الكتاب: كتاب المكاسب
المؤلف: الشيخ الأنصاري
الجزء: ٦
الوفاة: ١٢٨١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الأولى ١٤٢٠
المطبعة: باقري - قم
الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري
ردمك: ٩٦٤-٥٦٦٢-١٦-٨
ملاحظات: ٩٦٤-٥٦٦٢-١٧-٦ / الدورة الكاملة

كتاب المكاسب
1

كتاب المكاسب
الجزء السادس
3

أنصاري، مرتضى بن محمد أمين، 1214 - 1281 ق.
المكاسب / المؤلف مرتضى الأنصاري، اعداد لجنه تحقيق تراث الشيخ الأعظم. -
قم: مجمع الفكر الإسلامي، 1420 ق = 1378.
6 ج.
) 6 - 17 - 5662 - ISBN 964 دوره (
) 8 - 16 - 5662 - ISBN 964 ج 6 (
فهرستنويسى بر أساس اطلاعات فيپا (فهرستنويسى پيش از انتشار).
عربي.
فهرستنويسى بر أساس جلد چهارم، 1419 = 1377.
أين كتاب به مناسبت دويستمين سالگرد تولد شيخ أنصاري منتشر شده است.
كتابنامه.
1. معاملات (فقه). ألف. مجمع الفكر الاسلامي، لجنه تحقيق تراث الشيخ الأعظم.
ب. مجمع الفكر الاسلامي. ج. كنگره جهانى بزرگداشت دويستمين سالگرد تولد شيخ
أنصاري. د. عنوان.
7 م 8 ألف / 1 / BP 1901 372 / 297
ألف ى 1300
كتابخانه ملى إيران 1937 - 78 م
قم - ص. ب 3654 - 37185 - ت: 744810
المكاسب / ج 6
المؤلف: الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري قدس سره
تحقيق: لجنة التحقيق
الطبعة: الأولى / جمادى الأولى 1420 ه‍. ق
تنضيد الحروف: مجمع الفكر الإسلامي
الليتوغراف: نگارش - قم
المطبعة: باقري - قم
الكمية المطبوعة: 4000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة
للأمانة العامة للمؤتمر العالمي
بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
4

بسم الله الرحمن الرحيم
5

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله
الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين (1).

(1) وردت الخطبة في " ق "، ولم ترد في سائر النسخ.
7

في الشروط التي يقع عليها العقد
وشروط صحتها
وما يترتب على صحيحها وفاسدها
9

في الشروط (1) التي يقع عليها العقد
وشروط صحتها
وما يترتب على صحيحها وفاسدها
الشرط يطلق في العرف على معنيين:
أحدهما: المعنى الحدثي، وهو بهذا المعنى مصدر " شرط "، فهو
شارط للأمر الفلاني، وذلك الأمر مشروط، وفلان مشروط له أو عليه.
وفي القاموس: " أنه إلزام الشئ والتزامه في البيع وغيره " (2)
وظاهره كون استعماله في الإلزام الابتدائي مجازا أو غير صحيح.
لكن لا إشكال في صحته، لوقوعه في الأخبار كثيرا، مثل:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حكاية بيع بريرة: إن " قضاء الله أحق،
وشرطه أوثق، والولاء لمن أعتق " (3).
وقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الرد على مشترط عدم التزوج

(1) في " ش ": " القول في الشروط ".
(2) القاموس المحيط 2: 368، مادة " شرط ".
(3) السنن الكبرى للبيهقي 10: 295، وكنز العمال 10: 322، الحديث
29615، وأورد بعضه في الوسائل 16: 40، الباب 37 من أبواب كتاب العتق،
الحديث 1 و 2.
11

بامرأة أخرى في النكاح: إن " شرط الله قبل شرطكم " (1).
وقوله: " ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري.
قلت: وفي غيره؟ قال: هما بالخيار حتى يفترقا " (2).
وقد أطلق على النذر أو العهد أو الوعد في بعض أخبار الشرط
في النكاح (3). و [قد اعترف] (4) في الحدائق: بأن إطلاق الشرط على
البيع كثير في الأخبار (5).
وأما دعوى كونه مجازا، فيدفعها - مضافا إلى أولوية الاشتراك
المعنوي، وإلى أن المتبادر من قوله: " شرط على نفسه كذا " ليس إلا
مجرد الإلزام (6) - استدلال الإمام عليه السلام بالنبوي: " المؤمنون عند
شروطهم " (7) فيما تقدم من الخبر الذي أطلق فيه الشرط على النذر أو
العهد.
ومع ذلك فلا حجة فيما في القاموس مع تفرده به، ولعله لم يلتفت
إلى الاستعمالات التي ذكرناها، وإلا لذكرها ولو بعنوان يشعر بمجازيتها.

(1) الوسائل 15: 31، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 6.
(2) الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 5، والصفحة 346،
الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 3.
(3) راجع الوسائل 15: 29، 46 - 47، الباب 20، 37 - 39 وغيرها من
أبواب المهور، وراجع رواية منصور بن يونس الآتية في الصفحة 28.
(4) لم يرد في " ق ".
(5) الحدائق 20: 73.
(6) في " ش ": " الالتزام ".
(7) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ذيل الحديث 4.
12

ثم قد يتجوز في لفظ " الشرط " بهذا المعنى فيطلق على نفس
المشروط، كالخلق بمعنى المخلوق، فيراد به ما يلزمه الإنسان على نفسه.
الثاني: ما يلزم من عدمه العدم من دون ملاحظة أنه يلزم من
وجوده الوجود أو لا، وهو بهذا المعنى اسم جامد لا مصدر، فليس
فعلا لأحد (1)، واشتقاق " المشروط " منه ليس على الأصل ك‍ " الشارط "
ولذا ليسا بمتضايفين في الفعل والانفعال، بل " الشارط " هو الجاعل
و " المشروط " هو ما جعل له الشرط، ك‍ " المسبب " بالكسر والفتح
المشتقين من " السبب ".
فعلم من ذلك: أن " الشرط " في المعنيين نظير " الأمر " بمعنى
المصدر وبمعنى " الشئ ".
وأما استعماله في ألسنة النحاة على الجملة الواقعة عقيب أدوات
الشرط فهو اصطلاح خاص مأخوذ من إفادة تلك الجملة لكون
مضمونها شرطا بالمعنى الثاني، كما أن استعماله في ألسنة أهل المعقول
والأصول في " ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود "
مأخوذ من ذلك المعنى، إلا أنه أضيف إليه ما ذكر في اصطلاحهم مقابلا
للسبب.
فقد تلخص مما ذكرنا: أن للشرط معنيين عرفيين، وآخرين
اصطلاحيين لا يحمل عليهما الإطلاقات العرفية، بل هي مرددة بين
الأوليين، فإن قامت قرينة على إرادة المصدر تعين الأول، أو على إرادة
الجامد تعين الثاني، وإلا حصل الإجمال.

(1) كذا في " ق "، وفي " ش " بدل " لأحد ": " ولا حدثا ".
13

وظهر أيضا: أن المراد ب‍ " الشرط " في قولهم صلوات الله عليهم: " المؤمنون
عند شروطهم " (1) هو الشرط باعتبار كونه مصدرا، إما مستعملا في
معناه - أعني إلزاماتهم على أنفسهم - وإما مستعملا بمعنى ملتزماتهم،
وإما بمعنى جعل الشئ شرطا بالمعنى الثاني بمعنى التزام عدم شئ عند
عدم آخر، وسيجئ الكلام في ذلك (2).
وأما الشرط في قوله: " ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام
للمشتري، قلت: وما الشرط في غيره؟ قال: البيعان بالخيار حتى
يفترقا " (3)، وقوله: " الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أو
لم يشترط " (4) فيحتمل أن يراد به ما قرره الشارع وألزمه على
المتبايعين أو أحدهما: من التسلط على الفسخ، فيكون مصدرا بمعنى
المفعول، فيكون المراد به نفس الخيار المحدود من الشارع. ويحتمل أن
يراد به الحكم الشرعي المقرر، وهو ثبوت الخيار، وعلى كل تقدير ففي
الإخبار عنه حينئذ بقوله: " ثلاثة أيام " مسامحة.
نعم، في بعض الأخبار: " في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام " (5)
ولا يخفى توقفه على التوجيه.

(1) تقدم تخريجه في الصفحة 12.
(2) انظر الصفحة 59 وما بعدها.
(3) تقدم تخريجه في الصفحة 12.
(4) الوسائل 12: 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 4.
(5) الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 4.
14

[مسألة] (1)
في شروط صحة الشرط
وهي أمور قد وقع الكلام أو الخلاف فيها:
أحدها: أن يكون داخلا تحت قدرة المكلف، فيخرج ما لا يقدر
العاقد على تسليمه إلى صاحبه، سواء كان صفة لا يقدر العاقد على
تسليم العين موصوفا بها، مثل صيرورة الزرع سنبلا، وكون الأمة
والدابة تحمل في المستقبل أو تلد كذا. أو كان عملا، كجعل الزرع سنبلا
والبسر تمرا، كما مثل به في القواعد (2).
لكن الظاهر أن المراد به جعل الله الزرع والبسر سنبلا وتمرا،
والغرض الاحتراز عن اشتراط فعل غير العاقد مما لا يكون تحت
قدرته كأفعال الله سبحانه، لا عن اشتراط حدوث فعل محال من
المشروط عليه، لأن الإلزام والالتزام بمباشرة فعل ممتنع عقلا أو عادة
مما لا يرتكبه العقلاء، والاحتراز عن مثل الجمع بين الضدين أو
الطيران في الهواء مما لا يرتكبه العقلاء. والإتيان بالقيد المخرج لذلك

(1) في " ق " بدل " مسألة ": " مسائل "، وفي " ش " ومصححة " ف ": " الكلام ".
(2) القواعد 2: 90.
15

والحكم عليه بعدم الجواز والصحة بعيد عن شأن الفقهاء، ولذا لم
يتعرضوا لمثل ذلك في باب الإجارة والجعالة، مع أن اشتراط كون الفعل
سائغا يغني عن اشتراط القدرة.
نعم، اشتراط تحقق فعل الغير، الخارج عن اختيار المتعاقدين،
المحتمل وقوعه في المستقبل، وارتباط العقد به بحيث يكون التراضي
منوطا به وواقعا عليه أمر صحيح عند العقلاء مطلوب لهم، بل أولى
بالاشتراط من الوصف الخالي الغير المعلوم تحققه، ككون العبد كاتبا، أو
الحيوان حاملا، والغرض الاحتراز عن ذلك.
ويدل على ما ذكرنا تعبير أكثرهم ب‍ " بلوغ الزرع والبسر سنبلا
وتمرا " (1)، أو ل‍ " صيرورتهما (2) كذلك "، وتمثيلهم لغير المقدور ب‍ " انعقاد
الثمرة وإيناعها "، و " حمل الدابة فيما بعد "، و " وضع الحامل في وقت
كذا "، وغير ذلك.
وقال في القواعد: يجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة: من
منافع البائع دون غيره، ك‍ " جعل الزرع سنبلا والبسر تمرا " (3). قال
الشهيد رحمه الله في محكي حواشيه على القواعد: إن المراد جعل الله الزرع
سنبلا والبسر تمرا، لأنا إنما نفرض ما يجوز أن يتوهمه عاقل، لامتناع
ذلك من غير الإله - جلت عظمته - انتهى (4).
لكن قال في الشرائع: ولا يجوز اشتراط ما لا يدخل في

(1) كما في الدروس 3: 215، وجامع المقاصد 4: 416، والروضة 3: 505.
(2) كذا في ظاهر " ق "، والظاهر: " بصيرورتهما ".
(3) القواعد 2: 90.
(4) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 734.
16

مقدوره، كبيع الزرع على أن يجعله سنبلا والرطب على أن يجعله تمرا،
انتهى (1). ونحوها عبارة التذكرة (2).
لكن لا بد من إرجاعها إلى ما ذكر، إذ لا يتصور القصد من
العاقل إلى الإلزام والالتزام بهذا الممتنع العقلي، اللهم إلا أن يراد إعمال
مقدمات الجعل على وجه توصل إليه مع التزام الإيصال، فأسند الجعل
إلى نفسه بهذا الاعتبار، فافهم.
وكيف كان، فالوجه في اشتراط الشرط المذكور - مضافا إلى عدم
الخلاف فيه - عدم القدرة على تسليمه، بل ولا على تسليم المبيع إذا
أخذ متصفا به، لأن تحقق مثل هذا الشرط بضرب من الاتفاق،
ولا يناط بإرادة المشروط عليه، فيلزم الغرر في العقد، لارتباطه بما
لا وثوق بتحققه، ولذا نفى الخلاف في الغنية عن بطلان العقد باشتراط
هذا الشرط استنادا إلى عدم القدرة على تسليم المبيع (3)، كما يظهر
بالتأمل في آخر كلامه في هذه المسألة.
ولا ينقض ما ذكرنا بما لو اشترط وصفا حاليا لا يعلم تحققه في
المبيع (4)، كاشتراط كونه كاتبا بالفعل أو حاملا، للفرق بينهما - بعد
الإجماع -: بأن التزام وجود الصفة في الحال بناء على وجود الوصف
الحالي ولو لم يعلما به، فاشتراط كتابة العبد المعين الخارجي بمنزلة

(1) الشرائع 2: 33.
(2) التذكرة 1: 490.
(3) الغنية: 215.
(4) ظاهر " ق ": " البيع "، والصواب ما أثبتناه كما في " ش ".
17

توصيفه بها، وبهذا المقدار يرتفع الغرر، بخلاف ما سيتحقق في المستقبل،
فإن الارتباط به لا يدل على البناء على تحققه.
وقد صرح العلامة - فيما حكي عنه - ببطلان اشتراط أن تكون
الأمة تحمل في المستقبل، لأنه غرر (1) (2). خلافا للمحكي عن الشيخ
والقاضي، فحكما بلزوم العقد مع تحقق الحمل، وبجواز الفسخ إذا لم
يتحقق (3)، وظاهرهما - كما استفاده في الدروس (4) - تزلزل العقد باشتراط
مجهول التحقق، فيتحقق الخلاف في مسألة اعتبار القدرة في صحة الشرط.
ويمكن توجيه فتوى الشيخ (5) بإرجاع اشتراط الحمل في المستقبل
إلى اشتراط صفة حالية موجبة للحمل، فعدمه كاشف عن فقدها. وهذا
الشرط وإن كان للتأمل في صحته مجال، إلا أن إرادة هذا المعنى يخرج
اعتبار كون الشرط مما يدخل تحت القدرة عن الخلاف.
ثم إن عدم القدرة على الشرط: تارة لعدم مدخليته فيه أصلا
كاشتراط أن الحامل تضع في شهر كذا، وأخرى لعدم استقلاله فيه
كاشتراط بيع المبيع من زيد، فإن المقدور هو الإيجاب فقط لا العقد
المركب، فإن أراد اشتراط المركب، فالظاهر دخوله في اشتراط غير

(1) في " ش " زيادة: " عرفا ".
(2) المختلف 5: 242، ولكنه في مورد الدابة.
(3) حكاه العلامة في المختلف 5: 242، وراجع المبسوط 2: 156، وجواهر
الفقه: 60، المسألة 220.
(4) الدروس 3: 217.
(5) في " ش ": " كلام الشيخ ".
18

المقدور. إلا أن العلامة قدس سره في التذكرة - بعد جزمه بصحة اشتراط بيعه
على زيد - قال: لو اشترط بيعه على زيد فامتنع زيد من شرائه احتمل
ثبوت الخيار بين الفسخ والإمضاء والعدم، إذ تقديره: بعه على زيد إن
اشتراه (1)، انتهى.
ولا أعرف وجها للاحتمال الأول، إذ على تقدير إرادة اشتراط
الإيجاب فقط قد حصل الشرط، وعلى تقدير إرادة اشتراط المجموع
المركب ينبغي البطلان، إلا أن يحمل على صورة الوثوق بالاشتراء،
فاشتراط النتيجة بناء على حصولها بمجرد الإيجاب، فاتفاق امتناعه من
الشراء بمنزلة تعذر الشرط، وعليه يحمل قوله في التذكرة: ولو اشترط
على البائع إقامة كفيل على العهدة فلم يوجد أو امتنع المعين ثبت
للمشتري الخيار، انتهى.
ومن أفراد غير المقدور: ما لو شرط حصول غاية متوقفة شرعا
على سبب خاص، بحيث يعلم من الشرع عدم حصولها بنفس الاشتراط،
كاشتراط كون امرأة زوجة أو الزوجة مطلقة من غير أن يراد من ذلك
إيجاد الأسباب. أما لو أراد إيجاد الأسباب أو كان الشرط مما يكفي في
تحققه نفس الاشتراط فلا إشكال. ولو شك في حصوله بنفس الاشتراط
- كملكية عين خاصة - فسيأتي الكلام فيه في حكم الشرط.
الثاني: أن يكون الشرط سائغا في نفسه، فلا يجوز اشتراط جعل
العنب خمرا ونحوه من المحرمات، لعدم نفوذ الالتزام بالمحرم.
ويدل عليه ما سيجئ من قوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم

(1) التذكرة 1: 490.
19

إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " (1) فإن المشروط (2) إذا كان محرما
كان اشتراطه والالتزام به إحلالا للحرام، وهذا واضح لا إشكال فيه.
الثالث: أن يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعا، أو
بالنظر إلى خصوص المشروط له، ومثل له في الدروس باشتراط جهل
العبد بالعبادات (3).
وقد صرح جماعة (4): بأن اشتراط الكيل أو الوزن بمكيال معين أو
ميزان معين من أفراد المتعارف لغو، سواء في السلم وغيره، وفي
التذكرة: لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه ولا يزيد به المالية، فإنه لغو
لا يوجب الخيار (5). والوجه في ذلك: أن مثل ذلك لا يعد حقا
للمشروط له حتى يتضرر بتعذره فيثبت له الخيار، أو يعتني به الشارع
فيوجب (6) الوفاء به ويكون تركه ظلما (7)، ولو شك في تعلق غرض

(1) انظر الصفحة 22.
(2) في " ش ": " الشرط ".
(3) بل مثل به لشرط غير مشروع، راجع الدروس 3: 215.
(4) منهم: العلامة في القواعد 2: 49، والتذكرة 1: 556، والشهيد في الدروس
3: 253، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 225، وراجع مفتاح الكرامة 4:
453 - 454.
(5) التذكرة 1: 524.
(6) في ظاهر " ق ": " فوجب ".
(7) في " ش " زيادة: " فهو نظير عدم إمضاء الشارع لبذل المال على ما فيه منفعة
لا يعتد بها عند العقلاء ".
20

صحيح به حمل عليه.
ومن هنا اختار في التذكرة صحة اشتراط: أن لا يأكل إلا
الهريسة، ولا يلبس إلا الخز (1).
ولو اشترط كون العبد كافرا ففي صحته أو لغويته قولان للشيخ (2)
والحلي (3):
من تعلق الغرض المعتد به، لجواز بيعه على المسلم والكافر،
ولاستغراق أوقاته بالخدمة.
ومن أن " الإسلام يعلو ولا يعلى عليه " (4) والأغراض الدنيوية
لا تعارض الأخروية.
وجزم بذلك في الدروس (5) وبما قبله العلامة قدس سره (6).
الرابع: أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة، فلو اشترط رقية حر
أو توريث أجنبي كان فاسدا، لأن مخالفة الكتاب والسنة لا يسوغهما
شئ.
نعم، قد يقوم احتمال تخصيص عموم الكتاب والسنة بأدلة الوفاء،

(1) التذكرة 1: 493.
(2) المبسوط 2: 130، والخلاف 3: 112، المسألة 185 من كتاب البيوع.
(3) السرائر 2: 357.
(4) الوسائل 17: 376، الباب الأول من أبواب موانع الإرث، الحديث 11.
(5) الدروس 3: 215.
(6) المختلف 5: 189.
21

بل قد جوز بعض (1) تخصيص عموم ما دل على عدم جواز الشرط
المخالف للكتاب والسنة. لكنه مما لا يرتاب في ضعفه.
وتفصيل الكلام في هذا المقام وبيان معنى مخالفة الشرط للكتاب
[والسنة] (2) موقوف على ذكر الأخبار الواردة في هذا الشرط، ثم
التعرض لمعناها، فنقول:
إن الأخبار في هذا المعنى مستفيضة، بل متواترة معنى:
ففي النبوي المروي صحيحا عن أبي عبد الله عليه السلام: " من اشترط
شرطا سوى كتاب الله عز وجل، فلا يجوز ذلك له ولا عليه " (3).
والمذكور في كلام الشيخ والعلامة (4) رحمه الله المروي من طريق العامة
قوله صلى الله عليه وآله في حكاية بريرة لما اشترتها عائشة وشرط مواليها
عليها ولاءها: " ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله!
فما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، قضاء الله
أحق، وشرطه أوثق، والولاء لمن أعتق " (5).
وفي المروي موثقا عن أمير المؤمنين عليه السلام: " من شرط لامرأته
شرطا فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا

(1) لم نعثر عليه.
(2) لم يرد في " ق ".
(3) الوسائل 15: 47، الباب 38 من أبواب المهور، الحديث 2.
(4) راجع الخلاف 3: 157 - 158، ذيل المسألة 249 من كتاب البيوع،
والمختلف 5: 298 - 299، والتذكرة 1: 493.
(5) السنن الكبرى للبيهقي 10: 295، وكنز العمال 10: 322، الحديث
29615.
22

أو أحل حراما " (1).
وفي صحيحة الحلبي: " كل شرط خالف كتاب الله فهو رد " (2).
وفي صحيحة ابن سنان: " من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز
وجل، فلا يجوز [له، ولا يجوز] (3) على الذي اشترط عليه، والمسلمون
عند شروطهم فيما وافق كتاب الله " (4).
وفي صحيحته الأخرى: " المؤمنون عند شروطهم إلا كل شرط
خالف كتاب الله عز وجل فلا يجوز " (5).
وفي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام فيمن تزوج
امرأة (6) واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق؟ قال: " خالفت السنة
ووليت حقا ليست أهلا له. فقضى أن عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق،
وذلك السنة " (7)، وفي معناها مرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام
ومرسلة مروان بن مسلم، إلا أن فيهما عدم جواز هذا النكاح (8).

(1) الوسائل 15: 50، الباب 40 من أبواب المهور، الحديث 4.
(2) الوسائل 13: 44، الباب 15 من أبواب بيع الحيوان، الحديث الأول.
(3) من " ش " والكافي والوسائل، وفي التهذيب زيادة " له " فقط.
(4) الوسائل 12: 353، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(5) الوسائل 12: 353، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 2، ولكن فيه بدل
" المؤمنون ": " المسلمون ".
(6) في " ش " زيادة: " وأصدقها ".
(7) الوسائل 15: 40 - 41، الباب 29 من أبواب المهور، وفيه حديث واحد.
(8) الوسائل 15: 340، الباب 42 من أبواب مقدمات الطلاق، وفيه حديث
واحد، و 337، الباب 41 من الأبواب، الحديث 5، إلا أن الحكم بعدم جواز
النكاح موجود في مرسلة مروان فقط.
23

وفي رواية إبراهيم بن محرز، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
رجل قال لامرأته: أمرك بيدك، فقال عليه السلام: أنى يكون هذا! وقد قال
الله تعالى: * (الرجال قوامون على النساء) * " (1).
وعن تفسير العياشي، عن ابن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
" قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة تزوجها رجل، وشرط عليها وعلى
أهلها: إن تزوج عليها أو هجرها أو أتى عليها سرية فهي طالق،
فقال عليه السلام: شرط الله قبل شرطكم، إن شاء وفى بشرطه وإن شاء
أمسك امرأته وتزوج عليها وتسرى وهجرها إن أتت بسبب ذلك، قال
الله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث) * (2)، (3) (أحل
لكم ما ملكت أيمانكم) (4)، * (واللتي تخافون نشوزهن...) * (5) الآية " (6).
ثم الظاهر أن المراد ب‍ " كتاب الله " هو ما كتب الله على عباده
من أحكام الدين وإن بينه على لسان رسوله صلى الله عليه وآله، فاشتراط ولاء
المملوك لبائعه إنما جعل في النبوي مخالفا لكتاب الله بهذا المعنى. لكن

(1) الوسائل 15: 337، الباب 41 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 6،
والآية في سورة النساء: 34.
(2) النساء: 3.
(3) في " ش " زيادة: " وقال ".
(4) النساء: 3، والآية في المصحف الكريم هكذا: * (... أو ما ملكت أيمانكم) *.
(5) النساء: 34.
(6) تفسير العياشي 1: 240، الحديث 121، وعنه في الوسائل 15: 31، الباب
20 من أبواب المهور، الحديث 6.
24

ظاهر النبوي وإحدى صحيحتي ابن سنان اشتراط موافقة كتاب الله في
صحة الشرط، وأن ما ليس فيه أو لا يوافقه فهو باطل.
ولا يبعد أن يراد بالموافقة عدم المخالفة، نظرا إلى موافقة ما لم
يخالف كتاب الله بالخصوص لعموماته المرخصة للتصرفات الغير المحرمة
في النفس والمال، فخياطة ثوب البائع - مثلا - موافق للكتاب بهذا المعنى.
ثم إن المتصف بمخالفة الكتاب إما نفس المشروط والملتزم - ككون
الأجنبي وارثا وعكسه، وكون الحر أو ولده رقا، وثبوت الولاء لغير
المعتق، ونحو ذلك - وإما أن يكون التزامه، مثلا مجرد عدم التسري
والتزويج (1) على المرأة ليس مخالفا للكتاب، وإنما المخالف الالتزام به،
فإنه مخالف لإباحة التسري والتزويج الثابتة بالكتاب.
وقد يقال: إن التزام ترك المباح لا ينافي إباحته، فاشتراط ترك
التزويج والتسري لا ينافي الكتاب، فينحصر المراد في المعنى الأول.
وفيه: أن ما ذكر لا يوجب الانحصار، فإن التزام ترك المباح
وإن لم يخالف الكتاب المبيح له، إلا أن التزام فعل الحرام يخالف
الكتاب المحرم له، فيكفي هذا مصداقا لهذا المعنى، مع أن الرواية
المتقدمة (2) الدالة على كون اشتراط ترك التزويج والتسري مخالفا للكتاب
- مستشهدا عليه بما دل من الكتاب على إباحتهما - كالصريحة في هذا
المعنى، وما سيجئ (3) من تأويل الرواية بعيد، مع أن قوله عليه السلام في

(1) في " ش ": " التزوج "، وهكذا فيما يأتي.
(2) راجع الصفحة المتقدمة.
(3) انظر الصفحة 27 - 28.
25

رواية إسحاق بن عمار: " المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا حرم
حلالا أو أحل حراما " (1) ظاهر بل صريح في فعل الشارط، فإنه الذي
يرخص باشتراطه الحرام الشرعي، ويمنع باشتراطه عن المباح الشرعي،
إذ المراد من التحريم والإحلال ما هو من فعل الشارط لا الشارع.
وأصرح من ذلك كله المرسل المروي في الغنية: " الشرط جائز بين
المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنة " (2).
ثم إن المراد بحكم الكتاب والسنة - الذي يعتبر عدم مخالفة
المشروط أو نفس الاشتراط له - هو ما ثبت على وجه لا يقبل تغيره
بالشرط لأجل تغير موضوعه بسبب الاشتراط.
توضيح ذلك: أن حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه
ومجردا عن ملاحظة عنوان آخر طار عليه، ولازم ذلك عدم التنافي بين
ثبوت هذا الحكم وبين ثبوت حكم آخر له إذا فرض عروض عنوان
آخر لذلك الموضوع.
ومثال ذلك أغلب المباحات والمستحبات والمكروهات
بل جميعها، حيث إن تجوز (3) الفعل والترك إنما هو من حيث ذات
الفعل، فلا ينافي طرو عنوان يوجب المنع عن الفعل أو الترك، كأكل
اللحم، فإن الشرع قد دل على إباحته في نفسه، بحيث لا ينافي عروض
التحريم له إذا حلف على تركه أو أمر الوالد بتركه، أو عروض
الوجوب له إذا صار مقدمة لواجب أو نذر فعله مع انعقاده.

(1) راجع الصفحة 22.
(2) الغنية: 315.
(3) كذا في " ق "، وفي " ش ": " تجويز "، والأصح: " جواز ".
26

وقد يثبت له لا مع تجرده عن ملاحظة العنوانات الخارجة
الطارئة عليه، ولازم ذلك حصول التنافي بين ثبوت هذا الحكم وبين
ثبوت حكم آخر له، وهذا نظير أغلب المحرمات والواجبات، فإن
الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق لا مقيد بحيثية تجرد الموضوع،
إلا عن بعض العنوانات كالضرر والحرج، فإذا فرض ورود حكم آخر
من غير جهة الحرج والضرر فلا بد من وقوع التعارض بين دليلي
الحكمين، فيعمل بالراجح بنفسه أو بالخارج.
إذا عرفت هذا فنقول: الشرط إذا ورد على ما كان من قبيل
الأول لم يكن الالتزام بذلك مخالفا للكتاب، إذ المفروض أنه لا تنافي
بين حكم ذلك الشئ في الكتاب والسنة وبين دليل الالتزام بالشرط
ووجوب الوفاء به.
وإذا ورد على ما كان من قبيل الثاني كان التزامه مخالفا للكتاب
والسنة.
ولكن ظاهر مورد بعض الأخبار المتقدمة من قبيل الأول، كترك
التزويج (1) وترك التسري، فإنهما مباحان من حيث أنفسهما، فلا ينافي
ذلك لزومهما بواسطة العنوانات الخارجة، كالحلف والشرط وأمر السيد
والوالد.
وحينئذ فيجب إما جعل ذلك الخبر كاشفا عن كون ترك الفعلين
في نظر الشارع من الجائز الذي لا يقبل اللزوم بالشرط وإن كان في
أنظارنا نظير ترك أكل اللحم والتمر وغيرهما من المباحات القابلة لطرو

(1) في " ش ": " التزوج ".
27

عنوان التحريم (1).
وإما الحمل على أن هذه الأفعال مما لا يجوز تعلق وقوع الطلاق
عليها وأنها لا توجب الطلاق كما فعله الشارط، فالمخالف للكتاب هو
ترتب طلاق المرأة، إذ الكتاب دال على إباحتها وأنه (2) مما لا يترتب
عليه حرج ولو من حيث خروج المرأة بها عن زوجية الرجل.
ويشهد لهذا الحمل - وإن بعد - بعض الأخبار الظاهرة في وجوب
الوفاء بمثل هذا الالتزام، مثل رواية منصور بن يونس، قال: " قلت
لأبي الحسن عليه السلام: إن شريكا لي كان تحته امرأة فطلقها فبانت منه
فأراد مراجعتها، فقالت له المرأة: لا والله لا أتزوجك أبدا حتى يجعل
الله لي عليك أن لا تطلقني ولا تتزوج علي، قال: وقد فعل؟ قلت:
نعم، جعلني الله فداك! قال: بئس ما صنع! ما كان يدري ما يقع في
قلبه بالليل والنهار. ثم قال: أما الآن فقل له: فليتم للمرأة شرطها،
فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: المسلمون عند شروطهم " (3)، فيمكن حمل
رواية محمد بن قيس (4) على إرادة عدم سببيته للطلاق بحكم الشرط، فتأمل.

(1) في " ش " زيادة: " لكن يبعده استشهاد الإمام عليه السلام لبطلان تلك الشروط
بإباحة ذلك في القرآن، وهو في معنى إعطاء الضابطة لبطلان الشروط ".
(2) كذا في " ق "، وفي " ش ": " وأنها ".
(3) الكافي 5: 404، الحديث 8، وعنه في الوسائل 15: 30، الباب 20 من
أبواب المهور، ذيل الحديث 4، وفي المصادر: " منصور بن برزج " وهو متحد
مع " منصور بن يونس "، وفي رجال النجاشي: " منصور بن يونس بزرج ".
انظر رجال النجاشي: 413، الترجمة رقم 110.
(4) تقدمت في الصفحة 23.
28

ثم إنه لا إشكال فيما ذكرنا: من انقسام الحكم الشرعي إلى
القسمين المذكورين وأن المخالف للكتاب هو الشرط الوارد على القسم
الثاني لا الأول.
وإنما الإشكال في تميز مصداق أحدهما عن الآخر في كثير من
المقامات:
منها: كون من أحد أبويه حر رقا، فإن ما دل على أنه لا يملك
ولد حر (1) قابل لأن يراد به عدم رقية ولد الحر بنفسه، بمعنى أن الولد
ينعقد لو خلي وطبعه تابعا لأشرف الأبوين، فلا ينافي جعله رقا
بالشرط في ضمن عقد. وأن يراد به أن ولد الحر لا يمكن أن يصير في
الشريعة رقا، فاشتراطه اشتراط لما هو مخالف للكتاب والسنة الدالين
على هذا الحكم.
ومنها: إرث المتمتع بها، هل هو قابل للاشتراط في ضمن عقد
المتعة أو عقد آخر، أم لا؟ فإن الظاهر الاتفاق على عدم مشروعية
اشتراطه في ضمن عقد آخر، وعدم مشروعية اشتراط إرث أجنبي
آخر في ضمن عقد مطلقا. فيشكل الفرق حينئذ بين أفراد غير الوارث
وبين أفراد العقود، وجعل ما حكموا بجوازه (2) مطابقا للكتاب وما منعوا
عنه مخالفا. إلا أن يدعى أن هذا الاشتراط مخالف للكتاب إلا في هذا
المورد، أو أن الشرط المخالف للكتاب ممنوع إلا في هذا المورد. ولكن

(1) راجع الوسائل 14: 578 و 579، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء،
الحديث 2 و 5.
(2) في " ش " زيادة: " مطلقا ".
29

عرفت وهن الثاني، والأول يحتاج إلى تأمل.
ومنها: أنهم اتفقوا على جواز اشتراط الضمان في العارية واشتهر
عدم جوازه في عقد الإجارة، فيشكل أن مقتضى أدلة عدم ضمان
الأمين (1) عدم ضمانه في نفسه من غير إقدام عليه، بحيث لا ينافي إقدامه
على الضمان من أول الأمر، أو عدم مشروعية ضمانه وتضمينه ولو
بالأسباب، كالشرط في ضمن ذلك العقد الأمانة (2) أو غير ذلك.
ومنها: اشتراط أن لا يخرج بالزوجة إلى بلد آخر، فإنهم اختلفوا
في جوازه، والأشهر على الجواز (3)، وجماعة على المنع (4) من جهة مخالفته
للشرع من حيث وجوب إطاعة الزوج وكون مسكن الزوجة ومنزلها
باختياره، وأورد عليهم بعض المجوزين (5): بأن هذا جار في جميع

(1) منها في الوسائل 13: 227، الباب 4 من أحكام الوديعة، و 235، الباب
الأول من كتاب العارية.
(2) في " ش ": " في ضمن عقد تلك الأمانة ".
(3) كما في نهاية المرام 1: 406، وذهب إليه الشيخ في النهاية: 474، والقاضي
في المهذب 2: 212، وابن حمزة في الوسيلة: 297، والمحقق في المختصر النافع:
190، والعلامة في المختلف 7: 153، والفاضل الإصفهاني في كشف اللثام
(الطبعة الحجرية) 2: 82، والمحدث البحراني في الحدائق 24: 537.
(4) منهم الشيخ في المبسوط 4: 303، والخلاف 4: 388، المسألة 32 من كتاب
الصداق، والحلي في السرائر 2: 590، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 13:
399.
(5) وهو السيد العاملي في نهاية المرام 1: 407، والسيد الطباطبائي في الرياض
(الطبعة الحجرية) 2: 147.
30

الشروط السائغة، من حيث إن الشرط ملزم لما ليس بلازم فعلا أو
تركا.
وبالجملة، فموارد الإشكال في تميز الحكم الشرعي القابل لتغيره
بالشرط بسبب تغير عنوانه عن غير القابل كثيرة يظهر للمتتبع، فينبغي
للمجتهد ملاحظة الكتاب والسنة الدالين على الحكم الذي يراد تغيره
بالشرط والتأمل فيه حتى يحصل له التميز ويعرف أن المشروط من قبيل
ثبوت الولاء لغير المعتق المنافي لقوله صلى الله عليه وآله: " الولاء لمن أعتق " (1)
أو من قبيل ثبوت الخيار للمتبايعين الغير المنافي لقوله عليه السلام: " إذا
افترقا وجب البيع " (2) أو عدمه لهما في المجلس مع قوله عليه السلام: " البيعان
بالخيار ما لم يفترقا " (3) إلى غير ذلك من الموارد المتشابهة صورة المخالفة
حكما.
فإن لم يحصل له بنى على أصالة عدم المخالفة، فيرجع إلى عموم:
" المؤمنون عند شروطهم " (4) والخارج عن هذا العموم وإن كان هو
المخالف واقعا للكتاب والسنة، لا ما علم مخالفته، إلا أن البناء على
أصالة عدم المخالفة يكفي في إحراز عدمها واقعا، كما في سائر مجاري
الأصول، ومرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم ثبوت هذا الحكم على
وجه لا يقبل تغيره بالشرط.

(1) الوسائل 16: 40، الباب 37 من كتاب العتق، الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل 12: 346، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 4.
(3) الوسائل 12: 346، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 3.
(4) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ذيل الحديث 4.
31

مثلا نقول: إن الأصل عدم ثبوت الحكم بتسلط الزوج على
الزوجة من حيث المسكن إلا (1) من حيث هو لو خلي وطبعه، ولم يثبت
في صورة إلزام الزوج على نفسه بعض خصوصيات المسكن.
لكن هذا الأصل إنما ينفع بعد عدم ظهور الدليل الدال على الحكم
في إطلاقه بحيث يشمل صورة الاشتراط، كما في أكثر الأدلة المتضمنة
للأحكام المتضمنة للرخصة والتسليط، فإن الظاهر سوقها في مقام بيان
حكم الشئ من حيث هو، الذي لا ينافي طرو خلافه لملزم شرعي،
كالنذر وشبهه من حقوق الله، والشرط وشبهه من حقوق الناس. أما ما
كان ظاهره العموم، كقوله: " لا يملك ولد حر " (2) فلا مجرى فيه لهذا
الأصل.
ثم إن بعض مشايخنا المعاصرين (3) - بعدما خص الشرط المخالف
للكتاب، الممنوع عنه في الأخبار بما كان الحكم المشروط مخالفا
للكتاب، وأن التزام فعل المباح أو الحرام أو ترك المباح أو الواجب
خارج عن مدلول تلك الأخبار - ذكر: أن المتعين في هذه الموارد
ملاحظة التعارض بين ما دل على حكم ذلك الفعل وما دل على
وجوب الوفاء بالشرط، ويرجع إلى المرجحات، وذكر: أن [المرجح] (4)
في مثل اشتراط شرب الخمر هو الإجماع، قال: وما لم يكن فيه مرجح

(1) في " ش ": " لا ".
(2) الوسائل 14: 579، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 5.
(3) في " ق " زيادة: " ذكر ".
(4) لم يرد في " ق ".
32

يعمل فيه بالقواعد والأصول (1).
وفيه من الضعف ما لا يخفى، مع أن اللازم على ذلك الحكم بعدم
لزوم الشرط بل عدم صحته في جميع موارد عدم الترجيح، لأن الشرط
إن كان فعلا لما يجوز (2) تركه كان اللازم مع تعارض أدلة وجوب
الوفاء بالشرط وأدلة جواز ترك ذلك الفعل مع فقد المرجح الرجوع إلى
أصالة عدم وجوب الوفاء بالشرط، فلا يلزم، بل لا يصح. وإن كان
فعل محرم أو ترك واجب، لزم الرجوع إلى أصالة بقاء الوجوب
والتحريم الثابتين قبل الاشتراط.
فالتحقيق ما ذكرنا: من أن من الأحكام المذكورة في الكتاب
والسنة ما يقبل التغيير بالشرط لتغيير عنوانه، كأكثر ما رخص في فعله
وتركه، ومنها ما لا يقبله، كالتحريم وكثير من موارد الوجوب.
وأدلة الشروط حاكمة على القسم الأول دون الثاني، فإن
اشتراطه مخالف لكتاب الله، كما عرفت وعرفت حكم صورة الشك.
وقد تفطن قدس سره لما ذكرنا في حكم القسم الثاني وأن الشرط فيه
مخالف للكتاب بعض التفطن، بحيث كاد أن يرجع عما ذكره أولا من
التعارض بين أدلة وجوب الوفاء بالشرط وأدلة حرمة شرب الخمر،
فقال: ولو جعل هذا الشرط من أقسام الشرط المخالف للكتاب والسنة
- كما يطلق عليه عرفا - لم يكن بعيدا، انتهى (3).

(1) ذكره المحقق النراقي في العوائد: 151.
(2) لم ترد " لما " في " ش ".
(3) عوائد الأيام: 151.
33

ومما ذكرنا: من انقسام الأحكام الشرعية المدلول عليها في
الكتاب والسنة على قسمين، يظهر لك معنى قوله عليه السلام - في رواية
إسحاق بن عمار المتقدمة -: " المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا حرم
حلالا أو أحل حراما " (1)، فإن المراد ب‍ " الحلال " و " الحرام " فيها
ما كان كذلك بظاهر دليله حتى مع الاشتراط، نظير شرب الخمر وعمل
الخشب صنما أو صورة حيوان، ونظير مجامعة الزوج التي دل بعض
الأخبار السابقة (2) على عدم ارتفاع حكمها - أعني الإباحة متى أراد
الزوج - باشتراط كونها بيد المرأة، ونظير التزويج (3) والتسري والهجر،
حيث دل بعض تلك الأخبار (4) على عدم ارتفاع إباحتها باشتراط تركها
معللا بورود الكتاب العزيز بإباحتها.
أما ما كان حلالا لو خلي وطبعه بحيث لا ينافي حرمته أو وجوبه
بملاحظة طرو عنوان خارجي عليه، أو كان حراما كذلك، فلا يلزم من
اشتراط فعله أو تركه إلا تغير عنوان الحلال والحرام الموجب لتغير
الحل والحرمة، فلا يكون حينئذ تحريم حلال ولا تحليل حرام.
ألا ترى أنه لو نهى السيد عبده أو الوالد ولده عن فعل مباح،
أعني: مطالبة غريم (5) ما له في ذمة غريمه، أو حلف المكلف على تركه،

(1) تقدمت في الصفحة 22.
(2) مثل رواية محمد بن قيس المتقدمة في الصفحة 23.
(3) في " ش ": " التزوج ".
(4) وهو خبر ابن مسلم المنقول عن تفسير العياشي المتقدم في الصفحة 24.
(5) لم ترد " غريم " في " ش ".
34

لم يكن الحكم بحرمته شرعا من حيث طرو عنوان " معصية السيد
والوالد " وعنوان " حنث اليمين " عليه تحريما لحلال، فكذلك ترك ذلك
الفعل في ضمن عقد يجب الوفاء به.
وكذلك امتناع الزوجة عن الخروج مع زوجها إلى بلد آخر محرم
في نفسه، وكذلك امتناعها عن المجامعة، ولا ينافي ذلك حليتها باشتراط
عدم إخراجها عن بلدها، أو باشتراط عدم مجامعتها، كما في بعض
النصوص (1).
وبالجملة، فتحريم الحلال وتحليل الحرام إنما يلزم مع معارضة أدلة
الوفاء بالشرط لأدلة أصل الحكم حتى يستلزم وجوب الوفاء مخالفة
ذلك وطرح دليله. أما إذا كان دليل الحكم لا يفيد إلا ثبوته لو خلي
الموضوع وطبعه، فإنه لا يعارضه ما دل على ثبوت ضد ذلك الحكم إذا
طرأ على الموضوع عنوان (2) لم يثبت ذلك الحكم له إلا مجردا عن ذلك
العنوان.
ثم إنه يشكل الأمر في استثناء الشرط المحرم للحلال، على
ما ذكرنا في معنى الرواية: بأن أدلة حلية أغلب المحللات - بل كلها -
إنما تدل على حليتها في أنفسها لو خليت وأنفسها، فلا تنافي حرمتها
من أجل الشرط، كما قد تحرم من أجل النذر وأخويه، ومن جهة
إطاعة الوالد والسيد، ومن جهة صيرورتها علة للمحرم، وغير ذلك من

(1) راجع الوسائل 15: 49، الباب 40 من أبواب المهور، الحديث 1 و 3،
والصفحة 45، الباب 36 من أبواب المهور، الحديث الأول.
(2) في " ش " زيادة: " آخر ".
35

العناوين الطارئة لها.
نعم، لو دل دليل حل شئ على حله المطلق (1) نظير دلالة أدلة
المحرمات، بحيث لا يقبل لطرو (2) عنوان مغير عليه أصلا، أو خصوص
الشرط من بين العناوين، أو دل (3) من الخارج على كون ذلك الحلال
كذلك - كما دل بعض الأخبار بالنسبة إلى بعض الأفعال كالتزويج
والتسري (4) وترك الجماع من دون إرادة الزوجة (5) - كان مقتضاه فساد
اشتراط خلافه. لكن دلالة نفس دليل الحلية على ذلك لم توجد في
مورد، والوقوف مع الدليل الخارجي (6) الدال على فساد الاشتراط يخرج
الرواية عن سوقها لبيان ضابطة الشروط عند الشك، إذ مورد الشك
حينئذ محكوم بصحة الاشتراط.
ومورد ورود الدليل على عدم تغير حل الفعل باشتراط تركه
مستغن عن الضابطة، مع أن الإمام علل فساد الشرط في هذه الموارد
بكونه محرما للحلال، كما عرفت في الرواية التي تقدمت في عدم صحة
اشتراط عدم التزويج (7) والتسري، معللا بكونه مخالفا للكتاب الدال على

(1) في " ش ": " الحلية المطلقة ".
(2) في " ش ": " طرو ".
(3) في " ش " زيادة: " الدليل ".
(4) في " ش ": " كالتسري والتزوج ".
(5) راجع للتزويج والتسري الخبر المتقدم في الصفحة 24 عن تفسير العياشي،
وراجع لترك الجماع رواية محمد بن قيس المتقدمة في الصفحة 23.
(6) في " ش ": " الخارج ".
(7) في " ش ": " التزوج ".
36

إباحتها (1).
نعم، لا يرد هذا الإشكال في طرف تحليل الحرام، لأن أدلة
المحرمات قد علم دلالتها على التحريم على وجه لا تتغير (2) بعنوان
الشرط والنذر وشبههما، بل نفس استثناء الشرط المحلل للحرام عما
يجب الوفاء به دليل على إرادة الحرام في نفسه لولا الشرط.
وليس كذلك في طرف المحرم للحلال، فإنا قد علمنا أن ليس
المراد الحلال لولا الشرط، لأن تحريم " المباحات لولا الشرط " لأجل
الشرط فوق حد الإحصاء، بل اشتراط كل شرط عدا فعل الواجبات
وترك المحرمات مستلزم لتحريم الحلال فعلا أو تركا.
وربما يتخيل: أن هذا الإشكال مختص بما دل على الإباحة
التكليفية، كقوله: " تحل كذا وتباح كذا " أما الحلية التي تضمنها
الأحكام الوضعية - كالحكم بثبوت الزوجية أو الملكية أو الرقية، أو
أضدادها - فهي أحكام (3) لا تتغير لعنوان أصلا، فإن الانتفاع بالملك في
الجملة والاستمتاع بالزوجة والنظر إلى أمها وبنتها من المباحات التي
لا تقبل التغيير، ولذا ذكر في مثال الصلح المحرم للحلال: أن لا ينتفع
بماله أو لا يطأ جاريته.
وبعبارة أخرى: ترتب آثار الملكية على الملك في الجملة وآثار
الزوجية على الزوج كذلك، من المباحات التي لا تتغير عن إباحتها،

(1) تقدمت في الصفحة 24.
(2) في " ش ": " لا يتغير ".
(3) في " ق ": " حكم ".
37

وإن كان ترتب بعض الآثار قابلا لتغير حكمه إلى التحريم، كالسكنى
فيما (1) اشترط إسكان البائع فيه مدة، وإسكان الزوجة في بلد اشترط
أن لا يخرج إليه، أو وطأها مع اشتراط عدم وطئها أصلا، كما هو
المنصوص (2).
ولكن الإنصاف: أنه كلام غير منضبط، فإنه كما جاز تغير إباحة
بعض الانتفاعات - كالوطء في النكاح، والسكنى في البيع - إلى التحريم
لأجل الشرط، كذلك يجوز تغير إباحة سائرها إلى الحرمة. فليس الحكم
بعدم (3) إباحة مطلق التصرف في الملك والاستمتاع بالزوجة لأجل
الشرط إلا لإجماع (4) أو لمجرد الاستبعاد، والثاني غير معتد به، والأول
يوجب ما تقدم: من عدم الفائدة في بيان هذه الضابطة، مع أن هذا
العنوان - أعني تحريم الحلال وتحليل الحرام - إنما وقع مستثنى في أدلة
انعقاد اليمين، وورد: أنه لا يمين في تحليل الحرام وتحريم الحلال (5)، وقد
ورد بطلان الحلف على ترك شرب العصير المباح دائما، معللا: بأنه ليس
لك أن تحرم ما أحل الله (6). ومن المعلوم أن إباحة العصير لم تثبت من
الأحكام الوضعية، بل هي من الأحكام التكليفية الابتدائية.

(1) في " ش " زيادة: " لو ".
(2) تقدم تخريجه في الصفحة 35.
(3) في " ش " زيادة: " تغير ".
(4) في " ش ": " للإجماع ".
(5) راجع الوسائل 16: 130، الباب 11 من أبواب الأيمان، الحديث 6 و 7.
(6) راجع الوسائل 16: 148، الباب 19 من أبواب الأيمان، الحديث 2.
38

وبالجملة، فالفرق بين التزويج (1) والتسري اللذين ورد عدم جواز
اشتراط تركهما معللا: بأنه خلاف الكتاب الدال على إباحتهما، وبين ترك
الوطء الذي ورد جواز اشتراطه، وكذا بين ترك شرب العصير المباح
الذي ورد عدم جواز الحلف عليه معللا: بأنه من تحريم الحلال، وبين
ترك بعض المباحات المتفق على جواز الحلف عليه، في غاية الإشكال.
وربما قيل (2) في توجيه الرواية وتوضيح معناها: إن معنى قوله:
" إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما " إما أن يكون: " إلا شرطا
حرم وجوب الوفاء به الحلال "، وإما أن يكون: " إلا شرطا حرم ذلك
الشرط الحلال "، والأول مخالف لظاهر العبارة، مع مناقضته لما استشهد
به الإمام عليه السلام في رواية منصور بن يونس - المتقدمة (3) - الدالة على
وجوب الوفاء بالتزام عدم الطلاق والتزويج (4) بل يلزم كون الكل لغوا،
إذ ينحصر مورد " المسلمون عند شروطهم " باشتراط الواجبات واجتناب
المحرمات، فيبقى الثاني، وهو ظاهر الكلام، فيكون معناه: " إلا شرطا
حرم ذلك الشرط الحلال "، بأن يكون المشروط هو حرمة الحلال.
ثم قال: فإن قيل: إذا شرط عدم فعله (5) فيجعله حراما عليه.
قلنا: لا نريد أن معنى الحرمة طلب الترك من المشترط بل جعله

(1) في " ش ": " التزوج ".
(2) قاله النراقي في العوائد: 148 - 150.
(3) تقدمت في الصفحة 28.
(4) في " ش ": " التزوج ".
(5) في " ش " زيادة: " فلا يرضى بفعله ".
39

حراما واقعا (1) أي مطلوب الترك شرعا، ولا شك أن شرط عدم فعل
بل نهي شخص عن فعل لا يجعله حراما شرعيا.
ثم قال: فإن قيل: الشرط من حيث هو مع قطع النظر عن إيجاب
الشارع الوفاء لا يوجب تحليلا وتحريما شرعا فلا يحرم ولا يحلل.
قلنا: إن أريد أنه لا يوجب تحليلا ولا تحريما شرعيين واقعا فهو
كذلك، وإن أريد أنه لا يوجب تحليلا ولا تحريما شرعيا بحكم الشرط
فهو ليس كذلك، بل حكم الشرط ذلك، وهذا معنى تحريم الشرط
وتحليله. وعلى هذا فلا إجمال في الحديث ولا تخصيص، ويكون
[الشرط] (2) في ذلك كالنذر والعهد واليمين، فإن من نذر أن لا يأكل
المال المشتبه ينعقد، ولو نذر أن يكون المال المشتبه حراما عليه شرعا
أو يحرم ذلك على نفسه شرعا لم ينعقد (3)، انتهى.
أقول: لا أفهم معنى محصلا لاشتراط حرمة الشئ أو حليته
شرعا، فإن هذا أمر غير مقدور للمشترط ولا يدخل تحت الجعل، فهو
داخل في غير المقدور. ولا معنى لاستثنائه عما يجب الوفاء به، لأن
هذا لا يمكن عقلا الوفاء به، إذ ليس فعلا خصوصا للمشترط، وكذلك
الكلام في النذر وشبهه.
والعجب منه قدس سره! حيث لاحظ ظهور الكلام في كون المحرم
والمحلل نفس الشرط، ولم يلاحظ كون الاستثناء من الأفعال التي يعقل

(1) في " ش " بدل " واقعا ": " ذاتيا ".
(2) أثبتناه من المصدر.
(3) انتهى ما قاله المحقق النراقي.
40

الوفاء بالتزامها، وحرمة الشئ شرعا لا يعقل فيها الوفاء والنقض.
وقد مثل جماعة (1) للصلح المحلل للحرام بالصلح على شرب الخمر،
وللمحرم للحلال بالصلح على أن لا يطأ جاريته ولا ينتفع بماله.
وكيف كان، فالظاهر بل المتعين: أن المراد بالتحليل والتحريم
المستندين إلى الشرط هو الترخيص والمنع. نعم، المراد بالحلال والحرام
ما كان كذلك مطلقا (2) بحيث لا يتغير موضوعه بالشرط، لا ما كان
حلالا لو خلي وطبعه بحيث لا ينافي عروض عنوان التحريم له لأجل
الشرط، وقد ذكرنا: أن المعيار في ذلك وقوع التعارض بين دليل حلية
ذلك الشئ أو حرمته وبين وجوب الوفاء بالشرط وعدم وقوعه، ففي
الأول يكون الشرط على تقدير صحته مغيرا للحكم الشرعي، وفي
الثاني يكون مغيرا لموضوعه.
فحاصل المراد بهذا الاستثناء في حديثي " الصلح " و " الشرط ":
أنهما لا يغيران حكما شرعيا بحيث يرفع اليد عن ذلك الحكم لأجل
الوفاء بالصلح والشرط، كالنذر وشبهه. وأما تغييرهما لموضوع الأحكام
الشرعية ففي غاية الكثرة، بل هما موضوعان لذلك، وقد ذكرنا: أن
الإشكال في كثير من الموارد في تميز أحد القسمين من الأحكام عن
الآخر.

(1) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 2: 201، والشهيد الثاني في المسالك 4:
262، والروضة 4: 174، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة 5: 456،
والمناهل: 345.
(2) لم ترد " مطلقا " في " ش ".
41

ومما ذكرنا يظهر النظر في تفسير آخر لهذا الاستثناء يقرب من
هذا التفسير الذي تكلمنا عليه، ذكره المحقق القمي صاحب القوانين في
رسالته التي ألفها في هذه المسألة، فإنه - بعدما ذكر من أمثلة الشرط
الغير الجائز في نفسه مع قطع النظر عن اشتراطه والتزامه شرب الخمر
والزنا ونحوهما من المحرمات أو (1) فعل المرجوحات وترك المباحات
وفعل المستحبات، كأن يشترط تقليم الأظافر بالسن أبدا، أو أن
لا يلبس الخز أبدا، أو لا يترك النوافل، فإن جعل المكروه أو
المستحب واجبا وجعل المباح حراما حرام إلا برخصة شرعية حاصلة
من الأسباب الشرعية، كالنذر وشبهه فيما ينعقد فيه، ويستفاد ذلك من
كلام علي عليه السلام في رواية إسحاق بن عمار: " من اشترط لامرأته
شرطا، فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا
أو أحل حراما " (2) - قال قدس سره (3):
فإن قلت: إن الشرط كالنذر وشبهه من الأسباب الشرعية المغيرة
للحكم، بل الغالب فيه هو إيجاب ما ليس بواجب، فإن بيع الرجل
ماله أو هبته لغيره مباح، وأما لو اشترط في ضمن عقد آخر يصير
واجبا، فما وجه تخصيص الشرط بغير ما ذكرته من الأمثلة؟

(1) في " ش " بدل " أو ": " و "، مع زيادة: " من أمثلة ما يكون التزامه
والاستمرار عليه من المحرمات... ".
(2) الوسائل 15: 50، الباب 40 من أبواب المهور، الحديث 4، وتقدمت في
الصفحة 22.
(3) خبر لقوله قبل أسطر: " فإنه بعدما ذكر ".
42

قلت: الظاهر من " تحليل الحرام وتحريم الحلال " هو تأسيس
القاعدة، وهو تعلق الحكم بالحل أو الحرمة ببعض الأفعال على سبيل
العموم من دون النظر إلى خصوصية فرد، فتحريم الخمر معناه: منع
المكلف عن شرب جميع ما يصدق عليه هذا الكلي، وكذا حلية المبيع،
فالتزويج (1) والتسري أمر كلي حلال، والتزام تركه مستلزم لتحريمه،
وكذلك جميع أحكام الشرع - من التكليفية والوضعية وغيرها - إنما
يتعلق بالجزئيات باعتبار تحقق الكلي فيها، فالمراد من " تحليل الحرام
وتحريم الحلال " المنهي عنه هو أن يحدث (2) قاعدة كلية ويبدع حكما
جديدا، فقد أجيز في الشرع البناء على الشروط إلا شرطا أوجب
إبداع حكم كلي جديد، مثل تحريم التزوج والتسري وإن كان بالنسبة
إلى نفسه فقط، وقد قال الله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من
النساء) * (3)، وكجعل الخيرة في الجماع والطلاق بيد المرأة. وقد قال الله
تعالى: * (الرجال قوامون على النساء) * (4). وفيما لو شرطت (5) عليه أن
لا يتزوج أو لا يتسرى بفلانة خاصة إشكال. فما ذكر في السؤال: من
وجوب البيع الخاص الذي يشترطانه في ضمن عقد، ليس مما يوجب
إحداث حكم للبيع ولا تبديل حلال الشارع وحرامه، وكذا لو شرط
نقص الجماع عن الواجب - إلى أن قال قدس سره: -

(1) في " ش ": " فالتزوج ".
(2) أي المشترط.
(3) النساء: 3.
(4) النساء: 34.
(5) في " ش ": " اشترطت ".
43

وبالجملة، اللزوم الحاصل من الشرط لما يشترطانه من الشروط
الجائزة ليس من باب تحليل حرام أو تحريم حلال أو إيجاب جائز على
سبيل القاعدة، بل (1) يحصل من ملاحظة جميع موارده حكم كلي هو
وجوب العمل على ما يشترطانه، وهذا الحكم أيضا من جعل الشارع،
فقولنا: " العمل على مقتضى الشرط الجائز واجب " حكم كلي شرعي،
وحصوله ليس من جانب شرطنا حتى يكون من باب تحليل الحرام
وعكسه، بل إنما هو صادر من الشارع (2)، انتهى كلامه رفع مقامه.
وللنظر في مواضع من كلامه مجال، فافهم والله العالم.
الشرط الخامس: أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد، وإلا لم يصح،
لوجهين:
أحدهما: وقوع التنافي في العقد المقيد بهذا الشرط بين مقتضاه
الذي لا يتخلف عنه وبين الشرط الملزم لعدم تحققه، فيستحيل الوفاء
بهذا العقد مع تقيده بهذا الشرط، فلا بد إما أن يحكم بتساقط كليهما،
وإما أن يقدم جانب العقد، لأنه المتبوع المقصود بالذات والشرط تابع،
وعلى كل تقدير لا يصح الشرط.
الثاني: أن الشرط المنافي مخالف للكتاب والسنة الدالين على عدم
تخلف العقد عن مقتضاه، فاشتراط تخلفه عنه مخالف للكتاب، ولذا ذكر
في التذكرة: أن اشتراط عدم بيع المبيع مناف لمقتضى ملكيته، فيخالف

(1) في " ش " زيادة: " الذي ".
(2) رسالة الشروط المطبوعة مع غنائم الأيام: 732.
44

قوله صلى الله عليه وآله: " الناس مسلطون على أموالهم " (1).
ودعوى: أن العقد إنما يقتضي ذلك مع عدم اشتراط عدمه فيه
لا مطلقا، خروج عن محل الكلام، إذ الكلام فيما يقتضيه مطلق العقد
وطبيعته السارية في كل فرد منه، لا ما يقتضيه العقد المطلق بوصف
إطلاقه وخلوه عن الشرائط والقيود حتى لا ينافي تخلفه عنه لقيد يقيده
وشرط يشترط فيه.
هذا كله مع تحقق الإجماع على بطلان هذا الشرط، فلا إشكال في
أصل الحكم.
وإنما الإشكال في تشخيص آثار العقد التي لا تتخلف [عن] (2)
مطلق العقد في نظر العرف أو الشرع وتميزها عما يقبل التخلف
لخصوصية تعتري العقد وإن اتضح ذلك في بعض الموارد، لكون الأثر
كالمقوم العرفي للبيع أو غرضا أصليا، كاشتراط عدم التصرف أصلا في
المبيع، وعدم الاستمتاع أصلا بالزوجة حتى النظر، ونحو ذلك.
إلا أن الإشكال في كثير من المواضع، خصوصا بعد ملاحظة
اتفاقهم على الجواز في بعض المقامات واتفاقهم على عدمه فيما يشبهه،
ويصعب الفرق بينهما وإن تكلف له بعض (3).
مثلا: المعروف عدم جواز المنع عن البيع والهبة في ضمن عقد
البيع، وجواز اشتراط عتقه بعد البيع بلا فصل أو وقفه حتى على البائع

(1) التذكرة 1: 489، وراجع الحديث في عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99،
والصفحة 457، الحديث 198.
(2) لم يرد في " ق ".
(3) وهو السيد المراغي في العناوين 2: 307.
45

وولده، كما صرح به في التذكرة (1)، وقد اعترف في التحرير: بأن اشتراط
العتق مما ينافي مقتضى العقد، وإنما جاز لبناء العتق على التغليب (2).
وهذا لو تم لم يجز في الوقف خصوصا على البائع وولده، فإنه (3)
ليس مبنيا على التغليب، ولأجل ما ذكرنا وقع في موارد كثيرة الخلاف
والإشكال: في أن الشرط الفلاني مخالف لمقتضى العقد (4).
منها: اشتراط عدم البيع، فإن المشهور عدم الجواز. لكن العلامة
في التذكرة استشكل في ذلك (5)، بل قوى بعض من تأخر عنه صحته (6).
ومنها: ما ذكره في الدروس في بيع الحيوان: من جواز الشركة
فيه إذا قال: " الربح لنا ولا خسران عليك "، لصحيحة رفاعة في شراء
الجارية (7)، قال: ومنع (8) ابن إدريس، لأنه مخالف (9) لقضية الشركة. قلنا:
لا نسلم أن تبعية المال لازم (10) لمطلق الشركة، بل للشركة المطلقة،

(1) التذكرة 1: 493.
(2) التحرير 1: 180.
(3) في " ش " زيادة: " شرط مناف كالعتق ".
(4) في " ش " زيادة: " أم لا ".
(5) التذكرة 1: 489.
(6) لم نعثر عليه، نعم في مفتاح الكرامة 4: 732 عن إيضاح النافع: " أن الجواز
غير بعيد "، وراجع الرياض 8: 255.
(7) في " ش ": " في الشركة في الجارية ".
(8) في " ش ": " منعه ".
(9) في " ش ": " مناف ".
(10) في " ش ": " لازمة ".
46

والأقرب تعدي الحكم إلى غير الجارية من المبيعات (1)، انتهى.
ومنها: [ما] (2) اشتهر بينهم: من جواز اشتراط الضمان في العارية
وعدم جوازه في الإجارة، مستدلين: بأن مقتضى عقد الإجارة عدم
ضمان المستأجر (3).
فأورد عليهم المحقق الأردبيلي (4) وتبعه جمال المحققين في حاشية
الروضة (5): بمنع اقتضاء مطلق العقد لذلك، إنما المسلم اقتضاء العقد
المطلق المجرد عن اشتراط الضمان، نظير العارية.
ومنها: اشتراط عدم إخراج الزوجة من بلدها، فقد جوزه
جماعة (6)، لعدم المانع وللنص. ومنعه آخرون (7)، منهم فخر الدين في
الإيضاح، مستدلا: بأن مقتضى العقد تسلط الرجل على المرأة في
الاستمتاع والإسكان (8)، وقد بالغ حيث (9) جعل هذا قرينة على حمل

(1) الدروس 3: 223 - 224، وراجع السرائر 2: 349، والوسائل 13: 175،
الباب الأول من كتاب الشركة، الحديث 8.
(2) لم يرد في " ق ".
(3) راجع مفتاح الكرامة 7: 253، والجواهر 27: 217.
(4) مجمع الفائدة 10: 69.
(5) حاشية الروضة: 365، ذيل قول الشارح: " لفساد الشرط ".
(6) مثل الشيخ في بعض كتبه والقاضي وابن حمزة وغيرهم، وقد تقدم التخريج
عنهم في الصفحة 30.
(7) كالشيخ في بعض كتبه الأخر والحلي والمحقق الثاني، راجع الصفحة 30.
(8) إيضاح الفوائد 3: 209.
(9) في " ش " بدل " حيث ": " حتى ".
47

النص على استحباب الوفاء.
ومنها: مسألة توارث الزوجين بالعقد المنقطع من دون شرط أو
معه، وعدم توارثهما مع الشرط أو لا (1) معه، فإنها مبنية على الخلاف
في مقتضى العقد المنقطع.
قال في الإيضاح ما ملخصه - بعد إسقاط ما لا يرتبط بالمقام -:
إنهم اختلفوا في أن هذا العقد يقتضي التوارث أم لا؟
وعلى الأول: فقيل: المقتضي هو العقد المطلق من حيث هو هو،
فعلى هذا القول لو شرط سقوطه لبطل الشرط، لأن كل ما تقتضيه
الماهية من حيث هي هي يستحيل عدمه مع وجودها. وقيل: المقتضي
إطلاق العقد أي العقد المجرد عن شرط نقيضه - أعني الماهية بشرط
لا شئ - فيثبت الإرث ما لم يشترط سقوطه.
وعلى الثاني، قيل: يثبت مع الاشتراط ويسقط مع عدمه، وقيل:
لا يصح اشتراطه (2)، انتهى.
ومرجع القولين إلى أن عدم الإرث من مقتضى إطلاق العقد أو
ماهيته. واختار هو هذا القول الرابع، تبعا لجده ووالده قدس سرهما، واستدل
عليه أخيرا بما دل على أن من حدود المتعة أن لا ترثها ولا ترثك (3)،
قال: فجعل نفي الإرث من مقتضى الماهية.
ولأجل صعوبة دفع ما ذكرنا من الإشكال في تميز مقتضيات

(1) " ق ": " أو إلا ".
(2) إيضاح الفوائد 3: 132.
(3) راجع الوسائل 14: 487، الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 7 و 8.
48

ماهية العقد من مقتضيات إطلاقه، التجأ المحقق الثاني - مع كمال تبحره
في الفقه حتى ثني به المحقق - فأرجع هذا التمييز عند عدم اتضاح المنافاة
و [عدم] (1) الإجماع على الصحة أو البطلان إلى نظر الفقيه، فقال أولا:
المراد ب‍ " منافي مقتضى العقد " ما يقتضي عدم ترتب الأثر الذي
جعل الشارع العقد من حيث هو هو بحيث يقتضيه ورتبه عليه على أنه
أثره وفائدته التي لأجلها وضع، كانتقال العوضين إلى المتعاقدين، وإطلاق
التصرف فيهما في البيع، وثبوت التوثق في الرهن، والمال في ذمة الضامن
بالنسبة إلى الضمان (2)، وانتقال الحق إلى ذمة المحال عليه في الحوالة، ونحو
ذلك، فإذا شرط عدمها أو عدم البعض أصلا نافى مقتضى العقد.
ثم اعترض على ذلك بصحة اشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا،
وأجاب بكفاية جواز الانتفاع وقتا ما في مقتضى العقد. ثم اعترض:
بأن العقد يقتضي الانتفاع مطلقا، فالمنع عن البعض مناف له.
ثم قال: ودفع ذلك لا يخلو عن عسر، وكذا القول في خيار
الحيوان (3)، فإن ثبوته مقتضى العقد، فيلزم أن يكون شرط سقوطه
منافيا له.
ثم قال: ولا يمكن أن يقال: إن مقتضى العقد ما لم يجعل إلا
لأجله، كانتقال العوضين، فإن ذلك ينافي منع اشتراط أن لا يبيع أو
لا يطأ (4) مثلا.

(1) لم يرد في " ق ".
(2) في النسخ: " الضامن "، والصواب ما أثبتناه من المصدر.
(3) في " ش ": " في نحو خيار الحيوان مثلا ".
(4) في " ش " والمصدر بدل " أو لا يطأ ": " المبيع ".
49

ثم قال: والحاسم لمادة الإشكال أن الشروط على أقسام:
منها: ما انعقد الإجماع على حكمه من صحة أو فساد.
ومنها: ما وضح فيه المنافاة للمقتضى - كاشتراط عدم ضمان
المقبوض بالبيع - و (1) وضح مقابله، ولا كلام فيما وضح.
ومنها: ما ليس واحدا من النوعين، فهو بحسب نظر الفقيه (2)،
انتهى كلامه رفع مقامه.
أقول: وضوح المنافاة إن كان بالعرف - كاشتراط عدم الانتقال في
العوضين وعدم انتقال المال إلى ذمة الضامن والمحال عليه - فلا يتأتى
معه إنشاء مفهوم العقد العرفي، وإن كان بغير العرف فمرجعه إلى الشرع
من نص أو إجماع على صحة الاشتراط و (3) عدمه. ومع عدمهما وجب
الرجوع إلى دليل اقتضاء العقد لذلك الأثر المشترط عدمه، فإن دل
عليه على وجه يعارض بإطلاقه أو عمومه دليل وجوب الوفاء به
بحيث لو أوجبنا الوفاء به وجب طرح عموم ذلك الدليل وتخصيصه،
حكم بفساد الشرط، لمخالفته حينئذ للكتاب أو السنة. وإن دل على
ثبوته للعقد لو خلي وطبعه بحيث لا ينافي تغير حكمه بالشرط، حكم
بصحة الشرط.
وقد فهم من قوله تعالى: * (الرجال قوامون على النساء) * (4) الدال

(1) في " ش " بدل " و ": " أو ".
(2) جامع المقاصد 4: 414 - 415.
(3) في " ش " بدل " و ": " أو ".
(4) النساء: 34.
50

على (1) أن السلطنة على الزوجة من آثار الزوجية التي لا تتغير، فجعل
اشتراط كون الجماع بيد الزوجة في الرواية السابقة منافيا لهذا الأثر ولم
يجعل اشتراط عدم الإخراج من البلد منافيا. وقد فهم الفقهاء من
قوله: " البيعان بالخيار حتى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع " (2) [عدم] (3)
التنافي، فأجمعوا على صحة اشتراط سقوط الخيار الذي هو من الآثار
الشرعية للعقد، وكذا على صحة اشتراط الخيار بعد الافتراق. ولو شك
في مؤدى الدليل وجب الرجوع إلى أصالة ثبوت ذلك الأثر على الوجه
الأول (4)، فيبقى عموم أدلة الشرط سليما عن المخصص، وقد ذكرنا هذا
في بيان معنى مخالفة الكتاب والسنة.
الشرط السادس: أن لا يكون الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر
في البيع، لأن الشرط في الحقيقة كالجزء من العوضين، كما سيجئ
بيانه (5).
قال في التذكرة: وكما أن الجهالة في العوضين مبطلة فكذا في
صفاتهما ولواحق المبيع (6)، فلو شرطا شرطا مجهولا بطل البيع (7)، انتهى.

(1) عبارة " الدال على " لم ترد في " ش "، والظاهر زيادتها.
(2) راجع الوسائل 12: 346، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 3 و 4.
(3) لم يرد في " ق ".
(4) كذا في " ق "، والظاهر أن الصحيح: " الثاني "، كما في " ش ".
(5) انظر الصفحة 81.
(6) في ظاهر " ق ": " البيع ".
(7) التذكرة 1: 472.
51

وقد سبق ما يدل على اعتبار تعيين الأجل المشروط في الثمن، بل
لو فرضنا عدم سراية الغرر في البيع كفى لزومه في أصل الشرط بناء
على أن المنفي مطلق الغرر حتى في غير البيع، ولذا يستندون إليه في
أبواب المعاملات حتى الوكالة، فبطلان الشرط المجهول ليس لإبطاله البيع
المشروط به، ولذا قد يجزم ببطلان هذا الشرط مع الاستشكال في
بطلان البيع، فإن العلامة في التذكرة ذكر في اشتراط عمل مجهول في
عقد البيع: أن في بطلان البيع وجهين مع الجزم ببطلان الشرط (1).
لكن الانصاف: أن جهالة الشرط تستلزم في العقد دائما مقدارا
من الغرر الذي يلزم من جهالته جهالة أحد العوضين.
ومن ذلك يظهر وجه النظر فيما ذكره العلامة في مواضع (2) من
التذكرة: من الفرق في حمل الحيوان وبيض الدجاجة ومال العبد المجهول
المقدار، بين تمليكها على وجه الشرطية في ضمن بيع هذه الأمور، بأن
يقول: " بعتكها على أنها حامل - أو - على أن لك حملها " وبين تمليكها
على وجه الجزئية، بأن يقول: " بعتكها وحملها " (3)، فصحح الأول لأنه
تابع، وأبطل الثاني لأنه جزء.

(1) راجع التذكرة 1: 472، وفيها: " فلو شرطا شرطا مجهولا بطل البيع "
والصفحة 491، وفيها: " لو اشترط شرطا مجهولا، كما لو باعه بشرط أن يعمل
فيه ما يأمره به بعد العقد أو يصبغ له ثوبا ويطلقهما أو أحدهما، فالوجهان ".
(2) منها ما ذكره في الجزء الأول: 493 في الحمل والبيض، والصفحة 499 في
مال العبد.
(3) التذكرة 1: 493.
52

لكن قال في الدروس: لو جعل الحمل جزءا من المبيع فالأقوى
الصحة لأنه بمنزلة الاشتراط، ولا يضر الجهالة لأنه تابع (1).
وقال في باب بيع المملوك: ولو اشتراه وماله صح، ولم يشترط
علمه ولا التفصي من الربا إن قلنا: إنه يملك، وإن أحلناه اشترطا (2)،
انتهى.
والمسألة محل إشكال، وكلماتهم لا يكاد يعرف التئامها، حيث
صرحوا: بأن للشرط قسطا من أحد العوضين، وأن التراضي بالمعاوضة (3)
وقع منوطا به، ولازمه كون الجهالة فيه قادحة.
والأقوى اعتبار العلم، لعموم نفي الغرر إلا إذا عد المشروط (4) في
العرف تابعا غير مقصود بالبيع، كبيض الدجاج. وقد مر ما ينفع هذا
المقام في شروط العوضين (5)، وسيأتي بعض الكلام في بيع الحيوان (6)، إن
شاء الله تعالى.
الشرط السابع: أن لا يكون مستلزما لمحال، كما لو شرط في
البيع أن يبيعه على البائع، فإن العلامة قد ذكر هنا: أنه مستلزم للدور.
قال في التذكرة: لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه إياه لم يصح سواء

(1) الدروس 3: 216 - 217.
(2) الدروس 3: 226، وفيه بدل " اشترطا ": " اشترطنا ".
(3) في " ش ": " على المعاوضة ".
(4) في " ش ": " الشرط ".
(5) راجع الجزء الرابع، الصفحة 313.
(6) لم يتعرض قدس سره لمسألة بيع الحيوان فيما سيأتي.
53

اتحد الثمن قدرا وجنسا ووصفا أو لا، وإلا جاء الدور، لأن بيعه له
يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه، فيدور. أما لو شرط أن يبيعه
على غيره، فإنه يصح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب والسنة.
لا يقال: ما التزموه من الدور آت هنا، لأنا نقول: الفرق ظاهر،
لجواز أن يكون جاريا على حد التوكيل أو عقد الفضولي، بخلاف ما لو
شرط البيع على البائع (1)، انتهى.
وقد تقدم تقرير الدور مع جوابه في باب النقد والنسية (2).
وقد صرح في الدروس: بأن هذا الشرط باطل لا للدور، بل
لعدم القصد إلى البيع (3).
ويرد عليه وعلى الدور: النقض بما إذا اشترط البائع على المشتري
أن يقف المبيع عليه وعلى عقبه، فقد صرح في التذكرة بجوازه (4)،
وصرح بجواز اشتراط رهن المبيع على الثمن (5) مع جريان الدور فيه.
الشرط الثامن: أن يلتزم به في متن العقد، فلو تواطيا عليه قبله
لم يكف ذلك في التزام المشروط به على المشهور، بل لم يعلم فيه

(1) التذكرة 1: 490.
(2) كذا في " ق "، ولم يتقدم بابهما، بل يأتي بعد أحكام الخيار، ولذا غيره في
" ش " ب‍ " وسيأتي "، ولعل الوجه في ذلك تقدمه في المسودة، وعلى أي تقدير
انظر الصفحة 232 وما بعدها.
(3) الدروس 3: 216.
(4) التذكرة 1: 493 - 494، وتقدم في الصفحة 45 أيضا.
(5) التذكرة 1: 491.
54

خلاف، عدا ما يتوهم من ظاهر الخلاف والمختلف، وسيأتي (1).
لأن
المشروط عليه إن أنشأ إلزام الشرط على نفسه قبل العقد كان إلزاما
ابتدائيا لا يجب الوفاء به قطعا وإن كان أثره مستمرا في نفس الملزم
إلى حين العقد، بل إلى حين حصول الوفاء وبعده - نظير بقاء أثر
الطلب المنشأ في زمان إلى حين حصول المطلوب - وإن وعد بإيقاع
العقد مقرونا بالتزامه، فإذا ترك ذكره في العقد فلم يحصل ملزم له.
نعم، يمكن أن يقال: إن العقد إذا وقع مع تواطيهما على الشرط
كان قيدا معنويا له، فالوفاء بالعقد الخاص لا يكون إلا مع العمل بذلك
الشرط، ويكون العقد بدونه تجارة لا عن تراض، إذ التراضي وقع
مقيدا بالشرط، فإنهم قد صرحوا بأن الشرط كالجزء من أحد العوضين،
فلا فرق بين أن يقول: " بعتك العبد بعشرة وشرطت لك ماله " وبين
تواطيهما على كون مال العبد للمشتري، فقال: " بعتك العبد بعشرة "
قاصدين العشرة المقرونة بكون مال العبد للمشتري.
هذا، مع أن الخارج من عموم " المؤمنون عند شروطهم " هو ما
لم يقع العقد مبنيا عليه، فيعم محل الكلام.
وعلى هذا فلو تواطيا على شرط فاسد فسد العقد المبني عليه
وإن لم يذكر فيه. نعم، لو نسيا الشرط المتواطأ عليه فأوقعا العقد غير
بانين على الشرط بحيث يقصدان من العوض المقرون بالشرط، اتجه
صحة العقد وعدم لزوم الشرط.
هذا، ولكن الظاهر من كلمات الأكثر عدم لزوم الشرط الغير

(1) سيأتي في الصفحة 57.
55

المذكور في متن العقد، وعدم إجراء أحكام الشرط عليه وإن وقع العقد
مبنيا عليه،
بل في الرياض عن بعض الأجلة حكاية الإجماع على عدم
لزوم الوفاء بما يشترط لا في عقد، بعدما ادعى هو قدس سره الإجماع على
أنه لا حكم للشروط إذا كانت قبل عقد النكاح (1). وتتبع كلماتهم في
باب البيع والنكاح يكشف عن صدق ذلك المحكي، فتراهم يجوزون في
باب الربا والصرف الاحتيال في تحليل معاوضة أحد المتجانسين بأزيد
منه ببيع الجنس بمساويه ثم هبة الزائد من دون أن يشترط ذلك في
العقد، فإن الحيلة لا تتحقق إلا بالتواطي على هبة الزائد بعد البيع
والتزام الواهب بها قبل العقد مستمرا إلى ما بعده.
وقد صرح المحقق والعلامة في باب المرابحة: بجواز أن يبيع الشئ
من غيره بثمن زائد مع قصدهما نقله بعد ذلك إلى البائع ليخبر بذلك
الثمن عند بيعه مرابحة إذا لم يشترطا ذلك لفظا (2).
ومعلوم أن المعاملة لأجل هذا الغرض لا يكون إلا مع التواطي
والالتزام بالنقل ثانيا.
نعم، خص في المسالك ذلك بما إذا وثق البائع بأن المشتري ينقله
إليه من دون التزام ذلك وإيقاع العقد على هذا الالتزام (3). لكنه تقييد
لإطلاق كلماتهم، خصوصا مع قولهم: إذا لم يشترطا لفظا.
وبالجملة، فظاهر عبارتي الشرائع والتذكرة: أن الاشتراط والالتزام
من قصدهما ولم يذكراه لفظا، لا أن النقل من قصدهما، فراجع.

(1) راجع الرياض (الحجرية) 2: 116.
(2) الشرائع 2: 41، والقواعد 2: 58، والتذكرة 1: 542.
(3) المسالك 3: 309.
56

وأيضا فقد حكي عن المشهور: أن عقد النكاح المقصود فيه
الأجل والمهر المعين إذا خلا عن ذكر الأجل ينقلب دائما (1).
نعم، ربما ينسب (2) إلى الخلاف والمختلف: صحة اشتراط عدم
الخيار قبل عقد البيع. لكن قد تقدم (3) في خيار المجلس النظر في هذه
النسبة إلى الخلاف، بل المختلف، فراجع.
ثم إن هنا وجها آخر لا يخلو عن وجه، وهو بطلان العقد الواقع
على هذا الشرط، لأن الشرط من أركان العقد المشروط، بل عرفت
أنه كالجزء من أحد العوضين، فيجب ذكره في الإيجاب والقبول كأجزاء
العوضين، وقد صرح الشهيد في غاية المراد بوجوب ذكر الثمن في العقد
وعدم الاستغناء عنه بذكره سابقا (4)، كما إذا قال: " بعني بدرهم " فقال:
" بعتك " فقال المشتري: " قبلت " وسيأتي في حكم الشرط الفاسد كلام
من المسالك (5) إن شاء الله تعالى.
وقد يتوهم هنا شرط تاسع، وهو: تنجيز الشرط، بناء على أن
تعليقه يسري إلى العقد بعد ملاحظة رجوع الشرط إلى جزء من أحد
العوضين، فإن مرجع قوله: " بعتك هذا بدرهم على أن تخيط لي إن

(1) حكاه في الجواهر 30: 172.
(2) نسبه في مفتاح الكرامة 4: 539 - 540، وراجع الخلاف 3: 21، المسألة
28 من كتاب البيوع، والمختلف 5: 63.
(3) راجع الجزء الخامس، الصفحة 58.
(4) غاية المراد 2: 16 - 17.
(5) يأتي في الصفحة 104.
57

جاء زيد " على وقوع المعاوضة بين المبيع وبين الدرهم المقرون بخياطة
الثوب على تقدير مجئ زيد، بل يؤدي إلى البيع بثمنين على تقديرين،
فباعه بالدرهم المجرد على تقدير عدم مجئ زيد، وبالدرهم المقرون مع
خياطة الثوب على تقدير مجيئه.
ويندفع: بأن الشرط هو الخياطة على تقدير المجئ لا الخياطة
المطلقة ليرجع التعلق (1) إلى أصل المعاوضة الخاصة. ومجرد رجوعهما في
المعنى إلى أمر واحد لا يوجب البطلان، ولذا اعترف (2) أن مرجع قوله:
" أنت وكيلي إذا جاء رأس الشهر في أن تبيع " و " أنت وكيلي في أن
تبيع إذا جاء رأس الشهر " إلى واحد، مع الاتفاق على صحة الثاني
وبطلان الأول (3).
نعم، ذكر في التذكرة: أنه لو شرط البائع كونه أحق بالمبيع لو
باعه المشتري، ففيه إشكال (4). لكن لم يعلم أن وجهه تعلق (5) الشرط،
بل ظاهر عبارة التذكرة وكثير منهم - في بيع الخيار بشرط رد الثمن -
كون الشرط وهو الخيار معلقا على رد الثمن. وقد ذكرنا ذلك سابقا في
بيع الخيار (6).

(1) في " ش ": " التعليق ".
(2) أي: المتوهم، بناء على نسخة " ق "، وفي " ش ": " اعترف بعضهم بأن ".
(3) من قوله: " وقد يتوهم... " إلى هنا، قد ورد في " ق " في ذيل الشرط
السابع. ولم نقف على منشئه.
(4) لم نعثر عليه في التذكرة.
(5) في " ش ": " تعليق ".
(6) راجع الجزء الخامس، الصفحة 129 - 131.
58

مسألة
في حكم الشرط الصحيح
وتفصيله: أن الشرط إما أن يتعلق بصفة من صفات المبيع
الشخصي، ككون العبد كاتبا، والجارية حاملا، ونحوهما.
وإما أن يتعلق بفعل من أفعال أحد المتعاقدين أو غيرهما،
كاشتراط إعتاق العبد، وخياطة الثوب.
وإما أن يتعلق بما هو من قبيل الغاية للفعل، كاشتراط تملك عين
خاصة، وانعتاق مملوك خاص، ونحوهما.
ولا إشكال في أنه لا حكم للقسم الأول إلا الخيار مع تبين فقد
الوصف المشروط، إذ لا يعقل تحصيله هنا، فلا معنى لوجوب الوفاء
فيه، وعموم " المؤمنون " مختص بغير هذا القسم.
وأما الثالث: فإن أريد باشتراط الغاية - أعني الملكية، والزوجية،
ونحوهما - اشتراط تحصيلهما بأسبابهما الشرعية، فيرجع إلى الثاني، وهو
اشتراط الفعل.
وإن أريد حصول الغاية بنفس الاشتراط، فإن دل الدليل الشرعي
على عدم تحقق تلك الغاية إلا بسببها الشرعي الخاص - كالزوجية،
والطلاق، والعبودية، والانعتاق، وكون المرهون مبيعا عند انقضاء
59

الأجل، ونحو ذلك - كان الشرط فاسدا، لمخالفته للكتاب والسنة.
كما أنه لو دل الدليل على كفاية الشرط فيه - كالوكالة، والوصاية،
وكون مال العبد وحمل الجارية وثمر الشجرة ملكا للمشتري -
فلا إشكال.
وأما لو لم يدل دليل على أحد الوجهين، كما لو شرط في البيع
كون مال خاص غير تابع لأحد العوضين - كالأمثلة المذكورة - ملكا
لأحدهما، أو صدقة، أو كون العبد الفلاني حرا، ونحو ذلك، ففي صحة
هذا الشرط إشكال:
من أصالة عدم تحقق تلك الغاية إلا بما علم كونه سببا لها،
وعموم " المؤمنون عند شروطهم " ونحوه لا يجري هنا، لعدم كون
الشرط فعلا ليجب الوفاء به.
ومن أن الوفاء لا يختص بفعل ما شرط بل يشمل ترتب (1) الآثار
عليه، نظير الوفاء بالعقد. ويشهد له تمسك الإمام عليه السلام بهذا العموم في
موارد كلها من هذا القبيل، كعدم الخيار للمكاتبة التي أعانها ولد
زوجها على أداء مال الكتابة مشترطا عليها عدم الخيار على زوجها
بعد الانعتاق (2)، مضافا إلى كفاية دليل الوفاء بالعقود في ذلك بعد
صيرورة الشرط جزءا للعقد.
وأما توقف الملك وشبهه على أسباب خاصة فهي دعوى غير
مسموعة مع وجود أفراد اتفق على صحتها، كما في حمل الجارية ومال

(1) في " ش ": " ترتيب ".
(2) الوسائل 16: 95، الباب 11 من أبواب كتاب المكاتبة، وفيه حديث واحد.
60

العبد وغيرهما.
ودعوى: تسويغ ذلك لكونها توابع للمبيع، مدفوعة، لعدم صلاحية
ذلك للفرق، مع أنه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابة في
بيع أخرى، كما يظهر من المحقق الثاني في شرح عبارة القواعد في
شرائط العوضين: وكل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه وإن انضم إلى
معلوم (1).
وكيف كان، فالأقوى صحة اشتراط الغايات التي لم يعلم من
الشارع إناطتها بأسباب خاصة، كما يصح نذر مثل هذه الغايات، بأن
ينذر كون المال صدقة، أو الشاة أضحية، أو كون هذا المال لزيد.
وحينئذ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها بمعنى ترتب (2)
الآثار، وإنما الخلاف والإشكال في القسم الثاني، وهو ما تعلق فيه
الاشتراط بفعل.
والكلام فيه يقع في مسائل:

(1) العبارة للقواعد، وراجع شرحها في جامع المقاصد 4: 112.
(2) في " ش ": " ترتيب ".
61

الأولى
في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي
ظاهر المشهور: هو الوجوب، لظاهر النبوي: " المؤمنون عند
شروطهم " (1) والعلوي: " من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإن
المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما " (2).
ويؤكد الوجوب ما أرسل في بعض الكتب (3) من زيادة قوله: " إلا من
عصى الله " في النبوي، بناء على كون الاستثناء من المشروط عليه،
لا من الشارط. هذا كله، مضافا إلى عموم وجوب الوفاء بالعقد بعد
كون الشرط كالجزء من ركن العقد.
خلافا لظاهر الشهيد في اللمعة - وربما ينسب إلى غيره - حيث
قال: إنه لا يجب على المشروط عليه فعل الشرط، وإنما فائدته جعل
البيع عرضة للزوال (4).

(1) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ذيل الحديث 4.
(2) الوسائل 15: 50، الباب 40 من أبواب المهور، الحديث 4.
(3) أرسل في المسالك 3: 274، والروضة 3: 506، وعوائد الأيام: 132.
(4) اللمعة الدمشقية: 130، وراجع التنقيح الرائع 2: 71، حيث قال بعد احتمال
الوجوب وعدمه في العتق المشروط: " ويحتمل الثاني وهو الأصح ".
62

ووجهه - مع ضعفه - يظهر مما ذكره قدس سره في تفصيله المحكي في
الروضة عنه قدس سره في بعض تحقيقاته، وهو: أن الشرط الواقع في العقد
اللازم إن كان العقد كافيا في تحققه ولا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم
لا يجوز الإخلال به كشرط الوكالة، وإن احتاج بعده إلى أمر آخر
وراء ذكره في العقد - كشرط العتق - فليس بلازم، بل يقلب العقد
اللازم جائزا. وجعل السر فيه: أن اشتراط ما العقد كاف في تحققه
كجزء من الإيجاب والقبول فهو تابع لهما في اللزوم والجواز، واشتراط
ما سيوجد أمر منفصل عن العقد وقد علق عليه العقد، والمعلق على
الممكن ممكن، وهو معنى قلب اللازم جائزا، انتهى.
قال في الروضة - بعد حكاية هذا الكلام -: والأقوى اللزوم مطلقا
وإن كان تفصيله أجود مما اختاره هنا (1).
أقول: ما ذكره قدس سره في بعض تحقيقاته ليس تفصيلا (2) في محل
الكلام مقابلا لما اختاره في اللمعة، لأن الكلام في اشتراط فعل سائغ
وأنه هل يصير واجبا على المشروط عليه أم لا؟ كما ذكره الشهيد في
المتن، فمثل اشتراط كونه وكيلا ليس إلا كاشتراط ثبوت الخيار أو عدم
ثبوته له، فلا يقال: إنه يجب فعله أو لا يجب.
نعم، وجوب الوفاء بمعنى ترتب (3) آثار ذلك الشرط المتحقق
بنفس العقد مما لا خلاف فيه، إذ لم يقل أحد بعدم ثبوت الخيار أو

(1) الروضة البهية 3: 507 - 508.
(2) في " ش ": " لا يحسن عده تفصيلا ".
(3) في " ش ": " ترتيب ".
63

آثار اللزوم بعد اشتراطهما في العقد.
وبالجملة، فالكلام هنا في اشتراط فعل يوجد بعد العقد. نعم،
كلام الشهيد في اللمعة أعم منه ومن كل شرط لم يسلم لمشترطه،
ومراده تعذر الشرط.
وكيف كان، فمثل اشتراط الوكالة أو الخيار وعدمه خارج عن
محل الكلام، إذ لا كلام ولا خلاف في وجوب ترتب آثار الشرط
عليه، ولا في عدم انفساخ العقد بعدم ترتيب الآثار، ولا في أن
المشروط عليه يجبر على ترتيب الآثار. وإن شئت قلت: اشتراط
الوكالة من اشتراط الغايات، لا المبادئ.
ومما ذكرنا يظهر: أن تأييد القول المشهور أو الاستدلال عليه بما
في الغنية: من الإجماع على لزوم الوفاء بالعقد (1) غير صحيح، لأنه إنما
ذكر ذلك في مسألة اشتراط الخيار، وقد عرفت خروج مثل ذلك عن
محل الكلام. نعم، في التذكرة: لو اشترى عبدا بشرط أن يعتقه المشتري
صح البيع ولزم الشرط عند علمائنا أجمع (2).
ثم إن ما ذكره الشهيد قدس سره: من أن " اشتراط ما سيوجد أمر
منفصل وقد علق عليه العقد... الخ " لا يخلو عن نظر، إذ حاصله أن
الشرط قد علق عليه العقد في الحقيقة وإن كان لا تعليق صورة،
فحاصل قوله: " بعتك هذا العبد على أن تعتقه " أن الالتزام بهذه
المعاوضة معلق على التزامك بالعتق، فإذا لم يلتزم بالإعتاق لم يجب

(1) الغنية: 215.
(2) التذكرة 1: 492.
64

على المشروط له الالتزام بالمعاوضة.
وفيه - مع أن المعروف بينهم: أن الشرط بمنزلة الجزء من أحد
العوضين، وأن مقتضى (1) القاعدة اللفظية في العقد المشروط لا يقتضي
هذا المعنى أيضا، وأن رجوعه إلى التعليق على المحتمل يوجب عدم
الجزم المفسد للعقد وإن لم يكن في صورة التعليق -: أن لازم هذا
الكلام - أعني دعوى تعليق العقد على الممكن - ارتفاعه من رأس عند
فقد الشرط لا انقلابه جائزا.

(1) لم ترد " مقتضى " في " ش ".
65

الثانية (1)
في أنه لو قلنا بوجوب الوفاء (2) من حيث التكليف الشرعي، فهل
يجبر عليه لو امتنع؟ ظاهر جماعة ذلك (3).
وظاهر التحرير خلافه، قال في باب الشروط: إن الشرط إن
تعلقت [به] (4) مصلحة المتعاقدين - كالأجل، والخيار، والشهادة،
والتضمين، والرهن، واشتراط صفة مقصودة كالكتابة - جاز ولزم الوفاء.
ثم قال: إذا باع بشرط العتق صح البيع والشرط، فإن أعتقه المشتري،
وإلا ففي إجباره وجهان: أقربهما عدم الإجبار (5)، انتهى.
وفي الدروس: يجوز اشتراط سائغ في العقد، فيلزم الشرط في

(1) في " ق ": " المقام الثاني "، وهو من سهو القلم.
(2) في " ش " زيادة: " به ".
(3) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 423، والشهيد الثاني في المسالك 3:
274، وصاحب الجواهر في الجواهر 23: 218.
(4) لم يرد في " ق "، وأثبتناه من المصدر. وفي " ش ": " إن تعلق بمصلحة ".
(5) التحرير 1: 180.
66

طرف المشترط عليه، فإن أخل به فللمشترط (1) الفسخ، وهل يملك
إجباره عليه؟ فيه نظر (2)، انتهى.
ولا معنى للزوم الشرط إلا وجوب الوفاء.
وقال في التذكرة - في فروع مسألة العبد المشترط عتقه -: إذا
أعتقه المشتري فقد وفى بما وجب عليه - إلى أن قال: - وإن امتنع أجبر
عليه إن قلنا: إنه حق لله تعالى، وإن قلنا: إنه حق للبائع لم يجبر،
كما في شرط الرهن والكفيل، لكن يتخير البائع في الفسخ، لعدم سلامة
ما شرط. ثم ذكر للشافعي وجهين في الإجبار وعدمه - إلى أن قال -:
والأولى عندي الإجبار في شرط الرهن والكفيل لو امتنع، كما لو شرط
تسليم الثمن معجلا فأهمل (3)، انتهى.
ويمكن أن يستظهر هذا القول - أعني الوجوب تكليفا مع عدم
جواز الإجبار - من كل من استدل على صحة الشرط بعموم " المؤمنون "
مع قوله بعدم وجوب الإجبار، كالشيخ في المبسوط، حيث استدل على
صحة اشتراط عتق العبد المبيع بقوله صلى الله عليه وآله: " المؤمنون عند شروطهم ".
ثم ذكر: أن في إجباره على الإعتاق لو امتنع قولين: الوجوب، لأن
عتقه قد استحق بالشرط، وعدم الوجوب وإنما يجعل له الخيار. ثم قال:
والأقوى هو الثاني (4)، [انتهى] (5).

(1) في " ق ": " فللمشتري ".
(2) الدروس 3: 214.
(3) التذكرة 1: 492.
(4) المبسوط 2: 151.
(5) لم يرد في " ق ".
67

فإن ظهور النبوي في الوجوب من حيث نفسه ومن جهة القرائن
المتصلة والمنفصلة مما لا مساغ لإنكاره، بل الاستدلال به على صحة
الشرط عند الشيخ ومن تبعه في عدم إفساد الشرط الفاسد يتوقف
ظاهرا على إرادة الوجوب منه، إذ لا تنافي حينئذ بين استحباب الوفاء
بالشرط وفساده، فلا يدل استحباب الوفاء بالعتق المشروط في المبيع (1)
على صحته.
ثم إن الصيمري في غاية المرام قال: لا خلاف بين علمائنا في
جواز اشتراط العتق، لأنه غير مخالف للكتاب والسنة، فيجب الوفاء به،
قال: وهل يكون حقا لله تعالى، أو للعبد، أو للبائع؟ يحتمل الأول
- إلى أن قال -: ويحتمل الثالث، وهو مذهب العلامة في القواعد
والتحرير، لأنه استقرب فيهما عدم إجبار المشتري على العتق، وهو يدل
على أنه حق للبائع. وعلى القول: بأنه حق لله، يكون المطالبة للحاكم
ويجبره مع الامتناع، ولا يسقط باسقاط البائع. وعلى القول: بكونه
للبائع، يكون المطالبة له ويسقط بإسقاطه، ولا يجبر المشتري، ومع
الامتناع يتخير المشتري (2) بين الإمضاء والفسخ. وعلى القول: بأنه
للعبد، يكون هو المطالب بالعتق، ومع الامتناع يرافعه إلى الحاكم ليجبره
على ذلك، وكسبه قبل العتق للمشتري على جميع التقادير (3)، انتهى.
وظاهر استكشافه مذهب العلامة قدس سره عن حكمه بعدم الإجبار:

(1) في " ش ": " البيع ".
(2) في المصدر: " البائع "، وفي " ش ": " المشترط ".
(3) غاية المرام (مخطوط) 1: 304.
68

أن كل شرط يكون حقا مختصا للمشترط لا كلام ولا خلاف في عدم
الإجبار عليه، وهو ظاهر أول الكلام السابق في التذكرة. لكن قد
عرفت قوله أخيرا: والأولى أن له إجباره عليه وإن قلنا: إنه حق
للبائع (1).
وما أبعد ما بين ما ذكره الصيمري وما ذكره في جامع المقاصد
والمسالك: من أنه إذا قلنا بوجوب الوفاء فلا كلام في ثبوت الإجبار،
حيث قال: واعلم أن في إجبار المشتري على الإعتاق وجهين:
أحدهما: العدم، لأن للبائع طريقا آخر للتخلص (2) وهو الفسخ. والثاني:
له ذلك، لظاهر قوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * و " المؤمنون عند شروطهم
إلا من عصى الله " وهو الأوجه (3)، انتهى.
وفي المسالك جعل أحد القولين ثبوت الخيار وعدم وجوب
الوفاء، مستدلا له بأصالة عدم وجوب الوفاء، والقول الآخر وجوب
الوفاء بالشرط، واستدل له: بعموم الأمر بالوفاء [بالعقد] (4)، والمؤمنون
عند شروطهم إلا من عصى الله، انتهى (5).
وظاهره: وحدة الخلاف في مسألتي وجوب الوفاء والتسلط على
الإجبار. كما أن ظاهر الصيمري: الاتفاق على وجوب الوفاء، بل وعلى

(1) راجع الصفحة 67.
(2) في " ق ": " للفسخ "، والظاهر أنه من سهو القلم.
(3) جامع المقاصد 4: 422.
(4) كذا في " ش " والمصدر، وفي " ق ": " بالشرط ".
(5) المسالك 3: 274.
69

عدم الإجبار فيما كان حقا مختصا (1) للبائع. والأظهر في كلمات الأصحاب
وجود الخلاف في المسألتين.
وكيف كان، فالأقوى ما اختاره جماعة (2): من أن للمشروط
[له] (3) إجبار المشروط عليه، لعموم وجوب الوفاء بالعقد والشرط، فإن
العمل بالشرط ليس إلا كتسليم العوضين، فإن المشروط له قد ملك الشرط
على المشروط عليه بمقتضى العقد المقرون بالشرط، فيجبر على تسليمه.
وما في جامع المقاصد: من توجيه عدم الإجبار: بأن له طريقا
إلى التخلص بالفسخ، ضعيف في الغاية، فإن الخيار إنما شرع بعد تعذر
الإجبار دفعا للضرر.
وقد يتوهم: أن ظاهر الشرط هو فعل الشئ اختيارا، فإذا امتنع
المشروط عليه فقد تعذر الشرط، وحصول الفعل منه كرها غير
ما شرط (4) عليه، فلا ينفع في الوفاء بالشرط.
ويندفع: بأن المشروط هو نفس الفعل مع قطع النظر عن الاختيار،
والإجبار إنما يعرض له من حيث إنه فعل واجب عليه، فإذا أجبر فقد
أجبر على نفس الواجب. نعم، لو صرح باشتراط صدور الفعل عنه
اختيارا وعن رضا منه لم ينفع إجباره في حصول الشرط.

(1) في محتمل " ق ": " محضا ".
(2) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 423، والشهيد الثاني في المسالك 3:
274، والمحقق السبزواري في الكفاية: 97، والنراقي في العوائد: 137، وصاحب
الجواهر في الجواهر 23: 218.
(3) لم يرد في " ق ".
(4) في " ش ": " اشترط ".
70

الثالثة
في أنه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الإجبار فيكون
مخيرا بينهما، أم لا يجوز له الفسخ إلا مع تعذر الإجبار؟ ظاهر
الروضة (1) وغير واحد (2) هو الثاني. وصريح موضع من التذكرة هو
الأول، قال: لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه آخر أو يقرضه بعد شهر أو
في الحال لزمه الوفاء بالشرط، فإن أخل به لم يبطل البيع، لكن يتخير
المشتري بين فسخه للبيع وبين إلزامه بما شرط (3)، انتهى.
ولا نعرف مستندا للخيار مع التمكن من الإجبار، لما عرفت: من
أن مقتضى العقد المشروط هو العمل على طبق الشرط اختيارا أو قهرا.
إلا أن يقال: إن العمل بالشرط حق لازم على المشروط عليه،
يجبر عليه إذا بنى المشروط له على الوفاء بالعقد، وأما إذا أراد الفسخ

(1) راجع الروضة 3: 506.
(2) كالمحقق السبزواري في الكفاية: 97، والنراقي في العوائد: 137، وصاحب
الجواهر في الجواهر 23: 219.
(3) التذكرة 1: 490.
71

لامتناع المشروط عليه عن الوفاء بالعقد على الوجه الذي وقع عليه،
فله ذلك، فيكون ذلك بمنزلة تقايل من الطرفين عن تراض منهما.
وهذا الكلام لا يجري مع امتناع أحدهما عن تسليم أحد العوضين
ليجوز للآخر فسخ العقد، لأن كلا منهما قد ملك ما في يد الآخر،
ولا يخرج عن ملكه بعدم تسليم صاحبه، فيجبران على ذلك. بخلاف
الشرط، فإن المشروط (1) حيث فرض فعلا - كالإعتاق - فلا معنى لتملكه،
فإذا امتنع المشروط عليه عنه فقد نقض العقد، فيجوز للمشروط له
أيضا نقضه، فتأمل.
ثم على المختار: من عدم الخيار إلا مع تعذر الإجبار، لو كان
الشرط من قبيل الإنشاء القابل للنيابة، فهل يوقعه الحاكم عنه إذا
فرض تعذر إجباره؟ الظاهر ذلك، لعموم ولاية السلطان على الممتنع،
فيندفع ضرر المشروط له بذلك.

(1) في " ق " زيادة: " له "، وهي من سهو القلم.
72

الرابعة
لو تعذر الشرط فليس للمشتري (1) إلا الخيار، لعدم دليل على
الأرش، فإن الشرط في حكم القيد لا يقابل بالمال، بل المقابلة عرفا
وشرعا إنما هي بين المالين، والتقييد أمر معنوي لا يعد مالا وإن كانت
مالية المال تزيد وتنقص بوجوده وعدمه، وثبوت الأرش في العيب
لأجل النص.
وظاهر العلامة قدس سره: ثبوت الأرش إذا اشترط عتق العبد فمات
العبد قبل العتق (2).
وتبعه الصيمري فيما إذا اشترط تدبير العبد، قال: فإن امتنع من
تدبيره تخير البائع بين الفسخ واسترجاع العبد وبين الإمضاء، فيرجع
بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقا وقيمته بشرط التدبير (3)، انتهى.
ومراده ب‍ " التفاوت ": مقدار جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة

(1) في " ش ": " للمشترط ".
(2) راجع التذكرة 1: 492.
(3) غاية المرام (مخطوط) 1: 305.
73

التفاوت إلى القيمة، لا تمام التفاوت، لأن للشرط قسطا من الثمن، فهو
مضمون به لا بتمام قيمته، كما نص عليه في التذكرة (1).
وضعف في الدروس (2) قول العلامة بما ذكرنا: من أن الثمن
لا يقسط على الشروط.
وأضعف منه ثبوت الأرش بمجرد امتناع المشتري عن الوفاء
بالشرط وإن لم يتعذر، كما عن الصيمري (3).
ولو كان الشرط عملا من المشروط عليه يعد مالا ويقابل بالمال
- كخياطة الثوب - فتعذر، ففي استحقاق المشروط له لأجرته أو مجرد
ثبوت الخيار له، وجهان.
قال في التذكرة: لو شرط على البائع عملا سائغا تخير المشتري
بين الفسخ والمطالبة به أو بعوضه إن فات وقته وكان مما يتقوم، كما لو
شرط تسليم الثوب مصبوغا فأتاه به غير مصبوغ وتلف في يد
المشتري، ولو لم يكن مما يتقوم تخير بين الفسخ والإمضاء مجانا (4)،
انتهى.
وقال أيضا: لو كان الشرط على المشتري مثل أن باعه داره
بشرط أن يصبغ له ثوبه فتلف الثوب، تخير البائع بين الفسخ والإمضاء
بقيمة الفائت إن كان مما له قيمة، وإلا مجانا (5)، انتهى.

(1) راجع التذكرة 1: 492.
(2) الدروس 3: 216.
(3) راجع غاية المرام (مخطوط) 1: 305.
(4) التذكرة 1: 491.
(5) التذكرة 1: 491.
74

والظاهر أن مراده ب‍ " ما يتقوم " ما يتقوم في نفسه، سواء كان
عملا محضا كالخياطة، أو عينا كمال العبد المشترط معه، أو عينا وعملا
كالصبغ، لا ما له مدخل في قيمة العوض، إذ كل شرط كذلك.
وما ذكره قدس سره لا يخلو عن وجه وإن كان مقتضى المعاوضة بين
العوضين بأنفسهما كون الشرط - مطلقا - قيدا غير مقابل بالمال، فإن
المبيع هو الثوب المخيط والعبد المصاحب للمال لا الثوب والخياطة والعبد
وماله، ولذا لا يشترط قبض ما بإزاء المال من النقدين في المجلس لو
كان من أحدهما. وسيجئ في المسألة السابعة المعاملة مع بعض الشروط
معاملة الأجزاء (1).

(1) انظر الصفحة 81.
75

الخامسة
لو تعذر الشرط وقد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه بتلف
أو بنقل أو رهن أو استيلاد، فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ. فإذا
فسخ ففي رجوعه عليه بالقيمة، أو بالعين مع بقائها بفسخ العقد الواقع
عليه من حينه، أو من أصله، وجوه تقدمت (1) في أحكام الخيار،
وتقدم (2): أن الأقوى الرجوع بالبدل، جمعا بين الأدلة.
هذا كله مع صحة العقد الواقع، بأن لا يكون منافيا للوفاء
بالشرط.
وأما لو كان منافيا - كبيع ما اشترط وقفه على البائع - ففي صحته
مطلقا أو مع إذن المشروط له أو إجازته، أو بطلانه، وجوه خيرها
أوسطها.
فلو باع بدون إذنه كان للمشروط [له] (3) فسخه وإلزامه بالوفاء

(1) كذا في " ق "، ولم يتقدم البحث عن أحكام الخيار، بل يأتي عن قريب
بعد حكم الشرط الفاسد. والحمل على سهو القلم أيضا بعيد، ولعله كان متقدما
في المسودة. ولذلك غيرهما مصحح " ش " ب‍ " يأتي "، وانظر الصفحة 152.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) لم يرد في " ق ".
76

بالشرط. نعم، لو لم نقل بإجبار المشروط عليه فالظاهر صحة العقد
الثاني.
فإذا فسخ المشروط له، ففي انفساخ العقد من حينه، أو من
أصله، أو الرجوع بالقيمة، وجوه، رابعها: التفصيل بين التصرف بالعتق
فلا يبطل - لبنائه على التغليب - فيرجع بالقيمة، وبين غيره فيبطل،
اختاره في التذكرة والروضة.
قال في فروع مسألة العبد المشترط عتقه بعد ما ذكر: أن إطلاق
اشتراط العتق يقتضي عتقه مجانا، فلو أعتقه بشرط الخدمة مدة، تخير
المشروط له بين الإمضاء والفسخ فيرجع بقيمة العبد. قال بعد ذلك:
ولو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه تخير البائع بين الفسخ والإمضاء،
فإن فسخ بطلت (1) العقود، لوقوعها في غير ملك تام، وتفارق (2) هذه
العتق بشرط الخدمة (3)، لأن العتق مبني على التغليب، فلا سبيل إلى
فسخه. وهل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما نقله المشتري؟ فيه
احتمال (4)، انتهى. ومثله ما في الروضة (5).
وقال في الدروس في العبد المشروط عتقه: ولو أخرجه عن
ملكه ببيع أو هبة أو وقف، فللبائع فسخ ذلك كله (6)، انتهى. وظاهره

(1) في " ش " والمصدر زيادة: " هذه ".
(2) في " ش ": " تخالف ".
(3) لم ترد " الخدمة " في المصدر.
(4) التذكرة 1: 492 - 493.
(5) راجع الروضة البهية 3: 506.
(6) الدروس 3: 216.
77

ما اخترناه، ويحتمل ضعيفا غيره.
وفي جامع المقاصد: الذي ينبغي، أن المشتري ممنوع من كل
تصرف ينافي العتق المشترط (1).
ثم إن هذا الخيار كما لا يسقط بتلف العين كذلك لا يسقط
بالتصرف فيها، كما نبه عليه في المسالك في أول خيار العيب فيما لو
اشترط الصحة على البائع (2).
نعم، إذا دل التصرف على الالتزام بالعقد [لزم العقد وسقط
الخيار] (3) نظير خيار المجلس والحيوان بناء على ما استفيد من بعض
أخبار خيار الحيوان المشتمل على سقوط خياره بالتصرف، معللا
بحصول الرضا بالعقد. وأما مطلق التصرف فلا.

(1) جامع المقاصد 4: 426.
(2) المسالك 3: 282.
(3) لم يرد في " ق ".
78

السادسة
للمشروط له إسقاط شرطه إذا كان مما يقبل الإسقاط، لا مثل
اشتراط مال العبد، أو حمل الدابة، لعموم ما تقدم في إسقاط الخيار
وغيره من الحقوق.
وقد يستثنى من ذلك ما كان حقا لغير المشروط له كالعتق، فإن
المصرح به في كلام جماعة - كالعلامة وولده والشهيدين وغيرهم -: عدم
سقوطه بإسقاط المشروط له.
قال في التذكرة: الأقوى عندي أن العتق المشروط اجتمع فيه
حقوق: حق لله، وحق للبائع، وحق آخر للعبد. ثم استقرب - بناء على
ما ذكره - مطالبة العبد بالعتق لو امتنع المشتري (1).
وفي الإيضاح: الأقوى أنه حق للبائع ولله تعالى، فلا يسقط
بالإسقاط (2)، انتهى.
وفي الدروس: لو أسقط البائع الشرط جاز إلا العتق، لتعلق حق

(1) التذكرة 1: 492.
(2) الإيضاح 1: 514.
79

العبد وحق الله تعالى به (1)، انتهى.
وفي جامع المقاصد: أن التحقيق أن العتق فيه معنى القربة والعبادة
وهو حق الله تعالى، وزوال الحجر وهو حق للعبد، وفوات المالية على
الوجه المخصوص للقربة وهو حق البائع (2) (3)، انتهى.
أقول: أما كونه حقا للبائع من حيث تعلق غرضه بوقوع هذا
الأمر المطلوب للشارع، فهو واضح. وأما كونه حقا للعبد، فإن أريد به
مجرد انتفاعه بذلك فهذا لا يقتضي سلطنة له على المشتري، بل هو
متفرع على حق البائع دائر معه وجودا وعدما. وإن أريد به ثبوت
حق على المشتري يوجب السلطنة على المطالبة فلا دليل عليه، ودليل
الوفاء لا يوجب إلا ثبوت الحق للبائع.
وبالجملة، فاشتراط عتق العبد ليس إلا كاشتراط أن يبيع المبيع من
زيد بأدون من ثمن المثل أو يتصدق به عليه، ولم يذكر أحد أن لزيد المطالبة.
ومما ذكر يظهر الكلام في ثبوت حق الله تعالى، فإنه إن أريد به
مجرد وجوبه عليه لأنه وفاء بما شرط العباد بعضهم لبعض فهذا جار في
كل شرط، ولا ينافي ذلك سقوط الشروط بالإسقاط. وإن أريد ما عدا
ذلك من حيث كون العتق مطلوبا لله - كما ذكره جامع المقاصد - ففيه:
أن مجرد المطلوبية إذا لم يبلغ حد الوجوب لا يوجب الحق لله على
وجه يلزم به الحاكم، ولا وجوب هنا من غير جهة وجوب الوفاء
بشروط العباد والقيام بحقوقهم. وقد عرفت أن المطلوب غير هذا، فافهم.

(1) الدروس 3: 216.
(2) في " ش " والمصدر: " للبائع ".
(3) جامع المقاصد 4: 421.
80

السابعة
قد عرفت أن الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن
عند انكشاف التخلف على المشهور، لعدم الدليل عليه بعد عدم دلالة
العقد عرفا على مقابلة أحد العوضين إلا بالآخر، والشرع لم يزد على
أن أمر (1) بالوفاء بذلك المدلول العرفي، فتخلف الشرط لا يقدح في تملك
كل منهما لتمام العوضين.
هذا، ولكن قد يكون الشرط تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة،
بأن يشتري مركبا ويشترط كونه (2) كذا وكذا جزءا، كأن يقول: بعتك
هذه الأرض أو الثوب أو الصبرة على أن يكون كذا ذراعا أو صاعا،
فقد جعل الشرط تركبه من أجزاء معينة.
فهل يلاحظ حينئذ جانب القيدية ويقال: إن المبيع هو العين
الشخصية المتصفة بوصف كونه كذا جزءا، فالمتخلف هو قيد من قيود
العين - كالكتابة ونحوها في العبد - لا يوجب فواتها إلا خيارا بين
الفسخ والإمضاء بتمام الثمن؟

(1) كذا في " ق "، وفي " ش ": " لم يزد على ذلك إذ أمره ".
(2) في " ق ": " كونها "، وهو سهو.
81

أو يلاحظ جانب الجزئية، فإن المذكور وإن كان بصورة القيد إلا
أن منشأ انتزاعه هو وجود الجزء الزائد وعدمه، فالمبيع في الحقيقة هو
كذا وكذا جزءا، إلا أنه عبر عنه بهذه العبارة، كما لو أخبره بوزن
المبيع المعين فباعه اعتمادا على إخباره، فإن وقوع البيع على العين
الشخصية لا يوجب عدم تقسيط الثمن على الفائت. وبالجملة، فالفائت
عرفا وفي الحقيقة هو الجزء وإن كان بصورة الشرط، فلا يجري فيه
ما مر: من عدم التقابل إلا بين نفس العوضين؟
ولأجل ما ذكرنا وقع الخلاف فيما لو باعه أرضا على أنها جربان
معينة، أو صبرة على أنها أصوع معينة.
وتفصيل ذلك: العنوان الذي ذكره في التذكرة بقوله: لو باعه شيئا
وشرط فيه قدرا معينا فتبين الاختلاف من حيث الكم، فأقسامه أربعة:
لأنه إما أن يكون مختلف الأجزاء أو متفقها،
وعلى التقديرين: فإما أن
يزيد وإما أن ينقص (1).
فالأول: تبين النقص في متساوي الأجزاء. ولا إشكال في الخيار،
وإنما الإشكال والخلاف في أن له الإمضاء بحصته (2) من الثمن، أو ليس
له الإمضاء إلا بتمام الثمن.
فالمشهور - كما عن غاية المرام (3) - هو الأول، وقد حكي عن
المبسوط والشرائع وجملة من كتب العلامة والدروس والتنقيح والروضة

(1) إلى هنا تم ما ذكره عن التذكرة مع تفاوت، راجع التذكرة 1: 494.
(2) في " ش ": " بحصة ".
(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 744، وراجع غاية المرام
(مخطوط) 1: 309.
82

وظاهر السرائر وإيضاح النافع (1) حيث اختارا ذلك في مختلف الأجزاء،
فيكون كذلك في متساوي الأجزاء بطريق أولى. ويظهر من استدلال
بعضهم على الحكم في مختلف الأجزاء كونه في متساوي الأجزاء مفروغا
عنه. وعن مجمع البرهان: أنه ظاهر القوانين الشرعية (2).
ووجهه - مضافا إلى فحوى الرواية الآتية في القسم الثاني - ما
أشرنا إليه: من أن كون المبيع الشخصي بذلك المقدار وإن كان بصورة
الشرط، إلا أن مرجعه إلى كون المبيع هذا القدر، كما لو كالا طعاما
فاشتراه فتبين الغلط في الكيل، ولا يرتاب أهل العرف في مقابلة الثمن
لمجموع المقدار المعين المشترط هنا.
خلافا لصريح القواعد (3) ومحكي الإيضاح (4). وقواه في محكي
حواشي الشهيد والميسية (5) والكفاية (6). واستوجهه في المسالك (7). ويظهر

(1) حكى عنهم جميعا السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 744، وراجع المبسوط
2: 155، والشرائع 2: 35، والتحرير 1: 177، والتبصرة: 100، الفصل الثامن
في التسليم، والمختلف 5: 267 - 268، والدروس 3: 198، والتنقيح الرائع 2: 76،
والروضة 3: 267، والسرائر 2: 377، وإيضاح النافع (مخطوط) لا يوجد لدينا.
(2) مجمع الفائدة 8: 530.
(3) القواعد 2: 92 - 93.
(4) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 744، وراجع إيضاح الفوائد 1:
517.
(5) حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 744، ولا يوجدان لدينا.
(6) كفاية الأحكام: 90، وفيه: " الأقرب... ".
(7) المسالك 3: 280.
83

من جامع المقاصد (1) أيضا،
لأن المبيع هو الموجود الخارجي كائنا ما
كان، غاية الأمر أنه التزم أن يكون بمقدار معين، وهو وصف غير
موجود في المبيع، فأوجب الخيار، كالكتابة المفقودة في العبد. وليس
مقابل الثمن نفس ذلك المقدار، لأنه غير موجود في الخارج، مع أن
مقتضى تعارض الإشارة والوصف غالبا ترجيح الإشارة عرفا، فإرجاع
قوله: " بعتك هذه الصبرة على أنها عشرة أصوع " إلى قوله: " بعتك
عشرة أصوع موجودة في هذا المكان " تكلف.
والجواب: أن كونه من قبيل الشرط مسلم، إلا أن الكبرى وهي:
" أن كل شرط لا يوزع عليه الثمن " ممنوعة، فإن المستند في عدم التوزيع
عدم المقابلة عرفا، والعرف حاكم في هذا الشرط بالمقابلة، فتأمل.
الثاني: تبين النقص في مختلف الأجزاء. والأقوى فيه ما ذكر من
التقسيط مع الإمضاء، وفاقا للأكثر، لما ذكر سابقا: من قضاء العرف
بكون ما انتزع منه الشرط جزءا من المبيع، مضافا إلى خبر ابن
حنظلة: " رجل باع أرضا على أنها عشرة أجربة، فاشترى المشتري
منه بحدوده ونقد الثمن وأوقع صفقة البيع وافترقا، فلما مسح الأرض
فإذا هي خمسة أجربة؟ قال: فإن شاء استرجع فضل ماله وأخذ
الأرض، وإن شاء رد المبيع وأخذ المال كله، إلا أن يكون له إلى جنب
تلك الأرض أرضون فليوفيه (2)، ويكون البيع لازما، فإن لم يكن له في

(1) جامع المقاصد 4: 428 و 430.
(2) كذا في " ق "، وفي " ش ": " فليوفه " - مثل التهذيب - وفي الفقيه: " فيوفيه "،
وفي الوسائل: " فليؤخذ ".
84

ذلك المكان غير الذي باع، فإن شاء المشتري أخذ الأرض واسترجع
فضل ماله، وإن شاء رد الأرض وأخذ المال كله... الخبر " (1).
ولا بأس باشتماله على حكم مخالف للقواعد، لأن غاية الأمر على
فرض عدم إمكان إرجاعه إليها ومخالفة ظاهره للإجماع طرح ذيله الغير
المسقط لصدره عن الاحتجاج.
خلافا للمحكي عن المبسوط (2) وجميع من قال في الصورة الأولى
بعدم التقسيط (3)، لما ذكر هناك: من كون المبيع عينا خارجيا لا يزيد
ولا ينقص لوجود الشرط وعدمه، والشرط التزام من البائع بكون تلك
العين بذلك المقدار، كما لو اشترط حمل الدابة أو مال العبد فتبين
عدمهما. وزاد بعض هؤلاء (4) [على] (5) ما فرق به في المبسوط بين
الصورتين (6): بأن الفائت هنا لا يعلم قسطه من الثمن، لأن المبيع مختلف
الأجزاء، فلا يمكن قسمته على عدد الجربان.
وفيه - مضافا إلى (7) أن عدم معلومية قسطه لا يوجب عدم

(1) ما نقله قدس سره هو الحديث بتمامه، ولا وجه لزيادة " الخبر "، راجع الوسائل
12: 361، الباب 14 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(2) المبسوط 2: 154.
(3) تقدم عنهم في الصفحة 83.
(4) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 428، والشهيد الثاني في المسالك 3:
278.
(5) اقتضاه السياق.
(6) المبسوط 3: 155.
(7) لم يرد " مضافا إلى " في " ش ".
85

استحقاق المشتري ما يستحقه على تقدير العلم، فيمكن التخلص
بصلح أو نحوه، إلا أن يدعى استلزام ذلك جهالة ثمن المبيع في
ابتداء العقد، مع عدم إمكان العلم به عند الحاجة إلى التقسيط،
وفيه نظر (1) -: منع عدم المعلومية، لأن الفائت صفة كون هذه
الأرض المعينة المشخصة عشرة أجربة، ويحصل فرضه - وإن كان
المفروض مستحيل الوقوع - بتضاعف كل جزء من الأرض، لأنه
معنى فرض نفس الخمسة عشرة. وفرضه أيضا بصيرورة ثلاثة منها
ثمانية أو أربعة تسعة أو واحد ستة أو غير ذلك وإن كان ممكنا،
إلا أنه لا يقدح (2) مع فرض تساوي قطاع الأرض، ومع اختلافها
فظاهر التزام كونها عشرة مع رؤية قطاعها المختلفة أو وصفها له يقضي
بلزوم كون كل جزء منها مضاعفا على ما هو عليه من الصفات المرئية
أو الموصوفة.
ثم إن المحكي عن الشيخ العمل بذيل الرواية المذكورة (3)، ونفى
عنه البعد في التذكرة (4) معللا: بأن القطعة المجاورة للمبيع أقرب إلى المثل
من الأرش.
وفيه - مع منع كون نحو الأرض مثليا -: أن الفائت لم يقع

(1) لم ترد " نظر " في " ش ".
(2) كذا في " ق "، وفي " ش ": " لا ينفع ".
(3) وهو المعبر عنه في بعض الكتب - مثل المسالك 3: 278 - بالقول الثالث
للشيخ المحكي عن نهايته، وراجع النهاية: 420.
(4) التذكرة 1: 494.
86

المعاوضة عليه في ابتداء العقد، وقسطه من الثمن باق في ملك المشتري،
وليس مضمونا على البائع حتى يقدم مثله على قيمته. وأما الشيخ قدس سره
فالظاهر استناده في ذلك إلى الرواية.
الثالث: أن تتبين الزيادة عما شرط على البائع. فإن دلت
القرينة على أن المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار لا بشرط عدم
الزيادة، فالظاهر أن الكل للمشتري ولا خيار.
وإن أريد ظاهره - وهو
كونه شرطا للبائع من حيث عدم الزيادة وعليه من حيث عدم النقيصة -
ففي كون الزيادة للبائع وتخير المشتري للشركة، أو تخير البائع بين
الفسخ والإجازة لمجموع الشئ بالثمن، وجهان:
من أن مقتضى ما تقدم - من أن اشتراط بلوغ المقدار المعين
بمنزلة تعلق البيع به فهو شرط صورة وله حكم الجزء عرفا -: أن
اشتراط عدم الزيادة على المقدار المعين هنا بمنزلة الاستثناء وإخراج
الزائد عن المبيع (1).
ومن الفرق بينهما: بأن اشتراط عدم الزيادة شرط عرفا، وليس
بمنزلة الاستثناء، فتخلفه لا يوجب إلا الخيار.
ولعل هذا أظهر، مضافا إلى إمكان الفرق بين الزيادة والنقيصة
- مع اشتراكهما لكون (2) مقتضى القاعدة فيهما كونهما من تخلف الوصف
لا نقص الجزء أو زيادته -: بورود النص المتقدم في النقيصة، ويبقى
الزيادة على مقتضى الضابطة، ولذا اختار الاحتمال الثاني بعض من قال

(1) في ظاهر " ق ": " البيع ".
(2) كذا في " ق "، وفي " ش ": " في كون ".
87

بالتقسيط في طرف (1) النقيصة (2).
وقد يحكى عن المبسوط القول بالبطلان هنا (3)، لأن البائع لم يقصد
بيع الزائد والمشتري لم يقصد شراء البعض. وفيه تأمل.
الرابع (4): أن تتبين الزيادة في مختلف الأجزاء، وحكمه يعلم مما
ذكرنا.

(1) في " ش ": " أطراف ".
(2) مثل صاحب الجواهر، انظر الجواهر 23: 232 وراجع مفتاح الكرامة 4:
743.
(3) لم نعثر على الحاكي عنه في متساوي الأجزاء، نعم حكي عنه في مختلف
الأجزاء، راجع مفتاح الكرامة 4: 743، والمبسوط 2: 152 - 155.
(4) في " ق ": " الرابعة ". وهو سهو.
88

[مسألة] (1)
في حكم الشرط الفاسد
[والكلام فيه يقع في أمور:] (2)
[الأول] (3)
[أن الشرط الفاسد] (4) لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به، بل
هو داخل في الوعد، فإن كان العمل به مشروعا استحب الوفاء به على
القول بعدم فساد أصل العقد.
ولا تأمل أيضا في أن الشرط الفاسد لأجل الجهالة يفسد العقد،
لرجوع الجهالة فيه إلى جهالة أحد العوضين، فيكون البيع غررا.
وكذا لو كان الاشتراط موجبا لمحذور آخر في أصل البيع،
كاشتراط بيع المبيع من البائع ثانيا، لأنه موجب للدور، أو لعدم القصد
إلى البيع الأول، أو للتعبد من أجل الإجماع أو النص. وكاشتراط جعل

(1) العنوان منا.
(2) ما بين المعقوفات لم يرد في " ق "، وأثبتناه من " ش " لاقتضاء السياق له.
(3) ما بين المعقوفات لم يرد في " ق "، وأثبتناه من " ش " لاقتضاء السياق له.
(4) ما بين المعقوفات لم يرد في " ق "، وأثبتناه من " ش " لاقتضاء السياق له.
89

الخشب المبيع صنما، لأن المعاملة على هذا الوجه أكل للمال بالباطل،
ولبعض الأخبار (1).
وإنما الإشكال فيما كان فساده لا لأمر مخل بالعقد، فهل يكون مجرد
فساد الشرط موجبا لفساد العقد أم يبقى العقد على الصحة؟ قولان:
حكي أولهما (2) عن الشيخ (3) والإسكافي (4) وابن البراج (5) وابن سعيد (6)،
وثانيهما للعلامة (7) والشهيدين (8) والمحقق الثاني (9) وجماعة ممن تبعهم (10).

(1) راجع الوسائل 12: 127، الباب 41 من أبواب ما يكتسب به.
(2) كذا في النسخ، ولكن المحكي في الموردين عكس ذلك، كما نبه عليه الشهيدي
في حاشيته بقوله: " ينبغي أن يقول ثانيهما عن الشيخ والإسكافي وابن البراج
وابن سعيد، وأولهما للعلامة إلى آخره، فراجع كلماتهم " هداية الطالب: 580،
وراجع مفتاح الكرامة 4: 732، والجواهر 23: 211.
(3) المبسوط 2: 149.
(4) حكاه عنه العلامة في المختلف 5: 298.
(5) حكاه عنه العلامة أيضا في المختلف 5: 298، ولم نعثر عليه فيما بأيدينا من
كتبه، بل الموجود في المهذب 1: 389 الحكم بالفساد.
(6) الجامع للشرائع: 272.
(7) راجع المختلف 5: 298، والقواعد 2: 90، وغيرهما من كتبه.
(8) راجع الدروس 3: 214 - 215، واللمعة وشرحها (الروضة البهية) 3:
505، والمسالك 3: 273.
(9) جامع المقاصد 4: 431.
(10) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 2: 70 و 74، والمحقق الأردبيلي 8: 148،
والمحقق السبزواري في الكفاية: 97، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة 4:
732.
90

وظاهر ابن زهرة في الغنية: التفصيل بين الشرط الغير المقدور
كصيرورة الزرع سنبلا والبسر تمرا، وبين غيره من الشروط الفاسدة،
فادعى في الأول عدم الخلاف في الفساد والإفساد (1). ومقتضى التأمل في
كلامه: أن الوجه في ذلك صيرورة المبيع غير مقدور على تسليمه، ولو
صح ما ذكره من الوجه خرج هذا القسم من الفاسد عن محل الخلاف،
لرجوعه - كالشرط المجهول - إلى ما يوجب اختلال بعض شروط العوضين.
لكن صريح العلامة في التذكرة: وقوع الخلاف في الشرط الغير
المقدور، ومثله بالمثالين المذكورين، ونسب القول بصحة العقد إلى بعض
علمائنا (2).
والحق: أن الشرط الغير المقدور من حيث هو غير مقدور
لا يوجب تعذر التسليم في أحد العوضين. نعم، لو أوجبه فهو خارج
عن محل النزاع، كالشرط المجهول حيث يوجب كون المشروط بيع الغرر.
وربما ينسب إلى ابن المتوج البحراني (3) التفصيل بين الفاسد لأجل
عدم تعلق غرض مقصود للعقلاء به فلا يوجب فساد العقد - كأكل
طعام بعينه أو لبس ثوب كذلك - وبين غيره.
وقد تقدم (4) في اشتراط كون الشرط مما يتعلق به غرض مقصود

(1) الغنية: 215.
(2) التذكرة 1: 490.
(3) نسبه إليه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 732، وصاحب الجواهر في
الجواهر 23: 211.
(4) تقدم في الصفحة 20.
91

للعقلاء عن التذكرة وغيرها: أن هذا الشرط لغو لا يؤثر الخيار،
والخلاف في أن اشتراط الكفر صحيح أم لا، وعدم الخلاف ظاهرا في
لغوية اشتراط كيل المسلم فيه بمكيال شخصي معين.
وظاهر ذلك كله التسالم على صحة العقد ولو مع لغوية الشرط.
ويؤيد الاتفاق على [عدم] (1) الفساد استدلال القائلين بالإفساد:
بأن للشرط قسطا من الثمن، فيصير الثمن مع فساد الشرط مجهولا.
نعم، استدلالهم الآخر على الإفساد بعدم التراضي مع انتفاء
الشرط ربما يؤيد عموم محل الكلام لهذا الشرط، إلا أن الشهيدين ممن
استدل بهذا الوجه وصرح بلغوية اشتراط الكفر والجهل بالعبادات،
بحيث يظهر منه صحة العقد، فراجع (2).
وكيف كان، فالقول بالصحة في أصل المسألة لا يخلو عن قوة،
وفاقا لمن تقدم، لعموم الأدلة السالم عن معارضة ما يخصصه،
عدا وجوه:
أحدها: ما ذكره في المبسوط للمانعين: من أن للشرط قسطا من
العوض مجهولا، فإذا سقط لفساده صار العوض مجهولا (3).
وفيه - بعد النقض بالشرط الفاسد في النكاح الذي يكون بمنزلة
جزء من الصداق فيجب على هذا سقوط المسمى والرجوع إلى مهر المثل -:
أولا: منع مقابلة شئ (4) من العوضين عرفا ولا شرعا، لأن

(1) لم يرد في " ق "، والظاهر سقوطه من القلم.
(2) راجع الدروس 3: 215، ولم نعثر عليه في كتب الشهيد الثاني.
(3) المبسوط 2: 149.
(4) كذا في " ق " أيضا، والأولى في العبارة: " مقابلة الشرط بشئ " كما استظهره
مصحح " ش ".
92

مدلول العقد هو وقوع المعاوضة بين الثمن والمثمن، غاية الأمر كون
الشرط قيدا لأحدهما يكون له دخل في زيادة العوض ونقصانه،
والشرع لم يحكم على هذا العقد إلا بإمضائه على النحو الواقع عليه،
فلا يقابل الشرط بجزء من العوضين، ولذا لم يكن في فقده إلا الخيار
بين الفسخ والإمضاء مجانا، كما عرفت.
وثانيا: منع جهالة ما بإزاء الشرط من العوض، إذ ليس العوض
المنضم إلى الشرط والمجرد عنه إلا كالمتصف بوصف الصحة والمجرد عنه،
في كون التفاوت بينهما مضبوطا في العرف، ولذا حكم العلامة فيما
تقدم (1) بوجوب الأرش لو لم يتحقق العتق المشروط في صحة بيع
المملوك، وبلزوم قيمة الصبغ المشروط في بيع الثوب.
وثالثا: منع كون الجهالة الطارئة على العوض قادحة، إنما القادح
هو الجهل به عند إنشاء العقد.
الثاني: أن التراضي إنما وقع على العقد الواقع على النحو الخاص،
فإذا تعذرت الخصوصية لم يبق التراضي، لانتفاء المقيد بانتفاء القيد،
وعدم بقاء الجنس مع ارتفاع الفصل، فالمعاوضة بين الثمن والمثمن بدون
الشرط معاوضة أخرى محتاجة إلى تراض جديد وإنشاء جديد، وبدونه
يكون التصرف أكلا للمال لا عن تراض.
وفيه: منع كون ارتباط الشرط بالعقد على وجه يحوج انتفاؤه إلى
معاملة (2) جديدة عن تراض جديد. ومجرد الارتباط لا يقتضي ذلك،

(1) تقدم في الصفحة 73، وراجع التذكرة 1: 491 و 492.
(2) في " ش ": " معاوضة ".
93

كما إذا تعذر بعض (1) أحد العوضين، أو انكشف فقد بعض الصفات
المأخوذة في البيع، كالكتابة والصحة، وكالشروط الفاسدة في عقد
النكاح، فإنه لا خلاف نصا (2) وفتوى في عدم فساد النكاح بمجرد فساد
شرطه المأخوذ فيه. وقد تقدم (3): أن ظاهرهم في الشرط الغير المقصود
للعقلاء في السلم وغيره عدم فساد العقد به، وتقدم (4) أيضا: أن ظاهرهم
أن الشرط الغير المذكور في العقد لا حكم له، صحيحا كان أو فاسدا.
ودعوى: أن الأصل في الارتباط هو انتفاء الشئ بانتفاء ما
ارتبط به، ومجرد عدم الانتفاء في بعض الموارد لأجل الدليل لا يوجب
التعدي، مدفوعة: بأن المقصود من بيان الأمثلة: أنه لا يستحيل
التفكيك بين الشرط والعقد، وأنه ليس التصرف المترتب على العقد بعد
انتفاء ما ارتبط به في الموارد المذكورة تصرفا لا عن تراض جوزه
الشارع تعبدا وقهرا على المتعاقدين، فما هو التوجيه في هذه الأمثلة هو
التوجيه فيما نحن فيه، ولذا اعترف في جامع المقاصد: بأن في الفرق بين
الشرط الفاسد والجزء الفاسد عسرا (5).
والحاصل: أنه يكفي للمستدل بالعمومات منع كون الارتباط

(1) في " ش ": " إذا تبين نقص ".
(2) راجع الوسائل 15: 40، الباب 29 من أبواب المهور، والصفحة 340، الباب
42 من أبواب كتاب الطلاق.
(3) تقدم في الصفحة 20.
(4) تقدم في الصفحة 54 وما بعدها.
(5) جامع المقاصد 4: 431 - 432.
94

مقتضيا لكون العقد بدون الشرط تجارة لا عن تراض، مستندا إلى
النقض بهذه الموارد. وحل ذلك: أن القيود المأخوذ [ة] (1) في المطلوبات
العرفية والشرعية:
منها: ما هو ركن للمطلوب، ككون المبيع حيوانا ناطقا لا ناهقا (2)،
وكون مطلوب المولى إتيان تتن الشطب لا الأصفر الصالح للنارجيل،
ومطلوب الشارع الغسل بالماء للزيارة (3)، فإن العرف يحكم في هذه
الأمثلة بانتفاء المطلوب لانتفاء هذه القيود، فلا يقوم الحمار مقام العبد،
ولا الأصفر مقام التتن، ولا التيمم مقام الغسل.
ومنها: ما ليس كذلك، ككون العبد صحيحا، والتتن جيدا، والغسل
بماء الفرات، فإن العرف يحكم في هذه الموارد بكون الفاقد نفس
المطلوب. والظاهر أن الشرط من هذا القبيل، لا من قبيل الأول،
فلا يعد التصرف الناشئ عن العقد بعد فساد الشرط تصرفا لا عن تراض.
نعم، غاية الأمر أن فوات القيد هنا موجب للخيار لو كان
المشروط له جاهلا بالفساد، نظير فوات الجزء والشرط الصحيحين.
ولا مانع من التزامه وإن لم يظهر منه أثر في كلام القائلين بهذا القول.

(1) الزيادة اقتضتها الضرورة.
(2) كان أصل العبارة في " ق " هكذا: " ككون المبيع إنسانا لا حمارا " ثم شطب
على " إنسانا " وكتب بدله: " حيوانا ناطقا، لا ناهقا " وبقيت كلمة " لا حمارا " لم
يشطب عليها، ومن هنا وقع الالتباس وأثبتت العبارة في بعض النسخ هكذا:
" ككون المبيع حيوانا ناطقا، لا ناهقا حمارا "، كما في " ف " و " ن ".
(3) في " ش " زيادة: " لأجل التنظيف ".
95

الثالث: رواية عبد الملك بن عتبة عن الرضا عليه السلام (1): " عن
الرجل ابتاع منه طعاما أو متاعا على أن ليس منه علي وضيعة، هل
يستقيم ذلك؟ ما حد ذلك (2)؟ قال: لا ينبغي " (3) والظاهر أن المراد
الحرمة لا الكراهة كما في المختلف (4)، إذ مع صحة العقد لا وجه لكراهة
الوفاء بالوعد.
ورواية الحسين بن المنذر: " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
الرجل يجيئني فيطلب مني العينة، فأشتري المتاع من أجله، ثم أبيعه
إياه، ثم أشتريه منه مكاني؟ فقال: إذا كان هو بالخيار إن شاء باع
وإن شاء لم يبع، وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم
تشتر فلا بأس، فقلت: إن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد،
ويقولون: إنه إن جاء به بعد أشهر صح، قال: إنما هذا تقديم وتأخير
لا بأس " (5) فإن مفهومه ثبوت البأس إذا لم يكونا أو أحدهما مختارا في
ترك المعاملة الثانية، وعدم الاختيار في تركها إنما يتحقق باشتراط فعلها
في ضمن العقد الأول، وإلا فلا يلزم له (6) عليها، فيصير الحاصل: أنه

(1) كذا في " ق " أيضا، والموجود في التهذيب والوسائل: " سألت أبا الحسن
موسى عليه السلام ".
(2) العبارة في " ش ": " هل يستقيم هذا؟ وكيف هذا؟ وما حد ذلك؟ "، وفي
التهذيب والوسائل: " هل يستقيم هذا؟ وكيف يستقيم وجه ذلك؟ ".
(3) الوسائل 12: 409، الباب 35 من أبواب أحكام العقود.
(4) المختلف 5: 311.
(5) الوسائل 12: 370، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 4.
(6) لم ترد " له " في " ش ".
96

إذا باعه بشرط أن يبيعه منه أو يشتريه منه لم يصح البيع الأول فكذا
الثاني، أو لم يصح الثاني لأجل فساد الأول، إذ لا مفسد له غيره.
ورواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: " سألته عن رجل
باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل، ثم اشتراه بخمسة نقدا، أيحل؟ قال:
إذا لم يشترطا ورضيا فلا بأس " (1) ودلالتها أوضح من الأولى.
والجواب أما عن الأولى: فبظهور " لا ينبغي " في الكراهة،
ولا مانع من كراهة البيع على هذا النحو، لا (2) أن البيع صحيح غير
مكروه والوفاء بالشرط مكروه.
وأما عن الروايتين:
فأولا: بأن الظاهر من الرواية (3) - بقرينة حكاية فتوى أهل
المسجد على خلاف قول الإمام عليه السلام في الرواية الأولى - هو رجوع
البأس في المفهوم إلى الشراء، ولا ينحصر وجه فساده في فساد البيع،
لاحتمال أن يكون من جهة عدم الاختيار فيه الناشئ عن التزامه في
خارج العقد الأول، فإن العرف لا يفرقون في إلزام المشروط عليه
بالوفاء بالشرط بين وقوع الشرط في متن العقد أو في الخارج، فإذا
التزم به أحدهما في خارج العقد الأول كان وقوعه للزومه عليه عرفا،
فيقع لا عن رضا منه فيفسد.
وثانيا: بأن غاية مدلول الرواية فساد البيع المشروط فيه بيعه

(1) الوسائل 12: 371، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 6.
(2) في " ش " بدل " لا ": " من ".
(3) في " ش ": " الروايتين ".
97

عليه ثانيا، وهو مما لا خلاف فيه حتى ممن قال بعدم فساد العقد
بفساد شرطه - كالشيخ في المبسوط (1) - فلا يتعدى منه إلى غيره، فلعل
البطلان فيه للزوم الدور كما ذكره العلامة (2)، أو لعدم قصد البيع
كما ذكره الشهيد قدس سره (3)، أو لغير ذلك.
بل التحقيق: أن مسألة اشتراط بيع المبيع خارجة عما نحن فيه،
لأن الفساد ليس لأجل كون نفس الشرط فاسدا، لأنه في نفسه ليس
مخالفا للكتاب والسنة، ولا منافيا لمقتضى العقد، بل الفساد في أصل
البيع لأجل نفس هذا الاشتراط فيه لا لفساد ما اشترط. وقد أشرنا
إلى ذلك في أول المسألة، ولعله لما ذكرنا لم يستند إليهما (4) أحد في
مسألتنا هذه.
والحاصل: أني لم أجد لتخصيص العمومات في هذه المسألة ما
يطمئن (5) به النفس.
ويدل على الصحة أيضا جملة من الأخبار:
منها: ما عن المشايخ الثلاثة - في الصحيح - عن الحلبي عن
الصادق عليه السلام: " أنه ذكر أن بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة،
فاشترتها عائشة فأعتقتها، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إن
شاءت قعدت عند زوجها وإن شاءت فارقته، وكان مواليها الذين

(1) المبسوط 2: 149.
(2) التذكرة 1: 490.
(3) الدروس 3: 216.
(4) في " ش ": " إليها ".
(5) كذا، والأنسب: " تطمئن ".
98

باعوها اشترطوا على عائشة أن لهم ولاءها، فقال صلى الله عليه وآله: الولاء
لمن أعتق " (1).
وحملها على الشرط الخارج عن العقد مخالف لتعليل فساده في
هذه الرواية إشارة وفي غيرها صراحة بكونه مخالفا للكتاب والسنة.
فالإنصاف: أن الرواية في غاية الظهور.
ومنها: مرسلة جميل وصحيحة الحلبي:
الأولى عن أحدهما عليهما السلام: " في الرجل يشتري الجارية ويشترط
لأهلها أن لا يبيع ولا يهب ولا يورث، قال: يفي بذلك إذا شرط لهم،
إلا الميراث " (2).
فإن الحكم بوجوب الوفاء بالأولين دون الثالث مع اشتراط
الجميع في العقد لا يكون إلا مع عدم فساد العقد بفساد شرطه. ولو
قلنا بمقالة المشهور: من فساد اشتراط عدم البيع والهبة - حتى أنه
حكي عن كاشف الرموز: أني لم أجد عاملا بهذه الرواية (3) - كان الأمر
بالوفاء محمولا على الاستحباب ويتم المطلوب أيضا، ويكون استثناء
اشتراط الإرث، لأن الملك فيه قهري للوارث، لا معنى لاستحباب وفاء

(1) الكافي 5: 486، الحديث الأول، والفقيه 3: 134، الحديث 3497، والتهذيب
7: 341، الحديث 1396، وراجع الوسائل 14: 559، الباب 52 من أبواب
نكاح العبيد والإماء، الحديث 2، و 16: 40، الباب 37 من كتاب العتق،
الحديث 2.
(2) الوسائل 15: 49، الباب 40 من أبواب المهور، الحديث 3.
(3) كشف الرموز 1: 475.
99

المشتري به. مع أن تحقق الإجماع على بطلان شرط عدم البيع والهبة
ممنوع، كما لا يخفى.
والثانية عن أبي عبد الله عليه السلام: " عن الشرط في الإماء،
لا تباع (1) ولا توهب؟ قال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث،
وكل شرط خالف كتاب الله فهو رد... الخبر " (2) فإن قوله عليه السلام:
" فإنها تورث " يدل على بقاء البيع الذي شرط فيه أن لا تورث على
الصحة، بل يمكن أن يستفاد من قوله بعد ذلك: " كل شرط خالف
كتاب الله عز وجل فهو رد " - أي لا يعمل به -: أن جميع ما ورد في
بطلان الشروط المخالفة لكتاب الله جل ذكره يراد بها عدم العمل
بالشرط، لا بطلان أصل البيع. ويؤيده ما ورد في بطلان الشروط
الفاسدة في ضمن عقد النكاح (3).
وقد يستدل على الصحة: بأن صحة الشرط فرع على صحة البيع،
فلو كان الحكم بصحة البيع موقوفا على صحة الشرط لزم الدور. وفيه
ما لا يخفى.
والإنصاف: أن المسألة في غاية الإشكال، ولذا توقف فيها بعض
تبعا للمحقق قدس سره (4).

(1) في " ش " زيادة: " ولا تورث ".
(2) الوسائل 13: 43، الباب 15 من أبواب بيع الحيوان، الحديث الأول.
(3) راجع تفصيل ذلك في الصفحة 23 - 24 و 94.
(4) راجع الشرائع 2: 34، حيث قال: " قيل: يصح البيع ويبطل الشرط "، ولم
يحكم بشئ، ويظهر من ابن فهد في المهذب البارع (2: 406 - 407)، حيث
نقل القولين ولم يحكم بشئ، وهو الظاهر من إيضاح الفوائد 1: 518 أيضا.
100

ثم على تقدير صحة العقد، ففي ثبوت الخيار للمشروط له مع
جهله بفساد الشرط وجه، من حيث كونه في حكم تخلف الشرط
الصحيح، فإن المانع الشرعي كالعقلي، فيدل عليه ما يدل على خيار
تخلف الشرط. ولا فرق في الجهل المعتبر في الخيار بين كونه بالموضوع
أو بالحكم الشرعي، ولذا يعذر الجاهل بثبوت الخيار أو بفوريته.
ولكن يشكل: بأن العمدة في خيار تخلف الشرط هو الإجماع،
وأدلة نفي الضرر قد تقدم - غير مرة - أنها لا تصلح لتأسيس الحكم
الشرعي إذا لم يعتضد بعمل جماعة، لأن المعلوم إجمالا أنه لو عمل
بعمومها لزم منه تأسيس فقه جديد خصوصا إذا جعلنا الجهل بالحكم
الشرعي عذرا، فرب ضرر يترتب على المعاملات من أجل الجهل
بأحكامها، خصوصا الصحة والفساد، فإن ضرورة الشرع قاضية في
أغلب الموارد بأن الضرر المترتب على فساد معاملة مع الجهل به
لا يتدارك، مع أن مقتضى تلك الأدلة نفي الضرر الغير الناشئ عن
تقصير المتضرر في دفعه، سواء كان الجهل متعلقا بالموضوع أم بالحكم،
وإن قام الدليل في بعض المقامات على التسوية بين القاصر والمقصر.
فالأقوى في المقام عدم الخيار وإن كان يسبق خلافه في بوادي
الأنظار (1).

(1) في " ش ": " بادي الأنظار ".
101

الثاني
لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد على القول بإفساده، لم يصح
بذلك العقد، لانعقاده بينهما على الفساد، فلا ينفع إسقاط المفسد.
ويحتمل الصحة بناء على أن التراضي إنما حصل على العقد المجرد
عن الشرط، فيكون كتراضيهما عليه حال العقد.
وفيه: أن التراضي إنما ينفع إذا وقع عليه العقد أو لحق العقد
السابق، كما في بيع المكره والفضولي، أما إذا طرأ الرضا على غير
ما وقع عليه العقد فلا ينفع، لأن متعلق الرضا لم يعقد عليه ومتعلق
العقد لم يرض به.
ويظهر من بعض مواضع التذكرة التردد في الفساد بعد إسقاط
الشرط، قال: يشترط في العمل المشروط على البائع أن يكون محللا،
فلو اشترى العنب على شرط أن يعصره البائع خمرا لم يصح الشرط
والبيع على إشكال، ينشأ من جواز إسقاط المشتري الشرط عن البائع
والرضا به خاليا عنه وهو المانع من صحة البيع، ومن اقتران البيع
بالمبطل.
وبالجملة، فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من أصله
102

بحيث لو رضي صاحبه بإسقاطه لا يرجع البيع صحيحا، أو إيقاف البيع
بدونه فإن لم يرض بدونه بطل وإلا صح؟ نظر (1)، انتهى.
ولا يعرف وجه لما ذكره من احتمال الإيقاف.

(1) التذكرة 1: 490.
103

[الثالث] (1)
لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا ولم يذكر في العقد، فهل
يبطل العقد بذلك بناء على أن الشرط الفاسد مفسد أم لا؟ وجهان، بل
قولان مبنيان على تأثير الشرط قبل العقد.
فإن قلنا: بأنه لا حكم له - كما هو ظاهر المشهور، وقد تقدم في
الشروط - لم يفسد، وإلا فسد (2). ويظهر من المسالك هنا قول ثالث،
قال في مسألة اشتراط بيع المبيع من البائع: المراد باشتراط ذلك شرطه
في متن العقد، فلو كان في أنفسهما ذلك ولم يشترطاه لم يضر. ولو
شرطاه قبل العقد لفظا، فإن كانا يعلمان بأن الشرط المتقدم لا حكم له،
فلا أثر له، وإلا اتجه بطلان العقد كما لو ذكراه في متنه، لأنهما لم يقدما
إلا على الشرط ولم يتم لهما، فيبطل العقد (3)، انتهى.
وفي باب المرابحة بعد ذكر المحقق في المسألة المذكورة: أنه " لو كان

(1) مكانه بياض في " ق ".
(2) في " ش ": " أفسد ".
(3) المسالك 3: 224.
104

من قصدهما ذلك ولم يشترطاه لفظا كره " قال في المسالك: أي لم
يشترطا في نفس العقد فلا عبرة بشرطه قبله. نعم، لو توهم لزوم ذلك
أو نسي ذكره فيه مع ذكره قبله، اتجه الفساد (1)، انتهى.
ثم حكى اعتراضا على المحقق قدس سره وجوابا عنه بقوله:
قيل عليه: إن مخالفة القصد للفظ تقتضي بطلان العقد، لأن العقود
تتبع القصود، فكيف يصح العقد مع مخالفة اللفظ للقصد. وأجيب: بأن
القصد وإن كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر في البطلان، لتوقف البطلان
على اللفظ والقصد، وكذلك الصحة، ولم يوجد في الفرض. ثم قال قدس سره:
وفيه منع ظاهر، فإن اعتبارهما معا في الصحة يقتضي كون تخلف
أحدهما كافيا في البطلان، ويرشد إليه عبارة الساهي والنائم (2) والمكره،
فإن المتخلف الموجب للبطلان هو القصد [خاصة، وإلا فاللفظ موجود] (3).
ثم قال: والذي ينبغي فهمه أنه لا بد من قصدهما [إلى] (4) البيع
المترتب عليه أثر الملك للمشتري على وجه لا يلزمه رده، وإنما يفتقر
قصدهما لرده بعد ذلك بطريق الاختيار، نظرا إلى وثوق البائع بالمشتري
أنه لا يمتنع من رده إليه بعقد جديد بمحض اختياره ومروته، انتهى (5)
كلامه.
أقول: إذا أوقعا العقد المجرد على النحو الذي يوقعانه مقترنا

(1) المسالك 3: 308.
(2) في " ش " والمصدر: " الغالط ".
(3) لم يرد في " ق ".
(4) لم يرد في " ق ".
(5) المسالك 3: 308 - 309.
105

بالشرط وفرض عدم التفاوت بينهما في البناء على الشرط والالتزام به
إلا بالتلفظ بالشرط وعدمه، فإن قلنا بعدم اعتبار التلفظ في تأثير
الشرط الصحيح والفاسد، فلا وجه للفرق بين من يعلم فساد الشرط
وغيره، فإن العالم بالفساد لا يمنعه علمه عن الإقدام على العقد مقيدا
بالالتزام بما اشترطه خارج العقد، بل إقدامه كإقدام من يعتقد الصحة،
كما لا فرق في إيقاع العقد الفاسد بين من يعلم فساده وعدم ترتب أثر
شرعي عليه، وغيره.
وبالجملة، فالإقدام على العقد مقيدا أمر عرفي يصدر من المتعاقدين
وإن علما بفساد الشرط.
وأما حكم صورة نسيان ذكر الشرط: فإن كان مع نسيان أصل
الشرط - كما هو الغالب - فالظاهر الصحة، لعدم الإقدام على العقد
مقيدا، غاية الأمر أنه كان عازما على ذلك لكن غفل عنه. نعم، لو
اتفق إيقاع العقد مع الالتفات إلى الشرط ثم طرأ عليه النسيان في محل
ذكر الشرط كان كتارك ذكر الشرط عمدا تعويلا على تواطئهما السابق.
106

[الرابع] (1)
لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلق غرض معتد به عند
العقلاء فظاهر كلام جماعة من القائلين بإفساد الشرط الفاسد كونه لغوا
غير مفسد للعقد.
قال في التذكرة في باب العيب: لو شرط ما لا غرض فيه للعقلاء
ولا يزيد به المالية، فإنه لغو لا يوجب الخيار (2). وقد صرح في مواضع
أخر - في باب الشروط - بصحة العقد ولغوية الشرط (3).
وقد صرح الشهيد بعدم ثبوت الخيار إذا اشترط كون العبد كافرا
فبان مسلما (4). ومرجعه إلى لغوية الاشتراط.

(1) لم يرد في " ق ".
(2) التذكرة 1: 524.
(3) راجع التذكرة 1: 494، وفيها: " فيما لو باع مكيلا أو موزونا أو مذروعا
بشرط أن يقال بمكيال معين - إلى أن قال: - صح البيع لكن يلغو الشرط "،
والصفحة 495، والجزء 2: 12.
(4) الدروس 3: 215.
107

وقد ذكروا في السلم لغوية بعض الشروط (1)، كاشتراط الوزن
بميزان معين.
ولعل وجه عدم قدح هذه الشروط: أن الوفاء بها لما لم يجب
شرعا ولم يكن في تخلفها أو تعذرها خيار خرجت عن قابلية تقييد
العقد بها، لعدم عدها كالجزء من أحد العوضين.
ويشكل: بأن لغويتها لا تنافي تقييد العقد بها في نظر المتعاقدين،
فاللازم إما بطلان العقد وإما وجوب الوفاء، كما إذا جعل بعض الثمن
مما لا يعد مالا في العرف.

(1) كما في التذكرة 1: 556، والدروس 3: 253، وراجع مفتاح الكرامة 4:
453 - 454، وتقدم في الصفحة 20.
108

في أحكام الخيار (1)
الخيار موروث بأنواعه بلا خلاف بين الأصحاب، كما في
الرياض (2) وظاهر الحدائق (3).
وفي التذكرة: إن الخيار عندنا موروث، لأنه من الحقوق كالشفعة
والقصاص في جميع أنواعه، وبه قال الشافعي إلا في خيار المجلس (4).
وادعى في الغنية: الإجماع على إرث خياري المجلس والشرط.
واستدل عليه - مع ذلك -: بأنه حق للميت، فيورث لظاهر القرآن (5).
وتبعه بعض من تأخر عنه (6)، وزيد عليه الاستدلال بالنبوي: " ما ترك

(1) في " ش ": " الكلام في أحكام الخيار ".
(2) الرياض 8: 202.
(3) الحدائق 19: 70.
(4) التذكرة 1: 536.
(5) الغنية: 221.
(6) الظاهر - والله العالم - أن المراد به هو ابن إدريس في السرائر 2: 249،
حيث قال: " خيار المجلس والشرط، موروث عندنا ".
109

الميت من حق فلوارثه " (1).
أقول: الاستدلال على هذا الحكم بالكتاب والسنة الواردين في
إرث ما ترك الميت يتوقف على ثبوت أمرين:
أحدهما: كون الخيار حقا لا حكما شرعيا، كالإجازة (2) لعقد
الفضولي، وجواز الرجوع في الهبة وسائر العقود الجائزة، فإن الحكم
الشرعي مما لا يورث، وكذا ما تردد بينهما، للأصل. وليس في
الأخبار ما يدل على ذلك، عدا ما دل على انتفاء الخيار بالتصرف
معللا بأنه رضا (3)، كما تقدم في خيار الحيوان (4). والتمسك بالإجماع على
سقوطه بالإسقاط فيكشف عن كونه حقا لا حكما، مستغنى عنه بقيام
الإجماع على نفس الحكم.
الثاني: كونه حقا قابلا للانتقال ليصدق أنه مما تركه الميت، بأن
لا يكون وجود الشخص وحياته مقوما له، وإلا فمثل حق الجلوس في
السوق والمسجد وحق الخيار المجعول للأجنبي (5) وحق التولية والنظارة
غير قابل للانتقال، فلا يورث. وإثبات هذا الأمر بغير الإجماع أيضا
مشكل، والتمسك في ذلك باستصحاب بقاء الحق وعدم انقطاعه بموت

(1) لم نعثر عليه في المجاميع الحديثية، نعم أورده الفقهاء في كتبهم مثل المسالك
12: 341، والرياض 2: 202.
(2) في " ش ": " كإجازة العقد الفضولي ".
(3) الوسائل 12: 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(4) راجع الجزء الخامس: 97 وما بعدها.
(5) لم ترد " وحق الخيار المجعول للأجنبي " في " ش ".
110

ذي الحق أشكل، لعدم إحراز الموضوع، لأن الحق لا يتقوم إلا
بالمستحق.
وكيف كان، ففي الإجماع المنعقد على نفس الحكم كفاية إن شاء
الله تعالى.
بقي الكلام: في أن إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال فعلا، فلو
فرض استغراق دين الميت لتركته لم يمنع انتقال الخيار إلى الوارث.
ولو كان الوارث ممنوعا لنقصان فيه - كالرقية أو القتل للمورث
أو الكفر - فلا إشكال في عدم الإرث، لأن الموجب لحرمانه من المال
موجب لحرمانه من سائر الحقوق.
ولو كان حرمانه من المال لتعبد شرعي - كالزوجة غير ذات
الولد، أو مطلقا بالنسبة إلى العقار، وغير الأكبر من الأولاد بالنسبة إلى
الحبوة -
ففي حرمانه من الخيار المتعلق بذلك المال مطلقا، أو عدم
حرمانه كذلك، وجوه، بل أقوال:
ثالثها: التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا إلى الميت أو
عنه، فيرث في الأول، صرح به فخر الدين في الإيضاح (1)، وفسر به
عبارة والده، كالسيد العميد (2) وشيخنا الشهيد في الحواشي (3).
ورابعها: عدم الجواز في تلك الصورة والإشكال في غيرها، صرح
به في جامع المقاصد (4).

(1) إيضاح الفوائد 1: 487.
(2) كنز الفوائد 1: 451.
(3) لا توجد لدينا، وحكاه عنها السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 590.
(4) جامع المقاصد 4: 306.
111

ولم أجد من جزم بعدم الإرث مطلقا، وإن أمكن توجيهه: بأن
ما يحرم منه هذا الوارث إن كان قد انتقل عن الميت فالفسخ لا معنى
له، لأنه لا ينتقل إليه بإزاء ما ينتقل عنه من الثمن شئ من المثمن.
وبعبارة أخرى: الخيار علاقة لصاحبه فيما انتقل عنه توجب سلطنته
عليه، ولا علاقة هنا ولا سلطنة. وإن كان قد انتقل إلى الميت فهو
لباقي الورثة، ولا سلطنة لهذا المحروم، والخيار حق فيما انتقل عنه بعد
إحراز تسلطه على ما وصل بإزائه.
ولكن يرد ذلك بما في الإيضاح: من أن الخيار لا يقتضي (1) الملك
- كخيار الأجنبي (2) - فعمومات الإرث بالنسبة إلى الخيار لم يخرج عنها
الزوجة وإن خرجت عنها بالنسبة إلى المال.
والحاصل: أن حق الخيار ليس تابعا للملكية، ولذا قوى بعض
المعاصرين (3) ثبوت الخيار في الصورتين.
ويضعفه: أن حق الخيار علقة في الملك المنتقل إلى الغير من حيث
التسلط على استرداده إلى نفسه أو (4) من هو منصوب من قبله، كما في
الأجنبي. وبعبارة أخرى: ملك لتملك المعوض لنفسه أو لمن نصب عنه.
وهذه العلاقة لا تنتقل من الميت إلا إلى وارث يكون كالميت في كونه
مالكا لأن يملك، فإذا فرض أن الميت باع أرضا بثمن، فالعلاقة

(1) في " ش " والمصدر: " لا يتوقف على الملك ".
(2) إيضاح الفوائد 1: 487.
(3) وهو صاحب الجواهر، انظر الجواهر 23: 77.
(4) في " ش " زيادة: " إلى ".
112

المذكورة إنما هي لسائر الورثة دون الزوجة، لأنها بالخيار لا ترد شيئا
من الأرض إلى نفسها ولا إلى آخر هي من قبله لتكون كالأجنبي
المجعول له الخيار.
نعم، لو كان الميت قد انتقلت إليه الأرض كان الثمن المدفوع إلى
البائع متزلزلا في ملكه، فيكون في معرض الانتقال إلى جميع الورثة
ومنهم الزوجة، فهي أيضا مالكة لتملك حصتها من الثمن.
لكن فيه: ما ذكرنا سابقا (1): من أن الخيار حق فيما انتقل عنه
بعد إحراز التسلط على ما وصل بإزائه، وعبر عنه في جامع المقاصد
بلزوم تسلط الزوجة على مال الغير (2).
وحاصله: أن الميت إنما كان له الخيار والعلقة فيما انتقل عنه من
حيث تسلطه على رد ما في يده لتملك ما انتقل عنه بإزائه، فلا تنتقل
هذه العلاقة إلا إلى من هو كذلك من ورثته - كما مر نظيره في عكس
هذه الصورة - وليست الزوجة كذلك. وقد تقدم (3) في مسألة ثبوت خيار
المجلس للوكيل: أن أدلة الخيار مسوقة لبيان تسلط ذي الخيار على
صاحبه، من جهة تسلطه على تملك ما في يده، فلا يثبت بها تسلط
الوكيل على ما وصل إليه لموكله، وما نحن فيه كذلك.
ويمكن دفعه: بأن ملك بائع الأرض للثمن لما كان متزلزلا وفي
معرض الانتقال إلى جميع الورثة، اقتضى بقاء هذا التزلزل بعد موت

(1) في الصفحة المتقدمة.
(2) جامع المقاصد 4: 306 - 307.
(3) راجع الجزء الخامس: 29 و 32.
113

ذي الخيار ثبوت حق للزوجة وإن لم يكن لها تسلط على نفس
الأرض. والفرق بين ما نحن فيه وبين ما تقدم في الوكيل: أن الخيار
هناك وتزلزل ملك الطرف الآخر وكونه في معرض الانتقال إلى موكل
الوكيل كان متوقفا على تسلط الوكيل على ما في يده، وتزلزل ملك
الطرف الآخر هنا وكونه في معرض الانتقال إلى الورثة ثابت على كل
حال ولو لم نقل بثبوت الخيار للزوجة، فإن باقي الورثة لو ردوا
الأرض واستردوا الثمن شاركتهم الزوجة فيه، فحق الزوجة في الثمن
المنتقل إلى البائع ثابت، فلها استيفاؤه بالفسخ.
ثم إن ما ذكر وارد على فسخ باقي الورثة للأرض المبيعة بثمن
معين تشترك فيه الزوجة، إلا أن يلتزم عدم تسلطهم على الفسخ إلا في
مقدار حصتهم من الثمن، فيلزم تبعيض الصفقة، فما اختاره في الإيضاح:
من التفصيل مفسرا به عبارة والده في القواعد لا يخلو عن قوة.
قال في القواعد: الخيار موروث بالحصص كالمال في (1) أي أنواعه
كان، إلا الزوجة غير ذات الولد [في الأرض] (2) على إشكال، أقربه
ذلك إن اشترى بخيار لترث من الثمن (3)، انتهى.
وقال في الإيضاح: ينشأ الإشكال: من عدم إرثها [منها] (4)
فلا يتعلق بها فلا ترث من خيارها، ومن أن الخيار لا يتوقف على

(1) في " ش " والمصدر: " من ".
(2) من " ش " والمصدر.
(3) القواعد 2: 68.
(4) من " ش " والمصدر.
114

الملك كالأجنبي، ثم فرع المصنف: أنه لو اشترى المورث بخيار (1)
فالأقرب إرثها من الخيار، لأن لها حقا في الثمن. ويحتمل عدمه، لأنها
لا ترث من الثمن إلا بعد الفسخ، فلو علل بإرثها دار. والأصح اختيار
المصنف، لأن الشراء يستلزم منعها من شئ نزله الشارع منزلة جزء
من التركة، وهو الثمن، فقد تعلق الخيار بما ترث منه (2)، انتهى.
وقد حمل العبارة على هذا المعنى السيد العميد الشارح للكتاب (3).
واستظهر خلاف ذلك من العبارة جامع المقاصد، فإنه (4) - بعد بيان
منشأ الإشكال على ما يقرب من الإيضاح - قال:
والأقرب من هذا الإشكال عدم إرثها إن كان الميت قد اشترى
[أرضا] (5) بخيار، فأرادت الفسخ لترث من الثمن. وأما إذا باع أرضا
بخيار فالإشكال حينئذ بحاله، لأنها إذا فسخت في هذه الصورة لم ترث
شيئا، وحمل الشارحان العبارة على أن الأقرب إرثها إذا اشترى بخيار،
لأنها حينئذ تفسخ فترث من الثمن، بخلاف ما إذا باع بخيار. وهو
خلاف الظاهر، فإن المتبادر أن المشار إليه بقوله: " ذلك " هو عدم
الإرث الذي سيقت لأجله العبارة، مع أنه من حيث الحكم غير مستقيم
أيضا، فإن الأرض حق لباقي الوراث استحقوها بالموت، فكيف تملك

(1) العبارة في " ش " والمصدر: " لو كان المورث قد اشترى بخيار ".
(2) إيضاح الفوائد 1: 487.
(3) كنز الفوائد 1: 451.
(4) في " ق " زيادة: " قال ".
(5) من " ش " والمصدر.
115

الزوجة إبطال استحقاقهم [لها] (1) وإخراجها عن ملكهم؟ نعم، لو قلنا:
إن ذلك يحصل (2) بانقضاء [مدة] (3) الخيار استقام ذلك. وأيضا فإنها إذا
ورثت في هذه الصورة وجب أن ترث فيما إذا باع الميت أرضا
[بخيار] (4) بطريق أولى، لأنها ترث حينئذ من الثمن. وأقصى ما يلزم
من إرثها من الخيار أن يبطل حقها من الثمن، وهو أولى من (5) إرثها
حق غيرها [من الأرض] (6) التي (7) اختصوا بملكها. ثم قال: والحق أن
إرثها من الخيار في الأرض المشتراة مستبعد جدا، وإبطال حق قد ثبت
لغيرها يحتاج إلى دليل. نعم قوله: " لترث من الثمن " على هذا التقدير
يحتاج إلى تكلف زيادة تقدير، بخلاف ما حملا عليه (8)، انتهى.
وقد تقدم ما يمكن أن يقال على هذا الكلام.
ثم إن الكلام في ثبوت الخيار لغير مستحق الحبوة من الورثة إذا
اشترى الميت أو باع بعض أعيان الحبوة بخيار، هو الكلام في ثبوته
للزوجة في الأرض المشتراة أو المبيعة.

(1) من " ش " والمصدر.
(2) في المصدر: " ينتقل ".
(3) من " ش " والمصدر.
(4) من " ش " والمصدر.
(5) في " ش " زيادة: " إبطال ".
(6) من " ش " والمصدر.
(7) في " ق ": " الذي ".
(8) جامع المقاصد 4: 306 - 307.
116

مسألة
في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار - مع أنه شئ واحد
غير قابل للتجزئة والتقسيم - وجوه:
الأول: ما اختاره بعض (1): من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا
كمورثه، بحيث يكون له الفسخ في الكل وإن أجاز الباقون (2)، نظير حد
القذف الذي لا يسقط بعفو بعض المستحقين، وكذلك حق الشفعة على
المشهور. واستند (3) في ذلك إلى أن ظاهر النبوي المتقدم وغيره ثبوت
الحق لكل وارث، لتعقل تعدد من لهم الخيار، بخلاف المال الذي لا بد
من تنزيل مثل ذلك على إرادة الاشتراك، لعدم تعدد الملاك شرعا لمال
واحد، بخلاف محل البحث.
الثاني: استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه، فله الفسخ

(1) في " ش ": " بعضهم ".
(2) كما اختاره الشهيد الثاني في المسالك 3: 214، والسيد العاملي في مفتاح
الكرامة 4: 591، وغيرهما كما سيجئ في الصفحة 121.
(3) استند إليه صاحب الجواهر، انظر الجواهر 23: 76.
117

فيه، دون باقي الحصص، غاية الأمر مع اختلاف الورثة في الفسخ
والإمضاء تبعض الصفقة على من عليه الخيار فيثبت له الخيار. ووجه
ذلك: أن الخيار لما لم يكن قابلا للتجزئة، وكان مقتضى أدلة الإرث
- كما سيجئ - اشتراك الورثة فيما ترك مورثهم، تعين تبعضه بحسب
متعلقه، فيكون نظير المشتريين لصفقة واحدة إذا قلنا بثبوت الخيار لكل
منهما.
الثالث: استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار، فيشتركون فيه من
دون ارتكاب تعدده بالنسبة إلى جميع المال، ولا بالنسبة إلى حصة كل
منهم، لأن مقتضى أدلة الإرث في الحقوق الغير القابلة للتجزئة والأموال
القابلة لها أمر واحد، وهو ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة، إلا أن
التقسيم في الأموال لما كان أمرا ممكنا كان مرجع اشتراك المجموع في
المجموع إلى اختصاص كل منهم بحصة مشاعة، بخلاف الحقوق فإنها تبقى
على حالها من اشتراك مجموع الورثة فيها، فلا يجوز لأحدهم الاستقلال
بالفسخ لا في الكل ولا في حصته، فافهم (1).
وهنا معنى آخر لقيام الخيار بالمجموع، وهو: أن يقوم بالمجموع من
حيث تحقق الطبيعة في ضمنه، لا من حيث كونه مجموعا، فيجوز لكل
منهم الاستقلال بالفسخ ما لم يجز الآخر، لتحقق الطبيعة في الواحد،
وليس له الإجازة بعد ذلك. كما أنه لو أجاز الآخر لم يجز الفسخ بعده،
لأن الخيار الواحد إذا قام بماهية الوارث، واحدا كان أو متعددا، كان
إمضاء الواحد كفسخه ماضيا، فلا عبرة بما يقع متأخرا عن الآخر، لأن

(1) كلمة " فافهم " مشطوب عليها - ظاهرا - في " ق ".
118

الأول قد استوفاه. ولو اتحدا زمانا كان ذلك كالإمضاء والفسخ من
ذي الخيار بتصرف واحد، لا أن الفاسخ متقدم، كما سيجئ في أحكام
التصرف (1).
ثم إنه لا ريب في فساد مستند الوجه الأول المذكور له، لمنع
ظهور النبوي وغيره في ثبوت ما ترك لكل واحد من الورثة، لأن
المراد بالوارث في النبوي وغيره مما أفرد فيه لفظ " الوارث " جنس
الوارث المتحقق في ضمن الواحد والكثير، وقيام الخيار بالجنس يتأتى
على الوجوه الأربعة المتقدمة، كما لا يخفى على المتأمل.
وأما ما ورد فيه لفظ " الورثة " (2) بصيغة الجمع، فلا يخفى أن
المراد به أيضا إما جنس الجمع، أو جنس الفرد، أو الاستغراق القابل
للحمل على المجموعي والأفرادي. والأظهر هو الثاني، كما في نظائره.
هذا كله، مع قيام القرينة العقلية واللفظية على عدم إرادة ثبوته
لكل واحد مستقلا في الكل.
أما الأولى: فلأن المفروض أن ما كان للميت وتركه للوارث حق
واحد شخصي، وقيامه بالأشخاص المتعددين أوضح استحالة وأظهر
بطلانا من تجزيه وانقسامه على الورثة، فكيف يدعى ظهور أدلة الإرث
فيه؟

(1) سيجئ أحكام التصرف في الصفحة 129.
(2) ورد اللفظ في موارد متعددة، منها: ما ورد في الوسائل 13: 332، الباب 8
من كتاب السكنى والحبيس، الحديث 2، و 19: 247، الباب 24 من أبواب
ديات الأعضاء، الحديث 1 و 2، والأبواب المناسبة الأخرى.
119

وأما الثانية: فلأن مفاد تلك الأدلة بالنسبة إلى المال المتروك
والحق المتروك شئ واحد، ولا يستفاد منها بالنسبة إلى المال الاشتراك
وبالنسبة إلى الحق التعدد، إلا مع استعمال الكلام في معنيين.
هذا، مع أن مقتضى ثبوت ما كان للميت لكل من الورثة أن
يكونوا كالوكلاء المستقلين، فيمضي السابق من إجازة أحدهم أو فسخه،
ولا يؤثر اللاحق، فلا وجه لتقدم الفسخ على الإجازة على ما ذكره.
وأما الوجه الثاني: فهو وإن لم يكن منافيا لظاهر أدلة الإرث:
من ثبوت مجموع المتروك لمجموع الوارث، إلا أن تجزئة الخيار بحسب
متعلقه - كما تقدم - مما لم تدل عليه أدلة الإرث. أما ما كان منها
- كالنبوي - غير متعرض للقسمة فواضح، وأما ما تعرض فيه للقسمة
- كآيات قسمة الإرث بين الورثة - فغاية ما يستفاد منها في المقام بعد
ملاحظة عدم انقسام نفس المتروك هنا ثبوت القسمة فيما يحصل بإعمال
هذا الحق أو إسقاطه، فيقسم بينهم العين المستردة بالفسخ، أو ثمنها
الباقي في ملكهم بعد الإجازة على طريق الإرث.
وأما ثبوت الخيار لكل منهم مستقلا في حصته، فلا يستفاد من
تلك الأدلة، فالمتيقن من مفادها هو ثبوت الخيار الواحد الشخصي
للمجموع، فإن اتفق المجموع على الفسخ انفسخ في المجموع، وإلا
فلا دليل على الانفساخ في شئ منه.
ومن ذلك يظهر: أن المعنى الثاني للوجه الثالث - وهو قيام الخيار
بالطبيعة المتحققة في ضمن المجموع - أيضا لا دليل عليه، فلا يؤثر فسخ
أحدهم وإن لم يجز الآخر، مع أن هذا المعنى أيضا مخالف لأدلة الإرث،
لما عرفت من أن مفادها بالنسبة إلى المال والحق واحد، ومن المعلوم:
120

أن المالك للمال ليس هو الجنس المتحقق في ضمن المجموع.
ثم إن ما ذكرنا جار في كل حق ثبت لمتعدد لم يعلم من الخارج
كونه على خصوص واحد من الوجوه المذكورة. نعم، لو علم ذلك من
دليل خارج اتبع، كما في حد القذف، فإن النص قد دل على أنه
لا يسقط بعفو أحد الشريكين (1)، وكحق القصاص، فإنه لا يسقط بعفو
أحد الشريكين، لكن مع دفع الآخر مقدار حصة الباقي من الدية إلى
أولياء المقتص منه جمعا بين الحقين.
لكن يبقى الإشكال في حكم المشهور من غير خلاف يعرف بينهم
- وإن احتمله في الدروس (2) -: من أن أحد الورثة إذا عفى عن الشفعة
كان للآخر الأخذ بكل المبيع، فإن الظاهر أن قولهم بذلك ليس لأجل
دليل خارجي، والفرق بينه وبين ما نحن فيه مشكل.
ويمكن أن يفرق بالضرر، فإنه لو سقطت الشفعة بعفو أحد
الشريكين تضرر الآخر بالشركة. بل لعل هذا هو السر في عدم سقوط
حدي القذف والقصاص بعفو البعض، لأن الحكمة فيهما التشفي، فإبطالهما
بعفو أحد الشركاء إضرار على غير العافي، وهذا غير موجود فيما نحن
فيه، فتأمل.
ثم إن ما اخترناه من الوجه الأول (3) هو مختار العلامة في القواعد
- بعد أن احتمل الوجه الثاني - وولده في الإيضاح والشهيد في الدروس

(1) راجع الوسائل 18: 456، الباب 22 من أبواب حد القذف، الحديث 1 و 2.
(2) الدروس 3: 378.
(3) أي المعنى الأول من معنيي الوجه الثالث، راجع الصفحة 118.
121

والشهيد الثاني في المسالك، وحكي عن غيرهم (1).
قال في القواعد: وهل للورثة التفريق؟ فيه نظر، أقربه المنع، وإن
جوزناه مع تعدد المشتري (2). وزاد في الإيضاح - بعد توجيه المنع بأنه
لم يكن لمورثهم إلا خيار واحد -: أنه لا وجه لاحتمال التفريق (3).
وقال في الدروس في باب خيار العيب: لو جوزنا لأحد المشتريين
الرد لم نجوزه لأحد الوارثين عن واحد، لأن التعدد طار على العقد
سواء كان الموروث خيار العيب (4) أو غيره (5)، انتهى.
وقال في المسالك بعد المنع عن تفرق المشتريين في الخيار: هذا
كله فيما لو تعدد المشتري، أما لو تعدد مستحقو (6) المبيع مع اتحاد
المشتري ابتداء - كما لو تعدد وارث المشتري الواحد - فإنه ليس لهم
التفرق لاتحاد الصفقة، والتعدد طار، مع احتماله (7)، انتهى.
وظاهر التذكرة - في خيار المجلس - الوجه الأول من الوجوه المتقدمة،
قال: لو فسخ بعضهم وأجاز الآخر فالأقوى أنه ينفسخ في الكل،
كالمورث لو فسخ في حياته في البعض وأجاز في البعض (8)، انتهى.

(1) راجع مفتاح الكرامة 4: 591، ومستند الشيعة 14: 414 - 415.
(2) القواعد 2: 68.
(3) إيضاح الفوائد 1: 487.
(4) في " ش " والمصدر: " عيب ".
(5) الدروس 3: 285.
(6) في " ش ": " مستحق المبيع "، وفي المصدر: " المستحق للمبيع ".
(7) المسالك 3: 287.
(8) التذكرة 1: 518.
122

ويحتمل أن لا يريد بذلك أن لكل منهما ملك الفسخ في الكل، كما
هو مقتضى الوجه الأول، بل يملك الفسخ في البعض ويسري في الكل،
نظير فسخ المورث في البعض.
وكيف كان، فقد ذكر في خيار العيب: أنه لو اشترى عبدا فمات
وخلف وارثين فوجدا به عيبا لم يكن لأحدهما رد حصته خاصة
للتشقيص (1)، انتهى.
وقال في التحرير: لو ورث اثنان عن أبيهما خيار عيب، فرضي
أحدهما، سقط حق الآخر عن (2) الرد دون الأرش (3).
والظاهر أن خيار العيب وخيار المجلس واحد، كما تقدم عن
الدروس (4). فلعله رجوع عما ذكره في خيار المجلس.
ثم إنه ربما يحمل ما في القواعد وغيرها: من عدم جواز
التفريق (5)، على أنه لا يصح تبعض المبيع (6) من حيث الفسخ والإجازة،
بل لا بد من الفسخ في الكل أو الإجازة، فلا دلالة فيها على عدم
استقلال كل منهم على الفسخ في الكل، وحينئذ فإن فسخ أحدهم
وأجاز الآخر قدم الفسخ على الإجازة.

(1) التذكرة 1: 536.
(2) في " ش " والمصدر: " من ".
(3) التحرير 1: 183.
(4) تقدم في الصفحة المتقدمة، ولكنه قال: " سواء كان الموروث خيار العيب أو
غيره ".
(5) القواعد 2: 68، وراجع مستند الشيعة 14: 414.
(6) في محتمل " ق ": " البيع ".
123

وينسب تقديم الفسخ إلى كل من منع من التفريق، بل في الحدائق
تصريح الأصحاب بتقديم الفاسخ من الورثة على المجيز (1). ولازم ذلك
الاتفاق على أنه متى فسخ أحدهم انفسخ في الكل. وما أبعد بين هذه
الدعوى وبين ما في الرياض، من قوله: ولو اختلفوا - يعني الورثة -
قيل: قدم الفسخ، وفيه نظر (2).
لكن الأظهر في معنى عبارة القواعد ما ذكرنا، وأن المراد بعدم
جواز التفريق: أن فسخ أحدهم ليس ماضيا مع عدم موافقة الباقين، كما
يدل عليه قوله فيما بعد ذلك في باب خيار العيب: إنه " إذا ورثا خيار
عيب (3)، فلا إشكال في وجوب توافقهما " (4) فإن المراد بوجوب التوافق
وجوبه الشرطي، ومعناه: عدم نفوذ التخالف، ولا ريب أن عدم نفوذ
التخالف ليس معناه عدم نفوذ الإجازة من أحدهما (5) مع فسخ صاحبه،
بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون إجازته (6)، وهو المطلوب.
وأصرح منه ما تقدم من عبارة التحرير ثم التذكرة (7). نعم،
ما تقدم من قوله في الزوجة غير ذات الولد: " أقربه ذلك إن اشترى

(1) الحدائق 19: 71.
(2) الرياض 8: 203.
(3) في " ش ": " أما لو أورثا خيار العيب ".
(4) القواعد 2: 74.
(5) في " ق ": " أحدهم "، وهو لا يوافق السياق.
(6) في " ش " زيادة: " لفسخ صاحبه ".
(7) تقدمتا في الصفحة المتقدمة.
124

بخيار لترث من الثمن " (1) قد يدل على أن فسخ الزوجة فقط كاف في
استرجاع تمام الثمن لترث منه، إذ استرداد مقدار حصتها موجب
للتفريق الممنوع عنده وعند غيره.
وكيف كان، فمقتضى أدلة الإرث ثبوت الخيار للورثة على الوجه
الثالث الذي اخترناه. وحاصله: أنه متى فسخ أحدهم وأجاز الآخر
لغى الفسخ.
وقد يتوهم استلزام ذلك بطلان حق شخص، لعدم إعمال الآخر
حقه.
ويندفع: بأن الحق إذا كان مشتركا لم يجز إعماله إلا برضا الكل،
كما لو جعل الخيار لأجنبيين على سبيل التوافق.
فرع:
إذا اجتمع الورثة كلهم على الفسخ فيما باعه مورثهم، فإن كان
عين الثمن موجودا في ملك الميت دفعوه إلى المشتري، وإن لم يكن
موجودا أخرج من مال الميت ولا يمنعون من ذلك وإن كان على الميت
دين مستغرق للتركة، لأن المحجور له الفسخ بخياره. وفي اشتراط ذلك
بمصلحة الديان وعدمه وجهان. ولو كان مصلحتهم في الفسخ لم يجبروا
الورثة (2) عليه لأنه حق لهم، فلا يجبرون على إعماله.
ولو لم يكن للميت مال ففي وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر
الحصص وجهان:

(1) تقدم في الصفحة 114.
(2) في " ق ": " الوارث ".
125

من أنه ليس لهم - كالأجنبي المجعول له الخيار، أو الوكيل
المستناب في الفسخ والإمضاء - إلا حق الفسخ وانحلال العقد المستلزم
لدخول المبيع في ملك الميت يوفى عنه ديونه وخروج الثمن عن ملكه في
المعين واشتغال ذمته ببدله في الثمن الكلي، فلا يكون مال الورثة عوضا
عن المبيع إلا على وجه كونه وفاء لدين الميت، وحينئذ فلا اختصاص
له بالورثة على حسب سهامهم، بل يجوز للغير أداء ذلك الدين، بل لو
كان للميت غرماء ضرب المشتري مع الغرماء. وهذا غير اشتغال ذمم
الورثة بالثمن على حسب سهامهم من المبيع.
ومن أنهم قائمون مقام الميت في الفسخ برد الثمن أو بدله وتملك
المبيع، فإذا كان المبيع مردودا على الورثة من حيث إنهم قائمون مقام
الميت، اشتغلت ذممهم بثمنه من حيث إنهم كنفس الميت، كما أن معنى
إرثهم لحق الشفعة استحقاقهم لتملك الحصة بثمن من مالهم لا من مال
الميت.
ثم لو قلنا بجواز الفسخ لبعض الورثة وإن لم يوافقه الباقي وفسخ،
ففي انتقال المبيع إلى الكل أو إلى الفاسخ، وجهان: مما ذكرنا من
مقتضى الفسخ، وما ذكرنا أخيرا من مقتضى النيابة والقيام مقام الميت.
والأظهر في الفرعين هو كون ولاية الوارث لا كولاية الولي
والوكيل في كونها لاستيفاء حق للغير، بل هي ولاية استيفاء حق متعلق
بنفسه، فهو كنفس الميت لا نائب عنه في الفسخ، ومن هنا جرت
السيرة: بأن ورثة البائع ببيع خيار رد الثمن يردون مثل الثمن من
أموالهم، ويستردون المبيع لأنفسهم من دون أن يلزموا بأداء الديون منه
بعد الإخراج. والمسألة تحتاج إلى تنقيح زائد.
126

مسألة
لو كان الخيار لأجنبي ومات، ففي انتقاله إلى وارثه كما في
التحرير (1)، أو إلى المتعاقدين، أو سقوطه كما اختاره غير واحد من
المعاصرين (2) وربما يظهر من القواعد (3)، وجوه:
من أنه حق تركه الميت فلوارثه.
ومن أنه حق لمن اشترط له من المتعاقدين، لأنه بمنزلة الوكيل
الذي حكم في التذكرة بانتقال خياره إلى موكله دون وارثه (4).
ومن أن ظاهر الجعل أو محتمله مدخلية نفس الأجنبي، فلا يدخل
فيما تركه.
وهذا لا يخلو عن قوة لأجل الشك في مدخلية نفس الأجنبي.

(1) التحرير 1: 168.
(2) منهم النراقي في المستند 14: 413، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة 4:
592.
(3) القواعد 2: 69.
(4) التذكرة 1: 518.
127

وفي القواعد: لو جعل الخيار لعبد أحدهما، فالخيار لمولاه (1)، ولعله
لعدم نفوذ فسخه ولا إجازته بدون رضا مولاه، وإذا أمره بأحدهما
أجبر شرعا عليه، فلو امتنع فللمولى فعله عنه، فيرجع الخيار بالأخرة
له.
لكن هذا يقتضي أن يكون عبد الأجنبي كذلك، مع أنه قال: لو
كان العبد لأجنبي لم يملك مولاه ولا يتوقف على رضاه إذا لم يمنع حقا
للمولى (2)، فيظهر من ذلك فساد الوجه المذكور نقضا وحلا، فافهم.

(1) القواعد 2: 69.
(2) القواعد 2: 69.
128

مسألة
ومن أحكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار. وقد مر
بيان ذلك في مسقطات الخيار. [والمقصود هنا بيان أنه كما] (1) يحصل
إسقاط الخيار والتزام العقد بالتصرف فيكون التصرف إجازة فعلية،
كذلك يحصل الفسخ بالتصرف، فيكون فسخا فعليا.
وقد صرح في التذكرة: بأن الفسخ - كالإجازة - قد يكون
بالقول وقد يكون بالفعل (2). وقد ذكر جماعة - كالشيخ (3) وابن
زهرة (4) وابن إدريس (5) وجماعة من المتأخرين عنهم كالعلامة (6)

(1) لم يرد في " ق ".
(2) التذكرة 1: 537.
(3) راجع المبسوط 2: 83 - 84.
(4) الغنية: 219.
(5) السرائر 2: 282.
(6) انظر التذكرة 1: 535، وفيه: " إن خيار المشتري يسقط بوطيه ". وقال بعد
أسطر: " ولو وطأها البائع في مدة خياره فإنه يكون فسخا للبيع "، وراجع
القواعد 2: 69 أيضا.
129

وغيره (1) قدس الله أسرارهم -: أن التصرف إن وقع فيما انتقل عنه كان فسخا،
وإن وقع فيما انتقل إليه كان إجازة.
وقد عرفت في مسألة الإسقاط (2): أن ظاهر الأكثر أن المسقط هو
التصرف المؤذن بالرضا، وقد دل عليه الصحيحة المتقدمة في خيار
الحيوان (3) المعللة للسقوط: بأن التصرف رضا بالعقد فلا خيار، وكذا
النبوي المتقدم (4).
ومقتضى ذلك منهم: أن التصرف فيما انتقل عنه إنما يكون فسخا
إذا كان مؤذنا بالفسخ ليكون فسخا فعليا، وأما ما لا يدل على إرادة
الفسخ، فلا وجه لانفساخ العقد به وإن قلنا بحصول الإجازة به، بناء
على حمل الصحيحة المتقدمة على سقوط الخيار بالتصرف تعبدا شرعيا،
من غير أن يكون فيه دلالة عرفية نوعية على الرضا بلزوم العقد، كما
تقدم نقله عن بعض (5). إلا أن يدعى الإجماع على اتحاد ما يحصل به
الإجازة والفسخ، فكل ما يكون إجازة لو ورد على ما في يده يكون

(1) مثل الشهيدين في الدروس 3: 270، والمسالك 3: 197 و 213، والمحقق
الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 412، ونسبه المحقق التستري في المقابس: 247
إلى الأصحاب.
(2) في الجزء الخامس، الصفحة 102.
(3) وهي صحيحة ابن رئاب المتقدمة في الجزء الخامس، الصفحة 97.
(4) المتقدم في الجزء الخامس، الصفحة 100، المروي عن جعفر عن أبيه عليهما السلام
قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله... ".
(5) راجع الجزء الخامس، الصفحة 99 و 103.
130

فسخا إذا ورد منه على ما في يد صاحبه.
وهذا الاتفاق وإن كان الظاهر تحققه، إلا أن أكثر هؤلاء - كما
عرفت - كلماتهم في سقوط خيار الشرط بالتصرف تدل على اعتبار
الدلالة على الرضا في التصرف المسقط، فيلزمهم بالمقابلة اعتبار الدلالة
على الفسخ في التصرف الفاسخ، ويدل عليه كثير من كلماتهم في هذا
المقام أيضا.
قال في التذكرة: أما العرض على البيع والإذن فيه والتوكيل
والرهن غير المقبوض - بناء على اشتراطه فيه - والهبة غير المقبوضة،
فالأقرب أنها من البائع فسخ ومن المشتري إجازة، لدلالتها على طلب
المبيع واستيفائه (1)، وهذا هو الأقوى، ونحوها في جامع المقاصد (2).
ثم إنك قد عرفت الإشكال في كثير من أمثلتهم المتقدمة
للتصرفات الملزمة، كركوب الدابة في طريق الرد ونحوه مما لم يدل على
الالتزام أصلا، لكن الأمر هنا أسهل، بناء على أن ذا الخيار إذا تصرف
فيما انتقل عنه تصرفا لا يجوز شرعا إلا من المالك أو بإذنه، دل ذلك
بضميمة حمل فعل المسلم على الصحيح شرعا على إرادة انفساخ العقد
قبل هذا التصرف.
قال في التذكرة: لو قبل الجارية بشهوة، أو باشر في ما دون
الفرج، أو لمس بشهوة، فالوجه عندنا أنه يكون فسخا، لأن الإسلام
يصون صاحبه عن القبيح، فلو لم يختر الإمساك لكان مقدما على

(1) التذكرة 1: 538.
(2) جامع المقاصد 4: 311.
131

المعصية (1)، انتهى.
ثم نقل عن بعض الشافعية احتمال العدم، نظرا إلى حدوث هذه
الأمور عمن يتردد في الفسخ والإجازة (2).
وفي جامع المقاصد عند قول المصنف قدس سره: " ويحصل الفسخ
بوطء البائع وبيعه وعتقه وهبته " قال: لوجوب صيانة فعل المسلم عن
الحرام حيث يوجد إليه سبيل، وتنزيل فعله على ما يجوز له مع ثبوت
طريق الجواز (3)، انتهى.
ثم إن أصالة حمل فعل المسلم على الجائز من باب الظواهر
المعتبرة شرعا، كما صرح به جماعة (4) كغيرها من الأمارات الشرعية،
فيدل على الفسخ، لا من الأصول التعبدية حتى يقال: إنها لا تثبت
إرادة المتصرف للفسخ، لما تقرر: من أن الأصول التعبدية لا تثبت إلا
اللوازم الشرعية لمجاريها، وهنا كلام مذكور في الأصول (5).
ثم إن مثل التصرف الذي يحرم شرعا إلا على المالك أو مأذونه

(1) التذكرة 1: 537.
(2) التذكرة 1: 538.
(3) جامع المقاصد 4: 309 - 310.
(4) كالشهيدين في الدروس 1: 32، والقواعد والفوائد 1: 138، وتمهيد القواعد:
312، والمسالك 1: 239 و 6: 174، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 5: 119
و 10: 135، و 12: 463، وراجع تفصيل ذلك في فرائد الأصول 3: 355
و 374.
(5) راجع فرائد الأصول 3: 233.
132

التصرف الذي لا ينفذ شرعا إلا من المالك أو مأذونه وإن لم يحرم،
كالبيع والإجارة والنكاح، فإن هذه العقود وإن حلت لغير المالك لعدم
عدها تصرفا في ملك الغير، إلا أنها تدل على إرادة الانفساخ بها
بضميمة أصالة عدم الفضولية، كما صرح به (1) جامع المقاصد (2) عند قول
المصنف: " والإجارة والتزويج في معنى البيع "، والمراد بهذا الأصل
الظاهر، فلا وجه لمعارضته بأصالة عدم الفسخ، مع أنه لو أريد به
أصالة عدم قصد العقد عن الغير، فهو حاكم على أصالة عدم الفسخ،
لكن الإنصاف: أنه لو أريد به هذا لم يثبت به إرادة العاقد للفسخ.
وكيف كان، فلا إشكال في إناطة الفسخ (3) عندهم - كالإجازة -
بدلالة التصرف عليه. ويؤيده استشكالهم في بعض أفراده من حيث
دلالته بالالتزام على الالتزام بالبيع أو فسخه، ومن حيث إمكان
صدوره عمن يتردد في الفسخ، كما ذكره في الإيضاح (4) وجامع المقاصد
في وجه إشكال القواعد في كون العرض على البيع والإذن فيه فسخا (5).
ومما ذكرنا يعلم: أنه لو وقع التصرف فيما انتقل عنه نسيانا للبيع
أو مسامحة في التصرف في ملك الغير أو اعتمادا على شهادة الحال
بالإذن، لم يحصل الفسخ بذلك.

(1) في " ش ": " بها ".
(2) جامع المقاصد 4: 311.
(3) في " ش " زيادة: " بذلك ".
(4) إيضاح الفوائد 1: 489.
(5) جامع المقاصد 4: 311.
133

مسألة
هل الفسخ يحصل بنفس التصرف أو يحصل قبله متصلا به؟
وبعبارة أخرى: التصرف سبب أو كاشف؟ فيه وجهان، بل قولان:
من ظهور كلماتهم في كون نفس التصرف فسخا أو إجازة وأنه
فسخ فعلي في مقابل القولي، وظهور اتفاقهم على أن الفسخ بل مطلق
الإنشاء لا يحصل بالنية، بل لا بد من حصوله بالقول أو الفعل.
ومما عرفت من التذكرة وغيرها: من تعليل تحقق الفسخ بصيانة
فعل المسلم عن القبيح (1)، ومن المعلوم: أنه لا يصان عنه إلا إذا وقع
الفسخ قبله، وإلا لوقع الجزء الأول منه محرما.
ويمكن أن يحمل قولهم بكون التصرف فسخا على كونه دالا عليه
وإن لم يتحقق به، وهذا المقدار يكفي في جعله مقابلا للقول. ويؤيده
ما دل من الأخبار المتقدمة (2) على كون الرضا هو مناط الالتزام بالعقد
وسقوط الخيار، كما اعترف به في الدروس (3) وصرح به في التذكرة،

(1) راجع الصفحة 131 - 132.
(2) المتقدمة في خيار الحيوان في الجزء الخامس، الصفحة 97 وما بعدها.
(3) الدروس 3: 227.
134

حيث ذكر: " أن قصد المتبايعين لأحد عوضي الصرف قبل التصرف
رضا بالعقد (1) وإن اعتبر كونه مكشوفا عنه بالتصرف (2)، فمقتضى المقابلة
هو كون كراهة العقد باطنا وعدم الرضا به هو الموجب للفسخ إذا
كشف عنه التصرف.
ويؤيده أنهم ذكروا: أنه لا تحصل الإجازة بسكوت البائع ذي
الخيار على وطء المشتري، معللا: بأن السكوت لا يدل على الرضا (3)،
فإن هذا الكلام ظاهر في أن العبرة بالرضا. وصرح في المبسوط: بأنه
لو علم رضاه بوطء المشتري سقط خياره (4)، فاقتصر في الإجازة على
مجرد الرضا.
وأما ما اتفقوا عليه: من عدم حصول الفسخ بالنية، فمرادهم بها
نية الانفساخ، أعني الكراهة الباطنية لبقاء العقد والبناء على كونه
منفسخا من دون أن يدل عليها بفعل مقارن له. وأما مع اقترانها
بالفعل فلا قائل بعدم تأثيره (5) فيما يكفي فيه الفعل، إذ كل ما يكفي (6)

(1) التذكرة 1: 514، وفيه: " لأن قصدهما للتبايع رضا به ".
(2) هكذا وردت العبارة في الأصل، لكن جاءت عبارة " وإن اعتبر كونه
مكشوفا عنه بالتصرف " في " ش " بعد قوله: " وسقوط الخيار ".
(3) كما في المبسوط 2: 83، والغنية: 221، والقواعد 2: 69، والتذكرة 1:
535، وراجع مفتاح الكرامة 4: 601.
(4) المبسوط 2: 83.
(5) في " ش ": " تأثيرها ".
(6) في ظاهر " ق ": " يكتفى ".
135

فيه الفعل من الإنشاءات ولا يعتبر فيه خصوص القول فهو من هذا
القبيل، لأن الفعل لا إنشاء فيه، فالمنشأ يحصل بإرادته المتصلة بالفعل
لا بنفس الفعل، لعدم دلالته عليه.
نعم، يلزم من ذلك أن لا يحصل الفسخ باللفظ أصلا، لأن اللفظ
أبدا مسبوق بالقصد الموجود بعينه قبل الفعل الدال على الفسخ. وقد
ذكر العلامة في بعض مواضع التذكرة: بأن اللازم بناء على القول بتضمن
الوطء للفسخ عود الملك إلى الواطئ مع الوطء أو قبيله، فيكون
حلالا (1).
هذا، وكيف كان، فالمسألة ذات قولين:
ففي التحرير قوى حرمة الوطء الذي يحصل به الفسخ، وأن
الفسخ يحصل بأول جزء منه (2)، فيكشف عن عدم الفسخ قبله. وهو
لازم كل من قال بعدم صحة عقد الواهب الذي يتحقق به الرجوع، كما
في الشرائع (3) وعن المبسوط (4) والمهذب (5) والجامع (6)، والحكم في باب
الهبة والخيار واحد. وتوقف الشهيد في الدروس في المقامين (7) مع حكمه

(1) التذكرة 1: 534.
(2) التحرير 1: 168.
(3) الشرائع 2: 231.
(4) المبسوط 3: 304.
(5) المهذب 2: 95.
(6) الجامع: 367.
(7) راجع الدروس 3: 271، و 2: 289.
136

بصحة رهن ذي الخيار (1).
وجزم الشهيد والمحقق الثانيان بالحل (2)، نظرا إلى حصول الفسخ
قبله بالقصد المقارن.
ثم إنه لو قلنا بحصول الفسخ قبيل هذه الأفعال فلا إشكال في
وقوعها في ملك الفاسخ، فيترتب عليها آثارها، فيصح بيعه وسائر
العقود الواقعة منه على العين، لمصادفتهما للملك. ولو قلنا بحصوله بنفس
الأفعال، فينبغي عدم صحة التصرفات المذكورة كالبيع والعتق من حيث
عدم مصادفتهما لملك العاقد التي هي شرط لصحتها.
وقد يقرر المانع بما في التذكرة عن بعض العامة: من أن الشئ
الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد، كما أن التكبيرة الثانية في الصلاة
بنية الشروع في الصلاة يخرج بها عن الصلاة، ولا يشرع بها في
الصلاة. وبأن (3) البيع موقوف على الملك الموقوف على الفسخ المتأخر
عن البيع.
وأجاب في التذكرة عن الأول بمنع عدم صحة حصول الفسخ
والعقد بشئ واحد بالنسبة إلى شيئين (4). وأجاب الشهيد عن الثاني بمنع

(1) الدروس 3: 391.
(2) راجع المسالك 3: 216، وجامع المقاصد 4: 310.
(3) ظاهر العبارة يقتضي أن هذا المانع موجود في التذكرة، ولكن لم نعثر عليه
فيها، نعم نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 601 بلفظ: " فاندفع أيضا
ما قيل... "، وذكر العلامة في التذكرة 1: 490: " أنه لو باع شيئا بشرط أن
يبيع إياه لم يصح... وجاء الدور ".
(4) التذكرة 1: 538.
137

الدور التوقفي، وأن الدور معي (1).
وقال في الإيضاح: إن الفسخ يحصل بأول جزء من العقد (2). وزاد
في باب الهبة قوله: فيبقى المحل قابلا لمجموع العقد (3)، انتهى.
وقد يستدل للصحة: بأنه إذا وقع العقد على مال الغير فملكه
بمجرد العقد كان كمن باع مال غيره ثم ملكه.
أقول: إن قلنا: بأن المستفاد من أدلة توقف البيع والعتق على
الملك - نحو قوله: " لا بيع إلا في ملك " (4)، و " لا عتق إلا في ملك " (5) -
هو اشتراط وقوع الإنشاء في ملك المنشئ، فلا مناص عن القول
بالبطلان، لأن صحة العقد حينئذ تتوقف على تقدم تملك العاقد على
جميع أجزاء العقد لتقع فيه، فإذا فرض العقد أو جزء من أجزائه فسخا
كان سببا لتملك العاقد مقدما عليه، لأن المسبب إنما يحصل بالجزء
الأخير من سببه، فكلما فرض جزء من العقد قابل للتجزئة سببا
للتملك، كان التملك متأخرا عن بعض ذلك الجزء، وإلا لزم تقدم وجود
المسبب على السبب. والجزء الذي لا يتجزأ غير موجود، فلا يكون
سببا، مع أن غاية الأمر حينئذ المقارنة بينه وبين التملك.

(1) لم نعثر عليه.
(2) راجع إيضاح الفوائد 1: 488، و 2: 417.
(3) راجع إيضاح الفوائد 1: 488، و 2: 417.
(4) راجع عوالي اللآلي 2: 247، الحديث 16، وفيه: " لا بيع إلا فيما تملك ".
(5) راجع الوسائل 16: 7 - 8، الباب 5 من أبواب كتاب العتق، الأحاديث 1
و 2 و 6.
138

لكنك عرفت أن الشرط بمقتضى الأدلة سبق (1) التملك على جميع
أجزاء العقد قضاء لحق الظرفية.
وأما دخول المسألة في " من باع شيئا ثم ملكه " فهو - بعد فرض
القول بصحته - يوجب اعتبار إجازة العاقد ثانيا، بناء على ما ذكرنا (2)
في مسألة الفضولي: من توقف لزوم العقد المذكور على الإجازة. إلا أن
يقال: إن المتوقف على الإجازة عقد الفضولي وبيعه للمالك، وأما بيعه
لنفسه - نظير بيع الغاصب - فلا يحتاج إلى الإجازة بعد العقد. لكن هذا
على تقدير القول به والإغماض عما تقدم في عقد الفضولي لا يجري
في مثل العتق (3).
وإن قلنا (4): إن المستفاد من تلك الأدلة هو عدم وقوع البيع في
ملك الغير ليؤثر (5) في نقل مال الغير بغير إذنه، فالممنوع شرعا تمام
السبب في ملك الغير، لا وقوع بعض أجزائه في ملك الغير وتمامه في
ملك نفسه لينقل بتمام العقد الملك الحادث ببعضه، فلا مانع من تأثير
هذا العقد لانتقال ما انتقل إلى البائع بأول جزء منه.
وهذا لا يخلو عن قوة، إذ لا دلالة في أدلة اعتبار الملكية في
المبيع إلا على اعتبار كونه مملوكا قبل كونه مبيعا، والحصر في قوله:

(1) في " ش " بدل " سبق ": " سبب ".
(2) راجع الجزء الثالث: 435.
(3) في " ش " زيادة: " الغير القابل للفضولي ".
(4) عطف على قوله: " إن قلنا بأن المستفاد " في الصفحة المتقدمة.
(5) في " ش ": " المؤثر ".
139

" لا بيع إلا في ملك " إضافي بالنسبة إلى البيع في ملك الغير، أو في غير
ملك كالمباحات الأصلية، فلا يعم المستثنى منه البيع الواقع بعضه في
ملك الغير وتمامه في ملك البائع.
هذا، مع أنه يقرب أن يقال: إن المراد بالبيع هو النقل العرفي
الحاصل من العقد لا نفس العقد، لأن العرف لا يفهمون من لفظ
" البيع " إلا هذا المعنى المأخوذ في قولهم: " بعت "، وحينئذ فالفسخ
الموجب للملك يحصل بأول جزء من العقد، والنقل والتملك (1) يحصل
بتمامه، فيقع النقل في الملك. وكذا الكلام في العتق وغيره من التصرفات
القولية، عقدا كان أو إيقاعا.
ولعل هذا معنى ما في الإيضاح: من أن الفسخ يحصل بأول
جزء (2)، وبتمامه يحصل العتق.
نعم، التصرفات الفعلية المحققة للفسخ - كالوطء والأكل ونحوهما -
لا وجه لجواز الجزء الأول منها، فإن ظاهر قوله تعالى: * (إلا على
أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * (3) اعتبار وقوع الوطء فيما اتصف بكونها
مملوكة، فالوطء المحصل للفسخ لا يكون بتمامه حلالا.
وتوهم أن الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كل ما يحصل به
قولا كان أو فعلا، فاسد، فإن معنى جواز الفسخ لأجل الخيار الجواز
الوضعي - أعني الصحة - لا التكليفي، فلا ينافي تحريم ما يحصل به

(1) في " ش " زيادة: " العرفي ".
(2) إيضاح الفوائد 1: 488.
(3) المؤمنون: 6.
140

الفسخ، كما لا يخفى.
مع أنه لو فرض دلالة دليل الفسخ على إباحة ما يحصل به تعين
حمل ذلك على حصول الفسخ قبيل التصرف، جمعا بينه وبين ما دل
على عدم جواز ذلك التصرف إلا إذا وقع في الملك.
وبالجملة، فما اختاره المحقق والشهيد الثانيان (1) في المسألة لا يخلو
عن قوة، وبه يرتفع الإشكال عن جواز التصرفات تكليفا ووضعا.
وهذا هو الظاهر من الشيخ في المبسوط، حيث جوز للمتصارفين تبايع
النقدين ثانيا في مجلس الصرف، وقال: إن شروعهما في البيع قطع لخيار
المجلس (2). مع أن الملك عنده يحصل بانقطاع الخيار المتحقق هنا بالبيع
المتوقف على الملك. لكنه في باب الهبة لم يصحح البيع الذي يحصل به
الرجوع فيها معللا بعدم وقوعه في الملك (3).
فرع:
لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار (4) فقال: اعتقهما، فربما يقال
بانعتاق الجارية دون العبد، لأن الفسخ مقدم على الإجازة.
وفيه: أنه لا دليل على التقديم في مثل المقام مما وقع الإجازة
والفسخ من طرف واحد دفعة، سواء اتحد المجيز والفاسخ كما في المقام،

(1) تقدم عنهما في الصفحة 137.
(2) المبسوط 2: 96.
(3) المبسوط 3: 304.
(4) في " ش " زيادة: " له ".
141

أو تعدد كما لو وقعا من وكيلي ذي الخيار دفعة واحدة، إنما المسلم
تقديم الفسخ الصادر من أحد الطرفين على الإجازة الصادرة من
الطرف الآخر، لأن لزوم العقد من أحد الطرفين بمقتضى إجازته لا ينافي
انفساخه بفسخ الطرف الآخر، كما لو كان العقد جائزا من أحدهما
ففسخ (1) مع لزوم العقد من الطرف الآخر، بخلاف اللزوم والانفساخ من
طرف واحد.
ونحوه في الضعف القول بعتق العبد، لأن الإجازة إبقاء للعقد،
والأصل فيه الاستمرار.
وفيه: أن عتق العبد موقوف على عدم عتق الجارية كالعكس.
نعم، الأصل استمرار العقد وبقاء الخيار وعدم حصول العتق
أصلا. وهو الأقوى، كما اختاره جماعة، منهم: العلامة في التذكرة
والقواعد (2) والمحقق الثاني في جامع المقاصد (3)، لأن عتقهما معا لا ينفذ،
لأن العتق لا يكون فضوليا، والمعتق لا يكون مالكا لهما بالفعل، لأن
ملك أحدهما يستلزم خروج الآخر عن الملك.
ولو كان الخيار في الفرض المذكور لبائع العبد بني عتق العبد على
جواز التصرف من غير ذي الخيار في مدة الخيار، وعتق الجارية على
جواز عتق الفضولي. والثاني غير صحيح اتفاقا، وسيأتي الكلام في
الأول وإن كان الخيار لهما.

(1) في " ش ": " فيفسخ ".
(2) التذكرة 1: 538، والقواعد 2: 70.
(3) جامع المقاصد 4: 314.
142

ففي القواعد (1) والإيضاح (2) وجامع المقاصد (3): صحة عتق الجارية
ويكون فسخا، لأن عتق العبد من حيث إنه إبطال لخيار بائعه غير
صحيح بدون إجازة البائع، ومعها يكون إجازة منه لبيعه، والفسخ مقدم
على الإجازة.
والفرق بين هذا وصورة اختصاص المشتري بالخيار: أن عتق كل
من المملوكين كان من المشتري صحيحا لازما، بخلاف ما نحن فيه.
نعم، لو قلنا هنا بصحة عتق المشتري في زمان خيار البائع كان الحكم
كما في تلك الصورة.

(1) القواعد 2: 70.
(2) إيضاح الفوائد 1: 490.
(3) جامع المقاصد 4: 316.
143

مسألة
من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع
من استرداد العين عند الفسخ
على قول الشيخ (1) والمحكي عن ابن سعيد
في جامع الشرائع (2) وظاهر جماعة من الأصحاب، منهم: العلامة في
القواعد (3) والمحقق (4) والشهيد (5) الثانيان قدس الله أسرارهم في ظاهر كلماتهم (6)،
بل
في مفتاح الكرامة - في مسألة عدم انتقال حق الرجوع في الهبة إلى
الورثة -: أن حق الخيار يمنع المشتري من التصرفات الناقلة عند

(1) راجع المبسوط 2: 211، حيث حكم بعدم نفوذ تصرف المشتري مع ثبوت
الخيار للبائع، لأنه إبطال حق البائع من الخيار، وراجع الصفحة 96 من نفس
المصدر أيضا.
(2) الجامع للشرائع: 248.
(3) القواعد 2: 70.
(4) راجع جامع المقاصد 4: 312 و 315، و 9: 169.
(5) راجع المسالك 1: 360.
(6) لم ترد " في ظاهر كلماتهم " في " ش ".
144

الأكثر (1)، وعن جماعة في مسألة وجوب الزكاة على المشتري للنصاب
بخيار للبائع: أن المشتري ممنوع من كثير من التصرفات المنافية لخيار
البائع (2)، بل ظاهر المحكي عن الجامع - كعبارة الدروس (3) - عدم الخلاف
في ذلك، حيث قال في الجامع: وينتقل المبيع بالعقد وانقضاء الخيار،
وقيل بالعقد، ولا ينفذ تصرف المشتري فيه حتى ينقضي خيار البائع (4).
وستجئ عبارة الدروس.
ولكن خلاف الشيخ وابن سعيد مبني على عدم قولهما بتملك المبيع
قبل انقضاء الخيار، فلا يعد مثلهما مخالفا في المسألة.
والموجود في ظاهر كلام المحقق في الشرائع: جواز الرهن في زمن
الخيار، سواء كان الخيار للبائع أو المشتري أو لهما (5)، بل ظاهره عدم
الخلاف في ذلك بين كل من قال بانتقال الملك بالعقد، وكذا ظاهره في
باب الزكاة حيث حكم بوجوب الزكاة في النصاب المملوك ولو مع
ثبوت الخيار (6).
نعم، استشكل فيه في المسالك في شرح المقامين على وجه يظهر

(1) مفتاح الكرامة 9: 195.
(2) راجع مفتاح الكرامة 3 (الزكاة): 19، ومستند الشيعة 9: 30، والجواهر
15: 39.
(3) ستجئ عبارة الدروس في الصفحة الآتية.
(4) الجامع للشرائع: 248.
(5) الشرائع 2: 77.
(6) الشرائع 1: 141.
145

منه: أن المصنف معترف بمنشأ الإشكال (1). وكذا ظاهر كلام القواعد في
باب الرهن (2) وإن اعترض عليه جامع المقاصد (3) بما مر من المسالك.
لكن صريح كلامه في التذكرة في باب الصرف جواز التصرف (4).
وكذا صريح كلام الشهيد في الدروس [حيث] (5) قال في باب الصرف:
لو باع [أحدهما] (6) ما قبضه على غير صاحبه قبل التفرق، فالوجه
الجواز وفاقا للفاضل، ومنعه الشيخ قدس سره لأنه يمنع الآخر خياره. ورد
بأنا نقول: يبقى (7) الخيار (8)، انتهى.
وصرح في المختلف في باب الصرف: بأن له أن يبيع ماله من غير
صاحبه، ولا يبطل حق خيار الآخر، كما لو باع المشتري في زمان
خيار البائع (9). وهو ظاهر اللمعة بل صريحها في مسألة رهن ما فيه
الخيار (10)، وإن شرحها في الروضة بما لا يخلو عن تكلف (11).

(1) راجع المسالك 1: 360 و 4: 25.
(2) القواعد 2: 110.
(3) جامع المقاصد 5: 54.
(4) التذكرة 1: 514.
(5) من " ش ".
(6) من " ش " والمصدر.
(7) في " ش " والمصدر: " ببقاء ".
(8) الدروس 3: 302، وأما قول الفاضل فقد تقدم آنفا عن التذكرة، وسيجئ
عن المختلف، وأما قول الشيخ فراجع المبسوط 2: 96.
(9) المختلف 5: 117.
(10) اللمعة الدمشقية: 138.
(11) الروضة البهية 4: 70.
146

هذا، ويمكن أن يقال: إن قول الشيخ ومن تبعه بالمنع ليس
منشؤه القول بعدم انتقال المبيع ومتفرعا عليه، وإلا لم يكن وجه لتعليل
المنع عن التصرف بلزوم إبطال حق الخيار، بل المتعين (1) الاستناد إلى
عدم حصول الملك مع وجود الخيار.
بل لعل القول بعدم الانتقال منشؤه كون المنع عن التصرف
مفروغا عنه عندهم، كما يظهر من بيان مبنى هذا الخلاف في الدروس،
قال: في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار بمعنى الكشف أو النقل خلاف،
مأخذه: أن الناقل العقد، والغرض بالخيار الاستدراك وهو لا ينافيه،
وأن غاية الملك التصرف الممتنع في مدة الخيار (2)، انتهى.
وظاهر هذا الكلام - كالمتقدم عن جامع ابن سعيد (3) - كون
امتناع التصرف في زمن الخيار مسلما بين القولين، إلا أن يراد (4) نفوذ
التصرف على وجه لا يملك بطلانه بالفسخ ولا يتعقبه ضمان العين بقيمتها
عند الفسخ، والتصرف في زمن الخيار على القول بجوازه معرض لبطلانه
عند الفسخ أو مستعقب للضمان لا محالة. وهذا الاحتمال وإن بعد عن
ظاهر عبارة الدروس، إلا أنه يقربه أنه قدس سره قال بعد أسطر: إن في
جواز تصرف كل منهما في الخيار (5) وجهين (6).

(1) في " ش " زيادة: " حينئذ ".
(2) الدروس 3: 270.
(3) تقدم في الصفحة 145.
(4) في " ش " زيادة: " به ".
(5) في " ش " والمصدر بدل " في الخيار ": " مع اشتراك الخيار ".
(6) الدروس 3: 271.
147

والحاصل: أن كلمات العلامة والشهيد - بل وغيرهما قدس الله أسرارهم في
هذا المقام - لا تخلو بحسب الظاهر عن اضطراب.
ثم إن الظاهر عدم الفرق بين العتق وغيره من التصرفات، وربما
يظهر من كلمات بعضهم تجويز العتق لبنائه على التغليب (1).
وكذا الظاهر
عدم الفرق بين الإتلاف والتصرفات الناقلة.
واختار بعض أفاضل من عاصرناهم الفرق بالمنع عن الإتلاف
وتجويز غيره، لكن مع انفساخه من أصله عند فسخ ذي الخيار (2)،
وقيل بانفساخه حينئذ من حينه (3).
حجة القول بالمنع: أن الخيار حق يتعلق بالعقد المتعلق
بالعوضين من حيث إرجاعهما بحل العقد إلى مالكهما السابق، فالحق
بالأخرة متعلق بالعين التي انتقلت منه إلى صاحبه، فلا يجوز لصاحبه
أن يتصرف فيها بما يبطل ذلك الحق بإتلافها أو نقلها إلى شخص
آخر.
ومنه يظهر أن جواز الفسخ مع التلف بالرجوع إلى البدل
لا يوجب جواز الإتلاف، لأن الحق متعلق بخصوص العين، فإتلافها
إتلاف لهذا الحق وإن انتقل إلى بدله لو تلف بنفسه، كما أن تعلق
حق الرهن ببدل العين المرهونة بعد تلفها لا يوجب جواز إتلافها على
ذي الحق.

(1) راجع مفتاح الكرامة 4: 602.
(2) وهو المحقق التستري في المقابس: 200.
(3) لم نعثر عليه.
148

وإلى ما ذكر يرجع ما في الإيضاح: من توجيه بطلان العتق
في زمن الخيار بوجوب صيانة حق البائع في العين المعينة عن
الإبطال (1).
ويؤيد ما ذكرنا: أنهم حكموا - من غير خلاف يظهر منهم - بأن
التصرف الناقل إذا وقع بإذن ذي الخيار سقط خياره، فلو لم يكن حقا
متعلقا بالعين لم يكن وقوع ذلك موجبا لسقوط الخيار، فإن تلف العين
لا ينافي بقاء الخيار، لعدم منافاة التصرف لعدم الالتزام بالعقد وإرادة
الفسخ بأخذ القيمة.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه المنع، لكنه لا يخلو عن
نظر، فإن الثابت من خيار الفسخ بعد ملاحظة جواز التفاسخ في حال
تلف العينين هي سلطنة ذي الخيار على فسخ العقد المتمكن في حالتي
وجود العين وفقدها، فلا دلالة في مجرد ثبوت الخيار على حكم التلف
جوازا ومنعا، فالمرجع فيه أدلة سلطنة الناس على أموالهم، ألا ترى أن
حق الشفيع لا يمنع المشتري من نقل العين؟ ومجرد الفرق بينهما: بأن (2)
الشفعة سلطنة على نقل جديد فالملك مستقر قبل الأخذ بها غاية الأمر
تملك الشفيع نقله إلى نفسه، بخلاف الخيار فإنها سلطنة على رفع العقد
وإرجاع الملك إلى الحالة (3) السابقة، لا يؤثر في الحكم المذكور مع أن
الملك في الشفعة أولى بالتزلزل، لإبطالها تصرفات المشتري اتفاقا.

(1) إيضاح الفوائد 1: 489.
(2) في " ق ": " أن ".
(3) في " ق ": " حاله ".
149

وأما حق الرهن، فهو من حيث كون الرهن وثيقة يدل على
وجوب إبقائه وعدم السلطنة على إتلافه، مضافا إلى النص والإجماع
على حرمة التصرف في الرهن مطلقا ولو لم يكن متلفا ولا ناقلا.
وأما سقوط الخيار بالتصرف الذي أذن فيه ذو الخيار، فلدلالة
العرف، لا للمنافاة.
والحاصل: أن عموم " الناس مسلطون على أموالهم " لم يعلم
تقييده بحق يحدث لذي الخيار يزاحم به سلطنة المالك، فالجواز لا يخلو
عن قوة في الخيارات الأصلية.
وأما الخيار المجعول بشرط، فالظاهر من اشتراطه (1) إرادة إبقاء
الملك ليسترده عند الفسخ، بل الحكمة في أصل الخيار هو إبقاء السلطنة
على استرداد العين، إلا أنها في الخيار المجعول علة للجعل، ولا ينافي
ذلك بقاء الخيار مع التلف، كما لا يخفى.
وعليه فيتعين الانتقال إلى البدل عند الفسخ مع الإتلاف. وأما مع
فعل ما لا يسوغ انتقاله عن المتصرف كالاستيلاد، ففي تقديم حق
الخيار لسبقه، أو الاستيلاد لعدم اقتضاء الفسخ لرد العين مع وجود
المانع الشرعي كالعقلي، وجهان، أقواهما الثاني (2).

(1) في " ش ": " وأما الخيارات المجعولة بالشرط فالظاهر من اشتراطها ".
(2) في " ش " زيادة ما يلي: " وهو اللائح من كلام التذكرة في باب الصرف،
حيث ذكر: أن صحة البيع الثاني لا ينافي حكمه وثبوت الخيار للمتعاقدين "،
وراجع التذكرة 1: 514، والعبارة فيها هكذا: " لأن صحة البيع لا تنافي ثبوت
الخيار لغير المتعاقدين ".
150

ومنه يعلم حكم نقله عن ملكه وأنه ينتقل إلى البدل، لأنه إذا
جاز التصرف فلا داعي إلى إهمال ما يقتضيه التصرف من اللزوم
وتسلط العاقد الثاني على ماله، عدا ما يتخيل: من أن تملك العاقد
الثاني مبني على العقد الأول، فإذا ارتفع بالفسخ وصار كأن لم يكن
ولو بالنسبة إلى ما بعد الفسخ كان من لوازم ذلك ارتفاع ما بني عليه
من التصرفات والعقود. والحاصل: أن العاقد الثاني يتلقى الملك من
المشتري الأول، فإذا فرض الاشتراء كأن لم يكن وملك البائع الأول
العين بالملك السابق قبل البيع ارتفع بذلك ما استند إليه من العقد
الثاني.
ويمكن دفعه: بأن تملك العاقد الثاني مستند إلى تملك المشتري له
آنا ما، لأن مقتضى سلطنته في ذلك الآن صحة جميع ما يترتب عليه
من التصرفات، واقتضاء الفسخ لكون العقد كأن لم يكن بالنسبة إلى ما
بعد الفسخ لأنه رفع للعقد الثابت.
وقد ذهب المشهور إلى أنه لو تلف أحد العوضين قبل قبضه وبعد
بيع العوض الآخر المقبوض انفسخ البيع الأول دون الثاني، واستحق
بدل العوض المبيع ثانيا على من باعه.
والفرق بين تزلزل العقد من حيث إنه أمر اختياري كالخيار أو
أمر اضطراري كتلف عوضه قبل قبضه، غير مجد فيما نحن بصدده.
ثم إنه لا فرق بين كون العقد الثاني لازما أو جائزا، لأن جواز
العقد يوجب سلطنة العاقد على فسخه، لا سلطنة الثالث الأجنبي.
نعم، يبقى هنا إلزام العاقد بالفسخ بناء على أن البدل للحيلولة
وهي مع تعذر المبدل، ومع التمكن يجب تحصيله، إلا أن يقال
151

باختصاص ذلك بما إذا كان المبدل المتعذر (1) على ملك مستحق البدل،
كما في المغصوب الآبق. أما فيما نحن فيه، فإن العين ملك للعاقد الثاني،
والفسخ إنما يقتضي خروج المعوض عن ملك من يدخل في ملكه
العوض وهو العاقد الأول، فيستحيل خروج المعوض عن ملك العاقد
الثاني، فيستقر بدله على العاقد الأول، ولا دليل على إلزامه بتحصيل
المبدل مع دخوله في ملك ثالث، وقد مر بعض الكلام في ذلك في خيار
الغبن (2).
هذا، ولكن قد تقدم: أن ظاهر عبارتي الدروس والجامع الاتفاق
على عدم نفوذ التصرفات الواقعة في زمان الخيار (3). وتوجيهه بإرادة
التصرف على وجه لا يستعقب الضمان بأن يضمنه ببدله بعد فسخ
ذي الخيار بعيد جدا. ولم يظهر ممن تقدم نقل القول بالجواز عنه الرجوع
إلى البدل إلا في مسألة العتق والاستيلاد. فالمسألة في غاية الإشكال.
ثم على القول بانفساخ العقد الثاني، فهل يكون من حين فسخ
الأول، أو من أصله؟ قولان، اختار ثانيهما بعض أفاضل المعاصرين (4)،
محتجا: بأن مقتضى الفسخ تلقي كل من العوضين من ملك كل من

(1) في " ش " زيادة: باقيا.
(2) راجع الجزء الخامس، الصفحة 192 وما بعدها.
(3) تقدم في الصفحة 145.
(4) الظاهر أن المراد هو المحقق التستري، ولكن لم نعثر على تفصيل ما نقله
المصنف قدس سره، نعم ربما يتضمن حاصل بعض كلامه، كالفسخ من الأصل، كما
تقدم في الصفحة 148.
152

المتعاقدين، فلا يجوز أن يتلقى الفاسخ الملك من العاقد الثاني، بل لا بد
من انفساخ العقد الثاني بفسخ الأول ورجوع العين إلى ملك المالك
الأول ليخرج منه إلى ملك الفاسخ، إلا أن يلتزم: بأن ملك العاقد
الثاني إلى وقت الفسخ، فتلقى الفاسخ الملك بعد الفسخ من العاقد
الأول. ورده القائل (1): بعدم معروفية التملك المؤقت في الشرع، فافهم.
ثم إن المتيقن من زمان الخيار الممنوع فيه من التصرف على
القول به هو زمان تحقق الخيار فعلا، كالمجلس والثلاثة في الحيوان
والزمان المشروط فيه الخيار. وأما الزمان الذي لم يتنجز فيه الخيار
- إما لعدم تحقق سببه كما في خيار التأخير بناء على أن السبب في
ثبوته تضرر البائع بالصبر أزيد من الثلاثة، وإما لعدم تحقق شرطه كما
في بيع الخيار بشرط رد الثمن، بناء على كون الرد شرطا للخيار وعدم
تحققه قبله، وكاشتراط الخيار في زمان متأخر -
ففي جواز التصرف قبل
تنجز الخيار خصوصا فيما لم يتحقق سببه، وجهان:
من أن المانع عن التصرف هو تزلزل العقد وكونه في معرض
الارتفاع وهو موجود هنا وإن لم يقدر ذو الخيار على الفسخ حينئذ.
ومن أنه لا حق بالفعل لذي الخيار فلا مانع من التصرف.
ويمكن الفرق بين الخيار المتوقف على حضور الزمان، والمتوقف
على شئ آخر كالتأخير والرؤية على خلاف الوصف، لأن ثبوت الحق
في الأول معلوم وإن لم يحضر زمانه، بخلاف الثاني، ولذا لم يقل أحد
بالمنع من التصرف في أحد (2) العوضين قبل قبض الآخر من جهة كون

(1) يعني بعض الأفاضل. ولم ترد كلمة " القائل " في " ش ".
(2) في " ش " زيادة: " من ".
153

العقد في معرض الانفساخ بتلف ما لم يقبض، وسيجئ ما يظهر منه
قوة هذا التفصيل.
وعلى كل حال، فالخيار المتوقف تنجزه فعلا على ظهور أمر
- كالغبن، والعيب، والرؤية على خلاف الوصف - غير مانع من التصرف
بلا خلاف ظاهرا.
فرعان:
الأول: لو منعا عن التصرف المتلف في زمان الخيار، فهل يمنع
عن التصرف المعرض لفوات حق ذي الخيار من العين، كوطء الأمة في
زمان الخيار، بناء على أن الاستيلاد مانع من رد العين بالخيار؟ قولان
للمانعين، أكثرهم على الجواز، كالعلامة في القواعد (1) والشارح [في] (2)
جامع المقاصد (3) وحكي عن المبسوط (4) والغنية (5) والخلاف (6)، لكن
لا يلائم ذلك القول بتوقف الملك على انقضاء الخيار، كما اعترف به في
الإيضاح (7). ولذا حمل في الدروس تجويز الشيخ للوطء على ما إذا

(1) القواعد 2: 70.
(2) لم يرد في " ق ".
(3) جامع المقاصد 4: 313 و 319.
(4) المبسوط 2: 83.
(5) الغنية: 221.
(6) الخلاف 3: 23، المسألة 31 من كتاب البيوع.
(7) إيضاح الفوائد 1: 491.
154

اختص الخيار بالواطئ (1). لكن قيل: إن عبارة المبسوط لا تقبل ذلك (2).
وظاهر المحكي عن التذكرة وظاهر الدروس (3) المنع عن ذلك،
لكون الوطء معرضا لفوات حق ذي الخيار من العين.
الثاني: أنه هل يجوز إجارة العين في زمان الخيار بدون إذن
ذي الخيار؟ فيه وجهان: من كونه (4) ملكا له، ومن إبطال هذا التصرف،
لتسلط الفاسخ على أخذ العين، إذ الفرض استحقاق المستأجر لتسلمه
لأجل استيفاء منفعته.
ولو آجره من ذي الخيار أو بإذنه ففسخ لم يبطل الإجارة، لأن
المشتري ملك العين ملكية مطلقة مستعدة للدوام، ومن نماء هذا الملك
المنفعة الدائمة، فإذا استوفاها المشتري بالإجارة، فلا وجه لرجوعها إلى
الفاسخ، بل يعود الملك إليه مسلوب المنفعة في مدة الإجارة، كما إذا
باعه بعد الإجارة. وليس الملك هنا نظير ملك البطن الأول من
الموقوف عليه، لأن البطن الثاني لا يتلقى الملك منه حتى يتلقاه مسلوب
المنفعة، بل من الواقف كالبطن الأول، فالملك ينتهي بانتهاء استعداده.

(1) الدروس 3: 271.
(2) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 603.
(3) نسبه في مفتاح الكرامة 4: 604 إلى صريح التذكرة وظاهر الدروس. راجع
التذكرة 1: 534، والدروس 3: 271.
(4) كذا، والمناسب تأنيث الضمير، لرجوعه إلى " العين "، وهكذا الكلام في
الضمائر الآتية.
155

فإن قلت: إن ملك المنفعة تابع لملك العين، بمعنى أنه إذا ثبت
الملكية في زمان وكان زوالها بالانتقال إلى آخر، ملك المنفعة الدائمة،
لأن المفروض أن المنتقل إليه يتلقى الملك من ذلك المالك، فيتلقاه
مسلوب المنفعة. وأما إذا ثبتت وكان زوالها بارتفاع سببها لم يكن ملك
من عاد إليه متلقى عن المالك الأول ومستندا إليه، بل كان مستندا إلى
ما كان قبل تملك المالك الأول، فيتبعه المنفعة، كما لو فرضنا زوال الملك
بانتهاء سببه لا برفعه، كما في ملك البطن الأول من الموقوف [عليه] (1)
فإن المنفعة تتبع مقدار تملكه.
قلت:
أولا: أنه منقوض بما إذا وقع التفاسخ بعد الإجارة مع عدم
التزام أحد ببطلان الإجارة.
وثانيا: أنه يكفي في ملك المنفعة الدائمة تحقق الملكية المستعدة
للدوام لولا الرافع آنا ما.
ثم إن الفاضل القمي في بعض أجوبة مسائله جزم ببطلان
الإجارة بفسخ البيع بخيار رد مثل الثمن، وعلله: بأنه يعلم بفسخ البيع:
أن المشتري لم يملك منافع ما بعد الفسخ، وأن الإجارة كانت متزلزلة
ومراعاة بالنسبة إلى فسخ البيع (2)، انتهى.
فإن كان مرجعه إلى ما ذكرنا: من كون المنفعة تابعة لبقاء الملك

(1) لم يرد في " ق ".
(2) راجع جامع الشتات (الطبعة الحديثة) 3: 432، جواب السؤال: 203 من
كتاب الإجارة.
156

أو الملك المستند إلى ذلك الملك، فقد عرفت الجواب عنه نقضا وحلا،
وأن المنفعة تابعة للملك المستعد للدوام، وإن كان مرجعه إلى شئ
[آخر] (1) فليبين حتى ينظر فيه، مع أن الأصل عدم الانفساخ، لأن
الشك في أن حق خيار الفسخ في العين يوجب تزلزل ملك المنفعة أم
لا مع العلم بقابلية المنفعة بعد الفسخ للتملك قبله، كما إذا تقايلا البيع
بعد الإجارة.
ثم إنه لا إشكال في نفوذ التصرف بإذن ذي الخيار وأنه يسقط
خياره بهذا التصرف، إما لدلالة الإذن على الالتزام بالعقد عرفا وإن لم
يكن منافاة بين الإذن في التصرف أو الإتلاف وإرادة الفسخ وأخذ
القيمة، كما نبهنا عليه في المسألة السابقة (2)، وبه يندفع الإشكال الذي
أورده المحقق الأردبيلي: من عدم دلالة ذلك على سقوط الخيار (3). وإما
لأن التصرف الواقع تفويت لمحل هذا الحق - وهي العين - بإذن صاحبه،
فلا ينفسخ التصرف ولا يتعلق الحق بالبدل، لأن أخذ البدل بالفسخ
فرع تلف العين في حال حلول الحق فيه، لا مع سقوطه عنه.
ولو أذن ولم يتصرف المأذون، ففي القواعد والتذكرة: أنه يسقط
خيار الآذن (4)، وعن الميسية: أنه المشهور (5). قيل: كأن منشأ هذه

(1) لم يرد في " ق ".
(2) في الصفحة 149 - 150.
(3) مجمع الفائدة 8: 415.
(4) القواعد 2: 68، والتذكرة 1: 528.
(5) حكاه عنها السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 589.
157

النسبة فهم استناد المشهور في سقوط الخيار في الصورة السابقة إلى
دلالة مجرد الإذن، ولا يقدح فيها تجرده عن التصرف (1). وقد منع دلالة
الإذن المجرد في المسالك وجامع المقاصد والقواعد (2).
والأولى أن يقال: إنه لا ينبغي الإشكال في كون إذن ذي الخيار
في التصرف عنه فيما انتقل عنه فسخا (3)، لأن التوكيل في بيع (4) مال
الغير لنفسه غير جائز شرعا، فيحمل على الفسخ، كسائر التصرفات
التي لا تصح شرعا إلا بجعلها فسخا.
وأما كون إذن ذي الخيار للمشتري في التصرف إجازة وإسقاطا
لخياره، فيمكن الاستشكال فيه، لأن الثابت بالنص والإجماع: أن
التصرف فيما انتقل إليه إجازة، وليس الإذن من ذلك، وإنما حكم
بالسقوط في التصرف عن إذنه، لا لأجل تحقق الإسقاط من ذي الخيار
بالإذن، بل لتحقق المسقط، لما عرفت: من أن التصرف الواقع بإذنه
صحيح نافذ، والتسلط على بدله فرع خروجه عن ملك المشتري متعلقا
للحق، فالإذن فيما نحن فيه نظير إذن المرتهن في بيع الرهن لا يسقط به
حق الرهانة، ويجوز الرجوع قبل البيع. نعم، يمكن القول بإسقاطه من

(1) راجع مفتاح الكرامة 4: 589.
(2) المسالك 3: 213، وجامع المقاصد 4: 305 و 311، والقواعد 2: 68 - 69.
(3) في " ق ": " فسخ "، وهو سهو على الظاهر.
(4) العبارة في " ش " هكذا: " والأولى أن يقال: بأن الظاهر كون إذن ذي الخيار
في التصرف المخرج فيما انتقل عنه فسخا لحكم العرف، ولأن إباحة بيع مال
الغير... ".
158

جهة تضمنه للرضا بالعقد، فإنه ليس بأدون من رضا المشتري بتقبيل
الجارية.
وقد صرح في المبسوط: بأنه إذا علم رضا البائع بوطء المشتري
سقط خياره (1)، ويؤيده رواية السكوني (2) في كون العرض على البيع
التزاما.
فهذا القول لا يخلو عن قوة.

(1) المبسوط 2: 83.
(2) الوسائل 12: 359، الباب 12 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
159

مسألة
المشهور أن المبيع يملك بالعقد، وأثر الخيار تزلزل الملك بسبب
القدرة على رفع سببه، فالخيار حق لصاحبه في ملك الآخر. وحكى
المحقق (1) وجماعة (2) عن الشيخ: توقف الملك بعد العقد على انقضاء
الخيار. وإطلاقه يشمل الخيار المختص بالمشتري، وصرح في التحرير
بشموله لذلك (3).
لكن الشهيد في الدروس قال: في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار
بمعنى الكشف أو النقل خلاف، مأخذه: أن الناقل العقد، والغرض من
الخيار الاستدراك وهو لا ينافي الملك، وأن غاية الملك التصرف الممتنع

(1) حكاه في الشرائع 2: 23، والمختصر: 122، بلفظ " وقيل "، نعم علق عليه
في المسالك 3: 215 بقوله: " والمشهور أن القول المحكي للشيخ ".
(2) كشف الرموز 1: 461، والتنقيح الرائع 2: 51، والمفاتيح 3: 75 وغيرها،
ونسب بعض ذلك إلى ظاهر الشيخ وقال بعض آخر: " يلوح من كلام الشيخ ".
راجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة 4: 592.
(3) التحرير 1: 168.
160

في زمان الخيار. وربما قطع الشيخ بملك المشتري إذا اختص الخيار.
وظاهر ابن الجنيد توقف الملك على انقضاء الخيار (1)، انتهى.
فإن في هذا الكلام شهادة من وجهين على عدم توقف ملك
المشتري على انقضاء خياره عند الشيخ، بل المأخذ المذكور صريح في
عدم الخلاف من غير الشيخ قدس سره أيضا، لكن ينافيه جعل قول ابن
الجنيد مقابلا لقول الشيخ، واللازم نقل كلام الشيخ قدس سره في الخلاف
والمبسوط.
قال في محكي الخلاف: العقد يثبت بنفس الإيجاب والقبول، فإن
كان مطلقا فإنه يلزم بالافتراق بالأبدان، وإن كان مشروطا يلزم
بانقضاء الشرط، فإن كان الشرط لهما أو للبائع فإذا انقضى الخيار ملك
المشتري بالعقد المتقدم، وإن كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع
عن الملك بنفس العقد، لكنه لم ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار،
فإن انقضى (2) الخيار ملك المشتري بالعقد الأول (3)، انتهى.
وظاهر هذا الكلام - كما قيل (4) - هو الكشف، فحينئذ يمكن الجمع
بين زوال ملك البائع بمعنى عدم حق له بعد ذلك في المبيع - نظير لزوم
العقد من طرف الأصيل إذا وقع مع الفضولي - وبين عدم انتقاله إلى
المشتري بحسب الظاهر حتى ينقضي خياره، فإذا انقضى ملك بسبب

(1) الدروس 3: 270.
(2) في " ق " بدل فإن " انقضى ": " فإذا انتقل "، وهو من سهو القلم.
(3) الخلاف 3: 22، المسألة 29 من كتاب البيوع.
(4) قاله الشهيد في المسالك 3: 215.
161

العقد الأول بمعنى كشف الانقضاء عنه، فيصير انقضاء الخيار للمشتري
نظير إجازة عقد الفضولي. ولا يرد حينئذ عليه: أن اللازم منه
بقاء الملك بلا مالك. وحاصل هذا القول: أن الخيار يوجب تزلزل
الملك.
ويمكن حمله أيضا على إرادة الملك اللازم الذي لا حق ولا علاقة
لمالكه السابق فيه، فوافق المشهور، ولذا عبر في غاية المراد بقوله:
" ويلوح من كلام الشيخ توقف الملك على انقضاء الخيار " (1) ولم ينسب
ذلك إليه صريحا.
وقال في المبسوط: البيع إن كان مطلقا غير مشروط فإنه يثبت
بنفس العقد ويلزم بالتفرق بالأبدان، وإن كان مشروطا لزومه بنفس
العقد لزم بنفس العقد، وإن كان مقيدا بشرط لزم بانقضاء الشرط (2)،
انتهى.
وظاهره - كظاهر الخلاف - عدم الفرق بين خيار البائع والمشتري.
لكن قال في باب الشفعة: إذا باع شقصا بشرط الخيار، فإن كان الخيار
للبائع أو لهما لم يكن للشفيع الشفعة، لأن الشفعة إنما تجب إذا انتقل
الملك إليه. وإن كان الخيار للمشتري وجب الشفعة [للشفيع] (3) لأن
الملك يثبت للمشتري بنفس العقد، وله المطالبة بعد [انقضاء] (4) الخيار.

(1) غاية المراد 2: 105، وفيه: " فيلوح من كلام الشيخ في الخلاف والمبسوط
توقف ملك المشتري على سقوطه ".
(2) المبسوط 2: 83.
(3) أثبتناه من " ش " والمصدر.
(4) أثبتناه من " ش " والمصدر.
162

وحكم خيار المجلس والشرط في ذلك سواء، على ما فصلناه (1). ولعل
هذا مأخذ ما تقدم (2) من النسبة في ذيل عبارة الدروس.
هذا، ولكن الحلي قدس سره في السرائر ادعى رجوع الشيخ عما
ذكره في الخلاف (3).
ويمكن أن يستظهر من مواضع من المبسوط ما يوافق المشهور.
مثل استدلاله في مواضع على المنع عن التصرف في مدة الخيار:
بأن فيه إبطالا لحق ذي الخيار، كما في مسألة بيع أحد النقدين على غير
صاحبه في المجلس (4)، وفي مسألة رهن ما فيه الخيار للبائع (5)، فإنه لو
قال بعدم الملك تعين تعليل المنع به، لا بإبطال حق ذي الخيار من
الخيار، لأن التعليل بوجود المانع في مقام فقد المقتضي كما ترى!
ومنها: أنه ذكر في باب الصرف جواز تبايع المتصارفين ثانيا في
المجلس، لأن شروعهما في البيع قطع للخيار (6)، مع أنه لم يصحح في باب
الهبة البيع الذي يتحقق به الرجوع فيها، لعدم وقوعه في الملك (7). فلولا
قوله في الخيار بمقالة المشهور لم يصح البيع ثانيا، لوقوعه في غير الملك

(1) المبسوط 3: 123.
(2) تقدم في الصفحة 161.
(3) السرائر 2: 386.
(4) راجع المبسوط 2: 96.
(5) راجع المبسوط 2: 211.
(6) المبسوط 2: 96.
(7) المبسوط 3: 304.
163

على ما ذكره (1) في الهبة.
وربما ينسب (2) إلى المبسوط اختيار المشهور فيما إذا صار أحد
المتبايعين الذي له الخيار مفلسا، حيث حكم بأن له الخيار في الإجازة
والفسخ، لأنه ليس بابتداء ملك، لأن الملك قد سبق بالعقد (3)، انتهى.
لكن النسبة لا تخلو عن تأمل لمن لاحظ باقي العبارة.
وقال ابن سعيد قدس سره في الجامع - على ما حكي عنه -: إن المبيع
يملك بالعقد وبانقضاء الخيار، وقيل: بالعقد ولا ينفذ تصرف المشتري
إلا بعد انقضاء خيار البائع (4)، انتهى.
وقد تقدم حكاية التوقف عن ابن الجنيد أيضا (5).
وكيف كان، فالأقوى هو المشهور، لعموم أدلة حل البيع، وأكل
المال إذا كانت تجارة عن تراض، وغيرهما مما ظاهره كون العقد علة
تامة لجواز التصرف الذي هو من لوازم الملك.
ويدل عليه لفظ " الخيار " في قولهم عليهم السلام: " البيعان بالخيار " (6)،
وما دل على جواز النظر في الجارية في زمان الخيار إلى ما لا يحل له

(1) في " ش ": " على ما ذكرنا ".
(2) نسبه العلامة بحر العلوم، انظر المصابيح (مخطوط): 116.
(3) المبسوط 2: 266.
(4) الجامع للشرائع: 248.
(5) تقدم في الصفحة 161.
(6) راجع الوسائل 12: 345 - 346، الباب الأول من أبواب أحكام الخيار،
الأحاديث 1 و 2 و 3.
164

قبل ذلك (1)، فإنه يدل على الحل بعد العقد في زمن الخيار، إلا أن يلتزم
بأنه نظير حل وطء المطلقة الرجعية الذي يحصل به الرجوع.
ويدل عليه: ما تقدم في أدلة بيع الخيار بشرط رد المبيع (2): من
كون نماء المبيع للمشتري وتلفه منه (3) فيكشف ذلك عن ثبوت اللزوم
وهو الملك، إلا أن يلتزم بعدم كون ذلك من اشتراط الخيار، بل من
باب اشتراط انفساخ البيع برد الثمن - وقد تقدم (4) في مسألة بيع الخيار
بيان هذا الاحتمال وما يشهد له من بعض العنوانات، لكن تقدم: أنه
بعيد في الغاية - أو يقال: إن النماء في مورد الرواية نماء المبيع في زمان
لزوم البيع، لأن الخيار يحدث برد مثل الثمن وإن ذكرنا في تلك المسألة:
أن الخيار في بيع الخيار المعنون عند الأصحاب ليس مشروطا حدوثه
بالرد (5)، إلا أن الرواية قابلة للحمل عليه، إلا أن يتمسك بإطلاقه (6)
الشامل لما إذا جعل الخيار من أول العقد في فسخه مقيدا برد مثل
الثمن.
هذا، مع أن الظاهر أن الشيخ يقول بالتوقف في الخيار المنفصل
أيضا.

(1) راجع الوسائل 12: 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديثين 1 و 3.
(2) في " ش ": " الثمن ".
(3) تقدم في الجزء الخامس: 139 في الأمر الخامس ذيل بيع الخيار.
(4) تقدم في الجزء الخامس: 129 في الأمر الأول ذيل بيع الخيار.
(5) في " ش " زيادة: " في أدلة بيع الخيار ".
(6) كذا في النسخ، والمناسب: " بإطلاقها ".
165

وربما يتمسك بالأخبار الواردة في العينة (1) وهي: أن يشتري
الإنسان شيئا بنسية ثم يبيعه بأقل منه في ذلك المجلس نقدا. لكنها
لا دلالة لها من هذه الحيثية، لأن بيعها على بائعها الأول وإن كان في
خيار المجلس أو الحيوان، إلا أن بيعه عليه مسقط لخيارهما اتفاقا. وقد
صرح الشيخ في المبسوط بجواز ذلك، مع منعه عن بيعه على غير
صاحبه في المجلس (2).
نعم، بعض هذه الأخبار يشتمل على فقرات يستأنس بها لمذهب
المشهور، مثل صحيح يسار بن يسار: " عن الرجل يبيع المتاع
ويشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه؟ قال: نعم لا بأس به. قلت:
أشتري متاعي؟ فقال: ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك " (3) فإن
في ذيلها دلالة على انتقال المبيع قبل انقضاء الخيار.
ولا استئناس بها أيضا عند التأمل، لما عرفت: من أن هذا البيع
جائز عند القائل بالتوقف، لسقوط خيارهما بالتواطؤ على هذا البيع، كما
عرفت التصريح به من المبسوط (4).
ويذب بذلك عن الإشكال المتقدم نظيره سابقا (5): من أن الملك

(1) كما تمسك بها صاحب الجواهر، انظر الجواهر 23: 80، وراجع الوسائل 12:
369 و 375، الباب 5 و 8 من أبواب أحكام العقود.
(2) راجع المبسوط 2: 96 و 142 - 144.
(3) الوسائل 12: 370، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 3، وفيه
بدل " يسار بن يسار ": " بشار بن يسار ".
(4) عرفته آنفا، وراجع الصفحة 164 أيضا.
(5) راجع الصفحة 53، الشرط السابع من شروط صحة الشرط، وراجع 137 - 138.
166

إذا حصل بنفس البيع الثاني مع أنه موقوف على الملك لزم الدور
الوارد على من صحح البيع الذي يتحقق به الفسخ، وحينئذ فيمكن
أن يكون سؤال السائل بقوله: " أشتري متاعي " من جهة ركوز
مذهب الشيخ عندهم: من عدم جواز البيع قبل الافتراق، ويكون
جواب الإمام عليه السلام مبنيا على جواز بيعه على البائع، لأن تواطؤهما
على البيع الثاني إسقاط للخيار من الطرفين، كما في صريح المبسوط (1).
فقوله: " ليس هو متاعك " إشارة إلى أن ما ينتقل إليك بالشراء إنما
انتقل إليك بعد خروجه عن ملكك بتواطئكما على المعاملة الثانية المسقط
لخياركما، لا بنفس العقد. وهذا المعنى في غاية الوضوح لمن تأمل في
فقه المسألة.
ثم لو سلم ما ذكر من الدلالة أو الاستئناس لم يدفع به إلا القول
بالوقف (2) دون الكشف، كما لا يخفى.
ومثل هذه الرواية في عدم الدلالة ولا الاستئناس صحيحة محمد
ابن مسلم: " عن رجل أتاه رجل فقال: ابتع لي متاعا (3) لعلي أشتريه
منك بنقد أو بنسية، فابتاعه الرجل من أجله؟ قال: ليس به بأس، إنما
يشتريه منه بعدما يملكه " (4).
فإن الظاهر: أن قوله: " إنما يشتريه... إلخ " إشارة إلى أن هذا

(1) كما تقدم عنه في الصفحة 163، المنقول عن باب الصرف.
(2) في " ش ": " بالنقل ".
(3) في " ق ": " متاعك ".
(4) الوسائل 12: 377، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث 8.
167

ليس من بيع ما ليس عندك (1)، وأن بيعه لم يكن قبل استيجاب البيع
مع الأول، فقوله: " بعد ما يملكه " إشارة إلى استيجاب العقد مع الأول،
كما يظهر من قولهم عليهم السلام في أخبار أخر واردة في هذه المسألة:
" ولا توجب البيع قبل أن تستوجبه " (2) مع أن الغالب في مثل هذه
المعاملة قيام الرجل إلى مكان غيره ليأخذ منه المتاع ورجوعه إلى
منزله لبيعه من صاحبه الذي طلب منه ذلك، فيلزم العقد الأول
بالتفرق. ولو فرض اجتماعهما في مجلس واحد كان تعريضه للبيع ثانيا
بحضور البائع دالا عرفا على سقوط خياره، ويسقط خيار المشتري
بالتعريض للبيع.
وبالجملة، ليس في قوله: " بعدما يملكه " دلالة على أن تملكه
بنفس العقد، مع أنها على تقدير الدلالة تدفع النقل لا الكشف، كما
لا يخفى.
ونحوه في الضعف: الاستدلال في التذكرة (3) بما دل على أن مال
العبد المشترى لمشتريه مطلقا أو مع الشرط أو علم البائع من غير
تقييد بانقضاء الخيار، إذ فيه (4): أن الكلام مسوق لبيان ثبوت المال
للمشتري على نحو ثبوت العبد له، وأنه يدخل في شراء العبد حتى إذا
ملك العبد ملك ماله. مع أن الشيخ لم يثبت منه هذا القول في الخيار

(1) في " ش ": " عنده ".
(2) الوسائل 12: 378، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث 13.
(3) راجع التذكرة 1: 499 و 534.
(4) في الأصل: " فيها ".
168

المختص بالمشتري، والتمسك بإطلاق الروايات لما إذا شرط البائع الخيار
كما ترى!
وأشد ضعفا من الكل ما قيل (1): من أن المقصود للمتعاقدين
والذي وقع التراضي عليه انتقال كل من الثمن والمثمن حال العقد، فهذه
المعاملة إما صحيحة كذلك - كما عند المشهور (2) - فثبت المطلوب، أو
باطلة من أصلها، أو أنها صحيحة إلا أنها على غير ما قصداه وتراضيا
عليه.
توضيح الضعف: أن مدلول العقد ليس هو الانتقال من حين
العقد، لكن الإنشاء لما كان علة لتحقق المنشأ عند تحققه كان الداعي
على الإنشاء حصول المنشأ عنده، لكن العلية إنما هو (3) عند العرف،
فلا ينافي كونه في الشرع سببا محتاجا إلى تحقق شرائط أخر بعده،
كالقبض في السلم والصرف، وانقضاء الخيار في محل الكلام. فالعقد
مدلوله مجرد التمليك والتملك مجردا عن الزمان، لكنه عرفا علة تامة
لمضمونه، وإمضاء الشارع له تابع لمقتضى الأدلة، فليس في تأخير
الإمضاء تخلف أثر العقد عن المقصود المدلول عليه بالعقد، وإنما فيه
التخلف عن داعي المتعاقدين، ولا ضرر فيه.
وقد تقدم الكلام في ذلك في مسألة كون الإجازة كاشفة أو
ناقلة (4).

(1) قاله صاحب الجواهر، انظر الجواهر 23: 79.
(2) في الجواهر: " إما صحيحة كذلك عند الشارع فيثبت المطلوب ".
(3) كذا، والمناسب: " هي ".
(4) راجع الجزء الثالث: 399 وما بعدها.
169

وقد يستدل (1) أيضا بالنبوي المشهور - المذكور في كتب الفتوى
للخاصة والعامة على جهة الاستناد إليه - وهو: أن " الخراج بالضمان " (2)
بناء على أن المبيع في زمان الخيار المشترك أو المختص بالبائع في ضمان
المشتري، فخراجه له، وهي علامة ملكه.
وفيه: أنه لم يعلم من القائلين بتوقف الملك على انقضاء الخيار
القول بكون ضمانه على المشتري حتى يكون نماؤه له.
وقد ظهر بما ذكرنا: أن العمدة في قول المشهور عموم أدلة " حل
البيع " و " التجارة عن تراض " وأخبار الخيار.
واستدل للقول الآخر (3) بما دل على كون تلف المبيع من مال
البائع في زمان الخيار (4)، فيدل بضميمة قاعدة " كون التلف من المالك
لأنه مقابل الخراج " على كونه في ملك البائع، مثل:
صحيحة ابن سنان " عن الرجل يشتري العبد أو الدابة بشرط
إلى يوم أو يومين، فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث،
على من ضمان ذلك؟ فقال: على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة
أيام ويصير المبيع للمشتري، شرط له البائع أو لم يشترط. قال:
وإن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري، فهو

(1) كما استدل به في الجواهر 23: 81.
(2) عوالي اللآلي 1: 219، الحديث 89، وعنه في المستدرك 13: 302، الباب 7
من أبواب الخيار، الحديث 3.
(3) وهو القول بأن الملك إنما يتحقق بانقضاء الخيار.
(4) استدل به في الرياض 8: 205، والجواهر 23: 81.
170

من مال البائع " (1).
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل اشترى أمة من رجل بشرط، يوما أو يومين، فماتت عنده
وقد قطع الثمن، على من يكون ضمان ذلك؟ قال: ليس على الذي
اشترى ضمان حتى يمضي شرطه " (2).
ومرسلة ابن رباط: " إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام
فهو من مال البائع " (3).
والنبوي المروي في قرب الإسناد في العبد المشترى بشرط
فيموت، قال: " يستحلف بالله ما رضيه، ثم هو برئ من الضمان " (4).
وهذه الأخبار إنما تجدي في مقابل من ينكر تملك المشتري مع
اختصاص الخيار، وقد عرفت أن ظاهر المبسوط في باب الشفعة ما
حكاه عنه في الدروس: من القطع بتملك المشتري مع اختصاص
الخيار (5)، وكذلك ظاهر العبارة المتقدمة عن الجامع (6).

(1) وردت الصحيحة في الكافي والفقيه والتهذيب، ولكن المنقول في المتن أوفق بما
في التهذيب، انظر التهذيب 7: 24، الحديث 103، وعنه في الوسائل 12:
352، الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 3، والصفحة 355، الباب 8 من
أبواب الخيار، الحديث 2.
(2) الوسائل 12: 351، الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(3) الوسائل 12: 352، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 5.
(4) لم نعثر عليه في قرب الإسناد، ولا على الحاكي عنه، نعم رواه في الوسائل
12: 352، الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 4 من التهذيب.
(5) راجع الصفحة 162 و 160 - 161.
(6) تقدمت في الصفحة 164.
171

وعلى أي حال، فهذه الأخبار إما أن تجعل مخصصة لأدلة المشهور
بضميمة قاعدة تلازم الملك والضمان، أو لقاعدة التلازم بضميمة أدلة
المسألة، فيرجع بعد التكافؤ إلى أصالة عدم حدوث الملك بالعقد قبل
انقضاء الخيار.
لكن هذا فرع التكافؤ المفقود في المقام من جهات، أعظمها
الشهرة المحققة المؤيدة بالإجماع المحكي عن السرائر (1).
ثم إن مقتضى إطلاق ما تقدم من عبارتي المبسوط والخلاف (2)
- من كون الخلاف في العقد المقيد بشرط الخيار - عمومه للخيار المنفصل
عن العقد، كما إذا شرط الخيار من الغد. كما أن مقتضى تخصيص الكلام
بالعنوان المذكور عدم شموله لخيار غير الشرط والحيوان الذي يطلق
عليه الشرط أيضا.
فخيار العيب والغبن والرؤية والتدليس الظاهر عدم جريان
الخلاف فيها.
ومما يدل على الاختصاص: أن ما ذكر من الأدلة مختصة
بالخيارين، وأن الظاهر من لفظ " الانقضاء " في تحريرات محل الخلاف
انقطاع الخيار الزماني.
وأما خيار المجلس، فالظاهر دخوله في محل الكلام، لنص الشيخ
بذلك في عبارته المتقدمة عنه في باب الشفعة (3)، ولقوله في الاستبصار:

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 592، وراجع السرائر 2: 248
و 386.
(2) تقدمت عبارتهما في الصفحة 161 و 162.
(3) تقدمت في الصفحة 162 - 163.
172

إن العقد سبب لاستباحة الملك إلا أنه مشروط بأن يتفرقا بالأبدان
ولا يفسخا العقد (1)، ولنص الشيخ في الخلاف والمبسوط على أن التفرق
كانقضاء الخيار في لزوم العقد به (2). ومراده من اللزوم تحقق علة الملك،
لا مقابل الجواز، كما لا يخفى. مع أن ظاهر عبارة الدروس المتقدمة (3)
في مأخذ هذا الخلاف: أن كل خيار يمنع من التصرف في المبيع فهو
داخل فيما يتوقف الملك على انقضائه. وكذلك العبارة المتقدمة في عنوان
هذا الخلاف عن الجامع (4). وقد تقدم عن الشيخ في صرف المبسوط:
أن خيار المجلس مانع عن التصرف في أحد العوضين (5).
ومن ذلك يظهر وجه آخر لخروج خيار العيب وإخوته عن محل
الكلام، فإن الظاهر عدم منعها من التصرف في العوضين قبل ظهورها،
فلا بد أن يقول الشيخ باللزوم والملك قبل الظهور، والخروج عن الملك
بعد الظهور وتنجز الخيار، وهذا غير لائق بالشيخ.
فثبت أن دخولها في محل الكلام مستلزم: إما لمنع التصرف في
موارد هذا الخيار، وإما للقول بخروج المبيع عن الملك بعد دخوله،
وكلاهما غير لائق بالالتزام. مع أن كلام العلامة في المختلف كالصريح في
كون التملك بالعقد اتفاقيا في المعيب، لأنه ذكر في الاستدلال: أن

(1) الإستبصار 3: 73.
(2) راجع الخلاف 3: 22، المسألة 29 من كتاب البيوع، والمبسوط 2: 83.
(3) تقدمت في الصفحة 160 - 161.
(4) تقدمت في الصفحة 164.
(5) تقدم في الصفحة 163.
173

المقتضي للملك موجود والخيار لا يصلح للمنع، كما في بيع المعيب. وذكر
أيضا أنه لا منافاة بين الملك والخيار، كما في المعيب (1).
وقد صرح الشيخ قدس سره أيضا في المبسوط: بأنه إذا اشترى شيئا
فحصل منه نماء ثم وجد به عيبا رده دون نمائه، محتجا بالإجماع
وبالنبوي: " الخراج بالضمان " (2) وستجئ تتمة لذلك إن شاء الله تعالى.

(1) المختلف 5: 62.
(2) المبسوط 2: 126، وفيه: " بلا خلاف "، وراجع الحديث في عوالي اللآلي 1:
219، الحديث 89، وعنه المستدرك 13: 302، الباب 7 من أبواب الخيار،
الحديث 3.
174

مسألة
ومن أحكام الخيار، كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار في
الجملة، على المعروف بين القائلين بتملك المشتري بالعقد.
وتوضيح هذه المسألة: أن الخيار إذا كان للمشتري فقط من
جهة الحيوان فلا إشكال ولا خلاف في كون المبيع في ضمان البائع.
ويدل عليه ما تقدم (1) في المسألة السابقة من الأخبار.
وكذلك الخيار الثابت له من جهة الشرط بلا خلاف في ذلك،
لقوله عليه السلام في ذيل صحيحة ابن سنان: " وإن كان بينهما شرط أياما
معدودة فهلك في يد المشتري، فهو من مال بائعه " (2).
ولو كان للمشتري فقط خيار المجلس دون البائع، فظاهر قوله عليه السلام:
" حتى ينقضي شرطه، ويصير المبيع للمشتري " (3) [كذلك] (4) بناء على

(1) تقدم في الصفحة 170 - 171.
(2) راجع الصحيحة في الصفحة 170.
(3) ورد ذلك في صحيحة ابن سنان المتقدمة في الصفحة 170 أيضا.
(4) من " ش ".
175

أن المناط انقضاء الشرط الذي تقدم أنه يطلق على خيار المجلس في
الأخبار (1)، بل ظاهره: أن المناط في رفع ضمان البائع صيرورة المبيع
للمشتري واختصاصه به بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه.
وإلى هذا المناط ينظر تعليل هذا الحكم في السرائر، حيث قال:
فكل من كان له خيار فالمتاع يهلك من مال من ليس له خيار، لأنه
قد استقر عليه العقد، والذي له الخيار ما استقر عليه العقد ولزم. فإن
كان الخيار للبائع دون المشتري [وكان المتاع قد قبضه المشتري وهلك
في يده] (2) كان هلاكه من مال المشتري دون البائع (3)، لأن العقد مستقر
عليه ولازم من جهته (4).
ومن هنا يعلم أنه يمكن بناء على فهم هذا المناط طرد الحكم في
كل خيار، فتثبت القاعدة المعروفة: من " أن التلف في زمان الخيار ممن
لا خيار له " من غير فرق بين أقسام الخيار ولا بين الثمن والمثمن، كما
يظهر من كلمات غير واحد من الأصحاب، بل نسبه (5) جماعة إلى

(1) لم نعثر على تصريح له بذلك، نعم ربما يدل عليه مثل قوله - فيما تقدم في
مسألة سقوط خيار المجلس بالتصرف ذيل قول الإمام عليه السلام: " فلا شرط " -:
" فإن المنفي يشمل شرط المجلس والحيوان "، وما تقدم أيضا في بيان مبدأ خيار
الحيوان، راجع الجزء الخامس، الصفحة 82 و 92.
(2) من " ش " والمصدر.
(3) في " ق ": " من مال البائع دون المشتري "، وهو سهو مخالف لما في السرائر.
(4) السرائر 2: 277.
(5) لم نعثر على هذه النسبة، نعم يستفاد هذا الإطلاق من كلمات بعض الفقهاء،
راجع المسالك 3: 217، والرياض 8: 208 - 209، ومفتاح الكرامة 4: 598
- 599، والجواهر 23: 85 - 90.
176

إطلاق الأصحاب.
قال في الدروس في أحكام القبض: " وبالقبض ينتقل الضمان إلى
القابض إذا لم يكن له خيار " (1)، انتهى. فإن ظاهره كفاية مطلق الخيار
في عدم ضمان المشتري للمبيع المقبوض، ونحوه كلامه قدس سره في اللمعة (2).
وفي جامع المقاصد في شرح قول المصنف قدس سره: " ولو ماتت
الشاة المصراة أو الأمة المدلسة فلا شئ له، وكذا لو تعيبت عنده قبل
علمه " قال: وتقييد الحكم بما قبل العلم غير ظاهر، لأن العيب إذا
تجدد بعد علمه يكون كذلك، إلا أن يقال: إنه غير مضمون عليه الآن
لثبوت خياره، ولم أظفر في كلام المصنف وغيره بشئ في ذلك (3)،
انتهى.
وقال في شرح قول المصنف قدس سره: " ولا يسقط الخيار بتلف
العين ": مقتضى إطلاق كلامهم أنه لو تلف المبيع مع خيار الغبن
للمشتري انفسخ البيع، لاختصاص الخيار بالمشتري، ثم تردد فيه وفي
خيار الرؤية (4).
وفي المسالك - في مسألة أن العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب
القديم وأن الحادث في أيام خيار الحيوان مضمون على البائع - قال:
وكذا كل خيار مختص بالمشتري (5).

(1) الدروس 3: 210 - 211.
(2) اللمعة الدمشقية: 132.
(3) جامع المقاصد 4: 354.
(4) جامع المقاصد 4: 318.
(5) المسالك 3: 284.
177

وعن مجمع البرهان - في مسألة أن تلف المبيع بعد الثلاثة مع
خيار التأخير من البائع استنادا إلى عموم قاعدة " تلف المبيع قبل
الضمان " - قال (1): إن هذه القاعدة معارضة بقاعدة أخرى، وهي: أن
تلف المبيع (2) في الخيار المختص بالبائع من مال المشتري (3)، فإن الظاهر
من جعل هذه قاعدة كونها مسلمة بين الأصحاب.
وصرح بنحو ذلك المحقق جمال الدين في حاشية الروضة (4)،
واستظهر بعد ذلك اختصاصه بما بعد القبض، معترفا بعمومها من جهات
أخرى.
وظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين أقسام الخيار، ولا بين الثمن
والمثمن، ولا بين الخيار المختص بالبائع والمختص بالمشتري، ولذا نفى في
الرياض الخلاف في أن التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له (5).
وفي مفتاح الكرامة: أن قولهم: " التلف في مدة الخيار ممن
لا خيار له " قاعدة لا خلاف فيها. ثم ذكر فيها (6) تبعا للرياض: أن

(1) كذا في " ق "، وفي " ش " بدل " تلف المبيع قبل الضمان قال ": " تلف المال
قبل القبض ".
(2) في " ش ": " المال ".
(3) لم ترد العبارة بلفظها في مجمع الفائدة، نعم قال السيد العاملي في مفتاح
الكرامة: " وفي مجمع البرهان ما حاصله: إن هذه القاعدة... إلخ "، انظر مفتاح
الكرامة 4: 581، ومجمع الفائدة 8: 406 - 407.
(4) حاشية الروضة: 364، ذيل قول الشارح: " لانتقال المبيع إليه ".
(5) الرياض 8: 208.
(6) في " ش ": " فيه ".
178

الحكم في بعض أفراد المسألة مطابق للقاعدة (1).
لكن الإنصاف: أنه لم يعلم من حال أحد من معتبري الأصحاب
الجزم بهذا التعميم، فضلا عن اتفاقهم عليه.
فإن ظاهر قولهم: " التلف في زمان الخيار " هو الخيار الزماني،
وهو الخيار الذي ذهب جماعة إلى توقف الملك على انقضائه (2)، لا مطلق
الخيار ليشمل خيار الغبن والرؤية والعيب ونحوها، ألا ترى أنهم اتفقوا
على أنه إذا مات المعيب لم يكن مضمونا على البائع ولو كان الموت بعد
العلم بالعيب؟ ألا ترى أن المحقق الثاني ذكر: أن الاقتصاص من العبد
الجاني إذا كان في خيار المشتري كان من ضمان البائع (3)؟
وأما ما نقلنا عنه سابقا (4) في شرح قوله: " ولو تعيبت قبل
علمه " فهو مجرد احتمال، حيث اعترف بأنه لم يظفر فيه على شئ، مع
أنه ذكر - في شرح قول المصنف في باب العيوب: " وكل عيب يحدث
في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار، فإنه لا يمنع الرد في
الثلاثة " -: نفي ذلك الاحتمال على وجه الجزم، حيث قال: الخيار الواقع
في العبارة يراد به خيار الحيوان، و [كذا] (5) كل خيار يختص بالمشتري
كخيار الشرط له. وهل خيار الغبن والرؤية كذلك؟ يبعد القول به

(1) مفتاح الكرامة 4: 599 - 600.
(2) كما تقدم عن الشيخ وابن الجنيد وابن سعيد في الصفحة 160 - 161 و 164.
(3) جامع المقاصد 4: 345.
(4) نقله في الصفحة 177.
(5) من " ش " والمصدر.
179

خصوصا على القول بالفورية، لا خيار العيب، لأن العيب الحادث يمنع
من الرد بالعيب القديم قطعا (1)، انتهى. ومن ذلك يعلم حال ما نقلناه
عنه في خيار الغبن (2).
فلم يبق في المقام ما يجوز الركون إليه إلا ما أشرنا إليه (3): من
أن مناط خروج المبيع عن ضمان البائع - على ما يستفاد من قوله عليه السلام:
" حتى ينقضي (4) شرطه ويصير المبيع للمشتري " - هو انقضاء خيار
المشتري الذي يطلق عليه الشرط في الأخبار وصيرورة المبيع مختصا
بالمشتري لازما عليه بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه، فيدل على:
أن كل من له شرط وليس المعوض الذي وصل إليه لازما عليه فهو
غير ضامن له حتى ينقضي (5) شرطه ويصير مختصا به لازما عليه.
وفي الاعتماد على هذا الاستظهار تأمل في مقابلة القواعد، مع أنه
يمكن منع دلالة هذا المناط المستنبط عليه، لأن ظاهر الصحيحة
الاختصاص بما كان التزلزل وعدم كون المبيع لازما على المشتري ثابتا
من أول الأمر، كما يظهر من لفظة " حتى " الظاهرة في الابتداء، وهذا
المعنى مختص بخيار المجلس والحيوان والشرط ولو كان منفصلا، بناء على
أن البيع متزلزل ولو قبل حضور زمان الشرط، ولذا ذكرنا جريان

(1) جامع المقاصد 4: 357.
(2) نقله في الصفحة 177.
(3) أشار إليه في الصفحة 176.
(4) في ظاهر " ق ": " يمضي ".
(5) في ظاهر " ق ": " يمضي ".
180

الخلاف في المسألتين السابقتين فيه.
وأما الغبن والعيب والرؤية وتخلف الشرط وتفليس المشتري
وتبعض الصفقة، فهي توجب التزلزل عند ظهورها بعد لزوم العقد.
والحاصل: أن ظاهر الرواية استمرار الضمان الثابت قبل القبض
إلى أن يصير المبيع (1) لازما على المشتري، وهذا مختص بالبيع المتزلزل
من أول الأمر، فلا يشمل التزلزل المسبوق باللزوم، بأن يكون المبيع في
ضمان المشتري بعد القبض ثم يرجع بعد عروض التزلزل إلى ضمان
البائع، فاتضح بذلك أن الصحيحة مختصة بالخيارات الثلاثة، على تأمل
في خيار المجلس.
ثم إن مورد هذه القاعدة إنما هو ما بعد القبض، وأما قبل القبض
فلا إشكال ولا خلاف في كونه من البائع من غير التفات إلى الخيار،
فلا تشمل هذه القاعدة خيار التأخير.
وأما عموم الحكم للثمن والمثمن، بأن يكون تلف الثمن في مدة
خيار البائع المختص به من مال المشتري فهو غير بعيد، نظرا إلى المناط
الذي استفدناه، ويشمله ظاهر عبارة الدروس المتقدمة (2)، مضافا إلى
استصحاب ضمان المشتري له الثابت قبل القبض.
وتوهم: عدم جريانه مع اقتضاء القاعدة كون الضمان من مال
المالك خرج منه ما قبل القبض، مدفوع: بأن الضمان الثابت قبل القبض
وبعده في مدة الخيار ليس مخالفا لتلك القاعدة، لأن المراد به انفساخ

(1) في ظاهر " ق ": " البيع ".
(2) المتقدمة في الصفحة 177.
181

العقد ودخول العوض في ملك صاحبه الأصلي وتلفه من ماله.
نعم، هو مخالف لأصالة عدم الانفساخ، وحيث ثبت المخالفة قبل
القبض، فالأصل بقاؤها بعد القبض في مدة الخيار.
نعم، يبقى هنا: أن هذا مقتض لكون تلف الثمن في مدة خيار
البيع الخياري من المشتري، فينفسخ البيع ويرد المبيع إلى البائع.
والتزام عدم الجريان من حيث إن الخيار في ذلك البيع إنما يحدث
بعد رد الثمن أو مثله فتلف الثمن في مدة الخيار إنما يتحقق بعد رده قبل
الفسخ لا قبله، مدفوع بما أشرنا (1) سابقا: من منع ذلك، مع أن المناط
في ضمان غير ذي الخيار لما انتقل عنه إلى ذي الخيار تزلزل البيع
المتحقق ولو بالخيار المنفصل، كما أشرنا سابقا (2).
فالأولى الالتزام بجريان هذه القاعدة إذا كان الثمن شخصيا بحيث
يكون تلفه قبل قبضه موجبا لانفساخ البيع، فيكون كذلك بعد القبض
مع خيار البائع ولو منفصلا عن العقد.
وأما إذا كان الثمن كليا، فحاله حال المبيع إذا كان كليا، كما إذا
اشترى طعاما كليا بشرط الخيار له إلى مدة فقبض فردا منه فتلف في
يده، فإن الظاهر عدم ضمانه على البائع، لأن مقتضى ضمان المبيع في
مدة الخيار على من لا خيار له - على ما فهمه غير واحد (3) - بقاؤه

(1) في " ش " زيادة: " إليه ".
(2) أشار إليه في الجزء الخامس: 139، في الأمر الخامس من الأمور التي ذكرها
ذيل بيع الخيار.
(3) كالسيد الطباطبائي في الرياض 8: 208 - 209، وصاحب الجواهر في الجواهر
23: 87.
182

على ما كان عليه قبل القبض، ودخول الفرد في ملك المشتري لا يستلزم
انفساخ العقد، بل معنى الضمان بالنسبة إلى الفرد صيرورة الكلي كغير
المقبوض، وهذا مما لا تدل عليه الأخبار المتقدمة، فتأمل.
ثم إن ظاهر كلام الأصحاب وصريح جماعة منهم - كالمحقق
والشهيد الثانيين (1) -: أن المراد بضمان من لا خيار له لما انتقل إلى
غيره، هو بقاء الضمان الثابت قبل قبضه وانفساخ العقد آنا ما قبل
التلف، وهو الظاهر أيضا من قول الشهيد قدس سره في الدروس: " وبالقبض
ينتقل الضمان إلى القابض ما لم يكن له خيار " (2) حيث إن مفهومه أنه
مع خيار القابض لا ينتقل الضمان إليه، بل يبقى على ضمان ناقله الثابت
قبل القبض.
وقد عرفت أن معنى الضمان قبل القبض هو تقدير انفساخ العقد
وتلفه في ملك ناقله، بل هو ظاهر القاعدة، وهي: أن التلف في مدة
الخيار ممن لا خيار له، فإن معنى تلفه منه تلفه مملوكا له، مع أن هذا
ظاهر الأخبار المتقدمة (3) الدالة على ضمان البائع للمبيع في مدة خيار
المشتري بضميمة قاعدة " عدم ضمان الشخص لما يتلف في يد مالكه " (4)
وقاعدة " التلازم بين الضمان والخراج "، فإنا إذا قدرنا المبيع في ملك
البائع آنا ما لم يلزم مخالفة شئ من القاعدتين. والحاصل: أن إرادة ما

(1) جامع المقاصد 4: 309، والمسالك 3: 216.
(2) الدروس 3: 210 - 211.
(3) تقدمت في الصفحة 170 - 171.
(4) في " ش ": " في ملك مالكه ".
183

ذكرنا من الضمان مما لا ينبغي الريب فيها.
ومع ذلك كله فظاهر عبارة الدروس في الفرع السادس (1) من
فروع خيار الشرط يوهم بل يدل على عدم الانفساخ، قال قدس سره: لو
تلف المبيع قبل قبضه (2) بطل البيع والخيار، وبعده لا يبطل الخيار وإن
كان التلف من البائع، كما إذا اختص الخيار بالمشتري، فلو فسخ البائع
رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه، ولو فسخ المشتري رجع بالثمن
وغرم البدل في صورة ضمانه، ولو أوجبه المشتري في صورة التلف قبل
القبض لم يؤثر في تضمين البائع القيمة أو المثل. وفي انسحابه فيما لو
تلف بيده في خياره نظر (3)، انتهى. والعبارة محتاجة إلى التأمل من
وجوه.
وقد يظهر ذلك من إطلاق عبارة التذكرة، قال: " لو تلف المبيع
بآفة سماوية في زمن الخيار، فإن كان قبل القبض انفسخ البيع قطعا،
وإن كان بعده لم يبطل خيار المشتري ولا البائع ويجب القيمة على ما
تقدم " (4) ثم حكى عن الشافعية وجهين في الانفساخ بعد القبض وعدمه،
بناء على الملك بالعقد.
ويمكن حمله على الخيار المشترك، كما أن قوله في القواعد:
" لا يسقط الخيار بتلف العين " (5) محمول على غير صورة ضمان البائع

(1) شطب عليه في " ق " وكتب فوقه: " السابع "، والصواب ما أثبته أولا.
(2) في " ش " والمصدر: " قبل قبض المشتري ".
(3) الدروس 3: 271.
(4) التذكرة 1: 535.
(5) القواعد 2: 70، وفيه: " لا يبطل الخيار ".
184

للمبيع، لما عرفت من تعين الانفساخ فيها.
وربما يحتمل أن معنى قولهم: " إن التلف ممن لا خيار له ": أن
عليه ذلك إذا فسخ صاحبه، لا أنه ينفسخ كما في التلف قبل القبض.
وأما حيث يوجب المشتري فيحتمل أنه يتخير بين الرجوع على البائع
بالمثل أو القيمة، وبين الرجوع بالثمن. ويحتمل تعين الرجوع بالثمن.
ويحتمل أن لا يرجع بشئ، فيكون معنى له الخيار: أن له الفسخ.
ثم الظاهر أن حكم تلف البعض حكم تلف الكل. وكذا حكم
تلف الوصف الراجع إلى وصف الصحة بلا خلاف على الظاهر،
لقوله عليه السلام في الصحيحة السابقة (1): " أو يحدث فيه حدث " فإن المراد
بالحدث أعم من فوات الجزء والوصف.
هذا كله إذا تلف بآفة سماوية، ومنه حكم الشارع عليه بالإتلاف.
وأما إذا كان بإتلاف ذي الخيار سقط به خياره ولزم العقد من
جهته. وإن كان بإتلاف غير ذي الخيار لم يبطل خيار صاحبه، فيتخير
بين إمضاء العقد والرجوع بالقيمة والفسخ والرجوع بالثمن.
وإن كان بإتلاف أجنبي تخير أيضا بين الإمضاء والفسخ، وهل
يرجع حينئذ بالقيمة إلى المتلف، أو إلى صاحبه، أو يتخير؟ وجوه:
من أن البدل القائم مقام العين في ذمة المتلف فيسترده بالفسخ،
ولأن الفسخ موجب لرجوع العين قبل تلفها في ملك الفاسخ، أو
لاعتبارها عند الفسخ ملكا تالفا للفاسخ بناء على الوجهين في اعتبار
يوم التلف أو يوم الفسخ، وعلى التقديرين فهي في ضمان المتلف، كما لو

(1) تقدمت في الصفحة 170.
185

كانت العين في يد الأجنبي.
ومن أنه إذا دخل الثمن في ملك من تلف المثمن في ملكه خرج
عن ملكه بدل المثمن وصار في ذمته، لأن ضمان المتلف محله الذمة
لا الأموال الخارجية، وما في ذمة المتلف إنما تشخص مالا للمالك،
وكونه بدلا عن العين إنما هو بالنسبة إلى التلف من حيث وجوب دفعه
إلى المالك كالعين لو وجدت، لا أنه بدل خارجي يترتب عليه جميع
أحكام العين حتى بالنسبة إلى غير المتلف (1)، فهذا البدل نظير بدل العين
لو باعها المشتري ففسخ البائع، فإنه لا يتعين للدفع إلى الفاسخ، وأما
الفسخ فهو موجب لرجوع العين قبل تلفها مضمونة لمالكها على متلفها
بالقيمة في ملك الفاسخ، فيكون تلفها بهذا الوصف مضمونا على المالك،
لا المتلف.
ومن كون يد المفسوخ عليه يد ضمان بالعوض قبل الفسخ
وبالقيمة بعده، وإتلاف الأجنبي أيضا سبب للضمان، فيتخير في الرجوع.
وهذا أضعف الوجوه.

(1) في " ش ": " التلف ".
186

مسألة
ومن أحكام الخيار ما ذكره في التذكرة، فقال: لا يجب على
البائع تسليم المبيع ولا على المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار، ولو
تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره ولا يجبر الآخر على تسليم ما
عنده، وله استرداد المدفوع قضية للخيار. وقال بعض الشافعية: ليس له
استرداده وله أخذ ما عند صاحبه دون رضاه كما لو كان التسليم بعد
لزوم البيع (1)، انتهى.
ويظهر منه أن الخلاف بين المسلمين إنما هو بعد اختيار أحدهما
التسليم، وأما التسليم ابتداء فلا يجب من ذي الخيار إجماعا.
ثم إنه إن أريد عدم وجوب التسليم على ذي الخيار من جهة أن
له الفسخ فلا يتعين عليه التسليم، فمرجعه إلى وجوب أحد الأمرين
عليه. والظاهر أنه غير مراد.
وإن أريد عدم تسلط المالك على ما انتقل إليه إذا كان للناقل
خيار، فلذا يجوز منعه عن ماله، ففيه نظر، من جهة عدم الدليل

(1) التذكرة 1: 537.
187

المخصص لعموم سلطنة الناس على أموالهم.
وبالجملة، فلم أجد لهذا الحكم وجها معتمدا، ولم أجد من عنونه
وتعرض لوجهه.
188

مسألة
قال في القواعد: " لا يسقط (1) الخيار بتلف العين " (2). وهذا الكلام
ليس على إطلاقه كما اعترف به في جامع المقاصد (3)، فإن من جملة
أفراد الخيار خيار التأخير، بل مطلق الخيار قبل القبض، أو الخيار
المختص بعده، ومن المعلوم: أن تلف العين حينئذ موجب لانفساخ العقد،
فلا يبقى خيار، فيكون المراد: التلف مع بقاء العقد على حاله لا يوجب
سقوط الخيار. وبعبارة أخرى: تلف العين في ملك من في يده لا يسقط
به خياره ولا خيار صاحبه.
وهو كذلك، لأن الخيار - كما عرفت - عبارة عن ملك فسخ
العقد، ومعلوم: أن العقد بعد التلف قابل للفسخ، ولذا تشرع الإقالة
حينئذ اتفاقا، فلا مزيل لهذا الملك بعد التلف ولا مقيد له بصورة البقاء.
اللهم إلا أن يعلم من الخارج أن شرع الخيار لدفع ضرر الصبر

(1) في " ش " والمصدر: " لا يبطل ".
(2) القواعد 2: 70.
(3) جامع المقاصد 4: 318.
189

على نفس العين، فينتفي هذا الضرر بتلف العين، كما في العيب، فإن
تخيره بين الرد والأرش لأن الصبر على العيب ضرر ولو مع أخذ
الأرش، فتداركه الشارع بملك الفسخ والرد، فإذا تلف انتفى حكمة
الخيار.
أو يقال: إنه إذا كان دليل الخيار معنونا بجواز الرد لا بالخيار
اختص ثبوت الخيار بصورة تحقق الرد المتوقف على بقاء العين.
هذا، مع قيام الدليل على سقوط الخيار بتلف المعيب والمدلس
فيه، فلا يرد عدم اطراد تلك الحكمة.
نعم، هنا موارد تأملوا في ثبوت الخيار مع التلف، أو يظهر منهم
العدم:
كما تردد العلامة قدس سره في باب المرابحة فيما لو ظهر كذب البائع
مرابحة في إخباره برأس المال بعد تلف المتاع (1)، بل عن المبسوط (2)
وبعض آخر (3) الجزم بالعدم، نظرا إلى أن الرد إنما يتحقق مع بقاء العين.
وفيه إشارة إلى ما ذكرنا: من أن الثابت هو جواز الرد، فيختص
الفسخ بصورة تحققه.
لكن قوى في المسالك وجامع المقاصد (4) ثبوت الخيار، لوجود

(1) القواعد 2: 58 - 59.
(2) المبسوط 2: 143.
(3) حكى السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 500، عن الشهيد: أنه حكاه عن
ابن المتوج، ولكن لم نعثر على هذه الحكاية فيما بأيدينا من كتب الشهيد.
(4) المسالك 3: 310، وجامع المقاصد 4: 263.
190

المقتضي وعدم المانع.
وكما تردد المحقق الثاني (1) في سقوط خيار الغبن بتلف المغبون
فيه (2). وظاهر تعليل العلامة في التذكرة عدم الخيار مع نقل المغبون
العين عن ملكه بعدم إمكان الاستدراك حينئذ (3) هو عدم الخيار مع
التلف، والأقوى بقاؤه، لأن العمدة فيه نفي الضرر الذي لا يفرق فيه
بين بقاء العين وعدمه، مضافا إلى إطلاق قوله عليه السلام: " وهم بالخيار إذا
دخلوا السوق " (4) مع أنه لو استند إلى الإجماع أمكن التمسك بالاستصحاب،
إلا أن يدعى انعقاده على التسلط على الرد، فيختص بصورة البقاء.
وألحق في جامع المقاصد بخيار الغبن في التردد خيار الرؤية (5).
ومن مواضع التردد ما إذا جعل المتعاقدان الخيار على وجه
إرادتهما التسلط على مجرد الرد المتوقف على بقاء العين، فإن الفسخ وإن
لم يتوقف على بقاء العين، إلا أنه إذا فرض الغرض من الخيار الرد أو
الاسترداد، فلا يبعد اختصاصه بصورة البقاء. والتمكن من الرد
والاسترداد وإن كان حكمة في خياري المجلس والحيوان، إلا أن الحكم
أعم موردا من الحكمة إذا كان الدليل يقتضي العموم، بخلاف ما إذا
كان إطلاق جعل المتعاقدين مقيدا على وجه التصريح به في الكلام أو

(1) عطف على قوله: " كما تردد العلامة ".
(2) جامع المقاصد 4: 297 و 318.
(3) التذكرة 1: 523.
(4) المستدرك 13: 281، الباب 29 من أبواب آداب التجارة، الحديث 3 و 4.
(5) جامع المقاصد 4: 318.
191

استظهاره منه لعدم (1) تعلق الغرض إلا بالرد أو الاسترداد.
ومن هنا يمكن القول بعدم بقاء الخيار المشروط برد الثمن في البيع
الخياري إذا تلف المبيع عند المشتري، لأن الثابت من اشتراطهما هو
التمكن من استرداد المبيع بالفسخ عند رد الثمن، لا التسلط على مطلق
الفسخ المشروع مطلقا ولو عند التلف. لكن لم أجد من التزم بذلك أو
تعرض له.
ومن هنا يمكن أن يقال في هذا المقام - وإن كان مخالفا للمشهور -
بعدم ثبوت الخيار عند التلف إلا في موضع دل عليه الدليل، إذ لم تدل
أدلة الخيار من الأخبار والإجماع إلا على التسلط على الرد أو
الاسترداد، وليس فيها التعرض للفسخ المتحقق مع التلف أيضا. وإرادة
ملك الفسخ من الخيار غير متعينة في كلمات الشارع، لما عرفت في أول
باب الخيارات: من أنه استعمال غالب في كلمات بعض المتأخرين (2).
نعم، لو دل الدليل الشرعي على ثبوت خيار الفسخ المطلق
الشامل لصورة التلف، أو جعل المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعنى،
ثبت مع التلف أيضا. والله العالم.

(1) في " ش ": " بعدم ".
(2) راجع المقدمة الأولى من المقدمتين المتقدمتين في أول مبحث الخيارات في
الصفحة 11.
192

مسألة
لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة بلا خلاف على
الظاهر، لأنها كانت مضمونة قبل الفسخ، إذ لم يسلمها ناقلها إلا في
مقابل العوض، والأصل بقاؤه، إذ لم يتجدد ما يدل على رضا مالكه
بكونه في يد الفاسخ أمانة، إذ الفسخ إنما هو من قبله.
والغرض من التمسك بضمانها قبل الفسخ بيان عدم ما يقتضي
كونها أمانة مالكية أو شرعية، لتكون غير مضمونة برضا المالك أو
بجعل الشارع، وإذن الشارع في الفسخ لا يستلزم رفع الضمان عن اليد
كما في القبض بالسوم. ومرجع ذلك إلى عموم " على اليد ما أخذت " (1)
أو إلى أنها قبضت مضمونة، فإذا بطل ضمانه بالثمن المسمى تعين ضمانه
بالعوض الواقعي - أعني المثل أو القيمة - كما في البيع الفاسد.
هذا، ولكن المسألة لا تخلو عن إشكال.
وأما العين في يد المفسوخ عليه، ففي ضمانها أو كونها أمانة

(1) عوالي اللآلي 1: 224، الحديث 106، والمستدرك 14: 8، الباب الأول من
أبواب كتاب الوديعة، الحديث 12.
193

إشكال: مما في التذكرة: من أنه قبضها قبض ضمان فلا يزول إلا بالرد
إلى مالكها (1). ومن أن الفسخ لما كان من قبل الآخر، فتركه العين في
يد صاحبه مشعر بالرضا به المقتضي للاستئمان.
وضعفه في جامع المقاصد: بأن مجرد هذا لا يسقط الأمر
الثابت (2)، والله العالم.
هذا بعض الكلام في الخيارات وأحكامها، والباقي محول إلى الناظر
الخبير بكلمات الفقهاء.
والحمد لله وصلى الله على محمد وآله

(1) التذكرة 1: 538.
(2) جامع المقاصد 4: 322.
194

القول
في النقد والنسية
195

[القول]
[في النقد والنسية]
قال في التذكرة: ينقسم البيع باعتبار التأخير والتقديم في أحد
العوضين إلى أربعة أقسام:
بيع الحاضر بالحاضر، وهو النقد.
وبيع المؤجل بالمؤجل، وهو بيع الكالي بالكالي.
وبيع الحاضر بالثمن المؤجل، وهي النسية.
وبيع المؤجل بالحاضر، وهو السلم (1).
والمراد بالحاضر أعم من الكلي، وبالمؤجل خصوص الكلي.

(1) التذكرة 1: 541.
197

مسألة
إطلاق العقد يقتضي النقد، وعلله في التذكرة: بأن قضية العقد
انتقال كل من العوضين إلى الآخر، فيجب الخروج عن العهدة متى
طولب صاحبها (1)، فيكون المراد من " النقد " عدم حق للمشتري في
تأخير الثمن.
والمراد المطالبة مع الاستحقاق، بأن يكون قد بذل المثمن أو مكن
منه، على الخلاف الآتي في زمان وجوب تسليم الثمن على المشتري (2).
ويدل على الحكم المذكور أيضا الموثق: " في رجل اشترى [من
رجل] (3) جارية بثمن مسمى، ثم افترقا؟ قال: وجب البيع، والثمن إذا
لم يكونا شرطا فهو نقد " (4).
ولو اشترطا تعجيل الثمن كان تأكيدا لمقتضى الإطلاق على

(1) التذكرة 1: 546.
(2) انظر الصفحة 261، القول في وجوب القبض.
(3) من " ش " والمصدر.
(4) الوسائل 12: 366، الباب الأول من أبواب أحكام العقود، الحديث 2.
198

المشهور، بناء على ما هو الظاهر عرفا من هذا الشرط: من إرادة عدم
المماطلة والتأخير عن زمان المطالبة، لا أن يعجل بدفعه من دون
مطالبة، إذ لا يكون تأكيدا حينئذ. لكنه خلاف متفاهم ذلك الشرط
الذي هو محط نظر المشهور، مع أن مرجع عدم المطالبة في زمان
استحقاقها إلى إلغاء (1) هذا الحق المشترط في هذا المقدار من الزمان.
وكيف كان، فذكر الشهيد رحمه الله في الدروس: أن فائدة الشرط
ثبوت الخيار إذا عين زمان النقد، فأخل المشتري به (2). وقوى الشهيد
الثاني ثبوت الخيار مع الإطلاق أيضا (3)، يعني عدم تعيين (4) الزمان إذا
أخل به في أول وقته. وهو حسن.
ولا يقدح في الإطلاق عدم تعين زمان التعجيل، لأن التعجيل
المطلق معناه: الدفع في أول أوقات الإمكان عرفا.
ولا حاجة إلى تقييد الخيار هنا بصورة عدم إمكان الإجبار على
التعجيل، لأن المقصود هنا ثبوت الخيار بعد فوات التعجيل، أمكن
إجباره به أم لم يمكن، وجب أو لم يجب، فإن مسألة أن ثمرة الشرط
ثبوت الخيار مطلقا أو بعد تعذر إجباره على الوفاء مسألة أخرى.
مضافا إلى عدم جريانها في مثل هذا الشرط، إذ قبل زمان
انقضاء زمان نقد الثمن لا يجوز الإجبار، وبعده لا ينفع، لأنه غير
الزمان المشروط فيه الأداء.

(1) في " ش ": " إلقاء ".
(2) الدروس 3: 202.
(3) المسالك 3: 223.
(4) في ظاهر " ق ": " عدم تعين ".
199

مسألة
يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة غير محتملة مفهوما
ولا مصداقا للزيادة والنقصان الغير المسامح فيهما، فلو لم يعين كذلك
بطل بلا خلاف ظاهرا، للغرر، ولما دل في السلم - الذي هو عكس
المسألة - على وجوب تعيين الأجل وعدم جواز السلم إلى دياس أو
حصاد (1).
ولا فرق في الأجل المعين بين الطويل والقصير. وعن الإسكافي
المنع عن التأخير إلى ثلاث سنين (2). وقد يستشهد له بالنهي عنه في
بعض الأخبار، مثل رواية أحمد بن محمد: " قلت لأبي الحسن عليه السلام:
إني أريد الخروج إلى بعض الجبال - إلى أن قال: - إنا إذا بعناهم نسية
كان أكثر للربح، فقال: نعم (3) بتأخير سنة، قلت: بتأخير سنتين؟ قال:
نعم، قلت: بتأخير ثلاث سنين؟ قال: لا " (4).

(1) راجع الوسائل 13: 57 - 59، الباب 3 من أبواب السلف.
(2) حكاه عنه العلامة في المختلف 5: 136.
(3) في الوسائل: " قال: فبعهم ".
(4) الوسائل 12: 366، الباب الأول من أحكام العقود، الحديث الأول.
200

والمحكي عن قرب الإسناد عن البزنطي أنه قال لأبي الحسن
الرضا عليه السلام: " إن هذا الجبل قد فتح منه على الناس باب رزق،
فقال عليه السلام: إذا أردت الخروج فاخرج فإنها سنة مضطربة، وليس
للناس بد من معاشهم فلا تدع الطلب، فقلت: إنهم قوم ملاء، ونحن
نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة؟ قال: بعهم، قلت: سنتين؟ قال:
بعهم، قلت: ثلاث سنين؟ قال: لا يكون لك شئ أكثر من ثلاث
سنين " (1).
وظاهر الخبرين الإرشاد، لا التحريم، فضلا عن الفساد.
وهل يجوز الإفراط في التأخير إذا لم يصل إلى حد يكون البيع
معه سفها والشراء أكلا للمال بالباطل؟ فيه وجهان:
قال في الدروس: لو تمادى الأجل إلى ما لا يبقى إليه المتبايعان
غالبا كألف سنة، ففي الصحة نظر، من حيث خروج الثمن عن الانتفاع
به، ومن الأجل المضبوط وحلوله بموت المشتري، وهو أقرب (2).
وما قربه هو الأقرب، لأن ما في الذمة - ولو كان مؤجلا بما
ذكر - مال يصح الانتفاع به في حياته بالمعاوضة عليه بغير البيع، بل
وبالبيع، كما اختاره في التذكرة (3).
نعم يبقى الكلام في أنه إذا فرض حلول الأجل شرعا بموت

(1) قرب الإسناد: 372، ذيل الحديث 1326، وعنه في الوسائل 12: 366،
الباب الأول من أبواب أحكام العقود، الحديث 3.
(2) الدروس 3: 204.
(3) التذكرة 1: 546.
201

المشتري كان اشتراط ما زاد على ما يحتمل بقاء المشتري إليه لغوا (1)،
فيكون فاسدا، بل ربما كان مفسدا، وإن أراد المقدار المحتمل للبقاء كان
اشتراط مدة مجهولة، فافهم.
ثم إن المعتبر في تعيين المدة [هل] (2) هو تعينه في نفسه وإن لم
يعرفه (3) المتعاقدان، فيجوز التأجيل إلى انتقال الشمس إلى بعض البروج
- كالنيروز والمهرجان ونحوهما - أم لا بد من معرفة المتعاقدين بهما حين
العقد؟ وجهان، أقواهما الثاني (4) تبعا للدروس وجامع المقاصد (5)، لقاعدة
نفي الغرر. وربما احتمل الاكتفاء في ذلك بكون هذه الآجال مضبوطة في
نفسها كأوزان البلدان مع عدم معرفة المصداق، حيث إن له شراء وزنة
مثلا بعيار بلد مخصوص وإن لم يعرف مقدارها، وربما استظهر ذلك من
التذكرة (6).
ولا يخفى ضعف منشأ هذا الاحتمال، إذ المضبوطية في نفسه غير
مجد (7) في مقام يشترط [فيه] (8) المعرفة، إذ المراد بالأجل الغير القابل

(1) في " ش " زيادة ما يلي: " بل مخالفا للمشروع، حيث إن الشارع أسقط
الأجل بالموت، والاشتراط المذكور تصريح ببقائه بعده ".
(2) لم يرد في " ق ".
(3) كذا في " ق "، والمناسب تأنيث الضمائر كما في " ش ".
(4) في " ق ": " الأول "، وهو من سهو القلم.
(5) الدروس 3: 202، وجامع المقاصد 4: 231، ولكن ذكره المحقق في مبحث
السلف، ولم نعثر عليه في هذا المبحث.
(6) استظهره في الجواهر 23: 101.
(7) كذا، والمناسب: " في نفسها غير مجدية ".
(8) لم يرد في " ق ".
202

للزيادة والنقيصة ما لا يكون قابلا لهما حتى في نظر المتعاقدين، لا في
الواقع، ولذا أجمعوا على عدم جواز التأجيل إلى موت فلان، مع أنه
مضبوط في نفسه، وضبطه عند غير المتعاقدين لا يجدي أيضا. وما
ذكر: من قياسه على جواز الشراء بعيار بلد مخصوص لا نقول به، بل
المعين فيه البطلان مع الغرر عرفا، كما تقدم في شروط العوضين (1).
وظاهر التذكرة اختيار الجواز، حيث قال بجواز التوقيت بالنيروز
والمهرجان، لأنه معلوم عند العامة، وكذا جواز التوقيت ببعض أعياد
أهل الذمة إذا عرفه المسلمون، لكن قال بعد ذلك: وهل يعتبر معرفة
المتعاقدين؟ قال بعض الشافعية: نعم. وقال بعضهم: لا [يعتبر، ويكتفى
بمعرفة الناس] (2). وسواء اعتبر معرفتهما أو لا، لو عرفا كفى (3)، انتهى.
ثم الأقوى اعتبار معرفة المتعاقدين والتفاتهما إلى المعنى حين
العقد، فلا يكفي معرفتهما به عند الالتفات والحساب.

(1) راجع الجزء الرابع، الصفحة 210 - 219.
(2) من " ش " والمصدر.
(3) التذكرة 1: 548.
203

مسألة
لو باع بثمن حالا وبأزيد منه مؤجلا، ففي المبسوط (1) والسرائر (2)
وعن أكثر المتأخرين (3): أنه لا يصح. وعلله في المبسوط وغيره
بالجهالة، كما لو باع إما هذا العبد وإما ذاك.
ويدل عليه أيضا ما رواه في الكافي، أنه قال عليه السلام: " من ساوم
بثمنين: أحدهما عاجلا والآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة " (4).
ويؤيده ما ورد من النهي عن شرطين في بيع (5)، وعن بيعين في بيع (6)

(1) المبسوط 2: 159.
(2) السرائر 2: 287.
(3) نسبه في الرياض 8: 214 إلى عامة من تأخر، ونسبه في مجمع الفائدة (8:
327) إلى ظاهر الأكثر، وراجع تفصيله في مفتاح الكرامة 4: 428 - 432.
(4) الكافي 5: 206، الحديث الأول، والوسائل 12: 367، الباب 2 من أبواب
أحكام العقود، الحديث الأول.
(5) راجع الوسائل 12: 367 - 368، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث 3 و 4 و 5.
(6) راجع الوسائل 12: 367 - 368، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث 3 و 4 و 5.
204

بناء على تفسيرهما بذلك. وعن الإسكافي كما عن الغنية (1): أنه روي
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا يحل صفقتان في واحدة "، قال:
وذلك بأن يقول: إن كان بالنقد فبكذا، وإن كان بالنسية فبكذا (2).
هذا، إلا أن في رواية محمد بن قيس - المعتبرة - أنه قال أمير
المؤمنين عليه السلام: " من باع سلعة وقال: ثمنها كذا وكذا يدا بيد وكذا
وكذا نظرة، فخذها بأي ثمن شئت، وجعل صفقتهما واحدة، فليس له إلا
أقلهما وإن كانت نظرة " (3).
وفي رواية السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه [عليهم
السلام]: " أن عليا عليه السلام قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين
بالنقد كذا وبالنسية كذا، فأخذ المتاع على ذلك الشرط، فقال: هو بأقل
الثمنين وأبعد الأجلين، فيقول: ليس له إلا أقل النقدين إلى الأجل الذي
أجله نسية " (4).
وعن ظاهر جماعة من الأصحاب العمل بهما (5)، ونسب إلى بعض
هؤلاء القول بالبطلان (6).
فالأولى - تبعا للمختلف (7) - الاقتصار على نقل عبارة هؤلاء من

(1) الغنية: 213.
(2) إلى هنا انتهى كلام الإسكافي، وحكاه عنه العلامة في المختلف 5: 122.
(3) الوسائل 12: 367، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث الأول.
(4) الوسائل 12: 367، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2.
(5) حكاه عنهم صاحب الجواهر، انظر الجواهر 23: 103.
(6) نسبه في الجواهر (23: 102) إلى الشيخ والحلي وغيرهما.
(7) راجع المختلف 5: 122 - 123.
205

دون إسناد أحد القولين إليهم.
قال في المقنعة: لا يجوز البيع بأجلين على التخيير، كقوله: " هذا
المتاع بدرهم نقدا وبدرهمين إلى شهر أو سنة، أو بدرهم إلى شهر
وبدرهمين إلى شهرين " فإن ابتاع إنسان شيئا على هذا الشرط كان
عليه أقل الثمنين في آخر الأجلين (1).
وهذا الكلام يحتمل التحريم مع الصحة. ويحتمل الحمل على ما إذا
تلف المبيع، فإن اللازم مع فرض فساد البيع الأقل (2) الذي بيع به نقدا،
لأنها (3) قيمة ذلك الشئ. ومعنى قوله: " في آخر الأجلين ": أنه
لا يزيد على الأقل وإن تأخر الدفع إلى آخر الأجلين، أو المراد جواز
التأخير لرضا البائع بذلك. ويحتمل إرادة الكراهة، كما عن ظاهر
السيد قدس سره في الناصريات: أن المكروه أن يبيع بثمنين بقليل إن كان
الثمن نقدا، أو بأكثر إن كان نسية (4). ويحتمل الحمل على فساد اشتراط
زيادة الثمن مع تأخير الأجل، لكن لا يفسد العقد، كما سيجئ.
وعن الإسكافي: أنه - بعد ما تقدم عنه من النبوي الظاهر في
التحريم - قال: ولو عقد البائع للمشتري كذلك وجعل الخيار إليه لم
أختر للمشتري أن يقدم على ذلك، فإن فعل وهلكت السلعة لم يكن
للبائع إلا أقل الثمنين، لإجازته البيع به، وكان للمشتري الخيار في

(1) المقنعة: 595.
(2) في " ش " ومحتمل " ق ": " بالأقل ".
(3) في " ش ": " لأنه ".
(4) حكاه في الجواهر 23: 106، وراجع الناصريات: 365، المسألة 172.
206

تأخير الثمن الأقل إلى المدة التي ذكرها البائع بالثمن الأوفى من غير
زيادة على الثمن الأقل (1).
وفي النهاية: فإن ذكر المتاع بأجلين ونقدين على التخيير، مثل أن
يقول: " بعتك هذا بدينار أو درهم عاجلا أو إلى شهر أو سنة،
وبدينارين أو درهمين إلى شهر أو شهرين أو سنتين " كان البيع باطلا،
فإن أمضى البيعان ذلك بينهما كان للبائع أقل الثمنين في آخر الأجلين (2)،
انتهى.
وعن موضع من الغنية: قد قدمنا أن تعليق البيع بأجلين وثمنين،
كقوله: " بعت إلى مدة بكذا (3) وإلى أخرى بكذا " يفسده، فإن تراضيا
بإنفاذه كان للبائع أقل الثمنين في أبعد الأجلين بدليل إجماع الطائفة (4).
وعن سلار: ما علق بأجلين، وهو أن يقول: " بعتك هذه السلعة
إلى عشرة أيام بدرهم وإلى شهرين بدرهمين " كان باطلا غير منعقد (5)،
وهو المحكي عن أبي الصلاح (6).
وعن القاضي: من باع شيئا بأجلين على التخيير، مثل أن يقول:
" أبيعك هذا بدينار أو بدرهم عاجلا وبدرهمين أو دينارين إلى شهر أو

(1) حكاه في المختلف 5: 122 - 123.
(2) النهاية: 387 - 388.
(3) في " ق ": " كذا "، وفي المصدر: " كذا بكذا ".
(4) الغنية: 230.
(5) المراسم: 176.
(6) الكافي في الفقه: 357.
207

شهور أو سنة أو سنتين " كان باطلا، فإن أمضى البيعان ذلك بينهما كان
للبائع أقل الثمنين في آخر الأجلين (1).
وقال في المختلف - بعد تقوية المنع -: ويمكن أن يقال: إنه رضي
بالثمن الأقل فليس له الأكثر في البعيد، وإلا لزم الربا، إذ يبقى الزيادة
في مقابل تأخير الثمن لا غير، فإذا صبر إلى البعيد لم يجب له الأكثر
من الأقل (2)، انتهى.
وفي الدروس: أن الأقرب الصحة ولزوم الأقل، ويكون التأخير
جائزا من طرف المشتري لازما من طرف البائع، لرضاه بالأقل،
فالزيادة ربا، ولذا ورد النهي عنه، وهو غير مانع من صحة البيع (3)،
انتهى.
أقول: لكنه مانع من لزوم الأجل من طرف البائع، لأنه في
مقابل الزيادة الساقطة شرعا، إلا أن يقال: إن الزيادة ليست في مقابل
الأجل، بل هي في مقابل إسقاط البائع حقه من التعجيل الذي يقتضيه
العقد لو خلي وطبعه، فالزيادة وإن كانت (4) ربا - كما سيجئ - إلا أن
فساد المقابلة لا يقتضي فساد الإسقاط، كما احتمل ذلك في مصالحة حق
القصاص بعبد يعلمان استحقاق الغير [له] (5) أو حريته، بل قال في

(1) حكاه عنه في المختلف 5: 123، ولكن لم نعثر عليه في كتبه.
(2) المختلف 5: 125.
(3) الدروس 3: 203.
(4) في " ش " زيادة: " لكنه ".
(5) لم يرد في " ق ".
208

التحرير بالرجوع إلى الدية (1). وحينئذ فلا يستحق البائع الزيادة
ولا المطالبة قبل الأجل، لكن المشتري لو أعطاه وجب عليه القبول، إذ
لم يحدث له بسبب المقابلة الفاسدة حق في التأجيل حتى يكون له
الامتناع من القبول قبل الأجل، وإنما سقط حقه من التعجيل.
ويمكن أيضا حمل الرواية (2) على أن الثمن هو الأقل، لكن شرط
عليه أن يعطيه على التأجيل شيئا زائدا. وهذا الشرط فاسد، لما
سيجئ: من أن تأجيل الحال بزيادة ربا محرم، لكن فساد الشرط
لا يوجب فساد المشروط، كما عليه جماعة (3). وحينئذ فللبائع الأقل وإن
فرض أن المشتري أخره إلى الأجل، كما يقتضيه قوله في رواية
محمد بن قيس: " وإن كانت نظرة " (4) لفرض تراضيهما على ذلك
بزعم صحة هذا الشرط، أو البناء عليها تشريعا. ولعل هذا مبنى قول
الجماعة - قدس الله أسرارهم -: " فإن أمضيا البيع بينهما كذلك
- بمعنى أنهما تراضيا على هذه المعاملة - لم يجب في مقابل التأخير
الواقع برضاهما شئ زائد على الأقل، لفساد المقابلة " ومرادهم من
بطلان البيع الذي حكموا به أولا بطلانه بهذه الخصوصية وعدم ترتب
الأثر المقصود عليه.
وقد تلخص من جميع ما ذكرنا: أن المعاملة المذكورة في ظاهر

(1) التحرير 1: 230.
(2) يعني رواية السكوني المتقدمة في الصفحة 205.
(3) تقدم عنهم في الصفحة 90.
(4) المتقدمة في الصفحة 205.
209

متن الروايتين لا إشكال ولا خلاف في بطلانها، بمعنى عدم مضيها على
ما تعاقدا عليه. وأما الحكم بإمضائهما كما في الروايتين، فهو حكم
تعبدي مخالف لأدلة توقف حل المال على الرضا وطيب النفس وكون
الأكل لا عن تراض أكلا بالباطل، فيقع الإشكال في نهوض الروايتين
لتأسيس هذا الحكم المخالف للأصل.
ثم إن الثابت منهما على تقدير العمل بهما هي مخالفة القاعدة في
موردهما.
وأما ما عداه، كما إذا جعل له الأقل في أجل والأكثر في أجل
آخر، فلا ينبغي الاستشكال في بطلانه، لحرمة القياس، خصوصا على
مثل هذا الأصل.
وفي التحرير: البطلان هنا قولا واحدا (1). وحكي من غير واحد (2)
ما يلوح منه ذلك.
إلا أنك قد عرفت عموم كلمات غير واحد ممن تقدم للمسألتين (3)
وإن لم ينسب ذلك في الدروس إلا إلى المفيد قدس سره (4)، لكن عن
الرياض: أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق في الحكم بين المسألتين (5)،

(1) التحرير 1: 173.
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 429) عن المحقق والفاضل
الآبي، راجع المختصر النافع: 122، والشرائع 2: 26، وكشف الرموز 1: 463.
(3) راجع كلماتهم المتقدمة في الصفحة 206 - 208.
(4) راجع الدروس 3: 203.
(5) الرياض 8: 216.
210

وهو ظاهر الحدائق أيضا (1)، وما أبعد ما بينه وبين ما تقدم عن
التحرير.
ثم إن العلامة في المختلف ذكر في تقريب صحة المسألة: أنه مثل
ما إذا قال المستأجر لخياطة الثوب: " إن خطته فارسيا فبدرهم، وإن
خطته روميا فبدرهمين " وأجاب عنه بعد تسليم الصحة برجوعها إلى
الجعالة (2).

(1) راجع الحدائق 19: 122 - 123.
(2) المختلف 5: 124 - 125.
211

مسألة
لا يجب على المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل وإن
طولب إجماعا، لأن ذلك فائدة اشتراط التأجيل. ولو تبرع بدفعه لم
يجب على البائع القبول بلا خلاف، بل عن الرياض: الإجماع عليه (1).
وفي جامع المقاصد - في باب السلم - نسبة الخلاف إلى بعض العامة (2)،
وعلل الحكم في التذكرة - في باب السلم -: بأن التعجيل كالتبرع
بالزيادة، فلا يكلف تقليد المنة (3)، وفيه تأمل.
ويمكن تعليل الحكم: بأن التأجيل كما هو حق للمشتري يتضمن
حقا للبائع من حيث التزام المشتري لحفظ ماله في ذمته وجعله إياه
كالودعي، فإن ذلك حق عرفا.
وبالجملة، ففي الأجل حق لصاحب الدين بلا خلاف ظاهر.
ومما ذكرنا يظهر الفرق بين الحال والمؤجل، حيث إنه ليس

(1) الرياض 8: 219.
(2) جامع المقاصد 4: 249.
(3) التذكرة 1: 559.
212

لصاحب الدين الحال حق على المديون. واندفع أيضا ما يتخيل: من
أن الأجل حق مختص بالمشتري، ولذا يزاد الثمن من أجله، وله طلب
النقصان في مقابل التعجيل، وأن المؤجل كالواجب الموسع في أنه يجوز
فيه التأخير ولا يجب.
ثم إنه لو أسقط المشتري أجل الدين، ففي كتاب الدين من
التذكرة والقواعد: أنه لو أسقط المديون أجل الدين [مما] (1) عليه لم
يسقط، وليس لصاحب الدين مطالبته في الحال (2)، وعلله في جامع
المقاصد: بأنه قد ثبت التأجيل في العقد اللازم، [لأنه المفروض] (3)
فلا يسقط [بمجرد الإسقاط] (4)، ولأن في الأجل حقا لصاحب الدين،
ولذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل. أما لو تقايلا في الأجل فإنه
يصح، أما لو (5) نذر التأجيل فإنه يلزم وينبغي أن لا يسقط بتقايلهما،
لأن التقايل في العقود لا في النذور (6)، انتهى.
وفيه: أنه الحق المشترط في العقد اللازم يجوز لصاحبه إسقاطه،
وحق صاحب الدين لا يمنع من مطالبته (7) من أسقط حق نفسه.
وفي باب الشروط من التذكرة: لو كان عليه دين مؤجل فأسقط

(1) لم يرد في " ق ".
(2) التذكرة 2: 4، والقواعد 2: 107.
(3) من " ش " والمصدر.
(4) من " ش " والمصدر.
(5) في " ش " والمصدر: " ولو ".
(6) جامع المقاصد 5: 41.
(7) في محتمل الأصل: " مطالبة ".
213

المديون الأجل لم يسقط، وليس للمديون (1) مطالبته [في الحال] (2)، لأن
الأجل صفة تابعة، والصفة لا تفرد بالإسقاط، ولهذا لو أسقط مستحق
الحنطة الجيدة أو الدنانير الصحيحة الجودة أو الصحة لم يسقط،
وللشافعي وجهان (3)، انتهى.
ويمكن أن يقال: إن مرجع التأجيل في العقد اللازم إلى إسقاط
حق المطالبة في الأجل، فلا يعود الحق بإسقاط التأجيل، والشرط
القابل للإسقاط ما تضمن إثبات حق قابل لإسقاطه بعد جعله، ألا ترى
أنه لو شرط في العقد التبري من عيوب المبيع لم يسقط هذا
الشرط بإسقاطه بعد العقد ولم تعد العيوب مضمونة كما (4) كانت بدون
الشرط!
وأما ما ذكره: من أن لصاحب الدين حقا في الأجل، فدلالته
على المدعى موقوفة على أن الشرط الواحد إذا انحل إلى حق لكل من
المتبايعين لم يجز لأحدهما إسقاطه، لأن الفرض اشتراكهما فيه، ولم يسقط
الحق بالنسبة إلى نفسه، لأنه حق واحد يتعلق بهما، فلا يسقط إلا
باتفاقهما الذي عبر عنه بالتقايل، ومعناه: الاتفاق على إسقاط الشرط
الراجع إليهما، فلا يرد عليه منع صحة التقايل في شروط العقود لا في
أنفسها. نعم، لو صار التأجيل حقا لله تعالى بالنذر لم ينفع اتفاقهما على

(1) في " ش " والمصدر بدل " للمديون ": " للمستحق ".
(2) من " ش " والمصدر.
(3) التذكرة 1: 491.
(4) في " ش " زيادة: " لو ".
214

سقوطه، لأن الحق معلق بغيرهما.
وما ذكره حسن لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط التأجيل
أو لم يثبت التعدد، فيرجع إلى أصالة عدم السقوط، لكن الظاهر تعدد
الحق، فتأمل (1).

(1) في " ش " زيادة ما يلي: " ثم إن المذكور في باب الشروط عن بيع التذكرة
تعليل عدم سقوط أجل الدين بالإسقاط: بأن الأجل صفة تابعة لا يفرد
بالإسقاط، ولذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير الصحاح الجودة أو
الصحة لم يسقط، انتهى ". وهذا لا دخل له بما ذكره جامع المقاصد.
215

مسألة
إذا كان الثمن - بل كل دين - حالا أو حل، وجب على مالكه
قبوله عند دفعه إليه، لأن في امتناعه إضرارا وظلما، إذ لا حق له على
من في ذمته في حفظ ماله في ذمته، والناس مسلطون على أنفسهم.
وتوهم: عدم الإضرار والظلم، لارتفاعه بقبض الحاكم مع امتناعه
أو عزله وضمانه على مالكه، مدفوع: بأن مشروعية قبض الحاكم أو
العزل إنما هي (1) لدفع هذا الظلم والإضرار المحرم عن المديون، وليس
بدلا اختياريا عن قبض الحاكم أو العزل حتى يسقط الوجوب عن
المالك لتحقق (2) البدل (3)، ألا ترى أن من يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله
لا يسقط عنه الوجوب لقيام الحاكم مقامه في البيع.
وكيف كان، فإذا امتنع بغير حق سقط اعتبار رضاه، لحديث نفي
الضرار، بل مورده كان من هذا القبيل، حيث إن سمرة بن جندب
امتنع من الاستئذان للمرور إلى عذقه الواقع في دار الأنصاري وعن

(1) في " ش " بدل " هي ": " يثبت ".
(2) في محتمل " ق ": " بتحقق ".
(3) في ظاهر " ق ": " المبدل ".
216

بيعها (1)، فقال النبي صلى الله عليه وآله للأنصاري: " اذهب فاقلعها (2) وارم بها
وجه صاحبها " (3) فأسقط ولايته على ماله.
ومقتضى القاعدة إجبار
الحاكم له على القبض، لأن امتناعه أسقط اعتبار رضاه في القبض الذي
يتوقف ملكه عليه، لا أصل القبض الممكن تحققه منه كرها، مع كون
الإكراه بحق بمنزلة الاختيار، فإن تعذر مباشرته - ولو كرها - تولاه
الحاكم، لأن السلطان ولي الممتنع بناء على أن الممتنع من يمتنع ولو مع
الإجبار. ولو قلنا: إنه من يمتنع بالاختيار، جاز للحاكم تولي القبض
عنه من دون الإكراه، وهو الذي رجحه في جامع المقاصد (4).
والمحكي عن إطلاق جماعة عدم اعتبار الحاكم (5).
وليس للحاكم مطالبة المديون بالدين إذا لم يسأله، لعدم ولايته
عليه مع رضا المالك بكونه في ذمته. وعن السرائر: وجوب القبض
على الحاكم عند الامتناع وعدم وجوب الإجبار (6). واستبعده [غيره (7)] (8)،

(1) كذا، والمناسب: " بيعه ".
(2) تأنيث الضمير باعتبار " النخلة " الواقعة في الحديث.
(3) راجع الوسائل 17: 340 - 341، الباب 12 من أبواب إحياء الموات،
الحديث 1 و 3.
(4) جامع المقاصد 4: 248.
(5) نسبه في الجواهر (23: 116) بلفظ: " بل قد يظهر من إطلاق الشيخين
وابن حمزة... "، وقال نحوه في مفتاح الكرامة 4: 483.
(6) السرائر 2: 288.
(7) لم يرد في " ق ".
(8) استبعده الشهيد في الدروس 3: 205، وقرره صاحب الجواهر، انظر الجواهر
23: 117.
217

وهو في محله.
ولو تعذر الحاكم، فمقتضى القاعدة إجبار المؤمنين له، عدولا كانوا
أم لا، لأنه من المعروف الذي يجب الأمر به على كل أحد.
فإن لم يمكن إجباره، ففي وجوب قبض العدول عنه نظر، أقواه
العدم. وحينئذ فطريق براءة ذمة المديون أن يعزل حقه ويجعله أمانة
عنده، فإن تلف فعلى ذي الحق، لأن هذه فائدة العزل وثمرة إلغاء قبض
ذي الحق. ولكن لم يخرج عن ملك مالكه، لعدم الدليل على ذلك، فإن
اشتراط القبض في التملك لا يسقط بأدلة نفي الضرر، وإنما يسقط بها ما
يوجب التضرر وهو الضمان، وحينئذ فنماء المعزول له، وقاعدة مقابلة
الخراج بالضمان غير جارية هنا.
وقد يستشكل في الجمع بين الحكم ببقاء ملكية الدافع وكون التلف
من ذي الحق، ووجهه: أن الحق المملوك لصاحب الدين إن تشخص في
المعزول كان ملكا له، وإن بقي في ذمة الدافع لم يمكن تلف المعزول منه،
إذ لم يتلف ماله.
ويمكن أن يقال: إن الحق قد سقط من الذمة ولم يتشخص
بالمعزول، وإنما تعلق به تعلق حق المجني عليه برقبة العبد الجاني، فبتلفه
يتلف الحق، ومع بقائه لا يتعين الحق فيه، فضلا عن أن يتشخص به.
ويمكن أن يقال: بأنه يقدر آنا ما قبل التلف في ملك صاحب الدين.
ثم إن الظاهر جواز تصرفه في المعزول، فينتقل المال إلى ذمته لو
أتلفه. ومقتضى القاعدة عدم وجوب حفظه من التلف، لأن شرعية
عزله وكون تلفه من مال صاحب الدين إنما جاء من جهة تضرر
المديون ببقاء ذمته مشغولة، وتكليفه بحفظ المعزول أضر عليه من حفظ
218

أصل المال في الذمة.
وعن المحقق الثاني: أنه يتجه الفرق بين ما إذا عرضه على المالك
بعد تعيينه و (1) لم يأت به لكن أعلم بالحال، وبين ما إذا أتاه وطرحه
عنده، فيلغى (2) وجوب الحفظ في الثاني دون الأول (3).
ولعل وجهه: أن المبرئ للعهدة التخلية والإقباض المتحقق في
الثاني دون الأول، وسيجئ في مسألة قبض المبيع ما يؤيده (4).
وعن المسالك: أنه مع عدم الحاكم يخلى بينه وبين ذي الحق
وتبرأ ذمته وإن تلف، وكذا يفعل الحاكم لو قبضه إن لم يمكن إلزامه
بالقبض (5).
ثم إن المحقق الثاني ذكر في جامع المقاصد - بعد الحكم بكون
تلف المعزول من صاحب الدين الممتنع من أخذه -: أن في انسحاب
هذا الحكم في من أجبره الظالم على دفع نصيب شريكه الغائب في
مال على جهة الإشاعة بحيث يتعين المدفوع للشريك ولا يتلف منهما
ترددا. ومثله ما لو تسلط الظالم بنفسه وأخذ قدر نصيب الشريك.
لم أجد للأصحاب تصريحا بنفي ولا إثبات، مع أن الضرر هنا قائم
أيضا، والمتجه عدم الانسحاب (6)، انتهى. وحكي نحوه عنه في حاشية

(1) في " ق ": " أو ".
(2) في " ش " والمصدر: " فينتفي ".
(3) جامع المقاصد 5: 41.
(4) انظر الصفحة 266.
(5) المسالك 3: 425.
(6) جامع المقاصد 5: 40 - 41.
219

الإرشاد (1) من دون فتوى.
أقول: أما الفرع الثاني، فلا وجه لإلحاقه بما نحن فيه، إذ دليل
الضرر بنفسه لا يقضي بتأثير نية الظالم في التعيين، فإذا أخذ جزءا
خارجيا من المشاع فتوجيه هذا الضرر إلى من نواه الظالم دون
الشريك لا وجه له، كما لو أخذ الظالم من المديون مقدار الدين بنية
أنه مال الغريم.
وأما الفرع الأول، فيمكن أن يقال: بأن الشريك لما كان في
معرض التضرر لأجل مشاركة شريكه جعل له ولاية القسمة. لكن
فيه: أن تضرره إنما يوجب ولايته على القسمة حيث لا يوجب القسمة
تضرر شريكه، بأن لا يكون حصة الشريك بحيث تتلف بمجرد القسمة،
كما في الفرض، وإلا فلا ترجيح لأحد الضررين، مع أن التمسك بعموم
" نفي الضرر " في موارد الفقه من دون انجباره بعمل بعض الأصحاب
يؤسس فقها جديدا.

(1) حكاه عنه في الجواهر 23: 119، وراجع حاشية الإرشاد (مخطوط): 244.
220

مسألة
لا خلاف - على الظاهر من الحدائق (1) المصرح به في غيره (2) - في
عدم جواز تأجيل الثمن الحال، بل مطلق الدين، بأزيد منه، لأنه ربا،
لأن حقيقة الربا في القرض راجعة إلى جعل الزيادة في مقابل إمهال
المقرض وتأخيره المطالبة إلى أجل، فالزيادة الواقعة بإزاء تأخير
المطالبة ربا عرفا، فإن أهل العرف لا يفرقون في إطلاق الربا بين
الزيادة التي تراضيا عليها في أول المداينة - كأن يقرضه عشرة بأحد
عشر إلى شهر - وبين أن يتراضيا (3) بعد الشهر إلى تأخيره شهرا آخر
بزيادة واحد، وهكذا...، بل طريقة معاملة الربا مستقرة على ذلك، بل
الظاهر من بعض التفاسير: أن صدق الربا على هذا التراضي مسلم في
العرف،
وأن مورد نزول قوله تعالى في مقام الرد على من قال: * (إنما
البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا) * (4) هو التراضي بعد حلول

(1) راجع الحدائق 19: 134.
(2) كما في السرائر 2: 289، والجواهر 23: 120.
(3) في " ق ": " يتراضون ".
(4) البقرة: 275.
221

الدين على تأخيره إلى أجل بزيادة فيه.
فعن مجمع البيان عن ابن عباس: أنه كان الرجل من أهل
الجارية (1) إذا حل دينه على غريمه فطالبه، قال المطلوب منه: زدني في
الأجل أزيدك في المال، فيتراضيان عليه ويعملان به، فإذا قيل لهم:
ربا، قالوا (2): هما سواء، يعنون بذلك: أن الزيادة في الثمن حال البيع
والزيادة فيه بسبب الأجل عند حلول الدين سواء، فذمهم الله وألحق
بهم الوعيد وخطأهم في ذلك بقوله تعالى: * (وأحل الله البيع وحرم
الربا) * (3).
ويؤيده بل يدل عليه حسنة ابن أبي عمير أو صحيحته عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " سئل عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى،
فيأتيه غريمه فيقول له: أنقدني كذا وكذا وأضع عنك بقيته، أو: أنقدني
بعضه وأمد لك في الأجل فيما بقي عليك؟ قال: لا أرى به بأسا، إنه لم
يزد على رأس ماله، قال الله تعالى: * (فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون
ولا تظلمون) * " (4) علل جواز التراضي على تأخير أجل البعض بنقد

(1) كذا في " ق " - ظاهرا - و " ف " و " ن "، وفي " ش ": " كان الرجل من أهل
الجاهلية "، وفي المصدر: " كان الرجل منهم... "، وعلى فرض عدم السهو،
فالمعنى المناسب ل‍ " الجارية " هنا هو " النعمة "، راجع القاموس المحيط 4: 312،
مادة " جري ".
(2) في " ق ": " قال ".
(3) مجمع البيان 1: 389.
(4) الوسائل 13: 168، الباب 7 من أبواب أحكام الصلح، الحديث الأول.
والآية من سورة البقرة: 279.
222

البعض بعدم الازدياد على رأس ماله، فيدل على أنه لو ازداد على
رأس ماله لم يجز التراضي على التأخير، وكان ربا بمقتضى استشهاده
بذيل آية الربا، وهو قوله تعالى: * (فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا
تظلمون) *.
ويدل عليه بعض الأخبار الوارد في تعليم طريق الحيلة في جواز
تأخير الدين بزيادة باشتراط التأخير في ضمن معاوضة غير مقصودة
للفرار عن الحرام (1)، فلو جاز التراضي على التأجيل بزيادة لم يكن داع
إلى التوصل بأمثال تلك الحيل حتى صاروا عليهم السلام موردا لاعتراض
العامة في استعمال بعضها، كما في غير واحد من الأخبار (2) الواردة في
بعضها (3).
ويدل عليه أيضا أو يؤيده بعض الأخبار الواردة في باب الدين، فيما
إذا أعطى المديون بعد الدين شيئا مخافة أن يطلبه الغريم بدينه (4).
ومما ذكرنا - من أن مقابلة الزيادة بالتأجيل ربا - يظهر عدم
الفرق بين المصالحة عنه بها والمقاولة عليها من غير عقد. وظهر أيضا
أنه يجوز المعاوضة اللازمة على الزيادة بشئ واشتراط تأخير الدين

(1) راجع الوسائل 12: 380، الباب 9 من أبواب أحكام العقود، الأحاديث 4
و 5 و 6.
(2) راجع الوسائل 12: 466 - 467، الباب 6 من أبواب الصرف، الحديثين
1 و 2.
(3) في " ش ": " في ذلك ".
(4) راجع الوسائل 13: 104، الباب 19 من أبواب الدين، الحديث 3.
223

عليه في ضمن تلك المعاوضة. وظهر أيضا من التعليل المتقدم (1) في
رواية ابن أبي عمير جواز نقص المؤجل بالتعجيل. وسيجئ تمام الكلام
في هاتين المسألتين في باب الشروط أو كتاب القرض إن شاء الله
تعالى.

(1) تقدم في الصفحة 222.
224

مسألة
إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بائعه وغيره
قبل حلول الأجل وبعده بجنس الثمن وغيره، مساويا له أو زائدا عليه
أو ناقصا، حالا أو مؤجلا، إلا إذا اشترط أحد المتبايعين على صاحبه
في البيع الأول قبوله منه بمعاملة ثانية.
أما الحكم في المستثنى منه، فلا خلاف فيه إلا بالنسبة إلى بعض
صور المسألة - فمنع منها الشيخ في النهاية والتهذيبين (1)، وعن الشهيد:
أنه تبع الشيخ جماعة (2) - وهي: بيعه من البائع بعد الحلول بجنس الثمن
لا مساويا.
قال في النهاية: إذا اشترى نسية فحل الأجل ولم يكن معه

(1) ستجئ عبارة النهاية، وراجع التهذيب 7: 33، ذيل الحديث 137،
والاستبصار 3: 77، ذيل الحديث 256.
(2) غاية المراد 2: 80، وقال السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 434)
بعد نقل هذا عن الشهيد: " ولم نظفر بهم "، هذا وقد ورد قوله: " وعن
الشهيد... الخ " في " ش " بعد المنقول عن النهاية.
225

ما يدفعه إلى البائع جاز للبائع أن يأخذ منه ما كان باعه إياه من غير
نقصان من ثمنه، فإن أخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك صحيحا ولزمه
ثمنه الذي كان أعطاه به، فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في
الحال لم يكن بذلك بأس (1)، انتهى.
وظاهر الحدائق: أن محل الخلاف أعم مما بعد الحلول وأنه قصر
بعضهم التحريم بالطعام (2).
وكيف كان، فالأقوى هو المشهور، للعمومات المجوزة كتابا
وسنة (3)، وعموم ترك الاستفصال في صحيحة بشار بن يسار، قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع المتاع بنسأ، فيشتريه من
صاحبه الذي يبيعه منه؟ فقال: نعم، لا بأس به. فقلت له: أشتري
متاعي وغنمي! قال: ليس هو متاعك ولا غنمك ولا بقرك (4) ".
وصحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام: " رجل كان له على
رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه، فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه،
فقال له المطلوب: أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي لك عندي، فرضي؟

(1) النهاية: 388، مع تفاوت في بعض الألفاظ.
(2) الحدائق 19: 125.
(3) أما الكتاب فمثل قوله تعالى: * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * البقرة: 275
و * (أوفوا بالعقود) * المائدة: 1، وغيرهما من الآيات، وأما السنة فتعرض
لذكرها المؤلف، وراجع تفصيل ذلك في الوسائل 12: 370 - 373، الباب 5
و 6 من أبواب أحكام العقود.
(4) الوسائل 12: 370، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 3.
226

قال: لا بأس بذلك " (1).
ورواية الحسين بن منذر، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
الرجل يجيئني فيطلب العينة فأشتري له المتاع من أجله (2) ثم أبيعه إياه
ثم أشتريه منه مكاني؟ قال: فقال: إذا كان هو بالخيار إن شاء باع
وإن شاء لم يبع، وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم
تشتر فلا بأس. قال: فقلت: إن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد
ويقولون: إنه إن جاء به بعد أشهر صح، قال: إنما هذا تقديم وتأخير
ولا بأس (3) ".
وفي المحكي عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام
قال: " سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم اشتراه منه بخمسة
دراهم، أيحل؟ قال: إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس " (4).
وعن كتاب علي بن جعفر قوله: " باعه بعشرة إلى أجل ثم
اشتراه بخمسة بنقد " (5)، وهو أظهر في عنوان المسألة.

(1) الوسائل 12: 370، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث الأول.
(2) كذا في " ق "، والظاهر زيادة إحدى الكلمتين: إما " له "، وإما " من أجله "،
وقد ورد الأول في الوسائل، والثاني في التهذيب.
(3) الوسائل 12: 370، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 4.
(4) قرب الإسناد: 267، الحديث 1062، وعنه في الوسائل 12: 371، الباب
5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 6.
(5) مسائل علي بن جعفر: 127، المسألة رقم 100، وعنه في الوسائل 12:
371، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، ذيل الحديث 6.
227

وظاهر هذه الأخبار - كما ترى - يشمل صور الخلاف.
وقد يستدل أيضا برواية يعقوب بن شعيب وعبيد بن زرارة،
قالا: " سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع طعاما بدراهم (1) إلى
أجل، فلما بلغ ذلك تقاضاه، فقال: ليس لي دراهم خذ مني طعاما،
فقال: لا بأس به، فإنما له دراهمه يأخذ بها ما شاء " (2) وفي دلالتها
نظر.
وفيما سبق من العمومات كفاية، إذ لا معارض لها عدا ما ذكره
الشيخ قدس سره: من رواية خالد بن الحجاج، قال: " سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمى، فلما جاء
الأجل أخذته بدراهمي، فقال: ليس عندي دراهم، ولكن عندي طعام،
فاشتره مني؟ فقال: لا تشتره منه، فإنه لا خير فيه " (3).
ورواية عبد الصمد بن بشر - المحكية عن الفقيه - قال: " سأله محمد
ابن قاسم الحناط فقال: أصلحك الله! أبيع الطعام من رجل إلى أجل،
فأجئ وقد تغير الطعام من سعره فيقول ليس (4) عندي دراهم؟ قال:
خذ منه بسعر يومه. فقال: أفهم - أصلحك الله - أنه طعامي الذي

(1) في " ق ": " بمئة درهم ". وما أثبتناه موافق للمصادر الحديثية، والظاهر أن
الشيخ نقلها عن الجواهر، راجع الجواهر 23: 112.
(2) الوسائل 13: 71، الباب 11 من أبواب السلف، الحديث 10.
(3) راجع التهذيب 7: 33، الحديث 137، والوسائل 13: 74، الباب 12 من
أبواب السلف، الحديث 3.
(4) في " ق " زيادة: " لك "، ولم ترد في المصادر الحديثية.
228

اشتراه مني، فقال: لا تأخذ منه حتى يبيعه ويعطيك، فقال: أرغم الله
أنفي! رخص لي، فرددت عليه فشدد علي " (1).
وحكي عن الشيخ قدس سره: أنه أوردها في الاستبصار دليلا على
مختاره (2). وحكي عن بعض (3) ردها بعدم الدلالة بوجه من الوجوه.
أقول: لا يظهر من رواية خالد دلالة على مذهب الشيخ، وعلى
تقدير الدلالة فتعليل المنع بأنه: " لا خير فيه " من أمارات الكراهة.
واعلم أنه (4) حكى في المختلف عن الخلاف: أنه إذا باع طعاما
قفيزا بعشرة دراهم مؤجلة، فلما حل الأجل أخذ بها طعاما جاز إذا
أخذ مثل ذلك (5)، فإن زاد عليه لم يجز. واحتج بإجماع الفرقة [وأخبارهم] (6)

(1) الفقيه 3: 207، الحديث 3777، والوسائل 13: 74 - 75، الباب 12 من
أبواب السلف، الحديث 5.
(2) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 19: 130، وراجع الاستبصار 3: 77،
الحديث 257.
(3) حكاه أيضا المحدث البحراني في الحدائق 19: 130 عن بعض مشايخه،
فقال رحمه الله في تعليقة منه: " هو شيخنا الشيخ علي بن سليمان القدسي البحراني
في حواشيه على الكتاب ".
(4) في " ش " زيادة ما يلي: " قال الشيخ قدس سره في المبسوط: إذا باع طعاما
بعشرة مؤجلة، فلما حل الأجل أخذ بها طعاما جاز إذا أخذ ما أعطاه، فإن
أخذ أكثر لم يجز. وقد روي أنه يجوز على كل حال و ". راجع المبسوط 2:
123.
(5) العبارة في " ش " والمصدر: " جاز ذلك إذا أخذ مثله ".
(6) لم يرد في " ق ".
229

وبأنه يؤدي إلى بيع الطعام بالطعام (1). ثم حكى عن بعض أصحابنا
الجواز مطلقا، وعن بعضهم المنع مطلقا. ثم حكى عن الشيخ في آخر
كلامه، أنه قال: والقول الآخر الذي لأصحابنا قوي، وذلك أنه بيع طعام
بدراهم، لا بيع طعام بطعام، فلا يحتاج إلى اعتبار المثلية (2)، انتهى.
أقول: الظاهر أن الشيخ قدس سره جرى في ذلك وفيما تقدم عنه في
النهاية - من عدم جواز بيع ما اشترى بجنس الثمن متفاضلا - على قاعدة
كلية تظهر من بعض الأخبار: من أن عوض الشئ الربوي لا يجوز أن
يعوض بذلك الشئ بزيادة، وأن عوض العوض بمنزلة العوض، فإذا
اشترى طعاما بدراهم لا يجوز أن يأخذ بدل الطعام دراهم بزيادة،
وكذلك إذا باع طعاما بدراهم لا يجوز (3) أن يأخذ عوض الدراهم
طعاما. وعول في ذلك على التعليل المصرح به في رواية علي بن جعفر
عن أخيه عليهما السلام - المعتضد ببعض الأخبار المانعة (4) عن بعض أفراد
هذه القاعدة هنا وفي باب السلم (5) - قال: " سألته عن رجل له على
آخر تمر أو شعير أو حنطة، أيأخذ قيمتها (6) دراهم؟ [قال] (7): إذا

(1) في " ش " والمصدر: " طعام بطعام ".
(2) المختلف 5: 289، وراجع الخلاف 3: 101، المسألة: 166 من كتاب البيوع.
(3) في " ش " زيادة: " له ".
(4) المتقدمة في الصفحة 228 التي ذكرها الشيخ لمذهبه.
(5) مثل رواية محمد بن قيس الواردة في الوسائل 13: 72، الباب 11 من
أبواب السلف، الحديث 15، وغيرها من الروايات الدالة في الباب.
(6) في " ش " والوسائل: " بقيمته ".
(7) من المصدر.
230

قومها (1) دراهم فسد، لأن الأصل الذي يشتري به دراهم، فلا يصلح
دراهم بدراهم " (2)، قال في محكي التهذيب: الذي أفتي به [ما تضمنه] (3)
هذا الخبر الأخير: من أنه إذا كان الذي أسلف فيه دراهم لم يجز أن
يبيعه بدراهم، لأنه يكون قد باع دراهم بدراهم، وربما كان فيه زيادة
أو نقيصة (4) [وذلك ربا] (5) انتهى (6).
وهنا يقول أيضا قبالا لمسألة السلم التي هي عكس مسألتنا: إنه
إذا كان الذي باعه طعاما لم يجز أن يشتري بثمنه طعاما، لأنه يكون
باع طعاما بطعام.
وبالجملة، فمدار فتوى الشيخ قدس سره على ما عرفت من ظهور
بعض الأخبار بل صراحته فيه: من أن عوض العوض في حكم
العوض في عدم جواز التفاضل مع اتحاد الجنس الربوي، فلا فرق بين
اشتراء نفس ما باعه منه، وبين اشتراء مجانسه منه، ولا فرق أيضا بين
اشترائه قبل حلول الأجل أو بعده، كما أطلقه في الحدائق (7).
وتقييده بما بعد الحلول في عبارة النهاية المتقدمة (8) لكون الغالب
وقوع المطالبة والإيفاء بعد الحلول، وإن قصر المشهور خلافه به. لكن

(1) في " ش " والوسائل: " قومه ".
(2) الوسائل 13: 71، الباب 11 من أبواب السلف، الحديث 12.
(3) من المصدر.
(4) في " ش " والمصدر: " نقصان ".
(5) من المصدر.
(6) التهذيب 7: 30 - 31، ذيل الحديث 129.
(7) الحدائق 19: 125.
(8) تقدمت في الصفحة 225.
231

الأظهر هو الإطلاق. كما أن تقييد المنع في كلامه بأخذ ما باعه
بالناقص، لأنه الغالب، لأن الغالب في رد نفس ما اشتراه رده
بالناقص، لا لخصوصية في النقص لا تجري في الزيادة، ولذا ذكر (1)
جواز أخذ المتاع الآخر بقيمته في الحال زادت أو نقصت، فيعلم منه:
أن أخذ ما باعه بقيمته في الحال غير جائز زادت أو نقصت.
ويؤيد الحمل على الغالب: أنه قدس سره ذكر في مسألة السلم - التي
هي عكس المسألة -: أنه لا يجوز له أخذ جنس (2) الثمن زائدا على ما
أعطاه (3)، فإن الغالب مع إعطاء الطعام بدل الدراهم النقص مما اشترى،
ومع العكس العكس.
وظهر أيضا مما ذكرنا: أن الحكم مختص في كلام الشيخ قدس سره
بالجنس الربوي، لا مطلق المتاع ولا خصوص الطعام.
وأما الحكم في المستثنى - وهو ما إذا اشترط في البيع الأول نقله
إلى من انتقل عنه - فهو المشهور، ونص عليه الشيخ في باب المرابحة (4)
واستدلوا عليه أولا بالدور، كما في التذكرة.
قال في باب الشروط: لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه إياه لم
يصح، سواء اتحد الثمن قدرا ووصفا وعينا أم لا، وإلا جاء الدور، لأن
بيعه له يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه [فيدور] (5)، أما لو

(1) أي ذكر الشيخ في عبارة النهاية المتقدمة في الصفحة 226.
(2) في " ش " بدل " جنس ": " مثل ".
(3) ذكره في النهاية: 397، وراجع المبسوط 2: 187.
(4) المبسوط 2: 142.
(5) لم يرد في " ق ".
232

شرط أن يبيعه على غيره صح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب
والسنة. لا يقال: ما التزمتموه من الدور آت هنا، لأنا نقول: الفرق
ظاهر، لجواز أن يكون جاريا على حد التوكيل أو عقد الفضولي،
بخلاف ما لو شرط البيع على البائع (1)، انتهى.
أقول: ظاهر ما ذكره من النقض أنه يعتبر في الشرط أن يكون
معقولا في نفسه مع قطع النظر عن البيع المشروط فيه، وبيع الشئ على
غير مالكه معقول ولو من غير المالك كالوكيل والفضولي، بخلاف بيعه
على مالكه، فإنه غير معقول أصلا. فاندفع عنه نقض جماعة ممن تأخر
عنه باشتراط بيعه على غيره أو عتقه.
نعم، ينتقض ذلك باشتراط كون المبيع رهنا على الثمن، فإن ذلك
لا يعقل مع قطع النظر عن البيع، بل يتوقف عليه. وقد اعترف قدس سره
بذلك في التذكرة، فاستدل بذلك لأكثر الشافعية المانعين عنه، وقال: إن
المشتري لا يملك رهن المبيع إلا بعد صحة البيع، فلا يتوقف عليه صحة
البيع وإلا دار (2). لكنه قدس سره مع ذلك جوز هذا الاشتراط.
إلا أن يقال: إن أخذ الرهن على الثمن والتضمين عليه وعلى
دركه ودرك المبيع من توابع البيع ومن مصالحه، فيجوز اشتراطها، نظير
وجوب نقد الثمن أو عدم تأخيره عن شهر مثلا ونحو ذلك، فتأمل (3).
وقرر الدور في جامع المقاصد: بأن انتقال الملك موقوف على

(1) التذكرة 1: 490.
(2) التذكرة 1: 491.
(3) في " ش " بدل " فتأمل ": " لكن ينتقض حينئذ بما اعترف بجوازه في التذكرة:
من اشتراط وقف المشتري المبيع عن البائع وولده ".
233

حصول الشرط، وحصول الشرط موقوف على الملك (1). وهذا بعينه ما
تقدم عن التذكرة بتفاوت في ترتيب المقدمتين.
وأجيب (2) عنه تارة: بالنقض باشتراط بيعه من غيره. وقد عرفت
أن العلامة قدس سره تفطن له في التذكرة، وأجاب عنه بما عرفت انتقاضه
بمثل اشتراط رهنه على الثمن، وعرفت تفطنه لذلك أيضا في التذكرة.
وأخرى: بالحل، وهو أن انتقال الملك ليس موقوفا على تحقق
الشرط، وإنما المتوقف عليه لزومه.
وثالثة: بعدم جريانه فيما لو شرط بيعه منه بعد أجل البيع الأول،
فإن ملك المشتري متخلل بين البيعين.
ومبنى هذين الجوابين على ما ذكره العلامة في الاعتراض على
نفسه والجواب عنه بما حاصله: أن الشرط لا بد من صحته مع قطع
النظر عن البيع، فلا يجوز أن يتوقف صحته على صحة البيع.
ولا فرق في ذلك بين اشتراط بيعه قبل الأجل أو بعده، لأن بيع
الشئ على مالكه غير معقول مطلقا. ولو قيد بما بعد خروجه عن ملك
مالكه لم يفرق أيضا بين ما قبل الأجل وما بعده.
واستدل عليه أيضا (3) بعدم قصد البائع بهذا الشرط إلى حقيقة
الإخراج عن ملكه، حيث لم يقطع علاقة الملك عنه.
وجعله في غاية المراد أولى من الاستدلال بالدور بعد دفعه

(1) جامع المقاصد 4: 204.
(2) أجاب صاحب الجواهر في الجواهر 23: 110.
(3) عطف على قوله: " واستدلوا عليه أولا بالدور "، المتقدم في الصفحة 232.
234

بالجوابين الأولين، ثم قال: وإن كان إجماع على المسألة فلا بحث (1).
ورد عليه المحقق والشهيد الثانيان: بأن الفرض حصول القصد إلى
النقل الأول لتوقفه عليه، وإلا لم يصح ذلك إذا قصدا ذلك ولم يشترطاه
مع الاتفاق على صحته (2)، انتهى.
واستدل عليه في الحدائق بقوله عليه السلام - في رواية الحسين بن
المنذر المتقدمة [في] (3) السؤال عن بيع الشئ واشترائه ثانيا من
المشتري -: " إن كان هو بالخيار إن شاء باع وإن شاء لم يبع، وكنت
أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر، فلا بأس " (4) فإن
المراد بالخيار هو الاختيار عرفا في مقابل الاشتراط على نفسه بشرائه
ثانيا، فدل على ثبوت البأس إذا كان أحد المتبايعين غير مختار في النقل
من جهة التزامه بذلك في العقد الأول.
وثبوت " البأس " في الرواية، إما راجع إلى البيع الأول فثبت
المطلوب، وإن كان راجعا إلى البيع الثاني فلا وجه له إلا بطلان البيع الأول،
إذ لو صح البيع الأول والمفروض اشتراطه بالبيع الثاني لم يكن بالبيع الثاني
بأس، بل كان لازما بمقتضى الشرط الواقع في متن العقد الصحيح.
هذا، وقد يرد (5) دلالتها بمنع دلالة " البأس " على البطلان. وفيه

(1) غاية المراد 2: 78.
(2) جامع المقاصد 4: 204، والمسالك 3: 225.
(3) لم يرد في " ق ".
(4) الحدائق 19: 128 - 129، وتقدمت الرواية في الصفحة 227.
(5) هذا الرد والردان الآتيان من صاحب الجواهر قدس سره، راجع الجواهر 23:
111.
235

ما لا يخفى.
وقد ترد أيضا بتضمنها لاعتبار ما لا يقول به أحد: من عدم
اشتراط المشتري ذلك على البائع.
وفيه: أن هذا قد قال به كل أحد من القائلين باعتبار عدم
اشتراط البائع، فإن المسألتين من واد واحد، بل الشهيد قدس سره في غاية
المراد عنون المسألة بالاشتراء بشرط الاشتراء (1).
وقد يرد أيضا: بأن المستفاد من المفهوم لزوم الشرط وأنه لو
شرطاه يرتفع الخيار عن المشروط عليه وإن كان يحرم البيع الثاني أو
هو والبيع الأول مع الشرط ويكون الحاصل حينئذ حرمة الاشتراط
وإن كان لو فعل التزم به، وهو غير التزام المحرم الذي يفسد ويفسد
العقد.
وفيه: أن الحرمة المستفادة من " البأس " ليس إلا الحرمة الوضعية
أعني الفساد، ولا يجامع ذلك صحة الشرط ولزومه.
نعم، يمكن أن يقال - بعد ظهور سياق الرواية في بيان حكم البيع
الثاني مع الفراغ عن صحة الأول، كما يشهد به أيضا بيان خلاف أهل
المسجد المختص بالبيع الثاني -: إن المراد أنه إن وقع البيع الثاني على
وجه الرضا وطيب النفس والاختيار فلا بأس به، وإن وقع لا عن
ذلك بل لأجل الالتزام به سابقا في متن العقد أو قبله وإلزامه عرفا بما
التزم كان الشراء فاسدا، لكن فساد الشراء لا يكون إلا لعدم طيب
النفس فيه وعدم وجوب الالتزام بما التزم على نفسه، إما لعدم ذكره في

(1) غاية المراد 2: 78.
236

متن العقد، وإما لكون الشرط لغوا لا يجب الوفاء به، وأما فساده
لأجل فساد العقد الأول من جهة فساد الالتزام المذكور في متنه حتى
لو وقع عن طيب النفس فهو مخالف (1) لما عرفت من ظهور اختصاص
حكم الرواية منعا وجوازا بالعقد الثاني.
وأما رواية علي بن جعفر (2) فهي أظهر في اختصاص الحكم
بالشراء الثاني، فيجب أيضا حمله على وجه لا يكون منشأ فساد البيع
الثاني فساد البيع الأول، بأن يكون مفهوم الشرط: أنه إذا اشترطا ذلك
في العقد أو قبله ولم يرضيا بوقوع العقد الثاني بل وقع على جهة (3)
الإلجاء من حيث الالتزام به قبل العقد أو فيه فهو غير صحيح، لعدم
طيب النفس فيه ووقوعه عن إلجاء، وهذا لا يكون إلا مع عدم
وجوب الوفاء، إما لعدم ذكره في العقد، وإما لكونه لغوا فاسدا مع عدم
تأثير فساده في العقد.
وبالجملة، فالحكم بفساد العقد الثاني في الروايتين لا يصح أن
يستند إلى فساد الأول، لما ذكرنا: من ظهور الروايتين في ذلك، فلا بد

(1) وردت العبارة من قوله: " وإما لكون الشرط لغوا - إلى - فهو مخالف " في
" ش " هكذا: " وإما لكون الشرط بالخصوص فاسد لا يجب الوفاء به، ولا
يوجب فساد العقد المشروط به، كما هو مذهب كثير من القدماء لأجل فساد
العقد الأول من جهة فساد الالتزام المذكور في متنه حتى لو وقع عن طيب
النفس، لأن هذا مخالف ".
(2) المتقدمة في الصفحة 230 - 231.
(3) في " ش ": " على وجه ".
237

من أن يكون منشؤه عدم طيب النفس بالعقد الثاني، وعدم طيب
النفس لا يقدح إلا مع عدم لزوم الوفاء شرعا بما التزم، وعدم اللزوم
لا يكون إلا لعدم ذكر الشرط في العقد، وإما لكونه لغوا (1) غير
مفسد (2).
ثم إنه قال في المسالك: إنهما لو شرطاه قبل العقد لفظا، فإن كانا
يعلمان أن الشرط المتقدم لا حكم له فلا أثر له، وإلا اتجه بطلان العقد
به كما لو ذكراه في متنه، لأنهما لم يقدما إلا على الشرط ولم يتم لهما (3).
ويمكن أن يقال: إن علمهما بعدم حكم للشرط لا يوجب عدم
إقدامهما على الشرط.
فالأولى بناء المسألة على تأثير الشرط المتقدم في ارتباط العقد به
وعدمه، والمعروف بينهم عدم التأثير كما تقدم (4)، إلا أن يفرق بين
الشرط الصحيح فلا يؤثر وبين الفاسد فيؤثر في البطلان. ووجهه غير
ظاهر، بل ربما حكي العكس عن بعض المعاصرين (5)، وقد تقدم
توضيح الكلام في ذلك (6).

(1) في " ش " بدل " وإما لكونه لغوا ": " أو لكونه فاسدا ".
(2) من هنا إلى قوله: " فإن استند... " الآتي في الصفحة 245 ساقط من نسخة
" ق ".
(3) المسالك 3: 224.
(4) تقدم في الصفحة 54.
(5) لم نعثر عليه.
(6) تقدم في الصفحة 104 في الأمر الثالث من الأمور المنعقدة ذيل حكم الشرط
الفاسد.
238

القول في القبض
239

القول في القبض
وهو لغة: الأخذ مطلقا، أو باليد، أو بجميع الكف، على اختلاف
عبارات أهل اللغة (1).
والنظر في ماهيته، ووجوبه، وأحكامه يقع في مسائل:
مسألة
اختلفوا في ماهية القبض في المنقول - بعد اتفاقهم على أنها
" التخلية " في غير المنقول - على أقوال:
أحدها: أنها التخلية أيضا، صرح به المحقق في الشرائع (2)، وحكي
عن تلميذه كاشف الرموز (3). وعن الإيضاح نسبته إلى بعض متقدمي

(1) فقد فسره في الصحاح ب‍ " الأخذ مطلقا " وفي القاموس ب‍ " الأخذ باليد " وفي
مجمع البحرين ب‍ " الأخذ بجميع الكف "، انظر الصحاح 3: 1100، والقاموس
المحيط 2: 341، ومجمع البحرين 4: 225 - 226.
(2) الشرائع 2: 29.
(3) كشف الرموز 1: 471.
241

أصحابنا (1). وعن التنقيح نسبته إلى المبسوط (2).
الثاني: أنه في المنقول: النقل، وفيما يعتبر كيله أو وزنه: الكيل أو
الوزن.
الثالث: ما في الدروس: من أنه في الحيوان: نقله، وفي المعتبر (3):
كيله أو وزنه أو عده أو نقله، وفي الثوب: وضعه في اليد (4).
الرابع: ما في الغنية وعن الخلاف والسرائر واللمعة: أنه التحويل
والنقل (5).
الخامس: ما في المبسوط: من أنه إن كان مثل الجواهر والدراهم
والدنانير وما يتناول باليد فالقبض فيه هو التناول باليد، وإن كان مثل
الحيوان - كالعبد والبهيمة - فالقبض في البهيمة أن يمشي بها إلى مكان
آخر، وفي العبد أن يقيمه إلى مكان آخر. وإن كان اشتراه جزافا كان
القبض فيه أن ينقله من مكانه. وإن كان اشتراه مكايلة فالقبض فيه أن
يكيله (6). وزاد في الوسيلة: أنه في الموزون: وزنه، وفي المعدود: عده (7).

(1) إيضاح الفوائد 1: 506.
(2) التنقيح الرائع 2: 65، وانظر المبسوط 2: 120.
(3) أي: فيما يعتبر كيله أو وزنه.
(4) الدروس 3: 213.
(5) الغنية: 229، وحكاه عن الثلاثة في مفتاح الكرامة 4: 704، وراجع الخلاف
3: 98، المسألة 159 من البيوع، والسرائر 2: 369، واللمعة: 132.
(6) المبسوط 2: 120.
(7) الوسيلة: 252.
242

ونسب عبارة الشرائع الراجعة إلى ما في المبسوط إلى المشهور (1).
السادس: أنه الاستقلال والاستيلاء عليه باليد، حكي عن المحقق
الأردبيلي وصاحب الكفاية (2)، واعترف [به] (3) في المسالك (4) - تبعا
لجامع المقاصد (5) - لشهادة العرف بذلك، إلا أنه أخرج عن ذلك المكيل
والموزون، مستندا إلى النص الصحيح. وفيه ما سيجئ.
السابع: ما في المختلف: من أنه إن كان منقولا فالقبض فيه النقل
أو الأخذ باليد، وإن كان مكيلا أو موزونا فقبضه ذلك أو الكيل أو
الوزن (6).
الثامن: أنه التخلية مطلقا بالنسبة إلى انتقال الضمان إلى المشتري،
دون النهي عن بيع ما لم يقبض. نفى عنه البأس في الدروس (7).
أقول: لا شك أن القبض للمبيع هو فعل القابض وهو المشتري،
ولا شك أن الأحكام المترتبة على هذا الفعل لا تترتب على ما كان
من فعل البائع من غير مدخل للمشتري فيه، كما أن الأحكام المترتبة

(1) نسبه في المهذب البارع 2: 398، وغاية المرام (مخطوط) 1: 301، وراجع
مفتاح الكرامة 4: 704 - 705.
(2) حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 705، وراجع مجمع الفائدة
8: 512، وكفاية الأحكام: 96.
(3) الزيادة اقتضاها السياق.
(4) المسالك 3: 239.
(5) راجع جامع المقاصد 4: 391 - 392.
(6) المختلف 5: 279.
(7) الدروس 3: 213.
243

على فعل البائع - كالوجوب على البائع والراهن في الجملة، واشتراط
القدرة على التسليم - لا يحتاج في ترتبها إلى فعل من المشتري، فحينئذ
نقول:
أما ما اتفق عليه: من كفاية التخلية في تحقق القبض في غير
المنقول، إن أريد ب‍ - " القبض " ما هو فعل البائع بالنسبة إلى المبيع، وهو
جميع ما يتوقف عليه من طرفه وصوله إلى المشتري، ويعبر عنه مسامحة
بالإقباض والتسليم - وهو الذي يحكمون بوجوبه على البائع والغاصب
والراهن في الجملة، ويفسرونه ب‍ " التخلية " التي هي فعله (1) - فقد عرفت
أنه ليس قبضا حقيقيا حتى في غير المنقول وإن فسرت برفع جميع
الموانع وإذن المشتري في التصرف.
قال كاشف الرموز في شرح عبارة النافع: القبض مصدر يستعمل
بمعنى التقبيض وهو التخلية، ويكون من طرف البائع والواهب بمعنى
التمكين من التصرف (2)، انتهى.
بل التحقيق (3): أن القبض مطلقا هو استيلاء المشتري عليه
وتسلطه عليه الذي يتحقق به معنى " اليد " ويتصور فيه الغصب.
نعم، يترتب على ذلك المعنى الأول، الأحكام المترتبة على
الإقباض والتسليم الواجبين على البائع، فينبغي ملاحظة كل حكم من
الأحكام المذكورة في باب القبض وأنه مترتب على القبض الذي هو

(1) في " ش ": " فعل البائع ".
(2) كشف الرموز 1: 471، وفيه: " التمكين من حيث التصرف ".
(3) عطف على قوله: " إنه ليس قبضا حقيقيا ".
244

فعل المشتري بعد فعل البائع أو (1) على الإقباض الذي هو فعل البائع،
مثلا إذا فرض أن أدلة اعتبار القبض في الهبة دلت على اعتبار حيازة
المتهب الهبة، لم يكتف في ذلك بالتخلية التي هي من فعل المواهب (2)
وهكذا....
ولعل تفصيل الشهيد في البيع بين حكم الضمان وغيره (3) من حيث
إن الحكم الأول منوط بالإقباض وغيره منوط بفعل المشتري.
وكيف كان، فلا بد من مراعاة أدلة أحكام القبض، فنقول:
أما رفع الضمان، فإن استند فيه إلى النبوي: " كل مبيع تلف قبل
قبضه فهو من مال بائعه " (4) فالمناط فيه حصول الفعل من المشتري.
وإن استند إلى قوله عليه السلام في رواية عقبة بن خالد: " حتى يقبض المتاع
ويخرجه من بيته " (5) احتمل فيه إناطة الحكم بالتخلية، فيمكن حمل
النبوي على ذكر ما هو مقارن غالبي للتخلية. واحتمل وروده (6) مورد
الغالب: من ملازمة الإخراج للوصول إلى المشتري بقرينة ظاهر
النبوي، ولذا قال في جامع المقاصد - بعد ما نقل ما في الدروس -: إن
الخبر دال على خلافه (7). وهو حسن إن أراد به ظاهر النبوي، لا ظاهر

(1) في " ش ": " وعلى ".
(2) في " ف " بدل " المواهب ": " المشتري ".
(3) تقدم التفصيل عنه في الصفحة 243.
(4) المستدرك 13: 303، الباب 9 من أبواب الخيار، وفيه حديث واحد.
(5) الوسائل 12: 358، الباب 10 من أبواب الخيار، وفيه حديث واحد.
(6) في " ش ": " ورود الرواية "، وكتب في " ف " فوق " وروده ": " الرواية ".
(7) جامع المقاصد 4: 392.
245

رواية عقبة أو غيرها.
والإنصاف: أن ما ذكره الشهيد قريب بالنسبة إلى ظاهر رواية
عقبة.
وربما يخدش (1) فيها بظهورها في اعتبار الإخراج من البيت مع أنه
غير معتبر في رفع الضمان اتفاقا.
وفيه: أن الإخراج عن البيت كناية عن الإخراج عن السلطنة
ورفع اليد، ولا ينبغي خفاء ذلك على المتأمل في الاستعمال العرفي. وما
ذكره الشهيد من رفع الضمان بالتخلية يظهر من بعض فروع التذكرة
حيث قال: لو أحضر البائع السلعة، فقال المشتري: ضعه، تم القبض،
لأنه كالتوكيل في الوضع. ولو لم يقل المشتري شيئا، أو قال: لا أريد
شيئا (2)، حصل القبض، لوجود التسليم، كما لو وضع الغاصب المغصوب
بين يدي المالك، فإنه يبرء من الضمان (3)، انتهى.
وظاهره: أن المراد من التسليم المبحوث عنه ما هو من فعل
البائع ولو امتنع المشتري.
[لكنه قدس سره صرح في عنوان المسألة (4) وفي باب الهبة (5) بضعف هذا
القول بعد نسبته إلى بعض الشافعية.

(1) أورد الخدشة فيها السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 698.
(2) لم يرد " شيئا " في " ش " والمصدر.
(3) التذكرة 1: 472.
(4) التذكرة 1: 472.
(5) التذكرة 2: 418، وسيجئ في الصفحة 252 - 253.
246

فالظاهر أن مراده - بل مراد الشهيد قدس سره -: رفع الضمان بهذا
وإن لم يكن قبضا، بل عن الشهيد في الحواشي: أنه نقل عن
العلامة قدس سره: أن التخلية في المنقول وغيره يرفع الضمان، لأنه حق على
البائع وقد أدى ما عليه (1).
أقول: وهذا كما أن إتلاف المشتري يرفع ضمان البائع، وسيجئ
من المحقق الثاني: أن النقل في المكيل والموزون يرفع الضمان وإن لم
يكن قبضا (2)] (3).
هذا، ولكن الجمود على حقيقة اللفظ في الرواية يقتضي اعتبار
الوصول إلى يد المشتري، لأن الإقباض والإخراج وإن كانا من فعل
البائع، إلا أن صدقهما عليه يحتاج إلى فعل من غير البائع، لأن
الإقباض والإخراج بدون القبض والخروج محال. إلا أن يستفاد من
الرواية تعلق الضمان على ما كان من فعل البائع، والتعبير ب‍ " الإقباض "
و " الإخراج " مسامحة مست الحاجة إليها في التعبير (4).
وقد ظهر مما ذكرنا: أن لفظ " القبض " الظاهر بصيغته في
فعل المشتري يراد به الاستيلاء على المبيع، سواء في المنقول وغيره،
لأن القبض - لغة - الأخذ مطلقا، أو باليد، أو بجميع الكف، على

(1) نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 696.
(2) جامع المقاصد 4: 390، وسيجئ في الصفحة 255 - 256.
(3) ما بين المعقوفتين من " ف " و " ش ".
(4) من قوله: " هذا ولكن الجمود - إلى - في التعبير " ورد في " ش " قبل قوله:
" وما ذكره الشهيد... الخ " في الصفحة المتقدمة.
247

اختلاف التعبيرات (1).
فإن أريد الأخذ حسا باليد، فهو لا يتأتى في جميع المبيعات، مع
أن أحكامه جارية في الكل، فاللازم أن يراد به في كلام [أهل] (2)
اللغة أو في لسان الشرع - الحاكم عليه بأحكام كثيرة في البيع والرهن
والصدقة وتشخيص ما في الذمة - أخذ كل شئ بحسبه، وهو ما ذكرنا
من الاستيلاء والسلطنة.
وأما ما ذكره بعضهم: من اعتبار النقل والتحويل فيه (3) - بل
ادعى في الغنية الإجماع على أنه القبض في المنقول (4) الذي لا يكتفى فيه
بالتخلية - فهو لا يخلو عن تأمل وإن شهد من عرفت بكونه موافقا
للعرف في مثل الحيوان، لأن مجرد إعطاء المقود للمشتري أو مع ركوبه
عليه قبض عرفا على الظاهر.
ثم المراد من " النقل " في كلام من اعتبره هو نقل المشتري له،
لا نقل البائع، كما هو الظاهر من عبارة المبسوط المتقدمة (5) المصرح به
في جامع المقاصد (6).
وأما رواية عقبة بن خالد - المتقدمة (7) - فلا دلالة فيها على

(1) كما تقدم في الصفحة 241.
(2) من " ش ".
(3) تقدم عن الغنية والخلاف وغيرهما في الصفحة 242.
(4) الغنية: 229.
(5) تقدمت في الصفحة 242.
(6) جامع المقاصد 4: 389.
(7) تقدمت في الصفحة 245.
248

اعتبار النقل في المنقول وإن استدل بها عليه في التذكرة (1)، لما عرفت (2):
من أن الإخراج من البيت في الرواية - نظير الإخراج من اليد - كناية
عن رفع اليد والتخلية للمشتري حتى لا يبقى من مقدمات الوصول إلى
المشتري إلا ما هو من فعله.
وأما اعتبار الكيل أو الوزن أو كفايته في قبض المكيل والموزون،
فقد اعترف غير واحد (3) بأنه تعبد، لأجل النص الذي ادعي دلالته
عليه.
مثل صحيحة معاوية بن وهب، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام:
عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه، فقال: ما لم يكن كيل أو وزن
فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن توليه [الذي قام عليه] " (4).
وصحيحة منصور بن حازم: " إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو
وزن، فلا تبعه حتى تقبضه، إلا أن توليه " (5).
وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه: " عن الرجل يشتري
الطعام، أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال: إذا لم يربح عليه فلا بأس،
وإن ربح فلا يبعه حتى يقبضه " (6).

(1) التذكرة 1: 472.
(2) في الصفحة 246.
(3) راجع جامع المقاصد 4: 392، والمسالك 3: 239 و 241.
(4) الوسائل 12: 389، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 11.
(5) الوسائل 12: 387، نفس الباب، الحديث الأول.
(6) الوسائل 12: 389، نفس الباب، الحديث 9.
249

ورواية أبي بصير: " عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن
يكيله؟ قال: لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه،
إلا أن يوليه كما اشتراه " (1).
إلى غير ذلك مما دل على اعتبار الكيل والوزن لا من حيث
اشتراط صحة المعاملة بهما، وإلا لم يفرق بين التولية وغيرها، فتعين
لأمر آخر، وليس إلا لكون ذلك قبضا، للإجماع - كما في المختلف (2) -
على جواز بيع الطعام بعد قبضه.
ومنه يظهر ما في المسالك، حيث إنه - بعد ذكر صحيحة ابن
وهب - قال: والتحقيق: أن الخبر الصحيح دل على النهي عن بيع
المكيل والموزون قبل اعتباره بهما، لا على أن القبض لا يتحقق بدونهما.
وكون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا ينافي ذلك، لأن
الاعتبار بهما قبض وزيادة، وحينئذ فلو قيل بالاكتفاء في نقل الضمان
فيهما بالنقل عملا بالعرف والخبر الآخر، وبتوقف البيع ثانيا على الكيل
والوزن، أمكن إن لم يكن إحداث قول (3)، انتهى.
والظاهر أن مراده بالخبر، خبر " عقبة بن خالد " وقد عرفت

(1) الوسائل 12: 390، نفس الباب، الحديث 16.
(2) المختلف 5: 280.
(3) العبارة وردت في المبحث الثامن من المباحث المنعقدة ذيل البحث عن
القبض، ولكن وقع السهو والخطأ في ضبط العبارة في المسالك الجديدة حيث
وقعت العبارة من كلمة " والتحقيق - إلى - وقع عن البيع " في الجزء الثالث:
243 - 244، ومن كلمة " قبل القبض " إلى آخر العبارة في أول الصفحة 243.
250

عدم ظهوره في اعتبار النقل (1).
ثم إن ظاهر غير واحد كفاية الكيل والوزن في القبض من دون
توقف على النقل.
والظاهر أنه لا بد مع الكيل والوزن من رفع يد
البائع، كما صرح به في جامع المقاصد (2)، ولذا نبه في موضع من
التذكرة: بأن الكيل شرط في القبض (3).
وكيف كان، فالأولى في المسألة ما عرفت: من أن القبض له معنى
واحد يختلف باختلاف الموارد، وأن كون القبض هو الكيل أو الوزن
- خصوصا في باب الصدقة والرهن وتشخيص ما في الذمة - مشكل
جدا، لأن التعبد الشرعي على تقدير تسليمه مختص بالبيع، إلا أن
يكون إجماع على اتحاد معنى القبض في البيع وغيره، كما صرح به
العلامة (4) والشهيدان (5) والمحقق الثاني (6) وغيرهم (7) في باب الرهن والهبة،

(1) في الصفحة 248 - 249.
(2) جامع المقاصد 4: 390.
(3) التذكرة 1: 560 - 561، وراجع الصفحة 472 أيضا.
(4) ظاهر العبارة يدل على أن العلامة ومن بعده ادعوا الإجماع على الاتحاد، لكن
لم نعثر عليه في كلامهم ولا على من حكاه عنهم، نعم ادعوا أصل الاتحاد،
راجع التذكرة 2: 25 و 418.
(5) الدروس 3: 384، والمسالك 6: 26.
(6) جامع المقاصد 5: 102، و 9: 153.
(7) مثل المحدث البحراني في الحدائق 20: 232، و 22: 318، وصاحب الجواهر
في الجواهر 28: 176 - 177، والسيد المجاهد في المناهل: 401، واستظهر
اتفاق الأصحاب عليه.
251

وحكي فيها الاتفاق على الاتحاد عن ظاهر المسالك (1) واستظهره
الحاكي (2) أيضا.
و (3) ظاهر المبسوط في باب الهبة: أن القبض هي التخلية
فيما لا ينتقل، والنقل والتحويل في غيره (4). لكن صرح في باب الرهن:
بأن كل ما كان قبضا في البيوع كان قبضا في الرهن والهبات
والصدقات، لا يختلف ذلك (5).
وعن القاضي: أنه لا يكفي في الرهن التخلية ولو قلنا بكفايته
في البيع، لأن البيع يوجب استحقاق المبيع فيكفي التمكين منه، وهنا
لا استحقاق، بل القبض سبب في الاستحقاق (6). ومقتضى هذا الوجه
لحوق الهبة والصدقة بالرهن.
وهذا الوجه حكاه في هبة التذكرة عن بعض الشافعية، فقال قدس سره:
القبض هنا كالقبض في البيع، ففيما لا ينقل ولا يحول: التخلية، وفيما
ينقل ويحول: النقل والتحويل، وفيما يكال أو يوزن: الكيل والوزن. ثم
حكى عن بعض الشافعية عدم كفاية التخلية في المنقول لو قلنا به في
البيع، مستندا إلى أن القبض في البيع مستحق وفي الهبة غير مستحق،
فاعتبر تحققه ولم يكتف بالوضع بين يده، ولذا لو أتلف المتهب الموهوب

(1) المسالك 6: 26، حيث نسب الخلاف إلى بعض الشافعية.
(2) لم نعثر عليه.
(3) في " ش " زيادة: " عن ".
(4) المبسوط 3: 306.
(5) المبسوط 2: 203.
(6) حكاه الشهيد الثاني في حاشية الإرشاد المطبوع ضمن (غاية المراد) 2: 182.
252

لم يصر قابضا، بخلاف المشتري. ثم ضعفه: بأنه ليس بشئ، لاتحاد
القبض في الموضعين واعتبار العرف فيهما (1)، انتهى.
وظاهر عدم اكتفائه هنا بالوضع بين يديه مخالف للفرع المتقدم
عنه، إلا أن يلتزم بكفاية التخلية في رفع الضمان وإن لم يكن قبضا، كما
أشرنا إليه سابقا (2).
فروع (3):
الأول: قال في التذكرة: لو باع دارا أو سفينة مشحونة بأمتعة
البائع ومكنه منها بحيث جعل له تحويلها من مكان إلى مكان كان قبضا.
وقال أيضا: إذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع كفى في
المنقول النقل من حيز إلى حيز، وإن كان في موضع يختص به فالنقل
من زاوية إلى أخرى بغير إذن البائع لا يكفي لجواز التصرف، ويكفي
لدخوله في ضمانه. وإن نقل بإذنه حصل القبض، وكأنه استعار البقعة
المنقول إليها (4).
الثاني: قال في المسالك: لو كان المبيع مكيلا أو موزونا فلا يخلو

(1) التذكرة 2: 418.
(2) راجع الصفحة 246.
(3) كذا بخطه الشريف قدس سره في " ق "، ولكن لم يعنون إلا فرعين، ولذا بدله
مصحح " ش " ب‍ " فرعان ".
(4) التذكرة 1: 472.
253

إما أن يكون قد كيل قبل البيع أو وزن، أو لا، بأن أخبر البائع بكيله
أو وزنه أو باعه قدرا معينا من صبرة مشتملة عليه.
فإن كان الآخر (1)
فلا بد في تحقق قبضه من كيله أو وزنه، للنص المتقدم. وإن كان
الأول، ففي افتقاره إلى الاعتبار ثانيا لأجل القبض أو الاكتفاء بالاعتبار
الأول وجهان: من إطلاق توقف الحكم على الكيل والوزن وقد حصلا،
وقوله عليه السلام في النص " حتى تكيله أو تزنه " (2) لا يدل على اعتبار
أزيد من اعتبار الكيل [والوزن] (3) الشامل لما وقع قبل البيع. ومن أن
الظاهر أن ذلك لأجل القبض لا لتحقق شرط صحة البيع، فلا بد له
من اعتبار جديد بعد العقد، وبه صرح العلامة (4) والشهيد (5) وجماعة.
وهو الأقوى، ويدل عليه قوله عليه السلام: " إلا أن توليه " (6)، فإن الكيل
السابق شرط لصحة البيع، فلا بد منه في التولية وغيرها، فدل على أن
ذلك لأجل القبض، لا لصحة البيع (7)، انتهى المهم من كلامه رحمه الله.
أقول: يبعد التزام القائلين بهذا القول ببقاء المكيل والموزون بعد
الكيل والوزن والعقد عليه والأخذ والتصرف في بعضه في ضمان البائع

(1) كذا، وفي المصدر: " الأخير ".
(2) الوارد في صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في الصفحة 249.
(3) لم يرد في " ق ".
(4) القواعد 2: 85.
(5) الدروس 3: 213.
(6) الوارد في صحيحة معاوية المتقدمة في الصفحة 249.
(7) المسالك 3: 241.
254

حتى يكيله ثانيا أو يزنه وإن لم يرد بيعه (1)، وكذا لو كاله وقبضه ثم
عقد عليه.
وقد تفطن لذلك المحقق الأردبيلي رحمه الله فيما حكي (2) من حاصل
كلامه، حيث نزل ما دل على اعتبار الكيل والوزن في البيع الثاني على
ما إذا لم يعلم كيله أو وزنه، بل وقع البيع الأول من دون كيل، كما إذا
اشترى أصوعا من صبرة مشتملة عليها أو اشترى بإخبار البائع. أما
إذا كاله بحضور المشتري ثم باعه إياه فأخذه وحمله إلى بيته وتصرف
فيه بالطحن والعجن والخبز، فلا شك في كونه قبضا مسقطا للضمان
مجوزا للبيع، ولا يلزم تكلف البائع بكيله مرة أخرى للإقباض - إلى أن
قال ما حاصله -: إن كون وجوب الكيل مرة أخرى (3) للقبض مع تحققه
أولا عند الشراء - كما نقله في المسالك عن العلامة والشهيد وجماعة
(قدس الله أسرارهم) وقواه - ليس بقوي (4)، انتهى.
وقال في جامع المقاصد - عند شرح قول المصنف: إن التسليم
بالكيل والوزن فيما يكال أو يوزن على رأي -: إن (5) المراد (6) الكيل

(1) في " ش " زيادة: " ثانيا ".
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 701.
(3) في " ق " بدل "... وجوب الكيل مرة أخرى للقبض ": " وجوب القبض مرة
للقبض "، والظاهر أنه من سهو القلم.
(4) مجمع الفائدة 8: 508 - 509.
(5) لم يرد في " ش ": " إن ".
(6) في " ش " زيادة: " به ".
255

الذي يتحقق به اعتبار البيع، ولا بد من رفع البائع يده (1)، فلو وقع
الكيل ولم يرفع (2) يده، فلا تسليم ولا قبض، ولو أخبره البائع بالكيل
أو الوزن فصدقه وأخذه على ذلك حصل القبض، كما نص عليه في
التذكرة (3). ثم قال: ولو أخذ المبيع جزافا أو أخذ ما اشتراه كيلا وزنا
أو بالعكس، فإن تيقن حصول الحق فيه صح، وإلا فلا، ذكره في
التذكرة (4). والذي ينبغي أن يقال: إن هذا الأخذ بإعطاء البائع موجب
لانتقال ضمان المدفوع إلى المشتري وانتفاء سلطنة البائع لو أراد حبسه
لدفع (5) الثمن، لا التسلط على بيعه، لأن بيع ما يكال أو يوزن قبل كيله
أو وزنه على التحريم أو الكراهة، ولو كيل قبل ذلك فحضر كيله أو
وزنه، ثم اشتراه وأخذه بذلك فهو كما لو أخبره بالكيل أو الوزن، بل
هو أولى (6)، انتهى.
ثم الظاهر أن مراد المسالك مما نسبه إلى العلامة والشهيد وجماعة
- من وجوب تجديد الاعتبار لأجل القبض - ما ذكره في القواعد تفريعا
على هذا القول: " أنه لو اشترى مكايلة وباع مكايلة فلا بد لكل بيع
من كيل جديد ليتم القبض " (7). قال جامع المقاصد في شرحه: إنه لو

(1) في " ش " زيادة: " عنه ".
(2) في " ش " زيادة: " البائع ".
(3) التذكرة 1: 561.
(4) التذكرة 1: 564.
(5) في " ش " والمصدر بدل " لدفع ": " ليقبض ".
(6) جامع المقاصد 4: 390.
(7) القواعد 2: 85.
256

اشترى ما لا يباع إلا مكايلة وباع كذلك لا بد لكل بيع من هذين
من كيل جديد، لأن كل بيع لا بد له من قبض. قال بعد ذلك: ولو
أنه حضر الكيل المتعلق بالبيع الأول فاكتفى به أو أخبره البائع فصدقه
كفى نقله وقام ذلك مقام كيله (1).
وفي الدروس - بعد تقوية كفاية التخلية في رفع الضمان لا في
زوال تحريم البيع أو كراهته قبل القبض - قال: نعم لو خلى بينه وبين
المكيل فامتنع حتى يكتاله لم ينتقل إليه الضمان، ولا يكفي الاعتبار
الأول عن اعتبار القبض (2)، انتهى.
هذا ما يمكن الاستشهاد به من كلام العلامة والشهيد والمحقق
الثاني لاختيارهم وجوب تجديد الكيل والوزن لأجل القبض وإن كيل
أو وزن قبل ذلك.
لكن الإنصاف: أنه ليس في كلامهم ولا غيرهم ما يدل على أن
الشئ الشخصي المعلوم كيله أو وزنه قبل العقد إذا عقد عليه وجب
كيله مرة أخرى لتحقق القبض، كما يظهر من المسالك (3). فلا يبعد أن
يكون كلام الشيخ قدس سره ومن تبعه (4) في هذا القول، وكلام العلامة (5)

(1) جامع المقاصد 4: 393.
(2) الدروس 3: 213.
(3) راجع كلام المسالك في الصفحة 254.
(4) لم يتقدم عن الشيخ ومن تبعه كلام في المسألة، نعم تقدم كلامهم في القبض،
راجع الصفحة 242 وما بعدها.
(5) المتقدم في الصفحة المتقدمة.
257

ومن ذكر فروع هذا القول (1) مختصا بما إذا عقد على كيل معلوم
[من] (2) كلي أو من صبرة معينة أو على جزئي محسوس على أنه
كذا وكذا، فيكون مراد الشيخ والجماعة من قولهم: " اشترى
مكايلة " (3): أنه اشترى بعنوان الكيل والوزن، في مقابل ما إذا اشترى
ما علم كيله سابقا من دون تسمية الكيل المعين في العقد، لكونه لغوا.
والظاهر أن هذا هو الذي يمكن أن يعتبر في القبض في غير البيع
أيضا من الرهن والهبة، فلو رهن إناء معينا من صفر مجهول الوزن أو
معلوم الوزن أو وهبه - خصوصا على القول بجواز هبة المجهول - فالظاهر
أنه لا يقول أحد: بأنه يعتبر في قبضه وزنه، مع عدم تعلق غرض في
الهبة بوزنه أصلا.
نعم، لو رهن أو وهب مقدارا معينا من الكيل أو الوزن أمكن
القول باشتراط اعتباره في قبضه، وأن قبضه جزافا ك‍: لا قبض.
فظهر أن قوله في القواعد: " اشترى مكايلة " - وهو العنوان
المذكور في المبسوط لهذا القول، كما عرفت عند نقل الأقوال - يراد به
ما ذكرنا، لا ما عرفت من جامع المقاصد.
ويؤيده تكرار المكايلة في قوله: " وباع مكايلة ". [ويشهد له
أيضا] (4) قول العلامة في غير موضع من التذكرة: لو قبض جزافا ما

(1) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 393.
(2) شطب عليه في " ق ".
(3) راجع الصفحة 242 وما بعدها.
(4) لم يرد في " ق ".
258

اشتراه مكايلة (1). ويشهد له أيضا قوله في موضع آخر: لو أخذ ما
اشترى كيلا وزنا وبالعكس، فإن تيقن حصول الحق فيه... الخ (2).
وأظهر من ذلك فيما ذكرنا ما في المبسوط، فإنه بعدما صرح
باتحاد معنى القبض في البيع والرهن وغيرهما ذكر: أنه لو رهن صبرة
على أنه كيل كذا فقبضه بكيله (3)، ولو رهنها جزافا فقبضه بنقله (4) من
مكانه (5). مع أنه اختار عدم جواز بيع الصبرة جزافا (6)، فافهم.
وأما قوله في الدروس: " ولا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار
القبض " فلا يبعد أن يكون تتمة لما قبله من قوله: " نعم، لو خلى بينه
وبينه فامتنع حتى يكتاله " (7) ومورده بيع كيل معين كلي، فلا يدل على
وجوب تجديد اعتبار ما اعتبر قبل العقد.
ثم إن ما ذكره في المسالك (8) في صحيحة ابن وهب أولا: من أن

(1) التذكرة 1: 472، وفيه: " فروع: الأول لو قبض جزافا ما اشتراه
مكايلة... " ولم نعثر على العبارة بعينها في غير هذا الموضع، نعم يوجد ما يدل
عليها، راجع التذكرة 1: 469 في أقسام بيع الصبرة، و 472 - 473 في بيان
ماهية القبض وأحكامه، و 560 وما بعدها في أحكام القبض في السلم.
(2) التذكرة 1: 564، وتقدم في الصفحة 256.
(3) في " ش ": " أن يكيله ".
(4) في " ش ": " أن ينقله ".
(5) المبسوط 2: 203.
(6) المبسوط 2: 152.
(7) تقدم القول المتمم والمتمم في الصفحة 257.
(8) راجع ما ذكره المسالك في الصفحة 254.
259

قوله: " لا تبعه حتى تكيله " يصدق مع الكيل السابق، ثم استظهاره
ثانيا - بقرينة استثناء بيع التولية -: أن المراد غير الكيل المشترط في
صحة العقد، لم يعلم له وجه، إذ المراد من الكيل والوزن في تلك
الصحيحة وغيرها هو الكيل المتوسط بين البيع الأول والثاني، وهذا غير
قابل لإرادة الكيل المصحح للبيع الأول، فلا وجه لما ذكره أولا أصلا،
ولا وجه لإرادة المصحح للبيع الثاني حتى يكون استثناء التولية قرينة
على عدم إرادته، لاشتراك التولية مع غيرها في توقف صحتهما على
الاعتبار، لأن السؤال عن بيع الشئ قبل قبضه. ثم الجواب بالفرق بين
المكيل والموزون لا يمكن إرجاعهما (1) إلى السؤال والجواب عن شرائط
البيع الثاني، بل الكلام سؤالا وجوابا نص في إرادة قابلية المبيع قبل
القبض للبيع وعدمها.
فالأولى أن استثناء التولية ناظر إلى الفرق بين البيع مكايلة - بأن
يبيعه ما اشتراه على أنه كيل معين، فيشترط قبضه بالكيل والوزن ثم
إقباضه - وبين أن يوليه البيع الأول من غير تعرض في العقد لكيله
ووزنه، فلا يعتبر توسط قبض بينهما، بل يكفي قبض المشتري الثاني
عن الأول.
وبالجملة، فليس في الصحيحة تعرض لصورة كيل الشئ أولا قبل
البيع ثم العقد عليه والتصرف فيه بالنقل والتحويل، وأن بيعه ثانيا بعد
التصرف هل يحتاج إلى كيل جديد لقبض البيع الأول، لا لاشتراط
معلومية المبيع في البيع الثاني، أم لا؟ بل ليس في كلام المتعرضين لبيع
ما لم يقبض تعرض لهذه الصورة.

(1) كذا في ظاهر " ق " ومصححة " ن "، وفي " ف " و " ش ": " إرجاعها ".
260

القول في وجوب القبض
مسألة
يجب على كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع،
لاقتضاء العقد لذلك.
فإن قال كل منهما: لا أدفع حتى أقبض، فالأقوى إجبارهما معا،
وفاقا للمحكي عن السرائر (1) والشرائع (2) وكتب العلامة (3) والإيضاح (4)
والدروس (5) وجامع المقاصد (6) والمسالك (7) وغيرها (8)، وعن ظاهر

(1) السرائر 2: 306، وفيه بعد احتمال القرعة: " والأول أقوى ".
(2) الشرائع 2: 29.
(3) القواعد 2: 87، والمختلف 5: 291، والتذكرة 1: 473، 564، والتحرير
1: 175.
(4) لم نعثر على التصريح به، نعم يظهر الارتضاء به حيث لم يعلق على كلام
القواعد، راجع الإيضاح 1: 509.
(5) الدروس 3: 210.
(6) جامع المقاصد 4: 403.
(7) المسالك 3: 238.
(8) مثل الروضة 3: 522، ومجمع الفائدة 8: 504، وراجع تفصيل ذلك في
مفتاح الكرامة 4: 719.
261

التنقيح: الإجماع عليه (1)، لما في التذكرة: من أن كلا منهما قد وجب له
حق على صاحبه (2).
وعن الخلاف: أنه يجبر البائع أولا على تسليم المبيع، ثم
يجبر المشتري على تسليم الثمن، سواء كان الثمن عينا أو في الذمة،
لأن الثمن إنما يستحق على المبيع، فيجب أولا تسليم المبيع ليستحق
الثمن (3).
ولعل وجهه دعوى انصراف إطلاق العقد إلى ذلك، ولذا استقر
العرف على تسمية الثمن عوضا وقيمة، ولذا يقبحون مطالبة الثمن قبل
دفع المبيع، كما يقبحون مطالبة الأجرة قبل العمل أو دفع العين
المستأجرة. والأقوى ما عليه الأكثر.
ثم إن ظاهر جماعة أن محل الخلاف في هذه المسألة بين الخاصة
والعامة: ما لو كان كل منهما باذلا وتشاحا في البدأة بالتسليم، لا ما
إذا امتنع أحدهما عن البذل.
قال في المبسوط - بعد اختياره أولا إجبارهما معا على التقابض
ثم الحكم بأن تقديم البائع في الإجبار أولى - قال: هذا إذا كان كل
منهما باذلا. وأما إذا كان أحدهما غير باذل أصلا، وقال: لا أسلم
ما علي، أجبره الحاكم على البذل، فإذا حصل البذل حصل الخلاف

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 719، وراجع التنقيح الرائع 2:
64 - 65.
(2) التذكرة 1: 473.
(3) الخلاف 3: 151، المسألة 239 من كتاب البيوع.
262

في أيهما يدفع. هذا إذا كان موسرا قادرا على إحضار الثمن، فإن
كان معسرا كان للبائع الفسخ والرجوع إلى عين ماله كالمفلس (1)،
انتهى.
قال في التذكرة: توهم قوم أن الخلاف في البدأة بالتسليم خلاف
في أن البائع هل له حق الحبس أم لا؟ إن قلنا بوجوب البدأة للبائع
فليس له حبس المبيع إلى استيفاء الثمن، وإلا فله ذلك. ونازع أكثر
الشافعية فيه وقالوا: هذا الخلاف مختص بما إذا كان نزاعهما في مجرد
البدأة وكان كل منهما يبذل ما عليه ولا يخاف فوت ما عند صاحبه،
فأما إذا لم يبذل البائع المبيع وأراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن،
فله ذلك بلا خلاف، وكذا للمشتري حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل
المبيع (2)، انتهى.
وقد صرح أيضا بعدم الخلاف في جواز الحبس لامتناع الآخر
من التسليم بعض آخر (3).
ولعل الوجه فيه: أن عقد البيع مبني على التقابض وكون المعاملة
يدا بيد، فقد التزم كل منهما بتسليم العين مقارنا لتسليم صاحبه،
لا بدونه (4)، فقد ثبت بإطلاق العقد لكل منهما حق الامتناع مع امتناع
صاحبه. فلا يرد أن وجوب التسليم على كل منهما ليس مشروطا

(1) المبسوط 2: 148.
(2) التذكرة 1: 564.
(3) صرح به في مفتاح الكرامة 4: 720.
(4) في " ش " بدل " لا بدونه ": " والتزم على صاحبه أن لا يسلمه مع الامتناع ".
263

بتحققه من الآخر، فلا يسقط التكليف بأداء مال الغير عن أحدهما
بمعصية الآخر، وأن ظلم أحدهما لا يسوغ ظلم الآخر.
هذا كله مع عدم التأجيل في أحد العوضين، فلو كان أحدهما
[مؤجلا] (1) لم يجز حبس الآخر.
قال في التذكرة: ولو لم يتفق تسليمه حتى حل المؤجل (2) لم يكن
له الحبس أيضا (3).
ولعل وجهه: أن غير المؤجل قد التزم بتسليمه من دون تعليق
على تسليم المؤجل أصلا. وهذا مما يؤيد أن حق الحبس ليس لمجرد
ثبوت حق للحابس على الآخر، فيكون الحبس بإزاء الحبس.
ثم مقتضى ما ذكرنا - من عدم وجوب التسليم مع امتناع الآخر
وعدم استحقاق الممتنع لقبض ما في يد صاحبه -: أنه لو قبضه الممتنع
بدون رضا صاحبه لم يصح القبض.
فصحة القبض بأحد أمرين: إما إقباض ما في يده لصاحبه، فله
حينئذ قبض ما في يد صاحبه ولو بغير إذنه. وإما إذن صاحبه سواء
أقبض ما في يده أم لا، كما صرح بذلك في المبسوط (4) والتذكرة (5)،
وصرح فيهما: بأن له مطالبة القابض برد ما قبض بغير إذنه، لأن له

(1) لم يرد في " ق ".
(2) في " ش " والمصدر: " حل الأجل ".
(3) التذكرة 1: 473.
(4) راجع المبسوط 2: 120.
(5) راجع التذكرة 1: 472 و 562.
264

حق الحبس والتوثق إلى أن يستوفي العوض.
وفي موضع من التذكرة: أنه لا ينفذ تصرفه فيه (1). ومراده
التصرف المتوقف على القبض، كالبيع أو مطلق الاستبدال.
ثم إذا ابتدأ أحدهما بالتسليم - إما لوجوبه عليه كالبائع على قول
الشيخ (2)، أو لتبرعه بذلك - أجبر الآخر على التسليم، ولا يحجر عليه
في ما عنده من العوض ولا في مال آخر، لعدم الدليل.

(1) التذكرة 1: 472.
(2) تقدم قول الشيخ في الصفحة 262.
265

مسألة
يجب على البائع تفريغ المبيع من أمواله مطلقا ومن غيرها في
الجملة. وهذا الوجوب ليس شرطيا بالنسبة إلى التسليم وإن أوهمه
بعض العبارات، ففي غير واحد من الكتب: أنه يجب تسليم المبيع
مفرغا (1). والمراد إرجاع الحكم إلى القيد، وإلا فالتسليم يحصل بدونه،
وقد تقدم عن التذكرة (2).
وكيف كان، فيدل على وجوب التفريغ ما دل على وجوب
التسليم، فإن إطلاق العقد كما يقتضي أصل التسليم كذلك يقتضي
التسليم مفرغا، بل التسليم من دون التفريغ (3) كالعدم بالنسبة إلى غرض
المتعاقدين وإن ترتب عليه أحكام تعبدية، كالدخول في ضمان المشتري
ونحوه.

(1) كما في الشرائع 2: 30، والمختصر: 124، والقواعد 2: 85، والإرشاد 1:
382، والدروس 3: 213، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة 4: 706.
(2) تقدم في الصفحة 253.
(3) العبارة في " ش ": " فإن التسليم بدونه ".
266

فلو كان في الدار متاع وجب نقله فورا، فإن تعذر ففي أول
أزمنة الإمكان. ولو تراخى زمان الإمكان وكان المشتري جاهلا كان
له الخيار لو تضرر بفوات بعض منافع الدار عليه. وفي ثبوت الأجرة
لو كان لبقائه أجرة إلى زمان الفراغ وجه. ولو كان تأخير التفريغ
بتقصيره فينبغي الجزم بالأجرة، كما جزموا بها مع امتناعه من أصل
التسليم.
ولو كان في الأرض زرع قد أحصد وجب إزالته، لما ذكرنا. وإن
لم يحصد وجب الصبر إلى بلوغ أوانه، للزوم تضرر البائع بالقلع، وأما
ضرر المشتري فينجبر بالخيار مع الجهل، كما لو وجدها مستأجرة.
ومن ذلك يعلم عدم الأجرة، لأنه اشترى أرضا تبين أنها
مشغولة، فلا يثبت أكثر من الخيار. ويحتمل ثبوت الأجرة، لأنه اشترى
أرضا لا يستحق عليها الاشتغال بالزرع، والبائع (1) قد ملك الزرع غير
مستحق للبقاء، فيتخير بين إبقائه بالأجرة وبين قلعه، لتقديم ضرر القلع
على ضرر فوات منفعة الأرض بالأجرة. ويحتمل تخيير المشتري بين
إبقائه بالأجرة وقلعه بالأرش. ويحتمل ملاحظة الأكثر ضررا.
ولو احتاج تفريغ الأرض إلى هدم شئ هدمه بإذن المشتري،
وعليه طم ما يطم برضا المالك وإصلاح ما استهدم أو الأرش، على
اختلاف الموارد، فإن مثل قلع الباب أو قلع ساجة منه إصلاحه
إعادته، بخلاف هدم حائط، فإن الظاهر لحوقه بالقيمي في وجوب
الأرش له. والمراد بالأرش نفس قيمة الهدم لا أرش العيب.

(1) في " ش " بدل " البائع ": " المالك ".
267

وبالجملة، فمقتضى العرف إلحاق بعض ما استهدم بالمثلي وبعضه
بالقيمي، ولو الحق مطلقا بالقيمي كان له وجه.
ويظهر منهم فيما لو هدم أحد الشريكين الجدار المشترك بغير إذن
صاحبه أقوال ثلاثة:
الإعادة مطلقا كما في الشرائع (1) وعن المبسوط (2).
والأرش كذلك كما عن العلامة (3) والمحقق والشهيد الثانيين (4).
والتفصيل بين ما كان مثليا كحائط البساتين والمزارع وإلا
فالأرش كما عن الدروس (5).
والظاهر جريان ذلك في كسر الباب والشبابيك. وفتق الثوب من
هذا القبيل.

(1) الشرائع 2: 125.
(2) المبسوط 2: 303.
(3) القواعد 2: 174 - 175.
(4) جامع المقاصد 5: 424، والمسالك 4: 291.
(5) الدروس 3: 345، وحكاه عنه الشهيد الثاني في المسالك 4: 491.
268

مسألة
لو امتنع البائع من التسليم، فإن كان لحق - كما لو امتنع المشتري
عن تسليم الثمن - فلا إثم.
وهل عليه أجرة مدة الامتناع؟ احتمله في جامع المقاصد، إلا أن
منافع الأموال الفائتة بحق لا دليل على ضمانها، وعلى المشتري نفقة
المبيع. وفي جامع المقاصد: ما أشبه هذه بمثل منع الزوجة نفسها حتى
تقبض المهر، فإن في استحقاقها النفقة ترددا، قال: ويحتمل الفرق بين
الموسر والمعسر (1)، انتهى.
ويمكن الفرق بين النفقة في المقامين.
ولو طلب من البائع الانتفاع به في يده، ففي وجوب إجابته
وجهان.
ولو كان امتناعه لا لحق، وجب عليه الأجرة، لأنه عاد،
ومقتضى القاعدة أن نفقته على المشتري.

(1) جامع المقاصد 4: 412.
269

الكلام في أحكام القبض
وهي التي تلحقه بعد تحققه.
مسألة
من أحكام القبض انتقال الضمان ممن نقله إلى القابض، فقبله
يكون مضمونا عليه بعوضه إجماعا مستفيضا، بل محققا، ويسمى ضمان
المعاوضة.
ويدل عليه - قبل الإجماع - النبوي المشهور: " كل مبيع تلف قبل
قبضه فهو من مال بائعه " (1) وظاهره - بناء على جعل " من " للتبعيض -:
أنه بعد التلف يصير مالا للبائع، لكن إطلاق المال على التالف إنما هو
باعتبار كونه مالا عند التلف. وبهذا الاعتبار يصح أن يقع هو المصالح
عنه إذا أتلفه الغير لا قيمته - كما صرح به في باب الصلح من الشرائع (2)

(1) المستدرك 13: 303، الباب 9 من أبواب الخيار، وفيه حديث واحد.
(2) الشرائع 2: 122.
270

والتحرير (1) - وحينئذ فلا بد من أن يكون المراد بالنبوي: أن المبيع
يكون تالفا من مال البائع، ومرجع هذا إلى انفساخ العقد قبيل التلف
آنا ما، ليكون التالف مالا للبائع.
والحاصل: أن ظاهر الرواية صيرورة المبيع مالا للبائع بعد التلف،
لكن لما لم يتعقل ذلك تعين إرادة وقوع التلف على مال البائع،
ومرجعه إلى ما ذكره في التذكرة (2) - وتبعه من تأخر عنه (3) -: من أنه
يتجدد انتقال الملك إلى البائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزأ من الزمان.
وربما يقال - تبعا للمسالك -: إن ظاهر " كون المبيع التالف قبل
القبض من مال البائع " يوهم خلاف هذا المعنى (4). ولعله لدعوى: أن
ظاهر كونه من ماله كون تلفه من ماله، بمعنى كون دركه عليه، فيوهم
ضمانه بالمثل والقيمة.
ومما ذكرنا - من أن معنى الضمان هنا يرجع إلى انفساخ العقد
بالتلف وتلف المبيع في ملك البائع ويسمى " ضمان المعاوضة " لا ضمانه
عليه مع تلفه من المشتري، كما في المغصوب والمستام وغيرهما ويسمى

(1) التحرير 1: 230.
(2) التذكرة 1: 562، وفيه: " ويتجدد انتقال الملك إلى البائع قبل الهلاك بجزء
لا يتجزى من الزمان ".
(3) مثل المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 403، والشهيد الثاني في المسالك 3:
216، والمحدث البحراني في الحدائق 19: 76، والسيد الطباطبائي في الرياض
8: 208.
(4) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 596.
271

" ضمان اليد " -
يعلم أن الضمان فيما نحن فيه حكم شرعي لا حق مالي،
فلا يقبل الإسقاط، ولذا لو أبرأه المشتري من الضمان لم يسقط، كما نص
عليه في التذكرة (1) والدروس (2). وليس الوجه في ذلك: أنه " إسقاط ما
لم يجب "، كما قد يتخيل.
ويدل على الحكم المذكور أيضا رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد
الله عليه السلام: " في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه، غير أنه ترك
المتاع عنده ولم يقبضه، فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال: من
مال صاحب المتاع [الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع] (3) ويخرجه
من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه
ماله " (4) ولعل الرواية أظهر دلالة على الانفساخ قبل التلف من النبوي.
وكيف كان، فلا خلاف في المسألة، أعني بطلان البيع عند التلف
لا من أصله، لأن تقدير مالية البائع قبل التلف مخالف لأصالة بقاء
العقد، وإنما احتيج إليه لتصحيح ما في النص: من الحكم بكون التالف
من مال البائع، فيرتكب بقدر الضرورة.
ويترتب على ذلك كون النماء قبل التلف للمشتري.
وفي معناه الركاز الذي يجده العبد، وما وهب منه فقبل (5)، أو

(1) التذكرة 1: 473.
(2) الدروس 3: 212.
(3) لم يرد في " ق ".
(4) الوسائل 12: 358، الباب 10 من أبواب الخيار، وفيه حديث واحد.
(5) في " ش ": " فقبله وقبضه ".
272

أوصي له به فقبل (1)، كما صرح به في المبسوط والتذكرة (2). وصرح
العلامة: بأن مؤونة تجهيزه لو كان مملوكا على البائع (3)، وهو مبني على
ثبوت الملك التحقيقي قبل التلف، لا مجرد تقدير الملك الذي لا بد فيه
من الاقتصار على الحكم الثابت المحوج إلى ذلك التقدير، دون ما عداه
من باقي آثار المقدر [إلا أن يقال: بأن التلف من البائع يدل التزاما
على الفسخ الحقيقي] (4).
ثم إنه يلحق بالتلف تعذر الوصول إليه عادة، مثل سرقته على
وجه لا يرجى عوده، وعليه تحمل رواية عقبة المتقدمة (5).
قال في التذكرة: ووقوع الدرة في البحر قبل القبض كالتلف، وكذا
انفلات الطير والصيد المتوحش. ولو غرق البحر الأرض المبيعة أو وقع
عليها صخور عظيمة من جبل أو كساها رمل، فهي بمثابة التلف، أو
يثبت به الخيار؟ للشافعية وجهان: أقواهما الثاني. ولو أبق العبد قبل
القبض أو ضاع في انتهاب العسكر لم ينفسخ البيع، لبقاء المالية ورجاء
العود (6)، انتهى.
وفي التذكرة أيضا: لو هرب المشتري قبل وزن الثمن وهو معسر

(1) في " ش ": " فقبله ".
(2) المبسوط 2: 124، والتذكرة 1: 562.
(3) التذكرة 1: 474.
(4) لم يرد في " ق ".
(5) في الصفحة 272.
(6) التذكرة 1: 562، وفيه: " أقربهما الثاني ".
273

مع عدم الإقباض احتمل أن يملك البائع الفسخ في الحال لتعذر استيفاء
الثمن، والصبر ثلاثة أيام للرواية. والأول أقوى، لورودها في الباذل.
وإن كان موسرا أثبت البائع ذلك عند الحاكم، ثم إن وجد له مالا
قضاه وإلا باع المبيع وقضى منه، والفاضل للمشتري والمعوز عليه (1)،
انتهى.
وفي غير موضع مما ذكره تأمل.
ثم إن ظاهر كثير من الأصحاب: أنه لا يعتبر في القبض المسقط
لضمان البائع (2) وقوعه صحيحا جامعا لما يعتبر فيه، فلو وقع بغير إذن
ذي اليد كفى في رفع الضمان، كما صرح به في التذكرة (3) والدروس (4)
وغيرهما (5). ولو لم يتحقق الكيل والوزن بناء على اعتبارهما في قبض
المكيل، ففي سقوط الضمان بمجرد نقل المشتري قولان.
قال في التذكرة - في باب بيع الثمار -: إنه لو اشترى [طعاما] (6)
مكايلة فقبض جزافا فهلك في يده، فهو من ضمان المشتري [لحصول
القبض] (7) وإن جعلنا الكيل شرطا فيه فالأقرب أنه من ضمان البائع (8)،
انتهى.

(1) التذكرة 1: 473.
(2) في " ش " بدل " لضمان البائع ": " للضمان ".
(3) التذكرة 1: 562.
(4) الدروس 3: 214.
(5) مثل مجمع الفائدة 8: 513 - 514، والجواهر 23: 152.
(6) من " ش " والمصدر.
(7) من " ش " والمصدر.
(8) التذكرة 1: 508.
274

وقد تقدم عن جامع المقاصد سقوط الضمان هنا بناء على اشتراط
الكيل في القبض (1). ولا يخلو عن قوة.
وهل يكتفى بالتخلية على القول بعدم كونها قبضا في سقوط
الضمان؟ قولان: لا يخلو السقوط من قوة [وإن لم نجعله قبضا] (2).
وكذا الكلام فيما لو وضع المشتري يده عليه ولم ينقله بناء على
اعتبار النقل في القبض.
هذا كله حكم التلف السماوي.
وأما الإتلاف: فإما أن يكون من المشتري، وإما أن يكون من
البائع، وإما أن يكون من الأجنبي.
فإن كان من المشتري، فالظاهر عدم الخلاف في كونه بمنزلة
القبض في سقوط الضمان، لأنه قد ضمن ماله بإتلافه. وحجته الإجماع
لو تم، وإلا فانصراف النص إلى غير هذا التلف، فيبقى تحت القاعدة.
قال في التذكرة: هذا إذا كان المشتري عالما، وإن كان جاهلا،
بأن قدم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فأكله، فهل يجعل قابضا؟
الأقرب أنه لا يصير قابضا، ويكون بمنزلة إتلاف البائع (3). ثم مثل له
بما إذا قدم المغصوب إلى المالك فأكله.
أقول: هذا مع غرور البائع لا بأس به، أما مع عدم الغرور ففي
كونه كالتلف السماوي وجهان.

(1) تقدم في الصفحة 255 - 256.
(2) شطب عليه في " ق ".
(3) التذكرة 1: 562.
275

ولو صال العبد على المشتري فقتله دفعا، ففي التذكرة: أن الأصح
أنه لا يستقر عليه الثمن. وحكي عن بعض الشافعية: الاستقرار، لأنه
قتله في غرض نفسه (1).
ولو أتلفه البائع، ففي انفساخ البيع، كما عن المبسوط والشرائع
والتحرير (2)، لعموم التلف - في النص - لما كان بإتلاف حيوان أو إنسان
أو كان بآفة.
أو ضمان البائع للقيمة، لخروجه عن منصرف دليل الانفساخ
فيدخل تحت قاعدة " إتلاف مال الغير ".
أو التخيير بين مطالبته بالقيمة أو بالثمن، إما لتحقق سبب الانفساخ
وسبب الضمان فيتخير المالك في العمل بأحدهما، وإما لأن التلف على
هذا الوجه إذا خرج عن منصرف دليل الانفساخ لحقه حكم تعذر
تسليم المبيع، فيثبت الخيار للمشتري، لجريان دليل تعذر التسليم هنا.
وهذا هو الأقوى، واختاره في التذكرة (3) والدروس (4) وجامع
المقاصد (5) والمسالك (6) وغيرها (7)، وعن حواشي الشهيد نسبته إلى

(1) التذكرة 1: 562.
(2) المبسوط 2: 117، والشرائع 2: 53، والتحرير 1: 175، وحكاه عنهم في
مفتاح الكرامة 4: 597.
(3) راجع التذكرة 1: 508.
(4) الدروس 3: 212.
(5) جامع المقاصد 4: 404.
(6) المسالك 3: 217 و 361.
(7) مثل مجمع الفائدة 8: 419، والحدائق 19: 76.
276

أصحابنا العراقيين (1).
فإن اختار المشتري القيمة، فهل للبائع حبس القيمة على الثمن؟
وجهان (2)، أقواهما العدم.
ولو قبض المشتري بغير إذن البائع - حيث يكون له الاسترداد -
فأتلفه البائع في يد المشتري، ففي كونه كإتلافه قبل القبض فيكون في
حكم الاسترداد، كما أن إتلاف المشتري في يد البائع بمنزلة القبض، أو
كونه إتلافا له بعد القبض موجبا للقيمة، لدخول المبيع في ضمان
المشتري بالقبض وإن كان ظالما فيه، وجهان. اختار أولهما في
التذكرة (3).
ولو أتلفه أجنبي جاء الوجوه الثلاثة المتقدمة، إلا أن المتعين منها
هو التخيير، لما تقدم، ولولا شبهة الإجماع على عدم تعين القيمة تعين
الرجوع إليها بعد فرض انصراف دليل الانفساخ إلى غير ذلك.

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 597.
(2) في " ش " زيادة ما يلي: " من أنها بدل عن العين، ومن أن دليل الحبس
وهو الانفهام من العقد يختص بالمبدل ".
(3) التذكرة 1: 562.
277

مسألة
تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين في جميع ما ذكر،
كما صرح به في التذكرة (1)، وهو ظاهر عبارة الدروس، حيث ذكر: أن
بالقبض ينتقل الضمان إلى القابض (2)، بل الظاهر أنه مما لا خلاف فيه.
قال في المبسوط: لو اشترى عبدا بثوب وقبض العبد ولم يسلم الثوب،
فباع العبد صح بيعه، وإذا باعه وسلمه ثم تلف الثوب انفسخ البيع
ولزمه قيمة العبد لبائعه، لأنه لا يقدر على رده (3)، انتهى.
وفي باب الصرف من السرائر نظير ذلك (4). وقد ذكر هذه
المسألة أيضا في الشرائع (5) وكتب العلامة (6) والدروس (7) وجامع

(1) التذكرة 1: 474.
(2) الدروس 3: 210 - 211.
(3) المبسوط 2: 124.
(4) راجع السرائر 2: 268.
(5) الشرائع 2: 32.
(6) مثل القواعد 2: 87، والتحرير 1: 176، والتذكرة 1: 474 و 561،
والإرشاد 1: 381.
(7) الدروس 3: 211.
278

المقاصد (1) والمسالك (2) وغيرها (3) - أعني مسألة من باع شيئا معينا بشئ
معين ثم بيع أحدهما ثم تلف الآخر - وحكموا بانفساخ البيع الأول،
وقد صرحوا بنظير ذلك في باب الشفعة أيضا (4).
وبالجملة، فالظاهر عدم الخلاف في المسألة.
ويمكن أن يستظهر من رواية عقبة المتقدمة (5) حيث ذكر في
آخرها: " أن المبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله " بناء على عود
ضمير ال‍ " حق " إلى " البائع " بل ظاهر بعضهم شمول النبوي له بناء
على صدق المبيع على الثمن.
قال في التذكرة: لو أكلت الشاة ثمنها المعين قبل القبض، فإن
كانت في يد المشتري فكإتلافه، وإن كانت في يد البائع فكإتلافه، وإن
كانت في يد أجنبي فكإتلافه، وإن لم تكن في يد أحد انفسخ البيع، لأن
المبيع هلك قبل القبض بأمر لا ينسب إلى آدمي فكان كالسماوية (6)،
انتهى.
ثم إنه هل يلحق العوضان في غير البيع من المعاوضات به في

(1) جامع المقاصد 4: 402.
(2) المسالك 3: 257.
(3) مثل الحدائق 19: 189، والجواهر 23: 182، وراجع مفتاح الكرامة 4:
718.
(4) انظر مفتاح الكرامة 4: 719 و 6: 391، والقواعد 2: 256.
(5) تقدمت في الصفحة 272.
(6) التذكرة 1: 474.
279

هذا الحكم؟ لم أجد أحدا صرح بذلك نفيا أو إثباتا. نعم، ذكروا في
الإجارة (1) والصداق (2) وعوض الخلع (3) ضمانها لو تلف قبل القبض، لكن
ثبوت الحكم عموما مسكوت عنه في كلماتهم.
إلا أنه يظهر من بعض مواضع التذكرة عموم الحكم لجميع
المعاوضات على وجه يظهر كونه من المسلمات. قال في مسألة البيع
قبل القبض وجواز بيع ما انتقل بغير البيع، قال (4): والمال المضمون في
يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة أو بالتفريط - ويسمى ضمان اليد -
يجوز بيعه قبل قبضه، لتمام الملك فيه - إلى أن قال -: أما ما هو
مضمون في يد الغير بعوض في عقد معاوضة، فالوجه جواز بيعه قبل
قبضه ك‍: مال الصلح، والأجرة المعينة (5). وقال الشافعي: لا يصح،
لتوهم الانفساخ بتلفه كالبيع (6)، انتهى.
وظاهر هذا الكلام كونه مسلما بين الخاصة والعامة.

(1) راجع المبسوط 3: 222 - 223 وغيرهما من الصفحات، والشرائع 2: 183،
وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة 7: 91.
(2) المبسوط 4: 276، والشرائع 2: 325، والمسالك 8: 187، والجواهر 31:
39.
(3) المبسوط 4: 355، والشرائع 3: 51، والمسالك 9: 398، والجواهر 33:
31.
(4) العبارة في " ش " هكذا: " قال في مسألة جواز بيع ما انتقل بغير البيع قبل
القبض: والمال... ".
(5) في " ش " والمصدر زيادة: " لما تقدم ".
(6) التذكرة 1: 475.
280

مسألة
لو تلف بعض المبيع قبل قبضه،
فإن كان مما يقسط الثمن عليه
انفسخ البيع فيه فيما يقابله من الثمن، لأن التالف مبيع تلف قبل قبضه،
فإن البيع يتعلق بكل جزء، إذ البيع عرفا ليس إلا التمليك بعوض، وكل
جزء كذلك. نعم، إسناد البيع إلى جزء واحد مقتصرا عليه يوهم انتقاله
بعقد (1) مستقل، [ولذا] (2) لم يطلق على بيع الكل " البيوع المتعددة ".
وكيف كان فلا إشكال ولا خلاف في المسألة.
وإن كان الجزء مما لا يتقسط عليه الثمن كيد العبد، فالأقوى أنه
كالوصف الموجب للتعيب. فإن قلنا بكونه كالحادث قبل العقد، فالمشتري
مخير بين الرد والأرش، وإلا كان له الرد فقط، بل عن الإيضاح: أن
الأرش هنا أظهر، لأن المبيع هو مجموع بدن العبد، وقد نقص بعضه،
بخلاف نقصان الصفة (3). وفيه تأمل.

(1) ظاهر " ق ": " لعقد ".
(2) لم يرد في " ق ".
(3) إيضاح الفوائد 1: 510.
281

بل ظاهر الشرائع عدم الأرش هنا (1) مع قوله به في العيب (2)، فتأمل.
وكيف كان، فالمهم نقل الكلام إلى حكم العيب الحادث قبل القبض.
والظاهر المصرح به في كلام غير واحد: أنه لا خلاف في أن
للمشتري الرد (3).
وأما الخلاف في الأرش، ففي الخلاف عدمه، مدعيا عدم الخلاف
فيه (4)، وهو المحكي عن الحلي (5) وظاهر المحقق وتلميذه كاشف الرموز (6)،
لأصالة لزوم العقد وإنما ثبت الرد لدفع تضرر المشترى به.
وعن النهاية: ثبوته (7)، واختاره العلامة (8) والشهيدان (9) والمحقق

(1) الشرائع 2: 30 و 35 - 36، وتردد في العيب الحادث بعد العقد وقبل
القبض، راجع الشرائع 2: 39.
(2) الشرائع 2: 30 و 35 - 36، وتردد في العيب الحادث بعد العقد وقبل
القبض، راجع الشرائع 2: 39.
(3) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 435، والمحقق السبزواري في الكفاية:
93، والمحدث البحراني في الحدائق 19: 88، والسيد الطباطبائي في الرياض 8:
275، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة 4: 628.
(4) الخلاف 3: 109، المسألة 178 من كتاب البيوع.
(5) السرائر 2: 298.
(6) لم نعثر على هذه الحكاية، أما المحقق فقد تردد في الشرائع 2: 39، وقال في
المختصر: 126: " وفي الأرش قولان، أشبههما الثبوت " نعم قوى في نكت النهاية
عدم الأرش، راجع النهاية ونكتها 2: 162، وأما تلميذه فقد اختار في كشف
الرموز 1: 484 عدم الأرش.
(7) النهاية: 395.
(8) القواعد 2: 78، والتذكرة 1: 524.
(9) غاية المراد 2: 61، وحاشية الشهيد الثاني نفس الموضع، والمسالك 3: 284
و 303.
282

الثاني (1) وغيرهم (2)،
وعن المختلف: نقله عن القاضي والحلبي (3)، وعن
المسالك: أنه المشهور (4).
واستدلوا (5) عليه: بأن الكل مضمون قبل القبض، فكذا أبعاضه وصفاته.
وأورد عليه: بأن معنى ضمان الكل انفساخ العقد ورجوع الثمن
إلى المشتري والمبيع إلى البايع، وهذا المعنى غير متحقق في الوصف،
لأن انعدامه بعد العقد في ملك البائع [لا] (6) يوجب رجوع ما قابله من
عين الثمن، مع أن الأرش لا يتعين كونه من عين الثمن.
ويدفع: بأن وصف الصحة لا يقابل بجزء عين من الثمن،
ولذا يجوز دفع بدله من غير الثمن مع فقده، بل يقابل بالأعم منه
ومما يساويه من غير الثمن (7)، وحينئذ فتلفه على المشتري لا يوجب

(1) جامع المقاصد 4: 356.
(2) مثل الفاضل المقداد في التنقيح 2: 85، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8:
435، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة 4: 628.
(3) المختلف 5: 182، ولم نعثر عليه في المهذب، وراجع الكافي في الفقه: 355.
(4) المسالك 3: 284.
(5) راجع للاستدلال وما يورد عليه الرياض 8: 276 - 277، ومفتاح الكرامة
4: 628، وراجع 329 أيضا.
(6) لم يرد في " ق "، والظاهر سقوطه من قلمه الشريف.
(7) العبارة في " ش " من قوله: " مع أن الأرش - إلى - من غير الثمن " هكذا:
" بل يقابل بالأعم منه ومما يساويه من غير الثمن، لأن الأرش لا يتعين كونه
من عين الثمن، ويدفع: بأن وصف الصحة لا يقابل ابتداء بجزء من عين الثمن،
ولذا يجوز دفع بدله من غير الثمن مع فقده، بل لا يضمن بمال أصلا، لجواز
إمضاء العقد على المعيب بلا شئ ".
283

رجوع (1) جزء من عين الثمن، بخلاف الكل والأجزاء المستقلة في
التقويم، فحاصل معنى الضمان في المقامين هو: تقدير التلف المتعلق
بالعين أو الوصف في ملك البائع (2) وأن العقد من هذه الجهة كأن لم
يكن، ولازم هذا انفساخ العقد رأسا إذا تلف تمام المبيع، وانفساخه
بالنسبة إلى بعض أجزائه إذا تلف البعض، وانفساخ العقد بالنسبة إلى
الوصف بمعنى فواته في ملكه وتقدير العقد كأن لم يكن بالنسبة إلى
حدوث هذا العيب، فكأن العيب حدث قبل العقد والعقد قد وقع على
عين معيبة، فيجري فيه جميع أحكام العيب: من الخيار، وجواز التبري
منه في العقد، وجواز إسقاط الخيار بعده ردا وأرشا.
ويؤيد ما ذكرنا: من اتحاد معنى الضمان بالنسبة إلى ذات المبيع
ووصف صحته، الجمع بينهما في تلف الحيوان في أيام الخيار وتعيبه في
صحيح ابن سنان: " عن الرجل يشتري الدابة أو العبد فيموت أو يحدث
فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ قال: على البائع حتى يمضي الشرط " (3) (4).

(1) في " ش " زيادة: " شئ إلى المشتري، فضلا عن ".
(2) العبارة في " ش " من قوله: " فحاصل معنى الضمان - إلى - في ملك البائع "
هكذا: " فحاصل معنى الضمان إذا انتفى وصف الصحة قبل العقد أو انعدم بعد
العقد وقبل القبض: هو تقدير التلف المتعلق بالعين أو الوصف في ملك البائع في
المقامين ".
(3) الوسائل 12: 352، الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 2.
(4) في " ش " زيادة ما يلي: " فقوله عليه السلام: " على البائع " حكم بالضمان لموت
العبد وحدوث حدث فيه بفوات جزء أو وصف، ومعناه تقدير وقوعه في ملك
البائع ".
284

نعم، قد يشكل الحكم المذكور، لعدم الدليل على ضمان الوصف،
لأن الضمان بهذا المعنى حكم مخالف للأصل يقتصر فيه على محل النص
والإجماع، وهو تلف الكل أو البعض. ولولا الإجماع على جواز الرد
لأشكل الحكم به أيضا، إلا أنه لما استندوا في الرد إلى نفي الضرر
[قالوا:] (1) إن الضرر المتوجه إلى المبيع قبل القبض يجب تداركه على
البائع.
وحينئذ فقد يستوجه ما ذكره العلامة: من أن الحاجة قد تمس
إلى المعاوضة، فيكون في الرد ضرر (2)، وكذلك في الإمساك بغير أرش،
فيوجب التخيير بين الرد والأرش، لنفي الضرر.
لكن فيه: أن تدارك ضرر الصبر على المعيب يتحقق بمجرد الخيار
في الفسخ والإمضاء، كما في سائر موارد الضرر الداعي إلى الحكم
بالخيار.
هذا، ومع ذلك فقول المشهور لا يخلو عن قوة.
هذا كله مع تعيبه بآفة سماوية.
وأما لو تعيب بفعل أحد، فإن كان هو المشتري فلا ضمان بأرشه،
وإلا كان له على الجاني أرش جنايته، لعدم الدليل على الخيار في العيب
المتأخر إلا أن يكون بآفة سماوية. ويحتمل تخيير المشتري بين الفسخ
والإمضاء، مع تضمين الجاني لأرش جنايته بناء على جعل العيب قبل
القبض مطلقا موجبا للخيار، ومع الفسخ يرجع البائع على الأجنبي
بالأرش.

(1) لم يرد في " ق ".
(2) ذكره في المختلف 5: 182.
285

مسألة
الأقوى من حيث الجمع بين الروايات حرمة بيع المكيل والموزون
قبل قبضه إلا تولية، لصحيحة ابن حازم المروية في الفقيه: " إذا
اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه، إلا أن توليه،
فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه " (1).
وصحيحة الحلبي في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " في
الرجل يبتاع الطعام، ثم يبيعه قبل أن يكتاله؟ قال: لا يصلح له
ذلك " (2).
وصحيحته الأخرى في الفقيه، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام:
عن قوم اشتروا بزا، فاشتركوا فيه جميعا، ولم يقتسموا، أيصلح لأحد
منهم بيع بزه قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ قال: لا بأس به، وقال:

(1) الفقيه 3: 206، الحديث 3772، والوسائل 12: 387، الباب 16 من أبواب
العقود، الحديث الأول.
(2) الكافي 5: 178، الحديث 2، والوسائل 12: 388، الباب 16 من أبواب
العقود، الحديث 5.
286

لأن (1) هذا ليس بمنزلة الطعام، لأن الطعام يكال " (2) بناء على أن المراد
ما قبل أن يقبضه من البائع، أما إذا أريد من ذلك عدم قبض حصته
من يد الشركاء فلا يدل على ما نحن فيه، لتحقق القبض بحصوله في يد
أحد الشركاء المأذون عن الباقي.
ورواية معاوية بن وهب، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؟ فقال: ما لم يكن كيل أو وزن
فلا يبعه حتى يكيله أو يزنه، إلا أن يوليه بالذي قام عليه " (3).
وصحيحة منصور في الفقيه، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل اشترى مبيعا ليس فيه كيل ولا وزن، أله أن يبيعه مرابحة قبل
أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يكن كيل أو وزن،
فإن هو قبضه كان أبرأ لنفسه " (4).
وصحيح الحلبي: " في الرجل (5) يبتاع الطعام أيصلح (6) بيعه قبل أن
يقبضه؟ قال: إذا ربح لم يصلح حتى يقبضه وإن كان تولية

(1) في " ش " والمصدر: " إن ".
(2) الفقيه 3: 217، الحديث 3805، والوسائل 12: 389، الباب 16 من أبواب
العقود، الحديث 10.
(3) الوسائل 12: 389، الباب 16 من أبواب العقود، الحديث 11.
(4) الفقيه 3: 217، الحديث 3804، والوسائل 12: 390، الباب 16 من أبواب
العقود، الحديث 18.
(5) من هنا إلى قوله: " وأما إذا لم يرض المسلم إليه... " في الصفحة 311 ساقط
من " ق ".
(6) في " ف " بدل " أيصلح ": " أيصح ".
287

فلا بأس " (1).
وخبر حزام المروي عن مجالس الطوسي، قال: " ابتعت طعاما من
طعام الصدقة، فأربحت فيه قبل أن أقبضه، فأردت بيعه فسألت
النبي صلى الله عليه وآله، فقال: لا تبعه حتى تقبضه " (2).
ومفهوم رواية خالد بن حجاج الكرخي قال: " قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: أشتري الطعام إلى أجل مسمى، فيطلبه التجار مني بعدما
اشتريت قبل أن أقبضه؟ قال: لا بأس أن تبيع إلى أجل، كما
اشتريت (3) " (4) والمراد تأجيل الثمن، وقوله: " كما اشتريت " إشارة إلى
كون البيع تولية فيدل على ثبوت البأس في غير التولية.
ومصححة علي بن جعفر عن أخيه: " عن الرجل يشتري الطعام
أيصلح (5) بيعه قبل أن يقبضه؟ قال: إذا ربح لم يصلح حتى يقبض،
وإن كان تولية فلا بأس " (6) وفي معناها روايته الأخرى (7).

(1) ما ذكره المصنف بعنوان صحيح الحلبي لم نعثر عليه، بل هو تركيب من
روايتين، فقوله: " في الرجل يبتاع الطعام " من صحيحة الحلبي المتقدمة في
الصفحة 286، والباقي من مصححة علي بن جعفر الآتية بعد أسطر.
(2) الأمالي للطوسي: 399، الحديث 891، والوسائل 12: 391، الباب 16 من
أبواب أحكام العقود، الحديث 21.
(3) في " ش " زيادة: " إليه، الخبر ".
(4) الوسائل 12: 391، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 19.
(5) في " ف " بدل " أيصلح ": " أيصح ".
(6) الوسائل 12: 389، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 9.
(7) في " ش ": " رواية أخرى "، وراجع قرب الإسناد: 265، الحديث 1052،
والوسائل 12: 389، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، ذيل الحديث 9.
288

خلافا للمحكي عن الشيخين - في المقنعة (1) والنهاية (2) - والقاضي (3)
والمشهور بين المتأخرين (4)، فالكراهة، لروايات صارفة لظواهر الروايات
المتقدمة إلى الكراهة، مثل ما في الفقيه في ذيل رواية الكرخي
- المتقدمة -: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشتري الطعام من الرجل، ثم
أبيعه من رجل آخر قبل أن أكتاله، فأقول له: ابعث وكيلك حتى
يشهد كيله إذا قبضته؟ قال: لا بأس " (5).
ورواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل
يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه؟ قال: لا بأس، ويوكل الرجل
المشتري من يكيله ويقبضه " (6).
وهذه الروايات مطلقة يمكن حملها على التولية، وهو أولى من
حمل تلك الأخبار على الكراهة، مع أن استثناء التولية حينئذ يوجب

(1) المقنعة: 596.
(2) النهاية: 398.
(3) حكاه العلامة في المختلف 5: 281، وولده في الإيضاح 1: 508،
والشهيد في غاية المراد 2: 137 عن القاضي في الكامل. ولا يوجد الكامل
عندنا.
(4) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 19: 168.
(5) الفقيه 3: 209، ذيل الحديث 3780، والوسائل 12: 388، الباب 16 من
أبواب أحكام العقود، الحديث 3.
(6) آخر الحديث في " ش " والوسائل هكذا: " ويوكل الرجل المشتري منه بقبضه
وكيله، قال: لا بأس "، راجع الوسائل 12: 388، الباب 16 من أبواب أحكام
العقود، الحديث 6.
289

نفي الكراهة فيها، مع أن الظاهر عدم الخلاف في الكراهة فيها أيضا بين
أرباب هذا القول وإن كانت أخف.
ومن ذلك يعلم ما في الاستئناس للجمع بالكراهة بخبر أبي بصير:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى طعاما، ثم باعه قبل أن
يكيله؟ قال: لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه،
إلا أن يوليه [كما اشتراه] (1) فلا بأس أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح
به أو يضع، وما كان عنده من شئ ليس بكيل ولا وزن فلا بأس أن
يبيعه قبل أن يقبضه " (2).
بناء على أن قوله: " لا يعجبني " ظاهر في الكراهة، فإن ذلك
يوجب رفع الكراهة رأسا في التولية، لأنه في قوة: " إن ذلك في
التولية ليس مما لا يعجبني " مع أن القائلين بالكراهة لا يفرقون بين
التولية وغيرها في أصل الكراهة وإن صرح بعضهم بكونها في التولية
أخف (3).
وربما يستدل على الجواز بصحيحتي الحلبي وابن مسلم في جواز
بيع الثمرة المشتراة قبل قبضها (4). لكن لا يبعد إرادة الثمرة على الشجرة،
فيخرج عن المكيل والموزون.

(1) لم يرد في " ف ".
(2) الوسائل 12: 390، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث 16.
(3) صرح به صاحب الجواهر في الجواهر 23: 169.
(4) استدل بهما في الجواهر 23: 166، وراجع الوسائل 13: 13، الباب 7 من
أبواب بيع الثمار، الحديث 2 و 3.
290

وربما يستأنس للجواز بالأخبار الواردة في جواز بيع السلم على
من هو عليه (1) بناء على عدم الفرق بين المسألتين. وفيه تأمل، لعدم
ثبوت ذلك، بل الظاهر أن محل الخلاف هنا هو بيع غير المقبوض على
غير البائع، كما يستفاد من ذكر القائلين بالجواز في تلك المسألة
والقائلين بالتحريم هنا.
وقد جعل العلامة بيع غير المقبوض على بائعه مسألة أخرى
ذكرها بعد مسألتنا وفروعها، وذكر: أن المجوزين في المسألة الأولى
جزموا بالجواز هنا، واختلف المانعون [فيها هنا] (2). ومن العجيب (3)! ما
عن التنقيح: من الإجماع على جواز بيع السلم على من هو عليه (4) مع
إجماع المبسوط على المنع عن بيع السلم قبل القبض، مصرحا بعدم
الفرق بين المسلم إليه وغيره (5).
ثم إن صريح التحرير (6) والدروس (7): الإجماع على الجواز في غير
المكيل والموزون، مع أن المحكي في التذكرة عن بعض علمائنا القول

(1) استأنس بها في الجواهر 23: 166، وراجع الوسائل 12: 374 - 375،
الباب 7 من أبواب أحكام العقود، و 13: 68 - 73، الباب 11 من أبواب
السلف.
(2) لم يرد في " ف "، وراجع التذكرة 1: 475.
(3) في " ش ": " العجب ".
(4) التنقيح الرائع 2: 145.
(5) المبسوط 2: 121.
(6) التحرير 1: 176.
(7) الدروس 3: 211.
291

بالتحريم مطلقا (1)، ونسبه في موضع آخر إلى جماعة منا (2). وصريح
الشيخ في المبسوط اختيار هذا القول، قال في باب السلم: إذا أسلف في
شئ فلا يجوز أن يشرك فيه غيره ولا أن يوليه، لأن النبي صلى الله عليه وآله
نهى عن بيع ما لم يقبض، وقال: " من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى
غيره " (3) إلى أن قال: وبيوع الأعيان مثل ذلك إن لم يكن قبض المبيع،
فلا يصح الشركة ولا التولية، وإن كان قد قبضه صحت الشركة والتولية
فيه بلا خلاف. وقد روى أصحابنا جواز الشركة فيه والتولية قبل
القبض (4).
ثم إن المحكي عن المهذب البارع عدم وجدان العامل بالأخبار
المتقدمة المفصلة بين التولية وغيرها (5). وهو عجيب، فإن التفصيل حكاه
في التذكرة قولا خامسا في المسألة لأقوال علمائنا، وهي الكراهة مطلقا
[والمنع مطلقا] (6) والتفصيل بين المكيل والموزون وغيرهما، والتفصيل بين
الطعام وغيره بالتحريم والعدم (7) - وهو قول الشيخ في المبسوط مدعيا

(1) التذكرة 1: 474.
(2) التذكرة 1: 560.
(3) السنن الكبرى 6: 30، وكنز العمال 6: 241، الحديث 15527 والصفحة
242، الحديث 15529.
(4) المبسوط 2: 187.
(5) المهذب البارع 2: 400 - 401.
(6) لم يرد في " ف ".
(7) التذكرة 1: 474.
292

عليه الإجماع (1) - وبالكراهة والعدم.
وهنا سادس اختاره في التحرير (2) وهو: التفصيل في خصوص الطعام
بين التولية وغيرها بالتحريم والكراهة في غيره من المكيل والموزون.
والمراد بالطعام يحتمل أن يكون مطلق ما أعد للأكل، كما قيل:
إنه موضوع له (3) لغة (4).
ويحتمل أن يكون خصوص الحنطة والشعير، بل قيل: إنه معناه
شرعا (5)، وحكي عن فخر الدين نقله عن والده (6)، وحكي اختياره عن
بعض المتأخرين (7).
وعن الشهيد: أنه حكى عن التحرير أنه الحنطة خاصة (8)،
وحكي عن بعض أهل اللغة (9).

(1) المبسوط 2: 119 - 120.
(2) التحرير 1: 176.
(3) في " ف ": " موضوعه ".
(4) قاله الشهيد الثاني في المسالك 3: 248، والمحدث البحراني في الحدائق 19:
179.
(5) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 476.
(6) الموجود في المصادر المتوفرة لدينا نقله عن فخر الدين نفسه، ولم نعثر على
نقله عن والده راجع جامع المقاصد 4: 398، والمسالك 3: 248، ومفتاح
الكرامة 4: 476.
(7) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 476.
(8) حكاه أيضا السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 476.
(9) حكاه أيضا في مفتاح الكرامة 4: 476، وراجع الصحاح 5: 1974 مادة
" طعم "، ومجمع البحرين 6: 105 نفس المادة، وفيهما: " وربما خص بالبر ".
293

ثم إن الظاهر أن أصل عنوان المسألة مختص بالمبيع الشخصي، كما
يظهر من الاستدلال في التذكرة للمانعين بضعف الملك قبل القبض،
لانفساخه بالتلف وكون المبيع مضمونا على البائع، فولاية المشتري على
التصرف ضعيفة (1).
وذكر في التذكرة الكلي الغير المقبوض في فروع المسألة، وقال:
المبيع إن كان دينا لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين، لأن المبيع مع
تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه، فمع عدمه أولى، فلا يجوز بيع السلم
قبل قبضه، ولا الاستبدال به، وبه قال الشافعي (2)، انتهى.
وكيف كان، فلا فرق في النص والفتوى بناء على المنع بين المبيع
المعين والكلي، بل ولا بناء على الجواز.
ثم إن ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة المانعة بطلان البيع قبل القبض،
وهو المحكي عن صريح العماني (3)، بل هو ظاهر كل من عبر بعدم
الجواز (4) الذي هو معقد إجماع المبسوط في خصوص الطعام (5)، فإن
جواز البيع وعدمه ظاهران في الحكم الوضعي. إلا أن المحكي عن
المختلف: أنه لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع (6). لكن صريحه في

(1) التذكرة 1: 474.
(2) التذكرة 1: 474 - 475.
(3) حكاه عنه العلامة في المختلف 5: 281.
(4) مثل الصدوق في المقنع: 367، والقاضي في المهذب 1: 385، والطوسي في
الوسيلة: 252.
(5) المبسوط 2: 119.
(6) المختلف 5: 282.
294

مواضع من التذكرة (1) وفي القواعد: أن محل الخلاف الصحة والبطلان (2).
وبالجملة، فلا ينبغي الإشكال في أن محل الخلاف في كلمات
الأصحاب (3) هو الحكم الوضعي.
وينبغي التنبيه على أمور:
الأول
أن ظاهر جماعة عدم لحوق الثمن بالمبيع في هذا الحكم، فيصح
بيعه قبل قبضه.
قال في المبسوط: أما الثمن إذا كان معينا فإنه يجوز بيعه قبل
قبضه، وإن كان في الذمة فكذلك يجوز، لأنه لا مانع منه ما لم يكن
صرفا، فأما إذا كان صرفا لا يجوز بيعه قبل القبض (4).
وفي موضعين من التذكرة قوى الجواز إذا كان الثمن كليا في
الذمة (5). وهو ظاهر جامع المقاصد في شرح قول المصنف قدس سره: ولو
أحال من له طعام من سلم... الخ (6).

(1) منها ما قاله في التذكرة 1: 561: " مسألة: قد تقدم الخلاف في أن بيع
المبيع قبل القبض هل يصح أم لا... ".
(2) راجع القواعد 2: 87، وفيه: " وعلى التحريم يبطل ".
(3) في " ش ": " كلمات الأكثر ".
(4) المبسوط 2: 120.
(5) التذكرة 1: 475 و 563.
(6) جامع المقاصد 4: 399.
295

واستدل عليه في التذكرة بقول الصادق عليه السلام - وقد سئل عن
الرجل باع طعاما بدراهم إلى أجل، فلما بلغ الأجل تقاضاه، فقال:
ليس عندي دراهم خذ مني طعاما - قال: " لا بأس إنما له دراهمه
يأخذ بها ما شاء " (1).
ويمكن أن يقال: إن المطلوب جعل الثمن مبيعا في العقد الثاني،
لا ثمنا أيضا كما هو ظاهر الرواية، مع اختصاصها بالبيع ممن هو عليه،
فلا يعم إلا بعدم الفصل لو ثبت. وصرح في أواخر باب السلم بإلحاق
الثمن المعين بالمبيع (2). ويؤيده تعليل المنع في طرف المبيع بقصور ولاية
المشتري لانفساخ العقد بتلفه (3) فإنه جار في الثمن المعين.
الثاني
هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال فلا يجوز جعله ثمنا
ولا عوضا في الصلح ولا أجرة ولا وفاء عما عليه، أم يختص بالبيع؟
ظاهر عنواناتهم الاختصاص بالبيع (4). وأظهر منها في الاختصاص قوله
في التذكرة: الأقرب عندي أن النهي به متعلق بالبيع لا بغيره من
المعاوضات (5). وأظهر من الكل قوله في موضع آخر: لو كان لزيد عند

(1) الوسائل 13: 71، الباب 11 من أبواب السلف، الحديث 10.
(2) التذكرة 1: 560.
(3) راجع التذكرة 1: 474.
(4) في " ف ": " بالمبيع ".
(5) التذكرة 1: 475.
296

عمرو طعام من سلم، فقال لزيد: خذ هذه الدراهم عن الطعام الذي
لك عندي، لم يجز عند الشافعي، لأنه بيع المسلم فيه قبل القبض،
والأولى عندي الجواز، وليس هذا بيعا وإنما هو نوع معاوضة (1)، انتهى.
وأصرح من الكل تصريحه في موضع ثالث بجواز الصلح عن المسلم فيه
قبل القبض، لأنه عقد مستقل لا يجب مساواته للبيع في أحكامه (2).
وقد صرح جامع المقاصد أيضا في غير موضع باختصاص الحكم
بالبيع دون غيره (3). وقد تقدم في كلامه: أنه لا يجوز بيع السلم قبل
قبضه، ولا الاستبدال به (4).
لكن العلامة قد عبر بلفظ " الاستبدال " في كثير من فروع مسألة
البيع قبل القبض (5)، مع أن ما استدل به للمانعين: من قصور ولاية
المشتري في التصرف لانفساخ العقد بالتلف (6)، جار في مطلق التصرف
فضلا عن المعاوضة.
وقد صرح الشيخ في المبسوط في باب الحوالة: بأنها معاوضة،
والمعاوضة على المسلم فيه قبل القبض غير جائز [ة] (7) (8). وهو وإن

(1) التذكرة 1: 560.
(2) التذكرة 1: 559.
(3) لم نعثر على تصريحه بذلك، نعم يظهر منه ذلك، راجع جامع المقاصد 4: 399 - 401.
(4) لم نعثر عليه فيما تقدم من كلامه، ولم نعثر عليه في جامع المقاصد، نعم تقدم
في كلام العلامة المتقدم في الصفحة 294.
(5) راجع التذكرة 1: 475.
(6) استدل به في التذكرة 1: 474، وتقدم في الصفحة السابقة أيضا.
(7) الزيادة منا.
(8) المبسوط 2: 313.
297

رجع عن الصغرى فيما بعد ذلك (1)، لكنه لم يرجع عن الكبرى.
وصرح في الإيضاح بابتناء الفرع الآتي - أعني إحالة من عليه
طعام لغريمه على من له عليه طعام - على أن الحوالة معاوضة (2) أو
استيفاء، وأن المعاوضة قبل القبض حرام أو مكروه (3).
وإرادة خصوص البيع من المعاوضة ليست بأولى من إرادة مطلق
المعاوضة من البيع في قولهم: " إن الحوالة بيع أو ليست بيعا " بل هذه
أظهر في كلماتهم، وقد صرح الأكثر: بأن تراضي المسلم والمسلم إليه
على قيمة المسلم فيه من بيع الطعام قبل القبض (4)، فاستدلوا بأخباره (5)
على جوازه.
ويؤيده أيضا قوله في التذكرة: لو كان لزيد طعام على عمرو
سلما، ولخالد مثله على زيد، فقال زيد: " اذهب إلى عمرو واقبض
لنفسك مالي عليه " لم يصح لخالد عند أكثر علمائنا، وبه قال الشافعي
وأحمد، لأن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الطعام بالطعام حتى يجري فيه
صاعان: صاع البائع وصاع المشتري (6).

(1) راجع المبسوط 2: 317 وفيه: " ويقوى في نفسي أنها ليست ببيع ".
(2) في " ش " زيادة: " مستقلة ".
(3) إيضاح الفوائد 1: 508.
(4) منهم المحدث البحراني في الحدائق 20: 44، والجواهر 24: 321.
(5) راجع الوسائل 12: 387، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، و 13: 68،
الباب 11 من أبواب السلف.
(6) التذكرة 1: 473، وراجع الحديث في السنن الكبرى 5: 316.
298

وسيأتي ابتناء هذا الفرع في كلام جماعة على مسألة البيع قبل
القبض (1).
نعم، ذكر الشهيد: أنه كالبيع قبل القبض، وصرح بابتناء الحكم
فيما لو قال للمسلم: " اشتر لي بهذه الدراهم طعاما واقبضه لنفسك "
على حكم البيع قبل القبض (2).
وكيف كان، فالمسألة محل إشكال من حيث اضطراب كلماتهم، إلا
أن الاقتصار في مخالفة الأصل على المتيقن هو المتعين.
ومنه يظهر جواز بيع ما انتقل بغير البيع من المعاوضات كالصلح
والإجارة والخلع - كما صرح به في الدروس (3) - فضلا عن مثل الإرث
والقرض ومال الكتابة والصداق وغيرها. نعم، لو ورث ما اشترى ولم
يقبض أو أصدقه أو عوض عن الخلع جرى الخلاف في بيعه.
الثالث
هل المراد من البيع المنهي إيقاع عقد البيع على ما لم يقبض، أو
ما يعم تشخيص الكلي المبيع به؟ فيكون المنهي عنه نقل ما لم يقبض
بسبب خاص هو البيع، كما لو نهي عن بيع أم الولد، أو حلف على أن
لا يبيع مملوكه، حيث لا فرق بين إيقاع البيع عليه أو دفعه عن الكلي
المبيع.

(1) راجع الصفحة 301 وما بعدها.
(2) الدروس 3: 211.
(3) الدروس 3: 211.
299

ظاهر النص والفتوى وإن كان هو الأول، بل هو المتعين في
الأخبار المفصلة بين التولية وغيرها (1). إلا أن المعنى الثاني لا يبعد عن
سياق مجموع الأخبار.
وعليه، فلو كان عليه سلم لصاحبه، فدفع إليه دراهم وقال:
" اشتر لي بها طعاما واقبضه لنفسك " جرى فيه الخلاف في بيع ما لم
يقبض، كما صرح به في الدروس (2). ولكن في بعض الروايات دلالة على
الجواز، مثل صحيحة يعقوب بن شعيب قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يكون له على الآخر أحمال من رطب أو تمر فيبعث إليه
بدنانير، فيقول: اشتر بهذه واستوف منه الذي لك، قال: لا بأس إذا
ائتمنه " (3).
لكن في صحيحة الحلبي قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل أسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث إلي بدراهم،
فقال: اشتر لنفسك طعاما واستوف حقك، قال: أرى أن يولي ذلك
غيرك وتقوم معه حتى تقبض الذي لك، ولا تتولى أنت شراءه " (4).
وفي موثقة عبد الرحمن: " يكون معه غيره يوفيه ذلك " (5).

(1) راجع الوسائل 12: 387، الباب 16 من أبواب أحكام العقود.
(2) الدروس 3: 211.
(3) التهذيب 7: 42، الحديث 180، والوسائل 13: 73، الباب 12 من أبواب
السلف ذيل الحديث الأول، والسائل - كما نقله الشيخ في التهذيب - هو يعقوب
ابن شعيب، وظاهر الوسائل يوهم أن السائل هو الحلبي.
(4) الوسائل 13: 73، الباب 12 من أبواب السلف، الحديث الأول.
(5) الوسائل 13: 74، الباب 12 من أبواب السلف، الحديث 2.
300

لكن ظاهر الخبرين كراهة مباشرة الشراء من جهة كونه في
معرض التهمة، والمطلوب صحة الشراء وعدم جواز الاستيفاء.
ثم إن هذا كله إذا كان الطعام المشترى شخصيا.
وأما إذا وكله في شراء الكلي فلا يجري فيه ذلك، لأن تشخيص
ما باعه سلما في الطعام الكلي المشترى موقوف على قبضه ثم إقباضه،
وبدون ذلك لا يمكن الإيفاء إلا بالحوالة أو التوكيل، فتدخل المسألة فيما
ذكره في الشرائع (1) وغيرها (2) - تبعا للمبسوط (3) بل نسب إلى المشهور (4) -:
من أنه لو كان له على غيره طعام من سلم وعليه مثل ذلك، فأمر
غريمه أن يكتال لنفسه من الآخر، فإنه يكره أو يحرم على الخلاف.
وقد علل ذلك في الشرائع: بأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن
يقبضه صاحبه (5).
وذكر المسألة في القواعد بعنوان الحوالة، قال: لو أحال من عليه
طعام من سلم بقبضه على من له عليه مثله من سلم، فالأقوى
الكراهة، وعلى التحريم يبطل، لأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن
يقبضه صاحبه (6).

(1) الشرائع 2: 31.
(2) مفتاح الكرامة 4: 714، والجواهر 23: 170.
(3) المبسوط 2: 122.
(4) الحدائق 19: 180.
(5) الشرائع 2: 31.
(6) القواعد 2: 86 - 87.
301

وبنى في الإيضاح جريان الخلاف في المسألة على أن الحوالة
معاوضة أو استيفاء، وأن المعاوضة على مال السلم قبل القبض حرام أو
مكروه (1).
وأنكر جماعة ممن تأخر عن العلامة (2) كون هذه المسألة من محل
الخلاف في بيع ما لم يقبض، بناء على أن الحوالة ليست معاوضة فضلا
عن كونها بيعا، بل هي استيفاء.
أقول: ذلك إما وكالة وإما حوالة، وعلى كل تقدير يمكن تعميم
محل الخلاف لمطلق المعاوضة ويكون البيع كناية عنها، ولذا نسب فيما
عرفت من عبارة التذكرة المنع في هذه المسألة إلى أكثر علمائنا وجماعة
من العامة محتجين بالنبوي المانع عن بيع ما لم يقبض (3)، واستند
الشيخ رحمه الله أيضا في المنع إلى الإجماع على عدم جواز بيع ما لم
يقبض (4).
وقد عرفت ما ذكره الشيخ في باب الحوالة (5). ولعله لذا قال
الشهيد في الدروس في حكم المسألة: إنه كالبيع قبل القبض (6).

(1) الإيضاح 1: 508.
(2) مثل المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 399، والشهيد الثاني في المسالك 3:
250، والمحقق السبزواري في الكفاية: 96، وصاحب الجواهر في الجواهر 23:
170.
(3) راجع الصفحة 298.
(4) المبسوط 2: 122، وراجع الصفحة 119 أيضا.
(5) راجع الصفحة 297.
(6) الدروس 3: 211.
302

لكنه رحمه الله تعرض في بعض تحقيقاته لتوجيه إدراج المسألة في البيع: بأن
مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة في الذمة منطبقة على أفراد
لا نهاية لها، فأي فرد عينه المسلم إليه تشخص بذلك الفرد وانصب
العقد عليه، فكأنه لما قال الغريم: " اكتل من غريمي فلان " قد جعل
عقد السلم معه واردا على ما في ذمة المستلف منه (1) ولما يقبضه بعد،
ولا ريب أنه مملوك له بالبيع، فإذا جعل موردا للسلم الذي هو بيع
يكون بيعا للطعام قبل قبضه، فيتحقق الشرطان ويلحق بالباب، وهذا
من لطائف الفقه (2)، انتهى.
واعترضه في المسالك: بأن مورد السلم ونظائره (3) - من الحقوق
الثابتة في الذمة - لما كان أمرا كليا كان البيع المتحقق به هو الأمر
الكلي، وما يتعين لذلك من الأعيان الشخصية بالحوالة وغيرها ليس هو
نفس المبيع وإن كان الأمر الكلي إنما يتحقق في ضمن الأفراد الخاصة،
فإنها ليست عينه، ومن ثم لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا يرجع
الحق إلى الذمة، والمبيع المعين ليس كذلك، وحينئذ فانصباب العقد على
ما قبض وكونه حينئذ مبيعا غير واضح، فالقول بالتحريم به عند القائل
به في غيره غير متوجه (4)، انتهى.
أقول: ما ذكره من منع تشخيص المبيع في ضمن الفرد الخاص

(1) في " ش ": " المسلف منه ".
(2) نقله عنه الشهيد الثاني في المسالك 3: 250.
(3) في " ف " بدل " نظائره ": " غيره ".
(4) المسالك 3: 251.
303

المدفوع وإن كان حقا من حيث عدم انصباب العقد عليه، إلا أنه
يصدق عليه انتقاله إلى المشتري بعقد البيع، فإذا نهى الشارع عن بيع
ما لم يقبض نظير نهيه عن بيع أم الولد وعن بيع ما حلف على ترك
بيعه، فإنه لا فرق بين إيقاع العقد عليه وبين دفعه عن الكلي المبيع.
لكن يرد على ما ذكره الشهيد عدم تشخص الكلي بالكلي إلا
بالحوالة الراجعة إلى الاستيفاء أو المعاوضة، وهذا لا يسوغ إطلاق البيع
على الكلي المتشخص به بحيث يصدق أنه انتقل إلى المحال بناقل البيع.
نعم، هذا التوجيه إنما يستقيم في الفرع المتقدم (1) عن الدروس
وهو: ما إذا أمره بقبض الطعام الشخصي الذي اشتراه للمشتري، فإن
مجرد قبضه بإذن البائع مشخص للكلي المبيع في ضمنه، فيصدق أنه
انتقل بالبيع قبل أن يقبض.
ويمكن أن يقال: إن تشخيص الكلي المبيع في الكلي المشترى يكفي
فيه إذن البائع في قبض بعض أفراد الكلي المشترى من دون حاجة إلى
حوالة، فإذا وقع فرد منه في يد المشتري صدق أنه انتقل بالبيع قبل
القبض.
وكيف كان، فالأظهر في وجه إدخال هذه المسألة في محل الخلاف
تعميم مورد الخلاف لمطلق الاستبدال حتى المتحقق بالحوالة وإن لم نقل
بكونها بيعا. والمسألة تحتاج إلى فضل تتبع، والله الموفق.
واستدل في الحدائق (2) على الجواز بما عن المشايخ الثلاثة بطريق

(1) تقدم في الصفحة 299.
(2) الحدائق 19: 181.
304

صحيح وموثق عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: " سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل عليه كر من طعام، فاشترى كرا من رجل آخر،
فقال للرجل: انطلق فاستوف كرك، قال: لا بأس به " (1).
وفيه: أنه لا دلالة لها على محل الكلام، لأن الكلام فيما إذا كان
المالان سلمين، ومورد الرواية إعطاء ما اشترى به قبل قبضه وفاء عن
دين لم يعلم أنه سلم أو قرض أو غيرهما. وقد استدل به في التذكرة
على جواز إيفاء القرض بمال السلم (2)، ولذا قال جامع المقاصد في شرح
قوله رحمه الله: " ولو أحال من له عليه طعام من سلم بقبضه على من عليه
مثله من سلم... الخ " فإن قلت: لم اعتبر كون المالين معا سلمين؟
قلت: لأن المنع إنما هو من بيع ما لم يقبض، وإذا كان أحد المالين
سلما دون الآخر لم يتعين لكونه مبيعا، لإمكان اعتباره ثمنا، إذ
لا معين (3) لأحدهما (4)، انتهى.
ويمكن أن يقال: إن ظاهر الحوالة بناء على كونها معاوضة كون
المحيل مملكا ماله في ذمة غريمه بإزاء ما لغريمه عليه، فماله معوض ومال
غريمه عوض، فإذا كان ما له على غريمه سلما كفى في المنع عن تمليكه

(1) الكافي 5: 179، الحديث 5، والفقيه 3: 206، الحديث 3773، والتهذيب
7: 37، الحديث 156، والوسائل 12: 387، الباب 16 من أبواب أحكام
العقود، الحديث 2.
(2) التذكرة 1: 560.
(3) العبارة في " ف " هكذا: " لاحتمال كونه ثمنا، إذ لا يتعين ".
(4) جامع المقاصد 4: 399.
305

بإزاء ما لغريمه عليه، لأنه من بيع ما لم يقبض، وحينئذ فيتم الاستدلال
بالرواية. نعم، لو كان ما عليه سلما دون ما له أمكن خروجه عن
المسألة، لأن الظاهر هنا كون المسلم ثمنا وعوضا. وإلى هذا ينظر
بقوله (1) في القواعد والتحرير - تبعا للشرائع (2) -: ولو كان المالان أو
المحال به قرضا صح (3).
ولا وجه لاعتراض جامع المقاصد عليه: بأنه لا وجه لتخصيص
المحال به بالذكر مع أن العكس كذلك، واستحسان تعبير الدروس بلفظ
" أحدهما " (4). ثم قال: وليس له أن يقول: إن المحال به شبيه بالمبيع من
حيث تخيل كونه (5) مقابلا بالآخر، إذ ربما يقال: إن شبهه بالثمن أظهر،
لاقترانه بالباء. وكل ذلك ضعيف (6)، انتهى.
وفيه ما لا يخفى، فإن الباء هنا ليس للعوض، وظهور الحوالة في
كون إنشاء التمليك من المحيل لا ينكر. واحتمال كونه متملكا مال غريمه
بمال نفسه - كما في المشتري المقدم لقبوله على الإيجاب - بعيد. ويدل
على هذا أيضا قولهم: إن الحوالة بيع (7)، فإن ظاهره كون المحيل بائعا.

(1) في " ف ": " قوله ".
(2) الشرائع 2: 32.
(3) القواعد 2: 87، والتحرير 1: 176.
(4) الدروس 3: 211.
(5) في " ف " بدل " من حيث تخيل كونه ": " من حيث إنه يجعل ".
(6) جامع المقاصد 4: 401.
(7) راجع المبسوط 2: 316 و 318، والتذكرة 1: 475 و 560 و 563، وجامع
المقاصد 5: 359 و 367.
306

ثم إن المفروض في المسألة المذكورة ما لو أذن المحيل للمحال
عليه (1) في اكتياله لنفسه، بأن يأتي بلفظ الإحالة - كما في عبارة
القواعد (2) - أو يقول له: " اكتل لنفسك " كما في عبارتي المبسوط
والشرائع (3).
أما لو وكله في القبض عن الآذن ثم القبض لنفسه فيكون
قابضا مقبضا، فيبنى (4) على جواز تولي طرفي القبض، والأقرب صحته،
لعدم المانع.
الرابع
ذكر جماعة (5): أنه لو دفع إلى من له عليه طعام دراهم وقال:
" اشتر بها لنفسك طعاما " لم يصح، لأن مال الغير يمتنع شراء شئ به
لنفسه. ووجهه: أن قضية المعاوضة انتقال كل عوض إلى ملك من
خرج عن ملكه العوض الآخر، فلو انتقل إلى غيره لم يكن عوضا.
ويمكن نقض هذا بالعوض المأخوذ بالمعاطاة على القول بإفادتها
للإباحة، فإنه يجوز أن يشتري به شيئا لنفسه، على ما في المسالك: من

(1) في " ش ": " أذن المحيل المحال ".
(2) القواعد 2: 86.
(3) المبسوط 2: 121، والشرائع 2: 31.
(4) في " ش ": " مبني "، وفي نسخة بدله ما أثبتناه.
(5) مثل الشيخ في المبسوط 2: 121، والقاضي في المهذب 1: 387، والمحقق في
الشرائع 2: 32، وغيرهم، راجع مفتاح الكرامة 4: 715.
307

جواز جميع التصرفات بإجماع القائلين بصحة المعاطاة (1).
وأيضا فقد ذكر جماعة - منهم العلامة في المختلف (2) وقطب الدين
والشهيد على ما حكي عنهما (3) -: أن مال الغير المنتقل عنه بإزاء ما
اشتراه عالما بكونه مغصوبا باق على ملكه، ويجوز لبائع ذلك المغصوب
التصرف فيه بأن يشتري به شيئا لنفسه ويملكه بمجرد الشراء.
قال في المختلف - بعدما نقل عن الشيخ في النهاية: أنه لو غصب
مالا واشترى به جارية كان الفرج له حلالا، وبعدما نقل مذهب الشيخ
في ذلك في غير النهاية ومذهب الحلي -: إن كلام النهاية يحتمل أمرين:
أحدهما: اشتراء الجارية في الذمة، كما ذكره في غير النهاية.
الثاني: أن يكون البائع عالما بغصب المال، فإن المشتري حينئذ
يستبيح وطء الجارية وعليه وزر المال (4)، انتهى.
وقد تقدم (5) في فروع بيع الفضولي وفي فروع المعاطاة نقل كلام
القطب والشهيد وغيرهما.
ويمكن توجيه ما ذكر في المعاطاة بدخول المال آنا ما قبل

(1) راجع المسالك 3: 149، ولم نعثر فيه على الإجماع، نعم فيه: " من أجاز
المعاطاة سوغ أنواع التصرفات ".
(2) ستأتي عبارته.
(3) حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 192.
(4) المختلف 5: 258 - 259، وراجع النهاية: 404، والمسائل الحائريات
(الرسائل العشر) 287 - 288، والسرائر 2: 329.
(5) في الجزء الثالث: 89، 387 و 472.
308

التصرف في ملك المتصرف، كما يلزمهم القول بذلك في وطء الجارية
المأخوذة بالمعاطاة. وتوجيه الثاني: بأنه في معنى تمليك ماله مجانا بغير
عوض.
وكيف كان، فالمعاوضة لا تعقل بدون قيام كل عوض مقام
معوضه، وإذا ثبت على غير ذلك فلا بد من توجيهه، إما بانتقال أحد
العوضين إلى غير مالكه قبل المعاوضة، وإما بانتقال العوض الآخر إليه
بعدها.
ومن هنا يمكن أن يحمل قوله فيما نحن فيه: " اشتر بدراهمي
طعاما لنفسك " على إرادة كون اللام لمطلق النفع لا للتمليك، بمعنى:
اشتر في ملكي وخذه لنفسك، كما ورد في مورد بعض الأخبار السابقة:
" اشتر لنفسك طعاما واستوف حقك " (1).
ويمكن أن يقال: إنه إذا اشترى لنفسه بمال الغير وقع البيع فضولا
- كما لو باع الغير لنفسه - فإذا قبضه فأجاز المالك الشراء والقبض تعين
له، وحيث كان استمراره بيد المشتري قبضا فقد قبض ماله على مالك
الطعام، فافهم.

(1) تقدم في صحيحة الحلبي المتقدمة في الصفحة 300.
309

مسألة
لو كان له طعام على غيره فطالبه به في غير مكان حدوثه في
ذمته، فهنا مسائل ثلاث:
أحدها:
أن يكون المال سلما بأن أسلفه طعاما في العراق وطالبه بالمدينة
مع عدم اشتراط تسليمه بالمدينة، فلا إشكال في عدم وجوب أدائه في
ذلك البلد. وأولى بعدم الوجوب ما لو طالبه بقيمة ذلك البلد.
ولو طالبه في ذلك البلد بقيمته في بلد وجوب التسليم وتراضيا
على ذلك، قال الشيخ: لم يجز، لأنه بيع الطعام قبل قبضه (1). وهو
حسن بناء على إرادة بيع ما في ذمته بالقيمة، أو إرادة مطلق الاستبدال
من البيع المنهي عنه. أما لو جعلنا النهي (2) عن خصوص البيع ولم
يحتمل التراضي على خصوص كون القيمة ثمنا، بل احتمل كونه مثمنا
والسلم ثمنا، فلا وجه للتحريم. لكن الإنصاف: ظهور عنوان القيمة

(1) المبسوط 2: 121.
(2) في " ش ": " المنهي عنه ".
310

- خصوصا إذا كان من النقدين - في الثمنية، فيبنى الحكم على انصراف
التراضي المذكور إلى البيع أو القول بتحريم مطلق الاستبدال.
وأما إذا لم يرض المسلم إليه، ففي جواز إجباره على ذلك قولان،
المشهور - كما قيل - العدم (1)، لأن الواجب في ذمته هو الطعام لا القيمة.
وعن جماعة - منهم العلامة في التذكرة - الجواز (2)، لأن الطعام
الذي يلزمه دفعه معدوم، فكان كما لو عدم الطعام في بلد يلزمه التسليم
فيه.
وتوضيحه: أن الطعام قد حل والتقصير من المسلم إليه، حيث إنه
لو كان في ذلك البلد أمكنه أداء الواجب بتسليم المال إلى المشتري إن
حضر، وإلا دفعه إلى وليه ولو الحاكم أو عزله.
وكيف كان فتعذر البراءة مستند إلى غيبته، فللغريم مطالبة قيمة
بلد الاستحقاق حينئذ. وقد يتوهم أنه يلزم من ذلك جواز مطالبة
الطعام وإن كان أزيد قيمة، كما سيجئ القول بذلك في القرض.
ولو كان الطعام في بلد المطالبة مساويا في القيمة لبلد الاستحقاق،
فالظاهر وجوب الطعام عليه، لعدم تعذر الحق، والمفروض عدم سقوط
المطالبة بالغيبة عن بلد الاستحقاق، فيطالبه بنفس الحق.

(1) راجع الحدائق 19: 186.
(2) التذكرة 1: 561، ولم نعثر على غيره، ونسبه في المسالك (3: 254) إلى
بعض الأصحاب، ومثله في الحدائق 19: 186، والعبارة فيهما هكذا: " وذهب
بعض الأصحاب ومنهم العلامة في التذكرة إلى وجوب دفع القيمة "، نعم يظهر
من المحقق الثاني الميل إليه في جامع المقاصد 4: 408 - 409.
311

الثانية:
أن يكون ما عليه قرضا، والظاهر عدم استحقاق المطالبة بالمثل
مع اختلاف القيمة، لأنه (1) إنما يستحقها في بلد القرض، فإلزامه بالدفع
في غيره إضرار. خلافا للمحكي عن المختلف (2) وقواه جامع المقاصد
هنا، لكنه جزم بالمختار في باب القرض (3). وأما مطالبته بقيمة بلد
الاستحقاق، فالظاهر جوازها وفاقا للفاضلين (4) وحكي عن الشيخ
والقاضي (5)، وعن غاية المرام: نفي الخلاف (6)، لما تقدم (7): من أن الحق
هو الطعام على أن يسلم في بلد الاستحقاق، وقد تعذر بتعذر قيده
لا بامتناع ذي الحق، فلا وجه لسقوطه.
غاية الأمر الرجوع إلى قيمته لأجل الإضرار، ولذا لو لم تختلف
القيمة فالظاهر جواز مطالبته بالمثل، لعدم التضرر. لكن مقتضى ملاحظة
التضرر إناطة الحكم بعدم الضرر على المقترض أو بمصلحته ولو من
غير جهة اختلاف القيمة، كما فعله العلامة في القواعد (8) وشارحه جامع

(1) في " ش ": " لأنها ".
(2) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 4: 726، وراجع المختلف 5: 290.
(3) جامع المقاصد 4: 409، و 5: 33 - 34.
(4) الشرائع 2: 32، والقواعد 2: 88.
(5) المبسوط 2: 123، وفيه: " أجبر على دفعها "، والمهذب 1: 390، وفيه أيضا
بعد الحكم بالجواز: " وصح أن يجبر على دفعها إليه ".
(6) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 4: 725، وراجع غاية المرام (مخطوط) 1: 303.
(7) تقدم في الصفحة المتقدمة.
(8) القواعد 2: 105.
312

المقاصد (1). ثم إنه اعترف في المختلف بتعين قيمة بلد القرض مع تعذر
المثل في بلد المطالبة (2). وفيه تأمل، فتأمل.
وظاهر بعض عدم جواز المطالبة لا بالمثل ولا بالقيمة، وكأنه
يتفرع على ما عن الشهيد رحمه الله في حواشيه (3): من عدم جواز مطالبة
المقترض المثل في غير بلد القرض حتى مع عدم تضرره، فيلزم من
ذلك عدم جواز مطالبته (4) بالقيمة بطريق أولى. ولعله لأن مقتضى
" اعتبار بلد القرض ": أن ليس للمقرض إلا مطالبة تسليم ماله في بلد
القرض، ومجرد تعذره في وقت من جهة توقفه على مضي زمان
لا يوجب اشتغاله بالقيمة، كما لو أخر التسليم اختيارا في بلد القرض،
أو احتاج تسليم المثل إلى مضي زمان، فتأمل.
الثالثة:
أن يكون الاستقرار من جهة الغصب، فالمحكي عن الشيخ والقاضي:
أنه لا يجوز مطالبته بالمثل في غير بلد الغصب (5). ولعله لظاهر قوله
تعالى: * (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * (6) فإن ما في ذمته هو

(1) جامع المقاصد 5: 33.
(2) المختلف 5: 290.
(3) لعله ينظر إلى ما حكاه في جامع المقاصد 5: 34، وفيه: " وذهب شيخنا
الشهيد في حواشيه إلى اعتبار موضع الشرط والإطلاق في وجوب الدفع
والقبول، سواء كان للممتنع مصلحة أم لا ".
(4) في " ش ": " المطالبة ".
(5) المبسوط 2: 123، والمهذب 1: 390، وفيهما: " لم يجبر ".
(6) البقرة: 194.
313

الطعام الموصوف بكونه في ذلك البلد، فإن مقدار مالية الطعام يختلف
باختلاف الأماكن، فإن المالك لمقدار منه في بلد قد يعد غنيا، والمالك
لأضعافه في غيره يعد فقيرا، فالمماثلة في الصفات موجودة لا في المالية.
لكنه ينتقض بالمغصوب المختلف قيمته باختلاف الأزمان. فإن
اللازم على هذا عدم جواز مطالبته بالمثل في زمان غلائه.
وحله: أن المماثلة في الجنس والصفات هي المناط في التماثل
العرفي من دون ملاحظة المالية، ولولا قاعدة " نفي الضرر " وانصراف
إطلاق العقد في مسألتي " القرض " و " السلم " لتعين ذلك فيهما أيضا.
ولو تعذر المثل في بلد المطالبة لزم قيمة ذلك البلد، لأن اللازم
عليه حينئذ المثل في هذا البلد لو تمكن، فإذا تعذر قامت القيمة مقامه.
وفي المبسوط وعن القاضي: قيمة بلد الغصب (1). وهو حسن بناء
على حكمها في المثل.
والمعتبر قيمة وقت الدفع، لوجوب المثل حينئذ، فتعين بدله مع
تعذره. ويحتمل وقت التعذر، لأنه وقت الانتقال إلى القيمة.
وفي المسألة أقوال مذكورة في باب الغصب، ذكرناها مع مبانيها في
البيع الفاسد عند ذكر شروط العقد، فليراجع (2).

(1) حكاه عنهما في المختلف 6: 127، وراجع المبسوط 3: 76، والمهذب 2:
443.
(2) راجع الجزء الثالث: 226، السادس من أحكام المقبوض بالعقد الفاسد.
314

تم
الجزء السادس
وبه
تم الكتاب
بعون الله وتوفيقه
315

معجم المفردات
اشتمل هذا المعجم على توضيح لمعاني بعض الكلمات التي تحتمل غرابتها
على غير الناطقين بالعربية تيسيرا لفهمها والاستفادة منها. وقد اعتمدت في
إعداده مجموعة من الأسس:
1 - شرح المفردات وفقا للمعنى الذي استخدمه المؤلف (قدس سره) في الجزأين
الخامس والسادس.
2 - ترتيب المحتوى ألفبائيا استنادا إلى هيئة الكلمة.
3 - التقيد بألفاظ معاجم اللغة المعتبرة والتلفيق بينها بنحو مختصر.
4 - عدم تكرار معنى بذاته وإن اختلفت هيئة الكلمات، والإحالة على
المفردات المشروحة من قبل، سواء أكان في هذا المعجم، أم معجمي المفردات في
الجزأين الثاني والرابع.
5 - الإشارة إلى الأصل الفارسي الذي عربت عنه بعض الكلمات،
والاستعانة بمعاجم اللغة الفارسية لتوثيق ذلك.
6 - في المصطلحات الفقهية والأصولية، إما أن يذكر المعنى اللغوي أولا ثم
المعنى الاصطلاحي، أو يكتفى بالثاني.
7 - ختمت كل فقرة بالمصادر المعتمدة. وقد رمز إلى معاجم اللغة العربية
317

بحروف، ودونت الكتب الأخرى بأسمائها الصريحة.
8 - رموز معاجم اللغة العربية:
أ = أساس البلاغة للزمخشري.
س = المعجم الوسيط، إصدار مجمع اللغة العربية في مصر.
ص = الصحاح للجوهري.
ع = ترتيب كتاب العين للفراهيدي.
ق = القاموس المحيط للفيروزآبادي.
ل = لسان العرب لابن منظور.
لا = لاروس لخليل الجر.
م = محيط المحيط لبطرس البستاني.
مج = مجمع البحرين للطريحي.
مص = المصباح المنير للفيومي.
مل = الملحق بلسان العرب ليوسف خياط ونديم مرعشلي.
من = المنجد للويس معلوف.
ن = النهاية لابن الأثير.
318

" أ "
الإباق: مصدر أبق. راجع " الآبق " في
المكاسب 4: 383.
الاحتيال: مطالبتك الأمر بالحيل
- جمع حيلة - أي بالحذق
وجودة النظر والقدرة على دقة
التصرف.
(ع: 206، ل 3: 399)
الأخرس: من منع الكلام خلقة أوعيا.
والعي: العجز وعدم القدرة على
إحكام الأمر.
(ع: 218، ل 9: 511، مص 1 - 2:
166)
استبراء الأمة: الاستبراء: طلب
البراءة. ومنه استبراء الأمة بطلب
براءتها من الحمل، وذلك بألا يطأها
مالكها الأول حتى تحيض عنده ثم
تطهر إن كان وطأها، وألا يطأها
مالكها الجديد حتى تحيض عنده ثم
تطهر أيضا.
(ع: 74، ل 1: 356، الروضة البهية
3: 315)
أصدق المرأة: راجع " الإصداق " في
المكاسب 4: 383.
أصوع: جمع صاع. راجع المكاسب 2:
287.
الأضراب: راجع المكاسب 4: 384.
الأغلف: ويسمى بالأقلف، وهو الذي
لم يختن.
(ص 4: 1412، 1418، ن 4: 103)
319

الاقتناء: اتخاذ الشئ واصطفاؤه
للنفس، لا للبيع ولا للتجارة.
(ع: 690، ص 6: 2467 - 2468،
ن 4: 117)
الانصباب: صب الماء: أراقه، وانصب
الماء: انحدر، وانصب الناس على
الماء: اجتمعوا عليه.
(ل 7: 268 - 269، مص 1 - 2:
331)
" ب "
البال: الاكتراث والحال والشأن.
يقال: ما بالك؟ وأمر ذو بال:
شريف يهتم به.
(ع: 99، ص 4: 1642، ن 1:
164)
البذر: ما عزل من الحبوب للزرع
والزراعة. ومن كلام الفقهاء: " الثفل
في البذر عيب ". والبذر هنا: دهن
الكتان. وأصله محذوف المضاف، أي
دهن البذر.
(ل 1: 351، مج 3: 217)
البرص: راجع " الأبرص " في
المكاسب 2: 257.
البروج: منازل الشمس والقمر
والكواكب، وهي اثنا عشر برجا،
يسير القمر في كل برج منها يومين
وثلث اليوم، وتسير الشمس في كل
منها شهرا.
(ل 1: 359، مج 2: 276 - 277)
البز: ضرب من الثياب. وعند أهل
الكوفة: ثياب الكتان والقطن لا
الصوف والخز. جمعها: البزوز.
(ع: 80، م: 38)
البسر: الطري من كل شئ، وهو التمر
قبل أن يرطب لغضاضته وطراوته،
واحدته بسرة.
(ع: 81، ل 1: 405 و 10: 81)
البطيخ: راجع المكاسب 4: 385.
البقول: كل ما أنبتته الأرض من
الخضر كالنعناع والكراث والكرفس
ونحوها، بل كل نبات اخضرت به
الأرض. واحدتها: بقل.
(مص 1 - 2: 58، مج 5: 323)
320

" ت "
تبعض الصفقة: راجع المكاسب 4:
386.
تتن الشطب: التتن: التبغ أو التبغ أو
التبغ، وهو نبات مر الطعم يستعمل
تدخينا ومضغا وسعوطا - دواء
يصب في الأنف - معرب " توتون "
التركية.
والشطب: الأخضر الرطب من
سعف النخل. وتتن الشطب: التبغ
الرطب.
والشطب أيضا: آلة يحرق فيها التبغ
عند شربه، لها أنبوب قصير ورأس
مجوف صغير، استعملت في العراق
وتركيا. يقال لها بالفارسية:
" سبيل ".
(ص 1: 155 و 3: 1131، ق 1:
87، م: 67 - 68، من: 59، لغت نامه
دهخدا 5: 6227 و 8: 11831 و 9:
12593، س 1: 82)
التدبير: تعليق عتق العبد بموت سيده،
فالعبد حينئذ مدبر.
(ص 2: 655، ن 2: 98)
التروي: مصدر تروى يتروى في
الأمر، إذا نظر وفكر ولم يستعجل.
والروية: الفكر والتدبر.
(ص 6: 2364، مص 1 - 2: 247،
مج 1: 198)
التسري: اتخاذ السراري جمع سرية،
وهي الأمة التي بوأتها بيتا. أخذت
من السر وهو الجماع، أو الإخفاء
لأن الإنسان كثيرا ما يسرها
ويسترها عن زوجته، أو من
السرور لأنه يسر بها، أو من
السري أي الشئ النفيس. يقال
تسررت وتسريت جارية.
(ص 2: 682، ن 2: 360)
التشبث: راجع " التشبث بالحرية " في
المكاسب 4: 387.
التشقيص: التقطيع. ومنه: شقص
الشاة تشقيصا، إذا عضاها أي
321

جزأها أعضاء وقطعها وفرقها.
والشقص والشقيص: القطعة من
الأرض وغيرها، والنصيب في العين
المشتركة من كل شئ.
(ص 3: 1043 و 6: 2430، أ:
239، ن 2: 490)
التغرير بالنفس: راجع " التغرير " في
المكاسب 2: 270.
التفصي: راجع المكاسب 2: 270.
التفليس: مصدر أفلس. راجع
" الفلس " في المكاسب 4: 395.
التقاص: من تقاص القوم، إذا قاص
كل واحد منهم صاحبه في حساب
أو غيره. راجع " القصاص " في
المكاسب 2: 297، و " المقاصة " في
المكاسب 2: 304.
(ص 3: 1052)
التقايل: فسخ البيع. مصدر تقايل،
راجع " الإقالة " في المكاسب
4: 384.
(ن 4: 134)
التلفيق: الملاءمة بين الشيئين. من لفق
بين شقتي الثوب تلفيقا، إذا لاءم
بينهما بالخياطة. فالثوب ملفق.
(ص 4: 1550، أ: 412)
التمجس: الدخول في المجوسية. ومجس
الرجل: صيره مجوسيا.
(ص 3: 977، ل 13: 31)
التنصر: الدخول في النصرانية.
ونصره: جعله نصرانيا.
(ع: 808، ص 2: 829)
التولية: راجع " بيع التولية " في
المكاسب 4: 385.
تومان وتوامين: عملة نقدية إيرانية
تعادل اليوم عشرة ريالات - الريال
وحدة العملة الإيرانية في الوقت
الحاضر -. أصله تركي: " تمن "،
وجمعه: توأمين وتومانات.
(م: 75، لغت نامه دهخدا 4: 6121،
وانظر دائرة المعارف الإسلامية 6: 28
- 30)
التهود: الدخول في الدين اليهودي.
322

والتهويد: أن يصير الإنسان يهوديا.
(ص 2: 557، ل 15: 156)
التوثن: اتخاذ الوثن للعبادة. والوثن:
الصنم، وكل تمثال يعبد.
(ص 6: 2212، ل 15: 214)
" ث "
الثفل: ما رسبت خثارته - بقيته -
وعلا صفوه من كل شئ. وقيل: ما
استقر تحت الشئ من كدره.
والكدر: نقيض الصفاء.
(ع: 118، ل 2: 107 و 4: 27
و 12: 44)
" ج "
الجاموس: نوع من البقر كبير الحجم
يعيش على ضفاف الأنهار. جمعه:
جواميس. معرب " گاوميش "
الفارسية.
(ل 2: 354، لغت نامه دهخدا 11:
16699)
الجب: القطع. ومنه: " الإسلام يجب ما
قبله "، أي: يقطع ويمحو ما قبله من
الذنوب والتبعات.
(ص 1: 96، ن 1: 234)
الجذام: راجع " الأجذم " في المكاسب
2: 258.
الجراد: جنس من الحشرات المضرة،
يهاجر في جماعات كبيرة فيجرد
الأرض ويأكل زرعها فلا يبقي منه
شيئا. مفرده: جرادة، تطلق على
الذكر والأنثى. يقال له بالفارسية:
" ملخ ".
(ل 2: 236 - 237، مص 1 - 2: 96،
م: 100، مل 1: 112، موسوعة
المورد 6: 139، لغت نامه دهخدا 13:
18959 - 18960)
الجربان: راجع " الجريب " في
المكاسب 2: 273.
الجموح: من جمح الفرس جموحا
وجماحا، إذا ركب رأسه، وغلب
فارسه، وانفلت جاريا لا يثنيه
شئ، وهو الذي يرد منه بالعيب.
323

فالفرس جموح، ويستوي في
" الجموح " المذكر والمؤنث، ويقال
له بالفارسية: " أسب سركش ".
(ع: 148، ص 1: 360، ل 2:
346، مص 1 - 2: 107، لغت نامه
دهخدا 5: 6900)
" ح "
الحدبة: موضع الحدب، وهو ما ارتفع
وغلظ من الظهر، وقد يكون في
الصدر. صاحبه: أحدب.
(ع: 167، ن 1: 349)
الحدة: ما يعتري الإنسان من النزق
والغضب، والمحادة: المعاداة والمخالفة
والمنازعة.
(ص 2: 463، ن 1: 353)
الحصاد: جز البر والزرع وقطعه
بالمنجل. ويطلق أيضا على أوان
الحصد. يسمى بالفارسية: " درو ".
(أ: 85، ن 1: 394، ل 3: 199،
لغت نامه دهخدا 6: 7986)
الحمى والحمة: حالة مرضية تتميز
بارتفاع حرارة الجسم بحيث تتجاوز
37 درجة مئوية، وهي على أنواع
عديدة وفقا لأسبابها. جمعها:
حميات. يقال لها بالفارسية:
" تب ".
(ل 3: 341، م: 197، موسوعة
المورد 4: 119، لغت نامه دهخدا 6:
8087)
الحوص: ضيق في مؤخر العين حتى
كأنها خيطت، أو ضيق في إحدى
العينين دون الأخرى، أو في العينين
معا. وصاحبه: أحوص، والمرأة:
حوصاء.
(ع: 205، ص 3: 1034، ل 3:
394)
الحول: راجع " الأحول " في المكاسب
2: 259.
" خ "
الخز: نوعان من الثياب:
324

أحدهما: يطلق على ما يصنع من
فرو حيوان لا يزيد على حجم الهر
الأليف، يعيش في الغابات ويقتات
بالحيوانات الصغيرة والثمار،
ويسمى بالخز والدلف والسنسار.
وقيل: إنما هو حيوان بحري.
والآخر: يطلق على ما ينسج من
صوف وحرير أو من حرير فقط.
ويطلق على هذا النوع القز أيضا،
راجع " ديدان القز " في المكاسب
2: 280.
(ن 2: 28، م: 229، موسوعة المورد
6: 205، لغت نامه دهخدا 6:
8559)
الخصي والخصاء: خصي الرجل
خصاء، إذا سلت خصييه،
فهو خصي ومخصي، والجمع:
خصيان. ويكون في الناس والدواب
والغنم.
(ص 6: 2328، ل 4: 115 - 117،
مص 1 - 2: 171)
" د "
الدردي: ما يركد في أسفل الزيت، بل
أسفل كل مائع.
(ن 2: 112، ل 4: 323)
دود القز: راجع " ديدان القز " في
المكاسب 2: 280.
الدياس: مصدر داس الشئ برجله
يدوسه دوسا ودياسا: وطأه بقدميه
وطأ شديدا. والدائس: هو الذي
يدوس الطعام ويدقه ليخرج الحب.
(ن 2: 140، ل 4: 442)
" ر "
الرب: دبس الرطب إذا طبخ. ورب
الفواكه كله من هذا القبيل.
(ن 2: 181، مج 2: 66)
الرتق: الالتئام، وضد الفتق. وهو أن
يكون الفرج ملتحما ليس فيه
مدخل للذكر، فالمرأة عندئذ رتقاء.
(ل 5: 132، مج 5: 166 - 167)
325

الركض: مصدر ركض الرجل، إذا فر
وعدا مسرعا. يطلق عليه
بالفارسية: " دويدن ".
(ل 5: 301 - 302، س 1: 369،
لغت نامه دهخدا 7: 9927 - 9928)
" ز "
الزق: وعاء مصنوع من الجلد، يتخذ
لما يشرب ونحوه. جمعه زقاق.
(ع: 347، ص 4: 1491، ل 6:
60)
الزنجي: مفرد ونسبة إلى الزنج - أو
الزنوج - وهم صنف من السودان،
جمع الأسود.
(ع: 351، 395، ص 1: 320 و 4:
1664)
الزهيد: القليل.
(ص 2: 481، ن 2: 321)
" س "
السبل: مرض يصيب العين، وشبه
غشاوة تعرض فيها من انتفاخ
عروق الملتحمة الباطنة، فيكون
الغشاء رقيقا يشبه نسج العنكبوت،
أو من انتفاخ عروقها الظاهرة،
فيكون الغشاء مسودا يشبه
الدخان.
(ص 5: 1724، ق 3: 392، م:
394)
السحت: راجع المكاسب 2: 285.
السحق: راجع " المساحقة " في
المكاسب 4: 397.
السرية: راجع " التسري ".
السلعة: المتاع وكل ما كان متجرا به
وفيه. جمعها: سلع.
(ص 3: 1231، ل 6: 329)
" ش "
الشجة: واحدة الشجاج، والمرة
من الشج بمعنى: الجرح والشق أو
الكسر المتسبب عن الضرب بآلة ما
على الرأس خاصة، ثم استعمل في
326

غيره من الأعضاء.
(ع: 404، ص 1: 323، ن 2:
445)
" ص "
الصبرة: راجع المكاسب 2: 287.
الصفر: النحاس الجيد، وقيل: أحد
أنواعه. يستخدم في صنع الأواني.
يسمى بالفارسية: " مس ".
(ص 2: 714، ل 7: 359 و 13:
105، لغت نامه دهخدا 12:
18353)
الصفقة: ضرب أحد المتبايعين يده
على يد الآخر في البيع والبيعة على
ما كان متعارفا عند العرب قديما، ثم
استعملت في عقد البيع، وهي للبايع
والمشتري، راجع " التصفيق " في
المكاسب 2: 269.
(ع: 451، مج 5: 202)
الصمم: انسداد الأذن وثقل السمع.
والأصم: من لا يسمع، مؤنثه:
الصماء، وجمعه: الصم.
(ن 3: 53، ل 7: 410)
" ض "
الضرار: مصدر ضار المأخوذ من ضر
ضد نفع. ومنه " لا ضرر ولا ضرار
في الإسلام ". ولا ضرار: أي لا
يجازيه على إضراره بإدخال الضرر
عليه، والضرر: فعل الواحد،
والضرار: فعل الاثنين، والضرر:
ابتداء الفعل، والضرار: الجزاء
عليه. وقيل: الضرر: ما تضر به
صاحبك وتنتفع به أنت، والضرار:
أن تضره من غير أن تنتفع به.
وقيل: هما بمعنى واحد، وتكرارهما
للتأكيد.
(ن 3: 81 - 82، ل 8: 44)
الضيعة: راجع المكاسب 4: 393.
الضيم: الظلم. وضامه حقه ضيما:
نقصه إياه.
(ع: 479، ص 5: 1973، ل 8:
112)
327

" ع "
العدو: الركض والجري. وقيل: أن
يقارب الهرولة - الإسراع في
المشي - دون الجري.
(مص 1 - 2: 397 و 637، مج 3:
286، من: 492)
العرج: مصدر عرج يعرج، وهو
إصابة شئ في الرجل خلقة
ومن علة لازمة تسبب فقدان
التوازن عند المشي، فيميل الجسم
خطوة إلى اليمين وأخرى إلى الشمال.
وأما إذا لم يكن عرجه خلقة
فالفعل عرج - وقد تثلث راؤه -
يعرج عرجا ومعرجا، فهو أعرج،
وهي عرجاء، والجمع عرج
وعرجان.
(ص 1: 328، ل 9: 119 - 120، ق
1: 199، من: 495 - 496)
العرض: راجع المكاسب 2: 291.
عزة الوجود: قلته حتى يكاد
لا يوجد.
(ع: 537، ص 3: 885)
العقار: راجع " عقاقير " في المكاسب
2: 293.
العكة: زقيق صغير، ووعاء مستدير
من الجلد، أصغر من القربة، يوضع
فيه السمن. راجع " الزق ".
(ع: 568، ص 4: 1600، ن 3:
284، ل 9: 341)
العلق: دود أحمر يعيش في الماء،
يعلق بالبدن ويمص الدم. واحدته:
علقة.
(ع: 572، ن 3: 290)
العور: ذهاب بصر إحدى العينين.
(ع: 587، ل 9: 466)
العينة: هو أن يبيع من رجل سلعة بثمن
معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها
منه بأقل من الثمن الذي باعها.
وعينة المال: خياره.
(ن 3: 333 - 334، الحدائق 20:
93)
328

" غ "
الغلفة: الجلدة التي تقطع من الذكر عند
الختان، وتسمى بالقلفة والغرلة
أيضا.
(ن 4: 103، مص 1 - 2: 451)
الغلة: الدخل الذي يحصل من كراء
الدار، وفائدة الأرض، ومن الزرع
والثمر. جمعها: غلات.
(ن 3: 381، ل 10: 110)
" ف "
الفحولة: الذكورة. والفحل: الذكر من
كل حيوان.
(ل 10: 194، م: 679)
" ق "
القاصرون - القاصرين: جمع
القاصر، وهو الممنوع من التصرفات
شرعا، كالصبي والمجنون والسفيه.
القذف: راجع المكاسب 2: 296.
القراض: المضاربة في لغة أهل
الحجاز، وهي أن تدفع مالا إلى
شخص ليتجر فيه، ويكون الربح
بينكما على ما تشترطان، والوضيعة
على المال.
(ص 3: 1102، ن 4: 41)
القرع: راجع المكاسب 2: 297.
القرن: غدة غليظة أو غيرها تكون في
فرج المرأة، وتمنع من الوطء. ويقال
له أيضا: العفلة. وأما القرن: فاسم
لذلك العيب.
(ص 6: 2180، ن 4: 54، ل 11:
138)
" ك "
كر من الطعام: الكر - وجمعه
أكرار -: مكيال معروف، وهو
ستون قفيزا، والقفيز: ثمانية
مكاكيك، والمكوك: صاع ونصف.
(ص 2: 805، ن 4: 162، ل 12:
65)
329

" م "
المحاباة: راجع المكاسب 2: 301.
المدالسة: راجع " التدليس " في
المكاسب 2: 268.
المساغ: المدخل والطريق، راجع
" السائغ " في المكاسب 2: 284.
(ل 6: 433، مج 5: 12)
المسام: ما جرى عليه السوم، راجع
" المساومة " في المكاسب 4: 397.
(ل 6: 439)
المصراة: هي الناقة أو البقرة أو الشاة
تترك عن الحلب أياما ويصرى
- يجمع ويحبس - اللبن في ضرعها.
(أ: 253، ل 7: 337)
المطرد: اطرد الشئ اطرادا: تبع
بعضه بعضا وجرى. وأمر مطرد:
مستقيم على جهته.
(ع: 484، ص 2: 502)
المغالطة: مصدر غالط بمعنى: أغلط،
أي أوقع غيره في الغلط، وهو ما
يخطأ الإنسان صوابه من غير تعمد،
فالمغالطة إذن: الإيقاع في الغلط.
(ل 10: 101، م: 664، س 2: 658)
المقود: الحبل الذي يجعل في عنق
الدابة لتقاد به، وهو القياد أيضا.
(ع: 691، ص 2: 528، ل 11:
341)
المكابرة: راجع المكاسب 2: 304.
الملفق: راجع " التلفيق ".
الممراض: الرجل المسقام الذي يمرض
كثيرا. جمعه: المماريض.
(ص 3: 1106، لا: 1157)
المنساق: التابع والمنقاد والواقع في
سياق الكلام.
(م: 441 - 442، س 1: 465)
المنقطعات: المتزوجات بالعقد
المنقطع، وهو العقد الذي ينتهي
أجله، من انقطع الشئ، إذا ذهب
وقته.
(ع: 673)
المهرجان: معرب كلمة " مهرگان "
330

الفارسية. أحد الأعياد الإيرانية
القديمة بمناسبة الاعتدال الخريفي،
الموافق لليوم السادس عشر من
" مهر ماه " وهو سابع شهور التاريخ
الهجري الشمسي. وأطلق بالعربية
على كل احتفال يقام ابتهاجا
بحادث سعيد، أو إحياء لذكرى
عزيزة.
(مص 1 - 2: 583، س 2: 890،
لغت نامه دهخدا 13: 19346،
19349)
المواطاة: الموافقة.
(ص 1: 82، ن 5: 202)
" ن "
النارجيل - النارجيلة: أداة يدخن بها
التبغ، كانت قاعدتها في الأصل من
جوز الهند، وهو " النارگيل "
بالفارسية ومعربه: نارجيل، ومنه
أخذت تسميتها، ثم صنعت من
الزجاج ونحوه. جمعها: نارجيلات،
ويقال لها بالفارسية: " غليان ".
(م: 887، س 2: 912، لغت نامه
دهخدا 10: 14809 و 13:
19542، 19548)
النظرة: التأخير في الأمر، وهي الاسم
من أنظرته أنظره، إذا أمهلته.
(ص 2: 831، ل 14: 194)
النوبة: اسم من المناوبة، يقال: جاءت
نوبته، وتناوب الأمر، إذا قام به مرة
بعد أخرى. وتناوب القوم الشئ
وعليه: تداولوه بينهم وتقاسموه.
(ص 1: 228 - 229، ل: 14، 319،
س 2: 961)
النيروز: معرب " نوروز " الفارسية،
بمعنى اليوم الجديد، وهو اليوم الأول
لشهر " فروردين " أول شهور السنة
بالتاريخ الهجري الشمسي، المصادف
لأول فصل الربيع. وهو أكبر الأعياد
الوطنية في إيران.
(ل 14: 103، ق 2: 194، لغت نامه
دهخدا 14: 20182 - 20183،
20280)
331

" ه‍ "
الهريسة: غذاء من البر يدق ثم يطبخ.
والهريس: الحب المهروس قبل
طبخه. اشتقت الكلمة من الهرس
وهو الدق.
(ص 3: 990، ل 15: 74)
" و "
وطن: وطن نفسه على الشئ وله:
حملها عليه فتحملت وذلت له.
(ع: 857، ل 15: 339)
الولاء: ولاء العتق: وهو إذا مات
المعتق ورثه معتقه، أو ورثة معتقه
إذا لم يكن للمعتق وارث نسبي.
(ن 5: 227، ل 15: 403، الجواهر
39: 223)
" ي "
يدا بيد: بعته يدا بيد: أي حاضرا
بحاضر، والتقدير: في حال كونه
مادا يده بالعوض، وفي حال كوني
مادا يدي بالمعوض، فكأنه قيل:
بعته في حال كون اليدين ممدودتين
بالعوضين.
(ل 15: 439، مص 1 - 2: 680،
وانظر النحو الوافي 2: 343 - 344)
332