الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ٧
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ربيع الآخر ١٤١٦
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٥٥٠٣-٨٢-٥
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء السابع
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

BP النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 - 1245 ه‍.
183 / 2 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد مهدي
4 ن النراقي: تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1416 ه‍.
1416 ج: نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
عليهم السلام لإحياء التراث. ب. العنوان.
شابك (ردمك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزءا.
. ISBN 964 - 5503 - 75 - 2 / VOLS 18
شابك (ردمك) 5 - 82 - 5503 - 964 / ج 7
7. ISBN 964 - 5503 - 82 - 5 / VOL
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 7
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك): حميد - قم
الطبعة: الأولى - ربيع الآخر 1416 ه‍
المطبعة: ستاره - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 4000 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 996 / 37185 - هاتف 4 - 730001
4

المقصد الثالث
في منافيات الصلاة، ومبطلاتها، ومكروهاتها،
وأحكام الخلل الواقع فيها
والكلام فيه إما في منافيات الصلاة، أو في الخلل الواقع في الصلاة والسهو
في شرائطه أو أفعاله والشك. فها هنا بابان.
5

الباب الأول
في منافيات الصلاة ومبطلاتها ومكروهاتها
وفيه فصلان:
7

الفصل الأول
في منافياتها ومبطلاتها
وهي أمور:
الأول:
ما يبطل الطهارة وينقضها من الأحداث.
وهو يبطل الصلاة ويقطعها إن كان حدثا أكبر مطلقا بالاجماع.
وكذا إن كان أصغر وصدر عمدا، واستفاض عاب نقل الاجماع أيضا (1).
وكذا لو صدر من غير اختيار، أو سهوا عن كونه في الصلاة مع اختيارية الحدث،
على الأظهر الأشهر. بل في الناصريات: الاجماع على الأول (2). وفي التذكرة ونهاية
الإحكام وشرح الجعفرية على الثاني (3). وفي شرح الإرشاد للأردبيلي فيهما إذا كانت
الطهارة المنتقضة مائية (4). وحكي نفي الخلاف في ذلك عن التهذيب أيضا (5).
وفي الأمالي: إن قطع الصلاة بخروج ما ينقض الوضوء - الشامل لجميع ما
ذكر بعمومه - من دين الإمامية (6).
لا لبطلان الصلاة بالفعل الكثير إجماعا.
أو لشرطية الطهارة في الصلاة.
أو لأصالة الاشتغال.

(1) انظر التذكرة 1: 129، والمدارك 3: 455، والحدائق 9: 2.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 199.
(3) التذكرة 1: 129، نهاية الإحكام 1: 513.
(4) مجمع الفائدة 3: 48.
(5) التهذيب 1: 205.
(6) الأمالي: 513.
9

أو توقيفية العبادة المستلزمة للاقتصار بما نقل عن الشارع.
لضعف الأول: بمنع كون مجرد الطهارة - الذي هو محل الكلام خصوصا
إذا كانت تيمما - فعلا كثيرا أولا. ومنع إبطال كل فعل كثير ثانيا، فإن مستنده
الاجماع وهو منتف في محل النزاع.
والثاني: بأن اللازم منه عدم وقوع شئ من أجزاء الصلاة من غير طهارة،
لا عدم تخلل الحدث في الأثناء.
والقول بأن الصلاة ليست تلك الأجزاء بالخصوص، بل هي وما بينها من
الانتقالات.
كلام واه، وإلا لكان غسل الرعاف ورد السلام وصفق اليدين للتنبيه،
منها.
ودعوى خروجها بالدليل فاسد، لأن الدخول محتاج إليه، ولا دليل على
كون غير الأجزاء المخصوصة صلاة. ولذا ترى جماعة (1) يصرحون بعدم بطلان
الصلاة بنية القطع أو المنافي لو رجع عنها ولم يشتغل حينئذ بشئ من أجزاء
الصلاة.
وأيضا: ثبوت أجزاء الصلاة إنما هو بالشرع، وأجزاؤها، معدودة، ولم يعد
منها السكوت بقدر التطهر لو أحدث.
فإن قيل: قوله: " تحليلها التسليم " يدل على أنه في الصلاة؟ إذ الانصراف
إنما هو بالتسليم.
قلنا: الكون في الصلاة وعدم الانصراف عنها غير التلبس بأجزائها، ألا
ترى أن الجالس في أثناء طريق السفر، والمتكلم في خلال الأكل، والساكت قليلا
في أثناء القراءة، غير منصرف عنها، مع أنه غير متلبس به؟
والثالث. بمنع العلم بالاشتغال بالزائد عما فعله، مع أن حرمة إبطال ما
فعل محتملة، فلا يتيقن بالبراءة - بترك البناء والاستئناف - عن جميع ما اشتغلت

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 102، والعلامة في المنتهى 1: 267 والتذكرة 1: 111.
10

به الذمة.
والرابع. بأن لازم توقيفية العبادة الاقتصار في أجزائها أو شرائطها بما ورد
من الشرع، ولم يرد منه أن اتصال الطهارة أيضا من الأجزاء أو الشرائط. وعدم
فعل الشارع نحو المدعى لعله لعدم سبق حدث منه.
بل (1) للاجماع فيما إذا كان المنتقض الطهارة المائية، لعدم ظهور مخالف فيه
- كما يأتي - وعدم قدح من نسب الخلاف إليه - لو كان مخالفا - في الاجماع.
وللنصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة مطلقا، منها: موثقة
الحضرمي: " لا يقطع الصلاة إلا أربع: الخلاء، والبول، والريح، والصوت " (2).
والساباطي: عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف
يصنع؟ قال: " إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شئ ولم ينقض وضوءه،
وإن كان متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في صلاته قطع الصلاة
وأعاد الوضوء والصلاة " (3).
ورواية ابن جهم الواردة فيمن أحدث حين جلس في الرابعة، وفيها: " وإن
لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد " (4).
والكناني: عن الرجل يخفق وهو في الصلاة، قال. " إن كان لا يحفظ حدثا
منه إن كان، فعليه الوضوء وإعادة الصلاة " (5).
والحسين بن حماد: " إذا أحس الرجل أن بثوبه بللا وهو يصلي فليأخذ ذكره

(1) عطف على قوله: لا لبطلان الصلاة.... (في ص 9).
(2) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 4، التهذيب 2: 231 / 1362، الإستبصار 1:
400 / 1030، الوسائل 7: 333 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 2.
(3) التهذيب 1: 11 / 20، الإستبصار 1: 82 / 258، الوسائل 1: 259 أبواب نواقض الوضوء
ب 5 ح 5.
(4) التهذيب 1: 205 / 596، الإستبصار 1: 401 / 1531، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع
الصلاة ب 1 - ح 6.
(5) التهذيب 1: 7 / 8، الإستبصار 1: 80 / 250، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3
ح 6.
11

بطرف ثوبه فيمسه بفخذه، فإن كان بللا ينصرف فليتوضأ ويعيد الصلاة " (1)
الحديث. والمراد ما إذا لم يستبرئ.
والمرويين في قرب الإسناد والمسائل: عن رجل يكون في صلاته فعلم أن
ريحا قد خرجت عنه ولا يجد ريحا ولا يسمع صوتا، قال: " يعيد الوضوء والصلاة،
ولا يعتد بشئ مما صلى إذا علم ذلك يقينا " (2).
وضعف بعضها سندا منجبر بما مر، وقصور بعض عن إفادة الوجوب مجبور
بعدم القول باستحباب إعادة الصلاة، بل القائل بين محرم لها وموجب.
خلافا للمحكي عن السيد في المصباح (3)، والشيخ في المبسوط
والخلاف (4) في صورة سبق الحدث، فقالا بالتطهير والبناء.
للاستصحاب.
والأصل.
وصحيحة الفضيل: أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو
ضربانا، فقال: " انصرف ثم توضأ وابن علي ما مضى من صلاتك ما لم تنقض
الصلاة بالكلام متعمدا، فإن تكلمت ناسيا فلا شئ عليك، فهو بمنزلة من
تكلم في الصلاة ناسيا " قلت: وإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: " نعم وإن قلب
وجهه عن القبلة، (5).
ورواية القماط: عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول

(1) التهذيب 2: 353 / 1465، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 5.
(2) قرب الإسناد: 200 / 769 مسائل علي بن جعفر: 184 / 359، الوسائل 7: 235 أبواب قواطع
الصلاة ب 1 ح 7.
(3) حكاه عنه في المعتبر 2: 250.
(4) المبسوط 1: 117، الخلاف 1: 410.
(5) الفقيه 1: 240 / 1060، التهذيب 2: 332 / 1370، الإستبصار 1: 401 / 1533، الوسائل
7: 235 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 9.
12

- إلى أن قال -: " فقال إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس أن يخرج لحاجته تلك
فيتوضأ، ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه، فيبني على صلاته من
الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام " قال، قلت: وإن
التفت يمينا وشمالا، أو ولى عن القبلة؟ قال: " نعم، كل ذلك واسع " (9).
وحسنة زرارة (2) وموثقته لا (3) وموثقة ابنه (4)، الواردة في الحدث بعد السجدة
الأخيرة وقبل التشهد، الآمرة بالوضوء والبناء.
ويجاب عن الأصلين: بالاندفاع بما مر.
وعن الأخبار: أولا: بمعارضتها مع ما مر، مع اختصاص أكثره بمورد
الكلام بحيث لا يمكن التخصيص فيه بغيره، فإن الثلاثة الأخيرة مخصوصة بمن
سبقه الحدث. بل وكذلك الثانية، إذ الظاهر أن خروج حب القرع لا يكون في
الصلاة اختياريا.
ويرجح ما مر عليها، لموافقتها للعامة، فإن ذلك مذهب مالك وأبي حنيفة،
والشافعي في قوله (القديم) (5) كما في الناصريات وفي الخلاف والتذكرة
والمنتهى (6)، وغيرها (7).
وثانيا: بعدم حجيتها، لشذوذها ومخالفتها لشهرة القدماء والمتأخرين. بل
لمذهب ناقليها. بل للاجماع، لاطباق العلماء قديما وحديثا على خلافها.

(1) التهذيب 2: 355 / 1468، الوسائل 7: 237 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 11.
(2) الكافي 3: 347 الصلاة ب 33 ح 2، الوسائل 6: 411 أبواب التشهد ب 13 ذ. ح 1.
(3) التهذيب 2: 318 / 1300، الوسائل 6: 411 أبواب التشهد ب 13 ح 2.
(4) الكافي 3: 346 الصلاة ب 33 ح 1، الإستبصار 1: 342 / 1290، الوسائل 6: 411 و
412 أبواب التشهد ب 13 ح 2 و 4.
(5) في النسخ: الجديد، والظاهر هو سهو من قلمه الشريف، كما يظهر من كتب العامة والخاصة.
(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 199، الخلاف 1: 412، التذكرة 1: 130، المنتهى 1:
307.
(7) كالرياض 1: 177.
13

ومخالفة من ذكر - سيما في بعض الكتب بعد الموافقة في سائر كتبه (1) - لا
تقدح في الاجماع.
مع أن المخالفة في الخلاف أيضا غير معلومة، بل صرح الشيخ فيه بعد نقله
الروايتين الأولى البطلان، والثانية البناء وجعله الأول أحوط، بأن الذي أعمل
وأفتي به هو الأولى (2).
ولا ينافيه جعلها أحوط أولا؟ لأن الاحتياط - والمراد تحصيل البراءة اليقينية -
عنده دليل شرعي. ولذا استدل على ما أفتى به في الخلاف بتيقن البراءة، ولذا
تراه كالسيد وتابعيه يستدلون على مذاهبهم بطريقة الاحتياط.
ومن هذا يظهر حال المبسوط أيضا؟ لتصريحه فيه بأحوطية البطلان (3)، بل
السيد أيضا، لذلك.
هذا مع عدم مطابقة الروايتين الأوليين للدعوى؟ لأنها في صورة سبق
الحدث بغير اختيار، ومدلولهما الحدث اختيارا، حيث أمر بالانصراف وقضاء
الحاجة. ولو لم تحملا على ذلك يكون عدم المطابقة أظهر؟ لأن الغمز وأخويه ليس
أحداثا.
والثلاثة الأخيرة أخص، لورودها قبل التشهد الأخير خاضة. ولا إجماع
مركب، لأن الصدوق قد أفتى في الفقيه بمضمونها (4). وقواه المحدث المجلسي في
البحار حتى في صورة العمد أيضا (5)، وكذا والد شيخنا البهائي في شرح الألفية.
وهذا قول ثان مخالف للمشهور، وهو الفرق بين ما بعد السجدة الأخيرة
وبين ما قبلها، فالبناء في الأول، والإعادة في الثاني.
ودليله ما مر، وجوابه قد ظهر، سيما أن الموافقة للعامة هنا أشد وأظهر،

(1) كما في الجمل والعقود (الرسائل العشر): 185 والاقتصاد: 264.
(2) الخلاف 1: 412.
(3) المبسوط 1: 117.
(4) الفقيه 1: 233 ذيل الحديث 1030.
(5) البحار 81: 282.
14

حيث إن أبا حنيفة ومالك وجمعا آخر من فقهائهم ينفون وجوب التشهد الأخير (1).
مع أن الظاهر أن البطلان في صورة العمد إجماعي، بل قيل: كاد أن يكون
ضروري المذهب (2).
وهنا خلاف ثالث للمشهور، وهو: القول بالبناء فيما إذا كان المنتقض
الطهارة الترابية خاصة، حكي عن العماني والشيخين وابن حمزة في الواسطة (3)،
ومال إليه في المعتبر (4)، وقواه في المدارك (5)، ونفى عنه البعد في شرح الإرشاد
للأردبيلي (6).
لصحيحة زرارة ومحمد: رجل دخل في الصلاة وهو متيمم، فصلى ركعة
ثم أحدث فأصاب الماء، قال: " يخرج ويتوضأ ثم يبني على ما مضى من صلاته التي
صلى بالتيمم " (7،.
ونحوها صحيحة زرارة الأخرى (8).
وهما أخصان من المدعى على ما يظهر من نهاية الشيخ (9)، وما حكاه الحلي
في السرائر. (10) من وجوب الطهارة والبناء على المتيم إذا أحدث مطلقا.

(1) بداية المجتهد 1: 129، المغني والشرح الكبير 1: 614.
(2) كما في الرياض 1: 177.
(3) حكاه عن العماني في المختلف 1: 53، المفيد في المقنعة: 61، الطوسي في النهاية: 48، حكاه عن
ابن حمزة في الذكرى: 111.
(4) المعتبر 1: 407.
(5) المدارك 3: 459.
(6) مجمع الفائدة 3: 49.
(7) الفقيه 1: 58 / 214، التهذيب 1: 204 / 594، الإستبصار 1: 167 / 580، الوسائل 7:
236 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 10.
(8) التهذيب 1: 403 / 1263، الإستبصار 1: 167 / 579، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب
21 ح 5.
(9) النهاية: 48.
(10) السرائر 1: 139.
15

نعم تنطبقان عليه على ما نقله في المنتهى والمدارك من أنه إذا أحدث فوجد
الماء (1).
فيجاب عنهما. بأنهما تعارضان ما مر، وتوافقان العامة (2).
ومع ذلك لا بد من ارتكاب تخصيص أو تجوز فيهما، إذ لا شك في البطلان
في صورة العمد، والتخصيص بالسهو ليس أولى من حمل الركعة على الصلاة،
كما عن المختلف (3)، فيكون المراد من قوله: " يبني على ما مضى " أي: يجتزئ بتلك
الصلاة السابقة، فإنه لم يثبت للبناء حقيقة شرعية في هذا المعنى المدعى، كما مر
في مسألة واجد الماء في أثناء الصلاة من بحث التيمم.
أو تخصيص الرجل بمن صلى صلاة بالتيمم ثم دخل في الأخرى، كما عن
المنتقى (4)، فيكون المراد بالصلاة في قوله: " يبني على ما مصلى من صلاته " هو
صلاته التي صلاها بالتيمم تامة قبل هذه الصلاة التي أحدث فيها، ومرجعه إلى
أنه يخرج من هذه الصلاة ولا يعيد ما صلاها بهذا التيمم وإن كان في الوقت،
ويشعر بهذا المعنى قوله. " التي صلى بالتيمم ".
الثاني:
التكفير، بمعنى وضع اليمين على الشمال، كما فسره به في صحيحة
محمد (5)، أو هو أو عكسه، كما به فسره في المروي في الدعائم (6).
وحرمته في الصلاة مشهورة، صرح بها في الانتصار والخلاف والنهاية
والجمل والسرائر والوسيلة والغنية والنافع والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام

(1) المنتهى 1: 157، المدارك 3: 459.
(2) انظر: بدائع الصنائع 1: 220.
(3) المختلف 1: 53.
(4) المنتقى 1: 362.
(5) التهذيب 2: 84 / 310، الوسائل 7: 265 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1.
(6) الدعائم 1: 159، مستدرك الوسائل 5: 421، أبواب قواطع الصلاة ب 14 ح 2.
16

والتحرير والارشاد والقواعد وشرحه والروضة (1)، وغيرها، بل عامة المتأخرين كما
قيل (2).
إلا أن بعضهم عبر بالمعنى الأول، وبعضهم بالثاني، وبعضهم بالتكفير،
وفي الانتصار والغنية الاجماع عليها في المعنى الأول مطلقا (3)، وفي الخلاف على
الثاني كذلك (4).
وعن الحلبي والإسكافي والمعتبر عدمها بشئ من المعنيين (5).
والحق هو الأول بمعنى حرمته، سواء فسر بالمعنى الأول أو بالثاني،
للمروي في كتاب المسائل لعلي، عن أخيه عليه السلام: عن الرجل يكون في
صلاته يضع إحدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه، قال: " لا يصلح ذلك، فإن
فعل فلا يعودن له " (6).
فإن نفي الصلاحية يستلزم الحرمة، كما بينا وجهه في عوائد الأيام (7). ولا
ينافيه ما بعده، لأن معناه أنه إن كان فعل ذلك قبل هذا فلا يعود إليه بعد ذلك،
وهذا ملائم للحرمة لا مناف لها.
وضعفه منجبر بدعوى الشهرة على تحريم الأصل والعكس في طائفة من
العبارات، منها في شرح الجعفرية، بل الاجماع في الخلاف (8).

(1) الإنتصار: 41، الخلاف 1: 321، النهاية: 73، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 184،
السرائر 1: 217، الوسيلة: 97، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، النافع:
34، المنتهى 1: 311، التذكرة 1: 132، نهاية الإحكام 1: 523، التحرير 1: 42، الإرشاد
1: 268، القواعد 1: 35، جامع المقاصد 2: 344، الروضة 1: 235.
(2) الرياض 1: 179.
(3) الإنتصار: 41، الغنية (الجوامع الفقهية): 558.
(4) الخلاف 1: 322.
(5) الحلبي في الكافي في الفقه: 125، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 100، المعتبر 2: 257.
(6) مسائل علي بن جعفر: 170 / 288، الوسائل 7: 266 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 5.
(7) عوائد الأيام: 82.
(8) الخلاف 1: 322.
17

وتؤيده روايات مستفيضة أخرى، كصحيحة محمد (1)، ومرسلة حريز (2)،
والمرويات في الخصال (3)، والدعائم (4)، وقرب الإسناد (5).
وعدم الاستدلال بها - كالأكثر - لخلوها عن الصريح في التحريم، لأنها بين
ألفاظ إخبارية أو محتملة لها.
وأما قوله في رواية الدعائم: " ولكن أرسلهما إرسالا " وإن كان أمرا، إلا أنها
- لضعفها وعدم حصول الانجبار لها في وجوب إرسالها، لاحتمال جواز وضع
اليدين على الثديين أو الضلعين، أو إحداهما - لا تصلح لاثبات الحرمة.
وأما المروي في تفسير العياشي. أيضع الرجل يده على ذراعيه في الصلاة؟
قال: " لا بأس " (6).
فضعيف غير منجبر، ومع ذلك للعامة موافق.
ولا فرق في الحرمة بين كون الوضع فوق السرة أو تحتها، وضع الكف على
الكف أو على الساعد، لاطلاق الرواية والاجماعات المنقولة الجابرة لها، بل صرح
بالاجماع في الخلاف على عموم فوق السرة وتحتها، (7).
ثم إنه هل هو موجب لبطلان الصلاة؟ كما صرح به كثير من المحرمين (8)،
ومنهم والدي - رحمه الله - في بحث المنافيات من التحفة الرضوية.

(1) التهذيب 2: 84 / 310، الوسائل 7: 265 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1.
(2) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 9، التهذيب 2: 84 / 309، الوسائل 7: 266 أبواب
قواطع الصلاة ب 15 ح 3.
(3) الخصال: 622، الوسائل 7: 267 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 7.
(4) الدعائم 1: 159، مستدرك الوسائل 5: 421 أبواب قواطع الصلاة ب 14 ح 2.
(5) قرب الإسناد 208 / 809، الوسائل 7: 266 أبواب قواطع الصلاة 15 ح 4.
(6) تفسير العياشي 2: 36 / 100، مستدرك الوسائل 5: 421 أبواب قواطع الصلاة ب 14 ح 4.
(7) الخلاف 1: 322.
(8) كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 523، والتذكرة 1: 132، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1:
237.
18

أو لا؟ كما في شرح الإرشاد للأردبيلي، والروضة والمسالك (1)، ووالدي
- رحمه الله - في بحث القيام من الكتاب المذكور.
الحق هو الثاني، للأصل الخالي عن المعارض مطلقا، إلا ما استدل به من
الاجماع البسيط المنقول في الخلاف (2)، والمركب المصرح به في كلام الثانيين (3)،
وكونه فعلا كثيرا، وأصل الاشتغال، وتوقيفية العبادة، ولزوم الزيادة في الصلاة.
والكل ضعيف، يظهر وجهه تما مر مرارا.
ولا يحرم ذلك في حال التقية مطلقا إجماعا، بل يجب، ومعها لو تركه لم تبطل
صلاته قطعا.
الثالث:
الالتفات عن القبلة. وتحقيقه: أن الالتفات إما يكون خطأ في القبلة مع
التقصير أو بدونه.
أو جهلا بوجوب مراعاتها.
أو ظنا بتمام الصلاة كمن سنم في غير موقعه.
أو عمدا.
أو سهوا من أنه في الصلاة، أو من أنه لا يجوز الانحراف، ومنه الغفلة كأن
يسمع صوتا من خلفه فيلتفت من غير شعور.
أو مكرها.
والأولان قد مضيا في باب القبلة.
والثالث يأتي في مسألة السلام في غير موضعه.
والكلام هنا في الثلاثة الأخيرة.

(1) مجمع الفائدة 3: 51، الروضة 1: 235، المسالك 1: 32.
(2) الخلاف 1: 322.
(3) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 345، والشهيد الثاني في روض الجنان 330.
19

فإن كان عمدا فهو إما يكون بالبدن كله أو الوجه خاصة، وعلى التقديرين
إما يكون إلى الخلف، والمراد به ما يجاوز عن أحد الجانبين وإن لم يبلغ مقابل
القبلة، ولذا تراهم قابلوه باليمين والشمال، أو إلى أحد الجانبين، أو إلى ما بينه
وبين القبلة.
فعلى الأول، فإن كان إلى الخلف يبطل بالاجماع، والمستفيضة من الصحاح
وغيرها الآتية.
وإلا فعلى الأقوى، إن بلغ أحد الجانبين، وفاقا لنهاية الشيخ والمعتبر
وروض الجنان والذكرى والبيان والروضة وشرح الجعفرية وشرح القواعد
والحدائق (1) والمعتمد، بل للأكثر، بل للجميع كما يظهر من اشتراطهم في بحث
القبلة عدم الانحراف عمدا ولو يسيرا، وهو قرينة على أن مرادهم من الالتفات
الغير المبطل هنا هو الالتفات بالوجه خاضة، كما صرح به بعضهم أيضا (2)، وقد
استعمل كثيرا مطلقا فيه كما يظهر للمتتبع، وإن أمكن حمل كلامهم في القبلة على
ما إذا صلى على غير القبلة، وهنا على ما إذا التفت بدون ايقاع شئ من الصلاة حينئذ.
للمستفيضة من الصحاح وغيرها، كصحيحة ابن أذينة: عن رجل رعف
وهو في الصلاة وقد صلى بعض صلاته، فقال: " إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله
أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت، وليبن على صلاته، فإن لم يجد الماء حتى
يلتفت فليعد الصلاة " (3).
وزرارة: " الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله " (4).

(1) النهاية: 94، المعتبر 2: 260، الروض: 332، الذكرى: 216، البيان: 182، الروضة 1:
236، جامع المقاصد 2: 347، الحدائق 9: 31.
(2) انظر: الذخيرة: 353.
(3) الفقيه 1: 239 / 1056، الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 1.
(4) التهذيب 2: 199 / 780، الإستبصار 1: 405 / 1543، الوسائل 7: 244 أبواب قواطع
الصلاة ب 3 خ 3.
20

ومحمد: عن رجل يلتفت في الصلاة؟ قال: " لا " (1).
وحسنة الحلبي: " إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة
إذا كان الالتفات فاحشا " (2).
والمروي في الخصال: " الالتفات الفاحش يقطع الصلاة " (3).
ومرسلة الفقيه: " ولا تلتفت عن يمينك ولا عن يسارك، فإن التفت حتى
ترى من خلفك وجب عليك إعادة الصلاة " (4).
والمستفيضة الآتية المصرحة بالبطلان بتقلب الوجه وصرفه وتحويله، اللازمة
للالتفات بالجميع.
وأما رواية عبد الحميد: عن الالتفات، أيقطع الصلاة؟ قال: " لا، وما
أحب أن يفعل " (5).
فهي عامة مطلقة بالنسبة إلى ما مر من جهة الالتفات والصلاة حيث تشمل
النافلة أيضا، فتخصص بما مر، سيما مع أن الأخبار المبطلة معاضدة بأشهريتها
رواية، وبالموافقة لقوله سبحانه: (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (6).
وأما مفهوم خبري قرب الإسناد والمستطرفات، وصحيحة علي الآتية (7) فلا
يفيد الجواز في غير الخلف، لأن مفهومها ما ذكر فيها بقوله. " وإن كانت نافلة "
وبقوله: " إن كان في مقدم ثوبه أو جانبيه " ومثل ذلك لا يعتبر فيه مفهوم أخر،

(1) الكافي 3: 366 الصلاة ب 50 ح 12، التهذيب 2: 199 / 781، الإستبصار 1:
405 / 1544، الوسائل 7: 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.
(2) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 10، التهذيب 2: 323 / 1322، الإستبصار 1:
405 / 1547، الوسائل 7: 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.
(3) الخصال 2: 622، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 7.
(4) الفقيه 1: 197 / 917، الوسائل 5: 509 أبواب القيام ب 15 ح 3.
(5) التهذيب 2: 200 / 784، الإستبصار 1: 405 / 1546، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع
الصلاة ب 3 ح 5.
(6) البقرة: 144.
(7) في ص: 23.
21

لانتفاء التبادر المثبت للمفهوم، مع أن الصحيحة مختصة بالالتفات بالوجه كما
يأتي.
وأما مفهوم الحسنة والمرسلة، فلا ينافي ما مر، لأن الالتفات إلى أحد
الجانبين فاحش جدا وموجب لرؤية الخلف قطعا.
وإن لم يبلغ حد أحد الجانبين (1) فمع الاشتغال بشئ من أجزاء الصلاة
قطع صلاته إجماعا؟ له، ولأدلة اشتراط الاستقبال في أجزائها.
بل لولاه للغى شرط الاستقبال في الصلاة، إذ لا فرق في الأجزاء بين قليلها
وكثيرها إجماعا.
وإن لم يشتغل به فالظاهر عدم البطلان، لتعارض مفهوم المرسلة مع بعض
المبطلات بالخصوص المطلق، فيخصصه، ومع بعض آخر بالعموم من وجه،
وحيث لا مرجح يرجع إلى الأصل وهو مع الصحة.
نعم لو التفت إلى قريب من أحد جانبيه بحيث يعد فاحشا عرفا، ويكون
موجبا لرؤية الخلف - حيث إن الخلف لا يختص بنقطة مقابل القبلة ويمكن رؤية
الخلف قبل البلوغ حد أحد الجانبين أيضا - يمكن القول أيضا بكونه مبطلا.
ولا يلزم منه الابطال في غير هذه الصورة بالاجماع المركب، لأنه غير ثابت.
نعم لو ثبت لكان مفيدا. ولا يعارضه حينئذ ضم الاجماع المركب مع ما
دون ذلك والحكم بالصحة؟ لأن هذا الحكم يكون حينئذ بالأصل، فلا يعارض
ما ثبت من جهة الدليل.
وعلى الثاني (2)، فإن كان إلى الخلف - وهو أمر جائز على ما ذكرنا من تعميم
الخلف، سيما مع أن الالتفات بالوجه إلى خصوص شئ يحصل بميله إليه وإن لم
ينقلب كله إليه - فيبطل أيضا، وفاقا لظاهر النهاية والجمل والخلاف والسرائر

(1) أي: إذا كان الالتفات بجميع البدن ولم يبلغ أحد الجانبين.
(2) وهو: إذا كان الالتفات بالوجه خاصة.
22

والوسيلة والغنية والشرائع والنافع والتذكرة والمنتهى والتحرير والارشاد ونهاية
الإحكام والقواعد والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني (1)، وغير ذلك، بل هو
مذهب الأكثر حيث ذكروا البطلان بالالتفات إلى ما وراءه، وهو يصدق على
الالتفات بالوجه وإن لم لكن صريحا، ولذا قال المحقق الثاني: لا تصريح
للأصحاب فيه (2).
لخصوص صحيحة علي: عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد
انخرق أو أصابه شئ، هل يصلح له أن ينظر فيه أو يفتشه؟ قال: " إن كان في
مقدم ثوبه أو جانبه فلا بأس، وإن كان في مؤخره فلا يلتفت، فإنه لا يصلح " (3).
ولغير الصحيحة الثانية من الأخبار المتقدمة.
وصحيحة زرارة: " ثم استقبل القبلة بوجهك، ولا تقلب وجهك عن القبلة
فتفسد صلاتك " (4).
وقريبة منها حسنته (5)، ومرسلة الفقيه (6).
وحسنة الحلبي: " وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكتم فقد
قطع صلاته " (7).

(1) النهاية: 94، الجمل والعقود (الرسائل العشر: 184، الخلاف: لم نجد فيه مبحث الالتفات،
السرائر 1: 243، الوسيلة: 97، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، الشرائع 1:
91، النافع: 34، التذكرة 1: 132، المنتهى 1: 307، التحرير 1: 43، الإرشاد 1:
268، نهاية الإحكام 1: 522، القواعد 1: 36، الذكرى: 217، جامع المقاصد 2: 347.
(2) جامع المقاصد 2: 348.
(3) التهذيب 2: 333 / 1374، قرب الإسناد 191 / 716، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة
ب 3 ح 4.
(4) الكافي 3: 300 الصلاة ب 16 ح 6، الفقيه 1: 680 / 851، التهذيب 2: 286 / 1146،
الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 3.
(5) الفقيه 1: 180 / 855، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 2.
(6) الفقيه 1: 197 / 917، الوسائل 5: 509 أبواب القيام ب 15 ح 3.
(7) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 10، التهذيب 2: 323 / 1322، الإستبصار 1:
405 / 1547، الوسائل 7: 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.
23

ورواية أبي بصير: " إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد " (1).
ومحمد، وفيها: " فإذا حول وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا " (2).
والمرويات في قرب الإسناد، والمسائل، والمستطرفات: " إذا كانت الفريضة
والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلى ولا يعتد به، لأن كانت نافلة
فلم يقطع ذلك صلاته " (3). وغير ذلك.
خلافا لثاني الشهيدين في شرح الألفية ناسبا له إلى ظاهر الأصحاب،
وللمحكي عن ظاهر المعتبر (4)، فلا يبطل، لصحيحة الفضيل، ورواية القماط،
المتقدمتين في النقض بالحدث (5)، ومفهوم صحيحة زرارة الأولى (6)، ورواية
عبد الحميد (7).
ويجاب عن جميع ذلك: بعدم حجية الأولتين، لورودهما في حق المحدث،
وصلاته باطلة كما مر.
وتعارض باقييها مع كثير مما ذكر وإن كان بالعموم من وجه، إلا أن صحيحة
علي أخص مطلقا منهما، إذ المراد بالالتفات فيها الالتفات بالوجه قطعا - إذ لو كان
بكل البدن لما أمكن التفتيش، لانتقال الثوب بانتقاله أيضا - فهو المراد قطعا بل
خاصة، فيخصصان بها.

(1) الفقيه 1: 239 / 1057، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 6.
(2) التهذيب 2: 184 / 732، الإستبصار 1: 368 / 1401، الوسائل 8: 209 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 6 ح 2.
(3) قرب الإسناد: 210 / 820، مستطرفات السرائر: 53 / 2، الوسائل 7: 246 أبواب قواطع
الصلاة ب 3 ح 8.
(4) المعتبر 2: 160.
(5) راجع ص: 12.
(6) المتقدمة في ص: 20.
(7) المتقدمة في ص: 21.
24

وإن كان إلى غيره (1) لا يبطل مطلقا، سواء بلغ أحد الجانبين أو لا، وفاقا
لصريح أكثر من ذكر، بل ظاهر الجميع، لصحيحة على، ومفهومي الحسنة
وصحيحة زرارة (2).
خلافا للمحكي عن فخر المحققين، فقال بالبطلان بالالتفات بالوجه
مطلقا (3)، وقواه الأردبيلي في شرح الإرشاد (4)، ومال إليه في المدارك (5)، واستجوده
في الحدائق (6)، وحكي عن جمع آخر من المتأخرين أيضا (7)، للعمومات المتقدمة.
ويرد: بوجوب تخصيصها بما ذكر، لكون الأكثر أخص مطلقا منها حيث إن
غير الفاحش يختص بهذه الصورة على الظاهر، والصحيحة أيضا مخصوصة
بالالتفات بالوجه خاصة، كما مر.
هذا كله في العمد.
وأما السهو فهو أيضا كالعمد على الأقوى في جميع الصور، إلا إذا لم يبلغ
الالتفات بالبدن كله إلى أحد الجانبين، فلا يبطل حينئذ وإن اشتغل بالصلاة حين
الالتفات، والتفت بالوجه إلى الخلف (8).
أما الأول فلا طلاق أكثر الأدلة المذكورة بالنسبة إلى العمد والسهو، فيتحد
مقتضاها في الحالين.
وليس دليل آخر مخالف في الحكم يختص بصورة السهو سوى ما قد يتوهم

(1) أي: إذا كان الالتفات بالوجه، وكان إلى غير الخلف.
(2) المتقدمتين في ص: 20 و 21.
(3) قال في الذكرى: 217: كان بعض مشايخنا المعاصرين يرى أن الالتفات بالوجه يقطع الصلاة.
وقال في الحدائق 9: 34: والظاهر أنه فخر المحققين ابن العلامة كما نقله غير واحد من
الأصحاب.
(4) مجمع الفائدة 3: 62.
(5) المدارك 3: 461.
(6) الحدائق 9: 35.
(7) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 219، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 241.
(8) أي:... ولا إذا التفت بالوجه إلى الخلف، فلا يبطل إذا كان سهوا.
25

من بعض الأخبار الواردة في الصلاة على غير القبلة، الفارقة بين الوقت وخارجه
في الإعادة (1)، المتقدمة في بحث القبلة.
وهو خطأ، لأنها إما صريحة في خطأ القبلة أو ظاهرة فيه، ولا دخل لها
بالسهو.
مع أنها أيضا لا تنافي شيئا مما ذكر، لأن موردها الانحراف بكل البدن، لأنه
معنى الصلاة على غير القبلة، وقد حكم فيها بالإعادة. وأما نفي القضاء في
بعضها فلا يضر، لأنه بأمر جديد.
وأما رواية ابن الوليد: عن رجل تبين له وهو في الصلاة أنه على غير
القبلة، قال: " يستقبلها إذا أثبت ذلك " (2) فلاجمالها - حيث يحتمل إرجاع الضمير
في " يستقبلها " إلى كل من الصلاة والقبلة - لا يصلح منشأ لحكم.
وأما الثاني فلموثقة الساباطي: في رجل صلى على غير القبلة، فيعلم وهو
في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: " إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب
فليحول وجهه إلى القبلة حين يعلم، وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع
الصلاة، ثم يحول وجهه إلى القبلة، ثم يفتتح الصلاة " (3).
فإنها مختصة بالساهي والخاطئ بقرينة قوله: (فيعلم.... " وهي إما
أخص مطلقا من عمومات القطع بالالتفات إن قلنا بشمولها أيضا للخاطئ كما
تشمل الساهي والعامد، فتخصص بها، أو من وجه، فيرجع إلى أصل الصحة.
وأما الثالث فلأنك قد عرفت أن الابطال فيه مستند إلى صحيحة على،
وهي مخصوصة بالعمد.
وأما إن كان مكرها، فإن كان بالاختيار - كان يأمره قاهر بالالتفات - فهو

(1) انظر: الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 11.
(2) التهذيب 2: 48 / 158، الإستبصار 1: 297 / 1096، الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10
ح 3.
(3) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 8، التهذيب 2: 48 / 159، الإستبصار 1: 298 / 1100،
الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 4.
26

كالسهو أيضا، لاتحاد الدليل.
وإن كان اضطرارا - كان يقلبه متغلب عن القبلة - فإن كان بالوجه مطلقا،
والبدن إلى غير أحد الجانبين وما وراءه، لم يبطل قطعا، للأصل السالم عن
المعارض، لعدم شمول غير صحيحة زرارة: " الالتفات يقطع الصلاة إذا كان
بكله " (1) ورواية الخصال (2) من المبطلات لهذه الصورة قطعا.
وهما وإن شملتاها إلا أنهما معارضتان في غير ما كان بالكل، فيرجع فيه إلى
الأصل. وكذا فيما كان بالكل من غير تفاحش.
مع أن عدم الابطال حينئذ عمدا يوجب عدمه هنا بطريق أولى.
وإن كان بالكل إلى أحد الجانبين أو ما وراءه فمقتضى إطلاق الصحيحة
والرواية الابطال، وبهما تخصص رواية عبد الحميد (3).
إلا أن هذا إذا لم نقل بظهور لفظ الالتفات فيما كان بعمل الملتفت
واختياره، وإلا فلا تبطل بالالتفات الاضطراري من حيث هو مطلقا، إلا أن
يترتب عليه أمر آخر من فعل كثير، أو خروج عن صورة الصلاة، أو نحوهما.
ثم إن كثيرا من الأخبار المتقدمة وإن كان اختص بواسطة التقييد أو الأمر
بالإعادة بالفرائض، إلا أن بعضها يشمل النوافل أيضا.
ولكن ورد في جملة من النصوص الفرق بينهما بتخصيص الحكم بالأولى،
كما في المرويات في قرب الإسناد والمسائل والمستطرفات (4). وفيما خص البطلان
بالمكتوبة أيضا ايماء إليه.
فالقول بعدم البطلان فيها ما لم يمح صورة الصلاة ولم يشتغل حين
الالتفات بالكل بأجزاء الصلاة أجود.

(1) تقدمت في ص: 20.
(2) المتقدمة في ص: 21.
(3) المتقدمة في ص: 21.
(4) المتقدمة في ص: 24.
27

الرابع:
التكلم عمدا بغير أجزاء الصلاة الواجبة أو المستحبة إلا ما يجئ استثناؤه،
إجماعا محققا، ومحكيا في كلام جماعة، منهم: الخلاف والتذكرة والمنتهى والذكرى
وغيرها (1)، له، وللنصوص المتقدم بعضها.
و منها. صحيحة محمد وفيها: " فإن تكلم فليعد الصلاة " (2).
ومرسلة الفقيه: " من تكلم في صلاته ناسيا كبر تكبيرات، ومن تكلم في
صلاته متعمدا فعلية إعادة الصلاة، ومن أن في صلاته فقد تكلم " (3).
ومقتضى إطلاقها بطلان الصلاة بما يصدق عليه التكلم مطلقا، ومنه ما
تركب من حرفين فتبطل به أيضا، كما صرح به في الخلاف والسرائر والشرائع
والنافع والقواعد والمنتهى والتذكرة وشرح القواعد والذكرى (4)، وغيرها، بل في
الثلاثة الأخيرة الاجماع عليه.
وهل يشترط التركب منهما، فلو نطق بحرفين من غير تركيب كأن يقول: ب
ت لم يبطل، أو لا يشترط؟.
الظاهر الأول سيما مع قليل فصل، لعدم ثبوت الصدق ولا الاجماع.
والظاهر عدم اشتراط الافهام والوضع للمعنى فيهما، فلو تكلم بالمهمل
بطلت، كما صرح به في نهاية الإحكام (5)، لصدق التكلم عرفا.
ولا تبطل بالحرف الواحد الغير الموضوع، على ما قطع به الأصحاب كما في

(1) الخلاف 1: 403، التذكرة 1: 129، المنتهى 1: 308، الذكرى: 216، وانظر الغنية
(الجوامع الفقهية): 558.
(2) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 9، التهذيب 2: 323 / 1323، الوسائل 7: 282 أبواب
قواطع الصلاة ب 25 ح 7.
(3) الفقيه 1: 232 / 1029، الوسائل 7: 281 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 2.
(4) الخلاف 1: 407، السرائر 1: 225، الشرائع 1: 91، النافع: 34، القواعد 1: 35، المنتهى
1: 308، التذكرة 1: 129، جامع المقاصد 2: 341، الذكرى: 216.
(5) نهاية الإحكام 1: 515.
28

المدارك (1)، بل بلا خلاف كما في التذكرة (2)، بل إجماعا كما في المنتهى والذكرى (3)،
للأصل، وعدم صدق التكلم، ولا أقل من الشك فيه.
وأما الموضوع منه فيبطل، وفاقا لصريح جماعة، منهم: المنتهى والمدارك
والذكرى وشرح القواعد (4)، لصدق التكلم عرفا، كما صرح به نجم الأئمة (5)،
وحكي عن شمس العلوم (6)، ونسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب (7). فإنه
لو قال أحد: ق، بعد سؤال غيره عنه. هل أقيه أم لا؟ يقال: تكلم.
واستشكل فيه في نهاية الإحكام والتذكرة (8)، وتردد في القواعد (9).
وهو للشك في الصدق.
ومفهوم قولهم: النطق بحرفين فصاعدا.
ويدفع الأول: بما مر.
والثاني: بأنه في أعم من المفهم وغيره، مع أن كلامهم وارد في الغالب
الشائع.
والمراد بالموضوع الموضوع لمعنى ولو كان لفظا، فتبطل بالتكلم بلفظة ف و
ب وت ونحوها، لكونها موضوعة للباء والفاء والتاء.
ولا يشترط في الوضع كونه وضعا لغويا أو عرفيا عاما، بل يكفي الوضع
مطلقا ولو عند المتكلم وشخص آخر، أو في لغة غير معروفة؟ لصدق التكلم في
الجميع.

(1) المدارك 3: 463.
(2) التذكرة 1: 130.
(3) المنتهى 1: 309، الذكرى: 216.
(4) المنتهى 1: 309، المدارك 3: 463، الذكرى: 216، جامع المقاصد 2: 341.
(5) شرح الكافية: 2.
(6) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 238.
(7) الحدائق 9: 18.
(8) نهاية الإحكام 1: 515، التذكرة 1: 130.
(9) القواعد 1: 35.
29

نعم يشترط قصد المتكلم منه الحرف الموضوع، بل معناه الموضوع له،
لعدم معلومية الصدق بدونه.
ولا تبطل بالحرف الواحد الممدود ولو بقدر خمسة أحرف، ولا بالمشبع ما لم
يحصل من الاشباع حرف آخر ظاهر، للشك في الصدق.
وتبطل بحرف بعده حرف مد، لصدق الحرفين.
فروع:
أ: يستثنى من الكلام المبطل كل ما كان ذكر الله سبحانه أو دعاء وطلبا منه،
للمستفيضة من النصوص، منها مرسلة حماد: " كل ما كلمت الله به في صلاة
الفريضة فلا بأس وليس بكلام " (1).
ومرسلة الفقيه: " كل ما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام " (2).
وصحيحة ابن مهزيار: عن الرجل، يتكلم في صلاة الفريضة بكل شئ
يناجي ربه؟ قال: " نعم " (3).
ورواية عبد الله بن هلال، وفيها: فأدعو في الفريضة واسمي حاجتي؟
فقال: " نعم قد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدعا على قوم
بأسمائهم وأسماء آبائهم، وفعله علي عليه السلام بعده " (4).
وصحيحة الحلبي: " كل ما ذكرت الله والنبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو
من الصلاة " (5).

(1) الكافي 3: 302 الصلاة ب 17 ح 5، التهذيب 2: 325 / 1330، الوسائل 7: 264 أبواب
قواطع الصلاة ب 13 ح 3.
(2) الفقيه 1: 208 / 939، الوسائل 6: 289 أبواب القنوت ب 19 ح 4.
(3) التهذيب 2: 326 / 1337، الوسائل 7: 263 أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 1.
(4) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 11، مستطرفات السرائر: 98 / 20، الوسائل 6: 371
أبواب السجود ب 17 ح 3.
(5) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 6، التهذيب 2: 316 / 1293، الوسائل 7: 263 أبواب
قواطع الصلاة ب 13 ح 2.
30

وصحيحة إسماعيل بن الفضل: عن القنوت وما يقال فيه، فقال: " ما
قضى الله على لسانك، ولا أعلم فيه شيئا موقتا " (1).
وصحيحة الحلبي (2)، المتقدمة في القنوت أيضا.
والأخبار المصرحة بجواز التسبيح لإرادة الحاجة، كموثقة الساباطي (3)،
وصحيحتي علي (4) والحلبي (5)، إلى غير ذلك.
وتؤكده عمومات الأمر بالذكر والدعاء والتمجيد في كل حال، أو في
السجود (6).
ومقتضى إطلاق الجميع جواز ذلك في كل حال من حالات الصلاة، سواء
كان قائما أو قاعدا، راكعا أو ساجدا، قائما أو متشهدا، ما لم يخل بشئ من
الصلاة، كالدعاء الطويل في خلال القراءة.
والظاهر - كما صرح به بعضهم - أنه إجماعي أيضا إذا كان ذلك
بالعربية (7).
ومقتضى الأصل وعموم كثير من الأخبار المذكورة جوازه بغير العربية أيضا،
كما حكى القول به بعض من تأخر (8).
بل هو مختار الشيخ في النهاية (9)، وإن قيده بمن لم يحسن العربية، ولكن

(1) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 8، التهذيب 2: 314 / 1281، الوسائل 6: 277 أبواب
القنوت ب 9 ح 1.
(2) الفقيه 1: 207 / 933، الوسائل 6: 278 أبواب القنوت ب 9 ح 4.
(3) الفقيه 1: 242 / 1077، الوسائل 7: 255 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 4.
(4) التهذيب 2: 331 / 1363، قرب الإسناد: 200 / 767، الوسائل 7: 256 أبواب قواطع
الصلاة ب 9 ح 6.
(5) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 7، الفقيه 1: 242 / 1075، الوسائل 7: 254 أبواب
قواطع الصلاة ب 9 ح 2.
(6) كما في الوسائل 6: 370 أبواب السجود ب 17.
(7) كما في الإنتصار: 47.
(8) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 333.
(9) النهاية: 74.
31

لعدم إيجاب العجز عن العربية في غير الواجبات لتجويز ما لا يجوز، يفهم تجويزه
مطلقا.
والفاضل في المنتهى والتذكرة والتحرير والقواعد والمختلف، والتنقيح وكنز
العرفان والدروس والبيان والكفاية وشرح الإرشاد للأردبيلي (1).
وهو المحكي عن الشيخ المتقدم محمد بن الحسن الصفار وابن بابويه (2)،
والمحقق (3)، وغيرهم.
ونسبه في شرح القواعد إلى الشهرة بين الأصحاب، بل قال: إنه لا يعلم
قائل بالمنع سوى سعد (4).
وكلام أكثر هؤلاء وإن كان في القنوت، إلا أن الظاهر عدم الفرق، بل غيره
أولى منه بالجواز، حيث إنه أمر موقف.
خلافا للمحكي عن سعد بن عبد الله فمنعه (5)، ونقله والدي - طاب ثراه -
عن جماعة واختاره، كطائفة من مشايخنا المعاصرين (6).
للاقتصار في الكلام المنهي عنه، على الظاهر حصول الرخصة فيه (7).
وانصراف الأخبار المجوزة إلى الكلام المتعارف عندهم.
وتوقيفية العبادة.
وقوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي " (8).

(1) المنتهى 1: 310، التذكرة 1: 125، التحرير 1: 42، القواعد 1: 35، المختلف 1: 98،
التنقيح 1: 215، كنز العرفات 1: 145، الدروس 1: 171، البيان: 180، الكفاية: 20
مجمع الفائدة 2: 302.
(2) انظر: الفقيه 1: 208.
(3) المعتبر 2: 241.
(4) جامع المقاصد 2: 322.
(5) حكاه عنه في الفقيه 1: 208.
(6) كالسيد بحر العلوم في الدرة النجفية: 149، وصاحب الحدائق 8: 371.
(7) أي: على ما هو ظاهر حصول الرخصة فيه، وهي العربية.
(8) سنن الدارقطني 1: 273 / 2، عوالي اللآلي 1: 197 / 8.
32

والكل ضعيف جدا:
أما الأول، فلحصول الرخصة بما مر. ولو شك فيه من جهة انصراف
المرخصات إلى الكلام المتداول عندهم - مع كونه ممنوعا غايته سيما مع شيوع سائر
اللغات بين أهل الاسلام في زمن الصادقين ومن بعدهما - لجرى مثله في الناهيات
أيضا، فيبقى غير العربي تحت أصل الجواز.
ثم منه يظهر ضعف الثاني أيضا. مع أن الانصراف إلى الشائع إنما هو في
المطلقات، وأكثر ما ذكر عمومات، وإرجاع عمومها إلى المعاني دون الألفاظ - كما
قيل - تخصيص بلا دليل.
وأما الثالث، فلتحقق التوقيف بما مر. مع أن المحتاج إلى التوقيف من
العبادات هو أجزاؤها وشرائطها، وهي معلومة في الصلاة، لا ما يخرج منها.
ومنه يظهر ضعف الرابع أيضا، فإن مورد النزاع ليس من الصلاة.
هذا كله إنما هو في غير الأذكار الواجبة.
وأما الواجبة منها فلا تجوز بغير العربية، وإن قلنا بكفاية مطلق الذكر في
الركوع والسجود، بالاجماع بل الضرورة الدينية.
وهل يشترط في جواز الأذكار ونحوها قصد القربة بها، وقصد كونها ذكر الله
سبحانه، أم لا؟.
الظاهر الثاني، لعدم توقف صدق الذكر عليه، وللتصريح به في صحيحة
علي: عن الرجل يكون في صلاته، وإلى جنبه رجل راقد، فيريد أن يوقظه،
فيسبح ويرفع صوته، لا يريد إلا أن يستيقظ الرجل، أيقطع ذلك صلاته؟ وما
عليه؟ قال: " لا يقطع ذلك صلاته، ولا شئ عليه " (1).
ب: ذكر جماعة من الأصحاب اشتراط جواز الدعاء بعلم كونه سؤال شئ
محرم، فلو طلب محرما بطلت صلاته (2). قيل: بلا خلاف أجده (3)، وعن

(1) قرب الإسناد: 200 / 766، الوسائل 7: 257 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 9.
(2) كما في جامع المقاصد 2: 322، والمدارك 3: 476، وكشف اللثام 1: 239.
(3) الرياض 1: 182.
33

التذكرة. الاجماع عليه (1).
واستدل له بعموم النهي عن التكلم (2)، فيقتصر في التعدي عنه على
المتيقن، وهو ما جاز طلبه، لاختصاص أكثر مجوزات الدعاء به، باعتبار تجويز
تكلمه، أو الأمر به، أو نفي البأس عنه، وشئ منها لا يتحقق في المحرم.
أقول: إن ثبت الاجماع فهو. وإلا فإن ثبت حرمة طلب المحرم من الله
سبحانه فكذلك أيضا، لما ذكر. وإلا - كما هو الظاهر، إذ لا دليل أجده يوجب
حرمة سؤال المحرم من الله سبحانه - فللنظر فيه مجال، لصدق التكلم مع الله، أو
المناجاة معه، إلا أن يدعى تبادر غير سؤال المحرم منه، ولكنه للمنع قابل، وأمر
الاحتياط واضح.
نعم لو كان نفس السؤال محرما فلا شك في الابطال به، لما ذكر.
ثم إنه هل يتقيد الحكم بالبطلان فيما يبطل بصورة العلم بحرمة المدعو به
أو الدعاء، أم لا؟.
الظاهر التفصيل بالتقصير وعدمه، فإن كان مقصرا في تحصيل العلم
تبطل، وإلا فلا.
ج: لو قرأ دعاء غلطا فلو أخرجه عن كونه دعاء بطلت الصلاة، بأن يغير
المعنى إلى ما لا معنى له، أو له معنى غير الدعاء، سواء كان الغلط في
الكلمة، أو الحرف، أو الاعراب. وإلا فلا تبطل. وكذا الكلام في الغلط في
الأذكار المستحبة في الصلاة.
د: الظاهر الاجماع على استثناء القرآن أيضا، فتجوز قراءته في جميع حالات
الصلاة ما لم يتحقق بها القران بين السورتين.

(1) التذكرة 1: 131.
(2) كما في كشف اللثام 1: 239.
34

وتدل عليه أيضا عمومات الأمر بقراءة القرآن فيها (1)، تعارض ما نهى عن
التكلم، ويرجع في موضع التعارض إلى الأصل.
ويدل على جواز ما كان منه ذكر الله أو دعاء ما مر من الأخبار، وحيث كان
الدليل في غير ما كان كذلك الاجماع والعمومات، فيقتصر فيه على ما يدلان عليه.
فلو قرأ آية لمحض الافهام، كما إذا قال مستفهما ما بيد شخص اسمه موسى:
(وما تلك بيمينك يا موسى) لم يجز، لعدم الاجماع، ولا قصد التقرب حتى
يشمله الأمر.
وبما ذكر يظهر اشتراط كون القراءة مما لم يمنع منه الشرع، كآية السجدة في
الفريضة، أو القران بين السورتين فيها.
ه‍: لا فرق في الكلام بين ما كان لمصلحة الصلاة وبين غيره، بالاجماع، كما
عن الخلاف والمنتهى والتذكرة (2)، لاطلاق الأدلة.
و: في حكم العمد الجهل بالابطال، أو بكون هذا الكلام مبطلا؟ لعموم
الأدلة، وظاهر المنتهى الاجماع عليه، حيث نسب الخلاف إلى الشافعي (3).
وكذا الاكراه على الأقوى، وفاقا لنهاية الإحكام والتذكرة والتحرير (4)،
والجعفرية، لعموم النصوص والفتاوى.
وخلافا للقواعد، وظاهر الذكرى والمدارك وشرح الجعفرية، فترددوا (5).
للأصل.
وحصر وجوب الإعادة في الخمسة.

(1) كما في الوسائل 6: 186 أبواب قراءة القرآن ب 11.
(2) الخلاف 1: 402، المنتهى 1: 308، التذكرة 1: 129.
(3) المنتهى 1: 308.
(4) نهاية الإحكام 1: 516، التذكرة 1: 130، التحرير 1: 43.
(5) القواعد 1: 35، الذكرى: 216، المدارك 3: 464.
35

ورفع ما استكرهوا عليه.
وتبادر الاختيار من الاطلاق.
ويرد الأول: بالاطلاقات.
والثاني: بأعمية ما عدا موضع الحصر عن التكلم مطلقا، فيخص بأدلة
إبطاله.
والثالث: بعدم الدلالة، إذ غاية ما يسلم رفع المؤاخذة.
والرابع: بالمنع.
والفرق بين ضيق الوقت واتساعه، والبطلان في الثاني، لما مر، والصحة في
الأول، لأنه مع الضيق مضطر إلى فعله مؤد لما عليه.
مردود: بأنه مع السعة أيضا كذلك، ولا دليل على أن الضيق لشرط في
الاضطرار، ولا على إعادة المضطر إذا بقي الوقت.
ز: وإن كان التكلم سهوا عن كونه في الصلاة، أو غفلة بأن يسبق على لسانه
من غير قصد، أو ظنا لخروجه عنها، لم تبطل الصلاة، إجماعا في الأولين، وعلى
الأصح الأشهر في الثالث.
وفي الناصريات والتذكرة والمنتهى وغيرها: الاجماع على الأول (1).
فهو الحجة فيه، مضافا إلى النصوص المستفيضة كصحيحة الفضيل،
ومرسلة الفقيه المتقدمتين (1).
وصحيحة البجلي: عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة، يقول: أقيموا
صفوفكم، قال: " يتم صلاته، ثم يسجد سجدتين " (3) الحديث.

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 199، التذكرة 1: 130، المنتهى 1: 309، وانظر: الذكرى:
216.
(2) في ص: 12 و 28.
(3) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 4، التهذيب 2: 191 / 755، الإستبصار 1:
378 / 1433، الوسائل 8: 206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 4 ح 1.
36

وزرارة: في الرجل يسهو في الركعتين، ويتكلم، قال: " يتم ما بقي من
صلاته تكلم أو لم يتكلم، ولا شئ عليه " (1).
وبما ذكر يقيد إطلاق بعض الأخبار إن شمل الساهي أيضا (2).
ومنه تظهر الحجة في الثاني، لصدق السهو. مضافا إلى ظهور رواية عقبة:
في رجل دعاه رجل وهو يصلي، فسها، فأجابه لحاجته، قال: " يمضي على
صلاته، ويكبر تكبيرا كثيرا " (3) فيه بخصوصه.
وأما حجة الثالث: فصحيحة محمد: في رجل صلى ركعتين من المكتوبة،
فسلم، وهو يرى أنه قد أتم الصلاة، وتكلم، ثم ذكر أنه لم يصل غير ركعتين،
فقال: " يتم ما بقي من صلاته، ولا شئ عليه " (4).
والمستفيضة الواردة في سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإتمامه مع
تكلمه، واستفهامه عن ذي الشمالين أو غيره، كصحيحة الأعرج (5)، وموثقة
سماعة (6)، وغيرهما.
خلافا للمحكي عن الشيخ في بعض أقواله (7)، وعن الحلبي (8)، وبعض

(1) التهذيب 2: 191 / 756، الإستبصار 1: 378 / 1434، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 3 ح 5.
(2) انظر: الوسائل 7: 281 أبواب قواطع الصلاة ب 25.
(3) التهذيب 2: 351 / 1456، الإستبصار 1: 378 / 1435، الوسائل 8: 206 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 4 ح 2.
(4) التهذيب 2: 191 / 757، الإستبصار 1: 379 / 1436، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 3 ح 9.
(5) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 6، التهذيب 2: 345 / 1433، الوسائل 8: 203 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16.
(6) الكافي 3: 355 الصلاة ب 42 ح 1، التهذيب 2: 346 / 1438، الإستبصار 1:
369 / 1405، الوسائل 8: 201 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 11.
(7) انظر: النهاية: 90.
(8) حكاه عنه في المختلف: 101.
37

آخر (1).
ولم أعثر لهم على دليل معتبر، ولعله لبعض الاطلاقات (2)، الواجب تقييده
بما مر لو سلم شموله لمثله. وإن لم يشمله - كما قيل (3) - حيث إن الظاهر من التكلم
عمدا في الصلاة أن يعلم أنه فيها، ومن ظن خروجه منها لم يتعمد الكلام في
الصلاة، ارتفع الاشكال رأسا، ولا يحتاج إلى تقييد.
ومنه يظهر أنه لو تكلم بعد السلام مع احتماله عدم الاتمام، كأن يسأل عن
التمام ونحوه، لم تبطل الصلاة أيضا، وإن لم أعثر على مصرح بالصحة هنا. ولكن
يحتمل شمول ظن الاتمام في كلماتهم له أيضا، لعدم صدق التكلم عمدا في
الصلاة.
وتدل عليه أخبار سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم صريحا. ولا يوجب
اشتمالها على سهوه ضعفا؟ لأن المسلم امتناع سهوه لا إسهائه.
وأما لو تكلم عمدا بعد العلم بعدم تمامية الصلاة فتبطل صلاته قطعا،
لصدق التعمد بالتكلم في الصلاة، وكأنه إجماعي أيضا.
وأما صحيحة الرازي: كنت مع أصحاب لي في سفر، وأنا إمامهم،
وصليت بهم المغرب، فسلمت في الركعتين الأوليين، فقال أصحابي: إنما صليت
بنا ركعتين، فكلمتهم، وكلموني، فقالوا: أما نحن فنعيد، فقلت: لكني لا أعيد
وأتم بركعة، فأتممت بركعة، ثم سرنا، فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فذكرت له
الذي كان من أمرنا، فقال: " انظر كنت أصوب منهم فعلا " (4).
- حيث صوب عليه السلام فعله، مع قوله: لكني لا أعيد وأتم بركعة -
فمحمول على قوله ذلك في نفسه لا بلسانه، أو بفعله أي: فعلت ذلك،

(1) كابن حمزة في الوسيلة 102.
(2) كما في الوسائل 7: 282 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 7 و 8.
(3) الحدائق 9: 25.
(4) الفقيه 1: 228 / 1011، التهذيب 2: 181 / 726، الإستبصار 1: 371 / 1411، الوسائل
8: 199 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 3.
38

أو على سبق اللسان من غير قصد.
وأما كون القوم مصيبين أيضا - كما يدل عليه التفضيل - فلأنهم كلموا
بالأجنبي كما صرح به قوله: " فقال أصحابي " فكان حكمهم الإعادة.
. وأما أصوبية الرازي فلأنه لم يتكلم وأتم، وهذا أصوب ممن تكلم وأعاد.
فإن قلت: بناء على وجوب الاتمام - كما هو المذهب - يكون التكلم حراما
لا صوابا، ولذا جرد الصيغة بعضهم عن معنى الأفضلية (1)، ورخص آخر في
الإعادة (2).
قلت: لعل تكلمهم كان جهلا من غير تقصير، فلا يكون حراما وتجب
عليهم الإعادة، ويكون هذا حكمهم، ولكن الأصوب ما فعله الرازي.
ويمكن أن يكون تصويبهم في مجرد الإعادة بعد التكلم يعني: أنهم أصابوا
في الإعادة لتكلمهم، وهو في (الاتمام) (3) ولكنه أصوب، لأن ما فعل هو الواجب
عليه ابتداء، وما فعلوا وجب عليهم بفعل محرم، فتأمل.
ح: لا تبطل الصلاة بالتنحنح، والتنخم، والتأوه، والأنين، ونفخ موضع،
بالاجماع، له، وللأصل والأخبار.
وأما ما في رواية طلحة وغيرها " من أن في صلاته فقد تكلم " (4).
فلا يدل على البطلان، لعدم كونه كلاما حقيقة. ويمكن أن يكون مجازه
المراد أن: من أن عرض نفسه معرض التكلم، فيقرب أن يصدر منه كلام.
وهل تبطل لو خرج من أحد هذه الأمور حرفان، أم لا؟
صرح جماعة بالأول، لصدق التكلم (5).

(1) انظر: الحدائق 9: 25.
(2) انظر: الوافي 8: 959.
(3) في النسخ: الإعادة.
(4) التهذيب 2: 330 / 1356، الوسائل 7: 281 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 4.
(5) انظر: التذكرة 1: 131، والذكرى: 216.
39

وفيه نظر، لمنع الصدق في مثل هذين الحرفين. فالحق عدم البطلان.
وخصه في المعتبر بما إذا كان التأوه من خوف الله (1).
واعترض بأنه إن كان الجواز من حيث عدم صدق الكلام عليه فلا
اختصاص له بما كان من خوفه سبحانه، وإن كان من حيث الخوف مع صدق
الكلام، فلا دليل على التخصيص (2).
وفيه: أنه لصدق الكلام، ومع الخوف يكون مما ناجى به ربه فيكون
مستثنى، فتأمل.
الخامس: القهقهة، وهي مبطلة للصلاة مع العمد، إجماعا محققا ومحكيا في كلام
جماعة، منهم المعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام والتذكرة والذكرى (3)، له، وللمعتبرة
من النصوص، كصحيحة زرارة: " القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض
الصلاة " (4).
وموثقة سماعة: عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال: " أما التبسم فلا
يقطع، وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة " (5).
وبمعناها مرسلة الفقيه (6)، ورواية الخصال (7).

(1) المعتبر 2: 254.
(2) انظر: الحدائق 9: 190.
(3) المعتبر 2: 254، المنتهى 1: 310، نهاية الإحكام 1: 519، التذكرة 1: 131، الذكرى:
216.
(4) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 6، التهذيب 2: 324 / 1324، الوسائل 7: 250 أبواب
قواطع الصلاة ب 7 ح 1.
(5) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 1، التهذيب 2: 324 / 1325، الوسائل 7: 250 أبواب
قواطع الصلاة ب 7 ح 2.
(6) الفقيه 1: 240 / 1062، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 4.
(7) الخصال: 629، الوسائل 5: 471 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 16.
40

وإطلاقها يشمل الجاهل بالمسألة، وبكونه قهقهة، والمختار، وغيره، كمن
سبقه الضحك بحيث لا يمكنه دفعه، فيبطل مع الاضطرار أيضا، كما صرح به
في الذكرى وشرح القواعد والبيان (1)، بل قيل: يظهر من التذكرة أنه مجمع
عليه (2).
وعن جمل العلم والعمل احتمال عدم البطلان (3)، وظاهر الروضة
التردد (4)، ولا وجه لهما.
وظاهر الاطلاق وإن شمل السهو أيضا إلا أنه خرج بالاجماع المحقق
والمحكي في الذكرى وشرح القواعد ونهاية الإحكام وشرح الجعفرية والتذكرة
وغيرها (5).
ثم المراد بالقهقهة هل هو الضحك المتضمن لصدور قه قه؟ كما عن الديوان
والصحاح والأساس (6).
أو المشتمل على المد والترجيع؟ كما عن العين (7) وابن المظفر، وهو يشمل
بظاهره ترجيع النفس أو الصوت في الصدر أو الحلق.
أو المشتمل على الصوت مطلقا؟ كما عن القاموس (8) والمفصل والمصادر
للزوزني والبيهقي، وقريب منها ما عن المجمل والمقاييس من أنها الاعراب في
الضحك (9) - إن قرى بالمهملة - وهو يشمل بظاهره ظهور الصوت في الحلق أو

(1) الذكرى: 216، جامع المقاصد 2: 349، البيان: 183، وتعمد القهقهة لا التبسم.
(2) الحدائق 9: 39.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 34.
(4) الروضة 1: 234.
(5) الذكرى: 216، جامع المقاصد 2: 349، نهاية الإحكام 1: 519، التذكرة 1: 131، وانظر
المدارك 3: 465.
(6) الصحاح 6: 2246، أساس البلاغة: 380.
(7) العين 3: 341.
(8) القاموس 4: 293.
(9) المجمل لابن فارس 4: 111، المقاييس 5: 5.
41

الخيشوم وإن كان في صدق الصوت على الثاني نظر.
أو المبالغة في الضحك والشدة فيه؟ كما عن شمس العلوم والقاموس أيضا،
بل المجمل والمقاييس، إن قرئ الأغراب بالمعجمة.
أو الترجيع مع الشدة كما عن روض الجنان (1)؟
كل محتمل، إلا أن العرف يوافق أحد الأولين. والأصل يقتضي الأول،
فعليه العمل. وترك الثاني أيضا أحوط سيما إذا اشتمل على الصوت والشدة أيضا.
بل لا بعد في اتحاد ذلك مع الأول، إذ لا يبعد أن يكون المراد بقه قه ما فيه التكرار
والشدة، لا ما تضمن خصوص لفظي القاف والهاء، فيكون ذلك اسما لهذا النوع
من الضحك، كطق طق لضرب شئ له صوت.
ومقابلة القهقهة للتبسم - الذي هوما لا صوت له - لا تدل على أنه يراد
بها ما له صوت مطلقا، إذ لا يفيد الانحصار فيهما، لجواز الواسطة.
ولو سلم فلا دليل على دخول ما له صوت من غير ترجيع وشدة في الأول
مجازا، لجواز أن يدخل في الثاني كذلك.
والتبسم لا يبطل إجماعا نصا وفتوى.
السادس: الفعل الكثير الخارج من الصلاة، ذكره أكثر الأصحاب، بل استفاضت
على البطلان به عمدا حكاية الاجماع والوفاق، حكاه الأردبيلي والكركي نافيا عنه
الخلاف بين علماء الإسلام (2)، والمنتهى ناسبا له إلى أهل العلم كافة (3) والتذكرة
ونهاية الإحكام (4)، وشرح الجعفرية، وعن المعتبر (5)، وغيرها. وهو المستند لهم في

(1) روض الجنان: 332.
(2) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 69، الكركي في جامع المقاصد 2: 350.
(3) المنتهى 1: 310.
(1) التذكرة 1: 131، نهاية الإحكام 1: 521.
(5) المعتبر 2: 255.
42

الحكم.
وقد يراد أيضا الخروج به عن كونه مصليا، كما في المنتهى (1)، وشرح الإرشاد
للأردبيلي، قال: كان دليله الاجماع والعقل الدال على أن في الصلاة إذا اشتغل
بفعل، يخرجه العرف عن كونه مصليا (2).
كما قد يضاف المرويان في قرب الإسناد:
أحدهما: في التكتف في الصلاة: " إنه عمل في الصلاة، وليس فيها
عمل " (3).
وثانيهما: عن الرجل يقرض أظافيره أو لحيته وهو في صلاته، وما عليه إن
فعل ذلك متعمدا؟ قال: " إن كان ناسيا فلا بأس، وإن كان متعمدا فلا يصلح
له " (4).
وبعض الأخبار الناهي عن قتل الحية بعد أن يكون بينه وبينها أكثر من
خطوة (5)، أو عن الايماء في الصلاة (6)، ونحو ذلك.
ثم إنهم بعد ذلك اختلفوا في حد الكثير المبطل.
فمنهم من أرجعه إلى العرف والعادة، ذكره في السرائر ونهاية الإحكام
والدروس وشرح القواعد والتذكرة (7)، ونسبه فيه إلى علمائنا، قال: والذي عول
عليه علماؤنا البناء على العادة، فما يسمى في العادة كثيرا فهو كثير، وإلا فلا.

(1) المنتهى 1: 310.
(2) مجمع الفائدة 3: 69.
(3) قرب الإسناد: 208 / 809، الوسائل 7: 266 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 4.
(4) قرب الإسناد: 190 / 813، الوسائل 7: 29 أبواب قواطع الصلاة ب 34 ح 1.
(5) الفقيه 1: 241 / 1072، التهذيب 2: 331 / 1364، الوسائل 7: 273 أبواب قواطع
الصلاة ب 19 ح 4.
(6) الكافي 3: 305 الصلاة ب 18 ح 20، التهذيب 2: 54 / 185، الإستبصار 1:
301 / 1111، الوسائل 5: 396 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 12.
(7) السرائر 1: 238، نهاية الإحكام 1: 521، الدروس 1: 185، جامع المقاصد 2: 350،
التذكرة 1: 131.
43

واستدل له تارة: بأن المرجع فيما لم يبين الشارع معناه العرف. وأخرى:
بأن عادة الشارع رد الناس فيما لم ينض عليه إلى عرفهم.
ومنهم من جعله ما يخرج المصلي عن كونه مصليا، وهو المراد من محو صورة
الصلاة، وهو صريح الروضة (1)، وظاهر كل من استدل لابطاله بإيجابه الخروج
عن وصف الصلاة، كالمنتهى (2)، وغيره.
ولا بد فيه أيضا من الرجوع إلى العرف، قال الأردبيلي: والظاهر أن المحتاج
إلى الحوالة إلى العرف ما يخرج عن كونه مصليا، لأنه المبطل عقلا (3).
ومنهم من قال بأن مستند الحكم لما كان هو الاجماع فتجب إناطة الحكم
بمورد الاتفاق، فكل فعل ثبت الاتفاق على كونه فعلا كثيرا فهو مبطل، ومتى
ثبت أنه ليس بكثير هو ليس بمبطل. ومتى اشتبه الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه
مبطلا، لأن اشتراط الصحة بتركه يحتاج إلى دليل. ويحتمل البطلان، لتوقف
البراءة اليقينية عليه (4).
ومن العامة من حد القليل بما لا يسع زمانه فعل ركعة، والكثير ما
اتسعه (5).
وبعضهم بما لا يحتاج إلى فعل اليدين، وما يحتاج إليه (6).
أقول: لا شك للمتتبع في انعقاد الاجماع على إبطال الفعل الكثير للصلاة
في الجملة.
ولا في انعقاده على أن للصلاة جزءا صوريا زائدا على أجزائها المادية، إذ لا

(1) الروضة 1: 233.
(2) المنتهى 1: 310.
(3) مجمع الفائدة 3: 69.
(4) انظر: الذخيرة: 355.
(5) حكاه العلامة في التذكرة 1: 132 عن بعض الشافعية، ولم نعثر عليه في كتب العامة التي بأيدينا.
(6) انظر: بدائع الصنائع 1: 241.
44

شك في اشتراط الترتيب بل نوع توال وتركيب لأجزائها، بل الزائد على ذلك
أيضا، ضرورة خروج الشخص عن كونه مصليا عند جميع العلماء بأفعال صادرة
من بعض الجوارح، ولو لم يخل بالترتيب أو التوالي، كالمشتغل بالرياضة أو الحياكة
أو الضرب الطويل ونحوها.
ولا في أن ما يخرج المصلي عن كونه مصليا يبطل الصلاة، لايجابه انتفاء
جزئها الصوري. وإلى هذا يشير قول من جعله مبطلا عقلا.
والمراد بالاخراج عن كونه مصليا - كما أشرنا إليه - محو صورة الصلاة عنه
بحيث لم يصدق عليه أنه صلى، لا مجرد صدق عدم اشتغاله بالصلاة حين ارتكابه
ذلك الفعل ولو عاد إليها بعد تركه الفعل، فإن الساكت لحظة في الأثناء ليس
حينئذ مصليا، ولكن لو عاد وأتم الصلاة يقال: إنه صلى.
والحاصل: أنه لو أتى بأفعال الصلاة مع شغله بهذا الفعل لم يصدق عليه
المصلي والمشتغل بالصلاة أيضا، أو لم يصدق عليه أنه صلى لو أتى معه بجميع
أجزاء الصلاة أيضا.
ثم إنه ليس أمر آخر وراءهما نافع في المقام.
وأما الأخبار: فبين غير دال، كالخبر الأول، حيث إنه لا يتعين معنى قوله:
ليس عمل في الصلاة، أنه ليس مأمورا به فيها، أو مستحبا، أو مباحا، أو جائزا.
ومع ذلك فما يتضمن ذلك خبر ضعيف لم يثبت انجباره بتمام ما يفيده.
وبين معارض بما هو أقوى منه سندا وعملا.
وبين مخصوص بفعل خاص لا ينفع للمقام.
فاللازم متابعة الأمرين، وبعدما عرفت من الاجماع عليهما لا يبقى إشكال
في إيجابهما الابطال، إنما الاشكال في تعيينهما.
أما الأول فقد عرفت تحديده تارة بالعرف، وأخرى بالخروج به عن
الصلاة، وثالثة بما أجمع على أنه كثير.
ورد الأول تارة: بأنه إنها يكون فيما إذا ثبت من الشارع لفظ، وكان مستنده
45

النص، وأما إذا كان مستنده الاجماع فلا وجه للرجوع إلى العرف قطعا (1).
أقول: يمكن أن يكون الثابت بالاجماع هو مصداق هذا اللفظ، فيجب
تعيين معناه بالعرف. ولكن البيان في إثبات ذلك، فإن كلام أكثر القدماء خال
عن ذكر الفعل الكثير. نعم ذكر جماعة منهم خصوص بعض الأفعال، والثابت
بالاجماع ليس إلا هذا المدلول في الجملة.
وأخرى: بأن العادة المحكوم بالرجوع إليها إن كان المراد بها ما يرادف
العرف العام ففساده واضح، إذ لا اطلاع لغير المتشرعة على ذلك. وإن كان المراد
بها عرف المتشرعة فهو فرع ثبوته، وهو في حيز المنع لو أريد بهم العلماء خاصة،
لاختلافهم في الكثير المبطل، ومعه لا تتحصل الحقيقة، وكذا لو أريد بهم العوام
مع أنهم ليسوا المرجع في شئ (2).
أقول: يمكن أن يقال: إن المراد العرف العام. ولا فساد فيه، إذ لا شك
أن للفعل الكثير في العرف العام معنى، ولا حاجة في تعيين معناه إلى علمهم
بالابطال أيضا.
فإن قيل: الكثير له معنى بنفسه، ومعنى بالنسبة إلى غيره، كما أنه يقال.
في القدر حنطة كثيرة، إذا كان فيه نصف من، ولا يقال: في البيت حنطة كثيرة،
إلا إذا كان فيه ألف من مثلا، ولا يقال في البلد إلا إذا كان أضعاف ذلك بكثير،
وكذا المال الكثير بالنسبة إلى الأشخاص، ونحو ذلك.
ولا شك أن الأول ليس منضبطا في حد خاص وأن أهل العرف لا يفهمون
من الحنطة الكثيرة قدرا معينا، والثاني - وهو الكثير بحسب كل شئ - فيلا حظ
هنا بالنسبة إلى الصلاة، ولا شك أن الفعل الكثير بحسب الصلاة لا يعين إلا
بعد العلم بالصلاة وشرائطها، ولا اطلاع للعرف العام في ذلك، وإنما يعلمها
المتشرعة.

(1) الرياض 1: 179.
(2) الرياض 1: 179.
46

قلنا: لا يشترط في تعيين العرف العام الكثير بحسب الصلاة اعتقادهم
بوجوبها، وعلمهم بشرائطها، بل يكفي أن يعرض أجزاء الصلاة عليهم، ونسبة
الفعل إليها، فما يحكمون بكثرته بحسبها يكون كثيرا.
ومن هذا ظهرت صحة الحوالة في تحديدها إلى العرف والعادة. ولكن قد
عرفت أنها إنما تتم لو ثبت الاجماع على هذا المصداق وهو غير معلوم، لخلو كلام
أكثر القدماء عن هذا العنوان. مع أنه لو فرض وجوده في جميع الكلمات لا يفيد
الاجماع على العنوان، لجواز أن يكون التعبير بالعنوان باعتبار معتقدهم، وكان
المبطل عند كل طائفة نوعا من الفعل اعتقده كثيرا فعبر به.
ومن هذا يظهر بطلان ما قيل - بعد رد الحوالة على العادة بالوجهين - من
لزوم الاقتصار على مورد الاجماع على كونه كثيرا: فإنه لو ثبت الاجماع على البطلان
بما يصدق عليه الكثير، فما الضرر في الحوالة على العرف؟ وإن لم يثبت فما الفائدة
في الاجماع على كون فعل كثيرا؟ وإذ عرفت عدم الثبوت فلا يفيد شئ منهما.
نعم لما ثبت الاجماع على البطلان ببعض الأفعال الكثيرة، فالصواب
الإناطة بالاجماع على البطلان، فكل فعل ثبت الاجماع على البطلان به يحكم
بالبطلان، بحكم فيما عداه بمقتضى الأصل.
ومن هذا يظهر حال التحديد الثالث أيضا، ولكن لا يبعد اتحاد مقتضى
الاجماعين، فإن كل ما كان كثيرا إجماعا يبطل إجماعا وبالعكس، فتأمل.
وأما التحديد الثاني - وهو جعل الكثير ما يخرج به عن كونه مصليا - فصحته
موقوفة على ثبوت التلازم بين الوصفين، وهو ممنوع جدا.
مضافا إلى ما في هذا الوصف أيضا من الاجمال الموجب للاقتصار على
موضع الاجماع، وذلك لأنك قد عرفت أن المراد ليس ما يخرج به عن الصلاة حين
الاشتغال به، إذ لا ملازمة بين هذا الخروج وبين بطلان الصلاة، كما في الغسل
الترتيبي، فإنه يخرج الغاسل عن كونه غاسلا ببعض الأفعال المتخللة بين أجزائه،
مع أنه يصح الغسل.
بل المراد ما يخرج به عن كونه مصليا مطلقا، حتى لو أتى بتمام الأجزاء أيضا
47

يقال: إنه ما صلى، والحاصل أن يكون الآتي بأفعال الصلاة مع هذا الفعل بحيث
لم يصدق عليه أنه مصل، فإنه إذا كان كذلك تبطل به الصلاة، لانتفاء جزئها
الصوري، كما مر.
ولكن لعدم انضباط ذلك عرفا، بل لا سبيل للعرف إلى فهم ذلك أصلا،
فإنه يتوقف على فهم الصورة الموضوعة لها، فالمرجع في فهم ذلك أيضا إلى
الاجماع، فكل ما يبطل الصورة بالاجماع يكون مبطلا، ولا يبعد اتحاد ذلك أيضا
مع مورد الاجماعين المتقدمين.
ومن ذلك ظهر أنه لا حاجة إلى بعض الأبحاث في المسألة، مثل أنه هل
يشترط في الكثرة التوالي أم لا؟ وأنه هل يكون غيره بالعدد أم لا؟ ونحو ذلك.
وظهر أيضا عدم بطلان الصلاة بالفعل الكثير إذا صدر ناسيا أو ساهيا،
لعدم كونه مورد الاجماع. بل ظاهر بعضهم - كالتذكرة والذكرى وغيرهما (1) -
الاجماع على عدم كونه مبطلا. نعم لو انمحت به الصورة قطعا وخرج به عن كونه
مصليا إجماعا، اتجه البطلان ولو كان سهوا، لانتفاء الجز الصوري، وأصالة
بطلان المأمور به بانتفاء جزئه ولو سهوا.
فائدة:
لا يخفى أن ها هنا أفعالا نطقت الروايات بجوازها في الصلاة، فيحكم به
فيها ما لم يثبت الاجماع على خلافه، وإن كان كثيرا، بل ولو ماحيا للصورة، إذ
يكون ذلك خروجا عن تحت القاعدة بالدليل.
فيجوز غسل الرعاف وغسل الثوب منه ومن النجاسة الطارئة في الأثناء،
لأخبارهما كما مر في موضعه.
وعد الصلاة بالخاتم أو حصى يأخذها بيده، وتسوية الحصى في موضع
السجود، ومسح التراب عن الجبهة، ونفخ موضع السجود ما لم يظهر منه حرفين،

(1) التذكرة 1: 131، الذكرى: 215، وانظر: جامع المقاصد 2: 350.
48

وضرب الحائط أو الفخذ باليد لاعلام الغير، وصفق اليدين لذلك، والايماء ورمي
من يمر بالحصى لاشعاره، ومناولة العصا للغير، وحمل الصبي مطلقا، وإرضاعه
في التشهد، واحتكاك الجسد، والتقدم بخطوة بل خطوتين، وقتل الأسودين والبرغوث
والبقة والقملة، ودفنها، وقطع الثواليل، ومسح الدماميل، وأخذ الذكر، ونزع المتحرك
من الأسنان، وحك خرء الطير، ورفع القلنسوة ووضعها، ورفع اليد من الركوع
أو السجود لاحتكاك الجسد، وإدارة السبحة.
كل ذلك للمعتبرة من الروايات (1).
السابع: الأكل والشرب عمدا، عند جماعة من الأصحاب، منهم: الخلاف
والمبسوط والتذكرة ونهاية الإحكام والسرائر والقواعد والارشاد (2)، وغيرها، بل
الشيخ ادعى عليه الاجماع (3)، ونسبه في كفاية الأحكام إلى المشهور (4)، ونسب إلى
نهاية الشيخ أيضا (5)، ولم أعثر عليه إلا تصريحه بجواز ما ورد في الوتر (6)، كما يأتي،
وظهوره في المنع عن غيره ممنوع، لاشتماله على أمور أخر أيضا.
ومنعه المحقق في المعتبر (7)، واختاره الأردبيلي (8)، ووالدي - رحمه الله - في
المعتمد ناسبا له إلى أكثر الثالثة، وصاحب الحدائق (9)، وغيرهم (10)، فلم يبطلوا

(1) انظر: الوسائل 7: أبواب قواطع الصلاة ب 19 إلى 27.
(2) الخلاف 1: 413، المبسوط 1: 118، التذكرة 1: 131، نهاية الإحكام 1: 522، السرائر 1:
215، القواعد 1: 36، الإرشاد 1: 268.
(3) كما في الخلاف 1: 413.
(4) كفاية الأحكام: 24.
(5) كما في التنقيح الرائع 1: 216، والمهذب البارع 1: 393، والرياض 1: 180.
(6) النهاية: 121.
(7) المعتبر 2: 259.
(8) مجمع الفائدة 3: 77.
(9) الحدائق 9: 55.
(10) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 33.
49

به من حيث هو.
وهو مذهب من قتد الابطال بهما بحصول الفعل الكثير، كالذكرى
والمنتهى (1)، أو الاعراض عن الصلاة، كما نقله الكركي عن بعض كتب
الشهيد (2).
وهو الحق، للأصل الخالي عن المعارض، سوى:
ما مر من الاجماع المنقول، الممنوع انصرافه إلى القليل، ثم حجيته، سيما
مع مخالفة الفحول.
وما قيل من استلزامه الفعل الكثير لاحتياجه إلى الأخذ والوضع والازدراد
والابتلاع (3)، الممنوع احتياجه إليها مطلقا، ثم كونها فعلا كثيرا بإطلاقها جدا.
وتؤيده النصوص المجوزة لكثير من الأفعال، المتقدمة في بحث الفعل
الكثير، والاجماع المدعى في المنتهى على عدم البطلان بابتلاع نحو ما بين
الأسنان، وبوضع سكرة في فيه، فتذوب وتسوغ مع الريق (4).
إلى أن يبلغ حدا تنمحي به صورة الصلاة قطعا، أو يكون في الكثرة حدا
يبطل الصلاة إجماعا.
ثم إنه قد استثني الشرب في الوتر لمريد الصوم، إذا لا يستدع منافيا غيره،
بلا خلاف بين الأصحاب كما قيل (5)، بل بالاجماع.
لرواية الأعرج المنجبرة بالعمل: إني أبيت وأريد الصوم، فأكون في الوتر،
فأعطش، فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب، وأكره أن أصبح وأنا عطشان، وأمامي
قلة، وبيني وبينها خطوتان أو ثلاثة، قال: " تسعى إليها وتشرب منها حاجتك،

(1) الذكرى: 215، المنتهى 1: 312.
(2) جامع المقاصد 2: 352.
(3) كما في التذكرة 1: 132، والذكرى: 215.
(4) المنتهى 1: 312.
(5) الحدائق 9: 55.
50

وتعود في الدعاء " (1).
والاستثناء إنما هو على مذهب الشيخ، أو كون ما ذكر فعلا كثيرا عند من
يبطل بمطلق الكثير، وأما على ما ذكرنا فلا حاجة إليه.
وعلى قول الشيخ بل يتعدى إلى مطلق النافلة، وإلى الوتر لغير مريد
الصوم، وخائف العطش؟.
قيل: لا، لاختصاص النص (2). حتى قيل بالاقتصار على دعاء الوتر،
لذلك (3).
ويضعف بأن هذا إنما يصح لو كان له دليل مطلق على الابطال، حتى
يلزمه الاقتصار على مورد النص. وليس كذلك، بل دليله الاجماع، فلعله غير
ثابت في غير الفريضة، بل صرح بذلك في المبسوط، قال: لا بأس بشرب الماء في
صلاة النافلة، لأن الأصل الإباحة، وإنما منعناه في الفريضة بالاجماع (4).
الثامن: البكاء، على الحق المشهور، بل نسبه في التذكرة إلى علمائنا (5)، مشعرا
بدعوى الاجماع عليه، وفي شرح الإرشاد إلى قول الأصحاب، وقال. وكأنه
إجماع (6).
لرواية أبي حنيفة: عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال: " إن بكي
لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، وإن كان ذكر ميتا له فصلاته

(1) التهذيب 2: 329 / 1354، الوسائل 7: 279 أبواب قواطع الصلاة ب 23 ح 1.
(2) كما في المعتبر 2: 260.
(3) كما في روض الجنان: 334، والذخيرة: 357، وكشف اللثام 1: 240.
(4) المبسوط 1: 118.
(5) التذكرة 1: 131.
(6) مجمع الفائدة 3: 73.
51

فاسدة " (1).
وضعفها سندا - لو كان - ينجبر بالشهرة.
والرواية وإن كانت مخصوصة بالبكاء للميت، إلا أن الأكثر عمموه لكل
أمر دنيوي، حتى أنه يظهر منهم الشمول لطلب الأمور الدنيوية من الله سبحانه،
قيل: لعدم القائل بالفرق، مضافا إلى قرينة المقابلة الظاهرة في أن ذكر خصوص
البكاء على الميت إنما هو لمجرد التمثيل، وإلا لجعل مقابله مطلق البكاء على غيره،
لا البكاء على خصوص ذكر الجنة والنار (2)، وإلى مفهوم صدر الخبر.
ويخدشه: عدم كفاية عدم القول بالفرق، بل اللازم الاجماع على عدم
الفرق، وهو غير معلوم، سيما بالنسبة إلى طلب الأمور المباحة الدنيوية من الله
سبحانه الذي هو مأمور به ومندوب إليه، بل صرح بعض مشايخنا بعدم البطلان
به (3)، وهو الظاهر من النهايتين (4).
ودلالة المقابلة على التمثيل لا تدل على شمول الممثل لمثل ما ذكر أيضا، بل
لعله داخل في التمثيل بالجنة والنار.
ومفهوم الصدر معارض بمفهوم الذيل، مع أنه ليس إلا عدم كون غير
المنطوق أفضل الأعمال، وهذا القدر غير كاف.
فالحق اختصاص الابطال بالبكاء لفوات الأمور الدنيوية، لا طلبها من الله
جل شأنه.
وهل يختص الابطال بالبكاء المشتمل على الصوت والنحيب، أو يعم جميع
أنواعه؟.

(1) التهذيب 2: 317 / 1295، الإستبصار 1: 408 / 1558، الوسائل 7: 247 أبواب قواطع
الصلاة ب 5 ح 4.
(2) انظر: الرياض 1: 179.
(3) الحدائق 9: 52.
(4) النهاية: 74، نهاية الإحكام 1: 516.
52

الحق هو الأول، كما في كلمات جماعة منها: الروضة (1)، وشرح الجعفرية،
اقتصارا على المتيقن.
وقيل بالثاني، لاطلاق النص (2).
ويضعف: باشتماله على لفظ البكاء، ولا يدرى أممدود فيه فيختص، أم
مقصور فيعم، كما نص عليه جمع من أهل اللغة منهم صاحب القاموس (3).
وأصالة عدم الزيادة في لفظ البكاء ولا في معناه فيكون مقصورا، باردة جدا بل
فاسدة.
والقول بأن لفظ البكاء المحتمل للأمرين إنما هو في كلام الراوي، وأما لفظ
الإمام الذي هو المعتبر فإنما هو " بكى " بصيغة الفعل المطلق الشامل للأمرين، كما
في شرح الإرشاد وغيره (4).
باطل، إذ بعد الاجمال في المصدر يسري إلى فعله أيضا، لعدم تعين
مبدئه.
وجعل الفرق لغويا لا عرفيا إنما يفيد لو قدم العرف على اللغة مطلقا، وهو
باطل جدا، وإنما كان كذلك لو ثبت عرف زمان الشارع أيضا.
وإطلاق النص يقتضي عدم الفرق في البكاء المبطل بين كونه عمدا أو سهوا
أو علما أو جهلا بالمسألة، كما في الوسيلة والروضة (5)، وشرح الجعفرية، وعن
المبسوط والمهذب (6)، والاصباح.
خلافا للتحرير والذكرى (7)، والمحكي عن الحلبيين (8)، لتبادر صورة

(1) الروضة 1: 233.
(2) كما في الرياض 1: 179.
(3) القاموس المحيط 4: 306، وانظر: الصحاح 6: 2284، ومجمع البحرين 1: 59.
(4) مجمع الفائدة 3: 73، وانظر: الرياض 1: 179.
(5) الوسيلة: 97 ولكن اختص فيها بالعمد، الروضة 1: 233.
(6) المبسوط 1: 118، المهذب 1: 98.
(7) التحرير 1: 43، الذكرى: 216.
(8) أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 120، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 558.
53

العمد، وهو ممنوع. ورفع القلم، وهو غير دال. وحصر وجوب الإعادة في
الخمسة. ودليله أعم مطلقا مما ذكر، فيجب التخصيص به.
والظاهر مساواة النافلة للفريضة، لاطلاق الصلاة في الرواية، وكلام
الجماعة. فالتقييد باطل. ووقوع المساهلة فيها مخصوص بمواقعها.
ثم إن المجمع عليه بين الطائفة وصريح الرواية: عدم البطلان بالبكاء
للآخرة، وعليه دلت روايتا بزرج (1)، وسعيد (2).
وهل يعم عدم البطلان حينئذ ما إذا اشتمل على التنطق بحرفين أيضا كما
في التذكرة ونهاية الإحكام (3)، وغيرهما، أو يختص بما إذا لم يشتمل عليه، كجمع
آخر (4)؟.
الحق هو الأول، لا لعموم المجوزات، لأن عمومها في البكاء، والحرفان
خارجان عن حقيقته لغة وعرفا، والحروف عوارض للصوت.
بل لأن البطلان بالحرفين إنما هو للاجماع، أو صدق الكلام، وكلاهما
ممنوعان في المقام.
التاسع:
السكوت الطويل، ذكره جماعة من الأصحاب (5)، مستدلين عليه بفوات
الموالاة بين أجزاء الصلاة.
ويضعف: بعدم ثبوت اشتراط الولاء فيها بإطلاقه.

(1) الفقيه 1: 208 / 940، الوسائل 7: 247 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 1.
(2) الكافي 3: 301 الصلاة ب 17 ح 2، التهذيب 2: 287 / 1148، الإستبصار 1:
407 / 1557، الوسائل 7: 248 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 5.
(3) التذكرة 1: 131، نهاية الإحكام 1: 519.
(4) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 333، والأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 74.
(5) منهم الشهيد الأول في الذكرى: 217، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 344، والفاضل
الهندي في كشف اللثام 1: 238.
54

وقيده في القواعد بصورة الاخراج عن كونه مصليا (1)، ومثل بمن مضى
عليه ساعتان وساعات ومعظم اليوم. وهو جيد جدا.
العاشر:
نقص جزء من الأجزاء الواجبة للصلاة، أو شرطها، عمدا.
الحادي عشر:
زيادة جزء كذلك، بالتفصيل الآتي في بحث الخلل.

(1) القواعد 1: 35.
55

الفصل الثاني
فيما يكره فعله في الصلاة
وهو أيضا أمور:
منها: الالتفات بالبصر أو الوجه يمينا وشمالا، عند معظم الأصحاب كما
قيل (1)، وهو عليه الدليل.
مضافا في الأول إلى استحباب النظر إلى المسجد المستلزم لكراهة تركه.
وفي الثاني إلى ما روي عنه عليه السلام: " أما يخاف الذي يحول وجهه في
الصلاة أن يحول الله تعالى وجهه وجه حمار؟! " (2).
والمراد بتحويل وجهه وجه الحمار أنه يصرفه عن سجدته سبحانه وعبادته،
أو المراد أنه في معرض هذا التحويل. وإطلاقه يشمل التحويل عن القبلة مطلقا.
والحمل على تحويل وجه القلب صرف عن الظاهر، مع إمكان إرادة الوجهين،
فيكون أحدهما من البطون.
وفيهما إلى رواية عبد الحميد المتقدمة في مسألة الالتفات (3)، وإلى المروي في
جامع البزنطي " ولا تلتفت فيها، ولا يجز طرفك موضع سجودك " (4).
وأما الاستدلال بقوله عليه السلام. " لا صلاة لملتفت " (5).
فليس بجيد، إذ حمله على نفي الكمال ليس بأولى من تخصيصه بالالتفات
إلى الخلف، أو بكل البدن.

(1) الحدائق 9: 56.
(2) أسرار الصلاة (رسائل الشهيد الثاني): 107، البحار 81: 259 / 58.
(3) راجع ص: 21.
(4) نقله عنه في البحار 81: 222 / 6، ومستدرك الوسائل 4: 86 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 5.
(5) عمدة القارئ 3: 311 عن الرسول صلى الله عليه وآله.
56

ومنها: عقص الرجل شعره، وفاقا للأكثر، منهم المفيد والحلي والديلمي
والحلبي (1)، وكافة المتأخرين، له، ولرواية مصادف (2)، القاصرة عن إفادة
البطلان، لمقام الجملة الخبرية.
والمروي في الدعائم: " نهاني رسول الله عن أربع " وعد منها: " وإن أصلي
وأنا عاقص رأسي من خلفي " (3) القاصر عنها، لقصور السند.
فالقول به، كما عن التهذيب والمبسوط والخلاف (4) - مدعيا في الأخير عليه
الاجماع - والذكرى (5)، واختاره بعض الأخباريين من المتأخرين (6)، ضعيف.
والاجماع المنقول ليس بحجة، والاحتياط المستدل به لا يفيد الحرمة.
هذا مع أن كلام اللغويين في معناها مختلف (7)، والحكم بكراهة واحد مما
ذكروه تحكم، وبكراهة الكل غير صحيح، فالمسألة عن الفائدة خالية.
ومنها: التثاؤب، من الثوباء بضم المثلثة وفتح الواو والمد، وهو: ما يقال له
بالفارسية: خميازة.
والتمطي، وهو: مد اليدين.
والعبث بلحيته أو بشئ من أعضائه.

(1) المفيد في المقنعة: 152، الحلي في السرائر 1: 271، الديلمي في المراسم: 64، الحلبي في الكافي
في الفقه: 125.
(2) الكافي 3: 409 الصلاة ب 67 ح 5، التهذيب 2: 232 / 914، الوسائل 4: 424، أبواب لباس
المصلي ب 36 ح 1.
(3) الدعائم 1: 174، مستدرك الوسائل 3: 221 أبواب لباس المصلي ب 27 ح 1.
(4) التهذيب 2: 232، المبسوط 1: 119، الخلاف 1: 510.
(5) الذكرى: 217.
(6) كالحر العاملي في الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلي ب 36.
(7) قال في المغرب 2: 52: العقص: جمع الشعر على الرأس، وقيل: ليه وإدخال أطرافه في أصوله.
وفي الصحاح 3: 1046: عقص الشعر: ضفره وليه على الرأس. وفي القاموس 2: 320:
عقص شعره: ضفره وفتله. وفي كشف اللثام 1: 240 عن ابن دريد: عقصت شعرها: شدته في
قفاها ولم تجمعه جمعا شديدا.
57

ونفخ موضع السجود.
والتنخم والبصاق، خصوصا إلى القبلة أو اليمين.
وفرقعة الأصابع أي نقضها، والضرب بها لتصوت.
كل ذلك لروايات الأطياب (1)، وفتاوى الأصحاب، ومنافاتها للخشوع
والاقبال.
ومنها: التأوه بحرف واحد، ذكره في الشرائع والنافع (2)، وغيرهما (3)،
بل نفي عنه وعن سوابقه الخلاف (4). وهو الأصل لنا في الكراهة، لما وإلا فلم
نعثر على دليل عليه.
والقيد للاحتراز عن ظهور الحرفين، فإنه مبطل عندهم، وأما عندنا فهو
أيضا يكون مكروها، للأولوية.
ومنها: مدافعة البول، أو الغائط، أو الريح، ذكره الأصحاب، بل قيل:
لا خلاف فيه (5)، وفي المنتهى: أنه قول من يحفظ عنه العلم (6)، وهو الحجة
فيه.
مضافا في الجميع إلى منافاتها للخشوع والاقبال المطلوبين في
الصلاة.
وفي الأولين إلى الأخبار، ففي صحيحة هشام: " لا صلاة لحاقن ولا
حاقنة (7)، كما في بعض النسخ، أو " ولا حاقب " كما في بعض آخر.

(1) انظر: الوسائل 7: أبواب قواطع الصلاة ب 11 و 12 و 14.
(2) الشرائع 1: 92، النافع: 34.
(3) كالمعتبر 2: 262، والدروس 1: 184.
(4) انظر: الرياض 1: 181.
(5) كما في الرياض 1: 181.
(6) المنتهى 1: 312.
(7) التهذيب 2: 333 / 1372، المحاسن: 83 / 15، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة
ب 8 ح 2.
58

والحاقن: حابس البول، والحاقب: حابس الغائط.
وفي رواية الحضرمي: " لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين " (1).
والمروي في الخصال: " ثمانية لا يقبل لهم صلاة " إلى أن قال: " والزبين
قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وما الزبين؟ قال: الذي يدافع
البول والغائط " (2).
وفي معاني الأخبار: " لا صلاة لحاقن ولا لحاقب " (3).
وفي المحاسن: " لا يصلي أحدكم بأحد العصرين، يعني البول والغائط " (4).
وأكثرها وإن كان ظاهرا في الحرمة والبطلان، إلا أن الاجماع المحقق
والمصرح به في المنتهى وغيره أوجب صرفه عن الظاهر.
وقيل (5): أيضا لصحيحة عبد الرحمن: عن الرجل يصيب الغمز في بطنه،
وهو يستطيع أن يصبر عليه، أيصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟ قال: " إن احتمل
الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر " (6).
وفيه نظر، لأن الأمر بالصلاة والصبر ظاهر في أنه عرض في الأثناء، فهو
دليل على ما صرحوا به من أن الحكم المذكور مخصوص بما إذا عرض له ذلك قبل
دخوله في الصلاة، وإلا فلو كان في الأثناء فلا كراهة إجماعا.
وبه، وبما مر يخصص إطلاق الأخبار أيضا، مضافا إلى معارضته مع ما دل
على حرمة قطع الصلاة.
وتلحق بالمقام مسائل:

(1) التهذيب 2: 326 / 1333، الوسائل 7: 252 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 3.
(2) الخصال: 407 / 3، الوسائل 7: 252 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 6.
(3) معاني الأخبار: 237 / 1، الوسائل 7: 252 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 5.
(4) المحاسن: 82 / 14، الوسائل 7: 253 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 8.
(5) الحدائق 9: 63.
(6) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 3، الفقيه 1: 240 / 1061، التهذيب 2: 324 / 1326،
الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.
59

المسألة الأولى:
قد وقع التصريح في كلمات جملة من الأصحاب، كالوسيلة والشرائع
والنافع والمنتهى والتذكرة والتحرير والارشاد ونهاية الإحكام والروضة والذكرى
والقواعد وشرحه (1)، وغيرها (2)، بحرمة قطع الصلاة، إما مطلقا كأكثر من ذكر،
أو مقيدا بالفريضة كالثلاثة الأخيرة.
ونفي عنه الريب في الأخير، والخلاف المعروف في الحدائق (3)، ومطلقا في
كلام جماعة (4). وفي شرح الإرشاد: كأنه إجماعي في الفريضة (5).
بل صرح به جملة في جملة من المنافيات المتقدمة، كالشهيد في الذكرى في
الكلام والحدث والقهقهة (6).
وكان بعض متأخري المتأخرين - على ما حكي عنه - يفتي بجواز قطع
الصلاة اختيارا، ويجوزه في الشكوك المنصوصة والإعادة (7).
والحق هو الأول.
لا لما قيل من أن الاتمام واجب وهو ينافي القطع (8)، لكونه مصادرة.
ولا لقوله سبحانه: (لا تبطلوا أعمالكم) (9).

(1) الوسيلة: 97، الشرائع 1: 92، النافع: 34، المنتهى 1: 311، التذكرة 1: 132، التحرير
1: 43، الإرشاد 1: 268، نهاية الإحكام 1: 522، الروضة 1: 292، الذكرى: 215،
القواعد 1: 36، جامع المقاصد 2: 358.
(2) كما في روض الجنان: 338، والذخيرة: 363، وكشف اللثام 1: 241، والرياض 1: 180.
(3) الحدائق 9: 101.
(4) انظر: كشف اللثام 1: 241، والرياض 1: 180.
(5) مجمع الفائدة 3: 109.
(6) الذكرى: 215.
(7) انظر: الحدائق 9: 101.
(8) كما في الذكرى: 215، وكشف اللثام 1: 241.
(9) محمد (صلى الله عليه وآله): 33.
60

لعدم تمامية الاستدلال به، من جهة تعارض التجوز والتخصيص في النهي
والأعمال، ومن جهة الاجمال في معنى الابطال كما بيناه في العوائد (1).
ولا لمفهوم مرسلة حريز الآتية، إذ مفهومها - على فرض حجيته - عدم
وجوب القطع دون عدم جوازه.
ولا لصحيحة زرارة: " ولا تقلب وجهك عن القبلة " (2).
لعدم صراحتها في النهي.
بل للأخبار المتكثرة المصرحة بأن تحريمها التكبير (3)، ولا معنى لكون
التكبير تحريما إلا تحريمه ما كان حلالا قبله.
وصحيحة البجلي: عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه، وهو يستطيع أن
يصبر عليه، أيصلي على تلك الحال، أو لا يصلي؟ فقال: " إذا احتمل الصبر ولم
يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر " (4).
والأمر بالصبر حقيقة في الوجوب، ولولا حرمة القطع لما وجب.
وصحيحة ابن أذينة المتقدمة في مسألة الالتفات (5)، فإنه لولا حرمة القطع،
لما وجب الغسل من غير التفات.
وموثقة الساباطي المتقدمة فيها أيضا، الآمرة بالتحويل إلى القبلة إن كان
متوجها إلى المشرق أو المغرب، وبالقطع إن كان متوجها دبر القبلة (6)، والتقريب
ما ذكر.
ومقتضى إطلاق الثلاثة الأخيرة عموم الحكم للفريضة والنافلة، فيعمهما.

(1) عوائد الأيام: 151.
(2) الكافي 3: 300 الصلاة ب 16 ح 6، الفقيه 1: 180 / 856، التهذيب 2: 286 / 1146،
الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 3.
(3) انظر: الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الاحرام ب 1.
(4) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 3، الفقيه 1: 240 / 1061، التهذيب 2: 324 / 1326،
الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.
(5) راجع ص: 20.
(6) راجع ص: 26.
61

وخص جماعة - مرت إليهم الإشارة - بالأولى، تبعا للحلي (1)، لمفهوم
المرسلة المذكورة، وبعض الأخبار الواردة في الالتفات عن القبلة (2)، وبهما تقيد
الاطلاقات.
ويرد الأول: بعدم الدلالة، والثاني: بأنه يدل على عدم انقطاع النافلة
بالالتفات، لا على جوازه مع كونه قاطعا.
ويستثنى من تحريم القطع ما إذا خاف من تركه ضررا في مال أو نفس أو
عرض من نفسه أو غيره، والظاهر - كما قيل (3) - اتفاقهم عليه، له، ولعمومات
نفي الضرر، وانتفاء العسر والحرج.
ولمرسلة حريز: " إذا كنت في صلاة الفريضة، فرأيت غلاما لك قد أبق،
أو غريما لك عليه مال، أو حية تتخوفها على نفسك، فاقطع الصلاة، واتبع
غلامك وغريمك، واقتل الحية " (4).
ورواها الصدوق بطريق صحيح (5).
وموثقة سماعة: عن الرجل يكون قائما في صلاة الفريضة، فنسي كيسه أو
متاعا يخاف ضيعته أو هلاكه، قال: " يقطع ويحرز متاعه، ثم يستقبل القبلة "
قلت: فيكون في صلاة الفريضة، فتفلت عليه دابته، فيخاف أن تذهب أو
يصيب منها عنتا، فقال: " لا بأس بقطع صلاته ويتحرز ويعود إلى صلاته " (6).

(1) قال في السرائر في كتاب الاعتكاف 1: 422... لأن عندنا العبادة المندوب إليها لا تجب
بالدخول فيها - بخلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة - ما خلا الحج المندوب، فإنه يجب بالدخول فيه،
وحمل باقي المندوبات عليه قياس.....
(2) انظر: الوسائل 7: 246 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 8.
(3) انظر: الرياض 1: 180.
(4) الكافي 3: 367 الصلاة ب 52 ح 5، التهذيب 2: 331 / 1361، الوسائل 7: 276 أبواب
قواطع الصلاة ب 21 ح 1.
(5) كما في الفقيه 1: 242 / 1073.
(6) الكافي 3: 367 الصلاة ب 52 ح 3، الفقيه 1: 241 / 1071، التهذيب 2: 330 / 1360،
الوسائل 7: 277 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 2.
62

وفي القوي: في رجل يصلي ويرق الصبي يحبو إلى النار، والشاة تدخل
البيت لتفسد الشئ، قال: " فلينصرف وليتحرز ما يتخوف منه ويبني على صلاته
ما لم يتكلم " (1).
واختصاصها ببعض أفراد المطلوب مجبور بالاجماع المركب.
ثم إن القطع على سبيل الوجوب إذا كان الخوف على النفس، أو المال
المحترم المحرم إتلافه شرعا، كما يدل عليه الأمر في بعض تلك الأخبار. وعلى
سبيل الجواز إن كان على مطلق المال المحترم، كما يقتضيه إطلاق الكيس والمتاع
والشئ في الخبرين الأخيرين.
ومن هذا تظهر صحة ما ذكره الشهيدان وغيرهما من تقسيم القطع إلى
الأقسام الخمسة (2)، وتندفع مناقشة بعضهم في بعض الأقسام (3).
وهل يعيد الصلاة بعد القطع، كما هو الظاهر من القطع؟.
أو يبني على ما هو مضى؟ كما هو ظاهر قوله " ويرد إلى صلاته " في الخبر
الثاني، وصريح الثالث.
الظاهر الأول إن ارتكب ما يبطل الصلاة عمدا، لعمومات إبطاله بلا
معارض، وقوله " ما لم يتكلم " في الخبر الأخير. ويبني على صلاته إن لم يفعله،
للأصل، والقوي.
المسألة الثانية:
يجوز على الأظهر الأشهر، بل يستحب للمصلي تسميت العاطس،
بالمهملة والمعجمة.
وهو: الدعاء له عند العطاس بنحو قوله: يرحمك الله، إذا كان مؤمنا كما

(1) التهذيب 2: 333 / 1375، الوسائل 7: 278 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 3.
(2) الشهيد في الذكرى: 215، الشهيد الثاني في الروضة 1: 292، وانظر: جامع المقاصد 2: 359.
(3) كما في المدارك 3: 478.
63

قيل (1)، أو مسلما كما ذكره بعضهم (2)، أو مطلقا كما يقتضيه عموم روايات
التسميت (3)، وخصوص مرسلة ابن أبي نجران: عطس رجل نصراني عند أبي
عبد الله عليه السلام، فقال له القوم: هداك الله، فقال أبو عبد الله: " يرحمك الله "
فقالوا له: إنه نصراني، فقال: " لا يهديه الله حتى يرحمه " (4).
وإنما جاز التسميت للمصلي لكونه دعاء جائزا في الصلاة مطلقا، وعمومات
ما دل على جواز التسميت، بل استحبابه لكل أحد إلا إذا زادت العطسة عن
الثلاث (5).
وعن المعتبر التردد فيه، ولا وجه له، مع أنه رجع عنه بعده إلى الجواز،
وجعله مقتضى المذهب (6).
وأما المروي في مستطرفات السرائر عن جعفر عليه السلام: في رجل
عطس في الصلاة، فسمته رجل، فقال: " فسدت صلاة ذلك الرجل " (7).
فحمله بعضهم على التقية (8) - حيث إن المنسوب إلى الشافعي وبعض
العامة تحريمه (9) - ورده آخر بالشذوذ.
والصواب رده بالاجمال، إذ لم يذكر فيه كون المسمت في الصلاة، وفساد
صلاة العاطس لا وجه له.
وقد يستند في التردد إلى بعض الروايات العامية القاصرة دلالة (10).

(1) الرياض 1: 181.
(2) كالسبزواري في الذخيرة: 367.
(3) انظر الوسائل 12: أبواب أحكام العشرة ب 57 و 58.
(4) الكافي 2: 656 العشرة ب 15 ح 18، الوسائل 12: 96 أبواب أحكام العشرة ب 65 ح 1.
(5) انظر: الوسائل 12: 91 أبواب أحكام العشرة ب 61.
(6) المعتبر 2: 263.
(7) مستطرفات السرائر: 98 / 19، الوسائل 7: 272 أبواب قواطع الصلاة ب 18 ح 5.
(8) كصاحب الحدائق 9: 100.
(9) انظر: مغني المحتاج 1: 197
(10) كما في سنن أبي داود 4: 307.
64

وكذلك يجوز له رد المسمت بقوله: يغفر الله لك ويرحمك، كما في بعض
الأخبار، أو: يغفر الله لك ولنا، كما في بعض آخر (1)، لما مر.
بل يجب عليه وعلى كل عاطس رده، للمروي في الخصال: " إذا عطس
أحدكم فسمتوه، قولوا: يرحمكم الله، وهو يقول: يغفر الله لكم ويرحمكم، قال
الله عز وجل: (إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) (2).
وتؤيده رواية محمد: " إذا عطس الرجل فليقل: الحمد لله لا شريك له،
وإذا سمعت الرجل يعطس فلتقل: يرحمك الله، وإذا رددت فلتقل: يغفر الله لك
ولنا " (3).
فالقول بعدم الوجوب - كما عن المحقق الثاني والمدارك لعدم صدق التحية
عليه (4) - ضعيف.
ولكن لا يجب ما في الرواية، بل يجوز بمثل التسميت أو أحسن منه كل ما
كان.
وكما يجوز له التسميت، يجوز له التحميد والصلاة على النبي وآله عند سماع
العطسة، فإنه أيضا مستحب، بل ورد في الأخبار الأمر به وإن كان بينك وبينه
البحر (5)، وورد في بعض المعتبرة: " إنه من سمع العطسة، فحمد الله تعالى "
وصلى على نبيه وأهل بيته، لم يشتك عينيه ولا ضرسه " (6).
وكذا يجوز له ولكل عاطس أن يحمد الله تعالى، ويصلي على النبي وآله،
كما ورد في الأخبار المتكثرة (7)، وفي المنتهى أنه مذهب أهل البيت عليهم

(1) انظر: الوسائل 12: 88 أبواب أحكام العشرة ب 58.
(2) الخصال: 633، الوسائل 12: 88 أبواب أحكام العشرة ب 58 ح 3.
(3) الكافي 2: 655 العشرة ب 15 ح 13، الوسائل 12: 88 أبواب أحكام العشرة ب 58 ح 2.
(4) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 354، المدارك 3: 472.
(5) انظر الوسائل 7: 271 أبواب قواطع الصلاة ب 18.
(6) انظر الوسائل 12: 94 أبواب أحكام العشرة ب 63 ح 2.
(7) كما في الوسائل 7: 271 أبواب قواطع الصلاة ب 18، والوسائل 12: أبواب أحكام العشرة ب
62 و 63.
65

السلام (1). وأن يكون ذلك بعد وضع إصبعه على أنفه.
ويستحب أيضا للعاطس أن يقول بعد التحميد والصلاة واضعا إصبعه
على أنفه: رغم أنفي لله رغما داخرا.
المسألة الثالثة:
يجوز السلام على المصلي، للأصل، والعمومات (2)، وخصوص الروايات
في رد السلام للمصلي (3)، وتقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام صلوات
الله عليه، المسلمين عليهم في الصلاة (4)، والمروي في الذكرى: " إذا دخلت
المسجد والناس يصلون، فسلم عليهم، وإذا سلم عليك فاردد، فإني أفعله " (5).
وأما المروي في الخصال: " لا تسلموا على اليهود والنصارى " إلى أن قال:
" ولا على المصلي، لأنه لا يستطيع أن يرد السلام " (6).
وفي قرب الإسناد: " إذا دخلت المسجد الحرام والقوم يصلون فلا تسلم
عليهم " (7).
فلا يعارض ما مر، لندرته رواية وفتوى.
مع أن الثابت تما مر ليس الزائد على الجواز، أما غير رواية الذكرى فظاهر،
وأما هي فلعدم كون الأمر فيها للوجوب قطعا، فيمكن أن يكون مجازه الجواز،
سيما مع كونه في مقام توهم الحظر ومقابلتها. مع الروايتين الأخيرتين، وهما أيضا لا
تثبتان الزائد من الكراهة، أما الأخيرة فلضعفها، واحتمالها الجملة الخبرية، وأما
الأولى فلاشتمالها على بعض من يكره السلام عليه، وعدم جواز استعمال اللفظ في

(1) المنتهى 1: 313
(2) كما في الوسائل 12: أبواب أحكام العشرة ب 32 و 33.
(3) الوسائل 7: 267 أبواب قواطع الصلاة ب 16.
(4) الوسائل 7: أبواب قواطع الصلاة ب 16 و 17.
(5) الذكرى: 218، الوسائل 7: 271 أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 3.
(6) الخصال: 484 / 57، الوسائل 7: 270 أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 1.
(7) قرب الإسناد: 94 / 317، الوسائل 7: 270 أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 2.
66

حقيقته ومجازه.
فالقول بالكراهة - كما ذهب إليه بعض المتأخرين (1) - هو الأقوى.
وبالروايتين الأخيرتين تخصص عمومات التسليم.
ويجوز للمصلي بل يجب عليه رده، كما يجب على غير المصلي، بلا خلاف
كما قيل (2)، بل بالاجماع كما صرح به جماعة (3).
لعمومات الكتاب، والسنة المستفيضة، وخصوص المعتبرة، منها:
صحيحة محمد: دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة فقلت:
السلام عليك فقال: " السلام عليك " فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلما
انصرف قلت: أيرد السلام وهو في الصلاة؟ فقال: " نعم مثل ما قيل له " (4).
والأخرى: " إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه، تقول:
السلام عليك، وأشر بأصابعك " (5).
وموثقة سماعة: عن الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة، قال: " يرد بقوله:
سلام عليكم، ولا يقول: عليكم السلام " (6).
وغير ذلك من الأخبار المتكثرة.
والظاهر عدم تعين صيغة الرد لغير المصلي من الصيغ الأربع المشهورة، بل
الثمان، للأصل، وبعض الروايات، وإن كان الأولى له الرد بتقديم الظرف.
وأوجب بعضهم الرد به، لأخبار غير صالحة لاثبات الوجوب (7).

(1) كصاحب المدارك 3: 475.
(2) في الحدائق 9: 79.
(3) كالسيد في الإنتصار: 47، وصاحب المدارك 3: 473، وصاحب الحدائق 9: 75.
(4) التهذيب 2: 329 / 1349، الوسائل 7: 267، أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1.
(5) الفقيه 1: 240 / 1063، مستطرفات السرائر: 98 / 18، الوسائل 7: 218 أبواب قواطع
الصلاة ب 16 ح 5.
(6) الكافي 3: 366 الصلاة ب 51 ح 1، التهذيب 2: 328 / 1348، الوسائل 7: 267 أبواب
قواطع الصلاة ب 16 ح 2.
(7) انظر: الحدائق 9: 70.
67

وأما المصلي فهل يجب عليه الرد بالمثل؟ كما نسب إلى المشهور بين
الأصحاب (1)، وعن صريح السيد والخلاف (2)، وظاهر المدارك (2)، بل روض
الجنان (4)، وغيره: إجماعهم عليه.
لصحيحة محمد الأولى، وصحيحة منصور: " إذا سلم عليك الرجل وأنت
تصلي، قال: ترد عليه خفيا كما قال " (5).
ولا تنافيهما صحيحة محمد الثانية، ولا الموثقة، لكونهما مبنيين على ما هو
الشائع من وقوع التسليم هكذا.
أو بقوله: سلام عليكم؟ كما هو ظاهر النافع (6)، و صريح بعض آخر (7)،
للموثقة.
أو يجوز الرد بأي نحو كان، ولو بقوله: عليكم السلام؟ كما عن الحلي
والمختلف (8).
الظاهر الأخير، للأصل، وعدم دلالة شئ من الروايات على الوجوب،
لمكان الجملة الخبرية، مع أنها معارضة بعضها مع بعض، وغلبة السلام بقوله:
السلام عليكم لا تفيد للصحيحة الثانية، مع أنها لا تخصص العموم المستفاد من
ترك الاستفصال.
مضافا إلى أنه يمكن أن يراد بالمماثلة في الصحيحة عدم الزيادة على التسليم
من قوله: ورحمة الله وبركاته، وهو المناسب للخبرين الأخيرين. وبه يحصل الجمع

(1) كما في الرياض 1: 181.
(2) السيد في الإنتصار: 47، الخلاف 1: 388.
(3) المدارك 3: 474.
(4) الروض: 339.
(5) الفقيه 1: 241 / 1065، التهذيب 2: 332 / 1366، الوسائل 7: 268 أبواب قواطع
الصلاة ب 16 ح 3.
(6) النافع: 34.
(7) كصاحب الرياض 1: 182.
(8) الحلي في السرائر 1: 236، المختلف: 102.
68

التام بينها.
ويمكن أن يكون المراد المماثلة في تقديم السلام، لأنه الأقرب إلى ما ورد في
القرآن، فتخلو الصلاة عن كلام الآدميين.
ولا يختص وجوب الرد على المصلي أو غيره بصورة كون التسليم بتأخير
الظرف، وفاقا للحلي (1)، بل - كما قيل (2) - هو ظاهر الأصحاب، للأصل،
وصدق التسليم عليه.
وعن التذكرة والذخيرة وغيرهما: الاختصاص (3)، لأن صورة تقديم
الظرف صيغة الجواب، دون السلام الواجب رده.
ويضعف بالمنع، لعدم دليل على اختصاص التسليم بتقديم السلام،
ووروده كذلك في حكاية بعض التسليمات لا يدل على الوجوب، كما أن بعض
الروايات العامية لا يفيد في إثباته (4).
وهل يجب الرد إذا سلم بنحو قوله: سلام، أو السلام من غير ذكر
الظرف؟.
أنكره جماعة (5)، للأصل. وتردد بعفن آخر، بل أوجب (6)، لصدق التحية
والتسليم. وهو الأظهر، لذلك.
ولا يجب الرد إذا سلم بما لا يصح لغة، كبعض الاعجام يسلم بقوله:
سرام، أو سلوم ونحوهما، للأصل، وعدم معلومية صدق التحية.

(1) في السرائر 1: 236.
(2) حكاه عن بعض المتأخرين في الحدائق 9: 72.
(3) التذكرة 1: 130، الذخيرة: 366، وانظر المعتبر 2: 264.
(4) سنن أبي داود 4: 353 / 5209.
(5) كصاحب الحدائق 9: 74.
(6) كما في مجمع الفائدة 3: 117، وكفاية الأحكام: 23.
69

فروع:
أ: لا خلاف - كما قيل (1) في أن الرد واجب كفاية لا عينا، إذا كان لراد من
المسلم عليهم، لتحقق التحية والرد.
وفيه نظر، لأن السلام إذا كان على الكل، كان كل أحد مأمورا بالرد
بمقتضى الأخبار، بل الآية، والأصل عدم السقوط عنه بفعل الغير، فإن ثبت
الاجماع، وإلا فيجب على الكل.
وعلى القول بالكفاية، هل يستحب للباقين الرد حينئذ أيضا؟.
عن روض الجنان: الاتفاق على استحبابه (2)، ونحوه كاف في المقام،
فيكون مستحبا.
وقد يستدل بعموم الروايات، ولا يخلو عن نظر.
وهل يشمل الاستحباب المصلي أيضا؟.
فيه نظر، لاختصاص حكاية الاتفاق بغير المصلي، وجوازه بقصد القرآن
أمر آخر. إلا أن يقال: إن رده دعاء للمسلم، فيكون جائزا، بل مستحبا من هذه
الجهة، إلا أنه أيضا غير استحباب الرد من حيث هو.
وكذا قالوا: إن الابتداء بالسلام من المستحبات كفاية أيضا (3)، وعن
التذكرة الاجماع عليه (4).
وتدل عليه موثقة غياث (5) ومرسلة ابن بكير (6)، ومقتضاهما كفائية
الاستحباب إذا كان الداخلون جماعة، لا أنه إذا سلم أحد على جماعة مطلقا أجزأ
عن غيره كذلك.

(1) الحدائق 9: 75.
(2) الروض: 339.
(3) كما في الحدائق 9: 75.
(4) لم نعثر عليه في بحث قواطع الصلاة من التذكرة ولكن حكاه عنه في الحدائق 9: 75.
(5) الكافي 2: 647 العشرة ب 7 ح 3، الوسائل 12: 75 أبواب أحكام العشرة ب 46 ح 2.
(6) الكافي 2: 647 العشرة ب 7 ح 1، الوسائل 12: 75 أبواب أحكام العشرة ب 46 ح 3.
70

ثم المستفاد من قوله " أجزأ " فيهما أن تسليم الواحد يكفي عن تسليم
الكل، وهل يستحب لغير الواحد التسليم بعد تسليم أحدهم؟ فيه احتمالان.
ب: يجب رد سلام الصبي المميز، في الصلاة وغيرها، وفاقا لجملة من
الأصحاب، منهم روض الجنان والمدارك (1).
لا لعموم الآية كما قيل (1)، لاتحاد المرجع في " حييتم " و " حيوا " والثاني
مخصوص بالمكلفين فكذا الأول.
بل لعموم طائفة من الأخبار المتقدمة وغيرها.
وهل يكتفى برده؟.
الظاهر لا، وفاقا للمدارك وغيره (3)، لأن الأمر بالتحية بالمثل في الآية، والرد
في الأخبار مخصوص بالمكلفين.
ج: وجوب الرد على المصلي وغيره إذا علم دخوله في المسلم عليه. وإن شك فيه
فلا يجب، بل يشكل جوازه للمصلي، إلا إذا قصد القرآن، أو من حيث كونه دعاء
للمسلم.
د: قالوا: يجب إسماع الرد للمسلم تحقيقا أو تقديرا (4). وهو صحيح،
إذ لا يعلم صدق التحية والرد، ولرواية ابن القداح: " فإذا رد أحدكم فليجهر
برده، لا يقول: سلمت ولم يردوا علي " (5).
إلا أن في كفاية التقديري نظر، إذ ظاهر أن صدق الرد أمر لا يتوقف على
الامكان وعدمه، فإن صدق رده بدون الاسماع لم يجب مطلقا، وإلا وجب مع
الامكان، ويسقط وجوب الرد مع عدم إمكان الاسماع.

(1) الروض: 339، المدارك 3: 475.
(2) في الحدائق 9: 76.
(3) المدارك 3: 475، وانظر: الروض: 339.
(4) كما في الروض: 339، والحدائق 9: 77.
(5) الكافي 2: 645 العشرة ب 7 ح 7، الوسائل 12: 65 أبواب أحكام العشرة ب 38 ح 1.
71

ولا يبعد صدق الرد عليه بالتسليم مع الإشارة المفهمة له بالإصبع أو الرأس،
فيكون كافيا كذلك مطلقا.
ولا تنافيه رواية ابن، لقداح، لأن المستفاد من تعليلها أن المطلوب إفهام
المسلم، وهو يحصل بذلك، فإن لم يمكن ذلك أيضا سقط وجوب الرد.
هذا في غير المصلي، وأما هو فالمشهور فيه أيضا وجوب الاسماع، لما ذكر.
وعن المحقق والأردبيلي - طاب ثراهما - عدمه (1)، لصحيحة منصور
المتقدمة (2)، وموثقة الساباطي: " إذا سلم عليك رجل من المسلمين وأنت في
الصلاة ترد عليه فيما بينك وبين نفسك، ولا ترفع صوتك " (3).
وتدل عليه صحيحة محمد الثانية (4)، حيث تضمنت قوله " وأشر بأصابعك "
فإنه لو كان جهرا لما احتاج إلى ذلك.
ورد بالحمل على التقية، لأن عدم وجوب رد المصلي نطقا. مذهب أكثر
العامة (5).
وهو كان حسنا لو كان وجوب الاسماع ثابتا. وأما على ما ذكرنا من وجوب
الافهام، فلا داعي للحمل عليها، بل يسلم خفيا، ويشير بالإصبع - كما في
صحيحة محمد - تحصيلا للتفهيم. إلا أنه لا يجب ذلك، كما حكي عن الفاضلين
المذكورين، لقصور الروايات عن إفادة الوجوب، حتى الصحيحة الأخيرة الآمرة
بالإشارة، لعدم وجوب خصوص هذه الإشارة إجماعا.
ه‍: المشهور بين الأصحاب أن وجوب الرد في الصلاة وغيرها فوري، إذ هو
المتبادر من الرد، ومقتضى الفاء الدالة على التعقيب بلا مهلة في الآية.

(1) المحقق في المعتبر 2: 264، الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 119.
(2) في ص: 68.
(3) الفقيه 1: 240 / 1064، التهذيب 2: 331 / 1365، الوسائل 7: 268 أبواب قواطع
الصلاة ب 16 ح 4.
(4) المتقدمة في ص: 67.
(5) انظر: بداية المجتهد 1: 181، والمغني 1: 747.
72

والأول ممنوع، وكذا الثاني في الفاء الجزائية، ولذا توقف فيه بعضهم (1).
إلا أن المعلوم من سيرة النبي والأئمة وأصحابهم والعلماء المسارعة إلى
الجواب، فالظاهر أنه إجماعي.
إلا أنه - كما صرح به بعضهم (2) - الفورية المعتبرة هنا إنما هو تعجيله بحيث
لا يعد تاركا عرفا، فلا يضر إتمام كلمة أو كلام وقع السلام في أثنائه.
و: لو ترك المصلي ردا هل تبطل صلاته، أم لا؟.
المشهور هو الأول، لقاعدتي عدم اجتماع الأمر والنهي، وكون الأمر بالشئ
نهيا عن ضده.
والحق عدم البطلان وإن صحت القاعدتان، كما بينا وجهه في كتبنا
الأصولية.
ز: يجب رد السلام الواقع في وراء ستر أو جدار أيضا.
وهل يجب إذا سلم عليه بلسان رسول؟ الظاهر نعم، لصدق التحية
والسلام.
وفي وجوبه إذ كتب بالسلام نظر، لعدم معلومية الصدق. نعم لو كان
جواب الكتاب واجبا - كما اختاره بعض الأصحاب (3) وتدل عليه صحيحة عبد الله
بن سنان صريحة (4)، وهو الأقوى لذلك - كان واجبا من هذه الجهة.
وهل يختص وجوب جواب الكتاب بما إذا تضمن الدعاء والسلام، بل كان
مخصوصا به، أو يجب مطلقا؟ فيه تأمل.
ح: الحق جواز تسليم الأجنبية على الأجنبي، للأصل والأخبار.

(1) انظر: الحدائق 9: 81.
(2) انظر: الذخيرة: 367.
(3) كصاحب الحدائق 9: 82.
(4) الكافي 2: 670 العشرة ب 27 ح 2، الوسائل 12: 57 أبواب أحكام العشرة ب 33 ح 1.
73

وقيل بعدمه (3)، لأن صوتها عورة.
وهو ممنوع، والخبر المانع عنه لا يفيد أزيد من الكراهة (2).
ط: لا يبتدأ بالسلام على الكافر، بل الظاهر عدم جوازه، للنهي عنه في رواية
غياث (3)، المؤيدة برواية الخصال المتقدمة (4). إلا أن تدعو إليه الضرورة، كما يدل
عليه خبر عبد الرحمن بن الحجاج (5).
ولو سلم كافر على مسلم فهل يجب الرد أم لا؟.
الظاهر نعم، لعموم الآية، وأكثر الأخبار، وخصوص رواية غياث،
وموثقتي محمد (6)، وسماعة (7).
والمشهور المنصور أنه يرد على أهل الذمة ب‍ " عليك "، للرواية والموثقتين
المذكورة.
وهل يجب الاقتصار على ذلك، أم يجوز بغيره؟.
ظاهر الأمر فيها يقتضي الوجوب. إلا أن في رواية زرارة: " تقول في الرد
على اليهودي والنصراني: سلام " (8).
ومقتضى القاعدة التخيير، إلا أن الأول أشهر رواية، وهو من المرجحات
المنصوصة، وعلى هذا فلا يجوز بمثل عليك السلام.

(1) كما في الحدائق 9: 83.
(2) الكافي 5: 535 النكاح ب 83 ح 2، الوسائل 20: 234 أبواب مقدمات النكاح ب 131 ح 2.
(3) الكافي 2: 648 العشرة ب 11 ح 2، الوسائل 12: 77 أبواب أحكام العشرة في 49 ح 1.
(4) في ص: 66.
(5) الكافي 2: 650 العشرة ب 11 ح 7، الوسائل 12: 83 أبواب أحكام العشرة ب 53 ح 1.
(6) الكافي 2: 649 العشرة ب 11 ح 4، مستطرفات السرائر: 138 / 7، الوسائل 12: 77 أبواب
أحكام العشرة ب 49 ح 3.
(7) الكافي 2: 649 العشرة ب 11 ح 3، الوسائل 12: 79 أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 6.
(8) الكافي 2: 649 كتاب العشرة ب 11 ح 6، الوسائل 12: 77 أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 6.
74

ي: المستفاد من بعض الأخبار أنه يستحب أن يسلم الراكب على الماشي
والقائم على الجالس، والطائفة القليلة على الكثيرة، والصغير على الكبير،
وأصحاب الخيل على أصحاب البغال، وهم على أصحاب الحمير (1). ولكن ذلك
مستحب في مستحب، فلو وقع العكس في بعض الصور لم يخرج من الاستحباب
أيضا.

(1) انظر: الوسائل 12: 73 أبواب أحكام العشرة ب 45.
75

الباب الثاني
في الخلل الواقع في الصلاة المتعلق بأجزائها، أو صفاتها،
أو شرائطها
77

وهو: إما عن عمد، أو جهل، أو سهو، أو بسبب تعلق الشك بأحد هذه
الأمور، أو الظن. ثم الخلل الحاصل بسبب أحد هذه الأمور إما نقص أو زيادة.
والمراد بالعمد: كونه بشعور وقصد.
وبالسهو: عزوب المعنى عن القوة الذاكرة مع بقائه في الحافظة، ولهذا
يحصل بالتذكر، ويرادفه النسيان.
وقد يطلق النسيان على عزوبه عن القوتين، فيحتاج حصوله إلى المراجعة
والتعلم، وعلى ذلك يرادف الجهل بأحد معنييه، والمعنى الآخر عدم حصول
المعنى في الذهن أولا أيضا.
وبالشك: تساوي الاعتقادين المتضادين. وقد يطلق السهو في الأخبار
وكلام الأصحاب على الشك أيضا.
وبالظن: رجحان أحد الطرفين.
فها هنا مباحث، نذكرها بعد ذكر أصل، يحصل منه حكم كثير من مسائل
الباب، هو: أن الأصل في كل شرط أو جزء واجب أو صفة واجبة بطلان الصلاة
بنقصه عمدا، أو جهلا، أو سهوا. وكذا في زيادة الأجزاء.
أما أصالة البطلان بنقص ما ذكر عمدا، أو جهلا مع التقصير واحتمال
الخلاف، فلايجابه عدم الاتيان بالمأمور به، ومخالفته الموجبة لعدم تحقق الامتثال.
وأما أصالته بنقصه جهلا من غير تقصير، أو سهوا، فالمراد بالبطلان حينئذ
ليس عدم موافقة ما فعل للمأمور به حين الجهل والنسيان، إذ لا تكليف على
الغافل فوق ما عمله. بل المراد وجوب الفعل في الوقت ثانيا - إن ارتفع الجهل أو
النسيان فيه - مع الشرط أو الجز المتروك أولا، سواء كان الترك لأجل الخطأ جهلا
أو نسيانا، في حكم الجزء أو الشرط، أو في موضوعه.
أقا الأول فكمن ظن عدم وجوب السورة في الصلاة، أو عدم وجوب
الاستقبال، أو ستر العورة فيها، وصلى بدون السورة، أو غير مستقبل القبلة، أو
79

مكشوف العورة، ثم تبين له خلافه مع بقاء الوقت.
والوجه في البطلان بالمعنى المذكور حينئذ أن بعد تبين الخلاف حصل له
أمر، وهو: أن كل مكلف يجب عليه الفعل مع هذا الجزء أو الشرط في الوقت
الفلاني، والمفروض بقاء الوقت، فيكون داخلا في الموضوع، فيجب عليه الفعل.
ولا ينافي ذلك صحة ما فعله أولا، حيث إنه له المأمور به حينئذ؟ لأنه
المأمور به له حين يعلم أنه المأمور به له، ولا يضر ذلك في كون شئ آخر مأمورا
به له في وقت آخر.
والحاصل أن ها هنا أمرين: مطلقا ومقيدا، وكان الأول واجبا عليه في
الوقت الأول، والثاني في الثاني.
وأما الثاني فهو إما خطأ في المفهوم، أو المصداق.
فالأول كمن ظن سهوا أو جهلا أن المراد بالمغرب غروب الشمس، فصلى،
ثم تبين له مع بقاء الوقت أن مفهومه زوال الحمرة.
أو ظن أن القبلة ما بين المشرق والمغرب، فصلى في العراق إلى حوالي
المشرق، ثم ظهر له أن ذلك قبلة المتحير.
أو ظن أن ستر العورة يتحقق مع اللباس الحاكي أيضا، ثم ظهر له أنه ليس
بساتر.
أو ظن أن السورة الواجبة في الصلاة صادقة على آية من السورة أيضا، ثم
ظهر له خطؤه.
وأما الثاني فكمن علم أن المراد بالمغرب زوال الحمرة، وسها، فظن حصوله
قبل حصوله، وصلى، ثم تبين خطؤه.
أو علم أن القبلة الجهة المخصوصة للكعبة وظنها في سمت، وصلى إليه،
ثم ظهر خطؤه.
ويظهر وجه وجوب الإعادة في الوقت فيهما أيضا مما مر.
هذا حكم الإعادة في الوقت.
وأما القضاء فالأصل ينفيه، وثبوته إنما هو بأمر جديد، فلا يندرج تحت
80

ضابطة كلية، بل تجب متابعة الأمر في كل موضع. إلا أنه ثبت وجوبه في الخلل
العمدي الحاصل في أجزاء الصلاة الواجبة نقصا، أو زيادة، أو نقص أو صافها
الواجبة، كما يأتي بعد ذلك.
وإن أردت تحقيق المقام في هذه الأقسام، مع نقض وإبرام بما لا يتصور
مزيد عليه، فارجع إلى كتابنا المسمى بعوائد الأيام، فقد استوفينا الكلام في أقسام
الخاطئ والجاهل، وذكرنا تحقيقات لا توجد في غيره (1).
ثم لا يخفى أن البطلان بهذا المعنى أي: وجوب الإعادة في الوقت إنما هو
مقتضى الأصل، وقد يدل دليل خارجي على عدم الوجوب، كما في نسيان الفاتحة
أو السورة، وبالجملة غير الأركان من أجزاء الصلاة.
كما قد يوجد دليل على وجوب القضاء خارج الوقت أيضا، كما في السهو
عن الأركان، أو الطهارة ونحوها. بل الظاهر الاجماع على أن ما يوجب الإعادة في
الوقت من نقص أجزاء الصلاة سهوا يوجب القضاء خارجه.
وأما أصالة بطلان الصلاة بزيادة الأجزاء بأحد الوجوه الثلاثة، فلرواية أبي
بصير: " من زاد في صلاته فعليه الإعادة " (2).
وصحيحة زرارة وبكير: " إذا استيقن أنه زاد في صلاته (المكتوبة) لم يعتد
بها، واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا " (3).
وقوله: " زاد في صلاته " يحتمل معنيين.
أحدهما: أن من زاد صلاته بمعنى أن يصلي صلاة زائدة عما يجب عليه،
كما يقال: زاد زيد في داره، إذا اشترى دارا أخرى أيضا.

(1) عوائد الأيام: 83.
(2) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 5، التهذيب 2: 194 / 764، الإستبصار 1:
376 / 1429، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2.
(3) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 2، التهذيب 2: 194 / 763، الإستبصار 1:
376 / 1428، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1، وما بين المعقوفين
ليس في النسخ، أضفناه من المصادر.
81

وثانيهما: أن من زاد فيها شيئا.
والأول يحتاج إلى كون لفظة " في " زائدة وإرادة الركعة ومثلها عن الصلاة،
إذ لا تبطل الصلاة بزيادة صلاة أخرى قطعا، و كلاهما خلاف الأصل، فالمعنى:
زاد فيها غيرها.
ولا يتوهم أنه يقتضي تقدير المفعول لقوله: " زاد " وهو غير معين، لاحتمال
الركن أو الركعة أو غيرهما، فيسقط الاستدلال.
إذ المبطل هو مهية الزيادة من غير احتياج إلى التقدير، نحو: من أكل
اليوم، أو قتل فعليه كذا، وزيد أكول، فإن الشرط والمخبر عنه هو مطلق الأكل،
والقتل، وكثرة الأكل.
فالمبطل هو الزيادة، ويكون المفعول نسيا منسيا، كقولهم: فلان يمنع
ويعطي، فالمبطل الزيادة في الصلاة لا المزيد.
وقد يستدل للمطلوب في الجملة بما في بعض الصحاح: " لا يعيد الصلاة
من سجدة، ويعيدها من ركعة " (1).
ومقابلة الركعة فيها بالسجدة قرينة على أن المراد منها الركوع.
وفيه: أنه يحتمل الزيادة والنقصان، فلا يتم الاستدلال بها، كما لا يضر
حكمها بعدم الإعادة بالسجدة لذلك أيضا.
والتأمل في الخبرين الأولين باعتبار استلزامهما خروج الأكثر باطل، وإن كان
عمومهما لغويا أيضا، لمنع خروج الأكثر، لشمولهما للعمد والجهل والسهو، ولم يخرج
من الأولين شئ مما يصدق عليه الزيادة على ما ذكرنا، ولا من الثاني أكثر الأفعال
وإن خرج أكثر الجزئيات، ولكن المقصود كليات الأفعال.
ويشترط أن يكون المزيد من أجزائها، لأنه معنى ذلك المركب، فإنه لا يقال
لمن أمر ببناء معين على نحو معين كوضع خمس لبنات وتطيينه إلى ذراعين: إنه زاد
في البناء، إلا إذا زاد في اللبنة، أو الجص ونحوهما. ولا يقال: إنه زاد فيه، لو قرأ

(1) الفقيه 1: 228 / 1009، الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 2.
82

حين البناء شعرا، أو فعل فعلا آخر، فيلزم أن يكون المزيد مما يعد من أجزاء
الصلاة لو زاد. هذا.
ثم إن ما يزاد فيه شئ إما يعرف ما منه وما ليس منه عرفا، فالمناط ما كان
منه عرفا، كالبناء، فلو أدخل فيه خشبا يكون قد زاد فيه.
وإما ما يتوقف معرفة ما منه وليس منه على التوقيف الشرعي، فلا بد في
معرفة كون الزائد من الصلاة أوليس منها من الرجوع إلى الشرع، وهي إنما
تتحقق بالتطبيق على الأجزاء المعلومة أنها من الصلاة قطعا، فزيادة مثلها تكون
زيادة في الصلاة، وما ليس منها لا يكون زيادة فيها، فلو حرك يده في الصلاة مثلا
لم يكن زيادة في الصلاة.
وقد يتوهم أنه يكون زيادة إذا اعتقد جزئيتها.
وهو سهو، لأن الاعتقاد لا يكون إلا عن دليل، فما لم يدل دليل له على
الجزئية لا يمكن له الاعتقاد، وإذا دل دليل عليها لا يكون زيادة بل يكون جزءا
من الصلاة في حقه مع ذلك الاعتقاد.
نعم يشترط في صدق الزيادة في الصلاة أن يكون الزائد مما بعد جزءا من
الصلاة عرفا، فلو كان فعل يتحقق في الصلاة وفي غيرها، فلا بد إما قصد كونه
من الصلاة، أو انضمام خصوصية أخرى تختص بالصلاة، كالانحناء، فإنه
يتحقق تارة في ركوع الصلاة وأخرى في غيره، فلا يكون زيادة إلا بقصد جعله من
ركوع الصلاة، أو ضم الخصوصيات الواردة في الصلاة كالانحناء بالحد الخاص
مع الطمأنينة والذكر، فإن مثل ذلك من الصلاة. وبالجملة لا بد من ضم شئ
يصرفه ويطبقه على أجزاء الصلاة.
ولا يخفى أيضا أن الزيادة في الأجزاء إنما تتحقق إذا زاد شيئا منها على القدر
المعين شرعا عدده، كالركعة والركوع والسجود، أو محله من حيث هو صلاة،
فيزيد إذا أتى به في غير محله أيضا من حيث هو للصلاة، وإن لم يعين عدده أيضا،
كالقراءة بعد الركوع، والتشهد في الركعة الأولى، إذا قرأ قبله أيضا، وتشهد
83

بعدها، أما لو اقتصر على غير المحل فلا يعد زيادة عرفا، بل هو إخلال بالترتيب.
فلا زيادة ما لم يتعين عدده شرعا وإن تعين قدره الواجب عقلا، مثلا لو أمر
بكتابة عشر صفحات في كل صفحة عشرة أسطر، وشرط عدم الزيادة في الكتابة،
فيزيد لو زاد السطر عن العشرة، أو الصفحة عنها، بخلاف ما لو كتب في السطر
عشر كلمات، وإن تأدى الواجب بخمس كلمات مثلا أيضا لصدق السطر، إذ هو
مما لم يعينه الآمر.
وعلى هذا فكلما عين الشارع في الصلاة كمية يكون الزائد على ما عين
زيادة، بخلاف ما بم يعينه الشارع وإن عيق الأصل. فلا تصدق الزيادة بتكرار
الآيات، ولا السورة، ولا القراءة مطلقا لولا النهي عن قران السورتين لأن المأمور
به مطلق الفاتحة والسورة.
وكذا تتحقق الزيادة بزيادة ما لم يعين الشارع عدده، ولكن عين محله، إذا
أتى به في غير محله وفي محله. ولو أتى في غير المحل خاصة لم يكون زيادة، بل
إخلالا. ولو أتى أولا في غير المحل، فإن قصد الاتيان في المحل أيضا فهو زيادة،
وإلا فإخلال.
ولو أتى به سهوا لا تتحقق الزيادة إلا بعد أن يفعله في المحل أيضا، فهو
سبب تحقق الزيادة، وإن كان الزائد ما وقع في غير المحل.
وهل الزيادة في أجزاء الفاتحة أو السورة - بأن يقرأ جزا منها سهوا في غير
المحل، ثم قرأه بعد ذلك - زيادة في الصلاة؟.
فيه نظر، فإن الظاهر أن المصداق هو زيادة الأجزاء المقررة للصلاة المرتبة،
لا جزء الجزء.
لا يقال: قد ورد في الأخبار: " إنه لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور،
والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود " (1) فهو يعارض خبري أبي بصير وزرارة

(1) التهذيب 2: 152 / 597، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 4.
84

المتقدمتين (1).
لأنا نقول: التعارض بالعموم المطلق، فإنه أعم مطلقا منهما، فيجب
التخصيص. وذلك حيث إنه لا شك أن الإعادة من خمسة تحتاج إلى تقدير من
نقص أو زيادة، إذ لا معنى للإعادة من الخمسة نفسها، ولا شك أن المقدر للوقت
والقبلة بل الطهور النقص والخلل دون الزيادة، فهو مقدر قطعا ولا يعلم تقدير
شئ آخر، فالمعنى: لا تعاد الصلاة من غير نقصان الخمسة، ومن البين أنه أعم
مطلقا من الزيادة.
لا يقال: قد ورد في رواية سفيان بن السمط: " تسجد سجدتي السهو في
كل زيادة تدخل عليك أو نقصان " (1).
دلت على ثبوت سجدتي السهو في جميع زيادات الصلاة سهوا أو
نقصاناتها. ولا سجدة سهو إلا مع الصحة، للاجماع على عدم سجدة السهو في
الزيادة أو النقيصة المبطلة. فتدل على صحة الصلاة بكل زيادة ونقصان سهوا،
إذ لا سجدة سهو في العمد. فهي أخص مطلقا من جميع ما مر، فيخص بها،
ومقتضاها صحة الصلاة بالزيادة أو النقيصة سهوا.
قلنا: قد اعترفت بالاجماع على اختصاص سجدة السهو بالزيادة أو
النقيصة الغير المبطلة، وهو كذلك أيضا، فيكون معنى الحديث: كل زيادة غير
مبطلة، أو نقص كذلك، وعلمنا أيضا من الزيادات والنقائص السهوية ما يبطل
الصلاة قطعا.
إذا عرفت ذلك فنقول:

(1) في ص 81.
(2) التهذيب 2: 155 / 608، الإستبصار 1: 361 / 1367، الوسائل 8: 251 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 32 ح 3.
85

المبحث الأول
في العمد
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
كل من نقص من واجب صلاته شيئا عمدا بطلت صلاته، جزءا كان أو
وصفا أو شرطا، بالاجماع، له، وللأصل المتقدم الخالي عن مكاوحة لشئ مما
يعارضه.
المسألة الثانية:
كل من زاد في صلاته تكبيرة الاحرام، أو ركوعا، أو سجودا ولو واحدا، أو
ركعة، عمدا، بطلت صلاته.
وكذا لو قرأ في غير موضعه، أو تشهد كذلك، بقصد قراءة الصلاة
وتشهدها، أو جلس أو قام كذلك، كل ذلك للأصل المتقدم.
ويستفاد بعضها من عموم بعض الأخبار الآتية في مطاوي المباحث الآتية
أيضا.
ولا تبطل بتكرير آيات الفاتحة، أو السورة، أو فقرات التشهد، أو
القنوت، ونحو ذلك، للأصل، وعدم صدق الزيادة في الصلاة، كما مر بيانه.
ويدل على بعضه بعض الروايات الدال على تكرار الإمام بعض آيات
الفاتحة (1).
ولا بأس بالانحناء بقصد تناول شئ من الأرض، ولو بلغ حد الراكع،
لعدم كونه زيادة في الصلاة كما سبق، وورد في الأخبار أيضا (2).

(1) كما في الوسائل 6: 151 أبواب القراءة في الصلاة ب 68.
(2) الوسائل 5: 503 أبواب القيام في 12.
86

المبحث الثاني:
في الجهل
كل من ترك شرطا من شروط الصلاة المتقدمة، أو جزءا واجبا منها، أو
صفة واجبة، جهلا بالحكم أو بموضوعه، أثم وبطلت صلاته، إن كان الجهل
مستندا إلى تقصيره بأن يحتمل عنده الخلاف وقصر في التحصيل، لكونه عامدا
حقيقة غير آت بالمأمور به تاركا له، فتجب عليه الإعادة في الوقت، والقضماء في
خارجه.
وكذا إن زاد في الصلاة جهلا، لعمومات مبطلات الزيادة المتقدمة.
وإن لم يكن مستندا إلى تقصيره، ولم يحتمل عنده الخلاف، فحكم الخلل
الواقع بسببه المتعلق بالشروط والمنافيات ما مر كل في موضعه، فما كان مبطلا
للصلاة يوجب إعادتها وقضاءها، وما لم يكون كذلك لا يوجبهما.
وأما ما له تعلق بأجزاء الصلاة أو أوصافها الواجبة، فلا شك في عدم ترتب
الإثم، والوجه ظاهر.
ولكنه في بطلان الصلاة بمعنى وجوب الإعادة والقضاء بالنقص والزيادة
فحكمه حكم العمد.
أما في وجوب الإعادة بالنقص، فبالاجماع والأصل المتقدم، والأخبار
الآتية.
وأما في وجوبها ووجوب القضاء بالزيادة، فبالاجماع البسيط والمركب، حيث
إن كل من يقول بوجوبها بالنقص، يقول به بالزيادة، وباطلاق الخبرين
المتقدمين (1).

(1) في ص 81.
87

وأما في وجوب القضاء بالنقص، فبالاجماع، وإطلاق الأخبار، كموثقة
البقباق، وابن أبي يعفور: في الرجل يصلي فلم يفتتح بالتكبير، هل يجزئه تكبيرة
الركوع؟ قال: " لا، بل يعيد صلاته، إذا حفظ أنه لم يكبر " (1).
وصحيحة محمد وفيها: " إذا استيقن أنه لم يكبر فليعد " (2).
وصحيحة أبي بصير: " إذا أيقن الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة، وقد
سجد سجدتين، وترك الركوع، استأنف الصلاة " (3).
وما يأتي من قولهم عليه السلام: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور،
والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود ".
وهذه الأخبار وإن كانت واردة في بعض الأفعال، ولكنه يتم المطلوب
بالاجماع المركب.
بل هنا إجماع مركب آخر أيضا، وهو: أن كل من يقول بوجوب الإعادة في
الوقت بخلل حاصل بالجهل يقول بوجوب القضاء في خارجه به أيضا.
بل لنا أن نقول بأن ما يفعله جهلا عمد، لأنه في الفعل متعمد، وإن كان
جاهلا بحكمه، والجهل بالحكم لا يخرج الفعل عن التعمد، فيدل على المطلوب
جميع الأخبار المتضمنة للفظ التعمد، أو الدالة بمفهوم عدم النسيان على الإعادة
والقضاء.
ويستثنى من الجهل الموجب للبطلان الجهل بالجهر والاخفات، فإن
الجاهل فيهما معذور إجماعا، كما مر في بحثهما. وكذا الجهل بحكم السفر كما يأتي
في بحثه.

(1) الكافي 3: 347 الصلاة ب 34 ح 2، التهذيب 2: 143 / 562، الإستبصار 1:
352 / 1333، الوسائل 6: 16 أبواب تكبيرة الاحرام ب 3 ح 1.
(2) التهذيب 2: 143 / 558، الإستبصار 1: 351 / 1327، الوسائل 6: 13 أبواب تكبيرة
الاحرام ب 2 ح 2.
(3) التهذيب 2: 148 / 580، الإستبصار 1: 355 / 1343، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب
10 ح 3.
88

والجهل بالموضوع الموجب للبطلان إنما هو إذا لم يكن العلم جزءا
للموضوع، وإلا فلا يوجب الجهل البطلان، لعدم ترك الواجب حينئذ، كما في
غصبية الثوب والمكان، ونجاسة الثوب أو البدن، فإن الشرط الواجب في الصلاة
ليس عدم غصبية الثوب، ولا عدم نجاسته واقعا، بل هو عدم العلم بالغصبية
وعدم العلم بالنجاسة. بل الطاهر الشرعي حقيقة هو ما لم يعلم نجاسته، إذ كل
شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر. فلا تجب الإعادة على جاهل الغصبية، أو
النجاسة، إلا أنه قد دلت الأخبار في الثاني على الإعادة في الوقت، فهو بأمر
جديد، كما تقدما مع سائر ما يتعلق بهذه المسائل في أبحاثهما.
89

المبحث الثالث
في السهو
وهو إما بالنقص، أو الزيادة، فها هنا فصلان:
الفصل الأول
في الخلل الواقع بالنقص سهوا
وهو على قسمين، لأنه إما يوجب البطلان، أو لا يوجبه.
القسم الأول:
فيما يوجب البطلان والإعادة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى:
كل من ترك النية ولم يتذكر حتى كبر للاحرام، أو التكبير ولم يتذكر حتى
دخل القراءة، أو الركوع ولم يتذكر حتى دخل السجدة، أو السجدتين ولم يتذكر
حتى دخل الركوع، تبطل صلاته، وتجب عليه إعادة الصلاة، بلا خلاف في غير
الركوع والسجدتين، ووفاقا للمشهور ومنهم: المفيد والسيد والعماني والديلمي
والحلي والحلبي والقاضي (1)، بل جمهور المتأخرين، فيهما أيضا.
أما في غير النية فلاستلزام التدارك الزيادة في الصلاة، وعدمه النقص فيها،
وهما مبطلان.
وتخصيص المبطل بزيادة الركن - فلا يجري الدليل في صورة تذكر ترك
الركوع بعد الدخول في السجدة الأولى - ليس بجيد، لما عرفت.
مضافا في الركوع مطلقا إلى خبر أبي بصير المنجبر ضعفه - لو كان - بالشهرة

(1) المفيد في المقنعة: 137، السيد في بل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 35، حكاه عن
العماني في المختلف: 129، الديلمي في المراسم: 89، الحلي في السرائر 1: 242، الحلبي في
الكافي: 119، القاضي في المهذب 1: 153.
90

العظيمة: عن رجل نسي أن يركع، قال: " عليه الإعادة " (1)
وفيه إذا دخل السجدتين، إلى صحيحته: " إذا أيقن الرجل أنه ترك الركعة
من الصلاة، وقد سجد سجدتين، وترك الركوع، استأنف الصلاة " (2).
وعدم دلالة الأخيرة على الوجوب مجبور بظاهر الاجماع على انتفاء
الاستحباب، وإن احتمله بعض المتأخرين (3).
وفي السجدتين، إلى رواية معلى: في الرجل ينسى السجدة من صلاته
- إلى أن قال -: " وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة " (4).
وأما في النية - الغير الثابت بطلان الصلاة بزيادتها، لاحتمال شرطيتها -
فلايجاب تركها وقوع التكبير بلا نية، وهي شرط فيه أيضا.
وفرض نية التكبير دون الصلاة غير مفيد، إذ لو نوى تكبيرة الاحرام للصلاة
فقد نوى الصلاة، وإن نوى مطلق التكبير، فلم ينو تكبيرة الاحرام.
وقد يستدل للحكم في الركوع بصحيحة رفاعة (5) وموثقة ابن عمار (6).
ويضعفان باحتمال إرادة فعل الركوع من قوله فيهما: " يستقبل ".
خلافا في الركوع للمحكي في المبسوط وغيره عن بعض الأصحاب (7)، وفي

(1) التهذيب 2: 149 / 584، الإستبصار 1: 356 / 1346، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب
10 ح 4.
(2) التهذيب 2: 148 / 580، الإستبصار 1: 355 / 1343، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب
10 ح 3.
(3) انظر: المدارك 4: 218.
(4) التهذيب 2: 154 / 606، الإستبصار 1: 359 / 1363، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب
14 ح 5.
(5) الكافي 3: 348 الصلاة ب 36 ح 2، التهذيب 2: 148 / 582، الإستبصار 1:
355 / 1345، الوسائل 6: 312 أبواب الركوع ب 10 ح 1.
(6) التهذيب 2: 149 / 583، الإستبصار 1: 356 / 1347، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب
10 ح 2.
(7) المبسوط 1: 119.
91

المنتهى وغيره عن الشيخ (1)، فيلفق أي يسقط الزائد، ويتدارك الفائت، ويأتي بما
بعده مطلقا، لصحاح محمد (2)، والعيص (3)، وابن سنان (4)، والمروي في
مستطرفات السرائر (5).
ويرد: بالشذوذ، ومخالفة الشهرة القديمة، المخرجين لها عن الحجية،
وبالمعارضة مع ما مر من خبر أبي بصير، ولولا ترجيحه بموافقة الشهرة يرجع إلى
القاعدة المذكورة.
ولا يتوهم أعميته مطلقا منها باعتبار شموله لما بعد الفراغ أيضا، فيخصص
به.
لبيان صحيحة محمد حكم بعد الفراغ أيضا بما يخالفه.
بل بالمعارضة مع صحيحته أيضا (6)، حيث إنها دلت على رجحان
الاستئناف لا أقل، وهو يخالف الوجوب (7).
والحمل على الاستحباب - كما قيل - لو صح لم يكن مفيدا لذلك المخالف.
مضافا في صحيحة العيص إلى قصور الدلالة، لعدم ارتباطها بالمسألة
أصلا، لورودها في التذكر بعد الفراغ.
والمحكي عن المبسوط والتهذيب والاستبصار، فيلفق في الركعتين الأخيرتين
من الرباعية خاصة (8)، جمعا بين الصحيحين المذكورين، وبين ما مر، بناء على ما
ادعاه هو والمفيد من أن كل سهو يلحق بالأوليين في الأعداد والأفعال فهو موجب

(1) المنتهى 1: 408.
(2) الفقيه 1: 228 / 1006، التهذيب 2: 149 / 585، الإستبصار 1: 356 / 48 13، الوسائل
6: 314 أبواب الركوع ب 11 ح 2.
(3) التهذيب 2: 149 / 586، الوسائل 6: 315 أبواب الركوع ب 11 ح 3.
(4) الفقيه 1: 288 / 1007، التهذيب 2: 350 / 1450، الوسائل 6: 316 أبواب الركوع ب 12 ح 3.
(5) مستطرفات السرائر: 81 / 17، الوسائل 6: 318 أبواب الركوع ب 13 ح 7.
(6) أي: بل يرد دليل المخالف بالمعارضة مع صحيحة أبي بصير أيضا.
(7) أي: وجوب التلفيق.
(8) المبسوط 1: 109، التهذيب 2: 149، الإستبصار 1: 356.
92

للإعادة (1).
ويضعف: بأن الجمع فرع الحجية والدلالة، وكلتاهما - كما مر - ممنوعتان،
مع أنه فرع الشاهد عليه، وهو وإن كان على فرض ثبوت ما ادعاه مع المفيد،
ولكنه غير ثابت، بل - كما عرفت - بعض الأصحاب، فيه، باعتراف الشيخ،
مخالف.
وعن نهاية الشيخ والإسكافي ووالد الصدوق أقوال أخر شاذة جدا غير
واضحة المستند (2)، سوى الرضوي الضعيف الغير المنجبر في بعضها (3).
ومن المتأخرين (4)، من يظهر منه الميل إلى الفرق بين التذكر بعد الدخول
في السجدة الواحدة، وبينه بعد الدخول في السجدتين:
فالتلفيق في الأول، لعدم إيجاب زيادة السجدة الواحدة إبطالا، وضعف
خبر أبي بصير الدال على البطلان مطلقا.
وجوابه قد ظهر.
والتخيير بينه وبين الإعادة مع أفضليتها، في الثاني، جمعا بين الأخبار.
وهو كان حسنا على فرض التكافؤ، وقد عرفت عدمه.
وخلافا في السجدتين لمن حكم بالتلفيق فيهما أيضا مطلقا، كما نسب إلى
بعضهم.
وللمحكي عن الجمل والاقتصاد، فحكم به في الركعتين الأخيرتين من
الرباعية (5).
ومستندهما غير واضح، سوى ما قد يتوهم من اتحاد طريق المسألتين. وهو
ممنوع. مع أن الحكم في الأصل - كما عرفت - غير ثابت.

(1) انظر: المقنعة: 145، والمختلف: 131 نقلا عن الشيخ عن بعض علمائنا.
(2) النهاية: 88، حكاه عن الإسكافي ووالد الصدوق في المختلف: 129.
(3) فقه الرضا " ع ": 116، مستدرك الوسائل 4: 429 أبواب الركوع ب 9 ح 2.
(4) انظر: المدارك 4: 218.
(5) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 188، الإقتصاد: 266.
93

فرع:
لا فرق في بطلان الصلاة بنسيان الركوع حتى دخل السجود بين ما إذا
وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، أو ما لا يصح، على الحق المشهور كما
قيل (1)، لاطلاق الأخبار.
خلافا لبعض مشايخنا، لعدم كون ذلك سجودا شرعيا (2).
وفيه نظر، لأنه سجود شرعي، وإن وجب الزائد عليه أيضا.
المسألة الثانية:
لو تيقن ترك سجدتين، ولم يدر أنهما من ركعة أو ركعتين، بطلت الصلاة
على الأقوى، لما مر من أصالة بطلان الصلاة بالنقص، ولاطلاق رواية معلى:
في الرجل ينسى السجدة من صلاته - إلى أن قال -: " وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد
الصلاة " (3).
خرج نسيان السجدة الواحدة، أو السجدتين من ركعتين تعيينا، بما يأتي
من أدلتها - عن تحت الأصل والاطلاق، وبقي الباقي.
المسألة الثالثة:
لو نقص من صلاته ركعة فما زاد، فإن تذكر بعد التسليم، وقبل فعل المنافي
مطلقا، يتم الصلاة بدون إعادة، بلا خلاف كما قيل (4)، للأصل الثابت بما سيأتي
من عدم بطلان الصلاة بزيادة التشهد والتسليم سهوا، والمتواترة يعني من

(1) انظر: البحار 85: 138.
(2) راجع الحدائق 9: 156.
(3) التهذيب 2: 154 / 606، الإستبصار 1: 359 / 1363، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب
14 ح 5.
(1) الحدائق 9: 125.
94

الأخبار، كصحيحتي الأعرج (1)، وجميل (2)، وموثقتي سماعة (3)، وأبي بصير (4)،
الواردة كلها في خصوص سهو النبي صلى الله عليه وآله، والصحاح الأربع
لمحمد (5)، والرازي (6)، وابني المغيرة (7)، وزرارة (8)، وحسنة ابن أبي
العلاء (9)، والموثقات الثلاث للساباطي (10)، وابن زرارة (11)، وغيرها.
وكذلك إن تذكر بعد فعل المنافي غير الحدث والتحويل عن القبلة، وإن
طال الزمان وكثر الكلام بحيث خرج عن كونه مصليا، على الأقوى، بل الأشهر

(1) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 6، التهذيب 2: 345 / 1433، الوسائل 8: 203 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16.
(2) التهذيب 2: 345 / 1434، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 7.
(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 42 ح 1، التهذيب 2: 346 / 1438، الإستبصار 1:
369 / 1405، الوسائل 8: 201 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 11.
(4) التهذيب 2: 436 / 134، المقنع: 31، الوسائل 8: 201 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب
3 ح 10.
(5) التهذيب 2: 191 / 757، الإستبصار 1: 379 / 1436، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 3 ح 9.
(6) الفقيه 1: 228 / 1011، التهذيب 2: 181 / 726، الإستبصار 1: 371 / 1411، الوسائل
8: 199 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 3.
(7) التهذيب 2: 180 / 725، الإستبصار 1: 370 / 1410، الوسائل 8: 198 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 3 ح 2.
(8) الفقيه 1: 229 / 1013، التهذيب 2: 346 / 1437، الإستبصار 1: 367 / 1399، وفيه عن
ابن زرارة، مستطرفات السرائر: 99 / 23، الوسائل 8: 210 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6
ح 4.
(9) الكافي 3: 383 الصلاة ب 62 ح 11، التهذيب 2: 183 / 731، الإستبصار 1:
367 / 1400، الوسائل 8: 209 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 1.
(10) موثقة الساباطي الأولى: التهذيب 2: 353 / 1466، الوسائل 8: 203 أبواب الخلل ب 3
ح 14. موثقته الثانية: الفقيه 1: 229 / 1012، التهذيب 2: 192 / 758، الإستبصار 1:
379 / 1437، الوسائل 8: 204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 20.
(11) التهذيب 2: 182 / 729، الوسائل 8: 204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 18.
95

أيضا، بل عن التذكرة نسبته إلى ظاهر علمائنا (1)، للأصل المذكور، وإطلاق أكثر
الأخبار المذكورة وغير المذكورة، أو عمومه الناشئ من ترك الاستفصال، وصريح
طائفة كثيرة منها في خصوص التكلم، الثابت منها حكم الباقي مما لا يبطل الصلاة
سهوا بالاجماع المركب، وبه يدفع إطلاق ما يشمل المورد ظاهرا كروايتي القهقهة
والبكاء (2)، وترجح إطلاقات المسألة عليه، مع معاضدتها بالأصل، مضافا إلى
عدم جريان دليل بعضه - كالأكل والشرب والفعل الكثير - في المقام أيضا.
خلافا في التكلم للشيخ في بعض أقواله، كما مر في بحث المنافيات (3).
وفي الفعل الكثير لبعضهم، لا يجابه سهوا بطلان الصلاة، وعمومات إبطاله.
والأول ممنوع، بل ادعي الاجماع على عدم إبطاله فيما نحن فيه. والثاني غير
موجود، كما عرفت في بحثه (4).
وفيما إذا طال الزمان، أو كثر الكلام بحيث يخرج عن كونه مصليا، لبعض
آخر، لكونه فعلا كثيرا، وقد عرفت حاله.
وأما ما في موثقتي سماعة وأبي بصير، وصحيحة جميل، وحسنة ابن أبي
العلاء، المتقدمة، من إعادة الصلاة إن تذكر بعد ما ذهب أو برح من مكانه أو
انصرف..
فمع عدم دلالة غير الأخير على الوجوب، واحتمال الأخير بل ظهوره في
إرادة الانصراف عن القبلة، وأعميتها من صدور الفعل الكثير أو طولى الزمان.
معارضة بأكثر مما ذكر وأصرح، كصحيحة عبيد وموثقته المصرحتين بالصحة
إن ذهب وجاء، وصحيحته المصرحة بها إن خرج في حوائجه (5)، وموثقة الساباطي

(1) التذكر 1: 134.
(2) الوسائل 7: أبواب قواطع الصلاة ب 5 و 7.
(3) راجع ص: 37.
(4) راجع ص: 42.
(5) التهذيب 2: 347 / 1439، الإستبصار 1: 368 / 1402، الوسائل 8: 210 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 6 ح 3.
96

المصرحة بها إن قام وتكلم ومضى في حوائجه، بل ولو بلغ إلا الصين، وحسنة
ابن أبي العلاء المصرحة بها أن تذكر بعد أن يذكر الله حتى طلعت الشمس.
ولو تذكر تحويل وجهه بكليته عن القبلة، أو صدور الحدث تجب إعادة
الصلاة.
أما الأول، فلخصوص صحيحة محمد في المورد، وفيها: " فإذا حول وجهه
فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا " (1).
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الدالة على القطع به، المتقدمة في بحث
الالتفات (2)، وبه يخصص ما مر من المطلقات.
وأما ما ينافيها بظاهره، كصحيحة زرارة المصرحة بالصحة لو صلى بالكوفة
وتذكر في بلدة أخرى (3)، وموثقة عمار المصرحة بها ولو بلغ إلى الصين (4).
فلا تكافئ ما مر، لشذوذها جدا، إذ لم ينقل القول بمضمونها إلا عن
المقنع (5)، مع أنه ذكر بعض الأجلة عدم وجدانه فيما عنده من نسخ المقنع (6)، ومع
ذلك للتقية محتملة كما قيل (7).
وأما الثاني، فلعمومات بطلان الصلاة بالحدث، الخالية عن معارضة غير
ما عرفت حاله (8).

(1) التهذيب 2: 184 / 732، الإستبصار 1: 368 / 1401، الوسائل 8: 209 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 6 ح 2.
(2) راجع ص: 23.
(3) التهذيب 2: 347 / 1440، الإستبصار 1: 368 / 1403، الوسائل 8: 204 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 3 ح 19.
(4) التهذيب 2: 192 / 758، الإستبصار 1: 379 / 1437، الفقيه 1: 229 / 1012، الوسائل
8: 204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 20.
(5) نقله عنه في المختلف: 136. ولكن فيما عندنا من نسخة المقنع ص 31: وإن صليت ركعتين ثم
قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة ولا تبن على ركعتين.
(6) كشف اللثام 1: 274.
(7) في الرياض 1: 213.
(8) راجع ص: 12.
97

مع أنه بعد ثبوت الحكم في الأول يثبت فيه أيضا بالاجماع المركب.
فالقول بالصحة في الأول، كما حكي عن المقنع، وبعض المتأخرين (1)، أو
بالتخيير فيه بين البناء والإعادة، كبعض آخر منهم (2)، ضعيف جدا.
فروع:
أ: لو فعل المنافي عمدا بعد التذكر وقبل الشروع في لاتمام، فمقتضى اطلاق
بعض الأخبار المتقدمة، بل عمومه المستفاد من ترك الاستفصال الصحة.
ولكن ظاهر الأصحاب البطلان، لأدلة الابطال به عمدا، ولكن يعارضه
ما مر بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل لولا الاجماع على البطلان، ولكن
الظاهر تحققه.
ب: لا فرق بين أن يتذكر والوقت باق أو خرج، للمطلقات، وخصوص حسنة
ابن أبي العلاء.
ج: لو فعل المنافي بعد التشهد قبل التسليم لم تبطل صلاته، لكون التسليم
خارجا.
القسم الثاني:
في النقص سهوا الذي لا يوجب بطلان الصلاة، وهو على أنواع، لأنه إما
يجب تداركه في الصلاة، أو لا يجب تداركه أصلا، أو يجب تداركه وقضاؤه بعد
الفراغ بلا سجدة سهو، أو معها، فها هنا مواضع:
الموضع الأول:
فيما يجب تداركه في أثناء الصلاة.

(1) كالفيض في المفاتيح 1: 175.
(2) انظر: المدارك 4: 228، والذخيرة: 360.
98

فكل من نسي القراءة كلا أو بعضا، وتذكر قبل الدخول في الركوع، أو
الركوع قبل السجود، أو إحدى السجدتين أو كلتيهما أو التشهد قبل الركوع، لم
تبطل الصلاة ووجب عليه العود والاتيان بالمنسي، ثم الاتيان بما بعده، بلا
خلاف، بل بالاجماع في غير السجدتين، وعلى الأظهر الأشهر فيهما أيضا.
لا لما قيل من إمكان الاتيان بالمنسي على وجه لا يؤثر خللا، ولا إخلالا
بمهية الصلاة، أو لفحوى ما دل على هذا الحكم في صورة الشك، كلما في
الذخيرة (1)، وغيره (2).
لرد الأول: بمنع عدم الخلل في جميع الصور، لايجاب بعضها الزيادة في
الصلاة، وهي خلل.
والثاني: بمنع الفحوى، لأنها إنما هي إذا علمت علة الحكم في صورة
الشك، وهي غير معلومة، فلعله لخصوصية الشك فيه مدخلية.
بل في الأول وهو نسيان القراءة كلا أو بعضا: للدليل الأول، مضافا إلى
الاجماع المحقق والمحكى في الجميع (3)، و رواية أبي بصير: عن رجل نسي أم
القرآن، قال: " إن كان لم يركع فليعد أم القرآن " (4).
وموثقة سماعة: عن الرجل يقوم في الصلاة، فينسى فاتحة الكتاب - إلى
أن قال - " ثم ليقرأها ما دام لم يركع " (5) في نسيان خصوص الفاتحة.
وصحيحتي ابني حكيم وسنان الآتيتين، وبهما يثبت الحكم في أجزاء الفاتحة
والسورة أيضا، كما صرح به جماعة

(1) الذخيرة: 371.
(2) كالرياض 1: 213.
(3) انظر: الرياض 1: 213.
(4) الكافي 3: 347 الصلاة ب 35 ح 2، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 1.
(5) التهذيب 2: 147 / 574، الإستبصار 1: 354 / 1340، الوسائل 6: 89 أبواب القراءة في
الصلاة ب 28 ح 2.
99

ولكنه تعارضهما رواية ابن وهب (1)، المتقدمة في بحث القراءة في السهو عن
بعض أجزاء سورة، الدالة على عدم الالتفات بالسهو في الأجزاء ووجوب المضي،
وهي أخص مطلقا. ومقتضاه عدم الالتفات لولا الاجماع على خلافه، وشذوذ
الرواية لأجله، وأمر الاحتياط واضح.
ثم إنه لو كان السهو في الفاتحة بعد دخول السورة، يقرأ السورة بعدها
أيضا، لأدلة وجوب قراءتها بعد الفاتحة.
ولا تجب إعادة السورة الأولى، على المشهور، للأصل الخالي عن المعارض.
وأما ما في الرضوي: " وإن نسيت الحمد حتى قرأت السورة، ثم ذكرت
قبل أن تركع، فاقرأ الحمد وأعد السورة، لأن ركعت فامض " (2).
فالمراد مطلق السورة، والاتيان بلفظ الإعادة لسبق المطلق أيضا.
ومنه يظهر أن قول بعض الأصحاب بإعادة السورة (3)، ليس ظاهرا في
إعادة السورة المخصوصة.
إلا أن يعارض الأصل في صورة التذكر عند تمام السورة، باستلزام اختلاف
السورة القران المحرم، على المختار من اختصاص القران بالسورتين المتغايرتين،
وتعميمه بالنسبة إلى المتصلتين والمنفصلتين، كما مر في بحثه.
وفي الثاني وهو نسيان الركوع: للاجماع، وصحيحة ابن حكيم: عن رجل
ينسى من صلاته ركعة، أو سجدة، أو الشئ منها، ثم تذكر بعد ذلك، فقال:
" يقضي ذلك بعينه، قلت: يعيد الصلاة؟ قال: " لا " (4).
وصحيحة ابن سنان: " إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا، أو سجودا، أو

(1) التهذيب 2: 351 / 1458، الوسائل 6: 95 أبواب القراءة في الصلاة ب 32 ح 1.
(2) فقه الرضا " ع ": 116، مستدرك الوسائل 4: 195 أبواب القراءة في الصلاة ب 23 ح 1.
(3) انظر: الذكرى: 220.
(4) التهذيب 2: 150 / 588، الإستبصار 1: 357 / 1350، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 3 ح 6.
100

تكبيرا، ثم ذكرت، فاصنع الذي فاتك سهوا " (1).
وأما خبر أبي بصير المتقدم الدال على الإعادة في نسيان الركوع مطلقا (2)،
فيخص بما إذا دخل السجود، كما تحمل هاتان الصحيحتان على ما قبله جمعا،
والشاهد الاجماع.
وبه يجاب عن الاعتراض بشمول الصحيحتين لما إذا دخل السجود أيضا،
مع أن لمخالفتهما فيه للشهرة العظيمة الجديدة والقديمة - الموجبة لشذوذهما فيه -
أخرجتا فيه عن الحجية.
ولا يضر لزوم زيادة الهوي، لكون الصحيحين من حيث التصريح بالركوع
والسجود أخص في المورد من أخبار الزيادة.
والظاهر أنه يجب عليه الانتصاب، ثم الركوع، لتوقف صدق الركوع
عليه، فإنه الانحناء من الانتصاب.
إلا أن لم يبلغ بعد حد الراكع، بأن يهوي بقصد السجود فتذكر قبل
الوصول إلى حد الركوع أنه لم يركع، فينحني بقصد الركوع، لعدم اشتراط
الانحناء من إقامة الصلب في الركوع، مع أنه أيضا متحقق. ولا يضر إرادة
السجود أصلا.
وكذا لو بلغ حد الركوع ولم يتجاوز عنه، على احتمال، فإنه إذا تذكر ونوى
كفى، ولا يشترط الهوي بقصد الركوع، لأصالة عدم اشتراط هذا القصد، لأنه
وجوب تبعي.
ويمكن أن يمنع تبعية الهوي، بل هو مقصود بالأصالة، لأنه جز مفهوم
الركوع المصدري الذي هو المأمور به، فيجب قصده خصوصا، أو استدامة،
وعلى ذلك فيجب الانتصاب حينئذ أيضا، وهو الأظهر، كما كان يجب لو تجاوز.
ولا تتوهم زيادة الركوع حينئذ لو بلغ هويه أولا إلى هيئة الراكع، لأنه ليس

(1) التهذيب 2: 350 / 1450، الوسائل 6: 316 أبواب الركوع ب 12 ح 3.
(2) راجع ص: 90.
101

زيادة في الصلاة، إذ لم يقصد به الركوع، ولا انضم إليه ما يصرفه إليه.
ولو قصد بالهوى الركوع، فنسيه بعد الوصول إلى حده وهوى للسجود،
فهو حقيقة نسيان للطمأنينة والذكر والرفع، وسيجئ حكمه.
وفي الثالث وهو نسيان إحدى السجدتين: لما ذكر من الاجماع المحقق،
والمصرح به في كلام جماعة (1)، ولصحيحتي أبي بصير، وابن جابر:
الأولى: عمن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها وهو قائم، قال:
" يسجدها، إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع، فليمض على صلاته، فإذا
انصرف قضاها وحدها، وليس عليه سهو " (2).
والثانية: في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام، فذكر وهو
قائم أنه لم يسجد، قال: " فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع، فذكر بعد ركوعه أنه لم
يسجد، فليمض على صلاته حتى يسلم، ثم يسجدها فإنها قضاء " (3).
وفي الرابع وهو نسيان السجدتين: لصحيحة ابن سنان المتقدمة، ولرواية
معلى بن خنيس - المنجبر ضعفها لو كان بادعاء الشهرة العظيمة (4)، بل تحققها -
في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: " إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها،
وبنى على صلاته، ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، وإن ذكرها بعد ركوعه
أعاد الصلاة، ونسيان السجدة في الأولتين والأخيرتين سواء " (5).
لاطلاق السجدة فيها لأن شمل الواحدة والاثنتين، إلا أن قوله: " وإن

(1) كما في المدارك 4: 235، والحدائق 9: 135، والرياض 1: 213.
(2) الفقيه 1: 228 / 1008، التهذيب 2: 152 / 598، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14
ح 4.
(3) التهذيب 2: 153 / 602، الإستبصار 1: 359 / 1361، الوسائل 6: 364 أبواب السجود ب
14 ح 1.
(4) انظر: الرياض 1: 213.
(5) التهذيب 2: 154 / 606، الإستبصار 1: 359 / 1363، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب
14 ح 5.
102

ذكرها بعد ركوعه " إلى آخره قرينة على إرادتهما.
وقد يستدل أيضا. ببقاء المحل بدلالة تدارك السجدة الواحدة.
وبأصالة بقاء الصحة.
وبالصحيحة المتضمنة لقوله: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة " (1).
والأخرى المتضمنة لتدارك الركوع بعد السجدتين (2)، فإنه إذا جاز تداركه
مع تخلل السجدتين اللتين هما ركن، جاز تدارك السجود مع تخلل القيام خاصة
بطريق أولى.
ويظهر ضعف الأول باحتمال اختصاص المحل بالواحدة.
والثاني بزوال الأصل بلزوم أحد المحذورين من زيادة القيام، بل هو مع
القراءة، أو نقص السجدتين.
والثالث بأن السجود من الخمسة إلا أن يراد أنه لو رجع وسجد لم تلزم عليه
إعادة لأجل الزيادة.
والرابع ببطلان حكم الأصل.
خلافا للمقنعة والحلي والحلبي، فأوجبوا الإعادة (3).
للروايات الدالة على البطلان بنسيان السجود (4)، خرج منها ما خرج،
فيبقى الباقي.
وللزوم أحد المحذورين المذكورين.
ويجاب عن الأول: بخروج المورد أيضا بما مر.
وعن الثاني: بعدم كون الزيادة محذورة بعد دلالة الدليل على جوازها.

(1) التهذيب 2: 152 / 597، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 4.
(2) الفقيه 1: 228 / 1006، التهذيب 2: 149 / 585، الإستبصار 1: 356 / 1348، الوسائل
6: 314 أبواب الركوع ب 11 ح 2.
(3) المقنعة: 138، الحلي في السرائر 1: 241، الحلبي في الكافي: 119.
(4) الوسائل 6: 389 أبواب السجود ب 28.
103

وفي الخامس أي نسيان التشهد: للاجماع أيضا، وللأخبار المستفيضة،
كالصحاح الأربع، للحلبي، والفضيل، وابن أبي يعفور، وسليمان بن خالد،
و رواية علي بن أبي حمزة.
أولاها: " إذا قمت في الركعتين من ظهر أو غيرها، ولم تتشهد فيهما،
فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع، فاجلس وتشهد وقم، فأتم
صلاتك، وإن أنت لم تذكر حتى تركع، فامض في صلاتك حتى تفرغ، فإذا
فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلم " (1).
وثانيتها: في الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة، فيقوم قبل أن يجلس
بينهما، قال: " فليجلس ما لم يركع، وقد تمت صلاته، فإن لم يذكر حتى ركع
فليمض في صلاته، فإذا سلم سجد سجدتين وهو جالس " (2).
وثالثتها: عن الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة، فلا يجلس فيهما، فقال:
" إن كان ذكر وهو قائم في الثالثة فليجلس، وإن لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته،
ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلم " (3)
ورابعتها: عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوليين، فقال: " إن ذكر
قبل أن يركع فليجلس، وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ
فليسلم، ويسجد سجدتي السهو " (4).
وخامستها: " إذا قمت في الركعتين الأوليين ولم تتشهد، فذكرت قبل أن
تركع فاقعد وتشهد، وإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا

(1) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 8، التهذيب 2: 344 / 1429، الوسائل 6: 406 أبواب
التشهد ب 9 ح 3.
(2) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 2، التهذيب 2: 345 / 1431، الوسائل 6: 405 أبواب
التشهد ب 9 ح 1.
(3) الفقيه 1: 231 / 1026، التهذيب 2: 159 / 624، الوسائل 6: 402 أبواب التشهد ب 7
ح 4.
(4) التهذيب 2: 158 / 618، الإستبصار 1: 362 / 1374، الوسائل 6: 402 أبواب التشهد ب
7 ح 3.
104

انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثم تشهد التشهد الذي فاتك " (1).
إلى غير ذلك.
فروع:
أ: لو نسي الصلاة على النبي وآله في التشهد الأول، وتذكر قبل الركوع،
فالمستفاد من بعض الكلمات، والمصرح به في بعض آخر أنه كالتشهد (2)، فيؤتى
بها، ثم بما بعدها، ولم يذكره بعض آخر.
فإن ثبت عليه الاجماع، وإلا فلا دليل عليه، ولزوم الزيادة ينفيه.
وصحيحتا ابني سنان وحكيم (3) لا تدلان على فعلها هنا، بل تحتملان القضاء بعد
الصلاة أيضا، وأوامر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ليست بحيث تشمل
المقام.
إلا أن يضم الاجماع المركب مع الصحيحين حيث إن من يقول بفعله إذا
تذكر قبل الركوع يقول به في الأثناء.
ولكن تتعارضان حينئذ مع أخبار الزيادة، والأصل مع عدم وجوب
التدارك، إلا أن الظاهر انعقاد الاجماع على خلافه.
ب: لو نسي رفع الرأس من الركوع، أو مع طمأنينة الركوع، أو مع ذكره أيضا
وتذكر قبل السجدة يرفع رأسه قطعا، لوجوبه وإمكان الامتثال بلا محذور.
وهل يعود قبله إلى حالة الركوع للطمأنينة والذكر؟.
الظاهر نعم، لوجوبهما وعدم محذور إلا توهم زيادة الركوع، وليس كذلك،
لأنه الانحناء من الانتصاب ولم يتحقق، بل ما يفعله حينئذ حقيقة تتمة من

(1) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 7، التهذيب 2: 344 / 1430، الوسائل 8: 244 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 26 ح 2.
(2) انظر: المنتهى 1: 415، والحدائق 9: 144.
(3) المتقدمتان في ص 100.
105

الركوع السابق.
ومنه يظهر أنه لو سقط من الركوع قبل الرفع يرفع، وقبل الذكر أو الطمأنينة
يعود ويطمئن ويذكر ثم يرفع، وقبل الوصول إلى حد الركوع يركع ثم يرفع،
والوجه في الكل ظاهر بعد ما مر.
ج: لو كان المنسي مجموع السجدتين وعاد إليهما لا يجلس قبلهما، للأصل.
ولو كان إحداهما، فإن كان قد جلس عقيب الأول واطمأن بنية الفصل،
أو بلا نية لم يجب الجلوس قبل السجدة أيضا، بلا كلام كما قيل (1)، لحصوله من
قبل.
لأن لم يكن قد جلس كذلك، أو لم يطمئن وجب، كما به صرح شيخنا
الشهيد الثاني وصاحب المدارك (2)، لأنه من أفعال الصلاة الواجبة بالاطلاقات،
ولم يأت به مع إمكان تداركه بلا استلزامه محذورا من جهة أصلا.
خلافا للمحكي عن المبسوط و المنتهى (3)، وهو ظاهر الذخيرة (1)، فجوزوا
تركه.
لتحقق الفصل بين السجدتين.
ولأن القدر الذي ثبت هو وجوب الجلوس والفصل بين السجدتين المتصل
بهما، وقد فات ولا يمكن تداركه.
ويتبين ضعف الأول: بأن الواجب هو الجلوس على الوجه المخصوص الغير
الحاصل، لا مطلق الفصل.
والثاني: بأن الخصوصية التي ذكرت لا دخل لها في وجوب الجلوس وإن
اتفق ذلك، وإلا لزم إجراء هذا الكلام في جميع الأجزاء التي يجب تداركها.

(1) الحدائق 9: 137.
(2) الشهيد الثاني في المسالك 1: 41، المدارك 4: 236.
(3) المبسوط 1: 120، المنتهى 1: 414.
(4) الذخيرة: 372.
106

ولو كان جلس ولكن بنية الاستراحة لمظنة أنه قد أتى بالسجدتين، ففي
الاكتفاء به للفصل، وعدمه، وجهان.
الظاهر الثاني، إذ لكل امرئ ما نوى (1)، ولأن قصده الاستراحة مانع عن
انطباقه على الأمر الموجب للفصل.
وقال بعض مشايخنا الأخباريين - طاب ثراه - بالاكتفاء (2).
لاقتضاء نية الصلاة كون كل فعل في محله، فلا تعارضها النية الطارئة
سهوا.
وللأخبار الدالة على أنه لو دخل في الصلاة بنية الفريضة، ثم سها في
أثنائها وقصد الندب ببعض أفعالها لم يضره ذلك (3).
والأول مع عروض النية المنافية ممنوع.
والثاني غير المسألة، فإن هذا المنوي سهوا أيضا من أجزاء هذه الفريضة.
ولو شك هل جلس أم لا بنى على الأصل، فيجب الجلوس وإن كان حالة
الشك قد انتقل من المحل، لأنه بالعود إلى السجدة مع استمرار شكه يصير في
المحل، كذا قيل (4).
والأولى أن يقال: إن ذلك إنما هو للشك في تجاوز محله فيستصحب المحل.
أو المراد بالتجاوز عن الفعل المعلق عليه عدم العود للشك المذكور في
الأخبار: التجاوز عن المحل المقرر له شرعا، لعدم صحة غيره. وهو في المورد بعد
السجدة الأولى وقبل الثانية.
وهو كذلك، وكون القيام المتقدم على السجدة الثانية المأمور بإلقائه تجاوزا
عن الموضع غير معلوم.
ومثله ما لو نسي سجدة وشك في أخرى، فإنه يجب الاتيان بهما معا عند

(1) الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.
(2) صاحب الحدائق 9: 138.
(3) الوسائل 6: 6 أبواب النية ب 2.
(4) روض الجنان: 345.
107

الجلوس وإن كان ابتداء الشك بعد الانتقال.
ومنه ما لو تذكر نسيان السجدتين قبل الركوع، وشك في الركوع السابق
مع العلم بالهوي، على القول بعدم كون الهوي تجاوزا عن المحل، فيركع للسابق
ويسجد السجدتين، فيقوم.
د: متى تدارك المنسي تجب عليه إعادة ما بعده من تشهد أو تسبيح أو قراءة
وإن أتى به أولا، إجماعا، له، ولاطلاق الأمر به بعده، ولرعاية الترتيب.
ولا يعتد بما أتى به قبله، لوقوعه في غير محله فيكون كالعدم. ولا تضر
الزيادة، لا لعدم كونها ركنا، لاطلاق مبطلات الزيادة. بل للاجماع، ولصحة
الصلاة قطعا مع اشتمالها على هذه الزيادة.
ه‍: لو كان المنسي سجدتي الركعة الأخيرة أو إحداهما، وتذكر في أثناء التشهد،
أو بعده وقبل السلام على القول بجزئيته، عاد وأتى بالمنسي، للاجماع المركب
والبسيط، وإطلاق صحيحتي ابن سنان وحكيم (1). وبما بعده، تحصيلا للترتيب
الواجب، واتباعا لاطلاق الأمر بالتشهد والسلام بعد السجدة الثانية.
ولو تذكر بعد التشهد وقبل السلام على القول بعدم جزئيته، فإن كان
المنسي السجدة الواحدة فلا شك في صحة الصلاة ووجوب الاتيان به.
فهل يأتي به قضاء حتى يجوز تأخيره عن التسليم ولا يضر تخلل الحدث
ونحوه بينه وبين الصلاة، أو أداء حتى يجب تقديمه والاتيان بالتشهد بعده؟.
الظاهر الثاني، لعدم بطلان الصلاة إجماعا، ووجوب الاتيان به كذلك،
وأصالة عدم جواز تأخيره عن التسليم، وعدم الفراغ عن الصلاة، لأنه بعد
التشهد الذي تسبقه السجدتان. وليس هناك عموم أو إطلاق دال على تمام
الصلاة بالتشهد مطلقا. وشمول ما دل عليه لمثل المقام غير معلوم.
ولاطلاق الأمر بالتشهد بعد السجدتين من غير معارض. واستلزامه

(1) المتقدمتين في ص: 100.
108

الزيادة في الصلاة معارض باستلزام الآخر نقص السجدة، حيث إن المقضي بعد
التسليم إنما هو بأمر آخر. مع أنك قد عرفت أن تكرار التشهد ليس زيادة مبطلة
من حيث التعدد، نعم تكون زيادته بإيقاعه في غير محله مبطلا وهو قد حصل
بالتشهد السابق، ولم يوجب الابطال قطعا، فلا تلزم من التشهد اللاحق زيادة
أصلا.
وإن كان السجدتين، فهل تبطل الصلاة؟ لتركهما إلى الفراغ واستلزام
التدارك الزيادة وعدمه النقيصة.
أو لا، فيأتي بهما ثم بالتشهد؟ لظاهر الاجماع المركب بينهما وبين السجدة
الواحدة، وإطلاق الصحيحتين المتقدمتين، وأصالة عدم الفراغ، وعدم
البطلان، ومطلقات الأمر بالسجدتين ثم التشهد، والزيادة هنا غير مبطلة،
للصحيحين.
كل محتمل. والثاني أظهر، لما مر. والاحتياط بالاتيان بالمنسي وما بعده
والتسليم وإعادة الصلاة لا ينبغي أن يترك.
وتبطل الصلاة بتخلل الحدث هنا قطعا.
ولو تذكر بعد التسليم نسيان السجدة الأخيرة فعلها، للصحيحين
المذكورين.
وهل يتشهد بعدها ويسلم لاطلاق الأمر بهما بعد السجدة، أولا؟.
الظاهر الثاني، لحصول الفراغ من الصلاة، والانصراف عنها بالتسليم ولو
في غير موضعه، للأخبار المتقدمة في باب التسليم كرواية أبي كهمش (1)، وغيرها،
فخرج عن الصلاة به، فإذا نقصت السجدة فالأصل يقتضي بطلان الصلاة،
ولكنه اندفع بالاجماع على عدم الإعادة هنا، وبصحيحة ابن حكيم، فلم يبق إلا
العود إلى الصلاة والدخول فيها، أو المضي بلا تدارك، أو تدارك السجدة خارج

(1) الفقيه 1: 229 / 1014، التهذيب 2: 316 / 1292، مستطرفات السرائر: 97 / 16، الوسائل
6: 426 أبواب التسليم ب 4 ح 2.
109

الصلاة. والأول خلاف الأصل، والثاني باطل بالصحيحين، فلم يبق إلا الأخير.
فتكون هذه السجدة غير ما أمر به في الصلاة، والأمر بالتشهد بعدها إنما
هي في سجدة الصلاة.
ولو كان المنسي بعد التسليم السجدتين الأخيرتين بطلت صلاته، لفوات
الركن مع الخروج عن الصلاة، وهو مبطل بالأصل والاجماع.
ومنع الخروج مدفوع بالأخبار المتقدمة. وكون التسليم في غير المحل لا
يضر. ولا يرد لزوم بطلان الصلاة بالتسليم في غير المحل مطلقا، مع أنه ليس
كذلك، لأن ما ليس كذلك يعاد فيه إلى الصلاة بالدليل.
وأما الصحيحان فيعارضان الصحيح: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة " (1)
وعد منها السجود.
دل على الإعادة من نقصان السجود مطلقا، خرجت السجدة الواحدة
بالاجماع والأخبار التي منها صحيحة ابن حكيم، فيبقى الباقي.
و: لو نسي التشهد الأخير ثم تذكر بعد السلام قضاه بعده.
لا لما قيل من عدم الفرق بينه وبين التشهد الأول (2)، لمنع عدم الفرق. ولا
يتوهم أن بناء الأصحاب على اتحاد التشهدين، إذ ليس كذلك. قال في الحدائق
في بحث قضاء التشهد: أما صحيحة محمد فموردها التشهد الأخير، ومحل
البحث في الأخبار وكلام الأصحاب التشهد الأول (3).
بل للصحيحين المتقدمين، وصحيحة محمد: في الرجل يفرغ من صلاته
وقد نسي التشهد حتى ينصرف، فقال: " إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد، وإلا
طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه " (4).

(1) التهذيب 2: 152 / 597، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 4.
(2) كما في الذكرى: 221.
(3) انظر: الحدائق 9: 143.
(4) التهذيب 2: 157 / 617، الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 7 ح 2.
110

ورواية محمد الحلبي: عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد، قال:
" يرجع فيتشهد " قلت: أيسجد سجدتي السهو؟ فقال: إلا، ليس في هذا سجدتا
السهو " (1).
إلا أن في دلالة بعضها على الوجوب نظرا يندفع بضم البعض الآخر،
والاجماع المركب.
ولا يجب السلام بعده، على الأشهر، للخروج عن الصلاة.
خلافا للمحكي عن الخلاف والنهاية وموضع من المقنعة، والسيد في موضع
من الجمل (2)، وابن حمزة والحلي (3)، فقالوا بأنه يسلم بعده، استنادا إلى أن هذا
السلام لم يكن في موقعه، فبه لم يخرج عن الصلاة، بخلاف ما إذا نسي التشهد
الأول وسائر ما كان قبل الركوع مما يقضى، حيث إن لورود الأمر بالمضي في
الصلاة يقع السلام موقعه، فيخرج به عن الصلاة ويكون قضاء.
ويلزمهم على ذلك أن تكون السجدة الواحدة في الأخيرتين، بل
السجدتان الأخيرتان أيضا كذلك، فيجب تداركها والاتيان بما بعدها، ولا يبعد
أن يقولوا به أيضا، وإن لم يحضرني الآن تصريحهم به أو بخلافه، وإن صرح
بعضهم به.
ويلزمهم أيضا بطلان الصلاة بتخلل الحدث ونحوه، كما صرح به بعض
هؤلاء في التشهد (4).
ثم إنه يرد قولهم بمنع توقف الخروج عن الصلاة بكون السلام في موقعه،
بل المستفاد من الأخبار العموم وإن حصل العود في بعض الصور بالدليل.
ولا فرق فيما ذكر من وجوب القضاء في السجدة الواحدة والتشهد،

(1) التهذيب 2: 158 / 622، الإستبصار 1: 363 / 1376، الوسائل 6: 406 أبواب التشهد في
9 ح 4.
(2) لا يوجد الحكم بوجوب التسليم في الكتب المذكورة الموجودة بأيدينا، ولم نجد أيضا من حكاه عنها.
(3) الحلي في السرائر 1: 259، ولم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة.
(4) وهو الحلي في السرائر 1: 259.
111

والبطلان في السجدتين، بين ما إذا تخلل الحدث ونحوه - مما يبطل الصلاة سهوا -
بين التسليم وبين القضاء أم لا.
فإن كان المنسي السجدتين تبطل الصلاة، ووجهه ظاهر.
وإن كان السجدة أو التشهد يقضيهما، ولم يقع الحدث في أثناء الصلاة
حتى يبطلها، ولا دليل على كونه مبطلا إذا وقع بين الصلاة وأجزائها المقضية، كما
يأتي.
ز: لو نسي جلسة الاستراحة - على القول بوجوبها - لم يجب تداركها إذا تذكر
بعد القيام، لتقييد دليل وجوبها بأنها حين يريد أن يقوم بعد السجدة، فإذا قام
فاتت ولا يمكن التدارك.
ح: حكم نسيان الصلاة على النبي وآله في التشهد الأخير حكم التشهد، فيأتي بها لو
نسيها إلى أن سلم.
لا لما قيل من أن التشهد يقضى بالنص فكذا أبعاضه، تسوية بين الكل
والجزء (1).
لمنع التسوية، ولذا تقضى أمور لا تقضى أجزاؤها.
قيل: الأصل يقتضي التسوية، إذ فوات الجزء يستلزم فوات حله المستلزم
للقضاء بالنص (2).
قلنا: هذا إنما يتم في الجزء الذي يفوت بفوته الكل عرفا لا مطلقا، وليس
المورد كذلك.
ولا لما قيل من أن فوات المحل لا يقتضي الصحة، بل الفساد كما في كل
جزء، وانتفاؤه هنا بالاجماع لا يدل على الصحة بدون التدارك أيضا، بل غاية ما
علم منه الخروج عن الاشتغال مع التدارك خاصة، لا بدونه، فقاعدة أصالة

(1) كما في الذكرى: 221.
(2) كما في الرياض 1: 214.
112

الاشتغال تقتضي لزوم التدارك (1).
إذ يخدش ذلك أن ما علم به الاشتغال هو الصلاة في محل خاص، كما هو
المفروض وإلا لم يكن محله فائتا، وهي قد فاتت، وعلم براءة الذمة من الاتيان بها
في المحل بإعادة الصلاة بالاجماع، والاشتغال بغيرها يحتاج إلى دليل آخر.
بل لاطلاق الصحيحين المتقدمين. ولا يضر خروج كثير من الأفراد منهما،
إذ لم يخرج الأكثر، ولو خرج أيضا فعمومهما إطلاقي لا يضر فيه ذلك.
وهل يجب قضاء التشهد معها أيضا؟.
الحق لا، للأصل، وعدم التوقف.
ولا يجب التسليم بعده، للأصل. وإطلاق الأمر به بعد التشهد إنما هو فيما
يقع في الصلاة دون ما يقضى في الخارج بدليل خارجي.
ولا تجب في شئ من هذه سجدة سهو، للأصل، واختصاص سجدة
السهو في التشهد بالأول كما يأتي. إلا أنه تستحب، لأنه أيضا نقصان.
وكذا يقضي الصلاة على النبي وآله لو تركها من التشهد الأول وتذكر بعد
الفراغ، لاطلاق الصحيحين. بل بعد الركوع مطلقا، لهما، وعدم العود حينئذ
إجماعا.
الموضع الثاني:
فيما لا تدارك له أصلا.
وهو من نسي الجهر أو الاخفات مطلقا، أو القراءة كلا أو بعضا حتى
يركع، أو الذكر في الركوع، أو الطمأنينة فيه حتى يرفع، أو الرفع منه، أو
الطمأنينة فيه حتى يسجد، أو الذكر في السجدة، أو الطمأنينة فيها، أو السجود
على أحد الأعضاء غير الجبهة منها حتى يرفع، أو إكمال رفع الرأس منه، أو
الطمأنينة فيه حتى يسجد، أو الطمأنينة في الجلوس للتشهد حتى يقوم.

(1) انظر: الرياض 1: 214.
113

بالاجماع في أكثرها، وبلا خلاف يعتد به في الجميع.
للصحيح: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة،
والركوع، والسجود " (1).
وبه يخرج عن الأصل المتقدم. دل على عدم إعادة الصلاة بنقصان شئ مما
ذكر وإن تذكر في أثناء الصلاة ولم يعد إلى الاتيان به، فتكون صلاته حينئذ
صحيحة، فلا يجب التدارك.
مع أن مقتضى الصحيح عدم الإعادة بنقصه ولو تركه في الأثناء عمدا،
خرج ما خرج منه بالاجماع، فيبقى الباقي، ومقتضاه اختصاص جزئية هذه الأمور
بصورة تركها في غير محل الكلام هنا.
وأما تعارض الصحيحين (2) في أكثر هذه الموارد فيجاب عنهما بأنهما فيه
خلاف الاجماع، لعدم قول بالعود ولا بالقضاء.
هذا، مضافا في الجهر والاخفات إلى الصحيحين (3)، المتقدمين في بحثهما.
وفي القراءة إلى ما مر في بحثها من المعتبرة المستفيضة (4). وما دل على خلافه
فيها شاذ (5)، كخلاف ابن حمزة - على ما قيل (6) - فيها، كما مر.
وفي طمأنينتي الركوع والسجود إلى اختصاص دليلهما بما لا يتم في المورد،
لأنه إما الاجماع، أو الخبر الضعيف المحتاج إلى الانجبار، وشئ منهما لم يتحقق في
المقام.

(1) تقدم في ص 100.
(2) وهما صحيحتا أبي حكيم وسنان المتقدمتان في ص 100.
(3) الأول: الفقيه 1: 227 / 1003، التهذيب 2: 162 / 635، الإستبصار 1: 313 / 1163،
الوسائل 6: 86 أبواب القراءة ب 26 ح 1.
الثاني: التهذيب 2: 147 / 577، الوسائل 6: 86 أبواب القراءة ب 26 ح 2.
(4) الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27.
(5) التهذيب 2: 146 / 573، الإستبصار 1: 354 / 1339، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة ب
27 ح 4.
(6) حكاه عنه في التنقيح 1: 197.
114

فما حكي عن الشيخ فيهما من الخلاف ضعيف، كدعواه الاجماع العلية (1)،
مع أن الظاهر من الخلاف أن مراده بالركنية هو الوجوب، كما هو ظاهر القدماء
أيضا، وعليه دعواه الاجماع.
وفي ذكرهما إلى روايتي القداح وابن يقطين:
الأولى: عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا، قال: " تمت صلاته " (2).
والثانية: عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه وسجوده، قال: " لا بأس
بذلك " (3).
وإن أمكن الخدش في أولاهما بإرادة تسبيح القيام أي التسبيحات الأربع.
وفي الثانية بأن نسيان التسبيحة لا يدل على نسيان مطلق التسبيح، إلا أن
يقرأ " تسبيحه " بالضمير، كما عليه النسخ الصحيحة.
وفي الرفعين وطمأنينتهما إلى أن ثبوتها في مواضعها بالاجماع المنتفي في
المقام، أو الأمر الغير المتعلق بالساهي قطعا، وعدم ثبوت أمر بعد الدخول فيما
بعدها.
الموضع الثالث:
فيما يتدارك بعد الصلاة، ويسجد له سجدتا السهو أيضا.
وهو أن ينسى السجدة الواحدة حتى يدخل الركوع، أو التشهد كذلك،
فيقضيهما بعد الصلاة ويسجد سجدتي السهو.
وأما قضاء السجدة فعلى الأظهر الأشهر، للصحيحتين المتقدمتين (4)،
وصحيحتي أبي بصير، وابن جابر المتقدمتين (5)، وموثقة الساباطي: في الرجل

(1) الخلاف 1: 359 و 348.
(2) التهذيب 2: 157 / 613، الوسائل 6: 320 أبواب الركوع ب 15 ح 1.
(2) التهذيب 2: 157 / 614، الوسائل 6: 320 أبواب الركوع ب 15 ح 2.
(4) في ص 100.
(5) في ص 102.
115

ينسى سجدة فذكرها بعد ما قام وركع، قال: " يمضي في صلاته ولا يسجد حتى
يسلم، فإذا سلم سجد مثل ما فاته " (1)، إلى غير ذلك.
ولا يضر عدم صراحة بعضها في الوجوب، لكون البواقي قرينة على إرادة
الوجوب عنه أيضا.
خلافا للمحكي عن الكليني والعماني (2)، فأفسدا الصلاة بترك السجدة
مطلقا، كما مر في بحث السجود بدليله وجوابه.
وعن المفيد والتهذيب لم، فكذلك إذا كانت السجدة من الركعتين الأوليين
خاضة، لصحيحة البزنطي: عن رجل صلى ركعة ثم ذكر - وهو في الثانية، وهو
راكع - أنه ترك سجدة من الأولى، فقال: " كان أبو الحسن عليه السلام يقول: إذا
تركت السجدة في الركعة الأولى ولم تدر واحدة أم ثنتين استقبلت حتى يصح لك
أنهما ثنتان، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن يكون قد حفظت
الركوع أعدت السجود " (4).
ورواها في الكافي مع زيادة ونقصان (5)، فزاد لفظ الصلاة بعد قوله:
" استقبلت " ونقص قوله: " وإذا كان في الثالثة " إلى آخره.
وأجيب عنه (6) تارة: بحمل قوله. " ولم تدر... " على الشك بين الواحدة
والاثنتين من الركعة.
ويضعفه بعده جدا.
وأخرى: بحمل الرواية على الشك في ترك السجدة، فلا ينطبق على

(1) التهذيب 2: 153 / 604، الإستبصار 1: 359 / 1362، الوسائل 6: 364 أبواب السجود ب
14 ح 2.
(2) الكليني في الكافي 3: 349، حكاه عن العماني في المختلف: 131.
(3) حكاه عنهما في الذكرى: 220، وهو في التهذيب 2: 154.
(4) التهذيب 2: 154 / 605، الإستبصار 1: 360 / 1364، قرب الإسناد 365 / 1308،
الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14 ح 3.
(5) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 3.
(6) انظر: الحدائق 9: 147.
116

المدعى.
وترده صراحتها في ترك السجدة الواحدة والشك في الزائد. ولا عبرة به،
لفوات المحل.
وثالثة: بحمل " استقبلت " على استقبال السجود.
ولا يلائمه التفصيل بين الركعتين الأوليين وغيرهما، مع أن في غيرهما أيضا
حكم بذلك.
والصواب أن يجاب - مضافا إلى عدم دلالتها على الوجوب، وشذوذها
المخرج لها عن الحجية جدا - بأنها غير دالة على مطلوبهم، لأنها تبين حكم ما إذا
ترك السجدة ولم يدر الوحدة والتعدد.
وأما وقوع السؤال عن ترك السجدة خاصة وانضمام الشك في الجواب لا
محالة لا بد وأن يكون لفائدة، وإلا لغت الضميمة، فيحتمل أن تستحب الإعادة
حينئذ، وعدل عن جواب السؤال لمصلحة.
وقد يستدل للشيخ أيضا برواية أبي بصير: " إذا سهوت في الركعتين الأوليين
فأعدهما " (1).
وحسنة الوشاء: " الإعادة في الركعتين الأوليين، والسهو في الركعتين
الأخيرتين " (2).
ويجاب عن الأولى: بأن السهو في الركعة غير السهو في أجزائها، فيمكن
أن يكون المراد ترك الركعة، أو المراد الشك، كما هو الشائع في الأخبار.
وعن الثانية: بعدم تعين سبب الإعادة، وعدم دليل على العموم.
وأما كون قضائها بعد الصلاة فعلى الحق الموافق للأكثر بل غير من شذ

(1) التهذيب 2: 177 / 706، الإستبصار 1: 364 / 1383، الوسائل 8: 191 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 1 ح 15.
(2) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 4، التهذيب 2: 177 / 709، الإستبصار 1:
364 / 1386، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 10.
117

وندر، لما مر من الأخبار.
وأما صحيحة ابن أبي يعفور: " إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنه قد تركها
فليسجدها بعدما يقعد، قبل أن يسلم " الحديث (1).
فلم يفت بمضمونها - الذي هو وجوب كون القضاء قبل التسليم، واجبا
كان أو مستحبا - أحد، فهي للشذوذ مطروحة.
مع أنها تعم ما إذا تذكر النسيان قبل الركوع، ويكون المراد أن يقعد
ويسجد.
هذا مضافا إلى معارضتها مع ما مر، وترجيحه للأشهرية رواية وفتوى.
خلافا لوالد الصدوق، فأوجب قضاءها بعد ركوع الثالثة إن كانت المنسية
من الأولى وتذكر بعد ركوع الثانية، وفي الرابعة إن تذكر بعد ركوع الثالثة إن
كانت من الثانية، وبعد التسليم إن تذكر بعد ركوع الرابعة إن كانت من
الثالثة (2).
للرضوي المصرح بذلك (3)، القاصر عن معارضة ما مر بوجوه.
وعن المفيد في العزية، فقال: فإن ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث
سجدات: واحدة منها قضاء، والاثنتان للركعة التي هو فيها (4).
وهو أيضا قريب من سابقه، وجوابه ظاهر.
وأما وجوب سجدتي السهو لها فعلى المشهور، بل عن المنتهى والتذكرة
الاجماع عليه (5).
للاجماع المنقول، ورواية ابن السمط: " تسجد سجدتين في كل زيادة

(1) التهذيب 2: 156 / 609، الإستبصار 1: 360 / 1366، الوسائل 6: 370 أبواب السجود ب
16 ح 1.
(2) حكاه عنه في المختلف: 131.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): 117، مستدرك الوسائل 4: 461 أبواب السجود ب 12 ح 1.
(4) حكاه عنه في المختلف: 131.
(5) المنتهى 1: 417، التذكرة 1: 138.
118

تدخل عليك أو نقصان " (6).
وفيها: أنها غير دالة على الوجوب، بل تحتمل.
وللأمر بالسجدة في صحيحة الحلبي في صورة الشك (2)، فيثبت في السهو
بالطريق الأولى.
وفيه: منع الأولوية، سيما مع تدارك السجدة مع احتمال الزيادة.
خلافا للمحكي عن الصدوقين، والمفيد في العزية، والعماني (3)، وأكثر
متأخري المتأخرين (4)، فلم يوجبوهما لها، للأصل، وخلو ظواهر الصحاح الواردة
في مقام البيان الآمرة بقضاء السجدة عن ذكرهما، وصريح صحيحة أبي بصير
المتقدمة (5)، وموثقة الساباطي: عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة، هل
عليه سجدتا السهو؟ قال: " لا، قد أتم الصلاة " (6).
ولا يضر عدم ثبوت هذا الحكم للركوع، لأن الحكم فيه محمول على ما قبل
دخول السجود.
وموثقة سماعة: " من حفظ سهوه وأتمه فليس عليه سجدتا السهو، إنما
السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها " (7).
وهذه الأخبار كما ترى أكثر من الأولى وأصرح، ومعاضدة بالأصل،

(1) التهذيب 2: 155 / 608، الإستبصار 1: 361 / 1367، الوسائل 8: 251 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 32 ح 3.
(2) الفقيه 1: 230 / 1019، التهذيب 2: 196 / 772، الإستبصار 1: 380 / 1441، الوسائل
8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.
(3) الصدوق في الفقيه 1: 225 / ذ ح 993، حكاه عن والد الصدوق والمفيد والعماني في المختلف:
140.
(4) منهم السبزواري في الذخيرة: 373، وصاحب الحدائق 9: 151، وصاحب الرياض 1: 215.
(5) في ص: 102.
(6) التهذيب 2: 353 / 1466، الوسائل 8: 245 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26 ح 3.
(7) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 4، الوسائل 8: 239 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23
ح 8.
119

وبعضها أخص مطلقا من رواية ابن السمط، فالحق عدم الوجوب.
وأما قضاء التشهد فهو المشهور، بل عن الخلاف الاجماع عليه (1)، لصحاح
محمد وابني حكيم وسنان، ورواية علي بن أبي حمزة، المتقدمة جميعا (2).
إلا أن الاجماع المنقول ليس بحجة، وغير صحيحة ابن سنان منها لا يدل
على الوجوب أصلا، فيحتمل الاستحباب.
مضافا إلى أنه يجوز أن يراد من التشهد في الرابعة تشهد سجدتي السهو،
كما يشعر به العطف ب " ثم " حيث إنهم يقولون بوجوب تقديم قضاء المنسي على
السجدتين.
ولا يفيد التقييد بالتشهد الذي فاتك مع أن تشهد سجدتي السهو خفيف،
لجواز الخفيف مطلقا على المشهور.
مع أنه على التغاير لا يفيد أيضا، لأن القيد لا يفيد أزيد من المماثلة في
الشهادة. ولذا ورد في الرضوي: " وتشهد فيهما بالتشهد الذي فاتك " (3).
فذكر القيد مع التصريح بقوله: " فيهما ".
ولكن صحيحة ابن سنان كافية في إثبات الوجوب، فهو الحق.
خلافا للمحكي عن الصدوقين والمفيد في الرسالة (4)، فقالوا بإجزاء تشهد
السجدتين عن قضاء التشهد، وإليه مال بعض الميل صاحب المدارك (5)،
واستظهره في الحدائق (6).
للأصل.
وخلو الأخبار المصرحة بوجوب سجدة السهو لنسيان التشهد - الواردة في

(1) الخلاف 1: 453.
(2) في ص 100 و 104 و 110.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 118، مستدرك الوسائل 5: 12 أبواب التشهد ب 5 ح 1.
(4) انظر: الفقيه 1: 233، وحكاه عنهم في الذكرى: 221.
(5) المدارك 4: 243.
(6) الحدائق 9: 153.
120

مقام البيان - عن ذكر القضاء.
ويجاب عنه: بكفاية صحيحة ابن سنان لدفع الأصل.
ولا يضر عدم القائل بعمومها، إذ يخرج منها ما خرج بالدليل.
ولا الايراد بخروج الأكثر منها، لمنعه. مع أنه لو كان لم يضر، لكون العموم
فيها إطلاقيا.
وبعدم دلالة خلو بعض الأخبار عنه على العدم، إذ لعله كان معلوما.
فالحق مع المشهور.
وأما وجوب سجدتي السهو له، فهو أيضا الحق المشهور بين الأصحاب،
وعن الخلاف الاجماع عليه (1)، ونفى بعض الأصحاب الخلاف فيه (2).
وتدل عليه صحيحة الحلبي المتقدمة (3)، المتأيدة بصحاح أخر.
ولا ينافيها حديث محمد الحلبي السابقة (4)، لأنها إما فيما إذا تذكر قبل
الركوع بدليل قوله: " يرجع فيتشهد " أو في التشهد الأخير.
وقد ينسب الخلاف فيه إلى العماني والجمل والاقتصاد وأبي الصلاح (5)،
ولعله لبعض العمومات الواجب تخصيصه بما مر.
والظاهر اختصاص سجدة السهو بالتشهد الأول، لأنه مورد الأخبار. وأما
الأخير فلا دليل عليه، وعدم الفصل غير ثابت. كيف؟! وقد قيد المفيد في العزية
والشيخ في المبسوط والخلاف (6) التشهد - الواجب لنسيانه السجدة - بالأول. وهو
ظاهر المقنعة والكافي وجمل السيد (7)، بل كل من قيد نسيانه بقوله: حتى يركع.

(1) الخلاف 1: 453.
(2) كما في المدارك 4: 242.
(3) في ص: 104.
(4) في ص: 111.
(5) حكاه عن العماني في المختلف: 140، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 188، الإقتصاد:
267، أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 149.
(6) حكاه عن المفيد في المختلف: 140، المبسوط 1: 122، الخلاف 1: 453.
(7) المقنعة: 148، الكافي 3: 361، حكاه عن جمل السيد في شرحه للقاضي: 107.
121

وصرح بعضهم بأن محل البحث هو الأول، قال في الحدائق: أما صحيحة
محمد فموردها التشهد الأخير، ومحل البحث في الأخبار وكلام الأصحاب هو
الأول (8).
وأمر الاحتياط ظاهر.
فروع:
أ: تقضى أبعاض التشهد أيضا، لاطلاق الصحيحين.
ومن المتأخرين من فرق بين إحدى الشهادتين وبين أبعاضها، فحكم
بالقضاء في الأول، إذ تصدق عليه الشهادة، دون الأخير، للأصل (2).
وضعفهما ظاهر.
وإذا قضى البعض لا يضم إليه غيره إلا ما توقف تمام المعنى عليه.
ب: لا يضر تخلل الحدث ونحوه بين السلام وبين شئ مما يقضى؟
للأصل.
ج: المراد بالقضاء في الأجزاء المنسية الاتيان بها بعد الصلاة، سواء كان في وقتها
أو في خارجه. ولا تعتبر فيه نية القضاء، ولا وقت الصلاة، ولا الفورية، جميع
ذلك للأصل.
د: لا يجب الترتيب بين الأجزاء المنسية ولا بينها وبين سجود السهو لها، أو
لغيرها، لاطلاق الأدلة، والأصل الخالي عن المعارض.
ومنهم من أوجبه في بعض ما ذكر (3). ولا دليل عليه.

(1) الحدائق 9: 154.
(2) كما في الروضة 1: 325.
(3) انظر: الذكرى: 229.
122

الفصل الثاني
في الخلل الواقع بالزيادة سهوا
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
من زاد تكبيرة الاحرام، أو الركوع، أو السجدتين بطلت صلاته، بلا
خلاف أجده، وبه صرح جماعة (1)، بل هو إجماعي، له، وللقاعدة المتقدمة.
ومنه ظهر البطلان بزيادة الركعة أيضا، بأن يزيدها قبل التسليم مطلقا،
بعد التشهد أو قبله، كما هو المتفق عليه - على ما حكاه جماعة منهم الفاضلان
والشهيد (2)، وغيرهم (3) - إذا لم يجلس عقيب الرابعة بقدر التشهد، وعلى المشهور
إذا جلس أيضا وإن قلنا بعدم جزئية التسليم.
لصدق الزيادة عرفا ما لم يتم الصلاة، مضافا إلى رواية الشحام: " عن
الرجل صلى العصر ست ركعات، أو خمس ركعات، قال: إن استيقن أنه صلى
خمسا أو ستا فليعدا " (4).
خلافا للمحكي عن الإسكافي والمعتبر والتحرير والمختلف، بل المنتهى (5)،
فلا إعادة إن جلس في الرباعية بقدر التشهد وإن لم يتشهد.

(1) كصاحب المدارك 4: 223، والسبزواري في الكفاية: 25، وصاحب الرياض 1: 212.
(2) المحقق قي المعتبر 2: 380، العلامة في التحرير 1: 49، الشهيد في الذكرى: 219.
(3) كالسبزواري في الذخيرة: 359.
(4) التهذيب 2: 352 / 1461، الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 5.
(5) حكاه عن الإسكافي في الذكرى: 219، المعتبر 2: 380، التحرير 1: 49، المختلف: 135،
المنتهى 1: 409.
123

وجعله المحقق أحد قولي الشيخ (3)، ونسبه في المنتهى إلى التهذيب (2)، وفيه
تأمل واضح.
دليلهم: أن نسيان التشهد غير مبطل، فإذا جلس بقدره فقد فصل بين
الفرض والزيادة، ولصحيحتي زرارة (3)، وجميل (4)، ورواية محمد (5).
ويضعف الأول: بأن الفصل بالجلوس لا يقتضي عدم وقوع الزيادة.
والخبران: بمرجوحيتهما عما مر، لمخالفته العامة، فإن أكثرهم، بل جميعهم
على الصحة مع زيادة الركعة سهوا، ورواياتهم بها ناطقة متضافرة، وإن اختلفوا
في اشتراط الجلوس بقدر التشهد وعدمه، وأبو حنيفة وأتباعه على الأول (6)،
والباقون في الثاني، ولموافقته شهرة الأصحاب.
وبأن المراد فيهما من الجلوس بقدر التشهد التشهد، لشيوع مثل ذلك،
وندور تحقق الجلوس بهذا القدر من دون الاتيان به.
أقول: تضعيف الأول وإن كان قويا، إلا أنه يرد على أول التضعيفين
للخبرين: بأن التعارض إنما هو بالعموم والخصوص المطلقين، وتلك الأخبار
أخص مطلقا. وليس بناؤهم حينئذ على الرجوع إلى المرجحات، لعدم التعارض
حقيقة، بل الخاص قرينة معينة لمعنى العام، فلا تفيد مخالفة أحدهما للعامة، أو
موافقته للشهرة، إلا أن تصل الشهرة إلى حد شذوذ خلافها، وهو في ذلك المقام
غير معلوم.

(1) المعتبر 2: 380.
(2) المنتهى 1: 409.
(3) التهذيب 2: 194 / 766، الإستبصار 1: 377 / 1431، الوسائل 8: 232 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 19 ح 4.
(4) الفقيه 1: 229 / 1016، الوسائل 8: 232 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 6.
(5) التهذيب 2: 194 / 765، الإستبصار 1: 377 / 1430، ورواها في المقنع: 31 مرسلة،
الوسائل 8: 232 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 5.
(6) انظر: المغني 1: 721.
124

والثاني: بأنه مجاز لا يصار إليه إلا بقرينة، والندرة المدعاة حتى في صورة
السهو، وكونها واصلة حد صلاحية القرينة ممنوعة، والاستعمال في خبر أو خبرين
- كما قيل - لا يوجب ثبوت الشيوع.
مع أن مقتضى ذلك الجواب الصحة بالزيادة بعد التشهد قبل التسليم لأن
قلنا بوجوبه وجزئيته، ولا يقول به بعض المجيبين بهذا الجواب، وإن حكي عن
بعض آخر.
فهو على ذلك خلاف آخر في المسألة مستندا إلى هذا الحمل.
ويرد: بأن حمله على ذلك خلاف ظاهر اللفظ لأن عبر عن التشهد
بالجلوس في بعض الأخبار (1). فإن كان الاستناد إليه فهو غير صالح له، وإن كان
إلى شمول الجلوس بقدر التشهد للتشهد أيضا، فيثبت الحكم فيه أيضا، فالعمل
به فرع العمل بأصله، وهو القول بالصحة مع الجلوس مطلقا، فيكون صحيحا
على ذلك القول، وإلا فهو دلالة تبعية تنتفي بانتفاء متبوعها.
نعم يكون لذلك القول وجه على المختار من عدم جزئية التسليم، حيث
إنه تتم الصلاة بالتشهد.
مع أن فيه أيضا نظرا، لصدق زيادة الركعة عرفا ما لم يتحقق الانصراف
عن الصلاة بالتسليم أو صارف آخر، فلولا الأخبار المذكورة لكان الحكم بالبطلان
حينئذ أيضا متجها، إلا أن معها يثبت اغتفار الزيادة. هذا.
ثم إن ما ذكرناه إنما هو إذا تذكر بعد الركوع الخامس، أما لو تذكر قبله
فلا تبطل الصلاة أصلا، بل يجلس ويتمها.
وعلى القول بالصحة إذا جلس بقدر التشهد مطلقا هل ينسحب حكمه إلى
زيادة أكثر من ركعة وإلى زيادة الركعة في غير الرباعية؟.
فيه وجهان، أظهرهما العدم إن اختص المستند بالصحيحتين. والانسحاب
إن استند إلى تمامية الصلاة وعدم صدق الزيادة.

(1) انظر: الوسائل 6: 402 أبواب التشهد ب 7 ح 3 و 4.
125

المسألة الثانية:
قالوا: تبطل الصلاة بزيادة القيام المتصل بتكبيرة الاحرام، أو الركوع،
لكونه ركنا.
وفيه: أنه لا دليل على البطلان بزيادة خصوص الركن، إلا أن يوجه بأن
سبب الابطال القاعدة المتقدمة، خرج منها غير الركن بالاجماع، فيبقى الباقي.
ولكن المسألة قليلة الجدوى جدا، إذ لو لم يجتمع مع التكبير، أو الركوع لم
يكن مقارنا له، فلا يكون ركنا، ولو اجتمع تفسد بزيادة التكبير أو الركوع.
المسألة الثالثة:
لا تبطل الصلاة بزيادة غير ما ذكر سهوا، بالاجماع، فهو الحجة فيه،
مضافا في النية إلى عدم ثبوت جزئيتها، وعدم صدق الزيادة في الصلاة بزيادتها،
وفي غيرها إلى الأخبار الواردة في الموارد الخاصة، كأخبار سهو النبي الدالة على
عدم البطلان بزيادة التشهد والتسليم (1)، وأخبار أخر دالة عليه أيضا (2)، والأخبار
الواردة في حكم التسليم في غير موضعه، الدالة على عدم البطلان بزيادته (3)،
وأخبار سجدة السهو لمن قام أو قعد في غير موضعهما، الدالة على عدم البطلان
بزيادة القيام والقعود (4) وما صرح بأنه لا تعاد الصلاة من سجدة (5) إلى غير ذلك.
فائدة:
إذا سها الإمام أو المأموم، أو كلاهما، فيأتي حكمه في الفصل الرابع من
المبحث الآتي، بعد بيان حكم شك الإمام والمأموم.

(1) الوسائل 8: 199 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 4 و 7 و 11.
(2) الوسائل 8: 198 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 2 و 9 و 14
(3) الوسائل 8: 198 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3.
(4) الوسائل 8: 244 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26.
(5) الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14.
126

المبحث الرابع
في الشك والظن، وبيان سائر مواضع سجدة السهو، وكيفيتها، وكيفية
صلاة الاحتياط، وحكم الشاك المتذكر بعد الفراغ من الصلاة.
ثم الشك إما يتعلق بأعداد الركعات، أو بغيرها، فها هنا فصول:
الفصل الأول
في حكم الشك في أعداد الركعات
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
من شك في عدد الفريضة الثنائية يومية كانت، أو غيرها بطلت صلاته،
وكذا الثلاثية، بلا خلاف، كما قيل (1)، بل بإجماع غير الصدوق، كما في
المنتهى (2)، بل مطلقا، كما عن الخلاف والاستبصار والانتصار والسرائر (3)، وجعله
في الأمالي من دين الإمامية الذي يجب الاقرار به (4)، فهو الدليل في المسألة.
مضافا إلى المستفيضة كصحيحة الحلبي (5)، وروايتي عنبسة (6)،

(1) الحدائق 9: 162.
(2) المنتهى 1: 410.
(3) الخلاف 1: 447، الإستبصار 1: 372، الإنتصار: 48، السرائر 1: 245.
(4) الأمالي: 513.
(5) التهذيب 2: 180 / 723، الإستبصار 1: 366 / 1396، الوسائل 8: 194 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 2 ح 5.
(6) التهذيب 2: 179 / 718، الإستبصار 1: 366 / 1393، الوسائل 8: 194 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 2 ملحق بالحديث 5.
127

وحفص (1): " إذا شككت في المغرب فأعد، وإذا شككت في الفجر فأعد ".
ورواية موسى بن بكر: " في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى
الأربع فأعد صلاتك " (2).
وموثقة سماعة: في صلاة الغداة، قال: " إذا لم تدر واحدة صليت أم ثنتين
فأعد الصلاة من أولها، والجمعة أيضا إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة،
لأنها ركعتان، والمغرب إذا سها فيها، فلم يدر كم ركعة صلى فعليه أن يعيد
الصلاة " (3).
وعموم التعليل فيها يثبت الحكم في جميع الثنائيات، بل يدل عليه عموم
قوله: " إذا لم تدر.... " وخصوص السؤال لا يخصص الجواب.
ويدل على عمومه أيضا ما دل على وجوب الإعادة إذا شك بين الواحدة
والاثنتين، كحسنة محمد (4)، ورواية الجعفي وابن أبي يعفور (5)، وغيرهما.
وأما موثقتا عمار، الواردتان في المغرب والفجر (6)، الدالتان على صحة
الصلاة، فيسلم ويضيف إليها ركعة، فلا تعارضان ما مر، لعدم فتوى أحد من

(1) الكافي 3: 350 الصلاة ب 39 ح 1، التهذيب 2: 178 / 714، الإستبصار 1:
365 / 1390، الوسائل 8: 193 أبواب الحلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 1.
(2) التهذيب 2: 179 / 719، الوسائل 8: 195 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 9.
(3) التهذيب 2: 179 / 720، الإستبصار 1: 366 / 1394، الوسائل 8: 195 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 2 ح 8.
(4) الكافي 3: 351 الصلاة ب 39 ح 2، التهذيب 2: 179 / 715، الإستبصار 1:
365 / 1391، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل ب 1 ح 7.
(5) التهذيب 2: 176 / 702، الإستبصار 1: 363 / 1379، الوسائل 8: 191 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 1 ح 16.
(6) الأولى: التهذيب 2: 182 / 727، الإستبصار 1: 371 / 1412، الوسائل 8: 196 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 11.
الثانية: التهذيب 2: 182 / 728، الإستبصار 1: 366 / 1397، الوسائل 8: 196
أبواب الخلل ب 2 ح 12.
128

الطائفة بمضمونهما، مع أنهما موافقتان لجمع من العامة، كما عن الوسائل (1).
خلافا للمحكي عن الصدوق، فخير بين الإعادة، والبناء على الأقل في
الموضعين، كما قيل (2)، أو في الثلاثية فقط مع الرباعية مطلقا كما ذكره بعض
آخر (3)، وإن أنكر بعض المتأخرين النسبتين (4).
جمعا بين ما مر وبين ما دل على وجوب البناء على الأقل مطلقا، كرواية
إسحاق بن عمار (5)، وصحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج (6)، وزرارة (7)، أو إذا لم
يدر واحدة صلى أم ثنين أو ثلاثة، كصحيحة ابن يقطين (8)، أو إذا لم يدر واحدة صلى أم
ركعتين، كصحيحتي ابن أبي العلاء (9)، ورواية ابن أبي يعفور (10).
ويجاب عنها: بأن الجمع فرع حجية الطرفين. وليس هنا كذلك، لضعف
أخبار المخالف بالشذوذ جدا.
مع أنه على التعارض تتعارض أخبارنا بالأشهرية رواية والموافقة للخاصة
والمخالفة للعامة، وكل ذلك من المرجحات المنصوصة، بخلاف أخبار المخالف،
فإنها في طرف الضد من الجميع.

(1) الوسائل 8: 197 أبواب الخلل ب 2 ذيل الحديث 12. وفيه: لجميع العامة.
(2) حكاه عنه في المنتهى 1: 410.
(3) حكاه عنه في الذكرى: 224.
(4) الحدائق 9: 162 و 193 و 210.
(5) الفقيه 1: 231 / 1025، الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 2.
(6) التهذيب 2: 344 / 1427، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 5.
(7) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 2، التهذيب 2: 188 / 747، الإستبصار 1:
374 / 1422، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل ب 16 ح 2.
(8) التهذيب 2: 187 / 745، الإستبصار 1: 374 / 1420، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 15 ح 6.
(9) التهذيب 2: 177 / 710 و 713، الإستبصار 1: 364 / 1387، الوسائل 8: 192 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 20 و 21.
(10) التهذيب 2: 178 / 712، الإستبصار 1: 365 / 1389، الوسائل 8: 192 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 1 ح 22.
129

ومع هذا كله فما ذكرناه مقتضى وجوب تحصيل البراءة اليقينية، مضافا إلى
كون القسم الأول من هذه الأخبار أعم مطلقا من حيث شموله الركعتين
الأخيرتين، والكل كذلك من حيث شموله للنوافل أيضا، سوى صحيحة ابن
يقطين الظاهرة في الفرائض حيث تضمنت سجدة السهو، إلا أنها غير صالحة
لمعارضة ما مر جدا، ومع ذلك يمكن أن يكون لفظ الجزم فيها بالحاء المهملة،
ويكون المراد تحصيل اليقين بالإعادة.
ولوالده، فحكم بالإعادة في الشك في الركعة الأولى والثانية مرة واحدة،
وبالبناء على الأقل، وصلاة الاحتياط إن شك مرة أخرى (1). ولا أعرف له
مستندا، وأما الرضوي فهو لا يفيد ذلك الحكم (2).
فروع:
أ: لا فرق في الشك بين أن يكون في النقصان، أو في الزيادة، لاطلاق
الفتاوى، وأكثر الأخبار.
قيل (2): وبه صرحت رواية موسى بن بكر في المغرب: قال: " إذا لم تحفظ
ما بين الثلاث إلى الأربع، فأعد صلاتك " (4).
وفي كونها صريحة نظر. مع أنها مختلفة، وقد رواها في الاستبصار بنوع
آخر (5).
خلافا للمحكي عن المقنع فيها إذا تعلق بالزيادة، فيضيف إليها ركعة
أخرى (6).

(1) حكاه عنه في الذكرى: 224.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): 117.
(3) انظر: الرياض 1: 215.
(4) التهذيب 2: 179 / 719، الوسائل 8: 195 أبواب الخلل ب 2 ح 9.
(5) الإستبصار 1: 370 / 1407.
(6) حكاه عنه في المختلف: 134، والموجود فيما عندنا من نسخة المقنع هكذا: فإذا شككت في المغرب
فأعد، وروي: وإذا شككت في المغرب ولم تدر واحدة صليت أم اثنتين فسلم ثم قم فصل ركعة،
وإن شككت في المغرب فلم تدر في ثلاثة أنت أم أربع وقد أحرزت الاثنتين في نفسك وأنت في شك
من الثلاث والأربع فسلم وصل ركعتين وأربع سجدات. (المقنع: 30).
130

وهو قول نادر جدا غير واضح المستند.
ب: الحكم يعم صلاة السفر والمنذورة ثنائية، وصلاة الجمعة والعيدين - على
وجوبهما - لما تقدم من دليل التعميم، مضافا إلى حسنة محمد المصرحة به في الجمعة
وصلاة السفر (1).
ج: قد ذكر كثير من المتأخرين أن حكم صلاة الآيات في الشك المتعلق
بالركعتين حكم الثنائية، لكونها ركعتين، فيشملها حكمها. وفي المتعلق
بالركوعات البناء على الأقل إن لم يتجاوز المحل ولم يوجب الشك في الركعة (2).
وعن الراوندي وابن طاووس قولان آخران مبنيان على كونها عشر
ركعات (3)، كما ورد في الصحاح (4).
ورد بأن المراد منها الركوع لا الركعة المصطلحة بقرينة قوله في الصحاح
المذكورة: " عشر ركعات، وأربع سجدات " وإلا قال: بأربع سجدات، ولذا ورد
في أخبار أخر أنها ركعتان في أربع سجدات، ولأنه قد ورد في خبرين آخرين أنها
ركعتان. والحكم بالإعادة في الأخبار إنما هو للركعات المصطلحة، كما هو ظاهر
من سياق أكثرها، ويشعر به قوله فيها: " إذا لم تدر واحدة صليت أم ثنتين " فإنه
لا يقال للركوع: صليته، فيعمل في الشك في الركوعات بالأصل.
أقول: لا شك في أن الركعة لله هي الركوع.
وأما في عرف الشارع فيستعمل فيه، وفي الركعة المصطلحة التي هي مجموع
الركوع وما قبله من القراءة وما بعده من السجود والتشهد. والاستعمالان في

(1) راجع ص 128.
(2) انظر: الذكرى: 225، والمسالك 1: 41، والمدارك 4: 246، والرياض 1: 215.
(3) حكاه عنهما في الذكرى: 225.
(4) انظر: الوسائل 7: 492 أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 7.
131

الأحاديث ذائعان. بل يمكن في كثير منها أن يكون المستعمل فيه الركوع، وما
قبله من القراءة.
وقد تحقق الاستعمالان الأولان، أو الأخيران في صلاة الآيات في الروايات.
وأما أخبار حكم الشك المتضمنة الركعة ومثلها - الممكن شمولها لصلاة
الآيات - فمنها ما يتضمن الركعة، ومنها ما يتضمن الواحدة والثلاث، والظاهر
منها عدم إرادة المعنى اللغوي. ولكن إرادة ما تضمن السجود أيضا غير معلوم.
فيمكن أن يكون المراد منها مجموع القراءة والقنوت والركوع، فيشمل العشر
أيضا، كما يمكن أن يكون مجموع ما مر مع السجود. ولا دليل صحيحا على تعيين
أحدهما.
وعلى هذا وإن كان ما ذكروه في أحكام الشك في الركوعات من الرجوع إلى
الأصل تاما، إلا أنه لا يكون الحكم بالبطلان في الشك في الركعتين في موضعه.
مع أن شمول الركعتين لمثل ذلك الفرد المشتمل على خمس ركوعات أيضا خفى
جدا.
بل في البناء في الشك في الركوعات على الأقل مع استفاضة النصوص على
وجوب البناء على الأكثر في الشك في الصلاة - كما يأتي - نظر.
والقول بعدم انصرافها إلى هذا الفرد مناف لاجراء أحكام أخبار الإعادة هنا.
وتضمنها لصلاة الاحتياط لا يصرفها عنه، لامكان الاتيان بصلاة
الاحتياط هنا أيضا، كما ذكره الراوندي وابن طاووس.
ومعارضة أخبار أخر دالة على البناء على اليقين لا تضر، إذ سيأتي أن المراد
بالبناء على اليقين يمكن أن يكون الأكثر.
فهو الوجه في المسألة سواء كان الشك في الركوعات أو الركعتين. ولا يترك
الاحتياط بالإعادة في شئ من الأحوال.
المسألة الثانية:
من شك في الأوليين من الرباعية تجب عليه الإعادة، على الأظهر الأشهر،
132

سواء كان المشكوك فيه أن الركعة التي فيها هل هي الأولى أو الثانية، أو أن التي
صلاها وأتمها هل هي الأولى أو الثانية.
أما الأول فيدل عليه رواية عنبسة: " إذا شككت في الركعتين الأوليين
فأعد " (1).
وصحيحة البقباق: " إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك " (2).
وصحيح زرارة، ورواية العامري، وصحيح ابن أذينة الآتية " (3).
وصحيح محمد: " عن رجل شك في الركعة الأولى، قال: يستأنف " (4)
وغيرها.
وأما الثاني فيدل عليه ما تقدم من أوامر الإعادة إذا لم تدر واحدة صليت أم
ثنتين (5).
وموثقة سماعة: " إذا سها الرجل في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر
والعتمة، ولم يدر واحدة صلى أم ثنتين، فعليه أن يعيد الصلاة " (6).
وصحيحة زرارة: " رجل لا يدري واحدة صلى أم ثنتين، قال: يعيد " (7).

(1) التهذيب 2: 176 / 701، الإستبصار 1: 263 / 1378، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 1 ح 14.
(2) التهذيب 2: 177 / 707، الإستبصار 1: 364 / 1384، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 1 ح 13.
(3) في ص 138.
(4) التهذيب 2: 176 / 700، الإستبصار 1: 363 / 1377، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 1 ح 11.
(5) راجع ص 128.
(6) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 2، التهذيب 2: 176 / 704، الإستبصار 1:
364 / 1381، الوسائل 8: 191 أبواب الخلل ب 1 ح 17.
(7) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 3، التهذيب 2: 192 / 759، الإستبصار 1:
364 / 1385، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 6.
133

ونحوها صحيحة محمد، إلا أن فيها: " يستقبل " مكان " يعيد " (1).
وفي رواية الجعفي وابن أبي يعفور: " إذا لم تدر واحدة صليت أم ثنين
فاستقبل " (2) إلى غير ذلك.
والخلاف في المسألة محكي عن الصدوقين، كما مر مع بيان ضعفه (3).
المسألة الثالثة:
المستفاد من صحيحة البقبقاق، ورواية العامري، وابن أذينة وصحيحة
محمد بطلان الصلاة كلما تعلق الشك بالواحدة، كالشك بين الواحدة والثلاث،
والواحدة والأربع، وغير ذلك. ويستلزمه البطلان بالشك في الثانية أيضا،
لاستلزامه الشك فيها وعدم حفظها.
المسألة الرابعة:
من شك في جميع ركعات الرباعية، ولم يدر كم صلى من ركعة واحدة أو
ثنتين أو ثلاث أو أربع، تجب عليه إعادة الصلاة، بالاجماع، صرح به بعضهم (4).
لصحيحة ابن أبي يعفور: " إذا شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في ثنتين
أم في واحدة أم في أربع، فأعد ولا تمض على الشك 2 (5).
وصفوان: " إن كنت لا تدري كم صليت، ولم يقع وهمك على شئ، فأعد

(1) الكافي 3: 351 الصلاة ب 39 ح 2، التهذيب 2: 179 / 715، الإستبصار 1:
365 / 1391، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 7.
(2) التهذيب 2: 176 / 702، الإستبصار 1: 363 / 1379، الوسائل 8: 191 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 1 ح 16.
(3) راجع ص 129.
(4) كصاحب الرياض 1: 215.
(5) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 3، التهذيب 2: 187 / 743، الإستبصار 1:
373 / 1418، الوسائل 8: 226 أبواب الخلل ب 15 ح 2.
134

الصلاة " (1).
وتؤيده صحيحة علي: عن الرجل يقوم في الصلاة فلا يدري صلى شيئا أم
لا، قال: " يعيد الصلاة " (2).
وصحيحة زرارة وأبي بصير: الرجل يشك كثيرا في الصلاة حتى لا يدري
كم صلى، ولا ما بقي عليه، قال: " يعيد " (3).
وصحيحة الرازي: " إنما يعيد بن لم يدر ما صلى " (4).
والأخبار الكثيرة الدالة على بطلان الصلاة مع عدم سلامة الأوليين.
وأما رواية ابن أبي حمزة: عن الرجل يشك، فلا يدري واحدة صلى أم
ثنتين أم ثلاثا أم أربعا تلتبس عليه، قال: " كل ذلك؟ " قلت: نعم، قال: " فليمض
على صلاته " (5) إلى آخره..
فهو محمول على ما بعد الفراغ، لعمومه له، أو على كثير الشك بقرينة قوله
بعد ما ذكر: " ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإنه يوشك أن يدعه ".
وعن علي بن بابويه: أنه إن شككت فلم تدر واحدة صليت أو اثنتين أو
ثلاثا أو أربعا، صليت ركعتين من قيام، وركعتين من جلوس (6). لمرسلة الفقيه
فيمن تلبس عليه الأعداد كلها، قال: وروي " أنه يصلي ركعة من قيام وركعتين

(1) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 1، الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15
ح 1.
(2) التهذيب 2: 189 / 748، قرب الإسناد: 197 / 751، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل الواقع
في الصلاة، ب 15 ح 5.
(3) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 2، التهذيب 2: 188 / 747، الإستبصار 1:
374 / 1422، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل ب 16 ح 2.
(1) التهذيب 2: 181 / 726، الإستبصار 1: 371 / 1411، الوسائل 8: 226 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 15 ح 4.
(5) الفقيه 1: 230 / 1022، التهذيب 2: 188 / 746، الإستبصار 1: 374 / 1421، الوسائل
8: 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 4.
(6) حكاه عنه في المختلف: 132، والذكرى: 225، وفيه: ركعة من قيام، بدل: ركعتين.
135

من جلوس " (1).
وجوابها - مع شذوذها - عدم تكافئها لما مر، لأصحيته، وأشهريته رواية
وفتوى، وأصرحيته دلالة، حيث إنه لا تصريح أصلا في الرواية بعدم الإعادة،
فلعل ما فيها حكم تعبدي مستحب.
واستدل له بصحيحة ابن يقطين: عن الرجل لا يدري كم صلى واحدة
أو اثنتين أو ثلاثا، قال: " يبني علي الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا
خفيفا " (2).
وبعموم صحيحة زرارة: " لا تعتد بالشك في حال " (3).
ورواية عمار: " إذا سهوت فابن على الأكثر " (4).
ورواية عنبسة: عن الرجل لا يدري أركعتين ركع، أم واحدة أم ثلاثا،
قال: " يبني صلاته على ركعة واحدة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، ويسجد سجدتي
السهو " (5).
على أن يكون المراد بالبناء على ركعة أنه يبني على الأكثر، ويضيف ركعة
واحدة، كما أنه قد فهم منها الشيخ ذلك.
ويضعف: بأنها بين غير دال على مذهبه، بل على حكم لم يقل به أحد،
وبين مجمل، وبين عام للنوافل، يجب تخصيصه بما مر.
مع أن إرادة البناء على الأقل من الجزم في الصحيحة الأولى - كما عن

(1) الفقيه 1: 231 / 1024، الوسائل 8: 223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 3.
(2) التهذيب 2: 187 / 745، الإستبصار 1: 374 / 1420، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 15 ح 6.
(3) الكافي 3: 351 الصلاة ب 40 ح 3، التهذيب 2: 186 / 740، الإستبصار 1:
373 / 1416، الوسائل 8: 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 3.
(4) التهذيب 2: 349 / 1448، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل ب 8 ح 3.
(5) التهذيب 2: 353 / 1463، الإستبصار 1: 376 / 1427، الوسائل 8: 193 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 1 ح 24.
136

الشيخ (1) - ممكنة، ومع ذلك فمدلولها موافق للعامة (2)، فيحمل على التقية.
ونسب الخلاف في المسألة هنا إلى الصدوق أيضا بتجويزه البناء على
الأقل (3).
وكلامه في الفقيه صريح في موافقة المشهور، قال: ومن لم يدر كم صلى،
ولم يقع وهمه على شئ، فليعد الصلاة (4).
وكيف كان فدليله الجمع بين ما مر، وبين صحيحة ابن يقطين السابقة،
ومثل رواية ابن اليسع فيما إذا تلبس عليه الأعداد كلها " أنه يبني على يقينه،
ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا " (5).
وجوابه ما مر من الشذوذ، وموافقة العامة، وجواز كون المراد من البناء على
اليقين والجزم البناء على الأكثر، كما قيل، ويأتي (6)، فيحصل الاجمال في
الحديث.
المسألة الخامسة:
الظاهر عدم الخلاف في بطلان الصلاة بالشك بين الركعة الثانية وغيرها
قبل تمام الثانية؟ لعموم قوله في صحيحة زرارة: " من شك في الأوليين أعاد حتى
يحفظ ويكون على يقين " (7).
وفي الأخرى: " عشر ركعات - إلى أن قال -: لا يجوز الوهم فيهن، ومن

(1) لم نعثر على هذا الحمل في كتب الشيخ (ره) الموجودة عندنا، بل حمل في التهذيب 2: 188
والاستبصار 1: 374 على استئناف الصلاة واستحباب سجدتي السهو.
(2) انظر: بداية المجتهد 1: 202.
(3) انظر: المدارك 4: 253، والذخيرة: 362.
(4) الفقيه 1: 233.
(5) الفقيه 1: 230 / 1023، الوسائل 8: 223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 2.
(6) في ص 145.
(7) الفقيه 1: 128 / 605، مستطرفات السرائر: 74 / 18، الوسائل 8: 187 أبواب الخلل الواقع
في الصلاة ب 1 ح 1.
137

وهم في شئ منهن استقبل الصلاة " (1).
وفي رواية العامري: " من شك في أصل الفرض في الركعتين الأوليين
استقبل صلاته " (2).
وفي صحيحة ابن أذينة: " ومن أجل ذلك صارت الركعتان كلما أحدث
فيهما حدثا كان علي صاحبهما إعادتهما " (3).
ولا ريب أن حصول الشك حدث.
وفي صحيحة البقباق. " إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك، (4).
ولا ريب أنه لو شك في الركعة ما لم يتم الثانية يصدق عدم حفظ الأوليين
والشك فيهما، فإن المراد به الشك في إحداهما.
بل - كما قيل - يدل عليه أيضا جميع الأخبار المتقدمة المصرحة بوجوب إعادة
الصلاة إذا لم يدر واحدة صلى أم ثنتين، إذ معناها أنه لم يدر هل ما صلاها وأتمها
الركعة الأولى وما دخل فيه هو الثانية، أو أن ما دخل فيه الثالثة أو غيرها، فإن
قبل تمام الركعة لا يصح أن يقال لها صلاها. ولذا استدل بعض الأجلة على
البطلان في المسألة بأنه قبل تمام الثانية يكون في الحقيقة شكا بين الأولى والثانية.
وقد يستدل له أيضا بصحيحة عبيد: عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم
ثلاثا، قال: " يعيد "، قلت: أليس يقال: لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال: " إنما ذلك في
الثلاث والأربع " (5).

(1) الكافي 3: 273 الصلاة ب 3 ح 7، الوسائل 4: 49 أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 12.
(2) الكافي 3: 487 الصلاة ب 24 ح 2، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1
ح 9.
(3) الكافي 3: 482 الصلاة ب 24 ح 1، علل الشرائع: 312 / 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال
الصلاة ب 1 ح 10.
(4) التهذيب 2: 177 / 707، الإستبصار 1: 375 / 1384، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 1 ح 13.
(5) التهذيب 2: 193 / 760، الإستبصار 1: 375 / 1424، الوسائل 8: 215 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 9 ح 3.
138

فحمل صدرها على ما قبل تمام الثانية، وذيلها على ما بعده والدخول في
الثالثة، حتى يكون الشك في أنه هل دخل في الثالثة أم الرابعة.
وبصحيحة زرارة: رجل لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا، فقال: " إن دخله الشك
بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة، ثم يصلي الأخرى ولا شئ عليه، ويسلم "
قلت: فإنه لم يدر في ثنتين هو أم في أربع، قال: " يسلم ويقوم، فيصلي ركعتين،
ثم يسلم " (1).
فإن معنى قوله: " بعد دخوله " أي بعد أن يعلم ذلك، المجامع مع العلم
بعدم الزيادة ومع الشك فيها، وهو لا يتحقق إلا مع العلم بتمام الثانية، فيدل
بالعموم على المسألة ويخرج عنها ما خرج بالدليل.
ولا يخفى أن تمامية الاستدلال بالصحيحة الأولى تتوقف على ارتكاب
التجوز في قوله: " صلى " بحمله على ما قبل تمام الركعة. وهو ليس بأولى من
التخصيص بالثنائية والثلاثية، كما فعله الشيخ طاب ثراه (2).
وتماميته في الثانية تتوقف عك كون الحكم في المفهوم إعادة الصلاة، وهو أمر
غير معلوم. إلا أن يتمم بالاجماع المركب، وهو كذلك.
ولا ينافي حكم المسألة بعض العمومات الآمرة بالبناء على الأكثر في بعض
صور الشك بين الاثنتين وغيرها، لأنه ظاهر في إتمام الاثنتين بالتقريب المذكور.
ولا الآمرة به مطلقا، لأعميته مطلقا، فيجب التخصيص.
ثم إنه هل تتم الثانية بتمام ركوعه، أو بدخوله في السجدة الثانية مطلقا،
أو في إكمال ذكرها وإن لم يرفع رأسه، أو في رفع الرأس منها؟ كما قال بكل منها
طائفة. و يستدل للأخير بأن رفع الرأس من السجدة الأخيرة من متممات الركعة
وأجزائها، فلا يصدق تمام الركعة بدونه.

(1) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 3، التهذيب 2: 192 / 759، الإستبصار 1:
375 / 1423، الوسائل 8: 214 أبواب الخلل ب 9 ح 1.
(2) الإستبصار 1: 375 / ذ ح 1424.
139

ولا يخفى ما فيه بعد ما عرفت ما حققناه في بيان الركعة في بيان شك صلاة
الآيات (1).
ومقتضاه الحكم بالبطلان قبل تمام الركوع، والشك في جميع ما بينه وبين
رفع الرأس من السجدة الأخيرة.
ولا يفيد استصحاب الركعة، إذ الركعة بمعنى الركوع، وما قبله قد تم
يقينا، ومع ما بعده لا يعلم إرادته. واستصحاب بقاء ما أراده الإمام بعد،
يعارض استصحاب عدم إرادة الزائد.
ولا أخبار حفظ الأوليين واعتبار اليقين فيهما، حيث لا حفظ هنا، إذ مراد
الإمام عليه السلام الحفظ من جهة الشك بين الركعات، وعدم العلم هنا لأجل
الجهل بمعنى الركعة، وهذا غير مراد قطعا.
وعلى هذا، فكان الحكم في موضع الشك في تمام الركعة الرجوع إلى
عمومات البناء على الأكثر لولا صحيحة زرارة الأخيرة، إلا أن مقتضى مفهومها
بضميمة الاجماع المركب المتقدم البطلان إلا في صورة رفع الرأس عن السجدة
الأخيرة، فهو الأظهر.
المسألة السادسة:
لو شك بعد إتمام الثانية وقطعه بإحرازها بينها وبين الثالثة، أو الرابعة، أو
الثالثة والرابعة، أو بين الثالثة والرابعة، بنى في الجميع على الأكثر، على الأظهر
الأشهر بين من تقدم وتأخر، بل عليه الاجماع عن صريح الانتصار، والخلاف،
وظاهر السرائر (2)، وغيره (3)، وعن أمالي الصدوق أنه جعله من دين الإمامية الذي
يجب الاقرار به (4).

(1) راجع ص 131.
(2) الإنتصار: 49، الخلاف 1: 445، السرائر 1: 254.
(3) كالتذكرة 1: 139.
(4) الأمالي: 513.
140

لموثقة عمار: " أجمع لك السهو كله في كلمتين: متى ما شككت فخذ
بالأكثر، وإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك قد نقصت " (1).
والأخرى: " ألا أعلمك شيئا إذا فعلته، ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت،
لم يكن عليك شئ؟ " قلت: بلى، قال: " إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت
وسلمت، فقم، فصل ما ظننت أنك نقصت " (2) الحديث.
وثالثة: " كلما دخل عليك الشك في صلاتك، فاعمل على الأكثر " قال:
" فإذا انصرفت، فأتم ما ظننت أنك نقصت " (3).
مضافا في الأولى، والثانية إلى صحيح زرارة المتقدم، فإن ظاهر قوله " مضى
في الثالثة " أن يحكم بأن ما فعله الثالثة " ثم يصلي الأخرى " أي: الرابعة.
واستعمال الامضاء فيما مضى أكثر من استعماله فيما بقي، كما يأتي في أحاديث
الشك في الأجزاء قبل تجاوز المحل.
وهذه الصحيحة وإن اختصت في الصورة الأولى بما إذا دخل في أفعال
الثالثة أو مقدماتها أيضا، ولا تشمل ما إذا كان جالسا للتشهد، إلا أنه يتم
المطلوب بالاجماع المركب.
وفي الأولى خاصة إلى ما حكي عن العماني من تواتر الأخبار بها (4). وهو
وإن كان مرسلا، إلا أنه بالعمل منجبر. إلا أنه يخدشه ما يأتي من احتمال إرادته
العمومات.
والمروي في قرب الإسناد الآتي (5)، المنجبر أيضا.
وفي الثانية خاصة إلى صحيحة محمد: عن رجل صلى ركعتين، فلا يدري

(1) الفقيه 1: 225 / 992، الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 1.
(2) التهذيب 2: 349 / 1448، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3.
(3) التهذيب 2: 193 / 762، الإستبصار 1: 376 / 1426، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 8 ح 4.
(4) حكاه عنه في الذكرى: 226.
(5) في ص 146.
141

ركعتان هي أو أربع، قال: " يسلم، ثم يقوم، فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب،
ويتشهد، وينصرف، وليس عليه شئ " (1).
وصحيحة ابن أبي يعفور: عن الرجل لا يدري ركعتين صلى أم أربعا،
قال: " يتشهد ويسلم، ثم يقوم، فيصلي ركعتين وأربع سجدات، يقرأ فيهما بفاتحة
الكتاب، ثم يتشهد ويسلم " إلى أن قال: " وإن تكلم فليسجد سجدتي
السهو " (2).
وفي الثالثة كذلك إلى مرسلة ابن أبي عمير: في رجل صلى ولم يدر ثنتين
صلى أم ثلاثا أم أربعا، قال: " يقوم فيصلي ركعتين من قيام ويسلم، ثم يصلي
ركعتين من جلوس ويسلم، فإن كانت أربع ركعات، كانت الركعتان نافلة، وإلا
تمت الأربع " (3).
والمراد بالأربع ركعات الزائدة صلاة الاحتياط. لا أن يكون الأوليان تتمة
الصلاة، ويكون البناء على الأقل، إذ على ذلك لم يكن الأمر بركعتين جالسا
صحيحا إجماعا. مع أن في قوله: " يقوم " إشارة إلى ذلك، إذ لولا إرادة الاحتياط
لم تكن إليه حاجة، بل كان مخلا، إذ يمكن أن يكون الشك حال القيام. وكذا
في قوله: " من قيام " إشارة إليه، إذ لا حاجة إليه في تتمة الصلاة.
وصحيحة البجلي: رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا، فقال:
" يصلي ركعة من قيام ثم يسلم، ثم يصلي ركعتين وهو جالس " (4).

(1) التهذيب 2: 185 / 737، الإستبصار 1: 372 / 1414، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 11 ح 6.
(2) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 4، التهذيب 2: 186 / 739، الإستبصار 1:
372 / 1315، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.
(3) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 6، التهذيب 2: 187 / 742، الوسائل 8: 223 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 4.
(4) الفقيه 1: 230 / 1021، الوسائل 8: 222 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1 وفي
الفقيه ونسخة من الوسائل: " ركعتين من قيام " وستأتي الإشارة من المصنف - ره - إلى هذا
الاختلاف في ص 154.
142

ولا يضر عدم صراحتهما في الوجوب، للاجماع، ولأنهما بيان للموثقات
الآمرة.
وفي الثانية والرابعة إلى صحيحة الحلبي: " إذا لم تدر ثنتين صليت أم
أربعا، ولم يذهب وهمك إلى شئ فتشهد وسلم، ثم صل ركعتين وأربع
سجدات، تقرأ فيهما بأم القرآن، ثم تشهد وتسلم " إلى أن قال: " وإن كنت لا
تدري ثلاثا صليت أم أربعا، ولم يذهب وهمك إلى شئ، فسلم، ثم صل ركعتين
وأنت جالس، تقرأ فيهما بأم الكتاب " (1) الحديث.
وفي الرابعة خاصة إلى موثقة البقباق: " إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا،
ووقع رأيك على الثلاث، فابن على الثلاث، وإن وقع رأيك على الأربع، فسلم
وانصرف، وإن اعتدل وهمك، فانصرف، وصل ركعتين وأنت جالس " (2).
وصحيحة ابن أبي العلاء: " إن استوى وهمه في الثلاث والأربع، سلم
وصلى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس، يقصر في التشهد " (3).
خلافا في الأولى، للمحكي عن السيد، فيبني على الأقل
لصحيحة زرارة المتقدمة بحمل قوله: " مضى في الثالثة " على أن يجعل
الركعة التي دخل فيها ثالثة، وهي الأقل، حيث إنه لعلمه بتمام الثانية يشك في
أن ما دخل فيها الثالثة أو الرابعة، فتكون الركعة مترددة بين الثالثة والرابعة.
وللأخبار الدالة على البناء على الأقل مطلقا، كصحيحة زرارة: من لم يدر
في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال: " يركع ركعتين وأربع سجدات وهو

(1) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 8، الفقيه 1: 229 / 1015، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 11 ح 1.
(2) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 7، التهذيب 2: 184 / 733، الوسائل 8: 211 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 1.
(3) الكافي 3: 351 الصلاة ب 40 ح 2، التهذيب 2: 185 / 736، الوسائل 8: 218 أبواب
الخلل ب 10 ح 6.
143

قائم بفاتحة الكتاب، ويتشهد، ولا شئ عليه، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع
وقد أحرز الثلاث، قام فأضاف إليها أخرى، ولا شئ عليه، ولا ينقض اليقين
بالشك " (1) الحديث.
فإن قوله في آخر الحديث: " ولا ينقض اليقين " عام لهذه الصورة أيضا، وهو
دليل على أن المراد بالركعتين والركعة المضافة هي تتمة الصلاة دون صلاة
الاحتياط.
ورواية ابن اليسع: عن رجل لا يدري ثلاثا صلى أم ثنتين، قال: " يبني
على النقصان، ويبني على الجزم، ويتشهد بعد انصرافه تشهدا خفيفا كذلك في
أول الصلاة وآخرها " (2).
ورواية ابن عمار: " إذا شككت فابن على اليقين " قلت: هذا أصل؟ قال:
" نعم " (3).
وروايتي البجلي وعلي: في السهو في الصلاة، فقال: " تبني على اليقين،
وتأخذ بالجزم، وتحتاط بالصلوات كلها " (4).
والجواب عن الأول: أنها في البناء على الأكثر أظهر وعليه أدل، بالتقرير
الذي مر، بحمل الثالثة على ما مر، والركعة الأخرى على الركعة التي فيها دخل
ولولا الأظهرية، فلا أقل من تساوي الاحتمالين الموجب لسقوط الاستدلال.
وقد تحمل الثالثة على هذه الركعة يحمل المضي فيها على إتمام الصلاة بها،
وتحمل الركعة الأخرى على ركعة الاحتياط، فتكون الرواية دالة على البناء على
الأكثر.

(1) الكافي 3: 351 الصلاة ب 40 ح 3، التهذيب 2: 186 / 740، الإستبصار 1:
373 / 1416، وأورد صدره في الوسائل 8: 220 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 3،
: وذيله في ص: 216 ب 10 ح 3.
(2) الفقيه 1: 230 / 1023، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل ب 8 ح 6.
(3) الفقيه 1: 231 / 1025، الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 2.
(4) التهذيب 2: 344 / 1427، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 5.
144

وفيه بعد ظاهر.
وعن البواقي: بمعارضتها مع ما مر، وترجيحه بوجوه عديدة كالأشهرية
رواية وفتوى، والأصرحية دلالة، والأبعدية عن طريقة العامة التي هي من
المرجحات المنصوصة، فإنهم يبنون على الأقل، كما يظهر من الانتصار والمعتبر
وروض الجنان والبحار والوسائل (1)، بل من كتب أنفسهم كصحيح مسلم وشرح
السنة وغيرهما (2) "
مضافا إلى أن الظاهر أن المراد بالركعتين والركعة في صحيحة زرارة صلاة
الاحتياط بقرينة قوله: " وهو قائم " فإنه لو كان المراد تتمة الصلاة لم يحتج إلى هذا
القيد، وكذا قوله: " بفاتحة الكتاب ".
وأما التعليل بقوله: " ولا ينقض اليقين " فلا يدل على ما راموه، لجواز أن
يكون المراد اليقين بالصحة، ويكون المعنى: ولا ينقض اليقين بصحة الصلاة
بواسطة الشك. أو المراد اليقين بعدم فعل الطرف الزائد، ويكون التعليل لإضافة
صلاة الاحتياط، فإنه لو كان ينقض اليقين بالشك في الزائد، لكان يبني عليه من
غير تدارك. وأما مع التدارك فهو عين عدم الالتفات إلى الشك.
ومنه يظهر جواب آخر عن البواقي وهو: أن المراد بالبناء على اليقين يمكن
أن يكون البناء على الصحة، فلا ينافي ما مر. وأن يكون البناء على الأكثر وصلاة
الاحتياط، فإنه لو كان بانيا على الشك لبنى على الأكثر من غير احتياط، وأما مع
الاحتياط فليس بناء عليه، بل بناء على اليقين قطعا، كما صرح به في الأخبار
تعليلا لصلاة الاحتياط من أنه لو كانت الصلاة ناقصة لأتمت (3)، فليس ذلك إلا
عدم الالتفات بالشك والأخذ باليقين.

(1) الإنتصار: 49، المعتبر 2: 391، ولم نعثر عليه في روض الجنان، البحار 85: 183، الوسائل
8: 213 أبواب الخلل ب 8 ذيل الحديث 6.
(2) انظر: صحيح مسلم 1: 400، وسنن البيهقي 2: 339، وسنن الترمذي 1: 247، وعمدة
القارئ 7: 313، وبدائع الصنائع 1: 165.
(3) انظر: الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8.
145

فالأخذ بالنقصان واليقين كما يمكن أن يكون بالبناء على الأقل، يمكن أن
يكون بالبناء على الأكثر وصلاة الاحتياط، فإنه أيضا بناء على النقصان والجزم
واليقين، وإلا لم يحتط بالصلاة.
بل الظاهر من الأخبار إرادة هذا المعنى، كما يدل عليه قوله في آخر رواية
البجلي وعلي: " وتحتاط بالصلوات كلها ".
والمروي في قرب الإسناد: رجل صلى ركعتين وشك في الثالثة، قال: " يبني
على اليقين، فإذا فرغ تشهد، وقام قائما يصلي ركعة بفاتحة الكتاب " (1).
والمراد بالبناء على اليقين هنا الأكثر قطعا، لمكان أمره بصلاة الاحتياط. ولا
يمكن حملها على بقية الصلاة، والحمل على الأقل، لأن الباقي حينئذ ركعتان،
وليس فيهما فاتحة الكتاب، ولم يكن معنى لقوله: " فإذا فرغ تشهد ".
وصحيحة زرارة المتقدمة (2) بالتقريب الذي ذكرناه (3).
بل لنا أن نقول: ينحصر البناء على اليقين بالبناء على الأكثر؟ لأن المراد
اليقين بعدم وقوع خلل في الصلاة، فلو بنى على الأقل احتملت الزيادة المبطلة
إجماعا بلا تدارك، بخلاف ما لو بنى على الأكثر مع صلاة الاحتياط.
وإلى ذلك أشار السيد في الانتصار، قال في توجيه المذهب المشهور بعد
دعوى الاجماع عليه: ولأن الاحتياط أيضا فيه، لأنه إذا بنى على النقصان لم يأمن
أن يكون قد صلى على الحقيقة الأزيد، فيكون ما أتى به زبادة في صلاته - ثم قال -
: فإذا قيل: إذا بنى على الأكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنما فعل الأقل،
فلا ينفع ما فعله من الجبران، لأنه منفصل من الصلاة، وبعد التسليم. قلنا: ما
ذهبنا إليه أحوط على كل حال، لأن الاشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجري مجرى
الاشفاق من تقديم السلام في غير موضعه (4).

(1) قرب الإسناد: 30 / 99، الوسائل 8: 215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 2.
(2) في ص 139.
(3) في ص 141.
(4) الإنتصار: 49.
146

وقريب منه كلام المعتبر والمنتهى (1)، وكلامهما كالصريح في أن البناء على
اليقين إنما يحصل بالبناء على الأكثر، لا الأقل.
ومن هنا يظهر فساد نسبة القول بالبناء على الأقل إلى السيد في الناصريات،
لأن ما أوجب هذه النسبة إليه قوله فيها - في ذيل قول جده الناصر: ومن شك في
الأوليين استأنف، ومن شك في الأخيرتين بنى على اليقين -: هذا مذهبنا، وهو
الصحيح عندنا، وباقي الفقهاء مخالفون في ذلك (2). انتهى.
وفي قوله هذا أيضا دلالة على ما ذكرنا، لأن مذهب المخالفين البناء على
الأقل وسجدة السهو، وكتبهم بذلك مشحونة، ودلائلهم عليه مشهورة.
قال البغوي في شرح السنة بعد ذكر رواية مصرحة بالبناء على الأقل مطلقا
في الشك في الركعات عن صحيح مسلم: هذا الحديث يشتمل على أحكام،
أحدها: أنه إذا شك في صلاته فلم يدر الركعة يأخذ بالأقل. والثاني: أن محل
سجدتي السهو قبل التسليم. أما الأول فأكثر العلماء على أنه يبني على الأقل، إلى
آخره (3).
هذا مع احتمال البناء على اليقين والنقص معنى آخر، ذكره الحلي في توجيه
كلام السيد، زعما منه كون البناء في كلامه البناء على الأقل، وهو: البناء عليه بعد
التسليم والخروج عن الصلاة، قال: فقبل سلامه يبني على الأكثر، لأجل
التسليم، وبعده يبني على الأقل، كأنه ما صلى إلا ما تيقنه، وما شك فيه يأتي به،
ليقطع على براءة ذمته (1).
وبالجملة فهذه الأخبار موافقة لما مر، ولو قطع النظر عنها فمعارضتها له غير
معلومة، ولو سلم التعارض فالمكافاة مفقودة.

(1) المعتبر 2: 391، المنتهى 1: 415.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 201.
(3) حكاه المجلسي (ره) في البحار 85: 183.
(4) السرائر 1: 255.
147

وعن الصدوق (1) في الفقيه ووالده في الرسالة، فقالا بالتخيير في هذه
الصورة (2). واستوجهه في الذخيرة (3).
جمعا بين الفريقين من الأخبار.
وللرضوي المصرح بالخيار مع اعتدال الوهم في هذه الصورة (4).
ويرد الأول: بعدم التعارض أولا، كما مر، وعدم التكافؤ ثانيا.
وقد يرد أيضا: بأنه جمع بلا شاهد.
ويخدشه أن قول الإمام بالتخيير عند التعارض وعدم الترجيح أقوى
الشواهد.
هذا مع أن في نسبته إلى الصدوق نظرا ظاهرا، كيف؟! وهو قد صرح في
الأمالي بأن البناء على الأكثر من دين الإمامية (5).
وقال أيضا في الفقيه: ومن شك في الثانية والثالثة والرابعة بنى على الأكثر،
وإذا سلم أتم ما ظن أنه قد نقص (6).
وهذا صريح في موافقة المشهور.
وكان منشأ الاشتباه في النسبة إليه هنا وفيما تقدم من الشك في الأوليين
والثنائية والثلاثية كلام له في الفقيه، بعد تصريحه أولا بوجوب الإعادة في الصور
الثلاث المذكورة، والبناء على الأكثر في ما مر، ثم ذكره صورا كثيرة من الشك
وبيان حكمها، ثم ذكره أخبارا أخر، حيث قال: وليست هذه الأخبار مختلفة،
وصاحب هذا السهو بالخيار بأي خبر منها أخذ (7).
فارجع كثير من المتأخرين الإشارة إلى جميع ما تقدم من المسائل المتفرقة،

(1) أي: وخلافا للمحكي عن الصدوق...، في الصورة الأولى، وهو الشك بين الثانية والثالثة.
(2) الفقيه 1: 231.
(3) الذخيرة: 376.
(4) فقه الرضا (عليه السلام): 118، مستدرك الوسائل 6: 408، أبواب الخلل الواقع في الصلاب 9 ح 2.
(5) الأمالي: 513.
(6) الفقيه 1: 225.
(7) الفقيه 1: 231.
148

مع أنه غير معلوم، فهذه النسبة أيضا كالأول مقدوحة.
وعن المقنع، فحكم بوجوب الإعادة في هذه الصورة (1)، لموثقة عبيد
المتقدمة (2).
وفيه - مضافا إلى منع دلالتها على الوجوب، وشذوذها المخرج لها عن
الحجية لو دلت عليه -: أنها أعم مطلقا من المروي في قرب الإسناد المجبور ضعفه
بالشهرة العظيمة، بل الاجماع في الحقيقة، إذ لم ينقل القول بالبطلان إلا منه،
وفي كونه قولا منه أيضا نظر، فإنه ذكره بعنوان الرواية، ومثله على الفتوى غير
دال.
وللمحكي عن الصدوق في الثانية، فحكي عنه التخيير أيضا (3)، واحتمله
في المدارك قويا (4).
جمعا بين ما مر، وبين صحيحة زرارة المتقدمة (5) دليلا لقول السيد.
وموثقة أبي بصير: " إذا لم تدر أربعا صليت أم ركعتين، فقم واركع ركعتين
ثم سلم، واسجد سجدتين وأنت جالس، ثم سلم بعدهما " (6).
ويرد الأول: بما مر من ظهورها في البناء على الأكثر، كما مر.
والثانية: باحتمالها له أيضا، فيكون المراد بالركعتين صلاة الاحتياط. وأما
الأمر بالسجدتين فلعله لاستحبابهما، كما قيل (7)، أو محمول على من تكلم ناسيا،
كما صرح به في صحيحة ابن أبي يعفور المبينة لحكم صورة الشك بين الاثنتين
والأربع، فقال بعد الأمر بالبناء على الأكثر وصلاة الاحتياط: " وإن تكلم فليسجد

(1) المقنع: 31.
(2) في ص 138.
(3) حكاه عنه في الرياض 1: 218.
(4) المدارك 4: 260.
(5) راجع ص 143.
(6) التهذيب 2: 185 / 738، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل في 11 ح 8.
(7) الرياض 1: 219.
149

سجدتي السهو " (1).
ولو سلم فيعارض ما مر مما هو أكثر منهما، وأوفق بالعمل، ومع ذلك توافقان
العامة كما مر. مع أن في نسبته إلى الصدوق ما مر.
ولا تبعد نسبة البناء على الأقل هنا إلى السيد أيضا عند من ينسب إليه
الخلاف في الأولى، لأن كلامه يشملهما، بل الصورتين الأخيرتين أيضا.
وعن المقنع، فحكم بالإعادة (2)، واحتملها الفاضل في نهاية الإحكام،
والشهيد في الذكرى أيضا (3)، وظاهرهما استحبابها، حيث عبرا عن البناء على
الأكثر بالرخصة، وهو ظاهر المدارك أيضا (4).
لصحيحه محمد: عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم أربعا، قال: " يعيد
الصلاة " (5).
والجواب عنها: بشمولها لغير الرباعية أيضا، واختصاص ما مر من
معارضاتها بالرباعية بقرينة الأمر بصلاة الاحتياط، فيجب تخصيصها به.
وفي الثالثة للمحكي عن الصدوق أيضا (6)، وإن كان فيه ما مر،
والإسكافي (7)، واستوجهه في الذخيرة (8)، فخيرا بين ما مر وبين البناء على الأقل،
لصحيحة زرارة المتقدمة بجوابها (9).
وفي الرابعة للمنقول عن الإسكافي، فجوز البناء على الأقل ما لم يخرج

(1) راجع ص 142.
(2) المقنع 31.
(3) نقل عن النهاية والذكرى في البحار 85: 182، ولكن لم نجده فيهما.
(4) المدارك 4: 260.
(5) التهذيب 2: 186 / 741، الإستبصار 1: 373 / 1417، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 11 ح 7.
(6) حكاه عنه في المدارك 4: 258.
(7) حكاه عنه في المدارك 4: 258.
(8) الذخيرة: 377
(9) راجع ص 139.
150

الوقت (1)، لبعض ما مر. وجوابه ظاهر.
المسألة السابعة:
تجب في الصور الأربع المذكورة بعد البناء على الأكثر صلاة الاحتياط،
إجماعا من كل من يقول بالبناء عليه.
ففي الأولى (2) يحتاط بركعتين من جلوس، أو بركعة من قيام، مخيرا بينهما
على الأشهر، كما صرح به جماعة (3)، بل عن الانتصار والخلاف الاجماع عليه (4)،
له، ولما عن العماني من تواتر الأخبار به (5)، وعن الحلي من ورود الخبر بكل من
الأمرين (6)، وهما بمنزلة مرسلتين منجبرتين بما مر، ولورود النص بهما في الصورة
الرابعة، وعدم القول بالفرق بينهما، كما يظهر من الذكرى وروض الجنان (7).
خلافا للمحكي عن العماني والجعفي فقالا بالأول (8)، ولم يذكرا التخيير،
لظاهر الصحاح الآمرة به في الرابعة، بضميمة عدم الفرق بينها وبين هذه الصور.
ورد بورود الخيار فيها أيضا، كما يأتي.
وعن علي بن بابويه وعن المفيد والقاضي وظاهر الديلمي: تحتم القيام (9)،
واختاره في الحدائق، وإليه يميل كلام الذخيرة (10).

(1) حكاه عنه في الذكرى: 226.
(2) وهو الشك بين الثانية والثالثة.
(3) منهم: الشهيد في الذكرى: 226، وصاحب الرياض 1: 218.
(4) الإنتصار: 49، الخلاف 1: ب 445.
(5) حكاه عنه في الذكرى: 226.
(6) السرائر 1: 254.
(7) الذكرى: 226، الروض: 351.
(8) حكاه عن العماني في المختلف: 133، وعن الجعفي في الذكرى: 227.
(9) حكاه عن ابن بابويه في المختلف: 133، وعن المفيد والقاضي في الرياض 1: 218، الديلمي
في المراسم: 89.
(10) الحدائق 9: 226، الذخيرة: 377.
151

لقوله عليه السلام في المستفيضة المتقدمة: " فأتم ما ظننت أنك نقصت " (1)
فإن ظاهرها بل صريحها الموافقة لما نقص.
والمروي في قرب الإسناد المتقدم (2).
ورد: بضعف الأخير. وعدم صراحة الأول، لأن إتمام ما نقص كما يمكن
بالموافق يمكن ببدله أيضا، بل ثبوت الخيار في الرابعة - مع شمول هذه الأخبار
لها أيضا - يعين أن المراد بإتمامه أعم من الاتيان بموافقة، أو ما يقوم مقامه.
أقول: هذا كان حسنا لولا الأمر بالقيام في إحدى الموثقات، ولكن قال في
بعضها: " فإذا فرغت وسلمت فقم فصل ما ظننت أنك نقصت " (3) ومع ذلك لا
يرد هذا.
فدلالة الموثقة على مطلوبهم صريحة.
ولا يعارضها ما سبق من الاجماع المنقول، لعدم حجيته.
ولا دعوى العماني ولا الحلي، إذ لا يعلم بعد ما ادعياه حتى يظهر دلالته أو
عدمها، والاكتفاء بفهمهما غير جائز.
نعم لو ثبت الاجماع المركب الذي تقدم، تعارض به الموثقة، بل يقدم
عليها، إلا أن ثبوته مشكل.
وقد يستدل على المشهور بصحيحة ابن أبي العلاء المتقدمة (4)، حيث إنه
يصدق حينئذ أنه يستوي وهمه في الثلاث والأربع، فتجوز له الركعتان جالسا بها،
كما تجوز الركعة قائما بما مر. بل بخبر جميل الآتي (5)، المصرح بالخيار.
ولو شك في الصدق بعد الفراغ عن السجدتين قبل القيام، فلا شك في
الصدق بعده، ويتم المطلوب بالاجماع المركب.

(1) انظر: الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8.
(2) في ص 146.
(3) التهذيب 2: 349 / 1448، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل ب 8 ح 3.
(4) في ص 143.
(5) في ص 157.
152

ويرد عليهما: أن معنى اعتدل وهمه في الثلاث والأربع إما في فعل الثلاث
والأربع ومضيهما، أو في التلبس بهما.
والظاهر من الخبر: الأول، بقرينة السؤال ورجوع الضمائر في الجواب إلى
المسؤول عنه. بل هو مراد قطعا - للسؤال - وإرادة المعنى الأخير غير معلومة.
وأما الصحيحة فهي مجملة من هذه الجهة فلا تصلح للتخصيص.
إلا أن يقال: العام المخصص بالمجمل ليس بحجة، فتخرج الموثقة أيضا
عن الحجية، فلا يجب القيام أيضا، ويكون المكلف مخيرا.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن الركعة من قيام مجزية قطعا، فتجب لأصل
الاشتغال. فإن منعت قطعية إجزائها، ثبت بواسطة رواية قرب الإسناد (1)،
المنجبر ضعفها باشتهار إجزائها.
لا يقال: ليس المورد محل جريان أصل الاشتغال، بل يجري أصل البراءة
عن القيام، لثبوت القدر المشترك بينهما بالاجماع.
لمنع ثبوت القدر المشترك من جهة القول بالتخيير، فإنه ثبت الزائد عن مهية
الصلاة، من التخيير أو أحد الفردين، فيجب العمل بأصل الاشتغال، حتى
تعلم البراءة، وهي لا تعلم إلا بالقيام، فوجوبه الأظهر، سيما مع أن الموثقة تثبت
المطلوب في صورة الجلوس قبل القيام بلا معارض، فيضم معه الاجماع المركب.
ولعله لبعض ما ذكر، وللأوفقية للفائت جعل الفاضلان - طاب ثراهما -
الركعة من قيام هنا وفي الرابعة (2) أولى من الركعتين جالسا (3)
وفي الثانية (4) بركعتين من قيام حتما إجماعا، كما عن الانتصار والخلاف (5)،
لما مر من الموثقات، وخصوص الصحاح المتقدمة الواردة في المورد.

(1) المتقدمة في ص 146.
(2) أي: الصورة الرابعة، وهو الشك بين الثالثة والرابعة.
(3) المحقق في المعتبر 2: 393، الفاضل في التذكرة 1: 140.
(4) وهو الشك بين الثانية والرابعة.
(5) لم نجده في الانتصار، الخلاف 1: 445.
153

وفي الثالثة (1) بركعتين من قيام، وركعتين من جلوس، على الأظهر
الأشهر، كما صرح به جماعة ممن تأخر (2)، لمرسلة ابن أبي عمير المتقدمة (3).
وعن الصدوقين والإسكافي: الاحتياط بركعة من قيام وركعتين من
جلوس (4)، واستقربه في الروضة (5).
لصحيحة البجلي عن أبي إبراهيم عليه السلام: قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا، فقال: " يصلي ركعة
من قيام، ثم يصلي ركعتين وهو جالس " (6).
والرضوي: " وإن شككت فلم تدر اثنتين صليت أم ثلاثا أم أربعا، فصل
ركعة من قيام وركعتين من جلوس " (7).
وقواه في الذكرى من حيث الاعتبار أيضا، لأنهما تنضمان حيث تكون
الصلاة اثنتين، ويجزئ بإحداهما حيث تكون ثلاثا (8).
ويرد الصحيحة، مع ما في سندها من عدم معهودية رواية الكاظم عليه
السلام عن الصادق عليه السلام بهذا النحو، ومن الاقتصار في بعض النسخ على
أبي إبراهيم، وما في مضمونها من المخالفة للشهرة العظيمة، أنها غير صالحة
للاستناد، للاختلاف في متنها، ففي بعض النسخ - كما في المنتقى (9) وغيره - وفي
أكثر النسخ - كما صرح به بعض الأجلة (10) -: " يصلي ركعتين من قيام " بدل

(1) وهو الشك بين الثانية والثالثة والرابعة.
(2) منهم: السبزواري في كفاية الأحكام: 26، وصاحب الرياض 1: 219.
(3) في ص 142.
(4) حكاه عنهم في المختلف: 133.
(5) قال في الروضة 1: 330:.... وهو قريب من حيث الاعتبار.... إلا أن الأخبار تدفعه.
(6) الفقيه 1: 230 / 1021، الوسائل 8: 222 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1.
(7) فقه الرضا (عليه السلام): 118، مستدرك الوسائل 6، 411، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 12 ح 1.
(8) الذكرى: 226.
(9) منتقى الجمان 2: 311.
(10) الرياض 1: 219.
154

" " ركعة ".
والرضوي: بالضعف.
والاعتبار: بعدم الاعتبار، مع أنه ينازع في قوته، من حيث إنه يستلزم
تلفيق البدل الواحد من الفعل قائما وقاعدا على تقدير كون الواحد ركعتين،
ويستلزم زيادة بعض الأفعال كالنية والتكبير في البدل، وتغيير صورته على التقدير
المذكور.
ثم في تبديل الركعتين جالسا بركعة قائما حتما، كما عن العزية والديلمي (1).
أو تخييرا، كما عن الفاضل والشهيدين (2)، واختاره بعض مشايخنا
الأخباريين (3).
أو عدم جوازه، كما عن الأكثر، ونسبه في الذكرى إلى الأصحاب (4).
أقوال، أحوطها الأخير، بل هو أقواها.
للرضوي المنجبر بالشهرة في المقام، بل لأصل الاشتغال أيضا، حيث إن
جواز الجلوس يقيني بما مر.
للأول: ظواهر الأوامر العامة المصرحة بإتمام ما ظننت قائما.
وللثاني: فحوى مرسلة ابن أبي عمير، لأنها إنما تصلى لتكون بدلا عن
المحتمل فواته، والركعة قائما أقرب إليه.
ويضعف الأول: بتحقق القيام المأمور به هنا، لمكان الركعتين قائما، ولم
يثبت وجوب القيام في كل ما يفعل. مع أن المرسلة أخص منها، فتخصصها.
والثاني: بمنع الأولوية، لأنها إنما هي على فرض معلومية العلة، وهي
ممنوعة.
وهل يجب تقديم الركعتين من قيام؟ كما عن المفيد في المقنعة والسيد في أحد

(1) حكاه عن العزية في المختلف: 134، الديلمي في المراسم: 89.
(2) الفاضل في التذكرة 1: 140، الشهيد في الذكرى: 226، الشهيد الثاني في الروضة 1: 330.
(3) انظر: الحدائق 9: 243.
(4) الذكرى: 226.
155

قوليه، والحلي والروضة والبيان والألفية (1)، وجمع من متأخري المتأخرين (2)،
وحكي عن الروضة نسبته إلى المشهور (3)، وهو غير ظاهر، لامكان رجوعه إلى
الأربع ركعات لا إلى الترتيب، كما تؤكده نسبته التخيير في الذكرى والمسالك إلى
الأكثر (4).
أو الركعتين من جلوس؟ كما يحكى عن بعضهم.
أو يتخير في تقديم أيهما شاء؟ كما هو المشهور.
للأول: مكان لفظة " ثم " الدالة على الترتيب في النص.
. وفي إثبات الوجوب به هنا نظر.
ودليل الثاني غير معلوم.
وللثالث: الأصل. وهو الأظهر.
وفي الرابعة (5) بركعتين من جلوس، أو ركعة من قيام، مخيرا بينهما على
الأقوى الأشهر.
للأمر بالأول في صحيحتي الحلبي وابن أبي العلاء، وموثقة البقباق المتقدمة
جميعا (6).
وبالثانية في عموم الموثقات السابقة (7)، وخصوص قوله: " قام فأضاف إليها
ركعة أخرى " في صحيحة زرارة المتقدمة (8) بالتقريب المذكور.

(1) المقنعة 147، حكاه عن السيد في المختلف: 134، الحلي في السرائر 254، الروضة 1: 330،
البيان: 254، وقال في الألفية: 73: والاحتياط بركعتين جالسا وبركعتين قائما.
(2) كصاحب المدارك 4: 261، والسبزواري في الذخيرة: 378، وصاحب الرياض 1: 219
(3) الروضة 1: 330.
(4) الذكرى: 226، المسالك 1: 402.
(5) أي: الصورة الرابعة، وهو الشك بين الثالثة والرابعة.
(6) في ص 143.
(7) راجع ص 141.
(8) في ص 143.
156

فيجمع بينهما بالتخيير، بشهادة خبر جميل المنجبر ضعفه - لو كان - بالشهرة
العظيمة والاجماع المنقول، وفيها: " وإذا اعتدل وهمه في الثلاث والأربع فهو
بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قائم، وإن شاء صلى ركعتين وأربع سجدات وهو
جالس " (1).
بل هو بنفسه قرينة على إرادة الوجوب التخييري.
المسألة الثامنة:
لو شك بين الأربع والخمس، فإن كان بعد الفراغ من السجدتين يبني على
الأقل وفاقا، ويسجد سجدتي السهو على الأظهر الأشهر، وعن العماني نسبته إلى
آل الرسول صلى الله عليه وآله (2).
للمستفيضة من الصحاح وغيرها، كصحيحة ابن سنان: " إذا كنت لا
تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثم سلم
بعدها " (3).
وأبي بصير، وهي أيضا قريبة منها (4).
والحلبي: " إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا، أم نقصت أم زدت، فتشهد
وسلم، واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا " (5).
وصحيحة زرارة: " إذا شك أحدكم في الصلاة فلم يدر زاد أم نقص

(1) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 9، التهذيب 2: 184 / 734، الوسائل 8: 216 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 2.
(2) حكاه عنه في المختلف: 140.
(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 3، التهذيب 2: 195 / 767، الوسائل 8: 224 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 1.
(4) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 6، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل ب 14 ح 3.
(5) الفقيه 1: 230 / 1019، التهذيب 2: 196 / 772، الإستبصار 1: 380 / 1441، الوسائل
8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.
157

فليسجد سجدتين وهو جالس " (1).
والفضيل: " من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو، وإنما السهو
على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها " (2).
ويدل عليه أيضا جميع الأخبار المتقدمة الدالة على البناء على اليقين
والنقصان والجزم، إذ لا معنى للبناء عليها وصحة الصلاة بعد احتمال الزيادة إلا
ذلك. ولا تعارضها أخبار البناء على الأكثر، لاختصاصها بعدم احتمال الزيادة من
جهة اشتمالها على الأمر بإتمام ما نقص.
خلافا للمحكي عن المفيد والخلاف والديلمي والحلبي، فلم يذكروا
سجدتي السهو (3). بل عن ظاهر الأولين: نفيهما. ولم أجد مستنده.
وعن المقنع، فحكم مع البناء على الأقل بصلاة الاحتياط ركعتين جالسا،
بدلا عن سجدة السهو (4).
وتدل عليه رواية الشحام: " إن استيقن أنه صلى خمسا أو ستا فليعد، وإن
كان لا يدري أزاد أم نقص فليكتر وهو جالس، ثم ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة
الكتاب في آخر صلاته، ثم يتشهد " (5).
والرضوي: " وإن لم تدر أربعا صليت أم خمسا، أو زدت أو نقصت،
فتشهد وسلم وصلى ركعتين وأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك " قال: وفي
حديث آخر: " يسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة " (6).
ويجاب عنهما بالشذوذ الموجب لرفع اليد عنهما.

(1) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 1، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14
ح 2.
(2) الفقيه 1: 230 / 1018، الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 6.
(3) المفيد في المقنعة: 148، الخلاف 1: 451، الديلمي في المراسم: 90، الحلبي في الكافي: 148.
(4) المقنع: 31.
(5) التهذيب 2: 352 / 1461، الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 5.
(6) فقه الرضا (عليه السلام): 120، مستدرك الوسائل 6: 412 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1.
158

مضافا إلى ما في الثاني من الضعف الشديد، وفي الأول من قصور الدلالة
باعتبار أعميته من المسألة وأخبارها.
وإن كان قبله، فإن كان قبل الركوع أيضا، فيجلس حتى ينقلب شكه إلى
ما بين الثلاث والأربع، فيبني على الأربع ويسلم، يحتاط، كما في الشك بين
الثلاث والأربع، بلا خلاف، كما صرح به جماعة (1)، لأنه ما لم يركع شاك في أن
ما صلى ثلاث حتى يكون ما قام إليه الرابعة، أم أربع حتى يكون ما قام إليه
الخامسة، فيشمله جميع الأخبار الواردة في حكم من لم يدر أنه صلى ثلاثا أم أربعا.
بل يكون الشك حقيقة في أول الأمر بين الثلاث والأربع، إذ الشك إنما
هو فيما فعل لا ما لم يفعل، وأما ما شرع فيه فلا تصدق عليه الركعة بعد.
وإن كان بعد دخول الركوع وقبل إتمام السجدتين بأقسامه فالمشهور أيضا
- كما قيل (2) - أنه أيضا كما بعد السجدتين، فيبني على الأربع ويسجد سجدتي
السهو، وهو الحق.
أما البناء على الأربع فلأصالة عدم الزائد الخالية عن المعارض بالمرة، إذ
ليس إلا أخبار البناء على الأكثر، وهي - لاشتمالها على الأمر بإتمام ما نقص - لا
تشمل هذه الصورة قطعا. وأصالة عدم البطلان المترتب عليها ذلك، الخالية عن
المعارض، إذ ليس إلا ما يأتي بجوابه. ولأخبار البناء على اليقين والنقصان، فإنها
بأي معنى فسرت تدل على ما ذكرنا من الحكم في المسألة.
وأما وجوب سجدتي السهو فلصحيحتي زرارة والفضيل المتقدمتين.
خلافا للمحكي عن الفاضل (3)، وتبعه بعض من لحقه (4)، فقال ببطلان
الصلاة به، لما ذكره نفسه، وهو: التردد بين محذورين: الاكمال المعرض للزيادة،

(1) منهم صاحب الحدائق 9: 247، وحكاه أيضا عن الشيخ عبد الله البحراني.
(2) في الحدائق 9: 248.
(3) في التحرير 1: 50، والقواعد 1: 43، والتذكرة 1: 140.
(4) نسبه في مفتاح الكرامة 3: 363 إلى الموجز الحاوي لابن فهد الحلي، وكشف الالتباس للصيمري.
159

والهدم المعرض للنقيصة، بل للزيادة أيضا، حيث إن بدخول الركوع يزيد
الركن.
وما ذكره في الروضة (1)، وهو: خروجه عن النصوص، فإنه لم يكمل الركعة
حتى يصدق عليه أنه شك.
ويرد على الأول: أنه إن أراد من المحذورين تيقن الزيادة والنقيصة فهو
ممنوع، كيف؟! وليس في الاكمال إلا احتمال الزيادة. وإن أراد احتمالها فكونه
مبطلا ممنوع، ولا دليل عليه، بل في الموثقة: " إذا استيقن أنه زاد فعليه الإعادة " (2)
ومفهومها أنه لا يعاد مع عدم التيقن.
وبتقرير آخر: إن كان نظره إلى أنه يشترط في صحة الصلاة أن يفعل على
وجه لا يحتمل البطلان فهو ظاهر البطلان، إذ لا يتحقق في شئ من صور
الشك. وإن أراد أنه يشترط فيه أن يفعل على وجه يحتمل الصحة فالاكمال هنا
كذلك.
وعلى الثاني: أنه إن أراد خروجه عن نصوص الشك بين الأربع والخمس،
كما هو ظاهر كلامه، فهو كذلك، ولكن لا يفيد، إذ لا يقتضي ذلك البطلان
بوجه. وإن أراد خروجه من مطلقها عامها وخاصها فهو ممنوع، كما عرفت، مع
أن اقتضاءه البطلان أيضا ممنوع.
ومما يمكن أن يستدل له أيضا أخبار الشك بين الثلاث والأربع، فإن
المسألة من أفراده، فإنه يشك في أن الركعة التي صلاها وأتمها قبل ما هو فيه، هل
الثالثة أم الرابعة، ومقتضى أخباره البناء على الرابعة، وإذا بنى عليها يكون ما
فعله بعدها زائدا، فتلزم زيادة الركوع قطعا، فتبطل.
ويرد: بأن مقتضى تلك الأخبار البناء على الرابعة، وأن الصلاة صحيحة
بقرينة الأمر بالاحتياط وإتمام الصلاة، فلا تشمل مورة البطلان. مع أنه لو سلم

(1) الروضة 1: 330.
(2) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 2، التهذيب 2: 194 / 763، الإستبصار 1:
376 / 1428، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.
160

لدلت الأخبار على صحة هذه الصلاة، وهي غير مطلوبة. على أن المذكور في تلك
الأخبار ليس البناء على الرابعة، بل يأمر بالتشهد والتسليم، ومقتضاه البناء على
الأربع في المسألة أيضا، فتأمل.
ثم إنه لا فرق في هذه الصورة بين رفع الرأس من الركوع وما قبله. وتجويز
الهوي لو لم يرفع، وهدم الركعة وصرف الشك إلى ما بين الثلاث والأربع ضعيف!
لحصول الركوع الموجب للزيادة.
المسألة التاسعة:
ما مر من صور الخمس للشك فيما زاد عن الأوليين من الرباعية كان مما
يفرض له في النصوص بالخصوص، وها هنا صور أخر غير منصوصة
بخصوصها.
منها: الشك بين ركعتين أو ثلاث ركعات والخمس، وهو أربع صور:
الشك بين الاثنتين والثلاث والخمس بعد إكمال السجدتين، أو الاثنتين والأربع
والخمس كذلك، أو الاثنتين والثلاث والأربع والخمس كذلك، أو الثلاث
والأربع والخمس.
وفي جميع هذه الصور أقوال ثلاثة - بعد الاتفاق في الأخيرة على هدم
الركعة، والرجوع إلى حكم الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع لو كان قبل
الركوع -:
أحدها: البناء على الأقل وسجدتي السهو. اختاره في الذخيرة (1).
وهو الحق، لما مر في الشك بين الأربع والخمس.
وثانيها: البناء على الثلاث في الأولى، والأربع في البواقي، وصلاة
الاحتياط بما تقتضيه الصورة بعد إلقاء الخمس منها. اختاره في الحدائق (2).

(1) الذخيرة: 380.
(2) الحدائق 9: 252، ولكنه استظهر في الصورة الأولى البطلان، فراجع.
161

لاطلاق الأخبار المتقدمة لهذه الصور إذا لم يكن معها خمس، فإنها مطلقة
غير مقيدة لحال الانفراد أو الاجتماع، فإن ما تضمن أن من شك بين الثلاث
والأربع مثلا حكمه كذا، مطلق شامل لما إذا اجتمع معهما الخمس أيضا، أم لا.
ويضعف: بأن الظاهر منها ما إذا تعلق الشك بما تضمنته الرواية فحسب.
وثالثها: البطلان، حكي عن بعض الأصحاب، لمثل ما مر دليلا للفاضل
في الشك بين الأربع والخمس. وقد عرفت ضعفه.
ومنها: الشك بين غير الأربع من ركعة أخرى واحدة وبين الخمس، وهو
صورتان: الشك بين الاثنتين والخمس بعد إكمال السجدتين، وبين الثلاث
والخمس بعد دخول الركوع، إذ قبله يهدم الركعة حتى ينقلب الشك إلى ما بين
الاثنتين والأربع بعد إكمال السجدتين.
وقد اختلفوا فيها على قولين:
البناء على الأقل وسجدة السهو. رجحه في الذخيرة (1). وهو الأقوى، لما
مر.
والبطلان، لمثل بعض ما مر بجوابه.
ولا تتوهم دلالة صحيحة صفوان المتقدمة (2) على وجوب الإعادة في غير
المنصوص من هذه الصور، لأن من لم يدر أنه صلى أربعا أو خمسا مثلا يصدق عليه
أنه لا يدري كم صلى.
لمنع الصدق، لأنه يدري أنه صلى أربعا، ولا يدري الزائد.
المسألة العاشرة:
لو شك بين الأربع وما زاد على الخمس ففيه أوجه:
البطلان. احتمله في المختلف استنادا إلى أن زيادة الركن مبطلة، ومع

(1) الذخيرة: 380
(2) في ص 134.
162

احتمالها لا يتيقن البراءة (1).
ويرد: بأن الزيادة المبطلة هي المتيقنة، واليقين الشرعي بعد إجراء أصل
عدم الزيادة حاصل.
والتسوية بينه وبين الخمس. نقل الفاضل عن العماني، واختاره هو (2)،
ومال إليه الشهيدان في الرسالة الصلاتية (3) وشرحها، فيصح حيث يصح، ويبطل
حيث يبطل، لاطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة (4)، على القول بالبطلان في بعض
صوره.
والبناء على الأقل مطلقا. نقله في الذخيرة عن بعض الأصحاب، وقال:
إنه وجيه (5).
وهو كذلك، لما مر من أصالة عدم الزيادة، وأخبار البناء على اليقين،
وتجب حينئذ سجدتا السهو، لما مر.
والظاهر اتحاد ذلك مع الوجه السابق، إذ الحكم فيه أيضا ذلك. نعم من
يبطله في سابقه يلزمه البطلان أيضا هنا، لاتحاد الدليل.
وسواء في ذلك ما لو كان الشك قبل الركوع أو بعده. ولا يهدم الركعة،
لعدم دليل عليه، وعدم ترتب فائدة على هدمها.
وكذا الحكم في جميع صور الشك بين الست وغيرها من الاثنتين بعد إكمال
الركعة، والثلاث والأربع، ما لم يتعلق الشك بإحدى الأوليين، بل وكذا إذا تجاوز
المشكوك فيه عن الست أيضا.
ولو كان الشك بين الخمس والست يهدم الركعة إن كان قبل الركوع ليرجع

(1) المختلف: 135.
(2) كما في المختلف: 135.
(3) الألفية: 75.
(4) في ص 157.
(5) الذخيرة: 380.
163

إلى الشك بين الأربع والخمس. وحكمه كمن زاد ركعة بعد الأخيرة إن كان بعد
الركوع.
164

الفصل الثاني
في الشك في أفعال الصلاة
وبيانه: أن من شك في فعل من أفعالها ولم ينتقل من موضعه إلى غيره أتى
به، وأتم الصلاة. قيل: لا أعرف فيه خلافا (1).
لأصالة عدم فعله، وإمكان الاتيان به من غير خلل ولا إخلال، وبقاء
الخطاب بفعله، والمستفيضة من الصحاح وغيرها الواردة في الشك في الركوع وهو
قائم، أو في السجود ولم يستو جالسا، أو قائما، وهي وإن كانت مختصة بالركوع
والسجود إلا أنه لا قائل بالفرق على ما صرح به بعضهم (2).
ويؤيده عموم مفهوم جملة من الأخبار المصرحة بعدم التدارك للشئ بعد
الخروج عن موضعه والانتقال عنه.
وأما موثقة الفضيل: أستتم قائما فلا أدري ركعت أم لا، قال: " بلى قد
ركعت فامض صلاتك، فإنما ذلك من الشيطان " (3).
فلا ينافي ما مر، لاحتمال إرادة الشك في الركوع بعد استتمام القيام الذي
بعد الانحناء للركوع، أو بعد السجدتين. بل أحدهما هو الظاهر من استتمامه،
إذ لا معنى لاستتمام القيام قبل الركوع ولا الانحناء. فيحمل على ما ذكر، أو على
إرادة ترك الطمأنينة، أو الذكر في الركوع، فأطلق عليه الركوع على التجوز.
ويمكن الحمل على القيام من الانحناء قبل الوصول إلى حد الراكع المورث
للظن بالركوع.

(1) كما في الحدائق 9: 168.
(2) انظر: الذخيرة: 374، والرياض 1: 215.
(3) التهذيب 2: 151 / 592، الإستبصار 1: 357 / 1354، الوسائل 6: 317 أبواب الركوع ب
13 ح 3.
165

أو على كثير الشك، كما يشعر به قوله: " أستتم " بصيغة الاستقبال الدالة
على التجدد الاستمراري وقوله: " إنما ذلك من الشيطان ".
ولو كان الشك في شئ من الأفعال بعد الانتقال من موضعه ودخوله في غيره
مضى في صلاته ولم يتدارك، وصحت، إجماعا إذا لم يكن من الركعتين الأوليين،
وعلى الأشهر الأقوى إذا كان منهما.
للمستفيضة من الصحاح وغيرها، كصحيحة زرارة: رجل شك في الأذان
وقد دخل في الإقامة، قال: " يمضي " قلت: رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر،
قال: " يمضي " قلت: رجل شك في التكبير وقد قرأ، قال: " يمضي " قلت: شك
في القراءة وقد ركع، قال: " يمضي " قلت: شك في الركوع وقد سجد، قال:
" يمضي على صلاته " ثم قال: " يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره
فشكك ليس بشئ " (1).
وموثقة محمد: " كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو " (2).
وصحيحة ابن جابر: " إن شك في الركوع بعدما سجد فليمض، وإن
شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل شئ شك فيه مما قد جاوزه ودخل في
غيره فليمض عليه " (3).
ونحوها خبر أبي بصير (4).
وصحيحة حماد: أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا، قال:
" امض " (5) إلى غير ذلك.

(1) التهذيب 2: 352 / 1459، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل ب 23 ح 1.
(2) التهذيب 2: 344 / 1426، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل ب 23 ح 3.
(3) التهذيب 2: 153 / 602، الإستبصار 1: 358 / 1359، الوسائل 6: 317 أبواب الركوع ب
13 ح 4.
(4) الفقيه 1: 228 / 1008، التهذيب 2: 152 / 598، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14
ح 4.
(5) التهذيب 2: 151 / 593، الإستبصار 1: 358 / 1355، الوسائل 6: 317 أبواب الركوع ب
13 ح 1.
166

وبهذه الأخبار يقيد بعض المطلقات الآمرة بالركوع والسجود بعد الشك
فيهما بالاطلاق (1).
خلافا في الحكمين في الركعتين الأوليين للمحكي عن المقنعة والنهاية
والتهذيب (2).
فقال الأول: كل سهو يلحق الانسان في الركعتين الأوليين من فرائضه
حتى تلبس عليه ما ص منهما، أو ما قدم وأخر من أفعالهما فعليه لذلك إعادة
الصلاة. إلا أنه قال قبله: فإن شك في الركوع وهو قائم ركع، وإن كان قد دخل
في حالة أخرى من السجود وغره مضى في صلاته وليس عليه شئ، فأطلق ولم
يخصه بما عدا الأوليين.
وقال الثاني: ومن شك في الركوع والسجود في الركعتين الأوليين أعاد
الصلاة.
ومثله في الثالث.
وحكي عن الشيخ قول بوجوب الإعادة بكل شك متعلق بكيفية الأوليين،
كأعدادهما. وعن الشيخ عن بعض القدماء نقله أيضا (3).
كل ذلك للمستفيضة، كصحيحة زرارة: " من شك في الأوليين أعاد حتى
يحفظ ويكون على يقين، ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم " (4).
ورواية موسى بن بكر: " إذا شككت في الأوليين فأعد " (5).

(1) كما في الوسائل 6: 315 أبواب الركوع ب 12.
(2) المقنعة: 145، النهاية: 88، التهذيب 2: 150.
(3) قال الشيخ (ره) في النهاية: 92: من شك في الركوع أو السجود في الركعتين الأوليين أعاد
الصلاة. وما في المتن حكاه عنه المحقق (ره) في المعتبر 2: 388، وما نقله الشيخ (ره) عن بعض
القدماء حكاه الشهيد (ره) في الذكرى: 224.
(4) الفقيه 1: 128 / 605، مستطرفات السرائر: 74 / 18، الوسائل 8: 187 أبواب الخلل ب 1
ح 1.
(5) التهذيب 2: 176 / 703، الإستبصار 1: 364 / 1380، الوسائل 8: 192 أبواب الخلل ب
1 ح 19.
167

وصحيحة البقباق: " إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك " (1).
وصحيحة أخرى (لزرارة) المصرحة يأنه عشر ركعات لا يجوز الوهم فيهن،
ومن وهم في شئ منهن استقبل الصلاة، وعد الركعات الأوليين من الصلوات
الأربع وركعتي الفجر (2).
ورواية العامري وفيها: " فمن شك في أصل الفرض في الركعتين الأوليين
استقبل صلاته " (3).
ويجاب عن غير الثلاثة الأخيرة: بأن الشك في الركعة حقيقة في الشك في
نفسها، وصدقه على الشك في الأجزاء والكيفيات والشرائط غير معلوم، فيرجع
إلى الشك في العدد، ولا كلام فيه.
بل هو الجائز في صحيحة البقباق أيضا، لجواز أن يكون المراد حفظ نفس
الركعة.
بل هو المحتمل في ما قبل الأخيرة أيضا، إذ من الجائز أن يكون المراد من
قوله: " في شئ منهن " أي واحدة من الركعات.
ولو سلم الشمول فتعارض هذه الأخبار مع عموم ما مر من الصحاح
المستفيضة المتقدمة المصرحة بصحة الصلاة والتدارك مع بقاء المحل، والمضي مع
خروجه، بالعموم من وجه.
فإن رجحنا المتقدمة بالشهرة العظيمة، وإلا فيرجع إلى أصالة الصحة وعدم
وجوب الإعادة، المستلزمتين للتدارك في المحل، لأصالة عدم الفعل، والمضي بعده
للاجماع المركب.
مع أن في المتقدمة ما صرح بالحكم في التكبير والقراءة، وهما مختصان

(1) الكافي 3: 487 الصلاة ب 105 ح 2، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل ب 1 ح 9.
(2) التهذيب 2: 177 / 707، الإستبصار 1: 364 / 1384، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل ب
1 ح 13.
(3) الكافي 3: 273 الصلاة ب 3 ح 7، الوسائل 4: 49، أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 12.
168

بالأوليين.
وتوافقه أيضا رواية محمد بن منصور: عن الذي ينسى السجدة الثانية من
الركعة الثانية، أو شك فيها، فقال: " إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلا
مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة، وتضع وجهك مرة واحدة، وليس
عليك سهو " (1).
وهذه أخص مطلقا من أخبار المخالف ينضم إليها الاجماع المركب في سائر
الأفعال، فيجب التخصيص بها، سيما مع تأيدها بما يدل على صحة الصلاة
بالسهو عن السجدة الواحدة ولو من الأوليين، وعلى أن نسيان السجدتين في
الأوليين والأخريين على السواء، مع عدم قول بالفرق بين الشك والسهو.
ولا تعارضها صحيحة البزنطي المتقدمة (2) فيمن ترك السجدة في الركعة
الأولى، حيث ذكر فيها " استقبلت الصلاة " لما عرفت من إجمالها، مع عدم صراحتها
في الوجوب.
ثم إن الفاضل - طاب ثراه - في التذكرة استصوب الفرق بين الركن
وغيره (3)، فالإعادة في الأول و (عدم) (4) الإعادة في الثاني، لوجه اعتباري فيه
ضعف جدا.
فروع:
أ: إطلاق الأخبار - كما عرفت - يقتضي عدم الفرق بين الشك في الركن
وغيره.

(1) التهذيب 2: 155 / 607، الإستبصار 1: 360 / 1365، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب
14 ح 6.
(2) في ص 116.
(3) التذكرة 1: 136.
(4) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.
169

ب: وكذلك يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الغير الذي دخل فيه من
الأفعال المستحبة للصلاة أو الواجبة. وتوهم كونه مخصوصا بالواجبات فاسد.
وكذا بين الأفعال المطلوبة حقيقة، أو تبعا.
وتحقيق المقام: أنك قد عرفت وجوب الاتيان بالمشكوك فيه قبل دخوله في
غيره، ووجوب المضي بعده.
وقد وقع الخلاف في ذلك الفعل الذي يتجاوز المحل بالدخول فيه، هل
هو ما كان من الأفعال الحقيقية للصلاة، المطلوبة بالذات، المقررة بالترتيب
الخاص في كتب الفقهاء من النية، والتكبير، والقراءة، ونحو ذلك من الأمور
المعدودة فيها، أو الأعم منها ومن مقدمات تلك الأفعال أيضا، كالهوي للسجود،
والانحناء للركوع، والنهوض للقيام ونحو ذلك.
فاختار الشهيدان (1)، وغيرهما (2) الأول، لأنه المتبادر من الغير الذي حكم
في الأخبار بالمضي بعد الدخول فيه، ولعموم صحيحة ابن جابر، وخبر أبي بصير
المتقدمتين (3)، سيما مع تذييله بعد ذلك بقوله: " كل شئ شك فيه بعد ما
جاوزه... " فإن الظاهر منه أن هذا هو التجاوز.
وخصوص موثقة البصري: رجل رفع رأسه من السجود، فشك قبل أن
يستوي جالسا، فلم يدر سجد أم لم يسجد، قال: " يسجد " قلت: فرجل نهض
من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما، فلم يدر سجد أم لم يسجد، قال
" يسجد " (4).
ولعطف قوله: " دخلت في غيره " في صحيحة زرارة (5)، بلفظة " ثم " الدالة

(1) الشهيد الأول في البيان: 253، الشهيد الثاني في الروضة 1: 323، والروض: 349، والمسالك
(2) كصاحبي الحدائق 9: 179، والرياض 1: 216.
(3) في ص 166.
(4) التهذيب 2: 153 / 603، الإستبصار 1: 361 / 1371، الوسائل 6: 369 أبواب السجود ب
15 ح 6.
(5) المتقدمة في ص 166.
170

على المهلة المشعرة بوجود الواسطة بين الخروج والدخول، وإلا فالخروج من
الشئ يستلزم الدخول في غيره.
وذهب بعض المتأخرين إلى الثاني (1)، لأنه المفهوم لغة وعرفا من الدخول في
غيره، ولموثقة أخرى للبصري: رجل أهوى إلى السجود فلم يدر ركع أم لم يركع،
قال: " قد ركع " (2).
ورد ذلك (2) تارة بظهورها فيما إذا كان الشك حال السجود لا قبله، وإلا
كان يقول: " للسجود " بدل " إلى السجود "، ولو سلم فيعمه أيضا، فيجب
تخصيصها بما مر، وموردهما وإن كان مختلفا إلا أنهما من باب واحد لاشتراكهما في
كونهما من مقدمات أفعال الصلاة. وأخرى بحملها على كثير السهو.
ولم يتعرض في المدارك لبيان ذلك الفعل بضابط كلي، إلا أنه قال في الشك
في السجود قبل الاستواء بالعود، وفي الركوع بعد الهوي بالمضي، عملا
بالروايتين (4).
وأصر في الذخيرة على تعميم ذلك الفعل بالنسبة إلى المقدمات، وغيرها،
وجعل غيره خلاف المفهوم لغة وعرفا (5)، إلا أنه عمل بكل من الروايات في موقعه
من باب التخصيص والاستثناء فيما يخالف الضابطة.
أقول: إن الحكم في الأخبار متعلق بالخروج عن فعل والتجاوز والدخول
في غيره. وظاهر أن المراد بالخروج عنه ليس بعد الدخول فيه، لأن فعله مشكوك
فيه، بل المراد الخروج من موضعه ومحله، والمراد من محله الموضع الذي قرر له
الشارع من بين الأفعال.

(1) كصاحب الذخيرة: 376.
(2) التهذيب 2: 151 / 596، الإستبصار 1: 358 / 1358، الوسائل 6: 318 أبواب الركوع ب
13 ح 6.
(3) انظر: الرياض 1: 216.
(4) المدارك 2: 249.
(5) الذخيرة: 376.
171

وعلى هذا فلو فعل فعلا آخر غير أجزاء الصلاة، ثم شك في فعل قبله لم
يكن خارجا عنه وإن كان داخلا في غيره. كما إذا هوى لأخذ شئ وشك في
القراءة. ولكن إذا دخل في فعل آخر بعد ذلك الفعل مما رتبه الشارع أو طلبه
وجوبا أو استحبابا يصدق الوصفان: الخروج والدخول.
واللازم في تحقق ذلك صدق الغيرية وكون محل الغير بعد الفعل المشكوك
فيه، لصدق الخروج حينئذ. سواء في ذلك كونه مطلوبا ذاتيا أصليا، أو تبعيا
مفهوما من الخطاب. فإنا نعلم قطعا أن الشارع طلب تبعا الهوي إلى السجود
والنهوض إلى القيام وأنهما بعد الركوع والسجود، ولا مدخلية للمطلوبية الأصلية في
ذلك أصلا، فلا وجه لتخصيص الغير بما خصصوه به.
والتبادر الذي ادعاه الأولون ممنوع جدا، ولذا ادعى بعضهم تبادر العموم.
ودلالة بعض الأخبار مفهوما أو منطوقا على الاتيان بالمشكوك فيه بعد دخول
بعض المقدمات، لا تدل على خروج جميع المقدمات من معنى الغيرية.
وتعليل دخول السجود أو القيام في التذييل بكونه تجاوزا ودخولا في غيره لا
يدل على أن غيره ليس كذلك.
ولو سلمت إفادة لفظة " ثم " للتراخي فليس هو المراد هنا قطعا، لعدم تحققه
بين النية والتكبير، وبين التكبير والقراءة، وكذا كثير مما يحكمون فيه بتجاوز
المحل. مع أن صدق التراخي العرفي بمجرد الانحناء إلى الركوع، أو الهوي إلى
السجود ممنوع. ولو سلم فالتجوز فيها ليس بأبعد من تقييد الغير، ولذا أتى في
أخبار أخر بلفظة " الواو ". مع أن موثقة محمد (1) لا تتضمن لدخول في الغير أيضا،
بل اكتفى فيها بمجرد مضي المحل.
ومنه يظهر عدم وقع ما يتوهم تأييدا لإرادة الأفعال المعهودة، من عطف
الدخول في الغير على الخروج من المشكوك فيه، حيث به يشعر بفصل بينهما فلا بد
من عدم شمول الغير للمقدمات. مع أن في إشعاره بالفصل منعا ظاهرا، بل

(1) المتقدمة في ص 166.
172

هو مشعر بالتغاير وهو متحقق مفهوما وإن اجتمعا وجودا، كما في: أخذت
قلنسوتي وكشفت رأسي.
وقد ظهر من ذلك أن الحق في الضابط هو الثاني، وهو الأصل في المسألة،
ولو حصل التخلف عنه فإنما هو بالدليل، ويكون هو المخصص، وقياس غيره به
وجعلهما من باب واحد خلاف التحقيق.
ج: وإذ عرفت الضابطة يعلم أنه لو شك في أصل الله، أو في شئ من
خصوصياتها، أو في مقارنتها للتكبير بعد أن كبر يمضي، ولو شك في أصل
التكبير، أو شئ من واجباته، ومنها المقارنة للنية بعد أن شرع في القراءة يمضي،
إجماعا فيهما.
ولو شك في الفاتحة وهو في السورة يمضي على الأظهر، وفاقا للمفيد في
رسالته إلى ولده والحلي والمعتبر والذخيرة والأردبيلي والمجلسي (1)، لصدق التجاوز
عن شئ هو الفاتحة، والدخول في الغير الذي هو السورة.
وقيل: تجب الإعادة، وهو اختيار المدارك (2)، ونسب إلى المشهور (3).
لعدم تحقق التجاوز عن محل القراءة.
وأنه يلوح من قوله: قلت: شك في القراءة وقد ركع (4) أنه لو لم يركع لم
يمض.
ويضعف الأول: بعدم لزوم التجاوز عن محل القراءة، بل اللازم التجاوز
عن محل المشكوك وقد تحقق.
والثاني: بأنه في السؤال عن محل الوصف فلا يلوح منه شئ.
وجعل قول الإمام في قوة أن يقال: إذا شك في القراءة وقد ركع فليمض،

(1) حكاه عن المفيد في السرائر 1: 248، الحلي في السرائر 1: 249، المعتبر 2: 231، الذخيرة:
375، الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 147، المجلسي في البحار 85: 158.
(2) المدارك 4: 249.
(3) كما في الحدائق 9: 181.
(4) كما في صحيحة زرارة المتقدمة في ص 166.
173

فيدل على العود في المقام بمفهوم الشرط، كما في الحدائق (1)..
من غرائب الاستدلالات، فإن المسلم أنه في قوة أن يقال: فليمض هذا
الشاك، فمفهومه لقبي. وأغرب منه تمسكه بتقرير الإمام السائل على ما ذكره.
وقد يستدل بأن المراد من الأخبار الدخول في أحد الأفعال المعهودة التي منها
القراءة. وظهر ما فيه.
ومنه يظهر أنه لو شك في آية من الفاتحة أو السورة بعد الدخول في آية
أخرى، بل في كلمة بعد الدخول في غيرها لا يعود، بل يمضي، كما صرح به
الأردبيلي وصاحب الذخيرة أيضا (2)، ونفى عنه البعد في البحار (3).
ولا ببعد إجراء الحكم في الحرف من الكلمة الواحدة، إذا شك في إخراجه
من مخرجه، إذا دخل في حرف آخر.
ولو شك في القراءة وهو في القنوت فالظاهر المضي، كما اختاره في
الذخيرة (4)، لما مر.
وقيل: يجب العود (5)، للأمر بالعود إلى السجود لو شك قبل استتمام القيام
في موثقة البصري (6)، فكذا هنا بالطريق الأولى.
والأولوية ممنوعة، إذ العلة غير معلومة. مع أنها معارضة بالأمر بالمضي إذا
شك في الركوع بعد الهوي في موثقته الأخرى.
ولأن القنوت ليس من أفعال الصلاة المعهودة فلا يدخل في الأخبار.
ويرد: بأنه إن أريد بالمعهودة: الواجبة فالأول مسلم والثاني ممنوع. وإن أريد
المطلق فكلاهما ممنوعان.

(1) الحدائق 9: 182.
(2) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 172، الذخيرة: 375.
(3) البحار 85: 158.
(4) الذخيرة: 375.
(5) كما في الروض: 350.
(6) المتقدمة في ص 170.
174

ولو شك فيها وهو كبر للركوع، أو انحنى له لا يعود، لما مر.
ولو شك في الركوع وقد رفع رأسه منه بأن يعلم انحناءه بقصد الركوع،
وشك في وصوله حد الراكع بعد الرفع منه، فالظاهر المضي أيضا، كما ذكره بعض
متأخري المتأخرين (1)، لما مر، ولموثقة الفضيل المتقدمة (2).
خلافا لبعضهم، فحكم بالعود (3)، لصحيحة عمران: الرجل يشك وهو
قائم فلا يدري أركع أم لا، قال: " فليركع " (4).
ونحوها صحيحة أبي بصير (5).
ويرد: بكونها أعم مطلقا من الموثقة، لاختصاصها بالقيام الاستتمامي
المسبوق بالانحناء، وأعمية هذه. ولو قيل باختصاص هذه أيضا بالقيام المتقدم
على السجود بقرينة الأمر بالركوع، وعموم الموثقة بالنسبة إليه لكان التعارض
بالعموم من وجه، فيرجع إلى عمومات المضي بعد تجاوز المحل.
وكذا لو شك في طمأنينته أو ذكره حينئذ.
وكذا لو شك في الركوع بعد الهوي للسجود قبل دخوله فيه، وفاقا
لجماعة (6)، لما مر، ولموثقة البصري. وتخصيصها بما إذا دخل السجود لا وجه له،
إذ الهوي إلى السجود أعم منه قطعا.
وخلافا لبعض آخر (7)، لعدم دخوله في الأفعال المعهودة، ولمفهوم قوله في

(1) قال صاحب الحدائق 9: 192: واحتمل بعض مشايخنا عدم العود.
(2) في ص 165.
(3) كما في الروض: 347، والحدائق 9: 191، والرياض 1: 215.
(4) التهذيب 2: 150 / 589، الإستبصار 1: 357 / 1351، الوسائل 6: 315 أبواب الركوع ب
12 ح 1.
(5) الكافي 3: 348 الصلاة ب 36 ح 1، التهذيب 2: 150 / 590، الإستبصار 1:
357 / 1352، الوسائل 6: 316 أبواب الركوع ب 12 ح 2.
(6) كصاحب المدارك 4: 249، والسبزواري في الذخيرة: 375.
(7) كالشهيد الثاني في الروض: 350، وصاحب الحدائق 9: 185، وصاحب الرياض 1: 215.
175

صحيحة ابن جابر: " إن شك في الركوع بعدما سجد فليمض " (1).
وجواب الأول ظاهر مما مر.
وجواب الثاني: أن المفهوم هنا غير معتبر، لأن الشرط إنما هو لدفع توهم
كون المنطوق مانعا من المضي، حيث إنه معرض هذا التوهم، كما في: إن ضربك
زيد فلا تضربه، وإن سهوت في الصلاة فصلاتك صحيحة.
مع أنه لو كان معتبرا لدل على انتفاء الحكم عند عدم الشك بعد ما قام (2)،
وهو ليس كذلك قطعا، لأن انتفاء الشك بعده لا يصلح لمعلية عدم الامضاء.
وأما اجتماع الشك قبل القيام مع عدمه بعده وإن كان من صور المفهوم،
ولكن لو اعتبر المفهوم لدل على انتفاء الحكم حينئذ أيضا لانتفاء الشك بعدما
قام، لا لما اجتمع معه، مع أنه ليس كذلك.
ولو شك في السجود والتشهد بعد استكمال القيام فيمضي على الأظهر
الأشهر، لما قد مر.
خلافا لنهاية الشيخ - طاب ثراه - فيرجع إلى السجود ما لم يركع (3).
ونسب في الذكرى إليه الرجوع إلى التشهد أيضا ما لم يركع (4)، كما نسب
الخلاف فيهما في المدارك (5) إلى المبسوط أيضا.
وكلاهما خطأ، لتصريحه في النهاية بعدم الرجوع في التشهد بعد القيام (6)،
وفي المبسوط بعدم رجوعه إلى شئ منهما بعده (7).

(1) راجع ص 166.
(2) لا يخفى أن المناسب للفرع المفروض واستدلال المخالف بمفهوم فقرة " إن شك في الركوع بعد ما
سجد فليمض " تبديل " قام " ب‍ " سجد " وكذلك فيما ذكره بعدا.
(3) النهاية: 92.
(4) الذكرى: 224.
(5) المدارك 4: 250.
(6) النهاية، 92.
(7) المبسوط 1: 122.
176

واحتج له بصحيحة الحلبي: عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم
سجدتين، قال: " يسجد أخرى " (1).
وبمضمونها صحيحة الشحام (2)، ورواية أبي بصير (3).
فإنها بإطلاقها تشمل المورد أيضا.
ويجاب عنها: بوجوب تخصيصها بما قبل القيام لمنطوق صحيحة ابن جابر.
وللقاضي في أحد قوليه، فيرجع إلى التشهد ما لم يركع دون السجود (4).
وهو محجوج بالصحيحة المذكورة أيضا.
د: لو شك في السجود وهو في التشهد، أو بعده وقبل استكمال القيام،
يمضي عند الشيخ في المبسوط (5)، وجملة من الأصحاب (6)، كما مر.
وعن ظاهر الذكرى الرجوع (7).
استنادا إلى موثقة البصري المتقدمة من جهة إطلاق عدم استكمال القيام،
فيشمل ما لو تشهد بعد السجود أيضا.
ولأصالة عدم فعله وبقاء محله.
ولمفهوم الشرط في قوله: " وإن شك في السجود بعدما قام فليمض ".
ويضعف الأول: بأنها ظاهرة فيما إذا كان النهوض بعد السجود من غير
تشهد في البين، لأن النهوض يستعمل فيما إذا كان إلى القيام. فالنهوض من

(1) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 1، التهذيب 2: 152 / 599، الإستبصار 1:
361 / 1368، الوسائل 6: 368 أبواب السجود ب 15 ح 1.
(2) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 4، التهذيب 2: 152 / 601، الإستبصار 1:
361 / 1370، الوسائل 6: 368 أبواب السجود ب 15 ح 2.
(3) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 2، التهذيب 2: 152 / 600، الإستبصار 1:
361 / 1369، الوسائل 6: 368 أبواب السجود ب 15 ح 3.
(4) المهذب 1: 156.
(5) المبسوط 1: 122.
(6) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 323، وصاحبي الحدائق 9: 183، والرياض 1: 216.
(7) الذكرى: 224.
177

السجود أن يتحرك للقيام منه. ويؤيده التعبير برفع الرأس في الأول المتضمن
لقوله: " قبل أن يستوي جالسا " وعطف قوله: " فشك " بالفاء التي هي للتعقيب
بلا مهلة.
والثاني: باندفاع الأصل بما مر.
والثالث: بما سبق في جواب الاستدلال بالمفهوم في الركوع.
نعم، يمكن أن يستدل له بإطلاق صحيحتي الحلبي والشحام، ورواية أبي
بصير المتقدمة، بل عمومها الحاصل من ترك الاستفصال.
وهي تعارض أخبار المضي بعد التجاوز عن المحل بالعموم من وجه، ولا
ترجيح. ولا يمكن العمل بأصل عدم الفعل، والرجوع إلى السجود، لأنه يستلزم
زيادة التشهد المبطلة. وإن مضينا يلزم النقص، لأصالة عدم الفعل. ولا إجماع
على أحد الطرفين، إذ مضى قول الشيخ في النهاية بالرجوع إلى السجود ما لم
يركع، وكذا الفاضل في النهاية (1). ولا تبطل الصلاة أيضا بالاجماع. فالظاهر
التخيير بين العود والمضي.
ولو شك في السجود بعد رفع الرأس منه وقبل الجلوس للتشهد إن كان
موضعه، وقبل استكمال القيام لو لم يكن موضعه، يعود على الأظهر، وفاقا
للشهيدين والمدارك (2)، وجمع آخر (3)، لموثقة البصري، وإطلاق صحيحتي
الحلبي، والشحام، ورواية أبي بصير. وبها تخصص الأخبار السابقة.
وهذا وسابقه مستثنى من الضابطة.
وأما التشهد فلو شك فيه بعد الأخذ في القيام وقبل استكماله فالظاهر عدم
الرجوع، لما مر.

(1) نهاية الإحكام 1: 539.
(2) الشهيد الأول في الذكرى: 224، الشهيد الثاني في الروضة 1: 323، المدارك 4: 250.
(3) يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 85، العلامة المجلسي في البحار 85: 160، صاحب
الرياض 1: 216.
178

ه‍: لو تدارك ما شك في محله، ثم ذكر فعله، فإن كان ركنا أعاد الصلاة،
بلا خلاف أجده ظاهرا، للزيادة المبطلة بالنص.
وإن كان واجبا غير ركن صحت الصلاة مطلقا على الأشهر الأظهر،
لصحيحة منصور (1)، وموثقة عبيد (2).
وهما وإن كانتا واردتين في خصوص السجدة، إلا أنه يتم المطلوب بالاجماع
المركب، إذ لا قول بإعادتها من زيادة غير السجدة. نعم حكي القول بالإعادة
بزيادة السجدة الواحدة هنا عن السيد، والعماني والحلبي (3). والروايتان حجة
عليهم.
و: لو تلافى ما شك فيه بعد الانتقال، فالظاهر المصرح به في عبارات جملة
من الأصحاب البطلان (4).
لا لما قيل من حصول الاخلال بنظم الصلاة (5)، ولا لأن المأتي به ليس من
أفعالها، ولا لأصل الاشتغال، لأن الكل محل نظر لا يخفى.
بل لحصول الزيادة، فإن ما تداركه ليس من أفعال هذه الصلاة الواجبة أو
المستحبة. ولكن ذلك، يختص بما يوجب الزيادة كالركوع والسجود لا مثل القراءة
وأجزائها (6).
ز: لو شك في الركوع وهو قائم، فركع ثم ذكر في أثناء الركوع أنه قد ركع
بطلت صلاته على الأظهر الأشهر بين المتأخرين، لصدق الزيادة المبطلة، وعدم
توقف صدق الركوع على رفع الرأس منه.

(1) الفقيه 1: 228 / 1009، التهذيب 2: 156 / 610. الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14
ح 2.
(2) التهذيب 2: 156 / 611، الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 3.
(3) حكاه عن السيد والعماني في المختلف: 131، الحلبي في الكافي: 119.
(4) روض الجنان: 351، البحار 85: 163، الحدائق 9: 189.
(5) كما في المدارك 4: 251.
(6) قد مر توضيح ذلك في ص 84.
179

فلا يفيد اشتراك الانحناء بين الركوع والهوي للسجود والتميز يتوقف على
الرفع، لمنع هذا التوقف، للتميز بالقصد أيضا كما في سائر الأفعال. ولا يعارضه
التحاق الهوي له، لأنه إنما هو بعد صيرورته ركوعا بالقصد واستباق الركوع عليه،
وإلا لزم عدم زيادة ركوع أصلا.
هذا، مع أن الصدق العرفي للزيادة واضح.
خلافا للمحكي عن الكليني والشيخ والسيد والحلي والحلبي (1)، وجماعة من
المتأخرين، منهم: الدروس والذكرى والمدارك وشرح الإرشاد للأردبيلي، فقالوا:
يرسل نفسه إلى السجود، ولا شئ عليه (2).
واستدل لهم ببعض الوجوه الضعيفة. ويمكن أن يكون لنص وصل
إليهم.

(1) الكليني في الكافي 3: 360، الشيخ في النهاية: 92، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل
الشريف المرتضى 3): 36، الحلي في السرائر 1: 251، الحلي في الكافي: 118.
(2) الدروس 1: 199، الذكرى: 222، المدارك 4: 223، مجمع الفائدة والبرهان 3: 171.
180

الفصل الثالث
في حكم الظن
بأن يتردد ذهنه بين أمرين، وكان أحدهما راجحا عنده.
وحكمه البناء على الظن، بمعنى جعل الواقع ما ظنه من غير احتياط،
وتقدير الصلاة كأنها وقعت على هذا الوجه، سواء اقتضى الصحة أو الفساد.
فإن ظن الأقل بنى عليه، وإن ظن الأكثر من غير زيادة في عدد الصلاة
كالأربع، تشهد وسلم، وإن ظن الزيادة كالخمس فكأنه زاد ركعة، فتبطل إن لم
يكن جلس في الرابعة أو مطلقا، وهكذا.
بلا خلاف يوجد إذا تعلق ذلك بعدد الركعتين الأخيرتين من الرباعية.
لا لدفع العسر كما قيل (1)، إذ لا عسر إلا مع الكثرة، ومعها يرتفع حكم
الشك.
بل للنبويين العاميين.
أحدهما: " إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب
فليبن عليه " (2).
والآخر: " إذا شك أحدكم في الصلاة فليتحر الصواب " (3).
ولموثقه البقباق، وصحيحتي الحلبي، وابن أبي العلاء، المتقدمة جميعا في
المسألة السادسة من الفصل الأول (4).

(1) في الذكرى: 222.
(2) صحيح مسلم 1: 400 / 90، سنن النسائي 3: 28.
(3) صحيح مسلم 1: 400 / 90، سنن النسائي 3: 28، سنن أبي داود 1: 268 / 1020.
(4) راجع ص 143.
181

وقد يستدل أيضا بمفهوم صحيحة صفوان المتقدمة في الرابعة منه (1).
ولا يخفى أنها مختصة بما كان متعلق الشك جميع الركعات لا الأخيرتين.
وإثبات الحكم فيهما بعدم الفصل إنما يفيد لو تم الحكم في الأصل، وسيأتي عدم
تماميته فيه. فالدليل ما مر. ولكنه لا يشمل جميع صور الشك بين الأخيرتين، وإنما
يتعدى إلى الجميع بالاجماع المركب.
وعلى هذا، فيشكل الحكم فيما إذا كان أحد طرفي الشك ما زاد على
الأربع، إلا إذا ثبت عدم القول بالفصل فيه أيضا كما هو الظاهر. وأمر الاحتياط
واضح.
وعلى الأشهر - كما صرح به جمع (2) - إذا تعلق بأعداد الركعات مطلقا، بل
قيل: إنه إجماع (3).
للشهرة.
ونقل الاجماع.
وعموم النبويين.
ومفهوم الصحيحة الأخيرة.
واستقراء اعتبار الظن في غير الأوليين، فيعتبر فيهما أيضا.
ومفهوم مثل قوله: " إذا شككت في الفجر فأعد " (4).
ويرد الأولان: بعدم الحجية، سيما مع ظن مخالفة جمع من الأجلة (5).
والثالث: بالضعف سندا، وعدم فائدة الانجبار في الأخبار العامية،
والقصور بل الاجمال دلالة، لعدم صراحتهما في المطلوب، لاحتمال أن يكون المراد

(1) راجع ص: 134.
(2) انظر: الذخيرة: 368، والحدائق 9: 206، والرياض 1: 217، وفي الجميع: على المشهور.
(3) كما في مجمع الفائدة 3: 128.
(4) انظر: الوسائل 8: 193 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2.
(5) كما سيأتي في ص: 184.
182

سيما في الثاني منهما التروي لنيل الصواب.
والرابع - بعد تسليم دلالته بالمفهوم على المطلوب -: بمعارضته مع ما هو
أكثر عددا، وأصرح دلالة، وأوفق بما نهي عن متابعة الظن وغير العلم من الكتاب
والسنة، من الروايات الدالة على البطلان في صورة عدم اليقين وعدم الدراية في
عدد الأوليين أو الثنائية أو الثلاثية، ووجوب التحفظ فيها، كما مر، بل جميع
الروايات الدالة على الإعادة بالشك فيها، لأنه لغة ما قابل اليقين، بالعموم من
وجه.
ومع صحيحة زرارة: " كان الذي فرض الله على العباد من الصلاة عشر
ركعات، وفيهن القراءة وليس فيهن وهم " إلى أن قال: " فمن شك في الأوليين
أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم " (1).
المؤيدة بالأخرى: " عشر ركعات - إلى أن قال -: لا يجوز الوهم فيهن،
ومن وهم في شئ منهن استقبل الصلاة " (2).
بالعموم والخصوص المطلق، فإن قوله في الأولى: لا عمل بالوهم " أي إذا
وقع وهمه على شئ، وإلا لما كان للعمل بالوهم معنى، فيكون معنى صدره: من
شك في الأوليين ووقع وهمه على شئ لم يعمل به، بضميمة كون التفصيل قاطعا
للشركة، وموردها خاص بالأوليين.
فإن قيل: المراد من قوله: " كم صلى " في صحيحة صفوان إما الشاك في
الجميع بخصوصه، أو من لم يدر قدر ما صلى مطلقا. والأول لا يشمل الشك في
غير الأخيرتين، وعلى الثاني أيضا يختص بغيرهما، للاجماع على عدم وجوب الإعادة
بالشك فيهما، فلو وجبت الإعادة مع وقوع الوهم على غيرهما يصير التقييد لغوا

(1) الفقيه 1: 128 / 605، مستطرفات السرائر: 74 / 18، الوسائل 8: 187 أبواب الخلل الواقع
في الصلاة ب 1 ح 1.
(2) الكافي 3: 273 الصلاة ب 4 ح 7، الوسائل 4: 49، أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13
ح 12.
183

بالمرة.
قلنا: هذا إنما يفيد على حجية مفهوم الوصف، لأن مرجع الكلام إنما هو
إليها.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن أخصية صحيحة زرارة مطلقا إنما هي بعد إرادة
الظن من الوهم في قوله " عمل بالوهم " وهو ليس بأولى من أن يراد بالعمل بالوهم
العمل بمقتضى الشك من البناء على الأكثر. مضافا إلى أن مقتضاها العمل
بالظن في المغرب أيضا، وهو مخالف لما يضم مع إعادة الأوليين من الاجماع
المركب. وإلى احتمال أن يكون قوله: " فمن شك " من كلام الفقيه.
والخامس: بعدم حجية هذا الاستقراء.
والسادس: بأنه مبني على كون المراد بالشك ما يتساوى طرفاه، وهو خلاف
ما ذكره اللغويون وما تساعده الأخبار، فمنطوقه على خلاف المطلوب أدل. مع أنه
على فرض الشمول يعارض ما مر.
وعلى هذا فالقول بعدم مساواة غير الأخيرتين لهما في ذلك الحكم، بل
بطلان الصلاة في غيرهما قوي جهدا، كما عن الحلي (1)، بل قيل (2): هو ظاهر
الكليني والفقيه والمقنعة والنهاية والمبسوط والخلاف والمنتهى والنافع (3)، وهو ظاهر
الانتصار أو محتمله (4)، واختاره بعض مشايخنا المتأخرين (5). وظاهر الأردبيلي
والذخيرة والكفاية التردد (6).

(1) في السرائر 1: 245.
(2) انظر: الرياض 1: 217.
(3) الكليني في الكافي 3: 359، الفقيه 1: 225، المقنعة: 145، النهاية: 90، المبسوط 1: 121،
الخلاف 1: 447، المنتهى 1: 410، النافع: 44.
(4) الإنتصار: 48.
(5) قوى صاحب الحدائق 9: 208، القول بالبطلان، وقال البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)
وصاحب الرياض 1: 217: بالاحتياط بالاتمام والإعادة، فراجع.
(6) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 128، الذخيرة: 368، الكفاية: 25.
184

وهذا القدر كاف في عدم ثبوت الاجماع في المسألة. ولا يضر شئ من
الاضطراب في بعض كلمات هؤلاء الموجب لاحتمال موافقة المشهور، لأن عدم
ثبوت الموافقة لهم كاف لجواز مخالفتهم بالدليل.
لا يقال: رواية ابن عمار: " إذا ذهب وهمك إلى التمام، ابدأ في كل صلاة
فاسجد سجدتين بغير ركوع " (1).
تشمل بعمومها الثنائية والثلاثية أيضا، فتكونان صحيحتين مع الوهم.
قلنا: وهم التمام لا يكون إلا مع الفراغ، ولا اعتبار بشك ولا ظن حينئذ
أصلا. مع أنها أيضا أعم مطلقا مما مر.
ومما ذكر ظهر الحكم في الأفعال أيضا، وأن الحق أن الظن فيها كالشك،
وفاقا لظاهر كل من لم يذكر حكم الظن إلا في الأعداد، ومنهم المحقق في
النافع (2).
ولا يرد أن أخبار حكم الشك في الأفعال متضمنة للفظ الشك، وصدقه
على الظن غير معلوم.
لأنا نجيب بأعميته لغة عن الظن. والحقيقة الشرعية غير ثابتة وإن لم تثبت
الأعمية في عرف الشارع أيضا كما هو الظاهر من الأخبار. مع أن الحكم في بعضها
متعلق بعدم الدراية الشامل للظن قطعا. واختصاصه ببعض الصور - بعد عدم
القول بالفرق - غير ضائر.
وخلافا للمشهور، لبعض ما مر مع ضعفه، وللقياس على الأعداد بالطريق
الأولى. والأولوية ممنوعة جدا.
وعن علي بن بابويه قول آخر وهو: البطلان في الشك في الأوليين أولا،
والبناء على ظنه فيهما ثانيا، مع صلاة الاحتياط عند البناء على الثانية (3)، للرضوي

(1) التهذيب 2: 183 / 730، الوسائل 8: 211 أبواب الخلل ب 7 ح 2.
(2) النافع: 44.
(3) حكاه عنه في المختلف: 132.
185

المصرح بذلك (1).
وهو ضعيف لا يصلح لمعارضة ما مر. ومع ذلك موافق - على ما حكي -
لقول أبي حنيفة (2). مضافا إلى شذوذه المخرج للخبر الصحيح عن الحجية أيضا.
كما أن قوله الآخر، وهو: البناء على الثلاث مع صلاة الاحتياط وسجدة
السهو إذا شك بينها وبين الاثنتين فظن الثلاث (3)، أيضا كذلك. ومع ذلك خال
عن المستند. وتوهم دلالة موثقة أبي بصير (4) عليه فاسد. بل هي دالة على حكم
آخر شاذ أيضا لم يعمل به أحد، كبعض أخبار أخر دالة على صلاة الاحتياط، أو
سجدة السهو في بعض صور البناء على المظنون، أو كلها (5). فكل ذلك بالشذوذ
مطروح، وحملها على الاستحباب ممكن، بل منها ما لا يفيد أزيد منه أيضا.
فرع:
هل يجب التروي عند حصول الشك ليحصل اليأس عن الترجيح، أو
يترجح أحد الطرفين فيبني عليه، أم لا؟
قيل: لا (6)، للأصل، والاطلاقات، وعدم تقدير حد التروي.
وقيل: نعم (7)، لجريان العادة بالتروي في استحصال المطالب، بل لعدم
صدق الشاك ولا أدري ونحوهما إلا بعد التروي. وبه يدفع الأصل. والاطلاق
ينصرف إلى الكامل، وهو المستقر لا بمجرد الخطور والبدار. ويقدر حده بما يبني
عليه أهل العرف أمرهم في حكمهم بأنا شاكون في كذا وكذا، وهو حد معروف

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 117، مستدرك الوسائل 6: 401 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1.
(2) انظر: بدائع الصنائع 1: 165.
(3) حكاه في المختلف: 132.
(4) التهذيب 2: 185 / 735، الوسائل 8: 218 أبواب الخلل ب 10 ح 7.
(5) انظر: الوسائل 8: 211 و 218 أبواب الخلل ب 7 ح 2 و ب 10 ح 8 و 9.
(6) انظر الذخيرة: 368.
(7) روض الجنان: 340.
186

يبنى عليه في المحاورات كثيرا.
وهو الأقوى، لما أشير إليه من عدم معلومية صدق الموضوع بمجرد الخطور
ما لم يترو شيئا ما.
ويؤيده استلزام عدمه الهرج في الصلاة، والإشارة إليه في بعض الأخبار،
كالأخبار المتضمنة لقوله: " وقع رأيك على الثلاث " وقوله: " وإن ذهب وهمك "
" وإن وقع شكه " وأمثال ذلك. فتأمل.
ثم المتروي لا يرتكب شيئا من أفعال الصلاة حال التروي حتى يبنى أمره
على طرف، لعدم معلومية وظيفته. إلا إذا كانت الوظيفة مشتركة. ولو أتى بغير
المشترك بقصد الصلاة تفسد الصلاة إن كان مما يفسدها.
187

الفصل الرابع
في بقية أحكام الشك والظن
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
لا حكم للشك مع الكثرة اتفاقا، كما صرح به بعض الأجلة، وبعض آخر
ممن لحقه (1).
لصحيحة زرارة وأبي بصير: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري
كم صلى ولا ما بقي عليه، قال: " يعيد " قلنا: فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك،
قال: " يمضي في شكه " ثم قال: " لا تعودوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة
فتطمعوه، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرن
نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك " (2) الحديث.
ولا يضر في الاستدلال بها قوله: " يعيد " أولا مع كون السؤال أيضا عمن
يشك كثيرا، كما أن السؤال عنه أيضا ثانيا، كما توهمه المحقق الأردبيلي، ولأجله
حكم بتخيير كثير الشك بين المضي وعدم الالتفات، وبين العمل بمقتضى
الشك (3)، واحتمله في الذكرى والذخيرة أيضا (4).
لأن المراد بالكثرة أولا كثرة أطراف الشك لا أفراده كما يشعر به قوله. " حتى

(1) انظر: شرح المفاتيح للبهبهاني (ره) (مخطوط).
(2) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 2، التهذيب 2: 188 / 747، الإستبصار 1:
374 / 1422، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل ب 16 ح 2.
(3) مجمع الفائدة 3: 142 و 147.
(4) الذكرى: 223، الذخيرة: 370.
188

لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه " وبها ثانيا كثرة أفراده التي هي محل البحث
بقرينة قوله: " كلما أعاد شك " ولو سلم عدم صراحة الأول في كثرة الأطراف، فلا
أقل من احتماله المسقط لمدافعته مع الثاني.
وكذا لا يضر في إفادة الوجوب الاتيان بالجملة الخبرية في قوله: " يمضي في
شكه ".
لصريح النهي في التعليل بقوله: " لا تعودوا " وصريح الأمر في قوله:
" فليمض أحدكم في الوهم، المراد به الشك قطعا كما يدل عليه قوله: " لم يعد إليه
الشك ".
وصحيحة محمد: " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك، فإنه يوشك
أن يدعك، إنها هو من الشيطان " (1).
وهي وإن كانت متضمنة للسهو الذي شموله للشك محل كلام، إلا أن
التعليل فيها يفيد التعميم، كما يظهر من الصحيحة السابقة وغيرها.
وموثقة الساباطي: في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة، فيشك في
الركوع، فلا يدري أركع أم لا، ويشك في السجود فلا يدري أسجد أم لا، قال:
" لا يسجد، ولا يركع " (2).
ورواية قي بن أبي حمزة، المتقدمة قي مسألة الشك في جميع الركعات (3)،
فإنها وإن لم يصرح فيها بكثرة الشك، إلا أن تعليله بقوله: " يوشك.... "
كالصريح في إرادتها.
وهل الحكم مختص بالشك؟ كما عن المعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية

(1) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 8، الفقيه 1: 224 / 989، التهذيب 2: 343 / 1424،
الوسائل 8: 227 أبواب الخلل ب 16 ح 1.
(2) التهذيب 2: 153 / 604، الإستبصار 1: 362 / 1372، الوسائل 8: 229 أبواب الخلل ب
16 ح 5.
(3) راجع ص 135.
189

الإحكام، وفي المدارك (1)، بل قيل: إنه مذهب الأكثر (2).
أو يجري في السهو أيضا؟ كما عن الشيخ وابن زهرة والحلي وفي روض الجنان
والروضة والذخيرة (3)، إما مطلقا أو في غير الركن، وقال بعض مشايخنا
الأخباريين: الظاهر أنه المشهور (4)، ونسبه في الذخيرة إلى كثير من الأصحاب (5)،
بل يستفاد من الذكرى أن عليه ظاهر الأصحاب، حيث حكم بشمول ظاهر
كلامهم لسقوط سجدة السهو واختاره (6).
وهو الحق مطلقا، لصحيحة محمد المتقدمة، ومرسلة الفقيه: " إذا كثر
عليك السهو في الصلاة فامض في صلاتك ولا تعد " (7).
وصحيحة ابن سنان: " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك " (8).
وكذا يدل عليه العموم المستفاد من التعليل في الصحيحة الأولى.
وبذلك يخصص عموم ما دل على لزوم الاتيان بمتعلق السهو وموجبه.
وتوهم عدم صلاحيتها للتخصيص، لأن المراد بالسهو فيها الشك،
للاتفاق على إرادته منه، فلو أريد المعنى الحقيقي يلزم استعمال اللفظ في حقيقته
ومجازه، وعموم المجاز يتوقف على قرينة دالة عليه، وهي مفقودة، والاتفاق على
إرادة الشك أعم من إرادته، لاحتمال كونه قرينة على إرادة الشك بالخصوص (9).

(1) المعتبر 2: 393، المنتهى 1: 411، التذكرة 1: 136، نهاية الإحكام 1: 533، المدارك
4: 271.
(2) الحدائق 9: 288 وفيه: نقل بعض مشايخنا أنه مذهب الأكثر.
(3) الشيخ في النهاية: 93، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 566، الحلي في السرائر 1:
248، روض الجنان: 343، الروضة 1: 339، الذخيرة: 370.
(4) الحدائق 9: 288.
(5) الذخيرة: 370.
(6) الذكرى: 223.
(7) الفقيه 1: 224 / 988، الوسائل 8: 229 أبواب الخلل ب 16 ح 6.
(8) التهذيب 2: 343 / 1423، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل ب 16 ح 3.
(9) انظر: الرياض 1: 219.
190

مردود: بمنع الاتفاق المذكور.
واستدلال بعضهم بها أيضا في المقام قد يكون لجمعه بين حكم السهو
والشك معا فيحتج برواياتهما. وقد يكون لاستفادة حكم الشك أيضا بالتعليل
المذكور كما تقدم منا، أو بضميمة الاجماع المركب، إذ كل من يقول بسقوط حكم
السهو يقول به في الشك أيضا.
ولو كان صريح بعضهم أيضا الاستدلال بها لحكم الشك بخصوص إرادته
من السهو لا يثبت منه اتفاق ولا حجة.
ونسبته في الصحيحة الأولى إلى الشيطان لا ترجح إرادة الشك منه حيث
إنه المنسوب إليه في كثير من الأخبار، والسهو من لوازم طبيعة الانسان، لأن السهو
أيضا منه، قال الله سبحانه: (وإما ينسينك الشيطان) (1). وقال: (وما أنسانيه
إلا الشيطان) (2).
وبالجملة لم يثبت اتفاق، ولم يعلم من جهة أخرى إرادة الشك من السهو
في هذه الروايات أصلا لا من حيث الخصوص، ولا من حيث العموم. وبمجرد
احتمالها وقول بعض أو طائفة، لا ترفع اليد عن الحقيقة اللغوية والعرفية
المعلومتين.
مع أنه على فرض ثبوت الاتفاق يمكن ترجيح إرادة الأعم بكونه أقرب
المجازين. ولكنه محل نظر.
ودعوى أن كثرة استعمال السهو في الشك بلغت حدا لا يمكن حمله على
أحدهما بدون القرينة كما في البحار (3).
مدفوعة بالمنع، كيف؟! وغاية ما روي استعماله فيه خمس أو عشر أو ما
يقربهما، ولا تثبت بذلك الكثرة الموجبة لرفع اليد عن الحقيقة.

(1) الأنعام: 68.
(2) الكهف: 63.
(3) البحار 85: 281.
191

هذا، مع أن الحجية ليست منحصرة بما يتضمن لفظ السهو، بل عموم
التعليل أيضا - كما عرفت - يدل على المطلوب.
والقول بأن حمله على السهو يوجب تخصيصات كثيرة تخرجه عن الظهور،
للاجماع على وجوب الاتيان بما بقي محله من المتروك، والبطلان إذا كان المتروك
ركنا، وقضاء ما يقضى بعد الصلاة من الأجزاء المنسية، فتنحصر فائدة نفي
السهو في سقوط سجدتي السهو، وارتكاب مثل هذا التخصيص بعيد جدا، وأبعد
بكثير من حمل السهو على خصوص الشك. مع أن مدلول الروايات المضي في
الصلاة، وهو لا ينافي وجوب سجود السهو، إذ هو خارج عن الصلاة، فلا تحصل
للروايات على حملها على المعنى الحقيقي فائدة، كما قاله في البحار (1)..
غير جيد، إذ ليس هناك تخصيص، إذ المذكور في الأخبار " امض في
صلاتك " فلو ثبتت الاجماعات المذكورة لا بد أن يجعل ذلك تجوزا عن إرادة عدم
الاتيان بسجود السهو، فكان عليه أن يقول: إن ذلك - المجاز ليس بأولى من إرادة
الشك من السهو. إلا أن مبنى كلامه مردود بعدم ثبوت الاجماعات المذكورة، ولا
دليل آخر على هذه الأمور، بل صرح بعض مشايخنا بالمضي في الجميع (2)، فتكون
الروايات بجميع ألفاظها باقية على حقائقها.
ولا يحتاج في تصحيح الاستدلال بالأخبار إلى ما قيل من أن وجوب تدارك
المسهو عنه في الصلاة أو بعدها لا يوجب تخصيص معنى السهو، إذ ليس هو
السبب في وجوب الحكم بتداركه، وإنما هو عموم أدلته، وسببية السهو ليست إلا
بالنسبة إلى سجود السهو، فلا يجب مع الكثرة وليس فيه تخصيص. وبالجملة
المراد من السهو المنفى موجبه، وهو ليس إلا سجود السهو، وإلا فالمسهو عنه ما
وجب أداء وتداركا إلا لعموم أدلة لزوم فعله، وكذا فساد الصلاة بالسهو عن

(1) البحار 85: 277.
(2) الحدائق 9: 295.
192

الركن لم ينشأ من نفس السهو، بل من حيث الترك، حتى لو حصل من غير جهته
لفسدت أيضا (1).
مضافا إلى ما فيه أنه ليس في رواياتنا نفي سهو حتى يصح ذلك، بل
المذكور فيها: " امض في صلاتك ". نعم ورد ذلك في بعض كلمات الأصحاب.
مع أن قوله: سببية السهو ليست إلا بالنسبة إلى سجود السهو، غير
صحيح، لأن التدارك أيضا مسبب للسهو بأنه لولاه لما حصل التدارك، وعموم
أدلته لا يفيد إلا وجوب الاجزاء أداء، ولذا يقتصر في التدارك على ما عليه دليل
بخصوصه. لأن أراد بالأدلة أدلة التدارك فسجود السهو أيضا كذلك، فإنه لا
يسجد سهوا إلا فيما عليه دليل خاص.
وبالجملة سببية السهو للزوم التدارك وسجدة السهو مشتركة وإن احتاج
بيان سببيته إلى التوقيف، بل وكذلك في السهو عن الركن لو قلنا بالبطلان والفساد
من غير جهته لا ينفي الفساد من جهته أيضا.
احتج المخالف في السهو بعموم أدلة أحكام السهو، مع تضعيف
مخصصاتها ببعض ما ذكر بجوابه.
فروع:
أ: كثير الظن مثل كثير الشك، فلا يلتفت إلى ظنه لو كان مقتضاه مخالفا لحكم
كثير الشك، لصدق الموضوع، فإن الشك هو خلاف اليقين، كما يظهر من
الأخبار بل اللغة. ولجريان العلة، فإن الظن أيضا لا يكون إلا مع سهو ونسيان
لا محالة، والنسيان من الشيطان، بل لا يكون إلا مع غفلة، والغفلة هو معنى
السهو، فتشمله الأخبار المتضمنة للسهو أيضا.
ويؤيده أيضا قوله: " حتى يستيقن يقينا " في آخر موثقة الساباطي (2)، كما

(1) انظر: الرياض: 220.
(2) التهذيب 2: 153 / 604، الإستبصار 1: 362 / 1372، الوسائل 8: 229 أبواب الخلل ب
16 - ح 5.
193

يدل على عدم اعتبار ظن كثير الشك، إذ دلت على أنه لا يلتفت كثير الشك إلا
إذا استيقن يقينا فلا يعبأ بظنه.
ب: المرجع في معرفة الكثرة العرف، وفاقا للفاضل والشهيدين (1)، وأكثر
المتأخرين (2)، بل مطلقا كما قيل (3)، لأنه المحكم فيما لم يرد به بيان من الشرع ولا
تعيين من اللغة.
وأما صحيحة ابن أبي حمزة: " وإذا كان الرجل يسهو في كل ثلاث فهو ممن
يكثر عليه السهو " (4).
فليست فيها مخالفة للعرف، إذ حل من لا يسلم كل ثلاث صلوات متتالية
منه من سهو فهو كثير السهو عرفا قطعا. وصدقه على غير ذلك - كمن يسهو في
ثلاث واحدة أو ثلاثين متكررا - غير ضائر، إذ ليست في الصحيحة دلالة على
الحصر.
ولا يتوهم أن مفهومها يدل عليه، لعدم اعتبار المفهوم فيه، إذ مقتضى
منطوقه أن ما ذكر فه بعض أفراد من يكثر عليه السهو، فيكون له بعض أفراد أخر
أيضا هو ممن لم يكن كذلك، فلو اعتبر فيه المفهوم لزم التناقض. مع أنا نعلم
قطعا عدم انحصار كثير السهو في ذلك، فعلى اعتبار المفهوم لا بد من ارتكاب
تجوز في قوله: " ممن يكثر عليه السهو " بإرادة من يكون له حكم كثير السهو، أو
إرادة نوع خامن من كثير السهو، وهو الذي أراده الشارع، وليس ذلك بأولى من
التجوز بعدم اعتبار المفهوم، فلا يعلم معارض للمنطوق.
وأما رد الحديث بالاجمال وتعدد الاحتمال فليس بجيد، لكونه ظاهرا فيما

(1) الفاضل في التذكرة 1: 136، الشهيد الأول في الذكرى: 222، الشهيد الثاني في الروضة 1:
339.
(2) كالفيض في المفاتيح 1: 180، والسبزواري في الكفاية: 26.
(3) في الرياض 1: 221.
(4) الفقيه 1: 224 / 990، الوسائل 8: 229 أبواب الخلل ب 16 ح 7.
194

ذكرنا من المعنى.
والمراد بعدم خلو كل ثلاث كونه كذلك أيضا عرفا، أي يقال في العرف:
إنه يسهو في كل ثلاث، لا كل ثلاث من أيام تكليفه أو حياته، أو من شهر أو
سنة أو غير ذلك مما يتصور، فلا إجمال فيه من هذه الجهة أيضا، فهو مما يبين أحد
المصاديق العرفية.
وله مصداقات أخر أيضا، والظاهر صدقه على من يسهو في كل من
صلوات خمس من يوم، أو أكثرها من يومين أو أكثر، وعلى من يسهو خمسا أو أكثر
في صلاة واحدة. بل لا يبعد صدقه بالسهو ثلاثا في صلاة واحدة أو في ثلاث
صلوات متتالية فرائض أو نوافل، فيعمل في الرابعة بعمل كثير السهو دون الثالثة،
إذ الظاهر عدم صدق الكثرة إلا بالسهو الرابع. ولو حصلت تلك الثلاث غير
متتالية لم يعتد بها. نعم لو تكرر أياما بحيث تصدق الكثرة عرفا تعين اعتبارها.
ولعل إلى ذلك نظر من حده بثلاث مرات متتالية كابن حمزة (1)، أو في شئ
واحد ثلاث مرات، أو في أكثر الخمس كالحلي (2).
والتحديد بالاثنين لقوله: " لا إعادة في إعادة " (3) غير صحيح، لعدم
الدلالة.
والشك كالسهو في ذلك كله.
وما لم يعلم تحقق الكثرة يعمل بمقتضى السهو أو الشك.
ج: لو كثر شكه أو سهوه في فعل بعينه يعمل بعمل ذي الكثرة في غيره
أيضا، لصدق الكثرة، وطلاق الأدلة، وجريان العلة.
نعم يشترط أن يكون الفعلان جزأي عبادة واحدة، كالوضوء أو الصلاة.
أما مع تغاير نوع العبادة فلا، فكثير الشك في الصلاة لا يرفع اليد عن حكم

(1) الوسيلة: 102.
(2) السرائر 1: 248
(3) انظر: الوسائل 8: 243 أبواب الخلل ب 25 ح 1.
195

الشك في الوضوء، وبالعكس، لعدم دليل على هذا التعميم، فإن الأخبار
منحصرة في الصلاة.
نعم يستفاد التعميم من التعليل، ودلالة عمومه على مثل ذلك غير
معلومة، ولو سلمت فمفهوم الشرط في مرسلة الفقيه المتقدمة (1) يخصص، ويثبت
الحكم في غير موردها بالاجماع المركب.
ويشترط أيضا في صدق الكثرة تعدد الشك أو السهو، ولا يكفي تعدد
المسهو منه والمشكوك فيه خاصة. فلو سها عن أفعال متعددة متصلة بسهو واحد،
كان يترك السجدتين وواجباتهما والتشهد من ركعة لم يكن كثير السهو.
وأما رواية ابن أبي حمزة فالظاهر منها - كما مر - كثير الشك بقرينة قوله:
" يوشك أن يدعه " (2).
مع أنها معارضة مع صدر صحيحة زرارة المتقدمة في صدر المسألة (3)، فلا
تصير حجة علينا.
ولا يشترط كون متعلق الشكوك ما يترتب على الشك فيه حكم، كنقض أو
تدارك أو سجود سهو، لعدم توقف صدق كثير الشك عليه. فلو شك كثيرا بعد
تجاوز المحل، أو في النافلة، أبى مع رجحان أحد الطرفين، في الأخيرتين أو مطلقا
- على اختلاف القولين - ثم شك شكا له حكم، سقط حكمه.
وقيل بالاشتراط، للاقتصار في موضع خالف حكم الأصل - الدال على
لزوم حكم الشك - على المتيقن من النص، وليس إلا شك كثير له حكم (4).
وفيه: منع انحصار المتيقن إن أراد بالنص أعم مما هو ظاهر بحسب

(1) في ص 190.
(2) راجع ص 135.
(3) راجع ص 188.
(4) الرياض 1: 220.
196

الاطلاق أو العموم، ومنع لزوم الاقتصار عليه إن أريد الأخص منه.
د: يجب في صدق كثرة الشك والسهو تحقق الكثير، فلا تكفي دلالة الحال
على وقوعهما كثيرا من غير تحقق، كتشاغل قلب وكثرة هم، للأصل
والاستصحاب، كما أنه لو كثر شئ لمثل تلك الحالة، ثم ارتفعت بحيث يعلم
انتفاء الكثرة بعد ذلك، لا يرتفع حكم كثير الشك ما لم يصل صلوات خالية عن
الشك أيضا، لما سبق.
ه‍: متى حكم بثبوت الكثرة لشخص يستمر له حكم كثير الشك والسهو
إلى أن يزول الصدق في العرف، فيتعلق به حكم السهو أو الشك الطارئ.
ويتحقق زواله بزوال السهو والشك غالبا، وعدم حصوله إما مطلقا أو إلا
نادرا في مدة يعتد بها، بحيث يحكم في العرف أنه غير كثير السهو أو الشك.
وقيل: زواله أن تخلو من السهو فرائض يتحقق بها وصف الكثرة إن
حددناها بها أو مطلقا، كما في الذكرى وروض الجنان والروضة (1). وجزم في الموجز
بزواله بتوالي ثلاث بغير شك، وفي المهذب اكتفى بواحدة (2).
ويشترط في انتفاء كثرة الشك أن يكون عدم شكه لحالة نفسانية، فلو
تكلف كثير الشك في صلوات كثيرة بأن يعد الركعات بخاتم، أو يأمر شخصا
خارجيا بأن يحفظ صلواته، ولذلك لم يشك، وكان بحيث لو خلي ونفسه شك، لم
يفد ذلك، للشك في انتفاء الصدق، فيستصحب.
و: لو شك أو سها في الصلاة بها له تدارك بعد الصلاة، ثم شك ثانيا فيها
ثم ثالثا، ثم رابعا حتى صار كثير الشك، يسقط حكم الرابع دون ما تقدم عليه،
لاستقراره في ذمته قبل صيرورته كثير الشك، فيستصحب.

(1) الذكرى: 223، روض الجنان: 343، الروضة 1: 340.
(2) المهذب البارع 1: 456.
197

ز: المراد بانتفاء الحكم عن كثير الشك، كما به صرح جمع (1)، بل - كما قيل (2) -
من غير خلاف بينهم يعرف: أنه لا يلتفت إليه ويبني على وقوع المشكوك فيه وإن
كان في محله ما لم يستلزم الزيادة، وإن اشتمل على ما يبطلها في غير تلك الحال.
وإن استلزم الزيادة يبني على الصحيح. فيبني على الأكثر في الركعات طرا
حتى الأوليين والثنائية والثلاثية، وليست عليه صلاة احتياط.
لأنه المتبادر من المضي في الصلاة أو في الشك، الواردين في النصوص،
والموافق للتعليل المذكور فيها، إذ لو بنى على الأقل كان معودا للخبيث،
والمصرح به في موثقة الساباطي المتقدمة في خصوص الركوع والسجود (3)، ورواية
علي بن أبي حمزة في الشاك بين جميع الركعات (4)، مع عدم قول بالفصل.
وتوقف بعضهم - كالأردبيلي والهندي - في سقوط صلاة الاحتياط، لعدم
دلالة الأحاديث عليه (5).
وفيه: أن التعليل المذكور فيها ينفيها، لأن الاتيان بها يوجب تعويد
الخبيث، لأنه عين الالتفات إلى الشك، بل هو يبني حقيقة على البناء على عدم
الفعل. مع أن الظاهر أنه إجماعي.
ومع الزيادة يبني على العدد المصحح، لئلا يلزم نقض الصلاة الممنوع منه
في تلك الأخبار.
ولو تعدد العدد المصحح حينئذ كالشك بين الثلاث والأربع والخمس،
فالظاهر البناء على الأقل، للأصل.

(1) كالشهيد الأول في الذكرى: 223، والشهيد الثاني في الروضة 1: 339، والسبزواري في كفاية
الأحكام: 25.
(2) في الرياض 1: 220.
(3) راجع ص 189.
(4) المتقدمة في ص 135.
(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 145، والهندي في كشف اللثام 1: 274.
198

وأما كثير السهو - فعلى المختار من اعتبار الكثرة فيه أيضا - فالمراد بانتفاء
حكم السهو فيه - على ما صرح به جماعة (1) - انتفاء وجوب سجود السهو عنه،
دون تدارك ما يتدارك بعد الصلاة أو في أثنائها مع بقاء علم، أو بطلان الصلاة
مع الانتقال عن المحل إن كان ركنا.
قيل: للاجماع على عدم سقوط هذه الأحكام، وللعمومات الدالة على
ثبوتها (2).
ومنهم من احتمل انتفاء التدارك بعد الصلاة (3). وفي الذكرى: جواز
اغتفار زيادة الركن منه أيضا (4).
وقال بعض مشايخنا بالعموم، فقال بانتفاء جميع أحكام السهو عنه أيضا،
كما في الشك (4).
وهو الظاهر من الأخبار، والمستفاد من قوله " لا تعد " في المرسلة (6).
والاجماع المدعى ممنوع، وإن كان في البحار مذكورا (7)، كيف؟! مع أن
الواقع في كلام كثير من الأصحاب أنه لا حكم للسهو مع الكثرة وإرادتهم ما
ذكرناه منه محتملة بل ظاهرة.
والعمومات مخصصة بأخبار كثير السهو، كما تخصص عمومات أحكام
الشك بأخبار كثير الشك.
نعم، لو جاز تأمل لكان في سقوط سجدة السهو، لعدم صراحة الأخبار في
نفيها. إلا أن الاجماع المركب والتعليل ينفيانها. والاحتياط الاتيان بها، بل بصلاة

(1) كالشهيد في الذكرى: 223، والسبزواري في الذخيرة: 370، وصاحب الرياض 1: 220.
(2) كما في الرياض 1: 219، وقال في حاشيته: إن الاجماع منقول عن البحار 85: 280.
(3) الروض: 343.
(4) الذكرى: 223.
(5) انظر: الحداق 9: 291.
(6) المتقدمة في ص 190.
(7) البحار 85: 280، لكن عبارته غير صريحة في ادعاء الاجماع، فراجع.
199

الاحتياط أيضا.
ح: مقتضى الأمر بالامضاء والنهي عن تعويد الخبيث في الأخبار: أن
الحكم المذكور لكثير الشك والسهو حتم لا رخصة، كما هو الظاهر من الفتاوى
أيضا، وعلى هذا فلو خالفه وأتى بالمشكوك فيه أو المسهو عنه ارتكب المحرم
مطلقا، وبطلت الصلاة إن كان مما تبطل بزيادته فيها مطلقا، أو مع حرمته.
ط: الحكم المذكور شامل لجميع أجزاء الصلاة وأفعالها، واجباتها
ومستحباتها، للاطلاق.
ي: لو شك كثير الشك في أصل فعل الصلاة لا يلتفت إليه، ويبني على
الفعل، كما صرح به بعض مشايخنا المحققين (1)، وتدل عليه العلة المتقدمة.
المسألة الثانية:
المصلي جالسا فحكم شكه حكم شك القائم، للاطلاقات بل العمومات.
إلا أنه قال بعض مشايخنا المحققين (2): لا يختار الركعتين جالسا موضع
الركعة، لأن الركعتين نصف صلاته لا ربعها، فإن اختارهما تزيد صلاته على
الأربع، بل يأتي بركعة جالسا موضع الركعتين جالسا. ولا يختار الركعتين قائما،
لعدم ثبوت كونهما بدلا عن الركعتين جالسا. ففي الشك بين الثلاث والأربع يأتي
بركعة جالسا، وفي الثنتين والأربع بركعتين جالسا، وفي الثنتين والثلاث والأربع
بركعتين جالسا وركعة كذلك.
كل ذلك لأن من لم يقدر على القيام فغير داخل فيما يتضمن الأمر بصلاة
الاحتياط قائما تخييرا أو تعيينا، فيستخرج حكمه من مثل قوله: " متى شككت

(1) البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح (المخطوط).
(2) البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح (المخطوط).
200

فابن على الأكثر، فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك نقصت ".
أقول: حاصله أن أخبار صلاة الاحتياط قائما لا يمكن شمولها للمورد،
فيرجع فيه إلى عموم: " ما ظننت أنك نقصت ".
وفيه: أنه لو سلم ذلك، فلا شك أن الأخبار المتضمنة للصلاة جالسا فقه،
شاملة له، فما وجه تنصيف صلاة الجالس؟.
فإن قلت: انصراف هذه الأخبار إلى المورد غير معلوم، لكونه الفرد النادر.
قلنا - مع أن أكثرها عمومات -: يرد مثله في جميع أخبار حكم الشك.
والتحقيق أنه كما يحتمل رفع اليد عن أخبار تفصيل صلاة الاحتياط لما
ذكر، والرجوع إلى عمومات إتمام " ما ظننت أنك قد نقصت " كذلك يحتمل العمل
بأخبار صلاة الاحتياط، والرجوع فيما حكم فيه بالقيام إلى حكم العاجز عن
القيام، فيحكم بشمولها للعاجز أيضا وإن تضمنت الأمر بالقيام، لبيان حكم من
حكمه القيام، ولا يقدر عليه.
وهنا احتمالان آخران: من جهة أن من أخبار تفصيل صلاة الاحتياط ما لا
يتضمن إلا الصلاة جالسا، فيحكم بعموم هذه للقادر وغيره، ويرجع فيما
تضمنت القيام إما إلى أخبار حكم العاجز، وإما إلى عمومات إتمام ما ظن أنه
نقص. والأوجه هذا الوجه، لعدم مخص للأخبار المتضمنة لصلاة الاحتياط
جالسا، واختصاص ما تضمن القيام منها بالقادر، فيرجع إلى العمومات، لعدم
عموم في أخبار حكم العاجز بحيث يشمل المورد أيضا البتة، فتدبر.
المسألة الثالثة:
لو شك في شئ من أجزاء الصلاة بعد الفراغ منها - المتحقق بالتسليمة
الأولى من التسليمتين الأخيرتين - لم يلتفت إليه ومضى، سواء كان شكا في الأعداد
أو الأفعال، لما مر من أخبار عدم الالتفات إلى الشك بعد الدخول في غيره،
ولصحيحتي محمد، إحداهما: في الرجل يشك بعدما انصرف من صلاته،
201

فقال: " لا يعيد ولا شئ عليه " (1).
والأخرى: " كل ما شككت فيه بعدما تفرغ من صلاتك فامض ولا
تعد " (2).
المسألة الرابعة:
لو شك في أصل الصلاة هل أتى بها أم لا، فإن كان في وقتها وجب الاتيان
بها، وإن كان قد خرج وقتها لم يلتفت إلى شكه، صرح به في الذكرى (3)، بل هو
المشهور في الحكمين، كما في البحار (4).
ويدل على الأول: قيام السبب وأصالة عدم الفعل.
وعلى الثاني: ما مر من عمومات عدم الالتفات إلى الشك بعد مضيه أي:
مضي وقته، أو بعد الخروج عن موضعه.
مضافا فيهما إلى صحيحة زرارة والفضيل: " ومتى ما استيقنت أو شككت
في وقتها أنك لم تصلها، أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها، فإن شككت بعلما
خرج وقت الفوت فقد دخل حائل، فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن،
فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال كنت " (1).
وأما ما رواه في السرائر عن كتاب حريز: " فإن شك في الظهر فيما بينه وبين
أن يصلي العصر قضاها، وإن دخله الشك بعد أن يصلي العصر فقد مضت إلا
أن يستيقن، لأن العصر حال فيما بينه وبين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من

(1) التهذيب 2: 348 / 1443، الإستبصار 1: 369 / 1404، الوسائل 8: 246 أبواب الخلل ب
27 ح 1.
(2) التهذيب 2: 352 / 1460، الوسائل 8: 246 أبواب الخلل ب 27 ح 2.
(3) الذكرى: 130.
(4) البحار 85: 190.
(5) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276 / 1098، الوسائل 4: 282 أبواب
المواقيت ب 60 ح 1.
202

الشك إلا بيقين " (1).
فمقتضاه وإن كان عدم الفعل مع الشك في الوقت أيضا إذا دخل في صلاة
أخرى، وهو أيضا مقتضى أخبار المضي بعد دخول الغير، إلا أنه - كما في البحار (2) -
خلاف فتوى الأصحاب. ومع ذلك يعارض الصحيحة بالعموم من وجه،
والأصل مع عدم الفعل.
المسألة الخامسة:
من شك في ركعة أنها رابعة الظهر أو أول العصر أتمها ظهرا، ثم صلى بعده
العصر، للأصل والاستصحاب.
وكذا من شك في ركعة أنها رابعة الظهر أو العصر، أو أولى لظهر أو
العصر، وكذا في جميع الفرائض، لما ذكر، كما صرح به بعض مشايخنا المحققين.
وكذا الحال في النوافل. وكذا لو دخل في فريضة وشك في ركعة أنها هل
هي من الفريضة، أو أتمها وشرع في النافلة، أو بالعكس فيبني على الأولى التي
دخل أولا فيها، ويأتي بعده باللاحقة.
المسألة السادسة:
لو تحققت نية الصلاة وشك هل نوى الندب مثلا أو الفرض، أو الظهر أو
العصر، أو الأداء أو القضاء، فالظاهر البطلان، كما صرح به جماعة (3).
هذا إذا تعددت الصلوات التي أمر بها، ولو اتحدت الصلاة وما كان
مقصوده، وشك فيما أخطره بالبال فلا يضر.

(1) مستطرفات السرائر: 75 / 20، الوسائل 4: 283 أبواب المواقيت ب 60 ح 2.
(2) البحار 85: 190.
(3) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 337، والأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 101، والسبزواري في
الذخيرة: 362.
203

المسألة السابعة:
لو ظن بعد الصلاة نقصا في الصلاة، فحكمه عند من يلحق الظن بالعلم
مطلقا واضح. وأما على المختار من اختصاص اعتبار الظن بمواقع خاصة،
والرجوع في البواقي إلى حكم الشك فيشكل الأمر، إذ الرجوع فيها إليه لتعلق
هذه الأحكام بعدم الدراية، الصادق على الظان أيضا كلا أو بعضا بضميمة
الاجماع المركب، وفي المورد لم يتعلق حكم بعدم الدراية، إلا أن يتمسك بشمول
لفظ الشك للظن لغة كما مر، إلا أن ترتب الحكم عليه فقط لا يخلو عن إشكال،
ومقتضى أصل الاشتغال بالصلاة الإعادة لو تعلق الظني بالمبطل. نعم، إن كان
الموهوم النقص أو البطلان فالظاهر الصحة والمضي، لأنه كذلك مع الشك فمع
الوهم أولى.
والحاصل: أن المظنون إن كان ما يوجب البطلان مع العلم يعيد، إلا إذا
صار كثير الظن.
وإن كان ما لا يلتفت إليه مع العلم، فكذلك هنا، للأولوية.
وإن كان ما يوجب التدارك مع العلم، فالظاهر الصحة للأولوية، وعدم
التدارك للأصل، فإنه كانت صلاته صحيحة ولو لم يتدارك.
المسألة الثامنة:
قد صرح الأصحاب بأنه: لا سهو في سهو.
والأصل فيه صحيحة البختري: " ليس على الإمام سهو، ولا على من
خلف الإمام سهو، ولا على السهو سهو، ولا على الإعادة إعادة " (1).
ومرسلة يونس: " ولا سهو في سهو " (2).

(1) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 7، التهذيب 2: 344 / 1428، الوسائل 8: 240 و 243
أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 و 25 ح 3 و 1.
(2) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 5، الوسائل 8: 243 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 25 ح 2.
204

ولكن في حل من العبارتين إجمالا من حيث المراد من السهو في الموضعين،
والمراد من السهو الثاني بخصوصه باعتبار احتمال الحذف وعدمه في السهو، والمراد
من نفي السهو.
أما الأول: فباعتبار احتمال إرادة الشك منه، أو النسيان، أو الأعم،
ولأجله تحصل احتمالات تسعة: نفي الشك في الشك، وفي السهو بالمعنى
الأخص، وفي الأعم، ونفي السهو كذلك، ونفي الأعم كذلك.
وأما الثاني: فباعتبار احتمال إرادة نفس السهو بأحد معانيه الثلاثة عنه، أو
إرادة مسببه وموجبه، كالتدارك، أو صلاة الاحتياط، أو سجدة السهو، فهذه
ثمانية عشر احتمالات.
وأما الثالث: فباعتبار عدم إمكان إرادة الحقيقة من النفي، ومجازه هنا
متعدد من عدم الالتفات، أو عدم الموجبية، بالكسر، أو غير ذلك.
فالاستدلال بالحديثين في شئ من الموارد غير ممكن. والحمل على الجميع
باطل، لاستلزامه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، بل استلزام التقدير وعدمه.
ولو فرض ترجيح بعض المعاني:
كحمل السهو على معناه الحقيقي، لأصالة الحقيقة.
أو على الشك، لحمل جمع من الفقهاء عليه، مع ظهوره في الجملة من
السياق.
أو حمل السهو الثاني على المسبب والموجب، لكون نفي السهو في السهو
نفسه مقتضى الأصل، فلا يحتاج إلى النص، والمحتاج إليه إنما هو حكم الشك
في موجبه، لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل المأمور به على وجهه، ولا يتم
إلا مع عدم الشك، مضافا إلى إطلاق ما دل على لزوم تدارك المشكوك مع بقاء
المحل، والتأسيس أولى من التأكيد، والظاهر إرادة إثبات حكم مخالف
للأصل، مضافا إلى تصريح بعضم (1) بأنه مراد الفقهاء.

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 411.
205

فلا شك (1) في عدم خروج الكلام عن الاجمال بعد أيضا، مع أن إثبات
الترجيح ببعض ما ذكر غير تام.
فاللازم رفع اليدين عن الحديثين والكلام في كل من الاحتمالات الثمانية
عشر بخصوصه.
ثم بعد ملاحظة أن ببيان حكم كل من السهو والشك يظهر حكم
احتمالات المعنى الأعم، يبقى اللازم بيان حكم ثمانية احتمالات، وهي التي
ذكرها طائفة من متأخري المتأخرين (2).
فنقول:
الاحتمال الأول:
أن يشك في نفس الشك، بأن شك في أنه هل شك أم لا.
فقيل: لا يلتفت إليه (3)، لأصالة عدمه.
وقيل: إن كان زمان الشكين واحدا فهو شاك في أصل الفعل، فيحكم
بمقتضاه. وإن كان في زمانين فإن كان في هذا الزمان أيضا شاكا فيما شك في شكه
فكالأول، وإلا فيحكم بمقتضى علمه وجزمه، ولا يتيقن بالشك السابق،
والأصل عدمه (4).
ولا يخفى أن الظاهر من الشك في الشك هو ما كان في زمانين دون الأول.
والبناء فيه على اليقين منه بإطلاقه غير جيد. وأصالة عدم الشك غير تامة، لأصالة
عدم اليقين أيضا، لأن كلا منهما حادث، لأن الموجود سابقا هو اليقين بفعل آخر
غير ما شك في الشك فيه.

(1) جواب لقوله: ولو فرض ترجيح بعض المعاني.
(2) منهم المجلسي في البحار 85: 257، وصاحبا الحدائق 9: 259، والرياض 1 220.
(3) انظر: الروضة 1: 340، ونسبه في البحار 85: 257 إلى الأصحاب.
(4) البحار 85: 257.
206

والتحقيق: أن الشك السابق المشكوك فيه إما في الأفعال، أو الأعداد.
والأول إما تجاوز محله لو كان شك، أولا.
فعلى الأول، كأن شك بعد القيام في أنه هل شك قبله في السجود ولم يعد،
أم لا، أو يشك في العود أيضا. ويتعارض فيه أصل عدم الشك فيه مع أصالة
عدم اليقين بفعله أيضا، فلا حكم لذلك الأصل. ولكن يمضي لأصول أخر،
لأن شكه إن كان في الشك مع اليقين بعدم العود عمدا وتبطل صلاته (إن كان
شك) (1)، فالأصل الصحة. وإن كان في الشك مع اليقين بعدم العود سهوا، إن
كان شك، فالأصل عدم وجوب عود عليه وصحة صلاته. وإن كان مع الشك في
العود أيضا، فلمضي محل العود المشكوك فيه، وأصالة عدم وجوب عود آخر
وصحة صلاته.
وعلى الثاني، كأن شك في آخر التشهد في أنه هل شك في ابتدائه في إحدى
السجدتين - على القول بعدم تجاوز المحل بدخول التشهد - فإن كان حينئذ باقيا
على الشك أيضا يعود. وإن تيقن الفعل يسقط حكم الشك الأول قطعا.
وإن كان في الأعداد، كأن يشك في الرابعة في أنه هل شك سابقا وبنى على
عدد هذه رابعته فتجب صلاة الاحتياط، أو هذه رابعة واقعية فلا تجب، والأصل
حينئذ عدم وجوب صلاة الاحتياط. ولا تعارضه أصالة الاشتغال بالصلاة،
لوجوب إتمام الصلاة بهذه الرابعة على التقديرين، والأصل براءة الذمة عن
الزائد.
ولو شك في أنه هل شك سابقا، وعلى الشك هال بنى على ما يقتضيه أم
لا، فلا يلتفت إليه، لمضي المحل.
وهنا شقوق أخر:
أحدها. أن يشك في أن ما فيه يشك أو ظن. والظاهر البناء على الشك،

(1) أضفناه لاستقامة المتن.
207

إذ ما دام في هذا الشك فهو لا يتيقن بترجيح أحد الطرفين فهو شاك. أو في أن ما
سبق جل كان شكا أو ظنا. والظاهر عدم الالتفات إليه إن بنى أولا على أحدهما
وأتى بمقتضاه.
وثانيها: أن يشك في المشكوك فيه، كان يشك في أن ما شك فيه هل هو
السجدة أو التشهد. فإن علم أنه بنى على أحدهما وأتى بمقتضاه فقد مضى. وإن
لم يعلم ذلك، فإن بقي محلهما فيأتي بهما، لأنه حينئذ شاك فيهما، وإن تجاوز فلا
يلتفت إليه.
وثالثها: أن يشك بعد الفراغ وإرادة التدارك في المشكوك فيه، كان يشك
في أن الشك هل كان بين الاثنتين والأربع، أو الثلاث والأربع حتى يأتي بصلاة
الاحتياط بمقتضى ما شك. والظاهر وجوب الاتيان بوظيفتهما معا، مع التداخل
إن أمكن وبدونه إن لم يمكن، لأصل الاشتغال.
الاحتمال الثاني:
أن يشك في موجب الشك - بالفتح - كان يشك في صلاة الاحتياط أو
سجدة السهو.
فإن كان الشك في أصل فعله، كأن يشك أنه هل أتى بسجدة السهو، أو
صلى الاحتياط أم لا. والظاهر وجوب فعله، لأصالة عدم فعله.
وإن كان في عدد أحدهما، أو فعل من أفعاله، فالمصرح به في كلام كثير
منهم عدم الالتفات إليه، والبناء على الفعل (1)، بل قيل: ظاهر الأصحاب
الاتفاق عليه (2)، واستدلوا بالروايتين السابقتين.
وعن الأردبيلي الميل إلى البناء على الأقل وعدم الفعل، لأصالة عدم

(1) انظر: المنتهى 1: 411، والتنقيح 1: 362، والحدائق 9: 269، والرياض 1: 220.
(2) الحدائق 9: 262.
208

الفعل (1).
وهو قوي جدا، لما عرفت من إجمال الروايتين، وعدم ثبوت الاتفاق المدعى
علينا. إلا إذا كان قد خرج من موضع المشكوك فيه، فلا يلتفت إلى الشك، لما
مر.
ومن هذا الاحتمال ما لو علم أنه شك في السجدة قبل تجاوز المحل، أو بين
الاثنتين والثلاث مثلا، وكان موجب الأول العود، وموجب الثاني البناء على
الثلاث، وشك في أنه هل أتى بالسجدة أم لا، أو هل بنى على الثلاث أم لا،
مع علمه بأن ما فيه حينئذ الركعة الأخيرة مثلا. والظاهر عدم الالتفات، للدخول
في الغير. إلا أن يكون في موضعه، فيأتي بالموجب المشكوك فيه، فيسجد في
الأول، ويبني على الثالث في الثاني.
الاحتمال الثالث:
الشك في السهو نفسه، بأن يشك في أنه سها أم لا. فإن كان بعد الصلاة
لا يلتفت إليه. وإن كان في أثنائها فهو حقيقة شك في الفعل الذي شك في السهو
فيه، فيأتي به مع عدم الدخول في الغير، ويمضي مع الدخول فيه.
الاحتمال الرابع:
أن يشك في موجب السهو - بالفتح - كأن يشك في السجدة أو التشهد
المنسيين، اللذين يقضيهما بعد الصلاة، أو في سجدة السهو.
فإن كان الشك في الاتيان بها يأتي بلا خلاف، كما قيل (2).
وإن كان في بعض أجزائها فعلا أو عددا، فقيل: يبني على الفعل (3)، بل

(1) مجمع الفائدة والبرهان 3: 136.
(2) الحدائق 9: 264.
(3) كما في الحدائق 9: 264.
209

هو ظاهر الأكثر، للخبرين المذكورين. وبعد ما عرفت من إجمالهما تعلم وجوب
الاتيان به، إلا فيما دخل في غيره.
ومن هذا الاحتمال ما لو شك في أثناء الصلاة أنه هل تدارك ما سها فيه
وتذكر قبل تجاوز المحل، ويجب عليه الاتيان به لو كان ذلك في المحل، والمضي لو
تجاوز عنه أي المحل المعتبر في الشك، وهو الدخول في الغير. فلو شك في حال
القراءة أنه هل أتى بالسجدة التي سها فيها وتذكر بعد القيام أم لا، فيمضي.
الاحتمال الخامس:
السهو في نفس الشك، كأن شك في شئ قبل الدخول في غيره، ثم نسي
الشك ومضى، فقيل: إنه لا يلتفت إليه إن تذكر بعد تجاوز المحل، ويأتي به إن
كان المحل باقيا (1).
أقول: إن أراد بتجاوز المحل ما يعتبر في السهو، وهو الدخول في ركن آخر،
فهو صحيح. وإن أراد ما يعتبر في الشك ففيه نظر، لأن بعد الشك قبل الدخول
في الغير وجب عليه المنسي. فإذا سها عنه يأتي به ما لم يدخل في ركن آخر،
للعمومات الواردة في النسيان.
والتنظر في شمولها للمورد، لأنها وردت في أجزاء الصلاة الأصلية وهذا
ليس منها.
غير وارد، لأن ذلك أيضا من أجزاء الصلاة الأصلية، لأصالة عدم فعله.
الاحتمال السادس:
السهو في موجب الشك، كأن يسهو في شئ من أفعال صلاة الاحتياط،
أو سجدتي السهو.
ولا ينبغي الشك في عدم وجوب سجدة سهو للسهو في سجدة السهو.

(1) انظر: الحدائق 9: 269.
210

وأما لصلاة الاحتياط، فقيل: لا تجب أيضا، بل هو الأشهر، للأصل،
وعدم معلومية شمول الأدلة لمثل ذلك السهو أيضا، بل الظاهر منها السهو في
أصل الفرائض (1).
وفيه تأمل، لاطلاق الأدلة. فوجوبها أظهر. والاجماع على العدم غير
معلوم، بل ظاهر بعض مشايخنا عدمه، حيث نسب عدمه إلى الأشهر الأظهر (2).
وأما نفس الفعل المسهو عنه، فيأتي به قطعا إن تذكر قبل التجاوز عن
محله، بمعنى عدم الدخول في غيره، للأمر بهذه الأفعال، فيجب الاتيان بها.
وكذا إن دخل في غيره ما لم يفرغ عن العمل في سجدة السهو، فيرجع ويأتي بالمسهو
عنه، ثم بما بعده. وإن فرغ عنها فيعيدها من رأسها، مع احتمال إعادة المسهو عنه
مع ما بعده خاصة حينئذ أيضا.
وأما في صلاة الاحتياط، فالظاهر أنها كالأصل، فيفعل كما يفعل في
الأصل، لاطلاق أدلته، وعدم تيقن الاختصاص بالأصل، وكذا في قضاء
الأجزاء المنسية.
ومن السهو في موجب الشك السهو فيما يفعله بعد الشك فيه قبل تجاوز
محله، كالسجدتين قبل استتمام القيام إذا ترك واحدا منهما، أو الطمأنينة، أو الذكر
فيهما سهوا. والظاهر أن حكمه حكم السهو فيما سها عنه في الأصل، لأنه منه
أيضا.
الاحتمال السابع:
أن يسهو في نفس السهو بأن ينسى تدارك ما نسيه وتذكر في المحل ونسي
نسيانه، فإن تذكر ثانيا قبل تجاوز المحل أتى به، وإلا مضى وقضاه إن كان له
قضاء، وتبطل الصلاة إن كان ذلك مبطلا.

(1) انظر: البحار 85: 265.
(2) انظر: الحدائق 9: 265.
211

ومن ذلك يظهر أنه لا يترتب على السهو هنا حكم جديد، بل ليس حكمه
إلا حكم السهو في نفس الفعل.
الاحتمال الثامن:.
أن يسهو في موجب السهو كان يسهو عن قضاء الأجزاء المنسية، أو سجدة
السهو، ويأتي بما نسيه إذا تذكر.
ومنه أيضا السهو في التدارك في الأثناء قبل تجاوز المحل، كما ذكر في
السابق.
ومنه السهو عن أجزاء الفعل المتروك الذي يجب تداركه، وحكمه حكم
نفس الفعل.
ومنه السهو عن أجزاء الفعل الذي يقضيه بعد الصلاة، كالسجدة، أو
التشهد، أو عن أجزاء سجدة السهو.
فقيل فيه: بعدم الالتفات (1)، وقيل: هو كالسهو في أجزاء الصلاة (2).
وهما ضعيفان. وقوله: " لا سهو في سهو " الذي هو مستند الأول مجمل، كما
عرفت. فالتحقيق الاتيان بالمسهو قبل الفراغ عما هو جزؤه، وإعادته بعده.
المسألة التاسعة:
مقتضى قوله في الصحيحة المتقدمة: " لا إعادة في إعادة " (3) أنه لو أعاد
الصلاة لما يوجبها كالشك في الأوليين، ونحوهما، ثم شك فيها أو سها بما يوجب
الإعادة لا يعيدها، فهو كذلك.
والاحتمالات الأخر التي ذكروها لمعنى العبارة خلاف الظاهر. والاجماع

(1) كما في الدروس. 1: 200، والمسالك 1: 42.
(2) كما في البحار 85: 267.
(3) راجع ص: 204.
212

على خلافه، أو الشهرة الموجبة للشذوذ غير ثابت. وأمر الاحتياط واضح.
المسألة العاشرة:
يرجع كل من الإمام والمأموم إلى الآخر لو شك وحفظ عليه الآخر، بلا
خلاف بين الأصحاب، كما صرح به جماعة (1). وقال جمع: إنه مقطوع به في كلام
الأصحاب (2)، بل قال بعض. الأجلة باتفاق الأصحاب.
للصحيحة المتقدمة (3)، وصحيحة علي: رجل يصلي خلف الإمام لا
يدري كم صلى، هل عليه سهو؟ قال: " لا " (4).
ومرسلة يونس: عن الإمام يصلي بأربعة أنفس، أو خمسة أنفس،
فيسبح اثنان على أنهم صلوا ثلاثا، ويسبح ثلاثة على أنهم صلوا أربعا، ويقول
هؤلاء: قوموا، ويقول هؤلاء: اقعدوا، والإمام مائل مع أحدهما، أو معتدل
الوهم، فما يجب عليه؟ قال: " ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه
باتفاق (5) منهم، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، ولا سهو في
سهو، وليس في المغرب والفجر سهو، ولا في الركعتين الأوليين من كل صلاة، ولا
في نافلة، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة
والأخذ بالجزم " (6).
والمراد بالسهو هنا الشك، كما يستفاد من قرائن المقام وسياق الكلام.

(1) كالفيض في المفاتيح 1: 179، وصاحبي الحدائق 9: 268، والرياض 1: 221.
(2) كما في المدارك 4: 169، والذخيرة: 369.
(3) في ص 203.
(4) التهذيب 2: 350 / 1453، الوسائل 8: 239، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 1.
(5) هذا موافق لنسخة الوافي ج 8: 1000 باب من لا يعتد بسهوه، وكذلك موافق للفقيه، وأما في
النسخة المطبوعة من الكافي والتهذيب. " بايقان ".
(6) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 5، التهذيب 3: 54 / 187، الوسائل 8: 241. أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 24 ح 8، ورواها في الفقيه 1: 231 / 1028 عن نوادر إبراهيم بن هاشم.
213

وبما تتضمنه الأخيرة من اشتراط حفظ المرجوع إليه في رجوع الآخر ونفي
الشك عنه، يقيد إطلاق البواقي، مع أنه بدون الحفظ لا معنى للرجوع.
ومقتضى عموم الأخبار رجوع الشاك منهما إلى المتيقن مطلقا، سواء كان
الشك في الركعات، أو الأفعال، وسواء كان موجبا للاحتياط، أو التدارك في
المحل، أو سجدة السهو، أو الابطال. وبالأول والأخير تصرح الصحيحة الثانية.
وسواء كان في الرباعية أو غيرها.
وبها تخص الأخبار الآمرة بالإعادة في بعضها، وبالتدارك في آخر،
وبالبناء على أحد الطرفين في ثالث.
ولا يضر كون أخبار المسألة أعم من وجه من كل من هذه الفرق الثلاث،
لأنها وإن كانت كذلك إلا أن معارضتها لا تختص بفرقة منها حتى يجوز تخصيص
كل منهما، بل لاهي معارضة مع الجميع، فالجميع في طرف وأخبار إلى المسألة في طرف
آخر، وأخص مطلقا من الجميع.
ولو لوحظت معارضته مع كل وجاز تخصيصها به لزم إما الترجيح بلا مرجح
إن خصت بفرقة دون أخرى، أو طرح أخبار المسألة بالمرة.
ولا تجب حينئذ صلاة احتياط، ولا سجدة سهو، للأصل واختصاص أدلة
وجوبهما بصورة البناء على أحد الطرفين.
فروع:
أ: لا ريب في حكم المذكور مع شك أحدهما ويقين الآخر، فيرجع الشاك
إلى المتيقن.
وهل يرجع الشاك إلى الظان، أو الظان إلى المتيقن، أم لا؟.
الظاهر في الأول: لا، وفي الثاني: نعم.
أما الأول فللأصل، واختصاص الرجوع - كما عرفت - بحفظ المأموم
الظاهر في اليقين، وعدم سهو الإمام، والسهو شامل للظن أيضا قطعا، لا سيما
214

مع ملاحظة ما في نسخ التهذيب والكافي من المرسلة من لفظ " الإيقان " مكان
" الاتفاق " كما في الفقيه.
وأما الثاني فلاطلاق الصحيحة الثانية بضميمة الاجماع المركب، ولأن
السهو شامل للظن أيضا، كما يستفاد من صحيحة محمد، حيث قسم فيها السهو
على قسمين وقال: " ومن سها " ثم فضل حكمه بأنه إن اعتدل شكه كذا، وإن
ذهب وهمه إلى الأربع كذا (1)، وغيرها من الأخبار، ومن كلام بعض أهل اللغة.
ولرواية محمد بن سهل: " الإمام يتحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة
الاحرام " (2).
ويدخل في الأوهام الظن، لاطلاقه عليه في الأخبار بل في كلام
اللغويين (3)، ومعنى تحمله أوهامهم: أنهم يتركون أوهامهم ويرجعون إلى يقين
الإمام. وإذا ثبت الحكم فيه ثبت في العكس أيضا بالاجماع المركب.
وقد يستدل أيضا بأن اليقين أقوى من الظن فيجب الرجوع إليه (4).
وفيه: أنه أقوى منه إذا لوحظا في واحد. وأما مع تعدد المحل فلا نسلمه،
بل ربما كان ظن شخص له أقوى من يقين غيره.
خلافا في الموضعين لبعضهم، فقيل برجوع الشاك إلى الظان، لأن الظن
في باب الشك في الصلاة بمنزلة اليقين (5).
وفيه: منع المنزلة بالنسبة إلى غير الظان.
وقيل بعدم رجوع الظان إلى المتيقن، للأصل، وعموم ما دل على تعبد

(1) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 5، الوسائل 8: 217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10
ح 4.
(2) الفقيه 1: 264 / 1205، التهذيب 3: 277 / 812، الوسائل 8: 240 أبواب الخلل الواقع في
الصلاة ب 24 ح 2، وفي الجميع: الافتتاح، بدل: الاحرام.
(3) انظر: المصباح المنير: 674، ولسان العرب 12: 644.
(4) كما في الروض: 342.
(5) كما في الروضة 1: 341، والمفاتيح 1: 179، والذخيرة: 369، والحدائق 9: 270.
215

المصلي بظنه مطلقا، أو في الأعداد كذلك، أو في الأخيرتين، على اختلاف الأقوال.
والتخصيص يحتاج إلى دليل وليس. وشمول الوهم في الخبر والسهو في الأخبار
للظن غير معلوم (1).
والأصل يرد بما مر. والعموم يخصص به. ومنع شمول الوهم والسهو للظن
ضعيف، كما يستفاد من تتبع الأخبار واللغة. ولو سلم فشمول عدم الدراية
- الواردة في الصحيحة الثانية (2) - له، لا يقبل المنع. وضم الاجماع المركب إليها
يعمم المطلوب.
هذا إذا لم حصل من يقين الآخر للظان يقين، وإلا فيرجع إليه البتة، بل
لم يحصل له ظن أقوى من ظنه، وإلا فالظاهر عدم الخلاف في رجوعه إلى يقينه
أيضا، وطرح ظنه فيما يرجع فيه إلى الظن لحصول الظن لنفسه، فيرجع إليه لأجل
ذلك وإن لم يرجع لكونه يقين الآخر.
بل وكذا في الموضع الأول فيرجع الشاك إلى الظان إذا حصل ظن له من
ظنه، لما مر بعينه. ولكن الثمرة في هذا الموضع قليلة، إذ درك كون الآخر ظانا في
أثناء الصلاة متعذر جدا.
ب: مقتضى إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب عدم الفرق في رجوع الإمام
الشاك أو الظان إلى المأموم المتيقن بين كون المأموم ذكرا أو أنثى، عادلا أو فاسقا،
واحدا أو متعددا، مع اتفاقهم يحصل اليقين أو الظن بقولهم أو لم يحصل، بل وكذا
لو كان صبيا مميزا، لاطلاق قوله: " من خلفه ".
وأما غير المأموم فلا تعويل عليه وإن كان عدلا، للأصل. نعم لو أفاد قوله
الظن رجع إليه لذلك فيما يعتبر فيه الظن، لا لكونه مخبرا.
ج: لو شك الإمام والمأموم معا، فإما يتحد محله كما إذا شكا بين الثلاث

(1) انظر: الذخيرة: 369، والحدائق 9: 270، والرياض 1: 221.
(2) وهي صحيحة علي المتقدمة في ص 213.
216

والأربع، فيلزمهما حكمه.
أو يختلف، فإن كان لأحدهما متيقن وجب الرجوع إليه لما مر، كما إذا شك
أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع، فيبنيان على الثلاث،
لأن المأموم متيقن فيه والإمام شاك، كما أن الإمام متيقن بانتفاء الأربع والمأموم
شاك (ولا فرق في ذلك بين كون شك أحدهما موجبا للبطلان وعدمه) (1).
ولو كان الباقي بعد أخذ المتيقن أيضا شكا في محل واحد يؤخذ بالمتيقن
ويلزمهما حكم الشك، كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين والثلاث والأربع، والآخر
بين الثلاث والأربع.
وإن لم يكن لأحدهما متيقن كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين والثلاث،
والآخر بين الأربع والخمس، تعين الانفراد ولزم كلا منهما العمل بمقتضى شكه.
وكذا الحكم لو تعدد المأمومون واختلفوا هم وإمامهم، فيرجع الجميع إلى
المتيقن إن وجد، وإلى الانفراد إن لم يوجد.
د: لو كان كل من المأموم والإمام موقنا أو ظانا بخلاف ما تيقنه الآخر أو ظنه،
ينفرد المأموم ويعمل منهما بمقتضى يقينه أو ظنه.
ه‍: لو اختلف المأمومون بأن كان بعضهم متيقنا وبعضهم شاكا، فإن كان
الإمام موافقا للموقنين رجع الشاكون إليه، والوجه ظاهر.
وإن كان شاكا قيل: يرجع إلى الموقنين لما مر، والشاكون إليه (2).
ولا شك فيه إن حصل الظن للشاكين. وإلا ففيه نظر، لأصالة عدم
الرجوع إلى الغير، وعمومات أحكام الشك، واختصاص - المرسل الدال على
الرجوع بصورة اتفاق المأمومين ولو في بعض النسخ، لوجوب الاقتصار في الحكم
المخالف للأصل على المتيقن، وليس إلا صورة الاتفاق. سيما أن قوله: " ولو

(1) ما بين القوسين لا توجد في " ق ".
(2) كما في الروضة 1: 341، والبحار 85: 245، والحدائق 9: 276، والذخيرة: 370.
217

اختلف " في آخر المرسلة ظاهر في صحة هذه النسخة.
مع أن الظاهر من النسخة الأخرى أيضا ذلك، لقوله " منهم " بضمير
الجمع الراجع إلى المأمومين.
ولا يفيد إطلاق غير المرسلة من الأخبار النافية للسهو عن الإمام والمأموم،
لظهورها في صورة الاتفاق.
فرجوع كل من الإمام والمأمومين الشاكين إلى حكمه أقوى، كما هو المشهور
على ما صرح به بعضهم (1).
فإن اتحد مقتضاه كان تيقن بعضهم بالأربع وشك الإمام والباقون بين
الثلاث والأربع، يبني الشاكون أيضا على الأربع ويتمون الصلاة كلهم جماعة.
وإن اختلف انفرد المخالفون مع الإمام.
ولا ينافيه قوله في آخر المرسلة: " فإذا اختلف على الإمام.... " حيث إنه
يدل على أن في صورة اختلاف المأمومين تجب الإعادة.
إذ الظاهر من قوله " اختلف على الإمام من خلفه " أن تيقن كل على أمر،
وأما مع شك بعضهم ويقين الآخر ففي صدق اختلافهم عليه نظر. مع أنه على
فرض الصدق يتم الحكم بالمنافاة لو كان قوله: " في الاحتياط الإعادة " بدون
إقحام الواو بين الاحتياط وبين الإعادة. وأما معه كما في بعض النسخ فلا، بل
يكون المعنى: أن على " الإمام وعلى كل من المأمومين أن يعمل كل منهم على ما
يقتضيه شكه أو يقينه في الاحتياط والإعادة والأخذ بجزمه، والظاهر منه حينئذ
وجوب عمل كل بمقتضى شكه.
وهذه النسخة هي الموافقة للقواعد، إذ لا وجه لإعادة الموقنين إذا لم يحصل
لهم شك.
ولو منع الظهور في هذا المعنى فلا أقل من الاجمال المسقط للاستدلال

(1) البحار 85: 246.
218

الموجب للرجوع إلى الأصل والعمومات.
ولو كان الإمام شاكا، والمأمومون متيقنون مختلفون في محل اليقين، فعلى
الأظهر الأشهر ينفردون كلا إلا من كان يقينه موافقا لمقتضى عمل الإمام بشكه
إن كان، لما مر، والوجه فيه يظهر مما مر، ولا يعارضه آخر المرسلة، لما عرفت من
اختلاف النسخ.
ثم إنه قد ذكر بعضهم في المقام صورا عديدة لا ينبغي للمحقق التعرض
لها، لعدم ترتب فائدة عليها من جهة ما ذكرنا من تعذر اطلاع الإمام أو المأموم
بحال الآخر في أكثر تلك الصور.
و: إذا شك للإمام يجب عليه الاستعلام ممن خلفه ولو بالبناء على أحد الطرفين
لأجل الاستعلام، لوجوب بنائه على يقينهم وتوقفه على الاستعلام.
واختصاص الوجوب بصورة وجود اليقين لهم، وهو غير معلوم لاحتمال
شكهم أيضا.
مردود بأصالة عدم شكهم، مع أن في صورة شكهم أيضا له واجب يتوقف
امتثاله على الاستعلام.
فإذا استعلم فإن نبهه من خلفه بكونه خطأ يرجع إلى ما نبهوه عليه، وإلا
فيمضي، لما مر من أصالة عدم شكهم، ولمفهوم قوله: " فإذا اختلف على الإمام "
في المرسلة المتقدمة. وليس عليه سجدة سهو أو احتياط إن كان المبني عليه ما
يقتضيه لو كان منفردا، لأن حفظ المأمومين بمنزلة اليقين إجماعا، وللمفهوم
المذكور.
ز: يظهر مما مر من الأصل والمفهوم والاطلاقات المتقدمة أنه تجب على كل منهما
حين الشك متابعة الآخر ما لم يعلم شكه أو خطاءه، ولا يلتفت إلى احتمال شكه
أو خطائه، وعليه الاجماع أيضا ويوافقه الظاهر.
219

المسألة الحادية عشرة:
لو اشترك الإمام والمأموم في السهو فلا خلاف ظاهرا - كما قيل (1) - في وجوب
عمل كل منهما بما يقتضيه حكم ذلك السهو، اتفقا في خصوصيته أو اختلفا.
فالأول كما إذا تركا سجدة فذكراها بعد الركوع، فيمضيان في الصلاة،
ويقضيان السجود بعدها، ويسجدان للسهو على وجوبها هنا. ولو ذكرها قبل
الركوع يأتيان بها ويستأنفان الركعة.
والثاني كما إذا ذكر الإمام السجدة المنسية بعد ركوعه، والمأموم قبله، فيأتي
المأموم بها ثم يلحق الإمام، والإمام يقضيها بعد تمام صلاته.
ولو نسيا السجدتين معا، وذكرهما الإمام بعد الركوع، والمأموم قبله، بطلت
صلاة الإمام، والمأموم يأتي بهما وينفرد.
كل ذلك لعمومات أحكام السهو وإطلاقاتها. ولا يعارضها ما ورد من " أنه
لا سهو على من خلف الإمام " (2) ومن " أن الإمام ضامن " (3) إذ لكل من الفقرتين
احتمالات عديدة - سيأتي ذكرها - موجبة لاجماله، ومعه يسقط جواز الاستدلال
به. ومع ذلك معارض بما هو أرجح منه كما يأتي.
ولو اختص المأموم بالسهو فالظاهر عدم الخلاف في وجوب التدارك لو تذكر
في المحل، ولا في البطلان لو تذكر بعده وكان المسهو عنه ركنا أو زاد ركنا سهوا.
وتدل عليه عمومات تلك الأحكام، وموثقة عمار: عن رجل سها خلف
الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال: " يعيد الصلاة " (4).
ولا يعارضها ما مر، لما يأتي.
وإنما الخلاف في سجود السهو وفي قضاء المسهو عنه لو كان مما يقضى.

(1) في الحدائق 9: 280.
(2) انظر: الوسائل 8: 239 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24.
(3) انظر: الوسائل 5: 378 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 2.
(4) التهذيب 2: 353 / 1466، الوسائل 8: 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 7.
220

فالحق المشهور وجوبهما عليه أيضا، لعموماتهما، ورواية القصاب: أسهو
في الصلاة وأنا خلف الإمام، فقال: " إذا سلم فاسجد سجدتين ولا تهب " (1).
وصحيحة عبد الرحمن: عن رجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول: أقيموا
صفوفكم، قال: " يتم صلاته ثم يسجد سجدتين " (2).
فإن قوله: " أقيموا صفوفكم " يقرب كون المتكلم مأموما، ولو منع فتكون
من العمومات أيضا، وتدل على المطلوب بالعموم.
وتؤيده المستفيضة النافية لضمان الإمام كصحيحتي زرارة، إحداهما: عن
الإمام يضمن صلاة القوم؟ قال: " لا " (3).
وفي الأخرى: " ليس على الإمام ضمان " (4).
وصحيحة أبي بصير: أيضمن الإمام للصلاة؟ قال: " لا ليس بضامن " (5).
وصحيحة ابن وهب: أيضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فإن هؤلاء يزعمون
أنه يضمن، فقال: " لا يضمن، أي شئ يضمن " (6).
ورواية ابن كثير وفيها: " ليس يضمن الإمام صلاة من خلفه، إنما يضمن

(1) التهذيب 2: 353 / 1464، الوسائل 8: 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 6.
قال في الحدائق 9: 286: " ولا تهب " يحتمل أن يكون من المضاعف أي: لا تقم من مكانك حتى
تأتي بهما... ويحتمل أن يكون علي بناء الأجوف، وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد به عدم
الخوف عليه من تشنيع الناس عليه بالسهو في الصلاة، أو عدم الخوف من المخالفين للخلاف بينهم
في ذلك. والله العالم.
(2) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 4، التهذيب 2: 191 / 755، الإستبصار 1:
378 / 1433، الوسائل 8: 206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 4 ح 1.
(3) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 5، التهذيب 3: 269 / 769، الوسائل 8: 354 أبواب صلاة
الجماعة ب 30 ح 4.
(4) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 3، الفقيه 1: 264 / 1207، التهذيب 3: 269 / 772،
الوسائل 8: 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.
(5) الفقيه 1: 264 / 1206، التهذيب 3: 279 / 819، الوسائل 8: 353 أبواب صلاة الجماعة
ب 30 ح 2.
(6) التهذيب 3: 277 / 813، الوسائل 8: 373 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 6.
221

القراءة " (1).
خلافا في سجود السهو للمحكي عن السيد والخلاف والمبسوط والمعتبر
والذكرى (2)، فنفوها عن المأموم مطلقا، ونقل الأول في المصباح، والثاني عليه
إجماع العلماء إلا مكحولا في القيام مع قعود الإمام (3)، له، ولصحيحة حفص
المتقدمة (4)، حيث صرح فيها بأنه ليس على الإمام سهو، ولا على من خلف الإمام
سهو، وسائر ما تضمن ذلك المعنى.
ولما دل على أن الإمام ضامن..
ولرواية سهل السابقة (5).
ولموثقتي عمار: إحداهما: عن الرجل - سها خلف الإمام بعدما افتتح
الصلاة، فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى يسلم، فقال: " قد جازت
صلاته، وليس عليه، شئ إذا سها خلف الإمام ولا سجدتا السهو، لأن الإمام
ضامن لصلاة من خلفه " (6).
والأخرى: عن الرجل ينسى وهو خلف الإمام أن يسبح في السجود أو في
الركوع، أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا، فقال عليه السلام: " ليس عليه
شئ " (7).

(1) الفقيه 1: 247 / 1104، التهذيب 2: 279 / 820، الوسائل 8: 353 أبواب صلاة الجماعة
ب 30 ح 1.
(2) حكاه عن السيد في المعتبر 2: 395، الخلاف 1: 463، المبسوط 1: 123، المعتبر 2: 395،
الذكرى: 223.
(3) الخلاف 1: 464.
(4) في ص 204.
(5) كذا في النسخ، ولكن لم يسبق منه (ره) ذكر الرواية المشار إليها، والظاهر وقوع سهو من قلمه
الشريف أو من النساخ، ويشهد له أنه (ره) لم يتعرض لها في مقام الجواب.
(6) الفقيه 1: 264 / 1204، التهذيب 3: 278 / 817، الوسائل 8: 240 أبواب الخلل الواقع
في الصلاة ب 24 ح 5.
(7) الفقيه 1: 263 / 1202، التهذيب 3: 278 / 816، الوسائل 8: 240 أبواب الخلل الواقع
في الصلاة ب 24 ح 4.
222

والجواب عن الأول: بعدم الحجية، مع أن إرادة علماء العامة عنه محتملة،
بل هو الظاهر حيث عبروا بالفقهاء، المتعارف عندهم إرادة فقهاء العامة منها.
وعن الثاني: بعدم إمكان حمله على نفي سجدة السهو أو القضاء، لنفي
السهو عن الإمام أيضا. مع أنهما ليسا منفيين عنه قطعا ولا يقول المخالف بهما
جزما. فيحتمل. أن يكون المراد منه الشك أو معنى آخر، بل قيل: إنه مراد منه
قطعا (1)، فلا يمكن حمله على السهو أيضا لاستلزامه استعمال اللفظ في المعنيين،
إلا بعموم المجاز الذي هو مرجوح لندرته، وإن كان راجحا لأقربيته، إلا أن في
إرادته منه قطعا تأملا، وانتفاء الشك عنه لا يدل على أنه المراد هنا أيضا.
وعن الثالث: بمعارضته مع ما هو أكثر منه وأصح كما مر، مع رجحان ما
مر بمخالفة العامة كما تدل عليه صحيحة ابن وهب المتقدمة، وصرح به جمع من
الخاصة (2).
مضافا إلى أن المراد من ضمان الإمام غير معلوم، وقد ذكروا فيه وجوها منها:
ضمان القراءة كما يدل عليه بعض تلك الأخبار، ومنها: ضمان الاخلال بالشرائط
والأفعال، فلو أخل الإمام كان ضامنا، ومنها: ضمان الثواب والعقاب، ومنها غير
ذلك.
وعن الرابع: بمعارضته مع رواية القصاب، ورجحانها عليه بموافقة
الأصحاب ومخالفة أكثر ذوي الأذناب، فيحمل على التقية، ويشهد لها التعليل
بضمان الإمام الذي هو مذهب العامة.
وعن الخامس: بالقول بمضمونه، لعدم وجوب سجدة السهو لما تضمنه.
وللمعتبر، فنفى مع سجود السهو قضاء الأجزاء المنسية (3)، لبعض ما مر
بجوابه.

(1) الرياض 1: 221.
(2) انظر: الذخيرة: 370، والبحار 85: 256، والحدائق 9: 283، والرياض 1: 221.
(3) المعتبر 2: 394.
223

ولو اختص الإمام به، فلا شك في تداركه مع بقاء المحل، وقضائه ما
يقضى منه بعده، وإتيانه بسجدتي السهو فيما فيه سجدة.
وهل يتبعه المأموم فيها، أم لا؟.
المشهور العدم، للأصل.
وخلافا لصريح المبسوط وظاهر الخلاف (1)، فيما إذا سها الإمام فيما اقتدى
به المأموم، دون ما لم يقتد به كلما في الإمام السابق إذا سها في أول صلاته قبل لحوق
المأموم.
ونقل ذلك القول عن جملة من أتباع الشيخ (2)، وجعله في الروضة
الأحوط (3). وظاهر الذخيرة التردد (4).
لما دل على وجوب المتابعة.
وموثقة عمار: عن الرجل يدخل مع الإمام وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر
فسها الإمام، كيف يصنع؟ فقال: " إذا سلم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا
يسجد الرجل الذي دخل معه، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمها وسلم سجد
الرجل سجدتي السهو " (5).
وأجيب عن الأول: بمنع ثبوت وجوبها إلا في نفس الصلاة، وسجدة
السهو خارجة عنها.
وعن الثاني: بالحمل على التقية - فإنه مذهب أكثر العامة (6) - وعلى
اشتراكهما في السهو.
والجواب عن الأول تام.

(1) المبسوط 1: 124، الخلاف 1: 462.
(2) انظر: البحار 85: 253، والحدائق 9: 285.
(3) الروضة 1: 342.
(4) الذخيرة: 370
(5) التهذيب 2: 353 / 1466، الوسائل 8: 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 7.
(6) انظر: المغني 1: 731، وبداية المجتهد 1: 197، والأم 1: 131 و 132.
224

ويرد على الثاني أن موافقة العامة تؤثر مع وجود المعارض، وأما بدونه فلا
وجه للحمل على التقية. والحمل على الاشتراك بعيد في الغاية.
نعم، هي على الوجوب غير دالة فغاية ما يثبت منها الرجحان، إلا أن يضم
معها الاجماع المركب حيث لا قول بالجواز بدون الوجوب في المسألة. فالقول
بالوجوب لا يخلو عن قوة.
ثم الواجب متابعته هو فيما إذا كان السهو فيما أدركه المأموم، فلو كان مسبوقا
وسها الإمام قبل لحوقه لم تجب المتابعة، كما صرح به الشيخ في الكتابين.
وتدل عليه الموثقة، لمكان لفظة الفاء في قوله " فسها " فإنها تدل على أن
السهو بعد دخول المأموم.
وكذا فيما علم المأموم أنه سجد لسهو في تلك الصلاة وجوبا، فلو احتمل
كونها لصلاة أخرى وقد نسيها سابقا، أو لأمر يوجبها في هذه الصلاة استحبابا لم
تجب.
المسألة الثانية عشرة:
إن كانت الصلاة الواقع فيها الخلل نافلة، فإن كان من عمد أو جهل،
فحكمها حكم الفريضة إن كان نقصا أو، زيادة غير مبطلة، لموافقته الأصل الجاري
في النافلة أيضا.
وأما إن كان زيادة مبطلة في الفريضة فلا دليل على إبطالها النافلة أيضا،
لاختصاص أخبار البطلان بالزيادة بالمكتوبة، إما بصريحها أو لايجاب الإعادة
المنتفي في النافلة، إلا أن يثبت الاجماع على البطلان كما هو المحتمل بل المظنون،
سيما إن كان الزائد من الأركان.
وإن كان سهوا أو شكا فقال في المدارك: لا فرق في مسائل السهو والشك
بين الفريضة والنافلة إلا في الشك في الأعداد، فإن الثنائية من الفريضة تبطل
بذلك بخلاف النافلة، وفي لزوم سجود السهو، فإن النافلة لا سجود فيها بفعل
225

ما يوجبه في الفريضة (1). انتهى.
واستجوده بعض آخر أيضا (2).
أقول: تفصيل الكلام في المقام أن يقال: إن مقتضى أكثر عمومات أحكام
السهو والشك المتقدمة في الفريضة أو إطلاقاتها ثبوت جميع ما مر من الأحكام
- حتى قضاء الأجزاء المنسية وسجدة السهو - في النافلة أيضا وإن وردت بالألفاظ
الدالة على الوجوب، إذ على ما اخترنا من حرمة قطع النافلة يتمشى وجوب جميع
هذه الأحكام سوى ما كان يوجب الإعادة من زيادة الأركان أو نقصها، فإن
الإعادة في النوافل لا تجب قطعا.
ومع ذلك روى الصيقل: في الرجل يصلي الركعتين من الوتر يقوم فينسى
التشهد حتى يركع فتذكر وهو راكع، قال: " يجلس من ركوعه فيتشهد ثم يقوم
فيتم " قال، قلت: " أليس قلت " في الفريضة إذا ذكر بعد ما ركع مضى ثم سجد
سجدتين بعدما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال: " ليس النافلة مثل الفريضة " (3).
وهي صريحة في عدم البطلان بالزيادة سهوا ولو ركنا.
وتدل عليه أيضا صحيحة الحلبي. عن رجل سها في ركعتين من النافلة
ولم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة، قال: " يدع ركعة بجلس ويتشهد
ويسلم، ثم يستأنف الصلاة بعد " (4).
ومعنى قوله " ثم يستأنف الصلاة " أي: يستأنف الركعتين الأخريين، فإن
المستفاد من قول السائل: ولم يجلس بينهما، أنه يريد فعل النافلة بعد هاتين
الركعتين أيضا يبني على الركعة الزائدة، لا أنه يستأنف الركعتين الأوليين.

(1) المدارك 4: 274.
(2) كما في الحدائق 9: 346.
(3) الكافي 3: 448 / 22، التهذيب 2: 189 / 751، الوسائل 6: 404 أبواب التشهد ب 8 ح 1،
وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(4) التهذيب 2: 189 / 750، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 4.
226

وتؤيده رواية زرارة: " لا تقرأ في المكتوبة بشئ من العزائم، فإن السجود
زيادة في المكتوبة " (1).
فهذا هو الأصل في المسألة أي: شمول أحكام السهو والشك مطلقا
للنوافل سوى البطلان بالزيادة سهوا ولو كان الزائد ركنا.
ولا يتوهم أن مقتضى رواية الصيقل وصحيحة الحلبي الرجوع إلى المسهو
عنه ولو بعد دخول ركن آخر، لأنهما إنما يختصان بمورد خاص نسلمهما فيه، ولا
دليل على التعدي إلى غيره.
إلا أنه خرج من الأصل حكمان في السهو وحكمان في الشك.
أما الأولان فوجوب قضاء الأجزاء المنسية وسجود السهو، فلا يثبتان
للنوافل، لصحيحة محمد: عن السهو في النافلة، قال: " ليس عليك شئ " (2).
فإن معناها أنه لا يجب عليك شئ باعتبار السهو، والواجب لأجله القضاء
وسجدة السهو، فيكونان منفيين. ولو عورضت بها عموماتهما أيضا لرجعنا إلى
الأصل. ولا يتوهم شمولها لغير الأمرين من أحكام السهو، إذ ليس شئ منها
غيرهما مما وجب لأجل السهو.
ويؤيد المطلوب نفي السهو في النافلة في الصحيحة وغيرها (3)، الشامل
للأمرين أو المختص بسجدة السهو. فلا وجه لما عن روض الجنان من إثبات
سجدة السهو في النوافل أيضا (4)، مع أن ظاهر، المنتهى والمدارك عدم الخلاف
فيه (5).

(1) الكافي 3: 318 الصلاة ب 23 ح 6، التهذيب 2: 96 / 361، الوسائل 6: 105 أبواب القراءة
ب 40 ح 1.
(2) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 6، التهذيب 2: 343 / 1422، الوسائل 8: 230 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 1.
(3) انظر: الوسائل 8: 241 أبواب الخلل ب 24 ح 8.
(4) إن الموجود في الروض مخالف لما نسب إليه، راجع ص 353.
(5) المنتهى 1: 417، المدارك 4: 274.
227

وأما الثانيان فوجوب البناء على الأكثر في الشك في الركعات وصلاة
الاحتياط فلا يثبتان في النافلة، بل لا احتياط فيها، ويتخير بين البناء على الأقل
والأكثر.
أما الأول فللأصل، واختصاص أكثر موجباته بالفرائض، وإيجاب سقوط
موجب السهو لسقوطه إما باعتبار شمول السهو له، أو اختصاصه به، أو بالطريق
الأولى.
وأما الثاني فللاجماع المصرح به في كلام جمع من الأصحاب (1).
مضافا في البناء على الأقل إلى الأصل، ومرسلة الكافي: " إذا سها في النافلة
بنى على الأقل " (2).
وفي البناء على الأكثر إلى عدم وجوب النافلة بالشروع، فله فيها ما أراد،
ونفي السهو في النافلة في الأخبار، وعدم وجوب شئ بالسهو الشامل للشك أو
المختص به فيها، كما في صحيحة محمد السابقة، وعمومات البناء على الأكثر
الشاملة للنوافل أيضا. ولا يضر تضمنها لصلاة الاحتياط الغير الواجبة هنا، لأن
عدم وجوب جزء لا ينفي عموم جز آخر.
أقول: أما الأصل في الأول مندفع بإيجابه في الموثقات الموجبة له عموما.
ومنه يظهر جواب الاختصاص المدعى.
وإيجاب سقوط موجب السهو لسقوطه ممنوع، لمنع شمول السهو له أو
إرادته منه فيما لا قرينة فيه.
والأولوية ممنوعة.
وعدم وجوب النافلة بالشروع الذي جعلوه دليلا للبناء على الأكثر في الثاني

(1) انظر: المعتبر 2: 395، والتذكرة 1: 138، والذخيرة: 379، والحدائق 9: 345، والرياض
1: 222.
(2) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 9، الوسائل 8: 230 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18
ح 2.
228

ممنوع. ولو سلم لا يفيد، لأن الكلام في تحقق الامتثال وتحصيل ثواب النافلة
بذلك لا في جواز قطعها.
ونفي السهو لا يدل على نفي الشك بدون قرينة على التجوز فيه. ولو سلم
فلا يثبت منه جواز البناء على الأكثر أصلا.
ومنه يظهر عدم شمول عدم وجوب شئ بالسهو للشك أيضا.
وعمومات البناء على الأكثر دالة على الوجوب المنتفي هنا بالمرسل،
واستعمال اللفظ في المعنيين غير جائز، وعموم المجاز فيها غير ثابت.
نعم، الظاهر انعقاد الاجماع على الحكمين، مضافا في جواز البناء على
الأقل إلى المرسل المتقدم المنجبر بالعمل. ولا يثبت منه التعيين، لعدم صراحته في
الوجوب فيه.
وبالاجماع المذكور يخرج في الحكمين عن الأصل المتقدم، ويبقى سائر
الأحكام باقية تحته. إلا أن البناء على الأقل هو الأحوط في تحصيل امتثال الأمر
الندبي.
وبذلك يظهر ضعف ما قيل من انتفاء جميع أحكام الشك حتى في الأفعال
في النوافل، استنادا إلى عموم روايات نفي السهو فيها، لمنع الشمول.
وهل جواز البناء على الأكثر يعم ما لو استلزم فساد النافلة كما إذا شك في
الزائد عن الركعتين، أو يختص بما لم يستلزمه وإلا فيبني على الأقل؟.
الظاهر الثاني، لما عرفت من انحصار دليل البناء على الأكثر في الاجماع،
الغير المعلوم ثبوته هنا البتة، بضميمة حرمة إفساد النافلة.
229

الفصل الخامس
في بقية مواضع سجدتي السهو
وفي بيان كيفيتهما، وصلاة الاحتياط، وحكم الشاك المتذكر بعد الفراغ.
وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى:
قد تقدم وجوب سجدتي السهو في موضعين: أحدهما: في نسيان التشهد
الأول. والثاني: في الشك بين الأربع والخمس، بل كلما تعلق الشك بالزائد عن
الأربع.
وتجب في مواضع أخر أيضا:
منها: التكلم في أثناء الصلاة ناسيا، وفاقا للعماني وعلي بن بابويه والمقنعة
والعزية والكافي (1)، والمبسوط والنهاية والجمل والخلاف والاقتصاد (2)، وجمل السيد
والفقيه (3)، والديلمي والحلبي والقاضي وابني حمزة وزهرة والحلي (4)، والمعتبر

(1) حكاه عن العماني في المختلف: 140، المقنعة: 148، حكاه عن العزية في المختلف: 140،
الكافي 3: 360.
(2) المبسوط 1: 123، النهاية: 93، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 189، الخلاف 1: 459،
الإقتصاد: 267.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 37، الفقيه 1: 232.
(4) الديلمي في المراسم: 90، الحلبي في الكافي: 148، القاضي في المهذب 1: 156، ابن حمزة في
الوسيلة: 102، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 566، الحلي في السرائر: 257.
230

والجامع والنافع والشرائع (1)، والمنتهى والمختلف والارشاد والتبصرة بل سائر
كتبه (2)، وشرحي القواعد والارشاد لفخر المحققين (3)، والدروس والبيان
والروضة (4)، وغير ذلك، بل هو المشهور، بل عن العماني نسبته إلى آل الرسول (5)،
وعن الغنية والمنتهى الاجماع عليه (6).
لصحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة في مسألة الشك بين الاثنتين والأربع (7).
(ولا يضر احتمالها إرادة التكلم في صلاة الاحتياط أو بينها وبين الأصل،
لايجابه وجوبها للتكلم في الأصل بالطريق الأولى.
ولموثقة الساباطي: عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثم ذكر من قبل أن
يقدم شيئا أو يحدث شيئا، قال: " ليس عليه سجدة السهو حتى يتكلم بشئ " (8).
دلت بمفهوم الغاية - الذي هو أقوى المفاهيم - على وجوب سجدة السهو
بعد التكلم.
ولا يضر كون مورده القائم في محل القعود، لعدم الفصل، مع أنه يمكن
أن يكون مرجع المجرور الرجل فيكون عاما. وتخصيص التكلم بشئ بالفاتحة أو
التسبيح - كما في الوافي (9) - لا وجه له) (10).
وصحيحة ابن الحجاج، المتقدمة في مسألة اشتراك الإمام والمأموم في

(1) المعتبر 2: 396، الجامع للشرائع: 86، النافع: 45، الشرايع 1: 119.
(2) المنتهى 1: 417، المختلف: 140، الإرشاد 1: 270، التبصرة: 37.
(3) الإيضاح 1: 142.
(4) الدروس 1: 206، البيان: 251، الروضة 1: 327.
(5) حكاه عنه في المختلف: 140.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 566، المنتهى 1: 417.
(7) راجع ص 142.
(8) التهذيب 2: 353 / 1466، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 2.
(9) الوافي 8: 993.
(10) ما بين القوسين لا توجد في " ق ".
231

السهو (1)، وصحيحة الأعرج (2)، وموثقة سماعة (3)، الواردتين في سهو النبي
وتكلمه وسجوده سجدتين. إلا أن الثلاثة الأخيرة عن الصريح في الوجوب
خالية، فإنما هي مؤيدة.
خلافا للمحكي عن الصدوقين (4)، فلم يوجباهما هنا، ومال إليه في
الذخيرة (5)، لصحيحة زرارة: في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم، قال: " يتم
ما بقي من صلاته، تكلم أم لم يتكلم، ولا شئ عليه " (6).
ومحمد: في رجل صلى ركعتين من المكتوبة، فسلم وهو يرى أنه قد أتم
الصلاة وتكلم، ثم ذكر أنه لم يصل ركعتين، فقال: " يتم ما بقي من صلاته ولا
شئ عليه " (7).
وصحيحة الفضيل وفيها: " وإن تكلمت ناسيا فلا شئ عليك " (8).
ويرد: بأن الشئ أعم من الإثم والإعادة وسجدة السهو، وما ذكرنا يختص
بالأخير، والخاص يقدم على العام عند التعارض، سيما مع موافقة الخاص لعمل
الأكثر بل الاجماع المحقق عند المحقق، لعدم قدح مخالفة من ذكر فيه، مع أن
مخالفة الصدوق غير واضحة.

(1) راجع ص: 120.
(2) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 6، التهذيب 2: 345 / 1433، الوسائل 8: 203 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16.
(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 42 ح 1، التهذيب 2: 346 / 1438، الوسائل 8: 201 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 11.
(4) حكاه عنهما في المختلف: 140.
(5) الذخيرة: 379.
(6) التهذيب 2: 191 / 756، الإستبصار 1: 378 / 1434، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 3 ح 5.
(7) التهذيب 2: 191 / 757، الإستبصار 1: 379 / 1436، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 3 ح 9.
(8) الفقيه 1: 240 / 1060، التهذيب 2: 332 / 1370، الإستبصار 1: 401 / 1533، الوسائل
7: 282 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 5.
232

ثم الظاهر عدم الفرق عندهم بين التكلم ناسيا أو ظانا لخروجه عن
الصلاة وإن تكلم حينئذ عمدا، وهو موافق لظاهر إطلاق الصحيحة والموثقة.
إلا أن صحيحة محمد النافية للشئ عليه مختصة بالظان للخروج، فيصير
التعارض فيه بالعموم من وجه، والأصل يرجح العدم. فلو ثبت الاجماع المركب
- كما يشعر به كلام الذخيرة (1) - فهو، وإلا فللتوقف في وجوبها على الظان للخروج
مجال واسع، وأمر الاحتياط واضح.
ومنها: السلام في غير موضعه، فأوجب المشهور فيه سجدتي السهو، بل
عن الغنية والمنتهى وظاهر المعتبر: الاجماع عليه (2).
لأنه كلام زيادة أو نقصان.
ولأنه كلام غير مشروع في غير موضعه، فتجب له السجدة لما مر.
ولموثقة سماعة وصحيحة الأعرج، الواردتين في تسليم النبي صلى الله عليه
وآله في غير موضعه وسجدته سجدة السهو.
وموثقة عمار: عن رجل صلى ثلاث ركعات وظن أنها أربع فسلم، ثم ذكر
أنها ثلاث، قال: " يبني على صلاته ويصلي ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي
السهو " (3).
وصحيحة العيص: عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها، ثم
ذكر أنه لم يركع، قال: " يقوم فيركع ويسجد سجدتين " (4).
ويرد على الأول: منع وجوب السجدة لكل زيادة ونقصان كما يأتي.

(1) الذخيرة: 379.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 566، المنتهى 1: 417، المعتبر 2: 381.
(3) التهذيب 2: 353 / 1466، الوسائل 8: 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 14.
(4) التهذيب 2: 350 / 1451، الوسائل 6: 315 أبواب الركوع ب 11 ح 3.
233

(وعلى الثاني) (1): أن المتبادر من التكلم المأمور فيه بسجدة السهو غير
ذلك.
وعلى البواقي: بعدم الدلالة على الوجوب، مضافا إلى معارضة الموثقة
الأولى والصحيحة بما دل على أن النبي صلى الله عليه وآله لم يسجد سجدة السهو
أصلا (2)، مع احتمال أن تكون سجدته - لو سجد - للتكلم. واحتمال الموثقة
الثانية أن يكون السجود للجلوس في غير موضعه أو زيادة التشهد، والصحيحة
أن يكون لأجل ذلك أيضا أو لنسيان الركوع.
إلا أنه يمكن أن يستدل للمطلوب برواية إسحاق بن عمار: " إذا ذهب
وهمك إلى التمام ابدأ في كل صلاة، فاسجد سجدتين بغير ركوع " (3).
فإن معناها: ذهب وهمك إلى التمام مطلقا، خرج ما إذا لم يظهر خلافه ولم
يحتمل الخلاف بالاجماع، وبقي الباقي، فيشمل المطلوب أيضا. وتخصيصها بمن
غلب على ظنه التمام واحتمل النقص لا وجه له.
والرضوي المنجبر ضعفه بما مر: عن رجل سها في الركعتين من المكتوبة،
ثم ذكر أنه لم يتم صلاته، قال: " فليتمها وليسجد سجدتي السهو " (4).
فإن الظاهر من قوله: " فليتمها " التسليم في غير موضعه، ولو سلم عدم
الاختصاص فيشمله قطعا. ولم يزد هنا جلوس ولا تشهد، لوجوبهما في الركعتين.
فاحتمال كون السجدة لهما - كما قيل (5) - باطل. والجلوس للتسليم لو كان موجبا
لها لكان المطلوب ثابتا بالكلية، غاية الأمر إنك تقول إن السجدة لجلوس التسليم
لا نفسه، وهو سهل.

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.
(2) انظر: الوسائل 8: 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 17.
(3) التهذيب 2: 183 / 730، الوسائل 8: 211 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 2.
(4) فقه الرضا (عليه السلام): 120، مستدرك الوسائل 6: 403 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 1.
(5) الحدائق 9: 317، لكنه اختار ظهور الرواية في المطلوب، فراجع.
234

وبهاتين الروايتين يخصص عموم صحيحة محمد المتقدمة، وبعض
الاطلاقات الأخر، والروايات المتضمنة لبعض أحكام من سلم في غير موضعه من
غير تعرض لسجدة السهو.
فالخلاف في المسألة، كصريح الكليني وعن علي بن بابويه وولده في
المقنع (1)، وهو ظاهر العماني والمفيد والسيد والديلمي وابني زهرة وحمزة (2)، ومال
إليه بعض المتأخرين (3)، غير جيد. والله سبحانه هو المؤيد.
ومنها: القيام في موضع القعود أو بالعكس، أوجبها لهما الصدوق والسيد
والديلمي والحلبي والحلي والقاضي وابني حمزة وزهرة والفاضل في التبصرة والشهيد
في اللمعة (4)، لأنه زيادة في الصلاة، ولرواية القصاب المتقدمة في مسألة سهو
المأموم (5)، حيث دلت على وجوب سجدة السهو لمطلق السهو، والمورد منه.
وموثقة الساباطي: عن السهو، ما تجب فيه سجدة السهو؟ قال: " إذا
أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبحت،
أو أردت أن تسبح فقرأت، فعليك سجدتا السهو " (6) الحديث.

(1) الكليني في الكافي 3: 360، حكاه عن علي بن بابويه في المختلف: 140، وولده في المنقع:
31 - 33.
(2) حكاه عن العماني في المختلف: 140، المفيد في المقنعة: 147 - 148، السيد في جمل العلم
والعمل (رسائل المرتضى 3): 37، الديلمي في المراسم: 90، ابن زهرة في الغنية (الجوامع
الفقهية): 566، ابن حمزة في الوسيلة: 102.
(3) كالسبزواري في الذخيرة: 379.
(4) الصدوق في الأمالي: 513، السيد في الجمل (رسائل المرتضى 3): 37، الديلمي في المراسم:
90، الحلبي في الكافي: 148، الحلي في السرائر 1: 257، القاضي في المهذب 1: 156، ابن
حمزة في الوسيلة: 102، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 566، التبصرة: 37، اللمعة
(الروضة 1): 327.
(5) راجع ص 220.
(6) التهذيب 2: 353 / 1466، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 2.
235

ولا يضادها قوله في هذه الرواية: عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثم
ذكر من قبل أن يقدم شيئا أو يحدث شيئا، قال: " ليس عليه سجدتا السهو حتى
يتكلم ".
لأن المراد منه قبل استتمام القيام وحصوله.
وصحيحة معاوية بن عمار: عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود، أو يقعد
في حال قيام، قال: " يسجد سجدتين بعد التسليم، وهما المرغمتان يرغمان
الشيطان " (1).
خلافا للمنقول عن العماني والإسكافي وعلي بن بابويه والكليني والشيخين
والمحقق وصاحب الجامع (2)، والفاضل في جملة من كتبه منها المنتهى (3)، وغيرهم،
للأصل، وموثقة سماعة: " من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو، إنما
السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها " (4).
ورواية محمد بن علي الحلبي: عن الرجل يسهو في الصلاة فنسي التشهد،
فقال: " يرجع ويتشهد " قلت: أيسجد سجدتي السهو؟ فقال: " ليس في هذا
سجدتا السهو " (5).
وصحيحة أبي بصير: عن رجل نسي أن يسجد واحدة فذكرها وهو قائم،
قال: " يسجدها إذا ذكرها ولم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا

(1) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 9، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32
ح 1.
(2) حكاه عن العماني والإسكافي وعلي بن بابويه في المختلف: 140، الكليني في الكافي 3: 360،
المفيد في المقنعة: 147 - 148، الطوسي في المبسوط 1: 123، والخلاف 1: 459، المحقق في
المعتبر 2: 399، الجامع للشرائع: 86.
(3) المنتهى 1: 417.
(4) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 4، الوسائل 8: 239 أبواب الخلل ب 23 ح 8.
(5) التهذيب 2: 158 / 622، الإستبصار 1: 363 / 1376، الوسائل 6: 406، أبواب التشهد ب
9 ح 4.
236

انصرف قضاها وحدها وليس عليه سهو " (1).
والصحاح وغيرها المتكثرة الواردة في نسيان السجدة الواحدة أو التشهد قبل
تجاوز المحل وبعده، الخالية عن ذكر سجدتي السهو الظاهرة في عدم وجوبهما، مع
أن في بعضها الأمر بهما في التشهد أو السجدة بعد تجاوز المحل، ولم يتعرض لهما
قبله، والتفصيل قاطع للشركة.
أقول: عدم ذكر السجدة للسهو في مقام السؤال عن حكم سهو السجدة،
أو التشهد - لو دل على عدم وجوبهما - لدل عليه لأجل سهو السجدة أو التشهد،
وهو لا ينافي وجوبهما لأمر آخر مقارن له.
ومنه يظهر ضعف الاستناد إلى التفصيل، فإنه إنما هو في بيان حكم نسيان
السجدة والتشهد. وكذا ضعف الاستناد إلى صحيحة أبي بصير ورواية الحلبي.
كما يظهر ضعف الاستناد إلى الدليل الأول (2) بما يأتي من عدم وجوبهما لكل
زيادة.
فما يصلح مستندا لنفي الوجوب ليس إلا الأصل وعموم الموثقة. وهما
كافيان في المسألة، إذ ليس فيها شئ يصلح لمعارضتهما سوى إطلاق رواية
القصاب، إذ ليس إلا ما مر. والصحيحة الأخيرة منه غير دالة على الوجوب، وكذا
الموثقة المتقدمة عليها، لاشتمالها على القراءة في موضع التسبيح التي لا تجب لها
سجدة سهو قطعا، فإخراج الدال عليه عنه لازم، واستعمال اللفظ في معنييه غير
جائز.
والاطلاق المذكور وإن عارض العموم المتقدم إلا أن العموم أرجح،
لمخالفته العامة حيث إن القول بالوجوب هنا منقول عن أبي حنيفة والشافعي

(1) الفقيه 1: 228 / 1008، التهذيب 2: 152 / 598، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب
14 ح 4.
(2) أي: الدليل الأول لوجوب السجدتين، وهو الزيادة في الصلاة.
237

وأتباعهما (1). ولولا الترجيح لكان يرجع إلى الأصل أو التخيير، وهما أيضا كافيان
لنفي الوجوب.
ومنها: كل زيادة ونقصان غير مبطل، نقله في الخلاف عن بعض الأصحاب (2)،
ونسب إلى ظاهري التهذيب والاستبصار (3)، واختاره الفاضل في جملة من كتبه منها
التحرير (4)، وولده في شرحي القواعد والارشاد (5)، والشهيد الأول في اللمعة
والذكرى (6)، مع أنه قال في الدروس: ولم أظفر بقائله ولا بمأخذه (7)، والثاني في
روض الجنان (8)، وحكاه في التحرير والروضة عن الصدوق (9)، وكأنه - كما قيل -
لايجابه إياها في صورة الشك في الزيادة والنقصان (10)، فيقول به مع اليقين
بالطريق الأولى أيضا.
لرواية سفيان السمط: " تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك
ونقصان " (11).
ولما دل على وجوبهما بالشك في الزيادة أو النقصان ففي اليقين أولى.
ويرد الأول: بعدم الدلالة على الوجوب.
والثاني: بمنع الأولوية لو ثبت الحكم في الأصل.

(1) انظر: بدائع الصنائع 1: 164، والأم 1: 128، والمحلى 4: 160.
(2) الخلاف 1: 459.
(3) انظر: التهذيب 2: 155، والاستبصار 1: 361.
(4) التحرير 1: 50.
(5) الإيضاح 1: 142.
(6) اللمعة (الروضة 1): 327، الذكرى: 229.
(7) الدروس 1: 207.
(8) الروض: 354.
(9) التحرير 1: 50، الروضة 1: 327.
(10) الرياض 1: 222.
(11) التهذيب 2: 155 / 608، الإستبصار 1: 361 / 1367، الوسائل 8: 251 أبواب الخلل ب
32 ح 3.
238

ولذا ذهب الأكثر - كما صرح به جماعة (1) - إلى عدم الوجوب. وهو الأقوى،
للأصل المؤيد بل المدلول عليه بجملة من الأخبار النافية لسجدة السهو في مواضع
تحقق فيها أحد الأمرين، منها موثقة الساباطي: عن الرجل ينسى الركوع أو
ينسى سجدة، هل عليه سجدتا السهو؟ قال: " لا " (2).
ويتم المطلوب بعدم الفصل.
فرع.
لو جلس بعد السجدة الثانية في الأولى والثالثة ولم يتشهد، قيل: صرف
إلى جلسة الاستراحة ولا سجود له واجبا أو مستحبا (3).
وقيل: إن جلس بقدر التشهد يسجد (4).
وقيل: إن جلس بقصد التشهد يسجد وإن جلس بقصد الاستراحة لا
يسجد وإن طال (5). وهو أجود الأقوال. وإن جلس لا عن قصد يصرف إلى
الاستراحة.
ومنها: الشك في أنه زاد أو نقص، نسب إلى الخلاف والمختلف (6)، ومال إليه في
روض الجنان (7)، واختار المفيد في العزية وجوبهما إن لم يدر زاد سجدة أو نقص
سجدة، أو نقص ركوعا أو زاد ركوعا.

(1) منهم السبزواري في الذخيرة: 381، والكفاية: 27، والأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 152،
وصاحبا الحدائق 9: 326 والرياض 1: 223.
(2) التهذيب 2: 353 / 1466، الوسائل 8: 238 أبواب الخلل ب 23 ح 5.
(3) انظر: الذكرى: 230.
(4) نسبه الشيخ (ره) في الخلاف 1: 459، إلى من قال من أصحابنا بوجوب سجدتي السهو في كل
زيادة ونقصان.
(5) انظر: الحدائق 9: 339.
(6) الخلاف 1: 460، المختلف: 141.
(7) الروض: 354.
239

لصحيحة الفضيل المتقدمة (1)، وصحيحة زرارة: " إذا شك أحدكم في
صلاته فلم يدر أزاد أم نقص، فليسجد سجدتين وهو جالس " (2).
وصحيحة الحلبي: " إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا، أم نقصت أم زدت،
فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة، يتشهد فيهما تشهدا
خفيفا " (3).
ولا يخفى أن تلك الأخبار يحتمل أحد المعاني الثلاثة:
أحدها: أن يكون المعنى إذا شك في الزيادة وعدمها أو في النقيصة وعدمها
فتجب سجدة السهو لكل منهما.
وثانيها: أن يكون المراد إذا شك في أن الواقع هل هو زيادة أو نقص مع
القطع بوقوع أحدهما فتجب السجدة.
وثالثها: أن يكون المراد إذا شك في أنه هل وقع زيادة أو نقص أو لم يقع
شئ منهما تجب السجدة، فيشترط على هذا اجتماع احتمال الزيادة والنقص.
وظهورها في بعض هذه المعاني وإن ادعي ولكنه ليس ظهورا يليق للاتكال
ويتمم الاستدلال، فلذلك يحصل فيها الاجمال المانع عن الاحتجاج.
ولعله لأجل ذلك لم يذهب إلى مدلولها غير شاذ نادر، وهو أيضا أحد وجوه
ضعفها المسقط لحجيتها، سيما مع خلو أخبار أحكام الشك عن ذكرها، فعدم
الوجوب هو الأقوى.
وقد وردت سجدة السهو في بعض مواضع أخر في بعض الروايات، ولكنها
لعدم القول بها أو شذوذه لا تصلح لاثبات الحكم المخالف للأصل بل لاطلاق

(1) لا يخفى أنه لم تتقدم صحيحة الفضيل وقد تقدمت موثقة سماعة في ص: 236، ومتنها موافق
للصحيحة، انظر: الوسائل 8: 238 أبواب الخلل في 23 ح 6.
(2) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 1، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14
ح 2.
(3) الفقيه 1: 230 / 1019، التهذيب 2: 196 / 772، الإستبصار 1: 380 / 1441، الوسائل
8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.
240

بعض الروايات.
المسألة الثانية:
في بيان كيفية سجدة السهو وأحكامها:
اعلم أولا أن موضع سجدتي السهو بعد التسليم، وفاقا للمحكي عن
الصدوقين والعماني والشيخين والسيد والحلبي والديلمي (1)، بل هو المشهور، بل
عن الناصريات والخلاف والأمالي: أن عليه إجماعنا (2)، وإليه ذهب عامة متأخري
أصحابنا، للمستفيضة من الصحاح وغيرها، كصحاح ابن سنان (3)، وأبي
بصير (4)، وابن خالد (5)، وابن الحجاج (6)، ورواية القداح (7)، وغير ذلك،
بضميمة عدم الفصل لبعضها.
خلافا للمحكي في المعتبر عن قوم من أصحابنا (8)، فموضعهما للنقيصة قبل

(1) الصدوق في الأمالي: 513، حكاه عن والد الصدوق والعماني في المختلف: 142، الشيخ المفيد
في المقنعة: 148، الشيخ الطوسي في الخلاف 1: 448، والمبسوط 1: 125، والنهاية: 93،
السيد في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 37، والناصريات (الجوامع الفقهية): 201،
الحلبي في الكافي: 148، الديلمي في المراسم: 90.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 201، الخلاف 1: 449، أمالي الصدوق: 513.
(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 3، التهذيب 2: 195 / 767، الوسائل 8: 224 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 1.
(4) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 6، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14
ح 3.
(5) التهذيب 2: 158 / 618، الإستبصار 1: 362 / 1374، الوسائل 6: 402 أبواب التشهد ب
7 ح 3.
(6) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 4، التهذيب 2: 191 / 755، الإستبصار 1:
378 / 1433، الوسائل 8: 207 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 1.
(7) الفقيه 1: 225 / 994، التهذيب 2: 195 / 768، الإستبصار 1: 380 / 1438، الوسائل
8: 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 3.
(8) المعتبر 2: 399.
241

التسليم وللزيادة بعده، وتدل عليه صحيحتا الأشعري (1)، والجمال (2).
وفي الشرائع عن قائل (3)، فقبل التسليم مطلقا، وتدل عليه رواية أبي
الجارود (4).
ويجاب عنهما تارة بالشذوذ، إذ لم ينقل الأول إلا عن الإسكافي (5)، مع أنه
أنكره في الذكرى (6)، ولم ينسب الثاني إلى قائل، بل في المدارك عدم الظفر
بقائله (7).
وثانيا بمرجوحيتهما بالنسبة إلى ما مر، لموافقتهما للعامة كما تظهر من الفقيه
والتهذيبين والذكرى (8).
نعم في المعتبر والمنتهى نسب إلى أبي حنيفة الموافقة لأصحابنا (9)، وبه
يضعف الجواب بموافقة العامة، كما يضعف الجواب بالشذوذ بمنعه، سيما مع
النسبة في المعتبر إلى قوم منا.
إلا أنه أكثر أخبار المشهور يدل على الوجوب، ودلالة أخبار القولين
الأخيرين عليه غير معلومة، فغاية ما تدل عليه الجواز، إلا أن تتمم الدلالة
بالاجماع المركب، فالقول بالتفصيل غير بعيد.
ثم اعلم أنه يجب بعدهما التشهد والتسليم، على المشهور، بل عن المعتبر

(1) التهذيب 2: 195 / 769، الإستبصار 1: 380 / 1439، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 5 ح 4.
(2) الفقيه 1: 225 / 995، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 6.
(3) الشرائع 1: 119.
(4) التهذيب 2: 195 / 770، الإستبصار 1: 380 / 1440، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 5 ح 5.
(5) حكاه عنه في المختلف: 142.
(6) الذكرى: 229.
(7) المدارك 4: 282.
(8) الفقيه 1: 225 / 995، التهذيب 2: 195، الإستبصار 1: 380، الذكرى: 229.
(9) المعتبر 2: 399، المنتهى 1: 418.
242

والمنتهى الاجماع عليه (1)، للأخبار المستفيضة الواردة في الموارد الجزئية الآمرة فيهما
بالتشهد والتسليم. إلا أنه ليس شئ منها صريحا في وجوب التشهد، لورودها
بالجمل الخبرية الغير الصريحة في الوجوب جدا.
وأما صحيحة ابن أبي يعفور: " إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنه قد تركها
- إلى أن قال -: وإن كان شاكا فليسلم ثم ليسجدها وليتشهد تشهدا خفيفا ولا
يسميها نقرة " (2).
فهي وإن تضمنت الأمر إلا أن المراد بالتشهد فيها السجدة، وهي ليست
بواجبة في المورد قطعا، فلا يكون الأمر للوجوب أيضا، وكذا ما تضمن الأمر
بالتشهد الفائت فيها إذا نسي التشهد، فإنه يمكن أن يكون وجوبه حينئذ لقضاء
التشهد.
نعم، في صحيحة ابن سنان: " إذا كنت لا تدري أربعا صليت أو خمسا
فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما " (3).
دلت على وجوب التسليم وبه يثبت وجوب التشهد أيضا للاجماع المركب.
إلا أنه تعارضها موثقة الساباطي: عن سجدتي السهو، هل فيهما تكبير أو
تسبيح؟ فقال: " لا، إنهما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الإمام كبر إذا
سجد وإذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنه قد سها، وليس عليه أن يسبح فيهما،
ولا فيهما تشهد بعد السجدتين " (4).
وهي تدل على عدم وجوب التشهد الموجب لعدم وجوب السلام أيضا

(1) المعتبر 2: 401، المنتهى 1: 418.
(2) التهذيب 2: 156 / 609، الإستبصار 1: 360 /، 1366، الوسائل 6: 370 أبواب السجود ب
16 ح 1.
(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 3، التهذيب 2: 195 / 767، الوسائل 8: 224 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 1.
(4) الفقيه 1: 226 / 996، التهذيب 2: 196 / 771، الإستبصار 1: 381 / 1442، الوسائل
8: 235 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 3.
243

بالاجماع المركب، فيكون قرينة على عدم كون الأمر بالسلام للوجوب أيضا.
مضافا إلى النصوص الواردة بالأمر بالسجدتين من غير إيجاب لشئ بعدهما
مع ورودها في مقام الحاجة ظاهرا. وغايته التعارض الموجب للرجوع إلى وجوه
التراجيح، والترجيح مع الموثقة، لمخالفتها لما عليه أكثر العامة ومنهم أصحاب أبي
حنيفة كما صرح به في المنتهى (1).
مع أنه لولاه أيضا لوجب الرجوع إلى الأصل أو التخيير النافيين للوجوب
أيضا، فهو الحق، كما اختاره في المختلف (2)، وتبعه في الوافي والذخيرة (3)، وإليه
يميل كلام المدارك (4)، وغيره أيضا (5).
ويستحبان فيهما قطعا، لما مر.
وكذا لا يجب فيهما تكبيرة ولا تسبيح، وفاقا في الأول للأكثر، وفي الثاني
للمعتبر والنافع والمنتهى والمدارك والذخيرة (6)، وجمع آخر من متأخري
أصحابنا (7)، للأصل، والموثقة المتقدمة، فإنها تصرح بأنهما سجدتان فقط، وهو
ظاهر في نفي الغير سيما مع السؤال عن التكبير والتسبيح.
وبذلك يظهر دفع ما قيل في عدم دلالة الموثقة بأنها تنفي التسبيح وهو
مسلم، إذ ذكرهما ليس تسبيحا (8).
وخلافا في الأول للمنقول عن المبسوط (9)، ولم ينقل له دليل.
وفي الثاني للأكثر، للأخبار المتضمنة لذكرهما، كصحيحة الحلبي: " تقول

(1) المنتهى 1: 418.
(2) المختلف: 143.
(3) الوافي 8: 996، الذخيرة: 382.
(4) المدارك 4: 283.
(5) كالحدائق 9: 333، وكفاية الأحكام: 27.
(6) المعتبر 2: 401، النافع: 45، المنتهى 1: 418، المدارك 4: 283، الذخيرة: 382.
(7) كابن فهد في المهذب البارع 1: 450، والأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 162.
(8) الحدائق 9: 336.
(9) المبسوط 1: 125.
244

في سجدتي السهو: بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد " قال: و سمعته
مرة أخرى يقول فيهما: " بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته " (1).
والأخرى مثلها أيضا إلا أن فيها: " وصلى الله على محمد وآل محمد " (2).
وفي بعض النسخ " والسلام عليك " بزيادة الواو.
وقريبة منها في الرضوي (3).
وترد بعدم دلالتها على الوجوب، فيكون مستحبا كالتكبير أيضا، لفتوى
الجماعة الكافية في مقام الاستحباب. لا للموثقة، لاختصاصها بالإمام وأنه
للاعلام لا لخصوص السجدة.
ثم الظاهر أداء المستحب من الذكر بكل واحد من النسخ المذكورة، وأما
القول باستحباب مطلق الذكر فيهما فلا مستند له.
وأما التشهد المستحب فيهما فالظاهر حصوله بمطلق الشهادتين، لاطلاق
التشهد. لا للتقييد بالخفيف في الأخبار، لأنه كما يمكن أن يكون المراد به مقابل
التشهد الواجب في الصلاة، يمكن أن يكون المراد مقابل التشهد الطويل
المستحب فيها وإن كان الظاهر الأول.
ويضم الصلاة على النبي وآله معه أيضا، للاجماع.
وأما التسليم فهو أيضا وإن كان مطلقا إلا أن الشائع في الأخبار عند
الاطلاق إحدى الصيغتين الأخيرتين، فالظاهر تعين إحداهما وعدم حصول
الانصراف بالأولى كما عن الحلبي (4).

(1) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 5، الوسائل 8: 234 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20
ح 1.
(3) الفقيه 1: 226 / 997، التهذيب 2: 196 / 773، الوسائل 8: 234 أبواب الخلل الواقع في
الصلاة ب 20 ح 1.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): 120، مستدرك الوسائل 6: 415 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 1.
(4) الكافي في الفقه: 148.
245

والحق عدم وجوب الطهارة والاستقبال فيهما أيضا، وفاق، لبعض الأجلة،
وظاهر التحرير والمختلف (1)، وتردد في القواعد فيهما (2)، للأصل.
وقيل بوجوبهما (3)، لما دل على وجوبهما قبل التكلم، ولكونهما مكملتان
للصلاة التي يشترط الأمران فيها.
وضعفهما ظاهر.
ولا السجود على الأعضاء السبعة، لما ذكر.
نعم، الظاهر وجوب السجود على ما يصح السجود عليه، لما مر في سجود
التلاوة.
وكذا يجب رفع الرأس عن الأول تحقيقا للتثنية.
وأما الطمأنينة في السجود، أو الجلوس بينهما، أو الطمأنينة فيه، فلا دليل
عليها، والأصل ينفيها.
فروع:
أ: لو ترك سجدة السهو عمدا لم تبطل صلاته، ووجب الاتيان بها وإن طالت
المدة، على الحق المشهور، لأصالة عدم اشتراط صحة الصلاة بها.
وعن الخلاف الاشتراط (4)، لأصل الاشتغال.
ويرد بحصول البراءة مما علم الاشتغال به.
ب: هل وجوبها فوري، أم لا؟.
، صرح بعضهم بالأول (5)، لدلالة الأخبار على أن محلها بعد التسليم قبل

(1) التحرير 1: 50، المختلف: 143.
(2) القواعد 1: 44.
(3) كما في نهاية الإحكام 1: 548، والألفية: 72.
(4) الخلاف 1: 462.
(5) كما في الحدائق 9: 339.
246

التكلم.
وفيه: أنه غير دال على الفورية.
والأصل يقتضي الثاني، وهو الأظهر، له، ولموثقة عمار: عن الرجل يسهو
في صلاته فلا يذكر ذلك حتى يصلي الفجر، كيف يصنع، قال: " لا يسجد
سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها " (1).
ومما ذكر يظهر عدم وجوب كونها في الوقت أيضا.
ج: لو تعدد الموجب للسجود فالحق التداخل وكفاية سجدتين للجميع، وفاقا
للمبسوط (2)، وجمع من أفاضل متأخري المتأخرين (3)، للأصل، وصدق
الامتثال، ولقولهم عليهم السلام المروي بأسانيد عديدة: " إذا اجتمعت لله عليك
حقوق أجزأك عنها حق واحد " (4).
ولأصالة تداخل الأسباب كما بيناها في موضعه.
خلافا للفاضل (5)، وجمع من المتأخرين (6)، فقالوا بعدم التداخل مطلقا.
لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لكل سهو سجدتان " (7).
ولأصالة عدم التداخل.
ويرد الأول: بعدم ثبوت الخبر، بل هو عامي غير حجة.

(1) التهذيب 2: 353 / 1466، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 2.
(2) المبسوط 1: 123.
(3) منهم السبزواري في الذخيرة: 382، والمجلسي في البحار 85: 227، وصاحب الحدائق 9:
341.
(4) الكافي 3: 41 الطهارة ب 28 ح 1، التهذيب 1: 107 / 279، الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة
ب 43 ح 1، وفي الجميع: " أجزاك عنها غسل واحد ".
(5) في التحرير 1: 50، والتذكرة 1: 142، ونهاية الإحكام 1: 549.
(6) كالشهيد في الذكرى: 229، والأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 198، ونسب في مفتاح الكرامة 3:
376 إلى العلامة والموجز الحاوي وكشف الالتباس والجعفرية والعزية وإرشاد الجعفرية وشرح
الألفية للكركي والجواهر.
(7) سنن أبي داود 1: 272 / 1038.
247

والثاني: بالمنع.
وقد أطال بعضهم زمام الكلام في هذا المقام بذكر ما يذكر في الأصول من
أدلة أصالة عدم التداخل، وقد ذكرناها هناك.
وللحلي، فقال بالتفصيل بالتداخل مع تجانس الأسباب المتعددة، وبعدمه
مع التغاير في الجنس (1)، إذ مع التجانس كتكرار التكلم ليس إلا أمر واحد هو
مثلا قوله: " من تكلم ساهيا يجب عليه سجدتا السهو " فيمتثل بفعل واحد، ومع
التغاير كالتكلم ونسيان التشهد تتعدد الأوامر، إذ ورد لكل منهما أمر على حدة،
فيحتاج امتثال كل منهما إلى فعل آخر.
ويرد: بمنع المقدمة الأخيرة؟ لحصول امتثال الأوامر العديدة بفعل واحد
أيضا.
د: ظاهر جمع من الأصحاب تحريم تخلل منافيات الصلاة بينها وبين سجدة
السهو، وربما كان التفاتهم إلى ورود الأمر بها قبل الكلام الذي هو من المنافيات،
وتخصيصه بالذكر من حيث إنه الغالب وقوعه بعد الفراغ، وذكره من باب
التمثيل.
وفيه: منع كون ذلك من هذا القبيل، ومقتضى الأصل التخصيص
بخصوص ما ورد، مع أن الأخبار المتضمنة لكونها قبل الكلام لا صراحة لها على
الوجوب أصلا.
فالحق عدم تحريم تخلل الكلام الذي هو مورد الأخبار أيضا، كما ذكره
الشهيد في الألفية (2)، فكيف بغيره من المنافيات؟!.
المسألة الثالثة:
فيما يتعلق بصلاة الاحتياط من الأحكام، وهي أمور:

(1) السرائر 1: 258.
(2) الألفية: 72.
248

منها: أنه يجب أن تكون بعد التسليم، بلا خلاف يوجد، كما قيل (1)، للأخبار
المستفيضة المصرحة، كالموثقات الأربع المتقدمة لعمار والبقباق (2)، والصحاح
الخمس السابقة لمحمد وابن أبي يعفور والحلبي والبجلي وابن أبي العلاء (3)، وغير
ذلك، المؤيدة كلها بتضمن جملة منها أنه إن كان ما صلى تماما كانت هذه نافلة،
ولا يستقيم ذلك إلا بعد انفرادها عن الفريضة، وبما ذكر يقيد ما تضمن الأمر بها
مطلقا.
ومنها: أنه يجب فيها النية، وتكبيرة الاحرام، والتشهد، والتسليم، وسائر ما يجب
في السلاة غير القيام في الجملة، لا لما قيل من أنه لازم انصرافها إلى النافلة المصرح
به في الروايات (4)، لمنع الاستلزام، بل لظاهر الاجماع.
مضافا في النية، إلى ما يدل على اعتبارها في سائر الأفعال.
وفي التكبيرة بل في سائر الواجبات، إلى مطلقات الأمر بها في مطلق الصلاة
الذي هذا أيضا فرد منه، كما يظهر من الأخبار الآمرة بها في موارد كل منها
بخصوصه، سيما التكبيرة. وعدم صراحة بعضها في الوجوب غير ضائر، للاجماع
المركب.
وفي التكبيرة، إلى رواية الشحام الواردة فيمن صلى الست والخمس
المتقدمة (5). ولا يضر عدم وجوب صلاة الاحتياط هنا، لأن انتفاء حكم بدليل
عن شئ لا ينفي غيره أيضا، مع أنه لا قائل بالفصل، فكل من يثبت التكبير
يوجبه.
وفيها وفي التسليم، إلى الروايات المصرحة بأن تحريمها التكبير وتحليلها

(1) الرياض 1: 219.
(2) راجع ص 141 و 143.
(3) راجع ص 142 و 143.
(4) الرياض 1: 219.
(5) في ص 158.
249

التسليم، حيث إنه حلل عن الصلاة الأولى بالتسليم الذي هو محلل بالأخبار،
فلا بد لهذه الصلاة من محرم.
وفيه، إلى صحيحة زرارة (1)، ومرسلة ابن أبي عمير (2).
وفيه وفي التشهد، إلى صحيحة محمد (3).
وفيهما وفي السجدة، إلى صحيحتي ابن أبي يعفور (4)، والحلبي (5).
وعن الراوندي أنه قال: من أصحابنا من قال: إنه لو شك بين الاثنتين
والأربع أو غيرهما من تلك الأربعة فإذا سلم قام ليضيف ما شك فيه إلى ما
يتحقق، قام بلا تكبيرة الاحرام ولا تجديد نية، ويكفي بذلك علمه وإرادته،
ويقول: لا تصح نية مترددة بين الفريضة والنافلة على الاستئناف، وإن صلاة
واحدة تكفيها نية واحدة، وليس في كلامهم ما يدل على خلافه، وقيل: ينبغي أن
يؤدي ركعات الاحتياط قربة إلى الله، ويكبر و يصلي. انتهى (6).
وظاهر الراوندي نفسه التردد، وهو ظاهر بعض مشايخنا الأخباريين، بل
ظاهره الميل إلى العدم، وقال: إطلاق الأخبار في الاحتياط يعضده، والذي وقفت
عليه من عبارات جملة من المتقدمين وجل المتأخرين خال عن التكبير أيضا.

(1) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 3، التهذيب 2: 192 / 759، الإستبصار 1:
375 / 1423، الوسائل 8: 214 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 1.
(2) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 6، التهذيب 2: 187 / 742، الوسائل 8: 223 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 4.
(3) التهذيب 2: 185 / 737، الإستبصار 1: 372 / 1414، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 11 ح 6.
(4) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 4، التهذيب 2: 186 / 739، الوسائل 8: 219 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.
(5) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 8، الفقيه 1: 229 / 1015، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل
الواقع في الصلاة ب 11 ح 1.
(6) حكاه في الحدائق 9: 302 عن بعض متأخري أصحابنا عن القطب الراوندي في شرح النهاية
الطوسية.
250

انتهى (1).
أقول: ما ذكرة البعض من كفاية العلم والإرادة فإن أراد العلم والإرادة
المتحققين للصلاة الأصلية حتى يكون مراده كفاية الاستدامة الحكمية، فقد
عرفت في المباحث السالفة أن تحققها فرع عدم نية المنافي، وهي هنا بالتسليم قد
تحققت، فلا يفيد العلم والإرادة السابقان. وإن أراد العلم والإرادة المتجددين
حين صلاة الاحتياط فهو عين النية ولا يريد منها.
إلا أن يكون غرضه عدم الاحتياج إلى ضم القربة. وبطلانه ظاهر، لأنه
إن أراد كفاية قصد القربة المتقدم فليقل به في العلم والإرادة أيضا. وإن أراد عدم
الحاجة إلى قصد القربة مطلقا ففساده ظاهر.
وليست النية المتجددة مترددة بين الفرض والنافلة، بل ينوي الفريضة
البتة، نعم ورد في الأخبار أن مع تمامية الصلاة يحسب تلك نافلة، لا أن المصلي
ينويها.
وليست هذه الصلاة مع الأصل صلاة واحدة، لتخلل التسليم بينهما.
وأما ما ذكره بعض مشايخنا من اعتضاد إطلاق الأخبار لذلك وكذا خلو
أكثر العبارات فقيه: أن ذلك موكول إلى الظهور، فإن الأمر بالصلاة يكفي عن
الأمر بجميع ذلك، لظهور جزئيتها لها، ولذا لم يتعرض في أوامر الصلوات الكثيرة
الواجبة أو المستحبة لشئ منها.
ومنها: أنه تجب فيها قراءة الفاتحة، على الأظهر الأشهر، كما صرح به جماعة من
المتأخرين (2)، لأنها صلاة منفردة، كما يظهر من الأخبار، ولا صلاة إلا بفاتحة
الكتاب. وانصراف الأخبار إلى الأفراد الشائعة إنما هو في الاطلاق دون
العمومات، مع أن صلاة الاحتياط ليست بأندر من كثير مما يستدلون بذلك فيه.
ولأصالة الاشتغال، فإن وجوب أحد الأمرين من الفاتحة والتسبيح ثابت

(1) الحدائق 9: 302.
(2) انظر: كفاية الأحكام: 26، والبحار 85: 211، والحدائق 9: 307، والرياض 1: 219.
251

قطعا، فلا تحصل البراءة اليقينية إلا بالاتيان بما يوجب البراءة يقينا وهو الفاتحة.
ويؤيده تضمن المستفيضة الواردة في المسألة للفاتحة أو أم القرآن أو أم
الكتاب وإن كان بالجملة الخبرية التي هي في الوجوب غير صريحة.
خلافا للمنقول عن المفيد والحلي، فخيرا بينها وبين التسبيح (2).
لأصالة عدم التعيين.
وإطلاق كثير من الروايات.
ونص بعضها بأنه " يتم ما ظن أنه نقص " والصلاة بالتسبيح أيضا مثل ما
نقص.
ولأنها بدل من الناقص، والبدل لا يزيد حكمه عن المبدل.
ويرد الأول: باندفاعه بما مر.
والثاني. بتقييده به وبالاجماع، حيث إنه يجب في هذه الصلاة غير ما أطلق
في هذه الروايات من الركعتين شئ آخر من الفاتحة أو التسبيح.
والثالث: بأن الصلاة المتضمنة لكل من الفاتحة والتسبيح وإن كانت مثل
ما نقص إلا أنه لا ينافي ثبوت الزيادة بدليل آخر كما علمت زيادة التكبير والتشهد
والتسليم، مع أنه لا عموم له لفظة ما الموصولة، والزائد عما يقتضيه واجب قطعا
فيعمل فيه بأصل الاشتغال.
والرابع: بمنع عدم إمكان الزيادة.
ومنها: أنه هل يجب الاحتراز عن منافيات الصلاة بينها وبين صلاة الأصل، أم
لا؟ وعلى الأول هل تبطل الصلاة بعدم الاحتراز، أم لا؟.
أما الأول فيظهر من الذكرى أن ظاهر الفتاوى والأخبار وجوب
الاحتراز (2)، ونسبه بعض مشايخنا إلى الأكثر (3).

(1) المفيد في المقنعة: 146، الحلي في السرائر 1: 254.
(2) الذكرى: 227.
(3) الرياض 1: 219.
252

ويظهر من بعض المتأخرين الميل إلى عدم الوجوب (1)، بل هو ظاهر أكثر
من يقول بعدم الابطال. وهو الأظهر، لحصول التحليل بالتسليم، وللأصل
الخالي عن المعارض سوى ما قيل (2) من أنه مبطل للصلاة كما يأتي، وإبطال العمل
حرام، فتركه واجب.
ومن الأمر بسجدة السهو لو تكلم في صحيحة ابن أبي يعفور، قال فيها
- بعد الأمر بصلاة الاحتياط -: " وإن تكلم فليسجد سجدتي السهو " (3) ولا يمكن
أن يكون المراد التكلم في أصل الصلاة، إذ لا مدخل له في جواب السؤال، ولا
في صلاة الاحتياط، لأنها من السهو الذي لا حكم له، فالمراد التكلم بين
الصلاتين.
وللأمر بها بعد التسليم بالفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة في عدة روايات،
كموثقات عمار المتقدمة (4)، ورواية أبي بصير (5)، وغيرها.
ولقوله في صحيحة زرارة: " وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع (وقد أحرز
الثلاث) قام فأضاف إليها أخرى " (6) فإن جعل القيام جزاء يقتضي تعقيب فعله
بالشرط.
وللاستصحاب.
ويرد الأول: بمنع إبطاله الصلاة كما يأتي.
والثاني: بمنع ترتب سجدة السهو على التكلم في صلاة الاحتياط،

(1) كما في الذخيرة: 378.
(2) انظر: الرياض 1: 219.
(3) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 4، التهذيب 2: 186 / 739، الإستبصار 1:
372 / 1415، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.
(4) في ص 141.
(5) التهذيب 2: 185 / 738، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 8.
(6) الكافي 3: 351 الصلاة ب 40 ح 3، التهذيب 2: 186 / 740، الإستبصار 1:
373 / 1416، الوسائل 8: 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 3، وما بين المعقوفين
أضفناه من المصادر.
253

فيحتمل أن يكون هو المراد، أو يكون المراد التكلم في الصلاة ولم يكن جوابا عن
السؤال بل بيانا لحكم من الأحكام، سلمنا ولكن ترتب سجدة السهو عليه غير
صريح في تحريمه.
و الثالث: بمنع دلالة الفاء الجزائية على التعقيب بلا مهلة - كما صرح به
بعضهم (1) - أولا، ومنع منافاة كل منافب للصلاة للتعقيب ثانيا.
وقد يجاب عنه أيضا بوجوب إخراج الفاء عن معنى التعقيب بلا مهلة هنا
قطعا بدلالة ذكر " ثم " في بعض الأخبار، وعدم ذكر شئ منهما في بعض آخر.
ووهنه ظاهر، إذ لا يجب التراخي هنا إجماعا، فلا تبقى لفظة " ثم " على
معناها بالاجماع، وذلك لا يوجب الخروج عن حقيقة لفظ آخر أيضا، فهو باق
على حقيقته مقيد لما لم يتعرض، لعدم ذكر شئ منهما.
والرابع: بمنع اقتضاء الجزاء تعقيب فعل الجزاء له، بل يقتضي تعقيب
الترتب وهو حاصل.
والخامس: باندفاع الاستصحاب ببعض ما مر، مع أنه معارض
باستصحاب الحلية قبل الصلاة.
وأما الثاني فعن القواعد والمختلف والذكرى (2)، وجمع آخر (3): البطلان،
وهو ظاهر المفيد (4)، لبعض ما مر بجوابه، مضافا إلى أن تسليم وجوب المبادرة
والاحتراز لا يستلزم البطلان بانتفائهما.
ولأن الاحتياط معرض لأن يكون تماما للصلاة، فكما تبطل الصلاة بتخلل
المنافي بين أجزائها المحققة فكذا ما هو بمنزلتها.
ويرد: بأن فعل شئ استدراكا للفائت في الصلاة لا يقتضي جزئيتها لها،

(1) الذخيرة: 378.
(2) القواعد 1: 43، المختلف: 139، الذكرى: 227.
(3) منهم صاحب الرياض 1: 219، ونسبه في مفتاح الكرامة 3: 367 إلى الدرة والمصابيح وغيرهما.
(4) حكاه عنه في المختلف: 139.
254

سيما مع انفصالها عنها بالنية والتكبير ونحوهما.
وذهب الحلي، والفاضل في التحرير والارشاد، وولده في شرح القواعد إلى
عدم البطلان (1).
وهو الأقوى، للأصل، وإطلاق ما ورد من أن تحليل الصلاة التسليم، وهو
شامل للمورد أيضا، فتكون المنافيات حلالا، فلا تبطل بها الصلاة. وإطلاق
الأخبار الدالة على صحة الصلاة بتخلل الحدث قبل التسليم.
ومنها: أنه هل يجب أن يكون في وقت صلاة الأصل؟.
لا يحضرني الآن من تعرض له، إلا أن القول بجزئيتها لها يستلزمه، ولكن
الجزئية ممنوعة.
ومنها: أنه هل يجب الفور بها؟.
الأصل يقتضي عدمه.
فائدة:
حكم الأجزاء المنسية المقضية بعد الصلاة حكم صلاة الاحتياط في عدم
وجوب الفورية والاحتراز عن تخلل المنافي، وعدم بطلان الصلاة لو تخلل، للأصل
السالم عن المعارض بالمرة.
وقال جماعة منهم الفاضل في التذكرة والنهاية بالبطلان (2)، بل قيل بأن
الحكم بالبطلان هنا أولى منه في صلاة الاحتياط، لمحوضة الجزئية اليقينية هنا (3).
وفيه: منع المحوضة بل الجزئية، وإنما هي أفعال أخرى يؤتى بها بأوامر
أخرى، وقد حلل بالتسليم ما كان حراما، فلا وجه لتحريمه بلا دليل.

(1) الحلي في السرائر 1: 256، التحرير 1: 50، الإرشاد 1: 270، الإيضاح 1: 142.
(2) التذكرة 1: 140، نهاية الإحكام 1: 545.
(3) الرياض 1: 219.
255

وبه يظهر الجواب عن التمسك باستصحاب الحرمة والابطال، مضافا إلى
ما مر من معارض الاستصحاب.
وعن شرح القواعد لفخر المحققين (1)، وابن فهد في المحرر (2): أنه لو
أحدث قبل الأجزاء المنسية عامدا بطلت صلاته، ولو كان سهوا، أو بعد الوقت،
أو بعد أن مضى بعد التسليم زمان يخرج عن كونه مصليا، لم تبطل. بل ظاهر
الأول الاجماع على عدم البطلان في هذه الصور، إذ مع ذلك يخرج عن الجزئية فلا
تبطل، بخلاف ما قبله، فإنها جز حينئذ.
وفيه منع ظاهر.
وقد يستدل للجزئية بالأصل والظاهر، لأن الأصل والظاهر عدم إجزاء
عبادة عن أخرى، وأيضا الأصل بقاؤها على الجزئية، والظاهر اتحاد المتوافقين في
الهيئة.
وضعف الجميع في غاية الظهور.
ومما ذكرنا ظهر عدم دليل على اشتراط الطهارة في الأجزاء المنسية أيضا، كما
هو مقتضى الأصل.
المسألة الرابعة.
لو تذكر الشاك بعد الفراغ من الصلاة الأمر المشكوك فيه، فإما يتذكر بعد
صلاة الاحتياط أو في أثنائها أو قبلها، وعلى التقادير إما يتذكر عدم الحاجة إلى
صلاة الاحتياط وكون ما بني عليه من الأكثر مطابقا للواقع، أو الحاجة إليه.
فإن تذكر بعدها عدم الحاجة إليها، كان يتذكر الشاك بين الثلاث والأربع
بعد صلاة الاحتياط أن ما صلاها كان أربعا فلا خلاف ولا إشكال في صحة
الصلاة.

(1) الإيضاح 1: 143.
(2) حكاه عن المحرر في غاية المرام على نقل صاحب مفتاح الكرامة 3: 370.
256

وإن تذكر في الأثناء أو قبلها فظاهرهم الاتفاق على تمامية الصلاة، وجواز
قطع الاحتياط في الأول من جهة عدم توقف صحة الصلاة عليه وإن اختلف فيه
من جهة جواز قطع النافلة وعدمه، والاستغناء عنها في الثاني.
ويدل عليه قوله في صحيحة ابن أبي يعفور: " وإن كان صلى أربعا كانت
هاتان نافلة " (1).
فإنه بعد تذكر عدم الحاجة إلى الاحتياط يعلم كونها نافلة، فيكون مستغنى
عنها لأجل الصلاة، وبذلك يدفع استصحاب وجوب الاحتياط.
وإن تذكر الحاجة إليها أي نقصان الصلاة عما بنى عليه: فإن كان بعد
الفراغ عن الاحتياط لم يلتفت إلى ما تذكر وصحت صلاته، على الأظهر الأشهر
كما قيل (2)، بل بالاتفاق كما صرح به بعض الأجلة.
للاستصحاب، واقتضاء الأمر للاجزاء، وتصريح الأخبار بأن الصلاة لو
كانت ناقصة كان الاحتياط متمما، بل صرح في موثقة الساباطي بقوله: " وإن
ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت " (3).
وبه يدفع ما لعله يتوهم من دلالة ما دل على بطلان الصلاة بالنقص، على
البطلان أو إتمام الصلاة مع عدم تخلل المنافي هنا، مع أن في شمول أدلتها للمورد
نظرا ظاهرا، كما لا يخفى على المتتبع فيها.
وعن بعض الأصحاب البطلان في صورة مخالفة الاحتياط للناقص (4)،
كما إذا شك بين الاثنتين والثلاث والأربع، ثم ظهر له بعد الاحتياط كون ما صلي
ثلاثا، للزوم الاختلال بنظم الصلاة، حيث إن ما يبدأ به من الاحتياط ركعتان

(1) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 4، التهذيب 2: 186 / 739، الإستبصار 1:
372 / 1415، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ب 11 ح 2.
(2) نسبه صاحب الحدائق (9: 308) إلى المشهور.
(3) التهذيب 2: 349 / 1448، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3.
(4) الظاهر هو أبو العباس ابن فهد في كتابه الموجز الحاوي، كما حكاه عنه صاحب مفتاح الكرامة 3:
358.
257

من قيام، وهو مخالف الناقص، والمطابق له متأخر.
وفيه: أن ذلك إنما يتم على جزئية صلاة الاحتياط، وهي ممنوعة، مع أنه
لو اشترط المطابقة بين الاحتياط وما يعوض عنه لم يسلم احتياط تذكر فاعله الحاجة
إليه، لتحقق زيادة النية والتكبيرة ونحوهما.
وإن كان في أثنائه فلا يخلو إما أن يكون الاحتياط مطابقا للناقص أو في غير
مطابق.
فعلى الأول فيه قولان:
بطلان الصلاة واستئنافها، نظرا إلى أن المعلوم ثبوته من الأخبار ورودها
بالنسبة إلى الشك المستمر إلى الفراغ من الاحتياط، والشرط المذكور فيها بأنه إن
كانت صلاته تامة فكذا وإن كانت ناقصة فكذا، إنما هو بالنظر إلى الواقع لا
بالنظر إلى ظهور ذلك للمكلف.
وصحتها ووجوب إتمام الاحتياط، لعموم الأدلة. واختصاصها بالشك
المستمر ممنوع غايته بعد تسليم الاختصاص بالمستمر إلى الفراغ عن صلاة
الأصل.
وهو الحق، لما ذكر، وللاستصحاب.
وعلى الثاني قيل (1): فيه احتمالات: إتمام الاحتياط كما كان يتمه قبل
التذكر، والاقتصار على القدر المطابق إن لم يتجاوزه، وبطلان الصلاة.
أجودها الأول، لما مر.
وإن كان بين الصلاتين فقيل (2): إما أن يكون فعل منافيا يبطل الصلاة
عمدا وسهوا، أو لا. فعلى الثاني يتم صلاة الأصل ويسجد سجدة السهو لما زاده
من التشهد والتسليم. وعلى الأول يبني على المسألة المتقدمة المبينة لحكم من سلم
في غير موضعه من كون المنافي مبطلا أم لا.

(1) الحدائق 9: 309.
(2) الحدائق 9: 309.
258

أقول: لو قلنا بوجوب إتمام الاحتياط وعدم الالتفات إلى التذكر لعموم
أدلته، لم يكن ذلك ببعيد.
وعدم انصرافها إلى مثل تلك الصورة لندرتها، معارض بورود ذلك بعينه
في أدله إتمام الصلاة قبل فعل المنافي لو سلم في غير موضعه، وبطلانها بعده.
والمسألة محل تردد، والأولى العمل بالأمرين معا.
هذا كله إذا لم يحتمل الزيادة. وأما إذا احتملها كما إذا شك بين الخمس
وغيرها وبنى على الأقل، فإن تذكر المطابقة فلا إشكال. وإن تذكر الزيادة فإن
كان الشك بين غير الخمس والأربع فالظاهر عدم الاشكال في بطلان الصلاة،
لأخبار البطلان بتيقن الزيادة، وكان البناء على الأقل للأصل الغير المقاوم للخبر.
وإن كان بينهما فيحصل الاشكال من جهة ما ذكر ومن جهة خصوص الأمر
المقتضي للاجزاء هنا، والاحتياط ثانيا فيه طريق الاحتياط.
* * *
259

المقصد الرابع
في سائر ما يتعلق بالصلاة من أحكام القضاء،
والجماعة، والسفر
وفيه ثلاثة أبواب:
261

الباب الأول
في القضاء
وهو إما يكون قضاء للقاضي نفسه أو لغيره، فها هنا فصلان:
263

الفصل الأول
فيما يقضي كل أحد عن نفسه
والكلام فيه إما فيما يجب قضاؤه أو في أحكام ما يجب قضاؤه، فها هنا بحثان:
البحث الأول
فيما يجب قضاؤه، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
من ترك الصلاة من المكلفين المسلمين مستحلا تركها أو مستخفا بها، خرج
عن الاسلام وكفر، وجرت عليه أحكام الارتداد، بلا خلاف يوجد، وفي المنتهى
وغيره: الاجماع عليه (1)، لانكاره ما علم ثبوته من الدين ضرورة، ولصحيحة ابن
سنان: " من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه من الاسلام " (2).
وأما كون ترك الصلاة كبيرة فتدل عليه الأخبار، منها رواية عبيد: عن
الكبائر، فقال: " هن في كتاب علي عليه السلام سبع: الكفر بالله " إلى أن قال:
قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر! فقال: " أي شئ أول ما قلت لك؟
قال: قلت: الكفر، قال: " فإن تارك الصلاة كافر " (3).
ولرواية مسعدة وفيها بعد السؤال عن وجه تسمية تارك الصلاة كافرا قال:
" وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافا بها - إلى أن قال -: وإذا وقع الاستخفاف
وقع الكفر " (4).،

(1) المنتهى 1: 424، وانظر: التذكرة 1: 86، والذكرى: 131، والتحرير 1: 51.
(2) الكافي 2: 285 / 23، الوسائل 1: 33 أبواب مقدمة العبادات ب 2 ح 10.
(3) الكافي 2: 278 / 8، الوسائل 15: 321 أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب 46 ح 4.
(4) الفقيه 1: 132 / 616 الوسائل 4: 41 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 11 ح 2.
265

والمروي في ثواب الأعمال ومحاسن البرقي: " ما بين المسلم وبين أن يكفر إلا
أن تترك الصلاة الفريضة متعمدا أو يتهاون بها ولا يصليها " (1).
ولا يتوهم تعارض مفهومي الصحيحة ورواية مسعدة في المستحل
والمستخف بالعموم من وجه فلا يثبت الحكم في مادة التعارض، لأن كل مستحل
مستخف، فالتعارض بالعموم المطلق فلا يضر.
وبمفهوم الصحيحة ورواية مسعدة يقيد إطلاق كفر تارك الصلاة في كثير
من الروايات بالمستحل والمستخف، أو تحمل الاطلاقات على المبالغة، أو على
ضرب من الكفر غير ما يوجب الارتداد، أو على ترتب بعض أحكام الكفر عليه
من وجوب القتل بعد تكرره، كما هو ظاهر أكثر تلك الروايات من اعتبار التكرر.
ثم مقتضى الاطلاقات الارتداد بتركها مستحلا أو مستخفا وإن احتملت
الشبهة في حقه، إلا أن الأصحاب قيدوه بعدم احتمالها كما هو مقتضى الدليل
الأول، وهو الموافق للاحتياط في الدماء.
قيل: وفي حكم ترك الصلاة ترك جز أو شرط معلوم ثبوته من الدين
ضرورة، كالركوع والطهارة، دون ما ليس كذلك.
وهو كذلك إذا لم تحتمل الشبهة في حقه. ودل على إنكاره النبي صلى الله عليه
وآله.
ولو تركها لا عن استحلال أو استخفاف عزر، فإن عاد يعاد إلى التعزير،
فإن عاد ثالثة يقتل على قول، وقيل: يقتل في الرابعة (2).
والخلاف هنا مبني على الخلاف في أصحاب الكبائر هل يقتلون في الثالثة
أو الرابعة، ولتحقيق المسألة محل آخر يأتي إن شاء الله.

(1) ثواب الأعمال: 274 / 1، المحاسن 1: 80 / 8، الوسائل 4: 42 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها
ب 11 ح 6.
(2) كما في المبسوط 1: 129، والذكرى: 131، وروض الجنان: 355.
266

المسألة الثانية:
الأصل في كل من أخل بالصلاة الواجبة الموقتة عمدا كان الاخلال بها أو
سهوا أو جهلا أو لعذر أو ضرورة، وبالجملة بأي نحو كان، أنه يجب عليه
القضاء.
لصحيحة زرارة والفضيل: " ومتى ما استيقنت أو شككت في وقتها أنك لم
تصلها، أو في وقت فوتها أنك لم تصلها، صليتها، فإن شككت بعد ما خرج وقت
الفوت فقد دخل حائل، فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن، فإن استيقنت
فعليك أن تصليها في أي حال كنت " (1).
وروايته: " إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى، فإن كنت تعلم أنك
إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك، فإن الله تعالى
يقول: أقم الصلاة لذكري، وإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك فاتتك
التي بعدها فابدأ بالتي أنت قي وقتها فصلها، ثم أقم الأخرى " (2).
والنبوي المشهور: " من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها " (3).
وغير ذلك من الأخبار المتواترة الواردة في خصوص النائم والناسي والساهي
والمغمى عليه والمصلي بغير طهور.
وتوهم عدم شمول ما تضمن لنحو قوله " فاتته " لمن لم يكلف بالأداء - كما
هو مذكور في عبارات كثير من العلماء كالمنتهى وروض الجنان والذكرى (4)، وغيرها -
لأن موضعها من صدق عليه الفوت، وليس إلا من طولب بالأداء، وإلا لم
يصدق الفوت، كما لا يصدق على الصغير والمجنون ونحوهما، غير صحيح.

(1) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276 / 1098، الوسائل 4: 283 أبواب
المواقيت ب 60 ح 1.
(2) الكافي 3: 293 الصلاة في 12 ح 4، التهذيب 2: 268 / 1070، الإستبصار 1:
287 / 1051، الوسائل 4: 287 أبواب المواقيت ب 62 ح 2.
(3) صحيح مسلم 1: 471 / 309.
(4) المنتهى 1: 420، روض الجنان: 355، الذكرى: 134.
267

لا لما قيل من عدم صحة السلب، فلا يقال للنائم الفائت عنه صلواته: ما
فاتته الصلاة (1)، لجواز استناد ذلك إلى اشتراط قابلية المحل في صدق الفوت
وعدمه، ولذا لا يقال للصغير: فاتته الصلاة ولا ما فاتته.
بل لمنع توقف صدق الفوت على وجوب الأداء، كيف؟! وقد استعمل في
الاغماء المستوعب والنسيان والنوم إلى خارج الوقت بحيث لا يحصى كثرة في
الأخبار، والأصل في الاستعمال الحقيقة، إذ لا يعلم له معنى سواه غير شامل
لذلك، بل مقتضى المعنى اللغوي أيضا شموله له.
نعم، يشترط في صدقه أن يكون الموضع من كان من شأنه الطلب منه الأداء
ولو فعله كان مأمورا به صحيحا، ولذا لا يستعمل ذلك في الصغير والمجنون
ونحوهما.
مع أنه لو سلم ذلك فلا ينحصر دليل ذلك بما تضمن لفظ الفوت، بل فيها
ما يشمل الكل قطعا كصحيحة زرارة والفضيل.
هذا فيما إذا ترك أصل الصلاة أو عمدتها التي يصدق معه ترك الصلاة
عرفا.
وأما وجوب القضاء بمجرد الاخلال بجز أو شرط واجب فقد ثبت بالموارد
الجزئية الآمرة بالقضاء، أو الإعادة المستلزمة لوجوب القضاء إن ترك الإعادة
الواجبة بتلك الأخبار، هذا.
ثم إن ما ذكرناه هو الأصل، وقد خرج منه موارد إجماعا، ووقع الخلاف في
بعض موارد أخر.
منها: ما فات عن الحائض والنفساء حالتي الحيض والنفاس، فلا يجب
قضاؤها إجماعا، كما مر في بحث الطهارة.
ومنها: ما فات لفقد الطهور، فقد وقع الخلاف فيه، وقد مر تحقيقه في
بحث التيمم.

(1) الرياض 1: 225.
268

و منها: ما فات عن الكافر الأصلي، وغير البالغ، والمجنون المطبق، أو
الدوري المستوعب للوقت، فلا يجب عليهم قضاؤه، بالاجماع المحقق والمحكي
مستفيضا (1).
وهو الدليل عليه، دون الأصل كما قيل (2)، لما عرفت، ولا حديثي جب
الاسلام ورفع القلم، لاجمال الأول، واستلزام الثاني رفع القلم حال الصغر
والجنون دون ما بعدهما، نعم كان يصح ذلك لو كنا نقول بترتب القضاء على
الأداء، وليس كذلك، بل هو بأمر جديد شامل لهما بعد رفع الحجر، وعلى هذا
فلا يسقط عنه قضاء ما فات بجنون مسبب من فعله، لعدم الاجماع فيه
ومنها: ما فات عن غير المؤمن من فرق المسلمين باعتبار الاخلال بشرط واجب
عندنا إذا كان صحيحا عنده، وأما إذا لم يكن صحيحا عنده أو فات من أصله
فيجب قضاؤه بعد الاستبصار.
أما الثاني فلعموم الأدلة الدالة على وجوب قضاء الفوائت.
وأما الأول فللمستفيضة من الصحاح وغيرها المصرحة به، كصحيحة
الفضلاء (3)، وصحيحة ابن أذينة (4)، وصحيحة العجلي (5)، وغيرها، بل ورد في
رواية عمار المروية في كتاب الكشي، وفي الذكرى عن كتاب الرحمة: سقوط قضاء
ما فات عنهم حال الضلالة أيضا (6)، إلا أنها لضعفها غير صالحة لتخصيص
العمومات.

(1) كما في التذكرة 1: 81، وروض الجنان: 355 - 356، والمدارك 4: 289، والحدائق 11: 2،
والرياض 1: 224.
(2) استدل به لسقوط القضاء عن المجنون في كشف اللثام 1: 170.
(3) الكافي 3: 545 الزكاة في 28 ح 1، التهذيب 4: 54 / 143، العلل: 373 / 1، الوسائل 9:
216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 2.
(4) الكافي 3: 546 الزكاة ب 28 ح 5، الوسائل 9: 217 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 3.
(5) التهذيب 5: 9 / 23، الوسائل 9: 216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 1.
(6) رجال الكشي 2: 652 / 667، الذكرى: 136، الوسائل 1: 127 أبواب مقدمة العبادات ب
31 ح 4.
269

ومنها: المغمى عليه، فإنه يقضي ما فاته حال الاغماء إن أفيق في وقته بقدر الطهارة
وركعة من الصلاة، إجماعا، ولا يقضي ما استوعب الاغماء وقته، على الأظهر
الأشهر بين من تقدم وتأخر، بل - كما قيل (1) - بلا خلاف فيه إلا عن نادر، بل
بالاجماع كما عن الغنية (2)، وعن المنتهى والدروس الاشعار بدعوى الاجماع
أيضا (3).
أما الأول فللأصل المتقدم، وخصوص المستفيضة، كصحيحة أبي بصير:
عن المريض يغمى عليه ثم يفيق، كيف يقضي صلاته؟ قال: " يقضي الصلاة
التي أدرك وقتها " (4).
والأخرى: عن المريض يغمى عليه نهارا ثم يفيق قبل غروب الشمس،
قال: " يصلي الظهر والعصر، ومن الليل إذا أفاق قبل الصبح يقضي صلاة
الليل " (5).
والحلبي: عن المريض هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال: " لا، إلا
الصلاة التي أفاق فيها " (6).
والرضوي: " ليس على المريض أن يقضي الصلاة إذا أغمي عليه إلا
الصلاة التي أفيق في وقتها " (7). وغير ذلك.
وأما الثاني فقيل: للأصل، وعدم دليل على وجوب القضاء هنا، إذ ليس

(1) الرياض 1: 224.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 562.
(3) المنتهى 1: 420، الدروس 1: 145.
(4) الكافي 3: 412 الصلاة ب 70 ح 4، التهذيب 3: 304 / 932، الإستبصار 1:
459 / 1779، الوسائل 8: 262 أبواب قضاء الصلاة في 3 ح 17.
(5) التهذيب 3: 305 / 940، الإستبصار 1: 460 / 1787، الوسائل 8: 263 أبواب قضاء
الصلاة في 3 ح 21.
(6) الفقيه 1: 236 / 1040، التهذيب 3: 304 / 933، الإستبصار 1: 459 / 1780، الوسائل
8: 258 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 1.
(7) فقه الرضا (عليه السلام): 125، مستدرك الوسائل 6: 433 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 1.
270

إلا عمومات قضاء الفائتة المتضمنة لقوله " من فاتته " وهي غير معلومة الشمول
لمفروض المسألة كما مر (1).
وفيهما نظر ظهر وجهه.
بل للمستفيضة من الأخبار كصحيحة الحلبي المتقدمة، والخزاز: عن
رجل أغمي عليه أياما لم يصل، ثم أفاق أيصلي ما فاته؟ قال: " لا شئ عليه " (2).
وحفص: في المغمى عليه قال: " ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر " (3).
ومحمد: في الرجل يغمى عليه الأيام، قال: " لا يعيد شيئا من صلاته " (4).
ورواية معمر: عن المريض يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ فقال: " لا " (5).
وابن سنان: " كل ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شئ " (6).
وصحيحة ابن مهزيار: عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من
الصلاة أم لا؟ فكتب: " لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة " (7).
والمروي في الخصال: الرجل يغمى عليه اليوم واليومين والأربعة وأكثر من
ذلك كم يقضى من صلاته؟ فقال: " ألا أخبرك بما يجمع كل هذا وأشباهه؟ كل ما
غلب الله عز وجل عليه من أمر فالله أعذر لعبده " (8). إلى غير ذلك.
خلافا للمحكي عن المقنع، فيقضي كل ما فاته (9)، للعمومات وخصوص

(1) الرياض 1: 225.
(2) الكافي 3: 412 الصلاة ب 70 ح 3، التهذيب 3: 302 / 924، الإستبصار 1:
457 / 1771، الوسائل 8: 261 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 14.
(3) الكافي 3: 413 الصلاة ب 70 ح 7، التهذيب 3: 302 / 923، الوسائل 8: 261 أبواب
قضاء الصلاة ب 3 ح 13.
(4) التهذيب 4: 243 / 713، الوسائل 8: 263 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 23.
(5) الكافي 3: 412 الصلاة ب 70 ح 2، التهذيب 3: 303 / 926، الإستبصار 1:
457 / 1773، الوسائل 8: 261 أبواب الصلاة ب 3 ح 15.
(6) التهذيب 4: 245 / 726، الوسائل 8: 263 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 24.
(7) التهذيب 3: 176 / 395، الوسائل 8: 262 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 18.
(8) الخصال: 644 / 24، الوسائل 8: 260 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 8.
(9) المقنع: 37.
271

الروايات كصحيحة ابن سنان: " كل شئ تركته من صلاتك لمرض أغمي عليك
فيه فاقضه إذا أفقت " (1).
ومحمد: عن الرجل يغمى عليه ثم يفيق، قال: " يقضي ما فاته " (2).
وابن حازم: في المغمى عليه قال: " يقضي كل ما فاته " (3).
ورفاعة: من المغمى عليه شهرا ما يقضيه من الصلاة؟ قال: " يقضيها
كلها، إن أمر الصلاة شديد " (4).
وحفص: " يقضي المغمى عليه ما فاته " (5).
والجواب عنها:
أولا: بتضعيف دلالة غير الأولى على الوجوب، والأولى وإن دلت عليه إلا
أنها تشمل ما أدرك وقتها أيضا، فهي أعم مطلقا من بعض ما مر فيجب تخصيصها
به.
وثانيا: بأنه على فرض دلالتها ومساواتها محمولة على الاستحباب بقرينة
الأخبار السابقة، وتشعر به رواية أبي كهمس: عن المغمى عليه أيقضي ما ترك
من الصلاة؟ فقال: " أما أنا وولدي وأهلي فنفعل ذلك " (6).
وقريبة منها رواية ابن حازم (7).
وثالثا: بأنها على فرض كونها للوجوب لا تصلح لمعارضة ما مر، لشذوذها،

(1) التهذيب 4: 244 / 721، الإستبصار 1: 459 / 1782، الوسائل 8: 264 أبواب قضاء
الصلاة ب 4 ح 1.
(2) التهذيب 3: 304 / 936، الإستبصار 1: 459 / 1783، الوسائل 8: 265 أبواب قضاء
الصلوات ب 4 ح 2.
(3) التهذيب 3: 305 / 937، الإستبصار 1: 459 / 1784، الوسائل 8: 265 أبواب قضاء
الصلاة ب 4 ح 3.
(4) التهذيب 4: 244 / 719، الإستبصار 1: 459 / 1785، الوسائل 8: 265 أبواب قضاء
الصلاة ب 4 ح 4.
(5) التهذيب 4: 243 / 716، الوسائل 8: 266 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 8.
(6) التهذيب 4: 245 / 724، الوسائل 8: 266 أبواب قصاء الصلاة ب 4 ح 12.
(7) التهذيب 4: 245 / 725، الوسائل 8: 266 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 13.
272

ومخالفتها الشهرة القديمة المخرجة لها عن الحجية.
ورابعا: بأن مع المعارضة يرجح ما مر بأحدثية بعضها، وأبعديتها عن
فتاوى العامة، وأشهريتها، وأصرحيتها.
وللمحكي عن بعض آخر من أصحابنا، فيقضي آخر أيام إفاقته إن أفاق
نهارا وآخر ليله إن أفاق ليلا (1)، لمرسلة المقنع: (وروي أنه " ليس على المغمى عليه
أن يقضي إلا صلاة اليوم الذي أفاق فيه والليلة التي أفاق فيها " (2).
ورواية العلاء وفيها: " إن أفاق قبل غروب الشمس فعليه قضاء يومه هذا،
فإن أغمي عليه أياما ذوات عدد فليس عليه أن يقضي إلا آخر أيامه إن أفاق قبل
غروب الشمس، وإلا فليس عليه قضاء " (3).
وصحيحة الحجال وفيها: " يقضي صلاة اليوم الذي يفيق فيه " (4).
والجواب عنها - مع ندرتها، وشذوذها، وضعف الأولى، وقصور البواقي
عن إفادة الوجوب، وعدم ظهور حكم الليلة من غير الأولى الضعيفة، بل دلالة
الثانية على عدم القضاء مطلقا إن أفاق بعد الغروب -: أن الظاهر منها إرادة
الصلاة التي أدرك وقتها.
ومما ذكر يظهر الجواب عن بعض أخبار أخر منافية على الظاهر للمختار من
قضاء ثلاثة أيام أو يوم مطلقا (5)، إذ لا قائل بشئ منها، ولا صراحة على الوجوب

(1) في الذكرى: 135: قال ابن الجنيد: والمغمى عليه أياما من علة سماوية غير مدخل على نفسه ما
لم يبح عليه إدخاله عليها، إذا أفاق في آخر نهاره إفاقة يستطيع معها الصلاة قضى صلاته ذلك
اليوم، وكذلك إن أفاق في آخر الليل قضى صلاة تلك الليلة، إلى آخره.
(2) المقنع: 37، الوسائل 8: 260 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 10.
(3) التهذيب 3: 303 / 931، الإستبصار 1: 458 / 1778، الوسائل 8: 262 أبواب قضاء
الصلاة في 3 ح 19.
(4) التهذيب 3: 305 / 939، الإستبصار 1: 459 / 1786، الوسائل 8: 263 أبواب قضاء
الصلاة ب 3 ح 22.
(5) انظر: الوسائل 8: 264 أبواب قضاء الصلاة ب 4.
273

فيها، فيحمل على الاستحباب وتحمل الاختلافات على تفاوت مراتب الفضيلة،
فأعلاها الجميع، ثم الشهر خاصة كما حكاه في السرائر رواية (1)، ثم ثلاثة أيام،
ثم يوم.
وهل سقوط القضاء في هذه الصورة يعم ما إذا كان المكلف نفسه سبب
الاغماء أيضا، أم يختص بما إذا لم يكن السبب فعله؟.
ظاهر النافع والبيان والدروس والذخيرة، بل - كما قيل - الصدوق في الفقيه:
الأول (2)، لاطلاق الأدلة.
وعن السيد والإسكافي والحلي والديلمي: الثاني (3)، وصرح به في الذكرى،
وأسنده إلى فتوى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع (4)؟ لعمومات قضاء
الفوائت، الخالية حينئذ عن مكاوحة تخصيص مسقطات القضاء عن المغمى
عليه، لانصرافها إلى الأفراد الشائعة وهي غير المورد، بل يدل التعليل في جملة من
الأخبار بأن " ما غلب الله أولى بالعذر " عليه أيضا، فتخصص به العمومات، بل
المتبادر من الأخبار من لفظ " أغمي عليه " أو " المغمى عليه، ما لا يكون بفعل
نفسه.
ولا يخفى أن الشيوع المدعى بحيث يوجب الانصراف غير معلوم،
واختصاص العلة فيما تضمن التعليل بما إذا كان الاغماء عن فعله سبحانه يوجب
اختصاص اقتضائها به، لا نفي الاقتضاء عن غيرها إذا كان مندرجا تحت
العمومات، وكون المتبادر منه كون إغمائه عن غيره لا عن نفسه غير مسلم، بل
يشمل الجميع، ولا أقل من احتمال الجميع، فتكون العمومات مخصوصة

(1) السرائر 1: 276.
(2) النافع: 46، البيان: 256، الدروس 1: 145، الذخيرة: 383، الفقيه 1: 237 / 1042 ذ. ح.
(3) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 38، الذكرى: 135 حكاه عن الإسكافي
الحلي في السرائر 1: 276، الديلمي في المراسم: 91 و 92.
(4) الذكرى: 135.
274

بالمجمل، فلا تكون حجة في موضع الاجمال (فالقول بالسقوط فيما كان بفعله
أيضا أقوى) (1).
وعلى هذا فيسقط في جميع أفراد المغمى عليه، ولا حاجة إلى التطويل بذكر
بعض الفروع التي تختلف أحكامها بواسطة التفصيل بين ما إذا كان الاغماء لا
بعمله أو بعمله، كما إذا لم يعلم أداء عمله إلى الاغماء، أو علمه، أو أكره عليه
ونحو ذلك.
وظاهر بعضهم أن السكران من المغمى عليه (2)، وفي صدقه على جميع
أفراده نظر، فكل ما يعلم صدقه عليه يحكم في حقه بالسقوط مع استيعاب
الوقت، وما لم يعلم - كالذي يدرك الخوف والألم والجوع والعطش - فيبقى تحت
عمومات وجوب القضاء.
بل تظهر من بعضهم مغايرته له مطلقا حيث صرح بعدم نص في
السكران، وأن دليل سقوط القضاء عنه التعليل الوارد بعدم القضاء مع
الاغماء (3).
والظاهر أنه كذلك، وعلى هذا فيجب الاقتصار في السقوط في حقه على
مورد التعليل.
لو قيل: يتعارض عمومه مع عمومات القضاء.
قلنا: فيرجع إلى أصالة عدم وجوب القضاء، فيجب القضاء على من كان
سكره بفعله ولو أغمي عليه واستوعب.
المسألة الثالثة:
النائم عن صلاة يقضيها وجوبا، ولو استوعب النوم الوقت أو كان على

(1) ما بين القوسين ليس في " ق ".
(2) كما في الذكري: 135، وروض الجنان: 355.
(3) الرياض 1: 224.
275

خلاف العادة، لعمومات قضاء الفوائت، ومرسلتي ابني مغيرة ومسكان:
الأولى: في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلا بعد انتصاف الليل، قال:
" يصليها ويصبح صائما " (1).
والثانية: " من نام قبل أن يصلي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف
الليل، فليقض صلاته وليستغفر الله " (2).
وصحيحة زرارة: عن رجل صلى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلها،
أو نام عنها، فقال: " يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها " إلى أن قال: " إذا
قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى " (3).
وموثقة البصري: " إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلى حين تذكرها " (4).
وصحيحة ابن سنان: " إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء
الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما " إلى أن قال:
" وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع
الشمس " (5).
خلافا للذكرى، فألحق النوم على غير العادة بالاغماء في عدم وجوب
القضاء، قال: وقد نبه عليه في المبسوط (6)، للأصل، وعدم دليل على وجوب
القضاء هنا، لاختصاص النصوص الواردة به في النوم العادي منه، لأنه المتبادر
منه إلى الذهن عند الاطلاق.
وفيه: أنه لو سلم التبادر المذكور وعدم دلالة نصوص النوم، فلا شك في

(1) الكافي 3: 295 الصلاة ب 12 ح 11، الوسائل 4: 216 أبواب المواقيت ب 29 ح 8.
(2) التهذيب 2: 276 / 1097، الوسائل 4: 215 أبواب المواقيت ب 29 ح 6.
(3) الكافي 3: 292 الصلاة ب 12 ح 3، التهذيب 3: 159 / 341، الإستبصار:
286 / 1046، الوسائل 8: 256 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.
(4) الكافي 3: 293 الصلاة في 12 ح 5، التهذيب 2: 269 / 1071، الوسائل 4: 291 أبواب
المواقيت ب 63 ح 2.
(5) التهذيب 2: 270 / 1076، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 4.
(6) الذكرى: 135، وهو في المبسوط 1: 126.
276

اندراجه تحت عمومات الفوائت، سيما صحيحة زرارة والفضيل المتقدمة (1)، فبها
يخرج عن الأصل.
نعم تعارض العمومات بعموم التعليل الوارد في أخبار الاغماء، ومقتضاه
الرجوع إلى أصالة عدم الوجوب، إلا أن في التبادر المذكور نظرا، وأخبار القضاء
بالنوم أخص مطلقا من عموم التعليل، فيخصص بها.

(1) في ص: 267.
277

البحث الثاني
في بيان أحكام القضاء، وفيه مسائل
المسألة الأولى.
هل يجب قضاء الفائتة من الفرائض فورا أو يجوز التأخير؟.
المحكي عن السيد والحلي والحلبي: الفورية (1)، حتى حكي عنهم المنع
عن الأكل والشرب والنوم إلا ما لا بد منه والتكسب، وهو ظاهر المفيد والديلمي
أيضا (2).
ويظهر من طائفة من المتأخرين أنه مذهب كل من يقول بوجوب تقديم
القضاء على الفريضة الحاضرة، ولذا لم يذكروا إلا مسألة واحدة واستدلوا بما يدل
على كل منهما للآخر، وأنكره بعض مشايخنا المحققين وجعلهما مسألتين، وقال:
من حكم بوجوب تقديم الفائتة فإنما هو من حيث هو هو مع قطع النظر عن
الفورية، ثم قال: سلمنا عدم ظهور الاتحاد (3) ولكن ظهور كون وجوب تقديم
الفائتة من جهة خصوص الضيق من أين؟ وكذا لو ادعي الاجماع المركب بأن كل
من قال بالوجوب قال بالفور البتة، بحيث يكشف عن قول المعصوم؟.
ونعم ما قال.
ويشعر به كلام الفاضل في التذكرة حيث قال: إن أكثر علمائنا على وجوب

(1) السيد في حمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 38 الحلي في السرائر 1: 272 -
274، الحلبي في الكافي: 149.
(2) انظر: نهاية الإحكام: 125، تحرير الأحكام 1: 50، إرشاد الأذهان 1: 271، قواعد الأحكام
1: 44، المختصر النافع 46، المقتصر: 89.
(3) شرح المفاتيح للبهبهاني (مخطوط)، قال فيه - بعد أن ادعى ظهور جملة من كلمات الأصحاب في
عدم اتحاد المسألتين -: سلمنا عدم الظهور لكن ظهور كون وجوب....، فلعل الصحيح في
المتن: سلمنا عدم ظهور عدم الاتحاد.
278

الترتيب، ثم قال: وجماعة من علمائنا ضيقوا الأمر في ذلك وشددوا على المكلف
غاية التشديد (1).
فإن نسبة الترتيب إلى الأكثر والتضييق إلى جماعة مشعرة باختلاف
المسألتين.
وكيف يعلم اتحاد المسألتين وكون القول بالترتيب مترتبا على القول بالفورية
والتضيق مع أن كثيرا من علمائنا عنونوا المسألة بوجوب تقديم الفائتة وعدمه، ولم
يتعرضوا للفورية وما يترتب عليها، كما في نهاية الشيخ والتحرير والارشاد والقواعد
والنافع وغيرها (2)؟!.
بل يشعر التفصيل بين الفائتة الواحدة والمتعددة وفائتة اليوم وغيرها أن
الكلام في مسألة الترتيب غير الكلام في التضيق والفورية.
نعم لما كانت طائفة من القائلين بالترتيب كانوا يقولون بالفور أيضا، بل
كان الترتيب عندهم لأجل الفورية واستدلوا بكون الأمر للفور، فلأجله توهم
بعضهم اتحاد المسألتين.
وبالجملة الظاهر - كما قلنا - اختلاف المسألتين، وعلى هذا فلا يمكن دعوى
الشهرة على الفورية أيضا، بل الظاهر أنها على المواسعة، إذ لم يتعرض لفورية
القضاء إلا من ذكر، أو مع نادر غيرهم، وظاهر بعض القدماء كون المواسعة
إجماعية (3)، ونسبها في الذخيرة ظاهرا إلى شهرة القدماء (4)، كما يأتي في المسألة
السابعة.
وكيف كان، فالحق عدم الفورية وجواز التأخير، للأصل الخالي عما يصلح
للمعارضة رأسا، ولزوم العسر والحرج المنفيين، بل التكليف بما لا يطاق عادة في
بعض الأحيان لولاه، وعمل المسلمين من السلف والخلف، إذ قل من لم تتعلق
ذمته بفائتة ولو لاخلال شرط أو ترك تقليد سيما في أوائل بلوغه، ومع ذلك ينامون

(1) التذكرة 1: 82.
(2) انظر: ص: 278، هامش رقم: 2.
(3) انظر: ص 288.
(4) الذخيرة: 210.
279

ويجلسون ويكتسبون ويصلون في أوائل الأوقات، مع أن المشهور عندهم أن الأمر
بالشئ نهي عن ضده، وما يأتي من المستفيضة المجوزة لتأخير الفائتة عن
الحاضرة، مع أن كل من يقول بجواز تأخيرها عنها يقول بعدم الفورية.
وصحيحة ابن سنان: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله رقد فغلبته عيناه
ولم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس، ثم استيقظ فعاد ناديه ساعة وركع ركعتين ثم
صلى الصبح " (1).
قوله " فعاد ناديه ساعة " أي: عاد إلى مكانه الذي فيه أصحابه فمكث
ساعة، ولو كان فوريا لما أخر ذلك القدر، وكذا لم يحول من مكانه قبل القضاء،
مع أن في مضمرة سماعة تنحيه عنه قبله (2)، وفي صحيحة زرارة مع ذلك مخاطبته
لبلال واستماع جوابه وأمر الأصحاب بالتنحي عن مكان الغفلة (3).
والقدح في هذه الأخبار، بإيجابها القدح في النبي باعتبار رقوده عن فرض،
سيما مع أنه لا ينام قلبه، وسيما مع تضمن بعضها لقوله عليه السلام: " إنما نمتم
بوادي الشيطان " الدال على أن منشأ نومهم تسلط الشيطان مع أن سلطانه على
الذين يتولونه لا على المؤمنين الذين معه.
مخدوش جدا، لمنع كون رقوده قدحا فيه بل رحمة للأمة كما ورد في بعض
هذه الأخبار (4). وإنامته سبحانه له لمصلحة لا توجب قدحا فيه أصلا، ولا ينافي
تيقظ قلبه. وكونه وادي الشيطان لا يدل على تسلطه على الجميع، غايته إنامته
لبعض منهم، وهذا ليس بمنفي، إذ لم يكن الجميع من أهل العصمة بل لعل
أهل النفاق كانوا فيهم أيضا.
وتدل على المطلوب أيضا صحيحة زرارة الطويلة، وفي آخرها: " أيهما
- أي: أي العشاءين - ذكرت فلا تصليهما إلا بعد شعاع الشمس " قال، قلت: لم

(1) التهذيب 2: 265 / 1058، الإستبصار 1: 286 / 1049، الوسائل 4: 283 أبواب المواقيت
ب 61 ح 1.
(2) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 8، الوسائل 8: 267 أبواب قضاء الصلوات ب 5 ح 1.
(3) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
(4) انظر: الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 9.
280

ذلك؟ قال: " لأنك لست تخاف فوتها " (1).
يعني: أنها ليست موقتة ولا فورية حتى يجب التعجيل فيها وفعلها في
الأوقات المكروهة.
ولا يضر الأمر بتقديم الفائتة على الحاضرة في صدر هذه الصحيحة، لعدم
ملازمة بين انتفاء الترتيب والمواسعة.
والقدح فيها بعدم مرجوحية قضاء الفرائض في الأوقات المكروهة عند
الإمامية بالاجماع، ومع ذلك تعارضها أخبار كثيرة كما مرت في بحث الأوقات،
فيتعين حملها على التقية.
مردود بأن مقتضى الاجماع عدم المرجوحية، وهو لا ينافي جواز التأخير،
فيمكن أن يكون قوله " لا تصلهما " مجازا في الإباحة، كما قالوا في النهي الواقع
عقيب الوجوب، بل هو هنا أيضا كذلك، لتقديم الأمر بتقديم الفائتة على
الحاضرة، ويؤكده التعليل لأنه إنما يلائم علة لجواز التأخير، فيكون مطلوبه عليه
السلام بيان جواز التأخير عن شعاع الشمس، حتى لا يتوهم الراوي حرمته
فيوجب ذلك وقوعه في موقع نفيه.
مع أنه لو سلمنا عدم دلالة قوله " فلا تصلهما " على المطلوب لمخالفته
الاجماع أو وجود المعارض له، فلا شك في دلالة التعليل عليه، ولا معارض له من
إجماع أو خبر.
وتدل على المطلوب أيضا موثقة الساباطي وفيها: عن الرجل تكون عليه
صلاة في الحضر هل يقضيها وهو مسافر؟ قال:، " نعم يقضيها بالليل على الأرض،
وأما على الظهر فلا " (2).
دلت على رجحان فعل ما يجب على المسافر من قضاء الحضر بالليل، وإن

(1) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158 / 340، الوسائل 4: 290 أبواب
المواقيت ب 63 ح 1.
(2) التهذيب 2: 273 / 1086، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 2.
281

أمكن في النهار بعد النزول (عن الظهر، بل وإن أمكن النزول) (1) في أثناء
الطريق، ولو كان القضاء فوريا لما كان ذلك جائزا فضلا عن الرجحان.
فإن قيل: رجحان التأخير إلى الليل مناف للاجماع على رجحان التعجيل.
قلنا: لا نسلم ذلك الاجماع بالاطلاق، لجواز أن يكون الراجح للمسافر
التأخير إلى الليل، ليستريح غب نزوله عن مشقة الركوب ويهيئ يحتاج إليه، مع
أنه يمكن أن يكون قوله " يقضيها " للارشاد دون الرجحان.
ومن هنا يظهر جواز الاستدلال للمطلوب برواية الساباطي أيضا: عن
الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر، كيف يصنع؟ أيجوز له
أن يقضي بالنهار؟ قال: " لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار، ولا يجوز له ولا
يثبت له، ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل " (2).
فإن المراد أن الرجل المسؤول عنه - الذي هو في السفر - لا يقضي بالنهار،
أي حال الركوب، حيث إنه الغالب للمسافر في النهار، بل في حال النزول أيضا،
لكونه كسلا متعبا حينئذ، بل يؤخرها إلى الليل، ويكون التأكيد محمولا على غاية
الكراهة للمسافر، وعلى هذا ليس خلاف إجماع في الرواية كما قيل (3). وكون
رجحان التعجيل في القضاء حتى من المسافر في النهار إجماعيا ممنوع جدا.
ويدل على المطلوب أيضا تقديم رسول الله صلى الله عليه وآله قضاء ركعتي
النافلة على قضاء الفريضة كما ورد في أخبار رقوده، المتقدم صدرها.
ورواية أبي بصير: عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس، قال:
" يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة " (4).

(1) ما بين القوسين لا توجد في " ق ".
(2) التهذيب 2: 272 / 1081، الإستبصار 1: 289 / 1057، الوسائل 8: 258 أبواب قضاء
الصلاة ب 2 ح 6.
(3) الحدائق 6: 362.
(4) التهذيب 2: 265 / 1057، الإستبصار 1: 286 / 1048، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت
ب 61 ح 2.
282

دلت على جواز تقديم النافلة - قضاء كما في الأول أو مطلقا كما في الثاني -
على قضاء الفريضة، وهو مناف للفورية قطعا.
والخدش في الأخيرة بأنها تدل على استحباب تقديم ركعتين على القضاء وإن
لم تفت عنه ركعتا النافلة، وهو مما لم يقل به أحد.
مردود بأنه من أين يثبت الاجماع على عدم استحباب ذلك، وعدم ذكره لا
يدل على العدم.
وعلى هذا فيمكن أن يستدل للمطلوب بموثقة الساباطي: " إذا أردت أن
تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل
الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثم اقض ما شئت " (1).
وقد يستدل أيضا بما دل على استحباب الأذان والإقامة لقضاء الفرائض (2).
وفيه نظر، لأنهما من مقدمات الصلاة، غاية الأمر كونهما من المقدمات
المستحبة، والاشتغال بمقدمات الشئ لا ينافي فوريته، لأنها تعد معه فعلا
واحدا.
احتج أهل المضايقة بوجوه:
الأول: الأمر بالقضاء وهو للفور.
الثاني: قوله سبحانه: (أقم الصلاة لذكري) (3).
فإنها واردة في الفائتة، كما ورد في صحيحة زرارة في رقود رسول الله صلى
الله عليه وآله (4)، وفي رواية أخرى له: " إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى

(1) التهذيب 2: 273 / 1086، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 5.
(2) انظر: الوسائل 8: 254 و 270 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 3 و 4 و ب 8.
(3) طه: 14.
(4) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
283

فإن كنت تعلم أنك إذا كنت صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ
بالتي فاتتك، فإن الله تعالى يقول: (أتم الصلاة لذكري) (1).
فيكون المعنى: أقم الصلاة وقت ذكر صلاتي، على أن يكون اللام للظرفية
ويقدر المضاف، أو: وقت ذكرى إياك لما نسيت من الصلاة، فيكون الذكر مضافا
إلى الفاعل، فيكون القضاء وقت التذكر واجبا فورا.
الثالث: الأخبار الدالة على وجوب فعل القضاء حين التذكر وأنه وقته،
كصحيحة زرارة: عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة أن يصليها أو نام عنها،
فقال: " يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت
صلاة ولم يتم ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي
حضرت " (2).
وموثقة البصري: عن رجل نسي صلاة حتى دخل في وقت صلاة أخرى،
فقال: " إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها، وإن ذكرها وهو في صلاته
بدأ بالتي نسي، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى
المغرب " (3) الحديث.
وصحيحة زرارة: " أربع يصليهن الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك متى
ذكرتها أديتها " (4) الحديث.

(1) الكافي 3: 293 الصلوات ب 12 ح 4، التهذيب 2: 268 / 1070، الإستبصار 1:
287 / 1051، الوسائل 4: 287 أبواب المواقيت ب 62 ح 2.
(2) الكافي 3: 292 الصلاة ب 12 ح 3، التهذيب 2: 266 / 1059، الإستبصار 1:
286 / 1046، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 3.
(3) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 5، التهذيب 2: 269 / 1071، الوسائل 4: 291 أبواب
المواقيت ب 63 ح 2.
(4) الكافي 3: 288 الصلاة ب 10 ح 3، الفقيه 1: 278 / 1265، الخصال: 247 / 107،
الوسائل 4: 240 أبواب المواقيت ب 39 ح 1.
284

وصحيحة ابن عمار: " خمس صلوات لم تترك على كل حال: إذا طفت
بالبيت، وإذا أردت أن تحرم، وصلاة الكسوف، وإذا نسيت فصل إذا ذكرت،
وصلاة الجنازة " (1).
وصحيحة يعقوب: عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس،
أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تبسط الشمس؟ قال: " يصلي حين يستيقظ "
قلت: يوتر أو يصلي الركعتين؟ قال: " يبدأ بالفريضة " (2).
ورواية الرازي: عن رجل فاته شئ من الصلاة فذكر عند طلوع الشمس
وعند غروبها، قال: " فليصل حين ذكرها ولو بعد العصر " (3).
وصحيحة زرارة والفضيل: " فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال
كنت " (4).
وقوله عليه السلام: " من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها " (5).
ويزيد فيه دلالة أنه متضمن للفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة.
وقد زيد في بعض الروايات: " فذلك وقتها " (6) وفي بعضها: " أن من فاتته
صلاة فوقتها حين يذكرها " (7).
وحديث زرارة: " إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو
مسافر فليقض الذي وجب عليه، لا يزيد على ذلك ولا ينقص، ومن نسي أربعا

(1) الكافي 3: 287 الصلاة ب 10 ح 2، التهذيب 2: 172 / 683، الوسائل 4: 241 أبواب
المواقيت ب 39 ح 4.
(2) التهذيب 2: 265 / 1056، الإستبصار 1: 286 / 1047، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت
ب 61 ح 4.
(3) التهذيب 2: 171 / 680، الوسائل 4: 244 أبواب المواقيت ب 39 ح 16.
(4) الكافي 3: 294 الصلاة في 12 ح 10، التهذيب 2: 276 / 1098، الوسائل 4: 282 أبواب
المواقيت ب 60 ح 1.
(5) عوالي اللآلي 1: 201 / 17، مستدرك الوسائل 6: 430 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 11.
(6) سنن ابن ماجة 1: 228 / 698، المعتبر 2: 406، بتفاوت.
(7) سنن الدارقطني 1: 423 / 1، بتفاوت يسير.
285

فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما، وإن نسي ركعتين صلى ركعتين
إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما " (9).
وصحيحته وفيها: " وإن كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها
فصل الغداة أي ساعة ذكرتها " (2).
والجواب عن الأول: بمنع كون الأمر للفور.
وعن الثاني: بأن للآية محتملات كثيرة كأن يكون الذكر بمعنى وقت
الصلاة، أو بمعنى الآذان، أو قصد القربة، أو يكون اللام للتعليل أي لتذكري
فيها، أو لذكري لها وأمري بها، أو لأذكرك كما قال جل شأنه: (فاذكروني
أذكركم) (3) أو لذكري خاصة غير مشوب برياء، أو ليكون ذاكرا لي.
وليس في الحديثين دلالة على إرادة المعنى الأول، إذ يمكن أن يعون
التعليل لمطلق الأمر بالقضاء والحث عليه، وبعض المحتملات يلائم التعليل
بذلك. أو يكون مبنى التعليل على أمر لا نعلمه، فإن تطبيق الآية على معنى
يلائم تعليل التضيق به يحتاج إلى ارتكاب تخصيصات وتقديرات وتأويلات ليس
بأقرب من ارتكاب خلاف ظاهر في التعليل.
مع أن الصلاة تشمل النوافل أيضا وتعجيل قضائها مستحب، وليس حمل
الأمر على الاستحباب بأبعد من تخصيص الصلاة.
ومع أن هذا التعليل ورد في صحيحة زرارة أيضا مع أن رسول الله صلى الله
عليه وآله لم يعجل بالقضاء، بل تحول من مكانه وتنفل وتكلم ثم قضى (4).
وعلى فرض تسليم جميع ما ذكر لا يدل على أزيد من أن وقت الذكر وقت
القضاء، وأما الفورية والتضيق فلا.

(1) الفقيه 1: 282 / 1283، التهذيب 3: 225 / 568، الوسائل 8: 269 أبواب قضاء الصلاة
ب 6 ح 4.
(2) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158 / 340، الوسائل 4: 290 أبواب
المواقيت ب 63 ح 1.
(3) البقرة 152.
(4) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
286

وعن الثالث: بأن أكثر أخباره بين متضمن للجملة الخبرية الغير الدالة على
الوجوب صريحا، أو للفظ الصلاة الشاملة للنوافل، فلا يكون تخصيصها بالواجبة
أولى من حمل الأمر فيها على مطلق الرجحان أو الجواز الذي هو أيضا من مجازات
الأمر، أو للأمرين معا، مع أن منها ما هو عامي لا يصلح للحجية.
وما خلا عن أحد هذه الوجوه - وليس هو إلا رواية زرارة وصحيحته
الأخيرتين - ففي دلالته على الفورية نظر. بل يدل على وجوب القضاء حين يذكرها
أو أي ساعة ذكرها سواء كان أول حال الذكر أو بعدها، فإنه يصدق على الكل
أنه حين يذكرها وساعة كذلك.
مضافا إلى أن الأولى منهما منساقة لبيان كيفية القضاء من القصر والاتمام،
فالمعنى أنه يجب القضاء على نحو نسيها حين التذكر.
وإلى أن الأمر في الأخيرة بل في الجميع وارد مورد توهم الحظر أو الكراهة،
حيث نهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة، وكان ذلك شائعا معروفا، وهذه
الأوامر لدفع هذا التوهم كما يشعر به قوله " في أي ساعة " وقوله " ولو بعد العصر "
بل ذكر بعض هذه الأوقات، وفي مثل ذلك الأمر ألف كلام.
ولو قطع النظر عن جميع ذلك فتعارض تلك الأخبار ما مر من أخبار
المواسعة، وأخبارا كثيرة أخر واردة في موارد غير عديدة من مجوزات النوافل وقضائها
في أي وقت، ومرغبات الصلاة في أول الوقت ومجوزاتها تخييرا، ومجوزات سائر
الأفعال، فيرجع إلى الأصل أو التخيير. مع أن أخبار المواسعة تصلح قرينة لحمل
هذه على الندب أو الجواز، فيجب الحمل عليه.
وترجيح أخبار التضيق بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ممنوع.
لمنع التوافق للأول كما عرفت، بل أخبار المواسعة أوفق لمثل قوله: (أقم
الصلاة لدلوك الشمس) (1) كما يأتي.
ومنع التخالف للثاني. مع أن المرجح هو المخالف لروايات العامة، وبعض

(1) الإسراء: 78.
287

ما مر من أخبار المضايقة عامي، فرواياتها لأخبارهم موافقة. بل الظاهر أن ذلك
معنى قوله " خذ بما خالف العامة ".
بل القول بالمضايقة والترتيب مذهب أكثر العامة أيضا (1)، كما صرح به
بعض مشايخنا المحققين، قال بعد ترجيحه المضايقة والترتيب. ويخدشه كون ذلك
مذهب أكثر العامة، فلعلهم ذكروا ذلك في أخبارهم الصحاح الكثيرة اتقاء
للشيعة (2).
هذا كله مع أن في دلالة أكثر أخبار المضايقة عليها تأملا من وجوه أخر
أيضا.
المسألة الثانية:
لا خلاف نصا ولا فتوى في وجوب تقديم الحاضرة على الفائتة مع ضيق
وقت الحاضرة، والأخبار مع ذلك به مستفيضة.
وأفا مع سعته، ففي عدم وجوب تقديم الفائتة الواجبة مطلقا، أو وجوبه
كذلك، أو التفصيل فالأول مع تعدد الفائتة والثاني مع وحدتها، أو الأول إن صلى
القضاء في غير يوم الفوات والثاني إن صلاها في يوم فواتها، أقوال.
الأول - وهو الحق - مذهب عبيد الله بن علي الحلبي في أصله الذي عرض
على الصادق عليه السلام وأثنى عليه.
وأبي الفضل محمد بن أحمد بن سليم، قال في كتابه الفاخر: والصلوات
الفائتة يقضين ما لم يدخل وقت صلاة، فإذا دخل بدأ بالتي دخل وقتها وقضى
بالفائتة متى أحب.
بل يظهر منه أنه إجماعي حيث قال في خطبته لهذا الكتاب: إنه ما روى فيه
إلا ما أجمع عليه وصح من قول الأئمة عليهم السلام.
وأبي عبد الله الحسين بن أبي عبد الله الواسطي، قال في كتابه النقض: إن

(1) انظر: المغني والشرح الكبير 1: 676، وبداية المجتهد 1: 183.
(2) البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).
288

سأل سائل وقال: أخبرونا عمن ذكر صلاة وهو في أخرى ما الذي يجب عليه؟
قال: يتم التي هو فيها ويقضي ما فاته، ثم ذكر خلاف المخالفين.
ذكر هذه الثلاثة السيد ابن طاووس في بعض رسائله (1).
والقدح في الأخيرين بأن ظاهرهما وجوب تقديم الحاضرة، وهو خلاف
الاجماع والأخبار..
فاسد، لعدم دلالة الأول على الوجوب أصلا، فإن الجملة الخبرية لم تثبت
دلالتها على الوجوب سيما في كلمات القدماء أبدا. وأما الثاني فمقتضاه عدم جواز
العدول عن الحاضرة ووجوب إتمامها، وهذا غير وجوب تقديم الحاضرة مطلقا
(وإجماعية خلافه بل اشتهاره بل قول أحد ممن يقول بالمواسعة به في غير الفريضتين
المشتركتين في الوقت ممنوع جدا، بل وكذا إجماعية عدم وجوب تقديم الحاضرة
مطلقا) (2).
ونسب ابن إدريس في رسالة عملها في هذه المسألة هذا القول إلى طائفة من
العلماء الخراسانيين.
وهو أيضا مختار الصدوقين، والحسين بن سعيد، والراوندي، ونصير الدين
عبد الله بن حمزة الطوسي، وسديد الدين محمود الحمصي، ويحيى بن سعيد جد
المحقق، ونجيب الدين يحيى ابن عمه، والسيد ضياء الدين بن الفاخر، والشيخ
أبي علي بن طاهر الصوري، جميعا من قدماء أصحابنا، نقل عنهم الشهيد (3).
وهو محتمل الكلام العماني (4). ونسبة القول بوجوب تقديم الفائتة إليه غير
جيد.
وفي الذخيرة: وكأن القول بالمواسعة كان مشهورا بين القدماء (5).

(1) نقلها في البحار 85: 327.
(2) ما بين القوسين لا توجد في " س ".
(3) الظاهر أنه نقل عنهم في غاية المراد، انظر: مفتاح الكرامة 3: 386.
(4) حكاه عنه في المختلف: 144.
(5) الذخيرة 210.
289

وهو مختار الفاضل في أكثر كتبه (1)، ووالده وولده (2)، وأكثر من عاصره من
المشايخ، نقله في المختلف (3)، والشهيدين في اللمعة والروضة (4)، بل أكثر
المتأخرين ومتأخريهم (5)، ودعوى شهرتهم عليه مستفيضة، واختاره ابن طاووس
والأردبيلي وصاحب الذخيرة (6).
والثاني لكل من قال في المسألة السابقة بالفورية والمضايقة، وهو مذهب
الشيخ والإسكافي وابن زهرة والحلي (7)، وادعي عليه شهرة القدماء
مستفيضة (8)، بل عن الخلاف والغنية والسرائر ورسالتي المفيد والحلي: الاجماع
عليه (9)، واختاره بعض مشايخنا مع قوله في المسألة الأولى بالمواسعة (10).
والثالث للمعتبر والشرائع والنافع والمدارك (11)، وقواه الشهيد في بعض
كتبه (12).
والرابع للمختلف (13).

(1) كالمنتهى 1: 421، والتذكرة 1: 81، ونهاية الإحكام 1: 322، والتحرير 1: 50.
(2) ولده في الإيضاح 1: 146، ونقل عن والده في المختلف: 144.
(3) المختلف: 144.
(4) اللمعة والروضة 1: 345.
(5) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 494، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 185، والمجلسي
في البحار 85: 323.
(6) ابن طاووس في رسالته التي أورد بعضها في البحار 85: 327، والأردبيلي في مجمع الفائدة
والبرهان 2: 39، الذخيرة: 210.
(7) الشيخ في النهاية: 125، والخلاف 1: 382 والمبسوط 1: 126 حكاه عن الإسكافي في
المختلف: 144، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):) 562، الحلي في السرائر 1: 203 و 272.
(8) انظر: الرياض 1: 226.
(9) الخلاف 1: 385، الغنية (الجوامع الفقهية): 562، السرائر 1: 203.
(10) الرياض 1: 226.
(11) المعتبر 2: 405، الشرائع 1: 121، النافع: 46، المدارك 4: 295.
(12) نقله في مفتاح الكرامة 3: 390 عن غاية المراد.
(13) المختلف: 144.
290

لنا وجوه:
الأول: الأصل.
الثاني: إطلاق قوله سبحانه: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق
الليل) (1).
دلت على جواز صلاة الظهر عند الدلوك مطلقا، فعلى من يقول بعدم
الجواز لمن عليه الفائتة الاثبات.
والقول بأنه لو تم لدل على وجوب تقديم الحاضرة أو رجحانه، والأكثر لا
يقولون به..
مردود بأن الأمر في الآية مجاز إما في الوجوب التخييري أو الجواز، وارد لبيان
التوقيف، وإلا فلا معنى للوجوب أو الرجحان العيني إلى غسق الليل.
الثالث: إطلاق الأخبار المبينة لأوقات الصلاة، والمجوزات أو الأوامر
للصلاة فيها، كقوله: " إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر " (2).
وصحيحة سعد: " إذا دخل الوقت عليك فصلهما فإنك لا تدري ما
يكون " (3).
وعمومات الأخبار الدالة على فضيلة أول الوقت أو أفضليته.
والايراد عليه بنحو ما مر من أن مقتضاها - بعد ملاحظة الاجماع والأدلة
الخارجية الدالة على عدم الوجوب في أول الوقت - رجحان فعل الحاضرة ولو على
من كانت عليه فائتة، وهم لا يقولون به، والحمل على الجواز ليس بأولى من
التخصيص بمن ليست عليه فائتة.
مردود بأنه إنما يجري في بعضها دون الجميع مما لا يتضمن أمرا أو نحوه.
مع أنه إنما يتم لو سلم الاجماع على عدم رجحان تقديم الحاضرة، وهو بعد غير

(1) الإسراء: 78.
(2) انظر: الوسائل 4: 125 أبواب المواقيت ب 4.
(3) التهذيب 2: 272 / 1082، الوسائل 4: 119 أبواب المواقيت ب 3 ح 3.
291

معلوم.
وقد يرد الايراد أيضا بأن غايته ترك أفضلية تقديم الحاضرة بسبب المعارض
فيبقى الجواز.
وفيه نظر يظهر وجهه مما مر من عدم أولوية التجوز عن التخصيص.
الرابع: العمومات المجوزة لفعل النوافل أداء أو قضاء على من عليه قضاء
فريضة.
منها: ما مر في المسألة السابقة.
ومنها: الأخبار المصرحة بأن الصلاة الفائتة - الشاملة لقضاء النوافل -
تقضى في كل وقت وفي كل ساعة وحين ذكرها (1)، الشامل للمورد أيضا.
ومنها: المصرحة بأن خصوص النوافل تقضى في كل وقت، كصحيحة
حسان بن مهران (2)، ومكاتبة محمد بن يحيى (3)، ورواية سليمان بن هارون (4).
فإنه لو جاز فعل النوافل وقضاؤها قبل قضاء الفريضة جاز فعل الفريضة
الحاضرة بالطريق الأولى والاجماع المركب.
ومنع جواز النافلة لمن عليه فريضة، باطل، كما مر في بحث الأوقات.
نعم يمكن منع الأولوية والاجماع المركب بالنسبة إلى قضاء النوافل، كما
صرح به بعضهم (5)، وتدل عليه صحيحة زرارة المتضمنة لأخباره بما سمع لحكم
ابن عيينة وأصحابه، فإنها تدل على أن الترتب إنما هو بين الحاضرة والفائتة، دون
النافلة الفائتة والفريضة الكذائية (6).

(1) الوسائل 8: 253 و 256 أبواب قضاء الصلوات ب 1 و 2.
(2) التهذيب 2: 272 / 1084، الإستبصار 1: 290 / 1064، الوسائل 4: 242 أبواب المواقيت
ب 39 ح 9.
(3) الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 17، التهذيب 2: 272 / 1083، الوسائل 4: 240 أبواب
المواقيت ب 39 ح 3.
(4) التهذيب 2: 173 / 690، الإستبصار 1: 290 / 1061، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت ب
39 ح 11.
(5) انظر: شرح المفاتيح للبهبهاني (مخطوط).
(6) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
292

الخامس: صحيحتا ابن سنان وأبي بصير: " إن نام رجل أو نسي أن يصلي
المغرب والعشاء الآخرة - إلى أن قال -: " وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح
ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس " (1) الحديث.
ولا تضر دلالتهما على كراهة قضاء الفرائض عند طلوع الشمس، ولا على
امتداد وقت العشاءين إلى الفجر.
لأن مخالفة جزء من الحديث للقاعدة لا تخرج باقيه عن الحجية.
مع أن الثاني - أي امتداد وقتهما إلى الفجر في الجملة - هو الأظهر، كما في
موضعه قد مر.
بل قد يرجح الأول - وهو ترك القضاء في الأوقات المكروهة - لمصلحة،
فيمكن أن يكون المقام منه، فيرجح الترك اتقاء عن العامة. وليس مرادنا أن ما
ذكر في ذلك الخبر تقية حتى لا يكون الحكم واقعيا، بل المراد أنه مع تشدد العامة
وجعله من علائم الرفض يكون القضاء في هذه الأوقات مرجوحا واقعا، فلا مخالفة
في الصحيحين للقاعدة أصلا.
والقدح فيهما بدلالتهما على وجوب تقديم الحاضرة..
مردود بأنه لو سلم عدم وجوبه فيكون الدليل عليه قرينة لإرادة الرجحان
المطلق، ولو كان دليل على انتفائه أيضا يكون ذلك دليلا على إرادة الجواز من الأمر،
أو الوجوب التخييري.
السادس: صحيحة الحلبي ورواية محمد:
الأولى: رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: " متى شاء، إن شاء
بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء " (2).
والثانية: عن الرجل تفوته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: " متى شاء، إن

(1) التهذيب 2: 270 / 1076 و 1077، الإستبصار 1: 288 / 1053 و 1054، الوسائل 4: 288
أبواب المواقيت ب 62 ح 3 و 4.
(2) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 6، التهذيب 2: 163 / 639، الوسائل 4: 241 أبواب
المواقيت ب 39 ح 7.
293

شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء " (1).
والايراد عليه بأن الظاهر من " صلاة النهار " نافلته فاسد، لعدم تحقق شئ
يوجب الظهور أصلا. وقياسه على صلاة الليل المختصة بصلاة مخصوصة كما
ترى.
والخدش بأن الحوالة على المشية توجب التسوية مع أن تقديم الفائتة
راجح، يأتي جوابه.
السابع: مرسلة جميل: تفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب ويذكر عند
العشاء، قال: " يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنه لا يأمن (الموت) (2) فيكون قد ترك
الفريضة في وقت قد دخل، ثم يقضي ما فاته الأول فالأول " (3).
والقدح فيها بدلالتها على رجحان تقديم الحاضرة وهو خلاف الاجماع..
مردود بها مر ويأتي من منع الاجماع على خلافه. ولو سلم فيكون هو قرينة
على إرادة مطلق الجواز.
وبأن (4) وقت العشاء مشترك فلا معنى لتقديم العشاء، يأتي جوابه.
الثامن: موثقة الساباطي: عن الرجل يفوته المغرب حتى تحضر العتمة،
فقال: " إن حضرت العتمة وذكر أن عليه صلاة المغرب فإن أحب أن يبدأ بالمغرب
بدأ، وإن أحب بدأ بالعتمة ثم صلى المغرب بعدها " (5).
وأورد عليها بأن المراد بوقت العتمة إن كان وقتها المختص فالحكم بالتخيير
غير معقول، لوجوب تقديم العتمة. وإن كان الوقت المشترك فمع عدم وجه
لاختصاصه بالحكم لا يعقل التخيير أيضا، لوجوب تقديم المغرب. والحمل على

(1) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 7، التهذيب 2: 163 / 640، الوسائل 4: 241 أبواب
المواقيت ب 39 ح 6.
(2) في النسخ: الفوات، وما أثبتاه موافق للمصدر.
(3) المعتبر 2: 407، الوسائل 4: 289 أبواب المواقيت ب 62 ح 6.
(4) عطف على قوله: بدلالتها، أي: والقدح فيها بأن....
(5) التهذيب 2: 271 / 1079، الإستبصار 1: 288 / 1055، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت
ب 62 ح 5.
294

المغرب السابقة خلاف الظاهر. فالرواية شاذة مطروحة.
والجواب عنه: أما على ما هو الحق المختار من اختصاص وقت المختار
للمغرب بزوال الحمرة المغربية فواضح ظاهر، بل هي أيضا من أدلة ذلك
المذهب.
وأما على اشتراك الوقت فبأنه لا شك أن اللفظ صالح للمغرب السابقة،
ولا قرينة في الكلام على مغرب هذه الليلة أصلا، فلم لا يحمل على السابق بقرينة
عدم معقولية غيرها مع أنهم يحملون الألفاظ على مجازات أبعد من ذلك بقرائن
أخفى من هذه؟! وليس هذا مجازا بعيدا، بل هو من باب استعمال المطلق في فرد،
مع أن اللاحقة أيضا ليست إلا فردا آخر من المطلق.
والايراد بأن الحوالة على مشتهى المكلف خلاف الاجماع، لأن تقديم الفائتة
راجح إجماعا.
ففيه: أنه لو سلم ذلك الاجماع لم يضر تلك الحوالة، لوقوعها في المستحبات
كثيرا، ولم يذكر في الخبر إلا جواز الأمرين مع إرادته، وذلك لا يناقض استحباب
أحد الطرفين أصلا. ألا ترى أنه ورد في الوتر " أنها ليست بمكتوبة فإن شئت
صليتها " (1)؟ وورد في الصلاة " فمن أراد استقل ومن أراد استكثر " (2).
التاسع: المروي في قرب الإسناد للحميري: عن رجل نسي الفجر حتى
حضر الظهر، قال: " يبدأ بالظهر ثم يصلي الفجر " (3).
العاشر: المروي في كتاب الحسين بن سعيد بإسناده عن الصادق عليه
السلام: عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى - إلى
أن قال -: " وإن كانت صلاة العصر فليصل العشاء ثم يصل العصر " (4).

(1) الوسائل 4: 67 أبواب أعداد الفرائض ب 16 ح 1، ورواها الشيخ في التهذيب 2: 11 / 22.
(2) مستدرك الوسائل 3: 43 أبواب أعداد الفرائض ب 10 ح 9 عن النفلية للشهيد (ره).
(3) قرب الإسناد: 198 / 754، الوسائل 8: 255 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 9.
(4) مستدرك الوسائل 6: 428، أبواب قضاء، الصلاة ب 1 ح 6 عن كتاب الصلاة للحسين بن سعيد
(ره).
295

والايراد ببعض ما مر عليهما يظهر دفعه مما مر.
احتج القائلون بالقول الثاني:
أولا: بالاجماع المنقول كما تقدم.
وثانيا: بأصل الاشتغال وطريقة الاحتياط المطلوبة في العبادات.
وثالثا: بجميع ما مر دليلا للمضايقة.
ورابعا: بالمروي عن النبي صلى الله عليه وآله مرسلا: أنه قال: " لا صلاة
لمن عليه صلاة " (1).
وخامسا: بالأخبار، وهي كثيرة:
منها: صحيحة زرارة الطويلة وفيها: " وإن كنت ذكرت أنك لم تصل
العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب، وإن
كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر، وإن كنت قد صليت من المغرب
ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر، ثم قم فأتمها بركعتين ثم سلم ثم صل
المغرب، وإن كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب،
وإن كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها
المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة، وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة
حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة، وإن كنت ذكرتها وأنت في ركعة أولى
أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة وأذن وأقم، وإن كانت
المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ثم ابدأ بالمغرب ثم
العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم بالغداة ثم
صل العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم
صل المغرب والعشاء " (2) الحديث.

(1) مستدرك الوسائل 3: 160 أبواب المواقيت ب 46 ح 2 عن الرسالة السهوية للشيخ المفيد (ره).
(2) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158 / 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت
ب 63 ح 1.
296

ومنها: رواية الحلبي: عن رجل نسي الأولى - إلى أن قال -: " وإن هو
خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر، ولا يؤخرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا، ولكن
يصلي العصر فيما قد بقي من وقتها، ثم ليصلي الأولى بعد ذلك على أثرها " (1).
وجه الدلالة: الأمر بالأولى بعد الفراغ من العصر على أثرها.
ومنها: ما مر في المسألة السابقة من رواية زرارة المتضمنة لقوله " فابدأ بالتي
فاتتك " وصحيحته المشتملة على قوله " فليقض ما لم يتخوف " إلى آخرها، وموثقة
البصري (2).
وصحيحة صفوان: عن الرجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان
صلى العصر، فقال: " كان أبو جعفر عليه السلام أو كان أبي يقول: إن أمكنه أن
يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، وإلا صلى المغرب ثم صلاها " (3).
ورواية أبي بصير: عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر قال: " يبدأ
بالظهر، وكذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلا أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة
فتبدأ بالتي أنت في وقتها، ثم تقضي التي نسيت " (4).
ومعمر بن يحيى: رجل صلى إلى غير القبلة ثم تبين له وقد دخل وقت
صلاة أخرى، قال: " يعيدها قبل أن يصلي هذه التي قد دخل وقتها " (5).
وصحيحة الحلبي: عن رجل أم قوما في العصر، فذكر وهو يصلي بهم أنه
لم يكن صلى الأولى، قال: " فيجعلها الأولى التي فاتته، ويستأنف بعد صلاة

(1) التهذيب 2: 269 / 1074، الإستبصار 1، 287 / 1052، الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب
4 ح 18.
(2) راجع ص: 284.
(3) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 6، التهذيب 2: 269 / 1073، الوسائل 4: 289 أبواب
المواقيت ب 62 ح 7.
(4) الكافي 3: 292 الصلاة ب 12 ح 2، التهذيب 2: 172 / 684، الوسائل 4: 290 أبواب
المواقيت ب 62 ح 8.
(5) التهذيب 2: 46 / 150، الإستبصار 1: 297 / 1099، الوسائل 4: 313 أبواب القبلة ب 9
ح 5. والراوي في جميعها: عمرو بن يحيى.
297

العصر " (1).
والمروي في قرب الإسناد: عن رجل نسي العشاء ثم ذكر بعد طلوع
الفجر، كيف يصنع؟ قال: " يصلي العشاء ثم الفجر " وسألته عن رجل نسي الفجر
حتى حضرت الظهر، قال: " لبدأ بالفجر ثم يصلي الظهر، كذلك كل صلاة بعدها
صلاة " (2).
والجواب أما عن الأول: فبعدم حجية الاجماع المنقول جدا، سيما مع
مخالفة فحول القدماء، ومعارضته بظاهر دعوى الاجماع المتقدم عن كتاب
الفاخر (3)، واستفاضة دعوى الشهرة المتأخرة (4).
وأما عن الثاني: فبما مر مرارا من أن في مثل المقام يجري أصل البراءة دون
أصل الاشتغال، وأما الاحتياط فلو سلم جريانه هنا فليس إلا مستحبا.
وأما عن الثالث: فبما مر في المسألة السابقة. مضافا إلى عدم استلزام
الفورية للترتب المطلوب، لحصول التعارض بين أدلة فوريته وبين أدلة تجويز
الحواضر في جميع أوقاتها وترغيب أول أوقاتها بالعموم من وجه، والترجيح لأدلة
الحواضر بالأكثرية ومخالفة العامة وموافقة الكتاب.
وأما عن الرابع: فبضعفه الخالي عن الجابر. واشتهار القول بالترتب - لو
سلم - لا يوجب اشتهار بطلان الحاضرة، كيف؟! ومن القائلين بالترتب جمع لا
يقولون ببطلان الحاضرة لو فعلها (5).
مع أن نسبته إلى الحاضرة والفائتة على السواء؟ إذ يصدق على من دخل

(1) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 7، التهذيب 2: 269 / 1072، الوسائل 4: 292 أبواب
المواقيت ب 63 ح 3.
(2) قرب الإسناد 197 / 753 و 754، الوسائل 8: 255 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 8 و 9.
(3) راجع ص: 288.
(4) راجع ص 290.
(5) قال الشهيد في الذكرى: 134: ولم يصرح في النهاية والخلاف ببطلان الحاضرة لو أوقعها لا مع
الضيق، وكذلك المفيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد، نعم صرح به المرتضى وابن البراج وأبو الصلاح
والشيخ في المبسوط وابن إدريس.
298

عليه وقت الفريضة أنه عليه صلاة الحاضرة، فلا تتم منه صلاة الفائتة.
هذا كله مع أنه معارض برواية علي بن جعفر، وفيها: " لا صلاة في وقت
صلاة " (1).
وأما عن الأخبار: فبأن غير الأربعة الأولى منها خالية عن الدال على
الوجوب بالمرة، بل لا يتضمن إلا جملا إخبارية هي عن الدلالة على الوجوب
قاصرة، بل لكل من الوجوب والرجحان بل مطلق الجواز محتملة.
ودعوى إفادتها الوجوب ناشئة من عدم حق التأمل في المسألة، فإنها
مستعملة في معان مجازية، فلو سلمت إفادتها الوجوب في هذا العصر فهي إفادة
حادثة، والأصل في كل حادث التأخر.
مضافا إلى ما في موثقة البصري من عدم دلالتها - مع الاغماض عن جميع
ما ذكر - إلا على وجوب تقديم الفائتة الواحدة، فإن قوله: " أتمها بركعة ثم صلى
المغرب " يدل على أن الفائتة صلاة واحدة، فكيف يستدل بها للقول بالترتب
المطلق؟!.
ومنه يظهر قدح آخر في صحيحتي صفوان والحلبي ورواية قرب الإسناد.
مع ما في صحيحة الحلبي أيضا من خروجها عن المتنازع فيه البتة، لعدم الخلاف
في وجوب تقديم الظهر على العصر، فإنه من باب ترتب الحواضر.
ومنه يظهر قدح آخر في رواية أبي بصير، لأنه أيضا من ذلك الباب.
ولا يتوهم إطلاق قوله: " وكذلك الصلوات ".
إذ مقتضى تشبيهها بما تقدم عليه أن المشتركين في الوقت إذا نسي أولهما تقدم
على اللاحقة، فيكون اللام في " الصلوات " للعهد بقرينة التشبيه. ولا أقل عن
تساوي الاحتمالين المسقط للاستدلال.
ولو أبيت إلا عن الاطلاق فيكون شاملا. للنوافل المنسية أيضا، ولا شك في
عدم وجوب تقديمها بل عدم رجحانه، فيعارض التخصيص فع التجوز بإرادة

(1) التهذيب 3: 320 / 996، الوسائل 3: 124 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 3.
299

الندب أو الإباحة، والحق عدم أولوية أحدهما عن الآخر، سيما عن تجوز استعمال
الدال على الوجوب - لو كان - في الاستحباب الذي هو في الشيوع بمكان يتوقف
في تقديم الوجوب عليه فيما هو حقيقة في الوجوب.
ومن ذلك يظهر قدح آخر في رواية معمر، فإن الصلاة فيها أيضا مطلقة،
مضافا إلى مخالفتها لما عليه الفتوى من عدم إعادة الصلاة خارج الوقت مع تبين
الخطأ في القبلة.
ومن ذلك ظهر عدم دلالة غير الأربعة الأولى.
والأخيرتان منها أيضا مقدوحتان بما مر من إطلاق الصلاة فيهما الشاملة
للنافلة والفريضة، الغير الواجب تقديم الأولى قطعا، الموجب لتعارض
التخصيص والتجوز.
فلم يبق إلا الأوليين.
والأخيرة منهما أيضا مختصة بالفائتة الواحدة، فالاستدلال بها على الاطلاق
غلط. مضافا إلى أن في دلالة قوله " على أثرها " على التعجيل والتقديم على المغرب
نظرا.
مع أنه لو قطع النظر عن ذلك أيضا فلا شك أنها مختصة بالفائتة المقضية
في يومها، التي أفتى الفاضل باختصاص التقديم بها، فكيف يستدل بها على
الاطلاق؟!.
ومن ذلك يظهر قدح آخر في كثير مما مر، بل في الصحيحة الأولى أيضا إن
كان المراد بيوم الفائتة ما يشمل الليلة أيضا أو احتمل ذلك حتى يوجب الوهن
للاجماع المركب.
مع أنه لو قطع النظر عن ذلك غايته تكون هناك صحيحة واحدة دالة
معارضة مع أخبار كثيرة، فكيف تقدم عليها؟!.
مع أنه لو سلمت دلالة الجميع فتحصل المقابلة بين الفريقين من الأخبار،
ومن البديهيات أن تجويز الترك قرينة واضحة على عدم إرادة الحقيقة من الأمر،
ويجب صرفه عن الحقيقة.
300

ولو قطع النظر عن ذلك أيضا لحصل التعارض بين الفريقين، فيجب
الرجوع إلى المرجح، ولا شك أن أخبار عدم الترتب أرجح من جميع وجوه
المرجحات المنصوصة: فإنها موافقة لعموم الكتاب الدال على جواز إقامة الصلاة
في أول أوقاتها، والدال على انتفاء العسر والحرج، ومطابقة للسنة النبوية من كونه
مبعوثا بالملة السهلة السمحة، ومخالفة لروايات العامة وفتواهم، إذ - كما صرح به
جمع من علمائنا منهم صاحب الذخيرة وبعض مشايخنا المحققين وغيرهما، وتدل
عليه رواياتهم - القول بالمضايقة والترتب فتوى أكثر العامة.
بل من جهة بعض المرجحات الغير المنصوصة أيضا، كموافقة الأصل،
وأوفقية العمومات الكثيرة الغير العديدة، وعمل الناس من الصدر الأول إلى زماننا
هذا.
وترجيح أخبار المضايقة والترتب بالأكثرية والأصحية غلط واضح.
نعم، قد تترجح بموافقة شهرة القدماء والاجماعات المنقولة.
ويعارضه ما مر من شهرة المتأخرين المستفيضة حكايتها ودعوى الاجماع من
بعضهم على خلافه.
مع أنه يستفاد من كلام الحلي الوهن في دعوى إجماعه بل إجماع غيره جدا،
حيث إنه في الرسالة التي عملها للمسألة قال: أطبقت عليه الإمامية خلفا عن
سلف - إلى أن قال -: لأن ابني بابويه والأشعريين كسعد بن عبد الله وسعد بن
سعد ومحمد بن علي بن محبوب، والقميين كعلي بن إبراهيم ومحمد بن الحسن بن
الوليد عاملون بالأخبار المتضمنة للمضايقة، لأنهم ذكروا أنه لا يحل رد الخبر
الموثوق روايته. انتهى.
ولا يخفى ما في تعليله لعمل هؤلاء بأخبار المضايقة، فإنه بعينه يجري في
أخبار المواسعة أيضا.
ثم لو سلمت مكافأة الترجيحين فالعمل إما بالأصل أو التخيير، ومقتضاهما
أيضا عدم الترتب.
ومما ذكرنا ظهر أن المسألة واضحة جدا وإن توهم بعض مشايخنا الأخباريين
301

الأمر بالعكس، وجعل الوضوح للمضايقة، وأطال في المسألة بما أكثره
استعجابات وخطابيات لا تسمن ولا تغني من جوع (1).
أحتج كل من المخالفين الآخرين: بالأمر بتقديم الفائتة الواحدة أو فائتة
اليوم في بعض الأخبار، وتجويز تأخيرها في المتعددة أو من غير اليوم في بعض آخر.
وضعفهما ظاهر مما مر، فإن كلا من الأمر بالتقديم وتجويز التأخير ورد في
كل من الواحدة والمتعددة وفائتة اليوم وغيرها، فإن صحيحة زرارة الطويلة تتضمن
الأمر بتقديم الواحدة والمتعددة من غير يوم الفوات (2)، كما أن موثقة الساباطي وما
بعدها من روايتي قرب الإسناد وكتاب الحسين تتضمن تجويز التأخير في الفائتة
الواحدة (3)، ومرسلة جميل وغيرها تتضمن تجويز التأخير في يوم الفوات أيضا (4).
والانصاف أنه لا مناص عن القول بالتفصيل بين الواحدة والمتعددة على
طريقة صاحب المدارك ومن يحذو حذوه من عدم العمل بالموثقات وأخبار غير
الكتب الأربعة، إذ ليس ما يصرح بتجويز تقديم الفائتة الواحدة إلا العمومات
والموثقة وما بعدها، والصحيحة الآمرة بتقديمها خاصة، فعلى أصله لا تقاومها
الموثقة وما يتعقبها، ويجب تخصيص العمومات بها.
نعم، على أصلنا من العمل بالموثقات - سيما على ما اخترنا من انتهاء وقت
المغرب بزوال الحمرة - لا يكون للتفصيل دليل تام، لدلالة الموثقة على تقديم
العشاء على المغرب مع انتهاء وقتها، مع العمومات وسائر ما مر.
فروع:
أ: إذ قد عرفت أن الحق علم ترتب الفوائت على الحواضر (5)، فهل الراجح

(1) انظر: الحدائق 6: 338 إلى 368.
(2) راجع ص 296.،
(3) راجع ص 294.
(4) راجع ص 294.
(5) الظاهر أن التعبير بترتب الفائتة على الحاضرة من باب صناعة القلب، والأصل: ترتب الحاضرة
على الفائتة، كما نبه عليه الشهيد الثاني (ره) في روض الجنان: 189
302

تقديم الفائتة كما اختاره أكثر المتأخرين القائلين بعدم الترتب (1)؟ أو الحاضرة كما
عن الصدوقين (2)، ومال إليه بعض المتأخرين (3)؟.
والتحقيق أنه قد ورد الأمر بكلا الأمرين في الفريقين من الروايات،
ويشتركان في عمومات الأمر بالاستباق والمسارعة إلى الخيرات.
ومزية تقديم الحاضرة بالأخبار الغير العديدة من الصحاح وغيرها الدالة
على أفضلية أول الوقت، والمرغبة للتعجيل إلى الصلاة في أوائل أوقاتها وأنها
رضوان الله، إنما كانت مفيدة لولا معارضتها مع ما مر من تقديم الفائتة من
الظواهر في الرجحان أو الوجوب، وأدلة الاحتياط. واشتهار رجحان تقديم الفائتة
- لو كانت - شهرة في الفتوى، وهي ليست من المرجحات المنصوصة.
فلولا موافقة أخبار تقديم الفائتة لروايات العامة وفتاوى أكثرهم - التي هي
من موجبات مرجوحية الخبر نصا وفتوى - لكانت وظيفتنا الحكم بتساوي
الأمرين، لا بمعنى أنه الحكم واقعا، بل لكونه حكم من لم يظهر له ترجيح أحد
الطرفين. ولكن الموافقة المذكورة تمنعنا عن الحكم المذكور، ويترجح عندنا رجحان
تقديم الحاضرة لأجل ذلك.
وأما ما يستفاد من كلام بعض مشايخنا من توهم الاجماع على رجحان تقديم
الفائتة (4).
فليس بشئ، إذ مذهب أكثر من تقدم من القائلين بعدم الترتب لنا غير
معلوم، فكيف يمكن دعوى لاجماع فيه، سيما مع مخالفة مثل الصدوقين صراحة؟!.
ب: لو قلنا بفورية القضاء يجرم تركها قطعا، ويكون جميع أضداد القضاء

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 421، والشهيدين في اللمعة والروضة 1: 345.
(2) المقنع: 32، الفقيه 1: 232، وحكاه عن والده في المختلف: 144.
(3) المحقق السبزواري في الذخيرة: 213.
(4) انظر: الرياض 1: 226.
303

الخاصة منهيا عنها على المختار، فيحرم كل ما ليس على جوازه أو استحبابه أو
وجوبه دليل عام يعارض ذلك النهي، ويرجع إلى حكم التعارض فيما كان فيه عام
كذائي، كما بيناه في الأصول.
ج: لو قدم الحاضرة مع سعة وقتها حال كونه ذاكرا للفائتة، فعلى القول بوجوب
تقديم الفائتة تجب إعادتها؟ لكونها باطلة، لأن النهي عن ضد الأمر بالابتداء
بالفائتة مطلقا أو فوائت مخصوصة كالمغرب والعشاء ونحوهما أخص مطلقا عما
يتضمنه الأمر بالحاضرة في جميع أوقاتها أو الترغيب بها في أوائل أوقاتها، فيخص
بها، وتبطل به الحاضرة.
ولو فعل ذلك سهوا لم يعد الحاضرة قولا واحدا، لعدم تعلق النهي
بالساهي.
د: لو تذكر من عليه فائتة في أثناء الحاضرة عدل إلى الفائتة - على القول
بالترتب - مع الامكان، وهو حيث لا تتحقق زيادة ركوع، بلا خلاف من القائلين
بالترتب، وتدل عليه الصحيحة الطويلة وموثقة البصري (1). ومقتضى الأولى
جواز العدول مع الفراغ من الفريضة، ولم نعثر على قائل به.
المسألة الثالثة:
من فاتته فريضة واحدة حضرا من يوم، ولم يعلمها بعينها، صلى ثنائية
وثلاثية ورباعية بنية قضاء ما في ذمته، على الأقوى الأشهر، كما صرح به جماعة (2)،
وعن الخلاف والسرائر: الاجماع عليه (3).
لأصالة عدم اشتغال الذمة بالزائد عن ذلك. ولا تعارضها أصالة
الاشتغال، لعدم تيقن الشغل بالأزيد، وما علم الشغل به فقد حصل.

(1) المتقدمتان في ص 284 و 296.
(2) كالعلامة في التذكرة 1: 82، والسبزواري في الكفاية: 27، وصاحب الرياض 1: 227.
(3) الخلاف 1: 309، السرائر 1: 275.
304

فإن قلت. اشتغلت الذمة بشئ معين، والحاصل أمر غير معين.
قلنا: لا معنى لحصول غير المعين، إذ الشئ ما لم يتعين لم يوجد. نعم لا
يتعين في القصد، ولم يثبت اشتغال الذمة بالمعين في القصد هنا، والتعين الذي
كان واجبا في الفائت - من الأدائية والظهرية مثلا - غير ممكن التحقق فيما نحن
فيه، فلا يكون مكلفا به قطعا.
ومنه يظهر عدم اندفاع الأصل بعموم المماثلة الواردة في بعض الأخبار (1) لو
سلم العموم.
لأن قلت: إن كان الفائت الظهر مثلا فقد اشتغلت الذمة بقضاء الظهر،
والحاصل ليس ذلك.
قلت: إن أردت اشتغال الذمة بقضاء صلاة بنية كونها ظهرا فهو باطل
قطعا، وإن أردت اشتغالها بقضاء صلاة بقصد كونها قضاء ظهر فلا نسلم
الاشتغال به، بل المسلم اشتغالها بقضاء أربع ركعات للأربع الفائتة.
والقول يأن العبادات توقيفية، ولم يثبت من الشارع الاكتفاء بواحدة.
مردود بأنه لم يثبت من الشارع أزيد من وجوب ركعات.
وأضعف منه تأيد التعدد في الأربع بأصالة عدم التداخل كما في
الحدائق (2)، فإن الاكتفاء بالواحدة لأجل عدم ثبوت الزائد، لا لتداخل أكثر من
الواحدة.
وتدل على المطلوب أيضا مرسلة ابن أسباط: " من نسي صلاة من صلاة
يومه واحدة ولم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين وثلاثا وأربعا " (3).
والمروي في محاسن البرقي: عن رجل نسي صلاة من الصلوات ما يدري
أيها هي، قال: " يصلي ثلاثا وأربعا وركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو

(1) انظر: الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1، عوالي اللآلي 2: 54 / 143.
(2) الحدائق 11: 19.
(3) التهذيب 2: 197 / 774، الوسائل 8: 275 أبواب قضاء الصلاة ب 11 ح 1.
305

العشاء فقد صلى أربعا، وإن كانت المغرب أو الغداة فقد صلى " (1).
وإرسالهما غير ضائر، للانجبار بما مر.
خلافا للمحكي عن الحلبي وابن حمزة، فأوجبا الخمس (2)، ويستنبط ذلك
من باب الوضوء من المبسوط أيضا حيث حكم بأن من توضأ وصلى الظهر، ثم
توضأ وصلى العصر، ثم ذكر أنه أحدث عقيب إحدى الطهارتين قبل أن يصلي
توضأ وأعاد الصلاتين معا (3).
لتحصيل نية التعيين الواجبة إجماعا مع الامكان، ولوجوب الجهر أو
الاخفات الغير الممكن جمعهما في صلاة واحدة.
ويردان: بأنهما اجتهاد في مقابلة النص.
مضافا في الأول إلى أنه إن أراد الاجماع على وجوبها إذا كان معينا عند
المكلف فلا يفيد هنا، وإن أراد الاجماع عليه مع عدم التعيين عند المكلف فهو
أول المسألة.
وفي الثاني إلى أن مقتضاه الاكتفاء بالأربع بزيادة رباعية يجهر في إحداهما
ويخفت في الأخرى. مع أن ثبوت وجوب الجهر أو الاخفات في المورد ممنوع، إذ
قد عرفت أن إيجابه في القضاء بالاجماع الغير المتحقق هنا.
ومن ذلك يظهر تخير المكلف في الرباعية الواحدة بين الجهر والاخفات،
للأصل، واستحالة التكليف بهما، وعدم الترجيح.
ولو كان في وقت العشاء، يردد بين الأداء والقضاء إن أوجبنا نيتهما.
ولو فاتته الواحدة سفرا يصلي مغربا وثنائية مطلقة بين الثنائيات الأربع،
وفاقا لجماعة (4)، للأصل المذكور.

(1) المحاسن: 325 / 68، الوسائل 8: 276 أبواب قضاء الصلاة ب 11 ح 2.
(2) الحلبي في الكافي: 150، ولم نعثر عليه في الوسيلة وحكاه عن ابن زهرة في المختلف: 148
وهو موجود في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.
(1) المبسوط 1: 25.
(3) كالعلامة في التذكرة 1: 82، والشهيد الأول في الذكرى: 99، والشهيد الثاني في الروض:
358.
306

لا لفحوى النصين المتقدمين، لعدم انفهام الأولوية أصلا.
ولا لظهور قوله في رواية المحاسن: " فإن كانت الظهر والعصر... " في
العموم، لأنه - لو سلم - لم يفد هنا، لضعف الرواية وعدم ظهور الجابر في
المسألة، لاختصاص الشهرة الجابرة بغيره، وجبره بالاعتبار وفتوى طائفة لا اعتبار
خلافا للمحكي عن الحلي (1)، فأوجب هنا الخمس اقتصارا فيما خالف
الأصل على مورد النص المنجبر بالعمل.
فرعان:
أ: لا ترتيب هنا بين الثلاث قطعا، للأصل، وعدم المقتضي.
ب: لو تعددت الفائتة المجهولة شخصا مع العلم بالعدد، يقضيها على الوجه
المذكور. فلو علم فوات صلاتين من يوم ولم يعلمهما، صلى ثنائية وثلاثية
ورباعيتين. ولو كانت ثلاثة أو أربعة ثلث الرباعية. ولو كان مسافرا صلى ثلاثية
مع ثنائيتين في الأول ومع ثلاث ثنائيات في الأخيرتين. ولو كانت الفائتتان من
يومين صلى ثنائيتين وثلاثيتين ورباعيتين، وهكذا.
المسألة الرابعة:
لو فاتته من الفرائض ما لم يحصه عددا فالمشهور أنه يجب عليه القضاء حتى
يغلب على ظنه الوفاء، بل في المدارك: أنه المقطوع به في كلام الأصحاب (2)،
مشعرا بالاجماع.
لصحيحة مرازم: في نوافل كثيرة، فقال: " أقضها " فقلت: لا أحصيها،

(1) السرائر 1: 275
(2) المدارك 4: 306.
307

فقال: " توخ " (1).
ورواية ابن سنان: في رجل فاته من النوافل ما لا يحصى، لا يدري ما هو
من كثرته، كيف يصنع؟ قال: " يصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرته " (2).
دلتا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى على وجوب ذلك في الفرائض
أيضا. بل يحتمل وجوب الأزيد منه من تحصيل العلم بالبراءة، ولكنه نفي بعدم
إمكان تحصيل العلم، واستلزامه العسر والحرج عادة، فبقيت المساواة.
ولاستصحاب شغل الذمة، فلا تحصل البراءة إلا مع العلم بها الموجب
للاتيان بأكثر ما يحتمل فواته. إلا أنه لما مر من عدم إمكان تحصيل العلم يكتفي
بالظن، لوجوب الرجوع إلى الظن بعد سد باب العلم، ولنحو قوله عليه السلام:
" ما لا يدرك كله لا يترك كله " (3).
ويرد على الروايتين - بعد تسليم الأولوية -: أن الحكم فيهما على
الاستحباب قطعا، فغايته استحباب التوخي ولا كلام فيه.
وعلى الاستصحاب: بأن ما علم الشغل به يقينا - وهو ما تيقن بفواته أي
الأقل - تحصل البراءة عنه بالأقل، فلا معنى لاستصحاب الاشتغال به، والزائد
لم بعلم به شغل أولا حتى يصح استصحابه. واستصحاب نفس اشتغال الذمة
مطلقا لا معنى له، لأن الاشتغال لا بد له من متعلق.
وأما ما ذكره بعض مشايخنا المحققين في توجيه الاستصحاب بأن المكلف
حينما علم الفوات صار مكلفا بقضاء هذه الفائتة قطعا وكذلك الحال في الفائتة
الثانية والثالثة وهكذا. ومجرد عروض النسيان بعد ذلك لا يرفع الحكم الثابت من
الاطلاقات والاستصحاب، ولا تأمل في التكليف بالقضاء قبل النسيان (4).

(1) الكافي 3: 451 الصلاة ب 90 ح 4، التهذيب 2: 199 / 779، علل الشرائع 362 / 2،
الوسائل 4: 78 أبواب أعداد الفرائض ب 19 ح 1.
(2) الكافي 3: 453 الصلاة ب 90 ح 13، الفقيه 1: 359 / 1577، التهذيب 2: 11 / 25،
الوسائل 4: 75 أبواب أعداد الفرائض ب 18 ح 2.
(3) عوالي اللآلي 4: 58 / 207.
(4) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).
308

فمن أغرب الغرائب، إذ بعدما أتى بما تيقن فواته لم يبق شئ علم فواته
أولا ونسيه بعد ذلك حتى يستصحب، وكيف يعلم الفائت أولا؟!.
وكذا ما ذكره أيضا من أن رد صاحب الذخيرة وبعض آخر دليل
استصحاب الاشتغال هنا مبني على عدم حجية الاستصحاب عنده مع أنه يقول
بحجيته فيما يتحقق فيه الاطلاق.
فإن ردهم ليس لذلك أصلا، بل لعدم كونه موضع. جريان الاستصحاب
كما عرفت.
وكذا ما ذكره أيضا من أنهم يسلمون استدعاء الشغل اليقيني بأمر واقعي
البراءة اليقينية مهما أمكن وإن وقع الاجمال وتعدد الاحتمال في ذلك الواقعي، فلم
لا يقولون به هنا؟!.
وذلك لأنه إنما هو فيما إذا لم يعلم المكلف به اليقيني، أي كان ما علم
التكليف به يقينا مجملا كالصلاة الواحدة الفائتة المترددة بين الخمس، فإنه لا
صلاة هنا يحكم بالتكليف بها يقينا.
وما نحن فيه ليس كذلك، إذ ما علم التكليف به يقينا معلوم وهو الأقل،
ولا إجمال فيه، والزائد لا علم به، فيجري فيه أصل البراءة الثابت بالشرع والعقل
والاجماع.
وعدم التفرقة في جريان أصل الاشتغال بين هذه المسألة ومسألة الصلاة
الواحدة المترددة - كما ذكره بعض الأجلة - ناشئ من عدم التأمل.
ثم إنا لو سلمنا جريان أصل الاشتغال والاستصحاب هنا فمقتضاهما
وجوب تحصيل العلم، كما عن روض الجنان في بعض الصور (1)، وبعض آخر (2)،
فالاكتفاء بالظن لا وجه له.
والقول بعدم إمكان تحصيل العلم فاسد جدا، إذ كيف لا يمكن مع أن
مبدأ زمان التكليف معلوم، ومنتهاه - وهو زمان إرادة القضاء - أيضا كذلك،

(1) روض الجنان: 359.
(2) كصاحب الرياض 1: 228.
309

ووظيفة كل يوم من الفرائض أيضا معلومة، فلو قضى جميع ما بين الطرفين يحصل
العلم. ولو علم قطعا أنه لم يترك بعضها كنصف أيام تكليفه أو ثلثه أو عشره
يحصل العلم بفعل ما نقص عنه ذلك أيضا، ولا يلزم أن يكون تحصيل العلم
بالاتيان بما فات من غير زيادة ونقصان، بل اللازم فيه الاتيان بما لا ينقص عن
الفائت قطعا.
وأما استلزامه العسر والحرج المسقطين للتكليف فهو ممنوع البتة، كيف؟!
ولو علم أحد أنه فات صلوات كثيرة منه منذ سنة أو سنتين أو ثلاث سنين ولم يعلم
عددها، فغايته فوت تمام صلوات هذه الأيام، فيقضي صلوات ثلاث سنين، وقد
ينقص ثلثها أو أقل أو أزيد أيضا بأن علم قطعا الاتيان بالثلث أو نحوه، وكثير من
الناس يصير أجيرا لأزيد من ذلك فيفعله في شهر أو شهرين.
وكذا كثيرا ما يحكمون بوجوب قضاء صلوات عشر سنين أو عشرين أو أزيد
- لوقوع خلل أو ترك تقليد - لأجل الدليل، ولا ينفونه بالعسر والحرج.
فإذا كان الاستصحاب هنا أيضا دليلا فلم لا يحكم بمقتضاه لأجل العسر
والحرج لو سلمنا؟ مع أن التفاوت فيما يحصل به الظن وما به يحصل العلم لا يكون
كثيرا غالبا، فإذا وجب الأول بدون عسر وحرج يكون الثاني أيضا كذلك.
ثم لو سلمنا عدم إمكان تحصيل العلم واستلزامه العسر والحرج فمقتضاه
سقوط تحصيل العلم وما يقتضيه الاستصحاب والاشتغال، وأما الاكتفاء بالظن
فلا دليل عليه أصلا. ومثل " ما لا يدرك حله لا يترك كله " لا يدل بوجه كما بينا في
موضعه، والرجوع إليه بعد سد باب العلم ممنوع غايته، بل يرجع إلى سقوط
التكليف فيما ليس فيه علم، ومن ذلك ظهر عدم دليل تام لشئ من ذينك
القولين.
وهنا قول آخر، وهو: الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته. استوجهه في المدارك
والذخيرة (1)، وهو ظاهر التذكرة ونهاية الإحكام (2).

(1) المدارك 4: 307، الذخيرة: 384.
(2) التذكرة 1: 83، نهاية الإحكام 1: 325.
310

وهو الأقوى، لأصالة البراءة عن الزائد عما علم فواته. ولا يعارضها
استصحاب شغل الذمة كما مر.
وأما ما قيل من عدم إمكان حصول العلم بالأقل، إذ كل عدد يفرضه مثل
ذلك الشخص يحتمل النقصان عنه والزيادة عليه (1).
فكلام واه جدا، ظاهر وجهه مع التأمل.
وتدل عليه أيضا صحيحة زرارة والفضيل وفيها: " وإن شككت بعدما
خرج وقت الفوات فقد دخل حائل، فلا إعادة عليك من شئ حتى تستيقن،
وإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال " (2).
فإنه إذا فعل ما تيقنه من العدد الأقل يكون الزائد مشكوكا فيه بعد خروج
الوقت، فلا يكون فيه قضاء.
والايراد بأن المتبادر من الرواية هو الشك في ثبوت أصل القضاء في الذمة
وعدمه، وهو غير ما نحن فيه وهو الشك في مقدار القضاء بعد القطع بثبوت أصله
في الذمة والاشتغال به مجملا، والفرق بينهما واضح..
مردود بأن بعد إخراج العدد المقطوع به عن الثاني يكون ثبوت أصل القضاء
الزائد عنه موضع الشك، فلا فرق.
وها هنا قول آخر اختاره الفاضل في الإرشاد (3)، وهو: الاكتفاء بالظن مع
تعيين الصلاة الفائتة كيفية وترديدها عددا، ووجوب تحصيل العلم مع عدم
التعيين كما وكيفا.
ووجه التفصيل غير واضح.
المسألة الخامسة:
يستحب قضاء النوافل الرواتب اليومية استحبابا مؤكدا، بالاجماع، كما عن

(1) انظر: شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).
(2) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276 / 1098، الوسائل 4: 282 أبواب
المواقيت ب 60 ح 1.
(3) الإرشاد 1: 271.
311

الخلاف والمنتهى وروض الجنان (1)، وغيرها (2)، له، وللمستفيضة من الأخبار
المتكثرة.
منها: رواية ابن سنان: عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما
هو من كثرتها، كيف يصنع؟ قال: " فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها،
فيكون قد قضى بقدر ما علم من ذلك " ثم قال: قلت له: فإنه لا يقدر على
القضاء، فقال: " إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا
شئ عليه، وإن كان شغله لجمع الدنيا والتشاغل به عن الصلاة فعليه القضاء،
وإلا لقي الله تعالى وهو مستخف متهاون مضيع لحرمة رسول الله صلى الله عليه
وآله " قال، قلت: فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزئ أن يتصدق؟ فسكت مليا،
ثم قال: " فليتصدق بصدقة " قلت: فما يتصدق؟ قال: " بقدر طوله، وأدنى ذلك
مد لكل مسكين مكان كل صلاة " قلت: وكم الصلاة التي يجب فيها مد لكل
مسكين؟ قال: " لكل ركعتين من صلاة الليل ولكل ركعتين من صلاة النهار مد "
فقلت: لا يقدر، فقال: " مد إذا لكل أربع ركعات من صلاة النهار " قلت: لا
يقدر، فقال: " مد إذا لصلاة الليل ومد لصلاة النهار، والصلاة أفضل والصلاة
أفضل والصلاة أفضل " (3).
أقول: المراد أن صلاة القاضي أفضل من صدقة المتصدق وأكثر ثوابا منه،
لا أن الصلاة للمتصدق أفضل، لأن المفروض عدم قدرته.
ولو فاتت النافلة لمرض لم يتأكد القضاء تأكد غيره؟ لما في صحيحة مرازم:
كنت مرضت أربعة أشهر لم أتنفل فيها، فقلت: أصلحك الله تعالى، أو:
جعلت فداك، إني مرضت أربعة أشهر لم أصل فيها نافلة، فقال: " ليس عليك
قضاء، إن المريض ليس كالصحيح، كل ما غلب الله تعالى (عليه) فالله أولى

(1) الخلاف 1: 524، المنتهى 1: 423، روض الجنان: 361.
(2) كالمعتبر 2: 413، والتذكرة 1: 83، والذكرى: 137.
(3) الكافي 3: 453 الصلاة ب 90 ح 13، الفقيه 1: 359 / 1577، التهذيب 2: 11 / 25،
الوسائل 4: 75 أبواب أعداد الفرائض ب 18 ح 2.
312

بالعذر فيه " (1).
ويستفاد من التعليل عموم ذلك الحكم لكل معذور من غير اختصاص
بالمريض، ولا بأس به.
وتستحب الصدقة مع العجز عن القضاء عن كل ركعتين بمد، على
التفصيل المتقدم في رواية ابن سنان.
والمذكور في كلام الأصحاب أنه إن عجز عن المد لكل ركعتين يتصدق عن
كل يوم مدا. ولم أقف على مستنده، والعمل بالرواية أولى.
المسألة السادسة:
يجوز الاحتياط بقضاء صلاة احتمل اشتمالها على خلل، أو احتمل تركها
بعد الوقت، أو شك فيه، لأن جميع الأخبار المطلقة في الاحتياط يدل عليه،
لصدق الاحتياط لغة وعرفا.
وأما توهم أنه ربما يوجب التشريع فقد يقتضي الاحتياط الترك، فيظهر
جوابه مما ذكرنا في بحث صلاة الجمعة، ومنه يظهر ما في الذكرى من أن للبحث
فيه مجالا (2).
المسألة السابعة:
من فاتته صلاة يومية واجبة وعلم الترتيب، تجب عليه مراعاته في قضائها،
إجماعا محققا ومحكيا في الخلاف والمعتبر والمنتهى والتنقيح (3)، وشرح الألفية لابن
أبي جمهور، وشرح الإرشاد للمحقق الثاني.
ولا يقدح فيه ما نسبه في الذكرى إلى بعض من صنف في المضايقة والمواسعة

(1) الكافي 3: 451 الصلاة ب 90 ح 4، التهذيب 2: 199 / 779، علل الشرايع 362 / 2،
الوسائل 4: 80 أبواب أعداد الفرائض ب 20 ح 2، وما بين المعقوفين من المصادر.
(2) الذكرى: 138.
(3) الخلاف 1: 382، المعتبر 2: 405، المنتهى 1: 421، التنقيح 1: 267.
313

من أصحابنا من القول بالاستحباب (1)، ومال إليه بعض متأخري المتأخرين (2).
فهو الحجة فيه، مضافا إلى صحيحة زرارة: " إذا نسيت صلاة أو صليتها
بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهن، فأذن لها وأقم ثم صلها،
ثم صل ما بعدها بإقامة، إقامة لكل صلاة " وفي آخرها: " وإن كانت المغرب
والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثم العشاء "
إلى أن قال: " فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم
صل المغرب والعشاء ابدأ بأولاهما " (3).
ورواية جميل: تفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب، وذكرها عند العشاء
الآخرة، قال: " يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنه لا يأمن الموت، فيكون قد ترك
صلاة فريضة في وقت قد دخلت، ثم يقضي ما فاته الأولى فالأولى " (4).
وصحيحة ابن سنان: " إن نام زجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء
الآخرة - إلى أن قال -: وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم
العشاء قبل طلوع الشمس " (5).
وإن كان في دلالة الأخيرتين على الوجوب نظر: أما الأولى فلأنها خالية عن
الدال عليه، وأما الثانية فلعدم وجوب تقديم الصبح قطعا.
كما أنه لا دلالة لما استدلوا به من عموم النبوي: " من فاتته فريضة فليقضها
كما فاتته " (6).
وحسنة زرارة: رجل فاتته صلاة السفر فذكرها في الحضر، فقال: " يقضي

(1) الذكرى: 136.
(2) هو المحقق السبزواري في الذخيرة: 385، والكفاية 28.
(3) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158 / 340، الوسائل 4: 290 أبواب
المواقيت ب 63 ح 1.
(4) المعتبر 2: 407، الوسائل 4: 289 أبواب المواقيت ب 62 ح 6، وتقدمت أيضا في ص 2218
مع اختلاف يسير.
(5) التهذيب 2: 270 / 1076، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 4.
(6) عوالي، اللآلي 2: 54 / 143، و ج 3: 107 / 150.
314

ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها، وإن كانت صلاة
الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته " (1).
قالوا: إن الأصل في التشبيه حيث لم يظهر وجه شبهه - ولو بتبادر أو غلبة
أو شيوع أو نحوها - المشاركة في جميع وجوه الشبه، ومنها الترتيب هنا. وورود
الثانية في مورد خاص غير ضائر بعد عموم الجواب وعدم القائل بالفرق من
الأصحاب.
لمنع (2) اقتضاء التشبيه المماثلة من جميع الجهات أولا، وتعديه إلى الأوصاف
الغير المعتبرة في مهية الممثل له - كما في ما نحن فيه - ثانيا، فإنه لا شك أنه لو سلم
العموم فالمتبادر منه المماثلة فيما هو داخل في حقيقة الممثل له، بل هو حقيقة
مقتضى معناها الحقيقي، ولا شك أن الترتيب غير داخل في مهية الصلاة.
مع أن العصر التي فاتته مثلا كانت تجب قبل قضاء الظهر الفائتة قطعا، إذ
فواتهما لا يكون إلا بخروج وقتهما، ولا شك أن بعد خروج وقت الظهر وبقاء وقت
العصر خاصة يجب تقديمها على القضاء، وكذا فيما يلحق بهما، فالثابت من
الرواية خلاف المطلوب. وأيضا: الثابت أن ما فات من الظهر يترتب شرعا على
العصر الأدائي دون القضائي وإن ترتب عليه عقلا أيضا، ولكنه لا يثبت به هنا
حكم الشرع.
وإن جهل الترتيب فالأكثر على سقوط وجوب مراعاته، للأصل،
واختصاص دليله بصورة العلم:
أما الاجماع فهو ظاهر.
وأما غيره فلأنه بين مخصوص بها كذيل الصحيحة، ومخصص بها
كصدرها، لتقييد المكلف به بالعلم قطعا، فمعنى " فابدأ بأولاهن ": ابدأ بها إذا
علمتها - وإن كانت الألفاظ للمعاني النفس الأمرية - لاشتراط التكليف بموضوع

(1) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 7، التهذيب 3: 162 / 350، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء
الصلاة ب 6 ح 1.
(2) تعليل لقوله: كما أنه لا دلالة....
315

بالعلم به لئلا يلزم التكليف بما لا يطاق، ولعدم تبادر صورة الجهل من الاطلاق،
بل ظهور عدمه.
ومنه يظهر اختصاص سائر ما استدلوا به أيضا على الترتيب لو تمت دلالته.
مع أنه على فرض إطلاق الأدلة يجب التخصيص، لامتناع التكليف
بالمحال والحرج، اللازمين لكثير من صور وجوبه، مع عدم القول بالفرق كما صرح
به جماعة (1)، مضافا إلى أنسبيته بالملة السمحة، وشهرته بين الطائفة.
ويضعف الأصل بوجود الدليل على وجوب الترتيب، وهو استصحاب
وجوبه قبل عروض الجهل به.
والمسلم من تقييد التكليف بالعلم إنما هو في الجملة، ولا دليل على تقييده
بالعلم من جميع الجهات حتى التعيين من بين أمور يمكن الامتثال بالاتيان
بالجميع.
ولزوم العسر والحرج إنما هو في بعض الصور، ولازمه اختصاص السقوط
به، وعدم القول بالفصل غير ثابت.
بل مال إليه بعض المحققين من مشايخنا قال: وبالجملة المسألة لا تخلو من
إشكال، وإن كان القول بالسقوط في صورة لزوم الحرج وعدم تقصيره أصلا لا
يخلو من قوة.
بل صرح باختصاص القول بالترتيب بغير صورة التكليف بالمحال، قال:
لا شك في عدم قول أحد بالترتيب وإن لزم التكليف بالمحال (1).
وتخصيصه بصورة عدم تقصيره مبني على ما قيل من جواز التكليف بما لا
يطاق إذا كان عدم إطاقته ناشئا من تقصير المكلف.
وهو عندي في حيز المنع، لعموم أدلة عدم جواز التكليف بما لا يطاق،
وعموم قبحه، وعدم مخصص بل عدم قبوله للتخصيص. وما ورد من تكليف

(1) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 345، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 385، وصاحب الرياض
1: 225.
(2) انظر: شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).
316

المصور بإحداث الروح في صورة حيوان صوره، والكاذب في نومه بعقد الشعير
وأمثاله - لو ثبت - فالمراد غير ظاهر، ولو سلم فإنما هو في غير دار التكليف،
والكلام فيه.
هذا مع أن الممتنع الذي لا يجوز التكليف به هوما لا يطاق الذي يستحيل
امتثاله، وأما ما يمكن ولكن يشتمل على العسر والحرج ولو كانا شديدين فلا نسلم
عدم جواز التكليف به، بل يحكم به مع وجود الدليل الشرعي، كيف؟! وفي
الدين حرج كثير اقتضاه الدليل.
بل كثيرا ما يتحقق في نفس القضاء أيضا كترتيبه، كمن ظهر بطلان جميع
صلواته بعد ثمانين سنة مثلا، سيما إذا علم أن فيها صلاة سفرية أيضا مع عدم
تعيين مقدارها، سيما مع القول بالمضايقة، وقد صرح الحلي في السرائر بوجوب
الاشتغال بالقضاء وحرم عليه جميع الأفعال المانعة إلا بقدر سد الرمق المحتاج إليه
في التعيش، سيما إذا كان هو الابن الأكبر وفاتت من أبيه صلوات كثيرة، فبعد
التكليف بالقضاء نفسه مع لزوم الحرج في بعض صوره بعموم الأدلة لم لا يكلف
بالترتيب معه به مع اشتراكهما في عدم ظهور القول بالفرق؟.
والتبادر الذي ادعوه بالمنع (1).
والأوفقية للملة السمحة والشهرة بعدم الحجية.
ولذا خالف فيه جماعة، فأوجبوا الترتيب من غير تقييد بعدم لزوم الحرج مع
الجهل أيضا، ومنهم: الفاضل في التذكرة والارشاد مطلقا (2)، والشهيد في
الدروس مع ظنه أو وهمه، وفي الذكرى مع ظنه خاصة (3).
ولكن يمكن أن يقال: إن الدليل وإن كان عاما بالنسبة إلى العسر والحرج
أيضا، ولكن لأدلة نفيهما أيضا عموما بالنسبة إليه فيتعارضان بالعموم من وجه.
والترجيح لأدلة نفي الحرج، لموافقتها للعقل والكتاب. وتخصيصها

(1) أي: ويضعف التبادر.... بالمنع. والأوفقية.... بعدم الحجية.
(2) التذكرة 1: 82، الإرشاد 1: 271.
(3) الدروس 1: 145، الذكرى: 136.
317

بعمومات القضاء في عدد الفائتة والقول بوجوب قضاء الجميع بالاجماع - ولو سلم
- لا يستلزم تخصيصها في الترتيب أيضا مع عدم المرجح، بل رجحانها بما مر.
وعلى هذا فيكون الترجيح للتفصيل، بثبوت الترتيب مع الجهل أيضا إلا
إذا استلزم العسر والحرج.
إلا أنه يمكن الخدش في أصل دليل وجوب الترتيب مع الجهل:
أما عن الاستصحاب، فبمعارضته مع استصحاب العقل، مع أن موضوع
وجوب الترتيب أولا هو الأداء، والكلام في القضاء الذي هو بأمر جديد.
وأما عن الروايات، فبعدم دلالة غير إطلاق صدر الصحيحة، لما عرفت
من أنه بين غير دال على الوجوب ومخصوص بصورة العلم.
وأما هو وإن كان مطلقا على الظاهر إلا أنه يعلم تقييده بالعلم بعد التأمل،
لأن العلم في الجملة وإن كان كافيا في إمكان الامتثال ولكنه يتم في مثل التكليف
بأحد الأمرين أو الأمور معينا في الواقع مجهولا في الظاهر، فيمتثل بالاتيان
بالجميع، ولكنه لا يتمشى في مثل قوله: " فابدأ بأولاهن " إذ ما لا يعلم التعيين لا
يمكن البدأة به، وكل ما يبتدأ به لا يعلم أنه الأولى.
والحاصل أن خصوص الأمر بالابتداء بشئ لا يمتثل إلا بعدم مسبوقية
شئ عليه، وهو يتوقف على اليقين، كما إذا قيل: ابدأ بإكرام زيد ثم عمرو، فإذا
لم يعلم تعيين زيد لا يعلم الابتداء بإكرامه بإكرام كل مرة ثم إكرام غيره، لأن ما
بدئ به هوما بدئ به أولا، وكل ما عداه فليس مبتدأ به.
مع أن في دلالة الصحيحة على الوجوب خدشة تحصل من قوله: " فأذن
وأقم " حيث إن الفاء فمه تفصيلية، وهو تفصيل لقوله " فابدأ " وبعض التفصيل
ليس بواجب قطعا.
(ومن ذلك يظهر أن الحق في المسألة هو المشهور من عدم وجوب الترتيب
في صورة الجهل) (1).

(1) ما بين القوسين غير موجود في " ق ".
318

ثم وجوب الترتيب - على القول به - إنما هو مختص بفوائت الفرائض، ومنها
باليومية، كما هو الأشهر الأظهر، للأصل، وعدم الدليل، لأنه إما الاجماع وحاله
ظاهر، أو الصحيحة واختصاص غير صدرها بقضاء اليومية واضح، وكذا صدرها
للأمر بالأذان والإقامة.
ولو دخل في اللاحقة سهوا قالوا: إن ذكر في أثنائها حيث يمكن العدول
إلى السابقة عدل، للاجماع المحكي من الشيخ (1)، وصحيحة زرارة: " فإن ذكرت
أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين، فانوها الأولى
وصل الركعتين الباقيتين، وقم فصل العصر " إلى أن قال: " لأن كنت قد صليت
من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر، فانوها العصر ثم قم فأتمها ركعتين ثم سلم
ثم صل المغرب، وإن كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب قم فصل
المغرب، لأن كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في
الثالثة، فانوها المغرب ثم سلم، وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت
الفجر فصل العشاء الآخرة، وإن كنت ذكرتها وأنت في ركعة أولى أو في الثانية من
الغداة، فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة " (2) الحديث.
قالوا: وإن لم يمكن العدول أو تمت اللاحقة أتى بعدها بالسابقة واغتفر
الترتيب هنا، لما مر في الصحيحة. ولكن دلالتها بصورة الاتمام مختصة.
وفسروا عدم الامكان بلزوم زيادة ركن في السابقة لو عدل، وجعلوا زيادة
غيره من الواجبات من الامكان، لاغتفار زيادة غير الركن سهوا.
ويمكن أن يستدل على جواز العدول بعموم صحيحة البصري المتقدمة في
مسألة الاشتغال بالعصر قبل الظهر (3)، وفيها أيضا ما يمكن أن يستدل به لاغتفار
زيادة غير الركن، لعموم الأمر بالعدول في الصلاة خرج بعد دخول الركن بالاجماع

(1) الخلاف 1: 385.
(2) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158 / 340، الوسائل 4: 290 أبواب
المواقيت ب 63 ح 1.
(3) تقدمت أيضا في ص 284 معبرا عنها بالموثقة.
319

فيبقى الباقي.
وفي الكل نظر:
أما الاجماع المنقول فلعدم حجيته.
وأما الروايتان فلظهورهما في الأداء. والتعدي قياس باطل.
وإن منع الظهور وجعلنا أعم هن الأداء فلا بد من تخصيصهما بغير ما إذا
اقتضى الترتيب في القضاء تقديم العصر أو العشاء أو الفجر، وهو ليس بأولى من
تخصيصهما بالأداء.
وأما اغتفار زيادة غير الركن سهوا فلمنع كون الزيادة هنا سهوا، بل زيد
عمدا، والسهو تعلق بأمر آخر، ودليل الاغتفار سهوا غير جار في مثل ذلك،
والأصل يقتضي عدم الاغتفار، مع أن المجوز في الروايتين من العدول إنما هو فيما
لا تلزم الزيادة مطلقا، ولذا جعل السيد والفاضل في المنتهى فوات محل العدول
بزيادة الواجب مطلقا (1).
فهو الأقوى لو جوزنا العدول. وهو أيضا محل نظر لولا الاجماع على
خلافه، لمخالفته الأصل، وعدم دليل تام عليه.
بل اغتفار الترتيب في صورة التذكر عند (عدم) (2) إمكان العدول أو بعد
إتمام اللاحقة أيضا خلاف أصالة وجوبه الخالية عن الرافع.
ولذا توقف فيه في المدارك (3). وهو في محله جدا إن كان التذكر في الأثناء.
وشرعية الدخول لا تستلزم شرعية الاتمام. والنهي عن إبطال العمل - لو سلم -
لا يفيد، لأن النزاع في البطلان. وتحقق الامتثال الموجب للصحة ممنوع في
الباقي.
نعم، إن كان بعد الاتمام يقوى الصحة والاغتفار، لصحة هذه الصلاة،
الموجبة لبراءة الذمة عن قضائها، الموجبة للخروج عن عنوان " وإن كان عليك

(1) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 38، المنتهى 1: 422.
(2) أضفناه لتصحيح المتن.
(3) المدارك 3: 104.
320

قضاء صلوات " بالنسبة إليها.
ومن ذلك يعلم الاغتفار والصحة لو أتم اللاحقة جهلا بالحكم جهلا
ساذجا.
بل يمكن أن يستدل على الصحة والاغتفار مطلقا بإطلاق قوله " وإن كنت
قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب... " بضميمة عدم الفصل لتمام
المطلوب. ولكنها مخصوصة بصورة العلم، والمسألة حينئذ مشكلة.
فرع:
لو علم الترتيب في البعض وجهل في بعض آخر فله صور:
منها: أن يعلم ما فات أولا ودخل الجهل فيما بعده، كان يعلم فوات الظهر
من يوم معين أو مع عصره أيضا وعلم فوات صلوات كثيرة أخرى بعدها وجهل
الترتيب فيها.
فتجب حينئذ البدأة بالظهر المذكورة أولا، ثم بالعصر المذكورة إن كانت،
ثم بسائر الفوائت ولا ترتيب فيها. أما الأول فلصحيحة زرارة، وأما الثاني فلما دل
على وجوب تقديم المغرب على العشاء بقول مطلق، وأما الثالث فللأصل وعدم
الدليل كما عرفت.
ومنها: أن تفوت منه صلوات مجهولة الترتيب، ثم فاتت منه صلاة واحدة.
ولا ترتيب حينئذ أصلا؟ لعدم تعيين الأولى حتى تستدل لها بالصحيحة،
وعدم دليل آخر.
ومنها: السابقة إلا أن تتعدد الفوائت اللاحقة.
ولا ترتيب بينها وبين السابقة، للأصل. وتجب مراعاة الترتيب بينها بأنفسها
مع العلم به، لما مر من أخبار تقديم المغرب.
ومنها: أن تفوت صلاة معينة أولا أو صلوات كذلك، ثم فاتت صلوات
وجهل ترتيبها، ثم فاتت صلاة معينة أو صلوات كذلك.
وتجب البدأة بالفائتة الأولى أولا للصحيحة، ثم ما بعدها مرتبا إن علم
321

الترتيب لما مر، ثم البواقي ولا ترتيب بينها حتى بين المتوسطة والأخيرة. نعم لو
تعددت الأخيرة وعلم الترتيب بينها تجب مراعاته لما مر) (1).
فائدة.
إذا جهل الترتيب وقلنا بوجوب تحصيله يكرر الصلاة حتى يعلم حصوله.
وضابطه أن الفائتة إن كانت اثنتين. يصلي ثلاثا بتوسيط إحداهما بين
الأخرى ومثلها، كأن يصلي عصرا بين ظهرين أو بالعكس. فإن زادت ثالثة يفعل
مثل المرتبة السابقة قبلها وبعدها، أي توسيط الثالثة بين وظيفة السابق ومثلها.
فإن زادت رابعة توسطها بين وظيفة الثالثة وهكذا.
وبطريق آخر: يبتدئ بما شاء ويصلي حتى يتم عدد الفائتة ويكرر هذا
العمل بعدد الفائتة إلا واحدة ثم يختم بالصلاة التي ابتدأ بها.
فإذا كانت الفائتة ظهرا وعصرا يكون عدد الفائتة اثنتين، فيصلي ظهرا
وعصرا وظهرا. وإن ضمت معها المغرب يصلي ظهرا وعصرا ومغربا وظهرا وعصرا
ومغربا وظهرا. وإن ضمت معها عشاء يصلي الأربعة المبتدأة بالظهر ثلاثا ويضم
إليها ظهرا.
وله البدأة بغير الظهر، فإن كانت الفائتة صلوات يوم يصلي أربعة أيام
بترتيب واحد ويزيد عليها صلاة واحدة هي ما ابتدأ به وهكذا.
وبطريق ثالث: يبدأ بما شاء ويصلي حتى يتم عدد الفائتة بأي ترتيب شاء،
ثم يبدأ بما بعد ما ابتدأ به أولا ويصلي بالترتيب المتقدم حتى يختم بما ابتدأ به أولا،
ثم يبدأ بما بعد ما ابتدأ به ثانيا ويصلي بالترتيب حتى يختم بما ابتدأ به ثانيا، وهكذا
يكرر بعدد الصلوات الفائتة. وتلك الضابطة ضابطة أخذ الزمام المصطلح
للأعداديين.
وبطريق رابع: يصلي الصلوات الفائتة بأي ترتيب أراد إلى أن يتم ويكرر

(1) هذا الفرع بتمامه غير موجود في " س ".
322

ذلك بعدد الفائتة، فمن فاتت منه صلوات يوم وجهل الترتيب يصلي خمسة أيام
بترتيب واحد، ومن فاتته صلوات عشرة أيام يصلي خمسين يوما وهكذا.
والأخيران متساويان في الحاصل، ويزيدان على الثاني بعدد الفائتة إلا
واحدة، وينقصان عن الأول بكثير إذا تجاوز عدد الفائتة عن الأربع، ويزيدان
عليه بواحدة في الأربع وباثنتين في الثلاث.
ولا يخفى أن الاحتياج إلى التكرار في جميع الصلوات على النحو المذكور إنما
هو إذا كان الترتيب في الجميع مجهولا، وأما مع العلم به في بعضه فلا يكرر إلا في
المجهول ترتيبه، وعلى هذا فلو فاتته صلوات عام مثلا متصلة وجهل مبدأها،
يعمل بوظيفة الجاهل في صلاة يوم ويكررها حتى يحصل الترتيب في صلاته، ثم
يتم الباقي إلى العام.
وهناك طريق خامس يسهل به الأمر ويرتفع العسر والحرج كثيرا وهو: أن
. يقضي جميع صلوات مدة يجوز أن تكون الفائتة منها.
وبعبارة أخرى: يعين أول وقت يحتمل فوت صلاة فيه وآخر وقت كذلك
ويقضي جميع ما بينهما.
وبعبارة ثالثة: يقضي عن أول صلاة يمكن أن تكون الفائتة ويختم بآخر
صلاة كذلك.
فإذا علم فوات صلاة يوم متصلة ولم يعلم الترتيب، فيقضي صلاة يومين
متصلة. وإذا علم فوات مائة صلاة من شهر معين ولم يعلم الترتيب، يقضي الشهر
كله، فيبدأ من أول صلاة يمكن أن تكون الفائتة ويختم بآخرها. وإذا علم فوات
ألف صلاة من عام يقضي جميع صلوات العام.
وهذا أخصر الطرق غالبا لمن يراعي الترتيب مع الجهل سيما إذا تكثرت
الفوائت. نعم لو كانت قليلة وزمانها كثيرا كعشر صلوات مجهولة الترتيب من عام
فالأسهل العمل بإحدى الضوابط المتقدمة.
ولو كانت الفائتة في مدة نوعين من الصلاة أو ثلاثة أو أربعة اقتصر على
قضاء هذه الأنواع لا غيرها، فمن يعلم فوات مائة ظهر وعصر ومغرب من سنة
323

ولم يعلم الترتيب، يبتدئ من أول زمان احتمال الفوت ويقضي الثلاثة من كل يوم
إلى آخر الستة.
324

الفصل الثاني
في قضاء الصلاة عن الأموات والصلاة لهم
وفيه مسائل.
المسألة الأولى:
تجوز الصلاة للميت بأن يصلي صلاة بجعلها له وإن لم يكن عليه قضاء ولم
يكن المصلي ولده.
وتدل عليه المستفيضة من الأخبار التي ذكر كثيرا منها السيد الجليل رضي
الدين علي بن طاووس في كتابه المسمى ب‍ " غياث سلطان الورى لسكان الثرى "
وقد نقلها في الذكرى والذخيرة والحدائق عنه، فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع
إليها (1).
فيجوز لكل أحد أن يصلي صلاة بجعلها لميت بأن ينوي الصلاة عنه، أو
يصلي الصلاة لنفسه بجعل ثوابها له.
ويدل على الأول عموم رواية الفقيه: " من عمل من المسلمين عملا صالحا
عن ميت أضعف الله أجره ونفع الله به الميت " (2).
ونحوها رواية عمر بن يزيد (3)، والمروي في كتاب حماد بن عثمان (4).
وخصوص رواية عمر بن يزيد. كان أبو عبد الله عليه السلام يصلي عن

(1) انظر: الذكرى: 74، والذخيرة: 385، والحدائق 11: 32، ونقلها عنه أيضا في الوسائل 8:
276 - 282 أبواب قضاء الصلوات ب 12، والبحار 85: 309.
(2) الفقيه 1: 117 / 555، الوسائل 2: 444 أبواب الاحتضار ب 28 ح 4.
(3) الذكرى: 75، الوسائل 8: 282 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 25، عن غياث سلطان
الورى.
(4) الذكرى: 75، الوسائل 8: 281 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 24، عن غياث سلطان
الورى.
325

ولده في كل ليلة ركعتين، وعن والده في كل يوم ركعتين - إلى أن قال -: وكان يقرأ
فيهما القدر والكوثر " (1).
ورواية محمد بن مروان: " ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين
يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما،
وله مثل ذلك، فيزيده الله ببره وصلته خيرا كثيرا " (2).
وظاهر أن ذلك غير القضاء، لعدم جوازه عن الحي.
ورواية الفقيه: أيصلى عن الميت؟ فقال: " نعم حتى إنه ليكون في ضيق
فيوسع عليه ذلك الضيق، ثم يؤتى فيقال له: خفف الله عنك ذلك الضيق لصلاة
فلان أخيك عنك " (3).
ونحوها رواية محمد بن عمر بن يزيد المروية في التهذيب (4).
. والمروي في مسائل علي: عن الرجل هل يصلح له أن يصلي أو يصوم عن
بعض موتاه؟ قال: " نعم فيصلي ما أحب بجعل تلك للميت، فهو للميت إذا جعل
ذلك له " (5).
ونحوه روايته الأخرى (6).
ورواية علي بن أبي حمزة: عن الرجل يحج ويعتمر ويصلي ويصوم ويتصدق
عن والديه وذوي قرابته، " قال لا بأس به، يؤجر فيما يصنع، وله أجر آخر بصلته
قرابته " (7).

(1) التهذيب 1: 467 / 1533، الذكرى: 75، الوسائل 2: 445 أبواب الاحتضار ب 28 ح 7.
(2) الكافي 2: 159 الايمان والكفر ب 69 ح 7، الوسائل 8: 276 أبواب قضاء الصلوات ب 12
ح 1.
(3) الفقيه 1: 117 / 554، الوسائل 2: 443 أبواب الاحتضار ب 28 ح 1.
(4) لم نجدها في التهذيب، ولكن رواها في الذكرى: 73، والوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات
ب 12 ح 4 عن غياث سلطان الورى.
(5) الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 3، مسائل علي بن جعفر: 199 / 429.
(6) الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 3، البحار 10: 291.
(7) الوسائل 8: 278 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 8. عن غياث سلطان الورى.
326

والمروي في كتاب الحسين الكوكبي: أحج وأصلي وأتصدق عن الأحياء
والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال: " نعم تصدق عنه وصل عنه " (1). إلى غير
ذلك.
ولا شك في جواز ذلك في النوافل التي يجوز للمكلف الاتيان بها لنفسه في
كل وقت شاء وأراد.
وهل ينسحب إلى الفرائض بأن يصلي صلاة ظهر عنه مع علمه بفراغ ذمة
الميت عنها؟.
ظاهر الذخيرة والبحار التوقف (2)، وصرح في الحدائق بالعدم (3). وهو
الأصح، لأن الاتيان بمثل هذه الصلاة للميت إما يكون بقصد القضاء عنه، أو
لا بقصده بل يصلي صلاة ظهر - مثلا - له. وأي منهما كان تتوقف شرعيته على
التوقيف، ولم تثبت شرعية قضاء فعل فعله المكلف أو لم يتعلق بذمته عموما. نعم
ثبتت في بعض الفوائت الغير الواجبة على المكلف بالعمومات المخصوصة بمواضع
مخصوصة، كما مر في قضاء النائم ونحوه. وكذا لم تثبت صلاة ظهر مشروعة - مثلا -
إلا أداء واحد في وقته للمكلف، أو القضاء لمن كان عليه قضاؤها.
مضافا في الأول إلى موثقة أبي بصير: عن امرأة مرضت في شهر رمضان،
فماتت في شوال، فأوصتني أن أقضي عنها، قال: " هل برئت من مرضها؟ " قلت: لا
ماتت عليه، قال: " لا يقضى عنها، فإن الله تعالى لم يجعله عليها " قلت: فإني
أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك، قال: " كيف تقضي شيئا لم يجعله الله
تعالى عليها؟! " (4).
والسؤال وإن كان مخصوصا بالصوم إلا أن التعليل يثبت العموم.
وأما الأخبار المتقدمة المجوزة فغير واضحة الدلالة على العموم.

(1) الوسائل 8: 278 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 9 عن غياث سلطان الورى.
(2) الذخيرة: 387، البحار 85: 320.
(3) الحدائق 11: 42.
(4) الكافي 4: 137 الصيام ب 9 ح 8، التهذيب 4: 248 / 737، الإستبصار 2: 109 / 358،
الوسائل 10: 332 أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.
327

وأما قضية صفوان بن يحيى وعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان،
وتعاقدهم على أن من مات منهم يصلي من بقي صلاته ويصوم عنه ويحج عنه
ما دام حيا، فمات صاحباه وبقي صفوان فكان يفي لهما بذلك، فيصلي كل يوم وليلة
خمسين ومائة ركعة (1).
فغير ثابتة. ولو ثبتت فليست لنا بحجة. ولو كانت حجة فعلى العموم غير
دالة، فلعله كان عليهم قضاء يقينا أو احتمالا.
وتدل على الثاني رواية ابن جندب: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام
أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة والبر والخير أثلاثا، ثلثا له وثلثين
لأبويه، أو يفردهما من أعماله بشئ مما يتطوع وإن كان أحدهما حيا والآخر ميتا،
فكتب إلى: " أما الميت فحسن جائز، وأما الحي فلا إلا البر والصلة " (2).
فإن الظاهر أن المراد جعل ثوابها لهما، لأنه الصالح للتشريك ثلثا وثلثين
والتفريد، ولأنه لا تجوز صلاة نفسه الواجبة عنهما، بأن ينوي إني أصلي الظهر
عنهما، إذ لا تصح صلاته لنفسه حينئذ.
المسألة الثانية:
إذا علم فوات الصلاة عن ميت فلا شك في جواز القضاء عنه.
ويدل عليه ما مر من إطلاق روايات الصلاة عن الميت، وروايات قضاء
الولي، ورواية الساباطي. عن الرجل يكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم،
هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال: " لا يقضيه إلا رجل مسلم
عارف " (3).
وعموم صحيحة محمد:، يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله
الحسن " (4).

(1) راجع رجال النجاشي: 197، وفهرست الشيخ: 83.
(2) الوسائل 8: 280 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 16 عن غياث سلطان الورى.
(3) الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 5 عن غياث سلطان الورى.
(4) الوسائل 8: 281 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 23 عن غياث سلطان الورى.
328

ونحوها صحيحة ابن أبي يعفور (1)، وأخبار كثيرة أخرى.
وتدل عليه قضية الخثعمية المشهورة في كتب الفريقين: " سألت رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا
يستطيع أن يحج، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها: أرأيت لو كان على
أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق
بالقضاء " (2).
ولا شك أن الصلاة أيضا دين الله، كما استفاضت به الأخبار، منها المروي
في الفقيه: " إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها بشئ، صلها واسترح منها، فإنها
دين " (3) ونحوها رواية حماد (4)، إلى غير ذلك.
وهل يجوز ذلك باحتمال أن عليه قضاء أو توهمه أو تخيله؟
قال في الذخيرة: فيه نظر وشك، لعدم الدليل، وتوقف العبادات على
التوقيف (5). انتهى.
أقول: قد مر جواز ذلك بل استحبابه للمكلف نفسه في صلاته لأدلة
الاحتياط. ولكن في شمولها للمقام نظر ظاهر، إذ لا احتياط على الغير في حق
الغير، ولا يجب على الولي إلا ما علم فواته قطعا.
إلا أن الظاهر كفاية مثل قولهم عليهم السلام: " لكل امرئ ما نوى " و
" إنما الأعمال بالنيات " (6) وقضية تعاقد المشايخ الثلاثة المذكورة - مع التسامح في
أدلة السنن، وغلبة الظن بأن ذلك لم يكن لقضاء صلاة متروكة يقينا - في إثبات

(1) الوسائل 8: 281 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 19 عن غياث سلطان الورى.
(2) الذكرى: 75 عن غياث سلطان الورى، ونقل مضمونها في الدعائم 1: 336، وفي مستدرك
الوسائل 8: 26 أبواب وجوب الحج ب 18 ح 3 عن الدعائم وعن تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي،
وانظر: سنن النسائي 5: 117، وسنن البيهقي 4: 328.
(3) الفقيه 2: 195 / 884، الوسائل 11: 440، أبواب آداب السفر ب 52 ح 1.
(4) الوسائل 8: 282 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 26، عن غياث سلطان الورى.
(5) الذخيرة: 387.
(6) الوسائل 1: 46، أبواب مقدمة العبادات ب 5.
329

الجواز والاستحباب وحصول التوقيف، فإن عدم التوقيف إنما يمنع من الفعل
بقصد التوقيف، فإذا فعله بقصد الدخول في تلك العمومات فأي مانع منه؟ ولم
لا يثاب عليه؟
المسألة الثالثة:
لا شك في عدم وجوب قضاء ما علم فواته من الميت من الصلوات على غير
الولي، للأصل الخالي عن المعارض مطلقا.
وأما الولي ففيه أقوال:
الأول: أنه يجب عليه قضاء جميع ما فات عن الميت، ونسب إلى ظاهر
الشيخين والعماني والقاضي وابن حمزة والفاضل في أكثر كتبه (1).
الثاني: أنه يجب عليه قضاء ما فات عنه من صلاة أو صوم لعذر، كالمرض
والسفر والحيض، لا ما تركه الميت عمدا مع قدرته عليه، وهو المنقول عن المحقق
في بعض مصنفاته (2)، والسيد عميد الدين (3)، ونفى عنه البأس في الذكرى (4).
الثالث: أنه يجب عليه قضاء الصلوات الفائتة عنه في حال مرض موته
فحسب، ذهب إليه الحلي، يحيى بن سعيد والشهيد في اللمعة (5)، ومال إليه
في الروضة (6).

(1) المفيد في المقنعة: 684، الطوسي في النهاية: 633، الذكرى: 128 نقلا عن العماني، والقاضي
في المهذب 2: 132، وابن حمزة في الوسيلة: 150، والفاضل في التحرير 2: 164 والقواعد
2: 171، والتبصرة: 173، والتذكرة 1: 271.
(2) نقله في الذكرى: 138 عن البغدادية للمحقق، ولا يخفى أن ظاهره (ره) في الشرايع 4: 25
والنافع: 268 وجوب قضاء جميع ما فات، فراجع.
(3) نقله عنه في الذكرى: 138.
(4) الذكرى: 138.
(5) الحلي في السرائر 1: 409، يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 89، اللمعة (الروضة 1):
352 وقال: وقيل ما فاته مطلقا وهو أحوط.
(6) الروضة 1: 352.
330

الرابع: أنه يجب عليه قضاء ما فات عنه في المرض مطلقا، مخيرا بينه وبين
التصدق لكل ركعتين بمد، فإن لم يقدر فلكل أربع مد، فإن لم يقدر فمد لصلاة
النهار ومد لصلاة الليل مع أفضلية القضاء، حكي عن الإسكافي والسيد (1).
الخامس: أنه يجب عليه قضاء جميع ما فات عنه لمرض أو غيره، مخيرا بينه
وبين الصدقة على النحو المذكور، نسب إلى ابن زهرة (2).
ومرجع الأخيرين إلى عدم وجوب القضاء عليه بخصوصه.
ومنهم من نسب إلى هؤلاء الأجلة الثلاثة مع التخيير التخصيص بمرض
الموت أيضا (3).
السادس: عدم وجوب القضاء عنه مطلقا، يظهر من السيد ابن طاووس
في رسالته المذكورة وجود القائل به (4).
وظاهر الذخيرة التوقف في أصل وجوب القضاء مطلقا (5).
دليل الأول: رواية الساباطي المتقدمة في المسألة الثانية (6)، حيث إنها دلت
على الوجوب على المسلم العارف، خرج غير الولي بالاجماع، فبقي الولي.
وصحيحة البختري: في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام، قال:
" يقضيه أولى الناس به " قلت: إن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: " لا، إلا
الرجال " (7).
ومرسلة ابن أبي عمير: في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام، قال:

(1) حكاه عنهما في المختلف: 148.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية) 563.
(3) نسب التخصيص بمرض الموت إلى الإسكافي والمرتضى، في المختلف: 148، ولم نجد من نسبه
إلى ابن زهرة.
(4) انظر: الذكرى: 75.
(5) الذخيرة: 387.
(6) راجع ص 328.
(7) الكافي 4: 123 الصيام ب 44 ح 1، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
331

" يقضيه أولى الناس به " (1).
ورواية ابن سنان: " الصلاة التي حصل وقتها قبل أن يفوت الميت يقضي
عنه أولى الناس به " (2).
وعموم الأخبار الكثيرة، المتقدم بعضها المتضمن لقوله: " يقضى عن الميت
فعاله الحسن " (3).
ويرد على الجميع خلوه عن الدال على الوجوب رأسا، وأي دلالة في قوله:
" يقضى " على الوجوب؟ مع أن استعمال الأخبار في المستحبات أكثر من أن
يحصى. ودعوى تبادر الوجوب ممنوعة جدا. ولو سلم فما فائدته لزمان الشارع؟
وقياسه على الأمر فاسد، إذ يضم مع تبادره أصالة عدم النقل، وهو هنا متحقق
قطعا لو سلم التبادر، فتجري فيه أصالة تأخر الحادث.
هذا مع أن الظاهر من الأول ليس إلا الجواز، ولو سلم ظهور الوجوب
فتخصيص المسلم العارف بالولي ليس بأولى من حمل " يقضيه " على الجواز.
وكذا العمومات الأخيرة، إذ لا يجب قضاء جميع فعاله الحسن قطعا،
والتخصيص بالصلاة - مع كونه قبيحا لكونه فردا نادرا - ليس بأولى من حمل
" يقضى " على الاستحباب.
نعم وردت الأخبار - الظاهرة في الوجوب - في خصوص الصوم (4). وقياس
الصلاة عليه فاسد، والاجماع المركب غير ثابت، بل عدمه ثابت، لتحقق الفصل
بينهما في هذه المسألة في كثير من الموارد.
دليل الثاني - على ما في الذكرى -: إطلاق الأخبار المتقدمة بحمله على
الغالب، وهو كون ترك الصلاة للعذر، قال: أما تعمد ترك الصلاة فإنه نادر،

(1) الوسائل 8: 278 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 6 عن غياث سلطان الورى.
(2) الوسائل 8: 281 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 18 عن غياث سلطان الورى.
(3) راجع ص 328.
(4) الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.
332

قال: نعم قد يتفق فعلها لا على الوجه المرئ للذمة، والظاهر أنه يلحق بالتعمد
للتفريط (1). انتهى.
ويرد: بمنع دلالة الاطلاقات على الوجوب أولا، كما مر. ومنع الغلبة
المدعاة الموجبة لانصراف المطلق إليها - سيما مع إلحاق ما ذكره بالتعمد - ثانيا.
دليل الثالث: أما على عدم وجوب قضاء ما فات في غير مرض الموت
فالأصل الخالي عن المعارض. وأما على وجوب قضاء ما فات في مرض موته
فالاجماع، نقله الحلي (2).
ويرد: بعدم حجية الاجماع المنقول، وعدم ثبوت المحقق، كيف؟! ولا
يوجبه السيد والإسكافي وابن زهرة عينا وإن أوجبوا تخييرا.
ودليل الرابع والخامس غير معلوم، كما صرح به جماعة (3).
ودليل السادس: الأصل، وهو حسن.
إلا أن الظاهر ثبوت الاجماع على وجوب شئ على الولي عينا أو تخييرا، ولا
أقل من الفائتة في مرض الموت، فإن من يقول بعدم الوجوب أصلا غير معلوم،
وإن كان فهو نادر، خلافه في الاجماع غير قادح.
ثم إن هذا الشئ الواجب قطعا هو قضاء الفائتة في مرض الموت قطعا، إذ
كل من يقول بوجوب شئ يقول بوجوبه لا أقل، فهو بأحد الوجوبين - العيني
بخصوصه أو في ضمن الزائد، أو التخييري - موصوف البتة، ووجوب الزائد غير
معلوم البتة، ثم بضميمة أصل الاشتغال يثبت وجوبه عينا، فإن كل من يقول
بالتخيير بين الصلاة والصدقة يقول بحصول البراءة بالصلاة.
ومن ذلك يظهر أن الأقوى هو القول الثالث، وهو اختصاص الوجوب على
الولي بقضاء ما فات في مرض الموت، والأحوط قضاؤه ما فات في المرض مطلقا.

(1) الذكرى: 138.
(2) في السرائر 1: 399 و 408.
(3) كصاحب الحدائق 11: 57.
333

فروع:
أ: يستحب للولي قضاء جميع ما فات عن الميت، للأخبار المتقدمة، والتحرز
عن الخلاف.
ب: المشهور أن الولي الذي يجب عليه القضاء الرجال من الورثة دون النساء،
والأولاد من الرجال منهم دون غيرهم، والأكبر من الأولاد دون غيره.
فيختص القاضي بالابن الأكبر سواء وجد غيره أم لا.
وعن المفيد والصدوقين والإسكافي وابن زهرة والقاضي: إطلاق الولي من
غير تخصيص (1).
وظاهر الذكرى التخصيص بالذكور دون غيره (2).
ومن مشايخنا الأخباريين من خصه بالرجل والأكبر دون الولد (3).
واستدلوا على هذه التخصيصات بوجوب الاقتصار على المتيقن، فإن
الأصل يقتضي عدم القضاء إلا ما وقع الاتفاق عليه وهو الابن الأكبر، وعدم
صدق الوقي على غيره.
مضافا في التخصيص بالرجال إلى صحيحة البختري المتقدمة (4)، فإن
مقتضى قوله " يقضيه " فيها إما الجواز أو الاستحباب أو الوجوب، وأي منها كان
ينتفي بنفيه الوجوب عن الإناث.
وفي التخصيص بالأكبر إلى صحيحة الصفار: رجل مات وعليه قضاء من
شهر رمضان عشرة أيام وله وليان، هل يجوز لهما أن يقضيا (عنه) جميعا، خمسة أيام

(1) المفيد في المقنعة: 823، الصدوق في المقنع: 63، وفي المختلف: 242 نقلا عن والده وفي ص
148 حكاه عن الإسكافي، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 563، القاضي في شرح الجمل:
112.
(2) الذكرى: 139.
(3) المحدث البحراني في الحدائق 11: 55.
(4) في ص 331.
334

أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه السلام: " يقضي عنه أكبر ولييه عشرة
أيام ولاء إن شاء الله تعالى " (1).
واحتج من أطلق الولي بإطلاقاته، مضافا إلى رواية الصدوق: " إذا مات
الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله " (2).
ومن خص بالذكور بصحيحة الحفص في التخصيص، والاطلاق بالنسبة
إلى غيره لعدم المخصص.
ومن خص معه بالأكبر بصحيحة الصفار في التخصيص والاطلاق في
غيره.
أقول: أما دليل الاقتصار على المتيقن ففيه: أنه يصح فيما إذا انحصر
الوارث بغير الابن، فيصح أن يقال: الأصل عدم الوجوب عليه، وأما إذا اجتمع
الابن وغيره كالأب فالأصل كما يقتضي عدم الوجوب على غير الابن يقتضي عدم
الوجوب عليه عينا أيضا.
وأما دليل عدم الصدق ففاسد جدا، لمنعه. كيف؟! مع أنه تعلقت أحكام
من الميت بالولي وأولى الناس به أيضا، وعمموه فيها كما مر.
وأما دليل التخصيص بالأكبر ففيه: أنه مخصوص بقضاء الصوم. وإثبات
عدم الفصل مشكل جدا. مضافا إلى معارضته مع رواية الصدوق المتقدمة،
وقصوره عن إفادة الوجوب، لاحتمال إرادة الرجحان، بل هي المتضمنة، للتقييد
بقوله " ولاء " وهو غير واجب.
وأما دليل الاطلاق بالنسبة إلى الولي أو غير الأكبر أو الرجل فإنما يتم لو كمان
دليل الوجوب هو الاطلاقات، وقد عرفت قصورها عن إثباته حتى رواية الصدوق

(1) الكافي 4: 124 الصيام ب 44 ح 5، الفقيه 2: 98 / 441،. التهذيب 4: 247 / 732،
الإستبصار 2: 108 / 355. الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3. وما بين
المعقوفين من المصادر.
(2) الفقيه 2: 98 / 440، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 1.
335

المتضمنة للأمر، لعدم الوجوب على من شاء.
والتحقيق: أنه لا ينبغي الريب في الاختصاص بالذكور، لصحيحة
البختري بالتقريب المتقدم.
ولا في عدم الوجوب على غير الابن في صورة عدم وجود ابن، للأصل
المتقدم، حيث إنه - كما عرفت - ينحصر الدليل على الوجوب بالاجماع المنتفي في
المقام.
ولا في عدم الوجوب على غير الابن والأب مع وجود الابن، لانتفاء الولاية،
فلا قول بالوجوب عليه البتة.
فبقي الاشكال في صورة اجتماع الابن والأب، وصورة تعدد الأبناء، فإنه
وإن وجب إما على الابن الأكبر معينا أو على أحدهم مخيرا، لعدم قولي بغير ذلك،
إلا أنه تجري أصالة عدم الوجوب المعين في حق الابن الأكبر والمخير في حق
البواقي، فلا يمكن الحكم بالوجوب المعين على الابن الأكبر، كما في واجدي المني
في الثوب المشترك. والأحوط للولد الأكبر قضاء ما فات في مرض الموت حينئذ.
ج: لو كان الولد الأكبر أو غيره من الأولياء - على القول بالتعميم - غير مكلف
فهل يتعلق الوجوب به أم لا؟.
قال في الذكرى: الأقرب اشتراط كمال الولي حال الوفاة، لرفع القلم عن
الصبي والمجنون (1).
وفيه: أنه لو تم لزم عدم وجوبه على الغافل عند الموت والنائم، والجاهل
بالموت، لمشاركتهما مع غير الكامل في عدم التكليف حال الوفاة. ولو جاز التعلق
بعد رفع المانع لجاز في غير البالغ أيضا، فيلحقه الأمر عند البلوغ.
وقيل: الأقوى عدم الاشتراط، لثبوت الحبوة لغير البالغ، المستلزم لثبوت
القضاء، ولعموم النص (2).

(1) الذكرى: 139.
(2) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).
336

ويرد الأول: بمنع التلازم. والثاني: بمنع وجود النص المقتضي للوجوب.
والحق عدم الوجوب، لما عرفت من انحصار الدليل في الاجماع المنتفي في
موضع النزاع.
د: لا يشترط خلو ذمة الولي من صلاة واجبة، فتلزمان معا ولا ترتيب بينهما،
ولا بين فوائت الميت لو علم الولي الترتيب أو لم يعلمه.
كل ذلك للأصل، وعدم الدليل، وظهور أدلة الترتيب في فوائت نفسه.
ووجوب الترتيب على الميت لو كان يقضيه بنفسه لا يستلزم وجوبه على الولي
أيضا، سيما مع اختصاص الوجوب بالفائتة في مرض الموت التي لم يتعلق وجوب
قضائها بذمة الميت أصلا.
ودعوى تبادر وجوب القضاء على الولي بالنحو الذي كان واجبا على الميت
غريبة جدا، إذ لا تبادر في ذلك أصلا.
ه‍: لو مات هذا الولي قبل قضائه فوائت الميت لا يتحملها وليه، للأصل،
والاقتصار على المجمع عليه.
ولو كان المستند الروايات لقوي القول بالتحمل، لاطلاقها. وانصرافه إلى
الشائع إنما يسلم إذا بلغ الشيوع حدا يوجب التبادر، وهو في المقام ممنوع.
و: المقضي عنه هو الرجل، اقتصارا على موضع الوفاق، وفاقا للحلي
والفخري (1)، وأكثر المتأخرين (2).
وكلام المحقق مؤذن بالقضاء عن المرأة (3)، قال في الذكرى: لا بأس به (4)،

(1) الحلي في السرائر 1: 399، فخر المحققين في الإيضاح 1: 240.
(2) كالشهيد الأول في الذكرى: 139، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 80، والشهيد الثاني
في المسالك 1: 78، وصاحب الرياض 1: 322.
(3) المختصر النافع: 70.
(4) الذكرى: 139.
337

واختاره بعض مشايخنا المحققين (2)، بل هو مختار الشيخ في النهاية (2)، وعن
القاضي والتذكرة والمختلف والدروس (3).
أخذا بظاهر الروايات، حيث، معظمها يتضمن لفظ الميت، وهو في
الاستعمال مشترك، ولأن المرأة مضل الرجل في التكليفات الشرعية، ولأن عناية الله
سبحانه بالنسبة إليهما على السواء.
والأول كان حسنا لو كانت الرواية دالة على الوجوب، والثاني ضعيف، لأن
المسلم المماثلة في تكاليف أنفسهم، والثالث من الاستحسانات المردودة في
مذهبنا.
واستدل الفاضل أيضا ببعض الأخبار الظاهرة في جواز قضاء الصوم عن
المرأة (4).
وضعفه ظاهر، فإن الكلام في الوجوب ثم على الولي.
ز: لو أوصى الميت إلى غير الولي بقضائها عنه بأجرة أو غيرها، فالأقرب عدم
الوجوب على الولي ولو قبل إتيان الغير به، لما مر من الاقتصار في الوجوب عليه
على موضع الاجماع.
هذا إذا لم تفت من الميت بعد الوصية صلاة. ولو تقدمت الوصية فوت
بعض الصلوات يجب على الولي ما فات بعده في مرض الموت، لأن الوصية تعلقت
بقضاء ما تقدمت على الوصية.
هذا إذا أوصى بقضاء ما علم فواته. ولو أوصى بقضاء صلوات احتياطا
ثم فاتت عنه صلوات فلا يبعد الاكتفاء بالوصية. فتأمل.
ح: هل يجوز للولي استيجار ما يجب عليه من القضاء، أم لا؟

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(2) النهاية: 158.
(3) القاضي في المهذب 1: 196، التذكرة 1: 276، المختلف: 243، الدروس 1: 289.
(4) المختلف، 243، والتذكرة 1: 276.
338

الأقرب الثاني، وفاقا للحلي والمنتهى والذكرى والحدائق (1)، لأصالة عدم
السقوط عنه بفعل الغير، واستصحاب الوجوب، وعدم ثبوت جواز الاستنابة في
الصلاة عن الحي، والولي حن والتكليف عليه. والفرق بينه وبين وصية الميت
ظاهر، إذ في صورة الوصية لم يثبت الوجوب على الولي بخلاف المورد، فإن
الوجوب ثبت عليه، والسقوط يحتاج إلى دليل.
خلافا للمحكي عن التذكرة وصوم الدروس وابن فهد (2)، فجوزوا
الاستيجار.
لأن قوله " يقضي " الوارد في أكثر تلك الأخبار ليس صريحا في المباشرة.
ولدلالة الأخبار على كون الصلاة دينا، والدين يصح أن يقضيه كل أحد.
ولقوله في رواية عمار السابقة: " لا يقضيه إلا رجل مسلم عارف " (3) دل على
جواز قضاء كل أحد.
ولقبول القضاء عن الميت النيابة والاستيجار.
ويرد الأول: بأن قوله " يقضي " حقيقة في قضائه بنفسه، لأنه معناه،
فكيف ليس صريحا؟! بل هو المتبادر منه، والاستيجار ليس معنى. لقوله " يقضي ".
والثاني: بأنا لا نسلم أن كل دين مما يصح أن يقضيه كل أحد، ولذا لا
تصح الصلاة عن الحي. والتعليل في قضية الخثعمية (4) - لو ثبت - فإنما ينفع في
موضع الانجبار، لضعفها.
سلمنا، ولكن الكلام ليس في سقوط الصلاة عن الميت، بل عن الولي،
ولا استبعاد في سقوطها عنه بفعل الغير وبقائها على ذمة الولي أيضا، لتعلق
الوجوب به أولا، ولذا نقول بالوجوب عليه لو تبرع أحد بالصلاة للميت أيضا.

(1) الحلي في السرائر: 399، المنتهى 2: 604، الذكرى: 139، الحدائق 11: 62.
(2) التذكرة 1: 276، الدروس 1: 289، المهذب البارع 2: 76
(3) راجع ص: 328.
(4) المتقدمة في ص: 329.
339

فإن قلت: لا صلاة على الميت حينئذ حتى يجب قضاؤها على الولي.
قلنا: كانت عليه الصلاة حين الوفاة، وصار هو سببا لتعلق الوجوب
بالولي، فيستصحب وجوبه عليه، وإن سقط عن الميت بفعل غيره تبرعا. ولذا لو
استأجر الوصي أحدا لقضاء ما لا يجب على الولي من فوائت الميت لا يرتفع
الوجوب عن الأجير بتبرج غيره.
مع أن في صحة هذه الصلاة إجارة وسقوطها عن الميت نظرا، فإن وجوبها
عينا على الولي ينافي السقوط بفعل الغير. ولو كان كذلك لما وجب قضاء على ولي
عينا أبدا بل يكون واجبا عليه وعلى سائر الناس تخييرا، ويكون واجبا كفائيا، وهم
لا يقولون به، ولا يقولون بعقاب غير الولي مع الترك، وهو معنى الوجوب العيني،
وإذا وجب عليه عينا فلا معنى لوجوبه على غيره أيضا بمعنى أنه لو فعله لسقط
أيضا.
والثالث: بأنه لا كلام في جواز قضاء كل أحد عن الميت، بل الكلام في
جواز استيجار الولي فيما وجب عليه، وجواز قضاء ما وجب على الولي.
والرابع: بمنع قبول مطلق القضاء للاستنابة والاستيجار، والسند واضح
مما مر.
المسألة الرابعة:
الحق المشهور بين أصحابنا الإمامية جواز الاستيجار للصلاة، بل في
الحدائق: أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب فيما أعلم (1).
إذ تجوز لكل أحد الصلاة عن الميت، وكل ما يجوز لأحد فعله لغيره يجوز
استيجاره له.
أما الأول فللعمومات الكثيرة المتقدمة (2)، والاجماع كما صرح به غير

(1) الحدائق 11: 44.
(2) في ص 325.
340

واحد (1).
وأما الثاني فللاجماع، ولذا لا يطلب في الاستيجار لكل فعل فعل
بخصوصه نص بخصوصه.
فإن سلم المخالف الاجماع على الكلية - كما هو الواقع - فلا وجه لمخالفته
في المسألة، وإلا فلم يجوز الاستيجار في كل فعل مباح غير الصلاة؟ ومن أين ثبت
له الاجماع على كلية غير هذا الفرد؟ أو أين العام الشامل لكل فعل سوى
الصلاة؟
فإن قلت: الفارق ثبوت الاجماع في غيرها.
قلنا: إن أردت تصريح الجميع في الجميع فأين ذلك؟ وإن أردت عدم
التعرض للخلاف فأين التعرض له في الصلاة سوى من بعض المتأخرين الذي لا
يعبأ بخلافه ووفاقه في انعقاد الاجماع؟
ويدل على الثاني أيضا بعض العمومات أو الاطلاقات، كرواية محمد بن
سنان: سألته عن الإجارة، فقال: " صالح لا بأس بها إذا نصح قدر طاقته، قد
آجر موسى عليه السلام نفسه واشترط " (2).
وهو بإطلاقه بل عمومه المستفاد من ترك الاستفصال يشمل المطلوب.
والمروي في تحف العقول للشيخ الحسن بن شعبة، عن الصادق عليه
السلام، المنجبر ضعفه بالشهرتين بل نقل عدم الخلاف (3)، قال: " وأما تفسير
الإجارات فإجارة الانسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه
لوجه الحلال من جهات الإجارات، أن يؤجر نفسه أو داره أو شيئا يملكه فيما
ينتفع به من وجوه المنافع أو العمل بنفسه وولده ومملوكه أو أجيره " إلى أن قال:

(1) كالشهيد الأول في الذكرى: 75، ونقل عن إرشاد الجعفرية في مفتاح الكرامة 2: 61.
(2) الكافي 5: 90 المعيشة ب 16 ح 2، الفقيه 3: 106 / 442، التهذيب 6: 353 / 1003،
الإستبصار 3: 55 / 178، الوسائل 17: 238 أبواب ما يكتسب به ب 66 ح 2.
(3) الذكرى: 75.
341

" وكل من آجر نفسه أو آجر ما يملك أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو ملك أو سوقة
على ما فسرناه مما تجوز الإجارة فيه فحلال فعله وكسبه " (1).
فإنه دل على أن كل ما تجوز إجارته حلال مطلق عمله، وأن الانسان مما
تجوز إجارته.
وتدل عليه أيضا عمومات وجوب الوفاء بالشرط، ولازمه وجوب الاستيجار
أو الإجارة لو شرطه، بل نفس الإجارة أيضا شرط.
خلافا لنادر من متأخري المتأخرين كصاحبي الذخيرة والوافي (2).
ومنشأ شبهة الأول زعمه انحصار مستند هذه الإجارة في الاجماع وعدم
ثبوته عنده في المقام.
وهو لا يضر من ادعى ثبوته شاذ نفسه. مع أنه يلزمه ما مر من توقفه في
صحه الإجارة على غير شاذ من الأعمال، لانتفاء النص المخصوص، وعدم
موجب لثبوت الاجماع في غير الصلاة دونها.
وسبب منع الثاني ما مر أيضا مضافا إلى منافاة الاستيجار لنية الأجير القربة
المقصودة في العبادة، قال: وأما جواز الاستيجار للحج فلأنه إنما يجب بعد
الاستيجار، وفيه تغليب لجهة المالية، فإنه إنما يأخذ المال ليصرفه في الطريق
ليتمكن من الحج. انتهى.
ويرد: بمنع منافاة الاستيجار لنية القربة، لامكان الاخلاص بعد إيقاع
عقد الإجارة، فإن العمل يصير بعده واجبا، ويصير من قبيل ما لو وجب بنذر
وشبهه، فيمكن تحقق الاخلاص في العمل وإن صارت الأجرة سببا لتوجه الأمر
الايجابي إليه.
قيل: المتصور من نية التقرب من جهة الإجارة إنما هي من جهتها لا من
جهة أنها عبادة مخصوصة، ولا ريب أن المعتبر في الصلاة ونحوها نية التقرب بها

(1) تحف العقول: 248، الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.
(2) الذخيرة: 387، صاحب الوافي في المفاتيح 3: 12.
342

إلى الله تعالى من حيث إنها هي.
قلنا: لم يثبت من أدلة وجوب الاخلاص أزيد من وجوب قصد كون الفعل
لله سبحانه ولأجل إطاعته وامتثال أمره، وهو يتحقق من الأجر، وإلا يأخذ الأجرة
ويترك الصلاة. أما وجوب نية الإطاعة من حيث إن الفعل هذا الفعل أو لأجل
الايجاب من هذه الجهة فلا، ولو وجب ذلك لم يبرأ من نذر واجبا أصليا أبدا،
فيدفع الاشكال.
بل الظاهر عدم وروده ابتداء أيضا، لأن القدر المسلم وجوب الاخلاص
في كل عبادة على من يتعبد بها. وكون ما يلزم بالإجارة مما هو في الأصل عبادة
عبادة للأجير ممنوع. وكونه عبادة لمن وجب عليه بأصل الشرع لا يقتضي كونه
عبادة للأجير أيضا. ووجوبه بالإجارة لا يجعله عبادة، كسائر الأفعال الواجبة
بالإجارة.
نعم، يشترط فيه قصد ما يميزه عن غيره من الأفعال إن لم يتميز بغيره، وقصد
كونه أداء لما وجب بالإجارة، كما هو شرط في أداء كل حق لازم. وأما وجوب ما
سوى ذلك فلا دليل عليه.
فإن قيل: لا شك أن الصلاة الفائتة التي تتدارك بالاستيجار كان قصد
القربة جزءا لها، فتجويز تداركها بالاستيجار يقتضي تدارك جميع أجزائها.
قلنا: كون قصد الاخلاص جزءا لمهية الصلاة ممنوع، وإنما هو شرط في
صحتها في الجملة أي حين التعبد بها. ولو سلم فلا نسلم جزئيته لمطلق الصلاة،
وإنما هو جزء للصلاة الصادرة ممن يتعبد بها.
ثم بما ذكرنا من عدم كونها عبادة للأجير يندفع إشكال آخر أورد من جهة
اعتبار الرجحان في العبادة. والرجحان من جهة الإجارة غير مفيد في رجحان
أصل المنفعة.
هذا كله مع أن ما اعتذر به في الاستيجار للحج غير تام جدا، كما لا يخفى
على المتأمل.
وسيأتي تمام الكلام في ذلك، وبيان عدم تمامية سائر ما اعتذر به لانتفاء نية
343

القربة هنا في بحث المكاسب.
فروع:
أ: قد ظهر مما ذكرنا علم وجوب قصد المقرب على الأجير من جهة أنها عبادة،
بل ولا من جهة الإجارة أيضا.
ب: يجوز الاستيجار لأن يصلي للميت ما يحتمل تركه عنه أو يتوهم فيه
خلل، بل قضاء جميع صلواته إذا احتملت الخلل، لما عرفت من جواز فعلها عن
الميت، وجواز الاستيجار في كل ما يجوز فعله عن الغير. نعم لا يجوز الاستيجار
لقضاء ما علم عدم فواته عن الميت وعدم خلل فيه، ويظهر وجهه مما مر في المسألة الأولى.
ج: لا يجب الترتيب على الأجير إلا مع الشرط، ولا قرار الترتيب بين الأجراء
المتعددة، للأصل فيهما.
د: يجوز استيجار كل من الرجل والمرأة لقضاء صلاة الآخر، للأصل.
وهل يجوز استيجار المميز من الصبيان بإذن وليه؟
مقتضى الأصل ذلك. ولا تمنع عنه تمرينية عبادة نفسه؟ لأن الصلاة نيابة
ليست عبادة للنائب حقيقة.
وأما رواية عمار: عن الرجل تكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم هل
يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال: " لا يقضيه إلا رجل مسلم عارف " (1) ولا
شك أن الصبي ليس برجل.
فهي منساقة لبيان أمر آخر وهو اشتراط المعرفة، مع أنها عن إفادة الحرمة
قاصرة.

(1) الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 5. عن غياث سلطان الورى.
344

إلا أن يجعل السؤال عن الجواز قرينة على - إرادة عدمه في الجواب، والسياق
لا ينافي مع الاطلاق، فيثبت منها عدم الجواز.
مع أن أصل الاجماع المدعى في مطلق الإجارة هنا غير معلوم.
ورواية تحف العقول وإن شملت المورد بل نصت عليه (1)، إلا أنها ضعيفة،
وانجبارها في المورد غير معلوم. فالمنع أظهر.
ه‍: لو كان على شخص قضاء صلوات فهل يجب عليه إعلام الولي عند موته
إن كان مما يجب على الولي قضاؤه؟ أو الوصية بالاستيجار ونحوه إن كان مما لا يجب
عليه؟
الظاهر لا، للأصل، وعدم دليل على الوجوب.
فإن قيل: ذمته مشغولة بالصلاة، وتحصيل البراءة عنها واجبة، ولا تحصل
إلا بالاعلام والوصية، ومقدمة الواجب واجبة.
قلنا: الثابت اشتغال ذمته بأن يصلي نفسه أو يقضي بنفسه، والمفروض أنه
غير متمكن منهما، ولم يثبت الاشتغال بشئ آخر حتى تجب مقدمته.
نعم، يكون هو عاصيا آثما لو ترك الصلاة أو قضاءها بالاختيار.
فإن قلت: دفع مضرة العصيان والإثم واجب، وهو لا يتحقق إلا بالاعلام
والوصية.
قلنا: الدافع للمضرة هو التوبة والتلافي بنفسه مع الامكان، وأما فعل الغير
فليس دافعا لمضرة العصيان لو لم يتب. نعم به يصل ثواب إليه، ووجوب تحصيل
الثواب غير معلوم، وكونه من شرائط قبول التوبة غير معلوم علينا.
و: هل تشترط عدالة الأجير للصلاة للميت، أو لا؟
لم أعثر على مصرح بأحد الطرفين في المسألة.
نعم، ذكروه في مسألة أجير الحج الواجب، واشترط المتأخرون فيه عدالة

(1) راجع ص 341.
345

الأجير استنادا إلى أن الاتيان بالحج الصحيح إنما يعلم بإخبار النائب، والفاسق
لا تعويل على إخباره، لآية التثبت. واكتفى بعضهم فيه بكونه ممن يظن صدقه
ويحصل الوثوق بقوله.
أقول: لا شك في أنه لا دليل على اشتراط عدالته من حيث هو هو، بحيث
لو جعل غير العادل أجيرا وصلى كانت صلاته باطلة.
وعلى هذا فنقول: لا ريب في جواز الوصية باستيجار شخص معين وإن لم
يكن معلوم العدالة، أو شخص مطلقا سواء كان عادلا أم لا، إذ عرفت عدم
وجوب تحصيل العلم بتحقق القضاء من الغير على الميت. وكذا لا ريب في جواز
استيجار المتبرع للميت كل من شاء وأراد.
وإنما الاشكال في الوصي إذا لم يصرح الموصي باستيجار العادل أو استيجار
شخص ولو غير عادل.
فمقتضى الأصل وإن كان عدم اشتراط شئ فيمن يستأجره الوصي، إلا
أن القرينة الحالية قائمة على عدم إرادة الموصي استيجار كل أحد، فإنا نعلم قطعا
أنه لو سئل عنه عن استيجار شخص كان المظنون في حقه عدم الاتيان بالفعل لا
يجوزه، بل وكذا من تساوى الفعل وعدمه في حقه، بل نعلم قطعا أنه لا يريد إلا
استيجار من كان المظنون في حقه الفعل، لا مجرد الظن الشرعي الحاصل من
أصالة حمل فعل المسلم على الصحة، بل الظن الواقعي، لا أقل من ذلك البتة.
فاشتراط كون الأجير موثوقا به من هذه الجهة مما لا شك فيه، ولما كان لا
يحصل هذا الظن والوثوق غالبا إلا من جهة العدالة فتكون شرطا من باب
المقدمة، نعم، لو فرض حصوله من جهة أخرى فلا بأس بالاكتفاء بها.
وكذا الكلام في من يستأجره وكيل الوصي.
وأما الاستناد إلى ما ذكروه من أن الاتيان بالحج الصحيح يعلم بإخبار
النائب.
ففيه: أنه لا يحصل العلم من قول العادل أيضا، وبعد عدم إمكانه
346

فاشتراط تحصيل الظن بالاتيان به لا دليل عليه من غير الجهة التي ذكرناها. بل
يمكن الاكتفاء بمجرد إخباره كما في التذكية والتطهير ونحوهما.
وبالجملة إن أريد لزوم تحصيل العلم بالفعل الصحيح فهو غير ممكن، وإن
أريد لزوم تحصيل الظن فلا دليل عليه إلا ما ذكرناه.
ز: يلزم على المستأجر قبول إخبار الأجير في الاتيان بالصلاة - فيما يترتب على
الاتيان بالفعل ويتفرع عليه من الأحكام - ما لم يظهر عليه خلافه علما أو ظنا
بقرينة، لأن ذلك مقتضى هذه الإجارة، لعدم إمكان غير ذلك في المسألة، فلو
أراد غيره كان تكليفا بالمحال. نعم لو ادعى المستأجر ظن كذبه أو علمه فيسمع
دعواه، والظاهر الاكتفاء فيه بتحليف الأجير.
ح: يجب أن يكون الأجير حال الصلاة عالما بفقه الصلاة في أجزائها الواجبة
وشرائطها ومنافياتها ومبطلاتها، اجتهادا أو تقليدا، فعلا، وبأحكامها العارضة
غالبا كأحكام السهو والشك، قوة قريبة، بحيث يتمكن منها عند الحاجة.
لتوقف الاتيان بالعمل الواجب عليه، ولفحوى رواية مصادف: أتحج
المرأة عن الرجل؟ قال: " نعم إذا كانت فقيهة مسلمة " (1).
وهل يشترط علم المستأجر بعلم الأجير أو عدم علمه بعدم علمه أو ظنه
بعلمه، أو لا يشترط شئ منها؟
الظاهر الثاني، إذ لم يعهد من أحد استعلام كل جزئي جزئي من أجزاء
الصلاة وشرائطها ومنافياتها من الأجير.
إلا أن يقال: إنه إن تتوقف صحة الإجارة على التمكن من الفعل الموقوف
على العلم بالأجزاء والشرائط، فهو شرط في صحة الإجارة، وما لم يعلم الشرط
لا يعلم المشروط. على هذا فاللازم في الحكم بصحة الإجارة العلم بعلم الأجير
بالأجزاء والشرائط والمنافيات.

(1) التهذيب 5: 413 / 1436، الإستبصار 2: 322 / 1142، الوسائل 11: 177 أبواب النيابة في
الحج ب 8 ح 7.
347

إلا أن الظاهر كفاية ثبوت عدالته شرعا في ذلك العلم، بل لا يبعد الاكتفاء
في ذلك بظاهر حاله من إسلامه وإيمانه، بل على ذلك البناء في الجمعة والجماعات
والشهادات وغير ذلك.
ط: لو حصل للأجير في الصلاة شك أو سهو، يعمل بأحكامه كالمصلي لنفسه،
ولا تجب عليه الإعادة، لعمومات أحكامهما من غير معارض.
ي: لو عرض للأجير عذر مسوغ للتيمم أو الصلاة قاعدا أو مومئا أو راكبا أو
نحو ذلك، لم تجز له صلاة الإجارة كذلك إذا كانت الإجارة حال عدم العذر، أو
لم تكن قرينة على إرادة نحو ذلك أيضا، سواء كان وقت الصلاة الاستيجارية
موسعة أو مضيقة.
بل يجب عليه مع التوسعة التأخير إلى انتفاء العذر، ومع الضيق فكالعاجز
عن أصل الصلاة، لأصالة عدم وجوب وظيفة المعذور عليه، وعدم استحقاق
الأجرة بالاتيان بها، ولأن الظاهر أن المعهود بين طرفي الإجارة ومنظورهما حين
العقد هو الصلاة بالوضوء - مثلا - وقائما ونحو ذلك، فهو المقصود بالإجارة، فهو
الواجب، فلا يكفي غيره.
فإن قيل: لا شك أن وجوب ما يجب بالإجارة إنما هو بأمر الشارع، وهو
أيضا قد جوز التيمم والجلوس - مثلا - للمعذور، فتشمل عمومات العذر لمثل
هذا الشخص أيضا.
قلنا - مع أن ظهور الصلاة الاستيجارية من تلك العمومات محل كلام،
وعدم ظهور أكثرها معلوم -: إنها إنما هي تعارض عمومات الوفاء بالعقد والعهد
والإجارة والشرط بالعموم من وجه، فلا يعلم براءة الذمة بالصلاة مع العذر.
وأيضا: مدلول عمومات العذر أن من تجب عليه الصلاة وحصل له العذر
يصلي كذا وكذا، ولا نسلم وجوب الصلاة على مثل ذلك الشخص، لأن ما وجب
عليه بالعقد هو الصلاة مع الوضوء مثلا، فمع عدم التمكن منها لا يكون شئ
واجبا عليه. ولا يمكن استصحابه، لأن الواجب أولا هو المشروط.
348

نعم لو كان عموم متضمن لمثل قوله: من وجبت عليه الصلاة متوضئا أو
قائما فيفعل كذا وكذا مع العذر، لدلت العمومات. ولكنها ليست كذلك.
مع أن كونه معذورا مع عدم تعيين زمان الإجارة - كما هو الأكثر - أو تعيينه
وسعته ممنوع، فلا تشمله عمومات المعذور. ولو كان مثل تلك العمومات يجري
في الأجير أيضا لزم أن يجب عليه القصر في صلاة الإجارة لو سافر، وبطلانه
ظاهر.
فإن قيل: الصلاة في الاستيجار للصلاة مطلقة، فتشمل صلاة المتيمم مع
العذر أيضا.
قلنا: إن أريد أن الصلاة فيه مطلقة عامة للفردين مطلقا فتكون الإجارة
باطلة، لعدم تعيين العمل، واستلزامه كفاية التيمم بدون العذر أيضا. وإن أريد
أن المقصود بالإجارة التوضؤ بدون العذر والتيمم معه، فهذه لا تكون مطلقة بل
فرد خاص لا بد من ثبوت وقوع الإجارة عليه، وهو غير معلوم.
والفرق بين ذلك وبين أحكام السهو والشك ظاهر، فإنا نعلم قطعا أن مراد
المستأجر الرجوع فيها إلى حكم الشارع، ومع ذلك تشمل عموماتها الصلاة
الاستيجارية جدا، بخلاف مثل التيمم والقعود.
فنقول: إن منظور المستأجر منها الرجوع إلى حكم السهو والشك، مع أن
شمول الصلاة في استيجار الصلاة لمثل ذلك واضح، وليس بين الفردين اختلاف
يضر معه عدم التعيين، فالصلاة مطلقة شاملة لمثل ذلك أيضا، ولذا نقول
بحصول البراءة بكل من الصلاتين مطلقا: الخالية عن السهو والشك، والمتضمنة
لأحدهما، بخلاف مثل التوضؤ، فإنه لا يمكن أن يقال بحصول الامتثال بكل
من الفردين مطلقا كما هو مقتضى الاطلاق، بل لو صح لكان المراد الامتثال
بالتوضؤ بدون العذر وبالتيمم معه، وهذا ليس من باب الاطلاق، بل هو فرد
معين لا يحكم بصحته وكفايته إلا مع العلم بالإرادة.
ومن ذلك علم أن المناط والضابط أنه إذا كان الفردان مما يمكن إرادة
الاتيان بأيهما حصل في كل وقت حتى يشملهما إطلاق اللفظ، ولم يكن بينهما
349

اختلاف معتد به ينافي التعيين، يحصل الامتثال بكل منهما إذا كان اللفظ حين
الإجارة مطلقا، وإلا فلا، بل يجب الاتيان بالمتيقن إرادته.
يا: هل تجوز للأجير صلاة الإجارة مع الجماعة على ما هو وظيفة المأموم، حتى
يكتفي بقراءة الإمام بل بركعته لو أدركه في الركوع، ويسقط عنه الأذان والإقامة،
أم لا؟
الظاهر أنه إن صرح في العقد بشئ تنافيه الجماعة - كما يصرحون بأن يقيم
لكل صلاة ويؤذن في مجلس، وبأن يقرأ الحمد والسورة - ففي الجواز إشكال يظهر
وجهه مما مر في الفرع السابق.
وإن صرحوا بتجويز الجماعة فلا إشكال.
وإن أطلقوا فإن قلنا بتبادر غير الجماعة ومعهوديته - كما هو المحتمل - فلا
تجوز أيضا، لما مر. وإن قلنا بعدم تبادره تصح.
والأحوط عدم الائتمام في صلاة الإجارة أو التصريح به حين العقد.
يب: لا شك في أن الأجير يعمل فيما يعرض له من الشك والسهو ونحوهما
بمقتضى رأيه لو كان مجتهدا، ومقتضى رأي مجتهده إن كان مقلدا، ولا يقلد
مجتهد الميت أو المستأجر.
وهل يجوز له تقليده لو لم يثبت عنده عدالته أو اجتهاده أو كان مجتهده ميتا
ولم يجز للأجير تقليد الميت؟.
الظاهر لا، لعدم كون هذا العمل صحيحا في حقه وإن صح في حق
المقضي عنه لو فعل نفسه، والمتبادر من الاستيجار إرادة الصلاة الصحيحة في
حقه.
نعم، لو شرطوا البناء على رأي مجتهد المقضي عنه أمكن الجواز. ويحتمل
عدمه أيضا، لأنه شرط غير مشروع في حقه. إلا أن يمنع عدم ثبوت عدم
المشروعية في حقه في المورد، وهو الأقرب.
والظاهر أن الحكم كذا في الأجزاء والشرائط أيضا، فلو قضى عن ميت لا
350

تجوز له قراءة السورة العزيمة وجازت لذلك النائب، يقضي كما يجوز له، وكذا في
سائر الأجزاء والشرائط، لأن وجوب ذلك العمل إنما هو بأمر آخر غير أمر الميت
بالصلاة. وكذا الحكم في قضاء المكلف نفسه. والأحوط التصريح بذلك حين
العقد.
يج: لو فات صلاة عن المقضي عنه حال العذر، كفقد الماء أو تعذر استعماله أو
العجز عن القيام، يقضيه النائب الصحيح صحيحا، بالاجماع، وكذا القاضي
لنفسه إلا المسافر، كما يأتي في بحث السفر.
يد: لو أوصى أحد باستيجار صلاة أيام تكليفه وعلم مسافرته في بعض تلك
الأحيان، وجب استيجار الصلاة القصرية أيضا بقدر ما علم مسافرته، ويعمل
في مورد الشك بالأصل.
يه: يشترط في صلاة الإجارة كل ما يشترط في الصلاة، وينافيها كل ما ينافيها،
بالاجماع والعمومات. بل يستحب فيها كل ما يستحب فيها، لذلك، إلا مع
شرط فعله فيجب.
ولو شرطا شرطا مباحا أو مرجوحا غير محرم، كأن يصلي في بيته أو في الحمام
أو مع الثياب السود أو نحوها فالظاهر وجوبه.
يو: لا شك أن من يستأجر لميت تبرعا يجوز له استيجار ذوي الأعذار كالعاجز
عن القيام والمعذور عن استعمال الماء ونحوهما.
ولو استأجر وصاية فيتبع إرادة الموصي المفهومة بالقرائن الخارجية وشاهد
الحال. ولو لم يعلم مراده أصلا فالظاهر التخيير، للأصل.
وهل يجوز للموصي الوصية باستيجار ذوي الأعذار؟
نعم؟ للأصل، وما مر من عدم وجوب وصية قضاء الفوائت.
351