديرها أيضا مما يستلزم وجودها عدمها، إذ لو حرم لم يمنع
فلا يكون محرما، لأن المحرم المفوت، وفيه ما عرفت إلا أنا في غنية عن ذلك كله بما
سمعت، نعم قد يمنع اقتضاء الجواز الحرمان، إذ أقصاه جواز الترك لا حرمة الفعل،
فمع فرض الصلاة جمعة في الطريق لم يكن عليه إثم بوجه من الوجوه، لعدم الدليل على
حرمة ما يقتضي نقل الوجوب من العيني إلى التخييري مع عدم اختيار الترك بعد
الانتقال، ونية الوجوب على جهة التعيين لم يثبت وجوبها، نعم لو اختار الترك أثم بعدم
امتثال التكليف حال الحضور ولو بالفعل حال السفر الذي كان يقوم مقامه ويجزي عنه
والحاصل أن جواز الترك من حيث السفر لا ينافي الوجوب من حيث العارض، وهو
امتثال التكليف الأول، ومثله لا يعد تقييدا لأدلة الوضع في حال السفر: فتأمل جيدا
فإنه ربما دق. وكيف كان فالأقوى جواز السفر المزبور ووجوب الجمعة خلافا لثاني
الشهيدين وسبطه وبعض من تأخر عنهما.
ثم الظاهر أن اعتبار الزوال في المتن وغيره في الحرمة إنما هو بالنسبة إلى من يجب
عليه السعي قبله كالحاضر في محلها، أما من كان بعيدا عنها بفرسخين فما دون بحيث
لا يمكنه الوصول إليها إلا قبل الزوال فإنه يجب عليه السعي مثله إليها قطعا، وحينئذ
فالظاهر حرمة السفر وغيره مما يمنع فعلها عليه أيضا قبله، إلا أن الظاهر اختصاص ذلك
في وقت الضيق، لعدم الوجوب قبله، فلا بأس بالسفر وغيره فيه، لكن في المدارك
" أنه لو قيل باختصاص تحريم السفر بما بعد الزوال وأن وجوب السعي إلى الجمعة قبله
للبعيد إنما يثبت مع عدم إنشاء المكلف سفرا مسقطا للوجوب لم يكن بعيدا من الصواب "
285

وفيه أن ما دل على وجوب السعي عام ومقدم على إنشاء السفر، فيستصحب حتى يثبت
خلافه، وهو السقوط، ولم يعلم، إذ على تقدير تسليم عموم يشمل الفرد النادر يمكن أن
يقال إن الخاص مقدم عليه، كما أن تعليق الأمر بالسعي على النداء في الآية لا يراد منه
نفي الوجوب عن محل الفرض قطعا.
ومن ذلك كله يظهر لك ما في الذكرى قال: " لو كان بين يدي المسافر جمعة
أخرى يعلم إدراكها ففي جواز السفر بعد الزوال و انتفاء كراهته قبله نظر، من إطلاق
النهي وأنه مخاطب بهذه الجمعة، ومن حصول الغرض، ويحتمل أن يقال إن كانت الجمعة
في محل الترخص لم يجز، لأن فيه إسقاطا لوجوب الجمعة، وحضورها فيما بعد تجديد
للوجوب، إلا أن يقال يتعين عليه الحضور وإن كان مسافرا، لأن إباحة سفره مشروطة
بفعل الجمعة، ومثله لو كان بعيدا بفرسخين فما دون عن الجمعة فخرج مسافرا في صوب
الجمعة فإنه يمكن أن يقال يجب عليه الحضور عينا وإن صار في محل الترخص، لأنه لولاه
لحرم عليه السفر، ويلزم من هذين تخصيص قاعدة عدم الوجوب العيني على المسافر،
ويحتمل عدم كون هذا القدر محسوبا من المسافة، لوجوب قطعه على كل تقدير إما عينا
كما في هذه الصورة، أو تخييرا كما في الصورة الأولى، ويجري مجرى الملك في أثناء
المسافة، ويلزم من هذا خروج قطعة من السفر عن اسمه بغير موجب مشهور، وإن كانت
قبل محل الترخص كموضع يرى الجدار أو يسمع الأذان إن أمكن هذا الفرض جاز "
قلت: إمكانه واضح فيما إذا كان السفر على جهة الجمعة، ولا ينبغي الشك في الجواز في
مثله، لعدم صدق السفر ولو شرعا قبل قطعه، نعم يصعب فرضه فيما إذا كان السفر من
جمعة إلى أخرى.
وعلى كل حال فلا ريب في الجواز، أما إذا كانت خارجة عنه فالبحث السابق
آت في المقام، إذ لا فرق بين كون السفر إلى جهة جمعة أو من جمعة إلى أخرى، إذ
286

المراد إمكان تحصيل الجمعة في سفره كما هو واضح، وقد عرفت إمكان كونه ليس من
التخصيص على تقدير الوجوب، أو أنه لا بأس به، وأما احتمال عدم عده من المسافة
فلا ريب في ضعفه، ضرورة أن الوجوب عليه لا ينافي ذلك وإن تكلف له الأستاذ
الأكبر في شرحه، هذا كله في غير الواجب المضيق من السفر والمضطر إليه على وجه
تسقط له الجمعة كما أومأ إليه خبر النهج (1) أما المندوب فكالمباح.
نعم قد يقال بزوال الكراهة عنه التي أشار إليها المصنف بقوله: (ويكره بعد
طلوع الفجر) ونحوه غيره، بل لا خلاف أجده فيه، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا
وأكثر أهل العلم، بل عن الخلاف والغنية وغيرهما الاجماع عليه، وقال الهادي (عليه
السلام) (2) في خبر السري: " يكره السفر والسعي في الحوائج يوم الجمعة بكرة من
أجل الصلاة، فأما بعد الصلاة فجائز يتبرك به " وعن الرضا (عليه السلام) في المحكي
عن الكفعمي (3) " ما يؤمن من يسافر يوم الجمعة قبل الصلاة أن لا يحفظه الله ولا
يخلفه في أهله ولا يرزقه من فضله " والنبوي (4) المروي عن رسالة ثاني الشهيدين (5)
" من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكان أن لا يصاحب في سفره ولا يقضى له حاجته "
قال: " وجاء رجل إلى سعيد بن المسيب يوم الجمعة يودعه فقال: لا تعجل حتى تصلي
فقال: يفوتني أصحابي ثم عجل فكان سعيد يسأل عنه حتى قدم قوم فأخبروه أن رجله
انكسرت، فقال سعيد: إني كنت لأظن أنه يصيبه ذلك " وروي " أن جبارا
كان يخرج في يوم الجمعة لا يمنعه مكان الجمعة من الخروج فخسف به وببغلته، فخرج الناس
وقد دحيت بغلته فلم يبق منها إلا أذناها وذنبها " وروي " أن قوما خرجوا في

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6 - 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6 - 1 - 5
(3) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6 - 1 - 5
(4) المستدرك - الباب - 44 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
(5) البحار ح 18 ص 371 طبعة الكمباني
287

سفر حتى حضرت الجمعة فاضطرم عليهم خباؤهم نارا من غير نار يرونها " فلا بأس حينئذ
بإرادة الأعم منها ومن الحرمة من إطلاق المنع في بعض الأخبار السابقة، فما عن بعض
العامة من التحريم ضعيف وإن احتمله في المفاتيح، أما قبل الفجر فلا ريب في عدم
الكراهة للأصل، بل في التذكرة الاجماع عليه، والله أعلم.
المسألة (الرابعة الاصغاء إلى الخطبة هل هو واجب؟ فيه تردد) كما عن التحرير
والايضاح وظاهر غاية المراد والخراساني والكاشاني والماحوزي ينشأ من انتفاء فائدة
الخطبة بدونه خصوصا الوعظ منها الذي لا قائل بالفصل بينه وبين غيره، ولو سلم فيجب
مقدمة بناء على الترتيب في أجزاء الخطبة، والأمر بالانصات للقرآن، ولا قائل
بالفصل، بل عن الفاضل ذكروا في التفسير أن الآية وردت في الخطبة وسميت قرآنا
لاشتمالها عليه، وقوله (عليه السلام): " يخطب بهم " بل وقوله (عليه السلام): " فهي
صلاة " قال في كشف اللثام لدلالتهما على أن الحاضرين كالمقتدين في الصلاة، فيجب
عليهم الاستماع للآية، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) المروي (1) في الدعائم:
" يستقبل الناس الإمام عند الخطبة بوجوههم، ويصغون إليه " وفحوى النصوص الآتية
الآمرة بالصمت حال الخطبة والناهية عن الكلام، وكونه مقدمة للسماع الذي يمكن
دعوى عدم الشك في وجوبه، خصوصا مع احتمال توقف صدق اسم الخطبة التي لم
يضمحل إرادة معنى التخاطب منها عليه، واستبعاد وجوب الاسماع دون الاستماع.
ومن الأصل وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (2): " إذا
خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتى يفرغ من الخطبة " بناء على

(1) المستدرك - الباب - 12 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
288

استلزام كراهة الكلام المستفادة من لفظ " لا ينبغي " حتى ادعى الشهيد أنه نص فيها
لعدم وجوب الاصغاء، لعدم حصوله معه غالبا، أو لعدم (1) اعتبار عدم الكلام في
مفهومه، والاطلاقات، ضرورة عدم مدخلية الاصغاء في صدق الخطبة حتى الوعظ منها
إذ هو أمر زائد على السماع الذي يمكن حصوله بدونه، كما أنه من الواضح عدم انحصار
فائدة الخطبة في الاصغاء، خصوصا غير الوعظ، قيل: ولذا لا تسقط الجمعة ولا الخطبة
لو كانوا كلهم صما، قلت: فضلا من غير المصغين الذين يمكن سماعهم سماعا يفهمون به
وإن لم يكونوا مصغين، ونمنع وجوب الانصات في حال الخطبة بالسيرة التي هي فوق
الاجماع، وعن تفسير ابن عباس " أنها في الصلاة المكتوبة " وفي تفسير علي ابن إبراهيم
" أنها في صلاة الإمام الذي يؤتم به " والتبيان " أن فيها أقوالا: الأول أنها في صلاة
الإمام، فعلى المقتدين به الانصات، والثاني أنها في الصلاة، فإنهم كانوا يتكلمون فيها
فنسخ، والثالث أنها في خطبة الإمام، والرابع أنها في الصلاة والخطبة - قال -: وأقوى
الأقوال الأول، لأنه لا حال يجب فيها الانصات لقراءة القرآن إلا حال قراءة الإمام
في الصلاة، فإن على المأموم الانصات لذلك والاستماع له، فأما خارج الصلاة فلا خلاف
أنه لا يجب الانصات والاستماع، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه في حال
الصلاة وغيرها، وذلك على وجه الاستحباب " قيل: ونحوه أي في نفي الخلاف فقه
القرآن للراوندي.
قلت: بل الظاهر عدم وجوبه في الصلاة أيضا، للسيرة وإطلاق الأدلة والخطبة
بهم، وكونهما صلاة أعم من الاصغاء قطعا، بل قد يقضي الثاني منهما بعدم وجوب
الاصغاء كالصلاة، على أن مقتضاه كغيره عدم الفرق في ذلك بين الواجب منها والمندوب

(1) الظاهر أن لفظة " لعدم " زائدة بل مخلة بالمقصود
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2
289

وبين العدد المعتبر وغيرهم، بل ظاهره البطلان بدونه، لأنه الأصل في كل ما أمر به
في العبادة المركبة، مع أنك ستعرف الحال في جميع ذلك، مضافا إلى ما سمعته سابقا في
بيان المراد من كونهما صلاة، وخبر الدعائم لا جابر له، ومحتمل للندب، والأمر بالصمت
والنهي عن الكلام أعم من الاصغاء قطعا، ودعوى التلازم بينهما حتى أن كل من قال
بالحرمة قال بالوجوب ومن قال بالندب قال بالكراهة في حيز المنع.
فبان لك من ذلك كله وجها التردد ومنشأ القولين، إذ الأول خيرة الأكثر
على ما قيل، بل في الذكرى أنه المشهور، واختاره بنو حمزة وإدريس وسعيد والراوندي
في موضع من فقه القرآن، والكيدري في ظاهر الاصباح، والفاضل في جملة من كتبه
كأول الشهيدين، وإن فهد والمقداد والكركي والميسي والأستاذ الأكبر في الشرح
على ما نقل عن بعضهم، وفي المنظومة أنه الحزم، بل حكي عن البزنطي والمفيد والمرتضى
وإن كنا لم نتحققه، والثاني خيرة المبسوط والتبيان وموضع من فقه القرآن والنافع
والمعتبر والمنتهى والتبصرة ومجمع البرهان وظاهر الغنية وكشف الالتباس والذخيرة على
ما حكي عن بعضها، ولا ريب أن الأول أحوط إن لم يكن أقوى، خصوصا في الوعظ
إلا أن الظاهر كون وجوبه مقدمة للسماع لا تعبدا لنفسه، فلو فرض حصوله له بلا
إصغاء لم يكن عليه إثم.
كما أن الظاهر وجوب ذلك للواجب من الخطبة خاصة للأصل، وعدم زيادة
السماع على القول وإن كان لا مانع منه، إلا أنه لا مقتضي له إلا ظواهر من النصوص
والفتاوى لا وثوق بإرادة الوجوب منها، ولا جابر لها بالنسبة إلى ذلك سندا ودلالة،
فما في مصابيح الظلام - من أن الظاهر وجوب الاصغاء وحرمة الكلام من أول الخطبة
إلى آخرها لا في أقل الواجب من الخطبة خاصة كما هو ظاهر الروايات - لا يخلو من
نظر وإن قيل: إنه مع ذلك ظاهر الأصحاب، وبه صرح في المبسوط فقال: وموضع
290

الانصات من وقت أخذ الإمام في الخطبة إلى أن يفرغ من الصلاة، إذ يمكن منع ظهور
كلام الأصحاب في ذلك، خصوصا مع قولهم بعدم وجوب إسماع غير الواجب من
الخطبة، والشيخ في المبسوط ممن يقول بندب الاصغاء، ولا بأس به حينئذ، وكذا
الظاهر اختصاص الوجوب بالقريب السامع، أما البعيد والأصم فإن شاءا سكتا، وإن
شاءا قرءا، وإن شاءا ذكرا، نعم عن المنتهى " هل الانصات يعني إنصات البعيد أفضل
أم الذكر؟ فيه نظر " بل عن نهاية الإحكام احتمال وجوب الانصات عليهما، لئلا
يرتفع اللفظ فيمنع غيرهما السماع، لكنه كما ترى بعد تسليم وجوب ذلك عليهما لذلك
خروج عن محل النزاع، فلا ريب في عدم الوجوب المبحوث فيه عليهما، بل في التذكرة
" أن الأقرب وجوب الاصغاء على العدد خاصة - ثم قال -: والأقرب حرمة الكلام
إن لم يسمع العدد، وإلا فالكراهية " لكن قال أيضا: " التحريم إن قلنا به على
السامعين يتعلق بالعدد، وأما الزائد فلا، وللشافعي قولان، والأقرب عموم التحريم
إن قلنا به، إذ لو حضر فوق العدد بصفة الكمال لم يمكن القول بانعقادها بعدد معين
منهم حتى يحرم الكلام عليهم خاصة " نحو ما عن المختلف وإرشاد الجعفرية ومصابيح
الظلام " لا تخصيص لأحد بكونه من الخمسة دون غيره " إلا أنه ناقشه في كشف اللثام
بأنه لا ينفي كفائية الوجوب، وهو كذلك لو كان ظاهر الأدلة الوجوب على العدد
خاصة، وفي جامع المقاصد " فإن قيل وجوب الاصغاء وتحريم الكلام إما بالنسبة إلى
جميع المصلين فلا وجه له، لأن استماع الخطبة يكفي فيه العدد، ولهذا لو انفردوا أجزأوا
أو البعض وهو باطل، إذ لا ترجيح، قلنا الوجوب على الجميع لعدم الأولوية، ويكفي
العدد في الصحة، فلا محذور " وظاهره اختصاص الشرطي خاصة بالعدد، وتبعه
عليه ثاني الشهيدين في المحكي عن روضه ومسالكه، وفيه أولا أن الاجماع في التحرير
والمحكي عن النهاية على عدم البطلان بالكلام، بل ظاهر الأول أن الاصغاء كذلك
291

أيضا، قال: قيل: الاصغاء واجب والكلام حرام، وعندي فيه إشكال لكن لا تبطل
الجمعة معه إجماعا، وثانيا أنه ليس في الأدلة ما يشهد للتفصيل المزبور ومجرد إمكانه
لا يصلح مدركا للقول به، فالمتجه حينئذ التعميم، ولكنه غير مبطل للاجماع المزبور
وغيره، هذا.
والمراد بالاصغاء التوجه لاستماع الكلام، قال في الصحاح: " أصغيت إلى فلان
إذا ملت بسمعك نحوه " قيل: وبه فسره المحقق الثاني وجماعة، وعن القاموس
" الاصغاء الاستماع مع ترك الكلام " وبه فسره الفاضل في نهايته والشهيد الثاني وغيره
فهو حينئذ أخص من الاستماع، وعلى الأول مرادف له: وعن الطبرسي " الانصات "
السكوت " وعن ابن الأعرابي " أنصت ونصت وانتصت استمع الحديث وسكت "
وعن الغريبين " الانصات سكوت المستمع " وفي المحكي عن كنز العرفان " استدل أصحابنا
والحنفية على سقوط القراءة عن المأموم بقوله جل شأنه (1): " فاستمعوا له وأنصتوا "
فإن الانصات لا يتم إلا بالسكوت - وقال قبل ذلك -: إن استمع بمعنى سمع، والانصات
توطين النفس على السماع مع السكوت " وظاهره الفرق بين الاستماع والانصات،
والظاهر أنهما بمعنى، وليس ترك الكلام داخلا في حقيقة أحدهما كالاصغاء.
نعم لا تحصل غالبا إلا بترك الكلام المشتغل للبال المنافي للتوجه، وربما يومي إليه
ذكر المصنف التردد في الكلام بعد الاصغاء، فقال: (وكذا) التردد في (تحريم الكلام
في أثنائها) أي الخطبة (لكن ليس بمبطل للجمعة) إجماعا في التحرير وجامع المقاصد
والمحكي عن النهاية، بل في الأخير " أن الخلاف في الإثم وعدمه " قلت: المشهور كما
في الذكرى وكشف الالتباس " حرمة الكلام على السامع " بل عن الخلاف " الاجماع
على تحريمه على المستمعين " وعن الكافي " على المؤتمين " وفي الوسيلة " تحريمه على

(1) سورة الأعراف - الآية 203
292

الخطيب ومن حضر " كالمحكي عن موضع من فقه القرآن، بل ربما حكي عن المفيد أيضا
وظاهر الذكرى بل صريحها تحريمه على الخطيب والمستمعين، قيل: وذلك صريح المقتصر
والمهذب، وعن الميسية على الخطيب وغيره، وثاني المحققين والشهيدين على المؤتمين
والخطيب، بل في الروضة " يحرم الكلام مطلقا سواء سمعوا الخطبة أو لا " وعن
الاصباح " ليس لأحد أن يتكلم " وجامع الشرائع " يحرم عندها " والدروس
" في أثنائها ".
وكيف كان فيدل على التحريم - مضافا إلى ما سمعته في وجوب الاصغاء بناء
على تلازمهما وأن من قال بالوجوب هناك قال بالتحريم هنا، ومن قال بالاستحباب فيه
قال بالكراهة هنا كما ادعاه في الرياض، بل قد عرفت ما يقضي باعتبار عدم الكلام
في مفهوم الاصغاء، وإلى ما دل (1) على أن الخطبة صلاة، خصوصا المرسل (2) عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) " لا كلام والإمام يخطب، ولا التفات إلا كما يحل في
الصلاة " إلى آخره - ما عن جامع البزنطي صاحب الرضا (عليه السلام) المعلوم أن
كلامه منه ومن آبائه (عليه السلام) " إذا قام الإمام يخطب فقد وجب على الناس الصمت " والمرسل (3)
" إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة فقد لغوت " والآخر (4) " من تكلم يوم
الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا " والآخر (5) " إن أبا الدرداء سأل
أبيا عن سورة تبارك متى أنزلت والنبي (صلى الله عليه وآله) يخطب فلم يجبه، ثم قال

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4
(2) الفقيه ج 1 ص 269 - الرقم 1228 من طبعة النجف
(3) صحيح مسلم ج 3 ص 4
(4) المستدرك - الباب - 12 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6
(5) سنن البيهقي ج 3 ص 220 وفيها " سورة البراءة " بدل " سورة تبارك "
293

له: ليس لك من صلاتك إلا ما لغوت فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: صدق
أبي " ومفهوم صحيح ابن مسلم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " لا بأس أن يتكلم
الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه وبين أن تقام الصلاة " وفحوى
صحيحه الآخر (2) " سألته عن الجمعة فقال: أذان وإقامة يخرج الإمام بعد الأذان
فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر " وما رواه الصدوق (3)
في مناهي النبي (صلى الله عليه وآله) " أنه نهى عن الكلام يوم الجمعة والإمام يخطب
فمن فعل ذلك فقد لغى، ومن لغى فلا جمعة له " والمروي عن قرب الإسناد عن
أبي البختري (4) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) " أن عليا (عليه السلام) كان
يكره رد السلام والإمام يخطب " وعن علي (عليه السلام) (5) " يكره الكلام يوم
الجمعة والإمام يخطب، وفي الفطر والأضحى والاستسقاء " بناء على إرادة الحرمة من
الكراهة، وفي الدعائم (6) عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) " إذا قام الإمام يخطب
فقد وجب على الناس الصمت " وعن علي (عليه السلام) (7) " لا كلام والإمام يخطب
ولا التفات إلا بما يحل في الصلاة " وعن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (8) " لا كلام
حتى يفرغ الإمام من الخطبة، فإذا فرغ منها فتكلم ما بينك وبين افتتاح الصلاة إن شئت ".
إلى غير ذلك من النصوص إلا أنها جميعها ظاهرة أو صريحة في السامعين حتى
نصوص الحكم بأنها صلاة بقرينة قوله (عليه السلام) فيها: " حتى ينزل الإمام " فالقول
بحرمة الكلام عليه حينئذ كما ترى، خصوصا بعد ما روي " أنه صلى الله عليه وآله سأل قتلة

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 4 - 6 - 5
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 4 - 6 - 5
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 4 - 6 - 5
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 4 - 6 - 5
(6) المستدرك - الباب - 12 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 3 - 4
(7) المستدرك - الباب - 12 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 3 - 4
(8) المستدرك - الباب - 12 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 - 3 - 4
294

ابن أبي الحقيق وهو يخطب (1) " و " أن رجلا سأله صلى الله عليه وآله خاطبا يوم الجمعة متى
الساعة؟ فقال صلى الله عليه وآله: ما أعددت لها؟ فقال: حب الله ورسوله صلى الله عليه وآله فقال:
إنك مع من أحببت (2) " ولعله لذا صرح جماعة كما هو ظاهر قصر الحرمة على غير من
آخرين بعدم الحرمة عليه إلا إذا فاتت به هيئة الخطبة، بل عن كشف الالتباس أنه
المشهور، بل قد يظهر منهما جواز الكلام لغيره كاقراره صلى الله عليه وآله وعدم إنكاره
على رجل استسقاه في جمعة وهو يخطب وسأله الرفع في جمعة أخرى وهو يخطب (3)
ولفظ " لا ينبغي " في الصحيح المزبور كلفظ الكراهة، بل لا يخفى على سالم حاسة الشم
أنه تفوح روائح الكراهة من الأخبار المزبورة، بل كراهة رد السلام الذي هو واجب
في الصلاة لا بد من حملها على عدم الرد الواجب أو غير ذلك، على أن الاجماع في المحكي
عن التذكرة على جواز تحذير الأعمى من الوقوع في بئر أو نهي شخص عن منكر، بل
فيه والمحكي عن النهاية وغاية المراد أن محل الخلاف في كلام لا يتعلق به غرض مهم، بل
عدم الفرق في النصوص بين الواجب من أجزاء الخطبة والمندوب وبين الكلام المفوت
لاستماع المقصود وغيره ونحو ذلك أوضح شئ على ما ذكرنا، كما أن النهي في المرسل
وغيره عن الالتفات الذي لم أعرف أحدا ذكره شاهد آخر.
نعم عن المرتضى (رحمه الله) في المصباح أنه حرم من الأفعال فيها ما لا يجوز
مثله في الصلاة، وحكى عن الإشارة موافقته على ذلك، لكن ظاهر الأصحاب خلافه،
بل كاد يكون صريح اقتصارهم على ترك الكلام ونحوه، وهو مضعف آخر للحكم بأنها
صلاة، والتزام التقييد كما ترى، بل قد يضعف ما عن البزنطي والدعائم من وجوب

(1) سنن البيهقي ج 3 ص 222
(2) ذكر صدره في سنن البيهقي ج 3 ص 221 وتمامه في صحيح البخاري ج 8 ص 49
وصحيح مسلم ج 8 ص 42 ولكن لم يذكر فيهما أنه سأله (صلى الله عليه وآله) في حال الخطبة
(3) صحيح البخاري ج 2 ص 12
295

الصمت باستلزامه زيادة الخطبة على الصلاة، ضرورة جواز الذكر والقرآن ونحوهما فيها
بخلافها فيجب فيها الصمت، بل التزام حرمة ذلك وإن لم يكن مفوتا للاستماع أو لاستماع
المقصود من الخطبة من الغرائب، على أنه ليس في شئ من النصوص الفرق بين العدد
والسامعين والحاضرين نحو ما سمعته في الاصغاء، بل قد ظهر من بعضها البطلان بذلك،
وقد عرفت أنه خلاف الاجماع، وفي التذكرة " الأقرب الأول أي الحرمة إن لم يسمع
العدد، وإلا الثاني - ثم قال -: التحريم إن قلنا به على السامعين يتعلق بالعدد، أما
الزائد فلا، وللشافعي قولان، والأقرب التحريم وإن قلنا به، إذ لو حضر فوق العدد
بصفة الكمال لم يمكن القول بانعقادها بمعين منهم حتى يحرم عليهم خاصة " وعن النهاية
" يجوز للداخل في أثناء الخطبة أن يتكلم ما لم يأخذ لنفسه مكانا " وعنها أيضا " هل
يحرم الكلام على من عدا العدد؟ إشكال " إلى غير ذلك مما لا يخفى، ومن هنا تردد
في الحرمة جماعة، بل خيرة المبسوط والمعتبر والتبيان وموضع من الخلاف وفقه القرآن
والمنتهى وظاهر الغنية على ما قيل عدمها، بل ربما كان ظاهر الأخير الاجماع عليه،
كما أن في الخلاف " لا خلاف في أنه مكروه " وكيف كان فالأقوى دوران الحرمة فيه
على تفويت ما يجب سماعة من الخطبة، هذا كله في أثناء الخطبة، أما حال الجلوس بين
الخطبتين فالأقوى عدم الحرمة أيضا كما تقدم سابقا، والله أعلم.
المسألة (الخامسة يعتبر في إمام الجمعة كمال العقل والايمان والعدالة وطهارة المولد
والذكورة) كما تسمع الكلام فيه مفصلا في الجماعة، إذ الظاهر عدم الفرق بين الجمعة
وغيرها في ذلك، نعم ستعرف جواز إمامة النساء بعضهن لبعض لا للرجال ولا
للمختلطين إلا أنك قد عرفت فيما سبق عدم انعقاد الجمعة بهن، فلا يجوز إمامتهن فيها
حينئذ بحال كما هو واضح
(ويجوز أن يكون عبدا) بناء على انعقادها به، لجواز
296

إمامته فيها حينئذ وفي غيرها كما تعرف ذلك مفصلا في بحث الجماعة، بل ونعرف ما ذكره
المصنف هنا في قوله: (وهل يجوز أن يكون أبرص أو أجذم؟ فيه تردد) وأن
(الأشبه الجواز) فيها وفي غيرها، نعم قال: (وكذا الأعمى) أي في التردد في
إمامته وأن الأشبه الجواز ولم يذكره في الجماعة، وعلى كل حال فلا ريب أن الأشبه
ما ذكره فيها فضلا عن غيرها من الفرائض، وفاقا المبسوط والتحرير والمنتهى والذكرى
والدروس وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والروض وغيرها على ما حكي عن بعضها،
بل عن المنتهى نسبته إلى أكثر أهل العلم، وغاية المرام والذخيرة أنه المشهور، وعن
جماعة المنتهى لا بأس بإمامة الأعمى إذا كان من ورائه من يسدده ويوجهه إلى القبلة،
وهو مذهب أهل العلم لا نعرف فيه خلافا إلا ما نقل عن أنس أنه قال ما حاجتهم إليه
وفي جماعة المعتبر نسبته إلى علمائنا، والدروس أنه المعروف من المذهب، والتذكرة
" يجوز أن يكون الأعمى إماما لمثله وللبصراء بلا خلاف بين العلماء " ولكن في بحث
إمام الجمعة منها " اشتراط أكثر علمائنا كون الإمام سليما من الجذام والبرص والعمى،
لقول الصادق (عليه السلام): " خمسة لا يؤمون الناس على كل حال: المجذوم
والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي " والأعمى لا يتمكن من الاحتراز عن
النجاسات غالبا، ولأنه ناقص فلا يصلح لهذا المنصب الجليل، وقال بعض أصحابنا
المتأخرين: يجوز، واختلفت الشافعية في أن البصير أولى أو يتساويان " وعن نهاية
الإحكام " إنه اشترط في إمام الجمعة السلامة من العمى لتعذر احترازه عن النجاسات
غالبا وقال في إمام الجماعة: " في كراهة إمامه الأعمى إشكال أقربه المنع، لقول
الصادق (عليه السلام): " لا بأس بأن يصلي الأعمى بالقوم وإن كانوا هم الذين

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1
297

يوجهونه " وقول علي (عليه السلام) (1): " لا يؤم الأعمى في الصحراء إلا أن يوجه
إلى القبلة " ولأنه فاقد حاسة لا يختل بها شئ من شرائط الصلاة فأشبه الأصم، نعم
البصير أولى لتوقيه من النجاسات " وفي التذكرة " هل البصير أولى؟ يحتمل ذلك،
لأنه يتوقى النجاسات، والأعمى لا يتمكن من ذلك، ويحتمل العكس لأنه أخشع في
صلاته من البصير، لأنه لا يشغله بصره عن الصلاة، وكلاهما للشافعية، ونص الشافعي
على التساوي، وهو أولى، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قدم الأعمى كما قدم البصير "
واستدل فيها وفي المحكي عن المنتهى على جواز إمامته مع ما ذكره في النهاية بأنه استخلف
ابن أم مكتوم يؤم الناس وكان أعمى (2) قال: قال السبعي: غزا النبي (صلى الله عليه وآله) ثلاث
عشر غزوة كل ذلك يقدم ابن أم مكتوم يصلي بالناس، وبعموم " يؤمكم أقرؤكم " (3).
وقد ظهر من ذلك كله دليل الجواز، مضافا إلى ما في الحسن (4) أن زرارة
سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الصلاة خلف الأعمى فقال: " نعم إذا كان له من
يسدده وكان أفضلهم " والمرسل (5) في الفقيه عن الصادقين (عليهما السلام) " لا بأس
أن يؤم الأعمى إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءة وأفقههم " وحسن الحلبي (6) عن
الصادق (عليه السلام) " في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة قال: يعيد ولا يعيدون
فإنهم قد تحروا " وقد ائتم ابن مسلم بأبي بصير (7) وقول علي (عليه السلام) في خبر
الشعبي (8): " لا يؤم الأعمى في البرية " مطلق يقيده ما سمعت.
ثم إن الجميع كما ترى لا فرق فيها بين الجمعة والجماعة، فما عن الخلاف ونهاية

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7 - 5 - 3 - 6 - 2
(2) سنن البيهقي ج 3 ص 88 - 25،
(3) سنن البيهقي ج 3 ص 88 - 25،
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7 - 5 - 3 - 6 - 2
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7 - 5 - 3 - 6 - 2
(6) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7 - 5 - 3 - 6 - 2
(7) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب السجود - الحديث 1
(8) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7 - 5 - 3 - 6 - 2
298

الاحكام والموجز - من اشتراط السلامة من العمى هنا، وعن ظاهر غاية المرام نسبته
إلى النهاية وابن إدريس، بل قد سمعت نسبته في التذكرة كالمحكي عن التلخيص إلى
الأكثر، بل نسب الجواز في الأول إلى بعض المتأخرين - في غاية الضعف، بل في
كشف اللثام والمحكي عن غاية المراد أني لم أجده في الخلاف، وفي مفتاح الكراهة " أني
قد تتبعت الخلاف في الجمعة والجماعة والقضاء والشهادات ونحو ذلك مما يحتمل فيه ذكر
ذلك ولو بالعرض فلم أجد ذلك " بل عن الروض " أن القائل بعدم الجواز غير معلوم
فضلا عن الأكثرية " قيل ونحو ما في الذكرى ومجمع البرهان، ومع ذلك كله فليس
في الأدلة ما يصلح معارضا للاطلاقات فضلا عما سمعت، إذ خبر السكوني (1) ظاهر
في الجواز من غير فرق بين الجمعة وغيرها، وإن كان هو مقتضى الجمع بين عبارتي
التذكرة والنهاية، وعدم وجوب الحضور عليه لا ينافي صحة الانعقاد به وكونه إماما فيها
لو حضر، وعدم التحرز عن النجاسات وكونه ناقصا عن هذا المنصب الجليل لا يصلح
مثله لاثبات حكم شرعي.
نعم قد يقال بالكراهة كما عن النفلية والفوائد الملية، بل ربما حكي عن المبسوط
وإن كان لم نتحققه، مع أن ظاهر المحكي عن جماعة نهاية الإحكام منع الكراهة التي
قد عرفت التسامح فيها، قال: " إن في كراهة إمامته إشكال أقربه المنع - إلى أن قال -:
نعم البصير أولى " وقد سمعت ما في التذكرة من أولوية العكس في أحد وجهي الشافعية
وبالجملة لا ينبغي التأمل في الجواز، والله أعلم.
المسألة (السادسة) قد عرفت فيما تقدم (أن المسافر إذا نوى الإقامة في بلد
عشرة أيام فصاعدا وجبت عليه الجمعة) لأنه بحكم الحاضر حينئذ (وكذا إذا لم ينو
الإقامة ومضى عليه ثلاثون يوما في مصر واحد) بناء على أنه من القواطع للسفر لا أن

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 7
299

الحكم فيه التمام وإن كان مسافرا كالمكاري ونحوه كما تعرفه إن شاء الله في محله، والله أعلم.
المسألة (السابعة الأذان) الثالث المسمى ب‍ (الثاني يوم الجمعة) في جملة من
عبارات الأصحاب، بل هو في معقد ما يحكى من ظاهر إجماع التذكرة (بدعة) كما في
النص والفتوى، ففي خبر حفص بن غياث (1) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)
" الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة " والمتبادر إرادة الحرمة منها كما نسبة إلى الأكثر في
المحكي عن إرشاد الجعفرية، وإلى عامة المتأخرين في المدارك، خصوصا بعد ما روى
زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل في الصحيح عن الصادقين (عليهما السلام) " أنهما
قالا: ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار " وخصوصا بعد ظهور
إرادة التعريض لما أبدعه عثمان أو معاوية من أذان ثان للجمعة كما سمعته سابقا في الأذان
بل منه مضافا إلى الفتاوى يعلم عدم إرادة الأذان للعصر من الثالث في الخبر المزبور
كما أوضحناه سابقا في بحث الأذان.
وعلى كل حال فما في المعتبر والمحكي عن المبسوط والاصباح والخلاف، لما تسمعه
من عبارته - وإليه أشار المصنف بقوله: (وقيل إنه مكروه) للأصل، وضعف الخبر،
وعموم البدعة للحرام وغيره، وحسن الذكر والدعاء إلى المعروف وتكريرهما، قال المحقق
إلا أنه من حيث لم يفعله النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يأمر به كان أحق بوصف
الكراهة - في غاية الضعف، لانقطاع الأصل، وعدم قدح الضعف بعد الانجبار،
ومنع عموم البدعة خصوصا في المقام، والأخير اجتهاد في مقابلة النص، وعدم فعل
النبي (صلى الله عليه وآله) وأمره أعم من الكراهة (و) من ذلك علم أن (الأول
أشبه) لكن قد يظهر من جماعة لفظية النزاع، وأن مراد من حرم ما إذا جاء به بقصد

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) ذكره في الوسائل في الباب 40 من أبواب الأمر والنهي - الحديث 5 عن محمد بن مسلم
300

الوظيفة والشرعية، ضرورة كونه حينئذ تشريعا محرما، وأن مراد من نفاها إذا فعله
بقصد الذكر والتنبيه والدعاء إلى الصلاة، وقد يناقش فيه بأنه لا وجه للكراهة حينئذ،
وأنه من الممكن دعوى الحرمة هنا وإن لم يكن بقصد الوظيفة، لأنها صورة البدعة،
فلا يبعد تحريمها لذلك، ولعل هذا هو المراد من النص والفتوى لا التشريع الذي لا يخص
الأذان فضلا عن الثالث منه، وقد تقدم نظائر للمسألة ويأتي.
والمراد بكونه ثالثا بالنسبة للأذان والإقامة لها، وإطلاق الأذان على الإقامة
معروف، أو يراد به بالنسبة إلى أذان الصبح في يوم الجمعة أي الأذان الثالث فيه بدعة
بل المشروع أذان للصبح وأذان لها خاصة، فإذا جئ بثالث لها كان بدعة، وعلى كل
حال فالمراد به التعريض بما في أيدي القوم، وأما تسميته ثانيا في جملة من العبارات
فعن السرائر والمهذب البارع والمقتصر والتنقيح وظاهر المختلف باعتبار أنه يفعل بعد
نزول الإمام عن المنبر، قال في الأول: " ثم ينزل الإمام عن المنبر بعد فراغه من إكمال
الخطبتين ويبتدئ المؤذن الذي بين يديه بالإقامة، وينادي باقي المؤذنين والمكبرين
الصلاة الصلاة، ولا يجوز الأذان بعد نزوله مضافا إلى الأذان الأول، الذي عند
الزوال، فهذا هو الأذان المنهي عنه، ويسميه بعض أصحابنا الأذان الثالث، وسماه
ثالثا لانضام الإقامة إليهما، فكأنها أذان آخر " واستغربه في البيان وبعض تأخر
عنه، فقال: اختلفوا في وقت الأذان فالمشهور أنه حال جلوس الإمام على المنبر، وقال
أبو الصلاح: قبل الصعود، وكلاهما مرويان، فلو جمع بينهما أمكن نسبة البدعة إلى
الثاني زمانا وإلى غير الشرعي فينزل على القولين، قال: وزعم ابن إدريس أن المنهي
عنه هو الأذان بعد نزول الخطيب مضافا إلى الإقامة، وهو غريب، قال: وليقم
المؤذن الذي بين الإمام، وباقي المؤذنين ينادون الصلاة، وهو أغرب، وفي الذكرى
ينبغي أن يكون أذان المؤذن بعد صعود الإمام على المنبر والإمام جالس، لقول الباقر
301

(عليه السلام) فيما رواه عبد الله بن ميمون (1): " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون " وبه أفتى ابن الجنيد وابن
أبي عقيل والأكثر، وقال أبو الصلاح: إذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان،
وإذا فرغوا منه صعد المنبر فخطب، ورواه محمد بن مسلم (2) قال: " سألته عن الجمعة
فقال: أذان وإقامة يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد على المنبر " ويتفرع على الخلاف
أن الأذان الثاني الموصوف بالبدعة أو الكراهة ما هو، وابن إدريس يقول: الأذان
المنهي عنه هو الأذان بعد نزوله مضافا إلى الأذان عند الزوال، وفي كشف اللثام
يعني أن الأذان المشروع للجمعة إما قبل صعود الإمام المنبر أو بعده عند جلوسه عليه،
فالجمع بينهما بدعة أو مكروه، وعلى الأول فالبدعة أو المكروه الثاني، وعلى الثاني الأول
ويسمى ثانيا لحدوثه بعد الثاني.
قلت: لا ريب أن التوقيت المزبور للأذان بما سمعت إنما هو مستحب في
مستحب، ومقتضى الجمع بين الخبرين حصول الوظيفة بكل من الحالين وإن كان قد
يرجح ما رواه عبد الله بن ميمون بقرب اتصاله بالصلاة، وبأنه المشهور نقلا إن لم يكن
تحصيلا، بخلاف قول أبي الصلاح، وإن قيل إنه ظاهر الغنية، بل ظاهرها الاجماع
عليه، وعلى كل حال فلو حصل في غيرهما كان مشروعا أيضا وإن كان هو خلاف
الأفضل، وحينئذ فدعوى أن المراد بالثاني باعتبار الاحداث وإلا فهو ما لم يكن بين
يدي الخطيب سواء وقع أولا أو ثانيا بالزمان واضحة الضعف، لما عرفت من أن كيفية
الأذان الواقع في عهده (صلى الله عليه وآله) غير شرط في شرعيته قطعا، بل إجماعا
حكاه ثاني المحققين: قال: " إذ لو وقع بعد صعود الخطيب أو لم يصعد منبرا بل خطب

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
302

على الأرض لم يخرج بذلك عن الشرعية، فإذا فعل ثانيا كان هو المحدث " وقال أيضا:
" ويعرف أنه المحدث من ظاهر الحال، وانضمام القرائن المستفادة من تتالي الأعصار
التي شهدت بأن هذا هو المحدث في زمن عثمان أو معاوية حتى أنه لو حاول أحد تركه
قابلوه بالانكار والمنع، والاعتبار بتخصيص يوم الجمعة بأذان آخر من دون سائر الأيام
على تطاول المدة من الأمور الدالة على ذلك، وما هذا شأنه لا يكون إلا بدعة ".
قلت: قد يقال: إنه مع قصد البدعي يتعين بقصده سواء كان أولا أو ثانيا،
ومع عدم العلم بقصده قيل يمكن اختصاصه بالثاني، لأصالة الصحة في فعل المسلم مهما أمكن
فيكون محكوما بصحته، وبتوجه التحريم إلى الثاني، وفيه أنه جار في كل منهما، والسبق
لا يشخص، أما مع عدم القصد في الواقع فقد يقال باختصاص الثاني بالبدعية خصوصا
إذا صادف الأول التوظيف الشرعي، ويمكن عدم سلامة كل من أذانيه إذا كان قصده
من أول الأمر التثنية وأنه جاء بالأول بعنوان الجزء أو كالجزء، وقد يظهر من المنتهى
تشخص البدعي بمخالفته للموظف وإن كان أولا قال فيما حكي عنه: " لا نعرف خلافا
بين أهل العلم في مشروعية الأذان عقيب صعود الإمام المنبر ولو سئل عن المحدث
لقالوا: إنه الأول، والثاني هو الذي فعله النبي (صلى الله عليه وآله) وإن لم يكن
الوقت والمكان شرطا إلا أنه بذلك علما لما فعله وممتازا عن غيره، ولو تغير المكان لقيل
بتغير ذلك أيضا " ومما ذكرنا يعرف ما فيه، بل قد يمنع اعتبار هذه النسبة العرفية المبنية
على الظاهر، وفي الخلاف " لا بأس أن يؤذن اثنان واحد بعد الآخر، وإن أتيا بذلك
موضعا واحدا كان أفضل، ولا ينبغي أن يزاد على ذلك، وقال الشافعي: المستحب
أن يؤذن واحد بعد واحد، ويجوز أن يكونوا أكثر من اثنين، فإن كرر وخيف فوات
أول الوقت قطع الإمام بينهم الأذان وصلى، دليلنا إجماع الفرقة على ما رووه أن الأذان
الثالث بدعة " فدل ذلك على جواز الاثنين والمنع عما زاد على ذلك، وهو صريح في
303

مغايرة الثاني للثالث، فيكون مخالفا لظاهر إجماع الفرقة كما أومأ إليه في المنظومة:
ولا أذان ثالثا في الجمعة * فإنه نصا وفتوى بدعة
وقد يسمى بالأذان الثاني * واختلفوا فيه على معاني
ضرورة ظهوره في أن ذلك خلاف في التسمية، وقد سمعت ما في السرائر، وقال
في المعتبر: " الأذان الثاني بدعة، وبعض أصحابنا يسميه الثالث، لأن النبي (صلى الله
عليه وآله) شرع للصلاة أذانا وإقامة، فلزيادة ثالث، وسميناه ثانيا لأنه يقع عقيب
الأذان الأول، وما بعده يكون إقامة. والتفاوت لفظي " إلى غير ذلك، وقد تقدم تمام
الكلام في ذلك وفي مشروعية الأذان للعصر، واحتمال كونه المراد من الخبر في مباحث
الأذان، فلا حفظ وتأمل، والله أعلم.
المسألة (الثامنة يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان) بلا خلاف أجده فيه كما
اعترف به في المحكي عن جامع المقاصد، بل هو معقد إجماع التذكرة والغرية والمفاتيح
ومصابيح الظلام على ما حكي عن بعضها، وإليه يرجع ما عبر به جماعة من الحرمة وقت
النداء، بل هو معقد ما يحكى من إجماع غاية المرام والجواهر، بل لعل مراد الجميع الحرمة
بعد الشروع فيه كما صرح به في الشافعية ناسبا له إلى الأصحاب، بل لعله المراد من معقد
إجماع الخلاف على تحريمه بعده حين يقعد الإمام على المنبر، والمنتهى " أنه مذهب علماء
الأمصار " والتذكرة " لا خلاف فيه بين العلماء " إلا أن الظاهر إرادة الأذان من
ذلك بعد الزوال وإن جوزنا الخطبة قبل الزوال، ضرورة أنه لا تلازم بين الجوازين
نعم لو قلنا به حرم أيضا، قال في التذكرة: " لو جوزنا الخطبة قبل الزوال كما ذهب إليه
بعض أصحابنا لم نسوغ الأذان قبله مع احتماله، ومتى يحرم البيع حينئذ إن قلنا بتقديم
الأذان حرم البيع معه، لأن المقتضي وهو سماع الذكر موجود، وإلا فاشكال ينشأ من
304

تعليق التحريم بالنداء ومن حصول الغاية " قلت: لعل الأقوى الثاني بناء على إرادة
الخطبتين من الذكر، كما أنه قد يقوى عدم توقف التحريم على فعل الأذان، بل المراد
ترتب التحريم على الزوال كما عن الإرشاد والموجز والميسية والروض والمسلك ومجمع
البرهان، لأنه السبب الموجب للصلاة، والنداء إعلام بدخول الوقت، فالعبرة به،
فلو تأخر الأذان عن أول الوقت لم يؤثر في التحريم السابق، لوجود العلة ووجوب
السعي المترتب على دخول الوقت وإن كان في الآية مترتبا على الأذان، إذ لو فرض
عدم الأذان لم يسقط وجوب السعي، فإن المندوب لا يكون شرطا للواجب، ويمكن
تنزيل الشهرة والاجماعات على ذلك، لكن إذا كانت الصلاة حين الزوال فيراد حينئذ
حرمة المفوت من البيع للسعي سواء حصل النداء أو لا، والتعليق عليه في الآية جار
مجرى الغالب باعتبار احتياجه للمساومة ونحوها مما يقتضي عدم السعي، فالمراد حينئذ
عدم التشاغل بالتكسب والاعراض عن السعي كما يومي إليه قوله تعالى (1): " ذلكم
خير " والآية الثانية (2) فلا يحرم حينئذ من البيع ما لم يكن مفوتا وإن كان بعد الزوال.
ولعل مراد من علقه عليه ذلك، إذ بدونه لا أعرف قائلا به من أصحابنا،
وإنما حكي عن أحمد ومالك، فما في جامع المقاصد تبعا للتذكرة ومحتمل النهاية وظاهر
المعتبر - من التحريم تعبدا بالأذان وإن لم يكن مفوتا، بل هو مقتضى إطلاق باقي
الفتاوى ومعاقد الاجماعات، بل ربما كان كصريح بعضها - لا يخلو من نظر، إذ لا
مستند له إلا إطلاق الآية ومعقد الاجماع المنساق إلى ذلك بالتبادر، فيكون الحاصل
حينئذ بناء على ذلك أنه لا فرق بين البيع وغيره مما ينافي السعي يحرم حيث يكون
مفوتا ولو قبل الزوال كما إذا كان بعيدا عن الجمعة، ويجوز إذا لم يكن كذلك من غير
فرق بين وقوع الأذان وعدمه، فما صرح به جماعة بل قيل إنه المشهور بل عن المنتهى

(1) سورة الجمعة - الآية 9 - 10
(2) سورة الجمعة - الآية 9 - 10
305

وظاهر التذكرة الاجماع من عدم الحرمة قبل النداء بعد الزوال ضعيف إن لم ينزل على
ما إذا لم يكن مفوتا، كما يومي إليه تعليل من ذكر كراهته منهم التي نسبها في المحكي عن
المنتهى إلى أكثر أهل العلم، وفي التذكرة عندنا من أنه مناف للتشاغل عن التأهب
للجمعة، وأن وقت الصلاة الزوال، والخطبة الفئ الأول، فإذا زالت نزل وصل، فإذا
أخر فقد ترك الأفضل، ونحو ذلك، كما أنه ينزل ما ظاهره تعبدية التحريم وإن لم يكن
مفوتا على المفوت بقرينة كلامهم في وجه إلحاق غير البيع به، وكلامهم في وجوب السعي
وحرمة السفر ونحو ذلك، بل قد يوهن إجماع الفاضل أنه ذكر التحريم في المحكي عن
النهاية احتمالا، فقال: " لو لم يمنع البيع من سماع الخطبة ولا من التشاغل بالجمعة أو منع
ولم نوجب السماع ولا حرمنا الكلام احتمل التحريم للعموم " وبالجمعة فالمدار على ما
ذكرناه، فإن أمكن تنزيل الكلام عليه فمرحبا بالوفاق، وإلا كان محلا للنظر، لعدم
دليل صالح عليه كما هو واضح.
(و) منه ينقدح أنه (إن باع أثم وكان البيع صحيحا على الأظهر) الأشهر،
بل هو المشهور نقلا وتحصيلا، بل عن إرشاد الجعفرية أن النهي عن أمر خارج، وهو
ترك السعي، فلا مانع من الصحة حينئذ إجماعا، بل لا خلاف فيه أجده إلا ما يحكى عن
الكاتب والشيخ، قيل وتبعهما المقدس الأردبيلي والأستاذ الأكبر، وفي كشف
الرموز " أنه حسن إن قلنا إن النهي يدل على الفساد في المعاملات " قلت: قد ذكرنا
في الأصول أن التحقيق عدم اقتضائه الفساد عقلا كالعبادة، بل ولا عرفا إلا إذا كان
متعلقا بنفس المعاملة أو أحد أركانها أو وصفها اللازم، أما مثل المقام الذي لا ريب بناء
على ما ذكرنا في كون النهي عنه من جهة كونه مفوتا للواجب ومضادا له ومثله لا يفهم
منه الفساد عرفا قطعا فلا، فما أطنبوا فيه في المقام - من اقتضاء النهي الفساد ولو بعدم
306

اندراج المنهي عنه في دليل الصحة المنحصر في آية " أحل " (1) ونحوه - في غير محله
كما لا يخفى على من كان على بصيرة في المسألة.
ومما ذكرنا يعلم أنه لا فرق بين البيع وغيره من العقود وسائر المنافيات، بل لو
لم يكن المدار على التنافي أمكن فهم المثالية من البيع لغيره من عقود المعاوضات والقطع
بعدم الخصوصية كما اختاره جماعة وإن كان لا يخلو من نوع إشكال، اللهم إلا أن يدعى
إرادة مطلق النقل من لفظ البيع لا خصوص عقده، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيه،
والانصاف أن دعوى القطع بالغاء الخصوصية ممكنة سواء قلنا بالتعبدية أو بالمنع
من حيث المنافاة.
(ولو كان) المتعاقدان ممن لا يجب عليه السعي جاز إجماعا بقسميه على وفق
ما تقتضيه القواعد، نعم لو كان (أحد المتعاقدين ممن لا يجب عليه السعي) والآخر
يجب عليه (كان البيع سائغا بالنظر إليه وحراما بالنظر إلى الآخر) بلا إشكال في الأخير
واحتمال عدم حرمته باعتبار أن التحقيق عدم صدق البيع على الايجاب أو القبول كما ترى
أما الأول فقد اختاره في المحكي عن الخلاف والمبسوط والمعتبر والتحرير للأصل،
وحرمه أو مال إليه أكثر المتأخرين معللين له بالإعانة على الإثم، وأطال الأردبيلي في
المناقشة باندراج مثل الفرض تحت الإعانة، ولعله الأقوى، اللهم إلا أن يفرض كون
قصده ذلك وحينئذ فالمحرم هو، لا نفس الايجاب أو القبول، وفي كشف اللثام قد لا
تكون حرمة ولا كراهية بأن لا تكون الجمعة على الطرف المتأخر بناء على أن الاتيان
بلفظ الايجاب مثلا حرام وإن لم يتم العقد، وهو جيد، والله أعلم.
المسألة (التاسعة) التي أشبعنا الكلام فيها، وهي (إذا لم يكن الإمام موجودا
ولا من نصبه للصلاة وأمكن الاجتماع والخطبتان قيل) يجوز أو (يستحب أن يصلي

(1) سورة البقرة - الآية 276
307

جمعة، وقيل لا يجوز، و) قد قلنا إن (الأول أظهر) ومن ذلك زمن الغيبة، بل
ظاهر جملة من العبارات فرض المسألة فيه، وإن كان قد يقال إنه لا فرق بينه وبين زمن
الحضور الذي يفرض فيه حصول الفرض من غير فرق بين زمن السلطنة وغيره كما أومأنا
إلى ذلك سابقا، نعم بقي الكلام في فرض المتحير الذي استفرغ وسعه فلم يظهر من
الأدلة ما يصح العمل به، وتفصيل البحث فيه أنه إما أن يكون تردده في الوجوب
العيني والحرمة لا غير بمعنى أنه قاطع بانتفاء ما سواهما، والتحقيق فيه الجمع بين الجمعة
والظهر، للعلم بأنه مشغول بأحدهما، فيتوقف يقين البراءة على ذلك، والمعارضة بتوقف
يقين ترك الحرام على تركهما يدفعها أن الحرمة المدعاة إنما هي تشريعية لا ذاتية، وهي
منتفية مع الفعل احتياطا، نعم لو كانت ذاتية أمكن حينئذ التعارض المزبور، واحتيج
إلى الترجيح بين مراعاة الواجب والمحرم كما هو محرر في محله، ولو أن الحرمة التشريعية
تعارض الواجب الأصلي تعذر الاحتياط في العبادة إذا دار أمرها بين الوجوب وعدمه
وهو معلوم الفساد نصا وفتوى وعقلا، كما أن دعوى ذاتية الحرمة هنا كذلك، ضرورة
كونها ناشئة من احتمال عدم الأمر بها.
وأوضح من ذلك فسادا دعوى تعين الظهر في الفرض، للاكتفاء في ثبوته بعدم
ثبوت وجوب الجمعة، فهو في الحقيقة الأصل حتى يثبت وجوب الجمعة، ولذا وقع البحث
في وجوبها لا وجوبه، إذ ليس في الأدلة ما يقتضيها، والبحث المزبور فيها خاصة
لاستلزامه البحث فيه، فاستغنوا به عنه، وكون الواجب بالأصل الظهر ثم طرأ وجوب
الجمعة لو سلم لا يجدي بعد أن تحقق الوجوب على الحاضرين المشاركين في التكليف.
ويقرب من ذلك فسادا دعوى سقوط الفرضين في الفرض، لاستحالة التكليف
بالمبهم، ولاستفاضة النصوص في عدم وجوب غير المعلوم، إذ هو كأنه مخالف للضرورة
والمسلم استحالة التكليف بالمبهم من حيث إبهامه، أو المعين بعينه مع إبهامه من أحد
308

الفردين لا في مثل الفرض، خصوصا مع كون الابهام عارضيا ناشئا من العوارض،
فالأصل وإطلاق أدلة الوجوب كاف في ثبوته في هذا الحال، وفي كونه تبليغا يصح معه
التكليف، كما يكشف ذلك عدم تقبيح العقل وقوعه من الشارع مع المصلحة
الداعية إلى عدم بيان الخصوصية للمكلف.
ولا يذهب عليك أن المقام ليس مما دار بين الوجوب وعدمه كي يتمسك فيه
بأصل البراءة وإن كان هو كذلك بالنسبة إلى كل من الفردين، بل هو من الشبهة
المحصورة التي لا يشملها أدلة أصل البراءة كما حرر في محله، ولا ينافي ذلك معلومية تعين
الظهر عليه لو أخر حتى فات وقت الجمعة، إذ أقصاه دوران الأمر بين فردين أحدهما
مضيق والآخر موسع، فلا يقين بالبراءة إلا بفعل المضيق في وقته والموسع على توسعته
فلو أخر حتى فات وقت الجمعة وتعين عليه الظهر لم يحصل له اليقين بالبراءة من الشغل
الحاصل بأول الزوال وإن كان يبرأ من الشغل بعد فوات وقت الجمعة بفعل الظهر.
وإن كان تردده بين الوجوب التخييري والحرمة قاطعا بنفي غيرهما فلا ريب في
أن الأحوط له الترك، لأنه طريق السلامة في الفرض، بل لا يجوز له الاقتصار على
الجمعة قطعا، لعدم تيقن الفراغ بفعلها في الفرض، بل قد يشكل أصل جواز الجمع بينها
وبين الظهر بعدم ما يقتضي رفع حرمة التشريع التي يكفي فيها عدم ثبوت المقتضي حتى
الاحتياط، فإنه بالترك كما عرفت لا بالفعل، ففعلها حينئذ لا يمكن أن يكون له وجه
تقرب ينوى، واحتمال الأمر بها تخييرا غير كاف كما هو واضح.
وإن كان تردده بين العيني والتخييري على الوجه السابق فلا إشكال في أن
الاحتياط بفعلها، لأن به يقين البراءة الفرض، بل لا يجوز له الاقتصار على الظهر
لعدم حصول يقين البراءة به، بل قد يشكل جواز فعل الظهر بما سمعته في سابقه.
وإن كان تردده بين العيني والتخييري والحرمة فالظاهر أنه كالأول يجب فيه
309

الجمع بينهما لنحو ما عرفته سابقا، وهذا هو الذي صنف فيه الفاضل " ملا رفيعا " رسالة
حاصلها وجوب الجمع المزبور للمقدمة المذكورة، وقد كتب بعض فضلاء عصره رسالة
في رده، وقد أطال فيها إلا أنه ما أجاد، وحاصلها منع التكليف هنا بمعين يجب فعل
الفرضين مقدمة له، وأنه ليس كناسي خصوص الفائتة باعتبار أن الابهام فيه عارضي
من قبل المكلف بخلاف الأول، فإن الابهام فيه من الشارع حينئذ، ومثله غير جائز
عقلا ونقلا، وخصوص الصلاة إلى أربع جهات للدليل، فالمتجه حينئذ سقوطهما معا
إلا أن يثبت أصالة الظهر، أو أنها هي الواجبة ما لم يثبت الجمعة، فيتعين فعل الظهر،
ولا يجوز فعل الجمعة فضلا عن الوجوب، لعدم ثبوت مقتضي جوازها، ومعلوم أن
العبادة يحرم فعلها إذا كانت كذلك، وقد أكثر فيها من الكلام بما لا يرجع إلى محصل
غير ذلك، وهو كما ترى كلام خال عن التحصيل ناش من عدم الفرق بين الحرمة
التشريعية والذاتية، ومن عدم فهم المراد من أدلة أصل البراءة، وأنه لا يشمل الشبهة
المحصورة، وأن هذا الابهام ليس من الشارع أولا، وغير قادح ثانيا كما أومأنا إليه
سابقا، ومن غريب ما وقع فيها ما ذكره في آخرها فقال: " خاتمة يلزم على ما يراه من
وجوب الجمع أن يجوز لهذا الفقيه أن يصلي الجمعة بالناس ثم يصلي بهم الظهر جماعة على
أعين الناس، وهذا غريب لم يره عين ولم تسمعه أذن إلى الآن، وسيؤول الأمر إلى ذلك
على ما أرى من حالهم، فتصير الخمس الضرورية يوم الجمعة ستا مؤداة بالجماعة، بلى
هكذا يتطرق التغيير إلى الأديان على مرور الأزمان، والعياذ بالله وهو المستعان "
وهو كما ترى لا ينبغي صدوره من متعلم فضلا عن عالم، وقد حكيناه لتقيس باقي كلامه
في رسالته عليه، بل الأقوى أن للمتحير الصلاة جماعة مع من يرى حرمتها، واختلاف
وجهي الوجوب بالاحتياط وغيره غير مانع من الائتمام كما هو محرر في محله.
وإن كان تردده لعدم استفراغ الوسع فإن قلنا إن مثله تكليفه الاحتياط اتجه حينئذ
310

وجوب ما عرفت عليه على التفصيل المتقدم، وإن قلنا إن تكليف مثله الرجوع إلى غيره
كان من المقلدين حينئذ، ولعل التفصيل بين تارك الاستفراغ للتقصير وبينه لمانع شرعي
فيحتاط الأول ويرجع إلى غيره الثاني لا يخلو من وجه، ولتحرير المسألة محل آخر،
إذ هي لا تخص المقام، والمجتهد اجتهادا فاسدا للتقصير في النظر وغيره كغير المجتهد،
ولعل منه من ذهب إلى وجوبها عينا في زمن الغيبة، فلا يجز به صلاتها عن الظهر، ومن
أداه اجتهاده إلى التحريم لا يشرع له الاحتياط بالجمع، مع احتماله لكون الحرمة تشريعية
ترتفع بالفعل بعنوان الاحتياط وإن كان مستحبا، نعم لا يجوز للمجتهد العمل على خلاف
مقتضى ظنه في نحو الفرض لو كانت الحرمة المظنونة ذاتية، كما أنه لا يجوز لمن كان رأيه
الحرمة من المجتهدين الفعل بعنوان الاحتياط، ضرورة أن الواجب عليه العمل برأيه،
فمع فرض كونه الحرمة لا سبيل له إلى امتثال أوامر الاحتياط، فلا يسعه الجمع بينهما،
إذ الاحتياط المندوب للمجتهد إنما هو إذا لم يكن منافيا، كما إذا كان راية الوجوب
التخييري قاطعا بعدم العينية أو الحرمة فإن له الاحتياط بالترك مثلا تخلصا من احتمال
الحرمة، أو بالفعل تخلصا من الوجوب العيني، ومع احتمالهما مع ذلك ينبغي ترجيح أحد
طريقي الاحتياط بما يصلح مرجحا له، لا يقال: من كان رأيه عدم وجوب السورة في
الصلاة مثلا يصح له الاحتياط بالفعل، مع أن مرجع ظنية عدم الوجوب إلى الحرمة
التشريعية لو فعل أيضا فالمقام مثله، إذ أقصى ظنية الحرمة عدم ثبوت المشروعية،
فيصح له الفعل بعنوان الاحتياط الذي لا يعارض التشريع، لأنا نقول: يمكن الفرق
بين المقامين بأن ما نحن فيه من العبادات المستقلة التي لا يجوز فعلها بمجرد احتمال
المشروعية إذا كان المجتهد ظانا خلافها، وهو مأمور بالعمل بظنه بخلاف نحو السورة التي
من المعلوم عدم البأس في قراءتها بأثناء الصلاة وإن لم تكن واجبة فيها، فمن ظن عدم
توقف الصحة عليها مثلا لا يمتنع فعلها احتياطا لاحتمال الجزئية، ضرورة دوران الأمر
311

بين توقف الصحة عليها وبين جوازها وإن لم تكن الصحة موقوفة عليها، فلا ريب أن
الاحتياط بالفعل متجه، بخلاف أصل العبادة التي فرضنا الظن بحرمتها، ومع ذلك يمتنع
نية التقرب بالفعل كما هو واضح بأدنى تأمل، ولا أظنك بعد الإحاطة بجميع ما ذكرنا
تحتاج بعد إلى كلام آخر، ولا إلى ما أطنب به الأستاذ الأكبر باستقصاء الأصناف،
وأنهم أربعة عشر صنفا أو أزيد باعتبار التقصير في الاجتهاد عدمه ونحو ذلك، وأن
منهم من يجب عليه الجمع بين الفرضين بخلاف الآخر، فلاحظ وتأمل، والله هو العالم
بحقيقة الحال.
المسألة (العاشرة إذا لم يتمكن المأموم من السجود) بتمامه (مع الإمام في الأولى)
التي أدرك ركوعها معه انتظر ولم يسجد على الظهر كما عن قوم من العامة (فإن أمكنه
السجود) بعد قيام الإمام (واللحاق به قبل الركوع) فعل و (صح) جمعته بلا خلاف
أجده فيه، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، بل عن كشف اللثام دعوى الاتفاق عليه،
ولا يقدح ذلك في صلاته للحاجة والضرورة مع أن مثله وقع في صلاة عسفان حيث سجد
النبي (صلى الله عليه وآله) وبقي صف لم يسجد والسبب في الجميع الحاجة، فلا بأس
عليه حينئذ في فوات المتابعة للعذر الذي هو كالنسيان أو أعظم منه (وإلا) يمكنه ذلك
حتى سجد الإمام للثانية (اقتصر على متابعته في السجدتين) من دون ركوع إجماعا
كما عن نهاية الإحكام، فلو تابعه بالركوع بطلت صلاته للزيادة، خلافا لمالك والشافعي
وعلى كل حال فمقتضاه أنه ليس له السجود قبله، لكن في المحكي عن النهاية أيضا هل
يجوز له أن يسجد قبل سجود الإمام؟ إشكال أقربه المنع، قال: لأنه إنما جعل الإمام
ليؤتم به، فأشبه المسبوق أي في عدم جواز سبق إمامه في سجوده مثلا وإن كان هو
لأولى المأموم وثانية الإمام، ووجه غير الأقرب في الفرض أن السجود من المأموم إنما
312

هو للأولى، فلا تجب عليه المتابعة في سجود الإمام للثانية، وعلى هذا يكون مراده
بمعقد الاجماع المزبور على المتابعة عدم الركوع معه، فلا ينافيه حينئذ الاشكال المزبور،
وقد يحتمل إرادة النهاية الاشكال في جواز سبق المأموم في سجود الأولى إذا علم
المزاحمة وعدم التمكن من السجود معه، لكنه كما ترى.
وكيف كان يسجد معه السجدتين (وينوي بهما للأولى) ثم يأتي بركعة ثانية
لنفسه وصحت جمعة عندنا بلا خلاف فيه بيننا، بل في الذكرى والمحكي عن المنتهى
والمعتبر والتنقيح الاجماع عليه (فإن نوى بهما الثانية قيل) والقائل الشيخ في النهاية
والقاضي في المهذب على ما حكي عنهما والمصنف في باقي كتبه على ما حكي عن بعضها
والفاضل في القواعد وغيرهم: (تبطل الصلاة) لأنه إن اكتفى بهما للأولى وأتى بالركعة
الثانية تامة خالف نيته، وإنما الأعمال بالنيات، وإن ألغاهما وأتى بسجدتين غيرهما
للأولى وأتى بركعة أخرى تامة زاد في الصلاة ركنا، وإن اكتفى بهما ولم يأت بعدهما
إلا بالتشهد والتسليم نقص من الركعة الأولى السجدتين ومن الثانية ما قبلهما (وقيل)
والقائل المرتضى في المصباح والشيخ في المبسوط والخلاف ويحيى بن سعيد في الجامع
وغيرهم على ما حكي عنهم: لا تبطل (بل يحذفهما ويسجد للأولى ويتم الثانية) بل في
الخلاف الاجماع عليه، لقول الصادق (عليه السلام) في خبر حفص (1): " وإن كان
لم ينو السجدتين في الركعة الأولى لم تجز عنه الأولى والثانية، وعليه أن يسجد سجدتين
وينوي أنهما الركعة الأولى، وعليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها " (و) لا ريب
أن (الأول أظهر) لما عرفت، ولقصور الخبر بالضعف وعدم الصراحة، إذ يجوز
أن يكون قوله (عليه السلام): " وعليه أن يسجد " إلى آخره مستأنفا بمعنى أنه كان
عليه أن ينوبها للأولى، فإذا لم ينوهما لها بطلت صلاته.

الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
313

لكن في الذكرى ليس ببعيد العمل بهذه الرواية، لاشتهارها بين الأصحاب،
وعدم وجود ما ينافيها، وزيادة السجود مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل إمامه، وهذا
التخصيص يخرج الروايات الدالة على الابطال عن الدلالة، وأما ضعف الراوي فلا يضر
مع الاشتهار، على أن الشيخ قال في الفهرست: إن كتاب حفص يعتمد عليه، وفيه أنه
لا شهرة محققة تصلح جابرة على وجه يكون هذا الخبر مخصصا لما دل على البطلان بالزيادة
التي هي غير مغتفرة في المأموم أيضا، بل في الرياض تارة أن القائل به نادر، وأخرى
أن الشهرة على خلافه ظاهرة، ومنه يعلم وهن الاجماع المزبور، وفي المحكي عن المبسوط
أن في البطلان رواية، فهي حينئذ منافية للخبر المزبور، بل لعلها أرجح منه باعتضادها
بالأخبار الدالة على الابطال بالزيادة في الفريضة المعتضدة بعد العمل بالقاعدة الاعتبارية
في وجه، فالمتجه حينئذ البطلان كما عرفت، بل عن الجماعة أنه كذلك لو أهمل فلم ينو
أنهما للثانية أو الأولى، لأن متابعة الإمام تصرفهما للثانية، فيأتي المحذور المزبور،
لكن عن ابن إدريس وجماعة الصحة، لأن أجزاء الصلاة لا تفتقر إلى نية، بل هي على
ما افتتحت عليه ما لم يحدث نية مخالفته، وهو قوي، وما عن المنتهى - من أنه ليس بجيد،
لأنه تابع لغيره، فلا بد من نية تخرجه عن المتابعة في كونها للثانية، وعدم افتقار
الابعاض إلى نية إنما هو إذا لم يقم الموجب، أما مع قيامه فلا - يدفعه أن وجوب المتابعة
لا يصير المنوي له منويا للمأموم وإن كان فرضه غيره، مع أن الأصل صحة صلاته،
نعم لو كان الخبر المزبور معتبرا اتجه القول بالصحة مع إعادة السجدتين، ضرورة شموله
لهذا الفرض إن لم يكن ظاهرا فيه.
ولو سجد المأموم ولحق الإمام رافعا رأسه من الركوع ففي القواعد " الأقرب
أن له جلوسه حتى يسجد الإمام ويسلم ثم ينهض إلى الثانية، وله أن يعدل إلى الانفراد
وعلى التقديرين يلحق الجمعة " وفي كشف اللثام " أن له استمراره على القيام أيضا حتى
314

يسلم الإمام " وعن الايضاح " أن فيه قولين آخرين: أحدهما المبادرة إلى الانفراد لئلا
يلزم مخالفة الإمام في الأفعال، لتعذر المتابعة، والثاني المتابعة ثم حذف ما فعل كمن تقدم
الإمام في ركوع أو سجود سهوا " وعن عميد الاسلام " أنه يحتمل ضعيفا فوات الجمعة،
لأنه لم يحصل له مع الإمام سجدتان في الأولى، ولا شئ من أفعال الثانية، والركعة
إنما تتحقق بالسجدتين " وعن الفاضل احتماله في النهاية، كما أن مقرب المحكي عن التحرير
" الصبر إلى تسليم الإمام " وعن المنتهى " أنه الذي يقتضيه المذهب ولم يحتمل فيهما
العدول إلى الانفراد عاجلا " قلت: لعل وجهه عدم جواز الانفراد اختيارا مطلقا أو
في الجمعة، إلا أنه كما ترى ضعيف كضعف احتمال فوات الجمعة التي قد أدركت الركعة
الأول منها بادراك الركوع، فالأقوى التخيير المزبور له، وقد يحتمل وجوب الركوع
عليه منفردا ثم يلحق الإمام بالسجود، بل لعله لا مناص عنه مع تمكنه من القراءة، بل
قد يقال به وإن لم يتمكن منها، لسقوطها للمتابعة أيضا، ولعل أخبار عبد الرحمان (1)
الآتية تشهد لذلك أو بعضه كالفتاوى.
ولو لم يتمكن من السجود في ثانية الإمام أيضا حتى قعد الإمام للتشهد ففي القواعد
" أن الأقوى فوات الجمعة " ولعله لأن الإمام أتم ركعتيه ولم يتم هو ركعة، فإن تمام
الركعة بتمام السجدتين، وعن المنتهى أنه فارق هذا الفرض ما تقدم، يعني إذا قضى
السجدتين وأدرك الإمام رافعا رأسه من الركوع، إذ هو في الأول مأمور بالقضاء
واللحاق به، فأمكن أن يقال إنه أدرك الجمعة بخلاف هذا، وفيه أن الأمر بالقضاء
واللحاق به لا يصيره مدركا لتمام الركعة معه قطعا، فليس حينئذ إلا حكم ذلك باعتبار
ما دل على إدراك الركعة بادراك الركوع، وهو مشترك في الفرضين، ولعه لذا نسبة في
الذكرى إلى قول مشعرا بنوع تردد فيه، بل عن نهاية الإحكام اختياره، لكن قال

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 و 3 و 4
315

فيها: " وإن لم يدركه حتى سلم فاشكال " ولعل وجه الفرق إدراك السجود في الأول
حال صفة المأمومية بخلاف الثاني، ولذا حكي عن المنتهى أنه قال بعد ما سمعت: " أما لو
لم يتمكن من السجود إلا بعد تسليم الإمام فالوجه ها هنا فوات الجمعة قولا واحدا، لأن
ما يفعله بعد السلام لم يكن في حكم صلاة الإمام " وفيه ما عرفت إن لم ينعقد إجماع عليه
وعلى تقدير الفوات هل يقلب نيته إلى الظهر أو يستأنف؟ الأقرب كما في القواعد الثاني
التباين الصلاتين، وأصالة عدم العدول فيما لا نص فيه، خلافا للذكرى، فالأقوى الأول
لاتحاد الصلاتين، وفيه منع، ولجواز العدول من اللاحقة إذا تبين أن عليه سابقة مع
التباين من كل وجه، فهنا أولى، وهو قياس بل مع الفارق، ولأن الأصل البراءة من
الاستئناف، وهو معارض بقاعدة الشغل.
ولو زوحم في ركوع الأولى بعد أن أدرك الجماعة قبله ثم زال الزحام والإمام
راكع في الثانية أو قبل ركوعه فيها لحقه فركع معه بنية ركوع الأولى، وسجد معه بنية
سجود الأولى، وتمت جمعته، ويأتي بالثانية بعد تسليم الإمام، إذ هو يدرك الجمعة
بادراك ركوع الثانية، وما زاد من الأولى ليس مانعا من الادراك، وفي كشف اللثام
أن له المبادرة إلى الانفراد على ما مر، وله أن يركع ويسجد قبل ركوع الإمام إن أمكنه
بل يجب إن أمكنه ادراك السجود أو ركوع الثانية، لصحيح عبد الرحمان بن الحجاج (1)
" في الرجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو أسطوانة
فلم يقدر على أن يركع ثم يقوم في الصف ولا يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم، أيركع
ثم يسجد ويلحق بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع؟ قال: يركع ويسجد لا بأس
بذلك " (2) وخبره أيضا سأل الصادق (عليه السلام) " عن الرجل يكون في المسجد
إما في يوم الجمعة وإما في غير ذلك فيزحمه الناس إما إلى حائط وإما إلى أسطوانة فلا يقدر

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 3
316

على أن يركع ولا يسجد حتى رفع الناس رؤوسهم، فهل يجوز أن يركع ويسجد وحده
ثم يستوي مع الناس في الصف؟ قال: لا بأس بذلك " مؤيدين بأن وجوب المتابعة مع
الاختيار لا مع الاضطرار، ومن ذلك ينقدح قوة ما ذكرناه سابقا من الاحتمال.
وعلى كل حال فما عن المنتهى والتحرير - من التردد فيه من الخبرين، ومن أنه
لم يدرك الركعة مع الإمام، وأن الإمام إنما جعل إماما ليؤتم به، مع ضعف الخبر الثاني
لاشتراك محمد بن سليمان في طريقه، وعدم نصوصية الأول في المقصود - في غير محله
لما عرفت، وحينئذ فإن لحقه قبل الركوع أو راكعا تبعة في الركوع وتمت له الركعتان
كما صرح به في كشف اللثام، وإن لحقه وقد رفع رأسه من ركوع الثانية فعن التذكرة
والنهاية أن في ادراكه الجمعة اشكالا، من أنه لم يدرك مع الإمام ركوعا، ومن ادراكه
ركعة تامة مع الإمام حكما، ويؤيده الخبران كما عن المنتهى والذكرى، قلت: فيقوى
حينئذ أنه يركع ثم يلحق الإمام في السجود، ولو لم يزل الزحام حتى رفع الإمام رأسه
من ركوع الثانية فعن التذكرة ونهاية الإحكام أتمها ظهرا، وعن المعتبر أنه الأشبه
بالمذهب، لكن في الثلاثة عدم التمكن حتى سجد الإمام، قلت: يمكن القول بالركوع
والسجود وحده وهو مأموم، ولعل الخبرين ظاهران في ذلك كما اعترف به في
كشف اللثام.
هذا كله في الزحام عن ركوع الأولى وسجودها، وأما الزحام عن ركوع الثانية
أو سجودها فلا تفوت الجمعة به قطعا وإن لم يأت بهما إلا بعد التسليم، وما أجود ما عن
نهاية الإحكام من أن الزحام عذر كالنسيان، وبه صحيح عبد الرحمن (1) سأل
أبا الحسن (عليه السلام) " عن الرجل يصلي مع إمام يقتدى به فركع الإمام وسها الرجل
وهو خلفه لم يركع حتى رفع الإمام رأسه وانحط للسجود، أيركع ثم يلحق بالإمام

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4
317

والقوم في سجودهم أو كيف يصنع؟ قال: يركع ثم ينحط ويتم صلاته معهم ولا شئ
عليه " بل عنها أيضا " وكذا لو تأخر لمرض " ثم قال: " ولو بقي ذاهلا عن السجود
حتى ركع الإمام في الثانية ثم تنبه فإنه كالمزحوم يركع مع الإمام، لو تخلف عن السجود
عمدا حتى قام الإمام وركع في الثانية أو لم يركع ففي إلحاقة في المزحوم اشكال " وفي
كشف اللثام " من ترك الائتمام به عمدا مع أنه إنما جعل إماما ليؤتم به، ومن إرشاد
الأخبار والفتاوى في المزحوم والناسي إلى مثل حكمهما في العامد " قلت: قد يقوى
في خصوص الجمعة الأول باعتبار ظهور الأدلة في اشتراط صحتها بالجماعة التي لا ريب
في فواتها بترك المتابعة، وعدم البطلان في غيرها لعدم الاشتراط لا يقضى به فيها،
والمعذور ليس كغيره قطعا كما هو واضح بأدنى تأمل، بل قد يقال في المعذور: إن جمعة
صحيحة بعد انعقاد الائتمام وإن فاتت المتابعة في جميع الركوعات والسجودات، ولعل
الخبرين المزبورين يوميان إلى ذلك، والله أعلم.
(وأما آداب الجمعة ف‍) - منها (الغسل) وقد تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب لطهارة
(و) منها (التنفل بعشرين ركعة) زائدا على غيره من الأيام بأربع على
المشهور نصا وفتوى، خلافا للمحكي عن الإسكافي فزاد ركعتين أخريين أيضا، فيكون
المجموع اثنين وعشرين ركعة، قال: الذي يستحب عند أهل البيت (عليهم السلام)
من نوافل الجمعة ست ضحوة، وست ما بينها وبين انتصاب النهار، وركعتا الزوال،
وثمان بين الفرضين، منها ركعتان نافلة العصر، للصحيح (1) " عن الصلاة يوم الجمعة
كم هي من ركعة قبل الزوال؟ قال: ست ركعات بكرة، وست بعد ذلك اثنتي عشرة
ركعة، وست ركعات بعد ذلك ثمان عشر ركعة، وركعتان بعد الزوال، فهذه
عشرون ركعة، وركعتان بعد العصر، فهذه ثنتان وعشرون ركعة " وهو كما ترى

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 5
318

لا يوافق المحكي عنه في الركعتين بعد العصر، وللصدوقين فلم يفرقا بينه وبين باقي الأيام
إذا قدمت على الزوال أو أخرت عن المكتوبة، للصحيح (1) " عن صلاة النافلة يوم
الجمعة فقال: ست عشر ركعة قبل العصر، ثم قال: وكان علي (عليه السلام) يقول:
ما زاد فهو خير، وقال: إن شاء رجل أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار وست
ركعات في نصف النهار ويصلي الظهر ويصلي معها أربعة ثم يصلي العصر " وسأله (عليه
السلام) سليمان بن خالد (2) أيضا عنها فقال: " ست ركعات قبل زوال الشمس،
وركعتان عند زوالها، والقراءة في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين، وبعد الفريضة
ثمان ركعات " وهما معا لا ينافيان دليل الزيادة، ولو سلم فهو أرجح منهما قطعا من
وجوه، على أن المحكي عنهما من تفصيلها ينافي ذلك، قالا: " ست عند طلوع الشمس،
وست عند انبساطها، وقبل المكتوبة ركعتان، وبعدها ست، وإن قدمت كلها قبل
الزوال أو أخرت إلى بعد المكتوبة فهي ست عشرة " وظاهر هما الفرق بين التفريق
والجمع، قال في الذكرى: يلوح من كلام ابني بابويه أن النافلة ست عشرة لا غير كسائر
الأيام وتفصيلهما السالف ينافيه و (إذ خ ل) هو عشرون، يمكن حمله على أن العشرين
وظيفة من فرق ذلك التفريق، والست عشرة لمن قدم الجميع قبل الزوال أو أخر الجميع
إلى ما بعده، فتأمل جيدا.
وكيف كان فيجوز فعل الجميع قبل الزوال بل يستحب وفاقا للأكثر نقلا في
كشف اللثام إن لم يكن تحصيلا، لتظافر الأخبار (3) بايقاع فرض الظهر فيه أول
الزوال، والجمع فيه بين الفرضين، ونفي التنفل بعد العصر على وجه لا يرجح عليها غيرها
مما يقتضي خلاف ذلك، بل الرجحان في جنبها قطعا، وقول الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 7 - 9 -
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 7 - 9 -
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 7 - 9 -
319

في خبر زريق (1): " إذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا نافلة " وصحيح علي بن
يقطين (2) أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) " عن النافلة التي تصلى يوم الجمعة قبل
الجمعة أفضل أو بعدها قال: قبل الصلاة " وغيرها من النصوص التي سيمر عليك بعضها
إن شاء الله، وما عن المنتهى من أن وقت النوافل يوم الجمعة قبل الزوال إجماعا، إذ
يجوز فعلها فيه وفي غيره، وتقديم الطاعة أولى من تأخيرها، خلافا لوالد الصدوق فجعل
تأخيرها عن الفريضة أفضل، لخبر عقبة بن مصعب (3) سأل الصادق (عليه السلام)
" أيهما أفضل أقدم الركعات يوم الجمعة أو أصليها بعد الفريضة؟ فقال: بل تصليها
بعد الفريضة " وخبر سليمان (4) سأله عن ذلك أيضا فقال: " تصليها بعد الفريضة
أفضل " ويمكن حملهما على ما إذا زالت الشمس ولم يتنفل، أو على أن التأخر لهما
بالخصوص كان أفضل لعارض، وظاهر المحكي عن المقنع التردد في ذلك، قال: " تأخيرها
أفضل من تقديمها في رواية زرارة بن أعين وفي رواية أبي بصير (6) تقديمها
أفضل من تأخيرها ".
وقد عرفت أن الأرجح فتوى ونصا الأول، ولكن يستحب تفريقها فيه
(ست عند انبساط الشمس، وست عند ارتفاعها، وست قبل الزوال، وركعتان عند
الزوال) قبل تحققه وفاقا للأكثر كما في كشف اللثام، لقول أبي جعفر (عليه السلام)
في خبر أبي بصير (7) المروي عن كتاب حريز: " ست بعد طلوع الشمس، وست
قبل الزوال إذا تعالت الشمس، وركعتان قبل الزوال " وقول الكاظم (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 5 - 3 - 1 - 8 - 9
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 18
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 5 - 3 - 1 - 8 - 9
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 5 - 3 - 1 - 8 - 9
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 5 - 3 - 1 - 8 - 9
(6) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 5 - 3 - 1 - 8 - 9
(7) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 18
320

في الصحيح ليعقوب بن يقطين (1): " إذا أردت أن تتطوع يوم الجمعة في غير سفر
صليت ست ركعات ارتفاع النهار وستا قبل نصف النهار، وركعتين إذا زالت الشمس
قبل الجمعة " بناء على إرادة الانبساط من الارتفاع فيه، ولصحيح سعد بن سعد (2)
سأل الرضا (عليه السلام) " عن الصلاة يوم الجمعة كم هي من ركعة قبل الزوال؟ قال:
ست ركعات بكرة، وست بعد ذلك اثنتي عشرة ركعة، وست ركعات بعد ذلك
ثمان عشر ركعة، وركعتان بعد الزوال، فهذه عشرون ركعة " فإن البكرة وإن كانت
أول اليوم من الفجر إلى طلوع الشمس أو تعم لكن كراهية التنفل بينهما وعند طلوع
الشمس دعتهم إلى تفسيرها بالانبساط، وقال الصادق (عليه السلام) في خبر مراد بن
خارجة (3): " أما أنا فإذا كان يوم الجمعة وكانت الشمس من المشرق مقدارها من
المغرب في وقت العصر صليت ست ركعات " وقال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر
أبي بصير (4) الذي حكاه في السرائر نقلا من كتاب حريز: " إن قدرت أن تصلي
يوم الجمعة عشرين ركعة فافعل ست ركعات بعد طلوع الشمس " ولما كره التنفل بعد
العصر وتظافرت الأخبار (5) بأن وقت صلاة العصر يوم الجمعة وقت الظهر في غيره،
وروي (6) أن الأذان الثالث فيه بدعة، وكان التنفل قبلها يؤدي إلى انفضاض الجماعة
رجحوا هذا الخبر على ما تضمن التنفل بين الصلاتين أو بعدهما، ولما تظافرت الأخبار (7)
بأن وقت الفريضة يوم الجمعة أول الزوال، وأنه لا نافلة قبلها بعد الزوال لزمنا أن نحمل
" بعد الزوال " في الخبر على احتمال نسبه في الذكرى إلى الأصحاب، قال: " المشهور

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 10 - 5 - 12 - 18
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 10 - 5 - 12 - 18
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 10 - 5 - 12 - 18
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 10 - 5 - 12 - 18
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة
(6) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب صلاة الجمعة
(7) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة
321

صلاة ركعتين عند الزوال يستظهر بهما تحقق الزوال قاله الأصحاب " إلى آخره.
وقال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر عبد الرحمان بن عجلان (1): " إذا كنت
شاكا في الزوال فصل الركعتين، فإذا استيقنت الزوال فصل الفريضة " وسأل الكاظم
(عليه السلام) أخوه علي بن جعفر (2) في الصحيح " عن ركعتي الزوال يوم الجمعة
قبل الأذان أو بعده فقال: قبل الأذان " وقال الرضا (عليه السلام) للبزنطي (3)
كما في السرائر عن كتابه: " إذا قامت الشمس فصل الركعتين، وإذا زالت فصل
الفريضة ساعة تزول " فما في الرياض - بعد أن حكى الاستدلال المزبور بالصحيح المذكور
قال: وفي بعض هذه المقدمات لتصحيح الاستدلال به إشكال كدعوى الأكثرية على
تقديم الركعتين على الزوال، فإنه خيرة العماني خاصة كما يظهر من جماعة مدعين على
استحباب تأخيرها عن الشهرة، والصحيحة المتقدمة بذلك صريحة - لا يخفى ما فيه خصوصا
بعد قوة ما عرفت بالنسبة إلى الصحيحة، وأما ما في خبر سليمان بن خالد (4) المحكي في
السرائر عن كتاب البزنطي سأل الصادق (عليه السلام) " أيما أفضل أقدم الركعتين
يوم الجمعة أو أصليهما بعد الفريضة؟ قال: صلهما بعد الفريضة " فيترجح ما سمعت عليه
من وجوه، على أنه يجوز أن يكون سأله وقد زالت الشمس أو سأله عن فعلهما إذا تحقق
الزوال وكان التأخير له أولى به أو متعينا لتقية أو غيرها.
وعلى كل حال فما عن الحسن بن أبي عقيل - من الصلاة إذا تعالت الشمس
ما بينها وبين الزوال أربع عشرة ركعة وبين الفريضتين ستا كذلك فعله رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فإذا خاف الإمام بالتنفل تأخير العصر عن وقت الظهر في

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 11 - 2 - 16 - 14
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 11 - 2 - 16 - 14
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 11 - 2 - 16 - 14
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 11 - 2 - 16 - 14
322

سائر الأيام صلى العصر بعد الفراغ من الجمعة وتنفل بعدها ست ركعات، كما روي
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان ربما يجمع بين صلاة الجمعة والعصر - لا مستند
لجميع ما ذكره بحيث يكون صالحا لمعارضة ما سمعت، إذ هو صحيح ابن يقطين (1)
المتقدم الذي فيه مضافا إلى ما سمعت " وست بعد الجمعة " وخبر البزنطي (2) عن
أبي الحسن (عليه السلام) " ست في صدر النهار، وست قبل الزوال، وركعتان إذا
زالت، وست بعد الجمعة " وخبر أبي بصير في الجملة (3)، والجميع كما ترى يوافق
جميع ما ذكره، على أنه يمكن إرادة الانبساط من الارتفاع في الأول كما عرفته سابقا،
كما أنه يمكن إرادة ابن أبي عقيل الانبساط من التعالي، فلا يكون مخالفا للأصحاب في
ذلك، بل ينحصر خلافه في وظيفة فعل الست بين الفرضين، والأمر سهل بعد
كون الحكم ندبيا.
وإلا (فلو أخر النافلة) أجمع (إلى بعد الزوال جاز، و) لكن (أفضل من
ذلك تقديمها) موزعا لها على حسب ما عرفت، ويجوز غيره، قال الصادق (عليه السلام)
في خبر عمر بن حنظلة (4): " صلاة التطوع يوم الجمعة إن شئت من أول النهار وما
تريد أن تصليه يوم الجمعة فإن شئت عجلته فصليته من أول النهار، أي النهار شئت قبل
أن تزول الشمس " كما عرفت (و) حينئذ ف‍ (إن صلى بين الفرضين ست ركعات من
النافلة جاز) كما سمعته من ابن أبي عقيل والأخبار السابقة، وعن ابن طاووس في جمال
الأسبوع لعل ذلك لمن لا يقدر على تقديمها لعذر، وأيده بأن الأدعية الواردة بينها على
التأخير وردت الرواية أنه يقولها مترسلا كعادة المستعجل بضرورات الأزمان،

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 10 - 6 - 18 - 8
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 10 - 6 - 18 - 8
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 10 - 6 - 18 - 8
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة الحديث 10 - 6 - 18 - 8
323

وألفاظها مختصرة كأنها على قاعدة من ضاق الوقت عليه، بل لا بأس بجعل ثمان بينهما
كما تقدم في خبر سليمان بن خالد، بل ظاهر ابن الجنيد أن ذلك هو الوظيفة كما سمعته
سابقا، وأن خلافه مع الأصحاب في ذلك وفي زيادة ركعتين، إذ الضحوة في كلامه
يمكن إرادة الانبساط منها.
قال في كشف اللثام: " الضحوة ما بعد طلوع الشمس قبل الضحى كما في العين
والصحاح والديوان والمحيط وشمس العلوم وغيرها، فلا يخالف المشهور إلا في زيادة
ركعتين على العشرين، وهي موجودة في خبر سعد بن سعد المتقدم، وفيه أنهما بعد
العصر، ولا يأباه كلام أبي علي، وأرسل الشيخ في المصباح (1) عن الرضا (عليه السلام)
نحو ما رواه سعد، وليس فيه هاتان الركعتان، وفي تأخر ست عن الفريضة، وستسمع
جوازه، ولكن روى الحميري في قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد
ابن أبي نصر (2) عن أبي الحسين (عليه السلام) قال: " النوافل يوم الجمعة ست ركعات
بكرة وست ركعات ضحوة، وركعتين إذا زالت الشمس، وست ركعات بعد
الجمعة " وهو يعطي إما كون الضحوة بمعنى الضحى كما في المهذب، أو بعده كما في المفصل
والسامي، أو فعل الست الأول قبل طلوع الشمس " انتهى لا يخلو بعضه من نظر.
وكيف كان فهل الجميع نافلة الظهرين، أو الجميع نافلة اليوم، أو الأربع نافلة
اليوم: والباقية الظهرين؟ أوجه، قطع ابن فهد في المحكي عنه بالثالث، قال: " فلا
يسقطها يعني الأربع السفر، ولا يقضى " وعن فخر الاسلام في شرح الإرشاد " التخيير
بين أن ينوي بالجميع نافلة الجمعة وأن ينويها بالأربع وينوي نافلة الظهر بثمان ونافلة
العصر بثمان " قلت: الأولى الاقتصار على نية القربة من غير تعرض لشئ من ذلك.
ثم إن ظاهر النص والفتوى عموم استحباب فعل النافلة المزبورة لمن يصلي الجمعة

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 5 - 19
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 5 - 19
324

أو الظهر، وقال الرضا (عليه السلام) في خبر الفضل (1): " إنما زيد في صلاة السنة
يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم وتفرقة بينه وبين سائر الأيام " لكن عن
نهاية الإحكام " أن السر في العشرين أن الساقطة ركعتان، فيستحب الاتيان ببدلهما،
والنافلة الراتبة ضعف الفرائض " ومقتضاه اختصاص ذلك بمن يصلي الجمعة، اللهم إلا
أن يريد به بيان أصل الحكمة فيه، والله أعلم.
(و) منها (أن يباكر المصلي إلى المسجد الأعظم) الذي تصلى فيه الجمعة: أي
يكون فيه بكرة بلا خلاف أجده فيه، لأنه مسارعة إلى الخير، وقول أبي جعفر (عليه
السلام) (2): " إذا كان يوم الجمعة نزل الملائكة المقربون معهم قراطيس من فضة
وأقلام من ذهب، فيجلسون على أبواب المساجد على كراس من نور فيكتبون الناس
على منازلهم الأول والثاني حتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ولا يهبطون
في شئ من الأيام إلا يوم الجمعة " وقال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن سنان (3):
" إن الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها، وإنكم لتسابقون إلى الجنة على قدر
سبقكم إلى الجمعة " وفي خبر جابر (4) " إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يبكر إلى
المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قدر رمح، فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك،
وكان يقول: إن لجمع شهر رمضان على جمع سائر الشهور فضلا كفضل رمضان على سائر
الشهور " وعن النبي (صلى الله عليه وآله) (5) " من غسل واغتسل وبكر وابتكر
واستمع ولم بلغ كفر ذلك ما بين الجمعتين " وعنه (صلى الله عليه وآله) (6) أيضا " من

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(5) تيسير الوصول ج 2 ص 277 مع الاختلاف
(6) المستدرك - الباب - 21 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6
325

اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية
فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في
الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة "
وظاهره توزيع الزمان من الفجر أو طلوع الشمس إلى الزوال خمس حصص، عبر عن
كل حصة منها بساعة من غير فرق بين يوم الشتاء والصيف والخريف والربيع، ولعل
ذكر غسل الجنابة مما يؤيد إرادة طلوع الفجر الثاني، لأنه هو الذي يغتسل من الجنابة
في تلك الليلة عنده.
وفي المحكي عن التذكرة " المراد بالساعة الأولى هنا بعد الفجر، لما فيه من المبادرة
إلى الجامع المرغب فيه وإيقاع صلاة الصبح فيه، ولأنه أول النهار " بل قد يظهر من
نهاية الإحكام أنه لا خلاف فيه عندنا، قال فيما حكي عنها: " الأقرب أنها يعني الساعات
من طلوع الفجر الثاني، لأنه أول اليوم شرعا، وقال بعض الجمهور: من طلوع الشمس
لأن أهل الحساب منه يحسبون اليوم ويقدرون الساعات، وقال بعضهم: من وقت
الزوال، لأن الأمر بالحضور حينئذ يتوجه عليه، وبعيد أن يكون الثواب في وقت لم
يتوجه عليه الأمر فيه أعظم، ولأن الرواح اسم للخروج بعد الزوال، وليس بجيد،
لاشتمال الحضور قبل الزوال على الحضور حال الزوال وزيادة، فزاد الثواب باعتباره،
وذكر الرواح لأنه خروج لأمر يؤتى به بعد الزوال - قال - وليس المراد من الساعات
الأربع والعشرون التي ينقسم اليوم والليلة عليها، وإنما المراد ترتيب الدرجات وفضل
السابق على الذي يليه، إذ لو كان المراد الساعات المذكورة لاستوى السابق والمسبوق
إذا جاءا في ساعة واحدة على التساوي، ولاختلف الأمر باليوم الشاتي والصائف،
ولفاتت الجمعة إن جاء في الساعة الخامسة " وناقشه في كشف اللثام بأن الاختلاف
والفوت على الساعة المستقيمة، والأخبار منزلة على المعوجة، وقد يستوي السابق
326

والمسبوق في إدراك فضل من قرب بدنة مثلا وإن كان بدنة السابق أفضل واستحباب
تأخير غسل الجمعة وإتيان الأهل في الجمعة، وخبر جابر (1) قد يؤيد أن اعتبار
الساعات من طلوع الشمس.
قلت: كأن مراده تنزيل أخبار الأربعة والعشرين على المعوجة، فلا تنافي حينئذ
حمل الساعات هنا عليها كما تخيله الفاضل، لكن فيه أولا أنه دليل على أفضلية بدنة
السابق في تلك الساعة، وثانيا أنه لا يتم عليه ما هو ظاهر الخبر من حصر قسمة الزمان
في الخمس، فلعل ما ذكرناه من إرادة الحصص المزبورة أولى، كما أن ما ذكره من التأييد
للاعتبار من طلوع الشمس فيه ما لا يخفى، ضرورة أن استحباب تأخير الغسل إلى ما قبل
الزوال كما عرفته في محله ينافي بظاهره أصل استحباب التبكير كما سمعت الكلام فيه
مفصلا في الأبحاث السالفة، فلاحظ وتأمل، والله أعلم.
(و) على كل حال فيستحب له التبكير أو إتيان المسجد (بعد أن يحلق رأسه
ويقص أظفاره) أو حكها إن قصت يوم الخميس (ويأخذ من شاربه) لكن ليس شئ
منهما شرطا في استحبابه قطعا، وقيد الأول في الرياض تبعا لكشف اللثام بالاعتياد
حاكيا له عن التذكرة والنهاية، قال في الثاني: وإلا غسل رأسه بالخطمي كذا في التذكرة
ونهاية الإحكام، وبالجملة يستحب تنظيف الرأس بالحلق أو بالغسل أو بهما، والغسل
بالخطمي كل جمعة أمان من البرص والجنون على ما في خبر ابن بكير (2) عن الصادق
(عليه السلام)، وينفي الفقر ويزيد في الرزق إذا جامع قص الأظفار والشارب على ما
في خبر محمد بن طلحة (3) عنه (عليه السلام)، وفي خبر ابن سنان (4) عنه (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 15
(4) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 - 2
327

" إن من فعل الثلاثة يوم الجمعة كان كمن أعتق نسمة " وفيه أولا أنه لم نقف على ما
يدل على أصل استحباب الحلق فضلا عن أن يكون مقيدا بالاعتياد سوى ما قيل من
دخوله تحت التزيين الذي هو مطلق كالفتاوى، ونحوه إطلاق غسل الرأس بالخطمي
من دون تقييد بعدم اعتياد الحلق، نعم لا بأس بتقييده بالاحتياج إليه كقص الأظفار
وأخذ الشارب المطهرين له المؤمنين له من الجذام، ويزيدان في الرزق، والشارب على ما
في فقه اللغة للثعالبي " شعر الشفة للعليا " وعن مصباح الفيومي " الشعر الذي يسيل على
الفم " والديوان " شاربا الرجل ناحيتا سبلته " وعن العين " الشاربان ما طال من
ناحيتي السبلة، ومنه سمي شارب السيف، وبعض يسمى السبلة كلها شاربا واحدا،
وليس بصواب " ونحوه عن تهذيب اللغة، وعن المحيط " الشاربان ما طال من ناحيتي
السبلة " والأمر سهل بعد أن كفى العرف مؤونة ذلك كله.
(و) منها (أن يكون على سكينة ووقار) كما في النص (1) والفتوى، والمراد
بهما إما واحد هو التأني في الحركة إلى المسجد كما روي (2) عن النبي (صلى الله عليه وآله)
" إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة " أو في الحركات
ذلك اليوم كما احتمله في كشف اللثام، وإن كان هو كما ترى، أو المراد بأحدهما
الاطمئنان ظاهرا وبالآخر قلبا، أو التذلل والاستكانة ظاهرا وباطنا، كل ذلك إما
عند إتيان المسجد أو في اليوم كما قال الصادق (عليه السلام) في خبر هشام بن الحكم (3)
" وليكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار ".

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب أحكام المساجد - الحديث 1 والباب 47 من
أبواب صلاة الجمعة
(2) صحيح البخاري ج 2 ص 9
(3) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
328

وأن يكون (متطيبا لابسا أفضل ثيابه) وأفخرها وأنظفها (وأن يدعو أمام
توجهه) إلى المسجد بالمأثور في خبر أبي حمزة الثمالي (1) " اللهم من تهيا وتعبأ " إلى آخره
وغيره (وأن يكون الخطيب بليغا) مراعيا لما يقتضيه الحال بالعبارات الفصيحة الخالية
عن التعقيد وعن الابتذال لتكون موعظته جالبة للقلوب مؤثرة فيها، ويتوجه الناس إلى
الاصغاء إليها، وفي الذكرى " يستحب كونه بليغا بمعنى جمعه بين الفصاحة التي هي خلوص
الكلام من التعقيد وبين البلاغة، وهي بلوغه بعبارته كنه ما في نفسه مع الاحتراز عن
الايجاز المخل والتطويل الممل " وعن دلائل الاعجاز " أنه لا معنى لها إلا وصف الكلام
بحسن الدلالة وتمامها، فما كانت دلالته أتم يترجمها في صورة هي أبهى وأزين وآنق
وأعجب وأحق بأن يستولي على هوى النفوس، وينال الحظ الأوفر من ميل القلوب،
وأولى بأن يطلق لسان الحامد ويطيل رغم الحاسد - قال -: ولا جهة لاستكمال هذه
الخصال غير أن يأتي المعنى من الجهة التي هي أصلح لتأديته، ويختار له اللفظ الذي هو
أخص به وأكشف عنه وأتم له وأحرى بأن يكسبه نيلا، ويظهر به مزية " وعن نهاية
الإحكام " بحيث لا يكون مؤلفة من الكلمات المبتذلة، لأنها لا تؤثر في القلوب، ولا
من الكلمات الغريبة الوحشية، لعدم انتفاع أكثر الناس بها، بل تكون قريبة من الافهام
ناصة على التخويف والانذار ".
وأن يكون (مواظبا على الصلوات في أول أوقاتها) وعلى الائتمار بما أمر به
والانزجار عما نهي عنه ليكون له وقع في النفوس: فتكون موعظته أوقع في القلوب.
(ويكره له) أي الخطيب (الكلام في أثناء الخطبة بغيرها) إذا لم يكن مفوتا
لهيئتها وسالبا لصدق المراد شرعا منها، وإلا حرم الاجتزاء بها ووجب استئناف غيرها
وكأن وجه الكراهة - مضافا إلى انفصام نظام الخطبة الموجب للوهن في الابلاغ

(1) التهذيب ج 3 ص 142 - الرقم 316 من طبعة النجف
329

والانذار والحمد والثناء - ضيق الوقت وانتظار المأمومين الذين يسأمون ولا يخلون غالبا
عن حاجات ربما تفوت لطول المكث، بل ربما قيل بالحرمة، بل في الذكرى " الظاهر
أن تحريم الكلام مشترك بين الخطيب والسامعين، أو الكراهية إلا لضرورة " ونحو
منه غيره، بل كأنه مال إليه في الرياض، ولعله للتنزيل منزلة الصلاة في الخبرين (1)
السابقين وإن كان فيه ما عرفت كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا، فلاحظ وتأمل،
ولا تغفل عما ذكرناه هناك من النصوص المشتملة على وقوع الكلام منه (صلى الله عليه وآله)
في الأثناء، والله أعلم.
(ويستحب أن يتعمم شاتيا كان أو قاضيا، ويرتدي ببردة يمنية) للخبر (2)
ولأن المعتم والمرتدي أوقر في النفوس، واليمنية كبردة ضرب من برود اليمن، والإضافة
كما في شجر أراك، وبخصوصها قول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة (3): " ويرتدي
ببردة يمنية أو عدني " وأن يسلم على الناس أولا قبل الشروع في الخطبة لقول أمير المؤمنين
(عليه السلام) في مرفوع عمر بن جميع (4): " من السنة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلم
إذا استقبل الناس " وإرسال الرواية غير قادح بعد العمل بها وكون الحكم استحبابيا،
وخصوصا بعد مشروعية مطلقه وشهادة الاعتبار هنا بحسنة، فما عن الخلاف من عدم
الاستحباب للأصل المقطوع بما عرفت في غير محله، بل عن التذكرة ونهاية الإحكام
" التسليم مرتين: مرة إذا دنا من المنبر سلم على من عنده، لاستحباب التسليم لكل
وارد، وأخرى إذا صعده فانتهى إلى الدرجة التي تلي موضع القعود واستقبل الناس

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4 والفقيه ج 1
ص 269 - الرقم 1228 المطبوع في النجف
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 وهو مرفوع
عمرو بن جميع
330

فسلم عليهم بأجمعهم " قال: ولا يسقط بالتسليم الأول، لأنه مختص بالقريب من المنبر
والثاني عام، وعلى كل شق يجب رده، لأنه تحية كما هو واضح.
(وأن يكون معتمدا على شئ) من قوس أو عصا أو سيف أو نحو ذلك،
للنصوص (1) والاعتبار (وأن يسلم أولا وأن يجلس أمام الخطبة) على المستراح وهو
الدرجة من المنبر فوق التي يقوم عليها للخطبة، وذلك ليستريح من تعب المسير والصعود
ولأنه لا فائدة لقيامه حال الأذان، وللتأسي، قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر
عبد الله بن ميمون (2): " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا خرج إلى الجمعة
قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذن " ولا ينافيه حسن حريز عن محمد بن مسلم (3) " يخرج
الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب " هذا.
وقد تقدم الكلام مفصلا في بحث القراءة فيما يتعلق بقوله هنا: (وإذا سبق)
لسان (الإمام إلى قراءة سورة فليعدل إلى الجمعة، وكذا في الثانية يعدل إلى سورة
المنافقين ما لم يتجاوز نصف السورة إلا في سورة الجحد والتوحيد) وكذا في قوله:
(ويستحب الجهر بالظهر في يوم الجمعة) فلاحظ وتأمل.
(ومن يصلي ظهرا) منفردا ولا تجب عليه الجمعة (فالأفضل إيقاعها في المسجد
الأعظم) للعمومات، وخصوص تبكير جعفر (عليه السلام) (4) (وإذا لم يكن إمام
الجمعة ممن يقتدى به جاز أن يقدم المأموم صلاته على الإمام) لأن أبا جعفر (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 وسنن البيهقي ج 3
ص 206
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 وفيه " كان
أبو جعفر (عليه السلام) يبكر... الخ " كما تقدم في ص 325
331

سأل أبا بكر الحضرمي (1) عما يصنعه يوم الجمعة؟ فقال: " أصلي في منزلي ثم أخرج
فأصلي معهم، فقال (عليه السلام): كذلك أصنع أنا " (ولو صلى معه ركعتين) بنية
الظهر الرباعية (وأتمهما بعد تسليم الإمام ظهرا كان أفضل) كما كان علي بن الحسين
(عليهما السلام) يفعله على ما في صحيح حمران (2) وفعله أمير المؤمنين (عليه السلام)
على ما في حسن زرارة (3) وفي صحيح حمران (4) أيضا عن الصادق (عليه السلام)
" إن في كتاب علي (عليه السلام) إذا صلوا الجمعة فصلوا معهم، ولا تقومن من
مقعدك حتى تصلي ركعتين أخريين، قال: فأكون قد صليت أربعا لنفسي لم أقتد بهم
فقال: نعم " لكن قد يناقش في ثبوت الأفضلية من ذلك كله، إلا أن الأمر سهل
بعد التسامح، وقد تقدم الكلام سابقا عند البحث في وجوب الجمعة في جواز الاقتداء
بهم فيها تقية والاعتداد بها، فلاحظ وتأمل، والله أعلم بأحكامه، وله الشكر على
توفيقه وإنعامه.
(الفصل الثاني في صلاة العيدين)
الفطر والأضحى من العود وإن كان الجمع أعياد على غير قياس ردا لجمع الأشياء
إلى أصولها، للزوم الياء في مفرده، وللفرق بين جمعة وبين عود الخشب (و) على كل
حال ف‍ (النظر) يقع (فيها وفي سننها، وهي واجبة) على الأعيان إجماعا منا بقسميه،
بل لعل المحكي منه متواتر كالنصوص (5) بل فيها ما يظهر (6) منه أنه المراد من قوله

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 5 - 1
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 5 - 1
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4 ولكنه لا يطابق
لما ذكره في الجواهر
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 - 5 - 1
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة العيد
(6) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 4 وتفسير ابن كثير
ج 4 ص 559 وتفسير ابن جزي ج 4 ص 220
332

تعالى (1): " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " وقوله تعالى (2): " فصل
لربك وانحر " ويؤيده إطلاق اسم الفريضة عليها في جملة (3) منها، إلا أنه قد ينافيه
قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (4): " صلاة العيدين مع الإمام سنة "
الذي حمله الشيخ على إرادة ما علم وجوبه من السنة لا من القرآن، اللهم إلا أن يقال
ذلك من السنة أيضا باعتبار عدم صراحة القرآن فيه بحيث لا يحتاج إلى السنة، فإن ذلك
المسمى بالفريضة في مقابل السنة، والأمر سهل.
وكيف كان فلا ريب في أصل الوجوب، نعم هو (مع وجود الإمام (عليه السلام) بالشرائط المعتبرة في الجمعة) بلا خلاف أجده فيه فيما عدا الخطبة، بل
في جامع المقاصد " أنه اتفاقي للأصحاب " وفي الانتصار " الاجماع على وجوبهما على
كل من وجبت عليه صلاة الجمعة وبتلك الشروط " ونحوه عن الناصرية، وفي الخلاف
" الاجماع على أنها فرض على الأعيان، ولا تسقط إلا عمن تسقط عنه الجمعة " وفيه
أيضا " العدد شرط في وجوب صلاة العيد، وكذلك جميع شرائط الجمعة، دليلنا إجماع
الفرقة، وأيضا فإذا ثبت أنه فرض وجب اعتبار العدد فيها، لأن كل من قال بذلك
اعتبر العدد، وليس في الأمة من فرق بينهما " وفي المتبر " صلاة العيدين فريضة على
الأعيان مع شرائط الجمعة، وهو مذهب علمائنا أجمع " وفيه أيضا " ويشترط في وجوبها
شروط الجمعة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) صلاها مع شرائط الجمعة، فيقف الوجوب
على صورة فعله، ولأن كل من قال بوجوبها على الأعيان اشتراط ذلك " إلى آخره.
قيل: ونحوه التذكرة ونهاية الإحكام، وعن المنتهى " لا خلاف فيه بين علمائنا ".

(1) سورة الأعلى - الآية 14 و 15
(2) سورة الكوثر - الآية 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 0 - 2
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 0 - 2
333

مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1) في العيدين: " إذا
كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة " وإلى المعتبرة (2)
المستفيضة القريبة من التواتر بل المتواترة في اعتبار الإمام والجماعة فيها، وجملة (3) منها
وإن نكرت الإمام وقابلت الجماعة بالواحدة بحيث يستشعر منها كون المراد من الإمام فيها
مطلق إمام الجماعة لكن جملة أخرى (4) منها عرفته باللام، فيظهر أن المقصود فيها
من التنكير ليس ما ذكر، وإلا لما عرف، وحينئذ فيحمل على ما هو عند الاطلاق
والتجرد عن القرينة متبادر، ومقابلة الوحدة بالجماعة ليس فيها ذلك الاشعار المعتد به،
سيما على القول بمنع اعتبار الجماعة فيها مع فقد الشرائط، مع أنه على تقدير تسليمه
معارض بظاهر الموثق (5) عن الصادق (عليه السلام) بل صريحه " قلت له: متى تذبح؟
قال: إذا انصرف الإمام، قلت: فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة
فقال: إذا استقلت الشمس، وقال: لا بأس أن تصلي وحدك، ولا صلاة إلا مع
إمام " على أنك قد عرفت في الجمعة ما يظهر منه أن المراد بالإمام في أمثال هذه المقامات
المعصوم (عليه السلام) أو نائبه، فلاحظ وتأمل.
كما أنك عرفت ما يقتضي باشتراطه في الجمعة والعيد من دعاء الصحيفة السجادية (6)
وغيره، بل قد عرفت ما يقضي باتحاد الجمعة والعيد، وأنه اعتبر ما اعتبر في الأولى لأنها
عيد، وأنه لاتحادهما استغنى بحضور العيد عنها عند اجتماعهما كما ستعرف أيضا، بل لا يخفى
ظهور الصحيح - (7) " قال الناس لأمير المؤمنين (عليه السلام): لو أمرت من يصلي

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة العيد
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة العيد
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة العيد
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 6
(6) ص 277 - رقم الدعاء 48
(7) المستدرك - الباب 14 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 لكن رواه عن الدعائم
334

بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد قال: أكره أن استن سنة لم يستنها رسول الله
(صلى الله عليه وآله) " وفي الرياض ونحوه المروي في البحار عن كتاب عاصم بن حميد
عن محمد بن مسلم (1) عن الصادق (عليه السلام)، وعن كتاب المجالس عن رفاعة (2)
عنه (عليه السلام)، وخبر محمد بن مسلم (3) عن الباقر (عليه السلام) - في أن صلاة
العيد بنصب الإمام وإذنه، وإلا لما استأذنوه، كما أنه لا يخفى ظهورها في اعتبار الوحدة
فيها على حسب ما سمعته في الجمعة، مضافا إلى الاجماع المزبور على ذلك، فما عن تذكرة
الفاضل ونهاية من التوقف فيه بل كأنه مال إليه في المدارك لا يخلو من نظر.
نعم قد يتجه ما ذكره الشهيد ومن تأخر عنه كما قيل من أن هذا الشرط إنما يعتبر
مع وجوب الصلاتين، فلو كانتا مندوبتين أو إحداهما لم يمتنع التعدد اقتصار في تقييد
الاطلاق المقتضي للحصة على المتيقن، واستظهارا مما دل (4) على جوازها فرادى من
النصوص مع انتفاء الجماعة أنه لا يعتبر في المندوب منها ما يعتبر في الواجب، كما هو
واضح بأدنى تأمل.
وقد تلخص من ذلك كله اعتبار ما عدا الخطبتين في العيد كالجمعة من السلطان
أو نائبه والعدد والجماعة والاتحاد، إلا أنه قد يفرق بينهما في الأول بأن المختار في الجمعة
كما عرفت اشتراط ذلك في العينية، أما التخيير فلا، إلا أنه لما كان غير متصور في العيد
باعتبار عدم فرد آخر لم يكن له وجه سوى جواز الترك، بل عن روض الجنان أنه
لا مدخل للفقيه حال الغيبة في وجوبها في ظاهر الأصحاب، وإن كان ما في الجمعة من

(1) المستدرك - الباب - 14 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 6
(2) البحار ج 18 ص 859 من طبعة الكمباني لكن رواه عن المحاسن
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 9
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة العيد
335

الدليل يتمشى هنا، إلا أنه يحتاج إلى القائل، ولعل السر في عدم وجوبها حال الغيبة
مطلقا بخلاف الجمعة أن الواجب الثابت في الجمعة إنما هو التخيير كما مر، أما العيني فهو
منتف بالاجماع، والتخييري في العيد غير متصور، إذ ليس معها فرد آخر يخير بينها
وبينه، فلو وجبت لو جبت عينا، وهو خلاف الاجماع، لكن ومع ذلك كله وسوس
سبطه في المدارك في ذلك وتبعه عليه غيره، وناقش فيما دل على اشتراط الإمام في الوجوب
إلى أن قال: " لا منافاة بين كون الوجوب في الجمعة تخييريا وفي العيد عينيا إذا
اقتضته الأدلة، وبالجملة فتخصيص الأدلة الدالة على الوجوب بمثل هذه التمحلات لا يخلو
من إشكال، وما ادعوه من الاجماع فغير صالح للتخصيص، لما بيناه غير مرة من أن
الاجماع إنما يكون حجة مع العلم القطعي بدخول قول الإمام (عليه السلام) في أقوال
المجمعين، وهو غير متحقق هنا، ومع ذلك فالخروج عن كلام الأصحاب مشكل،
واتباعهم بغير دليل أشكل " وهو كما ترى.
وأما الثاني فقد سمعت صحيح الحلبي (1) المكتفى فيه بالخمسة، لكن عن ابن
أبي عقيل ذهب إلى اشتراط السبعة هنا مع أنه اكتفى في الجمعة بالخمسة، والظاهر أنه
رواه، لأنه قال في المحكي عنه: لو كان إلي القياس لكانا جميعا سواء، لكنه تعبد
من الخالق سبحانه، ولم نقف على روايته، والاعتماد على المشهور للصحيح المزبور المعتضد
باطلاق أدلة الوجوب وغيره.
وأما الثالث فستعرف الكلام فيه، كما أنك عرفت الكلام في الرابع، والأمر
في ذلك كله سهل.
إنما الكلام في الخطبتين، وظاهر المتن وغيره ممن اعتبر فيها شرائط الجمعة

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
336

وجوبهما لها أيضا، بل قد سمعت معقد إجماع الخلاف وغيره مما لم يستثن فيه الخطبتان
كما هو ظاهر عبارة الأكثر، قال في كشف اللثام: إنه نص الشيخ في المبسوط والجمل
والاقتصاد والحلبيان والكيدري وبنو حمزة وإدريس وسعيد والمحقق في كتبه مع
استحبابه لهما في المعتبر على اشتراط وجوب صلاة العيد بشروط صلاة الجمعة مع نصهم
على كون الخطبتين من شروطها، وفي المبسوط والجامع النص على الاشتراط بهما هنا أيضا
ونص ابن زهرة والقاضي في المهذب على اشتراطها بالممكن فيها، وفي الكشف أيضا قبل
ذلك ويجب الخطبتان بعدها إن وجبت كما في المراسم والوسيلة والسرائر وجمل العلم
والعمل وشرحه للقاضي، وفيه أنهما واجبتان عندنا، وفي التذكرة واجبتان كما قلنا
للأمر وهو للوجوب، وقال الجمهور بالاستحباب، وفي الرياض لم نقف على مصرح
بالندب سوى ما في المعتبر والنزهة، وعن مصابيح الظلام لم أجد قائلا بالاستحباب غير
ما نقل عن المعتبر، وفي خبر ابن يقطين (1) عن العبد الصالح (عليه السلام) " تكبير
العيدين للصلاة قبل الخطبة " وفي خبر سليمان بن خالد (2) عن الصادق (عليه السلام)
" كبر ست تكبيرات واركع بالسابعة، ثم قم في الثانية فاقرأ ثم كبر أربعا واركع
بالخامسة، والخطبة بعد الصلاة " وفي مضمر معاوية (3) " سألته عن صلاة العيدين
فقال: ركعتان - إلى أن قال - والخطبة بعد الصلاة، وإنما أحدث الخطبة قبل الصلاة
عثمان، وإذا خطب الإمام فليقعد بين الخطبتين قليلا " وفي صحيح ابن مسلم (4) عن
أحدهما (عليه السلام) في صلاة العيدين " الصلاة قبل الخطبتين بعد القراءة سبع في
الأولى وخمس في الأخيرة، وكان أول من أحدثها بعد الخطبة عثمان لما أحدث إحداثه
كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ليرجعوا فلما رأى ذلك قدم الخطبتين واحتبس الناس

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 8 - 9
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 8 - 9
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 2
337

للصلاة " وفي خبر أبي الصباح الكناني (1) عن الصادق (عليه السلام) " والخطبة في
العيدين بعد الصلاة " وفي خبر العلل والعيون (2) عن الرضا (عليه السلام) " إنما جعلت
الخطبة في يوم الجمعة في أول الصلاة وجعلت في العيدين بعد الصلاة لأن الجمعة أمر دائم
تكون في الشهور والسنة كثيرا، وإذا كثر على الناس ملوا وتركوا ولم يقيموا عليها
وتفرقوا عنه، وأما العيد إنما هو في السنة مرتين، والناس فيه أرغب، فإن تفرق بعض
الناس بقي عامتهم " وفي خبر محمد بن قيس (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) " المواعظ
والتذكر يوم الأضحى والفطر بعد الصلاة " وقال زرارة (4) لأبي عبد الله (عليه السلام): " أدركت الإمام على الخطبة فقال له: تجلس حتى يفرغ من خطته ثم تقوم فتصلي،
قلت: القضاء أول صلاتي أو آخرها؟ قال: لا بل أولها، وليس ذلك إلا في هذه
الصلاة، قلت: فما أدركت مع الإمام وما قضيت؟ فقال: أما ما أدركت من الفريضة
فهو أول صلاتك، وما قضيت فآخرها " إلى غير ذلك مما لا أمر فيه صريح بالخطبتين،
ولذا قال في كشف اللثام: لم أظفر بالأمر في خبر، ولكن رأيت فيما قد ينسب إلى
الرضا (عليه السلام) (5) " لا تكون إلا بإمام وخطبة " وفيه أن ظهور الأمر في النصوص
المزبورة ولو بعد الانجبار بما سمعت كاف.
لكن في الدروس " أن المشهور الاستحباب " وفي الذكرى " أنه المشهور في
ظاهر الأصحاب " وفي البيان " أكثر الأصحاب لم يصرحوا بوجوب الخطبتين " وفي
المعتبر " أن على استحبابهما الاجماع وفعل النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة والتابعين "
إلا أنه يمكن - بل لعله الظاهر بقرينة عدم التصريح بالاستحباب ممن تقدمه عدا النزهة،

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 11 - 12 - 5
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 11 - 12 - 5
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 11 - 12 - 5
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(5) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
338

بل قد عرفت التصريح والظهور بخلافة، وعدم دلالة الفعل على الندب، لأن المحكي عنهم
الخطبة لا تركها - إرادة شرعيتهما والرجحان من معقد الاجماع لا الاستحباب بالمعنى
الأخص كما اعترف به في كشف اللثام، لكن دعوى الشهيد الشهرة المزبورة لا تخلو
من غرابة، اللهم إلا أن يكون قد نزل عبارة الأصحاب اشتراط ما يشترط في الجمعة في
العيد على ما عدا الخطبة كما هو مقتضى التدبر في عبارة المعتبر منهم، بل ما حكوه من
الاجماع على عدم وجوب حضورها واستماعها يومي إلى ذلك، قال في المحكي عن المنتهى:
" لا يحب على المأمومين استماعهما ولا حضورهما بغير خلاف " والتذكرة " إجماعا "
والتحرير " الاجماع على عدم وجوب الاستماع " إلى غير ذلك.
مضافا إلى صحيح الحلبي (1) " إن الجمعة والعيد اجتمعا في زمن أمير المؤمنين
(عليه السلام) فخطب خطبتين جمع فيهما خطبة العيد والجمعة " وإلى استبعاد توقف صحة
السابق عليها، ضرورة أن الغالب في الشرائط السبق أو الاقتران، ولعله لذا كان خيرة
العلامة في القواعد وجوبهما تعبدا لا شرطا، إلا أنه لا يخفى عليك ما في الجميع، وأنه
لا صلاحية له لمعارضة ما سمعت مما يدل على الوجوب والشرطية من النصوص التي
ذكرتهما في الكيفية وغيرها، وأومأت إلى أنهما في العيد كالخطبتين في الجمعة، بل ربما
تقدم في بحث الجمعة ما يومي إلى أن الخطبتين في الجمعة لأنها عيد، فلاحظ وتأمل، وعدم
وجوب الاستماع لا ينافي الوجوب كما هو مذهب البعض في الجمعة، على أنه يمكن منعه
كالحضور بالنسبة إلى البعض، نعم عدم الوجوب مسلم بالنسبة إلى الجميع، أما البعض فلا
فيكون الوجوب حينئذ كفائيا وإن كان شرطيا، وقول النبي (صلى الله عليه وآله) (2):
" إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب "

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(2) كنز العمال - ج 4 ص 315 - الرقم 6413 و 6430
339

غير ثابت من طرقنا المعتبرة، نعم عن ولد الشيخ أنه رواه في مجالسه بسنده إلى ابن
جريح عن عطا عن عبد الله بن السائب (1) قال: " حضرت رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يوم عيد فلما قضى صلاته قال " إلى آخره. مع إمكان إرادة عدم حبس الجميع
كما أومي إليه في خبر العلل (2).
كما أن عدم وجوبهما مسلم لو صليت فرادى، لعدم تعقل الخطبة حينئذ، بل
يمكن أن يكون كالفرادى لو صليت جماعة بواحد ونحوه، بل وبالعدد في مثل هذا الزمان
أو غيره مما لا تكون واجبة فيه، فإن احتمال وجوب الخطبتين حينئذ شرطا بعيد،
فينحصر البحث حينئذ في وجوبهما حال وجوب الصلاة، وقد عرفت قوة القول به،
وأن عدم وجوب الاستماع لا يدل على عدم وجوبهما، بل عن الأستاذ الأكبر " ليس
دلالته إلا من انحصار الغرض منها فيه، وهو كما ينافي الوجوب الاستحباب، وكما
لم يقل أحد بالوجوب الشرطي: أي إن استمعوا وجب لم يقل أحد بالاستحباب كذلك
ودفع ذلك بجريان العادة في استماع الخطبة ولو من العدد في أمثال هذه المقامات وأن مثله
كاف في الندب يجري نحوه على الوجوب، بل لعل ذلك هو السبب في عدم تعرض
النصوص له والأمر به - إلى أن قال -: الظاهر من الفقهاء والأخبار اتحاد الجمعة
والعيدين، ومعهما كيف يقال بعدم وجوب الاستماع بمجرد دعوى العلامة الاجماع عليه
ويرد بذلك على سائر الفقهاء " إلى آخره. وهو ظاهر أو صريح فيما ذكرناه، ونحوه عن
غيره ممن تأخر، بل عن التقي أنه قال: " وليصغوا إلى خطبته " وظاهره الوجوب
وكيف كان فكيفية الخطبة كما في الجمعة، وفي المعتبر عليه العلماء لا أعرف فيه
خلافا، إلا أن الأولى المحافظة مع ذلك على المأثور، ففي الفقيه (3) " خطب أمير المؤمنين

(1) البحار - ج 18 ص 860 من طبعة الكمباني
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 12
(3) الفقيه ج 1 ص 325 - الرقم 1486 المطبوع في النجف
340

(عليه السلام) يوم الفطر فقال: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات
والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، لا نشرك بالله شيئا، ولا نتخذ من دونه وليا
والحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الدنيا والآخرة، وهو
الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج
فيها، وهو الرحيم الغفور، كذلك الله لا إله إلا هو إليه المصير، والحمد لله الذي يمسك
السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، إن الله بالناس لرؤف رحيم، اللهم ارحمنا برحمتك
وأعممنا بمغفرتك، إنك أنت العلي الكبير، والحمد لله الذي لا مقنوط من رحمته، ولا
مخلو من نعمته، ولا مؤيس من روحه، ولا مستنكف من عبادته الذي بكلمته قامت
السماوات السبع، واستقرت الأرض المهاد، وثبتت الجبال الرواسي، وجرت الرياح
اللواقح، وسار في جو السماء السحاب، وقامت على حدودها البحار، وهو إله لها،
وقاهر يذل له المتعززون، ويتضاءل له المتكبرون، ويدين له طوعا وكرها العالمون،
نحمده كما حمد نفسه وكما هو أهله، ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، يعلم ما تخفي النفوس، وما تجن البحار، ما توارى منه ظلمة،
ولا تغيب عنه غائبة، وما تسقط ورقة من شجرة ولا حبة في ظلمة إلا يعلمها، لا إله
إلا هو، ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، ويعلم ما يعمل العاملون، وأي مجرى
يجرون، وإلى أي منقلب ينقلبون، ونستهدي الله بالهدى، ونشهد أن محمدا عبده ونبيه
ورسوله إلى خلقه وأمينه على وحيه، وأنه قد بلغ رسالات ربه، وجاهد في الله الحائدين
عنه العادلين به، وعبد الله حتى أتاه اليقين صلى الله على محمد وآله، أوصيكم بتقوى الله
الذي لا تبرح منه نعمة، ولا تنفد منه رحمة، ولا يستغني العباد عنه، ولا يجزي أنعمه
الأعمال، الذي رغب في التقوى، وزهد في الدنيا، وحذر المعاصي، وتعزز بالبقاء،
وذلل خلقه بالموت والفناء، والموت غاية المخلوقين، وسبيل العالمين، معقود بنواصي
341

الباقين، ولا يعجزه إباق الهاربين، وعند حلوله يأسر أهل الهوى، يهدم كل لذة،
ويزيل كل نعمة، ويقطع كل بهجة، والدنيا دار كتب الله لها الفناء ولأهلها منها الجلاء
فأكثرهم ينوي بقاءها، ويعظم بناءها، وهي حلوة خضرة قد عجلت للطالب، والتبست
بقلب الناظر، وتضني ذو الثروة الضعيف، ويحتويها الخائف الوجل، فارتحلوا منها يرحمكم
الله بأحسن ما بحضرتكم، ولا تطلبوا منها أكثر من القليل، ولا تسألوا منها فوق
الكفاف، وارضوا منها باليسير، ولا تمدن أعينكم منها إلى ما متع المترفون به، واستهينوا
بها ولا توطنوها، وأضروا بأنفسكم منها، وإياكم والتنعم والتلهي والفاكهات، فإن في
ذلك غفلة واغترار، ألا إن الدنيا قد تنكرت وأدبرت واحلولت وآذنت بوداع، ألا
وإن الآخرة قد رحلت فأقبلت وأشرفت وآذنت باطلاع، ألا وإن المضمار اليوم
والسباق غدا، ألا وإن السبقة الجنة والعناية النار، ألا فلا تائب من خطيئة قبل يوم
منية، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه وفقره، جعلنا الله وإياكم ممن يخافه ويرجو ثوابه
ألا إن هذا اليوم جعله الله لكم عيدا، وجعلكم له أهلا، فاذكروا الله يذكركم،
وادعوه يستجب لكم، وأدوا فطرتكم فإنها سنة نبيكم، وفريضة واجبة من ربكم، فليؤدها
كل امرئ منكم عن نفسه وعن عياله كلهم ذكرهم وأنثاهم وصغيرهم وكبيرهم وحرهم
ومملوكهم عن كل إنسان منهم صاعا من بر، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير،
وأطيعوا الله فيما فرض عليكم وأمركم به من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم
شهر رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحسان إلى نسائكم وما ملكت أيمانكم
وأطيعوا الله فيما نهاكم عنه من قذف المحصنة وإيتاء الفاحشة وشرب الخمر وبخس المكيال
ونقص الميزان وشهادة الزور والفرار من الزحف، عصمنا الله وإياكم بالتقوى، وجعل
الآخرة خيرا لنا ولكم من الأولى، إن أحسن الحديث وأبلغ موعظة المتقين كتاب الله
العزيز الحكيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله
342

أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحدا، ثم يجلس جلسة كجلسة
العجلان، ثم يقوم بالخطبة التي كتبناها في آخر خطبة يوم الجمعة بعد جلوسه وقيامه ".
وخطب (عليه السلام) في عيد الأضحى (1) فقال: " الله أكبر الله أكبر
الله أكبر زنة عرشه، ورضى نفسه، وعدد قطر سمائه وبحاره، له الأسماء الحسنى،
والحمد لله حتى يرضى، وهو العزيز الغفور، الله أكبر الله أكبر كبيرا متكبرا، وإلها
متفززا، ورحيما متحننا، يعفو بعد القدرة، ولا يقنط من رحمته إلا الضالون، الله أكبر
كبيرا، ولا إله إلا الله كثيرا، سبحان الله حنانا قديرا، والحمد لله نحمده ونستعينه
ونستغفره ونستهديه، ونشهد أن لا إله إلا هو وأن محمدا عبده ورسوله، من يطع الله
ورسوله فقد اهتدى وفاز فوزا عظيما، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا
وخسر خسرانا مبينا، أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وكثرة ذكر الموت، والزهد في
الدنيا التي لم يمتع بها من كان فيها قبلكم، ولم تبقى لأحد من بعدكم، وسبيلكم فيها سبيل
الماضين، ألا ترون أنها قد تصرمت وآذنت بانقضاء، وتنكر معروفها وأدبرت جذا،
فهي تخبر بالفناء، وساكنها يحدا بالموت، فقد أمر منها ما كان حلوا، وكدر منها ما
كان صفوا، فلم يبق منها إلا سملة كسملة الإداوة، وجرعة كجرعة الإناء، ولو يتمززها
الصديان لم تنقع غلته، فازمعوا عباد الله بالرحيل من هذه الدار المقدور على أهلها الزوال
الممنوع أهلها من الحياة، المذللة أنفسهم بالموت، فما حي يطمع في البقاء، ولا نفس إلا
مذعنة بالمنون، فلا يغلبنكم الأمل، ولا يطل عليكم الأمد، ولا تغتروا فيها بالآمال،
وتعبدوا الله أيام الحياة، فوالله لو حننتم حنين الواله العجلان، ودعوتم بمثل دعاء الأنام
وجأرتم جؤار متبتلي الرهبان، وخرجتم إلى الله عز وجل عن الأموال والأولاد التماس
القربة إليه في ارتفاع درجة عنده، أو غفران سيئة أحصتها كتبته، وحفظتها رسله لكان

(1) الفقيه ج 1 ص 328 - الرقم 1487 المطبوع في النجف
343

قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه، وأتخوف عليكم من أليم عقابه، وبالله لو انماثت قلوبكم
انمياثا، وسالت عيونكم من رغبة إليه ورهبة منه دما، ثم عمرتم في الدنيا ما كانت الدنيا
باقية ما جزت أعمالكم لو لم تبقوا شيئا من جهدكم لنعمه العظام عليكم، وهداه إياكم إلى
الايمان ما كنتم لتستحقوا أبد الدهر ما الدهر قائم بأعمالكم جنته ولا رحمته، ولكن برحمته
ترحمون، وبهداه تهتدون، وبهما إلى جنته تصيرون، جعلنا الله وإياكم برحمته من
التائبين العابدين، وإن هذا يوم حرمته عظيمة، وبركته مأمولة، والمغفرة فيه مرجوة،
فأكثروا ذكر الله تعالى، واستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم، ومن ضحى
منكم بجذع من المعز فإنه لا يجزي عنه، والجذع من الضأن يجزي، ومن تمام الأضحية
استشراف عينها وأذنها، وإذا سلمت العين والأذن تمت الأضحية، وإن كانت عضباء
القرن أو تجر برجلها إلى المنسك فلا تجزي، وإذا ضحيتم فكلوا وأطعموا واهدوا
واحمدوا الله على ما رزقكم من بهيمة الأنعام، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأحسنوا
العبادة وأقيموا الشهادة، وارغبوا فيما كتب عليكم وفرض من الجهاد والحج والصيام،
فإن ثواب ذلك عظيم لا ينفد، وتركه وبال لا يبيد، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر
وأخيفوا الظالم وانصروا المظلوم، وخذوا على يد المريب، وأحسنوا إلى النساء وما
ملكت أيمانكم، وأصدقوا الحديث وأدوا الأمانة، وكونوا قوامين بالحق، ولا تغرنكم
الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، إن أحسن الحديث ذكر الله، وأبلغ موعظة
المتقين كتاب الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله
أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد، ويقرأ قل أيها الكافرون،
أو ألهاكم التكاثر، أو والعصر، وكان مما يدوم عليه قل هو الله أحد، وكان إذا قرأ
إحدى هذه السور جلس جلسة كجلسة العجلان ثم ينهض، وهو (عليه السلام) كان
344

أول من حفظ عليه الجلسة بين الخطبتين، ثم يخطب بالخطبة التي كتبناها بعد يوم الجمعة ".
والجلوس بين الخطبتين مستحب عند أكثر أهل العلم كما في المعتبر، قال: روى
ذلك محمد بن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) " الصلاة قبل الخطبتين يخطب قائما
ويجلس بينهما " وهو كما ترى غير دال على الندب، نعم ما سمعته في مرسل الفقيه من
قوله: " وهو أول " إلى آخره يشعر بعدم معروفية الجلسة بينهما قبله.
وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله مساواة العيدين للجمعة في جميع هذه
الأمور والظاهر أن منها أنهما لا تجبان على من لم تجب عليه الجمعة بلا خلاف معتد به أجده
فيه، كما اعترف به في الرياض حاكيا له عن الذخيرة، بل فيه أيضا أنه حكى فيها كغيره
التصريح بالاجماع عليه عن الخلاف والتذكرة، وفي المحكي عن المنتهى الذكورة والعقل
والحرية والحضور شروط فيها، ولا نعرف فيه خلافا، وقد سمعت معقد إجماع الخلاف
على أن النصوص مستفيضة في سقوطها عن المسافر والمرأة والمريض، ولا قائل بالفصل،
وفي المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (2) " إن صلاة العيد مثل صلاة الجمعة واجبة
إلا على خمسة: المريض والمملوك والصبي والمسافر والمرأة " قيل: وهو ظاهر بل نص
في المطلوب بتمامه وإن أو هم في بادئ النظر من حيث مفهوم العدد خلافه، كبعض
الصحاح المتقدمة في الجمعة، لكن يجري فيه التوجيه لادراج من عدا الخمسة فيهم بنحو
ما مرت فيه الإشارة، وهو جيد على تقدير حجيته.
لكن في صحيح سعد بن سعد (3) أنه سأل الرضا (عليه السلام) " عن المسافر
إلى مكة وغيرها هل عليه صلاة العيدين الفطر والأضحى؟ قال: نعم إلا بمنى يوم النحر "

(1) المعتبر - ص 214
(2) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3
345

ويمكن إرادة الندب منه، كالمروي عن قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده
علي بن جعفر (1) أنه سأل أخاه (عليه السلام) " عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين والجمعة ما على
الرجال؟ قال: نعم " وفي الذكرى روى أبو إسحاق إبراهيم الثقفي (2) في كتابه
بإسناده عن علي (عليه السلام) أنه قال: " لا تحبسوا النساء عن الخروج إلى العيدين
فهو عليهن واجب " بعد إرادة العجائز ومن لا هيئة لهن من النساء فيه، قال في المحكي
عن المبسوط والسرائر: " لا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة لهن من النساء في صلاة
الأعياد ليشهدن الصلاة، ولا يجوز ذلك لذوات الهيئات منهن والجمال " قيل: ونحو
منهما الاصباح، وهو ظاهر المهذب، ولا ينافيه قول الصادق (عليه السلام) في صحيح
ابن سنان (3): " إنما رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) للنساء العواتق في الخروج
للعيدين للتعرض للرزق " إذ هو ظاهر أو نص في أن الرخصة لم تكن للخروج للصلاة،
لكن عن أبي علي " يخرج إليها النساء العواتق والعجائز " بل في الذكرى " أنه نقله
الثقفي عن نوح بن دراج من قدمائنا " وعلى كل حال فالظاهر استحباب صلاة العيدين
لمن سقط عنه حضورها، وفي المدارك نسبته إلى الأصحاب، وقد عرفت حمل الصحيح (4)
وخبر قرب الإسناد (5) عليه، كما أنك ستسمع خبر منصور (6) ولا قائل بالفرق،
والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (تجب جماعة) مع الإمام أو منصوبه بلا خلاف أجده فيه،
بل بالاجماع صرح بعضهم، مضافا إلى ما سمعت سابقا مما دل على اشتراطها بما اشترط

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 6 - 5 - 1 - 6
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 6 - 5 - 1 - 6
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 6 - 5 - 1 - 6
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3
(5) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 6 - 5 - 1 - 6
(6) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3
346

في الجمعة، وإلى قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (1): " لا صلاة يوم الفطر
والأضحى إلا مع إمام عادل " وغيره من المعتبرة (2) المستفيضة النافية للصلاة إلا مع
إمام (فلا يجوز التخلف إلا مع العذر) المسوغ لذلك (فيجوز حينئذ أن يصلي منفردا
ندبا) وكذا (لو اختلت) باقي (الشرائط سقط الوجوب واستحب الاتيان بها جماعة
وفرادى) وبذلك افترقت عن الجمعة، قال الصادق (عليه السلام) في موثق ابن سنان (3):
" من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد، وليصل في بيته وحده
كما يصلي في جماعة " وفي خبر منصور (4) " مرض أبي (عليه السلام) يوم الأضحى
فصلي في بيته ركعتين ثم ضحى " إلى غير ذلك مما دل على مشروعية الصلاة له إذا
فاتت الجماعة.
نعم يسقط عنه الوجوب بذلك قطعا لاشتراطه كما عرفت بالجماعة المخصوصة فينتفي
بانتفائه، وبه يحمل الأمر بها على الندب، كصحيح الحلبي (5) سأل الصادق (عليه السلام)
" عن الرجل لا يخرج في يوم الفطر والأضحى عليه صلاة وحده فقال: نعم " ولا يتعين
عليه صلاة أربع ركعات وإن رواه أبو البختري (6) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم
السلام) " من فاتته صلاة العيد فليصل أربعا " وقد حمله الشيخ فيما حكي عنه على الجواز
والتخيير بين ركعتين كصلاة العيد وبين أربع كيف شاء، وإن الأول أفضل.
وعلى كل حال فما عن العماني والمقنع - من المنع عن فعلها حينئذ مطلقا أو خصوص
الانفراد على اختلاف النقل كاختلافه في خصوص فوت الجماعة أو عدم شئ من
الشرائط - في غاية الضعف وإن كان قد يشهد لهما صحيح ابن مسلم (7) سأل أحدهما

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 3 - 2
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 3 - 2
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 3 - 2
(6) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة العيد - الحديث؟
(7) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 4
347

(عليهما السلام) " عن الصلاة يوم الفطر والأضحى قال: ليس صلاة إلا مع إمام " وما
شابهه من النصوص المستفيضة الدالة على نفي الصلاة بدون الإمام بناء على إرادة المعصوم
أو نائبه منه، وقول الصادق (عليه السلام) في خبر هارون بن حمزة الغنوي (1):
" الخروج يوم الفطر ويوم الأضحى إلى الجبانة حسن لمن استطاع الخروج إليها، قال:
أرأيت إن كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أيصلي في بيته؟ قال: لا " لكن يمكن
إرادة نفي الوجوب من ذلك كله لا المشروعية، بل هو متعين للجمع بينهما وبين ما سمعت
من النصوص السابقة.
ثم إنه قد يتوهم من ظاهر المتن تعين الانفراد عليه، وأنه لا يجوز لمن فاتته جماعة
الوجوب الصلاة جماعة ندبا، لكن الظاهر الجواز كمختل الشرائط على الأصح، بل
هو المشهور بين المتأخرين، بل في الرياض أن عليه عامتهم، بل قد يظهر من الحلي
والراوندي الاجماع عليه كما ستعرف، مضافا إلى المروي في الاقبال (2) عن محمد بن
أبي قرة باسناده إلى الصادق (عليه السلام) أنه سئل " عن صلاة الأضحى والفطر
فقال: صلهما ركعتين في جماعة وغير جماعة " ومرسل ابن المغيرة (3) عن بعض أصحابنا
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة الفطر والأضحى فقال: صلهما ركعتين
في جماعة وغير جماعة " خلافا لظاهر المحكي عن المقنعة والتهذيب والمبسوط والناصرية
وجمل العلم والعمل والاقتصاد والمصباح ومختصره والجمل والعقود، فلا يجوز إلا فرادى
وعن الحلبي " أنه إن اختل شرط من شرائطها سقط فرض الصلاة، وقبح الجمع فيها
مع الاختلال، وكان كل مكلف مندوبا إلى هذه الصلاة في منزلة، والاصحار بها

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبوب صلاة العيد - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
348

أفضل " وظاهره المنع أيضا، وفي الرياض " أنه قواه من فضلاء المعاصرين جماعة "
قلت: ولعله لموثق عمار (1) سأل الصادق (عليه السلام) " هل يؤم الرجل بأهله في
صلاة العيدين في السطح أو البيت؟ فقال: لا يؤم بهن ولا يخرجن " وموثق سماعة (2)
المتقدم سابقا الذي أعرض فيه عما سأله عنه من الصلاة بهم جماعة حيث لا إمام وأجاب
ببيان وقت الذبح، وأردفه بقوله (عليه السلام): " وإن صليت وحدك فلا بأس "
وللأمر بالوحدة فيما تقدم من المعتبرة (3) " إذا فاتت الجماعة " ولأنها حينئذ نافلة
فلا تشرع الجماعة فيها، ولأنه مقتضى الجمع بين ما دل على نفي الصلاة بلا إمام وبين ما
دل على جوازها بدونه مما سمعت بحمل الأولى على إرادة نفيها جماعة من دون إمام
الأصل أو منصوبه، والثانية على الجواز فرادى، وفيه أن الأول محتمل لإرادة بيان
عدم تأكد صلاة العيد للأهل كما يومي إليه قوله (عليه السلام) (4): " ولا يخرجن "
أو محمول على وجوب خروج الرجل للصلاة لا من حيث عدم مشروعية الجماعة فيها،
والثاني ظاهر في الجواز، فهو شاهد للمشروعية لا للعدم، والأمر بالوحدة يراد منه
ما يشمل جماعة غير إمام الأصل ومنصوبه كما هو المنساق في المقام، بل مر نظيره في أخبار
الجمعة، لا أن المراد منه المنفرد المقابل لمطلق الجماعة، بل لعل ذلك مراد من نسب إلى
ظاهره المنع ممن تقدم من الأصحاب عدا الحلبي، كما يومي إليه ما في المقنعة التي هي من
جملة من نسب إليها المنع، قال في كتاب الصلاة منها باب صلاة العيدين: " وهذه الصلاة
فرض لازم لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام، سنة على الانفراد عند عدم
حضور الإمام، فإذا كان يوم العيد بعد طلوع الفجر اغتسلت ولبست أطهر ثيابك

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة العيد
(4) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2
349

وتطيبت ومضيت إلى مجمع الناس من البلدة لصلاة العيد - إلى أن قال -: ومن فاتته صلاة
العيدين في جماعة صلاها وحده كما يصلي في الجماعة ندبا مستحبا - ثم قال -: ولا بأس
أن تصلي العيدين في بيتك عند عدم إمامها أو لعارض مع وجوده " إلى غير ذلك من
العبارات التي يتوهم منها ما نسب إليها، لكنه قال في باب الأمر بالمعروف منها:
" وللفقهاء من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) إن يجمعوا باخوانهم في الصلوات
الخمس وصلوات الأعياد والاستسقاء والخسوف والكسوف إذا تمكنوا من ذلك وأمنوا
فيه من معرة أهل الفساد " إلى آخره، ولعل غيره أيضا كذلك، وكون صلاة العيد نافلة
مع فقد الشرائط لا يمنع مشروعية الجماعة فيها بعد أن كانت فريضة بالأصل على أن
ذلك لا يعارض الدليل، قال ابن إدريس فيما حكي عنه في الجواب عن هذا الأخير:
بأن ذلك فيما لا يجب في وقت، وهذه أصلها الوجوب، وقال: وأيضا إجماع أصحابنا
يدمر ما تعلق به، وهو قولهم بأجمعهم يستحب في زمان الغيبة لفقهاء الشيعة أن يجمعوا
صلاة الأعياد، وذكر أن مراد الأصحاب بفعلها على الانفراد انفرادها عن الشرائط
لا عدم الاجتماع، وأنه اشتبه ذلك على الحلبي من قلة تأمله، وهو حاصل ما ذكرناه،
لكن عن المختلف أن تأويل ابن إدريس بعيد، وفي كشف اللثام الأولى أن يقال:
إنهم إنما أرادوا الفرق بينها وبين صلاة الجمعة باستحباب صلاتها منفردة بخلاف صلاة
الجمعة كما هو نص المراسم، واحتاجوا إلى ذلك إذ شبهوها بها في الوجوب إذا اجتمعت
الشرائط، قال: قال القطب الراوندي: من أصحابنا من يذكر الجماعة في صلاة العيد
سنة بلا خطبتين، ثم قال القطب الراوندي: الإمامية يصلون هاتين الصلاتين جماعة
وعملهم حجة، قلت: يدل على أنه لا يراهم يصلونها إلا مستحبين لها، وفي المحكي عن
المختلف بعد أن قوى القول بالمنع قال: إلا أن فعل الأصحاب في زماننا الجمع فيها.
قلت: مضافا إلى ما عرفت من عدم تحقق الخلاف إلا من الحلبي، وهو نادر،
350

فلا وجه حينئذ بعد ذلك كله للمناقشة في المشهور بانحصار دليله في الخبرين (1) السابقين
الذين هما بعد الاغماض عن سندهما غير واضحي الدلالة، لقرب احتمال كون المراد بهما
بيان أن صلاة العيدين ركعتان مطلقا صليت وجوبا في جماعة أو ندبا في غيرها ردا
على من قال بالأربع ركعات متى فاتت الصلاة مع الإمام، مع أن التخيير المستفاد من
إطلاقهما لو لم نقل بأن المراد بهما هذا مخالف للاجماع، لانعقاده على اختصاصه على تقديره
بصورة فقد الشرائط، وإلا فمع اجتماعها تجب جماعة إجماعا، فلا بد فيه من مخالفة للظاهر
وهي كما يحتمل أن تكون ما ذكر كذا يحتمل أن تكون ما ذكرنا، بل لعله أولى،
للنصوص المتقدمة الظاهرة في اعتبار الانفراد، وعلى تقدير التساوي فهو موجب للتساقط
فتجويز الجماعة في هذه الصلاة المندوبة في مفروض المسألة يحتاج إلى دلالة هي في المقام
مفقودة، بل إطلاق الأدلة على المنع عن الجماعة في النافلة أقوى حجة، ودعوى
الاختصاص بغير هذه ممنوعة، إذ قد عرفت عدم انحصار الدليل فيهما، كما أنه لا مجال
للاحتمال المزبور بعد اعتضادهما بما سمعت، وأن احتمال إرادة عدم الجماعة المخصوصة من
الوحدة والانفراد لا مطلق الجماعة أولى من ذلك الاحتمال فيهما من وجوه، وأن النفل
العارضي لا يمنع الجماعة المشروعة بالأصل فيها كالفريضة المعادة احتياطا، والله هو العالم
بحقائق أحكامه.
(
و) كيف كان ف‍ (وقتها) أي صلاة العيدين (ما بين طلوع الشمس إلى
الزوال) على المشهور بين الأصحاب، بل عن النهاية والتذكرة وجامع المقاصد الاجماع
عليه، كما عن المنتهى الاجماع على الفوات بالزوال، وهو الحجة في الأخير، مضافا إلى
قول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن قيس (2): " إذا شهد عند الإمام شاهدان

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 4 والباب 5 منها
الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
351

أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالافطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال
الشمس، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بافطار ذلك اليوم وأخر الصلاة إلى
الغد، فصلى بهم " ضرورة ظهور الجزء الأول من الشرطية بقرينة الثاني في الصلاة قبل
الزوال، وإلا للغى التفصيل كما هو واضح، وعليه يحمل مرفوع محمد بن أحمد (1) " إذا
أصبح الناس صياما ولم يروا الهلال وجاء قوم عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا
وليخرجوا من الغد أول النهار إلى عيدهم " لاطلاقه وتقييد الأول، وأما المروي عن
دعائم الاسلام (2) عن علي (عليه السلام) " في القوم لا يرون الهلال فيصبحون صياما
حتى مضى وقت صلاة العيدين أول النهار فيشهد شهود عدول أنهم رأوا من ليلتهم
الماضية قال: يفطرون ويخرجون من غد، فيصلون صلاة العيد أول النهار " فبعد الاغماض
عن سنده مطرح، لما تعرفه من عدم القضاء لهذه الصلاة، ودعوى أن الاستدلال به
من حيث التوقيت فيه بالأول وإن لم نقل بالقضاء يدفعها بعد الاغضاء عما فيها أنه يمكن
حمل أول النهار فيه على ما قبل الزوال بقرينة ما مر من النص والاجماع، فتوهم بعض
الناس اختصاصه بالصدر غلط واضح قطعا، خصوصا بعد ملاحظة الاستصحاب والاطلاق
الذي فيه إضافة الصلاة إلى هذا اليوم المقتصر في تقييدهما على المتيقن بالاجماع ونحوه،
وأما أوله فهو وإن كان مقتضى الإضافة المزبورة المشروعية من طلوع الفجر بناء على
أنه مبدأ اليوم، إلا أن الاجماع السابق في الكتب السابقة أخرج عن ذلك، مضافا إلى
معلومية استحباب الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس الذي قد يومي إلى عدم
المشروعية فيه، وإلى قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة (3): " ليس في

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2
(2) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 5
352

يوم الفطر ولا يوم الأضحى أذان ولا إقامة، أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا "
ضرورة ظهور تنزيل الطلوع منزلة الأذان في مشروعية الفعل منه، لأنه إعلام بدخول
الوقت، وقد يكون الخروج مستحبا، فما في كشف اللثام من أن الشرطية قرينة على أن
الطلوع وقت الخروج إلى الصلاة لا وقتها ضعيف جدا، سيما مع اختلاف زمان الخروج
باختلاف المكان الذي يخرج إليه قربا وبعدا، فلا يراد التوقيت له بذلك قطعا، وإلا
لجهل بسبب اختلاف زمانه أول وقت الصلاة، بل لعل هذا الاجمال في وقت الخروج
أكمل شاهد على إرادة دخول الوقت من ذلك، وأن الأمر بالخروج لمعروفية الاجتماع
لذلك في ذلك الزمان في الأمكنة المخصوصة.
ومنه يظهر دلالة خبر زرارة (1) المروي عن الاقبال " لا تخرج من بيتك إلا
بعد طلوع الشمس " على المطلوب، وقول الصادق (عليه السلام) فيما أسنده فيه عن
أبي بصير المرادي (2) " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج بعد طلوع الشمس "
وقول ياسر الخادم (3) في حديث صلاة الرضا (عليه السلام) بمرو: " فلما طلعت
الشمس قام فاغتسل وتعمم " فما عن النهاية والاقتصاد والمبسوط والكافي والغنية والوسيلة
والاصباح وموضع من السرائر من أن وقتها انبساط الشمس لهذه النصوص لا ريب في
ضعفه، نعم في موثق سماعة (4) أنه سأل الصادق (عليه السلام) " متى يذبح؟ فقال:
إذا انصرف الإمام، قال: إذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة فقال:
إذا استقلت الشمس " وهو - مع احتماله لإرادة توقيت الذبح، وظهوره على هذا التقدير
في الفرق بين صلاة الإمام وغيره مما لم يقل به أحد - قاصر عن معارضة ما عرفت من

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 6
353

وجوه، على أنه يمكن أن يكون ذلك وقتا للفضل، بل هو محتمل في كلام من عرفت،
قال القاضي في المحكي عنه من شرح فضل الأوقات جمل العلم والعمل: إن وقتها
ارتفاع الشمس، ثم ذكر هنا وأما وقت هذه الصلاة فقدمناه فيما تقدم ذكره، والذي
ذكره أنه من طلوع الشمس إلى الزوال جائز، ولعل غيره كذلك أيضا، أو يكون
مرادهم بيان الغالب فيما لو أريد الخروج إلى الجبانة ونحوها، لا أن ذلك وقت مطلقا،
أو أن المراد من الانبساط ما يتحقق به طلوع الشمس، ولذا قال في الذكرى بعد نقل
القولين: وهما متقاربان.
وعلى كل حال فالخلاف من أصله غير متحقق، كما أن المحكي عن الحسن من أن
الوقت بعد طلوع الشمس ليس خلافا قطعا، بل لعل ما في المقنعة أيضا كذلك أيضا،
قال: " فإذا كان بعد طلوع الفجر اغتسلت ولبست أطهر ثيابك وتطيبت ومضيت إلى
مجمع الناس من البلد لصلاة العيد، فإذا طلعت الشمس فاصبر هنيئة ثم قم إلى صلاتك "
وفي كشف اللثام أنه قد يعطي المبادرة إليها قبل الانبساط، لكن ما ذكره من الخروج
قبل طلوعها وإن كان مما وافقه عليه الشيخ الطبرسي في المحكي عن ظاهر جوامع الجامع
إذ قال: كان الطرقات في أيام السلف وقت السحر، وبعد الفجر مغتصة (معتضة خ ل)
بالمبكرين يوم الجمعة يمشون بالسرج، وقيل أول بدعة أحدثت في الاسلام ترك البكور
إلى الجمعة، لكن يخالفه ما سمعته من الأخبار واستحباب الجلوس بعد صلاة الفجر إلى
طلوع الشمس، بل في الخلاف الاجماع على أن وقت الخروج بعد طلوع الشمس، ونسبة
التبكير إلى الشافعي، هذا.
وفي المدارك أنه يستحب تأخير صلاة العيد في الفطر شيئا على الأضحى باجماع
العلماء، لاستحباب الافطار في الفطر قبل خروجه بخلاف الأضحى، فإن الأفضل أن
يكون إفطاره على شئ مما يضحى به بعد الصلاة، ولأن الأفضل إخراج الفطرة قبل
354

الصلاة، فاستحب تأخير الصلاة ليتسع الوقت لذلك، وفي الأضحى تقديمها ليضحى
بعدها، فإن وقتها بعد الصلاة، والله أعلم.
(و) على كل حال (لو فاتت لم تقض) على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا
سواء كانت واجبة أو مندوبة، وفواتها عمدا كان أو نسيانا، للأصل المعتضد بقول
أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة وحسنه (1): " من لم يصل مع الإمام في
جماعة فلا صلاة له، ولا قضاء عليه " السالم عن معارضة (2) " عموم من فاتته " بعد
تنزيله بالاجماع وغيره على اليومية أو على غيرها، وصحيح محمد بن قيس (3) ومرفوع
محمد بن أحمد (4) وخبر الدعائم (5) المتقدمة سابقا التي اغتر بها جماعة من متأخري
المتأخرين فمالوا إلى القول بمضمونها - مع أنها موافقة لما روته العامة (6) عن النبي
(صلى الله عليه وآله) " من أن ركبا شهدوا عنده (صلى الله عليه وآله) أنهم رأوا الهلال
فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم " بل للمحكي عن الأوزاعي
والثوري وإسحاق وأحمد، ولذا حكي عن بعضهم حملها على التقية، وفي كشف اللثام
في الخبر الأول وكأنه حكاية لما يفعله العامة، وفي الثاني أن الأمر بالخروج به للتقية،
على أن ظاهرها الأداء كما هو المحكي عن الشافعي لا القضاء - قد أعرض عنها الأصحاب
ولم نعرف عاملا بها سوى ما يحكى عن ابن الجنيد، وهو نادر يمكن دعوى الاجماع على
خلافه، بل قد حكي دعواه، بل في الخلاف دعواه صريحا.
نعم في المقنعة " من أدرك الإمام وهو يخطب فيجلس حتى يفرغ من خطبته ثم

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 2
(5) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(6) سنن البيهقي ج 3 ص 316
355

يقوم فيصلي القضاء " وفي الوسيلة " إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلا إذا وصل إلى الخطبة
وجلس مستمعا لها " ويمكن إرادة الأداء من القضاء فيهما، كما أنه يمكن إرادة ما قبل
الزوال من خبر زرارة (1) عن الصادق (عليه السلام الموافق للمحكي عن الشافعي " قلت
له: أدركت الإمام على الخطبة قال: تجلس حتى يفرغ من خطبته ثم يقوم فيصلي " بل
هو محتمل في المحكي عن ابن إدريس " ليس على من فاتته صلاة العيدين قضاء وإن
استحب له أن يأتي بها منفردا " وأبي علي " من فاتته ولحق الخطبتين صلاها أربعا كالجمعة
مفصولات " نحو المحكي عن علي بن بابويه إلا أنه قال: " يصليها بتسليمة " وفي المحكي
عن التهذيب " من فاتته الصلاة يوم العيد لا يجب عليه القضاء ويجوز له أن يصلي إن شاء
ركعتين وإن شاء أربعا من غير أن يقصد بهما القضاء " لكن لم أقف على مستند لأصل
القضاء فضلا عن الأربع سوى المرسل (2) " من فاتته صلاة العيدين فليصل أربعا " وهي
غير منطبقة على ما سمعته من ابن إدريس ولا على الأخيرين، لعدم التقييد بلحوق الخطبتين
وعدم دلالتها على التسليمة أو التسليمتين وإن كان الظاهر الأول، ولا على ما عن
التهذيب، لعدم التخيير فيها، اللهم إلا أن يكون وجه جمع بينه وبين غيره، مع احتمال
هذه الأربع نافلة يستحب فعلها لمن فاتته، فعن ثواب الأعمال مسندا عن سليمان (3)
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صلى أربع ركعات يوم الفطر بعد
صلاة الإمام يقرأ في أولاهن سبح اسم ربك الأعلى فكأنما قرأ جميع الكتب كل كتاب
أنزله الله، وفي الركعة الثانية والشمس وضحاها فله من الثواب ما طلعت عليه الشمس،
وفي الثالثة والضحى فله من الثواب كمن أشبع جميع المساكين ودهنهم ونظفهم، وفي

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 وهو خبر أبي البختري
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 وهو عن سلمان الفارسي
356

الرابعة قل هو الله أحد ثلاثين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة مستقبلة وخمسين سنة
مستدبرة ".
لكن عن الصدوق " هذا لمن كان إمامه مخالفا فيصلي معه تقية ثم يصلي أربع
ركعات للعيد، فأما من كان إمامه موافقا لمذهبه وإن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له
أن يصلي حتى تزول الشمس " وفي كشف اللثام " يمكن عند التقية أن يكون نافلة،
وعند عدمها أن تصلى بعد الزوال " وفيه أيضا عن الهداية " وإن صليت بغير خطبة
صليت أربعا بتسليمة واحدة " ونحوه عبارة أبيه، واستدل لهما في المختلف على وحدة
التسليم بأصل البراءة من التسليم وتكبير الافتتاح، ولأبي علي بما روي (1) عن النبي
(صلى الله عليه وآله) " من أن صلاة النهار مثنى مثنى " خرجت الفرائض اليومية
بالاجماع وبقي الباقي، والجميع كما ترى.
وقد ظهر من ذلك كله أن استحباب القضاء الذي يتسامح فيه غير ثابت فضلا
عن وجوبه، كما هو صريح جماعة وظاهر أخرى، نعم قد يقال بالندب في خصوص
الثبوت بعد الزوال للأخبار المزبورة المعتضدة بقاعدة التسامح، بل قيل: إن ظاهر
الكليني العمل بها، والأمر سهل.
(و) أما (كيفيتها) فقد عرفت أنها عند المشهور ركعتان على كل حال صليت
جماعة أو فرادى، فما في كشف اللثام عن علي بن بابويه من أنها عند اختلال الشرائط
أربع بتسليمة، وأبي علي بتسليمتين، والشيخ التخيير للمنفرد بين الأربع والثنتين في
غاية الضعف لا دليل عليه سوى ما سمعته سابقا على الحكاية السابقة عنهم من المرسل
ونحوه، وصورتهما " أن يكبر للاحرام ثم يقرأ الحمد) بلا خلاف أجده فيهما نصا
وفتوى هنا، مضافا إلى ما دل على نفي الصلاة بدون الفاتحة (و) أما (السورة) ففي

(1) سنن أبي داود ج 1 ص 296
357

كشف اللثام أنه يأتي فيها الخلاف السابق، قلت: لكن لم أجد هنا في شئ من نصوص
المقام وفتاواه ما يشهد للعدم، بل ظاهرهما معا الوجوب، بل في المدارك عن التذكرة
إجماع الأصحاب على وجوب قراءة السورة مع الحمد (و) أنه لا يتعين سورة مخصوصة
قلت: (و) لكن اختلفوا في (الأفضل) ففي المتن (أن يقرأ الأعلى) في الأولى
والغاشية في الثانية، وفي كشف اللثام لا أعرف ما استند إليه، قلت: ولا من وافقه عليه
سوى ما حكاه هو في المعتبر عن ابن أبي عقيل، إذا المحكي عن النهاية والمبسوط والاصباح
ومختصره والفقيه والهداية والمراسم والسرائر والجامع الأعلى في الأولى والشمس في
الثانية، واختاره في النافع والقواعد وغيرهما، لخبري إسماعيل الجعفي (1) وأبي الصباح
الكناني عن الصادقين (عليهما السلام)، وعن جمل العلم والعمل وشرحه والمقنعة
والمهذب والكافي والغنية والمختلف والمنتهى وغيرها أنه يقرأ في الأولى الشمس وفي
الثانية الغاشية، بل في الخلاف أنه المستحب للاجماع وخبر معاوية بن عمار (3) عن
الصادق (عليه السلام) لكن هو في الكافي والتهذيب مضمر، وقد يريد الاجماع على
خلاف ما قاله الشافعي من قراءة " ق " في الأولى و " لقمان " في الثانية، وإلا فمن
المستبعد دعوى الاجماع في مقابلة من عرفت الذين من جملتهم هو في مبسوطه ونهايته،
وعن علي بن بابويه عكس ما في المتن، وعن الحسن في الأولى الغاشية وفي الثانية الشمس
وفي كشف اللثام أنه روي (4) الوجهان عن الرضا (عليه السلام) في بعض الكتب،
قلت: وفي صحيح جميل (5) أنه سأله (عليه السلام) ما يقرأ فيها؟ فقال: " والشمس
وضحاها وهل أتاك حديث الغاشية وأشباههما " ولعل ذلك وجه جمع بين النصوص،

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 10 - 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 10 - 2 - 4
(4) المستدرك - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 4
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 10 - 2 - 4
358

وعلى كل حال فالخلاف في الأفضلية لا في أصل السورة، والأمر سهل.
(ثم يكبر بعد القراءة على الأظهر) الأشهر، بل المشهور رواية وفتوى، بل
في الانتصار وظاهر الخلاف الاجماع عليه، بل لا أجد فيه خلافا سوى ما يحكى عن ابن
الجنيد وظاهر الهداية من تقديم التكبيرات على القراءة، نحو المحكي عن أبي حنيفة بل
والشافعي وأحمد وإن زاد عليه بنحو ذلك في الركعة الثانية أيضا الذي من جهته حمل
ما في مضمر سماعة (1) " والتكبير في الركعة الأولى يكبر ستا ثم يقرأ ثم يكبر السابعة
ثم يركع بها، فتلك سبع تكبيرات، ثم يقوم في الثانية فيقرأ، فإذا فرغ من القراءة كبر
أربعا ثم يكبر الخامسة ويركع بها " وخبر إسماعيل بن سعد الأشعري (2) عن الرضا
(عليه السلام) " التكبير في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الأخيرة خمس
تكبيرات بعد القراءة " وصحيح عبد الله بن سنان (3) عن الصادق (عليه السلام)
" التكبير في العيدين في الأولى سبع قبل القراءة، وفي الأخيرة خمس بعد القراءة "
وصحيح هشام (4) عنه (عليه السلام) أيضا في صلاة العيدين، قال: " تصل القراءة
بالقراءة، وقال: تبدأ بالتكبير في الأولى ثم تقرأ ثم تركع بالسابعة " على التقية لاعراض
الأصحاب عنها، فلا تقاوم المشهور والمجمع عليه الذي رواه معاوية بن عمار (5) ومحمد
ابن مسلم (6) وأبو بصير (7) ويعقوب بن يقطين (8) وإسماعيل الجعفي (9) وغيرهم
وما في المعتبر - من أن الحمل على التقية ليس بحسن، فإن ابن بابويه ذكر ذلك في كتابه
بعد أن ذكر في خطبته أنه لا يودعه إلا ما هو حجة له، واختاره ابن الجنيد منا، لكن
الأولى أن يقال فيه روايتان أشهرهما بين الأصحاب بعد القراءة - كما ترى، إذ ذكر
ابن بابويه ذلك في كتابه بعد تسليم عدم عدوله عنه لا ينافي الحمل عليها وإن كان هو

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 19 - 20 - 18 - 16 - 2 - 11 - 7 - 8 - 10
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(9) تقدم آنفا تحت رقم 1.
359

حجة عنده، إذ قد يشتبه عليه الحال، بل هو كثير كما لا يخفى على الخبير الممارس،
فالحمل على التقية لا ريب أنه متجه وأولى مما حكي عن المختلف من أنه لا خلاف في أن
السابعة بعد القراءة، لأنها للركوع، وذا احتمل الواحدة احتمل غيرها، وهو أن
يقضيها قبل القراءة، فيحمل على تكبيرة الاحرام، إذ هو مع أنه لا يتم في بعضها كما
ترى، ضرورة إمكان تغليب الأكثر على الأقل، فيقال السبع قبل القراءة ويراد منه
الست، وأما إرادة الواحدة أي تكبيرة الاحرام منه فلا مجال لصحتها أصلا، والله أعلم
ومن الغرائب ما عن نسخة صحيحة من النفلية من أنه نقل عن ابن أبي عمير والمونسي
الاجماع على تقديمه على القراءة في الأولى، وعن نسخة أخرى مشروحة نقل ابن
أبي عمير والمونسي الاجماع على تقديمه على القراءة في الأولى.
(و) على كل حال ثم (يقنت بالمرسوم حتى يتم خمسا) على المشهور في وجوب
القنوت، بل عن الإنتصار الاجماع على وجوبه، وهو الحجة بعد الأمر به ولو بالجملة
الخبرية في بيان الكيفية في خبر علي بن أبي حمزة (1) ويعقوب بن يقطين (2)
وصحيح إسماعيل الجعفي (3) وغيرها، خلافا للخلاف والمصنف في المعتبر والكتاب
فيما يأتي وابن سعيد والفاضل في التحرير، للأصل المؤيد بخلو بعض نصوص الكيفية (4)
عنه، وعدم نصوصية ما تعرض له فيها، بل لم يعلم منها إرادة بيان الواجب من الصلاة
من المندوب، وخصوص قوله (عليه السلام) في مضمر سماعة (5): " وينبغي أن
يقنت بين كل تكبيرتين، ويدعو الله " وفي بعض النسخ " وينبغي أن يتضرع "

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3 - 8 - 10 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3 - 8 - 10 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3 - 8 - 10 - 0 -
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3 - 8 - 10 - 0 -
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 19
360

ولاستلزام استحباب التكبير استحبابه، والجميع كما ترى، ضرورة انقطاع الأصل بما
عرفت، وخلو البعض بعد اشتمال جملة منها عليه غير قادح كعدم النصوصية، للاجتزاء
بالظهور، وظاهر الأخبار بيان أصل الكيفية من غير فرق بين الواجبة والمندوبة، ولا
يبعد دعوى استفادة الوجوب الشرطي منها في المندوب منها كما صرح به في الروضة،
بل هو ظاهر غيرها، والتوسع في غيرها من النافلة بالذات لا يستلزمه في مثلها، كما هو
واضح بأدنى تأمل، بل الظاهر ذلك في غير القنوت أيضا من التكبير وقراءة السورة
ونحوها من أحكام الفريضة، وإشعار " ينبغي " غير صالح للمعارضة، بل المتجه صرفه
إلى ما لا ينافي الوجوب، للأدلة السابقة المعلوم قوتها بالنسبة إليه، ولا تلازم بين
استحباب التكبير واستحبابه، ولو سلم تلازم حكميهما من الجانبين كان المتجه وجوب التكبير
لاستلزام وجوب القنوت وجوبه.
وقد عرفت أنه ظاهر الأدلة، على أنه هو الأقوى في نفسه وفاقا لصريح الفاضل
والمحكي عن أبي علي وظاهر الأكثر، للأمر به في النصوص الكثيرة المتضمنة بيان
الكيفية، وخلافا للمعتبر والكتاب فيما يأتي والمحكي عن ابن سعيد والتهذيب والخلاف
للأصل، وخبر هارون بن حمزة (1) سأل الصادق (عليه السلام) " عن التكبير في
الأضحى والفطر فقال: خمس وأربع، ولا يضرك إذا انصرفت على وتر " وهو بعد
الاغضاء عن سنده وقصوره عن المقاومة غير صريح في إجزاء كل وتر، كخبر عيسى
ابن عبد الله (2) عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال: " ما كان يكبر النبي
(صلى الله عليه وآله) في العيدين إلا تكبيرة واحدة حتى أبطأ عليه لسان الحسين (عليه
السلام)، فلما كان ذات يوم عيد ألبسته أمه وأرسلته مع جده فكبر رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فكبر الحسين (عليه السلام) حتى كبر النبي (صلى الله عليه وآله) سبعا،

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 14 - 15
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 14 - 15
361

ثم قال في الثانية فكبر النبي (صلى الله عليه وآله) وكبر الحسين (عليه السلام) حتى كبر
خمسا، فجعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنة وثبتت السنة إلى يوم القيامة " بل
هو دال على الوجوب وإن كان بالعارض، وصحيح زرارة (1) " إن عبد الملك بن
أعين سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الصلاة في العيدين فقال: الصلاة فيهما سواء،
يكبر الإمام تكبير الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة، ثم يزيد في الركعة الأولى ثلاث
تكبيرات، وفي الأخرى ثلاثا سوى تكبير الصلاة والركوع والسجود، وإن شاء ثلاثا
وخمسا وإن شاء خمسا وسبعا وبعد أن يلحق ذلك إلى الوتر " وهو محتمل لبيان صلاة
العامة، على أنه لا ينفي وجوب الثلاث، ولا قائل به بالخصوص، وعن الاستبصار
الجواب عنه وعما في معناه بالحمل على التقية من كثير من العامة، قال: ولسنا نعمل به،
وإجماع الفرقة المحقة على ما قدمناه.
وقد ظهر من ذلك كله أن الأقوى وجوب التكبيرات التسع الزائدة ووجوب
القنوت أيضا كذلك، نعم لا يتعين في الأخير لفظ مخصوص، للأصل والاطلاق
وصحيح محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما السلام) " سألته عن الكلام الذي يتكلم
به بين التكبيرات في العيدين فقال: ما شئت من الكلام الحسن " فما عن الحلبي - من
أنه يلزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين فيقول: اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل
العزة والجبروت، وأهل القدرة والملكوت، وأهل الجود والرحمة، وأهل العفو
والعافية أسألك بهذا اليوم الذي عظمته وشرفته وجعلته للمسلمين عيدا، ولمحمد (صلى الله
عليه وآله) ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تغفر لنا وللمؤمنين
والمؤمنات، وتجعل لنا من كل خير قسمت فيه حظا ونصيبا " وقال ابن زهرة: ويقنت

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 17
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
362

بين كل تكبيرتين بما نذكره بدليل الاجماع الماضي ذكره يعني إجماع الطائفة، ثم ذكر
هذا الدعاء وزاد في آخره " برحمتك يا أرحم الراحمين " - واضح الضعف، إذ لم أظفر
بخبر يتضمن هذا القنوت كما اعترف به في كشف اللثام.
نعم قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي منصور (1) " تقول بين كل
تكبيرتين: اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت، وأهل العفو
والرحمة، وأهل التقوى والمغفرة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا،
ولمحمد (صلى الله عليه وآله) ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت
على عبد من عبادك، وصل على ملائكتك ورسلك، واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين
والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون
وأعوذ بك من شر ما عاذ بك منه عبادك المرسلون " وقال الباقر (عليه السلام) في خبر
جابر (2): " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا كبر في العيدين قال: بين كل
تكبيرتين: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا (صلى الله
عليه وآله) عبده ورسوله، اللهم أهل الكبرياء " وذكر الدعاء إلى آخره، وهو الذي
ذكره المفيد والقاضي فيما حكي من مهذبه وشرح الجمل، وقال الصادق (عليه السلام) في
خبر بشير بن سعيد (3): " تقول بين كل تكبيرتين: الله ربي أبدا، والاسلام ديني
أبدا، ومحمد نبيي أبدا، والقرآن كتابي أبدا، والكعبة قبلتي أبدا، وعلي ولي
أبدا، والأوصياء أئمتي أبدا، وتسميهم إلى آخرهم، ولا أحد إلا الله " وقال (عليه
السلام) أيضا في خبر أبي الصباح (4) الذي قدم فيه التكبير على القراءة: " كبر واحدة
وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 3 - 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 3 - 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 3 - 4 - 5
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 3 - 4 - 5
363

اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت، وأهل القدرة والسلطان
والعزة، أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، ولمحمد (صلى الله عليه وآله)
ذخرا ومزيدا، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصلي على ملائكتك المقربين
وأنبيائك المرسلين، وأن تغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء
منهم والأموات، اللهم إني أسألك من خير ما سألك به عبادك المرسلون، وأعوذ بك
من شرما عاذ به عبادك المخلصون، الله أكبر أول كل شئ وآخره، وبديع كل شئ
ومنتهاه، وعالم كل شئ ومعاده، ومصير كل شئ وإليه مرده، مدبر الأمور وباعث
من في القبور، قابل الأعمال ومبدئ الخفيات معلن السرائر، الله أكبر عظيم الملكوت
شديد الجبروت، حي لا يموت، دائم لا يزول، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون
الله أكبر خشعت لك الأصوات، وعنت لك الوجوه، وحارت دونك الأبصار،
وكلت الألسن عن عظمتك، والنواصي كلها بيدك، ومقادير الأمور كلها إليك،
لا يقضي فيها غيرك، ولا يتم منها شئ دونك، الله أكبر أحاط بكل شئ حفظك،
وقهر كل شئ عزك، ونفذ كل شئ أمرك، وقام كل شئ بك، وتواضع كل شئ
لعظمتك، وذل كل شئ لعزتك، واستسلم كل شئ لقدرتك، وخضع كل شئ لملكك
الله أكبر، وتقرأ الحمد والأعلى وتكبر السابعة، وتركع وتسجد، وتقوم وتقرأ الحمد
والشمس وضحاها وتقول: الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة تتمة كله كما قلته
أو التكبير، يكون هذا القول في كل تكبيرة حتى تتم خمس تكبيرات " وفي المحكي عن
المصباح " فإذا كبر قال: اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت،
وأهل العفو والرحمة، وأهل التقوى والمغفرة، أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته
للمسلمين عيدا، ولمحمد (صلى الله عليه وآله) ذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآل محمد
364

وأن تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمد وآل محمد، وأن تخرجني من كل سوء
أخرجت منه محمدا وآل محمد، اللهم إني أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون،
وأعوذ بك مما استعاذ منه عبادك الصالحون " وذكر أنه يفصل بين كل تكبيرتين بهذا
الدعاء، ولم أظفر بخبر يتضمنه، ولا بأس بالجميع وغيره، إلا أن الأولى ذكر المرسوم
عنهم (عليهم السلام)، لأنهم (عليهم السلام) أعرف من غيرهم بالخطاب ومقتضى الحال
ومن هنا كان الأولى مراعاة المعاني إذا لم يتيسر خصوص الألفاظ، كما أن الظاهر
ما صرح به بعض الأفاضل من عدم لزوم الحفظ على الغيب هنا في حصول الفضل، بل
يكفي القراءة بالمكتوب أو بالاتباع أو نحو ذلك، والله هو العالم.
(ثم) إذا أتم ذلك (يكبر) للركوع من غير قنوت (ويركع، فإذا سجد السجدتين
قام بغير تكبير) للقيام قبل القراءة زائدا على تكبير الرفع من السجود الأخير وفاقا
للمشهور نقلا وتحصيلا، بل في الإنتصار الاجماع على أن التكبيرات في الركعتين بعد
القراءة، مضافا إلى النصوص التي تقدم جملة منها الدالة على أن التكبير في الركعة الأخيرة
خمس بعد القراءة، بل لا يبعد دعوى تواترها في ذلك، ومن الغريب ما في كشف اللثام
من احتمال إرادة الرابعة بعد القراءة من الخامسة في قول الصادق (عليه السلام) في خبر
أبي بصير (1): " ثم تقوم في الثانية فتقرأ ثم تكبر أربعا والخامسة تركع بها " وكذا
في نحو خبر ابن مسلم (2) " ثم تقوم فتقرأ ثم تكبر أربع تكبيرات ثم تركع بالخامسة "
قال: فإن " ثم " إنما تفيد تأخير الركوع عن الأربع، على أنها إنما تحتمل التأخر الذكري
إذ هو كما ترى، على أنه لو سلم إحتماله هنا ففي النصوص ما لا يقبل ذلك، لتصريحه
بكون الخمس بعد القراءة، فما عن الصدوق والمفيد والسيد في الجمل والناصريات والقاضي
والحلبيين وسلار من القيام بتكبير في غير محله إن أرادوا غير تكبير الرفع كما صرح به

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 7 - 11
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 7 - 11
365

الحلبيان على ما في كشف اللثام، قال: " وصرح الحلبيان بأنه يكبر بعد القيام قبل
القراءة، والقاضي بأنه يرفع رأسه من سجود الركعة الأولى ويقوم بغير تكبيرة ثم يكبر
ثم يقرأ " وهو أيضا نص في كون التكبير بعد القيام، وكلام الباقين يحتمل كون التكبير
المتقدم تكبير الرفع من السجود، ويؤيده أن السيد في الانتصار حكى الاجماع إلى آخره
ما سمعته، وفي الخلاف أن التكبير في صلاة العيدين اثنتي عشر تكبيرة، سبعة منها تكبيرة
الافتتاح وتكبيرة الركوع، وفي الثانية خمس، منها تكبير الركوع، وفي أصحابنا من
قال: منها تكبيرة القيام، وفي المنتهى والمفيد جعل التكبير في الثانية ثلاثا، وزاد تكبيرة
أخرى للقيام إليها، وفي المختلف والظاهر أن مرادهم يعني المفيد والقاضي والحلبيين
بالتكبير السابق على القراءة في الركعة الثانية هو تكبيرة القيام إليها، ثم صريح المبسوط
أن المصلي يقوم إلى الثانية بتكبير الرفع من السجود، وفي النهاية فإذا قام إلى الثانية بغير
تكبير، وهو يحتمل نفي تكبير الرفع، كما يحتمله قول ابن سعيد فإذا سجد قام قائلا:
بحول الله وقوته أقوم وأقعد، وفي التلخيص ثم يقوم بعد تكبيره على رأي، فيقرأ مع
الحمد والشمس على رأي، ويكبر أربعا ويركع بخامسة على رأي، وهو ظاهر في تحقق
الخلاف، قلت: لا ريب في ضعفه على التقديرين، لصراحة النصوص في كون التكبير
الزائد في الثانية أربع تكبيرات بعد القراءة بعد كل تكبير قنوت، فمن ادعى نقصانها
عن ذلك أو كون تكبير منها بعد القيام أوله قبل القراءة بلا قنوت أو بقنوت كان
مخالفا للنصوص المزبورة المعمول عليها بين الأصحاب، بل لم نجد ما يشهد بخلافه سوى
الاجماع في المحكي عن الناصريات، بل قال فيه: لا خلاف في أن من صلى على الترتيب
الذي رتبناه حسبما أداه إليه اجتهاده يكون ذلك مجزيا عنه، وإنما الخلاف فيمن خالف
هذا الترتيب، فلا إجماع على إجزائه، ولا دليل أيضا عليه غير الاجماع، فوجب أن
يكون الترتيب الذي ذكره أولى وأحوط، للاجماع على إجزائه، وهو كما ترى مخالف
366

لاجماعه السابق إن زاد للقيام تكبيرا، وللمعلوم من النصوص والاجماع من كون التكبير
الزائد في الثانية أربعا إن لم يزد للقيام تكبير، وسوى ما في كشف اللثام من الاستدلال
بمضمر يونس (1) قال: " تكبر فيهما اثنتي عشر تكبيرة، تبدأ فتكبر وتفتتح الصلاة،
ثم تقرأ فاتحة الكتاب، ثم تقرأ والشمس وضحاها، ثم تكبر خمس تكبيرات، ثم تكبر
وتركع فتكون تركع بالسابعة وتسجد سجدتين، ثم تقوم فتقرأ فاتحة الكتاب وهل
أتاك حديث الغاشية، ثم تكبر أربع تكبيرات وتسجد سجدتين وتتشهد وتسلم " قال:
لحصره التكبير المتأخر عن القراءة في أربع، ويبعد كون المراد حصر التكبيرات الزائدة
حيث ذكر الست في الأولى، فإن منها تكبير الركوع، فالمراد ثم يقوم بتكبيرة، ويدفع
البعد ذكر الركوع في الأولى وتركه في الثانية، وفيه أولا أنه إنما يتجه هذا إن لم يزيدوا
للقيام تكبيرة، وإلا فتركها مع ذكر تكبير الركوع في غاية البعد، وثانيا أن ذلك ليس
بأولى من إرادة الزوائد من الأربع، وعدم ذكره الخامسة استغناء بما ذكره في الأولى،
بل هذا أولى من وجوه، خصوصا مع عدم ما يشعر بإرادة القيام بالتكبير، وعلى كل
حال فلا ريب في ضعفه كما عرفته مفصلا.
(و) حينئذ ف‍ (يقرأ الحمد وسورة، والأفضل أن يقرأ الغاشية) عند المصنف
وقد عرفت البحث في ذلك كله مفصلا (ثم يكبر أربعا ويقنت بينها أربعا) بما شاء،
والأفضل بما سمعته سابقا، وقد تحصل من ذلك كله عدد التكبيرات الزائدة والقنوتات
وأن كلا منها تسع، وأن ما يحتمله كتب الصدوق والمفيد وسلار من كون التكبيرات
ثمانا والقنوتات سبعا أو ثمانا والتكبيرات تسعا في غاية الضعف، بل عن المختلف لا خلاف
في عدد التكبيرات الزائدة وأنه تسع تكبيرات، خمس في الأولى وأربع في الثانية،

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 وفيه " عن يونس
عن معاوية قال: سألته " الخ
367

لكن الخلاف في وضعه، فالشيخ على أنه في الأولى بعد القراءة يكبر خمس تكبيرات
ويقنت خمس مرات عقيب كل تكبيرة قنتة، ثم يكبر تكبيرة الركوع ويركع، وفي
الثانية بعد القراءة يكبر أربع مرات يقنت عقيب كل تكبيرة قنتة، ثم يكبر الخامسة
للركوع، وذهب إليه ابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن حمزة وابن إدريس، وقال المفيد:
في الأولى سبع تكبيرات مع تكبيرة الافتتاح والركوع، ويقنت خمس مرات، فإذا نهض
إلى الثانية كبر وقرأ ثم كبر أربع تكبيرات يركع بالرابعة ويقنت ثلاث مرات، وهو
اختيار السيد المرتضى وابن بابويه وأبي الصلاح وسلار، وهو مع مخالفته لما تقدم عن
المنتهى من الحكاية عن الحسن وابن بابويه قال في كشف اللثام: يخالف ما قدمناه عنه
من أن الظاهر أن مرادهم بالتكبير السابق في الركعة الثانية تكبيرة القيام إليها، وهو
لا يخلو من نظر، نعم ما حكاه في الكشف عن السرائر لا يخلو من خلل، قال: قال
ابن إدريس: وعدد صلاة كل واحد من العيدين ركعتان باثنتي عشرة تكبيرة بغير
خلاف، والقراءة فيها عندنا قبل التكبيرات في الركعتين معا، وإنما الخلاف بين
أصحابنا في القنوتات، منهم من يقنت ثمان قنتات، ومنهم من يقنت سبع قنوتات،
والأول مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي، والثاني مذهب شيخنا المفيد، إذ الظاهر أن
الصواب تسع بالتاء المثناة، بل قيل: إنه الموجود فيها، إلا أن نسبة ذلك للمفيد مخالفة
لصريح كلامه في المقنعة من الثمان قنوتات.
وكيف كان ففي قول المصنف: يكبر أربعا يقنت بينها أربعا تسامح، ضرورة
اقتضاء البينونة كون القنوتات ثلاثة، فالأولى أن يقول عقيب كل تكبيرة من التكبير
الزائد قنوت، وكأن الذي دعاه إلى هذا التعبير الايماء إلى المراد مما في النصوص التي
عبر فيها بنحو ذلك، كصحيح يعقوب (1) " ويكبر خمسا - أي في الأولى - ويدعو

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 8
368

بينها، ثم يكبر أخرى يركع بها " وخبر الجعفي (1) " ثم يكبر خمسا يقنت بينهن ثم
يكبر واحدة ويركع بها - إلى أن قال -: وفي الثانية والشمس وضحاها ثم يكبر أربعا
ويقنت بينهن ثم يركع بالخامسة " وغيرها، فما في المدارك - من أن الظاهر منها سقوط
القنوت بعد الخامس والرابع - إلى أن قال -: وهو الظاهر من كلام ابن بابويه ثم يكبر
خمسا يقنت بين كل تكبيرتين ثم يركع بالسابعة مما هو ظاهر في الميل إلى ذلك -
في غير محله قطعا، إذ لا ريب في أن المراد بقرينة الفتاوى ومعاقد الاجماعات والنصوص
الأخر التثليث في البينية، أو يراد منها معنى فيها كما في بعض النصوص أيضا أو غير ذلك
مما لا بأس به بعد المعلومية، كما هو واضح، والله أعلم.
(ثم يكبر) تكبيرة (خامسة للركوع ويركع) بها بلا قنوت بلا خلاف نصا
وفتوى (ف‍) تحصل من ذلك كله أنه على المختار (يكون الزائد عن المعتاد) من التكبير
(تسعا) ومن القنوت ثمانا، فالتكبير حينئذ (خمس في الأولى، وأربع في الثانية غير
تكبيرة الاحرام وتكبيرتي الركوع) ومعهما يكون المجموع اثنتا عشر تكبيرة، سبع في
الأولى على عدد تكبيرات الافتتاح، وخمس في الثانية على عدد تكبيرات الاحرام في اليوم
والليلة، وليكون التكبير في الركعتين جميعا وترا وترا كما أومأ إلى ذلك الرضا (عليه
السلام) فيما رواه عنه الفضل بن شاذان (2).
وعلى كل حال ينبغي أن يرفع يديه مع كل تكبير، لخبر يونس " سألته
عن تكبير العيدين أيرفع يده مع كل تكبير أم يجزيه أن يرفع يده في أول تكبير؟ فقال:
مع كل تكبير " مضافا إلى ما عرفته سابقا في أوائل مباحث كيفية الصلاة من احتمال كون
الرفع من هيئات أمثال التكبير في كل صلاة.

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 10 - 1
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 10 - 1
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
369

ثم إن الظاهر عدم ركنية شئ من التكبير والقنوت على تقدير الوجوب، لعموم
ما دل (1) على اغتفار السهو، وعلى عدم إعادة الصلاة إلا من خمسة، ولتساوي أركانها
مع باقي الفرائض وإن وجب ذلك فيها زائدا عليها، وقد يقال بالركنية بناء على أصالتها
لاجمال العبادة، إلا أن المصرح به هنا خلافه من دون خلاف بينهم فيه، وهو مما يؤيد
ما ذكرناه في المباحث السابقة من المناقشة في هذا الأصل، وحينئذ فلو نسي التكبيرات
أو القنوتات أو بعضها حتى ركع مضى في صلاته ولا شئ عليه، إذ ليست أركانا،
بل في الذكرى وغيرها هل يقضي بعد الصلاة؟ أثبته الشيخ، ولعله لما سبق من الرواية:
أي قوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (2): " إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا
أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا " ونفاه في المعتبر، وتبعه
الفاضل، لأنه ذكر وقد تجاوز محله، فيسقط بالأصل السليم عن المعارض، وللشيخ أن
يبدي وجود المعارض، وهو الرواية المشار إليها، قلت: قد يحتمل خصوصا فيما إذا كان
المنسي القنوت الاتيان به بعد الركوع كما في الفريضة، لكن في الذكرى ولا يقضى في
الركوع عندنا، لما فيه من تغيير الهيئة، ولعله المانع من الاحتمال المزبور أيضا، إلا أنه
بناء على استفادته مما في الفريضة يرتفع المانع المزبور.
ولو تذكر وهو آخذ في الركوع ولما ينته إلى حده رجع إليه قطعا، ولو قلنا بتقديم
التكبير على القراءة في الأولى فنسيه حتى قرأ لم يعد إليه كما في المعتبر، لفوات المحل،
وفيه منع، كمنع توقف الفاضل في تذكرته في إعادة القراءة مع استدراكه من حيث عدم
وقوعها في محلها، ومن صدق القراءة، ضرورة رجحان الأول كما في الفريضة، نعم على
المختار لو قدم التكبير على القراءة سهوا اقتصر على إعادة التكبير خاصة، لحصول الامتثال
به كما في نظائره.

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 7
370

ولو شك في عدد التكبير أو القنوت بنى على الأقل كما في الذكرى وغيرها،
لأنه المتيقن، قال: وفي انسحاب الخلاف في الشك في الأوليين المبطل للصلاة احتمال
إن قيل بوجوبه، ولو تذكر بعد فعله أنه كان قد كبر لم يضر، لعدم ركنيته، وهو
جيد، إلا أنه لا ريب في ضعف الاحتمال المزبور، كما أنه لا ريب في تقييد تدارك
الشك بما إذا لم يدخل في محل آخر كالقراءة في الأولى بناء على تقديم التكبير والقنوت
عليها، بل لو شك في عدد التكبير وهو في القنوت يقوى عدم الالتفات، لأنه محل آخر
ودعوى أن التكبير للقنوت ممنوعة، ولو سلمت لا تنافي، فتأمل.
ولو قدم التكبير والقنوت على القراءة عمدا في الأخيرة أو في الأولى بناء على
المختار ففي الذكرى " في بطلان صلاته مع استدراكه في محله عندي الوجهان، البطلان
لتغير نظم الصلاة، وعدم إيقاعها على الوجه المأمور به، ولأنه ارتكب منهيا منه في
الصلاة، إذ الأمر بالشئ نهي عن ضده، النهي في العبادة مفسد، والصحة لما تقدم
في الرواية (1) إن " كل ما ذكر الله عز وجل به ورسوله (صلى الله عليه وآله) فهو من الصلاة " ويحتمل
ثالثا وهو البطلان إن اعتقد شرعيته، لأنه يكون مبدعا، فيتحقق النهي، وإن لم يعتقد
شرعيته هنالك كان ذكرا مجردا في الصلاة فلا ينافيها " وفيه - بعد الاغضاء عما في ثاني
وجهي البطلان، وعما يشعر به التفصيل من كون احتمال البطلان على تقدير عدم التشريع
وهو كما ترى - أن هذا الحكم غير خاص في المقام، بل حاله كحال من قدم السورة على
الحمد مثلا عمدا، بل قد يقوى الصحة في المقام بناء على اختصاص دليل إبطال التشريع
من قوله عليه السلام (2): " من زاد " ونحوه في الفريضة اليومية، وقد تقدم تحرير المسألة في
المباحث السابقة.

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 2
371

وعلى كل حال فلا سجود للسهو فيما نفعله الآن من الصلاة لأنها نافلة، بل ولا في
الواجبة للأصل السالم عن معارضة ما دل على وجوبهما بعد انصرافه للفرائض اليومية
خلافا للمحكي عن الكاتب وأول الشهيدين وغيرهما.
ولو أدرك بعض التكبيرات مع الإمام دخل معه، فإذا ركع ركع معه قطعا بناء
على الندب لوجوبها مع إرادة فلا يعارضها، بل لا يبعد ذلك على الوجوب أيضا
إذا لم يتمكن من الفعل ولو مخففا، لأنهما حينئذ كالقراءة، بل جزم الفاضل به من دون
قضاء بعد التسليم، وبأنه لو أدرك الإمام راكعا كبر ودخل معه واجتزأ بالركعة ولا
قضاء عليه، وتبعه العلامة الطباطبائي في ذلك كله، بل لا خلاف أجده فيه إذا لم يتمكن
حتى من التكبير ولاء، نعم احتمل في الذكرى منعه عن الاقتداء إن علم التخلف،
ووجوب الانفراد إن لم يعلم، لوجوبهما عليه، ولا دليل على تحمل الإمام كالقراءة،
والاقتداء وإن وجب لكنه ليس جزءا من الصلاة، واعترضه في كشف اللثام بأن
هذه الصلاة لا تجب على المنفرد، قلت: يكفي في الجواز من غير فرق بين الجماعة الواجبة
والمندوبة إطلاق أدلة الائتمام المؤيدة بخصوص ما دل على اغتفار بعض الزيادة والنقصان
له، أما إذا تمكن من اتمام التكبير ولاء بلا قنوت ففي القواعد والمنظومة عدم الوجوب
عليه، بل في الثاني التصريح بأن الواجب الممكن منهما معا مرتبان فيه إلى أن يخشى
الفوات، فيقطعهما معا، لكن عن المبسوط والسرائر وجملة من كتب الفاضل والدروس
وغيرها أنه يكبر ولاء من غير قنوت، واحتمله في القواعد، ولعله لأن كلا من
التكبير والقنوت واجب مغاير للآخر، فلا يسقط الميسور منهما بالمعسور، وفيه - بعد
تسليم استقلال وجوب التكبير وأنه ليس للقنوت - أنه مناف للترتيب المعتبر فيهما
كما هو واضح.
وأما عدم القضاء بعد التسليم فللأصل السالم عن المعارض، ولأنه كذكر الركوع
372

الذي فات محله، خلافا للمحكي عن المبسوط وغيره، ولعله كما قيل بناه على أصله من أنه
لو نسيه المصلي قضاه بعد الصلاة، وفيه مع أنه في القنوت خاصة ليس المقام من النسيان،
بل هو من الترك عمدا للمتابعة، كما أنه لا دليل على تحمل الإمام غير القراءة، بل عدم
تحمله القنوت في الفريضة يدل بطريق الأولى على العدم في المقام، لكن احتمل في
الذكرى تحمله الدعاء، ولا ريب في ضعفه، وعليه فلا بأس بدعاء المأموم سواء كان بدعاء
الإمام أو غيره كما صرح به في الذكرى، لعدم اقتضاء التحمل عدم المشروعية، والقياس
على القراءة بناء عليه فيها لا يجوز التعويل عليه، والله أعلم.
(وسنن هذه الصلاة) أمور منها: (الاصحار بها) حتى ينظر إلى آفاق السماء
إجماعا بقسميه، بل المحكي منهما إن لم يكن متواترا فهو مستفيض كالنصوص (1) المتضمنة
للفعل والقول، بل قد يشم من بعضها ولو من حيث مخالفة السنة الكراهة في غيرها،
ولعله المراد من نفي الجواز في غيرها المحكي عن النهاية، وعلى كل حال فهو مسنون (إلا
بمكة) إجماعا بقسميه أيضا، ورفع محمد بن يحيى (2) إلى الصادق (عليه السلام) أنه قال:
" السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلى الصحراء إلا أهل مكة
فإنهم يصلون في المسجد الحرام " وإلحاق مسجد المدينة به اجتهاد في مقابلة النص المتضمن
لفعله (عليه السلام) وغيره، بل في المحكي عن السرائر أن الصلاة فيه أي المسجد الحرام
تكون في الصحن دون موضع الصلاة منه، ولا بأس به إذا كان الصحن هو الخالي من
الظل كما أومأ إليه في كشف اللثام، بل ينبغي له حيث يصلي في البلد في غير مكة أو يحصل
له عذر من مطر أو وحل أو خوف أو نحوها من الأعذار التي يسقط معها مثل ذلك أن
يطلب مكانا بارزا أي يكون ظله حال الصلاة فيه السماء لا سقف ونحوه كما أومأت إليه
النصوص، كقول الرجل (عليه السلام) في خبر سلمان بن حفص (3): " الصلاة يوم

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 0 - 8 - 11
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 0 - 8 - 11
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 0 - 8 - 11
373

الفطر بحيث لا يكون على المصلي سقف إلا السماء " وغيره، ونص عليه في الجملة
العلامة الطباطبائي،
(و) منها تأكد (السجود) فيها (على الأرض) دون غيرها مما يصح السجود
عليه بلا خلاف أجده فيه، بل قال الصادق (عليه السلام) في صحيح الفضيل (1):
" أتي أبي بخمرة يوم الفطر فأمر بردها، وقال: هذا يوم كان رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يحب أن ينظر فيه إلى آفاق السماء ويضع جبهته على الأرض " بل قد يومي
ذلك باعتبار شرف الجبهة إلى استحباب مباشرتها بجميعه أي بحيث لا يصلي على بساط
ونحوه، بل قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية (2): " لا تصلين يومئذ على بساط
ولا بارية " ظاهر في الكراهة كما أومأ إليه في المنظومة.
(و) منها (أن يقول المؤذن) أو غيره (الصلاة ثلاثا فإنه لا أذان) ولا إقامة
(لغير الخمس) بلا خلاف فيه بين العلماء كما في المدارك، وفي صحيح إسماعيل بن
جابر (3) " قلت أي لأبي عبد الله (عليه السلام): أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان
وإقامة؟ قال: ليس فيهما أذان ولا إقامة ولكن نادي الصلاة ثلاث مرات " وظاهره
استحبابه لهما على نحو الأذان لليومية، بل قد يستفاد من ذلك ومن قول أبي جعفر
(عليه السلام) في صحيح زرارة (4) الذي اقتصر عليه الصدوق كما قيل أذانهما طلوع
الشمس في أحد الوجهين استحبابه للوقت ولخصوص الصلاة، لكن في المدارك عن
الذكرى ظاهر الأصحاب أن هذا النداء ليعلم الناس الخروج إلى المصلى، لأنه أجري
مجرى الأذان المعلم بالوقت، ثم قال: ومقتضى ذلك أن محله قبل القيام إلى الصلاة، وقال
أبو الصلاح محل هذا النداء بعد القيام إلى الصلاة، فإذا قال المؤذنون ذلك كبر الإمام

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 5 - 10
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 5 - 10
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 5
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 5
374

تكبيرة الاحرام ودخل بهم في الصلاة، والظاهر تأدي السنة بكلا الأمرين، وعلى كل
حال فالأمر سهل، وقد تقدم في بحث الأذان بعض الكلام الذي له تعلق في المقام،
فلاحظ وتأمل، والله أعلم.
(و) منها (أن يخرج الإمام حافيا ماشيا) كما فعله الرضا (عليه السلام) بمرو (1)
بعد أن قال: إني أخرج كما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين عليه السلام
ولأنه أبلغ في التذلل والاستكانة، لكن مقتضى ذلك عدم الفرق بين الإمام والمأموم
خلافا لظاهر المتن ومن عبر كعبارته، بل قيل: إنه صريح المبسوط وظاهر الأكثر،
لكن أطلق في المحكي عن التذكرة والنهاية وغيرها وإن كنت لم أتحققه في الأول منهما
ومقتضاه العموم كصريح المحكي عن جامع المقاصد، بل في الأولين الاجماع على إطلاقهما
بل في الأول منهما إجماع العلماء، بل في كشف اللثام لا أعرف وجها للتخصيص سوى
أنه لم يجدوا به نصا عاما، ولكن في المعتبر والتذكرة أن بعض الصحابة كان يمشي إلى
الجمعة حافيا وقال (2): " سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من اغبرت
قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار " ولعل التعميم أوفق بقاعدة التسامح، كالمشي
الظاهر في الخشوع والذل والمسكنة المطلوبة للجميع من غير فرق بين الإمام والمأموم،
على أن المروي (3) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يركب في عيد ولا جنازة "
وهو الذي فعله الرضا (عليه السلام) لما أراد الخروج كخروج رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وعلي (عليه السلام) " فإنه لما طلعت الشمس قام فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء
من قطن ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه وتشمر، ثم قال لجميع مواليه: افعلوا

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(2) سنن البيهقي ج 3 ص 229
(3) المستدرك - الباب - 15 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
375

مثل ما فعلت، ثم أخذ بيده عكازا ثم خرج وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف
الساق وعليه ثياب مشمرة، فلما مشى ومشينا بين يديه وكبر أربع تكبيرات فخيل لنا
أن السماء والحيطان تجاوبه، والقواد والناس على الباب قد تهيأوا ولبسوا السلاح وتزينوا
بأحسن الزينة، فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة وطلع الرضا (عليه السلام) وقف على
الباب وقفة ثم قال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر
على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا نرفع بها أصواتنا قال ياسر:
فترغرغت مرو بالبكاء والضجيج والصياح لما نظروا إلى أبي الحسن (عليه السلام)،
وسقط القواد عن دوابهم ورموا بخفافهم لما رأوا أبا الحسن (عليه السلام) حافيا وكان
يمشي ويقف في كل عشر خطوات ويكبر ثلاث مرات " إلى آخره.
وعلى كل حال فالأولى تعميم المشي للإمام وغيره كما هو صريح بعض وظاهر
إطلاق آخر الذي معقد إجماع العلماء في التذكرة، وعن المعتبر والمنتهى والتذكرة من
السنة أن يأتي العبد ماشيا ويرجع ماشيا، لكن ظاهر جماعة بل لعله الأكثر اختصاص
ذلك بالإمام، بل في المقنعة روي (1) " أن الإمام يمشي يوم العيد ولا يقصد المصلى
راكبا ولا يصلي على بساط ويسجد على الأرض وإذا مشى رمى ببصره إلى السماء ويكبر
بين خطواته أربع تكبيرات ثم يمشي " والأول أولى.
و (على) كل حال ينبغي أن يكون على (سكينة ووقار ذاكرا لله سبحانه) إجماعا
فيما حكي عن التذكرة والنهاية، على أن فيه من الخضوع والخشوع ما لا ينكر، وقد سمعت
حكاية ما فعله الرضا (عليه السلام)، بل منه يستفاد استحباب أمور أخر كالغسل ونحوه
ولعله لذا ومرسل المقنعة وغيرهما من اتحاد الجمعة والعيد ونحوه قال في المنظومة:

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2
376

وليكن الخروج بعد كل ما * قد سن في الجمعة أن يقدما
كالغسل والتطييب والتزين * والاعتمام والرداء اليمني
والمشي بالوقار والسكينة * والذكر فيه والحفا مسنونة
كذلك التطميح والتشمير * والجهر بالتكبير والتكرير
والأمر سهل.
(و) منها (أن يطعم) أي يأكل بنفسه (قبل خروجه في الفطر، وبعد عوده
في الأضحى مما يضحى به) إن كان إجماعا منا بقسميه ونصوصا، بل في صحيح زرارة (1)
عن الباقر (عليه السلام) " لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم شيئا، ولا تأكل يوم الأضحى
شيئا إلا من هديك وأضحيتك، وإن لم تقو فمعذور " مما هو ظاهر في كراهة الترك كغيره
من النصوص، وينبغي أن يكون المأكول في الفطر تمرا تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله)
لما روي (2) عنه أنه (صلى الله عليه وآله) " كان يأكل قبل خروجه تمرات ثلاثا أو
خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر " وعن الاقبال أن ابن أبي قرة (3) روى باسناده
إلى الرجل (عليه السلام) قال: " كل تمرات يوم الفطر، فإن حضرك قوم من المؤمنين
فأطعمهم مثل ذلك " وقال النوفلي (4) لأبي الحسن (عليه السلام): " إني أفطرت يوم
الفطر على طين وتمر فقال لي: جمعت بركة وسنة " لكن في المحكي السرائر أنه روي
الافطار فيه على التربة الحسينية (5) وأن هذه الرواية شاذة من أضعف أخبار الآحاد،
لأن أكل الطين على اختلاف ضروبه حرام بالاجماع إلا ما خرج بالدليل من أكل التربة
الحسينية على متضمنها أفضل الصلاة والسلام للاستشفاء فحسب القليل منها دون الكثير

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(2) سنن البيهقي ج 3 ص 283
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 1
(5) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2
377

للأمراض، وما عدا ذلك فهو باق على أصل التحريم والاجماع، وتبعه على ذلك جماعة
ممن تأخر عنه، فشرطوا في جواز تناولها العلة كغيره من الأيام، بل في كشف اللثام
لعل النوفلي استشفى بها من علة كانت به، قلت: أو مزجه بالتمر مزجا استهلكه فيه وإن
بقيت بركته. فلا ريب أن الأحوط تركها مع عدم العلة، والجمع بينها وبين التمر معها
وأحوط من ذلك الجمع بينهما وبين السكر، لما في الذكرى من أن الأفضل الحلاوة،
وأفضلها السكر وإن كنت لم أقف على أثر له هنا بالخصوص إلا ما يحكى من فقه الرضا
(عليه السلام) (1) والأمر سهل، إذ - مع أن الحكم استحبابي يتسامح فيه - ما نحن
فيه من المستحب في المستحب، للأمر بأكل شئ في النصوص التي لا يحكم عليها غيرها،
كما هو واضح.
هذا كله في الفطر، وأما الأضحى فقد عرفت أصل الحكم فيه، لكن قد يوهم
عبارة المتن وما ضاهاها اختصاص الاستحباب بمن يضحي كما يحكى عن أحمد بن حنبل
الذي قد أجمع علماء الفريقين على خلافه في ذلك، ومن هنا كان حمل العبارة على إرادة
التعريض به لا موافقته متعينا، وكيف كان فإن لم يقو على الصبر إلى العود أو التضحية
فمعذور كما يشهد له الاعتبار والأخبار، والله أعلم.
(و) منها (أن يكبر في) عيد (الفطر) على المشهور بين الأصحاب نقلا
وتحصيلا، بل عليه عامة المتأخرين، بل يمكن ادعاء الاجماع عليه كما عن جامع المقاصد
والغرية، ولعله لشذوذ قول السيد كما عن المفاتيح نحو ما عن المنتهى من الاجماع على نفي
الوجوب في الفطر، وأن خلاف السيد وأبي علي لا يؤثر في انعقاده، وعن المعتبر
" استحبابه في الفطر قول فضلائنا وأكثر الجمهور " بل عن الخلاف والغنية " الاجماع
عليه وعن الأمالي " إنه من دين الإمامية " بل عن مصابيح الظلام " قد اتفقت الشيعة

(1) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2
378

في الأعصار والأمصار على عدم الالتزام به أي في العيدين العلماء والأعوام " بل فيه
أيضا أن مراد السيد من الوجوب ما على تركه اللوم والعتاب لا الذم والعقاب، لأن
الشيخ قال: الوجوب عندنا على ضربين: ضرب على تركه اللوم والعتاب، وكيف يراد
به المعنى المصطلح والرواة ما كانوا يعرفونه مع عموم البلوى به.
وكيف كان فلا ريب أن الأقوى استحبابه، لما عرفت وللأصل سيما مع عموم
البلوى به، واشتراك جميع المكلفين فيه من رجل أو امرأة صغير أو كبير، في جماعة
أو فرادى، في بلد أو في قرية، في سفر أو حضر كما يقتضيه الاطلاق، وادعى في
الخلاف الاجماع عليه، وفي خبر حفص بن غياث (1) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
" على الرجال والنساء أن يكبروا أيام التشريق في دبر الصلوات، وعلى من صلى وحده
ومن صلى تطوعا، فلا ريب في استبعاد خفاء مثل هذا الحكم الذي هو عام مثل هذا
العموم، هذا مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام) في خبر سعيد النقاش (2) " أما
أن في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون، قال قلت: أين هو؟ قال: في ليلة الفطر في المغرب
والعشاء الآخرة وصلاة الفجر والعيد ثم يقطع ". الحديث، والاستدراك واستناد القائل
بوجوبه إلى الكتاب يوهن احتمال إرادة الواجب بالسنة منه، مع أنه خلاف الظاهر،
وخبر محمد بن مسلم أو صحيحة المروي عن المستطرفات عن نوادر البزنطي (3) أنه سأل
أحدهما (عليهما السلام) " عن التكبير بعد كل صلاة فقال: كم شئت أنه ليس بمفروض "
والاطلاق إلى المشيئة معللا بأنه ليس بمفروض كالصريح في إرادة نفي الوجوب بالمعنى
المصطلح منه، مضافا إلى اعتضاده وسابقه بما سمعت وبما تسمع مما يدل على عدم وجوبه

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
379

في أيام التشريق من النصوص (1) وغيرها بناء على عدم القول المعتد به بالفصل بينهما
فثبوت الندب فيها يلزمه في المقام كالعكس، فيصح الاستدلال بأدلة كل من الطرفين على
الآخر بعد تتميمه بالاجماع المركب، كل ذلك مع عدم المعارض المقاوم، إذ آية
التكبير (2) على الهداية ليست صريحة في الوجوب بل ولا ظاهرة، خصوصا إذا عطف
وما قبله على اليسر (3) في " يريد الله بكم اليسر " وكتابه الرضا (عليه السلام) إلى
المأمون فيما رواه عنه الصدوق في العلل عن الفضل بن شاذان (4) " والتكبير في العيدين
واجب " كقول الصادق (عليه السلام) في خبر الأعمش (5) المروي عن الخصال الآتي
يمكن إرادة الثبوت أو التأكد منهما، بل لعل الثاني منهما المنساق إلى الذهن من التأمل
في مجموع الدليلين.
ومنه يعلم أولوية إرادة ذلك من غيره من النصوص الواردة (6) بلفظ " عليهم
التكبير " ونحوه إذا صرحها اللفظ المزبور وعرفت قوة الاحتمال المذكور فيه، سيما بعد
ما تسمعه في تكبير الأضحى وسمعته من الأدلة السابقة التي لا يقاومها ذلك من وجوه،
بل هذا الاختلاف نفسه منضما إلى ما تسمعه من الاختلاف في الأضحى أيضا وإلى
الاختلاف في الكيفية إمارة أخرى على الندب كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بكلامهم
(عليهم السلام)، ومن ذلك كله ظهر لك ضعف ما ذهب إليه المرتضى وأبو علي وابن
شهرآشوب فيما حكي عنهم من الوجوب، بل قيل: قد يظهر ذلك من الوسيلة والمراسم
في المقام إلا أنك قد سمعت احتمال إرادة ما يرتفع به الاختلاف من أصله، والله أعلم.

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(2) سورة البقرة - الآية 181
(3) سورة البقرة - الآية 181
(4) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 5 - 6
(5) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 5 - 6
(6) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب صلاة العيد
380

وأما محل التكبير ف‍ (عقيب أربع صلوات أولها المغرب) من (ليلة الفطر وآخرها
صلاة العيد) بلا خلاف فيه نصا وفتوى بمعنى مشروعية التكبير بعد ذلك، بل الاجماع
بقسميه عليه، إنما الكلام في مشروعيته في غير ذلك، فالمشهور بين الأصحاب نقلا
وتحصيلا عدمه، لكن عن البزنطي يكبر الناس في الفطر إذا خرجوا إلى العيد،
واختاره في المعتبر محتجا عليه بفعل علي (عليه السلام) (1) وجماعة من الصحابة،
وقال المفيد: " روي (2) أن الإمام يمشي يوم العيد ولا يقصد المصلى راكبا، وإذا مشى
رمى ببصره إلى السماء ويكبر بين خطواته أربع تكبيرات " وقد سمعت ما فعله الرضا
(عليه السلام) حال خروجه لكن في عيد الأضحى على الظاهر، وتسمع أيضا فيما يأتي
نحوه، وعن الكاتب مشروعيته عقيب النوافل والفرائض، وعن رسالة علي بن بابويه
أنه يكبر عقيب ست بزيادة الظهر والعصر، وهو ظاهر ولده في الفقيه، حيث قال بعد
رواية سعيد النقاش السابقة: وفي غير (3) رواية سعيد " وفي الظهر والعصر " ولعله
لذا استحبه في المحكي عن الأمالي والمقنع عقيب الست، وفيما كتبه المأمون إلى
الرضا (عليه السلام) " التكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات،
ويبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر " وعن الخصال بإسناده عن الأعمش (5) عن
جعفر بن محمد (عليه السلام) في حديث شرايع الدين قال: " والتكبير في العيدين واجب، أما في
الفطر ففي خمس صلوات يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر من يوم
الفطر " ولعل المراد خمس فرائض مع صلاة العيد، فتكون ستا كما نص عليه في المحكي (6)
عن فقه الرضا (عليه السلام) والأمر سهل بعد التسامح، نعم لم أقف على ما يشهد لما سمعته

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3 - 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3 - 5 - 6
(5) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3 - 5 - 6
(6) المستدرك - الباب - 16 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 5
381

عن أبي علي هنا، وكونه ذكرا مستحبا على كل حال لا يقضي باستحباب الخصوصية
نعم يمكن استفادته مما تسمعه من نصوص التكبير (1) بعد النوافل أيام التشريق والله
أعلم بحقيقة الحال.
(و) كذا يستحب أن يكبر (في الأضحى) أيضا على المشهور شهرة عظيمة
بل هي من المتأخرين إجماع، بل عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية، والغنية الاجماع
عليه، وسمعت ما عن مصابيح الظلام المؤيد بما نجده الآن في أعصارنا من العلماء وغيرهم
وبما تقدم سابقا في عيد الفطر مما لا يخفى عليك جريانه في المقام، مضافا إلى الأصل،
سيما فيما تعم به البلوى، وصحيح علي بن جعفر (2) سأل أخاه (عليه السلام) " عن التكبير أيام
التشريق أواجب هو؟ قال: يستحب " خلافا للمرتضى فأوجبه مدعيا في ظاهر انتصاره
الاجماع عليه، وهو عجيب، ضرورة كون العكس مظنة ذلك، ومن هنا قال في المحكي
عن المختلف أن الاجماع على الفعل دون الوجوب، وفي الذكرى أنه حجة على من عرفه
وعلى كل حال فلم نتحقق ما ذكره من الاجماع، بل المتحقق خلافه، نعم عن الشيخ
في التبيان والاستبصار والجمل والعقود وأبي الفتوح في روض الجنان وابن حمزة
والراوندي في فقه القرآن وجوبه على من كان بمنى دون غيره، وفي كشف اللثام أنه
احتمله والعكس في حل المعقود من الجمل والعقود ثم رجح الأول، وإن كان الانصاف
أن مقتضى الدليل عدم الفرق بين منى وغيره، إذ هو الخبران (3) السابقان المطلقان
اللذان قد عرفت قصورهما عن المعارضة، وأن المراد بهما الثبوت أو التأكد، كما يشهد له
هنا قول الصادق (عليه السلام) في موثق عمار (4): " التكبير واجب في دبر كل

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة العيد والباب 22 منها - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 10 - 12
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 5 و 6
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 10 - 12
382

صلاة فريضة أو نافلة أيام التشريق " المعلوم إرادة التأكيد أو الثبوت من لفظ الوجوب
فيه، لعدم القائل به بالنسبة إلى النافلة، وكذا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر
حفص بن غياث (1) المتقدم آنفا.
ومنه يعلم الحال في غيرها، فتدبره، وقوله تعالى (2): " واذكروا الله في أيام
معدودات " أي أيام التشريق بلا خلاف كما في الخلاف، والذكر فيها التكبير كما في
حسن ابن مسلم (3) سأل الصادق (عليه السلام) عن الآية قال: " التكبير في أيام
التشريق صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من يوم الثالث، وفي الأمصار عشر
صلوات " وفي كشف اللثام أنه ليس نصا في التفسير، ولا لفظ الآية متعينا بهذا المعنى
قلت: على أنه محمول على الندب حينئذ، كصحيح علي بن جعفر (4) سأل أخاه (عليه السلام)
" عن النساء هل عليهن التكبير أيام التشريق؟ قال: نعم ولا يجهرن " وما في المحكي عن
قرب الإسناد له عن عبد الله بن الحسن العلوي (5) عنه (عليه السلام) أنه سأله " عن
الرجل يصلي وحده أيام التشريق هل عليه تكبير؟ قال: نعم، فإن نسي فلا شئ "
وغيرهما، والكل كما ترى لا اختصاص فيه بمن كان بمنى، لكن في كشف اللثام أن
دليله اختصاص الآية مع الأصل، وقول الصادق (عليه السلام) في حسن ابن عمار (6):
" تكبير أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من أيام الشريق إن
أنت أقمت بمنى، وإن أنت خرجت فليس عليك تكبير بعد الخروج " وفيه أنه لا دلالة
في الآية على الاختصاص، بل حسن ابن مسلم السابق كالصريح في خلافه، والأصل
مقتضاه العدم في الجميع، والمراد من حسن ابن عمار أنه إن أقام إلى النفر الثاني كبر إلى

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 1 - 4
(2) سورة البقرة - الآية 199
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 1 - 4
(5) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 1 - 4
(6) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 4
383

فجر آخر أيام التشريق، وإن خرج في النفر الأول فليس عليه تكبير بعد الخروج،
كما هو واضح.
وكيف كان فمحله في منى، وألحق بها المفيد مكة، بل في كشف اللثام وهو مراد
غيره أيضا، فإن الناسك يصلي الظهرين أو إحداهما غالبا بمكة.
وعلى كل حال فليكبر (عقيب خمس عشرة صلاة أولها الظهر يوم النحر لمن كان
بمنى) وآخرها الفجر من اليوم الثالث (وفي) باقي (الأمصار عقيب عشرة) أولها
الظهر المزبور، وآخرها الغداة أيضا بلا خلاف أجده في شئ من ذلك نصا وفتوى،
بل في الإنتصار والخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة وظاهر المعتبر على ما حكي عن بعضها
الاجماع عليه، نعم في صحيح معاوية (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التكبير
في أيام التشريق لأهل الأمصار فقال: يوم النحر صلاة الظهر إلى انقضاء عشر صلوات
ولأهل منى في خمس عشرة صلاة فإن أقام إلى الظهر والعصر كبر " وسأل غيلان (2)
أبا الحسن (عليه السلام) " عن التكبير في أيام الحج من أي يوم يبتدئ به وفي أي
يوم يقطعه وهو بمنى، وسائر الأمصار سواء أو بمنى أكثر فقال: التكبير بمنى يوم النحر
عقيب صلاة الظهر إلى صلاة الغداة من يوم النفر، فإن أقام الظهر كبر وإن أقام العصر
كبر، وإن أقام المغرب لم يكبر، والتكبير بالأمصار يوم عرفة صلاة الغداة إلى النفر
الأول صلاة الظهر، وهو وسط أيام التشريق " وسأل علي بن جعفر (3) أخاه (عليه
السلام) " عن التكبير في أيام التشريق فقال: يوم النحر صلاة الأولى إلى آخر أيام
التشريق من صلاة العصر تكبر وتقول " إلى آخره.
ومقتضى الجميع زيادة التكبير على خمس عشر، بل في خبر غيلان أن التكبير في

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 8 - 13 - 15
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 8 - 13 - 15
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 8 - 13 - 15
384

الأمصار في يوم عرفة إلا أنه - مع عدم موافقته لباقي النصوص بل ولقوله (عليه السلام) فيه:
" وهو وسط أيام " إلى آخره - محمول على ما عند العامة بمعنى أن العامة في الأمصار كذا
تفعل وأما تلك الزيادة فلا بأس بها بعد التسامح وإن كنت لم أجد مصرحا بها، إلا أنها
ليست كذلك بذلك التأكد.
كما أن الأقوى استحبابه بعد النوافل أيضا كما عن أبي علي والشيخ التصريح به
بل مال إليه في الرياض، فما عن المشهور - من عدم الاستحباب، بل قيل: إنه كاد
يكون إجماعا، وأنه قد يظهر من الخلاف والانتصار انعقاد الاجماع عليه - لا يخلو من
نظر، لخبر حفص بن غياث (1) وموثق عمار (2) المتقدمين سابقا، وخبر علي بن
جعفر (3) سأل أخاه (عليه السلام) " عن النوافل أيام التشريق هل فيها تكبير؟ قال:
نعم، فإن نسي فلا بأس " وأما استحبابه في غير أعقاب الصلاة فقد سمعت ما ذكرناه
سابقا في تكبير عيد الفطر، وفي المحكي عن المنتهى قال بعض أصحابنا: يستحب للمصلي
أن يخرج بالتكبير إلى المصلى، وهو حسن لما روي (4) عن علي (عليه السلام) " أنه
خرج يوم العيد فلم يزل يكبر حتى انتهى إلى الجبانة " وفي الفقيه (5) " إن أمير المؤمنين
(عليه السلام) خطب في الأضحى فقال: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر، ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا، وله الشكر فيما أبلانا، والحمد لله على
ما رزقنا من بهيمة الأنعام " ولكنه يمكن أن يكون التكبير الذي بعد الصلاة، وفيه (6)
أيضا " أنه كان إذا فرغ من الصلاة - يعني صلاة عيد الأضحى - صعد المنبر، ثم بدأ

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 12 - 5
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة العيد - الحديث -
(4) كنز العمال - ج 4 ص 339 - الرقم 6859
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 12 - 5
(6) الفقيه ج 1 ص 328 - الرقم 1487 المطبوع في النجف
385

فقال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر زنة عرشه، ورضا نفسه، وعدد قطر سمائه وبحاره
له الأسماء الحسنى، والحمد لله " إلى آخره الخطبة، وفي المحكي عن البيان عن أبي علي أنه
قال: يكبر الإمام على الباب أربع تكبيرات، ثم يقول: لا إله الله والله أكبر الله
أكبر على ما هدانا، ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة
الأنعام، الحمد لله على ما أبلانا يرفع بها صوته، وكلما مشى نحو عشر خطى وقف وكبر
وقال: ويرفع به يديه إن شاء ويحركهما تحريكا يسيرا.
وأما كيفية التكبير في الفطر والأضحى ف‍ (يقول: الله أكبر الله أكبر وفي)
التكبيرة (الثالثة تردد) ينشأ من الأصل وخلو أكثر النصوص عنها، ومن بعض نسخ
خبر النقاش في التهذيب مع التسامح، والمشهور الأول، بل عن الخلاف الاجماع عليه،
وخيرة بعض الثاني، بل نسب إلى النهاية لكن لم نتحققه، والأولى ذكر الثالثة بعنوان
الاحتياط، وأحوط منه تكرير تمام الدعاء بالتثنية والتثليث، وعلى كل حال ثم يقول:
(لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا، ويزيد
في الأضحى ورزقنا من بهيمة الأنعام) كما في القواعد والمحكي عن النهاية لكن في
القواعد " الحمد لله " بلا واو والذي عثرنا عليه في النصوص التي ينبغي التعويل عليها
ولو بالتخيير بين ما فيها خبر سعيد النقاش (1) في تكبير الفطر، وهو على ما في الكافي
والفقيه وأكثر نسخ التهذيب " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر
ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا " مع زيادة " والحمد لله على ما أبلانا " في الفقيه
خاصة، قيل: وكذا الهداية والأمالي للصدوق، وخبر الأعمش المروي (2) في الخصال
عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) في الفطر أيضا " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله،
والله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أبلانا - إلى أن قال -:

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 6
386

ويزاد أي في تكبير الأضحى والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام " وكأنه إلى
هذه الرواية أشار الصدوق (رحمة الله) بقوله: روي أنه لا يقال في عيد الفطر: " ورزقنا
من بهيمة الأنعام " فإن ذلك في أيام التشريق.
وعلى كل حال فالخبران مخالفان للكيفية التي في المتن، ولم أجد غيرهما في تكبير
الفطر، بل في المدارك أن خبر النقاش هو الأصل في الحكم، وفي المعتبر " ويحسن عندي
ما رواه النقاش " الخ إلا أنه ثلث التكبير، ولا بأس به، وإن كان في الكافي والفقيه وأكثر
نسخ التهذيب التثنية كما عرفت، وكأنه هو الذي اعتمده غيره حتى المنظومة، فقال:
صورته التهليل بين أربع * ما بينها الحمد وبين المقطع
وبعدها زيد في الأضحى واحدة * تبلغ ستا مع تلك الزائدة
لكن كثير من عبارات الأصحاب لا توافق تمام ما في الخبرين، إذ في المقنعة
في تكبير الفطر نحو ما في الكتاب، وفي المحكي عن مصباح الشيخ ومبسوطه والجامع في
عيد الفطر نحو ما في الكتاب لكن بزيادة " ولله الحمد " قبل قوله " الحمد لله " مع ترك
الواو في التحميد الثاني، وفي الخلاف " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر ولله الحمد " وإن عليه الاجماع، لكن في كشف اللثام يحتمل الاجماع على
خلاف ما حكاه عن الشافعي ومالك وابن عباس وعمر من أنه أن يكبر ثلاثا نسقا،
فإن زاد على ذلك كان حسنا، ويؤيده أنه لم نجد من وافقه عليه ممن تقدمه فضلا عن
أن يكون مجمعا عليه، وعن السرائر والتلخيص في تكبير الفطر أيضا " الله أكبر الله
أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا " وفي
النافع " الله أكبر ثلاثا، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا "
وعن المهذب وروض الجنان لأبي الفتوح من أنه " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله،
والله أكبر ولله الحمد على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا " قيل: ونحوه عن أبي علي
387

لكن ليس فيه " وله الشكر على ما أولانا " وعن نهاية الإحكام أن الأشهر " الله أكبر
مرتين لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر على ما هدانا، وله الحمد على ما أولانا " بل
عن الروض أنه المشهور لكن مع إبدال الحمد بالشكر، إلى غير ذلك.
وأما الأضحى فالذي في النصوص منه ما سمعته، كخبر الأعمش الذي عبر به
الصدوق في المحكي من المقنع وحج الفقيه، ومنه صحيح زرارة (1) " الله أكبر الله
أكبر لا إله إلا الله والله أكبر " وفي غير التهذيب " الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر
على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام " وهو الذي أشار إليه فيما سمعته
من المنظومة، ورواه منصور بن حازم (2) في الصحيح والحميري (3) في قرب إسناده
عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر على ما في كشف اللثام، بل رواه أيضا معاوية
ابن عمار (4) في الصحيح لكن مع زيادة " والحمد الله على ما أبلانا " في آخره، كموثق
عمار وعن كتاب المسائل لعلي بن جعفر (5) كصحيح زرارة إلا أنه ترك فيه " الله
أكبر " قيل " ولله الحمد " كما أن مرسل الفقيه (6) عن أمير المؤمنين مثل الصحيح
المزبور أيضا إلا أنه حذف فيه ما بعد " ولله الحمد " إلى الآخر، وقد سمعت ما قاله
الرضا (عليه السلام) في خروجه (7) وأمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته (8).
وأما عبارات الأصحاب فتثليث التكبير في أوله محكي عن البزنطي والدروس
والجعفرية وفي الذكرى عن أبي علي، لكن في المعتبر عنه التربيع، وسمعته في حكاية (9)
فعل الرضا (عليه السلام) بمرو، والمشهور التثنية، بل المصنف في النافع وأبو العباس في

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 3 - 11 - 4 - 15 - 6
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 3 - 11 - 4 - 15 - 6
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 3 - 11 - 4 - 15 - 6
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 3 - 11 - 4 - 15 - 6
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 3 - 11 - 4 - 15 - 6
(6) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 - 3 - 11 - 4 - 15 - 6
(7) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(8) الفقيه ج 1 ص 328 - الرقم 1487 المطبوع في النجف
(9) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
388

الموجز ممن قال بالتثليث في الفطر قالا بالتثنية هنا، مع أن الصادق (عليه السلام) قال
في خبر ابن عمار (1): " تكبر ليلة الفطر وصبيحة الفطر كما تكبر في العشر " بل هو
الظاهر من باقي النصوص إلا خصوص زيادة الحمد على رزق البهيمة التي قد أرسل
الصدوق (2) النهي عن قولها في الفطر وأنها في الأضحى خاصة، وكأن الذي ألجأهم إلى
التثنية هنا اتفاق نصوص المقام عليها كما عرفت، ولعله هو الأقوى، إلا أنه لا ريب في
كون الاحتياط ذكرها بعنوانه، والأحوط منه تكرير الدعاء مرتين محافظة على الهيئة
وإن كان ضعيفا.
وأما باقي الفصول ففي المقنعة والقواعد نحو ما هنا إلا أن " الحمد لله " بلا " واو "
كما عن بعض نسخ الكتاب، وعن المصباح ومختصره والمبسوط والوسيلة والجامع نحو
المتن لكن بزيادة " ولله الحمد " قبل قوله: " الحمد لله " وكذا عن روض الجنان
لأبي الفتوح لكن بابدال " الحمد لله " بقوله " ولله الحمد " بل وكذا عن المهذب هنا،
لكن عنه في الحج " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر على ما هدانا،
والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام " وفي حج الكتاب وعن السرائر
والتلخيص وحج النهاية والمبسوط والإرشاد كما هنا لكن بابدال " الحمد لله على ما هدانا
وله الشكر على ما أولانا " بقوله: " الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا "
نحو ما عن حج التحرير، لكن ليس فيه " الحمد لله على ما أولانا " وفي المقنعة " الله
أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام "
وفي النافع نحو ما سمعته من صحيحي زرارة ومنصور إلا أن فيهما زيادة " الله أكبر
ولله الحمد " قبل " الله أكبر على ما هدانا " ولعل ما في النافع مبني على ما في التهذيب
من سقوط هذه الزيادة، وفي كشف اللثام وكذا المنتهى والتذكرة وفي فقه القرآن

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1 - 4
389

للراوندي " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، والحمد
لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام " وعن الحسن " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله،
والله أكبر ولله الحمد على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام " وعن
أبي علي " يكبر أربعا ويقول: لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله
أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا "
وبه حسن ابن عمار (1) عن الصادق (عليه السلام) إلا أن التكبير في أوله مرتين، وفي
السرائر والتلخيص ما مر عنهما بزيادة " ورزقنا من بهيمة الأنعام " وفي نهاية الإحكام
ما مر عنهما بهذه الزيادة، وقال في المنتهى: " وهذا شئ مستحب فتارة يزاد، وتارة
ينقص " إلى غير ذلك من الاختلاف الذي يمل السمع بالتعرض لتمامه، خصوصا مع
مخالفته لما النصوص، بل قد وقع من الشخص الواحد في الكتاب الواحد في المقام
وفي الحج كالمصنف في الكتاب وغيره، وهذا كله أوضح شئ دلالة على الندب، ومن
هنا قال جماعة بعد أن حكوا جملة من عبارات الأصحاب في الفطر والأضحى، " والكل
حسن إن شاء الله " قلت: لا ريب في أن مراعاة ما في النصوص بعد إضافة ما في
بعضها من الزيادة إلى الآخر أولى، والله أعلم، هذا كله فيما ذكره المصنف من السنن،
وإلا فالمستفاد من النصوص وباقي كتب الأصحاب أزيد من ذلك كما لا يخفى على من له
أدنى بصيرة.
(و) أما ما يكره ف‍ (الخروج) إلى الصحراء للصلاة (بالسلاح) من غير عذر
كخوف ونحوه بلا خلاف أجده فيه، لمنافاته الخضوع والاستكانة، ولقول أبي جعفر
(عليه السلام) في خبر السكوني (2) " نهى النبي (صلى الله عليه وآله) أن يخرج السلاح

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
390

في العيدين إلا أن يكون عدو حاضر " وفي كشف اللثام كذا في الكافي، وفي
التهذيب " إلا أن يكون عذر ظاهر ".
(و) كذا يكره (أن يتنفل) أداء أو قضاء مبتدأة أو ذات سبب إماما كان
أو مأموما في يومي العيدين (قبل الصلاة وبعدها) إلى الزوال (إلا بمسجد النبي
(صلى الله عليه وآله) بالمدينة) فإنه يستحب له أن (يصلي) فيه (ركعتين قبل خروجه)
إلى صلاة العيد تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله) بلا خلاف معتد به أجده في شئ من
ذلك نصا وفتوى، بل في الخلاف وعن المنتهى وجامع المقاصد الاجماع على الكراهة
في يوم العيد قبل الصلاة وبعدها إلى الزوال للإمام والمأموم، ومنه يعلم إرادة الكراهة
من النصوص (1) المستفيضة المتضمنة لنفي الصلاة قبل صلاة العيدين وبعدها المعلوم
إرادة النهي منه كما في النصوص الأخر، مضافا إلى الشهرة العظيمة، بل يمكن أن يراد
مما ذكره الحلبيان والقاضي وابن حمزة وغيرهم ممن حكي عنهم مما ظاهره الحرمة للتعبير
بعدم الجواز ونحوه الكراهة، لغلبة تعبيرهم بما في النصوص وإناطة إرادتهم بالمراد منها
كما لا يخفى على من له أدنى خبره بكلامهم.
فدغدغة بعض الناس في الحكم هنا باعتبار اتفاق النصوص هنا على النفي والنهي
من غير معارض مما يقتضي الجواز - سوى خبر سلمان الفارسي (2) المروي مسندا إليه
في المحكي عن ثواب الأعمال، قال: " رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صلى
أربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ في أولاهن سبح اسم ربك الأعلى فكأنما
قرأ جميع الكتب كل كتاب أنزله الله، وفي الركعة الثانية والشمس وضحاها فله من
الثواب ما طلعت عليه الشمس، وفي الثالثة والضحى فله من الثواب كمن أشبع جميع

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
391

المساكين ودهنهم ونظفهم، وفي الرابعة قل هو الله أحد ثلاثين مرة غفر الله له ذنوب
خمسين سنة مستقبلة وخمسين سنة مستدبرة " وهو مع القدح سنده واحتماله بعد الزوال
غير مكافئ لها من وجوه، خصوصا مع ظهوره في الاستحباب الذي لم يظهر به قائل من
الأصحاب، بل قال الصدوق بعد نقله هذا: " لمن كان إمامه مخالفا فيصلي معه تقية
ثم يصلي هذه الأربع ركعات للعيد، فأما من كان إمامه موافقا لمذهبه وإن لم يكن
مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلي بعد ذلك حتى تزول الشمس " وفي الرياض " أنه
بهذا التوجيه الخبر عن محل الفرض، لكون الأربع ركعات حينئذ صلاة العيد
كما عليه جماعة تقدم إلى ذكرهم مع دليلهم الإشارة " وإن كان فيه ما لا يخفى، ضرورة
عدم إشعار الخبر المزبور بشئ من ذلك، بل ظاهره أو صريحه أنها ليست صلاة عيد -
في غير محلها، إذ قد عرفت أنا في غنية عن هذا الخبر في ثبوت أصل الجواز بالاجماعات
وغيرها، فيحمل النفي والنهي حينئذ على الكراهة كما عليه الأصحاب عدا من عرفت
المحتمل كلامه ما يوافقهم أيضا، وإلا كان ضعيفا.
وأضعف منه ما يستفاد من المحكي عن أبي علي هنا من عدم الكراهة في مثل
صلاة التحية، قال: ولا يستحب التنفل قبل الصلاة ولا بعدها للمصلي في موضع التعبد
فإن كان الاجتياز بمكان شريف كالمسجد الحرام أو مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)
فلا أحب إخلاءه من ركعتين قبل الصلاة وبعدها، وقد روي عن أبي عبد الله (عليه
السلام) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يفعل ذلك بالبدأة والرجعة في
مسجده " وفيه أولا أنا لم نقف على الخبر المزبور، نعم قال الصادق (عليه السلام) في
خبر الهاشمي (1): " ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلا في المدينة، قال:

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 10
392

تصلى في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) في العيد قبل أن يخرج إلى المصلى، ليس
ذلك إلا بالمدينة، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعله " وهو - مع اعتضاده بالشهرة
العظيمة على الاستثناء، بل ربما ظهر من بعضهم الاجماع عليه، بل عن المنتهى دعواه
صريحا عليه - الحجة على إطلاق الصدوق والشيخ في الخلاف الكراهة من غير استثناء
مسجد المدينة، وثانيا بعد تسليم ما ذكره من الخبر المزبور قال في الذكرى: وهذا أي
إلحاق كل مكان شريف بمسجد النبي (صلى الله عليه وآله) كأنه قياس، وهو مردود
وكأنه أومأ إلى ما عن المختلف من الاستدلال له بتساوي المسجدين في أكثر الأحكام
وبتساوي الابتداء والرجوع، ضرورة وضوح منع التساوي هنا نصا وفتوى، نعم في
كشف اللثام دليله عموم أدلة استحباب صلاة التحية، ولا يصلح ما ورد هنا لتخصيصها
فإن الأخبار عنا إنما دلت على أنه لم يرتب في ذلك اليوم نافلة إلى الزوال، وأن الراتبة
لا تقضى فيه قبل الزوال، وذلك لا ينافي التحية إذا اجتاز المسجد بدء وعودا،
وخبر الهاشمي أفاد استحباب إتيان مسجده (صلى الله عليه وآله) والصلاة فيه وعدم استحباب مثله في غير
المدينة، وهو أمر وراء صلاة التحية إن اجتاز بمسجد، وإن فهم منه ابن إدريس
استحباب الصلاة إن اجتاز به، واستحب المصنف في النهاية والتذكرة صلاة التحية إن
صليت صلاة العيد في المسجد كالمحقق في المعتبر، لعموم استحبابها، واختار في المنتهى
العدم، لعموم النهي عن التطوع إلا في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) وفيه أن
الاجماع المحكي المعتضد بالتتبع مع صحيحي زرارة (1) عن الباقر والصادق (عليه السلام)
" لا تقض وتر ليلتك إن كان فاتك حتى تصلي الزوال في يوم العيدين " يكشف أن
المراد مما في صحيح زرارة (2) وصحيح الحلبي (3) وصحيح عبد الله بن سنان (4)

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 و 9
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 5 - 6 - 7
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 5 - 6 - 7
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 5 - 6 - 7
393

وغيرها من أنه ليس قبل صلاة العيد ولا بعدها صلاة عدم فعل نافلة أصلا، لا أن
المراد عدم توظيف نافلة قبل صلاة العيد أو بعدها، وإلا لم يكن وجه للنهي عن
خصوص القضاء.
كما أنه لم يقل أحد بالفرق بينه وبين غيره من النوافل ذوات الأسباب وغيرها
فلا ينبغي التأمل حينئذ في تخصيص ما دل على التحية أو غيرها بما هنا، سواء قلنا بينهما
عموم وخصوص مطلق كما في الذكرى أو من وجه، ضرورة رجحان المقام من وجوه،
وإلا لم يكن فرق بين التحية وغيرها، ولا بين وقوع صلاة العيد في المسجد وغيره كما
سمعته من الفاضلين.
فظهر من ذلك كله قوة ما عليه الأصحاب وأنه لا يلحق بمسجد النبي (صلى الله
عليه وآله) غيره حتى الحرام، خلافا للمحكي عن الكيدري فألحقه به، ولم نقف له على
شاهد، وقوة ما يستفاد من خبر الهاشمي من كون استحباب الركعتين في مسجد المدينة
من الموظف في ذلك اليوم، فيستحب حينئذ له القصد والصلاة لا إذا اتفق اجتيازه،
بل هو ظاهر عبارات الأصحاب، خصوصا المحكي عن معقد إجماع المنتهى الذي هو عين
ما عن المبسوط وغيره.
ثم إن الظاهر من صحيحي قضاء الوتر (1) وخبر علي بن جعفر (2) المروي
عن قرب الإسناد، سأل أخاه (عليه السلام) " عن الصلاة في العيدين هل من صلاة قبل
الإمام أو بعده؟ قال: لا صلاة إلا ركعتين مع الإمام " ومعاقد الاجماعات وغيرها عدم
اختصاص الكراهة المزبورة بمن صلى صلاة العيد، وإن نسب ذلك إلى ظاهر عبارات
الأصحاب وصريح الصدوق في ثواب الأعمال، وكأنه توهمه من قولهم بعد تسليم اتفاقهم
على نحو هذا التعبير: قبل صلاة العيد وبعدها الظاهر في وقوعها، لكن يمكن أن يكون

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 2 و 9
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 12
394

ذلك تبعا للنصوص التي من المعروف عدم تركها في ذلك الزمان لا أنه تقييد للكراهة،
فالأقوى حينئذ ما عرفت، وفاقا لظاهر المنظومة أو صريحها والرياض والمحكي عن
الكاشاني، وترتفع الكراهة بالزوال على الظاهر لتقييد صحيحي قضاء الوتر بذلك،
فيحمل اطلاق غيره عليه ولو بعدم القول بالفصل، لكن فيهما " حتى تصلي الزوال "
وظاهر الفتاوي أو صريحها ارتفاعها بالوقت لا بالفعل، ولعله المراد من الصحيحين إلا
أنه وقع ذلك موقع الغالب، وعلى كل حال فالكراهة هنا من حيث الخصوصية وإن
كانت دائرة بين ما عرفت، لا أنها من حيث مقارنة النافلة لطلوع الشمس مثلا، وإلا
لم تعم ذات السبب وغيره، كما هو واضح، والله أعلم.
(مسائل خمس) قد تقدم الكلام في (الأولى) منها، وهي أن (التكبير الزائد)
على تكبير الاحرام والركوع (هل هو واجب) أو لا؟ وقد ذكرنا هناك ما يظهر منه
الوجه فيمن قال: (فيه تردد) وأن (الأشبه) الوجوب لا (الاستحباب و) أنه
(بتقدير الوجوب هل القنوت واجب) أو لا؟ وما ينشأ منه كل من الوجهين أو القولين
(و) ذكرنا هناك أيضا أن (الأظهر) نعم لا (لا) كما لا يخفى على من لاحظ تمام
ما تقدم له (و) منه يعلم أنه (بتقدير وجوبه هل يتعين فيه لفظ) مخصوص أو لا؟
وأن (الأظهر أنه لا يتعين وجوبا) فراجع وتأمل.
المسألة (الثانية) المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا بل في الخلاف الاجماع
عليه أنه (إذا اتفق عيد وجمعة فمن حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة) وقد قال
الصادق (عليه السلام) لما سأله الحلبي في الصحيح (1) عن اجتماعهما فقال: " اجتمعا
في زمان علي (عليه السلام)، فقال: من شاء أن يأتي إلى الجمعة فليأت، ومن قعد
فلا يضره وليصل الظهر " وهو كما في المدارك مع صحة سنده وصراحته في المطلوب

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
395

مؤيد بالأصل وعمل الأصحاب (وعلى الإمام) وينبغي له (أن يعلمهم ذلك في خطبته)
كما في خبر إسحاق بن عمار (1) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) " إن علي بن
أبي طالب (عليه السلام) كان يقول: إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد فإنه ينبغي
للإمام أن يقول للناس في خطبته الأولى: أنه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصليهما جميعا،
فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له " (وقيل) كما عن
ظاهرا أبي علي وبعض متأخري المتأخرين (الترخص مختص بمن كان نائيا عن البلد كأهل
السواد دفعا لمشقة العود) والانتظار (وهو الأشبه) عند المصنف لخبر إسحاق المزبور
وخبر سلمة (2) عن الصادق (عليه السلام) أيضا قال: " اجتمع عيدان على عهد
أمير المؤمنين (عليه السلام) فخطب الناس فقال: هذا يوم اجتمع فيه عيدان فمن أحب
أن يجمع معنا فليفعل، ومن لم يفعل فإن له رخصة يعني من كان متنحيا " إلا أنه ليس
فيه كون المنزل نائيا، ولعله لذا لم يعتبره في اللمعة، فخصها بأهل القرى، بل في الروضة
التصريح بكونها قريبة أو بعيدة، ويمكن إرادة ذلك من نحو عبارة المتن، فيتفق الجميع
حينئذ على كون الرخصة لمن لم يكن في البلد، أو يراد بما في اللمعة ما في المعتبر من قصرها
على من لم يكن من أهل البلد، ويلحقه مشقة بالعود أو الإقامة، ويتفق الجميع حينئذ أيضا.
وقال القاضي والحلبيان فيما حكي عنهم: لا تخيير بل يجب الحضور على كل من
اجتمعت فيه شرائط التكليف، لقصور النصوص عن تخصيص أدلة الوجوب، وفيه منع
القصور خصوصا بعد الانجبار بالاجماع المزبور الذي يشهد له التتبع وإن كان من أدلة
الوجوب الكتاب، إذ هو على التحقيق يخص بخبر الواحد، كما أن خبر إسحاق بعد
الاغضاء عن سنده قال محمد بن أحمد بن يحيى: أخذته من كتاب محمد بن حمزة بن اليسع
رواه عن محمد بن الفضيل ولم أسمع أنا منه، بل قال بعضهم أيضا: لا دلالة فيه على عدم

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 3 - 2
396

الرخصة لغير القاصي، وخبر سلمة مع الطعن في سنده أيضا لا حجة في قوله فيه:
" يعني " إلى آخره. لعدم العلم بكونه من الإمام، بل لعل الظاهر خلافه، فلا تكافئا
الصحيح المزبور المعتضد بالاجماع المحكي وبالشهرة العظيمة وبغير ذلك مما لا يخفى، فالقول
حينئذ باطلاق الرخصة هو الأقوى، نعم ينبغي قصرها على غير الإمام، لعدم ظهور
النصوص فيما يشمله، بل ظاهر بعضها خلافه فحينئذ يجب عليه أن يحضر كما عن السيد وغيره
للأصل والعموم، فإن حصل معه العدد صلى جمعة، وإلا صلى ظهرا، والله أعلم.
المسألة (الثالثة الخطبتان في العيدين بعد الصلاة) إجماعا بقسميه، بل من المسلمين
فضلا عن المؤمنين، ولا ينبغي استثناء عثمان بني أمية وإن حكي عن المنتهى نفي معرفة
الخلاف إلا منهم، لعدم اندراجهم فيمن ذكرنا كي يحتاج إلى الاستثناء، ونصوصا (1)
مستفيضة أو متواترة (و) في صحيح ابن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما السلام) ومضمر
معاوية بن عمار (3) منها أن (تقديمهما) عليها كان (بدعة) من عثمان، وفي الأول
منهما زيادة " أنه لما أحدث إحداثه كان إذا فرغ قام الناس ليرجعوا، فلما رأى ذلك
قدم الخطبتين واحتبس الناس للصلاة " (و) قد يظهر منه أنه (لا يجب استماعهما)
وإلا لاحتبسهم له ولم يحتج إلى التقديم، مضافا إلى الأصل والنبوي السابق (4) (بل)
يظهر منه أنه (يستحب) كما عن البيان والروض والمقاصد العلية والمفاتيح الاجماع عليه
وعن كنز العرفان نفي الخلاف فيه وهو حجة أخرى على الوجوب مضافا إلى
ما قيل من الاجماع في التذكرة والذكرى وجامع المقاصد والغرية على عدم وجوب
حضورها واستماعها على المأمومين والمنتهى نفي الخلاف عنه والتحرير الاجماع على عدم
وجوب الاستماع لكن تقدم سابقا التأمل في ذلك في الجملة فلاحظ وتأمل، والله أعلم.

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 0 - 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 0 - 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 0 - 2 - 1
(4) كنز العمال - ج 4 ص 315 - الرقم 6413 و 6430
397

المسألة (الرابعة) روى إسماعيل بن جابر (1) عن الصادق (عليه السلام) في
صلاة العيدين " ليس فيها منبر ولا يحرك (ولا ينقل المنبر من) موضعه أي (الجامع)
إلى الصحراء (بل يعمل) يصنع (شبه المنبر من طين) يقوم عليه فيخطب " والمراد
أنه يفعل ذلك (استحبابا) بلا خلاف أجده فيه بل في المدارك الاجماع عليه فالأمر
حينئذ في الخبر المزبور مراد منه ذلك، كما أن النهي فيه مراد منه الكراهة بلا خلاف
أجده فيه بل في المعتبر أنه فتوى العلماء وعمل الصحابة، وعن تعليق النافع وفوائد
الشرائع الاجماع عليه فلا ينبغي حينئذ التأمل في ذلك وإن ظن بعض الناس أن ما عن
التلخيص من نسبة ما في المتن إلى رأي إشارة إلى ما يظهر من أكثر العبارات من حرمة
النقل وفيه أنه في التلخيص عبر كعبارتهم فقال على ما حكي عنه: لا ينقل المنبر بل
يعمل منبر من طين على رأي اللهم إلا أن يكون أراد الحرمة والوجوب على رأي
وهو كما ترى ونحوه ما قيل أيضا من أنه أشار به إلى الخلاف في نقل المنبر في صلاة
الاستسقاء بناء على مساواة هذه الصلاة لها والأمر سهل بعد ما عرفت نعم قد يحرم
النقل بالعارض كمنافاته لغرض الواقف ونحوه، ولعل منه ما لو أثبته في المسجد على وجه
ظاهر في عدم إرادة نقله، ثم إن تخصيص المنبر بالطين في المتن وغيره تبعا للنص، بل في
مفتاح الكرامة أني تتبعت ما حضرني من كتب الأصحاب فوجدتها ناطقة بأن المنبر
يعمل من طين غير أن في البيان والميسية والروض والمسالك من طين أو غيره، ونحو ذلك
الدروس حيث قال: ويعمل منبر في الصحراء، قلت: وهو الأقوى، والله أعلم.
المسألة (الخامسة إذا طلعت الشمس حرم السفر) المفوت للصلاة الواجبة عليه
(حتى يصلي صلاة العيد) للمقدمة (إن كان ممن تجب عليه) بلا خلاف أجده في شئ
من ذلك، بل الاجماع بقسميه عليه، ولكن في المدارك في المقام أن الكلام المتقدم في

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
398

السفر يوم الجمعة بعد الزوال آت هنا، قلت: قد سمعته وسمعت ما فيه هناك، فلاحظ
ولا تغفل، كما أن إطلاق المحكي عن المبسوط وجامع الشرائع الكراهة بعد الفجر يجب
تنزيله على ما قبل طلوع الشمس لما عرفت، ولو كان قبل طلوع الفجر جاز قطعا، وعن
النهاية والتذكرة إجماعا للأصل بلا معارض إلا إذا كان ممن يجب عليه السعي قبل الفجر
وسافر في وقت تضيق الخطاب به، فإن القول بالمنع لا يخلو من وجه، بل في المحكي عن
نهاية الإحكام أن من كان بينه وبين العيد ما يحتاج إلى السعي قبل طلوع الشمس
ففي تسويغ السفر له نظر، أقربه المنع، بل عن الموجز وكشفه الجزم بالمنع من غير تردد
ومثله آت فيما قلناه، إذ لا فرق في ذلك بين طلوع الفجر وطلوع الشمس بعد اشتراكهما
في الجواز لمن لا يجب عليه السعي، وعلى كل حال ف‍ (في) جواز (خروجه) أي المكلف
بالصلاة (بعد الفجر وقبل طلوعها) أي الشمس (تردد) ينشأ من الأصل، لعدم تعلق
الوجوب بعدم حصول سببه، ومن صحيح أبي بصير المرادي (1) " إذا أردت الشخوص
في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت بالبلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد " وعدم دخول
الوقت لا ينفي الوجوب بسبب آخر كالصحيح ونحوه (والأشبه الجواز) لرجحان
الأصل هنا على ظاهر النهي المزبور الذي يمكن إرادة الكراهة منه هنا، خصوصا بعد
اشتهاره فيها، وبعد معلومية مشاركة الجمعة والعيد الثابتة من الأخبار والاجماع التي تصير
قرينة على ذلك هنا بعد ما ثبت في الجمعة أن السفر قبل النداء مكروه، فلاحظ وتأمل،
مضافا إلى ما في الرياض من أن الظاهر إطباق الأصحاب على عدم الحرمة، ولعله حمل
ما عن النهاية والقاضي من أنه لا يخرج منه بعد طلوع الفجر إلا أن يشهد الصلاة على إرادة
الكراهة، كما أنه حمل ما يحكى عن الغنية والتقي من أنه يجوز السفر يوم العيد قبل
صلاته الواجبة، بل في الأولى الاجماع على إرادة بعد طلوع الشمس، إذ لا وجوب

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
399

للصلاة قبله، وقد مر في الجمعة ما يجب ملاحظته في المقام حتى في البيع وقت النداء الذي
صرح بحرمته هنا في المحكي عن الدروس والموجز وكشفه إذا قال المؤذن الصلاة، والله
أعلم بحقيقة الحال، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا على ما أنعم ووفق وسهل
ويسر لاتمام هذه المباحث، والشكر له، وصلى الله على محمد وآله أهل بيت الوحي
ومعدن التنزيل.
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين (الفصل الثالث)
من الركن الثالث
(في صلاة الكسوف)
للشمس أولها، وللقمر التي تجب له ولغيره من الآيات، ولذا قال: (و) يقع
(الكلام في سببها وكيفيتها وحكمها، أما الأول فتجب عند كسوف الشمس وخسوف
القمر) بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض
إن لم يكن متواتر كالنصوص (1)، والكسوف والخسوف معروفان هما انطماس نور
النيرين أي احتجابهما، ففي المحكي عن القاموس يقال: كسفت الشمس والقمر كسوفا

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات
400

احتجبا، والله إياهما حجبهما، والأحسن في القمر خسف وفي الشمس كسفت، ونحوه
قال الجوهري إلا أنه جعل انكسفت الشمس من كلام العامة، وفيه مع أن المحكي عن
الهروي جوازه ما في الذكرى والمدارك من أن نصوص أئمة اللسان والانسان مملوءة من
هذا اللفظ، كما أن الغالب فيها التعبير بلفظ الكسوف عن كسوفي القمر والشمس، وعلى
كل حال فالمدار في الوجوب تحقق المصداق المزبور من غير مدخلية لسببه من حيلولة
الأرض أو بعض الكواكب وغيرها، لاطلاق النصوص والفتاوى، وعدم مدخلية شئ
من ذلك في المفهوم لغة وعرفا وشرعا، نعم قد يتوقف في غير المنساق منه عرفا كانكساف
الشمس ببعض الكواكب الذي لم يظهر إلا لبعض الناس، لضعف الانطماس فيه،
فالأصول حينئذ بحالها، فما في كشف اللثام - من أنه لا إشكال في وجوب الصلاة لهما
وإن كان لحيلولة بعض الكواكب - جيد إن كان الحاصل والمتعارف مما يتحقق به صدق
اسم الانكساف عرفا، لكن قال: فإن مناط وجوبها الاحساس بالانطماس، فمن أحس
به كلا أو بعضا وجبت عليه الصلاة أحس به غيره أولا، كان الانطماس على قول أهل
الهيئة لحيلولة كوكب أو الأرض أو لغير ذلك، وإذا حكم المنجمون بالانطماس
بكوكب أو غيره ولم يحس به لم تجب الصلاة لعدم الوثوق بقولهم شرعا، وإن أحس به
بعض دون بعض فإنما تجب الصلاة على من أحس به ومن يثبت عنده بالبينة دون غيره
من غير فرق في جميع ذلك من بين أسباب الانطماس، فلا وجه لما في التذكرة ونهاية الإحكام
من الاستشكال في الكسف بشئ من الكواكب، من عدم التنصيص، وأصالة البراءة
وخفائه لعدم دلالة الحس عليه، وإنما يستند فيه إلى قول من لا يوثق به كالمنجم، ومن
كونه آية مخوفة، وذلك لأن النصوص كلها تشمله، والكلام في الوجوب لما يحس به
لا ما يستند فيه إلى قول من لا يوثق به، ولا لما في الذكرى من منع كونه مخوفا، فإن
المراد بالمخوف ما خافه العامة غالبا وهم لا يشعرون بذلك، وذلك لأن على صلاة
401

الكسوفين الاجماع والنصوص من غير اشتراط بالخوف، نعم قد يتجه ما فيهما من
الاستشكال في انكساف بعض الكواكب من عين ما ذكر، والأقرب الوجوب فيه
أيضا لكونه من الأخاويف لمن يحس به، والمخوف ما يخافه معظم من يحس به لا معظم
الناس مطلقا.
قلت: قال في التذكرة: " هل تجب هذه الصلاة في كسف الكواكب بعضها لبعض
أو كسف أحد النيرين بأحد الكواكب كما قال بعضهم: إنه شاهد الزهرة في جرم الشمس
كاسفة لها؟ إشكال ينشأ من عدم التنصيص وخفائه، والحس لا يدل عليه، وإنما يستفاد
من المنجمين الذين لا يوثق بهم، ومن كونه آية مخوفة فيشارك النيرين في الحكم، والأول
أقوى " وقال في الذكرى: " لو كسف بعض الكواكب أو كسف الشمس ببعض
الكواكب كما نقل أن الزهرة رؤيت في جرم الشمس كاسفة لها فظاهر الخبر السابق في
الآيات يقتضي الوجوب، لأنها من الآيات " وقولي الفاضل عدمه، لعدم النص وأصالة
البراءة، ومنع كون ذلك مخوفا، فإن المراد بالمخوف ما خافه العامة غالبا وهم لا يشعرون
بذلك، وفي المدارك بعد نقل ذلك عنهما قال: " والأجود إناطة الوجوب بما يحصل منه
الخوف كما تضمنته الرواية (1) " ولا يخفى عليك محال النظر من ذلك كله، خصوصا ما في
كشف اللثام، لما عرفت من انصراف إطلاق أدلة الكسوف إلى ما هو المتعارف منه
كائنا ما كان سببه، أما غيره فلا يدخل تحت الاطلاق المزبور، بل ربما شك في صدق
الاسم على بعض أفراده فضلا عن انصراف الاطلاق إليه، نعم قد يتجه وجوب الصلاة
له إذا كان يدخل تحت أخاويف السماء كما أشار إليه في الذكرى، أو مسمى الآية بناء
على الوجوب لهما كما ستعرف، وكان الحاصل مما يتحقق به مسماهما، فاطلاع بعض الناس
حينئذ على انكساف النيرين ببعض الكواكب مثلا لا عبرة به من حيث الكسوف إذا

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1
402

كان من غير الأفراد المتعارفة، أما من حيث كونه مخوفا أو آية فمبني على تحققهما،
والظاهر أن المعتبر في الأول منهما غالب الناس لا خصوص الجبان أو المنجم الذي غالبا
يخاف من أكثر الاقترانات باعتبار ما خمنه وحدسه من أحكامها، ولعله إليه أشار العلامة
الطباطبائي بقوله،:
والشرط في المخوف خوف انتشر * فليس للنادر فيه من أثر
إذ إمارات الخوف منها ما هو مجبول عليه طبائع الحيوانات فضلا عن الانسان،
ومنها ما يعرفه خصوص الانسان باعتبار وقوع الهلاك بأمثاله في سالف الأزمنة، ومنها
ما دلت عليه النصوص كالكسوف، ففي المقنعة أنه روي (1) عن الصادقين (عليهما
السلام) " أن الله إذا أراد تخويف عباده وتجديد الزجر لخلقه كسف الشمس وخسف
القمر فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الله بالصلاة " وفي خبر عمارة (2) عن الصادق
عن أبيه (عليهما السلام) أن الزلازل والكسوفين والرياح الهائلة من علامات الساعة
فإذا رأيتم شيئا من ذلك فتذكروا قيام الساعة، وافزعوا إلى مساجدكم " وفي المروي (3)
عن العلل والعيون عن علي بن الحسين (عليهما السلام) " أما أنه لا يفزع للآيتين ولا
يرهب بهما إلا من كان من شيعتنا، فإذا كان ذلك منهما فافزعوا إلى الله عز وجل
وراجعوه " وفي خبر العيون الآخر بسنده إلى الفضل بن شاذان (4) عن الرضا (عليه
السلام) " إنما جعل للكسوف صلاة لأنه من آيات الله، لا يدرى الرحمة ظهرت أم
لعذاب، فأحب النبي (صلى الله عليه وآله) أن تفزع أمته إلى خالقها وراحمها عند ذلك
ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا إلى الله

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 5 - 4 - 3
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 5 - 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 5 - 4 - 3
403

عز وجل " واحتمال الأمر الرحمة والعذاب لا ينافي الخوف بل يحققه، وفي خبر ابن
أبي يعفور (1) عن الصادق (عليه السلام) " كسوف الشمس أشد على الناس والبهائم "
إلى غير ذلك مما هو دال على هذا المعنى، ولعل عدم خوف غالب سواد الناس من ذلك
جهلا منهم أو لاعتياده، نعم قد يقال: إنه ليس في شئ من هذه النصوص ما يقضي
باشتراط كون الصلاة له بالخوف منه بحيث لو علم كونه لرحمة لم تشرع الصلاة له حتى
يعارض إطلاق ما دل على وجوب الصلاة به، مع احتماله خصوصا بعد انصراف الاطلاق
إلى ما لا يشمل النادر فضلا عن الأفراد الفرضية.
وعلى كل حال فما سمعته من كشف اللثام من وجوب الصلاة بالكسوف المزبور
في غير محله، لعدم انصراف الاطلاق إليه، كما أن ما اعترض به على الشهيد أيضا كذلك
ضرورة كون مراد الشهيد كما سمعت أن وجه العدم عدم انصراف إطلاق الكسوف
إلى ما يشمله وعدم كونه من الآيات المخوفة حتى يندرج في غيره، لا أن مراده
اشتراط وجوب صلاة الكسوف بالخوف، على أنك قد عرفت احتماله بل قوته، أما
انكساف النجوم على وجه يكون من الآيات المخوفة فلا إشكال في وجوب الصلاة لذلك
لا لصدق الكسوف، ضرورة اختصاص ذلك بالشمس والقمر، وأما إذا لم يكن كذلك
بل كان كسوفها بقلة نورها بحيث لا يعرفه ولا يلتفت إليه إلا العارف المراقب لذلك
فلا وجوب قطعا، للأصل السالم عن المعارض بعد انصراف الكسوف والآيات
والأخاويف إلى غيرها، كما هو واضح.
ثم إن الظاهر من كشف اللثام عدم الوثوق بقول المنجمين مطلقا، ولعله لعدم
ثبوته أو ثبوت عارف به غير الأئمة (عليهم السلام)، لكن في الذكرى " أنه لو أخير
رصديان عدلان بمدة المكث أمكن العود إليهما أي دون الاستصحاب، لأنه فرض

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 3
404

موضوع المسألة فيما لو ستر الكسوف غيم مثلا، فإنه يصلي أداء - ثم قال -: ولو أخبرا
بالكسوف في وقت مترقب فالأقرب أنهما ومن أخبراه بمثابة العالم " قلت: ويؤيده
- مضافا إلى معلومية الرجوع إلى أهل الخبرة في كل ما لهم خبرة فيه بناء على أن المقام
منه - جريان العادة بصدقهم، حتى أن المرتضى ومن تابعه مع شدة مبالغته في إنكار
النجوم قال فيما حكي عنه: " إن الكسوفات واقترانات الكواكب وانفصالها من باب
الحساب وتسيير الكواكب، وله أصول صحيحة وقواعد سديدة، وليس كذلك
ما يدعونه من تأثير الكواكب في الخير والشر والنفع والضر، ولو لم يكن في الفرق إلا
الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات وما يجري مجراها فلا يكاد يبين فيها خطأ البتة
وأن الخطأ الدائم المعهود في الأحكام الباقية حتى أن الصواب فيها عزيز وما يتفق فيها
من الإصابة قد يتفق من المخمن أكثر منه، فحمل أحد الأمرين على الآخر بهت وقلة
دين " قلت، وهو كذلك، فإنا لم نعثر في زماننا على خطأ لهم في أصل الكسوف في
الجملة، بل ولا حكي لنا، نعم قد يتوقف في مقدار المكث، كما أنه قد يتوقف في تعيين
الساعة التي يقع فيها الكسوف، لما تجده من الاختلاف فيه بينهم، وحينئذ تقل ثمرة
الاعتماد عليهم إلا فيما اتفقوا عليه، والله أعلم.
هذا كله في الكسوفين
(و) أما (الزلزلة) فظاهر الذكرى كالمنظومة الاجماع
عليه فيها، بل في الخلاف والتذكرة الاجماع عليه صريحا، بل ظاهر المتن عدم الخلاف
فيه، ولعله كذلك، إذ اقتصار أبي الصلاح على الكسوفين وابني الجنيد وزهرة على
المخوف السماوي والمبسوط على الكسوفين والرياح المخوفة والظلمة الشديدة لا صراحة فيه
بالخلاف، بل في الذكرى استظهار اندراجها في المخوف السماوي، إذ لعل النسبة إلى
السماء باعتبار كون البعض فيها، أو المراد خالق السماء، لاطلاق نسبته إلى الله تعالى كثيرا
أو غير ذلك، كما أن من المحتمل إرادة المثال مما في المبسوط، وإلا كان محجوجا
405

بالاجماعين المعتضدين بما عرفت، وبخبر الديلمي (1) المجبور بما سمعت عن الصادق
(عليه السلام) " إذا أراد الله أن يزلزل الأرض أمر الملك أن يحرك عروقها فتحرك
بأهلها قلت: فإذا كان كذلك فما أصنع؟ قال: صل صلاة الكسوف " وصحيح محمد
ابن مسلم وبريد من معاوية عن الباقرين (عليهما السلام) (2) قالا: " إذا وقع الكسوف
أو بعض هذه الآيات صليتها ما لم تخف أن يذهب وقت الفريضة " والظاهر إرادة
ما يشمل الزلزلة من الآيات المشار إليها، ضرورة إرادة المتعارف منها، بل قد يدعى
كون المراد منه الآيات المخوفة التي هي كالكسوف كما هو صريح الروضة وغيرها، فيوافق
حينئذ التعليل الذي عن علل الفضل (3) بل وخبره عمارة (4) الذي لا ريب في إرادة
الصلاة من الفزع فيه إلى المساجد ولو بقرينة ورود مثله في الكسوف بل وما يستفاد
من كثير من النصوص منها ما فرع فيها الصلاة للكسوفين على كونهما آيتين من آيات الله
من أن مدار الصلاة على حدوث الآية التي لا إشكال في شمولها لها، وإن كان الظاهر
إرادة آيات الخوف والرعب لا مطلق الآيات، ضرورة عدم وجوب الصلاة لحدوث
كل آية وإن لم تكن منها، فإن آيات الله لا تتناهى، فما عساه يظهر من المنظومة من
التعميم حيث قال:
ومقتضى العموم في الرواية * فرض الصلاة عند كل آية
لا يخلو من إشكال، مع احتمال إرادته آية الخوف كما هو المنساق من النصوص
وما فيها من التعليل والترتيب بحيث لا يخفى على من له أدنى مسكة.

(1) الفقيه ج 1 ص 343 - الرقم 1517 المطبوع في النجف
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 4
406

ومن ذلك كله ظهر أن الأول في قول المصنف: (وهل تجب لما عدا ذلك من
ريح مظلمة) أو ظلمة (وغيرها من أخاويف السماء؟ قيل: نعم، وهو المروي، وقيل:
لا، بل يستحب، وقيل: تجب للريح المخوفة والظلمة الشديدة حسب) هو الأقوى،
بل هو المشهور نقلا وتحصيلا، بل في الخلاف الاجماع عليه، بل مقتضى كثير من
الفتاوى وما سمعته من الأدلة عدم الفرق بين أخاويف السماء وغيرها كالخسف ونحوه،
ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في تعميمه الصلاة بالكسوف والخسوف ورجفة الأرض
والعاصف من الرياح والظلمة الشديدة والصاعقة والصيحة والهدة والنار التي تظهر في السماء
أو غيرها، إلى أن قال:
ونحو ذاك من أخاويف السما * كما من النص الصحيح علما
وما يعد آية في العرف * منها ولو في الأرض مثل الخسف
بل لم أعرف القائل بالثاني وإن حكاه في المفاتيح أيضا أما الثالث فهو ظاهر
المحكي عن المبسوط " صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر فرض واجب، والرياح
المخوفة والظلمة الشديدة تجب مثل ذلك " والنهاية " صلاة الكسوف والزلازل والرياح
المخوفة والظلمة الشديدة فرض واجب " قيل: ونحوهما الجامع ولعل مراد الجميع المثال
لا الاقتصار كالوسيلة والمحكي عن الجمل والعقود والمصباح ومختصره من أن الموجب أحد
أربع: الكسوفين والزلزلة والريح المظلمة وفي الأول والثاني " الرياح السود المظلمة "
وعن الاقتصاد " صلاة الكسوف واجبة عند كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل
المتواترة والظلمة الشديدة " ونحوه الاصباح كما قيل لكن زيد فيه الرياح المخوفة
وعن الهداية " إذا انكسف القمر أو الشمس أو زلزلت الأرض أو هبت ريح صفراء أو
سوداء أو حمراء فصلوا " ونحوه المقنع كما قيل لكن زيد فيه حدوث ظلمة وفي النافع
407

أن الموجب الكسوفان والزلزلة وفي رواية (1) " تجب لأخاويف السماء " إلى غير
ذلك من العبارات التي قد يظهر الخلاف فيها باقتصارها خصوصا إذا كانت مثل عبارة
النافع، إلا أنه لا ريب في قوة التعميم وأنه أشهر بل المشهور، لما عرفت، ولصحيح
محمد بن مسلم وزرارة (2) قالا: " قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): أرأيت هذه الرياح
والظلم التي تكون هل يصلى لها؟ فقال: كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع
فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن " الذي لا ينافي ما دل على عموم الصلاة للآية المخوفة
وإن كانت في الأرض كما عرفت وصحيح عبد الرحمن (3) سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
" عن الريح والظلمة تكون في السماء والكسوف فقال (عليه السلام): صلاتهما سواء "
" كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا هبت ريح صفراء أو حمراء أو سوداء تغير وجهه
واصفر، وكان كالخائف الوجل حتى ينزل من السماء قطرة من مطر فيرجع إليه لونه،
ويقول: قد جاءتكم بالرحمة " (4) فإن المراد التسوية في الوجوب منه لا الكيفية، لعدم
ملائمة ما هو كالتعليل له من قوله: " كان " إلى آخره. بناء على أنه من تتمة الخبر
لا أنه مرسل آخر للصدوق كما هو الظاهر وإن أوهمت بعض العبارات خلافه، فيسقط
الاشعار من جهته حينئذ، ولأنه الموافق لظاهر المروي (5) عن دعائم الاسلام أيضا عن
جعفر بن محمد (عليهما السلام) " يصلي في الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والظلمة والآية
تحدث وما كان مثل ذلك كما يصلي في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء " على أنه

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 1 - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 1 - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 1 - 1 - 2
(4) الفقيه ج 1 ص 345 - الرقم 1528 المطبوع في النجف
(5) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
408

لو أريد منه الكيفية خاصة لم يخل عن إشعار في الجملة، كصحيح الرهط (1) الذين هم الفضيل
وزرارة والعجلي ومحمد بن مسلم عنهما أو أحدهما (عليهما السلام) " إن صلاة كسوف
الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات " كل ذلك مضافا إلى ما سمعت في الزلزلة
من التعليل وغيره، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (وقتها في الكسوف من حين ابتدائه) بلا خلاف فيه بين
العامة فضلا عن الخاصة (إلى حين) انتهاء (انجلائه) وفاقا لأكثر المتأخرين ومتأخريهم
بل هو ظاهر المحكي عن التقي، بل عن المنتهى أنه اللائح من كلام علم الهدى والحسن،
بل في البيان أنه ظاهر المرتضى، بل نقله في الرياض عن الديلمي وإن كنا لم نتحققه،
وخلافا لجل السلف كما في المنظومة، بل الأكثر من غير تقييد عن غيرها، بل المعظم
في الذكرى، بل المشهور في جامع المقاصد وكثير ممن تأخر عنه، بل في التذكرة نسبته
إلى علمائنا مشعرا بدعوى الاجماع عليه، إلا أنه ومع ذلك فالأقوى الأول للأصل
وإطلاق نصوص الوجوب بالكسوف والفعل حينه، ضرورة صدقه إلى تمام الانجلاء
منها قول الصادق (عليه السلام) في صحيح جميل (2) وخبر محمد بن حمران (3):
" وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها " وفي
المروي (4) عن الدعائم سئل أي جعفر بن محمد (عليهما السلام) " عن الكسوف يكون
والرجل نائم - إلى أن قال -: هل عليه أن يقضيها؟ فقال: لا قضاء في ذلك، وإنما
الصلاة في وقته، فإذا انجلى لم يكن له صلاة " وموثق عمار (5) " إن صليت الكسوف

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
(4) المستدرك - الباب - 9 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
409

إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل، وإن أحببت أن تصلي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز " كصحيح
الرهط (1) " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى صلاة كسوف الشمس والناس
خلفه ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها " إذ من الواضح إرادة ذهاب تمام الكسوف،
ولولا أنه وقت لم يجز إيقاع بعض الفعل فيه، كما أن موثقه الآخر (2) وغيره الآمر
بالإعادة قبل الانجلاء الظاهر في التمام دال عليه، إذ لولا أنه وقت لم تشرع الإعادة فيه
التي هي عبارة عن الفعل فيه زائدا على المرة، وصحيح محمد بن مسلم وزرارة (3) المتقدم
سابقا في كل مخوف سماوي المراد منه على الظاهر بيان مشروعية الصلاة من ابتداء
حصول الآية حتى تسكن، نحو قوله تعالى (4): " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق
الليل " للقطع بعدم وجوب التطويل والتكرار، فليس الغاية إلا بالنسبة إلى ذلك، ولو
أريد من " حتى " فيه التعليل كان وجه الدلالة فيه أنه إذا كان العلة فيه السكون فقبل
حصوله تشرع الصلاة لوجود علتها، بل منه ينقدح الاستدلال بالتعليل في النصوص
السابقة، ضرورة بقاء العلة التي هي كونه آية خوف إلى تمام الانجلاء، إلى غير ذلك
مما لا يخفى على من له أدنى دراية بلسان النصوص.
مضافا إلى ضعف ما يذكر للقول الآخر من الاحتياط المعارض بمثله، ومن أن
الصلاة لرد النور، وهو حاصل بالأخذ في الانجلاء، وفيه أنه لعلها لرده تماما، ومن

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1 وهو
خبر معاوية بن عمار
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1
(4) سورة الإسراء - الآية 80
410

صحيح حماد بن عثمان (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " ذكرنا انكساف القمر
وما يلقى الناس من شدته، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا انجلى منه شئ
فقد انجلى " الذي لا صراحة فيه بل ولا ظهور في إرادة تنزيل انجلاء البعض منزلة
انجلاء الكل في سقوط الصلاة وعدم مشروعيتها، خصوصا والذي كان يتذاكرون فيه
غير الصلاة من الشدة لا السقوط الذي لم يعرف في النصوص ترتبه على الانجلاء وأنه
من أحكامه كي ينساق من إطلاق المنزلة شموله.
فمن الغريب ارتكاب التأويل في أدلة القول الأول بأن المراد من الذهاب
والانجلاء فيها الشروع فيه المنزل منزلته في الصحيح المزبور (2) كما أن المطلق منها
يقيد به، أو أن التطويل والإعادة يجوزان فيما بعد الانجلاء لظاهر النصوص المزبورة،
بخلاف الابتداء، كما لعله يقضي به أطلاق جوازهما من الجميع، بل ظاهر الذكرى والبيان
شرعية الإعادة عند الجميع، كما تسمعه في مسألة الإعادة إن شاء الله، أو الحمل على التقية
لأنه كما قيل مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، إذ ذلك كله يمكن التزامه وارتكابه
بعد قوة الدليل بحيث لا يصلح الأول لمعارضته، ومخالفة العامة والشهرة القديمة - بل ربما
ادعي الاجماع عليه قبل المحقق، وإن كان فيه ما فيه بعد معارضتها بالشهرة المتأخرة،
واشتمال النصوص المزبورة على ما يقتضي بالوجوب المخالف للعامة - لا تصلح سببا للمكافأة
فضلا عن الترجيح.
وعلى كل حال فثمرة الخلاف في نية القضاء والأداء بناء على وجوب التعرض
لهما في النية، وفي سقوط التكليف وعدمه لو فرض علمه به حال الأخذ في الانجلاء ولم
يكن قد احترق القرص بناء على عدم القضاء على الجاهل حتى خرج الوقت، وفي سقوطه
وعدمه أيضا بسعة الوقت للفعل وعدمه، إذ من المعلوم عند العقلاء امتناع تكليف الحكيم

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 3
411

بفعل في وقت يقصر عنه، ضرورة كونه من التكليف بالمحال، ومن الغريب إنكار
صاحب الحدائق هذه القاعدة على الأصحاب وأنه لا ينبغي معارضتها للسنة والكتاب،
وليتنا فهمنا ما يقول فضلا عن صحته، ولعله يريد أن مقتضى إطلاق النصوص الوجوب
مع قصور الوقت، فيكشف ذلك عن عدم إرادة الشارع الفعل في الوقت المزبور إما
مطلقا، أو في الحال المخصوص، وفيه أن ذلك خروج عن الموضوع، فلا ينافي القاعدة
بل يؤول البحث إلى أن ما نحن فيه من الموقت مطلقا بحيث يسقط التكليف مع قصور
الوقت للقاعدة السابقة، أو من الأسباب لا مدخلية للوقت فيه، أو من الأول في حال
السعة، والثاني في حال القصور، وظاهر من تعرض لهذا الفرع كالمصنف ومن تبعه الأول
حتى أن الشهيد منهم في الذكرى جعل احتمال السببية في الكسوف كالزلزلة مرفوضا
بين الأصحاب.
ومن هنا قال المصنف جازما به: (فإن لم يتسع) الوقت للصلاة المقتصر فيها
على أقل الواجب (لم تجب) بلا خلاف أجده فيه بين من تأخر عنه إلا ممن ستسمع
للقاعدة السابقة، بل مقتضاها عدم الفرق في ذلك بين التلبس بالفعل وعدمه، لاشتراكهما
معا في مقتضى القاعدة السابقة كما صرح به في المدارك، بل لا أجد فيه خلافا بينهم إذا
لم يكن قد أكمل ركعة، والنهي عن إبطال العمل بعد انكشاف عدم كونه عملا بقصور
الوقت لا محل له، وقول الباقر (عليه السلام) في حسن زرارة ومحمد بن مسلم (1):
" وتطيل القنوت والركوع على قدر القراءة والركوع والسجود، فإن فرغت قبل أن
ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي، وإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي "
قد لا يتناول محل الفرض الذي حصل فيه الانجلاء أو الأخذ فيه على القولين قبل حصول
مسمى الركعة مع الاقتصار على أقل المجزي، لا مورد الخبر المزبور المشتمل على جملة من

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 6
412

المندوبات كالقنوت وتطويله ونحوهما المنبئ عن سعة الوقت واقعا لتمام الفعل واقعا فضلا
عن الركعة، فالمراد حينئذ أنه لو فعل ذلك معتمدا على الاستصحاب مثلا فانجلى قبل
الفراغ أتم ما بقي لحصول التكليف الجامع للشرائط التي منها سعة الوقت واقعا
لأقل الواجب.
فما في الحدائق - من الاستدلال بالحسن المزبور والرضوي (1) الذي لم تثبت
صحة نسبته " إذا انجلى وأنت في الصلاة فخفف " على الفرق بين التلبس بالفعل بتخيل
السعة وقبله، فإن الأول يتم وإن بان له القصور بخلاف الثاني - في غير محله ولعل ما في
المحكي عن المنتهى - من أنه لو خرج الوقت في الكسوفين ولم يفرغ منها أتمها مستندا للخبر
المزبور - مبني على أن محل فرضه نحو ما سمعته من مورد الخبر لا فيما نحن فيه، سيما بعد
انسياق غيره من مثل هذه العبارة وعدم إيمائه للفرق بين الابتداء والاستدامة بعد، بل
ربما قيل: إن مقتضى الجمع بين هذا الكلام منه وبين ما تسمعه منه من الاشكال في
الوجوب مع قصور الوقت عن فعل أخف صلاة وجزمه بالوجوب مع إدراك ركعة يعين
المصير إلى ذلك فيحمل حينئذ وجوب الاتمام على ما إذا كان الوقت واسعا وقد أدرك
منه ركعة والعدم على غيره وإن كان في الأثناء فلاحظ وتأمل.
بل لعل ما عن المعتبر أيضا كذلك قال: " لو ضاق وقت الكسوف عن
إدراك ركعة لم تجب وفي وجوبها مع قصور الوقت عن أخف الصلاة تردد " وإن أبيت
أو أبي كلامه الحمل على ذلك كان محلا للنظر لما عرفت من أن مقتضى القاعدة المزبورة
عدم الفرق بل مقتضاها البطلان أيضا حتى لو وسع ركعة وفاقا للمشهور بين القائلين
بالتوقيت المزبور إذ هو أيضا قاصر من تمام الفعل وهو الشرط في التكليف وتنزيل
إدراك الركعة من الوقت منزلة إدراك الوقت كله بعد تسليم شموله لغير اليومية إنما هو
مع فرض سعة الوقت إلا أن المكلف بسوء اختياره أو لعذر لم يدرك منه إلا ركعة،
413

لاما إذا لم يسع في نفسه إلا ركعة كما هو المفروض بل قوله (عليه السلام) فيه: " من الوقت "
فضلا عن لفظ الادراك كالصريح فيما ذكرنا فاحتمال تنزيل سعتها منزلة سعة الصلاة كما أن
إدراكها كذلك في غير محله بعد حرمة القياس عندنا، ودعوى إرادة الحصول من
الادراك لا اللحوق خاصة نحو أدرك حاجته أي حصلها، وقوله وعاش حتى أدرك زمانه
فيصدق حينئذ على الفرض كما ترى، إذ لا ينكر ظهور الخبر المزبور في إرادة اللحوق،
بل قوله (عليه السلام): " فقد أدرك الوقت كله " كالصريح في سبق الوقت الذي
أدركه بالركعة فلا يصدق على ما إذا كان الوقت كله ركعة، كما هو واضح.
ومن ذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن المعتبر والمنتهى والتحرير، قال في
الأول: " لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة لم تجب وفي وجوبها مع قصور
الوقت عن أخف الصلاة تردد " قال في المدارك: " وكأن منشأ التردد من قصور الوقت
ومن عدم صراحة الروايات بالتوقيت لكن فرقه بين ما إذا ضاق الوقت عن إدراك
ركعة وبين ما إذا وسع الوقت وقصر عن أخف الصلاة غير واضح " واستوجه العلامة
في المنتهى وجوب الصلاة مع إدراك الركعة نظر إلى أن إدراكها بمنزلة إدراك الصلاة
وهو ضعيف جدا، فإن ذلك إنما يثبت في اليومية إذا أدرك ركعة من الوقت ومع
قصور الوقت عن أخف الصلاة لا يتحقق التوقيت والعجب أنه (رحمه الله) قال بعد
ذلك بغير فصل: السادس لو قصر الوقت عن أقل صلاة تمكن لم تجب على إشكال،
وهو رجوع من الجزم إلى التردد قلت: ومثله عن التحرير وقد تبعه على هذه المناقشة
بعض من تأخر عنه كصاحب الحدائق، ويمكن دفعها بجعل منشأ تردد المصنف التردد
في شمول خبر إدراك الركعة للمفروض الذي هو على الظاهر سعة مقدار الركعة إلا أنه
قاصر عن أخف الصلاة كما فهمه هو منه بقوله: " لكن فرقه " إلى آخره بل صرح به
العلامة في التذكرة فإنه بعد نفيه الوجوب بالضيق عن الركعة كالمصنف قال: " ولو اتسع
414

لركعة وقصر عن أخف صلاة لم تجب " إلى آخره. لا أن منشأه التسبيب والتوقيت،
فحينئذ يتجه له الفرق بين ضيق الوقت عنها وبين ما وسعها وقصر عن أخف صلاة معها،
فلا وجوب في الأول سواء كان تضيقا أو قصورا بخلاف الثاني، أما لو تضيق إلا عن
ركعة لا أنه كان قاصرا فلا إشكال في الوجوب، إذ احتمال اختصاص الخبر باليومية
ضعيف جدا، وأما العلامة فيمكن أن يكون كلامه الأول في التضيق الذي عرفت
الوجوب بادراك الركعة فيه لا القصور عما عداها من أخف باقي الصلاة الذي هو موضوع
الكلام الثاني، فتردد حينئذ كتردد المصنف، ويمكن فرض كلامه الأول في الاستدامة
لقوله: " أتم ما بقي " والثاني في الابتداء وإن كان قد عرفت ما فيه سابقا.
نعم في البيان والذكرى التردد من جهة احتمال السببية وإن اعترف في الأخير
بكونه مرفوضا بين الأصحاب، قال في الأول بعد أن ذكر التوقيت في الكسوف
وما عدا الزلزلة: ويحتمل الوجوب بمجرد السبب وإن لم يسع الزمان في الكسوف وغيره
وقد أومأ إليه في المعتبر: وقال في الثاني: هل يشترط في وجوب صلاة الكسوف اتساع
الوقت لجميعها أم يكفي ركعة بسجدتيها أم يكفي مسمى الركوع لأنه يسعى ركعة لغة
وشرعا في هذه الصلاة؟ احتمالات من تغليب السبب فلا يشترط شئ من ذلك،
فيكون كالزلزلة إلا أن الاحتمال مرفوض بين الأصحاب، ومن إجرائها مجرى
اليومية فنعتبر الركعة، ومن خروج اليومية بالنص فلا يتعدى إلى غيرها، وفيه أن
إجراءها مجرى اليومية لا يقضي بالوجوب مع القصور إلا عن ركعة، لما عرفت من
معنى الخبر المزبور من غير فرق بين اليومية وغيرها، وكيف كان فلا إشكال بناء
على التوقيت في التفريع المزبور.
(وكذا الرياح والأخاويف) عدا الزلزلة (إن قلنا بالوجوب) فيها أو
الاستحباب موقتة فتجب مع سعة الوقت لا مع قصوره (و) أما (في الزلزلة) ف‍ (تجب
415

وإن لم يطل المكث وتصلى بنية الأداء وإن سكنت) كما صرح بذلك كله غير واحد
من الأصحاب بل عن المقاصد العلية والنجيبية الاجماع عليه، كما أن في الذكرى نسبته
إليهم مشعرا به أيضا، قال فيها: وقت الأصحاب الزلزلة بطول العمر، وصرحوا أنه
لا يشترط فيها السعة، فكان مجرد الوجود سببا في الوجوب، وشك فيه الفاضل لمنافاته
للقواعد الأصولية من امتناع التكليف بفعل في زمان لا يسعه، وباقي الأخاويف عند
الأصحاب يشترط فيه السعة، ولا نرى وجها للتخصيص إلا قصر زمان الزلزلة غالبا،
قلت: لكن ينبغي حينئذ إلحاق غيرها من الآيات مما هو قصير الزمان غالبا كالصيحة
ونحوها بها حينئذ، فيكون المدار في التوقيت على ذلك وعدمه، كما هو ظاهر التذكرة
والمحكي عن نهاية الإحكام قال: إن كل آية يقصر زمانها عن الصلاة غالبا كالزلزلة
فوقت صلاتها العمر وهي أسباب لها لا أوقات، لثبوت الوجوب لما مر، وانتفاء
التوقيت بالقصور لأن توقيت الفعل بما يقصر عنه من الوقت تكليف بالمحال، وكل
آية تمتد غالبا مقدار الصلاة فهي وقت لها فإن اتفق القصور لم تجب الصلاة للأصل،
كما إذا قصر الكسوف عنها، ويمكن أن يكون المدار في توقيتها وعدمه على السعة وعدمها
من غير نظر للغلبة وعدمها فإن اتسع ولو نادرا كانت موقتة، وإلا كانت سببا كما
عن المنتهى والتحرير التصريح به، بل والدروس قال: ووقتها في الكسوف من
الاحتراق إلى تمام الانجلاء وفي غيرها عند حصول السبب، فإن قصر الوقت سقطت
في الكسوف ووجبت أداء في غيره، وفي المحكي عن نهاية الإحكام احتمال التوقيت
في الزلزلة لكن للابتداء، فتجب المبادرة حينئذ إليها ويمتد الوقت مقدار الصلاة ثم تصير
قضاء وفي كشف اللثام وهو قوي وإن استضعفه أي الفاضل، لأن شرع الصلاة
لاستدفاع العذاب ولعله يرجع إليه ما في الوسيلة في الزلزلة وغيرها، قال: أول وقت
416

الرياح السود والزلازل أول ظهورها، وليس لآخرها وقت معين، بل ظاهر المحكي
عن إشارة السبق التوقيت الذي يسقط الفعل بقصورها في الزلزلة فضلا عن غيرها قال
إن الصلاة لا تجب بشئ من الزلزلة وهذه الآيات إذا لم تتسع لها.
قلت: ستسمع ما يدل على جميع ذلك أو بعضه في أثناء البحث، والذي يقوى
في النظر عدم الفرق بين الكسوف وغيرها من الآيات التي يتسع زمانها غالبا أولا،
وبين السعة للركعة وعدمه، وبين الابتداء والأثناء في الوجوب بحصولها، لاطلاق
النصوص وظهورها منطوقا ومفهوما وتعليلا في ذلك من غير إشعار في شئ منها على
كثرتها بالسقوط في حال من الأحوال، بل هي ظاهرة بخلافه كما لا يخفى على من تأمل
فيها وفي جمعها الكسوف وغيره بجزاء واحد، وفيما تضمنته من التسوية بينها جميعا في
الصلاة، بل ستعرف إيماء إطلاق نصوص التزاحم (1) مع اليومية، ونصوص التطويل (2)
بقدر الكسوف، والتطويل (3) بالقراءة والركوع والسجود إلى ذلك، فلاحظ وتأمل
ودعوى الاجتزاء عن ذلك بذكر التوقيت فيها الذي من المعلوم عند كافة العقلاء سقوط
الفعل معه إذا كان الوقت قاصرا لقاعدة امتناع التكليف بالمحال يدفعها أنه ليس في
النصوص صراحة بل ولا ظهور يعتد به في التوقيت لها في جميع الأحوال بحيث يسقط
الفعل بقصوره كي يلتزم تقييد تلك الاطلاقات به.
وصحيح جميل (4) إنما هو مساق لبيان وقوع صلاة الكسوف في سائر الأوقات

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
والباب 9 منها
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2 و 6
والباب 9 منها
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
417

وأنه لا كراهة أو منع في شئ منها سواء في ذلك طلوع الشمس وغروبها، فهو نحو قوله
(عليه السلام) (1): " خمس صلوات يصلين على كل حال " إلى آخره. ونحوه خبر
الدعائم (2) عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) " سئل عن الكسوف يحدث بعد العصر
أو في وقت تكره فيه الصلاة قال: يصلى بأي وقت كان الكسوف " لا أن المراد منه
تحديد زمان الصحة لصلاة الكسوف على أنه يصدق عرفا الصلاة في الساعة التي تنكسف
فيها الشمس إذا بادر في الفعل حال الكسوف وإن ذهب الكسوف كما هو واضح بأدنى
تأمل والمراد بخبر الدعائم السابق (3) نفي القضاء عمن لم يعلم بالكسوف مثلا إلا بعد
انجلائه لا ما إذا كان وقته قاصرا عن تمام الفعل، ونفي القضاء فيه وفي غيره من
النصوص (4) في مثل هذا الحال كاثباته في بعض النصوص (5) الآتية في حالة
الاحتراق لا يستلزم التوقيت المزبور، إذ هو - مع أن كون القضاء حقيقة في الفعل
خارج الوقت اصطلاح حادث لا تحمل عليه النصوص - يكفي في صدقه اعتبارنا وجوب
الابتداء بالفعل حين حصول الكسوف وإن لم يكن زمانه واسعا للفعل، ولا نريد بنفي
التوقيت المزبور أنه يجوز له الفعل في تمام العمركي ينافي صدق القضاء، بل المراد نفيه
على وجه يستلزم سقوط الفعل بالقصور، ويكفي فيه حينئذ وجوب الشروع حال الكسوف
وإن انجلى قبل الفراغ، ضرورة ظهور النصوص التي تقدم شطر منها في وجوب المبادرة
المزبورة، خصوصا ما اشتمل منها على الأمر بتذكر قيام الساعة، والفزع إلى الصلاة
والمبادرة إلى المساجد لها عند رؤية الكسوف الذي هو من آيات الله، ولا يدرى الرحمة

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(2) المستدرك - الباب - 3 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
(3) المستدرك - الباب - 9 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات
418

ظهرت أم لعذاب، ولذا كانت سببا للتخويف وتجديدا للزجر، فأمر الناس بأن يفزعوا
إلى خالقهم عند حصولها ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها كقوم يونس، بل خبر (1)
الزلزلة كالصريح في الفورية المزبورة، وكذا صحيح محمد بن مسلم وبريد بن معاوية (2)
عن الباقر (عليه السلام) المشتمل على الأمر بالصلاة للكسوف أو بعض الآيات ما لم تخف
ذهاب وقت الفريضة، ضرورة ابتناء ذلك على تضيق صلاة الكسوف، وإلا لم تعارض
واجبا مضيقا صلاة أو غيرها، كما أنها لا ينبغي صلاتها على الراحلة ونحوها مما يفوت
بعض الواجبات فيها، مع أن علي بن الفضيل الواسطي (3) كتب إلى الرضا (عليه السلام)
" إذا انكسف الشمس أو القمر وأنا راكب لا أقدر على النزول فكتب إليه صل على
مركبك الذي أنت عليه " ولولا تضيقها ما جاز صلاتها عليه، إلى غير ذلك من النصوص
الظاهرة في ذلك بل لعلها ظاهرة في التوقيت بمعنى وجوب الشروع في الفعل حال
حصول الآية لا الفورية بمعنى إن لم يفعل المكلف في أول الأزمنة وجب الفعل في ثانيها
إذ ذاك إن قلنا به فهو في الفور الحاصل من مجرد الأمر ولو من القرينة بخلاف ما نحن
فيه المستفاد من الأدلة كما عرفت وجوب الشروع في الفعل عند حصول السبب، ولولا
ما تسمعه من الأدلة على وجوب الفعل في ثاني الأزمان على من علم وأهمل أو نسي كان
المتجه السقوط كالجاهل بحصول السبب حتى خرج بحيث لم يصدق الفعل عنده، لأصالة
البراءة بعد ظهور الأدلة في وجوب الفعل حاله فأشبه الموقت من هذه الجهة حتى استحق
اسم القضاء واحتاج في ثبوت الوجوب عليه في الأزمنة المتأخرة إلى فرض جديد.
ومما يومي إلى ذلك اتفاقهم ظاهرا في الزلزلة على كونها من باب الأسباب

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1
419

وأنها ليست من الموقت المحدد بداية ونهاية مع حكمهم بالسقوط في الجاهل، واحتياجهم
إلى الدليل كعمومات القضاء ونحوها في إثبات الوجوب على المهمل والناسي، فعلم من
ذلك كله أن نفي التوقيت المزبور أي المقتضي سقوط الفعل بالقصور لا يستلزم نفي صدق
القضاء، ولا يستلزم عدم الاحتياج في إثبات الوجوب في غير وقت السبب إلى أمر
جديد، وأما قوله (عليه السلام): " حتى يسكن " في الصحيح السابق الذي قد استدل به
بعد أصلي الامتداد إلى ذهاب الآية والبراءة عما بعده على التوقيت في باقي الآيات الممتد
منها غالبا، أو حال امتدادها ولو نادرا بجعل ذي الغاية فيه بقرينة الغاية ما كان ممتدا
غالبا لأنه المنساق، فحاله (فمآله خ ل) النادر كغير الغالب من الآيات على مقتضى
إطلاق التسبيب، لعدم المعارض أو جعله حال الامتداد ولو نادرا، فغيره على مقتضى
إطلاق التسبيب حينئذ.
وربما قيل بالسقوط في القاصر زمانه عن الصلاة على التقديرين بدعوى ظهور
الصحيح المزبور في التوقيت في الجميع، فيسقط القاصر حينئذ بالقاعدة المزبورة لا أنه
يبقى على مقتضى الاطلاقات السابقة المقيدة بالصحيح المذكور، وفيه أن الصحيح إنما هو
ظاهر بقرينة الغابة في توقيت الممكن بسبب طول امتداده لا غيره، فلا معارض
للاطلاقات في غيره.
وعلى كل حال فقد قيل في توجيه الاستدلال على التوقيت: إن " حتى " إما أن
تكون لانتهاء الغاية أو التعليل، وعلى الأول يثبت التوقيت صريحا، وكذا على الثاني
لأن انتفاء العلة يقتضي انتفاء المعلول، فيدفعه أن المنساق منه إرادة التطويل أو التكرار
ولو بقرينة ما تضمن من الروايات (1) فعلا وقولا لذلك، فيكون الأمر فيه للندب

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1 و 2 و 6
والباب 9 منها
420

لا أن المراد منه التوقيت على حسب " لدلوك الشمس إلى غسق الليل " بل لعل التأمل
في حكمة الشرع وطريقته في الموقتات يورث القطع هنا بعد إرادة التوقيت الذي يسقط
الفعل بقصوره عنه، ضرورة منافاة ذلك لغرض الوجوب وحكمته بضرب مثل هذه
الأوقات القصيرة التي لا تسع الفعل المحتاج إلى مقدمات بالنسبة إلى غالب المكلفين في
غالب الأوقات، ولو أراده الشارع لم يكن ليكتفي بهذه التعبيرات عنه، بل ظاهر
الاطلاقات والتعليلات يقضي بخلافه، بل وكذا قوله (عليه السلام) في الحسن
السابق (1): " وإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي " إذ هو وإن ذكرنا
فيه ما سمعته لكن الانصاف أن المتجه على التوقيت استئناف الصلاة من رأس، وسعة
الوقت في الواقع لا تجدي في صحة الفعل المعتبر فيه، وقوعه فيه، وإدراك الركعة إنما يثمر
لو أدركها فعلا لا سعتها، والخبر في الاتمام مطلق، بل لا يخفى ما فيه من الاغراء بفساد
الفعل بالأمر بالتطويل فيه، لو كان الوقت معتبرا فيه والاعتماد على الاستصحاب في نحو
المقام الذي ينبغي شدة المحافظة فيه على الوقت تحصيلا للبراءة من الشغل مناف للجزم،
بل يظهر من جماعة الالتفات إليه في رفع الاشكال الذي أورده بعض متأخري
المتأخرين على قولهم: " لو قصر زمانها عن أقل الواجب سقطت، وتجب مع اتساع
الزمان بعلم أو ظن غالب من رصدي أو غيره " بأنه بعد تسليم اعتبار الرصدي ونحوه
يشكل الأمر لو فرض عدم الرصدي كما هو الغالب، فلم يعلم حينئذ تحقق شرط
الوجوب من أصله، مع أنه حكي الاجماع على أن أول الكسوف الصلاة، بل هو
معلوم قطعا، ضرورة أنه على تقدير الالتفات إلى الاستصحاب المزبور يرتفع الاشكال
من أصله، ولا يحتاج إلى تكلف إنكار الفرض المزبور غلبة حصول الظن بالسعة من
العادة ونحوها مع أنه كما ترى، وربما يقال: إن الاستصحاب لا يصلح لتحقيق شرط

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآية - الحديث 6
421

الوجوب الذي هو السعة، فإن استصحاب بقاء الكسوف لا يقضي بصدق وقوع الفعل
فيه، بل هو في الحقيقة كاستصحاب ركوع الإمام إلى حال ركوع المأموم، فيشرع له
الائتمام مع الشك، بل إن لم يظهر له الخلاف ينبغي له الحكم بانعقاد جماعته وهو معلوم
البطلان في محله، فكذلك المقام لكن الانصاف أنه من الواضح جريان الاستصحاب
في صحة الاقدام، نعم يعارضه أصالة عدم التحمل لو شك بعد ذلك في أنه أدركه أولا
على أنا في غنية عن ذلك كله بظهور النصوص في الأمر بالفعل بمجرد ظهور للكسوف
من غير اشتراط بشئ آخر، ثم لو ظهر بعد ذلك القصور انكشف عدم التكليف بناء
على التوقيت لعدم جواز الأمر عندنا مع علم الآمر بانتفاء الشرط، وتقدم في الجمعة
ما له نفع في المقام.
نعم قد يستفاد من إطلاق النصوص المزبورة وعدم تعرضها لانكشاف عدم
التكليف في حال من الأحوال بل قد عرفت الأمر بالاتمام فيها لو انجلى قبل الفراغ عدم
التوقيت المزبورة، وقد اعترف غير واحد من الأساطين بما ذكرنا، وأن النصوص ظاهرة
في التسبيب، بل عن العلامة المجلسي (رحمه الله) وغيره الجزم به، وقد أطال في بطلان
استدلال صاحب المدارك على التوقيت بقوله (عليه السلام): " حتى يسكن " في الصحيح
المزبور كما أن الأستاذ الأكبر أطال في الذب عنه وفي إثبات التوقيت المزبور، إلا
أن التحقيق والانصاف عدم ظهور الصحيح المزبور في ذلك، فلا معارض حينئذ لاطلاق
الأدلة كما سمعته في غير الكسوفين من الآيات، ولو سلم فينبغي الاقتصار في توقيته على
ما لو امتد لا أنه مطلقا بحيث يسقط التكليف به مع القصور، إذ هو جرأة عظيمة في
تقييد تلك الاطلاقات بلا مقتض ولا شاهد، خصوصا في غير الكسوفين من الآيات
ومن العجيب دعوى بعض متفقهة العصر القطع بالتوقيت المزبور والاجماع على ذلك،
وقد عرفت عدم كون المسألة من القطعيات عندهم حتى من المصنف الذي هو أول من
422

ذكر السقوط بالقصور تفريعا على التوقيت فقد سمعت ما حكاه عن ايماء معتبره في البيان
ولولا مخافة المخالفة لأمكن دعوى القطع من النصوص بخلاف التوقيت بالمعنى الذي
ذكروه، كما أنه لولا خوف الإطالة لأكثرنا من الشواهد على ذلك.
وعلى كل حال فنفيه في الزلزلة ونحوها مما لا ينبغي الشك فيه، وقد سمعت من
الذكرى ما ظاهره الاجماع بل عن المقاصد العلية والنجيبية الاجماع، على أن وقت
الصلاة فيها طول العمر، وأنها لا تسقط بقصر الوقت عن قدر الصلاة، لكن ينبغي
أن يعلم أن المراد من التوقيت طول العمر بيان مخالفتها لما ذكروه في الخسوفين من التوقيت
بمقداره بحيث يكون قضاء فيما بعده لا أن المراد التوسعة فيها بمعنى أن للمكلف التأخير عمدا
طول العمر كالأوامر المطلقة، ضرورة أنه لو سلم التحديد بذلك في الأوامر المطلقة لا
بالوصول إلى حد التهاون كان في المقام ممنوعا، لمنافاته لما سمعته من الفورية التي كادت
تكون صريح الأدلة، خصوصا في الزلزلة، وخصوصا خبر الديلمي (1) منها، بل لا نعرف
فيه خلافا بينهم، بل ظاهر الذكرى وغيرها اتفاق الأصحاب عليه، قال في الذكرى:
" إن حكم الأصحاب بأن الزلزلة تصلى أداء طول العمر لا يريدون به التوسعة، فإن الظاهر
وجوب الأمر على الفور بل على معنى نية الأداء وإن أخل بالفور لعذر وغيره "
ونحوه في المحكي عن غيرها، فمن الغريب توقف بعض متأخري المتأخرين في ذلك تبعا
لظاهر المحكي عن المسالك حيث بنى الفورية فيها على القول باقتضاء الأمر إياها وإلا
فلا، وفيه ما لا يخفى.
نعم ربما أشكل قولهم: " تصلى بنية الأداء مطلقا بأن ذلك من توابع التوقيت
الذي يتصور فيه القضاء لا فيما لم يكن كذلك كالزلزلة الموقتة بطول العمر ولو بالمعنى
الذي لا ينافي الفورية، وقد يدفع بأن المراد من الأداء هنا بيان عدم القضاء فيها أي

(1) الفقيه ج 1 ص 343 - الرقم 1517 المطبوع في النجف
423

أن الأوقات كلها على حد سواء في الفعل، وكون ذلك في سائر الأوامر المطلقة لا في
خصوصها لا ينافي ذكرهم هنا بالخصوص في مقابل التوقيت في الكسوفين أو في مقابل
ما سمعته من نهاية الفاضل من أن لها أداء وقضاء، أو لدفع تخيل التوقيت من الفورية
المستفادة من النصوص أو لغير ذلك، بل في فوائد الشرائع والمحكي عن الغرية وإرشاد
الجعفرية إنما كانت هذه الصلاة أداء لأن الاجماع واقع على كون هذه الصلاة موقتة
والتأقيت يوجب نية الأداء، ثم قال في الأول: " ولما كان وقتها لا يسعها وامتنع
فعلها فيه وجب المصير إلى كون ما بعده صالحا لايقاعها فيه حذرا من التكليف بالمحال،
وبقي حكم الأداء مستصحبا لانتفاء الناقل، وروعي فيها الفورية من حيث أن فعلها
خارج وقت السبب إنما كان بحسب الضرورة فاقتصر في التأخير على قدرها، وفي
ذلك جمع بين القواعد المتضادة، وهي تأقيت هذه الصلاة مع قصر وقتها، واعتبار سعة
الوقت لفعل العبادة " ونحوه المحكي عن تلميذه في الغرية، قال: " حكم الأصحاب
بالفورية محافظة على الوقت المعين وما يقرب منه بحسب الامكان، وحكموا بوجوب نية
الأداء وفاء لحق التوقيت، وحيث عرفت عدم أولوية زمان على زمان آخر ثبت الأداء
في تمام المدة المذكورة، فأثبتوا من كل واحدة من القواعد حكما لا ينافي بقية الأحكام "
وإن كان لا يخفى عليك ما في ذلك كله، بل ما فيه من التوقيت المزبور الذي
اعتبر فيه من الخارج قدر ما يكمل فيه الصلاة اقتصار على موضع الضرورة، بل وما فيه
من الاجماع على التوقيت أيضا إنما يناسب ما ذكرناه من التوقيت بحال حصول السبب
لا أنه ممتد بامتداد طول العمر، فالوجوب حينئذ في بعض الأحوال في غيره من القضاء
أو كالقضاء في الاحتياج إلى أمر جديد، وبدونه يسقط، ولعله هو المتجه في النصوص
التي لا يستريب من تأملها في إرادة حصول الفعل عند حصول الزلزلة ولو قيدا لا توقيتا
424

وربما يؤيده التسوية في النصوص بين صلوات الآيات كلها تصريحا وتلويحا بجمعها في
جزاء واحد ونحوه فيجري فيها حينئذ ما سمعته سابقا، كما أنه منه يقوى احتمال الفورية
في صلاة الكسوفين وغيرهما من الآيات بأول حصول الآية لا أنه موسع ما دام السبب
فتأمل جيدا فإن المقام حقيق به، ولذا طال بنا الكلام حتى أنه ربما كان من الاطناب
الممل وربما يأتي في مطاوي الأبحاث الآتية ما له تعلق في المقام، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (من لم يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت) الذي هو تمام
الانجلاء أو الأخذ فيه على القولين ولم يكن القرص محترقا (لم يجب القضاء) على المشهور
بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل كادت تكون إجماعا خصوصا بين المتأخرين منهم،
بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا عدا المفيد، بل عن شرح جمل العلم والعمل للقاضي الاجماع
عليه للأصل السالم عن معارضة إطلاق الأدلة بعد ظهوره في العالم، كظهور غيره في
التقييد بحال السبب، خصوصا على القول بالتوقيت الذي لا ريب في احتياج القضاء معه
إلى أمر جديد، والمعتضد بما سمعت من الاجماع المؤيد بما عرفت من الشهرة العظيمة
وبصحيح ابني مسلم ويسار (1) قالا: " قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): أيقضي صلاة
الكسوف من إذا أصبح فعلم، وإذا أمسى فعلم؟ قال: إن كان القرصان احترق بعضهما
فليس عليك قضاؤه " وصحيح زرارة ومحمد بن مسلم (2) عن الصادق (عليه السلام) " إذا
كسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم وعلمت بعد ذلك فعليك القضاء وإن لم تحترق
كلها فليس عليك قضاء " وخبر حريز (3) " إذا انكسف القمر ولم تعلم به حتى أصبحت
ثم بلغك فإن كان احترق كله فعليك القضاء وإن لم يكن احترق كله فلا قضاء عليك "
بل وباطلاق أخبار نفي القضاء كخبر عبيد الله الحلبي (4) سأل الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 1 - 2 - 4 - 9
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 1 - 2 - 4 - 9
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 1 - 2 - 4 - 9
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 1 - 2 - 4 - 9
425

" عن صلاة الكسوف تقضى إذا فاتتنا قال: ليس فيها قضاء، وقد كان في أيدينا أنها
تقضى " وصحيح علي بن جعفر (1) سأل أخاه (عليه السلام) " عن صلاة الكسوف
هل على من تركها قضاء؟ قال: إذا فاتتك فليس عليك قضاء " وخبر البزنطي المروي (2)
عن مستطرفات السرائر سأل الرضا (عليه السلام) " عن صلاة الكسوف هل على من
تركها قضاء؟ فقال: إذا فاتتك فليس عليك قضاء " إلى غير ذلك من النصوص المقيد
إطلاقها بما إذا لم يحترق وإذا لم يكن عالما بالكسوف، لما عرفت وتعرف، كاطلاق
بعض النصوص الآمرة بالقضاء، كمرسل حريز (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلي فليغتسل من غد وليقض الصلاة،
وإن يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل " وخبر
أبي بصير (4) " سألته عن صلاة الكسوف قال: عشر ركعات - إلى أن قال -: فإذا
غفلها أو كان نائما فليقضها ".
ولعله إليهما أشار في المحكي عن الجمل والمصباح، وروي وجوب القضاء على كل
حال، أو إلى عموم (5) " من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته " وحسن زرارة وصحيحة (6)
عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سئل " عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم
يصلها أو نام عنها فقال: يقضيها إذا ذكرها ".
لكن لا يخفى عليك أن مثله لا يعارض تلك النصوص المعتبرة المصرحة بالتفصيل
المعمول بها بين الأصحاب، بل قد يدعى عدم شمول لفظ الفوات له بدعوى ظهوره في

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 7 - 11 - 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 7 - 11 - 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 7 - 11 - 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 7 - 11 - 5 - 6
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 1
426

تحقق سبب الوجوب، وليس، إذ الثابت من مجموع الأدلة أن من تتمة السبب فيه في
صورة عدم الاحتراق العلم به، فيكون النصوص المتضمنة عدم القضاء على الجاهل كاشفة
عن عدم تحقق سبب الوجوب لا أنها مخصصة لعموم قضاء الفائتة، بل في كشف اللثام
" أو فوت الصلاة قد يستظهر منه فوت صلاة وجبت عليه، ولا وجوب لها إذا جهل
الكسوف " وإن كان فيه ما لا يخفى إن لم يرد ما ذكرنا، كما أن ما في غيره من منع
تناول لفظ الفريضة ونحوه لصلاة الكسوف بل هو مختص باليومية كذلك أيضا، فالأوجه
في الرد ما قلناه، والمناقشة فيه بمنع ظهور النصوص في دخول العلم في السبب - بل هو
كغيره من الموقتات التي يتوقف إرادة الامتثال من المكلف بها على العلم، لقبح تكليف
الغافل، لا أن السبب مركب منه لينتفي بانتفائه لاطلاق الأدلة كباقي الموقتات - يدفعها أنه
لا يخفى على من لاحظ تلك الاطلاقات انسياق دخول العلم به في التسبيب، خصوصا نحو
خبر عمارة (1) ومرسل المقنعة (2) المعلق فيهما وجوب الصلاة على رؤية الكسوف
التي هي كناية عن العلم به، فمنها مع هذه النصوص النافية للقضاء على الجاهل يقوى في
الذهن دخوله في السبب، فيخرج حينئذ عن موضوع قضاء الفائتة المأمور بقضائها، مع
أنه أولى من ارتكاب التخصيص الذي هو مجاز أيضا، لا أقل من الشك في السببية
بدونه، والأصل عدمها.
ومن ذلك كله يظهر أنه لا فرق في سقوط القضاء بين عدم العلم به أصلا وبين
العلم به في وقت يقصر عن فعل الصلاة بناء على التوقيت فيها، لعدم تحقق السبب فيهما
معا، فلا يشمله عموم " من فاتته " ضرورة اعتبار سعة الوقت فيه أيضا بعد العلم، لأنه
هو مبدأ سبب الخطاب، فيبقى على أصالة عدم القضاء المحتاج إلى أمر جديد، إذ دعوى

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 5
427

اندراجه فيما دل على وجوبه على العالم به وإن كان الوقت قاصرا ليس بأولى من اندراجه
فيما دل على سقوطه من غير العالم به بسبب قصور الوقت، كما هو واضح.
وكيف كان فمن ذلك كله يظهر لك ضعف المحكي عن الصدوقين وأبي علي والمفيد
والمرتضى في الإنتصار والجمل وأجوبة المسائل المصرية والشيخ في الخلاف والقاضي
والحلبي وابن إدريس وغيرهم من القول بالقضاء مطلقا، بل في الانتصار والخلاف
والسرائر الاجماع عليه، ولعله الحجة بعد عموم " من فاتته " وإطلاق مرسل حريز (1)
وخبر أبي بصير (2) ومرسل (3) الجمل، فما صدر من بعضهم من أنه لم نعثر له على دليل
في غير محله، لكن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة ما عرفت، بل لم نتحقق شيئا من
هذه الاجماعات، إذ ليس في الانتصار سوى " مما انفردت به الإمامية القول بوجوب
صلاة الكسوف والخسوف، ويذهبون إلى أن من فاتته هذه الصلاة وجب عليه قضاؤها
وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، والحجة الاجماع " وهو - مع أنه في صدد بيان متفرد
الإمامية من القول بالوجوب أداء وقضاء ولو في الجملة في مقابل العامة - قد عرفت عدم
صدق الفوات على محل الفرض، وفي مفتاح الكرامة " أن الموجود في جمل السيد والمحكي
عن أجوبة مسائله خلاف الحكاية المزبورة، وليس في الخلاف سوى من ترك صلاة
الكسوف كان عليه قضاؤها، وإن احترق القرص كله وتركها متعمدا كان عليه الغسل
وقضاء الصلاة، ولم يوافق على ذلك أحد من الفقهاء، دليلنا إجماع الفرقة، ومرسل
حريز (4) إلى آخره. وظاهر فعل الترك فيه غير محل الفرض أيضا، وليس فيما حكي
لنا من عبارة السرائر سوى الاستدلال على وجوب القضاء في احتراق بعض القرص

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 5 - 6 - 5
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 5 - 6 - 5
(3) المتقدم في ص 426
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 5 - 6 - 5
428

على الناسي بالاجماع على أن من فاتته صلاة فوقتها حين يذكرها، ولا ظهور فيه فضلا
عن الصراحة في الاجماع فيما نحن فيه، وكذا المحكي من عبارة ابن الجنيد لا صراحة فيه
قال: " إن قضاءه إذا احترق القرص كله ألزم منه إذا احترق بعضه " بل قيل: إن
ظاهره عدم الوجوب على التقديرين، وفي المحكي عن الهداية " أن من فاتته فعليه أن
يقضيها " وقد عرفت المراد بالفوات، وفي مفتاح الكرامة أني لم أجد في المقنع الذي
عندي لا في المقام ولا في باب الغسل ما حكي عنه " إذا انكسفت الشمس والقمر ولم تعلم
به فعليك أن تصليها إذا علمت، وإن احترق القرص كله فصلها بغسل، وإن احترق
بعضه فصلها بغيره ".
وقد أطنب في الحدائق في بيان عدم مخالفة عبارة رسالة علي بن بابويه للمشهور،
لأنها كعبارة الفقه الرضوي (1) التي لا بد من حملها على إرادة التفصيل بالاحتراق وعدمه
في التارك عمدا، وإلا لزم التدافع بين عباراته، فقل الخلاف حينئذ، على أن المفيد منهم
قد انفرد بتفصيل آخر لم نر له أثرا في النصوص والفتاوى، قال: " إذا احترق القرص
كله ولم يكن علمت به حتى أصبحت صليت الكسوف جماعة، وإذا احترق بعضه ولم
تعلم به حتى أصبحت صليت القضاء فرادى " نعم يحكى عن ابن بابويه ذلك في الأداء
لقول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور (2): " إذا انكسف الشمس والقمر
فانكسف كلهما فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلي بهم، وأيهما كسف بعضه فإنه
يجزي الرجل يصلي وحده " لكن لعله بناه على كون القضاء كالأداء، وفيه مع ضعفه
من وجوه أنه لا دلالة في الخبر المزبور على الوجوب، بل ظاهره خلافه كما هو واضح
إلا أنه ومع ذلك كله فالقضاء أحوط، بل عن النفلية والفوائد الملية استحبابه، بل ربما

(1) المستدرك - الباب - 9 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
429

كان ظاهر ما سمعته من عبارة أبي علي.
ولعله لحمل بعض ما عرفت من أدلة الوجوب على الندب، وإلا فليس في النصوص
ما يدل عليه بالخصوص، ضرورة ظهورها في نفي القضاء مع الجهل (إلا أن يكون
القرص قد احترق كله) فإنه لا إشكال حينئذ في القضاء، بل عن بعضهم نفي الخلاف
فيه، بل عن شرح الجمل للقاضي الاجماع عليه، لكن قد يشعر نسبته في غير واحد من
كتب الأساطين إلى الأكثر ونحوه بوجوده فيه، ولعلهم فهموه من إغفال جماعة من
الأصحاب ذكره، ومن عبارة ابن الجنيد، والحجة له حينئذ إطلاق ما سمعته وغيره من
النصوص في نفي القضاء مع أصالة البراءة، وإن كان يدفعها النصوص المفصلة المعتضدة
بمحكي الاجماع أو محصله، وبغير ذلك مما لا يخفى، والله أعلم.
(و) أما الكلام (في غير الكسوف) من الآيات مما هو موقت عندهم فالظاهر
أنه (لا يجب القضاء) وفاقا للفاضل والشهيد والكركي وغيرهم، بل في بيان الثاني منهم
القطع به الذي يجري مجرى الاجماع، بل هو المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا، بل لا
خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك والمحكي عن الروض، نعم عن نهاية الإحكام
وغيرها احتمال الوجوب، بل قواه بعضهم ونفى البعد عنه آخر، ولعله لعموم قضاء الفوائت
أو إطلاق دليل وجوبها، لكن فيه أنه بعد تسليم الشمول يجب الخروج عنهما بفحوى
سقوطه في الكسوف الذي هو أقوى في الوجوب قطعا، وبما يظهر من النصوص التي
سمعت بعضها من كون الكسوف وغيره من الآيات على حد سواء في الوجوب والكيفية
وغيرهما، بل قد عرفت التصريح بالتسوية في بعضها، على أنه يكفي فيها نظمها في النصوص
معها بعبارة واحدة، واشتراكها معها في علة وجوب الصلاة لها، ونحو ذلك مما لا يخفى
على من رزقه الله معرفة اللسان، وليس في دليل وجوبها إطلاق يتناول المقام على فرض
التوقيت، بل وعلى فرض التسبيب أيضا، لما عرفت سابقا من اختصاص تلك الأخبار
430

بالتسبيبية بالنسبة إلى من علم بها حينها كما اعترف بها هنا في كشف اللثام.
وعلى كل حال فلا فوات حينئذ مع فرض الجهل، لعدم حصول السبب الذي
يتوقف عليه صدق الفوات، ومن ذلك يعلم أنه لا فرق بين الزلزلة وغيرها، ضرورة
اختصاص السبب فيها بالعلم بها حينه، ولا يقدح في ذلك قول الأصحاب أن وقتها العمر
إذ ليس المراد منه التوسعة مطلقا، بل المراد الصحة فيه لا على جهة القضاء ولو في بعض
الأحوال، كما لو علم بالسبب فأهمل عصيانا مثلا في مقابلة الكسوف التي لها حالتا أداء
وقضاء، ويومي إلى ذلك عدم الخلاف هنا كما عرفت في السقوط بين الأصحاب الذين هم
أهل العبارة الأولى مع شدة القرب بينهما، بل ربما كانتا متصلتين، فمن الغريب ميل
الأستاذ الأكبر إلى الموجوب مستندا إلى الاتفاق المزبور، وإلى إطلاق أخبار الوجوب
التي قد عرفت أنه لا إشكال في ظهورها في السببية الخاصة للفعل حال حصول السبب،
ضرورة كون المنساق من تلك النصوص اتحاد جميع هذه الأسباب في كيفية تسبيبها
وكيفية سببها، بل قد سمعت التصريح بالتسوية في بعضها، مضافا إلى جمع جملة منها بجزاء
واحد، إلى غير ذلك، فما عن نهاية الإحكام - من احتمال الوجوب قويا في خصوص
الزلزلة، بل ربما مال إليه بعض من تأخر عنه، واحتاط فيه آخر، بل جزم به الأستاذ
الأكبر - لا يخلو من نظر، وأولى منه بذلك ما عن حاشيته على هامش البيان أنه إذا
جاءت الزلزلة في بلد وقامت البينة بها في بلد آخر وجب قضاؤها، ضرورة اختصاص
السبب فيها وفي غيرها من الآيات في مكان حصول الآية التي أريد بها التخويف لمن
أصابتهم لا مطلقا، نعم لا يبعد إلحاق المتصل بذلك المكان مما يعد معه كالمكان الواحد
باعتبار شدة اتصاله وكونه من توابعه ولواحقه، كما هو واضح لا يحتاج إلى زيادة كلام.
هذا كله مع الجهل بحصول السبب
(و) أما (مع العلم والتفريط أو النسيان)
ف‍ (يجب القضاء في الجميع) بلا خلاف أجده في الكسوفين مع الاحتراق والترك عمدا
431

بل في المحكي عن المنتهى الاجماع عليه، كما أنه مندرج في معقد إجماع الانتصار والخلاف
والغنية، وهو الحجة بعد فحوى النصوص المتقدمة في الجاهل، ومرسل الجمل والمصباح (1)
ومرسل حريز (2) وخبر أبي بصير (3) السابقة، وعمومات القضاء للفوائت، وفحوى
ما تسمعه في الناسي، بل لعل موثق عمار (4) منه شامل لما نحن فيه بناء على إرادة
التكاسل من غلبة العينين فيه كما تسمعه من الشيخ، وبذلك كله يخرج عن إطلاق نفي
القضاء في النصوص التي تقدم بعضها، كما أنه يخرج عنها وعن الأصل أيضا بالمرسلين
وخبر أبي بصير المعتضدة بعموم قضاء الفوائت وفحوى ما دل عليه في الناسي والتارك
عمدا وإن لم يحترق القرص، ولا يقدح في ذلك كون التعارض بينها من وجه، بل قد
يدعى ظهور نصوص النفي باعتبار اشتمالها على لفظ الفوات ونحوه فيه، مع أنها صحيحة
السند معتضدة بالأصل، لموهونية ذلك كله بالشهرة العظيمة، بل في المحكي عن السرائر
نفي الخلاف، بل يشمله إطلاق معقد إجماع الخلاف، بل قيل والانتصار والغنية، بل لم
أجد فيه خلافا سوى إطلاق نفي القضاء باحتراق البعض في المحكي من المصريات الثالثة
والمصباح وجمل العلم والعمل والتهذيب والاستبصار، مع أن ما وصل إلينا من عبارة
الأخيرين ينافي هذه الحكاية، قال: إذا احترق القرص كله يجب القضاء على من فاتته
صلاة الكسوف، وإن لم يحترق كله وفاتته لم يكن عليه قضاء، ولا ينافي هذا ما رواه
عمار (5) من قوله (عليه السلام): " إنما يلزم القضاء على من أعلم فلم يصل حتى فاتته "
لأن الوجه في هذه الرواية أن نحملها على أنه إذا احترق بعض القرص وتوانى عن الصلاة

(1) المتقدم في ص 426
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 10
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 10
432

فحينئذ لزمه قضاؤها، ونحن إنما أسقطنا القضاء عمن لم يعلم باحتراق بعض القرص أصلا
بل ربما يكشف ذلك منه المراد بغيره من العبارات، لاتحاد لسان القدماء غالبا، فما في
المدارك من الميل إلى عدم القضاء في غير محله.
وكذا يجب الخروج عنها وعن الأصل في الناسي مع الاحتراق بفحوى نصوص
الجاهل (1) وخبر أبي بصير السابق (2) ومرسل الجمل والمصباح (3) وعمومات قضاء
الفوائت المدعى في المحكي عن السرائر هنا الاجماع عليها، وقول الصادق (عليه السلام)
في موثق عمار (4): " وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عيناك فلم تصل
فعليك قضاؤها " بناء على أن المراد من الناسي في الفتوى الكناية عمن تعقبه العذر
بعل العلم من نسيان أو نوم، والمفهوم من (في خ ل) ذيل المرسل (5) في الكافي أو فحواه
قال بعد أن روى صحيح زرارة: وفي رواية أخرى " إذا علم بالكسوف ونسي أن
يصلي فعليه القضاء، وإن لم يعلم به فلا قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كله " ضرورة
رجحانها عليهما بالشهرة العظيمة، بل لا أجد فيه خلافا، بل ربما ادعي اندراجه في معقد
إجماع الانتصار والخلاف والغنية وإن كان فيه ما فيه، بل لا يبعد رجحانها عليهما في
احتراق البعض أيضا، وإن خالف فيه المبسوط والنهاية والمهذب والوسيلة والجامع
والاقتصاد والكندري وإن مال إليه في المدارك، ولعله لترجيح الاطلاق المزبور بكثرة
العدد وصحة السند والأصل ومساواة الناسي للجاهل في الغفلة، إلا أن ذلك كله في جنب
الشهرة العظيمة - بل ربما ادعي اندراجه أيضا في معقد الاجماعات الثلاثة، وإن كان فيه
ما فيه، مضافا، إلى دعوى ظهور الاطلاق المزبور في العمد الذي قد عرفت الحال فيه،

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 0 - 6 - 10 - 3
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 0 - 6 - 10 - 3
(3) المتقدم في ص 426
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 0 - 6 - 10 - 3
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 0 - 6 - 10 - 3
433

وإلى أولوية حمله على غير الجاهل بأن فيه إبقاء لأخبار قضاء ناسي الصلاة على عمومها،
وأخبار قضاء تارك هذه الصلاة على عمومها فيما لا يعارضها نص، وعدم طرح مرسل
الكافي المزبور - كما ترى، خصوصا مع مخالفته للاحتياط.
والظاهر أن يحكم الناسي من تبين له بطلان صلاته بعد خروج الوقت بفقد شرط
أو جزء أو وجود مانع، لعموم قضاء الفوائت، كما أنه له لم أجد خلافا بين الأصحاب
في القضاء على التارك عمدا أو نسيانا في غير الكسوفين من الآيات، بل ولا ذكره أحد
ممن تعرض للحكم هنا كالفاضلين والشهيدين والكركي وغيرهم، نعم نسبة بعضهم الحكم
هنا إلى الأكثر، والآخر إلى المشهور قد تقضي بوجوده، وعلى تقديره فلعله للشك في
شمول عموم قضاء الفوائت له بدعوى ظهوره في اليومية، ولذا لم يحكموا بالوجوب على
الجاهل له، لكن قد عرفت ما في ذلك من المنع، فتأمل بعض متأخري المتأخرين فيه
حينئذ في غير محله، خصوصا بعد ما قدمناه سابقا في مسألة الجهل من استفادة التسوية
بين الكسوف وباقي الآيات في كيفية التسبيب والمسبب من النصوص والفتاوى،
فتأمل جيدا.
وأما الثاني أي الماهية فهي ركعتان كما في بعض النصوص، كخبري ابن
سنان (1) والقداح (2) وكثير من كتب الأصحاب لما ستعرف في أحكام الخلل إن شاء
الله من أن الركعة شرعا تنتهي برفع الرأس من السجدة الأخيرة وإن تخلل بين ذلك
ما تخلل، ولذا اجتزي فيها بالفاتحة مرة واحدة والتسميع في الخامس والعاشر كغيرها
من الركعات، بل في جامع المقاصد القطع بكون كل منهما ركعة واحدة، إلا أنها
خرجت عن الغالب من حكم الوحدة في أمور كتعدد الركوع والفاتحة إذا تعددت السورة

(1) الذكرى - الأمر الثامن من النظر الثاني من الفصل الثالث من الركن الثالث من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1
434

ونحوهما مما ستعرفه للدليل، وتعدد القنوتات مع أنك ستسمع الاجتزاء بقنوت واحد
في العاشرة لا يقضي بكونها ركعات، فإنه قد يتعدد في ركعة كما في صلاة العيد وغيرها
وحينئذ فالركوعات كسائر الأفعال في أن الشك فيها كالشك فيها لأصل الصحة والبراءة
من الإعادة وتعارف ما سمعت من لفظة الركعة، فلا يدخل في حكم الشك فيها بل يبقى
داخلا في حكم الشك في الأفعال الشاملة لذلك قطعا، لعله لا خلاف في ذلك وإن
اشتهر التعبير عنها بأنها عشر ركعات في النصوص وكتب القدماء، بل في كشف اللثام
أنها عبارة الأكثر من الأخبار والأصحاب، إذ هو وإن كان خلاف الغالب من التعبير
بالشرعي دون اللغوي إلا أنه يمكن أن يكون وجه ترجيح الثاني على الأول هنا
التعريض به لرد العامة، كما أومأ إليه في الانتصار والمحكي عن الناصريات، وإن كان
قد اعترض في الثانية على تعبير الناصر بالركعتين، وقال: " العبارة الصحيحة أن يقال
هذه الصلاة عشر ركعات وأربع سجدات " فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (كيفيتها) المقطوع باجزائها نصا وفتوى هي (أن يحرم) مقارنا
للنية (ثم يقرأ الحمد وسورة ثم يركع ثم يرفع رأسه، فإن كان لم يتم السورة قرأ من حيث
قطع، وإن كان أتم الحمد ثانيا ثم قرأ سورة حتى يتم خمسا على هذا الترتيب، ثم يركع
ويسجد سجدتين، ثم يقوم ويقرأ الحمد وسورة معتمدا بترتيبه الأول ويتشهد ويسلم)
بل الاجماع بقسميه عليها إذا كان قد أتم سورة في كل من الركعتين محافظا في الأفعال
والأقوال على جميع ما عرفته في الفريضة، بل المحكي منهما خصوصا على العشر ركوعات
فيها مستفيض أو متواتر كالنصوص، فما في خبر أبي البختري (1) عن الصادق (عليه
السلام) " أن عليا (عليه السلام) صلى في كسوف الشمس ركعتين في أربع سجدات
وأربع ركعات قام فقرأ ثم ركع ثم رفع رأسه ثم قرأ ثم ركع ثم قام فدعا مثل ركعتين

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 4
435

ثم سجد سجدتين، ثم قام ففعل مثل ما فعل في الأولى في قراءته وقيامه وركوعه
وسجوده سواء " وخبر يونس بن يعقوب (1) عنه (عليه السلام) أنه قال: " انكسف
القمر وخرج أبي وخرجت معه إلى المسجد الحرام فصلى ثمان ركعات كما يصلي ركعة
وسجدتين " يجب طرحه لمخالفته المقطوع به، أو حمله كما في كشف اللثام على غير صلاة
الكسوف أو التقية كما في غيره أيضا، وإن كنت لم أعثر على من حكي عنه ما في الخبر
الثاني منهم، إذ المحكي عن أبي حنيفة والنخعي والثوري ركعتان كالصبح، والشافعي
ومالك وأحمد وإسحاق ما في الخبر الأول، وابن المنذر ست ركعات وأربع سجدات،
فلعل الأولى حمله على إرادة بيان الزائد من الركوعات، وهو ثمان، فالمراد أنه قد زاد
في كل منهما أربع ركوعات وصلاها كما يصلى ركعة وسجدتين أي لم يجعل سجودا بعد
كل من الأربع، بل قد يحتمل ذلك أيضا في الأول على إرادة زيادة الأربع في كل من
الركعتين، ولا ينافيه التفصيل المحتمل فيه أنه لم يتعرضه تماما اتكالا على الاجمال،
ويكون الغرض منه بيان إرادة الركوع خاصة من الركعات لا المتعارفة.
وعلى كل حال فالأمر سهل بعد ما عرفت من الاجماع أو الضرورة من المذهب
على الكيفية المزبورة، بل لا أجد خلافا في تعيينها إلا من الحلي، فلم يوجب إعادة الحمد
بعد إكمال السورة، ويمكن أن يكون قد سبقه الاجماع ولحقه، فهو من الشذوذ والندرة
بمكان، خصوصا وقد استفاضت النصوص بخلافه إن لم تكن قد تواترت ففي صحيح
الرهط (2) عنهما أو عن أحدهما (عليهما السلام) إلى أن قال " قلت: وإن هو قرأ
سورة واحدة في الخمس ركعات يفرقها بينها قال: أجزاء أم القرآن في أول مرة، فإن
قرأ خمس سور فمع كل سورة أم الكتاب الحديث، وصحيح زرارة ومحمد بن مسلم (3)

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 5 - 1 - 6
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 5 - 1 - 6
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 5 - 1 - 6
436

عن أبي جعفر (عليه السلام) إلى أن قال: " قلت: كيف القراءة فيها فقال: إن قرأت
سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، فإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث
نقصت ولا تقرأ فاتحة الكتاب " الحديث. وصحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
إلى أن قال: " وإن شئت قرأت سورة في كل ركعة وإن شئت قرأت نصف سورة
في كل ركعة، فإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن قرأت نصف
السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة إلا في أول ركعة حتى تستأنف أخرى " الحديث.
وفي المروي (2) عن جامع البزنطي " سألت الرضا (عليه السلام) عن القراءة في صلاة
الكسوف وهل يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب؟ فقال: إذا ختمت سورة وبدأت
بأخرى، فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ بفاتحة
الكتاب حتى تختم السورة " ومثله خبر علي بن جعفر (3) عن أخيه (عليه السلام) المروي
عن كتابه وقرب الإسناد للحميري.
فمن الغريب إعراضه عن ذلك كله، خصوصا مع عدم حجة له تعارض شيئا منه
إذ هي معلومية وحدة الفاتحة للركعة التي بعد تسليمها يجب الخروج عنها بما سمعت كالأصول
وخبر عبد الله بن سنان (4) عن الصادق (عليه السلام) الذي لم يعرف إلا من الذكرى،
بل لم يروه عنها من عادته النقل عنها كالبحار والوسائل والوافي كما قيل قال: " انكسفت
الشمس على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصلى ركعتين قام في الأولى فقرأ
سورة ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع
رأسه فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فقرأ سورة فركع فعل ذلك

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 13
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 13
(4) قد تقدمت الإشارة إلى موضعه في ص 434
437

خمس مرات قبل أن يسجد سجدتين " إلى آخره. مع أنه لم يذكر فيه الفاتحة أصلا
فيعلم أن المراد منه بيان الكيفية لا من حيث قراءة الفاتحة كما هو واضح وإطلاق خبر
أبي بصير (1) " قلت: فمن لم يحسن يس وأشباهها؟ قال: فليقرأ ستين آية في كل
ركعة، فإذا رفع رأسه من الركوع فلا يقرأ بفاتحة الكتاب " الذي يجب تنزيله على
غيره مما سمعت.
فظهر حينئذ أنه لا إشكال في وجوب إعادة الفاتحة إذا أكمل سورة وبدأ بأخرى
أما إذا قرأ من حيث نقص فلا وجوب قطعا للأصل والنصوص السابقة، بل صريح
كشف اللثام والحدائق عدم الجواز، وربما كان ظاهر المقنع والهداية والنهاية والوسيلة
والإرشاد والتحرير والدروس، بل لعله الأقوى للنهي عنه في أكثر النصوص السابقة
وأصالة عدم المشروعية، ومعلومية وحدة الفاتحة في الركعة، واحتمال إرادة نفي الوجوب
من النهي - لأنه في مقام توهمه باعتبار كون كل قيام ركعة فيقرأ فيها الفاتحة - لا داعي له
ولفظ الاجزاء في صحيح الحلبي (2) لا يكفي في صرف تلك الأدلة بل لعل الأولى إرادة
ما لا ينافي النهي منه فما عن صريح السرائر - من الجواز كظاهر " لا يلزمه " في المحكي
عن المبسوط وجامع الشرائع والمنتهى " ولا يحتاج " في غيرها - لا يخلو من نظر، بل
يمكن إرجاع ما عدا السرائر إلى المختار، فينحصر الخلاف فيها كالمسألة السابقة.
ثم إن ظاهر المصنف وجماعة تعين القراءة عليه في القيام المتعقب من حيث قطع
كما صرح به غير واحد من متأخري المتأخرين، ولعله كذلك للصحيح (3) السابق
الذي لا يعارضه إطلاق غيره كصحيح الحلبي (4) ونحوه، خصوصا مع تأيده باشعار

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2 - 7 - 6 - 7
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2 - 7 - 6 - 7
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2 - 7 - 6 - 7
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2 - 7 - 6 - 7
438

خبري البزنطي (1) وعلي بن جعفر (2) وخبر الدعائم (3) " روينا عن جعفر بن محمد
(عليهما السلام) أنه رخص في تبعيض السورة في صلاة الكسوف وذلك أن يقرأ ببعض
السورة ثم يركع ويرجع إلى الموضع الذي وقف عليه فيقرأ منه، قال (عليه السلام):
فإن قرأ بعض السورة لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا في أولها وإذا قرأ السورة في كل
ركعة أفضل " فلا داعي ولا شاهد للجمع بين النصوص بالتخيير بين ذلك وبين
القراءة من أي موضع شاء منها متقدما أو متأخرا ورفضها وقراءة غيرها كما وقع من
الشهيدين بل ربما زاد بعضهم إعادة المقرو أو بعضه، إذ مرجع ذلك إلى إرادة
الرخصة من الأمر المذكور لدفع توهم الحظر الناشئ من احتمال الركعة فلا يجزي البعض
الباقي وهو كما ترى مجرد احتمال لا يترك الظهور له، إذ المثمر العلم بسوقه لذلك لا احتماله
خصوصا بعد أن فهم خروجها عن حكم الركعة بتبعيض السورة في سابقتها، فلا توهم
يحتاج إلى دفعه، ولعله لذلك لا تنساق الرخصة هنا من الأمر المزبور كغيره من الأوامر
في مقام توهم الحظر، نحو " إذا حللتم فاصطادوا " (4) بل المنساق هنا خلافه من
التفصيل بين قراءة السورة كملا وبعضها فيتعين الفاتحة في الأول لوجوب استئناف قراءة
السورة عليه، بخلاف الثاني لأنه يتعين عليه القراءة من حيث نقص، فيسقط إعادة الفاتحة
حينئذ المشروطة في غير الأول من ركوعات الركعة باستئناف سورة، فاتجه حينئذ عطف
النهي عن قراءة الفاتحة على جواب الشرط، بخلافه على القول بالتخيير بناء على وجوب
قراءة الفاتحة عند استئناف سورة وإن لم يكمل الأولى، إذ لا ترتب لعدم قراءة الفاتحة
حينئذ على النقصان.

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 13
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 13
(3) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 3
(4) سورة المائدة - الآية 3
439

وبذلك ظهر لك ضعف المحكي عن المبسوط وغيره من التخيير بين الأول
والأخير وإن كان هو أقرب من السابق باعتبار إرادة الوجوب من الأمر، إلا أن
فيه أيضا خروجا عن ظاهره من التعيين إلى التخيير بلا مقتض، إذ لا أمر في هذا الحال
بقراءة السورة كي يجمع بينهما بالتخيير، كما أنه لا دليل على تقييد الأمر بالقراءة من
حيث قطع بما إذا اختار التبعيض.
كما أنه ظهر لك حينئذ سقوط البحث عن عدم إعادة الفاتحة وإعادتها إن لم يختر
القراءة من حيث قطع حتى لو ابتدأ بسورة ولو أخرى غير المقروة أولا الذي منشأه
التردد في كون الموجب لها ختم الأولى كما هو مقتضى صحيحي البزنطي (1) وعلي بن
جعفر (2) أو قراءة سورة أخرى كما هو مقتضى إطلاق صحيح الحلبي (3) أو القراءة
من غير موضع القطع لظهور صحيح زرارة ومحمد بن مسلم (4) في اشتراط سقوط الفاتحة
بالقراءة من حيث قطع، مع احتمال إرادة ذلك أيضا من الأخرى في صحيح الحلبي (5)
على معنى قراءة أخرى، فتجب حينئذ باختيار غيره مطلقا، ضرورة أن لا موضوع
للبحث من أصله على المختار، وإن كان الأقوى بناء على غيره عدم الإعادة أيضا مطلقا
حتى لو ابتدأ بسورة أخرى، فضلا عن قراءة البعض من غير موضع القطع، أو إعادة
ما قرأ من السورة، لوجوب تقييد إطلاق صحيح الحلبي (6) بالصحيحين الآخرين (7)

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 13
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 13
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 7 - 6
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 7 - 6
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 7
(6) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 7
(7) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 13
وهما صحيحا البزنطي وعلي بن جعفر (عليه السلام)
440

ومنع ظهور صحيح زرارة (1) في اشتراط السقوط بذلك، كمنع إرادة مطلق القراءة
الأخرى من صحيح الحلبي (2) ضرورة انسياق سورة أخرى منه.
نعم لا يعتبر المغايرة في إعادة الفاتحة والتعبير بالأخرى في النصوص مبني على
الغالب، أو يراد منه ما يشمل تكرار السورة بعد ختمها، وربما يرشد إلى ذلك ما في
ذيل صحيحي البزنطي وعلي بن جعفر من جعل الغاية لعدم قراءة الفاتحة مجرد ختم السورة
الصادق في الفرض وفي القراءة وإن لم يكن من أول السورة، بناء على جوازه للاطلاق
ولا يجب في مثله القراءة من حيث ابتدأ، حملا لقوله: " من حيث قطع " على الغالب
وإلا فالمراد القراءة مما بعضه، إذ هو إن لم يكن من القياس فمن نظائره مما يحرم العمل به
في الحكم الشرعي، لكن بناء عليه هل يكفي ختمها في إعادة الفاتحة لصدق ختم السورة
أولا لانسياق إرادة الكاملة؟ وجهان، أقواهما الثاني كما أنه قد يقوى مراعاة الترتيب
في قراءة السورة، لأنه المنساق المتيقن من الاطلاق حتى خبر أبي بصير (3) الذي
يفوح منه رائحة الموافقة للشافعي في أصل عدد الآيات، إذ المحكي عنه قراءة سورة البقرة
أو بقدر آيها في القيام الأول والثاني، ومائة وخمسين آية منها في الثالث، ومائة آية منها
أيضا في الرابع، وإذ لا اعتبار بعدد أصلا عندنا، بل يجزي البعض وإن كان آية،
لاطلاق النصوص، وصحيح النصف (4) لا دلالة فيه على الوجوب حتى يعارض إطلاق
غيره الشامل لما قلنا، بل ظاهر المنظومة الاجتزاء بالأقل من الآية، ولعله كذلك
لاطلاق الرواية.
نعم الظاهر وجوب إتمام سورة في الخمس كما صرح به الفاضل والشهيدان وغيرهم
بل عن جماعة حكاية أنه المشهور، بل في الحدائق أنه ظاهر الأخبار والأصحاب،

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 6 - 7 - 2 - 7
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 6 - 7 - 2 - 7
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 6 - 7 - 2 - 7
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 6 - 7 - 2 - 7
441

لاطلاق ما دل (1) على وجوبها في كل ركعة كما قد عرفت البحث فيه سابقا، فما في
كشف اللثام - من التوقف فيه قال: لأن في وجوب سورة في ركعة كل صلاة واجبة
نظرا - في غير محله، وإطلاق خبر أبي بصير وغيره يمكن تنزيله على ذلك، فلا يجوز
التبعيض حينئذ فيها كغيرها من الركعات بخلاف القران، فإن مبناها نصا وفتوى على
جوازه، إذ قد عرفت أنه لا إشكال في صحة الصلاة بالخمس سور، فما في الشافية - من
أنه هل يجوز أن يقرن بين سورتين أو أكثر؟ احتمالان، أقربهما العدم - يجب حمله
على إرادة القران في القيام الواحد الذي يمكن أن يكون محلا للبحث، لا مجموع الخمس
فإنه لا إشكال في جوازه فيه في الجملة.
نعم ربما توقف بعضهم في جواز ما زاد على السورة وكان أقل من الخمس سور
لا من حيث القران بل لتردد الأمر بين الركعة الواحدة فتجب السورة الواحدة موزعة
أو الخمس فتجب خمس سور، وفيه أنه اجتهاد في مقابلة النص، لأن صحيح الحلبي
والبزنطي وعلي بن جعفر صريحة في جوازه مضافا إلى إطلاق غيرها، فلا وجه للاشكال
فيه أيضا من هذه الجهة، بل ولا للاحتياط، وحينئذ يجوز له أن يقرأ في الخمس سورة
وبعض أخرى مثلا، إذ القول بوجوب الاكمال في الخامس والعاشر لا شاهد له، بل
في النصوص (2) ما هو كالصريح بخلافه، على أنه نتحقق القائل المعتد به، فإنه وإن
نسب إلى ظاهر الألفية حيث قال: " وفي الخامس والعاشر يتمها " لكن عن المقاصد
العلية " أن في بعض نسخها بعد قوله يتمها إن لم يكن أتم سورة " وهو قيد حسن،
وحينئذ فإذا قام إلى الركعة الثانية ففي التذكرة ابتدأ بالحمد وجوبا، لأنه قيام عن سجود
فوجب فيه الفاتحة، ثم يبتدئ بسورة من أولها، ثم إما أن يكملها أو يقرأ بعضها، ويحتمل

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب القراءة في الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 7
442

أن يقرأ من الموضع الذي انتهى إليه أولا من غير أن يقرأ الحمد لكن يجب عليه أن
يقرأ الحمد في الركعة الثانية بحيث لا يجوز له الاكتفاء بالحمد مرة في الركعتين معا، قلت:
وسورة أخرى بناء على ما تقدم، وعن نهاية الإحكام أنه ضعف الاحتمال المزبور،
قلت: يمكن قوته كما في المنظومة لاطلاق الرواية، لكن لا بد من قراءة سورة كاملة معه
في تمام الخمس لما عرفت، فيجب حينئذ إعادة الفاتحة لذلك، لاطلاق ما دل على وجوبها أي
في النصوص السابقة لكن قد يقال: إن ذلك متجه لو انحصر جهة وجوبها أي الفاتحة
في ذلك، وهو ممنوع، بل يمكن أن يكون وجوبها لما دل عليه في الركعتين من الفريضة،
وحينئذ ينبغي أن يكون في أول قيامها كالركعة الأولى، وربما يومي إليه صحيحا الحلبي (1)
والرهط (2) بل ظاهر هما معلومية ذلك، نعم لا يجب حينئذ الابتداء بسورة، بل
مقتضى إطلاق صحيح زرارة (3) وجوب القراءة من حيث قطع، ولا تنافي بينه وبين
وجوب الفاتحة من الجهة المزبورة، فيكملها ثم يقرأ الحمد حينئذ لتحقق الختم ويستأنف
سورة أخرى، لما عرفت من وجوبها في الركعة فتأمل جيدا فإنه دقيق، وإذا أحطت
بجميع ما ذكرناه لم يخف عليك ما يجوز من صور الكيفية الذي يقتضيه إطلاق الأدلة وما
يمتنع، بل لم يخف عليك محال النظر في كلام الأصحاب خصوصا الكركي منهم في جامعة
الذي ذكر بعد جملة من الكلام خمسة عشر صورة للكيفية نافيا الخلاف عن جواز خمسة
منها ولقلة الجدوى في التعرض لذلك تركناه، وإلا فالصور المتصورة هنا بالنسبة إلى
كل من الركعتين مع المساواة بينهما والمخالفة كثيرة تزيد على ذلك أضعافا، ولكن
الحكم فيها جميعها سهل بعد التدبر فيما قلناه.
وكيف كان فالظاهر وجوب جميع ما يعتبر في اليومية فيها من الشرائط وغيرها

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 7 - 1 - 6
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 7 - 1 - 6
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 7 - 1 - 6
443

كما صرح به غير واحد ضرورة اندراجها في اسم الصلاة، فيعتبر فيها حينئذ ما يعتبر
فيها بل الظاهر كونها كذلك في المندوبات أيضا، وفي أحكام السهو في الركوعات
والركعات، فتبطل بنسيان ركن أو زيادته حتى دخل في ركن آخر على البحث السابق
في الفريضة، بل الأركان فيها تلك الأركان، إذ احتمال كون ما عدا الخامس والعاشر
من الركوعات من الأفعال لا من الأركان كما ترى وإن كان يوهمه بعض ما عرفت،
ويتدارك لو نسي إذا لم يكن قد دخل، وإلا قضى ما يقضى في الفريضة بعد الفراغ
كالمنسي من أفعالها غير الأركان، أما المشكوك فيه منها فيتدارك إذا لم يكن قد دخل
في فعل آخر وتبطل بالشك في الركعات لأنها من الثنائية، فظهر الفرق حينئذ بين
الركوعات والركعات، ولعل من عبر عن الأول باسم الثاني لا يريد جريان حكم الشك
فيها، نعم إذا رجع الشك في الركوعات إلى الشك في الركعات كما لو شك في الخامس
والسادس بطلت كما نص عليه الشهيد في الذكرى وغيره، وأشبعنا الكلام في ذلك
في بحث الخلل، فلاحظ وتأمل، وقد أشار إلى جميع ما ذكرنا هنا العلامة الطباطبائي
في منظومته، بل ظاهره فيها اتفاق الفتاوى على الحكم الأول منها، نعم تنفرد عن
الفريضة وجوبا وندبا ببعض الأمور التي قد سمعت بعضها كزيادة الركوع والتبعيض في
السورة وتكرار الحمد ونحوها، وتسمع الباقي إن شاء الله.
(و) حينئذ فلا إشكال في أنه (يستحب فيها الجماعة) كاليومية على المشهور
بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل في كشف اللثام عندنا ونفاها أبو حنيفة، في الخسوف
بل في التذكرة إجماعا، كما أن في الخلاف الاجماع على صلاتهما جماعة وفرادى، وعلى
خلاف قول أبي حنيفة لاطلاق أدلة الجماعة المقتضي بظاهره عدم الفرق بين القضاء
والأداء وبين احتراق القرص وبعضه وإن كان قد يفهم من قول الصادق (عليه السلام)
444

في خبر ابن أبي يعفور (1): " إذا انكسف الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي
للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلي بهم، وأيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل أن يصلي
وحده " شدة التأكد في الايعاب، بل في كشف اللثام أنه نص في ذلك، وفي الذكرى
" ليست الجماعة شرطا في صحتها عندنا وعند أكثر العامة " بل في التذكرة " هذه الصلاة
مشروعة مع الإمام وعدمه إجماعا منا " مضافا إلى ما سمعته سابقا فما عن الصدوقين
- " إذا احترق القرص كله فصلها جماعة وإن احترق بعضه فصلها فرادى " وكذا
المفيد لكن في القضاء - لا يخفى ما فيه إن أرادوا نفي مشروعية الفرادى في الأول
والجماعة في الثاني، ضرورة منافاته لاطلاق الأدلة في كل منهما بلا مقتض، وقد سأل
روح بن عبد الرحيم (2) أبا عبد الله (عليه السلام) " عن صلاة الكسوف تصلى جماعة
فقال: جماعة وغير جماعة " ومحمد بن يحيى الساباطي (3) الرضا (عليه السلام) " عن
صلاة الكسوف تصلى جماعة أو فرادى قال: أي ذلك شئت ".
بل لعل من إطلاقهما وغيره يستفاد ما صرح به الشهيد في البيان من جواز اقتداء
المفترض بالمتنفل في هذه الصلاة وبالعكس فضلا عن المتنفل بالمتنفل، ترجيحا لمثل
الاطلاق المزبور على إطلاق منع الجماعة في النافلة المنساق منها غير ذلك كما تسمعه
إن شاء الله في اليومية.
وكيف كان فالمعلوم من كيفيتها جماعة أنه إذا أدرك المأموم الإمام قبل الركوع
الأول أو في أثنائه على المشهور كما ستعرفه في اليومية أدرك الركعة، أو إذا أدركه
كذلك في أول ركوع الركعة الثانية فيتم حينئذ ركعة وينفرد بعد السلام أو قبله مع
النية بالثانية كاليومية، أما إذا أدرك الإمام في غير الأول من ركوعات الركعة الأولى

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 2 - 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 2 - 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 2 - 1 - 3
445

فالمشهور وجوب الصبر إلى الركعة الثانية واختاره شيخنا في كشفه، وشيخه في
منظومته، لأصالة عدم التحمل، فيقتصر منه على المتيقن، وإطلاق الجماعة لا يستفاد منه
الكيفية، ولأنه لا يخلو من محذور أبدا كما صرح به جماعة منهم الإصبهاني في كشفه،
قال: " فإنه إذا سجد الإمام بعد الخامس لم يخل إما أن لا يسجد معه فيبطل الاقتداء
بالاخلال بالمتابعة في الفعل مع قوله (عليه السلام) (1): " إنما جعل الإمام إماما
ليؤتم به " أو يسجد معه فإما أن يكتفي بما أدرك قبله من الركوعات وهذا السجود وخمس
ركوعات أخر وسجود ثان يتابع الإمام في الكل فيلزم نقصان ركعته الأولى عن
خمس ركوعات، أو تحمل الإمام ما فاته من الركوع، ولم يعهد شئ من ذلك، أو
لا يكتفي بل يسجد أخريين بعد الركوع الخامس فيزيد سجدتين وينفرد عن الاقتداء
إن أتم الركوعات وحده، وإن جعل المتمم لركوعاته من ركوعات ثانية الإمام زاد
أربع سجدات ".
قلت: لكن قد يستفاد من إطلاق النصوص هنا صحتها جماعة من غير تعرض
لكيفيتها أنه يكفي فيها ما ثبت من هيئتها في اليومية، بل لعل المتعارف في سائر العبادات
بيان كيفيتها في محل مخصوص ثم يؤكل غيره عليه، فالمتجه حينئذ ثبوت ما يثبت في اليومية
هنا والظاهر جواز نية الائتمام بالبعض فيها من أول الأمر بأن يعزم على مفارقة الإمام
في الأثناء، أو كان عالما بعروض ما يمنع من الاقتداء به قبل الفراغ، إذ الجماعة كما أنها
مستحبة في الكل مستحبة في البعض، ولذا كان الأقوى جواز الانفراد اختيارا،
فيحنئذ جاز له الائتمام بما بقي من الركوعات ثم ينفرد عنه عند إرادة السجود كما صرح به
في جامع المقاصد، بل بناء على جواز تجديد نية الائتمام للذي انفرد في الأثناء كان له
بعد الفراغ مما بقي عليه من الركوعات واللحوق في السجود أو فيما بعده تجديدها حينئذ

(1) المستدرك - الباب - 39 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1
446

كما هو واضح، بل قد يقال بالصحة بدون ذلك وإن لم يسجد معه كما احتمله العلامة
وغيره ودعوى بطلان الاقتداء حينئذ لقوله (عليه السلام): " إنما جعل الإمام " إلى
آخره ممنوعة أولا بأن الأصح التعبد خاصة في وجوب المتابعة، وأنه لا بطلان في
الصلاة ولا في الجماعة بتركها عمدا، وثانيا بعدم وجوبها هنا، ضرورة كون الثابت منها
فيما اشتركا فيه من أفعال الصلاة لا فيما استقل فيه الإمام خاصة بالتكليف كما في عدة
مواضع، منها ما لو كان قد نسي سجودا مثلا وقد ذكره قبل الركوع فإنه لا يجب على
المأمومين المتابعة له فيه، فحينئذ ينتظر المأموم في الفرض حتى يقوم الإمام للركعة الثانية
وليس ذا من إئتمام القائم بالقاعد، على إن له الجلوس معه بلا سجود إلى أن يقوم،
فيتم ما بقي له من الركوعات معه، فإذا له الخامس سجد، ولا يقدح انفراده عن الإمام
في ذلك بعد اختصاصه بالتكليف به كالمزاحم في صلاة الجمعة والجالس للتشهد إذا كان
مسبوقا، وبعد الفراغ من السجود يلحقه ويركع معه، بل ليس فيه فوات متابعة،
إذ ليس المراد منها إلا المشاركة معه في الفعل لا المقارنة، فلحوقه بعد السجود حال القيام
قبل الركوع كاف فيها، كلحوق المتخلف للتشهد مثلا، فإذا أراد الإمام السجود أتم
هو ركوعاته على الانفراد لجوازه كما عرفت، أو يلحق الإمام في السجود أو بعده فيسلم
معه لعدم البأس في التخلف لعذر كما سمعت، مع أنه على فرض مشاركته له في السجود
بانتظار من الإمام أو بتخفيف من المأموم لم يكن فيه فوات متابعة أيضا.
نعم المتجه بناء على ذلك ما عن حل المقعود من الجمل والعقود من فعل الركوعات الناقصة
في الركعة الأولى مخففة ثم لحوقه في السجود، ولا يتعين عليه الانتظار إلى إتمامها بركوعات
الركعة للثانية كما سمعته من العلامة، واحتمال الفرق بين الأولى والثانية بامكان المتابعة للإمام
فيها في الركوع ولو بالركعة الثانية بخلاف الأخيرة يوجب تعيين تأخير سجود الأولى إلى
سجود الإمام للثانية فينتظره حينئذ إلى أن يفرغ مما عليه من ركوعات الثانية ويسجد
447

معه كما انتظره حال سجود الأولى، اللهم إلا أن يلتزم جواز ذلك له، إلا أنه لا يحصل له
الائتمام حينئذ إلا بركعة، وتذهب ثمرة مبادرته، ولذا رجحت الصورة الأولى عليها،
وإلا فالجميع جائز، بل قد ينقدح من ذلك كله - ومما تسمعه في صلاة الخوف، وأن
انتظار الإمام فيها على القواعد لا لخصوصية فيها، وفي إئتمام المسافر بالحاضر والعكس،
وانتظار كل منهما الآخر إلى أن يؤدي ما عليه ويشتركان في التسليم - صور أخر
لا يخفى جريانها في المقام، كما أنه كذلك أيضا لو قلنا بأن زيادة الركن للمتابعة غير
قادحة، كما تسمعه فيمن أدرك الإمام في السجود في الركعة الأخيرة، وأن له الائتمام
به متابعا له في السجدتين لادراك فضيلة الجماعة ثم يقوم بعد تسليم الإمام للصلاة من غير
احتياج إلى استئناف نية وتكبيرة.
هذا كله بناء على وجوب العشر ركوعات على المأموم كالإمام، أما إذا قلنا
بسقوط ما لا يدركه منها من الركعة بعد إدراك الركوع الأخير منها أو أزيد إما لتحمل
الإمام كما عن ظاهر حل المعقود من الجمل والعقود أو لغير ذلك لم يكن إشكال حينئذ
في الكيفية، وكان وجهه ما دل (1) على إدراك الركعة بادراك الركوع، ومن المعلوم
أنهما ركعتان وإن اشتملا على عشر ركوعات، ولذا لم يعتبر قراءة الفاتحة لكل ركوع
بل ذكر السمعلة بعد الخامس مما يعين أنه هو ركوع الركعة، وأن ما قبله أفعال وجبت
هنا فتدرك الركعة حينئذ بادراكه، ولعله بذلك ترتفع الغرابة في كشف اللثام عنه
ولكن الانصاف مراعاة الاحتياط والاقتصار في الجماعة على المعلوم من الكيفية، نعم
لو أراد تحصيل فضيلة الجماعة وكان الوقت متسعا كان له الائتمام ببعض السور السابقة ثم
الاستئناف، وفي كشف اللثام وغيره أنه يمكن استحباب المتابعة في الركوع وسجود

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب صلاة الجماعة
448

الأولى واستئناف الاقتداء في ابتداء الثانية، كما يستحب في اليومية المتابعة إذا أدرك
سجود الأولى قلت: لكن فيه منافاة الاحتياط لاحتمال الصحة كما عرفت، فيحرم عليه
إبطال العمل فتأمل جيدا والله أعلم.
(و) يستجب فيها أيضا (إطالة الصلاة بمقدار زمان الكسوف) بلا خلاف
نعرفه فيه كما عن المنتهى الاعتراف به، بل في المفاتيح والمحكي عن المعتبر والتذكرة
والنجيبية وظاهر الغنية الاجماع عليه وهو الحجة بعد إطلاق قول الباقر (عليه السلام)
في صحيح زرارة ومحمد (1): " كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له
صلاة الكسوف حتى يسكن " إن لم يكن ظاهرا في التطويل وقول الصادق (عليه السلام)
في موثق عمار (2): " إن صليت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس
والقمر وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل، وإن أحببت أن تصلي فتفرغ من صلاتك
قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز " ورواه في المدارك وغيرها " فإلى أن يذهب " إلى
آخره. وعلى كل حال فالمراد منه ظاهر، قيل: وصحيح الرهط (3) " إن صلاة كسوف
الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات صلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
والناس خلفه في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها " وخبر القداح (4)
" إن الشمس انكسفت في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصلى بالناس ركعتين
وطول حتى غشي على بعض القوم ممن كان وراءه من طول القيام " وفي الفقيه (5)
" انكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فصلى بهم حتى كان الرجل ينظر

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1 - 2
449

إلى الرجل قد ابتلت قدمه من عرقه " بل في المروي (1) عن المقنعة " أنه (عليه السلام)
قرأ فيها بالكهف والأنبياء ورددها خمس مرات وأطال في ركوعها حتى سال العرق على
أقدام من كان معه وغشي على كثير من القوم " لكن يحتمل الأول الاتفاق وليس
في الأخيرين التطويل إلى القدر، نعم قد يستفاد منهما استحباب التطويل كفحوى
الأمر (2) بقراءة السور الطوال فيها ومساواة كل من القنوت والركوع والسجود لها.
وظاهر المتن وغيره والنصوص السابقة تساوي الكسوفين في التطويل المزبور،
وعدم الفرق بين الإمام وغيره، لكن في صحيح الرهط (3) " إن الصلاة في هذه
الآيات كلها سواء، وأشدها وأطولها كسوف الشمس " إلى آخره. وفي آخر (4)
" صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر، وهما سواء في القراءة والركوع
والسجود " وفي صحيح محمد وزرارة (5) عن الباقر (عليه السلام) " إنه كان يستحب
أن يقرأ في صلاة الكسوف الكهف والحجر إلا أن يكون إماما يشق على من خلفه "
ولعل المراد بالأولين أن كسوف الشمس أطول مكثا من غيره فتكون أطول صلاة
ولعله إليه أومأ في المنظومة.
أطل بها وأكد التطويل * في الشمس فالأمر بها مهول
وبالأخير أنه لا يتأكد التطويل بقراءتهما للإمام الذي يشق على من خلفه، وربما
جمع بين النصوص برغبة المأمومين في الإطالة وعدمها، ولعل الأولى منه إطلاق استحباب
الإطالة إلا أن يعلم المشقة بخلاف غيرها من الصلاة، فإن عدم العلم بالرغبة كاف في
استحباب التخفيف بل يمكن دعوى استحبابه مطلقا، وكان وجه الفرق عدم تكررها

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 6
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 6
450

في كل يوم وكون الصلاة لاستدفاع البلاء والفزع إلى الله، فينبغي التشاغل
ما دامت موجودة.
وكيف كان فالأمر سهل لكن في الذكرى تبعا للتذكرة والمحكي عن المعتبر أنه
يستحب إطالة صلاة كسوف الشمس على صلاة خسوف القمر، ورواه الأصحاب عن
أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: " وهل ينسحب إلى باقي الآيات حتى يكون
الكسوفان أطول منها؟ لم نقف على نص وفي المحكي عن النفلية والفوائد الملية أن الظاهر
عدم الانسحاب وظاهر خبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (1) يرشد إليه " وفيه أولا
ما عرفت من أطولية صلاة الكسوف على جميع، الآيات فإن كان المراد به ما ذكره
لا ما قلناه فهو دال على ذلك، وثانيا أنه لا يتصور استحباب الاطولية بعد تقدير
استحاب الطول بذهاب الكسوف، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك، مستحب في مستحب
فيتصور حينئذ بأنه لو فرض تقدم صلاة الخسوف مثلا ولم يكن قد طولها إلى ذهابه ثم
تعقبتها صلاة الكسوف استحب له زيادة الطول على صلاة الخسوف وإن لم يكن إلى
ذهاب الكسوف أيضا، لكنه كما ترى، وكذا لو أريد تأكد استحباب الطول فيها
على صلاة غيرها من الاطولية إلا على المعنى الذي ذكرناه ولعله لذا ترك التعرض
لاستحباب الأطولية أكثر الأصحاب، ضرورة أنه على ما قلناه يرجع إلى استحباب
التطويل قدر الذهاب فاستغنوا به عنه، وغيره لا يخفى ما فيه، فتأمل جيدا، هذا.
وقد ذكر غير واحد أنه إنما يتم استحباب التطويل إلى الذهاب مع العلم بذلك
أو الظن الحاصل من إخبار رصدي أو غيره، وأما بدونه فربما كان التخفيف ثم الإعادة
مع عدم الانجلاء أولى، لما في التطويل من التعرض لخروج الوقت قبل الاتمام، وزاد في
المحكي عن الفوائد الملية خصوصا على القول بأن آخره الأخذ في الانجلاء، فإنه محتمل في

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 10
451

كل آن من آنات الكسوف، وأصالة عدم الانجاء لا تدفع هذه الفريضة، لكن عنه
في المسالك أنه يمكن عموم استحباب الإطالة وإن لم يتفق موافقة القدر، لأصالة البقاء،
وكيف كان فتحيل (فتخفيف خ ل) الصلاة مع الجهل بالحال ثم الإعادة تحصيلا للفضيلة
أحوط قلت: هذا كله منهم مبني على التوقيت للأول والآخر، ولعل وجه (1) إطلاق
استحباب التطويل إلى القدر المعلوم ندرة العلم والظن المعتبر به، بل مقتضى اعتبار تحصيل
الغاية العلم بوقوع جزء من الصلاة خارج القدر للمقدمة، وهو شاهد على عدم اعتبار
التوقيت بالمعنى المزبور، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(و) كذا يستحب (أن يعيد الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء) وفاقا للأكثر
بل في الذكرى " المعظم " بل لا أجد فيه خلافا إلا من الديلمي وأبي الصلاح في المحكي
عن مراسم الأول وكافي الثاني حيث قالا: " عليه الإعادة " وظاهرهما الوجوب، قيل:
ويحتمله المقنعة وجمل العلم والعمل، بل نسبة الشهيد إلى ظاهر الثاني، كما عن كشف
الرموز نسبته إلى ظاهر الأول، إلا أن الانصاف أنه يحتمل الجميع إرادة الاستحباب
كما اعترف به في الذكرى، فتصير المسألة اتفاقية مما عدا الحلي فنفى الوجوب والاستحباب
كالمحكي عن الجمهور، ولقد أجاد في الذكرى بقوله: " إن الأصحاب قبله مطبقون
على شرعية الإعادة " وأجود منه ما عن كشف الرموز " من أنه إقدام مع وجود النص
وفتوى الأصحاب " والمختلف " أنه مخالف لعملهم " قلت: ولقول الصادق (عليه السلام)
في صحيح معاوية بن عمار (2): " إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد " الذي يجب حمله

(1) ليس في المسودة شئ من لفظ " وجه " بعد كلمة " لعل " ولا لفظ " وهو " قبل
قوله قده: " شاهد " وحينئذ يكون قوله: " إطلاق استحباب التطويل " اسم " لعل "
وقوله: " شاهد " خبرها
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1
452

على إرادة الندب للأصل وموثق عمار (1) السابق، وقوله (عليه السلام) في صحيح
زرارة ومحمد (2): " إذا فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي " وفي
الدعائم (3) " روينا عن علي (عليه السلام) أنه صلى صلاة الكسوف فانصرف قبل أن
تنجلي وجلس في مصلاه يدعو ويذكر الله وجلس الناس معه كذلك يدعون حتى انجلت "
واحتمال الجمع بالتخيير بين الدعاء والإعادة يدفعه بعد الاجماع المركب على خلافه أن
الأول أرجح منه من وجوه، منها شهرة الأصحاب، على أن فيما حضرني من نسخة
الوسائل " فأعد " في الصحيح بدل " فاقعد " نسخة.
وعلى كل حال فالحجة به على الحلي واضحة خصوصا ولم نعرف له مستندا بعد
الأصل المقطوع بما عرفت سوى دعوى ظهور موثق عمار (4) في حصر القسمة بين
التطويل وعدمه من غير تعرض لذكر الإعادة، فلو كانت مستحبة لم تكن القسمة حاصرة
وهي واضحة المنع، مع أنها لا تعارض الصحيح السابق المعتضد بالفتاوى كما هو واضح
وكيف كان فلا تعرض للأصحاب هنا للأخذ في الانجلاء وتمامه، بمعنى أن
القائلين بالتوقيت بالأول يخصون الإعادة به بخلاف الثاني، بل ظاهرهم الاتفاق هنا على
مشروعية الإعادة قبل الانجلاء الظاهر في التمام، وقد سمعت الاعتراف به من الذكرى
سابقا ولعل وقت المستحب عندهم غير وقت الواجب لاطلاق الدليل السابق، بل قد
يستفاد هنا من إطلاق النص والفتوى عدم اعتبار سعة الباقي للإعادة وهو مؤيد لما قلناه
من التسبيب فتأمل.
ثم إن الظاهر استحباب الإعادة مطلقا كما عن نهاية الإحكام لا لأن الأمر

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 6
(3) المستدرك - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
453

للتكرار بل لخصوص المقام الظاهر في إرادة التشاغل بالصلاة ما دامت الآية، بل هو
مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام): " حتى يسكن " بناء على عدم ظهوره في التطويل
بل قد يستفاد ذلك من فحوى الإطالة فضلا عن غيره، فما عن بعضهم من تقييدا استحباب
الإعادة بالثلث لا أعرف له شاهدا، والله أعلم.
(و) كذا يستحب (أن يكون مقدار ركوعه بمقدار زمان قراءة) بلا خلاف
أجده فيه سوى ما في المحكي عن المقنعة، فقال: بقدر السورة، ولعله يريد ما يشمل
الفاتحة فيتفق الجميع حينئذ ولذا نسبه في المحكي عن التذكرة إلى علمائنا، بل عن الخلاف
والغنية والغرية الاجماع عليه، وفي خبر أبي بصير (1) " يقرأ في كل ركعة مثل يس "
والنور ويكون ركوعك مثل قراءتك، وسجودك مثل ركوعك " وفي المروي من
صحيح زرارة ومحمد بن مسلم (2) عن الباقر (عليه السلام) في جملة من كتب الفروع
" وتطيل القنوت على قدر القراءة والركوع والسجود " إذا قرئ الركوع بالنصب لا
الجر ليوافق الخبر الأول والفتاوى، بل بهما يرتفع احتمال إرادة تطويل المجموع منهما
لا كليهما، مضافا إلى مرفوع الدعائم (3) عن الصادق (عليه السلام) المصرح بذلك،
لكن رواه في الكافي والتهذيب " فتطيل القنوت والركوع على قدر القراءة والركوع
والسجود " وحمله على تكرار الركوع من النساخ أو غيرهم متعين، وإلا كانا من المتشابهات
وكيف كان فالظاهر من النص والفتوى الكناية بذلك عن استحباب تطويل
الركوع بقدر القراءة المندوب إليها وإن لم يكن قد فعلها، بل في المحكي عن المنتهى الاجماع
على استحباب التطويل في الركوع من أهل العلم، والاجماع منافي السجود، إلا أنه

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2 - 6
(3) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
454

استدل عليه بما يقضي بالتقدير المزبور، وقد سمعت مرسل المقنعة (1) المحتمل لكون
التطويل في ركوعه (عليه السلام) للتطويل في قراءته، وعلى كل حال فكان على المصنف
ذكر السجود كذلك أيضا كما ذكره غير واحد للخبر المزبور، وللاجماع الذي سمعته،
مضافا إلى نسبته إلى علمائنا في المحكي عن التذكرة، بل عن الغرية الاجماع عليه، بل كان
عليه ذكر القنوت كذلك أيضا كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافا، بل عن
الغرية الاجماع عليه، وهو الحجة بعد الخبر المزبور، ومن المعلوم إرادة التقريب من
ذلك كله، والله أعلم.
(و) كذا يستحب (أن يقرأ السور الطوال) بلا خلاف بل عن الخلاف
والمعتبر وظاهر الغينة وغيرها أنه متفق عليه، بل عن المنتهى أنه مذهب أهل العلم،
وقد سمعت ما في صحيح زرارة ومحمد وخبر أبي بصير ومرسل حريز، وفي الدعائم (2)
" روينا عن علي (عليه السلام) أنه قرأ في الكسوف سورة من الثاني وسورة الكهف
وسورة الروم ويس والشمس وضحاها، وليس في هذا شئ موقت " وقد قال فيها قبيل
ذلك: إن المثاني أولها البقرة، وآخرها براءة وكان قراءته (عليه السلام) للشمس
وضحاها مع قصرها للمناسبة، كما أنه ينبغي قراءة سورة الزلزلة لآيتها لولا قصرها،
وإليه أومأ العلامة الطباطبائي:
وناسب الخطب بها لولا القصر * زلزلة والشمس يتلوها القمر
وقد رأينا أثرا في الشمس * عند الكسوف ما به من بأس
وكيف كان فقد قيده المصنف وغيره بقوله: (مع سعة الوقت) ومبناه التوقيت

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 3
(2) المستدرك - الباب - 8 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
455

المزبور، وقد عرفت ما فيه، ولعل إطلاق النصوص هنا، بل في بعضها (1) كما عرفت
سابقا أنه " إن فرغ قبل أن ينجلي " أتم شاهد على كل نفي التوقيت بالمعنى الذي ذكروه.
(و) كذا يستحب (أن يكبر عند كل رفع من كل ركوع إلا في الخامس
والعاشر فإنه يقول: سمع الله لمن حمده) بلا خلاف كما اعترف به غير واحد، بل في
المحكي عن المعتبر والتذكرة والمنتهى نسبته إلى علمائنا، بل عن الخلاف والغرية الاجماع
عليه، والاقتصار في معقد الاجماع المحكي عن الغنية على العاشر غير ثابت، وفي صحيح
محمد بن مسلم (2) " وتركع بتكبيرة وترفع رأسك بتكبيرة إلا في الخامسة التي تسجد
فيها تقول: سمع الله لمن حمده " وفي صحيح الرهط (3) " ثم تركع الخامسة فإذا رفعت
رأسك قلت: سمع الله لمن حمده ثم تخر ساجدا، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في
الأولى " وفي الدعائم (4) عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) التكبير للهوي والرفع،
والتسميع في الرفع خاصة في الخامس والعاشر، إلا أنه ترك فيه فيما حضرني من النسخة
ذكر التكبير لأول ركوع، وكأنه إن صحت للوضوح، بل له ترك المصنف ذكر التكبير
للهوي جميعه وذكر رفع اليدين الذي قد عرفت في محله عموم استحبابه في كل تكبير،
هذا وعن النفلية والفوائد الملية أنه روى إسحاق بن عمار نادرا مخالفا للمشهور فتوى
ورواية عموم التسميع إذا ركع وفرغ من السورة وإن لم يكن الخامس والعاشر، قلت:
بل لم أجد الخبر المزبور.
(و) كذا يستحب (أن يقنت خمس قنوتات) عند كل ركوع ثان بعد

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1
(4) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
456

الفراغ من القراءة بلا خلاف فيه عندنا، بل عن صريح الغرية وظاهر غيرها الاجماع عليه
وما عن الصدوقين من أنه إن لم يقنت إلا في الخامس والعاشر جاز لورود الخبر به (1)
ليس خلافا، بل أقصاه الجواز، ولا بأس به بعد المرسل الذي ذكراه خصوصا بعد
العمل به من الفاضل والشهيد وأبي العباس والكركي والجزائري وغيرهم، بل عن الشيخ
وابني حمزة وسعيد والشهيد والكركي وغيرهم جواز الاقتصار على العاشر وفي المنظومة
وفي جواز خامس وعاشر * وجه كذاك الاجتزاء بالآخر
والأمر سهل، نعم ما عن الهداية بعد أن ذكر الخمس من أنه وروي أن القنوت
في الخامسة والعاشرة إن لم يحمل على إرادة الجواز يجب طرحه والاعراض عنه، لأمرهم
(عليهم السلام) بطرح أمثاله من الشواذ المخالفة للمشهور كما هو واضح.
ثم لا يخفى استفادة غير ذلك من المستحبات من النصوص، منها كونها في المساجد
للأمر (2) بالفزع إليها عند حدوث الآية واحتمال الكناية بها عن أماكن الصلاة بعيد
ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) صلاها في مسجده، لكن في الدعائم (4)
" سئل - أي الصادق (عليه السلام) - عن صلاة الكسوف أين تكون؟ قال: ما أحب
إلا أن تصلى في البراز وليطيل المصلي الصلاة على قدر طول الكسوف، وحد السنة أن
يصلي في المسجد إذا صلى معه جماعة " قلت: إلا أن العمل على الأول، نعم ينبغي صلاتها
في رحبة المسجد، لقول الباقر (عليه السلام) في الصحيح (5): " وإن استطعت أن يكون
صلاتك بارزا لا يجنك بيت فافعل " ومنها إكمال السورة، ومنها الجهر بها ليلا أو نهارا

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث - 9 - 6
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات
(3) سنن البيهقي ج 3 ص 341
(4) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث - 9 - 6
457

كما في الذكرى والدروس بل في المنظومة:
والجهر في الآيات يستحب * حتى كسوف الشمس وهو دأب
والقول في الكسوف بالأسرار * يضعف بالاجماع والأخبار
والله أعلم.
(وأما أحكامها فمسائل) منها (ثلاث) ذكرها المصنف: (الأولى إذا حصل
الكسوف) مثلا (في وقت فريضة) يومية (حاضرة) واتسع وقتهما معا (كان مخيرا
في الاتيان بأيهما شاء ما لم تتضيق الحاضرة) أو الكسوف (فتكون أولى) من الموسعة
(وقيل: الحاضرة أولى) في السعة فضلا عن الضيق وقيل بالعكس (والأول أشبه)
بأصول المذهب وقواعده وأشهر، بل هو المشهور بين المتأخرين نقلا وتحصيلا، بل في
التذكرة " لا يجب مع اتساع الوقتين الاشتغال بالحاضرة بلا خلاف " لكن قد يريد
نفيه عدم تعين فعلها لفرض اتساع وقتها، لا ما يشمل جواز فعل الكسوف قبلها
الذي لا ينافي عدمه القول المزبور، لامكان كونهما كالظهر والعصر في عدم جواز فعل
الثانية قبل الأولى وإن كان لا يتعين مع ذلك الاشتغال بها، بل هذا هو المختار عند كثير
من القدماء كالصدوقين والسيد في المصباح والشيخ في النهاية وابني حمزة والبراج على
ما حكي عن البعض، بل في التنقيح نسبته إلى الأكثر، فمن البعيد نفي الخلاف بالمعنى
المزبور، كما أن القول الثالث محكي عن المرتضى، ولعله في غير المصباح وابن أبي عقيل
والآبي والحلي في السرائر بل ادعى الاجماع عليه فيها، ثم قال: وشيخنا أبو جعفر وافق
في جمله وعقوده ورجع، وكذلك في أول كلامه في المبسوط، قلت: ولعله لذا حكى في
الذكرى عن الجمل موافقة النهاية والمحكي لنا من عبارته " خمس صلوات يصلين في كل
وقت ما لم تتضيق وقت حاضرة " وعد منها صلاة الكسوف، ولا صراحة بل ولا ظهور
فيه في الوجوب، بل لعل ظاهره إرادة بيان الجواز دفعا لتوهم الحرمة، فيكون كما حكاه
458

في الذكرى عنه، بل ما يحكى عن المرتضى كذلك لا ظهور فيه ولا صراحة، قال:
" ووقتها ابتداء ظهور الكسوف إلا أن تخشى فوت فريضة حاضر وقتها فيبدأ بتلك
ثم يعود إلى صلاة الكسوف " بل وكذا المحكي من أول عبارة المبسوط قال: " متى
كان وقت صلاة الكسوف وقت فريضة فإن كان أول الوقت صلى صلاة الكسوف،
وروي أنه يبدأ بالفرض على كل حال، وهو أحوط " بل لا يتم ما فيه من الاحتياط
إلا على عدم إرادة الوجوب من الأول، ثم قال: " فإن دخل في صلاة الكسوف ثم
دخل عليه الوقت قطع صلاة الكسوف ثم صلى الفرض ثم استأنف صلاة الكسوف ".
وكيف كان فلا ريب في أن الأقوى الأول للأصل، ولأنه مقتضى الأمر بكل
منهما مع السعة، بل قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (1): " خمس صلوات
تصليهن في كل وقت: صلاة الكسوف والصلاة على الميت وصلاة الاحرام والصلاة التي
تفوت وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل " كالصريح في
تناول محل الفرض كقول أبيه (عليه السلام) في خبر زرارة (2): " أربع صلوات
يصليها الرجل في أي ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها، وصلاة ركعتي طواف
الفريضة، وصلاة الكسوف والصلاة على الميت " والأمر فيهما كالأمر في صحيح ابن مسلم
وبريد بن معاوية (3) عنهما (عليهما السلام) " إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات
صليتها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة فإن تخوفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت
فيه من صلاة الكسوف، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت واحتسب
بما مضى " مراد منه الرخصة، لأنه في مقام توهم الحظر أو المرجوحية في مثل الأوقات

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب صلاة المواقيت - الحديث 5 - 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب صلاة المواقيت - الحديث 5 - 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 4
459

المكروهة فلا يدل على وجوب تقديم الكسوف كما أن قول أحدهما (عليهما السلام) (1):
" ابدأ بالفريضة؟ جواب سؤال محمد بن مسلم في الصحيح له عن صلاة الكسوف في وقت
الفريضة يجب تقييده بما في الصحيح السابق أي " إن تخوفت فابدأ " أو الندب كالمروي
في الدعائم (2) عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) " إذا انكسف الشمس أو القمر في وقت
صلاة فريضة بدأ بصلاة الفريضة قبل صلاة الكسوف " فلا حجة فيهما حينئذ للقول الثاني
وأما الاستدلال له بالأمر بالقطع في صحيح الخزاز (3) سأل أبا عبد الله (عليه
السلام) " عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس وتخشى فوات الفريضة فقال:
اقطعوا وصلوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم " وصحيح محمد (4) قال لأبي عبد الله (عليه
السلام): " ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرين فإن صليت الكسوف
خشيت أن تفوت الفريضة فقال: إن خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم
عد فيها " بتقريب أنه حقيقة في الوجوب، ولولا وجوب تقديم الفريضة لم يتجه وجوب
القطع لها مع سعة وقتها ضرورة ظهور الخبرين في غير وقت التضييق، إذ المراد بالفريضة
في الأول المغرب قطعا لا العصر، وفي الثاني العشاء وخوف فوات وقت إجزائهما الممتد
عندنا إلى النصف لو صلى الكسوف الذي فرض وقوعه قبل مغيب الشمس وبعد المغرب
مقطوع بعدمه، فليس المراد حينئذ إلا وقت الفضيلة، ووجوب القطع له حينئذ يوجب
تقديم مراعاته لو لم يكن متلبسا، ففيه أولا أنه لا تلازم بين الأمرين كما عن الجامع من
القول بالتخيير ابتداء ووجوب القطع لو تلبس ودخل عليه وقت الفريضة، بل لعله ظاهر
ما سمعته سابقا من المبسوط، بل اقتصر على إطلاق الأمر بالقطع لو دخل في المحكي عن

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 1 - 3 - 2
(2) المستدرك - الباب - 4 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 1 - 3 - 2
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات الحديث 1 - 3 - 2
460

المقنع، ولعله ممن يقول بالتخيير ابتداء، وكان الوجه في ذلك الجمع بين ما دل على التخيير
مما سمعت وبين الأمر بالقطع بحمل الثاني على من تلبس فدخل عليه الوقت، والأول
على الابتداء، لكن فيه أن ظاهر الخبرين اشتراط القطع بخوف فوات الوقت، فكان
المتجه إن كانت هي المستند اعتبار ضيق الوقت ولو الفضيلي على ما ذكره الخصم كما هو
ظاهر المروي عن دعائم الاسلام (1) عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) فيمن وقف في
صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت صلاته قال: " يؤخرها ويمضي في صلاة الكسوف
حتى يصير إلى آخر الوقت فإن خاف فوت الوقت قطعها وصلى الفريضة، وكذلك إذا
انكسفت الشمس " إلى آخر ما سمعته سابقا بناء على إرادة الفضيلي بقرينة الدخول من
الوقت فيه بل هو مقتضى كلام ابن حمزة في الوسيلة قال: " وإن كان وقتها أي
الآيات وقت فريضة موظفة ابتدأ بالموظفة، وإن كان وقتها قريبا من وقت الموظفة
ودخل فيها ثم دخل وقت الموظفة أتمها ما لم يخف فوات الموظفة، فإن خاف فوتها قطعها
وصلى الموظفة أو خففها إن أمكن " ولعله يفرق بين الابتداء والاتمام، فلم يجوز في الأول
بخلاف الثاني بأن التلبس يمكن أن يزاحم به الفريضة كما فيمن أدرك ركعة، خصوصا
مع إمكان الجمع بينها وبين ذات الوقت كما هو الفرض.
نعم قد يناقش بظهور الخبرين خصوصا الأخير منهما في الفعل في وقت الفريضة
والقطع إذا خشي فواته لا أنه دخل عليه الوقت وهو متلبس بها، ومنه يعلم بطلان
الاستدلال بهما للقول بوجوب البدأة باليومية خصوصا مع ملاحظة ما سمعته من أدلة
التخيير، وصحيح ابن مسلم وبريد السابق (2) الدال على الفعل في الوقت إلا إذا تخوف
فوات وقت الفريضة سواء أريد وقت الفضيلي أو الاجزائي منه، ومن الغريب ما في

(1) المستدرك - الباب - 4 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 4
461

الحدائق من دعوى انطباق جميع النصوص على القول بالبدأة باليومية إذا أريد الوقت
الفضيلي من الوقت فيها كما هو الظاهر مما عدا صحيح ابن مسلم وبريد، أما هو فلا ظهور فيه
بذلك إلا أنه يكن إرادته منه لشيوع إطلاق الوقت عليه، إذ قد عرفت أنه بناء على ذلك
هي ظاهرة أو صريحة فيما ينافي القول المزبور من ابتداء الصلاة في الوقت ولو الفضيلي إذا
لم يخش فواته كما لو كان متسعا واقتصر على أقل المجزي في الكسوف، نعم خبر الدعائم
منها ظاهر في التلبس قبله، إلا أنه صريح في عدم القطع بالدخول، بل يؤخر حتى يخشى
الفوات، وهو خلاف ما هم عليه، كل ذلك مضافا إلى انسياق عدم الوجوب من الأمر
بالقطع، لأنه في مقام توهم الحظر، ولأنه لتدارك أمر مندوب أي الصلاة في الوقت
الفضيلي، فضلا عن معارضة ما يدل على التخيير مما سمعت الذي بمراعاته يجب حمل هذا
الأمر على ذلك لا الوجوب الذي هو مع القول بالتخيير واضح الغرابة والفساد.
فالمتجه الذي يجامع القول المزبور بل هو الموافق لجميع النصوص بل هي كالصريحة
فيه جواز القطع ورجحانه لتدارك فضيلة الوقت إذا خشي فواته بالاتمام، بل من تأمل
كيفية مطابقة جوابه (عليه السلام) للسؤال - الذي ظاهره عن ابتداء صلاة الكسوف فينبغي
أن يكون جوابه افعل أو لا تفعل لا أقطع ونحوه الملائم للسؤال عمن تلبس وخاف الفوات
بالاتمام - علم أن المراد منه ولو بقرينة المخالفة المزبورة الرخصة بالتلبس مع القطع إذا بلغ
الحد الذي يخاف من فعله فوات الوقت، لا أن السؤال فيها عمن تلبس فبان له ضيق
الاجزاء في الأثناء، إذ هي كالصريحة في خلافه، وليس المراد البطلان من القطع المزبور
حتى يكون الأمر بذلك عبثا لا يليق وقوعه من الحكيم، بل المراد به ترك الاتصال
وفعل الفريضة في أثناء صلاة الكسوف ثم البناء على ما مضى من صلاته، فهو في الحقيقة
مستثنى مما دل على اقتضاء البطلان بمثله، كالمبطون ونحوه ممن عرفت في محله وضوءه
وبناء على صلاة الفريضة بل وغيره ما جاز فعل الكثير فيه في الأثناء للدليل، فاستبعاد
462

ذلك حتى تردد فيه بعض بل قيل بوجوب الاستئناف من رأس في ضيق وقت الاجزاء
فضلا عن محل الفرض اجتهاد في مقابلة النص، أو خطأ واضح في فهم المراد من القطع
فيه، خصوصا في مثل صحيح محمد بن مسلم ويريد المصرح فيه بالاحتساب بما مضى،
وخصوصا بعد الاعتضاد بفهم الأكثر بل المعظم كما في البيان، بل المشهور نقلا وتحصيلا
بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، وعن السرائر أنه يلوح منها الاجماع، بل لا خلاف
أجده فيه قبل الشهيد في الذكرى إلا ما يحكى عن المبسوط نعم يحكى عن الغرية والروض
والشافية ذلك أيضا، قال في الذكرى: لأن البناء بعد تخلل صلاة واجبة لم يعهد من
الشارع تجويزه في غير هذا الموضع، والاعتذار بأن الفعل الكثير يغتفر هنا لعدم منافاته
الصلاة بعيد، فإنا لم نبطلها بالفعل الكثير بل بحكم الشرع بالابطال والشروع في الحاضرة
فإن فرغ منها فقد أتى بما يخل بنظم الكسوف، فيجب إعادتها من رأس تحصيلا ليقين
البراءة، وهو منه عجيب، ضرورة أن الشرع حكم بالصحة في النصوص السابقة
لا البطلان، لكن ينبغي الاقتصار على الفصل بالصلاة خاصة، لعدم ثبوت اغتفار غيره.
وكيف كان فقد بان لك من ذلك كله أنه لا محيص عن إرادة الفصل بالصلاة ثم البناء
من القطع المزبور، إلا أن المعروف بين القائلين بالتخيير على الظاهر اختصاص ذلك بمن
تلبس فبان له ضيق وقت الاجزاء لا وقت الفضيلي، ولا من علم الفوات قبل التلبس
فيبقى الأول على فعله، لأن الفرض تخييره، ولا يجوز للثاني أن يشرع، وكأنهم حملوا
الخبرين المزبورين بقرينة قوله (عليه السلام) فيهما: " اقطع " على المتلبس وعلى أن
المراد وقت الاجزاء بقرينة صحيح محمد بن مسلم ويريد الذي أطلق فيه خوف فوات
الوقت من غير إشعار بالفضيلي فيه، فيظهر منه حينئذ وقت الاجزاء، إذ هو الذي يخاف
خروج الوقت بفواته، ويكون المراد منه حينئذ إن تخوفت فابدأ بالفريضة إن لم تكن
متلبسا، وإلا فاقطع، مضافا إلى موافقة ذلك الاقتصار فيما خالف بطلان الصلاة بمثل
463

هذا الفصل على المتيقن، وعلى محل الضرورة المفقودة في وقت الفضيلي، إذ الفرض
التخيير، وفيه مع أن إرادة وقت الاجزاء من الصحيح المزبور لا يقتضي إرادته من
غيره، بل أقصاه اقتضاء إطلاق المفهوم عدم وجوب القطع وهو مسلم، ولو أريد عدم
الجواز منه كان مقيدا بغيره، وهو ليس بأولى من حمل الوقت فيه على وقت الفضيلي
بقرينة الخبرين المزبورين الظاهرين في إرادة الفضيلي كما عرفت، خصوصا بعد اعتضادهما
بظاهر خبر الدعائم، ولا استبعاد في المحافظة على فضيلة الوقت الذي هو رضوان الله،
وللمؤمن خير من ماله وولده، خصوصا بعد أن لم يكن إبطالا للعمل، بل هو جمع بين
حق العملين، على أن عمدة ما في هذه النصوص من المخالفة هو عدم قدح مثل هذا الفصل
والفرض التزامه في حال الضيق، فمع التزامه لا داعي إلى مخالفة ظاهرها من ثبوت ذلك
للفضيلي، كما أنه لا داعي إلى مخالفة ظاهرها من جواز تلبسه بالفعل إلى حصول ما كان
يخاف أولا من فعله فوات الوقت، فيقطع حينئذ، إذ الفرض خوفه الفوات بالاتمام
لا التلبس كما هو واضح، بل من تأمل حق التأمل علم أن النصوص هنا لوحت بجواب
أسئلتها إلى أنه لا ينبغي الخوف على الفريضة بفعل صلاة الكسوف، لعدم تعين الاتصال
عليه بالتلبس، بل له الفصل بالفريضة إذا خشي الفوات، فحينئذ يتلبس إلى أن يصل إلى
ما يخاف من فعله الفوات فيقطع، فلا يكون قد أخل بالمبادرة إلى صلاة الكسوف الذي
لم يعلم غالبا مقدار مكثه، ولا فاتته فضيلة الوقت، بل جمع بين الأمرين.
نعم لو لم يخش فوات الفضيلة كما لو شرع بعدها أو كان وقتها متسعا لم يكن له
الفصل المزبور، لظهور النصوص بل صراحتها في الشرط المزبور، ودعوى أن الاجماع
المركب على خلاف ذلك كله يدفعها التتبع لكلام الأصحاب، فإنه به يعلم أن لا إجماع
لهم مستقر، لأن من ظاهره البدأة باليومية بين قائل بالقطع بدخول الوقت لو كان متلبسا
464

وبين قائل بانتظار وقت الموظف كما في الوسيلة والمحكي في الذكرى عن أبي الصلاح،
ومن ظاهره التخيير بين مطلق للقطع أيضا بمجرد الدخول كما سمعته عن الجامع، بل
والمبسوط، بل في البيان " لو دخل وقت الفريضة متلبسا بالكسوف فالمروي في الصحيح (1)
عن الصادق (عليه السلام) قطعها وفعل الحاضرة ثم البناء في الكسوف، وعليه المعظم "
وظاهره بل هو كالصريح من ذيل كلامه فلاحظ وتأمل ذلك مع السعة، ولعل جماعة
منهم مخيرون إذ احتمال إرادة خصوص القائلين بابتداء اليومية يدفعه أنهم ليسوا المعظم
خصوصا وقد عرفت أن أبا الصلاح وابن حمزة منهم غير قائلين بالقطع بمجرد الدخول
وفي كشف اللثام " أن ظاهر الفقيه والمقنع والنهاية والمبسوط والمهذب والجامع القطع مع
اتساع وقت الحاضرة " إلى غير ذلك، مع أن كثيرا من عباراتهم خصوصا القدماء
الذين يعبرون كعبارة النصوص غير واضح المراد، فربما عبروا بلفظ قطع ونحوه
ويريدون الندب منه أو غير ذلك. وكيف كان فلا إجماع محقق على نفي ما ذكرناه
كما هو واضح.
هذا كله مع السعة أما مع تضيق أحدهما واتساع الآخر فلا إشكال في تقديم
المضيق، بل في التنقيح والمدارك والحدائق والمحكي عن المنتهى وإرشاد الجعفرية الاجماع
عليه، وهو الحجة بعد معلومية ذلك من أصول المذهب وقواعده، وبها يخرج عن دعوى
إطلاق ما دل على فعل اليومية أو الكسوف بعد تسليمها، خصوصا بعد عدم معلومية
قائل بمقتضاه، بل صرح في الذكرى بأن الظاهر من القائلين بوجوب البدأة باليومية
تقديم الكسوف عند خوف فوات وقته والعلم باتساع الحاضرة، لكن في كشف اللثام
" أن ظاهر الصدوقين ومن تلاهما أي ممن قال بوجوب البدأة باليومية تقديم الفريضة
وإن اتسع وقتها وضاق وقت الكسوف " قلت: إلا أن ما تقدم من الأصول والاجماعات

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 4
465

السابقة وغيرها فضلا عن إجماع السرائر المتقدم آنفا على تقديم صلاة الكسوف مع السعة
فضلا عن ضيقها حجة عليهم، نعم قد يقال بناء على ما قدمناه من التسبيب في الكسوف
وعدم اعتبار وقوع الفعل حال وجود السبب: وإنما يجب المبادرة إلى الفعل حال حصول
السبب بجواز القطع في الأثناء إذا خشي فوت الفضيلة، لاطلاق الأدلة السابقة وترك
الاستفصال فيها ولا يلزمه جواز الابتداء كذلك، إذ قد يمنع باعتبار منافاته للمبادرة
المزبورة، بخلاف الفرض فإنه في الفعل ومتلبس به وإن فعل في أثنائه ما فعل، ولا دليل
على وجوب المبادرة في إتمام في مثله، بل لعل إطلاق القطع هنا للفضيلة في النصوص
السابقة من غير استفصال بين بقاء الكسوف وعدمه دليل على خلافه، كما أنه يشهد
للتسبيب الذي قلناه سابقا، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فالمراد حينئذ بضيق وقت الفريضة المانع من صلاة الكسوف عدم
سعة فيه للتلبس بها لا أنه غير واسع لتمامها إذ قد عرفت أنه لا يتعين عليه الاتمام بالتلبس
فحينئذ له التلبس بها إلى بلوغ ما به الفوات فيقطعها ثم يفعل الفريضة في أثنائها ثم يبني
على ما مضى من صلاته، بل قد ينقدح من ذلك ندرة مزاحمة الكسوف للفريضة،
ضرورة إمكان تكبيرة الاحرام ثم فعل الفريضة في أثنائه، فإذا أريد المحافظة على المبادرة
اللازمة للكسوف فعلها ثم صلى الفريضة في الأثناء وجوبا إن ضاق وقتها الاجزائي، وندبا
لادراك وقتها الفضيلي، فيكون قد جمع بذلك بين الأمرين، ولعل إطلاق النصوص
المزبورة وما فيها من تعليم القطع ثم البناء عند خوف الفوات وعدم الإشارة في شئ منها
إلى ضيق ومقت الكسوف وأنه به تتقدم على الفريضة مع السعة فيه كمال الايماء إلى ذلك.
ومن ذلك كله يعلم الحال فيما لو ضاقا معا الذي هو كأنه لا خلاف عندهم في
تقديم اليومية معه كما في كشف اللثام، بل في الذكرى نفيه على البت، بل في التنقيح
الاجماع عليه، لمعلومية أهمية اليومية من نصوص المقام وغيرها، بل المتجه وجوب القطع
466

لو بان في الأثناء كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا، بل في كشف اللثام
على القطع حين خوف الفوات الاجماع على ما في المعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام
وكلامهم يعم ضيقهما وإن كنا لم نتحقق التعميم المزبور في بعض ذلك، إلا أنا في غنية
عنه بمعلومية الأهمية، والنصوص وإن كان قد نزلناها على جواز القطع لخوف فوت الفضيلة
إلا أنه لا ريب في أولوية المقام منه بذلك، ومتى جاز القطع وجب الفعل، إذ لا مانع
إلا التلبس المزبور، فمع فرض عدم وجوب الاتصال لم يصلح للمانعية، فما في التذكرة
والمحكي عن النهاية من التردد في ذلك من أولوية الحاضرة بالأصل وأولوية صلاة الكسوف
بالشروع في غير محله، خصوصا بناء على ما سمعته منا من عدم التوقيت لتمام صلاة
الكسوف، نعم ما احتمله فيهما من وجوب الاتمام إن كان يدرك مع ذلك من الفريضة
ركعة لا يخلو من وجه بل مال إليه الطباطبائي في المنظومة وإن كان الأقوى خلافه أيضا
لما عرفت من احتمال القطع مع ضيق وقت الكسوف لادراك الفضيلي فضلا عن الوقت
الاختياري للصحة، هذا كله مضافا إلى ما عرفت من ندرة فرض التضيق على وجه
تزاحم به صلاة الكسوف الفريضة بناء على أن المعتبر في الأولى التلبس حال السبب مع
الامكان لا الاتمام، لعدم التوقيت فيها، إذ يكفي فيها حينئذ الدخول ولو بالتكبير ثم
القطع وفعل الفريضة، فتأمل جيدا في المقام فإنك لم تجد ما ذكرناه في كتب أحد من
الأعلام، ولذا طال بنا الحال في وضوح ما فيه من الاجمال، والله الهادي للحق من الضلال.
ثم إن الظاهر جريان جميع ذلك في باقي الآيات للتسوية بين تسبيبها ومسبباتها في
النصوص السابقة، مضافا إلى ما في صحيح ابن مسلم وبريد (1) هنا من ذكر الكسوف
وغيره من الآيات، لكن في الذكرى " لا يتصور في الزلزلة التضيق عند من قال بوجوبها
طول العمر فتقدم عليها الحاضرة مع تضيقها ويتخير مع السعة، وكذا باقي الآيات إن

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 4
467

قلنا بمساواتها الزلزلة وفي انسحاب خلاف الجماعة فيها نظر، من عدم دلالة الرواية عليه
ومن أن اهتمام الشارع بالحاضرة أشد ووجوبها ألزم " وفيه أنك قد عرفت المراد بقولهم
وقتها العمر من أنه تصلى أداء فيه فيما لو أهمل أو نسي لا أن المراد التوسعة طوله، لظهور
النصوص في الفورية المنافية لذلك، كما اعترف هو به سابقا، فحينئذ يتصور التضيق فيها
بل قد عرفت أن التحقيق عدم الفرق بينها وبين غيرها من الكسوف ونحوه من الآيات
في كون الجميع من باب الأسباب.
نعم قد يقال في مثل الكسوف ونحوه مما امتد فيه السبب: إنه يعتبر فيه التلبس
بالفعل حال وجوده، لا أنه يجب عليه الفور بمجرد حصوله، ومن هنا صح فرض التوسعة
فيه وفي اليومية، أما في مثل الزلزلة ونحوها مما يجب فيه الفور ولا امتداد للسبب فيه غالبا
فلا يتصور التوسعة فيهما معا حتى يتخير فيهما، بل المتجه حينئذ التلبس بصلاة الآيات،
وإذا خاف من الاتمام فوات فضل الفريضة أو إجزاءها وجب القطع أو رجح وفعل
الفريضة في الأثناء ثم البناء بعد ذلك كما تضمنه الصحيح المزبور، فتأمل جيدا.
ومن ذلك يعلم الحال فيما ذكره فيها أيضا من أنه " لو ضاق وقت الوقوف بعرفة
أو المشعر ولم يبق للمكلف إلا قدر يسع الوصول إليهما وأقل المكث فيهما ففتحت صلاة
الآيات فالأقرب فعلها ماشيا تحصيلا للواجبين إذا خاف سبق وقتها، نعم لو كان في
زلزلة أخرها لعدم التوقيت " إذ فيه ما عرفت من أن الزلزلة كغيرها في ذلك باعتبار
الفورية كما هو واضح.
هذا كله في الفريضة اليومية، أما لو كان التعارض بين الآيات وغيرها مما وجب
بالأصل كالعيد أو بالعارض كالنافلة المنذورة فقد يقال: إن المرجع فيه ما تقتضيه القواعد
من التخيير في السعة والتضيق فيهما وفعل خصوص المضيق منهما، لكن في الذكرى
" لو كانت صلاة الليل منذورة فكالفريضة الحاضرة في التفصيل السابق وهل ينسحب
468

فيها قول البناء وكذا في كل صلاة منذورة تزاحم صلاة الكسوف؟ الظاهر لا، اقتصارا
على مورد النص مع المخالفة للأصل - وقال -: إذا اجتمع الكسوف، والعيد فإن كانت
صلاة العيد نافلة قدم الكسوف، وإن كانت فريضة فكما مر من التفصيل في الفرائض،
نعم تقدم على خطبة العيد إن قلنا باستحبابها كما هو المشهور " وفيه ما لا يخفى مع فرض
اختصاص النصوص في اليومية، لعدم ثبوت الأهمية من غيرها، ولو قلنا بشمولها كان
الظاهر جريان القطع ثم البناء لا عدمه، وتمثيله بالكسوف مع العيد نظرا إلى قدرة الله وإن
لم يكن معتادا، قال هو فيها: " قد اشتهر أن الشمس كسفت يوم عاشوراء لما قتل الحسين
(عليه السلام) كسفة بدت الكواكب نصف النهار فيها رواه البيهقي (1) وغيره، وقد
قدمنا أن الشمس كسفت يوم وفاة إبراهيم بن النبي (صلى الله عليه وآله) وروى الزبير
ابن بكار في كتاب الأنساب (2) أنه توفي في العاشر من شهر ربيع الأول، وروى
الأصحاب (3) أن من علامات المهدي (عليه السلام) كسوف الشمس في النصف الأول
من شهر رمضان " قلت: خصوصا والمروي في الكافي (4) والفقيه (5) وتفسير ابن
إبراهيم (6) عن علي بن الحسين (عليهما السلام) من كيفية الكسوفين خلاف ما يقوله
المنجمون من الحيلولة ونحوها، بل هو انطماس الشمس والقمر في البحر الذي خلقه الله
بين السماء والأرض إذا أراد الله أن يستعتب عباده على كثرة ذنوبهم بآية من آياته أمر
الملك الموكل بالفلك الذي فيه مجاري الشمس والقمر أن يزيله عن مجاريه، فتصير الشمس

(1) سنن البيهقي ج 3 ص 337
(2) سنن البيهقي ج 3 ص 337
(3)
(4) روضة الكافي - ص 83 الرقم 41 المطبوعة بطهران عام 1377 " حديث البحر
مع الشمس "
(5) الفقيه ج 1 ص 340 - الرقم 1509 المطبوع في النجف
(6) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
469

في ذلك البحر فيطمس ضوؤها ويتغير لونها وكذلك القمر، بل قال الصدوق بعد رواية
ذلك إن الذي تخبر به المنجمون من الكسوف فيتفق كما يذكرونه ليس من هذا الكسوف
في شئ، وإنما يجب الفزع إلى المساجد للصلاة عند رؤيته لأنه مثله في النظر وشبيه له
في المشاهدة، كما أن الكسوف الذي ذكره علي بن الحسين (عليهما السلام) إنما وجب
الفزع فيه لأنه آية تشبه آيات الساعة، وكذلك الزلازل والرياح والظلم، بل عن البحار
أن ذلك قوى متين، إذ رأي وقوع الكسوفين في غير الوقت الذي يمكن وقوعهما فيه
عند المنجمين كالكسوف والخسوف في يوم شهادة الحسين (عليه السلام) وليلته، وما
روي من وقوعهما عند ظهور القائم (عليه السلام) في غير أوانهما، وعن والده يحتمل
أن يكون ما في الخبر غير ما عند المنجمين كما يقع في بعض الأوقات على خلاف قولهم
وشاهدناه مرارا، قلت: لكن وقوعه بقدرة الله تعالى كذلك لا ينافي ما عند المنجمين
نعم الخبر المزبور ظاهر المنافاة له وإن أمكن على بعد تطبيقه عليه.
وكيف كان فليعلم أن الظاهر حيث تجب البدأة باليومية مطلقا أو في حال تضيق
وقتها بعد أن استقر وجوب صلاة الكسوف عدم البطلان لو خالف بناء على عدم اقتضاء
النهي عن الضد، واختصاص الوقت في الشريكة لا مطلق الفريضة، واحتمال ظهور
النصوص هنا في البطلان يدفعه أولا أنه لا يتم بناء على ما ذكرناه فيها من إرادة الوقت
الفضيلي فيها، فلا يكون الأمر بالبدأة والقطع فيها للوجوب، وثانيا أنه بعد تسليمه
لا ظهور في شئ منهما بالشرطية المقتضية للبطلان حتى الأمر بالقطع المكنى به عن فعل
الفريضة في الأثناء لا الابطال، فتأمل جيدا.
ولو اشتغل بالحاضرة في حال الضيق فانجلى الكسوف فإن كان قد فرط في تأخير
الكسوف فلا إشكال في القضاء، كما أنه لا خلاف ولا فرق بين الاستيعاب وعدمه كما
عرفته سابقا مفصلا، وإن لم يكن مفرطا فالمشهور عدم القضاء سواء فرط في تأخير الحاضرة
470

أولا، وسواء كان عالما بحصول الكسوف أولا، للأصل وإطلاق نفي القضاء في النصوص
السابقة بعد مضي السبب ولعدم حصول سبب القضاء الذي به يتحقق الفوات، ضرورة
عدم التكليف بها مع الفريضة بعد فرض قصور الوقت عنهما، فينحصر الخطاب حينئذ
بالحاضرة ويسقط التكليف بها، فلا فوات حينئذ، وتأخير الحاضرة كان مباحا إلى
ذلك الوقت المقتضي عدم التكليف بها، والعلم بوقوع الكسوف لو حصل لا يوجب عليه
المبادرة، ضرورة عدم وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها، لكن في الذكرى والبيان أن
الأقرب القضاء إن كان قد فرط في فعل الحاضرة أول الوقت، لاستناد إهمالها إلى ما
تقدم من تقصيره، قيل: وتبعه عليه العليان وثاني الشهيدين، بل عن الأخير ذلك أيضا
إذا كانت الحاضرة واجبة وإن كان التأخير بغير اختياره، قال: " أما إذا كان معذورا
فيه عذرا يرفع التكليف كالصغر والجنون والاغماء والحيض فوجهان، والعدم أوجه "
" وفي الذكرى أن عدم القضاء أظهر لعدم التفريط، قال: " وفي إجراء الناسي والكافر
يسلم عند الضيق مجرى المعذور عندي تردد، لأن التحفظ من النسيان ممكن غالبا،
والكافر مأخوذ بالاسلام ومخاطب بالصلاة، ومن عموم " رفع " و " الاسلام يجب ما قبله "
ولو قيل بقضاء الكسوف مطلقا كان وجها، لوجود سبب الوجوب فلا ينافيه العارض "
قلت: كأنه أشار بذلك إلى احتمال التسبيب الذي يشهد له مضافا إلى ما عرفت إطلاق
النصوص في المقام وجوب فعل صلاة الكسوف، بل خلوها عن التعرض للسقوط فيما لو
ضاق وقت الحاضرة وكان الاشتغال بها يخرج معه الكسوف الذي هذا المقام مقام بيانه
باعتبار كون السؤال عن مثل ذلك، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فوجوب القضاء متجه بناء على كونه سببا في الوجوب مطلقا
كتسبيب الجنابة الغسل، بل هو ليس من القضاء في شئ، فمقتضاه حينئذ الوجوب حتى
على الفاقد شرائط التكليف بعد وجدانها كالجنابة، لكنه في غاية البعد، بل مقطوع
471

بعدمه في مثل الحائض كما اعترف هو به، قال: أما الحائض فلا تقضي الكسوف الحاصل
في أيام الحيض لأن الحيض مانع للسبب بخلاف بقية الأعذار، فإنه يمكن كونها مانعة
الحكم لا السبب، اللهم إلا أن يفرق بينها وبين غيرها بما ورد فيها من أنها تقضي الصوم
دون الصلاة، فيكون الحيض حينئذ مانعا للسبب بخلاف باقي الأعذار مما لم يرد فيها ذلك
فيبقى إطلاق السبب بحاله، وفيه أنه ليس في الأدلة ما يقضي بالتسبيب المزبور، بل
ظاهرها باعتبار ظهورها في المبادرة للفعل حال السبب أو في إيجاد تمام الفعل في وقت
السبب على اختلاف الرأيين اعتبار جميع شرائط التكليف في التسبيب، بل وشرائط
المكلف به التي منها عدم الموانع، فحينئذ يتجه عدم القضاء فيما نحن فيه مما منع منه الاشتغال
بالفريضة فضلا عن فقد شرائط التكليف كالعقل والبلوغ ونحوهما بناء على التسبيب فضلا
عن التوقيت، وإطلاق نصوص المقام وخلوها عن التعرض للسقوط يمكن أن يكون مبناه
ما أشرنا إليه سابقا من ندرة ضيق وقت الكسوف عن التلبس بصلاته، وهو كاف
في الامتثال وإن قطع وفعل الفريضة في الأثناء إذا خاف فواتها فتأمل.
ومن ذلك كله يظهر ما في منظومة العلامة الطباطبائي، فإنه وإن أجاد فيها ببيان
عموم وجوب فريضة الآيات لسائر المكلفين حر أو عبد حاضر أو مسافر أعمى أو مبصر
رجل أو امرأة عدا الحائض والنفساء، فإنهما لا أداء عليهما في الموقتة ولا قضاء،
لكن قال: أما التي تمتد طول العمر فإنها تلزم بعد الطهر مشيرا بذلك إلى ما كان من
الآيات من الأسباب كالزلزلة، وفيه مضافا إلى ما عرفت سابقا من المراد بالتوقيت
طول العمر أنه يمكن منع التسبيب في مثلهما أيضا بعد أن جعل الشارع الحيض والنفاس
مانعا من التكليف بالصلاة فهما حينئذ كالجنون وعدم البلوغ ونحوهما في ذلك، والفرق
بينهما بقابلية الحائض للخطاب بالفعل ولو فيما بعد الحيض بخلاف الجنون ونحوه - بل
472

ليس الحيض ونحوه إلا من موانع صحة الفعل في ذلك الحال لا أصل التكليف - غير
مجد بعد أن استظهرنا من الأدلة كون التسبيب على الكيفية المزبورة، فتأمل.
وكذا يظهر مما ذكرنا أيضا البطلان لو خالف بأن ترك الحاضرة واشتغل
بالكسوف حينئذ لا للنهي عن الضد ولا لغيره مما عرفت سابقا، بل لعدم التكليف به
حينئذ لقصور الوقت بخلاف ما تقدم مما استقر فيه وجوب الكسوف فلم يفعله حتى ضاق
وقت الفريضة، فإن الأظهر فيه الصحة لو خالف، إذ احتمال تمحض الوقت للفريضة على
وجه الاختصاص بحيث لا يقع صلاة الكسوف فيه لا دليل عليه، بل أقصاه وجوب
التقديم للأهمية، فهو كالمضيق الذي يجب فعله لضيقه فتركه واشتغل بالموسع، فإن الأقوى
فيه الصحة كما بيناه في الأصول، بل قد يقال بالصحة في الفرض أيضا لو خالف وإن
كان الوقت قاصرا، لاطلاق دليل الوجوب الذي قيد في حال عدم المعصية بدليل اليومية
أما لو عصى فتركها وصلى غيرها فيبقى تحت الاطلاق، لعدم المعارض له في هذا الحال،
وحينئذ لا فرق في المطلقين بين الموقتين وغيرهما، وبين تضيقهما بالعارض من سوء
اختيار ونحوه، والضيق من أول الأمر والممتنع عقلا امتناعا يوجب رفع الخطاب أصلا
في الموقتين بوقت مشخص يقصر عنهما، فلو جاء في الأدلة الظاهرية مثله وجب العمل
بما يرجع منهما وطرح الآخر بخلاف المطلقين، فتأمل جيدا، ولتفصيل المقام محل
آخر، هذا.
وفي الذكرى لو اجتمعت آيتان فصاعدا في وقت واحد كالكسوف والزلزلة
والريح المظلمة فإن اتسع الوقت للجميع تخير في التقديم، ويمكن تقديم الكسوف على الآيات
لشك بعض الأصحاب في وجوبها، وتقديم الزلزلة على الباقي، لأن دليل وجوبها أقوى
ولو اتسع لصلاتين فصاعدا وكانت الصلوات أكثر مما يتسع له احتمل قويا هنا تقديم
الكسوف ثم الزلزلة ثم يتخير في باقي الآيات، ولا يقضى ما لا يتسع له إلا على احتمال
473

عدم اشتراط سعة الوقت للصلاة في الآيات ولو وسع واحدة لا غير فالأقرب تقديم
الكسوف للاجماع عليه، وفي وجوب صلاة الزلزلة هنا أداء أو قضاء وجهان، وعلى
قول الأصحاب بأن اتساع الوقت ليس بشرط يصليها من بعد قطعا، وكذا الكلام في
باقي الآيات، وهو جيد على التوقيت، لكن لا يخفى عليك ما في احتمال ترجيحة
الكسوف والزلزلة في الموسع إن أراد به الوجوب بل والندب، نعم يمكن الترجيح بنحو
ذلك عند التضيق على إشكال، على أنا لم نعرف من شك في وجوب ما عدا الكسوفين
من الآيات مطلقا، وما في ذيل كلامه حكاه عن الأصحاب في الزلزلة وفي الوجهين
في خصوصها على تقدير غيره، فتأمل، وأما على القول بالتسبيب كالجنابة فلا إشكال في
وجوب الجميع والأقوى التخيير، وعلى ما ذكرناه فيه فهو كالموقت يجري فيه ما قاله
في الموقت إلا ما سمعته فيه، والله أعلم.
المسألة (الثانية إذا اتفق) صلاة (الكسوف في وقت نافلة الليل فالكسوف
أولى) إجماعا بقسميه ونصا، بل في معقد إجماع التذكرة والمحكي منهما عن المعتبر والمنتهى
مطلق النافلة وفي الأخير موقتة أولا، راتبة أولا، وفي الأولين (وإن خرج وقت
النافلة) قال محمد بن مسلم (1) لأبي عبد الله (عليه السلام): " إذا كان الكسوف آخر
الليل فصلينا صلاة الكسوف فاتتنا صلاة الليل فبأيهما نبدأ؟ فقال: صل صلاة الكسوف
واقض صلاة الليل حين تصبح " وله وغيره من أدلة القضاء قال المصنف كغيره من
الأصحاب: (ثم يقضي النافلة) لكن ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا كان الوقت واسعا لهما
ولم يكن قد صلى النافلة حتى ضاق الوقت، أما إذا لم يكن كذلك بل كان لا يسع
إلا أحدهما فاشتغل بالكسوف ففات الوقت ففي القضاء وعدمه وجهان من إطلاق
الأمر به، ومن عدم حصول سبب الأداء، لقصور الوقت بناء على أن موضوع القضاء

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 2
474

فيه الفوات أو تحقق الخطاب، وعلى كل حال فلو عصى واشتغل بالنافلة بطلت لما عرفت
سابقا، مع احتمال الصحة لاطلاق الأمر بها، أما لو كان الوقت واسعا فالجواز وعدمه
مبنيان على التطوع وقت الفريضة بناء على شمولها للكسوف، وفي جامع المقاصد أن
الأولوية هنا بمعنى الأحقية، فلو قدم صلاة الليل مع القطع بسعة الكسوف فالظاهر
الجواز، وكذا غير نافلة الليل من النوافل، لكن قال: وظاهر المصنف في كتبه العدم
وهو مستفاد من إطلاق قولهم: تصلى النافلة ما لم يدخل وقت الفريضة، بل في مفتاح
الكرامة ليس ذلك ظاهر المصنف وحده، بل ظاهر إطلاق الفتاوى والاجماعات أنه لا
فرق بين ما إذا اتسع وقت صلاة الفريضة بحيث ما لو أتى بالنافلة أدركها بعدها أولا،
بل بذلك صرح الشهيد وغيره، قلت: كأنه يريد المنع هنا وإن قلنا بالجواز هناك كما هو
كالصريح من بعضهم، وهو وإن كان قد يشهد له مضافا إلى ما ذكره إطلاق قول الصادق
(عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم (1): " صل صلاة الكسوف قبل صلاة الليل "
لكن حمله على مطلق الرجحان كالاطلاقات السابقة ممن لم يقل بحرمة التطوع قبل الفريضة
ليس بذلك البعيد بناء على جواز التطوع وقت الفريضة، بل يمكن القول بالجواز هنا
وإن قلنا بالمنع هناك بناء على انسياق اليومية من أدلته، فلا معارض لاطلاق أدلة فعل
النافلة إلا الخبر المزبور المعارض من وجه، ولا ترجيح، فالأصل الجواز، أو يحمل على
إرادة الرجحان، خصوصا بعد معلومية أولوية الفريضة منها، والفرض جواز التطوع في
وقتها فهي بطريق أولى ومعاقد الاجماعات كاطلاق كثير من الفتاوى غير مساقة
لبيان ذلك بل المراد منها، أولوية الكسوف من النافلة ولو على جهة الرجحان لا مقابل
رجحان الفريضة عليها، فمن الغريب دعوى عدم الجواز هنا وإن قلنا بالجواز هناك

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1 عن
أحدهما عليهما السلام
475

استنادا إلى هذه الاطلاقات، خصوصا بعد ما سمعته من الكركي، فتأمل جيدا، والله أعلم
المسألة (الثالثة) ظاهر المحكي عن ابن الجنيد خاصة أنه (يجوز أن يصلي صلاة
الكسوف على ظهر الدابة) المفوت للاستقرار وغيره اختيارا تبعا للمحكي عن الجمهور مع
زيادة (وماشيا، وقيل) والقائل غيره من الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم فيه
بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا: (لا يجوز ذلك إلا مع العذر) كالفرائض اليومية
(وهو الأشبه) بل أصح، بل لا وجه صحة في غيره، بل من الغريب من المصنف
تقديم الأول عليه، والتعبير عنه بلفظ القيل والأشبه، وأغرب منه ما في التنقيح من
دعوى أن المصنف في المعتبر حكى الجواز اختيارا كالنوافل، والذي فيه " ولا تصلى
على الراحلة مع الامكان وتجوز مع الضرورة " وقال ابن الجنيد: استحب أن يصلى
بها على الأرض، وإلا فبحسب حاله، وقال الباقون: تصلى على الراحلة كغيرها من
الفرائض، مراده كغيرها من الصلاة في حال الضرورة بقرينة قوله بعد ذلك: ويؤيده
خبر عبد الله بن سنان (1) إلى آخره. بل المحكي عن ابن الجنيد ليس بذلك الظهور،
لأنه قال: " هي واجبة على كل مخاطب سواء كان على وجه الأرض أو راكب سفينة
أو دابة عند تعينه به، ويستحب أن يصليها على الأرض، وإلا فبحسب حاله " ومن
هنا قال في المحكي عن المختلف: وهو مشعر بذلك.
وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه، لما عرفت سابقا من مشاركة هذه الفريضة
لغيرها من الفرائض في جميع ما يعتبر فيها من شرائط وموانع وكيفية وغيرها، وإنما
تزيد ببعض الأمور التي عرفتها، فقول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمان (2):
" لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض " لا إشكال في شموله لها، وأوضح منه خبر
عبد الله بن سنان (3) سأل أبا عبد الله (عليه السلام) " أيصلي الرجل شيئا من المفروض

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 4 - 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 4 - 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 4 - 1 - 4
476

راكبا؟ فقال: لا إلا من ضرورة " بل قد يظهر من مكاتبة علي بن الفضل الواسطي (1)
للرضا (عليه السلام) معلومية ذلك، وأن الاشكال في حال الضرورة، قال: " كتبت
إليه (عليه السلام) إذا انكسفت الشمس أو القمر وأنا راكب لا أقدر على النزول فكتب
إلي صل على مركبك الذي أنت عليه " بل لو كان الجواب فيه مبنيا على السؤال كان
دالا بالمفهوم على المطلوب، والله أعلم.
إلى هنا تم الجزء الحادي عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله
وقد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته للنسخة الأصلية
المصححة المخطوطة بقلم المصنف طاب ثراه وقد خرج
خاليا عن الأغلاط إلا ما ندر وزاغ عنه البصر
ويتلوه الجزء الثاني عشر في صلاة الأموات
وبقية الصلوات إن شاء الله
تعالى
عباس القوچاني

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الكسوف والآيات - الحديث 1
477