الكتاب: اللمعات النيرة
المؤلف: الآخوند الخراساني
الجزء:
الوفاة: ١٣٢٩
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: السيد صالح المدرسي - مدرسة ولى عصر العلمية - قسم الدراسات والبحوث
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٢ - ١٣٨٢ ش
المطبعة: زيتون
الناشر: المرصاد - قم
ردمك: ٥-٨-٩٠٦٢٧-٩٦٤
ملاحظات:

بسم الله الرحمن الرحيم
1

التراث الفقهي
للمحقق الخراساني - 1
اللمعات النيرة
في
شرح تكملة التبصرة
للمحقق الخراساني
(1255 - 1329)
تحقيق
السيد صالح المدرسي
مدرسة ولى عصر العلمية
قسم الدراسات والبحوث
3

آخوند خراساني، محمد كاظم بن حسين، 1255 - 1329 ق.
اللمعات النيرة في شرح تكملة التبصرة / للمحقق الخراساني. -
قم - مرصاد، 1380.
408 ص. - (ميراث فقهي محقق خراساني، 1)
كتابنامه: ص 355 - 368، همچنين به صورت زيرنويس
شابك: 5 - 8 - 90627 - 964
1. فقه جعفري - قرن 13 الف. مدرسي، سيد صالح 1336 محقق ب. عنوان
ج. عنوان: تكملة التبصرة
358 آ / 7 / BP 183 342 / 297
فهرست نويسى پس از انتشار
شابك 5 - 8 - 90627 - 964
- 5 - 8 - 90627 - 964: ISBN - 9
اللمعات النيرة في شرح تكملة التبصرة
المؤلف: المحقق الخراساني
التحقيق: السيد صالح المدرسي
مدرسة ولي العصر العلمية - قسم الدراسات والبحوث
الناشر: مرصاد
المطبعة: زيتون
الطبعة: الأولى 1422 ق، 1380 ش
الكمية: 2000 نسخة
السعر: 1800 تومان
حقوق الطبع محفوظة للناشر
عنوان: قم، شارع معلم، مدرسة ولي العصر العلمية، هاتف: 7741795
4

بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير
الكتاب الحاضر جزء من التراث الفقهي للمحقق الكبير الفقيه الأصولي
الشهير في العصر الأخير المولى محمد كاظم الخراساني المعروف بالآخوند.
واشتهار المحقق الخراساني وانتشار صيته في الحوزات العلمية بل خارجها
يكفينا عن التعريف به. وكان لأثره الغالي كفاية الأصول التأثير الأكبر في هذا
الاشتهار حيث أصبح متنا دراسيا في الحوزات العلمية إلا أن القسم الفقهي من
آثاره لا يقل أهمية عن الأصولي منها يستحق التحقيق والتأمل بجدارة.
وهذه الآثار تمتاز بالايجاز إلى جنب الاحتواء ككتابه كفاية الأصول فالصفة
العامة على قلم هذا المحقق الاقتصار على اللب والمغزى مجانبا الخروج عن دائرة
الموضوع أو الافراط في نقل الآراء والأقوال.
هذا وقد قام قسم التحقيق بمدرسة ولي عصر عجل الله فرجه الشريف
حسب طاقاته المحددة بالاهتمام بتنقيح وتحقيق واخراج مجموعة فقهية من تلك
الآثار منها هذا الكتاب.
وقد تحمل عبئ هذه المهمة باهتمام يليق بالتحسين الأخ الفاضل المكرم الحجة
5

السيد صالح المدرسي فأخرج الكتاب مصححا محققا بصورة لائقة شكر الله سعيه.
كما أن الأخ المكرم الحجة السيد جعفر النبوي جد في تمهيد وإدارة الشؤون
المتعلقة بالتحقيق وطبع هذا الأثر فهو أهل لكل شكر وتقدير.
وفي الختام رأيت من الجفوة أن لم أورد ذكرا لذلك العالم المهذب والدي
المرحوم آية الله العظمى الآملي - قدس سره الشريف - حيث إنه (رحمه الله) اهتم مع كثرة
اشتغالاته العلمية بتأسيس هذه المدرسة لتكون محلا للتحقيق والتدريس في مجال
المعالم الدينية وخاصة فقه آل محمد عليهم صلوات الله تغمد الله روحه العالي برحمته
الواسعة بمحمد وآله.
صادق لاريجاني
قم 17 / 8 / 1380 الموافق 22 شعبان المعظم 1422 ه‍
6

مقدمة التحقيق
7

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
إذا كان من نظام حياة الانسان أن يقوم بنفسه لسد حاجاته والتوصل إلى
متطلباته وإصلاح شؤونه فإنه يواجه وبصورة دائمة خيارين بين ما يناسب شأنه
وطبيعة أمره ووجوده وما لا يناسب ذلك.
فهو مضطر إلى ضبط الخيارات المناسبة والحركات الهادفة إلى غرض
تضمين سلامته ودوامه وخيره وصلاحه ومن هذا المبدأ جاء الاسلام بتشريعه
القويم على لسان نبيه ليبين للإنسان حدود هذه الخيارات والحركات وثغورهما
فيجعله على سبل السلام والصراط الأقوم لحياته ويخرجه عن الضنك في العيش
إلى الرغد فيه ومن الظلمات في المسالك إلى الأنوار المضيئة فيها.
فوعت هذا البلاغ قلوب سليمة وتسلمت الأمانة أيدي آهلة لها فقامت
طائفة منها بدورها إلى استيعاب معالم الشريعة حسب وسعها بدءا ومآلا ظاهرا
وباطنا لتروى وتتأمل في ظل تعاليم صاحب الرسالة والكتاب المنزل عليه فلم تجد
9

لهذا الدين منبعا ومصدرا إلا الكتاب كتاب الله المنزل وما صدر عن الرسول
قولا وفعلا وسكونا كما أن قسما منهم من الذين وعوا مغزى الدعوة المحمدية وهذا
النداء السماوي والغاية المحكمة رأت وبالبراهين المتقنة وبالوجدان من صاحب
الرسالة استمرار الخط الرسالي في أهل بيت النبوة وعترته في الدرجة التالية بعده
فاقتفوا آثارهم كاقتفائهم آثار النبوة إلى جنب الكتاب العزيز القرآن المجيد فقام
أصحاب الفكر والوعي من هؤلاء على مركب العقل بدراسة الكتاب والسنة
واعتنوا بهذا الشأن كل العناية وراعوا ذلك رعاية المتعلم النشيط معلمه والمتأدب
مؤدبه فحاولوا فهم الدين وفقهه - ومن ضمنه الأحكام والتشريعات -.
وعبر الدهور والأجيال تطور هذا العلم كما وكيفا بفضل ما من به صاحب
الرسالة وأهل بيته العترة الهادية من جانب وبذل الطالبين جهدهم ومساعيهم من
جانب آخر فهم لم يألوا جهدا وجدوا سيرا فلم تمنعهم لومة لائم ولا مضرة شائك
فجزاهم الله جزاء المحسنين وأبدلهم بما عنده من النعيم وأحلهم محل رضوانه. آمين.
وممن تابع هذا الخط وقام بمهمة المحافظة على هذا التراث الأوحد كحلقة
الوصل إلى الخلف من الأجيال هو المحقق الأصولي البارع والفقيه العظيم المولى
محمد كاظم الهروي الخراساني المعروف بالآخوند أو المحقق الخراساني (رحمه الله) فهو شيخ
مشائخ المتأخرين وقدوة أهل أصول الفقه بل الفقه.
فهو غني عن التعريف والترجمة فقد خالط اسمه في الحوزات العلمية الشيعية
بعلم الأصول بفضل كتابه المعروف - كفاية الأصول - في الدرجة الأولى وحاشيته
على فرائد الأصول للشيخ الأعظم العلامة الأنصاري (قدس سره) في الثانية حيث إن الأول
وضع كتابا دراسيا يتعلمه الطلاب في مرحلة السطح العالي - حسب نظام الدراسة
في الحوزات العلمية - كما أن مرحلة خارج الأبحاث في هذه الحوزات تزيد من آراء
المحقق الخراساني أهمية واهتماما كبيرا واعتناء أكثر فأكثر قل ما يبحث موضوع
10

أصولي فلم يذكر اسمه ويطرح رأيه بل المنهج في هذه الأبحاث - ترتيبا
وتنسيقا بل مادة وكيفية - يتبع المرسوم في كفاية الآخوند الخراساني (رحمه الله) ومن
الطبيعي أن تجعل آراؤه غرضا للنقد والنظر ومحلا للبحث والفحص نقضا وإبراما.
وبكلمة ان شخصيته العلمية أحد منابع الفكر في أصول الفقه والفقه واسمه علا
منابر التدريس ومحافل التحصيل.
كما أن أهل السير والنظر في التاريخ السياسي المعاصر والحركات الثورية
عموما وقضية الدستور في إيران بوجه خاص لا يمكنهم الإحاطة التامة دون أن
يدرسوا دور المولى محمد كاظم الخراساني ولا يصح منهم ترسيم هذه النهضة في
إيران ترسيما منطبقا على الواقع إلا باعداد موقع هام بارز لهذه الشخصية الدينية
فكان هو المرجع والمآل والسند للصبغة الدينية على هذه الحركة - حركة الدستور
في إيران عهد آل قاجار - وكأنه بتصديه لهذا الأمر أثبت نظرية علاقة الدين
بالسياسة وإنه لا يمكن التفرقة بين العالم الديني ومصير المتدينين والأمة وإن تطلبت
الظروف مقتضاها في كل زمان بشكل وآخر.
ومما يجلب النظر في حياته إنه مع مكانته الرفيعة كان زاهدا في دنياه يضرب
به المثل ذا مناعة في الطبع وسعة في الصدر وجوده مأمولا مشهودا.
ثم إنه وإن كان اشتهاره في الأصول كاد أن يغطي على مقامه الفقهي إلا أن
تراثه أكبر شاهد على محله المنيع وثقله الوزين في فقه التشريع الإسلامي فهو فقيه
فذ وحبر عظيم ونقاد بصير وشأنه في الفقه عظيم بحيث يعد من أحد أكابر هذا الفن
وجهابذته فإن آراءه ونظراته الفقهية لا تقل إعتبارا - وإن كانت أقل موردا - عن
آرائه الأصولية إلا أنها تكشف عن نضج رأيه الفقهي وانتظامه بنظام أصولي يحظى
من الدقة في تفكيك المواضيع والتعمق في فقه النصوص وحساب الاحتمالات
حسب الفهم العرفي وغير ذلك مما يجعله مؤهلا لعنوان المحقق على التحقيق.
11

ويكفيك شاهدا ما أبدى من تعليقاته على كتاب المكاسب للشيخ الأعظم
الأنصاري (رحمه الله) مع ما سوف تراه في هذا الأثر القيم.
التعريف بالكتاب:
والآن وبعون الله ولطفه حامدين له على ذلك نقدم إلى ساحة العلم والعمل
هذا الأثر الفقهي القيم لهذا الحبر الكبير وهو الكتاب المسمى ب‍ (اللمعات النيرة في
شرح تكملة التبصرة) ضمن طبعة جديدة بصورة مصححة ومحققة آملين من المولى
الجليل أن يتقبله خدمة للدين وأحكامه. وقد طبع هذا الكتاب سابقا بعد وفاة
المؤلف (قدس سره) ضمن عدة رسائل فقهية له (رحمه الله) في بغداد سنة 1331 ه‍. ق تحت اسم
- الشذرات - ولا بأس بالاطلاع من أن التسمية هذه لم تكن من المؤلف المحقق
الخراساني وإنما تعبر عن الإعجاب بها - كما هو حقها - ممن قام بنشر هذه المجموعة
حيث سماها بهذا الاسم.
نشأة الكتاب:
والسبب في تكوين هذا التأليف كما يظهر من مقدمة المؤلف إنه جاء شرحا
لتكملة التبصرة والتكملة من المؤلف نفسه لكنها صياغة أخرى لكتاب تبصرة
المتعلمين للعلامة الحلي (قدس سره) بتصرف في بعض ألفاظه وتضمين آرائه وأنظاره. وهي
وإن كانت مشتملة على جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى نهاية الديات كأصلها
التبصرة إلا أنها موجزة مقتصرة على بيان الحكم خالية عن الدليل والبرهان
ولذلك قام المؤلف - ثانيا - بنفسه النفيسة بعد طلب ممن قال (رحمه الله): (لا يسعني إجابته
بالرد) بشرح كتابه التكملة وإقامة الدليل والبرهان على الرد أو قبول محتوياته
وسماه ب‍ (اللمعات النيرة في شرح تكملة التبصرة). إلا أن المؤسف عدم توفيقه لإتمام
12

الكتاب بل لم ينجز إلا إلى قسم ليس بكبير من كتاب الصلاة.
ولعل الانشغال بمسألة إيران وحركة الدستور فيها صده عن إتمامه فإنه ربما
كان هذا التأليف آخر أثر مدون منه (رحمه الله) كما يظهر من تاريخ انتهاء قسم الطهارة منه
في الثاني من شهر شوال المكرم في سنة ألف وثلاثمائة وتسع وعشرين من التاريخ
الهجري القمري فصادف أجله المفاجئ بشكل غريب لا يخلو من ريب وظن حول
العلة وراء وفاته من غير سبق مرض أو علة في حين انه كان في اليوم الثاني من بدء
سفره - والأحرى عودته - إلى إيران ليعيش وسط الوقائع والحوادث الجارية
آنذاك في تلك البلاد لعل الأمور تؤول إلى صلاح وسداد لكن هبت الرياح على
غير ما أحب وأراد (رحمه الله) كما سبق لأوليائه الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.
صورة إجمالية عن الكتاب:
فالنهج في هذا الكتاب على سياق التبصرة وتكملتها ويمتاز عنهما بالشرح
والاستدلال مع رعاية الايجاز على عادته المألوفة وحاول الشرح والاستدلال
على ما وافقه والذب عنه والتأمل في غيره مع بيان الحق والوجه فيه.
والطابع العالم على هذا الأثر الاحتذاء حذو آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والاقتفاء على
آثارهم طبقا للمنهج الأقوم المألوف عند السلف الكرام الصالحين فلم يكن الهم
والهدف إلا الكشف عن واقع الشريعة المحمدية الغراء كما هو شأن الخبير البصير في
موضوع اعتنى بتحقيقه وكشف واقعه فلا يتناول مسألة إلا على أساس علمي
وبرهان مقبول ونظم مبرهن ولا يبدي رأيا عن منشأ ذوق أو هوى بل يحاول
الاجتهاد بدراية وتعقل ينطبق على الوضع المنطقي السائد على وسائل الإعلام في
الشريعة.
وراعى في ذلك القواعد المقررة المبرهنة في محالها فاستفاد من كل ما يمكن
13

التوصل به إلى حكم الشرع وبهذا الصدد اعتنى بأقوال فقهاء الأصحاب وشهرتهم
واتفاقهم وإجماعهم وإن تفاوت كل منها في درجة الاعتبار والكشف عن الواقع.
وفي الكتاب من بدئه إلى ختامه شواهد كثيرة على المدعا فنراه مثلا في
مسألة انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة سلك طريق الاحتياط على خلاف ما
توصل إليه من النتيجة خوفا من مخالفة الاجماع.
وفي مسألة إعتبار الترتيب بين الجانبين الأيمن والأيسر في الغسل الترتيبي
قال: لكنه ربما كانت الشهرة والإجماعات المنقولة ومراعاة الاحتياط في العبادة
كفاية في عدم الاجتراء على المخالفة للمشهور.
وفي نجاسة بول مأكول اللحم وخرئه إذا عرض عليه حرمة الأكل قال: فإن
تم الاجماع على الإلحاق - الإلحاق بما يحرم أكله ذاتا - فهو وإلا فالمنصرف من
إطلاق النصوص...
وفي قبلة فاقد الأمارات قال بعد تقوية الصلاة إلى جهة واحدة: لكنه لا
ينبغي ترك الاحتياط خروجا عن شبهة الخلاف للرواية والشهرة.
وغير ذلك من الموارد.
وعلى هذا الأساس ذهب إلى جبر ضعف السند والدلالة بالشهرة بين
الأصحاب - وطبعا بالشروط المقررة - قال بعد الاستدلال بروايتين على حرمة
الصلاة في الخز المغشوش بوبر الأرانب: وضعف سندهما منجبر باشتهار العمل بهما
بين الأصحاب.
ولا يرد على إحتمال جبر ضعف سند الرواية ودلالتها بالشهرة في مسألة
الصلاة على العضو الذي فيه القلب أي مستقر القلب إلا بعدم الوثوق باعتمادهم في
الحكم على تلك الرواية أولا وبعدم الكشف عن ظفرهم بقرينة دالة على المراد فيها
لاحتمال مجرد استظهارهم من اللفظ. ومعناه دعوى عدم توفر شروط الكشف عن
14

رأي صاحب الشريعة في هذه الشهرة بخصوصها.
وغير ذلك من الموارد مما يدل على اعتنائه بأقوال الأصحاب ودعاويهم بما
لها نحو من الكشف عن الواقع.
إلا أن مع ذلك كله حيث كان رأيه ونظره صادرا على أساس عملية
الاجتهاد فمن الطبيعي أن يحصل له مفارقات عن سائر الأصحاب وبالفعل ربما شذ
رأيه في مسألة عن المشهور والمعروف بين سائر الأصحاب كما أنه التزم به إذا
أمكنه الدليل.
ففي مسألة انفعال الماء القليل بملاقاة عين النجاسة انتهى إلى تقوية عدم
الانفعال وعالج التعارض بين أخبار الباب بما سنوضحه، وإن حال بينه وبين
الافتاء به خوف مخالفة الاجماع.
كما أنه جزم بعدم انفعاله بملاقاة المتنجس في ص 24 وأكده في ص 36.
وقوى نفي النجاسة الذاتية عن أهل الكتاب.
وأخذ باطلاق ما دل على اعتصام ماء الحمام لينفي إعتبار الكرية فيه ولو
منضما إلى المادة.
واعتبر أن الأصل في دم الحيوان ليس النجاسة فلا حاجة إلى دليل خاص
في طهارة مثل دم ما لا نفس له والمتكون في البيضة والمتخلف في المأكول وغير
المأكول.
وفي ميزان تقسيم الاستحاضة قال: إلا أن الأخبار بعد حمل ظاهرها على
النص والأظهر تقتضي أن يكون تثليثها على نحو آخر.
واستظهر عدم اختصاص النوافل بفرائض أوقاتها بل النوافل اليومية
مضافة إلى جملة الفرائض اليومية.
وأن نصف الليل مبدأ وقت صلاة الليل مع جواز تقديمها عليه لا لعذر.
15

كما أنه انتهى إلى عدم دليل عقلي أو شرعي على بطلان الصلاة بلبس
المغصوب فيها.
ومما ربما يعد من اختصاصاته في هذا الكتاب محاولته لحل تضارب الأخبار
في تحديد الكر وما اختاره في وجه الجمع بينها حيث محل الاختلاف فيها على
إختلاف مراتب الطهارة والنجاسة والدناسة والنزاهة وحمل كل حد من
التحديدات الواردة في رواية على مرتبة من تلك المراتب فلا يعارضه ما خالفه من
التحديد الوارد في غيرها لأنه يختص بمرتبة أخرى فلا حاجة إلى الترجيح بينها.
كما أنه ذهب إلى هذا الوجه من الجمع في أخبار منزوحات البئر لموضوع
واحد.
واستند إلى هذا الوجه في دفع المعارضة عن روايات كثيرة ظاهرة بل بعضها
صريحة - على حد تعبيره - في عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة قال: هذه
الأخبار لا يعارضها ما دل في مثل مواردها على خلافها من الأمر بالإراقة
والاهراق - إلى أن قال: - لما أشرنا إليه من كون كل من الطهارة والنجاسة ذات
مراتب شرعا يختلف حكمها بحسب مالهما من المراتب اختيارا واضطرارا - إلى أن
قال: - وربما لا يجوز استعمال الماء مع طهارته في رفع الحدث كالمستعمل في رفع
الخبث.
وأيضا جعل هذا الوجه أحد الاحتمالين في أخبار دلت على لا بدية النزح بعد
وقوع النجاسة في البئر ليطهره بعد أن رجح ظهور أخبار طهارته وعدم انفعاله
حينئذ.
وأكد هذا الاستظهار بعد صفحات في مقدار النزح للبول وقال: ولا يخفى ان
في اختلاف الأخبار في النزح دلالة واضحة على أن ذلك لتفاوت مراتب الدناسة
والنجاسة وكذا مراتب النزاهة والطهارة.
16

وعند التعليق على متن التكملة بعد بيان مقادير المنزوحات (وعندي ان ذلك
كله مستحب) قال ضمن كلامه: إن قضية التوفيق بين الأخبار حمل الأخبار الدالة
على وجوب النزح على الاستحباب وانه إنما كان لرفع الاستقذار طبعا - إلى أن
قال: - أو لرفع النجاسة بمرتبة لا تكون مانعة عن الاستعمال في ما يعتبر فيه الطهارة
الا تنزيها...
نظير ما سلكه أحيانا في إختلاف أخبار المستحبات أو المكروهات.
ففي كراهة أكل الجنب وشربه إلا بعد المضمضة والاستنشاق أو غسل الوجه
واليد أو بعد ما يتوضأ قال: لاختلاف الأخبار المنزل على مراتب الكراهة
والفضل...
وفي ما ورد في كراهة نوم الجنب بين ما دل على الكراهة مطلقا ما لم يتطهر أو
يتيمم وما دل على الكراهة حتى يتوضأ قال: ولا بأس بحمله على مرتبة من
الكراهة.
وفي آداب التخلي قال: رابعها الاستبراء من البول. والفتاوى كالأخبار في
كيفيته مختلفة ويمكن أن يكون ذلك من جهة ان كل واحد منها مستحب بمرتبة من
الاستحباب.
هذا ولكن مع ذلك كله لا يخلو هذا الجهد الثمين من ملاحظات كان التعرية
عنها أنسب بشأن هذا الخبير النبيه والنقاد البصير كالخلط بين روايتين بزعم
الوحدة كما في ص 208 بل الخطأ في النقل بصورة تخل بكيفية الاستدلال كإضافة
(كل) في رواية الحضرمي في 236 والاشتباه في اسناد الرواية إلى راويها والمعصوم
المروي عنه كما في ص 180 وكما انه أسند قصة أبي حنيفة مع أبي الحسن موسى (عليه السلام)
إلى الصادق (عليه السلام).
وأما التصرف في النقل والتلخيص للرواية فكثير يظهر بالمراجعة إلى
17

المصدر والمتن والمقايسة بينهما وإنا حيث رأينا أن التلخيص والتصرف أمر شائع في
هذا الكتاب أعرضنا عن تصحيحه والتنبيه إليه.
كما أنه لا يخلو من بعض الخلل في العبارة أحيانا وأخطاء نبهنا عليها غالبا في
الهامش تظهر بالمراجعة إلى سائر الكتاب.
وبزعمي أن هذه الأخطاء لم تصدر إلا بسبب الاعتماد على الحفظ عن ظهر
القلب والاعتماد على نقل الآخرين أحيانا وعدم سماح الوقت بالمراجعة إلى المصادر
وعلى أي حال فقد أبلغ به النصح وبالغ فيه قويا أمينا فجزاه الله عن الاسلام وأهله
خير الجزاء.
منهج التحقيق
وقبل ذلك يلزم التنبيه إلى أن نسخ الكتاب انحصرت لدينا في أصل مطبوع
وآخر مخطوط - والظاهر أن أصل المطبوع المعتمد عليه في الطبع هو هذا المخطوط -
ولا ثالث لهما عندنا.
ثم إن مراحل التحقيق لم تكن بصورة جماعية ولذلك فقد قمت بعمليات
المقابلة والتصحيح والتقطيع والتخريج معا وبصورة مقارنة بلا فصل بينها فكنت
أقابل صفحة أو صفحتين أو ما يقارب من ذلك من المطبوع بالأصل المخطوط
وأصححها إذا دعت الحاجة إليه ثم أقابل فقرات التكملة الواردة في هذه المجموعة
بكتاب التكملة المطبوع في حياة المؤلف (رحمه الله) فربما زادت على كتاب التكملة
فأخرجته من بين القوسين وأخرى نقصت عنه فأضفتها إلى ما بينهما وثالثة حصل
إختلاف في لفظيهما فاخترت ما في كتاب التكملة إلا إذا رجحت ما في الشرح
لأمر ما. كل ذلك مع الإشارة إلى ما حصل في التذييل.
ثم كنت أشرع في تخريجاتها قبل أن انتقل إلى الصفحات التالية.
ولم يكن العمل في التصحيح إلا بهدف اخراج الكتاب على اللفظ الذي صدر
18

من المؤلف في أثره هذا فلم أعتن كثيرا بالأخطاء والنواقص حتى أني تحفظت على
ما أورده من لفظ الروايات كما كان مهما بلغ الاختلاف بين منقوله وبين المصدر إلا
ما شذ مما أوجب خللا معتدا به كما أني لم أتعرض لأمر الضمائر وعلائم التأنيث
والتذكير وبعض الجهات من آداب اللغة.
نعم بعد انتهاء مهمتي وعند إنفاذ بعض الأمور الفنية لتحضير الكتاب حصل
بعض تصرفات في رموز الكتاب فأبدل رمز (الخ) أو (آه) إلى وضع ثلاث نقاط
ولكن حدث ذلك رغم رغبتي أن لا يحدث.
كما أن التحيات نحو (عليه السلام)، (صلى الله عليه وآله وسلم) في نهاية اسم
المعصوم لم تكن باللفظ الصريح وكان غالبا برمز (ع) و (ص) إلا أني جعلت الصريح
مكانهما.
كما أبدلت (ره) إلى (رحمه الله) و (قده) إلى (قدس سره) - إن كان - أو (ح) إلى
(حينئذ) أو (مط) إلى (مطلقا).
وفي نفس الوقت مقارنا للتصحيح والمقابلة قمت بعملية التقطيع والافراز
بوضع علائم الفارزة والنقطة والسؤال والانتقال إلى رأس السطر أو إلى صفحة
جديدة.
هذا وقد وضعنا فقرات التكملة من بين الشرح وسط قوسين كما كان في
المطبوع.
وميزنا الآيات الشريفة وأجزائها بتسويد الخط بين قوسين وسط كل منهما
صورة وردة.
وكلام المعصومين (عليهم السلام) في الروايات بين قوسين زوجيين.
وأخيرا كان العمل على التخريج وتحقيق النسب والحكايات بالبحث في
المصادر والإرجاع إلى محالها.
19

فإذا نسب إلى من سماه حاولت أن أخرجه من كتابه. وإن لم أوفق لذلك
بأي علة كانت أخرجته ممن سبق على الشارح بالأخص إذا كان هو المعتمد
للشارح في تلك النسبة.
وإذا كانت النسبة إلى قول أو قيل حاولت تحقيق القائل وتعيينه ولو بصورة
اجمالية.
أما دعوى الشهرة فاستخرج لها عدة مصادر ولا اقصد بها الاستقصاء.
وأما دعوى الاجماع فلم أتصد لتحقيقها.
نعم إذا حكى دعوى الاجماع عن غيره أخرجتها عن المحكي عنه أو من
سبق على الشارح نقلها عنه.
وربما كانت هناك أمور لم أبينها هنا وتتبين أثناء المراجعة إلى التذييلات.
شكر وتقدير:
وهنا من الواجب أن أعرب عن الشكر لصاحب الفضيلة الحجة الشيخ
محمد رضا المامقاني حفظه الله على بذله لصورة يمتلكها عن المخطوط ومطبوعه
الذي كان قد أعده للعمل على تحقيق هذا الكتاب وكان قد عمل عليه بعض
التمهيدات لهذه الغاية فجاد بذلك وسمح لنا بتنفيذ ما كان هو قاصده أولا. فجزاه الله
خير جزاء المحسنين.
كما يجب أن اقدم شكري وامتناني إلى أصحاب المكتبات التي راجعتها
لأجل تحقيق المصادر والتخريج.
كما أبدي شكري وامتناني لإدارة مؤسسة الوحيد (قدس سره) حيث سمحت لي
بالاستفادة من كتاب مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع للعلامة الوحيد
البهبهاني (قدس سره) الذي قامت هذه المؤسسة بتحقيقه وتخريجه وإعداده للطبع في نسخة
20

في مرحلة الصف الإلكتروني الأخيرة ولم يتم طبع الكتاب آنذاك.
فاستفدت منها وتم ارجاعي إلى هذه النسخة وأرقام صفحاتها وربما تتغير أرقام
الصفحات في النهاية عند إصدار الكتاب إلى السوق.
سيد صالح المدرسي
قم المقدسة - ربيع الثاني 1422 ه‍
21

المقدمة...
... اللمعات النيرة
كتاب الطهارة
1

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين (1)
حمدا لك اللهم على ما عرفتنا من دلائل الأحكام، وفقهتنا في الدين،
وفهمتنا من معالم الحلال والحرام، وعلمتنا من مقاصد الشرع المبين.
والصلاة والسلام على من أرسلته على فترة رحمة للعالمين، وشرحت له
صدره، وفضلته على المرسلين، فصدع بالرسالة ناهضا بأعباء التبليغ بكرة
وأصيلا، وأوضح الدلالة بالخطاب البليغ هاديا ودليلا، ونشر لواء التوحيد بشيرا
ونذيرا، وطوى بساط الشرك فلم يدع منه إفكا وزورا. وعلى آله مصابيح الدين
القويم، ومناهج الهداية إلى الصراط المستقيم، الذين أذهبت عنهم الرجس
وطهرتهم تطهيرا (2)، وجعلتهم أئمة، وعصمتهم من الزلل أولا وأخيرا، ونصبتهم

(1) لم يرد في المطبوع: (وبه نستعين).
(2) كما صرح به نص الآية الكريمة / 33 من سورة الأحزاب.
3

أعلاما للأمة، أنزلت فيهم الكتاب المبين تبصرة وذكرى، وأمرت بمودتهم
بآية * (قل لا أسئلكم عليه أجرا) * (1) فأحيوا سنن الإرشاد بالبرهان الجلي، وأماتوا
بدع الإلحاد، وصيروا الحق بمقام علي، وشيدوا قواعد الملة البيضاء بمعارف البيان،
ورفعوا منارها، وأحكموا دعائم الشريعة (2) الغراء بإيضاح التبيان، وأظهروا
آثارها.
وشكرا لك على ما أنعمت علينا باتباعهم، وجعلتنا من أتباعهم،
مستمسكين من سلسلتهم بالعروة الوثقى، ومعتصمين من حبل ولائهم بما هو خير
وأبقى.
وبعد، فيقول المفتقر إلى رحمة ربه العبد الجاني محمد كاظم الخراساني: إنه لما
كان علم الفقه مناهج الشريعة الأحمدية، ومعرفته (3) مسالك السعادة الأبدية، جد
فيه علماؤنا، واجتهدوا برد الفروع إلى الأصول، وهذبوا مداركه بتنقيح التحرير،
فأدركوا غاية المأمول، وأنفقوا نفائس أعمارهم في إيضاح مشكلاته، وسددوا
هواجس أفكارهم لكشف معضلاته، فحرروا مبانيه بإشارات واضحة المقاصد،
وأبانوا معانيه بعبارات جامعة الفوائد. جعل الله سعيهم مشكورا، ولقاهم نضرة
وسرورا.
غير أن كتاب تبصرة المتعلمين الذي صنفه آية الله في العالمين، مروج الدين
بتحريره النافع، وكاشف اليقين بتنقيحه المهذب البارع، شيخنا العلامة الحسن بن
المطهر - أعلى الله مقامه - قد حوى على صغر حجمه أسنى الفوائد، واشتمل ببديع

(1) سورة الشورى / 23.
(2) في المخطوط: (الشرعة).
(3) في المطبوع: (ومعرفة).
4

نظمه على أبهى الفرائد، جامعا بين الإيجاز والإعجاز، ومتخذا في الحقيقة
سبيل الرموز ضربا من المجاز، فسألني بعض من لا يسعني إجابته بالرد، أن الحق به
تكملة توقف رسمه على الحد، وأضيفها إليه إضافة معنوية معراة عن الأفعال
الناقصة، وأعرب موصول مصادره بتصريفات جلية، مبتنية (1) على الدلائل
الخالصة، وأشرحه شرحا يشير إلى مفاتيح الأحكام بأجلى إشارة، ويوضح منه
غاية المرام بأحلى عبارة، مفصلا عقود فرائده في سلك البيان بآيات معجزة،
وكاشفا لثام إبهامه عن وجوه الإتقان بعبارات موجزة خالية من التعقيد المخل
والحشو الممل.
فاستخرت الله تعالى متوكلا عليه، ومقدما رغبتي إليه، فجاء بحمد الله تعالى
على ما يراد، وغاية المراد.
وسميته ب‍ " اللمعات النيرة في شرح تكملة التبصرة " جعلته تذكرة لمن تبصر،
وتبصرة لمن تذكر. وأسأله من فضله الجسيم ومنه القديم أن ينفعنا به يوم لا ينفع
مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

(1) في المخطوط: (مبنية).
5

اللمعات النيرة
في
شرح تكملة التبصرة
مقدمة المؤلف
7

الباب الأول: في المياه (الجاري)...
(كتاب الطهارة)
(وفيه أبواب):
(الباب الأول: في المياه)
(الماء على ضربين: مطلق ومضاف).
والمراد منه هاهنا: ما يعم غيره مجازا، وإلا فهو بمفهومه الحقيقي لا يصلح
لكونه مقسما للضربين.
أما (المطلق) (1): فهو (ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه) عرفا، (ولا يمكن
سلبه عنه) إلا بنحو من العناية.
(و) أما (المضاف): فهو (بخلافه) لا يستحق إطلاقه عليه إلا بذلك.

(1) متن التكملة: (فالمطلق).
9

و (المطلق) (1)
حكمه بحسب أصل خلقته أنه (طاهر) و (مطهر) للحدث والخبث حسب ما
يأتي تفصيله... (وباعتبار ملاقاته للنجاسة) يختلف. ولا يطهر إلا بعد أن (يقسم (2)
أقساما) ثلاثة (3):
(الأول: الجاري)
وهو عرفا وإن كان السائل عن مادة، إلا أن المراد هاهنا هو النابع عنها وإن
لم يكن سائلا، لاتحاد غير السائل معه حكما.
(و) حكمه أنه (لا ينجس) ولو كان قليلا (بملاقاة النجاسة، ما لم يتغير لونه أو
طعمه أو رائحته بها)، لعموم " خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ، إلا ما غير... " (4)
والتعليل في صحيحة ابن بزيع: " ماء البئر واسع لا يفسده شئ، إلا أن يتغير ريحه
أو طعمه، فينزح حتى يذهب الريح، ويطيب الطعم، لأن له مادة " (5).
- والاستدلال به بناء على رجوعه إلى الفقرة الأولى واضح.
وأما بناء على رجوعه إلى الفقرة الثانية، فلأن الاتصال بالمادة إذا كان
موجبا لارتفاع النجاسة، كان موجبا لاندفاعها بطريق أولى، كما لا يخفى -
وخصوص المرسل: " الماء الجاري لا ينجسه شئ " (6). وعن دعائم الاسلام، عن
أمير المؤمنين ((عليه السلام)): قال في الماء الجاري يمر بالجيف والعذرة والدم: " يتوضأ

(1) في التكملة: (فالمطلق).
(2) متن التكملة: (ينقسم أقساما).
(3) لعل التثليث باعتبار أن الأسآر داخلة في القسم الثاني أعني الواقف وإلا فالتقسيم في التكملة - كما
سيأتي - وقع إلى أربعة أقسام.
(4) وسائل الشيعة 1 / 135 ب (1) من أبواب الماء المطلق / ح 9.
(5) وسائل الشيعة 1 / 141 ب (3) من أبواب الماء المطلق / ح (12).
(6) النوادر للراوندي (قدس سره) / 188 / ح (334)، ومستدرك الوسائل 1 / 192 ب (5) من أبواب الماء
المطلق / ح (6)، ولاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) / 3.
10

ويشرب وليس ينجسه شئ، ما لم تتغير أوصافه: طعمه، ولونه، وريحه " (1).
ولا يعارضها مثل " إذا بلغ الماء قدر كذا... " (2). وإن كانت النسبة بينهما
عموما من وجه، لوضوح أنها أظهر في كون الجريان عن المادة أو الاتصال بها علة
تامة لعدم الانفعال بالملاقاة من عمومه لما له مادة نابعة. مع أنه يدور الأمر بين
إلقاء (3) ظهورها في علية الجريان من المادة والاتصال بها رأسا، وإلقاء (4) الإطلاق
وتقييده بغير الجاري، وهذا أولى. مع إمكان دعوى الانسباق إليه، ولا أقل من
دعوى عدم الظهور في الإطلاق، لكونه القدر المتيقن منه، كما لا يخفى.
هذا مضافا إلى دعوى الاجماع من غير واحد (5) على عدم الفرق بين قليله
وكثيره.
وإن أبيت إلا عن مقاومة أدلة الكر لها، وعدم اعتبار دعوى الاجماع،
فالأصل عدم الانفعال، بناء على كون الأصل مرجعا في تعارض المتكافئين
بالعموم من وجه، لا الترجيح أو التخيير، مع أن الترجيح مع أدلة عدم إنفعال
القليل من الجاري، لندرة القول به فتأمل.
وكيف كان (فإن تغير) أحد أوصافه تغيرا حسيا بملاقاتها (نجس المتغير
خاصة) لأنه الظاهر من الأخبار الدالة على الانفعال إذا تغير (6)، ضرورة أن التغير

(1) دعائم الاسلام 1 / 111 / ح 243. وبعضه في مستدرك الوسائل 1 / 191 ب (5) من أبواب الماء المطلق /
ح (5).
(2) إشارة إلى أخبار اعتبار الكرية، لاحظ وسائل الشيعة 1 / 158 ب (9) من أبواب الماء المطلق.
(3 و 4) كذا. ولعلها تصحيف (إلغاء).
(5) شرح جمل العلم والعمل لابن البراج / 56، وغنية النزوع / 46 / كتاب الطهارة، ولاحظ جواهر الكلام
1 / 85.
(6) انظر الوسائل 1 / 137 ب (3) من أبواب الماء المطلق.
11

التقديري ليس بتغير، سواء كان عدمه لعدم المقتضي كالملاقاة للبول
الصافي، أو لأجل المانع عن ظهور أثرها عليه، كما إذا اتصف بصفتها، لوضوح أنه
يمنع عن اتصافه بمثلها، كيف؟ وإلا لزم إجتماع المثلين، وهو في الاستحالة كاجتماع الضدين.
كما أن الظاهر منها اختصاص النجاسة بالمتغير (دون ما قبله) وهو واضح
(و) دون (ما بعده) إذا كان متصلا بالمادة بغير المتغير، أو كان كرا، وإلا ففيه
إشكال، لانقطاعه عن المادة بالماء النجس.
إلا أن يقال بعدم انفعال القليل بملاقاة المتنجس، وإن قيل بالإنفعال بملاقاة
النجس، كما هو المختار حسب ما يأتي استظهاره من الأخبار. (1)
هذا مع احتمال كفاية اتصاله بالمادة وعدم إنقطاعه عنها في الحكم بعدم
إنفعاله بالملاقاة ولو قيل بإنفعال القليل بملاقاة المتنجس كالنجس. وذلك لأن
تنجس المتغير لا يمنع عن كونه سببا لاتصال غيره بها، وليس دليل انفعال القليل
أظهر شمولا له من دليل الجاري، وبينهما عموم من وجه، فالأصل يقتضي عدم
إنفعاله، بناء على أنه المرجع في تعارض العامين كذلك، كما أشرنا إليه آنفا.
(وحكم ماء الغيث حال نزوله، وماء الحمام إذا كانت له مادة و (2) كان
المجموع منه ومنها بمقدار (3) الكر، على الأحوط حكمه) فلا ينجسان مطلقا
بالملاقاة ما لم يتغيرا (4)، لقوله (عليه السلام) في ماء الغيث: " سبيله سبيل الجاري " (5).

(1) في ص / 24.
(2) أثبتنا لفظ (و) من التكملة.
(3) أثبتنا لفظ (ب‍) من التكملة.
(4) في المطبوع: (ما لم يتغير).
(5) لم أجد لهذا اللفظ مصدرا في الكتب الحديثية.
12

والصحيح في ماء الحمام " هو بمنزلة الجاري " (1) والخبر أنه " كماء النهر يطهر
بعضه بعضا " (2). ورواية قرب الإسناد " ماء الحمام لا ينجسه شئ " (3).
وأما تقييد ذلك بما إذا كانت له مادة، فلرواية بكر بن حبيب: " ماء الحمام لا
بأس به إذا كانت له مادة " (4).
الباب الأول: في المياه (ماء الحمام)...
وضعفها - لو كان - ينجبر بالعمل.
ثم إن مقتضى إطلاق أخباره عدم اعتبار الكرية أصلا ولو في المجموع من
المادة والحوض.
ولا وجه لمنع إطلاقها لغلبة الكرية في المادة حتى في أواخر أوقات نزح
الناس من الحياض الصغار، لكثرة عروض القلة على المجموع، فضلا عن أحدهما
- كما لا يخفى - ولو كانت الكرية أغلب منها. مع أنه لو كانت غالبة ليست مما يلتفت
إليها كي يوجب إنصراف الإطلاق إليها أو كانت قدرا متيقنا في مقام التخاطب،
وبدون ذلك كان الاطلاق محكما. كيف؟ وهو ظاهر الخبر الدال على التقييد (5)، إذ
لا معنى مع اعتبار الكرية ولو في المجموع للتقييد بالمادة أصلا - بناء على ما هو
التحقيق من عدم اعتبار تساوي السطوح في اعتصامه وكفاية تواصل أبعاضه
لوحدته معه حقيقة وعرفا. والتعدد المتراءى إنما هو بحسب محاله، كما لا يخفى على
من تأمل - بل لا بد من التقييد بالكرية، كسائر المياه الواقفة بلا خصوصية له، مع
أن ظاهر أخباره أن له ذلك، كما لا يخفى.
نعم كان اعتبارها في المادة أو المجموع أحوط.

(1) وسائل الشيعة 1 / 148 ب (7) من أبواب الماء المطلق / ح (1).
(2) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (7).
(3) قرب الإسناد / 309 / ح (1205)، والوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (8).
(4) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (4).
(5) أي الخبر الدال على التقييد بالمادة.
13

(الثاني: الواقف، كمياه الحياض والأواني ان كان مقداره كرا).
(وحد الكر: ألف ومائتا رطل) على ما هو المشهور (1)، بل بلا خلاف كما عن
صريح بعض (2)، بل عليه الاجماع، كما عن الغنية (3)، لمرسلة ابن أبي عمير (4) المنجبر
إرسالها بالإجماع المدعى على قبول عموم مراسيله (5). وعن المعتبر في خصوص
هذه المرسلة: وعلى هذه عمل الأصحاب لا أعرف رادا لها (6).
وقضية الجمع بينها وبين صحيحة ابن مسلم: " إن الكر ستمائة رطل " (7) أن
يكون ذلك (بالعراقي) بحمل (8) الرطل فيها على العراقي، وفي الصحيحة على المكي،
وهو ضعف العراقي مع أن الظاهر الاتفاق على أن المراد منه فيها ليس العراقي ولا
المدني، فيتعين كونه مكيا، فيكون وحده دليلا على ذلك.
(أو كان كل واحد من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصف شبر
مستوي الخلقة) (9) على المشهور (10)، كما قيل، وعن الغنية الاجماع عليه (11).

(1) المقنعة / 64، والجمل والعقود / 170، وإصباح الشيعة / 24، والسرائر 1 / 60، والمعتبر 1 / 47،
والجامع للشرائع / 18، وقواعد الأحكام 1 / 183.
(2) الحدائق الناضرة 1 / 254. انظر كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (رحمه الله) 1 / 182.
(3) غنية النزوع / 46 / كتاب الطهارة.
(4) الوسائل 1 / 167 ب (11) من أبواب الماء المطلق / ح (1).
(5) انظر مستند الشيعة 1 / 56، وللاستزادة راجع معجم رجال الحديث 1 / 63.
(6) المعتبر 1 / 47.
(7) الوسائل 1 / 168 ب (11) من أبواب الماء المطلق / ح (3).
(8) في المطبوع: لحمل.
(9) متن التكملة: (ثلاثة أشبار ونصفا بشبر مستوي الخلقة على الأحوط).
(10) المبسوط 1 / 6، والوسيلة / 73، والسرائر 1 / 60، والجامع للشرائع / 18، ولاحظ مفتاح الكرامة
1 / 71.
(11) غنية النزوع / 46 / كتاب الطهارة.
14

واعلم أن الأصحاب اختلفوا في حده بحسب المساحة ومنشؤه اختلاف
الأخبار، واختلاف الأنظار في الاستظهار. ولا دلالة في ما يعتبر منها على هذا
التحديد.
الباب الأول: في المياه (الكر)...
نعم رواية الحسن بن صالح كما عن الإستبصار عن أبي عبد الله (عليه السلام): " إذا كان
الماء في الركي كرا لم ينجسه شئ ". قلت وما الكر؟ قال: " ثلاثة أشبار ونصف
طولها، في ثلاثة أشبار ونصف عمقها، في ثلاثة أشبار ونصف عرضها " (1) وإن كانت
صريحة، إلا أن عدم تعرضها في الكافي (2) والتهذيب (3) للطول ربما يخل، لوضوح
عدم وثوق بثبوته فيها، كما لا يخفى. وبدونه لا دلالة لها عليه.
وما قيل - من أن تحديد العرض بذلك يستلزم تحديد الطول به أو بأزيد
منه، وإذ لا قائل بالزيادة، تعينت المساواة (4) - فيه أن العرض فيها ليس ما يقابل
الطول، بل بمعنى السعة كما في قوله تعالى: * (عرضها كعرض السماء والأرض) * (5)
وقد صرح بلفظها في صحيحة إسماعيل بن جابر في الماء الذي لا ينجسه شئ.
قال (عليه السلام): " ذراعان عمقه، وذراع وشبر سعته " (6) فيكون كل واحدة من الرواية
والصحيحة وغيرهما (7) مما لا تعرض فيها للأبعاد الثلاثة ظاهرة في السطح

(1) الاستبصار 1 / 33 / ح (88)، والوسائل 1 / 160 ب (9) من أبواب الماء المطلق / ح (8).
(2) الكافي 3 / 2 / ح (4).
(3) التهذيب 1 / 408 / ح (1282).
(4) لاحظ جواهر الكلام 1 / 175.
(5) سورة الحديد / 21.
(6) الوسائل 1 / 164 ب (10) من أبواب الماء المطلق / ح (1).
(7) لاحظ الوسائل 1 / الباب المتقدم.
15

المستدير، كما عن الوحيد البهبهاني (قدس سره) في شرح المفاتيح (1) والمحدث الإسترابادي (2)
استظهاره، لا المربع كما استظهره المشهور. ويقرب مكسره من تحديده الوزني -
على ما اختبر فإن مكسره على الرواية يكون ثلاثة وثلاثين وكسرا، الحاصلة من
ضرب نصف القطر - وهو شبر وثلاثة أرباع - في نصف المحيط - وهو خمسة
ونصف - في ثلاثة ونصف العمق، على ما هو القاعدة في ضرب الدائرة.
ودعوى الاجماع بسيطا أو مركبا على أنه ليس بكر في مثل هذه المسألة
مجازفة، غايته عدم القول به، لا القول بعدمه. ومن الغريب صدور هذه الدعوى
من شيخنا العلامة (3) - أعلى الله مقامه -.
وأغرب منه دعواه إمكان اخراجه بأن الظاهر من الرواية كون مجموع
الثلاثة ونصف من العمق ثابتا في تمام سطح الكر، لا في خط منه، فتخرج
الدائرة (4)، كما لا يخفى، ضرورة أنه كذلك في السطح المستدير، وإنما لا يكون كذلك
في السطح المحدب أو المقعر.
ثم إنه لا يكاد يوافق تحديد من تحديداته المساحية في أخبارها لتحديده
الوزني. مع وضوح أن له حدا واحدا لا يختلف باختلاف اختباره مساحة، أو
وزنا.
واختلاف المياه خفة وثقلا - مع كونه ليس بمقدار الاختلاف بينهما - يقتضي

(1) مصابيح الظلام (شرح مفاتيح الشرايع) 5 / 343، وحكاه في الجواهر 1 / 174 عن حاشيته على
المدارك، لاحظ حاشية المدارك 1 / 96 - 97.
(2) الفوائد المدنية / 179.
(3) كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) 1 / 187.
(4) المصدر المتقدم.
16

اختصاص كل بأحد الحدين، لا كون كل واحد حدا مطلقا، كما هو قضية إطلاق
النص والفتوى.
لا يقال: نعم، ولكنه لا بأس في المخالفة إذا كانت من باب مخالفة العلامة
والأمارة مع ذي الأمارة.
فإنه يقال: إنما ذلك في ما كانت المخالفة أحيانا ولم تكن بدائمية كما كانت
هاهنا، بل ولا غالبية. فلا مجال لما قيل من التخيير بين التحديدين، فله الاختبار
بما يختار (1).
وقصارى ما يمكن أن يقال توفيقا بين الأخبار: أن مقدار الكر حسب
مراتب الطهارة والنجاسة، والنزاهة والدناسة يختلف. فيكون أقله مقدارا مما
يعتصم به الماء عن الانفعال بالنجاسة وإن انفعل ببعض مراتبها الغير المانعة عن
استعماله في ما يعتبر في استعماله الطهارة، وكان المقدار الزائد عليه عاصما عن
الانفعال بذلك أيضا. فكان للكثرة العاصمة عرض عريض حسب مراتب
النجاسة والدناسة شرعا، كما هو كذلك بالإضافة إلى ما يوجب التنفر طبعا.
ويشهد بذلك التفاوت الفاحش بين التحديدات في الروايات، وعدم توافق
الاثنين منها مع الوثوق بل القطع بصدور غير واحد منها بينها، كما لا يخفى. ومعه لا
محيص عما ذكرنا من التوفيق كما وفق بنظير ذلك بين روايات منزوحات البئر (2)
وعليه فلا حاجة إلى الترجيح بين المعتبر منها.
ثم إنه إذا شك في ما هو أقل ما حدد به لإجمال دليله وتردده بين أن يكون

(1) حكي عن السيد ابن طاووس (قدس سره)، لاحظ ذكرى الشيعة 1 / 81، كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (رحمه الله)
1 / 191.
(2) انظر ص / 26 و 31.
17

التكسير بلحاظ تربيع السطح أو التدوير - مثلا - فقضية عموم رواية " خلق
الله الماء طهورا، لا ينجسه شئ إلا ما غير... " (1) عدم إنفعال غير ما علم أنه لم يبلغ
الكر، كما هو قضية استصحاب الطهارة وقاعدتها عموما وخصوصا في الماء. قال
الصادق (عليه السلام) - على ما في الوسائل -: " كل ماء طاهر إلا ما علمت أنه قذر " (2).
وما قيل من أن الأصل مدفوع بما ثبت من علية الكرية لعدم الانفعال الدالة
على أن الملاقاة بنفسها مقتضية للإنفعال ولا يتخلف عنها إلا لمانع، والمانع مدفوع
بالأصل.
وأما العموم - فبعد تسليم الرواية والإغماض عن الطعن عليها بعدم
ورودها في أصول أصحابنا - فهو لأجل الجمع بينه وبين قوله ((عليه السلام)): " إذا كان الماء
قدر كر لم ينجسه شئ " (3) الدال على علية الكرية لعدم التنجيس مقيد بالكر، وأنه
لا ينجسه شئ إنما هو باعتبار كريته، فتكون الكرية قيدا للموضوع - وهو الماء
الذي لا ينجسه شئ فكل ما شك في كريته فلا يجوز عليه الحكم بعدم التنجيس
بمقتضى العموم، لأنه شك في موضوع العام، لا في ما خرج عنه، فافهم. (4)
ففيه أن كون الملاقاة مقتضية للتنجيس، وكون الكرية مانعة عنه لا يدفع
بها أصالة الطهارة، ولا قاعدتها ما لم يثبت عدم الكرية بنحو ولو بالأصل ولا
مثبت في محل الفرض أصلا ولا أصل يرفع به المانع إذا شك فيه ما لم يكن مسبوقا
بالعدم، لا عقلا ولا شرعا، لعدم دليل على قاعدة المقتضي والمانع شرعا، ولا مما

(1) الوسائل 1 / 135 ب (1) من أبواب الماء المطلق / ح (9).
(2) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (2).
(3) الوسائل 1 / 158 ب (9) من أبواب الماء المطلق / ح (1) و (2) و (6).
(4) لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (رحمه الله) 1 / 184.
18

جرت عليه سيرة العقلاء قطعا في ما كان هناك منشأ عقلائي.
مع أن دليل الأصل والقاعدة رادع عن السيرة عليها - لو كانت - كما لا يخفى.
وأنه لا مجال للطعن في الرواية بعد استناد الأساطين إليها في كتبهم (1).
وتقييدها بأدلة الكر لا يقتضي إلا تقييدها بما علم خروجه من عمومها، لا
كون الموضوع هو الكر، لانفصال المقيد المجمل، وقضية التقييد بالمجمل المنفصل
الاقتصار على التقييد بما علم خروجه به والرجوع في المشكوك إلى العموم وارتفاع
إجماله به فيحكم ببقاء مرتكب الصغيرة تحت عموم (أكرم العالم) إذا قيد بدليل
منفصل مثل (لا تكرم العالم الفاسق) إذا شك في أن مرتكبها فاسق أو ليس بفاسق.
وبالجملة الكرية وإن كانت قيدا للموضوع، إلا أنها بمعنى الأقل المحتمل من
مثل قوله: " إذا كان قدر كر " (2)، لعدم دلالته عليه أو على الأكثر، ووضوح لزوم
العمل بالعموم في ما لا دليل على خلافه لبقائه على ظهوره وعدم سراية إجمال
المقيد إليه، كما حقق في الأصول (3).
هذا وقد ظهر أن التحديد بمكسر ثلاثة أشبار ونصف في السطح المربع لم
ينهض عليه دليل، ولكنه أحوط.
وبالجملة إذا كان بمقدار الكر (لم ينجس بوقوع النجاسة فيه) أو ملاقاته لها،
للأصل والقاعدة ومنطوق غير واحد من مثل " إذا بلغ الماء... " (4) (ما لم يتغير أحد
أوصافه) الثلاثة (فإن تغير) أحدها تغيرا حسيا لما عرفت (نجس) إجماعا، لرواية

(1) انظر السرائر 1 / 64، والمعتبر 1 / 41، ومنتهى المطلب 1 / 21، وذكرى الشيعة 1 / 76.
(2) الوسائل 1 / 159 ب (9) من أبواب الماء المطلق / ح (5).
(3) انظر كفاية الأصول / 218 و 220.
(4) لاحظ الوسائل 1 / 158 ب (9) من أبواب الماء المطلق.
19

" خلق الله الماء... " (1) وغيرها (2).
(ويطهر باتصاله بالكر مع امتزاجه حتى يزول التغيير) (3) أو بغيره مما يعتصم
كالجاري والغيث حال نزوله.
بل والماء القليل بناء على عدم انفعاله مطلقا، أو بملاقاة المتنجس وإن انفعل
بملاقاة عين النجس، لو كان وجه التطهير بالامتزاج هو الاجماع على عدم إختلاف
أبعاض ماء واحد بحسب الطهارة والنجاسة، فلا بد من طهارة الكل أو نجاسته،
والثاني باطل لأدلة الاعتصام وعدم الانفعال، والأول هو المطلوب. والمفروض
أن القليل المتحد مع الماء النجس لا ينفعل بملاقاته، فلا بد أن يطهر ذاك الماء
بامتزاجه.
نعم لو كان وجه تطهيره الاجماع على الطهارة تعبدا في صورة الامتزاج
بالكر ونحوه مما لا ينفعل اتفاقا فلم يكن وجه للقول بالطهارة بالامتزاج مع
القليل، فإنه بلا دليل، بل لا بد من الاقتصار بالإلقاء الدفعي، كما هو المتراءى من
التقييد بالدفعة في كلام غير واحد من الأعلام (4) لولا القطع بأن الإلقاء كذلك إنما
هو لحصول الامتزاج به، أو لحفظ عمود الماء المعتصم، لا لاعتباره تعبدا، ولذا
اكتفينا بالامتزاج، ولو كان بالعلاج.
ثم إنه لا ريب في أنه لا يطهر ما لم يزل تغيره، ولو كان الماء الممتزج به
لم ينفعل بذلك لدليل اعتصامه ما لم يتغير. بل وإن تغير لعدم الدليل على النجاسة

(1) تقدم في ص / 10، برقم (4).
(2) لاحظ الوسائل 1 / 137 ب (3) من أبواب الماء المطلق.
(3) في التكملة: (التغير).
(4) لاحظ الدروس 1 / 118، وجامع المقاصد 1 / 135، ومسالك الأفهام 1 / 14، والحدائق الناضرة
1 / 245.
20

بالتغير إذا لم يكن بملاقاة عينها، فإن الظاهر من قوله: " لا ينجسه شئ... " لا
ينجسه عين من الأعيان النجسة بالملاقاة إلا ما غيره. وإن أبيت عن ظهوره فيه،
فلا أقل أنه القدر المتيقن، فلا دلالة له على نجاسته بسبب تغيره بملاقاة الماء المتغير
بها، كما لا يخفى.
الباب الأول: في المياه (الماء القليل)...
(وإن كان) الماء الواقف (أقل من كر ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير
أحد أوصافه) على المشهور بين الأصحاب (1)، بل عليه دعوى الاجماع من غير
واحد. (2)
وقد دل عليه أخبار كثيرة (3) منطوقا أو مفهوما خلافا لابن أبي عقيل (4)،
وتبعه الكاشاني (5) والفتوني (6) وبعض آخر (7) فذهبوا إلى عدم إنفعاله بملاقاتها ما لم
يتغير أحد أوصافه بها مستدلا - مضافا إلى الأصل، وعموم الرواية المشهورة بين
الفريقين " خلق الله الماء... " (8) - بروايات كثيرة ظاهرة، بل بعضها صريحة في عدم
الانفعال.
منها: ما عن قرب الإسناد وكتاب المسائل لعلي بن جعفر، قال: سألته عن
جنب أصابت يده جنابة فمسحه بخرقة ثم أدخل يده، هل يجز أن يغتسل من ذاك

(1) المقنعة / 64، والنهاية 1 / 200، والمهذب 1 / 21، والسرائر 1 / 63، والمعتبر 1 / 48، ومختلف الشيعة
1 / 176.
(2) غنية النزوع / 48 / كتاب الطهارة، والجواهر 1 / 105 ولاحظ مفتاح الكرامة 1 / 72.
(3) انظر الوسائل 1 / 150 ب (8) و (9) من أبواب الماء المطلق وغيرهما.
(4) حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز 1 / 46، والعلامة في مختلف الشيعة 1 / 176.
(5) انظر مفاتيح الشرائع 1 / 82 - 83.
(6 و 7) لاحظ مفتاح الكرامة 1 / 73.
(8) الوسائل 1 / 135 ب (1) من أبواب الماء المطلق / ح (9).
21

الماء؟ قال: " إن وجد ماءا غيره فلا يجزيه أن يغتسل، وإن لم يجد غيره أجزأه " (1).
ومنها: رواية أبي مريم الأنصاري قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) في حائط له
فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركي له فخرج عليه قطعة من عذرة
يابسة وأكفأ رأسه وتوضأ بالباقي (2).
ومنها: خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قلت: راوية من ماء فسقطت فيها
فارة أو جرذ أو صعوة ميتة قال: " إن تفسخ فيها فلا تشرب ولا تتوضأ وصبها، وإن
كان غير متفسخ فاشرب منه وتوضأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية وكذلك الجرة
وحب الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء " (3).
ومنها: صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) سألته عن اليهودي والنصراني
يدخل يده في الماء، أيتوضأ منه للصلاة؟ قال: " لا، إلا أن يضطر إليه " (4) إلى غير
ذلك من الأخبار (5).
ولا يخفى أن هذه الأخبار لا يعارضها ما دل في مثل مواردها على خلافها من
الأمر بالإراقة والإهراق أو النهي عن الشرب والتوضؤ (6) والاغتسال، لاحتمال أن
يكون على الاستحباب أو للكراهة، لما أشرنا إليه من كون كل من الطهارة
والنجاسة ذات مراتب شرعا (7)، يختلف حكمها بحسب ما لهما من المراتب إختيارا

(1) مسائل علي بن جعفر / 209 / ح 452 (المستدركات)، وقرب الإسناد / 180 / ح 666، وبحار
الأنوار 80 / 100 ح (1).
(2) الوسائل 1 / 154 ب (8) من أبواب الماء المطلق / ح (12).
(3) الوسائل 1 / 139 ب (3) من أبواب الماء المطلق / ح (8).
(4) الوسائل 3 / 421 ب (14) من أبواب النجاسات / ح (9). وفيه: سأله.
(5) راجع جواهر الكلام 1 / 116 - 123.
(6) في المطبوع: والمخطوط: (التوضئ).
(7) في ص / 17.
22

واضطرارا، كما يشهد به خبرا علي بن جعفر (1) أو كراهة أو استحبابا. كما هو
قضية التوفيق بين خبر أبي مريم (2) ومرسلة علي بن حديد عن بعض أصحابه قال:
كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة، فصرنا إلى بئر فاستقى غلام أبي عبد الله (عليه السلام)
دلوا، فخرج فيه فأرتان. فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): " أرقه " فاستقى آخر فخرج فيه
فارة. فقال أبو عبد الله (عليه السلام) " أرقه " فاستقى الثالث فلم يخرج فيه شئ. قال: " صبه
في الإناء " فصبه في الإناء (3)، ضرورة احتمال كون الإراقة لا للنجاسة المانعة من
جواز الاستعمال بل للتنزه واستقذار الطبع مما فيه الميتة، ورجحان استعمال غير
الملاقي لها سيما في رفع الحدث، أو كراهة استعمال الملاقي، وربما لا يجوز استعمال الماء
مع طهارته في رفع الحدث، كالمستعمل في رفع الخبث.
وبالجملة لولا مخافة مخالفة الاجماع كان التوفيق بين ما دل على الانفعال
خصوصا أو عموما، منطوقا أو مفهوما وبين ما دل على عدم الانفعال كذلك،
بحمل الأول على الانفعال بما يوجب الاجتناب عنه تنزيها واستحبابا أو اختيارا،
وحمل الثاني على عدم إنفعاله بما لا يجوز استعماله معه في رفع الحدث أو الخبث
مطلقا، وفي مثل الشرب إختيارا، بمكان من الإمكان، لكونه من قبيل حمل الظاهر
على النص أو الأظهر.
ويشهد به بعض الأخبار (4)، ويؤيده اختلافها في تحديد الكرية المانعة عن
النجاسة اختلافا فاحشا لا تكاد ترتفع غائلته إلا بأن ذلك لتفاوت مراتب

(1) تقدما في ص / 22، برقمي (1) و (4).
(2) تقدم في ص / 22، برقم (2).
(3) الوسائل 1 / 174 ب (14) من أبواب الماء المطلق / ح (14).
(4) لاحظ الوسائل 1 / 163 ب (9) من أبواب الماء المطلق / ح (15)، و / 228 ب (2) من أبواب الأسآر /
ح (6).
23

النجاسة والطهارة، واختلاف مراتب كثرة الماء، ومنع كل مرتبة منها عن الانفعال
بمرتبة من النجاسة، كما مرت إليه الإشارة (1).
ثم إن وجه تخصيص الحكم بأنه ينجس بملاقاة عين النجاسة أنه لا إجماع
على الانفعال بملاقاة المتنجس، ولا خبر دل عليه خصوصا أو عموما منطوقا أو
مفهوما، لاختصاص الأخبار الخاصة بعين النجاسة، وانسباقها من الشئ في
الأخبار العامة، كما ادعي في خبر " خلق الله الماء " فلا يوجب تغيره بالمتنجس
نجاسته. ولا أقل أنه القدر المتيقن منه، ولو سلم شمول المنطوق له فلا عموم في
المفهوم، فإن الظاهر أن يكون مثل " إذا بلغ الماء " لتعليق العموم، لا لتعليق كل فرد
من افراد العام، فيكون مفهومه إيجابا جزئيا ونجاسته لشئ، والمتيقن منه عين
النجاسة، لا إيجابا كليا ونجاسته بكل نجس أو متنجس ولو سلم عدم ظهوره في
تعليق العموم فلا ظهور له في تعليق أفراد العام، فلا يكون دليلا على الانفعال إلا
بعين النجاسة. فيكون عموم " خلق الله " مرجعا ودليلا على الطهارة مضافا إلى
إستصحابها وقاعدتها، كما لا يخفى.
(ويطهر) على تقدير نجاسته بالملاقاة (بامتزاجه بالكر) وغيره مما يعتصم
كالجاري ونحوه، إجماعا.
(الثالث: ماء البئر) وهي واضحة عرفا مفهوما ومصداقا. وما اشتبه أنه منها
يمكن القول بعدم إنفعال القليل منه بملاقاة النجاسة ولو قيل به في البئر، بدعوى
عدم شمول أدلة إنفعال القليل له لأجل كون المنصرف من الماء فيها أو المتيقن منه
هو غير ذي المادة. ولو سلم شمولها له لكان " خلق الله الماء... " في شموله أظهر من
شمولها له فلا يخصص بها وإن كانت أخص، كما لا يخفى.

(1) آنفا وفي صفحة (17).
24

وحكمه أنه (إن تغير بوقوع النجاسة فيه نجس) نصا (1) وفتوى.
الباب الأول: في المياه (ماء البئر)...
(ويطهر بزوال التغيير (2) بالنزح، أو بنفسه مع إمتزاجه بما ينبع جديدا من
المادة) لما عرفت في تطهير غيره، ولما في صحيحة ابن بزيع الآتية (وإلا) يتغير (فهو
على أصل الطهارة) لأصالتها وعموم " خلق الله... " وخصوص صحيح ابن بزيع:
" ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير فينزح حتى يذهب اللون ويطيب
الطعم... " (3) وصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه عن ماء بئر وقع فيه زنبيل من
عذرة يابسة أو رطبة، أو زنبيل من سرقين، أيصلح الوضوء منه؟ قال:
" لا بأس " (4)، وصحيحة معاوية بن عمار: " لا يغسل الثوب، ولا تعاد الصلاة مما يقع
في البئر إلا أن تنتن " (5)، وصحيحته الأخرى في: فارة تقع في البئر فتوضأ منه
وصلى وهو لا يعلم، أيعيد صلاته ويغسل ثوبه؟ قال: " لا يعيد صلاته ولا يغسل
ثوبه " (6) إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة (7) في عدم الانفعال، وفيها الصحاح.
ولا يعارضها ما دل على أن النزح لابد منه بعد وقوع النجاسة فيه ليطهره،
ضرورة أن ظهورها في إنفعاله بحيث لا يجوز استعماله في ما يعتبر فيه الطهارة ليس
بمثابة تلك الأخبار، فإنها إن لم تكن نصا في عدم إنفعاله كذلك، لكانت أظهر منه في
الانفعال كذلك، فإن الحكم فيها بعدم إعادة الصلاة وعدم غسل الثوب عما يقع فيه

(1) انظر الوسائل 1 / 140 ب (3) من أبواب الماء المطلق / ح (10) و (12) و (14)، وص 171 ب (14) من
هذه الأبواب / ح (4) و (6) و (10).
(2) في المخطوط: (التغير).
(3) الوسائل 1 / 172 ب (14) من أبواب الماء المطلق / ح (6) و (7) بتغيير.
(4) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (8).
(5) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (10).
(6) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (9).
(7) لاحظ أحاديث الباب المتقدم من الوسائل.
25

من النجاسة لا يكاد يكون إلا بعدم إنفعاله بوقوعها، بخلاف مثل قوله ((عليه السلام)):
" يجزيك أن ينزح منها دلاء، فإن ذلك يطهرها " (1) في جواب السؤال عن البئر تقع
فيه الحمامة أو الدجاجة أو الفارة أو الكلب. (2) ضرورة أنه يمكن أن يكون المراد
التطهير مما يستقذره بوقوع أحدها طبعا، أو عن مرتبة من النجاسة غير مانعة عن
استعماله إلا تنزيها. بل لا محيص عن ذلك، وإلا لكان الواجب الإستفصال عن أن
غير الكلب خرج حيا أو ميتا؟ كما هو واضح.
هذا مضافا إلى شهادة ما في أخبار المنزوحات من الاختلاف زيادة ونقيصة
في شئ واحد، على عدم وجوب النزح، وأنه على نحو الاستحباب لرفع القذارة
طبعا أو لرفع مرتبة منها شرعا، فيوفق بين الخبرين المختلفين في شئ واحد بأن
يحمل ما دل على نزح الكثير على أنه لرفع تمام ما حدث من المرتبة، وما دل على
القليل على أنه لرفع بعض مراتبه. تأمل تجد فيها شواهد على ما قلنا.
ومع ذلك (جماعه من أصحابنا حكموا بنجاستها بوقوع النجاسة فيها وإن لم
يتغير ماؤها) (3) - وقد عرفت عدم نجاستها - (وأوجبوا نزح الجميع بوقوع المسكر)
ولا وجه له في غير الخمر منه عدا ما دل على تنزيله منزلتها (4)، وقد ورد فيها نزح
الجميع (5)، مع وضوح أنه في خصوص حرمتها. وقد ورد نزح عشرين فيها أيضا (6)

(1) في المطبوع والمخطوط: (يطهره).
(2) الوسائل 1 / 182 ب (17) من أبواب الماء المطلق / ح (2).
(3) المقنعة / 64، والانتصار / 11 / مسألة (4)، والمراسم / 34، والنهاية (المطبوعة مع نكتها) 1 / 207،
المهذب 1 / 21، والوسيلة / 74، والسرائر 1 / 69.
(4) الوسائل 25 / 326 ب (15) من أبواب الأشربة المحرمة / ح (5)، و / 342 ب (19) من هذه الأبواب /
ح (1) و (2) وغيرها.
(5) الوسائل 1 / 179 ب (15) من أبواب الماء المطلق / ح (1) و (4) و (6).
(6) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (3).
26

وثلاثين في المسكر (1) أو (2) بوقوع (الفقاع) ولا وجه له أيضا إلا ما ورد أنه خمر (3).
وقد عرفت أنه ظاهره الاختصاص بالحرمة، أو يقال بنزح الجميع في ما لا نص
فيه.
(أو) (4) بوقوع (المني أو دم الحيض أو الاستحاضة أو النفاس فيها) لما عن
السرائر (5) والغنية (6) من الاجماع عليه ولولاه لكان اللازم الأخذ في الدماء الثلاثة
بما ورد في قليل الدم وكثيره. ودعوى الانصراف إلى غيرها مجازفة.
(أو موت بعير فيها) بلا خلاف. بل عن محكي السرائر (7) والغنية (8) الاجماع
عليه، وفي رواية ابن سنان: " إن مات فيها ثور أو (9) نحوه نزح كله " (10).
(وإن تعذر) نزح الجميع لغلبة الماء ولو بتجدد النبع (تراوح أربعه رجال
عليها مثنى يوما) لما في خبر عمار: " فإن غلب الماء فلينزف يوما إلى الليل ثم يقام
عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين، فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت " (11).
والظاهر عدم البأس بالاشتغال بالمقدمات القريبة في اليوم مثل شد الدلو بالحبل

(1) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (2).
(2) في المخطوط: (و) بدل (أو).
(3) لاحظ الوسائل 25 / 359 ب (27) من أبواب الأشربة المحرمة.
(4) في المخطوط: (و) بدل (أو).
(5) السرائر 1 / 70، لاحظ مفتاح الكرامة 1 / 105.
(6) غنية النزوع / 48 - 49 / كتاب الطهارة، لاحظ مفتاح الكرامة 1 / 105.
(7) السرائر 1 / 70، لاحظ مفتاح الكرامة 1 / 105.
(8) غنية النزوع / 48 - 49 / كتاب الطهارة، لاحظ مفتاح الكرامة 1 / 105.
(9) في المطبوع: (و) بدل (أو).
(10) الوسائل 1 / 179 ب (15) من أبواب الماء المطلق / ح (1).
(11) الوسائل 1 / 196 ب (23) من أبواب الماء المطلق / ح (1).
27

وإرساله، ونحوهما، وعدم لزوم تهيئتها قبله لصدق التراوح يوما معه عرفا.
(ونزح كر لموت الحمار) لما في رواية عمر بن سعيد بن هلال قال: سألت أبا
جعفر (عليه السلام) عما يقع في البئر ما بين الفارة والسنور إلى الشاة، كل ذلك يقول: " سبع "
قال: حتى بلغت الحمار فقال: " كر من ماء البئر " (1) (ولموت البقر (2) وشبههما) ولعله
لما ربما يستفاد من رواية سعيد من أن المراد من الحمار أمثاله مما كان قريبا من
جثته.
(ونزح سبعين لموت الانسان) لخبر عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) إذ قال
فيه: " وما سوى ذلك مما يقع في البئر فيموت فأكبره الانسان ينزح منها سبعون
وأقله العصفور ينزح منها دلو وما سوى ذلك في ما بين هذين " (3) وعن الغنية دعوى
الاجماع (4) عليه وظاهر لفظ الانسان يعم الصغير والأنثى بلا خلاف وكذا الكافر كما
هو المشهور (5)، فإذا دل الخبر بإطلاقه على أن الكافر إذا وقع فيها حيا فمات لم
يوجب إلا نزح سبعين فقد دل على كفاية ذلك إذا خرج حيا بالفحوى، ضرورة أنه
لو لم يوجب بموته شيئا آخر لما أوجب نقصا - كما لا يخفى - قيل ببقاء نجاسة الكفر به
حال موته، أو إرتفاعها وعروض النجاسة بالموت.
واحتمال أن السبعين إنما كانت واجبة من حيث نجاسته بالموت، لا من حيث
نجاسة كفره في غير محله، فإن الحكم من جهة دون أخرى إنما يصح في ما أمكن

(1) الوسائل 1 / 180 ب (15) من أبواب الماء المطلق / ح (5). والصحيح عمرو بن سعيد بن هلال.
(2) في التكملة: (البقرة).
(3) الوسائل 1 / 194 ب (21) من أبواب الماء المطلق / ح (4).
(4) غنية النزوع / 48 - 49، لاحظ مفتاح الكرامة 1 / 109.
(5) المعتبر 1 / 63، ومنتهى المطلب 1 / 78، جامع المقاصد 1 / 140 و 146، وللاستزادة لاحظ مفتاح
الكرامة 1 / 121.
28

الانفكاك بينهما، ولا يمكن بينهما في مورد الرواية.
نعم لو لم يكن لوقوعه حيا دخل في الحكم بنزحها، بل كان تمام السبب له هو
ملاقاته ميتا - كما أنه ليس ببعيد كله - كان للإحتمال مجال، فتأمل جيدا.
(ونزح خمسين للعذرة الذائبة) على المشهور (1). ولا شاهد له من الأخبار إلا
رواية أبي بصير: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العذرة تقع في البئر. قال (عليه السلام): " ينزح
منها عشرة دلاء فإن ذابت فأربعون أو خمسون " (2) بناء على كون الترديد من
الراوي. والإستصحاب يقتضي الأخذ بأكثر الإحتمالين، قيل بوجوب النزح أو
الاستحباب.
لكن الظاهر أن لفظ " أربعون أو خمسون " من الإمام (عليه السلام) فيكون تخييرا بين
الأقل والأكثر الأفضل.
ثم إن الظاهر أن تكون العذرة خصوص عذرة الانسان، لكونها حقيقة فيها،
أو للانصراف، أو المتيقن من إطلاقها.
وكذا خمسين في (الدم الكثير غير الدماء (3) الثلاثة) على المشهور (4)، بل عن
الغنية الاجماع عليه (5) فإن تم وإلا فليس في الأخبار أثر.
وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) إشعار بأن فيه نزح ما بين ثلاثين

(1) انظر المقنعة / 67 وغنية النزوع / 49 / كتاب الطهارة، والسرائر 1 / 79، وإشارة السبق / 81
وللاستزادة راجع مفتاح الكرامة 1 / 109.
(2) الوسائل 1 / 191 ب (20) من أبواب الماء المطلق / ح (1).
(3) في المخطوط والمطبوع: (دماء) بغير (أل) وأثبتناه من التكملة.
(4) انظر المهذب 1 / 22، وإصباح الشيعة / 24، والجامع للشرائع / 19، ومختلف الشيعة 1 / 198.
(5) الغنية / 48 ولاحظ مفتاح الكرامة 1 / 110.
29

إلى أربعين (1)، كما عن الشيخ في الاستبصار (2)، والفاضلين (3) في بعض
كتبهما (4) وغيرهم (5) العمل به والحكم بالتخيير بين الثلاثين والأربعين وما بينهما.
وقد تقدم الكلام في الدماء الثلاثة. (6)
ونزح (أربعين لموت الكلب والسنور والخنزير والثعلب والأرنب وبول
الرجل) لما عن المعتبر من كتاب الحسين بن سعيد عن القاسم عن علي (7)، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن السنور. فقال: " أربعون وللكلب وشبهه " (8). وقوله (عليه السلام)
في خبر سماعة: " وإن كانت سنورا أو أكبر منها نزحت منها ثلاثون أو أربعون " (9). وفي
خبر علي: " السنور عشرون أو ثلاثون أو أربعون " (10). وفي بعض الأخبار في الكلب
نزح دلاء (11)، وفي بعضها نزح الكل (12).. إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على غير
ذلك (13). ولما في خبر علي بن حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام) من نزح أربعين في بول

(1) الوسائل 1 / 193 ب (21) من أبواب الماء المطلق / ح (1).
(2) الاستبصار 1 / 44 - 45.
(3) المعتبر 1 / 65، المختصر النافع / 3 ومنتهى المطلب 1 / 14، مختلف الشيعة 1 / 200.
(4) في المخطوط: (كتبهم).
(5) انظر كشف الرموز 1 / 53، وذكرى الشيعة 1 / 94، وكشف اللثام 1 / 329 - 330.
(6) في ص / 27.
(7) في المعتبر: (القاسم بن علي).
(8) المعتبر 1 / 66، وأشار إليها في الوسائل 1 / 183 ب (17) من أبواب الماء المطلق / ذيل ح (3).
(9) الوسائل 1 / 183 ب (17) من أبواب الماء المطلق / ح (4).
(10) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (3).
(11) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (2) و (5).
(12) الوسائل 1 / 182 ب (17) من أبواب الماء المطلق / ح (8).
(13) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (7).
30

الرجل (1). وقد ورد في البول نزح دلاء (2)، ونزح الكل (3)، ونزح ثلاثين (4).
ولا يخفى أن في اختلاف الأخبار في النزح دلالة واضحة على أن ذلك
لتفاوت مراتب الدناسة والنجاسة، وكذا مراتب النزاهة والطهارة.
وكذا (نزح عشرة للعذرة اليابسة والدم القليل) لرواية أبي بصير المتقدمة في
العذرة (5).
وليس في الأخبار في الدم القليل، على اختلافها في إطلاق الدلاء أو
توصيفها باليسيرة أو تحديدها بالثلاثين (6)، خبر دل على تعيين العشرة أصلا إلا أن
تعينها مشهور (7) بل وقد نقل عليه الاجماع (8).
(و) نزح (سبع لموت الطير والفارة إذا تفسخت أو انتفخت، وبول الصبي
واغتسال الجنب وخروج الكلب منها حيا) بغير واحد من الأخبار على السبع في
الطير والفارة (9) كما أن تقييد الفارة بالتفسخ في غير واحد منها (10) وليس في الأخبار

(1) الوسائل 1 / 181 ب (16) من أبواب المطلق / ح (2). والصحيح: علي بن أبي حمزة.
(2) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (6).
(3) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (7).
(4) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (3) و (5).
(5) تقدمت في ص / 29، برقم (2).
(6) انظر الوسائل 1 / 193 ب (21) من أبواب الماء المطلق.
(7) المقنع / 10، والمراسم / 35، والسرائر 1 / 79، وإشارة السبق / 81.
(8) غنية النزوع / 49، كتاب الطهارة، وللاستزادة راجع مفتاح الكرامة 1 / 113 - 114.
(9) الوسائل 1 / 186 ب (18) من أبواب الماء المطلق.
(10) الوسائل 1 / 184 ب (17) من أبواب الماء المطلق / ح (7) وص 187 ب (19) من هذه الأبواب /
ح (1).
31

الدالة على السبع فيها تقييدها بالإنتفاخ، وإنما التقييد به من جماعة (1).
ولما في رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " ينزح سبع دلاء إذا
بال فيه الصبي... " (2)، ولكن في صحيحة معاوية: نزح الكل (3).
ولرواية أبي بصير عن الرجل يدخل في البئر فيغتسل منها. قال: " ينزح
سبع دلاء " (4). وصحيحة ابن مسلم: " إذا دخل الجنب البئر ينزح منها سبع دلاء " (5).
ولرواية أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام): " إذا مات الكلب في البئر نزحت " وقال:
" إذا وقع فيها ثم خرج حيا نزحت سبع دلاء " (6).
(و) نزح (خمس لذرق الدجاج) الجلال، لعدم نجاسة ذرق غيره، ولم نعثر
على دليل إلا أن الاجماع على عدم وجوب الزائد على الخمس، على ما قيل (7)،
أوجب الاقتصار عليها ولو قيل بغيرها في ما لا نص فيه.
(و) نزح (ثلاث) دلاء (للفارة والحية) لما في صحيحة معاوية بن عمار، من
نزح ثلاث دلاء للفارة والوزغة. (8)
ولرواية الحلبي: " إذا مات في البئر حيوان صغير فانزح دلاء " (9). ولكن في

(1) الوسيلة / 75، وغنية النزوع / 49 / كتاب الطهارة، والجامع للشرائع / 19، وللاستزادة راجع مفتاح
الكرامة 1 / 114.
(2) الوسائل 1 / 181 ب (16) من أبواب الماء المطلق / ح (1).
(3) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (7).
(4) الوسائل 1 / 195 ب (22) من أبواب الماء المطلق / ح (4).
(5) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (2).
(6) الوسائل 1 / 182 ب (77) من أبواب الماء المطلق / ح (1).
(7) انظر الروضة البهية 1 / 273، وراجع مفتاح الكرامة 1 / 117 - 118.
(8) الوسائل 1 / 187 ب (19) من أبواب الماء المطلق / ح (2).
(9) الوسائل 1 / 180 ب (15) من أبواب الماء المطلق / ح (6).
32

رواية ابن سنان: " للدابة الصغيرة سبع " (1) وإن كانت غير معمول بها، فلتحمل على
الاستحباب، أو على زيادته.
الباب الأول: في المياه (ماء البئر - الأسآر)...
(و) نزح (دلو للعصفور وشبهه، وبول الرضيع) لرواية عمار: " أقل ما يقع في
البئر فيموت فيه العصفور ينزح له دلو واحد " (2).
ولرواية علي بن حمزة عن بول الصبي الفطيم قال: " ينزح له دلو واحد " (3) بناء
على كون الفطيم يعبر به في الأخبار عن الرضيع كما عن محكي المهذب البارع (4).
(وعندي أن ذلك كله مستحب) ولو من باب التسامح في أدلة الاستحباب،
بناء على الاكتفاء فيه بنقل الاجماع والشهرة وإلا ففي ما لا خبر ولا إجماع محقق، لا
استحباب إلا من باب الاحتياط، وذلك لما عرفت أن قضية التوفيق بين الأخبار
هو حمل الأخبار الدالة على وجوب النزح على الاستحباب، وأنه إنما كان لرفع
الاستقذار طبعا، كما يشهد به الأمر به لوقوع ما ليس بنجس قطعا والجمع بينه
وبين النجس في مقدار النزح، أو لرفع النجاسة بمرتبة لا تكون مانعة عن الاستعمال
في ما يعتبر فيه الطهارة إلا تنزيها، كما يشهد به إطلاق التطهير عليه في بعضها (5)،
فتأمل جيدا.
(الرابع: أسآر الحيوان)
وهي جمع سؤر، وهو لغة كما عن جماعة (6) البقية من كل شئ والمراد هاهنا

(1) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (1).
(2) الوسائل 1 / 194 ب (21) من أبواب الماء المطلق / ح (4).
(3) الوسائل 1 / 181 ب (16) من أبواب الماء المطلق / ح (2). والصحيح علي بن أبي حمزة.
(4) المهذب البارع 1 / 102.
(5) انظر الوسائل 1 / 182 ب (17) من أبواب الماء المطلق / ح (2).
(6) القاموس المحيط 2 / 44 مادة (السؤر)، لسان العرب 6 / 132 مادة (سأر).
33

خصوص الماء الملاقي لجسم حيوان، و (كلها طاهرة إلا) سؤر (الكلب والخنزير
والكافر) إذا كان قليلا على المشهور من إنفعال القليل، حيث لا دليل على نجاسة
سؤرها إلا الدليل على إنفعال القليل. هذه تمام أقسام الماء المطلق.
(وأما المضاف)
(وهو المعتصر من الأجسام) أو المحصل بالتصعيد (أو الممتزج بها مزجا
يسلبه الإطلاق) بشرط صحة إطلاق الماء عليه مجازا، لعلاقة المشابهة فخرج ما
لا يصح إطلاقه عليه كذلك وإن أطلق عليه أحيانا مبالغة في ميعانه والمصعد (كماء
الورد، و) الممتزج كماء (المرق، فينجس بكل ما يقع فيه) أو يلاقيه (من النجاسة)
أو المتنجس بها (سواء كان) الماء المضاف (قليلا أو كثيرا. ولا يجوز رفع الحدث به)
مطلقا ولا حكمه من مثل من به السلس أو المستحاضة، بلا خلاف بين الطائفة، كما
عن المبسوط (1)، وبين المحصلين كما عن السرائر (2).
ولا ينافيه ما عن بعض أصحاب الحديث منا (3) من جواز الوضوء والغسل
من الجنابة والإستياك بماء الورد، لاحتمال أن يكون هذا منه لأجل منع كون خروج
الماء عن الإطلاق بالتصعيد أو باكتساب ريح الورد، بل عليه الاجماع. هذا مضافا
إلى عدم دليل على رفع الحدث أو حكمه به والأصل بقاؤه.
(ولا) يجور (إزالة الخبث) به (وإن كان طاهرا) على المشهور (4)، للأصل ولا
دليل على خلافه سوى دعوى إطلاقات الغسل، وأن الأصل جواز الإزالة بكل

(1) المبسوط 1 / 5.
(2) السرائر 1 / 59.
(3) لاحظ من لا يحضره الفقيه 1 / 9 ذيل ح (2)، والهداية / 13.
(4) لاحظ السرائر 1 / 59 والمختلف 1 / 222 وجامع المقاصد 1 / 123.
34

مزيل، وخبر غياث الدال على عدم البأس بغسل الدم بالبصاق. (1)
والإطلاق منصرف إلى ما هو المتعارف من الغسل بالماء، ولا أقل من أنه
القدر المتيقن منه، والأصل وإن كان جواز الغسل تكليفا، إلا أنه لا يكاد يفيد إذا
كان الأصل عدم جوازه وضعا، لعدم دليل على أن غير الماء مزيل شرعا وخبر
غياث مع ضعفه متروك قطعا.
الباب الأول: في المياه (المستعمل في رفع الحدث)...
وهاهنا (مسائل):
(الأولى: الماء المستعمل في رفع الحدث الأصغر طاهر) قطعا، ضرورة من
المذهب (ومطهر) للحدث والخبث إجماعا (والمستعمل في الأكبر طاهر) بلا
خلاف، بل إجماعا وكذا (مطهر للخبث) كذلك (ولا يرفع به الحدث على الأحوط)
لما في رواية عبد الله بن سنان: " الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا
يتوضأ منه وأشباهه... " (2) وغيرها (3) مما دل على النهي عن الاغتسال بغسالة الحمام
معللا باغتسال الجنب. إلا أنه من القريب جدا أن يكون المنع عن التوضؤ بماء
الغسل في الرواية، وعن الاغتسال بغسالة الحمام في غيرها إنما كان لأجل تلوث
بدن الجنب بالنجاسة، فإن الغالب إزالتها عند الغسل، بخلاف الوضوء في الإناء
النظيف، فيكون مقابلة ماء الوضوء له في الرواية من حيث النظافة وعدمها، لا من
حيث الاستعمال في رفع الحدث الأصغر والأكبر. ولو شك في جهة النهي، فقضية
الإطلاقات هو الرفع. ولو منع عن صحة الاستناد إليها فاستصحاب جواز
استعماله في رفع الحدث، وكونه طهورا محكم، فالرفع ليس ببعيد، وإن كان عدمه
أحوط.

(1) الوسائل 1 / 205 ب (4) من أبواب الماء المضاف والمستعمل / ح (1) و (2).
(2) الوسائل 1 / 215 ب (9) من أبواب الماء المضاف والمستعمل / ح (13).
(3) راجع الوسائل 1 / 219 ب (11) من أبواب الماء المضاف والمستعمل.
35

(الثانية: الماء المستعمل في إزالة النجاسة نجس، سواء تغير بالنجاسة أو لم
يتغير، في الغسلة المزيلة للعين) أي عين النجاسة، لملاقاته لها. وقد عرفت إنفعال
القليل بملاقاتها ولو لم يتغير بها (وفي غيرها، على الأحوط الأولى) لما عرفت من
عدم دليل على الانفعال بملاقاة المتنجس (1). مع إمكان أن يقال - كما قيل (2) - بعدم
الانفعال في الغسالة ولو قيل به بملاقاته، مطلقا أو في خصوص الغسلة المطهرة،
بدعوى اختصاص عموم دليل الانفعال بانفعاله بما يكون نجسا حين ملاقاته، أو
بما يكون غير متأثر من ملاقاته، لا ما يكون الملاقاة مؤثرا في طهارته. ولا يهمنا
إطناب الكلام في المقام، كما صدر من غير واحد من الأعلام (3)، بعد ما عرفت من
عدم الدليل على إنفعال القليل بالمتنجس، بل الدليل على عدم الانفعال به.
ثم إنه لا إشكال في عدم كون المستعمل في إزالة الخبث مزيلا للحدث على
القول بانفعاله. وأما على القول بعدم الانفعال ففيه إشكال وإن قيل (4) انه المعروف
بين الأصحاب وعن المعتبر (5) والمنتهى (6) الاجماع عليه، وعن محكي المعالم دعوى
الاجماع على عدم ارتفاع الحدث بماء الاستنجاء (7). فالمقام - كما قيل - أولى (8)، إذ
لعله لمعر وفية القول بالإنفعال، ومعه لا وثوق بدعوى الاجماع، كما لا يخفى.
ومنه ظهر حال دعوى الاجماع في ماء الاستنجاء، لاحتمال أن يكون مع

(1) في ص / 24.
(2 و 3) لاحظ مفتاح الكرامة 1 / 90 والجواهر 1 / 336.
(4) انظر كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) / 49 (ط حجرية - 1307 ه‍).
(5) المعتبر 1 / 90.
(6) منتهى المطلب 1 / 142.
(7 و 8) لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) / 49 (ط حجرية - 1307 ه‍).
36

إنفعاله عفوا، لا طاهرا. مع أنه لو سلم فلا يكون المقام أولى، إذ لعله لملاقاته لعين
النجاسة والمخالطة معها.
وربما استدل عليه برواية عبد الله بن سنان المتقدمة (1).
الباب الأول: في المياه (المستعمل في إزالة النجاسة)...
وقد عرفت الاشكال في دلالتها، مع أن الغالب في الثوب النجس كون عين
النجاسة فيه، فالماء الذي يغسل به ينفعل بملاقاته، فلا يجوز استعماله في رفع
الحدث وحكمه لذلك. ومع ذلك الاحتياط عدم استعماله في رفع الحدث وحكمه.
ثم إن الحكم بانفعال الماء المستعمل في الغسلة المزيلة إنما يكون في ما (عدا
ماء الإستنجاء) فإنه لا بأس به، كما عن بعض (2)، ومعفو عنه كما عن المنتهى (3)، ولا
ينجس الثوب والبدن كما عن المقنعة (4)، بل هو طاهر كما في الشرائع (5)، وعن
القواعد (6)، واشتهر بين المتأخرين (7). وقد نقل (8) عليه الاجماع عن غير واحد.
ودل عليه الأخبار (9) الدالة على نفي البأس بوقوع الثوب فيه، وعدم تنجسه به،
بملازمة ذلك عرفا لطهارته، ومساوقة عدم التنجس به مع طهارته، وعدم إنسباق

(1) تقدمت في ص / 35 برقم (2).
(2) حكاه في مفتاح الكرامة 1 / 94، عن السيد في المصباح.
(3) منتهى المطلب 1 / 143.
(4) المقنعة / 47.
(5) الشرائع 1 / 13.
(6) قواعد الأحكام 1 / 186.
(7) الروضة البهية 1 / 311، ومجمع الفائدة 1 / 288 - 289، ومدارك الأحكام 1 / 124، ورياض المسائل
1 / 182.
(8) لاحظ مفتاح الكرامة 1 / 93.
(9) انظر الوسائل 1 / 221 ب (13) من أبواب الماء المضاف والمستعمل.
37

العفو في الأذهان مع نجاسته، فيخصص بها دليل إنفعال القليل (1)، مضافا إلى ما
عرفت من عدم ثبوت العموم في المفهوم، وليس مفاده إلا إنفعاله بملاقاة النجس في
الجملة، والمتيقن منه غير المقام. ولكنه (بشرط عدم التغير) بتمامه أو بغالبه لا بما
لابد منه غالبا. وذلك لانفعال متغير كذلك إجماعا، مضافا إلى عموم دليل إنفعال
المتغير بالنجاسة (2) بلا مخصص. فإن إطلاق أخبار الباب لا يعم هذه الصورة، فإنها
نادرة ولو سلم عمومه لها كان إطلاق دليل إنفعال المتغير أظهر في الشمول لها من
إطلاقها، كما لا يخفى. (و) كذا بشرط عدم (التعدي) للنجاسة بما هو خارج عن
المتعارف المعتاد، بخروجه بذلك عن ماء الاستنجاء المحض ومخالطته لغيره، بخروج
المستعمل في إزالة الخبث من غير موضع المعتاد عن ماء الاستنجاء، وعدم شمول
إطلاق الأخبار له. فيكون شمول دليل الانفعال بالنجاسة له كشموله لغيره (3) بلا
تفاوت أصلا وإطلاق الأخبار لا يشمله لما عرفت من خروجه من ماء الإستنجاء
وإن كان مخلوطا به أحيانا.
(الثالثة: غسالة الحمام طاهرة إلا إذا علم ملاقاتها (4) لعين النجاسة) لعدم
دليل على نجاستها في غير هذه الصورة، ولا دليل على اعتبار الظن بملاقاتها لها،
لكونها معرضا لذلك وقد ورد فيها مثل مرسلة الواسطي عن بعض أصحابنا، عن
أبي الحسن (عليه السلام) أنه سئل عن مجمع الماء في الحمام من غسالة الناس: قال:
" لا بأس " (5).

(1) تعرض لدليل الانفعال وعدمه في ص / 21.
(2) انظر الوسائل 1 / 137 ب (3) من أبواب الماء المطلق.
(3) في المطبوع: (بغيره).
(4) في المخطوط: (بملاقاتها).
(5) الوسائل 1 / 213 ب (9) من أبواب الماء المضاف والمستعمل / ح (9).
38

(الرابعة: الماء النجس لا يجوز استعماله في الطهارة) وإزالة الحدث مطلقا
وحكمه (ولا في إزالة النجاسة، ولا في الشرب) إجماعا (إلا مع الضرورة) إلى شربه
(فيجوز الشرب منه حينئذ)، بل ربما يجب لحفظ النفس عن الهلاك، أو ما بحكمه
بدونه.
الباب الأول: في المياه (الماء النجس)...
39

الباب الثاني: في الوضوء...
(الباب الثاني: في الوضوء)
(وفيه فصول):
(الفصل الأول: في موجبه خاصة) لا ما يوجبه مع الغسل وجوبا أو
استحبابا على القولين ولذلك (إنما يجب) بالستة لا بغيرها والظاهر أن كونها موجبة
إنما هو بلحاظ أن الانسان قبل التكليف، بل قبل التمييز يحدث منه جلها لولا كلها.
فإطلاق الموجب أو السبب عليها بهذا اللحاظ لا دلالة له أصلا على أنه لو فرض
مكلف لم يحدث منه حدث لم يجب عليه الوضوء، وجاز له الدخول في الصلاة،
فالحدث أمر وجودي، والطهارة عدمه عمن من شأنه وجوده فيه، كما أفاده
شيخنا العلامة (1) (أعلى الله مقامه).
وكيف تكون الطهارة أمرا عدميا وهو نور وقابل للإشتداد، كما دل عليه

(1) لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) / 63 (ط حجرية - 1307 ه‍).
41

ما ورد في الوضوء التجديدي أنه " نور على نور " (1) والنور أمر وجودي، يقوى
ويضعف؟
فالظاهر أن التقابل بين الحدث والطهارة تقابل الضدين لا ثالث لهما بحسب
حال المكلف خارجا لا يكاد يخلو من كليهما وإن كان يمكن خلوه فرضا، كما يمكن
خلو الانسان منها خارجا. ولا دلالة لتفسير الحدث بالحالة المانعة إلا على كونه
وجوديا، لا على كون الطهارة أمرا عدميا.
وكيف كان فالمهم تفصيل الستة الموجبة له. الاثنان منها يجب (بخروج (2)
البول والغائط، من) الموضع (المعتاد أصلا أو عارضا، أو من غير المعتاد إذا خرج
على حسب خروجه من المعتاد) وإن لم ينسد المعتاد، ولم يصر بمعتاد، وذلك مضافا
إلى الإطلاقات، الحسن كالصحيح عن علل الفضل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام):
" إنما وجب الوضوء مما يخرج من الطرفين خاصة، ومن النوم دون سائر الأشياء، لأن
الطرفين هما طريق النجاسة، وليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلا
منهما، فأمروا بالطهارة عند ما يصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم " (3) فإن الظاهر
من قوله: " فأمروا بالطهارة " أن الموجب إنما هو إصابة النجاسة التي كان طريق
أصابتها المعتاد هو الطرفان، من دون اعتبار كون الإصابة منهما، كما لا يخفى. وإنما
اعتبرنا أن يكون خروجه على حسب الخروج من المعتاد، كما إذا خرج من ثقب
بعلاج، لانصراف الإطلاقات، وكذا إطلاق الإصابة عما إذا لم يكن كذلك، لا أقل
من كون غيره متيقنا.

(1) الوسائل 1 / 377 ب (8) من أبواب الوضوء / ح (8).
(2) في المخطوط: (الاثنان منها: خروج البول والغائط).
(3) الوسائل 1 / 251 ب (2) من أبواب نواقض الوضوء / ح (7).
42

(و) الثالث: خروج (الريح الخارج من المعتاد) ولو عارضا لأنه المنصرف
إليه إطلاق الريح في خبر زكريا بن آدم (1)، وإطلاق " ما يخرج " و " خرج " في غير
واحد من الأخبار (2) (فلا عبرة بالريح الخارج من القبل) أي قبل المرأة قطعا،
لكونه غير معتاد له أصلا. نعم لو حدث فيه طريق إلى مخرجه المعتاد فخرج منه
حسب خروجه من المعتاد، لا يبعد كونه ناقضا.
الباب الثاني: في الوضوء (موجباته)...
(و) الرابع (النوم الغالب على السمع والبصر) نوعا، إذ لا يبعد دعوى أن غير
الغالب على الحاستين ليس بنوم حقيقة وإن أطلق عليه أو على ما يعمهما مجازا
لعلاقة المشارفة أو غيرها، فيكون وصفا توضيحيا دفعا لتوهم العموم.
وإن أبيت فقد قيد في صحيحة زرارة بنوم العين والأذن والقلب (3)، وفي
موثقة ابن بكير بعدم سماع الصوت (4). وفي صحيحة أخرى لزرارة، وغيرها
بذهاب العقل (5)، وإذهاب العقل لا يكون إلا بالغلبة على الحاستين.
(و) الخامس (ما في معناه) أي النوم وهو كل ما أزال العقل أو غطاه. وقد
نقل عليه الاجماع من غير واحد (6). وعن بعض أنه من دين الإمامية (7). وعن آخر
أن عليه إجماع المسلمين (8). وربما يشعر به ما قيد فيه النوم بإذهابه العقل في

(1) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (6).
(2) لاحظ الوسائل 1 / الباب المتقدم.
(3) الوسائل 1 / 245 ب (1) من أبواب نواقض الوضوء / ح (1).
(4) الوسائل 1 / 253 ب (3) من أبواب نواقض الوضوء / ح (7).
(5) الوسائل 1 / 248 ب (2) من أبواب نواقض الوضوء / ح (1)، وص 252 ب (3) من هذه الأبواب /
ح (2).
(6) غنية النزوع / 35 / كتاب الطهارة، ومدارك الأحكام 1 / 149.
(7) لاحظ مفتاح الكرامة 1 / 36، ورياض المسائل 1 / 197.
(8) التهذيب 1 / 5.
43

أخباره، أو يدل بناء على أن المفهوم منه عرفا أن إذهاب العقل هو الملاك
لناقضيته، من دون دخل بخصوصية، فتأمل.
(و) السادس (الإستحاضة القليلة الدم) للأخبار المستفيضة (1) الدالة على
أنها غير موجبة لغيره، فلا يعبأ بخلاف العماني في أنها لا يوجب شيئا (2)، ولا
بخلاف الإسكافي في أنها توجب غسلا في اليوم والليلة (3)، حسبما حكي عنهما.
واعلم أنه يستفاد من الأخبار حصر الموجبات له في الستة (و) أنه (لا
يجب) مطلقا (بغير ذلك) من وذي ومذي وودي، ودم غير دماء الثلاثة، وغيرها
مما يخرج من أحد السبيلين غير ما ذكر، أو لا يجب وحده بل مع الغسل، كما في
الدماء الثلاثة غير القليلة من الإستحاضة.

(1) الوسائل 2 / 371 ب (1) من أبواب الاستحاضة.
(2) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1 / 111 و 244، والعلامة في مختلف الشيعة 1 / 372.
(3) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة 1 / 372.
44

الباب الثاني: في الوضوء (آداب الخلوة)...
(الفصل الثاني: في آداب الخلوة. و) هي ثلاثة (1):
الأول: (أنه يجب) في حال التخلي كما في غيره (ستر العورة على طالب
الحدث) (2) عن الناظر المحترم عدا الزوج والزوجة، والمولى وأمته التي جاز له
الاستمتاع منها إجماعا كتابا وسنة. قال الله تبارك وتعالى: * (قل للمؤمنين يغضوا
من أبصارهم ويحفظوا فروجهم... إلى آخرها) * (3) وقد فسر حفظ الفرج بحفظه من
النظر إليه (4). وفي صحيحة حريز " لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه " (5). وغيرها من
الأخبار الناهية من دخول الحمام بلا مئزر (6).
ثم إن العورة هو خصوص القبل والدبر، لما في مرسلة أبي يحيى الواسطي:
" العورة عورتان: القبل والدبر، والدبر مستور بالأليتين. فإذا سترت القضيب
والبيضتين فقد سترت العورة " (7). وفي بعض الأخبار دلالة على عدم كون الفخذ

(1) الأحرى أن تربع آداب الخلوة كما سيظهر من الشرح أيضا: الواجبات، المحرمات، المستحبات،
المكروهات. وقد عد الشارح المحرمات منها الثاني كما عد المستحبات منها أيضا الثاني واللازم عدها
ثالثا والمكروهات رابعا ليطابق العدد والواقع.
(2) لم يرد في المخطوط: (على طالب الحدث).
(3) سورة النور / 30.
(4) انظر تفسير نور الثقلين 3 / 587 - 589 ومجمع البيان 7 / 216.
(5) الوسائل 1 / 299 ب (1) من أبواب احكام الخلوة / ح (1).
(6) انظر الوسائل 2 / 33 ب (3) من أبواب آداب الحمام / ح (5)، وص 39 ب (9) من هذه الأبواب /
ح (5 - 9).
(7) الوسائل 2 / 34 ب (4) من أبواب آداب الحمام / ح (2).
45

منها (1). والأخبار الدالة على خلاف ذلك (2) محمول على استحباب الستر، أو
كراهة الكشف.
كما أن سترها هو حفظها عن خصوص النظر إلى بشرتها، لأنه المنصرف من
سترها، فلا يحرم النظر إلى حجمها من وراء ثوب رقيق يحكي الحجم، وإن كان
الأحوط تركه.
ثم إنه قيل: لا يعتبر في الناظر البلوغ، لإطلاق آية الحفظ (3) ورواية لعن
المنظور إليه (4)، ومرفوعة سهل بن زياد: " لا يدخل الرجل مع أبيه في الحمام فينظر
إلى عورته " (5). ومرسلة محمد بن جعفر عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يدخل الرجل مع أبيه في الحمام ". وقال: " ليس للوالد أن
ينظر إلى عورة الولد، وليس للولد أن ينظر إلى عورة الوالد ". وقال: " لعن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناظر والمنظور إليه في الحمام بلا مئزر " (6).
قلت: لا يخفى انه لا إطلاق في الآية، فإن الظاهر أن الحفظ إنما يجب عمن
يجب عليه الغض، ولا في الرواية، لوضوح أن المراد لعن المنظور إليه بنظر من يجب
عليه الحفظ عن النظر إليه، لا مطلق المنظور إليه. والمرفوعة والمرسلة ظاهرتان في
الآداب، فلا حاجة معه بتخصيص الابن بالمميز مع ما هما عليه من الضعف بلا
جابر.

(1) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (1) و (4).
(2) لاحظ الوسائل 2 / 67 ب (31) من أبواب آداب الحمام / ح (1)، وج 5 / 23 ب (10) من أبواب احكام
الملابس / ح (3)، وج 21 / 148 ب (44) من أبواب نكاح العبيد والإماء / ح (7).
(3) سورة النور / 30.
(4) الوسائل 2 / 33 ب (3)، من أبواب آداب الحمام / ح (5)، وص 56 ب (21) / ح (1).
(5) الوسائل 2 / 56 ب (21) من أبواب آداب الحمام / ح (2).
(6) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (1)، بتفاوت.
46

(و) الثاني: أنه (يحرم عليه استقبال القبلة) عينا، وجهة، بمقاديم بدنه.
(واستدبارها) بها كذلك (في الصحاري والبنيان) لإطلاق الأخبار (1) وعن
بعض الأصحاب (2) أن المحرم هو الاستقبال بالفرج دون المقاديم، فلو استقبل
وحرفه لم يكن عليه بأس. وقد علل بأنه المفهوم من قوله (صلى الله عليه وآله) (3): " لا يستقبل
القبلة ببول ولا غائط " (4).
وفيه إن الظاهر أن الباء هاهنا ليس باء التعدية، بل بمعنى (في) أي لا يستقبل
في حال البول، كما يشهد به خلو سائر الأخبار (5) عنها.
وربما قيل بأن الاستقبال بالعورة كالإستقبال بالمقاديم في الحرمة، لفهمه من
فحوى الأدلة، فإن منافاة الاستقبال بالعورة للتعظيم ما هو أعظم من الاستقبال
بالمقاديم.
وفيه ما لا يخفى.
والثاني: (أنه يستحب له) أمور:
أحدها: (تقديم الرجل اليسرى عند دخول الخلاء واليمنى عند الخروج) ولا
حجة على استحبابه من الأخبار إلا ذكر الشيخ وبعض الأصحاب، على ما عن
المحقق في المعتبر (6) الاعتراف به ولولا شمول أدلة التسامح (7) لمثل ذلك، لا وجه

(1) انظر الوسائل 1: 301 ب (2) من أبواب أحكام الخلوة.
(2) التنقيح الرائع 1 / 69، وللاستزادة لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) / 68 (ط حجرية -
1307 ه‍).
(3) في المخطوط: (ع) رمزا إلى (عليه السلام).
(4) لاحظ الوسائل 1 / 302 ب (2) من أبواب الحكام الخلوة / ح (4) مضمونه عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، و ح
(1) قريبا من هذا اللفظ.
(5) لاحظ الوسائل 1 / 301 ب (2) من أبواب أحكام الخلوة.
(6) المعتبر 1 / 134.
(7) أي أدلة التسامح في السنن، انظر الوسائل 1 / 80 ب (18) من أبواب مقدمة العبادات.
47

أصلا للفتوى بالإستحباب، كما لا يخفى.
(و) ثانيها: (تغطية الرأس) اتفاقا، كما عن غير واحد (1)، وفي مرسلة الفقيه:
كان الصادق (عليه السلام) إذا دخل الخلاء يقنع رأسه ويقول في نفسه: " بسم الله وبالله، ولا إله
إلا الله ربي، أخرج عني الأذى سرحا بغير حساب واجعلني لك من الشاكرين... " (2).
(و) ثالثها: (التسمية) للاتفاق، كما قيل (3)، ولما في المرسلة السابقة.
(و) رابعها: (الاستبراء) من البول. والفتاوى (4) كالأخبار (5) في كيفيته مختلفة.
ويمكن أن يكون ذلك من جهة أن كل واحد منها مستحب بمرتبة من
الاستحباب.
ويمكن أن يكون لأجل أن المستحب هو الاستظهار، بحيث يقطع بعدم تخلف
شئ من أجزاء البول في المخرج، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والحالات.
وكيف كان فالظاهر الاكتفاء فيه بما ورد في صحيح محمد بن مسلم، وهو أصح ما
ورد فيه، كما قيل (6)، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل بال ولم يكن معه ماء. قال:
" يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتره " (7).

(1) انظر المعتبر 1 / 133، وذكرى الشيعة 1 / 162.
(2) من لا يحضره الفقيه 1 / 17 / ح (41)، ومختصرا في الوسائل 1 / 304 ب (3) من أبواب أحكام الخلوة /
ح (2).
(3) المعتبر 1 / 133، وانظر جواهر الكلام 2 / 56.
(4) لاحظ مفتاح الكرامة 1 / 51، والحدائق الناضرة 1 / 56.
(5) راجع الوسائل 1 / 282 ب (13) من أبواب نواقض الوضوء / ح (2) و (3) وص 320 ب (11) من
أبواب أحكام الخلوة / ح (2).
(6) ذكره الشيخ الأنصاري (قدس سره) في كتاب الطهارة / 76 (ط حجرية - 1307 ه‍).
(7) الوسائل 1 / 320 ب (11) من أبواب أحكام الخلوة / ح (2).
48

(و) خامسها (1): (الدعاء عند الدخول والخروج والإستنجاء والفراغ)
بالمأثور.
(و) سادسها (2): (الجمع بين الأحجار والماء) لما في مرسلة ابن عيسى: " جرت
السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار ويتبع بالماء " (3) ولما عن الجمهور، عن علي (عليه السلام):
" إنكم كنتم تبعرون بعرا، واليوم تثلطون ثلطا، فأتبعوا الماء الأحجار " (4).
(و) الثالث: أنه (يكره) عليه أيضا أمور:
منها: الجلوس للبول أو الغائط (في الشوارع) وهي الطرق النافذة
(والمشارع) وهي موارد الماء في نهر أو غيره (ومواضع اللعن (5) وتحت الأشجار
المثمرة وفئ النزال) لصحيح عاصم عن السجاد (عليه السلام) في جواب من سأله أين
يتوضأ الغرباء؟ فقال: " يتقي شطوط الأنهار والطرق النافذة وتحت الأشجار المثمرة
ومواضع اللعن ". قيل: أين مواضع اللعن؟ قال: " أبواب الدور " (6) وقول أبي
عبد الله (عليه السلام) في مرفوعة علي بن إبراهيم: " إجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار
ومساقط الأثمار، ومنازل النزال " (7)، وغير ذلك من الأخبار (8).

(1) في المخطوط: (رابعها)، وهو سهو.
(2) في المخطوط: (خامسها) وهو سهو.
(3) الوسائل 1 / 349 ب (30) من أبواب احكام الخلوة / ح (4).
(4) مستدرك الوسائل 1 / 278 ب (25) من أبواب احكام الخلوة / ح (6).
(5) لم يرد في المطبوع والمخطوط: (ومواضع اللعن) وأثبتناه من التكملة.
(6) الوسائل 1 / 324 ب (15) من أبواب احكام الخلوة / ح (1).
(7) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (2) وفيه: عن علي بن إبراهيم رفعه قال: خرج أبو حنيفة من عند أبي
عبد الله ((عليه السلام)) وأبو الحسن موسى قائم وهو غلام فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟
فقال: اجتنب.. إلى آخره.
(8) لاحظ الباب المتقدم من الوسائل.
49

(و) منها: (استقبال) قرصي (الشمس والقمر) بمقاديم بدنه أو بفرجه،
للمرسل: " لا يستقبل الشمس ولا القمر " (1) وفي رواية السكوني: نهى النبي (صلى الله عليه وآله) أن
يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه (2). وفي حسنة الكاهلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا يبولن أحدكم وفرجه باد للشمس والقمر يستقبل " (3).
(و) منها: (البول في الأرض الصلبة) لرواية عبد الله بن مسكان، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشد الناس توقيا عن البول، كان إذا أراد البول
يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض، أو مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير،
كراهية أن ينضح عليه البول " (4).
(و) منها: البول (في مواطن الهوام، وفي الماء) لغير واحد من الأخبار
المشتملة على النهي عن البول في الماء (5)، مع التعليل في بعضها بأن " للماء أهلا " (6).
(و) منها: (استقبال الريح به) ولعل الوجه خوف أن ينضح عليه البول.
(و) منها: (الأكل والشرب) ولا دليل على الكراهة إلا الرواية الحاكية
لوجدان الإمام للقمة خبز في الخلاء (7) ولا دلالة لها على الكراهة لأكل الخبز، ولو
سلم فلا دلالة أصلا على كراهة غير أكلة، لاحتمال الخصوصية في أكله كما لا يخفى.
(و) منها: (السواك) للمرسلة عن الفقيه: " إن السواك في الخلاء يوجب
البخر " (8).

(1) الوسائل 1 / 343 ب (25) من أبواب أحكام الخلوة / ح (5).
(2) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (1).
(3) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (2).
(4) الوسائل 1 / 338 ب (22) من أبواب احكام الخلوة / ح (2).
(5 و 6) لاحظ الوسائل 1 / 340 ب (24) من أبواب أحكام الخلوة وص / 352 ب (33) من هذه الأبواب
ح (6).
(7) الوسائل 1 / 361 ب (39) من أبواب احكام الخلوة / ح (1) و (2).
(8) الوسائل 1 / 337 ب (21) من أبواب احكام الخلوة / ح (1).
50

(و) منها: (الكلام إلا بذكر الله تعالى، أو للضرورة) للنهي عن الكلام في غير
واحد من الأخبار (1)، ودلالة غير واحد منها على أن ذكره تعالى حسن على كل
حال (2).
(و) منها: (الاستنجاء باليمين وباليسار وعليها (3) خاتم فيه اسم الله تعالى أو
أحد أنبيائه أو الأئمة عليهم السلام) لما في غير واحد من الأخبار أن الإستنجاء
باليمين من الجفا (4) وكذا في غير واحد منها الأمر بتحويل الخاتم الذي فيه اسم الله
من اليد التي يستنجى بها (5)، أو النهي عن الإستنجاء بها (6).
ووجه إلحاق اسم الأنبياء أو أحد الأئمة لضرورة أن في ذلك نحو إهانة لا
ينبغي صدورها بالنسبة إلى حضراتهم.
(و) اعلم أنه (يجب عليه) أي المتخلي، وجوبا شرطيا (الاستنجاء) إذا وجب
عليه المشروط بطهارة بدنه كالصلاة (وهو) شرعا: (غسل مخرج البول بالماء
خاصة) لما في صحيحة زرارة: " ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، وأما البول
فلا بد من غسله بالماء " (7) وقد اختلف الأصحاب في أقل ما يجزي من الماء في
طهارته (8). وقضية الأصل، وإطلاق دليل إعتبار مرتين في غسل البول بغير

(1) الوسائل 1 / 309 ب (6) من أبواب احكام الخلوة / ح (1) و (2).
(2) الوسائل 1 / 310 ب (7) و (8) من أبواب احكام الخلوة.
(3) من التكملة، وفي المطبوع: (فيها).
(4) الوسائل 1 / 321 ب (12) من أبواب احكام الخلوة / ح (2) و (4) و (7).
(5 و 6) انظر الوسائل 1 / 330 ب (17) من أبواب أحكام الخلوة.
(7) الوسائل 1 / 315 ب (9) من أبواب احكام الخلوة / ح (1).
(8) انظر مفتاح الكرامة 1 / 41.
51

الجاري (1)، هو أقل ما يمكن به غسل مخرجه مرتين، ولعلهما المراد من قوله (عليه السلام) في
رواية نشيط بن صالح: " مثلا ما على الحشفة من البلل " (2). في جواب سؤال
الراوي: كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ بأن يكون البلل كناية عن
القطرة العالقة بها التي ينقطع عنها بنفسها، أو بعلاج، لا الرطوبة التي هي عرض،
كما هو واضح، ولا الأجزاء اللطيفة المائية التي يعبر عنها بالرطوبة، ويكون المثلان
كناية عن المرتين، لكفاية المثل بمعنى القطرة في الغسل مرة. لكن الانصاف أن
الرواية لا تخلو عن إجمال، فالمستند في اعتبار المرتين هو ما أشرنا إليه.
(و) كذا (غسل مخرج الغائط) بالماء خاصة (مع التعدي، على الأحوط، وإن
كان الأقوى كفاية الأحجار في المخرج. وإنما يجب غسل خصوص الموضع المتعدى
إليه) وذلك لإطلاق دليل الأحجار (3).
ولا وجه لدعوى الانصراف إلى صورة عدم التعدي، لعدم ندرة صورة
التعدي في غالب الأشخاص. وعدم كفايتها في تطهير الموضع المتعدى إليه إنما هو
لكون تطهيره خارجا عن الاستنجاء، وللإجماع عن غير واحد (4) على أنه لا يجزي
في الصورة غير الماء، فإن المتيقن من الاجماع - لو تم - هو عدم إجزاء غير الماء في
إزالة النجاسة بتمامها، ولا دلالة لمفهوم قوله: " يكفي ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل
العادة " (5) على أزيد من ذلك. ومع هذا، عدم الإجتزاء في المخرج بغير الماء أحوط

(1) الوسائل 1 / 343 ب (26) من أبواب أحكام الخلوة ح (1) و (4) و (9) وج 3 / 395 ب (1) من أبواب
النجاسات / ح (1) و (2) و (3) و (4) و (7) وص / 397 ب (2) من هذه الأبواب / ح (1).
(2) الوسائل 1 / 344 ب (26) من أبواب أحكام الخلوة، ح (5).
(3) الوسائل 1 / 348 ب (30) من أبواب أحكام الخلوة.
(4) انظر مفتاح الكرامة 1 / 42.
(5) المعتبر 1 / 128.
52

مع التعدي. (و) أما (بدونه يجزي ثلاثة أحجار طاهرة) بلا إشكال ولا
خلاف نصا وفتوى. ففي صحيحة زرارة: " يجزيك من الإستنجاء ثلاثة أحجار " (1)
ومثلها أخبار أخر في الدلالة عليه (2) (و) في بعضها دلالة على أن (مثلها في ذلك) أي
الاجزاء (ثلاثة من كل جسم قالع) (3) كما هو المشهور (4) (وإن أثم باستعمال المحترم،
والروث، والعظم) من تلك الأجسام، كما يشهد به استثناؤهم الثلاثة عما يجوز
الاستنجاء به (5).
لكن الظاهر أن عدم جواز الإستنجاء بها إنما كان تكليفا لا وضعا، فإن العلة
في رواية الليث المرادي: سألته عن استنجاء الرجل بالعظم، والبعر، والعود، فقال:
" أما العظم، والروث فطعام الجن، وذلك مما اشترطوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (6) لا
تقتضي إلا حرمة الاستنجاء، أو كراهته، لا عدم حصول الطهارة، كما لا يخفى ".
وقد انقدح من ذلك أن حرمة المحترم وإن كان مقتضيا لكون الاستنجاء به
محرما، إلا أنه لا يقتضي عدم حصول الطهارة بالإستنجاء به. هذا، ولكن
الاحتياط عدم الإجتزاء باستعمالها، لاحتمال عدم حصول الطهارة بذلك، كما هو
صريح بعض الأخبار الضعيفة، في العظم والروث. (7)
ثم الظاهر عدم كفاية حجر واحد ذي شعب ثلاث، لظاهر الأخبار في اعتبار

(1) الوسائل 1 / 315 ب (9) من أبواب احكام الخلوة / ح (1).
(2) الوسائل 1 / 348 ب (30) من أبواب احكام الخلوة.
(3) الوسائل 1 / 358 ب (35) من أبواب احكام الخلوة.
(4 و 5) انظر المبسوط 1 / 17، والوسيلة / 47، وغنية النزوع / 36 / كتاب الطهارة، والسرائر 1 / 96،
وإشارة السبق / 69، ومختلف الشيعة 1 / 267، والمسالك 1 / 30 - 31.
(6) الوسائل 1 / 357 ب (35) من أبواب احكام الخلوة / ح (1).
(7) لم أجد خبرا صريحا في ذلك راجع الوسائل 1 / 358 ب (35) من أبواب أحكام الخلوة ومستدرك
الوسائل 1 / 279 ب (26) من أبواب احكام الخلوة والجواهر 2 / 49.
53

ثلاثة أحجار، وهي غير الواحد ذي الشعب. وظهورها في اعتبارها أقوى من
ظهور إطلاق بعض الأخبار في عدم التحديد للاستنجاء إلا بنقاء ما ثمة (1)، وإطلاق
بعض أخبار الإستجمار (2)، كما لا يخفى.

(1) الوسائل 1 / 358 ب (35) من أبواب احكام الخلوة / ح (6).
(2) الوسائل 1 / 348 ب (30) من أبواب احكام الخلوة / ح (2).
54

الباب الثاني: في الوضوء (كيفية الوضوء)...
(الفصل الثالث: في كيفيته) أي أفعال الوضوء وشروطه.
(ويجب فيه سبعة أشياء):
أحدها: (النية وهي الداعي على إتيانه لله تعالى) على الصحيح، لا الصورة
المخطرة المقارنة لغسل الوجه. والمراد بالداعي هاهنا هو الإرادة المنبعثة عن تصوره
بفوائده ومفاسد تركه، والتصديق بذلك فالصورة المخطرة كسائر المبادي
الاختيارية وإن كانت لابد منها عقلا في حدوثها، كما لا يخفى، إلا أنها قبل العمل
غالبا بمدة على اختلاف الأعمال فيها بوجوه لا تخفى. وهذه الإرادة المنبعثة منها
القائمة بالنفس، المحركة له نحو العمل، لا تكاد تحدث ثانيا مقارنة له وإن تصورها
ثانيا في هذا الحال، لاستحالة حصول الحاصل. فالنزاع في أن النية المعتبرة هل هي
تلك الإرادة المنبعثة منها، التي لابد منها في كل فعل اختياري عبادة كان أو معاملة،
غاية الأمر أنه لابد في العبادة أن تكون منبعثة عن داع (1) قربي إلهي، بخلاف
المعاملة، أو هو تصور العمل وإخطاره، مضافا إلى تلك الإرادة في العبادات.
ولا دليل على اعتبار شئ فيها غير أن يكون الداعي فيها أمرا قربيا إلهيا.
ولذا ليس في الأخبار عين ولا أثر من النية فيها غير بيان كونها عبادة.
وبالجملة لا دليل على اعتبار غير الداعي القربى في العبادات. وهو كما لابد
منه في الشروع والابتداء، لا بد من بقائه حقيقة إلى الختم والانتهاء، بأن يؤتى بكل
جزء منه بذاك الداعي، فلا يبقى مجال للإستدامة الحكمية أصلا.
ثم الظاهر أنه لا يعتبر في صحة الوضوء غير الداعي إلى إتيانه قربيا، ولله

(1) في المخطوط والمطبوع: (داعي).
55

تعالى، فيترتب عليه ما هو أثره، من رفع الحدث في الرافع منه، والاستباحة في
غيره، ولا قصد التوصل به إلى المشروط به، لأنه بنفسه راجح وعبادة، فإنه نور،
والمجدد نور على نور، كما في الأخبار (1). وليست عباديته لأجل كونه مقدمة
للعبادة، كي لا يقع قربيا وعبادة إلا إذا أتى بها بذلك القصد. نعم ربما لم ينهض دليل
على أنه لا يكون كذلك، إلا إذا أتى به في وقت العبادة المشروطة به، كالتيمم.
وبالجملة قصد التوصل بمقدمة الواجب أو المستحب وإن كان موجبا
لعباديتها ووقوعها قربيا، إلا أنه لا يمكن أن يكون معتبرا في مقدميته وصحته، كما
لا يخفى.
اللهم إلا أن يكون الغرض من ذي المقدمة لا يحصل إلا بإتيانها قربيا بقصد
التوسل بها إليه.
لكنه لا يخفى أن اعتبار قصد القربة في الطهارات إنما هو لاعتباره في صحتها
قطعا، بحيث لا يكون بدون ذلك مقدمة إجماعا، فتأمل جيدا.
ثم إنه لا يعتبر في صحته ولا في صحة غيره من العبادات قصد الوجه من
الوجوب أو الندب، توصيفا ولا غاية، إذ لا وجه لاعتباره لا عقلا ولا شرعا،
لاستقلال العقل بكفاية قصد القربة المطلقة في صيرورته عبادة، وليس في الأخبار
منه عين ولا أثر، مع أن مثله لو كان لا محالة لبان، لكثرة الابتلاء بالعبادات وشدة
الاهتمام بها، كما لا يخفى. نعم ربما لا بد من قصده في ما إذا لم يكن للمأمور به ما يشير
إليه المكلف ويميزه عما عداه سواه.
(و) ثانيها: (غسل الوجه) إجماعا كتابا (2) وسنة (3).

(1) مر في ص / 42، برقم (1).
(2) سورة المائدة / 6.
(3) انظر الوسائل 1 / 387 ب (15 - 17) من أبواب الوضوء، وغيرهما من هذه الأبواب.
56

وهو لغة ما يواجه به. ولم يثبت له حقيقة شرعية. ولكن الواجب شرعا
غسله هو: ما (من قصاص شعر الرأس) وهو منتهى منابت الشعر في مقدم الرأس
(إلى طرف الذقن) وهو مجمع اللحيين (طولا، وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى
عرضا) (1) من متناسب الأعضاء وإن لم يكن مستوي الخلقة، بلا خلاف يعرف، بل
عليه الاجماع من الشيخ (2) والسيدين (3)، وأنه مذهب أهل البيت عن المعتبر (4)
والمنتهى (5)، وأنه القدر الذي غسله النبي ورواه المسلمون والأصحاب عن
الذكرى (6)، وهو المستفاد مما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة، أنه قال لأبي
جعفر (عليه السلام): أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ، الذي قال الله عز وجل
فقال: " الوجه الذي قال الله وأمر الله عز وجل بغسله، الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد
عليه ولا ينقص منه، إن زاد لم يؤجر، وإن نقص أثم: ما دارت عليه الوسطى والإبهام
من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، وما مرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه "
فقال: الصدغ من الوجه؟ فقال: " لا " (7). ورواه الكليني بزيادة لفظة " السبابة مع
الوسطى " (8)، وعن مكاتبة مهران إلى الرضا (عليه السلام) قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام)، أسأله
عن حد الوجه فكتب: " من أول الشعر إلى آخر الوجه، وكذا الجبينين " (9). فإن

(1) لم يرد في المخطوط: (عرضا).
(2) الخلاف 1 / 76 / مسألة (23).
(3) مسائل الناصريات / 114 و 115 / مسألة (26)، وغنية النزوع / 54 / كتاب الطهارة.
(4) المعتبر 1 / 141.
(5) منتهى المطلب 2 / 21.
(6) ذكرى الشيعة 2 / 119.
(7) من لا يحضره الفقيه 1 / 28 / ح 88، والوسائل 1 / 403 ب (17) من أبواب الوضوء / ح (1).
(8) الكافي 3 / 27 / ح (1)، والوسائل 1 / الباب المتقدم / ذيل ح (1).
(9) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (2). والصحيح مكاتبة إسماعيل بن مهران.
57

المنساق عرفا من الصحيحة تحديد العرض بما أحاط به الأصبعان، واشتمل عليه
إنفراجهما.
ولا ينافي الاتفاق على التحديد بما هو المنساق من الصحيحة، اختلافهم في
دخول بعض المواضع وخروجه، فإنه ربما يكون للاشتباه في الاختيار، أو لتفاوت
التناسب بين الوجوه والأصابع بما لا يخرجهما من التناسب بين الأعضاء، أو
للاختلاف في ما أريد مما اختلف في دخوله وخروجه، فيكون النزاع لفظيا.
وبالجملة لم يظهر خلاف بينهم في حكم ما اتفقوا على دخوله في الخبر أو
خروجه عنه، كما لم يظهر دخول الخارج قطعا أو خروج الداخل كذلك.
وتوهم أن النزعتين داخلتان في الحد مع خروجهما اجماعا، فاسد، فإن
التحديد إنما هو لما اشتبه أنه من الوجه، فلا يعم ما هو خارج عنه قطعا، كي يشكل
به التحديد، ويعدل عنه إلى تحديد آخر، ويدعى سلامة التحديد به عن القصور.
ودلالة الصحيحة (1) عليه في غاية الظهور، وهو أن كلا من طول الوجه وعرضه
هو: ما دار عليه الإبهام والوسطى، كما عن شيخنا البهائي (قدس سره) (2) مع غرابته بحسب
فهم أهل العرف، كما يشهد به أنه خلاف ما فهمه الأصحاب، بل لم يحمله أحد
منهم، وعدم سلامته عن محذور خروج الداخل ودخول الخارج، كما هو واضح
لمن له أدنى نظر وتأمل، فتأمل.
ثم إن المشهور بين الأصحاب وجوب الابتداء من أعلى الوجه، بل عليه
دعوى الاجماع (3) ويدل عليه ما عن البحار عن قرب الإسناد عن أبي جرير (4)
الرقاشي: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): كيف أتوضأ؟ قال: " لا تعمق في الوضوء،

(1) صحيحة زرارة المتقدمة في ص / 57 برقم (7).
(2) حبل المتين / 14.
(3) لاحظ مفتاح الكرامة 1 / 240 والجواهر 2 / 148.
(4) في المطبوع والمخطوط: (أبي حريز) والصحيح ما أثبتناه، كما في المصادر.
58

ولا تلطم وجهك لطما، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله " (1). وضعفه مجبور
بالعمل. وهو كما دل على وجوب الابتداء بالأعلى، دل على أنه لابد أن يكون على
النحو المعهود والمتعارف من الشيعة في زماننا وفي الأزمنة السابقة، الصادق عليه
أنه الغسل من أعلى الوجه إلى أسفله، وهو ظاهر الوضوءات البيانية، فلو عكس
فابتدأ بالأسفل، أو ابتدأ بالأعلى ولكن لم يأت بغسل باقي الوجه على الوجه
المتعارف، بأن نكس، فلم يجزه.
(و) ثالثها: (غسل اليدين) كتابا (2) وسنة (3)، بلا خلاف بين المسلمين. كما لا
يكون خلاف معتد به بيننا في أنه لابد أن يكون (من المرفقين إلى أطراف الأصابع،
و) في أنه (لو عكس) أو ابتدأ بغسلهما ولم يغسل الباقي على ما هو المتعارف بيننا
معاشر الشيعة، بأن نكس الغسل فيه، أو في بعضه (لم يجز) (4) إجماعا ويدل عليه
ما ورد في تفسير الآية (5)، وفي بيان وضوء النبي (صلى الله عليه وآله) من الأخبار (6).
ثم الظاهر منها ومعاقد الاجماعات (7) وجوب غسل المرفقين أصالة، لا
مقدمة عليه، كما لا يخفى. ولا ينافي ذلك فتوى جماعة من الأعاظم في الأقطع بعدم

(1) قرب الإسناد / 312 / ح (1215)، وبحار الأنوار 80 / 257 / باب وجوب الوضوء وكيفيته / ح (4)،
والوسائل 1 / 398 ب (15) من أبواب الوضوء / ح (22).
(2) سورة المائدة / 6.
(3) انظر الوسائل 1 / 387 ب (15) من أبواب الوضوء، وغيره.
(4) في المطبوع والمخطوط: (لم يجزه).
(5) الوسائل 1 / 405 ب (19)، من أبواب الوضوء / ح (1).
(6) انظر الوسائل 1 / 387 ب 15 من أبواب الوضوء.
(7) انظر الخلاف 1 / 78 / مسألة (26)، وغنية النزوع / 55 / كتاب الطهارة، والتنقيح الرائع 1 / 79
وجامع المقاصد 1 / 215.
59

وجوب غسل طرف العضد (1)، لإمكان أن يكون المرفق عندهم منتهى الذراع، أو
مقدار المتداخل منه مع عظم العضد، لا مجموع العظمين المتداخلين منهما، فإذا قطع
سقط فرض الغسل بفوات المحل رأسا. وإنما وجب غسل موضع تداخل العظمين
في غير الأقطع لمكان كونه موضع جزء من الذراع، لا لكونه موضعهما.
ثم إنه لما كان المرفق غير مبين في الأخبار، وليس ببين لاختلاف كلمات
الأصحاب واللغويين في بيان معناه، كان المرجع هو الاحتياط عقلا، لما حققناه في
الأصول في أنه المرجع في المركب الإرتباطي، لولا شمول مثل حديث الرفع (2) له و
شرحه لدليله في ما أجمل أو أهمل (3)، ولو قيل بأن الشرط هو الطهور الحاصل
بسببه لا نفسه ولم نقل بأنه بنفسه شرط بسبب (4) آثاره، وأنه الطهور المشروط به
الصلاة وغيرها، كما أطلق عليه في الرواية (5)، وأمر به في الآية، لا بأثره.
(و) رابعها: كتابا (6) وسنة (7) (مسح بشرة مقدم الرأس أو شعره) بلا خلاف،
كما قيل (8) للأخبار المستفيضة الدالة على أن المسح في مقدم الرأس (9) المقيدة لما

(1) انظر منتهى المطلب 2 / 37، والمسالك 1 / 35، ومفتاح الكرامة 1 / 245.
(2) الوسائل 15 / 369 ب (56) من أبواب جهاد النفس وما يناسبه / ح (1).
(3) راجع كفاية الأصول / 363، 366.
(4) في المطبوع: (لسبب).
(5) كما في الحديث (3) في ب (22) من أبواب التيمم من الوسائل ج 3 / والحديث (5) في ب (24) من هذه
الأبواب.
(6) سورة المائدة / 6.
(7) لاحظ الوسائل 1 / 387 ب (15) من أبواب الوضوء، وب (24) من هذه الأبواب، وغيرهما.
(8) انظر الخلاف 1 / 83 / مسألة (32)، وتذكرة الفقهاء 1 / 163 / مسألة (47)، والحدائق الناضرة
1 / 252.
(9) الوسائل 1 / 410 ب (22) من أبواب الوضوء، وغيره.
60

أطلق فيه مسح بعض الرأس (1). ولولا عدم الخلاف في المسألة كان اللازم
حمل التقييد على الاستحباب، توفيقا بين أخباره والأخبار المصرحة بجواز المسح
على المؤخر (2). وحملها على التقية مع إمكان الجمع بينها وبين ما يعارضها لا وجه
له أصلا، كما لا يخفى.
ثم إن ظاهر بعض (3) النصوص كبعض الفتوى (4) وإن كان وجوب مسح
الناصية، ففي صحيحة زرارة: " ثم تمسح ببلة يمناك ناصيتك " (5) إلا أنه لا ينهض
لتقييد إطلاق المقدم في غير واحد منها (6)، لقوة إحتمال أن يكون التخصيص
بالناصية لأجل أن الغالب مسحها، أو لكون المسح عليها أفضل، مع أنه لم يعلم
كونها غير المقدم، كما عن البيضاوي تحديدها بربع الرأس (7)، وعن غيره تفسيرها
بشعر مقدمه. (8)
وكيف كان فالواجب أن يكون المسح (بالبلل) الباقي من الماء المستعمل
وجوبا أو استحبابا في اليد أو في غيرها مطلقا، كما هو قضية إطلاق مثل قوله (عليه السلام)

(1) منه ما في الوسائل 1 / 412 ب (23) من أبواب الوضوء، وص / 417 ب (24) من هذه الأبواب / ح
(5).
(2) الوسائل 1 / 411 ب (22) من أبواب الوضوء / ح (4) و (5) و (6) و (7)، وب (23) من هذه الأبواب ح
(7).
(3) لم يرد في المطبوع (بعض).
(4) المقنعة / 44، والسرائر 1 / 101، والتذكرة 1 / 163 / مسألة (47)، ولاحظ كتاب الطهارة للشيخ
الأعظم (قدس سره) / 115 (ط حجرية - 1307 ه‍).
(5) الوسائل 1 / 436 ب (31) من أبواب الوضوء / ح (2). وفيه: (وتمسح...).
(6) الوسائل 1 / 410 ب (15) من أبواب الوضوء / ح (1) و (2) و (3) وب (21) / ح (2) وب (32) / ح
(3)، وكذا ب (15) / صدر الحديث (2).
(7) تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل) 2 / 300 حكاه عن أبي حنيفة.
(8) لاحظ تهذيب اللغة 12 / 244.
61

في خبر علي بن يقطين: " وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة
وضوئك " (1)، أو إذا لم يبق في اليد نداوة لتقييد الأخذ من غيرها (2) به في بعض
الأخبار (3) وبعض الفتاوى (4). وحيث كان كل من الإطلاق والتقييد يمكن أن
يكون لأجل عدم الحاجة مع نداوة اليد إلى الأخذ من غيرها، فكما يمكن أن يكون
الإطلاق منزلا على ما هو الغالب من عدم الأخذ من الغير مع نداوة اليد، كذلك
يمكن أن يكون التقييد كذلك، كان الإطلاق محكما لولا منع الإطلاق لذلك ولو لم
يكن في البين مقيد، ومنع حمل التقييد على ذلك لو لم يكن هناك قرينة أخرى على
الحمل، فإن ظهوره بالوضع بخلاف ظهور المطلق في الإطلاق.
فالأحوط لو لم يكن أقوى، مراعاة الترتيب بين المسح بنداوة اليد، والمسح
بنداوة غيرها، كما لا يخفى.
وكيف كان فلا بد أن يكون المسح بالبلل (من غير استئناف ماء جديد) للأمر
في الأخبار بإعادة الوضوء (5)، أو بالانصراف والإعادة. (6)
ثم إنه يكفي أن يكون المسح (بأقل ما يقع عليه اسم المسح) لإطلاق
الكتاب (7) والسنة (8) لكن بشرط أن يكون (من غير نكس، على الأحوط) لمنع

(1) الوسائل 1 / 445 ب (32) من أبواب الوضوء / ح (3).
(2) لم يرد في المطبوع: (به).
(3) الوسائل 1 / 409 ب (21) من أبواب الوضوء / ح (8).
(4) المعتبر 1 / 147، وقواعد الأحكام 1 / 203.
(5) الوسائل 1 / 409 ب (21) من أبواب الوضوء / ح (8).
(6) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح 7.
(7) سورة المائدة / 6.
(8) لاحظ الوسائل 1 / 387 ب (15) وب (22) وغيرهما من أبواب الوضوء.
62

جماعة من الفحول عنه (1)، بل عن بعض دعوى الاجماع عليه (2)، وعن بعض أنه مما
انفردت به الإمامية (3)، وإن كان الأقوى جوازه، كما ذهب إليه جماعة (4)، لإطلاق
الكتاب (5) والسنة (6) وصريح الخبر الصحيح: " لا بأس بمسح الوضوء مقبلا مدبرا " (7).
وكون المروي في موضع آخر (8) إضافة المسح إلى الرجلين، لا يكاد يقدح في
صحة الاستناد إلى ذاك الصحيح الصريح. ولا يعتنى باستبعاد تعدد الرواية، ولا
يمنع عن الاستناد إليه ما لم يوجب وهنه نوعا، مع أن الاستبعاد في غير محله،
كالقول بأن الإقبال والإدبار في المسح يناسبان القدم دون الرأس، لوضوح أن في
هبوطه إقبالا (9) إلى بقية البدن، وفي صعوده إدبارا (10) عنها، كما في القدم. ولو سلم
عدم مناسبتهما لمسح الرأس، فإنما هو إذا أريد وحده، لا ما إذا أريد الجامع بينه
وبين الرجلين. والوضوءات البيانية (11) لا تصلح لتقييد الاطلاقات، لوضوح أن
وقوعه على النحو المتعارف لا دلالة له على أنه بنحو الوجوب، للزوم أن يقع على
نحو وإن لم (12) يكن بلازم.

(1) من لا يحضره الفقيه 1 / 28، والمقنعة / 44، والنهاية 1 / 219، والوسيلة / 50.
(2) الخلاف 1 / 83 / مسألة (31).
(3) الانتصار / 19 / مسألة (11).
(4) المبسوط 1 / 21، والسرائر 1 / 100، واصباح الشيعة / 29، ومختلف الشيعة 1 / 291 - 292.
(5) سورة المائدة / 6.
(6) لاحظ الوسائل 1 / 387 ب (15) وب (22) وغيرهما من أبواب الوضوء.
(7) الوسائل 1 / 406 ب (20) من أبواب الوضوء / ح (1).
(8) الوسائل / الباب المتقدم / ح (3) وكذا ح (2).
(9) في المطبوع: (اقبال).
(10) في المطبوع: (ادبار).
(11) لاحظ أحاديثها في الباب (15) من أبواب الوضوء من الوسائل 1 / 387.
(12) لفظ (لم) ساقط في المخطوط، وكتب على حاشيته: الظاهر سقوط لفظ (لم).
63

نعم يمكن منع الإطلاق لوروده في غير مورد البيان، أو على ما هو المتعارف،
بناء على أن المسح مقبلا متعارف، أو أنه المتيقن. والمرجع عليه هو حديث
الرفع (1)، كما عرفت، فافهم
(و) خامسها: (مسح بشرة الرجلين) إجماعا، بل من ضروريات مذهبنا.
ويدل عليه ظاهر الكتاب ولو على قراءة * (وأرجلكم) * (2) بالنصب، ضرورة
ظهور كونه عطفا على محل * (رؤسكم) * وهو شايع، ويبعد كونه عطفا على
* (وجوهكم) * مع الفصل بينهما بجملة مستقلة، جدا مع أنه ورد في صريح النص
الصحيح، أنه على الخفض (3) وبه قرأ حمزة وابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم برواية
أبي بكر عنه (4). وهذا مع تواتر الأخبار بوجوب المسح، عن النبي والأئمة الأطهار
" صلى الله عليه وعليهم " من المخالف (5) والمؤالف (6)، بحيث لا يبقى مجال للإنكار.
ثم إنه يشترط في مسحهما أن يكون (مع عدم تقديم اليسرى على اليمنى) لما
رواه الطبرسي في الاحتجاج، من مكاتبة الحميري إلى الحجة " عجل الله فرجه "
يسأله عن المسح على الرجلين، أيبدأ باليمين، أو يمسح عليهما جميعا؟ فخرج
التوقيع: " يمسح عليهما جميعا وإن بدأ بإحداهما قبل الأخرى (7)، فلا يبدأ إلا

(1) تقدم ذكر مصدره في ص / 60، برقم (2).
(2) سورة المائدة / 6.
(3) الوسائل 1 / 420 ب (25) من أبواب الوضوء / ح (10).
(4) انظر جواهر الكلام 2 / 207.
(5) لاحظ تفسير الطبري (جامع البيان) 6 / 82.
(6) الوسائل 1 / 387 ب (15) وب (23) وب (25) وغيرها من أبواب الوضوء.
(7) في المخطوط: (وإن بدأ بأحدهما قبل الآخر).
64

باليمين " (1) وبه يقيد إطلاق الآية (2) والرواية. وليس أخبار الوضوء البياني (3) إلا
ظاهرة في عدم الترتيب بينهما كاليدين وجواز مسحهما معا، بخلافهما.
وكذا لا يعارضه ما ربما يحتج به على وجوب الترتيب من خبر محمد بن
مسلم عن الصادق (عليه السلام): " إمسح على القدمين وابدأ بالشق الأيمن " (4) وما عن أمير
المؤمنين (عليه السلام): " إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده " (5)
وما عن النبي (صلى الله عليه وآله): " إذا توضأ بدأ بميامنه " (6) لصراحته في جواز المسح معا،
وظهورها - لو سلم - في وجوب الترتيب، فلا بد من حملها عليه، كما لا يخفى.
وإعراض المشهور عنه غير ثابت، لاحتمال عدم العثور، أو ترجيح المطلقات على
دلالتها على جواز الابتداء باليسار عليه في دلالته على عدم جوازه.
ثم إن محل مسحهما عندنا (من رؤوس الأصابع إلى الكعبين) لا بطنهما ولا
صفحتهما، لظاهر الآية (7) والأخبار المحددة (8) وصريح أخبار الوضوء البياني (9)
وصريح قول أمير المؤمنين (عليه السلام): " لولا أني ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح ظاهر

(1) الاحتجاج 2 / 492، في توقيعات الناحية المقدسة، وفي الوسائل 1 / 450 ب (34) من أبواب الوضوء
/ ح (5).
(2) سورة المائدة / 6.
(3) لاحظ الوسائل 1 / 387 ب (15) من أبواب الوضوء.
(4) الوسائل 1 / 418 ب (25) من أبواب الوضوء / ح (1).
(5) الوسائل 1 / 449 ب (34) من أبواب الوضوء / ح (4).
(6) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (3).
(7) سورة المائدة / 6.
(8) الوسائل 1 / 412 ب (23) من أبواب الوضوء / ح (1) و (2) و (3) و (4)، وص / 417 ب (24) من هذه
الأبواب / ح (4)، و / 418 ب (25) من هذه الأبواب وغيرها.
(9) الوسائل 1 / 387 ب (15) من أبواب الوضوء.
65

قدميه، لظننت أن باطنهما أولى بالمسح من ظاهرهما " (1). هذا مضافا إلى دعوى
الاجماع عليه من جماعة (2).
وما دل على وجوب مسح باطنهما وظاهرهما (3) قاصر عن معارضتها من
وجوه لا تخفى.
ثم إن جماعة من الأصحاب (4) وإن أطنبوا الكلام في تحقيق المراد من الكعبين
في المقام بذكر كلمات اللغويين من الطائفتين وكلمات الفقهاء وأهل التشريح
والأخبار، إلا أنه ما انتهى إلى محكم غير أنه ليس الكعبان هما الثابتين في يمين
الساق ويساره قطعا اجماعا منقولا (5) ومحصلا، وغير أن المشهور بين الأصحاب
أنهما قبتا القدمين أمام الساقين، ما بين المفصل والمشط، دون المفصل بين الساق و
العقب، كما عن العلامة (6) حسبما اشتهر عنه بين من تأخر (7). ودون العظم المائل إلى
الاستدارة الموضوع في ملتقى الساق والعقب، كما اختاره البهائي (8)، وقد نزل عليه
كلمات الأصحاب، مع صراحة بعضها وظهور الأخرى في غيره، كما لا يخفى على

(1) الوسائل 1 / 416 ب (23) من أبواب الوضوء / ح (9).
(2) لاحظ غنية النزوع / 56 / كتاب الطهارة، والتذكرة 1 / 170 / مسألة (51)، وجواهر الكلام
1 / 208، وكتاب الطهارة للشيخ الأنصاري / 120.
(3) الوسائل 1 / 415 ب (23) من أبواب الوضوء / ح (6) و (7).
(4) لاحظ حبل المتين / 18 - 22، وجواهر الكلام 2 / 215 - 224.
(5) لم أجد من نقل الاجماع على نفي ذلك صريحا وإنما دعواهم الاجماع على غيره يستلزم اتفاقهم على نفي
ذلك. لاحظ الانتصار / 28 / مسألة (16)، والخلاف 1 / 92 / مسألة (40)، وغنية النزوع / 56 /
كتاب الطهارة، والمعتبر 1 / 151، وذكرى الشيعة 2 / 149.
(6) مختلف الشيعة 1 / 293، وقواعد الأحكام 1 / 203.
(7) ذكرى الشيعة 2 / 150، والتنقيح الرائع 1 / 84، وجامع المقاصد 1 / 220.
(8) الحبل المتين / 19.
66

من راجعها، بلا ضرورة ملجئة إلى ذلك أصلا.
والأظهر ما عليه المشهور، لما عرفت أنه الأصل شرعا في الدوران بين
الأقل والأكثر، ودعوى الأساطين عليه الاجماع (1)، وظهور غير واحد من
الأخبار، منها: صحيح البزنطي عن الرضا (عليه السلام) سألته عن المسح على القدمين كيف
هو؟ فوضع كفه على الأصابع إلى الكعبين، إلى ظهر القدم (2). لوضوح كون ظهر
القدم تفسيرا للكعبين. وظهر الشئ لغة ما ارتفع منه (3)، لا المفصل بين الساق
والقدم، ضرورة أنه ليس بظهر القدم، كما أنه ليس العظم الموضوع في ملتقى الساق
والعقب.
لا يقال: نعم، ولكنه يمكن أن يكون المراد من ظهر القدم ما يقابل بطنه،
لا خصوص ما ارتفع منه.
فإنه يقال: لا يمكن هاهنا، إذ لا معنى لجعله بهذا المعنى غاية سيما إذا قلنا
بخروج الغاية عن المغيا، كما لا يخفى.
(ويجوز) مسح القدمين (منكوسا) من الكعبين إلى الأصابع، لصحيح حماد:
" لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا " (4) وصحيحه الآخر " لا بأس بمسح الرجلين
مقبلا ومدبرا " (5) وغيره من الروايات (6).

(1) راجع الهامش رقم (5) في ص / 66.
(2) الوسائل 1 / 417 ب (24) من أبواب الوضوء / ح (4).
(3) انظر معجم مقاييس اللغة 3 / 471 مادة (ظهر)، والقاموس المحيط 2 / 84 مادة (ظهر)، ولسان العرب
8 / 273 مادة (ظهر).
(4) الوسائل 1 / 406 ب (20) من أبواب الوضوء / ح (1).
(5) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (2).
(6) لاحظ الوسائل 1 / الباب المتقدم.
67

وربما قيل بعدم جواز النكس، مستدلا - مضافا إلى قاعدة الاشتغال -
بظهور " إلى " في الآية (1) في انتهاء المسح، وصحيح أحمد بن محمد سألت أبا
الحسن (عليه السلام) عن مسح القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع ثم مسحها إلى
الكعبين (2).
ولا يخفى أنه لا مجال لقاعدة الاشتغال، لورود حديث الرفع (3) عليها.
و " إلى " لتحديد الممسوح كما في " إلى المرافق " لا لانتهاء المسح. مع أنه لا محيص عن
الحمل عليه - ولو سلم الظهور - توفيقا بينه وبين الصحيحتين ولا دلالة للصحيح
المزبور إلا على كفاية المسح على تلك الكيفية التي بينها، لا على اختصاص الكيفية
بها. ولا يلزم عليه إلا بيان ما يجزي، لا بيان جميع الكيفيات المجزية. ولو سلم،
فلا بد من حمله على ذلك جمعا بينه وبينهما.
(و) سادسها: (الترتيب) بين أفعاله (على) نحو (ما قلناه) من غسل الوجه، ثم
غسل اليمنى، ثم اليسرى، ثم مسح الرأس، ثم مسح الرجلين، للإجماعات المنقولة
عن (4) الأساطين حد الاستفاضة (5)، والنصوص الموسومة بالتواتر (6).
فما يعارضها بظاهره كصحيح علي بن جعفر، عن أخيه (عليه السلام) عن رجل توضأ
ونسي غسل يساره. " يغسل يساره وحدها ولا يعيد وضوء شئ غيرها " (7) مؤول أو

(1) سورة المائدة / 6.
(2) المتقدم برقم (2) في ص / 67.
(3) تقدم مصادره في ص / 60، برقم (2).
(4) في المخطوط: (من) بدل (عن).
(5) الخلاف 1 / 96 / مسألة (42)، والغنية / 58 / كتاب الطهارة، والسرائر 1 / 103، والمعتبر 1 / 154،
ومنتهى المطلب 2 / 104، وذكرى الشيعة 2 / 161، وكتاب الطهارة للشيخ الأعظم (قدس سره) / 128.
(6) الوسائل 1 / 448 ب (34) وب (35) من أبواب الوضوء، ولاحظ الجواهر 1 / 246.
(7) الوسائل 1 / 452 ب (35) من أبواب الوضوء / ح (7).
68

مطروح، مع إمكان منع ظهوره، لقوة احتمال أن يكون " ولا يعيد وضوء شئ... ".
تأكيدا لقوله: " يغسل يساره " وحدها فيكون المعنى: ولا يعيد غسل شئ مما
يغسل غيرها، كما لا يخفى.
(و) سابعها: (الموالاة وهي متابعة الأفعال بعضها لبعض (1) من غير تأخير
يوجب جفاف الأعضاء السابقة) فلو لم يتابع وقد جفت الأعضاء السابقة،
استأنف، لصحيح ابن عمار: ربما توضأت فبعد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي
بالماء، فيجف وضوئي. فقال: " أعد " (2). وموثق أبي بصير: " إذا توضأت بعض
وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوءك فأعد وضوءك فإن الوضوء لا يبعض " (3).
فظاهرهما بطلان الوضوء بالجفاف في صورة التأخير وعدم التتابع في أفعاله. وأما
لو تابع وقد جف لقلة ما استعمله من الماء أو لعلة أخرى، أو لم يتابع ولم يجف، فلا
إعادة عليه ولو لعدم دليل عليها، للأصل الوارد على قاعدة الاشتغال، كما مرت
إليه الإشارة غير مرة (4).
وربما استدل على وجوب المتابعة بوجوه غير ناهضة، كما لا يخفى على من
راجعها (5).
ثم إنه يظهر من تقييدهم عدم الجفاف باعتدال الهواء، أنه لو جف في الهواء
الحار، شديد الحر، لما ضر. ولا وجه له مع إمكان التتابع قبل الجفاف، ومع التتابع
لا يضر الجفاف مطلقا، لما عرفت من الأصل الوارد، وعدم دليل على خلافه. هذا

(1) في المخطوط والمطبوع: (ببعض).
(2) الوسائل 1 / 446 ب (33) من أبواب الوضوء / ح (3). وفيه: فنفد الماء.
(3) الوسائل الباب المتقدم / ح (2).
(4) كما في ص / 60 و 68.
(5) لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) / 129. (ط حجرية - 1307 ه‍).
69

كله في ما يجب في الوضوء.
(و) أما ما (يستحب فيه) فأمور:
منها: (غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء مرة من حدث النوم والبول،
ومرتين من الغائط وثلاثا من الجنابة) لصحيح الحلبي أو حسنه: سألته عن
الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال: " واحدة من
حدث البول، واثنتان من حدث الغائط وثلاث (1) من الجنابة " (2) ومرسل الصدوق،
عن الصادق (عليه السلام) " إغسل يدك من النوم مرة " (3) ومرسله الآخر عنه (عليه السلام): " إغسل يدك
من البول مرة، ومن الغائط مرتين، ومن الجنابة ثلاثا " (4).
وذكر البول مع الغائط في خبر حريز " يغسل اليد من النوم مرة، ومن الغائط
والبول مرتين، ومن الجنابة ثلاثا " (5) لا ينافي ما في غيره مما تقدم، لاختلاف مراتب
الاستحباب.
(و) منها: (وضع الاناء على اليمين، والاغتراف بها) لما عن النبي (صلى الله عليه وآله): " أنه
كان يحب التيامن في طهوره وشغله وفي شأنه كله " (6).
(و) منها: (التسمية) عند غسل الوجه، أو عند وضع اليد في الماء، أو قبل
الوضع، حسب اختلاف الأخبار (7). والجمع بينها باستحباب الجميع، أو بالتخيير

(1) في المخطوط والمطبوع: (ثلاثة) وأثبتناه كما في المصدر.
(2) الوسائل 1 / 427 ب (27) من أبواب الوضوء / ح (1).
(3) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (5).
(4) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (4).
(5) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (2).
(6) البخاري 1 / 53 كتاب الوضوء / باب التيمن في الوضوء والغسل. قريبا منه.
(7) انظر الوسائل 1 / 423 ب (26) من أبواب الوضوء.
70

وإن كان كل منهما لا يلائمه بعض الأخبار، إلا أن الأمر فيه سهل بعد القطع
باستحبابها، وعدم الاعتناء بما يظهر من مرسلة ابن أبي عمير، عن الصادق (عليه السلام):
" أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر من توضأ بلا تسمية بإعادة الوضوء والصلاة، ثلاث مرات حتى
سمى " (1) من وجوبها، وحملها على تأكد الاستحباب، واستحباب إعادة الوضوء
والصلاة مع تركها. ولا بأس به من باب التسامح في أدلته.
(و) منها: (المضمضة والاستنشاق) للأخبار المستفيضة (2) والإجماعات
المنقولة (3).
وقول أبي جعفر (عليه السلام) في رواية زرارة: " ليس المضمضة والإستنشاق فريضة
ولا سنة " (4) معناه أنهما ليسا من الواجب في الكتاب ولا في السنة.
ويستحب أن يكونا (ثلاثا ثلاثا) أو يستحبان بهذا العدد استحبابا مؤكدا،
كما هو قضية التوفيق بين مطلقات أخبارهما والمقيدات بالعدد، بناء على ما هو
المعروف من عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبات. وأما بناء عليه،
فالمستحب ما كان بهذا العدد، وما ليس كذلك ليس بمستحب.
(و) منها: (الدعاء عند كل فعل) بالمأثور هذا بعض سننه.
(ويكره التمندل) كما عن الذكرى (5) وغيرها (6) حكايته عن المشهور، لقول

(1) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (6).
(2) انظر الوسائل 1 / 430 ب (30) من أبواب الوضوء.
(3) الخلاف 1 / 75 / مسألة (21)، وغنية النزوع / 61 - 62 / كتاب الطهارة، وجواهر الكلام 1 / 335.
(4) الوسائل 1 / 431 ب (30) من أبواب الوضوء / ح (6).
(5) ذكرى الشيعة 2 / 189. قال في عداد مستحباته: (الرابع عشر: ترك التمندل). ولا تصريح له بالاسناد
إلى المشهور. نعم صرح به في الدروس 1 / 93.
(6) مجمع الفائدة والبرهان 1 / 119، والحدائق الناضرة 2 / 413.
71

الصادق (عليه السلام) المروي في البحار: " من توضأ وتمندل كتبت له حسنة، ومن توضأ ولم
يتمندل كتبت له ثلاثون " (1) ولما عن بعض الأخبار من أنه يكتب للمتوضي الثواب
ما دام بلله باقيا (2). ولكن أقصاهما استحباب إبقاء البلل، لا كراهة التمندل، كما لا
يخفى. إلا أن يتسامح في المكروهات كالمستحبات، وكان في فتوى المشهور كفاية في
ذلك، وإلا كان في أخبار كثيرة تمندل الإمام (عليه السلام) بخرقة أو بقميصه، أو أنه لا بأس
بالتمندل... وغير ذلك (3) مما دل على عدم الكراهة، بل على الاستحباب. هذا مع
إمكان حملها على ما لا ينافي كراهته أو استحباب إبقاء البلل. فراجع وتأمل.
(و) يكره أيضا (الاستعانة) ولو بأن يقبل إعانة الغير وإن لم يطلبها، لغير
واحد من الأخبار الدالة على أن النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) لا يحب ذلك (4). وهي في
الدلالة على الكراهة أظهر من خبر الوشاء المتضمن لإسناد الإمام (عليه السلام) الوزر إلى
نفسه الشريفة لو قبل الإعانة (5) على الحرمة، لوضوح أن الكراهة بالنسبة إلى
جنابه كالوزر، كيف؟ وحسنات الأبرار سيئات المقربين.
ولا ينافي كراهتها دلالة بعض الأخبار على قبوله الإعانة (6) لكون الفعل

(1) بحار الأنوار 80 / 330 باب التولية والاستعانة والتمندل / ح (4) و (5)، والوسائل 1 / 474 ب (45) من
أبواب الوضوء / ح (5).
(2) لم أجده في المصادر الروائية وانما استدل بهذا المضمون الشيخ الأنصاري (قدس سره) في كتاب الطهارة 2 / 445
ولم يبين مستنده. هذا وقد استدل صاحب الجواهر (قدس سره) بما قيل إنه يدل على كتابة الثواب للانسان ما دام
الوضوء بدعوى استفادة استحباب عدم إزالة آثار الوضوء من هذه الأخبار. لاحظ جواهر الكلام
2 / 347.
(3) انظر الوسائل 1 / 473 ب (45) من أبواب الوضوء.
(4) الوسائل 1 / 476 ب (47) من أبواب الوضوء / ح (3) و (2).
(5) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (1).
(6) الوسائل 1 / 391 ب (15) من أبواب الوضوء / (8).
72

يمكن معه أن يقع على بعض الوجوه الراجحة وإن كان ذاتا مكروها.
(ويحرم التولية) في الوضوء ولو في بعضه تشريعا، ولا يجزي بلا خلاف، بل
عن المعتبر (1) والمنتهى (2) أنه قول علمائنا أجمع، لظهور الخطاب في المباشرة، وعدم
قرينة على إرادة الأعم منها ومن التسبيب، لانسباقها من إطلاقه ولو قيل بعدم
وضعه لخصوصها. ولو سلم عدم إنسباقها، فلا أقل من أنها القدر المتيقن من
الإطلاق، ولن ينهض دليل على إرادة الأعم. هذا إذا كانت التولية بنحو التسبيب.
وأما إذا كانت بنحو الوكالة والنيابة عن المكلف بالوضوء، فظهور الخطاب
في المباشرة وإن كان لا يأبى عنها إذا كان هناك دليل دل على أن مباشرته المستفادة
من الخطاب أعم من مباشرته الحقيقية والتنزيلية، إلا أنه لا دليل هاهنا يخص
المقام، ولا يعم غير المقام وإن ورد في غير مقام، كما في الحج وأفعاله (3)، والصلاة (4)،
الصيام (5)، دليل لا يعم غيرها.
ثم إن قضية إعتبار المباشرة لذلك وإن كان سقوط الوضوء عند عدم التمكن
منها، وعدم جواز التولية أصلا، إلا أن الاجماع قام على عدم سقوطه، ووجوب
التولية في ما يتعذر بل يتعسر فيه المباشرة. ولولا قيامه لما كان وجه لما عن المعتبر
من الاستدلال على وجوبها، بأنها توصل إلى الطهارة بقدر الممكن (6)، لعدم دليل

(1) المعتبر 1 / 162.
(2) منتهى المطلب 2 / 132.
(3) انظر أبواب النيابة في الحج في الوسائل 11 / 163 - 210، وأيضا الوسائل 14 / 74 ب (17) من أبواب
رمي جمرة العقبة وص 138 ب (29) من أبواب الذبح، وغيرها.
(4) لاحظ الوسائل 8 / 276 ب (12) من أبواب قضاء الصلوات.
(5) لاحظ الوسائل 10 / 329 ب (23) من أبواب احكام شهر رمضان.
(6) المعتبر 1 / 162.
73

على أنها توصل إليها في هذا الحال. ورواية عبد الأعلى (1) لا دلالة لها إلا على (2)
ارتفاع حكم ما فيه الحرج، فإن الظاهر أن معنى " هذا وأشباهه يعرف... " هو إرتفاع
الحكم الحرجي، لا إثبات الحكم لشئ آخر ليس بحرج، لوضوح أنه لا يكاد
يعرفه مثل السائل، بل من كان فوقه، فلولا حكمه (عليه السلام) بالمسح على المرارة لما كان
يعرفه السائل بعد التنبيه بأن هذا وأشباهه يعرف من كتاب الله، فكيف الإمام (عليه السلام)
أحال معرفته إلى الكتاب؟
نعم، لا بأس بالاستدلال عليها أيضا بما ورد من وجوب التولية في تيمم
المجدور، والتوبيخ على ترك ذلك، وعلى تغسيله الموجب لموته. (3)
وهاهنا (مسائل):
(الأولى: لا يجوز للمحدث) وهو غير المتوضي بوضوء رافع أو مبيح (مس
كتابة القرآن) لصحيح أبي بصير أو موثقه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن قرأ من
المصحف وهو على غير وضوء قال: " لا بأس، ولا يمس الكتاب " (4) ومرسل حريز
أنه (عليه السلام) قال لولده إسماعيل: " يا بني إقرأ المصحف " فقال: إني لست على وضوء.
قال: " لا تمس الكتاب ومس الورق " (5). وعن الشيخ في الخلاف دعوى الاجماع (6)،
مع عدوله إلى الخلاف في محكي مبسوطه (7).

(1) الوسائل 1 / 464 ب (39) من أبواب الوضوء / ح (5).
(2) لم يرد (على) في المخطوط.
(3) الوسائل 3 / 346 ب (5) من أبواب التيمم / ح (1).
(4) الوسائل 1 / 383 ب (12) من أبواب الوضوء / ح (1).
(5) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (2).
(6) الخلاف 1 / 100 / مسألة (46).
(7) المبسوط 1 / 23.
74

وربما استدل عليه (1) بقوله تعالى * (لا يمسه إلا المطهرون) * (2) فإن مرجع
الضمير وإن كان هو القرآن - كما لا يخفى على العارف - إلا بوجوده الذي كان بذاك
الوجود في كتاب مكنون، وبذاك الوجود لا يكاد يناسبه إلا المس بمعنى الإدراك -
واستشهاد الإمام (عليه السلام) به على المنع عن المس على غير طهر، ولا جنبا، وعن مس
خطه، وتعليقه في رواية عبد الحميد (3) تقريب للمنع - فإنه إذا كان بهذا الشأن
فبالحري أن لا يمس دركه، ولا خطه، ولا يعلق بوجوده الكتبي، لما في أنحاء
وجوداته من نحو من الاتحاد.
الباب الثاني: في الوضوء (مسائل)...
(الثانية: لو تيقن الحدث في زمان وشك في الطهارة) بعده (تطهر)
لاستصحاب الحدث (وبالعكس لا تجب الطهارة) لاستصحابها.
(الثالثة: لو شك في شئ من (4) أفعال الوضوء) وأنه أتى بها أو لا؟ أو أتى بها
صحيحة أو لا (وهو على (5) حاله) غير فارغ عنه (أتى به وبما بعده) ما لم يجف ما قبله
وإلا استأنف، للاستصحاب، ومفهوم قوله: " إنما الشك في شئ لم تجزه " (6)
المقتضي للالتفات إلى الشك، وعدم إلغائه شرعا المقتضي للزوم الإتيان بالمشكوك
عقلا، لاستقلال العقل بلزوم الموافقة قطعا.
(ولو انصرف) وفرغ عنه (لم يلتفت) لقاعدة الفراغ المستفادة من غير واحد

(1) انظر كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) 2 / 408 - 409.
(2) سورة الواقعة / 79.
(3) الوسائل 1 / 384 ب (12) من أبواب الوضوء / ح (3). والصحيح ابن عبد الحميد.
(4) لم يرد في المخطوط: (شئ من).
(5) في المخطوط: (في حاله).
(6) الوسائل 1 / 470 ب (42) من أبواب الوضوء / ح (2).
75

من الأخبار في الوضوء (1)، وغيره (2) المخصصة لأخبار الاستصحاب (3) المقتضية
للالتفات والبناء على العدم في هذا الحال، كحال الاشتغال.

(1) انظر الوسائل 1 / الباب المتقدم.
(2) انظر الوسائل 8 / 246 ب (27) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، وج 2 / 260 ب (41) من أبواب
الجنابة / ح (2).
(3) لاحظ الوسائل 1 / 365 ب (1) من أبواب الوضوء.
76

الباب الثالث: في الغسل...
(الباب الثالث: في الغسل)
(ويجب) وجوبا غيريا بأصل الشرع (بالجنابة والحيض، والاستحاضة،
والنفاس، والموت، ومس الأموات بعد بردهم بالموت و (1) قبل تطهير هم بالغسل.
ويستحب لما يأتي) (2).
(فهاهنا فصول):
(الفصل الأول: في الجنابة)
(وهي) لغة البعد (3). والمراد بها هاهنا حدث خاص وحالة مانعة تحصل
(بإنزال الماء الدافق) غالبا وهو المني (مطلقا) ولو من الأنثى أو الخنثى، للأخبار
الصحيحة الصريحة في أن الغسل على المرأة إذا أنزلت في المنام أو في اليقظة (4)

(1) في المخطوط: (من قبل).
(2) في ص / 165.
(3) لسان العرب 2 / 373، مادة " جنب ".
(4) أنظر الوسائل 2 / 186 ب (7) من أبواب الجنابة.
77

والأخبار الواردة بعدم ثبوت الغسل عليها بإنزالها (1) غير قابلة لمعارضتها، لما فيها
من الدلالة على أن كتمان وجوب الغسل بالإنزال عليها مع ثبوته إنما هو لحكمة دفع
المفسدة المترتبة عليه، وهي وسيلة وقوعها في الفاحشة، كما أشار الإمام (عليه السلام) إليه
في صحيحة أديم بن الحر، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ترى المرأة في منامها ما يرى
الرجل في منامه عليها الغسل؟ قال: " نعم، ولا تخبروهن فيتخذنه علة " (2) حيث
نهى عن إخبارهن بوجوبه بعد حكمه به. ولا يخفى أن قضية ذلك عدم كون وجوب
الغسل عليها بالإنزال فعليا، بل اقتضائيا، فإن المصلحة وإن كانت مقتضية له، إلا
أن المفسدة مانعة عنه، ولذا صرح الإمام (عليه السلام) في مرسلة نوح بن شعيب بأنه ليس
عليهن في ذلك غسل (3).
اللهم إلا أن يقال: أقصى دلالة الصحيحة عدم وجوب الإخبار بوجوبه
وتبليغه مع وجوبه فعلا، بحيث لو علمت به وتركت لعصت وفسدت عبادتها
المشروطة بالطهارة، وإن كانت المرسلة آبية، لكنه لا بأس بمخالفتها لضعفها وعدم
الجابر لها، واحتمال التقية فيها.
ثم إن الظاهر أن البحث في مخرجه هو البحث في مخرج البول والغائط،
فراجع (4).
(و) الجنابة كما تحصل بالإنزال، تحصل (بالجماع في الفرج حتى تغيب
الحشفة (5)، سواء القبل والدبر وإن لم ينزل) أما القبل فاتفاقا كتابا (6) وسنة.

(1) انظر الوسائل 2 / 186 ب (7) من أبواب الجنابة.
(2) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (12).
(3) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (22).
(4) راجع ص / 42.
(5) في المخطوط سقط (حتى تغيب الحشفة).
(6) سورة النساء / 43 وسورة المائدة / 6.
78

وأما الدبر من المرأة فعلى الأصح، وهو المشهور (1)، بل المجمع عليه بين
المسلمين، كما عن السرائر (2)، بل عن السيد بعد دعواه إجماع الكل، دعوى أنه
معلوم بالضرورة من دين الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه لا فرق بين الفرجين في هذا الحكم (3)،
لمرسلة حفص بن سوقة عمن أخبره قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي
أهله من خلف قال: " هو أحد المأتيين، فيه الغسل " (4) وضعفها منجبر بما عرفت
ويؤيدها ما يستفاد من قول أمير المؤمنين (عليه السلام): " أتوجبون عليه الحد ولا توجبون
عليه صاعا من ماء " (5) من الملازمة بين الحد والغسل.
الباب الثالث: في الغسل (الجنابة)...
والأخبار الدالة على أنه لا يوجب الغسل، ولا ينقض الصوم (6) قاصرة عن
المعارضة لها، بعد إعراض المشهور عنها وعدم العمل بها مع وضوح دلالتها
وتعددها.
وأما الدبر من الذكر فلا دليل على إيجاب وطئه الجنابة، إلا دعوى السيد
الاجماع عليه (7)، وما عن العلامة (8)، والفخر (9)، والشهيد (10) من دعوى

(1) انظر المعتبر 1 / 180، والجامع للشرائع / 38، ومختلف الشيعة 1 / 325، والتنقيح الرائع 1 / 93 - 94، و
الروضة البهية 1 / 349.
(2) السرائر 1 / 107 - 108.
(3) حكاه العلامة في مختلف الشيعة 1 / 328.
(4) الوسائل 2 / 200 ب (12) من أبواب الجنابة / ح (1).
(5) الوسائل 2 / 184 ب (6) من أبواب الجنابة / ح (5).
(6) الوسائل 2 / 200 ب (12) من أبواب الجنابة / ح (2) و (3)، وج 20 / 147 ب (73) من أبواب
مقدمات النكاح / ح (8)، ورواية ابن بزيع عن الرضا ((عليه السلام)) على ما في ذكرى الشيعة 1 / 220.
(7) لاحظ مختلف الشيعة 1 / 328.
(8) مختلف الشيعة 1 / 329.
(9) ايضاح الفوائد 1 / 45.
(10) ذكرى الشيعة 1 / 221.
79

الاجماع المركب، وما تقدم من الملازمة بين الحد والغسل. لكنها قاصرة عن
إثبات ذلك، كمطلقات الكتاب والسنة، لكون المتيقن منها الوطء ء في القبل لو لم
تكن منصرفة اليه ولو قيل بعدم اختصاصها كما لا يخفى. فلا ينبغي ترك الاحتياط
بالجمع بين الوضوء والغسل للمحدث، وللمتوضي والمغتسل الغسل.
(و) إذا حصلت الجنابة بالإنزال أو الجماع (يجب بها الغسل) إذا وجب ما
يشترط بالطهارة.
(وتجب فيه: النية) إجماعا. (وهي الداعي على إتيانه لله تعالى (1) كما مر) في
الوضوء (2)، لا الإخطار.
(و) كذا يجب فيه (استيعاب الجسد بالغسل).
(و) كذا يجب فيه مقدمة (تخليل ما لا يصل إليه الماء إلا به) مما كان تحت
الشعر خف أو كثف، أو تحت حائل كما عن صريح بعض (3)، أو ظاهر آخر
الاجماع عليه (4)، لظهور مثل قوله (عليه السلام) في رواية سماعة: " ثم يفيض الماء على
جسده كله " (5) ومثل قول أحدهما في خبر محمد بن مسلم: " ثم تصب على سائر
جسدك مرتين، فما جرى عليه الماء فقد طهر " (6). وقوله (عليه السلام) في رواية زرارة: " ثم
تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك، ليس قبله ولا بعده وضوء، وكل شئ مسه

(1) لفظ (تعالى) من التكملة.
(2) في ص / 55.
(3) انظر غنية النزوع / 61 / كتاب الطهارة، وكشف اللثام 2 / 13، ورياض المسائل 1 / 295.
(4) لاحظ الحدائق الناضرة 3 / 90.
(5) الوسائل 2 / 231 ب (26) من أبواب الجنابة / ح (8).
(6) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (1).
80

الماء فقد أنقيته " (1) في الاستيعاب، والنبوي (2): " تحت كل شعرة جنابة، فبلوا الشعر
وانقوا البشرة " (3). ولصحيح محمد بن زائدة عن الصادق (عليه السلام): " من ترك شعرة من
الجنابة متعمدا فهو في النار " (4). فإن الظاهر منه إرادة مقدار شعرة من البشرة،
بقرينة " من الجنابة " لعدم تعلقها بالشعرة، بل بما تحت كل شعرة.
ولا يقاوم ما ذكر ما ربما يتخيل ظهوره في الاكتفاء بالظاهر، والعفو عما تحت
الشعور، أو عدم قدح بقاء يسير من البدن، مما دل من الأخبار على إجزاء غرفتين
للرأس أو ثلاثة (5)، لأجل أن هذا المقدار لا يصل تحت كل شعرة سيما إذا كثف شعر
الرأس كالأعراب، والنسوان، أو على عدم البأس بما إذا بقي أثر الخلوق والطيب و
غيره (6) لوضوح أن خبر إجزاء الغرفتين إنما هو لبيان أنهما أقل ما يجتزى به بحسب
المتعارف، لا بصدد أنهما يجزيان مطلقا، وأن عدم البأس ببقاء أثر الخلوق وغيره
لعله - كما هو الظاهر - إنما هو لعدم حجب الأثر يقينا، مع أن احتمال حجبه بعد
الفراغ لا يضر لقاعدة الفراغ.
(و) كذا يجب (البدأة بالرأس مع الرقبة، ثم بالجانب الأيمن، ثم بالجانب
الأيسر) هذا بالنسبة إلى البدأة بالرأس مع الرقبة للإجماعات المنقولة (7) وصحيح

(1) الوسائل 2 / الباب المقدم / ح (5).
(2) في المخطوط: (للنبوي).
(3) سنن ابن ماجة 1 / 196 / ح (597)، والسنن الكبرى 1 / 179، وكنز العمال 9 / 385 ح (26595).
(4) الوسائل 2 / 175 ب (1) من أبواب الجنابة / ح (5). عن حجر بن زائدة.
(5) الوسائل 2 / 292 ب (26) من أبواب الجنابة، ح (1 - 4) و (8) و (9)، وص / 241 ب (31) من أبواب
الجنابة / ح (6).
(6) الوسائل 2 / 239 ب (30) من أبواب الجنابة.
(7) لاحظ الانتصار / 30 / مسألة (21)، والخلاف 1 / 132 مسألة (75)، وغنية النزوع / 61 / كتاب
الطهارة، ورياض المسائل 1 / 296.
81

ابن مسلم، وحسن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام): " من اغتسل من جنابة ولم
يغسل رأسه لم يجد بدا من إعادة الغسل " (1) وغيره من الأخبار الظاهرة في الترتيب
بينه وبين سائر الجسد (2).
والظاهر أن تبعية الرقبة للرأس مما لا ريب فيه، وقد نقل عليه الاجماع (3)،
واتفاق الفقهاء (4)، ونفي خلاف يعرف بين الأصحاب (5)، مضافا إلى ظهور غير
واحد من الأخبار في أن مبدأ غسل سائر البدن هو الكتف (6)، وصريح حسن
زرارة في الصب على المنكب (7) الظاهر أنه مبدأ الغسل فلا إشكال في لزوم البدأة
بالرأس معها.
وأما بالنسبة إلى الجانب الأيمن فعلى المشهور (8)، بل نقل الاجماع (9) عليه
مستفيض.
وقد استدل عليه بوجوه أقواها ما دل من الأخبار المعتبرة المصرحة بإيجاب

(1) الوسائل 2 / 235 ب (28) من أبواب الجنابة / ح (1) عن حريز عن زرارة و ح (3) عن حريز عن أبي
عبد الله (عليه السلام).
(2) انظر الوسائل 2 / الباب المتقدم وغيره.
(3) غنية النزوع / 61 / كتاب الطهارة.
(4) في الجواهر 3 / 87 نقل ظهور اتفاق الفقهاء عليه عن شرح المفاتيح، تأمل شرح المفاتيح (مصابيح
الظلام) 4 / 138.
(5) الحدائق الناضرة 3 / 65 - 66.
(6) الوسائل 2 / 229 ب (26) من أبواب الجنابة / ح (2) و (3) و (8).
(7) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (2) و (3).
(8) المقنعة / 52 والمبسوط 1 / 29 والمهذب 1 / 46، والسرائر 1 / 118، وإشارة السبق / 72 والإرشاد
1 / 225، والدروس 1 / 96.
(9) الانتصار / 30 / مسألة (21)، والخلاف 1 / 132 / مسألة (75)، وغنية النزوع / 61 / كتاب الطهارة،
وتذكرة الفقهاء 1 / 231.
82

الترتيب في غسل الميت (1)، بضميمة الأخبار الدالة على مشاركته لغسل
الجنابة في الكيفية مثل قول أبي جعفر (عليه السلام) قال: " غسل الميت مثل غسل الجنب.
وإن كان كثير الشعر فرد عليه الماء ثلاث مرات " (2).
وفيه إن وجه المشاركة والمثلية، حسب ما يظهر، هو الاقتصار على أقل
الغسل فيه كغسل الجنابة بقرينة قوله: " وإن كان كثير الشعر... " وإن أبيت، فلا أقل
من عدم ظهوره في المشاركة في الكيفية، إذ لعله في استيعاب الغسل لتمام الجسد
المشترك بين قسمي غسلها. ويناسبه أيضا قوله: " وإن كان كثير الشعر... " كما لا
يخفى.
هذا، مع أن قضية الإطلاقات الواردة في مقام بيان الكيفية (3)، عدم اعتباره
بين الجانبين، بل في بعضها إشعار أو دلالة على عدم اعتباره، والإجتزاء بصب
الماء على الجسد بلا ترتيب في البين. لكنه ربما كانت في الشهرة، والإجماعات
المنقولة، ومراعاة الاحتياط في العبادة كفاية في عدم الإجتراء على المخالفة
للمشهور. هذا في الغسل بغير الارتماس.
(ويسقط) وجوب (الترتيب) فيه (مع الارتماس) اتفاقا نصا (4) وفتوى، بلا
خلاف فيه، بل عليه الاجماع من غير واحد من الأعاظم (5)، لقول الصادق (عليه السلام) في
صحيح زرارة: " لو أن رجلا ارتمس في الماء إرتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم

(1) الوسائل 2 / 479 ب (2) من أبواب غسل الميت.
(2) الوسائل 2 / 486 ب (3) من أبواب غسل الميت / ح (1).
(3) الوسائل 2 / 230 ب (26) من أبواب الجنابة / ح (5 - 9) و (16).
(4) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (5) و (12) و (13) و (15).
(5) السرائر 1 / 121 ومفاتيح الشرائع 1 / 56 والجواهر 3 / 93.
83

يدلك جسده " (1) وحسن الحلبي عنه (عليه السلام): " إذا ارتمس الجنب في الماء إرتماسة
واحدة أجزأه ذلك عن غسله " (2) وغيرهما من الأخبار (3).
والظاهر من ارتماسة واحدة أن يكون انغمار البدن وانغماسه بتمامه في الماء مرة
واحدة، قبالا لما إذا أدخل بعضه وأخرجه ثم أدخل بعضه الآخر إلى أن يغمر فيه
كل أبعاضه، لا لما إذا انغمر تمامه تدريجا بلا تخلل الإخراج بعد الإدراج، كما حكي
عن المشهور (4)، بل عن بعض (5) نسبته إلى الأصحاب. ولعلهم فهموا من إرتماسة
واحدة أن يكون دفعة، مع أن الإنغمار بالتأني والتدريج بلا تخلل الإخراج، ولا
سيما مع عدم الوقوف عن الإدراج، إرتماسة واحدة.
هذا مع احتمال أن يكون قيد الوحدة إنما هو لبيان عدم اعتبار التعدد في
الإرتماس، لا لبيان اعتبارها. فيكفي الإنغماس الواحد بأي نحو اتفق، وهو غير
بعيد.
وأما إحتمال أن يكون المراد إنغمار البدن في الماء وإحاطته عليه دفعة حقيقية
في آن حكمي، أو دفعة عرفية، فليس من الغسل ما ينغسل قبل الإنغمار التام ولا
بعده خلاف الظاهر قطعا، بل الشروع فيه شروع في الغسل عرفا.
ولا ينبغي ترك الاحتياط بقصد ما هو واقعه، والارتماس دفعة من دون
تعيين نحو خاص.
(و) كما يجب في الغسل ما ذكر (يستحب فيه) أمور:

(1) الوسائل 2 / 230 ب (26) من أبواب الجنابة / ح (5).
(2) الوسائل 2 / 232 ب (26) من أبواب الجنابة / ح (12).
(3) لاحظ الوسائل 2 / الباب المتقدم.
(4) تذكرة الفقهاء 1 / 232، وكشف الالتباس 1 / 178، ومسالك الأفهام 1 / 53، ومفاتيح الشرائع 1 / 56.
(5) الحدائق الناضرة 3 / 76.
84

أحدها: (الاستبراء بالبول إذا كانت الجنابة بالإنزال) لصحيح البزنطي:
سألت أبا الحسن الرضا (1) (عليه السلام) عن غسل الجنابة. قال: " تغسل يديك وتبول إن
قدرت على البول، ثم تدخل يدك الإناء " (2).
وجه الاستدلال به أنه لولا ظهوره في الاستحباب، فلا أقل من عدم ظهوره
في الإيجاب، لعدم وضع الجملة الخبرية له، وكثرة استعمالها في الاستحباب أيضا،
فيكون دليلا عليه ولو بضميمة التسامح في أدلة السنن. مع أن قضية أصالة البراءة
عن الوجوب ودلالته على الرجحان على أي حال هو الاستحباب عملا وإن لم
يكن دليلا على الفتوى به شرعا.
ثم إنه لا إطلاق له لما إذا لم يكن هناك إنزال، إذ هو المنساق منه، لكونه
الشائع، واختصاص حكمته به، كما لا يخفى.
(و) منها: (المضمضة).
(و) منها: (الاستنشاق) لقول أبي عبد الله (عليه السلام) في رواية زرارة (3) ورواية أبي
بصير: " ثم تتمضمض وتستنشق " (4).
(و) منها: (الغسل بصاع فما زاد) لقول أبي جعفر (عليه السلام) في حديث، على ما رواه
زرارة: " ومن انفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع " (5) وقول أبي عبد الله (عليه السلام): " كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغتسل بصاع " (6).

(1) في المطبوع والمخطوط: سألت أبا عبد الله ((عليه السلام)) والصحيح كما في المصدر ما أثبتناه.
(2) الوسائل 2 / 230 ب (26) من أبواب الجنابة / ح (6).
(3) الوسائل 2 / 225 ب (24) من أبواب الجنابة / ح (1).
(4) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (2).
(5) الوسائل 2 / 240 ب (31) من أبواب الجنابة / ح (1).
(6) الوسائل 2 / 243 ب (32) من أبواب الجنابة / ح (3).
85

(و) منها: (تخليل ما يصل إليه الماء) بإمرار اليد على الجسد، لصحيح علي بن
جعفر، عن أخيه (عليه السلام): وسألته عن الاغتسال بقطر المطر. فقال: " إن كان يغسله
إغتساله بالماء أجزاه. إلا أنه ينبغي أن يتمضمض ويستنشق ويمر يده على ما نالت
من جسده " (1) وقول الصادق (عليه السلام) في خبر الساباطي قال - في جملة الجواب عن
السؤال عن المرأة تغتسل، وقد امتشطت بقرامل -: " ثم تمر يدها على جسدها
كله " (2).
(و) أما حكم الجنب:
ف‍ (يحرم عليه قبل الغسل قراءة العزائم) وهي السور الأربع: الم تنزيل، وحم
السجدة، والنجم، وإقرأ. وعن جماعة من الأعاظم دعوى الاجماع على حرمة
قراءتها (3) لموثق ابن مسلم عن الباقر (عليه السلام): " الحائض والجنب يفتتحان المصحف من
وراء الثياب ويقرءان من القرآن ما شاءا إلا السجدة " (4). وموثق ابن مسلم وزرارة،
أو صحيحيهما، عن أبي جعفر (عليه السلام) قلت له: هل يقرءان شيئا؟ قال: " نعم، إلا
السجدة " (5).
ثم هل يعتبر في حرمة قراءة السورة إتمامها، أو لا (بل) يحرم قراءة (شئ
منها؟) اشكال وخلاف. وقد نقل الشهيدان عليه الاجماع في الذكرى (6)،

(1) الوسائل 2 / 231 ب (26) من أبواب الجنابة / ح (10) و (11)، مع تصرف.
(2) الوسائل 2 / 257 ب (38) من أبواب الجنابة / ح (6).
(3) الغنية / 37 / كتاب الطهارة، والسرائر 1 / 117، وذكرى الشيعة 1 / 266.
(4) الوسائل 2 / 217 ب (19) من أبواب الجنابة / ح (7).
(5) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (4).
(6) انظر ذكرى الشيعة 1 / 266 و 268، ولا تصريح فيها بالاجماع.
86

والمقاصد (1)، والروض (2)، على ما حكي عنهما. ولكن يحرم قراءته (لا سيما) قراءة
(آية السجدة، على الأحوط، بل الأقوى فيها) أي آية السجدة، لقوة إحتمال أن
تكون السجدة في الخبرين آية السجدة، لا سورتها. مع أنه لو كان المراد سورتها لا
يبعد أن يكون قراءة السورة صادقة على قراءة بعضها.
الباب الثالث: في الغسل (احكام الجنب)...
(و) يحرم على الجنب (مس كتابة القرآن) وقد حكي عن جماعة من الأعاظم
دعوى الاجماع عليه (3) ويدل عليه ما تقدم في مس المحدث بالأصغر، ويجري فيه
أكثر ما تقدم هناك، فراجعه (4).
(و) مما يحرم عليه مس (اسم الله تعالى) على ما نسب في محكي المنتهى (5)
وغيره (6) إلى الأصحاب، بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه (7)، لموثق عمار عن
الصادق (عليه السلام): " لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله تعالى " (8). ولعمل
المعظم به (9) وقبولهم له، لا يقاومه ما دل بظاهره من الأخبار على جواز مس ما
عليه اسم الله منهما (10)، ولولاه لكان حمله على الكراهة متعينا، فتأمل.

(1) المقاصد العلية / 74، ولم يصرح فيه بالاجماع.
(2) روض الجنان / 49.
(3) الخلاف 1 / 100 / مسألة (46)، والمعتبر 1 / 187، ومنتهى المطلب 2 / 220.
(4) في ص / 74.
(5) منتهى المطلب 2 / 220 قال: ويحرم عليه مس اسم الله تعالى... وأورد رواية على ذلك ثم قال: والرواية
ضعيفة لكن عمل الأصحاب يعضدها.
(6) الحدائق الناضرة 3 / 47.
(7) غنية النزوع / 37 / كتاب الطهارة.
(8) الوسائل 2 / 214 ب (18) من أبواب الجنابة / ح (1).
(9) انظر مفتاح الكرامة 1 / 325.
(10) الوسائل 2 / 214 ب (18) من أبواب الجنابة، ح (2) و (3) و (4).
87

وكذا مما يحرم عليه مس أسماء الأنبياء (1)، أو أحد الأئمة عليهم السلام على
الأحوط الأولى، لما ربما فيه من خلاف تعظيم الشعائر. وقال الله تبارك وتعالى:
* (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) * (2).
(و) مما يحرم عليه (اللبث في المساجد، بل مطلق الدخول فيها إلا الاجتياز،
في ما عدا مسجد الحرام، ومسجد الرسول (3) (صلى الله عليه وآله)) للأخبار المستفيضة المشتملة
على الرخصة في الإجتياز في ما عدا الحرمين. منها: صحيح زرارة ومحمد بن مسلم
قلنا له: الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال: " لا يدخلان المسجد إلا
مجتازين، إن الله تبارك وتعالى يقول: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) * " (4).
ومنها: صحيح ابن مسلم، عن الباقر (عليه السلام): " الجنب والحائض لا يقربان
المسجدين الحرامين " (5).
ولا يقاومها خبر محمد بن القاسم سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجنب ينام في
المسجد. فقال: " يتوضأ، ولا بأس أن ينام في المسجد، ويمر فيه " (6) للضعف، وعدم
الجبر للعمل من المعظم.
(و) مما يحرم عليه (الدخول لوضع (7) شئ فيها) أي المساجد مطلقا،
لصحيح محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (8) وصحيح عبد الله بن سنان (9)

(1) في التكملة: (أنبيائه).
(2) سورة الحج / 32.
(3) في المخطوط: (مسجد النبي ((صلى الله عليه وآله))).
(4) الوسائل 2 / 207 ب (15) من أبواب الجنابة / ح (10) والآية في سورة النساء / 43.
(5) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (17).
(6) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (18).
(7) في المخطوط: (ومما يحرم عليه وضع شئ فيها).
(8) الوسائل 2 / 213 ب (17) من أبواب الجنابة / ح (2).
(9) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (1).
88

عن أبي عبد الله (عليه السلام) المشتملين على أن الجنب والحائض لا يضعان في المسجد شيئا.
(ويكره) له (قراءة ما زاد على سبع آيات من غيرها) أي من غير العزائم (1)،
وفاقا للأكثر (2)، كما حكي عنهم، وهو قضية التوفيق بين الأخبار الدالة على جواز
قراءة ما شاءا وباستثناء السجدة (3)، ومضمرة سماعة قال: سألته عن الجنب هل
يقرء القرآن؟ قال: " ما بينه وبين سبع آيات " (4). ضرورة أن ظهور الأخبار المجوزة
في جواز ما زاد على السبع أقوى من ظهور المضمرة في عدم جوازه، كما لا يخفى، فلا
تقاومها فلتحمل على الكراهة.
وأما ما روي من وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) أنه قال: " يا علي من كان جنبا في
الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن، فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء
فتحرقهما " (5) فلا محيص عن تخصيصه في الجملة إجماعا. وقد دل غير واحد من
الأخبار على جواز قراءة غير العزائم (6)، فلا بد من تخصيص النهي بقراءتها.
(و) مما يكره له (مس المصحف) كما هو قضية التوفيق بين رواية عبد الحميد
المتقدمة (7) عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: " المصحف لا يمسه على غير طهر، ولا جنبا، ولا
يمس خطه، ولا يعلقه، إن الله تعالى يقول: * (لا يمسه إلا المطهرون) * " وبين قول أبي
عبد الله (عليه السلام) لابنه إسماعيل: " يا بني اقرأ المصحف " فقال: إني لست على وضوء.

(1) في المخطوط: (ما زاد على سبع آيات من غير العزائم وفاقا للأكثر).
(2) المعتبر 1 / 190، ومختلف الشيعة 1 / 333، والدروس 1 / 96، وكشف الالتباس 1 / 194، وجامع
المقاصد 1 / 269، ومسالك الأفهام 1 / 52، وكشف اللثام 1 / 39.
(3) الوسائل 2 / 216 ب (19) من أبواب الجنابة / ح (4) و (7) و (11).
(4) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (9).
(5) الوسائل 2 / 216 ب (19) من أبواب الجنابة / ح (3).
(6) لاحظ الوسائل 2 / الباب المتقدم.
(7) في ص / 75 برقم (3)، فراجعها. والنص في الوسائل بصيغة الخطاب، والآية المباركة في سورة
الواقعة / 79.
89

فقال: " لا تمس الكتابة، ومس الورق واقرأه " (1).
(و) مما يكره له (الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق) وغسل
الوجه واليد، بل بعد ما يتوضأ، لاختلاف الأخبار المنزل على مراتب الكراهة
والفضل، كما دل عليه قول أبي عبد الله (عليه السلام) بعد السؤال منه عن أكل الجنب قبل أن
يتوضأ: " إنا لنكسل، ولكن ليغسل يده فالوضوء أفضل " (2).
(و) مما يكره (النوم إلا بعد الوضوء) لصحيح الحلبي سئل الصادق (عليه السلام) عن
الرجل ينبغي له أن ينام وهو جنب؟ فقال: " يكره ذلك حتى يتوضأ " (3) ولا يقاومه
ما دل على الكراهة مطلقا ما لم يتطهر أو يتيمم إذا لم يجد الماء (4)، فليقيد به. ولا بأس
بحمله على مرتبة من الكراهة ولا ينافيه نوم الإمام (عليه السلام) إلى الصبح على الجنابة، كما
أخبر به في حديث: " أنا أنام على ذلك حتى أصبح " (5) فإنه ربما يزاحم ما كان
رعايته أولى.
(و) مما يكره (الخضاب) للنهي عنه في غير واحد من الأخبار (6)، مع نفي
البأس عنه صريحا في غير واحد منها (7)، الموجب لحمل النهي على الكراهة لا
محالة.
(ولو أحدث) بالأصغر (في أثناء الغسل أعاده) (8) على الأحوط (بقصد ما هو

(1) الوسائل 1 / 383 ب (12) من أبواب الوضوء / ح (2).
(2) الوسائل 2 / 220 ب (20) من أبواب الجنابة / ح (7).
(3) الوسائل 2 / 227 ب (25) من أبواب الجنابة / ح (1).
(4) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (3).
(5) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (2).
(6) الوسائل 2 / 221 ب (22) من أبواب الجنابة / ح (2) و (4) و (5) و (8) و (9) و (10) و (11).
(7) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (3) و (6) و (7).
(8) في التكملة: (أعاد).
90

الواقع من إتمام الغسل الأول به) على تقدير عدم بطلانه بما حدث (أو أنه تمام
الغسل) على تقدير بطلانه. وقد نسب ذلك إلى المشهور (1) تارة، وإلى الأكثر (2)
أخرى (وتوضأ للصلاة وغيرها، على الأحوط) (3) مما يعتبر فيه الطهارة، لاحتمال
عدم كفاية مثل ذاك الغسل مع صحته عن الوضوء، كما هو أحد الأقوال وإن كان
الأقوى كما نسب إلى جماعة من الأعاظم عدم وجوب الإعادة (4) والوضوء، إذ لم
يقم دليل على اعتبار عدم حدوثه فيه. ومثل حديث الرفع دل على عدم اعتباره،
كما مر غير مرة (5). وإطلاق ما دل على أنه لا وضوء مع غسل الجنابة (6) يقتضي
كفايته.
وموجب الأصغر إنما يوجبه في ما إذا أثر، ولا يؤثر مع الجنابة شيئا.
وما رواه الصدوق عن الصادق (عليه السلام) أنه قال بعد تجويزه تفريق أجزاء الغسل:
" فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو مني بعدما غسلت، قبل أن تغسل جسدك
فأعد الغسل " (7) وإن كان ظاهرا في وجوب الإعادة، إلا أنه ضعيف السند بلا جابر.
ومجرد موافقة فتوى الأكثر بمضمونه - لو سلم - غير جابر، لاحتمال أن يكون
المستند للكل أو الجل غيره من الوجوه (8) الغير الناهضة التي ذكرت لذلك. مع أن

(1 و 2) انظر مفتاح الكرامة 1 / 331، والجواهر 3 / 131، ولاحظ شرح الألفية المطبوع ضمن رسائل
المحقق الكركي القسم الثالث / 203.
(3) لم يرد في المخطوط: (على الأحوط).
(4) انظر مفتاح الكرامة 1 / 331.
(5) كما في ص / 60 و 64 و 68 و 69.
(6) انظر الوسائل 2 / 246 ب (34) من أبواب الجنابة.
(7) الوسائل 2 / 238 ب (29) من أبواب الجنابة / ح (4) ومدارك الأحكام 1 / 308.
(8) انظر مختلف الشيعة 1 / 338، وذكرى الشيعة 2 / 248، ومدارك الاحكام 1 / 307، والحدائق الناضرة
3 / 130.
91

استناد الأكثر إليه - لو سلم - لا يجبر، إلا إذا كان كاشفا عن الظفر بما لو ظفرنا به لالتزمنا به، وأنى له هذا الكشف لا سيما مع الخلاف بين المعظم من القدماء
والمتأخرين (1).
وكيف كان فلا ينبغي ترك الاحتياط بما ذكر.

(1) انظر مختلف الشيعة 1 / 338، وذكرى الشيعة 2 / 248، ومدارك الاحكام 1 / 307، والحدائق الناضرة
3 / 130.
92

الباب الثالث: في الغسل (الحيض)...
(الفصل الثاني: في الحيض).
(وهو) لغة: السيل مطلقا، أو بقوة، أو سيلان الدم، أو غير ذلك (1) وشرعا -
بمعنى المراد منه في موارد بيان أحكامه -: الدم الذي تعتاده النساء ويقذفه الرحم
الذي (في الأغلب دم أسود، غليظ يخرج بحرقة، وحرارة) وإن كان ربما يتخلف
ويكون ما ليس بتلك الصفات حيضا ومحكوما بأحكامه شرعا، وما ليس بحيض
متصف بها، فلا يحكم بالحيضية بمجرد وجودها. إذ لا دليل على اعتبارها أمارة
تعبدا، فإنها وإن ذكرت في الأخبار على اختلافها (2) إلا أن الظاهر أنها إنما ذكرت
لبيان رفع الاشتباه بها غالبا، لا لبيان حكم الاشتباه ورفعه تعبدا، كما لا يخفى.
نعم ظاهر المرسلة (3) كون إقبال الدم وإدباره أمارة تعبدية على حيضيته
واستحاضته، لكنه في خصوص استمرار الدم، مع عدم كونهما عبارة عن وجدان
الصفات وفقدانهما لتحققهما بعروض الشدة والضعف على ما عليه الدم من الصفة،
سواء كانت تلك الصفة صفة الحيض أو الاستحاضة.
ثم ظاهر النص والفتوى أن للحيض قيودا شرعا، بحيث لو لم يكن الدم
بتلك القيود لما كان محكوما بأحكام الحيض شرعا وإن كان حيضا واقعا. وهي
أمور:
أحدها: أن يكون الدم قبل يأس المرأة بلا خلاف بين أهل العلم، كما في

(1) لاحظ معجم مقاييس اللغة 2 / 124، باب الحاء والياء وما يثلثهما مادة " حيض "، ولسان العرب
3 / 419، مادة " حيض ".
(2) انظر الوسائل 2 / 275 ب (3) من أبواب الحيض.
(3) الوسائل 2 / 276 ب (3) من أبواب الحيض / ح (4).
93

محكي المعتبر (1)، بل بإجماع من الأصحاب، كما في المدارك. (2)
وإنما الخلاف في حد اليأس أنه هو خمسون مطلقا، أو ستون كذلك، أو
خمسون في غير القرشية أو غيرها وغير النبطية، وستون في القرشية، أو فيها وفي
النبطية، على حسب اختلاف الأخبار (3). ومرسلة ابن أبي عمير عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إذا بلغت المرأة خمسين سنة لا ترى حمرة إلا أن
تكون امرأة من قريش " (4)، توجب الجمع بين الأخبار، وتقييد إطلاق الخمسين
بغير القرشية وتقييد الستين [بها] (5) وإن كان هاهنا وجه آخر للجمع ذكرناه في
الرسالة التي عملناها في الدماء. (6)
ثانيها: أن يكون بعد بلوغها التسع، وهو مذهب العلماء كافة، كما عن
المنتهى (7)، لغير واحد من الروايات (8) (و) قضية اعتبار الأمرين أن (ما تراه المرأة (9)
بعد خمسين سنة إن لم تكن قرشية، أو بعد ستين سنة إن كانت قرشية [ومثلها
النبطية على اشكال فيها] (10) أو قبل تسع سنين مطلقا) قرية كانت أو غيرها (فليس
بحيض).

(1) المعتبر 1 / 199.
(2) مدارك الأحكام 1 / 323.
(3) انظر الوسائل 2 / 335 ب (31) من أبواب الحيض.
(4) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (2).
(5) أضفناها لمناسبة العبارة.
(6) الدماء الثلاثة (الشذرة الثالثة).
(7) منتهى المطلب 2 / 271.
(8) الوسائل 19 / 365 ب (44) من كتاب الوصايا / ح (12) وج 22 / 179 ب (2) من أبواب العدد / ح
(4)، وص / 183 ب (3) من أبواب العدد / ح (5).
(9) في المخطوط، لم ترد (المرأة).
(10) في المخطوط، لم يرد ما بين الحاصرتين.
94

(و) ثالثها: أن (أقله ثلاثة أيام) بلا خلاف، بل إجماعا منقولا مستفيضا (1)،
بل محصلا، لأخبار كثيرة (2).
إنما الخلاف في أن الأيام الثلاثة (3) لابد أن تكون (متواليات) أولا؟ فعن
الأكثر، بل المشهور (4)، إعتبار التوالي فيها لانسباقه من إطلاقها، ولولا الانسباق
فلا أقل من كونه المتيقن من الإطلاق، ولظهور ثلاثة أيام لبيان أقل استمراره، لا
لبيان مقداره بحسب الأيام وعن جماعة من القدماء (5) والمتأخرين (6) عدم اعتباره،
للإطلاق، وقاعدة الإمكان، وصريح ما في مرسلة يونس من قوله: " فإن استمر بها
الدم ثلاثة أيام فهي حائض وإن انقطع الدم بعدما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت
وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام، فإن رأت في تلك العشرة أيام من يوم
رأت الدم يوما أو يومين حتى يتم لها ثلاثة، فذلك الذي رأته في أول الأمر مع هذا
الذي رأته بعد ذلك في العشرة، هو من الحيض... " (7) وقد عرفت حال الإطلاق،
وأن القدر المتيقن منه التوالي، لولا صدق دعوى الانسباق. والمرسلة وإن كانت

(1) الخلاف 1 / 236 / مسألة (202)، والغنية / 38 كتاب الطهارة، والسرائر / 141 و 145، والمعتبر
1 / 201، ومدارك الأحكام 1 / 319، ومفاتيح الشرائع 1 / 14.
(2) انظر الوسائل 2 / 293 ب (10) من أبواب الحيض، وغيره.
(3) في المخطوط: (الثلاثة أيام).
(4) الهداية (المطبوعة مع المقنع) / 21، باب غسل الحيض، والجمل والعقود (المطبوعة ضمن الرسائل
العشر) / 163 / فصل في ذكر الحيض والاستحاضة والنفاس، والمبسوط 1 / 42، والوسيلة / 56
وإصباح الشيعة / 35، وإشارة السبق / 67، والجامع للشرائع / 41، ومنتهى المطلب 2 / 285 - 287
والروضة البهية 1 / 371، وجامع المقاصد 1 / 287.
(5) لاحظ النهاية (المطبوعة مع نكتها) 1 / 237 والمهذب 1 / 34.
(6) انظر مجمع الفائدة والبرهان 1 / 143، وكشف اللثام 2 / 65، والحدائق الناضرة 3 / 159.
(7) الوسائل 2 / 299 ب (12) من أبواب الحيض / ح (2).
95

صريحة إلا أنها ضعيفة سندا، وخلاف المشهور عملا، وضعفها - بذكرها في بعض
الكتب الأربعة (1). والاستناد إليها في بعض فقراتها - لا ينجبر بالنسبة إلى هذه
الفقرة وإن انجبر بالنسبة إلى فقراتها التي عمل المشهور بها، فتأمل جيدا.
ولكن يمكن أن يقال: إن ظاهر الأخبار والمشهور وإن كان هو الثلاثة
المتوالية، إلا أنه ليس ببعيد أن يكون المراد بيان أقل أيام قعودها، يقابل مع ما ذكر
لبيان ما هو الأكثر، ضرورة أنه لبيان ما هو أكثر أيام قعودها مطلقا، ولو تخل النقاء
بينهما (2) لا أقل أيام الدم، وإلا لا يقابل معه، كما لا يخفى.
وربما استدل على عدم الاعتبار بأصالة البراءة وقاعدة الإمكان (3). وفيه:
انه لا مجال لأصالة البراءة للعلم الاجمالي بتكليفها بأحكام الحائض أو المستحاضة
أو غيرها. ولا لقاعدة الإمكان - لو سلم اعتبارها - فإن الإمكان كما حققناه هو
الإمكان بالقياس إلى ما اعتبره الشارع في الحكم بحيضيته، ومع الشك في اعتبار
التوالي كان الشك في الإمكان أيضا.
(و) أما (أكثره) أي أكثر أيام قعودها (4) (عشرة أيام) بإجماع المسلمين (5)
على ما حكي، للأخبار المستفيضة بل المتواترة (6). وهي ظاهرة في توالي العشرة

(1) الكافي 3 / 76 / ح (5).
(2) في المخطوط: (بينها).
(3) لاحظ جواهر الكلام 3 / 153.
(4) في المخطوط: (قعوده).
(5) لم أعثر على هذه الحكاية ولعله من سهو قلمه الشريف مع أن المعروف من غير الشيعة القول بغير
العشرة أيضا، لاحظ المقنع في شرح مختصر الخرقي 1 / 279، حلية العلماء 1 / 281، والمغني لابن قدامة
1 / 352 - 353.
(6) انظر الوسائل 2 / 293 ب (10) من أبواب الحيض. وكذا الباب (8) من هذه الأبواب وغيرهما.
96

بلا إشكال فيه، بناء على كون النقاء المتخلل حيضا، كما هو المشهور (1). وهو قضية
إطلاق ما دل على أن الطهر لا يكون بأقل من العشرة من الأخبار الكثيرة (2). هذا
بعض ما يتعلق بطرفيه.
(و) أما (ما بينهما) يختلف مقداره (بحسب العادة) أو بحسب الإتفاق لو لم
تكن لها عادة (ولو تجاوز الدم العشرة (3)، فإن كانت المرأة) (4) التي تجاوز دمها (ذات
عادة مستقرة) بأن رأت الدم مرتين سواء وقتا وعددا أو وقتا فقط، أو عددا
كذلك، كما دل عليه المضمرة " فإذا اتفق شهران عدة أيام (5) سواء فتلك أيامها " (6)
وبعض فقرات المرسلة الطويلة وهو قوله: " فإن انقطع الدم في أقل من السبع أو
أكثر، فإنها تغتسل ساعة ترى الطهر، وتصلي، ولا تزال كذلك حتى تنظر ما يكون في
الشهر الثاني، فإن انقطع لوقته في الشهر الأول سواء حتى توالى عليه حيضتان أو
ثلاث، فقد علم الآن أن ذلك صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه... " (7) الخبر. ولا
يبعد دلالتهما على تحقق العادة الوقتية أيضا، مع وضوح دلالتهما على تحقق العادة
الوقتية والعددية معا، والعددية وحدها، بدعوى أنهما ظاهرتان في أن اتفاق
شهرين تمام الملاك في تحققها من غير دخل ما اتفقا عليه، كما لا يخفى. (رجعت)
ذات العادة (إليها) أي العادة مطلقا، كانت وقتية وعددية أو إحداهما، بلا خلاف

(1) المبسوط 1 / 42 - 43 و 66، والمعتبر 1 / 205، والجامع للشرائع / 41، ومنتهى المطلب 2 / 326
وجامع المقاصد 1 / 289، ومدارك الأحكام 1 / 330، والجواهر 3 / 187.
(2) الوسائل 2 / 297 ب (11) و (12) من أبواب الحيض.
(3) في التكملة: (عشرة).
(4) لم يرد لفظ (المرأة) في المخطوط.
(5) ما أثبتناه من المصدر، وفي المخطوط: (عددا أيام) وفي المطبوع: (عددا أياما).
(6) الوسائل 2 / 304 ب (14) من أبواب الحيض / ح (1).
(7) الوسائل 2 / 287 ب (7) من أبواب الحيض / ح (2).
97

يعرف بين الأصحاب، بل عن المعتبر (1) دعوى إجماع العلماء عدا مالك (2) عليه،
للأخبار المستفيضة من المرسلة وغيرها (3). هذا ولو كان التمييز على خلافها وفاقا
لما عن المشهور (4)، وخلافا لما عن الشيخ في النهاية من تقديم التمييز (5)، ولما عن ابن
حمزة من التخيير بينهما (6)، لإطلاق بعض الأخبار (7)، وصريح المرسلة (8) في أن
الحاجة إلى التمييز إنما تكون في ما لم تكن هناك عادة فلا مجال لأن تعارض بأخبار
الصفات، مع ما عرفت من أنها لبيان رفع الاشتباه بها غالبا لا لبيان الوظيفة
والحكم (9)، فلا تعارض ما كان لبيان الوظيفة أصلا، كما لا يخفى.
(وإن كانت مبتدأة) وهي التي لم تستقر لها عادة، كان لابتداء رؤيتها الدم، أم
لعدم كون دمها في شهرين سواء (أو مضطربة) وهي التي كانت ناسية لعادتها (و)
كان (لها تمييز) (10) بأن يختلف دمها بين ما يشبه دم الحيض ودم الإستحاضة وما

(1) المعتبر 1 / 203.
(2) انظر المدونة الكبرى 1 / 50 والمغني لابن قدامة 1 / 362 مسألة (455)، والعزيز - الشرح الكبير -
1 / 318.
(3) الوسائل 2 / 281 ب (5) من أبواب الحيض.
(4) جمل العلم والعمل، المطبوع ضمن رسائل السيد المرتضى 3 / 26 والجمل والعقود المطبوع ضمن
الرسائل العشر / 164 والشرائع 1 / 38 ومختلف الشيعة 1 / 368 وذكرى الشيعة 1 / 239 وتلخيص
الخلاف 1 / 81 / مسألة (17) وكشف الالتباس 1 / 229 ومدارك الأحكام 2 / 22.
(5) النهاية المطبوع مع نكتها 1 / 235.
(6) الوسيلة / 60.
(7) انظر الوسائل 2 / 281 ب (5) من أبواب الحيض / ح (1) و (2) و (3) و (5) و (6).
(8) الوسائل 2 / 277 ب (3) من أبواب الحيض / ح (4).
(9) صرح بذلك في ص / 93.
(10) في التكملة: (تميز).
98

يقرب من أحدهما ويبعد عن الآخر وإن كان كله بصفة أحدهما (عملت عليه)
فتجعل ما بصفة الحيض، أو ما هو أقرب إليه حيضا، لحسنة حفص البختري قال:
دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري دم
الحيض وغيره فقال: " دم الحيض حار عبيط أسود، له دفع وحرارة ودم الاستحاضة
أصفر بارد فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة " (1). ولقوله في المرسلة في
غير موضع: " فإذا جهلت الأيام وعددها احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم
وإدباره وتغير لونه من السواد، فلتدع الصلاة على قدر ذلك... " (2) الخبر. وفي ذيلها (3)
دلالة على عدم اختصاص الرجوع إلى التمييز بمن جهلت أيامها، بل يعم من لا أيام
لها.
(ولو فقدته رجعت المبتدأة إلى عادة أهلها) لمضمرة سماعة قال: سألته عن
جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر، وهي لا تعرف أيام أقرائها
فقال: " أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كن نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة
وأقله ثلاثة " (4) وبها يقيد ما أطلق فيه رجوعها إلى العدد من المرسلة وغيرها (5). مع
إمكان منع الإطلاق، لاحتمال وروده مورد الغالب، من كون النساء مختلفات (ف‍)
الأهل (إن فقدن، أو كن مختلفات العادة (6) تحيضت) المبتدأة (في كل شهر سبعة أيام

(1) الوسائل 2 / 275 ب (3) من أبواب الحيض / ح (2).
(2) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (4).
(3) لاحظه في الكافي 3 / 88 / ح (1) وأورد مختصره في الوسائل 2 / 290 ب (8) من أبواب الحيض / ح (3).
(4) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (2).
(5) انظر الوسائل 2 / الباب المتقدم.
(6) في المخطوط والمطبوع: (العادات) وما أثبتناه من التكملة.
99

أو ثلاثة من الأول، وعشرة من الثاني) على ما نسب إلى المشهور (1). ولكن
الأخبار مختلفة (2). وقضية الجمع بينها هو التخيير بين التحيض بالأقل والأكثر وما
بينهما. وهو لعله ظاهر قوله في مضمرة سماعة: " فإن كن نساؤها مختلفات فأكثر
جلوسها عشرة، وأقله ثلاثة " (3) والأمر بالسبع في المرسلة (4)، وبالعشرة في الشهر
الأول والثلاثة في الشهر الثاني في الموثقتين (5)، إنما هو لأجل كونها من أفراد
التخيير.
وإن أبيت عن كون الجمع بذلك جمعا عرفيا، فلا بد من الفتوى بالتخيير بين
مضامينها، لا التخيير في الفتوى بتعيين أحدها، على أقوى الوجهين. هذا لو لم نقل
بالترجيح بينهما، لعدم وجوبه، أو لعدم مرجح في البين، بناء على اعتبار المرسلة، و
المضمرة، لتلقي الأصحاب لهما بالقبول. وإلا فلا محيص عن العمل بالموثقتين.
(و) مثل المبتدأة (المضطربة) - وهي الناسية لعادتها عند المشهور، أو
الأكثر (6) - في أنها (تتحيض بالسبعة، أو الثلاثة والعشرة في الشهرين) ولا دليل
عليه، فإن المرسلة دالة على تعين السبع بناء على كون قوله فيها في نقل قول رسول

(1) المبسوط 1 / 47، وإصباح الشيعة / 37 - 38، والشرائع 1 / 38، وقواعد الأحكام 1 / 213، والروضة
البهية 1 / 379 - 380، وجامع المقاصد 1 / 299، ومسالك الأفهام 1 / 69.
(2) الوسائل 2 / 288 ب (8) من أبواب الحيض.
(3) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(4) الوسائل 2 / 289 ب (8) من أبواب الحيض / ح (2).
(5) الوسائل 2 / 291 ب (8) من أبواب الحيض / ح (5) و (6).
(6) السرائر 1 / 148 ومختلف الشيعة 1 / 365، والروضة البهية 1 / 378، ومسالك الأفهام 1 / 67،
والحدائق الناضرة 3 / 233، والجواهر 3 / 299. وانظر كشف الالتباس 1 / 209، وجامع المقاصد
1 / 295.
100

الله (صلى الله عليه وآله): " وتحيضي (1) في كل شهر في علم الله ستة، أو سبعة " (2) ترديدا من
الراوي، بقرينه تعيين السبع في سائر الفقرات، لا تخييرا من الإمام (عليه السلام)
والموثقتان (3) مختصتان بالمبتدأة، وكذا المضمرة (4). إلا أن يقال: إن المرسلة قد دلت
على اتحاد المضطربة مع المبتدأة في الرجوع إلى السبع. وقد عرفت أنه فيها على
التخيير بينه وبين الثلاثة والعشرة في الشهرين توفيقا بين المرسلة والموثقتين، إذ
من البعيد جدا كونه في إحداهما على نحو التعيين وفي الأخرى على التخيير. ويؤيده
أن التخيير خيرة المشهور، أو الأكثر (5)، فتأمل.
وكيف كان فتعيين السبع لو لم يكن أقوى لكان أحوط، كما لا يخفى.
(و) أما أحكام الحائض فأمور:
منها: أنه (يحرم عليها دخول المساجد إلا اجتيازا) بأن لا تمكث فيها مطلقا
ولو لم تقعد فيها. وتخصيص النهي في حسنة ابن مسلم بالقعود (6) لعله لغلبة حصول
المكث به. والظاهر عدم لزوم كون الدخول من باب والخروج من آخر كما
استظهره شيخنا العلامة (أعلى الله مقامه) (7).
وانما كان جواز الإجتياز فيها في (ما عدا المسجدين) الحرامين، لقوله في

(1) من المصدر، وفي المطبوع والمخطوط: (تحيض).
(2) الوسائل 2 / 288 ب (8) من أبواب الحيض / ح (3).
(3) تقدمت الإشارة إليهما في الصفحة المتقدمة، برقم (5).
(4) المتقدمة في ص / 99.
(5) المعتبر 1 / 9، وإرشاد الأذهان 1 / 227، والدروس 1 / 98، وجامع المقاصد 1 / 299، والروضة البهية
1 / 378 - 380.
(6) سيأتي بعض نصها في الصفحة التالية.
(7) كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري / 218.
101

حسنة ابن مسلم: " الجنب والحائض يدخلان المسجد، ولا يقربان المسجدين
الحرامين " (1).
(و) منها: أنه يحرم عليها (قراءة العزائم).
(و) منها: (مس كتابه القرآن) وقد تقدم الدليل عليهما وتفصيلهما في أحكام
الجنب (2).
(و) منها: أنه (يحرم على زوجها وطؤها) قبلا كتابا (3) وسنة (4)، وإجماعا، بل
ربما ادعي أنه ضروري الاسلام (5). (ولو وطأ عامدا) (6) عالما بالحرمة، أو جاهلا
بها مع التقصير (عزر) بربع حد الزاني، كما في بعض الأخبار (7)، أو به إذا كان الوطء ء
في أول أيام حيضها، وبثمن حده لو كان في آخر الأيام كما في بعضها الآخر (8)
(وكفر) بدينار في استقبال الحيض ونصف دينار في وسطه، كما في بعض الأخبار (9).

(1) الوسائل 2 / 209 ب (15) من أبواب الجنابة / ح (17).
(2) في ص / 86 و 87.
(3) سورة البقرة / 222.
(4) انظر الوسائل 2 / 317 ب (24) و (25) و (26) وغيرها من أبواب الحيض.
(5) كما في الجواهر 3 / 225.
(6) في التكملة: (عمدا).
(7) الوسائل 2 / 328 ب (28) من أبواب الحيض / ح (6)، والوسائل 28 / 377 ب (13) من أبواب بقية
الحدود والتعزيرات / ح (1) و (2).
(8) الوسائل 2 / 328 ب (28) من أبواب الحيض / ح (6).
(9) الظاهر أنه يشير إلى ما ورد في الجواهر 3 / 226، قال: (وفي خبر محمد بن مسلم عن الباقر - (عليه السلام) -
" سألته عن الرجل أتى المرأة وهي حائض قال: يجب عليه في استقبال الحيض دينار وفي وسطه نصف
دينار قلت... إلى آخره " إلا أن الوارد في الوسائل ومصدريه: (وفي استدباره) بدل (وفي وسطه) لاحظ
الوسائل 28 / 377 ب (13) من أبواب بقية الحدود والتعزيرات / ح 1، ولم اظفر على مصدر للحديث
بهذا السياق ولعله اعتمد في النقل على غير الوسائل ومصدريه.
102

وبه في أوله وبنصفه في وسطه وربعه في آخره، كما في الآخر (1). وفي الاخر أنه
يتصدق بدينار (2). وفي الآخر فعليه نصف دينار (3).. إلى غير ذلك من الأخبار (4)
التي اختلافها يشهد بأن التكفير يكون (مستحبا) مضافا إلى الأخبار النافية له
بظهورها لولا نصوصها، منها: صحيحة العيص بن القاسم: عن رجل واقع امرأته
وهي طامث. قال: " لا يلتمس فعل ذلك قد نهى الله عز وجل أن يقربها ". قلت: لإن
فعل فعليه كفارة؟ قال: " لا أعلم فيه شيئا، يستغفر الله " (5).
(و) منها: أنه (لا تنعقد لها صلاة) واجبة كانت أم مستحبة إجماعا (ولا
صوم) كذلك. والأخبار به مستفيضة (6) (ولا طهارة رافعة الحدث) وإن كان
الوضوء لها مستحبا كما يأتي (7) (ولا طواف) واجب، لتوقفه على الطهارة ولا
مستحب، لتوقفه على الدخول والمكث في المسجد الحرام (ولا اعتكاف) لتوقفه
على الصوم والمكث في المسجد.
(و) منها: انه (لا يصح طلاقها إذا كانت مدخولا بها وحائلا لا حاملا وكان

(1) الوسائل 2 / 327 ب (28) من أبواب الحيض / ح (1) و (7).
(2) الوسائل 2، الباب المتقدم / ح (3).
(3) الوسائل 2، الباب المتقدم / ح (4).
(4) الوسائل 2، الباب المتقدم / ح (5).
(5) الوسائل 2 / 329 ب (29) من أبواب الحيض / ح (1).
(6) انظر الوسائل 2 / 343 ب (39) من أبواب الحيض، وص 272 ب (2) من هذه الأبواب وص 294
ب (10) من هذه الأبواب، ح (4) و (9) و (13) وص 366 ب (50) من هذه الأبواب والوسائل
10 / 227 ب (25) من أبواب من يصح منه الصوم، وغيرها.
(7) في ص / 105.
103

زوجها حاضرا) (1) على ما يأتي تفصيله في كتاب الطلاق (2) إن شاء الله.
(و) منها: أنه (يجب عليها قضاء الصوم) الذي فاتها من شهر رمضان
إجماعا، وللأخبار المستفيضة بل المتواترة إجمالا (3)، المنصرفة إلى شهر رمضان.
ولا دليل على وجوب قضاء صوم النذر الموقت المصادف وقته الحيض.
(و) منها: أنه (يكره لها قراءة ما عدا العزائم) لخبر الخصال عن السكوني،
عن الصادق (عليه السلام): " سبعة لا يقرؤون القرآن: الراكع، والساجد، وفي الكنيف، وفي
الحمام، والجنب، والنفساء، والحائض " (4).
والتوفيق بينه وبين ما دل من غير واحد من الأخبار على قراءة الحائض
والجنب ما شاء إلا السجدة (5)، يقتضي حمله على الكراهة. وأما العزائم فيحرم
عليها قراءتها حسب ما تقدم تفصيله في الجنب (6) [ومس المصحف وحمله] (7).
(و) منها: أنه يكره لها (الخضاب) للنهي عنه في غير خبر (8) المحمول على
الكراهة، جمعا بينه وبين ما صرح بعدم البأس (9) به.
(و) منها: أنه يكره (الوطء ء) بعد انقطاع الحيض (قبل الغسل) منه، وفاقا

(1) في المخطوط: (مدخولا بها وحائلا وكون زوجها حاضرا).
(2) لم يسمح له الأجل شرح قسم الطلاق من كتاب تكملة التبصرة. نعم تعرض بالتفصيل لهذا الشرط في
كتاب الفراق.
(3) انظر الوسائل 2 / 346 ب (41) من أبواب الحيض.
(4) الخصال / 357، ح (42) والوسائل 6 / 246 ب (47) من أبواب قراءة القرآن / ح (1).
(5) الوسائل 2 / 215 ب (19) من أبواب الجنابة / ح (4) و (7) و (11).
(6) في ص / 86.
(7) أضفناها من التكملة، عطفا على ما تقدم من المكروهات.
(8 و 9) لاحظ الطائفتين في الوسائل 2 / 352 ب (42) من أبواب الحيض.
104

للمشهور (1). بل قد ادعى عليه الاجماع جماعة من الأعيان (2) للأخبار المصرحة
بالجواز (3). والخبر الظاهر في الحرمة (4)، لعدم مقاومته لها دلالة وسندا لا بد من
حمله على الكراهة، وكذلك لا بد من حمل ظاهر الآية (5) - على القراءة بالتشديد -
في الحرمة، عليها مع ظهور القراءة بالتخفيف بالجواز.
(و) كذا يكره للزوج أو المالك (الاستمتاع منها، بما بين السرة والركبة)
لرواية أبي بصير قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال:
" تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج ساقيها " (6) المحمولة على الكراهة، للأخبار
المستفيضة التي تكون كالصريحة في جواز الاستمتاع بغير الوطء ء في القبل (7).
(و) منها: أنه (يستحب لها الوضوء لكل صلاة فريضة والجلوس في مصلاها
ذاكرة بقدر صلاتها) تسبحه وتهلله وتحمده وتتلوا القرآن، لروايات مشتملة
عليها، على اختلافها (8) وهي لما فيه من قرائن الاستحباب، ولدعوى الاجماع

(1) الانتصار / 34 / مسألة (27)، والمراسم / 43، والمبسوط 1 / 44، وإصباح الشيعة / 35، وفقه القرآن
1 / 55، ومنتهى المطلب 2 / 394، وذكرى الشيعة 1 / 272، وجامع المقاصد 1 / 33، ومدارك الأحكام
1 / 337.
(2) الخلاف 1 / 229 / مسألة (196)، وغنية النزوع / 39 / كتاب الطهارة، وانظر مفتاح الكرامة 1 / 377
والجواهر 3 / 205.
(3) الوسائل 2 / 324 ب (27) من أبواب الحيض / ح (1 - 5).
(4) الوسائل 2، الباب المتقدم / ح (6) و (7).
(5) سورة البقرة / 222.
(6) الوسائل 2 / 323 ب (26) من أبواب الحيض / ح (2).
(7) الوسائل 2 / 321 ب (25) من أبواب الحيض.
(8) الوسائل 2 / 345 ب (40) من أبواب الحيض.
105

عليه (1)، وسيرة المسلمين على عدم الإلزام والالتزام بذلك في الأعصار والأمصار،
غير قابلة للاستناد إليها في إثبات الوجوب. فالجملة الخبرية فيها محمولة على
الاستحباب لا محالة.

(1) الخلاف 1 / 232 / مسألة (198)، ولاحظ الجواهر 3 / 252.
106

الباب الثالث: في الغسل (الاستحاضة)...
(الفصل الثالث: في الاستحاضة)
(وهي) كما يظهر من الصحاح: استمرار الدم بعد أيام العادة. قال فيها:
استحاضت المرأة أي استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة (1). ويطلق في لسان
الفقهاء حقيقة أو مجازا على نفس الدم الخارج من عرق العاذل وهذا الدم (في
الأغلب دم أصفر بارد رقيق) يخرج بفتور كما في الإرشاد (2) والقواعد (3). وربما
اقتصر على الأخيرين على حسب اختلاف الأخبار (4)، والأمر فيه سهل، فإن
الظاهر أن ذكر هذه الصفات لبيان رفع الاشتباه بها غالبا، لا لبيان حكمه.
ولو سلم، فإنما هي لبيان أن كلا منها أمارة شرعا لا كونها أمارة مركبة كما يشهد
بذلك ترتيب الحكم بالاستحاضة على الصفرة في غير واحد من الأخبار (5)، وعدم
ترتيبه على غيرها في واحد منها أصلا، كما أن الظاهر أنها لبيان تميزه عن الحيض في
ما دار الأمر بينهما، لا تمييزه مطلقا، مع كونها على خلاف الأصل موضوعا، لأنها
من آفة، وحكما، كما لا يخفى.
وهذا الدم (تراه المرأة (6) بعد أيام الحيض) وهي أيام عادتها لذات العادة، في ما إذا
تجاوز الدم العثرة، وأكثر أيام الحيض لغيرها في الصورة المزبورة بلا خلاف

(1) الصحاح 2 / 1073 " حيض ". وفيه: (استحيضت).
(2) ارشاد الأذهان 1 / 228.
(3) قواعد الأحكام 1 / 219.
(4) انظر الوسائل 2 / 275 ب (3) من أبواب الحيض.
(5) الوسائل 2 / 279 ب (4) من أبواب الحيض / ح (1) و (7) و (8).
(6) لم ترد (المرأة) في المخطوط.
107

(و) بعد (أيام النفاس) وهي أيام عادة الحيض لذات العادة وأكثره أو الأكثر على
خلاف يأتي إن شاء الله (1) (وبعد اليأس) وقبل بلوغ التسع أحيانا.
ثم إن دم الاستحاضة على ثلاثة أقسام بحسب ما له من الأحكام: قليلة
ومتوسطة وكثيرة (2).
(فإن كان الدم قليلا وهو أن يظهر) الدم (على القطنة، ولا يغمسها) فقليلة
(وجب (3) عليها) برؤيته (تجديد الوضوء لكل صلاة مع تغيير القطنة، على
الأحوط).
(وإن كان كثيرا وهو أن يغمس القطنة ولا يسيل) فمتوسطة (وجب عليها مع
ذلك) أي الوضوء لكل صلاة (الغسل لصلاة الغداة).
(وإن كان أكثر منه، وهو أن يسيل) فكثيرة، (وجب عليها مع ذلك) أي
الغسل للغداة (غسلان) آخران، أحدهما (غسل للظهر والعصر تجمع بينهما)
والآخر (غسل للمغرب والعشاء) الآخرة (تجمع بينهما) لقوله في غير واحد من
الأخبار: " تجمع بينهما " (4) لو لم يكن هذا الرفع توهم وجوب كل صلاة بغسل،
فالأحوط لو لم يكن أقوى وجوب الجمع. ومع الإخلال الاغتسال للصلاة الثانية،
رجاء لعدم دليل على مشروعيته، وتجديد الغسل غير معهود (والأحوط لها تغيير
الخرقة في هذين القسمين) أيضا.
واعلم أن تثليث الأقسام على النهج المذكور، وإن ذهب إليه المشهور (5)، إلا

(1) في ص / 114.
(2) في المخطوط: (قليله ومتوسطه وكثيره).
(3) في التكملة: (وجبت).
(4) الوسائل 2 / 372 ب (1) من أبواب الاستحاضة / ح (3) و (12) و (14)، قريبا منه.
(5) لاحظ المقنع / 15، والمقنعة / 56، والنهاية، المطبوعة مع نكتها، 1 / 240، وغنية النزوع / 39 / كتاب
الطهارة، وشرائع الاسلام 1 / 40، وقواعد الأحكام 1 / 219.
108

أن الأخبار بعد حمل ظاهرها على النص، أو الأظهر تقتضي أن يكون تثليثها (1)
على نحو آخر. وهو:
أن الدم المحكوم بالاستحاضة إن كان عبيطا فهو على قسمين ومحكوم
بحكمين:
أحدهما: أنه يثقب الكرسف، أو ينفذه، أو يغمسه، أو غير ذلك مما في
الأخبار على اختلافها الظاهر في كونه بحسب اللفظ لا المعنى، وهو يوجب
الأغسال الثلاثة، كما هو في غير واحد من الروايات (2).
ثانيهما: أنه لا يكون كذلك وهو لا يوجب إلا غسلا واحدا للغداة والوضوء
لكل صلاة.
وإن كان الدم صفرة، فهو أيضا وإن كان على قسمين ومحكوما بحكمين، إلا
أنه إن كان كثيرا كان موجبا للغسل في كل صلاتين والوضوء لكل صلاة، كما هو
مقتضى الجمع بين ما في موثقة سماعة من قوله (عليه السلام): " المستحاضة إذا ثقب الدم
الكرسف اغتسلت لكل صلاتين، وللفجر غسلا، وإن لم يجز الدم الكرسف، فعليها
الغسل لكل يوم مرة، والوضوء لكل صلاة، وإن أراد زوجها أن يأتي فحين تغتسل.
هذا إذا كان دما عبيطا، وإن كان صفرة فعليها الوضوء " (3) لكل صلاة.. وغيرها (4).
وبين ما في رواية إسحاق بن عمار: " وإن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين " (5) بما

(1) في المخطوط والمطبوع: (تثليثهما).
(2) الوسائل 2 / 371 ب (1) من أبواب الاستحاضة.
(3) الوسائل 2 / 374 ب (1) من أبواب الاستحاضة / ح (6).
(4) انظر الوسائل 2 / 280 ب (4) من أبواب الحيض / ح (7) و (8).
(5) الوسائل 2 / 331 ب (30) من أبواب الحيض / ح (6).
109

في رواية محمد بن مسلم من قوله (عليه السلام): " وإن كان قليلا أصفر، فلتتوضأ " (1) فإنه
بمنطوقه ومفهومه يقيد إطلاق كلتا الطائفتين، ويرتفع التعارض من البين.
وعلى ذلك فلا بد في ما لا غسل فيه أصلا من الصفرة والقلة في قبال الكثرة
عرفا، لا ما يقابل الكثرة والتوسط في تقسيم المشهور. وفي ما لا غسل فيه إلا مرة
في كل يوم من كونه عبيطا لا يثقب الكرسف. وفي ما فيه الأغسال كونه عبيطا
يثقبه.
هذا لو كانت الصفرة في موثقة سماعة معناها المقابل للعبيط.
وأما لو كانت كناية عن القلة لملازمتها لها غالبا، فالموثقة تكون دليلا
للمشهور. لكنه بعيد جدا فيها، وإن لم يكن بذاك البعد في غيرها، كما لا يخفى.
هذا خلاصة ما فصلناه في رسالتنا الدمائية، ومن أراد التفصيل فعليه أن
يراجعها (2).
ثم إنه لا دليل على وجوب تغيير القطنة في ما لا يوجب إلا الوضوء لكل
صلاة، مع خلو أخباره التي بصدد بيان أحكامه (3) عنه، ولم يقم دليل على اعتبار
خلو المصلي عن نجاستها التي تكون في الباطن، ولا إجماع على عدم الفصل بينه
وبين ما يوجب الغسل أو الأغسال، على تقدير دلالة أخباره على وجوب
تغييرها. مع أن الظاهر من الأخبار أن تغيير القطن إنما هو لظهور الدم عليها،
الموجب لنجاسة البدن به غالبا حينئذ، لا لنجاستها. ولذا كان اللازم التحفظ عن
تعدي نجاستها ولو بزيادة الكرسف، كما في رواية أبي يعفور، " فإن ظهر على

(1) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (16).
(2) رسالة الدماء الثلاثة.
(3) انظر الوسائل 2 / 371 ب (1) من أبواب الاستحاضة وما أشير إليه آنفا في هذه الصفحة وسابقتها.
110

الكرسف زادت كرسفها " (1). لا تغييرها وإن كان أحوط، كما لا يخفى.
وقد انقدح بذلك حال تغيير الخرقة في القسمين، وأنه لا دليل على وجوبه،
واللازم التحفظ عن تعدي النجاسة عنها ولو بزيادتها، وكونه أحوط.
(وغسلها كغسل الحائض) وهو كغسل الجنابة.
(وإذا فعلت) المستحاضة (ما قلناه) من الوضوء والغسل، على ما فصلناه
(صارت بحكم الطاهرة) (2) في صحة الصلاة والصوم وجواز قراءة العزائم ودخول
المساجد، والوطء.. إلى غير ذلك مما يحرم على الحائض والنفساء، بلا إشكال ولا
خلاف.
إنما الإشكال في جوازها بدون ذلك.
والتحقيق: أنه لا دليل على عدم الجواز إلا الاستصحاب في ما كانت
مسبوقة بالحيض - لو لم يناقش فيه بعدم إحراز الموضوع وتغيره - بل في رواية ابن
سنان: " ولا بأس أن يأتيها بعلها متى شاء إلا أيام حيضها " (3) دلالة على الجواز.
ولا دلالة في ما علق فيه حليته على حلية الصلاة على عدم الجواز، لظهور
أن حليتها إنما كانت في قبال حرمتها في حال الحيض، لا حليتها فعلا حال وجدانها
لشرائطها من الطهارة وغيرها.
وكذا لا دلالة لقوله في موثقة سماعة: " وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين
تغتسل " (4) للزوم العناية والتصرف فيه لا محالة. والتصرف فيه بإرادة بعد الغسل
من " حينه " ليس بأولى من جعله كناية عن زمان إرتفاع حرمة الصلاة، مع احتمال

(1) الوسائل 2 / 376 ب (1) من أبواب الاستحاضة / ح (13). والصحيح عن ابن أبي يعفور.
(2) في المخطوط: (الطاهر).
(3) الوسائل 2 / 372 ب (1) من أبواب الاستحاضة / ح (4).
(4) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (6).
111

كون المراد الاغتسال عن الحيض، كما هو المحتمل في صحيحة مالك بن أعين (1).
وخبر قرب الإسناد (2)، وإن كان لا يخلو عن ظهور في الإشتراط، إلا أنه
لضعف سنده، واشتراط الجواز فيه بالطول الغير المعتبر فيه قطعا، المحمول على
مرتبة من الرجحان جزما، لا يصلح أن يكون دليلا.

(1) الوسائل 2 / 379 ب (3) من أبواب الاستحاضة / ح (1).
(2) قرب الإسناد / 129، ح (447) والوسائل 2 / 377 ب (1) من أبواب الاستحاضة / ح (15).
112

الباب الثالث: في الغسل (النفاس)...
(الفصل الرابع: في النفاس)
(وهو الدم الذي تراه المرأة عقيب الولادة أو معها على المشهور) (1) لقوله (عليه السلام)
في رواية زريق: " تصلي حتى يخرج رأس الولد، فإذا خرج رأسه لم تجب عليها
الصلاة " (2) ولقوله فيها في الجواب عن الفرق بين دم الحامل ودم المخاض: " إن
الحامل قذفت بدم (3) الحيض، وهذه قذفت بدم (4) المخاض إلى أن يخرج بعض الولد.
فعند ذلك يصير دم النفاس " ولا يقاومه قوله (عليه السلام) في موثقة عمار: " تصلي ما لم
تلد " (5) فإنه وإن كان ظاهرا في عدم كونه نفاسا قبل الفراغ، لصدق أنها لم تلد قبله،
لكونه بالإطلاق، لو سلم أنه لم يرد مورد الغالب، فيقيد بما في الرواية، كما لا يخفى.
(و) اعلم: أن النفاس (لا حد لأقله) شرعا إجماعا. وربما يدل عليه قوله في
رواية زريق المتقدمة: " فعند ذلك يصير دم النفاس ".
وقوله في رواية ليث المرادي: " ليس له حد " (6) لا دلالة له على عدم حد
لأقله، بل على عدم الحد لأكثره، لوقوعه جوابا عن حده.
(و) حد (أكثره) الذي لا يتجاوز عنه شرعا، وإن أمكن التجاوز عنه

(1) المبسوط 1 / 68، ومختلف الشيعة 1 / 377، والدروس 1 / 100، وتلخيص الخلاف 1 / 83 / مسألة
(24)، وجامع المقاصد 1 / 346، والروضة البهية 1 / 393.
(2) الوسائل 2 / 334 ب (30) من أبواب الحيض / ح (17).
(3) من المصدر، وفي المطبوع والمخطوط: (قذفت الحيض).
(4) في المطبوع: (دم المخاض).
(5) الوسائل 2 / 391 ب (4) من أبواب النفاس / ح (1).
(6) الوسائل 2 / 382 ب (2) من أبواب النفاس / ح (1).
113

خارجا (عشرة أيام) على المشهور (1)، وعن محكي الذكرى (2) نسبته إلى
الأصحاب.
ويدل عليه الأخبار المشتملة على الصحاح، المصرحة برجوع ذات العادة
في الحيض إلى عادتها (3)، والعادة فيه لا تكون زائدة على العشرة شرعا، وبضميمة
عدم الفصل بينها وبين غيرها، لو تم، قد عم، وإلا فلا محيص عن الرجوع في غير
المعتادة إلى الأخبار الدالة على أن أكثره ثمانية عشر يوما (4)، كما ذهب اليه العلامة
في محكي مختلفه (5)، لاشتمالها على الصحاح المعمول بها من مثل (6) المفيد (7) والسيد (8)
والصدوق (9)، والإسكافي على ما قيل (10)، وعدم العمل بما يعارضها.
ثم لا يخفى إن مقتضى إطلاق الأخبار المصرحة بالرجوع إلى العادة (11)،
الرجوع إليها ولو لم يتجاوز الدم عن العشرة، ولا يكاد يجدي صدق النفاس عرفا

(1) المقنع / 16، والمقنعة / 57، والخلاف 1 / 243 / مسألة (213)، والمهذب 1 / 39، والغنية / 40
والسرائر 1 / 154، والمعتبر 1 / 253، والدروس 1 / 100.
(2) ذكرى الشيعة 1 / 261.
(3) الوسائل 2 / 382 ب (3) من أبواب النفاس / ح (1 - 5) و (8) و (11).
(4) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (6) و (12) و (15) و (19) و (21 - 24) و (26).
(5) مختلف الشيعة 1 / 379.
(6) في المخطوط: (بمثل).
(7) المقنعة / 57، قال في بداية كلامه: " أكثر أيام النفاس ثمانية عشر يوما "، ثم أعرض عنها إلى العشرة،
انظر مفتاح الكرامة 1 / 402.
(8) الانتصار / 35 / مسألة (28).
(9) من لا يحضره الفقيه 1 / 55.
(10) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1 / 253.
(11) أشير إليها في الرقم (3) من هذه الصفحة.
114

ولغة على العشرة، كما لا يجدي صدقه على الزائد عليها قطعا، إلا أن يكون إجماع
على اتحاد الحيض والنفاس في هذا الحكم، كما سيظهر من أنه لم يقل أحد بالفرق
بينهما. لكنه لا كرامة فيه ما لم يتحقق.
ثم إن ظاهر بعض الأخبار (1) وإن كان وجوب الاستظهار على ذات العادة
بعد التنفس بها، إلا أن عدم ذكره في غير واحد منها (2)، مع أنه بصدد بيان ما يجب
عليها من التنفس، واختلاف أخباره في مقداره قرينة استحبابه.
(و) إذا عرفت النفاس، وما تتنفس به النفساء، فاعلم أن:
(حكمها حكم الحائض، في جميع الأحكام) في ما يجب أو يحرم عليه بلا
إشكال ولا خلاف، نصا وفتوى. وفي ما يستحب أو يكره، لو قام إجماع على
اتحادهما في جميع الأحكام، وإلا فلا بد من الاقتصار على ما دل عليها الأخبار ولو
بالعموم. كيف لا؟ وصريح خبر جعفر بن محمد (عليه السلام) (3) بعدم البأس بخضاب النفساء
بعد نهي الجنب والطامث عنه (4).
والاستدلال على الكلية بأن دم النفاس دم حيض قد احتبس. فيه ما لا
يخفى، ضرورة أن ظاهر ما دل على كراهة شئ على الحائض، أو استحبابه على
الحائض، بالحيض المقابل للنفاس لا مطلقه الشامل له.

(1) الوسائل 2 / 371 ب (1) من أبواب النفاس / ح (1) وص 383 ب (3) من هذه الأبواب / ح (2) و (3)
و (4) و (5) و (8) و (11) و (20).
(2) الوسائل 2 / 382 ب (3) من أبواب النفاس / ح (1) و (6) و (7) و (9) و (12) و (14) و (16) و (17)
و (19) و (24).
(3) من المصدر (الوسائل).
(4) الوسائل 2 / 223 ب (22) من أبواب الجنابة / ح (11).
115

وما دل على أن الحائض مثل النفساء، وأنهما سواء إنما هو في خصوص ما
عليها من أحكام الاستحاضة في صورة تجاوز الدم عن أيام عادتها وصيرورتها
مستحاضة.
هذا، لكنه لا بأس بالعمل بهذه الكلية تسامحا ورجاء إلا في ما قام دليل على
خلافها.
116

الباب الثالث: في الغسل (غسل الأموات - الاحتضار)...
(الفصل الخامس: في غسل الأموات) وسائر ما يتعلق بها.
(ومباحثه خمسة):
(الأول: الاحتضار) لحضور ملك الموت، أو حضور الإخوان والأهل
والجيران.
(ويجب فيه استقبال الميت إلى القبلة) وفاقا لجماعة من الأعاظم (1)، بل
للمشهور، كما قيل (2)، لموثق معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الميت.
فقال: " استقبل بباطن قدميه القبلة " (3)، ولمرسلة الفقيه، المحكية عن العلل مسندة
إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رجل من ولد عبد المطلب،
وهو في السوق وقد وجه إلى غير القبلة، فقال: وجهوه إلى القبلة، ما لكم؟ إذا فعلتم
به ذلك أقبلت الملائكة وأقبل الله عز وجل عليه بوجهه، فلم يزل كذلك حتى
يقبض " (4).
والمناقشة في المرسل بظهوره في الاستحباب بقرينة التعليل، وفي الموثق
بأنه كما يحتمل أن يكون السؤال فيه عن الميت من حيث أصل الاستقبال، يحتمل
أن يكون من حيث كيفيته، بل هو الأهم نظرا إلى اشتهار مخالفة الجمهور في ذلك

(1) المقنعة / 73، والمهذب 1 / 53، وإصباح الشيعة / 43، والوسيلة / 62، والمختصر النافع / 11، ومختلف
الشيعة 1 / 380 - 382، والدروس 1 / 102، وجامع المقاصد 1 / 355، والروضة البهية 1 / 399.
(2) انظر مدارك الأحكام 2 / 52، وجواهر الكلام 4 / 9.
(3) الوسائل 2 / 453 ب (35) من أبواب الاحتضار / ح (4).
(4) من لا يحضره الفقيه 1 / 79 ح 352 وعلل الشرايع / 297 باب (234) / ح (1)، والوسائل 2 / 453 ب
(35) من أبواب الاحتضار / ح (6).
117

الزمان (1). واضحة الضعف، لمناسبة التعليل للوجوب، فلا يوجب صرف ما كان
ظاهرا فيه إلى الاستحباب بمجرد مناسبته له أيضا. وضعف احتمال أن يكون السؤال
في الموثق عن كيفية الاستقبال، لوضوح أن عبارة السؤال فيه (سألت عن الميت) (2)،
ولا دلالة للتعرض في الجواب لكيفيته على أن يكون السؤال عنها، كما لا يخفى.
وكيفية استقباله القبلة، كما يظهر من الموثق، ومن خبر ذريح: " إذا وجهت
الميت إلى القبلة، فاستقبل بوجهه القبلة ولا تجعله معترضا كما يجعل الناس " (3)
(بأن يلقى على ظهره ويجعل وجهه) بحيث لو جلس صار مقابلها (وباطن قدميه (4)
إليها).
(ويستحب) لمن حضر عنده (تلقينه الشهادتين) لما في رواية أبي خديجة:
" فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
حتى يموتوا " (5) (والإقرار بالنبي والأئمة عليهم (الصلاة) والسلام) (6) ولو إجمالا
لرواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كنا عنده فقيل له: هذا عكرمة في الموت، -
وكان يرى رأي الخوارج - فقال لنا أبو جعفر (عليه السلام): " انتظروني حتى أرجع إليكم "
فقلنا: نعم، فما لبث أن رجع، فقال: " أما إني لو أدركت عكرمة قبل أن تقع النفس
موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها ولكني أدركته وقد وقعت موقعها " فقلت: جعلت

(1) انظر المقنع في شرح مختصر الخرقي 2 / 477، وبدائع الصنائع 1 / 299، والحاوي الكبير 3 / 4، وروضة
الطالبين 1 / 610.
(2) في المطبوع والمخطوط: (عن استقبال الميت) والصحيح كما في المصدر ما أثبتناه بغير كلمة (استقبال) كما
يشهد به كلام الشارح وقد تقدم متن الحديث في الصفحة المتقدمة برقم (3).
(3) الوسائل 2 / 452 ب (35) من أبواب الاحتضار / ح (1).
(4) في التكملة: (رجليه).
(5) الوسائل 2 / 455 ب (36) من أبواب الاحتضار، ح (3).
(6) ليس في التكملة (الصلاة و).
118

فداك وما هذا الكلام؟ قال: " هو ما أنتم عليه، فلقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله
والولاية " (1).
(و) تلقين (كلمات الفرج) لقول أبي جعفر (عليه السلام) في رواية زرارة قال: " إذا
أدركت الرجل عند النزع، فلقنه كلمات الفرج... " الخبر (2).
(و) قراءة يس، والصافات من (القرآن) لرواية سليمان الجعفري قال: رأيت
أبا الحسن (عليه السلام) يقول لابنه القاسم: " قم يا بني فاقرء عند رأس أخيك، والصافات
صفا، حتى تستتمها " فقرأ فلما بلغ * (أهم أشد خلقا أم من خلقنا) * قضى الفتى، فلما
سجي وخرجوا، أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له: كنا نعهد الميت إذا نزل به
الموت نقرأ (3) عنده يس والقرآن الحكيم فصرت تأمرنا بالصافات صفا، فقال: " يا
بني لم تقرء عند مكروث (4) من موت قط إلا عجل به راحته " (5).
(وتغميض عينيه) بعد موته، لرواية أبي كهمس، قال: حضر إسماعيل
الموت وأبو عبد الله (عليه السلام) جالس عنده، فلما حضره الموت شد لحييه وغمضه وغطاه
بالملحفة (6). والمراد بحضوره الموت بقرينة " وغطاه بالملحفة " الموت فعلا، لا
الاحتضار قطعا سيما مع النهي عن المس حال النزع في رواية زرارة (7).
(وكذا) يستحب (إطباق فمه) ولعله لما دل على استحباب شد اللحيين (8).

(1) الوسائل 2 / 458 ب (37) من أبواب الاحتضار، ح (2).
(2) الوسائل 2 / 459 ب (38) من أبواب الاحتضار، ح (1).
(3) في المصدر: (يقرأ) بصيغة الغائب المجهول.
(4) في المصدر: (مكروب) بالباء.
(5) الوسائل 2 / 465 ب (41) من أبواب الاحتضار / ح (1).
(6) الوسائل 2 / 468 ب (44) من أبواب الاحتضار / ح (3). وفيه (حضرت موت إسماعيل).
(7) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (1).
(8) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (1) و (3).
119

(ومد يديه على ما قيل) (1) وعن محكي المعتبر أنه لم ينقل عن أهل البيت في
ذلك رواية. (2)
(و) يستحب (إعلام المؤمنين) فإنه إحسان إليه وإليهم.
(و) يستحب (تعجيل أمره إلا مع الاشتباه) (3) وتجهيزه، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السلام): " لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس وغروبها،
عجلوا بهم إلى مضاجعهم، رحمكم الله... " الخبر (4).
(ويكره أن يحضره جنب، أو حائض) للنهي عن حضورهما في غير واحد
من الأخبار، معللا بتأذي الملائكة بهما (5).
(وقيل:) يكره (أن يجعل على بطنه حديد) (6) ولعله لدلالة رواية زرارة عليه
بالفحوى، قال: ثقل ابن لجعفر (عليه السلام) وأبو جعفر (عليه السلام) في ناحية، فكان إذا دنى منه
انسان، قال: " لا تمسه فإنه يزداد ضعفا، وأضعف ما يكون في هذه الحال (7)، ومن
مسه في هذه (8) الحال أعان عليه " فلما قضى الغلام أمر به فغمضت عيناه، وشد
لحياه (9).

(1) المقنعة / 74، والمراسم / 47، والمبسوط 1 / 174، والمهذب 1 / 54، وإصباح الشيعة / 43، والسرائر
1 / 158.
(2) المعتبر 1 / 261.
(3) لم يرد في المخطوط: (إلا مع الاشتباه).
(4) الوسائل 2 / 471 ب (47) من أبواب الاحتضار / ح (1).
(5) الوسائل 2 / 467 ب (43) من أبواب الاحتضار.
(6) في التكملة: (وقيل أو يجعل على بطنه حديد).
(7 و 8) في المخطوط والمطبوع في الموضعين: (في هذا الحال).
(9) الوسائل 2 / 468 ب (44) من أبواب الاحتضار / ح (1).
120

(الثاني: الغسل)
الباب الثالث: في الغسل (غسل الميت)...
(ويجب تغسيله ثلاث مرات) نصا (1) وفتوى.
(الأولى بماء) فيه شئ من (السدر) يصح معه إضافة الماء إليه ويصدق عليه
أنه ماء السدر، ولا يخرجه إلى الإضافة. فلا يكفي أقل مسماه لعدم الصدق معه
وكفاية أدنى الملابسة في الإضافة لا يلازم كفاية أقل مسمى الشئ في الإضافة
إليه، كما لا يخفى وإطلاق شئ من سدر، وشئ من كافور في صحيحة ابن يعقوب
عن العبد الصالح (عليه السلام): " ويجعل في الماء شئ من سدر، وشئ من كافور " (2). وارد في
مقام بيان اعتبارهما، لا بيان مقدارهما كما أنه يعتبر أن لا يبلغ في الكثرة بحيث به
يخرج الماء عن الإطلاق، لقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن مسكان: " إغسله بماء وسدر " (3)
ولا يعارضه ما في مرسلة يونس، من الأمر بغسل رأسه برغوة السدر (4)، الظاهر
في الإجتزاء به عن الغسل الواجب، سندا - وهو واضح - ولا دلالة لاحتمال أن
لا يكون الإجتزاء به، بل بالغسل بالماء الذي يلحق الغسل بها لا محالة لازالتها.
(والثانية بماء) فيه شئ من (الكافور) يصح مع إضافته إليه، ولا يسلب
إطلاقه، لما عرفت في السدر.
(والثالثة بماء القراح) أي الخالص عن خصوص السدر والكافور مطلقا ولو
لم يكونا بمقدار يصح معه الإضافة. نعم لا بأس بخلطهما إذا كانت قلتهما بمثابة يصح
معه أنه خالص منهما عرفا.

(1) لاحظ الوسائل 2 / 479 ب (2) من أبواب غسل الميت.
(2) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (7). والصحيح يعقوب بن يقطين.
(3) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (1).
(4) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (3).
121

ولا يخفى ان ظاهر التعبد بالخلوص بالأخبار (1)، والأمر فيها بغسل الإناء
عن السدر والكافور وإراقة بقية مائهما (2) اعتباره، وأنه على نحو العزيمة، لا
الرخصة.
ثم إن كيفية غسله (كغسل الجنابة) في الترتيب بين الأعضاء قطعا، وفيه وفي
الإرتماس ظاهرا لا في ما يغسل، لوجوب غسل شعره في غسله دون الجنب، كما
عرفت (3) وذلك لقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم: " غسل الميت مثل
غسل الجنب، وإن كان كثير الشعر فرد عليه الماء ثلاث مرات " (4).
(ولو خيف) من تغسيله ولو بالصب (تناثر لحمه أو جلده) كالمحترق
والمجدور ونحوهما (يمم بالتراب) (5) لخبر زيد عن آبائه عليهم السلام عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) في: مجدور ينسلخ إذا غسل قال: " يمموه " (6) وضعفه منجبر بالشهرة (7)
وبالإجماع المنقول في محكي المختلف (8) من الفرقة، وفي محكي التذكرة (9) من جميع
الفقهاء عدا الأوزاعي. هذا مضافا إلى ما دل على عموم البدلية (10).

(1) انظر الوسائل 2 / الباب المتقدم.
(2) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (2).
(3) لم يتقدم تصريح بالعفو عن غسل الشعر في الجنب وإن كان ربما يستظهر من ص / 80 - 81.
(4) الوسائل 2 / 486 ب (3) من أبواب غسل الميت / ح (1).
(5) في التكملة: (تيمم به).
(6) الوسائل 2 / 513 ب (16 من أبواب غسل الميت / ح (3).
(7) المقنعة / 84، والمراسم / 46، والمبسوط 1 / 180، والمهذب 1 / 56، والوسيلة / 62، والمعتبر
1 / 268، وتبصرة المتعلمين / 8، وذكرى الشيعة 1 / 327، وجامع المقاصد 1 / 373.
(8) المكتوب في المخطوط أولا " المختلف " ثم شطب عليه وكتب فوقه " ف " إشارة إلى كتاب الخلاف والظاهر
أن الثاني هو الصحيح، فإني لم أجد المسألة في المختلف. راجع الخلاف 1 / 717 / مسألة (529).
(9) تذكرة الفقهاء 1 / 384 / مسألة (145).
(10) انظر الوسائل 3 / 385 ب (23) من أبواب التيمم، وكذا آية التيمم في سورة المائدة / 6.
122

والمناقشة فيها بأن المؤثر هاهنا ليس خصوص الماء ليقوم مقامه التراب، بل
الماء مع الخليط، ولا دليل على قيامه مقامهما فاسدة، إذ الظاهر أن المؤثر (1) في رفع
الحدث هو الماء، والخليط إنما هو لفائدة أخرى من إزالة الوسخ والتنظيف بالسدر،
وحفظ البدن عن الهوام بطيب الكافور، كما قيل (2)، أو لغير ذلك. كيف؟ وقد حصر
الطهور بالماء والتراب في قولهم في بيانه: " إنما هو الماء والتراب " (3).
ثم قضية الأصل وإطلاق الرواية (4) كفاية تيمم واحد ولو قيل بأن مبدله
ثلاثة.
ثم إن المعروف في كيفيته - على ما قيل (5) - أن المباشر يضرب بيديه الأرض
ويمسح بهما وجه الميت ويديه. وقضية (6) كون الضرب من أفعاله كما هو ظاهر عدة
من أخباره (7) ضرب يدي الميت على الأرض والمسح بهما إن أمكن، ولا دليل على
اختصاص هذا بمن يقدر على المسح بهما، ولو بالإعانة. اللهم إلا أن يكون إجماع
على المعروف من كيفيته. فالاحتياط إتيانه بالنحوين.
(ويستحب وقوف الغاسل عن يمينه) لرجحان التيامن في كل شئ (8) مضافا

(1) في المطبوع: (المؤثرة).
(2) انظر المعتبر 1 / 266، والجواهر 1 / 138، وأيضا الحدائق الناضرة 3 / 455 - 456.
(3) لم أعثر على هذا اللفظ، نعم هو مفاد عدة من الأحاديث، انظر الوسائل 3 / 381 ب (21) من أبواب
التيمم / ح (1)، وص 385 ب (23) من هذه الأبواب / ح (1) و (5) و (6)، وص 387 ب (24) من هذه
الأبواب / ح (2) و (3) وص 388 ب (25) من هذه الأبواب / ح (3) و (4)، بل هو مفاد عدم جعل بدل
آخر للوضوء والغسل غير التيمم.
(4) في الصفحة المتقدمة.
(5) لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) / 267 (طبعة حجرية 1307 ه‍).
(6) في المطبوع: (قضيته).
(7) الوسائل 3 / 361 ب (12) من أبواب التيمم / ح (2 - 5).
(8) لاحظ بحار الأنوار 16 / 237، (باب مكارم أخلاقه وسيره وسننه (صلى الله عليه وآله)).
123

إلى إجماع الغنية (1) على استحبابه، ولعله كاف بضميمة التسامح في أدلة السنن.
(وغمز بطنه برفق في) ما قبل (الغسلتين الأولتين (2) إلا أن يكون حاملا)
للأمر به في غير واحد من الأخبار (3). والاستثناء لخبر أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) في
المرأة: " تمسح مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى، فإن كانت حبلى، فلا تحركها " (4)
(والذكر والاستغفار) لاستحبابهما على كل حال (وإرسال الماء إلى حفيرة) لإجماع
الغنية (5) وحسن (6) بن خالد (7) بضميمة التسامح (وتغسيله تحت سقف) لصحيح ابن
جعفر (عليه السلام) عن أخيه (عليه السلام) سألته عن الميت هل يغسل في الفضاء؟ فقال: " لا بأس وإن
ستر فهو أحب إلي " (8) (واستقبال القبلة به) (9) كالمحتضر، لخبر يونس عنهم عليهم
السلام: " إذا أردت غسل الميت فضعه على المغتسل مستقبل القبلة... " (10) الخبر.
والأمر فيه يحمل على الاستحباب، توفيقا بينه وبين قول أبي الحسن (عليه السلام) في صحيح
ابن يقطين في جواب السؤال عن الميت، كيف يوضع على المغتسل؟: " يوضع كيف
تيسر " (11).

(1) الغنية / 101 / كتاب الصلاة.
(2) في المطبوع: (الأوليتين).
(3) الوسائل 2 / 480 ب (2) من أبواب غسل الميت / ح (2) و (3) و (5) و (7 - 10).
(4) الوسائل 2 / 492 ب (6) من أبواب غسل الميت / ح (3). والراوي أم انس بن مالك.
(5) الغنية / 101 / كتاب الصلاة.
(6) الظاهر وجود سقط هنا بين كلمة (حسن) وكلمة (بن)، وهو إما (سليمان) وإما همزة قبل (بن).
(7) الوسائل 2 / 452 ب (35) من أبواب الاحتضار / ح (2).
(8) الوسائل 2 / 538 ب (30) من أبواب غسل الميت / ح (1).
(9) (به) من التكملة.
(10) الوسائل 2 / 480 ب (2) من أبواب غسل الميت / ح (3).
(11) الوسائل 2 / 491 ب (5) من أبواب غسل الميت / ح (2).
124

(وكذا) أي يستحب (غسل رأسه وجسده برغوة السدر، على ما قيل)
والقائل المحقق (1) والعلامة (2) وغيرهما (3) ولا دليل عليه إلا الأخبار (4) الظاهرة في
كون الغسل بها من الغسل، لا من مستحباته (وفرجه بالأشنان) للأمر به في خبر
الكاهلي (5)، بغسل الفرجين بمائه وماء السدر ثم بماء الكافور والقراح.
(وأن يحشى) بالقطن، لما في بعض الأخبار: " ويدخل في مقعده من القطن ما
دخل " (6).
(ويكره إقعاده) لرواية الكاهلي: " إياك أن تقعده " (7) والأمر به في صحيح
الفضل عن الصادق (8) (عليه السلام) لو لم يكن في مقام توهم الحظر محمول على التقية،
لمعروفيته عن العامة (9).
(والأحوط ترك قص أظفاره وترجيل شعره) للنهي عن مس ظفره وشعره
في مرسل ابن أبي عمير (10) وغيره (11). وقد نقل الاجماع عن الخلاف (12) والغنية (13)

(1) المعتبر 1 / 272.
(2) تذكرة الفقهاء 1 / 351 / مسألة (124).
(3) الجامع للشرائع / 51، والدروس 1 / 106، ومجمع الفائدة 1 / 186.
(4) الوسائل 2 / 480 ب (2) من أبواب غسل الميت / ح (2) و (7).
(5) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (5).
(6) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (10).
(7) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (5).
(8) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (9).
(9) انظر المغني لابن قدامة 2 / 318 / مسألة (1503)، وروضة الطالبين 1 / 614.
(10 و 11) الوسائل 2 / 500 ب (11) من أبواب غسل الميت / ح (1 - 5).
(12) الخلاف 1 / 694 / مسألة (475)، وص 695 / مسألة (478).
(13) الغنية / 102.
125

والمنتهى (1) على عدم الجواز. والمشهور كراهة القص والترجيل، لخبر طلحة بن
زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " كره أن يقص من الميت ظفر، أو يقص له شعر، أو
تحلق له عانة، أو يغمز له مفصل " (2). وقد نقل الاجماع من المعتبر (3) والتذكرة (4) على
الكراهة. فالأحوط تركهما وإن كان الجواز أقوى، فإن مرسل ابن أبي عمير (5) وإن
كان كالصحيح سندا، وظاهر في الحرمة - وخبر طلحة لا يصلح للمقاومة له لا
سندا ولا دلالة، إذ ليس للفظ الكراهة في الأخبار ظهور في ما يقابل الحرمة - إلا
إذا لم يكن موهونا بمخالفة المشهور (6)، وكان الأصل الجواز، فتدبر جيدا.
(الثالث) من أحكام الميت: (التكفين) وستره في الكفن لو كان له ولو ببذل
باذل له، أو بقيمته لا بذله، واجب كفاية اتفاقا، فتوى ونصا.
(ويجب تكفينه في ثلاثة أثواب) بلا خلاف من الأصحاب في عدم وجوب
الزائد، ولا إجزاء الأقل، إلا الديلمي (7)، فقد حكي عنه الاجتزاء بثوب واحد.
والأخبار المستفيضة الدالة على كون الكفن ثلاثة (8) دالة على عدم الإجتزاء به.
وصحيحة زرارة المروية في بعض نسخ التهذيب، عن الباقر (عليه السلام) " إنما الكفن ثلاثة

(1) منتهى المطلب 1 / 431 (ط حجرية حاجي إبراهيم). فيه: (قال علماؤنا لا يجوز قص شئ من شعر
الميت ولا من ظفره...).
(2) الوسائل 2 / 500 ب (11) من أبواب غسل الميت / ح (4).
(3) المعتبر 1 / 278.
(4) تذكرة الفقهاء 1 / 387 / مسألة (150).
(5) هذا هو الصحيح وفي المخطوط والمطبوع: (ابن عقيل) وهو سهو واضح.
(6) المعتبر 1 / 278، وقواعد الأحكام 1 / 225، وتلخيص الخلاف 1 / 240 / مسألة (458)، وجامع
المقاصد 1 / 377، والروضة البهية 1 / 414.
(7) المراسم العلوية / 47.
(8) انظر الوسائل 3 / 6 ب (2) من أبواب التكفين.
126

أثواب، أو ثوب تام " (1) غير صالحة دليلا على الإجتزاء، لكونها مروية في بعض
نسخه. وفي الكافي " بالواو " (2). وفي أكثر نسخه، على ما قيل (3)، بإسقاط العاطف
والمعطوف. وقد روي كذلك في محكي المعتبر (4) والمنتهى (5) فلا وثوق بها، كما في
بعض النسخ أصلا، مع أنه لو كان كما فيه لاحتمل أن يكون " أو " للتنويع بملاحظة
حالتي الاختيار والاضطرار، أو بمعنى الواو، بل يظهر من شيخنا العلامة (6) (أعلى
الله مقامه) أنه لا بد من ارتكاب التأويل بأحدهما، فإنه تخيير في الواجب بين الأقل
والأكثر، لا مع كون الأكثر مستحبا، لأنه في مقام بيان ما عدا المستحبات، ولا مع
مغايرة بينهما بوجه، كما في القصر والإتمام.
الباب الثالث: في الغسل (غسل الأموات - تكفين الميت)...
وفيه أولا: إنه لا بأس بالتخيير بينهما بلا مغايرة أصلا في ما إذا كانت
المصلحة الداعية إلى الإيجاب قائمة بتمام الأكثر بزيادة، أو بعينها لو لم يقتصر على
الأقل، لا على الأقل مطلقا. مع أن في توصيف الثوب بالتمام دلالة على أن المراد من
ثلاثة أثواب ما كان كل واحد منها غير تام، بأن يكون ستره بتمامها، لا بواحد
منها، فيكون بينهما مغايرة، كما لا يخفى.
وهذه الأثواب الثلاثة، على ما هو المعروف (7)، (مئزر) وهو عندهم، كما عن

(1) التهذيب 1 / 292 / ح (854) والوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (1).
(2) الكافي 3 / 144 / ح (5).
(3) راجع ذكرى الشيعة 1 / 353 ومدارك الأحكام 1 / 93.
(4) المعتبر 1 / 279. ولكن فيه: " أو ثوب تام ".
(5) لاحظ منتهى المطلب 1 / 438. (ط حجرية حاجي إبراهيم). وأعلاه نسخة بدل: " أو ثوب تام ".
(6) كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره): 271 (ط حجرية 1307 ه‍).
(7) جمل العلم والعمل المطبوع ضمن رسائل السيد المرتضى 3 / 50، والمبسوط 1 / 176، والمهذب 1 / 60،
والسرائر 1 / 160، والغنية / 102 / كتاب الصلاة، والمعتبر 1 / 279، وتذكرة الفقهاء 2 / 7 / مسألة
(158).
127

الحدائق (1): ما يستر ما بين السرة والركبة (وقميص) وهو ما كان على هيئة الثوب
المتعارف في ذلك الزمان، الواصل من الطرفين إلى نصف الساق، أو أقصر، مما
لا يخرج عن المتعارف (وإزار) وهو ما يشمل البدن طولا وعرضا بزيادة ما يمكن
شدها أو خياطها في البعدين وفي طرف الرأس والرجلين.
أما المئزر فلموثق عمار عن الصادق (عليه السلام): " ثم تبدأ تبسط اللفافة طولا، ثم
تذر عليها من الذريرة، ثم الإزار طولا حتى يغطي الصدر والرجلين، ثم الخرقة
عرضها شبر ونصف، ثم القميص " (2) لانحصار الوجوب بالثلاثة بعد وضوح كون
الخرقة مستحبة. وفي التصريح فيه بأنه يغطي الصدر والرجلين دلالة على أن المراد
من الإزار هو المئزر، مع أنه معناه في اللغة (3). وقد يؤيد، بل يستدل بأخبار
آخر. (4)
وأما القميص فلغير واحد من الأخبار، منها الموثق. (5) ومنها صحيح ابن
سنان عن الصادق (عليه السلام) " الكفن قميص غير مزرور، ولا مكفوف " (6) ولا يعارضها
منها (7) مرسلة الصدوق عن الكاظم (عليه السلام) سئل عن الرجل أيكفن في ثلاثة أثواب
بلا قميص، فقال: " لا بأس والقميص أحب إلي " (8) فإنها وإن كانت كالصريح في عدم
تعين القميص، ويوفق بها بين أخباره وأخبار أطلق فيها ثلاثة أثواب بأن تعينه

(1) الحدائق الناضرة 4 / 2.
(2) الوسائل 3 / 33 ب (14) من أبواب التكفين / ح (4).
(3) راجع القاموس المحيط 1 / 377 " الأزر " ولسان العرب 1 / 130 " أزر ".
(4) انظر الجواهر 4 / 162.
(5) المتقدم آنفا.
(6) الوسائل 3 / 8 ب (2) من أبواب التكفين / ح (8).
(7) لم يرد في المخطوط (منها).
(8) من لا يحضره الفقيه 1 / 93 / ح (424)، والوسائل 3 / 12 ب (2) من أبواب التكفين / ح (20).
128

فيها من جهة كونه أفضل أفراد الواجب، لا لأنه الواجب، إلا أنها لضعفها
بالإرسال بلا جابر، غير صالحة لذلك. مع احتمال أن يكون المراد من القميص فيها
القميص الذي كان يصلي فيه، فإن الظاهر - كما قيل (1) - أنها عين خبر محمد بن
سهل لكن حذف صدره، كما في الذكرى (2) وغيرها: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم، أيكفن فيها؟ قال: " أحب ذلك الكفن " -
يعني قميصا - قلت: يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال: " لا بأس به، والقميص أحب إلي " (3)
لاحتمال، بل ظهور أن المراد من القميص خصوص ما كان يصلي فيه، كما روي
التصريح باستحبابه عن الباقر (4) (عليه السلام).
(و) يجب تحنيطه، للأمر به في المستفيضة (5). وعن غير واحد دعوى الاجماع
عليه (6). ولكن معاقد الاجماعات في بيان كيفيته، على ما قيل (7)، كالأخبار (8)،
تختلف في أنه (إمساس مساجده) السبعة (بالكافور) ومسحها به، أو وضعه وجعله
عليها؟ والظاهر أن المراد هو الأعم، وعدم اعتبار خصوص المسح والإمساس،
كما هو قضية حمل مطلقها على مقيدها، وإن كان أحوط.
(ويستحب أن يزاد) في الكفن على الثلاثة (حبرة) وهي: برد يصنع باليمن

(1) لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) / 272 (ط حجرية 1307 ه‍).
(2) ذكرى الشيعة 1 / 354 والجواهر 4 / 166.
(3) الوسائل 3 / 7 ب (2) من أبواب التكفين / ح (5).
(4) الوسائل 3 / 15 ب (4) من أبواب التكفين / ح (1).
(5) انظر الوسائل 3 / 32 ب (14) من أبواب التكفين / ح (3) و (4) وص 35 ب (15) من هذه الأبواب /
ح (2) وص 37 ب (16) من هذه الأبواب / ح (5) و (6)، وراجع الجواهر 4 / 175.
(6 و 7) الخلاف 1 / 703 / مسألة (495)، والتذكرة 2 / 17 / مسألة (167)، ومفاتيح الشرائع 2 / 164.
(8) انظر الوسائل 3 / 32 ب (14) من أبواب التكفين وص 35 ب (15) من هذه الأبواب، ح (2) وص 36
ب (16) من هذه الأبواب.
129

من قطن أو كتان (غير مطرزة بالذهب والفضة) لخبر يونس عن أبي الحسن
الأول (عليه السلام): " إني كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، وفي قميص من
قمصه، وعمامة كانت لعلي بن الحسين (عليه السلام) وفي برد اشتريته بأربعين دينارا (1)، ولو
كان اليوم يساوي أربعمائة دينار " (2) وغيره من الأخبار (3).
وربما ينكر استحباب زيادتها على الأثواب الثلاثة بعض الأصحاب (4)
لرواية الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " كتب أبي وصيته (5) أن أكفنه في ثلاثة أثواب
أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص. قلت لأبي: لم
تكتب هذا؟ فقال: أخاف أن يغلبك الناس، فإن قالوا: كفنه في أربعة أثواب أو خمسة
فلا تفعل " (6).
وتنزيله مع عدم مقاومته لما مر، على تأكيد الباقر (عليه السلام) ابنه على التقية - إذ
المعروف عن العامة نفي مشروعية الزائد على الثلاثة على ما قيل (7) - غير بعيد.

(1) في المخطوط: (دينار).
(2) الوسائل 3 / 10 ب (2) من أبواب التكفين / ح (15).
(3) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (3) وللاستزادة راجع الجواهر 4 / 195 - 201.
(4) مدارك الأحكام 2 / 101.
(5) في المطبوع: (وصية).
(6) الوسائل 3 / 9 ب (2) من أبواب التكفين / ح (10).
(7) راجع المغني 2 / 337 / مسألة 1519 فصل وتكره الزيادة على ثلاثة أثواب في الكفن لما فيه من إضاعة
المال وقد نهى عنه النبي (صلى الله عليه وآله) ويحرم ترك شئ مع الميت من ماله لغير حاجة لما ذكرنا إلا مثل ما روي
عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه ترك قطيفة في قبره فإن ترك نحو ذلك فلا بأس.
وفي ص 346 مسألة 1529: قال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة
في خمسة أثواب.
روضة الطالبين 1 / 625 قدمنا ان الأفضل في كفن الرجل ثلاثة أبواب فلو زيد إلى خمسة جاز ولا
يستحب ويستحب تكفين المرأة في خمسة.
وفي تعليقة على المسألة: قال في شرح المهذب ولا يبعد التحريم. قال في القوت بل هو الأصح المختار
عبادة جماعة منهم الزيادة على الخمسة ممنوعة منهم الجرجاني والغزالي.
الكافي في فقه الامام أحمد بن حنبل 1 / 291 ولا يزاد الكفن على ثلاثة أثواب لأنه إسراف لم يرد
الشرع به.
عقد الجواهر الثمنية 1 / 260 والزيادة على الثلاثة إلى الخمسة مستحبة للرجال والنساء وهي في
حقهن آكد والزيادة إلى السبعة غير مكروهة وما زاد عليها سرف.
130

وكيف كان فاستحباب كون اللفافة حبرة، لا شبهة فيه، قيل بالزيادة أم لا،
لغير واحد من الأخبار. (1)
(و) كذا يستحب أن يزاد (خرقة لفخذيه) لأخبار تضمن بعضها الأمر بها (2)،
وآخر لابد منها (3)، المحمول على الاستحباب قطعا لما عرفت قريبا (4).
(و) يستحب (أن يزاد للرجل عمامة يعتم بها محنكا) (5) لمرسل ابن أبي
عمير (6) وغيره من الأخبار (7).
(و) يستحب أن (يزاد) على كفن الرجل (للمرأة لفافة أخرى لثدييها) لمرسل

(1) كالمتقدمة في الصفحة السابقة.
(2) الوسائل 3 / 8 ب (2) من أبواب التكفين / ح (8) وص 33 ب (14) من هذه الأبواب ح (4) و (5)
والوسائل 2 / 480 ب (2) من أبواب غسل الميت / ح (3) و (5).
(3) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (12).
(4) لاحظ ص / 126 و 128.
(5) في المخطوط: (متحنكا).
(6) الوسائل 3 / 32 ب (14) من أبواب التكفين / ح (2).
(7) الوسائل 3 / 6 ب (2) من أبواب التكفين / ح (1) و (7) و (8) و (10) و (12) و (13) و (14) و (15)
غيرها.
131

سهل المضمر (1)، المنجبر ضعفه بالشهرة (2) والتسامح. (ونمط) (3) وهو ثوب له
خطوط، كما عن كثير من الأصحاب (4). وقد نقل الكثير استحبابه (5).
وقد استدل عليه بما لا دلالة له، غايته دلالته على استحباب زيادة كفنها
بلفافة أخرى، من غير دلالة على خصوص النمط أصلا (6). لكن لا بأس به بعد
فتوى الكثير، والإتيان به رجاء.
(و) يستحب أن تعوض المرأة (عن العمامة بقناع) لصحيح ابن مسلم عن
الباقر (عليه السلام): " والمرأة إذا كانت عظيمة (7) في خمسة درع ومنطق وخمار ولفافتين " (8)
وخبر عبد الرحمن: " تكفن في خمسة أثواب، أحدها الخمار " (9).
(و) يستحب أن يكون (التكفين بالقطن) لرواية أبي خديجة عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به، والقطن لأمة
محمد (صلى الله عليه وآله) " (10).

(1) الوسائل 3 / 11 ب (2) من أبواب التكفين / ح (16).
(2) المبسوط 1 / 180، والوسيلة / 66، وإصباح الشيعة / 44، والسرائر 1 / 160، والمعتبر 1 / 285،
وقواعد الأحكام 1 / 226.
(3) من التكملة، وفي المطبوع والمخطوط: (نمطا).
(4) المعتبر 1 / 286 وتذكرة الفقهاء 2 / 12 وكشف الالتباس 1 / 284 والروضة البهية 1 / 419 وانظر ذكرى
الشيعة 1 / 364 وجامع المقاصد 1 / 383 - 384 ومدارك الأحكام 2 / 104.
(5) النهاية، المطبوعة مع نكتها 1 / 4 والوسيلة / 66 والشرائع 1 / 48 وقواعد الأحكام 1 / 226 والدروس
1 / 108 والموجز، المطبوع ضمن الرسائل العشر / 50.
(6) انظر مدارك الأحكام 2 / 105 ومفاتيح الشرائع 1 / 165.
(7) لم يرد في المخطوط والمطبوع (عظيمة).
(8) الوسائل 3 / 8 ب (2) من أبواب التكفين / ح (9).
(9) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (18).
(10) الوسائل 3 / 42 ب (20) من أبواب التكفين / ح (1).
132

(و) يستحب (تطييبه) أي الكفن (بالذريرة) لقوله (عليه السلام) في موثقة سماعة: " إذا
كفنت الميت فذر على كل ثوب منه شيئا من ذريرة وكافور " (1).
(و) يستحب (جريدتان من النخل) لأخبار كثيرة، بل متواترة (2).
(و) يستحب (أن يكتب على اللفافة والقميص والإزار والجريدتين، اسمه)
أي الميت (وأنه يشهد الشهادتين) أما الشهادة بالتوحيد، فلما في رواية همس أن أبا
عبد الله (عليه السلام) كتب في حاشية الكفن: " إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله " (3).
وأما الشهادة بالرسالة مما أضافها الأصحاب (4)، وقد ادعي عليه
الاجماع (5)، ولا بأس به (و) بأن (تضاف) كتابة (أسماء الأئمة عليهم السلام)
والإقرار بهم (تبركا) بها، وبهم، بل لعل دعوى الاجماع من نص الأصحاب على
استحباب الشهادة بها بل والإقرار بهم لذلك وإن لم نجد النص بغير كتابة الصادق
في رواية أبي كهمس.
(و) يستحب (أن يكون الكافور ثلاثة عشر درهما وثلثا) لما روي من أن
الحنوط الذي نزل به جبرائيل (6) (عليه السلام) من الجنة على النبي (صلى الله عليه وآله) أربعون درهما
فقسمه
ثلاثة أقسام (7).

(1) الوسائل 3 / 35 ب (15) من أبواب التكفين / ح (1).
(2) انظر الوسائل 3 / 20 ب (7 و 8 و 9 و 10 و 11) من أبواب التكفين.
(3) الوسائل 3 / 51 ب (29) من أبواب التكفين / ح (1) و (2) والصحيح عن أبي كهمس.
(4) المبسوط 1 / 177، والمهذب 1 / 60، والسرائر 1 / 162، والمعتبر 1 / 285، والجامع للشرايع / 54،
وإرشاد الأذهان 1 / 231، والدروس 1 / 110.
(5) الخلاف 1 / 706 / مسألة (504)، وغنية النزوع / 103 / كتاب الصلاة.
(6) في المخطوط: جبرئيل.
(7) الوسائل 3 / 13 ب (3) من أبواب التكفين / ح (1) و (6) و (8) و (9).
133

(ويكره التكفين في السواد) لخبر حسين بن المختار عن أبي عبد الله (عليه السلام): " لا
يكفن الميت في السواد " (1).
(و) يكره (جعل الكافور في سمعه وبصره) لما في خبر يونس عنهم عليهم
السلام من قولهم: " ولا يجعل في منخريه ولا في بصره ومسامعه، ولا على وجهه
قطنا ولا كافورا " (2). وقول أبي عبد الله (عليه السلام) في رواية حمران بن أعين: " ولا تقربوا أذنيه
شيئا من الكافور " (3).
(و) يكره (تجمير الأكفان) لقول أبي عبد الله (عليه السلام) في مرسل ابن أبي عمير: " لا
يجمر الكفن " (4) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في رواية محمد بن مسلم عن أبي
عبد الله (عليه السلام) " لا تجمروا الأكفان " (5).
(الرابع: الصلاة عليه)
(وهي تجب على كل ميت مسلم) إعتقد إمامة الأئمة الاثني عشر إجماعا نصا
وفتوى. وإن لم يعتقد إمامتهم، ففيه خلاف. والأقوى الوجوب، لإطلاق قول
النبي (صلى الله عليه وآله) في ما رواه السكوني: " لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة " (6) وقول
الصادق (عليه السلام) في رواية طلحة بن زيد: " صل على من مات من أهل القبلة وحسابه
على الله " (7).

(1) الوسائل 3 / 43 ب (21) من أبواب التكفين / ح (1).
(2) الوسائل 3 / 32 ب (14) من أبواب التكفين / ح (3).
(3) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (5).
(4) الوسائل 3 / 17 ب (6) من أبواب التكفين / ح (2).
(5) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (5).
(6) الوسائل 3 / 133 ب (37) من أبواب صلاة الجنازة / ح (3).
(7) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (2).
134

وإنما تجب الصلاة عليه بشرط كونه (غير محكوم عليه بالكفر) شرعا، فلا
صلاة على المحكوم به، إذ لا صلاة على الكافر قطعا، فكذا من كان بحكمه (بل) تجب
الصلاة على كل مسلم (مطلقا) ولو كان محكوما بالكفر (على الأحوط) فإن كونه
محكوما به، لا يقتضي عدم إشراكه مع المسلم في بعض الأحكام، فإذا كان هناك
عموم وإطلاق (1) يعمه فلا كلام، وإن لم يكن الاطلاق على نحو يعمه للانصراف، أو
الباب الثالث: في الغسل (غسل الأموات - الصلاة على الميت)...
لكون غيره المتيقن منه، كما في المقام، فالصلاة عليه لاحتمال وجوبها واقعا احتياط
وإن كان الأصل عدم الوجوب، إلا على (2) غير المحكوم من المسلم (أو) من (بحكمه
ممن (3) بلغ ست سنين) ممن كان (من أولادهم) أي المسلمين، أو مسبيا لهم، أو
ملقوطا في دار الاسلام (ذكرا كان أو أنثى، حرا كان أو عبدا) لصحيح الحلبي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الصلاة على الصبي متى يصلى عليه؟ قال: " إذا عقل
الصلاة " فقلت: متى تجب الصلاة عليه؟ فقال: " إذا كان ابن ست سنين. والصيام
إذا (4) أطاقه " (5). والمراد بالوجوب هنا مطلق الثبوت ولو استحبابا، بناء على
شرعية عبادة الصبي، كما هو الأقوى، أو تمرينا. وصحيح محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليه السلام) في الصبي متى يصلى عليه؟ فقال: " إذا عقل الصلاة " قلت: متى يعقل
الصلاة، وتجب عليه؟ قال: " بست سنين " (6).
(وتستحب) الصلاة (على من نقص سنه عن ذلك) أي ست سنين لصحيح

(1) في المخطوط: (أو إطلاق).
(2) ليس في المطبوع: (على).
(3) في المطبوع: (من).
(4) من المصدر، وفي المطبوع والمخطوط: (إذا طاقه).
(5) الوسائل 3 / 95 ب (13) من أبواب صلاة الجنازة / ح (1).
(6) الوسائل 4 / 18 ب (3) من أبواب أعداد الفرائض / ح (2).
135

علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) بكم يصلى على الصبي إذا بلغ من السنين
والشهور؟ قال: " يصلى عليه على كل حال إلا أن يسقط لغير تمام " (1) وعن الشيخ
في الإستبصار: الوجه في هذا الخبر ما قلناه في خبر عبد الله بن سنان من الحمل على
التقية، أو ضرب من الاستحباب، دون الفرض والإيجاب (2). وفي صحيحة زرارة
قال: مات ابن لأبي جعفر (عليه السلام) فأمر به، فغسل، وكفن ومشى معه، وصلى عليه،
وطرحت خمرة فقام عليها ثم قام على قبره حتى فرغ منه، ثم انصرف وانصرفت
معه حتى اني لأمشي معه، فقال: " أما إنه لم يكن يصلى على مثل هذا، وكان ابن
ثلاث سنين، كان علي (عليه السلام) يأمر به، فيدفن ولا يصلى عليه، ولكن الناس صنعوا
فنحن صنعنا مثله " قلت: فمتى تجب الصلاة عليه؟ فقال: " إذا عقل الصلاة وكان ابن
ست سنين " (3). وفي عدم صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) على ابنه إبراهيم، على ما ورآه علي بن
عبد الله، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) (4) دلالة على عدم الاستحباب، وإلا لما تركها
النبي (صلى الله عليه وآله) ولما اعتذر عن فعلها الإمام (عليه السلام) إلا أن يقال: إنه لرفع توهم أنه على نحو
الفرض والإيجاب، فلا ينافي كونه على ضرب من الاستحباب بحمل الأمر بها
عليه، جمعا بينه وما دل على عدم الإيجاب إلا على من كان ابن ست سنين.
(وأولاهم بالصلاة عليه) وبسائر أحكامه (أولاهم بالميراث) (5) أي بميراثه،
لما رواه الكليني، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

(1) الوسائل 3 / 97 ب (14) من أبواب صلاة الجنازة / ح (2).
(2) الاستبصار 1 / 481 / ذيل ح (1860).
(3) الوسائل 3 / 95 ب (13) من أبواب صلاة الجنازة / ح (3).
(4) الوسائل 3 / 99 ب (15) من أبواب صلاة الجنازة / ح (2).
(5) في التكملة: (بميراثه).
136

" يصلي على الجنازة أولى الناس أو يأمر من يحب " (1) ومرسل أبي نصر: " يصلي
على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب " (2) إذ الظاهر أن المراد ب‍ (الأولى)
فيهما: أولى أولي الأرحام الذين * (بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * (3) وهو الأولى
بالميراث، كما لا يخفى.
واحتمال أن يكون المراد به هنا أمس الناس به رحما وأشدهم به علاقة، من
غير اعتبار لجانب الميراث بعيد وإن كان الظاهر أنه بهذا المعنى سبب لكونه أولى
بالميراث فلا بد من ملاحظة طبقات الإرث، فتكون الطبقة السابقة أولى من
اللاحقة. ولا أولوية للأشخاص في الطبقة الواحدة ولو فرض تفاوتها في الإرث
نصيبا قلة وكثرة. بل ربما يكون الأقل نصيبا أولى بالأحكام، كالأب فإنه أولى
عندهم مع كون الابن أكثر منه نصيبا، قال في المدارك (4): هذا الحكم أي كون الأب
أولى من الابن، مقطوع به في كلام الأصحاب، وظاهرهم أنه مجمع عليه. ولعله
لكونه أشفق وأرق، ودعائه له (5) إلى الإجابة أقرب.
(والزوج أولى من غيره) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب (6)، لما رواه
الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: المرأة تموت من أحق الناس
بالصلاة عليها؟ قال: " زوجها " قلت: الزوج عن الإب والولد والأخ؟ فقال: " نعم

(1) الكافي 3 / 177 / ح (1) والوسائل 3 / 114 ب (23) من أبواب صلاة الجنازة / ح (1).
(2) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (2).
(3) سورة الأنفال / 75 وسورة الأحزاب / 6.
(4) مدارك الأحكام 4 / 155. وانظر فيه أيضا ص / 157.
(5) ليس في المخطوط (له).
(6) المبسوط 1 / 184، والمهذب 1 / 130، والسرائر 1 / 359، والشرائع 1 / 127، وتذكرة الفقهاء 2 / 43 /
مسألة (192)، وذكرى الشيعة 1 / 419.
137

وهو يغسلها " (1). وهو وإن كان ضعيفا إلا أنه منجبر بعمل الأصحاب. وما رواه
الشيخ في الصحيح عن حفص البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المرأة ومعها أخوها
وزوجها أيهما يصلي عليها؟ فقال: " أخوها أحق بالصلاة عليها " (2) وإن كان
صحيحا، إلا أنه لا يقاوم لمعارضته، لشذوذه وعدم العمل به، مضافا إلى كونه
موافقا للعامة (3).
(والإمام (عليه السلام) أولى من غيره) (4) بلا خلاف، ظاهرا، بل عن ظاهر الخلاف (5)
دعوى الاجماع عليه، لكونه * (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) * (6) أو قائما مقامه،
ولقول الصادق (عليه السلام): " إذا حضر الإمام (عليه السلام) الجنازة، فهو أحق بالصلاة " (7) وقول
أمير المؤمنين (عليه السلام): " إذا حضر السلطان الجنازة فهو أحق بالصلاة عليها من وليها " (8).
(ووجوبها) أي الصلاة (على الكفاية) على الولي وغيره، وإن كان صحتها
من غير الولي موقوف على إذنه، أو امتناعه من الإذن وعن أن يصليها.
(وكيفيتها أن يكبر بعد النية) وقد عرفت أنه الداعي لا الإخطار (9) (خمسا)

(1) الاستبصار 1 / 486 / ح (1883) والوسائل 3 / 115 ب (24) من أبواب صلاة الجنازة / ح (2).
(2) الاستبصار 1 / 486 / ح (1885) والوسائل 3 / 116 ب (24) من أبواب صلاة الجنازة / ح (4).
(3) انظر الشرح الكبير على متن المقنع 2 / 309.
(4) في التكملة: (والإمام أولى منه ومن غيره).
(5) الخلاف 1 / 719 / مسألة (535).
(6) سورة الأحزاب / 6.
(7) الوسائل 3 / 114 ب (23) من أبواب صلاة الجنازة / ح (3). وليس فيه (عليه السلام) بعد كلمة
" الإمام ".
(8) مستدرك الوسائل 2 / 279 ب (21) من أبواب صلاة الجنازة / ح (5).
(9) في ص / 55.
138

للأخبار المستفيضة (1)، مضافا إلى دعوى الاجماع عليه (2) (بينها أربعة أدعية) للأمر
بالدعاء في الأخبار الكثيرة (3)، وظاهرها الوجوب، حيث لا قرينة على
الاستحباب. نعم لا يجب فيه لفظ معين كما يشهد به اختلاف الأخبار في كيفيته
وصريح بعضها في أنه لا دعاء موقت في الصلاة على الميت (4) (أفضلها) أي الأدعية
(أن يكبر ويتشهد الشهادتين ثم يصلي على النبي وآله بعد الثانية، ثم يدعو
للمؤمنين بعد الثالثة ثم يدعو للميت (5) إن كان مؤمنا) لمداومة النبي (صلى الله عليه وآله) على ما
يظهر من رواية محمد بن مهاجر عن أم سلمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " كان رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلى على ميت كبر وتشهد ثم كبر، وصلى على الأنبياء ودعا ثم كبر ودعا
للمؤمنين ثم كبر الرابعة ودعا للميت ثم كبر الخامسة وانصرف " (6) (و) يدعو (عليه
إن كان منافقا) والمراد به هاهنا المخالف، لذكره في مقابلة المؤمن في الأخبار (7)،
وكلام الأصحاب (8)، للأمر بالدعاء عليه في غير واحد من الأخبار، منها: حسنة
محمد بن مسلم عن أحدهما قال: " إن كان جاحدا للحق فقل: اللهم املأ جوفه نارا
وقبره نارا وسلط عليه الحيات والعقارب " (9) (و) يدعو (بدعاء المستضعفين إن كان)

(1) انظر الوسائل 3 / 60 ب (2) و (5) من أبواب صلاة الجنازة.
(2) الانتصار / 59 / مسألة (76)، والخلاف 1 / 724 / مسألة (543)، وغنية النزوع / 104 / كتاب
الصلاة وللاستزادة، انظر مفتاح الكرامة 1 / 477.
(3) انظر الوسائل 3 / 60 ب (2) من أبواب صلاة الجنازة.
(4) الوسائل 3 / 88 ب (7) من أبواب صلاة الجنازة / ح (1) و (3).
(5) ليس في المطبوع والمخطوط (ثم يدعو للميت).
(6) الوسائل 3 / 60 ب (2) من أبواب صلاة الجنازة / ح (1).
(7) انظر الوسائل 3 / 69 ب (4) من أبواب صلاة الجنازة.
(8) لاحظ المقنع / 21 - 22 والمعتبر 2 / 351 وتذكرة الفقهاء 2 / 76 / مسألة (220) والبيان / 76.
(9) الوسائل 3 / 71 ب (4) من أبواب صلاة الجنازة / ح (5).
139

أي الميت (منهم، في الرابعة) أي بعدها، ودعاؤهم " اللهم اغفر للذين تابوا، واتبعوا
سبيلك، وقهم عذاب الجحيم " (1) (وإن كان) الميت (طفلا سأل الله تعالى أن يجعل (2)
له ولأبويه فرطا وإن لم يعرفه) أنه مؤمن أو منافق (سأل الله تعالى أن يحشره مع من
كان يتولاه).
(ثم يكبر الخامسة إن كان مؤمنا أو (3) بحكمه. وأما إذا كان منافقا فلا تجب
الخامسة) لصحيح إسماعيل بن سعد الأشعري سأل الرضا (عليه السلام) عن الصلاة على
الميت فقال: " أما المؤمن فخمس تكبيرات، وأما المنافق فأربع ولا سلام فيهما " (4)
فيقيد به وبغيره (5)، نصوص الخمس (وإن كانت) الخامسة (أحوط) مراعاة
لإطلاقات الخمس، وفتوى جماعة من الأصحاب بها (6).
(وينصرف) المصلي (بعد رفع الجنازة) فإن قبله وقوفه يكون مستحبا، لما
رواه الشيخ عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليه السلام): " ان عليا (عليه السلام) كان إذا صلى
على جنازة لم يبرح عن مصلاه حتى يراها على أيدي الرجال " (7).
(ولا قراءة فيها ولا تسليم) ولا ركوع ولا سجود، للأخبار الكثيرة الدالة
على أنه لا يكون في صلاة الجنازة واحد منها (8). ولا يقاومها ما دل على أن فيها

(1) انظر الوسائل 3 / 67 ب (3) من أبواب صلاة الجنازة.
(2) في التكملة: يجعله.
(3) في التكملة: (أو كان).
(4) الوسائل 3 / 74 ب (5) من أبواب صلاة الجنازة / ح (5).
(5) انظر الوسائل الباب المتقدم / ح (1) و (16) و (17) و (18) و (26).
(6) المقنع / 22 والغنية / 103 - 104 وقواعد الأحكام 1 / 231.
(7) الوسائل 3 / 94 ب (11) من أبواب صلاة الجنازة / ح (1).
(8) انظر الوسائل 3 / 88 ب (7) و (8) و (9) من أبواب صلاة الجنازة.
140

قراءة الفاتحة (1)، أو فيها التسليم (2)، لشذوذه، وموافقته للعامة (3).
(ويستحب فيها الطهارة) من الوضوء أو التيمم، لرواية عبد الحميد بن سعد
قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): الجنازة يخرج بها ولست على وضوء، فإن ذهبت
أتوضأ فاتتني الصلاة، أيجزيني أن أصلي عليها وأنا على غير وضوء؟ فقال: " تكون
على طهر أحب إلي " (4). ورواية الحلبي قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل تدركه
الجنازة وهو على غير وضوء، فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها. قال: " يتيمم
ويصلي " (5). وغيرهما (6). هذا مضافا إلى استحباب الوضوء في كل حال
(وليست) (7) الطهارة منه (شرطا) للأصل، والأخبار الدالة على عدم اعتبار
ذلك (8)، بل ولا الطهارة من الخبث، للأصل، وخبر يونس بن يعقوب قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء؟ فقال: " نعم إنما هو تكبير
وتسبيح وتحميد وتهليل " (9) فإنه بتعليله دل على عدم اعتبار الطهارة من الخبث
أيضا.

(1) الوسائل 3 / 64 ب (2) من أبواب صلاة الجنازة / ح (8) وص 89 ب (7) من هذه الأبواب / ح (4)
و (5).
(2) الوسائل 3 / 63 ب (2) من أبواب صلاة الجنازة / ح (6) و (10) و (11).
(3) انظر حلية العلماء 2 / 348، وتحفة الفقهاء 1 / 249، والمغني لابن قدامة 2 / 366 / مسألة (1557).
(4) الوسائل 3 / 110 ب (21) من أبواب صلاة الجنازة / ح (2).
(5) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (6).
(6) انظر الوسائل 3 / الباب المتقدم وص 112 ب (22) من أبواب صلاة الجنازة.
(7) من التكملة، وفي المخطوط والمطبوع: (وليس).
(8) انظر الوسائل 3 / 110 ب (21) من أبواب صلاة الجنازة.
(9) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (3).
141

هاهنا (مسائل):
(الأولى: لا يصلى عليه إلا بعد تغسيله وتكفينه) بلا خلاف يعرف، بل هو
قول العلماء كافة، على ما في المدارك (1)، وقد علله فيها بقوله: لأن النبي (صلى الله عليه وآله) هكذا
فعل، وكذا الصحابة، والتابعون، فيكون الإتيان بخلافه تشريعا محرما.
وفيه إنه لا دلالة لفعله (صلى الله عليه وآله) على أنه على نحو الإيجاب، واحتمال أن يكون على
ضرب من الاستحباب. وإنما يكون الإتيان بخلافه تشريعا إذا كان بعنوان الورود،
لا مطلقا، كما لا يخفى. فلولا الاجماع كان القول بجواز الخلاف لا يخلو من وجه.
(الثانية: تكره الصلاة على الجنازة مرتين) إذا لم يكن من أهل الفضل
والصلاح، لقول النبي (صلى الله عليه وآله) في غير رواية: " إن الجنازة لا يصلى عليها مرتين " (2).
وإلا يستحب الصلاة عليه مرتين، بل مرات، كما يظهر من الروايات المتضمنة
لتكرار الصلاة على النبي (3) (صلى الله عليه وآله) وغيره، ففي خبر عقبة (4) عن جعفر، قال: سئل
جعفر (عليه السلام) عن التكبيرة على الجنائز فقال: " ذلك إلى أهل الميت ما شاءوا كبروا "
فقيل إنهم يكبرون أربعا. فقال: " ذاك إليهم " قال: ثم قال: " أما بلغكم أن رجلا صلى
عليه علي (عليه السلام) فكبر عليه خمسا، حتى صلى عليه خمس صلوات يكبر في كل صلاة
خمس تكبيرات "، قال: ثم قال: " إنه بدري، عقبي، أحدي، وكان من النقباء الذين
اختارهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الاثني عشر، وكانت له خمس مناقب، فصلى عليه لكل
منقبة صلاة " (5).

(1) مدارك الأحكام 4 / 173.
(2) الوسائل 3 / 87 ب (6) من أبواب صلاة الجنازة / ح (23) و (24).
(3) انظر الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (2) و (9) و (10) و (11) و (16).
(4) في المطبوع والمخطوط: عفنه.
(5) الوسائل 3 / 86 ب (6) من أبواب صلاة الجنازة / ح (18).
142

(الثالثة: الميت لو لم يصل عليه) أي الميت (1) (صلي على قبره، ما لم يصر
رميما) وجوبا، إن كان الميت لم يصل عليه قبل دفنه، للأصل، وإطلاق الأخبار
الدالة على وجوب الصلاة عليه خصوصا مثل قوله (صلى الله عليه وآله): " لا تدعوا أحدا من أمتي
بلا صلاة " (2). والأخبار الناهية عن الصلاة على المدفون مطلقا (3)، أو مقيدا بعد يوم
الدفن، أو بعد اليوم والليلة، أو بعد الثلاثة المستفاد التقييد بذلك من تحديد الجواز
فيها (4) به، منزلة على غير الفرض، وهو ما إذا صلي عليه قبل الدفن، مع كونها
معارضة بما دل على الجواز مطلقا، كقول الصادق (عليه السلام) في صحيح هشام بن سالم: " لا
بأس أن يصلي الرجل على الميت بعدما يدفن " (5) وقوله في خبر عمرو بن جمع: " كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا فاتته الصلاة على الجنازة، صلى على القبر " (6). وغيرهما من
الأخبار (7).
ويمكن الجمع بتقييد مطلقات النهي والجواز بأخبار التحديد. واختلاف
أخباره في مقداره ينزل على اختلاف مراتب الاستحباب، لا الكراهة - كما قيل -

(1) ليست في المطبوع (أي الميت).
(2) الوسائل 3 / 133 ب (37) من أبواب صلاة الجنازة / ح (3).
(3) الوسائل 3 / 106 ب (19) من أبواب صلاة الجنازة / ح (7) و (8) وكذا (6).
(4) لم أجد في أحاديثنا ما حدد الجواز بذلك غير ما في كلمات الأصحاب راجع المقنعة / 231، والمراسم /
79 - 80، ومختلف الشيعة 2 / 305، والحدائق الناضرة 10 / 459. نعم أرسل في الخلاف 1 / 726 /
مسألة (548) رواية الصلاة عليه إلى ثلاثة أيام ونقلها في الوسائل 3 / 106 ب (18) من أبواب صلاة
الجنازة / ح (9).
(5) الوسائل 3 / 104 ب (18) من أبواب صلاة الجنازة / ح (1).
(6) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (3). وفيه: عمرو بن جميع.
(7) انظر الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (2) و (4) و (10).
143

لمنافاتها لصلاة النبي (صلى الله عليه وآله) على القبر، إلا أن يكون المراد منها هنا بمعنى قلة الثواب
بلا حزازة فيها، ولا في ما يلازمها، فيرجع إلى ما ذكرناه.
(الرابعة: يستحب أن يقف الإمام) في الصلاة جماعة، والمصلي في الصلاة
منفردا (عند وسط الرجل، وصدر المرأة) لمرسلة عبد الله بن المغيرة عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " قال أمير المؤمنين: من صلى على المرأة، فلا يقوم في وسطها،
ويكون مما يلي صدرها، وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه " (1). ولا ينافي
استحباب وقوفه كذلك، استحباب وقوفه عند رأس المرأة وصدر الرجل لرواية
موسى بن بكر عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: " إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها،
وإذا صليت على الرجل فقم عند صدره " (2)، فيكون مخيرا في الوقوف.
(ولو اتفقا) أي الرجل والمرأة (جعل الرجل مما يليه) أي الإمام، أو المصلي
(والمرأة مما يلي القبلة) لصحيح زرارة والحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) في الرجل
والمرأة كيف يصلى عليهما قال: " يجعل الرجل وراء المرأة ويكون الرجل مما يلي
الإمام " (4) وقريب منه صحيح محمد بن مسلم (5).
وهذا الترتيب غير واجب بلا خلاف، كما عن المنتهى (6). لصريح صحيح
هشام بن سالم (7) في عدم البأس بتقديم الرجل وتأخير المرأة، وبالعكس.

(1) الوسائل 3 / 119 ب (27) من أبواب صلاة الجنازة / ح (1).
(2) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (2).
(3) في المخطوط رمزه ب‍ (ص).
(4) الوسائل 3 / 128 ب (32) من أبواب صلاة الجنازة / ح (10).
(5) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (1).
(6) منتهى المطلب 1 / 457. (ط حجرية).
(7) الوسائل 3 / 126 ب (32) من أبواب صلاة الجنازة / ح (6).
144

(الخامسة: يجب أن يجعل رأس الميت عن يمين المصلي) لموثق عمار: أنه سئل
الصادق (عليه السلام) عن ميت صلي عليه فلما سلم الإمام، فإذا الميت مقلوب رجلاه إلى
موضع رأسه، قال: " يسوى وتعاد الصلاة عليه وإن كان قد حمل ما لم يدفن، فإن
دفن فقد مضت الصلاة عليه، لا يصلى عليه وهو مدفون " (1). مضافا إلى دعوى
الاجماع عن المعتبر (2). ويظهر من الموثق أن للميت في حال الصلاة عليه وضعا
مخصوصا معهودا، إذا لم يكن على ذاك الوضع أعيدت الصلاة عليه ما لم يدفن.
ومن المعلوم أن ذاك الوضع كون رأسه إلى طرف المغرب، ورجليه إلى المشرق.
عليه يكون المراد من جعل رأسه عن يمين المصلي، جعله عن طرف يمينه، فيعم
الحكم للمأموم، ولا يختص بغيره، كما يظهر من المدارك (3). نعم لو كان المراد جعل
رأسه عن يمينه فعلا، لاختص بغيره، ضرورة أن الصف ربما يتجاوز فيكون رجلاه
عن يمينه فعلا.
الباب الثالث: في الغسل (غسل الأموات - دفن الميت)...
(الخامس) من مباحث الميت: (الدفن)
(والواجب) منه (ستره في الأرض عن الهوام السباع وكتم رائحته عن
الناس) تأسيا بعمل النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة عليهم السلام واستمرار المسلمين على
الالتزام، مضافا إلى ما في المدارك من دعوى إجماع العلماء كافة على الدفن (4).
(ويوضع) (5) الميت في القبر (على جانبه الأيمن، موجها) بمقاديمه (إلى القبلة)
تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله) وعترته، والتزام المسلمين بهما في الأعصار والأمصار، مضافا إلى

(1) الوسائل 3 / 107 ب (19) من أبواب صلاة الجنازة / ح (1).
(2) انظر المعتبر 2 / 359.
(3) مدارك الأحكام 4 / 171.
(4) مدارك الأحكام 2 / 133.
(5) في المخطوط: يضع.
145

أخبار معتبرة، منها: خبر الدعائم أن النبي (صلى الله عليه وآله) شهد جنازة رجل من بني
عبد المطلب، فلما أنزلوه في قبره، قال: " أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن
مستقبل القبلة ولا تكفوه، ولا تلقوه على ظهره ". ثم قال لوليه: " ضع يدك على أنفه
حتى يتبين لك استقبال القبلة " (1).
(ويستحب اتباع الجنازة) بالمشي خلفها (أو مع أحد جانبيها) لرواية
إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام): " المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين
يديها، ولا بأس أن يمشي بين يديها " (2). ورواية سدير عن الباقر (عليه السلام): " من أحب
مشي الكرام الكاتبين، فليمش جنبي السرير " (3).
(و) يستحب (تربيعها) بحمل الواحد لكل جانب من جوانبه الأربع، لأخبار
منها: حسن جابر عن الباقر (عليه السلام): " من حمل جنازة من أربع جوانبها محيت عنه
أربعون كبيرة " (4)، وفي خبر إسحاق (5) بن عمار (6) وسليمان بن خالد (7)، عن
الصادق (عليه السلام): انه يخرج من الذنوب.
(و) يستحب (وضعها) أي الجنازة (عند رجل القبر إن كان رجلا) لقول
الصادق (عليه السلام) في موثق الساباطي: " لكل شئ باب، وباب القبر مما يلي الرجلين،
فإذا وضع الجنازة فضعها مما يلي الرجلين " (8) (و) وضعها (قدامه) أي القبر (مما يلي

(1) دعائم الاسلام 1 / 238، ومستدرك الوسائل 2 / 375 ب (51) من أبواب الدفن / ح (1)، بتصرف.
(2) الوسائل 3 / 148 ب (4) من أبواب الدفن / ح (1).
(3) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (3).
(4) الوسائل 3 / 153 ب (7) من أبواب الدفن / ح (1).
(5) في المخطوط والمطبوع: (ابن إسحاق بن عمار).
(6) الوسائل 3 / 154 ب (7) من أبواب الدفن / ح (7).
(7) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (4).
(8) الوسائل 3 / 182 ب (22) من أبواب الدفن / ح (6).
146

القبلة إن كانت) الجنازة (امرأة) وربما علل بأنه أيسر في فعل ما هو الأولى، من
إرسالها في القبر عرضا. واختيار جهة القبلة لشرفها (1).
وربما استدل عليه بإجماع الغنية (2) وقيد به إطلاق موثق الساباطي، فتأمل.
(و) يستحب (أخذ الرجل من قبل رأسه) في إرساله إلى قبره، لما عن
القاضي من نفي الخلاف فيه (3). وعن ابن زهرة دعوى الاجماع عليه (4) (و) أخذ
(المرأة عرضا) في إرساله، لقول الصادق (عليه السلام) في مرفوع عبد الصمد بن هارون: " وإن
كان رجلا يسل سلا، والمرأة تؤخذ عرضا " (5). مضافا إلى دعوى الاجماع من ابن
زهرة (6) والفاضل (7).
(و) يستحب (حفر القبر قامة، أو إلى الترقوة) لدعوى الاجماع عن جماعة
على التخيير بينهما (8)، ولعله للجمع بين روايتي القامة والترقوة فعن ابن أبي عمير
عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام): " حد القبر إلى الترقوة " وقال بعضهم: " إلى
الثديين ". وقال بعضهم: " قامة رجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر " (9).
والنقلان - على ما قيل - ليسا من كلام الصادق (عليه السلام) بل هما روايتان أيضا، بقرينة

(1) راجع مدارك الأحكام 2 / 129.
(2) لاحظ جواهر الكلام 4 / 282.
(3) حكاه عنه الجواهر 4 / 283 نقلا مع الواسطة. لاحظ شرح جمل العلم والعمل / 152، ولا تصريح له
بنفي الخلاف.
(4) غنية النزوع / 105 - 106 / كتاب الصلاة.
(5) الوسائل 3 / 204 ب (38) من أبواب الدفن / ح (1).
(6) غنية النزوع / 105 - 106 / كتاب الصلاة.
(7) تذكرة الفقهاء 2 / 91 / مسألة (233).
(8) انظر تذكرة الفقهاء 2 / 88 / مسألة (231)، وجامع المقاصد 1 / 439.
(9) الوسائل 3 / 165 ب (14) من أبواب الدفن / ح (2).
147

نقل الكليني عن سهل بن زياد: " روى أصحابنا أن " حد القبر إلى الترقوة "، وقال
بعضهم: " إلى الثديين "، وقال بعضهم... " إلى آخر ما سمعت (1) فتأمل.
(و) يستحب جعل (اللحد) له. ومعناه كما عن المعتبر: أن الحافر إذا انتهى إلى
أرض القبر، حفره مما يلي القبلة حفيرا واسعا، قدر ما يجلس فيه الجالس (2). وإنما
يستحب لرواية الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحد له أبو طلحة
الأنصاري ". وهو (أفضل من الشق بقدر ما يجلس فيه الجالس) (3) لقوله (عليه السلام): " اللحد
لنا والشق لغيرنا " (4). ولا يعارضه خبر أبي همام عن الرضا (عليه السلام) في وصية الباقر (عليه السلام)
بالشق له (5)، فإن وصيته به إنما كان لأجل أنه كان بادنا، كما في خبر الحلبي عن
الصادق (عليه السلام): انه شق لأبيه (عليه السلام) " من أجل أنه كان بادنا " (6). وعليه يحمل خبر الهروي
عن الرضا (عليه السلام): أنه أوصى بالشق لنفسه (7).
(و) يستحب (الذكر عند تناوله، وعند وضعه في اللحد) فإنه حسن على كل
حال وكذا الدعاء له بالمأثور عند وضعه فيه، لأخبار كثيرة. (8)
(و) يستحب لمن أدخل الميت القبر (التحفي، وحل الأزرار، وكشف الرأس)
وخلع الرداء، والطيلسان، لأخبار، منها: خبر علي بن يقطين قال: سمعت أبا
الحسن موسى (عليه السلام) يقول: " لا تنزل في القبر وعليك العمامة، والقلنسوة، ولا الحذاء

(1) الكافي 3 / 165 / ح (1).
(2) المعتبر 1 / 296.
(3) سقط من المخطوط (بقدر ما يجلس فيه الجالس).
(4) مسند أحمد 5 / 477 / ح 18677 وص 480 / ح 18695.
(5) الوسائل 3 / 166 ب (15) من أبواب الدفن / ح (2).
(6) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (3).
(7) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (4).
(8) راجع الوسائل 3 / 173 ب (20) و (21) من أبواب الدفن.
148

ولا الطيلسان، وحلل أزرارك " (1) وغيره من الأخبار الناهية عن دخول القبر بدون
ذلك (2). ولا يخفى أن ظاهرها كراهة الدخول بدونها، لا استحبابها. نعم لا بأس
بالقول باستحباب حل الأزرار للأمر به في الخبر. والأمر سهل.
(و) يستحب حل (عقد الأكفان، ووضع خده على التراب) للأمر بهما في
الأخبار (3).
(و) يستحب (وضع شئ من التربة) الحسينية (معه) لعموم التبرك بها،
والاحتراز بها من كل خوف (4)، وخصوص كتابة الحميري إلى الفقيه يسأله عن
طين القبر يوضع مع الميت في قبره. فوقع (عليه السلام): " يوضع في قبره ويخلط بحنوطه " (5).
(و) يستحب (تلقينه الشهادتين، والإقرار بالأئمة عليهم السلام) لأخبار
كثيرة، منها: ما في خبر زرارة: " ثم قل: يا فلان قل: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا،
وبمحمد (صلى الله عليه وآله) نبيا، وبعلي (عليه السلام) (6) إماما، وسم حتى إمام زمانه " (7).
(و) يستحب (شرج اللبن) لما عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه لحد سعد بن معاذ، وشرج
عليه اللبن بالطين (8)، وعن علي (عليه السلام) في الصحيح، أنه جعل على قبر النبي (صلى الله عليه وآله)
لبنا (9).

(1) الوسائل 3 / 170 ب (18) من أبواب الدفن / ح (1).
(2) انظر الوسائل 3 / الباب المتقدم.
(3) الوسائل 3 / 172 ب (19) من أبواب الدفن.
(4) انظر الوسائل 14 / 521 ب (70) من أبواب المزار وما يناسبه.
(5) الوسائل 3 / 29 ب (12) من أبواب التكفين / ح (1). بتفاوت.
(6) ليس في المصدر: ((عليه السلام)).
(7) الوسائل 3 / 174 ب (20) من أبواب الدفن / ح (2).
(8) الوسائل 3 / 230 ب (60) من أبواب الدفن / ح (2).
(9) الوسائل 3 / 189 ب (28) من أبواب الدفن / ح (1).
149

(و) يستحب (الخروج من قبل رجليه) لكونه باب القبر، كما في غير واحد
من الأخبار (1) ولخبر السكوني عن الصادق (عليه السلام): " من دخل قبرا، فلا يخرج إلا من
قبل الرجلين " (2).
(و) يستحب (إهالة الحاضرين التراب بظهور الأكف) لمرسل محمد بن
الأصبغ عن بعض أصحابنا انه رأى أبا الحسن (عليه السلام) وهو في جنازة، فحثا التراب
على القبر، بظهر (3) كفيه (4).
(و) يستحب (طم القبر، وتربيعه) بجعله ذا أربع زوايا قائمة، لغير واحد من
الأخبار منها: قول الصادق (عليه السلام) في خبر الخصال عن الأعمش: " القبور تربع، ولا
تسنم " (5).
(و) يستحب (صب الماء عليه دورا) فإن فضل شئ ألقاه في وسط القبر، كما
حكاه في محكي المعتبر عن الأصحاب (6)، لخبر موسى بن أكيل (7) عن الصادق (عليه السلام):
" السنة في رش الماء على القبر أن تستقبل القبلة، وتبدأ من عند الرأس إلى عند
الرجل، ثم تدور على القبر من الجانب الآخر، ثم ترش على وسط القبر " (8).
(و) يستحب (وضع اليد عليه) بعد رشه، لأخبار منها: صحيحة زرارة عن
الباقر (عليه السلام): " إذا حثي عليه التراب وسوي قبره، فضع كفك عند رأسه، وفرج أصابعك

(1) الوسائل 3 / 182 ب (22) من أبواب الدفن / ح (4) و (6) و (7).
(2) الوسائل 3 / 183 ب (23) من أبواب الدفن / ح (1).
(3) في المخطوط والمطبوع: (بظهور).
(4) الوسائل 3 / 191 ب (29) من أبواب الدفن / ح (5).
(5) الخصال / 604 / ح (9) والوسائل 3 / 182 ب (22) من أبواب الدفن / ح (5).
(6) المعتبر 1 / 302.
(7) في المخطوط والمطبوع: اكتل.
(8) الوسائل 3 / 195 ب (32) من أبواب الدفن / ح (1).
150

واغمر كفك عليه بعد ما تنضح الماء (1) " (2).
ويستحب (الترحم) عليه لما روي عن الباقر (عليه السلام) أنه بسط كفيه على قبر
بعض أصحابنا بعد دفنه، وقال: " اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وأصعد إليك روحه،
ولقه منك رضوانا، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك " ثم
مضى (3). وقد روي عن الصادق (عليه السلام) ما يقرب منه (4).
(و) يستحب (تلقين الولي أو من يأمره، بعد انصراف الناس) عنه لأخبار،
منها: خبر جابر عن الباقر (عليه السلام): " ما على أحدكم إذا دفن ميته، وسوى عليه، أن
يتخلف عند قبره، ثم يقول يا فلان أنت على العهد الذي عهدناك عليه، من شهادة
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن عليا
أمير المؤمنين (عليه السلام) إمامك وفلان، وفلان... حتى تنتهي إلى آخر الأئمة عليهم
السلام، فإنه لو فعل ذلك، قال أحد الملكين: قد كفينا الوصول إليه، فإنه قد لقن،
فينصر فان عنه " (5).
(ويكره نزول الوالد) في قبر ولده، دون العكس للمستفيضة، منها: خبر
حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) قال: " يكره للرجل أن ينزل في قبر
ولده " (7). ومنها: خبر آخر عنه (عليه السلام): " الرجل ينزل في قبر والده، ولا ينزل الوالد في

(1) في المخطوط والمطبوع: بعد ما ينضح بالماء.
(2) الوسائل 3 / 197 ب (33) من أبواب الدفن / ح (1).
(3) الوسائل 3 / 190 ب (29) من أبواب الدفن / ح (3).
(4) الوسائل 3 / 179 ب (21) من أبواب الدفن / ح (4).
(5) الوسائل 3 / 201 ب (35) من أبواب الدفن / ح (2) بتفاوت غير يسير.
(6) لم يرد في المخطوط ((عليه السلام)) ولا رمز له.
(7) الوسائل 3 / 185 ب (25) من أبواب الدفن / ح (1).
151

قبر ولده " (1).
(و) يكره (إهالة التراب من) ذي (الرحم) على رحمه، لموثق عبيد بن زرارة
عن الصادق (عليه السلام): " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى أن يطرح الوالد، أو ذو الرحم على ميته
التراب "، ثم علله بإيراثه قسوة القلب " ومن قسا قلبه بعد عن ربه " (2).
(و) يكره (فرش القبر بالساج ونحوه، من غير حاجة) على المشهور، كما
عن الذخيرة (3)، غير واقف على مستنده. ولعل المستند مكاتبة علي بن بلال إلى
أبي الحسن (عليه السلام): ربما مات الميت عندنا، وتكون الأرض ندية، فتفرش (4) الأرض
بالساج، أو يطبق عليه، فهل يجوز؟ فكتب: " جاز " (5)، حيث إن الظاهر أنه سأل
عن جواز ذلك لأجل الحاجة إليه، والإمام (عليه السلام) قرره على جوازه لذلك، وإلا
لأجابه بجوازه ولولا (6) لأجلها، فتأمل.
(و) يكره (تجصيصه) لموثق علي بن أسباط عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى (عليه السلام): " لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس، ولا تجصيصه " (7).
وما في خبر يونس بن يعقوب، من أمر أبي الحسن موسى (عليه السلام) بعض مواليه
بتجصيص قبر ابنة له ماتت بفيد، وهو قاصد الرجوع إلى المدينة (8) لا يقاومه لا
سندا، ولا دلالة، لاحتمال أن يكون ذلك لخصوصية فيه، وهو: بقاء أثر له، لعدم

(1) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (2).
(2) الوسائل 3 / 191 ب (30) من أبواب الدفن / ح (1).
(3) ذخيرة المعاد / 342.
(4) في المخطوط: (نفرش).
(5) الوسائل 3 / 188 ب (27) من أبواب الدفن / ح (1) بتفاوت.
(6) ليس في المطبوع (لا).
(7) الوسائل 3 / 210 ب (44) من أبواب الدفن / ح (1).
(8) الوسائل 3 / 203 ب (37) من أبواب الدفن / ح (2).
152

تعينه بدونه. أو أن يكون لأجل كون قبرها مستثنى من عموم كراهة التجصيص
والبناء، كقبور الأئمة عليهم السلام كما دل عليه بعض الأخبار، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
" يا علي (عليه السلام) إن الله جعل قبور ولدك بقاعا من بقاع الجنة، وجعل قلوب صفوة من
عباده تحن إليكم، فيعمرون قبوركم، ويكثرون زيارتها، ومن عمر قبوركم وتعاهدها
فكما أعان سليمان على بناء بيت المقدس، ومن زارها عد له ثواب سبعين حجة " (1).
هذا مضافا إلى دعوى الاجماع في المدارك على هذا الحكم (2).
(و) يكره (تجديده) بعد اندارسه لإطلاق موثقة علي بن أسباط (3) وقول
أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر الأصبغ: " من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن
الاسلام " (4) بناء على أنه بالجيم.
(و) يكره (دفن الميتين في قبر واحد) لمرسل المبسوط عنهم عليهم السلام:
" لا يدفن في قبر واحد اثنان " (5).
(و) يكره (نقله) من بلد موته (إلى غير المشاهد) أما كراهة النقل إلى غير
المشاهد، فلما عن المعتبر من أن عليه العلماء أجمع، وقد استدل بقول النبي (صلى الله عليه وآله):
" عجلوهم إلى مضاجعهم " (6).
ولا يخفى أن استحباب التعجيل لا يستلزم إلا كراهة تركه، بناء على كون
ترك المكروه مستحبا، لا كراهة النقل المستلزم غالبا لعدمه الملازم للتأخير.

(1) الوسائل 14 / 382 ب (26) من أبواب المزار وما يناسبه / ح (1). بتفاوت.
(2) مدارك الأحكام 2 / 150.
(3) تقدمت في الصفحة المتقدمة.
(4) الوسائل 3 / 208 ب (43) من أبواب الدفن / ح (1).
(5) المبسوط 1 / 155.
(6) المعتبر 1 / 307. والحديث وارد في الوسائل 2 / 471 ب (47) من أبواب الاحتضار / ح (1).
153

وأما جواز النقل إلى المشاهد المشرفة واستحبابه، فقد قطع به الفاضلان (1)
والشهيد (2) وغيرهم (3) على ما قيل. وعن المعتبر أنه مذهب علمائنا خاصة، وعليه
عمل الأصحاب من زمن الأئمة عليهم السلام إلى الآن، وهو مشهور لا يتناكرونه (4)
وهذا كاف في استحبابه في ما لم يستلزم انهتاك حرمته لشدة حر، أو بعد مسافة، كما
عن الحلي (5) والشهيدين (6) وغيرهم (7)، تقييد استحبابه، بل جوازه بذلك.
(والميت في البحر، يثقل ويرمى فيه) إن لم يمكن نقله، أو خشي فساده،
لعمومات وجوب الدفن. وإطلاق الخصوصات (8) وارد مورد الغالب، من تعسر
النقل، أو خوف فساده، لأخبار معتبرة بالشهرة، منها: مرفوعة سهل بن زياد عن
أبي عبد الله (عليه السلام): إذا مات الرجل في السفينة ولم نقدر على الشط قال: " يكفن،
ويحنط، ويلقى في الماء " (9). ومنها: خبر وهب بن وهب القرشي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن علي (عليه السلام): " إذا مات في البحر غسل، وكفن، وحنط، ثم
يوثق في رجله حجر، ويرمى به في الماء " (10) ونحوه خبر أبان (11).

(1) شرائع الاسلام 1 / 52، والتذكرة 2 / 102 / مسألة (245).
(2) ذكرى الشيعة 2 / 10، والبيان / 81.
(3) إصباح الشيعة / 47، والجامع للشرائع / 55 وجامع المقاصد 1 / 450.
(4) المعتبر 1 / 307.
(5) السرائر 1 / 170.
(6) الدروس 1 / 115، وغاية المراد 1 / 182، وروض الجنان / 319.
(7) جواهر الكلام 4 / 348 - 351.
(8) وهي التي سيذكر بعضها.
(9) الوسائل 3 / 207 ب (40) من أبواب الدفن / ح (4).
(10) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (2).
(11) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (3).
154

لكن الأحوط أن يوضع في إناء ويلقى، لصحيحة أيوب، قال: سئل أبو
عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات وهو في السفينة في البحر، كيف يصنع به؟ قال: " يوضع
في خابية ويوكأ رأسها، ويطرح في الماء " (1).
(ولا يدفن في مقبرة المسلمين غيرهم) ولعل هذه (2) قاعدة إجماعية، لم يستثن
منها (إلا الذمية الحاملة من المسلم) بوجه صحيح (فيستدبر بها القبلة) حال دفنها
في مقبرتهم، ليستقبلها حملها المحكوم بالاسلام تبعا لأبيه، كما هو المشهور (3)، بل
عن الخلاف (4) والتذكرة (5) الاجماع عليه. وربما استدل عليه برواية يونس: سألت
الرضا ((عليه السلام)) (6) عن الرجل تكون له الجارية اليهودية، أو النصرانية، فيواقعها
فتحمل، ثم ماتت والولد في بطنها، ومات الولد، أيدفن معها على النصرانية، أو
يخرج منها ويدفن على فطرة الاسلام؟ فكتب: " يدفن معها " (7).
ولا يخفى انه لا دلالة لها على الاستثناء، لو لم يكن لها دلالة على خلافه.
ولعل منشأه هو أن احترام المحكوم بالاسلام، ورعاية أحكامه، أهم من رعاية
كفرها، وعدم دفنها في مقبرة المسلمين، وإن كان لاحترامهم، إلا أنه إذا كان لأجل
حملها أهون من دفن المحكوم بالاسلام في مقبرة الكفرة، كيف؟ و " الاسلام يعلو ولا
يعلى عليه " (8).

(1) الوسائل 3 / الباب المتقدم ح (1).
(2) في المخطوط: هذا.
(3) المقنعة / 85 وإصباح الشيعة / 47 والسرائر 8 / 168 والمعتبر 1 / 292. التنقيح الرائع 1 / 121 - 123
وذكرى الشيعة 1 / 9.
(4) الخلاف 1 / 730 / مسألة (558).
(5) تذكرة الفقهاء 2 / 109 / مسألة (250).
(6) أضفنا (عليه السلام) من المصدر.
(7) الوسائل 3 / 205 ب (39) من أبواب الدفن / ح (2).
(8) بحار الأنوار 39 / 47 عن المناقب.
155

هاهنا (مسائل):
(الأولى: الشهيد) وهو الذي قتل في المعركة، في سبيل الله تعالى بين يدي
النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) أو منصوب أحدهما على الجهاد، أو على ما يعمه، أو
بدونهم، كما إذا دافع المسلمون من يخشى منهم على بيضة الاسلام، كما حكي عن
صريح جماعة (1)، وظاهر آخرين (2)، وذلك لإطلاق حسن أبان بن تغلب عن
الصادق (عليه السلام): " الذي يقتل في سبيل الله، يدفن في ثيابه، ولا يغسل، إلا أن يدركه
المسلمون وبه رمق، فإنه يغسل، ويكفن، ويحنط، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفن حمزة
بثيابه، ولم يغسله، ولكنه صلى عليه " (3) (لا يغسل ولا يكفن بل يصلى عليه،
ويدفن بثيابه) إذا كان له ثياب، وجوبا، اجماعا، كما حكي (4) ونصوصا، منها: ما
مر، ومنها: ما في خبر أبي مريم عن الصادق (عليه السلام): " الشهيد إذا كان به رمق، غسل،
وكفن، وحنط، وصلي عليه، وإذا لم يكن به رمق كفن في أثوابه " (5). وأما إذا لم يكن
له فيكفن، كما في خبر آخر عن أبان ابن تغلب: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى على
حمزة، وكفنه لأنه جرد " (6).

(1) انظر الغنية / 102 والمعتبر 1 / 311 والدروس 1 / 105 وذكرى الشيعة 1 / 321 والموجز المطبوع
ضمن الرسائل العشر لابن فهد الحلي / 50.
(2) انظر الخلاف 1 / 710 مسألة (514) والارشاد 1 / 232 والبيان / 70، وللاستزادة راجع الجواهر
4 / 87.
(3) الوسائل 2 / 510 ب (14) من أبواب غسل الميت / ح (9).
(4) الخلاف 1 / 710 مسألة (514) وراجع مفتاح الكرامة 1 / 421 - 423.
(5) الوسائل 2 / 506 ب (14) من أبواب غسل الميت / ح (1).
(6) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (7).
156

(الثانية) (1): المشهور بين أصحابنا، كما عن محكي المختلف (2)، والذكرى (3)،
أن (صدر الميت) كالميت في أحكامه من التغسيل، والتكفين، والتحنيط والصلاة
عليه، والدفن، بل ربما يستظهر الإتفاق من بعض (4) عليه.
الباب الثالث: في الغسل (غسل الأموات - مسائل)...
وقد استدل عليه مضافا إلى ذلك، بأنه كان من جملة يجب لها، فيستصحب
حيث لا يعلم القاطع (5).
وفيه: إنه إنما وجب للجملة بما هي هيئة انسان، لا لكل جزء من أجزائها.
مع أنه لو سلم لتم في ما وجب فعلا للجملة، للتمكن منها قبل تقطيعها، ولم يأت
بها، لا في ما لم يتمكن إلا بعد التقطيع.
وبقاعدة " الميسور لا يسقط بالمعسور " (6). وهو لا يخلو عن نظر، للتأمل في
كون غسله - مثلا - ميسورا من غسل الميت، بل هنا لا ميت، مع أن الصلاة عليه
ليس الميسور من الصلاة على الميت، كما هو واضح.
وبالمرفوعة المحكية بمنطوقها ومفهومها الموافق عن جامع البزنطي:
" المقتول إذا قطع بعض أعضائه يصلى على العضو الذي فيه القلب " (7) بناء على أن
المتبادر من العضو الذي فيه القلب - وهو المستقر له - هو الصدر.
وفيه منع المبنى لولا دعوى ظهورها في اعتبار وجود القلب فيه فعلا.

(1) في المخطوط: (و) بدل (الثانية).
(2) مختلف الشيعة 1 / 405.
(3) ذكرى الشيعة 1 / 309 - 400، وراجع 1 / 316.
(4) انظر مجمع الفائدة والبرهان 1 / 205 - 206 ومفتاح الكرامة 1 / 412 - 413.
(5) لاحظ جواهر الكلام 4 / 101.
(6) المصدر المتقدم.
(7) الوسائل 1 / 138 ب (38) من أبواب صلاة الجنازة / ح (12).
157

وبرواية الفضيل بن عثمان الأعور، عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) في الرجل يقتل
فيوجد رأسه وصدره ويداه في قبيلة، والباقي منه في قبيلة، فقال: " ديته على من
وجد في قبيلته صدره ويداه، والصلاة عليه " (1) بناء على أنه لا اعتبار بوجود
اليدين، وإنما ذكرا تبعا لذكرهما في السؤال.
وفيه: انه لولا اعتبار وجوبهما لما ذكرا في الجواب، كما لم يذكر الرأس فيه،
لعدم اعتباره، فلا مدرك لذلك، إلا أن يقال: إن ضعف المرفوعة سندا ودلالة مجبور
بالشهرة، ودعوى الإتفاق. وهو كما ترى، لعدم الوثوق باعتمادهم في هذا الحكم
عليها، وعلى تقديره، فلا كشف له عن ظفرهم بقرينة دالة على أن المراد من العضو
الذي فيه القلب هو مستقره، بل لعله للاستظهار من مجرد لفظه، فالحكم على وفق
المشهور لا يخلو عن اشكال، وإن كان أحوط.
ومنه انقدح أن المرفوعة إنما دلت على أن الصدر الذي فيه القلب فعلا (أو ما
يشتمل على القلب) مما هو غير الصدر (كالميت في أحكامه).
(و) أما (غيره) أي الصدر، أو ما يشتمل على القلب، ف‍ (إن كان فيه عظم
غسل، وكفن، وصلي عليه، ودفن) (2) على المشهور، كما حكي عن جماعة (3) بل
عن محكي الخلاف والغنية، دعوى الاجماع والأخبار عليه (4). وعن محكي المنتهى
عدم الخلاف فيه (5). وعن جامع المقاصد، نسبته إلى الأصحاب (6). ولعل في دعوى

(1) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (4).
(2) ليس في المخطوط: (وصلي عليه ودفن).
(3) انظر الجواهر 4 / 104.
(4) الخلاف 1 / 716 / مسألة (527) وغنية النزوع / 102 / كتاب الصلاة.
(5) منتهى المطلب 1 / 434. (ط حجرية).
(6) جامع المقاصد 1 / 357.
158

الخلاف، والغنية ثبوت الأخبار عليه مضافا إلى دعوى الاجماع عليه، وعدم
الخلاف فيه كفاية.
وربما استدل عليه بما لا دلالة له، كما لا يخفى. كما لا دلالة لقوله (عليه السلام): " إذا
أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم " (1) لما بيناه في الكفاية وغيرها، أن المراد منه ما
استطعتم من الأفراد، لا من الأبعاض (2).
(وكذا) أي كذي العظم في التغسيل والتكفين، على المشهور، بل عليه دعوى
الاجماع من محكي الخلاف (3) وغيره (4) (السقط لأربعة أشهر، غير أنه لا يصلى
عليه) لرواية زرارة عن الصادق (عليه السلام): " السقط إذا تم له أربعة أشهر، غسل " (5).
ومرفوعة أحمد بن محمد: " إذا تم السقط أربعة أشهر غسل، وإذا تم له ستة أشهر
فهو تام " (6). وضعفهما ينجبر بعمل المشهور بهما.
وموثق سماعة: سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل،
واللحد، والكفن؟ قال: " نعم، كل ذلك يجب عليه إذا استوى " (7). بضميمة ما دل من
الأخبار على أن الاستواء يكون بأربعة أشهر (8)، وبها تقيد مكاتبة الباقر (عليه السلام) لمحمد

(1) لاحظ الجواهر 4 / 104 - 105، والحديث مروي في عوالي اللآلي 4 / 58.
(2) كفاية الأصول / 370 وحاشية فرائد الأصول / 160، في مبحث البراءة.
(3) الخلاف 1 / 709 / مسألة (512).
(4) المعتبر 1 / 319، ولاحظ مفتاح الكرامة 1 / 410.
(5) الوسائل 2 / 501 ب (12) من أبواب غسل الميت / ح (4).
(6) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (2).
(7) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (1).
(8) لاحظ تفسير نور الثقلين 3 / 471 / ح (12) وما بين ص (534) إلى ص (541) فربما يستظهر من
بعضها مقصود الشارح.
159

بن الفضيل: " السقط يدفن بدمه في موضعه " (1) (وإلا) أي وإن لم يكن فيه عظم سواء
أبينت من حي أم ميت (دفن) بلا تغسيل، للأصل (بعد لفه في خرقة) على
الأحوط، حيث لا دليل عليه. وقاعدة الميسور لو سلم جريانه في مثله، مع
جبرها، يقتضي مراعاة ما يمكن رعايته، مما يعتبر في التكفين. والظاهر عدم القول
بلزوم الرعاية. (وكذا السقط لدون أربعة أشهر) دفن بعد لفه في خرقة بلا تغسيل،
عند جميع العلماء، كما عن محكي المعتبر (2) والتذكرة (3) لما مر من رواية زرارة (4)،
ومرفوعة أحمد بن محمد (5)، ولا دليل على وجوب لفه، بل في مكاتبة محمد بن
الفضيل (6) دلالة على عدم وجوبه. نعم هو أحوط.
(الثالثة: يؤخذ الكفن) الواجب، لا المندوب، كبعض قطعه (7) [أو إجادة] (8)
(من أصل التركة، قبل الديون، والوصايا) لصحيحة زرارة: سألته عن رجل مات
وعليه دين، وخلف قدر ثمن كفنه. قال: " ما ترك في ثمن كفنه، إلا أن يمر (9) عليه
انسان فيكفنه، ويقضى دينه مما ترك " (10) ورواية السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام):
" أول شئ يبدأ به من المال الكفن، ثم الدين، ثم الميراث " (11) وإطلاق ما في

(1) الوسائل 2 / 502 ب (12) من أبواب غسل الميت / ح (5).
(2) المعتبر 1 / 319 و 320.
(3) تذكرة الفقهاء 1 / 370 / ذيل مسألة (138).
(4 و 5) تقدمتا آنفا.
(6) الوسائل 2 / 502 ب (12) من أبواب غسل الميت / ح (5).
(7) في المطبوع: (قطعة) بتاء التأنيث.
(8) من المخطوط.
(9) في المصدر: (يتجر عليه) وفيه بعض تفاوت اخر.
(10) الوسائل 19 / 328 ب (27) من كتاب الوصايا ح (2).
(11) الوسائل 19 / 329 ب (28) من كتاب الوصايا ح (1). وفيه: ثم الدين، ثم الوصية، ثم الميراث.
160

صحيحة ابن سنان: " الكفن من جميع المال " (1).
ثم إن في تقدمه على حق المرتهن إشكالا، من إطلاق الأخبار الحاكم على
مقتضى أدلة تعلق حق المرتهن والغرماء، لأن حقهم إنما يتعلق بالعين إذا وجب إيفاء
ديونهم، ونمنع هنا وجوب الإيفاء، بأدلة تقدم الكفن على الدين، ومن تقدم تعلق
حق المرتهن المقتضي لجواز استيفاء الدين من العين المرهونة، وإن لم يجب على
المديون إيفاؤه أصلا، لفلسه، وكونها مما لا يجب الايفاء منه، لكونه من
المستثنيات. فلا يتفرع الاستيفاء من الرهن على كون الدين مما يجب إيفاؤه، بل إنما
يتفرع على ما تعلق بالعين من حق المرتهن، والحق كالمال في تسلط ذي الحق
عليه، فلا وجه لعدم رعايته، وتضييعه، وإطلاق أخبار تقدم الكفن غير ناظر إلى
ما زاحم حق الغير، مع أنه معارض بأخبار الرهن (2). والاستصحاب يقتضي جواز
استيفاء الدين من العين بعد الموت، كما جاز قبله.
لا يقال: استصحاب جواز الكفن من العين قبل الرهن، تعليقا، يقتضي
جوازه بعده.
فإنه يقال: لا مجال للشك رأسا في كون الجواز كما كان معلقا على عدم مال
آخر، كان معلقا على عدم كون هذا المال رهنا أيضا أو لا؟ فلا يعين به أصلا،
بخلاف جواز الاستيفاء، فإنه معلوم قبل الموت.
وقد انقدح بذلك أن الأظهر تقدم حق الرهانة، كما أن الظاهر تقدم حق
الجناية السابقة على الموت، لاستصحابه، بخلاف اللاحقه، لاستصحاب حق

(1) الوسائل 3 / 53 ب (31) من أبواب التكفن / ح (1).
(2) حيث إن أخبار تقدم الكفن تقتضي ثبوت السلطة على التصرف المعدم لمورد الاستيثاق لا إلى بدل
صحيح، وأخبار الرهن تقتضي - ولو تقريرا - زوال سلطة الراهن عن التصرف المعدم له، لا إلى بدل
صحيح، فيحصل التعارض. لاحظ الوسائل 18 / 379 / كتاب الرهن.
161

الميت، بعد تعارض أدلة الطرفين، أو تزاحم الحقين بلا مرجح في البين [وكفن
المرأة على زوجها وإن كانت موسرة] (1).
(الرابعة): الميت (المحرم ك‍) الميت (2) (المحل) في أحكامه، (إلا في الكافور)
وغيره من الطيب (فلا يقربه في الحنوط، والغسل على المشهور (3)، وإن كان
اختصاصه بالأول) أي الحنوط (غير بعيد) لانصراف إطلاق النهي عن أن يمسه أو
يقربه الطيب (4) إلى غير غسله بما فيه شئ من الكافور، مضافا إلى إطلاق أنه
يغسل من دون بيان غسله. ففي رواية أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) في المحرم
يموت، قال: " يغسل، ويكفن، ويغطى وجهه، ولا يحنط، ولا يمس شيئا من
الطيب " (5). وكذا في غير واحد من الأخبار (6)، ضرورة أن الظاهر من الإطلاق أنه
يغسل بثلاثة تغسيلات كالمحل، كما لا يخفى.
(الخامسة: من مس ميتا من الناس بعد برده بالموت، وقبل تطهيره بالغسل)
المتقدم على موته، أو المتأخر، وجب عليه الغسل، للروايات المستفيضة، منها: ما
في صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: الرجل يغمض الميت أعليه
غسل؟ قال: " إذا مسه بحرارة فلا، ولكن إذا مسه بعد ما برد فليغتسل ". قلت:
فالذي يغسل الميت يغتسل قال: " نعم " (7).

(1) هذه الفقرة من التكملة، ولم ترد في المطبوع والمخطوط.
(2) في المخطوط: (كميت).
(3) المقنعة / 84 والمبسوط 1 / 322 والغنية / 102 والسرائر 1 / 168 والمعتبر 1 / 326 والمختلف 1 / 392
والجواهر 4 / 182.
(4) انظر الوسائل 2 / 503 ب (13) من أبواب غسل الميت.
(5) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (7). والصحيح، كما في المصدر: ابن أبي حمزة.
(6) لاحظ، ما أرجعنا اليه في الهامش رقم (4) في هذه الصفحة.
(7) الوسائل 3 / 289 ب (1) من أبواب غسل المس / ح (1).
162

وأما مسه بعد الغسل فلا يوجب غسلا، لظهور مكاتبة الصفار: " إذا أصاب
يدك جسد الميت، قبل أن يغسل، فقد وجب عليك الغسل " (1). والصحاح النافية
للبأس عن مس الميت عند موته وبعد غسله (2)، في عدم وجوبه بعد التغسيل.
فخبر عمار (3) الظاهر في وجوبه بعد غسله شاذ فيطرح، أو يحمل على الاستحباب،
أو على غير ذلك.
ولا فرق في مس الميت بين مسه بجملته (أو مس قطعة فيها عظم، قطعت من
حي أو ميت) في أنه (وجب عليه الغسل) كما هو المعروف (4) ممن عدا المحقق في
المعتبر (5) كما قيل، بل عن الخلاف الاجماع عليه (6) في المبانة من الحي والميت،
لمرسلة أيوب بن نوح عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا
مسه انسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على كل من مسه الغسل، وإن لم يكن
فيه عظم فلا غسل عليه " (7) وضعفها بالارسال، منجبر بإجماع الخلاف، المؤيد
بموافقة المشهور، ومخالفة الجمهور (8)، على ما حكي عنهم (وكذا العظم المجرد)
يوجب مسه الغسل، (على الأحوط) خروجا عن شبهة الخلاف، فإن الشهيد في

(1) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (5).
(2) الوسائل 3 / 295 ب (3) من أبواب غسل المس / ح (1) و (2) وص 293 ب (1) من هذه الأبواب / ح
(15)، وهذه الأخيرة ليست بصحيحة.
(3) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (3).
(4) المبسوط 1 / 37 والسرائر 1 / 167 - 168 والجامع للشرائع / 24 ومختلف الشيعة 1 / 314 وكشف
الرموز 1 / 94 والبيان / 78 وجامع المقاصد 1 / 459.
(5) المعتبر 1 / 352.
(6) الخلاف 1 / 701 / ومسألة (490).
(7) الوسائل 3 / 294. ب (2) من أبواب غسل المس / ح (1).
(8) انظر تحفة الفقهاء 1 / 25 والمغني لابن قدامة 1 / 218 و 243.
163

محكي الذكرى، ذهب إلى وجوب الغسل بمسه، لدوران الحكم معه وجودا
وعدما (1) وان كان الأقوى عدم الوجوب، لأصالة البراءة. ودوران الحكم معه
وجودا وعدما لا يقتضي أزيد من أن يكون له الدخل، لا انحصاره به وعدم دخل
شئ آخر في الحكم.
(ولو خلت القطعة (2) من العظم غسل يده خاصة) مع الرطوبة المسرية في
أحد المتلاقيين، أو مطلقا، بناء على [أن] (3) نجاسة الميت ليست كغيرها، على
خلاف يأتي - إن شاء الله - في مباحث النجاسات (4).
ثم إن المعروف وجوب هذا الغسل لغيره، وإن كان قضية إطلاق دليل
وجوبه أنه لنفسه، إلا أن الإطلاق وارد لبيان أصل وجوبه، والأصل عدمه إلا عند
الغير. هذا مضافا إلى مفهوم قوله (صلى الله عليه وآله): " إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور " (5).

(1) ذكرى الشيعة 2 / 100.
(2) في المخطوط: (قطعة).
(3) أضفناها تحسينا للعبارة.
(4) أجمل الإشارة اليه في ص 208 - 209.
(5) الوسائل 1 / 372 ب (4) من أبواب الوضوء / ح (1)، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).
164

الباب الثالث: في الغسل (الأغسال المسنونة)...
(الفصل السادس: في الأغسال المسنونة) الغير الواجبة.
(وهي) ما يستحب للزمان، أو للفعل، أو للمكان.
أحدها: (غسل يوم الجمعة) على المشهور بين القدماء والمتأخرين (1)، بل
عن محكي الخلاف (2) وغيره (3) الاجماع على أنه سنة مؤكدة، وليس بواجب، وقد
نقل وجوبه عن بعض العامة (4).
ويدل عليه صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الغسل
في الجمعة، والأضحى، والفطر، فقال: " سنة وليس بفريضة " (5). لظهورها في أن
السؤال عن وجوبها، أو استحبابها، لا عن أن وجوبها بفرض الله أو بالسنة، كما
هو واضح لا يكاد يخفى. ورواية علي بن حمزة سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل
العيدين، أواجب هو؟ قال: " سنة "، قلت: فالجمعة؟ قال: " سنة " (6). فإن الظاهر
أن السنة في الروايتين مقابل الواجب، لا مقابل الفرض من الله تعالى، بقرينة

(1) المقنعة / 50 وجمل العلم والعمل، المطبوع ضمن رسائل السيد المرتضى 1 / 42 وغنية النزوع / 62
و 90 والوسيلة / 54 وإصباح الشيعة / 47 والسرائر 1 / 124 والمعتبر 1 / 353 ومختلف الشيعة 1 / 318
والدروس 1 / 87 والجواهر 5 / 2.
(2) لاحظ الخلاف 1 / 219 / مسألة (187).
(3) غنية النزوع / 62.
(4) نقله عنهم الشيخ في الخلاف 1 / 219 / مسألة (187).
(5) الوسائل 3 / 314 ب (6) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (9).
(6) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (12).
165

المقابلة في الثانية، وضم غسل العيدين به ليس بواجب اتفاقا (1) - كما قيل - في
الأولى (2)، وغير ذلك مما هو ظاهر في عدم وجوبه، من الأخبار (3)، مع أنه فيها
قرائن على الاستحباب، كما لا يكاد يخفى على من راجعها. وليس بأزائها ما
يخالفها، إلا أخبار حكم فيها بوجوبه، وفي غير واحد منها: أنه واجب على كل ذكر
وأنثى، عبدا وحرا، وعلى الرجال والنساء، في السفر والحضر (4) إلا أنه لا يقاوم
ظهور تلك الأخبار في عدم وجوبه، لكثرة استعمال الوجوب بمعنى الثبوت.
ولو سلم مقاومتها وعدم الترجيح لها دلالة، أو سندا، أو جهة، قلنا أخباره
موافقة للمشهور (5) ومخالفة (6) لبعض الجمهور (7).
(ووقته من طلوع الفجر إلى الزوال) فلا يجوز تقديمه على الفجر في غير ما
استثني من فعله يوم الخميس، لعدم الماء أو قلته يوم الجمعة، لغير واحد من
الأخبار (8). وقد نقل دعوى الاجماع عليه من غير واحد (9). ويدل عليه قوله (عليه السلام):
" إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة، والجمعة، وعرفة " (10) كما

(1) كذا، ولو يضاف إليها (مع أنه) أو نحوه، لتصبح مثلا (مع أنه ليس بواجب) كان محمودا.
(2) انظر الحدائق الناضرة 4 / 221 - 222، وكتاب الطهارة للأنصاري (قدس سره) / 291 (ط حجرية - 1307).
(3) لاحظ المصدر المتقدم.
(4) انظر الوسائل 3 / 312 ب (6) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (3) و (6) و (17) و (20).
(5) راجع الهامش رقم (1) في الصفحة المتقدمة.
(6) في المخطوط: (مخالفا).
(7) راجع المحلى 2 / 8 مسألة (178)، بداية المجتهد 1 / 168، المغني 2 / 199 / مسألة (1363).
(8) الوسائل 3 / 319 ب (9) من أبواب الأغسال المسنونة.
(9) الخلاف 1 / 221 / مسألة (188) والتذكرة 2 / 139 وانظر الجواهر 5 / 7.
(10) الوسائل 2 / 261 ب (43) من أبواب الجنابة / ح (1) ولاحظ كلام صاحب الوسائل حول ضبط
الحديث.
166

لا يجوز تأخيره أداء عن الزوال، بلا خلاف فيه، كما ادعي (1)، بل إجماعا كما عن
الذكرى (2)، لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: " وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال (3) "
بناء على أن الأمر فيه لبيان ما يعتبر فيه من الوقت لزوما، لا استحبابا. مع أنه
لا يبعد أن يكون لبيان استحبابه، لو لم نقل بتعينه، لاستحباب الغسل بعد الزوال،
إذا لم يؤت به قبله، بلا إشكال، ولو قيل: إنه قضاء، وأن القضاء بأمر جديد، لكشفه
عن أنه إنما كان مطلوبا قبله بنحو تعدد المطلوب، لا أنه مطلوب واحد. مع أنه لا
دلالة في قوله: " يقضيه في آخر النهار، فإن فاته فليقضه من يوم السبت " في رواية
سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار، قال:
" يقضيه... " (4) في أنه قضاء مقابل للأداء، بل " يقضيه " بمعنى يفعله. كما أنه لا دلالة
لإطلاق الفوت على تركه قبل الزوال على ذلك، لكفاية تأكد استحبابه، بل تعارف
الإتيان في ما قبله، فتأمل جيدا.
(و) ثانيها: غسل (أول ليلة من رمضان) للأخبار المستفيضة (5)، مضافا إلى
دعوى الاجماع عليه من الروض (6)، وأنه مذهب الأصحاب عن المعتبر (7).
(و) ثالثها: غسل (ليلة النصف منه) لمرسل المقنعة عن الصادق (عليه السلام): انه

(1) لاحظ الجواهر 5 / 8.
(2) ذكرى الشيعة 1 / 197.
(3) الوسائل 7 / 396 ب (47) من أبواب صلاة الجمعة / ح (3).
(4) الوسائل 3 / 320 ب (10) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (3).
(5) الوسائل 3 / 304 ب (1) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (3) و (6) وص 325 ب (14) من هذه
الأبواب / ح (1) و (4) و (5).
(6) روض الجنان / 17.
(7) المعتبر 1 / 355.
167

" يستحب ليلة النصف من رمضان " (1) مضافا إلى دعوى الاجماع عليه من الوسيلة (2).
(و) رابعها: غسل ليلة (سبع عشرة) (3).
(و) خامسها: غسل ليلة (تسع عشرة) (4).
(و) سادسها: غسل ليلة (إحدى وعشرين).
(و) سابعها: غسل ليلة (ثلاث وعشرين). لصحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهما السلام: " الغسل في سبعة عشر موطنا " (5) وعد منها الأغسال في
هذه الليالي، مضافا إلى الأخبار المستفيضة في الثلاثة الأخيرة (6).
(و) ثامنها: غسل (ليلة) عيد (الفطر) لمسند الكافي عن الحسن بن راشد، أنه
سأل الصادق (عليه السلام): ما ينبغي أن يفعل فيها؟ فقال: " إذا غربت الشمس فاغتسل " (7).
(و) تاسعها، وعاشرها: غسل (يوم العيدين) لصحيح علي بن يقطين، عن
أبي الحسن (عليه السلام): إذ سأله عن غسل الجمعة، والأضحى، والفطر، فقال: " سنة،
وليس بفريضة " (8). وفي موثق سماعة عن الصادق (عليه السلام): أنهما " سنة لا أحب

(1) لم أعثر عليه في نسخة المقنعة الموجودة لدي. وقال السيد ابن طاووس في (الفصل التاسع عشر في
زيادات دعوات في الليلة الخامسة عشر ويومها) في كتابه اقبال الأعمال / 433: أما الغسل فرويناه عن
الشيخ المفيد (رحمه الله) وفي رواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " يستحب ليلة النصف من شهر رمضان ".
وقال الشيخ الحر (رحمه الله) في الوسائل 3 / 326 ب (14) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (9): قال (أي
السيد ابن طاووس (رحمه الله)): وروينا عن الشيخ المفيد في المقنعة، ثم أورد نص الرواية.
(2) الوسيلة / 54.
(3) من التكملة، وفي المطبوع والمخطوط: (سبع عشر).
(4) من التكملة، وفي المطبوع والمخطوط: (تسع عشر).
(5) الوسائل 3 / 305 ب (1) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (11).
(6) لاحظ الوسائل 3 / الباب المتقدم، وكذا / 325 ب (14) من هذه الأبواب.
(7) الوسائل 3 / 328 ب (15) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (1).
(8) الوسائل 3 / 329 ب (16) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (1).
168

تركهما " (1). مضافا إلى دعوى الاجماع عليه من غير واحد (2)، فوصفهما بالوجوب
في بعض الأخبار (3) محمول على تأكد الاستحباب، أو الوجوب بمعنى الثبوت، لا
الوجوب مقابل الاستحباب.
(و) حادي عشرها: غسل (ليلة نصف رجب) كما حكي عن أكثر كتب
الشيخ (4) بل عن المشهور (5)، بل عن الغنية (6) دعوى الاجماع عليه ولعله كاف في
استحبابه، لأجل كشفه عن ظفرهم على رواية. ويؤيده ما عن الفاضل في نهاية
الإحكام (7). وعن الصيمري في كشف الالتباس، من إسناد استحبابه مع غيره من
الأغسال الزمانية إلى الروايات (8).
(و) ثاني عشرها: غسل (ليلة النصف من شعبان) (9) لرواية أبي بصير عن
الصادق (عليه السلام): " صوموا شعبان، واغتسلوا ليلة النصف منه " (10) مضافا إلى دعوى

(1) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (2).
(2) غنية النزوع / 62 / كتاب الطهارة، وروض الجنان / 18.
(3) الوسائل 3 / 330 ب (16) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (4) ولكنه في خصوص الأضحى، نعم في
بعض الأخبار ما يقتضي بظاهره وجوبهما كما في الحديث (3) من هذا الباب. وانظر الوسائل 3 / الباب
الأول من هذه الأبواب. لاحظ الجواهر 5 / 33، وكتاب الطهارة للشيخ الأنصاري / 295.
(4) الجمل والعقود، المطبوع ضمن الرسائل العشر / 167، والمبسوط 1 / 40، ومصباح المتهجد / 11.
(5) الوسيلة / 54، وإصباح الشيعة / 47، والسرائر 1 / 125، والمعتبر 1 / 356، والجامع للشرائع / 32،
الارشاد 1 / 220، والبيان / 38.
(6) الموجود في مطبوعة الغنية / 62 / كتاب الطهارة، استحباب غسل ليلة النصف من شعبان، ثم دعوى
الاجماع عليه.
(7) نهاية الإحكام 1 / 177.
(8) كشف الالتباس 1 / 340 - 341.
(9) في التكملة: (ليلة نصف شعبان).
(10) الوسائل 3 / 335 ب (23) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (1).
169

الاجماع عنه من الوسيلة (1)، والغنية (2).
(و) ثالث عشرها: غسل (يوم المبعث) لما عن المنتهى عن المرسل عن
الصادق (عليه السلام) أنه قال في جمعة من الجمع: " هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدا،
فاغتسلوا فيه " (3). مضافا إلى ما عن الخلاف من دعوى الاجماع عليه (4).
(و) رابع عشرها: غسل يوم (الغدير) لمسند الإقبال، عن أبي الحسن الليثي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في ذكر فضل يوم الغدير قال: " فإذا كان صبيحة ذلك اليوم،
وجب الغسل في صدر نهاره " (5)، وخبر العبدي، عن الصادق (عليه السلام): " من صلى فيه
ركعتين، يغتسل عند زوال الشمس، قبل أن تزول بمقدار نصف ساعة "، حتى قال:
" ما سأل الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت له، كائنة ما كانت " (6) مضافا
إلى ما عن التهذيب (7) والغنية (8) من دعوى الاجماع عليه.
(و) خامس عشرها: غسل يوم (المباهلة) لخبر ابن صدقة عن أبي إبراهيم
موسى (عليه السلام): " يوم المباهلة الرابع والعشرون من ذي الحجة، تصلي في ذلك اليوم ما

(1) الوسيلة / 54 حيث عده من غير المختلف فيه.
(2) غنية النزوع / 62 / كتاب الطهارة.
(3) منتهى المطلب 2 / 470 وليست الرواية عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ويحتمل إرادة النبي (صلى الله عليه وآله) حيث
إنه (صلى الله عليه وآله) أول الصادقين.
(4) الخلاف 1 / 219 / مسألة (187)، حيث ادعى الاجماع على استحباب غسل الأعياد. لاحظ كتاب
الطهارة للشيخ الأنصاري (رحمه الله) 295.
(5) اقبال الأعمال / 791.
(6) الوسائل 3 / 338 ب (28) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (1).
(7) التهذيب 1 / 114.
(8) غنية النزوع / 62 / كتاب الطهارة.
170

أردت: " حتى قال: " وتقول وأنت على غسل: الحمد.. الدعاء " (1).
(و) سادس عشرها: (غسل الإحرام) لحج، أو عمرة للأخبار المستفيضة
الآمرة بالغسل للإحرام (2) بعد صرفها إلى الاستحباب، لما عن جماعة من القدماء
من دعوى الاجماع على عدم وجوبه (3)، مضافا إلى ما عن الصدوق في العيون، عن
الفضل عن الرضا (عليه السلام) في ما كتب للمأمون من شرائع الدين، قال: " غسل الجمعة
سنة غسل العيدين، وغسل دخول مكة والمدينة، وغسل الزيارة، وغسل الاحرام،
وغسل أول ليلة من شهر رمضان.. " إلى أن قال: " وهذه الأغسال [سنة] (4) وغسل
الجنابة فريضة وغسل الحيض مثله " (5). وهذه الرواية نص في عدم كونه فرضا، فلا
تعارضه مرسلة يونس حيث عده من الفرائض (6) لاحتمال إرادة تأكد استحبابه،
وإن كان بعيدا. وإن أبيت فلا محيص عن طرحها، لعدم مقاومتها لرواية العيون،
لانجبارها بما عرفت، وزيادة ضعفها به، كما لا يخفى.
(و) سابع عشرها: غسل (زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة عليهم السلام) على
المشهور (7)، بل في محكي كتب غير واحد من الأصحاب نسبته إلى قطع

(1) الوسائل 8 / 172 ب (47) من أبواب بقية الصلوات المندوبة / ح (2).
(2) انظر الوسائل 12 / 323 ب (6) من أبواب الاحرام / ح (4)، وص 324 ب (7) من هذه الأبواب / ح
(1) كذا ح (3)، وص 326 ب (8) من هذه الأبواب وغيرها.
(3) الخلاف 2 / 287 / مسألة (63)، وغنية النزوع / 62 كتاب الطهارة.
(4) من المصدر، وهي ساقطة عن المخطوط والمطبوع.
(5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 / 123 ب (35) / ح (1)، والوسائل 3 / 305 ب (1) من أبواب الأغسال
المسنونة / ح (6).
(6) الوسائل 3 / 293 ب (1) من أبواب غسل المس / ح (17).
(7) المقنعة / 51، والمبسوط / 40، والوسيلة / 54، والسرائر 1 / 125، وإشارة السبق / 72، والدروس
1 / 87، ومفاتيح الشرائع 1 / 55.
171

الأصحاب (1) بل عن الغنية الاجماع عليه (2) للأخبار الواردة في استحباب الغسل،
بزيارة النبي (صلى الله عليه وآله) (3)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) (4)، وأبي عبد الله (عليه السلام) (5)، وأبي الحسن
الرضا (عليه السلام) (6)، بضميمة عدم الفصل بين زيارتهم وزيارة سائر الأئمة عليهم السلام.
وأما الاستدلال عليه بما في رواية العلاء ابن سيابة عن الصادق (عليه السلام) في
تفسير قوله تعالى: * (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * قال: " الغسل عند لقاء كل
إمام.. " (7) الحديث (8). وظاهرها استحباب الغسل للدخول عليهم أحياء وأمواتا.
وإن سلم اختصاصها بلقاء الحي، فلا يبعد إلحاق غيره، لعموم قولهم عليهم
السلام: " حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا " (9) بل هم * (أحياء عند ربهم
يرزقون) * (10).
فيه إن لزوم حرمة المؤمن ميتا، وكونهم أحياء لا يقتضي استحباب ما
يختص استحبابه عند التشرف بلقاء الإمام (عليه السلام) إلا أن يصدق لقاؤه بزيارته،
والمفروض عدم صدقه، وإلا لما احتيج إلى ذلك، كما لا يخفى.

(1) كشف اللثام 1 / 150، ورياض المسائل 2 / 280.
(2) غنية النزوع / 62 / كتاب الطهارة.
(3) الوسائل 14 / 358 ب (15) من أبواب المزار وما يناسبه / ح (1).
(4) الوسائل 14 / 390 ب / (29) من أبواب المزار وما يناسبه / ح (1) و (4 - 7).
(5) الوسائل 14 / 483 ب (59) من أبواب المزار وما يناسبه، وغير ذلك من الأحاديث المتفرقة في سائر
الأبواب.
(6) الوسائل 14 / 569 ب (88) من أبواب المزار وما يناسبه.
(7) الوسائل 14 / 390 ب (29) من أبواب المزار وما يناسبه / ح (2). والآية في سورة الأعراف / الآية
31.
(8) كذا في المطبوع والمخطوط، والظاهر زيادة الكلمة.
(9) أرسله بهذا اللفظ الشيخ الطوسي (قدس سره) في الخلاف 1 / 730 / مسألة (559).
(10) سورة آل عمران / 169. انظر كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (رحمه الله) / 298. (ط حجرية).
172

(و) ثامن عشرها: غسل (قضاء الكسوف، مع الترك عمدا، واحتراق
القرص كله، بل لا يترك الاحتياط بإتيانه) أما استحبابه فعلى المشهور (1)، سيما بين
المتأخرين، بل عن الغنية الاجماع عليه (2)، على ما قيل (3)، للأمر به في غير واحد
من الأخبار (4)، وهو وإن كان (5) ظاهرا في الوجوب ولذا قال به جماعة من القدماء
والمتأخرين (6)، بل عن ظاهر بعضهم دعوى الاجماع عليه (7) إلا أنه لما كان المحكي
عن أكثرهم التصريح بالإستحباب في كتاب آخر له، أو في باب آخر من ذاك
الكتاب، بل الاجماع من بعض هؤلاء ومن غيرهم على الاستحباب (8)، كانت
المسألة في غاية الإشكال.
ومنه قد انقدح وجه الاحتياط، لو لم نقل بأن وجوبه لا يخلو عن قوة، لعدم
تحقق ما يوجب صرف الأمر عن ظهوره.
(و) تاسع عشرها: (غسل التوبة) عن فسق أو كفر، وعلى استحبابه فتوى

(1) المقنعة / 51، والمهذب 1 / 33، وإصباح الشيعة / 48، والسرائر 1 / 125، وإشارة السبق / 72،
ومختلف الشيعة 1 / 317، والبيان / 38، وجامع المقاصد 1 / 75، وروض الجنان / 18، وللاستزادة
لاحظ مفتاح الكرامة 1 / 17 وكتاب الطهارة للشيخ الأنصاري / 289. (ط حجرية - 1307).
(2) غنية النزوع / 62 / كتاب الطهارة وص 97 / كتاب الصلاة.
(3) انظر كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (رحمه الله) / 298.
(4) الوسائل 3 / 305 ب (1) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (4) و (5) و (11) وص 336 ب (25) من
هذه الأبواب / ح (1).
(5) لفظ (كان) ساقط في المخطوط.
(6) المقنعة / 211 / كتاب الصلاة، والمراسم / 41 و 80 ومنتهى المطلب 2 / 479، ومدارك الاحكام
2 / 170.
7) الخلاف 1 / 679 / مسألة (452).
(8) لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأعظم - رحمه الله - / 298. (ط حجرية)
173

الأصحاب، كما عن المعتبر (1) والذكرى (2). وعن المنتهى أنه مذهب علمائنا أجمع (3)
لما أرسله الصدوق (4) الشيخ (5) وأسنده الكليني في كتاب الزي والتجمل (6) عن
الصادق (عليه السلام) حيث قال رجل: بأبي أنت وأمي إني أدخل كنيفا لي، ولي جيران،
وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما أطلت الجلوس استماعا، فقال (عليه السلام) (7)
" لا تفعل ". فقال الرجل: والله ما أتيتهن برجلي وإنما هو سماع أسمعه بأذني، فقال
[(عليه السلام)] (8): " لله أنت أما (9) سمعت الله عز وجل يقول * (إن السمع والبصر والفؤاد كل
أولئك كان عنه مسؤلا) * فقال: والله لكأني لم أسمع هذه الآية من عربي أو عجمي،
لا جرم إني لا أعود إن شاء الله تعالى، وأستغفر (10) الله. فقال: " قم واغتسل وصل ما
بدا لك، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم، ما أسوأ حالك لو مت على ذلك، احمد الله
واسأله التوبة من كل ما يكره، فإنه لا يكره إلا القبح والقبح دعه لأهله فإن لكل
أهلا " (11). والرواية وإن كانت موردا مختصة بالفسق، إلا أنها تعليلا تعم الكفر ولو
بالفحوى، مضافا إلى إجماع المنتهى (12).
ثم إن الرواية لا تعم الصغيرة ما لم يصر عليها، لا موردا ولا تعليلا، وإن كان

(1) المعتبر 1 / 359.
(2) ذكرى الشيعة 1 / 198.
(3) منتهى المطلب 2 / 474.
(4 و 5) من لا يحضره الفقيه 1 / 45 / ح (177)، والتهذيب 1 / 116 / ح (304).
(6) الكافي 6 / 432 / ح (10) في كتاب الأشربة / باب الغناء.
(7 و 8) من المصدر " الوسائل ".
(9) من المصدر " الوسائل " وفي المطبوع: (أبعد ما سمعت)، وفي المخطوط: " بعد أما سمعت).
(10) في المخطوط: (استغفر والله).
(11) الوسائل 3 / 331 ب (18) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (1). والآية في سورة الإسراء / 36.
(12) منتهى المطلب 2 / 475.
174

يعمها إطلاق بعض الفتاوى (1).
(و) العشرون: غسل (صلاة الحاجة).
(و) الواحد والعشرون: غسل صلاة (الاستخارة) كما ادعى في محكي الغنية
على استحبابه لهاتين الاجماع (2). وجعله في محكي المعتبر مذهب الأصحاب (3)،
ونسبه في محكي التذكرة إلى علمائنا (4).
وربما استدل عليه (5) بقول الرضا (عليه السلام): " وغسل الاستخارة، وغسل طلب
الحوائج مستحب " (6) وقول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة: " وغسل الاستخارة
مستحب " (7).
وإطلاقهما يقتضي استحبابه لطلب الحاجة والإستخارة من غير تقييد بصلاة
أصلا وإن كان التقييد بها قضية إطلاق الأصحاب استحبابه لصلاتهما فضلا عن
التقييد بالصلاة التي ورد لها الغسل، كما عن جامع المقاصد (8)، والروضة (9) تقييده
بها، لفقد نص شامل لمطلق صلاتهما. فلا وجه للاستناد إلى الروايتين في الفتوى
باستحبابه لصلاتهما التي اقترحها. ولا بأس به في الفتوى باستحبابه لهما بلا تقييد،
وإن كانتا ضعيفتين غير منجبرتين بعمل الأصحاب، لما بينه وبينهما من المخالفة. مع

(1) لاحظ المهذب 1 / 33، والسرائر 1 / 125.
(2) غنية النزوع / 62 / كتاب الطهارة.
(3) المعتبر 1 / 359.
(4) تذكرة الفقهاء 2 / 146 / مسألة (282).
(5) انظر كشف اللثام 1 / 155.
(6) مستدرك الوسائل 2 / 497 ب (1) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (1).
(7) الوسائل 3 / 334 ب (21) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (2).
(8) لاحظ جامع المقاصد 1 / 76.
(9) الروضة البهية 1 / 687.
175

إمكان أن يقال بإنجبارهما به، كما في محكي الروض (1)، وبأن تكون المخالفة لفهم
صلاتهما من لفظهما.
(و) الثاني والعشرون: غسل (دخول الحرم).
(و) الثالث والعشرون: غسل دخول (المسجد الحرام).
(و) الرابع والعشرون: غسل دخول (الكعبة).
(و) الخامس والعشرون: غسل دخول (المدينة).
(و) السادس والعشرون: غسل دخول (مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)).
واستحباب هذه الأغسال المكانية، لما في صحيحة ابن مسلم من قوله (عليه السلام):
" الغسل في سبعة مواطن - وعد منها - إذا دخلت الحرمين، ويوم تدخل البيت " (2)،
وقوله (عليه السلام) في رواية سماعة، على ما رواه الصدوق: " وغسل دخول الحرم واجب،
ويستحب أن لا يدخله إلا بغسل " (3).
(و) السابع والعشرون: (غسل المولود) لرواية أبي بصير، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) عن آبائه عليهم السلام عن علي (عليه السلام) قال: " أغسلوا صبيانكم من الغمر،
فإن الشيطان يشم الغمر، فيفزع الصبي في رقاده، ويتأذى به الكاتبان " (4). وفي
العيون روى عن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه عليهم السلام، قال: " قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله)... " (5) وذكر الحديث.

(1) روض الجنان / 18.
(2) الوسائل 3 / 307 ب (1) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (11)، وفيه: " الغسل في سبعة عشر
موطنا ".
(3) من لا يحضره الفقيه 1 / 45 / ح 176، والوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (3).
(4) الوسائل 3 / 337 ب (27) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (1).
(5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 / 69 / ح (320).
176

ويحتمل قريبا أن يكون المراد به الغسل - بالفتح - لشدة مناسبته مع العلة
أيضا، كما لا يخفى.
نعم، هو بالضم في قوله: " وغسل المولود واجب ". قطعا في رواية سماعة (1)،
لإدراجه بين الأغسال. وحيث أطلق الوجوب في هذه الرواية على ما ليس
بواجب إجماعا من الأغسال، لا يبقى وثوق بإطلاقه عليه بمعناه، وإن أفتى به
شاذ (2)، فهو بمعنى تأكد الاستحباب مجازا، أو الثبوت شرعا، فلا يكون قاطعا
للأصل، ولذا أفتى المشهور بالإستحباب (3)، فلا منافاة بين استحبابه، واستحباب
الغسل، لما عرفت.

(1) الوسائل 3 / 304 ب (1) من أبواب الأغسال المسنونة / ح (3).
(2) نسبه إلى الشاذ في المعتبر 1 / 358، ولاحظ الوسيلة: 54، ولمزيد الإطلاع راجع مفتاح الكرامة
10 / 18.
(3) المقنعة / 51، والمبسوط 1 / 40، والمهذب 1 / 33، والسرائر 1 / 125، والمعتبر 1 / 358، ومنتهى
المطلب 2 / 478، ومدارك الأحكام 2 / 174.
177

الباب الرابع: في التيمم...
(الباب الرابع: في التيمم)
وهو لغة، القصد، قال الله تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث) * (1) الآية * (فتيمموا
صعيدا طيبا) * (2) الآية. وفي الشرع الضرب في الأرض، ومسح الوجه واليدين، أو
نفس المسحات. ويحتمل أن يكون بهذا المعنى في الآية، بناء على أن يكون
" صعيدا " منصوبا بنزع الخافض.
(و) هو إنما (يجب (3) عند) العجز من التطهير بالماء عادة، أو شرعا، ويتحقق
العجز عند (فقد الماء) حضرا، أو سفرا، طويلا أو قصيرا، لإطلاق الروايات (4)
مضافا إلى دعوى الاجماع عن الخلاف (5) على تعميم السفر (أو) عند (تعذر

(1) سورة البقرة / 267.
(2) سورة النساء / 43 وسورة المائدة / 6. وفي المطبوع والمخطوط: (وتيمموا).
(3) في المخطوط: (يصح) بدل (يجب).
(4) لاحظ الوسائل 3 / 343 ب (1 - 3) من أبواب التيمم.
(5) الخلاف 1 / 148 / مسألة (96).
179

استعماله) شرعا (لمرض شديد) يخاف حدوثه، أو زيادته، أو استمراره، أو عسر
علاجه، للأخبار المستفيضة الواردة في الجريح، والقريح، والكسير، والمجدور،
والمبطون (1) (أو) كان تعذر استعماله كذلك، من (برد) يخاف منه على نفسه، لرواية
أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح، أو
يخاف على نفسه من البرد، فقال: " لا يغتسل ويتيمم " (2). وبمضمونه رواية داود
السرحان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) [أو خوف عطش (4)] (أو) كان تعذر استعماله
لأجل (عدم آلة) من حبل، أو دلو، أو غيرهما (يتوصل بها إليه) لما روي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) بطرق عديدة، من أمره الجنب بالتيمم إذا مر بالركية، وليس فيه دلو،
ونهيه عن الوقوع فيها، معللا بأن رب الماء هو رب الأرض (5) (أو) كان تعذره
لأجل الحاجة إلى (ثمن) لا يتمكن منه، أو (يضره) صرفه بحاله (في الحال) أو في
الاستقبال، لأدلة الضرر (6). (ولو لم يضره، وجب) صرفه في تحصيل الماء (وإن
كثر) للمقدمة، ولأخبار منها: الصحيح: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عمن احتاج إلى
الوضوء، ولا يقدر على ماء، فوجد قدر ما يتوضأ به بثمنه [بمائة] (7) درهم، أو ألف
درهم، وهو واجد لهما، يشتري ويتوضأ، أو يتيمم؟ قال: " لا، بل يشتري قد

(1) لاحظ الروايات في الوسائل 3 / 346 ب (5) من أبواب التيمم.
(2) الصحيح أنها عن الرضا (عليه السلام) وأن الراوي لها محمد بن أبي نصر البزنطي، انظر الوسائل 3 / الباب المتقدم
/ ح (7)، ولاحظ جواهر الكلام 5 / 104.
(3) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (8).
(4) ما بين الحاصرتين من التكملة.
(5) لاحظ الوسائل 3 / 343 ب (3) من أبواب التيمم / ح (1 و 3 و 4).
(6) لاحظ الوسائل 25 / 399 ب (5) من أبواب الشفعة / ح (1) و (2) وص 427 ب (12) من كتاب إحياء
الموات.
(7) من المصدر.
180

أصابني مثل هذا فاشتريت، وتوضأت " (1). مضافا إلى دعوى الاجماع عليه من
الخلاف (2) ومن ظاهر الغنية (3) وعن المهذب البارع: أنه قول فقهائنا (4).
(ويجب) عند فقد الماء (الطلب) شرطا، إذا احتمل الإصابة، واتسع الوقت،
ولم يخف به على محترم، مباشرة أو بنيابة الغير المعتمد عليه، ولو مع إمكان
مباشرته، لحصول الغرض بذلك أيضا، وذلك للاجماع عن غير واحد (5) ولخبر
النوفلي عن السكوني، عن الباقر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن علي (عليه السلام): " يطلب الماء في
السفر، إن كان الحزونة فغلوة، وإن كانت سهولة فغلوة سهمين، ولا يطلب أكثر من
ذلك " (6). بناء على ما هو الظاهر فيه من الوجوب الشرطي، فيضرب في الأرض
(غلوة سهم) أي رميته أبعد ما يقدر عليه معتدل القوة، والسهم، والقوس، مع
سكون الهواء، كما عن كشف اللثام انه المعروف (7). فإن كان إجماعا، وإلا فالظاهر
كفاية مقدار متعارف رميه (في) الأرض (الحزنة) المشتملة على الأشجار،
والأحجار، والعلو، والهبوط (و) غلوة (سهمين، في) الأرض (السهلة) الخالية عن
تلك (من جوانبه الأربع) في ما احتمل وجوده في كل منها، وإلا ففي خصوص
الجانب الذي يحتمله فيه قطعا، ضرورة أنه لا معنى للطلب مع القطع بالعدم، وقد

(1) الوسائل 3 / 389 ب (26) من أبواب التيمم / ح (1).
(2) الخلاف 1 / 166 / مسألة (117).
(3) لاحظ غنية النزوع / 64.
(4) المهذب البارع 1 / 198.
(5) الخلاف 1 / 147 / مسألة (95)، وغنية النزوع / 64، وجامع المقاصد 1 / 465.
(6) الوسائل 3 / 341 ب (1) من أبواب التيمم / ح (2)، والصحيح كما في المصدر " عن السكوني عن جعفر
ابن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام... ".
(7) كشف اللثام 2 / 435.
181

أمر به. وقد نسب هذا التفصيل إلى المشهور (1)، وحكي عليه الاجماع عن صريح
الغنية (2) وظاهر التذكرة (3)، والتنقيح (4). ومدركه خبر النوفلي (5) المنجبر ضعفه
بعمل المشهور على طبقه، مضافا إلى ما عن الحلي من دعوى تواتره (6).
(ولو كان عليه نجاسة ولم يفضل الماء عن إزالتها) ليتوضأ، أو يغتسل (تيمم
وأزالها به) تعيينا وإن كان مقتضى ثبوت المقتضي لكل من الطهارتين التخيير
بينهما، حيث لم يعلم لأحدهما ترجيح.
ومجرد أن الطهارة الحدثية المائية لها بدل، بخلاف الطهارة الخبثية، لا ينهض
لتعيين الثانية، لعدم كون البدل اختياريا وفي عرض المائية، وإنما المعين دعوى
الاجماع عليه في محكي التذكرة (7) مؤيدا بنفي المحقق - في محكي المعتبر - معرفة
مخالف فيه من أهل العلم (8) فتأمل.
(ويصح) التيمم (بالتراب الخالص، وبأرض النورة، و) بغيرهما مما يقع عليه
اسم الأرض من (الحجر، والجص، والسبخة (9)، والرمل) وغير ذلك فيجزي

(1) المقنعة / 61 والمراسم / 53، والمهذب 1 / 47، وإصباح الشيعة / 48 والسرائر 1 / 135، والشرائع
1 / 56، وجامع المقاصد 1 / 465، وروض الجنان / 119، وجواهر الكلام 5 / 79 - 80.
(2) غنية النزوع / 64 كتاب الطهارة.
(3) لاحظ تذكرة الفقهاء 2 / 150 / مسألة (283).
(4) راجع جواهر الكلام 5 / 77، فإنه حكى دعوى الاجماع على وجوب الطلب اجمالا عن التنقيح، وهو
كذلك لاحظ التنقيح الرائع 1 / 137. وأما التفصيل في مقدار الطلب، فلم أجد من حكى عنه، كما لا يظهر
من التنقيح دعوى الاجماع عليه.
(5) المتقدم في الصفحة السابقة، برقم (6).
(6) السرائر 1 / 135.
(7) تذكرة الفقهاء 2 / 171.
(8) المعتبر 1 / 371.
(9) في التكملة: (وبالسبخة).
182

التيمم بغير التراب من أنحاء الأرض ولو مع التمكن منه، كما هو المحكي عن
المشهور (1)، بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه (2).
الباب الرابع: في التيمم (ما يصح التيمم به)...
ويدل عليه مضافا إلى اطلاقات أخبار طهورية الأرض (3)، وإطلاق قول
الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: " إن فاتك الماء، لم تفتك الأرض " (4). وصحيح ابن
سنان: " إن لم يجد طهورا، فليمسح من الأرض " (5). وصحيح الحلبي: " إن رب الماء
هو رب الأرض " (6)... إلى غير ذلك ومسند الراوندي عن علي ((عليه السلام)): " يجوز التيمم
بالجص، والنورة، ولا يجوز بالرماد، لأنه لا يخرج من الأرض " الخبر (7). وخبر
السكوني، عن جعفر ((عليه السلام)) عن أبيه ((عليه السلام)) عن علي ((عليه السلام)) أنه سئل عن التيمم
بالجص، فقال: " نعم "، فقال: بالنورة؟ فقال: " نعم "، فقيل: بالرماد؟ فقال: " لا، لأنه
لا يخرج من الأرض، إنما يخرج من الشجر " (8) وضعفهما مجبور بفتوى المشهور.
ولا دلالة للأخبار الدالة على طهورية التراب (9)، أو التعليل بأن رب الماء
رب التراب (10) على اختصاص ذلك بالتراب، ليقيد به تلك الإطلاقات. هذا، مع
لزوم الالتزام بطهورية غيره من أنحاء الأرض لا محالة، ولو بعد عدم التمكن منه

(1 و 2) انظر المقنعة / 59 والمبسوط 1 / 31 - 32، وإصباح الشيعة / 50، ومختلف الشيعة 1 / 419 - 420،
ومفتاح الكرامة 1 / 527 - 529 وجواهر الكلام 5 / 118 - 133.
(3) الوسائل 3 / 349 ب (7) من أبواب التيمم / ح (1 - 4).
(4) الوسائل 3 / 384 ب (22) من أبواب التيمم / ح (1).
(5) الوسائل 3 / 368 ب (14) من أبواب التيمم / ح (7).
(6) الوسائل 3 / 343 ب (3) من أبواب التيمم / ح (1).
(7) نوادر الراوندي / 217 / ح (437)، مستدرك الوسائل 1 / 553 ب (6) من أبواب التيمم / ح (2).
(8) الوسائل 3 / 352 ب (8) من أبواب التيمم / ح (1).
(9) الوسائل 3 / 386 ب (24) من أبواب التيمم / ح (2).
(10) الوسائل 3 / 370 ب (14) من أبواب التيمم / ح (13).
183

اجماعا وتخصيصه بالذكر لعله لكونه أكثر وجودا، وأسهل تحصيلا. كما لم يظهر
كون الصعيد بمعنى التراب، لاختلاف اللغويين في معناه (1)، وغالبهم، على ما حكي
عنهم (2)، أنه بمعنى الأرض. وقد عرفت أنه لا بد من أن يراد الأعم من التراب،
بملاحظة حالتي التمكن منه وعدمه. فانقدح أنه يجزي التيمم بمطلق الأرض مطلقا
(وإن كان الأحوط مع التمكن) عدم التجاوز عن (التراب الخالص) خروجا عن
شبهة الخلاف.
(ومع فقدها) أي أنحاء الأرض (يتيمم (3) بغبار الثوب، ونحوه مما يشتمل
على غبار الأرض) وذلك لصحيح زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): " إن أصابه الثلج
فلينظر في لبد سرجه، فليتيمم من غباره، أو شئ مغبر. وإن كان في موضع لا يجد
إلا الطين، فلا بأس أن يتيمم منه " (4). وصحيح رفاعة، عن الصادق (عليه السلام) " إن كان في
ثلج فلينظر... " (5).
ويدل على تقدمه على الوحل مضافا إلى ظاهر ذيلهما، خبر أبي بصير، عن
الصادق (عليه السلام): " إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم، فإن الله أولى بالعذر إذا
لم يكن معك ثوب جاف، أو لبد تقدر أن تنفضه " (6).
ولا يعارضها خبر زرارة، عن أحدهما عليهما السلام، إذ سأل عن رجل

(1) لاحظ معجم مقاييس اللغة 3 / 287 " صعد "، والصحاح 2 / 498 " صعد "، ولسان العرب 7 / 343 -
344 " صعد ".
(2) كما نسبه في الحدائق 4 / 293 - 294، إلى أكثرهم.
(3) في التكملة: (تيمم).
(4) الوسائل 3 / 353 ب (9) من أبواب التيمم / ح (2). بتفاوت في اللفظ مع خلط ببعض ألفاظ حديث
رفاعة الآتية.
(5) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (4).
(6) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (7).
184

دخل أجمة ليس فيها ماء، وفيها الطين، ما يصنع؟ قال: " يتيمم، فإنه الصعيد ".
قلت: فإنه راكب لا يمكنه النزول من خوف، قال " إن خاف على نفسه من سبع،
أو غيره، وخاف فوات الوقت، فليتيمم فيضرب بيديه على اللبد والمدرعة (1)،
ويتيمم ويصلي " (2). فإن الظاهر أن المراد من لفظ " الطين " ما تماسك منه، وجف
بقرينة الحكم عليه بأنه الصعيد، وليس الوحل بصعيد، وبعد إرادة أنه كان صعيدا،
مع بعد الركوب في الوحل وخوف السبع وإن أبيت فلا أقل من عدم كونه ظاهرا في
الوحل. (و) لذا (لو لم يجد) شيئا أرضا، ولا غبارا (إلا الوحل تيمم به).
الباب الرابع: في التيمم (كيفيته)...
(وكيفيته) أي التيمم (أن يضرب) تعيينا، أو يكفي أن يضع ولو لم يكن له ما
لابد منه في الضرب من الدفع والاعتماد؟ فيه خلاف، منشؤه اختلاف الأخبار،
ولعل الاكتفاء بمطلق الوضع أقوى، فإن أخباره (3) في كفايته أظهر من أخبار
الضرب (4) في اعتباره. ولعل التعبير به لكون الوضع غالبيا، أو قل أن يتفق حدوث
الوضع بلا دفع واعتماد ما، إلا أن يعمد إلى الخالي عنهما.
لا يقال: لعل إطلاق الوضع ورد مورد الغالب.
فإنه يقال: لولا أن الظاهر أن الغرض من الضرب - وهو قصد الصعيد -
حاصل بمطلق الوضع، فتأمل.
وكيف كان فإن الأحوط أن يضرب (بيديه على الأرض) شطرا، كما عن

(1) في المصدر: (أو البرذعة).
(2) الوسائل 3 / 354 ب (9) من أبواب التيمم / ح (5).
(3) لاحظ الوسائل 3 / 359 ب (11) من أبواب التيمم / ح (4) و (5) و (8) وص 365 ب (13) من هذه
الأبواب / ح (3).
(4) لاحظ الوسائل 3 / 354 ب (9) من أبواب التيمم / ح (5) وص 358 ب (11) من هذه الأبواب / ح
(1) و (3) و (6) و (7) و (9) وص 361 ب (12) من هذه الأبواب / ح (2 - 5).
185

الأكثر (1)، لا شرطا، كما هو ظاهر من عرفه بالمسحات، أو اعتبر مقارنة النية لمسح
الجبهة، لظهور المستفيضة (2) الناصة على الضرب قولا، أو فعلا الواردة لبيان كيفية
التيمم ابتداء، أو بعد السؤال عنها، في كونه من مقوماته، لا من مقدماته.
وقد احتج لكونه شرطا بإطلاق الآية (3)، وإطلاق التيمم على ما بعد
الضرب في خبر زرارة المتقدم (4)، وبرواية أنه نصف الوضوء (5).
وفيه: إن إطلاق الآية في مقام تشريع التيمم، لا في مقام بيان كيفيته بتمامها،
مع احتمال أن يكون التيمم والمسح المأمور بهما فيها، هما التيمم، بأن يكون المراد
من المأمور به فيها قصد الصعيد على نحو خاص مبين في الأخبار، من وضع اليدين
أو ضربهما عليه عن قصد وعمد إليه.
وإطلاق التيمم على ما بعد الضرب في الرواية، معارض بإطلاقه على ما قبل
الضرب فيها، فلا بد من الحمل على إتمام التيمم بعد الشروع فيه بضرب اليدين،
مضافا إلى عدم مقاومتها للمستفيضة من جهات، كما لا يقاومها رواية النصف، كما
لا يخفى.
فظهر أنه لا بد من أن يضرب باليدين حال كونه (ناويا) إتيانه بداع (6) قربي،

(1) راجع ذكرى الشيعة 2 / 258 و 259، وجامع المقاصد 1 / 489 - 490، ومدارك الأحكام 2 / 217،
وكشف اللثام 2 / 469، وجواهر الكلام 5 / 179 - 180.
(2) تقدمت برقم (4) في الصفحة السابقة.
(3) سورة النساء / 43، وسورة المائدة / 6.
(4) برقم (2) في الصفحة السابقة.
(5) الوسائل 3 / 386 ب (24) من أبواب التيمم / ح (1).
(6) في المخطوط والمطبوع: (بداعي).
186

كما مر تفصيله في الوضوء (1)، لكونه عبادة، قطعا، بل إجماعا - بقسميه - منا ومن
سائر المسلمين، عدا ما عن الأوزاعي، والحسن بن حي أو صالح، كما ادعاه بعض
الأجلة (2)، مع أن الأصل كما حققناه في ما إذا شك في التعبدية والتوصلية، الاشتغال
عقلا (3) - ولو قيل بالبراءة في الشك بين الأقل والأكثر الإرتباطيين كذلك - أو نقلا.
ثم الظاهر أنه لا يعتبر فيه قصد بدليته عما هو بدله من خصوص الغسل أو
الوضوء، لخروج اتصافه بها عن حقيقته واختلافهما بحسب الحقيقة لا يوجب
اختلاف حقيقته، مع أنه لا يوجب اعتبار قصد البدلية، بل إنما يوجب تعيين
حقيقته والإشارة إليها بوجه يميزها، كما لا يخفى.
ومنه انقدح أنه لا يعتبر أن يعينه لو خوطب بتيممين، ويكون من التكليف
بفعل مرتين.
وتوهم لزوم تعيين ما يوقعه، لتوقف صدق امتثال كل من الخطابين عليه،
فاسد، أولا: بأن التوقف إنما يكون في ما لا يرجعان إلى التكليف به مرتين، وفي ما
اتحدت حقيقته لا محالة يرجعان إليه.
وثانيا: لو سلم التوقف، فإنما هو في ما إذا وجب امتثال الخطابين، وكان
الخطاب في البين تعبديا لا يسقط إلا بامتثاله. وما نحن فيه ليس كذلك، لأن الأمر
الغير (4) المتوجه إليه إيجابا كان أو استحبابا يكون توصليا، وإنما عباديته واعتبار
قصد القربة فيه لاستحبابه النفسي ذاتا، في زمان وجوبه أو استحبابه الغيريين، كما

(1) في ص / 55.
(2) لاحظ المعتبر 1 / 390، وتذكرة الفقهاء 2 / 187 / مسألة (304).
(3) انظر كفاية الأصول / 75.
(4) كذا.
187

حققناه في باب مقدمة الواجب في البحث وغيره (1).
ثم لا يذهب عليك إنه لا يتفاوت في ما ذكرنا اختلاف كيفيته، واتحادها، إذ لا
يوجب اختلاف الكيفية الاختلاف بحسب الحقيقة، لإمكان أن يكون من قبيل
القصر والإتمام في الصلاة، كما أن اتحادها لا يستلزم الاتحاد بحسبها، لاختلاف
حقيقة الظهر والعصر، ونافلة الصبح وفريضتها، كما لا يخفى.
(وينفضهما) أي اليدين قبل المسح، وبعد الضرب (مستحبا) كما جعله في
محكي المنتهى مذهب علمائنا (2).
ويدل عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) " تضرب بيديك ثم
تنفضهما " (3) وفي خبر ابن أبي مقدام في وصف الصادق (عليه السلام) التيمم: فضرب بيديه
على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح (4). وغيرهما (5). وهي متعينة الحمل على
الاستحباب، فإن سكوت أخبار كثيرة عنه (6)، مع كونها في مقام البيان أظهر في
عدم وجوبه منها في وجوبه، كما لا يخفى. مضافا إلى الاجماع من غير واحد على
عدم وجوبه (7) (ويمسح بهما وجهه) لا بإحداهما للتيممات البيانية قولا وفعلا (8)

(1) انظر كفاية الأصول / 111.
(2) منتهى المطلب 3 / 96.
(3) الوسائل 3 / 360 ب (12) من أبواب التيمم / ح (4).
(4) الوسائل 3 / 360 ب (11) من أبواب التيمم / ح (6).
(5) لاحظ الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (3) و (7) وص 361 ب (12) من أبواب التيمم / ح (2).
(6) انظر الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (1) و (2) و (4) و (5) و (8) و (9)، وص 362 ب (12) من أبواب
التيمم / ح (5).
(7) تذكرة الفقهاء 2 / 196 / فرع (ج)، ومدارك الأحكام 2 / 236.
(8) لاحظ الوسائل 3 / 358 ب (11) من أبواب التيمم.
188

خلافا للإسكافي (1) إذ اجتزى باليمنى، وللأردبيلي (2) إذ استظهر الإجتزاء بأيهما،
على ما حكي عنهما. ولا دليل على تعيين الإسكافي. وسند الأردبيلي، إن كان
الأصل فمنقطع، أو إطلاق الآية - فمضافا إلى أنه ليس في مقام البيان - مقيد، أو
أخبار " فوضع يده " (3) فهي محمولة بعد معارضتها بأخبار " فوضع يديه " (4) مع وحدة
القضية المحكية، على الجنسية المبهمة المبينة بأخبار التثنية (5).
ثم إنه يعتبر أن يكون المسح بباطنهما، لكونه المنساق من الإطلاق، كما
هو المتعارف والمعهود.
كما أنه يعتبر أن يكون (من قصاص الشعر) على الجبهة والجبينين (إلى طرف
الأنف) الأعلى وطرف الحاجبين، اتفاقا في الجبهة، محصلا ومنقولا في محكي
الذكرى (6) وجامع المقاصد (7) والروض (8) والروضة (9) والمدارك (10). وعن جماعة
الاجماع عليه (11). وعلى المشهور في محكي مجمع البرهان (12)، خلافا لما استظهر من

(1) حكاه عنه العلامة في المختلف 1 / 430 و 434 والشهيد في الذكرى 2 / 265.
(2) انظر مجمع الفائدة والبرهان 1 / 237.
(3) الوسائل 3 / 358 ب (11) من أبواب التيمم / ح (2)، وص 365 ب (13) من هذه الأبواب / ح (3).
(4) الوسائل 3 / 359 ب (11) من أبواب التيمم / ح (4).
(5) لاحظ الوسائل 3 / 358 ب (11) من أبواب التيمم / ح (1) و (6) و (7)، وص 361 ب (12) من هذه
الأبواب / ح (2) و (4) و (5).
(6) ذكرى الشيعة 2 / 263.
(7) جامع المقاصد 1 / 490.
(8) روض الجنان / 126.
(9) الروضة البهية 1 / 455.
(10) مدارك الأحكام 2 / 219.
(11) لاحظ الانتصار / 32 / مسألة (24) والغنية / 63، كتاب الطهارة، وانظر مفتاح الكرامة 1 / 542.
(12) مجمع الفائدة والبرهان 1 / 234.
189

علي بن بابويه من إيجاب استيعاب الوجه (1). ولمن أضاف الحاجبين إلى الجبهة
والجبين، كما عن جامع المقاصد (2). ولمن اقتصر على مسح الجبهة بمعناها اللغوي
المقابل للجبينين كما عن الجعفرية (3). ولمن خير بين استيعاب الوجه ومسح بعضه،
لكنه لا يقتصر على أقل من الجبهة، كما عن المعتبر (4). وعن المدارك انه حسن (5).
وهذا الخلاف في الجملة لاختلاف الأخبار في ذكر الممسوح (6). والتوفيق
بينها يقتضي ما عليه المشهور، لأن مسح الوجه لا يقتضي استيعابه، لصدق مسحه
بمسح بعضه، كما هو قضية أخبار الجبهة والجبين - مثنى ومفردا - على كثرتها (7).
وإن أبيت إلا عن الظهور في الاستيعاب، فأخبارهما في الإجتزاء بالبعض أظهر.
هذا مضافا إلى بيان الباقر (عليه السلام) في صحيحة زرارة (8)، أنه المراد منه في تفسيره
الآيتين، لو لم نقل بظهورهما فيه، لمكان دخول " الباء " على متعلق المسح المتعدي
بنفسه الموجب للظهور في كفاية إلصاق المسح به. كما أن أخبار الجبين - مثنى
ومفردا - في اعتبار مسح الجبين، والجبهة في البين، أظهر من أخبار الجبهة في
الاقتصار عليها بمعناها اللغوي، فإن الجبهة وإن كانت لغة خصوص ما بين

(1) حكاه عنه العلامة في المختلف 1 / 426.
(2) لاحظ جامع المقاصد 1 / 490 - 491.
(3) انظر جواهر الكلام 5 / 200.
(4) المعتبر 1 / 386.
(5) مدارك الأحكام 2 / 222.
(6) انظر الوسائل 3 / 358 ب (11) من أبواب التيمم، وص 361 ب (12) من هذه الأبواب / ح (1 - 5)
وص 365 ب (13) من هذه الأبواب / ح (1) و (3).
(7) الوسائل 3 / 359 ب (11) من أبواب التيمم / ح (3) و (6) و (8) و (9).
(8) الوسائل 3 / 364 ب (13) من أبواب التيمم / ح (1).
190

الجبينين (1)، إلا أنه قد شاع استعماله في المجموع المركب منهما ومما في البين مجازا
لعلاقة الجزء والكل، أو المجاورة، حتى ادعي - على ما حكي - أنه صار مجازا
مشهورا، أو حقيقة عرفية (2). كما أن أخبار الجبين مثنى (3)، ظاهرة في اعتبار
مسحهما، فيقيد بها إطلاق أخباره مفردا (4)، لو سلم إطلاقها.
وقد ظهر أنه لا وجه للذهاب إلى التخيير بعد ما في صحيحة زرارة من
التفسير، كما أنه لا مدرك لإضافة الحاجبين إلى الجبينين، إلا ما لا بد من مسحهما
مقدمة.
(ثم يمسح ظهر كفه الأيمن) أي بعد مسح الجبهة (ببطن كفه الأيسر، ثم) يمسح
(ظهر كفه الأيسر، ببطن) كفه (الأيمن، من الزند إلى أطراف الأصابع).
أما وجوب مسحهما فللأخبار البيانية قولا وفعلا (5)، مع أنه من ضروريات
المذهب.
وأما أنه من الزندين إلى أطراف الأصابع، فلغير واحد من الأخبار، منها:
صحيحة (6) زرارة، عن الباقر (عليه السلام): ثم مسح وجهه وكفيه، ولم يمسح الذارعين (7). و

(1) انظر لسان العرب 2 / 172.
(2) لم أجد من حكى هذه الدعوى. نعم في مصابيح الظلام (شرح المفاتيح) 4 / 300: ولعل اطلاق لفظ
الجبهة على المركب من الجبينين شائع متعارف سيما في المقام.
وفي جواهر الكلام 5 / 197، احتمل كون الجبهة ما يشمل الجبينين حقيقة عرفا.
(3) من لا يحضره الفقيه 1 / 57 / ح 212، الوسائل 3 / 360 ب (11) من أبواب التيمم / ح (8).
(4) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (3) و (6) و (8) على نقل، و (9).
(5) لاحظ الوسائل 3 / الباب المتقدم، وص 361 ب (12) من هذه الأبواب، وص 364 ب (13) من هذه
الأبواب.
(6) في المخطوط شطب على لفظ (صحيح) من (صحيح زرارة) وكتب بدله، (صريح زرارة).
(7) الوسائل 3 / 359 ب (11) من أبواب التيمم / ح (5).
191

صحيح إسماعيل بن همام، عن الرضا (عليه السلام) " التيمم ضربة للوجه، وضربة للكفين " (1)
مضافا إلى دعوى الاجماع عليه من ظاهر محكي الانتصار (2)، وصريح الغنية (3)
وعن الأمالي انه من دين الإمامية (4).
وأما أنه ببطن الكف، فلما عرفت في مسح الوجه من أنه المنساق والمعهود
المتعارف.
وأما الترتيب بين الوجه والكفين، وبين الأيمن والأيسر، فمضافا إلى دعوى
الاجماع عليه صريحا، أو ظاهرا من الأعاظم (5) صحيح زرارة المروي في
مستطرفات السرائر (6)، عن أبي جعفر (عليه السلام): " ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعمار: بلغنا أنك
أجنبت، فكيف صنعت؟ " فقال: تمرغت يا رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " (7)
فقال: " كذلك يتمرغ الحمار، أفلا صنعت هكذا " ثم أهوى بيده الأرض، فوضع على
الصعيد، ثم مسح جبينه بأصابعه، ثم مسح بكفيه، كل واحدة على الأخرى، ثم لم

(1) الوسائل 3 / 361 ب (12) من أبواب التيمم / ح (3).
(2) الانتصار / 32 / مسألة (24).
(3) غنية النزوع / 63 / كتاب الطهارة.
(4) ما في أمالي الصدوق / 745 / ح (1006)، أنه: عليه مضى مشايخنا (رضي الله عنهم) وقد قال قبل ذلك
في بيان دين الإمامية في التيمم: ثم يضرب بيده اليسرى الأرض فيمسح بها يده اليمنى من المرفق إلى
أطراف الأصابع ثم يضرب بيمينه الأرض فيمسح بها يساره من المرفق إلى أطراف الأصابع.
هذا ولكن ورد في هامش النسخة ما يدل على اختلاف نسخ الأمالي، فلاحظه، ولا حظ جواهر
الكلام 5 / 202.
(5) الخلاف 1 / 138 / مسألة (82)، وغنية النزوع / 64 / كتاب الطهارة ومفاتيح الشرائع 1 / 62.
(6) الظاهر أنه سهى قلمه الشريف هنا، فإن الرواية بهذا السياق، لم أجدها في مستطرفات السرائر، وإنما
أوردها الصدوق (رحمه الله) في الفقيه 1 / 57 / ح (212).
(7) من المخطوط، حيث رسم فيه (ص).
192

يعد ذلك (1). في الترتيب بين الوجه والكفين.
وربما استدل على الترتيب بين الكفين، بصحيح محمد بن مسلم، عن
الصادق (عليه السلام) سألته: كيف التيمم؟ فضرب بكفيه الأرض، ثم مسح بهما وجهه، ثم
مسح بشماله الأرض فمسح من مرافقه يمنة إلى أطراف الأصابع، واحدة على
ظهرها، وواحدة على بطنها، ثم مسح بيمينه الأرض، ثم صنع بشماله كما صنع
بيمينه (2).
وفيه - مضافا إلى اشتماله على ما لا نقول به - لا دلالة له على الترتيب، فإن
الترتيب الخارجي في فعله (عليه السلام) الذي حكاه السائل لا دلالة له على وجوبه، فإن
الابتداء بمسح أحدهما لابد منه، فلعل الابتداء بمسح اليمين من باب الإتفاق، أو
رجحانه من باب رجحان التيامن.
اللهم إلا أن يضم إليه أنه ورد في بيان أمر توقيفي اخترعه الشارع فيلزم حمل
كل ما تضمنه من الكيفيات على اعتباره شطرا، أو شرطا حتى يعلم خلافه من
دليل خارجي. وهو محل النظر، بل المنع، إذ اللازم ليس إلا عدم الإخلال لما اعتبر
فيه جزء، أو شرطا، لا عدم إدخال غيرهما مما لا بد من إدخاله، أومن إدخال مثله
عادة، أو مما فيه رجحان شرعا.
وأضعف من هذا ما عن الوحيد البهبهاني (3) من الاستشهاد بقاعدة البدلية،
حيث إن أهل العرف إذا علموا كيفية المائية ثم سمعوا أن الله جعل التراب بدل الماء
تبادر إلى أذهانهم كون الترابية بهيئة المائية. وإن علمت المخالفة في بعض الأشياء،

(1) الوسائل 3 / 360 ب (11) من أبواب التيمم / ح (8)، بتفاوت، وهي عن الفقيه لا عن مستطرفات
السرائر، كما تقدم في الهامش (15)، في الصفحة السابقة.
(2) الوسائل 3 / 362 ب (12) من أبواب التيمم / ح (5)، بتفاوت.
(3) شرح مفاتيح الشرائع (مصابيح الظلام) 4 / 377، وذكر أيضا هذه القاعدة في الفوائد الحائرية / 431.
193

اقتصر عليه كما كشف عن هذا فهم عمار، وهو من أهل اللسان والتدين، فلولاه
كان عليه أن يسأل، أو يتوقف إلى أن يسأل، كي لا يشرع في عبادته. مع أنه لم
ينكر عليه ما تخيله بأنك من أين أخذته؟ فما هو إلا لاجتهاده في الدليل وإن
انكشف خطؤه، ولمعذوريته مازحه النبي (صلى الله عليه وآله) بما مازحه به، ضرورة أن البدلية
غير مقتضية للاتحاد بحسب الكيفية ثبوتا، ولا إثباتا، لوضوح عدم دلالة دليل
شرع البدل على ذلك بإحدى الدلالات ووهم أحد وقطعه به اتفاقا لا يكشف عن
دلالته، وإلا كان لعمار الاعتذار بذلك، ومعذوريته إنما كانت (1) لقطعه به، لا
لاستناده إلى دلالة الدليل الظاهر فيه، وإلا كان ينبغي له (صلى الله عليه وآله) أن يقول له: إن دليل
البدلية وإن كان يقتضي ما صنعت، إلا أن هاهنا قاعدة البدلية قد تخلفت، لا أن
يمازحه بما يشعر بسوء فهمه في قطعه ووهمه والعجب أنه استظهر - على ما حكي
عنه - من المنتهى والتذكرة أن هذه القاعدة مستند المجمعين (2).
وبملاحظة ما ذكرنا يتضح وجه تشكيك الأردبيلي في الحكم، إن لم يكن
الترتيب بين الكفين إجماعيا، أمكن القول بعدم وجوبه للأصل، وإطلاق الآية
وبعض الأخبار (3).
أقول: سيما قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: ثم مسح بكفيه كل واحدة على
الأخرى (4).

(1) في المخطوط: (كان).
(2) قال في شرح المفاتيح (مصابيح الظلام) 4 / 379 - بعد الاستدلال على اعتبار الترتيب في التيمم - ومن
هذا نرى العلامة في التذكرة ادعى الاجماع على وجوب تقديم اليمنى على اليسرى في التيمم، وقال لأنه
بدل مما يجب فيه التقديم وجعل البدلية سندا لإجماع المجمعين ويظهر منه ان جميع المجمعين سندهم هو
البدلية.
ولم يتعرض هنا للمنتهى، راجع تذكرة الفقهاء 2 / 196 / مسألة (308).
(3) لاحظ مجمع الفائدة والبرهان 1 / 237.
(4) الوسائل 3 / 360 ب (11) من أبواب التيمم / ح (9).
194

فإنه كالصريح في بيان عدم اعتبار الترتيب بينهما، كما لا يخفى.
ثم إن كيفيته (1) ذلك مطلقا (سواء كان بدلا من الغسل، أو الوضوء) لما مر من
الأخبار البيانية قولا وفعلا (2) الظاهرة في الإجتزاء بضربة واحدة، مع اختصاص
بعضها بما هو بدل غسل الجنابة كأخبار عمار (3). وصريح حريز عن زرارة، عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: كيف التيمم؟ فقال: " هو ضرب واحد للوضوء، والغسل من
الجنابة، تضرب بيديك مرتين، ثم تنفضهما مرة للوجه، ومرة لليدين " (4) صريح في
التسوية، وأن التيمم في ما هو بدل الغسل أو الوضوء نحو واحد، وإن كان ظاهرا في
اعتبار مرتين، كسائر أخبارهما (5)، إلا أن الأخبار الظاهرة في الاجتزاء في المرة (6)
مطلقا أظهر منها في اعتبارهما، لاحتمال أخبارهما (7) لكون التيمم معهما أفضل،
وكان حال الزائد على المرة حال النفض. والجمع بين أخبار المرة وأخبار المرتين،
بحمل أخبارها على خصوص ما هو بدل الوضوء، وحمل أخبارهما على ما هو بدل
الغسل، ليس بعرفي. مع إباء نقل فعله، أو قوله في بيان التيمم ابتداء أو عند السؤال
عنه بلا استفصال في أخبار الطرفين، عن ذلك الحمل. مع أنه كالممتنع في أخبار
عمار، مع كون النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) في حكاية ما جرى بينه وبين عمار، بصدد بيان
الكيفية من جميع الجهات، كما لا يخفى.

(1) في المطبوع: (كيفية).
(2) الوسائل 3 / 358 ب (11) من أبواب التيمم.
(3) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (2) و (4) و (8) و (9).
(4) الوسائل 3 / 361 ب (12) من أبواب التيمم / ح (4).
(5) لاحظ الوسائل 3 / الباب المتقدم.
(6) انظر الوسائل 3 / 358 ب (11) من أبواب التيمم.
(7) في المخطوط: (اختيارهما).
195

(وإن كان الأحوط أن يضرب ضربتين) متعاقبتين (للوجه، واليدين،
وأخرى (1) لليدين. ويجب الترتيب) (2) كي يعمل بجميع الأخبار الواردة في كمية
الضرب وكيفيته، ويخرج به عن شبهة الخلاف، واعتبار الضربتين في ما هو بدل
الغسل والوضوء، أو اعتبارهما في ما هو بدل الغسل والاجتزاء بالواحدة في ما هو
بدل الوضوء.
(وينقضه كل نواقض الطهارة، ويزيد عليه) أي على نقضه بنواقضها، أن
(وجود الماء مع التمكن من استعماله) ينقضه، لصحيحة زرارة، قال: قلت لأبي
جعفر (عليه السلام): يصلي الرجل بوضوء واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ قال: " نعم، ما لم
يحدث "، قلت: فيصلي بتيمم واحد صلاة الليل والنهار؟ قال: " نعم، ما لم يحدث،
أو يصب ماء " (3) الخبر. وفي رواية أبي أيوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إذا رأى الماء
وكان يقدر عليه انتقض التيمم " (4) وغيرهما (5). (و) عليه (لو وجده) كذلك (قبل
الشروع في الصلاة تطهر) به، لانتقاض تيممه (وكذا) يتطهر (6) (لو وجده) كذلك
(في أثناء) الصلاة (الفريضة قبل الركوع) ويستأنفها (7)، لصحيح زرارة: قلت: فإن
أصاب الماء وقد دخل في الصلاة؟ قال: " فلينصرف ما لم يركع، وإن كان قد ركع

(1) في المخطوط: (والأخرى).
(2) ليس في المخطوط (ويجب الترتيب). هذا والظاهر أن محله المناسب تلو عبارة الشرح: (والاجتزاء
بالواحدة في ما هو بدل الوضوء). وقد تقدم من الشارح في ص / 192، الكلام في الترتيب.
(3) الوسائل 3 / 377 ب (19) من أبواب التيمم / ح (1).
(4) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (6).
(5) لاحظ الوسائل 3 / الباب المتقدم، وص / 379 ب (20) من هذه الأبواب، وكذا ص 381 ب (21) من
هذه الأبواب.
(6) في المخطوط: (تطهر).
(7) في المخطوط: (واستأنفها).
196

فليمض في صلاته، فإن (1) التيمم أحد الطهورين " (2). وبه يقيد ما دل على مضي
الصلاة مطلقا (3)، وتخصيص عموم ما علل به المضي في الصلاة وعدم النقض
بقوله (عليه السلام) في الصحيح: " لمكان أنه دخلها وهو على طهر وتيمم ".
الباب الرابع: في التيمم (نواقض التيمم)...
وأما لو وجد الماء في أثناء النافلة احتمل مساواته للفريضة للإطلاق، كما
جزم به الشهيدان في محكي البيان (4) والمسالك (5). ويحتمل قويا انتقاض تيممه،
لجواز قطع النافلة اختيارا، فينتفي المانع من استعماله عقلا، وشرعا، كما في
المدارك (6).
قلت: ليس وجه صحة الصلاة بعد الدخول فيها بعد الركوع، أو مطلقا، هو
عدم جواز قطع الفريضة، لوضوح أنه إنقطاع على تقدير الانتقاض، لا القطع المحرم
في الفريضة دون النافلة، بل الوجه هو الدخول في الصلاة وهو على تيمم، وهو
أحد الطهورين، والنافلة لو لم تكن به أولى، فلا أقل من كونها مثل الفريضة، كما لا
يخفى.
مضافا إلى تناول الأخبار (7) لها. ودعوى إنصراف إطلاقها إلى الفريضة
مجازفة، سيما مع اقترانها بالعلة السارية فيها.
(وأما لو وجده بعده) أي الركوع (أتم الصلاة) لصحيحة زرارة السابقة (8).

(1) في المطبوع: (قال).
(2) الوسائل 3 / 381 ب (21) من أبواب التيمم / ح (1).
(3) انظر الوسائل 3 / 382 ب (21) من أبواب التيمم / ح (3).
(4) انظر البيان / 87 - 88.
(5) لاحظ مسالك الأفهام 1 / 116.
(6) مدارك الأحكام 2 / 248.
(7) لاحظ الوسائل 3 / 381 ب (21) من أبواب التيمم.
(8) سبقت في نهاية الصفحة المتقدمة.
197

(ولا يعيد) في الوقت، ولا في خارجه، (ما صلى بتيممه) سواء كان في سفر،
أو حضر.
أما عدم الإعادة في خارج الوقت - فمضافا إلى ما عن المنتهى (1) من دعوى
إجماع أهل العلم عليه، وأن القضاء فرض مستأنف يتوقف على الدلالة، ولا دلالة
- ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " إذا لم
يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصل، فإذا وجد ماء فليغتسل،
وقد أجزأته الصلاة التي صلى " (2). ولا دليل على ما نقل عن السيد (قدس سره) (3) من إعادة
الحاضر إذا وجد الماء.
وأما عدم الإعادة في الوقت - بناء على جواز الصلاة بالتيمم في سعة الوقت
مطلقا، أو مع عدم الرجاء - فللأخبار الصحيحة الدالة على أنه تمت صلاته ولا
إعادة عليه، أو لا يعيد، معللا بأن رب الماء رب الصعيد، أو بدونه (4).
ولا يقاومها من جهات، صحيح ابن يعقوب، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن رجل تيمم وصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة، أم تجوز
صلاته؟ قال: " إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد... " (5). فيحمل على
الاستحباب جمعا.
والجمع بينها وبينه، بحمل الإعادة فيها على الإعادة في خارج الوقت، وإن

(1) منتهى المطلب 3 / 116.
(2) الوسائل 3 / 368 ب (14) من أبواب التيمم / ح (7).
(3) لاحظ المعتبر 1 / 365، ومدارك الأحكام 2 / 237.
(4) انظر الوسائل 3 / 366 ب (14) من أبواب التيمم / ح (1) و (4) و (7) و (9) و (11) و (13 - 17).
(5) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (8). وفيه: عن يعقوب بن يقطين.
198

كان ممكنا - ولعله مدرك ما ذهب إليه العماني (1) والإسكافي (2) من وجوب الإعادة
في الوقت - إلا أنه بعيد فيها جدا، لا يكاد يساعد عليه العرف قطعا.
وربما استدل لعدم الإعادة - مضافا إلى ما ذكر - بقاعدة الاجزاء (3).
الباب الرابع: في التيمم (أحكامه)...
وفيه إن امتثال الأمر الاضطراري كغيره، وإن كان عقلا يقتضي الاجزاء
والإجتزاء به بالنسبة إلى التكليف الاضطراري، وأما بالنسبة إلى التكليف الغير
الاضطراري إذا تمكن منه في الوقت أو في خارجه، فإجزاؤه يتوقف على استيفاء
تمام الغرض به، أو عدم إمكان استيفاء الباقي بالإعادة مع أن عدم استيفاء التمام به
مع التمكن من استيفاء الباقي بها بمكان من الإمكان. فلا بد في الاجزاء من الدلالة
على استيفاء التمام بامتثاله أو على عدم امكان الاستيفاء لما بقي أو دلالة من الخارج
على الاجزاء وعدم الإعادة، وإلا فلا بد من الرجوع إلى إطلاق دليل التكليف
الاختياري، وإطلاق دليل قضائه لو فات في وقته - لو كان - وإلا فإلى أصالة عدم
التكليف، والبراءة عنه.
[ولا يجوز قبل دخول الوقت (4)]
(ويجوز) التيمم (مع الضيق) اتفاقا، نصا (5)، وفتوى.
(وفي حال السعة قولان: أقواهما عدم الجواز، مع الرجاء) واحتمال زوال
العذر، وإصابة الماء قبل ضيق الوقت [للأمر بتأخير التيمم إلى آخر الوقت] (6) أو

(1 و 2) انظر مختلف الشيعة 1 / 447، وذكرى الشيعة 2 / 273.
(3) لاحظ مدارك الأحكام 2 / 238.
(4) أضفنا ما بين الحاصرتين من التكملة.
(5) انظر الوسائل 3 / 384 ب (22) من أبواب التيمم.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط عن المطبوع.
199

إلى خوف فواته في الأخبار المستفيضة معللا بأنه " إن فاتك الماء لم تفتك
الأرض " (1).
والجواز مع عدم الرجاء، والقطع بعدم زوال العذر، لظهور هذه الأخبار في
أن الأمر بالتأخير فيها إنما هو على فرض رجاء زوال العذر، كما لا يخفى. مضافا إلى
ما دل على عدم وجوب الإعادة على من صلى بتيمم، ثم زال العذر مع بقاء
الوقت (2)، والأصل عدم اعتبار التأخير مع عدم الرجاء.

(1) انظر الوسائل 3 / 384 ب (22) من أبواب التيمم.
(2) الوسائل 3 / 368 ب (14) من أبواب التيمم / ح (1) و (4) و (7) و (9) و (11) و (13 - 17).
200

الباب الخامس: في النجاسات...
(الباب الخامس: في النجاسات)
(وهي عشرة):
الأول، والثاني: مسمى (البول والغائط) أو الخرء، أو الروث، أو الرجيع،
عرفا (مما لا يؤكل لحمه من) حيوان (ذي النفس السائلة) أي الدم الخارج عن
العرق بقوة عند قطعه، إجماعا محصلا في الجملة، ومنقولا عن جماعة من
الأعلام (1)، على نحو الكلية، للأخبار في النوعين.
ففي الأول المستفيضة كحسن ابن سنان، أو صحيحه، عن أبي عبد الله ((عليه السلام)):
" اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه " (2). وخبره الآخر بإفراد لفظ البول (3).
ومفهوم موثق عمار الساباطي. عن أبي عبد الله ((عليه السلام)): " كل ما أكل لحمه فلا بأس بما

(1) الخلاف: 1 / 487 / مسألة (230)، والمعتبر 2 / 410، وتذكرة الفقهاء 1 / 49، وكشف الالتباس
1 / 392، ومفاتيح الشرائع 1 / 65، وجواهر الكلام 5 / 273.
(2 و 3) الوسائل 3 / 405 ب (8) من أبواب النجاسات / ح (2) و (3).
201

خرج منه " (1)، وصحيح ابن مسلم عن أحدهما ((عليهما السلام)): في البول يصيب ثوبي،
فقال: " إغسله مرتين، فإنما هو ماء " (2)، وغير ذلك مما يشتمل على الأمر بغسل
الملاقي (3)، المفهوم منه عرفا أنه لتطهيره من النجاسة العارضة، لا التعبد محضا، أو
للتحفظ عن بطلان الصلاة بمصاحبة شئ مما لا يؤكل لحمه، وإن احتمل عقلا.
ويؤيده فهم الأصحاب خلفا عن سلف من الأمر بغسله، الإشارة إلى نجاسته
والإرشاد إليها (4)، كما لا يخفى. هذا مضافا إلى دعوى الاجماع على عدم اعتبار
شئ في ثوب المصلي بعد الإباحة غير الطهارة، وكونه من غير ما لا يؤكل، وغير
ملاصق له (5). وعدم اختصاص الأمر بالغسل بغير الانسان في جميع الأخبار، لولا
اختصاصه به في بعض الأخبار، كصحيح ابن مسلم (6)، بدعوى الانصراف إليه،
ولا بأس بمصاحبة شئ منه لولا نجاسته، مع إطلاق الأمر بالغسل من أبوال
غير (7) المأكول (8)، ولو بعد زوالها بالجفاف وغيره، بحيث لم يبق منها أثر أصلا.
ثم إنه لا فرق في بول الانسان بين الرضيع قبل أكله وغيره، لحسن الحلبي،
سألت أبا عبد الله ((عليه السلام)) عن بول الصبي، فقال: " يصب عليه الماء، فإن كان قدأ كل

(1) الوسائل 3 / 409 ب (9) من أبواب النجاسات / ح (12).
(2) الوسائل 3 / 395 ب (1) من أبواب النجاسات / ح (1)، وليس فيها " فإنما هو ماء ". نعم ورد هذا
الذيل في غسل الجسد منه لاحظ ح (4) و (7) من هذا الباب.
(3) لاحظ الوسائل 3 / الباب المتقدم، وب (2) و (4) و (5) وغيرها من هذه الأبواب.
(4) لاحظ المعتبر 2 / 411، ومنتهى المطلب 3 / 164، وذكرى الشيعة 1 / 110، والتنقيح الرائع 1 / 143،
وكشف الالتباس 1 / 392، ومجمع الفائدة والبرهان 1 / 298، ومدارك الأحكام 2 / 259.
(5) لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري / 303. (ط حجرية - 1307).
(6) المتقدم آنفا، برقم (2).
(7) في المخطوط: (الغير).
(8) الوسائل 3 / 404 ب (8) من أبواب النجاسات.
202

فاغسله غسلا " (1). وغيره (2)، مضافا إلى إطلاق الأخبار (3)، ومعاقد الاجماعات (4).
وخصوص ما عن المرتضى من الاجماع على عدم الفرق بين كبير الانسان
وصغيره، ذكرا أو أنثى (5). وعن العلامة في التذكرة على نجاسة بول الرضيع قبل أن
يطعم (6)، خلافا للإسكافي (7)، فقال: إنه طاهر، مستندا إلى ما لا يقاوم ما ذكر.
الباب الخامس: في النجاسات (البول والغائط)...
وفي الثاني أخبار الاستنجاء المتقدمة (8)، وصحيح عبد الرحمن: سألت أبا
عبد الله ((عليه السلام)) عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من انسان، أو سنور، أو كلب،
أيعيد صلاته؟ قال: " إن كان لم يعلم لم يعد " (9). ومفهومه وجوب الإعادة مع
العلم. ووجه السؤال - كما هو واضح - هو عدم علمه بنجاسة العذرة مع علمه
باعتبار طهارة الثوب، أو عدم علمه باعتبار الطهارة مع علمه بنجاستها، أو مع
جهله بها، لا عدم العلم باعتبار خلو ثوبه عن مصاحبة شئ مما لا يؤكل، وعدم
اعتباره، فالجواب بما مفهومه وجوب الإعادة يدل على نجاستها. وصحيح علي بن
محمد سألته: عن الفارة والدجاجة تطأ العذرة، ثم تطأ الثوب أيغسل؟ قال: " إن
كان استبان من أثره شئ فاغسله، وإلا فلا بأس " (10). والعذرة إن كانت تعم عذرة

(1) الوسائل 3 / 397 ب (3) من أبواب النجاسات / ح (2).
(2) انظر الوسائل: 3 / الباب المتقدم.
(3) لاحظ الوسائل 3 / 395 ب (1) من أبواب النجاسات وص 397 / ب (2) من هذه الأبواب، وغيرهما.
(4) لاحظ المعتبر 2 / 410، وتذكرة الفقهاء 1 / 49، وكشف الالتباس 1 / 392، ومفاتيح الشرائع 1 / 65.
(5) الناصريات / 88 / مسألة (13).
(6) تذكرة الفقهاء 1 / 52.
(7) انظر مختلف الشيعة: 1 / 459.
(8) راجع ص / 51 - 54.
(9) الوسائل 3 / 475 ب (40) من أبواب النجاسات / ح (5).
(10) الوسائل 3 / 466 ب (37) من أبواب النجاسات / ح (3).
203

غير الانسان، كما عن بعض اللغويين (1)، ولم تكن منصرفة إلى عذرته عند
إطلاقه، كان دليلا على نجاسة هذا النوع مطلقا. وتقريب الدلالة واضح مما ذكرنا.
ونجاسة النوعين تعم جميع أفرادهما، إلا أنها (على إشكال في) البول والخرء
من (الطير) غير (2) المأكول، من إطلاقات معاقد الاجماعات (3)، والروايات (4)،
وخصوص موثقة عمار: " خرء الخطاف لا بأس به، هو مما يؤكل " (5) حيث علل
الطهارة بأكل اللحم، لا بالطيران، ومن رواية أبي بصير، بل صحيحته كما قيل (6):
" كل شئ يطير لا بأس بخرئه وبوله " (7)، ورواية علي بن جعفر المصححة، عن أخيه
((عليه السلام)) (8) عن الرجل يرى في ثوبه خرء الطير هل يحكه وهو في الصلاة قال: " لا
بأس " (9).
والنسبة بينهما وبين صحيحة أو حسنة ابن (10) سنان المتقدمة (11) وإن كانت
عموما من وجه، إلا أن شمولهما لما لا يؤكل من الطير أظهر من شموله له، كما لا

(1) استظهره المحدث البحراني (رحمه الله) في الحدائق 5 / 8 من صاحبي القاموس والصحاح راجع الصحاح 1 / 46
مادة (خرأ)، والقاموس المحيط 1 / 14 مادة (خرئ).
(2) في المخطوط: (الغير).
(3) انظر ما أرجع إليه في الهامش (1) من ص / 201.
(4) لاحظ الوسائل 3 / 405 ب (8) من أبواب النجاسات / ح (2) و (3).
(5) الوسائل 3 / 411 ب (9) من أبواب النجاسات / ح (20).
(6) لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأعظم / 304 (ط. حجرية - 1307).
(7) الوسائل 3 / 412 ب (10) من أبواب النجاسات / ح (1).
(8) من الوسائل. وفي المطبوع (عليهم السلام)، وفي المخطوط رمز ب‍ (ع).
(9) الوسائل: 7 / 284 ب (27) من أبواب قواطع الصلاة / ضمن الحديث (1).
(10) في المخطوط: (بن سنان) بغير همز.
(11) تقدمت في ص / 201.
204

يخفى، فيخصص بهما. ولا تقاومهما موثقة عمار (1) فإن تعليل عدم البأس بخرء
الخطاف فيها بحلية اللحم لا بالطيران، إنما هو لبيان أنه ليس فيه المقتضي للبأس
والنجاسة، وهو حرمة اللحم. ومن المعلوم أن عدم المعلول إنما يعلل بعدم المقتضي
مع عدمه، لا بوجود مانعه. نعم أمر أبو عبد الله ((عليه السلام)) في رواية داود البرقي بغسل
الثوب عن بول الخفاش (2) دل (3) على نجاسة بوله، إلا أن عموم " كل طير " في رواية
أبي بصير (4) أقوى من الأمر بالغسل كما لا يخفى. هذا مضافا إلى معارضتها برواية
غياث، عن جعفر عن أبيه ((عليهم السلام)): " لا بأس بدم البراغيث، والبق، وبول
الخشاشيف " (5). وبخبر النوادر، عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام):
" إن أمير المؤمنين سئل عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخفافيش، ودماء
البراغيث، فقال: لا بأس " (6). فالرواية تحمل على استحباب التنزه عن بوله في
الصلاة، أو على كراهة الصلاة معه، ولا يأبى عنه ما يعارضها. ولكن المشهور على
النجاسة وحسن الاحتياط معلوم.
ثم إنه يظهر منهم عدم الفرق في ما لا يؤكل بين إن يكون كذلك بالذات أو

(1) مرت في الصفحة المتقدمة برقم (5).
(2) الوسائل 3 / 412 ب (10) من أبواب النجاسات / ح (4).
(3) في العبارة خلل يرتفع إما بزيادة نحو (وهذا) قبل قوله: (دل على نجاسة)، أو تغيير حالة الرفع إلى الجر
في كلمة (أبو عبد الله) من قوله: (نعم امر أبو عبد الله (عليه السلام) في رواية) ليصير (أمر أبي عبد الله (عليه السلام)) بإضافة
الأمر اليه، وهذا أقرب.
(4) المارة في الصفحة المتقدمة برقم (7).
(5) الوسائل 3 / 413 ب (10) من أبواب النجاسات ح / (5).
(6) النوادر / 239 / ح 492 (المستدركات)، وبحار الأنوار 80 / 110 / ح (13)، ومستدرك الوسائل
1 / 560 ب (6) من أبواب النجاسات / ذيل ح (1).
205

بالعرض كالموطوء والجلال، لإطلاق النصوص (1)، ومعاقد الاجماعات (2). وعن
محكي التذكرة نفي الخلاف في إلحاقهما (3). وعن ظاهر بعض (4) وصريح آخر دعوى
الاجماع عليه (5). وعن الغنية دعوى الاجماع على خصوص الجلال (6). وعن
آخرين دعوى الاجماع على خصوص الجلال من الطير (7). فإن تم الاجماع على
الإلحاق فهو، وإلا فالمنصرف من إطلاق النصوص ومعاقد الاجماعات ما لا يؤكل
بالذات ولا أقل من كونه المتيقن من الاطلاق، فلا يكون دليلا على الإلحاق،
وقضية الأصل عدمه.
وبالجملة كما لا وجه للتمسك بإطلاق طهارة بول الإبل والغنم والبقر، وغير
ذلك مما ورد من العنوانات الواردة في النصوص (8) بالخصوص على طهارتها بعد
طرو ما يوجب حرمة لحمها، كذلك لا وجه للتمسك بإطلاق ما لا يؤكل على
نجاسة البول أو الغائط مما يؤكل لحمه بعد طرو ما يوجب حرمة لحمه، فتأمل.
(و) ثالثها: (المني من ذي النفس السائلة مطلقا) وإن كان مما يؤكل لحمه،
لإطلاق معاقد الاجماعات المستفيضة (9). قيل (10): وهو المعتمد في اطلاق الحكم

(1) لاحظ النصوص في ص / 201 - 204.
(2) انظر ص / 201.
(3) تذكرة الفقهاء: 1 / 51.
(4) نسب ذلك إلى ظاهر الذخيرة، الشيخ في كتابه الطهارة / 303 (ط حجرية). لاحظ ذخيرة المعاد 145.
(5) مفاتيح الشرائع 1 / 65.
(6) غنية النزوع / 40 / كتاب الطهارة.
(7) مختلف الشيعة: 1 / 453.
(8) لاحظ الوسائل: 3 / 406 ب (9) من أبواب النجاسات.
(9) الانتصار / 16 / مسألة (7)، والخلاف 1 / 489 / مسألة (231)، وغنية النزوع / 42 / كتاب الطهارة،
ومدارك الأحكام 2 / 265، ومفاتيح الشرائع 1 / 66.
(10) انظر كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (رحمه الله) / 305. (ط حجرية - 1307).
206

دون إطلاقات الأخبار، لانصرافها إلى مني الانسان، وليس كذلك إطلاق معاقد
الاجماع للقطع بإرادة المطلق منها. مع أن المحكي عن التذكرة (1) وكشف اللثام (2)
التصريح بالعموم إنتهى موضع الحاجة.
الباب الخامس: في النجاسات (المني - الميتة)...
قلت: لو سلم القطع بإرادة المطلق من الكل، لا وجه للقطع بأن المستند لهم
غير إطلاقات الأخبار، لولا دعوى القطع بأنها المستند للجل أو الكل، ومع عدم
القطع بذلك كان إطلاقات المعاقد بحكم إطلاقات الأخبار، فيشكل تعميم الحكم
لمني غير الانسان مما لا يؤكل، فضلا عما يؤكل، سيما مع عموم قوله في موثقة عمار:
" وكل ما اكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه " (3) وقوله: " فإن كان (4) مما أحل الله أكله،
فالصلاة في شعره، ووبره، وبوله، وروثه، وكل شئ منه جائز " (5). هذا مضافا إلى
قاعدة الطهارة في ما لا قاطع لها، كما لا قاطع لها في ما لا نفس له، قطعا.
(و) رابعها: (الميتة) من ذي النفس، إنسانا كان أو غيره. أما الأول فلحسن
الحلبي، أو صحيحه، عن أبي عبد الله ((عليه السلام)): سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد
الميت، قال: " يغسل ما أصاب الثوب " (6). ولخبر إبراهيم بن ميمون: سألت أبا
عبد الله ((عليه السلام)) عن الرجل يضع ثوبه على جسد الميت، فقال: " إن كان غسل الميت
فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، وإن لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه ". يعني إذا

(1) تذكرة الفقهاء: 1 / 53.
(2) كشف اللثام 1 / 391، لكن التصريح بالعموم في متن القواعد. نعم ظاهر الكشف تأييد ذلك.
(3) الوسائل 3 / 409 ب (9) من أبواب النجاسات / ح (12).
(4) من المصدر، وفي المطبوع والمخطوط: (وكل مني). وهو سهو واضح.
(5) الوسائل 3 / 408 ب (9) من أبواب النجاسات / ح (6).
(6) الوسائل 3 / 462 ب (34) من أبواب النجاسات / ح (2).
207

برد الميت (1). والتوقيع الرفيع في جواب الحميري، على ما عن الاحتجاج، أنه كتب
إلى القائم (عجل الله فرجه) أنه روي عن العالم ((عليه السلام)): " إن من مس ميتا بحرارته،
غسل يده، ومن مسه ببرد فعليه الغسل " وهذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلا
بحرارته، فالعمل في ذلك على ما هو؟ ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه، فكيف يجب
عليه الغسل؟ فوقع: " إذا مسه على هذه الحالة، لم يكن عليه إلا غسل يده " (2). و
قريب منه توقيعه الآخر، في جواب ما كتب اليه (3) وصححه الصفار (4) في الدلالة
على وجوب غسل ما أصاب قبل الغسل.
وظاهر الخبرين وجوب غسل الثوب عما أصابه من الميت من الرطوبة، فلا
يجب غسله إذا ما أصابته، كما لا يجب غسل غير موضع الإصابة منه. مع أنه لو
سلم إطلاقهما، فالمنساق منه وجوب غسله إذا تأثر به، ولا تأثر بدون رطوبة
النجاسة أو ملاقيها، لما هو المركوز في الأذهان من عدم الإستقذار بمجرد ملاقاة
القذارة، ما لم يكن في البين رطوبة.
ثم إن الظاهر أنه ينجس بمجرد الموت، ولو قبل البرد، لصريح ما مر عن

(1) الوسائل: 3 / الباب المتقدم / ح (1).
(2) الاحتجاج 2 / 482، والوسائل 3 / 296 ب (3) من أبواب غسل المس ح / (5).
(3 و 4) هنا روايتان إحداهما: توقيع آخر منه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) صدر في جواب الحميري
نقلها في الاحتجاج 2 / 482، ووردت في الوسائل في الباب المتقدم ح (4).
ثانيتهما: ما صح عن الصفار نقلها الشيخ (رحمه الله) في التهذيب 1 / 429 ح (1368) ووردت في الوسائل
3 / 297 ب (4) من أبواب غسل المس ح (1)، وهي مكاتبة إلى الإمام أبي محمد العسكري (عليهما السلام)
والتوقيع له (عليه السلام).
وقد تمسك بهما البحراني (رحمه الله) كل على حدة لاحظ الحدائق 5 / 65 هذا ولكن ظاهر الشرح وحدتهما.
مع احتمال سقوط كلمة (ما) الموصولة قبل قوله: (صححه الصفار) فيرتفع الخلل ولكنه بعيد.
208

الناحية المقدسة، وإطلاق خبر إبراهيم بن ميمون (1)، وإن فسره الراوي بقوله:
" يعني إذا برد الميت " إذ فهمه لا يفيد، ولا يخصص. هذا مضافا إلى دعوى الاجماع
عليه مستفيضا (2).
الباب الخامس: في النجاسات (الميتة)...
وأما الثاني فللنبوي المروي في الدعائم عن الصادق ((عليه السلام)): " إن رسول الله
((صلى الله عليه وآله)) قال: الميتة نجسة ولو دبغت " (3) ولأخبار كثيرة واردة في الجيفة (4)، والفارة
التي ماتت متسلخة أو غير متسلخة واقعة في الماء (5)، أو السمن، أو الزيت، مفصلة
بين الشتاء والصيف، والجمود والذوبان (6)، دالة على نجاستها دلالة واضحة، على
كثرتها واختلاف مواردها وكيفية تعبيراتها، لا تكاد تخفى. مضافا إلى استفاضة
نقل الاجماع على النجاسة (7)، بل عن المعتبر على نجاستها إجماع الناس (8)، وعن

(1) المتقدم في نهاية ص / 207.
(2) الخلاف 1 / 700 / مسألة (488)، وغنية النزوع / 42 / كتاب الطهارة، وروض الجنان / 162،
ومفاتيح الشرائع 1 / 66.
(3) دعائم الاسلام: 1 / 126، ومستدرك الوسائل 2 / 592 ب (39) من أبواب النجاسات والأواني / ح
(6).
(4) لاحظ الوسائل 1 / 137 ب (3) من أبواب الماء المطلق / ح (1) و (4) و (6) و (11) وص 144 ب (5)
من هذه الأبواب / ح (5).
(5) لاحظ الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (8) وص 142 ب (4) من أبواب الماء المطلق / ح (1) والوسائل
24 / 195 ب (43) من أبواب الأطمعة المحرمة / ح (3).
(6) لاحظ الوسائل 1 / 205 ب (5) من أبواب الماء المضاف / ح (1) و (2)، وج 24 / 194 ب (43) من
أبواب الأطعمة المحرمة.
(7) تذكرة الفقهاء 1 / 59 / مسألة (19)، وذكرى الشيعة 1 / 113، وكشف الالتباس 1 / 396، وروض
الجنان / 162.
(8) المعتبر 2 / 420.
209

المنتهى إجماع كل من يحفظ عنه العلم (1). وقل ما اتفق اتضاح الحكم بهذه المثابة في
المسائل الفقهية، فلا يصغى إلى ما في المدارك من المناقشة في وجود دليل على
النجاسة (2).
(و) خامسها: (الدم منه) أي من ذي النفس السائلة وإن حل أكله، لا من
غيره وإن حرم أكله، كما صرح بالاجماع على نجاسة أول النوعين في محكي
المختلف (3) والذكرى (4) وجعلها مذهب علماء الاسلام في المنتهى (5) واستدل عليها
بأخبار كثيرة، منها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر ((عليه السلام)): قلت له: أصاب ثوبي دم
رعاف أو غيره، أو شئ من مني، فعلمت أثره إلى أن أصيب الماء، فأصبت،
وحضرت الصلاة، ونسيت أن بثوبي شيئا، وصليت بعد ذلك، قال: " تعيد الصلاة،
وتغسله " (6).
ومنها: صحيح عبد الله بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد الله ((عليه السلام)): الرجل
يكون في ثوبه نقط الدم، لا يعلم به، ثم يعلم، فينسى أن يغسله، فيصلي، ثم يذكر
بعد ما صلى، أيعيد صلاته؟ قال: " يغسله ولا يعيد صلاته، إلا أن يكون مقدار
الدرهم مجتمعا، فيغسله ويعيد الصلاة " (7).

(1) منتهى المطلب 3 / 195.
(2) انظر مدارك الأحكام 3 / 268 - 269.
(3) لاحظ مختلف الشيعة 1 / 474. وفي ظهور ذلك - في دعوى الاجماع على نجاسة دم ذي النفس فضلا عن
التصريح به - التأمل.
(4) ذكرى الشيعة 1 / 112.
(5) منتهى المطلب 3 / 188.
(6) الوسائل 3 / 479 ب (42) من أبواب النجاسات / ح (2).
(7) الوسائل 3 / 429 ب (20) من أبواب النجاسات / ح (1).
210

ومنها: روايات مضمونها قريب منهما (1).
الباب الخامس: في النجاسات (الدم)...
قيل: وترك الاستفصال في جواب السؤال، مع قيام الاحتمال، يفيد العموم (2).
قلت: لا يخلو الاستدلال بمثل هذه الأخبار على نجاسة هذا النوع من
الاشكال، فإن السؤال إنما يكون عن أن النجاسة المنسية توجب إعادة الصلاة، أو
لا توجبها؟ بعد الفراغ عن نجاستها، فلا دلالة لها إلا على نجاسة دم، لا نجاسته
مطلقا.
فالأولى الاستدلال بما في النبوي " يغسل الثوب عن المني والدم والبول " (3).
وفي موثقة عمار: " كل شئ من الطير يتوضأ بما يشرب منه، إلا أن ترى في منقاره
دما، فإن رأيت في منقاره دما، فلا تشرب ولا تتوضأ " (4). وغيرهما مما ورد في الدماء
الخاصة كدم الرعاف (5)، والدماء الثلاثة (6)، ودم القروح والجروح (7)، ودم
الأسنان (8)، ودم حكة الجلد (9)، إلى غير ذلك (10)، على وجه يعلم أن نجاستها

(1) راجع المنتهى 3 / 189، والحدائق الناضرة 5 / 39.
(2) لاحظ مدارك الأحكام 2 / 283.
(3) سنن دار قطني 1 / 127 / ح (1) وكنز العمال 9 / 349 / ح (26385).
(4) الوسائل 3 / 527 ب (82) من أبواب النجاسات / ح (2).
(5) انظر الوسائل 1 / 150 ب (8) من أبواب الماء المطلق / ح (1) وج 3 / 402 ب (7) من أبواب النجاسات
/ ح (2).
(6) لاحظ الوسائل 3 / 432 ب (21) من أبواب النجاسات / ح (1) وص 439 ب (25) من هذه الأبواب
/ ح (1) و (3) و (4).
(7) انظر الوسائل 3 / 433 ب (22) من أبواب النجاسات.
(8) الوسائل 7 / 284 ب (27) من أبواب قواطع الصلاة / ح (1).
(9) الوسائل 3 / 430 ب (20) من أبواب النجاسات / ح (5).
(10) لاحظ الوسائل 3 / الباب المتقدم.
211

معروفة (1) منها، وأن نجاسة الدم لا يختص بالمسفوح، وهو لغة ما انصب من
العرق (2) كما يوهمه اختصاص عنوان كلام بعض الأصحاب (3) كمعقد بعض
الاجماعات به (4). إلا أن عدم اختصاص عموم أدلة النجاسة وخصوصها، والقطع
بأن فتواه بنجاسة مثل دم الحكة، والأسنان، وغيرهما (5) مما لا ينصب من العرق،
من باب نجاسة الدم لا بخصوصية أخرى، قرينة على أن المسفوح غير مراد له بذاك
المعنى، بل بمعنى كونه دم ماله الدم المسفوح، فيساوق ماله النفس السائلة. لكنه
ينافيه استدلال العلامة في محكي المختلف (6) والمنتهى (7)، وجامع المقاصد (8)،
وكاشف اللثام (9) على طهارة المتخلف بأنه ليس بمسفوح.
وما استظهره شيخنا العلامة (أعلى الله مقامه) (10) من أن مرادهم من
المسفوح ما يكون من شأنه ذلك، ليخرج دم ما لا نفس له، والدم المتخلف في
الذبيحة، إذ ليس من شأنهما أن يسفحا بخلاف غيرهما. فيه أن المتخلف في هذا
الشأن ليس بأقل من دم حكة الجلد، ودم الأسنان، كما هو واضح لا يكاد يخفى.

(1) في المطبوع والمخطوط: (معروفا).
(2) كما ادعاه المحدث البحراني في الحدائق الناضرة 5 / 44، لاحظ معجم مقاييس اللغة 3 / 81، (سفح)
ولسان العرب 6 / 275، (سفح).
(3) انظر منتهى المطلب 3 / 188.
(4) غنية النزوع / 41 / كتاب الطهارة.
(5) انظر منتهى المطلب 3 / 245 - 257.
(6) مختلف الشيعة 1 / 474.
(7) منتهى المطلب 3 / 191.
(8) جامع المقاصد 1 / 163.
(9) كشف اللثام 1 / 407.
(10) لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأعظم / 310 (ط. حجرية).
212

وكيف كان فالأدلة لا تساعد إلا على نجاسة الدم في الجملة، وذلك لما
عرفت من حال ما كان من قبيل الصحيحتين (1). وأما النبوي (2) فالمنصرف منه
خصوص المني، والدم، والبول من الانسان. وأما إطلاق الموثقة (3) فلأجل أن دم
منقار الطير لا يكاد يكون عادة من غير ميتة ماله نفس سائلة قد أكلها،
أو دم مسفوح شرب منه، وقد عرفت اختصاص معاقد الاجماعات بدم المسفوح،
ودم ذي النفس السائلة، مع الاستدلال على طهارة المتخلف بأنه ليس
بمسفوح (4).
الباب الخامس: في النجاسات (الكلب والخنزير)...
ومنه يظهر أن النجاسة ليس أصلا في دم الحيوان، ويكون دم ما لا نفس له
كالسمكة، والمتكون في البيضة ولو كان مبدأ نشوء (5) حيوان، والمتخلف في المأكول
مطلقا ولو في جزئه الغير المأكول، وفي غير المأكول، على أصالة الطهارة، ولا
تحتاج طهارته إلى دليل خاص.
(و) سادسها، وسابعها: (الكلب، والخنزير) البريان وهما نجسان إجماعا
محصلا: ومنقولا مستفيضا (6)، للأخبار المستفيضة منها: صحيح الفضل أبي
العباس عن أبي عبد الله ((عليه السلام)): " إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، وإن

(1) المتقدمتان في ص / 210، برقم (8) وص / 211 برقم (1).
(2) المذكور في ص / 211، برقم (4).
(3) الواردة في ص / 211، برقم (5).
(4) انظر ص / 210 و 212.
(5) في المطبوع والمخطوط: (نشو).
(6) لاحظ الخلاف 1 / 176 / مسألة (131)، وغنية النزوع / 43 / كتاب الطهارة، ومنتهى المطلب
3 / 210، وذكرى الشيعة 1 / 113، ومدارك الأحكام 2 / 285، ومفاتيح الشرائع 1 / 70.
213

مسسته فصب عليه الماء " (1)، وصحيح علي بن جعفر ((عليه السلام)) عن أخيه ((عليه السلام)): سألته
عن خنزير يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: " يغسل سبع مرات " (2) وما
ينافيها (3) بظاهره مطروح، أو محمول على التقية، لمخالفة أبي حنيفة في الكلب (4)
ومالك (5)، والزهري (6)، وداود (7) فيهما.
وأما كلب الماء وخنزيره فعن المشهور (8) طهارتهما، لأصالة الطهارة بلا
مخرج عنها، لاختصاص ما دل على النجاسة بالبري، لكون اسمهما حقيقة فيه، إذ
هو المنصرف عند إطلاقه، وإن سلم أن الاسم مشترك بينهما معنويا أو لفظيا.
ثم لا فرق في نجاسة أجزائهما بين ما تحله الحياة وما لا تحله الحياة منها،
لكون ما لا تحله الحياة أيضا من أجزائهما، وهما نجسان. ولا يصغى إلى ما عن
السيد من منع كونه من أجزائهما مستدلا بأنه لا يكون من جملة الحي إلا ما تحله
الحياة، وما لا تحله الحياة ليس من جملته وإن كان متصلا به (9) فإن ضعفه لا يكاد
يخفى.
(و) ثامنها: (الكافر) بأي سبب من أسبابه وقد نقل عليه الاجماع عن

(1) الوسائل 1 / 225 ب (1) من أبواب الأسآر / ح (1) بتفاوت.
(2) الوسائل 1 / الباب المتقدم / ح (2).
(3) لاحظ الوسائل 1 / 228 ب (2) من أبواب الأسآر / ح (6)، وص 170 ب (14) من أبواب الماء المطلق
ح / (2) و (3) و (16).
(4 - 7) راجع المغني لابن قدامة 1 / 70، والمدونة الكبرى 1 / 5، وتحفة الفقهاء 1 / 53، والعزيز (شرح
الوجيز) 1 / 29.
والنسبة إلى مالك متفق عليها وإلى أبي حنيفة بحاجة إلى بحث وتنقيب.
(8) لاحظ منتهى المطلب 3 / 213، والبيان / 91 والحدائق الناضرة 5 / 213، وجواهر الكلام 5 / 368.
(9) الناصريات / 101 / مسألة (19).
214

السيدين (1)، والشيخ (2)، والمحقق (3)، والعلامة (4)، والشهيد (5)، وكاشف اللثام (6)،
وغيرهم (7). وربما نسب الخلاف إلى المفيد في رسالته الغرية (8) إذ عبر بالكراهية (9)،
وإلى العماني إذ لم ينجس أسئارهم (10)، والإسكافي إذ جعل التجنب من أكل ما صنعه
أهل الكتاب ما لم يتيقن طهارة أوانيهم وأيديهم أحوط (11)، بل إلى الشيخ في أطعمة
النهاية، إذ قال: يكره أن يدعو الانسان أحدا من الكفار إلى طعامه، فإن دعاه
فليأمره بغسل يده، ثم يأكل معه (12). وإن اعتذر عنه الحلي بأنه ذكر ذلك إيرادا لا
اعتقادا (13). وغيره بأنه حافظ في هذه العبارة على متن رواية، كما عادته في هذا
الكتاب المحافظة على متون الروايات، بل اعتذر عن المفيد بإرادته الحرمة من
الكراهة، وعن العماني بأنه على مذهبه من عدم إنفعال الماء القليل (14).
الباب الخامس: في النجاسات (الكافر)...
وأنت خبير بما في هذه الإعتذارات من عدم اختصاص السؤر بالماء. وظهور

(1) الانتصار / 10 / مسألة (3)، وغنية النزوع / 44 / كتاب الطهارة.
(2) التهذيب 1 / 223.
(3) لاحظ المعتبر 1 / 95 - 96.
(4) منتهى المطلب 3 / 222.
(5) روض الجنان / 163.
(6) لاحظ كشف اللثام 1 / 398. وادعى الشهرة في مطلق الكفار وعدم الخلاف بالنسبة إلى غير اليهود
والنصارى.
(7) انظر رياض المسائل 2 / 357، وكتاب الطهارة للشيخ (رحمه الله) / 312. (ط حجرية).
(8) في المطبوع: الغروية.
(9) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1 / 96.
(10 و 11) لاحظ مدارك الأحكام 2 / 295، والحدائق الناضرة 5 / 163 - 164.
(12) النهاية (المطبوعة مع نكتها) 3 / 107.
(13) السرائر 3 / 123.
(14) لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) / 314 - 315.
215

الكراهة في غير الحرمة، ولو سلم استعمالها فيها. وعادة الشيخ وإن كانت المحافظة
على متون الروايات، إلا (1) على متن الرواية التي يفتي بها، لا على المحافظة على ما
بخلاف الفتوى مع وجود ما يوافقها.
وأضعف من ذلك أن يكون ذلك إيرادا لا اعتقادا بلا داع (2) إليه من المحافظة
أو غيرها، وإن كان ذكره للاعتقاد بعد دعواه الاجماع على النجاسة (3) وتصريحه
بها قبل ما سمعت (4) بقليل - على ما نقل - في غاية الاستبعاد.
وقد استدل على النجاسة بأخبار كثيرة واردة في أهل الكتاب وغيرهم،
أظهرها: موثق سعيد الأعرج: سأل الصادق ((عليه السلام)) عن سؤر اليهودي والنصراني
أيؤكل أو يشرب؟ فقال: " لا " (5) وصحيح ابن مسلم: سألت أبا جعفر ((عليه السلام)) عن
آنية الذمي والمجوسي، فقال: " لا تأكلوا من آنيتهم، ولا من طعامهم الذي
يطبخون " (6). وموثق أبي بصير عن أبي جعفر ((عليه السلام)): في مصافحة المسلم لليهود
والنصارى، قال: " من وراء الثياب فإن صافحك فاغسل يدك " (7).
ولا يخفى أن النهي فيها عن الأكل والشرب، والمؤاكلة، والمصافحة وإن كان
من أجل النجاسة، إلا أنه لا دلالة لها أنه لنجاستهم عينا أو عرضا، إذ عادة لا يكاد
يمكن إنفكاكهم وإنفكاك آنيتهم عن الملاقاة مع النجس بلا لحوق التطهير إلا في

(1) كذا.
(2) في المخطوطة: (داعي).
(3) انظر الرقم (2) في الصفحة السابقة.
(4) النهاية (المطبوعة مع نكتها) 3 / 106.
(5) الوسائل 24 / 210 ب (54) من أبواب الأطعمة المحرمة / ح (1).
(6) الوسائل 24 / الباب المتقدم / ح (3).
(7) الوسائل 3 / 420 ب (14) من أبواب النجاسات / ح (5).
216

النادر. وقد صرح في الأخبار التي بإزائها بأنه لا بأس بالأكل معهم في آنيتهم إذا
كانوا لا يأكلون لحم الخنزير، كما في رواية زكريا بن آدم قال: كنت نصرانيا
وأسلمت، فقلت لأبي عبد الله ((عليه السلام)): إن أهل بيتي على دين النصرانية فأكون معهم
في بيت واحد وآكل من آنيتهم؟ فقال: " يأكلون لحم الخنزير؟ " قلت: لا. قال: " لا
بأس " (1) أو بأن النهي عن المؤاكلة في آنيتهم في ما إذا كانوا يأكلون فيها الميتة،
والدم، ولحم الخنزير، كما في مصححة ابن مسلم: " لا تأكلوا في آنيتهم إذا أكلوا فيها
الميتة والدم ولحم الخنزير " (2)، كما أطلق في بعضها التوضؤ والشرب من الإناء
الذي يشرب منه اليهود من ذاك الماء الذي شرب منه، كما في موثقة عمار (3)، وفي
بعضها عدم البأس بالصلاة في الثياب التي يعملها النصارى والمجوس واليهود، كما
في مصححة ابن خنيس (4) (5). وهذه الأخبار المصرحة بعدم البأس في المؤاكلة
معهم، والصلاة في ثيابهم، وجواز التوضؤ والشرب من سؤرهم، بعد التقييد بعدم
العلم بنجاسة أيديهم وآنيتهم، إما بعدم مباشرتهم للنجس، أو بعد غسل الأيدي
قبل المباشرة، كما في رواية إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا ((عليه السلام)): الجارية
النصرانية تخدمك، وأنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ، ولا تغتسل من جنابة،
قال: " لا بأس، تغسل يديها " (6). تكون قرينة على أن النهي في تلك الأخبار الناهية
عن المؤاكلة أو المصافحة، يكون للنجاسة العرضية المعلومة عادة، بسبب عدم

(1) الوسائل 24 / 209 ب (53) من أبواب الأطعمة المحرمة / ح (3).
(2) الوسائل 24 / 211 ب (54) من أبواب الأطعمة المحرمة / ح (6).
(3) الوسائل 1 / 229 ب (3) من أبواب الأسآر / ح (3).
(4) في المطبوع والمخطوط: (ابن حنيش) وهو تصحيف.
(5) الوسائل 3 / 519 ب (73) من أبواب النجاسات / ح (2).
(6) الوسائل 3 / 422 ب (14) من أبواب النجاسات / ح (11).
217

الاجتناب من الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر، بل ومن سائر النجاسات. أو على
أن النهي فيها نهي تنزيهي، إما لاحتمال عدم الخلو من هذه النجاسة غالبا، أو
مطلقا ولو مع عدم الاحتمال، لأجل خبثهم الذاتي المقتضي للاجتناب عما لاقاهم
تنزها إلا إذا اضطر إليه، لما مرت الإشارة إليه من اختلاف مراتب النجاسة
والقذارة (1). في رواية علي بن جعفر ((عليه السلام)): عن اليهودي (2) والنصراني يدخل يده
في الماء، أيتوضأ منه للصلاة؟ قال: " لا، إلا أن يضطر إليه " (3).
وبالجملة قضية التوفيق العرفي بين الأخبار حمل تلك الأخبار على أحد هذه
المحامل.
ومن الواضح أن الجمع العرفي كان مقدما على الترجيح سندا، أو جهة.
والرجوع إلى المرجحات للصدور، أو المرجحات لجهته، إنما يكون بعد عدم
إمكان الجمع عرفا، فلا تكون موافقة الأخبار المصرحة للعامة مانعة عن حمل
تلك الأخبار على ما لا ينافيها، كما جعله شيخنا العلامة (أعلى الله مقامه) أحد
الأمرين المانعين عن حمل تلك الأخبار. وثانيهما (4): موافقة تلك الأخبار
للإجماعات المستفيضة. قال: أترى أن هؤلاء لم يطلعوا على هذه الروايات، وهل
وصلت إلينا إلا بواسطتهم؟ (5)
قلت: لا ريب في أنهم اطلعوا عليها، لكنه من المحتمل أن يكون عدم عملهم
بها لتوهم كون موافقتها للعامة مانعا عنه، ولا بعد فيه بعد توهم مثل جنابه (قدس

(1) مرت في ص / 17.
(2) في المخطوط: (اليهود).
(3) الوسائل 3 / 421 ب (14) من أبواب النجاسات / ذيل ح (9).
(4) في المخطوط والمطبوع: (وثانيها).
(5) كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (رحمه الله) / 314. (ط حجرية - 1307).
218

سره) كونها مانعا عن حمل تلك الأخبار، مع أن الجمع العرفي عنده - على ما حققه
في التعادل والتراجيح - مقدم على الترجيح سندا، المقدم على الترجيح جهة (1). أو
للظفر بما قطعوا منه بالحكم بالنجاسة، ولذا ادعوا الاجماع عليه. ولكنه لا يكاد
ينفع الغير، إلا أن يقول بحجية الاجماع المنقول، أو يحققه، ولا دليل على حجيته،
وأنى لنا تحقيقه بعد احتمال أن يكون مدرك الفتاوى تلك الأخبار، ومنشأ دعوى
الاجماع الوهم في القطع. ومع ذلك كان الفتوى على خلافهم جسارة وجرأة،
والاحتياط طريق النجاة.
الباب الخامس: في النجاسات (المسكر)...
(و) تاسعها: (المسكر) المائع بالأصالة على المشهور (2)، بل عن جماعة
دعوى الاجماع عليه (3). وقد ذهب ابن أبي عقيل (4) والصدوق (5) ووالده (6)
والأردبيلي (7) وصاحب المدارك (8) وجماعة أخرى (9)، إلى الطهارة.
ومنشأ الخلاف إختلاف الأخبار. والأخبار الظاهرة في نجاسة الخمر
والمسكر كثيرة، بل متواترة. منها: ما رواه الكليني في الصحيح، عن الحسين بن

(1) لاحظ فوائد الأصول / 435 - 436 و 449.
(2) المقنعة / 73، وغنية النزوع / 41 / كتاب الطهارة، والسرائر 1 / 179، والمعتبر 2 / 424، وروض
الجنان / 163، وجامع المقاصد 1 / 161.
(3) لاحظ الناصريات / 95 / مسألة (16)، والمبسوط 1 / 36، وجواهر الكلام 6 / 2 - 3، وكتاب الطهارة
للشيخ الأنصاري (رحمه الله) / 323.
(4) انظر مختلف الشيعة 1 / 469، وذكرى الشيعة 1 / 114 وجواهر الكلام 6 / 3.
(5) لاحظ من لا يحضره الفقيه 1 / 43.
(6) أنظر مختلف الشيعة 1 / 469، وذكرى الشيعة 1 / 114 وجواهر الكلام 6 / 3.
(7) مجمع الفائدة والبرهان 1 / 309 - 312.
(8) لاحظ مدارك الأحكام 2 / 292.
(9) لاحظ جواهر الكلام 6 / 3.
219

محمد، عن عبد الله بن عامر، عن علي بن مهزيار، قال: قرأت في كتاب عبد الله بن
محمد إلى أبي الحسن ((عليه السلام)): - جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر ((عليه السلام)) وأبي
عبد الله ((عليه السلام)) في الخمر يصيب ثوب الرجل، أنهما قالا: " لا بأس أن يصلى فيه، إنما
حرم شربها ". وروى غير زرارة، عن أبي عبد الله ((عليه السلام)) قال: " إذا أصاب ثوبك خمر،
أو نبيذ - يعني المسكر - إن عرفت موضعه، وإلا فاغسله كله وإن صليت فيه فأعد
صلاتك " - فأعلمني ما آخذ به؟ فوقع بخطه ((عليه السلام))، وقرأته: " خذ بقول أبي عبد الله
((عليه السلام)) " (1).
وكذا الأخبار الصريحة في الطهارة كثيرة مستفيضة. منها: ما رواه الحسن
بن أبي سارة، في الصحيح، قال: قلت لأبي عبد الله ((عليه السلام)): إن أصاب ثوبي شئ من
الخمر، أصلي فيه قبل أن أغسله؟ فقال: " لا بأس، إن الثوب لا يسكر " (2).
وحمل هذه الأخبار على التقية من أمراء وسلاطين ذلك الوقت (3)، وإن كان
ممكنا، جمعا بينها وبين أخبار النجاسة، إلا أنه لا مجال له بعد إمكان التوفيق عرفا،
لحمل الأمر بالغسل فيها على الاستحباب، لمرتبة من قذارته، كما يشهد به خبر
علي بن رئاب (4)، قال: سألت أبا عبد الله ((عليه السلام)) عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب
ثوبي، أغسله، أو اصلى فيه؟ قال: " صل فيه إلا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر،
إن الله تبارك وتعالى إنما حرم شربها " (5). أو لأجل خبثه وأنه لا يليق أن يصلى معه،
بل لا يليق أن يصلى في بيت كان فيه، كما يشهد به موثق عمار عن أبي عبد الله ((عليه السلام))

(1) الوسائل 3 / 468 ب (38) من أبواب النجاسات / ح (2).
(2) الوسائل 3 / 471 ب (38) من أبواب النجاسات / ح (10).
(3) انظر كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) / 324. (ط حجرية - 1307).
(4) في المطبوع والمخطوط: (زيات).
(5) الوسائل 3 / 472 ب (39) من أبواب النجاسات / ح (14).
220

قال: " لا تصل (1) في بيت فيه خمر، أو مسكر، لأن الملائكة لا تدخله. ولا تصل في
ثوب قد أصابه خمر أو مسكر، حتى تغسله " (2). وذلك لوضوح أن حمل الظاهر على
النص لا محيص عنه عرفا، وقد عرفت أن الرجوع إلى الترجيح بحسب الصدور أو
جهته، إنما يكون في ما لا يمكن الجمع عرفا، لا سيما إذا كان هناك شاهد.
اللهم إلا أن يقال: عمل المشهور مع وضوح هذا الجمع والاتفاق على تقدمه
على الترجيح على المرجحات السندية، فضلا عن الجهتية يكشف عن إعراضهم
عن هذه الأخبار، وإنما حملها الشيخ على التقية تبرعا، بعد كونها محكومة بالطرح
قاعدة. ولذا قال الشهيد في الذكرى: إن القائل بالطهارة تمسك بأخبار لا تعارض
القطعي (3)، فتأمل.
وكيف كان فالعمل على المشهور ولو لأجل الاحتياط.
ثم لا يلحق بالمسكر عصير العنب إذا غلى واشتد، وإن قيل بإلحاقه (4)
مستدلا بحمل الخمر عليه في موثقة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله ((عليه السلام))
عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج، ويقول: قد طبخ على الثلث، وأنا
أعلم أنه يشربه على النصف، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال:
" خمر، لا تشربه " (5).

(1) في المطبوع والمخطوط: (لا تصلى).
(2) الوسائل 3 / 470 ب (39) من أبواب النجاسات / ح (7).
(3) ذكرى الشيعة 1 / 114، بتصرف.
(4) قواعد الأحكام 1 / 191، ولاحظ ذكرى الشيعة 1 / 115، ومدارك الأحكام 2 / 292 وكتاب الطهارة
للشيخ الأنصاري (قدس سره) / 324 (ط حجرية - 1307).
(5) التهذيب 9 / 122 / ح (526).
221

وفيه: إن حمله عليه لم يثبت أنه على نحو الحقيقة، وإن نقل عن جماعة (1).
ومجازا بعلاقة المشابهة، أو تنزيلا تعبدا لا يقتضي إلا المشاركة في حكمه
الظاهر وأثره الواضح وهو الحرمة، كما رتبها عليه، بقوله: " لا تشربه ". ومعه لا
دلالة أصلا على أن التشبيه والتنزيل بحسب ما يعم غيرها، كما لا يخفى.
(و) عاشرها: (الفقاع) لرواية أبي جميلة عن يونس، قال: أخبرني هشام بن
الحكم أنه سأل الصادق ((عليه السلام)) عن الفقاع، فقال: " لا تقربه فإنه خمر مجهول، فإذا
أصاب ثوبك فاغسله " (2).
وضعف سندها مجبور بما عن الإنتصار (3) والخلاف (4) والغنية (5)، من
الاجماع. مضافا إلى استفاضة الأخبار بكونها خمرا (6)، المستلزم لثبوت أحكامها
له، إما لثبوت الموضوع، وإما لعموم المنزلة، أو اختصاصه بالأحكام الشايعة التي
من أظهرها النجاسة بعد التحريم، كما قيل (7).
وأنت خبير أن الموضوع حقيقة غير ثابت، وعموم المنزلة لا وجه له، بعد
كون الحرمة حكما شايعا ظاهرا، ولم تكن النجاسة في ذاك الزمان من أحكامه
الشايعة الظاهرة - لو سلم كونها من أحكامها - كما لا يخفى.
(ويجب) وجوبا شرطيا (إزالتها) أي النجاسات عينا وأثرا، مع الإمكان

(1) انظر كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (رحمه الله) / 325. (ط حجرية - 1307).
(2) الوسائل 3 / 469 ب (38) من أبواب النجاسات / ح (5).
(3) الانتصار / 197 / مسألة (239).
(4) الخلاف 5 / 490 / مسألة (6). والإجماع على حرمته.
(5) غنية النزوع / 41 / كتاب الطهارة.
(6) راجع الوسائل 25 / 359 ب (27) من أبواب الأشربة المحرمة.
(7) انظر كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (رحمه الله) / 330: (ط حجرية - 1307).
222

(عن الثوب) الذي لابد منه شرطا أو تكليفا في الصلاة، تعيينا مع الانحصار،
وتخييرا مع عدمه، وفي ما ليس كذلك تخييرا مطلقا (و) عن (البدن) تعيينا (للصلاة)
إجماعا في الجملة. والأخبار المتضمنة للأمر بغسلهما للصلاة من البول، والمني،
والدم، وغيرها مستفيضة، بل متواترة (1) (عدا ما نقص) مجتمعا (عن سعة الدرهم
البغلي من الدم الذي هو غير الدماء الثلاثة) على المشهور (2)، بل عليه الاجماع في
محكي الانتصار (3) والخلاف (4) والمنتهى (5) لصحيح ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي
عبد الله ((عليه السلام)): ما تقول في دم البراغيث؟ قال: " ليس به بأس "، قال: قلت: إنه يكثر
ويتفاحش قال: " وإن كثر ". قال: قلت: فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به
ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى، أيعيد صلاته؟ قال: " يغسله،
ولا يعيد صلاته، إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا، فيغسله ويعيد الصلاة " (6)
وغيره من الأخبار المستفيضة (7).
الباب الخامس: في النجاسات (وجوب ازالتها)...
ثم ظاهر الاتفاق على اشتراط العفو عنه بكونه غير الحيض، بل عليه

(1) هي كثيرة متفرقة في الأبواب، ومنها ما في الوسائل 3 / 477 ب (41) من أبواب النجاسات / ح 1 وص
479 ب (42) من هذه الأبواب / ح (2) و (4) و (6) وص 482 ب (43) من هذه الأبواب / ح (2)، وب
(44) من هذه الأبواب / ح (1) و (3) وص 484 ب (45) من هذه الأبواب / ح (5) و (8).
(2) الهداية / 15، والمقنعة / 69، والمراسم / 55، والسرائر 1 / 177، والمعتبر 2 / 429، وذكرى الشيعة
1 / 136.
(3) الإنتصار / 13 - 15 / مسألة (6).
(4) الخلاف 1 / 477 / مسألة (220).
(5) منتهى المطلب 3 / 249.
(6) التهذيب 1 / 255 / ح (740)، والاستبصار 1 / 176 / ح (611)، والوسائل 3 / 435 ب (23) من
أبواب النجاسات / ح (1) وص 429 ب (20) من هذه الأبواب / ح (1).
(7) لاحظ الوسائل 3 / 429 ب (20) من أبواب النجاسات.
223

دعوى الاجماع من ظاهر بعض وصريح آخر (1).
ويدل عليه خبر أبي بصير مضمرا في التهذيب (2)، ومسندا في الكافي (3) إلى
أبي جعفر ((عليه السلام))، وأبي عبد الله ((عليه السلام)): " لا تعاد من دم لا تبصره، إلا دم الحيض، فإن
قليله وكثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء " (4).
وضعفه، بعمل الأصحاب بمضمونه وقبولهم له مجبور، مضافا إلى إمكان
دعوى سلامة إطلاقات المنع أو عموماته (5) عما يصلح للمعارضة، لكون القدر
المتيقن من إطلاقات العفو غيره، سيما بعد وهنها بالإتفاق على عدمه فيه. ولعله
لذلك قد ألحق به دم النفاس والاستحاضة، كما هو المشهور، بل عليه دعوى
الاجماع عن صريح الغنية (6)، وعن ظاهر كشف الحق أنه من دين الإمامية (7)، وعن
صريح السرائر (8) وظاهر الخلاف نفي الخلاف فيه (9). وإلا فلا دليل على الإلحاق
سوى الاجماع المنقول الذي ينبغي معه الاحتياط.
(والأحوط) بل اللازم (الاجتناب عن دم غير المأكول) مطلقا (ولو لم يكن

(1) لاحظ الخلاف 1 / 477 / مسألة (220)، وغنية النزوع / 41 / كتاب الطهارة ومنتهى المطلب
3 / 249.
(2) التهذيب 1 / 257 ح (745)، وقد أسند فيه تعويلا على نسخة في المطبوعة وبعض الأصول.
(3) الكافي 3 / 405 / ح 3.
(4) الوسائل 3 / 432 ب (21) من أبواب النجاسات / ح (1).
(5) انظر الوسائل 3 / 475 ب (40) من أبواب النجاسات / ح (3) و (7) وص 479 ب (42) من هذه
الأبواب / ح (2) و (5) وص 482 ب (43) من هذه الأبواب / ح (1)، وغيرها.
(6) غنية النزوع / 41 / كتاب الطهارة.
(7) حكاه السيد العاملي (رحمه الله) في مفتاح الكرامة 1 / 161.
(8) السرائر 1 / 176.
(9) الخلاف 1 / 476 - 477 / مسألة (220).
224

دم نجس العين) من حيث كونه مما لا تجوز الصلاة في شئ منه، ولو كان طاهرا،
لعموم الموثق: " كل شئ حرام أكله فالصلاة في بوله وشعره ووبره وكل شئ منه
فاسدة، لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله " (1). ونحوه كل ما
دل على المنع مما يكون من غير المأكول من هذه الحيثية (2)، لا من حيث النجاسة،
فلا تشمله أدلة العفو الظاهرة في أنه من خصوص حيثيتها.
لا يقال: إنما يمكن أن يكون من حيثية دون حيثية في ما يمكن الانفكاك
بينهما، ولا انفكاك في دمه النجس.
فإنه يقال: إن أدلة العفو بملاحظة جنس الدم النجس وفيه الانفكاك في الدم
النجس من المأكول، أو (3) الطاهر من غير المأكول. وإنما كان عدم الانفكاك في
خصوص النجس من غير المأكول.
وإن أبيت إلا عن كون أدلة العفو على نحو القضية الكلية لا الطبيعية، فأدلة
غير المأكول تعارضها، وهي أرجح لصراحتها في العموم، فيخصص بها تلك
الأدلة، فيبقى دم غير المأكول مطلقا تحت أدلته. ولو سلم التكافؤ، يبقى تحت
قاعدة لزوم الاجتناب عن مطلق النجاسة.
وأما دم الكافر، ودم الميتة من المأكول، فالظاهر شمول إطلاق العفو لهما،
لعدم العلم بعروض نجاسة أخرى عليهما، لولا العلم بعدم العروض، لاستحالة
حصول الحاصل واجتماع المثلين. نعم يمكن إشتداد نجاستهما لو كانت مما يقبل. لكنه
ليس مما يوجب وضوح حدوث حيثية أخرى غير حيثية العفو، كما لا يخفى. هذا
كله في المجتمع.

(1) الوسائل 4 / 345 ب (2) من أبواب لباس المصلي / ح (1)، بتصرف.
(2) لاحظ الوسائل 4 / الباب المتقدم وما بعده من هذه الأبواب وج 3 / 404 ب (8) من أبواب النجاسات /
ح (1).
(3) في المخطوط: (و) بالواو.
225

وأما إن كان متفرقا ولم يبلغ شئ منه الدرهم، ولكن لو جمع لبلغه أو زاد،
ففيه خلاف، منشؤه الاختلاف في ما يكون قوله في صحيح ابن أبي يعفور: " يغسله
ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا " (1)، ظاهرا فيه وأن اسم يكون
هو الضمير المستتر فيه الراجع إلى الدم في السؤال، و " مقدار الدرهم " خبره، أو
" مقدار الدرهم " اسمه، و " مجتمعا " خبره.
والظاهر هو الأول، وإلا كان الاستثناء منقطعا، وهو خلاف الظاهر ولو
سلم فلا أقل من الاجمال، وكان القدر المعلوم ما إذا لم يبلغ لو جمع مقدار الدرهم،
ويبقى البالغ تحت قاعدة لزوم الاجتناب.
(وعفي) أيضا (عن دم القروح و) دم (الجروح ما لم تبرأ) (2) لصحيحة ليث
المرادي قال: قلت لأبي عبد الله ((عليه السلام)): الرجل يكون به الدماميل، والقروح بجلده،
وثيابه مملوة (3) دما وقيحا، وثيابه بمنزلة جلده، فقال: " يصلي في ثيابه ولا يغسلها
ولا شئ عليه " (4). وبمضمونها في إطلاق العفو وعدم وجوب الغسل ولا الإبدال مع
التمكن بلا مشقة، ولو مع انقطاع الدم وحصول فترة تسع الصلاة غير واحد من
الأخبار (5). وليس فيها ما يصلح لتقييد الإطلاق بما ذكر، أو ببعضها. وليس لقول
أبي عبد الله ((عليه السلام)) في مرسل ابن أبي عمير: " إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه
من دمه، فلا يغسله حتى يبرأ (6) وينقطع الدم (7). ظهور في اعتبار دوام السيلان

(1) تقدم تخريجه في ص / 223، برقم (7).
(2) (ما لم تبرأ) من التكملة.
(3) في المطبوع: (مملوءة).
(4) الوسائل 3 / 434 ب (22) من أبواب النجاسات ح / (5).
(5) لاحظ الوسائل 3 / الباب المتقدم.
(6) من المصدر (الوسائل)، وفي المطبوع والمخطوط: (أو ينقطع).
(7) الوسائل 3 / 435 ب (22) من أبواب النجاسات / ح (7).
226

استمرار الجريان فعلا، بل باعتبار التلبس بالمبدء كثيرا أو ملكة، قبالا لما إذا لم
يكن كذلك بعد، أو زال عنه للإشراف على الإندمال. ولو سلم ظهورها فيه، لما
كان بمثابة ظهور المطلقات الواردة في مقام البيان، في عدم اعتباره بهذا المعنى، وإلا
لزم تقييدها بما هو النادر من أفرادها، كما لا يخفى.
ولا يبعد حمل الدامية، واللازمة، على ما لا ينافي الاطلاقات المنزلة على ما
هو المتعارف من القروح، والجروح، بأن يكون مرادهم من كونها دامية، تلبسها
بالمبدء ملكة أو أكثريا. ومن كونها لازمة بقائها وعدم برئها، أو عدم انقطاع الدم
عنها رأسا. وكذا المراد من عدم الرقأ (1) عدم الانقطاع كذلك، لا عدم السكون
أصلا ولو فترة. وكيف كان فلا دليل على ما ذكر من التقييدات (2) وإن كان أحوط.
ثم لا يبعد استحباب الغسل في كل يوم مرة، جمعا بين المطلقات النافية
لوجوب الغسل وموثقة سماعة: سألته عن الرجل به الجرح والقرح، ولا يستطيع
أن يربطه ولا يغسل دمه، فقال: " يصلي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلا مرة، فإنه لا يغسل
ثوبه، كل ساعة " (3). كما عن العلامة (4) والشهيد (5) الفتوى به، وعن الحدائق (6) الميل
إلى وجوبه (7). ولا وجه له بعد كون المطلقات في نفيه مطلقا أظهر منه في وجوبه
كذلك.

(1) في المطبوع والمخطوط: الرقي. والصحيح ما أثبتناه لاحظ معجم مقاييس اللغة 2 / 426، ولسان العرب
5 / 278 (رقأ).
(2) راجع مفتاح الكرامة 1 / 162.
(3) الوسائل 3 / 433 ب (22) من أبواب النجاسات / ح (2).
(4) لاحظ منتهى المطلب 3 / 248.
(5) لاحظ البيان / 95.
(6) في المطبوع والمخطوط: المدائن، وهو تصحيف. لاحظ كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري (قدس سره) / 335. (ط
حجرية - 1307).
(7) انظر الحدائق 5 / 304.
227

(و) عفي أيضا (عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه منفردا) لعدم ستره العورة
لصغره، لا لحكايته ما تحته مع اتساعه (كالتكة (1) والجو رب والقلنسوة (2)
ونحوها، وإن كانت نجاسة غير معفو عنها في غيره، لموثق زرارة عن أحدهما
((عليهما السلام)): " كل ما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده، فلا بأس بأن يكون عليه الشئ، مثل
القلنسوة والتكة والجورب " (3). ورواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ((عليه السلام)) أنه
قال: " كل ما كان على الانسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده، فلا بأس أن
يصلي فيه وإن كان فيه قذر، مثل القلنسوة، والتكة والكمرة (4) والنعل والخفين وما
أشبه ذلك " (5) وغيرهما من الأخبار (6). هذا مضافا إلى استفاضة حكاية الاجماع
عليه (7).
(ويكفي) في إزالة النجاسة عن الثوب للصلاة (للمربية للصبي إذا لم يكن لها
إلا ثوب واحد، غسله (8) في اليوم والليلة مرة واحدة) لما رواه أبو حفص عن
الصادق ((عليه السلام)) في امرأة ليس لها إلا قميص واحد، ولها مولود فيبول عليه قال ((عليه السلام)):

(1) التكة: رباط السراويل، لسان العرب 2 / 41، (تكك).
(2) القلنسوة: من ملابس الرؤوس، لسان العرب 11 / 279، (قلس).
(3) الوسائل 3 / 455 ب (31) من أبواب النجاسات / ح (1).
(4) الكمرة: هي الحفاظ... وفي بعض كلام اللغويين، الكمرة: كيس يأخذها صاحب السلس. مجمع
البحرين / 285، (كمر).
(5) الوسائل 3 / 456 ب (31) من أبواب النجاسات / ح (5).
(6) لاحظ الوسائل 3 / الباب المتقدم.
(7) لاحظ الانتصار / 38 / مسألة (33)، والخلاف 1 / 480 / مسألة (223)، والسرائر 1 / 263 - 264،
وتذكرة الفقهاء 2 / 481 / مسألة (127)، وجواهر الكلام 6 / 128، وكتاب الطهارة للشيخ
الأنصاري (رحمه الله) / 338.
(8) في التكملة: (غسل).
228

" تغسل القميص في اليوم مرة " (1).
وضعفه بتلقي الطائفة له بالقبول مجبور، فيخصص به القاعدة الموجبة
للتطهير لكل فرض.
ولما كان الحكم على خلاف القاعدة كان اللازم الاقتصار في الخروج عنها بما
يستفاد من الرواية، فلا يلحق المربي بالمربية.
وأما الصبية فالظاهر أنها تلحق بالصبي، لشمول المولود لهما وفاقا للمحكي
عن الشهيدين (2) وأكثر المتأخرين (3)، وخلافا لظاهر من اقتصر على ذكر
الصبي (4). وتوهم أن شموله بالنسبة إلى الصبية بلا جابر، وبدونه لا يجوز الاستناد
إليه، فاسد. فإن ضعف سند خبر إذا انجبر، كان ظهوره ظهور خبر معتبر بلا حاجة
إلى جابر، فلا ضير حينئذ في الاختلاف في ما هو ظاهر فيه، كما لا يخفى.
نعم، لا يلحق الغائط بالبول، ولا البدن بالثوب، لعدم ما يشملهما.
وفي شمول المرأة لغير الأم المربية، من المستأجرة والمتبرعة والجارية والأم
غير المربية، نظر. والقدر المتيقن هي الأم المربية، فلا بد من الاقتصار عليها إلا أن
يقطع بالمساواة، كما هو غير بعيد.
ثم إنه ربما قيل بظهور الرواية في التخيير في زمان إيقاع الغسل حتى في غير
وقت الصلاة وإن اقتضت العادة طرو النجاسة قبل الصلاة. وفيه إنه لا ظهور لها إلا

(1) الوسائل 3 / 399 ب (4) من أبواب النجاسات / ح (1).
(2) ذكرى الشيعة 1 / 139، ومسالك الأفهام 1 / 127.
(3) لاحظ التفتيح الرائع 1 / 153، ومجمع الفائدة والبرهان 1 / 339، ومدارك الأحكام 2 / 355، وجواهر
الكلام 6 / 234.
(4) النهاية (المطبوعة نكتها) 1 / 270، واصباح الشيعة / 56، والمعتبر 2 / 444، والجامع للشرائع / 25،
ومنتهى المطلب 3 / 271.
229

من جهة إطلاق قوله ((عليه السلام)): " يغسل في كل... ". ومن المعلوم إن الاطلاق وارد لبيان
عدم الحاجة إلى التطهير في كل صلاة، لا التطهير في أي وقت ولو لم تقع صلاة في
حال طهارته. فالأولى بل اللازم جعل تلك الغسلة آخر النهار أمام الظهر لكي
تأتي بالفرائض الأربع في حال الطهارة أو قلة النجاسة.
(و) إنما (تجب إزالة) خصوص (النجاسات) بالغسل (مع علم موضعها) من
الثوب (فلو جهل) الموضع (غسل جميع الثوب) وجوبا من باب المقدمة العلمية،
ليقطع بغسل موضع النجاسة.
(ولو اشتبه الثوب) النجس (بغيره، صلى في كل واحد منهما مرة) أو يغسلهما
ويصلي في واحد منهما. (ولو لم يتمكن من غسل الثوب صلى عريانا مرة، وأخرى
فيه احتياطا، إذا لم يجد غيره) وإن كان الأقوى التخيير بينهما - بناء على الفتوى
بالتخيير في الخبرين المتباينين، لا التخيير في الإفتاء بأحدهما - لتعارض الأخبار
المعتبرة بين ما دل على وجوب الصلاة عريانا منها (1): موثق سماعة: سألته عن
رجل يكون في فلاة من الأرض ليس عليه إلا ثوب واحد أجنب فيه وليس عنده
ماء، كيف يصنع؟ قال: " يتيمم ويصلي عريانا قاعدا ويؤمي " (2).
وما دل على وجوب الصلاة في الثوب النجس والنهي عن الصلاة عريانا
منها (3): صحيح علي بن جعفر، عن أخيه (عليه السلام) (4): سألته عن رجل عريان
وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله، يصلي فيه أو يصلي عريانا؟

(1) في المطبوع: (ومنها)، وقد شطب على العاطف في المخطوط.
(2) الوسائل 3 / 486 ب (46) من أبواب النجاسات / ح (1).
(3) في المطبوع: (ومنها)، وفي المخطوط قد شطب على العاطف.
(4) من المصدر (الوسائل)، وفي المطبوع: (عليهما)، واكتفى في المخطوط برمز (ع) كما هو دأبه في نظائره.
230

فقال: " إن وجد ماء غسله، وإن لم يجد ماء صلى فيه ولم يصل عريانا " (1).
وربما يجمع بينهما بحمل الإيجاب في كل منهما على التخيير، والنهي عن
الصلاة عاريا على الكراهية.
ولا يخفى عدم مساعدة العرف على الجمع بينهما بذلك.
هذا لو لم تكن هذه الأخبار موهونة بإعراض الأصحاب عن ظاهرها مع
كثرتها واعتبار أسانيدها، وعدم الاستفادة بهما إلا الوهن، كما قيل (2).
لكن الإعراض غير ظاهر، لاحتمال أن يكون وجه فتوى المشهور كلا أو
بعضا بالصلاة عريانا اختيار الأخبار الدالة على ايجاب الصلاة كذلك (3) - بناء على
التخيير في الإفتاء - أو ترجيحها بما ظفروا به. كيف لا؟ والصدوق في الفقيه المصدر
بإفتائه بما تضمنه (4) اقتصر على ذكر هذه الأخبار، على ما حكي (5)، وهو وإن لم
يلتزم بما صدره وذكر ما لا يفتي به، إلا أنه لا يكاد يقتصر على ما لا يعتني به مع
وجود ما أفتى به، وقد أفتى به المشهور من الأخبار المستفيضة (6). هذا الخلاف في
ما لا يضطر إليه.
(ولو خاف البرد) أو الحر أو ضررا آخر، فاضطر إليه (صلى فيه ولا إعادة)
لما رواه الحلبي عن أبي عبد الله ((عليه السلام)) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول

(1) الوسائل 3 / 484 ب (45) من أبواب النجاسات / ح (5).
(2) لاحظ مصابيح الظلام (شرح المفاتيح) 4 / 300 قال: فهذه الروايات (الصلاة في المتنجس) لم يقل بها
أحد ومضامينها خلاف ما اتفق عليه الكل... إلى آخره.
(3) لاحظ الوسائل 3 / 486 ب (46) من أبواب النجاسات.
(4) انظر من لا يحضره الفقيه 1 / 3.
(5) حكاه البحراني (رحمه الله) في الحدائق 5 / 353. ولاحظ الفقيه 1 / 160 / باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه
من الثياب وجميع الأنواع.
(6) لاحظ الوسائل 3 / 486 ب (46) من أبواب النجاسات.
231

وليس معه ثوب غيره. قال: " يصلي فيه إذا اضطر إليه " (1). وعدم الإعادة لعدم
دليل عليها، بل عدم التعرض لها مع كونه في مقام بيان ما عليه من التكليف دليل
على عدم وجوبها.
(ولو صلى في النجس) وأخل بإزالة النجاسة غير المعفو عنها من ثوبه أو
بدنه (مع العلم) بها (أعاد في الوقت وخارجه) للمستفيضة من أخبار معتبرة،
منها: صحيح ابن مسلم، عن أبي عبد الله ((عليه السلام)): " إن رأيت المني قبل أو بعد ما
تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة. وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت
فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك. وكذا البول " (2). وإطلاق الإعادة فيه وفي غيره (3)
يقتضي الإتيان في خارج الوقت على تقدير عدم الإتيان فيه. كما أنه يقتضي
التسوية في ذلك بين ما إذا علم شرطية الطهارة من الخبث للصلاة، وما إذا لم يعلم
قصورا، أو تقصيرا، لدخولها في عموم ترك الاستفصال، وعموم من فاتته فريضة
فليؤدها (4)، لصدق الفوت غير (5) المختص بما إذا كان مكلفا فعلا المعلق عليه
وجوب القضاء، فيعم الجاهل القاصر غير (6) المكلف بالأداء كذلك. (وكذا لو نسي)
النجاسة (في حال الصلاة) وذكرها بعدها (أعاد في الوقت وخارجه) وفاقا لما عن
المشهور (7) للمستفيضة الدالة على إعادة من سبق علمه بالنجاسة الشاملة بترك

(1) الوسائل 3 / 485 ب (45) من أبواب النجاسات / ح (7).
(2) الوسائل 3 / 478 ب (41) من أبواب النجاسات / ح (2).
(3) لاحظ الوسائل 3 / الباب المتقدم.
(4) لم اظفر على نص بهذا اللفظ، نعم هو أصل صحيح مصطاد من أحاديث الباب، لاحظ أبواب قضاء
الصلوات في الوسائل 8 / 253. سيما الأبواب (1) و (2) و (6) من هذه الأبواب.
(5 و 6) في المخطوط: (الغير).
(7) المبسوط 1 / 38، والسرائر 1 / 183، والبيان / 96، والتنقيح الرائع 1 / 152، وجامع المقاصد 1 / 150.
232

الاستفصال لمن استمر على علمه، ومن نسي عند الصلاة والمصرحة به. كصحيح
زرارة، قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من مني، فعلمت أثره إلى
أن أصيب الماء، فأصبت فحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت، ثم إني
ذكرت بعد ذلك فقال: " تعيد وتغسله " (1). وصحيح علي بن جعفر، عن أخيه
((عليهما السلام)) (2) سألته: عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من
الغد، كيف يصنع؟ قال: " إن كان رآه ولم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما
كان يصلي ولا ينقص منه شيئا، وإن كان رآه وقد صلى فليعتد بتلك الصلاة ثم
ليغسله " (3) وغيرهما (4). وقد حكي عن الشيخ في بعض أقواله نفي وجوب الإعادة
مطلقا (5). وعنه في الاستبصار إيجابها في خصوص الوقت (6)، واختاره العلامة في
بعض كتبه (7). وقد احتج لنفي الوجوب مطلقا بصحيح العلا عن أبي عبد الله ((عليه السلام))
سألته: عن الرجل يصيب ثوبه الشئ ينجسه فينسى أن يغسله، وصلى فيه ثم ذكر
أنه لم يكن غسله، أيعيد الصلاة؟ قال: " لا يعيد الصلاة قد مضت صلاته وكتبت
له " (8). ولنفيه في خصوص الوقت بأنه قضية الجمع بينه وبين تلك الأخبار، بحمله
على ما إذا ذكر في خارج الوقت، وحملها على ما إذا ذكر فيه (9).

(1) الوسائل 3 / 479 ب (42) من أبواب النجاسات / ح (2).
(2) من المصدر (الوسائل) وفي المطبوع: عليهما، وفي المخطوط اكتفى برمز (ع).
(3) الوسائل 3 / 477 ب (40) من أبواب النجاسات / ح (10).
(4) انظر الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (8) وص 479 ب (42) من هذه الأبواب.
(5) حكاه عنه العلامة في تذكرة الفقهاء 2 / 490.
(6) الاستبصار 1 / 184، ذيل الحديث (642).
(7) انظر منتهى المطلب 3 / 308.
(8) الوسائل 3 / 480 ب (42) من أبواب النجاسات / ح (3).
(9) لاحظ الاستبصار 1 / 183 - 184.
233

قلت: لولا عدم عمل المشهور به وإعراضهم عنه، كما رماه الشيخ به على ما
حكي عنه (1)، كان اللازم الجمع بينه وبينها بحملها على استحباب الإعادة، لا بما
ذكر، فإنه مع عدم مساعدة العرف عليه غير ملائم لتصريح صحيح علي بن جعفر
((عليه السلام)) بالقضاء (2) وإلا فمجرد وحدته مع اعتباره لصحته وكثرتها، مع مساعدة
العرف على الجمع بحملها بقرينته، لصراحته في عدم وجوب الإعادة، وعدم
صراحتها في وجوبها لا يوجب عدم نهوضه لمعارضتها الموجبة للتصرف فيها، كما
لا يخفى.
وبالجملة لولا محذور مخالفة المشهور كان الذهاب إلى الاستحباب أقرب
إلى الصواب. ويؤيده حديث الرفع (3)، وخبر لا تعاد الصلاة (4). هذا في ما تقدم
العلم.
(و) أما (لو لم يتقدم العلم حتى فرغ) من الصلاة (فلا إعادة) في الوقت ولا في
خارجه للإخبار الصحيحة المستفيضة كصحيح علي بن جعفر ((عليه السلام)) المتقدم (5).
وصحيح العيص: سألت أبا عبد الله ((عليه السلام)) عن رجل صلى في ثوب رجل، ثم إن
صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلى فيه. قال: " لا يعيد شيئا من صلاته " (6). وصحيح
ابن مسكان عن أبي بصير: سألت أبا عبد الله ((عليه السلام)) عن رجل صلى وفي ثوبه جنابة

(1) حكاه في الجواهر 6 / 218.
(2) تقدم في الصحفة السابقة، برقم (3).
(3) الوسائل 15 / 369 ب (56) من أبواب جهاد النفس وما يناسبه / ح (1).
(4) الوسائل 6 / 91 ب (29) من أبواب القراءة في الصلاة / ح (5).
(5) تقدم في الصحفة السابقة، برقم (3).
(6) الوسائل 3 / 475 ب (40) من أبواب النجاسات / ح (6).
234

أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم. قال: " قد مضت صلاته ولا شئ عليه " (1). وغير
ذلك من الصحاح وغيرها (2). ولا يعارضها صحيح وهب بن عبد ربه، عن
الصادق ((عليه السلام)): في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم
بعد ذلك. قال: " يعيد إذا لم يكن يعلم " (3). وخبر أبي بصير عنه ((عليه السلام)) في رجل صلى
وفي ثوبه بول أو جنابة. فقال: " علم أو لم يعلم فعليه الإعادة " (4) للزوم حملهما على
الاستحباب جمعا بينهما وبينها، مع ضعف الثاني بلا جابر، وقرب إحتمال سقوط
حرف النفي أو أداة الانكار في الأول، لوضوح عدم ملائمة الشرط بدونهما، كما لا
يخفى.
الباب الخامس: في النجاسات (تطهير المتنجس)...
(وتطهر الشمس ما تجففه من البول وغيره) من النجاسات الزائلة عنها
بالتجفيف، الكائنة (على الأرض والأبنية) لصحيح زرارة، أنه سأل أبا جعفر
((عليه السلام)): عن البول يكون في السطح أو المكان الذي يصلى فيه. فقال: " إذا جففته
الشمس فصل (5) فيه فهو طاهر " (6) وقول أبي عبد الله ((عليه السلام)) في موثق عمار، إذ سئل
عن الشمس هل تطهر الأرض؟ في الجواب: " إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير
ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة " (7). فإن جواز
الصلاة على موضع والسجود عليه يستلزم طهارته، لاعتبار الطهارة في موضع

(1) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ذيل ح (2).
(2) راجع الوسائل 3 / الباب المتقدم.
(3) الوسائل 3 / 476 ب (40) من أبواب النجاسات ح / (8).
(4) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (9).
(5) في المطبوع: (فصلي).
(6) الوسائل 3 / 451 ب (29) من أبواب النجاسات / ح (1).
(7) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ذيل ح (4).
235

السجود اتفاقا. ومرسل الدعائم قالوا (عليهم السلام) في الأرض تصيبها
النجاسة: " لا يصلى عليها إلا أن تجففها الشمس وتذهب بريحها فإنها إذا صارت
كذلك ولم توجد عين النجاسة ولا ريحها طهرت " (1). هذا مع عموم رواية الحضرمي
قال أبو جعفر (عليه السلام): " يا أبا بكر كل ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر " (2).
(و) كذا يطهر ما تجففه من النجاسة على (الحصر والبواري على إشكال
فيهما) لعدم دليل يعمهما عدا عموم رواية الحضرمي وهي ضعيفة، ولا قائل
بعمومها.
إلا أن يقال: إن ضعفها بعمل المشهور (3) مجبور، وتخصيص عمومها لا يقدح
في حجيتها مع أنه لا يبعد اختصاصها بما لا ينقل عادة وتشرق عليه الشمس
غالبا.
(و) تطهر (الأرض باطن الخف ونحوه (4) وأسفل القدم) لأخبار مستفيضة،
منها: صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر ((عليه السلام)) رجل وطأ على عذرة فساخت
رجله فيها، أينقض ذلك وضوءه؟ وهل يجب الغسل عليه؟ فقال: " لا يغسلها إلا
أن يتقذرها، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي " (5). وصحيحة أخرى لزرارة
عن أبي جعفر ((عليه السلام)): " جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان (6)

(1) دعائم الاسلام 1 / 118، ومستدرك الوسائل 2 / 574 ب (22) من أبواب النجاسات / ح (6).
(2) الوسائل 3 / 452 ب (29) من أبواب النجاسات / ح 5، وليس فيه لفظ (كل). نعم في الحديث (6) من
هذا الباب ورد لفظ (كل)، لكنه بسياق آخر.
(3) المقنعة / 71، والمبسوط 1 / 38، والمعتبر 2 / 445، وتذكرة الفقهاء 1 / 75، وذكرى الشيعة 1 / 128،
كشف الالتباس 1 / 423، وجامع المقاصد 1 / 178، وجواهر الكلام 6 / 253.
(4) في المخطوط: (ونحوه أسفل القدم) بحذف العاطف بعد قوله: (ونحوه).
(5) الوسائل 3 / 458 ب (32) من أبواب النجاسات / ح (7).
(6) في المطبوع: (العجاز).
236

ولا يغسله، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما " (1). وصحيحة المعلى بن خنيس أو
حسنته: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل
عليه الماء، أمر عليه حافيا؟ فقال: " أليس وراءه شئ جاف؟ " قلت: بلى، قال: " لا
بأس لأن الأرض يطهر بعضها بعضا " (2).
ثم هل يعتبر في التطهير طهارتها؟ فيه إشكال بل خلاف من الأصل،
ومرسل الدعائم: المتطهر إذا مشى على أرض نجسة ثم على طاهرة " طهرت
قدميه " (3). ومن إطلاق سائر الأخبار والفتاوى.
(ولو نجس الإناء وجب غسله) شرطا لاستعماله في شرب مايع، أو أكل ما
فيه رطوبة مسرية إليه.
(فيغسل من ولوغ الكلب ثلاثا أولهن بالتراب) في المشهور (4)، بل الاجماع
في محكي الإنتصار (5) والناصرية (6) والخلاف (7) والمنتهى (8) والذكرى (9) - خلافا لما

(1) الوسائل 1 / 348 ب (30) من أبواب أحكام الخلوة / ح (3).
(2) الوسائل 3 / 458 ب (32) من أبواب النجاسات / ح (3).
(3) دعائم الاسلام 1 / 118، ومستدرك الوسائل 2 / 576 ب (25) من أبواب النجاسات والأواني /
ح (2).
(4) المقنع / 12، والمقنعة / 65، والمراسم / 36، والمهذب 1 / 28، وغنية النزوع / 43 / كتاب الطهارة،
والسرائر 1 / 91.
(5) الانتصار / 9 / مسألة (2).
(6) انظر الناصريات / 103.
(7) الخلاف 1 / 176 / مسألة (130).
(8) منتهى المطلب 3 / 333 - 334.
(9) ذكرى الشيعة 1 / 125.
237

عن الإسكافي إذ حتم السبع (1)، وعاكسه بعض المتأخرين فاحتمل كفاية الأقل (2) -
لصحيح البقباق على ما رواه الشيخ في محكي موضع من الخلاف (3)، والفاضلان في
محكي المعتبر (4) والمنتهى (5) والتذكرة (6) وابن جمهور في ما عن الغوالي (7) والفخر في
ما عن شرحه للارشاد (8)، والشهيدان في محكي الذكري (9) والروض (10)، والمحقق
الثاني في محكي جامع المقاصد (11)، قال: سألت أبا عبد الله ((عليه السلام)) عن فضل الهرة -
حتى انتهى إلى قوله - حتى انتهيت إلى الكلب، فقال: " رجس نجس لا يتوضأ بفضله،
فاصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء مرتين " (12). وخلو
التهذيبين (13) وموضع آخر من الخلاف (14) من ذكر لفظ " مرتين " لا يقدح في
الاحتجاج بإثباته بعد كمال الوضوح بثبوته من ذكره في فتاوى القدماء، لا سيما مثل

(1) حكاه عنه العلامة في المختلف 1 / 495.
(2) لاحظ مدارك الأحكام 2 / 391.
(3) الخلاف 1 / 176 / مسألة (130).
(4) المعتبر 2 / 458.
(5) منتهى المطلب 3 / 336.
(6) تذكرة الفقهاء 1 / 83.
(7) عوالي اللآلي 3 / 53 / ح (155). بتفاوت يسير.
(8) شرح الارشاد. مخطوط.
(9) ذكرى الشيعة 1 / 125.
(10) روض الجنان / 172.
(11) جامع المقاصد 1 / 190.
(12) الوسائل 3 / 516 ب (70) من أبواب النجاسات / ح (1).
(13) انظر التهذيب 1 / 225 ح (646)، والاستبصار 1 / 19 / ح (40).
(14) الخلاف 1 / 177 / مسألة (131).
238

الصدوقين (1)، الغالب إفتاؤهما بمتون الأخبار، وذكره في الرضوي " إن ولغ الكلب
في الماء أو شرب منه أهريق الماء وغسل الإناء ثلاث مرات مرة بالتراب ومرتين
بالماء ثم يجفف " (2). هذا مضافا إلى ما عرفت من دعوى الاجماع من الأعيان، مع
أنه لا حاجة إلى هذه الزيادة، فإن تعدد الغسل مقتضى الأصل. إلا أن يقال: إنه وإن
كان مقتضى الأصل، إلا أن حديث الرفع (3) يقتضي رفعه، وهو حاكم عليه.
(و) يغسل (من الخنزير سبعا) بالماء، وقد جعله في محكي المعالم مذهب
جمهور المتأخرين (4)، وفي محكي الذخيرة المشهور بينهم (5) لصحيح علي بن جعفر
عن أخيه ((عليه السلام)): سألته عن خنزير يشرب من إناء فقال: " تغسله سبع مرات " (6)
(والأحوط التعفير قبل السبع) خروجا عن شبهة الخلاف من مثل الشيخ (7)
والقاضي (8)، إذ ألحقا ولوغه بولوغ الكب.
(و) يغسل (من الخمر ثلاثا (9) لموثق عمار عن الصادق ((عليه السلام)) أنه سأله عن
قدح أو إناء يشرب فيه الخمر. قال: " تغسله [ثلاث مرات] " (10) (11) (والسبع أفضل)

(1) لاحظ المقنع / 12 ومن لا يحضره الفقيه 1 / 8 وأيضا منتهى المطلب 3 / 334.
(2) الفقه الرضوي / 93، وفيه: (إن وقع كلب أو شرب منه).
(3) الوسائل 15 / 369 ب (56) من أبواب جهاد النفس وما يناسبه / ح (1).
(4) معالم الدين (قسم الفقه) 2 / 691 / مسألة (12).
(5) ذخيرة المعاد / 176. (ط حجرية).
(6) الوسائل 3 / 418 ب (13) من أبواب النجاسات / ح (1).
(7) المبسوط 1 / 15.
(8) المهذب 1 / 28.
(9) في المطبوع: (ثلاث).
(10) ما بين الحاصرتين ساقط عن المطبوع والمخطوط، أثبتناه من المصدر.
(11) الوسائل 3 / 494 ب (51) من أبواب النجاسات / ح (1).
239

لموثق عمار عنه ((عليه السلام)) أيضا في الإناء يشرب فيه النبيذ. فقال: " تغسله سبع
مرات " (1). المحمول على الأفضلية جمعا بينه وبين موثقه (2) الأول.
(و) يغسل من ميت (الفارة سبعا على الأحوط) بل الأقوى، لموثق عمار عن
أبي عبد الله ((عليه السلام)) " إغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات " (3).
(و) يغسل (من غيرها) من النجاسات (ثلاثا على الأقوى) لموثقة عمار عنه
أيضا أنه سئل: عن الكوز أو الإناء يكون قذرا، كيف يغسل؟ وكم مرة؟ قال:
" ثلاث مرات، يصب فيه الماء، ثم يحرك فيه، ثم يفرغ، ثم يصب فيه ماء آخر، ثم
يحرك فيه ثم يفرغ، ثم يصب فيه آخر ثم يحرك ثم يفرغ، وقد طهر " (4).
(ويحرم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل وغيره) من أنحاء
الاستعمالات، للمرسل عن النبي ((صلى الله عليه وآله)) أنه نهى عن استعمال أواني الذهب
والفضة (5)، المنجبر ضعفه بعمل المشهور (6). ولما رواه الأصحاب عن ابن مسلم عن
أبي جعفر ((عليه السلام)) أنه نهى عن آنية الذهب والفضة (7). فإن الظاهر من النهي المتعلق
بأعيانها حرمة استعمالها.
ولكنه لا يبعد دعوى إنصراف إطلاق استعمالها في المرسل إلى خصوص
الاستعمال المتعارف منها، وأنه الظاهر من النهي المتعلق بها أيضا، لا مطلق

(1) الوسائل 25 / 368 ب (30) من أبواب الأشربة المحرمة / ح (2).
(2) في المطبوع: (موثقة).
(3) الوسائل 3 / 496 ب (53) من أبواب النجاسات / ح (1).
(4) المتقدم. وفيه (والإناء) بالواو.
(5) لاحظ منتهى المطلب 3 / 322.
(6) المقنعة / 584، والمراسم / 213، والنهاية (المطبوعة مع نكتها) 3 / 106، والسرائر 3 / 123، ومنتهى
المطلب 3 / 322، والبيان / 97، وجامع المقاصد 1 / 187.
(7) الوسائل 3 / 506 ب (65) من أبواب النجاسات / ح (3).
240

استعمالها، فضلا عن مجرد اتخاذها إظهارا للثروة، أو إلتذاذا بها. إلا أن يقال: نعم،
ولكن رواية موسى بن بكير، عن أبي الحسن ((عليه السلام)) قال: " آنية الذهب والفضة متاع
الذين لا يؤمنون " (1). ظاهرة في مطلق الاستعمال، بل في مطلق الإتخاذ، ولو
للإدخار. أو للإلتذاذ. وقد نسب حرمة مطلق الإتخاذ إلى المشهور في محكي
المسالك (2) وإلى مذهب الأكثر في محكي الروض (3)، ومجمع البرهان (4). فالاجتناب
لو لم يكن أقوى، كان أحوط.
(ويكره) استعمال (المفضض) سواء كان (بتمويه) أو كسوة أو تطويق أو
غيرها، للجمع بين صحيح ابن سنان أو حسنه، عن أبي عبد الله ((عليه السلام)): " لا بأس أن
يشرب الرجل في القدح المفضض، واعزل فمك عن موضع الفضة " (5). وصحيح
معاوية بن وهب، عنه أيضا: إذ سئل عن الشرب في القدح فيه ضبة من الفضة.
فقال: " لا بأس، إلا أن تكره الفضة فتنزعها منه " (6). وبين صحيح الحلبي أو حسنه،
عن أبي عبد الله ((عليه السلام)): " لا تأكل في آنية من فضة، ولا في آنية مفضضة " (7). وموثق
بريد عنه أيضا: أنه كره الشرب في الفضة وفي القدح المفضض، وكذلك أن يدهن
في مدهن مفضض، والمشط كذلك (8).
فإن لم يجد بدا من الشرب في المفضض عزل بفمه عن موضع الفضة، ويجب

(1) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (4). وفيه: لا يوقنون.
(2) مسالك الأفهام 1 / 132.
(3) روض الجنان / 170.
(4) لاحظ مجمع الفائدة والبرهان 1 / 363.
(5) الوسائل 3 / 510 ب (66) من أبواب النجاسات / ح (5).
(6) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (4).
(7) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (1).
(8) الوسائل 3 / الباب المتقدم / ح (2).
241

أن يجتنب موضع الفضة. وقد نسبه في المدارك إلى عامة المتأخرين (1). ويدل عليه
خبر ابن سنان وموثق بريد المتقدمان (2).
(وأواني المشركين طاهرة ما لم يعلم المباشرة) أي مباشرة المشركين (لها
برطوبة) لقاعدة الطهارة في ما لم يعلم أن حالتها السابقة الطهارة، واستصحابها في
ما علم ثم شك في بقائها وارتفاعها.
طهر الله ديواننا من الخطايا بعفوه ورحمته وأدخلنا الجنة بمحمد وعترته.
ونسأله كما من علينا بإتمام كتاب الطهارة من شرح تكملة التبصرة، أن يوفقنا
لشرح تمام هذا الكتاب، وأن يعصمنا من الخطايا ويهدينا إلى الصواب بمحمد وآله
الأطهار الأطياب صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم
الدين. تم بحمد الله تعالى في اليوم الثاني من شهر شوال المكرم سنة 1329 هجرية.

(1) مدارك الأحكام 2 / 383.
(2) في المطبوع والمخطوط: (المتقدمين).
242

اللمعات النيرة...
... اللمعات النيرة
كتاب الصلاة
243

الباب الأول: في المياه...
(كتاب الصلاة)
ولها معان منها: المعروف بين المتشرعة، بل المعروف بين أهل بعض الشرائع
السابقة، وهو: العبادة المخصوصة. ومخالفة ما في شرعنا وما في سائر الشرائع
ومباينتهما ليس إلا كاختلافها في شرعنا بحسب أنواعها، واختلافها بحسب
الأشخاص وحالاتها. وكما لا يوجب ذاك الاختلاف تغير الاستعمال فيها حقيقة
ومجازا، لا يوجب هذا الاختلاف، وذلك لإمكان تصور جامع لتلك المخالفات
وقدر مشترك بين تلك المتباينات، يتحقق بها، على شتاتها وتباينها، ويكون هو
الموضوع للفظ الصلاة لا المتباينات، بناء على ما هو الصحيح من كون أسامي
العبادات موضوعة للصحيح كما حققناه في الأصول بحثا وكتبا (1).
وكيف كان فهي أشهر من أن يحتاج إلى شرحها لفظا، بداهة تصور مفهومها
إجمالا بدون شرحها كذلك.

(1) انظر ما حققه في كفاية الأصول / 23 - 34.
245

وأما تصورها تفصيلا ولو بالرسم، فهو يتوقف على بيان ما لها من الأجزاء
والشرائط على ما يأتي - إن شاء الله -.
كما أن عظم فضلها بين العبادات وكونها أهم الطاعات وأحب القربات إلى
الله تعالى في زماننا، أظهر من أن يخفى. وكفاك ما روى الكليني [(رحمه الله)] في الصحيح عن
معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد الله [(عليه السلام)] عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى
ربهم وأحب ذلك إلى الله عز وجل ما هو؟ فقال: " ما أعلم شيئا بعد المعرفة، أفضل
من هذه الصلاة، ألا ترى أن العبد الصالح عيسى بن مريم [صلى الله على نبينا
وعليه] قال: * (أوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) * " (1).
(وفيه أبواب):

(1) الكافي 3 / 264 / ح (1)، الوسائل 4 / 38 ب (10) من أبواب أعداد الفرائض / ح (1).
والآية في سورة مريم / 31. والصحيح (وأوصاني) كما في الكتاب العزيز والمصدر.
246

أعداد الصلاة...
الباب (الأول: في المقدمات)
(وهي) تذكر في (فصول).
(الفصل الأول: في أعدادها).
(الصلاة الواجبة) بالأصل وإن عرضها الاستحباب كالمعادة (في كل يوم
وليلة خمس).
أحدها: (الظهر) وهي (أربع ركعات في الحضر) مطلقا (وفي السفر) بشرائط
القصر (ركعتان)، وبدونها كما في الحضر.
(و) ثانيها: (العصر) وهي (كذلك) أي كالظهر حضرا وسفرا.
(و) ثالثها: (المغرب) وهي (ثلاث) ركعات (فيهما) أي في الحضر والسفر.
(و) رابعها: (العشاء) وهي (كالظهر) حضرا وسفرا.
(و) خامسها: (الصبح) وهي (ركعتان فيهما) أي سفرا وحضرا (1).

(1) في المخطوط: (حضرا وسفرا).
247

(والنوافل اليومية أربع وثلاثون في الحضر) مطلقا، وفي السفر إذا أخل
بشرائط القصر، كما هو المشهور (1). بل في المدارك: هذا مذهب الأصحاب لا نعلم
فيه مخالفا، ونقل فيه الشيخ الاجماع (2). وعن الدروس عليه فتوى الأصحاب (3).
ويدل عليه أخبار كثيرة، منها: ما رواه الكليني والشيخ عن فضل بن يسار،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " الفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة، منها ركعتان بعد
العتمة جالسا تعدان بركعة والنافلة أربع وثلاثون ركعة " (4). وخبر البزنطي، قلت
لأبي الحسن (عليه السلام): إن أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع، بعضهم يصلي أربعا
وأربعين ركعة، وبعضهم يصلي خمسين، فأخبرني بالذي تعمل به أنت، كيف هو؟
حتى أعمل بمثله. فقال (عليه السلام): " واحدة وخمسين ركعة " ثم أمسك وعقد بيده " الزوال
ثمانية، وأربعا بعد الظهر، وأربعا قبل العصر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين قبل
عشاء الآخرة، وركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام، وثمان صلاة
الليل، والوتر ثلاثا، وركعتي الفجر والفرائض سبع عشر ركعة فذلك إحدى وخمسون
ركعة " (5).
والأخبار المتضمنة للأقل لا دلالة لها على نفي استحباب الزائد ولعل
الاقتصار عليه إنما كان لتأكد استحبابه، كما ربما يظهر من صحيحة عبد الله بن سنان

(1) الهداية (المطبوعة مع المقنع) / 30، والمقنعة / 90، والنهاية (المطبوعة مع نكتها) 1 / 275،
والسرائر 1 / 193، وإشارة السبق / 87، وجامع المقاصد 2 / 8، ومسالك الأفهام 1 / 137.
(2) مدارك الأحكام 3 / 10، ولاحظ الخلاف 1 / 525 / مسألة (266).
(3) الدروس 1 / 136.
(4) الكافي 3 / 443 / ح (2)، والتهذيب 2 / 4 / ح (2)، والاستبصار 1 / 218 / ح (772)،
والوسائل 4 / 46 ب (13) من أبواب أعداد الفرائض / ح (3). وفيها: عن فضيل بن يسار.
(5) الوسائل 4 / 47 ب (13) من أبواب أعداد الفرائض / ح (7).
248

قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " لا تصل أقل من أربع وأربعين ركعة " (1). لظهور
النهي عن ترك الأقل في تأكد الإهتمام به مع استحباب الزائد أيضا.
وما دل على نفي استحباب الزائد وأنه خلاف السنة (2) مأول، أو مطروح،
لعدم العمل به فلا يقاوم لمعارضة الأخبار الكثيرة الدالة على الاستحباب (3)، وعليها
عمل الأصحاب (4).
الباب الأول: في المقدمات (أعداد الصلاة)...
وتفصيل هذه النوافل: (ثمان ركعات قبل الظهر) للظهر.
(وثمان) ركعات (بعدها للعصر) على ما نسب إلى ظاهر الأصحاب (5). بل في
المدارك: أنه المشهور بين الأصحاب (6) وعن محكي المهذب البارع: أن عليه عمل
الطائفة (7) وعن أمالي الصدوق: أن من دين الإمامية الإقرار بأن نافلة العصر ثمان
ركعات قبلها (8).
ولكن ليس في الأخبار ما دل على هذا الإختصاص والإضافة، لا فيهما ولا
في غيرهما. بل في قول أبي جعفر في صحيح ابن مسلم: " وإنما أمروا بالنوافل ليتم

(1) الوسائل 4 / 60 ب (14) من أبواب أعداد الفرائض / ح (4).
(2) لاحظ جواهر الكلام 7 / 17.
(3) انظر الوسائل 4 / 45 ب (14) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.
(4) الهداية (المطبوعة مع المقنع) / 30، والمقنعة / 90، والانتصار / 50 / مسألة (59)،
والمراسم / 69 - 74، والخلاف 1 / 525 / مسألة (266)، وإصباح الشيعة / 58، والسرائر
1 / 193، وإشارة السبق / 87، وذكرى الشيعة 2 / 289، وكشف اللثام 3 / 8.
(5) لاحظ جواهر الكلام 7 / 19.
(6) مدارك الأحكام 3 / 13.
(7) انظر المهذب البارع 1 / 279.
(8) لاحظ أمالي الصدوق (قدس سره) / 738 - 740، (المجلس الثالث والتسعون).
249

لهم ما نقصوا من الفريضة " (1). وقوله في صحيحه الآخر: " إنما أمروا بالسنة
ليكمل بها ما ذهب من المكتوبة " (2). وقول علي بن الحسين (عليه السلام) في خبر أبي حمزة
الثمالي: " إن الله تعالى يتم ذلك بالنوافل " (3) دلالة على أن النوافل إنما كانت بجملتها
مضافة للفرائض (4) كذلك، فإن التتميم والتكميل بها ينافي الاختصاص على النحو
المتراءى من اختلاف الفرائض بحسبها كثرة وقلة، فإنه يقتضي المساواة ومراعاة
عدد ركعاتها واختصاص النافلة مقدارها كما لا يخفى. وتوزيعها على أوقات
الفرائض لا يقتضي الاختصاص. نعم لا بأس بإضافة ما في وقتها إليها، لكفاية أدنى
المناسبة في الإضافة.
وكيف كان ليس تعيين ذلك بمهم بعد إمكان الإشارة إليها، وقصد امتثال
أمرها، وعدم ترتب ثمرة مهمة عليه أصلا.
(وأربع ركعات بعد المغرب) لأخبار كثيرة، منها: خبر ابن مسكان عن أبي
بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلها ولا بعدها
شئ إلا المغرب، فإن بعدها أربع ركعات لا تدعهن في سفر ولا حضر... " (5) الحديث.
(وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدان بركعة) لغير واحد من
الأخبار، منها: ما عن الخصال عن الأعمش، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) في حديث
شرائع قال - بعد بيانه الصلوات المفروضة وأن جملتها سبع عشرة (6) ركعة
والسنة

(1) الوسائل 4 / 71 ب (17) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها / ح (3). وفيه: (وإنما أمرنا
بالنافلة).
(2) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (2). وفيه: (وإنما أمرنا).
(3) الوسائل 5 / 478 ب (3) من أبواب أفعال الصلاة / ح (6). قريبا منه.
(4) في المخطوط: (الفرائض).
(5) الوسائل 4 / 86 ب (24) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها / ح (2).
(6) في المطبوع والمخطوط: سبع عشر ركعة.
250

أربع وثلاثون ركعة -: " منها أربع ركعات بعد المغرب لا يقصر فيها في السفر
والحضر، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدان بركعة... " (2) الخبر.
(وثمان ركعات صلاة الليل، وركعتا الشفع، وركعة الوتر) ففي ما روى أحمد
ابن أبي نصر، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع
بعضهم يصلي أربعا وأربعين، وبعضهم يصلي خمسين فأخبرني بالذي تعمل به أنت
كيف هو؟ حتى أعمل بمثله. فقال: " أصلي واحدة وخمسين ركعة " ثم قال - أمسك
وعقد بيده -: " الزوال ثمانية، وأربعا بعد الظهر، وأربعا قبل العصر، وركعتين بعد
المغرب، وركعتين قبل العشاء الآخرة، وركعتين بعد العشاء من قعود تعدان من ركعة
من قيام، وثمان صلاة الليل، والوتر ثلاثا، وركعتي الفجر. والفرائض سبع عشرة
فذلك إحدى وخمسون ركعة " (3) وبمضمونه غير واحد من الروايات (4).
(وركعتا الفجر) للرواية السابقة وغيرها (5).
(وتسقط في السفر) مع شرائط التقصير (نوافل النهار) خاصة دون النوافل
الليلية.
أما سقوط نوافل الظهرين، فمضافا إلى ما في المدارك من أنه مذهب
الأصحاب ولا نعلم فيه مخالفا (5) لصحيح عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) الخصال / 603 / ح (9)، والوسائل 4 / 57 ب (13) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها /
ح (25).
(2) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (7).
(3) لاحظ الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (6) و (16) و (23) و (24) و (25) وص / 90 ب
(25) من هذه الأبواب.
(4) لاحظها في الوسائل 4 / الباب المتقدم.
(1) مدارك الأحكام 3 / 26.
251

قال (عليه السلام): " الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب " (1)
وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا
بعدهما شئ إلا المغرب فإن بعدها أربع ركعات لا تدعهن في حضر ولا سفر " (2)
وغيرهما من الأخبار (3).
وأما عدم سقوط نوافل المغرب لما في الخبرين وغيرهما (4).
وأما عدم سقوط الوتيرة فلعموم أخبار ثبوتها (5). وعموم أخبار سقوط
النوافل (6) وإن كان يعمها، إلا أن بين العمومين عموم من وجه ولا يبعد كون عموم
الإثبات أظهر فيخصص به عموم السقوط. هذا مضافا إلى ما رواه ابن بابويه عن
الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال: " إنما صارت العشاء مقصورة وليس تترك
ركعتاها لأنهما زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين
من التطوع " (7). وضعف سنده - لو كان - غير ضائر، لتسامح الأصحاب في دليل
الاستحباب (8)، فمع وجود هذا الخاص المعلل لا وجه للتمسك، بعموم الأخبار
المستفيضة الدالة على سقوطها، فلا وجه للسقوط. إلا أن ينعقد الاجماع عليه
ولا يكاد ينعقد، فإن الشيخ في محكي النهاية قال: يجوز فعلهما (9).

(1) الوسائل 4 / 82 ب (21) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها / ح (3).
(2) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (7).
(3) لاحظ الوسائل 4 / الباب المتقدم، وص / 84 ب (22) من هذه الأبواب / ح (2) و (3)
وغيرها.
(4) لاحظ الوسائل 4 / 86 ب (24) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.
(5) لاحظ الوسائل 4 / 94 ب (29) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.
(6) لاحظ الوسائل 4 / 81 ب (21) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.
(7) الوسائل 4 / 95 ب (29) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها / ح (3). بتصرف.
(8) لاحظ هذا المبحث في كفاية الأصول / 352.
(9) النهاية (المطبوعة مع نكتها) 1 / 276.
252

نعم ظاهر المشهور سقوطها (1) (و) لذا كان (الأولى أن يأتي (2) بالوتيرة
رجاء) خروجا عن شبهة الخلاف.
(ومن الصلاة الواجبة الجمعة والعيدان، في (3) حال الحضور) ولا تجب
صلاتهما حال غيبة الإمام (عليه السلام) على المشهور (4) على ما حكي.
(والكسوف) أي كسوف الشمس والقمر.
(والزلزلة، والآيات، والطواف) الواجب (والجنائز) أقيم في كل منها المضاف
إليه مقام المضاف.
(والمنذور (5) وشبهه) من العهود والحلوف والمستأجر عليها، أقيم الصفة مقام
الموصوف بها.
(وما عدا ذلك) أي الصلوات الواجبة (مسنون) ومستحب.

(1) انظر المقنعة / 91، والمهذب 1 / 68، والوسيلة / 81، وغنية النزوع / 106 / كتاب
الصلاة، والسرائر 1 / 194، والشرائع 1 / 71، وتذكرة الفقهاء 2 / 272 / مسألة (9)،
ومدارك الأحكام 3 / 27، وكشف اللثام 3 / 15.
(2) في التكملة: يؤتى.
(3) لم يرد في المخطوط لفظ (في).
(4) لاحظ المعتبر 2 / 297 و 309، وتذكرة الفقهاء 4 / 21 و 27 و 121، وذكرى الشيعة
4 / 105 - 106 و 158 - 159، ومجمع الفائدة والبرهان 2 / 360 و 397، وكشف اللثام
4 / 200 و 337، ورياض المسائل 4 / 70 و 84.
(5) في المطبوع: (النذور).
253

(الفصل الثاني: في أوقاتها)
أي الصلوات الواجبة والنوافل اليومية.
أما الصلوات اليومية من الصلوات الواجبة، فلكل واحدة منها وقتان، لقول
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) في الصحيح: " لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضله " (2). وقوله في
صحيح آخر: " لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما " (3) وفي صحيحة زيد
الشحام، عن أبي عبد الله (4). وصحيحة زرارة وفضل عن أبي جعفر (5) استثناء صلاة
المغرب عن هذا الحكم وأن لها وقتا واحدا ووقتها وجوبها.
والتوفيق العرفي بين الأخبار وإن كان يقتضي تخصيص عموم " لكل صلاة
وقتان " بغير المغرب. إلا أن اختلاف الأخبار في آخر وقت فضيلتها أو آخر وقت
إجزائها في السفر والحضر، والضرورة، وغيرها، كسائر الصلوات يوجب حمل
الصحيحتين على أن الوقت الواحد إنما هو لأفضل أفرادها. هذا مضافا إلى أن
دلالتهما على أن لها مطلقا وقتا واحدا ليس إلا بالاطلاق، ودلالة قوله (عليه السلام) (6): " لكل
صلاة وقتان " على أن لها أيضا وقتين بالعموم فيكون أقوى، ولا محيص عن حمل
الأضعف على الأقوى، كما لا يخفى.

(1) لم يرد في المخطوط ((عليه السلام)).
(2) الوسائل 4 / 122 ب (3) من أبواب المواقيت / ح (13).
(3) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (4).
(4) الوسائل 4 / 187 ب (18) من أبواب المواقيت / ح (1).
(5) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (2)، والصحيح: (والفضيل).
(6) ((عليه السلام)) من المخطوط.
254

فاعلم أنه (إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر) - و (1) دخول وقتها بزوال
الشمس وهو: انحرافها عن دائرة نصف النهار - بلا خلاف بين أهل العلم، كما في
محكي المنتهى (2)، بل بإجماع العلماء كما في محكي المعتبر (3).
الباب الأول: في المقدمات (أوقات الصلاة)...
ويدل عليه أخبار كثيرة، منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته
عما فرض الله من الصلاة فقال: " خمس صلوات في الليل والنهار ". فقلت: فهل
سماهن الله وبينهن في كتابه؟ فقال: " نعم، قال عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله): * (أقم الصلاة
لدلوك الشمس إلى غسق الليل) * ودلوكها زوالها في ما بين زوال الشمس إلى غسق
الليل أربع صلوات سماهن وبينهن ووقتهن وغسق الليل انتصافه... " (4) الحديث.
ومنها صحيحة أخرى لزرارة عنه (عليه السلام) أنه قال: " إذا زالت الشمس دخل الوقتان
الظهر والعصر وإذا غربت دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة " (5).
ولا ينافي ذلك صحيح عبد الخالق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت الظهر
فقال: " بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في يوم الجمعة أو في السفر فإن وقتها حين
تزول " (6) وقريب منه رواية سعيد الأعرج، عنه (7) (عليه السلام) فإنه محمول على وقت فضيلته
في ما كانت هناك نافلة، مراعاتا للنافلة، ولذا استثنى الجمعة والسفر حيث لا نافلة
فيه، وتقدم نافلتها على الزوال فيها كما يشعر بذلك قول أبي جعفر (عليه السلام) في

(1) لم يرد في المخطوط حرف (و).
(2) منتهى المطلب 4 / 38.
(3) المعتبر 2 / 27.
(4) الوسائل 4 / 10 ب (2) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها / ح (1)، والآية في سورة الإسراء
/ 78.
(5) الوسائل 4 / 125 ب (4) من أبواب المواقيت / ح (1).
(6) الوسائل 4 / 144 ب (8) من أبواب المواقيت / ح (11)، والصحيح: إسماعيل ابن
عبد الخالق.
(7) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (17).
255

صحيحة زرارة: " أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ " قلت: لم جعل ذلك؟ قال: " لمكان
النافلة، لك أن تتنفل ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي الفئ ذراعا، فإذا بلغ فيئك
ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة " (1) ولعل الذراع غاية وقت مزاحمة
النافلة وقت الفضيلة وإن كان الأفضل أن لا يزاحم إلا بمقدار مضي القدم عن
الزوال.
ولا وجه لحمل الصحيح وما قريب منه من أخبار الذراع على التقية.
ثم إنه يختص الوقت بها (حتى يمضي) من الزوال (مقدار أدائها) (2) ولا
يشاركها العصر أصلا بحيث لا يصح لو وقع فيه بحال من الأحوال، كما هو المحكي
عن المشهور (3)، بل في محكي المختلف نسبته إلى علمائنا عدا الصدوق (4)، بل عن
محكي ذلك بلا استثناء (5)، بل حكي عن بعض نقل الاجماع عليه (6) من جماعة.
ويدل عليه مضافا إلى ذلك مرسلة داود بن فرقد المنجبرة بما عرفت عن
الصادق (عليه السلام): " إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي
المصلي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من
الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر،
وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس، وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب

(1) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (3 و 4).
(2) في التكملة: (أربع ركعات) بدل (أدائها).
(3) لاحظ تذكرة الفقهاء 2 / 307 / مسألة (28)، وجامع المقاصد 2 / 24، ومدارك الأحكام
3 / 35، وكشف اللثام 3 / 69، وجواهر الكلام 7 / 75.
(4) مختلف الشيعة 2 / 6.
(5) المصدر المتقدم / 7.
(6) لاحظ مفتاح الكرامة 2 / 38.
256

حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد خرج وقت
المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل " (1).
ولا يعارضه ما دل من الآية (2) والرواية على أنه " إذا زالت الشمس دخل
الوقتان الظهر والعصر " (3)، أو أنه " إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر
جميعا " (4)، لصراحة المرسلة بخلافهما لاحتمالهما للحمل على ما يوافقها. ولو سلم
ظهورهما في الاشتراك بأن يكون المراد من دخول الوقتين على التوزيع ولو لأجل
كون العصر مرتبة على الظهر ومشروطة بتقدمها عليها وكونها كالركعة الثانية
بالإضافة إلى الأولى.
هذا مع أنه في ما إذا ظن الزوال وصلى الظهر ثم صار قبل إكمالها بلحظة صح
العصر بعدها بلا فصل مطلقا مع وقوعها في وقتها بل في أوله إلا تلك اللحظة وصح
إطلاق دخول الوقتين بهذه الملاحظة. (ثم يشترك الوقت بينها وبين العصر إلى أن
يبقى من الوقت مقدار أداء العصر (5)، فيختص) ذاك المقدار (بها) (6) لما عرفت.
(وإذا غربت الشمس - وحده) أي حد الغروب (غيبوبة الحمرة المشرقية)
وذهابها - (دخل وقت المغرب) بلا خلاف في كون الغروب أول وقت المغرب بل

(1) الوسائل 4 / 127 ب (4) من أبواب المواقيت / ح (7) وذيله في ص / 184 ب (17) من
هذه الأبواب / ح (4).
(2) سورة الإسراء / 17.
(3) الوسائل 4 / 125 ب (4) من أبواب المواقيت / ح (1).
(4) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (5).
(5) في التكملة: (إلى أن يبقى لغروب الشمس مقدار أربع ركعات).
(6) في التكملة: (بالعصر).
257

عن المعتبر (1) والتذكرة (2) وغيرهما (3) دعوى الاجماع عليه.
وإنما الخلاف في أنه يتحقق بمجرد إستتار القرص وغيبوبته تحت الأفق عن
الأنظار - كما حكي عن جماعة من الأصحاب (4) - أو لابد معه من ذهاب الحمرة
المشرقية؟ ومنشأ الخلاف إختلاف الأخبار (5).
فما احتج به للأول: صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: " وقت المغرب إذا غربت الشمس وغاب قرصها " (6). وقريب منها غير واحد
من الصحاح وغيرها (7).
ومما احتج به للثاني ما رواه الشيخ عن علي بن أحمد بن أشيم عن بعض
أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: " وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من
الشرق، وتدري كيف هو ذاك؟ " قلت: لا. قال: " لأن المشرق مطل على المغرب هكذا
- ورفع يمينه فوق يساره - فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا " (8) ولولا
ضعف سندها لكان التوفيق بينها وبين الصحيحة وغيرها، أن اعتبار الذهاب إنما هو
لعدم تحقق الغروب قبله لاستلزامه للذهاب، كما يظهر من تعليله. ولا يبعد أن يكون
الغيبوبة تحت الأفق كذلك، وإن كانت الغيبوبة بمعنى " الإستتار عن الأنظار "

(1) المعتبر 2 / 40.
(2) تذكرة الفقهاء 2 / 310.
(3) انظر ذكرى الشيعة 2 / 340، وجواهر الكلام 7 / 106.
(4) رسائل الشريف المرتضى (المسائل الميافارقيات) 1 / 274، والمبسوط 1 / 74، والمهذب
1 / 69، وإصباح الشيعة / 60. ولاحظ مدارك الأحكام 3 / 49، وكشف اللثام 3 / 35.
(5) انظر الوسائل 4 / 172 ب (16) من أبواب المواقيت.
(6) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (16).
(7) لاحظ الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (17 - 30).
(8) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (3).
258

لم تكن كذلك، بل كانت قبله بدقائق يسيرة، فتكون شارحة لما أريد من الغروب والغيبوبة
في تلك الأخبار. مع أن ضعف سندها منجبر بعمل المشهور أو الأكثر بها،
وبأخبار (1) لو لم تكن دالة على اعتبار الذهاب - كما احتج عليه بها - لكانت مؤيدة
لها، كما لا يخفى على من راجعها، فيكون ما عليه المشهور أو الأكثر أظهر.
هذا مع إمكان أن يكون اعتبار الذهاب لأجل كون المدار في الاستتار هو
استتار القرص تحت الأفق وهو كثيرا ما (2) يتوهم تحققه بمجرد الاستتار من العين مع
عدم تحققه، وقد كان الاستتار المشاهد بسبب حيلولة الطلال والجبال في البين،
فلإهتمام الشارع بحفظ وقت المغرب أعتبر الذهاب وأوجب الاحتياط بالإنتظار،
لئلا تقع في خارج وقتها. ولعل ذلك المراد بما في خبر عبد الله بن وضاح: فكتب إليه:
" أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك " (3). إذ لا يليق
بالإمام (عليه السلام) الجواب بالاحتياط في الشبهة الحكمية، بل عليه رفع دفع (4) الاشتباه
ببيان ما هو حكم المسألة واقعا إلا أن يكون هذا التعبير مع كونه في بيان حكمها
كذلك لأجل التقية، وإيهام أن الانتظار لمجرد الاحتياط لا الاعتبار.
ثم يمتد وقت المغرب (إلى أن يمضي مقدار أدائها، ثم يشترك الوقت (5) بينها
وبين العشاء إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء (6)، فيختص بها) (7)

(1) انظر الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (1 - 15).
(2) ليس في المخطوط: (ما).
(3) الوسائل 4 / 176 ب (16) من أبواب المواقيت / ح (14).
(4) كذا في المطبوع والمخطوط. ويحتمل سقوط حرف العطف بين الكلمتين وأن الصحيح: (رفع
ودفع الاشتباه).
(5) لم يرد في المخطوط والمطبوع لفظ (الوقت). أثبتناه من التكملة.
(6) في التكملة: (مقدار أربع ركعات) بدل (مقدار أداء العشاء).
(7) في التكملة: (بالعشاء) بدل (بها).
259

للمرسلة المتقدمة (1) ولصحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) كما في
المدارك قال: " ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن
هذه قبل هذه " (2) ولما في الوسائل عنه أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " إذا غربت
الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل " (3).
(ويخرج حينئذ) أي حين الانتصاف (وقت المختار) للخبرين المارين.
(وأما المضطر لنوم أو نسيان أو حيض فالأظهر بقاء الوقت له إلى طلوع
الفجر). لقول الصادق (عليه السلام) في الصحيح: " إن نام الرجل ولم يصل صلاة العشاء
والمغرب أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلي كلتيهما فليصلهما وإن خشي
أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة " (4) وخبر عبد الله سنان: " إذا طهرت المرأة
قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وإن طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب
والعشاء " (5) ورواية ابن حنظلة: " إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب
والعشاء " (6) وغيرها (7).
والإشكال في ذلك لمعارضة النصوص - بعد ضعف بعضها -، بما دل على أن
لكل صلاة وقتين (8) الظاهر في نفي الثالث، فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم مقاومته لها

(1) مرسلة داود المتقدمة في وقت الظهرين، ص / 256 - 257.
(2) مدارك الأحكام 3 / 55.
(3) الوسائل 4 / 186 ب (17) من أبواب المواقيت / ح (11) على رواية الشيخ.
(4) الوسائل 4 / 288 ب (62) من أبواب المواقيت / ح (3).
(5) الوسائل 2 / 364 ب (49) من أبواب الحيض / ح (10).
(6) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (12).
(7) الوسائل 2 / الباب المتقدم / ح (11).
(8) انظر الوسائل 4 / 187 ب (18) من أبواب المواقيت / ح (1) و (2) و (11) وص / 208 ب
(26) من هذه الأبواب / ح (5).
260

دلالة ولزوم تخصيصه بها، لو سلم ظهوره فيه، بداهة. مع أن إمكان المنع عنه بمكان،
لقوة احتمال أنه لدفع توهم وحدة الوقت، لا نفي الثالث، فلا إشكال في المضطر بأحد
هذه الثلاثة.
(وأما المضطر لغير ذلك فالأحوط له أن يأتي بهما (1) أي صلاة المغرب
والعشاء قبل الفجر و (لكنه لا بنية) خصوص (الأداء) لاحتمال عدم بقاء وقته (أو)
خصوص (القضاء) لاحتمال بقائه (بل بنية ما عليه) من الأداء أو القضاء. ولا يبعد
أن يكون حاله حال المضطر بالثلاثة، وأن يكون إتيانه بالصلاتين لأجل بقاء الوقت
للمضطر مطلقا، لا لخصوص المضطر بها كما لا يخفى.
(وإذا طلع الفجر الثاني) وهو البياض المعترض على الأفق (دخل وقت صلاة
الصبح إلى أن تطلع الشمس) لأخبار كثيرة دلت على محدودية وقتها بالطلوعين (2).
بلا خلاف في دخوله بطلوع الفجر في البين. والإجماعات (3) كالنصوص عليه (4)
مستفيضة.
وإنما الخلاف في آخره للمختار، وأنه ظهور الحمرة المشرقية، أو طلوع
الشمس؟ وإن كان الأقوى امتداده إلى طلوعها له، كامتداده للمضطر إليه بلا
خلاف. وفاقا للمعظم (5)، لقول أبي جعفر (عليه السلام): " وقت صلاة الغداة ما بين طلوع

(1) لم يرد في التكملة (بهما).
(2) انظر الوسائل 4 / 208 ب (26) من أبواب المواقيت / ح (6 - 8).
(3) المعتبر 2 / 44، ذكرى الشيعة 2 / 349، ومدارك الأحكام 3 / 61، وانظر الخلاف 1 / 267
/ مسألة (10)، وتذكرة الفقهاء 2 / 316 / مسألة (35).
(4) لاحظ الوسائل 4 / 207 ب (26) من أبواب المواقيت، وص / 209 ب (27) من هذه
الأبواب وص / 212 ب (28) من هذه الأبواب.
(5) المقنعة / 94، والمراسم / 62، والمهذب 1 / 69، والسرائر 1 / 195، وغنية النزوع / 70 /
كتاب الصلاة، وإشارة السبق / 85، والجامع للشرائع / 61، ومجمع الفائدة والبرهان 2 / 24،
وجواهر الكلام 7 / 123.
261

الفجر إلى طلوع الشمس " (1) وقول أبي عبد الله (عليه السلام): " لا تفوت صلاة الفجر حتى
تطلع الشمس " (2) وقوله (عليه السلام) في رواية عبيد بن زرارة: " لا تفوت صلاة النهار حتى
تغيب الشمس. ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتى تطلع
الشمس " (3) وغيرها (4).
ولا يقاوم لمعارضتها ما استدل به لانتهائه للمختار بظهور الحمرة والإسفار
ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن
يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ولكنه وقت لمن شغل أو نسي أو
نام " (5). وما رواه ابن سنان في الصحيح، عنه (عليه السلام) قال: " لكل صلاة وقتان وأول
الوقتين أفضلهما ووقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ولا
ينبغي تأخير ذلك عمدا ولكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سهى أو نام " (6) لعدم
دلالتهما على خروج وقت الاختيار بذلك أولا.
بل ودلالتهما على جواز التأخير لمن شغل، وهو أعم من المختار، ثانيا.
وغاية دلالة " لا ينبغي " على الكراهة لا التحريم، ثالثا.
ولم سلم كانت تلك الأخبار في جواز التأخير عن الإسفار للمختار أظهر
منهما في عدم جوازه له كما هو واضح فلا بد من حملهما على ما لا ينافيها، رابعا.

(1) الوسائل 4 / 208 ب (26) من أبواب المواقيت / ح (6).
(2) لم أظفر على نص بهذا اللفظ غير ما في موثق عبيد بن زرارة الآتي.
(3) الوسائل 4 / 159 ب (10) من أبواب المواقيت / ح (9).
(4) لاحظ الوسائل 4 / 230 ب (30) من أبواب المواقيت، وللاستزادة انظر مدارك الأحكام
3 / 62.
(5) الوسائل 4 / 207 ب (26) من أبواب المواقيت / ح (1).
(6) الوسائل 4 / 208 ب (26) من أبواب المواقيت / ح (5).
262

(وأما النوافل):
الباب الأول: في المقدمات (أوقات النوافل)...
(فوقت نافلة الظهر إذا زالت الشمس) ومالت عن دائرة نصف النهار (إلى أن
يصير زيادة ظل كل شئ ذراعا (1) لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: " إن
حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا
مضى من فيئه ذراعان صلى العصر " ثم قال: " أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ "
قلت: لم جعل ذلك؟ قال: " لمكان النافلة لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن
يمضي ذراع، فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة، وإذا بلع فيئك
ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة " (2).
وقيل بامتداد وقت نافلة الظهر إلى أن تصير الزيادة مثل الشاخص ووقت
نافلة العصر مثليه (3).
وفي رواية معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " أتى جبريل (عليه السلام) (4)
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (5) بمواقيت الصلاة... " إلى أن قال: " ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل
قامة فأمره فصلى (6) ثم أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى (7) العصر... " (8)
الحديث. وقد روى معاوية بن ميسرة، عنه [(عليه السلام)] مثله (9)، إلا أنه ذكر بدل
" القامة

(1) في التكملة: (إلى أن يبقى من الذراع الذي هو سبعا الشاخص مقدار الفريضة) بدل (إلى أن
يصير زيادة ظل كل شئ ذراعا).
(2) الوسائل 4 / 141 ب (8) من أبواب المواقيت / ح (3 - 4).
(3) انظر السرائر 1 / 199، والمعتبر 2 / 48، وجامع المقاصد 2 / 20.
(4) لم يرد في المصدر والمخطوط ((عليه السلام)).
(5) لم يرد في المخطوط ((صلى الله عليه وآله)).
(6 و 7) في المطبوع والمخطوط في الموردين: (فيصلي).
(8) الوسائل 4 / 157 ب (10) من أبواب المواقيت / ح (5).
(9) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (6).
263

والقامتين " " ذراعا وذراعين ". وروى مفضل بن عمر عنه مثله (1) إلا أنه
ذكر بدل " القامة والقامتين " " قدمين وأربعة أقدام ". ولا يبعد أن يكون المراد من
القامة والقامتين الذراع والذراعين، والقدمين وأربعة أقدام، وإنما عبر بهما في رواية
معاوية بن وهب لكون القامة ذراعا، لما رواه علي بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " في كتاب علي (عليه السلام) القامة ذراع " (2) ولكنه لا يقتضي أن تكون القامة في
الصحيحة ذراعا ويكون المراد من قوله (عليه السلام): " إذا مضى من فيئه ذراع " إذا مضى منه
مقدار القامة، لوجود قرائن على أنها قامة الانسان، ضرورة بعد كون الحائط بمقدار
الذراع وصراحة قوله في ذيلها: " فإذا بلغ فيئك ذراعا... ". في اعتبار قامة الانسان.
ولا يصغى إلى منع صراحته بعد كفاية أدنى الملابسة في الإضافة، كما منعها البهبهاني
في حاشية المدارك (3)، ضرورة أنه ليس ملاك الصراحة عدم إمكان إرادة الغير
عقلا، بل عدم احتمالها عرفا ولا يكاد يحتمل إرادته (عليه السلام) من قوله: " فإذا بلغ من
فيئك ذراعا " فإذا بلغ ظل الشاخص مثله كما هو واضح.
(فإذا صارت (4) كذلك) أي زيادة ظل كل شئ ذراعا (ولم يصل شيئا من
النافلة اشتغل بالفريضة) لما في موثقة عمار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد الله
[(عليه السلام)] قال: " للرجل أن يصلي من نوافل الزوال إلى أن يمضي قدمان. فإن مضى
قدمان قبل أن يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم يصل الزوال إلا بعد ذلك. وللرجل أن
يصلي من نوافل العصر ما بين الأولى إلى أن تمضي أربعة أقدام فإن مضت الأربعة
أقدام ولم يصل من النوافل شيئا، فلا يصلي النوافل وإن صلى ركعة فليتم النوافل

(1) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (7).
(2) الوسائل 4 / 147 ب (8) من أبواب المواقيت / ح (26).
(3) الحاشية على مدارك الأحكام 2 / 312.
(4) في التكملة: (صار).
264

حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر... ". هكذا رواها في المدارك (1) وهو نقل بالمعنى
المراد منها قطعا، كما لا يخفى على من راجعها (2)، ولذا ادعى صراحتها فيها حيث لا
يخل بها سوء تعبيرها، كما هو الغالب في روايات عمار - على ما قيل (3) - ولا ضعف
في سندها، لكونها من الموثق ولو كان فهو منجبر بالعمل، ففي الجواهر: بلا خلاف
أجده سيما بين المتأخرين، بل الاجماع عليه في محكي مجمع البرهان (4) وبالموافقة
لغيرها مما دل على عدم مزاحمة النافلة للفريضة وعدم التطوع في وقتها (5) (و) من
الموثقة ظهر أنه (لو تلبس بركعة من النافلة زاحم بها الفريضة).
(و) إن (وقت نافلة العصر بعد الظهر إلى أن يصير ظل كل شئ ذراعين ولو
خرج) وقتها (وقد تلبس بركعة) منها (زاحم بها) الفريضة (وإلا اشتغل بها).
(ووقت نافلة المغرب بعدها) أي بعد صلاة المغرب لغير واحد من الأخبار،
منها: ما في رواية الحارث النضري، عن أبي عبد الله (عليه السلام): " وأربع ركعات بعد
المغرب، يا حارث لا تدعها في سفر ولا حضر " (6) ويمتد وقتها (إلى أن تذهب الحمرة
المغربية) لما دل على النهي عن التطوع وقت الفريضة (7) واستثناء الرواتب عن النهي
عن ذلك إنما هو بالنسبة إلى فرائضها، لا بالنسبة إلى فريضة أخرى مع أنه يظهر من
النصوص المعللة لضرب الأوقات للرواتب بأنه لئلا يكون تطوع في وقت

(1) مدارك الأحكام 3 / 71.
(2) راجعها في الوسائل 4 / 245 ب (40) من أبواب المواقيت / ح (1).
(3) لاحظ جواهر الكلام 7 / 182.
(4) جواهر الكلام 7 / 180، ولاحظ مجمع الفائدة والبرهان 2 / 19.
(5) لاحظ الوسائل 4 / 227 ب (35) من أبواب المواقيت / ح (2 - 11).
(6) الوسائل 4 / 48 ب (13) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها / ح (9).
(7) لاحظ الوسائل 4 / 226 ب (35) من أبواب المواقيت.
265

الفريضة (1)، أنها في وقتها المضروب لها غير مستثناة، وأن النهي عن التطوع في
وقت الفريضة إنما كان عن التطوع بما لا وقت له، أو بما له الوقت في غير وقته ونافلة
المغرب حيث لم يضرب لها وقت إلا كونها بعد المغرب، كما في بعض الأخبار (2)، أو
كون ركعتين بعد المغرب وركعتين قبل العشاء الآخرة، كما في خبر البزنطي (3)، كان
المتيقن من ذلك ضرب ما بين صلاة المغرب وصلاة العشاء في أول وقت إجزائها أو
فضيلتها - وهو: ذهاب الحمرة - وقتا لها، لولا كونه المنساق من الإطلاق، بملاحظة
أن المعتاد والمتعارف من وقت أدائها في ذاك الزمان هو ذلك أيضا، فيكون فعلها فيه
في وقتها فلا يكون تطوعا في وقت الفرضية، أو مستثنى عن النهي عنه قطعا.
(و) منه قد انقدح أنه (لو ذهبت) الحمرة (ولم يكملها اشتغل بالعشاء، على
الأحوط) ولا يأتي بها ولا بما بقي منها قبلها، وإلا كان من التطوع في وقت الفريضة.
ولا دليل هاهنا على المزاحمة لو تلبس بركعة منها، إلا القياس على نافلة
الظهرين، مع أنه مع الفارق، لكون مزاحمتهما لفريضتهما لا لفريضة أخرى كما في
مزاحمتها. ولا دليل على حرمة إبطال النافلة لو قيل بانعقادها صحيحة لعدم حرمة
التنفل في وقت الفريضة.
ثم لا يخفى أن البحث هنا ونظائره من حيث توظيف الوقت لها شرعا.
وستعرف البحث من حيث حرمتها وكراهتها في غير وقتها لو كان وقت فريضة (4).
(ووقت نافلة الوتيرة بعد العشاء) ولو أتى بها في آخر وقتها الاختياري،

(1) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (11).
(2) انظر الوسائل 4 / 86 ب (24) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.
(3) الوسائل 4 / 47 ب (13) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها / ح (7).
(4) في ص / 272.
266

لإطلاق أخبارها. وأما لو أتى بها في آخر وقتها الاضطراري فلا وقت لنافلتها بل
كان فعلها من التطوع في وقت الفريضة.
(و) منه انقدح انه انما (يمتد) وقت الوتيرة (بامتداد وقتها) إلا أن يؤتى بها
آخر وقتها. وإطلاق أخبارها معارض بما دل على النهي عن التطوع في وقت
الفريضة (1). مع أنه ورد في بيان حكم آخر وهو أنها بعد العشاء لا قبلها كنافلة الفجر
والظهرين.
(ووقت نافلة الليل بعد انتصافه) كما هو مذهب علمائنا أجمع، كما في
المدارك (2).
وقد استدل عليه بصحيح فضيل، عن أحدهما (عليهما السلام): " ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان
يصلي بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة (3) ركعة " (4). وصحيح ابن أذينة عن عدة
سمعوا أبا جعفر يقول: " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يصلي من النهار حتى تزول
الشمس، ولا من الليل بعد ما يصلي العشاء حتى ينتصف الليل " (5). ولا يخفى أن
الروايتين إنما دلتا على أن ما (6) بعد النصف وقت لها، لا على أنه ابتداء وقتها،
لاحتمال أن يكون مداومة النبي والوصي على الصلاة بعد الانتصاف لكونها أفضل،
كما دل عليه خبر سماعة عن أبي عبد الله قال: " لا بأس بصلاة الليل في ما بين أوله إلى

(1) راجع الهامش (7) في ص / 265.
(2) مدارك الأحكام 3 / 76.
(3) في المطبوع والمخطوط: (ثلاث عشر).
(4) الوسائل 4 / 248 ب (43) من أبواب المواقيت / ح (3).
(5) الوسائل 4 / 230 ب (36) من أبواب المواقيت / ح (5).
(6) لم يرد (ما) في المخطوط.
267

آخره، إلا أن أفضل ذلك بعد انتصاف الليل " (1). نعم إنما دل على توظيف وقتها
بذلك خبر عبد الله بن زرارة، أنه قال أبو جعفر (عليه السلام): " وقت صلاة الليل ما بين نصف
الليل إلى آخره " (2). مع أنه لا يبعد دعوى ظهور الرواية أيضا في أن الإمام (عليه السلام) فيها
بصدد توظيف الوقت وتعيينه بما يدوام عليه النبي والوصي من الصلاة بعد
الانتصاف ابتداء. وكون وقتها الموظف شرعا هو بعد الانتصاف لا ينافي عدم البأس
بفعلها ولو لغير عذر قبله، كما دل عليه خبر سماعة لأجل كون " صلاة التطوع بمنزلة
الهدية متى أتي بها قبلت " كما في بعض الأخبار (3). ويدل على ذلك رواية القاسم بن
الوليد، أنه سأل الصادق (عليه السلام): نوافل النهار كم هي؟ قال: " ست عشرة أي ساعات
النهار شئت أن تصليها صليتها إلا أنك إذا صليتها في مواقيتها أفضل " (4).
وبالجملة لا منافاة بين توظيف الوقت للنافلة ودخله في حصول الغرض
المرغوب منها بتمامه وكماله، وجواز فعلها قبله أو بعده ولو لغير عذر، إذا كان بعض
الغرض حاصلا بها، كما هو الحال في الفريضة أيضا.
والتوفيق بذلك بين الأخبار أولى من (5) حمل جميع الأخبار المجوزة لتقديمها (6)
على الرخصة في التقديم بعذر كالسفر والشباب والشيب والنوم والبرد ونحو ذلك مما
في الاخبار من الأعذار، لتأبي خبر سماعة (7) وبعض الأخبار الأخر (8) من ذلك، كما

(1) الوسائل 4 / 252 ب (44) من أبواب المواقيت / ح (9).
(2) الوسائل 4 / 248 ب (43) من أبواب المواقيت / ح (2).
(3) الوسائل 4 / 232 ب (37) من أبواب المواقيت / ح (8) ونحوه ح (3) و (7).
(4) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (5).
(5) في المطبوع (عن) بدل (من).
(6) لاحظ الوسائل 4 / 231 ب (37) من أبواب المواقيت.
(7) لاحظه في نهاية الصفحة المتقدمة.
(8) لاحظ الوسائل 4 / 294 ب (44) من أبواب المواقيت / صدر ح (1) و ح (13) و (14)
و (16).
268

لا يخفى.
(وكلما قرب) فعل نافلة الليل (من الفجر كان أفضل) بلا خلاف معتد به، في
الجواهر (1). بل عن صريح جماعة (2) وظاهر التذكرة (3) (4) الاجماع عليه لرواية مرازم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: متى أصلي صلاة الليل؟ فقال: " صلها آخر
الليل... " (5). وضعف سنده منجبر بما عرفت مضافا إلى التسامح في أدلة السنن.
(ولو طلع) الفجر (وقد تلبس بأربع) ركعات من صلاة الليل (زاحم بها)
صلاة (الصبح وإلا قضاها) كما هو مذهب الأصحاب حسب ما نسب إليهم في
المدارك (6). ودليله خبر أبي جعفر الأحول قال: قال أبو عبد الله: " إذا أنت صليت
أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة، طلع أو لم يطلع " (7) وضعفه
بعمل الأصحاب مجبور. ومضمر يعقوب البزاز قال: قلت له: أقوم قبل الفجر بقليل
فأصلي أربع ركعات ثم أتخوف أن ينفجر الفجر أبدأ بالوتر أو أتم الركعات؟ قال:
" لا، بل أوتر وأخر الركعات حتى تقضي في صدر النهار " (8). وإن كان لا يقاومه،
لضعف سنده بالإضمار وغيره بلا إنجبار، إلا أنه لا بأس بالعمل به تسامحا في أدلة السنن.

(1) جواهر الكلام 7 / 196.
(2) الناصريات / 198 / مسألة (76)، والخلاف 1 / 533 / مسألة (272)، ومنتهى المطلب
4 / 97، لاحظ جواهر الكلام 7 / 196.
(3) في المخطوط: (تذكرة) بغير لام.
(4) تذكرة الفقهاء 2 / 318 / مسألة (39).
(5) الوسائل 4 / 272 ب (54) من أبواب المواقيت / ح (3).
(6) مدارك الأحكام 4 / 82.
(7) الوسائل 4 / 260 ب (47) من أبواب المواقيت / ح (1).
(8) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (2).
269

(ووقت ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الليل) وإن كان ذلك قبل طلوع
الفجر الأول كما ذهب إليه الشيخ في النهاية (1) وابن إدريس (2) وعامة المتأخرين
حسب ما في المدارك (3). لما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد قال: سألت
الرضا (عليه السلام) عن ركعتي الفجر قال: " احشوا بهما صلاة الليل " (4). وعن أبي يعفور قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ركعتي الفجر متى أصليهما (5)؟ فقال: " قبل الفجر ومعه
وبعده " (6) وغيرهما (7). وقضية إطلاق هذه الأخبار وإن كانت جواز حشوهما في
صلاة الليل وإن كان صلاها بعد الانتصاف بلا فصل، إلا أن خبر محمد بن مسلم دل
على أن أول وقتهما سدس الليل الباقي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أول وقت
ركعتي الفجر، فقال: " سدس الليل الباقي " (8).
نعم، يمكن التوفيق بأن أول وقتهما الموظف شرعا هو السدس الباقي، لدخله
في حصول تمام الغرض المرغوب وإن كان بعضه يحصل بفعلهما قبل الوقت، كما
تقدمت الإشارة إليه (9). ولكن تأخيرهما إلى طلوعه أي الفجر الأول أفضل لأنهما
من صلاة الليل، كما في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن ركعتي

(1) النهاية 1 / 281.
(2) السرائر 1 / 203.
(3) مدارك الأحكام 3 / 83.
(4) الوسائل 4 / 263 ب (50) من أبواب المواقيت / ح (1).
(5) في المطبوع: (أصليها).
(6) الوسائل 4 / 268 ب (52) من أبواب المواقيت / ح (2). والصحيح: ابن أبي يعفور.
(7) لاحظ الوسائل 4 / الباب المتقدم وب (50) من هذه الأبواب.
(8) الوسائل 4 / 265 ب (50) من أبواب المواقيت / ح (5).
(9) في ص / 268.
270

الفجر، فقال: " قبل الفجر إنهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة (1) صلاة الليل... " (2).
والأمر بحشوهما فيها في صحيح أحمد بن محمد وغيره (3)، وقد تقدم (4) أنه كلما قرب
فعلها من الفجر الثاني كان أفضل. ولقول أبي عبد الله (عليه السلام) في رواية إسحاق بن عمار:
" صلهما قبيل الفجر ومعه وبعده " فقلت: متى أدعها حتى أقضيها (5)؟ قال: " إذا قال
المؤذن قد قامت الصلاة " (6) ولذلك كان تقديمهما على هذا الفجر أيضا أفضل. وقد أمر
في ذيل رواية زرارة بالابتداء بالفريضة بقوله: " إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ
بالفريضة " (7). وفي رواية أخرى له قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الركعتان اللتان قبل
الغداة أين موضعهما؟ قال: " قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت
الغداة " (8).
(ولو طلع الفجر زاحم) الصبح (بهما (9) لقول الصادقين في غير رواية:
" صلهما قبل الفجر ومعه وبعده " (10).
ثم إنه يمتد وقت مزاحمتهما له (إلى أن تطلع الحمرة) المشرقية، لصحيحة علي

(1) في المطبوع والمخطوط: (ثلاث عشر ركعات).
(2) الوسائل 4 / 264 ب (50) من أبواب المواقيت / ح (3).
(3) انظر الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (1) و (6) و (8).
(4) في ص / 269.
(5) في المخطوط: (أدعهما حتى أقضيهما).
(6) الوسائل 4 / 269 ب (52) من أبواب المواقيت / ح (5).
(7) المتقدمة آنفا برقم (2).
(8) الوسائل 4 / 265 ب (50) من أبواب المواقيت / ح (7).
(9) في التكملة: (بها).
(10) لاحظ الوسائل 4 / 268 ب (52) من أبواب المواقيت.
271

ابن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر
وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال: " يؤخرهما " (1) لكن
الظاهر أن عدم المزاحمة مع الإسفار وظهور الحمرة وتأخيرهما حينئذ عن الفريضة
إنما كان أفضل وأولى وإن جاز تقديمهما كما هو ظاهر رواية إسحاق بن عمار (2)
حسب ما لا يخفى.
هاهنا مسائل:
الأولى: تصلى الفرائض اليومية وغيرها في كل وقت ولو كان وقت فريضة
أخرى أداء وقضاء ما لم يتضيق وقت الحاضرة إجماعا. فإن تضيق فاللازم الإتيان
بها فلو أتى بغيرها، فإن كانت شريكتها كالظهر في ضيق وقت العصر، أو المغرب في
ضيق وقت العشاء لوقعت فاسدة، لما في رواية الحلبي: " وإن هو خاف أن يفوته
فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فتكون قد فاتتاه (3) جميعا " (4).
وأما غيرها فالظاهر وقوعها صحيحة. بناء على الصحيح من عدم حرمة
الضد وإن كان عاصيا بترك الحاضرة.
ويصلى النوافل الرواتب قضاء وأداء وغيرها ما لم يدخل وقت الفريضة بلا
منع أصلا.
وأما إن دخل فقد عرفت تفصيل مزاحمة الرواتب لها (5).

(1) الوسائل 4 / 266 ب (51) من أبواب المواقيت / ح (1).
(2) تقدمت في الصحفة السابقة برقم (6).
(3) في المخطوط والمطبوع: (فيكون قد فاتاه).
(4) الوسائل 4 / 129 ب (4) من أبواب المواقيت / ح (18).
(5) راجع ص / 265 - 271.
272

وأما غيرها ولو كان قضاءها ففي جواز مزاحمتها وإتيانها في وقتها وعدم
الجواز خلاف، منشؤه ما يتراءى من اختلاف الأخبار.
الباب الأول: في المقدمات (الصلاة في وقت الفريضة)...
فقضية إطلاق أكثر أدلة النوافل، وظاهر خصوص موثقة سماعة: قال (1):
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله (2) أيبتدي بالمكتوبة أو
يتطوع؟ فقال: " إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة " (3) الخبر.
وعموم بعض أدلة قضائها كما في خبر علي بن جعفر عن قرب الإسناد عن أخيه
موسى (عليه السلام): سألته عن رجل نسي صلاة الليل والوتر ويذكر إذا قام في صلاة الزوال،
قال: " ابتدأ بالظهر فإذا صلى صلاة الظهر صلى صلاة الليل وأوتر (4) ما بينه وبين صلاة
العصر أو متى أحب " (5). وخصوص بعضها كذيل هذا الخبر، وخبر أبي بصير: قال:
قال أبو عبد الله (عليه السلام): " إن فاتك شئ من تطوع الليل والنهار فاقضه عند زوال
الشمس، وبعد الظهر عند العصر، وبعد المغرب، وبعد العتمة، ومن آخر السحر " (6)
والنصوص المتفرقة في الأبواب وكتب الأدعية في خصوص النوافل في أوقات
الفرائض (7)، وإطلاق مثل قول أبي عبد الله (عليه السلام): " صلاة التطوع بمنزلة الهدية، متى

(1) في المخطوط والمطبوع: (قال: قلت: سألت)، وهو سهو واضح.
(2) في المطبوع: (امامه).
(3) الوسائل 4 / 226 ب (35) من أبواب المواقيت / ح (1).
(4) في المطبوع: (والوتر).
(5) الوسائل 4 / 263 ب (49) من أبواب المواقيت / ح (1).
(6) الوسائل 4 / 277 ب (57) من أبواب المواقيت / ح (10).
(7) كما في الوسائل 8 / 92 ب (5) من أبواب بقية الصلوات المندوبة / ضمن ح (1) و ح (2)
و (10) وص / 99 ب (6) من هذه الأبواب / ح (1).
273

أتي بها قبلت، فقدم منها ما شئت وأخر ما شئت " (1).
وقوله (عليه السلام): " صلاة النهار ست عشرة ركعة أي النهار شئت إن شئت (2) في أوله
وإن شئت في وسطه وإن شئت في آخره " (3). وقوله (عليه السلام) أيضا في رواية القاسم بن
الوليد في جواب السؤال عن نوافل النهار، كم هي؟ " ست عشرة أي ساعات النهار
شئت أن تصليها صلها إلا أنك إذا صليتها في مواقيتها أفضل " (4) إلى غير ذلك (5)،
جواز التطوع وقت الفريضة.
كما أن قضية الأخبار الناهية عنه (6) أو النافية له (7) أو الآمر: بابتداء الفريضة
بعد دخول وقتها (8) عدم الجواز.
ولكن لا يخفى أن ظهور هذه في المنع لا يقاوم ظهورها في الجواز، سيما بعد
ملاحظة أن بناءهم على عدم تقييد المطلقات في باب المستحبات بالنسبة إلى أصل
الاستحباب في غير الباب من سائر الأبواب، ويحملون ما دل على التقييد من أمر أو
نهي أو نفي على تقييدها بالنسبة إلى بعض مراتبه.
هذا مضافا إلى ما في الأخبار من الشهادة على ذلك. وكفاك شاهدا رواية

(1) الوسائل 4 / 233 ب (37) من أبواب المواقيت / ح (8).
(2) صححنا المتن هنا وفق المصدر. وفي المخطوط: (ست عشر ركعة أي ساعات النهار شئت إن
شئت في..) وفي المطبوع: (ست عشر ركعة أي ساعات النهار شئت في أوله وإن..).
(3) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (6).
(4) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (5).
(5) للاستزادة لاحظ جواهر الكلام 7 / 243، والوسائل 4 / 240 ب (39) من أبواب
المواقيت.
(6 - 8) لاحظ الوسائل 4 / 227 ب (35) من أبواب المواقيت / ح (3 - 11).
274

القاسم المتقدمة (1) وحسنة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إذا دخل وقت
الفريضة أتنفل أو أبدأ بالفريضة؟ فقال: " إن الفضل أن تبدأ بالفريضة " (2).
مع أنه من البعيد جدا جواز فعل سائر المستحبات، بل الجائز، بل المكروه في
وقت الفريضة وعدم جواز التطوع بالصلاة التي هي معراج المؤمن (3) وخير
موضوع (4) وقرة عين النبي (صلى الله عليه وآله) (5) وخير العمل (6) وغير ذلك (7) مما ربما يوجب القطع
بأن جواز التطوع في وقتها أولى بالجواز منها، كما لا يخفى.
وليست دعوى القطع بالأولوية، كما عن كاشف اللثام (8)، مجازفة.
هذا كله مع أنه قد حدد وقت الفريضة الذي لا ينبغي التطوع فيه بما إذا أخذ
المقيم في الإقامة، كما دل عليه صحيح عمر بن يزيد، أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال:
" إذا أخذ المقيم في الإقامة " فقال: الناس يختلفون في الإقامة قال: " المقيم الذي
يصلي معه " (9). حيث يظهر منه أنه لا منع عنه قبل أخذ المقيم في الإقامة، والمنع عنه

(1) المتقدمة في ص / 268، برقم (4).
(2) الوسائل 4 / 230 ب (36) من أبواب المواقيت / ح (2).
(3) لاحظ فقيه من لا يحضره الفقيه 1 / 127 / ح (603)، وروضة المتقين 2 / 17.
(4) بحار الأنوار 82 / 307 ب (4) ح (3) و (9).
(5) انظر الوسائل 2 / 144 ب (89) من أبواب آداب الحمام / ح (11) و (12) وج 20 / 23 ب
(3) من أبواب مقدمات النكاح / ح (5) و (7).
(6) الأمالي للشيخ الطوسي - (رحمه الله) - / 522 / ح (1157)، وبحار الأنوار 82 / 209 / ح (20).
(7) انظر الوسائل 4 / 38 ب (10) من أبواب أعداد الفرائض.
(8) كشف اللثام 3 / 66. لاحظ جواهر الكلام 7 / 242.
(9) الوسائل 4 / 228 ب (35) من أبواب المواقيت / ح (9).
275

في هذا الوقت ليس إلا لأجل مزاحمته درك تمام فضيلة الجماعة التي لا يوجب
المنع عنه إلا تنزيها لو لم تدرك أصلا، بل إلا تبعا وعرضا، إرشادا إلى إمكان درك
تمامها بتركه مع إمكان دركه بعد الفريضة بلا نقيصة.
وهذا الخبر له الحكومة على جميع الأخبار الناهية عنه أو النافية له وقت
الفريضة.
نعم، ربما ينافيه ويعارضه ما دل منها على أن توظيف الوقت بالذراع
والذراعين لنافلة الظهرين، إنما هو لئلا يتطوع في وقت الفريضة.
ويمكن الجمع بينهما بأن وقت الإقامة غالبا في الصدر الأول وقت فضيلة
الفريضة أيضا، وقبله لا منع عنه أصلا حيث لا مزاحمة له لا لوقت فضيلة الفريضة
ولا لفضيلة الجماعة وتمامها (1)، كما لا يخفى، فإن المنع عنه كان لمزاحمته لأحدهما،
فافهم.
(و) كيف كان (فالأحوط أن لا يؤتى بها (2) أي بالنوافل التي لم يقم دليل
بالخصوص على جواز إتيانها في وقت الفريضة (إلا رجاء (3) وبداعي إحتمال الأمر،
لا بداعي الأمر، خروجا بذلك عن شبهة الخلاف وإن كان الأظهر جواز إتيانها
كذلك، كما عرفت.
(الثانية: يكره ابتداء النوافل عند طلوع الشمس، وعند غروبها) كما هو
المحكي عن المشهور بين الأساطين من المتقدمين (4) والمتأخرين (5)، بل عليه نقل

(1) في المطبوع: (لتمامها).
(2 و 3) في التكملة: (فالأحوط أن يأتي بها ولكنه رجاء) بدل: (فالأحوط أن لا يؤتى بها إلا
رجاء).
(4) المبسوط 1 / 76، والمهذب 1 / 71، والوسيلة / 85، وظاهر السرائر 1 / 201، وإصباح
الشيعة / 61، وإشارة السبق / 85، والجامع للشرائع / 61.
(5) كشف الرموز 1 / 128، ومختلف الشيعة 2 / 58، والدروس 1 / 142، وتلخيص الخلاف
1 / 174 / مسألة (254)، وجامع المقاصد 2 / 34، ومسالك الأفهام 1 / 149، ورياض
المسائل 3 / 96.
276

الاجماع عن غير واحد منهم (1) (و) كذا يكره إبتداؤها أيضا (عند قيامها) أي
الشمس (نصف النهار إلى أن تزول، إلا في يوم الجمعة، وبعد الصبح والعصر، عدا
ذي السبب) كما نسب إلى الأكثر (2) والأصل في ذلك أخبار، منها: صحيحة [محمد
بن] (3) مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " يصلى على الجنازة كل ساعة إنها ليس بصلاة
ركوع وسجود إنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها التي فيها الخشوع
والركوع والسجود، لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان " (4).
وصحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لا صلاة نصف النهار إلا يوم
الجمعة " (5) وغيرهما (6).
الباب الأول: في المقدمات (مسائل)...
وإطلاق الأخبار وإن كان شاملا للفريضة والنافلة المبتدأة وغيرها إلا أنه
حمل على النافلة المبتدأة لورود الإذن في صلاة الفريضة (7)، وفي قضاء النافلة في كل

(1) الخلاف 1 / 521 / مسألة (263)، وغنية النزوع / 72 / كتاب الصلاة.
(2) الخلاف 1 / 521 / مسألة (263)، وغنية النزوع / 72 / كتاب الصلاة، وتذكرة الفقهاء
2 / 333 / مسألة (45)، ومدارك الأحكام 3 / 105.
(3) في المطبوع والمخطوط: (صحيحة مسلم).
(4) الوسائل 3 / 108 ب (20) من أبواب صلاة الجنازة / ح (2).
(5) الوسائل 7 / 317 ب (8) من أبواب صلاة الجمعة / ح (6).
(6) انظر الوسائل 4 / 234 ب (38) من أبواب المواقيت.
(7 و 6) انظر الوسائل 4 / 240 ب (39) من أبواب المواقيت.
277

ساعة (1) كما قيل (2).
ولا يخفى أن الإذن في ذلك لا ينافي الكراهة، ليوجب حمل الاطلاق وتقييده
مع بعده جدا في صحيحة محمد بن مسلم، لما فيها من العلة (3) الشاملة لأفراد الصلاة
كلها، كما لا يخفى. وكذا إطلاق أدلة شرعية ذوات الأسباب لا ينافي كراهتها عبادة
في تلك الأوقات مع استحبابها فيها واستحقاق الثواب عليها وان كان ثوابها أقل
وفعلها في غيرها أفضل، كي يؤول (4) الأمر إلى تقييد أحد الإطلاقين بالآخر.
نعم، لو كانت الكراهة غير كراهة العبادة لكان تقييد أحد الإطلاقين بالآخر
الأظهر - لو كان - والرجوع إلى الأصل الغير المنافي لو لم يكن في البين أظهر، لازما.
ولما كان الأمر في ذلك سهلا لم يقع تغيير في عبارة الأصل تبعا للمشهور والأكثر (5).
(الثالثة: تقديم كل صلاة في أول وقتها أفضل) اتفاقا نصا وفتوى (إلا في
مواضع) منها: المغرب والعشاء للمفيض من عرفة، فإن تأخيرهما إلى المشعر الحرام
أفضل وإن مضى ربع الليل بإجماع أهل العلم، كما عن المنتهى (6)، لغير واحد من
الأخبار (7). بل وإن مضى ثلث الليل، لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما " لا تصل
المغرب حتى تأتي جمعا وإن ذهب ثلث الليل " (8).
ومنها: العشاء الآخرة مطلقا، فإن تأخيرها إلى أن يسقط الشفق الأحمر

(2) لاحظ مجمع الفائدة والبرهان 2 / 46 - 47، ومدارك الأحكام 3 / 106.
(3) في المطبوع: (العلل).
(4) في المخطوط: (كي آل).
(5) لاحظ ص / 276.
(6) منتهى المطلب 2 / 723. (ط حجرية).
(7) انظر الوسائل 4 / 118 ب (3) من أبواب المواقيت.
(8) الوسائل 14 / 12 ب (5) من أبواب الوقوف بالمشعر / ح (1).
278

أفضل، لصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) متى تجب العتمة؟ قال: " إذا غاب
الشفق والشفق الحمرة " (1) وصحيحة بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " أول
وقت العشاء ذهاب الحمرة، وآخر وقتها إلى غسق الليل " (2) لوجوب حملهما على
وقت الفضيلة، جمعا بينهما وبين ما دل على دخول وقتها قبله.
ومنها: تأخير الفريضة للتنفل بنافلتها، لما تقدم (3) إلى غير ذلك من الموارد
التي هي (4) مذكورة في أبواب متفرقة (5).
(ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها ولا تقديمها) وإلا لما كان وقتها، كما هو
واضح.

(1) الوسائل 4 / 204 ب (23) من أبواب المواقيت / ح (1).
(2) الوسائل 4 / 174 ب (16) من أبواب المواقيت / ح (6).
(3) لاحظ مبحث النوافل في ص / 263.
(4) لم يرد (هي) في المخطوط.
(5) انظر جواهر الكلام 7 / 312 - 315.
279

الفصل الثالث: في القبلة
الباب الأول: في المقدمات (القبلة)...
وهي لغة: ما يصلى نحوه والجهة قال في الصحاح: القبلة التي يصلى نحوها.
ويقال أيضا: ما له قبلة ولا دبرة، إذا لم يهتد بجهة امره وما لكلامه قبلة أي جهة (1).
(و) شرعا، (هي): خصوص (الكعبة) عينا أو جهة، للأخبار الدالة على أنها
القبلة التي حول وجهه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو صرفه إليها في أثناء الصلاة (2)، وغيرها ففي
المروي عن قرب الإسناد: " ان لله حرمات ثلاث ليس مثلهن شئ: كتابه وهو حكمة
ونور، وبيته الذي جعله قياما للناس وأمنا ولا يقبل من أحد توجها إلى غيره، وعترة
نبيكم " (3) بل الظاهر أنه من ضروريات المذهب، بل الدين.
ولا ينافيه الخلاف، وذهاب جماعة (4) إلى كونها قبلة لمن في المسجد،
والمسجد لمن في الحرم، والحرم لمن خرج منه فإن الظاهر أنه ليس المسجد والحرم
عندهم بحيالهما قبلة في قبال الكعبة، بل لأن المواجهة معهما كانت مواجهة لجهتها.
ولذا نقل عن بعض هذه الجماعة التصريح بوجوب استقبال عينها للمتمكن من
استقبالها (5)، مع أن خفاء بعض الضروريات لبعض الشبهات لا ينافي الضرورية.
وكيف كان فعينها قبلة (مع القدرة) على استقبالها.

(1) الصحاح 3 / 1795، (قبل).
(2) راجع تفسير نور الثقلين 1 / 132 / ح (399) وص / 135 / ح (412) وص / 136 / ح
(414) وص 137 / ح (417)، والوسائل 4 / 297 ب (2) من أبواب القبلة.
(3) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (10).
(4) المبسوط 1 / 77، والوسيلة / 85، وشرائع الاسلام 1 / 77.
(5) لاحظ إصباح الشيعة / 62، والوسيلة / 85.
280

وقد استدل عليه في محكي المعتبر بإجماع العلماء كافة (1) ونقل عن غير
واحد (2).
ويدل عليه خبر الاحتجاج، عن العسكري في احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله) على
المشركين قال فيه: " فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا ثم أمرنا بعبادته
بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا، فلم نخرج في شئ من ذلك
من اتباع أمره " (3).
(و) منه يظهر أن (جهتها) قبلة (مع البعد) الموجب لعدم القدرة على ذلك علما
وإن اتفق أحيانا.
ويدل عليه قوله تعالى: * (فولوا وجوهكم شطره) * (4) والشطر هو الجانب
والجهة والمراد من المسجد الحرام الكعبة، كما يظهر من أخبار الصرف والتحويل (5).
(والمصلي في) جوف (الكعبة) تصح صلاته و (يستقبل أي جدرانها شاء)
لعدم المرجح لواحد منها، أما الصلاة النافلة فمطلقا إجماعا، وأما الفريضة فعلى ما هو
المشهور (6) من جوازها كذلك خلافا للشيخ في محكي الخلاف (7) فذهب إلى تحريمها

(1) المعتبر 2 / 64 قال: استقبال القبلة في الصلاة الواجبة واجب وشرط وهو اجماع العلماء
كافة. ثم قال بعد أسطر في ص / 65 في مقام الاستدلال على أن القبلة هي الكعبة مع الإمكان:
لنا إجماع العلماء على وجوب استقبالها لمن هو مشاهد لها.
(2) لاحظ جواهر الكلام 7 / 320، وكتاب الصلاة للشيخ الأنصاري - (قدس سره) - / 32.
(3) الاحتجاج / 27، والوسائل 4 / 302 ب (2) من أبواب القبلة / ح (14).
(4) سورة البقرة / 144.
(5) راجع الهامش (2)، الصفحة المتقدمة.
(6) من لا يحضره الفقيه 1 / 178 / ذيل ح (842)، والمبسوط 1 / 85، والوسيلة / 90،
والسرائر 1 / 266، والمعتبر 2 / 66، ومختلف الشيعة 2 / 107، وذكرى الشيعة 3 / 161.
(7) الخلاف 1 / 439 / مسألة (186).
281

اختيارا وتبعه ابن براج (1).
وقد استدل بالإجماع وبأن القبلة هي الكعبة لمن شاهدها فتكون القبلة جملتها
والمصلي في وسطها غير مستقبل الجملة وبما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لا تصل المكتوبة في الكعبة " (2) وفي الصحيح عن محمد بن
مسلم، عن أحدهما [(عليهما السلام)] قال: " لا تصلح صلاة المكتوبة في جوف الكعبة " (3) (4).
وفيه أنه لا إجماع، لمخالفة المشهور (5)، وهو منهم في أكثر كتبه (6) على ما نقل.
والمصلي في جوف الكعبة وإن كان غير مستقبل للكعبة عرفا، إلا أن موثقة يونس
ابن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إذا حضرت الصلاة المكتوبة وأنا في الكعبة،
أفأصلي فيها؟ قال: " صل " (7). قد دلت على جواز الفريضة في جوفها ولا يقاوم
الصحيحتان (8) لمعارضتها دلالة وحملهما على الكراهة توفيق عرفي، كما لا يخفى.
(و) المصلي (على سطحها) يصلي صلاة تامة كما يصلي في جوفها و (يبرز بين
يديه بعضها) ليواجهه فلو لم يبرز، بل وقف على الحائط بحيث لا يبقى بين يديه جزء
من البيت لكانت صلاته فاسدة.
وربما قيل بأنه يصلي إلى بيت المعمور مستلقيا على ظهره، موميا للركوع

(1) المهذب 1 / 76.
(2) الوسائل 4 / 337 ب (17) من أبواب القبلة / ح (3).
(3) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (4).
(4) لاحظ مستند الشيعة 4 / 164.
(5) لاحظ الصفحة المتقدمة.
(6) انظر المبسوط 1 / 85، والجمل والعقود (المطبوع ضمن الرسائل العشر): 178، والنهاية
(المطبوعة مع نكتها) 1 / 331.
(7) الوسائل 4 / 337 ب (17) من أبواب القبلة / ح (6).
(8) في المطبوع: (الصحيحتين).
282

والسجود (1)، لرواية ضعيفة بلا جابر (2).
(وكل قوم) مع أهالي البلاد البعيدة (يتوجهون إلى) جهة (ركنهم).
(ف‍) الركن (العراقي لأهل العراق) ومن في سمتهم.
(و) الركن (اليماني لأهل اليمن) ومن في سمتهم.
(و) الركن (المغربي لأهل المغرب) ومن في سمتهم.
(و) الركن (الشامي لأهل الشام) ومن في سمتهم.
(وعلامة) قبلة (العراق جعل الفجر) أي المشرق (محاذيا لمنكبه الأيسر
والشفق) أي المغرب (لمنكبه الأيمن).
والظاهر عدم اختصاص الإعتدالين منهما بذلك، وإن لم يكن ما عداهما
بمنضبط، لسعة الجهة وعدم اختصاصها بما يجعل الاعتدالين كذلك.
[وعين الشمس عند الزوال عن طرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف.
والجدي خلف المنكب الأيمن] (3). كما يدل عليه خبر محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) قال سألته: عن القبلة. قال: " ضع الجدي في قفاك وصل " (4).
(ومع فقد الأمارات) الموجبة للعلم بالجهة ولا للظن بها - لاعتباره في ما إذا
تعذر العلم لصحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): " يجزئ التحري أبدا إذا لم
يعلم أين وجه القبلة " (5) وغيرها (6) - وفقد البينة العادلة - لحجيتها شرعا، بل لا يبعد

(1) من لا يحضره الفقيه 1 / 178 / ذيل ح (842)، والخلاف 1 / 441 / مسألة (188).
(2) الوسائل 4 / 340 ب (19) من أبواب المواقيت / ح (2).
(3) ما بين الحاصرتين أضفناه من التكملة. وغير خفي أن قول المحقق الشارح: كما يدل عليه خبر
محمد بن مسلم.. إلى آخره. تعليق على الفقرة الأخيرة مما أوردناه من التكملة.
(4) الوسائل 4 / 306 ب (5) من أبواب القبلة / ح (1).
(5) الوسائل 4 / 307 ب (6) من أبواب القبلة / ح (1).
(6) لاحظ الوسائل 4 / الباب المتقدم.
283

حجيتها مع التمكن من العلم أيضا - (يصلي) كل فريضة (إلى أربع جهات مع
الاختيار) على المشهور (1) بل عن غير واحد الاجماع عليه (2) لرواية خراش عن
بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: جعلت فداك، إن هؤلاء المخالفين
علينا يقولون إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في
الاجتهاد. فقال: " ليس كما يقولون. إذا كان كذلك فليصل إلى أربع وجوه " (3). ونحوها
مرسلة الكليني (4) بإسقاط قضية المخالفين، وتبديل الوجوه بالجوانب. هذا مع أنه
مقتضى قاعدة الاشتغال، للتكليف باستقبال ما هو قبلة الغير المتمكن من مواجهة
الكعبة مما بين المشرق والمغرب، وهو ظاهرا لا يكاد يدرك في الفرض إلا بالصلاة
إلى أربع جهات، فإن المراد من المشرق والمغرب ليس الإعتدالي منهما، بل تمام
المشارق والمغارب ولا يدرك بالصلاة إلى ثلاث جهات، كما قيل (5)، إذ من
المحتملات أن تكون النقطتان اللتان يصلي إليهما إلى طرف المشرق والمغرب
والأخرى على عكس ما بينهما، ويصدق حينئذ أنه يصلي إلى المشرق والمغرب، لا
إلى ما بينهما عرفا وإن كانت مما بينهما دقة، ضرورة أنه الملاك في الخطابات العرفية.

(1) الوسائل 4 / 703 ب (6) من أبواب القبلة / ح (1).
(2) لاحظ الوسائل 4 / الباب المتقدم
(3) المقنعة / 96، وجمل العلم والعمل، المطبوع ضمن رسائل السيد المرتضى 3 / 29، والمراسم
/ 61، والمبسوط 1 / 78، وإصباح الشيعة / 62، والسرائر 1 / 205، والجامع للشرائع
/ 63.
(4) غنية النزوع / 69 / كتاب الصلاة، والمعتبر 2 / 70، وتذكرة الفقهاء 3 / 28 / مسألة
(147). لاحظ مستند الشيعة 4 / 196، وكتاب الصلاة للشيخ الأنصاري - (رحمه الله) - / 47.
(5) الوسائل 4 / 311 ب (8) من أبواب القبلة / ح (5).
(6) الكافي 3 / 286 / ذيل ح (10)، والوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (4).
(7) لاحظ تعليقة النراقي - (رحمه الله) - ذيل هذه المسألة في مستند الشيعة 4 / 197، وجواهر الكلام
7 / 411.
284

ومن هنا يمكن أن يناقش في رواية خراش بالإرسال، وضعف المرسل،
وعدم الجبر، لاحتمال أن مستند فتوى المشهور هو الاحتياط لا الرواية، واشتمالها
على نفي الاجتهاد في القبلة مع وجوبه، وقوة احتمال اتحاد مرسلة الكليني (1) معها مع
أنها غير قابلة للاستناد إليها، ولذا لم يذكرها استنادا، كما يظهر من مراجعة
الكافي (2).
هذا مع ذهاب جماعة من القدماء كالعماني (3) وابن بابويه (4) والكليني (5)
وجماعة من المتأخرين (6) - على ما حكي عنهم - إلى الخلاف وكفاية الصلاة إلى أي
جهة شاء.
وقد دل عليه أخبار، منها: الصحيح عن ابن [أبي] (7) عمير عن بعض
أصحابه عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قبلة المتحير فقال: " يصلي حيث
يشاء " (8). وصحيحة زرارة: " يجزئ المتحير أينما توجه إذا لم يعلم وجه القبلة " (9).
وغيرهما (10).

(1) في المخطوط: (كليني).
(2) لاحظ الهامش (5) هذه الصفحة.
(3) حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة 2 / 67.
(4) نسبه إليه العلامة في المختلف 2 / 67، انظر الفقيه 1 / 179 / ح (845) وذيل ح (846).
(5) كما هو ظاهر ما أورده في الكافي 3 / 286 / ح (10).
(6) مدارك الأحكام 3 / 136، ومفاتيح الشرائع 1 / 114، والحدائق الناضرة 6 / 400،
وللاستزادة انظر مستند الشيعة 4 / 197، ومفتاح الكرامة 2 / 120.
(7) في المطبوع والمخطوط: (ابن عمير).
(8) الوسائل 4 / 311 ب (8) من أبواب القبلة / ح (3).
(9) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (2).
(10) لاحظ مجمع الفائدة والبرهان 2 / 67، وجواهر الكلام 7 / 411.
285

ولا يخفى أنه لا مجال أيضا للاستناد إلى قاعدة الاشتغال في لزوم الصلاة إلى
أربع جوانب عقلا، لما عرفت من دلالة غير واحد من الأخبار على الإجتزاء
بالصلاة إلى حيث يشاء، وأينما توجه (1)، كما لا مجال معها لما نسب إلى ابن
طاووس (2) من القرعة، حسب ما هو واضح.
ولكنه لا ينبغي ترك الاحتياط خروجا عن شبهة الخلاف للرواية والشهرة.
(و) أما (مع الاضطرار) (3) لضيق الوقت، أو عدو، أو مرض يصلى إلي (أي (4)
جهة شاء) بلا إشكال ولا خلاف في الاجتزاء بصلاة واحدة، وإجزائها، كما هو
قضية تلك الأخبار (5)، غايته تخصيصها بخبر خراش (6) بحال الاضطرار.
(ولو ترك الاستقبال) الواجب (عمدا أعاد) الصلاة إجماعا.
(ولو كان ظانا في ما كان الظن) باستقبال القبلة (معتبرا، وهو في ما إذا تعذر
العلم والأمارة) الشرعية (أو تعسر) وإلا كان تاركا عمدا (أو) كان (ناسيا وكان) ما
صلى إليه (بين المشرق والمغرب فلا إعادة عليه). وقد ادعى في المدارك الاجماع
عليه، وحكى عن جماعة (7) ويدل عليه صحيح معاوية بن عمار سأل الصادق (عليه السلام):
عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا
وشمالا قال: " قد مضت صلاته، ما بين المشرق والمغرب قبلة " (8). وخبر قرب

(1) راجع الصفحة المتقدمة.
(2) الأمان من اخطار الأسفار / 94، ونسب إليه في مفتاح الكرامة 2 / 120.
(3) في التكملة: (الضرورة) بدل (الاضطرار).
(4) لم يرد (أي) في المخطوط.
(5) مرت في الصفحة المتقدمة.
(6) مر في ص / 284.
(7) مدارك الأحكام 3 / 151.
(8) الوسائل 4 / 314 ب (10) من أبواب القبلة / ح (1).
286

الاسناد، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهم السلام) أنه كان يقول: " من صلى على
غير القبلة وهو يرى أنه على القبلة، ثم عرف بعد ذلك، فلا إعادة عليه، إذا كان في ما
بين المشرق والمغرب " (1) وغيرهما (2). ويخصص بذلك ما دل بإطلاقه على وجوب
الإعادة في الوقت مما يأتي من الأخبار.
(و) أما (لو كان إليهما أعاد في الوقت) لا بعده، وادعى عليه الاجماع في
المدارك (3) ويدل عليه صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" إذا صليت وأنت على غير القبلة، واستبان لك أنك صليت وأنت على غير القبلة
وأنت في وقت فأعد، وإن فاتك الوقت فلا تعد " (5) وقريب منه صحيح سليمان بن
خالد (6).
ولا تقاوم لمعارضتهما رواية معمر بن يحيى قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) (7) عن
رجل صلى إلى غير القبلة ثم تبينت القبلة وقد دخل في وقت صلاة أخرى. قال:
" يعيدها قبل أن يصلي هذه التي قد دخل وقتها " (8) لا سندا لضعفها، ولا دلالة
لصراحتهما في عدم وجوب الإعادة خارج الوقت، وغايتها الظهور في وجوبها،
فتحمل على الاستحباب، أو على ما إذا صلى غفلة بدون التحري والاجتهاد.

(1) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (5).
(2) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (4) وص / 312 ب (9) من هذه الأبواب / ح (2).
وللاستزادة راجع كشف اللثام 3 / 177، وجواهر الكلام 8 / 24.
(3) مدارك الأحكام 3 / 151.
(4) في المخطوط والمطبوع: (أبي عبد).
(5) الوسائل 4 / 315 ب (11) من أبواب القبلة / ح (1).
(6) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (6).
(7) ليس في المخطوط ((عليه السلام)) ولا رمز له.
(8) الوسائل 4 / 313 ب (9) من أبواب القبلة / ح (5).
287

(ولو كان مستدبر القبلة أعاد مطلقا، على تأمل في خارج الوقت) بل منع،
لإطلاق التفصيل بين الوقت وخارجه في الصحيحين وغيرهما (1). وقد عرفت عدم
مقاومة رواية معمر بن يحيى للمعارضة أصلا. ولا دلالة لصحيح زرارة عن أبي
جعفر (عليه السلام): " لا تعاد الصلاة إلا عن خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع
والسجود " (2) على الإعادة إلا إذا أخل بما هو شرط في الحال كما إذا صلى إلى غير
القبلة بلا اجتهاد، غفلة، أو بدونها مع البناء على الإعادة لو لم يكن إليها، وإلا ما
أخل بما هو شرط في الحال من الاستقبال إلى ما يؤدي إليه إجتهاده. ففي صحيح ابن
خالد: " إن كان في وقت فليعد صلاته، وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده " (3).
وفي بعض الأخبار " فإن القوم قد تحروا " (4) فإنهما كالصريح في أن التحري
والاجتهاد هاهنا على نحو السببية والموضوعية لا الطريقية، كي يظهر الإخلال
بشرط الاستقبال، ويصدق الفوت الموجب للقضاء وكون الاجتهاد على نحو
الطريقية بالنسبة إلى الإعادة في الوقت لا يقتضي كونه كذلك بالنسبة إلى خارج
الوقت، بل لا بد من ملاحظة دليل اعتباره، وقد دل على أنه بنحو السببية بالنسبة
إلى القضاء. وبالجملة الاجزاء وعدمه يتبع الدليل.
(ولا يصلي) شيئا (على الراحلة مع (5) الاختيار إلا النافلة (6) فيصليها مع
الاختيار والاضطرار. ويدل على عدم جواز الفريضة معه سفرا وحضرا، يومية

(1) انظر الوسائل 4 / 315 ب (11) من أبواب القبلة.
(2) الوسائل 4 / 312 ب (9) من أبواب القبلة / ح (1).
(3) الوسائل 4 / 317 ب (11) من أبواب القبلة / ح (6).
(4) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (7).
(5) في المطبوع: (في) بدل (مع).
(6) في التكملة: (ولا يصلي على الراحلة اختيارا إلا نافلة).
288

وغيرها - مضافا إلى أدلة إعتبار ما لابد معه من الإخلال به، من الأجزاء
والشرائط كالركوع والسجود والاستقبال، وإلى دعوى المعتبر أنه مذهب العلماء (1)،
كما نقله في المدارك (2) - صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل القبلة، ويجزيه فاتحة الكتاب،
ويضع بوجهه في الفريضة على ما مكنه من شئ، ويومئ في النافلة إيماء " (3).
وموثقة عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيصلي الرجل شيئا من
المفروض راكبا؟ قال: " لا، إلا من ضرورة " (4).
ويجوز أن يصلي الفرائض عليها مع الاضطرار للموثقة وغيرها من الأخبار
المصرحة به (5)، مضافا إلى ما دل على " أن الصلاة لا تترك بحال " (6).
ويدل على جواز النافلة عليها صحيح عبد الرحمن، حيث خصص بالفريضة.
ثم الظاهر من الفريضة والنافلة ما كان كذلك ذاتا وإن عرض الاستحباب
على الفريضة، والوجوب على النافلة كالمعادة والمنذورة، لانسباق ذلك من
الأخبار كما لا يخفى.

(1) المعتبر 2 / 75.
(2) مدارك الأحكام 3 / 139.
(3) الوسائل 4 / 325 ب (14) من أبواب القبلة / ح (1).
(4) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (6).
(5) لاحظ الوسائل 4 / الباب المتقدم، وج 8 / 442 ب (3) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة /
ح (10) وللاستزادة لاحظ رياض المسائل 3 / 145، وجواهر الكلام 7 / 424.
(6) كما في الوسائل 2 / 373 ب (1) من أبواب الاستحاضة / ح (5) ولاحظ ج 4 / 41 ب (11)
من أبواب اعداد الفرائض.
289

(الفصل الرابع: في اللباس)
الباب الأول: في المقدمات (لباس المصلي)...
(يجب ستر العورة) شرطا وإن لم يكن هناك ناظر محترم (إما بالقطن، أو
الكتان (1)، أو ما أنبتته الأرض من أنواع الحشيش).
(أو بالخز الخالص) الغير المغشوش بمثل وبر الأرانب مما لا يؤكل لحمه، ولم
يقم دليل خاص على جواز الصلاة فيه.
أما جواز الصلاة في الخالص فبإجماع علمائنا على ما حكاه في محكي
المعتبر (2).
ويدل عليه أخبار كثيرة، منها: صحيح سليمان بن جعفر الجعفري: قال:
رأيت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) (3) يصلي في جبة خز (4).
وأما عدم الجواز في المغشوش فلعموم ما دل من الأخبار الدالة على عدم
جواز الصلاة في شئ مما لا يؤكل (5)، مضافا إلى ما ورد فيه بالخصوص، من قول
أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر الكافي: " فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب وغير ذلك مما
يشبه هذا فلا تصل فيه " (6). وبمعناه خبر أيوب بن نوح عن الصادق (عليه السلام) (7). وضعف

(1) في التكملة: (أو بالكتان).
(2) المعتبر 2 / 84.
(3) لم يرد في المخطوط: ((عليه السلام)) ولا رمز له.
(4) الوسائل 4 / 359 ب (8) من أبواب لباس المصلي / ح (1).
(5) انظر الوسائل 4 / 345 ب (2) من أبواب لباس المصلي، وغيره.
(6) الكافي 3 / 403 / ح (26)، وأشار إليه في الوسائل 4 / 361 ب (9) من أبواب لباس المصلي
/ ذيل ح (1).
(7) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (1).
290

سندهما منجبر باشتهار العمل بهما بين الأصحاب (1)، ودعوى أكثرهم الاجماع على
مضمونهما (2) كما في المدارك عن المعتبر (3). فلا يقاوم لمعارضتهما خبر داود
الصرمي (4): قال: سألته عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب. فكتب: " يجوز " (5)
لعدم (6) انجبار ضعفه.
(أو بالصوف والشعر والوبر مما يؤكل لحمه، أو جلده مع التذكية).
(ولا تجوز الصلاة في جلد الميتة) مما يؤكل لحمه (وإن دبغ) إجماعا نقلا (7)
وتحصيلا لغير واحد من الأخبار، منها: صحيح محمد بن مسلم: قال: سألته عن
جلد الميتة أيلبس بالصلاة إذا دبغ؟ قال: " لا ولو دبغ سبعين مرة " (8).
(ولا) في (جلد ما لا يؤكل لحمه وإن ذكي ودبغ ولا (9) في صوفه وشعره
ووبره) وكل شئ منه. وهو إجماعي على ما نقله جماعة كما في المدارك (10).

(1) المقنعة / 150، والمراسم / 63، والمبسوط 1 / 82، والوسيلة / 88، والمعتبر 2 / 85،
وتذكرة الفقهاء 2 / 468 / مسألة (122)، وجامع المقاصد 2 / 78، وكشف اللثام 3 / 193.
(2) كالشيخ في الخلاف 1 / 512 / مسألة (257)، والسيد ابن زهرة في ظاهر غنية النزوع / 66
/ كتاب الصلاة.
(3) مدارك الأحكام 3 / 169، ولاحظ المعتبر 2 / 85.
(4) في المطبوع والمخطوط: (المصري).
(5) الوسائل 4 / 362 ب (9) من أبواب لباس المصلي / ح (2).
(6) في المطبوع: (بعدم).
(7) غنية النزوع / 66 / كتاب الصلاة، والمعتبر 2 / 77، وتذكرة الفقهاء 2 / 467 / مسألة
(120)، وذكرى الشيعة 3 / 28.
(8) الوسائل 4 / 343 ب (1) من أبواب لباس المصلي / ح (1).
(9) أثبتنا (لا) من التكملة، ولم يرد في المخطوط والمطبوع.
(10) مدارك الأحكام 3 / 157. ولاحظ الخلاف 1 / 511 / مسألة (256)، وغنية النزوع / 66
/ كتاب الصلاة، وتذكرة الفقهاء 2 / 465 / مسألة (118).
291

ويدل عليه موثق ابن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في
الثعالب والفنك والسنجاب وغيرها من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله
(صلى الله عليه وآله): " إن الصلاة في وبر كل شئ حرام أكله، فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله
وروثه وكل شئ منه فاسدة، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله
أكله " (1) وغير واحد من الأخبار (2).
(ولا) في (الحرير المحض للرجال مع الاختيار) وهو مذهب علمائنا، كما أن
علماء الاسلام على تحريم لبسه لهم.
ويدل عليه أخبار مستفيضة على ما في المدارك (3).
ويدل على عدم جواز الصلاة في الحرير المحض وبطلانها قوله في صحيحة
محمد بن عبد الجبار: " لا تحل الصلاة في حرير محض " (4). وغيرها ما دل بمنطوقه أو
مفهومه (5).
وفي المدارك: أما البطلان، فعلى تقدير كونه ساترا للعورة ظاهر، لاستحالة
إجتماع الواجب والحرام في الشئ الواحد (6).
وفيه إن لبس الحرير المحض وإن كان حراما على الرجال مطلقا في غير
الحرب مع الاختيار، إلا أنه مع عدم الانحصار ليس لبسه مقدمة للتستر به واجبا

(1) الوسائل 4 / 345 ب (2) من أبواب لباس المصلي / ح (1).
(2) انظر الوسائل 4 / الباب المتقدم.
(3) مدارك الأحكام 3 / 173.
(4) الوسائل 4 / 368 ب (11) من أبواب لباس المصلي / ح (2).
(5) راجع الوسائل 4 / الباب المتقدم والباب (12) من هذه الأبواب، وغيرهما.
(6) مدارك الأحكام 3 / 174.
292

ليلزم الاجتماع فيه فيكون واجبا غيريا وحراما نفسيا، بل حراما محضا (1)، وإن
التستر به واجب وشرط (2) وحرمة مقدمته غير سارية إليه.
ومع الانحصار في غير الحرب، والاختيار فلا يجب التستر للصلاة حينئذ،
كي تجب مقدمته مع حرمتها، كما لا يخفى.
ثم إن الاتفاق على عدم جواز الصلاة في الحرير للرجال إنما هو في ما (عدا ما
لا تتم به الصلاة) وأما فيه، ففيه خلاف، إلا أن الأظهر جوازه، لرواية الحلبي عن
الصادق (عليه السلام) أنه قال: " كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل
التكة الإبريسم، والقلنسوة، والخف، والزنار يكون في السراويل، ويصلي فيه " (3).
وسنده وإن كان ضعيفا، إلا أنه مما يوثق به بسبب أن جل القدماء والمتأخرين (4) قد
عملوا به، وغير العامل به ربما توقف لأجله، أو رجح عليه غيره وكل ذلك فرع
الحجية، كما قيل (5)، فيقيد بها إطلاق الأخبار المانعة (6) لو كان لها الإطلاق ولم يكن
المنساق منه غير ما لا تتم به الصلاة ويكون قرينة على أن المراد من نفي الحلية في
صحيح محمد بن عبد الجبار: قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله، هل يصلى في
قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب (عليه السلام) (7): " لا تحل الصلاة في حرير

(1) كذا في المخطوط والمطبوع، والأحرى (بل حرام محض) مرفوعين عطفا على الخبر في قوله:
إلا أنه....
(2) في المخطوط: (واجبا وشرطا).
(3) الوسائل 4 / 376 ب (14) من أبواب لباس المصلي / ح (2).
(4) لاحظ المبسوط 1 / 83، والسرائر 1 / 269، والمعتبر 2 / 89، وتذكرة الفقهاء 2 / 473،
وروض الجنان / 207، ومستند الشيعة 4 / 348.
(5) لاحظ جواهر الكلام 8 / 123.
(6) انظر الصفحة السابقة.
(7) من المصدر، ولم يرد في المخطوط والمطبوع ((عليه السلام)).
293

محض " (1) وصحيحه الآخر كتب إليه أيضا يسأله عن الصلاة في التكة المعمولة من
الحرير فأجابه بذلك (2) ما هو يعم الكراهة، لكونها نصا في جواز الصلاة في التكة
والقلنسوة ونحوهما، وكونهما ظاهرين في عدمه فلا محيص عن رفع اليد عن
ظهورهما في مثل التكة والقلنسوة من حرير محض، بصريحها.
وربما يدعى زيادة وثوق بها منهما، لكونهما مكاتبة وشدة التقية فيها لكثرة
إحتمال العوارض فيها، فتكون أرجح منهما سندا لذلك أيضا (3).
(ويجوز) لبس الحرير المحض مع الاختيار (في) حال (الحرب) مطلقا ولو في
الصلاة، مع حرمته عليهم لا في هذا الحال مطلقا ولو في غير الصلاة.
أما حرمته كذلك فعليه علماء الاسلام، كما في المدارك (4)، والأخبار الواردة
بحرمته مستفيضة (5).
وأما جوازه في حال الحرب فلموثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
لباس الحرير والديباج. فقال: " أما في الحرب فلا بأس وإن كان فيه تماثيل " (6).
(و) يجوز لبسه (للنساء) في الصلاة وغيرها في حال الضرورة والاختيار أما
جواز لبسهن له في غير الصلاة فهو إجماعي، بل ضروري من المذهب، بل الدين،
كما في الجواهر (7).

(1) الوسائل 4 / 376 ب (14) من أبواب لباس المصلي / ح (1).
(2) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (4).
(3) لاحظ روض الجنان / 207، ومستند الشيعة 4 / 348.
(4) مدارك الأحكام 3 / 173.
(5) انظر الوسائل 4 / 368 ب (11) من أبواب لباس المصلي / ح (3) و (5) و (6) و (9) و (11)
و (12)، وص / 371 ب (12) من هذه الأبواب، وغيرها مما ورد في ب (13) وب (16) من
هذه الأبواب.
(6) الوسائل 4 / 372 ب (12) من أبواب لباس المصلي / ح (3).
(7) جواهر الكلام 8 / 19.
294

وأما جواز اللبس في الصلاة فهو مشهور شهرة عظيمة (1) كادت تكون
إجماعا، على ما في الجواهر (2).
ويدل عليه موثق عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " النساء يلبسن الحرير والديباج إلا في الإحرام " (3).
ولا يقاوم لمعارضته اطلاق صحيحة عبد الجبار (4) دلالة وإن كان بينهما
عموم من وجه فلا بد من تقييد اطلاقها به ولا رواية زرارة قال: سمعت أبا
جعفر (ع) ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز
لحمته أو سداه خز أو قطن وإنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء (5)
سندا ودلالة لضعفها بلا جابر إذ لم يعمل به إلا الصدوق (6) ولزوم التصرف
فيها ضرورة جواز لبس النساء له في غير الصلاة وليس تقييد الحرمة بالصلاة
بأولى من حمل النهي على الكراهة كما لا يخفى.
(و) يجوز للرجال مطلقا ولو في حال الصلاة (الركوب عليه والافتراش له)
هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب على ما في المدارك (7)، لصحيحة علي بن
ولا يقاوم لمعارضته إطلاق صحيحة عبد الجبار (5) دلالة وإن كان بينهما عموم
من وجه، فلا بد من تقييد إطلاقها به، ولا رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)
ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو
سداه خز، أو كتان، أو قطن. وإنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء (6) سندا
ودلالة، لضعفها بلا جابر، إذ لم يعمل به إلا الصدوق (7)، ولزوم التصرف فيها،
ضرورة جواز لبس النساء له في غير الصلاة. وليس تقييد الحرمة بالصلاة بأولى من
حمل النهي على الكراهة، كما لا يخفى.
(و) يجوز للرجال مطلقا ولو في حال الصلاة (الركوب عليه والافتراش له)
هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب على ما في المدارك (7)، لصحيحة علي بن

(1) لاحظ المقنعة / 150، وجمل العلم والعمل (المطبوع ضمن رسائل السيد المرتضى (قدس سره))
3 / 28، والمراسم / 64، والمبسوط 1 / 83، والوسيلة / 87، والسرائر 1 / 263، والشرائع
1 / 82، والجامع للشرائع / 65، وكشف الرموز 1 / 138، وتذكرة الفقهاء 2 / 471، وذكرى
الشيعة 3 / 43، وجامع المقاصد 2 / 84، وروض الجنان / 208، ورياض المسائل 3 / 179،
ومستند الشيعة 4 / 342.
(2) جواهر الكلام 8 / 119.
(3) الوسائل 4 / 379 ب (16) من أبواب لباس المصلي / ح (3).
(4) الوسائل 4 / 376 ب (14) من أبواب لباس المصلي / ح (1)، ومثلها ح (4).
(5) الوسائل 4 / 374 ب (13) من أبواب لباس المصلي / ح (5).
(6) من لا يحضره الفقيه 1 / 171 / ذيل ح (807).
295

جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن فراش حرير ومثله من ديباج يصلح
للرجل النوم عليه والتكاءة (2) والصلاة؟ قال (عليه السلام): " يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد
عليه " (3) هذا مضافا إلى الأصل عقلا ونقلا في غير الصلاة، وفيها نقلا.
(ولا) تجوز الصلاة (في المغصوب مع العلم) إجماعا على ما نقل عن جماعة في
خصوص الساتر (4) منه بل مطلقا، كما عن جماعة التصريح بعدم الفرق بين الساتر
وغيره (5).
ولا يخفى أنه لا اعتماد على نقل الاجماع في مثل هذه المسألة مما يمكن أن يكون
العقل مستند الجل لولا الكل، وتوهم أن الصلاة فيه يوجب كون جزئها أو شرطها
منهيا عنه بتقريب أن الحركات الصلاتية من القيام والركوع والسجود فيه. تكون
تصرفات فيه، وهي لكونها في ملك الغير ممنوعة.
ولا يذهب عليك أن اللبس من مقولة الملك والجدة وكل من القيام والقعود
والركوع والسجود من مقولة الوضع، وليس شئ منها من مقولة الجدة حتى يلزم
حرمتها بحرمته ويسري النهي عنه إليها. فالقيام والقعود وغيرهما لا يصير منهيا
عنها بالنهي عن التعمم أو التقمص بعمامة أو بقميص مغصوبين مثلا، فإنهما من مقولة
أخرى لا دخل لهما بها، كما لا يخفى على أهله.
نعم، لو كان الهوي إلى الركوع أو السجود، أو النهوض إلى القيام أو القعود
من الأجزاء لا من مقدماتها كان كل منهما سببا ومحركا للمغصوب (1)، وسبب الحرام

(1) مدارك الأحكام 3 / 179.
(2) في المخطوط: (التكاء) وفي المطبوع: (الإتكاء).
(3) الوسائل 4 / 378 ب (15) من أبواب لباس المصلي / ح (1)، بتصرف.
(4) جامع المقاصد 2 / 87، وروض الجنان / 204.
(5) كما في تذكرة الفقهاء 2 / 476 - 477، لاحظ كشف اللثام 3 / 223، وجواهر الكلام
8 / 141.
296

حرام فتفسد الصلاة بفساد جزئها. إلا أنه لم يثبت ذلك، بل ظاهر الأدلة انحصار
الأجزاء بغيرهما. ولا مضادة بين نزعه والصلاة غالبا، ولو اتفق أحيانا فالأمر
بالشئ لا يقتضي النهي عن الضد قطعا ولو قيل به يختص الفساد بما إذا اتفق التضاد
لا مطلقا. وستر العورة وإن كان شرطا في ما إذا لم ينحصر الساتر به، إلا أنه يوجد
بالستر به، ولا ضير في حرمته بعد عدم اعتبار القربة فيه، وليس إلا من باب
الإتيان بالمقدمة المحرمة بسوء الاختيار مع عدم الانحصار وهي غير واجبة شرعا
ولا عقلا، كي يلزم إجتماع الواجب والحرام وإن كان يسقط به الواجب.
ولا مجال لتوهم سراية النهي عنه إلى المشروط، فلا يكون حال الستر به إلا
حال الغسل بالماء المغصوب إذا كان بنفسه لا بأثره شرطا للصلاة.
وبالجملة لا دليل على بطلان الصلاة بلبس المغصوب لا عقلا ولا نقلا.
ولا دلالة لما ربما استدل به من الأخبار (2) عليه قطعا وإن كان الاحتياط
حسنا.
وانقدح بما ذكرنا حال حمل المغصوب في الصلاة.
(وتكره) الصلاة (في ما يستر ظهر القدم إذا لم يكن له ساق).
وقيل بعدم جواز الصلاة فيه (3). ولا دليل عليه.
والاستدلال عليه بعدم صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة والتابعين في هذا النوع (1)،
ضعيف جدا، لعدم الإطلاع على العدم غير (2) المحصور - أولا - وعدم دلالته على

(1) كذا.
(2) الوسائل 5 / 119 ب (2) من أبواب مكان المصلي / ح (1) و (2). ولاحظ جواهر الكلام
8 / 141، ورياض المسائل 3 / 190.
(3) الشرائع 1 / 83، وتذكرة الفقهاء 2 / 498 / مسألة (133) والدروس 1 / 151.
297

عدم الجواز، لجواز كونه غير معتاد لهم أو كراهة الصلاة فيه - ثانيا - كيف؟ وإلا
يلزم عدم جواز الصلاة في كل ما لم يصل فيه النبي (صلى الله عليه وآله) (3) وهو واضح الفساد.
ولا دليل على الكراهة أيضا إلا المرسل في محكي الوسيلة: وروي أن الصلاة
محظورة في الشمشك والنعل السندية (4) بناء على أن المراد كل ما يستر به ظهر القدم
وليس له ساق، بجعل الشمشك والنعل السندية مثالا لذلك، كما هو غير بعيد، لبعد
خصوصية فيهما جدا. فلا بأس في المصير إلى الكراهة مطلقا تسامحا في دليلها.
(و) تكره الصلاة أيضا (في الثياب السود إلا العمامة والخف) والكساء لما في
الكافي من أنه روي: " لا تصل في ثوب أسود. وأما الكساء والخف والعمامة فلا
بأس " (5) وضعفه بالإرسال - مع إنجباره بالعمل لكون الحكم في المستثنى مما لا يوجد
فيه خلاف، بل عليه دعوى الاجماع ظاهرا من بعض وصريحا عن آخر على ما
حكي (6). وفي المستثنى منه في محكي المعتبر نسبته إلى الأصحاب، (7) وفي
محكي المنتهى (6) إلى علمائنا - غير ضائر في باب الكراهة والاستحباب.
وربما استدل على الحكمين بالأخبار الدالة على كراهة السواد إلا في الثلاثة (7).
وعلى حكم المستثنى منه بما دل على النهي عن لبس السواد مطلقا (8).

(1) لاحظ المعتبر 2 / 93، والتذكرة 2 / 498 / مسألة (133).
(2) في المخطوط: (الغير).
(3) لم يرد في المخطوط: ((صلى الله عليه وآله)).
(4) الوسيلة / 88.
(5) الكافي 3 / 403 / ذيل ح (24)، والوسائل 4 / 383 ب (19) من أبواب لباس المصلي / ح
(4).
(6) قال في الجواهر 8 / 232: أما المستثنى فقد يقضي عدم الاستثناء في كلام كثير من الأصحاب
على ما في الذكرى بعدمه.
(7) المعتبر 2 / 94.
298

ولا يخفى عدم دلالتهما على ذلك إلا بدعوى اتحاد الكونين. وقد عرفت
بطلانها في الصلاة في المغصوب، وأن كلا منهما من مقولة أخرى.
(و) يكره أيضا (أن يأتزر فوق القميص) وفاقا للمشهور، على ما في محكي
الحدائق (4)، لقول أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر أبي بصير، المروي في الكافي: " لا ينبغي أن
تتوشح بأزار فوق القميص وأنت تصلي، ولا تتزر فوق القميص إذا أنت صليت " (5).
واتزار أبي جعفر (عليه السلام) فوق القميص في الصلاة كما في خبر البجلي (6). وقول
الرضا (عليه السلام) في جواب السؤال عنه ب‍ " لا بأس " كما في خبر موسى بن عمرو بن بزيع (7)
لا يعارضانه، لكون نفي البأس لو لم يكن ظاهرا في الكراهة لم يكن ظاهرا في نفيها.
واتزار الإمام (عليه السلام) لعله لأجل خصوصية موجبة لاستحبابه، أو رفع كراهته،
ضرورة أن الفعل يمكن أن يقع على وجوه من غير دلالة له على وجه من الوجوه.

(1) منتهى المطلب 4 / 243.
(2) الوسائل 4 / 382 ب (19) من أبواب لباس المصلي / ح (1) و (2) و (4).
(3) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (5 - 7).
(4) الحدائق الناضرة 7 / 119، ولاحظ المقنعة / 152، والنهاية (المطبوعة مع نكتها) 1 / 327،
والوسيلة / 87 واصباح الشيعة / 64، والجامع للشرائع / 66، والدروس 1 / 148، وروض
الجنان / 209.
(5) الكافي 3 / 395 / ح (7)، والوسائل 4 / 395 ب (24) من أبواب لباس المصلي / ح (1).
(6) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (6).
(7) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (5).
299

والاقتصار في التهذيب على التوشح (1)، وهو غير الإتزار، غير قادح بعد نقل
الكافي (2)، الذي هو أضبط للراوية، مشتملة على الإتزار.
نعم، فيها وفي غير واحد من الروايات دلالة أيضا على كراهة التوشح في
الصلاة (3).
(و) يكره أيضا (أن يستصحب الحديد ظاهرا) بل ولو كان مستورا،
لإطلاق بعض النصوص الناهية عن الصلاة فيه، مثل قول الصادق (عليه السلام) في خبر
البختري في الحديد: " إنه حلية أهل النار - إلى أن قال: - وجعل الحديد في الدنيا
زينة الجن والشيطان، محرم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة، إلا أن يكون
قبال عدو، فلا بأس به ". قال: قلت: فالرجل يكون في السفر معه السكين في جفنه لا
يستغني عنها أو في سراويله مشدودا والمفتاح إن وضعه ضاع أو يكون في وسط
المنطقة من حديد قال: " لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة، وكذا
المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان. ولا بأس بالسيف وكل آلة السلاح في الحرب.
وفي غير ذلك لا تجوز الصلاة في شئ من الحديد، فإنه نجس ممسوخ " (4) (5). وقول
الصادق (عليه السلام) في مرسل المدائني: " لا يصلي الرجل وفي تكته مفتاح حديد " (6).
ولا ينافي كراهة إستصحابه ولو كان مستورا ما أرسله في الكافي بعد هذا

(1) التهذيب 2 / 214 / ح (840).
(2) تقدم آنفا.
(3) راجع الوسائل 4 / 395 ب (24) من أبواب لباس المصلي.
(4) في المخطوط والمطبوع: (مسوخ) بدل (ممسوخ).
(5) الوسائل 4 / 419 ب (32) من أبواب لباس المصلي / ح (6). وفيه: (النميري) بدل
(البختري).
(6) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (2).
300

الخبر: أنه روي: " إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس " (1) فإن نفي البأس لو لم يكن
ظاهرا في الكراهة في الجملة، لم يكن ظاهرا في نفيها. فيوفق بين المرسلين بحمل
الأول على مطلق الكراهة في حمل المفتاح في الصلاة مطلقا، والثاني على عدم كراهة
شديدة في حمله مستورا وإن كان لا يخلو عن الكراهة رأسا.
اللهم إلا أن يكون إجماع على عدم الكراهة في مستوره. ولم يثبت.
ثم إن الأخبار الناهية عن الصلاة في الحديد لضعفها قاصرة عن إثبات
الحرمة سيما مع ملاحظة أن الشهرة (2) والإجماعات المنقولة (3) والأخبار الدالة على
جواز الصلاة في السيف وغيره (4) على خلافها. ولا بأس بإثبات الكراهة بها تسامحا
في دليلها.
(و) يكره أيضا (اللثام للرجل) وفاقا لما نسب إلى المشهور (5) بل عن الخلاف
الاجماع عليه (6). لصحيح ابن مسلم: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أيصلي الرجل وهو
متلثم؟ فقال: " أما على الأرض فلا، فأما على الدابة فلا بأس " (7) والنهي فيه لا يصلح
دليلا إلا على الكراهة بعد كونها مما عليها المشهور أو مجمعا عليها (8). وصحيح ابن
سنان: سأل أبا عبد الله (عليه السلام): هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقال: " لا
بأس بذلك " (8). وغير واحد نحوه من الأخبار (2). كما أن نفي البأس فيه لا دلالة له
على نفي الكراهة بتلك المرتبة التي كانت على الأرض.
(و) يكره أيضا الصلاة في (القباء المشدود) وفي المدارك: هذا الحكم مشهور
بين الأصحاب ولم أقف له على مستند (3).

(1) الكافي 3 / 404 / ذيل ح (35)، والوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (3).
(2) انظر المقنع / 25، والنهاية 1 / 329، والمهذب 1 / 75، واصباح الشيعة / 64، والسرائر
1 / 269، ومنتهى المطلب 4 / 232 و 252، وذكرى الشيعة 3 / 64.
(3) الخلاف 1 / 508 / مسألة (250)، ولاحظ مفتاح الكرامة 1 / 189.
(4) انظر الوسائل 4 / 458 ب (57) من أبواب لباس المصلي.
(5) لاحظ مدارك الأحكام 3 / 207، ومستند الشيعة 4 / 385، وجواهر الكلام 8 / 253.
(6) الخلاف 1 / 508 / مسألة (251).
(7) الوسائل 4 / 422 ب (35) من أبواب لباس المصلي / ح (1).
(8) انظر الخلاف 1 / 508 / مسألة (251)، ومختلف الشيعة 2 / 90، وروض الجنان / 210،
ومدارك الأحكام 3 / 207، وكشف اللثام 3 / 260.
301

ونقل فيها عن الشهيد في الذكرى أنه حاول الاستدلال عليه بما رواه العامة
عن النبي (صلى الله عليه وآله) (4) أنه قال: " لا يصلي أحدكم وهو متحزم " (5) (6). وأورد عليه بأنه فاسد
لأن شد القبا غير التحزم (7).
وفيه أن الظاهر أن يكون التحزم كناية عن شد الوسط إنما كنى لكونه
المتعارف والمعتاد في شده بين العرب ولعله مع الاشتهار كاف في الحكم بالكراهة (في
غير) حال (الحرب) لاختصاص إشتهارها بهذا الحال، وانصراف إطلاقه إلى غير
ذلك لا أقل من كونه المتيقن منه حال التخاطب.
(و) يكره أيضا (اشتمال الصماء) في الصلاة بلا خلاف فيه بل الاجماع بقسميه

(1) الوسائل 4 / 423 ب (35) من أبواب لباس المصلي / ح (2).
(2) لاحظ الوسائل 4 / الباب المتقدم.
(3) مدارك الأحكام 3 / 208.
(4) لم يرد في المخطوط: ((صلى الله عليه وآله)).
(5) مسند أحمد 2 / 458، [3 / 216 / ح (9594)]. وفيه: (وأن لا يصلي الرجل إلا وهو
محتزم)، وسنن أبي داود 3 / 253 / ح (3369) وفيه: (نهى رسول الله صلى الله عليه (وآله)
وسلم... وأن يصلي الرجل بغير حزام).
(6) لاحظ ذكرى الشيعة 3 / 65. ونص الحديث فيه كما أورده الشارح عليه الرحمة وهو يختلف
لفظا ومعنى عما ورد في المصدرين المتقدمين عن العامة.
(7) مدارك الأحكام 3 / 208.
302

عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كما في الجواهر (1). ولعله كاف في
الكراهة من حيث الصلاة، وإلا فصحيحة (2) زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): " إياك
والتحاف الصماء " قلت: وما التحاف الصماء؟ قال: " أن تدخل الثوب من تحت
جناحك فتجعله على منكب واحد " (3). تدل على كراهته مطلقا.
(ويشترط في الثوب) الذي يلبسه في الصلاة ساترا كان أو غيره (الطهارة
إلا) ع‍ (ما عفي عنه مما تقدم) في كتاب الطهارة (4).
(والملك أو حكمه) من إباحة المالك، أو الاستعارة، أو الإستيجار منه.
(وعورة الرجل) التي يجب سترها شرطا في الصلاة مطلقا ولو لم يكن هناك
ناظر أصلا، ونفسيا عن الناظر المحترم ولو في غير الصلاة (قبله) وهو القضيب
(ودبره) وهو نفس المخرج، وفاقا للأكثر (5)، وخلافا لما عن أبي الصلاح فإنه جعلها
من السرة إلى نصف الساق (6)، ولما عن ابن البراج فإنه جعلها من السرة إلى

(1) جواهر الكلام 8 / 240، ولاحظ المعتبر 2 / 96، وتذكرة الفقهاء 2 / 502، وروض الجنان
/ 209، وجامع المقاصد 2 / 108، ومدارك الأحكام 3 / 204. انظر مفتاح الكرامة
2 / 184.
(2) في المخطوط: (صحيحة) بدل: (فصحيحة).
(3) الوسائل 4 / 399 ب (25) من أبواب لباس المصلي / ح (1).
(4) كتاب الطهارة / 223 - 230.
(5) جمل العلم والعمل ضمن رسائل السيد المرتضى - (قدس سره) - 3 / 28، والمراسم / 64، والخلاف
1 / 398 / مسألة (149)، وإصباح الشيعة / 65، والسرائر 1 / 260، وإشارة السبق / 83،
والمعتبر 2 / 99، وذكرى الشيعة 3 / 7.
(6) لاحظ الكافي في الفقه / 139. وفيه: (ستر العورة شرط في صحة الصلاة وعورة الرجل من
سرته إلى ركبته ولا يمكن ذلك في الصلاة إلا بساتر من السرة إلى نصف الساق ليصح سترها
في حال الركوع والسجود).
303

الركبة (1). ويدل على ما اخترنا (2) قول أبي الحسن الماضي (عليه السلام) في مرسلة أبي يحيى
الواسطي: " العورة عورتان: القبل والدبر. والدبر مستور بالأليتين فإذا سترت
القضيب والبيضتين فقد سترت العورة " (3). ورواية محمد بن حكيم، عن أبي
عبد الله (عليه السلام): " الفخذ ليست (4) من العورة " (5). مضافا إلى أصالة عدم وجوب ستر
غيرهما نفسيا والبراءة عنه عقلا ونقلا، وأصالة البراءة النقلية عن وجوبه شرطا
وإن كان العقل لولاها كان حاكما بالاحتياط، كما حققناه بحثا وكتبا (6) بلا قاطع لهما.
(وبدن (7) المرأة كله (8) عورة) يجب ستره في الصلاة إلا أنه (يسوغ (9) لها كشف
الوجه واليدين) أي الكفين (والقدمين).
أما كون بدنها عورة يجب ستره فيها، فلصحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن أدنى ما تصلي فيه المرأة فقال: " درع وملحفة تنشرها على رأسها، وتجلل
بها " (10).
أما جواز كشف هذه الأعضاء، فللأصل كما عرفت. وصحيحة محمد بن
مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع

(1) المهذب 1 / 83.
(2) في المخطوط: (ما اخترناه).
(3) الوسائل 2 / 34 ب (4) من أبواب آداب الحمام / ح (2).
(4) في المطبوع والمخطوط: (ليس).
(5) الوسائل 2 / 34 ب (4) من أبواب آداب الحمام / ح (1).
(6) انظر كفاية الأصول / 363.
(7) في التكملة: (جسد) بدل: (بدن).
(8) في التكملة: (كلها) بدل (كله)، وكذا في المخطوط.
(9) في التكملة (ويسوغ لها).
(10) الوسائل 4 / 407 ب (28) من أبواب لباس المصلي / ح (9).
304

كثيفا " (1)، وجه الدلالة: أن الدرع وهو القميص، لا يستوعب الكفين والقدمين،
والمقنعة لا تكون إلا للرأس، وقد اجتزأ بهما لها في الصلاة.
وكون بدن المرأة كله عورة، بمعنى وجوب ستره عن الرجال غير (2) المحارم،
لو سلم، غير مستلزم لوجوب ستره في الصلاة بوجه، كما لا يخفى (وإن كان
الأحوط) لها (ستر (3) باطن القدمين) لاستتاره في حال القيام بالوضع على الأرض،
وفي غير هذا الحال يمكن ستره بالدرع، بل غالبا كان مستورا به، بخلاف ظاهرهما،
إلا أن يقطع بعدم الفصل بينهما.
(وللأمة الغير المبعضة، والصبية كشف الرأس) لعدم اشتراط صلاتهما بستر
الرأس اتفاقا نصا (4) وفتوى. وكان نقل الاجماع عليه مستفيضا (5) مع اشتراط ستر
سائر ما يشترط في المرأة. وعدم وجوب الصلاة على الصبية لا ينافي وجوب الستر
عليها في الصلاة، كسائر شرائطها وأجزائها. وقضية إطلاق بعض النصوص (6)
ومعاقد الاجماعات في الأمة (7) عدم الفرق بين القن وغيرها، والمزوجة وغيرها،
وأم الولد وغيرها.

(1) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح 7.
(2) في المخطوط: (الغير).
(3) في التكملة: (تستر).
(4) لاحظ الوسائل 4 / 409 ب (29) من أبواب لباس المصلي.
(5) المعتبر 2 / 103، ومنتهى المطلب 4 / 274، وذكرى الشيعة 3 / 9، ومستند الشيعة 4 / 247
و 251.
(6) انظر الوسائل 4 / 409 ب (29) من أبواب لباس المصلي.
(7) لاحظ الخلاف 1 / 396 / مسألة (145)، وجامع المقاصد 2 / 98، وروض الجنان / 217،
ومفتاح الكرامة 2 / 170، وأيضا ما ارجع إليه في الهامش (17) من ص / 35.
305

نعم صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) تدل بالمفهوم على وجوب
ستر الرأس على أم الولد مع حياة ولدها: قال: قلت له: الأمة تغطي رأسها؟ فقال:
" لا، ولا على أم الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد " (2). وبهذا المفهوم يقيد ما
أطلق منهما.
ولكن ظهورها في وجوب التغطي على أم الولد مع حياة ولدها ليس بمثابة
ظهور إطلاقهما في عدم وجوبه عليها، كما لا يخفى. فلا محيص عن حملها على
الاستحباب.
وأما المبعضة فهي كالحرة، نصا وفتوى (3) لشمول الإطلاقات لها وخروجها
بذلك عن المقيدات، وصحيح حمزة بن حمران أنه سأل أحدهما عن الرجل أعتق
نصف جاريته - إلى أن قال: - قلت: فيغطي رأسها من حين أعتق نصفها؟ قال: " نعم
وتصلي وهي مخمرة الرأس " (4).
(ويستحب للرجل) لا سيما إذا أم (الرداء) (5) لصحيح عبد الله بن سنان: سئل
أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل ليس معه إلا سراويل قال: " يحل التكة منه فيطرحها على
عاتقه ويصلي " (6) الحديث، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) (7): " إذا لبس
السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا " (8) وصحيح سليمان بن خالد: قال:

(1) لم يرد في المخطوط: ((عليه السلام)) ولا رمز إليه.
(2) الوسائل 4 / 410 ب (29) من أبواب لباس المصلي / ح (4).
(3) انظر المبسوط 1 / 87، والمعتبر 2 / 103، وتذكرة الفقهاء 2 / 450، وذكرى الشيعة 3 / 10،
وجامع المقاصد 2 / 98.
(4) الوسائل 4 / 407 ب (28) من أبواب لباس المصلي / ح (12).
(5) في التكملة: (يستحب للرجل بل لغيره الرداء).
(6) الوسائل 4 / 452 ب (53) من أبواب لباس المصلي / ح (3).
(7) ليس في المطبوع: ((عليه السلام)) ولا رمز إليه في المخطوط.
(8) الوسائل 4 / 390 ب (22) من أبواب لباس المصلي / ح (2).
306

سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء. فقال: " لا ينبغي
إلا أن يكون رداء وعمامة يرتدي بها " (1) إلى غير ذلك من الأخبار (2). بل نسب إلى
المشهور (3) - بل لعل عليه الاجماع -: كراهة أن يؤم بغير رداء. وربما يكون " لا
ينبغي " في صحيح سليمان، و " لا يصلح " في خبر علي بن جعفر، عن أخيه (عليه السلام) (4)
ظاهرا فيها. كما أن الصحيح وغير واحد من الأخبار (5) ظاهر في استحباب الرداء
أيضا.
(و) يستحب (للمرأة ثلاثة أثواب قميص ودرع وخمار، على ما قيل) والقائل
هو العلامة (6) وفي رواية ابن أبي (7) عمير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " تصلي المرأة في
ثلاثة أثواب إزار ودرع وخمار " (8) وفي رواية ابن أبي (9) عمير عن جميل بن دراج:
قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تصلي في درع وخمار؟ فقال: " عليها ملحفة
تضمهما عليها " (10) والتوفيق بينهما والأخبار الدالة على الاجتزاء بثوبين يقتضي
حملهما على الاستحباب وزيادة الفضل والثواب، كما عن الشيخ (11).
والظاهر أن المراد من الدرع في المتن هو الإزار والملحفة في الروايتين.

(1) الوسائل 4 / 452 ب (53) من أبواب لباس المصلي / ح (1).
(2) لاحظ الوسائل 4 / الباب المتقدم، وب (229 من هذه الأبواب.
(3) انظر مدارك الأحكام 3 / 209، وجواهر الكلام 8 / 257.
(4) الوسائل 4 / 452 ب (53) من أبواب لباس المصلي / ح (2).
(5) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (3) و (4) و (5) و (6)، ولاحظ الباب (22) من هذه
الأبواب.
(6) إرشاد الأذهان 1 / 247.
(7 و 4) لفظ (أبي) ساقط عن المخطوط والمطبوع في الموضعين.
(8) الوسائل 4 / 406 ب (28) من أبواب لباس المصلي / ح (8)، عن ابن أبي يعفور.
(10) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (11). والصحيح: ابن أبي عمير.
(11) التهذيب 2 / 219 ذيل ح (860)، وحكاه في الوسائل 4 / 407 ذيل ح (11).
307

(ولو لم يجد المصلي ساترا) يستر به عورته ولو كان حشيشا (طلى بالطين
ونحوه على الأحوط، بل الأقوى) لو لم يكن فيه عسر أو حرج، وصلى صلاة المختار
كما قطع به المحقق (1) والعلامة (2) - قدس سرهما - لحصول ما هو الشرط به من الستر.
والظاهر عدم تعلق غرض بخصوص ساتر. وذكر الثوب في الأخبار إنما هو لكونه
المتعارف في التستر. ولم يرد خبر باشتراط الساتر كي يدعى انصرافه إلى الثوب،
ولو سلم فهو قضية قاعدة الميسور.
(وإن لم يجد) الطين، أو وجد وكان في التستر به عسر (صلى قائما بالايماء)
للركوع والسجود (إن أمن إطلاع غيره (3) وإلا صلى قاعدا موميا) لهما لما رواه
الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل
يخرج عريانا فتدركه الصلاة قال: " يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد وإن يراه صلى
جالسا " (4). وبه يوفق بين ما دل على وجوب القيام مطلقا (5) وما دل على وجوب
الجلوس كذلك (6) والرواية - مع كونها صحيحة إلى ابن مسكان وهو ممن أجمعت

(1) المعتبر 2 / 104، والمختصر النافع / 25.
(2) منتهى المطلب 4 / 280، وقواعد الأحكام 1 / 257، إرشاد الأذهان 1 / 247، وتذكرة
الفقهاء 2 / 455.
(3) جاءت هنا في التكملة بعد قوله: (إن أمن اطلاع غيره) هذه العبارة (والأحوط أن يصلي
صلاة المختار أيضا) والظاهر حصول خطأ مطبعي فيها ومحلها الصحيح ما سيأتي في الشرح بعد
أسطر نقلا عن متن التكملة: (إن لم يجد حفيرة ونحوها يلج فيها وإلا فالأحوط أن يصلي صلاة
المختار فيها أيضا).
(4) التهذيب 2 / 365 / ح 1516، والوسائل 4 / 449 ب (50) من أبواب لباس المصلي / ح (3).
(5) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (4).
(6) الوسائل 4 / الباب المتقدم / ح (6). وأيضا الباب (51) من هذه الأبواب.
308

العصابة على تصحيح خبره (1) - منجبرة بالشهرة (2) فلا وجه للتخيير بين
القيام والجلوس توفيقا كما عن المحقق (3) استضعافا للرواية.
هذا (إن لم يجد حفرة (4) ونحوها يلج فيها) (و) إلا ف‍ (الأحوط أن يصلي صلاة
المختار) فيها (أيضا) كما قيل (5)، لمرسلة أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي
عبد الله أنه قال: " العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها فسجد فيها
وركع " (6).
والمرسلة لضعفها بلا جابر وإن كانت غير مقاومة لتقييد المطلقات، إلا رعاية
لها، وخروجا عن شبهة الخلاف لا ينبغي ترك الاحتياط بما ذكرنا.
(الفصل الخامس: في المكان)
الباب الأول: في المقدمات (مكان المصلي)...
وهو الفضاء الذي لا يتبدل وعليه يتبدل غيره من الأجسام كفضاء الحوض
الذي يتبدل عليه الماء والتراب والهواء.
وربما يراد به ما يستقر عليه ولو بالوسائط.
(كل مكان مملوك) عينا ومنفعة، أو منفعة (أو مأذون فيه) ممن له الإذن (يجوز

(1) في المخطوط سقط (على تصحيح خبره).
(2) المبسوط 1 / 87، والمهذب 1 / 116، والوسيلة / 115، شرائع الاسلام 1 / 83، والجامع
للشرائع / 91، ومختلف الشيعة 2 / 100.
(3) المعتبر 2 / 105.
(4) في المخطوط والمطبوع: (حفيرة).
(5) لاحظ المعتبر 2 / 105، ومنتهى المطلب 4 / 285، وروض الجنان / 216.
(6) الوسائل 4 / 449 ب (50) من أبواب لباس المصلي / ح (2).
309

فيه) أو عليه (الصلاة).
(وتبطل في المغصوب مع العلم بالغصب) والاختيار قطعا لو كان كون من
أكوانها تصرفا فيه، أو كان مستلزما للتصرف فيه وكان التصرف فيه فعلا حراما،
لما حققناه تحريرا وتقريرا من امتناع إجتماع الأمر والنهي (1) فإذا وقع محرما فعلا فلا
يكاد يمكن التقرب به، وقد اعتبر في صحته.
نعم، لو فرض غلبة جانب الأمر على النهي بحيث وقع فعلا محبوبا لصحت
الصلاة فيه، كما في حال غير الاختيار في الجملة.
وأما إذا لم يكن كون من أكوانه تصرفا فيه بل مقارنا له، كما إذا قام مثلا
بسوء الاختيار في فضاء غصبي، فتكون هناك له هيئة محاطية للفضاء المحيط به،
وهي: " أين " وهيئة أخرى من نسبتين نسبة الأجزاء بعضها مع البعض ونسبتها إلى
خارج وكون الصلاة هو هذه الهيئة لا الهيئة الأولى، ولا دخل لإحداهما بالأخرى
وإن كانت مقارنة لها في العروض على موضوع واحد.
اللهم إلا أن يدعى أن القيام وغيره من أكوان الصلاة وإن كان غير التمكن في
ذاك المكان، إلا أنه لما كان تصرفا فيه عرفا كان النهي عن الغصب نهيا عنه حقيقة،
فيحرم، فتبطل الصلاة.
وليس هذا - لو سلم - من الخطأ في التطبيق، إذ الفرض أن مفهوم خطاب " لا
تغصب المكان " عرفا: تحريم مثل القيام والقعود ونحوهما فيه على التحقيق. ولذا
يمثل لاجتماع الأمر والنهي ب‍ " صل ولا تغصب " ولا يناقش فيه وإن كان من الممكن
ذلك لئلا يناقش في المثال فتأمل جيدا.
هذا كله مع العلم بالغصبية والاختيار.

(1) لاحظ كفاية الأصول / 158.
310

وأما مع عدم العلم بها، فلا إشكال في صحة الصلاة فيه.
وأما مع عدم الاختيار كما إذا كان محبوسا فيه، أو دخل فيه جهلا ثم علم بها
في ضيق الوقت فالصلاة كانت فيه في الجملة صحيحة، كما إذا صلاها بلا زيادة
تصرف فيه على المقدار الذي لا بد من كونه فيه.
ويشترط طهارة خصوص موضع الجبهة من المكان للإجماع المحكي (1)
مستفيضا أو متواترا، على ما قيل خلافا لما نقل عن الراوندي (2) وصاحب
الوسيلة (3) وقد مال إليه بعض متأخري المتأخرين (4)، لإطلاق بعض الأخبار (5)
وعدم تحقق الاجماع مع الخلاف.
إلا أن يقال: لا يبقى وثوق بالإطلاق مع ذهاب المشهور (6) إلى الاعتبار، فإنه
يكشف عن كونه من الأمور التي هي لضرورتها مستغنية عن تظافر النصوص بها
والسؤال عنها - كما ربما ادعي (7) - أو عن ظفرهم بما يقيد الإطلاق وإلا فكيف ذهبوا

(1) غنية النزوع / 66 / كتاب الصلاة، ومنتهى المطلب 4 / 369، وذكرى الشيعة 3 / 150،
والتنقيح الرائع 1 / 186، وجامع المقاصد 2 / 126.
(2) لاحظ المعتبر 1 / 446.
(3) لاحظ المعتبر 1 / 446.
(4) لاحظ مدارك الأحكام 3 / 226، وبحار الأنوار 83 / 285 ب (2) من أبواب مكان المصلي
/ ذيل ح (1).
(5) لاحظ الوسائل 3 / 453 ب (30) من أبواب النجاسات / ح (1 - 5) وص / 451، ب (29)
من هذه الأبواب / ح (3).
(6) المبسوط 1 / 94، إصباح الشيعة / 67، والوسيلة / 90، والسرائر 1 / 264 و 267،
والجامع للشرائع / 69، ومختلف الشيعة 2 / 114، وروض الجنان / 221، ومجمع الفائدة
والبرهان 2 / 115.
(7) جواهر الكلام 8 / 332.
311

إلى الاعتبار مع كون الأصل والإطلاق على عدمه، فتأمل جيدا (1).

(1) إلى هنا انتهى ما جاد به فكره الوثيق على قلمه الشريف شرحا لتكملة التبصرة دون أن
يساعده السواعد على اتمامه.
وقد ورد في المطبوع بعد هذه النهاية ما هو رثاء وتحسر وتلهف في فقده رحمة الله عليه
ونحن نورده كما هو لعدم خلوه من فائدة.
وهو كما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا آخر ما سمح به قلمه الشريف ولله دره ودر باريه وتعالى جد من أنطقه بالحكمة وأظهر
دلائل الإعجاز فيه. فإنه لم يأل جهدا ولم ينفك مجتهدا مجدا يتطلب العزلة والخلوة بنفسه ولم
يشغله ما في يومه وأمسه عن جمع شوارد تلك الفرائد الأبكار واقتطاف ثمار تلك الأفكار
اليانعة الثمار على ما هو فيه من المحن التي لا يقوم بها جلد ولا صبر ولا يقوى عليها كاهل
الدهر مع تقلب الزمان وانقلابه وتشتت البال واضطرابه على قلة الناصر وفقد المساعد وكثرة
المعاند والحاسد لا تأخذه لومة لائم ولا يملك سمعه عذل في دفاع الكفر وجهادهم بالنفس
والمال والأهل مع علمه بترصدهم له بالغوائل والقتل مستعينا بالله معتصما بحبله حتى عاد
الجبابرة أطوع له من نعله مشهرا عن ساعد الجد والاجتهاد لإصلاح أمور المسلمين في كل
صقع وبلاد خصوصا في إطفاء نائرة أم الفتن إيران وما أدراك ما إيران؟ وما تلك الفتن التي
عنها نطاق البيان يضيق؟ وناهيك بتلك الفتن التي منها أن القوم فريقان: فريق وفريق، ثم
اعصوصب الأمر وتفاقم الخطب فيها من تغلب الكفر عليها وتعرضهم لأعراض المسلمين
وسبي ذراريها فاستغاث به المسلمون من كل ناحية واختلفت عليه البرقيات من كل شاك
وشاكية فلا تسمع غير صوت مرنة، ولا ترى غير باك وباكية، وهو على أنه يرعاها بعين
مستيقظ ويسمعها بأذن واعية، يزداد بتلك الوثبات صبرا وثبات ولم تكدر منه الخطوب صفا
ولم تصدع من حمله صفات ولم يأنس بغير البحث والتدريس ولم يتخذ غير الكتاب سميرا
وجليسا ثم لما لم يجد بدا من النهوض والقيام للدفاع والحماية عن بيضة الاسلام قام فخطب
الناس ووعظهم واستنفرهم واستنهضهم فأجابوا دعوته سامعين ونشر البرقيات في سائر
الجهات فلبوا نداءه طائعين حتى تم له ما يريد لو ساعده القدر من تألب جيش للمسلمين
طلائعه النصر والظفر فبات المسلمون ليلتهم باجتماع أولى العزم والنجدة بأكمل عدد وأحسن
عدة فرحين مستبشرين أن سوف يفتح الله لهم وهو خير الفاتحين بسياسة مأمون السياسة
الأحق بولاية الأمر والرئاسة فبينا هم مستبشرون ينتظرون داعيه إذ صك أسماعهم صوت
ناعيه بمفاجأة القدر عميد تلك السرية وإمام الفرقة الاثني عشرية فتاه الناس في ظلمات من
الأحزان وغرقوا في بحار من الأجفان وظنوا أن الساعة بغتتهم والصيحة شملتهم لا يدرون إلى
أين يذهبون؟ وعلى من يعولون؟ وإلى أي ملجأ يلجئون؟ فلا أدري ما أقول والمصاب به كافة
المسلمين وعامة أهل الدين وقد أيقنوا أنهم شيعوا الاسلام بتشييعه وودعوا شريعة سيد
المرسلين بتوديعه فيا لها من صبيحة تكشفت عن سرور المشركين واستبشارهم ومحو رسوم
المسلمين ودثور آثارهم وعن موت العالم ويتم العلماء ويأس أبناء الرجاء وانقطاع الأرامل
والفقراء ولقد أكثر الشعراء بالتعزية والرثاء وبذلوا جهدهم جزاهم الله خير الجزاء ولكن
هيهات أن يبلغوا بالكثير القليل أو أن يحيطوا ببعض صفاته بالقيل ومن أحسن ما قيل فيه.
تاريخ بعض متعلقيه:
لله رزء عمت نوافذه * فلم يكن قلب مسلم سالم
يفقد أقصى الرجا مؤرخه * في فقد باب الحوائج الكاظم
سنة 1329 هجرية
312