الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ١٣
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٣٦٧ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
(في شرح شرائع الاسلام)
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء الثالث عشر
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
* نام كتاب: جواهر الكلام
* تأليف: الشيخ محمد حسن النجفي
* ناشر: دار الكتب الاسلامية
* تيراژ: 2000 نسخه
نوبت چاپ: سوم
تاريخ انتشار: پائيز 1367
چاپ از: چاپخانه خورشيد
ناشر: دار الكتب الاسلامية تهران، بازار سلطاني، تلفن 520410 - 547449
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثاني
من الركن الرابع
(في قضاء الصلوات)
وفعلها خارج وقتها الموظف لها من الشارع مستحبة كانت أم واجبة (و) يقع
(الكلام في) ثلاثة مواضع: الأول ما يحصل (بسببه الفوات و) (1) الثاني حكم
(القضاء و) الثالث (لواحقه، أما السبب فمنه ما يسقط معه) وجوب (القضاء،
وهو سبعة: الصغر) ما لم يبلغ مدركا لمقدار الركعة والطهارة ولو الاضطرارية إجماعا
محصلا ومنقولا مستفيضا كالسنة (2) بل لعله من ضروري المذهب بل الدين كما
اعترف به في المفاتيح (و) مثله في ذلك كله (الجنون) بآفة سماوية ولم يمض عليه من

(1) وفي الشرائع " الفصل الثاني في قضاء الصلوات والكلام في سبب الفوات
والقضاء ولواحقه "
(2) السائل الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات والباب 3 من أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها من كتاب الصلاة
2

أول الوقت مقدار أداء الصلاة، أما إذا كان من فعله فقد قال الشهيد في الذكرى: إن
عليه القضاء مسندا له إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه، ووافقه الشهيد الثاني
ولعله لكونه السبب في الفوات، وأن المتبادر من إطلاق الأدلة غيره، فيبقى داخلا
تحت عموم (1) قوله (عليه السلام): " من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته " ولأنه
الموافق للتشديد بأمر الصلاة، ولما يشعر به قوله (عليه السلام) (2): (كلما غلب الله
عليه فهو أولى بالعذر) ولعل نسبته إلى الأصحاب نشأت من ذكر بعضهم إيجاب القضاء
في شرب المرقد، وإلا فما عثرنا عليه من كلام الأصحاب في المقام لا تفصيل فيه، ومثله
الاجماعات المنقولة ونفي الخلاف، ونحو قوله (عليه السلام) (3): (رفع القلم) وغيره،
وكان العمل على الاطلاق هو الأقوى، لأصالة البراءة، واحتياج القضاء إلى أمر جديد
وكونه السبب لا يخرجه عن شمول اللفظ، ودعوى أن المتبادر غيره بحيث صار ما عداه
من الأفراد النادرة ممنوعة، وبه يقيد أو يخص قوله (عليه السلام): (من فاتته) لو سلم
شمولها لمثل ذلك كما ستسمعه.
وأما إذا مضى عليه من أول الوقت مقدار أداء الصلاة فقد سبق الكلام فيه،
بل لعل عبارة المصنف غير محتاجة إلى القيد في إخراجه، لعدم سببية الجنون الفوات
فيه، بل اختياره مع الجنون، وكذا لو كان سبب الفوات عذرا لا يسقط معه القضاء
مع الجنون، كمن نام ثم استيقظ مجنونا بعد ما مضى من الوقت مقدار أداء الصلاة، نعم
لا فرق بين الاطباقي من الجنون والأدواري بعد فرض تسبيبهما الفوات في جميع الوقت
للاطلاق، ولا بين الماليخوليا وغيره، لصدق المجنون عليه عرفا.

(1) لم نعثر على هذا اللفظ في شئ من أخبار العامة والخاصة، نعم يستفاد ذلك من
صحيحة زرارة المذكورة في الوسائل الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 1
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 3
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 من كتاب القصاص
3

(و) كذا يسقط القضاء مع (الاغماء) المستوعب للوقت (على الأظهر)
الأشهر كما في الروضة، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا، بل في السرائر أنه المعمول عليه
بل عن الغنية الاجماع عليه، وفي الرياض أن عليه عامة من تأخر، بل لا خلاف فيه إلا
من نادر كما عن الصدوق في المقنع، ونحوه غيره لم ينقل الخلاف إلا عنه، لكن في
الحدائق عن بعض أنه يقضي آخر أيام إفاقته إن أفاق نهارا، وآخر ليله إن أفاق ليلا
ثم نقل قول الصدوق بقضاء الجميع.
وكيف كان فلا ريب في أن الأقوى الأول لما سمعت، وللمعتبرة (1) المستفيضة
حد الاستفاضة والواضحة كمال الوضوح في الدلالة، مع أنها مشتملة على القاعدة التي
قال الصادق (عليه السلام) (2): (إنها من الأبواب التي يفتح منها ألف باب)
ومعتضدة بما عرفت، فلا يلتفت إلى ما قابلها من الروايات القاصرة عن المقاومة لها من
وجوه، بل فيها ما هو متروك الظاهر عند كافة الأصحاب، ضرورة اختلافها في الدلالة
إذ بعضها (3) دال على قضاء ما فاته ولو شهرا فصاعدا، لأن أمر الصلاة شديد،
وآخر (4) على خصوص يوم إفاقته أو ليلتها، وثالث (5) إذا جاز ثلاثة أيام فليس
عليه قضاء، وإن كان ثلاثة أيام فعليه القضاء فيهن، وفي رابع (6) المغمى عليه يقضي
صلاة ثلاثة أيام، وفي خامس (7) يقضي صلاة يوم، وفي السرائر وعن الفقيه روي (8)
أنه يقضي صلاة شهر، وصحة السند في بعضها غير مجدية بعد إعراض الأصحاب عنها
عدا الصدوق، مع أنه بنفسه حملها في الفقيه على الاستحباب المنسوب في الرياض إلى

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 0 - 9
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 0 - 9
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 4 و 13
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 6 و 10
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات الحديث - 5 - 7 - 9
(6) الوسائل الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات الحديث - 5 - 7 - 9
(7) الوسائل الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات الحديث - 5 - 7 - 9
(8) الوسائل الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 5
4

المتأخرين كما حكاه في الوافي وغيره عنه، فيكون الاختلاف حينئذ فيها لاختلاف مراتبه
في الفضل، فأولها الجميع، ثم الشهر، ثم الثلاثة، ثم اليوم الذي أفاق فيه أو ليلته.
بل ينبغي الجزم بالاستحباب المزبور بعد ما عرفته من ذلك الاختلاف فيها،
وخصوص خبر أبي كهمس (1) قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسئل عن
المغمى عليه أيقضي ما ترك من الصلاة؟ فقال: أما أنا وولدي فنفعل ذلك) ومرسل
منصور بن حازم (2) عنه (عليه السلام) أيضا أنه سأله (عن المغمى عليه شهرا أو أربعين
ليلة فقال: إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي وولدي أن تقضي كلما فاتك) نعم لولا
المسامحة في السنن لأمكن حملها كلا أو بعضا على التقية، والأمر سهل.
ثم لا فرق في سبب الاغماء بين الآفة السماوية وفعل المكلف، لاطلاق النصوص
وبعض الفتاوى، خلافا للذكرى فأوجب القضاء في الثاني دون الأول، ونسبه كما عن
غيره إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه، وتبعه عليه بعض من تأخر عنه،
بل لعله ظاهر السرائر حيث قيد عدم وجوب القضاء بما إذا لم يكن هو السبب في دخوله
عليه بمعصية يرتكبها، وكيف كان فمستنده على الظاهر انصراف الاطلاق إلى المتبادر
المتعارف، سيما مع اشتمال جملة من نصوص الاغماء على قوله (عليه السلام): (كلما
غلب الله عليه فهو أولى بالعذر) فيبقى غيره حينئذ مندرجا في عموم قوله (عليه السلام):
(من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته) واستحسنه في الرياض لولا ما يظهر من الفوات من
تحقق الخطاب بالفعل ثم يفوت، وهو مفقود في المقام، وفيه أولا منع عدم تحقق
الخطاب في الفرض أو بعض أفراده، لأن الممتنع بالاختيار لا يقبح معاملته معاملة
المقدور المتعلق به الاختيار، وثانيا منع توقف صدق اسم الفوات على تحقق الخطاب في
نحو ما نحن فيه، بل أقصاه توقفه على عدم النهي كالحائض ونحوها على إشكال، فالأولى

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 12 - 13
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 12 - 13
5

في رد الشهيد حينئذ إطلاق النصوص بعد منع الانصراف المزبور، اللهم إلا أن يثبت
إجماع كما أشعرت به عبارته السابقة، وكأنه أخذه مما ذكره المصنف وغيره من
وجوب القضاء على من زال عقله بسبب منه كشرب المسكر، بل قد يظهر من المنتهى
نفي الخلاف فيه، لكنه كما ترى، وعلى كل حال فالمتجه بناء عليه اختصاص ذلك بما
لو علم ترتب الاغماء على فعله أو بالمعصية التي أشار إليها في السرائر، لما ستسمعه
إن شاء الله فيما يأتي.
(و) كذا لا يجب القضاء إذا كان السبب (الحيض والنفاس) مع استيعابهما
إجماعا محصلا ومنقولا وسنة (1) بل كاد يكون ضروريا من مذهب الشيعة، فإن لم
يستوعبها (2) فقد تقدم الكلام فيه، ولا فرق على الظاهر عندهم بين حصوله من فعلهما
أولا، سيما إذا كان بعد دخول الوقت وإن لم يمض مقدار الأداء، ولعله لعدم صدق
الفوات هنا للنهي الأصلي في المقام بخلاف السابق، بل لا فرق أيضا بين فعلهما ذلك
لترك الصلاة أو لغيره للصدق الممنوع انصرافه إلى غير ذلك.
(و) كذا يسقط القضاء ب‍ (الكفر الأصلي) بلا خلاف أجده فيه، بل
في المنتهى وغيره الاجماع عليه، بل في المفاتيح نسبته إلى ضرورة الدين، للنبوي (3)
(الاسلام يجب ما قبله) وبذلك يخص عموم (من فاتته) أما لو أسلم في دار الحرب
وترك صلاة كثيرة فإنه يجب عليه قضاؤها وإن كان معذورا بعدم تمكنه من الوصول.
والتقييد بالأصلي لاخراج المرتد الواجب عليه القضاء للعموم، وكذا من
انتحل الاسلام من الفرق المخالفة حتى المحكوم بكفرها منها، فإن الظاهر وجوب القضاء

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الحيض
(2) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " فإن لم يستوعبا "
(3) الخصائص الكبرى ج 1 ص 249
6

ما لم يأتوا بالفعل موافقا لمذهبهم، فلا يجب حينئذ قضاء عليهم كما صرح به هنا الشهيدان
وأبو العباس والصيمري، بل عن الأردبيلي نسبته إلى الشهرة بين الأصحاب، بل عن
الروض نسبته إليهم مشعرا بدعوى الاجماع عليه لا لأن ذلك يكشف عن صحة أفعالهم
وإن كان ربما يومي إليه بعض الأخبار الآتية، بل هو إسقاط من الشارع حينئذ،
للمعتبرة المستفيضة، منها رواية الفضلاء (1) عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)
(قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم
يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو
حج أوليس عليه إعادة شئ من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير
الزكاة لا بد أن يؤديها، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها، وإنما موضعها أهل الولاية)
ومنها خبر معاوية بن بريد العجلي (2) عن الصادق (عليه السلام) (سألته عن رجل
وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة متدين، ثم من الله عليه فعرف هذا الأمر
يقضي حجة الاسلام فقال: يقضي أحب إلي، وقال: كل عمل عمله وهو في حال نصبه
وضلالته ثم من الله تعالى عليه وعرف الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة، فإنه يعيدها
لأنه وضعها في غير موضعها، لأنها لأهل الولاية، وأما الصلاة والحج والصيام فليس
عليه قضاء) إلى غير ذلك.
وما يشعر به خبر عمار الساباطي (3) المنقول عن الكشي من سقوط القضاء
رأسا مطرح أو مؤل، قال: (قال سليمان بن خالد لأبي عبد الله (عليه السلام) وأنا

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2 من كتاب الزكاة
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب 23 من أبواب وجوب الحج الحديث 1 من
كتاب الحج وذيله في الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1 لكن رواه عن
بريد بن معاوية العجلي وهو الصحيح
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 4
7

جالس: إني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل
معرفتي، فقال: لا تفعل، فإن الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من
الصلاة) فإنه مع ندوره وعدم الجابر لسنده محتمل لأن يكون سليمان سماها فائتة لمكان
اعتقاده أنه بحكم من لم يصل، وقوله (عليه السلام): (من ترك ما تركت) يراد به
من شرائطها وأفعالها عند أهل الحق، فلا يكون فيه دلالة، لكن ومع ذلك فالانصاف
أن احتمال سقوط القضاء أصلا ورأسا فعلوا أو لم يفعلوا فضلا عن أن يخلوا بترك شرط
ونحوه لا يخلو من وجه، خصوصا الفرق المحكوم بكفرها منهم، بل هو أولى قطعا من
المحكي عن العلامة من التوقف في سقوط القضاء عمن عمل منهم، إذ هو ضعيف جدا كما
اعترف به في الذكرى، قال: لأنا كالمتفقين على عدم إعادتهم الحج الذي لا اختلال
فيه بركن، مع أنه لا ينفك عن المخالفة لنا، وهو جيد، لكن اعتبر هو في اللمعة عدم
الاخلال بركن عندنا في عدم وجوب إعادة الحج على المخالف لا عندهم، بل ظاهر
الروض نسبته إلى غيره أيضا، فيفارق الصلاة حينئذ من هذه الجهة، إذ المعتبر في عدم
وجوب قضائها عدم الاخلال بها على مقتضى مذهبه، إلا أن وجه الفرق غير ظاهر كما
اعترف به في الذخيرة تبعا للروض، بل ظاهر النصوص السابقة خلافه، ودعوى كون
وجهه أن الصحيح هو الموافق لما عندنا دونهم، فتجب إعادته حينئذ مع الاخلال
وخروج الصلاة عن ذلك للدليل لا يوجب خروج الجميع، على أنه قد يفرق بين الصلاة
وبينه بأن عدم إعادتها لعله لسهولة الشريعة، إذ الصلاة تتكرر في كل يوم، فلو كلف
بقضاء ستين سنة أو سبعين مثلا لكان فيه كمال المشقة ونفر عن الاستبصار يدفعها ظهور
الأدلة السابقة في الجميع لا الصلاة خاصة، بل صريح بعضها الحج.
نعم استثنى المحقق الثاني مما يسقط عن الكافر بعد إسلامه حكم الحدث كالجنابة
8

وحقوق الآدميين، فلعله هنا كذلك أيضا، مع أنه يمكن منعه عليه هنا في الأول خاصة
لعموم الأدلة بخلاف الثاني لأشعار تعليل الزكاة به، بل بعضها أولى من الزكاة، والفرق
بينه وبين الكافر واضح بالفعل وعدمه.
وفي وجوب إعادة غسل المتنجسات إذا كان فاسدا عندنا وجهان، أقواهما ذلك
للأصل وقصور الأدلة عن التناول، وليس هو كرفع الحدث الذي قد عرفت إمكان
دعوى عدم وجوب إعادة الرافع له، وقضيته جواز الدخول به في العبادة التي يفعلها
بعد الايمان المشروطة به حتى أنه لو توضأ مثلا ثم استبصر قبل أن يصلي كان له الدخول
في صلاتنا بذلك الوضوء، وهو مشكل جدا خصوصا إذا قلنا بفساد جميع ما فعله حال
المخالفة وإن عدم القضاء ونحوه تفضلا لا لانكشاف صحة ما فعله، وإن كان قد يقال
أيضا بناء عليه أن من الفضل أيضا عدم إعادة الوضوء والغسل، لكن لا ثمرة مترتبة
على الوجهين أو القولين.
لا يقال: إن مراد الأصحاب بعدم وجوب القضاء ونحوه على المستبصر إنما هو
في الواجبات التي خرجت أوقاتها كالصلاة والصوم ونحوهما، لا ما إذا كان وقته باقيا
كما نص عليه المحقق الثاني والشهيد الثاني والخراساني في الكافر على ما حكي عن الأخيرين
بل عن الأخير منهما الاجماع عليه، فلعله هنا كذلك أيضا، فيجب الصلاة عليه لو
استبصر وكان الوقت باقيا وإن كان قد صلى، ومن ذلك كل واجب لا يوصف بالقضاء
كالوضوء والغسل ونحوهما، فيعيدهما حينئذ للعبادات الجديدة، لأنا نقول: ظاهر
النصوص السابقة عدم الفرق بين الموقت وغيره، بل كاد يكون صريحها، ولذا نص
فيها على الحج الذي هو ليس بموقت وإن كان فوريا، وعلى استثناء الزكاة وغير ذلك،
فالاجماع المزبور محل منع إن أراد به ما يشمل المخالفين.
ولو فعل المخالف حال خلافه الفعل موافقا لمذهبنا سواء كان مما يشترط فيه
9

القربة وفرض له صورة يتحقق فيها ذلك، أو لا يشترط كغسل النجاسة ونحوها ثم
استبصر سقط عنه الثاني قطعا، والأول في وجه أيضا وفاقا للذكرى والروض، لأولويته
من الفعل على مذهبه، ولاطلاق الأدلة، ولأنه لم يفقد إلا الايمان، ولعله كاف في
صحة الفعل وإن تأخر في الوجود عنه، ولما عرفته في الحج ولغير ذلك، لكن ومع
ذلك كله فللنظر فيه مجال، لامكان المناقشة في جميع ذلك، ومن هنا حكي عن جماعة
التوقف فيه، فتأمل، فإن تحرير هذه المسائل يحتاج إلى إطناب تام، ولعل الله يوفقنا
له في غير المقام.
(و) ربما يأتي لهذا الكلام تتمة إن شاء الله كما أنه مضى تمام البحث في كتاب
الطهارة في أنه لا يجب القضاء على من تركه الصلاة ل‍ (عدم التمكن) بسائر الوجوه (من
فعل ما يستبيح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تيمم) كما اختاره في المنتهى والتحرير
وفي التنقيح أنه منسوب إلى المفيد في رسالته إلى ولده، لأن القضاء محتاج إلى أمر
جديد، وهو مفقود، وقوله (عليه السلام): (من فاتته) ظاهر فيمن كلف.
ولا أداء هنا عند الأصحاب، ولا نعلم فيه مخالفا صريحا كما في المدارك، وبدون
القيد كما عن الروض وغيره، وما حكاه المصنف عن بعضهم أنه يصلي ويعيد نادر غير
معروف القائل، ولعله أشار به إلى ما نقل عن مبسوط الشيخ من التخيير بين تأخير
الصلاة والصلاة والإعادة، وهو كما ترى لا مستند له مخالف للقاعدة، ولقوله عليه السلام (1):
(لا صلاة إلا بطهور) و (كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر) (2) وكذا ما عن
المرتضى في الناصريات عن جده من القول بوجوب الفعل وعدم القضاء (وقيل) كما في
السرائر واللمعة والبيان وظاهر الروضة والمدارك وعن المرتضى والشيخين: (يقضي عند

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الوضوء الحديث 1
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 3
10

التمكن) لصدق اسم الفوات وعدم صحة سلبه عنه، إذ دعوى اختصاصه بمن خوطب
بالأداء يدفعها ملاحظة الأخبار (1) التي أطلق فيها على الساهي والنائم وغيرهما بل
المغمى عليه، بل لعل الظاهر منها أصالة القضاء في الصلاة لشدة أمرها، خصوصا
الصحيح (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) الوارد في تفسير قوله تعالى (3): (إن
الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) بل قد يومي اتفاقهم ظاهرا على وجوب قضاء
شارب المسكر والمرقد إلى عدم اعتبار الخطاب بالأداء أيضا، فما في الرياض من
اعتبار ذلك فيه فيسقط في المقام القضاء، لاحتياجه إلى أمر جديد، وليس إلا اسم
الفوات المعتبر فيه الخطاب بالأداء لا يخلو من نظر ومنع، فالأقوى القضاء هنا، لما
عرفت، بل في الروضة نسبته إلى صريح الأخبار، كخبر زرارة (4) عن الباقر (عليه
السلام) (فيمن صلى بغير طهور أو نسي صلوات أو نام عنها فقال: يصليها إذا ذكرها
في أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا) وغيره، وإن كان المناقشة فيه واضحة حتى في
صراحة الخبر المزبور فيما نحن فيه.
(و) كيف كان فقد ظهر لك أن (الأشبه) والأحوط الثاني لا (الأول)
من غير فرق بين فقد الطهورين باختياره أو بآفة، نعم قد يتجه التفصيل بذلك على
الأول، وقد تقدم تمام البحث في المسألة في كتاب الطهارة، فلاحظ وتأمل.
هذا كله في السبب الذي يسقط معه القضاء (وما عدا ما تقدم يجب معه القضاء
كالاخلال بالفريضة عمدا أو سهوا) للاجماع بقسميه والسنة (5) التي كادت تكون

(1) الوسائل الباب 1 و 3 من أبواب قضاء الصلوات
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 4
(3) سورة النساء الآية 104
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 1
(5) الوسائل الباب 1 و 3 من أبواب قضاء الصلوات
11

متواترة، بل هي كذلك، بل الضرورة (عدا الجمعة والعيدين) لما تقدم سابقا
(وكذا) يجب مع الاخلال بها ب‍ (النوم ولو استوعب الوقت) زاد على المتعارف أولا، لصدق
اسم الفوات، ومن هنا أطلق الأصحاب، وربما فرق بينهما فأوجب القضاء في الثاني
دون الأول، بل مال إليه بعض متأخري المتأخرين، ولعله لاحتياج القضاء إلى فرض
جديد، وليس هو هنا إلا الاجماع، إذ أخبار الفوات غير صادقة على من لم يكلف
بالأداء، والمعلوم منه الثاني، فيبقى الأول على الأصل، وفيه مع ظهور معقد الاجماع
في الأعم منهما ما عرفته سابقا من صدق اسم الفوات على ذلك، أو الاكتفاء في تحقق
القضاء بما هو أعم من الفوات، فالأقوى حينئذ عدم التفصيل، نعم قد يفرق بين ما
كان من فعله بأن شرب شيئا مثلا يقتضي الرقود وعدمه، للشك في صدق اسم النوم
عليه أو في إرادته منه.
ثم لا فرق في ظاهر المتن بين عدم الفعل رأسا وبين الاخلال بالشرائط التي لم
يقم دليل على سقوط القضاء مع الاخلال بها، ولعله كذلك سيما على القول بكون الصلاة
اسما للصحيح، لشمول ما دل على وجوب القضاء لمن لم يصل ولو للأصل، بل الظاهر
شمول اسم الفوات له، خلافا للرياض في أحكام الخلل من عدم القضاء بالاخلال في
الجزء أو الشرط الثابت من قاعدة الشغل، وإن أوجبنا عليه الإعادة في الوقت، لأنه
يكفي في وجوبها فيه عدم العلم بالصحة، بخلاف القضاء المتوقف على صدق الفوات.
(ولو زال عقل المكلف بشئ) يزيل العقل غالبا وكان ذلك (من قبله) عالما
بترتب الزوال عليه غير مكره ولا مضطر (كالمسكر وشرب المرقد وجب) عليه (القضاء
لأنه) أي الشرب مثلا (سبب في زوال العقل غالبا) إذ هو عند الفقهاء ما ترتب
عليه الشئ غالبا بلا خلاف أجده، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب، لصدق اسم
12

الفوات مع عدم شمول ما دل على الاسقاط عما تقدم له، بل قد يشعر قوله عليه السلام: (1)
(كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر) بوجوب القضاء عليه، وفي المنتهى ويقضي
السكران كلما فاته وإن كان غائبا بالسكر، ولا نعلم فيه خلافا، وعلله مع ذلك بما أشار
إليه المصنف من كونه السبب لذلك ونحوه، إلى أن قال: (وكذا البحث فيمن شرب
دواء مرقدا وإن تطاول زمان الاغماء) إلى آخره. وبالجملة فالحكم بوجوب القضاء فيما
نحن فيه حيث لا يدخل فيما تقدم مما دل على سقوط القضاء واضح الوجه، ويكفي فيه
ما يفهم من الاجماع المنقول ونحوه، أما لو دخل تحت اسم بعض ما تقدم كالمجنون
والمغمى عليه فيشكل الوجوب فيه بأنه لو سلم شمول (من فاتته) له وجب الخروج عنه
بما دل على سقوط القضاء عن المجنون مثلا، ودعوى انصرافه إلى غير ذلك ممنوع،
لكن طريق الاحتياط غير خفي.
(و) أما لو لم يكن عالما بالاسكار مثلا أو كان مكرها أو شربه لضرورة دعت
إليه أو كان مما لا يسكر غالبا كما (لو أكل غذاء مؤذيا فآل إلى الاغماء لم يقض) كما
صرح بالأخير في المنتهى والتحرير، وذكر الأولين في البيان ظاهرا في الأول وصريحا
في الثاني، وصرح بالثالث جماعة على ما قيل كسابقيه، لكن لا يخفى أنه يشكل الحكم
هنا بسقوط القضاء عمن لم يندرج منهم فيما تقدم مما استدل على سقوط القضاء عنه كالمجنون
ونحوه بناء على صدق الفوات على من لم يخاطب بالأداء، اللهم إلا أن يؤخذ بعموم
قوله (عليه السلام): (كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر) الذي قال الصادق عليه السلام: (2)
(إنه من القواعد التي يفتح كل باب منها ألف باب) لكن في شموله للبعض مناقشة
واضحة، نعم يتم الحكم بسقوط القضاء بناء على عدم شمول اسم الفوات لمن لم يكن
مخاطبا بالأداء وعلى فرض انحصار دليل القضاء فيه.
(ولو ارتد المسلم) الذي انعقد وأحد أبويه مسلم أو من ولد وكان أحد أبويه

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 3 - 9
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 3 - 9
13

مسلما على ما يأتي في تعريف الفطري إن شاء الله، ومن بلغ مسلما (أو أسلم الكافر ثم
كفر) وهو المسمى بالمرتد الملي (وجب عليه قضاء زمان ردته) للفوات مع عدم شمول
ما دل على سقوط القضاء عن الكافر له، وبه صرح في السرائر والمنتهى والتحرير والبيان
والرياض والمدارك وغيرها، بل في المنتهى والمفاتيح وعن الناصرية والغنية والغرية
والنجيبية الاجماع عليه، بل عن الناصرية إجماع المسلمين، وإطلاقهم كالمصنف قاض
بعدم الفرق بين الفطري والملي كما عن جماعة التصريح به، لكن يشكل ذلك بالنسبة إلى
الفطري خاصة بناء على عدم قبول توبته ظاهرا وباطنا كما تقدم البحث فيه مستوفى في
كتاب الطهارة، إلا أن يريدوا يجب وإن لم يصح، أو أن المراد بيان جنس المرتد في
مقابل الكفر الأصلي المتحقق في الملي والفطري في المرأة (1) ولو عن فطرة كما يومي
إلى ذلك ما سمعته من الاجماع، بل من المسلمين كما في الناصرية.
ثم من المعلوم أن المراد بوجوب قضاء زمان ردته إذا لم يكن في حال من يسقط
القضاء عنه كالجنون والحيض والاغماء ونحوها، وكذا الكلام في فاقد الطهورين منه
على إشكال فيه، لاستناد الفوات إلى ما تقدمه من السبب، وهل يجري الحكم في المخالف
ونحوه إذا استبصر ثم رجع فيجب عليه القضاء وإن لم يخل به على مذهبه، اقتصارا فيما
خالف القاعدة على المتيقن والمعلوم منه الحال الأول كالكافر أو لا يجب، للاطلاق أو
العموم مع ترك الاستفصال؟ الأقوى الأول وإن لم أعثر على مصرح من الأصحاب به.
(وأما) الثاني وهو حكم (القضاء فإنه يجب قضاء الفائتة إذا كانت واجبة)
إجماعا محصلا ومنقولا وكتابا وسنة (2) مستفيضة إن لم تكن متواترة، ولا فرق بين
اليومية وغيرها مع اجتماع شرائط القضاء، بل الظاهر اندراج المنذورة (ويستحب إذا

(1) في النسخة الأصلية " المرة " ولكن الصواب ما أثبتناه
(2) الوسائل الباب 1 و 3 من أبواب قضاء الصلوات
14

كانت نافلة) نهارية أو ليلية، نعم يشترط أن تكون (موقتة) ولعل المراد بها الرواتب
خاصة، فلا يقضى غيرها وإن وقت الشارع لها وقتا، لعدم دليل على مشروعيته،
لظهور اختصاص النص والفتوى بها، بل في بعضها (1) التصريح بالتقييد بها (استحبابا
مؤكدا) حتى ورد (2) أنه (يعجب الرب ملائكته منه ويقول: ملائكتي عبدي
يقضي ما لم أفترضه عليه) و (إن الله تبارك وتعالى ليباهي ملائكته بالعبد يقضي
صلاة الليل بالنهار، فيقول: ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه،
أشهدكم أني قد غفرت له) (3) وأنه (من ترك القضاء لدنيا تشاغل بها عنه لقي الله تعالى
مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)) (4) والظاهر استحباب
قضائها في كل حال يجب فيه قضاء الفريضة، وتسقط مع سقوط قضائها.
(نعم إن فاتت بمرض) خاصة (لا يزيل العقل لم يتأكد الاستحباب) لقول
الصادق (عليه السلام) لمرازم (5) بعد أن سأله أني مرضت أربعة أشهر لم أصل فيها
نافلة فقال: (ليس عليك قضاء، إن المريض ليس كالصحيح، كلما غلب الله عليه فالله
أولى بالعذر فيه) وإنما حمل ذلك على نفي التأكد لقول أبي جعفر (عليه السلام) في
خبر محمد (6) قال: (قلت له: رجل مرض فترك النافلة قال: يا محمد، ليس بفريضة
إن قضاها فهو خير يفعله، وإن لم يفعل فلا شئ عليه) ويستفاد من الخبر الأول تعميم
الحكم لكل معذور، لكنا لم نعثر على مصرح به من الأصحاب.
(ف‍) - إن لم يصل من كان عليه القضاء لمانع لم يبلغه إلى حد العذر (يستحب) له
(أن يتصدق) بقدر طوله، وأدنى ذلك (لكل ركعتين) من صلاة الليل والنهار

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 2 - 1 - 3 - 2
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 2 - 1 - 3 - 2
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 2 - 1 - 3 - 2
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 2 - 1 - 3 - 2
(5) الوسائل الباب 20 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 2 - 1
(6) الوسائل الباب 20 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 2 - 1
15

(بمد) فإن لم يقدر على ذلك فلكل أربع ركعات من صلاة النهار مد (فإن لم يتمكن)
فمد إذا لصلاة الليل ومد لصلاة النهار، ولعل ذلك هو مراد المصنف بقوله: (فعن كل
يوم بمد) أو يكون ذلك مرتبة أخرى، والصلاة أفضل من الصدقة، كل ذلك لخبر
عبد الله بن سنان (1) عن الصادق (عليه السلام) (عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لم
يدر هو من كثرتها كيف يصنع؟ قال: فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها،
فيكون قد قضى بقدر ما علم من ذلك، ثم قال: قلت له: فإنه لا يقدر على القضاء،
فقال: إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شئ عليه،
وإن كان شغله لجمع الدنيا والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، وإلا لقي الله وهو
مستخف متهاون مضيع لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: قلت: فإنه لا يقدر
على القضاء هل يجزي أن يتصدق فسكت مليا ثم قال: فليتصدق بصدقة، قلت: فما
يتصدق؟ قال: بقدر طوله، وأدى ذلك مكان كل صلاة، قلت: وكم الصلاة التي يجب
فيها مد لكل مسكين؟ قال: لكل ركعتين من صلاة الليل ولكل ركعتين من صلاة
النهار مد، فقلت: لا يقدر، فقال: إذن لكل أربع ركعات من صلاة النهار، قلت:
لا يقدر، قال: فمد إذن لصلاة الليل ومد لصلاة النهار، والصلاة أفضل، والصلاة
أفضل، والصلاة أفضل).
ولا يخفى قصور العبادة عن إفادة مضمون الرواية، بل فيها ما يخالف ظاهرها،
ومثلها عبارة النافع والتحرير، والأولى العمل بمضمون الرواية كما يستفاد من الشهيد في
البيان والعلامة في ظاهر المنتهى، فإنه قال: (واستحبت الصدقة عن كل ركعتين بمد
ثم لكل أربع بمد، ثم مد لصلاة الليل، ومد لصلاة النهار، والصلاة أفضل).

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 2 مع الاختلاف
16

قلت: ولا فرق بحسب الظاهر بالنسبة لقضاء النوافل في سائر الأوقات، فمن
كانت عليه أوتار فائتة جاز قضاؤها في ليلة واحدة كما استفاضت به الأخبار (1)
وأفتى به بعضهم، وفي بعض النصوص (2) (كان أبو جعفر (عليه السلام) يقضي
عشرين وترا في ليلة واحدة) خلافا لما ينقل عن العامة من أنه لا وترين في ليلة واحدة
والظاهر أن الوتر يقضى على حاله من غير زيادة من دون فرق بين كونه قبل الزوال
وبعد الزوال، وما في بعض الأخبار (3) من أنه بعد الزوال يقضى شفعا عقوبة لتضييعه
محمول على التقية.
(ويجب قضاء الفائتة) من الفرائض المتحدة مرتبة على الحاضرة (وقت الذكر)
إن كان فواتها بنسيان (ما لم يتضيق وقت) فريضة (حاضرة) لا الفوائت المتعددة
فإنه لا يجب فيها ذلك، خلافا لمن ستعرف من القائلين بالمضايقة مطلقا أو المواسعة مطلقا
أو التفصيل بغير ما سمعت مما سيأتي كما هو خيرته في باقي كتبه، بل تبعه عليه السيد في
المدارك والسيد المحدث والفاضل المدقق الشيخ أحمد الجزائريان في هداية المؤمنين وتبصرة
المبتدئ على ما حكي عنهما والشهيد في ظاهر النفلية أو صريحها، بل مال إليه في غاية
المراد، وإن كان الذي استقر عليه رأيه في غيرهما المواسعة مطلقا، بل هو الذي استظهره
الفاضل المدقق المتبحر ملا أسد الله في رسالته من مجموع عبارات الديلمي تبعا لأستاذه
العلامة الطباطبائي في مصابيحه في الجملة، لكن الانصاف أنه إلى التفصيل بين الفوائت
المعلومة المعينة فالتضييق، والفوائت المجهولة بحيث لا يعلم مقدار ما في ذمته فالتوسعة
أقرب مما استظهراه منه، كما لا يخفى على المتأمل المتدبر، نعم ليس هو من أهل المضايقة
مطلقا قطعا وإن اشتهر ذلك عنه نظرا إلى ما حكاه من عبارته في المختلف.

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب الصلوات المندوبة الحديث 0 - 6
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب الصلوات المندوبة الحديث 0 - 6
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 10
17

ولا فرق في كلامه بين الفائت سهوا أو عمدا أو تفريطا بشرب مسكر ونحوه
وإن صرح بالفورية في الأخيرين وعبر عنها في أحد فردي الأول بالقضاء وقت الذكر
لظهور إرادتها أيضا منه، إلا أن الفرق بينه وبين الأولين توقيته بالذكر لفرض نسيانه
وتوقيتهما بأول أزمنة الفوات لفرض تعمده، وإلا فليس المراد من القضاء وقت الذكر
التوسعة قطعا كعبارة المتن، إذ دعوى عدم ظهورها في ذلك كما وقع من أول الفاضلين
المذكورين في الرسالة المزبورة في غاية الغرابة، خصوصا مع اكتفائه ببيان الترتيب الذي
صرح به في النافع وغيره من كتبه في الفائتة الواحدة بهذه العبارة، واكتفائه ببيان عدم
الترتيب فيما يأتي بالنسبة للمتعددة عن التصريح بعدم التضييق الذي حكى نصه عليه في
غير واحد من كتبه، واحتمال إرادته بما في المتن أنه مبدأ وقتها الذي يختص بها ولا يجوز
تأخيرها عنه إلى أن يتضيق الحاضرة، ثم هكذا دائما إلى أن يؤديها مما لا ينبغي أن
يصغى إليه، سيما بعد اشتهار تفصيل المصنف بين من تأخر عنه بموافقة القائلين بالتضييق
في الواحدة والقائلين بالمواسعة في المتعددة، جمعا بين أدلة الطرفين، ولذا حكي عن
ظاهر غاية المرام وغيرها ابتناء تفصيل المصنف في الترتيب على المضايقة والمواسعة
كالقولين المشهورين.
نعم لعله لا يرى المضايقة الحقيقية بل يكتفي بالعرفية على ما يشعر به بعض المحكي
من كلامه في المعتبر، بل وكلام بعض أتباعه كسيد المدارك والجزائري، والأمر سهل.
ثم إنه ليس في اقتصاره على وقت الذكر اشعار باختصاص هذا التفصيل في
المنسية دون العمدية بعد وضوح كلامه في غير الكتاب بالاطلاق، بل وفيه أيضا بملاحظة
ما سيأتي له، نعم لا ظهور في كلامه بمساواة الواحدة الباقية من المتعدد بعد قضائه
للواحدة أولا في الحكم المزبور وإن كان يحتمل تفريعه عليه كما أن من عليه واحدة
إذا فاتت عنه أخرى يسقط عنه وجوب التقديم ما دامت الفائتة متعددة، ولا في مساواة
18

التي عرض لها التعدد لاشتباه ونحوه للتي لم يعرض لها ذلك حتى يجب تقديم جميع ما يجب
فعله للمقدمة على الحاضرة، وإن كان قد يقال: إن إجراء حكم الواحدة أوفق بعباراتهم
فيشكل الحكم حينئذ فيما إذا لم يمكن تقديم الجميع على الحاضرة، فتأمل.
نعم ظاهر المتن وغيره إرادة ضيق الوقت عن تمام فعل الحاضرة، فلا يجزي
في وجوب ابتداء القضاء عنده بل وعند القائلين بالمضايقة إمكان إدراك ركعة من
الحاضرة كالحاضرتين، أما لو ظهر له في أثناء المقضية أنه إن أتمها لم يتمكن إلا من
ركعة من الحاضرة ففي وجوب قطعها بل جوازه وعدمهما تردد، وإن كان قد تسمع
فيما يأتي إن شاء الله ما يشهد للأول، كما أنك ستعرف مستند تفصيل المصنف هناك أيضا
إن شاء الله مفصلا، والله الموفق.
(و) يجب مع التنبه وعدم الغفلة (أن تترتب) بمعنى تتقدم (السابقة) من
الفرائض (على اللاحقة كالظهر على العصر، والعصر) الفائتة (على المغرب) اللاحقة
لها فواتا (والمغرب على العشاء سواء كان ذلك ليوم حاضر أو صلوات يوم فائت) بلا
خلاف في الحواضر بعضها على بعض كالظهرين أنفسهما والعشاءين كذلك، بل في
المدارك وغيرها لا خلاف فيه بين علماء الإسلام، بل الاجماع بقسميه عليه، والنصوص (1)
به مستفيضة تقدم ذكرها فيما سبق، وكذا لا خلاف معتد به فيه بالنسبة للفوائت بعضها
مع بعض بمعنى وجوب فعل السابق فواتا وإن كان عصرا مثلا على اللاحق وإن كان
ظهرا، بل عن مجمع البرهان نفيه عنه أصلا، بل إن لم يكن الاجماع عليه محصلا فهو
محكي في الخلاف والتنقيح وعن المعتبر والتذكرة وموضع من الذكرى، كما أنه نسبه في
المنتهى إلى علمائنا، وفي كنز الفوائد إلى الإمامية مشعرين بدعوى الاجماع عليه نحو
المحكي من نسبته إلى الأصحاب في موضع آخر من الذكرى، نعم حكى في الذكرى عن

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
19

بعض من صنف في المضايقة والمواسعة القول باستحبابه، وهو محجوج بما عرفت، بل
قيل وبالنبوي (1) المنجبر بما سمعت (من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته) المراد منه بسبب
عدم انصراف جهة الشبه إلى أمر مخصوص المشاركة بجميع وجوهه التي منها الترتيب
الذي كان في الأداء، والصحيح (2) عن الباقر (عليه السلام) (إذا نسيت صلاة أو
صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل
ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة) والآخر عن محمد بن مسلم (3) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة
ثم ذكر بعد ذلك، قال: يتطهر ويؤذن ويقيم في أولهن ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل
صلاة) الحديث. وبالتأسي بالمحكي في التذكرة والمنتهى من فعل النبي (صلى الله عليه وآله)
يوم الخندق (4).
لكن قد يناقش في الأول، بعد الاغماض عن سنده وعدم وجوده في الأصول
المعتمدة وظهور عاميته بمنع عدم انصرافه إلى أمر مخصوص، إذ الظاهر منه إرادة
كيفية الفائتة الثابتة لها وقت أدائها من القصر والاتمام ونحوه لا ما يشمل السبق في الفوات
ضرورة عدم كون ذلك من كيفيات الفائتة، بل هو من الأمور الاتفاقية لها الحاصل
بسبب تعاقب الزمان وتدريجيته، كما يومي إلى ذلك كثرة تعرض الأخبار لبيان اتحاد
كيفية القضاء والفائت من القصر والاتمام في السفر والحضر، دفعا لتوهم أن العبرة بوقت
القضاء لا الأداء، منها صحيح زرارة (5) المعبر فيه عن ذلك بمثل لفظ النبوي المزبور

(1) لم نعثر على هذا اللفظ في الأخبار ولعله مأخوذ من مضامينها الواردة في أبواب
القضاء من كتب الأخبار
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 4 - 3
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 4 - 3
(4) تيسير الوصول ج 2 ص 190
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 1
20

قال: (قلت له (عليه السلام): رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر
قال: يقضي ما فاته كما فاته إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها، وإن كانت صلاة
الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته) بل يومي إليه أيضا عدم اعتبار الترتيب
في فوائت غير الفرائض اليومية المصرح به في كلام غير واحد من الأصحاب، بل في
الروض أنه ربما ادعي الاجماع عليه، بل في المهذب البارع دعواه عليه، بل قيل: إنه
حكي عن شرح الإرشاد للفخر ذلك أيضا، ولعله كذلك، إذ لم نقف على أحد اعتبر
الترتيب فيها سوى ما يحكى عن بعض مشائخ الوزير العلقمي من اعتباره، نعم احتمله
في التذكرة، وعن الذكرى نفي البأس عنه كما عن الهادي قوته إن لم يثبت إجماع لعموم
الخبر، وفي المفاتيح فيه وجهان.
إلا أنه لا يخفى عليك ضعف ذلك كله بعد ما عرفت، خصوصا مع عدم مستند له
سوى هذا النبوي الضعيف سندا ودلالة، لما سمعت كما عن كشف اللثام الاعتراف به.
وأضعف من ذلك القول بالترتيب بينها وبين اليومية كما عن ذلك البعض من
مشايخ ذلك الوزير أيضا لهذا الخبر، وفيه ما عرفت، بل ينبغي القطع بعدم استفادة
الترتيب منه على هذا الوجه، اللهم إلا أن يراد خصوص الحواضر التي كان معتبرا فيها
الترتيب في الأداء كالظهرين والعشاءين، لكن ذلك - مع إمكان منعه بسبب انصراف
التشبيه إلى ما عرفت - لا يقضي بترتب العصر مثلا على المغرب الفائتة من اليوم السابق،
إلا أن يتمم بعدم القول بالفصل، وإلا فدعوى ثبوت الترتيب الذي هو من الكيفية
فيه أيضا - بناء على المضايقة المقتضية ترتب الحواضر على ما تقدمها من الفوائت، فكل
فائتة سابقة ثم دخل عليها وقت حاضرة ترتب عليها وإن كانت فاتت معها، فيكون
الجميع حينئذ كالظهرين والعشاءين - يدفعها أنها لا تتم على المختار من التوسعة وعدم الترتيب
الذي ستعرف شهرته بين الأصحاب ومعروفيته، على أن المسألة هنا مما لا خلاف معتد به
21

فيها، بخلاف تلك المسألة التي هي المعركة العظمى بينهم، فكيف يتجه ابتناؤها عليها عند
الجميع، كما هو واضح.
وفي الثاني بعدم دلالته إلا على البدأة بالأول الذي هو أخص من الترتيب
المطلق، وباحتمال عدم إرادة الوجوب من الأمر بالبدأة فيه بالأول، لجريانه مجرى
الغالب في فعل من يريد القضاء، وسوقه لإرادة بيان الاجتزاء بالأذان لأولهن عنه لكل
واحدة واحدة، كما يومي إلى ذلك الخبر (1) الذي بعده، وباحتمال إرادة أولهن قضاء
لا فواتا، بمعنى أن المراد ابدأ بأذان لأولهن قضاء في عزمك وإرادتك.
وفي الثالث بعدم دلالته على الوجوب بوجه من الوجوه، بل لعله مما يشهد في
الجملة على ما سمعت، لظهور اتحاد المقصود من كل منهما.
وفي الرابع بعدم ظهور وجهه الذي هو شرط للتأسي عند جمع من الأصوليين
أو جميعهم أولا، وبعدم ثبوت ذلك عنه (عليه السلام) بطريق معتبر عندنا كي يتأسى به
ثانيا، بل ظاهر حاكيه إرادة الرد على الشافعي بالمروي من طرقهم.
ولعله من ذلك كله أو غيره توقف في الحكم المزبور في الكفاية والذخيرة وإن
كان هو في غير محله، إذ لو قلنا بعدم إمكان دفع هذه المناقشات لكان فيما سمعت من
الاجماعات السابقة التي يشهد لها التتبع كفاية، مضافا إلى صحيح الوشا عن رجل عن
جميل بن دراج (2) عن الصادق (عليه السلام) قال: (قلت له: يفوت الرجل الأولى
والعصر والمغرب وذكرها عند العشاء الآخرة، قال: يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنه
لا يأمن الموت، فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت، ثم يقضي ما فاته
الأولى فالأولى) والنظر فيما ذكره أهل الرجال في أحوال الوشا وابن عيسى الذي رواه

(1) الوسائل 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 3
(2) الوسائل الباب 62 من أبواب المواقيت الحديث 6 من كتاب الصلاة
22

عنه والانجبار بما سمعت يرفع ضرر إرساله، على أنه حكي عن صاحب العصرة أن ابن
عيسى في نوادره التي عن الصدوق عدها من الكتب المشهورة التي عليها المعول وإليها
المرجع رواه عن رجاله عن جميل عن الصادق (عليه السلام) بتفاوت يسير غير قادح في
المطلوب، بل عن البحار روايته عن المصنف في المعتبر بإسناده عن جميل كموضع من
الوسائل، وكأنهما فهما منه أنه رواه المصنف من أصل جميل أو من غيره، إذ قد كان
عنده بعض الأصول القديمة ونقل عنها في غير موضع من المعتبر، فلا ينبغي التوقف في
الخبر المزبور من جهة ذلك، كما أنه لا ينبغي التوقف فيه من جهة الاشكال في ذكر
المغرب في سؤاله بعد وضوح الجواب في المراد الذي هو الحجة لا السؤال، على أنه
محتمل لصدوره من السائل سهوا أو غلطا، أو إرادة مغرب الليلة السابقة مع ظهري
اليوم أو ما قبله أو غير ذلك مما لا مدخلية له فيما نحن فيه.
وإلى ما في ذيل صحيح زرارة (1) المتقدم الاستدلال بأوله عن أبي جعفر عليه السلام
" وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة، ابدأ
بالمغرب ثم العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم الغداة
ثم صل العشاء، وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل
المغرب والعشاء، ابدأ بأولهما، لأنهما جميعا قضاء) الحديث. وفيه دلالة على المطلوب
في غير موضع، نعم يحتاج للتتميم بعدم القول بالفصل إلى غير ذلك من الأخبار المستفاد
منها الترتيب للعطف بثم ونحوه، فتوقف الخراساني حينئذ في الحكم المزبور في غير محله
قطعا، خصوصا في المرتب أداء كالظهرين والعشاءين، ولعله لم يقف على ما ذكرنا.
نعم قد يقال بسقوط الترتيب عند الجهل به كما في الألفية وشرحها للمحقق الثاني
واللمعة والروضة والمدارك والذخيرة والكفاية والمفاتيح وعن الايضاح وغيره، بل في

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب المواقيت الحديث 1 من كتاب الصلاة
23

الرياض نسبته إلى الأكثر، كما عن موضع من كشف الالتباس إلى الظاهر من المذهب
للأصل السالم عن معارضة الأدلة السابقة الظاهرة في غيره، واستلزام التكرار المحال
أو الحرج في كثير من موارده المتمم في غيرها بعدم القول بالفصل المحكي في الروضة
على الجزم والذخيرة على الظاهر وعن غيرهما، وموافقته لسهولة الملة وسماحتها، ورفع
القلم عن النسيان، وأن الناس في سعة ما لم يعلموا، مع أنه لا يخلو من تردد ونظر كما في
القواعد والتحرير والمنتهى وظاهر كنز الفوائد وعن المعتبر ونهاية الاحكام، بل في
البيان والذكرى وجوبه مع الظن، بل في الدروس والموجز وعن كشف الالتباس
والهلالية وجوبه مع الوهم أيضا، بل في باب الوضوء من الذكرى الجزم بوجوبه حيث
لا يكون في مراعاته زيادة فيما يجب عليه إن لم يراعه فارضا له في صورة محتاجة إلى التأمل
بل في التذكرة (أن الأقرب فعله حال الجهل به) بل جزم به في الإرشاد، بل في
الرياض (لا ريب أنه أحوط وأولى) بل في المفاتيح نسبته إلى من عدا العلامة
والشهيدين، حيث قال: (والآخرون على وجوب التكرار) ولعله لاطلاقهم وجوبه
كالخلاف والسرائر والمتن وغيرها، وهو مع أنه أحوط في البراءة عما اشتغلت الذمة به
من الصلاة بيقين لا يخلو من قوة، لعدم صلاحية الأصل لمعارضة المقدمة الحاصلة بسبب
استصحاب وجوبه، وإطلاق الأدلة السابقة من معاقد بعض الاجماعات والأخبار التي
لا مدخلية للعلم والجهل فيما يستفاد منها، خصوصا الحكم الوضعي كما في غيره من التكاليف
وإن كان ظاهر مواردها هنا العلم، لكنه ليس ظهور شرطية كما هو واضح.
ودعوى اعتبار العلم في كل حكم وضعي استفيد من أمر ضرورة استلزامه
التكليف بالمحال بدونه ممنوعة كل المنع إن أريد العلم التعييني، ولا تجدي إن أريد ما يشمل
الحاصل بالتكرير، كما أنه لا يجدي تسليم استفادة اعتبار التمكن من كل شرط استفيد
24

من أمر أو نهي، ضرورة حصوله هنا بالمقدمة كما لا يخفى، وعدم المحالية بل والحرج
في التكرار، ضرورة كونه كمن فاته مقدار ذلك يقينا الذي من المعلوم عدم سقوط القضاء
عنه لمشقته بكثرته، على أنه لو سلم الحرجية في الجملة فهو سبب ذلك في بعض الأفراد
أو أكثرها، وأقصاه السقوط فيما يتحقق الحرج به دون غيره كما هو ظاهر الأستاذ في
كشفه في أول كلامه بل صريحه، بل قد لا تحتاج مراعاته إلى زيادة تكرير على ما وجب
عليه كما في بعض الصور المفروضة في باب الوضوء من الذكرى، ودعوى الاجماع المركب
الذي هو حجة في مثل هذه المسائل عهدتها على مدعيها.
بل قد يقال بوجوب ترجيح إطلاق أدلة المقام على دليل الحرج بناء على قبوله
لذلك، كما أخرج عنه فيما لو كان مقدار هذا المكرر معلوم الفوات، وإن كان بينهما هنا
تعارض العموم من وجه، لأقلية أفراده منه، وخروج نظيره من معلوم الفوات بل
وكثير من التكليفات من صوم الهجير وقتل النفس ونحوهما عنه دون ذلك، ومعارضة
ذلك كله بتأيد دليل الحرج بعموم رفع المؤاخذة عن الجاهل، وقوة عمومه من حيث كونه
نكرة في سياق الاثبات (1) كما ترى، بل قد يقال بعدم شمول دليل الحرج له أصلا،
إذ المراد نفيه في الدين لا ما يوجبه العقل، عند الاشتباه للمقدمة، ولعله من ذلك كله
حكى في مفتاح الكرامة عن مصابيح أستاذه أنه قال: (المسألة لا تخلو من إشكال وإن
كان القول بالسقوط حيث يكون حرج ولا تقصير لا يخلو من قوة) انتهى.
لكن قد يقال بأن قصارى ذلك حصول الشك في اعتبار السقوط (2) وعدمه

(1) هكذا في النسخة الأصلية، والصحيح " النفي " لأن النكرة في دليل عموم نفي
الحرج في سياق النفي، وهو قوله تعالى: " وما جعل عليكم في الدين من حرج " مضافا إلى أن النكرة في سياق الاثبات لا تفيد العموم أصلا فضلا عن قوة العموم، اللهم إلا أن
يوجه بأن الضمير في قوله: " وقوة عمومه " راجع إلى رفع المؤاخذة
(2) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب " الترتيب " إذ لا محصل لشرطية
السقوط مضافا إلى أنه (قدس سره) بصدد تقوية السقوط لا نفيه
25

وما شك في شرطيته ليس بشرط عندنا، بل قد يرجح السقوط بالسيرة، وصعوبة معرفة
طريق تحصيل التكرار الترتيب في كثير من موارده على أكثر الناس أو عامتهم، واستبعاد
إيكال الشارع مثل ذلك مع كثرة وقوعه، وشدة التفاوت بين عدد المقدمة وذيها،
ومشقة معرفة طريق الحصول إلى باب المقدمة ونحوه، ومعلومية الفرق بين الوجوب
المقدمي والأصلي بأن مبنى الأول على أن لا يستلزم قبحا وحرجا كما لو اشتبهت موطوءة
الإبل في كثير منها وظرف السمن بين ظروف كثيرة وغير ذلك مما يعظم اجتنابه على
المكلفين، بل تمجه عقولهم، بل من ذلك ونحوه حكم بسقوط مراعاتها في غير المحصور،
إلى غير ذلك.
إلا أنه ومع ذلك كله فالاحتياط بالتكرار المحصل للترتيب لا ينبغي تركه، وهو
يحصل كما عن غاية المراد والمحقق الثاني بأن يزيد على الاحتمالات صلاة واحدة، فمن فاته
الظهران زاد صلاة فصلى ظهرا بين عصرين أو بالعكس، إذ المحتمل فيه اثنان فيزاد
صلاة، لكن قيل: إن فيه زيادة تكليف لو كانت الفرائض الفائتة أربعة مثلا، فإن
الاحتمالات فيه أربعة وعشرون، فينبغي فيه صلاة خمس وعشرين، أو كانت خمسة فإن
الاحتمالات فيه مائة وعشرون، فينبغي أن يصلي مائة وإحدى وعشرين، وفيه نظر،
لعدم إرادته الاحتمالات العقلية الحاصلة من الضرب قطعا.
لكن على كل حال الأولى ارتكاب طريق آخر ذكره غير واحد من الأصحاب
أخصر من هذا وأسهل يحصل به الترتيب أيضا وإن توافق معه في بعض الصور، وهو
بأن يصلي من فاته ظهران من يومين ظهرا بين عصرين أو بالعكس، لحصول الترتيب
بينهما على تقدير سبق كل واحدة، ولو جامعهما مغرب من ثالث صلى الثلاث قبل المغرب
وبعدها، أو عشاء معها فعل السبع قبلها وبعدها، أو صبح معها فعل الخمس عشرة قلبها
26

وبعدها وهكذا، والضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات،
وهي اثنان في الأول، وست في الثاني، وأربعة وعشرون في الثالث، ومائة وعشرون
في الرابع حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا في عدد الفرائض المطلوبة، فحينئذ لو أضيف
إليها سادسة صارت الاحتمالات سبع مائة وعشرين، وصحته فيها من ثلاث وستين
فريضة بفعل الإحدى وثلاثين قبلها وبعدها، ولو أضيف إليها سابعة صارت الاحتمالات
خمسة آلاف وأربعين، وتصح من مائة وسبع وعشرين فريضة، ولو أضيف إليها
ثامنة صارت الاحتمالات أربعين ألفا وثلاثمائة وعشرين، ويصح من مائتين وخمس
وخمسين فريضة.
نعم قد يقال بأن الفريضة الزائدة على الخمس لا تكون إلا إحدى الخمس،
وترتيبها على مثلها لا يبلغ في زيادة الاحتمالات إلى هذا المقدار، ضرورة عدم توقف
الترتيب بينها وبين مماثلها من الفريضة على تكرار، ولذا لو كانت الفوائت المتعددة من
نوع واحد كعشاءات متعددة مثلا لم يجب تكرير في تحصيل الترتيب بينها، وتوضيح
ذلك بأن يقال: إن الفائت إذا كان ظهرين وعصرا فالاحتمالات ثلاثة، وإذا أضيف
إليها مغرب صارت اثني عشر حاصلة من ضرب الثلاثة في الأربع، وإذا أضيف إليها
العشاء صارت ستين، وإذا أضيف صبح صارت ثلاثمائة وستين، اللهم إلا أن يراد
مطلق الاحتمال وإن لم يكن له مدخلية في الترتيب، لكن دعوى أن صحتها على هذا
الطريق من ثلاث وستين فريضة لا تخلو من نظر، وذلك لأن صحته في الأول من خمس
هي ظهران قبلهما عصر، وبعدهما عصر، وبينهما عصر، فلو أضيف إليها مغرب كانت
من إحدى عشرة، فلو أضيف إليها عشاء كانت من ثلاث وعشرين، فلو أضيف إليها صبح
وهو السادس كانت من سبع وأربعين، واحتمال إرادة نحو صلاة الكسوف من الفريضة
السادسة لا اليومية بناء على مراعاة الترتيب بينها وبين الفوائت، أو المختلفة بالقصر
27

والاتمام بعيد في عباراتهم، بل مقطوع بعدمه كما لا يخفى على من لاحظ الروضة وغيرها
مما ذكر فيه هذا الطريق، نعم لعل المراد إرادة حصوله بالعدد المذكور لا أن المراد أنه
أقل عدد يحصل به، لما عرفت.
بل هناك طريق آخر غير ذلك هو أخصر وأسهل ذكره أيضا غير واحد من
الأصحاب، وهو أن يصلي الفرائض الفائتة أجمع كيف شاء مكررة عددا ينقص عنها
بواحد ثم يختمه بما بدأ به منها، فيصح من ثلاث عشرة فريضة في الثالث، وإحدى
وعشرين في الرابع، وإحدى وثلاثين في الخامس الذي فرض فيه زيادة فريضة سادسة.
بل في الروضة أنه يمكن الحصول في الأخير بخمسة أيام ولاء والختم بالفريضة
الزائدة، ولعله لأنه إذا صلى خمسة أيام مكررة ففي كل مرة يبرأ من بعضها ولو واحدة
لأنه في الأولى يبرأ من واحدة من الأواخر قطعا، وهي أولها، وكذلك في الثانية،
لحصول مثل الجميع بعدها، فيحصل الترتيب بين ما برأ منه أولا وغيره، ولا أقل من
واحدة، وكذا في الثالثة والرابعة والخامسة، فيبرأ من خمسة ولم يبق إلا الزائد، فإن
كان ترتب قبل ذلك مع ما بعده فذاك، وإلا فهو آخر ما فاته فيقضيه ويختم به.
لكن قد يناقش فيه بأنه لا يتم لو فرض أن الزائدة العشاء، وفرض أن الفائت
في نفس الأمر هو العشاء ثم العشاء أيضا ثم المغرب ثم العصر ثم الظهر ثم الصبح، فإنه لم
يحصل له ذلك بفعل خمسة أيام كيف شاء والختم بالفريضة الزائدة التي فرضنا أنها العشاء
ضرورة عدم تحصيله من اليوم الأول إذا فرض ابتداؤه فيه من الصبح إلا العشاء، ومن
الثاني العشاء الثاني خاصة، ومن الثالث المغرب كذلك، ومن الرابع العصر، ومن
الخامس الظهر، فيبقى حينئذ الصبح الذي لا يجدي في حصول الترتيب له الختم بالعشاء
الذي فرض أنه الفريضة الزائدة، اللهم إلا أن يريد الختم بالفريضة الزائدة لكل يوم،
لكنه حينئذ ينقص عن الطريق السابق واحدة، لأنه كان من إحدى وثلاثين، وهذا
28

ثلاثون، وهو بعيد جدا، إذ لو أراده لقال إنه يحصل الترتيب بستة أيام، كما أنه
كذلك في الواقع للعلم بحصول فريضة له من كل يوم، بل لعل ذلك أوضح الطرق،
والأمر سهل، إذ المدار على فعل ما يحصل به الترتيب، وأما كيفيته فليس هو من
وظائف الفقيه.
هذا كله إذا كان الفائت مختلفا صنفا أو عددا، أما المتحد صنفا وعددا كالظهرين
فصاعدا أو العصرين كفاه فعلها بنية الأولى فالأولى كما صرح به غير واحد، بل هو
واضح، بل قد يحتمل عدم وجوب هذه النية، بل الاجتزاء بنية الخلاف، قصرا لدليل
الترتيب على الأول، لكنه كما ترى ضعيف جدا، نعم حكي عن غاية المراد احتمال
إلحاق المتحد عددا المختلف صنفا كالظهر والعصر بالمتحد صنفا وعددا، فيجزي صلاة
أربعة مطلقة ينوي بها أولى ما في ذمته إن ظهرا فظهر وإن عصرا فعصر، والثانية (1)
ما في ذمته وهكذا، وهو لا يخلو من قوة بناء على عدم وجوب نية الظهرية والعصرية
إلا للتعيين الحاصل بنيته أولى ما في ذمته وإن كان لم يعلمها بخصوصها، إذ الواجب
التعيين المفيد تعينا واقعا، ونحو ذلك الظهر المقصورة والصبح أو العشاء المقصورة، نعم
لو فاته مع ذلك مغرب وسطها بين أربع فرائض مطلقة على الطريق الذي سمعته سابقا،
ولو فاته صلوات معلومة سفرا أو حضرا (2) ولم يعلم السابق منهما كفى في حصول
الترتيب صلوات رباعيات كل يوم قصرا وتماما كما هو واضح، وصرح به غير واحد
من الأصحاب.
ثم إن الظاهر عدم الفرق في مراعاة الترتيب في القضاء مع العلم به بين أن يتولاه
بنفسه وبين أن يتولاه عنه وليه بعد موته أو متبرع أو مستأجر، ضرورة تأدية هؤلاء

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن حق العبارة هكذا " ثانية ما في ذمته "
(2) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " سفرا وحضرا "
29

تكليفه عنه وتحملهم إياه عنه، والفرض أنه كان عليه ذلك مرتبا، فمن أداه عنه غير
مرتب لم يكن مجزيا كما صرح بذلك في القواعد، قال: ولو استأجر ولي الميت عنه
لصلاته الفائتة وجب على الأجير الاتيان بها على ترتيبها في الفوائت، خلافا للأستاذ في
كشفه فلم يعتبره للأصل بعد قصر ما دل على اعتباره على المتيقن، وهو القاضي عن
نفسه، وإطلاق ما دل على القضاء عنه، لكنه قد يناقش فيه بأن النائب ليس إلا مؤديا
تكليف غيره الذي من كيفيته الترتيب كالقصر والاتمام والجهر والاخفات، فلو استأجر
أجيرين حينئذ كل واحد عن سنة لم يجز عنه لو أوقعاها دفعة فضلا عن عكس الترتيب
بل يصح منهما سنة خاصة كما صرح به في القواعد والحواشي المنسوبة للشهيد والمحكي عن
الايضاح وجامع المقاصد أيضا.
أما مع الجهل بترتيب فوائته فإن كان بعد العلم بمعلوميته عنده إلى أن مات اتجه
وجوب التكرار لتحصيله، وإن لم يعلم ذلك كما هو الغالب فالظاهر جريان البحث
السابق فيه، بل لعله أولى منه إذا كان للجهل بحال الميت، لامكان القول بسقوطه به
بالنسبة للجاهل المؤدي عن نفسه لا المتحمل تكليف غيره المجهول عنده كيفية تكليف من
تحمل عنه من الترتيب وعدمه، وربما كان مرتبا عنده، بل قد ينقح الأصل كونه كذلك
في بعض الأفراد منه أو أكثرها، فيكون من القسم الأول، لكن في كشف الأستاذ
أن الأحوط عدم مراعاة الترتيب حذرا من طول المدة وبقاء الميت معاقبا لو كان القضاء
عن واجب، ومن تأخير وصول الأجر لو كان ندبا، ولا بأس به إن كان المراد
ترجيح التعجيل على الاحتياط في مراعاة الترتيب بعد البناء على سقوط وجوب التكرار
مراعاة له، وإن كان قد يناقش فيه بالنسبة للثاني، بل والأول لو كان الفوات لا عن
تقصير من المكلف، بل ومع التقصير أيضا بناء على عذرية الحكم الظاهري الحاصل من
ظن المجتهد لا واقعيته، لاحتمال عدم خلوصه عن العقاب حينئذ إلا باتيان الترتيب،
30

بل لا ريب في رجحان ما يحصل به الخلاص المؤبد يقينا على محتمله وإن استلزم
زيادة زمان عليه.
وكيف كان فتحصيل الترتيب عن الميت على حسب ما سمعته في الحي بالطرق
السابقة، بل لا بأس بتعدد النواب، فيصح حينئذ استئجار أجيرين فصاعدا عن ميت
واحد لكن بشرط أن يكون فعلهما مرتبا بمعنى وقوع فعل أحدهما بعد فعل الآخر
لو أريد تحصيله على الطريق الأول، ضرورة عدم حصول الترتيب عليه بغير ذلك،
إذ لو أوقعاه دفعة في جماعة أو على الانفراد لم يحصل البينية التي هي من مقوماته، وكذا
الطريق الثاني إذا فرض توزيع التكرير المحصل للترتيب عليهما أياما، فإنه لو أوقعاهما
دفعة لم يحصل منه إلا ما يحصل بفعل واحد منهما، ويكون الثاني لغوا، إذ لو فرض
أن الفائت خمس فرائض كان حصول الترتيب بينها على هذا الطريق بأربعة أيام والختم
بما بدأ به، لليقين بحصول فريضة له من كل يوم ولم يبق له إلا احتمال تأخر ما بدأ به
أولا عن الجميع، فيختم بها ويبرأ، فإذا فرض توزيع هذه الأربعة على الأجيرين
وأوقعاها دفعة بأن صلى كل منهما يومين مقارنا للآخر جماعة أو على الانفراد لم يحصل
اليقين إلا بفريضتين، لاحتمال كون الفائتة الأخيرة من يوميهما الأولين، ثم ما قبلها
من اليومين الثانيين، فيكون الأربعة أيام بمنزلة اليومين من واحد، بخلاف ما لو كانت
أيامهم على التعاقب، إذ هي حينئذ كالأيام الأربعة من واحد بعلم حصول فريضة من
كل يوم ثم يختم أحدهما بالفريضة المبتدأة فيحصل الترتيب بين الخمس، كما هو واضح
بأدنى تأمل.
نعم لا بأس على الظاهر بتوزيع فرائض اليوم عليهما بأن يصلي أحدهما الصبح
مثلا والآخر الظهر مقارنا له، ثم العصر والآخر المغرب، ثم يصلي العشاء أحدهما
وهكذا إلى تمام الأربعة، ثم يختم بابتداء فرائض يومهما، وهو الصبح في المثال، فإنه
31

يحصل الترتيب بين الخمس أيضا.
هذا كله لو قلنا بمراعاة الترتيب حال الجهل، أما بناء على سقوطه ولو كان من
ولي الميت كما لعله الأقوى في النظر لم يجب زائدا على فوائت الميت، لكن لو استأجر
أجيرين على أدائهما وأوقعاها دفعة جماعة أو فرادى ففي إجزائه نظر، ينشأ من صدق
امتثال إطلاق الأدلة بعد سقوط اشتراطه وكونه كالصلاة مع الجنابة في الثوب المشترك
في التمسك بأصالة صحة فعله، ومن أن أقصى سقوط وجوب مراعاته إجزاء غير معلوم
الخلاف، أما معلومه فلا كما في الفرض، ضرورة أن السابقة إحداهما، فتصح حينئذ
صلاة منهما دون الأخرى، ووضوح الفرق بينه وبين الثوب المشترك بأن فعلهما معا
راجع إلى واحد، وهو المنوب عنه بخلافه فيه، ولعله لذا كان ظاهر القواعد والحواشي
المنسوبة للشهيد عليها الثاني، بل كاد يكون صريح الأخير بل والأول بعد التأمل الجيد
بل ربما حكي عن الايضاح والفخر أيضا، بل لم يحضرني الآن مصرح بالأول عدا
الأستاذ في الكشف، قال في الأول بعد ما سمعت من عبارته السابقة: (فإن استأجر
أجيرين كل واحد عن سنة جاز لكن بشرط الترتيب بين فعليهما، فإن أوقعاه دفعة
وجب على كل منهما قضاء نصف سنة) وقال في الثاني: (الترتيب أن يصلي هذا يوما وهذا
يوما، وهذا شهرا وهذا شهرا، فإن أوقعاه دفعة بأن يقترنا في نية كل صلاة وكذا لو لم
يقترنا فنقول هنا: صلاة واحدة صحيحة والأخرى غير مجزية لعدم الترتيب، فإذا فرضنا
صلاة (غانم) صحيحة كانت صلاة (سالم) غير مجزية، فإذا اختلفا كذلك مقترنين
أو سبق أحدهما الآخر بالنية في الصلاة الثانية كانت صلاة (سالم) مجزية، وفي الثالثة
تجزي صلاة (غانم) وفي الرابعة صلاة (سالم) وعلى هذا يكون بين السنة نصف سنة
وبين السنتين سنة واحدة، فيحصل الترتيب، وكذا الحكم إن جهلا) انتهى. ولا ريب
32

في أنه أحوط إن لم يكن أقوى وإن اشتهر في زماننا هذا عدم الالتفات إلى شئ من
ذلك، لكن هل يعتبر في براءة ذمة المؤجر اشتراط التعاقب أو يكفي فيها عدم علمه
بالاقتران؟ وجهان أقواهما الثاني.
هذا كله في ترتيب الحواضر والفوائت أنفسهما، أما البحث فيه بالنسبة إلى
بعضها مع بعض فهو المعركة العظمى بين الأصحاب الذي اختلفت فيه أقوالهم، وتشتتت
فيه آراؤهم حتى أن بعضهم كالسيد ضياء الدين بن الفاخر والشيخ نجيب الدين يحيى بن
سعيد أفتى به مدة ثم رجع عنه إلى عدمه أخرى على ما حكاه في غاية المرام، وما ذاك
إلا لكون المسألة من المعضلات، وهي التي أشار إليها المصنف بقوله: (فإن فاتته صلوات)
متعددة (لم) يعتبر في صحتها أن (تترتب) بمعنى تتقدم (على الحاضرة) ولا في صحة
الحاضرة أو غيرها من العبادات أن تتأخر عنها، ولم يجب فعلها فورا متى ذكرها،
ولم يجب العدول من الحاضرة لو ذكرها في الأثناء إليها، ولم يحرم التشاغل بسائر ما ينافي
فعلها من مندوبات أو واجبات موسعة أو مباحات أو غير ذلك كما هو المشهور بين
المتأخرين نقلا وتحصيلا، بل في الذخيرة أنه مشهور بين المتقدمين أيضا، كما أنه نسبه
في مصابيح العلامة الطباطبائي إلى أكثر الأصحاب على الاطلاق، كنسبته إلى المشهور
كذلك في شرح العوالي، بل في المصابيح أيضا أن هذا القول مشهور بين أصحابنا
ظاهر ناش في كل طبقة من طبقات فقهائنا المتقدمين منهم والمتأخرين، وهو كذلك
يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب وجادة وحكاية في الرسائل الموضوعة في هذا الباب،
كرسالة المولى المتبحر السيد العماد أستاذي السيد محمد جواد والفاضل المحقق المتبحر
ملا أسد الله وغيرهما من كتب الأساطين المعتمدين كالمختلف وكشف الرموز وغاية المراد
والذخيرة ومصابيح العلامة الطباطبائي ونحوها، إذ المستفاد منه أنه مذهب الشيخ الثقة
الجليل الفقيه عبد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي في أصله الذي أثنى عليه الصادق (عليه
33

السلام) (1) عند عرضه عليه وصححه واستحسنه، وقال: (إنه ليس لهؤلاء أي المخالفين
مثله) وعده الصدوق من الكتب المشهورة التي عليها المعول وإليها المرجع، بل أمر
المرتضى بالرجوع إليه وإلى رسالة ابن بابويه مقدما لهما على كتاب الشلمغاني لما سئل عن
أخذ ما يشكل من الفقه من هذه الثلاثة، والحسين بن سعيد الأهوازي الذي هو من
أصحاب الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام)، وحاله أجل من أن يذكر مصنف
الكتب الثلاثين الحسنة التي يضرب بها المثل في الاتقان والجودة، وقد عده المحقق
طاب ثراه في المعتبر في جملة الفقهاء المعتبرين الذين اختار النقل عنهم ممن اشتهر فضله
وعرف تقدمه في نقل الأخبار وصحة الاختيار وجودة الاعتبار، والشيخ الجليل العظيم
النبيل أحمد بن محمد بن عيسى القمي في نوادره، والصدوقين والشيخ أبي الفضل محمد بن
أحمد بن إبراهيم بن سليم أو سليمان المعروف في كتب الرجال بالصابوني، وبين الفقهاء
بالجعفي تارة، وبصاحب الفاخر أخرى في كتابه الفاخر الذي ذكر في أوله أنه لا يروي
فيه إلا ما أجمع عليه وصح من قول الأئمة (ع) عنده، والشيخ الجليل الحسين بن عبيد الله
ابن علي المعروف بالواسطي أستاذ الكراجكي، ومشاهد (معاهد خ ل معاصر خ ل) الشيخ
المفيد وقطب الدين الراوندي الذي صنف رسالة في المسألة كما في الفهرست، وعماد الدين
محمد بن علي كما في المصابيح، والعماد الطوسي كما في الغرية، ونصير الدين أبي طالب
عبد الله بن حمزة الطوسي غير صاحب الوسيلة، وسديد الدين محمود الحمصي صاحب
التصانيف الكثيرة علامة زمانه في الأصوليين كما قال تلميذه منتجب الدين، وهو شيخ
ورام بن أبي فراس أيضا، وكذا فخر الدين الرازي كما في القاموس، وكان معاصرا
لابن إدريس، وكان يطعن عليه بأنه مخلط لا يعتمد على تصنيفه، والشيخ أبي علي الحسن
ابن ظاهر الصوري، وعلي بن عبيد بن بابويه منتجب الدين، وقد صنف في المسألة رسالة

(1) رجال النجاشي ص 70؟
34

سماها العصرة ردا على بعض من عاصره، ولعله ابن إدريس، وقد رأيتها، والشيخ
يحيى نجم الدين بن الحسن بن سعيد، والشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى المذكور
ابن عم المحقق، والسيد الأجل علي بن موسى بن طاوس صاحب الكرامات، والعلامة
طاب ثراه في جملة من كتبه، ووالده وولده وابن أخته السيد العميد، والسيد ضياء الدين
ابن الفاخر، والشهيدين والمقداد وتلميذه محمد بن شجاع القطان، والشيخ السعيد
أبي العباس أحمد بن فهد وتلميذه علي بن هلال الجزائري والصيمري والكركي وولده
والميسي وابن أبي جمهور الأحسائي والأردبيلي وتلميذه المحقق أبي منصور الشيخ حسن
صاحب المعالم في الاثني عشرية، وولده الشيخ محمد في شرح الرسالة المزبورة، والشيخ
أبي طالب شارح الجعفرية، وشيخنا البهائي ووالده وتلميذه الشيخ جواد بن سعيد
الكاظمي، والمحدث القاشاني في المفاتيح وغيرها، وابن أخيه الشيخ هادي، والفاضل
الخراساني والسيد ماجد والشيخ سليمان البحرانيين، وفيض الله بن عبد القاهر، والعلامة
المجلسي ووالده، والمحقق الشيرواني والفاضل الماحوزي وأكثر علماء عصرنا هذا وما
قاربه، كالمولى المحقق المدقق مجدد مذهب الشيعة في المائة الثانية بعد الألف محمد باقر
الإصبهاني الشهير بالبهبهاني، والعلامة الشريف الذي انتهت إليه رياسة الشيعة في زمانه
السيد محمد مهدي الطباطبائي، وأستاذي المحقق النحرير الذي لم يكن في زمانه أقوى منه
حدسا وتنبها الشيخ جعفر، والفاضل المتبحر المحقق المدقق ملا أسد الله وغيرهم، بل
حكاه العلامة عن أكثر من عاصر من المشايخ، والحلي عن جماعة من أصحابنا الخراسانيين
والشهيد نسبه إلى أكثر من علمه العلامة من المشايخ، بل نسبه في الجملة الواسطي المزبور
في كتاب النقض على من أظهر الخلاف لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أهل
البيت (عليهم السلام) كما حكاه عنه ابن طاووس في رسالته المنقول جملة منها في الذخيرة
35

وغيرها هنا وفي المواقيت، وهو أقوى من الاجماع (1)، بل قد يظهر من الفاضلين
في المعتبر والمنتهى والمختلف دعوى إجماع المسلمين عليه في الجملة، مضافا إلى ما سمعت
من ذكر الجعفي له في كتابه الذي ذكر في خطبته أنه لا يروي فيه إلا ما أجمع عليه وصح
عنده من قول الأئمة (عليهم السلام).
فمن العجيب بعد ذلك كله وغيره مما تركنا التعرض له خوف الإطالة والملل
وأوكلناه إلى مظانه دعوى شهرة القول بالمضايقة والاجماع عليها، ولقد أجاد من منعها
على مدعيها، وكيف وقد عرفت أن ذلك مذهب جم غفير من قدماء الأصحاب
ومتأخريهم ممن اشتهرت أقوالهم وكثرت أتباعهم وتفرقت أمصارهم من قميهم وخراسانيهم
وشاميهم وعراقيهم وساحليهم واصبهانيهم وكاشانيهم، وفيهم من هو من أجلاء أصحاب
الأئمة (عليهم السلام)، ولا يصدر إلا بأمرهم (عليهم السلام)، ومن أدرك الغيبتين
ومن انتهى إليه في زمانه أمر الرياستين، وأقر له بالفقه وصدق اللهجة، وإن كان لم
يصرح بعضهم بجميع ما ذكرناه في العنوان عند شرح المتن إلا أنه لازم ما ذكره منه ولو
بمعونة عدم القول بالفصل أو غيره، كما يومي إليه ملاحظة كلامهم في تحرير هذا النزاع

(1) قال ما هذا لفظه: " مسألة: من ذكر صلاة وهو في أخرى، قال أهل البيت
عليهم السلام: يتم التي هو فيها، ويقضي ما فاتته، وبه قال الشافعي، قال ابن طاووس ثم
ذكر خلاف الفقهاء المخالفين لأهل البيت عليهم السلام " ثم قال في أواخر المجلد ما لفظه:
" مسألة أخرى: من ذكر صلاة وهو في أخرى إن سأل سائل فقال: أخبرونا عمن ذكر
صلاة وهو في أخرى ما الذي يجب عليه؟ قيل له: أن يتمم التي هو فيها ويقضي ما فاته،
وبه قال الشافعي قال السيد: ثم ذلك ما روي عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام
أنه قال: من كان في صلاة ثم ذكر صلاة أخرى فاتته أتم التي هو فيها ثم قضى ما فاته " انتهى
إذ قد عرفت وتعرف إن شاء الله أن القائلين بالمضايقة يوجبون العدول من الحاضرة إلى
الفائتة لترتبها عليها عندهم فمن لم يوجبه أو لم يجوزه ممن لا يقول بوجوب الترتيب البتة
(منه رحمه الله)
36

قديما وحديثا، فإنهم ذكروا جملة من أهل القول بالمواسعة المحضة كعلي بن أبي شعبة
والحسين بن سعيد وابن عيسى والجعفي والواسطي والصدوقين وغيرهم، مع أنه ليس
في المحكي من كلام هؤلاء إلا التصريح ببعض ما سمعته في العنوان من فعل الحاضرة في أول
وقتها، أو عدم إيجاب العدول منها إليها أو غير ذلك مما لا تلازم بينه وبين القول بالمواسعة
المحضة من كل وجه، وما ذاك إلا لاكتفائهم في القول بها بالتصريح ببعض ما عرفت،
كما أن القول بالمضايقة كذلك، وإلا لو اقتصر بالنسبة إلى كل عبارة على ما نصت عليه
وصرحت به وجعل قولا مستقلا لأمكن إنهاء الأقوال في المسألة إلى عشرين أو ثلاثين
لاختلاف العبارات بالنسبة إلى ذلك اختلافا شديدا، خصوصا عبارات القدماء التي لم
يراع فيها السلامة من الحشو ونحوه، ومن المعلوم خلاف ذلك كله عند كل محرر للخلاف
والنزاع في المقام، فيعلم حينئذ أنه لا قائل بالتفصيل والجمود على خصوص ما نص عليه
في هذه العبارات، فيكتفى بادراج من نص على بعض ما سمعته في العنوان في القائلين
بالمواسعة ونحوه في المضايقة على ما ستعرف، فتأمل جيدا، ومع ذلك كله فالمتبع الدليل
وستعرف ثبوته على جميع ما في العنوان.
وكذا لا يقدح ما بينهم من الخلاف في أمر غير ما نحن فيه من التخيير المحض
في تقديم الحاضرة أو الفائتة كما هو المحكي عن ظاهر الراوندي والحمصي وابن سعيد
منهم، أو استحباب تقديم الحاضرة كما هو ظاهر الصدوقين والجعفي والواسطي وعن
الصوري، بل ربما ظهر من بعضهم وجوبه، لكن يجب إرادته الاستحباب منه،
للاجماع من الطائفة نقلا وتحصيلا على جواز التقديم وعدم ترتب الفائتة على فعلها، أو
استحباب تقديم الفائتة كما عن العلامة ووالده وولده ومشايخه المعاصرين له وأكثر
المتأخرين عنه، بل ظاهر كشف الرموز الاتفاق عليه في الجملة، لكن الأمر في هذا
الخلاف هين، بل الظاهر سقوطه عند التحقيق، فإن التخيير في الجملة مشترك بين الكل
37

وهو الأصل في هذا القول، بل لعل ترجيح الفائتة عند من ذكره نظرا إلى الاحتياط
الذي لا ينافي ترجيح الحاضرة بالذات من حيث أنها صاحبة الوقت المحتمل إرادة من
ذكره له، كما لا يخفى على الملاحظ المتدبر، فيكون النزاع لفظيا، فتأمل جيدا.
(وقيل) والقائل القديمان والشيخان والسيدان والقاضي والحلي والآبي
والشيخ ورام وبعض المحدثين وبعض علمائنا المعاصرين على ما حكي عن بعضهم:
يجب التشاغل بقضاء الفوائت فورا عند الذكر في سائر الأوقات إلا وقت ضيق الأداء
أو الاشتغال بما لا بد منه من ضروريات المعاش من التكسب والأكل والشرب، ويجب
أن (تترتب) بمعنى تتقدم على الحاضرة مع سعة الوقت، بل يجب العدول عنها إليها
لو كان قد ذكرها في أثنائها، بل هذا الترتيب شرط في صحتها وصحة غيرها من
العبادات، بل وحلية باقي ما ينافيها من سائر الأفعال والأعمال المباحات إلا ما يضطر
إليه مما يتوقف عليه الحياة أو النفقات الواجبات من غير فرق في ذلك كله على الظاهر
منهم بين اتحاد الفائت وتعدده، وبين الفائت ليومه وغيره، وبين ما كان سببه العمد
والتقصير وغيره، بل صرح بعضهم أو أكثرهم بالأول من ذلك، نعم لم ينصوا جميعهم
على جميع ما سمعته في العنوان، لكنهم قد اتفقوا جميعا كما قيل على الترتيب، بل نص
المفيد والمرتضى والقاضي والحلبيان والحلي منهم على فورية القضاء، بل لعله ظاهر
القديمين والشيخ والآبي أيضا، بل حكى المفيد والقاضي وأبو المكارم والحلي الاجماع
على ذلك، فالفورية والترتيب حينئذ متلازمان عندهم وإن كانا ليسا كذلك في نفس
الأمر، بمعنى أن كل من قال بالترتيب قال بالفورية وبالعكس، لأن هؤلاء عمدة أهل
هذا القول، بل هم أصله وأسه، ويشهد له تحرير هذا النزاع من بعضهم بالمضايقة
والمواسعة، ومن آخر بالترتيب وعدمه، ولولا التلازم المزبور لاختلف الحكم وتعدد
الخلاف، بل عن أبي العباس التصريح بأن الترتيب هو القول بالمضايقة، وعدمه هو
38

القول بالمواسعة كما عن الصيمري ما يقرب منه، وكذا صرح الشيخ والسيدان والقاضي
والحلبي والحلي منهم ببطلان الحاضرة المقدمة على الفائتة في السعة، بل في الغنية الاجماع
عليه: بل هو قضية تصريح المفيد بالحرمة، ضرورة لزومها للفساد في مثلها.
بل الظاهر أنه كالفورية عندهم من لوازم الترتيب، فإن المستفاد من كلامهم كونه
شرطا في صحة الأداء فيه وفي القضاء، ولذا أخذه المصنف في المعتبر في القول بالترتيب
وعزاه إلى الثلاثة وأتباعهم، ونص الشهيدان في غاية المراد وروض الجنان على أن
المضايقة المحضة بمعنى وجوب تقديم الفائتة مطلقا، وبطلان الحاضرة لو قدمها عمدا،
ووجوب العدول لو كان سهوا، وقال أولهما في الذكرى: (ظاهر الأكثر وجوب
الفور في القضاء إما لأن الأمر المطلق للفور كما قاله المرتضى والشيخ، وإما احتياطا
للبراءة، فهؤلاء يوجبون تقديمها على الحاضرة مع سعة الوقت، ويبطلون الحاضرة لو عكس
متعمدا) وهذا صريح في أن البطلان مأخوذ في هذا القول، وأما العدول في الأثناء
إليها فقد نص عليه المرتضى والشيخ والقاضي والحلبيان والحلي منهم وفي المسائل الرسية
سؤالا وجوابا والخلاف والغنية وبحث المواقيت من السرائر وظاهر شرح الجمل،
وعن خلاصة الاستدلال للحلي الاجماع على ذلك، وقد سمعت أن الشهيدين أخذاه في
القول بالمضايقة، وقال في المختلف: (لو اشتغل بالفريضة الحاضرة في أول وقتها ناسيا
ثم ذكر الفائتة بعد الاتمام صحت صلاته إجماعا، ولو ذكر في الأثناء فإن أمكنه العدول
إلى الفائتة عدل بنيته استحبابا عندنا، ووجوبا على رأي القائلين بالمضايقة) وكذا
نص المرتضى والقاضي والحلبي والحلي منهم على وجوب التشاغل المزبور، وهو لازم
الباقين حيث قالوا بالفورية التي من لوازمها تحريم التأخير إلا للأمور الضرورية،
والاخلال بها في أول الوقت لا يسقط القضاء ولا فوريته في سائر الأوقات إما لأن
الأصل في كل واجب فوري أن يستمر على وجوبه وفوريته مع الاخلال به، أو للاجماع
39

على بقاء الأمرين هنا وإن قيل بسقوطهما في غيره، إذ لا خلاف بين المسلمين في عدم
سقوط القضاء بالتأخير، ولا بين القائلين بفوريته في وجوب المبادرة به بعد الاخلال،
فعلى قولهم يلزم المؤخر للقضاء تجدد المعصية في كل زمان، واستحقاق العقوبة على كل
تأخير، قال الآبي منهم: وعند أصحاب المضايقة لا يجوز الاخلال بالقضاء إلا لأكل
أو شرب ما يسد به الرمق، أو تحصيل ما يتقوت به هو وعياله، ومع الاخلال بها
يستحق العقوبة في كل جزء من الوقت.
وأما تحريم الأفعال المنافية عدا الصلاة الحاضرة في آخر وقتها وضروريات
الحياة فقد صرح به المرتضى والحلي منهم، بل يظهر من المفيد والحلبيين القول به أيضا
فإنهم رتبوا تحريم الحاضرة في السعة على تضيق الفائتة، وبنى المفيد تحريم النافلة لمن وجب
عليه فائتة على تحريم الحاضرة، ومقتضاه استناد التحريم إلى التضاد، فيطرد في جميع
الأضداد، وبناء الترتيب على المضايقة - كما صرح به الصيمري في المحكي عنه من غاية
المرام ويستفاد من غيره أيضا - يعطي دخول تحريم الأضداد في هذا القول عندهم بمعنى
الشرطية لا مطلق الوجوب، فيكون تحريم الضد مطلقا عندهم بمعنى الشرطية لا مطلق
الوجوب بل يكون تحريم الضد مطلقا من تتمة القول المذكور، وتخصيص نسبة القول به
بالمرتضى والحلي كما وقع من العلامة والشهيدين وغيرهما لاختصاصهما بالتصريح بذلك،
بل قيل: إنه يلوح من ظاهر عباراتهم، وإلا فقد عزاه في التذكرة إلى السيد وجماعة،
وهذا صريح في عدم اختصاصه بهما، وهذه المطالب كلها ساقطة على القول بالمواسعة
المحضة، فإن أصحاب هذا القول يسقطون الترتيب ويجيزون تأخير القضاء مطلقا،
ولا يوجبون العدول في الأثناء، فهذان القولان على طرفي النقيض، ولا تصريح في
كلام أحد منهم بالفرق بين الواحدة والمتعددة، أو فائتة اليوم وغيرها وأسباب الفوات
40

بل فيه ما هو صريح في عدم الفرق.
وقد توسط بينهما المفصلون على اختلافهم في وجوه التفصيل، فمنها ما سمعته من
المصنف ومن تبعه من الترتيب في المتحدة وعدمه في المتعددة الذي استجوده الشهيد في
غاية المراد إن لم يكن إحداث قول ثالث، ومنها ما للعلامة في المختلف من وجوب تقديم
الفائتة إن ذكرها في يوم الفوات، واستحباب تقديمها إن لم يذكرها فيه متحدة كانت
أو متعددة، والظاهر إرادته ما يشمل الليلة المستقبلة باليوم الذي ابتداؤه من الصبح،
ولم نعرف من سبقه إليه بل ولا من لحقه عليه عدا ما يحكى عن ابن الصائغ في شرح
الإرشاد، بل ولا قال هو به أيضا في باقي كتبه، إذ الموجود فيما حضرنا منها والمحكي
عن غيره منها التوسعة حتى تبصرته التي هي آخر ما صنف، فيكون قد رجع عنه، بل
هو أشبه من تفصيل المصنف بالاحداث، وكذا لم نعرف الحكم عنده فيمن ذكر فوات
صلاة يومية وغيره من الأيام الماضية، إذ وجوب المبادرة في فعلها خاصة مناف للترتيب
وعدمه مناف لما ذكره من التعجيل، لكن قد يحتمل تخصيصه الحكم عنده بفائتة اليوم
التي لا يجامعها فوات غيرها، كما أنه يحتمل إيجابه في الفرض التعجيل في غير فائتة اليوم
مقدمة لها، لاشتراط صحتها به، أو التزامه بسقوط الترتيب هنا، فيضيق حينئذ في فائتة
اليوم ويوسع في غيرها، إلا أن الأخير بعيد جدا، والأول أقرب الأولين، فتأمل جيدا.
ومنها ما عن ابن جمهور في المسالك الجامعية من تخريج تفصيل ثالث من هذين
التفصيلين هو وجوب الترتيب في الفائتة الواحدة في يوم الذكر دون غيرها، ومنها
ما عساه يظهر من ابن حمزة من الفرق بين الفائتة نسيانا وعمدا فتضيق الأولى دون الثانية
قال في وسيلته: تقضى الفائتة وقت الذكر لها إن فاتت نسيانا إلا عند تضيق وقت
الفريضة، فإن ذكرها وهو في الحاضرة عدل بنيته إليها ما لم يتضيق الوقت، وإن تركها
قصدا جاز له الاشتغال بالقضاء إلى آخر الوقت، والأفضل تقديم الأداء عليه وإن لم
41

يشتغل بالقضاء وأخر الأداء إلى آخر الوقت كان مخطئا، والاشكال فيه فيما لو كان
الفائت له عدة صلاة نسيانا وعمدا وكانت فوائت النسيان المتأخرة نحو ما سمعته في كلام
العلامة، فتأمل، ومنها ما يظهر من الديلمي من التفصيل بين المعين عدده من الفائت
ومجهوله، فيتضيق الأول دون الثاني، قال في مراسمه: (كل صلاة فاتت فلا تخلو أن
تكون فاتت بعمد أو بتفريط أو بسهو، فالأول والثاني يجب فيهما القضاء على الفور،
والثالث على ضربين: أحدهما أن يسهو عنها جملة فهذا يجب قضاؤه وقت الذكر ما لم يكن
آخر وقت فريضة حاضرة، والثاني أن يسهو سهوا يوجب الإعادة كما بيناه، فهذا أيضا
يجب أن يقضيه على الفور، والصلاة المتروكة على ثلاثة أضرب: فرض معين وفرض
غير معين ونفل. فالأول يجب قضاؤه على ما فات. والثاني على ضربين: أحدهما أن
يتعين له أن كل الخمس فاتت في أيام لا يدري عددها، والثاني أن يتعين له أنها صلاة
واحدة ولا يعلم أي صلاة هي، فالأول يجب عليه فيه أن يصلي مع كل صلاة صلاة حتى
يغلب على ظنه أنه قد وفى، والثاني يجب عليه فيه أن يصلي اثنتين وثلاثا وأربعا) انتهى
وربما استظهر منه رجوعه إلى تفصيل المصنف إما مطلقا كما في رسالة شيخنا الفاضل
المعاصر ملا أسد الله، أو في الجملة كما في مصابيح العلامة الطباطبائي، وعن الحلي في
خلاصة الاستدلال أنه حكى كلامه بتمامه في جملة ما ذكره من عبارات القائلين بالمضايقة
ثم حكى عن بعض أصحاب المواسعة الانتصار لمذهبهم بموافقته لهم، ورده بالاجماع على
عدم تعيين القضاء بهذا الوجه، وهو أن يصلي مع كل صلاة صلاة، وأول ذلك بحمله
على أن المراد منه أنه يصلي خمسا كالفريضة اليومية لا اثنتين وثلاثا وأربعا كما ذكره في
القسم الثاني من هذا التقسيم، وأطال الكلام في هذا المعنى وشدد النكير على القائل
المذكور، لكنه كما ترى بعيد بل غير سديد، ولعل الأولى ما ذكرنا، والأمر سهل.
ومنها ما عن الغرية من حكاية التفصيل عن قوم بين الوقت الاختياري للحاضرة
42

والاضطراري، قيل: وظاهره إرادتهم غير من عرفت من أهل المضايقة وإن كان فيهم
من جعل للفريضة وقتين اضطراريا واختياريا أيضا، لكن كأنه فهم منهم المضايقة
فيهما جميعا عدا مقدار أداء الحاضرة من آخر الاضطراري، فتختص به صاحبة الوقت
حينئذ، ومنها ما عساه يتخيل من الجمود على ما نص عليه من الأمور التي سمعتها في
عنواني التضييق والتوسعة من عبارات القدماء وغيرهم، وهذا ينحل إلى تفاصيل متعددة
لاختلاف العبارات في ذلك اختلافا شديدا كما أشرنا إليه سابقا، خصوصا من نسب
إليهم التوسعة، فإني لم أعرف عبارة من عبارات القدماء الذين نسب إليهم ذلك وهم فحول
هذا الفن مشتملة على جميع ما سمعته في العنوان السابق، نعم يستفاد من بعضها عدم
الترتيب، ومن آخر عدم وجوب العدول، ومن ثالث الفوات النسياني، وغير ذلك،
فإن لم تتمم بعدم معروفية القول بالفصل وبأنهم لم يريدوا بذلك الحصر والاختصاص
تشعبت المسألة حينئذ إلى أقوال متعددة، كما لا يخفى على من لاحظ وتدبر، وإن كان
الأمر فيه سهلا، إذ المتبع الدليل.
(و) كيف كان فلا ريب أن (الأشبه الأول) للأصل بمعنى استصحاب
عدم وجوب العدول عليه لو كان الذكر في الأثناء الذي هو من لوازم التضييق كما
عرفت، وجواز فعلها قبل التذكر، ويتم بعدم القول بالفصل، وبمعنى البراءة أيضا عن
حرمة فعلها أو فعل شئ من أضداد الفائتة، بل وعن التعجيل، إذ هو تكليف زائد
على أصل الوجوب والصحة المتيقن ثبوتهما على القولين، لأن القائل بالتضييق لا ينكرهما
في ثاني الأوقات مع الترك في أولهما وإن حكم بالإثم، وليس المراد إثبات خصوص
التوسعة المقومة للوجوب مقابل الفورية والتضييق كي يرد أنه غير صالح لذلك، بل
المراد محض نفي التكليف بها قبل العلم، كنفي التكليف بالوجوب للفعل المتيقن طلب
الشارع له طلبا راجحا في الجملة، بل ربما قيل بثبوت الندب في الأخير، لاستلزام نفي
43

الأصل المنع من الترك الذي هو فصل الوجوب ثبوت الجواز الذي هو نقيضه، فيتقوم
به الرجحان المفروض تيقن ثبوته، ويكون مندوبا، ضرورة صيرورته راجح الفعل
جائز الترك، ونحوه جار في المقام، إلا أنه كما ترى فيه نظر واضح، لظهور الفرق بين
الجواز الذي هو مقتضى الأصل الحاصل من جهة عدم العلم بالتكليف وبين الجواز
المقوم للندب كما حرر ذلك في محله.
وبالجملة فالتأخير فعل من أفعال المكلف التي لا تخلو من حكم، ولم يعلم حرمته
إذ الوجوب أعم من الذي لا يجوز تأخيره إلى وقت آخر، فلا يكلف بها، ودعوى
اقتضاء طبيعة الوجوب حرمة الترك ولو في الجملة حتى يثبت إذن من الشارع بالتأخير إلى
وقت آخر إلى بدل أولا إلى بدل كالموسع ونحوه، فيلتزم حينئذ إرادته من الوجوب
لمكان ثبوته شرعا استحقاق العقاب على الترك في الجملة ولو في بعض الأحوال، وإلا
فقد يساوي الندب في البعض، كما لو مات المكلف في أثناء وقت الموسع فجأة، ضرورة
ثبوت خاصته له، وإن كان ربما تكون له بعض الثمرات كالقضاء ونية الوجوب
واستحقاق ثواب الواجب وحرمة إزالة التمكن وإيجاب العزم ونحو ذلك، فحيث لم تثبت
الإذن كما في المقام إذ الفرض قطع النظر عن أدلة الطرفين الخاصة والرجوع إلى ما تقتضيه
الأصول لم يجز التأخير، لعدم الإذن ولو مع العزم على الفعل، لعدم ثبوت بدليته عنه
هنا، كعدم ثبوت بدلية الفعل في ثاني الأوقات عن تمام ما يترتب على الفعل في أولها،
بل أقصاه الصحة ورفع العقاب عن الخطاب المتوجه فيه لا رفعه مطلقا ولو بالنظر إلى
الخطاب الأول، على أن المبادرة تجزي عنه في رفع العقاب وإن لم يتفق له التمكن من
الاتمام بخلاف غيرها، إذ لم يعلم التمكن في ثاني الأوقات، فإنه ربما يموت تاركا كما هو
مقتضى الامكان والأصل في كل حادث، فتبقى ذمته مشغولة ويستحق العقاب على
تركه باختياره، إذ لا يعتبر في الترك الموجب لذلك أن يكون بحسب جميع الأحوال
44

الممكنة في حقه، بل بما هو الثابت واقعا في شأنه، ولما كان الواقع غير معلوم قبل وقوعه
لم يمكن الإحالة عليه، حتى يختلف باختلافه بالنسبة للأشخاص فيكون مضيقا على واحد
وموسعا لآخر، فوجب إناطته بالتضييق المتحد بالنسبة للجميع، فمن ترك الفعل استحق
العقاب بهذا الاقدام، وإن كان إذا أدرك الفعل في الوقت الثاني امتثل أصل التكليف
بالفعل، بل ربما يكون ذلك سببا للعفو عنه إن ساعد الدليل كما في الفريضة عند بعضهم
وهذا وإن كان ليس إثباتا لتضييق الخصم الذي هو بمعنى حرمة التأخير ولو علم المكلف
الادراك في ثاني الأوقات لكنه متحد معه في الثمرة، يدفعها (1) مع أنها سفسطة عند
التأمل منع اقتضاء طبيعة الوجوب الذي هو القدر المتيقن من القولين ذلك، وكفاية
الأصل المعلوم حجيته في ثبوت الإذن الشرعية بالتأخير وإن لم يكن إلى بدل حتى العزم
لأنه بعد تسليم بدليته ووجوبه على المكلف عوضا عن الترك يمكن دعوى اختصاصها
بالموسع الذي استفيد من خطاب شرعي توسعته لا التوسعة الناشئة من الأصل التي
مرجعها عدم العلم بكيفية الوجوب المراد هنا، وأنه من المضيق الذي لا يكون العزم بدلا
عنه أو من الموسع الذي تثبت بدليته عنه، واستلزام ذلك الجواز ترك الواجب لا إلى
بدل يدفعه - مع أنه لا بأس بالتزامه في الواجب الموسع فضلا عما نحن فيه، للاكتفاء
في تحقق الوجوب بوجود جهة تمنع من تركه عند الضيق ونحوه، ولعدم ثبوت دليل
معتبر على إيجاب العزم على المكلف بعنوان البدلية وإن أمكن استفادته من بعض
الأمور التي ليس ذا محل ذكرها، لكنها تصلح مؤيدة للدليل لا أن تكون هي الدليل -
وضوح الفرق بين الجواز الذي ينشأ من الأصل لعدم علم المكلف بالتكليف وبين الجواز
الذي يحصل بنص الشارع، إذ ليس الأول جوازا ابتدائيا من الشارع كي يحتاج في
الإذن فيه إلى إقامة بدل عن المتروك، بل سببه جهل المكلف وعدم وصول كيفية التكليف

(1) خبر لقوله (قدس سره): " ودعوى " المتقدم في ص 44
45

إليه تفصيلا وإجمال الأمر عليه ولو لتعارض الأدلة، بخلاف الثاني، على أنه لا بأس
بالقول بوجوب العزم هنا بدلا كالموسع، لاشتراكهما فيما يتخيل صلاحيته لاثبات ذلك
وإلا فليس لبدليته في الموسع دليل خاص، كما لا يخفى على الخبير المتأمل.
فظهر حينئذ سقوط جميع ما سمعته من تلك الدعوى حتى ما ذكر أخيرا منها من
الاحتياط الذي لا دليل على وجوب مراعاته هنا، خصوصا بعد ملاحظة استصحاب
السلامة والبقاء الذي به صح الحكم بوجوب أصل الفعل على المكلف، وإلا فالتمكن
مقدمة وجوب للفعل، فبدون إحرازها لا يعلم أصل الوجوب، فعلم أن المدار على إمكان
التمكن من الفعل في ثاني الأوقات لا على العلم بذلك فضلا عن العلم بوقوعه، فإن
الغرض من التكليف إيقاع ممكن الوقوع لا معلومه، فتأمل.
وقد تدفع أيضا تلك الدعوى مضافا إلى ما عرفت بمساواة هذا القدر المتيقن
من الوجوب للأوامر المطلقة المفيدة لطلب الطبيعة التي حررنا في الأصول أنها لا دلالة
فيها على الأزمنة والأمكنة، بل كل فرد من أفرادها المتماثلة بالذوات المتخالفة في الزمان
كاف في حصول الامتثال كاختلافها في المكان ونحوه من المشخصات الأخر، وكون
الأوقات مترتبة لا يتمكن المكلف في كل زمان إلا من واحد منها لا يصلح للفرق،
إذ أقصاه أن اختيار الفرد الثاني أو الثالث يقتضي الانتقال من المعلوم إلى المحتمل
وانقضاء جزء من الزمان بلا عمل، وهو لا يجدي في إثبات المطلوب، خصوصا بعد
وقوع نظيره من اختيار المفطر في أول شهر رمضان صوم شهرين متتابعين بعده مع تمكنه
من العتق والاطعام، وبعد معلومية اعتبار استصحاب السلامة والبقاء في نحو ذلك، ففي
المقام بعد أن كان الفرض عدم ثبوت ما يزيد على طبيعة الوجوب الذي هو القدر المتفق
عليه من القولين كان كالأوامر المطلقة فيما سمعت، ضرورة استناد نفي خصوص الزمان
والمكان ونحوهما من المشخصات فيها للأصل أيضا، وإلا فهي لا دلالة فيها عليها،
46

لا أنها دالة على العدم.
لكن قد يخدش هذا الدفع بامكان الفرق بين الفرض في المقام وبين الأوامر
المطلقة بنحو ما يفرق به بين المجمل والمطلق، إذ هو أشبه شئ بالأول، بل هو منه،
وهي من الثاني، فإنها وإن كانت لا دلالة فيها على عدم القيود لكن الامتثال مستند
إلى ظهورها بعد نفي المقيدات بالأصل في إرادة المكلف مصداق الطبيعة أي فرد كان
بخلاف ما نحن فيه، إذ لم يفرض هناك شئ يستند إلى إطلاقه، بل فرض قطع النظر
عن أدلة المضايقة والمواسعة حتى الاطلاقات والرجوع إلى مقتضى الأصول بعد إحراز
القدر المتيقن من القولين، وهو مطلق الوجوب لا الوجوب المطلق، فتأمل جيدا فإنه
قد يدق، بل ربما خفي على بعض المدققين من المعاصرين.
وكيف كان فلا ريب في شهادة الأصل للمواسعة، مضافا إلى إطلاق ما دل على
صحة الحاضرة بفعلها في وقتها جامعة للشرائط، إذ ما شك في شرطيته ليس بشرط
عندنا، وإلى إطلاق ما دل (1) على وجوب الحواضر بدخول أوقاتها، بناء على ما
عساه يظهر من بعض عبارات أهل المضايقة من خروج سببية الوقت عن الوجوب لمن
عليه فوائت، وانحصاره في وقت الضيق، لا أنها كالظهر والعصر في الوقت المشترك،
وإلى إطلاق ما دل (2) على وجوب قضاء الحاضرة إذا مضى من الوقت مقدار ما يسع
الفعل جامعا لما يعتبر فيه من الشرائط، إذ على المضايقة لا يتحقق ذلك لمن كان عليه
فوائت، بل لا بد من مضي زمان يسع الجميع، أو إدراك وقت الضيق ولم يفعل، لأن
صحة الحاضرة مشروطة بفعل الفائتة، فلا بد من مضي زمان يسع الشرط والمشروط

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 17 والباب 48 و 49
من أبواب الحيض من كتاب الطهارة
47

في تحقق القضاء بناء على مساواة غير الطهارة من الشرائط لها في اعتبار سعة الوقت
بالنسبة إلى التكليف في أول الوقت، فمن كانت عليه فوائت حينئذ وذكرها في الوقت
ثم عرض له جنون أو حيض أو غيرهما بعد مضي زمان يسع الحواضر خاصة لم يجب عليه
القضاء بناء على التضييق، وإلى ما دل (1) بعمومه وإطلاقه على صلاحية جميع أوقات
الحواضر لأدائها بالنسبة إلى سائر المكلفين، وإلى ما دل (2) على تأكد استحباب
المبادرة مطلقا إلى أداء الصلوات في أوائل أوقاتها وفي أوقات فضيلتها، حتى أنه كثيرا
ما يطلق فيها الوقت ويراد وقت الفضيلة، ويجعل غيره كخارج الوقت، بل ربما سمي
المصلي فيه مضيعا ومتهاونا ومتكاسلا وقاضيا.
لكن هذا يتم بناء على القول باستحباب تقديم الحاضرة على الفائتة، بل وعلى
العكس إن كان منشأه الاحتياط والخروج عن شبهة الخلاف، ضرورة عدم منافاته
الاستحباب الذاتي المفهوم من ذلك، بل وإن كان غيره من حمل أخبار المضايقة على
إرادة تأكد استحباب التعجيل في الفائتة حتى لو اتفق مزاحمتها للحاضرة في وقت
فضيلتها، إذ مرجعه إلى أهميته في نظر الشارع منه وأفضليته، لا أنه يضمحل معه
استحباب الأول، بل هو من قبيل المستحبين اللذين اتفق تزاحمهما وكان أحدهما أشد
فضيلة من الآخر في نظر الشارع، ففي المقام حينئذ إن أمكنه الجمع بين الفضيلتين كما لو
كان قد ذكر الفائتة قبل وقت فضيلة الحاضرة وفعلها ثم جاء بالحاضرة في وقت فضيلتها
فاز بالسعادتين، وإن أخرهما معا فلم يفعل الفائتة وقت الذكر ولا الحاضرة في وقتها فاته
الأجران، وإن كان له بعد ذلك أجر في تقديم الفائتة لو أراد الفعل، لبقاء استحباب

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
48

المبادرة فيها أيضا، وأما إن لم يمكنه الجمع كما لو كان الذكر مثلا في وقت فضيلة الحاضرة
بحيث لا يمكن جمعهما فيه فالأفضل له مراعاة استحباب المبادرة في الفائتة، لأهميته في
نظر الشارع من مراعاة مصلحة وقت الحاضرة، فإن فعل الحاضرة ترك الأفضل قطعا
لكنه أدرك فضيلة الوقت ومصلحته، فحينئذ لا بأس بالاستدلال بالأخبار الدالة على
استحباب المبادرة للحاضرة وإن قلنا بأفضلية تعجيل الفائتة وتقديمها عند التزاحم وعدم
إمكان الجمع، إذ ذلك ليس بمسقط لأصل استحبابها، بل هي من قبيل تزاحم زيارة
مؤمن وعيادة مريض وفرض أهمية أحدهما في نظر الشارع وأكثرية ثوابه، فتأمل جيدا.
وإلى ما دل (1) على أن الحاضرة متى دخل وقتها لا يمنع منها إلا النافلة المعبر
عنها في الأخبار بالسبحة أو أداء الفريضة المشاركة لها في الوقت كالظهر بالنسبة إلى العصر
وإلى إطلاق أوامر القضاء المحرر في الأصول أنها للطبيعة، وإلى إطلاق ما ورد (2)
من التأكيد البليغ في الرواتب وقضائها، خصوصا صلاة الليل منها وغيرها من الصلوات
الكثيرة والأعمال المخصوصة في الأزمنة والأمكنة سيما شهر رمضان ورجب وشعبان،
وخصوصا زيارات الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام، وإلى ما يستفاد من الاجماع في
الجملة أو كالاجماع من الجعفي والواسطي والفاضلين، لأن الأول قال في كتابه الفاخر
الذي ذكر في خطبته أنه لا يروي فيه إلا ما أجمع عليه وصح عنده من قول الأئمة
(عليهم السلام) على ما حكاه عنه ابن طاووس في رسالته في المسألة الموجودة تماما في الفوائد
المدنية وبحذف بعضها في غيرها: ما هذا لفظه (والصلوات الفائتات تقضى ما لم يدخل
عليه وقت صلاة، فإذا دخل عليه وقت صلوات بدأ بالتي دخل وقتها وقضى الفائتة متى
أحب) وهو كما ترى ظاهر أو صريح في المواسعة، والظاهر إرادته مطلق ما ذكره فيه

(1) الوسائل الباب 5 و 8 من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها
49

من الرواية وإن لم يكن بصورتها، كما يومي إليه - مضافا إلى ما سمعته من ابن طاووس
في الرسالة - المحكي عنه أيضا في كتاب غياث سلطان الورى في تعداد الأخبار الواردة
في القضاء عن الميت، قال: (السادس ما ذكره صاحب الفاخر مما أجمع عليه وصح من
قول الأئمة (عليهم السلام) ويقضى عن الميت أعماله الحسنة كلها) انتهى. وقال الواسطي
في كتاب النقض على من أظهر الخلاف لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) على ما
حكاه عنه ابن طاووس أيضا ما هذا لفظه: (مسألة من ذكر صلاة وهو في أخرى قال
أهل البيت (عليهم السلام): يتم التي هو فيها ويقضي ما فاته، وبه قال الشافعي) قال
السيد: ثم ذكر خلاف الفقهاء المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام)، ثم قال في أواخر
مجلده ما لفظه: (مسألة أخرى من ذكر صلاة وهو في أخرى إن سأل سائل فقال:
أخبرونا عمن ذكر صلاة وهو في أخرى ما الذي يجب عليه قيل له: يتمم التي هو فيها
ويقضي ما فاته، وبه قال الشافعي، دليلنا على ذلك ما روي (1) عن الصادق جعفر بن
محمد (عليهما السلام) أنه قال: من كان في صلاة ثم ذكر صلاة أخرى فاتته أتم التي
هو فيها ثم قضى ما فاته) انتهى. وهو كما ترى صريح في عدم وجوب العدول الذي
صرح به أهل المضايقة كما سمعت، ونسبته إلى أهل البيت (عليهم السلام) تارة وإلى
الرواية عن الصادق (عليه السلام) أخرى.
وقال المصنف في المعتبر: (إن القول بالمضايقة يلزم منه منع من عليه صلوات
كثيرة أن يأكل شبعا وأن ينام زائدا على الضرورة، ولا يتعيش إلا لاكتساب قوت
يومه له ولعياله، وأنه لو كان معه درهم ليومه حرم عليه الاكتساب حتى تخلو يده،
والتزام ذلك مكابرة صرفة والتزام سوفسطائي، ولو قيل: قد أشار أبو الصلاح الحلبي
إلى ذلك قلنا: نحن نعلم من المسلمين كافة خلاف ما ذكره، فإن أكثر الناس يكون عليهم

(1) المستدرك الباب 48 من أبواب المواقيت الحديث 5 من كتاب الصلاة
50

صلوات كثيرة، فإذا صلى الانسان شهرين في يومه استكثره الناس) انتهى. وقال
العلامة في المنتهى: (لو قلنا إن الأمر هنا للتضيق لزم الحرج العظيم، وهو عدم
التشاغل بشئ من الأشياء إلا بالفوائت إلا الأمور الضرورية، وأن لا يأكل الانسان
إلا قدر الضرورة، ولا يسعى إلا في تحصيل الرزق الضروري لذلك اليوم، وكل ذلك
منفي بالاجماع) وقال في المختلف ما محصله: (الذي ينبغي ذكره هنا أن القول بتحريم
الحاضرة في أول وقتها مع القول بجواز غيرها من الأفعال مما لا يجتمعان، والثاني ثابت
بالاجماع على عدم إفتاء أحد من فقهاء الأمصار من جميع الأعصار بتحريم زيادة لقمة
أو شرب جرعة أو طلب الاستراحة من غير تعب شديد أو المنع من فعل الطاعات
الواجبة والمندوبة لمن عليه قضاء، فيلزم انتفاء الأول) انتهى.
قلت: بل يمكن تحصيل الاجماع بمعنى القطع برأي المعصوم على المواسعة في الجملة
ونفي المضايقة كذلك إن لم يكن مطلقا إذا لوحظ السيرة والطريقة من كافة المسلمين في
الأعصار والأمصار في عدم الالتزام بالمبادرة إلى الفائتة وتقديمها على الحاضرة في السعة
حتى أن مقلدة أرباب المضايقة لا يتابعونهم في العمل على ذلك فضلا عن غيرهم، وكلام
من عرفت من العلماء الذين فيهم من هو في زمن المعصوم ومن أدرك الغيبتين وحاز
الرياستين، وقلة القائلين بالمضايقة، إذ هم عشرة أو ثمانية أو سبعة أو ستة أو غير ذلك
بل كان الاجماع قد استقر بعد زمان الحلي على نفي المضايقة، إذ المفصلون موسعون إلا
في القليل الذي لم يعلم إرادتهم مضايقة المخالف فيه أيضا، كما أنه استقر قبل زمن القديمين
أو المفيد على ذلك، فتأمل جيدا.
وإلى سهولة الملة وسماحتها ونفي العسر والحرج فيها، وخصوصا مثل هذه المضايقة
الموجبة لمعرفة الأوقات وضبط الدقائق والساعات، وتحريم سائر المضادات وإن كانت
أذكارا ودعوات إلا ما تقوم به الحياة وتمس إليه الضرورات، المحتاج أيضا إلى معرفة
51

أقل المجزي منه المورثة وساوس في صدور ذوي الديانات، بل لعل أقل من ذلك
مناف للطف المراد منه بعد العبد عن المعصية وقربه إلى الطاعات الذي أوجبه على نفسه
رب السماوات الرؤف الرحيم والعليم الحكيم، بل هو مؤد في الحقيقة إلى تضيع أعظم
مصلحة حاله لأهون مصلحة فائتة، وصيرورة الأداء قضاء والحاضر فائتا، خصوصا في
مثل وقت العشاءين بالنسبة إلى أغلب الناس سيما مثل النساء والضعفاء من الرجال،
وأنى وسعة عقولهم لمثل هذه التكاليف، خصوصا فيما إذا لم يكن الفوات بعمد وتقصير
إلى غير ذلك مما يقصر القلم عن إحصائه الذي ببعضه مع ملاحظة شدة كرم الخالق
ورأفته وإتقانه وحكمته يحصل القطع لمن له أدنى نظر بعدم إلزامه بالأقل، سيما مع عدم
ندرة هذا الفوات، بل هو الغالب في أكثر الناس سيما في أوائل البلوغ، فإن قصورهم
أو تقصيرهم عن معرفة سائر ما يعتبر في العبادة سيما النساء منهم والأعوام من
أكمل الواضحات.
فمن العجيب إنكار بعض المحدثين التأييد بهذا الاعتبار الواضح لذوي الأبصار
حتى أنه شنع على مدعيه بما هو أولى به منه، وتخلص عن جملة مما سمعت بعدم قوله بحرمة
الأضداد، لكن من المعلوم لديك أن البحث مع أئمة هذا القول وأساطينه كالسيد
والحلي وغيرهما، وإلا فهو من الأتباع الذين لم نتعب منهم في رد اليراع، على أنه يكفي
في حصول تلك المشقة والعسر اشتراط صحة الحاضرة بفعل الفائت أو التأخير إلى آخر
الوقت، فلاحظ وتأمل.
وإلى الأخبار الخاصة الدالة على نفي تلك المضايقة ولوازمها السابقة من الترتيب
وغيره من وجوه وإن تفاوتت في الظهور شدة وضعفا، فمنها - مضافا إلى ما سمعته من
الواسطي بل والجعفي بل والمحكي عن أصل الحلبي المعروض (1) على الصادق (عليه السلام)

(1) المستدرك الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 5
52

(من نام أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر مقدار
ما يصليهما جميعا فليصلهما، وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الفجر ثم يصلي المغرب ثم
العشاء) وقال أيضا فيه (1): (خمس صلوات يصلين على كل حال متى أحب: صلاة
فريضة نسيها يقضيها مع غروب الشمس وطلوعها، وركعتي الاحرام، وركعتي الطواف
والفريضة، وكسوف الشمس عند طلوعها وعند غروبها) فإن الظاهر ذكره لذلك من باب
الرواية لا الفتوى كما يشهد له ما تسمعه من رواية نحو ذلك عن الصادق عليه السلام - صحيح ابن
سنان (2) عن الصادق (ع) (إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة
فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما، وإن خاف أن تفوته إحداهما
فليبدأ بالعشاء الآخرة، وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل
طلوع الشمس) ورواه في الاستبصار بهذا السند وهذا المتن، لكن جعل ابن مسكان
بدل ابن سنان، فلعله خبر آخر كما عن بعضهم أو أنه سهو كما عن آخر، وإلا فاحتمال
أنه الصواب وكون ابن سنان سهوا فيكون الخبر مرسلا - بناء على ما عن العياشي من
أن ابن مسكان لا يدخل على الصادق (عليه السلام) لشفقة أن لا يوفيه وكان يسمع من
أصحابه ويأبى أن يدخل عليه إجلالا وإعظاما له - غلط قطعا كما تشهد له القرائن المعينة
أنه ابن سنان الحاصلة بملاحظة كتب الرجال، بل رواه ابن طاووس في رسالة المواسعة
عن كتاب الحسين بن سعيد كذلك، على أنه قد يريد العياش عدم كثرة الدخول
لا تركه بالكلية، أو أنه لا ينافي الرواية عنه (عليه السلام) وإن لم يكن بالدخول إليه
فإنه قد يسمعه يقول في طريق أو في دار أخرى ونحو ذلك، وإلا كان محلا للنظر،
لاستبعاد الارسال فيما رواه عنه من الأخبار الكثيرة.

(1) المستدرك الباب 31 من أبواب المواقيت الحديث 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل الباب 62 من أبواب المواقيت الحديث 4 من كتاب الصلاة
53

ومنها صحيح أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) المروي في رسالة ابن
طاووس من كتاب الحسين بن سعيد (إن نام رجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء
الآخرة أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما، وإن خشي
أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر
ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته
إحدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب
شعاعها ثم ليصلها).
ومنها المرسل في الفقه الرضوي (2) أنه سئل العالم (عليه السلام) (عن رجل
نام أو نسي فلم يصل المغرب والعشاء، قال: إن استيقظ قبل الفجر بقدر ما يصليهما
جميعا يصليهما، وإن خاف أن تفوته إحداهما بدأ بالعشاء الآخرة، فإن استيقظ بعد
الصبح فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن تطلع الشمس
فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تنبسط الشمس
ويذهب شعاعها، وإن خاف أن يعجله طلوع الشمس ويذهب عنهما جميعا فليؤخرهما
حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها).
والمناقشة فيه بالارسال بعد اعتضاده بما سمعت وانجباره بما عرفت لا يصغى إليها
كالمناقشة فيه وفي سابقيه بظهورها بل صراحتها بامتداد وقت العشاء بل والمغرب إلى
الفجر الذي هو مذهب جمهور العامة، ومنه يذهب الوهم إلى ورودها مورد التقية في
ذلك، ويتطرق الوهن لما اشتملت عليه من الأحكام، إذ هي - مع عدم اقتضائها
الخروج عن الحجية فيما نحن فيه، ضرورة عدم بطلان حجية الخبر ببطلانها في بعضه كما

(1) المستدرك الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 8
(2) فقه الرضا عليه السلام ص 10 و 11
54

هو محرر في محله، وإلا لاقتضى سقوط أكثر الأخبار، وربما يشير إليه خبر جابر
الجعفي (1) (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن لنا أوعية نملأها علما وحكما
وليست لها أهلا، فما نملأها إلا لتنقل إلى شيعتنا، فانظروا إلى ما في الأوعية فخذوها
ثم صفوها من الكدورة، وتأخذوها منها بيضاء نقية صافية) فلا بأس حينئذ بحمل
ذلك خاصة على التقية دون غيره إما لحدوث سببها في وقت التكلم أو لمصلحة أخرى،
بل قد يومي إليه ترك ما يعين إرادة الامتداد الأدائي فيما سمعته من المحكي عن أصل
الحلبي الذي هو عين المروي عن الصادق (عليه السلام)، فتأمل، ومعارضتها باشتمالها
على ما لا يقول به أكثر العامة من تقديم الحاضرة على الفائتة إذ كما أن موافقة العامة
قرينة على التقية مخالفتهم قرينة على الرشد كما نطقت به الأخبار (2) وقضى به الاعتبار
حتى ورد (3) (أنه إذا حدث ما لا يجد له بدا من معرفته وليس في البلد من تستفتيه
من موالينا فأت فقيه البلد فاستفته في أمرك، فإذا أفتاك بشئ فخذ بخلافه، فإن الحق
فيه) ومنه يظهر حينئذ أنه لا يقدح اشتماله على منع الصلاة عند الطلوع الذي هو موافق
لأكثر العامة أيضا، على أنه قد اشتمل بعض المعتمد من أخبار المضايقة على نحو ذلك
- يدفعها أنه ليس مختصا بالعامة، بل عن المصنف في الغرية حكايته عن جماعة من متقدمي
الفقهاء ومتأخريهم، وقد قيل: إن مصطلحه في إطلاق المتأخرين كما يظهر من أول
المعتبر إرادة الكليني والصدوق ومن عاصرهما أو تأخر عنهما، فيكون هذا حينئذ قولا
لجماعة ممن تقدم على هؤلاء، بل هو مال إليه في غريته وحكم به في معتبره، بل أفتى به

(1) البحار ج 2 ص 93 المطبوعة بطهران عام 1376 باب 14 من كتاب العلم
الحديث 26
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 0 - 26 من كتاب القضاء
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 0 - 26 من كتاب القضاء
55

الشيخ في الخلاف، بل قد يفهم منه فيه نفي الخلاف عنه والاجماع عليه، بل حكي أيضا
عن المرتضى والقاضي والحلي والعماني، بل اختاره جماعة من متأخري المتأخرين، بل
حكاه بعض مشائخنا عن العلامة الطباطبائي، بل لعله لا يخلو من قوة، لاستفادته من
الأخبار الكثيرة التي عمل بها من لا يقول بحجية أخبار الآحاد كالثلاثة السابقة،
وموثق ابن سنان (1) وخبر أبي الصباح (2) وصحيحه وموثق منصور بن حازم (3)
وصحيح أبي بصير (4) وخبر عبيد بن زرارة (5) بل وموثقة أبيه (6) ومرسل الفقيه (7)
والمحكي من فقه الرضا (عليه السلام) (8) وما أرسله في المعتبر (9) من رواية الأصحاب
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وغير ذلك مما ليس ذا محل تفصيله، بل لم نعثر
على معارض صريح لها في ذلك، بل هو إن كان ففي الظهرين، ولم يعمل به الأصحاب
نعم حاصل الجمع بينها وبين غيرها بعد التأمل والنظر تحديد وقت الاختيار بنصف الليل
بحيث يحرم التأخير عنه، ويختص العشاء بآخره، وتحديد وقت الاضطرار كالنسيان
والنوم والحيض والنفاس ونحوها بالفجر، فلاحظ وتأمل.
ومنها صحيح الوشا (10) عن رجل عن جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام الذي

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب الحيض الحديث 10 - 7 - 13
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب الحيض الحديث 10 - 7 - 13
(3) الوسائل الباب 49 من أبواب الحيض الحديث 10 - 7 - 13
(4) الوسائل الباب 62 من أبواب المواقيت الحديث 4 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل الباب 10 من أبواب المواقيت الحديث 9 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 9 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل الباب 4 من أبواب المواقيت الحديث 3 من كتاب الصلاة
(8) المستدرك الباب 16 من أبواب المواقيت الحديث 1
(9) المستدرك الباب 46 من أبواب المواقيت الحديث 2 من كتاب الصلاة
(10) الوسائل الباب 2 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 5
56

ذكرناه سابقا في مسألة الترتيب، وقد قدمنا هناك ما يقتضي عدم قدح إرساله، على
أنه منجبر هنا بما عرفت، قال فيه: (قلت له: يفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب
وذكرها عند العشاء الآخرة، قال: يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنه لا يأمن الموت
فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت وقد دخلت، ثم يقضي ما فاته الأولى فالأولى)
وهو ظاهر في عدم الترتيب الذي هو لازم المضايقة، بل هو صريح فيه، إذ احتمال
إرادة آخر وقت العشاء الآخرة المضيق في غاية البعد، بل لا يناسبه التعليل المزبور،
وذكر المغرب في سؤاله - مع احتماله الغلط والسهو ومغرب الليلة السابقة، وعدم الأمر
بقضائه في الجواب لاحتمال إرادة الظهرين خاصة منه، وظهوره في إرادة السؤال عمن
عليه فائتة ودخل عليه وقت حاضرة، والجواب عن ذلك من غير التفات إلى المثال بل
اكتفى ببيان الحكم في ذلك - لا يقدح في الحجية قطعا، كالأمر فيه بتقديم الحاضرة
المحمول على الاستحباب نحو الأوامر السابقة في الأخبار المتقدمة، كما هو واضح، على
أنه يمكن كون ذكر المغرب فيه بناء على تضيق وقتها وذهابه بذهاب الحمرة كما عن جماعة
من أهل المضايقة، فيكون حجة عليهم وإن لم نقل به نحن، فتأمل جيدا.
ومنها موثق عمار (1) عن الصادق (عليه السلام) قال: (سألته عن رجل تفوته
المغرب حتى تحضر العتمة، فقال: إذا حضرت العتمة وذكر أن عليه صلاة المغرب فإن
أحب أن يبدأ بالمغرب بدأ، وإن أحب بدأ بالعتمة ثم صلى المغرب بعد) بناء على
إرادة مغرب الليلة السابقة منه وحضور وقت فضيلة العتمة، بل لو أريد منه مغرب الليلة
الحاضرة بناء على انتهاء وقتها بدخول وقت فضيلة العتمة كما عن جماعة من أرباب
المضايقة كان حجة إلزامية عليهم.
ومنها ما رواه ابن طاووس (2) في الرسالة من كتاب الصلاة للحسين بن سعيد

(1) الوسائل الباب 62 من أبواب المواقيت الحديث 5
(2) المستدرك الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 6
57

ما لفظه صفوان عن عيص بن القاسم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي
أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى فقال: إن كانت صلاة الأولى فليبدأ بها
وإن كانت صلاة العصر فليصل العشاء ثم يصلي العصر) الذي هو في أعلى درجات
الصحة الواجب حمله بقرينة كون الإمام عليه السلام المجيب وجلالة الراويين وإثبات ابن سعيد له في
كتابه على إرادة أولى الصلاتين من الأولى فيه كالظهر بالنسبة إلى العصر والمغرب بالنسبة
إلى العشاء أي الفريضتان المشتركتان في وقت الاجزاء المختلفتان في وقت الفضيلة
والاختصاص، ولما كان دخول الوقت الذي هو في السؤال شاملا لدخول وقت فضيلة
الأخرى - بل لعل السائل كان يتوهم انتهاء وقت الأولى بدخول وقت فضيلة الثانية،
ولدخول وقت صلاة لا تشاركها السابقة في الصحة فيه - أراد الإمام (عليه السلام) بيان
ذلك كله، فقال: إن كانت المنسية صلاة الأولى أي الظهر أو المغرب ولم يذكرها حتى
دخل وقت الصلاة التي بعدها فليبدأ بها أداء، لأنها تشاركها في الصحة فيه، وإن كانت
غير ذلك كصلاة العصر أو الظهر بالنسبة إلى المغرب أو العشاء أو الصبح فليصل العشاء
مثلا التي هي الحاضرة ثم يصلي العصر الفائتة، فيكون لفظ العشاء والعصر في الخبر
المزبور من باب المثال، وإن أبيت إلا حمله على الفرق بين الظهر والعصر فتقدم الأولى
على الحاضرة التي هي العشاء مثلا بخلاف الثانية ويكون بعضه شاهدا للمواسعة وبعضه
للمضايقة أمكن الاحتجاج به بأن يقال إن الواجب - بعد ملاحظة عدم القول بالفصل
من الطرفين - حمله على التخيير، إذ مآله ابدأ بالحاضرة ابدأ بالفائتة، وربما ذكر فيه
وجوه أخر أيضا إلا أن الجميع مشتركة في تقديم الحاضرة على الفائتة، فعلى كل حال هو
دال على ذلك في الجملة، والعكس إما غير معلوم أو يجب الجمع بالتخيير كما عرفت، فتأمل.
ومنها ما في المحكي من فقه الرضا (عليه السلام) (1) (وإن فاتك فريضة فصلها

(1) المستدرك الباب 2 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 6
58

إذا ذكرت، فإن ذكرتها وأنت في وقت فريضة أخرى فصل التي أنت في وقتها ثم تصلي
التي فاتتك) نحو ما سمعته من الجعفي مما أجمع عليه وصح عنده من قول الأئمة (عليهم
السلام)، بل هو شاهد على صحته، فلا بأس بالاعتماد عليه هنا وإن لم نقل بحجيته في
غير المقام، كما أنه يراد من الأمر فيه الاستحباب قطعا، للاجماع بقسميه على عدم
الوجوب وإن توهم من عبارة الصدوقين المشتملة على الأمر، إلا أنه غلط قطعا، بل
تجب إرادتهما منه الاستحباب أيضا كالنصوص، لغلبة تعبيرهما بمتونها، والأمر سهل،
وقال فيه أيضا: (فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة، وله مهلة في التنفل والقضاء
والنوم والشغل إلى أن يبلغ ظل قامته قدمين بعد الزوال فقد وجب عليه أن يصلي
الظهر) إلى آخره ولا ريب في شمول القضاء فيه للواجب والندب.
ومنها ما رواه ابن طاووس في الرسالة وغيره عن النسخ المعتمدة من قرب الإسناد
للحميري عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى بن جعفر
(عليهم السلام) (سألته عن رجل نسي المغرب حتى دخل وقت العشاء، قال: يصلي
العشاء ثم المغرب، وسألته عن رجل نسي العشاء فذكر بعد طلوع الفجر كيف يصنع؟
قال: يصلي العشاء ثم الفجر، وسألته عن رجل نسي الفجر حتى حضرت الظهر، قال:
يبدأ بالظهر ثم يصلي الفجر، كذلك كل صلاة بعدها صلاة) فإن ذيله صريح في عدم
الترتيب، ولا ينافيه الأمر فيه بتقديم العشاء على الفجر بعد أن كان ظاهره للتجنب
عن وقوعها بعد الصلاة التي لا صلاة بعدها، لا للترتيب والمضايقة، بل هو حينئذ مشعر
بخلافهما، وبأن المراد من ذلك الاستحباب، لمعلومية جواز الصلاة بعد الفجر في غير
الفائتة فضلا عنها، كمعلومية إرادة الندب من الأمر فيه بتقديم الظهر الحاضرة على الفجر
الفائتة، للاجماع على عدم وجوب تقديم الحاضرة، بل التعليل نفسه مشعر بذلك، نعم

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 7 و 8 و 9
59

هو ظاهر في الفرق بالنسبة إلى رجحان تقديم الفائتة وتأخيرها بين ما بعدها صلاة كالظهر
والمغرب بل والعشاء وما ليس بعدها صلاة كالعصر والصبح، فتقدم الحاضرة في الأول
استحبابا والفائتة في الثاني، ولا بأس به، خصوصا بعد التسامح في السنن إن لم يقم
إجماع على خلافه، وأما الأمر في أوله بتأخير المغرب فهو إن لم يطرح أو يحمل على
مغرب الليلة السابقة كان حجة إلزامية على القائل بخروج وقت المغرب بدخول وقت
العشاء من أهل المضايقة، كغيره (1) من الأخبار الآمرة بتأخير الظهر عن العصر
بمجرد خروج وقت الظهر المذكورة في باب المواقيت وغيرها، من أرادها فليلحظها،
وعلى كل حال فهو لا ينافي الاستدلال بذيله على المطلوب كما عرفت.
ومنها ما وجده ابن طاووس في أمالي السيد أبي طالب علي بن الحسين الحسني
بسند متصل إلى جابر بن عبد الله (2) ذكره في الرسالة، قال: (قال رجل:
يا رسول الله صلى الله عليه وآله وكيف أقضي؟ قال: صل مع كل صلاة مثلها، قال: يا رسول الله قبل
أم بعد؟) ثم قال: وهذا حديث صريح، بل عن بعض نسخ الفوائد المدنية المحكي فيها
رسالة السيد المزبور وصفه بالصحة أيضا، على أنه يمكن أن يجبر بما سمعته في تحرير محل
النزاع، بل قد سمعت من الديلمي الفتوى بمضمونه في الجملة، بل قد يعضده في الجملة مع
الشهادة للمطلوب أيضا ما رواه الشهيد في الذكرى عن إسماعيل بن جابر (3) قال:
(سقطت من بعيري فانقلبت على أم رأسي فمكثت سبع عشرة ليلة مغمى علي، فسألته
عن ذلك، فقال: اقض مع كل صلاة صلاة) فإنه صريح في المواسعة لو أوجبنا القضاء
على المغمى عليه، بل يتجه الاستدلال به للصدوق في المقنع القائل بوجوب ذلك، وخبر

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب المواقيت الحديث 18 من كتاب الصلاة
(2) المستدرك الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 9
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 15
60

عمار (1) المروي في الذكرى وغيرها، قال: (قال سليمان بن خالد لأبي عبد الله عليه السلام
وأنا جالس: منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل
معرفتي هذا الأمر، قال: لا تفعل، فإن الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت
من الصلاة) فإنه (عليه السلام) وإن بين له فساد اعتقاده وجوب القضاء لكن لم يبين
له فساده في كيفيته، بل قد يدعى ظهوره في إقراره عليه، على أن سليمان كان من
المشاهير، بل عن المفيد في إرشاده عده من شيوخ أصحاب الصادق (عليه السلام)
وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين الذين رووا عنه النص بإمامة الكاظم عليه السلام.
ومنها صحيح زرارة (2) عن الباقر (عليه السلام) في حديث هو عمدة أدلة
المضايقة (وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب
والعشاء، ابدأ بأولهما لأنهما جميعا قضاء، أيهما ذكرت فلا تصلها إلا بعد شعاع الشمس
قال: قلت: لم ذاك؟ قال: لأنك لست تخاف فوتها) إذ لو كان الأمر على الضيق
كما يقوله الخصم لم يكن وجه للنهي عن الفعل في هذا الوقت، بخلاف المختار فإنه لا بأس
بعد توسعته أن يكون هذا الوقت مرجوحا بالنسبة إلى غيره كسائر مكروه العبادة،
واحتمال إرادة خروج الشمس من الأفق من قوله: (بعد شماع الشمس) - فيكون
مؤكدا للمستفاد منه من تقديم صلاة الغداة عند خوف فواتها بخروج الشمس، وإلا
فالمراد صل الغداة إذا خفت فواتها ثم صل الفائتة عند الخروج، كما يومي إليه التعليل،
ويبقى النهي حينئذ مرادا منه حقيقته التي هي التحريم، ضرورة حرمة فعل الفائتة عند
خوف فوات الحاضرة - في غاية البعد، بل من المقطوع عدم إرادته من مثل هذه العبارة.

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 4
(2) الوسائل الباب 63 من أبواب المواقيت الحديث 1 من كتاب الصلاة
61

خصوصا إذا لوحظ النهي عن مثل ذلك في عدة من الأخبار كصحيح أبي بصير (1)
ومرسل الرضوي (2) بل وصحيح ابن سنان (3) المتقدمة سابقا، مضافا إلى خبر عمار
ابن موسى (4) عن الصادق (عليه السلام) في حديث (فإن صلى ركعة من الغداة ثم
طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته، وإن طلعت الشمس قبل أن يصلي ركعة فليقطع
الصلاة ولا يصلي حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها) بل وخبر سليمان بن جعفر
الجعفري (5) قال: (سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: لا ينبغي لأحد أن يصلي
إذا طلعت الشمس، لأنها تطلع على قرني شيطان، فإذا ارتفعت وضفت فارقها،
فتستحب الصلاة ذلك الوقت والقضاء وغير ذلك) الخبر، بل وإطلاق كثير من
الأخبار (6) المعتبرة مرجوحية الصلاة في هذا الوقت من غير فرق بين القضاء والنافلة
وغيرهما، اللهم إلا أن يقال: إن المشهور كما قيل استثناء قضاء الفريضة بل قضاء النافلة
أيضا، بل ذات السبب مطلقا من حكم الأوقات المكروهة، خصوصا الأولى،
للأمر (7) بقضائها في أي ساعة ولو عند طلوع الشمس وغروبها، فلا محيص حينئذ
عن حمل هذه الأخبار على التقية، ويسقط بها الاستدلال، مع أنه قد يمنع، إذ العامة
وإن اختلفوا في ذلك لكن المحكي عن كثير منهم ما عليه المشهور، والباقون قد اشتملت
هذه الروايات على ما يخالف مذهبهم أو مذهب بعضهم، فلعل حملها حينئذ على تفاوت
مراتب الرجحان ردا على من حرم ذلك من العامة أولى، فليتأمل.

(1) المستدرك الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 8
(2) فقه الرضا عليه السلام ص 10 و 11
(3) الوسائل الباب 62 من أبواب المواقيت الحديث 4
(4) الوسائل الباب 30 من أبواب المواقيت الحديث 3
(5) الوسائل الباب 38 من أبواب المواقيت الحديث 9 - 0
(6) الوسائل الباب 38 من أبواب المواقيت الحديث 9 - 0
(7) الوسائل الباب 39 من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
62

ومنها ما في المحكي من كتاب فقه الرضا (عليه السلام) (1) (ما يأمن أحدكم
الحدثان في ترك الصلاة وقد دخل وقتها وهو فارغ، وقال الله عز وجل (2): (الذين هم
على صلاتهم يحافظون) قال: يحافظون على المواقيت، وقال (3): (الذين هم على
صلاتهم دائمون) قال: يدومون على أداء الفرائض والنوافل، فإن فاتهم بالليل قضوا
بالنهار، فإن فاتهم بالنهار قضوا بالليل) المعتضد في الجملة بصحيح ابن مسلم (4) قال:
(سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار قال: يقضيها إن شاء بعد المغرب،
وإن شاء بعد العشاء) وصحيح الحلبي (5) سئل أبو عبد الله (عليه السلام) (عن رجل
فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: متى شاء، إن شاء بعد المغرب، وإن شاء بعد
العشاء) وصحيح ابن أبي يعفور (6) (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: صلاة
النهار يجوز قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو نهار) ونحوه صحيح ابن أبي العلاء (7)
مع زيادة (كل ذلك سواء) وخبر عنبسة العابد (8) قال: (سألت أبا عبد الله
عن قول الله عز وجل: (9) (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر
أو أراد شكورا) قال: قضاء صلاة الليل بالنهار، وصلاة النهار بالليل) والمرسل (10)
عن الصادق (عليه السلام) أيضا (كل ما فاتك من صلاة الليل فاقضه بالنهار، قال الله

(1) ذكر صدره في المستدرك في الباب 3 من أبواب المواقيت الحديث 1 ووسطه
في الباب 1 منها الحديث 5 وذيله في الباب 45 منها الحديث 3
(2) سورة المؤمنون الآية 9
(3) سورة المعارج الآية 23
(4) الوسائل الباب 39 من أبواب المواقيت الحديث 6 - 7 - 12 - 13
(5) الوسائل الباب 39 من أبواب المواقيت الحديث 6 - 7 - 12 - 13
(6) الوسائل الباب 39 من أبواب المواقيت الحديث 6 - 7 - 12 - 13
(7) الوسائل الباب 39 من أبواب المواقيت الحديث 6 - 7 - 12 - 13
(8) الوسائل الباب 57 من أبواب المواقيت الحديث 2 - 4
(9) سورة الفرقان الآية 63
(10) الوسائل الباب 57 من أبواب المواقيت الحديث 2 - 4
63

تبارك وتعالى: (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا)
يعني أن يقضي الرجل ما فاته بالليل بالنهار، وما فاته بالنهار بالليل) واحتمال إرادة النافلة
خاصة من ذلك حتى الرضوي وخصوصا المشتمل على التعبير بصلاة النهار أو الليل
المعروف إرادة النافلة منه - بل قد يؤيده ورود نحو ذلك مما علم إرادة النافلة منه في
غيرها من الأخبار، بل لعله المنساق من قوله تعالى: (أن يذكر أو أراد شكورا) -
يدفعه أنه تقييد من غير مقيد، وتخصيص من غير مخصص، وتقليل الفائدة من غير
داع، بل لا يتم في الصحيحين بناء على ما عن جماعة من أرباب المضايقة من القول
بحرمة التنفل وقت الفريضة حتى ادعي عليه الشهرة بل نقل عليه الاجماع، ودعوى
تعارف الاطلاق في ذلك بحيث صار حقيقة عرفية أو ما يقرب منها بحيث يحمل اللفظ عليه
عند الاطلاق يمكن منعها على مدعيها بملاحظة إطلاق ذلك في أخبار كثيرة على ما علم
إرادة الفريضة منه، كامكان منع ظهور الآية فيما سمعت، بل لعل الظاهر إرادة الفريضة
من التذكر، والنافلة من الشكور كما عن البحار، وقد يشهد له في الجملة ما روي (1)
في تفسير قوله تعالى (2): (أقم الصلاة لذكري) بالقضاء عند الذكر، بل عن الراوندي
في فقه القرآن قوله تعالى: (لمن أراد أن يذكر) كلام مجمل يفسره قوله (صلى الله
عليه وآله) (3): (من نسي صلاة فوفتها حين يذكرها) يعني إذا ذكر أنها فائتة
قضاها لقوله تعالى: (أقم الصلاة لذكري) وعن السيوري في كنزه أن الفقهاء استدلوا
بالآية على مشروعية قضاء فائت الليل نهارا وفائت النهار ليلا أي الليل خليفة النهار

(1) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 6
(2) سورة طه - الآية 14
(3) سنن البيهقي ج 2 ص 219
64

في وقوع ما فات فيه وبالعكس، قال: والقضاء هو الاتيان بمثل الفائت في غير وقته،
فيقضي التمام تماما والقصر قصرا، فالمتجه حينئذ من ذلك كله إرادة الأعم من الفريضة
والنافلة إن قلنا بعدم حرمة التطوع وقت الفريضة، وإلا تعين إرادة الفريضة فيما نص
فيه منها على القضاء وقت الحاضرة، ولعله من هنا حكي عن بعض علمائنا المعاصرين
ممن قال بالمضايقة وحرمة التطوع وقت الفريضة الاعتراف بظهور الصحيحين في ذلك
بعد أن اضطرب كلامه، فعند البحث في حرمة التطوع حملهما على قضاء الفريضة، وعند
البحث في المضايقة حملهما على النافلة، وحيث كان كل منهما مخالفا لمذهبه التجأ إلى
الطرح أو الحمل على التقية.
ومنها ما في كتاب غياث سلطان الورى لابن طاووس على ما في الوسائل وعن
غيرها عن حريز عن زرارة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قلت له: رجل
عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح ولم يصل صلاة ليلته تلك، قال:
يؤخر القضاء ويصلي صلاة ليلته تلك) ولعله أخذ من أصل حريز المشهور، ولذا صدره
به كما هو مظنة ذلك وغيره من الأصول القديمة على ما يظهر منه في الرسالة، فيكون
الحديث حينئذ صحيحا بناء على صحة طريقه إلى الكتاب المزبور كما هو الظاهر، واحتمال
إرادة النافلة خاصة من الدين كما ترى لا شاهد له، بل لعل الظاهر من لفظ الدين
والأنسب بحال زرارة إرادة الفريضة خاصة فضلا عما يعمهما، نعم هو لا دلالة فيه على
عدم الترتيب، اللهم إلا أن يستفاد من إطلاق الأمر بالتأخير والفرض قرب وقت
الصبح، ومن عدم التفصيل بين ما إذا كان القضاء كثيرا بحيث لا يسع الوقت لتقديم
جميعه على صلاة الصبح وما لم يكن كذلك، فإنه لو كان الترتيب واجبا لمنع من نافلة
الليل إذا توقف على تركها.

(1) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 9
65

ومنها خبر عمار (1) الذي رواه الشيخ بل والسيد في الرسالة من أصل محمد بن
علي بن محبوب الذي وجده بخط الشيخ (رحمه الله) عن الصادق (عليه السلام) قال:
(سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر كيف يصنع؟ أيجوز
له أن يقضي بالنهار؟ قال: لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار، ولا تجوز ولا تثبت
له، ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل) لكن عن الشيخ أنه قال بعد روايته له: إنه خبر
شاذ لا تعارض به الأخبار المطابقة لظاهر الكتاب وإجماع الأمة، وكأنه فهم منه
الحرمة، ويحتمل إرادة الكراهة منه بعد تنزيله على خصوص المسافر، أو المراد الصلاة
على الراحلة لغلبة كون المسافر في النهار عليها، وعلى غير ذلك.
ومنها موثقه الآخر (2) الذي به تظهر دلالة سابقه كالعكس عن الصادق عليه السلام
في حديث طويل يشتمل على مسائل متفرقة، منها (عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر
هل يقضيها وهو مسافر؟ قال: نعم يقضيها بالليل على الأرض، فأما على الظهر فلا)
بناء على إرادة الفريضة من الصلاة فيه، للنهي عن فعلها على الظهر، وظهور التشبيه في
نفي توهم اختلاف الكيفية الناشئ من الأمر بالتقصير للمسافر إرفاقا بحاله، بل عن
بعض العامة القضاء قصرا في السفر، بل قد يقال: إن ذلك هو المنشأ في السؤال أو
تخيل حرمة الاتمام على المسافر، فلا يجوز له حينئذ قضاء الفائتة حضرا سفرا، لوجوب
فعلها تماما مع حرمته في السفر، أو أنه لما جاز للمسافر أداء الفريضة على الراحلة وماشيا
عند الضرورة زعم أنه ربما جاز له قضاؤها أيضا كذلك وإن فاتت في الحضر، ومنه
يعلم حينئذ عدم التضييق، وإلا لوجب فعلها على الراحلة قطعا كالأداء عند الضيق، إذ
لا دليل على خصوصية للقضاء في ذلك، واحتمال حمله على صورة التمكن من النزول

(1) الوسائل الباب 57 من أبواب المواقيت الحديث 14
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 2
66

يدفعه - مع أنه لا دليل عليه في الخبر المزبور - أن المتجه حينئذ بناء على المضايقة أمره
بالنزول والقضاء لا تأخيره إلى الليل، كاحتمال حمله على السفر المحرم باعتبار عدم
اضطراريته، فإنه حينئذ لا يجوز له القضاء على الراحلة المفوت لكثير من الواجبات،
بل تجب عليه الإقامة حتى يفرغ من القضاء، إذ فيه مع أنه لا قرينة عليه في الخبر أيضا
بل هو متناول لمن لم يذكرها إلا في السفر أيضا أنه ممنوع حتى عند القائلين بالمضايقة
على الظاهر، إذ هو وإن حرم عليه السفر لكنه مكلف في القضاء فورا عندهم حاله،
إذ ارتكاب المحرم في المقدمات لا يسقط التكليف المترتب على الموضوع الحاصل بفعله
كالضرورة مثلا، بل هو كمن أراق الماء في الوقت المنتقل بسببه إلى التيمم، وكذا
احتمال تنزيل الخبر على التقية باعتبار عدم موافقته للقائلين بالمضايقة كما عرفت، والمواسعة
لعدم اشتراطهم في صحة الصلاة الحاضرة على الراحلة ضيق الوقت، بل يكتفون
بالضرورة في الوقت، وقضيته جواز القضاء عندهم حالها وإن كان موسعا، إذ فيه - بعد
إمكان منعه بناء على المواسعة حتى في الأدائية بناء على وجوب الانتظار لذوي الأعذار
أو تسليمه فيها خاصة، اقتصارا في الرخصة في إذهاب كثير من واجبات الصلاة على
المتيقن من الأدلة، وهو الحاضرة، بل لعله الظاهر المنساق منها - أنه لا داعي إليها، بل
يمكن حمله بناء على المواسعة على المرجوحية التي لا تتم على المضايقة لا الحرمة، فعلى كل
حال تتم به الدلالة على فساد المضايقة، إذ عدم تعرضه لحكم المسافر - المنافي لتعجيل
القضاء، وتجويز تأخيره إلى أن ينزل بالليل من غيره تفصيل بين ما إذا تمكن من النزول
لقضاء الفائتة كلها أو بعضها إن كثرت وما إذا لم يتمكن من ذلك، وعدم الأمر
بالمبادرة إليه في أول الليل ولا في الليل الأول، وعدم التعرض لحكم حاضرة النهار والليل
مع أن الغالب أداؤها قبل ضيق وقتها وفعلها على الأرض لا على الظهر - دليل واضح
على فساد المضايقة، نعم يسقط الاستدلال به لو أريد منه قضاء النافلة خاصة، كما لعله
67

يومي إليه في الجملة ملاحظة سابقه، إلا أنك قد عرفت ما فيه، لا أقل من أن يكون
للأعم من الأمرين، ومعه تتم الدلالة أيضا، وكان أمره بالقضاء بالليل لعدم تيسر
النزول غالبا للمسافر في النهار، أو لأن في الليل من الاقبال ما ليس في غيره، أو لامكان
دعوى مرجوحية القضاء للمسافر في النهار، كما يشهد له الخبر السابق بل وغيره من
الأخبار، لكنها عداه في خصوص التطوع.
ومنها ما دل على جواز النافلة لمن عليه فائتة من الأخبار السابقة وغيرها،
كصحيح أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) (سألته عن رجل نام عن الغداة
حتى طلعت الشمس، فقال: يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة) وموثق عمار (2) عنه
(عليه السلام) أيضا (لكل صلاة مكتوبة لها نافلة ركعتين إلا العصر، فإنه يقدم
نافلتها فتصيران قبلها، وهي الركعتان اللتان تمت بهما الثمان بعد الظهر، فإذا أردت أن
تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة
التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثم اقض ما شئت) الخبر. وإن كان هو كما ترى
مضطرب اللفظ والمعنى، وإطلاق أدلة النوافل أداء وقضاء، والتأكيد البليغ الوارد فيها
كاطلاق ما ورد من الأدلة في استحباب كثير من الصلوات في كثير من الأمكنة
والأوقات ولقضاء الحوائج والمهمات وغير ذلك مما لا يمكن إحصاؤه كما لا يخفى على
الخبير الماهر، بل قد يشرف طمح نظر الفقيه مع التأمل والتدبر في الأدلة الواردة على
الظن المتاخم للعلم إن لم يكن العلم بعمومها لمن عليه فائتة وغيره خصوصا في بعضها مثل
قضاء النوافل الوارد فيه الأمر بفعله أي ساعة شاء من ليل أو نهار وغيره، فلاحظ
وتأمل، بل منها ومما ورد من خصوص قضاء النوافل وقت الحاضرة خصوصا صلاة
الليل أو الوتر منها وخصوص بعض الصلوات المستحبة في أوقات الحواضر التي هي غير

(1) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 2 - 5
(2) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 2 - 5
68

النوافل المروية في الاقبال ومصباح الكفعمي والبحار وغيرها من الكتب المعدة لذلك
مما لا يسعنا إحصاؤه هنا لكثرته جدا يستفاد جواز مطلق التطوع في وقت الحاضرة
فضلا عن الفائتة أيضا.
وهي وإن كانت معارضة بأخبار أخر (1) دالة على المنع من التطوع لمن عليه فائتة
وعلى المنع منه في وقت الحاضرة (2) وثالث (3) على المنع منه لمن عليه صلاة مطلقا
حاضرة أو فائتة، بل عن بعض أفاضل المعاصرين ترجيحها على الأولى بصحتها
واستفاضتها بحيث تقرب إلى التواتر، ووضوح دلالتها وصراحة جملة منها بحيث لا يمكن
حمله على الكراهة، واشتمال جملة أخرى منها على التعليل الموجب لتقويتها، ودلالة
بعضها على كون التحرز من ذلك من خواصهم دون سائر الناس، والإشارة في آخر إلى
الرد عليهم بالقياس المعتبر عندهم، واعتضادها بالشهرة العظيمة بل الاجماع ممن تقدم على
الشهيد ومن تبعه، إذ لم يعرف قائل بالجواز غيرهم، ولذا عزى المحقق المنع إلى علمائنا
مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، فلا يكافؤها الأخبار السابقة حتى يجمع بينهما بالكراهة
خصوصا بعد إمكان الجواب عن بعضها بأن دلالتها من باب العموم أو الاطلاق الذي
لا يعارض الخاص أو المقيد، وعن آخر الدال على خصوص بعض الصلوات كالغفيلة
ونحوها بأنه لا ربط له في المقام، لاستثناء الأصحاب إياها بالخصوص، ثم قال: إنه لم
يعرف قائلا بالفرق بين الحاضرة والفائتة في ذلك كله إلا أن من أحاط خبرا بأخبار
المسألتين يعرف ما في هذا الترجيح من الشين، وأعجب شئ فيه دعواه الاجماع على
المنع ممن قبل الشهيد، وقد قال في الدروس: (إن الأشهر انعقاد النافلة في وقت

(1) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 4
(2) الوسائل الباب 35 من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(3) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 3
69

المفروضة أداء كانت النافلة أو قضاء، والرواية (1) عن الباقر (عليه السلام) (لا تطوع
بنافلة حتى يقضى الفريضة) يمكن حملها على الكراهة، لاشتهار أن النبي (صلى الله عليه
وآله) قضى النافلة في وقت صلاة الصبح (2)) إلى آخره. ولتحرير البحث في ذلك
محل آخر لاحتياجه إلى مزيد الاطناب في جمع النصوص وفتوى الأصحاب كي يعرف
الترجيح في هذا الباب.
ومنها ما يستفاد من المروي (3) من قصة نوم النبي (صلى الله عليه وآله) عن
صلاة الصبح من عدم تلك المبادرة والفورية للقضاء التي يدعيها الخصم، خصوصا على
ما في الذكرى وغيرها من روايته في الصحيح (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
(قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة
حتى يبدأ بالمكتوبة، قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا
ذلك مني، فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر (عليه السلام) فحدثني أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) عرس في بعض أسفاره وقال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا،
فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس، فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول الله
صلى الله عليه وآله: أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة، وقال: يا بلال أذن فأذن فصلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم
قام فصلى بهم الصبح، ثم قال: من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله
عز وجل يقول: (وأقم الصلاة لذكري) قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم

(1) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 6
(2) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 1 و 6 والباب 2 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 2
(3) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 1 و 6 والباب 2 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 2
(4) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 6
70

وأصحابه فقالوا: نقضت حديثك الأول، فقدمت على أبي جعفر (عليه السلام)
فأخبرته بما قال القوم، فقال: ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعا وأن ذلك كان
قضاء من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟) ونحوه ما عن دعائم الاسلام (1) بحذف
الاسناد لما ذكر في أوله من قصد الاختصار والاقتصار على الثابت الصحيح مما جاء عن
الأئمة (عليهم السلام) من أهل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جملة ما اختلف فيه
الرواة عنهم (عليهم السلام)، أنه قال: (وروينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه
عن علي (عليهم السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل في بعض أسفاره إلى
أن قال فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تنحو من هذا الوادي الذي أصابتكم
فيه هذه الغفلة، فإنكم نمتم بوادي شيطان، ثم توضأ) إلى آخره. وفي التذكرة روي
(أن النبي (صلى الله عليه وآله) نزل في بعض أسفاره بالليل في واد فغلبهم النوم وما
انتبهوا إلا بعد طلوع الشمس فارتحلوا ولم يقضوا الصلاة في ذلك الموضع بل في آخر)
إلى غير ذلك مما يظهر منه أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يبادر إلى القضاء زيادة على
ما فيه من تقديم قضاء النافلة، بل وما قيل من الأمر فيه بالأذان والإقامة اللتين ورد
الأمر بهما للقضاء في غيره من الأخبار (2) المعتبرة أيضا، لكن قد يخدش بأنه
لا بأس بهما عند أهل المضايقة لكونهما من مقدمات الصلاة ولو على جهة الندب، كما
أنه لا بأس عندهم بتطويل نفس الصلاة بمراعاة مستحباتها وإن كان بعدها صلاة أخرى
إذ لا يوجبون الاقتصار على الواجب قطعا، فالأولى الاستدلال به من غير هذه الجهة.
والمناقشة فيه بأن الواجب طرحها لمنافاتها العصمة، كالأخبار (3) المتضمنة للسهو

(1) المستدرك الباب 46 من أبواب المواقيت الحديث 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 3 و 4 والباب 8 منها
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 4 و 11 و 15
وعيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 214 الطبع الحديث الباب 19 الحديث 2
71

منه أو من أحد الأئمة (عليهم السلام) يدفعها ظهور الفرق عند الأصحاب بينه وبين
السهو، ولذا ردوا أخبار الثاني ولم يعمل بها أحد منهم عدا ما يحكى عن الصدوق وشيخه
ابن الوليد والكليني وأبي علي الطبرسي في تفسير قوله تعالى (1): (وإذا رأيت
الذين يخوضون في آياتنا) وإن كان ربما يظهر من الأخير أن الإمامية جوزوا السهو
والنسيان على الأنبياء في غير ما يؤدونه عن الله تعالى مطلقا ما لم يؤد ذلك إلى الاخلال
بالعقل، كما جوزوا عليهم النوم والاغماء الذين هما من قبيل السهو، بخلاف أخبار الأول
كما عن الشهيد في الذكرى الاعتراف به حيث قال: لم أقف على راد لهذا الخبر من حيث
توهم القدح في العصمة، بل عن صاحب رسالة نفي السهو وهو المفيد أو المرتضى التصريح
بالفرق بين السهو والنوم، فلا يجوز الأول ويجوز الثاني، بل ربما يظهر منه أن ذلك
كذلك بين الإمامية، كما عن والد البهائي (رحمه الله) في بعض المسائل المنسوبة إليه
أن الأصحاب تلقوا أخبار نوم النبي (صلى الله عليه وآله) عن الصلاة بالقبول، إلى
غير ذلك مما يشهد لقبولها عندهم، كرواية الكليني والصدوق والشيخ وصاحب الدعائم
وغيرهم لها، حتى أنه عقد في الوافي بابا لما ورد أنه لا عار في الرقود عن الفريضة موردا
فيه جملة من الأخبار (2) المشتملة على ذلك معللة له بأنه فعل الله بنبيه (صلى الله عليه وآله)
ذلك رحمة للعباد، ولئلا يعير بعضهم بعضا.
لكن ومع ذلك كله فالانصاف أنه لا يجترئ على نسبته إليهم (عليه السلام)،
لما دل من الآيات والأخبار (3) كما نقل على طهارة النبي وعترته (عليهم الصلاة والسلام)

(1) سورة الأنعام الآية 67
(2) الوافي الجزء الخامس ص 153
(3) وهي قوله تعالى المذكور في سورة الأحزاب الآية 33: " إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " وخبر عبد العزيز بن مسلم المروي
في أصول الكافي ج 1 ص 198 الطبع الحديث، قال: " كنا مع الرضا عليه السلام بمرو
فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأرادوا أمر الإمامة، وذكروا كثرة اختلاف
الناس فيها، فدخلت على سيدي عليه السلام فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم عليه السلام
ثم قال: يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه
صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ إلى أن
قال في ص 200: الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب وإلى أن قال أيضا في
ص 203 فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن من الخطايا والزلل والعثار " وقوله
عليه السلام في زيارة الجامعة الكبيرة المعروفة: " فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين وأعلى
منازل المقربين وأرفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق.. الخ "
وخبر الحسن بن علي بن فضال المروي في عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 213 من
الطبع الحديث عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: " للإمام علامات، يكون أعلم
الناس، وأحكم الناس، وأنقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس،
وأعبد الناس، ويلد مختونا ويكون مطهرا، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا
يكون له ظل، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين
ولا يحتلم، وينام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدثا، ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وآله
ولا يرى له بول ولا غائط لأن الله عز وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه،
ويكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم.. الخ " وخبر
محمد بن الأقرع المروي في كشف الغمة ج 3 ص 302 الطبع الحديث في أحوالات
أبي محمد العسكري عليه السلام عن كتاب الدلائل للحميري، قال: " كتبت إلى أبي محمد
عليه السلام أسأله عن الإمام هل يحتلم؟ وقلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب: الاحتلام
شيطنة وقد أعاذ الله أولياءه من ذلك، فرد الجواب: الأئمة حالهم في المنام حالهم في اليقظة
لا يغير النوم منهم شيئا، قد أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان كما حدثتك نفسك " وخبر
زرارة المروي في أصول الكافي ج 1 ص 388 عن أبي جعفر عليه السلام، قال: " للإمام
عشر علامات يولد مطهرا مختونا، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته
بالشهادتين، ولا يجنب، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يتثأب ولا يتمطى، ويرى من
خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه كرائحة المسك، والأرض موكلة بستره وابتلاعه، وإذا
لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله كانت عليه وفقا وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم
زادت عليه شبرا، وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه " وما رواه الكليني (قده) أيضا في
الكافي ج 1 ص 261 عن عدة من الأصحاب منهم عبد الأعلى وأبو عبيدة وعبد الله بن بشر
الخثعمي أنهم سمعوا أبا عبد الله عليه السلام يقول: " إني لأعلم ما في السماوات وما في
الأرض، وأعلم ما في الجنة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون.. الخ " وغيره
مما أورده في علمه عليه السلام هناك وخبر بريد العجلي المروي في أصول الكافي أيضا ج 1
ص 190 قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: " وكذلك جعلناكم
أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس " قال: نحن الأمة الوسطى ونحن شهداء الله على خلقه
وحججه في أرضه، قلت: قول الله عز وجل: " ملة أبيكم إبراهيم " قال: إيانا عني خاصة
هو سماكم المسلمين من قبل في الكتب التي مضت وفي هذا القرآن ليكون الرسول عليكم شهيدا
فرسول الله صلى الله عليه وآله الشهيد علينا بما بلغنا عن الله عز وجل ونحن الشهداء على الناس، فمن
صدق صدقناه يوم القيامة ومن كذب كذبناه يوم القيامة " وخبر الحسن بن برة الأصم
المروي في بصائر الدرجات الجزء الثاني الباب 17 الحديث 17 ص 94 المطبوعة
عام 1380 عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " سمعته يقول: إن الملائكة لتتنزل علينا في
رحالنا، وتنقلب على فرشنا، وتحضر موائدنا، وتأتينا في كل نبات في زمانه رطب ويابس
وتقلب علينا أجنحته، وتقلب أجنحتها على صبياننا، وتمنع الدواب أن تصل إلينا،
وتأتينا في وقت كل صلاة لتصليها معنا، وما من يوم يأتي علينا ولا ليل إلا وأخبار أهل
الأرض عندنا، وما يحدث فيها.. الخ " وفي عيون الأخبار ج؟ ص 213 الباب 19
الحديث 2 " إن الإمام مؤيد بروح القدس الخ " وخبر أبي بصير المروي في بصائر الدرجات
الجزء التاسع الباب 16 الحديث 1 ص 455 قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت
فداك عن قول الله تبارك وتعالى: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت
تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك
لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله
تصير الأمور " قال: يا أبا محمد خلق والله أعظم من جبرائيل وميكائيل، وقد كان مع
رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة عليهم السلام يخبرهم ويسددهم " ونحوه مذكور
هناك وخبر جابر المروي في بصائر الدرجات أيضا الجزء التاسع الباب 15 الحديث 12
ص 454 قال: " قال أبو جعفر عليه السلام: إن الله خلق الأنبياء والأئمة عليهم السلام على خمسة
أرواح: روح القوة وروح الايمان وروح الحياة وروح الشهوة وروح القدس، فروح
القدس من الله، وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان، فروح القدس لا يلهو ولا يتغير
ولا يلعب، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلى ما تحت الثرى " وخبر مفضل
ابن عمر المروي في بصائر الدرجات في الموضع المشار إليه الحديث 3 قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه
ستره، فقال: يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل للنبي صلى الله عليه وآله خمسة أرواح: روح الحياة
فبه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى
النساء من الحلال، وروح الايمان فبه أمر وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة، فإذا
قبض النبي صلى الله عليه وآله انتقل روح القدس فصار في الإمام عليه السلام، وروح القدس لا ينام
ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو، والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو، وروح
القدس ثابت يرى به ما في شرق الأرض وغربها وبرها وبحرها، قلت: جعلت فداك
يتناول الإمام عليه السلام ما ببغداد بيده؟ قال: نعم وما دون العرش " إلى غير ذلك
مما ورد في الموارد المشار إليها وغيرها في أوصافهم عليهم السلام.
72

من جميع الأرجاس والذنوب وتنزههم عن القبائح والعيوب، وعصمتهم من العثار والخطل
73

في القول والعمل، وبلوغهم إلى أقصى مراتب الكمال، وأفضليتهم ممن عداهم في جميع
74

الأحوال والأعمال، وأنهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، وأن حالهم في المنام كحالهم في
اليقظة، وأن النوم لا يغير منهم شيئا من جهة الادراك والمعرفة، وأنهم لا يحتلمون،
ولا يصيبهم لمة الشيطان، ولا يتثاءبون ولا يتمطون في شئ من الأحيان، وأنهم يرون
من خلفهم كما يرون من بين أيديهم، ولا يكون لهم ظل، ولا يرى لهم بول ولا غائط،
وأن رائحة نجوهم كرائحة المسك، وأمرت الأرض بستره وابتلاعه، وأنهم علموا ما كان
75

وما يكون من أول الدهر إلى انقراضه، وأنهم جعلوا شهداء على الناس في أعمالهم،
وأن ملائكة الليل والنهار كانوا يشهدون مع النبي (صلى الله عليه وآله) صلاة الفجر،
وأن الملائكة كانوا يأتون الأئمة (عليهم السلام) عند وقت كل صلاة، وأنهم ما من
يوم ولا ساعة ولا وقت صلاة إلا وهم ينبهونهم لها ليصلوا معهم، وأنهم كانوا مؤيدين
بروح القدس يخبرهم ويسددهم، ولا يصيبهم الحدثان، ولا يلهو ولا ينام ولا يغفل،
وبه علموا ما دون العرش إلى ما تحت الثرى، ورأوا ما في شرق الأرض وغربها،
إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله، كما ورد (1) أنهم لا يعرفهم إلا الله ولا يعرف الله
حق المعرفة إلا هم، وليسوا هم أقل من الديكة التي تصرخ في أوقات الصلوات وفي
أواخر الليل لسماعها صوت تسبيح ديك السماء الذي هو من الملائكة وعرفه تحت العرش
ورجلاه في تخوم الأرض السابعة، وجناحاه يجاوزان المشرق والمغرب، وآخر تسبيحه
في الليل بعد طلوع الفجر (ربنا الرحمن لا إله غيره) (2) ليقم الغافلون، تعالوا عن
ذلك علوا كبيرا، نعم لو أمكن دعوى ثبوت تكاليف خاصة لهم تقوم مقام هذه
التكاليف اتجه دعوى جواز نومهم عنها، وربما يومي إليه قول النبي (صلى الله عليه وآله)
(أصابكم فيه الغفلة) وقوله (صلى الله عليه وآله): (نمتم بوادي الشيطان) والله
أعلم بحقيقة الحال.
ومنها ما يظهر لمن سرد أخبار (3) الحيض والاستحاضة والاستظهار، من عدم
المضايقة في أمر القضاء، وعدم اشتراط صحة الحاضرة بفعله ولو بسبب تركها التعرض له
مع ظهور الفوات، بل في مرسل يونس (4) المتقدم في باب الحيض المتضمن لعدم

(1) البحار ج 39 ص 84 المطبوعة عام 1381 عن المناقب لابن شهرآشوب
(2) روضة الكافي ص 172 الرقم 406 الطبع الحديث مع اختلاف يسير.
(3) الوسائل الباب 49 من أبواب الحيض من كتاب الطهارة
(4) الوسائل الباب 12 من أبواب الحيض الحديث 2 من كتاب الطهارة
76

اشتراط الموالاة في ثلاثة الحيض تصريح بتأخير القضاء إلا أن صحة الاستدلال موقوفة
على العمل، أو يجعل حجة إلزامية لمن عمل به من أهل المضايقة، إلى غير ذلك من
الأخبار التي تصلح للتأييد إن لم يكن الاستدلال لما فيها من الاشعار وإن ضعف،
كصحيح صفوان بن مهران (1) (أقعد رجل من الأخيار في قبره فقيل له: إنا جالدوك
مائة جلدة من عذاب الله، فقال: لا أطيقها، فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى جلدة واحدة
فقالوا: ليس منها بد فقال: فيما تجلدونيها؟ قالوا: نجلدك لأنك صليت يوما بغير وضوء
ومررت على ضعيف فلم تنصره) وغيره مما ورد في النجاسات وما أمر فيه (2) بجعل
ما تلبس به من الفرض لما فات لادراك الجماعة، وما حكاه ابن طاووس في رسالته من
المنامات عن الأئمة (عليهم السلام) الذين لا يتصور الشيطان بصورهم، وغير ذلك.
ومعارضة تمام ما سمعته بما يشهد للقول بالمضايقة المحضة بالمعنى المتقدم سابقا - من
الاحتياط في البراءة عن تمام ما اشتغلت الذمة به من الفائتة والحاضرة الذي قد عرفت
سابقا عدم الدليل على وجوب مراعاته، بل مقتضى الأصل وغيره البراءة عن ذلك،
وما شك في شرطيته ليس شرطا عندنا، على أنه لا شك فيه لمن لاحظ الأدلة المتقدمة،
ومن فورية الأوامر المطلقة بالقضاء المحكي عليها الاجماع من المرتضى في الوارد منها في
الكتاب والسنة التي قد فرغنا من تحرير فسادها في الأصول - واضحة الضعف،
كالمعارضة بالاجماعات المتقدمة في تحرير محل النزاع على اختلاف معاقدها.
بل عن الحلي في خلاصة الاستدلال (أنه أطبقت عليه الإمامية خلفا عن سلف
وعصرا بعد عصر وأجمعت على العمل به، ولا يعتد بخلاف نفر يسير من الخراسانيين
فإن ابني بابويه والأشعريين كسعد بن عبد الله صاحب كتاب الرحمة وسعد بن سعد

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الوضوء الحديث 2 من كتاب الطهارة
(2) الوسائل الباب 55 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
77

ومحمد بن علي بن محبوب صاحب كتاب نوادر الحكمة والقميين أجمع كعلي بن إبراهيم
ابن هاشم ومحمد بن الحسن بن الوليد عاملون بالأخبار المتضمنة للمضايقة، لأنهم ذكروا أنه
لا يحل رد الخبر الموثوق برواته، وحفظتهم الصدوق ذكر ذلك في كتاب من لا يحضره
الفقيه، وخريت هذه الصناعة ورئيس الأعاجم الشيخ أبو جعفر الطوسي مودع أحاديث
المضايقة في كتبه مفت بها، والمخالف إذا علم باسمه ونسبه لم يضر خلافه) إلى آخره.
التي بما سمعته سابقا في تحرير محل النزاع من تعداد القائلين بالمواسعة ينكشف لك فساد
دعوى هذه الاجماعات وخطأ حاكيها في استنباطها، وكيف لا وقد عرفت أنا لم نقف
بعد الاستقراء على قائل بالمضايقة من أصحاب الفتاوى سوى جماعة ذكرناهم، وعمدتهم
نقلة الاجماع الذين هم ليسوا في عصر واحد، ولم يخل عصر أحد منهم من الخلاف،
ومن المعلوم أنه لا يصح الاجماع نقلا بموافقة المتأخر ولو فتوى، كما أنه لا يصح المتأخر
بموافقة فتوى بعض قد اشتهر الخلاف في زمانه وقبله وبعده، بل لو لوحظ كل إجماع
حكي على المضايقة وما سبقه من الفتاوى الموافقة له والمخالفة لقضي منه العجب.
ولذا حكي عن صاحب العصرة مشيرا إلى ابن إدريس على الظاهر أنه قال:
وقد رأيت بعض فقهائنا الآن قد صنف مسألة في معنى القضاء، وقال بقول الشيخ
وادعى إجماع الطائفة على قوله، فتعجبت من ذلك، وكيف ادعى الاجماع مع اختلاف
الجماعة الذين ذكرناهم على عظم أقدارهم وشهرة آثارهم بين الأصحاب، ثم أورد على
الشيخ في الخلاف بأن ادعاءه الاجماع لعجيب أتراه لم يعتد بقول الشيخين المتقدمين
أي الصدوقين وسلفهما أو لم يعدهما من الأصحاب أو لم يبلغه قولهما وقول سلفهما،
وناهيك به رادا للاجماع في عصر مدعيه فضلا عن المحقق والشهيد وغيرهما ممن رده
أيضا، بل قد عرفت فيما مضى أنه يمكن دعوى استقرار الاجماع على عدم المضايقة وإن
كان قد فصل من فصل بما سمعت، إلا أنك عرفت أنه قائل بالمواسعة في المعظم، بل
78

بعضهم عدل عنه إليها تماما، وإن قيل: لعل مدعي الاجماع أخذه من رواة الأخبار
لا أصحاب الفتاوى كما يومي إليه ما سمعته من الخلاصة كان أوضح فسادا من الأول،
لأنهم رووا أخبار الطرفين، بل لو قيل: إن معظمهم على المواسعة لم يكن بعيدا، لما
تقدم من النص عليها في أصل الحلبي الذي رواه عنه خلق من أصحابنا بطرق كثيرة
فيها المفيد والتلعكبري والصدوقان وابن الوليد وسعد والحميري والصفار وابن عيسى
وابن أبي عمير وحماد وغيرهم، وأصل الحسين بن سعيد ونوادر ابن عيسى الأشعري
وكتب الصدوقين والجعفي والواسطي وفقه الرضا (عليه السلام) وكتاب علي بن جعفر
والحميري ومحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي صاحب نوادر الحكمة ومحمد بن علي
ابن محبوب الأشعري صاحب كتاب الجامع وسعد بن عبد الله الأشعري صاحب كتاب
الرحمة والسيد أبي طالب الحسيني ودعائم الاسلام وغيرها من الكتب المتقدمة للثقاة
الأجلاء المعدودين من أجلاء الفقهاء وممن أجمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنه،
بل في أخبار المواسعة من لا يحتاج فضله إلى شهادة، كحريز وإسماعيل بن جابر وجميل
ابن دراج والحسن بن محبوب وجابر بن عبد الله ومحمد بن مسلم وأبي بصير وسليمان بن
خالد وعبد الله بن سنان وعيص بن القاسم وسعيد الأعرج وسماعة وعمار وغيرهم.
وأوضح من ذلك لو استند في استنباطه إلى السيرة التي عرفت حالها فيما قدمناه
من أدلة المواسعة، على أن إجماع المفيد منهم في الرسالة المنسوبة إليه في نفي السهو ربما
احتمل أنها للمرتضى، وإلا فمقنعته التي هي المرجع في أقواله غير واضحة الدلالة على
أصل المضايقة والترتيب، فضلا عن دعوى الاجماع، وقد قال في الرسالة المزبورة على
ما حكي عنها: (إن الخبر المروي في نومه (صلى الله عليه وآله) عن صلاة الصبح يتضمن
خلاف ما عليه عصابة الحق، لأنهم لا يختلفون في أن من فاته صلاة فريضة فعليه أن
يقضيها في أي وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يكن الوقت مضيقا لصلاة فريضة حاضرة
79

وإذا حرم أن يؤدي فيه فريضة قد دخل وقتها ليقضي فرضا قد فاته كان من حظر
النوافل عليه قضاء ما فاته من الفرض أولى مع الرواية (1) عن النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه قال: (لا صلاة لمن عليه صلاة) يريد أنه لا نافلة لمن عليه فريضة) وهو كما ترى
ظاهر في عدم وقوفه على فتاواهم في خصوص ذلك، لكنه استنبطه بالأولوية من عدم
الاختلاف المزبور، ومن الواضح أولا عدمها بناء على أن حرمة فعل الحاضرة قبل
الفائتة للترتيب لا الفورية كالعصر بالنسبة إلى الظهر، ضرورة الفرق حينئذ بينها وبين
النافلة، وثانيا أنه يحتمل إرادته عدم الاختلاف في العبارة المزبورة التي فهم هو منها
الحرمة، ولعلنا نمنعه عليه، ونقول: إن مرادهم وجوب قضائها في سائر الأوقات عدا
وقت الحاضرة وإن لم يكن على الفور كما يومي إليها وقوع نحوها ممن علم أن مذهبه
المواسعة، بل عبروا بمثلها في قضاء النوافل، وثالثا أنه صريح في أن إجماعه ليس بالمعنى
الذي عند المتأخرين من القطع بقول المعصوم، بل هو بمعنى الاتفاق وعدم الاختلاف،
فصح لنا نقضه بما سمعته من تحققه ممن سبقه وتقدم عليه، بل الذي يقوى في ظني أن
كثيرا من إجماعات القدماء بمعنى الاتفاق على القواعد الكلية التي تكون مدركا لبعض
الأحكام الجزئية، كما يرشد إليه ما سمعته من الخلاصة، فإنه ظاهر في أن دعواه الاجماع
المزبور نشأت من ذكرهم عدم حل رد الخبر الموثوق برواته، وأنت خبير أن ذلك
لا يقتضي الاجماع على أصل الحكم، بل هو عنه بمعزل، كما هو واضح.
ولقد أجاد المحقق الشيخ علي بن عبد العالي في تعليق الإرشاد حيث قال: كلام
ابن إدريس غير صريح في دعوى الاجماع على القول بالمضايقة، لأنه يحتمل أن يراد
به الاجماع على أن الأدلة التي ذكرها حجة لا أن ما استدل عليه من هذه المسألة انعقد

(1) المستدرك الباب 46 من أبواب المواقيت الحديث 2
80

الاجماع عليه، وهو جيد، لكن كان ينبغي جزمه بذلك حتى بالنسبة إلى إجماعه الذي
ادعاه في السرائر وإن كان لم يصرح بنحو ذلك فيها، لكنه مراده في الرسالة قطعا،
خصوصا مع إحالته المسألة في السرائر إليها مدعيا أنه بلغ فيها إلى أبعد الغايات وأقصى
النهايات، ضرورة عدم تركه ذكر مثل ذلك فيها الذي هو أعظم من كل ما ذكر، فيعلم
أن هذا أقصى ما كان عنده، ولو وجد ملجأ غيره لأورده، ومن العجيب ذكره هذا
الاجماع هنا وإنكاره العمل بأخبار الآحاد الثقاة في السرائر مدعيا فيها الاجماع أو
الضرورة، كما أنه من العجيب نقله في الرسالة المزبورة عمن عرفت ممن علم حاله أنه ممن
لا يقول بالمضايقة، بل من العجيب أيضا عدم ذكره رواة المواسعة مقابل ذلك، ولذا
رده غير واحد بأن الرواة رووا أخبار الطرفين، وكم له من عجيب جربه الطعن إلى
نفسه ممن تأخر عنه من الأساطين، بل ومن عاصره، فإنك قد سمعت أن سديد الدين
محمود الحمصي المعاصر له صاحب التصانيف الكثيرة علامة زمانه في الأصوليين كما عن
تلميذه منتجب الدين كان يطعن عليه بأنه مخلط لا يعتمد على تصنيفه، ولعله أخذه مما
يظهر عليه من إرادة الترويج، فربما يدعي الدعوى ويذكر فيها الاجماع ثم ينقضها في
مكان آخر قريب منه ويدعي فيها الاجماع، كما حكي عنه في مفتاح الكرامة أنه نقل
الاجماع في بحث الولاء على أنه إذا كان المعتق المتوفى امرأة فولاؤها لعصبتها دون ولدها
وإن كانوا ذكورا، ثم رجع عنه، لأنه راجع تصانيف الأصحاب وأقوالهم فوجدها
مختلفة، ثم ما بعد به المدى حتى نسب إلى الخلاف خلاف ما نقل هو عنه، وربما يمدح
الموافق له تارة لأنه وافقه، ويذمه أخرى ويجعله عن العلم بمعزل، إلى غير ذلك مما
يطول ذكره، بل لو أردنا استقصاء البحث في نفس عبارته التي سمعتها في الرسالة المزبورة
لاحتاج إلى تسويد جملة من القرطاس، وفيما سمعته الكفاية للمتنبه الفطن.
ومما سمعت يظهر البحث أيضا في إجماعات غيره في المقام كاجماع الشيخ في
81

الخلاف الذي علله بأنهم لا يختلفون في ذلك، فإنه يرد عليه ما سمعته في كلام المفيد،
على أنه هو بنفسه قد يشعر بعض عباراته في بعض كتبه به، بل ربما آوى بعض أخبار
المواسعة غير راد لها ولا مؤل، بل ربما تشعر جملة من عباراته في الاستبصار بأن المدار
في تضيق الحاضرة عنده الوقت الاختياري، ومن هنا قال بعض مشائخنا المحققين:
إن كلام الشيخ في كتبه لا يخلو من اختلاف واضطراب، وأما إجماع ابن زهرة فلا يخفى
على الخبير حاله بل وحال غيره من إجماعاته، بل قد يحتمل أن منشأه هنا دعوى المرتضى
الاجماع على فورية الأوامر المطلقة في الكتاب والسنة، أو تلك العبارة التي سمعتها في
كلام المفيد أو غير ذلك، وبقي إجماع الرسيات وشرح الجمل، ويجري فيهما بعض ما
تقدم، وبالجملة الركون هنا إلى هذه الاجماعات التي قد عرفت حالها من الفتاوى
والروايات مما لا يقطع بالعذر معه عند رب السماوات، خصوصا بعد ما سمعت من
معارضتها بالاجماعات السابقة في أدلة المواسعة، واشتهار الاعراض عنها في الأعصار
المتأخرة المملوة من الأفاضل المحققين الذين لا يجسر على دعوى قصورهم عن المتقدمين،
بل هي على العكس أقرب إلى الصواب كما لا يخفى على ذوي الألباب، بل هم معهم أشبه
شئ بقوله تعالى (1): (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها)) ويكفيهم في الفضل
أنهم علموا ما عند المتقدمين وزادوا عليهم بما عندهم، وأعلم الناس من يجمع علمه وعلم غيره.
ولقد أجاد المجلسي طاب ثراه فيما حكي عنه في أحكام صلاة الجمعة من البحار حيث
قال: (وأي فرق بين عمل الشهيد الثاني ومن تأخر عنه وعمل الشيخ ومن تأخر عنه
إلى زمان الشهيد الثاني حيث يعتبر أقوال أولئك ولا يعتبر أقوال هؤلاء، مع أنه لا ريب
أن هؤلاء أدق فهما وأذكى ذهنا وأكثر تتبعا منهم، ونرى أفكارهم أقرب إلى الصواب
في أكثر الأبواب) إلى آخره. مع أنه لا يخفى عليك وضوح الفرق بين المقامين وشدة

(1) سورة البقرة الآية 100
82

التباين بين المسألتين، لما عرفت من كثرة القائلين من القدماء بالمواسعة، بل هي أقرب
إلى دعوى الاجماع من المضايقة، إذ أرباب الثانية المقطوع بفتواهم بها بالنسبة إلى الأولى
نزر قليل، بل لم يعرف عن بعضهم إلا بالنقل كالقديمين، وليس هو كالعيان.
فظهر حينئذ ضعف معارضة تلك الأدلة بهذه الاجماعات، كمعارضتها بقوله
تعالى (1): (وأقم الصلاة لذكري) لما حكاه في الذكرى عن كثير من المفسرين أنها
في الفائتة، لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (2): (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها
إذا ذكرها، إن الله تعالى.. الخ) وعن البيضاوي بعد ذكر جملة من معاني الآية
أو لذكر صلاتي، لما روي أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (من نام) الخبر. كما عن
مجمع الطبرسي أيضا بعد ذكر جملة من المعاني، وقيل: معناه أقم الصلاة معنى ذكرت أن
عليك صلاة كنت في وقتها أو لم تكن عن أكثر المفسرين، وهو المروي (3) عن
أبي جعفر (عليه السلام)، ويعضده ما رواه أنس (4) (أن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال - إلى آخره - وقرأ أقم الصلاة لذكري) رواه مسلم في الصحيح ونحوه عن جوامعه
مضافا إلى ما سمعته في صحيح زرارة (5) المروي في الذكرى الذي ذكرناه في أدلة
المواسعة، كصحيحه الآخر (6) عن الباقر (عليه السلام) (إذا فاتتك صلاة فذكرتها
في وقت أخرى فإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت
فابدأ بالتي فاتتك، فإن الله عز وجل يقول: أقم الصلاة لذكري، وإن كنت تعلم إذا

(1) سورة طه - الآية 14
(2) المستدرك الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 12
(3) مجمع البيان سورة طه الآية 14
(4) صحيح مسلم ج 2 ص 142
(5) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 6
(6) الوسائل الباب 62 من أبواب المواقيت الحديث 2
83

صليت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها واقض الأخرى) إذ هو
ظاهر في استفادة الفورية من الآية، ولذا استدل بها عليها، فتكون اللام للتوقيت
أي عند ذكري.
ويعضدها حينئذ الأخبار الكثيرة المستفاد منها ذلك، كالنبوي (1) الذي
ادعى في السرائر أنه من المجمع عليه بين الأمة (من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين
يذكرها) والآخر المروي عن رسيات المرتضى (من ترك صلاة ثم ذكرها فليصلها
إذا ذكرها، فذلك وقتها) وخبر نعمان الرازي (2) سأل الصادق (عليه السلام) (عن
رجل فاته شئ من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها قال: فليصل حين
ذكر) ونحوه صحيح حماد بن عثمان (3) بل لعلهما خبر واحد وإن وقع خلل في السند،
وصحيح زرارة (4) عن الباقر (عليه السلام) (أربع يصليها الرجل في كل ساعة:
صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أديتها، وصلاة ركعتي طواف الفريضة، وصلاة الكسوف،
والصلاة على الميت، فهذه يصليهن الرجل في الساعات كلها) وصحيح معاوية بن عمار (5)
عن الصادق (عليه السلام) (خمس صلوات لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، وإذا
أردت أن تحرم، وصلاة الكسوف، وإذا نسيت فصل إذا ذكرت، وصلاة الجنازة)
وموثقه (6) عن الباقر (عليه السلام) (أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي
صلاة لم يصلها أو نام عنها قال: يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا)

(1) سنن البيهقي ج 2 ص 219
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب المواقيت الحديث 16 - 2 - 1 - 4
(3) الوسائل الباب 39 من أبواب المواقيت الحديث 16 - 2 - 1 - 4
(4) الوسائل الباب 39 من أبواب المواقيت الحديث 16 - 2 - 1 - 4
(5) الوسائل الباب 39 من أبواب المواقيت الحديث 16 - 2 - 1 - 4
(6) الوسائل الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 1
84

وخبر يعقوب بن شعيب أو صحيحه (1) عن الصادق (عليه السلام) (سألته عن الرجل
بنام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟
فقال: يصلي حين يستيقظ) وصحيح زرارة أيضا أو خبره (2) عن الباقر (عليه السلام)
(إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي
وجب عليه، لا يزيد على ذلك ولا ينقص، ومن نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها
مسافرا كان أو مقيما، وإن نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما)
وصحيحه الآخر (3) عن الباقر (عليه السلام) في قول الله تعالى (4): (إن الصلاة
كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) قال: يعني مفروضا، وليس يعني وقت فوتها،
إن جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن صلاته مؤداة، ولو كان ذلك كذلك لهلك سليمان
ابن داود حين صلاها لغير وقتها، ولكن متى ما ذكر صلاها، ومتى ما استيقنت أو
شككت في وقتها أنك لم تصلها أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها، فإن شككت
بعد ما خرج وقت الفوت وقد دخل حائلا فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن،
فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال كنت).
وموثقة سماعة بن مهران (5) (سألته عن رجل نسي أن يصلي الصبح حتى طلعت
الشمس قال: يصليها حين يذكرها) وصحيح أبي ولاد (6) عن الصادق عليه السلام سأله

(1) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 4
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 4
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 7 من أبواب المواقيت الحديث 4 وذيله في
في الباب 60 منها الحديث 1
(4) سورة النساء الآية 104
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 5
(6) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
85

عن حكمه حيث أنه مسافر وقصر في النهار ثم عدل في الليل وأراد الرجوع إلى منزله ولم
يدر أيقصر في رجوعه أم يتم؟ فقال (عليه السلام) بعد كلام: (وإن كنت لم تسر
في يومك الذي خرجت فيه بريدا فإن عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك
بالتقصير بتمام من قبل أن تريم من مكانك ذلك، لأنك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه
التقصير حتى رجعت، فوجب عليك قضاء ما قصرت، وعليك إذا رجعت أن تتم
الصلاة حتى تصير إلى منزلك): وصحيح زرارة (1) عن الباقر (عليه السلام) أنه
سئل (عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها فقال: يقضيها
إذا ذكرها في أي ساعة ذكر من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما قد فاته
فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت، وهذه أحق بوقتها
فليصلها، فإذا قضاها فليصل ما قد فاته مما قد مضى، ولا يتطوع بركعة حتى يقضي
الفريضة كلها).
وصحيحه الآخر الطويل (2) عن الباقر (عليه السلام) الذي هو عمدة أدلة
القائلين بالمضايقة حتى أن الشيخ في الخلاف قال: إنه جاء مفسرا للمذهب كله، قال:
(إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن فأذن
لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة، وقال: قال أبو جعفر عليه السلام:
وإن كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصل الغداة أي ساعة ذكرتها
ولو بعد العصر، ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها، وقال: إذا نسيت الظهر حتى
صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثم صل العصر،
فإنما هي أربع مكان أربع، وإن ذكرت أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 3
(2) الوسائل الباب 63 من أبواب المواقيت الحديث 1
86

صليت منها ركعتين فانوها الأولى ثم صل الركعتين الباقيتين، وقم فصل العصر،
وإن كنت قد ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل
العصر ثم صل المغرب، وإن كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر، فإن كنت قد
صليت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم قم فأتمها ركعتين ثم تسلم
ثم تصلي المغرب، فإن كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب
وإن كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم
سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة، فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر
فصل العشاء الآخرة، وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من
الغداة فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة وأذن وأقم، وإن كانت المغرب والعشاء قد
فاتتاك فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثم العشاء، فإن خشيت أن تفوتك
الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم بالغداة ثم صل العشاء، فإن خشيت أن تفوتك
الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب والعشاء وابدأ بأولهما، لأنهما جميعا
قضاء، أيهما ذكرت فلا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس، قال: قلت: لم ذاك؟ قال:
لأنك لست تخاف فوتها).
وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى، فقال: إذا نسي الصلاة أو نام عنها
صلى حين يذكرها، فإذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي، وإن ذكرها مع إمام في
صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها، وإن كان صلى العتمة
وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر أنه نسي المغرب أتمها بركعة، فتكون صلاته للمغرب

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب المواقيت الحديث 2
87

ثلاث ركعات ثم يصلي العتمة بعد ذلك) وصحيح صفوان بن يحيى (1) عن أبي الحسن
(عليه السلام) (سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلى العصر
فقال: كان أبو جعفر (عليه السلام) أو كان أبي (عليه السلام) يقول: إن أمكنه أن
يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، وإلا صلى المغرب ثم صلاها) وخبر أبي بصير (2)
(سألته عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر قال: يبدأ بالظهر، وكذلك
الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلا أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في
وقتها ثم تقضي التي نسيت) وخبر معمر بن يحيى (3) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبين له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى، قال:
يصليها قبل أن يصلي هذه التي قد دخل وقتها إلا أن يخاف فوت التي قد دخل وقتها)
وما عن دعائم الاسلام (4) روينا عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال: (من فاتته
صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى فإن كان في الوقت سعة بدأ بالتي فاتته وصلى التي
هو منها في وقت، وإن لم يكن في الوقت إلا مقدار ما يصلي التي هو في وقتها بدأ بها
وقضى بعدها الصلاة الفائتة) والمروي (5) في كتب الأصحاب مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: (لا صلاة لمن عليه صلاة).
وجميع ذلك كما ترى غير صالح في نفسه لاثبات تمام ما سمعته من أهل المضايقة
في عنوان النزاع فضلا عن أن يعارض تلك الأدلة السابقة، أما الآية فلا ريب في
عدم ظهورها في نفسها مع قطع النظر عن تفسيرها بالأخبار فيما ذكره، بل هي ظاهرة في

(1) الوسائل الباب 62 من أبواب المواقيت الحديث 7 8
(2) الوسائل الباب 62 من أبواب المواقيت الحديث 7 8
(3) التهذيب ج 2 ص 46 الرقم 150 من طبعة النجف
(4) المستدرك الباب 47 من أبواب المواقيت الحديث 1
(5) المستدرك الباب 46 من أبواب المواقيت الحديث 2
88

عدمه، إذ لا يخفى كون الخطاب بالآية الشريفة لموسى على نبينا وعليه السلام، فإنه
سبحانه قال (1): (وهل أتاك حديث موسى - إلى أن قال -: فلما أتاها نودي
يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى، وأنا اخترتك فاستمع
لما يوحى، إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني، وأقم الصلاة لذكري، إن الساعة آتية
أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى، فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه
فتردى، وما تلك بيمينك يا موسى) إلى آخرها، واحتمال إرادة الخطاب لنبينا صلى الله عليه وآله
بقوله: (فاعبدني) إلى قوله: (وما تلك) على أن يكون جملة معترضة بينهما
أو لكل مكلف في غاية الضعف بل الفساد، على أنه لا ينافي ما ستسمع، بل الظاهر أنه
تعالى شأنه لما بشره بالرسالة أمره بالاستماع لما أوحاه له من التوحيد الذي هو أصل
الأصول والفروع، والعبادة له تعالى التي هي نتيجة كمال الايمان الكاشفة عن حصوله
وثبوته، ثم عطف الصلاة له عليها من عطف الخاص على العام، لأنها أفضل العبادات
وعمود الطاعات، فالياء في ذكري كياء فاعبدني أي أقم الصلاة لي، إذ إقامتها لذكره
إقامة له تعالى شأنه، أو أن المراد أقمها لأجل ذكري، إذ الصلاة في الحقيقة باعتبار
اشتمالها على التسبيح والتعظيم والأذكار واشتغال القلب واللسان في الله بسببها ذكر من
أذكاره، بل عبر عن الصلاة بالذكر في قوله تعالى (2): (فاسعوا إلى ذكر الله) وقوله
تعالى (3): (فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم) وقوله تعالى (4): (الذين يذكرون
الله قياما وقعودا) ومنه (5) (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) وعن

(1) سورة طه الآية 8 إلى 18
(2) سورة الجمعة الآية 9
(3) سورة البقرة الآية 240
(4) سورة آل عمران الآية 181
(5) سورة الروم الآية 16
89

الباقر (عليه السلام) (1) (ذكر الله لأهل الصلاة أكبر من ذكرهم إياه ألا ترى أنه
تعالى يقول (2): فاذكروني أذكركم) وربما حمل عليه قوله تعالى أيضا (3): (ولذكر
الله أكبر) أو أن المراد أقمها لأجل أن تكون ذاكرا لي غير ناس كما هو شأن المخلصين
والأولياء الذين لا يفترون عن ذكر الله، ولا تلهيهم تجارة ولا بيع عنه، أو أن المراد
لأجل ذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري، أو لاخلاص ذكري وطلب وجهي لا ترائي
بها ولا تقصد بها غرضا آخرا أو لأني أذكرك بالمدح والثناء وأجعل لك لسان صدق،
أو لأني ذكرتها في الكتب، أو لذكري إياها وأمري بها فأقمها امتثالا لذلك، أو
لوجوب ذكري على كل أحد، وهي منه، أو لأوقات ذكري، وهي مواقيت الصلاة،
أو غير ذلك لا أن المراد أقم الصلاة لذكري لك إياها عند نسيانك لها أي تذكيري
وأضافه إليه مع أن المناسب التعبير بذكرها لما قيل من أنه ورد في الأخبار أن
الذكر والنسيان من الأشياء التي لا صنع للعباد فيها، أو أن المراد لذكر صلاتي على جهة
الاضمار أو التجوز بإرادتها من ضمير التكلم، إذ هو كما ترى مع ركاكته وظهور الآية
بخلافه مناف لمرتبة موسى أو نبينا (عليهما الصلاة والسلام) من نسيان الصلاة، على أن
الآية كالصريحة في إرادة الأمر بإقامة أصل الصلاة وبيان زيادة الاهتمام بها لا خصوص
الفائتة منها.
ودعوى وجوب القول بذلك للأخبار المتقدمة والمحكي عن أكثر المفسرين وإن
كان ظاهر الآية نفسها ما تقدم يدفعها - بعد إمكان منع قبول مثل هذه الأخبار في

(1) تفسير الصافي سورة البقرة الآية 147
(2) سورة البقرة الآية 147
(3) سورة العنكبوت الآية 44
90

صرف مثل هذا الظاهر من الكتاب، ضرورة أولويته من التخصيص أو التقييد بخبر
الواحد الصحيح الصريح الذي منعه جماعة - أنه لا ظهور في تلك الأخبار بإرادة الفائتة
خاصة من الصلاة فيها، بل ولا إرادة التذكر من النسيان من الذكر فيها، إذ صحيح زرارة
مع اشتماله على ما لا يقول به أهل المضايقة بل ربما رده بعضهم باشتماله على نوم النبي صلى الله عليه وآله
ليس فيه سوى الاستدلال على وجوب القضاء إذا ذكر بالآية، وهو يتم مع كون
الصلاة فيها للأعم من الحاضرة والفائتة، بل ويتم وإن كان الذكر فيها لا بمعنى التذكر
بعد النسيان، بل يكفي فيه استفادة قضاء الصلاة من إطلاق الأمر فيها بإقامة الصلاة
معللا بالذكر الذي منه يستفاد إرادتها وإن خرج وقتها، ودعوى إرادته (عليه السلام)
استفادة الفورية حال الذكر منها ممنوعة كل المنع، لما ستعرفه من أنه لا دلالة في مثل
هذه العبارة الواقعة فيه على الفورية كي يحتاج إلى الاستدلال عليها، خصوصا وقد سمعت
ما عن الطبرسي في كتابيه من تعميم الصلاة في الآية للحاضرة والفائتة حاكيا له عن أكثر
المفسرين راويا له عن الباقر (عليه السلام)، كما أنه حكي عن الشيخ الذي هو من
أرباب المضايقة في تبيانه أنه قال بعد أن فسر الآية ببعض ما ذكرناه نحن: (وقيل:
إن المعنى متى ذكرت أن عليك صلاة كنت في وقتها أو فات وقتها فأقمها) إلى آخره،
فيجب حينئذ حمل قوله: (لذكري) وإن قلنا إنه بمعنى التذكر على أن زمان التذكر
وقت لوجوب الصلاة مطلقا دفعا لتخيل سقوط الوجوب بالنوم أو النسيان في أول الوقت
أو عدم وجوب القضاء بعد خروج الوقت، أو وجوب شئ آخر غير القضاء، أو
وجوب القضاء في وقت خاص كالأداء، بل لو لم يستفد منه إلا مجرد إيجاب القضاء
بعد الذكر لكونه فرضا جديدا لكفى بذلك فائدة، لا أن المراد أنه يجب الفعل في
أول أوقاته، لعدم صحته بالنسبة للحاضرة التي هي أهم للشارع في إرادة بيانها بالآية،
فاللام حينئذ بمعنى (بعد) بل لو جعل بمعنى (في) أو (عند) أمكن القول بأن
91

وقت الذكر جنس يصدق في أفراد متعددة وإن كانت مترتبة الوجود، فيحصل الامتثال
بايقاع الفعل في أي واحد منها، بل لو فرض استمرار زمان الذكر كان أوضح في
الامتثال بالتأخير، إذ هو حينئذ كقوله: صل يوم الخميس، ودعوى إرادة الأول
لا شاهد لها.
بل قد يقال: إن قول النبي (صلى الله عليه وآله) في الصحيح المزبور (1):
(من نسي شيئا من الصلاة) بعد أن صلى الصبح ونافلتها يشعر بإرادته الأعم من
الفريضة من الصلاة، فيجب حمل الأمر حينئذ على الطلب المطلق الذي هو أعم من
الوجوب والندب، وحمل التوقيت بالذكر على عدم إرادة الفورية، ضرورة عدم التضييق
في النافلة، والتقييد والتخصيص ليس بأولى مما ذكرنا، خصوصا لو قلنا: (إذا) للتوقيت
وسلمنا إرادة أول أزمنته لكن الأمر للندب حتى يشمل النافلة، لأن مجازية الندب في
الأمر في غاية الشيوع والكثرة، كما أن أمره فيه لأصحابه بالتحول وصلاته النافلة
قبل القضاء ظاهر في عدم إرادته وجوب الفعل في أول زمان الذكر من لفظ (إذا) فيه
بل قد يدعى ظهور هذه وما ماثلها في نفسها فضلا عن القرائن المؤيدة في إرادة بيان
سببية الذكر للوجوب وابتداء حصوله فيه كقولهم عليهم السلام (2): إذا دخل الوقت وجب الطهور
والصلاة، وإذا انكسفتا أو إحداهما فصلوا، وإذا شككت في الركعتين فأعد، وإذا
شككت في المغرب فأعد، وإذا شككت في الفجر فأعد، بل روي (3) (فيمن أجنب
في رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان أن عليه أن يقضي الصلاة والصوم إذا

(1) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 6
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الوضوء الحديث 1 والباب 1 من أبواب صلاة
الكسوف الحديث 10 والباب 1 من أبواب الخلل الحديث 14 والباب 2 منها الحديث 1
(3) المستدرك الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 1 والوسائل
الباب 30 من أبواب من يصح منه الصوم من كتاب الصوم
92

ذكر) ومن الواضح عدم فورية قضاء الصوم بالمعنى المزبور، ونحو قوله تعالى (1):
(وسبعة إذا رجعتم).
بل قد يقال: إن هذا التقييد يؤتى به عرفا لصحة الكلام وتكميله، ضرورة
استنكار قوله: إذا نسيت الصلاة فصل، أو إذا نمت عن الصلاة فصل، وإذا أغمي
عليك فصل وعدم مألوفيته إن لم يقيد بالذكر في الأول واليقظة في الثاني والإفاقة في
الثالث، ولو أردت وضوح الحال فافرض نفسك المجيب عن هذا السؤال، إذ خطابات
الشارع كخطابات بعضنا مع بعض، ومن المعلوم عدم إرادة الفورية التي يقولها الخصم
من ذلك، ولو فرض إرادتها لم يكتف بمثل هذه العبارة التي لا أقل من احتمال كون
(إذا) فيها ظرفا للوجوب أو للقضاء.
ونحو ذلك كله يجري في النبوي المشتمل على ذكر الآية أيضا بعد الاغضاء عن
ضعف سنده، بل وصحيح زرارة الآخر أيضا وإن استدل فيه بالآية على وجوب البدأة
بالفائتة مع سعة الوقت، لكنه من حيث أن المستدل عليه لا ظهور فيه بمضايقة الخصم
كما أن المستدل به لا دلالة فيه أصلا على الترتيب الذي في السؤال كان محتملا لإرادة
الاستدلال بالآية على الرخصة أو مطلق الطلب الذي هو أعم من الوجوب التعييني في
البدأة بالفائتة وفعلها وقت الحاضرة دفعا لتوهم منع الجواز أو الرجحان الحاصل من شدة
ما ورد من التأكيد في المحافظة على الحاضرة في وقتها، فيكون المقصود حينئذ بيان أن
ذلك أحد أفراد الواجب التخييري، على أنه لا دلالة فيه على إرادة وقت الاجزاء أو
الفضيلة، بل لعل الظاهر الثاني، لشيوع إرادته من مثل التعبير المزبور وندرة فرض
الأول كي يحتاج إلى التنبيه عليه، بل والنبوي الذي ادعى في السرائر إجماع الأمة عليه
التي يمكن منعها عليه، إذ الظاهر منه إرادة بيان كون الذكر وقت وجوبها ووقت صحة

(1) سورة البقرة الآية 192
93

فعلها، نحو ما سمعته في قوله عليه السلام: (إذا ذكرها) لا مضايقة الخصم.
بل لعل المقصد الأصلي من ذلك إرادة بيان عدم اختصاصها بوقت من الأوقات
وبيان صلاحية سائر الأوقات لها، وبيان عدم سقوطها بمجرد فوت وقتها الأدائي،
كخبر نعمان الرازي الذي بعده بعد الاغضاء عن سنده، بل هو أظهر منه في كون المقصود
منه بيان ذلك، لكون السؤال فيه وقع عن فعل القضاء في الوقت الذي يتوهم فيه الحظر
كما عن أبي حنيفة وأصحابه، أو شدة الكراهة لاشتهار النهي عنه، بل لعل السؤال
فيه عن الأعم من قضاء الفريضة والنافلة، فيكون الأمر فيه لمطلق الطلب، بل أظهر
منهما في المعنى المذكور صحيحا زرارة ومعاوية، ضرورة كون المقصود منهما عين ما في
خبر أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) (خمس صلوات يصلين في كل وقت:
صلاة الكسوف، والصلاة على الميت، وصلاة الاحرام، والصلاة التي تفوت، وصلاة
الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل) وما تقدم من المحكي عن
أصل الحلبي (2) (خمس صلوات يصلين على كل حال متى ذكر ومتى أحب: صلاة
فريضة نسيها يقضيها مع غروب الشمس وطلوعها - إلى أن قال -: وكسوف الشمس
عند طلوعها وعند غروبها) بل يؤيده أيضا أن باقي الخمس أو الأربع فيهما لا مضايقة
بمعنى الخصم في شئ منها، فقوله حينئذ في أولهما: (فمتى ذكرت) يراد به تقرير ما ذكره
أولا من الصلاة في كل ساعة، كقوله: (إذا ذكرت) في ثانيهما أي أنه لا بأس
بفعلها حال الذكر في أي وقت كان ليلا أو نهارا حسب ما في الموثق المتقدم بعد
الصحيحتين، والسؤال في خبر ابن شعيب محتمل لأن يكون عن الجواز بلا كراهة أو
الرجحان، وصحيح زرارة يجري فيه ما سمعت، بل صحيحه الآخر ظاهر في إرادة

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب المواقيت الحديث 5
(2) المستدرك الباب 31 من أبواب المواقيت الحديث 1
94

ما تقدم من عدم سقوط الصلاة بفوت وقت الأداء، مع أنه مشتمل على وجوب الصلاة
مع الشك فيها في الوقت أو اليقين، ومن المعلوم عدم وجوب المبادرة في ذلك.
وموثقة سماعة يعرف حالها مما تقدم، وصحيح أبي ولاد - مع اشتماله على تحديد
المسافة بما لا يقوله جملة من أرباب المضايقة كما قيل، واحتمال (من قبل) فيه صلة لصليتها
ليناسب التعليل المتصل به وإن بعد من جهة تعلق ما قبله وهو (بتمام) بقوله: (تقضي)
إلا أنه قد يراد به مطلق الإعادة - يجب طرحه، لما ستعرف إن شاء الله في محله من
عدم وجوب قضاء المقصورة بالعدول عن السفر، بل قيل: إنه مجمع عليه، أو حمله على
الاستحباب، واحتمال الاستدلال به بناء على الثاني باعتبار ظهوره في الوجوب الشرطي
في أداء المندوب ولا قائل بالفرق بينه وبين الواجب في ذلك كما ترى ظاهر المنع،
وصحيح زرارة يعرف حاله مما تقدم، بل لعل فيه ما يقتضي أولويته بذلك مما سبق
من إرادة مطلق الجواز أو الرجحان، واحتمال إرادة وقت الفضيلة وغير ذلك.
وأما صحيحه الآخر الطويل الذي هو عمدة أدلة المضايقة فهو - مع أن سنده
لا يخلو من كلام في الجملة، وشهادة ذيله للمواسعة، وجريان ما تقدم في قوله فيه: (أي
ساعة ذكرتها) و (متى ذكرت) سيما بعد قوله فيه: (ولو بعد العصر) ومعارضته بما
في صحيح الصيقل (1) عن الصادق (عليه السلام) من أمر ناسي المغرب حتى صلى
ركعتين من العشاء باتمام العشاء ثم قضاء المغرب بعد معللا للفرق بينه وبين الظهر والعصر
في ذلك بأن العشاء بعدها صلاة بخلاف العصر، فإن حمله على إرادة مغرب ليلة سابقة
وعدم وجوب العدول كما هو مذهب القائلين بالمواسعة أولى من حمله على الحاضرتين
كما اعترف به في الذكرى المستلزم لطرحه، لمعلومية وجوب العدول فيهما، أو حمله على
خلاف ظاهره أو صريحه من ضيق وقت العشاء، فتأمل، وتضمنه لحكم الحاضرتين

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب المواقيت الحديث 5
95

المشتركتين في الوقت المنبئ عن أن ما ذكر فيه من العدول ليس من جهة المضايقة، كما
أنه كذلك أيضا، ضرورة عدم اقتضاء المضايقة العدول، لكونه حكما شرعيا مخالفا
للضوابط المحكمة والقواعد المتقنة، وهي تبعية الأعمال للنيات، خصوصا بالنسبة إلى
البعض الواقع، بل المتجه عليها أن الفساد أو الصحة لما شرع فيه وقام لها وافتتح الصلاة
عليها كما لو تجاوز محل العدول، وكون ذلك للدليل الذي قد أمرنا باتباعه والانقياد له
ولا يختص بالمضايقة، بل لأهل المواسعة القول به من جهته، بل لا ينافي ذلك قولهم
وإن أوجبوه بالنسبة إلى هذا الموضوع الخاص، وهو الذاكر في الأثناء، وإن كان هم
لم يلتزموا بذلك، إلا أن المراد بيان أن ذلك شئ لا تقتضيه المضايقة، ولا تنافيه
المواسعة لو جاء به الدليل الصريح، كما ستسمع له عند ذكر المصنف العدول زيادة إيضاح
فتأمل جيدا، واشتماله على ما حكي الاجماع على عدمه من العدول بالعمل بعد الفراغ منه
بل قوله (عليه السلام) فيه: (وإذا نسيت الظهر) إلى قوله: (حتى صليت العصر)
لا يكاد يتم له معنى سالم من التكرير أو غيره، واحتمال إرادة وقت الفضيلة من قوله
فيه: (ولم تخف فوتها) بل لعله الظاهر منه للمستقيم المتأمل، خصوصا مع مراعاة الندرة
لو أريد الوقت الاجزائي الذي هو نصف الليل كي يحتاج إلى الاحتراز عنه - محتمل
لإرادة الوجوب التخييري الراجح أو مطلقا من الأمر فيه بالعدول، بل لعله متعين
بملاحظة ما ذكرناه أخيرا، والأدلة السابقة المواسعة المقتضية عدم وجوب العدول
بسبب عدم وجوب الترتيب المستلزم لعدم وجوب العدول بطريق أولى.
ومن ذلك يظهر لك الحال في خبر عبد الرحمن الذي بعده المطعون في سنده بل
ودلالته من حيث كون الأمر فيه بلفظ الخبر، بل قيل: إن المستفاد من إطلاق السؤال
96

والجواب فيه ومن خبر أبي بصير (1) الآتي وغيره شمول أول الجواب لما إذا ذكرت
الصلاة في وقت إجزائها، فلا يكون الغرض من قوله (عليه السلام): (صلى حين
يذكرها) إيجاب المبادرة عند الذكر، ولا يكون الأحكام المذكورة في الترتيب مبنية
على ذلك، بل وصحيح صفوان أيضا، مع أن ظاهر جعل الغروب غاية للنسيان فيه
وقوع التذكر عنده أو بعده قبل زوال الحمرة لا قبل الانتصاف، فالترديد في الجواب
حينئذ يومي إلى أن المراد بفوات المغرب فوت وقت فضيلتها، فلا يكون الحكم فيه
بوجوب التقديم للحاضرة أو للفائتة على التعيين، بل وخبر أبي بصير المضمر المطعون
في سنده ودلالته للتعبير فيه بلفظ الخبر، إذ لم يقصد بوقت العصر في سؤاله أول وقتها
وهو بعد مضي أربع ركعات من الزوال وتأخر وقتها كما هو ظاهر، بل وقت فضيلتها
هو مؤكد لما سبق، فيكون المراد حينئذ بقوله: (وكذلك الصلوات) الغير المشتركة
في الوقت، بمعنى يبدأ بها إلا أن يخاف فوت وقت فضيلة الحاضرة، فلا يكون دالا
على مطلوب الخصم، إذ المقصود حينئذ التشبيه في الجملة، واحتمال جعل قوله: (تبدأ) ثانيا
حكما لجميع ما تقدم حتى بالنسبة إلى الظهرين وبراد بالصلوات فيه حينئذ الأعم مما سبق
ومن الحاضرتين المشتركتين في وقت كالعشاءين، فيتعين حينئذ إرادة وقت الاجزاء
من قوله فيه: (يخرج وقت الصلاة) بعيد جدا، بل يمكن القطع بعدمه.
وأما خبر معمر بن يحيى المطعون في سنده بل ودلالته أيضا بما سمعت فظاهره
الحاضرتان، وهو خارج عما نحن فيه، واحتمال إرادة التبين فيه بعد خروج تمام الوقت
أو في الوقت وترك الإعادة حتى خرج الوقت بعيد، بل لا وجه لوجوب الإعادة على
الأول إلا أن ينزل على الاستدبار ونحوه بناء على وجوب الإعادة فيه مطلقا، مع أنه

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب المواقيت الحديث 8 ولا يذكره (قده)
فيما يأتي وإنما تعرض له سابقا في ص 88
97

محتمل لإرادة خوف فوات وقت الفضيلة، كاحتمال إرادة الحواضر من خبر الدعائم
المطعون في مصنفه وفي أخباره سيما التي أرسلها ظاهرا، ومطلق الطلب الذي هو أعم
من الوجوب من الأمر الذي هو بلفظ الخبر فيه وغير ذلك، والنبوي المرسل الذي
لم يوجد في الأصول المعدة لجمع الأخبار محتمل لإرادة نفي الكمال مطلقا للنافلة غير الراتبة
ونحوها والفائتة في وقت الحاضرة، بناء على استحباب تقديمها على الفائتة، أو على نفيه
في خصوص الأولى بشهادة النبوي الآخر الصحيح (1) (إذا دخل وقت مكتوبة فلا
صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة) وإلا فإرادة نفي الصحة منه للنافلة والحاضرة أو الأخيرة
خاصة لمن عليه صلاة فائتة حتى يكون حجة للخصم لا دليل عليها، بل يمكن معارضته
باحتماله في نفسه عدم صحة الفائتة خاصة، أو هي والنافلة لمن عليه حاضرة، بل لعله
يلتزم به من يقول بوجوب تقديم الحاضرة كما نسب إلى ظاهر الصدوقين وغيرهما وإن
كان قدمنا سابقا أن مرادهما الاستحباب، فتأمل جيدا.
وإن كان بعض ما ذكرناه من التأويل في أخبار المضايقة بعيدا فلا بأس به بعد
أن رجحت أخبار المواسعة عليها بما لا يخفى على من تأمل ما حررناه فيهما وفي محل النزاع
بل وبموافقة الكتاب (2) أيضا الذي أمرنا بها عند التعارض في عدة أخبار (3)
مذكورة في محلها للتمييز بين الصادق والكاذب من حيث أنه كثر الكذابة من أهل
الأهواء والبدع على النبي والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) في حياتهم وبعد موتهم
لتحصيل الأغراض الدنياوية، ولما رأى جماعة منهم أن الأئمة (عليهم السلام) حكموا
بكثير مما اشتهر خلافه بين الناس ولا سيما العامة وكشفوا عن المراد بكثير من الآيات

(1) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 6
(2) سورة الإسراء الآية 80
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء
98

والروايات مما هو بعيد إلى الأذهان، بل لا يصل إليه عدا المعصوم أحد من أفراد
الانسان جعلوا ذلك وسيلة إلى الاقتحام على نسبة كثير من الأكاذيب إليهم واختلاق
الأضاليل والبدع عليهم، فمن هنا أمر الأئمة (عليهم السلام) بالعرض على الكتاب
لسلامته من الكذب والاختلاق، لكن من للعلوم إرادة النصوص القرآنية منه أو
الظواهر التي لا يحتاج فهم معناها إلى العصمة الربانية، أو احتاج لكن على سبيل التنبيه
للغير بحيث يكون بعد الوقوف هو الظاهر المراد لديه، لا الآيات التي ورد تفسيرها
بالأخبار الظنية التي تلحق من جهتها بالبطون الخفية، وعلى فرض صحتها بالسر المخزون
والعلم المكنون، إذ ذاك في الحقيقة عرض على الخبر الذي لا مزية له على المعروض،
ضرورة أن الكذوب كما يمكنه اختلاق الكذب على الأئمة (عليهم السلام) فيما لا يتعلق
بالتفسير كذلك يمكنه الاختلاق فيما يتعلق به، بل قيل: قد طعن في الرجال على جملة
من أرباب التفسير الذين شأنهم نقل الأخبار في ذلك عن الأئمة (عليهم السلام)، كما
طعن على أرباب الأخبار ووجد في التفاسير المنقولة عنهم (عليهم السلام) أكاذيب
وأباطيل كما وجدت في غيرها من الأخبار، فدعوى بعض الناس إرادة الأعم من
ذلك مما لا يصغى إليها وإن بالغ في تأييدها وتشييدها، بل شنع على الأصحاب بما غيرهم
أولى به عند ذوي الألباب، وتفصيل الحال لا يناسب المقام.
ولا ريب في موافقة أخبار المواسعة للكتاب الذي عرفته في الاستدلال عليها
لا أخبار المضايقة، إذ قوله تعالى: (أقم الصلاة لذكري) المفسر بما سمعت مع أنك
قد عرفت تفصيل الحال فيه ليس هو إلا من قبيل القسم الثاني من الكتاب الذي قد
ذكرنا أنه في الحقيقة عرض على الخبر لا الكتاب، بخلاف أخبار المواسعة المعروضة
على الاطلاقات القرآنية الدالة على وجوب الحاضرة على ما عرفته سابقا، بل منه يظهر
أيضا ترجيحها بالموافقة للمعلوم من السنة النبوية وأخبار الذرية العلوية التي قد أمرنا
99

بالعرض عليها أيضا في غير واحد من الأخبار (1) بل وبمخالفة العامة أيضا الذين
جعل الله الرشد في خلافهم، لأنهم حجبوا بأعمالهم عن الوصول إلى الحق والرجوع إلى
أهله، وبما روي (2) عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لبعض أصحابه: (أتدري
لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما يقول العامة؟ فقال: لا أدري، فقال: إن عليا
(عليه السلام) لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لابطال
أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الشئ الذي لا يعلمونه فإذا
أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس) بل وبغير ذلك مما ليس ذا محل ذكره
إذ القول بالمواسعة وعدم وجوب تقديم الفائتة مخالف للمحكي من مذاهب جمهور العامة
بل القول برجحان تقديم الحاضرة مخالف للمحكي عن جميعهم، ولا ينافي ذلك اشتمال
بعض أخبار المضايقة على ما لا يقول به كثير من العامة، إذ ذاك إن كان يقدح فإنما
هو بالنسبة إلى حمل الخبر على التقية لا فيما نحن فيه، مع أن التحقيق عدم قدحه فيها
أيضا، لاحتمال تجدد سببها، أو لأن السائل إنما يخشى عليه بالنسبة إلى ذلك دون الآخر
إذ التقية لا تنحصر في خوف الإمام، أو لأن ذلك مما لا يتقى فيه لظهور وجهه ودليله
بخلاف غيره، أو لغير ذلك مما ليس ذا محل تفصيله.
فلا ريب حينئذ في رجحان أخبار المواسعة بذلك بل وبالشهرة والسيرة والاجماع
التي تقدم تحريرها سابقا، وسهولة الملة وسماحتها ونفي العسر والحرج فيها، وعن الصادق
(عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) أنه قال: (إذا حدثتم عني بالحديث

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 0 - 27 من كتاب القضاء
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 0 - 27 من كتاب القضاء
(3) البحار ج 2 ص 242 المطبوعة بطهران عام 1376 الباب 29 من كتاب العلم
الحديث 40 عن المحاسن
100

فانحلوني أهناه وأسهله وأرشده، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن لم يوافق كتاب
الله فلم) بل روي عن الحسن بن سماعة (1) أنه قال: (سمعت جعفر بن سماعة (1) وسئل
عن امرأة طلقت على غير السنة ألي أن أتزوجها؟ فقال: نعم، فقلت: أليس تعلم أن
علي بن حنظلة روى إياكم والمطلقات على غير السنة فإنهن ذوات أزواج؟ فقال: يا بني
رواية علي بن حمزة أوسع) بل قد ترجح عليها أيضا باعتبار السند كثرة وعدالة وغيرهما
لو لوحظ مجموع رواة أخبار الطرفين، بل قيل وباعتبار الدلالة أيضا من حيث الوضوح
والخفاء المقتضيين لرد الثاني إلى الأول حسب ما ورد من إجماع المتشابه من كلامهم عليهم السلام
إلى المحكم منه، وبملاحظة ما قدمنا ينكشف لك أن أدلة المواسعة أوضح من وجوه،
بل قد عرفت أنه لا صراحة في شئ من أخبار المضايقة ببطلان الحاضرة وفسادها لو
فعلت وحرمة سائر المنافيات، ومن هنا احتاج الحلي من القائلين بها إلى دعوى اقتضاء
الأمر بالشئ المضيق النهي المفسد عن ضده الموسع حتى نفى الخلاف عنها بعد أن فهم
وجوب المبادرة إليها من العبارات السابقة في الأخبار، والمرتضى منهم إلى دعوى ظهور
الأدلة في اختصاصها بوقت الذكر المقتضي لعدم صحة الحاضرة مثلا فيه كوقت
اختصاص الظهر بالنسبة إلى العصر أو العكس، والأولى بعد تسليم استفادة الفورية
من الأدلة مفروغ من فسادها في الأصول، كفساد دعوى نفي الخلاف فيها، والثانية
ممنوعة على مدعيها أشد المنع، على أنها لا تجديه بالنسبة إلى حرمة باقي الأضداد، كما
أنها وسابقتها واضحتا البطلان فيما لو أخر الحاضرة حتى لم يبق من الوقت إلا مقدار
فعلها فيه والتكسب لضرورة التعيش مثلا المستثنى عندهما، إذ التكليف في هذه الصورة

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6 من كتاب
الطلاق وفي الوسائل " يا بني رواية ابن أبي حمزة أوسع " وهو الصحيح كما في الاستبصار
ج 3 ص 292 الرقم 1032
101

بتأخيرها إلى آخر الوقت مما ينبغي القطع بفساده، ضرورة سقوط الأمر بالفائتة حينئذ
المقتضي لما ذكراه، بل لعلهما لم يلتزما البطلان في هذه الصورة، فله حينئذ تقديمها على
تكسبه حتى لو قلنا يكون منشأ الفساد غير ما ذكراه من فهم شرطية الترتيب من صحيح
زرارة وغيره، إذ لا ريب في سقوطه حينئذ بعدم التمكن منه، وأخبار المواسعة وإن
كان لا صراحة في أكثرها أيضا بالمواسعة المحددة بظن عدم التمكن في ثاني الأزمان
لموت ونحوه، أو بعدم ظن التمكن منه أو بالوصول إلى حد التهاون عرفا لكن يكفينا
في ذلك - بعد عدم ظهور أخبار الطرفين في كل من الدعويين - إطلاق الأدلة بالقضاء
المقتضي لذلك كما حرر في محله.
على أنه مع ذلك كله ففي العمل بأخبار المواسعة مراعاة ما اشتهر بين الأصحاب
قولا وعملا من أولوية الجمع بين الدليلين من الطرح التي يمكن استنباطها من بعض
الأخبار، كقوله (عليه السلام): (1) (لا يكون الرجل فقيها حتى يعرف معاريض
كلامنا وأن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها لنا من جميعها المخرج) و (أنتم
أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلماتنا، إن الكلمة لتنصرف على وجوه، فلو شاء إنسان
لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب) (2) و (إنا نتكلم بالكلمة الواحدة لها سبعون
وجها إن شئت أخذت كذا وإن شئت أخذت كذا) (3) و (إن القرآن نزل على
سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه، هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك

(1) البحار ج 2 ص 184 المطبوعة بطهران عام 1376 الباب 26 من كتاب العلم
الحديث 5 عن معاني الأخبار
(2) الوسائل الباب - 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 30 من كتاب القضاء
(3) البحار ج 2 ص 199 المطبوعة بطهران عام 1376 الباب 26 من كتاب العلم
الحديث 58 عن بصائر الدرجات
102

بغير حساب) (1) ولا أقل من موافقة الجمع غالبا لما دل (2) على أنك بأيهما أخذت
من باب التسليم وسعك، أو أنه غير مناف له، ولا ريب في اقتضاء العمل بأخبار
المضايقة على الوجه الذي يدعيه الخصم تخصيص عموم آيات وروايات لا تحصى، وطرح
صحاح مستفيضة وأخبار معتبرة، وحمل بعيد جدا لجملة من أخبار أخر، وإعراض عن
عن أصول مقررة وحكم معتبرة ومؤيدات كثيرة بخلاف العكس، فإنه يمكن رجوع
أخبار المضايقة إليه على أحسن وجه وأجمله كما يعرف بالتأمل فيما مضى مما قدمنا، بل
لو أغضينا عن ذلك كله كان مقتضى الضوابط المقررة في تعارض الأخبار المتكافئة أنها
تفرض بمنزلة الكلام الواحد من متكلم واحد ثم ينظر فيما يظهر منه مما يقرب حمله عليه
ومن المعلوم أنه لو صنع ذلك كان استفادة جواز تقديم كل من الحاضرة والفائتة منه
أوضح شئ.
نعم قد يصعب ظهور الرجحان في أيهما لتعلق الأمر بكل منهما، وكأنه لأنه
في كل منهما خصوصية مقتضية خصوصا صاحبة الوقت حال فضيلته، وربما كان اختلاف
الأخبار فيه موميا إلى ذلك، وإلى اختلافه بالنظر إلى المكلفين باعتبار كثرة القضاء
وعدمه والتكاسل والتسامح في فعله وعدمه وقدم فواته وعدمه ونحو ذلك من الجهات
والاعتبارات، ولا يبعد رجحان مراعاة فضيلة الوقت عند خوف فواتها، والتجرد
عن تلك الاعتبارات على تقديم الفائتة، والأمر سهل.
وأما دعوى رجحان الجمع بين أدلة الطرفين بتفصيل المصنف أو العلامة أو غيرهما
مما سمعته سابقا في محل النزاع على ما ذكرنا هنا فهي بمكانة من الضعف لا تخفى على من
له أدنى تأمل ونظر فيما تقدم من تلك الأدلة الخالية عن الإشارة إلى شئ منها عدا

(1) الخصال ج 2 ص 10 الطبع القديم
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 7 من كتاب القضاء
103

مورد سؤال أو جواب في بعض الأخبار يقطع بعدم إرادة ذلك التفصيل منه، لأنه
لم يسق لبيانه، بل لعل سياقه ظاهر في إرادة المثال منه، ومع ذلك ففي جملة من تلك
الأدلة ما ينافي هذه التفاصيل كلها فضلا عن كونها عارية عن الشاهد المعتبر كما لا يخفى
على من لاحظها أدنى ملاحظة، ومن هنا كان تطويل الكلام في بيان ذلك بذكر
الأدلة وتفصيلها وبيان منافاتها لا طائل فيه ولا حاجة تقتضيه، بل من المعلوم والواضح
أنهم (عليهم السلام) لو أرادوا شيئا من هذه التفاصيل لم يكتفوا في بيانها بمثل هذه
الأقاويل، بل قد يدعى الاستراحة من بيان فسادها بأنها خرق للاجماع المركب على
عدمها وعدم غيرها من التفاصيل، وإلا لكان يمكن دعوى تفصيل يجمع به بين الأدلة
أحسن منها بأن يدعى إرادة وجوب المبادرة العرفية في سائر الفوائت التي لا يقدح فيها
التأخير في الجملة، خصوصا إذا كان لمصلحة في الصلاة كتجنب زمان مكروه أو أحوال
لا يحصل فيها التوجه للعبادة من نهار سفر ونحوه على وجه لا يحصل فيه عسر وحرج
واستنكار، بل يجعل له أورادا معلومة في أوقات معلومة.
نعم يستثنى من زمان تلك المبادرة الصلاة الحاضرة خصوصا وقت فضيلتها حتى
لو قلنا باقتضاء الأمر بالشئ النهي عن ضده، وأما غيرها فيبنى على مسألة الضد، نعم
قد يلحق بها في ذلك الاستثناء الرواتب وما يساويها أو يزيد عليها من فعل بعض
الرغائب ذوات الأوقات الخاصة لا المستحبات المطلقة، بل قد يدعى عدم خرق مثل
هذا التفصيل للاجماع دونها، لامكان دعوى عدم ظهور كلام بعض قدماء القائلين
بالتوسعة في نفيه، بل دعوى ظهور بعض الكلمات منه أو من غيره فيه، ونسأل الله
تعالى أن يوفقنا لكتابة رسالة في المسألة تشتمل على تفاصيل الأقوال والأدلة، بل وما
سمعته في عنوان المسألة من الترتيب وحرمة فعل المنافي ووجوب العدول ونحوها بحيث
104

يجعل كل واحد منها مسألة مستقلة، وينظر فيه للموافق والمخالف، وما يصلح له وعليه
لكيلا يقع اضطراب في الذهن وتشويش في الفكر، وهو الموفق لأمثال ذلك والميسر
للمسالك والمدارك والعاصم والساتر والغافر لزلل هاتيك المهالك.
هذا كله لو تعمد فعل الحاضرة مع سعة الوقت قبل الفائتة (و) أما (لو كان
عليه صلاة فنسبها وصلى الحاضرة) أو الفائتة اللاحقة ولم يذكرها حتى فرغ فلا خلاف
نقلا وتحصيلا في أنه (لم يعد) ما فعله، بل عليه الاجماع كذلك، بل ولا إشكال
فيه خصوصا الأول منه، ضرورة ثبوت الصحة على المختار من المواسعة، بل وعلى
المضايقة أيضا بناء على أن مدرك الفساد على القول بها النهي عن الضد المعلوم انتفاؤه
في المقام النسيان يقتضيه، بل وعلى كونه اختصاص الوقت بالفائتة، إذ من الواضح كما
هو صريح مدعيه إرادة صيرورة وقت الذكر كذلك لا مطلق الوقت، بل وعلى كونه
ظهور النصوص السابقة في شرطية الترتيب، لاستثناء صورة النسيان منه هنا قطعا،
إذ ليس هو أعظم من ترتيب الحاضرتين الساقط فيه نحو ذلك إجماعا منا إن لم يكن من
سائر المسلمين، ونصوصا، بل قضية أصول المذهب وقواعده وظاهر أو صريح فتاوى
الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم صحتها لما نويت له وافتتحت عليه وقام له. فلا يعدل بها
بعد الفراغ إلى غيرها، وما في صحيح زرارة السابق (1) من العدول بالعصر بعد الفراغ
منه إلى الظهر معللا له بأنها أربع مكان أربع - مع أنه في خصوص الظهرين من
الحاضرتين، وحكي الاجماع على خلافه، وإن احتمل العمل به في المفاتيح لصحته، بل
ربما حكي عن غيرها أيضا، بل قد يلوح من المدارك لكن مثله غير قادح في محصل
الاجماع الممكن دعواه في المقام فضلا عن محكيه، واحتماله الفراغ من النية كما عن الشيخ
أو الاشراف على الفراغ من الصلاة - لا يقوى على قطعها بعد إعراض الأساطين عند

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب المواقيت الحديث 1
105

(و) أما (لو ذكرها في أثنائها) وكان العدول ممكنا بأن لم يتجاوز محله (عدل)
من الفائتة اللاحقة إلى الفائتة السابقة وجوبا بناء على لزوم الترتيب فيها بلا خلاف أجده
فيه، بل في مفتاح الكرامة عن حاشية الإرشاد المدونة للمحقق الثاني الاجماع عليه،
وهو الحجة بعد إمكان استفادته من فحوى العدول في الحاضرتين والحاضرة والفائتة،
أو بضميمة دعوى عدم القول بالفصل، بل قد يدعى صراحة كلمات الأصحاب في أن
منشأ العدول فيهما الترتيب المتحقق في الفرض حتى أنهم جعلوا وجوبه وعدمه المدار في
وجوب العدول وعدمه بالنسبة للحاضرة والفائتة، وإن كان من الواضح عدم اقتضاء
الترتيب في نفسه وحد ذاته العدول المخالف للأصول والقواعد، بل هو محتاج
إلى دليل مستقل.
ومن الحاضرة (إلى) الفائتة (السابقة) وجوبا على ما صرح به كثير من أهل
المضايقة حتى حكى الاجماع عليه غير واحد منهم كما سمعته سابقا عند تحرير محل النزاع،
بل قد عرفت هناك أن العلامة في المختلف فرعه على القول بالتضييق، وجعله لازما له،
بل وغيره مثله في ذلك أو ما يقرب منه، ولعله لا لأن المضايقة في نفسها وحد ذاتها
تقتضيه، بل هو لازم اتفاقي لها، بل للاجماع المحكي وصحيح زرارة المتقدم وغيره مما
عرفت ضعفه فيما تقدم، واستحبابا أو جوازا عند القائلين بالمواسعة على ما نسبه إليهم
غير واحد جمعا بين ما دل على المواسعة المقتضية عدم وجوب العدول بطريق أولى وبين
ما دل على العدول من الصحيح وغيره كما ظهر لك البحث في ذلك كله مفصلا، ومنه
يعرف وجوب العدول وعدمه على الأقوال الباقية المفصلة في المضايقة والمواسعة، وإن
كان ظاهر إطلاق المصنف هنا وجوب العدول حتى لو كانت الفوائت متعددة، كما
أن ظاهر العلامة في المختلف استحبابه حتى في فوائت اليوم، إلا أنه يمكن تنزيلهما على
ما عرفت، والأمر سهل.
106

لكن ينبغي أن يعلم أن الحكم باستحباب العدول مبني ظاهرا على القول باستحباب
تقديم الفائتة، أما على العكس أو التخيير فالمتجه العدم، اللهم إلا أن يفرق بين الذكر
في الابتداء والأثناء، إلا أنه يستلزم القدح في الأولوية المزبورة بحيث يمكن القول
بوجوب العدول للصحيح والاجماع المحكي وإن قلنا بالمواسعة مع الذكر في الابتداء نحو ما
سمعته على التقديرين، فلا تكون المواسعة للعدول حينئذ منافية، كما أن المضايقة ليست
بمقتضية وإن كنا لم نعثر على قائل به من الأصحاب، كما أنا لم نعثر على من نسب إلى
الصدوقين وغيرهما عدم جواز العدول، بل في المنتهى لا نعلم خلافا بين أصحابنا في
جواز العدول وإن نسب غير واحد هناك إلى ظاهرهما وجوب تقديم الحاضرة، وكأنه
شاهد لما قلناه هناك من إرادتهما الاستحباب، للاجماع محصلا ومنقولا على جواز تقديم
الفائتة، أو للفرق بين الابتداء والأثناء، فيجب تقديم الحاضرة لو كان الذكر ابتداء،
ويجوز العدول منها إلى الفائتة لو كان في الأثناء للصحيح، لكن الثاني كما ترى، وإن
كان لا يمنع العقل إيجاب مثل ذلك من الشارع فضلا عن جوازه، إلا أنه لا يثبت مثله
بمثل هذا الدليل كما هو واضح، وكيف وقضية إيجابه تقديم الحاضرة إيجاب العدول
من الفائتة إليها بناء على ما يظهر من الأصحاب من أن منشأ هذا العدول الترتيب، كما
أن قضية استحباب تقديم الحاضرة أو جوازه تخييرا استحباب العدول أيضا من الحاضرة
إلى الفائتة كذلك، بل وقضية استحباب تقديم الفائتة الذي حكموا من جهته باستحباب
العدول جوازه من الحاضرة إلى الفائتة (1) وإن كان مستلزما لفوات الاستحباب، مع
أنه لم يذكر أحد من الأصحاب شيئا من ذلك، بل ولا غيره مما يقتضي النقل من
الفائتة إلى الحاضرة، نعم نص في البيان والذكرى والمفاتيح وعن كشف اللثام عليه
لضيق الوقت، مع أنه عن المدارك منعه أيضا، لعدم ورود التعبد به، وهو جيد بعد

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " من الفائتة إلى الحاضرة "
107

حرمة القياس عندنا، وأطلق في موضع من الأولين جوازه من الحاضرة إلى الفائتة
وبالعكس، والظاهر إرادتهما منه في الجملة لا على تفصيله في موضع آخر، وهذا كله مما
يشهد أن هذا العدول أمر تعبدي جاء به الدليل الذي ينبغي اتباعه، وإلا فلا المضايقة
تقتضيه ولا وجوب الترتيب أو استحبابه وجوازه، كما أن المواسعة لا تنافيه، ومنه
يظهر ضعف الاستدلال به على المضايقة، وقد أشرنا إليه سابقا.
كما أنه منه يظهر وجوب الاقتصار على المتيقن من دليل العدول، لشدة مخالفته
القواعد المحكمة، فلا يجوز حينئذ بعد تجاوز محل الاشتراك بين الفرضين بأن ركع لثالثة
الظهرين وكان الفائت صبحا كما نص عليه غير واحد من الأصحاب، بل يحكم حينئذ
بصحة المتلبس بها كما بعد الفراغ، ولعله لما في الروضة من اغتفار الترتيب حال النسيان
مع حرمة إبطال العمل، وإن كان قد يخدش بأنه قد يقول من أوجب الترتيب
باختصاص الاغتفار بما بعد الفراغ لا الأثناء، فيتجه الفساد حينئذ، والأمر سهل.
وكيف كان فظاهرهم بل هو صريح بعضهم حصر تجاوز محل العدول في ذلك،
وفيه بحث، لامكان الاكتفاء بزيادة الواجب مطلقا خصوصا القيام منه، كما هو ظاهر
المنتهى فيه، بل ربما كان في الصحيح إشعار به في الجملة اقتصارا على المتيقن، وركنية
المزاد (1) وعدمها لا مدخلية لها في ذلك، إذ ليس المدار في بقائه اغتفار الزيادة سهوا
وعدمه لو فرض أنها المعدول إليها، لعدم الدليل، وإلا لاقتضى جواز العدول بالصبح
بعد الفراغ منها قبل تخلل المنافي، لعدم زيادة غير التسليم، والتعبير بامكان العدول
إنما وقع في عباراتهم، وإلا فلا أثر له في الصحيح (2) الذي هو دليل العدول، اللهم

(1) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح " المزيد " بدل " المزاد " لعدم استعمال باب
الأفعال في الزيادة ولا يجوز القياس في نقل المجرد إلى أي باب يراد
(2) الوسائل الباب 63 من أبواب المواقيت الحديث 1
108

إلا أن يتمسك لنفي ذلك كله باطلاق قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن (1)
المتقدم في أخبار المضايقة: (فإذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي، وإن ذكرها مع
إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها، وإن كان صلى
العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر أنه نسي المغرب أتمها بركعة، فتكون صلاته
للمغرب ثلاث ركعات، ثم يصلي العتمة بعد ذلك) خرج منه ما لو زاد ركوعا وبقي غيره.
لكنه كما ترى - بعد الاغضاء عن سنده واحتمال إرادة وقت صلاة - ظاهر بعد
التدبر فيه تماما في مساواة المعدول منها وإليها عددا التي صرح فيها بعضهم ببقاء العدول
إلى الفراغ، مع أن فيه بحثا أيضا، لعدم استفادته من ذلك الصحيح أيضا بعد طرح
ما تضمنه من العدول إلى الظهر بعد الفراغ، بل لعل ظاهر بعض المفاهيم فيه خلافه،
اللهم إلا أن يدفع باطلاق قوله (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن: (أتمها أي المغرب
بركعة) أو يدفع هو وسابقه بالاستصحاب، إلا أن جريانه هنا على وجه يكون حجة
معتبرة صالحة للمعارضة لا يخلو من سماجة، بل وكذا البحث فيما ذكره في البيان والروضة
من ترامي العدول ودوره بمعنى ذكره السابقة ثم السابقة وهكذا ثم يذكر البراءة عن التي
انتهى إليها في العدول، فيرجع عنها إلى الأخرى حتى يرجع إلى الأولى مثلا، إذ من
الواضح عدم تناول الصحيح المزبور له، بل أقصاه العدول إلى السابقة الواحدة، اللهم إلا
أن يقطع بإرادة المثال منه مؤيدا بظاهر إطلاق خبر عبد الرحمن لكنه جرأة، والأولى
مراعاة الاحتياط اقتصارا فيما خالف القواعد العظيمة على المتيقن، بل وفي العدول أيضا
من الحاضرة إلى الفائتة المشتبهة التي يجب تكرير ثلاث أو خمس لتحصيلها، لظهور الصحيح
في الفائتة المعينة، وقياسها مع اختلاف الوجوبين بالأصالة والمقدمة غير سائغ، ونحوه
سائر ما يجب مقدمة للترتيب المشتبه أو غيره، لكن عليه يتخير فيما يعدل إليها منها لو

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب المواقيت الحديث 2
109

اشتركت في بقاء محل العدول، ويسقط بعضها لو كان قد تعداه، كما لو فرض كونه في
رابعة الحاضرة بعد ركوعها فإنه يتعين عليه حينئذ العدول إلى الرباعية المرددة عندنا أو
المعينة عند من أوجب الخمس، ومثله في التخيير المزبور والتعيين لو كانت عليه فوائت
متعددة ذكرها في أثناء الحاضرة وقلنا بسقوط الترتيب بين الفوائت، إما حال النسيان
أو مطلقا، كما هو واضح، فتأمل.
ثم المراد بالعدول كما صرح به في الروضة وغيرها بل هو ظاهر الصحيح المزبور
أيضا أن ينوي بقلبه أن هذه الصلاة مجموعها ما مضى منها وما بقي هي السابقة مثلا،
ولا يتلفظ بلسانه، فإن لم يفعل هذه النية لم يحتسب له من الأولى، لظهور الصحيح في
كونه قلبا لا انقلابا، بل ينبغي الجزم بالبطلان حينئذ عند من أوجب العدول، ولا
يجب عليه التعرض لباقي مشخصات النية حتى القربة اجتزاء بما وقع في النية الأولى التي
جعلها الشارع للمعدول إليها، ولو أنه يمكن حمل الصحيح على إرادة نية العدول بما بقي
له من صلاته وإلا فما مضى لا مدخلية للنية في قلبه بل هو انقلاب شرعي تابع للنية
بالباقي كان جيدا، لقلة مخالفته للقواعد بالنسبة إلى الأول، ولا يشترط في العدول التماثل
بالجهر والاخفات كما هو صريح النص وظاهر الفتاوى، بل في مفتاح الكرامة عن إرشاد
الجعفرية الاجماع عليه.
هذا كله لو كان قد ذكر الفائتة في الأثناء (و) أما (لو صلى الحاضرة) في
السعة (مع الذكر) للفائتة (أعاد) مطلقا على القول بالمضايقة مطلقا، وفي الجملة بناء
عليها في الجملة، وليس له العدول، لأنه فرع صحة المعدول منه، بل ليس له ذلك على
المواسعة أيضا وإن كان لا تبطل الحاضرة، اقتصارا في العدول المخالف للأصل على
المتيقن، وكذا لو تعمد تقديم اللاحق من الفوائت على السابق بناء على عدم الترتيب فيها.
(ولو دخل في نافلة وذكر أن عليه فريضة استأنف الفريضة) إجماعا كما في
110

القواعد بمعنى أنه لم يجز له العدول منها إليها، لعدم جوازه من النفل إلى الفرض كما في
السرائر والبيان والدروس والذكرى والموجز والمسالك وعن المبسوط ونهاية الاحكام
وغيرها، بل في البيان أنه لا يسلم له الفرض، وفي بقاء النفل وجه ضعيف، بل عن
نهاية الإحكام وكشف الالتباس تبطلان معا، وهو كذلك، لأصالة عدم الجواز
خصوصا من الأضعف إلى الأقوى، وفوات الاستدامة، فما في المفاتيح من أن الأظهر
جواز مطلق طلب الفضيلة لاشتراك العلة الواردة لا يصغى إليه، لكن قيل: إنه يجئ
على قول الشيخ فيما لو بلغ الصبي في أثناء الصلاة جواز النقل من النقل إلى الفرض،
مع أنه قد يمنع، إذ هو من عروض تغير صفات الفعل الواحد المعين لا من النقل، كما
هو واضح، فحينئذ لا خلاف معتد به في عدم الجواز الموافق لمقتضى الضوابط، وقياسه
على العكس أي النقل من الفرض إلى النفل لناسي سورة الجمعة يومها والأذان وطالب
الجماعة ونحوها مما ليس ذا محل تحريره كباقي صور العدول - إذ مجموعها صحيحها وفاسدها
سنة عشر حاصلة من ضرب أربع في المعدول منه وإليه، لأن كلا منهما نفل وفرض
أداء وقضاء - مع أنه مع الفارق لا وجه له بعد حرمته عندنا، نعم له قطع النافلة
وابتداء الفريضة بناء على جواز قطعها اختيارا، بل قيل بتعينه بناء على المضايقة أو عدم
صحة التطوع وقت الفريضة، وإن كان قد يخدش بأنه يمكن دعوى الصحة في المقام على
الأولى إن قلنا بحرمة قطع النافلة في نفسه اختيارا، لمعذوريته في الابتداء بالنسيان
ولحرمة القطع في الأثناء، فكانت كالفريضة الحاضرة التي تجاوز فيها محل العدول،
بل وعلى الثانية أيضا إن قلنا بذلك يعني ما سمعت، أما بناء على جواز التطوع ابتداء
وحرمة القطع فلا ريب في وجوب الاتمام عليه ثم استئناف الفريضة، كما هو واضح.
(وتقضى صلاة السفر قصرا ولو في الحضر، وصلاة الحضر تماما ولو في السفر)
بلا خلاف بيننا في شئ منه نقلا وتحصيلا، بل إجماعا كذلك، بل في المدارك أنه
111

قول العلماء كافة إلا من شذ، بل في الذكرى لا خلاف بين المسلمين في الحكم الثاني منه
إلا من المزني فالقصر لو قضيت في السفر، نحو ما في التذكرة من إجماع العلماء عليه إلا
منه، ومع ذلك فالمعتبرة (1) فيه صريحا وظاهرا مستفيضة تقدم بعضها فيما سبق، مضافا
إلى دعوى أنه المفهوم من القضاء، كما أن المفهوم منه المساواة في غيره أيضا من الكيفيات
كالجهر والاخفات، ولذا نص عليهما جماعة، بل في الخلاف الاجماع فيهما، بل هو
ظاهر معقد إجماع التذكرة المحكي على كون القضاء كالفوائت هيئة وعددا، على أنه
المستفاد أيضا من عموم التشبيه في النبوي (2) بل وصحيح زرارة (3) قال: (قلت له:
رجل فاتته صلاة السفر فذكرها في الحضر، قال: يقضي ما فاته كما فاته إن كانت صلاة
السفر أداها في الحضر مثلها، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر
كما فاتته) لعدم تخصيص العام بالنص على بعض أفراده بعده، اللهم إلا أن يدعى في
خصوص المقام ظهور إرادة العددية لا غير منه هنا، وهو غير بعيد، نعم هو ممتنع على
رواية الشيخ له في الخلاف محتجا به على ما نحن فيه - قال: روى حريز عن زرارة (4)
(قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر، فقال: يقضي ما فاته
كما فاته) - في جميع هيئات الصلاة، ولعله غير الخبر المزبور.
على أنا في غنية عن ذلك كله بما عرفت مما تقدم المقتضي زيادة على ما سمعت
ثبوت سائر أحكام الأدائية من السهو والشك والظن والشرائط والأجزاء والمستحبات
فيها من القنوت ونحوه، ضرورة كونها هي بعينها إلا أنها خارج الوقت، بل والمقدمات
أيضا حتى استحباب الأذان والإقامة منها وإن رخص في سقوط الأول منهما فيما عدا

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 0 - 1
(2) راجع التعليقة (1) من ص 3
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 0 - 1
(4) الخلاف ج 1 ص 126 الطبع الحديث
112

الأولى من صلاة ورده لو كانت عليه فوائت من غير فرق بين الفريضتين الذين (اللتين ظ)
يسقط فيهما أيضا يجمعهما في الأداء كالظهرين والعشاءين وبين غيرهما كالعصر والمغرب
مثلا والعشاء والصبح تخفيفا من الشارع على القاضي، وطلبا للمسارعة في قضاء ما عليه. فلو
نسي حينئذ مثلا في المقضية من الأجزاء ما لا يقدح في الأدائية لم يقدح في صحتها أيضا
لأن وجوبها في الأداء مشروط بأن لا يكون ناسيا، ودعوى اشتغال ذمته بها في حال
الفوات فيجب حينئذ في القضاء يدفعها - مع أنها من الفروض النادرة التي لا يشملها
عموم (من فاتته) الذي هو عرفي أو بمنزلته القاصر عن معارضة ما دل على الصحة دلالة
وفتوى وأصولا - إمكان دعوى عدم الجزم باشتغال ذمته بها غالبا، إذ لعله كان ينساها
حين الاشتغال بالفعل وإن فرض أنه حين الفوات كان متذكرا إلى أن فاتت، إذ لعله
لو اشتغل بالصلاة حصلت منه الغفلة، على أن المفهوم من الأدلة كون القضاء هو الأداء
لكنه في وقت غير وقته، فالتذكر في زمان لا يقدح في الصحة مع النسيان في آخر،
بل هو بعد مجئ الدليل كبعض أوقات الأداء الموسع التي من الواضح عدم مدخلية
التذكر في وقت منها في النسيان في آخر، كما هو واضح، نعم هيئة الأداء المعتبرة في
القضاء إنما هي المطلوبة للشارع بخصوصها وإن تمكن المكلف من غيرها كالقصر والاتمام
والجهر والاخفات ونحوهما، لا التي كان المطلوب غيرها إلا أنه بتعذره وسهولة الملة
وسماحتها وعدم سقوط الصلاة في حال انتقل إليها كالجلوس والاضطجاع في الصلاة
ونحوهما فإنه لا يجب مراعاتها في القضاء، بل لا يجزي لو فعل مع التمكن والقدرة كما نص
عليه غير واحد من الأصحاب، بل في مفتاح الكرامة عن إرشاد الجعفرية أن وجوب
رعاية الهيئات وقت الفعل لا وقت الفوات أمر إجماعي لا خلاف لأحد من أصحابنا
فيه، بل هو من الواضحات التي لا تحتاج إلى تأمل.
ولعل منها ما نص عليه في القواعد والتذكرة والذكرى والموجز من سقوط كيفية
113

صلاة شدة الخوف في قضائها وقت الأمن، أما الكمية ففي الأولين إن استوعب الخوف
الوقت فقصر، وإلا فتمام، بل والأخيرين وإن زاد في أولهما التصريح بأمر آخر،
فقال: (إن استوعب الخوف الوقت فقصر، وإن خلا منه قدر الطهارة وفعلها تامة
فتمام، وإن أمن آخره فالأقرب الاكتفاء بركعة في التمام، ولو فاتت قضاها تماما، إذ
الأصل في الصلاة التمام وقد أدرك مصحح الصلاة أعني الركعة) وهو جيد لا بأس به
لكن ظاهرهم بل هم كصريح الشهيد منهم أن التمام متى تعين في وقت من أوقات
الأداء كان هو المراعى في القضاء وإن كان المخاطب به حال الفوات القصر، وعليه فمن
كان حاضرا وقت الفعل ثم سافر فيه وفاتته الصلاة المخاطب بقصرها حاله وجب عليه
التمام في القضاء، كما أنه يجب عليه ذلك لو كان مسافرا في الوقت ثم حضر، ولعله لأن
الأصل في الصلاة التمام وفيه بحث إن لم يكن منع، بل في المفتاح أن الأكثر على مراعاة
حال الفوات بالنسبة للسفر والحضر لا الوجوب، ويؤيده أنه الفائت حقيقة لا الأول
الذي قد ارتفع وجوبه في الوقت عن المكلف برخصة الشارع له في التأخير، اللهم إلا
أن يفرقوا بين القصر الذي منشأه الخوف والقصر الذي منشأه السفر، فإن الأول قريب
إلى الالحاق بكيفية صلاة الخوف، فلا يراعى إلا مع الاستيعاب، بخلاف الثاني فإنه كيفية
مطلوبة لذاتها كالتمام، فيراعى فيه حال الفوات لا حال الوجوب حتى لو اجتمع مع
الخوف أيضا، وهو لا يخلو من وجه وإن كان يقوى الآن في النظر خلافه، لما عرفت
من أنه هو الكيفية المطلوبة الفائتة وإن كان منشأ طلبها الخوف.
كما أنه قد يقوى في النظر ثبوت التخيير في القضاء بين القصر والاتمام إن كان
الفوات في أحد أماكنه، خصوصا إذا كان القضاء في أحدها وفاقا لما عن المحقق الثاني،
بل وصاحب المعالم في حاشيته على اثني عشريته على ما حكاه في مفتاح الكرامة عن
تلميذه، بل كأنه مال إليه في المدارك أيضا بعد أن جعل تعين القصر فيها وجها،
114

وخصوص التخيير فيها آخر، لأنه هو الكيفية الفائتة في الأداء حتى لو تعين عليه التمام
قبل الوصول إلى أحدها، وإن كان الأحوط مراعاة التمام والقصر في قضائه، بل
وسابقه أيضا، وإن اقتصر في المدارك والذخيرة على الثاني منهما في الاحتياط فيه،
ولعله لكون التمام فيه رخصة، والأصل القصر، لأن الفرض أنه مسافر، لكن لما
كان احتمال العكس قائما لأنه الأصل في الصلاة وإن خرج منه تعين القصر في غير الأماكن
المزبورة وجوازه فيها كان الاحتياط بالجمع، والأمر سهل.
إنما الكلام في إجزاء جالسا وماشيا ونائما وغيرها من الأحوال
الاضطرارية التي هي مجزية حال الاضطرار في الأداء عما فاته من أداء الصلاة الاختيارية
التي لم يكن مضطرا فيها إلى شئ من ذلك فضلا عما فإنه منها مضطرا إلى ما اضطر إليه
في القضاء أو غيره، وقد نص عليه في البيان والألفية وحاشية المحقق الثاني عليها والموجز
والرياض وعن نهاية الإحكام وكشف الالتباس والجعفرية وشرحيها، بل عن الخمسة
الأخيرة التصريح بأنه لا يجب إلى زوال العذر، بل عن ثلاثة منها بأنه لا يستحب،
بل لا أجد فيه حلافا صريحا، بل هو ظاهر معقد إجماع إرشاد الجعفرية السابق، بل
في حاشية على الألفية لا أعرف مؤلفها الاجماع عليه صريحها، نعم عن بعضهم استثناء
خصوص فقد الطهورين من صور الاضطرار فأوجب تأخير القضاء إلى التمكن مدعيا
عليه الاجماع، وهو بمكانة من الظهور مستغنى بها عن الاستثناء المزبور، وعن دعوى
الاجماع المسطور، لمعلومية عدم صحة القضاء دونهما عندنا حتى لو قلنا بها في الأداء
محافظة على مصلحة الوقت، اللهم إلا أن يدعى مساواة القضاء له بناء على المضايقة فيه،
وفيه منع، أما غيره فقد عرفت التصريح ممن سمعت بصحة القضاء معه، وهو قوي جدا
بناء على المضايقة، إذ احتمال استثناء زمان التأخير منها إلى التمكن بعيد مناف لمقتضى
أدلتهم عليها، بل وعلى المواسعة أيضا إذا عرض الضيق بظن عدم التمكن بعد ذلك
115

من الفعل أصلا وغيره من مقتضياته.
بل وكذا إذا لم يرج زوال العذر أبدا، وإن كان يمكن القول بوجوب الإعادة
فيه لو تمكن بعد ذلك أو ظهر فساد ظن الضيق، لعدم ثبوت إجزاء مثل هذا الأمر
الحاصل بسبب تخيل المكلف حصول مقتضيه الذي هو الضيق وعدم زوال العذر واقعا
لا الظن وعدم الرجاء وإن كانا هما طريقا لامتثال المكلف بما فعله أولا، لكن بحيث
يجزيان عن الواقع لو ظهر الخلاف غير ثابت، لعدم الشاهد له حتى إطلاق أمر ظاهر
بالبدلية، أما إذا لم يعرض الضيق للمواسعة وكان راجيا للزوال رجاء معتدا به لغلبة
زوال مثله أو غيرها فهو وإن كان قد يشهد له إطلاق الأمر بالقضاء المستوعب لسائر
الأوقات المقتضي لصحة الفعل من المكلف فيها جميعا على حسب تمكنه، وما ورد من
قولهم (عليهم السلام) (1): (كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر) الذي هو من
الأبواب التي ينفتح منها ألف باب، وعدم وجوب الانتظار إلى ضيق الوقت في الأداء
في سائر هذه الأعذار، لظهور الأدلة من أخبار الصلاة على الراحلة وغيرها فيه، وقد
سمعت أن القضاء عين الأداء إلا في الوقت، بل هو بعد مجئ الدليل به صار كالواجب
الواحد الذي له وقتان: اختياري واضطراري، فوقت الأداء للأول ووقت القضاء
للثاني، فجميع ما ثبت للفعل في الحال الأول يثبت للثاني، ضرورة لحوق هذه الأحكام
للفعل نفسه من غير مدخلية وقته فيه، لكن قد يشكل ذلك كله - بعد منافاة لاطلاق
ما دل على شرطية الأمور المفروض تعذرها وجزئيتها، واقتضائه الجواز مع العلم بالزوال
في أقرب الأزمان الذي يمكن دعوى تحصيل القطع بفساد الدعوى فيه - بمنع اقتضاء
إطلاق الأمر ذلك، لأنه متعلق بالفعل الجامع للشرائط وإن كان المكلف مخيرا في
الاتيان به في أي وقت، وبذلك ونحوه صار أفرادا متعددة، وإلا فهو في الحقيقة

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات
116

شئ واحد أوقاته متعددة لا أن الأمر متعلق في كل وقت بالصلاة التي تمكن فيه،
فيكون لكل جزء من الوقت متعلق غير الآخر وإن اتفق توافق بعضها مع بعض،
ولهذا لا يجري حينئذ استصحاب ما ثبت للفعل في الوقت الأول للأداء مثلا من قصر
أو تمام أو غيرهما في الوقت الثاني، لاختلاف متعلق الأمر فيهما، وليس هو عينه كي
يصح استصحاب ما ثبت له في الوقت الأول، ضرورة فساد جميع ذلك، بل هو
سفسطة، إذ لا يشك أحد في أن المفهوم من مثل هذه الأوامر شئ واحد إلا أن
أوقاته متعددة حتى يثبت من الشارع إرادة فرد آخر منه في الوقت الثاني أو الثالث
بدليل آخر، لا أنه يستفاد من نفس إطلاق الأمر الشامل لمثل هذا الوقت الذي
فرض تعذر الجزء فيه مثلا، وإلا لم يجب السعي في تحصيل شئ من مقدمات الواجب
المطلق أصلا.
ودعوى استفادة ذلك من إطلاق ما دل على السقوط عن المريض مثلا يدفعها
- مع ظهور تلك الأدلة في الأداء الذي لا يقاس عليه حكم القضاء - أن بينه وبين ما دل
على وجوب ذلك في الصلاة عموما من وجه (1) بل لعل بعضه أخص منه مطلقا،
كدعوى استفادته من اتحاد القضاء مع الأداء بعد مجئ الدليل بأصل ثبوته، وأن
أقصى إفادة الدليل توسعة الوقت وامتداده لصحة الفعل وإن كان يحرم على المكلف
التأخير من الوقت الأول، فهو حينئذ نظير الواجب الذي جعل الشارع له وقتين
اختياريا واضطراريا، إذ هي - مع أنها ممنوعة كل المنع في نفسها لأن الثابت بأمر
القضاء شئ آخر غير ما ثبت بأمر الأداء وإن كان هو مثله ومساويا له - مرجعها إلى
قياس وقت الاضطرار على وقت الاختيار فيما ثبت له من الأحكام، وهو ممنوع، ضرورة
أنه لا بأس باختصاص الثاني بأحكام عن الأول، فدعوى استفادة ثبوتها في الأول من

(1) فيه تأمل (منه رحمه الله)
117

ثبوتها في الثاني واضحة الفساد، خصوصا لو كان منشأها الاستصحاب المعلوم عدم جريانه
في نحو المقام.
وبالجملة فاستفادة سقوط الشرائط والأجزاء والخروج عن إطلاق أدلتهما بأمثال
ذلك مما لا ينبغي الالتفات إليها، نعم لا بأس به لو استفيد من ظهور أخبار ونحوها كما
استفيد قيام التيمم مثلا مقام الماء مع حصول أسبابه من غير حاجة إلى انتظار، ولذا
ساغ فعله للقضائية وإن قلنا بالتوسعة وكان راجيا لزوال العذر، بل وعالما، مع أن فيه
بحثا ليس ذا محل ذكره.
ولا ريب في عدم ظهور النصوص الدالة على جواز الصلاة على الراحلة مثلا ونائما
ومضطجعا ونحوها من كيفيات الخوف كالاجتزاء بالتكبيرة عن الركعة وغيرها فيما يشمل
القضائية الموسعة بعد رجاء زوال العذر وعدم ظن الفوات، كما هو واضح، بل في
موثق عمار (1) السابق في أخبار المواسعة الذي فيه النهي عن القضاء على الراحلة والأمر
بفعله على الأرض دلالة على خلافه، ولا أقل من أن يكون التأخير فيما نحن فيه إلى
زمان التمكن من باب المقدمة الواجب مراعاتها كالسعي في باقي المقدمات، فحينئذ إطلاق
أولئك الأصحاب الجواز لا يخلو من بحث ونظر، خصوصا لو كان العذر مشرفا على
الزوال، وإن كان لتفصيل الحال في المسألة زيادة على ما سمعت محل آخر.
وأولى منه في البحث والنظر ما نص عليه في الموجز الحاوي من الكتب السابقة
من الاجتزاء أيضا بالصلاة الاضطرارية للتحمل عن الغير وإن رجع عليه المؤجر (2)
بتفاوت ما بين الفعلين، واحتمله المحقق الثاني في حاشيته على الألفية مستبعدا له بدون
الأرش، كما أنه احتمل فيها أيضا انفساخ الإجارة تارة وتسلط المستأجر على الفسخ

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 2
(2) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " المستأجر " بدل " المؤجر "
118

أخرى معللا لأولهما بأن إطلاق الإجارة محمول على الهيئة الكاملة في الواجبات، فلما
تعذرت انفسخت، ولثانيهما بامكان الزوال، ثم قال: (ولا أستبعد التسلط على الفسخ
إذا كان الزوال بطيئا عادة وعدم الاكتفاء بهذا الفعل) قلت: قد يمنع التسلط على الفسخ
إن لم تعتبر المباشرة في الإجارة، بل يلزم باستئجار آخر على العمل، نعم ما ذكره فيه
من عدم الاكتفاء بهذا الفعل لا يخلو من قوة، بل ينبغي القطع به مع ظهور الإجارة في
إرادة الكامل ولو بانصراف الاطلاق إليه، أما إذا لم يكن ظهور في الإجارة بذلك،
بل كان قصد المؤجر (1) الفعل المجزي شرعا ولو بحسب تكليف المستأجر (2) فصحته
مبنية على صحة التبرع بالصلاة العذرية عن الغير بحيث تكون مبرأة لذمته، وفيه تأمل،
لاحتمال اختصاص المعذور بالعذرية، فلا تتعدى منه إلى غيره، لا أقل من الشك،
وشغل الذمة مستصحب، وإن كان قد يقال: بأن أدلة التبرع شاملة لسائر المكلفين
الذين منهم ذووا الأعذار، إلا أن الانصاف عدم استفادة ذلك منها على وجه معتبر،
لعدم سوقها لبيان مثله كما لا يخفى على من لاحظها، وعليه فلا يصح حينئذ استئجار الزمن
ونحوه من ذوي الأعذار للقضاء عن الغير ابتداء لعدم صحة تبرعه، وكذا ما عرض
منها بعد الإجارة، ضرورة عدم صلاحيتها لتسويغ غير السائغ قبلها، بل أقصاها الالزام
بالسائغ قبلها، فتنفسخ حينئذ مع اشتراط المباشرة مثلا وعدم رجاء زوال العذر أو طول
مدته، ويلزم باستئجار غيره إن لم يكن كذلك.
ودعوى أن الإجارة لما وقعت مع مكلف غير ذي عذر ولم يكن قصد المؤجر (3)
فردا خاصا من الفعل كما هو الفرض كانت الصلاة المستأجر عليها من جملة الواجبات على

(1) حق العبارة " المستأجر "
(2) الصواب " المؤجر "
(3) الصحيح " المستأجر "
119

المكلف، وروعي فيها سائر أحكام صلاته التي هي عليه، بل هي في الحقيقة صلاة له
وإن أبرأت ذمة الغير، لا أنها صلاة الغير واقعة منه، ولذا كان يراعى فيها أحكام
السهو والنسيان والشك والظن وغير ذلك على حسب حال المؤدي لا المؤدى عنه، فيجهر
بالقراءة ويجتزى بستر عورتيه وإن كان المتحمل عنه امرأة، وتخفت المرأة وتستر سائر
بدنها وإن كان المتحمل عنه رجلا، يدفعها وضوح الفرق بين هذه الأحكام الظاهرة
أدلتها في لحوقها للصلاة نفسها من هذا المؤدي نفسه سواء كانت له أو لغيره وبين
الأحكام العذرية كالصلاة جالسا ومضطجعا وموميا وعريانا وإلى غير القبلة ونحوها مما
لم يكن في أدلتها ظهور في تناولها لما نحن فيه، بل ظاهرها في صلاتهم أنفسهم لا التحملية
بإجارة ونحوها، نعم قد يلتزم ببعضها لو عرض في أثناء الصلاة، فتأمل، على أن
استصحاب شغل ذمة المتحمل عنه محكم لا يخرج عنه بالشك، وبقياس غير الثابت
شرعا على الثابت.
هذا كله في التحمل بالإجارة ونحوها، أما إذا كان بخطاب شرعي أصلي كأمر
الولد بالقضاء عن أبيه ففي الحاشية المزبورة للمحقق الثاني دعوى وضوح الاجتزاء بالصلاة
العذرية منه وإن كان مع رجاء الزوال فضلا عن غيره، فيكون حينئذ حكمه عنده كحكم
القضاء عن نفسه من غير فرق بينهما، وهو لا يخلو من وجه في العذر الذي لم يرج زواله
السابق على موت الولد أو المتجدد لاطلاق الولي أو عمومه الشامل للزمن والأخرس
ونحوهما، أما مرجو الزوال من الأعذار كبعض الأمراض أو العوارض التي صارت
سببا لفقد الساتر واشتباه القبلة وعدم إزالة النجاسة ونحوها ففيه البحث السابق، بل
يمكن البحث في الأول أيضا، ضرورة انصراف ذلك الاطلاق الذي لم يسق لإفادة
نحو ذلك إلى الغالب من الأفراد السالمة عن مثل هذه الأعذار، فيبقى غيرهم حينئذ
120

على الأصل، كبقاء شغل ذمة الميت عليه أيضا، فتأمل جيدا فإن أكثر هذه المسائل
ليست بمحررة في كلمات الأصحاب، ولا دليل لها واضح من أخبار الباب، فالاحتياط
فيها مطلوب، والله أعلم.
وإذ قد فرغ من الكلام في سبب الفوات والقضاء شرع في اللواحق، فقال:
(وأما اللواحق فمسائل، الأولى من فاتته فريضة من الخمس غير معينة قضى صبحا
ومغربا وأربعا عما في ذمته) على المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا نقلا وتحصيلا،
بل في الرياض نسبته إلى عامة المتأخرين، بل في السرائر وعن الخلاف وظاهر المختلف
الاجماع عليه، وهو الحجة بعد تأيده بشهادة التتبع له، ووجود الحكم المزبور في مثل
النهاية التي هي متون أخبار غالبا، بل والمقنع على ما حكي عنه الذي ذكر في أوله أن
ما بينه فيه كان في الكتب الأصولية موجودا مبينا عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقاة،
وأنه لذلك حذف منه الاسناد روما للاختصار، ومرسل علي بن أسباط (1) عن غير
واحد من أصحابنا المنجبر بما سمعت، بل قد يدعى عدم قدح مثل هذا الارسال من
مثل هذا المرسل عن الصادق (عليه السلام) (من نسي صلاة من صلوات يومه واحدة
ولم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين وثلاثا وأربعا) ومرفوع الحسين بن سعيد (2)
المروي عن المحاسن (سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي صلاة من الصلوات
الخمس لا يدري أيها هي، قال: يصلي ثلاثة وأربعة وركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى، وإن كانت المغرب أو الغداة فقد صلى) المؤيدين بأصالة
عدم قدح مثل هذا الترديد في صحة العمل، بل هو في الحقيقة تردد للشئ في نفسه
لا من قبل المكلف، ضرورة عدم وجوب تعيين مثل ذلك عليه في الأداء والقضاء بعد
اتحاد ما في ذمته، إذ الظهرية والعصرية أو البدلية عنهما ليست من الأمور التكليفية،

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 1 - 2
121

فلا تجب عند عدم توقف التعيين عليها، لعدم الاشتراك أو غيره كما أومي إليه
في الخبر الثاني.
وحينئذ لو ظهر له التعيين في الأثناء لم يجب عليه ملاحظة نية الجزم بفعله، وإن
حكم به في الذكرى، وأولى منه في الاكتفاء لو ذكر بعد الفراغ، وإن احتمل في الذكرى
أيضا وجوب الإعادة عليه حينئذ، لكنه ضعيف جدا، لما عرفت من عدم وجوب
مثل هذا التعيين وسقوطه خصوصا في نحو المقام المتعذر عليه الجزم بنية أحدها لمكان
نسيانه حتى لو فعل الخمس، إذ قصده ظهرية الواقع منه مثلا لا تورثه جزما بأنه الفائت
منه كي يجزم به، بل يمكن القول بعدم إجزائه عنه لو كرر الأربعة ثلاثا قاصدا بكل
واحدة منها ما احتمل أنه فإنه من فرائض الأداء كما احتمله في الذكرى غير مرجح
للاجزاء عليه، بل عن الشهيد الثاني أيضا ذلك، لأنه تعيين لما لا يعلمه ولا يظنه، بخلاف
الترديد فإنه آت في الجملة على كل محتمل، وبخلاف الصبح والمغرب لعدم إمكان الاتيان
بالواجب بدونهما، ولاحتمال إرادة العزيمة من الخبرين، بل كاد يكون ظاهرا ثانيهما،
لا الرخصة وإن حكي عن مجمع البرهان استظهارها، بل في الذكرى (لو جمع بين التعيين
والترديد أمكن البطلان، لعدم استفادته رخصة به وعدم انتقاله إلى أقوى الظن،
والصحة لبراءة الذمة بكل منهما منفردا فكذا منضما) وإن كان ذلك منه لا يخلو من
نظر يعرف بالتأمل فيما قدمنا، كما أنه يعرف منه أيضا عدم الفرق في الحكم المزبور بين
الحاضر والمسافر بمعنى اكتفائه بثلاث واثنتين بين الظهر والصبح والعشاء على ما صرح
به جماعة، بل في التذكرة نسبته إلى الأكثر، والذخيرة إلى المشهور، بل عن الروض
أنه يمكن ادعاء الاجماع هنا، لأن المخالف فيه كالمخالف هناك، بل عنه وفي المختلف أن
القول بالتكرير هنا دونه في الأولى مما لا يجتمعان، ولعله لقطعهما بالمساواة لا للقياس
الممنوع، أو لدعوى دلالة الخبرين عليه ولو بفحواه وإرادة المثال مما فيه خصوصا الثاني
122

منهما المشتمل على ما هو كالتعليل، أو لما ذكرناه آنفا من القاعدة المشتركة بين الحاضر
والمسافر، أو لغير ذلك، فما في السرائر - من الفرق بين المسألتين بوجوب الثلاثة في
الأولى والخمس في الثانية معللا ذلك باقتضاء القاعدة الخمس، لكن خولف مقتضاها
في الأولى للاجماع دون الثانية، لاقتصار الأصحاب عليها خاصة - لا يخفى ما فيه
بعد ما عرفت.
(و) أضعف منه ما (قيل) من أنه يجب عليه أن (يقضي) في الأولى أيضا
(صلاة يوم) كما في الإشارة والغنية، بل في ظاهر الأخيرة أو صريحها الاجماع عليه،
وحكي عن التقي وابن حمزة لكن لم أجده في وسيلة الثاني منهما، كما أنا لم نتبين صحة
الاجماع المزبور، بل لعل التبين يشهد بخلافه، كما عرفت، بل ولم نعرف له دليلا أيضا
سوى دعوى وجوب الجزم أو التعيين المقتضيين لفعل الخمس من باب المقدمة التي قد
عرفت فسادها من وجوه.
(و) من هنا كان (الأول) أقوى، لأنه (مروي) في الخبرين السابقين
المعتضدين بما سمعت، بل (وهو الأشبه) أيضا بأصول المذهب وقواعده وإن كان
لا مراعاة فيه للجهر والاخفات المتقدم وجوبهما في الأداء بل والقضاء أيضا، بل ربما
توقف في المختار بعضهم من هذه الجهة، لكن قد يدفعها إطلاق النص والفتوى ومعقد
الاجماع المقتضي بضميمة أصالة براءة الذمة سقوطه عنه هنا وثبوت التخيير له، ضرورة
استحالة التكليف بهما وعدم وجوب الجمع بينهما بعد أن ثبت أن تكليفه الثلاث، خصوصا
إذا كان على وجه العزيمة، بل قد يدعى اندراجه فيما ثبت سقوطه فيه من الجهل به أو
نسيانه وإن كان هو من جهة خصوص المكلف به من ذوات الجهر أو الاخفات لا الجهل
بأصل الوجوب أو نسيانه، بل قد يدعى أيضا عدم تناول أصل الوجوب للمقام،
ضرورة ظهوره في المعلومة المعينة، فيبقى ما نحن فيه حينئذ على الأصل، خصوصا بعد
123

ملاحظة النص ومعقد الاجماع والفتاوى حتى من الخصم أيضا، لظهور أن منشأ إيجابه
التكرير مراعاة الجزم والتعيين الذي قد عرفت فساده لا الجهر والاخفات، وإلا
لأوجب أربعا لا خمسا، فلا ريب حينئذ في التخيير المزبور وإن احتاط بعضهم بمراعاته
بفعل الأربع بل وبالخمس أيضا خروجا عن شبهة الخلاف، لكن مما سمعته سابقا يظهر
لك أن الاحتياط باتيان المرددة مع ذلك، لاحتمال عدم الاجزاء في المعين كما عرفت.
وكذا لا ريب في تخييره هنا بتقديم أي الفرائض شاء، لاتحاد الفائت الذي
أوجبنا الثلاث مقدمة لتحصيله، فلا ترتيب حتى لو اشتبهت الفائتة بين يومي القصر
والاتمام، فإنه يجزيه رباعية مطلقة ثلاثيا وثنائية مطلقة رباعيا ومغرب مخيرا في تقديم
أيها شاء، إذ يقطع حينئذ بحصول فائتته كائنة ما كانت، فيفعل حينئذ ما شاء من
حواضر وفوائت مما هو مترتب عليها وجوبا أو استحبابا، نعم لو فرض تعدد الفائت
المشتبه أمكن القول بمراعاته بناء على عدم سقوطه بالنسيان أو الجهل، فيجب التكرار
حينئذ لتحصيله على نحو الوجوه المتقدمة سابقا في نظائره، هذا، وفي الرياض تبعا
للروضة أنه لو كان في وقت العشاء ردد بين الأداء والقضاء بناء على وجوب نيتهما أو
الاحتياط فيه، وإلا كفت القربة، وفيه احتمال وجوب تعيين العشاء عليه في نحو الفرض
لرجوع شكه إلى ما عدا العشاء في خارج الوقت وإليه فيه، وتظهر الثمرة في وجوب
الجهر عليه وعدمه.
(ولو فاته من ذلك) الذي ذكرناه وهو فريضة من الخمس غير معينة (مرات
لا يعلم) عد (ها قضى) ثلاثا وأربعا واثنتين عندنا ويوما تاما عند من عرفت مكررا
(كذلك) مراعيا للترتيب بينها لا فيها كما نص عليه في نحو المقام في الذكرى، ووجهه
واضح (حتى يغلب على ظنه أنه وفى) كما أنه يجب عليه أيضا في المسألة (الثانية) التي
هي (إذا فاتته صلاة معينة) كصبح أو ظهر (ولم يعلم كم مرة) أن (يكرر من تلك
124

الصلاة) التي فاتته (حتى يغلب عنده الوفاء) بل (و) كذا (لو فاتته صلوات لا يعلم
كميتها ولا عينها صلى أياما متوالية) إلى أن يغلب عنده الوفاء وإن قال المصنف فيها إنه
يفعل ذلك (حتى يعلم أن الواجب دخل في الجملة) إلا أنه لما لم يكن وجه للفرق بينها
وبين المسألتين المتقدمتين بذلك - بل ولا فارق على كثرة من تعرض له - وجب إرادته
من العلم هنا الظن كما جزم به في المدارك، أو يريد من غلبة الظن في الأولتين العلم الذي
هو في أيدي الناس في جميع أمورهم الذي لا يقدح فيه بعض الاحتمالات التي تقدح في
العلم المصطلح عليه عند أرباب المعقول، بل يمكن حمل كثير من عبارات الأصحاب
عليه، كما يومي إليه في الجملة توافق التعبير هنا عنه بغلبة الظن لا الظن خاصة، بل وما في
التذكرة أيضا حيث علله به، قال فيها: (لو فاتته صلوات معلومة التعيين غير معلومة
العدد صلى من تلك الصلوات إلى أن يتغلب في ظنه الوفاء، لاشتغال الذمة بالفائت فلا
تحصل البراءة قطعا إلا بذلك) بل وما في المحكي من عبارة الذكرى أيضا حيث فرعه
عليه تارة وعبر به عنه أخرى، قال فيها: (ولو فاته ما لم يحصه قضى حتى يغلب على
الظن الوفاء تحصيلا للبراءة، فعلى هذا لو شك بين عشر صلوات وعشرين قضى العشرين
إذ لا تحصل البراءة المقطوعة إلا به مع إمكانها - إلى أن قال -: وكذا الحكم لو علم
أنه فاته صلاة معينة أو صلوات معينة ولم يعلم كميتها، فإنه يقضي حتى يتحقق الوفاء،
ولا يبني على الأقل إلا على ما قاله الفاضل) إلى آخره.
بل قد يؤيده أيضا أنه يجب تقييد المذكور بناء على إرادة الظن المزبور بما إذا
لم يتمكن من العلم أو كان فيه عسر وحرج، ضرورة وجوب تحصيله عليه بدونهما،
لتوقف يقين البراءة عن يقين الشغل عليه، وهو - مع أنه لا إشارة في كلامهم إليه،
ولذا التزم بعض مشائخنا بالاكتفاء به وإن تمكن من العلم حاكيا له عن أستاذه الشريف
العلامة الطباطبائي تمسكا بما أطبقوا عليه من هذا الاطلاق مستظهرا له من بعض متأخري
125

المتأخرين ممن عاصره أو قارب عصره وإن كان فيه منع واضح، لمخالفته القواعد، بل
وتصريح بعض الأصحاب كالشهيدين وعن غيرهما من غير دليل، إذ ليس في أخبار
الباب كما اعترف به غير واحد من الأصحاب ما يشهد له ولو باطلاقه فضلا عن النص
عليه عدا ما قيل من صحيح عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(قلت له: أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها
كيف يصنع؟ قال: فليصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرتها، فيكون قد قضى بقدر
ما علمه من ذلك) الحديث. وهو مع أنه في النوافل التي لا يقاس عليها حكم
الفرائض، لأنها أشد منها، نعم لو كنا نقول باقتضاء القاعدة الاقتصار في مثل الصور
المفروضة على ما تيقن فواته خاصة أمكن حينئذ استفادة وجوب الزائد على ذلك حتى
يصل إلى الظن من حكم النافلة بطريق الأولى، مع أنه منعه في المدارك أيضا وإن كان
في منعه نظر، خصوصا بعد اشتمال الجواب على ما هو كالتعليل العام لذلك والفريضة،
ووارد فيمن لا يتمكن من العلم، ولا دلالة فيه على الاكتفاء بالظن، بل كان الأولى
إبداله بخبر مرازم (2) (إن إسماعيل بن جابر سأل الصادق (عليه السلام) عن النوافل
الفائتة التي لا يمكن إحصاؤها فقال: توخ) معارض بقوي علي بن جعفر (3) المروي
عن قرب الإسناد عن أخيه موسى (عليه السلام) (سألته عن الرجل ينسى ما عليه من
النافلة وهو يريد أن يقضي كيف يقضي؟ قال: يقضي حتى يرى أنه قد زاد على ما عليه
وأتم) الذي دعوى أولوية الفريضة منه بذلك أوضح، ونحو ذلك مما ستسمعه فيما يأتي
عن قريب إن شاء الله - يؤدي إلى حمل عبارات الأصحاب على الفرد النادر جدا
ضرورة غلبة معرفته عددا يقطع بدخول الواجب فيه يتمكن من فعله من غير عسر ولو

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 4 - 1 - 3
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 4 - 1 - 3
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 4 - 1 - 3
126

في الأزمان المتطاولة، لكثرة دورانه بين الأعداد الحاصرة كالعشرة والعشرين
والأنقص والأزيد، خصوصا بعد إيجاب القضاء عليه إلى غلبة الظن بالوفاء، فإن مرتبة
العلم بعدها تحصل بأقل قليل، بل قد يمنع تحقق العسر والحرج في هذه التتمة أصلا،
على أن عادة الأصحاب إطلاق الحكم المقيد بعدم التمكن أو العسر أو الحرج اتكالا
على ما علم من العقل والنقل من سقوط التكاليف عندهما لا الاطلاق الموافق لمقتضاهما
مع إرادتهم خروج صورة التمكن التي لا عسر وحرج فيها منه من غير إشارة في كثير
من كلماتهم إليها، بل قضية تنزيل إطلاقهم الاكتفاء بالظن على ما سمعته من حال العسر
والحرج في تحصيل العلم سقوط القضاء بالمرة لا وجوبه إلى أن يحصل الظن، إذ لا مدرك
للسقوط حال العسر إلا كونه حينئذ كالمشتبه بغير المحصور الذي يسقط فيه خطاب
المقدمة أصلا حتى الميسور منه أيضا، كما هو واضح.
فلا وجه - بناء على ما ذكرنا من إرادة العلم من غلبة الظن في كلامهم قديما
وحديثا حتى نسب للقطع به في كلامهم، وربما حكي عن الغنية الاجماع عليه، كما أنه
عساه يفهم من غيرها أيضا - للانكار عليهم بأنه لا دليل عليه من النصوص وغيرها،
إذ هم حينئذ في غنية عنها بقاعدة توقف الشغل اليقيني على البراءة اليقينية المقتضية وجوب
القضاء إلى أن يحصل العلم بالفراغ، ضرورة كون المقام من أفرادها وإن كانت الأفراد
التي اشتبه فيها المكلف به مختلفة في القلة والكثرة، بل ينبغي القطع به فيما لو كان عالما
بقدر الفوائت ثم نسيه فدار بين أفراد متعددة، إذ لا ريب حينئذ في بقاء الخطاب واقعا
بذلك المنسي ولو من جهة الاستصحاب الذي لا يقطعه عروض النسيان بعد إمكان امتثاله
باتيان عدد يعلم دخوله فيه، فالتمسك حينئذ بأصالة البراءة في نفي الزائد عن القدر المتيقن
الذي هو القدر المشترك بين سائر الأفراد التي اشتبه فيها المكلف به لا وجه له قطعا،
بل وكذا فيما لو لم يسبقه علم بالقدر بل كان اشتباهه فيه من أول الأمر لاجمال ما كلف
127

وخوطب به عليه، فلا يقطع بالامتثال إلا بفعل ما يعلم به ذلك، لا أنه يكتفي بفعل
ما يرفع به يقين الشغل، إذ من الواضح إرادة صدق الامتثال منه بتمام المأمور به بعد
أن علم أنه مكلف لا عدم يقين الشغل كما في سائر باب المقدمة من الثوب النجس وغيره.
ودعوى بعض الشافعية التي احتملها العلامة في التذكرة بل استوجهها في المدارك
والذخيرة تبعا للمحكي عن المقدس الأردبيلي الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته ونفي الزائد
بالأصل في المسألة الثانية من المسائل الثلاث التي عرفت أنها جميعا من واد واحد، تمسكا
بما دل من المعتبرة (1) على عدم الالتفات للشك في الصلاة خارج وقتها، وبمساواتها
بعد التحليل لما إذا علم الفوات من أيام معينة ثم شك في الزائد عليها، يدفعها ظهور تلك
الأدلة في الشك في نفس الفوات ابتداء لا فيما يتناول الفرض، وظهور الفرق بين تيقن
مقدار معين ثم الشك في الزائد وبين سلخ القدر المتيقن من الأفراد التي وقع الاشتباه
فيها، إذ الأول محل أصل البراءة، لأنه شك في التكليف نفسه وإن قارنه علم بتكليف
آخر، بل سائر موارده من هذا القبيل، بخلاف الثاني الذي قد علم فيه التكليف الدائر
بين الخمسة والستة والعشرة مثلا، وإتيانه بالخمسة التي هي على كل حال مخاطب بها إما
لأنها هي التمام أو بعضه لا يحصل معه القطع بامتثال ما علم أنه مكلف به من ذلك الأمر
الجمل ظاهرا المعين واقعا، ضرورة عدم صلاحية الأصل لتنقيح أن الخمسة مثلا هي
تمام المأمور به، بل لا ريب في ذم العقلاء له على تركه الفرد الذي يحصل به يقين الامتثال
إذ هو كأمر السيد عبده باكرام عدد خاص من علماء البلد لم يبينه له وكان له طريق
ممكن للامتثال القطعي، وربما أشير إلى ذلك في خبري (2) النوافل المتقدمين التي

(1) الوسائل الباب 60 من أبواب المواقيت
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 1 و 3
128

من المعلوم أولوية الفرائض منها بذلك، اللهم إلا أن يدعى انحلال ذلك في الفوائت إلى
أوامر متعددة، ضرورة كون الفوات تدريجيا وإن كانت جميعها تندرج تحت الأمر
بقضاء الفائت، فكل ما علم منها وجب امتثاله، ولا مدخلية له بغيره، وما شك فيه
فالأصل براءة الذمة منه، خصوصا في مثل الصلاة التي قد ثبت عدم الالتفات إلى الشك
فيها خارج وقتها، بل قد يدعى استمرار طريقة الأصحاب على التمسك بالأصل في أمثاله
من الدوران بين الأقل والأكثر في الديون والصيام وغيرهما، وهو قوي جدا، لكن
ظاهر أكثر الأصحاب بل صريح بعضهم كالشهيدين والفاضل المعاصر قدس سره في الرياض
وعن غيرهم خلافه هنا، ولعله لما سمعت، وعليه بناء على ما عرفت من إرادتهم العلم
بغلبة الظن يستغنى عن تطلب الدليل لذلك، أما لو كان المراد من ذلك الظن بمعنى أنه
يكتفى بفعله القضاء وإن تمكن من العلم بسهولة كما سمعته سابقا من بعضهم فلا دليل عليه
كما عرفت سوى ما يتوهم من الاتفاق الناشئ من هذا الاطلاق الذي هو كما ترى،
والمرسل المروي في كتب الأصحاب من أن المرء متعبد بظنه الذي لا ينبغي الاعتماد عليه
في مثل المقام المقتضي لهدم القاعدة المزبورة على أي حال كانت، كخبر إسماعيل (1)
عن الصادق (عليه السلام) (سألته عن الصلاة تجتمع علي قال: تحر واقضها) إذ هو
- مع احتماله النافلة أيضا، بل ظهوره بقرينة السائل، خصوصا بعد تعبيره في السؤال
بما يظهر منه وقوع ذلك منه غير مرة، وخبر مرازم (2) المشتمل على سؤال إسماعيل بن
جابر الصادق (عليه السلام) عن النوافل الذي قدمناه - ضعيف غير صالح لاثبات مثل
ذلك أيضا، وأما لو قلنا بأن المراد منها الظن لكن بعد تقييد الاكتفاء به بما إذا لم يتمكن
من العلم ولو لعسر وحرج فلعل الدليل عليه - بعد ظهور كونه كالمجمع عليه بين
الأصحاب - معلومية قيامه مقام العلم في كل مقام تعذر هو فيه، بل عن المختلف الاجماع

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 2 - 1
129

على نحو ذلك، والمرسل المتقدم المنجبر بما عرفت وفحوى ما سمعته في النوافل،
واستصحاب وجوب القضاء إليه الذي كان ثابتا حال العلم، ضرورة سبق مرتبته عليه
هنا، لأن الوفاء تدريجي، وعدم سقوط الخطاب بمقدمة العلم بتعذر بعض أفرادها،
وتوقف الامتثال عليه بعد أن سقط العلم لتعذره، للشك في حصول الامتثال بدونه،
وغير ذلك، فتأمل جيدا.
المسألة (الثالثة من ترك الصلاة) مرة (مستحلا قتل) بلا خلاف كما عن
مبسوط الشيخ وخلافه ومجمع البرهان، بل إجماعا محكيا في التحرير والذكرى وعن الغنية
وكشف الالتباس إن لم يكن محصلا (إن كان) ذكرا و (ولد) أو انعقد وكان أحد
أبويه (مسلما) على ما يأتي من الوجهين أو القولين في تفسير المرتد عن فطرة، فإن
ما نحن فيه منه كسائر من أنكر ضروريا من ضروريات الدين كما تقدم البحث فيه عند الكلام
في الكافر في باب الطهارة، بل تقدم هناك أيضا البحث في أنه مقتض للكفر بنفسه أو
لاستلزامه إنكار صاحب الشريعة، والفرق بينه وبين إنكار المعلوم ضرورة وبين
المعلوم نظرا.
أما الأنثى فلا تقتل بذلك وإن كانت عن فطرة، كما نص عليه هنا غير واحد
ويأتي بيانه أيضا في محله من الحدود، بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب أو
تموت لما رواه ابن محبوب (1) عن غير واحد من الأصحاب عن الباقر والصادق (عليهما
السلام) (المرأة إذا ارتدت استتيبت، فإن تابت وإلا خلدت في السجن وضيق عليها
في حبسها) وعن عباد بن صهيب (2) عن الصادق (عليه السلام) (المرتد يستتاب،
فإن تاب وإلا قتل، والمرأة تستتاب، فإن تابت وإلا حبست في السجن وأضر بها

(1) الاستبصار ج 4 ص 253 الرقم 959 المطبوع في النجف
(2) الاستبصار ج 4 ص 255 الرقم 967 المطبوع في النجف
130

الخبر، والخنثى المشكل لم أجد لأصحابنا فيه هنا نصا، فيحتمل كونه كالأنثى احتياطا
في الدماء، وكونه كالذكر لاطلاق ما دل على قتل المرتد الذي علم خروج المرأة منه خاصة
لكن الأول أقوى.
(واستتيب) إن لم يكن كذلك ب‍ (- أن كان أسلم عن كفر) ولو لتبعية أبويه
فيه، إذ يكون حينئذ مرتدا عن ملة الذي حكمه أنه يستتاب (فإن امتنع قتل) لقوله
تعالى (1): (فإن تابوا وأقاموا الصلاة) إلى آخره. وصريح الاجماع المحكي عن
كتاب المرتد من الخلاف وظاهر الغنية كما يأتي إن شاء الله تحريره في محله، وتتحقق
توبته باخباره عن اعتقاد وجوبها وفعلها مع الندم على ما فات منه، بل وإن لم يفعل أيضا
وإن كان يعزر حينئذ، أما لو فعل ولما يخبر ففي الذكرى أنه لا تتحقق التوبة، كما أن
فيها استظهار عدم الاكتفاء هنا بالاقرار بالشهادتين، قال: لأن الكفر لم يقع بتركهما.
(فإن ادعى) المرتد عن فطرة (الشبهة المحتملة) في حقه، لقرب عهده بالاسلام
أو بعد بلاده عنه مثلا أو غيرهما مما يمكن صلاحيته لعدم ثبوت الضرورة عنده (درئ
عنه الحد) حتى لو قلنا بأن كفره لنفسه لا لاستلزامه كما يدرأ سائر الحدود في نحو
ذلك من الشبهات كما تسمع الكلام مفصلا إن شاء الله فيه وفيما ذكره في المدارك
والذخيرة تبعا للذكرى والمسالك من سقوطه أيضا بدعوى النسيان في إخباره عن
الاستحلال أو الغفلة أو تأويل الصلاة في النافلة، لقيام الشبهة الدارئة للحد معها أيضا.
هذا كله في التارك مستحلا (و) أما (إن لم يكن مستحلا) بل كان للعصيان
(عزر، فإن عاد عزر، فإن عاد ثالثة) ففي الخلاف وظاهر التحرير هنا (قتل) كما هو
الشأن في سائر الكبائر التي لم يكن حدها القتل أو ما يقضى إليه ابتداء، إذ احتمال
إخراج الصلاة من بينها - للحكم بكفر تاركها، وبراءة ملة الاسلام منه، وأنه ما بين

(1) سورة التوبة الآية 5 و 11
131

الكفر والايمان إلا ترك الصلاة في عدة أخبار (1) فيها الصحيح الصريح المشتمل على
تعليل ذلك بأن تركها ليس للذة، بل ما هو إلا لاستخفاف المستلزم للكفر بخلاف الزنا
ونحوه من المعاصي التي يدعو إليها الداع - مرغوب عنه بين الأصحاب، ونصوصه
محمولة على المبالغة في شأنها أو على الترك ثلاثا المساوي للكفر في القتل أو الاستحلال
أو الاستخفاف وعدم الاعتناء في الأمر بها كما يومي إليه في الجملة التعليل المتقدم، لا إذا
كان الترك للاشتغال بملاذ الدنيا وحب الراحة، خصوصا في بعض الأوقات أو غير
ذلك مما لا ريب عند الأصحاب في مساواة الترك له لسائر الكبائر التي ستعرف أن
حكمها في باب الحدود القتل في الثالثة المسبوقة بالتعزيرين، لخبر يونس (2) المنسوب إلى
رواية الأصحاب في الذكرى عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) (أصحاب الكبائر
كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة) المؤيد بخبر أبي بصير (3) عن الصادق
(عليه السلام) (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا حد شارب الخمر مرتين
قتله في الثالثة) وخبره الآخر عنه (عليه السلام) (4) أيضا (من أخذ في شهر
رمضان وقد أفطر فرفع إلى الإمام يقتل في الثالثة) ومضمره (5) أيضا، قال: (قلت:
آكل الربا بعد البينة، قال: يؤدب، فإن عاد أدب، فإن عاد قتل) وغير ذلك مما يأتي
في محله إن شاء الله.
(وقيل) كما في الإرشاد وظاهر بعض عبارات الذكرى وغيرها وعن المبسوط

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب حد المسكر الحديث 2 - 4 من كتاب الحدود والتعزيرات
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب حد المسكر الحديث 2 - 4 من كتاب الحدود والتعزيرات
(4) الوسائل - الباب 2 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 من كتاب الصوم
(5) الوسائل الباب 7 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات الحديث 2 من
كتاب الحدود
132

والموجز وكشف الالتباس، بل في الأخير نسبته إلى الشهرة، بل قد يظهر من المحكي
عن الخلاف في كتاب الردة الاجماع عليه كما ستسمع: إنه لا يقتل إلا (في الرابعة)
بل في الذكرى حكي عن المبسوط أنه لا يقتل فيها إلا بعد أن يستتاب، فإن امتنع قتل،
كما أنه حكي فيها عن الفاضل موافقته في ذلك (و) لا ريب في أنه (هو الأحوط) في
الدماء التي حقنها مقتضى الأصل، خصوصا بعد قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (لا يحل
دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل
نفس بغير حق) وإلا فلم نعثر له على نص يشهد له ولو على وجه العموم للكبائر التي
منها ترك الصلاة كما اعترف به بعض الأساطين من أصحابنا عدا ما حكى عنه في المبسوط
أنه قال: روي (2) عنهم (عليهم السلام) (إن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة)
نعم روى أبو خديجة (3) عن الصادق (عليه السلام) في المرأتين في لحاف واحد القتل
في الرابعة مع أنه روى هو القتل (4) فيه في الثالثة عنه (عليه السلام) أيضا، وعن
جميل (5) أنه روى بعض أصحابنا قتل شارب الخمر في الرابعة، مع أنك سمعت خبر أبي بصير من قتله في الثالثة، وروى أبو بصير (6) عن الصادق (عليه السلام) في الزاني
القتل في الرابعة، كخبر زرارة (7) أو يزيد عنه (عليه السلام) أيضا، مع أنه في الذكرى
عن جميل بن دراج أنه روى بعض أصحابنا قتله في الثالثة، وأيضا لا دلالة في شئ

(1) سنن البيهقي ج 8 ص 19 و 194
(2) المبسوط: كتاب المرتد حكم تارك الصلاة
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حد الزنا الحديث 23 من كتاب الحدود
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب حد السحق والقيادة الحديث 1 من كتاب الحدود
(5) الوسائل الباب 11 من أبواب حد المسكر الحديث 7 من كتاب الحدود
(6) الوسائل الباب 20 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 2 من كتاب الحدود ولكن روى الثاني عن عبيد بن زرارة أو بريد العجلي
(7) الوسائل الباب 20 من أبواب حد الزنا الحديث 1 - 2 من كتاب الحدود ولكن روى الثاني عن عبيد بن زرارة أو بريد العجلي
133

منها على الاستتابة التي ذكرها، بل ظاهرها وغيرها خلافه.
لكن على كل حال لا يسوغ قتله قبل تخلل التعزير، لأصالة حقن الدم، ومفهوم
النصوص السابقة.
ثم لا فرق هنا في ظاهر النصوص والفتاوى بين الذكر والأنثى، فتقتل حينئذ
في الثالثة أو الرابعة وإن لم يكن حكمها في الارتداد الذي هو أعظم منه ذلك وإن تكرر
منها كما اعترف به في الذكرى، قال فيها بعد أن ذكر حكمها مع الارتداد كما ذكرنا:
(ولو تركتها لا مستحلة وعزرت ثلاثا فظاهر الأصحاب قتلها في الرابعة، وكذا في
جميع مواضع الحد أو التعزير) انتهى.
ونحوها في ذلك المرتد الملي الذي قد يظهر من إطلاق بعض الأصحاب أن حكمه
في الاستحلال الاستتابة وإن تجاوز الرابعة والخامسة فما زاد، بخلافه هنا، فإنه يقتل في
الرابعة أو الثالثة من غير استتابة وإن كان هو أهون من الارتداد، لكن في مفتاح
الكرامة عن كتاب الردة من الخلاف المرتد الذي يستتاب إذا رجع إلى الاسلام ثم كفر
ثم رجع ثم كفر قتل في الرابعة ولا يستتاب، دليلنا إجماع الفرقة، على أن كل مرتكب
للكبيرة إذا فعل به ما يستحقه قتل في الرابعة، وهو صريح في مساواة الارتداد لباقي
الكبائر في الحكم المزبور، ويؤيده عموم الكبائر الثابت حكمها بما سمعت لما يشمل
الارتداد، بل هو أكبر الكبائر، ومنه يعلم الحال في المرأة أيضا بالنسبة إلى ما تقدم،
وتمام البحث في هذه المسائل يأتي في محله إن شاء الله تعالى.
(الفصل الثالث في الجماعة)
(والنظر في أطراف):
(الأول الجماعة مستحبة في الفرائض) الحواضر اليومية (كلها) كتابا (1)

(1) سورة البقرة الآية 40 وسورة النساء الآية 103
134

وسنة (1) متواترة وإجماعا بل ضرورة من الدين يدخل منكرها في سبيل الكافرين،
بل والفوائت كما صرح به غير واحد، بل في الذكرى ما يظهر منه دعوى إجماع المسلمين
عليه، لعموم الأدلة، وبدلية القضاء عن الأداء، وفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ذلك في قضاء صلاة الصبح (2) بناء على صحة تلك الرواية، بل وغير اليومية من
الفرائض عند علمائنا كما في المنتهى حتى المنذورة عندنا كما في الذكرى ذاكرا بعده ما يظهر
منه إرادة الإمامية من ضمير الجمع، بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى صلاة الكسوف بل
وغيره من الآيات، لصراحة بعض أدلتها السابقة في ذلك.
أما غيرها من المنذورة وركعتي الطواف والاحتياط فإن ثبت إجماع على مشروعية
الجماعة فيها بالخصوص فهو، وإلا كان للنظر فيه مجال كما اعترف به في الرياض بل وغيره
للشك في إرادتها من إطلاق أدلة المقام إن لم يكن ظاهرها العدم، خصوصا الأخيرة،
لظهور دليلها في تعريضها للفريضة والنافلة المقتضي مراعاة الصحة فيهما على كلا التقديرين
مهما أمكن، وليس هو إلا الانفراد لاحتمال نفلهما الذي لا يشرع فيه الجماعة، بل
والأولى استصحابا لحالها قبل النذر وإن قلنا بعدم صدق المشتق حقيقة بعد زوال المبدأ
بناء على عدم اشتراط حجية الاستصحاب في نحوه بذلك، مع أنه قد يمنع عدم الصدق
هنا، لعدم زوال الوصف أصلا، بل هو بالنسبة إلى خصوص الناذر فقط، فيكفي في
صدق اسم النافلة عليها كونها كذلك في حد ذاتها وبالنسبة إلى غالب المكلفين، كاطلاق
اسم النافلة على صلاة الليل بالنسبة للنبي (صلى الله عليه وآله)، بل قد يدعى عدم
المنافاة بين وصف النفل من جهة الذات وبين الوجوب من جهة العرض كالنذر وأمر
الوالد والسيد، فتندرج حينئذ فما دل على منع الجماعة في النافلة، خصوصا بعضه مما ستعرف

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 61 من أبواب المواقيت الحديث 6
135

الذي يمكن دعوى ظهوره في إرادة الذات لا شرطية الوصف، لا أقل من الشك،
فتبقى على أصالة عدم مشروعية الجماعة فيها، ودعوى أن مفهوم الوصف بالنفل قاض
بعدم منع الجماعات في فاقده بعد تعليق المنع بالنافلة يدفعها مضافا إلى ما عرفت وإلى
عدم حجيته أنه لو قلنا بحجيته فإنما هو بالنسبة إلى فاقد الوصف من غير موضوع المنطوق
أما هو فيمكن منع الحجية فيه، خصوصا لو ذكر موصوفه معه، كقوله أكرم زيدا العالم
كل يوم فلا يدل على عدم الاكرام بعد زوال الوصف عن زيد إن لم نقل بدلالته على
خلافه، لاطلاق الأمر باكرام الذات الذي لا يقيده الوصف بالعالم بعد عدم ظهوره في
اشتراط دوامه بذلك، لاحتمال إرادة التوضيح منه، أو التخصيص لاخراج الفاقد من
غير الموضوع، وكون العلم في الجملة علة للاكرام المستمر وغير ذلك.
فلا ريب في كون الاحتياط بترك الجماعة فيها، بل وفيما بعدها أيضا من ركعتي
الطواف وصلاة الاحتياط كما اعترف به فيهما في الرياض تبعا للمحكي عن غيره، خصوصا
مع ملاحظة الخلاف في استحباب الأولى منهما وإن كان الطواف واجبا، وليس المقام
مما يتسامح فيه كسائر المستحبات التي لا يقدح عدم مصادفتها للواقع، ضرورة اشتغال
الذمة هنا بيقين الذي يطلب فيه البراءة كذلك، وليس هو إلا في الانفراد، لاحتمال
عدم مشروعية الاجتماع فيها، فلا تبرأ الذمة، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك يقدح لو كان
منشأ التسامح في المستحب الاحتياط العقلي، أما لو كان هو الاخبار كعموم (1) (من
بلغه) ونحوه فلا، إذ ذاك يكون حينئذ حجة شرعية في قبول الخبر الضعيف مثلا
المثبت للأمر الاستحبابي، فيكون المفرغ للذمة حقيقة ما دل على التسامح لا خصوص
الخبر الضعيف، لكن قد يمنع عموم دليل التسامح لمثل المقام، فتأمل.

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات
136

(و) كيف كان فالجماعة وإن استحبت في باقي الفرائض إلا أنها (تتأكد)
قطعا (في الصلوات المرتبة) اليومية سيما الصبح، بل والعشاءين، وسيما جيران المسجد
ومن يسمع النداء، وقد ورد أن الجماعة تفضل على صلاة الفذ أي الفرد بأربعة وعشرين
درجة، أو بخمس وعشرين، أو بسبع وعشرين، أو بتسع وعشرين (1)
و (أن الركعة في الجماعة بأربعة وعشرين ركعة، كل ركعة أحب إلى الله من عبادة
أربعين سنة) (2) و (أن من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله تعالى حتى تطلع
الشمس كان له في الفردوس سبعون درجة بعد ما بين كل درجتين كحظر الفرس الجواد
المضمر سبعين سنة، ومن صلى الظهر في جماعة كان له في جنات عدن خمسون درجة
بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد خمسين سنة، ومن صلى العصر في جماعة
كان له كأجر ثمانية من ولد إسماعيل (عليه السلام) يعتقهم، ومن صلى المغرب في جماعة
كان له كحجة مبرورة وعمرة مقبولة، ومن صلى العشاء في جماعة كان له كقيام ليلة
القدر) (3) وأن الجماعة أفضل من الصلاة فرادى في مسجد الكوفة (4) الذي روي
أن الصلاة فيه بألف صلاة (5) بل روي (6) (أن فضل الجماعة على الفرد ألفا ركعة).
لكن في الروضة أن الجماعة مستحبة متأكدة في اليومية حتى أن الصلاة الواحدة
منها تعدل خمسا أو سبعا وعشرين صلاة مع غير العالم، ومعه ألفا، ولو وقعت في
مسجد يضاعف بمضروب عدده أي المائة في عددها، ففي الجامع مع غير العالم الفان
وسبعمائة، ومعه مائة ألف، ثم قال: (وروي (7) أن ذلك مع اتحاد المأموم، فلو تعدد

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 و 5 و 16
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10 - 11 - 18
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10 - 11 - 18
(4) التهذيب ج 3 ص 25 الرقم 88 من طبعة النجف
(5) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 11
(6) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10 - 11 - 18
(7) الظاهر أن الشهيد قدس سره استفاد التضاعف بتعدد المأمومون مما روي في
المستدرك في الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
137

تضاعف في كل واحدة بقدر المجموع في سابقه إلى العشرة، ثم لا يحصيه إلا الله) انتهى
مبنيا على احتساب فضل الجماعة على الفرد بما ذكر، وإلا فبناء على الألفين ضاق عن
حصرها الحساب والكتاب، بل روي (1) أيضا (من مشى إلى مسجد يطلب فيه
الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وأن
من مات وهو على ذلك وكل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره، ويبشرونه،
ويؤنسونه في وحدته، ويستغفرون له حتى يبعث) و (أن الله يستحيي من عبده إذا
صلى في جماعة ثم سأله حاجة أن ينصرف حتى يقضيها) (2)
بل قد يستفاد من جملة (3) من أخبار الباب الدالة على أن تارك الجماعة لا صلاة له
الكراهة أيضا، كما هو ظاهر الحر في وسائله بتقريب أنه متى تعذرت الحقيقة وجب
الانتقال إلى أقرب المجازات ثم الأقرب، ولا ريب أنه الكراهة بعد الفساد، لكن
المعروف استفادة نفي الكمال من مثل هذا التركيب الذي هو أعم من الكراهة، مع احتمال
إرادة نفي الصلاة منه هنا عن التارك رغبة عن الجماعة، كما يومي إليه بعض الأخبار (4)
وإرادة لا صلاة له بين المسلمين بمعنى عدم حكمهم بها له، لعدم رؤياه في جماعة المسلمين
كما يومي إليه آخر (5) أو غير ذلك.
لكن قد يقال: إن الكراهة إن لم تستفد من هذا التركيب فيمكن استفادتها
مما رواه ابن أبي يعفور (6) عن الصادق (عليه السلام) (أنه هم رسول الله (صلى الله
عليه وآله) باحراق قوم كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلون الجماعة، فأتاه رجل أعمى
فقال: يا رسول الله إني ضرير البصر وربما أسمع النداء ولا أجد من يقودني إلى الجماعة

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7 - 15
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7 - 15
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 0 - 7 - 8 - 9
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 0 - 7 - 8 - 9
(5) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 0 - 7 - 8 - 9
(6) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 0 - 7 - 8 - 9
138

والصلاة معك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): شد من منزلك إلى المسجد حبلا
وأحضر الجماعة) وابن ميمون (1) عنه أيضا عن آبائه (عليهم السلام) أنه قال: (اشترط
رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جيران المسجد شهود الصلاة، وقال: لينتهن أقوام
لا يشهدون الصلاة أو لآمرن مؤذنا ثم يقيم ثم آمر رجلا من أهل بيتي وهو علي
(عليه السلام) فليحرقن علي أقوام بيوتهم بحزم الحطب، لأنهم لا يأتون الصلاة) وغيرهما
مما هو كذلك أو نحوه.
لكنك خبير أن ظاهرها لا يلائم الكراهة أيضا، ضرورة عدم استحقاق
العقاب المؤجل على عدم فعلها فضلا عن المعجل، فوجب حملها بعد صحيح زرارة
والفضيل (2) قلنا له: (الصلاة في جماعة فريضة هي، فقال: الصلاة فريضة وليس
الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها، ولكنها سنة من تركها رغبة عنها أو عن جماعة
المؤمنين من غير علة فلا صلاة له) بل الاجماع بقسميه بل الضرورة من المذهب على
عدم وجوبها لا كفاية ولا عينا في غير الموضعين المخصوصين على إرادة الترك حتى للواجب
منها كالجمعة، أو على إرادة الترك رغبة عن جماعة المسلمين، معرضا به لبعض المنافقين
الذين لم تطمئن قلوبهم بهذا الدين، كما يومي إليه جملة من الأخبار، منها خبر ابن سنان (3)
عن الصادق (عليه السلام) (سمعته يقول: إن أناسا كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
أبطأوا عن الصلاة في المسجد وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليوشك قوم
يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بالحطب فيوضع على أبوابهم فيوقد عليهم نار فتحرق
عليهم بيوتهم) ومنها آخر (4) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا غيبة إلا

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 10
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 10
(4) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 2
139

لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين
غيبته، وسقطت بينهم عدالته، ووجب هجرانه، وإذا دفع إلى إمام المسلمين أنذره
وحذره، فإن حضر جماعة المسلمين وإلا أحرق عليه بيته) إلى غير ذلك من الأخبار
المشعرة بما ذكرنا المؤيدة بعدم ذكر أحد من الأصحاب الحكم بكراهة ترك الجماعة، بل
اقتصروا على ذكر استحبابها، والأمر سهل بعد معلومية عدم حرمة الترك عندنا.
(و) أنها (لا تجب) بالأصل لا شرعا ولا شرطا (إلا في الجمعة والعيدين
مع الشرائط) التي مر ذكرها في محلها (و) إلا فقد تجب بالعارض كالنذر وعدم
معرفة القراءة ونحوهما.
كما أنها (لا تجوز في شئ من النوافل) على المشهور بين الأصحاب نقلا
وتحصيلا، بل في الذكرى نسبته إلى ظاهر المتأخرين، بل في المنتهى والتذكرة وعن كنز
العرفان الاجماع عليه، بل يظهر من السرائر في صلاة العيد أنه من المسلمات، للنصوص
المستفيضة، منها صحيح زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل (1) الذي هو في أعلى درجات
الصحة سألوا أبا جعفر الباقر وأبا عبد الله الصادق (عليهما السلام) (عن الصلاة في شهر
رمضان نافلة بالليل في جماعة، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلى
العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلي،
فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلي كما كان يصلي فاصطف الناس خلفه فهرب
منهم إلى بيته وتركهم، ففعلوا ذلك ثلاث ليال فقام في اليوم الثالث على منبره فحمد الله
وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة
بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل، ولا تصلوا
صلاة الضحى، فإن تلك معصية، ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 1 من كتاب الصلاة
140

النار، ثم نزل وهو يقول: قليل في سنة خير من كثير في بدعة) ومنها موثق عمار (1)
عن الصادق (عليه السلام) (سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد فقال: لما قدم
أمير المؤمنين (عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن علي (عليهما السلام) أن ينادي في
الناس لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس الحسن بن علي (عليهما
السلام) بما أمره به أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي
(عليهما السلام) صاحوا وا سنة عمراه وا عمراه وا عمراه، فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين
(عليها السلام) قال له: ما هذا الصوت؟ قال: يا أمير المؤمنين الناس يصيحون وا عمراه
وا عمراه، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): قل لهم صلوا) ومنها خبر سليم بن
قيس الهلالي (2) قال: (خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه ثم
صلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان: اتباع
الهوى وطول الأمل - إلى أن قال -: قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله
(صلى الله عليه وآله) متعمدين لخلافه ناقضين لعهده، مغيرين لسنته، ولو حملت الناس
على تركها لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي - إلى أن قال -:
والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم
في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي يا أهل الاسلام غيرت
سنة عمر، نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية
جانب عسكري)
ولعله ظاهر في بدعة الاجتماع في مطلق النوافل التي منها نوافل شهر رمضان،
ولا ينافيه مناداتهم بالنهي عن التطوع فيه بعد أن كان مورد عمومه (عليه السلام) ذلك

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 2 - 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 2 - 4 من كتاب الصلاة
141

بل قد يظهر منه أيضا أن مراده بالنهي في الخبر الأول ذلك أيضا، وأن ذكر شهر
رمضان لأنه فرد من العام كما يومي إليه حكايته ما أمر به في هذا الخبر، بل لعل صحيح
الفضلاء أيضا كذلك بقرينة قوله (عليه السلام) في الخطبة: (خالفوا فيها رسول الله
(صلى الله عليه وآله)) بل وبقرينة خبر محمد بن سليمان (1) الطويل جدا، قال: (إن
عدة من أصحابنا اجتمعوا على هذا الحديث منهم يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وصباح الحذا عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن
(عليه السلام)، وسماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وقال أيضا: إني
سألت الرضا (عليه السلام) عن هذا الحديث فأخبرني به، ثم قال: قال هؤلاء جميعا:
سألنا عن الصلاة في شهر رمضان كيف هي؟ وكيف فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
فقالوا جميعا: إنه لما دخلت أول ليلة من شهر رمضان - إلى أن قال -: فانصرف إليهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أيها الناس إن هذه الصلاة نافلة، ولن يجتمع
للنافلة، فليصل كل رجل منكم وحده، وليقل ما علمه الله من كتابه، واعلموا أنه لا جماعة
في نافلة، فافترق الناس) الحديث.
وهو - مع انجبار سنده بما عرفت، وشهادة قرائن كثيرة بصحة مضمونه،
واعتضاده بالمروي (2) عن الخصال والعيون (لا يجوز أن يصلى التطوع في جماعة،
لأن ذلك بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) بل في التنقيح روى
الأصحاب (لا جماعة في نافلة) وبغير ذلك من النصوص الدالة في الجملة، وبالأصول
المقررة والقواعد المحررة المقتضية عدم سقوط القراءة، وعدم وجوب المتابعة ونحوهما
من أحكام الجماعة التي لا يعارضها إطلاق بعض الأخبار استحباب الجماعة في الصلاة بعد

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 6
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 و 6
142

تبادر غير النافلة منها، وكونها مساقة لبيان فضل الائتمام في نفسه من دون نظر لما يؤتم به
من الفريضة والنافلة كاشف عن المراد بالصحيح الأول لأن كلامهم (ع) يحل بعضه بعضا
على أنه لا قائل باختصاص المنع في نوافل شهر رمضان، فيكون إحداث قول ثالث.
فما عساه يظهر من المدارك والذخيرة من التوقف والتردد في هذا الحكم بل الميل
إلى عدمه في غير محله قطعا، وإن تجشم أولهما فقال: (ربما ظهر من كلام المصنف فيما
سيأتي أن في المسألة قولا بجواز الاقتداء في النافلة - ثم حكى ما في الذكرى (لو صلى
مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاء لنافلة أو صلى متنفل بالراتبة خلف المفترض
أو متنفل براتبة خلف راتبة أو غيرها من النوافل فظاهر المتأخرين المنع) ثم قال -:
وهذا كلام يؤذن بأن المنع ليس إجماعيا، والذي ألجأه إلى ذلك قصور سند بعض أخبار
المختار ودلالة آخر وورود بعض أخبار صحيحة دالة على الجواز كصحيح عبد الرحمن بن
أبي عبد الله (1) عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (صل بأهلك في رمضان الفريضة
والنافلة فإني أفعله) وصحيح هشام بن سالم (2) سأل أبا عبد الله (عليه السلام) (عن
المرأة تؤم النساء، قال: تؤمهن في النافلة، فأما المكتوبة فلا) ونحوه غيره - ثم قال -:
ومن هنا يظهر أن ما ذهب إليه بعض الأصحاب من استحباب الجماعة في صلاة الغدير
جيد وإن لم يرد فيها نص بالخصوص، مع أن العلامة نقل في التذكرة عن أبي الصلاح
أنه روى استحباب الجماعة فيها، ولم نقف على ما ذكره) انتهى.
وهو من غرائب الكلام لابتنائه أولا على الاعراض عن المشهور بل المجمع عليه
كما عرفت، والركون إلى خلافه بتجشم قائل به من نحو ما سمعت، وأنه ليس باجماعي
عند الشهيد، مع أنه على تقديره لا ينافي كونه كذلك عند غيره، وثانيا على الطعن في
دليل المختار بما ذكر مما عرفت سقوطه في الغاية، مع توجه بعض الطعن المزبور إلى

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 13 - 1
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 13 - 1
143

صحيحه الذي ألجأه إلى مثل ذلك بلا صراحة فيه بمطلوبه، بل هو موافق للتقية،
كالتفصيل في صحيحه الآخر المعرض عنه بين الأصحاب، وإن كان قد يظهر من
الاستبصار القول به المحتمل إرادة النافلة التي تجوز فيها الجماعة ولو الفريضة المعادة
استحبابا، وغير ذلك، ضرورة اشتماله على خصوص النافلة في شهر رمضان التي يمكن
دعوى تواتر الأخبار ببدعية الجماعة فيها، فضلا عن إجماع الشيخ في الخلاف على ذلك
بالخصوص، كاشتراك تتميمه بعد الاغضاء عن ذلك بعدم القول بالفصل بينه وبين دليل
المختار، بل هو أولى منه.
ومن ذلك يظهر ما في قوله: (ومن هنا) إلى آخره. مع أنه ضعيف في نفسه
أيضا، وإن كان هو ظاهر المفيد في مقنعته، واختاره في اللمعة وفوائد الشرائع للمحقق
الثاني وحاشية الإرشاد لولده وعن الغنية والإشارة والتقي والمجلسي وتلميذه أبي الحسن،
بل عن مجمع البرهان أنه المشهور، وأنه ليس ببعيد، بل عن إيضاح النافع أن عمل
الشيعة على ذلك، لكن لا دليل عليه أصلا فضلا عن أن يصلح لمعارضة ذلك الدليل
سوى ما في التذكرة من أن التقي نسبه إلى الرواية، وما في المقنعة من حكاية ما وقع
للنبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير (1) ومنه أنه أمر أن ينادى الصلاة جامعة، فاجتمعوا
وصلوا ركعتين ثم رقى المنبر، وما في الروضة من التعليل بأنه عيد، والآخر كما ترى
وسابقه لا يجوز التعويل عليه هنا وإن قلنا بالتسامح في دليل المستحب لكن حيث
لا يعارضه ما يقتضي الحرمة، ودعوى أن دليل الحرمة لا يزيد على حرمة التشريع التي
لا تمنع من التسامح في دليل المستحب يدفعها وضوح الفرق بين الأمرين خصوصا في
المقام، هذا، ولعل في خلو كلام الأكثر عن ذكر الجماعة عند ذكرهم إياها في الصلوات

(1) المقنعة ص 34
144

المسنونة زيادة ظهور في عدم مشروعيتها فيها، خصوصا مع كون ذلك المقام معدا لذكر
كل ما فيه زيادة للفضل، فلاحظ.
نعم ينبغي استثناء التجميع ببعض النوافل التي أشار إليها المصنف مستثنيا لها من
الحرمة السابقة بقوله: (عدا الاستسقاء) للاجماع عليه والنصوص (1) (والعيدين
مع اختلال شرائط الوجوب) بناء على ما مر سابقا، بل قد يقال: إنه لا ينبغي استثناء
الثانية من ذلك وإن قلنا بصحة الجماعة فيها، لعدم اندراجها في دليل النافلة بعد ظهورها
في إرادة الأصلية منها لا ما كانت فرضا سابقا، ومن هنا قال الحلي في سرائره بعد أن
نقل عن بعض المتفقهة عدم جواز الجماعة فيها معللا له بأنها نافلة ولا يجوز الجمع فيها:
(وهذا قلة تأمل من قائله - إلى أن قال -: فأما تعلقه بأن النوافل لا يجوز الجمع فيها
فتلك النافلة التي لم تكن على وجه من الوجوه ولا في وقت من الأوقات نافلة واجبة
ما خلا صلاة الاستسقاء، وهذه الصلاة أصلها الوجوب، وإنما سقط عند عدم الشرائط
وبقي جميع أفعالها على ما كانت عليه من قبل) إلى آخره، ومرجعه إلى ما ذكرنا من
الشك في شمول النافلة لمثلها إن لم يكن الظاهر عدمه، وهو جيد، بل منه يظهر أنه لا ينبغي
استثناء التجميع في صلاة اليومية استحبابا كالمعادة لادراك جماعة والتبرعية عن الميت
ونحوهما من حرمته في النافلة، إذ هي أولى بعدم الشمول وإن كان قد يظهر من بعضهم
التوقف فيه حتى لو عرض الوجوب باستئجار ونذر ونحوهما، إلا أنه في غير محله كما
مرت الإشارة إلى ذلك، ويأتي له زيادة بيان إن شاء الله.
(و) كيف كان ف‍ (تدرك الصلاة جماعة) وتحتسب له ركعة (بادراك) تكبيرة
الركوع) وهو مأموم إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا كالنصوص (2)

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الاستسقاء
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة
145

بل قضية إطلاق معاقد جملة منها إدراكها بمجرد إدراكه تاما أي قبل حصول مسماه من
الإمام سواء أدرك التكبير معه أولا، بل صرح به في الذكرى، فقال: (إن أدرك
الإمام قبل ركوعه احتسب بتلك الركعة إجماعا سواء أدرك تكبيرة الركوع أولا)
لكن فيه أن ظاهر المخالف في المسألة الآتية ودليله اعتبارها في الادراك، كما ستعرف
(و) كذا تدرك (بادراك الإمام راكعا على الأشبه) الأشهر، بل لا أجد
فيه خلافا بين المتأخرين كما اعترف به في الذكرى والرياض، فنسباه فيهما إليهم، بل
نسبه في السرائر إلى المرتضى ومن عدا الشيخ من الأصحاب، بل في الغنية نفي الخلاف
عنه مطلقا، بل الشيخ نفسه حكى عليه الاجماع في الخلاف مكررا للنصوص المعتبرة
المستفيضة جدا إن لم تكن متواترة، بل في السرائر أنها كذلك، منها الصحيح الذي
رواه المشايخ الثلاثة (1) عن الصادق (عليه السلام) (إذا أدركت الإمام وقد ركع
فكبرت وركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة، وإن رفع رأسه
قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة) ومنها الصحيح الآخر (2) عنه عليه السلام أيضا أنه قال:
(في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع فكبر الرجل وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن
يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة) ومنها الصحيح (3) عنه عليه السلام أيضا (إذا دخلت
المسجد والإمام راكع فظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبر واركع
فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام فالحق بالصف) الحديث. إلى غير ذلك من
الأخبار الكثيرة التي منها أيضا الواردة (4) في أمر الإمام بانتظاره في الركوع وتطويله
كي يلحق المأمومون.

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
(4) الوسائل الباب 50 من أبواب صلاة الجماعة
146

فما في نهاية الشيخ وعن تهذيبه واستبصاره والمفيد والقاضي - من اشتراط الادراك
بادراك تكبيرة الركوع، قال في الأول: (وإن لحق تكبيرة الركوع فقد أدرك تلك
الركعة، فإن لم يلحقها فقد فاتته) إلى آخره - ضعيف جدا، وإن كان يشهد له صحيح
ابن مسلم (1) عن الباقر (عليه السلام) قال: (قال لي: إن لم تدرك القوم قبل أن
يكبر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة) وصحيحه الآخر (2) عنه عليه السلام
أيضا (لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام) بل والثالث (3) أيضا (إذا
أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة) بل وخبره الرابع (4)
أيضا عن الصادق (عليه السلام) (إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك
الركعة) بل وحسن الحلبي أو صحيحه (5) الوارد في الجمعة عن الصادق (عليه السلام)
(إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة، فإن أنت
أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع ركعات) متمما بعدم القول بالفصل بين جماعة
الجمعة وغيرها قطعا، وإن احتمله في الذخيرة إلا أنه في غير محله.
لكن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة ما تقدم، لرجحانها أولا بالشهرة العظيمة
فتوى، بل الاجماع كما سمعت، بل ورواية، خصوصا مع ملاحظة اتحاد الراوي في مقابلها
عدا الأخير منها، وبموافقة الكتاب ثانيا، لصدق الامتثال بذلك، وبقوة الدلالة ثالثا
بخلافها، لاحتمال الأخير إرادة الفراغ من الركعة، والأولين والرابع الكراهة في غير
الجماعة الواجبة، بل وفيها على بعض الوجوه، وإرادة تمام الركوع من التكبير للتعبير به
عنه كما في الذكرى، ولعل منه الصحيح الأول من أدلة الأول، والتخصيص للعموم

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 2 - 3 - 1 - 4
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 2 - 3 - 1 - 4
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 2 - 3 - 1 - 4
(4) الوسائل الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 2 - 3 - 1 - 4
(5) الوسائل الباب 26 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1
147

فيها وفي الثالث بأخبار المختار، بل قد يقال بعدم عموم فيها، فلم يكن فيها دلالة حينئذ
أصلا، إلى غير ذلك مما لا يخفى، هذا.
وربما كان ظاهر الشيخ في نهايته أنه يكتفي في إدراك الركعة بمجرد سماع المأموم
تكبيرة الركوع وإن لم يكن هو حال سماعها خارج الصلاة، فيكون نزاعه حينئذ مع المشهور
باشتراط الادراك حال ركوع الإمام بسماع التكبيرة وعدمها، فالمشهور لا يشترطونه
فيكتفون بمجرد الاجتماع معه في الركوع وإن لم يكن قد سمع، وهو يشترط الادراك في
هذا الحال بسماع المأموم تكبيرة الركوع، لا أن نزاعه في أصل الادراك بادراك الإمام
راكعا، وكأنه هو الذي فهمه منه المولى في شرح المفاتيح، لكن على كل حال ضعفه
ظاهر، بل لعله على هذا التقدير أضعف، لمعلومية عدم مدخلية التكبيرة المستحبة على
الأصح في ذلك، إذ قد لا يقولها الإمام، وإن كان قد يشهد له ظاهر بعض ما سمعته
من الأخبار، والأمر سهل بعد ظهور ضعفه على التقديرين، فلا نطيل الكلام بتحرير ذلك.
ثم إنه لا فرق على المختار في تحقق الادراك بادراك الركوع بين إدراك الذكر
معه أولا، لاطلاق الأدلة السابقة، فما عن التذكرة - من اشتراط ذكر المأموم قبل رفع
الإمام رأسه، ولعله لتوقف صدق إدراك الركوع عليه، ومفهوم المروي عن
الاحتجاج (1) عن الحميري عن مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) (أنه إذا لحق
مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة) - ضعيف جدا،
ضرورة منع الأول وقصور الثاني عن تقييد الصحاح السابقة المعتضدة باطلاق الفتاوى
ومعقد الاجماع، خصوصا مع احتمال إرادة الاعتداد بالنسبة للفضيلة منه، على أنك
ستسمع ما وجدناه في التذكرة، فالمعتبر حينئذ إدراكه قبل رفع رأسه بأن يركع معه
وهو راكع، ولا يكفي تحقق التكبير من المأموم، بل ولا الهوي قبل الوصول إلى حد

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5
148

الراكع وقد رفع الإمام رأسه من الركوع، كما عساه يتوهم من صدر الصحيح الأول،
للأصل، وذيل ذلك الصحيح الكاشف عن المراد بما في صدره والصحيح الآخر وغيرهما.
بل ولا يكفي وصول المأموم إلى ما أراده من حد الراكع فضلا عن الوصول إلى
مسمى الركوع في حال أخذ الإمام في الرفع وإن لم يكن قد تجاوز حد الراكع، لصدق
رفع الإمام رأسه قبل ركوع المأموم، لا أقل من الشك، لندرة الفرض، فيبقى أصالة
عدم الجماعة من غير معارض، لكن في الرياض تبعا للذخيرة أن فيه وجهين، بل قد
يظهر من بعض عبارات كشف الأستاذ الاكتفاء بذلك، بل هو صريح التذكرة قال فيها:
(إذا اجتمع مع الإمام في الركوع أدرك الركعة، فإن رفع الإمام رأسه مع ركوع المأموم
فإن اجتمعا في قدر الأجزاء من الركوع وهو أن يكون رفع ولم يجاوز حد الركوع الجائز
وهو بلوغ يديه إلى ركبتيه فأدركه المأموم في ذلك وذكر بقدر الواجب أجزأه، وإن
أدرك دون ذلك لم يجزه) انتهى.
ولو شك في الادراك وعدمه فلا جماعة أيضا، لمعارضة استصحاب بقائه راكعا
باستصحاب عدم اللحوق، وأصالة تأخر كل من رفع الإمام رأسه وركوع المأموم عن
الآخر مع أصالة عدم الاقتران، ولأن الشك في الشرط شك في المشروط، ودعوى
ظهور الأدلة في مانعية رفع الإمام رأسه، فيكفي في تحققه أصالة عدمه لا شرطية الركوع
واضحة المنع، كدعوى عدم صلاحية معارضة استصحاب عدم اللحوق المعتضد
باستصحاب عدم الجماعة وأحكامها لاستصحاب بقائه راكعا المحتاج في إثبات المطلوب به
إلى واسطة أخرى خارجة عن مقتضاه هي وصول المأموم إليه في هذا الحال، نعم إنما
يثمر استصحاب بقائه راكعا إلى حين الادراك جواز دخول المأموم في الجماعة ونيتها
ضرورة وضوح الفرق بين إثبات حصول الادراك وتحققه به بعد العلم برفع الإمام
رأسه وبين إثبات بقاء الإمام على هذا الحال إلى أن يدركه، إذ الثاني كاستصحاب
149

عدالة الإمام وعقله وغيرهما من سائر شرائط الأفعال المستمرة المتأخرة التي لا يعلم
المكلف حصولها في الآن الثاني، بل يكتفي في إحرازها حتى ينوي القربة باستصحاب
بقائها في الزمان المتجدد.
على أنه قد يقال بأن منشأ جواز الدخول في العبادة فيه وفي أمثاله مما لم يعلم
حصول الشرائط في الزمان المتأخر بل قد لا يظن بل قد يظن العدم ظواهر الأدلة
كالنصوص السابقة والسيرة والطريقة والعسر والحرج وغير ذلك، كما أنه قد يقال أو
قيل باعتبار الاطمئنان في الادراك الذي هو كالعلم في العادة، وإلا فالاستصحاب نفسه
من دون حصول ذلك غير كاف أيضا، وربما يؤيده الصحيح الأخير المشتمل على الأمر
بالتكبير والركوع قبل الوصول إلى الصف إذا ظن عدم الادراك لو مشى إليه، لكنه
كما ترى ضعيف جدا لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، وأضعف منه تأييده
بالصحيح المزبور، بل هو عند التأمل لا دلالة فيه على شئ مما نحن فيه أصلا، فالأقوى
الاكتفاء حينئذ بالدخول في الجماعة باحتمال الادراك، كما أن الأقوى عدم حصول الجماعة
مع الشك في أنه أدرك أو لا، بل ومع الظن الذي لم تثبت حجيته شرعا.
(وأقل ما تنعقد) الجماعة المندوبة (باثنين، الإمام أحدهما) بلا خلاف أجده
فيه كما اعترف به في المنتهى والرياض والمفاتيح، بل في التذكرة وعن كشف الالتباس
الاجماع عليه، بل عن المنتهى عليه فقهاء الأمصار، فلا يشترط حينئذ في حصولها الزيادة
على ذلك إجماعا كما عن نهاية الإحكام، وإن كان لفظ الجماعة حقيقة في الثلاثة فصاعدا
عندنا، لكن المدار هنا على حصول الصلاة جماعة شرعية يترتب عليه ما ذكر لها من
الاحكام لا صدق اسم الجماعة، وهو متحقق بمطلق الضم والاجتماع المتحقق في ضمن
الاثنين قطعا، لما عرفت، ولقول النبي (صلى الله عليه وآله) (1) الذي حكاه عنه

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6
150

مولانا الرضا (عليه السلام) (الاثنان فما فوقهما جماعة) كقوله (صلى الله عليه وآله)
للجهني (1) على ما حكاه الباقر (عليه السلام) في الخبر (نعم) جواب سؤاله عن أنه
وامرأته جماعة، وخبر الصيقل (2) سأل الصادق (عليه السلام) (كم أقل ما تكون
الجماعة؟ قال: رجل وامرأة) وصحيح محمد بن مسلم (3) عن أحدهما عليهما
السلام) قال: (الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه) ولغير ذلك، فللمتحد
المصلي خلف غيره نية الائتمام، بل ونية الجماعة المشروعة المتحققة بذلك قطعا، فما في
حواشي الشهيد عن الشيخ أنه إن كان المؤتم واحدا نوى الائتمام والاقتداء، وإن كان
اثنين مع الإمام جاز أن ينوي الجماعة بخلاف الواحد ضعيف قطعا، أو ينزل على ما لا
ينافي المطلوب.
ثم لا فرق بين الذكور والإناث في الحكم المزبور ولو مع التفريق فيما يصح منه
كالخناثى، لاطلاق الأدلة وصراحة بعضها في بعض، بل في خبر أبي البختري (4)
عن جعفر (عليه السلام) انعقادها بالرجل والصبي، قال (عليه السلام): (إن عليا
(عليه السلام) قال: الصبي عن يمين الرجل إذا ضبط الصف جماعة) وبه صرح غير
واحد، بل يشمله إطلاق الأدلة السابقة بناء على شرعية عبادة الصبي التي يشهد لها الخبر
المزبور، إلا أن يدعى انعقادها بذلك حتى لو قيل بالتمرين كما صرح به في الذخيرة
تبعا للمحكي عن الروض ومجمع البرهان، لاطلاق الأدلة وخصوص الخبر، وهو لا يخلو
من وجه، وإن كان الأوجه بناء على التمرينية حمل خصوص الخبر المتقدم على إرادة
حصول فضيلة الجماعة تفضلا لا انعقادها حقيقة، نحو ما ورد في خبر الجهني (5)

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 2 - 7 - 8 - 2
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 2 - 7 - 8 - 2
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 2 - 7 - 8 - 2
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 2 - 7 - 8 - 2
151

والمرسل (1) عن الصدوق (من أن المؤمن وحده جماعة) ضرورة عدم حصولها حقيقة
بذلك، لمعلومية التنافي بينها وبين الانفراد، فلا بد من حملهما على إرادة حصول
فضلها له لو طلبها وأرادها فلم تتيسر له، خصوصا لو أذن وأقام ثم صلى، بل هو مراد
الصدوق قطعا في المحكي عنه من أن الواحد جماعة، لأنه إذا دخل المسجد وأذن وأقام
صلى خلفه صفان من الملائكة، ومتى أقام ولم يؤذن صلى خلفه صف واحد من الملائكة
لا الجماعة بالمعنى المصطلح، فلو نوى حينئذ الائتمام لم تصح نيته قطعا، وفي بطلان الصلاة
إشكال كما عن نهاية الإحكام من بطلان النية لبطلان ما نواه وتعذره، ومن بطلان
الوصف، فيقع لاغيا ويبقي الباقي على حكمه، لكن يقوى في النظر الثاني إن لم يجعله
من مقومات ما نواه متقربا به، ولو ائتم الصبي بمثله انعقدت جماعة بناء على شرعية
عباداتهم وعلى اختصاص شرطية التكليف في الإمام بائتمام المكلفين لاطلاق قوله صلى الله عليه وآله
(الاثنان فما فوقهما جماعة) لكن في كشف الأستاذ أن البناء على التمرين المحض في
خصوص الإمامة غير بعيد.
ثم إن المراد بأقلية الاثنين في النص والفتوى من حيث العدد بمعنى أن لا مرتبة
من العدد أقل منه تنعقد بها الجماعة، فلا ينافيه حينئذ تفاوت أفراد هذا الأقل في الفضل
كما يومي إليه خبر الصيقل (2) المشتمل على أن أقل ما يكون به الجماعة رجل وامرأة،
ضرورة إرادة بيان اتصاف المرأة بالنقص عن الرجل منه، وعدم الترغيب في جماعة
النساء، لكن قد يشكل بما في البيان من أن المرأتين بهذا الاعتبار أقل من الرجل
والمرأة، وإن كان قد يدفع بأنه لا دليل عليه سوى مجرد اعتبار لا يصلح معارضا لما
سمعت، فلعلهما حينئذ متساويان في نظر الشرع كما يومي إليه ما في كشف الأستاذ،

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 7
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 7
152

حيث قال: أقل ما تنعقد به الجماعة امرأتان إحداهما الإمام، أو رجل وامرأة أو أزيد
فضلا منه باعتبار التجانس أو غيره من الحكم الخفية، كما عساه يشهد له الاقتصار في الخبر
المزبور على أقلية الأول، فالمتجه حينئذ الوقوف على خصوص المستفاد من الأدلة بالنسبة
إلى قلة ذلك وكثرته في الثواب والسكوت عن غيره في سائر الصور المتصورة هنا بالنسبة
للصبيين والصبيتين، والصبي والصبية، والمرأة والصبية، والرجل والصبي، والمرأة
والرجل، والمرأتين والرجلين، والرجل والصبية، وغير ذلك، كصور الخنثى أيضا ونحوها.
نعم لا ريب في تصاعد فضلها بتصاعدها، روى الشهيد الثاني عن الشيخ أبي جعفر
ابن أحمد القمي نزيل الري في كتاب الإمام والمأموم باسناده المتصل إلى أبي سعيد
الخدري (1) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتاني جبرائيل مع سبعين
ألف ملك بعد صلاة الظهر فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام وأهدى إليك هديتين
قلت: وما تلك الهديتان؟ قال: الوتر ثلاث ركعات، والصلوات الخمس في جماعة،
قلت: يا جبرائيل وما لأمتي في الجماعة؟ قال: يا محمد إذا كان اثنين كتب الله لكل
واحد بكل ركعة مائة وخمسين صلاة، وإذا كانوا ثلاثة كتب الله لكل واحد بكل
ركعة ستمائة صلاة، وإذا كانوا أربعة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ألفا ومائتي
صلاة، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكل واحد بكل ركعة الفين وأربعمائة صلاة، وإذا
كانوا ستة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة، وإذا
كانوا سبعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة آلاف وستمائة صلاة، وإذا
كانوا ثمانية كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة عشر ألف ومائتي صلاة،
وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة ستة وثلاثين ألفا وأربعمائة صلاة
وإذا كانوا عشرة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة سبعين ألفا وألفين وثمانمائة

(1) المستدرك الباب 1 - من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
153

صلاة، فإن زادوا على العشرة فلو صارت بحار السماوات والأرض كلها مدادا والأشجار
أقلاما والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة، يا محمد
تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من ستين ألف حجة وعمرة، وخير من الدنيا وما
فيها سبعين ألف مرة، وركعة يصليها المؤمن مع الإمام خير من مائة ألف دينار يتصدق
بها على المساكين، وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من عتق مائة رقبة)
ولا استبعاد في شئ مما ذكر فيه على لطف الله ورأفته وفضله وحكمته خصوصا بعد أن
كان ذلك هديته منه إلى حبيبه محمد (صلى الله عليه وآله) فلا غرو إن عظمت، إذ
الهدايا على مقدار مهديها، لكن من المعلوم أن ذلك كله للجماعة الصحيحة لا مطلقا،
فينبغي المحافظة فيها حينئذ على جميع ما يعتبر فيها.
(و) منه أنها (لا تصح مع حائل بين الإمام والمأموم) غير الصفوف (يمنع
المشاهدة) لمن يعتبر في الصحة مشاهدته في سائر الأحوال كالقيام والقعود ونحوهما جدارا
كان أو غيره بلا خلاف أجده، بل الظاهر أنه إجماعي كما في الذخيرة، بل هو كذلك
في صريح الخلاف والمنتهى والمدارك وعن إرشاد الجعفرية والمصابيح وظاهر الذكرى
وعن المعتبر والغرية حيث نسب فيها إلى علمائنا، لأنه خلاف المعهود من الجماعة التي
يمكن دعوى وجوب الاحتياط فيها باعتبار توقيفيتها، وعدم وضوح استفادة حكمها من
الاطلاقات الغير المساقة لبيان كيفيتها، ولصحيح زرارة (1) عن الباقر (عليه السلام)
(إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، وأي
صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى
فليس تلك لهم بصلاة، وإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 وذيله
في الباب 59 منها الحديث 1
154

كان بحيال الباب، قال: وهذه المقاصير لم يكن في زمن أحد من الناس وإنما أحدثها
الجبارون، وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة) قال (1): وقال أبو جعفر
(عليه السلام): (ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض، لا يكون
بين الصفين ما لا يتخطى، يكون قدر ذلك مسقط جسد الانسان إذا سجد) الحديث.
فما في خبر ابن الجهم (2) (سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يصلي بالقوم
في مكان ضيق ويكون بينهم وبينه ستر أيجوز أن يصلي بهم؟ قال: نعم) يجب حمله
على غير مانع المشاهدة أو التقية أو غير ذلك، على أن الموجود فيما حضرني من نسخة
الوافي بالشين المعجمة والباء الموحدة، نعم حكى هو في بيانه عن بعض النسخ السين المهملة
والتاء المثناة من فوق واحتمل تصحيفه.
أما إذا كان الحائل قصيرا لا يمنع المشاهدة فلا خلاف بل ولا إشكال في عدم
قادحيته، نعم قد يتوقف فيما لو منعها حال الجلوس مثلا دون القيام لقصره كما عن
المصابيح، لصدق السترة والجدار، وتوقيفية الجماعة، مع أن الذي صرح به الفاضل
والشهيدان والكركي وولده وأبو العباس والمقداد والخراساني وعن غيرهم عدم قدحه
أيضا، بل لا أجد فيه خلافا ولا إشكالا ممن عدا من عرفت بينهم، ولعله كذلك،
لعدم الشك في شمول إطلاق الجماعة له، وعدم إرادة ما يشمله من السترة والجدار، بل
قد يقوى في النظر عدم قدحه لو كان شباكا مانعا للاستطراق دون المشاهدة، وفاقا
للسرائر والذكرى والدروس والبيان والموجز والمسالك، بل هو المشهور كما في الذخيرة
والكفاية والرياض، بل لم أجد فيه خلافا إلا من الشيخ في الخلاف فلم يجوزه، والسيد
في الغنية حيث قال فيها: (ولا يجوز أن يكون بين الإمام والمأمومين ولا بين الصفين

(1) الوسائل الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
155

ما لا يتخطى مثله من مسافة أو بناء أو نهر بدليل الاجماع الماضي ذكره) والحلبي في
إشارة السبق يشترط أن لا يكون بين المؤتمين وبين إمامها حائل من بناء أو ما في حكمه
كنهر لا يمكن قطعه أو غيره، ولعلها لا صراحة فيها بالخلاف فيما نحن فيه بل ولا ظهور،
فينحصر حينئذ بالشيخ، وإن حكي عن معتبر المصنف أنه حكاه عن المصباح، بل في
الذكرى (أنه يظهر من المبسوط والتقي عدم الجواز مع حيلولة الشباك مع اعترافه بجواز
الحيلولة بالمقصورة المخرمة، ولا فرق بينهما) انتهى، لكن في الذخيرة موافقة المبسوط
للمشهور، وفي مفتاح الكرامة عن المبسوط ما نصه (الحائط وما يجري مجراه مما يمنع
مشاهدة الصفوف يمنع من صحة الصلاة والاقتداء بالإمام، وكذلك الشبابيك والمقاصير.
تمنع من الاقتداء بإمام الصلاة إلا إذا كانت مخرمة لا يمنع من مشاهدة الصفوف " وهي
كما ترى مضطربة وإن كان الظاهر منها ما حكاه في الذكرى بناء على استئناف واو المقاصير.
وكيف كان فلا حجة له سوى الاجماع المدعى في الخلاف على الظاهر والغنية
كذلك الذي لم يثبت وفاق أحد من العلماء لهما فيه، بل صريح من تأخر عنهما خلافه،
ودعوى صراحة الصحيح السابق فيه التي هي ممكنة المنع إن كان المراد بموضع الدلالة منه
قوله فيه (ما لا يتخطى) إذ الظاهر إرادة المسافة منه كما يومي إليه لفظ القدر، بل ذيله
كالصريح في ذلك، اللهم إلا أن يدعى عموم لفظ (ما) فيه لهما كما يومي إليه عبارة الغنية
السابقة مؤيدا بتفريع السترة والجدار عليه في الصحيح، إذ الموجود في كثير من النسخ
الفاء وإن كان فيما حضرني من نسخة الوافي الواو، بل وكذا إن كان المراد ما فيه من
منع الاقتداء بمن في المقاصير، إذ لعلها لم تكن مخرمة، فإن المقاصير جمع المقصورة، وهي
كما في المجمع الدار الواسعة المحصنة أو أصغر من الدار كالقصارة بالضم، فلا يدخلها إلا
صاحبها، وفي الوافي المقاصير جمع المقصورة، ومقصورة المسجد مقام الإمام أي ما يحجر
لا يدخل فيه غيره، وليس فيها إطلاق يتمسك به فضلا عن الصراحة، ضرورة إرادة
156

المقاصير المخصوصة، لكن ومع ذلك كله فالانصاف بناء المسألة على اعتبار ما شك في
اعتباره في الجماعة وعدمه، ولو لاطلاق الأدلة، كقوله تعالى (1): (اركعوا مع
الراكعين) وغيره، ضرورة كون ما نحن فيه منه، إذ لو سلم أن الصحيح لا دلالة فيه
على المنع منه إلا أن ذلك بمجرده لا يصلح مقتضيا للجواز، وكأنه هو منشأ القائلين
بالصحة معه، أو البناء على الثاني كما هو المفهوم من استدلال جملة من الأصحاب حتى الشيخ
بل ظاهر إرسالهم له إرسال المسلمات أنه لا كلام فيه، بل قد يظهر من بعض عبارات
الشيخ الاجماع عليه.
إلا أن الأول لا يخلو من قوة، إذ ليس في شئ من الأدلة ما سيق لبيان حصول
الجماعة بما يشمل الفرض، بل هي بين مساق لبيان فضلها وبين مساق لبيان انعقادها من غير
هذه الجهة، وغير ذلك حتى الآية منها التي خوطب فيها بنو إسرائيل بإقامة الصلاة
وإيتاء الزكاة والركوع مع المسلمين الراكعين لو سلم إرادة الجماعة منها، وإلا فمن المحتمل
إرادة الخضوع والخشوع من الركوع فيها، أو الصلاة على معنى دخولهم معهم وصيرورتهم
مثلهم في أداء الصلاة معبرا بالركوع عنها، لأنه أول أركانها المميزة لها عن غيرها،
وكررها اهتماما بشأنها، وإظهارا لإرادة ذات الركوع من الصلاة التي أمروا بإقامتها
لا صلاة اليهود الخالية عن ذلك ما قيل، أو لأن المراد منها صلاة الجمعة الواجب فيها
الاجتماع كما هو مقتضى حقيقة الأمر بالركوع معهم، أو مطلق الجماعة، وعلى كل حال
فلم تسق لبيان حصول الجماعة وانعقاد الصلاة بمجرد صدق اسم الركوع معهم.
على أنه قد يمنع تحقق المعية مع الحائل ولو شباكا، فدعوى حصول الجماعة
وثبوت أحكامها المخالفة للأصل من سقوط القراءة ووجوب المتابعة ونحوهما بمثل ذلك
كما ترى، ومن هنا كان الاحتياط حينئذ بما ذكره الشيخ لا ينبغي تركه، بل تردد فيه

(1) سورة البقرة الآية 40
157

في الكفاية، وأولى منه الحائل الذي يتحقق معه المشاهدة حال الركوع خاصة لثقب
في وسطه مثلا، أو حال القيام لثقب في أعلاه، أو في حال الهوي إلى السجود لثقب
في أسفله.
وليست الظلمة من الحائل قطعا، بل ولا الطريق ولا النهر وفاقا للأكثر كما في
المنتهى، بل المشهور كما في الذخيرة، لمنع الشك في شمول الأدلة لمثله، واستصحاب
الصحة قبل اعتراض الطريق والنهر، خلافا للمحكي عن أبي الصلاح في الأخير،
واستجوده في المدارك إن أرادا ما لا يتخطى منه، وقد سمعت ما في الغنية
والإشارة، ولأبي حنيفة فيه وفي سابقه قياسا على الجسم الحائل، وهو على بطلانه مع
الفارق، لكن من المعلوم أن مرادنا عدم القدح من حيث النهرية والطريقية، وإلا فمع
فرض تحقق المنع من جهة أخرى كعدم التخطي إن قلنا باعتباره أو حصول التباعد السالب
لاسم الجماعة أو غير ذلك لا إشكال في القدح، وظني أن ذلك مبني الحلبي وأبي المكارم
لما ستعرف أن مبناها في المسألة الآتية تجديد البعد المانع من انعقاد الجماعة بما لا يتخطى
فما سمعته من المدارك لا يخلو من نظر، فتأمل جيدا.
وكذا لا يندرج في الحائل الزجاج ونحوه مما يشاهد من خلفه كما في كشف
الأستاذ، لاعتبار المنع عن المشاهدة في الحائل في ظاهر النص وصريح الفتوى، وفيه
منع كون مثله مشاهدة، بل أقصاه ارتسام صورة الشئ فيه، وهو غير المشاهدة حقيقة
اللهم إلا أن يمنع ويدعى خرق البصر له أو تقويه به، فيشاهد من خلفه حقيقة.
نعم يندرج في الحائل الشخص، فلو فرض حيلولة إنسان بين الإمام والمأموم
يمنع المشاهدة بطلت الصلاة إلا أن يكون هو مأموما، إذ مشاهدته حينئذ كافية،
لأنه مشاهد الإمام، وإلا لبطلت صلاة الصف الثاني المحجوب بالصف الأول، وهو
واضح الفساد.
158

ولو فرض فساد صلاة الحائل اتجه الفساد حينئذ، لأنه كالأجنبي كما صرح به
في المسالك مقيدا له بعلمه بفساد صلاته، قال فيها: (ولا يقدح حيلولة بعض المأمومين
إمامهم عن بعض مع مشاهدة المانع للإمام، أو مشاهدة من يشاهده من المأمومين وإن
تعددت الوسائط، ويشترط عدم علم الممنوع من المشاهدة بفساد صلاة الحائل، وإلا
بطلت صلاته أيضا، لأن المأموم حينئذ كالأجنبي) انتهى. لكن قد يناقش بظهور
دليل الحائل في الفساد ولو مع عدم العلم حال الصلاة، ولعله يريده بحمل النفي في كلامه
على نفي عدم العلم أصلا المتحقق بالعلم بعد الصلاة، اللهم إلا أن يدعى خروج خصوص
هذا الحائل.
ولو تجدد الحائل في أثناء الصلاة ففي الصحة وعدمها وجهان، كما لو تجدد رفعه
بعد فرض دخول المصلي بوجه صحيح كعمي أو عدم علم ونحوهما، لكن يظهر من
المنتهى بطلان الائتمام في الأول، وهو قوي جيد، كقوته في الثاني أيضا، ضرورة
عدم الجدوى بتجدد رفعه، نعم له نية الانفراد على الظاهر.
ولو كان الحائل بين الإمام وبعض المأمومين أو بين بعض الصف اللاحق والصف
السابق إلا أن من هو خلف الحائل منهم متصل بفاقده ولو بوسائط كما هو الغالب في
مساجد زماننا هذا فلا بأس به في ظاهر جملة من الأصحاب بل صريحهم، فاكتفوا في
الصحة بمشاهدة الإمام أو مشاهدة مشاهده ولو بوسائط ولو بطرف العين، كمشاهدة
الجانبين، صرحوا بذلك هنا وفيما يأتي فيما لو صلى الإمام في محراب داخل، قال في
موضع من المنتهى: (لو لم يشاهد الإمام وشاهد المأموم صحت صلاته، وإلا لبطلت
صلاة الصف الثاني، ولا نعرف فيه خلافا) وقال في آخر منه نحو ما في التذكرة والمسالك
والمدارك وعن غيرها لو وقف المأموم خارج المسجد حذاء الباب وهو مفتوح يشاهد
المأمومين في المسجد صحت صلاته، ولو صلى قوم على يمينه أو شماله أو ورائه صحت
159

صلاتهم، لأنهم يرون من يرى الإمام، ولو وقف بين يدي هذا الصف صف آخر
عن يمين الباب أو يسارها لا يشاهدون من في المسجد لم تصح صلاتهم) ثم قال فيه:
(ولو لم يكن المأمومون في قبلته بل على جانبه فإن اتصلت الصفوف به صحت صلاته،
وإلا فلا، ذكره الشيخ في المبسوط - إلى أن قال أيضا -: التاسع لا بأس بالوقوف بين
الأساطين) وقيده في التذكرة بما إذا اتصلت الصفوف به أو شاهد الإمام أو بعض
المأمومين، إلى آخره إلى غير ذلك من عبارتهم الصريحة فيما ذكرنا، بل نسبه في
الذخيرة إلى الشيخ ومن تبعه، بل في الكفاية أني لم أجد من حكم بخلافه، كما أنه في
الرياض بعد نسبته إلى الأشهر اعترف بأنه لا يكاد يعرف فيه خلاف إلا من بعض من
تأخر، ونسبه في مفتاح الكرامة إلى فوائد الشرائع والجعفرية والميسية والغرية وإرشاد
الجعفرية وغيرها، قال: ذكروا ذلك في مسألة المحراب الداخل، لكن قال في الذخيرة:
حكم المصلي خارج المسجد محاذيا للباب ناسبا له إلى جماعة من الأصحاب تارة وإلى
الشيخ ومن تبعه أخرى متجه إن ثبت الاجماع على أن مشاهدة بعض المأمومين يكفي
مطلقا، وإلا كان في الحكم المذكور إشكال، نظرا إلى قوله (عليه السلام): (إلا من
كان بحيال الباب) فإن ظاهره قصر الصحة على ذلك، وجعل بعضهم هذا الحصر
إضافيا بالنسبة إلى الصف الذي يتقدمه عن يمين الباب ويساره، وفيه عدول عن الظاهر
انتهى، واستحسنه في الرياض هنا، بل ربما مال إليه.
واعترضه في الحدائق - بعد أن جعل منشأ اشتباهه تخصيص المشاهدة المعتبرة
في الصحة بالإمام دون اليمين والشمال، ولذا صحت خصوص صلاة المحاذي للباب - بأن
اللازم عليه بطلان صلاة طرفي الصف الأول المستطيل بحث لا يرى المأموم إماما (1)

(1) وفي النسخة الأصلية " لا يرى الإمام إماما "
160

بل والصف الثاني الزائد على الصف الأول بحيث لا يشاهدون الأول في جهة الإمام،
بل وبطلان صلاة من وقف بين الأساطين إذا كان لا يشاهد المأمومين إلا من الجانبين
أو أحدهما دون جهة الإمام، مع أن صحيح الحلبي (1) دل على أنه لا بأس بالصلاة بين
الأساطين، إلى أن قال: وبالجملة فما ذكره من الأوهام البعيدة والتشكيكات الغير السديدة.
قلت: لا ريب في ظهور الصحيح المزبور بقصر الصحة على خصوص من كان
بحيال الباب من الصف وحصرها، ودعوى إرادة الإضافي من ذلك بالنسبة إلى الصف
السابق على هذا الصف كما في المدارك تهجم من غير شاهد ولا مقتض، كدعوى
إرادة الصف الذي بحيال الباب لانصباب الصحيح جميعه على ذلك كما في الحدائق،
ضرورة كون بعض الصف حيال الباب، بل الواحد منه في الحقيقة، فوصف جميعه
بذلك باعتبار هذا البعض لا شاهد له أيضا ولا مقتض، بل لفظ (من) فيه بعد ذكر
الصف كالصريح بخلافه، لظهور إرادة من كان بحيال الباب من الصف، كما هو واضح
ودعوى استلزام ذلك بطلان صلاة طرفي الصف الأول كما سمعت يدفعها منع كون منشأ
البطلان فيما ذكرنا عدم تحقق المشاهدة الإمامية كي يستلزم ذلك، بل هو وجود الحائل
والحاجز المفقود في الصف الأول، إذ ليس في شئ من الأدلة اشتراط المشاهدة للإمام
أو لمشاهده ولو بوسائط حتى يكون المسألتان من واد واحد، بل قصارى ما يستفاد من
الصحيح بطلان الصلاة مع تحقق السترة أو الجدار، وهذا مفقود بالنسبة إلى الصف
الأول أو الثاني بالغا ما بلغ في الطول، فاتضح الفرق بين المسألتين.
وأما بطلان صلاة الواقف بين الأساطين فمع فرض صيرورتها حائلا بين الإمام
والمأموم أو بين الصفين ولو بالنسبة إلى البعض فلا استنكار فيه، بل هو من المسألة حتى
لو كان متصلا بمشاهد المشاهد. لصدق السترة والجدار، وتصريح بعض الأصحاب بأنه

(1) الوسائل الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
161

لا بأس به بين الأساطين بل نسب إلى الجم الغفير من القدماء والمتأخرين لا حجة فيه،
أو ينزل على إرادة البينية التي لا تكون بها حائلة بأن يكون المصلي متوسطا بينها، أي
بعضها على يمينه وآخر على شماله لا أمامه وخلفه بحيث تكون حائلة، أو على عدم
حيلولة الأسطوانة كما يومي إليه عبارة البيان (ولا يعد الطريق والأساطين والماء حائلا)
وفي المجمع الأسطوانة بضم الهمزة والطاء السارية، كصحيح الحلبي وغيره مما نفي فيه
البأس عن الصلاة بينها، وإلا كان معارضا بصحيح الحائل، وبينهما عموم من وجه،
أو يدعى خروج نحو الأساطين وقوائم المسجد ونحوها باجماع أو غيره، إلا أن دون
إثباته خرط القتاد، كما أن دون إثبات اتفاق الأصحاب على خلاف ما استظهرناه من
صحيح الحائل ذلك أيضا، وإن ادعي.
بل قد يدعى موافقة جملة من عبارات الأصحاب له، منها ما في القواعد (ولو
صلى الإمام في محراب داخل صحت صلاة من يشاهده من الصف الأول خاصة وصلاة
الصفوف الباقية أجمع، لأنهم يشاهدون من يشاهده) ومنها عبارة الكتاب فيما يأتي،
ومنها عبارة الموجز (ولو كان في محراب صحيح صح مشاهده في الأول وبواقي الصفوف
وبطل الجناحان) ومنها عبارة الدروس (ولو صلى الإمام في محراب داخل بطلت صلاة
الجناحين من الصف الأول خاصة) ونحوها البيان أيضا، بل منها ما في التذكرة أيضا
المصرح فيها بما سمعته سابقا من المنتهى (لو وقف الإمام في المحراب الداخل في الحائط
فإن صلاة من خلفه صحيحة، لأنهم يشاهدونه، وكذا باقي الصفوف التي من وراء الصف
الأول، أما من على يمين الإمام ويساره فإن حال بينهم وبين الإمام حائل لم تصح صلاتهم
وإلا صحت) اللهم إلا أن يريد بقرينة تصريحه السابق الجناحين المنفصلين المتقدمين
على الصف الأول المتصل، كما أن ذلك محتمل الدروس والبيان أيضا خصوصا بعد ذكرهما
قبيل ذلك الاكتفاء بالمشاهدة ولو بوسائط، بل والموجز أيضا، بل لعل وصف المحراب
162

بالصحيح فيه مشعر بذلك، إذ الظاهر منه إرادة ما ذكره جماعة من المتأخرين في تفسير
المحراب الداخل الواقع في عبارات الأصحاب، قال بعضهم: المراد الداخل في المسجد
لا الحائط على معنى أنه يكون له جدران مستقلة في المسجد حتى يتم ما ذكروه من الحكم
بصلاة من إلى جانبيه، ضرورة حصول الحائل حينئذ، بخلاف الداخل في الحائط،
فإنه لا جانب له يقف فيه المأموم بحيث لا يشاهد الإمام، بل الغالب اتصال الصف
خلفه، فيشاهده مقابله حينئذ، وتتم صلاة الباقي الذين عن يمينه وشماله لمشاهدتهم مشاهده
فلا وجه للبطلان المذكور في كلامهم، اللهم إلا أن يفرض محراب داخل في الحائط
يكون كالمحراب الأول.
لكنك خبير أن ذلك منه بناء على صحة صلاة من على جانبي المقابل للإمام
في الصف الأول، لمشاهدتهم له بطرف عيونهم، ومن هنا التجأوا إلى تفسير العبارات
بما سمعت، بل هذا منه شهادة على ظهورها فيما ذكرنا، نعم هي ظاهرة في صحة صلاة
جميع الصف الثاني المقابل للمشاهد وغيره، لعدم صدق الحائل بين الصفين، وإن كانت
صحة الصلاة منحصرة في المقابل من الصف الأول، والباقي بمنزلة العدم، إذ المراد
بالصف الواحد فما زاد، فيكون حينئذ حاله كحال الإمام بالنسبة إلى الصف الأول وإن
طال، فإنه يكفي تقدم الإمام عليه وعدم الحيلولة بينهما، فكذا الصف الثاني بالنسبة إلى
ما تقدم، لا أن منشأ الصحة فيه مشاهدة كل منهم الآخر بطرف عينه حتى ينتهي إلى
المقابل كي يرد أن ذلك حاصل في الصف الأول الذي هو خلف الجدار حتى ينتهي
إلى الذي هو بحذاء الباب، ولعله لبعض ما ذكرناه بالغ الأستاذ الأكبر في شرحه
على المفاتيح على ما حكي عنه في الانكار على المنتهى والمدارك ومن تبعهما في تفسير
الصحيح بما سمعته أولا، وحكمهم بصحة صلاة تمام الصف الخارج عن المسجد إذا كان
بعضه محاذيا للباب، لتحقق المشاهدة بالمعنى المتقدم حتى ادعى أنهم خالفوا بذلك النص
163

وفتاوى الأصحاب، مستشهدا عليه بعباراتهم التي سمعتها في المحراب، وهو وإن كان
ما فيه من دعوى صراحة تلك العبارات بذلك محلا للنظر أو المنع، لكنه جيد بالنسبة
إلى أصل الحكم ضرورة أن هذه المشاهدة التي اعتبروها واكتفوا منها بما سمعت مما لا
نعرف لها مأخذا معتدا به، وبعد التسليم فلم ينقحوا سائر ما يتصور عليها من الفروع
كالاكتفاء بمجرد حصولها ولو بطرف العين من بعد، أو لا بد من الاتصال بمن تلحظه
بطرفك بمعنى أنه لو فرض وقوف الإمام خلف حائل لا يحصل بسببه البعد عن الجماعة
ولكنه لم يكن متصلا بالمشاهد بالوسائط إلا أنه يلحظ بعينه بعض أطراف الجماعة
المتباعدة، ولا غير ذلك من الفروع، وإن كان الظاهر من مطاوي كلماتهم الاكتفاء
بنحو ذلك، إلا أنه حيث كانت الجماعة من العبادات التوقيفية والذمة مشغولة بيقين
وجب عدم ترك الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة فيه وفي سابقه مما عرفت وإن
كان المتعارف في عصرنا هذا عدم تجنب شئ من قوائم المساجد ونحوها، بل قد يعد
فعله من المنكرات، بل في الذكرى (الاجماع عملا في جميع الأعصار على الصلاة جماعة
بالاستدارة على الكعبة) إلى آخره، وهو ما يرشد إلى أصل المسألة من الاكتفاء
بالمشاهدة المزبورة، وعدم قدح الحائل مع الاتصال بمشاهد المشاهد، والله أعلم.
ثم إن ذلك كله لو كان المأموم رجلا، بل وامرأة بامرأة لأصالة الاشتراك،
بل وإطلاق معاقد الاجماعات بل والنص في وجه وإن كان ضعيفا، بل ظاهر المحكي
عن الغرية الاجماع عليه بالخصوص، بل وعلى المأموم الخنثى، وهو كذلك، لاطلاق
الأدلة، وعدم معلومية اندراجها في الامرأة، وإلزاما لها بالمتيقن في البراءة من الشغل
ولذا لو كانت إماما لامرأة لم يغتفر الحائل، لعدم معلومية كونها ذكرا، كما عن
الميسية التصريح به.
نعم لو ائتمت المرأة بالرجل اغتفر الحائل كما ذكره المصنف مستثنيا له من الحكم
164

بعدم الصحة مع السابق، فقال كغيره من الأصحاب: (إلا أن يكون المأموم امرأة)
فيصح ولو مع الحائل من جدار وغيره، بل لا أجد فيه خلافا بينهم كما اعترف به بعضهم
إلا من الحلي فجعلها كالرجل في الفساد بعد اعترافه بورود رخصة لها في ذلك، ولا ريب
في ضعفه، للمرسل الذي حكاه بعد انجباره بعمل الأصحاب عداه، والموثق (1)
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي بالقوم وخلفه دار فيها نساء هل
يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال: نعم إن كان الإمام أسفل منهن، قلت: فإن بينهن
وبينه حائطا أو طريقا قال: لا بأس) بل والأصل في وجه، وإطلاقات الجماعة بناء
على تنقيح شمولها لمثل ذلك المسالمة عن معارضة نص الفساد بعد ظهوره في غير الامرأة،
فتبقى خيرة الحلي حينئذ لا مستند لها، كما أنه يتعين القول بخلافها وهو الجواز، لكن
عن جماعة كثيرين تقييده بما إذا علمت أحوال الإمام في انتقالاته وحركاته، ولعله
مستغنى عنه، كما هو واضح.
(و) كذا (لا تنعقد) الصلاة (والإمام أعلى من المأمومين بما يعتد به
كالأبنية) علوا دفعيا لا انحداريا على الأشهر، بل المشهور نقلا وتحصيلا، بل عن
المهذب والمقتصر نفي الخلاف فيه، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى
الاجماع عليه، للأصل في وجه، وموثق عمار (2) عن الصادق (عليه السلام) (سألته
عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلي فيه؟ فقال: إن كان
الإمام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم وإن كان أرفع
منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل، فإن كان أرضا

(1) الوسائل الباب 60 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
165

مبسوطة وكان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل
منه والأرض مبسوطة إلا أنهم في موضع منحدر فلا بأس، قال: وسئل الإمام عليه السلام
فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلي خلفه، قال: لا بأس، وقال: إن كان رجل
فوق بيت أو غير ذلك دكانا كان أو غيره وكان الإمام يصلي على الأرض أسفل منه
جاز للرجل أن يصلي خلفه ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع منه بشئ كثير).
وما في المدارك - من أن هذه الرواية ضعيفة السند، متهافتة المتن، قاصرة
الدلالة، فلا يسوغ التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل - يدفعه - مع أنها من
الموثق الذي هو حجة عندنا في نفسه، مضافا إلى الاجماع عن الشيخ في العدة على العمل
بروايات عمار - انجبارها بما عرفت، وبذكرها في الكافي والفقيه، واعتضادها بمفهوم
موثقته الأخرى (1) سئل الصادق (عليه السلام) (عن الرجل يصلي بالقوم وخلفه دار
فيها نساء هل يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال: نعم إن كان الإمام أسفل منهن)
وبالمرسل العامي (2) على الظاهر (إن عمارا تقدم للصلاة على دكان والناس أسفل منه
فقدم حذيفة (رضي الله عنه) فأخذه بيده حتى أنزله، فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة:
ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع
من مقامهم؟ قال عمار: فلذلك تبعتك حين أخذت بيدي) والمرسل الآخر (3)
(إن حذيفة أم على دكان بالمدائن فأخذ عبد الله بن مسعود بقميصه فجذبه، فلما فرغ
من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى ذكرت حين جذبتني)
بل وبخبر محمد بن عبد الله (4) أو معتبره على بعض الوجوه، سأل الرضا (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 3
(2) سنن البيهقي ج 3 ص 109
(3) سنن البيهقي ج 3 ص 108 وفيها " أبو مسعود " بدل " ابن مسعود "
(4) الوسائل الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 3
166

(عن الإمام يصلي في موضع والذين خلفه يصلون في موضع أسفل، منه، أو يصلي في
موضع أرفع منه، فقال: يكون مكانهم مستويا) بناء على إرادة مطلق الرجحان من
الجملة الخبرية فيه، فلا ينافي الندب حينئذ في غير صورة الفرض، فتأمل.
وتهافت المتن في غير روايات عمار غير قادح فضلا عنه الذي لا زالت رواياته
المعمول بها بين الأصحاب كذلك، على أن موضع الحاجة من روايته هنا سالم عن
التهافت، إذ ليس هو إلا في قوله: (وإن كان أرفع) إلى آخره، فإنه عن الفقيه
روايته (إذا كان الارتفاع يقطع سبيلا) وعن بعض نسخ التهذيب (ببطن مسيل)
وعن أخرى (بقطع مسيل) وعن ثالثة (بقدر يسير) ورابعة (بقدر شبر) وأوضحها
الأخيرتان، بل الأخيرة المؤيدة بوضوح اللفظ والمعنى، وبرواية التذكرة والذكرى
لها كذلك وإن اختلفا هما أيضا في كيفية الرواية، ففي الأولى ما سمعته من متن الخبر
سوى قوله: (بقدر شبر) وفي الثاني (ولو كان أرفع منهم بقدر إصبع إلى شبر،
فإن كان) إلى آخره، ثم قال بعد أن روى ذلك: إنها تدل بالمفهوم على منع الزائد
على الشبر، وأما هو فيبنى على دخول الغاية في المغيا وعدمه، وكأنه فهم أن جواب
الشرط فيه لا بأس، وإلا فهو فيه غير مذكور، وسياقه يقتضي أن يكون لا بأس،
واحتمال أن الجواب قوله: (فإن كان أرضا مبسوطة) كما هو الظاهر على رواية الذكرى
له - مع أنه مغن عن قوله فيه: (وكان في موضع منها ارتفاع) - يدفعه أنه يقتضي
تخصيص العفو عن المقدار المزبور بالعلو الانحداري.
مع أن الظاهر اغتفار العلو اليسير في الدفعي كما صرح به غير واحد من الأصحاب
بل كأنه لا خلاف فيه، بل في التذكرة وعن إرشاد الجعفرية الاجماع عليه وإن اختلف
في تقديره بشبر كما عن جماعة للرواية على إحدى النسخ، أو بما لا يتخطى كما في التذكرة
والدروس والموجز والمدارك، وقربه في البيان، كما عن جماعة الميل إليه لحسن زرارة
167

المتقدم (1) وكونه كالبعد، واضطراب خبر الشبر لاختلاف نسخه الموجب للاعراض
عنه إذا لم يترجح أحدها التخيير بينها بناء على عدم كونها كاختلاف الأخبار وإن
كان هو محتملا، وعدم تقديره بشئ منهما بل يوكل إلى العرف كما في السرائر
والذكرى والمسالك وعن غيرها، بل نسبه في الحدائق إلى الأكثر، ولعله يرجع إليه
ما في الكتاب والقواعد من الاقتصار على المعتد به، وكأنه لا يخلو من قوة، كما أنه
يمكن رجوع التحديد بما لا يتخطى إليه أيضا على أن يكون تقديرا للعرف كما أومأ إليه
الشهيدان وسبط الثاني منهما، بل يمكن دعوى تحقق العلو المعتد به عرفا بالشبر، ويدفعه
أيضا أنه يقتضي تخصيص العفو في العلو الانحداري بما إذا كان بالمقدار المزبور، مع أن
المعروف من الفتاوى تخصيص العفو بذلك في الدفعي، وإلا فالانحداري معفو عنه مطلقا
كما هو قضية معقد نفي الخلاف تارة، والاجماع أخرى، بل عن المهذب وإرشاد الجعفرية
التنصيص على أنه يغتفر في الانحداري وإن كان علوه بالمعتد به، نعم قيده المحقق الثاني
والشهيد الثاني على ما حكي عن أولهما بما إذا لم يحصل البعد المفرط، وكأنه قوي، لاطلاق
دليل المنع في العلو من غير معارض، إذ ليس هو إلا هذا الموثق، ولا إطلاق فيه بحيث
يشمل ذلك، بل قد يدعى ظهوره في اغتفار خصوص الانحداري الذي يتراءى بحسب
النظر مبسوطا ككثير من الأراضي لا ما يكون علوه ظاهرا وإن كان بالتدريج كبعض
الجبال ونحوها فتأمل.
وأما احتمال جعل الشرط في الموثق وصليا حتى على نسخة (بقطع مسيل) على
أن يكون المراد كون الارتفاع على سبيل القطع والإبانة والامتياز أي يكون قطعة خاصة

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 وذيله
في الباب 59 منها الحديث 1
168

مرتفعة عن قطعة أخرى بعنوان الإبانة والامتياز لا علوا انحداريا الذي لا ظهور فيه
ولا امتياز، أو يراد إذا كان الارتفاع يقطع سبيلا أو مسيلا باعتبار علوه الدفعي دون
الانحداري، لكن على هذا يجب نصب السبيل أو المسيل، ففيه مع ركاكته خصوصا
الأخير أنه يقتضي عدم العفو عن العلو اليسير الذي قد عرفت الاجماع على العفو عنه،
وإن كان قد يظهر من بعض علمائنا المتأخرين احتماله، لخبر محمد بن عبد الله (1) المتقدم
سابقا، إلا أنه لا يخفى عليك قصوره عن معارضة ما يقتضي العفو من وجوه.
وكيف كان فتهافت الرواية بالنسبة إلى ذلك - مع إمكان علاجه ولو بتكلف،
بل لا تكلف فيه بناء على رواية التنقيح له (ولو كان أرفع منهم بقدر إصبع إلى شبر
أو كان أرضا مبسوطة أو في موضع فيه ارتفاع وكان الإمام في المرتفع إلا أنهم في موضع
منحدر فلا بأس) إذ يكون حينئذ قوله: (لا بأس) جوابا عن الجميع - لا يقدح في
حجيتها بالنسبة إلى غيره مما نحن فيه من عدم اغتفار علو الإمام، خصوصا بعد انجبارها
واعتضادها بما سمعت.
فما في موضع من الخلاف - من كراهية ذلك مستدلا باجماع الفرقة وأخبارهم،
كظاهره في موضع آخر منه حيث عبر عنه بلا ينبغي مع احتمال إرادته الحرمة فيهما
بقرينة استدلاله عليه بالاجماع وموثق عمار السابق - ضعيف جدا وإن مال إليه في المدارك
والمفاتيح وعن صاحب المعالم وتلميذه في الاثني عشرية وشرحها، ولم يجزم به المصنف،
بل قال (على تردد) كظاهره في النافع وعن الذخيرة ومجمع البرهان، لعدم ما يقتضي
شيئا من ذلك سوى مرسل سهل (2) الذي هو ليس من طرقنا على الظاهر، إنه قال:
(رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه ثم ركع

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
(2) سنن البيهقي ج 3 ص 108
169

وهو على المنبر، ثم رجع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ،
ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس فعلت كذا لتأتموا ولتعلموا صلاتي) وهو - مع
منعه أولا، خصوصا مع موافقته لظاهر المحكي عن الشافعي بل وأبي حنيفة، وقصوره
عن معارضة ما تقدم من وجوه ثانيا - محتمل لكون العلو بما لا يعتد به كالمرقاة السفلى
وكونه من خواصه، أو لإرادة مجرد تعليم الصلاة المحتاج إلى الصعود على مرتفع كي
يشاهد، لا أنها صلاة حقيقة، وغير ذلك، وسوى الاجماع المدعى في الخلاف الذي
هو على تقدير إرادة الكراهة منه واضح المنع، فوجب الركون حينئذ إلى الموثق المذكور
بالنسبة إلى ما تضمنه من الحكم المزبور من غير فرق بين المأمومين الاضراء والبصراء،
لاطلاق الأدلة السابقة.
فما عن أبي علي - من أنه لا يكون الإمام أعلى في مقامه بحيث لا يرى المأموم
فعله إلا أن يكون المأمومون أضراء، فإن فرض البصراء الاقتداء بالنظر، وفرض
الاضراء الاقتداء بالسماع إذا صح لهم التوجه - في غاية الضعف، بل وإلى ما تضمنه
من الأحكام الأخر كاغتفار العلو الانحداري الذي أشار إليه المصنف جازما به من غير
تردد، فقال: (ويجوز أن يقف على علو من أرض منحدرة) وقد سمعت البحث فيه
فيما تقدم، وكاغتفار العلو الدفعي المعتد به بالنسبة للمأموم فضلا عن الانحداري وغير
المعتد به من الدفعي كما يدل عليه الموثق الآخر (1) أيضا، وأشار إليه المصنف أيضا
بقوله: (ولو كان المأموم على بناء عال كان جائزا) كغيره من الأصحاب، بل لا أجد
فيه خلافا كما اعترف به في الرياض، بل في المنتهى وعن الذخيرة نسبته إلى علمائنا، وفي
المدارك إلى قطع الأصحاب مشعرين بدعوى الاجماع، بل في الخلاف والتنقيح دعواه
صريحا، وفي المفاتيح لا بأس به قولا واحدا، بل في التذكرة والروض وعن الغرية

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
170

الاجماع على صحة صلاة المأموم وإن كان على شاهق، كما أنه نسب الصحة إلى علمائنا
وإن كان على سطح في كشف الالتباس على ما حكي عنه، ولعله يرجع إليهما ما في
السرائر وإن قيده بأن لا ينتهي إلى حد لا يمكنه الاقتداء به، ضرورة خروج ذلك
عن محل البحث.
نعم قيد العلو في البيان والروض بل وكذا حاشية الإرشاد وعن الجعفرية
وإرشادها وفوائد الشرائع والغرية والروضة بما لم يؤد إلى العلو المفرد، بل عن النجيبية
الاجماع عليه، ولا ريب في مخالفته لما عرفت إذا لم يرد به ما سمعته من السرائر، كما
أنه لا ريب في ضعفه حينئذ لاطلاق كثير من الأدلة وصريح بعضها، بل كاد يكون
صريح الموثق السابق، ودعوى استلزام ذلك البعد المفرط يدفعها ظهور دليل الفساد فيه
بالبعد من غير جهة العلو.
(ولا يجوز تباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيرا في العادة إذا لم يكن بينهما
صفوف متصلة) لا تباعد بينها كذلك على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا شهرة
كادت تكون إجماعا، بل هو كذلك في ظاهر التذكرة للأصل بل الأصول بعد توقيفية
الجماعة وقصور إطلاقاتها عن تناوله مثل ذلك، لعدم معهوديته بل معهودية خلافه،
خلافا للمحكي عن المبسوط من التحديد بثلاثمائة ذراع، وعن الخلاف بما يمنع من
مشاهدته والاقتداء بأفعاله حتى لو أرادا تحديد الكثرة العادية بذلك، ضرورة تحققها
بالأقل منه قطعا، على أنا لم نتحقق هذه عنهما، إذ الموجود في أولهما (وحد البعد
ما جرت العادة في تسميته بعدا، وحد ذلك قوم بثلاثمائة ذراع، قالوا: إن وقف وبينه
وبين الإمام ثلاثمائة ذراع ثم وقف آخر بينه وبين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع ثم على هذا
الحساب والتقدير بالغا ما بلغوا صحت صلاتهم، قالوا: وكذلك إذا اتصلت الصفوف
في المسجد ثم اتصلت بالأسواق والدروب بعد أن يشاهد بعضهم بعضا ويرى الأولون
171

الإمام صحت صلاة الكل، وهذا قريب على مذهبنا أيضا) ومراده بالقوم بعض الجمهور
قطعا، وإلا فلا قول لأحد من علمائنا بذلك كما اعترف به الفاضل، ولعل مراده بهذا
إشارة إلى الفرض الأخير خاصة لا إلى ما يشمل التقدير بثلاثمائة كما احتمله في الذكرى
ويؤيده أنه الأنسب بقوله أولا (وحد البعد) على أنه يمكن إرادته بما نسبه إلى قوم
تحديد البعد في العادة لا تحديده من دون نظر إليها، فيكون حينئذ نزاعا في موضع علمنا
من العادة خلافه.
والموجود في موضع من ثانيهما (الثاني من صلى خارج المسجد وليس بينه وبين
الإمام حائل وهو قريب من الإمام والصفوف متصلة به صحت صلاته، وإن كان على
بعد لم تصح صلاته وإن علم بصلاة الإمام، وبه قال جميع الفقهاء إلا عطا، فإنه قال:
إذا كان عالما بصلاته صحت صلاته وإن كان على بعد من المسجد، دليلنا أن ما اعتبرناه
مجمع عليه، وما ادعاه ليس عليه دليل) إلى آخره، وهو كما ترى صريح في خلاف
ما نسب إليه، نعم قال بعد أن ذكر أن الماء ليس بحائل: (مسألة إذا قلنا: الماء ليس
بحائل فلا حد في ذلك إذا انتهى إليه يمنع من الائتمام به إلا ما يمنع من مشاهدته
والاقتداء بأفعاله، وقال الشافعي: يجوز ذلك إلى ثلاثمائة ذراع، فإن زاد على ذلك
لا يجوز، دليلنا أن تحدد ذلك يحتاج إلى شرع، وليس فيه ما يدل عليه) ولعله لذا
نسب إليه ما عرفت، لكن قد يقال بمعونة ما سمعته منه سابقا بتخصيص ذلك منه في
الماء أو إرادة علو الماء لا البعد المنافي أو غير ذلك، وإلا كان محجوجا بما عرفت من غير
فرق بين الماء وغيره.
فلو انعقدت الجماعة حينئذ في سفينتين فصاعدا اعتبر في البعد بينهما ما يعتبر في
الأرض اقتصارا على المتيقن في براءة الذمة عن الشغل بالعبادة التوقيفية، كما هو واضح
أما إذا لم يكثر البعد في العادة بل كان الثابت ضده وهو القرب فظاهر المشهور بل
172

صريحهم نقلا وتحصيلا الصحة وإن كان لا يتخطى، بل في الرياض كاد يكون إجماعا،
بل ظاهر التذكرة، حيث قال: (عندنا الاجماع عليه) بل عن إرشاد الجعفرية لا يضر
البعد المفرط مع اتصال الصفوف إذا كان بين كل صفين القرب العرفي إجماعا، لاطلاق
أدلة الجماعة، وما ورد فيها من الأمر (1) بالوقوف خلف الإمام ونحوه، وإطلاق ما دل
على جواز الائتمام مع اعتراض الطريق والنهر بل والحائط في المرأة من معقد الاجماع
والموثق (2) السابقين ونحوهما، خصوصا مع غلبة كون ذلك مما لا يتخطى،
وللأخبار (3) المعتبرة الآمرة بالائتمام عند خوف رفع الإمام رأسه من الركوع ثم اللحوق
بعد ذلك بالصف في الركعة الثانية أو في أثناء الركوع، وكأنه لتحصيل الفضيلة ورفع
كراهة الانفراد بالصف لا لقادحية مثل هذا البعد، وإلا لم يصح الاقتداء بالركعة
الأولى، واحتمال اغتفاره لادراك الجماعة ضعيف بل مقطوع بفساده، ضرورة أنه لم
يستثن أحد ذلك من مانعية البعد، وفحوى اغتفار العلو في المأموم ومطلقا في الأرض
المنحدرة، فتأمل، ولعدم التحديد شرعا للبعد المشترط عدمه في الجماعة في معقد إجماع
المدارك ومصابيح الأنوار للأستاذ ورياض الفاضل وظاهر التذكرة، ومفهوم بعض
الأدلة السابقة، فيرجع في تحديده كغيره إلى العرف والعادة، لكن لا بد من ملاحظة
الاجتماع في الصلاة، ضرورة تفاوت مصداق القرب والبعد بتفاوت الحيثيات، بل لا
يبعد دعوى محفوظية هيئة الجماعة عند المتشرعة ومأخوذيتها يدا عن يد، فكل ما عد
في عرف المتشرعة وعادتهم أنه بعيد بالنظر إلى جماعة الصلاة بطل، وكلما عد أنه قريب
صح، وربما يلحق به ما لا يحكم فيه بالقرب والبعد عملا باطلاقات الجماعة، وليس ذا

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 60 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة
173

من إثبات الحكم الشرعي بالعرف والعادة، بل ولا من إثبات بيان مهية العبادة التوقيفية
بهما، بل هو من إثبات مصداق التباعد وعدمه فيها الثابت حكمه من الاجماعات السابقة
وغيرها، على أنه لا بأس بالتزام اعتبارهما هنا إذا صارا سببا لكشف المعهود من جماعة
النبي والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) فيقتصر على الثابت منه، وهو الذي لا تباعد فيه.
وما يقال: إن ذلك كله جيد لو أن الأدلة خلت عن التعرض لبيان التحديد،
وليس - إذ في صحيح زرارة (1) عن الباقر (عليه السلام) المتقدم سابقا (إن صلى
قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، وأي صف كان أهله
يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم
بصلاة - إلى أن قال -: وقال أبو جعفر (عليه السلام): ينبغي أن يكون الصفوف
تامة متواصلة بعضها إلى بعض، لا يكون بين الصفين، ما لا يتخطى يكون قدر ذلك
مسقط جسد الانسان إذا سجد، قال: وقال: أيما امرأة صلت خلف إمام وبينها
وبينه ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة، قال: قلت: فإن جاء إنسان يريد أن يصلي
كيف يصنع وهي إلى جانب الرجل؟ قال: يدخل بينها وبين الرجل وتنحدر هي شيئا)
واحتمال إرادة الحائل مما لا يتخطى فيه يدفعه ذكر الحائل فيه بعد ذلك مستقلا، على
أن لفظ القدر وذيل الصحيح شاهدا إرادة المسافة، وفي صحيح عبد الله بن سنان (2)
عن الصادق (عليه السلام) (أقل ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز، وأكثر
ما يكون مربض فرس) إذ المراد بالقبلة كما عن المجلسي ومولانا مراد في شرحيهما على
الفقيه الصف الذي قبلك أو الإمام مع تأيدهما بأن الجماعة توقيفية، والثابت منها ذلك
لا أزيد، فالأصل عدم البراءة وعدم سقوط القراءة وغيرها من أحكام الجماعة في غير

(1) الوسائل الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 و 1
(2) الوسائل الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
174

المتيقن، وليسا من الشواذ، بل عمل بهما ابن زهرة في الغنية مدعيا الاجماع عليه والإشارة
والمدارك والمفاتيح والحدائق وغيرها، بل حكي عن السيد وظاهر الكليني والصدوق
أيضا - يدفعه قوة الظن بإرادة الفضيلة والاستحباب من الصحيح المذكور، بل والكراهة
مع التباعد بما لا يتخطى.
ولقد أجاد الحلي في سرائره بقوله: (وينبغي أن يكون بين كل صفين قدر
مسقط الانسان أو مربض عنز إذا سجد، فإن تجاوز ذلك إلى القدر الذي لا يتخطى
كان مكروها شديد الكراهية حتى أنه قد ورد بلفظ لا تجوز) إلى آخره، خصوصا مع
ملاحظة الشهرة العظيمة بين الأصحاب التي كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في
ظاهر معقد إجماع إرشاد الجعفرية المتقدم وغيرها، وإعراضهم عن هذا الصحيح مع
أنه بمرأى منهم ومسمع وبين أيديهم، بل قد استدلوا ببعضه بحيث لا يحتمل خفاؤه
عليهم، بل عن المصنف نفسه كغيره من الأصحاب ذكره له بالخصوص فيما نحن فيه،
إلا أنه أعرض عنه حاملا له على الندب معللا لذلك باستبعاد القول بشرطية ما فيه،
بل قد يظهر منه عدم وقوفه على قائل به، نعم عن العلامة أنه نسبه إلى الحلبي خاصة،
كما أنه في الذكرى نسبه إليه وإلى ابن زهرة خاصة، وظاهره انحصار الخلاف فيهما،
وهو كذلك، لعدم تحققه من غيرهما، إذ متأخروا المتأخرين كصاحب المدارك والمفاتيح
والذخيرة والحدائق ممن لا يعتد في رفع الشذوذ عن الأخبار بفتاواهم، كما أنه لا يعتد
بخلافهم في اعتبار الخبر والعمل به والركون إليه كما هو واضح للخبير بطريقتهم، والكليني
والصدوق لم يصرحا بذلك، بل أقصاه روايتهما هذا الصحيح التي هي أعم من العمل به
على جهة الوجوب قطعا، والمرتضى لم يحك عنه إلا قوله: (ينبغي أن يكون بين كل
صفين قد مسقط الجسد، فإن تجاوز ذلك إلى القدر الذي لا يتخطى لم يجز) ولعله
يريد الاستحباب مع كراهة الزائد كما يومي إليه لفظ (ينبغي) في كلامه، فيكون كالمحكي
175

عن النهاية والمبسوط والمراسم والوسيلة والبيان والهلالية من التعبير بأنه ينبغي أن يكون
قدر مربض عنز مع معلومية اعتبار التباعد العرفي من بعضهم، بل قد يشهد لإرادة
الاستحباب من الصحيح المزبور زيادة على ذلك ما في ذيله أو صدره على اختلاف كيفية
الرواية له (وينبغي) إلى آخره، لأشعار لفظ (ينبغي) به، وظهور إرادة بيان ضد
التواصل من قوله: (لا يكون) كظهور إرادة بيان ما يتخطى من قوله: (تكون)
الثانية على معنى أنه إن كان بينهما ما لا يتخطى فلا تواصل، وإن كان بينهما ما يتخطى
كقدر مسقط جسد الانسان إذا سجد تحقق التواصل، ومن المعلوم إرادة الاستحباب
من الأخير، ضرورة عدم تحقق شئ من البعد فيه بل يكون سجوده عند عقب من
تقدمه، إذ المراد قدر مسقط جسد الانسان إذا سجد بين الموقفين، وليس هو إلا مقدار
سجود الانسان، ومن الواضح اغتفار أزيد من ذلك عند من جعل المدار ما لا يتخطى
إذ لا يتصور في الفرض المزبور اغتفار، لعدم إمكان تحقق الجماعة بدونه.
ومنه حينئذ ينقدح استحباب ما قبله من أنه لا يكون بينهما ما لا يتخطى، إذ هو من
قبيل البيان له، وأنه هو الذي يتخطى وأنه هو الذي يتحقق به التواصل المطلوب في الجماعة
بلفظ (ينبغي) كما أنه من ذلك كله ينبغي إرادة الكراهة من قوله: (إن صلى) إلخ
(وأي صف) إلى آخره، ضرورة شهادة الخبر بعضه على بعض، بل لو قلنا إن قوله:
(ينبغي) إلى آخره، رواية أخرى ليست من تتمة الخبر المزبور كما عساه يظهر من
الحدائق أمكن الاستشهاد بها، لأن كلامهم (عليهم السلام) بمنزلة كلام متكلم واحد،
وإن كان الأول أقوى شهادة منه، على أنه قد يدعى تعارف نحو (لا صلاة) في نفي
الكمال على وجه الحقيقة لا أقل من الشهادة بذلك، بل قد يقال إن المراد باشتراط أن
لا يكون بين الصفين مثلا ما لا يتخطى إنما هو بين محل السجود من الصف الأول وبين
176

الصف الثاني، كما لعله يؤيده إرادة التحديد بالنسبة إلى جميع أحوال الصف التي منها
السجود لا حال القيام خاصة، وأن المراد بما لا يتخطى أي ما لا يمكن تخطيه أبدا بأعلى
أفراد مصداق التخطي، وهو الذي يملأ الفرج، لكونه نكرة واقعة في سياق النفي
لا التخطي المتعارف في المشي، إذ مسقط جسد الانسان إذا سجد أزيد منه قطعا، مع
أنه اكتفي به في بيان ما يتخطى، وحينئذ يوافق المختار أو يقرب منه، لتحقق التباعد
المعتاد في الجماعة به خصوصا مع ملاحظة التقريب والمسامحة في التحديد المزبور لا التحقيق
والمداقة كما يومي إليه التحديد بذلك من غير بيان المراد به من المتعارف وغيره ولا أفراد
المتخطين، بل لعله يكون حينئذ شاهدا للمختار لا عليه، بل يمكن تنزيل كلام من سمعت
ممن حدد بما لا يتخطى على ذلك، فيرتفع الخلاف حينئذ من البين، ويؤيده أنه لو كان
المراد به غير ذلك لاشتهر غاية الاشتهار علما وعملا، ضرورة استعمال الناس الجماعات
من سالف الأزمنة إلى يومنا هذا، مع أنك قد عرفت ندرة من أفتى به ومعروفية
الفتوى بخلافه بل والعمل.
وبذلك كله يتضح لك الوجه في صحيح عبد الله بن سنان المتقدم بعد تسليم إرادة
ما عرفت منه، بل هو أولى بالحمل على الندب، لكن ومع ذلك كله فالأحوط والأفضل
مراعاة ما لا يتخطى بالخطوة المتعارفة ملاحظا فيه موقف المصلي لا مسجده كي يتحقق
التواصل، وإن كان الأقوى ما عليه المشهور من أن المدار على العادة في القرب والبعد
بالنسبة للإمام والمأموم، وإلى الصفوف بعضها مع بعض، وإلى أشخاص الصف الأول
بعضهم مع بعض، لعدم الفرق بين الجميع نصا وفتوى، فيصير الصف الأول مثلا حينئذ
إماما للصف الثاني وهكذا، لا أنه يراعى القرب والبعد للإمام بالنسبة إلى سائر المأمومين
المعلوم بالضرورة خلافه.
ولذا قال المصنف: (أما إذا توالت الصفوف فلا بأس) بالبعد الكثير عن
177

الإمام بالغا ما بلغ بلا خلاف أجده، بل قد تشعر عبارة الذكرى بالاجماع عليه، بل قد
سمعت فيما تقدم معقد إجماع إرشاد الجعفرية، نعم ينبغي تقييده بما إذا لم تطل الجماعة
بحيث يؤدي إلى التأخر المخرج عن الاقتداء كما قيده به جماعة، ولعله مستغنى عنه،
ضرورة كون المانع حينئذ التخلف الفاحش عن الإمام المخرج عن اسم الاقتداء باعتبار
عدم علمه بانتقالاته.
ثم لا فرق عندنا في جميع ما ذكرنا بين الجامع وغيره، لعدم ما يصلح له، خلافا
للمحكي عن الشافعي فجوز التباعد بثلاثمائة ذراع في الأول، لكونه مبنيا للجماعة بخلاف
الثاني، وضعفه واضح، كما أنه لا فرق في هذا الشرط بين ابتداء الصلاة واستدامتها
نحو غيره من الشرائط من الحائل والعلو ونحوهما، لاقتضاء ما دل عليه من معقد الاجماع
أو غيره ذلك، ضرورة كون الصلاة المشترط فيها ذلك اسما للمجموع، فلو حصل حينئذ
البعد الذي لم يعف عنه في أثناء الصلاة بعد أن لم يكن بطل الاقتداء ووجب الانفراد
إن لم نقل بمشروعية الانتظار لمن انتهت صلاته حتى يسلم الإمام فيسلم معه، أو قلنا به
ولكن لم ينتظر بناء على كون ذلك جائزا له لا واجبا، أو أنه انتظر ولكن لم نقل
ببقاء أحكام الجماعة عليه بل كان ذلك تعبدا فيكون حينئذ كمن سلم وخرج فيتعين
الانفراد حينئذ ويبطل الاقتداء، نعم له تجديده لو ائتموا هؤلاء جديدا بعد انتهاء
صلاتهم أو أمكنه المشي بحيث لا يكون فعلا كثيرا مثلا إلى محل القرب بناء على جواز
تجديد الائتمام في الأثناء، بل لعله أولى منه، لسبق القدوة، ومن هنا صرح في البيان
والدروس والروض والمسالك وغيرها بأنه لو خرجت الصفوف المتخللة بين الإمام والمأموم
عن الاقتداء إما لانتهاء صلاتهم كما لو كان فرضهم القصر، وإما لعدولهم إلى الانفراد
وقد حصل البعد المانع عن الاقتداء انفسخت القدوة، بل صرح بعضهم بعدم عوده
لو انتقل بعد ذلك إلى محل الصحة، ولعله بناء منهم على عدم جواز تجديد الائتمام في
178

الأثناء، خلافا للمدارك والحدائق فجعلاه شرطا في الابتداء دون الاستدامة، وربما
نسب للشهيد في قواعده كما عن الذخيرة أنه استحسنه، وربما مال إليه في الرياض،
ولا ريب في ضعفه، لخلوه عن الشاهد له بعد الغض عن كونه عليه.
نعم قد يقال إن الشرط بقاء الصف لا كونهم مصلين، فيفصل حينئذ بين قيام
من انتهت صلاته وعدمه، فيبقى الاقتداء في الأول دون الثاني كما هو خيرة المولى
الأعظم في شرح المفاتيح، وربما يؤيده عدم كون مثله تباعدا في العرف والعادة، بل
قد يؤيده أيضا نص جماعة كالشهيد في البيان والكاشاني في المفاتيح والمولى الأعظم في
شرحها على الصحة، حيث يحرم البعيد قبل القريب، وما ذاك إلا للاكتفاء بالصف
وإن لم يكن مصليا فعلا، وقد يخدش بالفرق أولا بين من يؤول أمره إلى الصلاة
وهو متهئ لها وبين من فرغ منها وأعرض عنها وإن كان جالسا في مكانه، وبالمنع
ثانيا كما أومي إليه في المسالك والمدارك وغيرهما حيث قالا: ينبغي أن لا يحرم البعيد قبل
أن يحرم من قبله ممن يزول معه التباعد وإن كان قد يدفع الأخير بعدم عد مثله من
التباعد في العادة، وبأنه ليس في النصوص والفتاوى ما يشهد له، إنما الذي فيها وجوب
افتتاح المأمومين بعد افتتاح الإمام خاصة قلوا أو كثروا، استطالت صفوفهم أو قصرت
من غير مدخلية للمأمومين في ذلك بعضهم مع بعض كما هو لازم قولهما عدا من كان
متصلا بالإمام من الشخص والشخصين، مع ما فيه من التضييق والتشديد لادراك الجماعة
خصوصا بالنسبة إلى بعض المأمومين الذين يتوقفون في النية، بل فيه من الافضاء إلى
عدم حضور القلب والتوجه ما لا يخفى، على أنه غالبا يتعذر أو يتعسر على المتأخر العلم
بحصول تكبيرة الافتتاح من بين التكبيرات من المتقدم، خصوصا لو كان مجيئه للجماعة
بعد اصطفاف الصفوف وتهيؤهم للصلاة وشروعهم في تصورها ونيتها، بل قد يفضي
مراعاة ذلك إلى عدم إدراك أول ركعة في الجماعات المعظمة إلا للقليل منها، بل والركعة
179

الثانية أيضا، بل ربما تفوت الفريضة تماما خصوصا الثنائية أو الثلاثية، وخصوصا مع
إرادة الاسراع فيها لسفر أو نحوه من الأعذار، إلى غير ذلك مما يمكن دعوى القطع
بخلافه من السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار وعظم الجماعات كجماعة النبي
وأمير المؤمنين (عليهما الصلاة والسلام) وغلبة تخلل الصفوف من لا يوثق بصحة صلواتهم
ومن أنه لو كان كذلك لاشتهر رواية وفتوى وعملا اشتهار الشمس في رابعة النهار،
لتوفر الدواعي وكثرة الاستعمال، ولو أن هذا القائل اعتبر عدم العلم بسبق المتأخر على
المتقدم لكان أسهل من اعتبار العلم بسبق المتقدم وإن كان هو بعيدا أيضا مخالفا للسيرة
المعلومة من أغلب الناس، فإنهم لا يتوقفون في الائتمام بعد إحراز افتتاح الإمام خصوصا
بعد تهيئة الصفوف وشروعها في التوجه والنية ونحو ذلك، وإن كان الأحوط مراعاته
بل مراعاة الأول أيضا.
ثم إن الظاهر الاكتفاء على كل حال في الاتصال بغير التباعد ولو بوسائط على
نحو ما سمعته من بعضهم في المشاهدة من غير فرق بين الصف الأول وغيره، فلا يقدح
حينئذ استطالة الصف الثاني على الأول بمراتب حتى لو كان الصف الأول واحدا أو
اثنين والصف الثاني مائة أو مائتين فصاعدا، فأحرم غير البعيد عنهما من الصف الثاني
بعد إحرامهما ثم أحرم باقي الصف القريب فالقريب بناء على مراعاة ما سمعته من المسالك
والمدارك، وإلا فعلى ما ذكرنا لم يراع شئ من ذلك، بل يكون الصف الأول على
قصره بمنزلة الإمام للصف الثاني وهكذا، وأما احتمال مراعاة القرب في جميع أفراد
الصف الثاني بالنسبة إلى الصف الأول بحث إذا لم يحصل القرب من بعضهم إليه كما لو
طال الصف الثاني على الأول مثلا بطل إئتمام الفاقد للقرب من الصف الثاني وإن كان
متصلا بالقريب بوسائط وبذلك يفرق بين الصف الأول حينئذ وغيره لعدم اعتبار ذلك
فيه بالنسبة للإمام قطعا وضرورة فهو لا يخلو من وجه، لكن الأوجه والأقوى الأول
180

للسيرة والطريقة، وعدم كون مثله تباعدا وإن كان بعض صورة لا تخلو من نوع تأمل
وشك ينبغي من جهتهما الاحتياط فيه، بل وفي سائر صوره، فتأمل جيدا، وربما كان
في المقام بعد بعض الفروع والكلام لكن لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا على ذوي
البصائر والأفهام، والله أعلم بحقائق الأحكام.
(ويكره أن يقرأ المأموم) غير المسبوق (خلف الإمام) المرضي في أولتي
الفريضة الاخفاتية وفاقا للمراسم على الظاهر والنافع والمعتبر والتلخيص والدروس والبيان
والموجز وكشف الالتباس والجعفرية وغيرها، بل في المعتبر والدروس وغيرهما أنه
الأشهر، بل في الروضة أنه الأجود المشهور، وهو كذلك، لأنه وجه الجمع بين الأدلة
بعد أن علم سقوط وجوب القراءة عن المأموم بالاجماع المحكي إن لم يكن المحصل صريحا
في الخلاف والمعتبر والمنتهى، وظاهرا في التذكرة، والمعتضد بنفي الخلاف عنه في
النجيبية بل والسرائر وإن كان معقد ما فيها ضمان الإمام القراءة، ضرورة إرادة
السقوط منه نحو الضمان في الديون، كالأخبار (1) الدالة على ضمان الإمام القراءة وعدم
ضمانه غيرها، بل لا جمع يعتد به بينها غير ذلك، إذ المعتبرة التي هي العمدة في المقام
وإن كان كثير منها مشتملا على النهي عن القراءة عموما وخصوصا الذي هو حقيقة في
التحريم، لكن جملة أخرى منها ظاهرة في الجواز والكراهة، كالصحيح (2) (سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما بالحمد وهو
إمام يقتدى به؟ فقال: إن قرأت فلا بأس، وإن سكت فلا بأس) إذ من الواضح
إرادة الاخفات من الصمت كما فهمه غير واحد من الأصحاب، وخبر إبراهيم بن علي

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 31 - من أبواب صلاة الجماعة الحديث 13
181

المرافقي وعمر بن الربيع البصري (1) المنجبر ضعف سنده بالشهرة المحكية أو المحصلة،
أنه سئل جعفر بن محمد (عليهما السلام) (عن القراءة خلف الإمام فقال: إذا كنت
خلف الإمام وتتولاه وتثق به فإنه يجزيك قراءته، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما
يخافت به، فإذا جهر فأنصت، قال الله تعالى (2): وأنصتوا لعلكم ترحمون)
وما في السرائر عن المرتضى أنه روي (3) أنه بالخيار فيما خافت فيه أي إن شاء قرأ
وإن شاء لا، بل عنه أيضا وفيها أنه لا يقرأ فيما جهر فيه الإمام، ويلزمه القراءة فيما
خافت فيه الإمام، وصحيح سليمان (4) (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيقرأ
الرجل في الأولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنه يقرأ، فقال: لا ينبغي له أن
يقرأ، يكله إلى الإمام) لأشعار لفظ (لا ينبغي) بذلك، خصوصا بعد الانجبار
بالشهرة والاعتضاد بما تقدم.
فاحتمال إرادة الحرمة منه أو إباحة الترك التي هي أعم منها ومن الكراهة لقوة
إمكان وروده لدفع توهم وجوب القراءة المحكي عن جماعة من العامة الذي قد عرفت
معلومية بطلانه عندنا نصا وفتوى بعيد، على أنه يكفي في إثبات المطلوب ما قبله لا لأن
الكراهة مما يتسامح فيها، ضرورة عدم تماميته في مقابلة الحرمة المستفادة من ظاهر
النواهي المفتى بها في ظاهر المقنع والغنية والتحرير والتبصرة والمدارك وعن السيد (رحمه

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 15 وفي الوسائل
" عمرو بن الربيع " كما أن في التهذيب ج 3 ص 33 الرقم 120 " أبو أحمد عمرو بن
الربيع النصري " وهو سهو فإنه لا أثر له في كتب التراجم والموجود فيه " أبو أحمد عمر
ابن الربيع البصري " وهو الصحيح
(2) سورة الأعراف الآية 203
(3) المستدرك الباب 28 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
(4) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 8
182

الله) والتقي وغيرهما من متأخري المتأخرين، بل لأنه دليل معتبر في نفسه، أو بملاحظة
الانجبار صالح للخروج به عن ظاهر تلك النواهي، خصوصا بعد شيوع استعمال النهي
في الكراهة، واحتمال إرادة نفي الوجوب منها هنا ردا على بعض العامة، حتى أنه من
جهة هذا الاحتمال على الظاهر نفي الكراهة عن القراءة في اللمعة بل صريح النهاية وذيل
عبارة المبسوط كالمحكي من عبارة القاضي استحباب قراءة الحمد، بل وكذا عن ابن
سعيد، لكنه خير بينه وبين التسبيح وحده، وإن كان هو أيضا ضعيفا جدا، بل
لا نعرف دليلا على الاستحباب المزبور سوى الأمر في قوله عليه السلام (1): (إن لم تسمع
فاقرأ) المراد منه الجهرية قطعا، وظاهر لفظ الاجزاء مع الأمر بالقراءة إن أحب في
خبر البصري الممنوع دلالته على الندب، وإرادة قلة الثواب من الكراهة هنا التي
لا تنافي كونه مستحبا، ضرورة عدم إرادة المعنى المصطلح منها في القراءة التي هي جزء
الصلاة، وفيه بعد التسليم أنه يرجع معه النزاع لفظيا، إذ المراد نفي الاستحباب الساذج.
فظهر حينئذ من ذلك كله أن القول بالكراهة هو الأقوى في المقام، ولا ينافيه
ما في بعضها (2) (من أن من قرأ خلف إمام يأتم به بعث على غير الفطرة) لورود
أعظم من ذلك كاللعن ونحوه في المكروهات حتى ورد في تفريق الشعر أن (من
لم يفرق شعره فرقه الله بمنشار من النار) (3) إلا أن الاحتياط بترك القراءة لا ينبغي
تركه لقوة احتمال الحرمة.
نعم يستحب له التسبيح بل يكره له السكوت للصحيح (4) عن الصادق عليه السلام
(إني أكره للمرء أن يصلي خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار،

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 4
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 4
(3) الوسائل الباب 62 من أبواب آداب الحمام الحديث 1 من كتاب الطهارة
(4) الوسائل الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
183

قال: قلت: جعلت فداك فيصنع ماذا؟ قال: يسبح) وخبر علي بن جعفر (1) عن
أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الإسناد (سألته عن رجل يصلي خلف إمام
يقتدى به في الظهر والعصر يقرأ، قال: لا ولكن يسبح ويحمد ربه ويصلي على نبيه
(صلى الله عليه وآله)) وإطلاق صدر خبر أبي خديجة (2) عن الصادق (عليه السلام)
(إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين، وعلى الذين خلفك أن
يقولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وهم قيام، فإذا كان في الركعتين
الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرأوا فاتحة الكتاب، وعلى الإمام أن يسبح مثل ما
يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين) بل ربما كان ظاهر المحكي عن المقنع تعيين
التسبيح إلا أنه في غاية الضعف بعد الأصل وظاهر الصحيح الأول، وإمكان تحصيل
الاجماع على عدمه، بل لعله نفسه أيضا لم يرده وإن عبر بعبارة بعض هذه الأخبار
كما هي عادته فيه.
وأما أخيرتا الاخفاتية فيقوى في النظر بقاء حكم المنفرد فيهما وفاقا للغنية
والإشارة والمختلف والمحكي عن التقي وغيره، للأصل وإطلاق الأدلة وظاهر صحيح
ابن سنان (3) عن الصادق (عليه السلام) (إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر
فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين،
وقال: يجزيك التسبيح في الأخيرتين، قلت: أي شئ تقول أنت؟ قال: اقرأ
فاتحة الكتاب) بل قد يشم منه معلومية الحكم ووضوحه، والطعن فيه بظهوره في أفضلية
القراءة من التسبيح المعلوم عكسها في محله يدفعه بعد تسليم دلالته إمكان منعه أولا في

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 6
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 6
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 9
184

مثل المأموم المفروض عدم قراءته في الأولتين بعد ورود (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (1)
ولعله لذا حكي عن بعضهم التصريح بأفضلية القراءة، وعدم قدحه في المطلوب ثانيا،
وكذا الطعن فيه بأنه لا دلالة فيه على جواز القراءة لاحتمال إرادته بالتنصيص على
إجزاء التسبيح رفع توهم أنه كيف يكون مجزيا مع أن الصلاة لا تتم إلا بالقراءة لا إرادة
إجزاء غيره أو رجحانه، ولا ينافي ذلك قوله (عليه السلام) في ذيله: (اقرأ فاتحة
الكتاب) لمعلومية أنه (عليه السلام) لا يأتم إلا بغير المرضي، فلا تسقط القراءة عنه،
إذ هو كما ترى، خصوصا لو قرئ (اقرأ) فيه بصيغة الأمر على إرادة أي شئ تقول
أنت في الحكم، مضافا إلى وضوح منع ما فيه من دعوى عدم إئتمام الإمام إلا بغير المرضي
بل قد يأتم بعضهم ببعضهم، وإن كان قد يقال لا إمام حينئذ إلا أحدهما على أن الظاهر
إرادة القراءة في الأخيرتين لا الأولتين، فتأمل جيدا.
ولذيل خبر أبي خديجة السابق (2) بل وخبر علي بن جعفر (3) بناء على إرادة
مطلق الرجحان من الأمر فيه بالجملة الخبرية، والصحيح الأول أيضا بناء على إرادة
الأعم من المعنى المصطلح من لفظ الكراهة فيه مع ذلك أيضا، وصحيح معاوية بن
عمار (4) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين
الأخيرتين قال: الإمام يقرأ فاتحة الكتاب، ومن خلفه يسبح) والمرسل (5) في السرائر
أنه روي (يقرأ في الأخيرتين أو يسبح) وخبر أبي خديجة (6) المروي في المعتبر عن
الصادق (عليه السلام) (إذا كنت في الأخيرتين فقل للذين خلفك يقرأون فاتحة
الكتاب) ولغير ذلك مع السلامة عن المعارض في شئ من أدلة المقام عدا ما دل على

(1) المستدرك الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 5
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 3 - 5 - 11
(3) الوسائل الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 3 - 5 - 11
(4) الوسائل الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 3 - 5 - 11
(5) الوسائل الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 3 - 5 - 11
(6) البحار ج 18 ص 622 من طبعة الكمباني
185

سقوط القراءة المختص بحكم التبادر بالمتعينة منها كمعاقد الاجماعات السابقة لا مطلقا بحيث
يشمل المخير بينها وبين التسبيح، بل المرجوحة بالنسبة إليه كما قيل، واحتمال إرادة الأعم
منها ومن الأذكار من لفظ القراءة بعيد جيدا، بل قد يقطع بفساده بملاحظة النصوص
والفتاوى، ولذا لم يسقط القنوت والأذكار ونحوها، فيتجه حينئذ الاستدلال بالأخبار
الحاصرة ضمان الإمام في القراءة خاصة على المطلوب بعد حمل القراءة فيها على المتعينة، على
أنه لو سلم شمولها للقراءة المخيرة لم تكن دالة على سقوط التسبيح الذي هو أحد فردي التخيير
أو أفضلهما، بل قد يشعر بعض تلك الأخبار بأن مدار سقوط القراءة وعدمه السماع
وعدمه، على أن السقوط هنا عن المأموم ليس إلا لضمان الإمام، وهو لا يكون إلا
حيث يختار الإمام القراءة، لعدم دليل يقتضي ضمانه غيرها، واحتمال اندراج التسبيح
فيها قد عرفت بعده، وفي غالب الأوقات يثبت عدم معرفة المأموم حال الإمام واختياره
القراءة أو التسبيح، ولم يتعارف تنبيه المأمومين لذلك، بل المتعارف خلافه، ولغير ذلك
من السيرة والطريقة ونحوهما.
فما عن ابني إدريس وحمزة من القول بسقوطهما حتما عند الأول منهما وجوازا
عند الآخر كالمحكي عن ظاهر المرتضى وابن سعيد والفاضل في المنتهى وغيرهم ضعيف
محجوج بجميع ما عرفت، بل وبأولوية الجواز في الأخيرتين من الأولتين - لما عرفت
من أن التحقيق الجواز فيهما على الكراهة - شاهد له يعتد به سوى ما تقدم وسوى
خبر ابن سنان (1) عن الصادق (عليه السلام) المروي في المعتبر (إذا كان مأمونا فلا
تقرأ خلفه في الأخيرتين) وهو مع إرساله محتمل أو مظنون أنه عين صحيح ابن سنان
المتقدم المشتمل على خلاف ذلك، واحتمال عثور المصنف عليه في بعض الأصول يدفعه

(1) المستدرك الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6
186

عدم نسبته إلى أحدها منه كما هي عادته في أمثاله، وسوى صحيح زرارة (1) عن الباقر
(عليه السلام) (وإن كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئا في الأولتين وأنصت لقراءته
ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين، فإن الله عز وجل يقول (2) للمؤمنين: (وإذا قرئ
القرآن - يعني في الفريضة خلف الإمام - فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)
فالأخيرتان تبعتا الأولتين) بناء على شمول التبعية للاخفاتية وإن كان المورد الجهرية،
وفيه - مع إمكان منع شموله للاخفاتية، ضرورة انصرافه إلى الجهرية المعهودة، واقتضاء
التبعية فيهما الجواز بناء على المختار، بل الكراهة أيضا وإن كان ربما يقطع بعدمها - أنه
قاصر عن معارضة جميع ما سمعته، فلا مانع من إرادة التبعية فيه هنا في أصل الجواز
بدون كراهية، ويثبت حينئذ التسبيح بعدم القول بالفصل وبالأدلة السالمة عن المعارض
فيه، كل ذلك مع موافقة المختار للاحتياط، خصوصا بالنسبة للتسبيح، لضعف القول
بالسقوط حتما جدا، بل لم نتحققه من الحلي المنسوب إليه ذلك، إذ ظاهر عبارته نفي
الوجوب خاصة كما لا يخفى على من لاحظها.
نعم يستفاد من هذا الصحيح المتأخر سقوط القراءة، بل على وجه الحتم في
أخيرتي الجهرية كما عن ظاهر التبصرة ومجمع البرهان وإن كنا لم نتحققه منهما، إلا أنه
لا دلالة فيه على سقوط الفرد الثاني من فردي التخيير الذي هو التسبيح، كما عن الحلي
حتمية سقوطه أيضا مع القراءة نحو ما سمعته عنه في الاخفاتية، لكنا لم نتحققه أيضا
منه، بل أقصى عبارته سقوط الوجوب ناسبا له إلى الرواية، كما أنا لم نتحقق أيضا
ما نسب إلى المبسوط والنهاية وابن سعيد من استحباب قراءة الحمد وحدها فيهما كما لا
يخفى على من لاحظ عباراتهم، بل وكذا ما نسب إلى القاضي وأبي الصلاح وظاهر

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
(2) سورة الأعراف الآية 203
187

المختلف والذخيرة من التخيير بين الحمد والتسبيح استحبابا، نعم لعله ظاهر المحكي عن
السيد والواسطة، بل وكذا جملة من الأقوال المنسوبة في المقام إلى الأصحاب حتى
أنهاها بعض مشايخنا إلى سبعة، وفي الاخفاتية التي تقدم البحث فيها سابقا إلى تسعة.
وكيف كان فالأقوى في النظر هنا بقاء حكم المنفرد أيضا من التخيير بين التسبيح
والقراءة كالاخفاتية وفاقا لمن عرفته فيها. للأصل وإطلاق ما دل على وجوب أحدهما
السالمين عن معارضة إطلاق النهي عن القراءة خلف الإمام المرضي بعد انصرافه إلى
القراءة المتعينة، وهي في الأولتين، خصوصا المشتمل على التعليل بالانصات، بل قد
يشعر ذلك بوجوب القراءة في الأخيرتين اللتين لا جهر فيهما كي ينصت إليها، بل قد
يدعى أولوية القراءة فيهما من الأولتين حيث لا يسمع الهمهمة بل وإن سمعها بناء على
عدم الحرمة، ولكثير مما سمعته في الاخفاتية، فلا حاجة إلى التكرير، والخروج عن
ذلك كله بالصحيح المزبور مع ابتنائه على حرمة القراءة في الأولتين كي تتبعهما الأخيرتان
في ذلك بعيد جدا، مع أنه لا دلالة فيه على سقوط التسبيح، اللهم إلا أن يفهم من
سقوط القراءة إرادة ضمان الإمام والاكتفاء بما يفعله عنه ولو تسبيحا.
وأما أولنا الجهرية مع سماع المأموم القراءة فالاجماع محصلا أو منقولا مستفيضا
حد الاستفاضة على عدم وجوب القراءة فيهما، بل في التذكرة (لا يستحب إجماعا)
بل في الرياض (لا خلاف في أصل المرجوحية على الظاهر المصرح به في كلام جماعة
كالتنقيح والروض والروضة) إلى آخره، بل في ظاهر المبسوط أو صريحه والمقنع والفقيه
والنهاية والغنية والوسيلة والمختلف والتحرير والتبصرة وكشف الرموز والمدارك والذخيرة
والمحكي عن السيد والقاضي وأبي الصلاح وواسطة ابن حمزة وغيرها حرمة القراءة، وهو
مع موافقته للاحتياط قوي جدا، للنهي عنها في المعتبرة (1) المستفيضة جدا مع التعليل

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة
188

في بعضها (1) بالأمر بالانصات، بل ربما يظهر من سبر أخبار المقام معروفية ذلك
قديما بين الشيعة حتى أنهم كانوا يكتفون في بيان كون الإمام مرضيا وغير مرضي
بالقراءة خلفه وعدمها.
ولا معارض له سوى إشعار لفظ الاجزاء في موثق سماعة (2) (سألته عن
الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول، قال: إذا سمع صوته فهو يجزيه
وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه) وهو مع إضماره وعدم استفادة تمام المدعى منه بل ولا
الصورة المهمة منه كما ترى ضعيف جدا، إذ أقصاه أنه أقل فردي المجزي، ولعله في
مقابلة سماع الصوت وفقه قوله، لا لجواز القراءة منه.
وسوى دعوى معلومية ندبية الانصات المأمور به في نفسه بالاجماع والسيرة
وغيرها، بل وفي خصوص المقام بالأصل والسيرة، وما عساه يظهر من الاجماع من
التنقيح حيث نسب استحبابه إلى من عدا ابن حمزة من الأصحاب، فالتعليل به حينئذ في
صحيح ابن الحجاج (3) عن الصادق (عليه السلام) (وأما الصلاة التي يجهر فيها فإنما
أمر بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فأنصت، وإن لم تسمع فاقرأ) الحديث، بل
وصحيح زرارة (4) عن الباقر (عليه السلام) (وإن كنت خلف إمام فلا تقرأن
شيئا في الأولتين وأنصت لقراءته، ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين، فإن الله عز وجل
يقول للمؤمنين: وإذا قرئ القرآن - يعني في الفريضة خلف إمام - فاستمعوا له
وأنصتوا لعلكم ترحمون) والحسن كالصحيح (5) عن أحدهما (عليهما السلام) (إذا
كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك) يومي إلى إرادة عدم الحرمة من
النهي عن القراءة.

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 15 - 10 - 5 - 3 - 6
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 15 - 10 - 5 - 3 - 6
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 15 - 10 - 5 - 3 - 6
(4) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 15 - 10 - 5 - 3 - 6
(5) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 15 - 10 - 5 - 3 - 6
189

وفيه - مع خلو أكثر الأخبار عن التعليل به، وقوة احتمال إرادة الحكمة منه
لا التعليل الحقيقي أو ما يجري مجراه، وعدم ظهور إرادة التعليل من الأخيرين، بل
أقصاهما الأمر به لنفسه، وإن استدل عليه في أولهما بالآية، واحتمال إرادة تعليل النهي
الأول عن القراءة بالآية مع أنه مبني على اقتضاء الأمر بالشئ النهي عن الضد بعيد
جدا، بل وكذا لا ظهور في الصحيح الأول بتعليل النهي عن القراءة بالانصات،
بل أقصاه بيان وجه الأمر بالجهر بالقراءة، وهو غير ما نحن فيه - أنه يمكن منع دعوى
الاجماع في المقام، وانعقاده على الندب في غير المقام بعد أن كان مورد الآية الفريضة
كما في الصحيح لا يقتضي الاستحباب هنا، ونسبة ندبيته في التنقيح إلى من عدا ابن
حمزة يمنعها التتبع، وبالجملة فالخروج عن تلك النواهي في تلك المعتبرة المستفيضة بمثل
ذلك كما ترى.
ودعوى أن جملة منها شاملة باطلاقها أو عمومها للاخفاتية التي قد أثبتنا الكراهة
فيها كالحسن والصحيح (1) عن الصادق (عليه السلام) (إذا صليت خلف إمام مؤتم به
فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع إلا أن يكون صلاة يجهر فيها ولم تسمع فاقرأ)
ولما إذا لم يسمع القراءة مما ستعرف عدم الحرمة فيه أيضا، بل في بعضها التنصيص عليه
كقول الصادق (عليه السلام) في الصحيح (2): (إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا
تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع) فيتجه حينئذ إرادة الكراهة منه التي هي أولى
من مجازية القدر المشترك، بل أولى من التقييد، على أنه متعذر حتى في الرواية الأولى
ضرورة أنه بقرينة الاستثناء فيها كالنص في الاخفاتية، فلا يمكن تقييد النهي فيها حينئذ
بها، يدفعها منع اقتضاء مثل ذلك الكراهة بعد اختصاص كثير من الأدلة بالنهي عن
القراءة في الصلاة الجهرية المسموعة المراد منه بمقتضى أصالة الحقيقة السالمة عن المعارض

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 12
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 12
190

الحرمة، بخلافه في الاخفاتية لما عرفت، فجمعهما حينئذ في نهي واحد بعد ثبوت كراهة
أحدهما بدليل مستقل وحرمة الآخر كذلك ولو بظاهر النهي في دليل آخر يعين
إرادة القدر المشترك.
ودعوى أولوية الكراهة منه فيكون قرينة على إرادتها من النهي في ذلك الدليل
المستقل بعد تسليمها ليس بأولى من مراعاة أصالة الحقيقة فيه المقتضية لإرادة القدر
المشترك من نهي الجمع، بل هي أولى، ضرورة أولوية الكراهة من القدر المشترك لا من
مراعاة أصالة الحقيقة التي يجب الجمود عليها إلى أن تحصل القرينة الصارفة والمعينة،
وليست، إذ لا أقل من تصادم الاحتمالين المزبورين، فلا موجب للخروج عنها حينئذ.
وأما الصحيح الأخير (1) فالظاهر إرادة الاخفاتية منه أو غير المسموع بحيث
يفهم وإن كان تسمع فيه الهمهمة لا الجهرية غير المسموعة أصلا، لما ستعرف من أنه
لا كراهة في القراءة فيها، فيجري فيه حينئذ، ما سمعته حذو النعل بالنعل، ومن ذلك
كله يعلم ضعف القول بالكراهة وإن اشتهر بين المصنف ومن تأخر عنه، بل أطلق في
الدروس نسبته إلى المشهور كما عن غيرها، بل ربما استفيد من نسبة التنقيح وجوب
الانصات المنافي للقراءة إلى ابن حمزة خاصة وندبيته للباقين الاجماع عليه، وإن كان قد
يخدش بأنه لا تلازم بين الندبية المزبورة والكراهة، ضرورة مجامعتها للحرمة، كما أنه
يعرف مما سبق المناقشة في إطلاق دعوى الشهرة أيضا على الكراهة، فتأمل.
ومن السماع أو يلحق به سماع الهمهمة حرمة أو كراهة، كما هو ظاهر المتن
والمعتبر والنافع والتحرير والإرشاد والتلخيص والدروس والبيان واللمعة والنفلية
والتنقيح والموجز والهلالية والجعفرية وغيرها، بل نسبه في مفتاح الكرامة إلى فتوى
المعظم، للحسن كالصحيح (2) (فإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ) وخبر عبيد بن

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 12 - 7
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 12 - 7
191

زرارة (1) ((إن سمع الهمهمة فلا يقرأ) الواجب من جهتهما - خصوصا بعد اعتضادهما
بالشهرة، وباطلاق ما دل من المعتبرة على عدم القراءة خلف الإمام المؤتم به - تقييد
ما دل على القراءة إذا لم يسمع، بناء على صدق عدم سماعها معها كما في الرياض، وهو
وإن كان لا يخلو من بحث، لكنه خال عن الثمرة بعد ما عرفت، نعم قد يظهر من
المبسوط الفرق بين سماع الهمهمة وغيرها من سماع القراءة نفسها، فينصت في الثاني ويخير
فيها بين القراءة وعدمها في الأول، بل كاد يكون ذلك صريح النهاية والمحكي عن
واسطة ابن حمزة ونجيب الدين بن سعيد، ولعله لأشعار لفظ الاجزاء في موثق سماعة (2)
المتقدم، وهو لا يخلو من وجه.
وهل يستحب التسبيح والدعاء والتعويذ لخبر زرارة (3) عن أحدهما (عليهما
السلام) (إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك) وخبر أحمد بن
المثنى (4) (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله حفص الكلبي فقال: أكون
خلف الإمام وهو يجهر بالقراءة فأدعو وأتعوذ، قال: نعم فادع) الحديث. أولا
لمنافاته للانصات المأمور به في المعتبرة المستفيضة؟ وجهان لا يخلو أولهما من قوة بناء على
عدم منافاته للانصات، خصوصا لو فسر التسبيح في النفس بما يقرب إلى التصور، فتأمل.
وأما إذا لم يسمع حتى الهمهمة فتجوز في الجملة القراءة بلا خلاف أجده بين
الأصحاب، بل ولا حكي عن أحد منهم عدا الحلي، مع أنه لا صراحة في عبارته في
السرائر بذلك بل ولا ظهور، ولا يبعد أنه وهم من الحاكي، نعم ظاهر جماعة من

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 10 - 6
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 10 - 6
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 10 - 6
(4) الوسائل الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 لكن رواه عن
أبي المعزا حميد بن المثنى وهو الصحيح
192

الأصحاب كالشيخ في المبسوط والنهاية والمصنف في النافع والمرتضى وأبي الصلاح وابن
حمزة وعلي بن أبي الفضل الحلبي فيما حكي عنهم وجوب القراءة، اقتصارا على المتيقن
مما خرج من الأصل، وعموم ما دل على وجوبها، وعملا بالأمر في المعتبرة المستفيضة،
وصريح المختلف والتذكرة والمنتهى والتحرير والبيان واللمعة والموجز والهلالية والجعفرية
وغيرها الاستحباب، جمعا بين ما اشتمل على الأمر من المعتبرة وبين ما دل على جواز
الفعل والترك، كصحيح علي بن يقطين (1) (سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام)
عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة،
قال: لا بأس إن صمت وإن قرأ) مؤبدا بما دل على ضمان الإمام القراءة من المعتبرة
وغيرها، وظاهر القاضي بل والمتن والتلخيص الإباحة، للأصل والصحيح المزبور بعد
حمل الأمر في تلك المعتبرة عليها، لوروده في مقام توهم المنع، وفيه أنه لا يتصور
الإباحة في جزء العبادة، اللهم إلا أن يمنع ذلك بأن يخص عدم التصور في مجموع العبادة
دون أجزائها، فيكتفى حينئذ برجحان الجملة، بل هو في الحقيقة كالجزء المندوب في
العبادة الواجبة، ضرورة تضاد الأحكام، بل قد يقال إنه لا مانع من تحقق الكراهة
الحقيقية في بعض الأجزاء بمعنى مرجوحية الفعل بالنسبة للترك لا أقلية الثواب، فإنه
لا مضايقة عند العقل وغيره في قول الشارع أطلب الصلاة جماعة طلبا راجحا إلا أن
ترك القراءة فيها أرجح من فعلها وإن كان لو فعلت كانت من أجزائها وداخلة تحت
اسم الصلاة، ويزيد ذلك ايضاحا فرض تعلق الطلب بمركب خارجي كالسرير ونحوه
مع فرض مساواة عدم بعض أجزائه لوجوده أو رجحانه عليه وإن كان هو جزء أيضا
لو جئ به إلا أنه لا يقدح في رجحان الطلب للمجموع من حيث الاجتماع، فلا بأس
حينئذ بكونه جزءا من المطلوب وإن لم يتعلق به الطلب المتعلق باسم الجملة، ودعوى

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 11
193

انحلال طلب الجملة إلى طلب كل جزء جزء في نفسه يمكن منعها، إلا أن للبحث في جميع
ذلك مجالا ليس ذا محله.
نعم يرد على القول المزبور بل وسابقيه أيضا أنه ليس أحد منها يجمع به بين تمام
أخبار المقام، ضرورة اشتمال بعضها على النهي عن القراءة كقول الصادق (عليه السلام)
في الصحيح السابق (1): (إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته
أو لم تسمع) مؤيدا باطلاق النهي عن القراءة وباطلاقه في الجهرية، ضرورة صدقها
وإن لم يسمع، بل وباطلاق الأمر بالانصات بناء على عدم توقفه على السماع كما يومي
إليه بعض الأخبار، وبمساواتها حينئذ للاخفاتية التي أثبتنا الكراهة فيها، بل قد يدعى
شمول بعض أخبارها لها، فيتجه حينئذ الحكم بالكراهة جمعا بين الأخبار كلها بعد
إرادة الجواز من الأوامر، لورودها في مقام توهم الحظر، إلا أتي لم أعرف بها قائلا،
ولعله لأن العمدة في الشهادة لها مما ذكرناه الصحيح المذكور، ومن المحتمل قويا إرادة
الاخفاتية من قوله (عليه السلام) فيه: (أو لم تسمع) لا الجهرية غير المسموعة كما عساه
يومي إليه صحيح الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام) (إذا صليت خلف إمام تأتم به
فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع إلا أن يكون صلاة يجهر فيها بالقراءة
ولم تسمع فاقرأ).
وعلى كل حال فلا ريب أن الترك أحوط وإن كان القول بالحرمة في غاية
الضعف، بل القول بالندب لا يخلو من قوة، خصوصا بعد فرض قطع النظر عن احتمال
الحرمة ومراعاة قاعدة التسامح وإن كان يعارضها فيها احتمال الكراهة إلا أنه أقوى
منها ومن الإباحة هنا نصا وفتوى، وكأن المصنف توقف في رجحانه على الإباحة وإن
جزم بعدم الكراهة حيث قال مستثنيا من عبارته السابقة: (إلا أن تكون الصلاة جهرية

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 12 - 1
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 12 - 1
194

ثم لا يسمع ولا همهمة) فإنه لا يكره حينئذ، والتحقيق ما سمعت، كما أنك قد سمعت
أيضا الكلام فيما أشار إليه من الخلاف في أصل المسألة أي قراءة المأموم خلف الإمام
بقوله: (وقيل يحرم، وقيل يستحب أن يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه) بل قد سمعت
أيضا ما به يعرف ما في إطلاق مختاره الذي أشار إليه بقوله: (والأول) أي الكراهة
مطلقا إخفاتية أو جهرية مسموعة ولو همهمة (أشبه) فلاحظ وتأمل.
ولو كان يسمع بعض القراءة في الجهرية دون البعض ففي إلحاقه بالمسموع تماما أو
عدمه كذلك أو كل منهما بكل منهما وجوه لا يخلو أخيرها من قوة، كما أنه يقوى
هذا أيضا في باقي الصلوات التي لم يجب فيها جهر ولا إخفات كصلوات الآيات والعيدين
ونحوهما، فينصت حيث يسمع ويقرأ حيث لا يسمع نحو ما سمعته من الوجوب والحرمة
والكراهة، ويقوى في النظر أيضا جريان حكم السماع في الجهرية على من كان سمعه
خارقا للعادة، فيسمع ما لا يسمعه غيره، بل وجريان حكم غير السامع على من كان ذلك
بعرض كصمم ونحوه، لظهور الأخبار أن السماع وعدمه في الجهرية هو المدار، نعم قد
يحتمل جريان حكم الاخفائية على من يسمع القراءة فيها لشدة قرب من الإمام ونحوه،
مع احتمال العدم أيضا، فتأمل جيدا، والله أعلم.
هذا كله في الصلاة خلف الإمام المرضي (وأما لو كان الإمام ممن لا يقتدى به)
لأنه مخالف (وجبت القراءة) في الصلاة خلفه تقية كما صرح به جماعة من الأصحاب
بل لا أجد فيه خلافا بينهم كما اعترف به في المنتهى وعن السرائر، بل نسبه في الحدائق
إلى عمل الأصحاب تارة، وبزيادة (كافة) أخرى، لانتفاء القدوة المعتبرة في ضمان
الإمام القراءة، بل هو منفرد حقيقة كما يومي إليه خبر الفضيل (1) عن الباقر والصادق

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 وخبر الفضيل
مذكور في ذيله
195

(عليهما السلام) (لا تعتد بالصلاة خلف الناصب واقرأ لنفسك كأنك وحدك) وخبر
زرارة (1) عن الباقر (عليه السلام) (عن الصلاة خلف المخالفين، فقال: ما هم عندي
إلا بمنزلة الجدر) ولقول الصادق (عليه السلام) في الحسن كالصحيح (2): (إذا
صليت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع) وقول أبي الحسن
(عليه السلام) في صحيح ابن يقطين (3): (اقرأ لنفسك، وإن لم تسمع نفسك فلا
بأس) جواب سؤاله، (عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر
بالقراءة) إلى غير ذلك مما يستفاد منه الحكم المزبور منطوقا ومفهوما.
فما في خبر زرارة (4) عن الباقر (عليه السلام) (لا بأس بأن تصلي خلف
الناصب، ولا تقرأ خلفه فيما يجهر فيه، فإن قراءته تجزيك إذا سمعتها) وأخيه بكير (5)
(سألت الصادق (عليه السلام) عن الناصب يؤمنا ما تقول في الصلاة معه؟ فقال: أما
إذا جهر فأنصت للقراءة واسمع ثم اركع واسجد أنت لنفسك) وغيرهما كخبر أحمد
ابن عابد (6) ونحوه يجب طرحهما بعد إعراض عامة الأصحاب عنهما كما اعترف به
في الحدائق، أو حملهما على فعل صلاة غير هذه الصلاة، لعلم الإمام (عليه السلام) بضرر
أو مصلحة في خصوص السائلين حتى في القراءة خفيا كما يومي إليه في الجملة صحيح
معاوية بن وهب (7) بل وخبر إسحاق بن عمار (8) في المقام، بل وغيرهما في غيره،
أو على إرادة القراءة خفيا بناء على أنها لا تنافي الانصات، أو على إرادة القراءة بعد
الانصات كما عساه يومي إليه في الجملة صحيح ابن وهب (9) أيضا المشتمل على قصة ابن

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10 - 9 - 1
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10 - 9 - 1
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10 - 9 - 1
(4) الوسائل الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 3 - 2 - 4 - 2
(5) الوسائل الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 3 - 2 - 4 - 2
(6) المستدرك الباب 30 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 لكن رواه عن أحمد بن عائذ وهو الصحيح
(7) الوسائل الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 3 - 2 - 4 - 2
(8) الوسائل الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 3 - 2 - 4 - 2
(9) الوسائل الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 3 - 2 - 4 - 2
196

الكوا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) أو غير ذلك.
نعم ظاهر بعض النصوص والفتاوى الاجتزاء بالحمد خاصة مع التعذر كأن ركع
الإمام مثلا، بل في المدارك الاجماع عليه، وفي الذخيرة نفي الخلاف فيه على الظاهر،
لمرسل ابن أسباط (1) عن الباقر والصادق (عليهما السلام) المنجبر بما عرفت (في الرجل
يكون خلف الإمام لا يقتدى به فيسبقه الإمام بالقراءة قال: إذا كان قد قرأ أم
الكتاب أجزأ أن يقطع ويركع) وخبر محمد بن أبي نصر (2) عن أبي الحسن عليه السلام
(قلت له: إني أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني إلى ما أن أؤذن وأقيم ولا
أقرأ إلا الحمد حتى يركع أيجزيني ذلك؟ قال: نعم يجزيك الحمد وحدها) بل وخبر
ابن عذافر (3) (سألت الصادق (عليه السلام) عن دخولي مع من أقرأ خلفه في الركعة
الثانية فركع عند فراغي من قراءة أم الكتاب، فقال: تقرأ في الأخراوين كي تكون
قد قرأت في ركعتين).
بل عن التهذيب والروضة والجعفرية وشرحها عدم وجوب إتمام الفاتحة لو ركع
الإمام قبل فراغ المأموم منها وإن أوجب فيما عدا الأولين منها إتمامه في أثناء الركوع
كما في ظاهر الموجز وعن الدروس والذكرى والبيان، لكن عن الأولين تقييده
بالامكان، وإلا سقطت، إلا أنا لم نعرف لهم دليلا على ذلك بالخصوص، بل ظاهر
صحيح أبي بصير (4) عن الباقر (عليه السلام) الدال على قطع القراءة مع التعذر خلافه
قال: (قلت له: من لا أقتدي به في الصلاة، قال: افرغ قبل أن يفرغ، فإنك في
حصار، فإن فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه) نعم إطلاقه دليلهم على قطع الفاتحة
والخروج عن إطلاق الأمر بالقراءة وما دل على أنه لا صلاة بدونها، لكن قد يناقش

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 6 - 3
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 6 - 3
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 6 - 3
(4) الوسائل الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
197

بأنه لا دلالة فيه على خصوص الفاتحة بل أقصاه الاطلاق المعارض باطلاق نحو قوله صلى الله عليه وآله:
(لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) بل وبخصوص مفهوم مرسل ابن أسباط المتقدم المؤيد
باشعار خبر ابن أبي نصر السابق، فعدم الاعتداد بالصلاة المزبورة، حينئذ ووجوب
إعادة غيرها لا يخلو من قوة، وفاقا للتذكرة وعن نهاية الإحكام، بل قيل: إنه قضية
ما في المبسوط والنهاية.
ولعله أولى منه بذلك ما إذا لم يتمكن من شئ من القراءة كما لو أدركهم في
الركوع، لكن عن ظاهر الهداية والمقنع والبيان ونص التهذيب الانعقاد بمجرد تكبيره
ودخوله معهم، ولعله لخبر إسحاق بن عمار (1) (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
إني أدخل المسجد فأجد الإمام قد ركع وقد ركع القوم فلا يمكنني أن أؤذن وأقيم
وأكبر، فقال لي: فإذا كان ذلك فادخل معهم في الركعة واعتدد بها، فإنها من أفضل
ركعاتك، قال إسحاق: ففعلت ثم انصرفت فإذا خمسة أو ستة قد قاموا إلي من
المخزوميين والأمويين فقالوا: جزاك الله عن نفسك خيرا، فقد والله رأيناك خلاف
ما ظننا بك وما قيل فيك، فقلت: وأي شئ ذاك؟ قالوا: اتبعناك حين قمت إلى
الصلاة ونحن نرى أنك لا تقتدي بالصلاة معنا فقد وجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا،
قال: فعلمت أن أبا عبد الله (عليه السلام) لم يأمرني إلا وهو يخاف علي هذا وشبهه)
لكن فيه بعد إرادة التكبير المستحب من التكبير فيه وبعد الغض عن سنده أنه لعله
المصلحة لخصوص السائل كما وقع نظيره في غير المقام.
فالأولى عدم الاعتداد بها ولا بالصلاة التي يضطر فيها إلى القيام قبل التشهد،
ولا يجزيه فعله قائما للأصل وإطلاق ما دل (2) على اعتبار الجلوس فيه السالمين عن

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب التشهد الحديث 1
198

المعارض، خلافا للموجز وعن الجعفرية وشرحها من الاجتزاء به، بل قيل إنه به صرح
علي بن بابويه فيما نقل من عبارته، بل في الأول إلحاق التسليم به أيضا، ولم نعرف له
مستندا في الملحق والملحق به.
نعم لا يجب الجهر في القراءة الجهرية إذا لم يتمكن منه قطعا كما في المدارك،
ولا نعرف فيه خلافا كما في المنتهى، ولصحيح ابن يقطين السابق (1) ومرسل ابن
أبي حمزة (2) عن الصادق (عليه السلام) (يجزيك إذا كنت معهم من القراءة مثل
حديث النفس) لكن من المعلوم إرادته المبالغة في الاخفات كما عن السرائر الاعتراف
به، ضرورة عدم صدق اسم القراءة إن أريد الحقيقة، وليس هو إلا مجرد تصور لا
قراءة كما هو واضح، ولا ينافي ذلك ما حكى عن بعض العامة من وجوب قراءة المأموم
فلا يجب الاخفات حينئذ لعدم التقية، لأنه من المحتمل أن المشهور بينهم عملا أو فتوى
أيضا عدم القراءة بحيث لا يكفي في رفعها ذهاب بعضهم إلى القراءة، فتأمل.
ولو فرغ المأموم من القراءة قبل الإمام استحب له إبقاء آية من السورة ثم يذكر
الله ويسبحه ويكبر ويهلل حتى يفرغ فيتم السورة ويركع، بل أطلق الإمام عليه السلام في موثق
زرارة (3) (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة
قبل أن يفرغ، قال: أبق آية ومجد الله واثن عليه، فإذا فرغ قرأتها ثم تركع) وخبر
ابن أبي شعبة (4) عنه (عليه السلام) أيضا (قلت له: أكون مع الإمام فأفرغ قبل
أن يفرغ من قراءته، قال: فأتم السورة ومجد الله تعالى واثن عليه حتى يفرغ) ولذا
حكم في الذكرى بعد أن ذكر خبر زرارة باستحباب ذلك مع الإمام المرضي وغيره،
وقال: إن فيه دلالة على استحباب التسبيح والتمجيد في الأثناء، وعلى جواز القراءة

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 4
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 4
(3) الوسائل الباب 35 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3
(4) الوسائل الباب 35 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3
199

خلف الإمام، وهو جيد، بل فيه دلالة على عدم وجوب المتابعة في الأقوال في الجملة
أيضا، خصوصا لو قلنا: المراد منه القراءة في الأخيرتين بالنسبة للمرضي.
ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى عدم وجوب إعادة هذه الصلاة بعد مراعاة
تلك الأمور التي سمعتها من القراءة وغيرها وإن كان الوقت باقيا، بل ولو كان له
مندوحة عن ذلك، وفاقا لبعض وخلافا لآخر، للاطلاق المزبور، والحث على حضور
جماعتهم، وإدراك الصف الأول والمبالغة في فضلها حتى أن في بعضها (1) التشبيه بصلاة
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي آخر (2) كسل السيف في سبيل الله مع ظهور
وجه الحكمة فيها من أنهم حتى يقولوا رحم الله جعفرا ما أحسن ما كان يؤدب به أصحابه
ولما يحصل به من تأليف القلوب وعدم الطعن على المذهب وأهله، ودفع الضرر وغير
ذلك، بل قد ورد الحث (3) على مخالطتهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم، وأنكم
إن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا.
نعم يظهر من بعض المعتبرة (4) أن الأفضل الصلاة في المنزل ثم الصلاة معهم
وأنها تحسب حينئذ نافلة، ولتمام البحث في ذلك محل آخر تقدم بعضه في الوضوء، إلا
أنه ينبغي أن يكون المراد بمن لا يقتدى به في النصوص والفتاوى العامي المخالف في
الدين لا ما يشمل المؤمن الفاسق الذي يصلى خلفه رغبة أو رهبة، اقتصارا فيما خالف
الأصول والعمومات من ترك الجهر بالقراءة أو تركها ونحوهما على الظاهر أو المتيقن من
النصوص والفتاوى، نعم لو فعل ذلك ولم يترك شيئا مما يجب عليه منفردا جاز وإن كان

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 7
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 7
(3) الوسائل الباب 75 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب صلاة الجماعة
200

ألزم نفسه بالمتابعة الظاهرة الموهمة للائتمام تحصيلا لبعض الأغراض أو دفعا لبعض الضرر
أعاذنا الله من شر ذلك، والله أعلم.
(و) مما يعتبر في الجماعة أيضا أنها (تجب المتابعة) فيها على المأموم (للإمام)
في الأفعال بلا خلاف أجده فيه على الظاهر كما اعترف به في الروض والذخيرة والحدائق
بل في المعتبر والمنتهى والذكرى والمدارك والمفاتيح وعن النجيبية والقطيفية وغيرهما
الاجماع أو الاتفاق عليه، بل ظاهر الأول أنه كذلك بين المسلمين، بل هو صريح
الثاني أو كصريحه، لظاهر الآية (1) والنبوي (2) (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به،
فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا) وإن كان هو عاميا على الظاهر إلا أنه رواه
الأصحاب في كتبهم، بل وعملوا به، ولاشعار محافظة سائر المسلمين عليه في سائر
الأعصار والأمصار بوجوبه ولزومه أيضا، بل وإشعار سياق كثير من الأخبار المشتملة
على لفظ الاقتداء ونحوه به، بل كاد يكون ظاهر فحوى ما تسمعه من المعتبرة (3) الآمرة
بالرجوع لمن رفع رأسه من السجود أو الركوع قبل الإمام لتحصيل الرفع معه وإن حصل
مع ذلك زيادة ركن، بل وظاهر الأخبار (4) الآمرة باشتغال المأموم بتسبيح ونحوه عند
الفراغ من القراءة قبل الإمام انتظارا لركوع الإمام كي يركع معه، إلى غير ذلك مما
يمكن تصيده من الأدلة حتى ما تسمعه من موثق ابن فضال (5) سؤالا وجوابا، فمن
العجيب ما يظهر من بعض متأخري المتأخرين من انحصار دليل الأصحاب بعد دعوى
الاجماع في النبوي العامي حتى أن بعض مشايخنا قال: إنه الأصل في هذا الباب.

(1) سورة البقرة الآية 40
(2) كنز العمال ج 4 ص 250 الرقم - 5224
(3) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 4
(4) الوسائل الباب 35 من أبواب صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 4
201

وكيف كان فالمراد منها في المشهور كما في الرياض أن لا يتقدم المأموم الإمام،
بل هو معقد إجماع الذكرى السابق، كما أنه ظاهر غيرها أيضا، وقضيته جواز المقارنة
كما نص عليه الفاضل والشهيدان على ما حكي عن أولهما وغيرهم، بل في ظاهر المفاتيح
الاجماع عليه، وهو الحجة بعد صدق اسم الجماعة والركوع مع الراكعين، بل والمتابعة
أيضا، ضرورة الاكتفاء في تحققها بقصد المأموم ربط فعله بفعل الإمام، وبعد نص
الصدوق عليه في المحكي من عبارته التي هي في الغالب متون أخبار، وبعد إشعار
ما ورد (1) في المصليين اللذين قال كل منهما كنت إماما، وإن كان لا يخلو من تأمل
يعرف فيما يأتي في مسألة التقدم إن شاء الله، مضافا إلى المروي (2) عن قرب الإسناد
صحيحا عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) (في الرجل يصلي أله أن يكبر قبل الإمام؟
قال: لا يكبر إلا مع الإمام، فإن كبر قبله أعاد) بناء على إرادة تكبيرة الاحرام منه
التي يجب المتابعة فيها كالأفعال، بل لا قائل بجواز المقارنة فيها دون الأفعال، مع احتمال
إرادة غير تكبيرة الاحرام منه من تكبير الركوع والسجود على أنه يكون حينئذ كناية
عن الفعل قبل الإمام، إما لغلبة حصول الركوع مثلا بالتكبير، فمع فرض سبقه يحصل
السبق بالركوع، وإما للتعبير به عنه كما وقع في غيره (3) من الأخبار السابقة في مسألة
إدراك الإمام وهو راكع، فيكون حينئذ عين ما نحن فيه.
والمناقشة بمتروكية ظاهره من وجوب المقارنة يدفعها أولا منع اقتضاء المعية
ذلك، بل هي تصدق علي المقارن وعلى المتأخر المتصل بالمتقدم، وثانيا الخروج عن ذلك
بعد التسليم بمعلومية جواز التأخر المتصل نصا وفتوى، فيصرف الوجوب المزبور حينئذ

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 1 من كتاب الطهارة
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
202

إلى إرادة الوجوب التخييري، كما أنه يصرف بعض ما دل على وجوب التأخر من
النبوي (1) المشتمل على فاء التعقيب، على أنه قد يناقش بعدم اقتضاء فاء الجزاء، بل
قد يدعى ظهور الشرطية خصوصا إذا كانت الأداة نحو (إذا) الظرفية في المقارنة،
إذ المراد اركعوا وقت ركوعه، نحو قوله: (وإذا قرئ.. وأنصتوا) (2)، نعم قد
يناقش في الخبر المزبور بظهور إرادة نفي القبلية من المعية فيه، كما يومي إليه قوله (عليه
السلام): (فإن كبر قبله أعاد) ويدفع بمنع إرادة خصوص ذلك منه، بل الظاهر
إرادة الأعم، ولذا نص فيه على خصوص ذلك، وإن كان قد يحتمل أنه لندرة المقارنة
خصوصا في مثل المأموم الذي يريد ربط فعله بفعل إمامه لا أنه يفعل مستقلا عنه،
فيقارن فعل إمامه اتفاقا، لامكان دعوى عدم جواز ذلك، لعدم تحقق التبعية فيه،
بل أقصاه بناء على الجواز أن له الفعل الذي يعلم مقارنته لفعل إمامه، فيفعل بقصد
التبعية لذلك، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فما يظهر من المحكي عن إرشاد الجعفرية من تفسير المتابعة بالتأخر
خاصة بل كأنه مال إليه في الحدائق ضعيف وإن كان هو الأحوط، بل في الروض
والذخيرة وعن غيرهما أنه الأفضل، بل عن الصدوق والشهيد الثاني في روضته انتفاء
الفضيلة مع المقارنة رأسا إلا أنا لم نعرف لهم دليلا على ذلك، ولذا كان ظاهر المفاتيح
تمامية الجماعة به لحصول السبب الذي يترتب عليه مع ذلك أحكام الجماعة من سقوط
القراءة ونحوه، ودعوى اشتراط الفضيلة بأمر زائد على سببية تلك الأحكام
لا نعرف لها شاهدا.
ثم لا يخفى أن المتابعة كما يقدح في تحققها عرفا السبق كذلك التأخر الطويل عن

(1) كنز العمال ج 4 ص 250 الرقم 5224
(2) سورة الأعراف الآية 203
203

وقوع الفعل بعد فعل الإمام ركنا وغيره، خصوصا إذا أدى ذلك إلى فراغ الإمام من
فعله قبل فعل المأموم، ضرورة عدم صدق المتابعة حينئذ عرفا كما اعترف به المولى الأكبر
في مطاوي كلماته على الظاهر بل يؤيده أيضا إرادة نحو ذلك منها في باب الوضوء وإن
لم نقل بوجوبه، ولعل المتابعة غير التبعية عرفا، أو هما بمعنى ويقدح التأخر في صدقهما،
أو أن المنساق من إطلاقهما ما لا يشمل التأخر المعتد به، فكان من اللازم حينئذ إضافة
ولا يتأخر تأخرا فاحشا إلى التفسير السابق لها، بل في المنتهى (أن الأقرب وجوب
المتابعة في ترك الفعل المندوب أيضا، فلو نهض الإمام من السجدة الثانية قبل أن يجلس
نهض المأموم أيضا من غير جلوس، لأن المتابعة واجبة فلا يشتغل عنها بسنة) إلى آخره
وإن كان هو لا يخلو من نظر.
ودعوى أن المتابعة لا يقدح فيها إلا السبق يدفعها - مضافا إلى العرف
والآية (1) وظاهر لفظ الاقتداء والائتمام، وقوله (صلى الله عليه وآله) (2): (فإذا
ركع فاركعوا) وإلى ما يفهم من المدارك والذخيرة والحدائق عند البحث في جواز
مفارقة المأموم الإمام لعذر وعدمه من الاجماع على ذلك، بل هو صريح الرياض هناك،
ضرورة صدق المفارقة في الفرض - ما يشعر به المعتبرة المستفيضة الدالة على ترك المأموم
القراءة عند ركوع الإمام، منها ما مر (3) في المبحث السابق، إذ هي وإن كانت واردة
في الائتمام بمن لا يقتدى به إلا أنه من المعلوم إرادة إظهار مراعاة أحكام الجماعة حقيقة
كما هو واضح، ومنها صحيح معاوية (4) عن الصادق (عليه السلام) (في الرجل يدرك

(1) سورة البقرة الآية 40
(2) كنز العمال ج 4 ص 250 الرقم 5224
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5
204

آخر صلاة الإمام وهو أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر
صلاته، قال: نعم) لكن قد يناقش بأنه ظاهر في الركوع الأول المتوقف انعقاد
الجماعة عليه، وهو خارج عن محل البحث، ويمكن دفعها بالتأمل، ومنها صحيح زرارة (1)
عن الباقر (عليه السلام) في المسبوق أيضا، قال فيه: (إن أدرك من الظهر أو العصر
أو العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم
الكتاب وسورة، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب) الحديث، وعن
الفقه الرضوي (2) (فإن سبقك الإمام بركعة أو ركعتين فاقرأ في الركعتين الأولتين
من صلاتك الحمد وسورة، فإن لم تلحق السورة أجزأك الحمد) وعن دعائم الاسلام (3)
عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) (إذا أدركت الإمام وقد صلى ركعتين فاجعل
ما أدركت معه أول صلاتك، فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب وسورة إن أمهلك الإمام
أو ما أدركت أن تقرأ).
إذ من الواضح أن ذلك كله في جميعها محافظة على إدراك ركوع الإمام، واحتمال
إرادة الرخصة منها لا العزيمة بعيد، كيف وهي ظاهرة في أن قراءة السورة ليست من
الأعذار المسوغة تفويت المتابعة، بل قد يظهر من الأخير أن إتمام الفاتحة كذلك أيضا
فلا يندرج حينئذ في المحكي عن إرشاد الجعفرية من أنه لا خلاف في الصحة إذا تخلف
عن الإمام بركن أو ركنين لعذر، والظاهر إرادته عدم الإثم في التأخير أيضا، وإلا
فنفس صحة الصلاة والاقتداء وإن أثم تحصل بالتأخير العمدي من غير عذر أيضا،
ضرورة كونه من المتابعة التي ستعرف تعبدية وجوبها لا شرطيته لا في الصلاة ولا في

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
(2) فقه الرضا عليه السلام ص 14
(3) المستدرك الباب 38 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
205

الائتمام، ولذا أطلق في المنتهى والموجز على ما حكي عنهما أنه إن تخلف بركن كامل لم
تبطل، بل في الثاني منهما التصريح بالجواز وإن كانت المتابعة أفضل، بل قال في الذكرى
ما نصه: (ولو سبق الإمام المأموم بعد انعقاد صلاته أتى بما وجب عليه والتحقق بالإمام
سواء فعل ذلك عمدا أو سهوا أو لعذر، وقد مر مثله في الجمعة، ولا يتحقق فوات
القدوة بفوات ركن ولا أكثر عندنا) وفي التذكرة توقف في بطلان القدوة بالتأخير
بركن، والمروي بقاء القدوة رواه عبد الرحمان (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) فيمن
لم يركع ساهيا حتى انحط الإمام للسجود يركع ويلحق به، وهو جيد إلا أنه أنكر في
الحدائق بعد أن حكى عن الشهيد ما سمعت عليه ذلك، وكأنه فهم منه جواز ذلك
للمأموم بمعنى عدم الإثم عليه، فأخذ يستنهض الأخبار السابقة على خلافه، وفيه أنه
لا دلالة في كلامه على ما فهم منه من الجواز المزبور الذي هو صريح الموجز أو كصريحه
بل أقصاه بقاء القدوة، فيكون كفوات المتابعة بالسبق.
ودعوى ظهور الأخبار المزبورة في فوات القدوة ممنوعة على مدعيها كما لا يخفى
على من لاحظها مع التأمل، فما في الحدائق من بطلان الاقتداء بفوات الركن ضعيف
جدا، خصوصا إن أراد ما يشمل العذر من السهو، وعدم التمكن من الركوع والسجود
لشدة الازدحام، ضرورة مخالفة الأول لخبر عبد الرحمن المزبور، والثاني لما ورد (2)
في الجمعة فيمن زوحم عن الركوع والسجود، اللهم إلا أن يفرق بين الجمعة باعتبار
وجوب الجماعة فيها وبين غيرها مما لا يجب فيه ذلك، بل المتجه فيه حينئذ إما نية الانفراد
بناء على اعتبارها، أو القول بصيرورته منفردا قهرا، أو يحكم عليه باستئناف الصلاة،
لكنه كما ترى ضعيف، والأقوى مساواة حكم المتابعة بالتأخر لحكمها بالتقدم، ضرورة
كونهما من واد واحد.

(1) الوسائل الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 17 - من أبواب صلاة الجمعة
206

نعم قد يتوقف في بقاء القدوة بالسبق أو التأخر إذا تفاحش بحيث سلب معهما
صورة الجماعة والاقتداء، كما لو تأخر عنه في أفعال كثيرة أو سبقه كذلك، وإن
أطلق في الذكرى عدم فوات الاقتداء بفوات الأكثر، بل قد تشعر عبارته بدعوى
الاجماع عليه، إلا أن الأولى ما سمعت، ولعله يرجع إليه ما في كشف الالتباس من
الحكم ببطلان الاقتداء مع التأخر بركنين لغير عذر بناء منه على فوات الصورة بذلك.
هذا كله في الأفعال أما الأقوال فلا ريب بل ولا خلاف على الظاهر في وجوبها
في تكبيرة الاحرام كما اعترف به في الذخيرة والكفاية، بل في الروض والحدائق
والرياض الاجماع عليه، ضرورة عدم صدق الاقتداء بمصل مع فرض سبق المأموم بها،
بل وعدم تحقق الجماعة المحفوظة عند المسلمين خلفا عن سلف ويدا عن يد، لا أقل من
الشك في تناول الاطلاقات لمثل ذلك، بل لا يبعد إلحاق المقارنة بالسبق في الفساد هنا
وإن لم نقل به في الأفعال وفاقا للمدارك والذخيرة وغيرهما، بل ظاهر الرياض نسبته
إلى فتوى أصحابنا، اقتصارا في العبادة التوقيفية على المعهود المتيقن في البراءة، خصوصا
بعد ملاحظة النبوي (1) المتقدم سابقا بناء على ظهوره في التأخر، كخبر أبي سعيد
الخدري (2) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المروي عن المجالس مسندا إليه (إذا
قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم وأقيموها وسووا الفرج، وإذا قال إمامكم: الله أكبر
فقولوا: الله أكبر، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد) وحملا
للمعية في صحيح قرب الإسناد السابق على نفي التقدم (3) خاصة، أو على غيره مما تقدم

(1) كنز العمال ج 4 ص 250 الرقم 5224
(2) الوسائل الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6
(3) وفي النسخة الأصلية " في صحيح الدعائم السابق على التقدم " والصحيح ما أثبتناه
لعدم التعبير عن الدعائم بالصحيح مضافا إلى عدم روايته عن موسى بن جعفر (ع) وأما
إضافة لفظة " نفى " فوجهه واضح
207

أو على التقية، لأنه المحكي عن أبي حنيفة، خصوصا والمروي عنه فيه موسى بن جعفر
(عليهما السلام) المعروف حاله في زمانه، واستظهارا من الأدلة انحصار الاقتداء بالمصلي
الذي يمكن منع تحققه إلا بعد انتهاء التكبير الذي جعله الشارع افتتاح الصلاة مقابل
اختتامها بالتسليم، واحتمال حصول الصدق بمجرد الشروع فيه لأنه جزء من الصلاة
قطعا فجزؤه جزء منها وإن كان تحريم القطع ونحوه مراعى بالاتمام يدفعه إمكان منع صدق
الاقتداء بالمصلي عرفا قبل الاتمام، وإن صدق عليه أنه شرع في الصلاة بمجرد الشروع
فيه، على أنه لا أقل من عدم انصراف الاطلاق إليه، على أنه يقتضي عدم صحة المقارنة
بأول حرف منه أيضا، ضرورة ظهور السبق في تحقق وصف الصلاة بالمقتدى به لا المقارنة
بل قد يدعى أيضا عدم جواز سبقه باتمام التكبير وإن تأخر عنه في ابتداء، لصدق
السبق بها حينئذ عليه الذي قد عرفت انعقاد الاجماع على عدم الصحة معه.
فلا ريب أن الأحوط بل الأقوى وجوب المتابعة فيها بمعنى عدم شروع المأموم
فيها إلا بعد فراغ الإمام منها، خلافا لما تشعر به بعض العبارات من جواز المقارنة فيها
بل حكاه في الذكرى قولا، بل في مفتاح الكرامة نقله عن الشيخ في أوائل كتاب
الصلاة من المبسوط، بل في التذكرة وعن نهاية الإحكام الاشكال فيه مشعرا بالتردد فيه.
وأما غيرها من الأقوال فيقوى في النظر عدم وجوب المتابعة فيها، فله السبق
حينئذ فضلا عن المقارنة وفاقا لصريح بعضهم، وظاهر آخرين، بل في المفاتيح والرياض
نسبته إلى الأكثر، بل في الحدائق الظاهر أنه المشهور، ولعلهم أخذوه من اقتصارهم
على ذكر المتابعة في غير الأقوال، وإلا فعن الفاضل الشيخ إبراهيم البحراني في إيضاح
النافع أني لم أقف فيه على نص ولا فتوى من القدماء، بل يمكن إرادة ما يعم الأقوال
من الأفعال المذكور فيها المتابعة في كلام الأصحاب، قلت: بل قد يدعى أنه ظاهر
208

الكتاب والنافع والقواعد والتحرير والموجز حيث أطلق فيها المتابعة من غير ذكر الأقوال
والأفعال، كما عن اللمعة والنفلية والهلالية والغرية وغيرها، بل هو معقد إجماع أهل
العلم في المنتهى وإن كان تفريع المصنف وغيره السبق في الركوع والسجود عليها قد يومي
إلى إرادة الأفعال منها، بل صرح في الدروس والبيان وكشف الالتباس بوجوبها فيها
أيضا كما عن الجعفرية وإرشادها والميسية.
لكن ومع ذلك فالأقوى ما عرفت للأصل وإطلاقات الجماعة وما تسمعه من
أخبار التسليم (1) والسيرة وفحوى عدم وجوب الاسماع على الإمام والاستماع على
على المأموم، كفحوى عدم وجوب قراءته خصوص ما يفعله الإمام في الركعتين الأخيرتين
وفي ذكر الركوع والسجود وغيرهما حتى القنوت، إذ في الروض أن المتابعة كما تستحب
أو تجب في الأقوال الواجبة فكذا في المستحبة، وهو صريح في اندراجها في البحث،
والعسر والمشقة وتأديته إلى فوات الاقتداء في بعض الأحوال، وما يشعر به ما ذكر
في النص (2) والفتوى من تسبيح المأموم أو إبقاء آية حتى يركع لو فرغ من القراءة
قبل الإمام، وإمكان المناقشة ببعض ذلك بأن من قال بوجوب المتابعة فيها يقيده بالسماع
مع أنه له أن يقول في صورة عدمه أيضا بوجوب ترك القول عليه إذا علم عدم قول الإمام
أو بوجوب التأخير ما دام لم يظن قوله كما ترى تحكم من غير حاكم، وإلزام بدون ملزم.
ومن الأقوال التسليم، فيجرى فيه البحث كما هو قضية عموم الأقوال في الفتاوى
واحتمال اختصاصه بعدم جواز السبق فيه وإن قلنا بالجواز في غيره مراعاة لعدم خروج
المأموم عن الصلاة قبل خروج الإمام كما يومي إليه ما عن جماعة من تقييد جواز تسليمه
بالعذر أو بقصد الانفراد يدفعه - مع ابتنائه على وجوب المتابعة في الأقوال كما في

(1) الوسائل الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 35 من أبواب صلاة الجماعة
209

الروض نسبته إلى أهل هذا القول، أو احتمال أن ذلك ليس من حيث المتابعة المبحوث
فيها - ظاهر صحيح الحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام) (في الرجل يكون خلف
الإمام فيطيل الإمام التشهد، فقال: يسلم من خلفه ويمضي لحاجته إن أحب) إذ لا
ظهور فيه بحصول عذر يقضي بجواز ترك الواجب، بل هو ظاهر في عدمه، كما أنه لا
ظهور فيه بوجوب قصد الانفراد قبل سبقه، وصحيح أبي المعزا (2) عنه (عليه السلام)
أيضا المعمول به بين الأصحاب كما في الروض (في الرجل يصلي خلف إمام فسلم قبل
الإمام، قال: ليس بذلك بأس) وصحيحه الآخر (3) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يكون خلف الإمام فيسهو فيسلم قبل أن يسلم الإمام، قال: لا بأس) إذ لو
أن المتابعة واجبة لوجب عليه تكرار السلام مع الإمام كالأفعال على ما ستعرف، بل
من هذه الأخبار يستفاد قوة القول بعدم وجوب المتابعة في باقي الأقوال زيادة على ما
سمعت، ضرورة مساواتها له أو أولويتها، بل في الروض لا قائل بالفرق بينه وبينها.
وكيف كان فوجوب المتابعة فيها من حيث كونها متابعة تعبدي لا شرطي لا في
الصلاة ولا في إبقاء أحكام الجماعة كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل
عليه عامة المتأخرين كما اعترف به في الذكرى وعن إيضاح النافع والنجيبية، بل في
المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه كظاهر التذكرة وعن نهاية
الإحكام ومجمع البرهان وإرشاد الجعفرية وغيرها، ولعله كذلك، لاتفاق ما وصل
إلينا من فتاوى أساطين الأصحاب عليه من غير خلاف أجده فيه بينهم، وإن حكاه
بعضهم عن ظاهر قول الصدوق لا صلاة له، وظاهر قوله في المبسوط: ومن فارق الإمام
لغير عذر بطلت صلاته.
لكن فيه أن الظاهر إرادة الأول فوات فضيلة الجماعة رأسا على ما سمعته سابقا

(1) الوسائل الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 3 - 4 - 5
(2) الوسائل الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 3 - 4 - 5
(3) الوسائل الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 3 - 4 - 5
210

منه ومن الشهيد الثاني كما يومي إليه ما ذكره في المقارنة بعده بلا فاصل، قال على ما حكي
عنه إن من المأمومين من لا صلاة له، وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده
ورفعه، ومنهم من له صلاة واحدة وهو المقارن له في ذلك، ومنهم من له أربع وعشرون
ركعة، وهو الذي يتبع الإمام في كل شئ ويركع بعده ويسجد بعده ويرفع منهما
بعده، فتأمل.
والثاني المفارقة الانفرادية لا ما نحن فيه، وإلا فالمحكي عن نسختين صحيحتين
منه أنه قال: (وينبغي أن لا يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، فإن رفع ناسيا عاد
إليه ليكون رفعه مع رفع الإمام، وكذلك القول في السجود، وإن فعل ذلك معتمدا
لم يجز له العود إليه أصلا، بل يقف حتى يلحقه الإمام) ونحوه في السرائر، وهو صريح
في موافقة الأصحاب، فتأمل جماعة من متأخري المتأخرين حتى الفاضل في الرياض تبعا
للمحكي عن جده في شرح المفاتيح في ذلك في الجملة في غير محله، ضرورة أن العمدة في
إثبات أصل وجوبها كما عرفت الاجماع، وأقصى الثابت منه بقرينة اتفاقهم هنا التعبدي
وإلا فلا نص فيها بالخصوص كي يظهر من إطلاق اعتبارها فيه الشرطية على نحو غيرها
من الشرائط، مضافا إلى فحوى المعتبرة (1) المستفيضة الآتية التي أمر فيها بالرجوع
إلى الإمام أو النهي عنه، إذ لا يتصور إلا بعد إحراز بقاء الصحة مع المخالفة، بل فهم
الأصحاب خصوص العمد من موثق غياث بن إبراهيم كما ستعرف، بل خبر ابن فضال
صريح فيه، بناء على عدم إرادة العلم من الظن فيه، وعلى عدم الاكتفاء في امتثال
خطاب المتابعة المتوقف على العلم بفعل الإمام لا الظن، فتأمل.
بل ينبغي القطع بذلك لو كان الترك لعذر كشدة تضايق الصف بحيث لا يتمكن

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة
211

من الركوع والسجود معهم ونحوه بملاحظة أخبار الجمعة (1) بناء على عدم الفرق بين
كيفية الجماعتين، بل قد يستفاد منها زيادة على ما سمعت إلحاق الناسي ونحوه، لأنه من
الأعذار أيضا، ودعوى أن التأمل في صورة العمد خاصة لعدم الاتيان بالمأمور به على
وجهه ولاقتضاء النهي الفساد في العبادة اقتضاء عقليا لا يمكن معارضته بدليل يدفعها أن
كونه وجها موقوف على شرطيته التي هي محل البحث، وأن اقتضاء النهي الفساد عقلا
فيما إذا تعلق بالعبادة نفسها أو جزئها مثلا لا في أمر خارجي عنها كمحل البحث، إذ
السبق أو التأخر أمران خارجان عن مسمى الركوع قطعا، فلا قبح ولا منع في العقل
لو صرح الشارع بوجوب مثلهما تعبدا لا مدخلية له في صحة الصلاة كما هو واضح، بل
اعترف به بعض الخصوم، إلا أنه تأمل فيما يثبته من الأدلة، وقد عرفتها وعرفت
الفرق بين المتابعة وغيرها مما ذكروا اعتباره في الجماعة من التقدم في الموقف والعلو
والحائل ونحوها، وأن الفساد هناك نشأ من جهة أنه ظاهر الأدلة التي دلت على اعتبارها
في الجماعة، بل في بعضها أنه لا صلاة له بخلافها، بل لعل الأمر فيها بالعكس كما لا يخفى.
وعلى كل حال (فلو رفع المأموم رأسه عامدا استمر) كما في المبسوط والسرائر
والنافع والمنتهى والتحرير والذكرى، وكذا الدروس والبيان وحاشية الإرشاد للمحقق
الثاني، بل عن سائر كتبه وكتب الشهيدين والنهاية وإيضاح النافع والميسية وغيرها،
بل هو المشهور نقلا وتحصيلا، بل في الذكرى ما يقتضي نسبته إلى المتأخرين، بل في
المدارك أنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه خلافا، كما أن في ظاهر التذكرة وعن نهاية
الإحكام ما يشعر بنسبته إليهم أيضا، ولعله كذلك، إذ لا أجد فيه خلافا صريحا
معتدا به سوى ما يحكى عن مقنعة المفيد (من صلى مع إمام يأتم به فرفع رأسه قبل
الإمام فليعد إلى الركوع حتى يرفع رأسه معه، وكذلك إذا رفع رأسه من السجود

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة
212

ليكون ارتفاعه عنه مع الإمام) مع أنه لا صراحة فيه، لاحتمال إرادته السهو خاصة،
بل في مفتاح الكرامة ليس له فيما عندنا من نسخ المقنعة عين ولا أثر، ولعلهم توهموا
ذلك مما أصله في التهذيب، فظنوا أن ذلك كلام المفيد، وليس كذلك قطعا، وإنما
هو من كلام الشيخ، وما دروا أن الشيخ أولا قصد شرح المقنعة ثم رأى أنه أهمل فيها
كثيرا من المباحث المهمة فأصل لنفسه، ثم عدل عن ذلك كله، وأن ذلك لواضح.
وأول من توهم ذلك صاحب المدارك واقتفاه الخراساني والكاشاني، ومع
الاغضاء عن ذلك فهو ضعيف في نفسه وإن وافقه عليه الكاشاني أولا ثم استصوب
استحباب الإعادة، بل قربه الخراساني أيضا في الكفاية في الرفع من السجود، ولم
يستبعد التخيير في الركوع، كالمحدث البحراني تردد في وجوب الإعادة واستحبابها بعد
أن جزم بخلاف ما عليه الأصحاب من وجوب الاستمرار، بل يشهد له ترك الاستفصال
في صحيح الفضيل (1) سأل أبا عبد الله (عليه السلام) (عن رجل صلى مع إمام يأتم به
ثم رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: فليسجد)
وصحيح ابن يقطين (2) الذي هو كخبر الأشعري (3) سأل أبا الحسن (عليه السلام)
(عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الإمام، قال: يعيد ركوعه
معه) بل قد يستفاد من موثق ابن فضال (4) الآتي خصوصا بناء على إرادة الراجح
من الظن فيه، وعدم الاجتزاء به في امتثال خطاب المتابعة، فتأمل، وموثق محمد بن
علي بن فضال (5) قال لأبي الحسن (عليه السلام) أيضا: (أسجد مع الإمام وأرفع
رأسي قبله أعيد، قال: أعد واسجد).
لكن بملاحظة ظهور اتفاق الأصحاب - الذين من أيديهم خرجت هذه الأخبار

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 5
(2) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 5
(3) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 5
(4) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 5
(5) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 2 - 4 - 5
213

وهم أعرف من غيرهم بها، وما دل (1) على البطلان بزيادة الركن، بل ومطلق الزيادة
في الصلاة عمدا، وتعارف عدم تعمد السبق وقصده في الجماعة، خصوصا بعد حرمته
شرعا التي يبعد من المسلم الآتي لتحصيل فضيلة الجماعة واستحبابها ارتكابها - يجب تنزيلها
على غير صورة العمد إلى مخالفة الإمام بسبقه، بل لعل ذلك مع وجوب حمل فعل المسلم
خصوصا مثل ابن فضال على غير المحرم هو الداعي إلى ترك الاستفصال في السؤال، لا
إرادة التعميم في المقال سيما مع ملاحظة سؤال ابن فضال في الموثق الآخر (2) لأبي الحسن
(عليه السلام) (أيضا كتب إليه (في الرجل كان خلف إمام يأتم به فيركع قبل أن يركع
الإمام وهو يظن أن الإمام قد ركع فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد ركوعه مع الإمام
أيفسد ذلك عليه صلاته أم يجوز تلك الركعة؟ فكتب يتم صلاته ولا تفسد صلاته بما
صنع) إذ لعله منه يقوى في الظن إرادته بل وغيره من السؤال عن الرفع ونحوه ما لا
يشمل العمد للسبق بل كان لسهو أو تخيل فعل الإمام ونحو ذلك، وملاحظة النهي في
موثق غياث بن إبراهيم (3) قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) (عن الرجل رفع
رأسه من الركوع قبل الإمام أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه معه؟ قال: لا)
المتجه بسببه الجمع بينه وبين الأخبار السابقة بما عليه الأصحاب من تنزيله على العمد،
والأولى على غيره، إذ هو أولى من الطرح قطعا، ومن حمله على رفع الوجوب والأولى
على الندب أو الجواز، أو على كون الإمام ممن لا يقتدى به، إذ الحكم فيه أنه لا يجوز
العود إليه قطعا، كما أنه صرح به غير واحد، لأنه بحكم المنفرد عنه، أو على التفصيل
بين الركوع والسجود، فيرجع في الثاني دون الأول، لاستلزامه زيادة الركن دونه،

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الركوع والباب 19 من أبواب الخلل الواقع
في الصلاة الحديث 2
(2) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 6
(3) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 6
214

بل الأخير مع أنه كاد يكون خرق الاجماع المركب لا يتجه في مثل صحيح ابن يقطين
السابق وخبر الأشعري، إلا أن يحملا على ما عليه الأصحاب من اغتفار ذلك سهوا
وهو رجوع إلى ما فر منه، على أنه مع ذلك كله يمكن دعوى إشعار الموثق المزبور
بالعمد لا لظهور قوله: (رفع) فيه بالقصد، إذ هو كالأفعال في الأخبار السابقة
المحمولة عند الأصحاب على السهو، والقصد أعم من العمد المراد منه هنا قصد سبق
الإمام بذلك لا مطلق القصد إلى الرفع الذي يمكن مجامعته للسهو عن الجماعة ونحوه،
بل لايماء قوله فيه: (أبطأ الإمام) إلى أن رفعه ذلك كان لتخيله قرب لحوق الإمام
به، وإلى أنه لم يمكث مع الإمام زمانا معتدا به، ولذا أبطأ عليه، ولغير ذلك، لا أقل
من أن يكون شهرة الأصحاب أو اتفاقهم شاهدا على الجمع المزبور، ضرورة عدم
حصول الظن معهما بإرادة صورة العمد من إطلاق الأخبار الأول ولا صورة السهو من
الموثق المزبور، فيبقى كل منهما حجة في كل منهما.
(و) يتضح حينئذ وجه ما ذكره المصنف من أنه (لو كان) ذلك الرفع من
الركوع والسجود (ناسيا) للمأمومية (أعاد) كما في جميع الكتب السابقة في صورة العمد
للأخبار السابقة، وأولويته من ظن الركوع أو مساواته له، وبقاء خطاب المتابعة،
وغير ذلك مما يستفاد مما قدمنا حتى ما سمعته أولا من إمكان الاستئناس له بأخبار
جماعة الجمعة الدالة على اغتفار ترك المتابعة لعذر كالضيق ونحوه، ضرورة أنه من
الأعذار أيضا، بل في بعضها (1) التصريح بأنه لا بأس بترك الركوع مع الإمام سهوا
فيركع ثم يلحق به، بل في آخر (2) التصريح بعدم البأس في الجملة بزيادة السجدتين
فيمن لم يتمكن من السجود خاصة في الركعة الأولى، ولما قام الإمام للثانية بقي قائما معه
فلما ركع الإمام لم يستطع أن يركع هو معه لكنه سجد معه، قال الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 4 - 2
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 4 - 2
215

(فإن كان نوى بالسجدتين أنهما للأولى قام وجاء بركعة ثانية وتمت صلاته، وإن لم
ينو أنهما للأولى أو الثانية لم يكونا لأحدهما، فيجئ بسجدتين جديدتين للأولى،
ويقوم ويأتي بركعة ثانية وتمت صلاته) إذ هو صريح في اغتفار زيادة السجدتين اللتين
هما ركن هنا للعذر، مضافا إلى ما سمعته من الأخبار السابقة، فالتفصيل حينئذ بين رفع
الرأس في الركوع وبينه في السجود لاستلزام الأول زيادة ركن بخلاف الثاني اجتهاد
في مقابلة النص والفتوى، على أنه قد يستلزم زيادة الركن في السجود أيضا لو فرض
سبقة بالرفع في السجدتين.
ثم من المعلوم أن ظاهر الكتاب والأصحاب والنصوص كما عرفت واعترف به
غير واحد وجوب الاستمرار في الأولى والإعادة في الثانية، لكن في التذكرة وعن
نهاية الإحكام عدم وجوب العود في الأخيرة، وكأنه مال إليه في المدارك، ولا ريب
في ضعفه بعد ما سمعت من تلك الأدلة المعتضدة بما عرفت السالمة عن المعارض بعد تنزيل
موثق النهي (1) على صورة العمد، فلو ترك الاستمرار في الأول بطلت صلاته للنهي
في الموثق المزبور بعد ضميمة عدم القول بالفصل بين الركوع وغيره، لاستلزامه الزيادة
عمدا في الصلاة التي لم يثبت اغتفارها هنا، خصوصا لو كانت ركنا، بخلاف الإعادة في
الثانية وإن استظهره في المدارك أيضا، لكن الأقوى خلافه، لصيرورته حينئذ كالعامد
التارك للمتابعة، كما في الدروس والبيان والموجز وعن الجعفرية وشرحيها وفوائد الشرائع
وتعليق النافع والفوائد الملية، فيأتم ولا تبطل صلاته كما صرح به في الهلالية والميسية
والروضة على ما قيل، اللهم إلا أن يدعى الفرق بينهما بظهور الأمر في النصوص هنا
بالشرطية وتوقف الصحة عليه، بخلاف ترك المتابعة عمدا، وبأنه لما كان رفعه نسيانا

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6
216

لم يكن هو الرفع المطلوب منه فيحتاج إلى الإعادة كي يحصل له الرفع المطلوب الذي هو مع
الإمام، وإن كان ضعف الثاني واضحا بمنع عدم كونه المطلوب بعد أن عرفت تعبدية
وجوب المتابعة، ولذا لو أراد الناسي العود فرفع الإمام رأسه سقط العود على الأقرب
كما في البيان، واستجوده في كشف الالتباس، ومثله لو نسيه أيضا، بل وقد يناقش
في الأول أيضا بتبادر إرادة المتابعة من هذه الأوامر، وقد عرفت تعبديتها.
لكن ومع ذلك فالأحوط إعادة الصلاة خصوصا في الوقت، بل اقتصر في
الكفاية والذخيرة على الجزم به، ونظر في القضاء، وظان الرفع من الإمام كالناسي في
الأحكام كما في الدروس والبيان وعن غيرهما ممن تأخر عنهما، للموثق المزبور بضميمة
عدم القول بالفصل، لكن قد يناقش بعد التسليم باحتمال إرادة العلم هنا، فتأمل.
هذا كله في السبق في الرفع من حيث كونه رفعا، أما إذا كان قد رفع رأسه
عمدا قبل أن يذكر الذكر الواجب بطلت صلاته لا للسبق بل لتعمد تركه الذكر، وهو
أمر غير ما نحن فيه، فما في التذكرة والموجز وعن نهاية الإحكام والهلالية - من التصريح
هنا بأنه لو سبق إلى رفع من ركوع أو سجود فإن كان بعد فعله ما يجب من الذكر استمر
وإن كان لم يفرغ إمامه منه، وإن كان قبله بطلت وإن كان قد فرغ إمامه - لا مدخلية
له في محل البحث.
أما لو كان ناسيا فلا ريب في عدم البطلان، لكن لو عاد إليهما تحصيلا للمتابعة
ففي وجوب الذكر عليه لرجوعه إلى محله وتنزيل تثنية الركوعين منزلة ركوع واحد بقرينة
قوله عليه السلام (1): (يعود ويرجع) وعدمه لخروجه عنه، وحصول ركوع الصلاة الذي
كان يجب الذكر فيه، ولذا لا يجب عليه فعله لو صادف الإمام رافعا، ومنع كونهما ركوعا
واحدا شرعا، إذا اغتفار الزيادة أعم من ذلك؟ وجهان أو قولان، أحوطهما الأول،

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 وفيه " أيعود فيركع "
217

وأقواهما الثاني.
(وكذا) الحكم (لو أهوى) المأموم (إلى ركوع أو سجود) قبل إمامه،
فيستمر مع العمد وإن أتم كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل عليه عامة
المتأخرين كما اعترف به في الذكرى، بل في التذكرة وغيرها نسبته إلى الأصحاب مشعرا
بدعوى الاجماع عليه، ولعله كذلك، إذ لا خلاف أجده فيه إلا من بعض متأخري
المتأخرين، فتردد في صحة الصلاة معه أو جزم بالعدم نحو تردده أو جزمه فيما سبق،
وربما حكي عن المبسوط، وهو وهم لما سمعته من عبارته، واستشعر أيضا من عبارة
الصدوق المتقدمة، لكنه على كل حال ضعيف جدا، لما عرفت من تعبدية المتابعة لا
شرطيتها، كضعف احتمال وجوب الرجوع عليه لاطلاق الأخبار السابقة في الرفع بناء
على عدم القول بالفصل بينه وبين الركوع، إذ قد عرفت تنزيله على صورة النسيان جمعا
بينه وبين الموثق السابق، فقضية عدم القول بالفصل وجوب الاستمرار عليه كما في الرفع
المشترك مع ما نحن فيه ببعض الأدلة السابقة من استلزام زيادة الركن التي لم يثبت
اغتفارها هنا، أو زيادة غيره كذلك بناء على إفساد مطلق الزيادة في الصلاة.
نعم قيد الصحة في التذكرة مع السبق إلى الركوع بعد أن اعترف باطلاق
الأصحاب كالمتن والمبسوط والسرائر وغيرها بما لم يكن قبل فراغ الإمام من القراءة،
وإلا فسدت الصلاة، وتبعه الشهيد في الذكرى والدروس والحواشي المنسوبة إليه
وأبو العباس في الموجز وغيرهما، بل والمحقق الثاني على ما حكي عنه وعن شيخه ابن هلال
وتلميذيه شارحي الجعفرية، بل في المدارك بطلت قطعا، بل في الذكرى وإن كان قد
قرأ المأموم في صورة يستحب له ذلك بناء على عدم إجزاء الندب عن الفرض، وهو
جيد إن لم يثبت ضمان الإمام لها على جميع أحوال المأموم، كما لعله الظاهر من إطلاق
الأدلة والفتاوى في المقام وغيره، فلا يعتبر حينئذ في المأموم ما يعتبر في القارئ حال
218

القراءة من الطمأنينة والانتصاب ونحوهما، بل قد يومي إليه زيادة على ذلك إئتمامه في أثناء
القراءة أو بعدها مع اكتفائه بقراءة الإمام، بل وظاهر اتفاقهم في صورة السبق سهوا
على عدم وجوب القراءة عليه بعد رجوعه إلى الإمام إذا كان قد ركع في أثنائها، على أنه
يجب تقييد ما ذكروه بما إذا لم يكن ذلك غفلة عن القراءة وإن كان هو قد تعمد السبق
كما في الدروس، إذ لا منافاة بين تعمده ذلك وغفلته عنها، فيكون حينئذ كترك الطمأنينة
حال قراءة الإمام غافلا الذي لا يقدح في ضمان الإمام عنه، ضرورة مساواة الانتصاب
الفائت بسبب الركوع لها، وإن كان هو في الأول يجب الرجوع إليها إذا تنبه، لتمكنه
منها، بخلافه في الثاني، لاستلزامه زيادة ركن وخروجه عن محل تدارك المنسي، فتأمل
جيدا، ولتمام البحث في ذلك كله مقام آخر لكنه على كل حال هو غير ما نحن فيه،
إذ الفساد هنا بترك القراءة أو ما في حكمها عمدا لا المتابعة.
ويرجع إلى متابعة الإمام مع السهو كما هو المشهور بين الأصحاب أيضا نقلا
وتحصيلا، بل لا أجد خلافا معتدا به في عدم الفرق بينه وبين الرفع الذي عرفت حكمه
والدليل عليه فيما مضى سوى ما في المنتهى فاستوجه الاستمرار هنا مع أنه رجع عنه في
آخر كلامه، وقوى العود أيضا، وسوى ما وقع لبعض متأخري المتأخرين من التفصيل
بين الركوع والسجود، فيرجع في الأول، وتفسد الصلاة أو يستمر في الثاني، والأقوى
الأول لبعض ما سمعته في الرفع، بل جميعه بناء على عدم الفصل كما هو ظاهر الأصحاب
نقلا وتحصيلا، ولذا ذكر بعضهم حكم السبق في الرفع دون الركوع والسجود، وآخر
بالعكس، وثالث الأمرين معا مفصلا فيهما بالعمد والسهو مع خلو الأخبار عنه في
الركوع والسجود، وللموثق (1) (كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في رجل
كان خلف إمام يأتم به فيركع قبل أن يركع الإمام وهو يظن أن الإمام قد ركع،

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
219

فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الإمام أيفسد ذلك عليه صلاته أم يجوز
تلك الركعة؟ فكتب يتم صلاته ولا يفسد بما صنع صلاته) بناء على مساواة النسيان له
أو أولويته منه كما هو كذلك هنا قطعا، فتغتفر حينئذ زيادة الركوع فضلا عن غيره،
ولكن الاحتياط بإعادة الصلاة في سائر الصور الغير المنصوصة لا ينبغي تركه.
ولو لم يرجع أو يستمر ففي صحة الصلاة وعدمها البحث السابق، نعم قد يقيد
هنا القول بالصحة مع عدم الرجوع عن الركوع الذي سبق الإمام فيه سهوا بما إذا لم يكن
الإمام في حال القراءة، وإلا بطلت الصلاة كما عن الغرية وفوائد الشرائع التصريح به
إذ هو حينئذ كالركوع عمدا قبل فراغ الإمام من القراءة، وفيه أنه لا عبرة بهذا
الانتصاب للقراءة بعد فرض صحة ركوعه، وأنه الركوع الصلاتي، وأنه وجب عليه
آخر للمتابعة، ضرورة أنه المعتبر فيها الانتصاب قبل الركوع لا بعده، فليس حينئذ
في تركه الرجوع إلا ترك المتابعة التي عرفت تعبديتها لا شرطيتها، ودعوى أن الركوع
الصلاتي الحاصل مع الإمام لا ما قبله وإن كان هو مغتفرا مصادرة، بل قد يومي الاجتزاء
به في صورة العمد إلى خلافها، إذ لا فرق بينهما إلا بالإثم وعدمه.
ومنه ينقدح حينئذ بطلان الصلاة لو أنه أراد الرجوع إلى الإمام بعد وصوله
إلى حد الركوع وقبل الذكر، لما فيه من ترك الواجب في محله، اللهم إلا أن يدعى جعل
الشارع للركوعين بمنزلة ركوع واحد، فلا بأس بتأخير الذكر للثاني، وفيه بحث أو منع
كالبحث أو المنع في إيجاب الذكر في الثاني بعد ما عرفت من أن وجوبه للمتابعة التي
لا تقتضي وجوب الذكر، وإلا فركوع الصلاة قد حصل بالأول من غير فرق بين
حصول الذكر في الأول أو نسيانه، بل وكذلك غير الذكر مما لا تقتضيه المتابعة لو كان
من الطمأنينة وغيرها، فتأمل جيدا، فإن المسألة غير محررة مع أنها كثيرة النفع جدا،
إذ مما يتفرع عليها أيضا وجوب الركوع عليه لو نوى الانفراد بعد رجوعه منه وقبل
220

ركوعه مع الإمام، وغير ذلك، واحتمال احتسابه ركوعا صلاتيا تارة وزائدا أخرى
لا دليل عليه في كلامهم.
هذا كله في الرجوع، أما الاستمرار في صورة العمد فقد سمعت فيما سبق بطلان
الصلاة بتركه، لكن المراد أنه لو ترك الاستمرار وتابع الإمام فيما فعله، وإلا فإن لم
يستمر بأن رفع رأسه من الركوع مثلا ولم يركع مع الإمام لم تبطل صلاته، لعدم المقتضي
وإن أطلق الأصحاب وجوب الاستمرار المشعر بالبطلان مع عدمه وإن لم يتابع،
لكن بقرينة تعليلهم البطلان بالزيادة يجب تنزيله على ما ذكرنا، إذ ليس في الفرض
إلا ترك المتابعة بالرفع معه، وهو لا يقتضي البطلان وإن كان مسبوقا بترك المتابعة
بالركوع كما سمعته فيما سبق من عدم الفرق في ذلك بين الركن والركنين ما لم يخرج عن
هيئة الجماعة على إشكال فيه أيضا، لاطلاق الفتاوى، بل كاد يكون صريح بعضها،
والله أعلم.
(و) مما يعتبر في صحة الصلاة جماعة أيضا أنه (لا يجوز أن يقف المأموم قدام
الإمام) بلا خلاف أجده بين الأصحاب، بل في التذكرة والمنتهى والذكرى والمدارك
والمفاتيح وعن نهاية الإحكام والغرية وإرشاد الجعفرية وظاهر المعتبر الاجماع عليه من
غير فرق بين الابتداء والاستدامة، كما هو صريح معقد بعضها، اقتصارا في العبادة
التوقيفية على ما علم ثبوته من فعل النبي والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) والصحابة
والتابعين وتابعي التابعين وسيرة سائر فرق المسلمين في جميع الأعصار والأمصار بعد
قصور الاطلاقات المساقة لغيره عن تناول مثل ذلك، ولظهور سياق كثير من أخبار
الباب في ذلك، بل كاد يكون صريح بعضها، خصوصا بعض ما تسمعه فيها (منها خ ل)
بل هو كذلك، ولذا استدل عليه في المفاتيح بعد الاجماع بالنصوص.
فلو تقدم المأموم على الإمام بطلت صلاته كما هو صريح معقد بعض الاجماعات
221

السابقة، وظاهر آخر، لكن قد ينافيه على الظاهر ما ذكره بعد ذلك في الذكرى من
أنه لو تقدم المأموم في أثناء الصلاة متعمدا فالظاهر أنه يصير منفردا، لاخلاله بالشرط،
ويحتمل أن يراعى باستمراره أو عوده إلى موقفه، فإن عاد أعاد نية الاقتداء، ولو تقدم
غلطا أو سهوا ثم عاد إلى موقفه فالظاهر بقاء القدوة للحرج، ولو جدد نية الاقتداء هنا
كان حسنا، وكذا الحكم لو تقدمت سفينة المأموم على سفينة الإمام، فلو استصحب نية
الائتمام بعد التقدم بطلت صلاته، وقال الشيخ في الخلاف: لا تبطل لعدم الدليل، اللهم
إلا أن يريد صيرورته منفردا بالنية كما يومي إليه قوله: (أعاد نية الاقتداء) وإن كان
ربما ينافيه ذكر الاحتمال بعده، أو يقيد البطلان الذي هو معقد الاجماعات السابقة بما
لو بقي على نية الائتمام كما يومي إليه قوله أخيرا: (فلو استصحب) إلى آخره، وإلا صار
منفردا قهرا وإن لم ينو الانفراد، بل لعل ذلك هو ظاهر غيره أيضا ممن ستعرفه في
الجماعة في السفينة مع أن كلا منهما لا يخلو من نظر.
أما الأول فلظهور معاقد الاجماعات والفتاوي في تحقق البطلان لأصل الصلاة
بمجرد حصول التقدم، ضرورة لزوم مقارنته لتلبس المأموم في جزء من الصلاة، إذ
ليس في أثناء الصلاة فترة، وهو منهي عن التقدم فيه، واحتمال اختصاص الفساد به
فيتدارك غيره إن كان ممكنا أو ربما لا يكون فساده مقتضيا لفساد الصلاة كجلسة
استراحة ونحوها - جيد لولا ظهور الاجماعات السابقة أو صراحتها بتحقق الفساد متى
حصل التقدم في الصلاة، واحتمال إرادتهم شرطية ذلك في الجماعة دون الصلاة بعيد
جدا بل باطل، بناء على كون الجماعة من المقومات للصلاة كالظهرية والعصرية لا أنها
مستحب خارجي كالمسجدية ونحوها، بل لعله كذلك وإن لم نقل بالتقويم بناء على
ظهور الأدلة في أن الأمور المزبورة من التقدم والحائل ونحوهما شرائط للصلاة في حال
الجماعة، فهي حينئذ كاستقبال القبلة ونحوه وإن قلنا بكون الجماعة من الخوارج، نعم
222

الشأن في إثبات ذلك في جميع هذه الشرائط من الأدلة، نعم هو ثابت في مثل الحائل
ونحوه مما وردت النصوص به مع احتمال إرادة شرطية الجماعة منها فيه فضلا عن غيره،
إلا أن الذي يقوى في النظر إرادة شرطية الصلاة في هذا الحال، فنية الانفراد حينئذ
أي بعد حصول المانع مثلا لا تجدي، نعم لو فرض تقدمها على التقدم اتجهت الصحة.
وأما الثاني فلابتنائه على كون ذلك شرطا في الجماعة دون الصلاة، وانقلاب
المنوي إلى غير ما نوي من دون دليل، وهما معا كما ترى، بل وكذا النظر والتأمل
فيما ذكره من التقدم الغلطي والسهوي لعدم دليل عليه، بل ظاهر الأدلة من الاجماعات
وغيرها خلافه، والتعليل بالحرج من الواضح قصوره عن إثبات ذلك، ومعارضته
لغيره، ضرورة عدم تصوره في مثل المقام، على أن قضيته الصحة وإن لم يعد إلى موقفه
بأن استمر سهوه إلى الفراغ، وهو خلاف ظاهره فضلا عن ظاهر غيره من الأصحاب
ممن خرط هذا الشرط في سلك باقي الشرائط من الحائل والتباعد ونحوهما.
ثم إنه قد يظهر من المتن وما ماثله من عبارات الأصحاب كالقواعد والمنتهى
وغيرهما جواز مساواة المأموم للإمام، بل هو صريح التذكرة والذكرى والبيان وظاهر
الدروس والروض وغيرها، بل في المدارك والمفاتيح نسبته إلى الأكثر، بل في الروض
وعن المسالك وغيرها نسبته إلى الشهرة، بل في الرياض لا خلاف فيه إلا من الحلي، بل
في التذكرة الاجماع عليه، وهو الحجة بعد الأصل وصدق الجماعة وإطلاق الأمر (1)
بوقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام والإذن له بالوقوف حذاء الإمام إذا لم يجد مكانا
في الصف يقوم به، وإشعار حكم أمير المؤمنين عليه السلام (2) بصحة صلاة المختلفين في دعوى
كل منهما الإمام، ضرورة تصوره إلا مع التساوي، إذ التقدم إن حصل فهو الإمام

(1) الوسائل الباب 23 و 57 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
223

وإلا بطلت الصلاة، والأمر بقيام المرأة وسطا لو صلت جماعة في النساء في عدة من أخبار (1)
بعضها في الصلاة على الجنازة، وما ورد (2) في كيفية إمامة العاري العراة، وخبر الحسين
ابن علوان (3) عن جعفر عن أبيه عن علي (ع) قال: (الرجلان صف، فإذا كانوا
ثلاثة تقدم الإمام) وما في خبر أبي علي الحراني (4) الوارد عن الصادق (عليه السلام)
في منع الجماعة الذين دخلوا المسجد قبل أن يتفرق جميع من فيه عن الأذان، ثم قال فيه:
(إن أرادوا أن يصلوا جماعة فليقوموا في ناحية المسجد ولا يبدو بهم إمام).
إلا أنه يمكن المناقشة في الاجماع بأنا لم نعثر على مصرح بالحكم قبله، بل ولا
حكي، نعم نسب إلى ظاهر الشيخ وابن حمزة والمصنف مع أنه في مفتاح الكرامة قال:
قد يظهر من جمل العلم والعمل موافقة الحلي في المنع، فلا ظن حينئذ به، بل لعل الظن
بخلافه، وفي الأصل بأنه إن لم يكن مقتضاه العكس باعتبار التوقيفية واستصحاب شغل
الذمة ونحوهما فهو مقطوع بما ستسمع، وإطلاقات الجماعة - بعد تسليم صدق اسم الجماعة
على الفرض، لاحتمال كونها اسما للصحيح منها الذي لم يعلم كون الفرض منه - غير مساقة
لبيان ذلك كما سمعته بالنسبة إلى التقدم، وكذا إطلاق اليمين، بل هو أولى، ضرورة
مقابلته بأنه إن كان المأموم أكثر من واحد فخلفه، بل وكذا الحذاء، وفي سؤال
المتداعيين أولا بما في الذكرى من أنه لا اقتداء هنا حتى يتأخر المأموم، ومن أن تأخر
المأموم شرط في صحة صلاته لا صلاة الإمام، وثانيا بأن الإمام (عليه السلام) أراد

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة والباب 25 من أبواب صلاة
الجنازة من كتاب الطهارة
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب لباس المصلي
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 13 وهو خبر أبي البختري
(4) الوسائل الباب 65 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
224

الجواب حتى لو تداعيا التقدم أو نسياه أيضا، وبما في حاشية الوسائل من احتمال اغتفار
ذلك بالخصوص للتقية، لأنه لا بد من فرض اقتدائهما بمخالف ظاهرا، وإلا لزم الدور
فإن ركوع كل واحد منهما مثلا متوقف على ركوع الآخر وإن كان هو لا يخلو من نظر
ضرورة عدم التوقف في الإمامية، وكأنه اشتبه بالمأمومية، وفي الأمر بالوسط للامرأة
بأنه - بعد الغض عن الطعن في هذه الأخبار بما اشتملت عليه من الجماعة في النافلة،
والنهي عنها في المكتوبة، بل والنهي عن التقدم أيضا - يمكن دعوى إشعارها بعكس
المطلوب، بل ظهورها فيه من حيث اشتمالها على الاستدراك المشعر بمعروفية التقدم في
الإمامة، والنهي المعلوم وروده في مقام توهم الوجوب، وتبادر إرادة الخصوصية للنساء
بذلك كما لا يخفى على من لاحظها، على أنه لا صراحة في الوسطية بالمساواة، ضرورة
صدقها مع التقدم اليسير على من في الجانبين، بل هذا هو المراد منها قطعا عند التأمل،
وفي خبر الحسين باحتمال أو ظهور إرادة التقدم تماما منه إذا زاد المأمومون على واحد،
فيكون المراد بالصف حينئذ في الاثنين خلافه الذي لا ينافيه التقدم اليسير، وفي خبر
أبي علي بنحو ذلك من احتمال إرادة البدو تماما، بل يحتمل إرادة غير ما نحن فيه من
البدو، بل يحتمل قراءته بالراء فيه كما هو إحدى النسختين وإن كان المحكي عن نسخة
الفقيه الواو، فتأمل، وفي كيفية جماعة العراة بأن الموجود في صحيح ابن سنان (1)
(أنه يتقدم الإمام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا) وفي خبر إسحاق بن عمار (2) (يتقدمهم
إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه، ويومي إيماء) إلى آخره، وهما كما ترى واضحان في
الدلالة على خلاف ذلك.
بل منهما يستفاد أولوية الحكم في غير العراة، ضرورة لزوم (3) مراعاة التقديم

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب لباس المصلي الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب لباس المصلي الحديث 1 - 2
(3) هكذا في النسخة الأصلية ولكن حق العبارة " استلزام "
225

فيهم للتقديم في غيرهم، فيتجه حينئذ مختار الحلي من لزوم تقدم الإمام ولو بقليل، بل
قد يدعى إشعار لفظ الإمام بذلك وإن لم أعرف من وافقه عليه عدا الكاشاني في مفاتيحه
إلا أنه قوي جدا، خصوصا مع ملاحظة النبوي (1) (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به
فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا) وملاحظة مطلوبية الاحتياط في العبادات
التوقيفية زيادة على ما عرفت، والاقتصار على الثابت المعلوم من فعل النبي والأئمة
(عليهم الصلاة والسلام) والصحابة والتابعين وسائر المسلمين، وخبر محمد بن عبد الله
الحميري (2) المروي عن احتجاج الطبرسي عن صاحب الزمان (عليه السلام) (عن الرجل
يزور قبور الأئمة (عليهم السلام) هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن
صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل
يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت
- إلى أن قال -: وأما الصلاة فإنها خلفه، يجعله الإمام، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا
عن يمينه ولا عن شماله، لأن الإمام لا يتقدم عليه ولا يساوى) بناء على أن المراد من
الإمام فيه إمام الجماعة كما يرشد إليه استدلال المحدث البحراني بخبر الحميري - الذي هو
عين هذا الخبر، إلا أن المروي عنه فيه الفقيه عليه السلام، وحذف منه (ولا عن يمينه ولا عن
شماله ولا يساوى) على عدم جواز تقديم المأموم على الإمام معرضا بالأصحاب حيث
أنهم لم يذكروا دليلا للحكم المزبور من الأخبار، وادعى أنه لم يسبقه إلى هذا التنبه
أحد عدا شيخنا البهائي، وكل ذلك مؤيد لإرادة الإمام فيه إمام الجماعة، فتأمل.
وملاحظة ما في نصوص الباب (3) الكثيرة جدا من الأمر بالتقدم والتقديم

(1) كنز العمال ج 4 ص 250 الرقم 5224
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب مكان المصلي الحديث 2
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة
226

والخلف ونحوها حتى أنه في الحدائق استصوب ما عليه الحلي فيما لو كان المأموم أزيد من
واحد، قال: للنصوص المتطابقة على الأمر بالخلف في مثله السالمة عن المعارض، منها
صحيح ابن مسلم (1) عن الباقر (عليه السلام) (عن الرجل يؤم الرجلين قال: يتقدمهما
ولا يقوم بينهما) وإن كان قد يخدشه أنها محمولة على الاستحباب كالأمر بكون الواحد
إلى اليمين في جملة من الأخبار (2) أيضا كما ستعرف ذلك إن شاء الله مفصلا، لكن
من المعلوم إرادة الندب بمعنى استحباب قيام المأموم إن كان متعددا خلف الإمام، فغير
المستحب حينئذ أن يكونوا في أحد جنبيه أو فيهما، بمعنى (3) استحباب كون المأموم
الواحد إلى جهة يمين الإمام وإن جاز كونه على جهة يساره أو خلفه لا أن المراد مساواتهم
ومساواته في الموقف، ودعوى أن غير الخلف المساواة - إذ التقديم وإن كان يسيرا
خلف، فيكون أمر الواحد بالكون على اليمين مقابل الخلف نصا في المساواة، كأخبار
الخلف أيضا بناء على الاستحباب - واضحة الفساد، ضرورة إرادة كون تمام المأموم وراء
الإمام من الخلف بحيث يكون سجوده محاذيا لقدم الإمام، وإلا فالتقدم اليسير ليس
من الخلف عرفا قطعا، ولا ينافي صدق كونه على اليمين، كما هو واضح.
وكيف كان فمدار التقدم والمساواة العرف كما صرح به في الذخيرة والرياض،
وجعله في المدارك وجها قويا، وهو فيها (فيهما ظ) منقح لا اشتباه فيه، وكأن ما وقع
للأصحاب من تقديرهما في حال القيام أو هو مع الركوع بالأعقاب أو بها والأصابع معا
أو بالمناكب خاصة، أو بأصابع الرجل في حال السجود، وبمقاديم الركبتين والأعجاز في
حال التشهد والجلوس، وبالجنب في حال النوم لإرادة ضبط العرف، وإلا فليس في

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7 - 0
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7 - 0
(3) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب " وبمعنى "
227

نصوص المقام تعرض لشئ من ذلك عدا ما يشعر به ما ورد (1) في استحباب مساواة
أهل الصفوف وعدم اختلافهم من تحقق التساوي بتحاذي المناكب، وما ورد (2) في كيفية
جماعة العراة من تحقق التقدم في حال الجلوس بابراز الركبتين، لكن في التذكرة أنه
لو تقدم عقب المأموم بطل عندنا، وفي المدارك (نص الأصحاب على أن المعتبر التساوي
بالأعقاب، فلو تساوى العقبان لم يضر تقدم أصابع رجل المأموم أو رأسه، ولو تقدم
بعقبه على الإمام لم ينفعه تأخره عنه بأصابعه ورأسه) وفي الروض والمسالك الاكتفاء
في البطلان بتقدم عقب المأموم أو أصابعه حاكيين له عن العلامة بعد أن حكيا عن الشهيد
اعتبار العقب خاصة، قالا: (ولو فرض تقدم عقب المأموم مع تساوي أصابعه الأصابع
الإمام فظاهرهما معا المنع، لتقدم العقب الذي هو المانع عند الشهيد، والاكتفاء بأحد
الأمرين عند العلامة، وكذا لو تأخرت أصابع المأموم وتقدمت عقبه) وكأنهما أرادا
ما حكي عن العلامة في نهاية الإحكام من أنه استقرب اعتبار التقدم بالعقب والأصابع
معا بناء على إرادته بالمعية الاكتفاء بكل منهما في مقابلة اعتبار العقب خاصة، لا أن
المراد شرطية البطلان بتقدمهما معا كما لعله الظاهر من هذه العبارة المحكية، وقال في الروض:
إنه يمكن دخول الركوع في الموقف، فيعتبر فيه الاقدام حينئذ نسبة، وعدم الاعتبار
بتقدم الرأس الذي حكي عن نهاية الإحكام التصريح به وفي المسالك إلى ظاهرهم، وقال
فيه أيضا: (وأما حالة السجود والتشهد فيشكل عدم الاعتبار حالهما مطلقا، وينبغي
مراعاة أصابع الرجل في حالة السجود، ومقاديم الركبتين أو الأعجاز في حالة التشهد)
وعن الدروس والمسالك (لا يضر تقدم المأموم على الإمام بمسجده إلا في المستديرين
حول الكعبة) وعن الروضة (أن المعتبر العقب قائما والمقعد وهو الألية جالسا،

(1) الوسائل الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب لباس المصلي
228

والجنب نائما) وهو صريح في اعتبار عدم التقدم في أحوال المصلي جميعها كما هو ظاهر
غيره من الأصحاب عدا المتن وما ماثله الذي قد يفهم منه اختصاص ذلك في الموقف.
ولا ريب في أن الأول أقوى كما أنه لا ريب أيضا في أن الأوجه عدم الالتفات
إلى شئ من ذلك وإيكال الأمر إلى العرف الذي معرفة صدق التقدم والمساواة فيه
من أوضح الأشياء، فلا حاجة حينئذ إلى ذكر ما سمعت الذي لا يخلو جملة منه من
إشكال ونظر، بل قد يقطع بفساد بعضه، كما أنه لا حاجة أيضا إلى ما وقع من بعضهم
من تفسير التقدم المانع لصحة الصلاة بأن لا يكون المأموم أقرب إلى القبلة من الإمام،
وكأنه إليه أومأ الشهيد بل وغيره أيضا على ما حكي عنه باشتراطهم عدم أقربية المأموم
إلى الكعبة من الإمام فيما صرحوا به من جواز الصلاة جماعة بالاستدارة على الكعبة
مستدلا عليه في الذكرى بالاجماع عليه عملا في الأعصار السالفة، إذ قد يناقش فيه
بأنه لا يتم في الصلاة جماعة في جوف الكعبة بناء على جوازها، ضرورة عدم تصور
القرب فيه إلى القبلة والبعد إلا أن يراد خصوص ما استقبله الإمام من الجدار مثلا،
بل قد يدعى عدم تصور أصل التقدم والتأخر في بعض صور الجماعة فيه بناء على جوازها
لو تخالفا في جهة الاستقبال فيه إما بأن يكون وجه أحدهما إلى الآخر أو قفا كل منهما
إليه، بناء على أن الشرط في المسألة السابقة عدم الحائل بين الإمام والمأموم لا المشاهدة
على أنه يمكن فرض تحققها ولو بفرض التعاكس الناقص لا التام، لعدم إرادة المشاهدة
الإمامية منها، وإلا لما اكتفوا فيها بأطراف العيون في الصف الأول وفي جناحي الإمام
وفي الصف خلف الباب المفتوح وغير ذلك مما سمعت الإشارة إليه.
اللهم إلا أن يمنع مثل هذه الكيفيات من الجماعة التوقيفية، لعدم معهوديتها بل
معهودية خلافها، بل هي أولى بالمنع من الاستدارة التي استشكل فيها في المدارك
والذخيرة، بل منعها العلامة في جملة من كتبه على ما حكي عنه، وخص الصحة بصلاة
229

من هو خلف الإمام أو إلى جانبه محتجا بأن موقف المأموم خلف الإمام أو إلى جانبه،
وهو إنما يحصل في جهة واحدة، فصلاة من غايرها باطلة، وبأن المأموم مع الاستدارة
إذا لم يكن واقفا في جهة الإمام يكون واقفا بين يديه، فتبطل صلاته.
وإن كان قد يناقش أولا بالاجماع الذي سمعته في الذكرى، وثانيا بامكان دعوى
صدق الخلف والجانب، إذ هما بالنسبة إلى كل واحد بحسبه ولو بملاحظة الدائرة البركالية
ولعله محافظة على ذلك اعتبر المجوزون عدم أقربية المأموم إلى الكعبة من الإمام، بل
ينبغي على مختار الحلي من اعتبار تقدم الإمام اشتراط أقربية الإمام إلى الكعبة،
لكن قد يشكل بأنه لا تلازم بين كون المأموم خلفا أو جانبا بحسب الدائرة البركالية
وبين عدم أقربيته إلى الكعبة من الإمام، ضرورة زيادة جوانب الكعبة فقد يكون
قريبا جدا إليها وإن كان هو خلفا بحسب الدائرة كما هو واضح، وثالثا بامكان
منع اعتبار الخلف والجانب في الجماعة، نعم يعتبر عدم تقدم المأموم مثلا على الإمام
وإن كان ذلك يلزمه حيث يكون الاستقبال إلى الجهة الخلف أو الجانب، ولعل اعتبارهما
في كثير من الأخبار مبني على الغالب، ولا ريب في عدم صدق التقدم في الكيفية
المفروضة، إلا أن المتجه على هذا التقدير سقوط الشرط المزبور أي عدم كون المأموم
أقرب مطلقا، بل يكتفى حينئذ بعدم صدق التقدم، وكيف كان فالأقوى صحة الجماعة
مع الاستدارة، والأحوط عدم أقربية المأموم فيها إلى الكعبة بحسب الدائرة، وأحوط
منه ملاحظة الكعبة مع ذلك، وأحوط منه أقربية الإمام إليها دائرة وعينا، والله أعلم.
(ولا بد) في صحة الجماعة للمأموم وجريان أحكامها عليه (من نية الائتمام)
بلا خلاف نقلا وتحصيلا، بل هو مجمع عليه كذلك، بل في المنتهى أنه قول كل من
يحفظ عنه العلم، إذ من أصول المذهب وقواعده توقف العبادات على النيات، فلو لم ينوه
حينئذ كان منفردا كما صرح به غير واحد من الأصحاب كالفاضل في التذكرة والشهيدين
230

وغيرهم، بل لا أجد فيه خلافا، ولا تبطل صلاته إلا بما تبطل به صلاة المنفرد حتى لو
ألزم نفسه بمتابعة الإمام وصار كالمأموم، إذ ليس فيه إلا أنه قرن فعله بفعل غيره،
ولم يثبت إبطال مثل ذلك للصلاة، بل الثابت بظاهر الأدلة خلافه، خلافا للشافعية في
أصح وجهيها، لأنه وقف صلاته على صلاة الغير لا لاكتساب فضيلة الجماعة، ولما فيه
من إبطال الخشوع وشغل القلب، وهو كما ترى مقتض لفساد صلاة من اشتغل قلبه
وسلب خشوعه، ولم يقل به أحد كما في الذكرى، نعم لو أدي ذلك الالزام إلى ما
يبطل الصلاة الواقعة من المنفرد بأن ترك قراءة أو زاد ركوعا أو سجودا أو سكوتا
طويلا للانتظار أو غير ذلك اتجه البطلان حينئذ لذلك لا للالزام المزبور، كما هو واضح
لكن في القواعد (السابع نية الاقتداء، فلو تابع بغير نية بطلت صلاته) ولعله يريد
جماعة أو إذا أدت المتابعة إلى ما عرفت، وإلا فقد عرفت أنه لا وجه لفساد
الصلاة أصلا.
فما في الرياض نقلا عن المنتهى ونهاية الاحكام والذكرى - من الاجماع
على وجوب أصل نية الاقتداء، فلو لم ينوه أو نوى الاقتداء بغير معين فسدت الصلاة
فضلا عن الجماعة، قال: وكذا لو نوى باثنين - في غاية العجب، إذ ليس في المنتهى
سوى قوله: (مسألة ونية الاقتداء شرط، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم) ومراده
الشرطية في الجماعة قطعا، وفي الذكرى (الشرط الثاني من شروط الاقتداء نية الاقتداء
لقوله (صلى الله عليه وآله) (1): (إنما لكل امرئ ما نوى) وعلى ذلك انعقد
الاجماع - إلى أن قال -: فلو ترك نية الاقتداء فهو منفرد، فإن ترك القراءة عمدا أو
جهلا بطلت، وكذا لو قرأ لا بنية الوجوب، وإن قرأ بنية الوجوب وتساوقت أفعاله
وأفعال الإمام بحيث لا يؤدي إلى انتظار الإمام صحت صلاته، ولم يضر ثبوت الجماعة

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10
231

وإن تابع الإمام في أفعاله وأذكاره، وإن تقدم عليه فترك بعض الواجب من الأذكار
بطلت صلاته، لتعمده الاخلال بابعاضها الواجبة، وإن تقدم هو على الإمام كأن
فرغ من القراءة قبله والتسبيح في الركوع والسجود وبقي منتظرا فإن طال الانتظار
بحيث يخرج عن كونه مصليا بالنسبة إلى صلاته قيل يبطل، لأن ذلك يعد مبطلا، ويمكن
أن يقال باستبعاد الفرض - إلى أن قال -: وإن سكت اتجه البطلان، وإن لم يطل
الانتظار فالأقرب الصحة، إذ ليس فيه إلا أنه قرن فعله بفعل غيره، ولم يثبت كون
ذلك قادحا في الصلاة) ثم حكى عن بعض العامة البطلان وأفسده، وهو صريح فيما قلناه
وإن كان في بعض ما ذكره مما لا مدخلية له فيما نحن فيه نظر وتأمل، وكذا صرح في
التذكرة والروض والذخيرة وغيرها.
بل الظاهر الصحة حتى لو اعتقد حصول الجماعة له وصيرورته مأموما من غير
نية جهلا منه إذا لم يقع منه ما يخل بصلاة المنفرد، اللهم إلا أن يدعى اندراجه في التشريع
وفيه - بعد الغض عن النظر في إبطال مثله هنا - تأمل أو منع، بل يقوى في النظر أنه
ليس مما يخل قراءته بنية الندب بناء على عدم قدح مثل ذلك خصوصا في الأجزاء،
نعم يتجه الحكم بفساد الصلاة مع عدم نية الجماعة فيما لو كانت صحة الصلاة موقوفة على
الجماعة كالفريضة المعادة لادراك الجماعة، بناء على توقف صحة إعادتها على الجماعة
كما هو ظاهر الأصحاب، فلو لم ينو حينئذ الجماعة بطلت الصلاة، لعدم إمكان
صيرورتها فرادى ابتداء.
ولو كانت الجماعة واجبة بالأصل كالجمعة أو بالعارض وجبت حينئذ نيتها شرعا
زيادة على الوجوب الشرطي، واحتمال عدم الوجوب في مثل الجمعة لعدم انعقادها إلا
جماعة فيستغني بنية الجمعة حينئذ عن الجماعة لا يخلو من وجه، وإن جزم في الذكرى
232

بفساده لقوله (صلى الله عليه وآله) (1): (إنما الأعمال بالنيات).
ولو شك في نية الاقتداء ففي التذكرة هو كالشك في النية، فيتلافى مع بقاء المحل
ولا يلتفت بعد تجاوزه، وفي الذكرى يمكن أن يكون بناؤه على ما قام إليه، فإن لم يعلم
شيئا بنى على الانفراد، لأصالة عدم نية الائتمام، وهو جيد، إلا أنه يعتبر مع ذلك
أيضا ظهور أحوال المأمومية عليه وعدمه، فتأمل.
(و) كذا لا خلاف نقلا وتحصيلا في لا بدية (القصد إلى إمام) متحد (معين)
بالاسم أو بالإشارة أو بالصفة أو بغيرها، بل يكفي القصد الذهني بعد إحراز جامعيته
لشرائط الإمامة في صحة الصلاة جماعة، بل كأنه مجمع عليه، لأصالة عدم ترتب أحكامها
من سقوط القراءة ونحوها بعد الشك في تناول الاطلاقات أو القطع بالعدم، لعدم
المعهودية، بل معهودية الخلاف، نعم لا يشترط استحضار هذا القصد حال نية الصلاة
بل يكفي بناء المكلف على أنه زيد أو عمرو (فلو كان بين يديه اثنان ونوى الائتمام
بهما أو بأحدهما ولم يعين لم تنعقد) صلاته قطعا لا لأن التعيين شرط في سائر العبادات
ضرورة أنه ليس مما نحن فيه، بل لما عرفت من عدم ثبوت مقتضي الصحة في النصوص
والفتاوى، بل الأخيرة متطابقة على فساده تطابق فعل الإمامين أو اختلف، بل يحتمل
أنه كذلك حتى لو عين أحدهما بما يعينه في الواقع من الاسم أو الصفة لكن لم يعرف
مصداقهما بأن قصد الصلاة خلف زيد أو العالم منهما وكان لا يعرف أن هذا أو هذا زيد
أو العالم، إذ الترديد في المصداق كالترديد في المفهوم يشك في شمول الأدلة له، وإطلاق
الأصحاب الاجتزاء بالتعيين بالاسم أو بالصفة منزل على مفيد التشخيص عند المعين
لا في الواقع كما هو المتبادر من اشتراط التعيين في الفتاوى، نعم لو اقتدى بإمام جماعة
ثبتت عدالته عنده وأشار إلى ذاته التي لم يعلم اسمها أو وصفها صحت الصلاة قطعا،

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10
233

لتناول الأدلة له، أما لو نوى الاقتداء باسمه ولكن لم يعرف مصداق اسمه من بين
الذوات المتقدمة عليه الصالحة لأن يكون كل واحد منها إماما له فالظاهر أنه كالترديد
في المصداق، بل يمكن ذلك حتى لو عينه بإمام هذه الجماعة، ضرورة احتماله كون هذه
الذات إمام الجماعة أو هذه الذات، كاحتمال كون هذا زيدا أو هذا زيدا، لا أنه
كالائتمام بهذا المحتمل أنه زيد أو عمرو أو بكر، إذ هو في الحقيقة ترديد في الأسماء
خاصة أو ما يقرب منه مما لا مدخلية له في حصول تعيين الائتمام بتلك الذات المحتمل أنها
زيد أو عمرو أو بكر، إنما الذي يقدح عدم التعيين في المفهوم كأحدهما أو الصدق فيما
نواه بمعنى عدم علمه موضوعه الذي يحمل عليه، بخلاف ما لو علم موضوعه وهو هذه
الذات مثلا ولكن لم يعلم المحمول عليها من زيد أو بكر أو عمرو، هذا مع احتمال
تصحيح الجماعة في سائر هذه الصور بحصول التعيين والتشخيص في الواقع وإن لم يشخصه
عند المقتدي، فيراد من اشتراط الأصحاب التعيين إخراج ما لا تعيين فيه أصلا
خاصة، كأحدهما الصادق على كل منهما ونحوه لا غيره مما ذكرنا، لصدق الاقتداء بمن
وثق بدينه وأمانته فيه دونه، بل لعله على ذلك عمل أغلب الناس.
ولو نوى الاقتداء بزيد فظهر أنه عمرو بطلت وإن كان أهلا للإمامة أيضا كما
في التذكرة والذكرى والروض وعن نهاية الإحكام والروضة وإرشاد الجعفرية من غير
فرق بين ظهور ذلك له بعد الفراغ أو في الأثناء، إذ نية الانفراد هنا كعدمها، لعدم
وقوع ما نواه وعدم نية ما وقع منه، وفائدة التعيين التوصل به إلى الواقع لا أنه يكفي
وإن خالف الواقع، نعم لو كان قد شك فيه في الأثناء اتجه له نية الانفراد وصحت
صلاته ما لم يظهر له أنه خلاف ما عينه، وفي إيجاب البحث عنه عليه وجهان، بل قد
يحتمل صحة صلاته وإن لم ينو الانفراد استصحابا لحكم التعيين الأول الذي لا يفسده
إلا تخلفه لا احتمال تخلفه، وإن كان فيه أن التعيين كما أنه شرط في الابتداء كذلك
234

شرط في الاستدامة إلا في خصوص استنابة الإمام على احتمال كما ستعرف.
ولو اقتدى بهذا الحاضر على أنه زيد فظهر أنه عمرو قاصدا التعيين فيهما - وإلا
لو كان ذلك محض اعتقاد لا مدخلية له في تعيين مقتداه صحت صلاته، لحصول التعيين
بالإشارة التي لا يقدح فيها خطأ الاعتقاد المزبور ففي صحة صلاته ترجيحا للإشارة،
وبطلانها ترجيحا للاسم وجهان كما في الذكرى والمدارك والرياض، أحوطهما بل أقربهما
الثاني كما عن كشف الالتباس وإن لم أجده فيه، واستوجهه في الروض حاكيا له عن
العلامة، خلافا للذخيرة والكفاية فالأول، بل ينبغي الجزم به لو كان عمرو عنده غير
عادل وإن استشكل فيه المولى الأعظم في شرح المفاتيح من ظهور عدم الاقتداء بعادل
ومما ورد (1) من صحة صلاة من اقتدى بيهودي باعتقاد عدالته ثم ظهر فساده، لكن
لا يخفى عليك ضعف الوجه الثاني، لوضوح الفرق بين تخلف الاعتقاد في الصفة بعد
تشخص الذات وبين تخلفه بالنسبة للموصوف، بل هو أولى من المسألة الأولى في البطلان
التي نوى الاقتداء فيها بزيد ثم ظهر أنه عمرو وإن كان عدلا، كما هو واضح.
ومنه يعلم أنه لا وجه لنية الانفراد في الفرض وإن كان قبل ما يصدر منه ما يبطل
صلاة المنفرد، لفساد أصل الصلاة التي هي شرط في جواز الانفراد، خلافا له أيضا فحكم
بها قبل أن يصدر منه ما يبطل صلاة المنفرد كترك القراءة ونحوها بأن يكون ظهر له
بعد التكبير، ولا ريب في ضعفه كما عرفت.
إنما البحث لو ظهر أنه عمرو العدل عنده وقد سمعت أن الأقوى البطلان فيه
أيضا إن كان أراد مصداق الحاضر الذي باعتقاده أنه زيد، فإنه حينئذ لم تزد الإشارة
في نظره على الاسم، بل هو المقصود منها، كقصد الفرد من الكلي، فيرجع حينئذ إلى
عدم التعيين كما لو اقتصر على الاسم.

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة
235

أما إذا قصد من الإشارة مفهومها والاسم تعيين آخر مستقل لكنه تخيل اتفاق
موردهما فقد يقال بالصحة، لحصول التعيين بالإشارة التي لم ينافها تبين فساد التعيين
بالاسم، وتناول إطلاق الأدلة له بصدق الامتثال فيه، وإشعار إطلاق ما دل (1) على
جواز استنابة الإمام غيره إذا عرض له عارض في الجملة، خصوصا في مثل الجماعات المعظمة
التي يغلب فيها عدم اطلاع جميع المأمومين على ذلك.
وقد يقال بالبطلان لقبح الترجيح بلا مرجح، وكون أحدهما خطأ والآخر صوابا
غير صالح للترجيح، بل كل منهما ينبغي تأثيره أثره، فيتعارضان، فلا يحصل مقتضي
الصحة، وليس كل منهما مقتضي الصحة حتى يقال تخلف أحدهما لا ينافي اقتضاء الآخر
مقتضاه إذ هو بمنزلة العدم حينئذ، بل هما مع اقتضائهما الصحة تخلفهما مقتضي البطلان،
وللشك في تناول الاطلاقات لمثله إن لم نقل ظاهر مواردها خلافه، ولا إشعار في إطلاق
الاستنابة به أصلا، إذ أقصاه إن لم ينزل على علم المأمومين بالنائب عدم قدح حدوث
غير المعين ابتداء حتى لو علم المأموم بذلك ولم يعينه، لأنه بمنزلة المنوب عنه، فيكفي
التعيين الأول، كما أنه يكفي أصل نية الاقتداء به عن تجديدها كما صرح به في التذكرة
لكن على إشكال، وهو على كل حال غير ما نحن فيه قطعا، كما هو واضح.
فالقول بالبطلان حينئذ لا يخلو من قوة وإن أطنب المولى الأعظم في شرح
المفاتيح في ترجيح الصحة، بل قال: (لا وجه للبطلان لو وقع الكشف في الأثناء قبل
عروض ما يضر المنفرد، وكذا لو وقع الكشف بعد الفراغ من الصلاة، خصوصا
بعد خروج الوقت) لكن لا يخفى على من لاحظ كلامه أنه لا ترجيح في شئ مما ذكره
لذلك، بل منه ما هو خارج عن محل النزاع، ومنه ما هو ممنوع أو غير مجد، فلاحظ
وتأمل، ولو أمكن التفصيل هنا بين ما كان الاسم والإشارة على حد سواء في نية التعيين

(1) الوسائل الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة
236

بهما وبين ما كان العمد (العمدة خ ل) فيه أحدهما وذكر الآخر مكملا فيحكم بالبطلان
في الأول والثاني إن كان هو الاسم، وبالصحة إن كان الإشارة كان وجها، والله أعلم.
(ولو صلى اثنان فقال كل منهما: كنت إماما صحت صلاتهما) بلا خلاف أجده
فيه، بل في ظاهر الروض والرياض الاجماع عليه، بل هو صريح المنتهى، لمساواة
صلاة الإمام صلاة المنفرد من كل وجه في القراءة وغيرها، ونية الإمامة ليست منوعة
بل هي كنية المسجدية، بخلاف نية المأمومية لاختصاصها بأحكام كثيرة، ولخبر السكوني (1)
المعمول به هنا بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد عن أبي عبد الله عن أبيه عن
آبائه عن علي (عليهم السلام) أنه قال (في رجلين اختلفا فقال أحدهما: كنت إمامك
وقال الآخر: كنت إمامك: إن صلاتهما تامة، قال: قلت: فإن قال كل واحد منهما:
كنت أئتم بك قال: فصلاتهما فاسدة ليستأنفا) نعم ينبغي تقييد الصحة بما إذا لم تكن
صحة الصلاة موقوفة على الجماعة كالمعادة مثلا، فإن فرض نية كل منهما الإمامة يوجب
انفرادهما، وهو مقتض للبطلان.
(و) أما (لو قال) كل منهما: (كنت مأموما) بحيث علم صحة قولهما (لم تصح
صلاتهما) بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر جماعة الاجماع، بل هو صريح التذكرة
للاخلال بالقراءة، وللخبر (2) المتقدم المنجبر ضعفه بعمل الأصحاب، ولأنهما إن
اقترنا في النية لم يكن أحدهما صالحا للإمامة كما لو سبق أحدهما، لفساد صلاته بنية الائتمام
بلا إمام بناء على أن ذا ليس من الفساد الذي لا يقدح في صلاة المأموم كتبين الحدث
ونحوه، مع احتماله، إلا أن الظاهر فرض المسألة في الاقتران الذي من الواضح فيه
البطلان لما عرفت، ولاستلزام صحة صلاتهما عدمها، ضرورة عدم جواز الائتمام بالمأموم
كما حكي في التذكرة والذكرى الاجماع عليه، بل فيهما التصريح بأنه لا فرق بين أن

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
237

يكون عالما بأنه مأموم أو جاهلا.
أما إذا لم يعلم صحة قولهما بل كان كل منهما مدعيا محضا ففي حاشية الإرشاد
للمحقق الثاني وعن فوائد الشرائع في قبول قول كل منهما في حق الآخر بعد الصلاة
تردد، وعلله في الثاني بأن الإمام لو أخبر بحدثه أو عدم تستره أو عدم قراءته لم يقدح
ذلك في صلاة المأموم إذا كان قد دخل على وجه شرعي، وقضية المزبور جريان التردد
في الصورة الأولى أيضا التي علم فيها ذلك حتى مع الاقتران، لأن الحدث ونحوه
لا يقدح في صحة صلاة المأموم وإن علم صحة دعوى الإمام في حصوله منه قبل الصلاة،
إذ تكليف المأموم العمل بالظاهر المقتضي لتحقق الاجزاء كتبين الفسق وغيره،
ولعله مراده.
لكن قد يناقش على كل حال أولا بأنه اجتهاد في مقابلة النص المعمول به بين
الأصحاب، وثانيا بما في الروض من أنه يمكن أن يكون شرط جواز الائتمام ظن
صلاحية الإمام لها، ولهذا لا يشترط أن يتحقق المأموم كون الإمام متطهرا ولا متصفا
بغيرها من الشروط الخفية بعد الحكم بالعدالة ظاهرا، وحينئذ إن تحققت الإمامة
والائتمام لم يقبل قوله في حقه كما في الحدث ونحوه، وإن حكم بهما ظاهرا ثم ظهر خلافه
قبل قول الإمام، لعدم تيقن انعقاد الجماعة، والبناء على الظاهر مشروط بالموافقة.
وهذا هو مقتضى النص في الموضعين وإن كان قد يخدش الأول بامكان تنزيل
النص على إرادة بيان حكم من إئتم بمن إئتم به في الواقع من دون نظر إلى نفس الدعوى
بناء على أن التردد المزبور في الثاني خاصة، والثاني بامكان الاكتفاء في هذا الشرط
في الجماعة، وهو أن لا يكون قد نوى الائتمام به بالظن أيضا كاحراز الوضوء ونحوه،
فتتحقق الإمامة حينئذ وإن كان في الواقع قد نوى الائتمام به، فضلا عن أن يكون ذلك
مجرد دعوى منه، بل قد يؤيد ذلك في الجملة بما دل على عدم الالتفات إلى الشك بعد
238

الفراغ، بل هو كدعوى الإمام بعد الفراغ بأنه لم ينو الصلاة أو أنه كان في نافلة
أو نحو ذلك.
والتحقيق أنه لا ريب في البطلان لو علم نية كل منهما الائتمام بالآخر ولو بعد
الفراغ، لما عرفت من الخبر المعتضد بفتوى الأصحاب، وأصالة الواقعية في الشرائط
السالمة عما يقتضي خلافها هنا عدا القياس على الحدث ونحوه المعلوم حرمته عندنا، أما
مع عدم العلم بل كان مجرد دعوى كل منهما ذلك فظاهر النص والفتوى البطلان أيضا،
وهو الأحوط خصوصا في مثل العبادة التوقيفية وحصول الشك في الفراغ هنا، بل
الأقوى وإن كان الجزم به لا يخلو من نظر، لامكان تنزيل النص والفتوى على الصورة
الأولى وإن اشتملا على قول كل منهما، لكن من المحتمل إرادة معلوم الصدق منه
عندهما كما هو الغالب، وربما يومي إليه فرض الفاضل وغيره المسألة في الصورة الأولى،
ومن المعلوم كون الخبر في نظرهم، اللهم إلا أن يدعى تساوي المسألتين عندهم، ومن
هنا فرضها المصنف بمضمون الخبر، والفاضل بما عرفت مع عدم معرفة أحد خلافا بينهم
في ذلك، والله أعلم.
(وكذا) تبطل صلاتهما (لو شكا فيما أضمراه) لأصالة الشغل السالمة عن
معارضة ما يقتضي البراءة، وإطلاق العبارة والتحرير والموجز وعن المبسوط والمعتبر يقتضي
أنه لا فرق في ذلك بين كونه في أثناء الصلاة قبل القراءة أو بعدها أو بعد الفراغ منها،
علما ما قاما إليه من الإمامة أو الائتمام أو لا، بل علما فعل القراءة أو تركها أو لم يعلما
إذ هو لا يفيد تشخيص أحدهما، لاحتمال السهو والنسيان، لكنه قد يشكل فيما بعد
الفراغ بأنه شك في الصحة بعد الفراغ، فلا يلتفت إليه، ولذا اختاره في الروض والمسالك
وحكي عن المحقق الثاني أنه قواه وجعله مقتضى النظر، واحتمله في التذكرة، بل في
المدارك لا بأس به إذا كان كل منهما قد دخل في الصلاة دخولا مشروعا، وهو قوي
239

جدا حتى لو علما أنهما قاما إلى الائتمام لكنهما احتملا وقوع غيره، بل ولو علما ترك
القراءة أيضا، إذ لعله سهوا لا لنية الائتمام، فيكون المدار حينئذ على احتمال الصحة،
بل قد يتجه ذلك أيضا في الأثناء فيحكم على ما سبق بالصحة بمجرد احتمالها، ويراعي
في الباقي ما يراه من تكليفه.
ولعله إلى ذلك في الجملة أشار في الذكرى والمسالك والروض، قال في الأولى:
(يمكن أن يقال: إذا كان الشك في الأثناء وهو في محل القراءة لم يمض ما فيه إخلال
بالصحة، فينوي الانفراد وصحت صلاته، لأنه إن كان نوى الإمامة فهي نية الانفراد
وإن كان قد نوى الائتمام فالعدول عنه جائز، وإن كان بعد مضي محل القراءة فإن علم
أنه قرأ بنية الوجوب أو علم القراءة ولم يعلم نية الندب انفردا أيضا، لحصول الواجب
عليه، وإن علم ترك القراءة بنية الندب أمكن البطلان، للاخلال بالواجب،
وينسحب البحث في الشك بعد التسليم، ويحتمل قويا البناء على ما قام إليه، فإن لم يعلم
ما قام إليه فهو منفرد) واعترضه في المدارك بجواز أن يكون كل منهما قد نوى الائتمام
بصاحبه، فتبطل الصلاتان، ويمنع العدول، وفيه أن مجرد احتمال ذلك لا يمنع حمل الفعل
على الوجه الصحيح مهما أمكن، والمراد بالانفراد هنا مراعاته في الباقي من صلاته ما يراعيه
المنفرد، بل لا بأس في نية الانفراد مع ذلك تخلصا من احتمال كون أحدهما إماما
والآخر مأموما إن كان هو أحد أفراد الشك، نعم في عبارة الذكرى نظر من وجوه
أخر تعرف بالتأمل فيما قدمناه، فتأمل جيدا.
(ويجوز أن يأتم المفترض بالمفترض وإن اختلف الفرضان) عددا كالقصر
والتمام، ونوعا كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، وصنفا كالأداء والقضاء للنصوص (1)

(1) الوسائل الباب 53 و 55 من أبواب صلاة الجماعة
240

المعمول بها بين معظم الأصحاب، بل لا أجد خلافا في شئ من ذلك سوى ما يحكى
عن والد الصدوق من منع اقتداء المسافر بالحاضر والعكس، وعنه من منع اقتداء مصلي
الظهر بمصلي العصر إلا أن يتوهمها العصر ثم يعلم أنها كانت الظهر، وهما بعد الاغضاء
عن ثبوتهما عنهما خصوصا ما عن الثاني منهما نادران شاذان كما اعترف به في المفاتيح
والرياض، بل لا أعلم مأخذا لثانيهما كما اعترف به في الذكرى والبيان أيضا، إذ ليس
إلا ما قيل من أن العصر لا يصح إلا بعد الظهر، فلو صلاها خلف من يصلي الظهر
فكأنه قد صلى العصر مع الظهر مع أنها بعدها، وهو كما ترى ضعيف جدا، ضرورة
ترتب عصر المصلي على ظهر نفسه لا على ظهر إمامه، على أنه إن تم يقتضي المنع أيضا في
العكس وفي العشاء والمغرب.
ومن صحيح علي بن جعفر (1) سأل أخاه (عليه السلام) (عن إمام كان في
الظهر فقامت امرأة بحياله تصلي معه وهي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟
وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال: لا يفسد ذلك على القوم
وتعيد المرأة صلاتها) وهو - مع أنه مناف لما ذكره الصدوق، وموافق للتقية، بل في
الوسائل لأشهر مذاهب العامة - محتمل لكون الأمر بالإعادة فيه للمحاذاة والتقدم على
الرجال المذكورين فيه حتى على القول بكراهتهما، إذ لعلها للايقاع على الوجه الأكمل
نحو الأمر بإعادة الجمعة لمن صلاها بغير الجمعة والمنافقين وغيره، ولأن لاعتقادها مدخلية
بل لعلها فوت صلاة الإمام التي هي الظهر، نعم في الكافي أنه في حديث (2) (إن علم
أنهم في صلاة العصر ولم يكن صلى الأولى فلا يدخل) لكنه - مع إرساله وإعراض
المشهور نقلا وتحصيلا عنه، بل في المنتهى الاجماع على عدم شرطية تساوي الفرضين
قال: (فلو صلى ظهرا مع من يصلي العصر صح، ذهب إليه علماؤنا أجمع) ونحوه في

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 5
(2) الوسائل الباب 53 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 5
241

التذكرة وعن المعتبر لكن بدون (أجمع) واحتماله للتقية، والدخول بنية العصر كما في
الوسائل، والكراهة - قاصر عن معارضة النصوص المعتبرة المستفيضة الصحيحة الصريحة
الوارد بعضها (1) في إئتمام المسافر ظهرا وعصرا بظهر الحاضر، بل ولا لأولهما أيضا
بعد الاغضاء عما يدل على خلافه من النصوص المستفيضة حد الاستفاضة، وفيها الصحيح
الصريح والمعتضدة بالشهرة القريبة من الاجماع، بل هي كذلك عن الفاضلين، نعم ظاهر
بعضها الكراهة، كخبر البقباق (2) عن الصادق (عليه السلام) وغيره كما ستعرف ذلك
عند تعرض المصنف له، ولعله هو دليله، إلا أنه لا يخفى على من لاحظه ظهوره في
الكراهة أو صراحته كما قيل وإن اشتمل صدره على النهي الظاهر في الحرمة لولا
التصريح بالصحة والجواز فيه التي لا تجامع الحرمة عند الإمامية، والأمر سهل، هذا.
وقد يظهر من إطلاق المتن بناء على عدم رجوع القيد الآتي في كلامه إلى الجميع
جواز الائتمام في أي فرض بأي فرض بعد تساوي النظم، لكن في الدروس الأقرب
المنع من الاقتداء في صلاة الاحتياط وبها إلا في الشك المشترك بين الإمام والمأموم،
ولعله لأنها معرضة للنفل والاتمام فينبغي ملاحظة الصحيح على كل منهما، لكن فيه
أولا أنه لا فرق في ذلك بين الشك المشترك وغيره، وثانيا أنه لا يقدح احتمال النفل
بعد أن كانت واجبة في الظاهر لا أقل من أن تكون كالنافلة المنذورة بناء على صحة
الائتمام فيها وبها، فالأولى التمسك له بالشك في تناول إطلاقات الجماعة له التي لم تسق لمثل
ذلك وإن كان فيه تأمل.
نعم قد يقال هو في محله بالنسبة إلى النافلة المنذورة إذا أريد الائتمام فيها بفريضة
يومية أو العكس وإن كان ظاهر من جوز الاجتماع فيها بالنذر مساواتها للفرائض،
فيصح الائتمام بها وفيها من غير فرق بين مجانسها ومخالفها، ولعله لا يخلو من وجه.

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 6
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 6
242

أما مع اختلاف النظم كاليومية والجنائز والكسوف والعيدين فلا خلاف أجده
بين الأصحاب في عدم مشروعية الجماعة فيها، بل في كلام بعضهم دعوى الاجماع عليه
بل لعله من بديهيات المذهب أو الدين كما قيل، لا لعدم إمكان المتابعة، إذ يمكن بنية
الانفراد عند محل الاختلاف، أو الانتظار إلى محل الاجتماع، أو الائتمام بالركوع
العاشر مثلا من صلاة الكسوف كما عن النجيبية احتماله، وأحد قولي الشافعي جوازه
حتى في صلاة الجنازة، بل لأن العبادة توقيفية ولم يثبت مثل ذلك فيها، بل لعل الثابت
خلافه، والاطلاقات واضحة القصور عن التناول لمثله، كوضوح قصورها عن تناول
مثل الائتمام في صلاة العيدين بالاستسقاء المتوافقين في النظم وبالعكس حتى لو نذر وإن
كان الاجتماع مشروعا فيها، إلا أنه فيها نفسها لا في المتخالفين.
أما الائتمام في ركعتي الطواف الواجب باليومية وبالعكس فغير بعيد كما نص
على أولهما في البيان وإن كان هو أيضا لا يخلو من تأمل باعتبار توقيفية العبادة، وقصور
الاطلاقات عن تناول مثله، بل وعبارات الأصحاب التي قد يدعى الاجماع عليها،
لاحتمال إرادة القضية المهملة منها، بل ينبغي القطع به في عبارة الكتاب وما شابهها بناء
على رجوع القيد الآتي في كلامه إلى الجميع، فتأمل جيدا.
(و) كذا يجوز أن يأتم (المتنفل) بإعادة صلاته احتياطا مندوبا أو قضاء
كذلك، أو لإرادة الجماعة، أو كان صبيا أو تبرعا عن ميت (بالمفترض) للأصل
فيها، أو في بعضها، وإطلاق الأدلة، بل في بعضها الائتمام بالأسماء التي لا مدخلية
للفرض والنفل فيها، مع اعتضاد ذلك كله بنفي الخلاف المعتد به في شئ منه نقلا في
الرياض إن لم يكن تحصيلا، وإن كان معقده فيه إئتمام المتنفل بالمفترض من غير تنصيص
على ما ذكرنا، كمعقد إجماع الخلاف، ونفي الخلاف بين أحد من أهل العلم في المنتهى
وعند علمائنا في التذكرة، إلا أن ذلك ونحوه مرادهم قطعا، وإلا فقد سمعت سابقا
243

عدم مشروعية الجماعة في النافلة عدا العيدين والاستسقاء والغدير على قول ضعيف،
واحتمال إرادة الأولين هنا يمنعه ما عرفته من اشتراط توافق النظم في الجماعة، فلا
يتصور فيهما الائتمام بالفريضة اليومية التي هي مراد المصنف من المفترض هنا، أو هي
والمنذورة في وجه ينقدح منه إمكان إرادة ما يشملهما بالمتنفل إذا فرض وجوبهما على
الإمام بنذر ونحوه، فيكون حينئذ مفترضا ومأمومه متنفلا بهما.
كما أنه ينقدح أيضا شموله لنافلة الغدير إن قلنا بجواز الجماعة فيها وقلنا بجواز
فعلها كذلك ولو بغير مجانسها من الفرائض وإن كان هو محلا للنظر والتأمل، إذ لو
سلمنا صحة الجماعة فيها فالظاهر اختصاصها بمجانسها، اقتصارا في العبادات التوقيفية،
فلا تندرج حينئذ في صورة إئتمام المتنفل بالمفترض إلا إذا نذرها الإمام كما عرفت.
نعم قد يندرج فيها الاقتداء في ركعتي الطواف المندوب بركعتي الواجب منه
وبالفريضة بناء على استثنائها من عدم مشروعية الجماعة في النافلة، فتأمل.
وكيف كان فالنصوص المعتبرة المستفيضة جدا فيما ذكره المصنف بالنسبة إلى
إعادة الصلاة جماعة إذا كان قد صلاها فرادى، بل أو جماعة كما في الذكرى وسيمر
عليك جميعها أو أكثرها عن قريب إن شاء الله، لكن في بعضها (1) يجعلها الفريضة
وفي آخر (2) (إن شاء) وفي ثالث (3) يختار الله أحبهما إليه) وفي رابع (4) (يجعلها
سبحة) وعلى الأول يخرج عن موضوع الصورة التي ذكرها المصنف، بل وعلى الثالث
في وجه، ويأتي إن شاء الله تحقيق البحث في ذلك.
(و) أما ائتمام المتنفل ب‍ (المتنفل) فإني وإن لم أجد فيه خلافا أيضا كما اعترف
به في الرياض إلا أني لم أجد نصا على صورة من صوره عدا العيدين والاستسقاء منه،

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 11 - 1 - 10 - 8
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 11 - 1 - 10 - 8
(3) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 11 - 1 - 10 - 8
(4) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 11 - 1 - 10 - 8
244

لكنه مقتضى الأصل في بعضه، والاطلاقات في الجميع، خصوصا في مثل المتبرع به
من اليومية، والمعاد منها تحصيلا للإمامة أو المأمومية أو للاحتياط، لقرب انسياقها إلى
الذهن منها، وليس المراد التعميم في المتن وما شابهه من عبارات الأصحاب قطعا، إذ
قد عرفت عدم مشروعية الجماعة في النافلة عندنا، بل المراد الجنسية التي تتحقق بالعيدين
والاستسقاء والمعادة والمتبرع بها والمحتاط فيها بعضها ببعض وبركعتي الطواف المندوب
بها وباليومية الندبية، بناء على جواز الجماعة فيها وإن كان لا يخلو من منع، بل في
الذكرى أنه يجوز اقتداء المتنفل بمثله في الإعادة إذا كان في المأمومين مفترض.
أما لو صلى اثنان فصاعدا فرادى أو جماعة ففي استحباب إعادة الصلاة لهم
جماعة نظر، من شرعية الجماعة، ومن أنه لم يعهد مثله، فالنهي عن الاجتماع في النافلة
يشمله، وهو جيد، بل في التذكرة (الوجه منع صحة صلاة المتنفل خلف مثله إلا في
مواضع الاستثناء كالعيدين المندوبين والاستسقاء) وظاهره عدم جواز الإعادة بالإعادة
من صوره فضلا عن غيرها وإن كان الأقوى خلافه.
(و) أما (المفترض بالمتنفل) فلا خلاف فيه أيضا نقلا وتحصيلا، بل في الخلاف
وظاهر التذكرة والمنتهى الاجماع عليه، والنصوص (1) بعد الأصل والاطلاقات دالة
على بعض صوره، وهي اقتداء المؤدي فرضه بمن أعاد تحصيلا لفضيلة الجماعة، وأما باقي
الصور كاقتداء مصلي اليومية أداء أو قضاء بالمتبرع عن غيره أو المحتاط وبالناذر للنافلة
وبركعتي الطواف الواجب، أو ذي النافلة المنذورة بمصلي اليومية ندبا لإعادة أو تبرع
أو احتياط وبالمتنفل نافلة يجوز الجماعة فيها كالغدير على قول، أو من نذر العيدين
والاستسقاء والغدير بغير الناذر فلم أجد بها نصا بالخصوص، لكنه مقتضى إطلاق
الأدلة وإن كان بعضها محلا للنظر والتأمل، كالنافلة المنذورة ولو الغدير باليومية كما

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة
245

سمعته سابقا، ولعله إلى هذه الأماكن في هذه الصورة وما تقدمها أشار المصنف بقوله:
(في أماكن) معلقا له بقوله: (يجوز).
ثم قال: (وقيل) بجواز الائتمام (مطلقا) أي كل متنفل بكل مفترض ومتنفل
وكل مفترض بكل مفترض ومتنفل بعد توافق النظم، لكنه مجهول القائل، مبناه
جواز الاجتماع في النوافل الذي قد عرفت بطلانه بما لا مزيد عليه، على أنه لو سلم
فلا يقتضي جواز الاقتداء في الفرائض بها أو بالعكس، بل أقصاه بعضها ببعض،
فلا ريب حينئذ في أن الأقوى الاقتصار على ما سمعت من الصور التي يمكن استخراجها
من الأدلة لا مطلقا، بل في التذكرة أن الأقرب عندي منع اقتداء المفترض بالمتنفل
إلا في صورة النص، وهو ما إذا قدم فرضه، وإن كان النظر فيه واضحا بالنسبة إلى
بعض الصور المتقدمة، ولعله لا يريد ما يشملها، نعم ما فيها - من أن الأقرب منع
صحة صلاة الجمعة خلف متنفل بها كالمعذور إذا قدم ظهره، أو خلف مفترض بغيرها
مثل من يصلي صبحا قضاء أو ركعتين منذورة - لا يخلو من وجه، مع أنه قال في
الذكرى - بعد أن حكى ذلك عن الفاضل وذكر أنه يتصور فيما إذا خطب وانقضى
العدد ثم تحرم واحد بصلاة واجبة فاجتمع العدد سواء كان المتحرم الخطيب أو غيره إن
جوزنا مغايرة الإمام للخطيب - قال: (وفي هذا المثال مناقشة، لأن الظاهر إذا اجتمع
العدد بعد الخطبة وجوب الجمعة وفساد صلاة المتلبس بها إذا كانت ظهر اليوم، نعم لو
كان قد صلى الظهر وتلبس بالعصر ثم حضر العدد أمكن أن يقال بصحة الفرض، وأبلغ
منه في الصحة أن يكون مسافرا أو أعمى وقد صلى فرضه وشرع في آخر واجتمع
العدد) انتهى، ولتمام البحث في تنقيح ذلك والحكومة بينهما مقام آخر.
(ويستحب أن يقف المأموم عن يمين الإمام) لا خلفه ولا يساره (إن كان
رجلا واحدا) على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل في المنتهى (أنه مذهب
246

أكثر أهل العلم) بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل عن المعتبر إلى العلماء، مشعرين
بدعوى الاجماع عليه، بل في الخلاف (أن عليه إجماعنا وجميع الفقهاء إلا النخعي
وسعيدا) وفي المنتهى (لو وقف المأموم الواحد عن الخلف أو الشمال والمتعدد عنه وعن
اليمين جاز على كراهة إجماعا) ونحوه ما في التذكرة لكن مع ترك الخلف في معقد
إجماعها (وخلفه) لا يمينه ولا يساره (إن كانوا جماعة) على المشهور بين الأصحاب
أيضا كذلك، بل في التذكرة نفي الخلاف فيه، كما عن المنتهى وإرشاد الجعفرية الاجماع
عليه، وفي الخلاف (إذا وقف اثنان عن يمين الإمام ويساره فالسنة أن يتأخرا خلفه)
مستدلا على ذلك باجماع الفرقة، خلافا لظاهر المحكي عن أبي علي من إيجاب الموقف
المزبور في الواحد والجماعة في صحة الصلاة، ولم أجد من وافقه عليه، بل ولا من حكي عنه
عدا ما في مفتاح الكرامة أنه قد يلوح من الجمل والعقود وجمل العلم والعمل وجوب
الوقوف عن اليمين، مع أن الذي أظنه إرادتهم الندب وإن عبروا بما ظاهره الوجوب
خصوصا من مثل القدماء في المعروف استحبابه، بل يمكن دعوى إرادة أبي علي الكراهة
من قوله: (لا يجوز صلاته لو خالف) كما هو ديدن القدماء في التعبير عنها بمثله.
ومع ذلك كله فقد أنكر في الحدائق على الأصحاب مبالغا في إظهار العجب
وإساءة الأدب تمسكا بظاهر الأمر بقيام الواحد عن اليمين والأكثر خلفا في النصوص
المستفيضة التي فيها الصحيح والحسن وغيرهما، قال أحدهما (عليهما السلام) في صحيح
ابن مسلم (1): (الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه، فإن كانوا أكثر من
ذلك قاموا خلفه) والصادق (عليه السلام) في الحسن لزرارة (2) في حديث (نعم
ويقوم الرجل عن يمين الإمام) جواب سؤاله (عن الرجلين يكونان جماعة) وليت

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
247

شعري ما أدري إنكاره على من حصل الاجماع على إرادة الندب من هذه الأوامر التي
ليست بصيغها، بل يمكن دعوى ظهورها هنا في مطلق الطلب في مثل هذه الأخبار
الخارجة من بين أيديهم، أو على من كان المنقول منه حجة عنده.
على أنه مع الاغضاء عن ذلك يمكن استفادة الندب منها بمعونة الشهرة العظيمة
المعتضدة بالاطلاقات الكثيرة، ومرفوع علي بن إبراهيم الهاشمي (1) المروي في الكافي
قال: (رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يصلي بقوم وهو إلى زاوية في بيته بقرب
الحائط وكلهم عن يمينه وليس على يساره أحد) واحتمال إرادة الخلف الذي على جهة
اليمين منه بعيد جدا، خصوصا وأخبار الخصم بمثل هذه العبارة، وإطلاق خبري
أبي الصباح (2) وموسى بن بكر (3) عن الكاظم والصادق (عليهما السلام) (عن
الرجل يقوم في الصف وحده فقال: لا بأس إنما يبدو الصف واحد بعد واحد) وصحيح
سعيد الأعرج (4) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد
في الصف مقاما أيقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال: نعم لا بأس يقوم بحذاء
الإمام) وخبر السكوني (5) عن أبي جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: (قال
أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تكونن في
العثكل، قلت: وما العثكل؟ قال: أن تصلي خلف الصفوف وحدك، فإن لم يمكن
الدخول في الصف وقام حذاء الإمام أجزأه، فإن هو عاند الصف فسدت عليه صلاته)
ضرورة ظهوره كسابقه والمرفوع المتقدم في عدم وجوب القيام خلف الإمام مع فرض

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6
(2) الوسائل الباب 57 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 4 - 3
(3) الوسائل الباب 57 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 4 - 3
(4) الوسائل الباب 57 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 4 - 3
(5) الوسائل الباب 58 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 عن السكوني عن
جعفر عن أبيه عليهما السلام الخ
248

تعدد المأمومين، كظهور الأولين قبلهما في عدم وجوب قيام الواحد عن اليمين، مضافا
إلى إمكان دعوى إيماء التعليل في خبر أحمد بن رباط (1) عن الصادق (عليه السلام)
إلى الندب في الجملة أيضا، قال: (قلت له: لأي علة إذا صلى اثنان صار التابع على
يمين المتبوع؟ قال: لأنه إمامه، وطاعة للمتبوع، وإن الله جعل أصحاب اليمين المطيعين
فلهذه العلة يقوم على يمين الإمام دون يساره).
خصوصا بعد تعارف مثل هذه التعليلات للمندوبات، كايماء الأمر بالتحويل
من اليسار إلى اليمين في أثناء الصلاة في خبري ابني سعيد (2) وبشار (3) إلى الصحة،
ضرورة أنه لو كان القيام إلى اليمين شرطا في الصحة كما يدعيه الخصم لاتجه الأمر
بالاستئناف ولم يجز التحويل، قال في أولهما: (عن أحمد بن محمد في الصحيح ذكر الحسين
ابن سعيد أنه أمر من يسأله عن رجل صلى إلى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا
يعلم ثم علم وهو في صلاته كيف يصنع؟ قال: يحوله عن يمينه) وقال في ثانيهما: (أنه
سمع من يسأل الرضا (عليه السلام) عن رجل صلى إلى جانب رجل فقام عن يساره
وهو لا يعلم كيف يصنع ثم علم وهو في الصلاة؟ قال: يحوله إلى يمينه) فيبقى حينئذ
احتمال الوجوب التعبدي الذي لا يقوله الخصم، ويمكن نفيه بالأصل وغيره.
على أنه قد يبعد الوجوب أيضا زيادة على ما سمعت وعلى السيرة والطريقة إغفال
التعرض في الأدلة لما هو الغالب من فروعه، كتجدد التعدد أو الاتحاد في الأثناء، وأنه
هل يتقدم الإمام عليهما أو يتأخران هما عنه في الأول، أو يتأخر الإمام إليه أو يتقدم
هو إلى الإمام في الثاني، ولو فرض التعذر فهل يجب الانفراد أو يغتفر، ولو كان المأموم
واحدا ثم جاء آخر فهل يقف خلف أولا وينوي ثم يتأخر إليه المأموم أو أنه يتأخر

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2
249

القديم أولا ثم ينوي الجديد، إلى غير ذلك، واحتمال جريان مثله على تقدير الندب
أيضا يدفعه معلومية تفاوت حال الوجوب والندب، وأنه يكتفى في إثبات الثاني بما لا
يكتفى به في الأول بأن يقال إنه يومي تحويل الإمام من كان على يساره إلى يمينه وعدم
تحويله نفسه إلى الحكم في بعض ما ذكرنا، كاستحباب انتقال المأموم إلى اليمين عند
عروض الاتحاد له بعد أن كان متعددا، وبه صرح في المنتهى، بل واستحباب تأخره
عنه عند عروض التعدد كما صرح به أيضا في الكتاب المزبور والبيان، ولا فرق بين
سبق إحرام الجديد أو تأخر القديم على الظاهر، كما أنه من الواضح عدم وجوب نية
الانفراد عندنا مع التعذر، لكون الحكم مندوبا وتركه مكروها، لما سمعته من إجماع
المنتهى، بل منه ومن غيره أيضا بل ومن النصوص أيضا يظهر إرادة الأكثر من واحد
من الجماعة هنا كما صرح به بعضهم، والصبي كالبالغ في هذه الأحكام بناء على شرعية
عباداته، فلو اجتمع معه رجل تأخرا، وإن اتحد وقف عن يمين الإمام كما أشارت إليه
النصوص (1) أيضا.
ثم لا يخفى أنه لا منافاة بين ما سمعته هنا من استحباب قيام الجماعة خلف وبين
ما ذكره الفاضل من استحباب قيام الإمام وسطا ليتساوى نسبته إلى المأمومين ليتمكنوا
من المتابعة، ولما رواه الجمهور (2) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (وسطوا
الإمام وسدوا الخلل) ضرورة إرادة ما لا ينافي الخلف من الوسط.
نعم قد يناقشون بعدم صلاحية ما ذكروه دليلا لاثباته فضلا عن أن يعارض
ما دل على استحباب اليمين، وخصوص مرفوع علي بن إبراهيم الهاشمي (3) المتقدم سابقا
خصوصا لو أريد منه جهة اليمين وإن كانوا خلفه، وحمله على الضرورة كما في الذكرى

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 6
(2) كنز العمال ج 4 ص 133 الرقم 2906
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 6
250

لا داعي له، ومن هنا أنكر في الحدائق استحباب ذلك عليهم، ولا بأس به لولا التسامح
في المستحب، ويمكن القول باستحباب كل منهما، فيخرج اليسار حينئذ خاصة، فتأمل.
هذا كله في المأموم الرجل، وأما الأنثى ولو متعددة فالمشهور بين الأصحاب
كما في المفاتيح استحباب وقوفها خلفه، وإليها أشار المصنف بقوله: (أو امرأة) عاطفا
له على الجماعة كما هو خيرة النافع والمدارك والذخيرة والمفاتيح وظاهر الدروس والرياض
للأمر به في خبر أبي العباس (1) سأل الصادق (عليه السلام) (عن الرجل يؤم المرأة،
في بيته، قال: نعم تقوم وراءه) ومرسل ابن بكير (2) أيضا (في الرجل يؤم المرأة،
فقال: نعم تكون خلفه) ومضمر القاسم بن الوليد (3) (سألته عن الرجل يصلي مع
الرجل الواحد معهما النساء، قال: يقوم الرجل إلى جنب الرجل، ويتخلفن
النساء خلفهما) وغيرها، حتى قول الباقر (عليه السلام) (4): (المرأة والمرأتان صف
والثلاث صف) فإنه كالأمر السابق المحمول على الندب إن قلنا بعدم حرمة المحاذاة،
وإلا فعلى الوجوب كما عن التذكرة والذكرى والروض والمدارك والرياض وغيرها،
لكن قد يناقشون بأنه لا تلازم بين المسألتين، إذ الجماعة هيئة توقيفية متلقاة من
الشارع وقد وردت عنه بهذه الكيفية الخاصة، ولا معارض لها، إذ لا إشعار فيما استفيد
منه الكراهة هناك بما يشمل الجماعة، ولو فرض إطلاقه وجب تقييده بما هنا، خصوصا
مع أمر الكاظم (عليه السلام) المرأة التي صلت حيال الرجال مؤتمة به بخيال أنه العصر
فبان ظهرا في صحيح علي بن جعفر (5) المتقدم سابقا بالإعادة التي لا وجه لها إلا المحاذاة
إذ حمله على الندب كما سمعته فيما سبق موقوف على المعارض، وليس إلا حمل أخبار

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 4 - 3
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 4 - 3
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 4 - 3
(4) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 8
(5) الوسائل الباب 53 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
251

المحاذاة على الكراهة، لمكان التعارض فيها، وفيه أن التأخر هنا لا للمحاذاة بل لهيئة
في الجماعة، اللهم إلا أن يثبت إجماع مركب على عدم الفرق بين الفرادى والجماعة فيها
كما عساه يظهر من الفاضل والشهيدين وغيرهما ممن بنى المسألة هنا على تلك، بل في مفتاح
الكرامة عن الغنية والتحرير وظاهر التذكرة الاجماع على عدم الفرق بين الجماعة والفرادى
إلا أني لم أجده في ثانيها، بل قد يشك في أصل ثبوته أيضا، فيتجه حينئذ حمل الأوامر
هنا على الندب، بل في صريح منتهى العلامة وعن ظاهر معتبر المصنف الوجوب هنا مع
اختيارهما الكراهة هناك، اللهم إلا أن يكون ذلك رجوعا منهما، كما عساه يشهد له
بعض الأمارات في كلام الأول منهما لا أنه قول بالفصل، وفيه بحث، بل قد يظهر فيما
يأتي من كلام المصنف - من وجوب تأخر النساء عن الرجال لو جاءوا إلى الجماعة في
الأثناء حتى حكي عن معتبر المصنف الاجماع عليه - مدخلية الجماعة في الجملة في هذا
التأخير، وأنها غير مبتنية على مسألة المحاذاة التي فتوى المصنف وغيره بل لعله سائر
المتأخرين على الكراهة فيها.
لكن ومع ذلك فالذي يقوى في النظر الندب هنا بناء على الكراهة هناك،
عملا بالأصل وإطلاقات الجماعة المعتضدة بالشهرة المحكية، بل الاجماع المركب، وباطلاق
الأخبار الدالة على جواز المحاذاة التي بسببها قيل بالكراهة هناك مع قصور أخبار المقام
عن إفادة الوجوب سندا أو دلالة، خصوصا بعد ملاحظة العطف أو كالعطف في بعضها
على المندوب أو عطفه عليها، والأمر بتأخرهن عن غير الإمام المحمول على الندب بناء
على الكراهة في تلك المسألة، ومعلومية إرادة الندب من مثل هذه العبارة في المأموم
المتحد والمتعدد إذا كان ذكرا، واستبعاد الاكتفاء في إيجاب ذلك بمثل ذلك بعد حكمهم
(عليهم السلام) بكراهة المحاذاة في غير الجماعة، وغير ذلك، والأمر بالإعادة في الصحيح
252

المزبور (1) لعله لأحد الوجوه السابقة، أو لوجوب التأخر في الجملة في أصل الجماعة كما
سمعته سابقا من الحلي أو لغير ذلك، بل قد يقال بالندب هنا وإن قلنا بحرمة المحاذاة
هناك بناء على إرادة المساواة منها لا ما يشمل تقدم الإمام في الجملة للمعتبرة (2) المستفيضة
المذكورة هناك الدالة على الصحة مع تقدم الإمام بصدره أو بحيث يكون سجود المرأة
مع ركوعه أو بمقدار شبر، فيكون المندوب هنا كونها خلف الإمام في جميع أحوال
الصلاة من ركوع أو سجود، كما هو ظاهر قوله (عليه السلام): تكون أي المرأة وراءه
وخلفه، وصحيح الفضيل بن يسار (3) (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أصلي
المكتوبة بأم علي، قال: نعم، قال تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك)
ودونها في الفضل اجتماع سجودها مع ركبتيه، لقوله (عليه السلام) أيضا في صحيح
هشام بن سالم (4): (الرجل إذا أم المرأة كانت خلفه عن يمينه، سجودها مع ركبتيه)
ودونهما غيرهما، بل لا استحباب فيه وإن كان مجزيا، بل قد يقال ذلك أيضا في الثاني
كما هو ظاهر اقتصار الأصحاب على استحباب الخلف، وإن كان هو مدلول صحيح
هشام السابق الذي يستفاد منه ومن سابقه أيضا استحباب كونها على جهة اليمين في
الخلف لا اليسار أو غيره، خصوصا بعد ما قيل ردا على المفاتيح حيث استدل بصحيح
هشام على استحباب اليمين إن قوله: (عن يمينه) إلى آخره، في الصحيح المزبور من
كلام الصدوق ليس من صحيح هشام، ولذا لم يذكره في الوافي، لكن رواه في الذخيرة
كما سمعت، والأمر سهل.

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب مكان المصلي الحديث 1 و 9 والباب 6 منها
الحديث 2 و 3 و 5
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(4) الوسائل الباب 5 من أبواب مكان المصلي الحديث 9
253

(ولو كان الإمام امرأة وقف النساء إلى جانبيها) ولا تتقدمهن كالرجل في
جماعة الرجال وإن كثرن بل تقوم وسط الصف بينهن بلا خلاف أجده فيه بين القائلين
بإمامة النساء كما اعترف به في التذكرة والرياض، بل في المنتهى وعن المعتبر إجماعهم
عليه للأخبار المستفيضة (1) فيه باللفظ المتقدم حد الاستفاضة، وفيها الصحيح وغيره،
بل ظاهرها جميعها وجوب ذلك وحرمة التقدم، إلا أني لم أجد أحدا صرح به وإن
أوهمته بعض العبارات المشتملة على الأمر به كالروايات، بل التأمل الصادق في كلماتهم
يعطي إرادتهم الندب منه كما صرح به غير واحد، بل قد يظهر من الرياض أنه من
معقد نفي خلافه، وما حكاه من إجماع الفاضلين كغيره ممن حكى ذلك أيضا، ولعله
كذلك، لانصراف النهي فيها إلى رفع الوجوب أو الندب باعتبار وروده في مقام
توهمهما، والأمر إلى إرادة الندب، لتبادر إرادة ما أريد منه في كيفية جماعة الرجال
مؤيدا بفتوى الأصحاب نصا وظاهرا كما عرفت، وبالأصل وإطلاقات الجماعة، وغير
ذلك، كما أن المنساق من الأمر بالوسط هنا إرادة عدم التقدم المذكور في جماعة الرجال
لا بحيث ما يشمل التقدم في الجملة، وإن كان هو الذي يوهمه ظاهر النص والفتوى،
وعليه فيحتاج الحلي إلى تخصيص اشتراط تقدم الإمام في الجملة في صحة الصلاة بغير
جماعة النساء، كما أنه يحتاج إلى ذلك أيضا من جعله مندوبا لا واجبا.
والذي يقوى في النظر إرادة ما ذكرنا من النص والفتوى حتى ما صرح فيها
بعدم بروزها عن الصف فيراد بروزها تماما في جميع أحوال الصلاة عن تمام أبدان النساء
كالنهي (2) عن أن تتقدمهن، فتأمل جيدا.
ولو كان المأموم رجلا وامرأة وقف الرجل إلى يمين الإمام والمرأة خلفهما،
ولو كانوا أكثر من رجل وامرأة فصاعدا وقف الرجال خلف الرجال ثم النساء خلف

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة
254

الرجال، ولو كان خنثى مشكلا سقطت الجماعة بناء على وجوب وقوف الرجل على
اليمين والمرأة خلف، لتعذر الاحتياط هنا كتعذر تحصيل الوظيفة بناء على الاستحباب
وإن كان الأولى حينئذ وقوفها خلف تجنبا عن حرمة المحاذاة التي هي أقوى من القول
بوجوب الموقف المزبور، ولو كان رجلا وخنثى تعذر الاحتياط مع مراعاة الوظيفة،
وإن كان المتجه وقوف الرجل إلى يمين الإمام، لعدم ثبوت تعدد الذكر، ووقفت
الخنثى خلف، لاحتمال أنها امرأة، بل لا يجزيها إلا ذلك بناء على حرمة المحاذاة
ومراعاة البراءة اليقينية، ولو كان رجل وامرأة وخنثى فسيأتي الكلام فيه عند تعرض
المصنف له، كما أنه يأتي تمام البحث في كيفية موقف النساء إذا اجتمعت مع الرجال،
ووجوب تأخرهن عنهم لو جاءوا في الأثناء عند تعرض المصنف له أيضا، والله أعلم.
(وكذا لو صلى العاري بالعراة) لعدم سقوط استحبابها عنهم إجماعا محصلا
ومحكيا في المختلف والمنتهى والذكرى، بل في الأخيرين التصريح بالنساء أيضا،
ونصوصا (1) مضافا إلى الأصل وإطلاق الأدلة، فما في ظاهر المحكي عن المقنع من
وجوب الفرادى عليهم لا ينبغي أن يصغى إليه، كما أنه يجب حمل مستنده مما في خبر
أبي البختري (2) عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) في العاري (فإن كانوا جماعة
تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى) على التقية كما قيل، أو غير ذلك، فإذا
أرادوا الجماعة حينئذ (جلس) الإمام (وجلسوا في سمته) كما في الوسيلة والنافع والمنتهى
والدروس والمدارك والرياض وعن النهاية والمعتبر، بل قيل وعن الجامع والاصباح أيضا
بل في السرائر والمنتهى الاجماع عليه، بل عن المعتبر نسبته إلى أهل العلم والثلاثة
وأتباعهم (ولا يبرز إلا بركبتيه) كما صرح به غير واحد من الأصحاب، كل ذلك

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب لباس المصلي الحديث 1
255

لصحيح ابن سنان (1) عن الصادق (عليه السلام) سأله (عن قوم صلوا جماعة وهم
عراة، فقال: يتقدمهم الإمام بركبتيه، ويصلي بهم جلوسا وهو جالس) وظاهره
كالفتاوى ومعاقد الاجماعات عدم الفرق هنا بين أمن المطلع وعدمه كما صرح به بعضهم
ناسبا له إلى المشهور، وآخر إلى مقتضى النص وفتوى الأكثر، بل كاد يكون صريح
معقد إجماع السرائر بل وغيرها، وهو الأقوى، للزوم الفرض خوف الاطلاع كما
اعترف به في الذكرى وإن كانوا في سمت واحد، ولظاهر الصحيح السابق والموثق
الآتي (2) السالمين عن معارضة الأخبار (3) المفصلة بذلك، ضرورة ظهورها في الواحد
ولئن سلم إطلاق بعضها وجب تقييده بهما، كاطلاق ما دل على القيام في الصلاة.
فما عن بعضهم من التفصيل هنا أيضا بأمن المطلع وعدمه كالمفرد ضعيف لم أعرف
ما يشهد له صريحا في النصوص، كما أني لم أعرف قائله بالخصوص عدا البيان وإن حكاه
في المدارك والذخيرة، ولعلهما أراداه أو أخذاه من إطلاق بعضهم، أو من المحكي عن
موضع من النهاية (يقف معهم في الصف).
وكيف كان فضعفه ظاهر كظهور ضعف ما في الوسيلة، والمنتهى والدروس
وعن النهاية، بل قيل والجامع والاصباح، بل عن معتبر المصنف الميل إليه من وجوب
السجود والركوع على المأمومين والايماء على الإمام، للأصل وإطلاق ما دل على وجوبهما
في الصلاة، وقول الصادق (عليه السلام) في الموثق (4): (يتقدمهم إمامهم فيجلس
ويجلسون خلفه، فيومي إيماء بالركوع والسجود، وهم يركعون ويسجدون خلفه على

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب لباس المصلي الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب لباس المصلي الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 50 من أبواب لباس المصلي الحديث 3 و 5 و 7
(4) الوسائل الباب 51 من أبواب لباس المصلي الحديث 2
256

وجوههم) وأمن المطلع بالنسبة إليهم باعتبار تضامهم وتلاصقهم، بخلاف الإمام لتقدمه
عليهم وكونهم خلفه كما هو مفروض الموثق.
خلافا لصريح جماعة وظاهر آخرين، فالايماء للجميع، بل في السرائر الاجماع
عليه، لفحوى ما دل عليه (1) في المنفرد إن لم نقل بشمول إطلاق بعضه له، خصوصا
مع فهم العلة فيه أنه العراء، بل قد يدعى أولوية المأموم المجتمع مع غيره منه، بل في
حسنة زرارة بإبراهيم (2) تعليل النهي عن السجود والركوع بأنه يبدو ما خلفهما الظاهر
في عدم الفرق في ذلك بين المنفرد والجماعة وإن كان مورده فيها الأول لكن من المعلوم
أنه لا يخصه، ولا ريب في رجحانها على الموثق المزبور سندا بل ودلالة كما عن نهاية
الإحكام الاعتراف بأنه مؤل، لاحتماله كما قيل إرادة ركوعهم وسجودهم على الوجه
الذي لهم، وهو الايماء، ولوجوب تقييده بأمن المطلع، وإلا فاحتمال الاطلاق بعيد،
بل ينبغي القطع بعدمه، بل لا يقوله الخصم كما يومي إليه كلام الفاضل منهم، وحينئذ
يتجه بناء عليه الركوع والسجود للصف الآخر والايماء لغيرهم كما اعترف به في الذكرى
لأمن الأول المطلع دون الثاني، وهو كيفية غير معهودة. كما أنه قد يشكل أيضا بما في
الذكرى من أن المطلع هنا إن صدق وجب الايماء للجميع، وإلا وجب القيام، وإن كان
قد يجاب عنه بأن التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار الاطلاع بخلاف القيام، فكان
المطلع موجودا حال القيام وغير معتد به حال الجلوس، فتأمل، بل واعتضادا بالاجماع
المحكي الذي يشهد له إطلاق كثير من الفتاوى كما قيل، بل واعتبارا ضرورة اقتضاء
الموثق المزبور كمالية صلاة المأموم دون صلاة الإمام، بل قد يدعى إمكان تصيد منعه
من الأدلة، فتأمل، بل في الذكرى (يلزم من العمل بالموثق أحد أمرين، إما اختصاص
المأمومين بهذا الحكم، وإما وجوب الركوع والسجود على كل عار إذا أمن المطلع،

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب لباس المصلي الحديث 1 - 6
(2) الوسائل الباب 50 من أبواب لباس المصلي الحديث 1 - 6
257

والأمر الثاني لا سبيل إليه، والأمر الأول بعيد) وهو جيد مضافا إلى ما في استبعاد
اختصاص الإمام بالايماء مع أنه يستحب أو يجب عليه القيام في وسطهم، ومعه يكون
آمنا من اطلاعهم، بل حاله كحالهم، واحتمال اختصاص الايماء بما إذا كان جلوسهم
خلف خلاف ظاهر الخصم بل والموثق أيضا الظاهر في وجوب الايماء على الإمام
وجلوسهم خلف، وهو مضعف آخر للموثق الآخر (1) ضرورة استحباب الوسط كما
هو ظاهر الكتاب والقواعد وعن غيرهما، أو الوجوب كما هو ظاهر الجمل والعقود
والوسيلة والمنتهى والذكرى وعن المراسم والمعتبر ونهاية الاحكام والروض والذكرى
وغيرها، بل هو معقد النسبة إلى أهل العلم في المعتبر والمنتهى كما قيل، وإن كان الأقوى
في النظر الأول للأصل وإطلاقات الجماعة، والجمع بين الصحيح والموثق بناء على إرادة
الخلف حقيقة منه لا التأخر في الجملة، بل قد يدعى إرادة الاستحباب أيضا من أولئك
أيضا وإن عبروا بما ظاهره الوجوب، لكن بقرينة المقام وذكرهم البروز بركبتيه المعلوم
استحبابه كما قيل حتى على مذهب الحلي الذي أوجب التقدم في الجملة يقوى إرادة
الندب من ذلك، خصوصا في مثل عبارات القدماء التي هي كالأخبار، بل والمتأخرين
في مثل هذه المقامات المعدة لبيان الوظائف، فتأمل جيدا.
ثم الايماء إنما هو بالرأس، لأنه المنساق، ولحسن زرارة (2) (ويجعل سجوده
أخفض من ركوعه) كما في خبر أبي البختري (3) وتمام البحث وما يتعلق به من
الفروع كصورة التعذر بالرأس ووجوب الاعتماد على الركبتين والابهامين عند إرادته

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب لباس المصلي الحديث 6
(2) الوسائل الباب 50 من أبواب لباس المصلي الحديث 6 ولكن ليس
فيه الجملة المذكورة وإنما هي في الفقيه ج 1 ص 296 مرسلا مقطوعا
(3) الوسائل الباب 52 من أبواب لباس المصلي الحديث 1
258

خصوصا للسجود وغير ذلك تقدم في اللباس، إذ الظاهر اشتراك الفرادى والجماعة في
هذه الأحكام، والله أعلم.
(ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته) التي صلاها (إذا وجد من يصلي تلك
الصلاة جماعة إماما كان أو مأموما) بلا خلاف كما في الحدائق وعن غيرها، بل في
المنتهى والمدارك والذخيرة والمفاتيح الاجماع عليه، لصحيح هشام (1) عن الصادق
(عليه السلام) (في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة، قال: يصلي معهم ويجعلها
الفريضة إن شاء) وزرارة (2) عن الباقر (عليه السلام) (لا ينبغي للرجل أن يدخل
مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة، بل ينبغي أن ينويها وإن كان قد صلى، فإن له
صلاة أخرى) وموثق عمار (3) سأل الصادق (عليه السلام) (عن الرجل يصلي
الفريضة ثم يجد قوما يصلون جماعة أيجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال: نعم، وهو
أفضل، قلت: فإن لم يفعل، قال: ليس به بأس) وخبر أبي بصير (4) قال له عليه السلام
أيضا: (أصلي ثم أدخل المسجد فيقام الصلاة وقد صليت، فقال: صل معهم، يختار
الله أحبهما إليه) وخبر حفص بن البختري (5) عنه (عليه السلام) أيضا (الرجل يصلي
الصلاة وحده ثم يجد جماعة، قال: يصلي معهم ويجعلها الفريضة) وصحيح ابن بزيع (6)
كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) (أني أحضر المساجد مع جيرتي وغيرهم فيأمرونني
بالصلاة بهم وقد صليت قبل أن آتيهم وربما صلى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف
والجاهل فأكره أن أتقدم وقد صليت لحال من يصلي بصلاتي ممن سميت لك فأمرني في
ذلك بأمرك أنتهي إليه وأعمل به إن شاء الله، فكتب صل بهم) والحلبي (7) عن
الصادق (عليه السلام) (إذا صليت صلاة وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة فإن شئت

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 9 - 10 - 11 - 5 - 8
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 9 - 10 - 11 - 5 - 8
(3) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 9 - 10 - 11 - 5 - 8
(4) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 9 - 10 - 11 - 5 - 8
(5) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 9 - 10 - 11 - 5 - 8
(6) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 9 - 10 - 11 - 5 - 8
(7) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 9 - 10 - 11 - 5 - 8
259

فأخرج وإن شئت فصل معهم وأجعلها تسبيحا).
واحتمال إرادة إعادة الصلاة بالمخالفين الذين لا صلاة لهم ومعهم تقية من هذه
الأخبار كلها - كما نص عليه في بعض النصوص، وخصوصا في صيرورته إماما المدلول عليه
بخبر ابن بزيع منها وذيل صحيح زرارة المتقدم الذي لم نذكره بتمامه، ومرسل
الصدوق (1) (قال له رجل: أصلي في أهلي ثم أخرج إلى المسجد فيقدموني، قال:
تقدم لا عليك وصل بهم) - ضعيف جدا مخالف لصريح بعضها وظاهر آخر، والاجماع
المحكي على لسان من عرفت إن لم يكن المحصل، وذكر ذلك في بعض النصوص لا يصلح
شاهدا لتنزيل غيرها عليه كما هو واضح.
نعم صريح بعضها (2) كظاهر آخر استحباب إعادة الصلاة الفرادى، أما صلاة
الجماعة فلا صراحة في شئ منها بها، بل ولا ظهور إماما أو مأموما، ومن هنا تردد
فيه في المنتهى والتذكرة، بل في صريح المدارك اختياره، كظاهر المتن والوسيلة والتحرير
والإرشاد والقواعد وعن المبسوط والنهاية وغيرها مما علق الحكم فيها على المنفرد، بل
في الحدائق أنه المشهور تارة، وأنه الأشهر أخرى، قلت: والأحوط أيضا في العبادة
التوقيفية وإن كان الحكم استحبابيا، خصوصا إذا لم يكن في الجماعة الجديدة مزية على
القديمة بكثرة المأمومين أو فضيلتهم أو فضيلة إمام أو غير ذلك، خلافا للسرائر
والذكرى والدروس والبيان والموجز وكشف الالتباس والروض والمسالك وعن غيرها
فتستحب إماما كان أو مأموما، لاطلاق بعض الأدلة والتعليل في صحيح زرارة (3).
وربما احتمل لفظية النزاع بحمل كلام المانعين على إعادة تلك الجماعة بعينها إماما
ومأموما، والمجوزين على ما إذا حصل غيرهم وأراد الجماعة وإن انضم معهم، كما عساه
يومي إليه ما في البيان (يستحب للمنفرد إعادة صلاته إذا وجد من يصلي معه إماما كان

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 1 - 2
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 1 - 2
(3) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 1 - 2
260

أو مأموما، والأقرب استحباب ذلك لمن صلى جماعة، واسترسال الاستحباب، نعم
لو صلى جماعة لم يستحب له إعادتها إذا لم يأت مبتدئا بالصلاة، فلو أتى مبتدئا استحب
لإمامهم أو لبعضهم أن يؤمه أو يأتم به، واستحب للباقين المتابعة) بل قد يظهر من
الروض أنه لا إشكال فيه مع الفرض المزبور، لكن التأمل الصادق شاهد بمعنوية
النزاع، ضرورة ظهور كلام المانع في المنع مطلقا.
نعم وقع خلاف بين القائلين بالجواز فبين مطلق له كالسرائر وغيرها وبين
خاص بما إذا جاء مبتدئا كوقوعه بالنسبة إلى التكرير ثلاثا فما زاد، فقرب منعه في
التذكرة بعد أن استشكله، وجوزه في الذكرى والبيان والمسالك وظاهر الروض وعن
الميسية وغيرها، للاطلاق المزبور أيضا، وهو قوي جدا، خصوصا مع ملاحظة قاعدة
التسامح التي لم نخصها بما كان كليه مستحبا كالذكر ونحوه، ولا بما إذا صرح بالنهي
التشريعي فيه، على أن الأخير غير ثابت في المقام من طرقنا، بل لعل الثابت خلافه
بملاحظة قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن
شاء استكثر) وما جرت عليه عادة العلماء من قضاء سائر صلواتهم والوصية بها بعد
موتهم المعلوم أولوية الإعادة منه.
بل ربما يستفاد من ذلك ومن قوله عليه السلام في صحيح زرارة (2) السابق: (فإن له صلاة
أخرى) وقوله عليه السلام (3): (يختار الله أحبهما إليه) و (اجعلها تسبيحا) (4) وغيرها
استحباب الإعادة مطلقا فرادى وجماعة مكررا لها ما شاء إن لم ينعقد إجماع على خلافه
خصوصا إذا كان مع قيام احتمال الفساد في الفعل السابق الذي لا ينفك عنه غالبا أكثر
الناس، وإن كان قضية ما ذكرناه الاستحباب وإن لم يحتمل كصلاة المعصوم، أو لم يأت

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 10 - 8
(3) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 10 - 8
(4) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 10 - 8
261

إلا بعين ما جاء به أولا، وبالجملة يمكن دعوى النفل في الفرائض بعد فعلها، فله فعل
ما شاء، إلا أن الجرأة عليه صعبة خوفا من انعقاد الاجماع على خلافه، وإن كان قد
يستأنس لعدمه بما سمعته من الشهيد من استحباب التكرير المزبور، ضرورة إمكان
دعوى عدم الفرق، بل قد يقال: إنه منفرد لو أعادها إماما إذا لم ينو الإمامة التي لا يجب
عليه نيتها، ودعوى الوجوب عليه هنا لانتفاء سبب المشروعية بدونها كما عن المحقق
الثاني ممنوعة، وكذا لو عدل المأمومون عن الائتمام به ابتداء فضلا عن الأثناء، إذ
القول حينئذ بانكشاف البطلان مما لا وجه له، إلى غير ذلك من الصور المتصورة هنا
التي يمكن استنباط ما قلناه من استحباب الإعادة مطلقا منفردا أو جماعة متحدا
ومكررا منها.
ومن ذلك كله يعلم الحال فيما لو صلى اثنان فرادى ثم أرادا إعادة الصلاة جماعة
وإن منعه في الذخيرة والكفاية والحدائق إذا لم يكن معهما مفترض للأصل، وجعل
فيه وجهين في الذكرى والمدارك والرياض لذلك وللترغيب في الجماعة، بل الظاهر عدم
الفرق فيما ذكرنا بين الأدائية والقضائية، وبين توافق صلاة المأموم وصلاة الإمام
وتخالفهما، سواء كان في الأداء كظهر وعصر أو في القضاء، لكن الاحتياط في كثير
من هذه الصور لا ينبغي تركه هنا، خصوصا بعد النهي عن الجماعة في النافلة.
ثم إن ظاهر الفتاوى وبعض النصوص السابقة نية الندب في المعادة لو أراد
التعرض للوجه كما صرح به في السرائر والمنتهى والتذكرة والبيان والمدارك والذخيرة
والكفاية وعن المبسوط ونهاية الاحكام ومجمع البرهان، بل عن حاشية المدارك للأستاذ
حكاية روايتين (1) عن غوالي اللآلي صريحتين في الندب، خلافا للذكرى والدروس
وحواشي الشهيد والموجز والروض والمسالك وعن فوائد الشرائع فجوزوا إيقاعها على

(1) المستدرك الباب 43 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 و 4
262

وجه الوجوب، لصحيح هشام السابق (1) وخبر حفص (2) وغيرهما أيضا حتى مرسل
الصدوق (3) (وروي أنه يحسب له أفضلهما وأحبهما) وفيه أنه لا دلالة في غير الصحيح
والخبر المزبور، ضرورة عدم المنافاة بين كونها نافلة واختيار الله لها، بل ولا دلالة فيهما
أيضا، لاحتمال إرادة الأمر بجعلها الفريضة التي أوقعها لا أن المراد انوها الفريضة،
خصوصا مع ملاحظة قواعد المذهب القاضية بعدم انقلاب ما وقع واجبا ندبا التي يقصر
مثلهما عن الحكم بهما عليها، فنية الندب حينئذ أحوط وأقوى، نعم قد يقوى في النظر
الاجتزاء بها إذا تبين فساد الأولى وإن كان قد نوى فيها الندب، لظاهر الأخبار
السابقة التي يخرج بها عن قاعدة عدم إجزاء المندوب عن الواجب، لكن قال الشهيد
(رحمه الله) في الحواشي: إن الفائدة في النزاع المتقدم تظهر لو تبين أن صلاته الأولى
باطلة فإنها تجزيه لو نوى الوجوب، وفيه ما عرفت، فتأمل، والله أعلم.
(و) كذا يستحب أن (يسبح) المأموم (حتى يركع الإمام إذا أكمل
القراءة قبله) كما في النافع والمنتهى والقواعد والتذكرة والذكرى وغيرها، بل في الحدائق
نسبته إلى الأصحاب، للموثق عن عمرو ابن أبي شعبة (4) عن الصادق (عليه السلام)
(قلت له: أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته، قال: فأتم السورة ومجد
الله واثن عليه حتى يفرغ) وآخر عن زرارة (5) عن الصادق (عليه السلام) أيضا
(قلت له: أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ، قال: أبق آية ومجد الله
واثن عليه فإذا فرغ اقرأها واركع) واحتمال حملهما على خصوص الصلاة مع المخالف
كما في المدارك لا داعي له، وإن كان قد ورد (6) نظير ذلك فيه أيضا، إذ القراءة

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 11 - 4
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 11 - 4
(3) الوسائل الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 11 - 4
(4) الوسائل الباب 35 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 1
(5) الوسائل الباب 35 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 1
(6) الوسائل الباب 35 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 و 4
263

كما تكون مع المخالف تكون مع الإمام المرضي في الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة، وفي
غير الأولتين، وفيهما بالنسبة للمسبوق على قول، وغير ذلك.
ودعوى تبادر إرادة القراءة في الأولتين بل الجهرية منهما بقرينة أمر السائل
بابقاء آية إلى عند الركوع المتوقف على علمه بسبقه بها عدا هذه الآية، ولا يكون ذلك
إلا مع سماع القراءة، وإلا فلا سبيل غالبا إلى العلم بسبقه في القراءة بحيث يمسك آية
من قراءته، وهو ليس إلا مع المخالف يدفعها إمكان منعها بأسرها، خصوصا في مثل
الموثق الأول، وخصوصا بعد فتوى الأصحاب، وخصوصا بعد كون الحكم مستحبا،
وخصوصا في مثل التسبيح والتمجيد، وخصوصا بعد ما ورد (1) الأمر به للمأموم في
الاخفاتية معللا بأنه لا يقوم كما يقوم الحمار ساكتا المشعر بكراهية السكوت مع ذلك، بل قد
يستفاد من الأدلة استحبابه للمأموم في جميع أحواله التي لم يكن مشغولا فيها بواجب
حتى في الجهرية المأمور فيها بالانصات كما تقدمت الإشارة إليه سابقا، بل يستفاد من
موثق زرارة السابق استحباب إبقاء آية ليركع عنها، ولا بأس به.
(و) كذا يستحب (أن يكون في الصف الأول أهل الفضل) إجماعا في
الرياض وعن الغنية، كما أنه في الحدائق حكاه عن بعضهم، بل في المنتهى نسبته إلى
عامة أهل العلم لخبر جابر (2) عن الباقر (عليه السلام) (ليكن الذين يلون الإمام
أولوا الأحلام والنهى، فإن نسي الإمام أو تعايا قوموه، وأفضل الصفوف أولها،
وأفضل أولها ما دنا للإمام) ونحوه المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (3) والأحلام

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب 7 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 وذيله
في الباب 8 منها الحديث 1
(3) المستدرك الباب 7 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
264

جمع حلم بالكسر: وهو العقل، ومنه قوله تعالى (1): ((تأمرهم أحلامهم بهذا) والنهى
بالضم جمع نهية كمدية ومدى على ما في الحدائق: العقل أيضا، وتعايا: لم يهتد لوجه مراده
أو عجز عنه ولم يطق إحكامه، لكنهما كما ترى قاصران عن إفادة تمام ما في المتن وغيره
إذا الفضل كما في المدارك وغيرها المزية الكاملة من علم أو عمل أو عقل، وولاء الإمام
أخص من تمام الصف الأول.
فالعمدة حينئذ في الخارج عن مدلولهما الاجماع المحكي معتضدا بالاعتبار المقرر
هنا الحاصل بملاحظة ما ورد (2) في فضل الصف الأول وأنه كالجهاد في سبيل الله،
فيختصون به، لأن الأفضل للأفضل، بل منه قال الشهيد في الذكرى: ليكن يمين
الإمام لأفاضل الصف الأول، لما روي (3) أن الرحمة تنتقل من الإمام إليهم، ثم إلى
يسار الصف، ثم إلى الباقي، والأفضل للأفضل، وفي المضمر (4) (فضل ميامن
الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة الفرد) بل لم أعرف غيره أيضا مما يمكن
استفادة استحباب ما ذكر في الذكرى والروض والرياض وعن الغنية وغيرها من
اختصاص الصف الثاني بمن دونهم وهكذا، وإن نسبه في ظاهر الأخير إلى الاجماع
والنصوص التي لم نعثر على شئ منها سوى ما في الأول من الرواية العامية (5) على
الظاهر عن النبي (صلى الله عليه وآله) (ليليني أولوا الأحلام ثم الذين يلونهم ثم الصبيان
ثم النساء) مع أنها ليست بتلك المكانة من الدلالة على تمام المطلوب، والأمر سهل.

(1) سورة الطور الآية 32
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 2
(3) البحار ج 18 ص 634 من طبعة الكمباني وكنز العمال ج 4 ص 125
الرقم 2695
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 2
(5) كنز العمال ج 4 ص 133 الرقم 2901 و 2904 وليس فيهما " ثم الصبيان
ثم النساء "
265

والظاهر كون ذلك مستحبا في نفسه في الجماعة لا يختص الخطاب به بأهل
الفضل خاصة، بل يشترك فيه باقي المأمومين معهم أيضا بالنسبة إلى تقديمهم ونظم الجماعة
بالنظم المزبور.
ثم لا ريب في ظهور العبارة باستحباب الصف الأول في الجماعة كما دلت عليه
النصوص والفتاوى، بل في الرياض إن إطلاقها يقتضي عدم الفرق في ذلك بين صلاة
الجنازة وغيرها وإن كان قد يناقش فيه بأن الظاهر منها هنا إن لم يكن المقطوع به الثانية
ولذا صرح بعضهم بأن الأفضل الأخير في الأولى، بل في الرياض نفسه أنه ربما
عزي إلى الأصحاب جملة، ولا بأس به للمعتبرة المستفيضة (1) وتمام البحث فيه في محله.
نعم ظاهر الاطلاق عدم الفرق بين جماعة الرجال والنساء مع إمكان دعوى
تبادر الأول، خصوصا بملاحظة بعض النصوص العامية (2) (إن خير جماعتهن أواخرها
وشرها أولها) عكس الأولى، لكن الأولى العمل على الاطلاق الأول.
(و) كيف كان ف‍ (يكره تمكين الصبيان منه) أي الصف الأول كما في القواعد
والإرشاد والروض والمدارك والذخيرة، بل في مفتاح الكرامة نسبته إلى تصريح
الأصحاب، كما أن في الروض إلحاق المجانين والعبيد بهم بذلك، بل فيه وفي المدارك
وعن غيرها إلحاق غير أولي الفضل مع وجودهم أيضا بهم، وزيادة كراهة التأخر لأولى
الفضل عنه أيضا، لكن لم أجد نصا بالخصوص في شئ من ذلك وإن كان يفهم من
الروض وجوده بالنسبة إلى الصبيان، وجعله وجه تخصيصهم في نحو المتن بها، كما أنه
ذكر أن وجه تعميمه لما سمعت البناء على المعنى الأصولي لها، وهو ما رجح تركه وإن
لم يكن بنص خاص، وهو كما ترى مبني على كراهة ترك المستحب، وفيه نظر أو منع،
فتأمل جيدا.

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة
(2) كنز العمال ج 4 ص 133 الرقم 2887
266

(و) كذا (يكره أن يقف) الرجل (المأموم) في صف (وحده) لا لعذر
كضيق ونحوه بلا خلاف معتد به أجد فيه، بل في المدارك الاجماع عليه، للنهي في خبر
السكوني (1) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تكونن في العثكل، قلت: وما العثكل؟
قال: أن تصلي خلف الصفوف وحدك، فإن لم يكن الدخول في الصف قام حذاء الإمام
وأجزأه، فإن هو عاند الصف فسدت عليه صلاته) ولا يقدح فيه عدم وجدان العثكل
بالثاء المثلثة كما عن بعض النسخ أو التاء المثناة من فوق بالمعنى المزبور في اللغة كما عن
المجلسي بعد تفسيره في الخبر نفسه بما سمعته، على أن في مجمع البحرين عن بعض النسخ
(الفسكل) بالفاء والسين المهملة الفرس المتأخر في آخر خيل السباق، وهو مناسب لما نحن
فيه كما لا يخفى، ولمفهوم المرسل عن الدعائم (2) عن الصادق (عليه السلام) (أنه سئل
عن رجل دخل مع القوم في جماعة فقام وحده ليس معه في الصف غيره والصف الذي
بين يديه متضايق، قال: إذا كان كذلك صلى وحده فهو معهم، وقال: قم في الصف
ما استطعت، وإذا ضاق المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس) بل والمرسل الآخر عنها (3)
أيضا عن علي (عليه السلام) (إذا جاء الرجل ولم يستطع أن يدخل الصف فليقم حذاء
الإمام، فإن ذلك يجزيه، ولا يعاند الصف) إذ المراد بمعاندة الصف قيامه فيه وحده،
بل ومفهوم صحيح الفضيل (4) عن الصادق (عليه السلام) وإن قال في الحدائق أن فيه
غموضا بعد أن ذكر الاستدلال به من بعضهم، قال: (أتموا الصفوف إذا وجدتم خللا

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) المستدرك الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 و 3
(3) المستدرك الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(4) الوسائل الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
267

ولا يضرك أن تتأخر إذا وجدت ضيقا في الصف، وتمشي منحرفا حتى يتم الصف)
إذ لا ريب في ظهوره في ترتب الضرر مع عدم وجدان الضيق، والمراد بالمشي منحرفا
المشي متأخرا لا مستقبلا للقبلة، كما أن المراد بالصف فيه الصف الذي خرج منه للضيق
وتمامه خلوصه منه، ويحتمل إرادة صف آخر رأى فيه فرجة، فيخرج عن الاستدلال.
لكن لما كان الضرر أعم من الحرمة - لحصوله بالكراهة، والأخبار الأول
قاصرة سندا عن إثباتها، وعن معارضة الأصل والاطلاقات والاجماع في صريح المنتهى
والتذكرة وظاهر المدارك أو صريحها وعن الغنية على الصحة، كصحيح أبي الصباح (1)
سئل الصادق (عليه السلام) (عن الرجل يقوم في الصف وحده، فقال: لا بأس،
إنما يبدو واحد بعد واحد) ونحوه خبر موسى بن بكير (2) عن أبي الحسن (عليه السلام)
بتفاوت يسير - وجب إرادة الكراهة من ذلك كله، حتى قوله (عليه السلام) في خبر
السكوني: (فسدت) مع إمكان إنكار كون خصوص هذه اللفظة من الخبر بقرينة
حذفها عنه في المروي عن دعائم الاسلام، وموافقتها للمروي (3) من طريق العامة
(إن النبي (صلى الله عليه وآله) أبصر رجلا خلف الصفوف وحده فأمره أن
يعيد الصلاة).
فما عن الإسكافي حينئذ من الفتوى بها مع عدم العذر له بالضيق ونحوه ضعيف
جدا بعد ما عرفت، مضافا إلى موثق الأعرج (4) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟
قال: نعم لا بأس يقوم بحذاء الإمام) بناء على ما فهمه منه في الحدائق ناسبا له إلى

(1) الوسائل الباب 57 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 4 - 3
(3) كنز العمال ج 4 ص 255 الرقم 5318
(2) الوسائل الباب 57 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 4 - 3
(4) الوسائل الباب 57 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 4 - 3
لكن روى الثاني عن موسى بن بكر كما في الفقيه ج 1 ص 254 الرقم 1147
268

فهم الأصحاب من إرادة قيامه وحده في الصف الأخير، لكن يكون موقفه محاذيا
لموقف الإمام من خلفه، لوجوب مطابقة السؤال للجواب، ولقول الرضا (عليه السلام)
في فقهه (1): (فإن دخلت المسجد ووجدت الصف الأول تاما فلا بأس أن تقوم في
الصف الثاني وحدك حيث شئت، وأفضل ذلك قرب الإمام) فإن المراد مساوقته في
الموقف، ولتصريح الأصحاب بأنه لا كراهة في الوقوف وحده مع تضايق الصف.
وإن كان قد يناقش بأن الظاهر إرادة وقوفه جناحا للإمام، وأنه أولى من
وقوفه وحده في الصف وإن كان لا كراهة فيه مع التضايق، ولذا حكي عن الفقيه أنه
قال: (سألت محمد بن الحسن عن موقف من يدخل بعد من دخل ووقف عن يمين
الإمام لتضايق الصفوف، فقال: لا أدري، وذكر أنه لا يعرف في ذلك أثرا))
واحتمال إرادته ذلك مع امتلاء الصفوف على وجه لا يوجد في ذلك المكان موقف
للمصلي كما ترى، إذ هو كالصريح في أن المراد لم أقف على أثر دل على استحباب محل
وقوف الثاني نحو ما جاء في الأول، وكالصريح في إرادة الجناح من الحذاء، ونحوه
العلامة في المنتهى، قال: (لو دخل المسجد ولم يجد مدخلا في الصف صلى وحده عن
يمين الإمام مؤتما لرواية سعيد الأعرج (2)) إلى آخره، ولا ينافي ذلك استحباب كون
المأموم خلف الإمام لو زاد على الواحد، لوجوب تقييدها بما هنا، فتأمل، مضافا إلى
خبر السكوني (3) المتقدم، بل قد يستفاد منه كراهة قيامه في الصف وحده ولو مع
امتلاء الصفوف إذا أمكنه أن يكون جناحا للإمام، فإنه حينئذ يكون كتمكنه من
القيام في الصف، فتأمل.

(1) المستدرك الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
(2) الوسائل الباب 57 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
(3) الوسائل الباب 58 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
269

وعلى كل حال فما سمعته من موثق الأعرج كخبره الآخر (1) وصحيح
أبي الصباح (2) وخبر موسى بن بكير (3) وغيرها يستفاد وجه ما ذكره المصنف
مستثنيا له مما سبق بقوله: (إلا أن تمتلي الصفوف) فلا يكره له حينئذ القيام وحده
كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل نسبه بعضهم إليهم مشعرا بدعوى الاجماع
عليه، بل في ظاهر المدارك أو صريحها دعواه عليه، أما إذا لم يمتل أحد الصفوف بأن
كان فرجة فيه سعى إليه، بل قد يستفاد من صحيح الفضيل (4) استحبابه، بل في
المدارك تبعا للذكرى وعن المقنع ونهاية الاحكام له السعي إليها وإن كانت في غير
الصف الأخير، ولا كراهة هنا في اختراق الصفوف، لأنهم قصروا حيث تركوا تلك
الفرجة، نعم لو أمكن الوصول بغير اختراقهم كان أولى، بل قد يستفاد من صحيح
الفضيل بناء على الوجه الذي قدمناه استحباب السعي لتسوية الفرجة وتتميمها في أثناء
الصلاة بتقدم كان ذلك أو بتأخر، بل هو صريح خبر علي بن جعفر (5) المروي عن
كتابه عن أخيه (عليه السلام) (سألته عن الرجل يكون في صلاته في الصف هل يصلح له
أن يتقدم أو يتأخر وراءه في جانب الصف الأخير، قال: إذا رأى خللا فلا بأس)
وخبر أبي عتاب زياد مولى آل دعش (6) المروي عن بصائر الدرجات عن الصادق
(عليه السلام) (سمعته يقول: أقيموا صفوفكم إذا رأيتم خللا، ولا عليك أن تأخذ
وراءك إذا رأيت ضيقا في الصفوف أن تمشي فتتم الصف الذي خلفك أو تمشي منحرفا
فتتم الصف الذي قدامك، فهو خير، ثم قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
أقيموا صفوفكم فإني أنظر إليكم من خلفي لتقيمن أو ليخالفن الله بين قلوبكم) ويقرب

(1) الوسائل الباب 57 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 2 4 لكن روى الثالث عن موسى بن بكر كما في الفقيه ج 1 ص 254 الرقم 1147
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) الوسائل الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 2 - 11 - 9
(5) الوسائل الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 2 - 11 - 9
(6) الوسائل الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 2 - 11 - 9
270

منه خبر محمد بن مسلم (1) المروي فيها أيضا عن الباقر (عليه السلام)، مضافا إلى
الأخبار (2) الكثيرة جدا الآمرة بإقامة الصفوف، وتسوية فرجها، والمحاذاة بين
المناكب وعدم الاختلاف لئلا يخالف الله بين قلوبكم، ويتخلل الشيطان بينكم كما يتخلل
أولاد الحذف أي الغنم الصغار السود.
ومن هنا نص بعض الأصحاب على استحباب هذه الأمور كلها زيادة على ما
ذكره المصنف، بل وعلى استحباب أمر الإمام بذلك تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله)
لكن ظاهر خبر أبي عتاب أنه يمشي في الصلاة لسد الفرجة إذا كان الصف الذي هو فيه
ضيقا، ولعله كذلك، وإلا وقع فيما فر منه من صيرورة الفرجة في الصف الذي فارقه
كما أن ظاهره وغيره مما سمعت من النصوص المفتى بمضمونها عدم الفرق في ذلك بين
كون مشيه إلى الخلف أو الإمام، لكن في رواية ابن مسلم (3) (قلت له: الرجل
يتأخر وهو في الصلاة، قال: لا، قلت: فيتقدم، قال: نعم، وأشار إلى القبلة) ولم
أجد من أفتى به، بل حمله في الذكرى على عدم الحاجة إلى ذلك، فيكره. ولا بأس به.
والظاهر جريان جميع ما سمعته من الأحكام في جماعة النساء، لأصالة الاشتراك
وغيرها، نعم لا يكره للمرأة الوقوف وحدها في الصف مع جماعة الرجال إذا لم يكن
نساء كما صرح به في الذكرى والمدارك، بل لعله يستحب على ما تقدمت الإشارة إليه
سابقا، لأنها معذورة.
(و) كذا يكره (أن يصلي المأموم نافلة إذا أقيمت الصلاة) على المشهور بين

(1) الوسائل الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 8
(2) الوسائل الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة والمستدرك الباب 54 منها
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب مكان المصلي الحديث 2 والباب 46 من
أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 ولكن في الموضعين " ماشيا إلى القبلة "
271

الأصحاب كما في الذخيرة، لما فيه من التشاغل بالمرجوح عن الراجح، ولخبر عمر بن
يزيد (1) أنه سأل الصادق (عليه السلام) (عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن
يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال: إذا أخذ المقيم في الإقامة، فقال له:
إن الناس يختلفون في الإقامة، فقال: المقيم الذي تصلي معه) وظاهره الشروع في
الإقامة، كما أن ظاهره بقرينة قوله: (لا ينبغي) الكراهة لا الحرمة كما هو المشهور
بل المجمع عليه بين المتأخرين، مضافا إلى الأصل وإطلاق الأدلة، فما في الوسيلة وعن
النهاية من المنع من التنفل إذا أقيم للصلاة ضعيف لا دليل عليه، ضرورة أنه لا مدخلية
لأدلة التطوع وقت الفريضة، إذ البحث هنا من حيث إقامة الصلاة للجماعة وإن كان
وقت النافلة باقيا، ولذا قال في الذكرى: إنه قد يحمل كلامهما على ما لو كانت الجماعة
واجبة، وكان ذلك يؤدي إلى فواتها، وعليه فتخرج المسألة عن الخلافيات، والمراد
ابتداء التنفل، فلو شرع في النافلة قبل ذلك لا كراهة وإن علم حصول الإقامة في الأثناء
ما لم يخف الفوات، فتأمل.
(ووقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة على الأظهر)
بل المشهور بين الأصحاب كما في الذكرى والمدارك، وعليه عامة من تأخر كما في الرياض
بل صرح به في الخلاف أيضا في فصل كيفية الصلاة، بل في الرياض وغيره عنه دعوى
الاجماع عليه، لكني لم أجده فيه، لقول الصادق (عليه السلام) في خبر معاوية بن
شريح (2) (إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم
ويقدموا بعضهم) خلافا للخلاف هنا وعن المبسوط فعند فراغ المؤذن من كمال الأذان

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب الأذان والإقامة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
272

مدعيا عليه في أولهما الاجماع، ولم نقف له على مستند، بل قد يريد بقرينة إجماعية
الإقامة منه، بل قطع به بعض مشايخنا كما يومي إليه ما عن المبسوط بعد ذلك بلا فصل،
وكذا وقت الاحرام، إذ من المعلوم أنه ليس قبل الإقامة، ولما حكاه في المختلف
والذكرى عن بعض أصحابنا من أنه عند قوله: (حي على الصلاة) لأنه دعاء إليها
فاستحب القيام عنده، وهو كما ترى لا يصلح معارضا لما عرفت، بل فيه أن هذا اللفظ
موجود في الأذان، وأن قوله: (قد قامت) أولى بالقيام عنده، لأنه صيغة إخبار
أريد منها الأمر بالقيام، بخلافه فإنه دعاء إلى الاقبال إلى الصلاة، والله أعلم.
(الطرف الثاني)
(يعتبر في الإمام الايمان) بالمعنى الأخص الذي به يكون إماميا، فلا تصح
خلف المخالف بلا خلاف، بل هو مجمع عليه محصلا ومنقولا مستفيضا أو متواترا
كالنصوص التي منها الأخبار (1) الكثيرة الآمرة بالقراءة خلف المخالفين، وأنهم
بمنزلة الجدر، وقد مر شطر منها. فضلا عن الأخبار الخاصة (2) في خصوص ذلك،
وعن الأخبار (3) الدالة على اعتبار العدالة، إذ لا فسق أعظم من ذلك.
بلا ولا من وقف على أحدهم (عليهم السلام) كالواقفية، أو قال بإمامة أحد
أولادهم كالزيدية والإسماعيلية والفطحية والواقفية وغيرهم بلا خلاف أجده فيه أيضا،
بل هو مقتضى اعتبار الايمان الذي قد عرفت انعقاد الاجماع بقسميه عليه، ضرورة
إرادة المعترف بإمامة الجميع منه لا البعض، إذ إنكار بعضهم كانكار الجميع، مضافا إلى
ما دل على اعتبار العدالة في الإمام، ولا ريب في انتفائها بذلك، ولا في تحقق الكفر

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة
273

الموجب للخلود في جهنم، وإلى مكاتبة أبي عبد الله البرقي (1) إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام
(تجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدك (عليهما السلام)، فأجاب لا تصل
وراءه) وقول الصادق والرضا (عليهما السلام) في خبري الأعمش (2) والفضل بن
شاذان (3) المرويين عن الخصال والعيون (لا يقتدى إلا بأهل الولاية) إذ من المعلوم
إرادة ولاية الجميع.
بل قد يندرج في ذلك أيضا أهل العقائد الفاسدة من الغلو والتجسيم والتجبير
والتكذيب بقدر الله، بناء على تحقق الكفر بها لا الفسق خاصة، وإلا خرجت
بالشرط الثاني، وعلى التقديرين لا يجوز الائتمام بهم قطعا، وفي مرسل خلف بن حماد (4)
عن الصادق (عليه السلام) (لا تصل خلف الغالي وإن كان يقول بقولك والمجهول
والمجاهر بالفسق وإن كان مقتصدا) وخبر إسماعيل بن مسلم (5) سأل الصادق عليه السلام
أيضا (عن الصلاة خلف رجل يكذب بقدر الله عز وجل قال: ليعد كل صلاة صلاها
خلفه) وفي المرسل (6) عن علي بن محمد ومحمد بن علي (عليهم السلام) (من قال بالجسم
فلا تعطوه من الزكاة شيئا، ولا تصلوا خلفه) ومكاتبة علي بن مهزيار (7) إلى محمد بن
علي الرضا (عليهما السلام) المروية عن الأمالي (أصلي خلف من يقول بالجسم، ومن
يقول بقول يونس، فكتب لا تصلوا خلفهم، ولا تعطوهم من الزكاة، وابرأوا منهم
برئ الله منهم) وفي خبر إبراهيم بن أبي محمود (8) عن الرضا عليه السلام أيضا عن آبائه (عليهم
السلام) (من زعم أن الله يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون - إلى أن
قال -: فلا تصلوا وراءه) بل عن الطبرسي (9) أنه رواه في الاحتجاج عن الرضا

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 11 - 6 - 8 - 9 - 10 - 12 - 14
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(9) تقدم آنفا تحت رقم 1.
274

عن أبيه عن الصادق (عليهم السلام) بزيادة (ولا تأكلوا ذبيحته، ولا تقبلوا شهادته
ولا تعطوه من الزكاة شيئا).
بل قضية مرسل حماد (1) المتقدم وغيره - كخبر يزيد بن حماد (2) عن
أبي الحسن (عليه السلام) المروي عن رجال الكشي (قلت له: أصلي خلف من لا
أعرف، فقال: لا تصل إلا خلف من تثق بدينه) والمرسل (3) عن الصادق عليه السلام
(ثلاثة لا يصلى خلفهم، أحدهم المجهول) وغيرهما - عدم جواز الائتمام بالمجهول إيمانه
أيضا، كما هو قضية اشتراطه وعدم إمكان تنقيحه بالأصول.
نعم لا جدوى بعد ما تسمعه من اعتبار العدالة في الإمام التي لا يمكن الحكم بها
إلا بعد معرفة الايمان، بل وباقي العقائد التي لا يعذر المخطئ فيها كالتجسيم ونحوه،
بناء على أنها الملكة أو حسن الظاهر، وإلا فعلى الاكتفاء بظاهر الاسلام مع عدم
ظهور الفسق فيها يجب إحراز الايمان، إذ الظاهر إرادته من الاسلام عندهم، مع احتمال
اكتفائهم باظهار الشهادتين اللتين يتحقق بهما الاسلام في الحكم بايمانه وعدالته، إذ عدمهما
فسق لا يحمل عليه المسلم قبل ظهوره منه، فتأمل جيدا.
(و) كذا يعتبر في الإمام (العدالة) فلا يجوز الائتمام بالفاسق إجماعا محصلا
ومنقولا مستفيضا أو متواترا كالنصوص (4) بل ربما حكي عن بعض المخالفين موافقتنا
في ذلك محتجا باجماع أهل البيت (عليهم السلام)، فما في صحيح عمر بن يزيد (5) سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) (عن إمام لا بأس به في جميع أموره عارف غير أنه يسمع

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 وهو مرسل
خلف بن حماد وهو الصحيح كما تقدم في ص 274
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 0 - 1
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 0 - 1
(5) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 0 - 1
275

أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه، قال: لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا)
محمول على ما لا يوجب الفسق، أو على التوبة منه، أو وقوعه مكفرا عنه إذا لم يصر
عليه، أو غير ذلك.
بل ولا المجهول حاله أيضا بناء على عدم الاكتفاء في العدالة بعدم ظهور الفسق
كما ستعرف إن شاء الله، لوجوب إحراز الشرط في الحكم بصحة المشروط، إذ عرفت
أن الاجماع محكي ومحصل على كونها شرطا لا على أن الفسق مانع كما عساه يتوهم من النهي
عن الصلاة خلف الفاجر والفاسق، إذ ذلك وإن كان واردا في جملة من النصوص (1)
إلا أن في بعضها (2) (لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته) وفي آخر (3)
(وإن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم) وفي المروي (4) عن مستطرفات السرائر
نقلا من كتاب أبي عبد الله السياري صاحب موسى والرضا (عليهما السلام) (قلت
لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيقدم بعضهم
فيصلي بهم جماعة فقال: إن كان الذي يؤمهم ليس بينه وبين الله طلبة فليفعل، قال:
وقلت له مرة أخرى: إن القوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيؤذن بعضهم
ويتقدم أحدهم فيصلي بهم، فقال: إن كانت قلوبهم كلها واحدة فلا بأس، قلت:
ومن لهم لمعرفة ذلك؟ قال: فدعوا الإمامة لأهلها) مضافا إلى الاجماعات السابقة،
وإلى ما دل على النهي عن الصلاة خلف المجهول مما تقدم وغيره، لاندراج المجهول
عدالته فيه أيضا، بل قد يقال بدلالة تلك النصوص المتضمنة للنهي عن الصلاة مع الفاجر

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 و 4 و 5 و 6
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7
(4) ذكر صدره في الوسائل في الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 12 وذيله
في الباب 27 منها الحديث 4
276

والفاسق على المطلوب أيضا بتقريب توقف امتثال هذا التكليف على اجتناب الواقعي
منه، كما هو مقتضى عدم مدخلية العلم في مفاهيم الألفاظ، فينقدح حينئذ التمسك
بالاطلاقات لتناوله بناء على كون المخصص والمقيد مقسما للعام والمطلق، فما في خبر
عبد الرحيم القصير (1) (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إذا كان الرجل
لا تعرفه يؤم الناس فيقرأ القرآن فلا تقرأ خلفه) يجب حمله على التقية بقرينة لفظ
(الناس) فيه، أو على عدم معرفته بالخصوص وإن أمكن تحصيل عدالته بصلاة العدول خلفه
مع عدم احتمال التقية وغيرها مما ينافي شهادتهم بعدالته، أو غير ذلك.
ثم لا فرق في النصوص والفتاوى في اعتبار العدالة بل وغيرها من الثلاثة الأخر
في الإمام بين الفرائض الخمس وغيرها من صلاة العيدين والجنائز والآيات ونحوها،
إذ هي شرط في أصل منصبية الإمامة، كما هو واضح.
نعم الظاهر عدم اعتبار عدالته فيما بينه وبين ربه في صحة نية إمامته إذا كان
موثوقا به عند من ائتم به، للأصل، وعموم الأدلة، وإطلاقها بعد عدم الملازمة بين
اشتراطها في الائتمام به وبينه في الإمامة، وعليه ينزل إطلاق الفتاوى اعتبار العدالة في
الإمام في مقابل قول العامة بجواز الائتمام بالفاسق، ولذا فرعوه عليه، فيكون المراد
عدلا عند المأموم، وهو معنى (لا تصل إلا خلف من تثق به) ولذا تصح الصلاة ولو
انكشف الفسق بعدها، بل لعل الأمر كذلك في الجماعة الواجبة كالجمعة، وخبر السياري
المزبور غير صالح لاثبات ذلك، لأن رواية ضعيف فاسد المذهب مجفو الرواية كثير
المراسيل كما عن النجاشي والفهرست، مع احتمال إرادة عدم معرفة من ائتم به ذلك منه
أو الفرد الكامل كما يومي إليه جواب السؤال الثاني أو غير ذلك، وكذا المرسل (2)

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
(2) سنن البيهقي ج 3 ص 90 وليس فيها " ولا فاجر مؤمنا "
277

من طرق العامة (لا يؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا) المحتمل لإرادة المعلوم فجوره
عند المأموم، كمعلومية إرادة ذلك من نحو قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (قدموا
أفضلكم) بل لعل العارف بعدالة نفسه من الأفراد النادرة التي لا ينصرف إليها الاطلاق.
ودعوى عدم أهلية الفاسق لهذا المنصب يدفعها عدم كون الفرض من المناصب
وإنما هو من الأحكام الشرعية، ضرورة استحباب صلاة الجماعة للشخصين مثلا مع
وثوق أحدهما بالآخر، وإرادة الواقع من طهارة المولد ونحوها فلا تجوز الإمامة مع علمه
نفسه بعدمها لو سلمت لا تستلزم إرادته هنا، بل لعل الاقتصار في النهي على غيره في
نحو خبر أبي بصير (2) مشعر بعدم كونه منهم.
بل لعل الأمر كذلك في المفتي أيضا، فيصح له الافتاء الجامع للشرائط مع
علمه بفسق نفسه، إذ لا دليل على اشتراط حجية ظنه بالعدالة تعبدا كالشهادة، بل
مقتضى إطلاق آية الانذار (3) وغيرها خلافه، فاطلاقهم اعتبار العدالة فيه يراد منه
بالنسبة للمستفتي باعتبار عدم وثوقه بما يخبر به من ظنه الجامع للشرائط، وإلا فلو فرض
اطلاعه عليه جاز له الأخذ به وإن كان فاسقا، وليس كذلك في الصلاة، فإن الظاهر
عدم جواز الائتمام به وإن علم منه الاتيان بها جامعة للشرائط، لظهور الأدلة في اعتبارها
نفسها بالنسبة للائتمام لا من جهة عدم الوثوق بما يراد منه، مضافا إلى نصوص (4)
قدموا خياركم، وأفضلكم، وإمام القوم وافدهم إلى الله تعالى، وغير ذلك.
كما أنه ليس كذلك ظن غير المسلم، بل وغير الإمامي الاثني عشري وإن

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5
(3) سورة التوبة الآية 123
(4) الوسائل الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة
278

جمع الشرائط، لظهور النصوص (1) في الاعراض عنهم وعدم الركون إليهم، والفطحية
والواقفية ونحوهم وإن كان فيهم من هو من أصحاب الاجماع وممن أقر له بالفقه ولكن
ذلك ونحوه لقبول روايتهم لا آرائهم، ولذا لم يقبل الأصحاب ما ذكره ابن بكير من
الرأي في عدم الحاجة إلى المحلل لو تزوجها بعد العدة، بل ذكر الشيخ في حقه ما ينقدح
منه عدم قبول شئ مما رواه فضلا عما رآه وإن كان المعروف بل المروي (2) قبول
ما رووه دون ما رأوه، بل هو شاهد آخر للمطلوب، وكيف كان فالأقوى ما عرفت.
نعم الظاهر اعتبارها في نحو منصب الحكومة، لمعلومية عدم جواز تولي
الفاسق لأمثاله.
ولو سلم الاشتراط في الإمامة فالظاهر عدم بطلان صلاته لو فعل، لكونه تشريعا
في أمر خارج كالمسجدية وإن لم نقل بمثله في المأموم، لوضوح الفرق بينهما، كما
بيناه في محله.
أما العدالة في شهود الطلاق بالنسبة إلى الزوج وإلى الشاهدين وإلى الأجنبي
فالظاهر اعتبار الواقعية فيها، لقاعدة كون الأسماء للمسميات الواقعية، ودعوى أن
الظاهر في العدالة ونحوها مما لا طريق له إلا هو عنوان الحكم فيها لا الواقع لا دليل عليها
فلا يجوز حينئذ للأجنبي نكاحها مع العلم بفسق أحد الشاهدين وإن كان هو عند الغير على
ظاهر العدالة، كما لا يجوز للزوج نكاح أختها والخامسة مع علمه بفسقهما، ولا للشاهدين
نكاحها مع علمهما بفسقهما، ولا بأس باختلاف الأحكام باختلاف الناس في الموضوع،
نعم لا بأس بنكاح الأجنبي مع الجهل بحالهما، لأصالة الصحة بخلاف الزوج، وبذلك
كله يظهر لك ما أطنب فيه في الحدائق، وأكثر من التسجيع والتشنيع، ولا غرو فإنه

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب صفات القاضي الحديث 78 من كتاب القضاء
279

من المحدثين المخالفين في القواعد للمجتهدين الماهرين، والله الهادي لنا وله.
وكيف كان فالعدالة في اللغة أن يكون الانسان متعادل الأحوال متساويا كما في
المبسوط والسرائر، والاستواء والاستقامة كما في المدارك وغيرها، وربما احتمل أن
العدالة من العدل، وهو القصد في الأمر ضد الجور، ولما كان الظاهر ثبوت الحقيقة
الشرعية فيها - كما يظهر من الأخبار (1) وممن نسب تعريفها الآتي إلى الشرع، إذ
احتمال إرادة النسبة إلى الشرع ولو مجازا منه بعيد - لم نحتج مع ذلك إلى تحقيق المعنى
اللغوي، ولا يهمنا إجمال ما سمعته من السرائر وغيرها، وأمر المناسبة سهل، بل لو لم
نقل بالحقيقة الشرعية فيها فالمجاز الشرعي لا شك في ثبوته، وهو كاف، وهي في
الشرع من متحد المعنى على الظاهر، لا فرق فيها بالنسبة إلى كل ما اعتبرت فيه من
شهادة وطلاق وغيرهما، وما في بعض الأخبار (2) من اعتبار بعض أمور في الشاهد
غير معتبرة في غيره إنما هو من حيث الشهادة لا من حيث العدالة.
نعم قيل هي فيه الظاهر الاسلام مع عدم ظهور الفسق كما عن ابن الجنيد والمفيد
والشيخ في الخلاف، بل هو ظاهر مما حكي عن مبسوطه أيضا، بل قربه في السرائر في
باب الشهادات، قال فيها: إن العدل من كان عدلا في دينه، عدلا في مروته، عدلا
في أحكامه، فالعدل في الدين أن لا يخل بواجب ولا يرتكب قبيحا، وقيل أن لا يعرف
بشئ من أسباب الفسق، وهذا أيضا قريب، وفي المروة أن يكون مجتنبا للأمور التي
تسقط المروة مثل الأكل في الطرقات ولبس الثياب المصبغات للنساء وما أشبه ذلك،
والعدل في الأحكام أن يكون بالغا عاقلا، ومرادهم بالاسلام الايمان، وإلا فظاهر

(1) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات
(2) الوسائل الباب 32 من كتاب الشهادات
280

الاسلام من دون معرفة كونه مؤمنا غير كاف، مع احتماله لكونه نوع فسق، والمسلم،
لا يحمل عليه قبل ظهوره منه، وستسمع كلام صاحب المسالك، والظاهر أن ذلك طريق
لثبوت العدالة عندهم بمعنى أنه إذا لم يعرف بشئ من أسباب الفسق يحكم بثبوت العدالة
عنده حتى يثبت العدم، ولذا جعله في الذخيرة نزاعا آخر غير النزاع في أصل العدالة.
وكيف كان فالحجة على ذلك أصالة الصحة في أفعال المسلمين وأقوالهم المستلزمة
للحكم بأنه لم يقع منه ما يوجب الفسق، فيكون عدلا لعدم الواسطة بينهما، وقد فرض
نفي الشارع أحدهما، فتعين الثاني، وإجماع الفرقة وأخبارهم المنقولان عن الخلاف،
بل عنه أن البحث عن عدالة الشاهد شئ لم يعرفه الصحابة ولا التابعون، وإنما هو أمر
أحدثه (شريك) وصحيحة حريز (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في أربعة شهدوا
على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران، فقال: إذا كانوا أربعة
من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا، وأقيم الحد على الذي
شهدوا عليه، إنما عليهم أن يشهدوا ما أبصروا وعلموا، وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم
إلا أن يكونوا معروفين بالفسق) وما عن الصدوق في المجالس عن صالح بن علقمة (2)
عن أبيه (قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) وقد قلت له: يا بن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أخبرني عمن تقبل شهادته ومن لم تقبل شهادته، فقال: يا علقمة كل
من كان على فطرة الاسلام جازت شهادته، قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف الذنوب
فقال: يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترف بالذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء والأوصياء
(عليهم الصلاة والسلام)، لأنهم هم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينك
يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه الشاهدان فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة

(1) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 17 - 12 لكن روى
الثاني في الوسائل عن صالح بن عقبة عن علقمة وهو الصحيح كما يشهد على ذلك قوله عليه السلام: " يا علقمة "
(2) تقدم آنفا
281

وإن كان في نفسه مذنبا) ومرسلة يونس (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ بها بظاهر الحكم: الولايات والمناكح والمواريث
والذبائح والشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه).
وخبر عبد الرحيم القصير (2) قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:
إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس يقرأ القرآن فلا تقرأ خلفه واعتد بصلاته) ومرسلة
ابن أبي عمير (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في قوم خرجوا من خراسان وكان
يؤمهم رجل فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي قال: لا يعيدون) وخبر عمر
ابن يزيد (4) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إمام لا بأس به في جميع أموره
عارف غير أنه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه، قال: لا تقرأ
خلفه، ما لم يكن عاقا قاطعا) وما رواه الصدوق باسناد ظاهره الصحة كما قيل عن
عبد الله بن المغيرة (5) (قلت للرضا (عليه السلام): رجل طلق امرأته وأشهد شاهدين
ناصبيين، قال: كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته)
وحسنة البزنطي (6) عن أبي الحسن (عليه السلام) (جعلت فداك كيف طلاق السنة؟
قال: يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشاهدين عدلين كما قال الله تعالى في
كتابه، فإن خالف ذلك رد إلى كتاب الله عز وجل، فقلت له: فإن أشهد رجلين
ناصبيين على الطلاق أيكون طلاقا؟ فقال: من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على

(1) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 4
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
(3) الوسائل الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(5) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(5) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 5
(6) الوسائل الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 4
282

الطلاق بعد أن يعرف منه خير) وما ورد (1) في شهادة اللاعب بالحمام أنه لا بأس بها
إذا لم يعرف بفسق، وعن علي (عليه السلام) (2) أنه كان يقول لشريح: (واعلم
أن المسلمين عدول بعضهم على بعض إلا محدودا بحد لم يتب منه، أو معروف بشهادة
زور أو ظنين) وفي صحيحة أبي بصير (3) سأل الصادق (عليه السلام) (عما يرد
من الشهود فقال: الظنين والمتهم والخصم، قال: فالفاسق والخائن قال: كل هذا يدخل
في الظنين) ومثلها جميع الأخبار الدالة على رد شهادة الفاسق، بل ربما أيد أيضا زيادة على
ذلك بأن حال السلف يشهد به وبأنه بدونه لا يكاد تنتظم الأحكام للحكام، خصوصا
في المدن الكبيرة والقاضي القادم إليها من بعد مع عدم خلطته واختباره لهم، ضرورة
اقتضاء اعتبار غيره تعطيل كثير من الأحكام حتى يختبرهم أو يكون عنده من هو مختبرهم
ومخالطهم، ولا ريب في كونه حرجا وعسرا وتعطيلا، وكيف والناس في كثير من
الأمكنة لا يتمكنون من ذلك في طلاقهم وديونهم وغير ذلك مما يحتاجون إليه.
بل قد يرشد إليه أيضا الحث على الجماعة المشعر بأنها متيسرة في كل وقت سفرا
وحضرا وظاهر قوله تعالى (4): (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) حيث لم يقيده بشئ
ولا ينافيه قوله تعالى (5) في الأخرى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) إذ لا كلام في كون
الشاهد لا بد أن يكون ذا عدل، لكن الكلام في أن ذلك يحكم به حتى يظهر خلافه
أولا، ولا تعرض في الآية له، فيبقى إطلاق الأولى سالما، إذ لعل المقصود عدم إشهاد
المعروف بالفسق، كما أنه لا يعارض ما ذكرنا بالاحتياط، إذ هو تارة بالفعل، وتارة

(1) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 6 - 23
(2) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 6 - 23
(3) الوسائل الباب 30 من كتاب الشهادات الحديث 3
(4) سورة البقرة الآية 282
(5) سورة الطلاق الآية 2
283

بالترك، ومع ذلك كله فمن المستبعد جدا أو الممتنع أن النبي (صلى الله عليه وآله)
وأمير المؤمنين (عليه السلام) وغيرهما من القضاة والحكام الذين لا انقطاع لأمور
الخصومات والحدود في زمانهم، بل لعلها في اليوم الواحد تتكرر عند الشخص الواحد
منهم مرات كانوا يبحثون وينقرون ويفتشون كما يصنعه المتأخرون من أصحابنا وخفي
على من ذكرنا من قدماء أصحابنا كابن الجنيد والمفيد والشيخ، حتى أن الشيخ حكى
اجماع الفرقة وأخبارهم على ذلك، هذا.
لكن لا يخفى عليك أن هذا الأصل غاية ما يمكن تسليم مقتضاه حمل ما يقع من
المسلم من ذي الوجوه قولا أو فعلا على الوجه الصحيح منها، وأنه لا يجوز التفتيش
عن ما يقتضي فساد فعله، بل يغض السمع والبصر ويحمل على الحسن ما لم يكن الفعل
والقول نصا في الفساد أو ظاهرا فيه على الأقوى، وإلا لم يمكن الجرح إلا نادرا،
لا أن مقتضاه أن لا يقع منه ما يقتضي الفسق وما لا وجه له إلا هو، وملاحظة الأخبار
بالنسبة للطهارة والنجاسة والذبايح والمناكح ونحوها من المعاملات والعبادات لا تفيد أزيد
من ذلك، ولا ينافيه رد شهادته حيث يشهد وإن كان الأصل يقتضي أن لا تكون
زورا، لكن ذلك في نفسه لو علم لا يكفي في قبول الشهادة، لاحتمال الوهم والنسيان
والدخول إليها بمدخل شرعي فاسد وإن كان معذورا فيه، على أن اشتراط العدالة فيها
تعبدي يرتفع أثر هذه الاحتمالات عندها، فمورد أصل الصحة حينئذ الفعل المعلوم أنه
محتمل في نفسه لوجوه متعددة، لا المحتمل أنه من المحتمل، وإلا فقد يكون هو في نفسه
مما لا يحتمل إلا الفساد، فتأمل.
ودعوى أنه كما أن الأصل حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح كذلك الأصل
في المسلم أن لا يخل بواجب ولا بترك محرم ولذا لا يلتفت إلى الشك في شئ من
الواجبات الموقتة بعد فوات وقتها ممنوعة، وعدم الالتفات المزبور للدليل، ولو سلم كل
284

من الأصلين فقد يمنع وجوب العمل بمقتضاه بالنسبة للغير كالائتمام والطلاق ونحوهما،
بل يمكن القطع به بملاحظة أحوال السلف في الروايات فضلا عن غيرها، فإن عدم
اعتمادهم على من لا يعرفون أحواله وتحرزه من الكذب ونحوه من الضروريات التي
لا تنكر، أو يقال إن كلا من هذين الأصلين أمر شرعي تعبدي بحت لا يثبت به
ملكة أو حسن ظاهر حتى يلحقه وصف العدالة، لكن فيه أنه لا معنى لثبوت هذا
الأصل إلا جعل الشارع المجهول محكوما عليه بأن لم يرتكب محرما ولا أخل بواجب،
وكل من كان كذلك يلزمه وصف العدالة، وليس في الأخبار حسن ظاهر أو ملكة،
بل الذي يظهر من النصوص والفتاوى أن العدل الذي لا يخل بواجب ولا يرتكب محرما
لكن ذلك منهم من جعله طريقا لحصول الملكة، ومنهم من جعله نفسه عدالة من غير
ملاحظة ملكة، وبعد تسليم الأصل فالمجهول من الذي لم يخل بواجب ولم يرتكب محرما.
فإن قلت: ليس كل من لم يخل بواجب إلى آخره عدلا، بل الذي يعلم منه ذلك
أو يظن ظنا معتبرا، والأصل لا يفيد شيئا منهما. قلت: هو ما علم أو ظن أو ثبت
شرعا أنه كذلك كالبينة والأصل.
ثم إنه لا معنى لثبوت هذا الأصل إلا جعله المجهول عند الشارع مثل الذي علم
منه أنه لا يخل بواجب في جريان جميع الأحكام، ومنها العدالة، نعم قد يعارض
الأصل بظواهر الأخبار الآتية إن شاء الله التي كادت تكون متواترة، بل عن بعضهم
أنها كذلك في أنه يعتبر في طريق العدالة زائدا على الاسلام مع عدم ظهور الفسق،
فينقطع العمل بالأصل بحيث يثبت العدالة.
وأما الأخبار فهي - مع كون كثير منها ضعيف السند، غير صريحة في المقصود
بل بعضها دال على ضده، كمرسلة يونس (1) ورواية عمر بن يزيد (2) ورواية عبد الله

(1) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 4
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
285

ابن المغيرة (1) وحسنة البزنطي (2) وصحيحة حريز (3) - محمولة على إرادة كونه
معروفا بأنه لم يعرف بشهادة زور، كحمل رواية المجالس (4) على إرادة من لم تره
بعينك بعد الفحص عن حاله، لا ولو لأنه مجهول الحال غريب لم تره مدة عمرك،
ضرورة احتمال كون مثله معروفا مشهورا بالفسق وشهادة الزور في بلاده أو عند من خالطه
وأما رواية عبد الرحيم فقد يكون الاعتماد عليه من جهة صلاة الناس خلفه وإن
لم تعرفه، ولا دلالة في مرسلة ابن أبي عمير، فإن المدلسين كثيرون، ولعلهم اختبروه
ولم يعرفوه بهذه المثابة حتى جاءوا إلى الكوفة، فإن التدليس يصل أمره إلى أعظم من
ذلك، وأما رواية اللاعب بالحمام فلعل المراد منها ما ذكرنا من المعرفة بكونه غير معروف
الفسق، وكذلك قول علي (عليه السلام) لشريح: بل لعل الفاسق داخل تحت الظنين
في كلامه (عليه السلام) بقرينة صحيحة أبي بصير، وأما ما ورد من رد شهادة الفاسق
فهو مع معارضته بما دل على قبول شهادة العدل يراد منه الفاسق في الواقع لا من علمت
فسقه، ولو أخذ العلم في ذلك لأخذ في العدل، وما ذكروه من التأييد معارض بالمؤيدات
الكثيرة لعدمه، بل قد يدعى اختلال النظام بذلك، فإن كثيرا من حقوق الناس من
أموال وفروج ودماء تضيع بذلك، فكم من دم يهدر، وكم من فرج يغصب، وكم من
ولد يؤخذ، إن ذلك من المستبعد بل من الممنوع، خصوصا مع ملاحظة النصوص
وطريقة الأصحاب، واستبعاد خفاء مثل ذلك على الشيخ معارض باستبعاد خفائه على
غيره، على أن الشيخ طريق توثيقه للرجال وعدم قبوله لرواية المجهول معلوم، ولذلك
وغيره احتمل تنزيل كلامه على إرادة أنه لا بد من اختباره حتى يظهر عند المختبر أنه
غير ظاهر الفسق، ولا يجب عليه أن يبحث عن باطنه واعتقاداته، وهذا الذي ادعى

(1) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 5 - 17 - 13
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 4
(3) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 5 - 17 - 13
(4) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 5 - 17 - 13
286

حدوثه من (شريك) فمراده بعدم ظهور الفسق ظهور عدم الفسق، ولا يقال في المجهول
الذي لم يعرف ولا اتفق أنه رأي بل كان في بلاد بعيدة أنه غير ظاهر الفسق، كما يرشد
إلى ذلك ما حكي عنه في النهاية من التصريح بأن العدالة على ما في صحيحة ابن أبي يعفور (1)
الآتية، وعنه في الخلاف أنه قال بعد ذلك: (مسألة إذا حضر الغرباء في بلد عند الحاكم
فشهد عنده اثنان فإن عرفا بعدالة حكم، وإن عرفا بفسق وقف، وإن لم يعرف عدالة
ولا فسقا بحث) وعن بعض النسخ (لم يجب عندنا سواء كان لهما السيماء الحسنة والمنظر
الجميل أو ظاهرهما الصدق، بشهادة قوله عز وجل (2) (ممن ترضون من الشهداء)
- قال -: وهذا ما رضي به) وكذلك ما عن الكاتب (إذا كان الشاهد حرا بالغا
مؤمنا بصيرا معروف النسب مرضيا غير مشهور بكذب في شهادته، ولا بارتكاب كبيرة
ولا مقام على صغيرة، حسن التيقظ عالما بمعاني الأقوال، عارفا بأحكام الشهادة، غير
معروف بحيف على معامل، ولا تهاون بواجب من علم أو عمل، ولا معروف بمباشرة
أهل الباطل والدخول في جملتهم، ولا بالحرص على الدنيا، ولا بساقط المروة، بريا
من أهواء أهل البدع التي توجب على المؤمن البراءة من أهلها، فهو من أهل العدالة
المقبولة شهادتهم) فإن التأمل في كلامه هذا يقضي بحسن الظاهر، وكيف يصدق على
مجهول الحال أنه مرضي غير مشهور بكذب وغير معروف بحيف على معاملة.
وأما المفيد فقد صرح في المقنعة على ما نقل عنه (أن العدل من كان معروفا
بالدين والورع عن محارم الله) وهو ظاهر في حسن الظاهر.
والحاصل أن ذلك محتمل في كلامهم حتى في كلام الكاتب وإن حكي عنه
التصريح بأن المسلمين كلهم على العدالة إلى أن يظهر ما يزيلها.

(1) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 1
(2) سورة البقرة الآية 282
287

ومن هنا نقل عن الأستاذ الأكبر في حاشية المعالم الاجماع على أن المراد بالعدالة
حسن الظاهر في كل مقام اشترطت فيه، وفي شرح المفاتيح (لم يستحضر الخلاف إلا
عن ابن الجنيد) ولعله كذلك، لأن عبارات الشيخ وغيره قابلة للحمل على ما ذكرنا
بل قد يدعى ظهورها في هذا المعنى، فتأمل جيدا.
وأما الاجماع الذي ذكره الشيخ وحال السلف من النبي (صلى الله عليه وآله)
والصحابة والتابعين فهو - مع إمكان تنزيله على ما سمعت - يمكن دعوى تبيين فساده
بالاجماع المحصل الحاصل بملاحظة كلام المتقدمين من أصحابنا من عدم اكتفائهم في
التعديل بذلك، بل الشيخ نفسه عرف العدالة في نهايته بمضمون رواية ابن أبي يعفور
الآتية كما سمعت، ومن ذلك كله يقوى الظن بأن مراده كبعض الأخبار أنه لا يحتاج
إلى الفحص والتفتيش حتى يقف أن الرجل لا ذنب له باطنا، بل يكفي عدم ظهور
الفسق بعد الخلطة والاختبار، هذا.
وفي شرح المفاتيح للمولى الأعظم أنه لا بد من معروفية كونه مسلما مؤمنا حتى
يقال يكفي مجرد الاسلام المرادف للايمان، فإن معرفة ذلك لا تتحقق غالبا أو على سبيل
التعارف إلا بالمعاشرة والمعروفية، ولو لم يعرف أصلا من أن يعلم (1) كونه مسلما مؤمنا
سيما في ذلك الزمان الذي كان المؤمن فيه في غاية القلة، فهو عين حسن الظاهر، لكن
قد يناقش أولا بأن الاسلام أي الايمان يكفي في ثبوته مجرد إظهاره، ويحكم عليه بذلك
بسائر أحكام المسلمين، وثانيا بأنه لا تلازم بين المعرفتين، فإن أكثر الناس نعرف
أنهم مسلمون مؤمنون بل نشهد على ذلك ولا نعرف من حسن ظاهرهم شيئا، فتأمل.
كما أنه قد يناقش فيما وقع من بعض المتأخرين - من الاستدلال على فساد هذا

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب " من أين يعلم "
288

القول ببعض الأخبار (1) المشترطة في قبول شهادة الشاهد كونه عدلا، وفي بعضها (2)
خيرا كالآية (3) (وأشهدوا ذوي عدل منكم) ونحوها - بأن أصحاب هذا القول
لا ينكرون اشتراط العدالة، بل يكتفون بالحكم بثبوتها بمجرد الايمان مع عدم ظهور
الفسق، لا أن العدالة ليست شرطا عندهم بل الفسق مانع كما يتخيل، أو أن العدالة
عندهم عبارة عن ظهور الاسلام مع عدم ظهور الفسق وإن كان هو محتملا في كلامهم،
بل تومي إليه بعض أدلتهم.
وكذا ما يقال إن العرف واللغة المحكمين في ألفاظ الكتاب والسنة ينفيان تحقق
العدالة بمجرد ذلك فضلا عن أن يحققا وجودها به، أما أولا فلأن العدالة من المعاني
الشرعية فيرجع فيها إليه، وقد سمعت ما يقتضي أنها عبارة عن ذلك فيه، ولا مدخل
للعرف واللغة فيها، وثانيا لا منافاة بين الحكم بها وبثبوتها بمجرد الايمان وعدم ظهور
الفسق وبين كونها أمرا زائدا على ذلك، بل لو لم يصدق عرفا على المؤمن الذي لم يظهر
منه فسق أنه عدل لم يقدح لكون ذلك طريقا شرعيا ثابتا بالدليل الشرعي.
نعم يرجع النزاع معهم في دليلهم الدال على ذلك، وإلا فكثير من الألفاظ التي
للشرع طريق في تحققها والحكم بثبوتها كالبينة وخبر العدل والاستصحاب ونحو ذلك
لا يحكم أهل العرف باطلاق اللفظ فيها، لكن ذلك غير قادح بعد فرض الطريق الشرعي
فالأولى الاقتصار في ردهم على ما عرفت، مع أن كلامهم في غاية الفساد وإن حكي عن
المسالك وبعض المتأخرين في باب الطلاق أنه قال - بعد إيراد حسنة البزنطي (4) المتقدمة

(1) الوسائل الباب 23 من كتاب الشهادات الحديث 1
(2) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 9
(3) سورة الطلاق الآية 2
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 4
289

المشتملة على قوله (عليه السلام): (من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه
خير) -: (إن هذه الرواية واضحة الاسناد والدلالة على الاكتفاء بشهادة المسلم في الطلاق
ولا يرد أن قوله عليه السلام: (بعد أن يعرف منه خير) ينافي ذلك، لأن
الخير قد يعرف من
المؤمن وغيره، وهو نكرة في سياق الاثبات لا يقتضي العموم، فلا ينافيه مع معرفة
الخير منه الذي أظهره من الشهادتين والصلاة والصيام وغيرهما من أركان الاسلام أن
يعلم منه ما يخالف الاعتقاد الصحيح، لصدق معرفة الخير منه معه، وفي الخبر مع تصديره
باشتراط الشهادة ثم الاكتفاء بما ذكر تنبيه على أن العدالة هي الاسلام، فإذا أضيف إلى
ذلك أن لا يظهر الفسق فهو أولى) وظاهره الاكتفاء بشهادة سائر المخالفين، بل تحقق
العدالة فيهم، وهو من المقطوع بفساده حتى على القول بأن العدالة هي الاسلام مع عدم
ظهور الفسق، إذ لا فسق أعظم من فساد العقيدة، وكيف وجميع عباداتهم فاسدة،
لكونهم مخاطبين بما عندنا، وحالهم كحال الكفار، فلعل المراد بالخير في الرواية الايمان
وغيره، لكنه لم يصرح به لمكان التقية.
وقيل العدالة عبارة عن حسن الظاهر كما هو ظاهر ما سمعته من المقنعة والنهاية
بل وحكي أيضا عن القاضي والتقي وابن حمزة وسلار، بل قيل في الناصريات ما يشير
إلى ذلك أيضا، بل عن المصابيح نسبته إلى القدماء، بل سمعت عن حاشية المعالم نقل
الاجماع على كون العدالة حسن الظاهر في كل مقام اشترطت فيه، والمراد بالظاهر خلاف
الباطن الذي لا يعلم به إلا الله، وبحسنه كونه جاريا على مقتضى الشرع بعد اختباره
والسؤال عن أحواله، للنصوص المستفيضة جدا وإن كان بعضها لم يذكر فيه تمام حسن
الظاهر لكنه كالصريح في عدم الاكتفاء بظاهر الاسلام، فيتم الاستدلال به حينئذ
بضميمة عدم القائل بالفصل، منها مضافا إلى ما عرفته في أخبار الخصم قول الصادق
290

(عليه السلام) في رواية أبي بصير (1): (لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا
صائنا) وقوله (عليه السلام) في رواية العلاء بن سيابة (2) عن الملاح والمكاري والجمال:
(لا بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء) كقول الباقر (عليه السلام) (3):
(شهادة القابلة جائزة على أنه استهل أو برز ميتا إذا سئل عنها فعدلت) وعن أمالي
الصدوق (4) بسنده عن الكاظم (عليه السلام) (من صلى خمس صلوات في اليوم
والليلة في جماعة فظنوا به خيرا وأجيزوا شهادته) وخبر سماعة (5) عن الصادق (عليه السلام)
قال: (من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلهم كان ممن
حرمت غيبته، وكملت مروته، وظهر عدله، ووجب أخوته) وعن العيون (6) روايته
بسنده إلى الرضا (عليه السلام)، وعن العسكري عليه السلام في تفسيره (7) في قوله تعالى (8):
(ممن ترضون من الشهداء) (من ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقظه فيما يشهد
به وتحصيله وتمييزه، فما كل صالح مميز، ولا كل محصل مميز صالح، وإن من عباد الله
لمن هو أهل لصلاحه وعفته، ولو شهد لم تقبل شهادته لقلة تمييزه، فإذا كان صالحا عفيفا
مميزا محصلا مجانبا للمعصية والهوى والميل والتحامل فذلك الرجل الفاضل) الحديث.

(1) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 10 - 12 - 14 لكن روى الثاني عن الصادق عليه السلام
(2) الوسائل الباب 34 من كتاب الشهادات الحديث 1
(3) الوسائل الباب 24 من كتاب الشهادات الحديث 39
(4) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 10 - 12 - 14 لكن روى الثاني عن الصادق عليه السلام
(5) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 9
(6) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 10 - 12 - 14 لكن روى الثاني عن الصادق عليه السلام
(7) ذكر تمامه في تفسير الصافي ذيل الآية الكريمة وصدره في الوسائل في الباب 41
من كتاب الشهادات الحديث 22
(8) سورة البقرة الآية 282
291

وعن الهداية للشيخ الحر (رحمه الله) (روي أن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان إذا تخاصم إليه رجلان - إلى أن قال -: وإذا جاءوا بشهود لا يعرفهم بخير ولا
شر بعث رجلين من خيار أصحابه يسأل كل منهما من حيث لا يشعر الآخر عن حال
الشهود في قبائلهم ومحلاتهم، فإذا أثنوا عليهم قضى حينئذ على المدعى عليه، وإن رجعا
بخبر شين وثناء قبيح لم يفضحهم ولكن يدعو خصمين إلى الصلح، وإن لم يعرف لهم
قبيلة سأل عنهما الخصم، فإن قال: ما علمت منهما إلا خيرا أنفذ شهادتهما) (1).
وما رواه الصدوق في الصحيح والشيخ في التهذيب بسنده لكن في المتن في
الكتابين تفاوت، ونحن ننقلهما كما في الوافي معلما لموضع الاشتراك من موضع
الاختصاص عن عبد الله بن أبي يعفور (2) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (بم
تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر
والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان، وتعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله
عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك
والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء
ذلك من عثراته وعيوبه، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس، ويكون منه
التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة المسلمين وأن لا
يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة (يه) فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند
حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه إلا خيرا
مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1 من كتاب القضاء
(2) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 1 ولا يخفى أن حرف
" ش " علامة للاشتراك في الجملة الآتية وكذلك " يه " للفقيه و " يب " للتهذيب
292

المسلمين (ش) وذلك إن الصلاة ستر وكفارة للذنوب (يه) وليس يمكن الشهادة على
الرجل بأنه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين، وإنما جعل الجماعة
والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلي ممن لا يصلي ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن
يضيع (ش) ولولا ذلك لم يكن لأحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأن من لا يصلي
لا صلاح له بين المسلمين (يب) لأن الحكم جرى من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)
بالحرق في جوف بيته (يه) فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم بأن يحرق قوما
في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، وقد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه
ذلك، وكيف تقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز وجل ومن
رسوله (صلى الله عليه وآله) فيه بالحرق في جوف بيته بالنار (ش) وقد كان يقول
(صلى الله عليه وآله): لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة (يب)
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا
ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، وسقطت بينهم عدالته، ووجب
هجرانه، وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره، فإن حضر جماعة المسلمين وإلا
أحرق عليه بيته، ومن لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته، وثبت عدالته بينهم).
وخبر عبد الله بن سنان (1) المروي عن الخصال عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(ثلاث من كن فيه أوجبت له أربعة على الناس: إذا حدثهم لم يكذبهم، وإذا وعدهم
لم يخلفهم، وإذا خالطهم لم يظلمهم وجب أن يظهروا في الناس عدالته، ويظهر فيهم
مروته، وأن يحرم عليهم غيبته، وأن يجب عليهم أخوته).
وصحيحة محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) (لو كان الأمر إلينا
لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس) إلى غير ذلك

(1) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 15 - 8
(2) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 15 - 8
293

من الأخبار الواردة في إمام الجمعة وغيرها كقوله (عليه السلام) (1): (لا تصل خلف
من لا تثق بدينه وأمانته) ونحوها، ولا ريب في ظهورها ظهورا لا يكاد ينكر في رد
القول بالاكتفاء بالاسلام مع عدم ظهور الفسق، كما أنها ظاهرة في رد القول بالملكة.
وقيل العدالة عبارة عن ملكة نفسانية تبعث على ملازمة التقوى والمروة،
والمراد بملازمة التقوى اجتناب الكبائر وعدم الاصرار على الصغائر، بل هو من جملة
الكبائر، وبالمروة أن لا يفعل ما تنفر النفوس عنه عادة، ويختلف ذلك باختلاف
الأشخاص والأزمنة والأمكنة، وعن مصابيح الظلام أنه المشهور بين الأصحاب،
بل عن الشيخ نجيب الدين العاملي نسبته إلى العلماء، ولعل المراد المتأخرون، وإلا فقد
عرفت أن المتقدمين لم يأخذ أحد منهم ذلك في تعريفهم، بل في الكفاية وعن الذخيرة
لم أعثر على هذا التعريف لغير العلامة، وليس في الأخبار له أثر ولا شاهد عليه فيما أعلم
وكأنهم اقتفوا في ذلك أثر العامة، وعن مجمع البرهان نحوه، مع أنه نسبه في مجمع
البرهان إلى أنه مشهور بين عامة العامة والخاصة، فيكون قرينة على إرادة المتأخرين.
وحجتهم على ذلك كما قيل إن العدالة لغة الاستقامة وعدم الميل إلى جانب أصلا
فإن الفسق ميل عن الحق والطريق المستقيم، وموضوعات الألفاظ يرجع فيها إلى اللغة
والعرف، فلا بد أن يكون في الواقع استقامة، لأن الألفاظ أسامي للمعاني الواقعية لا ما
ثبت شرعا أو ظهر عرفا، إذ ذلك خارج عن معنى اللفظ جزما، فحيث صارت العدالة
شرطا فلا بد من ثبوتها والعلم بها، لأن الشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط،
فمقتضى ذلك العلم بعدم الميل بحسب نفس الأمر، ولا يحصل ذلك إلا بالمعاشرة الباطنية
بحيث يحصل من ملاحظة حاله الوثوق والاطمئنان بأنه لا يميل، وهو معنى الملكة
والهيئة الراسخة، وكذلك الحال في لفظ الفاسق، وهو أمر معروف مشاهد في كثير

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
294

من الناس بالنسبة إلى بعض المعاصي كالزنا بالأم واللواط بالولد ونحو ذلك وإن كانت
مراتبهم في ذلك ونحوه متفاوتة، فمنهم من له ملكة في البعض ومنهم من له ملكة في
الجميع، فلا يمكن حينئذ للانسان أنه يعلم عدالة شخص حتى يعلم أنه له ملكة يعسر عليه
مخالفة مقتضاها بالنسبة إلى جميع المعاصي، ولا يكون ذلك إلا باختبار الباطني وتتبع
الآثار حتى تطمئن نفسه بحصولها في الجميع، كما في الحكم بسائر الملكات من الكرم
والشجاعة ونحوهما، وربما ادعى بعضهم أنه يمكن رد كلام أكثر المتقدمين إلى ذلك،
كما أنه حمل الأخبار على إرادة تتبع الآثار المطلعة على الملكة، سيما صحيحة ابن
أبي يعفور، فإن هذه الأشياء المذكورة فيها غالبا توصل إلى اطمئنان النفس بالملكة.
لكنه كما ترى في غاية الضعف، بل عليه لا يمكن الحكم بعدالة شخص أبدا
إلا في مثل المقدس الأردبيلي والسيد هاشم على ما ينقل من أحوالهما، بل ولا فيهما،
فإنه أي نفس تطمئن بأنهما كان يعسر عليهما كل معصية ظاهرة وباطنة، كلا إن ذلك
لبهتان وافتراء، بل الانسان من نفسه لا يعرف كثيرا من ذلك، ومن العجيب تنزيل
صحيحة ابن أبي يعفور على الاطمئنان في حصول الملكة في جميع المعاصي بواسطة اجتناب
المذكور فيها منها التي هي بالنسبة إليه في جنب العدم، وكيف يعرف الشخص ببعض
أحواله، مع أنا نرى بالعيان تفاوت الناس أجمع في ذلك، فكم من شخص تراه في غاية
الورع متى قهر بشئ أخذ يحتال ويرتكب ما لا يرتكبه غيره من المحرمات في قهر من
قهره، كما نرى ذلك كثيرا في أهل الأنفة والأنفس الأبية، وآخر متى أصابه ذل
ولو حقيرا ارتكب من الأمور العظيمة التي تستقر بها نفسه ما لا يفعله أعظم الفساق،
بل أغلب الناس كذلك وإن كانت أحوالهم فيه مختلفة، فمنهم بالنسبة إلى ماله، ومنهم
بالنسبة إلى عرضه، ومنهم بالنسبة إلى أتباعه وأصحابه، فدعوى أنه بمجرد الخلطة على
جملة من أحواله يحصل الجزم والاطمئنان بأنه في سائر المعاصي ظاهرها وباطنها ما عرض
295

له مقتضاها وما لم يعرض له ملكة يعسر عليه مخالفتها مقطوع بفسادها.
وكيف وقد سئل الأردبيلي على ما نقل ما تقول لو جاءت امرأة لابسة أحسن
الزينة متطيبة بأحسن الطيب وكانت في غاية الجمال وأرادت الأمر القبيح منك فاستعاذ
بالله من أن يبتلى بذلك، ولم يستطع أن يزكي نفسه، فمن الواضح فساد ذلك كله سيما
بالنسبة إلى حال كثير من رواة الأخبار، وإن قلنا بكون التزكية من الظنون الاجتهادية
لكن دعوى حصول الظن بالملكة العامة لسائر المعاصي كذب وافتراء وغيرهما
بمجرد نقل بعض أحواله كما ترى، ومراعاة الأخبار تقضي بأن العدالة أمرها سهل
كما ينبئ عنه الحث على الجماعة سفرا وحضرا، وقولهم: إذا مات الإمام أو أحدث
قدم شخص آخر ممن خلفه، على أن أمر العدالة محتاج إليه في كثير من الأشياء كالطلاق
والديون والوصايا وسائر المعاملات، وهي على هذا الفرض في غاية الندرة، بل لا يخلو
من العسر والحرج قطعا، بل ظاهر الرواية (1) التي هي مستندهم خلافه، لقوله عليه السلام
فيها: (ساترا لعيوبه وأن يكون معروفا بالستر والعفاف وإذا سئل عنه قيل لا نعلم
منه إلا خيرا) خصوصا مع ملاحظة لفظ الستر، بل قد يقطع بعدم وجود الملكة في
أكثر أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، ولذلك صدر منهم ما صدر من ترك الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وكتمان الشهادة، حتى ورد أنهم كلهم دخلهم شك عدا
المقداد وأبي ذر وسلمان وعمار، واحتمال زوالها عنهم بمجرد موت النبي (صلى الله عليه وآله)
مستبعد جدا كما في سائر أهل الملكات، إذ الظاهر أن الملكة على تقدير زوالها إنما
تزول بالتدريج لا دفعة كما اتفق لهم، فتأمل.
مضافا إلى أن الحكم بزوالها عند عروض ما ينافيها من معصية أو خلاف مروة

(1) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 1
296

ورجوعها بمجرد التوبة ينافي كونها ملكة، واحتمال أن المراد الملكة مع عدم وقوع أحد
الكبائر خلاف ظاهر تعريفهم من أنها عبارة عن الملكة الباعثة على ذلك ولا ريب أن
اتفاق وقوع الكبيرة لا يرفع أصل الملكة، وإرادة أنه يرتفع الحكم بها يدفعها حكمهم
بعودها بمجرد التوبة من غير حاجة إلى تجديد الاختيار.
ودعوى أن ذلك أمر تعبدي شرعي للاجماع، وإلا فلا يحتاج للاختبار للملكة
نعم يحتاج إلى زمان يعرف منه الندم، وقد يظهر ذلك في أيسر زمان، يدفعها أن
الثابت من الشارع أنه بفعل ذلك يكون فاسقا لا عدلا غير مقبول الشهادة مثلا كما هو
مقتضى التعريف، وكون الشأن فيها كالشأن في الكريم إذا بخل والشجاع إذا جبن
يقتضي عدم ارتفاعها بذلك، كما لا يرتفع الحكم بكونه شجاعا وكريما بعد حصول الملكة.
وأيضا قد اشتهر بينهم تقديم الجرح على التعديل لعدم حصول التعارض، لكون
المعدل لا يعلم والجارح عالم، ومن لا يعلم ليس حجة على من علم، ولو كان من باب
الملكة لكان من باب التعارض، لأن المعدل يخبر عن الملكة والآخر يخبر عن عدمها،
بل عن ملكة الفسق، اللهم إلا أن أهل الملكة ينفون الحكم بمقتضاها بمجرد وقوع
الكبيرة مثلا وإن لم تذهب الملكة، فلا يكون تعارضا بينهما، إذ قد يكون الجارح
اطلع على فعل كبيرة ولا ينافي ذلك إخبار العدل بحصول الملكة، نعم لو كان الجرح
بما يرفع الملكة اتجه التعارض، فتأمل جيدا.
ومع ذلك كله فلم يتضح لنا ما أرادوا بحجتهم السابقة، أما أولا فلأنا قد بينا
أن العدالة لها حقيقة شرعية، وثانيا لو قلنا ببقائها على المعنى اللغوي فالظاهر بل المقطوع
به عدم إرادته هنا، لكون الاستقامة والاستواء حقيقة في الحسي، فلا بد أن يراد
بهما هنا معنى مجازي، وكونه عدم الميل الذي يلزمه الملكة ليس بأولى من عدم انحراف
الظاهر واعوجاجه.
297

والمناقشة في جميع ما ذكرنا أو أكثره بأنها وإن كانت هي الملكة لكن الطريق
إليها حسن الظاهر يدفعها وضوح منعها إن أريد حصول الاطمئنان من الطريق المزبور
بحصولها، لما عرفت من أن حسن الظاهر باستقراء بعض أحوال الشخص لا يفيد
الاطمئنان بحصول الملكة في الجميع بل البعض، ورجوع النزاع لفظيا إن أريد كونه
طريقا تعبديا، ولا فائدة حينئذ في ذكرها واشتراطها، بل فيه إيهام خلاف المراد.
كالمناقشة فيه أيضا بأن قضية كونها حسن الظاهر عدم انقداحها بوقوع الكبيرة
تسترا، ولعله الظاهر من بعضهم حيث قال: إن العادل هو الذي يستر عيوبه حتى
يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه، لا أنه الذي يكون لا عيب
له ولا عثرة، نعم لا بد أن لا يظهر منه ذلك، فحينئذ إذا صدر منه باطنا يجب إخفاؤه
بحيث لو أظهره مظهر يصير فاسقا، لحرمة الغيبة وإشاعة الفاحشة ووجوب ستر العورة،
مضافا إلى حرمة التجسس، قال الله تعالى (1): (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم
بعضا) وقال (2): (الذين يحبون) إلى آخره، والأخبار الدالة على التحريم وشدة
الحرمة والعقوبات الشديدة متواترة، مضافا إلى إجماع المسلمين بل بداهة الدين،
فحينئذ إذا صدر من أحد ذلك وجب الحكم بتفسيقه، وهو ظاهر في أن حسن الظاهر
لا يقدح فيه وقوع الكبيرة باطنا متسترا بحيث يحرم على أحد أن يخبر عنه بذلك،
فينبغي أن يكون عدلا عند هذا المطلع فضلا عن غيره، لعدم انقداح حسن الظاهر.
بل قضيته عدم ثبوت الجرح أبدا، وإلا ينفي حسن الظاهر، وحينئذ يكون
من باب التعارض بينه وبين المعدل، فلا معنى لتقديم قوله على قول المعدل، وأيضا له
كان ذلك قدحا في حسن الظاهر لم يكن لإعادة ذلك بصدور التوبة منه معنى.

(1) سورة الحجرات الآية 12
(2) سورة النور الآية 18
298

إذ يدفعها أيضا ظهور إرادة القائلين بأن العدالة حسن الظاهر اشتراط ذلك
بعدم وقوع الكبيرة منه مع ذلك وإن أطلقوا، فيكون العدالة منهم حسن الظاهر مع
عدم وقوع الكبيرة معه ولو باطنا.
أو يقال إن العدالة عندهم كما يومي إليه كلام ابن إدريس وغيره عبارة عن
اجتناب جميع الكبائر التي منها الاصرار على الصغائر واقعا سواء كان ذلك عن ملكة
أو كان بعضها عنها والآخر عن مجرد اتفاق، لكن الطريق إلى الحكم بكون الرجل
مجتنبا للكبائر حسن الظاهر على حسب ما يستفاد من الأخبار، فيكون هي في الواقع
ذلك وإن كان الحكم بتحققها شرعيا، فمن اطلع حينئذ على وقوع كبيرة من شخص
ولو متسترا ذهبت عدالته، ولا يجوز له أن يصلي خلفه، إذ حسن الظاهر غير مثمر
بعد الاطلاع على انتفائها، إذ الفرض أنها عبارة عن اجتناب الكبائر واقعا، ولا ينافي
ذلك كونه يحرم على المطلع أن يتكلم لمكان كونه غيبة، نعم لو دعي إلى الشهادة في مقام
الجرح وجب عليه أن يشهد للاجماع على جوازها في مثل هذا المقام، وتنقدح حينئذ
أصل العدالة وإن كان صدور المعصية منه على وجه التستر بحيث لا ينافي حسن الظاهر
قطعا، ومن ذلك يظهر حينئذ وجه تقديم الجرح على التعديل، لكون المعدل يثبت
حسن الظاهر والجارح لا ينفيه، بل يقول: إني اطلعت منه على ما يذهب العدالة وإن
بقي حسن ظاهره.
فقول الأصحاب العدالة حسن الظاهر لا يخلو من مسامحة، إذ حسن الظاهر
نفسه ليس بعدالة، بل العدالة غيره، وهو طريق إليها، وليست هي الملكة كما يقوله
المتأخرون، فتأمل جيدا.
ودعوى أن الملكة عندهم هي هذه القوة التي انتظم بها حسن الظاهر، إذ حسن
الظاهر لا يكون إلا عن ملكة وقوة يصدر عنها واضحة المنع أولا، والفساد ثانيا،
299

ضرورة كثرة وقوع ملكة التدليس، على أن حسن الظاهر قد يكون لا عن ملكة بل
مجرد اتفاق، بل لا معنى لاشتراط الملكة حينئذ بالتقرير المتقدم، بل هو في الحقيقة
رجوع للقول بحسن الظاهر، كما هو واضح.
فظهر لك من ذلك كله بحمد الله شدة ضعف القول بأنها الملكة، بل لعله مساو
في الضعف للقول الأول فيها، وقد سمعت أن الخراساني اعترف بعدم الشاهد له في
فتاوى القدماء من أصحابنا، وأنه اقتفوا به أثر العامة، وبأنه لا شاهد له في النصوص
أصلا، ولعله كذلك، والصحيحة (1) التي هي أشد ما ورد في أمر العدالة
قد عرفت أنه لا دلالة فيها على القول بالملكة بوجه من الوجوه، مع أنها على اختلاف
متنها قد اشتملت على ما لا يقدح في العدالة إجماعا كحضور الجماعة، ومن هنا احتمل
بعضهم أن يراد بها كون الرجل معروف العدالة بين المسلمين حتى تصير شهادته حجة
لكل من احتاج منهم، ومتلقاة بالقبول، ودلت أيضا على أن حضور الجماعة واجب،
وأنه يحرق بيت من لم يحضرها، ولعل المراد من لم يحضرها رغبة عنها مع وجود إمام
المسلمين (عليه السلام)، فإن ذلك قد يؤدي إلى الكفر، والأمر سهل.
لكن قد يناقش الخراساني بأن في بعض النصوص إشارة إلى اعتبار الملكة في
العدالة كالخبر المروي (2) عن تفسير العسكري عن علي بن الحسين واحتجاج الطبرسي
عن الرضا عنه (عليهما السلام) قال: (إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته ومنبته وتماوت
في منطقه وتخاضع في حركاته فرويدا لا يغرنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا
وركوب المحارم منها لضعف قيمته (بنيته خ ل) فنصب الدين فخا لها، فهو لا يزال يخيل
الناس بظاهره، فإن تمكن من حرام اقتحمه، وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام

(1) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 1
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 14
300

فرويدا لا يغرنكم، فإن شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن
كثر ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة يأتي منها محرما، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك
فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا ما عقدة عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا يرجع
إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله، وإذا وجدتم عقله متينا
فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا مع هواه يكون على عقله أو يكون مع عقله على هواه،
وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها، فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة
بترك الدنيا للدنيا، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة
المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة - إلى أن قال -: ولكن الرجل كل الرجل
نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر الله، وقواه مبذولة في رضى الله، يرى
الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد من العز في الباطل - إلى أن قال -: فذلكم الرجل
نعم الرجل، فبه فتمسكوا، وبسنته فاقتدوا، وإلى ربكم به فتوسلوا، فإنه لا ترد له
دعوة، ولا تخيب له طلبته) إلا أنه - مع كونه غير معلوم السند، ومرويا في غير
الكتب الأربعة، ومحتملا للتعريض به إلى أناس خاصين كالأول والثاني وأصحابهما
وقاصرا عن معارضة غيره من الأخبار المكتفية بحسن الظاهر حتى على مذهب الخصم - قال
في الوسائل: إنه بيان لأعلى مراتب العدالة لا لأدناها، بل قال: إنه مخصوص بمن
يؤخذ عنه العلم ويقتدى به في الأحكام الدينية، كما هو ظاهر، لا بإمام الجماعة والشاهد
وهو جيد جدا.
بقي الكلام في منافيات المروة ففي الذخيرة والكفاية دعوى الشهرة على اعتبارها
في عدالة الشاهد والإمام، بل عن الماحوزية نقل حكاية الاجماع على ذلك، وعن مجمع
البرهان أنه احتمل الاجماع على اعتبارها في غير مستحق الزكاة والخمس، بل في الذخيرة
أيضا وظاهر المفاتيح أن المشهور جعلها جزء في مفهوم العدالة، وكيف كان فلا أعرف
301

لهم حجة على شئ من ذلك سوى قول الكاظم (عليه السلام) في حديث هشام (1):
(لا دين لمن لا مروة له، ولا مرة لمن لا عقل له) وخبر عثمان بن سماعة (2) المتقدم
في علامات المؤمن (من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم
يخلفهم كان ممن حرمت غيبته، وكملت مروته، وظهر عدله، ووجب أخوته) بل
وقول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور (3): (وأن يكون ساترا لعيوبه)
إذ منافي المروة عيب، لأن مخالفتها إما لخبل أو نقصان عقل أو قلة مبالاة أو حياء،
وعلى كل حال فلا ثقة بقوله ولا بفعله، وقد قالوا (عليهم السلام) (4): (الحياء من
الايمان، ولا إيمان لمن لا حياء له) بل وربما يشير إلى ذلك حديث البرذون حيث
قال: (لا أقبل شهادته لأني رأيته يركض على برذون) بل ربما ادعي ملازمتها للتقوى.
لكن الجميع كما ترى، بل لا يخفى على المتأمل في الأخبار المتقدمة أنها لا مدخلية
لها في العدالة حيث لم تذكر في شئ منها، ودعوى التلازم بينها وبين التقوى ممنوعة
أشد المنع، فإن أولياء الله يقع منهم كثير من الأشياء التي ينكرها الجهلة، نعم لا يبعد
قدح بعض الأشياء التي تقضي بنقصان عقل فاعلها، كما إذا لبس الفقيه مثلا لباس
أقبح الجند من غير داع إلى ذلك، بل قد يقال: إنها محرمة حينئذ بالعارض، للأمر

(1) أصول الكافي ج 1 ص 19 الطبع الجديد الحديث 12 من كتاب
العقل والجهل
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 9 وهو خبر عثمان
عن سماعة كما تقدم في الرقم (5) من ص 291 ويأتي في الرقم (1) من ص 303
(3) الوسائل الباب 41 من كتاب الشهادات الحديث 1
(4) الوسائل الباب 110 من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج
302

بحفظ العرض وما في حديث سماعة (1) من قوله (عليه السلام): (كملت مروته)
ليس المراد منها ما هي عندهم قطعا، وإجماع الماحوزية غير ثابت، بل نقل عنه نفسه أنه
قال: ليس يبعد عدم اعتبارها، لأنه مخالفة للعادة لا الشرع، وهو ظاهر في عدم ثبوت
الاجماع عنده، بل روي أنه (صلى الله عليه وآله) كان يركب الحمار العاري، ويردف
خلفه (2) وأنه كان يأكل ماشيا إلى الصلاة بمجمع من الناس في المسجد (3) وأنه كان
يحلب الشاة (4) ونحو ذلك، مع أنه ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الزهد
ما لو وقع في مثل هذا الزمان لكان أعظم مناف للمروة بالمعنى الذي ذكروه، مثل ما
ورد (5) في رقع جبته حتى استحيى من راقعها.
وكان الذي دعاهم إلى اعتبار المروة وجودها في بعض أخبار، لكن من المعلوم
أنها ليست بالمعنى الذي ذكروه، بل هو كقول أمير المؤمنين (عليه السلام) جواب
سؤال جويرية (6) عن الشرف والعقل والمروة: (وأما المروة فاصلاح المعيشة)
وروي (7) عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(ستة من المروة، ثلاثة منها في الحضر، وثلاثة منها في السفر، فأما التي في الحضر
فتلاوة القرآن وعمارة المسجد واتخاذ الاخوان، وأما التي في السفر فبذل الزاد وحسن

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 9
(2) البحار ج 16 ص 285 المطبوعة عام 1379 باب مكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وآله
الرقم 136
(3) البحار ج 18 ص 617 و 618 من طبعة الكمباني كتاب الصلاة
(4) البحار ج 6 ص 238 المطبوعة عام 1379 باب مكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وآله
(5) البحار ج 14 ص 872 من طبعة الكمباني
(6) روضة الكافي ص 241 الرقم 331 المطبوعة عام 1377
(7) الوسائل الباب 49 من أبواب آداب السفر الحديث 12 من كتاب الحج
303

الخلق والمزاح في غير معاصي الله) وعن الصادق (عليه السلام) (1) (المروة والله أن
يضع الرجل خوانه بفناء داره، والمروة مروتان، مروة في الحضر، ومروة في السفر
فأما التي في الحضر فتلاوة القرآن، ولزوم المساجد، والمشي بين الاخوان في الحوائج،
والنعمة ترى على الخادم تسر الصديق وتكبت العدو، وأما في السفر فكثرة الزاد وطيبه
وبذله، وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك، وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله)
إلى غير ذلك.
والمروة بهذا المعنى غير ما ذكره الأصحاب قطعا، على أنه لا دلالة فيها على
اعتبارها في العدالة، بل لعل بعض ما يخالف المروة بالمعنى الذي ذكره الأصحاب مما
يؤكد العدالة وإن كان من المنكرات عرفا، كما أن بعضه مما يستلزم الطعن في عرض
الرجل مما ينحل إلى محرم، على أن الأول يمكن دعوى اشتراطه في الشهادة لا أخذه
في العدالة، إلا أن يكون يحصل منه عدم الاطمئنان بمبالاته في الدين، وينقدح حسن
ظاهره، واحتمال أن العدالة من الحقيقة الشرعية فما شك في اعتباره فيها ينبغي أن يعتبر
لأصالة عدم تحقق الشرط بدونه يدفعه أن الأخبار أظهرت ما يراد منها، مع أن ذكرها
في مقام البيان كالصريح في نفي اعتبار أمر زائد فيها، ودعوى أن الاحتياط قاض به
يدفعها أن الاحتياط غير منضبط، فقد يكون فيه، وقد يكون في عدمه، كمعاني العدالة
نعم قد يقال: إن منافيات المروة منافية لمعنى العدالة التي هي الاستواء
والاستقامة، فإذا كان الرجل بحيث لا يبالي بشئ من الأشياء المنكرة عرفا فلا ريب
في عدم استقامته، مؤيدا بما عساه يومي إليه بعض النصوص في المروة وإن لم تكن
صريحة بالمعنى الذي ذكره الأصحاب، بل قد يقال: إن منافاتها تورث شكا في دلالة

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب آداب السفر الحديث؟ من كتاب الحج
304

حسن الظاهر على الملكة أو على حسن غيره مما لم يظهر منه، ضرورة كون المراد منه
ما هو منكر في العادة، ومستقبح فيها من دون ملاحظة مصلحة يحسن بها، كما في بعض
الأمور الواقعة من بعض الأولياء التي لا قبح فيها في العادة مع العلم بوجهها، نحو ما وقع
من أمير المؤمنين (عليه السلام) من ترقيع المدرعة والمداقة في المعاملة على الشئ اليسير
وغير ذلك.
ثم إن الظاهر إرادة الخلق في منافيات المروة القادحة في العدالة كما يشير إليه
كلام ثاني الشهيدين، لا أن اتفاق وقوع النادر قادح، وليس هو أعظم من الصغيرة.
وأما الاصرار على الصغائر فهو مبني على أن المعاصي صغائر وكبائر كما هو
المشهور، بل في مفتاح الكرامة نسبته إلى المتأخرين قاطبة، بل عن مجمع البرهان نسبته
إلى العلماء مشعرا بدعوى الاجماع عليه، كالصيمري عند تفسير الكبيرة بكل ما توعد
الله عليه النار ناسبا له إلى الأصحاب، وإن كان التحقيق أنه لا يلتفت إلى دعوى
الاجماع في المقام، لأن القول بأن كل معصية كبيرة وأنه لا صغيرة قول معروف بين
الأصحاب محكي عن المفيد والقاضي والتقي والشيخ في العدة في البحث عن حجية خبر
الواحد ناسبا له إلى الأصحاب، كالطبرسي في مجمع البيان حيث قال: (قالوا: المعاصي
كلها كبائر، لكن بعضها أكبر من بعض، وليس في الذنوب صغيرة، وإنما يكون
صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر، ويستحق العقاب عليه أكثر) وأبلغ منه ما في السرائر
حيث أنه بعد أن ذكر كلام الشيخ في المبسوط الظاهر في أن الذنوب على قسمين صغائر
وكبائر، قال: (هذا القول لم يذهب إليه (رحمه الله) إلا في هذا الكتاب، ولا ذهب
إليه أحد من أصحابنا، لأنه لا صغائر عندنا في المعاصي، إلا بالإضافة إلى غيرها).
وإن كان الأقوى ما ذكرناه أولا لظاهر قوله تعالى (1): (إن تجتنبوا كبائر

(1) سورة النساء الآية 35
305

ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) والأخبار، كصحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة،
والحسن بن محبوب الآتية (1) في تعداد الكبائر، ومحمد بن مسلم (2) القائلة إن
الكبائر سبع، وأبي بصير (3) وروايتي الحلبي (4) في الآية المتقدمة، وعباد النواء (5)
وحسنة عبيد بن زرارة (6) وخبر مسعدة بن صدقة (7) وخبر عبد العظيم بن عبد الله
الحسيني (8) الذي تسمعه إن شاء الله في تعداد الكبائر، مضافا إلى الخبر (إن
الأعمال الصالحة تكفر الصغائر) وفي آخر (9) (من اجتنب الكبائر كفر الله تعالى
عنه جميع ذنوبه، وذلك قول الله تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) إلى آخره،
وفي آخر (10) (عن الكبائر تدخل في قوله تعالى: يغفر ما دون ذلك لمن يشاء،
قال: نعم ذلك إليه) وغير ذلك، بل يمكن دعوى تواتر الأخبار بما يستفاد منه
ما ذكرنا، هذا.
مع اعتضادها بالشهرة، على أنه لو كان جميع الذنوب كبائر لم يحصل عدل في
أغلب الناس بل سائرهم، ضرورة أن لا ينفك أحد عن مواقعة بعض المعاصي، والعدالة
محتاج إليها الناس في أكثر أمورهم من عبادات ومعاملات، وفتح باب التوبة المقدور
عليها في كل وقت وحين غير مجد بعد الاحتياج إلى الاختبار، إذ التحقيق أنه لا تقبل

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 1 - 6 - 16 - 24 - 4 - 13 - 2 من كتاب الجهاد لكن
روى الأخير عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) الوسائل الباب 45 من أبواب جهاد النفس الحديث 2 والباب 45 منها
الحديث 32 من كتاب الجهاد
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(9) الوسائل الباب 45 من أبواب جهاد النفس الحديث 4 من كتاب الجهاد
(10) الوسائل الباب 47 من أبواب جهاد النفس الحديث 7 من كتاب الجهاد
306

بمجرد قوله تبت من دون معرفة الندم الباطني منه، بل ربما قيل بتعذر العزم على عدم
المعاودة المتوقفة عليه التوبة أو تعسره وإن كان فيه منع واضح، ضرورة نهي الله عن
جميع المعاصي.
بل قد يقال: إنا نمنع قلة وجود العدل بالمعنى المذكور، فإن الظن الغالب من
جهة مراعاة أحوال الناس في أنه لا يسلم أحد منهم من وقوع الصغيرة ظن إجمالي،
وإلا فليس في غالب أحوالنا في جميع الأوقات نعلم أن الشخص الذي ظاهره الستر
والعفاف واجتناب الكبائر وقعت منه صغيرة لا نعلم منه أنه تاب عنها أو لا، كلا إن
ذلك ممنوع، بل قد يحصل الظن بعدمه في كثير من الناس.
على أنه يمكن أن يقال كون الذنوب كلها كبائر لا يقضي بأنها كلها قادحة في
العدالة، إذ لا دليل على ذلك، بل القادح فيها الأكبر من المعاصي، وأما غير الأكبر
فلا يقدح إلا مع الاصرار، لأن العدالة المستفادة من الأخبار هي كون الرجل معروفا
بالستر والعفاف مجتنبا للمعاصي العظيمة حسن الظاهر إذا سئل عنه في محلته قيل لا نعلم
منه إلا خيرا، وهذا لا يقدح فيه وقوع بعض الذنوب التي ليست بتلك المكانة إلا
مع الاصرار عليها، ويرشد إلى هذا أن أهل القول الأول ما دعاهم إلى كون العدالة
اجتناب الكبائر مع عدم الاصرار على الصغائر أنه عندهم المعاصي تنقسم إلى قسمين
إذ من الواضح أن هذا لا يلزم منه ذلك ولا وقوعها مكفرة، فإنه لا تلازم بين كونها
مكفرة وعدم قدحها في العدالة، فإنه قد يكون استحقاق العقاب قادحا في العدالة، بل
الذي دعاهم إلى ذلك هو ظواهر الأخبار الدالة على أن العدالة لا يقدح فيها مثل ذلك
وهو بعينه الداعي لأولئك إن كانت المعاصي عندهم كلها كبائر.
نعم كلام ابن إدريس ينافي ذلك، لظهوره في أن فاعل الصغيرة لا يحكم بعدالته
حتى يتوب، لكنه ليس هو حجة على غيره، مع احتمال أنه ذكره في الرد على الشيخ
307

لبيان أن التوبة علاج له، وما في رواية ابن أبي يعفور (ويعرف باجتناب الكبائر)
لا ينافي ذلك، لأن المراد بالكبائر هنا قطعا غير ذلك المعنى، لوصفه الكبائر فيها بالتي
أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف
وغير ذلك من المعاصي، وهو الأكبر، وليس قولنا إن المعاصي كلها كبائر يوجب حمل
هذا اللفظ على ذلك ولو مع القرينة الصارفة، كما أن جعل الوصف موضحا ليس بأولى
من جعله مخصصا، وعود النزاع لفظيا على هذا التقدير نلتزمه إن كانت ثمرته منحصرة
في ذلك، مع أن الظاهر عدم الانحصار.
بل قد يقال: إن أهل هذا القول لا ينافيهم القول بالتكفير، لأن المراد بكون
الكل كبائر عندهم من جهة القبح واستحقاق العقاب، خلافا للمعتزلة، فإنه يظهر من
المنقول عنهم أنه لا يحسن المؤاخذة على الصغائر مع اجتناب الكبائر، ويرشد إلى هذا
قوله في مجمع البيان في العبارة السابقة: (إن المعاصي كلها كبائر) من حيث القبح،
بل وقوله: (وإنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر، ويستحق العقاب عليها
أكثر) بل وقوله أيضا بعد عبارته السابقة: (وهذان القولان متقاربان) مشيرا به
إلى قول متقدم على القول الذي نسبه إلى أصحابنا هو أن الكبيرة كلما أوعد الله عز اسمه
عليه في الآخرة عقابا، أو أوجب فيه في الدنيا حدا، إذ لا يكونان متقاربين إلا مع
إرادة استحقاق العقاب، لأن الله قد أوعد على المعاصي كلها النار، قال عز من
قائل (1): (ومن يعص الله ورسوله) إلى آخره، فتأمل.
وإن أبيت ذلك كله فقد يستدل لهم ببعض الأخبار، نحو ما دل (2) على أن

(1) سورة النساء الآية 18
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب جهاد النفس الحديث 3 من كتاب الجهاد
308

كل معصية شديدة، وفي بعضها (1) (لا تنظر إلى ما عصيت بل انظر إلى من عصيت)
وما دل (2) على التحذير من استحقار الذنب معللا بأنه قد يكون غضب الله فيه، وغير
ذلك، وما يقال إن الاستحقار أمر زائد على الذنب فلعله بانضمامه إلى ذلك يكون
كبيرة فيه ما لا يخفى، وبأن الله قد أوعد على سائر المعاصي النار، وبأن أخبار الكبائر
قد اختلفت اختلافا لا يرجى جمعه، وبأن في ذلك إغراء للمكلف في فعل المعصية، مضافا
إلى إمكان إرادة الأكبر من الكبائر في الروايات كما يومي إلى ذلك بعضها، وفي الآية
إنكم إن اجتنبتم هذه الكبائر التي ذكرناها في هذه السورة نكفر عنكم ما وقع منكم منها
في الماضي كقوله تعالى (3): (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف))
ومثله (4) (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف).
وإن كان لا يخفى ما في الجميع، واختلاف الأخبار غير قادح فيما علم منها جميعها
من أن الذنوب فيها كبائر وصغائر، على أن المعروف كون الكبيرة كل ذنب توعد الله
عليه تعالى بالعذاب في كتابه العزيز، بل في الرياض هو الذي عليه المشهور من أصحابنا
بل عن بعضهم أنه لم يجد فيه قولا آخر كما عن الصيمري نسبته إلى أصحابنا مشعرا
بدعوى الاجماع عليه، وعن الدروس والروض تعريفها بذلك، لكنه في الأول (أنها
عدت سبعا، وهي إلى السبعين أقرب) وفي الثاني (أنها إلى السبعمائة أقرب) نعم في
مفتاح الكرامة (قيل: إنها كل ذنب رتب عليه الشارع حدا أو صرح فيه بالوعيد
وقيل: هي كل معصية تؤذن بقلة اعتناء فاعلها بالدين، وقيل: كلما علمت حرمته بدليل

(1) المستدرك الباب 43 من أبواب جهاد النفس الحديث 8 من كتاب الجهاد
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد
(3) سورة الأنفال الآية 39
(4) سورة النساء - الآية 26
309

قاطع، وقيل: كلما توعد عليه توعدا شديدا في الكتاب أو السنة) وكأنه لم يعثر عليها
لأحد من المعروفين من أصحابنا، وإلا لنسبه إليه، وإن كان ظاهر قوله: (قيل)
ينافيه، لقضائه بالاطلاع على القائل لكن لعله اطلع عليه من العامة.
وفي الحدائق قيل: إنها ما نهي عنه في سورة النساء من أولها إلى قوله (إن
تجتنبوا) الآية، ومنهم من أوكل أمرها إلى التعداد، فعن بعضهم أنها سبع: الشرك
وقتل النفس وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم والزنا والفرار من الزحف والعقوق،
وبعض أنها تسع بزيادة السحر والالحاد في بيت الله أي الظلم فيه، وآخر عشر بزيادة
الربا، وآخر اثنتي عشرة بزيادة شرب الخمر والسرقة، وآخر عشرون: السبع الأول
واللواط والسحر والربا والغيبة واليمين الغموس وشهادة الزور وشرب الخمر واستحلال
الكعبة والسرقة ونكث الصفقة والتعرب بعد الهجرة واليأس من روح الله سبحانه
والأمن من مكر الله عز وجل، وزاد بعضهم أربع عشرة أخر، أكل الميتة والدم ولحم
الخنزير وما أهل لغير الله به والسحت والقمار والبخس في الكيل والوزن ومعونة
الظالمين وحبس الحقوق من غير عذر (عسر خ ل) والاسراف والتبذير والخيانة
والاشتغال بالملاهي والاصرار - قال -: وقد يعد أشياء أخر كالقيادة والدياثة والغصب
والنميمة وقطيعة الرحم وتأخير الصلاة عن وقتها والكذب خصوصا على رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وضرب المسلم بغير حق وكتمان الشهادة والسعاية إلى الظالم ومنع
الزكاة المفروضة وتأخير الحج عن عام الوجوب والظهار والمحاربة بقطع الطريق.
وعن العلامة الطباطبائي اختيار ما عليه المشهور من أن الكبائر هي المعاصي التي
توعد الله سبحانه عليها النار مستندا في ذلك إلى جملة من الأخبار، وفيها الصحيح
وغيره، لكن يظهر من المنقول عنه أنه عمم الوعيد بالنار إلى الصريح والضمني، وأنه
حصر الوارد في الكتاب في أربع وثلاثين، منها أربع عشرة مما صرح فيها بخصوصها
بالوعيد بالنار.
310

الأول: الكفر بالله العظيم، لقوله تعالى (1): (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت
يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) وغير ذلك،
وهي كثيرة.
الثاني: الاضلال عن سبيل الله، لقوله تعالى (2): (ثاني عطفه ليضل عن
سبيل الله، له في الدنيا خزي، ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) وقوله تعالى (3):
(إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم، ولهم عذاب الحريق).
الثالث: الكذب على الله تعالى والافتراء عليه، لقوله تعالى (4): (ويوم
القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة، أليس في جهنم مثوى للمتكبرين)
وقوله تعالى (5): (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون، متاع في الدنيا،
ثم إلينا مرجعهم، ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) وفيه أنه ليس في
الثانية ذكر النار.
الرابع: قتل النفس التي حرم الله قتلها، قال الله تعالى (6): (ومن يقتل مؤمنا
متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) وقال
عز وجل (7): (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدوانا
وظلما فسوف نصليه نارا، وكان ذلك على الله يسيرا).
الخامس: الظلم، قال الله عز وجل (8): (إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم
سرادقها، وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا).

(1) سورة البقرة الآية 259
(2) سورة الحج الآية 9
(3) سورة البروج الآية 10
(4) سورة الزمر الآية 61
(5) سورة يونس عليه السلام الآية 70 و 71
(6) سورة النساء الآية 95
(7) سورة النساء الآية 33 و 34
(8) سورة الكهف الآية 28
311

السادس: الركون إلى الظالمين، قال الله تعالى (1): (ولا تركنوا إلى الذين
ظلموا فتمسكم النار).
السابع: الكبر، لقوله تعالى (2): (فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس
مثوى المتكبرين).
الثامن: ترك الصلاة، لقوله تعالى (3): (ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك
من المصلين).
التاسع: المنع من الزكاة، لقوله سبحانه (4): (والذين يكنزون الذهب والفضة
ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها
جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون).
العاشر: التخلف عن الجهاد، لقوله سبحانه: (5) (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف
رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا: لا تنفروا في
الحر قل: نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون).
الحادي عشر: الفرار من الزحف، لقوله عز وجل (6): (ومن يولهم يومئذ
دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله، ومأواه جهنم
وبئس المصير).
الثاني عشر: أكل الربا، لقوله عز وجل (7): (الذين يأكلون الربا لا يقومون
إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ذلك بأنهم قالوا: إنما البيع مثل الربا

(1) سورة هود عليه السلام الآية 115
(2) سورة النحل الآية 31
(3) سورة المدثر الآية 43 و 44
(4) سورة التوبة الآية 34 و 35
(5) سورة التوبة الآية 82
(6) سورة الأنفال الآية 16
(7) سورة البقرة الآية 276
312

وأحل الله البيع وحرم الربا، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى
الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).
الثالث عشر: أكل مال اليتيم ظلما، لقوله تعالى (1): (إن الذين يأكلون أموال
اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا).
الرابع عشر: الاسراف، لقوله عز وجل (2): (وإن المسرفين هم أصحاب النار).
وأما المعاصي التي وقع التصريح فيها بالعذاب دون النار فهي أربع عشرة:
الأول: كتمان ما أنزل الله، لقوله عز وجل (3): (إن الذين يكتمون ما أنزل
الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار، ولا
يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم).
الثاني: الاعراض عن ذكر الله عز وجل، لقوله عز وجل (4): (وقد آتيناك من
لدنا ذكرا، من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم
القيامة حملا).
الثالث: الالحاد في بيت الله عز اسمه، لقوله عز وجل (5): (ومن يرد فيه
بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم).
الرابع: المنع من مساجد الله، لقوله تعالى شأنه (6): (ومن أظلم ممن منع مساجد
الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها، أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين،
لهم في الدنيا خزي، ولهم في الآخرة عذاب عظيم).
الخامس: أذية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لقوله تعالى (7): (إن الذين

(1) سورة النساء الآية 11
(2) سورة المؤمن الآية 46
(3) سورة البقرة الآية 169 - 108
(4) سورة طه الآية 99 و 100 و 101
(5) سورة الحج الآية 26
(6) سورة البقرة الآية 169 - 108
(7) سورة الأحزاب الآية 57
313

يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا).
السادس: الاستهزاء بالمؤمنين، لقوله عز وجل (1): (الذين يلمزون المطوعين
من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم،
ولهم عذاب أليم).
السابع والثامن: نقض العهد واليمين، لقوله تعالى (2): (الذين يشترون بعهد
الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم، ولهم عذاب أليم).
التاسع: قطع الرحم، قال الله تعالى (3): (والذين ينقضون عهد الله من بعد
ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم
سوء الدار) وقال عز وجل (4): (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض
وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله، فأصمهم وأعمى أبصارهم) وفيه أن
(أولئك) في الأولى لم يعلم كونه إشارة إلى كل واحد من النقض والقطع والافساد،
والثانية مع ذلك لم تشتمل على وعيد بالعذاب، إلا أن يقال إنه يفهم من اللعن وما بعده.
العاشر: المحاربة وقطع السبيل، قال الله تعالى (5): (إنما جزاء الذين يحاربون
الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم
من خلاف أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب
عظيم) وفيه أنه قد يرجع ذلك إلى الكفر والوعيد على الأمرين معا.
الحادي عشر: الغناء، لقوله تعالى (6): (ومن الناس من يشتري لهو الحديث
ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين).

(1) سورة التوبة الآية 80
(2) سورة آل عمران الآية 71
(3) سورة الرعد الآية 25
(4) سورة محمد صلى الله عليه وآله الآية 24 و 25
(5) سورة المائدة الآية 37
(6) سورة لقمان الآية 5
314

الثاني عشر: الزنا، قال الله تعالى (1): (ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق
أثاما، يضاعف لها العذاب يوم القيامة، ويخلد فيه مهانا).
الثالث عشر: إشاعة الفاحشة، قال تعالى (2): (إن الذين يحبون أن تشيع
الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم).
الرابع عشر: قذف المحصنات، قال الله تعالى (3): (الذين يرمون المحصنات
الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب عظيم).
وأما المعاصي التي يستفاد من الكتاب العزيز وعيد النار عليها ضمنا ولزوما
فهي ستة:
الأول: الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، قال الله عز وجل (4): (ومن لم يحكم
بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).
الثاني: اليأس من روح الله عز وجل، قال الله تعالى (5): (ولا تيأسوا من
روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
الثالث: ترك الحج، قال الله تعالى (6): (ولله على الناس حج البيت من
استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين).
الرابع: عقوق الوالدين، قال الله تعالى (7): (وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا
شقيا) مع قوله تعالى (8): (وخاب كل جبار عنيد، من ورائه جهنم، ويسقى من
ماء صديد) وقوله تعالى (9): (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق).

(1) سورة فرقان الآية 68 و 69
(2) سورة النور الآية 18 - 23
(3) سورة النور الآية 18 - 23
(4) سورة المائدة الآية 48
(5) سورة يوسف عليه السلام الآية 87
(6) سورة آل عمران الآية 91 و 92
(7) سورة مريم (ع) الآية 33
(8) سورة إبراهيم (ع) الآية 18 و 19
(9) سورة هود (ع) الآية 108
315

الخامس: الفتنة، لقوله تعالى (1): (والفتنة أشد من القتل).
السادس: السحر، قال الله تعالى (2): (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك
سليمان، وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على
الملكين ببابل هاروت وماروت، وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا
تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق
ولبئس ما اشتروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون).
هذا جملة الكبائر المستنبطة من الكتاب العزيز بناء على المختار في معنى الكبيرة
وهي أربع وثلاثون، وقال (رحمه الله) في أثناء كلامه: (إنه قد يتعقب الوعيد في
الآيات خصالا شتى وأوصافا متعددة لا يعلم أنها للمجموع أو للآحاد، فلذلك طوينا
ذكرها، وكذلك الوعيد على المعصية والخطيئة والذنب والإثم وأمثالها، وهذه أمور
عامة، وقد علمت أن الوعيد لا يقتضي كونها كبائر) انتهى.
وفيه أنه بناء على ما ذكر من حصر الكبائر في هذا العدد يلزم أن يكون ما عداها
صغائر، وأنه لا يقدح في العدالة فعلها بل لا بد من الاصرار، وبدونه تقع مكفرة
لا تحتاج بالنسبة إلى رفع العقاب بها إلى توبة، فمثل اللواط وشرب الخمر وترك صوم
يوم من شهر رمضان وشهادة الزور ونحو ذلك من الصغائر التي لا تقدح في عدالة ولا
تحتاج إلى توبة، بل تقع مكفرة ولا يثبت بها جرح، وهو واضح الفساد، وكيف يمكن
الحكم بعدالة شخص قامت البينة على أنه لاط في غلام في زمان قبل زمان أداء الشهادة
بيسير، كما لا يخفى على المخالط لطريقة الشرع، وإن شئت فانظر إلى كتب الرجال
وما يقدحون به في عدالة الرجل، على أن في رواية ابن أبي يعفور السابقة (أن تعرفوه

(1) سورة البقرة الآية 187 - 96
(2) سورة البقرة الآية 187 - 96
316

بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واللسان ونحو ذلك) بل في ذلك إغراء للناس في
كثير من المعاصي، فإنه قل من يجتنب من المعاصي من جهة استحقاق العقاب بعد
معرفته أن لا عقاب عليه.
وأيضا قد ورد في السنة في تعداد الكبائر ما ليس مذكورا فيما حصره مع النص
عليه فيها بأنه كبيرة، وقوله (عليه السلام) (1): (إن الكبيرة كل ما توعد الله عليها
النار) لا ينافيه ولو لكونه (عليه السلام) يعلم كيف توعد الله عليها بالنار، قصارى
ما هناك نحن بحسب وصولنا ما وصلنا كيف وعد الله عليه النار، فنحكم بكونه كبيرة وإن
لم نعرف كيف وعد الله عليه النار، فانظر إلى ما في حسنة عبيد بن زرارة (2) لما سأله عليه السلام
عن الكبائر فقال: (هن في كتاب علي (عليه السلام) سبع - إلى أن قال -: فقلت:
فهن أكبر المعاصي، قال: نعم، قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك
الصلاة؟ قال: ترك الصلاة، قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر، فقال: أي
شئ أول ما قلت لك؟ قال: قلت: الكفر، قال: فإن تارك الصلاة كافر يعني من غير
علة) كيف أدخل ترك الصلاة في الكفر مع استحضاره (عليه السلام) لقوله تعالى (3):
(ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين) وأيضا قد قال الله تعالى (4): (حرمت
عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به.. وأن تستقسموا بالأزلام، ذلكم
فسق) فإنه إن أريد بالإشارة إلى الأخير أو كل واحد فقد حكم بالفسق، واحتمال
إرادة الاصرار بعيد، كاحتمال إرادة ما لا ينافي العدالة من الفسق، بل مجرد المعصية
أو من غير مجتنب الكبائر.

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 24 - 4 من كتاب الجهاد
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 24 - 4 من كتاب الجهاد
(3) سورة المدثر الآية 43 و 44
(4) سورة المائدة الآية 4
317

وأيضا قد ورد في السنة التوعد بالنار وأي توعد على كثير من المعاصي، وبناء
على ما ذكر لا بد وأن يراد بها إما الاصرار عليها أو من غير مجتنب الكبائر، وكله
مخالف للظاهر من غير دليل يدل عليه.
وأيضا فيما رواه عبد العظيم بن عبد الله الحسيني (1) ذكر من جملة الكبائر شرب
الخمر معللا ذلك (بأن الله تعالى نهى عنه كما نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة
متعمدا أو شيئا مما فرض الله، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من ترك
الصلاة متعمدا فقد برأ من ذمة الله وذمة رسوله (صلى الله عليه وآله)) فانظر كيف
استدل على كونه كبيرة بما ورد من السنة.
وأيضا نقل الاجماع على أن الاصرار على الصغيرة من جملة الكبائر، ودفع ذلك
كله بأن المراد أن الكبيرة كلما توعد الله عليها النار، وبعض الأشياء الذي قام عليه
الدليل ينافيه جعل ذلك ضابطا، ومن هنا توقف (رحمه الله) في الحكم بكبر بعض
الأشياء الواردة في السنة مع عدم دخولها تحت هذا الضابط.
وأيضا قوله (رحمه الله) أخيرا: إنه قد يتعقب الوعيد في الآيات خصالا شتى
وأوصافا متعددة لا يعلم أنها للمجموع أو للآحاد فلذلك طوينا ذكرها فيه أنه إذا كان
اجتناب الكبيرة شرطا مثلا في تحقق العدالة وغيرها فلا يمكن الحكم بالعدالة حتى يعلم
اجتناب الكبيرة، ولا يكون ذلك إلا باجتناب جميع ما تحتمل أنه كبيرة، نعم لو قلنا
إن فعل الكبيرة مانع من الحكم بالعدالة لاتجه القول بذلك، لأنا لم نعلم أنها كبيرة،
ولعله قدس سره أراد الشك في الاندراج في التعريف، فيتجه له حينئذ عدم إجراء
حكم الكبيرة على مثله، لكون المتيقن الأخير في الآية، وغيره محل شك فيه.

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 2 من كتاب الجهاد
لكن رواه عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني وهو الصحيح
318

ولكن على كل حال الرجوع في تفسير الكبيرة إلى ما ذكر - من أنها ما توعد الله
عليها بالنار، ورجوع ذلك إلى معرفتنا، وأن المراد به كون ذلك الوعد في كتابه
لا ما يشمل ما كان على لسان نبيه والأئمة (عليهم الصلاة والسلام)، وإجراء الحكم من
العدالة والتكفير ونحو ذلك عليه - مما يقطع الناظر المتأمل الممارس لطريقة الشرع بفساده،
فلا بد إما من القول بهذا التفسير وإيكال ذلك إلى معرفتهم (ع) كما يشعر به حسنة عبيد
ابن زرارة المتقدمة (1) ويتجه حينئذ ما نقل عن ابن عباس أنها إلى السبعمائة أقرب منها
إلى السبع، وفي رواية إلى السبعين، أو يراد به ولو على لسان النبي والأئمة (عليهم
الصلاة والسلام) كما تشعر به رواية عبد العظيم بن عبد الله الحسيني، أو؟ يراد تعريف
الأكبر من قوله: (هي ما توعد الله عليه بالنار) لا أنه تعريف مساو للكبائر كما
يشعر به بعض الأخبار، وفي بعض الروايات أنها سبع، وعد منها ما توعد الله عليه
النار، وبذلك يتجه الجمع بين الروايات.
ودعوى أن حصر الكبائر فيما ذكره العلامة المزبور لا يقتضي عدم انقداح
العدالة بغيرها، وأنه لا بد وأن تقع غيرها مكفرة، إذ لعل العدالة يقدح فيها ما ليس
بكبيرة، وجميع الصغائر لا تقع مكفرة يدفعها ظهور اتفاق القائلين بأن الذنوب على
قسمين صغائر وكبائر على هذين الأمرين، نعم بعض من لم يقل بذلك كابن إدريس
يظهر منه انقداح العدالة بالجميع، وأنها محتاجة إلى التوبة، على أنه لا فائدة في هذه المتعبة
في حصر الكبائر من دون هذين الأمرين - فإنه (رحمه الله) قد ظهر منه بذل الجهد
بما لم يسبقه إليه أحد حتى يظهر منه أنه استقرأ القرآن من أوله إلى آخره ولاحظ جميع
الأخبار الواردة في المقام وجميع ما تضمنته الروايات - بعد حذف المكرر في أربعين
وما تضمنه الكتاب العزيز صريحا وضمنا في أربع وثلاثين، واستشكل فيما تضمنته بعض

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 4 من كتاب الجهاد
319

الأخبار من جهة عدم موافقته لهذا الضابط، وما ذلك إلا ليرتب عليها أحكاما جليلة
كالعدالة والاحتياج إلى التوبة ونحو ذلك، وقد عرفت أن ذلك غير متضح الوجه.
والذي يظهر أن الكبائر لم تثبت لها حقيقة شرعية، بل هي باقية على معناها
اللغوي، والمراد بها هنا كل معصية عظيمة في نفسها لا من جهة المعصي، ويعرف ذلك
إما من ورود الأخبار بأنه كبيرة، والذي يحصل منها - بعد إلغاء مفهوم العدد في بعضها
أو حمله على معنى لا ينافي المطلوب كالأكبرية ونحوها - أربعون كما اعترف به العلامة
المزبور، (أ) الكفر بالله، (ب) إنكار ما أنزل الله تعالى (ج) اليأس من روح الله
تعالى (د) الأمن من مكر الله (ه‍) الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأوصياء
صلوات الله عليهم، وعن رواية مطلق الكذب (و)) المحاربة لأولياء الله (ز) قتل
النفس التي حرم الله (ح) معونة الظالمين (ط) الكبر (ي) عقوق الوالدين (يا) قطيعة
الرحم (يب) الفرار من الزحف (يج) التعرب بعد الهجرة (يد) السحر (يه) شهادة
الزور (يو) كتمان الشهادة (يز) اليمين الغموس (يح) نقض العهد (يط) تبديل
الوصية (ك) أكل مال اليتيم ظلما (كا) أكل الربا بعد البينة (كب) أكل الميتة والدم
ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله (كج) أكل السحت (كد) الخيانة (كه) الغلول
وعن رواية مطلق السرقة (كو) البخس في المكيال والميزان (كز) حبس الحقوق من
غير عسر (كح) الاسراف والتبذير (كط) الاشتغال بالملاهي (ل) القمار (لا) شرب
الخمر (لب) الغناء (لج) الزنا (لد) اللواط (له) قذف المحصنات (لو) ترك
الصلاة (لز) منع الزكاة (لح) الاستخفاف بالحج (لط) ترك شئ مما فرض الله
(م) الاصرار على الذنوب، وإما بتوعد النار عليها في الكتاب أو السنة صريحا أو
ضمنا كما تقدم، أو من غير توعد ولكن شدد على الفعل أو الترك تشديدا أعظم من
320

التوعد بالنار كالبراءة منه ولعنه وكونه كالزاني بأمه مثلا ونحو ذلك مما يعد لعظمته أزيد
من التوعد بالنار بعد فرض أنه معصية، أو ما بقي عظمته في أنفس أهل الشرع وإن لم
نعثر على غير النهي عنه.
بل عن الأستاذ المعتبر الشيخ جعفر قدس سره أن الكبيرة ما عده أهل الشرع
كبيرا عظيما وإن لم يكن كبيرا في نفسه كسرقة ثوب ممن لا يجد غيره مع الحاجة،
والصغيرة ما لم يعدوه كسرقته ممن يجد، ويلزمه مخالفة كثير مما جاءت به الأخبار
المعتبرة أنه كبيرة، بل بعض ما توعد الله عليه بالنار، على أنه إن أراد بأهل الشرع
عامتهم فهم قد يستعظمون المعلوم أنه صغيرة في الشرع وبالعكس، وإن أراد العلماء
فكلامهم مضطرب في الكبيرة، اللهم إلا أن يريد أن العلماء والأعوام يستعظمونه مع
الغفلة عن بحث الكبائر والصغائر، لكنه على كل حال هو ضابط غير مضبوط، فإن
الذنب قد يستعظم من جهة قلة وقوعه أو ترتب مفاسد أخر عليه ونحوه، وقد لا يستعظم
من جهة تعارفه ونحوه.
فإن قلت: إنه وارد عليك أيضا، قلت: إنا نأخذه بعد فقد ما يدل على عظمه
من الكتاب والسنة وغيرهما، والفرق بيننا وبينه أنه يجعله ضابطا حتى فيما ورد من
الأخبار المعتبرة أنه كبيرة عظيمة، ونحن نأخذه بعد فقد ذلك، لأن الظاهر من العظمة
عندهم وعدم المسامحة فيهم وعدم نسبة التقوى الفاصلة؟ وغير ذلك مع عدم ما ينافيها من
الأدلة أن يكون ذلك مأخوذا عن صاحب دينهم، فتأمل.
ويقرب مما ذكره شيخنا ما نقل عن بعضهم أنك إن أردت أن تعرف الفرق
بين الصغيرة والكبيرة فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن
نقصت عن أقل مفاسدها فهي من الصغائر، وإلا فمن الكبائر، مثلا حبس المحصنة
للزنا فيها أعظم مفسدة من القذف مع أنهم لم يعدوه من الكبائر، وكذا دلالة الكفار
321

على عورات المسلمين ونحو ذلك مما يفضي إلى القتل والسبي والنهب، فإن مفسدته أعظم
من مفسدة الفرار من الزحف، ومنه يخرج الوجه في كلامه (هي إلى السبعمائة أقرب
منها إلى السبع) وكأنه إلى ما ذكرناه أقرب، لأنه لا يخرجه عن معرفة عظم
الذنب، فتأمل.
وكيف كان فالاصرار من جملة الكبائر، لوروده في بعض الأخبار (1) وفي
مفتاح الكرامة نقل الاجماع عليه، وعن التحرير (الاجماع على أنه إن داوم على
الصغائر أو وقعت منه في أكثر الأحوال ردت شهادته) وعن الذخيرة (لا خلاف
في ذلك) والمنقول عن الصحاح والقاموس والنهاية الأثيرية (أن الاصرار الإقامة
على الشئ والملازمة والمداومة) وما سمعته عن التحرير من الاكثار إن دخل في
الإقامة والملازمة كان إصرارا، وإلا كان قادحا في الشهادة وإن لم يكن إصرارا لمكان
الاجماع لكن لا يمكن أخذه في العدالة بناء على ذلك إلا أن يكون ذلك مما ينافي
التقوى أو يكون كبيرة يمكن استفادتها على الوجه الذي ذكرنا، ولهم أقوال مختلفة في
تفسير الاصرار، والأولى فيه الرجوع إلى العرف العام، فإن لم يكن فإلى ما ذكرنا عن
أهل اللغة، والظاهر أنه ليس منه فاعل الصغيرة مع العزم على عدم العود، بل ولا ما
إذا لم يخطر بباله عود وعدمه، نعم إذا كان عازما على العود لا يبعد أن يكون منه عرفا
بل ولغة، والظاهر أن الاكثار من صغائر شتى لا من نوع واحد لا يعد إصرارا على
كل واحد قطعا، إنما الكلام بالنسبة إلى الجميع، ولعل إجماع التحرير المتقدم شامل له،
ويأتي إن شاء الله في باب الشهادات تمام البحث في هذه المسائل كلها.
بل صرح غير واحد بعدم الفرق بين المداومة على النوع الواحد من الصغيرة
والاكثار منه وبين غيره في صدق الاصرار على الصغيرة المراد بها الجنس، كما أنه صرح

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 33 و 36 من كتاب الجهاد
322

الخراساني في الذخيرة بالاتفاق على وجوب التوبة من الذنب وإن كان صغيرة، وربما
يؤيده ما ذكروه في غسل التوبة من عدم الفرق في ذلك بين كونه عن كفر أو عن فسق
أو عن ذنب ولو صغيرة، ولكن قد بالغ بعض الناس في بطلانه وجزم بأن دعواه
الاجماع على ذلك اشتباه واضح، ولعله لمعلومية تكفيرها باجتناب الكبائر، ومعلومية
عدم قدحها في العدالة، مع أنه بناء على عدم التوبة عنها يتجه الانقداح، ضرورة كونه
حينئذ مصرا على عدم التوبة، فلا فرق حينئذ بين الصغيرة والكبيرة بالنسبة إلى ذلك
قلت: قد يدفع ذلك كله بالتزام وجوب التوبة عنه، لعموم الأمر بها عن كل ذنب
من حيث كونه خروجا عن الطاعة وفعل قبيح في ذاته، وتكفيره بمعنى عدم العقاب
عليه لا ينافي حسن التوبة عنه من حيث كونه معصية وقبيحا وذنبا وإن لم يترتب عليه عقاب
إذ التوبة ليست (إلا خ ل) لرفع العقاب خاصة، وعدم قدح الصغيرة في العدالة من حيث
نفس فعلها لا من حيث التقصير في عدم التوبة، بخلاف الكبيرة، وكفى بذلك فرقا،
وتظهر الثمرة في حال الغفلة عن التوبة، فإنه لا معصية فضلا عن الاصرار، فلا يقدح
حينئذ فعل الصغيرة في العدالة بخلافه في الكبيرة، فإنه قادح وإن غفل عن التوبة عنها،
والله العالم.
(و) كذا يعتبر في الإمام (العقل) حال الإمامة، ضرورة عدم عبادة للمجنون
نعم لا بأس بالجنون قبلها كما لو كان أدواريا، لاطلاق الأدلة السالم عن إطلاق المنع من
الائتمام بالمجنون نصا وفتوى بعد ظهوره في إرادة حال الائتمام منه، خصوصا بعد ملاحظة
اعتضاد الاطلاق الأول بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك،
وإن جزم الفاضل في باب الجمعة من تذكرته بالمنع معللا له بامكان عروضه حالة الصلاة،
وبأنه لا يؤمن من احتلامه حالة الجنون من غير شعور، فقد روي (أن المجنون
323

يمني حالة جنونه) ولنقصانه عن هذه المرتبة، والجميع كما ترى، خصوصا الثاني لامكان
اندفاعه بعد تسليم اعتباره بالغسل دفعا لمثل هذا الاحتمال كما حكى عنه في النهاية الحكم
باستحبابه له لذلك، بل والثالث أيضا، ضرورة كون المانع النقص في الصلاة لا مثل
المرض في نفسه.
(و) كذا يعتبر في الإمام من غير خلاف أجده فيه بيننا، بل عليه الاجماع
منقولا إن لم يكن محصلا (طهارة المولد) فلا يجوز الائتمام حينئذ بولد الزنا، لقول
أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر ابن نباتة (1): (ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس
- وعد منهم - ولد الزنا) والباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (2) (لا يصلين
أحدكم خلف المجنون وولد الزنا) والصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير أي
ليث المرادي (3) (خمسة لا يؤموا الناس - وعد منهم - المجنون وولد الزنا) لكنها
كما ترى لا دلالة في شئ منها على ما عبر به الأصحاب من طهارة المولد، بل أقصاها
المنع عن ابن الزنا، ولعله لأن كل من لم يعلم أنه ابن زنا محكوم عندهم عليه بطهارة مولده
شرعا حتى من كان ولد على غير الاسلام ثم استبصر، أو التقط في دار الحرب أو
الاسلام ممن لا يعرف له أب وإن كان هو لا يخلو من إشكال، فالأولى التعبير بأن لا
يكون ابن زنا بدله كما هو مضمون الأخبار، فيكفي حينئذ في صحة الائتمام عدم العلم بكونه
ابن زنا لاطلاق الأدلة أو عمومها، بناء على أن خروج ابن الزنا منها لا يصيرها مجملة
بالنسبة إلى مجهول الحال، بل هو مندرج فيها لصدق العنوان ككونه ممن يوثق بدينه
ونحوه عليه مع عدم الجزم بصدق عنوان المخصص عليه، واحتماله غير كاف في الخروج
عن الدليل الظاهر في التناول، وإلا لكان احتمال التخصيص والتقييد كافيا.
ودعوى أنه باخراج ولد الزنا من ذلك العام صار المراد به نقيض الخاص،

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 2 - 1
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 2 - 1
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 2 - 1
324

وهو غير ابن الزنا - فحيث لا يعلم كونه ابن زنا أو غيره لم يحكم بأحدهما لإرادة الواقع
من كل منهما، إذ العلم غير داخل في مفاهيم الألفاظ - ممكنة المنع، كما هو أحد الوجهين
في المسألة أو أظهرهما، خصوصا في المقام الذي ظاهر الأصحاب الاتفاق فيه على جواز
الائتمام بمن لم يثبت أنه ابن زنا، بل قد عرفت أن ظاهرهم الحكم عليه بطهارة مولده
وإن كان هو لا يخلو من إشكال كما سمعت.
نعم لا يبعد أن يكون من ابن الزنا من ثبت أنه تكون على غير نكاح والديه،
فولد اليهوديين على غير نكاحهما ابن زنا وإن استبصر، إلا أن يدعى شمول قوله
(صلى الله عليه وآله) (1): (إن الاسلام يجب ما قبله) لمثله، وإن كان فيه تأمل أو منع.
وأما ولد الشبهة فلا ريب في طهارة مولده شرعا كالمولود على الفراش وإن تناولته
الألسن، إلا أنه لم يثبت شرعا كما هو واضح.
(و) كذا يعتبر (البلوغ) في الإمام للبالغين في الفرائض (على الأظهر)
الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، بل في الرياض عن كتاب الصوم من المنتهى نفي
الخلاف عنه، للأصل وظهور انصراف الاطلاقات للمكلفين، والخبر (2) المنجبر ضعفه
بالعمل عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (إن عليا (عليه السلام) كان يقول: لا بأس
أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم، ولا يؤم حتى يحتلم، فإن أم جازت صلاته وفسدت صلاة
من يصلي خلفه) ولفحوى اعتبار العدالة المتوقف تحققها على التكليف، مؤيدا ذلك
كله بعدم جواز الائتمام به في النافلة، خصوصا للمفترض، وبعدم ائتمانه بسبب عدم
تكليفه على إحراز ما يعتبر في صحة الصلاة، بل ينبغي القطع به بناء على التمرينية،
خلافا للشيخ في الخلاف وعن المبسوط فجوز إمامة المراهق المميز العاقل مدعيا عليه الاجماع

(1) الخصائص الكبرى ج 1 ص 249
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7
325

في أولهما، للموثق (1) عن الصادق (عليه السلام) (تجوز صدقة الغلام وعتقه ويؤم الناس
إذا كان له عشر سنين) وخبر طلحة بن زيد (2) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم
السلام) قال: (لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤم) وخبر غياث بن
إبراهيم (3) عن الصادق (عليه السلام) (لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤم
القوم وأن يؤذن).
وفيه أن إجماعه موهون بمصير غيره من الأصحاب إلى خلافه عدا ما يحكى عن
المرتضى (رحمه الله) في بعض كتبه، بل سمعت نفي الخلاف فيه عن المنتهى المشعر
بدعوى الاجماع عليه، بل وبمصيره نفسه إلى خلافه في تهذيبه وعن نهايته واقتصاده،
وأما أخباره فمع ضعف سند بعضها، ولا جابر - بل ودلالته، لأعمية نفي الاحتلام من
البلوغ، وبلوغ العشر من عدمه، وخلوها عن قيود الخصم، وإعراض أكثر الأصحاب
عنها في هذا الباب وفي سائر الأبواب - قاصرة عن معارضة ما عرفت من وجوه، هذا.
ولا فرق في إطلاق الأدلة منعا وجوازا بين كونه سلطانا متخلفا أو غيره،
خلافا للإسكافي ففرق، فقال في الثاني بالأول، وفي الأول بالثاني، وهو لا يخلو من
وجه، ضرورة إرادته سلطان حق، وهو ليس إلا الإمام عليه السلام، ومع فرض كونه دون
البلوغ يتجه ما ذكره، وإلا سقط وجوب الجمعة على الناس، والأمر سهل لقلة الثمرة في
الفرض المزبور، إذ هو حينئذ المرجع في الحكم، ولعل تكليفه حينئذ أمر آخر، وهو
أعرف منا به، هذا.
ولكن المحكي عن ابن الجنيد في الذكرى غير ذلك، حيث قال: وقال ابن
الجنيد: غير البالغ إذا كان سلطانا مستخلفا للإمام الأكبر كالولي لعهد المسلمين يكون
إماما، وليس لأحد أن يتقدمه، لأنه أعلى ذوي السلطان بعد الإمام الأكبر، وهو

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 8 - 3
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 8 - 3
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 8 - 3
326

صريح في إرادة غير ما ذكرنا، وعلى كل حال فلا ثمرة يعتد بها، وكذا لا فرق في
إطلاقها بين إمامته بالبالغين في الفرائض والنوافل أو بغيرهم معه، خلافا للدروس
والذكرى ففرقا بين الأول فالأول، وغيره فالثاني، ولعله لتساوي الصلاتين حينئذ نفلا
بخلاف الثاني (1) وهو لا يخلو من وجه بالنسبة إلى ائتمام غير البالغين به، لحصول الظن
القوي من استقراء الأدلة بمشروعية سائر عبادات البالغين لغير البالغين، ومنها ائتمام
بعضهم ببعض كالبالغين، فتأمل جيدا.
(و) كذا يعتبر في الإمام (أن لا يكون قاعدا بقائم) على المشهور بين
أصحابنا، بل لم ينقل فيه خلافا من كانت عادته ذلك، بل في الخلاف والتذكرة وكشف
الالتباس والمفاتيح وظاهر المنتهى وعن الغنية والسرائر وظاهر إرشاد الجعفرية الاجماع
عليه، للأصل، وتبادر غيره من الاطلاقات والأخبار المرسلة في الخلاف، وإمكان
دعوى استفادة اعتبار عدم نقصان صلاة الإمام نفسها عن صلاة المأموم من استقراء
الأدلة، والنبوي (2) المروي بين العامة والخاصة أنه قال (صلى الله عليه وآله) بعد أن
صلى بهم جالسا في مرضه: (لا يؤمن أحد بعدي جالسا) بل قيل: وخبر السكوني (3)
عن الصادق عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، ومحمد بن مسلم عن الشعبي (4)
عن علي (عليه السلام) أيضا (لا يؤمن المقيد المطلقين) وزاد في أولهما (ولا يؤم صاحب
الفالج الأصحاء، ولا صاحب التيمم المتوضين).
لكن قد يوهم ترك بعض القدماء التعرض لاعتباره في صفات الإمام مع التعرض

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب " الأول "
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3
لكن روى الثاني عن صاعد بن مسلم عن الشعبي وهو الصحيح كما في التهذيب ج 3 ص 269
الرقم 773
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
327

لغيره الخلاف فيه، بل في صريح الوسيلة وعن الواسطة التصريح بالكراهة، كما عن
نجيب الدين في الجامع إطلاق كراهة إمامة المقيد، وفي الوسائل (باب كراهة إمامة
الجالس القيام، وجواز العكس) وعن المبسوط إطلاق جواز ائتمام المكتسي بالعاري
ولعله لاطلاق الأدلة مع ضعف الخبرين عن إفادة التحريم، بل الثاني منهما مع عدم
صراحته في المطلوب مشعر بالكراهية، وهو جيد لو لم يكن الخبران معتضدين ومنجبرين
بما عرفت من الاجماع المحكي إن لم يكن محصلا، بل في الحدائق (من غفلات صاحب
الوسائل تفرده بالقول بالكراهة مع إجماع الأصحاب على التحريم، وصراحة الخبر
فيه بلا معارض).
قلت: مضافا إلى ما عرفت من إمكان دعوى تبادر غيره من الاطلاقات،
وإمكان استفادة اعتبار عدم النقصان من الاستقراء المزبور، ولذا قال في المدارك بل
في الذخيرة نسبته إلى الشهرة بين الأصحاب، بل ظاهر الحدائق والرياض نسبته إليهم.
وكذا الكلام في جميع المراتب لا يؤم الناقص الكامل، فلا يجوز اقتداء الجالس
بالمضطجع حينئذ وهكذا، وإن كان قد يناقش في استفادة الكلية المزبورة من مثل
الخبرين السابقين وما تسمعه في إمامة الأمي والملحن وغيرهما على وجه معتبر يعارض
إطلاق الأدلة، خصوصا بعد ما تسمعه من جواز إمامة (1) المتوضين بالمتيممين وغيرهم
من ذوي التكاليف الاضطرارية كما اعترف به في الحدائق، بل جزم بعدم اعتبار الكلية
المزبورة، وجعل المدار على خصوص ما ورد من الأدلة في الجزئيات الخاصة من غير
ترق منها إلى غيرها، وعليه بنى جواز ائتمام المكتسي العاجز عن الركوع والسجود
والقيام بالعاري، لاندارجه تحت ما دل على إمامة الجالس بالجالس، قال: ولا يضر

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب " ائتمام "
328

هنا نقص صلاة الإمام من حيث كونه عاريا والمأموم مكتسي، لما عرفته من عدم الدليل
عليه، معرضا بذلك لسيد المدارك حيث حكى فيها عن التذكرة جواز اقتداء المكتسي
العاجز بالعاري، لمساواته له في الأفعال، ثم قال: وهو يتم إذا قلنا إن المانع من
الاقتداء بالعاري عجزه عن الأركان، وأما إذا علل بنقصه من حيث الستر فلا، وهو
أي تعريضه به في محله، إذ لو سلمنا الكلية المزبورة فإنما هي في أفعال الصلاة كما يومي إليه
تعليل التذكرة لا في مقدماتها الخارجة، ضرورة جواز الائتمام بالمتيمم ومن تعذر عليه
إزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه وذي الجبائر وغير ذلك، بل والمسلوس والمبطون كما في
الموجز وكشف الالتباس، لاطلاق الأدلة من غير معارض، ولذا نص في الخلاف على
جواز ائتمام الطاهر بالمستحاضة، بل أطلق جواز ائتمام المكتسي بالعريان، وما في
الذكرى وكذا المنتهى - من اعتبار القدرة على الاستقبال، فلو عجز عنه لم يؤم القادر
عليه، ويجوز أن يؤم مثله - لا يخلو من نظر، إنما البحث إن كان ففي استفادة الكلية
المزبورة بالنسبة للأفعال أو الأركان منها، فإن ثبت إجماع عليها كما هو قضية إرسالهم
لها إرسال المسلمات أو شهرة معتد بها يمكن دلالة تلك الأخبار بسببها بحيث تحكم على
إطلاق الأدلة فذاك، وإلا كان للبحث فيها مجال، بل قد يومي نص كثير من
الأصحاب خصوصا المتقدمين على خصوص بعض أفرادها الوارد في الأدلة بل القليل
منها من غير تعرض لها إلى عدم ثبوتها عندهم، إذ من الواضح أولويتها بالذكر من بعض
جزئياتها المتفرعة عليها.
كما أنه يومي إلى ذلك أيضا بعض الأخبار (1) السابقة في جماعة العراة المتضمنة
إيماء الإمام وركوع المأمومين وسجودهم، وقد عمل بها بعض الأصحاب كما سمعت،
وفي الذخيرة في جواز إمامة المفتقر إلى الاعتماد بمن لا يفتقر إليه قولان، ثم إنه بناء

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب لباس المصلي الحديث 2
329

عليها فهل يجوز الائتمام إلى زمان حصول النقصان فينوي الانفراد حاله حينئذ، أو أنه
لا يجوز ذلك ابتداء، لصدق وصف النقصان في الإمام وإن كان هو في أثناء الصلاة
ولظهور إرادتهم نقصان مرتبته بذلك عن منصب الإمامة لا أنه من جهة الاختلاف في
الأفعال التي لا مدخلية للإمام فيها بالنسبة للمأموم عدا القراءة منها لتحمله إياها عنه،
فلا يجوز حينئذ ائتمام الكامل ابتداء بمن فرضه الصلاة قائما موميا للركوع والسجود،
ولا المكتسي العاجز عن القيام خاصة دون الركوع والسجود بالعاري؟ وجهان، قد
يشعر بأولهما بعض كلماتهم وتعليلاتهم الآتية في الأمي وغيره، والتحقيق اتباع ظاهر
الدليل في كل مقام، ولعله يقتضي غالبا الثاني.
نعم ظاهر المتن وغيره كصريح جماعة - بل لا أجد فيه خلافا صريحا، بل في
التذكرة والروض وعن نهاية الإحكام الاجماع عليه - جواز إمامة القاعد بمثله، لاطلاق
الأدلة السالم عن المعارض عدا النبوي المتقدم المحمول على إرادة لا يؤمن أحد بعدي
القائمين جالسا بقرينة ما عرفت، وما ورد في كيفية جماعة العراة مما تقدم سابقا وغير ذلك.
بل وكذا يجوز ائتمام كل مساو بمساويه نقصا أو كمالا، والناقص بالكامل كالقاعد
بالقائم بلا خلاف أجده فيه أيضا، لاطلاق الأدلة، وخبر أبي البختري (1) عن جعفر
عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (المريض القاعد عن يمين المصلي جماعة) أما إذا كانا
ناقصين واختلفت جهة النقص فيحتمل مراعاة الأعظم من أفعال الصلاة، فيأتم حينئذ
فاقده بفاقد الأهون، ويحتمل جواز الائتمام مطلقا، لاشتراكهما في النقصان، ولذا أطلق
في الخلاف جواز ائتمام القاعد بالمومي.
لكن على كل حال لا يبعد استثناء القراءة من ذلك، فلا يأتم متقنها وإن
فرض تعذر باقي الأركان عليه بفاقدها وإن كان متمكنا من غيرها، لعدم التحمل،

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
330

بل وكذا القائم بالقاعد وإن فرض تمكن الثاني من الركوع والسجود ونحوهما وتعذرهما
على القائم، لاطلاق الدليل السابق، وإن كان يمكن دعوى انصرافه إلى القائم المتمكن
إلا أنه لما كانت الجماعة توقيفية والأصل عدم سقوط القراءة وغير ذلك اتجه التجنب
عن مثل هذه الكيفيات من الجماعات التي ليس في النصوص والفتاوى ما ينقحها،
فتأمل جيدا.
ولو حدث للإمام ما يوجب القعود أو مطلق النقص في الأثناء وجب على
المأموم الانفراد ما لم يستنب الإمام غيره، كما صرح به في التذكرة والذخيرة، لظهور
النص والفتوى في اعتبار ذلك ابتداء واستدامة وإن كان الأول أظهر الفردين منهما،
بل قد يقال باعتبار ذلك في تمام الصلاة وإن لم يكن ائتم به المأموم حال النقص، فلو
فرض فعل الإمام بعض الصلاة قاعدا فتمكن من القيام في البعض الآخر فأريد الائتمام به
حال كماله لم يجز، لنقص صلاته التي يراد الائتمام بها، وإن كان لا يخلو من إشكال،
لظهور النبوي المزبور ومعاقد الاجماعات السابقة في غيره، وعدم ثبوت العلة المذكورة.
(و) كذا (لا) يجوز أن يكون الإمام (أميا بمن ليس كذلك) بلا خلاف
صريح أجده فيه، بل في التذكرة والذكرى وعن الغرية وإرشاد الجعفرية وظاهر المعتبر
الاجماع عليه مع التصريح في جملة منها بعدم الفرق بين الجهرية والاخفاتية في ذلك،
وهو العمدة فيه بعد أصالة عدم سقوط القراءة عن المأموم، لانصراف إطلاق الأدلة
إلى غيره، وبعد الكلية المزبورة خصوصا بالنسبة إلى القراءة، وإن كانا هما معا لولاه
محلا للنظر، كالاستدلال عليه بالأخبار (1) الآمرة بتقديم الأفضل، ضرورة أفضلية
القارئ عليه، وبخبر أبي عبيدة (2) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القوم من

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
331

أصحابنا يجتمعون فتحضر الصلاة فيقول بعضهم لبعض: تقدم يا فلان، فقال: إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يتقدم القوم أقرأهم للقرآن، فإن كانوا في القراءة
سواء فالأقدم هجرة) الحديث المساق لبيان الفضل والاستحباب الذين تعرفهما إن شاء الله
عند ذكر المصنف لهما كغيره من الأصحاب، وإن كان يمكن أن يقال بإرادة القدر المشترك
بين الندب والوجوب من خصوص هذا الأمر فيه.
وعلى كل حال فلو ائتم حينئذ به القارئ وحده أو مع أمي آخر بطلت صلاته
قطعا، بل قيل: وصلاة الإمام والمأموم الأمي أيضا إذا كان القارئ ممن جمع شرائط
الإمامة، لوجوب ائتمامه به حينئذ على المشهور بين الأصحاب كما في المدارك، بل فيها
أنه قطع به الفاضل في تذكرته من غير نقل خلاف من أحد، لتمكنه حينئذ من الصلاة
بقراءة صحيحة، فيجب عليه، ولا ريب في كونه أحوط وإن كان في تعينه نظر مع
فرض عجزه عن الاصلاح، لأصالة البراءة، وإطلاق الأمر بالصلاة، ومعلومية اشتراط
التكليف بالقدرة، وإطلاق أدلة استحباب الجماعة، وغير ذلك، بل ليس هو أعظم
من الأخرس المعلوم عدم وجوب الائتمام عليه نصا وفتوى، ولقد أجاد في المدارك
بقوله بعد ذكره الحكم المزبور: إن للتوقف فيه مجالا، بل لعل الأقوى في النظر عدم
الوجوب، بل قد يدعى القطع به وبظهور الفتاوى في ذلك أيضا، بل الذي وقفت عليه
من عبارة التذكرة مقيد بالممكن له التعلم، وهو قد يتجه فيه الوجوب مع فرض تقصيره
لتكليفه حينئذ بالاتيان بالصلاة بقراءة صحيحة، فيجب عليه التعلم أو الائتمام، فلو صلى
بدونهما بطلت صلاته حتى لو كان جاهلا بوجوب ذلك، لعدم معذورية الجاهل عندنا
في الصحة والفساد وإن كان ساذجا، ونحوه القاصر أيضا بناء على وجوب الائتمام عليه
وما في المدارك - من أنه لا ببعد صحة صلاة الأمي مع جهله بوجوب الاقتداء، لعدم
توجه النهي إليه المقتضي للفساد - في غير محله كما هو مفروغ منه في غير المقام.
332

والمراد بالأمي هنا من لا يحسن القراءة الواجبة أو أبعاضها كما صرح به بعضهم،
بل في الرياض (لا خلاف يعرف بينهم في أنه من لا يحسن قراءة الحمد أو السورة أو
أبعاضهما ولو حرفا أو تشديدا أو صفة) ولا بأس به وإن كان مخالفا للمعنى اللغوي،
إذ ليس في روايات المقام له أثر، لكن الظاهر عدم دخول اللحن في الاعراب عندهم
فيه، ولا التمتام ونحوه فيه، لذكرهم ذلك بعده بالخصوص، فيكون المراد منه عدم حسن
القراءة بالنظر إلى مخارج حروفها أو بنيتها أو تشديدها ونحو ذلك.
وكيف كان فظاهر المتن وصريح غيره بل لا أجد فيه خلافا جواز إمامته بمثله
أو أنقص منه، وهو جيد مع اتحاد محل الأمية أو نقصانها في المأموم، لاطلاق الأدلة
أما مع اختلافها بأن كان يحسن أحدهما الفاتحة والآخر السورة ففي المدارك تبعا للتذكرة
والذكرى (جاز ائتمام العاجز عن الفاتحة بالقادر عليها دون العكس، للاجماع على وجوبها
في الصلاة بخلاف السورة) ولا بأس به إن أرادوا الائتمام به إلى الوصول إلى السورة
فينفرد، وإلا فيشكل بأنه لا دليل على سقوطها عنه مع فرض تمكنه من قراءتها صحيحة
بناء على أن السبب في عدم ائتمام القارئ بالأمي ذلك، كما هو مقتضى تعليلهم الحكم به
كما أنه يشكل أيضا بنحو ذلك أو ما يقرب منه باقي ما ذكره في الذكرى من الفروع في
المقام التي تبع في بعضها العلامة في التذكرة، وتبعه غيره في بعضها أيضا، قال: (ولو
أحسن أحدهما بعض الفاتحة والآخر بعض السورة فصاحب بعض الفاتحة أولى بالإمامة
ولو أحسن الآخر كمال السورة ففي ترجيح من يحسن بعض الفاتحة نظر من حيث الاجماع
على وجوب ما يحسنه، ومن زيادة الآخر عليه، والأول أقرب مع احتمال جواز إمامة
كل منهما - إلى أن قال -: ولو أحسن كل منهما بعض الفاتحة فإن تساويا في ذلك البعض
صح اقتداء كل منهما بصاحبه، وإن اختلفا فإن زاد أحدهما على الآخر جاز إمامة
الناقص دون العكس، وإن اختلف محفوظاهما لم يؤم أحدهما الآخر، لنقص كل منهما
333

بالنسبة إلى الآخر) انتهى.
والذي يدور بعد ذلك كله في النظر أن مانعية الأمية للإمامة من جهة تحمل
القراءة خاصة وضمانها، كما يومي إليه ملاحظة كلماتهم وإن أطلقوا هم الحكم، لانصراف
إطلاق أدلة التحمل إلى ذي القراءة الصحيحة، لا أقل من الشك، فلو ائتم به حينئذ
القارئ فضلا عن غيره في غير محل تحمل القراءة كالركعتين الأخيرتين أو في محلها
حيث يجوز للمأموم القراءة وقرأ وقلنا بالاجتزاء بذلك كما هو الظاهر اتجهت الصحة،
وكذا لو فرض أن أميته كانت بالأذكار التي لا يتحملها الإمام عن المأموم كأذكار
الركوع والسجود والتشهد والتسليم وتسبيح الأخيرتين، كل ذلك لاطلاق الأدلة
السالم عن المعارض عدا ما عساه يقال مما لا منشأ له يعتد به من أن أميته أورثت نقصا
في صلاته، فلا يجوز الائتمام به مطلقا، وهو كما ترى.
وعلى كل حال فاقتداء الأمي بالأمي مع فقد القارئ الذي يأتمان به بناء على
وجوبه حينئذ لا ينبغي التوقف فيه، للتساوي، أما مع الاختلاف فيجوز ائتمام ذي
الأمية السابقة بذي الأمية اللاحقة إلى أن يصل إلى المحل الذي يحسنه، فينفرد عنه
من غير فرق في ذلك بين الفاتحة والسورة، ولا بين الأكثر من الفاتحة أو الأقل،
ضرورة أن ما سمعته من الذكرى وجوه اعتبارية لا تصلح أن تكون مدركا للأحكام الشرعية، خصوصا بناء على المختار من حجية الظن المخصوص للمجتهد لا مطلقا، مع
احتمال تنزيل جميع كلماتهم على ما ذكرنا، بل لعله الظاهر للمتصفح المتأمل، وهل يجوز
التعاكس بمعنى صيرورة الإمام مأموما بمن ائتم به فيما لا يحسنه هو وكان يحسنه المأموم؟
وجهان، قد يظهر من التذكرة أولهما، ومن الذكرى ثانيهما، ولعله الأقرب إن أريد
الانتقال من الإمامة إلى المأمومية وبالعكس، أما لو نوى كل منهما الانفراد ثم أراد الائتمام
جديدا فيقوى الصحة بناء على ما ستعرفه من جواز نقل النية في الأثناء.
334

والأخرس كالأمي في كثير من الأحكام المتقدمة، لا يجوز ائتمام القارئ به
ويجوز ائتمام مثله به، بل لا يبعد جريان ما ذكرناه في الأمي فيه، فيجوز الائتمام
للقارئ به في غير محل تحمل القراءة فضلا عن الأمي، بل في التذكرة والذكرى وغيرهما
جواز ائتمام الأمي به في محل القراءة أيضا على أحد الوجهين، بل في المنتهى أن الأقرب
الجواز، والآخر المنع لا لعدم تحمل القراءة بل لنقصان صلاته بعدم التكبير الذي هو
أحد الأركان، وهو مبني على الكلية المزبورة التي عرفت أنها محل البحث أو المنع،
نعم يتجه المنع هنا لأصالة عدم سقوط القراءة عن الأمي بتحريك الأخرس لسانه بعد
انصراف إطلاق الأدلة إلى غيره، وكونه أميا لا يصيره بمنزلة الأخرس الذي لا يستطيع
الكلام، ويؤيده مع ذلك المروي (1) عن دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) (لا يؤم
الأخرس المتكلمين) إذ لا ريب في اندراج الأمي في المتكلمين، واحتمال استفادة
عدم جواز مطلق ائتمامه به منه ولو في محل غير القراءة فيشكل حينئذ ما سمعته منا بعيد
على أنه غير صالح للحجية في نفسه فضلا عن أن يعارض إطلاق أدلة الجماعة، نعم لا ريب
في أن الأحوط عدم الائتمام في ذلك وفي جميع ما تقدم، لقوة احتمال إرادة النقص
بذلك وبالأمية عن أصل الصلاحية لمنصب الإمامة للكامل، بل الشك كاف في مثل
العبادة التوقيفية، والله أعلم.
(ولا يشترط) في الإمام (الحرية على الأظهر) الأشهر، بل هو المشهور
شهرة كادت تكون إجماعا، لاطلاق الأدلة، وصحيحتي (صحيحي خ ل) محمد بن مسلم
عن أحدهما (2) وأبي عبد الله (عليهما السلام) (3) (عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به
وكان أكثرهم قرآنا، قال: لا بأس به) وحسن زرارة أو صحيحه (4) عن الباقر عليه السلام

(1) البحار ج 18 ص 634 من طبعة الكمباني
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 2 - 1
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 2 - 1
(4) الوسائل الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 2 - 1
335

(قلت له: الصلاة خلف العبد، فقال: لا بأس به إذا كان فقيها ولم يكن هناك أفقه
منه) بل وموثق سماعة (1) (عن المملوك يؤم الناس، فقال: لا إلا أن يكون هو أفقههم
وأعلمهم) بضميمة عدم القول بالفصل بالنسبة إلى ذلك، وخبر أبي البختري (2)
المروي عن قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) في حديث، قال:
(لا بأس أن يؤم المملوك إذا كان قارئا) فما في الوسيلة - من أن العبد لا يؤم الحر
غير مولاه، وعن نهاية الفاضل اختياره، بل عن نهاية الشيخ ومبسوطه ذلك أيضا،
وعن المقنع أنه لا يؤم إلا أهله - ضعيف جدا لا دليل يعتد به في الجملة على شئ منه
فضلا عن أن يعارض ما عرفت سوى خبر السكوني (3) عن جعفر عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) أنه قال: (لا يؤم العبد إلا أهله) وهو - مع احتماله الكراهة مطلقا
أو مع وجود الأفضل أو الأقرأ منه بقرينة ما سمعته من الأخبار - قاصر عن إثبات
ذلك من وجوه لا تخفى على من له أدنى بصيرة.
(و) كذا (يشترط) في الإمام (الذكورة إذا كان المأموم ذكرانا أو ذكرانا
وأناثا) فلا يجوز إمامة المرأة لهم بلا خلاف أجده فيه نقلا وتحصيلا، بل في الخلاف
والمنتهى والتذكرة والذكرى والروض وعن غيرها الاجماع عليه، لأصالة عدم سقوط
القراءة، والنبوي (4) (لا تؤم امرأة رجلا) وآخر (5) (أخروهن من حيث
أخرهن الله) والمروي في موضع عن دعائم الاسلام (6) عن علي (عليه السلام) (لا تؤم

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 5 - 4
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 5 - 4
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 5 - 4
(4) سنن البيهقي ج 3 ص 90
(5) المستدرك الباب 5 من أبواب مكان المصلي الحديث 1
(6) البحار ج 18 ص 634 من طبعة الكمباني
336

المرأة الرجال، ولا الأخرس المتكلمين، ولا المسافر المقيمين) وآخر (1) عنه عليه السلام
أيضا (لا تؤم المرأة الرجال، وتصلي بالنساء، ولا تتقدمهن تقوم وسطا فيهن ويصلين
بصلاتها) وللسيرة والطريقة المستمرة في الأعصار والأمصار، إذ لو اتفق ذلك ولو يوما
لاشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار، ومطلوبية الحياء منهن والاستتار المنافيين للإمامة
المقتضية للظهور والاشتهار، وللأخبار (2) الكثيرة المتقدمة في بحث المكان من
الصلاة المشتملة على النهي عن محاذاة الرجل للمرأة وتقدمها عليه، بناء على إرادة الحرمة
منه، بل والكراهة المنافية للجماعة المعلوم استحبابها، وإرادة الأعم من المصطلح فيها
والأقل ثوابا لا شاهد لها، واحتمال إرادة الأقل ثوابا منها في الجماعة والفرادى لكون
مرجعها فيهما للصلاة يدفعه خروج التقدم عن حقيقتها، فلا بأس بإرادة المصطلح منها
فيه حال الصلاة على معنى يكره التقدم والمحاذاة في الفرادى حال الصلاة، وليس ذا
كالقول بعدم منافاة كراهة التقدم والمحاذاة لاستحباب الجماعة بعد كونهما من مقوماتها
ولوازمها، كما هو واضح، لكن ومع ذلك فللتأمل بعد في الاستدلال بها على المطلوب
مجال، إلا أنا في غنية عنه بما عرفت.
(و) كيف كان ف‍ (يجوز أن تؤم المرأة النساء) في الفريضة والنافلة التي يجوز
فيها الاجتماع على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل في الرياض أن عليه عامة
من تأخر، بل في الخلاف والتذكرة وعن الغنية وإرشاد الجعفرية وظاهر المعتبر والمنتهى
الاجماع عليه، لقاعدة الاشتراك الثابتة بالاجماع وغيره، فلا يقدح حينئذ ظهور خطاب
الاطلاقات بالذكور لو سلم كون جميعها كذلك، وللنبوي (3) المروي في كتب الفروع

(1) المستدرك الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب مكان المصلي
(3) كنز العمال ج 4 ص 257 الرقم 536
337

لأصحابنا مستدلا به على المطلوب، وهو (أنه (صلى الله عليه وآله) أمر أم ورقة أن
تؤم أهل دارها وجعل لها مؤذنا) والصادقي (1) المروي في الفقيه مسندا (سئل كيف
تصلي النساء على الجنائز؟ فقال: يقمن جميعا في صف واحد ولا تتقدمهن امرأة، قيل:
ففي صلاة المكتوبة أيؤم بعضهن بعضا؟ قال: نعم) ومرسل ابن بكير (2) عن الصادق
(عليه السلام) أيضا (في المرأة تؤم النساء، قال: نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن)
كالموثق (3) عنه (عليه السلام) أيضا (عن المرأة تؤم النساء، فقال: لا بأس به)
بل لعلهما كالصريحين في إرادة التعميم أو الفريضة، ضرورة ندرة النافلة التي يجوز
الاجتماع فيها كالاستسقاء ونحوه، خصوصا بالنسبة للنساء، فترك الاستفصال فيهما حينئذ
كالصريح فيما ذكرنا.
وبه يظهر دلالة الصحيح (4) عن الكاظم (عليه السلام) سأله أخوه (عن
المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير، فقال: قدر ما تسمع) وإن
كان السؤال فيه عن حكم آخر غير أصل الائتمام، إلى غير ذلك من مرسل الدعائم
المتقدم ونحوه.
خلافا للمحكي عن أبي علي وعلم الهدى والجعفي من المنع في الفريضة والجواز في
النافلة، ونفى عنه البأس في المختلف، ومال إليه في المدارك واختاره المولى الأعظم في
شرح المفاتيح على الظاهر مستظهرا له أيضا من الكليني والصدوق، لاقتصارهما على ذكر
صحاح سليمان بن خالد (5) وهشام (6) وزرارة (7) المشتملة على التفصيل المزبور،
لأصالة عدم تحقق الجماعة التوقيفية، وعدم سقوط القراءة، وعدم البراءة من الشغل

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 2
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10 - 11 - 7 - 12 - 1 - 3
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10 - 11 - 7 - 12 - 1 - 3
(4) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10 - 11 - 7 - 12 - 1 - 3
(5) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10 - 11 - 7 - 12 - 1 - 3
(6) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10 - 11 - 7 - 12 - 1 - 3
(7) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10 - 11 - 7 - 12 - 1 - 3
338

اليقيني، والنصوص الكثيرة التي فيها الصحيح وغيره السالمة عن معارضة أكثر ما تقدم
باعتبار إطلاقه وتقييدها مع الغض عن ضعف سند بعضه، وكونه من طرق العامة،
ودلالة آخر، والمؤيدة بعدم معهوديته في عصر ومصر من الأعصار والأمصار أصلا،
بل معهودية خلافه، لتعارف خروج النساء - مع مطلوبية الحياء والستر منهن، والقرار
في البيوت - إلى جماعة الرجال والائتمام بهم، ولو كان ذلك مشروعا لكان أولى لهن
من الخروج قطعا، ولوقع يوما في عصر النبي أو الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) خصوصا
مع فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام وباقي نسائهم وبناتهم، ولشاع وذاع حتى خرق
الاسماع، ضرورة توفر الدواعي إلى الجماعة وكثرة تكرر الصلاة وعموم البلوى بها.
وفي الجميع نظر واضح، إذ الأصول لا تقبل المعارضة لشئ مما ذكرنا حتى
قاعدة الاشتراك، والنصوص يكفي في ردها إعراض الأصحاب عنها مع كثرتها وصحتها
ووضوح دلالتها وكونها بمرأى منهم ومسمع، بل في المنتهى أنه لم يعمل بها أحد من
علمائنا، بل فيه أيضا كما عن المعتبر أنها نادرة، فكيف يحكم مثلها على ما عرفت، خصوصا
بعد موافقتها للمحكي عن جماعة من العامة، واحتمال المكتوبة فيها الجماعة الواجبة كالجمعة
وظهورها في جواز الجماعة بمطلق النافلة الذي هو أيضا مذهب العامة، وتنزيلها على
النافلة التي يجوز فيها ذلك تنزيل للمطلق على أندر أفراده، كتنزيل أخبار المختار عليه
على أن بعضه لا يصلح لذلك، لصراحته في الفريضة، كالاجماعات المحكية وبعض
الأخبار، وعدم المعهودية أو معهودية الخلاف بعد حفظ الحكم فيه باللفظ وغلبة عدم
الوثوق بالنساء في أحكام الفريضة والجماعة غير قادح، خصوصا بعد الحكم بعدم تأكد
الجماعة لهن كما صرح به بعضهم عملا بهذه الصحاح.
فظهر بحمد الله وبركة محمد وأهل بيته (عليهم الصلاة والسلام) أن أصول المذهب
339

تقتضي الاعراض عن ظاهرها، كما أنها تقتضي الاعراض عن ظاهر صحيح زرارة (1)
عن الباقر (عليه السلام) (قلت له: المرأة تؤم النساء، قال: لا إلا على الميت إذا لم
يكن أحد أولى منها تقوم وسطا معهن في الصف، فتكبر ويكبرن) من عدم جواز
مطلق الائتمام في النافلة والفريضة كما هو إحدى الحكايتين عن الجعفي والمرتضى، إذ
هو مخالف لجميع ما عرفت مما قلناه وقاله الخصم من النصوص وغيرها، فهو واضح
البطلان كسابقه وضوحا لا يحتاج معه إلى إتعاب يراع أو تسويد قرطاس.
(وكذا) الحكم في (الخنثى) المشكل أي هي هنا كالامرأة حكما، فتأتم به
النساء، لأنه إما رجل أو امرأة، وكل منهما يجوز إمامته لهن، ولا يأتم به رجل،
لاحتمال أنه امرأة، فلا يعلم حينئذ براءة الذمة من الشغل اليقيني، ودعوى شمول
الاطلاقات أو العمومات له - إذ أقصى ما خرج إمامة المرأة، فيبقى المشتبه داخلا
فيها، لصدق عنوانها عليه، ككونه ممن تثق بدينه ونحوه، ولا دلالة في النصوص على
اشتراط الذكورة في إمامة الرجال كي يحتاج إلى العلم باحرازها، بل غايتها ما سمعت من
عدم إمامة المرأة، وفرق واضح بينهما، ومنه ينقدح حينئذ قوة خيرة ابن حمزة من
جواز إمامة الخنثى بالخنثى، خلافا للمشهور فالمنع، لاحتمال كون الإمام منهما امرأة
والمأموم رجلا، بل وينقدح فساد أدلتهم من أصالة عدم سقوط القراءة، وأصالة عدم
براءة الذمة من الشغل اليقيني ونحو ذلك، ضرورة اندفاعها جميعها بالعمومات بعد
فرض شمولها له - يدفعها - بعد تسليم دخول الفرد المشتبه موضوعا في العام المفروض
تخصيصه، وتسليم وجود عمومات وإطلاقات صالحة لشمولها - ظهور اتفاق الأصحاب
على كون الذكورة شرطا في إمامة الذكور، لا أن الأنوثة مانع، فلا بد حينئذ من العلم به
ابتداء، وعلى حصر جواز إمامة الأنثى بالنساء خاصة، بل الثاني ظاهر النصوص أيضا.

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
340

ومن ذلك ظهر وجه قول المصنف: (ولا تؤم المرأة رجلا) لما عرفته سابقا
(ولا خنثى) لاحتمال كونه رجلا، وقد عرفت انحصار إمامتها بالنساء، وأما الخنثى
بالخنثى فهما وإن كان الشرطية والحصر المزبوران لا يصلحان سندا لعدم الجواز فيهما
قطعا، إذ أقصاهما أن الذكور لا يؤمهم إلا ذكر، والمرأة لا تؤم إلا النساء، وليس في
ائتمام الخنثى بالخنثى منافاة لشئ منهما، لعدم معلومية ذكورية المأموم منهما كي ينافيه
احتمال أنوثية الإمام، وعدم معلومية أنوثية الإمام كي ينافيها احتمال ذكورية المأموم،
لكن ليس في الأدلة إطلاقات أو عمومات واضحة التناول لهما بحيث يكفيان في براءة
الذمة عن الشغل اليقيني بعد الاغضاء عن أصل صلاحية العموم أو الاطلاق المفروض
تخصيصهما لشمول الفرد المشتبه موضوعه أنه من أفراد العام الباقية أو من أفراد المخصص
فلا ريب في حصول الشك في انعقاد مثل هذه الجماعة وجريان أحكامها عليها، فلا يجتزى
بها، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(ولو كان الإمام يلحن في قراءته لم يجز إمامته بمتقن على الأظهر) بل المشهور
نقلا وتحصيلا، بل لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين، لأصالة عدم سقوط القراءة،
ونقصان صلاة الإمام عن صلاة المأموم، وفحوى الاجماعات السابقة في الأمي إن لم يدع
شموله له بناء على أن اللاحن غير محسن للقراءة أيضا، لكن قد يناقش في الأول
بانقطاعه باطلاق الأدلة الممنوع إرادة القراءة الصحيحة خاصة منه، لصدق اسم القراءة
على الملحونة، خصوصا إذا لم يغير اللحن المعنى، وفي الثاني بما عرفته سابقا من عدم
ثبوت الكلية السابقة من الأدلة، وفي الثالث بأنه قياس محض، ولعله لذا تردد في الحكم
بعض متأخري المتأخرين، بل جوز في الوسيلة وعن المبسوط الائتمام في الفرض على
كراهية لاطلاق الأدلة، بل وعن ظاهر السرائر أيضا ذلك، لكن إذا لم يغير اللحن
المعنى، ولعله لخروجه عن اسم القراءة، معه بخلافه إذا لم يغير، إلا أن الانصاف تحقق
341

الشك إن لم يكن الظن في سقوط القراءة عن المأموم بالقراءة الملحونة للإمام وإن كانت
هي صحيحة في حقه، ولو بملاحظة ما تقدم في الأمي، إلا أنه يتجه - بناء على أن المانع
ذلك - جواز الائتمام في غير محل تحمل القراءة، إذ الكلية المزبورة غير ثابتة، نعم ظاهر
العبارة وغيرها - بل لا أجد فيه خلافا بين الأصحاب، بل الظاهر الاجماع عليه - جواز
إمامته بمثله إذا اتحد محل اللحن أو زاد في المأموم، لاطلاق الأدلة الذي لا ينافيه ما ذكرناه
سابقا من دعوى تبادر القراءة الصحيحة من أخبار التحمل، إذ ذاك بالنسبة إلى المأموم
الكامل لا من يلحن كالإمام، ولا يخفى عليك جريان كثير ما سمعته من الفروع السابقة
في الأمي هنا حتى وجوب الائتمام على الملحن بالقارئ وعدمه، وإن تردد فيه هنا
بعض من جزم بالوجوب هناك، لكنه في غير محله، إذ المسألة من واد واحد،
فالكلام الكلام، ولا حاجة إلى الإعادة، فتأمل.
(وكذا) لا يجوز ائتمام المتقن ب‍ (من يبدل الحروف كالتمتام وشبهه) من
الفأفاء وغيره بلا خلاف معتد به أجده فيه كما اعترف به في الرياض وغيره، لأولويته
من الأمي واللاحن، فيجري فيه جميع ما سمعت، وما في التذكرة والمنتهى والتحرير
والذكرى والمسالك وعن المبسوط والمعتبر من جواز الائتمام بالتمتام والفأفاء للمتقن مبني
على تفسير التمتام بغير ما في المتن كما هو صريح بعضهم وظاهر آخر، لتعليله الجواز بأنه
يكرر الحرف ولا يسقطه، لا على تفسيره بالمبدل، فيكون حينئذ نزاعا في موضوع،
وهو سهل، مع أنه قد يناقش في الجواز على التفسير المزبور أيضا بأنه لم يأت بالقراءة
على وجهها مع التكرير، ضرورة صيرورتها به هيئة أخرى، ولعله لذا اختار المنع في
البيان على هذا التفسير أيضا، وهو لا يخلو من قوة.
نعم قد يظهر الخلاف من الوسيلة على التفسير الأول فضلا عن الثاني حيث قال:
(تكره إمامة من لا يقدر على إصلاح لسانه أو من عجز عن أداء حرف أو يبدل حرفا
342

من حرف أو ارتج عليه في أول كلامه أو لم يأت بالحرف على الصحة والبيان) بل ومن
المحكي عن المبسوط أيضا (تكره الصلاة خلف التمتام ومن لا يحسن أن يؤدي الحروف،
وكذلك الفأفاء، فالتمتام هو الذي لا يؤدي التاء، والفأفاء هو الذي لا يؤدي الفاء)
إلا أنه لا يخفى عليك ضعفهما بعد الإحاطة بما سمعت سابقا في الأمي وغيره، ضرورة
اتحاد الطريق في الجميع، ومن هنا كان لا حاجة إلى إعادة كثير مما تقدم هناك، فلاحظ
وتأمل، مع أنه قال في المبسوط بعد ذلك بلا فصل فيما حكي عنه: (وكذا لا يؤتم بأرث
ولا ألثغ ولا أليغ، فالإرث هو الذي يلحقه في أول كلامه ريح فيتعذر عليه، فإذا تكلم
انطلق لسانه، والألثغ هو الذي يبدل حرفا مكان حرف، والأليغ هو الذي لا يأتي
بالحروف على البيان والصحة، وإذا أم أعجمي لا يفصح بالقراءة أو عربي بهذه الصفة
كرهت إمامته).
إذ من الواضح مساواة الألثغ بالتفسير الذي ذكره للتمتام والفأفاء، وإن كان
هما مختصان في الفاء والتاء بخلافه بناء على تفسيره بما عرفت، وإلا فهو خاص أيضا بناء
على ما في المنتهى عن الصحاح من تفسيره بأنه الذي يجعل الراء غينا أو لاما والسين
تاء، وحواشي الشهيد من أنه الذي يجعل الراء لاما، بل وعلى ما عن الفراء أيضا من
أن اللثغة بطرف اللسان هو الذي يجعل الراء على طرف اللسان، ويجعل الصاد ثاء.
وعلى كل حال فينافي حينئذ حكمه بالمنع فيه، لحكمه بالكراهة فيهما، إلا أن
الظاهر بل لعله من المقطوع به بملاحظة قرائن كثيرة في كلامه إرادته الكراهة أيضا
من قوله: (لا يؤتم) فلا منافاة حينئذ، نعم هو كالسابق في غاية الضعف بالنسبة
للألثغ، بل لا أجد فيه خلافا من غيره عدا الوسيلة التي سمعت عبارتها لما تقدم،
ومتجه بالنسبة للإرث المفسر بما عرفت، بل في المنتهى أنه حكاه الأزهري عن المبرد
أيضا لاطلاق الأدلة السالمة عن المعارض، بل لولا التسامح في دليل الكراهة لأمكن
343

التوقف فيما ذكره من الكراهة، واتجه الحكم بالجواز من غير كراهية، نعم يتجه المنع فيه
بناء على ما في التذكرة من تفسيره بأنه الذي يبدل حرفا بحرف، وما عن الفراء من أنه
الذي يجعل اللام تاء، بل وعلى ما عن الصحاح أيضا من أن الرثة بالضم العجم في
الكلام إن أراد به عدم خروج الحرف كما هو، لعدم حصول القراءة الصحيحة
المسقطة عن المأموم.
ومنه ينقدح حينئذ عدم جواز الائتمام بالأليغ بالياء المثناة من تحت كما صرح به
غير واحد من الأصحاب، بل في الرياض الاعتراف بعدم الخلاف فيه، لفحوى
ما سمعت أيضا بناء على إرادة نحو ذلك من تفسيره المزبور الذي يقرب من بعض
ما ذكر في تفسير الإرث بأنه الذي يدغم حرفا في حرف ولا يبين الحروف، خلافا له
وللوسيلة فالكراهة، ولا ريب في ضعفه، اللهم إلا أن يريدا - وإن بعد أو منع -
بعدم بيانها عدم إتيانها على الوجه الكامل، فيتجه حينئذ الجواز فيه، إذ هو حينئذ
كاللثغة الخفيفة التي تمنع من تخليص الحرف، ولكن لا يبدله بغيره المصرح بجواز
ائتمام القارئ معها في التذكرة والذكرى وعن نهاية الإحكام والروضة، وإن استشكله
في المدارك بأن من لا يخلص الحرف لا يكون آتيا بالقراءة على وجهها، لكن فيه احتمال
أو ظهور إرادتهم اللثغة التي لا تبلغ به إلى إخراج الحرف عن حقيقته وإن نقص عن
كماله، كاحتمال إرادة الشهيد في البيان ذلك أيضا مما ذكره من أن الأقرب جواز إمامة
من في لسانه لكنة في بعض الحروف بحيث يأتي به غير فصيح بالمفصح، فلا ينافيه
حينئذ ما في ظاهر الذكرى من أنه لو كان في لسانه لكنة من آثار العجمة لم يجز الائتمام
بعد تنزيله على إرادة اللكنة المغيرة لحقيقة الحرف، كتنزيل إطلاق بعض العبارات
عدم جواز الائتمام بمؤوف اللسان على ذلك ونحوه، لا ما يشمل من لا يتمكن من إتيان
344

الحرف على الوجه الكامل، إذ المدار ما عرفت من تحقق القراءة الصحيحة وعدمها،
فلا حاجة حينئذ إلى التعرض إلى خصوص الخنخنة، وهي كما في حواشي الشهيد التكلم
بالخاء من لدن الأنف، واللجلجة وهي كما فيها أن يكون فيه عي وإدخال بعض كلامه في
بعض، كما لا حاجة إلى إعادة بعض الفروع المتقدمة سابقا في الأمي الواضح جريانها
في المقام من ائتمام المماثل به ونحوه، ضرورة اشتراك الجميع في ذلك، فلاحظ وتأمل.
(ولا يشترط) في صحة الجماعة المندوبة وترتب أحكامها بالنسبة للإمام والمأموم
(أن ينوي الإمام الإمامة) وإن أم النساء وفاقا لصريح جماعة وظاهر آخرين، بل
لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في الرياض، بل قد يشعر قصر نسبة الخلاف في المنتهى
كما عن المعتبر إلى أبي حنيفة والأوزاعي بالاجماع عليه، بل عن مجمع البرهان كأنه إجماعي
بل في التذكرة لو صلى بنية الانفراد مع علمه بأن من خلفه يأتم به صح عند علمائنا،
للأصل في وجه، وإطلاق الأدلة والسيرة في الائتمام بمن لا يعلم الائتمام به، ومساواة
صلاته لصلاة المنفرد إلا بما لا يعتد به من رفع الصوت ونحوه، فليست هي نوعا آخر
مستقلا، بل هي كالمسجدية ونحوها، بل لا يبعد في النظر عدم اعتبار نية العدم أيضا
ما لم يرجع إلى التشريع المحرم كما هو ظاهر معقد إجماع الذكرى، بل قطع به المولى
البهبهاني في مصابيحه، فلو قصد عدم الإمامة واقتدى المأمومون به من غير رضاه أصلا
صحت صلاته وصلاة المأمومين، نعم قد يقال باعتبارها في ترتب الثواب واستحقاقه
كما في الدروس والذكرى وحاشية الإرشاد والمسالك ومصابيح المولى وعن غيرها،
لمعلومية اشتراطها في جميع الأسباب التي رتب الشارع عليها ثوابا، مع أن المحكي عن
مجمع البرهان أنه لم يستوضح شرطيتها في ذلك أيضا، قال: لأنه تكفي نية الصلاة عن
بعض التوابع مثل سائر نوافل الصلاة مع أنها أفعال لا بد منها، وليس في الإمامة شئ
زائد على حال الانفراد حتى ينوي ذلك الشئ إلا بعض الخصائص مثل رفع الصوت
345

ببعض الأذكار.
فالظاهر أنه إذا نوى ولم يقصد الانفراد ولا الجماعة يحصل له الثواب لو حصلت
له الجماعة، بل ولو لم يشعر به، بل في الذكرى والمسالك وغيرهما احتماله أيضا من غير
تعقيب بجزم بالعدم، لكن فيما إذا لم يعلم حتى انتهت صلاته نظرا إلى كرمه وإحسانه
لأنه لم يقع منه إهمال، وإلى استبعاد حصول الثواب للمأمومين بسببه وحرمانه، وإلى
ما ورد من تزايد ثواب الجماعة بتزايد المأمومين ولو مع عدم اطلاع الإمام ولا أحدهم،
وإلى احتمال استحقاقه الثواب باستيهاله للإمامة.
لكن الجميع كما ترى غير صالح لمعارضة ما دل على انحصار الأعمال في النيات،
وأنها هي روح الأعمال وقوامها، واحتمال الفرق بين حالة العلم وعدمه - فلا يحصل
الثواب في الأول إلا بالنية بخلاف الثاني كما هو قضية ما سمعته من الشهيدين وغيرهما -
لا شاهد له سوى حسن الظن بالله، فإنه عند ظن عبده به الحسن، كاحتمال جعل الشارع
ذلك من الأسباب المترتب عليها الثواب وإن لم يقصدها المكلف كما سمعته من مجمع
البرهان، واحتمله أولا في الذكرى ثم جزم بعدمه، فإنه لا شاهد عليه أيضا عدا دعوى
إطلاق ما دل على ترتب الثواب على حصول وصف الإمامة المتحقق بمجرد نية المأموم
الائتمام، ولذا يجري عليه جميع الأحكام من الشك والمتابعة وغيرهما، لكن من المعلوم
تنزيل هذه الاطلاقات على ما ورد في بيان توقف الأعمال على النيات كما يومي إليه خلو
كثير من أخبار العبادات عن التعرض لخصوص النية فيها، وما ذاك إلا للاتكال عليها
وصيرورتها من جملة أصول المذهب المستغنية عن التكرير والإعادة في كل شئ، فدعوى
ترتب الثواب على حصول وصف الإمامة وإن لم يكن قصده الإمام ممنوعة كل المنع،
ولا تلازم بين صيرورته إماما بالنسبة إلى انعقاد الجماعة وجريان أحكامها وبين حصول
الثواب الذي هو أمر آخر متوقف على القصد والنية، لا أقل من الشك في خروجه عن تلك
346

العمومات، إلا أن الفضل والاحسان غير مستنكر على ذي الطول والامتنان.
أما الجماعة الواجبة كالجمعة ففي الدروس والذكرى والبيان وحاشية الإرشاد
ومصابيح الأنوار والرياض وجوب اعتبارها فيها، لتوقف صحة الصلاة على الجماعة،
وتوقف صدق امتثال الأمر بها جماعة على النية، خلافا للمدارك فلم يوجبها أيضا تبعا
لما عن مجمع البرهان، لأن المعتبر تحقق القدوة في نفس الأمر، فهو في الحقيقة شرط
من شرائط الصحة التي لا يجب على المكلف ملاحظتها حال النية، واستحسنه في الذخيرة
وهو في محله إن كان المراد الاكتفاء بنية الجمعة مثلا عن التعرض لنية الجماعة باعتبار عدم
صحتها شرعا بدونها، لا أنها كالجماعة المندوبة التي لا يقدح في صحتها نية الإمام الفرادى
في صلاته، ضرورة الفساد هنا لو نوى ذلك، إذ هو تشريع محض، اللهم إلا أن
يفرض وقوعها منه على وجه يكون لاغيا في نيته وعمله صحيحا، كنية عدم رفع الحدث
في الوضوء، فتأمل.
ومما سمعت يتضح لك البحث في وجوب نية الإمامة أيضا في الصلاة المعادة نفلا
باعتبار توقف صحتها أيضا على كونه إماما، فلا يتصور افتتاحها منه بغير نية الإمامة،
إذ لا وجه لإعادتها فرادى، بل لا يبعد هنا وجوب ملاحظة ذلك أو ما يقوم مقامه في
النية، ولا يكتفى بقصده الظهر مثلا كما كان يكتفى بذلك في الجمعة، لعدم توقفه في
نفسه على الجماعة كي يستغنى بنيته عن نيتها بخلاف الجمعة، وهل يلحق بالجماعة الواجبة
أصالة الواجبة عارضا، كمن نذر الإمامة مثلا؟ وجهان ينشئان من احتمال صيرورة الجماعة
بسبب النذر شرطا من شرائط الصحة، فتكون كالجماعة في الجمعة، ومن أنه واجب
خارجي لا مدخلية له في الصحة، بل أقصاه عدم الوفاء بالنذر إذا لم ينو لافساد الصلاة،
لعدم صلاحية النذر لتأسيس حكم شرعي، بل غايته الالزام بالمشروع، وتقدم البحث
في نظيره في باب الوضوء، إذ ما نحن فيه كنذر الموالاة في الوضوء، فلاحظ وتأمل.
347

(وصاحب المسجد) الراتب فيه (والإمارة) من قبل الإمام العادل (عليه السلام)
(والمنزل) الساكن فيه (أولى) من غيرهم (بالتقدم) عدا إمام الأصل (عليه السلام)
في إمامة الجماعة بلا خلاف صريح معتد به أجده فيه نقلا في المنتهى ظاهرا أو صريحا
والحدائق وعن غيرهما، وتحصيلا، بل في الذكرى أنه ظاهر الأصحاب، بل عن المعتبر
أن عليه اتفاق العلماء، ويدل على الأول - مضافا إلى ذلك، وإلى ما في ظاهر الرياض
والمفاتيح من نفي الخلاف عنه بالخصوص وإن كان غيره أفضل منه، وإلى ما في الحدائق
من دعوى اتفاق الأصحاب عليه، كما عن ظاهر الغنية أو صريحها الاجماع عليه أيضا،
وإلى ما حكي من نص جماعة من القدماء عليه ممن عادتهم الفتوى بمضامين النصوص
خصوصا الصدوق منهم في مثل المقنع والأمالي، وإلى ما عساه يشعر به ما سمعته (1)
مما ورد في المنزل، وإلى ما ذكر له من التعليل بأن تقدم الغير يورث وحشة وتنافرا في
القلوب، وإلى ما ورد من أحقية من سبق بالوقف - النبوي المروي (2) عن فقه
الرضا (عليه السلام) ودعائم الاسلام (3) قال في الأول: (صاحب الفراش أحق
بفراشه، وصاحب المسجد أحق بمسجده) وقال في الثاني: (يؤمكم أكثركم نورا،
والنور القرآن، وكل أهل مسجد أحق بالصلاة في مسجدهم إلا أن يكون أمير حضر
فإنه أحق بالإمامة من أهل المسجد) وما في الأخير أيضا (4) عن جعفر بن محمد (عليهما
السلام) (يؤم القوم أقدمهم هجرة - إلى أن قال -: وصاحب المسجد أحق بمسجده)
وما في فقه الرضا (عليه السلام) (5) أيضا (وأعلم أن أولى الناس بالتقدم في الجماعة
أقرأهم - إلى أن قال -: وصاحب المسجد أولى بمسجده).

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب " تسمعه "
(2) المستدرك الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 1 - 2 - 4
(3) المستدرك الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 1 - 2 - 4
(4) المستدرك الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 1 - 2 - 4
(5) المستدرك الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 1 - 2 - 4
348

وعلى الثاني والثالث - مضافا إلى ما سمعت، وإلى خصوص ما في التذكرة من
نفي معرفة الخلاف في أولوية تقديم صاحب المنزل وإن كان غيره أقرأ وأفقه، بل عن
نهاية الإحكام الاجماع على ذلك، وفي المفاتيح (لا يتقدم أحد على صاحب المنزل
بلا خلاف) وإلى ما في الثاني من الولاية عن إمام الأصل (عليه السلام) الذي هو
أولى من كل أحد بلا خلاف كما اعترف به في الرياض، بل لعله من الضروريات -
خبر أبي عبيدة (1) عن الصادق (عليه السلام) (إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
يتقدم القوم أقرأهم للقرآن، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في
الهجرة سواء فأكبرهم سنا، فإن كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة وأفقههم في
الدين، ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله، ولا صاحب سلطان في سلطانه) وما سمعته
من خبر الدعائم (2) في خصوص الثاني منهما.
بل هو ظاهر في تقديم الأمير على صاحب المسجد، وقد يلحق به المنزل ولو
بضميمة عدم القول بالفصل كما صرح بهما في التذكرة وعن نهاية الإحكام والروضة،
ولا ينافيه تقدم الولي عليه في الجنازة لأن الصلاة على الميت تستحق بالقراءة، والسلطان
لا يشارك في ذلك، وهنا تستحق بضرب من الولاية على الدار والمسجد، والسلطان
أقوى ولاية وأعم، ولأن الصلاة على الميت يقصد بها الدعاء والشفقة والحنو، وهو
مختص بالقرابة، ويؤيد أيضا أنه بإمامته عن إمام الأصل (عليه السلام) يشبه نائبه
الخاص في الإمامة بمسجد له راتب أو منزل الذي صرح جماعة من الأصحاب بأنه أولى
منهما، لأنه لا يأذن إلا للراجح أو المساوي، فالأول له مرجحان، والثاني له مرجح
واحد، بل وأولى من ذي الإمارة أيضا لو فرض أن إمام الأصل (عليه السلام) استنابه

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) المستدرك الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
349

عن نفسه في خصوص الصلاة، خلافا للروض والرياض فلم يقدما الأمير على صاحبي
المسجد والمنزل، بل قدماهما عليه، لاطلاق النص والفتوى بأوليتهما في محلهما مع عدم
معلومية شمول أولوية ذي الإمارة لنحو المفروض، وخبر الدعائم محتمل أو ظاهر في
إرادة إمام الأصل (عليه السلام)، وفيه أن الاطلاق مساق لبيان أولوية الثلاثة من
غيرهم لا بعضهم مع بعض، على أن بين الاطلاقات عموما من وجه، فيرجح عموم
ذي الإمارة ببعض ما سمعت وخبر الدعائم الظاهر في إرادة غير إمام الأصل، خصوصا
مع ملاحظة تنكير الأمير فيه، بل لعل ظاهر لفظ الأمير أو صريحه ذلك،
ضرورة إرادة من أمره إمام الأصل (عليه السلام) لا هو بمعنى أن الله أمره على
عباده، لا أقل من إرادة الأعم منهما منه.
ثم إن الظاهر كون أولوية هذه الثلاثة سياسة أدبية لا فضيلة ذاتية، فلو أذنوا
حينئذ لغيرهم جاز وانتفت الكراهة المستفادة من خبر أبي عبيدة وغيره كما صرح به
الشهيدان وعن غيرهما، بل عن المبسوط والسرائر التصريح بالجواز أيضا، بل في المنتهى
التصريح مع ذلك بأن الغير حينئذ أولى من غيره نافيا معرفة الخلاف فيه، لكن في
الذخيرة تبعا للمدارك أنه اجتهاد في مقابلة النص، وفيه أنه لا تعرض في النص للإذن
وجودا ولا عدما، ودعوى شمول إطلاقه لصورة الإذن أيضا يدفعها عدم تبادرها منه
أو تبادر غيرها، خصوصا مع ملاحظة نظائرها من الأولويات المعلوم جواز الإذن فيها
في أحكام الأموات وغيرهم، بل لو قيل باستحباب إذنهم للأكمل منهم مع حضوره
معهم كان وجها كما اعترف به في الروض، ولأن الأدلة إنما دلت على أن الأفضل
لمن عداهم أن لا يتقدمهم، مراعاة لحقهم وتوقيرا لهم، وذلك لا ينافي اقتصارا في
مخالفة عموم أدلة الأفضل على المتيقن، وهو عدم الإذن أفضلية لمن كان أفقه وأفضل
350

وأتقى، عملا بالأخبار (1) الدالة على الأمر بتقديم صاحب هذه الصفات، فيكون
ذلك حينئذ جمعا بين مراعاة حقهم بارجاع أمر الإمامة إليهم وبين ما دل على استحباب
تقديم الأفضل والأكمل كقوله (صلى الله عليه وآله) (2): (من أم قوما وفيهم من
هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى السفال إلى يوم القيامة) وغيره.
لكن الانصاف أن تحصيل ذلك من الأدلة على وجه معتبر لا يخلو من سماجة
ومن هنا تردد في ظاهر المسالك والكفاية في أن الأفضل لهم الإذن أو المباشرة تبعا
لما في الذكرى حيث قال: (لم أقف على نص يظهر منه أن الأفضل لهم الإذن للأكمل
أو المباشرة للإمامة) بل قال: (إن ظاهر الأدلة يدل على أن الأفضل لهم المباشرة)
ثم قال: (وعلى هذا فلو أذنوا فالأفضل للمأذون رد الإذن ليستقر الحق على أصله)
ونحوه في المدارك والذخيرة وإن كان الذي يقوى في النظر في الجملة الأول.
ولا تسقط هذه الأولوية بعدم حضور صاحبها في أول الوقت ما لم يخف فوات
الفضيلة، لاطلاق الأدلة، ودعوى أن الوارد في الأخيرين النهي عن التقدم الذي
لا يصدق مع عدم الحضور بل والأحقية الواردة في الأول يدفعها - بعد وضوح منع
آخرها - إرادة الصلاة في محله وجماعته من التقدم عليه لا صيرورته مأموما، وإلا فهو
قد لا يأتم به، ومن هنا صرح في التذكرة والذكرى بانتظار الراتب في المسجد ومراجعته
ليحضر أو يستنيب إلى أن يتضيق وقت الفضيلة، فيسقط اعتباره حينئذ كما في البيان
والروض أيضا وعن غيرهما، لكن في الأخير نحو ما في الذكرى من أنه لو بعد منزله
وخافوا فوت وقت الفضيلة قدموا من يختارونه، ولو حضر بعد صلاتهم استحب إعادتها
معه، لما فيه من اتفاق القلوب مع تحصيل الاجتماع مرتين، ولا بأس به بناء على استحباب

(1) الوسائل الباب 26 و 28 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
351

إعادة الفريضة جماعة وإن كان قد صليت كذلك.
كما أنه لا بأس بتنزيل ما عساه يظهر من خبري الحناط (1) ومعاوية بن
شريح (2) من عدم انتظار الراتب على الضيق المزبور، وإن كان المحكي عن ظاهر المنتهى
العمل بهما حيث حكم بعدم الانتظار، بل نسبه إلى الشافعي، قال في أولهما: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة يقوم القوم على أرجلهم أو
يجلسون حتى يجئ إمامهم، قال: لا بأس يقومون على أرجلهم، فإن جاء إمامهم وإلا
فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم) وقال في الثاني: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
قال: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم
ويقدموا بعضهم، قلت: فإن كان الإمام هو المؤذن، قال: وإن كان فلا ينتظرونه
ويقدموا بعضهم) مع ما في الحدائق من إشكال هذين الخبرين بأن الأذان والإقامة
في الجماعة من وظائف صلاة الإمام ومتعلقاتها، ولا تعلق لصلاة المأمومين بشئ منهما
فما لم يكن الإمام حاضرا فلمن يؤذن هذا المؤذن ويقيم المقيم، بل ذيل الخبر الثاني غير
مستقيم أصلا، إذ الفرض فيه أن الإمام أذن وأقام فأين ذهب حتى ينتظرونه ولا
ينتظرونه، وإن كان قد يدفع ذلك عنهما بمنع عدم مدخلية الأذان والإقامة في صلاة
المأمومين أصلا، فإذا فرض عدم مجئ الإمام في وقته أذنوا وأقاموا وقدموا بعضهم
وصلوا، على أنه يمكن تقديمهم الإمام منهم قبل الأذان والإقامة، فيكونان له، ولا ينافيه
ذيل الخبر الأول عند التأمل ولو بنوع من التكلف، وبأن المراد من قوله: (فإن كان
الإمام هو المؤذن) إلى آخره اعتياد فعل ذلك الإمام للأذان لا أنه كان قد أذن في
خصوص تلك الصلاة كي يرد ما سمعت، فتأمل جيدا.

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2
352

والمراد بصاحب المنزل الساكن فيه وإن لم يكن مالكا لعينه، بل يكفي فيه ملك
المنفعة كما صرح به غير واحد، بل يكفي فيه استعارتها، بل لا يبعد تقديمهما على مالك
العين خصوصا الأول، نعم قد يرجح عليهما لو كان مع ذلك جالسا معهما فيه، لترجيحه
عليهما بزيادة ملك العين، والله أعلم.
(والهاشمي أولى من غيره) بالتقدم (إذا كان بشرائط الإمامة) كما في النافع
والإرشاد والتحرير والقواعد وظاهر المنتهى وعن المبسوط والنهاية، بل هو المشهور
بين المتأخرين كما في الروض والمسالك، بل في المختلف أن المشهور تقديم الهاشمي بعد
أن حكى عن ابن زهرة جعله مرتبة بين الأفقه المتأخر عن الأقرأ وبين الأسن، وإن
كان قد يناقش بأنه لم يذكره كثير كما اعترف به في الذخيرة، بل في الروض (لم يذكره
أكثر المتقدمين) بل في البيان (لم يذكره الأكثر) كما أنه قد يناقشون جميعا في أصل
الحكم المزبور - وإن كان المراد منه تقديمه على غير الثلاثة المتقدمة كما عساه ظاهر المتن
وغيره وصريح بعضهم، بل في المسالك القطع به - بأنه لا دليل عليه، بل ظاهر ما دل
على تقديم الأقرأ والأسن والأقدم هجرة والأعلم خلافه، وقد اعترف في الذكرى
وغيرها بأنه لم نعثر على تقديم الهاشمي في الأخبار إلا ما روي مرسلا أو مسندا بطريق
غير معلوم من قول النبي (صلى الله عليه وآله) (1): (قدموا قريشا ولا تقدموها)
وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدعى، نعم هو مشهور في صلاة الجنازة، بل
لعله لا خلاف فيه بينهم حتى أن المحكي عن المفيد منهم إيجابه هناك، بل في الحدائق
فيه نص الفقه الرضوي (2) وفيه إكرام لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومراعاة
لتقدم آبائه.

(1) كنز العمال ج 6 ص 198
(2) المستدرك الباب 21 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 1 من كتاب الطهارة
353

لكن من المعلوم أن ذلك كله لا يثبت الحكم المزبور وإن كان هو استحبابيا
يتسامح فيه إلا أنه معارض باحتمال استحباب تقديم الأفقه والأسن والأقدم هجرة
ونحوهم عليه، إذ هو أيضا حكم استحبابي يتسامح فيه، مع أن إطلاق دليل تقديمه
قاض به، نعم يمكن القول باستحبابه للتسامح إذا لم يوجد من يحتمل رجحان تقديمه
عليه من أهل الصفات الآتية لا مع وجودهم، لعدم الدليل، بل ظاهر الدليل خلافه،
وخلاف ما في الدروس والموجز وعن الغنية وغيرها أيضا من جعل الهاشمي بعد الأفقه
مرتبة، نحو ما في الوسيلة وعن موضع من المبسوط لكن مع تبديله بالأشرف فيهما،
بل وعن التقي ذلك أيضا لكن عبر بالقرشي بدل الهاشمي لعدم الدليل أيضا.
فالأولى الاقتصار في رجحان تقديمه على غير الهاشمي العاري عن الصفات
المستفاد رجحانها من النصوص، أو الجامع مع فرض زيادة الهاشمي عليه بالهاشمية، بل
يمكن تنزيل إطلاق المتن وغيره على إرادة رجحان الهاشمي على غيره من حيث الهاشمية
وعدمها لا أن المراد رجحانه على غيره وإن كان جامعا للصفات المنصوصة، فتأمل جيدا.
ثم بناء على ترجيح الهاشمي لنسبه ففي ترجيح المطلبي على غيره نظر، من
اقتصار أكثر الفتاوى على الأول، ومما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (نحن
وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام) نعم الهاشمي أولى منه قطعا، وحينئذ في
ترجيح أفخاذ بني هاشم بسبب شرف الآباء كالطالبي والعباسي والحارثي واللهبي
والعلوي والحسني والحسيني والصادقي والموسوي والرضوي والهادي بالنسبة إلى غيرهم
وبعضهم مع بعض احتمال بين، إذ الترجيح دائر مع شرف النسب، فيوجد حيث يوجد
بل قد ينسحب احتمال الترجيح بسبب الآباء الراجحين بعلم أو بتقوى أو صلاح،
ولعل من عبر من الأصحاب بالأشرف نظر إلى ذلك، كما يومى إليه أيضا ما قيل من
تقديم أولاد المهاجرين على غيرهم لشرف آبائهم، بل قد يقال أيضا بترجيح العربي
354

على العجمي، والقرشي من العربي على غيره للشرفية أيضا، والأمر سهل.
(وإذا تشاح الأئمة) في الإمامة بأن أراد كل منهم التقدم على وجه لا ينافي
العدالة ولا الاخلاص في العبادة بل كان رغبة في رجحانها على المأمومية، أو لأن
للإمام وقفا أو وصية تكفيه عن طلب الدنيا بالتجارة ونحوها فإن ذلك أمر مطلوب
مؤكد للعبادة غير مناف لها كما عن القطيفي النص عليه، فلا منافاة حينئذ بين التشاح
وبين بقاء الاخلاص، بل ربما قيل: إنه يحقق الاخلاص، إذ تركه مع كونه أرجح
لا يكون إلا لعلة (فمن قدمه المأمومون فهو أولى) كما في النافع والقواعد والتحرير
والدروس والبيان والموجز والروض وإن كان مفضولا كما صرح به في الأخير، وهو
قضية إطلاق الباقين، لما في ذلك من اجتماع القلوب وحصول الاقبال المطلوب، وإليه
يرجع التفصيل في الذكرى والمدارك وغيرهما، بل في ظاهر الذخيرة نسبته إلى الأصحاب
بأن المأمومين إما أن يكرهوا إمامة واحد بأسرهم، وإما أن يختاروا إمامة واحد بأسرهم
أو يختلفون في الاجتهاد، فإن كرهه جميعهم لم يؤم بهم، وإن اختار الجميع واحدا فهو
أولى، وإن اختلفوا طلب الترجيح بالقراءة والفقه وغيرهما، لكن قد يناقشون بقصور
التعليل المزبور عن تقييد النص الآمر بتقديم ذي الصفات الآتية، ومن هنا مال بعض
متأخري المتأخرين إلى عدم مراعاة الأمر المزبور تبعا لاطلاق كثير من الأصحاب
اعتبار الصفات الآتية من دون ذكر اتفاق المأمومين، ومنه يظهر أولوية المناقشة فيما ذكره
في التذكرة وكشف الالتباس وعن نهاية الإحكام من الترجيح باتفاق أكثر المأمومين
مع الاختلاف، إذ قد عرفت أنه لا دليل على الترجيح باتفاق الجميع فضلا عن الأكثر
الذي قضية إطلاق الأصحاب عدا من عرفت والنصوص عدم الالتفات إليه، مع أن
مختار الأقل ربما كان أرضى عند الله، بل لعله الغالب، فالمناسب طرح الجميع والرجوع
إلى المرجحات الشرعية.
355

وقد تدفع إما بتنزيل كلمات الأصحاب وإن بعد على إرادة تقديم من اتفق عليه
المأمومون من فاقدي الصفات أو الجامعين لها، وإما بامكان استفادتهم له مما دل (1)
على كراهة إمامة من يكرهه المأمومون كما ستسمعها فيما يأتي، ومما عساه يشعر به خبر
الحسين بن زيد (2) عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) في حديث المناهي قال:
(ونهى أن يؤم الرجل قوما إلا بإذنهم، وقال: من أم قوما بإذنهم وهم به رضوان
فاقتصدهم في حضوره وأحسن صلاته بقيامه وقراءته وركوعه وسجوده وقعوده فله مثل
أجر القوم، ولا ينقص من أجورهم شئ) والمروي (3) عن مستطرفات السرائر
نقلا من كتاب أبي عبد الله السياري، قال: (قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام):
إن القوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيؤذن بعضهم ويتقدم أحدهم فيصلي بهم
فقال: إن كانت قلوبهم كلها واحدة فلا بأس، قال: ومن لهم بمعرفة ذلك؟ قال:
فدعوا الإمامة لأهلها) إذ الظاهر إرادة اتحاد القلوب في الرضاء بالإمام كما اعترف به
في الوسائل، وخبر زكريا صاحب السابري (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (ثلاثة
في الجنة على المسك الأذفر: مؤذن أذن احتسابا، وإمام أم قوما وهم به راضون،
ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه).
نعم قد يقال: إن المعتبر من اتفاق المأمومين إذا كان عن نظر ومعرفة واطمئنان
في الشخص ونحو ذلك، لا إذا كان لأغراض دنيوية وشهرة سوادية ونحوهما مما لا يحتاج
إلى بيان لمن له أدنى مراقبة وانتقاد في أفعال العباد، خصوصا السواد منهم، ومن
غلبت عليهم شهواتهم حتى ألبست لهم الباطل زي الحق احتيالا منها بعقولهم، ومخافة
هيجان أحزانهم ولم يعلموا أنها ينتقدها عليهم الخبير البصير الحكيم اللطيف الذي

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 2 - 4 - 5
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 2 - 4 - 5
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 2 - 4 - 5
(4) الوسائل الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 2 - 4 - 5
356

يعلم السر وأخفى.
وكيف كان (فإن اختلفوا) أي المأمومون تساووا أو زاد بعضهم على الآخر
- لما عرفت من عدم مدخلية الكثرة في النصوص وإن رجح بها في التذكرة لبعض
الوجوه - فزع إلى ملاحظة المرجحات المنصوصة، لا أنهم يقتسمون الأئمة فيصلي كل
خلف من يختاره، لما فيه من الاختلاف المثير للأحن، ولأنه خلاف مقتضى النصوص
(فيقدم الأقرأ) حينئذ على غيره على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل في
الرياض نسبته إلى اتفاق الأصحاب، كما عن الغنية وظاهر المنتهى الاجماع عليه، بل
لا أجد فيه خلافا معتدا به بيننا من زمن الصدوقين إلى زمن الكاشاني وما قاربه وتأخر
عنه فقدموا الأفقه عليه ناسبا بعضهم ذلك إلى المختلف، لكن التدبر في عباراته يشرف
المتدبر على القطع بفساد هذه النسبة وإن كان فيها ما يوهمها، نعم في الذكرى نقل عن
بعض الأصحاب تقديم الأفقه، ولعله أراد ما في التذكرة حيث نسب فيها ذلك إلى
بعض علمائنا، إلا أنا كالشهيد لم نتحققه، بل ولم نتحقق ما في الذخيرة من نسبته أيضا
إلى غير واحد من المتأخرين، ولعله أراد بعض من لم يصنف منهم أو الأردبيلي وتلميذه
سيد المدارك، فإنهما وإن كانا غير مصرحين به لكنهما مالا إليه، وكذا لم نتحقق
ما فيهما من نسبة التخيير في تقديم أحدهما إلى بعض من الأصحاب عدا ما عساه يظهر
من المحكي من عبارة المبسوط، بل كاد يكون صريحها، وحكاه في الذكرى عن الواسطة
أيضا، وإن قالا فيهما أيضا بتقديم القراءة على الفقه، إلا أن الظاهر إرادتهما مع
التساوي في الفقه كما هو صريح المبسوط أو كصريحه، وعلى كل حال فلم نجد قائلا صريحا
قبل جماعة من متأخري المتأخرين برجحان تقديم الأفقه عليه وإن كان ربما استشعر
ذلك من عبارة الصدوق، إلا أن ملاحظة المحكي من كلامه في المقنع وما كتبه إليه والده
في رسالته وعبارة الفقه الرضوي التي في الغالب تعبيرهما بها يرشد إلى حصول سقط في
357

كلامه، فلاحظ وتأمل.
كما أني لا أجد فيه خلافا أيضا في النصوص المتعرضة لذكر هذه الصفات وإن
اختلفت في غيره، إلا أنها اتفقت على تقديمه، ففي خبر أبي عبيدة (1) المتقدم سابقا
عن الصادق عن النبي (عليهما الصلاة والسلام) (يتقدم القوم أقرأهم للقرآن، فإن كانوا
في القراءة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا، فإن كانوا
في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة وأفقههم في الدين) الحديث. وفي المحكي عن فقه
الرضا (عليه السلام) (2) (إن أولى الناس بالتقدم في الجماعة أقرأهم للقرآن، فإن كانوا
في القراءة سواء فأفقههم، وإن كانوا في الفقه سواء فأقدمهم هجرة، وإن كانوا في الهجرة،
سواء فأسنهم، فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها) وعن دعائم الاسلام (3) عن
جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: (يؤم القوم أقدمهم هجرة، فإن استووا فأقرأهم،
فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأكبرهم سنا) مؤيدا ذلك كله بمدخلية القراءة في
الصلاة دون الفقه، إذ الظاهر إرادة معرفة غير أحكام الصلاة أو ما لا يشتد الحاجة إليه
من أحكامها منه، لا ما يشمل معرفة غالب أفعالها، وإلا لم يكن القارئ صالحا للإمامة
فضلا عن ترجيحه عليه.
لكن قد يشكل إطلاقهم ذلك - بعد الاغضاء عن أسانيد هذه الأخبار،
وموافقتها لفتوى ابن سيرين والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر،
وعدم حجية الثاني منها عندنا، وتقديم الثالث منها الأقدم هجرة على الأقرأ مما هو
مخالف للنصوص والفتاوى، كاشتمال الأول على ما يخالفهما أيضا من تأخير الفقه عن
سائر الصفات، واحتمال تنزيلها على زمن النبي (صلى الله عليه وآله) مما كان أمر الفقه

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) المستدرك الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 2
(3) المستدرك الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 2
358

فيه قليلا سهلا وغير ذلك - بأن الأفقه أعرف وأعلم بأركان الصلاة وأحكامها، ولذا
استحب أن يكون الفضلاء في الصف الأول كي يقوموا الإمام وينبهوه، وبأن المحتاج
إليه من القراءة محصور، والفرض معرفة الفقيه به، بخلاف الفقه فإنه غير محصور، إذ
قد يعرض في الصلاة ما لا يكون قد استعد له الأقرأ قبل ذلك، وبما دل عليه العقل
والنقل كتابا وسنة من عظم مراتب العلماء (1) وعدم استواء من يعلم مع من لا يعلم (2)
وأنهم كأنبياء بني إسرائيل (3) وأنه (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (4) وإن
(من يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى) (5) وإن (من أم
قوما وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى السفال إلى يوم القيامة) (6) وإن (إمام
القوم وافدهم فقدموا أفضلكم) (7) وإن (من يصلي خلف عالم فكأنما صلى خلف
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (8) وإن (أئمتكم وفدكم وقادتكم إلى الله، فانظروا
من توفدون ومن تقتدون به في دينكم وصلاتكم) (9) إلى غير ذلك مما لا يمكن إحصاؤه
حتى ورد (10) في العبد والأعمى فضلا عن غيرهما أنهما يؤمان الناس إذا كانا أفقه
خصوصا بالنسبة للمجتهدين الذين جعلوهم (عليهم السلام) حكاما على العباد وأنهم بمنزلتهم
بل يمكن دعوى دخولهم تحت الأمراء والنواب، وفي الخبر (نحن حجج الله على
العلماء وهم حجج الله على الناس) وفي آخر عن الرضا (عليه السلام) أنه قدم

(1) سورة المجادلة الآية 12
(2) سورة الزمر الآية 12
(3) البحار ج 2 ص؟ 2 المطبوعة عام 1376 الباب 8 من كتاب العلم الحديث 67
(4) سورة الفاطر الآية 25
(5) سورة يونس عليه السلام الآية 36
(6) الوسائل الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 5
(7) الوسائل الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 5
(8) الوسائل الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 5
(9) الوسائل الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 والمستدرك
الباب 23 منها الحديث 4
(10) الوسائل الباب 16 و 21 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
359

العالم على الهاشمي قائلا له: (إنكم سادات الناس والعلماء ساداتكم) وخصوصا إذا جمعوا
مع ذلك باقي الصفات الأخر والورع والتقوى والرياضات النفسائية حتى تشرحت
أذهانهم وصاروا يعرفون من الله ما لا يعرفه غيرهم.
مضافا إلى ما في إمامة المفضول بالفاضل من الاستنكار عقلا وعادة حتى حكى
في الذكرى عن ابن أبي عقيل منع ذلك ومنع إمامة الجاهل بالعالم، وقال: (إن أراد
الكراهية فحسن، وإن أراد به التحريم أمكن استناده إلى أن ذلك يقبح عقلا، وهو الذي
اعتمد عليه محققوا الأصوليين في الإمامة الكبرى، ولقوله جل اسمه: (أفمن يهدي
إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى، فمالكم كيف تحكمون) وللخبرين
المتقدمين في كلام ابن بابويه) إلى آخره، وهو ظاهر في أنه هو أيضا محتمل له، فتأمل.
ومن ذلك كله مال بعض متأخري المتأخرين وجزم به آخر من تقديم الأفقه
عليه حاملين لتلك الأخبار على التقية، أو على أن المراد بالأقرأ فيها العالم بالأحكام
مع القراءة أيضا، لأنها في زمن الصحابة كانت مستلزمة للفقه، إذ حكي عن ابن مسعود
أنا كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها والمراد منها، أو على
إرادة ذلك الزمان مما كان أمر العلم فيه بسبب وجود النبي (صلى الله عليه وآله) بين
أظهرهم قليلا وسهلا، بخلاف أمر القراءة، بل لعل تفاضلهم في ذلك الزمان إنما كان بها
كما وكيفا واستعمالا، بل كان من مقتضى الحكمة والمصلحة شدة الحث والتأكيد في
حفظ القرآن وضبطه وتعلمه وتعليمه، لأنه مفجر النبوة، ومن أعظم منن الله على هذه
الأمة، ولعل ذا أقرب من الأولين، إذ احتمال التقية في مثل المقام ضعيف جدا،
خصوصا مع قول جماعة منهم كالشافعي وغيره بتقديم الأفقه، كضعف الاحتمال للثاني،
لذكر الأفقه والعالم بأحكام السنة في الأخبار المزبورة بعد ذلك، ودعوى إرادة العالم
360

بأحكام السنة منه بخلاف الأقرأ فإنه القارئ العالم بأحكام الدين القرآنية كما ترى
لا تستأهل ردا.
وعلى كل حال فالقول به بالنسبة إلى بعض أفراد القارين وبعض أفراد الفقهاء
لا يخلو من قوة، كما أن القول بالأول بالنسبة إلى البعض الآخر كذلك، بل قد يدعى
وضوح الترجيح عند عامة المتشرعة الممارسين لطريقة الشرع السابرين (السامعين خ ل)
لأخبارهم عليهم السلام، وكان ذلك مأخوذا لهم يدا عن يد إلى أئمتهم عليهم السلام، بل لعل في
اختلاف الأخبار إشعارا بذلك، ضرورة أنه لا يكاد يخفى على أطفال المتشرعة ترجيح
العالم المجتهد الفاضل المراقب المرتاض على قارئ مقلد لا يعرف معنى ما يقرأه كبعض
الأعاجم، إذ لا خير في قراءة لا تدبر فيها.
كما أنه لا يخفى ترجيح القارئ الذي هو جيد القراءة جدا وعارف بجملة ما يحتاج
إليه في الصلاة على وجه الاجتهاد أو التقليد على من كان أزيد منه فقها في الجملة على وجه
الاجتهاد أو التقليد إلا أن قراءته في أدنى مراتب الاجزاء، فالميزان غير مختل الوزن،
ومع فرض تعادل الكفتين يفزع إلى الأخبار لا أنه يرجع إليها على كل حال، ضرورة
عدم وفاء ما اشتمل منها على ذكر المرجحات بتمام الأمور المتصورة المستفادة أيضا من
عموم أخبار أخر وخصوصها، بل لا تعرض فيها لتمام ما يتصور في مضامينها نفسها
كاجتماع المتعدد منها في مقابلة المتحد، وإن كان قضية إطلاق ترتيبها ترجيحه وإن كان
واحد على المتعدد، والله أعلم بحقيقة الحال.
والمراد بالأقرأ كما هو المتبادر المنساق منه الأجود قراءة كما في التذكرة وكشف
الالتباس والمدارك وغيرها، وإليه يرجع ما في التحرير من أنه الأبلغ في الترتيل ومعرفة
المخارج والاعراب مما يحتاج إليه في الصلاة، وزاد في البيان وجوه التجويد، وما في
الروض وعن غيره من أنه الأجود أداء وإتقانا للقراءة ومعرفة أحكامها ومحاسنها،
361

ونحوه في المسالك، وعن فوائد الشرائع والميسية، لا الأكثر قرآنا وإن نسب إلى بعضهم
بل اختاره المولى الأكبر في شرح المفاتيح لتعارف الترجيح به في ذلك الزمان،
وللصحيح (1) والخبر (2) الواردين في العبد والأعمى يؤمان القوم إذا رضوا بهما وكانا
أكثرهم قرآنا وغيرهما من أخبار الطرفين، لكن الأول أقوى، نعم لا بأس بالترجيح
بذلك أيضا مع التساوي في الأداء كما اعترف به في الذكرى بل والمنتهى، بل ربما نقل
عن غيرهما أيضا، ولعل الخبرين يحملان على ذلك.
وكيف كان فبناء على ظاهر كلمات الأصحاب من تقديم الأقرأ (ف‍) المشهور
نقلا في الذخيرة وتحصيلا كون (الأفقه) بعده، ونسبه في المنتهى والتذكرة إلى
الأكثر، بل عن الغنية الاجماع عليه، لما عرفت من الأمور السابقة التي هي إن لم تقتض
تقديمه على الأقرأ فلا ريب في اقتضائها تقديمه على غيره، وللرضوي (3) بل وخبر
الدعائم (4) أيضا، ولا يعارضها خبر أبي عبيدة (5) الذي لا جابر له في المقام، بل
الموهن متحقق، فما عن المرتضى وأبي علي والسرائر - من جعل الأسن بعد الأقرأ
ثم الأفقه، بل في البيان عن بعض الأصحاب أنه ذهب إلى تقديم الأقدم هجرة فالأسن
فالأفقه، بل عن القاضي أنه لم يذكر الأفقه أصلا كالمحكي عن الأمالي من جعل الأقدم
هجرة بعد الأقرأ وبعده الأسن وبعده الأصبح وجها - ضعيف لم نعرف لشئ منه
شاهدا سوى خبر أبي عبيدة لخصوص ما حكاه في البيان، وقد عرفت قصوره في المقام.
ويكفي الفقه في الصلاة في الترجيح، فلو فرض كون أحدهما أفقه من الآخر

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
(3) المستدرك الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 2
(4) المستدرك الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 2
(5) الوسائل الباب 28 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
362

فيها تقدم، أما لو تساويا في الفقه فيها وزاد أحدهما في الفقه في غيرها لم يبعد ترجيحه
عليه أيضا وفاقا للروض والمسالك والرياض وغيرها، بل عن فوائد الشرائع نسبته
إلى ظاهرهم، خلافا للذكرى فلم يعتبره لخروجه عن كمال الصلاة، وفيه أن المرجح
لا ينحصر فيها، بل كثير منها كمال في نفسه، ولعل هذا منها مع شمول النص له باطلاقه،
بل قد يظهر من خبر أبي عبيدة إرادته بالخصوص، لقوله عليه السلام فيه: (الأعلم بالسنة
والأفقه في الدين) نعم لو كان أحدهما أفقه من الآخر في الصلاة والآخر أفقه منه في
غيرها لم يبعد ترجيح الأول، مع أنه لا يخلو من نظر فيما لو فرض عموم فقاهته
لسائر أبواب الفقه.
ولو تساووا في الفقه (فالأقدم هجرة) عند علمائنا كما في المنتهى، للرضوي بل
وخبري أبي عبيدة والدعائم، إذ لا ينافيه مخالفة مقتضاهما في الأفقه لما عرفت، فما
في التحرير والدروس والموجز وعن السرائر والمبسوط من تقديم الأكبر سنا أو
الأشرف أو الهاشمي عليه ضعيف، بل عن بعضهم عدم ذكره مرجحا أصلا، ولعله
لأنه لا فائدة فيه في زمننا كما اعترف به في الحدائق، لقوله (صلى الله عليه وآله) (1):
(لا هجرة بعد الفتح) ولأن المراد به ما هو المتبادر منه من الأقدم هجرة من دار الحرب
إلى دار الاسلام كما في المنتهى وغيره، والظاهر إرادة ذلك الزمان منه، نعم بناء على
عدم انقطاع الهجرة عندنا كما صرح به في المسالك تتصور له فائدة في بعض الفروض
النادرة، واحتمال إرادة السبق إلى العلم منه في زماننا كما عن يحيى بن سعيد والقطيفي،
أو الساكن في الأمصار كما عن المحقق الكركي وتلميذه، أو السبق إلى الاسلام أو إلى
داره، أو أولاد من تقدمت هجرته كما في التذكرة لا شاهد على شئ منه، وما عن
الصادق (عليه السلام) (إن فضل أهل المدن على القرى كفضل أهل السماء على

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب جهاد العدو الحديث 7 من كتاب الجهاد
363

الأرض) لا دلالة فيه أصلا، بل ولا دلالة في المروي (1) عن معاني الأخبار عنه
(عليه السلام) أيضا (أنه من ولد في الاسلام فهو عربي، ومن دخل فيه بعد ما كبر
فهو مهاجر، ومن سبي وعتق فهو مولى) على شئ من ذلك عدا الأول مما ذكر في
التذكرة، مع أن الظاهر إرادته ذلك على نوع من المجاز.
فإن تساووا في الهجرة (فالأسن) عند أكثر العلماء كما في التذكرة للأخبار
السابقة، فما عن السرائر من تقديمه على الأقدم هجرة ضعيف، والظاهر إرادة الأسن
في الاسلام كما في التحرير والذكرى والدروس والموجز وعن المبسوط والسرائر والنفلية
والجعفرية وفوائد الشرائع والميسية والغرية وإرشاد الجعفرية والفوائد الملية، فابن خمسين
في الاسلام أسن من ابن سبعين وله فيه أربعون، إلا أن النص غير ظاهر فيه كما اعترف
به في المدارك، ولعله لذا لم يرجح في نهاية الإحكام على ما قيل.
فإن تساووا (فالأصبح) وجها عند الأكثر كما في الروض للرضوي والمرسل
عن علل الصدوق والسرائر حيث قال أولهما بعد ذكره خبر أبي عبيدة: وفي حديث
آخر (2) (وإذا كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها) وثانيهما نحو ما عن المرتضى
فإن تساووا فقد روي (3) (أصبحهم وجها) مع إمكان التأييد ببعض الأخبار (4)
الدالة على عناية الله بمن حسن صورته وغيرها، لكن تركه بعضهم أصلا، كما أنه تأمل
فيه أو منعه آخر وخير بينه وبين الأحسن ذكرا ثالث، بل احتمل إرادة الأحسن

(1) معاني الأخبار ص 239 المطبوعة عام 1379
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(3) المستدرك الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7
(4) البحار الجزء 2 من المجلد 15 ص 26 باب أصناف الناس ومدح حسان الوجوه
364

ذكرا بين الناس منه أو قال به رابع، لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (1): (إنه
يستدل على الصالحين بما يجري الله تعالى لهم على ألسنة الخلق) إلا أن الجميع في غير
محله بعد القول بالتسامح في أدلة السنن، ضرورة الاكتفاء حينئذ بما عرفت مما هو منجبر
بالشهرة العظيمة، بل عن فوائد الشرائع نسبته إلى عامة الأصحاب على حسب الاكتفاء
في استحباب المراتب السابقة عليه بنحو ذلك مما تقدم مما هو قاصر سندا أو سندا ودلالة
ولذا حملوا التقديم فيها جميعها على الاستحباب دون الفرض والايجاب حتى قال في التذكرة:
إنا لا نعلم فيه خلافا، وكأنه يريد معتدا به، وإلا فقد سمعت ما عن ابن أبي عقيل
وإن كان يحتمل إرادته الكراهة، وعن العماني وظاهر المبسوط وصريح المراسم إيجاب
تقديم الأقرأ على الأفقه، لكنه من المحتمل بل كاد يكون صريح العبارة المحكية عن
ثانيهما إرادتهم الفقيه الذي لم يكن عنده قدر ما يكفي في الصلاة من القراءة، فيكون
خروجا عما نحن فيه حينئذ، وإلا كان ضعيفا جدا لاطلاق الأدلة وعمومها، وإمكان
تحصيل الاجماع إن لم يكن الضرورة على عدم الوجوب مع عدم ما يصلح لاثباته في نفسه
فضلا عن أن يعارض غيره، إذ ليس إلا تلك الأخبار القاصرة عن تمام ما ذكره
الأصحاب من قيود الاستحباب فضلا عن الحتم والايجاب، كذكر التشاح المعتبر بينهم
في أصل الرجوع إلى هذه المرجحات، اللهم إلا أن يكون استفادوه من لفظ التقديم
فيها، وتعارف ذكر مثل هذه المرجحات عند الاختلاف، ومن قوله في خبر أبي عبيدة:
إنه يقول بعض للآخر: تقدم يا فلان وبالعكس إذ ذاك من التشاح، لعدم اختصاصه
بإرادته تقديم نفسه، بل هو أعم منه ومن إرادة تقديم غيره كما نص عليه في الرياض
وغيره، إلا أن الظاهر بل لعله من المقطوع به عدم إرادة ما يشمل رغبة كل من

(1) نهج البلاغة القسم الأول من الأقسام الخمسة من الرسالة الثالثة والثلاثون
(الجزء 4 ص 19 المطبوع في بيروت مع شرح محمد عبدة)
365

الشخصين في إمامة الآخر به، ولعل ما في خبر أبي عبيدة منه لا أنه من التنازع في
إمامة شخص كأن يريد زيد مثلا إمامة عمرو ويريد بكر إمامة خالد، إذ هذا أقصى
ما يمكن تسليم اندراجه في التشاح، مع إمكان منعه وقصره على إرادة كل منهم
الإمامة لنفسه، فتأمل.
وكيف كان فإن تساووا في هذه الصفات ففي الدروس والموجز وعن غيرهما
القرعة ومن غير مراعاة مرجحات أخر، وفي التذكرة قدم أتقاهم وأورعهم على الأقوى
لأنه أشرف في الدين، وأفضل وأقرب إلى الإصابة (الإجابة خ ل)، ثم أشرفهم نسبا
وأعلاهم قدرا فإن استووا فالأقرب القرعة، لأنهم أقرعوا في الأذان في عهد الصحابة
فالإمام أولى، واحتمل الشهيد تقديم الأورع على المراتب كلها بعد القراءة والفقه
ولا بأس به لقوله (صلى الله عليه وآله) (1): (قدموا خياركم) وقوله عليه السلام (2):
(إن أئمتكم وافدكم) وغير ذلك مما لا يخفى.
بل قد يقال بعدم انحصار الترجيح بالمرجحات المنصوصة، بل إنما ذكرت تنبيها
للمكلف وتعليما له على ملاحظة أمثال ذلك، وإلا فميزانه بيده، والصفات الراجحة
شرعا غير خفية، كما أنه غير خفي مراتبها أيضا، ومع فرض التساوي في الجميع قد
يقوى السقوط حينئذ، ويرجع إلى التخيير، إذ الظاهر أن القرعة للأمور المشكلة
باعتبار الاشتباه الظاهري دون الواقع، وإلا فمع احتمال خلو الواقع كما في الفرض فلا،
نعم قد يكون لها وجه عند تعارض أمر الترجيح عليه بالتعدد والاتحاد وغيرهما، ولعل
عدم تعرض النصوص لعلاج نحو ذلك لسهولة أمر هذا الاختلاف، وعدم خوف الفتنة
منه، وندرة التساوي من كل وجه، أو تصادم المرجحات كذلك.
والمراد بالورع كما في الذكرى العفة وحسن السيرة، وهو مرتبة وراء العدالة

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 4
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 4
366

تبعث على ترك المكروهات والتجنب عن الشبهات والرفض، وأهذب منه ما عن
بعضهم من أن التقوى التجنب عن الشبهات لئلا يقع في المحرمات، والورع هو التجنب
عن المباحات لئلا يقع في الشبهات، لكن عن الأردبيلي المناقشة في ذلك بأنه ليس
من ترك كثيرا من الأمور التي هي عمدة في التقرب مثل تحصيل العلوم والعبادات
الشاقة الكثيرة وقضاء حوائج المؤمنين مع أنه يجتنب الشبهات ويتورع عن المباحات
يكون أتقى وأكرم على الله تعالى، بل الأمر بالعكس، لأن الأكرمية باعتبار الاتصاف
بالأوصاف المقربة، فمن اتصف بالأكثر والأعلى فهو الأكرم عند الله، ففي التعريفين
تأمل وتزلزل، فحينئذ ينبغي تقديم من فيه الوصف المذكور، وإني أظن أنه مقدم في
جميع المراتب، وعدم ذكره لظهوره، قلت: المراد ترك المباحات خوف الوقوع في
المحرمات لا المستحبات، وإلا فهذه الأمور المذكورة عين التقوى والورع إذا جامعها
الاخلاص، فتأمل جيدا، والله أعلم بحقيقة الحال.
(ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين) بلا خلاف أجده فيه،
للصحيح (1) عن الصادق (عليه السلام) (ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهد،
ولا يسمعونه هم شيئا يعني الشهادتين، ويسمعهم أيضا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)
وخبر أبي بصير (2) عنه (عليه السلام) أيضا (ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلما
يقول، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعوه شيئا مما يقول) بل يستفاد من الثاني استحباب
إسماع سائر ما يجوز الاجهار فيه من الأذكار في الركوع والسجود وغيرهما، كما أنه
يستفاد منه كراهة إسماع المأموم شيئا من ذلك، نعم الظاهر الاقتصار في ذلك على غير
المنكر من رفع الصوت كما يشير إليه خبر عبد الله بن سنان (3) المروي عن تفسير العياشي
سأل الصادق (عليه السلام) (عن الإمام هل عليه أن يسمع من خلفه وإن كثر، فقال:

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 4
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 4
(3) الوسائل الباب 52 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 4
367

ليقرأ قراءة وسطا، إن الله تعالى (1) يقول: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها).
(وإذا مات الإمام أو أغمي عليه) في الأثناء (استنيب من يتم الصلاة بهم)
بلا خلاف معتد به أجده، بل بالاجماع في الموت صرح جماعة، بل في التذكرة ذلك
أيضا فيه مع الاغماء، بل عن الذكرى وغيرها الاجماع في مطلق العذر الشامل للموت
وغيره، وإن كنت لم أجد ذلك فيها، إلا أن ظاهر الأصحاب عدم التوقف فيه وفي
كل عذر مساو للموت من جنون ونحوه، وإن كان لا تصريح في النصوص إلا بالموت
إلا أن الظاهر إلغاء الخصوصية ولو بمعونة الاتفاق المزبور، فما في الحدائق حينئذ - من
التأمل أو المنع في الاغماء ونحوه من الأعذار المخرجة للإمام عن الاختيار عدا الموت
لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (2): (في رجل أم قوما فصلى بهم
ركعة ثم مات، قال: يقدمون رجلا آخر ويعتدون بالركعة) إلى آخره، ومكاتبة
الحميري للقائم (عليه السلام) المروية عن الاحتجاج (3) (أنه روي عن العالم عليه السلام
أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت حادثة كيف يعمل من خلفه؟
فقال (عليه السلام): يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه، التوقيع
ليس على من نحاه إلا غسل اليد إذا لم يحدث ما يقطع الصلاة يتم صلاته مع القوم) - في
غير محله، إذ لا يخفى عليك انسياق عدم الفرق بين الموت وغيره من نفس الخبرين مع
قطع النظر عن الاتفاق والأخبار الأخر، وأن الموت أحد الأفراد نص عليه لمكان
السؤال عنه، كما أن الظاهر أيضا عدم إرادة الشرطية من قوله في صحيح الحلبي:

(1) سورة الإسراء الآية 110
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب غسل المس الحديث 4 من كتاب الطهارة
368

(يقدمون) بحيث لا يجزي لو تقدم بعضهم من غير تقديم منهم، بل هو أحد الأفراد
أيضا كما يومي إليه مكاتبة الحميري، إذ الظاهر إرادته هذا الصحيح من قوله فيها:
(روي عن العالم) إلى آخره، وقد سمعت حكايته إياه بما لا يفهم منه ذلك حيث قال:
(يتقدم) بل لعله ظاهر في خلافه، ولا ينافيه ما في الذكرى من أن حق الاستخلاف
في الفرض المزبور للمأمومين للصحيح المذكور، إذ من المعلوم عدم إرادته الحقية الحتمية
بل الظاهر أيضا عدم اعتبار كون المقدم بعضهم، وإن كان ظاهر مكاتبة الحميري أنه
هو الذي فهمه من إطلاق الصحيح، إلا أن الظاهر عدم إرادته ذلك على سبيل الشرطية
كما نص عليه بعض الأصحاب، مضافا إلى ما تسمعه من ظهور بعض النصوص الواردة
في الأعذار الطارئة للإمام التي لم تخرجه على الاختيار كالحدث والرعاف ونحوهما في تقديم
الأجنبي، ولا فرق بينهما على الظاهر، فما عساه يلوح من بعضهم - من التوقف في
ذلك اقتصارا في العبادة التوقيفية على المتيقن - في غير محله.
(وكذا إذا عرض للإمام ضرورة) بأن سبقه الحدث أو الرعاف أو الأذى
في بطنه أو ذكر أنه كان على غير طهارة أو تمت صلاته لسفر (جاز أن يستنيب) عنه
من يتم الصلاة بالمأمومين بلا خلاف أجده في شئ من هذه الأعذار، بل في الذكرى
(يجوز الاستخلاف عند علمائنا أجمع للإمام إذا أحدث أو عرض له مانع) وفي التذكرة
(الاجماع على المرض والحدث) بل في الرياض (أنه بالاجماع على ذلك صرح جماعة)
ومع ذلك فالنصوص (1) بها مستفيضة حد الاستفاضة إن لم تكن متواترة، منها أنه
سأل معاوية بن عمار (2) الصادق (عليه السلام) في الصحيح (عن الرجل يأتي المسجد
وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده ويكون أدنى

(1) الوسائل الباب 40 و 72 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
369

القوم إليه فيقدمه، فقال: يتم صلاة القوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد يومي إليهم بيده من اليمين والشمال فكان الذي أومى إليهم بيده تسليما وانقضى صلاتهم، وأتم
هو ما كان فاته أو بقي عليه) والمرسل (1) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (ما كان
من إمام تقدم في الصلاة وهو جنب ناسيا أو أحدث حدثا أو رعافا أو أذى في بطنه
فليجعل ثوبه على أنفه ثم لينصرف وليأخذ بيد رجل فليصل مكانه، ثم ليتوضأ وليتم
ما سبقه به من الصلاة، فإن كان جنبا فليغتسل وليصل الصلاة كلها) إلى غير ذلك من
الأخبار التي لا يسع المقام حصرها، إذ هي تقرب من ثلاثة عشر، وظاهرها إتمام
النائب الصلاة من موضع القطع ولو في أثناء قراءة السورة، فما عن بعضهم من
وجوب الابتداء بالسورة لا دليل عليه وإن كان هو الأحوط، وأحوط منه الفعل بنية
القربة المطلقة.
وإطلاق كثير منها كالفتاوى يقتضي عدم الفرق في النائب بين المأموم والأجنبي
كما صرح به بعضهم، بل كاد يكون صريح صحيح جميل (2) عنه عليه السلام (في رجل
أم قوما على غير وضوء فانصرف وقدم رجلا ولم يدر المقدم ما صلى الإمام قبله، قال:
يذكره من خلفه) وخبر زرارة (3) سأل أحدهما (عليهما السلام) (عن إمام أم قوما
فذكر أنه لم يكن على وضوء فانصرف وأخذ بيد رجل وأدخله وقدمه ولم يعلم الذي
قدمه ما صلى القوم، قال: يصلي بهم، فإن أخطأ سبح القوم به وبنى على صلاة الذي
كان قبله) ضرورة ظهور فرض عدم علمه بما صلاه الإمام فيه وغيره بما قلنا، لكن
قد يشعر الثاني منهما بأن النائب يبني على صلاة من قبله، فيكتفي بالمقدار الذي بقي
للمأمومين ولو ركعة أو ركعتين، ويكون حينئذ نائبا عن الإمام في ذلك وإن لم يكن

(1) الوسائل الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 4
(3) الوسائل الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 4
370

هو بالنسبة إليه صلاة، بل قد يومي خبر طلحة بن زيد (1) عن جعفر عن أبيه (عليهما
السلام) (سألته عن رجل أم قوما فأصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين فقدم
رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان، قال: يتم بهم الصلاة ثم يقدم رجلا فيسلم
بهم ويقوم هو فيتم بقية صلاته) إلى جواز النيابة في السلام وحده أيضا بناء
على إرادة الأعم من المأموم من الرجل المقدم فيه، وخبر علي بن جعفر (2) عن
أخيه موسى (عليه السلام) المروي عن قرب الإسناد سأله (عن إمام يقرأ السجدة
فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال: يقدم غيره فيسجد ويسجدون، وينصرف
وقد تمت صلاته) إلى جوازه في السجدة أيضا بناء على إرادة ما يشمل الأجنبي من
الغير فيه، إلا أن الحكم لما كان من المستغربات ولم ينص عليه أحد من الأصحاب كما
اعترف به في الحدائق وإن كان ربما استظهره من المنتهى وجب حمل هذه الأخبار على
إرادة المأموم، ومع فرض عدم قبول خبر زرارة وسابقه له باعتبار تضمنهما لعدم علم
المقدم ولو كان مأموما لعلم - مع أنه يمكن دفعه بامكان تصويره فيه أيضا - يجب أن
يراد بالبناء فيه بالنسبة للمأمومين دونه، أو غير ذلك أو طرحه.
لكن على كل حال لا ينبغي التوقف في جواز استخلاف المأموم وغيره، وإن
كان الأحوط الأول، كما أنه لا ينبغي التوقف في أنه للمأمومين تقديم من يشاؤون (3)
إذا لم يقدم الإمام لهم من يأتمون به، بل لبعضهم أن يتقدم وإن لم يقدمه أحد، كما يدل
عليه صحيح علي بن جعفر (4) سأل أخاه موسى (عليه السلام) (عن إمام أحدث
فانصرف ولم يقدم أحدا ما حال القوم؟ قال: لا صلاة لهم إلا بإمام، فليتقدم بعضهم

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5
(2) الوسائل الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 1
(3) في النسخة الأصلية " من يشاؤا " ولكن الصواب ما أثبتناه
(4) الوسائل الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 1
371

فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم).
نعم الظاهر أنه أحق منهم بالتقديم، لكونه نائبا عنه، ولظاهر أكثر الأدلة
إلا أن ذلك ليس على سبيل الحتم والالزام قطعا، بل لهم أن لا يأتموا بمن قدمه لهم،
فيقدمون غيره، ويتمون صلاتهم، كما أن لهم إتمام صلاتهم فرادى من غير ائتمام حتى
لو قلنا بعدم جواز نية الانفراد اختيارا، ضرورة قهريته في المقام، إذ احتمال فساد
الصلاة مقطوع بعدمه، كاحتمال وجوب الائتمام، بل عن العلامة في التذكرة الاجماع
على بطلان الأخير من الاحتمالين، ويؤيده أيضا - مضافا إلى الأصل وغيره - ظاهر
صحيح زرارة (1) عن أحدهما (عليهما السلام) (سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين
ثم أخبرهم أنه ليس على وضوء، قال: يتم القوم صلاتهم، لأنه ليس على الإمام ضمان)
فيجب حينئذ حمل صحيح علي بن جعفر السابق على تأكد الفضل والاستحباب لا الحتم
والايجاب، أو على خصوص الجمعة كما أسلفناه، وإلا فاحتمال القول بأن العبادة توقيفية
والأصل عدم جواز العدول وعدم نقل النية فينبغي الاقتصار على المتيقن مما لا ينبغي
الالتفات إليه، خصوصا في المقام، لما عرفت من الصحيح المزبور، فللمأمومين حينئذ
إتمام الصلاة فرادى وجماعة بتقديمهم إماما، أو تقديم الإمام لهم، أو من دون تقديم
مقدم بل تقدم لنفسه، أو بعضهم فرادى وبعضهم جماعة، متفقين في الإمام أو مختلفين
فيه، كما نص على ذلك كله أو أكثره في المنتهى وغيره، ويستفاد من نصوص المقام.
(و) كذا يستفاد منها أنه (لو فعل ذلك) الإمام (اختيارا) بأن أحدث
مثلا عمدا (جاز) الاستخلاف (أيضا) كما نص عليه في التذكرة وغيرها، لاطلاق
بعض النصوص، والقطع بمساواته للمضطر، خلافا لأبي حنيفة فمنعه بناء منه
على أصل فاسد.

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
372

بل قد يستفاد أيضا مما ورد منها في استخلاف الإمام المسافر عند انتهاء صلاته
من يتم الصلاة بالمأمومين جواز الاستخلاف في صورة سبق الإمام المأمومين، ضرورة
عدم الفرق بينهما كما نص عليه في المنتهى، وإن استشكله في الحدائق تبعا للتحرير من
جهة عدم النص عليه بالخصوص مع توقيفية العبادة، لكنه في غير محله، إذ الفقيه بعد
ممارسته لكلامهم (عليهم السلام) وأنسه به صار كالحاضر المشافه في كثير من الأمور
فإذا فهم وانساق إلى ذهنه من بعض الأدلة التعدي من مواردها إلى غيرها كان حجة
شرعية يجب عليه العمل بها، ولعل كثيرا من إنكار بعض القاصرين عن هذه المرتبة
على الأصحاب حتى يرمونهم بالعمل بالقياس ونحوه يدفعه نحو ذلك، كما لا يخفى.
بل قد يستفاد من نصوص المقام أيضا جواز نقل المأموم نيته من إمام إلى إمام
آخر اختيارا، وجواز نقل المأموم نيته إلى الإمامة ببعض المأمومين أو غيرهم كما نص
في التذكرة على الأول، فقال: (يجوز نقل المأموم نيته من إمامه إلى إمام آخر في
تلك الصلاة) لكن منعه في الحدائق تبعا له في المنتهى ومحتمل الذكرى للأصل
وتوقيفية العبادة والنبوي (1) (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه)
ولعدم الفائدة في النقل لحصول فضيلة الجماعة، إلا أن الجميع كما ترى لا تعارض فهم
الفقيه التعدية من الأدلة المزبورة، ومن هنا قال في الذكرى: (إنه يمكن أن يفرق
بين العدول إلى الأفضل وغيره) بل قد يقال بجواز دور النقل وتراميه وإن قال في
الذكرى: (فيه ما فيه) ولعل الانصاف فضلا عن الاحتياط يقتضي التوقف في بعض
الصور المزبورة مخافة رجوع مداركها إلى تخريج في الأدلة غير جائز).
ونحوه في ذلك جواز استخلاف الإمام إماما غيره ببعض جماعته أو جميعها مع
بقائه مصليا مؤتما بالخليفة أو منفردا، مأموما كان الخليفة أو منفردا، وإن أمكن تجشم

(1) المستدرك الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
373

الدليل لذلك كله، خصوصا بناء على جواز نقل نية الانفراد إلى الائتمام وبالعكس،
وجواز نقل النية من إمام إلى إمام آخر، لكن الاحتياط في ذلك كله ساحل بحر
الهلكة، وإن كان الظاهر أنه لا إشكال في التعدي عن خصوص الأعذار المنصوصة
الطارئة للإمام من الحدث والرعاف أو تذكر الحدث أو الأذى في البطن والسفر وإن
اقتصر عليها في الحدائق، بل الظاهر إرادة كل ما يمنعه عن إتمام الصلاة ولو لطعنة أو
غيرها، بل يمكن التعدي إلى ما يمنعه من إتمام الصلاة مختارا، فيستخلف حينئذ لو صار
فرضه الجلوس مثلا.
ويجوز (و) إن كان (يكره أن يأتم حاضر بمسافر) وبالعكس على المشهور
بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل في الرياض (أن عليه من عدا الصدوقين كافة)
بل عن الخلاف وظاهر الغنية أو صريحها الاجماع عليه، خلافا للمحكي عن والد الصدوق
فلا يجوز فيهما، وعنه في المقنع في ثانيهما، وهما ضعيفان، لاطلاق الأدلة، وخصوص
ظاهر المعتبرة المستفيضة في الثاني إن لم تكن متواترة، كصحيح ابن مسلم (1) عن الباقر
(عليه السلام) (إذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم، وإن
صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر) وحماد بن عثمان (2)
سأل الصادق (عليه السلام) (عن المسافر يصلي خلف المقيم، قال: يصلي ركعتين ويمضي
حيث شاء) وخبر الأحول (3) عنه (عليه السلام) أيضا (إذا دخل المسافر مع
أقوام حاضرين في صلاتهم فإن كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين
وإن كانت العصر فليجعل الأولتين نافلة، والأخيرتين فريضة) وعمر بن يزيد (4)
سأل الصادق (عليه السلام) أيضا (عن المسافر يصلي مع الإمام فيدرك من الصلاة

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 4 - 7
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 4 - 7
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 4 - 7
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2 - 4 - 7
374

ركعتين أيجزي ذلك عنه؟ فقال: نعم) وغيرها من الأخبار الكثيرة الصريحة في
الصحة المستلزمة للجواز وعدم الإثم، ضرورة عدم انفكاكهما في مثل المقام عندنا، وهي
الحجة على الصدوق بل وعلى والده أيضا بضميمة عدم القول بالفصل.
مضافا إلى الموثق (1) عن الصادق (عليه السلام) (لا يؤم الحضري المسافر
ولا المسافر الحضري، فإن ابتلي بشئ من ذلك فأم قوما حاضرين فإذا أتم الركعتين
سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم، وإذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته
بركعتين ويسلم، وإن صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر)
إذا الظاهر إرادة الكراهة من النهي أولا فيه بقرينة قوله عليه السلام بعد ذلك: (فإن ابتلي)
إلى آخره، مما هو معلوم عدم مجامعته للحرمة، فيكون حينئذ كقول الصادق (عليه السلام)
في خبر أبي بصير المرادي (2) عن الصادق (عليه السلام) (لا يصلي المسافر مع المقيم
فإن صلى فلينصرف في الركعتين) الذي يراد منه أن الأرجح له أن لا يفعل، فإن
فعل كانت هذه كيفية صلاته، بل ينبغي الجزم بالنسبة للنهي الأول بقرينة الأخبار
الأول، بل يمكن تحصيل القطع بالجواز فيهما بملاحظة السيرة والطريقة، وعدم معروفية
المنع مع كثرة وقوع ذلك في زمن النبي وأمير المؤمنين (عليهما الصلاة والسلام) وغيرهما
إذ لا زال المترددون من الأطراف عندهم ويحضرون الصلاة معهم، كما أنهم (عليهم
السلام) لا زالوا هم في سفر يأمون فيه من فرضه الاتمام، ومع ذلك لم ينقل خبر من
الأخبار إنهم عليهم السلام منعوهم من الائتمام في أحد الحالين، إذ لو وقع لشاع وذاع حتى
خرق الأسماع، لتوفر الدواعي إليه.
ودعوى عدم صراحة الموثق المزبور بالكراهة، لاحتمال اختصاص الصحة بصورة

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 3
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 3
375

الضرورة والتقية كما هو مورد الخبر (1) نحو المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (2)
بل فيه زيادة على (وإن ابتلي) ولم يجد بدا من أن يصلي معهم) وهو نص في اختصاص
الحكم بالجواز والصحة بحال الضرورة، وهو لا يستلزم ثبوته كلية كما هو ظاهر الجماعة،
بل الثابت خصوص الحال المزبور، لاعتبار سند الخبرين أي الموثق والرضوي،
وصلاحيتهما بذلك لتقييد إطلاق الصحاح بحالة الضرورة، إذ غايتها إفادة الصحة في
الجملة، ولا إشكال فيها كذلك، وإنما هو في كليتها وعمومها لحال الاختيار، وليس
فيها تصريح بل ولا إشارة، بل غايتها الاطلاق المحتمل للتقييد بالضرورة، جمعا بين
الأدلة، مع أنه مساق لبيان حكم آخر غير الجواز، وهو كيفية اقتداء المسافر بالحاضر
وبالعكس لو اتفق ردا على جماعة من العامة القائلين بأنه إذا اقتدى المسافر بالمقيم لزمه
التمام، وهم الشافعي وأبو ثور وأبو حنيفة وأصحابهم، ولا عبرة به حينئذ فيما نحن فيه
ضرورة حجيته فيما يساق له.
بدفعها - بعد الاجماع حتى من الصدوقين إذ المحكي عنهما إطلاق المنع - وضوح
قصور الخبرين عن التقييد سندا ودلالة واعتضادا، بل الثاني منهما غير حجة عندنا،
وفي سند الأول منهما داود بن الحصين، وعن ابن عقدة والشيخ أنه واقفي، ولا بيان
فيه للابتلاء المجوز لذلك، بل لعل كثيرا من أفراده لا يتصور فيه الاضطرار، إذ
التقية لا يمكن حمل الأخبار هنا حتى الموثق عليها، باعتبار نصوصيتها في خلاف الكيفية
التي عندهم في ائتمام المسافر بالحاضر بعد الاغضاء عند دعوى الظهور أو القطع بانسياق
إرادة بيان شدة الكراهة من نحو العبارة في مثل المقام، وكأن المقام من الواضحات

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
(2) المستدرك الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
376

التي لا تستأهل تطويل البحث.
كما أن إثبات الكراهة في الأمرين معا كذلك وإن كان ربما يظهر من اقتصار
المتن - كالمحكي عن غيره - على كراهة ائتمام الحاضر بالمسافر انتفاؤها في العكس كما حكي
عن ظاهر المراسم، بل قيل: (إنه كاد يكون صريح التحرير، ومال إليه أو قال به في
المختلف) انتهى، إذ إجماع الخلاف والغنية والموثق المزبور المعتضد بالرضوي كاف
في إثبات الكراهة التي يتسامح فيها.
نعم هل يختص الكراهة في اختلاف الفرضين قصرا وتماما، لأنه المنساق من
الأدلة بملاحظة خصوص ما تعرض له فيها مما هو مختلف بحيث يعلم أو يظن إرادة ذلك
من الاطلاقات، كما يومي إليه خبر أبي بصير والموثق المزبور حيث نهي فيهما أولا على
الاطلاق، ثم ذكر فيهما أنه لو خالف النهي فليفعل كذا مما هو مختص بمختلف الكيفية
أو أنه يعم مطلق ائتمام المسافر بالحاضر وبالعكس للاطلاق؟ وجهان بل قولان، مال
إلى ثانيهما في الرياض حاكيا له عن الروضة، واختاره الفاضلان على ما حكي عن أولهما،
ولعله ظاهر البيان، والمحكي عن السرائر وغيرها أيضا مما قيد فيه بالرباعية (1) وهو
الأقوى في النظر وإن كانت الكراهة مما يتسامح فيها، إلا أنه لا شئ يعتمد عليه حتى
مع ملاحظة التسامح عدا الاطلاق المنساق لما عرفت بقرينة ما سمعت، فلا كراهة في
الائتمام بالصبح والمغرب، بل وبالظهرين إذا فرض الاتفاق كما لو ائتم حاضر بمسافر في
صورة قضائهما قصرا أو العكس في صورة قضائهما أداء، أما لو ائتم الحاضران أو
المسافران أحدهما بالآخر لكن مع اختلاف كمية فرضيهما في القصر والتمام بالنظر للأداء
والقضاء أو للقضاء أمكن القول بالكراهة، ولا يقاس عليه مطلق نقصان فرض المأموم
أو الإمام عن الآخر من حيث القصر والتمام، للأصل السالم عن معارضة قياس معتبر

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب " بالرباعية هو أولهما "
377

من تنقيح أو غيره، وإن كان الحكم مما يتسامح فيه.
ثم إن المستفاد من نصوص المقام في كيفية ائتمام المسافر بالحاضر هو مفارقة الإمام
عند انتهاء صلاته، لكن في التذكرة والمنتهى والقواعد والذكرى والدروس والبيان
والموجز والروض ما يستفاد منه جواز انتظاره الإمام حتى يسلم فيسلم معه، بل لا أجد
فيه خلافا بينهم، بل في أكثر هذه الكتب أنه أفضل، بل صريح الذكرى والروض
وغيرهما عدم الفرق في ذلك بين ائتمام المسافر بالحاضر وبين من كانت صلاته ناقصة من
الحاضرين أو المسافرين المؤتمين بمثلهم، كمن اقتدى في الصبح أو المغرب بمن يصلي
الظهر أو العصر، ولعلهم أخذوا ذلك من كراهة مفارقة المأموم الإمام مع عدم وجوب
التسليم فورا على المصلي منفردا فضلا عن المؤتم الذي يغتفر له السكوت الطويل لادراك
متابعة الإمام، على أنه يمكن التخلص عنه هنا بأن يشتغل بذكر وتسبيح ونحوهما أو مما
تسمعه إن شاء الله في صلاة الخوف، كما يومي إليه ما في المنتهى حيث قال في استنابة
المسبوق: (ولو انتظروا حتى يفرغ ويسلم بهم لم أستبعد جوازه، وقد ثبت جواز ذلك
في صلاة الخوف) لكن في الحدائق مناقشة بأن ثبوت ذلك في صلاة الخوف لا يستلزم
ثبوته هنا، وتبعه في الرياض، وهي لا تخلو من وجه، مع أن الثابت في صلاة الخوف
انتظار الإمام لا المأمومين، كالمناقشة فيما ذكره في الروض، بل لعله يستفاد من القواعد
أيضا من جواز انتظار الإمام الجماعة بالسلام بهم فيما لو فرض نقصان صلاته عن صلاتهم
بل نص في الأول على أفضلية ذلك له وإن كان مدركه أيضا ما تسمعه في صلاة الخوف
لكن في ثبوت الحكم فضلا عن الأفضلية فيه وفي سابقه نوع تأمل، لتوقيفية هيئة
العبادة وتوقف البراءة فيها على اليقين، بل ظاهر المصنف في صلاة الخوف أن انتظار
الإمام للمأمومين من خواصها، فالحكم بذلك حينئذ لا يخلو من نظر، وإن اقتصر بعض
متأخري المتأخرين على المناقشة في الأفضلية دون أصل الحكم، على أن ظاهرهم الانتظار
378

في خصوص السلام.
مع أن قضية بعض ما سمعته مستندا لهم جوازه في التشهد أيضا حيث لا يكون
فعله مع الإمام، كما إذا فرض انتهاء صلاة المأموم مثلا في ثالثة الإمام، لكن كاد
يكون صريح الذكرى والروض الاختصاص بالتسليم، والمحصل من الأدلة في الثاني أنه
يومي إليهم بالسلام، فيقومون إلى إتمام صلاتهم، أو أنه يستنيب بهم من يتمون
صلاتهم معه.
نعم في وجوب جلوس الإمام بعد السلام إلى أن يفرغ المأمومون وعدمه قولان
المشهور كما في الحدائق الثاني، للأصل، خلافا للمحكي عن المرتضى وابن الجنيد فالأول
ولعله لقول الصادق (عليه السلام) في الموثق أو الصحيح (1): (أيما رجل أم قوما
فعليه أن يقعد بعد التسليم ولا يخرج من ذلك الموضع حتى يتم الذين خلفه الذين سبقوا
صلاتهم، ذلك على كل إمام واجب إذا علم أن فيهم مسبوقا، فإن علم أن ليس فيهم
مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء) وخبر علي بن جعفر (2) عن أخيه (عليه السلام)
المروي عن قرب الإسناد (سألته عن حد قعود الإمام بعد التسليم ما هو؟ قال: يسلم
ولا ينصرف حتى يعلم أن كل من دخل معه في صلاته قد أتم صلاته ثم ينصرف)
لكن الأولى حملهما على استحباب الجلوس وكراهة الانصراف، لموثق عمار (3) سأل
الصادق (عليه السلام) (عن الرجل يصلي بقوم فيدخل قوم في صلاته بقدر ما صلى
ركعة أو أكثر من ذلك فإذا فرغ من صلاته وسلم أيجوز له وهو إمام أن يقوم من
موضعه قبل أن يفرغ من دخل في صلاته؟ قال: نعم) وظاهر موثق سماعة (4) قال:
(ينبغي للإمام أن يلبث قبل أن يكلم أحدا حتى يرى أن من خلفه قد أتموا الصلاة

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب التعقيب الحديث 3 - 8 - 7 - 6 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب التعقيب الحديث 3 - 8 - 7 - 6 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب التعقيب الحديث 3 - 8 - 7 - 6 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب التعقيب الحديث 3 - 8 - 7 - 6 من كتاب الصلاة
379

ثم ينصرف هو) كصحيح الحلبي أو حسنه (1) عن الصادق (عليه السلام) (لا ينبغي للإمام
أن يتنفل (ينفتل ينتقل خ ل) إذا سلم حتى يتم من خلفه الصلاة) وحفص بن البختري (2)
عنه (عليه السلام) أيضا قال: (ينبغي للإمام أن يجلس حتى يتم كل من خلفه صلاته).
نعم قد يشم من هذه الأخبار استحباب بقاء الإمام على هيئة المصلي وكراهة
فعل سائر ما ينافي الصلاة من انصراف أو غيره حتى التنفل بناء على إحدى نسختي
صحيح الحلبي إلى أن يتم المأمومون صلاتهم.
ثم إن ظاهر المتن وغيره كراهية الائتمام كما هو ظاهر بعض نصوص (3) المقام
وظاهر آخر (4) منها كراهية الإمامة بمعنى كراهية تعرضه للإمامة ورضاه بها وطلبه
إياها ونيته لها، ولا بأس بكراهتهما معا عملا بالظاهرين.
(و) كذا يكره (أن يستناب المسبوق) بركعة فصاعدا، للنهي في صحيح
سليمان بن خالد (5) المحمول عليها، قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ فقال: لا يقدم رجلا
قد سبق بركعة، ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه) إذ هو وإن كان حقيقة في الحرمة
المقتضية للفساد إلا أنه لما كانت الصحة مقتضى المعتبرة المستفيضة (6) التي تسمعها
إن شاء الله في المسألة الثانية عشر وجب حمله عليها جمعا، إلا أن يدعى عدم منافاة
حرمة التقديم لصحة الصلاة هنا بعد وقوعه كما هو الظاهر، إذ التقديم أمر خارج عن
صلاة المتقدم.

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب التعقيب الحديث 2 - 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب التعقيب الحديث 2 - 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 6
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 6
(5) الوسائل الباب 41 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(6) الوسائل الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة
380

نعم قد يقال: إنه يفهم من حرمة التقديم حرمة التقدم المستلزمة لفساد الائتمام
فتعارضه حينئذ الأخبار (1) الظاهرة في الصحة، فيحمل على الكراهة، مضافا إلى
إشعار لفظ (لا ينبغي) في خبري معاوية بن شريح (2) ومعاوية بن ميسرة (3) عن
الصادق (عليه السلام) بذلك أيضا، قال في أولهما: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: إذا أحدث الإمام وهو في الصلاة لم ينبغ أن يقدم إلا من شهد الإقامة) وقال
في ثانيهما: (لا ينبغي للإمام إذا أحدث أن يقدم إلا من أدرك الإقامة) بل هما ظاهران
في كراهة استنابة المسبوق ولو بالإقامة فضلا عن الركعة والركعتين، إلا أني لم أعثر
على قائل به إلا الحر في ظاهر الوسائل، ولا بأس به، نعم قضية الأخبار الثلاثة كراهة
التقديم من الإمام دون التقدم بعد أن قدم والائتمام من المأمومين به، بل ودون تقديم
المأمومين إياه، لكن يمكن دعوى عدم الفرق بين تقديم الإمام وتقديم المأمومين كما
صرح به في المدارك، بل هو ظاهر المتن وغيره أيضا وإن كان مورد الأخبار الأول.
(و) كذا يكره (أن يؤم الأجذم والأبرص) على المشهور بين المتأخرين
بل عليه عامتهم عدا النادر كما اعترف به في الرياض، بل في ظاهر الانتظار أو صريحه
الاجماع عليه، وهو - بعد اعتضاده بالشهرة المتأخرة، وفتوى بعض المتقدمين، وخبري
عبد الله بن يزيد (4) والحسين بن أبي العلاء (5) المجبورين بهما (سألت أبا عبد الله
عن المجذوم والأبرص يؤمان المسلمين، قال: نعم، قلت: هل يبتلي الله بهما المؤمن؟
قال: نعم، وهل كتب الله البلاء إلا على المؤمن) - مرجح للعمل بما دل على جواز
الصلاة خلف العدل ونحوه على ما دل على النهي عن إمامة الأجذم والأبرص، كقول

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 3
(3) الوسائل الباب 41 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 3
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 4
(5) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 4
381

أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1) (خمسة لا يؤمون الناس ولا يصلون
بهم صلاة فريضة في جماعة: الأبرص والمجذوم وولد الزنا والأعرابي حتى يهاجر
والمحدود) والصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (2) (خمسة لا يؤمون الناس على
كل حال: المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي) وأمير المؤمنين (عليه
السلام) في حسن زرارة أو صحيحه (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) (لا يصلين
أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا، والأعرابي لا يؤم المهاجرين).
فينزل حينئذ على الكراهة، خصوصا بعد جمعه معهما في نهي واحد ما ستعرف
أن الأصح فيه الكراهة أيضا، ولا ينافيه جمع ما علم عدم صحة الائتمام به من المجنون
وولد الزنا، لوجوب إرادة القدر المشترك منه حينئذ، على أنه قد يراد من المجنون وولد
الزنا ما كان جنونه أدواريا، ضرورة استبعاد إرادة بيان الائتمام حال الجنون، وما
قيل فيه: إنه ولد زنا أو كانت ولادته منه في زمن الجاهلية على وجه، فيتمحض
لإرادة الكراهة حينئذ منه، كما أنه قد يقال إن التعارض بين هذه الأخبار وبين ما دل
على جواز إمامة العدل تعارض العموم من وجه، ولا ريب في رجحانها عليها من وجوه
لكن قضية ذلك تنزيل الأجذم والأبرص على الفاسقين، فتخلو الكراهة المحكوم
بها عند الأصحاب حينئذ عن الدليل، مضافا إلى تبادر إرادة كون نفس الجذام والبرص
مانعا عن مرتبة الإمامة لا من حيث الفسق، وإلا لم يكن لذكرهما مع تلك بالخصوص
وجه، وإن كان يمكن الجواب عنهما بتجشم وتعسف، فالأولى في تقريب الاستدلال
على الكراهة ما عرفت مع إمكان قيام قرائن أخر مؤيدة له أيضا.
خلافا لظاهر الفقيه والخلاف والمبسوط والنهاية وإشارة السبق والغنية والمحكي
عن بعض رسائل علم الهدى ونهاية الفاضل فالمنع، وتردد فيه أو مال إليه في الرياض

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 5 - 6
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 5 - 6
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3 - 5 - 6
382

تبعا للمدارك، بل في الخلاف والغنية الاجماع عليه، بل ربما قيل: إنه محتمل الانتصار
أيضا وإن عبر بالكراهة فيه، لظاهر النهي في تلك الأخبار المعتضدة بالاجماعين،
مع أن فيها الصحيح وغيره السالمة عن معارضة ما يقاومها، ضرورة ضعف الخبرين (1)
ومنع جبر مثل هذه الشهرة لهما، وعموم غيرهما، واحتمال إرادة الحرمة من معقد إجماع
الانتصار، لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد ما سمعت.
وكيف كان فظاهر الأدلة المزبورة والمتن وغيره وصريح البعض عدم الفرق بين
إمامتهما بالصحيح والمماثل، فما عساه يظهر من الشيخ في المبسوط والجمل والنهاية وابن
زهرة في الغنية والحلبي في إشارة السبق وابن إدريس في السرائر ويحيى بن سعيد في
الجامع وغيرهم من التفصيل بذلك لم نعثر له على دليل، ولعله انسياق ذلك من الأدلة،
وهو لا يخلو من قوة لو كان الحكم المنع دون الكراهة للتسامح فيها ولو بعضهم ببعض.
كما أنا لم نعثر للقول بالتفصيل بين إمام الجمعة والعيدين وغيرهما فالمنع في الأول
والكراهة في الأخير على دليل بالخصوص، بل ظاهر الأدلة وأكثر الفتاوى خلافه،
فما في السرائر من التفصيل بذلك محل منع.
وتشتد كراهة إمامتهما لو كان أثر البرص والجذام في وجهيهما، للنهي (2) عن
إمامة من في وجهه أثر ذلك المستفاد منه الكراهة في غيرهما أيضا مع فرض أثره في الوجه.
(و) كذا يكره أن يؤم (المحدود بعد توبته) لا قبلها لفسقه، إذ الحد لا يجعله
عادلا وإن ورد (3) أنه مكفر للذنوب، أما بعدها فيجوز على كراهة وفاقا للمشهور
بين المتأخرين، لاطلاق الأدلة وعموماتها المقتضية باعتبار قوتها من وجوه - منها

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 و 4
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(3) سنن البيهقي ج 8 ص 328
383

اعتضادها بفحوى ما دل على جواز إمامة الكافر بعد إسلامه واستجماعه شرائط
الإمامة - تنزيل النهي عن إمامته في الصحيح (1) وغيره على الكراهة، خلافا لظاهر
جماعة من القدماء وبعض متأخري المتأخرين فالمنع مطلقا للنهي المزبور، أو إلا بمثله
كما في الغنية وغيرها مدعيا عليه الاجماع فيها، لكنه موهون بمصير أكثر المتأخرين
بل عامتهم إلا النادر ومصير بعض المتقدمين بل أكثرهم، بناء على تنزيل النهي في
عباراتهم على الكراهة كالنص إلى خلافه، والنهي في الصحيح السابق وغيره وإن كان
حقيقته الحرمة إلا أنه من المعلوم هنا قصوره عن تخصيص تلك الأدلة الكثيرة المعتضدة
بالشهرة السابقة والأولوية المزبورة وغيرهما، على أنه يمكن دعوى أن التعارض فيها
تعارض العموم من وجه، ولا ريب أن الرجحان في جهتها، لكن بناء على هذا يكون
مستند الكراهة احتمال إرادة العدل حينئذ من ذلك النهي، ومثله كاف في إثباتها دون
الحرمة، كما أنه يكون الوجه حينئذ في ذكر المحدود بالخصوص مع اندراجه في الفاسق
حينئذ هو قصد رد احتمال كفاية الحد باعتبار تكفيره الذنب عن التوبة والعدالة.
ثم إن ظاهر المتن وغيره كالنص اختصاص الكراهة بالإمامة دون الائتمام به
كما عن مجمع البرهان الاعتراف به، وإن كان لم يستبعد مع ذلك كون المأمومية كذلك
وهو في محله، بل يمكن دعوى انسياق ذلك إلى الذهن من النص والفتوى أيضا، فتأمل.
(و) كذا يكره أن يؤم الناس (الأغلف) المعذور في تركه الختان لا غيره
ممن هو مقصر في تركه، ضرورة عدم جواز الائتمام به حينئذ لفسقه، بل في المسالك
والروض الجزم ببطلان صلاته، وإن كان لا دليل عليه سوى ما قيل من قاعدة الضد
المحقق في الأصول عدم اقتضائها الفساد، نعم قد يقال بالبطلان لو كانت الغلفة تواري

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
384

النجاسة، لحمله حينئذ النجاسة المقدور على إزالتها بالختان، كما نص عليه أول الشهيدين
في حاشيته على القواعد، ونص أيضا على أنه إن كان غير قادر على إزالتها صحت صلاته
للضرورة دون صلاة من ورائه، مع أنه قد يناقش فيما ذكره أخيرا بمنع فساد صلاة
المأمومين بعد فرض معذوريته في النجاسة، بل وما ذكره أولا أيضا بأنه من البواطن
المعفو عن نجاستها، إذ الظاهر إرادته الغلفة المتنجسة من النجاسة في كلامه، واحتمال
إرادته كون الغلفة نفسها نجسة عينا باعتبار وجوب قطعها شرعا فهي كالمقطوعة حينئذ
مقطوع بعدمه كما لا يخفى على من لاحظ كلامه تماما، على أنه واضح الفساد.
أما المعذور في ترك الختان فالمشهور بين المتأخرين - بل في الرياض أن عليهم
عامتهم، بل لعله ظاهر كثير من المتقدمين أيضا حتى من تركه منهم - جواز إمامته،
لاطلاق الأدلة وعموماتها السالمة عن المعارض، خلافا للمبسوط والمحكي عن المرتضى
فالمنع، بل في التذكرة قال أصحابنا: (الأغلف لا يصح أن يكون إماما) لكن يقوى
في الظن إرادتهما كغيرهما ممن حكاه عنهم في التذكرة التفصيل المزبور كما اعترف به
الفاضل المذكور، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلافيات، وإلا كانت الحجة ما عرفت،
ولا يعارضها خبر عمرو بن خالد (1) عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام)
(الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم، لأنه ضيع من السنة أعظمها، ولا تقبل له
شهادة، ولا يصلى عليه إلا أن يكون منع ذلك خوفا على نفسه) وخبر عبد الله بن طلحة
الهندي (2) عن الصادق (عليه السلام) (لا يؤم الناس المحدود وولد الزنا والأغلف
والأعرابي والمجنون والأبرص والعبد) وخبر الأصبغ بن نباتة (3) عن أمير المؤمنين

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) المستدرك الباب 13 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 وفيه " ستة
لا ينبغي.. " وهو الصحيح كما تقدم في ص 324
385

(عليه السلام) (سبعة لا ينبغي أن يؤموا الناس - إلى أن قال -: والأغلف)
ضرورة قصور الجميع سندا ودلالة عن إفادة الحرمة، خصوصا الأول والأخير، بل
قد يشعر التعليل في أولها بالتفصيل المزبور، إذ المعذور ليس بمضيع، بل قد يقال
برجوع الاستثناء فيه هنا إلى الجميع ولو للقرينة، فيكون حينئذ كالصريح فيما قلنا، ولعله
لذا جزم في التذكرة بدلالة الرواية على التفصيل، والظاهر عموم الكراهة للمماثل وغيره
لاطلاق الأدلة.
(و) كذا يكره (إمامة من يكرهه المأموم) كما صرح به بعضهم، بل في
الرياض أنه المشهور، للمرسل (1) عن النبي (صلى الله عليه وآله) (ثمانية لا يتقبل الله
لهم صلاة - إلى أن قال -: وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون) وخبر عبد الملك (2)
المروي عن الخصال عن الصادق (عليه السلام) (أربعة لا تقبل لهم صلاة: الإمام
الجائر والرجل يؤم القوم وهم له كارهون) وخبر عبد الله بن أبي يعفور (3) المروي
عن الأمالي عن الصادق (عليه السلام) (ثلاثة لا يتقبل الله لهم صلاة - إلى أن قال -:
ورجل أم قوما وهم له كارهون) لكنه في المنتهى نفى الكراهة مطلقا لاختصاص
الإثم بمن يكرهه، وهو لا يخلو من وجه بعد تنزيل الأخبار على إرادة إمامة المخالفين،
وإن كان الأوجه خلافه، للتسامح في الكراهة.
نعم ما ذكره في التذكرة - من التفصيل بين الكراهة للدين والتقوى وغيرها
فلا يكره الأول دون الثاني - حسن، للأصل وإمكان دعوى اختصاص النصوص بحكم
التبادر أو غيره بالثاني، أي كراهتهم له لكونه إماما بأن يريدوا الائتمام بغيره لا لدينه
والظاهر اختصاص الكراهة هنا بالإمامة، ولو كره بعض دون بعض أمكن تعميم
الكراهة، لمراعاة الشارع حق الجميع وعدم إرادته تعدد الجماعات، فتأمل.

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 6
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 6
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 6
386

(و) كذا يكره (أن يؤم الأعرابي) الجامع لشرائط الإمامة (بالمهاجرين)
على المشهور بين المتأخرين، بل في الرياض إجماعهم عليه، بل قيل قد يظهر من المنتهى
الاجماع عليه، للنهي عن ولايتهم قبل أن يهاجروا في الكتاب العزيز وعن الائتمام
في الأخبار السابقة التي فيها الصحيح وغيره، وإن كان مورده فيها مختلفا، ففي
بعضها (1) إطلاق الأعرابي، وفي آخر (2) تقييده بقوله (عليه السلام): (حتى
يهاجر) وفي ثالث (3) بالمهاجرين، لكن على كل حال هو محمول على الكراهة،
لقصور ما تضمنه من تلك الأخبار عن إطلاقات الجماعة وعموماتها، كقوله عليه السلام (4):
(صل خلف من تثق بدينه) ونحوه سندا في البعض، ودلالة في الجميع، لاحتمال
إرادة خصوص غير الجامع لشرائط العدالة (5) منه، إما لوجوب الهجرة عليه، أو
لتعربه بعدها، أو لغير ذلك كما هو الغالب في ذلك الزمان وغيره المنساق إلى الذهن
من الاطلاق هنا، خصوصا بعد ذم الله تعالى لهم في كتابه المجيد (6).
لكن قد يقال: إن النهي في بعضها عن الإمامة بالمهاجرين مما يشعر بجوازها
بمثله، وهو مناف للاحتمال المزبور، ضرورة عدم جواز إمامته مطلقا بناء عليه،
فيتعين إرادة الجامع لشرائط الإمامة منه، إلا أنه ساكن البادية بخلاف المهاجر، ويكون
المنع عن إمامته بالمهاجرين تعبديا كما هو ظاهر جماعة من القدماء، بل في الرياض نسبته
إلى أكثرهم تارة، بل قال: إني لا أجد فيه خلافا بينهم صريحا إلا من الحلي ومن تأخر

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 3 - 6
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 3 - 6
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 3 - 6
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 وفيه " لا تصل
إلا خلف من تثق بدينه "
(5) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " الإمامة " ويجئ أيضا بعد أسطر
في عبارته قدس سره
(6) سورة التوبة الآية 98
387

عنه، بل في الخلاف الاجماع عليه، مع أنه قد يؤيده أيضا تخصيصه بالنهي عنه في مقابلة
الفاسق، إذ هو كالصريح في أن المنع من غير جهته، وإلا فالفسق فيه على تقديره أحد
أقسامه، فلا فائدة ظاهرة في تخصيصه بالذكر وإفراده به، بل ما روي عن قرب الإسناد
مسندا إلى أبي البختري (1) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (أن عليا (عليه السلام)
كره أن يؤم الأعرابي لجفائه عن الوضوء والصلاة) كالصريح في رد احتمال إرادة
المتعرب منه بعد الهجرة، بل ورد إرادة الفاسق منه أيضا، إذ الظاهر إرادة ساكن
البادية منه، إلا أن عدم الائتمام به للعلة المزبورة التي لا تقتضي فسقه، ولفظ الكراهة
فيه غير صريح في إرادة المعنى المصطلح، بل هي في القديم للأعم منه ومن التحريمي،
فلا ينافي حينئذ ظاهر النهي في تلك الأخبار.
ومن ذلك كله مع الشهرة القديمة والاجماع المحكي مال إليه أو قال به في الرياض
وفيه مع أنه لا إشعار معتد به في تخصيص النهي عن إمامته بالمهاجرين بجوازها بالمماثل
كما أنه لا إشعار في تعليل المرسل (2) بعدم إمكان إرادة المتعرب بعد الهجرة من
إطلاق الأعرابي ولو في غير هذا الاطلاق، بل ولا فيه أيضا، لاحتمال كون التعليل
لبعض أفراد الأعرابي، على أنه يعارض بما يشعر به ما رواه الصدوق (رحمه الله) في
الخصال مسندا عن الأصبغ بن نباتة (3) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من إرادة
المتعرب بعد الهجرة من الأعرابي، حيث قال فيه: (ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس:
ولد الزنا والأعرابي والمرتد بعد الهجرة وشارب الخمر والمحدود والأغلف) كما أنه
يعارض الشهرة القديمة بعد تسليمها بالشهرة المتأخرة، خصوصا في المقام، لتحققها بخلاف
الأولى المستفادة من ظاهر النهي في عباراتهم المحتمل للكراهة كالأخبار، خصوصا في
نحو عبارات القدماء، وبه يوهن الاجماع المحكي في الخلاف، إذ معقده النهي أيضا عن

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 9 - 9 - 6
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 9 - 9 - 6
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 9 - 9 - 6
388

الائتمام بسبعة المحتمل لإرادة الأعم من الكراهة والحرمة، مضافا إلى إعراض المتأخرين
عنه، بل قد سمعت أنه قيل: قد يظهر من المنتهى الاجماع عليه، كل ذا مع أن التعارض
بين النهي عن الائتمام بالأعرابي وبين ما دل على الصلاة خلف من تثق بدينه تعارض
العموم من وجه، لا العموم والخصوص المطلق كما عساه تخيل أو يتخيل في بادئ النظر
ولا ريب في رجحانها عليها من وجوه لا تخفى، خصوصا مع ملاحظة شيوع النهي في
الكراهة، وملاحظة المرسل السابق المصرح فيه بلفظ الكراهة في الحكاية عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) لا في عبارته، وغير ذلك.
بل قد يقال: إن النهي في بعضها قد وقع على ما أثبتنا كراهته من المحدود
ونحوه، وهو مشعر بإرادة الأعم من الحرمة منه، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى ما عليه
المتأخرون من الكراهة، ولا ينافيها إبراز الاحتمال المزبور في الأعرابي المقتضي لإرادة
الفاسق منه، فيبقى حينئذ كراهة الائتمام بالعدل الأعرابي خاليا عن الدليل، لأن
الكراهة مما يتسامح فيها، فيكفي فيها - بناء على الاحتياط العقلي، مضافا إلى إطباق
المتأخرين، ومرسل أمير المؤمنين (عليه السلام) المشتمل على التعليل السابق - احتمال
إرادة الأعرابي العدل من الأخبار المزبورة، نعم هو لا يكفي في إثبات الحرمة،
ضرورة الفرق بينهما، لكن ظاهر الفتاوى وبعض النصوص اختصاص ذلك في
الإمامة بالمهاجر، أما بمماثله فلا، ولعله كذلك وإن كانت الكراهة مما يتسامح فيها،
فتأمل جيدا.
(و) كذا يكره إمامة (المتيمم) عن الحدث الأصغر (بالمتطهرين) عنه على
المشهور بين الأصحاب، بل في المنتهى لا نعرف فيه خلافا إلا من محمد بن حسن
الشيباني فمنعه، لنهي الصادق (عليه السلام) عنه في خبر صهيب (1) المحمول على الكراهة

(1) الوسائل الباب 17 (من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 لكنه خبر
ابن صهيب
389

لضعفه سندا عن إثبات الحرمة، ومعارضته بما هو أقوى منه، قال فيه: (لا يصلي
المتيمم بقوم متوضين) ونحوه خبر السكوني (1) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)
قال: (لا يؤم صاحب التيمم المتوضين) فما عساه يظهر من النهي عنه في بعض عبارات
القدماء - من المنع عنه بل في البيان نسبته إلى كثير وإن كان السبر يشهد بخلافه - ضعيف
جدا، بل في المدارك لولا ما يتخيل من انعقاد الاجماع على هذا الحكم أي الكراهة
لأمكن القول بجواز الإمامة من غير كراهة، للأصل وصحيح جميل (2) سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) (عن إمام قوم أجنب وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ومعهم
ما يتوضون به أيتوضأ بعضهم ويؤمهم؟ قال: لا، ولكن يتيمم الإمام ويؤمهم، فإن
الله عز وجل جعل الأرض طهورا كما جعل الماء طهورا) قلت: ونحوه في نفي البأس
عن الإمامة موثق عبد الله بن بكير وحسنه (3) وخبر ابن أسامة (4) بل جزم في الحدائق
بنفي الكراهة لهذه الأخبار مع تنزيل النهي في الخبرين السابقين على التقية بقرينة رواتهما
لكنه ضعيف قطعا، بل الظاهر تعميم الكراهة للمتيمم عن الأصغر أو الأكبر،
لاطلاق النهي، بل وللمتوضي والمغتسل وإن اقتصر فيهما على المتوضين، إلا أن الظاهر
عدم إرادة خصوصهم.
وكذا تكره إمامة الأسير للنص (5) كما في الفوائد الملية، والحائك والحجام
والدباغ بغير أمثالهم، للمروي (6) في الفوائد الملية عن كتاب الإمام والمأموم لجعفر
ابن أحمد القمي مسندا إلى الصادق عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: (قال

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 1 - 4 لكن الأخير خبر أبي أسامة
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 1 - 4 لكن الأخير خبر أبي أسامة
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 و 3
(4) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 1 - 4 لكن الأخير خبر أبي أسامة
(5) الوسائل الباب 22 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 و 3
(6) المستدرك الباب 13 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
390

رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تصلوا خلف الحائك وإن كان عالما ولا الحجام
وإن كان زاهدا ولا الدباغ وإن كان عابدا).
وزاد في النفلية والفوائد الملية أنه ينبغي أن لا يكون الإمام أيضا مكشوف غير
العورة من أجزاء البدن التي يستحب له سترها وخصوصا الرأس، أو آدرا أو مدافع
الأخبثين إلا بمساويهم، بل من الأولى أيضا أنه روي ولا ابنا بأبويه.
بل عن البيان كراهة إمامة الكامل للأكمل ولو مع الإذن المكروه وقوعها
من الأكمل أيضا.
بل عن جماعة كراهة إمامة السفيه، بل في التذكرة الاشكال في إمامته، ولعله
لأنه وإن لم يكن فاسقا بفعل معصية لكنه غير عدل بفعل ما ينافي المروة منه، إذ السفيه
من لا يبالي بما قال أو قيل له، لكن علله فيها بنقصه وعلو منصب الإمامة، وهو
مشعر بمنعه وإن لم يؤد إلى فسق، ولا ريب في ضعفه، إذ لو فرض (1) سفه لا ينافي
العدالة ولو من حيث المروة جازت إمامته كما في البيان لكن على كراهة لقوله عليه السلام:
(إن أئمتكم وافدكم إلى الله وشفعائكم إليه) وما عن الفقيه باسناده إلى أبي ذر (رحمه
الله) (2) قال: (إن إمامك شفيعك إلى الله فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا)
ويحتمل حمله على السفه المنافي للعدالة.
وكذا ينبغي سلامة الإمام أيضا من العمى، وخصوصا إذا أم في الصحراء،
لقول علي (عليه السلام) (3): (لا يؤم الأعمى في البرية، والمقيد المطلقين) والفالج

(1) في النسخة الأصلية " منعه " ولكن الصحيح ما أثبتناه
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 21 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 وذيله
في الباب 22 منها الحديث 3
391

والعرج والقيد كما في النفلية والفوائد الملية معللا له في الثاني بالنهي عن إمامة المتصف
بذلك في الأخبار وإن كنت لم أجده في خصوص العرج، إلا أن أمر الكراهة سهل
نعم ما في المنتهى والتحرير والتذكرة - من منع إمامة أقطع الرجلين بالسليم - محل
للنظر بل المنع إن أرادوا بالرجلين ما يشمل القدمين ولم يمتنع بذلك عن القيام والركوع
والسجود، لاطلاق الأدلة من غير معارض، ضرورة عدم قدح تعذر السجود على
الابهامين مثلا في صحة صلاته أو المؤتم به، ولعلهم يريدون غير المتمكن من القيام
والركوع في أقطع الرجلين، إذ هو حينئذ كإمامة الجالس للقائم، كما يرشد إليه تعليله
المنع بذلك في المنتهى، والنص في الثلاثة على جواز إمامة مقطوع إحدى الرجلين،
وعلى جواز إمامة أقطع اليدين بعد أن اعترف في أولها بعدم النص فيه لأصحابنا مع
تعذر السجود على اليدين وأحد الابهامين، بل نص في الأخير على جواز إمامة أقطع
الثلاثة أيضا.
ومن العجيب ما عن الايضاح من أنه كلما اشتملت صلاة الإمام على رخصة من
ترك واجب أو فعل محرم بسبب اقتضاها وخلا المأموم من ذلك السبب لم يجز الائتمام
من رأس، لأن الائتمام هيئة اجتماعية تقتضي أن تكون الصلاة مشتركة بين الإمام
والمأموم، وأن صلاة الإمام على الأصل وهذا متفق عليه إن كان مراده
ما يشمل ما ذكرنا.
ومثل إمامة المتيمم بالمتطهر وذي الجبائر بفاقدها، بل وقيل: إمامة المسلوس
بالصحيح والمستحاضة بالطاهر ونحوهم المنصوص على جواز إمامتهم في كلام بعض
الأصحاب، إذ قد عرفت فيما سبق أنه لا دليل في النصوص على الكلية المزبورة التي
هي عدم جواز ائتمام الكامل في أركان الصلاة بالناقص فيها، فضلا عن مثل الشرائط
392

الخارجة والداخلة أو الأفعال غير الأركان، إذ المدار على الصحة في حق الإمام إلا
ما خرج بالدليل كالقاعد ونحوه.
ومن هنا لم يبعد في النظر جواز ائتمام المجتهد أو مقلده بآخر أو مقلده المخالف له
في الفروع مع استعمال محل الخلاف في الصلاة، كما لو تستر الإمام بسنجاب أو نحوه
مما يرى المأموم عدم جوازه أو كفر مثلا في الصلاة أو فعل غير ذلك أو تركه، لصحة
صلاة الإمام في حقه عند المأموم، ولذا يجتزى بعبادته لو كانت تحملية عنه مثلا، بل
يجري عليها جميع أحكام الصحيحة من إسقاط الإعادة والقضاء وحرمة الابطال وغيرهما
بل ينبغي القطع بذلك بناء على واقعية الحكم الحاصل بالظن الاجتهادي ثانيا، وأنه من
انقلاب التكليف كالتقية والتيمم عند الاضطرار، لا عذريته وأن المكلف به الحكم
الأولي، وأن جهة الحسن والقبح والمطلوبية والمبغوضية جارية عليه، وأنه مراعاة
لمصلحته المترتبة عليه سوغ الشارع العمل بالظن لاحتمال مصادفته، فإن أصاب فعشر
حسنات، وإلا فهو معذور وله حسنة، وإن كان هذا هو التحقيق عندنا، لكن قد
يقال بالصحة بناء عليه أيضا، وإن لم تكن بتلك المكانة من الوضوح، لما عرفت من
أن ظن المأموم فساد صلاة الإمام بمنزلة عدمه، لعدم حجيته حتى للظان نفسه في حق
الغير الذي لم يكن من مقلدته، فلا يمنعه حينئذ من الحكم بصحة صلاة الإمام في حقه ظنه
فسادها، وليس الائتمام بها يصيرها صلاة له كي يعتبر فيها ظنه، بل هي بعد صلاة الإمام
يراعي فيها تكليفه نفسه، ويكفي في جواز الائتمام إحراز ما يعتبر فيها عنده، لتناول
إطلاق الأدلة لها، لصدق اسم الصلاة حينئذ عليها، ضرورة اتحاد مقتضي الصحة مما دل
على حجية ظن المجتهد بالنسبة إلى صلاة الإمام والمأموم وإن ظن كل منهما فساد صلاة
الآخر، إلا أن الشارع ألغى هذا الظن في حق الغير، على أنه هو مع ظن الفساد يحتمل
الصحة في الواقع، وأن خلاف ظنه هو الصواب.
393

نعم لو فرض كون المأموم ممن يقطع بفساد صلاة الإمام لتحصيله الاجماع مثلا
على فساد الصلاة بالسنجاب اتجه عدم جواز الائتمام بناء على هذه الطريقة، لعدم كونها
صلاة وإن كان صاحبها معذورا عنده، فهي في الحقيقة كصلاة الإمام بغير وضوء
مع علم المأموم به دونه، بخلافه على الطريقة الأولى، لأنه وإن كان هو عالما بعدم جواز
الصلاة في السنجاب لكنه مع ذلك عالم بأن الإمام فرضه الصلاة فيه إذا لم يحصل له هذا
العلم وكان قد حصل له الظن، فيكون في الحقيقة هو موضوعا والإمام موضوع آخر،
وكل منهما له فرض عند الشارع.
بل قد يقال بالصحة فيه بناء على العذرية أيضا، لامكان إلغاء هذا القطع
بالنسبة إلى حق الغير بعد فرض عدم تقصيره، فيكون كالظن، ولعله يؤيده السيرة
والاطلاق وإن كان فيه ما فيه.
أما لو كان الاختلاف بالقراءة كأن يرى المأموم وجوب السورة والإمام عدمها
ولم يأت بها في الصلاة فالظاهر عدم جواز الائتمام مطلقا لا لأن الصلاة فاسدة بل لعدم
تحمل القراءة، بل لعل الظاهر عدم الجواز حتى لو جاء بها المأموم، لظهور الأدلة في
أن الجماعة الصحيحة موجبة لضمان الإمام القراءة، فهو لازم مساو لها، تنتفي بانتفائه،
فلا جماعة حينئذ شرعا يجب أن يقرأ المأموم فيها مثلا في الأولتين مع سماعه قراءة
الإمام، بل قد يقال ذلك أيضا في المقام الذي يجوز للمأموم القراءة فيه بأن لم يسمع
الهمهمة مثلا، أو كانت الصلاة إخفاتية وقلنا بالجواز، لانتفاء وصف أصل الضمان
وإن جاز للمأموم التأدية وعدم الاكتفاء، على أنه قد يقال بأن المسقط عن المأموم حيث
يقرأ في نحو الاخفاتية فعل الإمام لا قراءته وإن كانت هي جائزة له، نعم لو قلنا
بوجوب القراءة على المأموم في الفرض المذكور لعدم تحمل القراءة عنه أمكن القول حينئذ
بجواز الائتمام مع فعل المأموم القراءة وإن تركها الإمام، كما أنه يمكن القول بجوازه
394

لو قرأ الإمام السورة ندبا، فيجزي حينئذ عن المأموم وإن اختلف رأيهما فيها كما جزم به
في البيان، لكن يجري فيه نحو ما سمعته من عدم تحقق وصف الضمان في الإمام أيضا
ولعله لذا منعه في التذكرة والموجز والكشف وإن عللوه بأن الندب لا يجزي عن الواجب
بل منع الفاضل والشهيد وأبو العباس والصيمري ائتمام المخالف بالفروع مع استعمال الإمام
محل الخلاف في تلك الصلاة من غير فرق بين القراءة وغيرها، بل نصوا على السنجاب
والتأمين والقران ونحوها، بل لا أعرف فيه خلافا بينهم ولا ترددا سوى ما عساه
يظهر من التحرير من الاشكال فيه في الجملة، لكن مما تقدم تعرف ما فيه، كما أنك
فيه تعرف وجهه.
بل وتعرف الحال أيضا إذا اختلفا في الاجتهاد في القبلة وإن صرح بعض هؤلاء
بعدم الجواز فيه أيضا، بل ظاهره أنه مفروغ منه، بل وتعرف وجه جواز الائتمام
بمن كان على ثوبه أو بدنه نجاسة لا يعلم بها وعلمها المأموم وإن تردد فيه الشهيد واستوجه
المنع على ما قيل في الجعفرية، وعن الغرية أن عليه الفتوى، وقد سمعت معقد إجماع
الايضاح، وجوزه في الموجز والكشف والقواعد أيضا بعد أن نظر فيه، لكن قال:
إن لم نوجب الإعادة مع تجدد العلم في الوقت، وعن نهاية الإحكام إطلاق الجواز،
كما عن الشيخ سليمان البحراني أنه لا يخلو من وجه، والتحقيق الجواز بناء على المختار
من عدم وجوب الإعادة عليه في الوقت وخارجه، ضرورة اقتضاء ذلك صحة صلاته
في الواقع، واختصاص مانعية النجاسة حينئذ بالعلم، بل وقبل الدخول في الصلاة،
فلو علم بها في الأثناء وأمكنه إزالتها بلا فعل مناف أزالها وصحت، وإلا بطلت للمنافي
لا للنجاسة، أما على القول بوجوب الإعادة عليه في الوقت أو فيه وخارجه فيشكل
الجواز بأن صلاته حينئذ ليست بصلاة وإن كان هو معذورا، ولا قضاء عليه على الأول
فلا يجوز الائتمام بها حينئذ، إذ هي كفاقدة الطهارة من الحدث ولا يعلم الإمام، نعم قد
395

يحتمل الصحة على أولهما وإن كان بعيدا بأن يقال: إن صلاته صحيحة حال الجهل،
ولا تفسد إلا بالعلم في الوقت، وإن كان هو بعد تحققه يكون كاشفا، لكن الأصل
عدمه، فللمأموم حينئذ الائتمام به اعتمادا على هذا الأصل، لكنه كما ترى، ومن ذلك
تعرف البحث في الناسي ونحوه، والله أعلم.
إلى هنا تم بحمد الله الجزء الثالث عشر من كتاب جواهر الكلام وقد
بذلنا غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة
بقلم المصنف طاب ثراه وقد خرج بعون الله نقيا من
الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر وحسر عنه
النظر ويتلوه الجزء الرابع عشر في أحكام الجماعة
وصلاة الخوف وصلاة المسافر قريبا
إن شاء الله تعالى
وبه يتم كتاب
الصلاة
عباس القوچاني
396