الكتاب: كتاب المكاسب
المؤلف: الشيخ الأنصاري
الجزء: ٤
الوفاة: ١٢٨١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ربيع الأول ١٤٢٠
المطبعة: باقري - قم
الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري
ردمك: ٩٦٤-٥٦٦٢-١٤-١
ملاحظات: ٩٦٤-٥٦٦٢-١٧-٦ / الدورة الكاملة

كتاب المكاسب
1

كتاب المكاسب
للشيخ الأعظم أستاذ الفقهاء والمجتهدين
الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره)
1214 - 1281 ه‍
الجزء الرابع
اعداد
لجنة تحقيق تراثنا الشيخ الأعظم
3

أنصاري، مرتضى بن محمد أمين 1214 - 1281 ق.
المكاسب / المؤلف مرتضى الأنصاري: إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم. -
قم: مجمع الفكر الإسلامي 1420 ق = 1378.
فهرستنويسي بر أساس اطلاعات فيپا (فهرستنويسي پيش از انتشار).
عربي.
فهرست نويسي بر أساس جلد چهارم، 1420 ق = 1378.
أين كتاب به مناسبت دويستمين سالگرد تولد شيخ أنصاري منتشر شده است.
كتابنامه:
1 - معاملات (فقه). ألف: مجمع الفكر الاسلامي. لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
ب. مجمع الفكر الاسلامي. ج. كنگره جهاني بزرگداشت دويستمين سالگرد تولد شيخ
أنصاري. د. عنوان.
7 م 8 ألف / 1 / BP 1901 - 372 297
ألف ى 1300
كتابخانه ملي إيران - 1937 - 78 م قم - ص. ب 3654 - 37185 - ت: 744810
الكتاب: كتاب المكاسب / ج 4
المؤلف: الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره
تحقيق: مجمع الفكر الإسلامي / لجنة تحقيق التراث
الطبعة: الأولى / شعبان المعظم 1419 ه‍. ق
صف الحروف: مجمع الفكر الإسلامي
الليتوغراف: نگارش - قم
المطبعة: مؤسسة الهادي - قم
الكمية المطبوعة: 3000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة
للأمانة العامة للمؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
4

بسم الله الرحمن الرحيم
5

القول
في
شرائط العوضين
7

[مسألة]
[من شروط العوضين: المالية] (1)
يشترط في كل منهما كونه متمولا، لأن البيع - لغة -: مبادلة مال
بمال (2)،
وقد احترزوا بهذا الشرط عما لا ينتفع به منفعة مقصودة
للعقلاء، محللة في الشرع، لأن الأول ليس بمال عرفا كالخنافس
والديدان، فإنه يصح عرفا سلب المصرف لها ونفي الفائدة عنها، والثاني
ليس بمال شرعا كالخمر والخنزير.
ثم قسموا عدم الانتفاع إلى ما يستند إلى خسة الشئ
كالحشرات، وإلى ما يستند إلى قلته كحبة حنطة، وذكروا: أنه ليس
مالا وإن كان يصدق عليه الملك (3)، ولذا يحرم غصبه إجماعا، وعن

(1) العنوان منا.
(2) المصباح المنير: 69، ذيل مادة " بيع ".
(3) ذكر ذلك المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 90، والسيد العاملي في مفتاح
الكرامة 4: 220.
9

التذكرة: أنه لو تلف لم يضمن أصلا (1)، واعترضه غير واحد ممن تأخر
عنه (2) بوجوب رد المثل.
والأولى أن يقال: إن ما تحقق أنه ليس بمال عرفا، فلا إشكال
ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين، إذ لا بيع إلا في ملك.
وما لم يتحقق فيه ذلك: فإن كان أكل المال في مقابله أكلا بالباطل
عرفا، فالظاهر فساد المقابلة. وما لم يتحقق فيه ذلك: فإن ثبت دليل
من نص أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو، وإلا فلا يخفى وجوب
الرجوع إلى عمومات صحة البيع والتجارة، وخصوص قوله عليه السلام في
المروي عن تحف العقول: " وكل شئ يكون لهم فيه الصلاح من جهة
من الجهات، فكل ذلك حلال بيعه... إلى آخر الرواية " (3)، وقد تقدمت
في أول الكتاب (4).

(1) حكاه عنه المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 90، وراجع التذكرة 1: 465.
(2) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 90، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة
4: 220، وصاحب الجواهر في الجواهر 22: 347.
(3) تقدمت الرواية في المجلد الأول من طبعتنا: 5 - 13، وانظر تحف العقول: 333.
(4) في " ف " زيادة: " وحيث جرى ذكر بعض هذه الرواية الشريفة، فلا بأس
بذكرها بتمامها لاشتمالها على فوائد جليلة، خصوصا في تميز ما يجوز الاكتساب به
وما لا يجوز، فنقول: روى في الوسائل عن كتاب تحف العقول للحسن بن علي
ابن شعبة عن الصادق عليه السلام: " أن معايش العباد كلها... " فذكر أكثر الرواية
باختلاف كثير عما ورد في أول الكتاب.
هذا، وقد وردت هذه الزيادة في " ن " و " خ " من قوله: فنقول: " روى في
الوسائل... الخ " لكن كتب عليها فيهما: زائد.
10

ثم إنهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين من بيع ما يشترك
فيه الناس: كالماء، والكلأ، والسموك (1) والوحوش قبل اصطيادها،
لكون (2) هذه كلها غير مملوكة بالفعل.
واحترزوا أيضا به عن الأرض المفتوحة عنوة، ووجه الاحتراز
عنها: أنها غير مملوكة لملاكها على نحو سائر الأملاك بحيث يكون لكل
منهم جزء معين من عين الأرض وإن قل، ولذا لا يورث، بل ولا من
قبيل الوقف الخاص على معينين، لعدم تملكهم للمنفعة مشاعا، ولا
كالوقف على غير معينين كالعلماء والمؤمنين، ولا من قبيل تملك الفقراء
للزكاة والسادة للخمس - بمعنى كونهم مصارف له (3) - لعدم تملكهم
لمنافعها (4) بالقبض، لأن مصرفه (5) منحصر في مصالح المسلمين، فلا يجوز
تقسيمه عليهم من دون ملاحظة مصالحهم، فهذه الملكية نحو مستقل من
الملكية قد دل عليه (6) الدليل، ومعناها: صرف حاصل الملك في مصالح
الملاك.
ثم إن كون هذه الأرض للمسلمين مما ادعي عليه الإجماع (7)

(1) في " م "، " ع " و " ص ": السماك.
(2) كذا في مصححة " ن "، وفي " ف ": " يكون "، وفي سائر النسخ: بكون.
(3) كذا، والمناسب تثنية الضمير.
(4) في غير " ش ": لمنافعه.
(5) كذا في النسخ، والمناسب تأنيث الضمير، وكذا في قوله: تقسيمه.
(6) في " ف ": عليها.
(7) ادعاه الشيخ في الخلاف 2: 67 - 70، كتاب الزكاة، المسألة 80، والعلامة
في المنتهى 2: 934، والتذكرة 1: 427، وراجع الجواهر 21: 157.
11

ودل عليه النص كمرسلة حماد الطويلة (1) وغيرها (2).
[أقسام الأرضين وأحكامها] (3)
وحيث جرى الكلام في ذكر بعض أقسام الأرضين، فلا بأس
بالإشارة إجمالا إلى جميع أقسام الأرضين وأحكامها، فنقول ومن الله
الاستعانة:
الأرض إما موات وإما عامرة، وكل منهما إما أن يكون كذلك
أصلية أو عرض لها ذلك، فالأقسام أربعة لا خامس لها:
الأول: ما يكون مواتا بالأصالة، بأن لم تكن مسبوقة بعمارة (4)
ولا إشكال ولا خلاف منا في كونها للإمام عليه السلام، والإجماع عليه
محكي عن الخلاف (5) والغنية (6) وجامع المقاصد (7) والمسالك (8) وظاهر

(1) الوسائل 11: 84 - 85، الباب 41 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.
(2) راجع الوسائل 12: 274 - 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع،
الأحاديث 4، 5 و 9.
(3) العنوان منا.
(4) في غير " خ " و " ش ": بالعمارة.
(5) الخلاف 3: 525، كتاب إحياء الموات، المسألة 3.
(6) الغنية: 293.
(7) جامع المقاصد 7: 9.
(8) المسالك 12: 391، وفيه: عندنا موضع وفاق.
12

جماعة أخرى (1). والنصوص بذلك مستفيضة (2)، بل قيل: إنها متواترة (3).
وهي من الأنفال، نعم أبيح التصرف فيها بالإحياء بلا عوض،
وعليه يحمل ما في النبوي (4): " موتان الأرض لله ولرسوله (5) صلى الله عليه وآله،
ثم هي لكم مني أيها المسلمون " (6). ونحوه الآخر: " عادي الأرض لله
ولرسوله، ثم هي لكم مني " (7).
وربما يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجها إلى
الإمام عليه السلام كما في صحيحة الكابلي، قال (8): " وجدنا في كتاب

(1) حكاه السيد العاملي وصاحب الجواهر عن المصادر المذكورة وعن ظاهر المبسوط
والتذكرة والتنقيح والكفاية، انظر مفتاح الكرامة 7: 4، والجواهر 38: 11.
(2) راجع الوسائل 6: 364، الباب الأول من أبواب الأنفال، والمستدرك 7:
295، نفس الباب.
(3) راجع الجواهر 38: 11، وفيه: يمكن دعوى تواترها.
(4) كذا في " ف "، " خ " و " ش "، وفي غيرها: النبويين.
(5) في " ش ": ورسوله.
(6) لم نقف على هذا النص بعينه في المجاميع الحديثية، بل الموجود: " موتان
الأرض لله ولرسوله، فمن أحيا منها شيئا فهو له "، انظر عوالي اللآلي 3: 480،
الحديث الأول، وعنه في المستدرك 17: 111، الباب الأول من أبواب إحياء
الموات، الحديث الأول. نعم نقل الرواية كما في المتن العلامة في التذكرة 2:
400.
(7) عوالي اللآلي 3: 481، الحديث 5، وعنه في المستدرك 17: 112، الباب
الأول من أبواب إحياء الموات، الحديث 5.
(8) في " ف ": قال لي.
13

علي عليه السلام: * (أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة
للمتقين) *، أنا (1) وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض، ونحن المتقون،
والأرض كلها لنا، فمن أحيا أرضا (2) من المسلمين فليعمرها وليؤد
خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها... الخبر " (3).
ومصححة عمر بن يزيد: " أنه سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها، فعمرها وأجرى أنهارها وبنى فيها
بيوتا، وغرس فيها نخلا وشجرا، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كان أمير
المؤمنين عليه السلام يقول: من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له، وعليه
طسقها يؤديه (4) إلى الإمام عليه السلام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم
فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه " (5).
ويمكن حملها على بيان الاستحقاق ووجوب إيصال الطسق إذا
طلبه (6) الإمام عليه السلام.

(1) كذا في " ف " و " ص " والمصدر، وفي غيرها: قال أنا.
(2) كذا في " ص " والمصدر، وفي سائر النسخ: من الأرض.
(3) الوسائل 17: 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2، والآية من
سورة الأعراف: 128.
(4) كذا في " ن " و " ص " والمصدر، وفي " ف " و " خ ": " يؤتى به "، وفي " م "
و " ع ": " يؤتيه به "، وفي " ش ": يؤديه به.
(5) في النسخ زيادة: " الخبر "، ولا وجه لها ظاهرا، لأن الحديث مذكور بتمامه،
انظر الوسائل 6: 383، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 13.
(6) في " م "، " ع "، " ص " و " ن ": " طلب "، وصحح في " ن " كما
أثبتناه.
14

لكن الأئمة عليهم السلام بعد أمير المؤمنين عليه السلام حللوا شيعتهم،
وأسقطوا ذلك عنهم، كما يدل عليه قوله عليه السلام: " ما كان لنا فهو
لشيعتنا " (1)، وقوله عليه السلام في رواية مسمع بن عبد الملك: " كل ما كان
في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون، يحل لهم ذلك إلى أن
يقوم قائمنا، فيجبيهم طسق (2) ما كان في أيدي سواهم، فإن كسبهم في
الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا ويأخذ الأرض من أيديهم،
ويخرجهم عنها صغرة... الخبر " (3).
نعم، ذكر في التذكرة: أنه لو تصرف في الموات أحد بغير إذن
الإمام كان عليه طسقها (4).
ويحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة على حال الحضور، وإلا
فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال للإمام (5) في الأراضي في
حال الغيبة، بل الأخبار متفقة على أنها لمن أحياها (6)، وسيأتي حكاية
إجماع المسلمين على صيرورتها ملكا بالإحياء (7).

(1) الوسائل 6: 384، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 17.
(2) في " ش " زيادة: " ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم، وأما "، وهذه
الزيادة قد وردت في الكافي ولم ترد في التهذيب والوسائل، انظر الكافي 1:
408، الحديث 3، والتهذيب 4: 144، الحديث 403.
(3) الوسائل 6: 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 12.
(4) التذكرة 2: 402.
(5) كذا في " ف "، وفي سائر النسخ: الإمام.
(6) راجع الوسائل 17: 326، الباب الأول من أبواب إحياء الموات.
(7) يأتي في الصفحة 17.
15

الثاني: ما كانت عامرة بالأصالة، أي لا من معمر
والظاهر أنها أيضا للإمام عليه السلام وكونها من الأنفال، وهو ظاهر
إطلاق قولهم: " وكل أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهي
للإمام عليه السلام " (1)، وعن التذكرة: الإجماع عليه (2). وفي غيرها نفي
الخلاف عنه (3)، لموثقة أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمار المحكية عن
تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام، حيث عد من الأنفال: " كل
أرض لا رب لها " (4)، ونحوها المحكي عن تفسير العياشي، عن أبي
بصير، عن أبي جعفر عليه السلام (5).
ولا يخصص عموم ذلك بخصوص بعض الأخبار، حيث جعل فيها
من الأنفال " كل أرض ميتة لا رب لها " (6)، بناء على ثبوت المفهوم
للوصف المسوق للاحتراز، لأن الظاهر ورود الوصف مورد الغالب، لأن

(1) كما في الشرائع 3: 272، والقواعد 1: 220، وفي مفتاح الكرامة (7: 9) في
ذيل العبارة هكذا: كما طفحت بذلك عباراتهم بلا خلاف من أحد.
(2) حكاه عن العلامة في التذكرة، السيد العاملي في مفتاح الكرامة 7: 9،
وصاحب الجواهر في الجواهر 38: 19، وانظر التذكرة 2: 402.
(3) كما في مفتاح الكرامة 7: 9، والجواهر 38: 19.
(4) تفسير القمي 1: 254، في تفسير الآية الأولى من سورة الأنفال، وعنه
الوسائل 6: 371، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 20.
(5) تفسير العياشي 2: 48، الحديث 11، وعنه الوسائل 6: 372، الباب الأول
من أبواب الأنفال، الحديث 28.
(6) الوسائل 6: 365، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 4.
16

الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتا.
وهل تملك هذه بالحيازة؟ وجهان: من كونه مال الإمام، ومن
عدم منافاته للتملك بالحيازة، كما يملك الموات بالإحياء مع كونه مال
الإمام، فدخل في عموم النبوي: " من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم
فهو أحق به " (1).
الثالث: ما عرض له الحياة بعد الموت
وهو ملك للمحيي، فيصير ملكا له بالشروط المذكورة في باب
الإحياء بإجماع الأمة كما عن المهذب (2)، وبإجماع المسلمين كما عن
التنقيح (3)، وعليه عامة فقهاء الأمصار كما عن التذكرة (4)، لكن ببالي من
المبسوط كلام يشعر بأنه يملك التصرف، لا نفس الرقبة (5)، فلا بد من
الملاحظة.
الرابع: ما عرض له الموت بعد العمارة
فإن كانت العمارة أصلية، فهي مال الإمام عليه السلام. وإن كانت

(1) عوالي اللآلي 3: 480، الحديث 4، والمستدرك 17: 112، الباب الأول من
أبواب إحياء الموات، الحديث 4.
(2) المهذب البارع 4: 285.
(3) التنقيح الرائع 4: 98.
(4) التذكرة 2: 400.
(5) انظر المبسوط 2: 29.
17

العمارة من معمر، ففي بقائها على ملك معمرها، أو خروجها عنه
وصيرورتها ملكا لمن عمرها ثانيا، خلاف معروف في كتاب إحياء
الموات (1)، منشؤه اختلاف الأخبار (2).
ثم القسم الثالث، إما أن تكون العمارة فيه (3) من المسلمين، أو من
الكفار.
فإن كان (4) من المسلمين فملكهم لا يزول إلا بناقل أو بطرو
الخراب على أحد القولين.
وإن كان من الكفار، فكذلك إن كان في دار
الإسلام وقلنا بعدم اعتبار الإسلام، وإن اعتبرنا الإسلام، كان باقيا على
ملك الإمام عليه السلام. وإن كان في دار الكفر، فملكها يزول بما يزول به
ملك المسلم، وبالاغتنام، كسائر أموالهم.
ثم ما ملكه الكافر (5) من الأرض:
إما أن يسلم عليه طوعا، فيبقى على ملكه كسائر أملاكه.
وإما أن لا يسلم عليه طوعا.
فإن بقي يده عليه كافرا، فهو (6) أيضا كسائر أملاكه تحت يده.

(1) راجع المسالك 12: 396 - 397، فنسب الأول إلى المحقق والشيخ وجماعة،
والثاني إلى العلامة في بعض فتاويه، ومال إليه في التذكرة وقواه هو نفسه،
وانظر الجواهر 38: 21.
(2) راجع الوسائل 17: 326 - 328، الباب 1 و 3 من أبواب إحياء الموات.
(3) كلمة " فيه " من " ش " ومصححة " ن ".
(4) كذا، والمناسب: كانت.
(5) في غير " ف " و " ش ": الكفار، ولكن صحح في " ن " بما أثبتناه.
(6) في غير " ف ": فهي.
18

وإن ارتفعت يده عنها (1):
فإما أن يكون بانجلاء المالك عنها وتخليتها للمسلمين.
أو بموت أهلها وعدم الوارث، فيصير ملكا للإمام عليه السلام، ويكون
من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.
وإن رفعت يده عنها قهرا وعنوة، فهي كسائر ما لا ينقل (2)
من الغنيمة - كالنخل والأشجار والبنيان - للمسلمين كافة إجماعا، على
ما حكاه غير واحد، كالخلاف (3) والتذكرة (4) وغيرهما (5)، والنصوص به
مستفيضة:
ففي رواية أبي بردة - المسؤول فيها عن بيع أرض الخراج -
قال عليه السلام: " من يبيعها؟! هي أرض المسلمين! قلت: يبيعها الذي في
يده. قال: يصنع بخراج المسلمين ماذا؟! ثم قال: لا بأس، اشتر (6) حقه
منها، ويحول حق المسلمين عليه، ولعله يكون أقوى عليها وأملى
بخراجهم منه " (7).

(1) تأنيث الضمير باعتبار " الأرض ".
(2) في غير " ش " ومصححة " ن ": ما لا ينتقل، وفي " ص " كتب عليه: لا
ينقل - ظ.
(3) الخلاف 2: 67 - 70، كتاب الزكاة، المسألة 80.
(4) التذكرة 1: 427.
(5) كالغنية: 204 - 205، والمنتهى 2: 934، والجواهر 21: 157.
(6) كذا في أكثر النسخ والاستبصار، وفي " ص " و " ش " ومصححة " ن ": " أن
يشتري "، وفي التهذيب والوسائل: اشترى.
(7) الوسائل 11: 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدو، الحديث الأول.
19

وفي مرسلة حماد الطويلة: " ليس لمن قاتل شئ من الأرضين
وما غلبوا عليه (1)، إلا ما حوى (2) العسكر... إلى أن قال: والأرض
التي أخذت بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها
ويحييها ويقوم عليها، على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من
الخراج: النصف أو الثلث أو الثلثين، على قدر ما يكون لهم صالحا ولا
يضر بهم (3) إلى أن قال: فيؤخذ ما بقي بعد (4) العشر، فيقسم بين الوالي
وبين شركائه الذين هم عمال الأرض وأكرتها، فيدفع إليهم أنصباءهم
على قدر ما صالحهم عليه ويأخذ الباقي فيكون ذلك أرزاق أعوانه على
دين الله، وفي مصلحة ما ينوبه، من تقوية الإسلام وتقوية الدين في
وجوه الجهاد، وغير ذلك مما فيه مصلحة العامة، ليس لنفسه من ذلك
قليل ولا كثير... الخبر " (5).
وفي صحيحة الحلبي، قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد
ما منزلته؟ قال: هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم، ولمن يدخل (6) في

(1) كلمة " عليه " من " ش "، والعبارة في المصادر: ولا ما غلبوا عليه.
(2) في الكافي والوسائل: ما احتوى عليه.
(3) في " ش " وهامش " ن " زيادة: فإذا أخرج منها ما أخرج، بدأ فأخرج منه
العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا، ونصف العشر مما سقي
بالدوالي والنواضح.
(4) في الكافي والوسائل بدل " فيؤخذ ما بقي بعد ": ويؤخذ بعد.
(5) الوسائل 11: 84 - 85، الباب 41 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.
(6) في غير " ص ": دخل.
20

الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد. فقلنا: أنشتريه من الدهاقين؟
قال: لا يصلح، إلا أن تشتريها منهم على أن تصيرها للمسلمين، فإن
شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها. قلت: فإن أخذها منه؟ قال: يرد
عليه رأس ماله، وله ما أكل من غلتها بما عمل " (1).
ورواية ابن شريح: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء الأرض
من أرض الخراج، فكرهه و (2) قال: إنما أرض الخراج للمسلمين.
فقالوا له: فإنه يشتريها الرجل وعليه خراجها؟ فقال: لا بأس، إلا أن
يستحيي من عيب ذلك " (3).
ورواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي، ففيها: " وسألته عن رجل
اشترى أرضا من أرض الخراج، فبنى بها أو لم يبن، غير أن أناسا من
أهل الذمة نزلوها، له أن يأخذ منهم أجرة البيوت إذا أدوا جزية
رؤوسهم؟ قال: يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال (4) " (5).
وفي خبر أبي الربيع: " لا تشتر من أرض السواد شيئا، إلا من (6)
كانت له ذمة فإنما هي فئ للمسلمين " (7).

(1) الوسائل 12: 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، الحديث 4.
(2) " الواو " من " ص " والمصدر.
(3) الوسائل 12: 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع، الحديث 9.
(4) في غير " ش " زيادة: " أخذها "، ولم ترد في المصادر الحديثية.
(5) الوسائل 12: 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع، الحديث 10.
(6) في مصححة " ن ": ممن.
(7) الوسائل 12: 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، الحديث 5.
21

إلى غير ذلك... (1).
وظاهره (2) - كما ترى - عدم جواز بيعها حتى تبعا للآثار المملوكة
فيها على أن تكون جزءا من المبيع، فيدخل في ملك المشتري.
نعم، يكون للمشتري على وجه كان للبائع، أعني مجرد الأولوية
وعدم جواز مزاحمته إذا كان التصرف وإحداث تلك الآثار بإذن
الإمام عليه السلام أو بإجازته ولو لعموم الشيعة، كما إذا كان التصرف
بتقبيل السلطان الجائر أو بإذن الحاكم الشرعي، بناء على عموم ولايته
لأمور المسلمين ونيابته عن الإمام عليه السلام.
لكن ظاهر عبارة المبسوط إطلاق المنع عن التصرف فيها، قال:
لا يجوز التصرف فيها (3) ببيع ولا شراء ولا هبة ولا معاوضة، ولا
يصح أن يبني دورا ومنازل ومساجد وسقايات، ولا (4) غير ذلك من
أنواع التصرف الذي يتبع الملك، ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرف
باطلا، وهو على حكم الأصل (5).
ويمكن حمل كلامه على صورة عدم الإذن من الإمام عليه السلام حال

(1) راجع الوسائل 12: 273، الباب 21 من أبواب عقد البيع، و 17: 330،
الباب 4 من أبواب إحياء الموات.
(2) كذا في النسخ، والمناسب: " ظاهرها "، لأن الضمير يرجع إلى جميع الأخبار
المتقدمة كما هو ظاهر.
(3) عبارة " قال: لا يجوز التصرف فيها " لم ترد في " ش ".
(4) لم ترد " لا " في " ع " و " ش ".
(5) المبسوط 2: 34.
22

حضوره. ويحتمل إرادة التصرف بالبناء على وجه الحيازة والتملك.
وقال في الدروس: لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة إلا بإذن
الإمام، سواء كان بالبيع أو الوقف أو غيرهما. نعم في حال الغيبة ينفذ
ذلك، وأطلق في المبسوط: أن التصرف فيها لا ينفذ. وقال ابن إدريس:
إنما نبيع ونوقف تحجيرنا (1) وبناءنا وتصرفنا، لا نفس الأرض (2)، انتهى.
وقد ينسب إلى الدروس التفصيل بين زماني الغيبة والحضور،
فيجوز التصرف في الأول ولو بالبيع والوقف، لا في الثاني إلا بإذن
الإمام عليه السلام (3)، وكذا إلى جامع المقاصد (4).
وفي النسبة نظر، بل الظاهر موافقتهما لفتوى جماعة (5): من جواز
التصرف فيه في زمان الغيبة بإحداث الآثار وجواز نقل الأرض تبعا
للآثار، فيفعل ذلك بالأرض تبعا للآثار، والمعنى: أنها مملوكة ما دام
الآثار موجودة.
قال في المسالك - في شرح قول المحقق: " ولا يجوز بيعها ولا

(1) في " ف "، " م "، " ع " و " ص ": بحجرنا.
(2) الدروس 2: 41.
(3) نسبه إليه المحقق الثاني في رسالة قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) 1:
253، وانظر الدروس 2: 41.
(4) نسبه إليه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 241، وانظر جامع المقاصد 7:
10.
(5) منهم الحلي في السرائر 1: 478، والعلامة في التذكرة 1: 465، وراجع
تفصيل الأقوال في مفتاح الكرامة 4: 240، والجواهر 22: 349.
23

هبتها ولا وقفها " -: إن المراد: لا يصح ذلك في رقبة الأرض مستقلة،
أما (1) فعل ذلك بها تبعا لآثار التصرف - من بناء وغرس وزرع
ونحوها - فجائز على الأقوى.
قال: فإذا باعها بائع مع شئ من هذه الآثار دخل في المبيع (2)
على سبيل التبع، وكذا الوقف وغيره، ويستمر كذلك ما دام شئ من
الآثار باقيا، فإذا ذهبت أجمع انقطع حق المشتري والموقوف عليه
وغيرهما عنها، هكذا ذكره جمع، وعليه العمل (3)، انتهى.
نعم، ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع والشراء
في نفس الرقبة، حيث قال:
إن قال قائل: إن ما ذكرتموه إنما دل على إباحة التصرف في هذه
الأرضين، ولا يدل على صحة تملكها بالشراء والبيع، ومع عدم
صحتها (4) لا يصح ما يتفرع عليها (5).
قلنا: إنا قد قسمنا الأرضين على ثلاثة أقسام: أرض أسلم أهلها
عليها فهي ملك لهم يتصرفون فيها، وأرض تؤخذ عنوة أو يصالح
أهلها عليها، فقد أبحنا شراءها وبيعها، لأن لنا في ذلك قسما، لأنها

(1) في " ص " والمصدر زيادة: لو.
(2) كذا في النسخ، والصواب: " دخلت في البيع "، كما في المصدر.
(3) المسالك 3: 56.
(4) في مصححة " ن ": " عدم صحتهما "، والصواب: " عدم صحته "، لرجوع
الضمير إلى " التملك ".
(5) في " ش " ومصححة " ن ": عليهما، والصواب: " عليه "، للسبب المتقدم.
24

أراضي المسلمين، وهذا القسم أيضا يصح الشراء والبيع فيه على هذا
الوجه. وأما الأنفال وما يجري مجراها فلا يصح تملكها بالشراء وإنما
أبيح لنا التصرف فيها حسب (1).
ثم استدل على أراضي الخراج برواية أبي بردة السابقة (2) الدالة
على جواز بيع آثار التصرف دون رقبة الأرض. ودليله قرينة على
توجيه كلامه.
وكيف كان، فما ذكروه من حصول الملك تبعا للآثار مما لا دليل
عليه إن أرادوا الانتقال. نعم، المتيقن هو ثبوت حق الاختصاص
للمتصرف ما دام شئ من الآثار موجودا.
فالذي ينبغي أن يصرف الكلام إليه هو بيان الوجه الذي يجوز
التصرف معه حتى يثبت حق الاختصاص، فنقول:
أما في زمان الحضور والتمكن من الاستئذان، فلا ينبغي الإشكال
في توقف التصرف على إذن الإمام عليه السلام، لأنه ولي المسلمين فله نقلها
عينا ومنفعة. ومن الظاهر أن كلام الشيخ (3) - المطلق في المنع عن
التصرف - محمول على صورة عدم إذن الإمام عليه السلام مع حضوره.
وأما في زمان الغيبة، ففي:
عدم جواز التصرف إلا فيما أعطاه السلطان الذي حل قبول
الخراج والمقاسمة منه.

(1) التهذيب 4: 145 - 146، ذيل الحديث 405.
(2) راجع التهذيب 4: 146، الحديث 406، والوسائل 11: 118، الباب 71
من أبواب جهاد العدو، الحديث الأول، وتقدمت في الصفحة 19.
(3) تقدم نقله عن المبسوط في الصفحة 22.
25

أو جوازه مطلقا، نظرا إلى عموم ما دل على تحليل مطلق
الأرض للشيعة (1)، لا خصوص الموات التي هي مال الإمام عليه السلام،
وربما يؤيده جواز قبول الخراج الذي هو كأجرة الأرض، فيجوز
التصرف في عينها مجانا.
أو عدم جوازه إلا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام عليه السلام.
أو التفصيل بين من يستحق أجرة هذه الأرض، فيجوز له
التصرف فيها، لما (2) يظهر من قوله عليه السلام للمخاطب في بعض أخبار
حل الخراج: " وإن لك نصيبا في بيت المال " (3)، وبين غيره الذي يجب
عليه حق الأرض، ولذا أفتى غير واحد - على ما حكي (4) - بأنه لا
يجوز حبس الخراج وسرقته عن (5) السلطان الجائر والامتناع عنه،
واستثنى بعضهم (6) ما إذا دفعه إلى نائب الإمام عليه السلام.

(1) يدل عليه خصوصا ما في الوسائل 6: 382، الباب 4 من أبواب الأنفال،
الحديث 12 وغيره.
(2) في " ن " و " خ " ونسخة بدل " ع ": كما.
(3) الوسائل 12: 157، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.
(4) حكاه المحقق الكركي عن كثير ممن عاصره، في قاطعة اللجاج (رسائل المحقق
الكركي) 1: 285، والشهيد الثاني في المسالك 3: 55 - 56 عن الأصحاب،
وانظر المناهل: 312، التنبيه السادس عشر، وراجع تفصيل ذلك في المكاسب
2: 214 وما بعدها.
(5) كذا في " ف " و " خ " ونسخة بدل " ش "، وفي سائر النسخ: على.
(6) راجع الرياض (الطبعة الحجرية) 1: 496، ومفتاح الكرامة 4: 245،
والمناهل: 313، والجواهر 22: 194 - 195.
26

أو بين ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح، وبين
الباقية على عمارتها من حين الفتح فيجوز إحياء الأول، لعموم أدلة
الإحياء (1) وخصوص رواية سليمان بن خالد (2) ونحوها.
وجوه، أوفقها بالقواعد الاحتمال الثالث، ثم الرابع، ثم الخامس.
ومما ذكرنا يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة، كأوراق
الأشجار وأثمارها، وأخشاب الأبنية والسقوف الواقعة، والطين المأخوذ
من سطح الأرض، والجص والحجارة ونحو ذلك، فإن مقتضى القاعدة
كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ملكا للمسلمين، ولذا صرح
جماعة، كالعلامة (3) والشهيد (4) والمحقق الثاني (5) وغيرهم (6) - على ما حكي
عنهم - بتقييد جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة بما (7) إذا لم تكن
الآلات من تراب الأرض. نعم الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين،
لأنه مما ينقل.
وحينئذ، فمقتضى القاعدة: عدم صحة أخذها إلا من السلطان
الجائر أو من حاكم الشرع، مع إمكان أن يقال: لا مدخل لسلطان

(1) الوسائل 17: 326، الباب الأول من أبواب إحياء الموات.
(2) الوسائل 17: 326، الباب الأول من أبواب إحياء الموات، الحديث 2.
(3) التذكرة 2: 17.
(4) حكاه عن الدروس وجامع المقاصد السيد العاملي في مفتاح الكرامة 5: 82، لكن لم نعثر عليه فيهما.
(5) حكاه عن الدروس وجامع المقاصد السيد العاملي في مفتاح الكرامة 5: 82، لكن لم نعثر عليه فيهما.
(6) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 9: 145.
(7) لم ترد " بما " في غير " ش "، ولكنها استدركت في أكثر النسخ.
27

الجور، لأن القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض، لا أجزاؤها، إلا
أن يكون الأخذ على وجه الانتفاع لا التملك، فيجوز.
ويحتمل كون ذلك بحكم المباحات، لعموم " من سبق إلى ما لم
يسبقه (1) إليه مسلم فهو أحق به " (2). ويؤيده، بل يدل عليه: استمرار
السيرة خلفا عن سلف على بيع الأمور المعمولة (3) من تربة أرض
العراق من الآجر والكوز والأواني وما عمل (4) من التربة الحسينية،
ويقوى هذا الاحتمال بعد انفصال هذه الأجزاء من الأرض.

(1) كذا في " ف " والمصدر، وفي سائر النسخ: لم يسبق.
(2) عوالي اللآلي 3: 480، الحديث 4، وعنه المستدرك 17: 112، الباب الأول
من أبواب إحياء الموات، الحديث 4.
(3) في " ف ": المنقولة.
(4) في " ف ": نقل.
28

[مسألة]
[من شروط العوضين: كونه طلقا] (1)
واعلم أنه ذكر الفاضلان (2) وجمع ممن تأخر عنهما (3) في شروط
العوضين بعد الملكية: كونه طلقا. وفرعوا عليه: عدم جواز بيع الوقف
إلا فيما استثني، ولا الرهن إلا بإذن المرتهن أو إجازته، ولا أم الولد إلا
في المواضع المستثناة.
والمراد ب‍ " الطلق " تمام السلطنة على الملك بحيث يكون للمالك أن
يفعل بملكه ما شاء، ويكون مطلق العنان في ذلك.
لكن هذا المعنى في الحقيقة راجع إلى كون الملك مما يستقل
المالك بنقله ويكون نقله ماضيا فيه، لعدم تعلق حق به مانع عن نقله

(1) العنوان منا.
(2) الشرائع 2: 17، القواعد 1: 126، وفيه: ويشترط في الملك التمامية.
(3) منهم الشهيدان في اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 3: 253، والمحقق
السبزواري في الكفاية: 89، والمحدث البحراني في الحدائق 18: 438.
29

بدون إذن ذي الحق، فمرجعه (1) إلى: أن من شرط البيع أن يكون
متعلقه مما يصح للمالك بيعه مستقلا، وهذا مما (2) لا محصل له،
فالظاهر
أن هذا العنوان ليس في نفسه شرطا ليتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف
والمرهون وأم الولد، بل الشرط في الحقيقة انتفاء كل من تلك الحقوق
الخاصة وغيرها مما ثبت منعه عن تصرف المالك - كالنذر والخيار
ونحوهما - وهذا العنوان منتزع من انتفاء تلك الحقوق.
فمعنى " الطلق ": أن يكون المالك مطلق العنان في نقله غير
محبوس عليه لأحد الحقوق التي ثبت منعها للمالك عن التصرف في
ملكه، فالتعبير بهذا المفهوم (3) المنتزع تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن
التصرف، لا تأسيس لشرط ليكون ما بعده فروعا، بل الأمر في
الفرعية والأصالة بالعكس.
ثم إن أكثر من تعرض لهذا الشرط لم يذكر من الحقوق إلا
الثلاثة المذكورة، ثم عنونوا حق الجاني (4) واختلفوا في حكم بيعه.
وظاهر أن الحقوق المانعة أكثر من هذه الثلاثة أو الأربعة، وقد
أنهاها بعض من عاصرناه (5) إلى أزيد من عشرين، فذكر - بعد الأربعة

(1) في غير " ف ": " لمرجعه "، وفي مصححة " ص ": " ومرجعه "، وصححت في
" ن " بما أثبتناه.
(2) كلمة " مما " من " ف ".
(3) في " ف ": العموم.
(4) أي الحق المتعلق بالعبد الجاني، وقد أضيف الحق إلى من عليه الحق.
(5) هو المحقق التستري في مقابس الأنوار: 139 - 212.
30

المذكورة في عبارة الأكثر -: النذر المتعلق بالعين قبل البيع، والخيار
المتعلق به، والارتداد، والحلف على عدم بيعه، وتعيين الهدي للذبح،
واشتراط عتق العبد في عقد لازم، والكتابة المشروطة أو المطلقة بالنسبة
إلى ما لم يتحرر منه، حيث إن المولى ممنوع عن التصرف بإخراجه عن
ملكه قبل الأداء، والتدبير المعلق على موت غير المولى، بناء على جواز
ذلك، فإذا مات المولى ولم يمت من علق عليه العتق كان مملوكا للورثة
ممنوعا من التصرف فيه، وتعلق حق الموصى له بالموصى به بعد موت
الموصي وقبل قبوله، بناء على منع الوارث من التصرف قبله (1)، وتعلق
حق الشفعة بالمال، فإنه مانع من لزوم التصرفات الواقعة من المالك،
فللشفيع بعد الأخذ بالشفعة إبطالها، وتغذية الولد المملوك بنطفة سيده
فيما إذا اشترى أمة حبلى فوطأها فأتت بالولد، بناء على عدم (2) جواز
بيعها (3)، وكونه مملوكا ولد (4) من حر شريك في أمه (5) حال الوطء،
فإنه مملوك له، لكن ليس له التصرف فيه إلا بتقويمه وأخذ قيمته،

(1) كذا في " ف " و " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: فيه، والأولى
الجمع بينهما كما في المصدر.
(2) كلمة " عدم " من " ش "، ولم ترد في سائر النسخ، ولم يثبتها المامقاني في
شرحه غاية الآمال، انظر غاية الآمال: 430.
(3) كذا في النسخ، والظاهر: " بيعه "، كما في مصححة " خ ".
(4) كذا صحح في " ن "، وفي أكثر النسخ: ولو.
(5) عبارة " في أمه " من " ش ".
31

وتعارض السبب المملك والمزيل للملك، كما (1) لو قهر حربي أباه (2)،
والغنيمة قبل القسمة، بناء على حصول الملك بمجرد الاستيلاء دون
القسمة، لاستحالة بقاء الملك بلا مالك. وغير ذلك مما سيقف عليه
المتتبع، لكنا نقتصر على ما اقتصر عليه الأصحاب من ذكر الوقف، ثم
أم الولد، ثم الرهن، ثم الجناية، إن شاء الله.

(1) في " ف ": فيما.
(2) في بعض النسخ: " إياه "، وهو تصحيف.
32

مسألة
لا يجوز بيع الوقف إجماعا محققا في الجملة ومحكيا (1).
ولعموم قوله عليه السلام: " الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها " (2).
ورواية أبي علي بن راشد، قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام،
قلت: جعلت فداك إني اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي فلما عمرتها
خبرت أنها (3) وقف. فقال: لا يجوز شراء الوقف، ولا تدخل الغلة في
ملكك، ادفعها إلى من (4) أوقفت عليه. قلت: لا أعرف لها ربا. قال:
تصدق بغلتها " (5).

(1) راجع الإنتصار: 226، والسرائر 3: 153، والمسالك 5: 399، والمستند 2: 371.
(2) الوسائل 13: 295، الباب 2 من أبواب أحكام الوقوف، الحديث 2، بتفاوت
يسير.
(3) كذا في النسخ، والموجود في الكافي والوسائل: " اشتريت أرضا إلى جنب
ضيعتي بألفي درهم، فلما وفيت المال خبرت أن الأرض... ".
(4) كذا في الكافي والوسائل و " ف " و " ص " ونسخة بدل " ن "، وفي سائر النسخ: ما.
(5) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أحكام الوقوف والصدقات، الحديث الأول،
وانظر الكافي 7: 37.
33

وما ورد من حكاية وقف أمير المؤمنين عليه السلام وغيره من الأئمة
صلوات الله عليهم أجمعين، مثل: ما عن ربعي بن عبد الله عن أبي
عبد الله عليه السلام - في صورة وقف أمير المؤمنين عليه السلام -: " بسم الله
الرحمن الرحيم، هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب وهو حي سوي:
تصدق بداره التي في بني زريق، صدقة لا تباع ولا توهب حتى يرثها
الله الذي يرث السماوات والأرض، وأسكن فلانا هذه الصدقة ما عاش
وعاش عقبه (1)، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين... الخبر (2) " (3).
فإن الظاهر من الوصف كونها صفة لنوع الصدقة لا لشخصها،
ويبعد كونها شرطا خارجا عن (4) النوع مأخوذا في الشخص، مع أن
سياق الاشتراط يقتضي تأخره عن ركن العقد، أعني الموقوف عليهم،
خصوصا مع كونه اشتراطا عليهم.
مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان كان اشتراط عدمه على
الإطلاق فاسدا، بل مفسدا، لمخالفته للمشروع من جواز بيعه في بعض

(1) في الفقيه والتهذيب والوسائل: " وأسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وعاش
عقبهن "، وكلمة " فلانا " إنما وردت في الاستبصار، ولفظه ما يلي: وأنه قد
أسكن صدقته هذه فلانا وعقبه، فإذا انقرضوا....
(2) في الفقيه زيادة: " وشهد الله... "، ولعل كلمة: " الخبر " بالنظر إلى تتمة في
الحديث على بعض النسخ.
(3) الوسائل 13: 304، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، الحديث 4،
وانظر الكافي 7: 39، الحديث 40، والفقيه 4: 248، الحديث 5588،
والتهذيب 9: 131، الحديث 558، والاستبصار 4: 98، الحديث 380.
(4) في " ف ": من.
34

الموارد: كدفع الفساد بين الموقوف عليهم أو رفعه، أو طروء الحاجة، أو
صيرورته مما لا ينتفع به أصلا.
إلا أن يقال: إن هذا الإطلاق نظير الإطلاق المتقدم في رواية ابن
راشد في انصرافه إلى البيع لا لعذر، مع أن هذا التقييد مما لا بد منه
على تقدير كون الصفة فصلا للنوع أو شرطا خارجيا.
مع احتمال علم الإمام عليه السلام بعدم طروء هذه الأمور المبيحة،
وحينئذ يصح أن يستغنى بذلك عن التقييد على تقدير كون الصفة
شرطا، بخلاف ما لو جعل وصفا داخلا في النوع، فإن العلم بعدم طروء
مسوغات البيع في الشخص لا يغني عن تقييد إطلاق الوصف في النوع،
كما لا يخفى.
فظهر: أن التمسك بإطلاق المنع عن البيع على كون الوصف داخلا
في أصل الوقف - كما صدر عن بعض من عاصرناه (1) - لا يخلو عن
نظر، وإن كان الإنصاف ما ذكرنا: من ظهور سياق الأوصاف في كونها
أوصافا للنوع.
ومما ذكرنا ظهر: أن المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة:
حق الواقف، حيث جعلها بمقتضى صيغة الوقف صدقة جارية
ينتفع بها.
وحق البطون المتأخرة عن بطن البائع (2).

(1) هو المحقق التستري في مقابس الأنوار: 144.
(2) كذا في أكثر النسخ، وفي " ف " و " خ ": " البطن السابق "، والصواب: البطن
البائع.
35

والتعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات، فإن الوقف متعلق لحق
الله، حيث يعتبر فيه التقرب ويكون لله تعالى عمله وعليه عوضه.
وقد يرتفع بعض هذه الموانع فيبقى الباقي، وقد يرتفع كلها،
وسيجئ التفصيل.
ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع، فالوقف
يبطل بنفس البيع لا بجوازه، فمعنى جواز بيع العين الموقوفة: جواز
إبطال وقفها إلى بدل أو لا إليه، فإن مدلول صيغة الوقف وإن أخذ فيه
الدوام والمنع عن المعاوضة عليه، إلا أنه قد يعرض ما يجوز مخالفة هذا
الإنشاء، كما أن مقتضى العقد الجائز كالهبة تمليك المتهب المقتضي لتسلطه
المنافي لجواز انتزاعه من يده، ومع ذلك يجوز مخالفته وقطع سلطنته
عنه، فتأمل.
إلا أنه ذكر بعض في هذا المقام: أن الذي يقوى في النظر بعد
إمعانه: أن الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه، بل لعل جواز بيعه مع
كونه وقفا من التضاد. نعم، إذا بطل الوقف اتجه حينئذ جواز بيعه، ثم
ذكر بعض مبطلات الوقف المسوغة لبيعه (1).
وقد سبقه إلى ذلك بعض
الأساطين في شرحه على القواعد، حيث استدل على المنع عن بيع
الوقف - بعد النص والإجماع، بل الضرورة -: بأن البيع وأضرابه ينافي
حقيقة الوقف، لأخذ الدوام فيه، وأن نفي المعاوضات مأخوذ فيه
ابتداء (2).

(1) الجواهر 22: 358.
(2) شرح القواعد (مخطوط): الورقة 85.
36

وفيه: أنه إن أريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره - وهو جواز
البيع المسبب عن سقوط حق الموقوف عليهم عن شخص العين أو عنها
وعن بدلها، حيث قلنا بكون الثمن للبطن الذي يبيع - فهذا لا محصل له،
فضلا عن أن يحتاج إلى نظر، فضلا عن إمعانه.
وإن أريد به انتفاء أصل الوقف - كما هو ظاهر كلامه - حيث
جعل المنع من البيع من مقومات مفهوم الوقف، ففيه - مع كونه خلاف
الإجماع، إذ لم يقل أحد ممن أجاز بيع الوقف في بعض الموارد ببطلان
الوقف وخروج الموقوف عن ملك الموقوف عليه إلى ملك الواقف -: أن
المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه، بل هو في غير المساجد
وشبهها قسم من التمليك، ولذا يطلق عليه الصدقة (1)، ويجوز إيجابه بلفظ
" تصدقت "، إلا أن المالك له بطون متلاحقة، فإذا جاز بيعه مع الإبدال
كان البائع وليا عن جميع الملاك في إبدال مالهم بمال آخر، وإذا جاز لا
معه كما إذا بيع لضرورة البطن الموجود - على القول بجوازه - فقد جعل
الشارع لهم حق إبطال الوقف ببيعه لأنفسهم، فإذا لم يبيعوا لم يبطل،
ولذا (2) لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع أو لم يتفق
البيع، كان الوقف على حاله، ولذا صرح في جامع المقاصد بعدم جواز
رهن الوقف وإن بلغ حدا يجوز بيعه، معللا باحتمال طرو اليسار
للموقوف عليهم عند إرادة بيعه في دين المرتهن (3).

(1) انظر الوسائل 13: 292، الباب الأول من أبواب أحكام الوقوف.
(2) في " خ "، " ع " و " ص " ومصححة " م ": وكذا.
(3) جامع المقاصد 5: 51.
37

[الأقوال في الخروج عن عموم منع بيع الوقف] (1)
إذا عرفت (2) أن مقتضى العمومات (3) في الوقف عدم جواز البيع،
فاعلم أن لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة أقوالا:
أحدها: عدم الخروج عنه أصلا، وهو الظاهر من كلام الحلي،
حيث قال في السرائر - بعد نقل كلام المفيد قدس سره -: والذي يقتضيه
مذهبنا أنه بعد وقفه وتقبيضه (4) لا يجوز الرجوع فيه، ولا تغييره عن
وجوهه وسبله، ولا بيعه، سواء كان بيعه أدر (5) عليهم أم لا، وسواء
خرب الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان وغيره، أو
يحصل بحيث لا يجدي نفعا، أم لا (6).
قال الشهيد رحمه الله - بعد نقل أقوال المجوزين -: وابن إدريس سد
الباب، وهو نادر مع قوته (7).

(1) العنوان منا.
(2) وقع تقديم وتأخير في نسخة " ف " بين " إذا عرفت... " هنا، وقوله: " إذا
عرفت " الآتي في الصفحة 53.
(3) المتقدمة في الصفحة 33 - 34.
(4) كذا في المصدر و " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: قبضه.
(5) كذا في المصدر و " ش " ومصححة " ن "، وفي " ص " ونسخة بدل أكثر
النسخ: " أعود "، وفي سائر النسخ: أرد.
(6) السرائر 3: 153.
(7) الدروس 2: 279.
38

وقد ادعى في السرائر عدم الخلاف في المؤبد، قال: إن الخلاف
الذي حكيناه بين أصحابنا إنما هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين
وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم، وأما إذا كان الوقف على
قوم ومن بعدهم على غيرهم وكان الواقف قد اشترط رجوعه إلى غيره
إلى أن يرث الله الأرض، لم يجز بيعه على وجه، بغير خلاف بين
أصحابنا (1)، انتهى.
وفيه نظر يظهر مما سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوزين في
المؤبد.
وحكي المنع مطلقا عن الإسكافي (2) وفخر الإسلام (3) أيضا إلا في
آلات الموقوف (4) وأجزائه التي انحصر طريق الانتفاع بها في البيع.
قال الإسكافي - فيما (5) حكى عنه في المختلف -: إن الموقوف (6) رقيقا
أو غيره لو بلغ حاله إلى زوال ما سبله من منفعته فلا بأس ببيعه
وإبدال مكانه بثمنه إن أمكن، أو صرفه فيما كان يصرف (7) إليه منفعته،
أو رد ثمنه على منافع ما بقي من أصل ما حبس معه إذا كان

(1) السرائر 3: 153.
(2) حكاه عنه العلامة في المختلف 6: 287.
(3) حكاه عنه وعن الإسكافي بهذه العبارة المحقق التستري في مقابس الأنوار: 140.
(4) كذا في مصححة " ن "، وفي " ش ": " لموقوف "، وفي سائر النسخ: الوقوف.
(5) في " ش " ومصححة " ن ": على ما.
(6) في غير " ش " زيادة: " عليه "، وشطب عليها في " خ " و " ص "، واستظهر
مصحح " ن " أن تكون تصحيفا عن: " عينه ".
(7) في غير " ش ": " ينصرف "، لكن صححت في " ن " و " ص " بما أثبتناه.
39

في ذلك صلاح (1)، انتهى.
وقال فخر الدين في الإيضاح في شرح قول والده قدس سرهما: " ولو
خلق حصير المسجد، وخرج عن الانتفاع به، أو انكسر الجذع بحيث لا
ينتفع به في غير الإحراق، فالأقرب جواز بيعه "، قال - بعد احتمال
المنع، بعموم النص في المنع -:
والأصح عندي جواز بيعه وصرف ثمنه في المماثل إن أمكن، وإلا
ففي غيره (2)، انتهى.
ونسبة المنع إليهما على الإطلاق لا بد أن تبنى على خروج مثل
هذا عن محل الخلاف، وسيظهر هذا من عبارة الحلبي في الكافي أيضا،
فلاحظ (3).
الثاني: الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة (4) خاصة
دون المؤبد،
وهو المحكي عن القاضي، حيث قال في محكي المهذب: إذا
كان الشئ وقفا على قوم ومن بعدهم على (5) غيرهم وكان الواقف قد

(1) المختلف 6: 316.
(2) إيضاح الفوائد 2: 407.
(3) قال المامقاني قدس سره: " ظاهر هذا الكلام هو أنه يذكر عبارته فيما يأتي، ولكن
لم يذكرها، والظاهر أنه بدا له حيث وصل إلى محل ذكرها " (غاية الآمال:
438)، وقال الشهيدي قدس سره أيضا: " ولم يذكرها المصنف فيما بعد " (هداية
الطالب: 348).
(4) كذا في النسخ، والأولى تقديم " في الجملة " على " في المنقطع " كما في مصححة " خ ".
(5) كذا في المصدر ومصححة " ص "، وفي النسخ: إلى.
40

اشترط رجوعه إلى غير ذلك إلى أن يرث الله تعالى (1) الأرض ومن
عليها، لم يجز بيعه على وجه من الوجوه، فإن كان وقفا على قوم
مخصوصين وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم حسب ما قدمناه،
وحصل الخوف من هلاكه أو فساده، أو كان بأربابه حاجة ضرورية
يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم، أو يخاف من وقوع خلف بينهم
يؤدي إلى فساده، فإنه حينئذ يجوز بيعه وصرف ثمنه في مصالحهم على
حسب استحقاقهم، فإن لم يحصل شئ من ذلك لم يجز بيعه على وجه
من الوجوه. ولا يجوز هبة الوقف، ولا الصدقة به أيضا (2).
وحكي عن المختلف وجماعة (3) نسبة التفصيل إلى الحلبي، لكن
العبارة المحكية عن كافيه لا تساعده، بل ربما استظهر (4) منه المنع على
الإطلاق، فراجع.
وحكي التفصيل المذكور عن الصدوق (5). والمحكي عن الفقيه: أنه
قال - بعد رواية علي بن مهزيار الآتية (6) -: إن هذا وقف كان عليهم

(1) في غير " ص "، و " ش " بدل " تعالى ": " ولي "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(2) المهذب 2: 92.
(3) حكاه المحقق التستري عنهم في مقابس الأنوار: 142، وانظر المختلف 6:
287، وغاية المراد: 82، والتنقيح الرائع 2: 329، والمهذب البارع 3: 65.
(4) استظهره المحقق التستري في مقابس الأنوار: 142، وانظر الكافي في الفقه:
324 - 325.
(5) حكاه عنه الفاضل في التنقيح 2: 329، وابن فهد الحلي في المهذب البارع
3: 65، وغيرهما.
(6) تأتي في الصفحة 93 و 94.
41

دون من بعدهم، ولو كان عليهم وعلى أولادهم ما تناسلوا ومن بعد (1)
على فقراء المسلمين إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، لم يجز
بيعه أبدا (2).
ثم إن جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من
كلام الصدوق والقاضي، كما لا يخفى.
ثم إن هؤلاء إن كانوا ممن يقول (3) برجوع الوقف المنقطع إلى
ورثة الموقوف عليه، فللقول بجواز بيعه وجه. أما إذا كان فيهم (4) من
يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى الواقف أو ورثته، فلا
وجه للحكم بجواز بيعه وصرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم.
وقد حكي القول بهذين (5) عن القاضي (6). إلا أن يوجه بأنه لا
يقول ببقائه على ملك الواقف حين الوقف (7) حتى يكون حبسا، بل هو
وقف حقيقي وتمليك للموقوف عليهم مدة وجودهم، وحينئذ فبيعهم له
مع تعلق حق الواقف نظير بيع البطن الأول مع تعلق حق سائر البطون
في الوقف المؤبد.

(1) في " ف " بدل " ومن بعد ": ثم.
(2) الفقيه 4: 241 - 242، ذيل الحديث 5575.
(3) في " ف ": يقولون.
(4) في " ف ": منهم.
(5) يعني بهما الرجوع إلى الواقف وجواز بيع الموقوف عليه (هداية الطالب: 348).
(6) حكاه عنه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 142، ولم نعثر عليه في المهذب
والجواهر.
(7) لم ترد " حين الوقف " في " ش ".
42

لكن هذا الوجه لا يدفع الإشكال عن الحلبي، المحكي عنه القول
المتقدم (1)، حيث إنه يقول ببقاء (2) الوقف مطلقا على ملك الواقف (3).
الثالث: الخروج عن عموم المنع والحكم بالجواز في المؤبد (4) في
الجملة، وأما المنقطع فلم ينصوا عليه وإن ظهر من بعضهم التعميم ومن
بعضهم التخصيص بناء على قوله برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف، كالشيخ (5)
وسلار (6) قدس سرهما. ومن حكم برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى
وجوه البر - كالسيد أبي المكارم ابن زهرة (7) - فلازمه جعله كالمؤبد.
وكيف كان، فالمناسب أولا نقل عبائر هؤلاء، فنقول:
قال المفيد في المقنعة: الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز

(1) تقدم عنه في الصفحة السابقة.
(2) كذا في " ف " و " ش "، والعبارة في سائر النسخ هكذا: " حيث إن المحكي
عنه بقاء " مع زيادة: إنه يقول - خ ل.
(3) في غير " ف " و " ش " زيادة: " وجواز بيع الوقف حينئذ مع عدم مزاحمة
حق الموقوف عليه مما لا إشكال فيه "، ولكن شطب عليها في " ن " و " خ "،
وكتب عليها في " م " و " ع ": نسخة.
(4) راجع المقنعة: 652، والانتصار: 226، والنهاية: 595، والمبسوط 3: 300،
والمراسم: 197، والوسيلة: 370، وغيرهم وراجع تفصيله في مفتاح الكرامة 4:
258، ومقابس الأنوار: 142 و 154.
(5) قاله الشيخ في النهاية: 599.
(6) راجع المراسم: 197، ومقابس الأنوار: 142، أيضا.
(7) الغنية: 299.
43

الرجوع فيها، إلا أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم
والتقرب إلى الله بصلتهم، أو يكون تغيير الشرط في الموقوف أدر (1)
عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله. وإذا أخرج الواقف الوقف عن
يده إلى من وقف عليه، لم يجز له الرجوع في شئ منه، ولا تغيير
شرائطه، ولا نقله عن وجوهه وسبله. ومتى اشترط الواقف في الوقف:
أنه متى احتاج إليه في حياته لفقر كان له بيعه وصرف ثمنه في
مصالحه، جاز له فعل ذلك. وليس لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن
يتصرفوا فيه ببيع أو هبة أو يغيروا شيئا من شروطه، إلا أن يخرب
الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان أو غيره، أو يحصل
بحيث لا يجدي نفعا (2)، فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه. وكذلك إن
حصلت لهم (3) ضرورة إلى ثمنه كان لهم حله، ولا يجوز ذلك مع عدم ما
ذكرناه من الأسباب والضرورات (4). انتهى كلامه رحمه الله.
وقد استفاد من هذا الكلام في غاية المراد جواز (5) بيع الوقف في
خمسة مواضع، وضم صورة جواز الرجوع وجواز تغير (6) الشرط إلى
المواضع الثلاثة المذكورة بعد وصول الموقوف إلى الموقوف عليهم ووفاة

(1) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي " ص " ونسخة بدل أكثر النسخ:
" أعود "، وفي سائر النسخ: أرد.
(2) في " ف " زيادة: لهم.
(3) في " ص " والمصدر: بهم.
(4) المقنعة: 652 - 653.
(5) في " ن " و " ش ": تجويز.
(6) في مصححة " ن ": تغيير.
44

الواقف (1)، فلاحظ وتأمل.
ثم إن العلامة ذكر في التحرير: أن قول المفيد بأنه: " لا يجوز
الرجوع في الوقف إلا أن يحدث - إلى قوله: - أنفع لهم من تركه على
حاله "، متأول (2). ولعله من شدة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره
للمفيد.
وقال في الانتصار - على ما حكي عنه -: ومما انفردت الإمامية به:
القول بأن الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو
وقف عليه بيعه والانتفاع بثمنه، وأن أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة
شديدة إلى ثمنه جاز لهم بيعه، ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة.
ثم احتج باتفاق الإمامية، ثم ذكر خلاف ابن الجنيد، ورده بكونه
مسبوقا وملحوقا بالإجماع، وأنه إنما عول في ذلك على ظنون له
وحسبان وأخبار شاذة لا يلتفت إلى مثلها (3).
ثم قال: وأما إذا صار الوقف (4) بحيث لا يجدي نفعا، أو دعت أربابه
الضرورة إلى ثمنه، لشدة فقرهم، فالأحوط ما ذكرناه: من جواز بيعه،
لأنه إنما جعل لمنافعهم، فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض منه (5)

(1) غاية المراد: 82.
(2) التحرير 1: 284.
(3) في النسخ زيادة: " انتهى "، والظاهر أن موضعها بعد قوله: " مع فقد
الضرورة " المتقدم آنفا.
(4) كلمة " الوقف " من " ش " والمصدر ومصححة " ن ".
(5) كذا في مصححة " ن "، وفي المصدر: " فيه "، وفي النسخ: " عنه ".
45

ولم يبق منفعة فيه (1) إلا من الوجه الذي ذكرناه (2)، انتهى.
وقال في المبسوط: وإنما يملك الموقوف عليه بيعه على وجه عندنا،
وهو أنه (3) إذا خيف على الوقف الخراب، أو كان بأربابه حاجة شديدة
ولا يقدرون على القيام به، فحينئذ يجوز لهم بيعه، ومع عدم ذلك لا
يجوز بيعه (4)، انتهى. ثم احتج على ذلك بالأخبار (5).
وقال سلار - فيما حكي عنه -: ولا يخلو الحال في الوقف
والموقوف عليهم: من أن يبقى ويبقوا على الحال التي وقف فيها، أو
يتغير الحال، فإن لم يتغير الحال فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف
ولا هبته ولا تغيير شئ من أحواله، وإن تغير الحال في الوقف حتى
لا ينتفع به على أي وجه كان، أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة
جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو أنفع لهم (6)، انتهى.
وقال في الغنية - على ما حكي عنه -: ويجوز عندنا بيع الوقف

(1) في " ف " بدل " منفعة فيه ": " منفعته ".
(2) الإنتصار: 226 و 227.
(3) لم ترد " أنه " في المصدر، والظاهر أنها زائدة.
(4) المبسوط 3: 287.
(5) لم نعثر في المبسوط على الاحتجاج بالأخبار، والظاهر أنه سهو من قلمه
الشريف، ومنشأ السهو قول صاحب الجواهر - بعد نقل العبارة المتقدمة من
المبسوط، ونقل عبارة الخلاف -: " واحتج على ذلك بالأخبار "، أي احتج
الشيخ في الخلاف على ذلك بالأخبار. انظر الجواهر 22: 362، والخلاف 3:
551، المسألة 22 من كتاب الوقف.
(6) المراسم: 197.
46

للموقوف عليه (1) إذا صار بحيث لا يجدي نفعا وخيف خرابه، أو كانت
بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه، بدليل إجماع الطائفة،
ولأن غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه، فإذا لم يبق له منفعة إلا على
الوجه الذي ذكرنا جاز (2)، انتهى.
وقال في الوسيلة: ولا يجوز بيعه - يعني الوقف - إلا بأحد
شرطين: الخوف من خرابه، أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكنه
معها القيام به (3)، انتهى.
وقال الراوندي في فقه القرآن - على ما حكي عنه -: وإنما يملك
بيعه على وجه عندنا، وهو إذا خيف على الوقف الخراب، أو كان
بأربابه حاجة شديدة (4)، انتهى (5).
وقال في الجامع - على ما حكي عنه -: فإن خيف خرابه، أو كان
بهم حاجة شديدة، أو خيف وقوع فتنة بينهم تستباح بها الأنفس،
جاز بيعه (6)، انتهى.
وعن النزهة: لا يجوز بيع الوقف إلا أن يخاف هلاكه، أو يؤدي
المنازعة فيه بين أربابه إلى ضرر عظيم، أو يكون فيهم حاجة عظيمة

(1) في " ف ": عليهم.
(2) الغنية: 298.
(3) الوسيلة: 370.
(4) فقه القرآن 2: 293.
(5) كلمة " انتهى " من " ف ".
(6) الجامع للشرائع: 372.
47

شديدة ويكون بيع الوقف أصلح لهم (1)، انتهى.
وقال في الشرائع: ولا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقاؤه إلى
خرابه لخلف بين أربابه ويكون البيع أعود. وقال في كتاب الوقف:
ولو وقع بين الموقوف عليهم (2) خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه،
ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه، بل كان البيع أنفع لهم، قيل: يجوز
بيعه، والوجه المنع (3)، انتهى.
ومثل عبارة الشرائع في كتابي البيع والوقف عبارة القواعد في
الكتابين (4).
وقال في التحرير: لا يجوز بيع الوقف بحال، ولو انهدمت الدار لم
تخرج العرصة عن الوقف، ولم يجز بيعها. ولو وقع خلف بين أرباب
الوقف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه على ما رواه أصحابنا. ثم ذكر
كلام ابن إدريس وفتواه على المنع مطلقا وتنزيله قول بعض الأصحاب
بالجواز على المنقطع، ونفيه الخلاف على المنع في المؤبد. ثم قال: ولو
قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه بالكلية - كدار انهدمت وعادت مواتا
ولم يتمكن من عمارتها - ويشترى بثمنه ما يكون وقفا، كان وجها (5)، انتهى.
وقال في بيع التحرير: ولا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا، ولو
أدى بقاؤه إلى خرابه جاز، وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه

(1) نزهة الناظر: 74.
(2) كذا في المصدر ومصححة " ص "، وفي سائر النسخ: الموقوف عليه.
(3) الشرائع 2: 17 و 220.
(4) القواعد 1: 126 و 269.
(5) التحرير 1: 290، وانظر السرائر 3: 153.
48

مع بقائه على الوقف (1)، انتهى.
وعن بيع (2) الإرشاد: لا يصح بيع الوقف إلا أن يخرب، أو يؤدي
إلى الخلف بين أربابه على رأي (3). وعنه في باب الوقف: لا يصح بيع
الوقف، إلا أن يقع بين الموقوف عليهم (4) خلف يخشى (5) به الخراب (6).
وقال في التذكرة في كتاب الوقف - على ما حكي عنه -: والوجه
أن يقال: يجوز بيع الوقف مع خرابه وعدم التمكن من عمارته، أو
خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد (7)، انتهى.
وقال في كتاب البيع: لا يصح بيع الوقف، لنقص (8) الملك فيه، إذ
القصد منه التأبيد. نعم، لو كان بيعه أعود عليهم، لوقوع خلف بين
أربابه وخشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه جوز أكثر علمائنا بيعه (9)،
انتهى.
وقال في غاية المراد: يجوز بيعه في موضعين: خوف الفساد

(1) التحرير 1: 165، وفيه: مع بقائه على خلاف.
(2) وردت العبارة في " ف " مختصرة هكذا: وعن الإرشاد: لا يصح بيع الوقف
إلا أن يقع بين الموقوف عليهم خلف يخشى به الخراب.
(3) الإرشاد 1: 361.
(4) كذا في " ص " والمصدر، وفي سائر النسخ: الموقوف عليه.
(5) في غير " ف " و " ص ": ويخشى.
(6) الإرشاد 1: 455، وفيه: لا يجوز بيع الوقف...
(7) التذكرة 2: 444.
(8) في " ف " و " خ " وهامش " ع ": لتبعض.
(9) التذكرة 1: 465.
49

بالاختلاف، وإذا كان البيع أعود مع الحاجة (1).
وقال في الدروس: لا يجوز بيع الوقف إلا إذا خيف من خرابه
أو خلف أربابه المؤدي إلى فساده (2).
وقال في اللمعة: لو أدى بقاؤه إلى خرابه لخلف أربابه، فالمشهور
الجواز (3)، انتهى.
وقال في تلخيص الخلاف - على ما حكي عنه -: إن لأصحابنا في
بيع الوقف أقوالا متعددة، أشهرها: جوازه إذا وقع بين أربابه خلف
وفتنة وخشي خرابه ولا يمكن سد الفتنة بدون بيعه، وهو قول
الشيخين، واختاره نجم الدين والعلامة (4)، انتهى.
وقال في التنقيح - على ما حكي عنه -: إذا آل إلى الخراب لأجل
الاختلاف بحيث لا ينتفع به أصلا، جاز بيعه (5).
وعن تعليق الإرشاد: يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه
الأنفس (6).
وعن إيضاح النافع: أنه جوز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا

(1) لم نعثر على العبارة في غاية المراد، ولعل المؤلف قدس سره أخذها من الجواهر
22: 364، راجع غاية المراد: 82 - 84 و 146.
(2) الدروس 2: 279.
(3) اللمعة الدمشقية: 112.
(4) تلخيص الخلاف 2: 221.
(5) التنقيح الرائع 2: 330.
(6) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 256، وراجع الحاشية على
الإرشاد (مخطوط): 220.
50

يخاف معه (1) القتال ونهب الأموال ولم يندفع إلا بالبيع. قال: فلو أمكن
زواله ولو بحاكم الجور لم يجز، ولا اعتبار بخشية الخراب وعدمه (2)،
انتهى. ومثله كلامه (3) المحكي عن تعليقه على الشرائع (4).
وقال في جامع المقاصد - بعد نسبة ما في عبارة القواعد إلى
موافقة الأكثر -: إن المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع:
أحدها: إذا خرب واضمحل بحيث لا ينتفع به، كحصر (5) المسجد
إذا اندرست وجذوعه إذا انكسرت (6).
ثانيها: إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال،
ومستنده صحيحة علي بن مهزيار (7).
ويشترى بثمنه في الموضعين ما يكون وقفا على وجه يندفع به
الخلف، تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الإمكان. ويتولى ذلك الناظر
الخاص إن كان، وإلا فالحاكم.
ثالثها: إذا لحق بالموقوف عليه (8) حاجة شديدة ولم يكن ما يكفيهم

(1) في " ف ": منه.
(2) إيضاح النافع (مخطوط)، ولا يوجد لدينا، نعم حكاه عنه السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 4: 256.
(3) في غير " ف " ومصححة " ن ": الكلام.
(4) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 256.
(5) في غير " ش ": كحصير.
(6) في غير " ش ": جذعه إذا انكسر.
(7) الوسائل 13: 305، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف، الحديث 6.
(8) كذا في النسخ، وفي المصدر: إذا لحق الموقوف عليهم.
51

من غلة وغيرها، لرواية جعفر بن حنان (1) عن الصادق عليه السلام (2). انتهى
كلامه، رفع مقامه.
وقال في الروضة: والأقوى في المسألة ما دل عليه صحيحة علي
ابن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السلام: من جواز بيعه إذا وقع بين
أربابه خلف شديد، وعلله عليه السلام بأنه: " ربما جاء فيه تلف الأموال
والنفوس " (3)، وظاهره (4) أن خوف أدائه إليهما وإلى أحدهما ليس
بشرط، بل هو مظنة لذلك. قال: ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه وإن
احتاج إليه أرباب الوقف ولم يكفهم غلته، أو كان أعود، أو غير ذلك
مما قيل، لعدم دليل صالح عليه (5)، انتهى. ونحوه ما عن الكفاية (6).
هذه جملة من كلماتهم المرئية أو المحكية. والظاهر أن المراد بتأدية
بقاء الوقف إلى خرابه: حصول الظن بذلك، الموجب لصدق الخوف، لا
التأدية على وجه القطع، فيكون عنوان " التأدية " في بعض تلك
العبارات متحدا مع عنوان " خوفها " و " خشيتها " في بعضها الآخر،
ولذلك عبر فقيه واحد تارة بهذا، وأخرى بذاك كما اتفق للفاضلين (7)

(1) في " ص " والكافي: " حيان "، انظر الكافي 7: 35، الحديث 29.
(2) جامع المقاصد 4: 97 - 98، والرواية وردت في الوسائل 13: 306، الباب
6 من أبواب أحكام الوقوف، الحديث 8.
(3) الوسائل 13: 305، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف، الحديث 6.
(4) كذا في المصدر ومصححة " ن "، وفي النسخ: وظاهر.
(5) الروضة البهية 3: 255.
(6) الكفاية: 142.
(7) راجع الشرائع 1: 17 و 220، والقواعد 1: 126 و 269، وتقدمت العبارة
عنهما في الصفحة 48.
52

والشهيد (1). ونسب بعضهم عنوان الخوف إلى الأكثر كالعلامة في
التذكرة (2)، وإلى الأشهر كما عن إيضاح النافع (3)، وآخر عنوان التأدية
إلى الأكثر كجامع المقاصد (4)، أو إلى المشهور كاللمعة (5).
فظهر من ذلك: أن جواز البيع بظن تأدية بقائه إلى خرابه مما
تحققت فيه الشهرة بين المجوزين، لكن المتيقن من فتوى المشهور: ما كان
من أجل اختلاف أربابه. اللهم إلا أن يستظهر من كلماتهم - كالنص -
كون الاختلاف من باب المقدمة وأن الغاية المجوزة هي مظنة الخراب.
إذا (6) عرفت ما ذكرنا، فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبد، وأخرى
في المنقطع.
[الوقف المؤبد] (7)
أما الأول: فالذي ينبغي أن يقال فيه:
إن الوقف على قسمين:
أحدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم، فيملكون منفعته، فلهم

(1) راجع الدروس 2: 279، واللمعة الدمشقية: 112، وتقدمت في الصفحة 50.
(2) راجع التذكرة 1: 465.
(3) إيضاح النافع (مخطوط)، ولا يوجد لدينا، ولم نعثر على الحاكي أيضا.
(4) جامع المقاصد 4: 97.
(5) اللمعة الدمشقية: 112.
(6) من هنا إلى قوله: " وقواه بعض " الآتي في الصفحة 60 ورد في " ف " بعد
قوله: دين المرتهن " المتقدم في الصفحة 37.
(7) العنوان منا.
53

استئجاره وأخذ أجرته ممن انتفع به بغير حق.
والثاني: ما لا يكون ملكا لأحد، بل يكون فك ملك نظير
التحرير، كما في المساجد والمدارس والربط، بناء على القول بعدم
دخولها في ملك المسلمين كما هو مذهب جماعة (1)، فإن الموقوف عليهم
إنما يملكون الانتفاع دون المنفعة، فلو سكنه أحد بغير حق فالظاهر أنه
ليس عليه أجرة المثل.
والظاهر أن محل الكلام في بيع الوقف إنما هو القسم الأول، وأما
الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه، لعدم الملك (2).
وبالجملة، فكلامهم هنا فيما كان ملكا غير طلق، لا فيما لم يكن ملكا،
وحينئذ فلو خرب المسجد وخربت القرية وانقطعت المارة عن الطريق
الذي فيه المسجد، لم يجز بيعه وصرف ثمنه في إحداث مسجد آخر أو
تعميره، والظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد (3).
نعم، ذكر بعض الأساطين - بعد ما ذكر: أنه لا يصح بيع الوقف
العام مطلقا، لا (4) لعدم تمامية الملك، بل لعدم أصل الملك، لرجوعها إلى
الله ودخولها في مشاعره -:

(1) منهم العلامة في القواعد 1: 269، والشهيد في الدروس 2: 277، والفاضل
المقداد في التنقيح 2: 311، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 9: 62، والشهيد
الثاني في المسالك 5: 377، والسيد الطباطبائي في الرياض (الحجرية) 2: 28.
(2) في " ف ": الملكية.
(3) اعترف به السيد العاملي في مفتاح الكرامة 9: 100، والسيد المجاهد في
المناهل: 508، وصاحب الجواهر في الجواهر 28: 107.
(4) عبارة " مطلقا لا " من " ش "، واستدركت " لا " في مصححة " ن ".
54

أنه مع اليأس عن الانتفاع به في الجهة المقصودة تؤجر للزراعة
ونحوها، مع المحافظة على الآداب اللازمة لها إن كان مسجدا - مثلا -
وإحكام السجلات، لئلا يغلب اليد فيقضى بالملك، وتصرف فائدتها فيما
يماثلها من الأوقاف مقدما للأقرب والأحوج والأفضل احتياطا، ومع
التعارض فالمدار على الراجح، وإن تعذر صرف إلى غير المماثل كذلك،
فإن تعذر صرف في مصالح المسلمين. وأما غير الأرض من الآلات
والفرش والحيوانات وثياب الضرائح ونحوها، فإن بقيت على حالها
وأمكن الانتفاع بها في خصوص المحل الذي أعدت له، كانت على
حالها، وإلا جعلت في المماثل، وإلا في غيره، وإلا ففي المصالح، على نحو
ما مر، وإن تعذر الانتفاع بها باقية على حالها بالوجه المقصود منها أو
ما قام مقامه، أشبهت الملك بعد إعراض المالك، فيقوم فيها احتمال
الرجوع إلى حكم الإباحة، والعود ملكا للمسلمين لتصرف في
مصالحهم، والعود إلى المالك، ومع اليأس عن معرفته تدخل في مجهول
المالك، ويحتمل بقاؤه على الوقف ويباع، احترازا عن التلف والضرر
ولزوم الحرج، وتصرف مرتبا على النحو السابق. وهذا هو الأقوى كما
صرح به بعضهم (1)، انتهى.
وفيه: أن إجارة الأرض وبيع الآلات حسن لو ثبت دليل على
كونها (2) ملكا (3) للمسلمين ولو على نحو الأرض المفتوحة عنوة، لكنه

(1) شرح القواعد (مخطوط): الورقة 84 - 85.
(2) في غير " ف ": كونه.
(3) لم ترد " ملكا " في " ف ".
55

غير ثابت، والمتيقن خروجه عن ملك مالكه، أما (1) دخوله في ملك
المسلمين فمنفي بالأصل.
نعم، يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين، لأصالة الإباحة، ولا
يتعلق عليهم أجرة.
ثم إنه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني من
الوقف ما ورد في بيع ثوب الكعبة وهبته، مثل رواية مروان بن عبد
الملك (2): " قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشترى من كسوة
الكعبة ما قضى ببعضه حاجته وبقي بعضه في يده، هل يصلح له أن
يبيع ما أراد؟ قال: يبيع ما أراد، ويهب ما لم يرد، وينتفع به ويطلب
بركته. قلت: أيكفن به الميت؟ قال: لا " (3).
قيل: وفي رواية أخرى: " يجوز استعماله، وبيع نفسه (4) " (5) وكذلك
ما ذكروه في بعض حصر (6) المسجد إذا خلقت، وجذوعه إذا خرجت
عن الانتفاع، اللهم إلا أن يقال: إن ثوب الكعبة وحصير المسجد ليسا

(1) في " ش ": وأما.
(2) في الكافي والتهذيب: " مروان عن عبد الملك "، انظر الكافي 3: 148،
الحديث 5، والتهذيب 1: 434، الحديث 1391.
(3) الوسائل 2: 752، الباب 22 من أبواب التكفين، الحديث الأول.
(4) في " ص " والمصدر: " بقيته "، وفي " خ ": بعضه.
(5) قاله الشيخ الكليني قدس سره على ما في الوسائل 9: 359، الباب 26 من
أبواب مقدمات الطواف، ذيل الحديث الأول، ولم نقف عليه في الكافي
المطبوع.
(6) في غير " ش ": حصير.
56

من قبيل المسجد، بل هما مبذولان للبيت والمسجد، فيكون (1) كسائر
أموالهما، ومعلوم أن وقفية أموال المساجد والكعبة من قبيل القسم الأول
وليس (2) من قبيل نفس المسجد، فهي ملك للمسلمين، فللناظر العام
التصرف فيها (3) بالبيع.
نعم، فرق بين ما يكون ملكا طلقا كالحصير المشترى من مال
المسجد، فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة ولو لم يخرج عن حيز
الانتفاع، بل كان جديدا غير مستعمل، وبين ما يكون من الأموال وقفا
على المسجد كالحصير الذي يشتريه الرجل ويضعه في المسجد، والثوب
الذي يلبس البيت، فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين لا يجوز لهم تغييره
عن وضعه إلا في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف.
ثم الفرق بين ثوب الكعبة وحصير المسجد: أن الحصير يتصور فيه
كونه وقفا على المسلمين، لكن (4) يضعه في المسجد، لأنه أحد وجوه
انتفاعهم، كالماء المسبل الموضوع في المسجد، فإذا خرب المسجد أو
استغني عنه جاز الانتفاع به ولو في مسجد آخر، بل يمكن الانتفاع به
في غيره ولو مع حاجته.
لكن يبقى الكلام في مورد الشك، مثل ما إذا فرش حصيرا في
المسجد أو وضع حب ماء فيه، وإن كان الظاهر في الأول الاختصاص
- وأوضح من ذلك الترب الموضوعة فيه - وفي الثاني العموم، فيجوز

(1) كذا، والمناسب: فيكونان.
(2) كذا، والمناسب: ليست.
(3) في غير " ف ": فيه.
(4) في " ش ": ولكن.
57

التوضؤ منه وإن لم يرد الصلاة في المسجد.
والحاصل: أن الحصير (1) وشبهها - الموضوعة في المساجد وشبهها -
يتصور فيها (2) أقسام كثيرة يكون الملك فيها للمسلمين، وليست من
قبيل نفس المسجد وأضرابه، فتعرض الأصحاب لبيعها لا ينافي ما ذكرنا.
نعم، ما ذكرنا لا يجري في الجذع المنكسر من جذوع المسجد التي
هي من أجزاء البنيان، مع أن المحكي عن العلامة (3) وولده (4)
والشهيدين (5) والمحقق الثاني (6) جواز بيعه وإن اختلفوا في تقييد الحكم
وإطلاقه كما سيجئ (7)، إلا أن (8) نلتزم (9) بالفرق بين أرض المسجد، فإن
وقفها وجعلها مسجدا فك ملك، بخلاف ما عداها من أجزاء البنيان
كالأخشاب والأحجار، فإنها تصير ملكا للمسلمين، فتأمل.
وكيف كان، فالحكم في أرض المسجد مع خروجها عن الانتفاع
بها رأسا هو إبقاؤها مع التصرف في منافعها - كما تقدم عن بعض

(1) كذا، والظاهر: " الحصر " بصيغة الجمع.
(2) في غير " ف ": فيه.
(3) القواعد 1: 272.
(4) الإيضاح 2: 407.
(5) الدروس 2: 280، والروضة البهية 3: 254، والمسالك 3: 170.
(6) جامع المقاصد 4: 97 و 9: 116، وحكى ذلك عنهم المحقق التستري في
مقابس الأنوار: 156.
(7) يجئ في الصفحة الآتية.
(8) في غير " ف " و " ش ": أنه.
(9) في " ف " و " ص ": يلتزم.
58

الأساطين (1) - أو بدونه.
وأما أجزاؤه - كجذوع سقفه وآجره من حائطه
المنهدم - فمع المصلحة في صرف عينه (2) فيه تعين (3)، لأن مقتضى وجوب
إبقاء الوقوف وأجزائها (4) على حسب ما يوقفها أهلها وجوب إبقائه
جزءا للمسجد، لكن لا يجب صرف المال من المكلف لمؤونته، بل يصرف
من مال المسجد أو بيت المال. وإن لم يكن مصلحة في رده جزءا
للمسجد، فبناء (5) على ما تقدم من أن الوقف في المسجد وأضرابه فك
ملك، لم يجز بيعه، لفرض عدم الملك.
وحينئذ فإن قلنا بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود الواقف
فالأقرب، تعين (6) صرفه في مصالح ذلك، كإحراقه لآجر المسجد ونحو
ذلك - كما عن الروضة (7) - وإلا صرف في مسجد آخر - كما في
الدروس (8) - وإلا صرف في سائر مصالح المسلمين.

(1) تقدم في الصفحة 54 - 55.
(2) كذا في النسخ، والمناسب تأنيث الضمير، وهكذا حال الضمائر الآتية الراجعة
إلى كلمة " أجزاؤه ".
(3) العبارة في غير " ف " هكذا: فمع المصلحة في صرف عينه يجب صرف عينه فيه.
(4) في " ش ": وإجرائها.
(5) في غير " ش ": بناء.
(6) في غير " ش ": " فتعين "، لكن صحح في " ن " بما أثبتناه، وفي " ص "
ب‍ " يتعين ".
(7) الروضة البهية 3: 254.
(8) الدروس 2: 280، وحكاه عنه وعن الروضة المحقق التستري في مقابس
الأنوار: 156.
59

قيل: بل لكل أحد حيازته وتملكه (1)، وفيه نظر.
وقد ألحق (2) بالمساجد المشاهد والمقابر والخانات والمدارس
والقناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة، والكتب الموقوفة على المشتغلين،
والعبد المحبوس في خدمة الكعبة ونحوها، والأشجار الموقوفة لانتفاع
المارة، والبواري الموضوعة لصلاة المصلين، وغير ذلك مما قصد بوقفه
الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين ونحوهم من غير المحصورين، لا
لتحصيل المنافع بالإجارة ونحوها وصرفها في مصارفها كما في الحمامات
والدكاكين ونحوها (3)، لأن جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات بالأصل،
اللازم إبقاؤها على الإباحة كالطرق العامة والأسواق.
وهذا كله حسن على تقدير كون الوقف فيها فك ملك، لا تمليكا.
ولو أتلف شيئا من هذه الموقوفات أو أجزائها متلف، ففي الضمان
وجهان:
من عموم " على اليد " فيجب صرف قيمته في بدله.
ومن أن ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه، والمفروض عدم المطالبة
بأجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم كما لو جعل المدرسة بيت المسكن
أو محرزا، وأن الظاهر من التأدية في حديث " اليد " الإيصال إلى المالك
فيختص بأملاك الناس، والأول أحوط، وقواه بعض (4).

(1) قاله المحقق التستري في مقابس الأنوار: 156.
(2) ألحقها المحقق التستري في مقابس الأنوار: 156.
(3) في " ف ": ونحو ذلك.
(4) وهو المحقق التستري في مقابس الأنوار: 156، وفيه: وهذا هو الأصح.
60

[صور جواز بيع الوقف] (1)
إذا عرفت جميع ما ذكرنا، فاعلم أن الكلام في جواز بيع الوقف
يقع في صور:
الأولى: أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء
عينه، كالحيوان المذبوح والجذع البالي والحصير الخلق.
والأقوى جواز بيعه، وفاقا لمن عرفت ممن تقدم نقل كلماتهم،
لعدم جريان أدلة المنع.
أما الإجماع، فواضح.
وأما قوله عليه السلام: " لا يجوز شراء الوقف " (2) فلانصرافه إلى غير
هذه الحالة.
وأما قوله عليه السلام: " الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها " (3) فلا
يدل على المنع هنا، لأنه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة
في إنشاء الوقف، وليس منها عدم بيعه، بل عدم جواز البيع من أحكام
الوقف وإن ذكر في متن العقد، للاتفاق على أنه لا فرق بين ذكره فيه
وتركه، وقد تقدم ذلك (4) وتضعيف (5) قول من قال ببطلان العقد إذا

(1) العنوان منا.
(2) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب الوقوف، الحديث الأول.
(3) الوسائل 13: 295، الباب 2 من أبواب الوقوف، الحديث 1 و 2.
(4) يعني كون عدم جواز البيع من أحكام الوقف، وتقدم في الصفحة 29 و 30.
(5) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي مصححة " خ ": " ضعف "، وفي سائر
النسخ: يضعف.
61

حكم بجواز بيعه.
ولو سلم أن المأخوذ في الوقف إبقاء العين، فإنما هو مأخوذ فيه
من حيث كون المقصود انتفاع البطون به مع بقاء العين، والمفروض
تعذره هنا.
والحاصل: أن جواز بيعه هنا غير مناف لما قصده الواقف في
وقفه، فهو ملك للبطون يجوز لهم البيع إذا اجتمع إذن البطن الموجود
مع أولياء سائر البطون، وهو الحاكم أو المتولي.
والحاصل: أن الأمر دائر بين تعطيله (1) حتى يتلف بنفسه، وبين
انتفاع البطن الموجود به بالإتلاف، وبين تبديله بما يبقى وينتفع به
الكل.
والأول تضييع مناف لحق الله وحق الواقف وحق الموقوف عليه،
وبه يندفع استصحاب المنع، مضافا إلى كون المنع السابق في ضمن
وجوب العمل بمقتضى الوقف، وهو انتفاع جميع البطون بعينه، وقد ارتفع
قطعا، فلا يبقى ما كان في ضمنه.
وأما الثاني - فمع منافاته لحق (2) سائر البطون - يستلزم جواز بيع
البطن الأول، إذ لا فرق بين إتلافه ونقله.
والثالث هو المطلوب.
نعم، يمكن أن يقال: إذا كان الوقف مما لا يبقى بحسب استعداده
العادي إلى آخر البطون، فلا وجه لمراعاتهم بتبديله بما يبقى لهم، فينتهي

(1) في " ف ": تعطله.
(2) في " ف " ونسخة بدل " ن ": لتعلق حق.
62

ملكه إلى من أدرك آخر أزمنة بقائه، فتأمل.
وكيف كان، فمع فرض ثبوت الحق للبطون اللاحقة، فلا وجه (1)
لترخيص البطن الموجود في إتلافه.
ومما ذكرنا يظهر: أن الثمن على تقدير البيع لا يخص به البطن
الموجود، وفاقا لمن تقدم ممن يظهر منه ذلك - كالإسكافي (2) والعلامة (3)
وولده (4) والشهيدين (5) والمحقق الثاني (6)، وحكي عن التنقيح (7) والمقتصر (8)
ومجمع الفائدة (9) -
لاقتضاء البدلية ذلك، فإن المبيع إذا كان ملكا
للموجودين بالفعل وللمعدومين بالقوة كان الثمن كذلك، فإن الملكية
اعتبار عرفي أو شرعي يلاحظها المعتبر عند تحقق أسبابها، فكما أن
الموجود مالك له فعلا ما دام موجودا بتمليك الواقف، فكذلك المعدوم
مالك له شأنا بمقتضى تمليك الواقف. وعدم تعقل الملك للمعدوم إنما هو
في الملك الفعلي، لا الشأني.

(1) في مصححة " ن ": لا وجه.
(2) راجع الصفحة 39.
(3) راجع كلام العلامة في الصفحة 48.
(4) راجع الصفحة 40.
(5) راجع كلامهما في الصفحة 49، 50 و 52.
(6) راجع الصفحة 51.
(7) التنقيح الرائع 2: 330.
(8) المقتصر: 212.
(9) مجمع الفائدة 8: 169، وراجع مفتاح الكرامة 4: 259 و 9: 88 - 89،
ومقابس الأنوار: 158.
63

ودعوى: أن الملك الشأني ليس شيئا محققا موجودا، يكذبها
إنشاء الواقف له كإنشائه لملك الموجود. فلو جاز أن تخرج العين
الموقوفة إلى ملك الغير بعوض لا يدخل في ملك المعدوم على نهج
دخول المعوض، جاز أن تخرج بعوض لا يدخل في ملك الموجود.
وإليه أشار الشهيد قدس سره في الفرع الآتي، حيث قال: إنه - يعني
الثمن - صار مملوكا على حد الملك الأول، إذ يستحيل أن يملك لا على
حده (1).
خلافا لظاهر بعض العبائر المتقدمة (2)، واختاره المحقق في الشرائع
في دية العبد الموقوف المقتول (3). ولعل وجهه: أن الوقف ملك للبطن
الموجود، غاية الأمر تعلق حق البطون اللاحقة به، فإذا فرض جواز
بيعه انتقل الثمن إلى من هو مالك له فعلا،
ولا يلزم من تعلق الحق
بعين المبيع تعلقه بالثمن، ولا دليل عليه. ومجرد البدلية لا يوجب ترتب
جميع اللوازم، إذ لا عموم لفظي يقتضي البدلية والتنزيل، بل هو بدل له
في الملكية وما يتبعها من حيث هو ملك.
وفيه: أن ما ينقل (4) إلى المشتري إن كان هو الاختصاص الموقت
الثابت للبطن الموجود، لزم منه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق (5)

(1) غاية المراد: 143، ويأتي في الصفحة 66.
(2) يعني به عبارة المفيد والسيد المتقدمتين في الصفحة 43 - 45.
(3) الشرائع 2: 219.
(4) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: أن النقل.
(5) في " ف ": البطن البائع.
64

إلى البطن اللاحق، فلا يملكه المشتري ملكا مستمرا. وإن كان هو مطلق
الاختصاص المستقر الذي لا يزول إلا بالناقل، فهو لا يكون إلا
بثبوت (1) جميع الاختصاصات الحاصلة للبطون له، فالثمن لهم على نحو
المثمن.
ومما ذكرنا تعرف أن اشتراك البطون في الثمن أولى من اشتراكهم
في دية العبد المقتول، حيث إنه بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا عن
تلف الوقف، فجاز عقلا منع سراية حق البطون اللاحقة إليه، بخلاف
الثمن، فإنه يملكه من يملكه بنفس خروج الوقف عن ملكهم على وجه
المعاوضة (2) الحقيقية، فلا يعقل اختصاص العوض بمن لم يختص
بالمعوض.
ومن هنا اتضح أيضا أن هذا أولى بالحكم من بدل الرهن الذي
حكموا بكونه رهنا، لأن حق الرهنية متعلق بالعين من حيث إنه ملك
لمالكه الأول، فجاز أن يرتفع، لا (3) إلى بدل بارتفاع ملكية المالك
الأول، بخلاف الاختصاص الثابت للبطن المعدوم، فإنه ليس قائما بالعين
من حيث إنه ملك البطن الموجود، بل اختصاص موقت نظير
اختصاص البطن الموجود، منشأ بإنشائه، مقارن له بحسب الجعل،
متأخر عنه في الوجود.

(1) في غير " ش " ومصححة " ن ": ثبوت.
(2) كذا في " ف "، وفي سائر النسخ: " المعاوضية "، لكن صححت في أكثرها بما
أثبتناه.
(3) كلمة " لا " ساقطة من " ش ".
65

وقد تبين مما ذكرنا: أن الثمن حكمه حكم الوقف في كونه ملكا
لجميع البطون على ترتيبهم، فإن كان مما يمكن أن يبقى وينتفع به
البطون على نحو المبدل وكانت مصلحة البطون في بقائه أبقي، وإلا أبدل
مكانه ما هو أصلح.
ومن هنا ظهر عدم الحاجة إلى صيغة الوقف في البدل، بل نفس
البدلية تقتضي (1) كونه كالمبدل، ولذا علله الشهيد قدس سره في غاية المراد
بقوله: لأنه صار مملوكا على حد الملك الأول، إذ يستحيل أن يملك
لا على حده (2).
ثم إن هذه (3) العين حيث صارت ملكا للبطون، فلهم أو لوليهم
أن ينظر فيه ويتصرف فيه بحسب مصلحة جميع البطون ولو بالإبدال
بعين أخرى أصلح لهم، بل قد يجب إذا كان تركه يعد تضييعا
للحقوق (4). وليس مثل الأصل ممنوعا عن بيعه إلا لعذر، لأن ذلك
كان حكما من أحكام الوقف الابتدائي، وبدل الوقف إنما هو بدل له
في كونه ملكا للبطون، فلا يترتب عليه جميع أحكام الوقف
الابتدائي.
ومما ذكرنا أيضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف - كما هو

(1) في النسخ: " يقضي "، والمناسب ما أثبتناه كما في مصححة " ص ".
(2) غاية المراد: 143.
(3) في غير " ص ": هذا.
(4) في " ف " زيادة: وليس حكمه حكمه.
66

ظاهر التذكرة (1) والإرشاد (2) وجامع المقاصد (3) والتنقيح (4) والمقتصر (5)
ومجمع الفائدة (6) - بل قد لا يجوز إذا كان غيره أصلح، لأن الثمن إذا
صار ملكا للموقوف عليهم الموجودين والمعدومين فاللازم ملاحظة
مصلحتهم، خلافا للعلامة (7) وولده (8) والشهيد (9) وجماعة (10) فأوجبوا
المماثلة مع الإمكان، لكون المثل أقرب إلى مقصود الواقف.
وفيه - مع عدم انضباط غرض الواقف، إذ قد يتعلق غرضه بكون
الموقوف عينا خاصة، وقد يتعلق بكون منفعة الوقف مقدارا معينا من
دون تعلق غرض بالعين، وقد يكون الغرض خصوص الانتفاع بثمرته،
كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته فبيع، فدار الأمر بين أن يشترى
بثمنه بستان (11) في موضع لا يصل إليهم إلا قيمة الثمرة، وبين أن

(1) راجع التذكرة 2: 444.
(2) إرشاد الأذهان 1: 455.
(3) جامع المقاصد 4: 97، و 9: 71.
(4) التنقيح الرائع 2: 330.
(5) المقتصر: 212.
(6) مجمع الفائدة 8: 169.
(7) راجع المختلف 6: 289.
(8) إيضاح الفوائد 2: 407.
(9) غاية المراد: 143.
(10) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 97 و 9: 71، والشهيد الثاني في
المسالك 3: 170، والروضة البهية 3: 255.
(11) كذا في " ف "، " ن " و " خ "، وفي سائر النسخ: بستانا.
67

يشترى ملك (1) آخر يصل إليهم أجرة منفعته، فإن الأول وإن كان
مماثلا إلا أنه ليس أقرب إلى غرض الواقف -: أنه (2) لا دليل على
وجوب ملاحظة الأقرب إلى مقصوده، إنما اللازم ملاحظة مدلول كلامه
في إنشاء الوقف، ليجري الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.
فالحاصل: أن الوقف ما دام موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه إلا
مدلول كلام الواقف، وإذا بيع وانتقل الثمن إلى الموقوف عليهم لم يلاحظ
فيه إلا مصلحتهم.
هذا [و] قال العلامة في محكي التذكرة: كل مورد جوزنا بيع
الوقف فإنه يباع ويصرف الثمن إلى جهة الوقف، فإن أمكن شراء مثل
تلك العين مما ينتفع به كان أولى، وإلا جاز شراء كل ما يصح وقفه،
وإلا صرف الثمن إلى الموقوف عليه يعمل به (3) ما شاء، لأن فيه جمعا
بين التوصل إلى غرض الواقف من نفع الموقوف عليه على الدوام، وبين
النص الدال على عدم جواز مخالفة الواقف، حيث (4) شرط التأبيد، فإذا
لم يمكن التأبيد بحسب الشخص وأمكن بحسب النوع وجب، لأنه موافق
لغرض الواقف وداخل تحت الأول الذي وقع العقد عليه، ومراعاة
الخصوصية الكلية تفضي إلى فوات الغرض بأجمعه، ولأن قصر الثمن
على البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه، مع

(1) كذا في " ف "، " ن " و " خ "، وفي سائر النسخ: ملكا.
(2) في غير " ش ": " إذ "، إلا أنها صححت في " ن " و " ص " بما أثبتناه.
(3) كذا في " ف "، " ن " و " خ "، وفي سائر النسخ: فيه.
(4) في " ف " بدل " حيث ": من.
68

أنه يستحقون من الوقف (1) كما يستحق البطن الأول، ويقدر (2) وجودهم
حال الوقف.
وقال بعض علمائنا والشافعية: إن ثمن الوقف كقيمة الموقوف إذا
تلف فيصرف الثمن على الموقوف عليهم (3) على رأي (4)، انتهى.
ولا يخفى عليك مواقع الرد والقبول في كلامه قدس سره.
ثم إن المتولي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيم من
قبل سائر البطون. ويحتمل أن يكون هذا إلى الناظر إن كان، لأنه المنصوب
لمعظم الأمور الراجعة إلى الوقف، إلا أن يقال بعدم انصراف وظيفته المجعولة
من قبل الواقف إلى التصرف في نفس العين. والظاهر سقوط نظارته
عن بدل الوقف. ويحتمل بقاؤه، لتعلق حقه بالعين الموقوفة، فيتعلق ببدلها (5).
ثم إنه لو لم يمكن شراء بدله، ولم يكن الثمن مما ينتفع به مع بقاء
عينه - كالنقدين - فلا يجوز دفعه إلى البطن الموجود، لما عرفت من
كونه كالمبيع مشتركا بين جميع البطون، وحينئذ فيوضع عند أمين حتى
يتمكن من شراء ما ينتفع به ولو مع الخيار إلى مدة. ولو طلب ذلك
البطن الموجود فلا يبعد وجوب إجابته، ولا يعطل الثمن حتى يوجد (6)

(1) في " ن "، " خ " و " م " والمصدر: الواقف.
(2) كذا في مصححة " ن " والمصدر، وفي النسخ: تعذر.
(3) في " ش " والمصدر زيادة: ملكا.
(4) التذكرة 2: 444، مع تفاوت واختلاف في الألفاظ.
(5) في غير " ن " و " ش ": بمبدلها.
(6) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي غيرهما: يؤخذ.
69

ما يشترى به من غير خيار.
نعم، لو رضي الموجود بالاتجار به وكانت المصلحة في التجارة،
جاز مع المصلحة إلى أن يوجد البدل.
والربح تابع للأصل ولا يملكه الموجودون، لأنه جزء من المبيع،
وليس كالنماء الحقيقي.
ثم لا فرق في جميع ما ذكرنا من جواز البيع مع خراب الوقف
بين عروض الخراب لكله أو بعضه، فيباع البعض المخروب ويجعل بدله
ما يكون وقفا. ولو كان صرف ثمنه في باقيه بحيث يوجب زيادة
منفعة (1) جاز مع رضا الكل، لما عرفت من كون الثمن ملكا للبطون،
فلهم التصرف فيه على ظن المصلحة.
ومنه يعلم جواز صرفه في وقف آخر عليهم على نحو هذا
الوقف، فيجوز صرف ثمن ملك مخروب في تعمير وقف آخر عليهم.
ولو خرب بعض الوقف وخرج عن الانتفاع وبقي بعضه محتاجا
إلى عمارة لا يمكن بدونها انتفاع البطون اللاحقة، فهل يصرف ثمن
المخروب إلى عمارة الباقي وإن لم يرض البطن الموجود؟ وجهان آتيان
فيما إذا احتاج إصلاح الوقف بحيث لا يخرج عن قابلية انتفاع البطون
اللاحقة إلى صرف منفعته الحاضرة التي يستحقها البطن الموجود إذا لم
يشترط الواقف إخراج مؤونة الوقف عن منفعته قبل قسمته (2) في
الموقوف عليهم.
وهنا فروع أخر يستخرجها الماهر بعد التأمل.

(1) في " ش ": منفعته.
(2) كذا، والمناسب: قسمتها.
70

الصورة الثانية: أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به،
بحيث يصدق عرفا أنه لا منفعة فيه، كدار انهدمت فصارت عرصة
تؤجر للانتفاع بها بأجرة لا تبلغ شيئا معتدا به.
فإن كان ثمنه على تقدير البيع لا يعطى به إلا ما كان منفعته
كمنفعة العرصة، فلا ينبغي الإشكال في عدم الجواز. وإن كان يعطى
بثمنه ما يكون منفعته أكثر من منفعة (1) العرصة، بل يساوي (2) منفعة
الدار، ففي جواز البيع وجهان:
من عدم دليل على الجواز مع قيام المقتضي للمنع، وهو ظاهر
المشهور، حيث قيدوا الخراب المسوغ للبيع بكونه بحيث لا يجدي نفعا،
وقد تقدم التصريح من العلامة في التحرير بأنه: لو انهدمت الدار لم
تخرج العرصة من الوقف، ولم يجز بيعها (3).
اللهم إلا أن يحمل النفع المنفي في كلام المشهور على النفع المعتد به
بحسب حال العين، فإن الحمام الذي يستأجر كل سنة مائة دينار إذا
صارت عرصة تؤجر كل سنة خمسة دراهم أو عشرة لغرض جزئي
- كجمع الزبائل ونحوه - يصدق عليه أنه لا يجدي نفعا، وكذا القرية

(1) لم ترد " منفعة " في " ف ".
(2) في غير " ن " و " ش ": ساوى.
(3) تقدم في الصفحة 48، ثم إن المؤلف لم يبين الوجه الثاني الذي هو عدل
لقوله: " من عدم الدليل " ولعله لوضوحه، ويشير إليه قوله: " اللهم إلا أن
يحمل... ".
71

الموقوفة، فإن خرابها بغور أنهارها وهلاك أهلها، ولا تكون بسلب (1)
منافع أراضيها رأسا، ويشهد لهذا ما تقدم عن التحرير: من جعل
عرصة الدار المنهدمة مواتا لا ينتفع بها بالكلية (2) مع أنها كثيرا ما
تستأجر للأغراض الجزئية.
فالظاهر دخول الصورة المذكورة في إطلاق كلام كل من سوغ
البيع عند خرابه بحيث لا يجدي نفعا، ويشمله الإجماع المدعى في
الانتصار (3) والغنية (4)، لكن الخروج بذلك عن عموم أدلة وجوب العمل
بمقتضى وقف الواقف (5) الذي هو حبس العين،
وعموم قوله عليه السلام:
" لا يجوز شراء الوقف " (6) مشكل.
ويؤيد المنع (7) حكم أكثر من تأخر عن الشيخ بالمنع عن بيع
النخلة المنقلعة (8)، بناء على جواز الانتفاع بها في وجوه أخر، كالتسقيف

(1) في غير " ف ": تسلب.
(2) تقدم في الصفحة 48.
(3) الإنتصار: 226 - 227.
(4) الغنية: 298.
(5) راجع الصفحة 27.
(6) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، الحديث
الأول.
(7) في " ف ": البيع.
(8) منهم المحقق في الشرائع 2: 221، والعلامة في القواعد 1: 269، والتحرير
1: 290، والشهيد في الدروس 2: 279، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 9:
72، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة 9: 92.
72

وجعلها جسرا ونحو ذلك.
بل ظاهر المختلف - حيث جعل النزاع بين الشيخ والحلي رحمهما الله
لفظيا، حيث نزل تجويز الشيخ على صورة عدم إمكان الانتفاع به في
منفعة أخرى - الاتفاق على المنع إذا حصل فيه انتفاع ولو قليلا، كما
يظهر من التمثيل بجعله جسرا (1).
نعم، لو كان قليلا في الغاية بحيث يلحق بالمعدوم أمكن الحكم
بالجواز، لانصراف قوله عليه السلام: " لا يجوز شراء الوقف " إلى غير هذه
الحالة.
وكذا حبس العين وتسبيل المنفعة، إنما يجب الوفاء به ما دام
المنفعة المعتد بها موجودة، وإلا فمجرد حبس العين وإمساكه ولو من
دون منفعة، لو وجب الوفاء به لمنع عن البيع في الصورة الأولى.
ثم إن الحكم المذكور جار فيما إذا صارت منفعة الموقوف (2) قليلة
لعارض آخر غير الخراب، لجريان ما ذكرنا فيه.
ثم إنك قد عرفت فيما سبق أنه ذكر بعض (3): أن جواز بيع الوقف
لا يكون إلا مع بطلان الوقف - وعرفت وجه النظر فيه - ثم وجه
بطلان الوقف في الصورة الأولى بفوات (4) شرط الوقف المراعى في

(1) راجع المختلف 6: 316، والخلاف 3: 551، كتاب الوقف، المسألة 23،
والسرائر 3: 167.
(2) في " ف ": الموقوفة.
(3) هو صاحب الجواهر، وتقدم كلامه في الصفحة 36.
(4) في " ف ": " بعنوان "، وهي مصحفة " بفقدان " كما في الجواهر.
73

الابتداء والاستدامة، وهو كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها.
وفيه: ما عرفت سابقا (1) من أن بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا
لا وجه له في الوقف المؤبد، مع أنه لا دليل عليه. مضافا إلى أنه
لا دليل على اشتراط الشرط المذكور في الاستدامة، فإن الشروط في
العقود الناقلة يكفي وجودها حين النقل، فإنه قد يخرج المبيع عن
المالية ولا يخرج بذلك عن ملك المشتري. مع أن جواز بيعه لا يوجب
الحكم بالبطلان، بل يوجب خروج الوقف عن اللزوم إلى الجواز، كما
تقدم.
ثم ذكر (2): أنه قد يقال بالبطلان أيضا بانعدام عنوان الوقف فيما
إذا وقف بستانا - مثلا - ملاحظا في عنوان وقفه البستانية، فخربت حتى
خرجت عن قابلية ذلك، فإنه وإن لم تبطل منفعتها أصلا لإمكان
الانتفاع بها دارا - مثلا - لكن ليس من عنوان الوقف. واحتمال بقاء
العرصة على الوقف باعتبار أنها جزء من الوقف وهي باقية، وخراب
غيرها وإن اقتضى بطلانه فيه (3) لا يقتضي بطلانه فيها، يدفعه: أن
العرصة كانت جزءا من الموقوف من حيث كونه بستانا، لا مطلقا، فهي
حينئذ جزء عنوان الوقف الذي فرض خرابه، ولو فرض إرادة وقفها
لتكون بستانا أو غيره لم يكن إشكال في بقائها، لعدم ذهاب عنوان
الوقف. وربما يؤيد ذلك في الجملة ما ذكروه في باب الوصية: من أنه

(1) راجع الصفحة 37.
(2) أي: صاحب الجواهر.
(3) كلمة " فيه " لم ترد في غير " ش "، لكنها استدركت في بعض النسخ.
74

لو أوصى بدار فانهدمت قبل موت الموصي بطلت الوصية لانتفاء
موضوعها. نعم، لو لم تكن " الدارية " و " البستانية " ونحو ذلك - مثلا -
عنوانا للوقف وإن قارنت وقفه، بل كان المراد به الانتفاع به في كل
وقت على حسب ما يقبله، لم يبطل الوقف بتغير أحواله.
ثم ذكر: أن في عود الوقف إلى ملك الواقف أو وارثه بعد
البطلان أو الموقوف عليه وجهين (1).
أقول: يرد على (2) ما قد يقال (3) - بعد الإجماع على أن انعدام
العنوان لا يوجب بطلان الوقف، بل ولا جواز البيع وإن اختلفوا فيه
عند الخراب أو خوفه، لكنه غير تغير العنوان كما لا يخفى -: أنه
لا وجه للبطلان بانعدام العنوان، لأنه:
إن أريد ب‍ " العنوان " ما جعل مفعولا في قوله: " وقفت هذا
البستان "، فلا شك في (4) أنه ليس إلا كقوله: " بعت هذا البستان "
أو " وهبته "، فإن التمليك المعلق بعنوان، لا يقتضي دوران الملك مدار
العنوان، فالبستان إذا صار ملكا فقد ملك منه كل جزء خارجي وإن
لم يكن في ضمن عنوان " البستان "، وليس التمليك من قبيل الأحكام
الجعلية المتعلقة بالعنوانات.

(1) إلى هنا تم ما أفاده صاحب الجواهر قدس سره، انظر الجواهر 22: 358 - 359.
(2) في " ش " ومصححة " ن " زيادة: " ذلك "، ولا حاجة إليها كما لا يخفى.
(3) يعني: يرد على ما تقدم في الصفحة السابقة من قوله: ثم ذكر أنه قد
يقال....
(4) كلمة " في " من " ف " فقط.
75

وإن أريد ب‍ " العنوان " شئ آخر، فهو خارج عن مصطلح أهل
العرف والعلم، ولا بد من بيان المراد منه، هل يراد ما اشترط لفظا،
أو قصدا في الموضوع زيادة على عنوانه؟
وأما تأييد ما ذكر بالوصية (1)، فالمناسب أن يقايس ما نحن فيه
بالوصية بالبستان بعد تمامها وخروج البستان عن ملك الموصي بموته
وقبول الموصى له، فهل يرضى أحد بالتزام بطلان الوصية بصيرورة
البستان عرصة؟
نعم، الوصية قبل تمامها يقع الكلام في بقائها وبطلانها من جهات
أخر.
ثم ما ذكره من الوجهين، مما لا يعرف له وجه بعد إطباق كل
من قال بخروج الوقف المؤبد عن ملك الواقف على عدم عوده إليه
أبدا.
الصورة الثالثة: أن يخرب بحيث يقل منفعته، لكن لا إلى حد
يلحق بالمعدوم.
والأقوى هنا المنع، وهو الظاهر من الأكثر في مسألة النخلة
المنقلعة، حيث جوز الشيخ رحمه الله في محكي الخلاف بيعها، محتجا بأنه لا
يمكن الانتفاع بها إلا على هذا الوجه، لأن الوجه الذي شرطه الواقف
قد بطل ولا يرجى عوده (2)، ومنعه الحلي قائلا: ولا يجوز بيعها، بل

(1) المتقدم في الصفحة 74 بقوله: وربما يؤيد ذلك في الجملة.
(2) الخلاف 3: 551 - 552، كتاب الوقف، المسألة 23.
76

ينتفع بها بغير البيع، مستندا إلى وجوب إبقاء الوقف على حاله مع
إمكان الانتفاع، وزوال بعض المنافع لا يستلزم زوال جميعها، لإمكان
التسقيف بها ونحوه (1)، وحكي موافقته عن الفاضلين (2) والشهيدين (3)،
والمحقق الثاني (4) وأكثر المتأخرين (5).
وحكى في الإيضاح عن والده قدس سرهما: أن النزاع بين الشيخ
والحلي لفظي، واستحسنه (6)، لأن في تعليل الشيخ اعترافا بسلب جميع
منافعها، والحلي فرض وجود منفعة ومنع لذلك بيعها.
قيل: ويمكن (7) بناء نزاعهما على رعاية المنفعة المعد لها الوقف كما
هو الظاهر من تعليل الشيخ (8)، ولا يخلو عن تأمل.
وكيف كان، فالأقوى هنا المنع، وأولى منه بالمنع ما لو قلت منفعة
الوقف من دون خراب، فلا يجوز بذلك البيع إلا إذا قلنا بجواز بيعه إذا
كان أعود، وسيجئ تفصيله (9).

(1) السرائر 3: 167.
(2) الشرائع 2: 221، والقواعد 1: 269، والتحرير 1: 290.
(3) الدروس 2: 279، والمسالك 5: 400.
(4) جامع المقاصد 9: 72.
(5) حكاه عنهم وعن قبلهم جميعا المحقق التستري في المقابس: 155.
(6) إيضاح الفوائد 2: 393.
(7) في " ش ": وقيل يمكن.
(8) قاله المحقق التستري في مقابس الأنوار: 155، ذيل الصورة الخامسة.
(9) يجئ في الصورة الرابعة - الآتية -.
77

الصورة الرابعة: أن يكون بيع الوقف أنفع وأعود للموقوف عليه.
وظاهر المراد منه: أن يكون ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة
تدريجا مدة وجود الموقوف عليه.
وقد نسب جواز البيع هنا إلى المفيد، وقد تقدم عبارته، فراجع (1).
وزيادة النفع قد تلاحظ بالنسبة إلى البطن الموجود، وقد تلاحظ
بالنسبة إلى جميع البطون إذا قيل بوجوب شراء بدل الوقف بثمنه.
والأقوى المنع مطلقا، وفاقا للأكثر، بل الكل، بناء على ما تقدم:
من عدم دلالة قول المفيد على ذلك، وعلى تقديره فقد تقدم عن
التحرير: أن كلام المفيد متأول (2).
وكيف كان، فلا إشكال في المنع، لوجود مقتضى المنع، وهو
وجوب العمل على طبق إنشاء الواقف، وقوله عليه السلام: " لا يجوز شراء
الوقف " (3)، وغير ذلك.
وعدم ما يصلح للمنع عدا رواية ابن محبوب
عن علي بن رئاب عن جعفر بن حنان (4)، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل وقف غلة له على قرابته (5) من أبيه، وقرابته (6) من أمه،

(1) نسبه إليه الشهيد في الدروس 2: 279، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 9:
68، وانظر المقنعة: 652، وراجع الصفحة 43 - 44.
(2) تقدم في الصفحة 45.
(3) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، الحديث
الأول.
(4) في " ف " و " ص " والكافي: جعفر بن حيان.
(5) في " ص ": قرابة.
(6) في " ص ": قرابة.
78

وأوصى لرجل ولعقبه من تلك الغلة (1) - ليس بينه وبينه قرابة - بثلاثمائة
درهم في كل سنة، ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وقرابته من أمه،
فقال عليه السلام: جائز للذي أوصي له بذلك. قلت: أرأيت إن لم يخرج
من غلة تلك (2) الأرض التي أوقفها (3) إلا خمسمائة درهم؟ فقال: أليس
في وصيته أن يعطى الذي أوصي له من الغلة ثلاثمائة درهم، ويقسم
الباقي على قرابته من أبيه وأمه؟ قلت: نعم. قال: ليس لقرابته أن
يأخذوا من الغلة شيئا حتى يوفى الموصى له ثلاثمائة درهم، ثم لهم
ما يبقى بعد ذلك. قلت: أرأيت إن مات الذي أوصي له؟ قال: إن
مات كانت (4) الثلاثمائة (5) درهم لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم،
فإن انقطع ورثته ولم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت،
يرد إلى ما يخرج من الوقف، ثم يقسم بينهم، يتوارثون ذلك ما بقوا
وبقيت الغلة. قلت: فللورثة من قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إذا
احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة؟ قال: نعم، إذا رضوا كلهم
وكان البيع خيرا لهم، باعوا " (6).
والخبر المروي عن الاحتجاج: أن الحميري كتب إلى صاحب
الزمان - جعلني الله فداه -: " أنه روي عن الصادق عليه السلام خبر مأثور:

(1) عبارة " من تلك الغلة " لم ترد في غير " ص " و " ش ".
(2) لم ترد " تلك " في " ص ".
(3) في " ص ": وقفها.
(4) في " ش " زيادة: له.
(5) كذا في المصادر الحديثية ومصححة " ن "، وفي النسخ: ثلاثمائة.
(6) الوسائل 13: 306، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، الحديث 8.
79

أن الوقف إذا كان (1) على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف
على بيعه وكان ذلك أصلح، لهم أن يبيعوه. فهل يجوز أن يشترى من (2)
بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع، أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم
على ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟ فأجاب عليه السلام: إذا كان
الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، وإذا كان على قوم من
المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين، إن شاء
الله " (3).
دلت على جواز البيع، إما في خصوص ما ذكره الراوي - وهو
كون البيع أصلح - وإما مطلقا، بناء على عموم الجواب، لكنه مقيد
بالأصلح، لمفهوم رواية جعفر (4). كما أنه يمكن حمل اعتبار رضا الكل في
رواية جعفر على صورة بيع تمام الوقف، لا اعتباره (5) في بيع كل واحد،
بقرينة رواية الاحتجاج.
ويؤيد المطلب صدر رواية ابن مهزيار الآتية (6) لبيع حصة ضيعة

(1) في " ص " والمصدر: إذا كان الوقف.
(2) كذا في المصدر ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: عن.
(3) الإحتجاج 2: 312 - 313، والوسائل 13: 306 - 307، الباب 6 من
أبواب أحكام الوقوف والصدقات، الحديث 9.
(4) في " ش ": الجعفري، والصواب ما أثبتناه، والمراد به جعفر بن حنان الراوي
للخبر السابق.
(5) في غير " ف " زيادة: " بما "، وشطب عليها في " ن ".
(6) ستأتي في الصفحة 93 - 94.
80

الإمام عليه السلام من الوقف.
والجواب: أما عن رواية جعفر، فبأنها (1) إنما تدل على الجواز مع
حاجة الموقوف عليهم، لا لمجرد كون البيع أنفع، فالجواز مشروط
بالأمرين كما تقدم عن ظاهر النزهة (2). وسيجئ الكلام في هذا القول.
بل يمكن أن يقال: إن المراد بكون البيع خيرا لهم: مطلق النفع
الذي يلاحظه الفاعل ليكون منشأ لإرادته، فليس مراد الإمام عليه السلام
بيان اعتبار ذلك تعبدا، بل المراد بيان الواقع الذي فرضه السائل،
يعني: إذا كان الأمر على ما ذكرت من المصلحة في بيعه جاز، كما
يقال: إذا أردت البيع ورأيته أصلح من تركه فبع، وهذا مما لا يقول
به أحد.
ويحتمل أيضا أن يراد من " الخير " خصوص (3) رفع الحاجة التي
فرضها السائل.
وعن المختلف (4) وجماعة (5) الجواب عنه (6) بعدم ظهوره في المؤبد،

(1) في " ف ": " أنها "، وفي " ص ": بأنها.
(2) تقدمت عبارة النزهة في الصفحة 47.
(3) في غير " ف ": هو خصوص.
(4) المختلف 6: 289.
(5) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2: 329، وابن فهد في المهذب البارع
3: 67، والصيمري في غاية المرام (مخطوط) 1: 487، والمحقق التستري في
مقابس الأنوار: 145.
(6) كذا، والمناسب تأنيث الضمير، لرجوعه إلى " رواية جعفر "، وهكذا الكلام في
الضميرين الآتيين.
81

لاقتصاره على ذكر الأعقاب.
وفيه نظر، لأن الاقتصار في مقام الحكاية لا يدل على
الاختصاص، إذ يصح أن يقال في الوقف المؤبد: إنه وقف على الأولاد
مثلا، وحينئذ فعلى الإمام عليه السلام أن يستفصل إذا كان بين المؤبد وغيره
فرق في الحكم، فافهم.
وكيف كان، ففي الاستدلال بالرواية - مع ما فيها من الإشكال -
على جواز البيع بمجرد الأنفعية إشكال، مع عدم الظفر بالقائل به (1)، عدا
ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد المتقدمة (2).
ومما ذكرنا يظهر الجواب عن رواية الحميري.
ثم لو قلنا في هذه الصورة بالجواز كان الثمن للبطن الأول البائع
يتصرف فيه على ما شاء.
ومنه يظهر وجه آخر لمخالفة الروايتين للقواعد، فإن مقتضى كون
العين مشتركة بين البطون كون بدله كذلك، كما تقدم من استحالة كون
بدله ملكا لخصوص البائع (3)، فيكون تجويز البيع في هذه الصورة
والتصرف في الثمن رخصة من الشارع للبائع في إسقاط حق اللاحقين
آنا ما قبل البيع - نظير الرجوع في الهبة المتحقق ببيع الواهب - لئلا يقع
البيع على المال المشترك، فيستحيل كون بدله مختصا.

(1) " به " من " ف ".
(2) تقدمت في الصفحة 43 - 44.
(3) تقدمت في الصفحة 65.
82

الصورة الخامسة: أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة.
وقد تقدم عن جماعة تجويز البيع في هذه الصورة (1)، بل عن
الانتصار والغنية: الإجماع عليه (2).
ويدل عليه رواية جعفر المتقدمة (3).
ويرده: أن ظاهر الرواية أنه يكفي في البيع عدم كفاية غلة
الأرض لمؤونة سنة الموقوف عليهم، كما لا يخفى. وهذا أقل مراتب الفقر
الشرعي. والمأخوذ في (4) عبائر من تقدم من المجوزين اعتبار الضرورة
والحاجة الشديدة، وبينها وبين مطلق الفقر عموم من وجه، إذ قد يكون
فقيرا ولا يتفق له حاجة شديدة، بل مطلق الحاجة، لوجدانه من مال
الفقراء ما يوجب التوسعة عليه. وقد يتفق الحاجة والضرورة الشديدة
في بعض الأوقات لمن يقدر على مؤونة سنته، فالرواية بظاهرها غير
معمول بها.
مع أنه قد يقال: إن ظاهر الجواب جواز البيع بمجرد رضا الكل
وكون البيع أنفع ولو لم يكن حاجة.
وكيف كان، فلا يبقى للجواز عند الضرورة الشديدة إلا الإجماعان
المعتضدان بفتوى جماعة، وفي الخروج بهما عن قاعدة عدم جواز البيع

(1) راجع عباراتهم في الصفحة 43 - 52.
(2) الإنتصار: 226 - 227، والغنية: 298، وتقدمت عبارتهما في الصفحة 45 -
47.
(3) وهي رواية جعفر بن حنان، المتقدمة في الصفحة 78.
(4) في غير " ف ": من.
83

وعن قاعدة وجوب كون الثمن على تقدير البيع غير مختص بالبطن
الموجود - مع وهنه (1) بمصير جمهور المتأخرين وجماعة من القدماء (2) إلى
الخلاف، بل معارضته (3) بالإجماع المدعى في السرائر (4) - إشكال.
الصورة السادسة: أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة، أو إذا
كان فيه مصلحة البطن الموجود أو جميع البطون، أو عند مصلحة خاصة
على حسب ما يشترط.
فقد اختلف كلمات العلامة ومن تأخر عنه في ذلك.
فقال في الإرشاد: ولو شرط بيع الوقف عند حصول الضرر
- كالخراج والمؤن من قبل الظالم - وشراء غيره بثمنه، فالوجه الجواز (5)،
انتهى.
وفي القواعد: ولو شرط بيعه عند الضرورة - كزيادة خراج
وشبهه - وشراء غيره بثمنه، أو عند خرابه وعطلته، أو خروجه عن
حد الانتفاع، أو قلة نفعه، ففي صحة الشرط إشكال. ومع البطلان، ففي
إبطال الوقف نظر (6)، انتهى.

(1) كذا، والمناسب تثنية الضمير، كما استظهره مصحح " ص ".
(2) تقدم عن الإسكافي في الصفحة 39، وعن القاضي في الصفحة 40، وعن
الحلبي والصدوق في الصفحة 41.
(3) كذا، والمناسب تثنية الضمير، كما استظهره مصحح " ص ".
(4) تقدم كلامه في الصفحة 39.
(5) الإرشاد 1: 455.
(6) القواعد 1: 269 - 270.
84

وذكر في الإيضاح في وجه الجواز رواية جعفر بن حنان
المتقدمة (1)، قال: فإذا جاز بغير شرط فمع الشرط أولى. وفي وجه المنع:
أن الوقف للتأبيد، والبيع ينافيه، قال: والأصح أنه لا يجوز بيع الوقف
بحال (2)، انتهى.
وقال الشهيد في الدروس: ولو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم
أو وقوع الفتنة بينهم فأولى بالجواز (3)، انتهى.
ويظهر منه: أن للشرط تأثيرا، وأنه يحتمل المنع من دون
الشرط، والتجويز معه.
وعن المحقق الكركي أنه قال: التحقيق أن كل موضع قلنا بجواز
بيع الوقف يجوز اشتراط البيع في الوقف إذا بلغ تلك الحالة، لأنه شرط
مؤكد، وليس بمناف للتأبيد المعتبر في الوقف، لأنه مقيد واقعا بعدم
حصول أحد أسباب البيع (4)، وما لا (5)، فلا، للمنافاة، فلا يصح حينئذ
حبسا (6)، لأن اشتراط شراء شئ بثمنه يكون وقفا مناف لذلك،
لاقتضائه الخروج عن المالك فلا يكون وقفا ولا حبسا (7)، انتهى.

(1) تقدمت في الصفحة 78.
(2) إيضاح الفوائد 2: 393.
(3) الدروس 2: 279.
(4) في غير " ش ": المنع، والعبارة " للتأبيد - إلى - البيع " لم ترد في جامع المقاصد.
(5) كذا في " ف " والمصدر، وفي سائر النسخ: وإلا.
(6) كذا في " ف " و " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: حبسها.
(7) كذا، والعبارة في جامع المقاصد هكذا: " واشتراط الشراء بثمنه ما يكون
وقفا يقتضيه فلا يكون وقفا ولا حبسا "، انظر جامع المقاصد 9: 73.
85

أقول: يمكن (1) أن يقال - بعد التمسك في الجواز بعموم " الوقوف
على حسب ما يوقفها أهلها " (2) و " المؤمنون عند شروطهم " (3) - بعدم
ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضى الوقف، فلعله مناف لإطلاقه، ولذا
يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طرو مسوغاته، فإن التحقيق - كما
عرفت سابقا (4) - أن جواز البيع لا يبطل الوقف، بل هو وقف يجوز
بيعه، فإذا بيع خرج عن كونه وقفا.
ثم إنه لو سلم المنافاة فإنما هو بيعه للبطن الموجود وأكل ثمنه،
وأما تبديله بوقف آخر فلا تنافي بينه وبين مفهوم الوقف.
فمعنى كونه حبسا: كونه محبوسا من أن يتصرف فيه بعض طبقات
الملاك على نحو الملك المطلق، وأما حبس شخص الوقف فهو لازم،
لإطلاقه وتجرده عن مسوغات الإبدال، شرعية كانت كخوف الخراب،
أو بجعل الواقف كالاشتراط في متن العقد، فتأمل.
ثم إنه روى صحيحا في الكافي ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام في
كيفية وقف ماله في عين ينبع، وفيه:
" فإن أراد - يعني الحسن عليه السلام - أن يبيع نصيبا من المال
ليقضي (5) به الدين فليفعل إن شاء، لا حرج عليه فيه، وإن شاء جعله

(1) في غير " ف " و " ش ": ويمكن.
(2) تقدم في الصفحة 33.
(3) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.
(4) في الصفحة 36.
(5) في " ص " والمصدر: فيقضي.
86

سري (1) الملك. وإن ولد علي ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن علي.
وإن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها
فليبعها إن شاء، و (2) لا حرج عليه فيه. فإن باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة
أثلاث، فيجعل ثلثا في سبيل الله، ويجعل ثلثا في بني هاشم وبني المطلب،
وثلثا في آل أبي طالب، وإنه يضعه فيهم حيث يراه الله (3).
ثم قال: وإن حدث في الحسن أو في الحسين حدث (4)، فإن
الآخر منهما ينظر في بني علي - إلى أن قال: - فإنه يجعله في رجل
يرضاه من بني هاشم، وإنه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك
هذا (5) المال على أصوله وينفق الثمرة حيث أمره به (6) من سبيل الله
ووجهه، وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب والبعيد، لا
يباع شئ منه ولا يوهب ولا يورث... الرواية " (7).

(1) كذا في أكثر النسخ والكافي - وهو على وزن " نفيس " لفظا ومعنى - وفي " ن "
و " خ " والوسائل: " شروى " - وفي مجمع البحرين: وشروى الشئ: مثله
(انظر مجمع البحرين 1: 245، مادة: " شرا ") - وفي " ص ": شراء.
(2) لم ترد " و " في " ص " والمصدر.
(3) للحديث تتمة بمقدار أربعة أسطر لم ترد في النسخ.
(4) العبارة في المصدر هكذا: وإن حدث بحسن أو حسين حدث.
(5) لم ترد " هذا " في " ص " والمصدر.
(6) كذا في " ص " والوسائل، وفي " ف ": " أمره الله به "، وفي الكافي: " أمرته
به "، وفي سائر النسخ: " أمره ".
(7) الكافي 7: 49، الحديث 7، والوسائل 13: 312، الباب 10 من أبواب
أحكام الوقوف والصدقات، الحديث 4.
87

وظاهرها جواز اشتراط البيع في الوقف لنفس البطن الموجود،
فضلا عن البيع لجميع البطون وصرف ثمنه فيما ينتفعون به. والسند
صحيح، والتأويل مشكل، والعمل أشكل.
الصورة السابعة: أن يؤدي بقاؤه إلى خرابه علما أو ظنا، وهو
المعبر عنه ب‍ " خوف الخراب " في كثير من العبائر المتقدمة.
والأداء إلى الخراب قد يكون للخلف بين أربابه، وقد يكون لا له.
والخراب المعلوم أو (1) المخوف، قد يكون على حد سقوطه من
الانتفاع نفعا معتدا به، وقد يكون على وجه نقص المنفعة.
وأما إذا فرض جواز الانتفاع به بعد الخراب بوجه آخر كانتفاعه
السابق أو أزيد، فلا يجوز بيعه إلا على ما استظهره بعض من تقدم
كلامه سابقا: من أن تغير عنوان الوقف يسوغ بيعه وقد عرفت
ضعفه (2).
وقد عرفت من عبائر جماعة تجويز البيع في صورة التأدية إلى
الخراب ولو لغير الاختلاف، ومن أخرى تقييدهم به (3).
الصورة الثامنة: أن يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن
معه تلف المال أو (4) النفس وإن لم يعلم أو يظن بذلك.

(1) في " ش " بدل " أو ": و.
(2) راجع الصفحة 74 - 76.
(3) راجع الصفحة 43 - 52.
(4) في " ش " ومصححة " ن " بدل " أو ": و.
88

فإن الظاهر من بعض العبارات السابقة جوازه لذلك، خصوصا
من عبر بالاختلاف الموجب لخوف الخراب.
الصورة التاسعة: أن يؤدي الاختلاف بينهم (1) إلى ضرر عظيم
من غير تقييد بتلف المال، فضلا عن خصوص الوقف.
الصورة العاشرة: أن يلزم فساد يستباح منه الأنفس.
والأقوى: الجواز مع تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع
به نفعا يعتد به عرفا، سواء كان لأجل الاختلاف أو غيره، والمنع في
غيره من جميع الصور.
أما الجواز في الأول، فلما مر من الدليل على جواز بيع ما سقط
عن الانتفاع، فإن الغرض من عدم البيع عدم انقطاع شخصه، فإذا
فرض العلم أو الظن بانقطاع شخصه، فدار الأمر بين انقطاع شخصه
ونوعه، وبين انقطاع شخصه لا نوعه، كان الثاني (2) أولى، فليس فيه
منافاة لغرض الواقف أصلا.
وأما الأدلة الشرعية (3)، فغير ناهضة، لاختصاص الإجماع،

(1) في غير " ش ": " منهم "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(2) كذا في " ش " ومصححة " ص "، وفي سائر النسخ: " الأول "، قال المحقق
المامقاني قدس سره - بعد أن أثبت ما أثبتناه -: هكذا في بعض النسخ، وفي بعضها:
" كان الأول أولى " وهو سهو من قلم الناسخ. (غاية الآمال: 453).
(3) يعني الناهية عن بيع الوقف، المتقدمة في الصفحة 33 وما بعدها.
89

وانصراف النصوص إلى غير هذه الصورة.
وأما الموقوف عليهم، فالمفروض إذن الموجود منهم، وقيام الناظر
العام أو (1) الخاص مقام غير الموجود.
نعم، قد يشكل الأمر فيما لو فرض تضرر البطن الموجود من
بيعه، للزوم تعطيل (2) الانتفاع إلى زمان وجدان البدل، أو كون البدل
قليل المنفعة بالنسبة إلى الباقي.
ومما ذكر يظهر أنه يجب تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان
البقاء، مع عدم فوات الاستبدال فيه، ومع فوته ففي تقديم البيع إشكال.
ولو دار الأمر بين بيعه والإبدال به، وبين صرف منفعته الحاصلة
مدة من الزمان لتعميره، ففي ترجيح حق البطن الذي يفوته المنفعة
أو حق الواقف وسائر البطون المتأخرة المتعلق بشخص الوقف (3) وجهان،
لا يخلو أولهما عن قوة إذا لم يشترط الواقف إصلاح الوقف من منفعته
مقدما على الموقوف عليه.
وقد يستدل على الجواز فيما ذكرنا، بما عن (4) التنقيح: من أن بقاء
الوقف على حاله والحال هذه إضاعة وإتلاف للمال، وهو منهي عنه
شرعا، فيكون البيع جائزا (5).

(1) في " م " و " ش " بدل " أو ": و.
(2) في نسخة بدل " ص ": تعطل.
(3) في أكثر النسخ: لشخص الواقف.
(4) في " ف ": في.
(5) استدل به المحقق التستري في المقابس: 155، وانظر التنقيح الرائع 2: 330.
90

ولعله أراد الجواز بالمعنى الأعم، فلا يرد عليه: أنه يدل على
وجوب البيع (1).
وفيه: أن المحرم هو إضاعة المال المسلط عليه، لا ترك المال الذي
لا سلطان عليه إلى أن يخرب بنفسه، وإلا لزم وجوب تعمير الأوقاف
المشرفة على الخراب بغير البيع مهما أمكن مقدما على البيع، أو إذا لم
يمكن البيع.
والحاصل: أن ضعف هذا الدليل بظاهره واضح، ويتضح فساده
على القول بكون الثمن للبطن الموجود لا غير.
ويتلوه في الضعف ما عن المختلف (2) والتذكرة (3) والمهذب (4) وغاية
المرام (5): من أن الغرض من الوقف استيفاء منافعه وقد تعذرت، فيجوز
إخراجه عن حده، تحصيلا للغرض منه، والجمود على العين مع تعطيلها
تضييع للغرض، كما أنه لو تعطل (6) الهدي ذبح في الحال وإن اختص
بموضع، فلما تعذر مراعاة المحل ترك مراعاة الخاص المتعذر (7).

(1) كما أورده المحقق التستري في مقابس الأنوار: 152.
(2) المختلف 6: 288.
(3) التذكرة 2: 444.
(4) المهذب البارع 3: 66.
(5) لم نعثر عليه في غاية المرام، وحكاه عنهم المحقق التستري في مقابس الأنوار: 153.
(6) في النسخ: " تعطلت "، وفي المقابس: " عطلت "، وما أثبتناه من مصححتي
" ن " و " خ "، والصحيح: " عطب " كما في المختلف.
(7) كذا في " ف " ونسخة بدل " ن " والمختلف والتذكرة، وفي سائر النسخ: ترك
مراعاته لتخلص المعتذر.
91

وفيه: أن الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف،
لأنه الذي دل عليه صيغة الوقف، والمفروض تعذره فيسقط. وقيام
الانتفاع بالنوع مقام الانتفاع بالشخص - لكونه (1) أقرب إلى مقصود
الواقف - فرع الدليل على وجوب اعتبار ما هو الأقرب إلى غرض
الواقف بعد تعذر أصل الغرض.
فالأولى منع جريان أدلة المنع مع خوف الخراب المسقط للمنفعة
رأسا، وجعل ذلك مؤيدا (2).
وأما المنع في غير هذا القسم من الصورة السابعة (3) وفيما عداها
من الصور اللاحقة لها، فلعموم قوله عليه السلام: " لا يجوز شراء الوقف
ولا تدخل الغلة في ملكك " (4)، فإن ترك الاستفصال فيه عن (5) علم
المشتري بعدم وقوع بيع الوقف على بعض الوجوه المجوزة وعدمه
- الموجب لحمل فعل البائع على الصحة - يدل على أن الوقف ما دام له
غلة لا يجوز بيعه. وكذا قوله عليه السلام: " الوقوف على حسب ما يوقفها
أهلها إن شاء الله " (6)، وما دل على أنه: يترك حتى يرثها وارث

(1) في " ف ": لأنه.
(2) عبارة " وجعل ذلك مؤيدا " لم ترد في " ف ".
(3) في أكثر النسخ: السابقة.
(4) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، الحديث
الأول.
(5) في غير " ش " ومصححة " ن " بدل " عن ": بين.
(6) الوسائل 13: 295، الباب 2 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، الحديث
1 و 2، وفي " ف " زيادة " تعالى " في آخر الحديث.
92

السماوات والأرض (1).
هذا كله، مضافا إلى الاستصحاب في جميع هذه الصور وعدم
الدليل الوارد عليه، عدا المكاتبة المشهورة التي انحصر تمسك كل من
جوزه في هذه الصور فيها،
وهي مكاتبة ابن مهزيار، قال: " كتبت إلى
أبي جعفر الثاني عليه السلام: أن فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها، وجعل لك في
الوقف الخمس، ويسأل (2) عن رأيك في بيع حصتك من الأرض، أو
تقويمها (3) على نفسه بما اشتراها (4)، أو يدعها موقوفة؟
فكتب إلي: أعلم فلانا أني آمره ببيع حصتي من الضيعة، وإيصال
ثمن ذلك إلي، إن (5) ذلك رأيي إن شاء الله تعالى، أو يقومها على نفسه
إن كان ذلك أوفق (6) له.
قال: وكتبت (7) إليه: أن الرجل ذكر أن بين من وقف عليهم بقية
هذه الضيعة اختلافا شديدا، وأنه (8) ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم
بعده، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف، ويدفع إلى كل إنسان منهم

(1) يدل عليه ما في الوسائل 13: 304، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف
والصدقات، الحديث 4.
(2) كذا في " ص " والمصدر، وفي سائر النسخ: يسألك.
(3) كذا في " ص " والمصدر، وفي سائر النسخ: تقويمه.
(4) في " ص " والكافي زيادة: به.
(5) في " ص " والمصدر: وإن.
(6) في بعض النسخ: أرفق.
(7) كذا في المصدر ومصححة " ص "، وفي النسخ: فكتب.
(8) لم ترد " أنه " في غير " ص " و " ش ".
93

ما وقف له من ذلك، أمرته (1).
فكتب بخطه: وأعلمه أن رأيي: إن كان قد علم الاختلاف بين
أرباب الوقف أن بيع الوقف أمثل فليبع (2)، فإنه ربما جاء في الاختلاف
تلف الأموال والنفوس " (3).
حيث إنه يمكن الاستدلال للجواز بها في القسم الثاني من الصورة
السابعة (4)، بناء على أن قوله: " فإنه... الخ " تعليل لجواز البيع في صورة
الاختلاف، وأن المراد بالمال هو الوقف، فإن ضم النفوس إنما هو لبيان
الضرر الآخر (5) المترتب على الاختلاف، لا أن المناط في الحكم هو
اجتماع الأمرين كما لا يخفى، فيكون حاصل التعليل: أنه كلما كان
الوقف في معرض الخراب جاز بيعه.
وفيه: أن المقصود جواز بيعه إذا أدى بقاؤه إلى الخراب علما أو
ظنا، لا مجرد كونه ربما يؤدي إليه - المجامع للاحتمال المساوي أو
المرجوح، على ما هو الظاهر من لفظة " ربما " كما لا يخفى على المتتبع
لموارد استعمالاته - ولا أظن أحدا يلتزم بجواز البيع بمجرد احتمال أداء

(1) لم ترد " أمرته " في أكثر النسخ.
(2) لم ترد " فليبع " في غير " ص "، " ش " و " م ".
(3) في غير " ص " زيادة: " الخبر "، والظاهر أنه لا وجه لها، فإن الحديث
مذكور بتمامه، انظر الوسائل 13: 305، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف
والصدقات، الحديث 6، وانظر الكافي 7: 36، الحديث 3.
(4) في أكثر النسخ: السابقة.
(5) لم ترد " الآخر " في " ف ".
94

بقائه إلى الخراب، لأن كلمات من عبر بهذا العنوان - كما عرفت - بين
قولهم: " أدى بقاؤه إلى خرابه "، وبين قولهم: " يخشى أو يخاف
خرابه ".
والخوف عند المشهور، كما يعلم من سائر موارد إطلاقاتهم - مثل
قولهم: " يجب الإفطار والتيمم مع خوف الضرر "، " ويحرم السفر مع
خوف الهلاك " - لا يتحقق إلا بعد قيام أمارة الخوف (1).
هذا، مع أن مناط الجواز - على ما ذكر - تلف الوقف رأسا، وهو
القسم الأول من الصورة السابعة (2) الذي جوزنا فيه (3) البيع، فلا يشمل
الخراب الذي لا يصدق معه التلف. مع أنه لا وجه - بناء على عموم
التعليل - للاقتصار على خوف خراب خصوص الوقف، بل كلما خيف
تلف مال جاز بيع الوقف.
وأما تقريب الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع في الصورة
الثامنة - وهي صورة وقوع الاختلاف الذي ربما أوجب تلف الأموال
والنفوس - فهو: أن الحكم بالجواز معلق على الاختلاف، إلا أن قوله:
" فإنه ربما... الخ " مقيد بالاختلاف الخاص - وهو الذي لا يؤمن معه
من التلف -، لأن العلة تقيد المعلول، كما في قولك: لا تأكل الرمان لأنه
حامض.
وفيه: أن اللازم على هذا، تعميم الجواز في كل مورد لا يؤمن

(1) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي غيرهما: المخوف.
(2) في غير " ش ": " الثانية "، لكن صححت في بعضها بما أثبتناه.
(3) في غير " ش ": " التي جوزنا فيها "، وصححت في هامش " ن " بما أثبتناه.
95

معه من تلف الأموال والنفوس وإن لم يكن من جهة اختلاف الموقوف
عليهم، فيجوز بيع الوقف لإصلاح كل فتنة وإن لم يكن لها دخل في
الوقف. اللهم إلا أن يدعى سوق العلة مساق التقريب، لا التعليل
الحقيقي حتى يتعدى إلى جميع موارده.
لكن تقييد الاختلاف حينئذ بكونه مما لا يؤمن، ممنوع. وهو
الذي فهمه الشهيد رحمه الله في الروضة - كما تقدم كلامه (1) - لكن الحكم على
هذا الوجه مخالف للمشهور.
فلا يبقى حينئذ وثوق بالرواية بحيث يرفع اليد بها عن العمومات
والقواعد، مع ما فيها من ضعف الدلالة، كما سيجئ إليه الإشارة.
ومما ذكرنا يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة ورده.
وأما تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة فهو: أن ضم تلف
النفس إلى تلف الأموال - مع أن خوف تلف الأنفس يتبعه خوف تلف
المال غالبا - يدل على اعتبار بلوغ الفتنة في الشدة إلى حيث يخاف منه
تلف النفس، ولا يكفي بلوغه إلى ما دون ذلك بحيث يخاف منه تلف
المال فقط.
وفيه: أن اللازم على هذا عدم اختصاص موجب الفساد بوقوع
الفتنة بين الموقوف عليهم، بل يجوز حينئذ بيع الوقف لرفع كل فتنة، مع
أن ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه تلف الأموال
والنفوس، والمقصود - كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة (2) - هو اعتبار

(1) تقدم في الصفحة 52.
(2) تقدمت في الصفحة 47.
96

الفتنة التي يستباح بها الأنفس.
والحاصل: أن جميع الفتاوى المتقدمة في جواز بيع الوقف
- الراجعة إلى اعتبار أداء بقاء الوقف علما أو ظنا أو احتمالا إلى مطلق
الفساد، أو فساد خاص، أو اعتبار الاختلاف مطلقا، أو اختلاف
خاص - مستندة إلى ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة.
والأظهر في مدلولها: هو إناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء
فيه تلف الأموال والنفوس، لا مطلق الاختلاف، لأن الذيل مقيد،
ولا خصوص المؤدي علما أو ظنا، لأن موارد استعمال لفظة " ربما "
أعم من ذلك، ولا مطلق ما يؤدي إلى المحذور المذكور، لعدم ظهور
الذيل في التعليل بحيث يتعدى عن مورد النص وإن كان فيه إشارة إلى
التعليل.
وعلى ما ذكرنا، فالمكاتبة غير مفتى بها عند المشهور، لأن الظاهر
اعتبارهم العلم أو الظن بأداء بقائه إلى الخراب الغير الملازم للفتنة
الموجبة لاستباحة الأموال والأنفس، فيكون النسبة بين فتوى المشهور
ومضمون الرواية عموما من وجه.
لكن الإنصاف: أن هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية
وقصور مقاومتها للعمومات المانعة، بالشهرة، لأن اختلاف فتاوى
المشهور إنما هو من حيث الاختلاف في فهم المناط الذي أنيط به الجواز
من قوله عليه السلام: " إن كان قد علم الاختلاف... " المنضم إلى قوله:
" فإنه ربما جاء في الاختلاف... ".
وأما دلالة المكاتبة على كون مورد السؤال هو الوقف المؤبد
التام، فهي - على تقدير قصورها - منجبرة بالشهرة، فيندفع بها ما يدعى
97

من قصور دلالتها من جهات، مثل: عدم ظهورها في المؤبد، لعدم ذكر
البطن اللاحق، وظهورها في عدم إقباض الموقوف عليهم وعدم تمام
الوقف، كما عن الإيضاح (1)، وأوضحه الفاضل المحدث المجلسي، وجزم به
المحدث البحراني (2)، ومال إليه في الرياض (3).
قال الأول - في بعض حواشيه على بعض كتب الأخبار -:
إنه يخطر بالبال أنه يمكن حمل الخبر على ما إذا لم يقبضهم الضيعة
الموقوفة عليهم، ولم يدفعها إليهم، وحاصل السؤال: أن الواقف يعلم أنه
إذا دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف ويشتد، لحصول الاختلاف
بينهم (4) قبل الدفع إليهم في تلك الضيعة أو في أمر آخر، فهل يدعها
موقوفة ويدفعها إليهم، أو يرجع عن الوقف لعدم لزومه بعد ويدفع
إليهم ثمنها؟ أيهما أفضل؟ (5) انتهى موضع الحاجة.
والإنصاف: أنه توجيه حسن، لكن ليس في السؤال ما يوجب
ظهوره في ذلك، فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى ترك الاستفصال في
الجواب. كما أن عدم ذكر البطن اللاحق لا يوجب ظهور السؤال في
الوقف المنقطع، إذ كثيرا ما يقتصر في مقام حكاية وقف مؤبد على

(1) إيضاح الفوائد 2: 392.
(2) الحدائق 18: 442 - 443.
(3) الرياض 2: 31.
(4) في غير " ش ": " منهم "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(5) ملاذ الأخيار 14: 400، باب الوقوف والصدقات، ذيل الحديث 4، ومرآة
العقول 23: 61 كتاب الوصايا، ذيل الحديث 30.
98

ذكر بعض البطون، فترك الاستفصال عن ذلك يوجب ثبوت الحكم
للمؤبد.
والحاصل: أن المحتاج إلى الانجبار بالشهرة ثبوت حكم الرواية
للوقف التام المؤبد، لا تعيين ما أنيط به الجواز من كونه مجرد الفتنة
أو ما يؤدي الفتنة إليه، أو غير ذلك مما تقدم من الاحتمالات في
الفقرتين المذكورتين.
نعم، يحتاج إلى الاعتضاد بالشهرة من جهة أخرى، وهي:
أن مقتضى القاعدة - كما عرفت (1) - لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا
بين جميع البطون، وظاهر الرواية تقريره عليه السلام للسائل في تقسيم ثمن
الوقف على الموجودين، فلا بد: إما من رفع اليد عن مقتضى المعاوضة
إلا بتكلف سقوط حق سائر البطون عن الوقف آنا ما قبل البيع، لتقع
المعاوضة في مالهم. وإما من حمل السؤال على الوقف المنقطع، أعني:
الحبس الذي لا إشكال في بقائه على ملك الواقف، أو على الوقف الغير
التام، لعدم القبض، أو لعدم تحقق صيغة الوقف وإن تحقق التوطين عليه.
وتسميته وقفا بهذا الاعتبار.
ويؤيده: تصدي الواقف بنفسه للبيع، إلا أن يحمل على كونه
ناظرا، أو يقال: إنه أجنبي استأذن الإمام عليه السلام في بيعه عليهم حسبة.
بل يمكن أن يكون قد فهم الإمام عليه السلام من جعل السائل قسمة
الثمن بين الموجودين مفروغا عنها - مع أن المركوز في الأذهان اشتراك
جميع البطون في الوقف وبدله - أن مورد السؤال هو الوقف الباقي على

(1) في الصفحة 63.
99

ملك الواقف، لانقطاعه أو لعدم تمامه.
ويؤيده: أن ظاهر صدره المتضمن لجعل الخمس من الوقف
للإمام عليه السلام هو هذا النحو أيضا.
إلا أن يصلح هذا الخلل وأمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبد
التام، ويقال: إنه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصصا لقاعدة
المنع عن بيع الوقف، وموجبا لتكلف الالتزام بسقوط حق اللاحقين عن
الوقف عند إرادة البيع، أو نمنع (1) تقرير الإمام عليه السلام للسائل في قسمة
الثمن إلى الموجودين.
ويبقى الكلام في تعيين المحتملات في مناط جواز البيع، وقد
عرفت (2) الأظهر منها، لكن في النفس شئ من الجزم بظهوره، فلو
اقتصر على المتيقن من بين المحتملات - وهو الاختلاف المؤدي علما
أو ظنا إلى تلف خصوص مال الوقف ونفوس الموقوف عليهم - كان أولى.
والفرق بين هذا والقسم الأول من الصورة السابعة الذي جوزنا
فيه البيع:
أن المناط في ذلك القسم: العلم أو الظن بتلف الوقف رأسا.
والمناط هنا: خراب الوقف، الذي يتحقق به تلف المال وإن لم
يتلف الوقف، فإن الزائد من المقدار الباقي مال قد تلف.
وليس المراد من التلف في الرواية تلف الوقف رأسا حتى يتحد
مع ذلك القسم المتقدم، إذ لا يناسب هذا ما هو الغالب في تلف الضيعة

(1) في " ص ": بمنع.
(2) في الصفحة 89.
100

التي هي مورد الرواية، فإن تلفها غالبا لسقوطها عن المنفعة المطلوبة
منها بحسب شأنها.
ثم إن الظاهر من بعض العبائر المتقدمة، بل المحكي عن الأكثر (1):
أن الثمن في هذا البيع للبطن الموجود. إلا أن ظاهر كلام جماعة، بل
صريح بعضهم - كجامع المقاصد (2) - هو: أنه يشترى بثمنه ما يكون وقفا
على وجه يندفع به الخلف، تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الإمكان.
وهذا منه قدس سره مبني على منع (3) ظهور الرواية في تقرير السائل في
قسمة الثمن على الموجودين، أو على منع العمل بهذا التقرير في مخالفة
مقتضى قاعدة المعاوضة من اشتراك جميع البطون في البدل كالمبدل، لكن
الوجه الثاني ينافي قوله باختصاص الموجودين بثمن ما يباع، للحاجة
الشديدة، تمسكا برواية جعفر (4)، فتعين الأول، وهو منع التقرير. لكنه
خلاف مقتضى التأمل في الرواية.
[الوقف المنقطع] (5)
وأما الوقف المنقطع، وهو: ما إذا وقف على من ينقرض - بناء

(1) لم نقف عليه.
(2) جامع المقاصد 4: 97.
(3) في " ش " بدل " منع ": وجه.
(4) تقدمت في الصفحة 78.
(5) العنوان منا.
101

على صحته كما هو المعروف - فإما أن نقول ببقائه على ملك الواقف،
وإما أن نقول بانتقاله إلى الموقوف عليهم. وعلى الثاني: فإما أن
يملكوه ملكا مستقرا بحيث ينتقل منهم إلى ورثتهم عند انقراضهم،
وإما أن يقال بعوده إلى ملك الواقف، وإما أن يقال بصيرورته في
سبيل الله.
فعلى الأول: لا يجوز للموقوف عليهم البيع، لعدم الملك.
وفي
جوازه للواقف مع جهالة مدة استحقاق الموقوف عليهم إشكال، من
حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التام على وجه ينتفع
به، ولذا منع الأصحاب - كما في الإيضاح (1) - بيع مسكن المطلقة المعتدة
بالأقراء، لجهالة مدة العدة، مع عدم كثرة التفاوت.
نعم، المحكي عن جماعة - كالمحقق (2) والشهيدين في المسالك (3)
والدروس (4) وغيرهم (5) -: صحة البيع في السكنى الموقتة بعمر أحدهما،
بل ربما يظهر من محكي التنقيح: الإجماع عليه. ولعله إما لمنع الغرر،
وإما للنص، وهو ما رواه المشايخ الثلاثة - في الصحيح أو الحسن - عن

(1) إيضاح الفوائد 2: 409، وفي غير " ف " زيادة: " على ما حكي عنهم "،
وشطب عليها في " ن ".
(2) المختصر النافع: 159، والشرائع 2: 225.
(3) المسالك 5: 427 - 429.
(4) الدروس 2: 282.
(5) مثل المحقق السبزواري في الكفاية: 143، والمحدث الكاشاني في المفاتيح 3:
220، والسيد الطباطبائي في الرياض 2: 34، وانظر مقابس الأنوار: 157.
102

الحسين بن نعيم، قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جعل داره
سكنى لرجل زمان حياته ولعقبه من بعده، قال: هي له ولعقبه من
بعده كما شرط. قلت: فإن احتاج إلى بيعها؟ قال: نعم. قلت: فينقض
البيع السكنى؟ قال: لا ينقض البيع السكنى، كذلك سمعت أبي يقول:
قال أبو جعفر عليه السلام: لا ينقض البيع الإجارة ولا السكنى، ولكن يبيعه
على أن الذي يشتريه لا يملك ما اشتراه حتى ينقضي السكنى على
ما شرط... الخبر " (1).
ومع ذلك فقد توقف في المسألة العلامة (2) وولده (3) والمحقق
الثاني (4).
ولو باعه من الموقوف عليه المختص بمنفعة الوقف، فالظاهر جوازه،
لعدم الغرر. ويحتمل العدم، لأن معرفة المجموع المركب من ملك البائع
وحق المشتري لا توجب معرفة المبيع. وكذا لو باعه ممن انتقل
إليه حق الموقوف عليه. نعم، لو انتقل إلى الواقف ثم باع صح
جزما.
وأما مجرد رضا الموقوف عليهم، فلا يجوز البيع من الأجنبي،

(1) الكافي 7: 38، الحديث 38، والفقيه 4: 251، الحديث 5595، والتهذيب
9: 141، الحديث 593، وعنها الوسائل 13: 267، الباب 24 من أبواب
أحكام الإجارة، الحديث 3.
(2) القواعد 1: 273، والمختلف 6: 336.
(3) إيضاح الفوائد 2: 409.
(4) جامع المقاصد 9: 125.
103

لأن المنفعة مال لهم فلا تنتقل إلى المشتري بلا عوض. اللهم إلا أن
يكون على وجه الإسقاط لو صححناه منهم، أو يكون المعاملة مركبة
من نقل العين من طرف الواقف ونقل المنفعة من قبل الموقوف عليهم،
فيكون العوض موزعا عليهما. ولا بد أن يكون ذلك على وجه الصلح،
لأن غيره لا يتضمن نقل العين والمنفعة كليهما، خصوصا مع جهالة
المنفعة.
ومما ذكرنا يظهر وجه التأمل فيما حكي عن التنقيح: من أنه
لو اتفق الواقف والموقوف عليه على البيع في المنقطع جاز (1)، سواء أراد
بيع الواقف أو بيع الموقوف عليه، كما يدل عليه كلامه المحكي عنه في
مسألة السكنى (2)، حيث أجاز استقلال مالك العين بالبيع ولو من دون
رضا مالك الانتفاع أو المنفعة.
نعم، لو كان للموقوف عليه حق الانتفاع من دون تملك للمنفعة
- كما في السكنى على قول - صح ما ذكره، لإمكان سقوط الحق
بالإسقاط، بخلاف المال، فتأمل.
وتمام الكلام في هذه المسائل في باب السكنى والحبس إن شاء الله
تعالى.
وعلى الثاني (3): فلا يجوز البيع للواقف، لعدم الملك، ولا للموقوف

(1) التنقيح الرائع 2: 329 - 330، وحكاه عنه المحقق التستري في مقابس
الأنوار: 157.
(2) راجع التنقيح الرائع 2: 336 - 337.
(3) عطف على قوله: " فعلى الأول " المتقدم في الصفحة 102.
104

عليه، لاعتبار الواقف بقاءه في يدهم إلى انقراضهم.
وعلى الثالث: فلا يجوز البيع للموقوف عليه وإن أجاز الواقف،
لمنافاته لاعتبار الواقف في الوقف بقاء العين، كما لا يجوز أيضا للواقف
الغير المالك فعلا وإن أجاز الموقوف عليه، إلا إذا جوزنا بيع ملك الغير
مع عدم اعتبار مجيز له في الحال، بناء على أن الموقوف عليه الذي هو
المالك فعلا ليس له الإجازة، لعدم تسلطه على النقل، فإذا انقرض
الموقوف عليه وملكه الواقف لزم البيع.
ثم إنه قد أورد (1) على القاضي قدس سره حيث جوز للموقوف عليه
بيع الوقف المنقطع مع قوله ببقاء الوقف المنقطع على ملك الواقف (2).
ويمكن دفع التنافي بكونه قائلا بالوجه الثالث من الوجوه المتقدمة
- وهو ملك الموقوف عليهم ثم عوده إلى الواقف - إلا أن الكلام في
ثبوت هذا القول بين من اختلف في مالك الموقوف في الوقف المنقطع،
ويتضح ذلك بمراجعة المسألة في كتاب الوقف.
وعلى الرابع: فالظاهر أن حكمه حكم الوقف المؤبد - كما صرح
به المحقق الثاني (3) على ما حكي عنه - لأنه حقيقة وقف مؤبد كما لو
صرح بكونه في سبيل الله بعد انقراض الموقوف عليه الخاص.
ثم إن ما ذكرنا في حكم الوقف المنقطع فإنما هو بالنسبة إلى
البطن الذي لا بطن بعده يتلقى الملك من الواقف.

(1) أورده المحقق التستري في مقابس الأنوار: 157.
(2) المهذب 2: 92.
(3) جامع المقاصد 9: 70.
105

وأما حكم بيع بعض البطون مع وجود من بعدهم، فإن قلنا بعدم
تملكهم للمنقطع فهو كما تقدم. وأما على تقدير القول بملكهم، فحكم بيع
غير الأخير من البطون حكم بيع بعض البطون في الوقف المؤبد،
فيشترك معه في المنع في الصور التي منعنا، وفي الجواز في الصور (1)
التي جوزنا، لاشتراك دليل المنع، ويتشاركان أيضا في حكم الثمن بعد
البيع.

(1) كذا في " ف " و " ن " ومصححة " خ "، وفي سائر النسخ: الصورة.
106

مسألة
ومن أسباب خروج الملك عن كونه طلقا: صيرورة المملوكة أم
ولد لسيدها،
فإن ذلك يوجب منع المالك عن بيعها، بلا خلاف بين
المسلمين، على الظاهر المحكي عن مجمع الفائدة (1).
وفي بعض الأخبار دلالة على كونه من المنكرات في صدر الإسلام،
مثل ما روي من قول أمير المؤمنين عليه السلام لمن (2) سأله عن بيع أمة
أرضعت ولده، قال له: " خذ بيدها، وقل: من يشتري أم ولدي؟ " (3).
وفي حكم البيع كل تصرف ناقل للملك الغير المستعقب بالعتق،
أو مستلزم للنقل كالرهن، كما يظهر من تضاعيف كلماتهم في جملة من
الموارد:
منها (4): جعل أم الولد (5) ملكا غير طلق، كالوقف والرهن. وقد

(1) مجمع الفائدة 8: 169.
(2) لم ترد " لمن " في غير " ش " و " ن ".
(3) الوسائل 14: 309، الباب 19 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأول.
(4) في غير " ف " زيادة: " ما "، وشطب عليها في " ن "، " خ " و " ع ".
(5) في غير " ف " و " ش ": " أم ولد "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
107

عرفت أن المراد من الطلق: تمامية الملك والاستقلال في التصرف، فلو
جاز الصلح عنها وهبتها لم تخرج عن كونها طلقا بمجرد عدم جواز
إيقاع عقد البيع عليها، كما أن المجهول الذي يجوز (1) الصلح عنه وهبته
والإبراء عنه ولا يجوز بيعه، لا يخرج عن كونه طلقا.
ومنها: كلماتهم في رهن أم الولد، فلاحظها (2).
ومنها: كلماتهم في استيلاد المشتري في زمان خيار البائع، فإن
المصرح به في كلام الشهيدين في خيار الغبن: أن البائع لو فسخ يرجع
إلى القيمة، لامتناع انتقال أم الولد (3). و (4) كذا في كلام العلامة (5) وولده (6)
وجامع المقاصد (7) ذلك أيضا في زمان مطلق الخيار.
ومنها: كلماتهم في مستثنيات بيع أم الولد ردا وقبولا (8)، فإنها
كالصريحة في أن الممنوع مطلق نقلها، لا خصوص البيع.
وبالجملة، فلا يبقى للمتأمل شك في ثبوت حكم البيع لغيره من
النواقل.

(1) في غير " ف ": يصح.
(2) راجع القواعد 1: 159، والمختلف 5: 426، والإيضاح 2: 12، والدروس
3: 393، وجامع المقاصد 5: 52، والجواهر 25: 139.
(3) راجع الروضة البهية 3: 466، والمسالك 3: 206.
(4) " الواو " من " ش " ومصححة " ن ".
(5) القواعد 1: 144.
(6) إيضاح الفوائد 1: 489.
(7) جامع المقاصد 4: 313.
(8) ستأتي كلماتهم في المستثنيات في الصفحة 118 وما بعدها.
108

ومع ذلك كله، فقد جزم بعض سادة مشايخنا (1) بجواز غير البيع
من النواقل، للأصول وخلو كلام المعظم عن حكم غير البيع. وقد
عرفت ظهوره من تضاعيف كلمات المعظم في الموارد المختلفة، ومع ذلك
فهو الظاهر من المبسوط والسرائر، حيث قالا (2): إذا مات ولدها جاز
بيعها وهبتها والتصرف فيها بسائر أنواع التصرف (3).
وقد ادعى في الإيضاح الإجماع صريحا على المنع عن كل ناقل (4)،
وأرسله بعضهم - كصاحب الرياض (5) وجماعة (6) - إرسال المسلمات، بل
عبارة بعضهم ظاهرة في دعوى الاتفاق، حيث قال: إن الاستيلاد مانع
من صحة التصرفات الناقلة من ملك المولى إلى ملك غيره، أو المعرضة
لها للدخول في ملك غيره كالرهن، على خلاف في ذلك (7).
ثم إن عموم المنع لكل ناقل وعدم اختصاصه بالبيع قول جميع
المسلمين، والوجه فيه: ظهور أدلة المنع المعنونة بالبيع (8) في إرادة مطلق
النقل، فإن مثل قول أمير المؤمنين عليه السلام في الرواية السابقة: " خذ

(1) المناهل: 320 (التنبيه السادس).
(2) في " م " و " ش ": قال.
(3) المبسوط 6: 185، والسرائر 3: 21.
(4) إيضاح الفوائد 3: 631.
(5) الرياض 2: 237.
(6) منهم الشهيدان في غاية المراد: 249، والروضة البهية 6: 369، وصاحب
الجواهر في الجواهر 22: 374.
(7) قاله المحقق التستري في مقابس الأنوار: 160.
(8) ستأتي في الصفحات التالية.
109

بيدها، وقل: من يشتري أم ولدي؟ " (1)، يدل على أن مطلق نقل أم
الولد إلى الغير كان من المنكرات، وهو مقتضى التأمل فيما سيجئ من
أخبار بيع أم الولد في ثمن رقبتها (2) وعدم جوازه فيما سوى ذلك.
هذا مضافا إلى ما اشتهر - وإن لم نجد نصا عليه -: من أن الوجه
في المنع هو بقاؤها رجاء لانعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيدها.
والحاصل: أنه لا إشكال في عموم المنع لجميع النواقل.
ثم إن المنع مختص بعدم هلاك الولد، فلو هلك جاز اتفاقا فتوى ونصا.
ولو مات الولد وخلف ولدا:
ففي إجراء حكم الولد عليه، لأصالة بقاء المنع، ولصدق الاسم
فيندرج في إطلاق الأدلة، وتغليبا للحرية (3).
أو العدم، لكونه حقيقة في ولد الصلب، وظهور إرادته من جملة
من الأخبار، وإطلاق ما دل من النصوص والإجماع على الجواز بعد
موت ولدها.
أو التفصيل بين كونه وارثا، لعدم ولد الصلب للمولى، وعدمه،
لمساواة الأول مع ولد الصلب في الجهة المقتضية للمنع، وجوه:
حكي أولها عن الإيضاح (4)، وثالثها عن المهذب البارع (5) ونهاية المرام (6).

(1) تقدمت في الصفحة 107.
(2) يجئ في الصفحة 119 - 120.
(3) كذا في مصححة " ن " و " ص "، وفي النسخ: للحرمة.
(4) إيضاح الفوائد 3: 636.
(5) المهذب البارع 4: 106.
(6) نهاية المرام 2: 318.
110

وعن القواعد (1) والدروس (2) وغيرهما (3): التردد.
بقي الكلام في معنى " أم الولد "، فإن ظاهر اللفظ اعتبار انفصال
الحمل، إذ لا يصدق الولد إلا بالولادة. لكن المراد هنا - مجازا -
ولدها (4) ولو حملا (5)، للمشارفة. ويحتمل أن يراد الولادة من الوالد دون
الوالدة.
وكيف كان، فلا إشكال، بل لا خلاف في تحقق الموضوع بمجرد
الحمل.
ويدل عليه: الصحيح عن محمد بن مارد، عن أبي عبد الله عليه السلام:
" في الرجل يتزوج أمة، فتلد منه (6) أولادا، ثم يشتريها فتمكث عنده
ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثم يبدو له في بيعها، قال:
هي أمته إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل [بعد ذلك] (7) وإن شاء
أعتق " (8).
وفي رواية السكوني، عن جعفر بن محمد، قال: " قال علي بن

(1) القواعد 2: 128.
(2) الدروس 2: 223، وحكى عنهم جميعا المحقق التستري في مقابس الأنوار:
160 - 161.
(3) راجع مفتاح الكرامة 4: 264.
(4) العبارة في مصححة " ن " وغاية الآمال: 456: ولدها مجازا.
(5) عبارة " ولو حملا " من " ش ".
(6) كذا في " ص " والمصدر، وفي " ش " ومصححة " ن ": " يتزوج الجارية تلد
منه "، وفي سائر النسخ: يزوج الجارية يلد منه.
(7) من " ص " والمصدر.
(8) الوسائل 16: 105، الباب 4 من كتاب الاستيلاد.
111

الحسين - صلوات الله عليهم أجمعين (1) - في مكاتبة يطؤها مولاها
فتحبل، فقال: يرد عليها مهر مثلها، وتسعى في رقبتها (2)، فإن عجزت
فهي من أمهات الأولاد " (3).
لكن في دلالتها على ثبوت الحكم بمجرد الحمل نظر، لأن زمان
الحكم بعد تحقق السعي والعجز عقيب الحمل، والغالب ولوج الروح
حينئذ.
ثم الحمل يصدق بالمضغة اتفاقا، على ما صرح في الرياض (4)،
واستظهره بعض آخر (5) وحكاه عن جماعة هنا وفي باب انقضاء عدة
الحامل.
وفي صحيحة ابن الحجاج، قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن
الحبلى يطلقها زوجها ثم تضع سقطا - تم أو لم يتم - أو وضعته مضغة،
أتنقضي عدتها (6)؟ فقال عليه السلام: كل شئ وضعته يستبين أنه حمل - تم

(1) كذا في الفقيه، وفي الكافي والتهذيب والوسائل: عن أبي عبد الله عليه السلام: إن
أمير المؤمنين عليه السلام قال.
(2) في " ص " والمصادر الحديثية: قيمتها.
(3) الوسائل 16: 97، الباب 14 من كتاب المكاتبة، الحديث 2، وانظر الكافي
6: 188، الحديث 16، والفقيه 3: 154، الحديث 3563، والتهذيب 8:
269، الحديث 981.
(4) الرياض 2: 237.
(5) وهو المحقق التستري في مقابس الأنوار: 159.
(6) في غير " ص " زيادة: عنها.
112

أو لم يتم - فقد انقضت عدتها وإن كان مضغة " (1).
ثم الظاهر صدق " الحمل " على العلقة، وقوله عليه السلام: " وإن كانت
مضغة " تقرير لكلام السائل، لا بيان لأقل مراتب الحمل - كما عن
الإسكافي (2) - وحينئذ فيتجه الحكم بتحقق الموضوع بالعلقة كما عن
بعض (3)، بل عن الإيضاح (4) والمهذب البارع (5): الإجماع عليه.
وفي المبسوط - فيما إذا ألقت جسدا ليس فيه تخطيط لا ظاهر ولا
خفي، لكن قالت القوابل: إنه مبدأ خلق آدمي، وإنه لو بقي لتخلق (6)
وتصور -: قال قوم: إنها لا تصير أم ولد بذلك. وقال بعضهم: تصير
أم ولد. وهو مذهبنا (7)، انتهى. ولا يخلو عن قوة، لصدق الحمل.
وأما النطفة: فهي بمجردها لا عبرة بها ما لم تستقر في الرحم،
لعدم صدق كونها حاملا، وعلى هذا الفرد ينزل إجماع الفاضل المقداد
على عدم العبرة بها في العدة (8).

(1) الوسائل 15: 421، الباب 11 من أبواب العدد.
(2) حكاه عنه العلامة في المختلف 7: 528.
(3) مثل المحقق في الشرائع 3: 138، وصاحب المدارك في نهاية المرام 2: 315،
والسيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 262، وغيرهم.
(4) إيضاح الفوائد 3: 631.
(5) المهذب البارع 4: 100.
(6) في النسخ: " لخلق "، والصواب ما أثبتناه من المصدر.
(7) المبسوط 6: 186.
(8) التنقيح الرائع 3: 342.
113

وأما (1) مع استقرارها في الرحم، فالمحكي عن نهاية الشيخ: تحقق
الاستيلاد بها (2)، وهو الذي قواه في المبسوط في باب العدة - بعد أن
نقل عن المخالفين عدم انقضاء العدة به - مستدلا بعموم الآية
والأخبار (3)، ومرجعه إلى صدق الحمل.
ودعوى: أن إطلاق " الحامل " حينئذ مجاز بالمشارفة، يكذبها
التأمل في الاستعمالات. وربما يحكى (4) عن التحرير موافقة الشيخ، مع
أنه لم يزد فيه على حكاية الحكم عن الشيخ (5). نعم، في بعض نسخ
التحرير لفظ يوهم ذلك (6).
نعم، قوى التحرير موافقته فيما تقدم عن الشيخ في مسألة الجسد
الذي ليس فيه تخطيط (7). ونسب القول المذكور إلى الجامع أيضا (8).
واعلم أن ثمرة تحقق الموضوع فيما إذا ألقت المملوكة ما في بطنها،
إنما تظهر في بيعها الواقع قبل الإلقاء، فيحكم ببطلانه إذا كان الملقى

(1) لم ترد " أما " في " ف " و " خ "، وشطب عليها في " ن ".
(2) حكاه عنه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 160، وراجع النهاية: 546.
(3) المبسوط 5: 240.
(4) حكاه الفاضل في كشف اللثام 2: 138، والمحقق التستري في مقابس الأنوار:
160.
(5) انظر التحرير 2: 71.
(6) كتب في " ف " على عبارة " نعم - إلى - ذلك ": نسخة.
(7) كذا في " ف " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: التخطيط.
(8) نسب ذلك إلى الجامع، الفاضل الإصفهاني في كشف اللثام 2: 138، وراجع
الجامع للشرائع: 471.
114

حملا، وأما بيعها بعد الإلقاء فيصح بلا إشكال. وحينئذ فلو وطأها
المولى ثم جاءت بولد تام أو غير تام، فيحكم ببطلان البيع الواقع
بين أول زمان العلوق وزمان الإلقاء. وعن المسالك: الإجماع على
ذلك (1).
فذكر صور الإلقاء - المضغة، والعلقة، والنطفة - في باب العدة إنما
هو لبيان انقضاء العدة بالإلقاء، وفي باب الاستيلاد لبيان كشفها عن أن
المملوكة بعد الوطء صارت أم ولد، لا أن البيع الواقع قبل تحقق العلقة
صحيح إلى (2) أن تصير النطفة علقة، ولذا عبر الأصحاب عن سبب
الاستيلاد بالعلوق الذي هو اللقاح (3).
نعم، لو فرض عدم علوقها بعد الوطء إلى زمان، صح البيع قبل
العلوق.
ثم إن المصرح به في كلام بعض (4) - حاكيا له عن غيره (5) -: أنه
لا يعتبر في العلوق أن يكون بالوطء، فيتحقق بالمساحقة، لأن المناط
هو الحمل، وكون ما يولد منها ولدا للمولى شرعا، فلا عبرة بعد ذلك

(1) المسالك 3: 288، وحكاه عنه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 160.
(2) في " ع "، " ص " و " ش " بدل " إلى ": إلا.
(3) كما في الشرائع 3: 138، والروضة البهية 6: 370، ونهاية المرام 2: 315،
والحدائق 18: 448، ومفتاح الكرامة 4: 262، وغيرها.
(4) وهو السيد الطباطبائي في الرياض 2: 237، وقد حكاه عن جملة من
الأصحاب.
(5) كلمة " غيره " من " ش " ومصححة " ن ".
115

بانصراف الإطلاقات إلى الغالب من كون الحمل بالوطء.
نعم، يشترط في العلوق بالوطء أن يكون الوطء على وجه يلحق
الولد بالواطئ وإن كان محرما، كما إذا كانت في حيض، أو ممنوعة
الوطء شرعا لعارض آخر، أما الأمة المزوجة فوطؤها زنا لا يوجب
لحوق الولد.
ثم إن المشهور اعتبار الحمل في زمان الملك، فلو ملكها بعد
الحمل لم تصر أم ولد. خلافا للمحكي عن الشيخ (1) وابن حمزة (2)
فاكتفيا بكونها أم ولد قبل الملك، ولعله لإطلاق العنوان، ووجود العلة،
وهي كونها في معرض الانعتاق من نصيب ولدها.
ويرد الأول: منع إطلاق يقتضي ذلك، فإن المتبادر من " أم
الولد " صنف من أصناف الجواري باعتبار الحالات العارضة لها بوصف
المملوكية، كالمدبر والمكاتب. والعلة المذكورة غير مطردة ولا منعكسة
كما لا يخفى، مضافا إلى صريح رواية محمد بن مارد المتقدمة (3).
ثم إن المنع عن بيع أم الولد قاعدة كلية مستفادة من الأخبار
- كروايتي السكوني ومحمد بن مارد المتقدمتين (4)، وصحيحة عمر بن
يزيد الآتية (5) وغيرها -. ومن الإجماع على أنها لا تباع إلا لأمر يغلب

(1) المبسوط 6: 186.
(2) الوسيلة: 343، وحكاه عنهما المحقق التستري في مقابس الأنوار: 159.
(3) تقدمت في الصفحة 111.
(4) تقدمتا في الصفحة 111.
(5) ستأتي في الصفحة 119 - 120.
116

ملاحظته على ملاحظة الحق الحاصل منها (1) بالاستيلاد (2) - أعني
تشبثها بالحرية - ولذا كل من جوز البيع في مقام، لم يجوز إلا بعد إقامة
الدليل الخاص (3).
فلا بد من التمسك بهذه القاعدة المنصوصة المجمع عليها حتى يثبت
بالدليل ثبوت (4) ما هو أولى بالملاحظة في نظر الشارع من الحق
المذكور، فلا يصغى إذا إلى منع الدليل على المنع كلية والتمسك بأصالة
صحة البيع من حيث قاعدة تسلط الناس على أموالهم حتى يثبت
المخرج.
ثم إن المعروف بين العلماء ثبوت الاستثناء عن الكلية المذكورة في
الجملة، لكن المحكي في السرائر عن السيد قدس سره عموم المنع وعدم
الاستثناء (5). وهو غير ثابت، وعلى تقدير الثبوت فهو ضعيف، يرده
- مضافا إلى ما ستعرف من الأخبار - قوله عليه السلام في صحيحة زرارة
وقد سأله عن أم الولد، قال: " تباع وتورث، وحدها حد الأمة " (6).
بناء على حملها على أنها قد يعرض لها ما يجوز ذلك.

(1) كذا في النسخ، والظاهر: " لها "، كما في مصححة " ن ".
(2) كذا في " ف " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: باستيلاد.
(3) عبارة " ولذا كل من جوز البيع - إلى - الخاص " وردت في غير " ش " قبل
قوله: " ومن الإجماع... " المتقدم آنفا، وأشار مصحح " ن " إلى هذا في هامش
النسخة.
(4) كلمة " ثبوت " مشطوب عليها في " ن ".
(5) السرائر 3: 21، وراجع الانتصار: 175، المسألة التاسعة من كتاب التدبير.
(6) الوسائل 13: 52، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان، الحديث 3.
117

[مستثنيات منع]
[بيع أم الولد] (1)
وأما المواضع القابلة للاستثناء - وإن (2) وقع التكلم في استثنائها
لأجل وجود ما يصلح أن يكون أولى بالملاحظة من الحق - فهي صور،
يجمعها:
تعلق حق للغير بها.
أو تعلق حقها بتعجيل العتق.
أو تعلق حق سابق على الاستيلاد (3).
أو عدم تحقق الحكمة المانعة عن النقل.
فمن موارد القسم الأول:
ما إذا كان على مولاها دين ولم يكن
له ما يؤدي هذا الدين.
والكلام في هذا المورد قد يقع فيما إذا كان الدين ثمن رقبتها، وقد
يقع فيما إذا كان غير ثمنها.
وعلى الأول، يقع الكلام تارة بعد موت المولى، وأخرى في حال
حياته.
أما بعد الموت، فالمشهور الجواز، بل عن الروضة: أنه موضع

(1) العنوان منا.
(2) في " ش " بدل " إن ": قد.
(3) عبارة " أو تعلق حق سابق على الاستيلاد " من " ش " وهامش " ن ".
118

وفاق (1)، وعن جماعة: أنه لا خلاف فيه (2). ولا ينافي ذلك مخالفة السيد
في أصل المسألة (3)، لأنهم يريدون نفي الخلاف بين القائلين بالاستثناء في
بيع أم الولد، أو القائلين باستثناء بيعها في ثمن رقبتها، في مقابل صورة
حياة المولى المختلف فيها.
وكيف كان، فلا إشكال في الجواز في هذه الصورة، لا لما قيل (4):
من قاعدة تسلط الناس على أموالهم، لما عرفت من انقلاب القاعدة إلى
المنع في خصوص هذا المال (5)، بل لما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح
عن عمر بن يزيد، قال: " قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: أسألك عن
مسألة، فقال: سل. قلت: لم باع أمير المؤمنين - صلوات الله وسلامه عليه - أمهات
الأولاد؟ قال: في فكاك رقابهن. قلت: فكيف ذلك؟ قال: أيما رجل
اشترى جارية فأولدها ولم يؤد ثمنها، ولم يدع من المال ما يؤدي عنه
أخذ منها ولدها وبيعت، وادي ثمنها. قلت: فيبعن (6) فيما سوى ذلك من

(1) الروضة البهية 3: 257.
(2) كالسيد العاملي في نهاية المرام 2: 315، والمحقق السبزواري في الكفاية:
225، والسيد الطباطبائي في الرياض 2: 237، وحكاه عنهم السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 4: 262.
(3) كما تقدم في الصفحة 117.
(4) قاله صاحب الجواهر في الجواهر 22: 376، ونقله في المناهل: 319، عن
الإيضاح، انظر إيضاح الفوائد 1: 428.
(5) راجع الصفحة 117.
(6) كذا في " ش " ومصححة " ن " و " خ " والكافي، وفي " ص ": " فتباع "، وفاقا
للفقيه والوسائل.
119

دين؟ قال: لا " (1).
وفي رواية أخرى لعمر بن يزيد عن أبي الحسن عليه السلام، قال:
" سألته (2) عن أم الولد، تباع في الدين؟ قال: نعم، في ثمن رقبتها " (3).
ومقتضى إطلاقها، بل إطلاق الصحيحة - كما قيل (4) -: ثبوت
الجواز مع حياة المولى كما هو مذهب الأكثر، بل لم يعرف الخلاف فيه
صريحا. نعم، تردد فيه الفاضلان (5).
وعن نهاية المرام والكفاية: أن المنع نادر، لكنه لا يخلو عن
قوة (6). وربما يتوهم القوة من حيث توهم تقييدها بالصحيحة السابقة،
بناء على اختصاص الجواز فيها بصورة موت المولى، كما يشهد به قوله
فيها: " ولم يدع من المال... الخ "، فيدل على نفي الجواز عما سوى هذا
الفرد، إما لورودها في جواب السؤال عن موارد بيع أمهات الأولاد،
فيدل على الحصر. وإما لأن نفي الجواز في ذيلها فيما سوى هذه الصورة

(1) الكافي 6: 193، الحديث 5، والفقيه 3: 139، الحديث 3512، والتهذيب
8: 238، الحديث 862، والوسائل 13: 51، الباب 24 من أبواب بيع
الحيوان، الحديث الأول.
(2) من " ش " وهامش " ن ".
(3) الوسائل 13: 51، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان، الحديث 2.
(4) قاله السيد المجاهد في المناهل: 319.
(5) راجع الشرائع 2: 17، والقواعد 1: 126، والتحرير 1: 165.
(6) نهاية المرام 1: 294، وكفاية الأحكام: 173، وحكاه عنهما السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 4: 262.
120

يشمل بيعه (1) في الدين مع حياة المولى.
واندفاع التوهم بكلا وجهيه واضح.
نعم، يمكن أن يقال في وجه القوة - بعد الغض عن دعوى ظهور
قوله: " تباع في الدين " في كون البائع غير المولى في ما بعد الموت -:
أن النسبة بينها وبين رواية ابن مارد المتقدمة (2) عموم من وجه، فيرجع
إلى أصالة المنع الثابتة بما تقدم (3) من القاعدة المنصوصة المجمع عليها.
نعم، ربما يمنع عموم القاعدة على هذا الوجه بحيث يحتاج إلى
المخصص، فيقال بمنع الإجماع في محل الخلاف، سيما مع كون المخالف جل
المجمعين، بل كلهم إلا نادرا (4)، وحينئذ فالمرجع إلى قاعدة " سلطنة
الناس على أموالهم ".
لكن التحقيق خلافه، وإن صدر هو عن بعض المحققين (5)، لأن
المستفاد من النصوص والفتاوى: أن استيلاد الأمة يحدث لها حقا مانعا
عن نقلها، إلا إذا كان هناك حق أولى منه بالمراعاة.
وربما توهم معارضة هذه القاعدة وجوب (6) أداء الدين، فيبقى
قاعدة " السلطنة " وأصالة بقاء جواز بيعها في ثمن رقبتها قبل الاستيلاد،
ولا يعارضها أصالة بقاء المنع حال الاستيلاد قبل العجز عن ثمنها، لأن

(1) كذا في النسخ، والمناسب: بيعها.
(2) تقدمت في الصفحة 111.
(3) تقدم في الصفحة 116.
(4) في غير " ص ": نادر.
(5) راجع مقابس الأنوار: 162.
(6) في " ش " ومصححة " ن ": بوجوب.
121

بيعها قبل العجز ليس بيعا في الدين، كما لا يخفى.
ويندفع أصل المعارضة بأن أدلة وجوب أداء الدين مقيدة (1)
بالقدرة العقلية والشرعية، وقاعدة المنع تنفي القدرة الشرعية، كما في
المرهون والموقوف.
فالأولى في الانتصار لمذهب المشهور أن يقال برجحان إطلاق
رواية عمر بن يزيد على إطلاق رواية ابن مارد الظاهر في عدم كون
بيعها في ثمن رقبتها، كما يشهد به قوله: " فتمكث عنده ما شاء الله لم
تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثم يبدو له في بيعها " (2)، مع أن ظاهر
البداء في البيع ينافي الاضطرار إليه لأجل ثمنها.
وبالجملة، فبعد منع ظهور سياق الرواية فيما بعد الموت، لا إشكال
في رجحان دلالتها على دلالة رواية ابن مارد على المنع، كما يظهر
بالتأمل، مضافا إلى اعتضادها بالشهرة المحققة. والمسألة محل إشكال.
ثم على المشهور من الجواز، فهل يعتبر فيه عدم ما يفي بالدين (3)
ولو من المستثنيات كما هو ظاهر إطلاق كثير، أو مما عداها كما عن
جماعة (4)؟
الأقوى هو الثاني، بل لا يبعد أن يكون ذلك مراد من أطلق،

(1) في غير " م " و " ش ": متقيدة.
(2) راجع الصفحة 111.
(3) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: به الدين.
(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 3: 170، والروضة البهية 3: 257، والمحدث
البحراني في الحدائق 18: 448، والسيد المجاهد في المناهل: 319، وصاحب
الجواهر في الجواهر 22: 375.
122

لأن الحكم بالجواز في هذه الصورة في النص والفتوى مسوق لبيان
ارتفاع المانع عن بيعها من جهة الاستيلاد، فتكون ملكا طلقا كسائر
الأملاك التي يؤخذ المالك ببيعها من دون بيع المستثنيات.
فحاصل السؤال في رواية عمر بن يزيد: أنه هل تباع أم الولد
في الدين على حد سائر الأموال التي تباع فيه؟
وحاصل الجواب: تقرير ذلك في خصوص ثمن الرقبة، فيكون ثمن
الرقبة بالنسبة إلى أم الولد كسائر الديون بالنسبة إلى سائر الأموال.
ومما ذكر يظهر: أنه لو كان نفس أم الولد مما يحتاج إليها المولى
للخدمة فلا تباع في ثمن رقبتها، لأن غاية الأمر كونها بالنسبة إلى الثمن
كجارية أخرى يحتاج إليها.
ومما ذكرنا يظهر الوجه في استثناء الكفن ومؤونة التجهيز، فإذا
كان للميت كفن وأم ولد، بيعت في الدين دون الكفن، إذ يصدق أن
الميت لم يدع ما يؤدي عنه الدين عداها، لأن الكفن لا يؤدي عنه
الدين.
ثم إنه لا فرق بين كون ثمنها بنفسه دينا للبائع، أو استدان الثمن
واشترى به. أما لو اشترى في الذمة ثم استدان ما أوفى به البائع فليس
بيعها في ثمن رقبتها، بل ربما تؤمل فيما قبله، فتأمل.
ولا فرق بين بقاء جميع الثمن في الذمة أو بعضه، ولا بين نقصان
قيمتها عن الثمن أو زيادتها عليه. نعم، لو أمكن الوفاء ببيع بعضها
اقتصر عليه، كما عن غاية المراد التصريح به (1).
ولو كان الثمن مؤجلا لم يجز للمولى بيعها قبل حلول الأجل وإن

(1) غاية المراد: 89، وحكاه عنه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 165.
123

كان مأيوسا من الأداء عند الأجل.
وفي اشتراط مطالبة البائع، أو الاكتفاء باستحقاقه ولو امتنع عن
التسلم، أو الفرق بين رضاه بالتأخير وإسقاطه لحق الحلول وإن لم
يسقط بذلك وبين عدم المطالبة فيجوز في الأول دون الثاني (1). وجوه،
أحوطها الأول، ومقتضى الإطلاق الثاني.
ولو تبرع متبرع بالأداء، فإن سلم إلى البائع برئت ذمة المشتري
ولا يجوز بيعها، وإن سلم إلى المولى أو الورثة، ففي وجوب القبول
نظر، وكذا لو أرضي (2) البائع باستسعائها في الأداء.
ولو دار الأمر بين بيعها ممن تنعتق عليه أو بشرط العتق، وبيعها
من غيره، ففي وجوب تقديم الأول وجهان.
ولو أدى الولد ثمن نصيبه، انعتق (3) عليه، وحكم الباقي يعلم من
مسائل السراية.
ولو أدى ثمن جميعها، فإن أقبضه البائع فكالمتبرع، وإن كان
بطريق الشراء ففي وجوب قبول ذلك على الورثة نظر: من الإطلاق،

(1) العبارة في " ش " و " ح " هكذا: " فيجوز في الثاني دون الأول "، وقال المحقق
المامقاني قدس سره - بعد أن أثبت ما أثبتناه في المتن -: الظاهر أن يقال: " فيجوز
في الثاني دون الأول "، لأن جواز بيعها يناسب الثاني دون الأول، إلا أن يتكلف
بإرجاع ضمير " يجوز " إلى ترك البيع، وهو - مع كونه تكلفا في العبارة - غير
واف بالمقصود، لأن المقصود جواز البيع بعد أن لم يكن جائزا، لا أنه كان
واجبا فيجوز تركه. (انظر غاية الآمال: 458).
(2) في " ش " ومصححة " ن ": رضي.
(3) كذا في النسخ، والصواب: انعتقت.
124

ومن الجمع بين حقي الاستيلاد والدين.
ولو امتنع المولى من أداء الثمن من غير عذر، فلجواز بيع البائع
لها مقاصة مطلقا، أو مع إذن الحاكم وجه. وربما يستوجه خلافه (1)، لأن
المنع لحق أم الولد، فلا يسقط بامتناع المولى، ولظاهر الفتاوى وتغليب
جانب الحرية.
وفي الجميع نظر.
والمراد بثمنها: ما جعل عوضا لها في عقد مساومتها وإن كان
صلحا.
وفي إلحاق الشرط المذكور في متن العقد بالثمن - كما إذا اشترط
الإنفاق على البائع مدة معينة - إشكال.
وعلى العدم، لو فسخ البائع، فإن قلنا بعدم منع الاستيلاد من
الاسترداد بالفسخ استردت، وإن قلنا بمنعه عنه فينتقل إلى القيمة.
ولو قلنا بجواز بيعها حينئذ في أداء القيمة أمكن القول بجواز
استردادها، لأن المانع عنه هو عدم انتقالها، فإذا لم يكن بد من نقلها
لأجل القيمة لم يمنع عن ردها إلى البائع، كما لو بيعت على البائع في
ثمن رقبتها.
هذا مجمل القول في بيعها في ثمنها.
وأما بيعها في دين آخر، فإن كان مولاها حيا، لم يجز إجماعا
على الظاهر المصرح به في كلام بعض (2).
وإن كان بيعها بعد موته، فالمعروف من مذهب الأصحاب المنع

(1) وجهه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 165.
(2) صرح به المحقق التستري في مقابس الأنوار: 166.
125

أيضا، لأصالة بقاء المنع في حال الحياة، ولإطلاق روايتي عمر بن يزيد
المتقدمتين (1) منطوقا ومفهوما. وبهما يخصص ما دل بعمومه على الجواز
مما يتخيل صلاحيته لتخصيص قاعدة المنع عن بيع أم الولد، كمفهوم
مقطوعة يونس: " في أم ولد ليس لها ولد، مات ولدها، ومات عنها
صاحبها ولم يعتقها، هل يجوز لأحد تزويجها؟ قال: لا، لا يحل لأحد
تزويجها إلا بعتق من الورثة، وإن كان لها ولد وليس على الميت دين
فهي للولد، وإذا ملكها الولد عتقت بملك ولدها لها، وإن كانت بين
شركاء فقد عتقت من نصيبه وتستسعي في بقية ثمنها " (2).
خلافا للمحكي عن المبسوط، فجوز البيع حينئذ مع استغراق
الدين (3). والجواز ظاهر اللمعتين (4) وكنز العرفان (5) والصيمري (6).
ولعل وجه تفصيل الشيخ: أن الورثة لا يرثون مع الاستغراق،
فلا سبيل إلى انعتاق أم الولد الذي هو الغرض من المنع عن بيعها.
وعن نكاح المسالك: أن الأقوى انتقال التركة إلى الوارث مطلقا،
وإن منع من التصرف بها (7) على تقدير استغراق الدين، فينعتق نصيب

(1) تقدمتا في الصفحة 119 - 120.
(2) الوسائل 16: 106، الباب 5 من أبواب الاستيلاد، الحديث 3.
(3) المبسوط 3: 14، وحكاه عنه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 166.
(4) الروضة البهية 3: 258.
(5) كنز العرفان 2: 129.
(6) غاية المرام (مخطوط) 1: 280، ذيل قول المحقق: ولا بيع أم الولد...
(7) في مصححة " ن " والمصدر: فيها.
126

الولد منها كما لو لم يكن دين، ويلزمه (1) أداء قيمة النصيب من ماله (2).
وربما ينتصر (3) للمبسوط على المسالك:
أولا: بأن المستفاد مما دل على أنها تعتق من نصيب ولدها (4):
أن ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب من غير أن تقوم عليه أصلا،
وإنما الكلام في باقي الحصص إذا (5) لم يف نصيبه من جميع التركة بقيمة
أمه، هل تقوم عليه، أو تسعى هي في أداء قيمتها؟
وثانيا: بأن النصيب إذا نسب إلى الوارث، فلا يراد منه إلا ما
يفضل من التركة بعد أداء الدين وسائر ما يخرج من الأصل. والمقصود
منه النصيب المستقر الثابت، لا النصيب الذي يحكم بتملك الوارث له،
تفصيا من لزوم بقاء الملك بلا مالك.
وثالثا (6): أن ما ادعاه من الانعتاق على الولد بمثل هذا الملك مما
لم ينص عليه الأصحاب، ولا دل عليه دليل معتبر، وما يوهمه الأخبار
وكلام الأصحاب من إطلاق الملك، فالظاهر أن المراد به غير هذا
القسم، ولذا لا يحكم بانعتاق العبد الموقوف على من ينعتق عليه، بناء

(1) في غير " ن " و " ش ": لزمه.
(2) المسالك 8: 47، وحكاه عنه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 166.
(3) انتصر له المحقق التستري في مقابس الأنوار: 167.
(4) يدل عليها ما في الوسائل 16: 105 - 108، الباب 5 و 6 من أبواب
الاستيلاد.
(5) في " ش ": إن.
(6) جعله المحقق التستري في مقابس الأنوار: 167 رابع الوجوه.
127

على صحة الوقف وانتقال الموقوف إلى الموقوف عليه.
ورابعا (1): أنه يلزم (2) على كلامه أنه متى كان نصيب الولد من
أصل (3) التركة بأجمعها ما (4) يساوي قيمة أمه تقوم (5) عليه، سواء كان
هناك دين مستغرق أم لا، وسواء كان نصيبه الثابت في الباقي بعد
الديون ونحوها يساوي قيمتها أم لا، وكذلك لو ساوى نصيبه من
الأصل نصفها أو ثلثها أو غير ذلك، فإنه يقوم نصيبه عليه كائنا ما كان
ويسقط من القيمة نصيبه الباقي الثابت - إن كان له نصيب - ويطلب
بالباقي. وهذا مما لا يقوله أحد من الأصحاب، وينبغي القطع ببطلانه.
ويمكن دفع الأول: بأن المستفاد من ظاهر الأدلة انعتاقها من
نصيب ولدها حتى مع الدين المستغرق، فالدين غير مانع من انعتاقها
على الولد، لكن ذلك لا ينافي اشتغال ذمة الولد قهرا بقيمة نصيبه
أو وجوب بيعها في القيمة جمعا بين ما دل على الانعتاق على الولد
الذي يكشف عنه إطلاق النهي عن بيعها (6)، وبين ما دل على أن الوارث
لا يستقر له ما قابل نصيبه من الدين على وجه يسقط حق (7) الديان (8)،

(1) جعله المحقق التستري في مقابس الأنوار: 167 ثالث الوجوه.
(2) في أكثر النسخ والمصدر: يلزمه.
(3) " أصل " من " ش " ومصححة " ن ".
(4) لم ترد " ما " في " ش "، وشطب عليها في " ن ".
(5) في غير " ن " و " ص ": يقوم.
(6) راجع أول المسألة في الصفحة 107 وما بعدها.
(7) في " ف ": لحق.
(8) راجع الوسائل 13: 406 - 407، الباب 28 و 29 من أبواب أحكام الوصايا.
128

غاية الأمر سقوط حقهم عن عين هذا المال الخاص وعدم كونه كسائر
الأموال التي يكون للوارث الامتناع عن أداء مقابلها ودفع عينها إلى
الديان، ويكون (1) لهم أخذ العين إذا امتنع الوارث من أداء ما قابل
العين.
والحاصل: أن مقتضى النهي (2) عن بيع أم الولد في دين غير ثمنها
بعد موت المولى، عدم تسلط الديان على أخذها ولو مع امتناع الولد
عن فكها بالقيمة، وعدم تسلط الولد على دفعها وفاء عن دين (3) أبيه،
ولازم ذلك انعتاقها على الولد.
فيتردد الأمر حينئذ:
بين سقوط حق الديان عن ما قابلها من الدين، فتكون أم الولد
نظير مؤونة التجهيز التي لا يتعلق حق الديان بها.
وبين أن يتعلق حق الديان بقيمتها على من تتلف في ملكه
وتنعتق عليه، وهو الولد.
وبين أن يتعلق حق الديان بقيمتها على رقبتها، فتسعى فيها.
وبين أن يتعلق حق الديان بمنافعها، فلهم أن يؤجروها مدة طويلة
يفي أجرتها بدينهم، كما قيل يتعلق (4) حق الغرماء بمنافع أم ولد المفلس (5).

(1) في " م " و " ش ": فيكون.
(2) المستفاد من روايتي عمر بن يزيد المتقدمتين في الصفحة 119 - 120.
(3) كلمة " دين " من " ش " ومصححة " ن ".
(4) في " ن " و " ص ": بتعلق.
(5) قاله صاحب الجواهر في الجواهر 25: 320.
129

ولا إشكال في عدم جواز رفع اليد عما دل على بقاء
حق الديان متعلقا بالتركة (1)، فيدور الأمر بين الوجهين الأخيرين،
فتنعتق على كل حال، ويبقى الترجيح بين الوجهين محتاجا إلى
التأمل.
ومما ذكرنا يظهر اندفاع الوجه الثاني، فإن مقتضى المنع عن بيعها
مطلقا أو في دين غير ثمنها استقرار ملك الوارث عليها.
ومنه يظهر الجواب عن الوجه الثالث، إذ بعدما ثبت عدم تعلق
حق الديان بعينها - على أن يكون لهم أخذها عند امتناع الوارث من
الأداء - فلا مانع عن انعتاقها. ولا جامع بينها وبين الوقف الذي هو
ملك للبطن اللاحق كما هو ملك للبطن السابق.
وأما ما ذكره رابعا، فهو إنما ينافي الجزم بكون قيمتها بعد
الانعتاق متعلقا بالولد، أما إذا قلنا باستسعائها فلا يلزم شئ.
فالضابط حينئذ: إنه ينعتق (2) على الولد ما لم يتعقبه ضمان من
نصيبه، فإن كان مجموع نصيبه أو بعض نصيبه يملكه مع ضمان أداء
ما قابله من الدين، كان ذلك (3) في رقبتها.
ومما ذكرنا يظهر أيضا: أنه لو كان غير ولدها أيضا مستحقا

(1) تقدمت الإشارة إليه وتخريجه في الصفحة السابقة.
(2) كذا في النسخ، والصواب: " أنها تنعتق "، كما في مصححة " ص ".
(3) العبارة لا تخلو من إغلاق، قال الشهيدي قدس سره: قوله: " يملكه... الخ "
الأولى أن يقول: " بحيث يملكه "، ثم إن " ذلك " في العبارة إشارة إلى الموصول.
(انظر هداية الطالب: 262).
130

لشئ منها بالإرث لم يملك نصيبه مجانا، بل إما أن يدفع إلى الديان
ما قابل نصيبه فتسعى (1) أم الولد كما لو لم يكن دين، فينعتق نصيب
غير ولدها عليه مع ضمانها أو ضمان ولدها قيمة حصته (2) التي فكها من
الديان، وإما أن يخلي بينها وبين الديان فتنعتق أيضا عليهم مع ضمانها
أو ضمان ولدها ما قابل الدين لهم.
وأما حرمان الديان عنها عينا وقيمة وإرث الورثة لها وأخذ غير
ولدها قيمة حصته منها أو من ولدها وصرفها في غير الدين فهو
باطل (3) لمخالفته (4) لأدلة ثبوت حق الديان من غير أن يقتضي النهي عن
التصرف في أم الولد لذلك.
ومما ذكرنا يظهر ما في قول بعض من أورد على ما في المسالك
بما ذكرناه: أن الجمع بين فتاوى الأصحاب وأدلتهم مشكل جدا، حيث
إنهم قيدوا الدين بكونه ثمنا وحكموا بأنها تعتق على ولدها من نصيبه،
وأن ما فضل عن نصيبه ينعتق بالسراية وتسعى في أداء قيمته. ولو
قصدوا: أن أم الولد أو سهم الولد مستثنى من الدين - كالكفن - عملا
بالنصوص المزبورة، فله وجه، إلا أنهم لا يعدون ذلك من المستثنيات،
ولا ذكر في النصوص صريحا (5)، انتهى.

(1) في " ف ": فيبقى.
(2) في " ص ": حصتها.
(3) عبارة " فهو باطل " من " ش " ومصححة " ن ".
(4) في مصححتي " ع " و " ص ": " فلمخالفته "، وفي مصححة " خ ": فمخالف.
(5) مقابس الأنوار: 167.
131

وأنت خبير بأن النصوص المزبورة (1) لا تقتضي سقوط حق
الديان، كما لا يخفى.
ومنها (2): تعلق كفن مولاها بها - على ما حكاه في الروضة (3) -
بشرط عدم كفاية بعضها له، بناء على ما تقدم نظيره في الدين: من أن
المنع لغاية الإرث، وهو مفقود مع الحاجة إلى الكفن، وقد عرفت أن
هذه حكمة غير مطردة ولا منعكسة (4).
وأما بناء على ما تقدم (5): من جواز بيعها في غير ثمنها من الدين
مع أن الكفن يتقدم على الدين فبيعها له أولى، بل اللازم ذلك أيضا،
بناء على حصر الجواز في بيعها في ثمنها، بناء (6) على ما تقدم من أن
وجود مقابل الكفن الممكن صرفه في ثمنها لا يمنع عن بيعها، فيعلم من
ذلك تقديم الكفن على حق الاستيلاد، وإلا لصرف مقابله في ثمنها
ولم تبع.
ومن ذلك يظهر النظر فيما قيل: من أن هذا القول مأخوذ من

(1) مثل روايتي عمر بن يزيد المتقدمتين في الصفحة 119 - 120 وغيرهما مما
يدل على أنها لا تباع في غير ثمنها.
(2) هذا هو المورد الثاني من موارد القسم الأول من أقسام المواضع المستثناة من
قاعدة المنع عن بيع أم الولد، وتقدم أولها في الصفحة 118.
(3) الروضة البهية 3: 260.
(4) راجع الصفحة 126 وما بعدها.
(5) تقدم عن الشيخ وغيره في الصفحة 126.
(6) لم ترد " بناء " في غير " ف "، نعم استدركت في " ن ".
132

القول بجواز بيعها في مطلق الدين المستوعب (1).
وتوضيحه: أنه إذا كان للميت المديون أم ولد ومقدار ما يجهز
به، فقد اجتمع هنا حق الميت، وحق بائع أم الولد، وحق أم الولد،
فإذا ثبت عدم سقوط حق بائع أم الولد، دار الأمر بين إهمال حق
الميت بترك الكفن، وإهمال حق أم الولد ببيعها. فإذا حكم بجواز بيع أم
الولد حينئذ - بناء على ما تقدم في المسألة السابقة - كان معناه: تقديم
حق الميت على حق أم الولد، ولازم ذلك تقديمه عليها مع عدم الدين،
وانحصار الحق في الميت وأم الولد.
اللهم إلا أن يقال: لما ثبت بالدليل السابق (2) تقديم دين ثمن أم
الولد على حقها، وثبت بعموم النص (3) تقديم الكفن على الدين، اقتضى
الجمع بينهما تخصيص جواز صرفها في ثمنها بما إذا لم يحتج الميت إلى
الكفن بنفسه أو لبذل باذل، أو بما إذا كان للميت مقابل الكفن، لأن
مقابل الكفن غير قابل للصرف في الدين، فلو لم يكن غيرها لزم من
صرفها في الثمن تقديم الدين على الكفن.
أما إذا لم يكن هناك دين وتردد الأمر بين حقها وحق مولاها
الميت، فلا دليل على تقديم حق مولاها، ليخصص به قاعدة المنع عن
بيع أم الولد، عدا ما يدعى: من قاعدة تعلق حق الكفن بمال الميت.
لكن الظاهر اختصاص تلك القاعدة بما إذا لم يتعلق به حق سابق مانع

(1) راجع مقابس الأنوار: 168.
(2) راجع الصفحة 119 - 120.
(3) الوسائل 13: 405 - 406، الباب 27 و 28 من أبواب أحكام الوصايا.
133

من التصرف فيه، والاستيلاد من ذلك الحق، ولو فرض تعارض الحقين
فالمرجع إلى أصالة فساد بيعها قبل الحاجة إلى الكفن، فتأمل.
نعم، يمكن أن يقال نظير ما قيل (1) في الدين: من أن الولد يرث
نصيبه وينعتق عليه ويتعلق بذمته مؤونة التجهيز، أو تستسعي (2) أمه ولو
بإيجار نفسها في مدة وأخذ الأجرة قبل العمل وصرفها في التجهيز.
والمسألة محل إشكال.
ومنها (3): ما إذا جنت على غير مولاها في حياته، أما بعد موته،
فلا إشكال في حكمها، لأنها بعد موت المولى تخرج عن التشبث
بالحرية، إما إلى الحرية الخالصة، أو الرقية الخالصة.
وحكم جنايتها عمدا: أنه إن كان في مورد ثبت القصاص،
فللمجني عليه القصاص، نفسا كان أو طرفا، وله استرقاقها كلا
أو بعضا على حسب جنايتها، فيصير المقدار المسترق منها ملكا
طلقا.
وربما تخيل بعض (4) أنه يمكن أن يقال: إن رقيتها (5) للمجني عليه
لا تزيد على رقيتها (6) للمالك الأول، لأنها تنتقل إليه على حسب ما
كانت عند الأول. ثم ادعى أنه يمكن أن يدعى ظهور أدلة المنع

(1) كما قاله الشهيد الثاني في المسالك، راجع الصفحة 126 - 127.
(2) كذا في " ن " و " ص "، وفي غيرهما: يستسعى.
(3) هذا هو المورد الثالث من القسم الأول، وقد تقدم أولها في الصفحة 118.
(4) وهو صاحب الجواهر في الجواهر 22: 379.
(5) كذا في " ن "، وفي غيرها: رقبتها.
(6) كذا في " ن "، وفي غيرها: رقبتها.
134

خصوصا صحيحة عمر بن يزيد - المتقدمة (1) - في عدم بيع أم الولد
مطلقا.
والظاهر أن مراده بإمكان القول المذكور مقابل امتناعه عقلا، وإلا
فهو احتمال مخالف للإجماع والنص الدال على الاسترقاق (2)، الظاهر في
صيرورة الجاني رقا خالصا.
وما وجه به هذا الاحتمال: من أنها تنتقل إلى المجني عليه على
حسب ما كانت عند الأول، فيه: أنه ليس في النص إلا الاسترقاق،
وهو جعلها رقا له كسائر الرقيق، لا انتقالها عن المولى الأول إليه حتى
يقال: إنه إنما كان على النحو الذي كان للمولى الأول.
والحاصل: أن المستفاد بالضرورة من النص والفتوى: أن
الاستيلاد يحدث للأمة حقا على مستولدها يمنع من مباشرة بيعها ومن
البيع لغرض عائد إليه، مثل قضاء ديونه، وكفنه، على خلاف في ذلك (3).
وإن كانت الجناية خطأ: فالمشهور أنها كغيرها من المماليك،
يتخير المولى بين دفعها أو دفع ما قابل الجناية منها إلى المجني عليه،

(1) تقدمت في الصفحة 119 - 120.
(2) الوسائل 19: 73، الباب 41 من أبواب القصاص في النفس.
(3) كذا وردت العبارة في النسخ، ولا يخفى ما فيها من الاختلال إن كان المراد بها
بيان محصل البحث، قال المحقق الإيرواني قدس سره: كلمة " والحاصل " هنا لا محل
لها، فإن المذكور بعدها جواب عن التمسك بصحيحة عمر بن يزيد على المنع عن
بيع المشتري، ولم يتقدم لهذا الجواب ذكر ليكون هذا حاصله. (حاشية المكاسب:
188).
135

وبين أن يفديها بأقل الأمرين على المشهور، أو بالأرش على ما عن
الشيخ (1) وغيره (2).
وعن الخلاف (3) والسرائر (4) واستيلاد المبسوط (5): أنه لا خلاف في
أن جنايتها تتعلق برقبتها. لكن عن ديات المبسوط: أن جنايتها على
سيدها بلا خلاف إلا من أبي ثور، فإنه جعلها في ذمتها تتبع بها بعد
العتق (6). وهو مخالف لما في الاستيلاد من المبسوط. وربما يوجه (7) بإرادة
نفي الخلاف بين العامة، وربما نسب إليه الغفلة، كما عن المختلف (8).
والأظهر: أن المراد بكونها على سيدها عود خسارة الجناية (9) على
السيد، في مقابل عدم خسارة المولى - لا (10) من عين الجاني ولا من مال

(1) حكاه عنه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 168، وراجع المبسوط 7:
160.
(2) مثل المحقق في الشرائع 3: 139.
(3) حكاه عنه وعن السرائر المحقق التستري في مقابس الأنوار: 168، وانظر
الخلاف 6: 419، كتاب الجنايات، المسألة 5، و 271، كتاب الديات، المسألة
88.
(4) السرائر 3: 22.
(5) المبسوط 6: 187.
(6) المبسوط 7: 160.
(7) وجهه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 168.
(8) لم نقف عليه.
(9) في " ع " و " ص " ونسخة بدل " ش ": جنايتها.
(10) لم ترد " لا " في " ف ".
136

آخر - وكونها في ذمة نفسها تتبع بها بعد العتق، وليس المراد وجوب
فدائها.
وعلى هذا أيضا يحمل (1) ما في رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام،
" قال: أم الولد جنايتها في حقوق الناس على سيدها، وما كان من
حقوق الله في الحدود، فإن ذلك في بدنها " (2)، فمعنى كونها على سيدها:
أن الأمة بنفسها لا تتحمل من الجناية شيئا.
ومثلها ما أرسل عن علي عليه السلام في: " المعتق عن دبر هو (3)
من الثلث، وما جنى هو [والمكاتب] (4) وأم الولد فالمولى ضامن
لجنايتهم " (5).
والمراد من جميع ذلك: خروج دية الجناية من مال المولى المردد
بين ملكه الجاني أو ملك آخر.
وكيف كان، فإطلاقات حكم جناية مطلق المملوك (6) سليمة عن
المخصص. ولا يعارضها أيضا إطلاق المنع عن بيع أم الولد (7)، لأن ترك
فدائها والتخلية بينها، وبين المجني عليه ليس نقلا لها.

(1) في " ف ": حمل.
(2) الوسائل 19: 76، الباب 43 من أبواب القصاص في النفس.
(3) كذا في " ف "، " ن " و " خ " والفقيه، وفي سائر النسخ والوسائل: فهو.
(4) من المصدر.
(5) الفقيه 3: 124، الحديث 3468، وانظر الوسائل 16: 78، الباب 8 من
أبواب كتاب التدبير، الحديث 2.
(6) منها ما ورد في الوسائل 19: 73، الباب 41 من أبواب القصاص في النفس.
(7) راجع الصفحة 107.
137

خلافا للمحكي (1) عن موضع من المبسوط (2) والمهذب (3)
والمختلف (4): من تعيين الفداء على السيد.
ولعله للروايتين (5) المؤيدتين بأن استيلاد المولى هو الذي أبطل
أحد طرفي التخيير فتعين عليه الآخر، بناء على أنه لا فرق بين إبطال
أحد طرفي التخيير بعد الجناية - كما لو قتل أو باع عبده الجاني - وبين
إبطاله قبلها، كالاستيلاد الموجب لعدم تأثير أسباب الانتقال فيها. وقد
عرفت معنى الروايتين، والمؤيد مصادرة لا يبطل به إطلاق النصوص.
ومنها (6): ما إذا جنت على مولاها بما يوجب صحة استرقاقها لو
كان المجني عليه غير المولى، فهل تعود ملكا طلقا بجنايتها على مولاها،
فيجوز له التصرف الناقل فيها - كما هو المحكي في الروضة عن بعض (7)
وعدها السيوري من صور الجواز (8) - أم لا؟ كما هو المشهور، إذ لم

(1) حكاه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 168.
(2) المبسوط 7: 160.
(3) المهذب 2: 488.
(4) راجع المختلف (الطبعة الحجرية): 822، وفيه: " وقوله في المبسوط: ليس
بعيدا من الصواب ".
(5) المتقدمتين آنفا.
(6) هذا هو المورد الرابع من موارد القسم الأول التي تقدم أولها في الصفحة 118.
(7) الروضة البهية 3: 260.
(8) لم نعثر عليه بعينه، نعم عد في كنز العرفان (2: 129) من صور الجواز: أن
تجني جناية تستغرق قيمتها، والظاهر أن المؤلف قدس سره أخذ ذلك من مقابس
الأنوار: 169.
138

يتحقق بجنايتها على مولاها إلا جواز الاقتصاص منها، وأما الاسترقاق
فهو تحصيل للحاصل.
وما يقال في توجيهه: من " أن الأسباب الشرعية تؤثر بقدر
الإمكان، فإذا لم تؤثر الجناية الاسترقاق أمكن أن يتحقق للمولى أثر
جديد، وهو استقلال جديد في التصرف فيها، مضافا إلى أن استرقاقها
لترك القصاص كفكاك رقابهن الذي أنيط به الجواز في صحيحة ابن يزيد
المتقدمة (1) مضافا إلى أن المنع عن التصرف لأجل التخفيف لا يناسب
الجاني عمدا (2) " فمندفع بما لا يخفى.
وأما الجناية على مولاها خطأ، فلا إشكال في أنها لا تجوز
التصرف فيها، كما لا يخفى، وروى الشيخ - في الموثق - عن غياث، عن
جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: " أم الولد إذا قتلت سيدها خطأ
فهي حرة لا سعاية عليها " (3).
وعن الشيخ والصدوق بإسنادهما عن وهب بن وهب، عن جعفر،
عن أبيه صلوات الله وسلامه عليهما: " أن أم الولد إذا قتلت سيدها خطأ فهي حرة
لا سبيل عليها، وإن قتلته عمدا قتلت به " (4).

(1) تقدمت في الصفحة 119 - 120.
(2) انظر مقابس الأنوار: 169.
(3) التهذيب 10: 200، الحديث 791، والوسائل 19: 159، الباب 11 من
أبواب ديات النفس، الحديث 2 مع تقديم وتأخير في بعض الألفاظ.
(4) التهذيب 10: 200، الحديث 792، والفقيه 4: 162، الحديث 5367،
والوسائل 19: 159، الباب 11 من أبواب ديات النفس، الحديث 3 مع
اختلاف وتقديم وتأخير في بعض الألفاظ.
139

وعن الشيخ، عن حماد، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام: " إذا قتلت
أم الولد مولاها سعت في قيمتها " (1).
ويمكن حملها على سعيها في بقية قيمتها إذا قصر نصيب ولدها.
وعن الشيخ - في التهذيب والاستبصار -: الجمع بينهما بغير ذلك،
فراجع (2).
ومنها (3): ما إذا جنى حر عليها بما فيه ديتها، فإنها لو لم تكن
مستولدة كان للمولى التخيير بين دفعها إلى الجاني وأخذ قيمتها، وبين
إمساكها، ولا شئ له، لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض، ففي
المستولدة يحتمل ذلك، ويحتمل أن لا يجوز للمولى أخذ القيمة، ليلزم
منه استحقاق الجاني للرقبة.
وأما احتمال منع الجاني عن أخذها وعدم تملكه لها بعد أخذ الدية
منه، فلا وجه له، لأن الاستيلاد يمنع عن المعاوضة أو ما في حكمها،
لا (4) عن أخذ العوض بعد إعطاء المعوض (5) بحكم الشرع.
والمسألة من أصلها موضع إشكال، لعدم لزوم الجمع بين العوض

(1) التهذيب 10: 200، الحديث 793، والوسائل 19: 159، الباب 11 من
أبواب ديات النفس، الحديث الأول، وفيهما بدل " مولاها ": " سيدها خطأ ".
(2) التهذيب 10: 200، ذيل الحديث 793، والاستبصار 4: 276، الحديث
1047.
(3) هذا هو المورد الخامس من موارد القسم الأول المتقدم أولها في الصفحة 118.
(4) في " م "، " ع " و " ش " بدل " لا ": إلا.
(5) في مصححة " ن ": أخذ المعوض بعد إعطاء العوض.
140

والمعوض، لأن الدية عوض شرعي عما فات بالجناية، لا عن رقبة
العبد. وتمام الكلام في محله.
ومنها (1): ما إذا لحقت بدار الحرب ثم استرقت، حكاه في
الروضة (2). وكذا لو أسرها المشركون ثم استعادها المسلمون - فكأنه
فيما إذا (3) أسرها غير مولاها فلم يثبت كونها أمة المولى إلا بعد
القسمة، وقلنا بأن القسمة لا تنقص (4) ويغرم الإمام قيمتها لمالكها - لكن
المحكي عن الأكثر والمنصوص: أنها ترد على مالكها، ويغرم قيمتها
للمقاتلة (5).
ومنها (6): ما إذا خرج مولاها عن الذمة وملكت أمواله التي هي
منها.

(1) هذا هو المورد السادس من موارد القسم الأول، المتقدم أولها في الصفحة 118.
(2) الروضة البهية 3: 261.
(3) كذا في النسخ، إلا أن في " ف " بدل " فكأنه ": " وكأنه "، والعبارة كما ترى،
ولذا صححت في " ص " بما يلي: " فكانت فيما أسرها غير مولاها "، وقال
الشهيدي قدس سره - بعد أن أثبت ما أثبتناه -: الأولى تبديل " فكأنه " إلى قوله
" هذا "، وتبديل " الفاء " ب‍ - " الواو " في قوله: " فلم يثبت "، هداية الطالب:
363 - 364.
(4) في مصححة " ن " و " ص ": " لا تنقض "، وهذا هو المناسب للسياق، لكن
عبارة المقابس - التي هي الأصل لكلام المؤلف قدس سره - هكذا: " ويرد الإمام
قيمة ذلك للمقاتلة لئلا ينقص القسمة... " (انظر مقابس الأنوار: 174).
(5) حكاه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 174.
(6) هذا هو المورد السابع من القسم الأول وقد تقدم أوله في الصفحة 118.
141

ومنها (1): ما إذا كان مولاها ذميا وقتل مسلما، فإنه يدفع هو
وأمواله إلى أولياء المقتول.
هذا ما ظفرت به من موارد القسم الأول، وهو ما إذا عرض لأم
الولد حق للغير أقوى من الاستيلاد.
وأما القسم الثاني (2): وهو ما إذا عرض لها حق لنفسها أولى
بالمراعاة من حق الاستيلاد، فمن موارده:
ما إذا أسلمت وهي أمة ذمي، فإنها تباع عليه، بناء على أن حق
إسلامها المقتضي لعدم سلطنة الكافر عليها أولى من حق الاستيلاد
المعرض للعتق. ولو فرض تكافؤ دليلهما كان المرجع عمومات صحة
البيع دون قاعدة " سلطنة الناس على أموالهم " المقتضية لعدم جواز بيعها
عليه، لأن المفروض: أن قاعدة " السلطنة " قد ارتفعت بحكومة أدلة نفي
سلطنة الكافر على المسلم (3)، فالمالك ليس مسلطا قطعا، ولا حق له في
عين الملك جزما.
إنما الكلام في تعارض حقي أم الولد من حيث كونها مسلمة
فلا يجوز كونها مقهورة بيد الكافر، ومن حيث كونها في معرض العتق
فلا يجوز إخراجها عن هذه العرضة. والظاهر أن الأول أولى، للاعتبار،
وحكومة قاعدة " نفي السبيل " على جل القواعد، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

(1) هذا هو المورد الثامن من القسم الأول وقد تقدم أوله في الصفحة 118.
(2) من أقسام المواضع المستثناة من قاعدة المنع عن بيع أم الولد، راجع المقسم
في الصفحة 118.
(3) منها الآية الشريفة: * (لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) *.
النساء: 141.
142

" الإسلام يعلو ولا يعلى عليه " (1).
ومما ذكرنا ظهر: أنه لا وجه للتمسك باستصحاب المنع قبل
إسلامها، لأن الشك إنما هو في طرو ما هو مقدم على حق الاستيلاد
والأصل عدمه (2)، مع إمكان معارضة الأصل بمثله لو فرض في بعض
الصور تقدم الإسلام على المنع عن البيع. و (3) مع إمكان دعوى ظهور
قاعدة " المنع " في عدم سلطنة المالك وتقديم حق الاستيلاد على حق
الملك، فلا ينافي تقديم حق آخر لها على هذا الحق.
ومنها (4): ما إذا عجز مولاها عن نفقتها ولو بكسبها (5)، فتباع (6)
على من ينفق عليها، على ما حكي (7) عن اللمعة (8) وكنز العرفان (9) وأبي
العباس (10) والصيمري (11) والمحقق الثاني (12).

(1) الوسائل 17: 376، الباب الأول من أبواب موانع الإرث، الحديث 11.
(2) التعليل بيان لجريان الاستصحاب، لا لعدم الوجه في جريانه.
(3) لم ترد " و " في " ف ".
(4) المورد الثاني من القسم الثاني.
(5) كذا في " ف " ونسخة بدل " ن "، وفي سائر النسخ: في كسبها.
(6) في غير " ص " و " ش ": فباع.
(7) حكاه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 176.
(8) اللمعة الدمشقية: 112.
(9) كنز العرفان 2: 129.
(10) المهذب البارع 4: 106.
(11) غاية المرام (مخطوط) 1: 280.
(12) جامع المقاصد 4: 99.
143

وقال في القواعد: لو عجز عن الإنفاق على أم الولد أمرت
بالتكسب، فإن عجزت أنفق عليها من بيت المال، ولا يجب عتقها، ولو
كانت الكفاية بالتزويج وجب، ولو تعذر الجميع ففي البيع إشكال (1)،
انتهى.
وظاهره عدم جواز البيع مهما أمكن الإنفاق من مال المولى،
أو كسبها (2)، أو مالها (3)، أو عوض بضعها، أو وجود من يؤخذ بنفقتها،
أو بيت المال، وهو حسن.
ومع عدم ذلك كله فلا يبعد المنع عن البيع أيضا، وفرضها كالحر
في وجوب سد رمقها كفاية على جميع من اطلع عليها.
ولو فرض عدم ذلك أيضا، أو كون ذلك ضررا عظيما عليها،
فلا يبعد الجواز، لحكومة أدلة نفي الضرر، ولأن رفع هذا عنها أولى من
تحملها (4) ذلك، رجاء أن تنعتق من نصيب ولدها، مع جريان ما ذكرنا
أخيرا في الصورة السابقة: من احتمال ظهور أدلة المنع في ترجيح حق
الاستيلاد على حق مالكها، لا على حقها الآخر، فتدبر.
ومنها (5): بيعها على من تنعتق عليه - على ما حكي من الجماعة

(1) القواعد 2: 59.
(2) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: كسبه.
(3) في " ن ": " ومالها "، لكن شطب عليها، ولم يثبتها المامقاني في شرحه غاية
الآمال: 460.
(4) في غير " ف " زيادة: تحميلها - خ ل.
(5) المورد الثالث من القسم الثاني.
144

المتقدم إليهم الإشارة (1) - لأن فيه تعجيل حقها.
وهو حسن لو علم أن العلة حصول العتق، فلعل الحكمة انعتاق
خاص، اللهم إلا أن يستند إلى ما ذكرنا أخيرا في ظهور أدلة المنع، أو
يقال: إن هذا عتق في الحقيقة.
ويلحق بذلك بيعها بشرط العتق، فلو لم يف المشتري احتمل
وجوب استردادها، كما عن الشهيد الثاني (2). ويحتمل إجبار الحاكم أو
العدول للمشتري على الإعتاق، أو إعتاقها عليه قهرا.
وكذلك بيعها ممن أقر بحريتها. ويشكل بأنه إن علم المولى صدق
المقر لم يجز له البيع وأخذ الثمن في مقابل الحر، وإن علم بكذبه لم يجز
أيضا، لعدم جواز بيع أم الولد. ومجرد صيرورتها حرة على المشتري في
ظاهر الشرع مع كونها ملكا له في الواقع، وبقائها في الواقع على صفة
الرقية للمشتري لا يجوز البيع، بل الحرية الواقعية وإن تأخرت أولى
من الظاهرية وإن تعجلت.
ومنها (3): ما إذا مات قريبها وخلف تركة ولم يكن له وارث
سواها فتشتري من مولاها لتعتق (4) وترث قريبها. وهو مختار الجماعة

(1) حكاه عنهم المحقق التستري في مقابس الأنوار: 178، وانظر اللمعة: 112،
وكنز العرفان 2: 129، والمهذب البارع 4: 106، وغاية المرام (مخطوط) 1:
280، وجامع المقاصد 4: 99.
(2) حكاه عنه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 179، وراجع الروضة البهية
3: 260.
(3) المورد الرابع من القسم الثاني.
(4) في غير " ف ": للعتق.
145

السابقة (1) وابن سعيد في النزهة (2)، وحكي عن العماني (3) وعن المهذب:
إجماع الأصحاب عليه (4).
وبذلك يمكن ترجيح أخبار " الإرث " على قاعدة " المنع "، مضافا
إلى ظهورها في رفع سلطنة المالك، والمفروض هنا عدم كون البيع
باختياره، بل تباع عليه لو امتنع.
ومن (5) القسم الثالث (6) -
وهو ما يكون الجواز لحق
سابق على الاستيلاد - ما (7) إذا كان علوقها بعد الرهن،
فإن المحكي عن الشيخ (8) والحلي (9) وابن زهرة (10) والمختلف (11)

(1) منهم الشهيد في اللمعة الدمشقية: 112، والسيوري في كنز العرفان 2:
129، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 98.
(2) نزهة الناظر: 82.
(3) حكاه عنه ابن سعيد في نزهة الناظر: 82.
(4) المهذب البارع 4: 106.
(5) في " ش " زيادة: موارد.
(6) من أقسام المواضع المستثناة من قاعدة المنع عن بيع أم الولد، راجع المقسم في
الصفحة 118.
(7) في غير " ش ": " وما "، لكن شطب على (الواو) في: " ن " و " خ ".
(8) الخلاف 3: 230، كتاب الرهن، المسألة 19، والمبسوط 2: 206 و 217
و 6: 185.
(9) السرائر 2: 418.
(10) الغنية: 244.
(11) المختلف 5: 440.
146

والتذكرة (1) واللمعة (2) والمسالك (3) والمحقق الثاني (4) والسيوري (5) وأبي
العباس (6) والصيمري (7): جواز بيعها حينئذ. ولعله لعدم الدليل على
بطلان حكم الرهن السابق (8) بالاستيلاد اللاحق بعد تعارض أدلة حكم
الرهن، وأدلة المنع عن بيع أم الولد في دين غير ثمنها.
خلافا للمحكي عن الشرائع (9) والتحرير (10)، فالمنع مطلقا.
وعن الشهيد في بعض تحقيقاته: الفرق بين وقوع الوطء بإذن
المرتهن، ووقوعه بدونه (11).
وعن الإرشاد والقواعد: التردد (12)، وتمام الكلام في باب الرهن.
ومنها (13): ما إذا كان علوقها بعد إفلاس المولى والحجر عليه،

(1) التذكرة 2: 28.
(2) اللمعة الدمشقية: 112.
(3) المسالك 3: 170، و 4: 50، و 10: 527.
(4) جامع المقاصد 4: 98.
(5) كنز العرفان 2: 129.
(6) المهذب البارع 4: 105.
(7) تلخيص الخلاف 2: 96، المسألة 18، وفيه: وإن كان معسرا بيعت به.
(8) لم ترد " السابق " في " ش ".
(9) الشرائع 2: 82.
(10) التحرير 1: 207.
(11) حكاه عنه الشهيد الثاني في المسالك 4: 50، عن بعض حواشيه.
(12) الإرشاد 1: 393، القواعد 1: 160.
(13) المورد الثاني من موارد القسم الثالث.
147

وكانت فاضلة عن المستثنيات في أداء الدين، فتباع حينئذ، كما في
القواعد (1) واللمعة (2) وجامع المقاصد (3). وعن المهذب (4) وكنز
العرفان (5) وغاية المرام (6)، لما ذكر من سبق تعلق حق الديان بها، ولا
دليل على بطلانه بالاستيلاد.
وهو حسن مع وجود الدليل على تعلق حق الغرماء بالأعيان.
أما لو لم يثبت إلا الحجر على المفلس في التصرف ووجوب بيع الحاكم
أمواله في الدين، فلا يؤثر في دعوى اختصاصها بما هو قابل للبيع في
نفسه، فتأمل. وتمام الكلام في باب الحجر، إن شاء الله.
ومنها (7): ما إذا كان علوقها بعد جنايتها، وهذا (8) في الجناية التي
لا تجوز البيع لو كانت لاحقة (9)، بل يلزم (10) المولى الفداء (11). وأما لو قلنا

(1) القواعد 1: 173.
(2) اللمعة الدمشقية: 112.
(3) جامع المقاصد 4: 99.
(4) المهذب البارع 4: 106.
(5) كنز العرفان 2: 129.
(6) غاية المرام (مخطوط) 1: 280، وحكاه عنهم المحقق التستري في مقابس
الأنوار: 172.
(7) المورد الثالث من موارد القسم الثالث.
(8) في " ف ": وهذه.
(9) في " ف ": سابقة.
(10) في غير " ف " و " ن ": تلزم.
(11) في غير " ف ": بالفداء.
148

بأن الجناية اللاحقة أيضا ترفع المنع لم يكن فائدة في فرض تقديمها.
ومنها (1): ما إذا كان علوقها في زمان خيار بائعها، فإن المحكي
عن الحلي جواز استردادها مع كونها ملكا للمشتري (2). ولعله لاقتضاء
الخيار ذلك فلا يبطله الاستيلاد.
خلافا للعلامة (3) وولده (4) والمحقق (5) والشهيد الثانيين (6) وغيرهم،
فحكموا بأنه إذا فسخ رجع بقيمة أم الولد. ولعله لصيرورتها بمنزلة (7)
التالف، والفسخ بنفسه لا يقتضي إلا جعل العقد من زمان الفسخ كأن
لم يكن، وأما وجوب رد العين فهو من أحكامه لو لم يمتنع عقلا أو
شرعا، والمانع الشرعي كالعقلي.
نعم، لو قيل: إن الممنوع إنما هو نقل المالك أو النقل من قبله
لديونه، أما الانتقال (8) عنه بسبب - يقتضيه الدليل - خارج عن
اختياره، فلم يثبت، فلا مانع شرعا من استرداد عينها.
والحاصل: أن منع الاستيلاد عن استرداد بائعها لها يحتاج إلى

(1) المورد الرابع من القسم الثالث.
(2) راجع السرائر 2: 247 - 248، وحكاه عنه المحقق التستري في مقابس
الأنوار: 172.
(3) القواعد 1: 144.
(4) إيضاح الفوائد 1: 489.
(5) جامع المقاصد 4: 313.
(6) الروضة البهية 3: 465، والمسالك 3: 206.
(7) في غير " ن " و " ش ": منزلة.
(8) أي: منع الانتقال، حذف المضاف بقرينة المقام.
149

دليل مفقود. اللهم إلا أن يدعى: أن الاستيلاد حق لأم الولد مانع عن
انتقالها عن ملك المولى لحقه أو لحق غيره، إلا أن يكون للغير حق
أقوى أو سابق يقتضي انتقالها، والمفروض أن حق الخيار لا يقتضي
انتقالها بقول مطلق، بل يقتضي انتقالها مع الإمكان شرعا، والمفروض
أن تعلق حق أم الولد مانع شرعا كالعتق والبيع على القول بصحتهما في
زمان الخيار، فتأمل.
ومنها (1): ما إذا كان علوقها بعد اشتراط أداء مال الضمان منها،
بناء على ما استظهر الاتفاق عليه: من جواز اشتراط الأداء من مال
معين (2)، فيتعلق به حق المضمون له، وحيث فرض سابقا على الاستيلاد
فلا يزاحم به على قول محكي في الروضة (3).
ومنها (4): ما إذا كان علوقها بعد نذر جعلها صدقة إذا كان النذر
مشروطا بشرط لم يحصل قبل الوطء ثم حصل بعده، بناء على ما
ذكروه من خروج المنذور كونها صدقة عن ملك الناذر بمجرد النذر في
المطلق وبعد حصول الشرط في المعلق، كما حكاه صاحب المدارك عنهم
في باب الزكاة (5).
ويحتمل كون استيلادها كإتلافها، فيحصل الحنث ويستقر القيمة،
جمعا بين حقي أم الولد والمنذور له.

(1) المورد الخامس من موارد القسم الثالث.
(2) استظهره المحقق التستري في مقابس الأنوار: 173.
(3) الروضة البهية 3: 361.
(4) المورد السادس من موارد القسم الثالث.
(5) المدارك 5: 31.
150

ولو نذر التصدق بها، فإن كان مطلقا وقلنا بخروجها عن الملك
بمجرد ذلك - كما حكي عن بعض (1) - فلا حكم للعلوق. وإن قلنا بعدم
خروجها عن ملكه، احتمل: تقديم حق المنذور له في العين، وتقديم
حق الاستيلاد، والجمع بينهما بالقيمة.
ولو كان معلقا فوطأها قبل حصول الشرط صارت أم ولد، فإذا
حصل الشرط وجب التصدق بها، لتقدم سببه. ويحتمل انحلال النذر،
لصيرورة التصدق مرجوحا بالاستيلاد مع الرجوع إلى القيمة أو بدونه.
وتمام الكلام يحتاج إلى بسط تمام (2) لا يسعه الوقت.
ومنها (3): ما إذا كان علوقها من مكاتب مشروط ثم فسخت
كتابته، فللمولى أن يبيعها - على ما حكاه في الروضة عن بعض
الأصحاب (4) - بناء على أن مستولدته أم ولد بالفعل غير معلق على
عتقه فلا يجوز له بيع ولدها.
والقسم الرابع (5): وهو ما كان (6) إبقاؤها في ملك المولى غير

(1) تقدم أعلاه عن المدارك.
(2) كذا، والظاهر: " تام "، كما في مصححة " ص ".
(3) المورد السابع من موارد القسم الثالث.
(4) الروضة البهية 3: 261.
(5) هذا هو قسم آخر من أقسام المواضع المستثناة من قاعدة المنع عن بيع أم
الولد، راجع المقسم في الصفحة 118.
(6) كذا، وحق العبارة - بملاحظة المقسم - أن يقال: " وهو ما يكون الجواز لعدم
تحقق السبب المانع عن النقل مثل ما كان إبقاؤها... " وقد استظهر ذلك مصحح
" ش " أيضا.
151

معرض لها للعتق، لعدم توريث الولد من أبيه، لأحد موانع الإرث أو
لعدم ثبوت النسب من طرف الأم أو الأب واقعا، لفجور، أو ظاهرا،
باعتراف.
ثم إنا لم نذكر في كل مورد من موارد الاستثناء إلا قليلا من
كثير ما يتحمله من الكلام، فيطلب تفصيل كل واحد من مقامه.
152

مسألة
ومن أسباب خروج الملك عن كونه طلقا: كونه مرهونا.
فإن الظاهر - بل المقطوع به -: الاتفاق على عدم استقلال المالك
في بيع ملكه المرهون.
وحكي عن الخلاف: إجماع الفرقة وأخبارهم على ذلك (1)، وقد
حكي الإجماع عن غيره أيضا (2).
وعن المختلف - في باب تزويج الأمة المرهونة - أنه أرسل عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " أن الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف " (3).
وإنما الكلام في أن بيع الراهن هل يقع باطلا من أصله؟ أو يقع
موقوفا على الإجازة، أو سقوط حقه بإسقاطه أو بالفك؟

(1) الخلاف 3: 253، كتاب الرهن، ذيل المسألة 59، وحكاه عنه المحقق
التستري في مقابس الأنوار: 188.
(2) مفاتيح الشرائع 3: 139، وحكاه عنه المحقق التستري في المقابس: 188.
(3) المختلف 5: 421، ورواه في مستدرك الوسائل 13: 426 عن درر
اللآلي.
153

فظاهر عبائر جماعة من القدماء وغيرهم (1) الأول،
إلا أن صريح
الشيخ في النهاية (2) وابن حمزة في الوسيلة (3) وجمهور المتأخرين (4) - عدا
شاذ منهم (5) - هو كونه موقوفا، وهو الأقوى، للعمومات السليمة عن
المخصص، لأن معقد الإجماع والأخبار الظاهرة في المنع عن التصرف هو
الاستقلال، كما يشهد به عطف " المرتهن " على " الراهن " (6)، مع ما ثبت
في محله من وقوع تصرف المرتهن موقوفا، لا باطلا.
وعلى تسليم الظهور في بطلان التصرف رأسا، فهي موهونة بمصير
جمهور المتأخرين على خلافه (7).
هذا كله، مضافا إلى ما يستفاد من صحة نكاح العبد بالإجازة،
معللا ب‍ - " أنه لم يعص الله وإنما عصى سيده " (8)، إذ المستفاد منه: أن كل

(1) قال المحقق التستري في المقابس: 188: وهو الذي يقتضيه كلام الشيخ في
الخلاف وابن إدريس كما ذكر، وكذا كلام ابن زهرة، - إلى أن قال: - وكذا أبو
الصلاح... وكذا الديلمي... وكذا المفيد.
(2) النهاية: 433.
(3) لم نعثر على الإجازة في الوسيلة. نعم، فيه: " فإن أذن المرتهن له في التصرف
صح "، راجع الوسيلة: 266.
(4) منهم المحقق في الشرائع 2: 82، والحلي في الجامع للشرائع: 288، والعلامة
في القواعد 1: 16 والتحرير 1: 207 وغيرهما من كتبه، والشهيدان في اللمعة:
140 والمسالك 4: 47، وراجع مقابس الأنوار: 189 ومفتاح الكرامة 5: 116.
(5) مثل الحلي في السرائر 2: 417.
(6) كما في النبوي المرسل المتقدم عن المختلف آنفا.
(7) تقدمت الإشارة إلى مواضع كلامهم آنفا.
(8) الوسائل 14: 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 1 و 2.
154

عقد كان النهي عنه لحق الآدمي يرتفع (1) المنع ويحصل التأثير بارتفاع
المنع وحصول الرضا، وليس ذلك كمعصية الله أصالة (2) في إيقاع العقد
التي لا يمكن أن يلحقها (3) رضا الله تعالى.
هذا كله، مضافا إلى فحوى أدلة صحة الفضولي.
لكن الظاهر من التذكرة: أن كل من أبطل عقد الفضولي أبطل
العقد هنا (4)، وفيه نظر، لأن من استند في البطلان في الفضولي إلى مثل
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا بيع إلا في ملك " (5) لا يلزمه البطلان هنا، بل
الأظهر ما سيجئ عن إيضاح النافع: من أن الظاهر وقوف هذا العقد
وإن قلنا ببطلان الفضولي (6).
وقد ظهر من ذلك ضعف ما قواه بعض من عاصرناه (7) من القول
بالبطلان، متمسكا بظاهر الإجماعات والأخبار المحكية على المنع والنهي،
قال: وهو موجب للبطلان وإن كان لحق الغير، إذ العبرة بتعلق النهي بالعقد (8)

(1) في غير " ش ": فيرتفع.
(2) لم ترد " أصالة " في " ف ".
(3) في " ف ": يلحقه.
(4) التذكرة 1: 465، وفيه: ومن أبطل بيع الفضولي لزم الإبطال هنا.
(5) راجع عوالي اللآلي 2: 247، الحديث 16، والمستدرك 13: 230، الباب
الأول من أبواب عقد البيع، الحديث 3 و 4.
(6) إيضاح النافع (مخطوط)، ولا يوجد لدينا، وانظر الصفحة 190.
(7) هو المحقق التستري في مقابس الأنوار.
(8) كذا في " ش " ومصححة " ن " وفاقا للمصدر، وفي سائر النسخ: إذ العبرة
بالنهي عن العقد.
155

لا لأمر خارج عنه، وهو كاف في اقتضاء الفساد كما اقتضاه في بيع
الوقف وأم الولد وغيرهما، مع استواء الجميع (1) في كون سبب النهي حق
الغير.
ثم أورد على نفسه بقوله: فإن قلت: فعلى هذا يلزم بطلان عقد
الفضولي وعقد المرتهن، مع أن كثيرا من الأصحاب ساووا بين الراهن
والمرتهن في المنع (2) - كما دلت عليه الرواية (3) - فيلزم بطلان عقد الجميع
أو صحته، فالفرق تحكم.
قلنا: إن التصرف المنهي عنه إن كان انتفاعا بمال الغير فهو محرم،
ولا تحلله الإجازة المتعقبة. وإن كان عقدا أو إيقاعا، فإن وقع بطريق
الاستقلال (4) لا على وجه النيابة عن المالك، فالظاهر أنه كذلك - كما
سبق في الفضولي - وإلا فلا يعد تصرفا يتعلق به النهي، فالعقد الصادر
عن الفضولي قد يكون محرما، وقد لا يكون كذلك.
وكذا الصادر عن المرتهن إن وقع بطريق الاستقلال المستند إلى
البناء على ظلم الراهن وغصب حقه، أو إلى زعم التسلط عليه بمجرد
الارتهان كان منهيا عنه. وإن كان بقصد النيابة عن الراهن في مجرد

(1) كذا في " ص " والمصدر، وفي سائر النسخ: استوائهما.
(2) منهم المفيد في المقنعة: 622، والديلمي في المراسم: 192، والعلامة في
الإرشاد 1: 393، وغيرهم، وراجع الوسائل 13: 123 و 124، الباب 4 و 7
من أبواب الرهن وغيرهما من الأبواب.
(3) في المصدر: الروايات.
(4) في " ص " وهامش " ن " زيادة: في الأمر.
156

إجراء الصيغة، فلا يزيد عن عقد الفضولي، فلا يتعلق به نهي أصلا.
وأما المالك، فلما حجر على ماله برهنه وكان عقده لا يقع إلا
مستندا إلى ملكه لانحصار (1) المالكية فيه ولا معنى لقصده النيابة، فهو
منهي عنه، لكونه تصرفا مطلقا ومنافيا للحجر الثابت عليه، فيخصص
العمومات بما ذكر. ومجرد الملك لا يقضي بالصحة، إذ الظاهر بمقتضى
التأمل: أن الملك المسوغ للبيع هو ملك الأصل مع ملك التصرف فيه،
ولذا (2) لم يصح البيع في مواضع وجد فيها سبب الملك وكان ناقصا،
للمنع عن التصرف.
ثم قال: وبالجملة، فالذي يظهر بالتتبع في الأدلة (3): أن العقود ما
لم تنته إلى المالك فيمكن وقوعها موقوفة على إجازته، وأما إذا انتهت
إلى إذن المالك أو إجازته أو صدرت منه وكان تصرفه على وجه
الأصالة فلا تقع على وجهين، بل تكون فاسدة أو صحيحة لازمة إذا
كان وضع ذلك (4) العقد على اللزوم. وأما التعليل المستفاد من الرواية
المروية في النكاح من قوله: " لم يعص الله وإنما عصى سيده... إلى
آخره " (5)، فهو جار في من لم يكن مالكا كما أن العبد لا يملك أمر

(1) كذا في " ص " والمصدر، وفي سائر النسخ ونسخة بدل " ص ": وانحصار.
(2) العبارة في " ص " والمصدر هكذا: إذ الظاهر بمقتضى التأمل الصادق: أن
المراد بالملك المسوغ للبيع هو ملك الأصل مع التصرف فيه، ولذلك...
(3) في " ص " والمصدر: من تتبع الأدلة.
(4) " ذلك " من " ص " والمصدر ومصححة " ن ".
(5) الوسائل 14: 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 و 2.
157

نفسه، وأما المالك المحجور عليه، فهو عاص لله بتصرفه. ولا يقال: إنه
عصى المرتهن، لعدم كونه مالكا، وإنما منع الله من تفويت حقه
بالتصرف، وما ذكرناه جار في كل مالك متول لأمر نفسه إذا حجر
على ماله لعارض - كالفلس وغيره - فيحكم بفساد الجميع. وربما يتجه
الصحة فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة (1)، فالقول
بالبطلان هنا - كما اختاره أساطين الفقهاء - هو الأقوى (2)، انتهى كلامه
رفع مقامه.
ويرد عليه - بعد منع الفرق في الحكم بين بيع ملك الغير على
وجه الاستقلال وبيعه على وجه النيابة، ومنع اقتضاء مطلق النهي، لا
لأمر خارج، للفساد -:
أولا: أن نظير ذلك يتصور في بيع الراهن، فإنه قد يبيع رجاء
لإجازة المرتهن ولا ينوي الاستقلال، وقد يبيع (3) جاهلا بالرهن أو
بحكمه أو ناسيا، ولا حرمة في شئ من ذلك (4).
وثانيا: أن المتيقن من الإجماع والأخبار على منع الراهن كونه
على نحو منع المرتهن على ما يقتضيه عبارة معقد الإجماع والأخبار،

(1) في " ص " - هنا - زيادة استدركها المصحح من المصدر، وهي: " وقد تقدم
الكلام فيه. وبالجملة، فالقول بتأثير الإجازة على نحو ما بنى عليه جماعة من
المتأخرين، إبطال القواعد المعلومة من الشرع والأحكام المقررة فيه ضرورة ".
(2) مقابس الأنوار: 190.
(3) في " ع " و " خ " زيادة: استقلالا.
(4) في " ن " زيادة: فتأمل.
158

أعني قولهم: " الراهن والمرتهن ممنوعان "، ومعلوم أن المنع في المرتهن
إنما هو على وجه لا ينافي وقوعه موقوفا، وحاصله يرجع إلى منع
العقد على الرهن والوفاء بمقتضاه على سبيل الاستقلال وعدم مراجعة
صاحبه في ذلك. وإثبات المنع أزيد من ذلك يحتاج إلى دليل، ومع
عدمه يرجع إلى العمومات.
وأما ما ذكره من منع جريان التعليل في روايات العبد فيما نحن
فيه مستندا إلى الفرق بينهما، فلم أتحقق الفرق بينهما، بل الظاهر كون
النهي في كل منهما لحق الغير، فإن منع الله جل ذكره من تفويت حق
الغير ثابت في كل ما كان النهي عنه لحق الغير، من غير فرق بين بيع
الفضولي ونكاح العبد وبيع الراهن.
وأما ما ذكره من المساواة بين بيع الراهن وبيع الوقف وأم الولد،
ففيه: أن الحكم فيهما تعبد، ولذا لا يؤثر الإذن السابق في صحة البيع،
فقياس الرهن عليه في غير محله.
وبالجملة، فالمستفاد من طريقة الأصحاب، بل الأخبار: أن
المنع من المعاملة إذا كان لحق الغير الذي يكفي إذنه السابق
لا يقتضي الإبطال رأسا، بل إنما يقتضي الفساد، بمعنى عدم ترتب
الأثر عليه مستقلا من دون مراجعة ذي الحق. ويندرج في ذلك:
الفضولي وعقد الراهن، والمفلس، والمريض، وعقد الزوج لبنت أخت
زوجته أو أخيها، وللأمة على الحرة وغير ذلك، فإن النهي في
جميع ذلك إنما يقتضي الفساد بمعنى عدم ترتب الأثر (1) المقصود من العقد

(1) في " ف " زيادة: على.
159

عرفا، وهو صيرورته سببا مستقلا لآثاره من دون مدخلية رضا غير
المتعاقدين.
وقد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع هنا، بناء على ما سيجئ:
من أن ظاهرهم كون الإجازة هنا كاشفة، حيث إنه يلزم منه كون مال
غير الراهن - وهو المشتري - رهنا للبائع.
وبعبارة أخرى: الرهن والبيع متنافيان، فلا يحكم بتحققهما في
زمان واحد، أعني: ما قبل الإجازة، وهذا نظير ما تقدم في مسألة
" من باع شيئا ثم ملكه " من أنه على تقدير صحة البيع يلزم كون
الملك لشخصين في الواقع (1).
ويدفعه: أن القائل يلتزم بكشف الإجازة عن عدم الرهن في
الواقع، وإلا لجرى ذلك في عقد الفضولي أيضا، لأن فرض كون المجيز
مالكا للمبيع نافذ الإجازة يوجب تملك مالكين لملك (2) واحد قبل
الإجازة.
وأما ما يلزم في مسألة " من باع شيئا ثم ملكه " فلا يلزم في
مسألة إجازة المرتهن، نعم يلزم في مسألة افتكاك الرهن، وسيجئ
التنبيه عليه، إن شاء الله تعالى (3).
ثم إن الكلام في كون الإجازة من المرتهن كاشفة أو ناقلة، هو
الكلام في مسألة الفضولي، ومحصله: أن مقتضى القاعدة النقل، إلا أن

(1) راجع المكاسب 3: 441.
(2) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: بملك.
(3) انظر الصفحة 162 - 164.
160

الظاهر من بعض الأخبار (1) هو الكشف، والقول بالكشف هناك يستلزمه
هنا بالفحوى، لأن إجازة المالك أشبه بجزء المقتضي، وهي هنا من قبيل
رفع المانع، ومن أجل ذلك جوزوا عتق الراهن هنا مع تعقب إجازة
المرتهن (2)، مع أن الإيقاعات عندهم لا تقع مراعاة. والاعتذار عن ذلك
ببناء العتق على التغليب - كما فعله المحقق الثاني في كتاب الرهن، في
مسألة عفو الراهن عن جناية الجاني على العبد المرهون (3) - مناف
لتمسكهم في العتق بعمومات العتق، مع أن العلامة قدس سره في تلك المسألة
قد جوز العفو مراعى بفك الرهن (4).
هذا إذا رضي المرتهن بالبيع وأجازه. أما إذا أسقط حق الرهن،
ففي كون الإسقاط كاشفا أو ناقلا كلام يأتي في افتكاك الرهن أو إبراء
الدين.
ثم إنه لا إشكال في أنه لا ينفع الرد بعد الإجازة، وهو واضح.
وهل ينفع الإجازة بعد الرد؟ وجهان:

(1) مثل صحيحة محمد بن قيس المروية في الوسائل 14: 591، الباب 88 من
أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول، و 17: 527، الباب 11 من أبواب
ميراث الأزواج، الحديث الأول، وغيرهما من الأخبار المشار إليها في مبحث
الإجازة، راجع مبحث بيع الفضولي في الجزء 3: 399.
(2) كما في النهاية: 433، والشرائع 2: 82، والجامع للشرائع: 88، وانظر مفتاح
الكرامة 5: 116.
(3) جامع المقاصد 5: 146.
(4) القواعد 1: 165.
161

من أن الرد في معنى عدم رفع اليد عن حقه فله إسقاطه بعد
ذلك، وليس ذلك كرد بيع الفضولي، لأن المجيز هناك في معنى أحد
المتعاقدين، وقد تقرر أن رد أحد العاقدين مبطل لإنشاء العاقد الآخر،
بخلافه هنا، فإن المرتهن أجنبي له حق في العين.
ومن أن الإيجاب المؤثر إنما يتحقق برضا المالك والمرتهن، فرضا
كل منهما جزء مقوم للإيجاب المؤثر، فكما أن رد المالك في الفضولي
مبطل للعقد بالتقريب المتقدم، كذلك رد المرتهن، وهذا هو الأظهر من
قواعدهم.
ثم إن الظاهر أن فك الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة، لسقوط
حق المرتهن بذلك، كما صرح به في التذكرة (1). وحكي عن فخر
الإسلام (2) والشهيد في الحواشي (3)، وهو الظاهر من المحقق والشهيد
الثانيين (4).
ويحتمل عدم لزوم العقد بالفك - كما احتمله في القواعد (5) - بل
بمطلق (6) السقوط الحاصل بالإسقاط أو الإبراء أو بغيرهما، نظرا إلى أن

(1) التذكرة 1: 465، و 2: 50.
(2) إيضاح الفوائد 2: 19.
(3) لا يوجد لدينا، وحكى عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 5: 118.
(4) راجع جامع المقاصد 5: 75، ولم نعثر في كلام الشهيد الثاني على ما يدل
عليه، نعم قال بلزوم العتق من طرف الراهن بفك الرهن في الروضة البهية
(4: 84).
(5) راجع القواعد 1: 160، وفيه: فلو افتك الرهن ففي لزوم العقود نظر.
(6) في غير " ف ": مطلق.
162

الراهن تصرف فيما فيه حق المرتهن، وسقوطه بعد ذلك لا يؤثر في
تصحيحه.
والفرق بين الإجازة والفك: أن مقتضى ثبوت الحق له (1) هو
صحة إمضائه للبيع الواقع في زمان حقه، وإن لزم من الإجازة سقوط
حقه، فيسقط حقه بلزوم البيع. وبالجملة، فالإجازة تصرف من المرتهن
في الرهن حال وجود حقه - أعني حال العقد - بما يوجب سقوط حقه،
نظير إجازة المالك. بخلاف الإسقاط أو السقوط بالإبراء أو الأداء، فإنه
ليس فيه دلالة على مضي العقد حال وقوعه، فهو أشبه شئ ببيع
الفضولي أو الغاصب لنفسهما ثم تملكهما، وقد تقدم الإشكال فيه عن
جماعة (2). مضافا إلى استصحاب عدم اللزوم الحاكم على عموم * (أوفوا
بالعقود) * (3)، بناء على أن هذا العقد غير لازم قبل السقوط فيستصحب
حكم الخاص. وليس ذلك محل التمسك بالعام، إذ ليس في اللفظ عموم
زماني حتى يقال: إن المتيقن خروجه هو العقد قبل السقوط، فيبقى ما
بعد السقوط داخلا في العام.
ويؤيد ما ذكرناه - بل يدل عليه -: ما يظهر من بعض الروايات
من عدم صحة نكاح العبد بدون إذن سيده بمجرد عتقه ما لم يتحقق
الإجازة ولو بالرضا المستكشف من سكوت السيد مع علمه بالنكاح (4).

(1) لم ترد " له " في " ف ".
(2) راجع المسألة الثالثة من بحث الفضولي المتقدم في الجزء 3: 376.
(3) المائدة: 1.
(4) الوسائل 14: 525، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 1 و 3.
163

هذا، ولكن الإنصاف ضعف الاحتمال المذكور، من جهة أن عدم
تأثير بيع المالك في زمان الرهن ليس إلا لمزاحمة حق المرتهن المتقدم
على حق المالك بتسليط المالك، فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي،
وإنما هو من جهة المانع، فإذا زال أثر المقتضي.
ومرجع ما ذكرنا إلى أن أدلة سببية البيع المستفادة من نحو
* (أوفوا بالعقود) * و " الناس مسلطون على أموالهم " (1) ونحو ذلك، عامة،
وخروج زمان الرهن يعلم أنه من جهة مزاحمة حق المرتهن الذي هو
أسبق، فإذا زال المزاحم وجب تأثير السبب. ولا مجال لاستصحاب
عدم تأثير البيع، للعلم بمناط المستصحب وارتفاعه، فالمقام من
باب وجوب العمل بالعام، لا من مقام استصحاب حكم الخاص،
فافهم.
وأما قياس ما نحن فيه على نكاح العبد بدون إذن سيده، فهو
قياس مع الفارق، لأن المانع عن سببية نكاح العبد بدون إذن سيده
قصور تصرفاته عن الاستقلال في التأثير، لا مزاحمة حق السيد لمقتضى
النكاح، إذ لا منافاة بين كونه عبدا وكونه زوجا، ولأجل ما ذكرنا لو
تصرف العبد لغير السيد ببيع أو غيره، ثم انعتق العبد لم ينفع في
تصحيح ذلك التصرف.
هذا، ولكن مقتضى ما ذكرنا: كون سقوط حق الرهانة بالفك أو
الإسقاط أو الإبراء أو غير ذلك ناقلا ومؤثرا من حينه، لا كاشفا عن
تأثير العقد من حين وقوعه، خصوصا بناء على الاستدلال على الكشف

(1) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99، و 3: 208، الحديث 49.
164

بما ذكره جماعة ممن قارب عصرنا (1): من أن مقتضى مفهوم (2) الإجازة
إمضاء العقد من حينه، فإن هذا غير متحقق في افتكاك الرهن، فهو
نظير بيع الفضولي ثم تملكه للمبيع، حيث إنه لا يسع القائل بصحته إلا
التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك المالك الأول لا من حين
العقد، وإلا لزم في المقام كون ملك الغير رهنا لغير مالكه كما كان (3)
يلزم في تلك المسألة كون المبيع لمالكين في زمان واحد لو قلنا بكشف
الإجازة للتأثير من حين العقد.
هذا، ولكن ظاهر كل من قال بلزوم العقد هو القول بالكشف.
وقد تقدم عن القواعد - في مسألة عفو الراهن عن الجاني على
المرهون -: أن الفك يكشف عن صحته (4).
ويدل على الكشف أيضا ما استدلوا به على الكشف في الفضولي:
من أن العقد سبب تام... إلى آخر ما ذكره في الروضة (5) وجامع
المقاصد (6).
ثم إن لازم الكشف - كما عرفت في مسألة الفضولي (7) - لزوم العقد

(1) منهم السيد الطباطبائي في الرياض 1: 513، والمحقق القمي في جامع الشتات
2: 279، وغنائم الأيام: 542.
(2) في " ف ": عموم.
(3) لم ترد " كان " في " ش ".
(4) راجع القواعد 1: 165، وتقدم في الصفحة 161.
(5) الروضة البهية 3: 229.
(6) جامع المقاصد 4: 74 - 75.
(7) راجع المكاسب 3: 411 - 420.
165

قبل إجازة المرتهن من طرف الراهن كالمشتري الأصيل (1) فلا يجوز له
فسخه، بل ولا إبطاله بالإذن للمرتهن في البيع.
نعم، يمكن أن يقال بوجوب فكه من مال آخر، إذ لا يتم الوفاء
بالعقد الثاني إلا بذلك، فالوفاء بمقتضى الرهن غير مناف للوفاء بالبيع.
ويمكن أن يقال: إنه إنما (2) يلزم الوفاء بالبيع، بمعنى عدم جواز
نقضه، وأما دفع حقوق الغير وسلطنته فلا يجب، ولذا لا يجب على من
باع مال الغير لنفسه أن يشتريه من مالكه ويدفعه إليه، بناء على لزوم
العقد بذلك.
وكيف كان، فلو امتنع، فهل يباع عليه، لحق المرتهن، لاقتضاء
الرهن ذلك وإن لزم من ذلك إبطال بيع الراهن، لتقدم حق المرتهن؟ أو
يجبر الحاكم الراهن على فكه من مال آخر، جمعا بين حقي المشتري
والمرتهن اللازمين على الراهن البائع؟ وجهان. ومع انحصار المال في
المبيع فلا إشكال في تقديم حق المرتهن.

(1) كلمة " الأصيل " من " ش " ومصححة " ن ".
(2) لم ترد " إنما " في " ف ".
166

مسألة
إذا جنى العبد عمدا بما يوجب قتله أو استرقاق كله أو بعضه،
فالأقوى صحة بيعه، وفاقا للمحكي عن العلامة (1) والشهيد (2) والمحقق
الثاني (3) وغيرهم (4)، بل في شرح الصيمري: أنه المشهور (5)، لأنه لم
يخرج باستحقاقه للقتل أو الاسترقاق عن ملك مولاه، على ما هو
المعروف عمن عدا الشيخ (6) في الخلاف كما سيجئ (7).
وتعلق حق المجني عليه به لا يوجب خروج الملك عن قابلية

(1) التذكرة 1: 465، والقواعد 1: 126.
(2) الدروس 3: 200، واللمعة الدمشقية: 112.
(3) جامع المقاصد 4: 99.
(4) مثل الشهيد الثاني في المسالك 3: 171، وصاحب الجواهر في الجواهر 22:
383 - 384.
(5) غاية المرام (مخطوط) 1: 280.
(6) في " ف ": عن غير الشيخ.
(7) يجئ في الصفحة 169 - 170.
167

الانتفاع به.
ومجرد إمكان مطالبة أولياء المجني عليه له في كل وقت
بالاسترقاق أو القتل لا يسقط اعتبار ماليته.
وعلى تقدير تسليمه، فلا ينقص ذلك عن بيع مال الغير، فيكون
موقوفا على افتكاكه عن القتل والاسترقاق، فإن افتك لزم، وإلا بطل
البيع من أصله.
ويحتمل أن يكون البيع غير متزلزل، فيكون تلفه من المشتري في
غير زمن الخيار، لوقوعه في ملكه، غاية الأمر أن كون المبيع عرضة
لذلك عيب (1) يوجب الخيار مع الجهل، كالمبيع (2) الأرمد إذا عمي،
والمريض إذا مات بمرضه.
ويرده: أن المبيع إذا كان متعلقا لحق الغير فلا يقبل أن يقع
لازما، لأدائه إلى سقوط حق الغير، فلا بد إما أن يبطل وإما أن يقع
مراعى، وقد عرفت أن مقتضى عدم استقلال البائع في ماله ومدخلية
الغير فيه: وقوع بيعه مراعى، لا باطلا.
وبذلك يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين بيع المريض الذي يخاف
عليه من الموت، والأرمد الذي يخاف عليه من العمى الموجب للانعتاق،
فإن الخوف في المثالين لا يوجب نقصانا في سلطنة المالك مانعا عن (3)
نفوذ تمليكه منجزا، بخلاف تعلق حق الغير. اللهم إلا أن يقال (4): إن

(1) لم ترد " عيب " في " خ "، " م " و " ع ".
(2) كذا في النسخ، وكتب فوقه في " خ ": " كبيع - خ "، وهذا هو الأنسب.
(3) في " ف " و " خ ": من.
(4) لم ترد " أن يقال " في غير " ف " و " ش "، لكن استدركت في " ن " و " ص ".
168

تعلق حق المجني عليه لا يمنع من نفوذ تمليكه منجزا، لأن للبائع سلطنة
مطلقة عليه (1)، وكذا للمشتري، ولذا يجوز (2) التصرف لهما فيه (3) من دون
مراجعة ذي الحق، غاية الأمر أن له التسلط على إزالة ملكهما (4) ورفعه
بالإتلاف أو التمليك، وهذا لا يقتضي وقوع العقد مراعى وعدم استقرار
الملك.
وبما ذكرنا ظهر الفرق بين حق المرتهن (5) المانع من تصرف الغير
وحق المجني عليه الغير المانع فعلا، غاية الأمر أنه رافع (6) شأنا.
وكيف كان، فقد حكي عن الشيخ في الخلاف البطلان، فإنه قال
فيما حكي عنه: إذا كان لرجل عبد، فجنى (7)، فباعه مولاه بغير إذن
المجني عليه، فإن كانت جنايته توجب القصاص فلا يصح البيع، وإن
كانت جنايته توجب الأرش صح إذا التزم مولاه الأرش. ثم استدل
بأنه إذا وجب عليه القود فلا يصح بيعه، لأنه قد باع منه ما لا يملكه،

(1) في " ف ": سلطنة متعلقة به.
(2) في غير " ف " و " ش ": " لا يجوز "، وشطب في " ن "، " خ " و " ص " على
كلمة " لا ".
(3) لم ترد " فيه " في " ف " و " ش ".
(4) كذا في " ص " ومحتمل " ف "، وفي " ش ": " ملكه "، وفي سائر النسخ:
" ملكها "، لكن صححت في " ن " و " خ " بما أثبتناه.
(5) في غير " ش ": " الراهن "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(6) في مصححة " ص ": مانع.
(7) كذا في المصدر، وفي " ش " ومصححة " ن ": " جان "، وفي " ص ": " فجنى
عليه "، وفي سائر النسخ: " مجني عليه ".
169

فإنه حق للمجني عليه. وأما إذا وجب عليه الأرش صح، لأن رقبته
سليمة، والجناية أرشها فقد التزمه السيد، فلا وجه يفسد البيع (1)، انتهى.
وقد حكي عن المختلف: أنه حكى عنه (2) في كتاب الظهار:
التصريح بعدم بقاء ملك المولى على الجاني عمدا، حيث قال: إذا كان
عبد قد جنى جناية فإنه لا يجزئ عتقه عن الكفارة، وإن كان خطأ
جاز ذلك. واستدل بإجماع الفرقة، فإنه لا خلاف بينهم أنه إذا كانت
جنايته عمدا ينتقل ملكه إلى المجني عليه، وإن كان خطأ فدية ما جناه
على مولاه (3)، انتهى.
وربما يستظهر ذلك من عبارة الإسكافي المحكية عنه في الرهن،
وهي: أن من شرط الرهن أن يكون الراهن (4) مثبتا لملكه إياه، غير
خارج بارتداد أو استحقاق الرقبة بجنايته عن ملكه (5)، انتهى.
وربما يستظهر البطلان من عبارة الشرائع أيضا في كتاب
القصاص، حيث قال: إنه (6) إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه
صح، ولم يسقط القود، ولو قيل: لا يصح لئلا يبطل حق الولي (7) من

(1) الخلاف 3: 117 - 118، كتاب البيوع، المسألة 198.
(2) أي: عن الشيخ.
(3) المختلف 7: 443، وراجع الخلاف 4: 546، كتاب الظهار، المسألة 33.
(4) كذا في المصدر ونسخة بدل " ن " و " ش "، وفي سائر النسخ: الرهن.
(5) المختلف 5: 422.
(6) لم ترد " إنه " في " ش " والمصدر.
(7) كذا في " ف "، " ن " و " ش "، وفي سائر النسخ: المولى.
170

الاسترقاق، كان حسنا. وكذا بيعه وهبته (1)، انتهى.
لكن يحتمل قويا أن يكون مراده بالصحة: وقوعه لازما غير
متزلزل كوقوع العتق، لأنه الذي يبطل به حق الاسترقاق، دون وقوعه
مراعى بافتكاكه عن القتل والاسترقاق.
وكيف كان، فالظاهر من عبارة الخلاف الاستناد في عدم الصحة
إلى عدم الملك، وهو ممنوع، لأصالة بقاء ملكه، ولظهور (2) لفظ
" الاسترقاق " في بعض الأخبار (3) في بقاء الملك. نعم، في بعض الأخبار
ما يدل على الخلاف (4).
ويمكن أن يكون مراد الشيخ بالملك السلطنة عليه، فإنه ينتقل إلى
المجني عليه، ويكون عدم جواز بيعه من المولى مبنيا على المنع عن بيع
الفضولي المستلزم للمنع عن بيع كل ما يتعلق به حق الغير ينافيه
السلطنة المطلقة من المشتري عليه، كما في الرهن.

(1) الشرائع 4: 209.
(2) في غير " ف ": وظهور.
(3) الوسائل 19: 73، الباب 41 من أبواب قصاص النفس.
(4) الوسائل 19: 73، الباب 41 من أبواب قصاص النفس.
171

مسألة
إذا جنى العبد خطأ صح بيعه على المشهور، بل في شرح
الصيمري: أنه لا خلاف في جواز بيع الجاني إذا كانت الجناية خطأ أو
شبه عمد، ويضمن المولى أقل الأمرين من قيمته ودية الجناية، ولو
امتنع كان للمجني عليه أو لوليه انتزاعه، فيبطل البيع. وكذا لو كان
المولى معسرا، فللمشتري الفسخ مع الجهالة لتزلزل ملكه ما لم يفده (1)
المولى (2)، انتهى.
وظاهره أنه أراد نفي الخلاف عن الجواز قبل التزام السيد، إلا أن
المحكي عن السرائر (3) والخلاف (4): أنه لا يجوز إلا إذا فداه (5) المولى أو

(1) في " م "، " ع "، " ص " و " ش ": لم يفد به.
(2) غاية المرام (مخطوط) 1: 280.
(3) السرائر 3: 358، وحكى ذلك عنه المحقق التستري في مقابس الأنوار:
183.
(4) حكاه المحقق التستري في مقابس الأنوار: 183، وقال: إنه مفهوم من كلامه
في الرهن، وراجع الخلاف 3: 235، كتاب الرهن المسألة 28.
(5) كذا في " ف " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: أفداه.
172

التزم بالفداء، لا أنه (1) إذا باع ضمن.
والأوفق بالقواعد أن يقال بجواز البيع، لكونه ملكا لمولاه، وتعلق
حق الغير لا يمنع عن ذلك، لأن كون المبيع مال الغير لا يوجب بطلان
البيع رأسا فضلا عن تعلق حق الغير. ولعل ما عن الخلاف والسرائر
مبني على أصلهما من بطلان الفضولي وما أشبهه من كل بيع يلزم من
لزومه بطلان حق الغير، كما يومئ إليه استدلال الحلي على بطلان البيع
قبل التزامه وضمانه: بأنه قد تعلق (2) برقبة العبد الجاني فلا يجوز
إبطاله (3). ومرجع هذا المذهب إلى أنه لا واسطة بين لزوم البيع وبطلانه،
فإذا صح البيع أبطل حق الغير.
وقد تقدم غير مرة: أنه لا مانع من وقوع البيع مراعى بإجازة
ذي الحق أو سقوط حقه، فإذا باع المولى فيما نحن فيه قبل أداء الدية
أو أقل الأمرين - على الخلاف - وقع مراعى، فإن فداه المولى أو رضي
المجني عليه بضمانه فذاك، وإلا انتزعه المجني عليه من المشتري، وعلى
هذا فلا يكون البيع موجبا لضمان البائع حق المجني عليه.
قال في كتاب الرهن من القواعد: ولا يجبر السيد على فداء
الجاني وإن رهنه أو باعه، بل يتسلط المجني عليه، فإن استوعب الجناية
القيمة بطل الرهن، وإلا ففي المقابل (4)، انتهى.

(1) في " ش ": إلا أنه.
(2) في " ص " زيادة: حق الغير.
(3) السرائر 3: 358.
(4) القواعد 1: 159.
173

لكن ظاهر العلامة في غير هذا المقام وغيره هو أن البيع بنفسه
التزام بالفداء. ولعل وجهه: أنه يجب على المولى حيث تعلق بالعبد
- وهو مال من أمواله، وفي يده (1) - حق يتخير المولى في نقله عنه إلى
ذمته، أن يوفي حق المجني عليه إما من العين أو من ذمته، فيجب
عليه: إما تخليص العبد من المشتري بفسخ أو غيره، وإما أن يفديه من
ماله، فإذا امتنع المشتري من رده - والمفروض عدم سلطنة البائع على
أخذه قهرا، للزوم الوفاء بالعقد - وجب عليه دفع الفداء.
ويرد عليه: أن فداء العبد غير لازم قبل البيع، وبيعه ليس إتلافا
له حتى يتعين عليه الفداء، ووجوب الوفاء بالبيع لا يقتضي إلا رفع
يده، لا رفع يد الغير، بل هذا أولى بعدم وجوب الفك من الرهن
الذي تقدم في آخر مسألته الخدشة (2) في وجوب الفك على الراهن بعد
بيعه، لتعلق الدين هناك بالذمة وتعلق الحق هنا بالعين، فتأمل.
ثم إن المصرح به في التذكرة (3) والمحكي عن غيرها (4): أن
للمشتري فك العبد، وحكم رجوعه إلى البائع حكم قضاء الدين عنه.

(1) لم ترد " وفي يده " في " ف ".
(2) في " ف ": " الخلاف "، وراجع الصفحة 166.
(3) التذكرة 1: 465 - 466.
(4) حكاه المحقق التستري في المقابس: 186 عن التحرير، وراجع التحرير 1:
165.
174

مسألة
الثالث من شروط العوضين: القدرة على التسليم
فإن الظاهر الإجماع على اشتراطها في الجملة كما في جامع
المقاصد (1)، وفي التذكرة: أنه إجماع (2). وفي المبسوط: الإجماع على عدم
جواز بيع السمك في الماء ولا الطير في الهواء (3). وعن الغنية: أنه إنما
اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدورا عليه تحفظا مما لا يمكن فيه
ذلك، كالسمك في الماء والطير في الهواء، فإن ما هذه حاله لا يجوز
بيعه بلا خلاف (4).
واستدل في التذكرة على ذلك بأنه: " نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر " (5)،

(1) جامع المقاصد 4: 101.
(2) التذكرة 1: 466.
(3) المبسوط 2: 157.
(4) الغنية: 211.
(5) الوسائل 12: 330، الباب 40 من أبواب آداب التجارة، الحديث 3.
175

وهذا غرر (1)، والنهي هنا يوجب الفساد إجماعا، على الظاهر المصرح به
في موضع من الإيضاح (2)، واشتهار الخبر بين الخاصة والعامة يجبر
إرساله.
أما كون ما نحن فيه غررا فهو الظاهر من كلمات كثير من
الفقهاء (3) وأهل اللغة (4)، حيث مثلوا للغرر ببيع السمك في الماء والطير
في الهواء،
مع أن معنى الغرر - على ما ذكره أكثر أهل اللغة - صادق
عليه، والمروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: " أنه عمل ما لا يؤمن معه
من الضرر " (5).
وفي الصحاح: الغرة: الغفلة، والغار: الغافل، وأغره، أي: أتاه
على غرة منه، واغتر بالشئ، أي: خدع به (6)، والغرر: الخطر، ونهى
رسول الله صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر، وهو مثل بيع السمك في الماء

(1) التذكرة 1: 466.
(2) إيضاح الفوائد 1: 430.
(3) راجع الوسيلة: 245 - 246، والسرائر 2: 323 - 324، والجامع للشرائع:
255، والتذكرة 1: 485، وغيرها.
(4) كما في الصحاح 2: 768، مادة " غرر "، ومجمع البحرين 3: 423، مادة
" غرر " أيضا.
(5) لم نعثر عليه في كتب الأصول والفروع، نعم نقله صاحب الجواهر في الجواهر
22: 387، بلفظ: وروى ابن أبي المكارم الفقهي عن أمير المؤمنين عليه السلام:
" أن الغرر عمل ما لا يؤمن معه الضرر ".
(6) في " ف ": أغره بالشئ، أي: خدعه به.
176

والطير في الهواء - إلى أن قال: - والتغرير: حمل النفس على الغرر (1)، انتهى.
وعن القاموس ما ملخصه: غره غرا وغرورا وغرة - بالكسر -،
فهو مغرور وغرير - كأمير (2) -: خدعه وأطمعه في الباطل (3) - إلى أن قال: -
غرر بنفسه تغريرا وتغرة، أي: عرضها للهلكة، والاسم الغرر محركة - إلى
أن قال: - والغار: الغافل، واغتر: غفل، والاسم الغرة بالكسر (4)، انتهى.
وعن النهاية بعد تفسير الغرة - بالكسر - بالغفلة: أنه نهى عن بيع
الغرر، وهو ما كان له ظاهر يغر المشتري، وباطن مجهول. وقال
الأزهري: بيع الغرر ما كان على غير عهدة ولا ثقة، ويدخل فيه
البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول، وقد تكرر في
الحديث، ومنه حديث مطرف: " إن لي نفسا واحدة، وإني لأكره أن
أغرر بها "، أي أحملها على غير ثقة، وبه سمي الشيطان غرورا، لأنه
يحمل الإنسان على محابه، ووراء ذلك ما يسوؤه (5)، انتهى.
وقد حكي أيضا عن الأساس (6) والمصباح (7) والمغرب (8) والمجمل (9)

(1) الصحاح 2: 768 - 769، مادة " غرر "، وفيه: واغتره: أي أتاه.
(2) كلمة " كأمير " من " ش " والمصدر.
(3) في " ص " والمصدر: بالباطل.
(4) القاموس المحيط 2: 100 - 101، مادة " غره ".
(5) النهاية (لابن الأثير) 3: 355 - 356، مادة " غرر ".
(6) أساس البلاغة: 322، مادة " غرر ".
(7) المصباح المنير: 445، مادة " الغرة ".
(8) المغرب: 338.
(9) مجمل اللغة (لابن فارس): 532، مادة " غر ".
177

والمجمع (1) تفسير الغرر بالخطر، ممثلا له في الثلاثة الأخيرة ببيع السمك
في الماء والطير في الهواء.
وفي التذكرة: أن أهل اللغة فسروا بيع الغرر بهذين (2)، ومراده
من التفسير التوضيح بالمثال، وليس في المحكي عن النهاية منافاة لهذا
التفسير، كما يظهر بالتأمل.
وبالجملة، فالكل متفقون على أخذ " الجهالة " في معنى الغرر، سواء
تعلق الجهل بأصل وجوده، أم بحصوله في يد من انتقل إليه، أم بصفاته
كما وكيفا (3).
وربما يقال (4): إن المنساق من الغرر المنهي عنه: الخطر، من حيث
الجهل بصفات المبيع ومقداره، لا مطلق الخطر الشامل لتسليمه وعدمه،
ضرورة حصوله في بيع كل غائب، خصوصا إذا كان في بحر ونحوه، بل
هو أوضح شئ في بيع الثمار والزرع ونحوهما.
والحاصل: أن من الواضح عدم لزوم المخاطرة في مبيع مجهول
الحال بالنسبة إلى التسلم وعدمه، خصوصا بعد جبره بالخيار لو تعذر.
وفيه: أن الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري أعظم

(1) لم نعثر فيه على التصريح به، نعم فيه ما يفيد ذلك، انظر مجمع البحرين 3:
423، مادة " غرر "، وحكاه عنه وعما تقدم صاحب الجواهر، انظر الجواهر
22: 386.
(2) التذكرة 1: 466، وفيه: وفسر بأنه بيع السمك في الماء والطير في الهواء.
(3) في " ش ": أو كيفا.
(4) قاله صاحب الجواهر في الجواهر 22: 388.
178

من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله، فلا وجه لتقييد كلام أهل اللغة
خصوصا بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين. واحتمال إرادتهم ذكر المثالين
لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده، يدفعه ملاحظة اشتهار
التمثيل بهما في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم لا للجهالة بالصفات.
هذا، مضافا إلى استدلال الفريقين من العامة والخاصة بالنبوي
المذكور على اعتبار القدرة على التسليم، كما يظهر من الانتصار، حيث
قال فيما حكي عنه: ومما انفردت به الإمامية القول بجواز شراء العبد
الآبق مع الضميمة، ولا يشترى وحده إلا إذا كان بحيث يقدر عليه
المشتري (1)، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أنه لا يجوز بيع
الآبق على كل حال - إلى أن قال: - ويعول مخالفونا في منع بيعه على
أنه بيع غرر، وأن نبينا صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الغرر - إلى أن قال: -
وهذا ليس بصحيح، لأن هذا البيع يخرجه عن أن يكون غررا، انضمام (2)
غيره إليه (3)، انتهى.
وهو صريح في استدلال جميع العامة بالنبوي على اشتراط القدرة
على التسليم. والظاهر اتفاق أصحابنا - أيضا - على الاستدلال به
له (4)، كما يظهر للمتتبع، وسيجئ في عبارة الشهيد التصريح به.
وكيف كان، فالدعوى المذكورة مما لا يساعدها اللغة ولا العرف

(1) عبارة " ولا يشترى - إلى - المشتري " من " ش " والمصدر.
(2) كذا في " ش " ونسخة بدل " ص "، وفي سائر النسخ والمصدر: لانضمام.
(3) الإنتصار: 209.
(4) " له " من " خ "، واستدركت في " ن "، " م " و " ع " أيضا.
179

ولا كلمات أهل الشرع.
وما أبعد ما بينه وبين ما عن قواعد الشهيد قدس سره، حيث قال:
الغرر [لغة] (1) ما كان له ظاهر محبوب وباطن مكروه، قاله بعضهم،
ومنه قوله تعالى: * (متاع الغرور) * (2)، وشرعا هو جهل الحصول. وأما
المجهول المعلوم الحصول (3) ومجهول الصفة فليس غررا. وبينهما عموم
وخصوص من وجه، لوجود الغرر بدون الجهل في العبد الآبق إذا كان
معلوم الصفة من قبل أو وصف (4) الآن، ووجود الجهل بدون الغرر في
المكيل والموزون والمعدود إذا لم يعتبر. وقد يتوغل في الجهالة، كحجر
لا يدرى أذهب، أم فضة، أم نحاس، أم صخر، ويوجدان معا في العبد
الآبق المجهول الصفة. ويتعلق الغرر والجهل تارة بالوجود كالعبد الآبق
المجهول الوجود (5)، وتارة بالحصول كالعبد الآبق المعلوم الوجود،
وبالجنس كحب لا يدرى ما هو، وسلعة من سلع مختلفة، وبالنوع كعبد
من عبيد، وبالقدر ككيل لا يعرف قدره والبيع إلى مبلغ السهم،
وبالعين كثوب من ثوبين مختلفين، وبالبقاء كبيع الثمرة قبل بدو الصلاح

(1) ما بين المعقوفتين من المصدر، واستدركت في " ن " و " ص " أيضا.
(2) آل عمران: 185، والحديد: 20.
(3) عبارة " وأما المجهول المعلوم الحصول " لم ترد في " ش "، والموجود في المصدر
بعد قوله: " وشرعا هو جهل الحصول "، هكذا: " وأما المجهول، فمعلوم الحصول
مجهول الصفة، وبينهما عموم وخصوص من وجه ".
(4) في المصدر: أو بالوصف.
(5) لم ترد " الوجود " في " ف ".
180

عند بعض الأصحاب. ولو اشترط أن يبدو الصلاح لا محالة كان غررا
عند الكل، كما لو شرط صيرورة الزرع سنبلا. والغرر قد يكون بما له
مدخل ظاهر في العوضين وهو ممتنع إجماعا. وقد يكون بما يتسامح به
عادة لقلته، كأس الجدار وقطن الجبة، وهو معفو عنه إجماعا، ونحوه
اشتراط الحمل. وقد يكون (1) بينهما، وهو محل الخلاف، كالجزاف في مال
الإجارة والمضاربة، والثمرة قبل بدو الصلاح، والآبق بغير ضميمة (2)،
انتهى (3).
وفي بعض كلامه تأمل، ككلامه الآخر في شرح الإرشاد، حيث
ذكر في مسألة تعين الأثمان بالتعيين (4) عندنا قالوا - يعني المخالفين من
العامة -: تعيينها (5) غرر، فيكون منهيا عنه. أما الصغرى، فلجواز عدمها
أو ظهورها مستحقة فينفسخ البيع. وأما الكبرى، فظاهرة - إلى أن
قال: - قلنا: نمنع الصغرى، لأن الغرر إجمال (6) مجتنب عنه في العرف
بحيث لو تركه وبخ عليه، وما ذكروه (7) لا يخطر ببال فضلا عن اللوم

(1) في " ش " ومصححة " ن " زيادة: مرددا.
(2) كذا في المصدر، وفي " ش ": " لغير ضميمة "، وفي " ص ": " قبل الضميمة "،
وفي سائر النسخ: مع الضميمة.
(3) القواعد والفوائد 2: 137 - 138، القاعدة 199.
(4) في " ش " زيادة: الشخصي.
(5) في النسخ: " تعينها "، وما أثبتناه من المصدر ومصححة " ن ".
(6) كذا في المصدر و " ف " ونسخة بدل " ن "، وفي سائر النسخ: احتمال.
(7) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: وما ذكره.
181

عليه (1)، انتهى.
فإن مقتضاه: أنه لو أشتري الآبق أو الضال المرجو الحصول بثمن
قليل، لم يكن غررا، لأن العقلاء يقدمون على الضرر القليل رجاء للنفع
الكثير. وكذا لو اشترى المجهول المردد بين ذهب ونحاس بقيمة النحاس،
بناء على المعروف من تحقق الغرر بالجهل بالصفة. وكذا شراء مجهول
المقدار بثمن المتيقن منه، فإن ذلك كله مرغوب فيه عند العقلاء، بل
يوبخون من عدل عنه اعتذارا بكونه خطرا.
فالأولى: أن هذا النهي من الشارع لسد باب المخاطرة المفضية إلى
التنازع في المعاملات، وليس منوطا بالنهي من العقلاء ليخص مورده
بالسفهاء أو المتسفهة.
ثم إنه قد حكي عن الصدوق في معاني الأخبار: تعليل فساد
بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية - كبيع المنابذة والملامسة وبيع
الحصاة - بكونها غررا (2)، مع أنه لا جهالة في بعضها كبيع المنابذة، بناء
على ما فسره به (3) من أنه قول أحدهما لصاحبه: أنبذ إلي الثوب أو
أنبذه إليك فقد وجب البيع، وبيع الحصاة بأن يقول: إذا نبذت الحصاة
فقد وجب البيع. ولعله كان على وجه خاص يكون فيه خطر (4)، والله
العالم.

(1) غاية المراد: 93.
(2) معاني الأخبار: 278.
(3) في " ش ": فسر به.
(4) في " ف ": يكون خطرا.
182

وكيف كان، فلا إشكال في صحة التمسك لاعتبار القدرة على
التسليم بالنبوي المذكور، إلا أنه أخص من المدعى، لأن ما يمتنع
تسليمه عادة - كالغريق في بحر يمتنع خروجه منه عادة ونحوه - ليس في
بيعه خطر، لأن الخطر إنما يطلق في مقام يحتمل السلامة ولو ضعيفا،
لكن هذا الفرد يكفي في الاستدلال على بطلانه بلزوم (1) السفاهة وكون
أكل الثمن في مقابله أكلا للمال بالباطل، بل لا يعد مالا عرفا وإن كان
ملكا، فيصح عتقه، ويكون لمالكه لو فرض التمكن منه، إلا أنه لا ينافي
سلب صفة التمول عنه عرفا، ولذا يجب على غاصبه رد تمام قيمته إلى
المالك، فيملكه مع بقاء العين على ملكه على ما هو ظاهر المشهور.
ثم إنه ربما يستدل على هذا الشرط بوجوه أخر:
منها: ما اشتهر عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: " لا تبع ما ليس
عندك " (2) بناء على أن " كونه عنده " لا يراد به الحضور، لجواز بيع
الغائب والسلف إجماعا، فهي كناية، لا (3) عن مجرد الملك، لأن المناسب
حينئذ ذكر لفظة " اللام "، ولا عن مجرد السلطنة عليه والقدرة على
تسليمه، لمنافاته لتمسك العلماء من الخاصة والعامة [به] (4) على عدم جواز
بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثم شرائها من مالكها، خصوصا إذا

(1) في مصححة " ن ": لزوم.
(2) سنن البيهقي 5: 267، 317 و 339، ويدل عليه ما في الوسائل 12: 266،
الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 12.
(3) كلمة " لا " من " ف " و " ش "، واستدركت في أكثر النسخ.
(4) الزيادة اقتضاها السياق.
183

كان وكيلا عنه في بيعه ولو من نفسه، فإن السلطنة والقدرة على التسليم
حاصلة هنا، مع أنه مورد الرواية عند الفقهاء.
فتعين أن يكون كناية عن السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف على
الملك مع كونه تحت اليد حتى كأنه عنده وإن كان غائبا.
وعلى أي حال، فلا بد من إخراج بيع الفضولي عنه بأدلته، أو
بحمله على النهي المقتضي لفساده بمعنى عدم وقوعه لبائعه لو أراد ذلك.
وكيف كان، فتوجيه الاستدلال بالخبر على ما نحن فيه ممكن.
وأما الإيراد عليه بدعوى: أن المراد به الإشارة إلى ما هو
المتعارف في تلك الأزمنة، من بيع الشئ الغير المملوك ثم تحصيله
بشرائه ونحوه ودفعه إلى المشتري، فمدفوع بعدم الشاهد على اختصاصه
بهذا المورد، وليس في الأخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما يشهد
باختصاصه بهذا المورد.
نعم، يمكن أن يقال: إن غاية ما يدل عليه هذا النبوي - بل
النبوي الأول أيضا -: فساد البيع، بمعنى عدم كونه علة تامة لترتب
الأثر المقصود، فلا ينافي وقوعه مراعى بانتفاء صفة الغرر وتحقق كونه
عنده.
ولو أبيت إلا عن ظهور النبويين في الفساد بمعنى لغوية العقد رأسا
المنافية لوقوعه مراعى، دار الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر،
وبين إخراج بيع الرهن، وبيع ما يملكه بعد البيع وبيع العبد الجاني عمدا
وبيع المحجور لرق أو سفه أو فلس، فإن البائع في هذه الموارد عاجز
شرعا عن التسليم، ولا رجحان لهذه التخصيصات، فحينئذ لا مانع عن
التزام وقوع بيع كل ما يعجز عن تسليمه مع رجاء التمكن منه مراعى
184

بالتمكن منه في زمان لا يفوت الانتفاع المعتد به.
وقد صرح الشهيد في اللمعة بجواز بيع الضال والمجحود من غير
إباق مراعى بإمكان التسليم (1)، واحتمله في التذكرة (2).
لكن الإنصاف: أن الظاهر من حال الفقهاء اتفاقهم على فساد بيع
الغرر بمعنى عدم تأثيره رأسا، كما عرفت من الإيضاح (3).
ومنها: أن لازم العقد وجوب تسليم كل من المتبايعين العوضين
إلى صاحبه، فيجب أن يكون مقدورا، لاستحالة التكليف بالممتنع (4).
ويضعف بأنه إن أريد أن لازم العقد وجوب التسليم وجوبا
مطلقا، منعنا الملازمة، وإن أريد مطلق وجوبه، فلا ينافي كونه مشروطا
بالتمكن، كما لو تجدد العجز بعد العقد.
وقد يعترض بأصالة عدم تقيد الوجوب، ثم يدفع بمعارضته
بأصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط. وفي الاعتراض والمعارضة نظر
واضح، فافهم.
ومنها: أن الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه، ولا
يتم إلا بالتسليم.
ويضعفه: منع توقف مطلق الانتفاع على التسليم، بل منع عدم
كون الغرض منه إلا الانتفاع بعد التسليم لا الانتفاع المطلق.

(1) اللمعة الدمشقية: 111.
(2) التذكرة 1: 466.
(3) تقدم في الصفحة 176.
(4) في " ش ": الممتنع.
185

ومنها: أن بذل الثمن على غير المقدور سفه، فيكون ممنوعا وأكله
أكلا بالباطل.
وفيه: أن بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل الحصول
ليس سفها، بل تركه اعتذارا بعدم العلم بحصول العوض (1) سفه، فافهم.
ثم إن ظاهر معاقد الإجماعات - كما عرفت - كون القدرة شرطا،
كما هو كذلك في التكاليف، وقد أكد الشرطية في عبارة الغنية المتقدمة (2)،
حيث حكم بعدم جواز بيع ما لا يمكن فيه التسليم، فينتفي المشروط
عند انتفاء الشرط.
ومع ذلك كله فقد استظهر بعض (3) من تلك العبارة:
أن العجز مانع، لا أن القدرة شرط. قال: ويظهر الثمرة في موضع
الشك، ثم ذكر اختلاف الأصحاب في مسألة الضال والضالة، وجعله
دليلا على أن القدر المتفق عليه ما إذا تحقق العجز.
وفيه - مع (4) ما عرفت من أن صريح معاقد الإجماع، خصوصا
عبارة الغنية المتأكدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء،
هي شرطية
القدرة -: أن العجز أمر عدمي، لأنه عدم القدرة عمن من شأنه صنفا
أو نوعا أو جنسا أن يقدر، فكيف يكون مانعا؟ مع أن المانع هو الأمر
الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم؟ ثم لو سلم صحة إطلاق
" المانع " عليه لا ثمرة فيه، لا في صورة الشك الموضوعي أو الحكمي،

(1) في " ف ": المعوض.
(2) تقدمت في الصفحة 175.
(3) استظهره صاحب الجواهر في الجواهر 22: 385.
(4) لم ترد " مع " في غير " ف "، إلا أنها استدركت في " ن " و " خ ".
186

ولا في غيرهما، فإنا إذا شككنا في تحقق القدرة والعجز مع سبق القدرة
فالأصل بقاؤها، أو لا معه فالأصل عدمها - أعني العجز - سواء جعل
القدرة شرطا أو العجز مانعا، وإذا شككنا في أن الخارج عن عمومات
الصحة هو العجز المستمر أو العجز في الجملة أو شككنا في أن المراد
بالعجز ما يعم التعسر - كما حكي (1) - أم خصوص التعذر، فاللازم
التمسك بعمومات الصحة من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا أو
العجز مانعا.
والحاصل: أن التردد بين شرطية الشئ ومانعية مقابله إنما يصح
ويثمر في الضدين مثل الفسق والعدالة، لا فيما نحن فيه وشبهه كالعلم
والجهل. وأما اختلاف الأصحاب في مسألة الضال والضالة فليس لشك
المالك في القدرة والعجز، ومبنيا على كون القدرة شرطا أو العجز مانعا
- كما يظهر من أدلتهم على الصحة والفساد - بل لما سيجئ عند
التعرض لحكمها (2).
ثم إن العبرة في الشرط المذكور إنما هو في زمان استحقاق
التسليم، فلا ينفع وجودها حال العقد إذا علم بعدمها حال استحقاق
التسليم، كما لا يقدح عدمها قبل الاستحقاق ولو حين العقد.
ويتفرع
على ذلك: عدم اعتبارها أصلا إذا كانت العين في يد المشتري، وفيما
لم (3) يعتبر التسليم فيه رأسا، كما إذا اشترى من ينعتق عليه، فإنه ينعتق

(1) لم نقف عليه.
(2) يجئ في الصفحة 198.
(3) في " ف " بدل " وفيما لم ": أو لم.
187

بمجرد الشراء ولا سبيل لأحد عليه. وفيما إذا لم يستحق التسليم بمجرد
العقد، إما لاشتراط تأخيره مدة، وإما لتزلزل العقد كما إذا اشترى
فضولا، فإنه لا يستحق التسليم إلا بعد إجازة المالك، فلا يعتبر القدرة
على التسليم قبلها. لكن يشكل على الكشف، من حيث إنه لازم من
طرف الأصيل، فيتحقق الغرر بالنسبة إليه إذا انتقل إليه ما لا (1) يقدر
على تحصيله. نعم، هو حسن في الفضولي من الطرفين.
ومثله بيع الرهن قبل إجازة المرتهن أو فكه. بل وكذا لو لم يقدر
على تسليم ثمن السلم، لأن تأثير العقد قبل التسليم في المجلس موقوف
على تحققه فلا يلزم غرر. ولو تعذر التسليم بعد العقد رجع إلى تعذر
الشرط، ومن المعلوم: أن تعذر الشرط المتأخر حال العقد غير قادح،
بل لا يقدح العلم بتعذره فيما بعده في تأثير العقد إذا اتفق حصوله، فإن
الشروط المتأخرة لا يجب إحرازها حال العقد ولا العلم بتحققها فيما بعد.
والحاصل: أن تعذر التسليم مانع في بيع يكون التسليم من
أحكامه، لا من شروط تأثيره. والسر فيه: أن التسليم فيه جزء
الناقل، فلا يلزم غرر من تعلقه بغير المقدور.
وبعبارة أخرى: الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام الناقل (2)،
ولهذا لا يقدح كونه عاجزا قبل القبول إذا علم بتجدد القدرة بعده،
والمفروض أن المبيع بعد تحقق الجزء الأخير من الناقل - وهو القبض -

(1) كذا في " ف "، وفي سائر النسخ: ما لم.
(2) كذا في " ف " و " خ " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ ونسخة بدل " خ ":
النقل.
188

حاصل في يد المشتري، فالقبض مثل الإجازة بناء على النقل، وأولى
منها بناء على الكشف.
وكذلك الكلام في عقد الرهن، فإن اشتراط القدرة على التسليم
فيه - بناء على اشتراط القبض - إنما هو من حيث اشتراط القبض، فلا
يجب (1) إحرازه حين الرهن ولا العلم بتحققه بعده، فلو رهن ما يتعذر
تسليمه ثم اتفق حصوله في يد المرتهن أثر العقد أثره، وسيجئ الكلام
في باب الرهن.
اللهم إلا أن يقال: إن المنفي في النبوي (2) هو كل معاملة تكون
بحسب العرف غررا، فالبيع المشروط فيه القبض - كالصرف والسلم -
إذا وقع على عوض مجهول قبل القبض أو غير مقدور، غرر عرفا، لأن
اشتراط القبض في نقل العوضين شرعي لا عرفي، فيصدق الغرر والخطر
عرفا وإن لم يتحقق شرعا، إذ قبل التسليم لا انتقال وبعده لا خطر،
لكن النهي والفساد يتبعان بيع الغرر عرفا.
ومن هنا يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك إذا باع لنفسه - لا
عن المالك - ما لا يقدر على تسليمه. اللهم إلا أن يمنع الغرر العرفي بعد
الاطلاع على كون أثر (3) المعاملة شرعا على وجه لا يلزم منه خطر،
فإن العرف إذا اطلعوا على انعتاق القريب بمجرد شرائه لم يحكموا بالخطر
أصلا، وهكذا... فالمناط صدق الغرر عرفا بعد ملاحظة الآثار الشرعية
للمعاملة، فتأمل.

(1) في نسخة بدل " ف ": فلا يعتبر.
(2) المتقدم في الصفحة 175.
(3) في " ف ": أمر.
189

ثم إن الخلاف في أصل المسألة لم يظهر إلا من الفاضل القطيفي
المعاصر للمحقق الثاني، حيث حكي عنه أنه قال في إيضاح النافع:
إن القدرة على التسليم من مصالح المشتري فقط، لا أنها شرط
في أصل صحة البيع، فلو قدر على التسلم صح البيع وإن لم يكن البائع
قادرا عليه، بل لو رضي بالابتياع مع علمه بعدم تمكن البائع من (1)
التسليم جاز وينتقل إليه، ولا يرجع على البائع، لعدم القدرة إذا كان
البيع على ذلك مع العلم، فيصح بيع المغصوب ونحوه. نعم، إذا لم يكن
المبيع من شأنه أن يقبض عرفا لم يصح المعاوضة عليه بالبيع، لأنه في
معنى أكل مال بالباطل، وربما احتمل إمكان المصالحة عليه. ومن هنا
يعلم: أن قوله - يعني المحقق في النافع -: " لو باع الآبق منفردا لم
يصح "، إنما هو مع عدم رضا المشتري، أو مع عدم علمه، أو كونه
بحيث لا يتمكن منه عرفا، ولو أراد غير ذلك فهو غير مسلم (2)، انتهى.
وفيه: ما عرفت من الإجماع، ولزوم الغرر الغير المندفع بعلم
المشتري، لأن الشارع نهى عن الإقدام عليه، إلا أن يجعل الغرر هنا
بمعنى الخديعة، فيبطل في موضع تحققه، وهو عند جهل المشتري. وفيه
ما فيه.
ثم إن الظاهر - كما اعترف به بعض الأساطين (3) -: أن القدرة على
التسليم ليست مقصودة بالاشتراط إلا بالتبع، وإنما المقصد الأصلي هو

(1) في " ف " بدل " من ": على.
(2) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 224.
(3) وهو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط): 75.
190

التسلم، ومن هنا لو كان المشتري قادرا دون البائع كفى في الصحة، كما
عن الإسكافي (1) والعلامة (2) وكاشف الرموز (3) والشهيدين (4) والمحقق الثاني (5).
وعن ظاهر الانتصار: أن صحة بيع الآبق على من يقدر على تسلمه
مما انفردت به الإمامية (6)، وهو المتجه، لأن ظاهر معاقد الإجماع
- بضميمة التتبع في كلماتهم وفي استدلالهم (7) بالغرر وغيره - مختص بغير ذلك.
ومنه يعلم أيضا: أنه (8) لو لم يقدر أحدهما على التحصيل، لكن
يوثق بحصوله في يد أحدهما عند استحقاق المشتري للتسليم، كما لو
اعتاد الطائر العود صح (9)، وفاقا للفاضلين (10) والشهيدين (11) والمحقق

(1) حكاه عنه العلامة في التحرير 1: 165، والمختلف 5: 216.
(2) المختلف 5: 216.
(3) حكاه عنه السيد بحر العلوم الطباطبائي في المصابيح (مخطوط): 97، ولكن لم
نعثر على المحكي عنه، انظر كشف الرموز 1: 453، والمسالك 3: 172،
والروضة البهية 3: 250.
(4) اللمعة الدمشقية: 111، والدروس 3: 200.
(5) جامع المقاصد 4: 100 و 102.
(6) حكاه عن ظاهره السيد الطباطبائي في الرياض 1: 519، وراجع الانتصار: 209.
(7) كذا في " ف "، وفي سائر النسخ: واستدلالاتهم.
(8) في " ف " بدل " أنه ": الجواز.
(9) لم ترد " صح " في " ف ".
(10) الشرائع 2: 17، والقواعد 1: 125، والتذكرة 1: 466.
(11) اللمعة الدمشقية: 111، والدروس 3: 199 - 200، والروضة البهية 3:
249، والمسالك 3: 173.
191

الثاني (1) وغيرهم (2).
نعم، عن نهاية الإحكام: احتمال العدم، بسبب انتفاء القدرة في الحال
على التسليم، وأن عود الطائر غير موثوق به، إذ ليس له عقل باعث (3).
وفيه: أن العادة باعثة كالعقل، مع أن الكلام على تقدير الوثوق.
ولو لم يقدرا (4) على التحصيل وتعذر عليهما إلا بعد مدة مقدرة
عادة وكانت مما لا يتسامح فيه كسنة أو أزيد، ففي بطلان البيع، لظاهر
الإجماعات المحكية (5)، ولثبوت الغرر، أو صحته، لأن ظاهر معقد
الإجماع التعذر رأسا، ولذا حكم مدعيه بالصحة هنا، والغرر منفي مع
العلم بوجوب الصبر عليه إلى انقضاء مدة، كما إذا اشترط تأخير
التسليم مدة، وجهان، بل قولان، تردد فيهما في الشرائع، ثم قوى
الصحة (6)، وتبعه في محكي التحرير (7) والمسالك (8) والكفاية (9) وغيرها (10).

(1) جامع المقاصد 4: 92.
(2) مثل المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 174، والسبزواري في الكفاية:
90، والكاشاني في مفاتيح الشرائع 3: 58 وغيرهم.
(3) نهاية الإحكام 2: 481.
(4) في " ف "، " م " و " ش ": لم يقدر.
(5) تقدمت في صدر المسألة، الصفحة 175.
(6) الشرائع 2: 17.
(7) التحرير 1: 165.
(8) المسالك 3: 174.
(9) كفاية الأحكام: 90.
(10) مثل الصيمري في غاية المرام (مخطوط) 1: 280، والسيد بحر العلوم في
المصابيح (مخطوط): 105، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 271.
192

نعم، للمشتري الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدة.
ولو كانت مدة التعذر غير مضبوطة عادة - كالعبد المنفذ إلى
[ال‍] - هند لحاجة (1) لا يعلم زمان قضائها - ففي الصحة إشكال: من
حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء، لجهالة وقت
تسليم العين. وقد تقدم بعض الكلام فيه في بيع الواقف للوقف المنقطع (2).
ثم إن الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين، لأن الغرر لا يندفع
بمجرد القدرة الواقعية.
ولو باع ما يعتقد التمكن (3) فتبين عجزه في زمان البيع وتجددها
بعد ذلك، صح، ولو لم يتجدد بطل.
والمعتبر هو الوثوق، فلا يكفي
مطلق الظن ولا يعتبر اليقين.
ثم لا إشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا، لا ما إذا كان
وكيلا في مجرد العقد، فإنه لا عبرة بقدرته كما لا عبرة بعلمه.
وأما لو كان وكيلا في البيع ولوازمه بحيث يعد الموكل أجنبيا عن
هذه المعاملة. فلا إشكال في كفاية قدرته. وهل يكفي قدرة الموكل؟
الظاهر نعم، مع علم المشتري بذلك إذا علم بعجز العاقد، فإن اعتقد
قدرته لم يشترط علمه بذلك.
وربما قيد (4) الحكم بالكفاية بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكل (5)

(1) كذا في " ف "، وفي سائر النسخ: لأجل حاجة.
(2) راجع الصفحة 192، هذا ولم يذكر الوجه الثاني.
(3) في " ن " زيادة: منه، استدراكا.
(4) قيده صاحب الجواهر قدس سره.
(5) كذا في " ص " و " ش "، وفي غيرهما: الوكيل، إلا أنها صححت في " خ "
و " ن " بما أثبتناه.
193

ورضي المالك (1) برجوع المشتري عليه، وفرع على ذلك رجحان الحكم
بالبطلان في الفضولي، لأن التسليم المعتبر من العاقد غير ممكن قبل
الإجازة، وقدرة المالك إنما تؤثر لو بنى العقد عليها وحصل التراضي بها
حال البيع، لأن بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الآذن مطلقا، بل مع
الشرط المذكور وهو غير متحقق في الفضولي. والبناء على القدرة
الواقعية باطل، إذ الشرط هي القدرة المعلومة دون الواقعية - إلى أن
قال: - والحاصل: أن القدرة قبل الإجازة لم توجد، وبعدها إن وجدت
لم تنفع.
ثم قال:
لا يقال: إنه قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك وأنه لا
يخرج عن رأيه، فيتحقق له بذلك القدرة على التسليم حال العقد، لأن
هذا الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا، لمصاحبة الإذن للبيع،
غاية الأمر حصوله بالفحوى وشاهد الحال، وهما من أنواع الإذن، فلا
يكون فضوليا ولا يتوقف صحته على الإجازة، ولو سلمنا بقاءه على الصفة
فمعلوم أن القائلين بصحة الفضولي لا يقصرون الحكم على هذا الفرض (2).
وفيما ذكره من مبنى مسألة الفضولي، ثم في تفريع الفضولي، ثم في
الاعتراض الذي ذكره، ثم في الجواب عنه أولا وثانيا، تأمل، بل نظر،
فتدبر.

(1) في نسخة بدل " ص ": الموكل.
(2) إلى هنا انتهى كلام صاحب الجواهر في الجواهر 22: 392 - 393.
194

مسألة
لا يجوز بيع الآبق منفردا على المشهور بين علمائنا كما في
التذكرة (1)، بل إجماعا كما عن الخلاف (2) والغنية (3) والرياض (4)، وبلا خلاف
كما عن كشف الرموز (5)، لأنه مع اليأس عن الظفر بمنزلة (6) التالف، ومع
احتماله بيع غرر منفي إجماعا نصا (7) وفتوى.
خلافا لما حكاه في التذكرة عن بعض علمائنا (8)، ولعله الإسكافي،
حيث إن المحكي عنه: أنه لا يجوز أن يشترى الآبق وحده، إلا إذا
كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه البائع (9)، انتهى.

(1) التذكرة 1: 466.
(2) الخلاف 3: 168، كتاب البيوع، المسألة 274.
(3) الغنية: 211 - 212.
(4) الرياض 1: 519.
(5) كشف الرموز 1: 453.
(6) في " ف " زيادة: بيع.
(7) تقدم في الصفحة 175.
(8) التذكرة 1: 466.
(9) حكاه عنه في المختلف 5: 216.
195

وقد تقدم عن الفاضل القطيفي في إيضاح النافع: منع اشتراط
القدرة على التسليم. وقد عرفت ضعفه (1).
لكن يمكن أن يقال بالصحة في خصوص الآبق، لحصول الانتفاع به
بالعتق، خصوصا مع تقييد الإسكافي بصورة ضمان البائع، فإنه يندفع به
الغرر عرفا، لكن سيأتي ما فيه (2).
فالعمدة الانتفاع بعتقه، وله وجه لولا النص الآتي (3) والإجماعات
المتقدمة، مع أن قابلية المبيع لبعض الانتفاعات لا تخرجه عن الغرر.
وكما لا يجوز جعله مثمنا، لا يجوز جعله منفردا ثمنا، لاشتراكهما
في الأدلة.
وقد تردد في اللمعة في جعله ثمنا بعد الجزم بمنع جعله مثمنا، وإن
قرب أخيرا المنع منفردا (4). ولعل الوجه: الاستناد في المنع عن جعله
مثمنا إلى النص والإجماع الممكن دعوى اختصاصهما بالمثمن، دون نفي
الغرر، الممكن منعه بجواز الانتفاع به في العتق. ويؤيده: حكمه بجواز
بيع الضال والمجحود، مع خفاء الفرق بينهما وبين الآبق في عدم القدرة
على التسليم.
ونظير ذلك ما في التذكرة، حيث ادعى أولا الإجماع على اشتراط
القدرة على التسليم ليخرج البيع عن كونه بيع غرر، ثم قال: والمشهور

(1) راجع الصفحة 190.
(2) يأتي في الصفحة 200.
(3) انظر الصفحة 201 - 202.
(4) اللمعة الدمشقية: 111.
196

بين علمائنا المنع من بيع الآبق منفردا - إلى أن قال: - وقال بعض
علمائنا بالجواز، وحكاه عن بعض العامة أيضا (1). ثم ذكر الضال ولم
يحتمل فيه إلا جواز البيع منفردا و (2) اشتراط (3) الضميمة (4).
فإن التنافي بين هذه الفقرات الثلاث ظاهر، والتوجيه يحتاج إلى
تأمل.
وكيف كان، فهل يلحق بالبيع الصلح عما يتعذر تسليمه، فيعتبر
فيه القدرة على التسليم؟ وجهان، بل قولان (5):
من عمومات الصلح وما (6) علم من التوسع فيه (7)، كجهالة (8)
المصالح عنه إذا تعذر أو تعسر معرفته - بل مطلقا -، واختصاص الغرر
المنفي بالبيع.
ومن أن الدائر على ألسنة الأصحاب نفي الغرر من غير
اختصاص بالبيع، حتى أنهم يستدلون به في غير المعاوضات كالوكالة (9)،

(1) التذكرة 1: 466.
(2) في " ش " بدل " و ": أو.
(3) كذا في " ف " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: اشتراطه.
(4) راجع التذكرة 1: 466.
(5) القول بالجواز من الشهيد الثاني كما سيأتي في الصفحة الآتية، واختاره السيد
العاملي في مفتاح الكرامة 5: 83.
(6) في " ف ": ومما.
(7) كذا في " ص " و " ش "، وفي " م ": " فيها "، وفي سائر النسخ: فيهما.
(8) في " ش ": لجهالة.
(9) راجع التذكرة 2: 119، وجامع المقاصد 8: 221، ومفتاح الكرامة 7: 562.
197

فضلا عن المعاوضات كالإجارة والمزارعة والمساقاة والجعالة (1)، بل قد
يرسل في كلماتهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه نهى عن الغرر (2).
وقد رجح بعض الأساطين (3) جريان الاشتراط فيما لم يبن على
المسامحة من الصلح. وظاهر المسالك - في مسألة رهن ما لا يقدر على
تسليمه على القول بعدم اشتراط القبض في الرهن - جواز الصلح عليه (4).
وأما الضال والمجحود والمغصوب ونحوها مما لا يقدر على
تسليمه، فالأقوى فيها عدم الجواز، وفاقا لجماعة (5)، للغرر المنفي المعتضد
بالإجماع المدعى على اشتراط القدرة على التسليم،
إلا أن يوهن بتردد
مدعيه - كالعلامة في التذكرة - في صحة بيع الضال منفردا (6)، ويمنع (7)
الغرر - خصوصا فيما يراد عتقه - بكون المبيع قبل القبض مضمونا على

(1) راجع مفتاح الكرامة 7: 86 و 103 في الإجارة، والرياض 1: 611 في
المزارعة، ومفتاح الكرامة 7: 349، والجواهر 27: 64 في المساقاة، والجواهر
35: 194 في الجعالة، وغيرها من الكتب الفقهية.
(2) كما في التذكرة 2: 291، والحدائق 20: 22، والجواهر 26: 142.
(3) هو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط): 75.
(4) المسالك 4: 24.
(5) منهم الشهيد في الدروس 3: 200، والمسالك 3: 172، والروضة البهية 3:
251، وفيه بعد الحكم بالصحة: " ويحتمل قويا بطلان البيع "، والمحدث الكاشاني
في المفاتيح 3: 57، والسيد الطباطبائي في الرياض 3: 519، والمحقق النراقي في
المستند 2: 375، وغيرهم، وراجع تفصيله في مفتاح الكرامة 4: 269 - 270.
(6) راجع التذكرة 1: 466.
(7) في مصححة " ص ": وبمنع.
" خ ": لن.
198

البائع. وأما فوات منفعته مدة رجاء الظفر به فهو ضرر قد أقدم عليه،
وجهالته غير مضرة مع إمكان العلم بتلك المدة كضالة يعلم أنها لو لم توجد
بعد ثلاثة أيام فلن (1) توجد بعد ذلك. وكذا في المغصوب والمنهوب.
والحاصل: أنه لا غرر عرفا بعد فرض كون اليأس عنه في حكم
التلف المقتضي لانفساخ البيع من أصله، وفرض عدم تسلط البائع على
مطالبته بالثمن، لعدم تسليم المثمن، فإنه لا خطر حينئذ في البيع،
خصوصا مع العلم بمدة الرجاء التي يفوت الانتفاع بالمبيع فيها.
هذا، ولكن يدفع جميع ما ذكر: أن المنفي في حديث الغرر - كما
تقدم (2) - هو ما كان غررا في نفسه عرفا مع قطع النظر عن الأحكام
الشرعية الثابتة للبيع، ولذا قوينا - فيما سلف (3) - جريان نفي الغرر في
البيع المشروط تأثيره شرعا بالتسليم. ومن المعلوم أن بيع الضال وشبهه
ليس محكوما عليه في العرف بكونه في ضمان البائع، بل يحكمون بعد
ملاحظة إقدام المشتري على شرائه بكون تلفه منه، فالانفساخ بالتلف
حكم شرعي عارض للبيع الصحيح الذي ليس - في نفسه - غررا عرفا.
ومما ذكر يظهر: أنه لا يجدي في رفع (4) الغرر الحكم بصحة البيع
مراعى بالتسليم، فإن تسلم قبل مدة لا يفوت الانتفاع المعتد به، وإلا
تخير بين الفسخ والإمضاء - كما استقربه في اللمعة (5) - فإن ثبوت الخيار

(1) في " ف " و (2) راجع الصفحة 189.
(3) راجع الصفحة 188.
(4) في " خ ": نفي.
(5) اللمعة الدمشقية: 111.
199

حكم شرعي عارض للبيع الصحيح الذي فرض (1) فيه العجز عن
تسلم (2) المبيع، فلا يندفع به الغرر الثابت عرفا في البيع المبطل له. لكن
قد مرت (3) المناقشة في ذلك بمنع إطلاق العرف (4) الغرر على مثل هذا
بعد اطلاعهم على الحكم الشرعي اللاحق للمبيع (5) من ضمانه قبل
التسليم (6) ومن عدم التسلط على مطالبة الثمن، فافهم.
ولو فرض أخذ المتبايعين لهذا الخيار في متن العقد فباعه على أن
يكون له الخيار إذا لم يحصل المبيع في يده إلى ثلاثة أيام، أمكن
جوازه، لعدم الغرر حينئذ عرفا، ولذا لا يعد بيع العين الغير المرئية
الموصوفة بالصفات المعينة من بيع الغرر، لأن ذكر الوصف بمنزلة
اشتراطه فيه الموجب للتسلط على الرد.
ولعله لهذا اختار في محكي المختلف - تبعا للإسكافي - جواز بيع
الآبق إذا ضمنه البائع (7). فإن الظاهر منه اشتراط ضمانه.
وعن حاشية الشهيد ظهور الميل إليه (8). وإن كان قد يرد على
هذا عدم اندفاع الغرر باشتراط الضمان، فتأمل.

(1) في " ف ": يفرض.
(2) في " ص ": تسليم.
(3) مرت في الصفحة 189.
(4) لم ترد " العرف " في غير " ف "، واستدركت في " ن ".
(5) في " ف ": للبيع.
(6) في غير " ف ": " العلم "، لكنها صححت في أكثر النسخ بما أثبتناه.
(7) المختلف 5: 216.
(8) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 224.
200

مسألة
يجوز بيع الآبق مع الضميمة في الجملة كما عن الانتصار (1) وكشف
الرموز (2) والتنقيح (3)، بل بلا خلاف كما عن الخلاف (4) حاكيا فيه - كما
عن الانتصار - إطباق العامة على خلافه.
وظاهر الانتصار خروج البيع بالضميمة عن كونه غررا، حيث
حكى احتجاج العامة ب‍ " الغرر "، فأنكره عليهم مع الضميمة. وفيه
إشكال.
والأولى لنا التمسك - قبل الإجماعات المحكية، المعتضدة بمخالفة من
جعل الرشد في مخالفته - بصحيحة رفاعة النخاس: " قال: قلت لأبي
الحسن عليه السلام: أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأعطيهم

(1) الإنتصار: 209.
(2) كشف الرموز 1: 453.
(3) التنقيح الرائع 2: 35.
(4) استدل عليه في الخلاف بإجماع الفرقة، راجع الخلاف 3: 168، كتاب
البيوع، المسألة 274.
201

الثمن وأطلبها أنا؟ قال: لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم [معها
شيئا] (1) ثوبا أو متاعا، فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا
المتاع بكذا وكذا درهما، فإن ذلك جائز " (2).
وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام: " في الرجل قد يشتري
العبد وهو آبق عن أهله؟ قال: لا يصلح إلا أن يشتري معه شيئا
[آخر] (3)، فيقول: " أشتري منك هذا الشئ وعبدك بكذا وكذا (4) "، فإن
لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه " (5).
وظاهر السؤال في الأولى والجواب في الثانية: الاختصاص بصورة
رجاء الوجدان، وهو الظاهر أيضا من معاقد الإجماعات المنقولة،
فالمأيوس عادة من الظفر به الملحق بالتالف لا يجوز جعله جزءا
من المبيع، لأن بذل جزء من الثمن في مقابله لو لم يكن سفها أو أكلا
للمال بالباطل لجاز جعله ثمنا (6) يباع به مستقلا، فالمانع عن استقلاله
بالبيع مانع عن جعله جزء مبيع (7)، للنهي عن الغرر، السليم عن

(1) من المصدر.
(2) الوسائل 12: 262، الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث
الأول.
(3) من المصدر.
(4) في غير " ف " زيادة: درهما.
(5) الوسائل 12: 263، الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 2.
(6) في " ص ": مثمنا.
(7) " لأن بذل - إلى - جزء مبيع " لم ترد في " ف "، وكتب عليها في ما عدا
" ص " و " ش ": " كذا في نسخة ". قال الشهيدي قدس سره - بعد أن قال: إن
العبارة غلط، وفي بعض النسخ المصححة من القاري: إن المصنف شطب عليها
بقلمه الشريف -: وجه الغلطية: أن مقتضى ما ذكره من الملازمة بين جواز جعل
الشئ جزء المبيع وبين جواز جعله تمام المبيع: جواز بيع الآبق منفردا عن
الضميمة مع رجاء الوجدان، مع أنه باطل إجماعا ونصا. انظر هداية الطالب: 375.
202

المخصص (1).
نعم، يصح تملكه على وجه التبعية للمبيع باشتراط ونحوه.
وأيضا الظاهر اعتبار كون الضميمة مما يصح بيعها، وأما صحة
بيعها منفردة فلا يظهر (2) من الرواية (3)، فلو أضاف إلى الضميمة من
تعذر تسليمه كفى (4)، ولا (5) يكفي ضم المنفعة إلا إذا فهمنا من قوله:
" فإن لم يقدر... إلى آخر الرواية " تعليل الحكم بوجود ما يمكن مقابلته
بالثمن، فيكون ذكر اشتراط الضميمة معه من باب المثال أو كناية عن
نقل مال أو حق إليه مع الآبق، لئلا يخلو الثمن عن المقابل، فتأمل.
ثم إنه لا إشكال في انتقال الآبق إلى المشتري، إلا أنه لو بقي
على إباقه وصار في حكم التالف لم يرجع على البائع بشئ وإن اقتضى

(1) في " ف ": التخصيص، وعبارة " للنهي عن الغرر السليم عن المخصص "
مشطوب عليها في " ن ".
(2) كذا، والمناسب: فلا تظهر.
(3) كتب في " ش " على عبارة " وأما صحة بيعها - إلى - من الرواية ":
نسخة.
(4) لم ترد " فلو أضاف - إلى - كفى " في " ش "، وشطب عليها في " ن "، وعلى
فرض وجودها في الأصل فالصواب:... ما تعذر تسليمه كفى.
(5) في " خ " ومصححة " ن ": فلا.
203

قاعدة " التلف قبل القبض " استرداد ما قابله من الثمن، فليس معنى
الرواية: أنه لو لم يقدر على الآبق وقعت المعاوضة على الضميمة
والثمن (1)، ليكون (2) المعاوضة على المجموع مراعاة بحصول (3) الآبق في يده،
كما يوهمه ظاهر المحكي عن كاشف الرموز: من أن الآبق ما دام آبقا
ليس مبيعا في الحقيقة، ولا جزء مبيع (4)، مع أنه ذكر بعد ذلك ما يدل
على إرادة ما ذكرنا (5)، بل معناها: أنه لا يرجع المشتري بتعذر الآبق
- الذي هو في حكم التلف الموجب للرجوع بما يقابله التالف - بما
يقابله (6) من الثمن.
ولو تلف قبل اليأس، ففي ذهابه على المشتري إشكال.
ولو تلفت الضميمة قبل القبض:
فإن كان بعد حصول الآبق في اليد، فالظاهر الرجوع بما قابله
الضميمة، لا مجموع الثمن، لأن الآبق لا يوزع عليه الثمن ما دام آبقا،

(1) في مصححة " ن ": للثمن.
(2) في " ف ": فيكون.
(3) كذا في " ص " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: لحصول.
(4) حكاه عنه صاحب الجواهر في الجواهر 22: 398، ولم نعثر عليه في كشف
الرموز، بل وجدناه في التنقيح الرائع (2: 36)، كما حكاه عنه السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 4: 268.
(5) عبارة: " كما يوهمه - إلى - ما ذكرنا " لم ترد في " ف ".
(6) كذا في " ش " ومصححة " ن "، والعبارة في " ف " هكذا: " الموجب للرجوع
إلى مقابل التالف لا مقابله "، وفي سائر النسخ: " الموجب للرجوع بما يقابله
التالف مما لا يقابله "، نعم شطب في " ص " على كلمة " لا ".
204

لا بعد الحصول في اليد. وكذا لو كان بعد إتلاف المشتري له مع العجز
عن التسليم، كما لو أرسل إليه طعاما مسموما، لأنه بمنزلة القبض.
وإن كان قبله، ففي انفساخ البيع في الآبق تبعا للضميمة، أو بقائه
بما قابله من الثمن، وجهان:
من أن العقد على الضميمة إذا صار كأن لم يكن تبعه العقد على
الآبق، لأنه كان سببا في صحته.
ومن أنه كان تابعا له في الحدوث، فإذا (1) تحقق تملك المشتري له،
فاللازم من جعل الضميمة كأن لم يعقد عليها رأسا، هو انحلال المقابلة
الحاصلة بينه وبين ما يخصه من الثمن، لا الحكم الآخر الذي كان يتبعه
في الابتداء.
لكن ظاهر النص (2) أنه لا يقابل الآبق بجزء من الثمن أصلا، ولا
يوضع له شئ منه أبدا على تقدير عدم الظفر به.
ومن هنا ظهر حكم ما لو فرض فسخ العقد من جهة الضميمة
فقط، لاشتراط خيار يخص بها (3).
نعم، لو عقد على الضميمة فضولا ولم يجز مالكها انفسخ العقد
بالنسبة إلى المجموع.
ثم لو وجد المشتري في الآبق عيبا سابقا، إما بعد القدرة عليه أو
قبلها، كان له الرجوع بأرشه، كذا قيل (4).

(1) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي غيرهما: فيما إذا.
(2) تقدم في الصفحة 201 - 202.
(3) في غير " ش ": به.
(4) قاله المحدث البحراني في الحدائق 18: 438.
205

مسألة
[من شروط العوضين: العلم بقدر الثمن] (1)
المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا، فلو باع بحكم أحدهما
بطل إجماعا، كما عن المختلف والتذكرة (2)، واتفاقا، كما عن الروضة
وحاشية الفقيه للسلطان (3). وفي السرائر في مسألة البيع بحكم المشتري
إبطاله بأن كل مبيع لم يذكر فيه الثمن فإنه باطل، بلا خلاف بين
المسلمين (4).
والأصل في ذلك: حديث " نفي الغرر " (5) المشهور بين المسلمين.

(1) العنوان منا.
(2) المختلف 5: 243 - 244، والتذكرة 1: 472.
(3) حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 278، وراجع الروضة البهية
3: 264، وأما حاشية سلطان العلماء على الفقيه فلا توجد لدينا، نعم نقل
المحدث البحراني في الحدائق (18: 461) العبارة بعينها عن الحاشية.
(4) السرائر 2: 286.
(5) المتقدم في الصفحة 175.
206

ويؤيده: التعليل في رواية حماد بن ميسر، عن جعفر، عن
أبيه عليه السلام: أنه كره أن يشترى الثوب بدينار غير درهم، لأنه لا يدرى
كم الدينار من الدرهم (1).
لكن في صحيحة رفاعة النخاس ما ظاهره المنافاة، قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام فقلت له: ساومت رجلا بجارية له فباعنيها بحكمي،
فقبضتها منه [على ذلك] (2) ثم بعثت إليه بألف درهم فقلت له: هذه
ألف درهم (3) حكمي عليك (4) فأبى أن يقبلها (5) مني وقد كنت مسستها
قبل أن أبعث إليه بألف درهم؟ فقال: أرى أن تقوم الجارية بقيمة
عادلة، فإن كان قيمتها أكثر مما بعثت (6) إليه كان عليك أن ترد ما
نقص من القيمة، وإن كان قيمتها أقل مما بعثت إليه فهو له. قال:
قلت (7): أرأيت إن أصبت بها عيبا بعد أن مسستها؟ قال: ليس عليك (8)

(1) الوسائل 12: 399، الباب 22 من أبواب أحكام العقود، الحديث 4.
(2) من " ص " والمصدر.
(3) كذا في الوسائل و " ش " ومصححة " ن "، وفي الكافي: " هذه الألف "، وفي
" م "، " خ " و " ع ": " هذا الألف دراهم "، وفي " ص ": هذه الألف الدراهم،
والعبارة في " ف " هكذا: ثم بعثت إليه بألف فقلت له هذا حكمي....
(4) في " ش " والوسائل وهامش " ن " زيادة: أن تقبلها.
(5) كذا في " ش " والكافي والوسائل ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: أن
يقبضها.
(6) كذا في " ص " والكافي والوسائل ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: بعثتها.
(7) في " م "، " ع "، " ص " و " ش " زيادة: له.
(8) كذا، وفي الكافي والوسائل: لك.
207

أن تردها عليه، ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحة والعيب " (1).
لكن التأويل فيها متعين [لمنافاة ظاهرها لصحة البيع وفساده،
فلا يتوهم جواز التمسك بها لصحة هذا البيع، إذ لو كان صحيحا لم يكن
معنى لوجوب قيمة مثلها بعد تحقق البيع بثمن خاص. نعم هي محتاجة
إلى أزيد من هذا التأويل، بناء على القول بالفساد] (2) بأن يراد من
قوله: " باعنيها بحكمي " قطع المساومة على أن أقومها على نفسي بقيمتها
العادلة (3) في نظري - حيث إن رفاعة كان نخاسا يبيع ويشتري الرقيق
- فقومها رفاعة على نفسه بألف درهم إما معاطاة، وإما مع إنشاء
الإيجاب وكالة والقبول أصالة، فلما مسها وبعث الدراهم لم يقبلها
المالك، لظهور غبن له في البيع، وأن رفاعة مخطئ في القيمة، أو لثبوت
خيار الحيوان للبائع على القول به.
وقوله: " إن كان قيمتها أكثر فعليك أن ترد ما نقص " إما أن
يراد به لزوم ذلك عليه من باب إرضاء المالك إذا أراد إمساك الجارية،
حيث إن المالك لا حاجة له في الجارية فيسقط خياره ببذل التفاوت،
وإما أن يحمل على حصول الحبل بعد المس، فصارت أم ولد تعين (4)

(1) الكافي 5: 209، الحديث 4، الوسائل 12: 271، الباب 18 من أبواب عقد
البيع وشروطه، الحديث الأول.
(2) لم ترد " لمنافاة ظاهرها - إلى - بالفساد " في " ف "، وكتب عليها في " ن "،
" خ "، " م " و " ع ": نسخة.
(3) في " ف ": القيمة العادلة.
(4) في " ش ": وتعين.
208

عليه قيمتها إذا فسخ البائع.
وقد يحمل على صورة تلف الجارية، وينافيه قوله فيما بعد:
" فليس عليك أن تردها... الخ ".
وكيف كان، فالحكم بصحة البيع بحكم المشتري، وانصراف الثمن
إلى القيمة السوقية، لهذه الرواية - كما حكي عن ظاهر الحدائق (1) -
ضعيف.
وأضعف منه ما عن الإسكافي: من تجويز قول البائع: " بعتك
بسعر ما بعت "، ويكون للمشتري الخيار (2).
ويرده: أن البيع في نفسه إذا كان غررا فهو باطل فلا يجبره
الخيار. وأما بيع خيار الرؤية فذكر الأوصاف فيه بمنزلة اشتراطها المانع
عن حصول الغرر، كما تقدم عند حكاية قول الإسكافي في مسألة
القدرة على التسليم.

(1) لم نعثر على الحاكي، وراجع الحدائق 18: 461 - 463.
(2) حكاه العلامة في المختلف 5: 244.
209

مسألة
[من شروط العوضين: العلم بقدر المثمن] (1)
العلم بقدر المثمن كالثمن شرط، بإجماع علمائنا، كما عن التذكرة (2).
وعن الغنية: العقد على المجهول باطل، بلا خلاف (3). وعن الخلاف:
ما يباع كيلا فلا يصح بيعه جزافا وإن شوهد، إجماعا (4). وفي السرائر:
ما يباع وزنا فلا يباع كيلا، بلا خلاف (5).
والأصل في ذلك ما تقدم من النبوي المشهور (6). وفي خصوص
الكيل والوزن خصوص الأخبار المعتبرة:
منها: صحيحة الحلبي [عن أبي عبد الله عليه السلام] (7): " في رجل
اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم، وأن صاحبه قال للمشتري:

(1) العنوان منا.
(2) التذكرة 1: 467.
(3) الغنية: 211.
(4) الخلاف 3: 162، كتاب البيوع، المسألة 258.
(5) السرائر 2: 321.
(6) تقدم في الصفحة 175.
(7) من الوسائل.
210

ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل، فإن فيه مثل ما في الآخر الذي
ابتعت؟ قال: لا يصلح إلا بكيل. قال: وما كان من طعام سميت فيه
كيلا، فإنه لا يصلح مجازفة، هذا مما يكره من بيع الطعام " (1).
وفي رواية الفقيه: " فلا يصح بيعه مجازفة " (2).
والإيراد (3) على دلالة الصحيحة بالإجمال، أو باشتمالها على خلاف
المشهور من عدم تصديق البائع، غير وجيه، لأن الظاهر من قوله:
" سميت فيه كيلا "، أنه يذكر فيه الكيل، فهي كناية عن كونه مكيلا في
العادة، اللهم إلا أن يقال (4): إن توصيف الطعام بكونه كذلك - الظاهر
في التنويع، مع أنه ليس من الطعام ما لا يكال ولا يوزن إلا (5) مثل
الزرع قائما - يبعد (6) إرادة هذا المعنى، فتأمل.
وأما الحكم بعدم تصديق البائع فمحمول على شرائه سواء زاد أو
نقص، خصوصا إذا لم يطمئن بتصديقه، لا شرائه على أنه القدر المعين
الذي أخبر به البائع، فإن هذا لا يصدق عليه الجزاف.
قال في التذكرة: لو أخبره البائع بكيله ثم باعه بذلك الكيل، صح
عندنا (7).

(1) الوسائل 12: 254، الباب 4 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 2.
(2) في الفقيه: " فلا يصلح مجازفة " انظر الفقيه 3: 226، الحديث 3838.
(3) أورده المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 177.
(4) عبارة " أن يقال " من " ش " ومصححة " ن ".
(5) في " ش " زيادة: في.
(6) في " ف " وهامش " ن ": مما يبعد.
(7) التذكرة 1: 470.
211

وقال في التحرير: لو أعلمه بالكيل، فباعه بثمن، سواء زاد أو
نقص، لم يجز (1).
وأما نسبة الكراهة إلى هذا البيع، فليس فيه ظهور في المعنى
المصطلح يعارض ظهور " لا يصلح " و " لا يصح " في الفساد.
وفي الصحيح عن ابن محبوب، عن زرعة، عن سماعة، قال:
" سألته عن شراء الطعام وما يكال و (2) يوزن، (3) بغير كيل ولا وزن؟
فقال: أما أن تأتي رجلا في طعام قد كيل أو (4) وزن تشتري منه
مرابحة، فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم تزنه، إذا أخذه المشتري
الأول بكيل أو وزن وقلت له عند البيع: إني أربحك كذا وكذا... " (5).
ودلالتها أوضح من الأولى.
ورواية أبان، عن محمد بن حمران، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
اشترينا طعاما، فزعم صاحبه أنه كاله، فصدقناه وأخذناه بكيله؟ قال:
لا بأس. قلت: أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال: أما أنت
فلا تبعه حتى تكيله " (6)، دلت على عدم جواز البيع بغير كيل، إلا إذا
أخبره البائع فصدقه.

(1) التحرير 1: 177.
(2) في " ص " والكافي: مما يكال أو.
(3) في الوسائل زيادة: هل يصلح شراؤه.
(4) كذا في " ش " و " ص "، وفي باقي النسخ: " و ".
(5) الوسائل 12: 257، الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 7.
(6) الوسائل 12: 256، الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 4.
212

وفحوى مفهوم (1) رواية أبي العطارد، وفيها: " قلت: فاخرج الكر
والكرين، فيقول الرجل: أعطنيه بكيلك، فقال: إذا ائتمنك فلا بأس
به " (2).
ومرسلة ابن بكير عن رجل: " سأل (3) أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يشتري الجص، فيكيل بعضه ويأخذ البقية بغير كيل، فقال: إما
أن يأخذ كله بتصديقه، وإما أن يكيله كله " (4).
فإن المنع من التبعيض المستفاد منه إرشادي محمول على أنه إن
صدقه فلا حاجة إلى كلفة كيل البعض، وإلا فلا يجزئ كيل البعض.
ويحتمل الرواية الحمل على استيفاء المبيع بعد الاشتراء.
وكيف كان، ففي مجموع ما ذكر من الأخبار، وما لم يذكر مما فيه
إيماء إلى المطلب من حيث ظهوره في كون الحكم مفروغا عنه عند
السائل، وتقرير الإمام عليه السلام، كما في رواية " كيل ما لا يستطاع
عده " (5) وغيرها - مع ما ذكر من الشهرة المحققة والاتفاقات المنقولة (6) -
كفاية في المسألة.

(1) كلمة " مفهوم " من " ف " و " ش ".
(2) الوسائل 12: 257، الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 6.
(3) في " ش ": " سألت "، وفي الوسائل: عن رجل من أصحابنا قال: سألت.
(4) الوسائل 12: 256، الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 3.
(5) راجع الوسائل 12: 259، الباب 7 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث
الأول.
(6) راجع الصفحة 210، وراجع مفتاح الكرامة 4: 224.
213

ثم إن ظاهر إطلاق جميع ما ذكر أن الحكم ليس منوطا بالغرر
الشخصي وإن كان حكمته سد باب المسامحة المفضية إلى الوقوع في
الغرر. كما أن حكمة الحكم باعتبار بعض الشروط في بعض المعاملات
رفع المنازعة المتوقعة عند إهمال ذلك الشرط.
فحينئذ فيعتبر التقدير بالكيل والوزن وإن لم يكن في شخص
المقام غرر، كما لو باع مقدارا من الطعام بما يقابله في الميزان من جنسه
أو غيره المساوي (1) له في القيمة، فإنه لا يتصور هنا غرر أصلا مع
الجهل بمقدار كل من العوضين، لأنه (2) مساو للآخر في المقدار (3).
ويحتمل غير بعيد حمل الاطلاقات سيما الأخبار على المورد
الغالب، وهو ما كان رفع (4) الغرر من حيث مقدار العوضين موقوفا
على التقدير،
فلو فرض اندفاع الغرر بغير التقدير كفى، كما في الفرض
المزبور، وكما إذا كان للمتبائعين حدس قوي بالمقدار نادر التخلف عن
الواقع، وكما إذا كان المبيع قليلا لم يتعارف وضع (5) الميزان لمثله، كما لو
دفع فلسا وأراد به دهنا لحاجة، فإن الميزان لم يوضع لمثله، فيجوز بما
تراضيا عليه من التخمين.
ولا منافاة بين كون الشئ من جنس المكيل والموزون، وعدم

(1) كذا في " ص " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: المتساوي.
(2) كذا في " ن " و " ش "، وفي غيرهما: وإلا أنه.
(3) عبارة " لأنه مساو للآخر في المقدار " لم ترد في " ف "، وكتب عليها في
" ش ": نسخة.
(4) في " ف " و " ن " و " خ ": دفع.
(5) في " م " و " ش ": وزن.
214

دخول الكيل والوزن فيه، لقلته كالحبتين والثلاثة من الحنطة، أو لكثرته
كزبرة الحديد، كما نبه عليه في القواعد (1) وشرحها (2) وحاشيتها (3).
ومما ذكرنا يتجه عدم اعتبار العلم بوزن الفلوس المسكوكة، فإنها
وإن كانت من الموزون - ولذا صرح في التذكرة بوقوع الربا فيها (4) -
إلا أنها عند وقوعها ثمنا حكمها كالمعدود في أن معرفة مقدار ماليتها
لا تتوقف على وزنها، فهي كالقليل والكثير من الموزون الذي لا يدخله
الوزن (5). وكذا شبه الفلوس من المسكوكات المركبة من النحاس والفضة
كأكثر نقود بغداد في هذا الزمان. وكذا الدرهم والدينار الخالصان (6)،
فإنها (7) وإن كانت من الموزون ويدخل فيها الربا إجماعا، إلا أن ذلك

(1) القواعد 1: 141.
(2) جامع المقاصد 4: 271.
(3) لا يوجد لدينا، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 517.
(4) التذكرة 1: 477.
(5) في غير " ف " و " ش " زيادة ما يلي: " بل يمكن إجراء ذلك وقت البيع في
دخول وعدم اعتبار الوزن في بيعه "، ولكن شطب عليها في " ن "، وكتب عليها
في " م "، " خ " و " ع ": نسخة.
(6) كذا في " ش " ومصححة " ن "، والعبارة في سائر النسخ: بخلاف الدرهم
والدينار الخالصين.
(7) قد وردت الضمائر العائدة إلى " الدرهم " و " الدينار " في هذه الفقرة في أكثر النسخ
بصيغة المفرد المؤنث، ولعل ذلك نظرا إلى قوله تعالى: * (الذين يكنزون الذهب
والفضة ولا ينفقونها...) * وقد بدلت أغلبها في " ش " وجميعها في " ن " إلى صيغة
التثنية، وقد أثبتنا ما في أكثر النسخ لظننا أن ذلك جرى على قلم المؤلف قدس سره.
215

لا ينافي جواز (1) جعلها عوضا من دون معرفة بوزنها، لعدم غرر في
ذلك أصلا. ويؤيد ذلك جريان سيرة الناس على المعاملة بها من دون
معرفة الأغلب (2) بوزنها.
نعم، يعتبرون فيها عدم نقصها عن وزنها المقرر في وضعها من
حيث تفاوت قيمتها بذلك، فالنقص فيها عندهم بمنزلة العيب، ومن هنا
لا يجوز إعطاء الناقص منها، لكونه غشا وخيانة.
وبهذا يمتاز الدرهم والدينار عن الفلوس السود وشبهها حيث إن
نقصان الوزن لا يؤثر في قيمتها، فلا بأس بإعطاء ما يعلم نقصه.
وإلى ما ذكرنا من الفرق أشير في صحيحة ابن عبد الرحمن (3)،
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشتري الشئ بالدراهم فأعطي
الناقص الحبة والحبتين؟ قال: لا، حتى تبينه. ثم قال: إلا أن تكون
نحو (4) هذه الدراهم الأوضاحية (5) التي تكون عندنا عددا " (6).

(1) كلمة " جواز " من " ف " و " ش "، واستدركت في " ن ".
(2) كذا في " ف " ومصححة " ص "، وفي " ش " ومصححة " ن ": " أغلبهم "، وفي
سائر النسخ: أغلب.
(3) في الوسائل: عبد الرحمن بن الحجاج.
(4) كلمة " نحو " من المصادر الحديثية ومصححة " ن ".
(5) كذا في التهذيب والوسائل أيضا، لكن في الفقيه: " الوضاحية ". قال
الطريحي: " الوضح من الدرهم: الصحيح... والوضاحية: نسبة إلى ذلك "، انظر
مجمع البحرين 2: 424.
(6) التهذيب 7: 110، الحديث: 476، والفقيه 3: 223، الحديث: 3830،
والوسائل 12: 473، الباب 10 من أبواب الصرف، الحديث 7.
216

وبالجملة، فإناطة الحكم بوجوب معرفة وزن المبيع وكيله مدار
الغرر الشخصي قريب في الغاية، إلا أن الظاهر كونه مخالفا لكلمات
الأصحاب في موارد كثيرة.
ثم إن الحكم في المعدود ووجوب معرفة العدد فيه، حكم المكيل
والموزون، بلا خلاف ظاهر.
ويشير إليه، بل يدل عليه: تقرير الإمام عليه السلام في الرواية
الآتية (1) المصرحة بتجويز (2) الكيل في المعدود المتعذر عده.
ويظهر من المحكي عن المحقق الأردبيلي المناقشة في ذلك، بل الميل
إلى منعه وجواز بيع المعدود مشاهدة (3)، ويرده رواية الجوز الآتية (4).
والمراد بالمعدودات: ما يعرف مقدار ماليتها بأعدادها، كالجوز
والبيض، بخلاف مثل الشاة والفرس والثوب.
وعد العلامة البطيخ والباذنجان في المعدودات، حيث قال في
شروط السلم من القواعد: ولا يكفي (5) العد في المعدودات، بل لا بد
من الوزن في البطيخ والباذنجان والرمان، وإنما اكتفى بعدها في البيع

(1) ستأتي في الصفحة 224.
(2) كذا في " ف " ونسخة بدل " م " و " ص "، وفي سائر النسخ: المتضمنة
لتجويز.
(3) راجع مجمع الفائدة 8: 178.
(4) ستأتي في الصفحة 224.
(5) في " ش " زيادة " في السلم وصحته "، وفي هامش " ن " زيادة: في السلم -
صح.
217

للمعاينة، انتهى (1).
وقد صرح في التذكرة بعدم الربا في البطيخ والرمان إذا كان
رطبا، لعدم الوزن، وثبوته مع الجفاف (2)، بل يظهر منه كون القثاء
والخوخ والمشمش أيضا غير موزونة.
وكل ذلك محل تأمل، لحصول الغرر أحيانا بعدم الوزن. فالظاهر
أن تقدير المال عرفا في المذكورات بالوزن لا بالعدد، كما في الجوز
والبيض.

(1) القواعد 1: 136.
(2) التذكرة 1: 484.
218

مسألة
لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير المبيع في المكيل والموزون
والمعدود بما يتعارف التقدير به هو حصول الغرر الشخصي، فلا إشكال
في جواز تقدير كل منها بغير ما يتعارف تقديره به إذا انتفى الغرر
بذلك، بل في كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير أصلا.
لكن تقدم (1): أن ظاهر الأخبار الواردة في هذا الباب اعتبار
التقدير من غير ملاحظة الغرر الشخصي، لحكمة سد باب الغرر المؤدي
إلى التنازع، المقصود رفعه من اعتبار بعض الخصوصيات في أكثر
المعاملات زيادة على التراضي الفعلي حال المعاملة.
وحينئذ فيقع الكلام والإشكال في تقدير بعض المقدرات بغير ما
تعارف فيه، فنقول:
اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا وبالعكس وعدمه (2) على أقوال،

(1) تقدم في الصفحة 214.
(2) في " ف " بدل " وعدمه ": أم لا.
219

ثالثها: جواز المكيل (1) وزنا (2)، دون العكس، لأن الوزن أصل الكيل
وأضبط، وإنما عدل إليه في المكيلات تسهيلا.
فالمحكي عن الدروس في السلم جوازه مطلقا، حيث قال: ولو
أسلم في المكيل وزنا وبالعكس فالوجه الصحة، لرواية وهب عن
الصادق عليه السلام (3)، وكأنه أشار بها إلى رواية وهب، عن جعفر، عن
أبيه، عن علي صلوات الله عليهم، قال: " لا بأس بسلف (4) ما يوزن
فيما يكال، وما يكال فيما يوزن " (5).
ولا يخفى قصور الرواية سندا ب‍ " وهب "، ودلالة بأن الظاهر منها
جواز إسلاف الموزون في المكيل وبالعكس، لا جواز تقدير المسلم فيه
المكيل بالوزن وبالعكس، ويعضده ذكر الشيخ للرواية في باب إسلاف
الزيت في السمن (6).
فالذي ينبغي أن يقال: إن الكلام تارة في كفاية كل من
التقديرين في المقدر بالآخر من حيث جعله دليلا على التقدير المعتبر
فيه، بأن يستكشف من الكيل وزن الموزون وبالعكس. وتارة في كفايته
فيه أصلا من غير ملاحظة تقديره المتعارف.

(1) كذا في " ن "، وفي سائر النسخ: " الكيل ".
(2) ذهب إليه الحلي في السرائر 2: 260 و 321، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح
الكرامة 4: 228.
(3) الدروس 3: 253.
(4) في " ن "، " خ "، " م " و " ع ": بالسلف.
(5) الوسائل 13: 63، الباب 7 من أبواب السلف، الحديث الأول.
(6) بل في باب إسلاف السمن بالزيت، انظر الاستبصار 3: 79.
220

أما الأول، فقد يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عادة، وقد
يكون مما لا يتسامح فيه:
أما الأول، فالظاهر جوازه، خصوصا مع تعسر تقديره بما يتعارف
فيه، لأن ذلك غير خارج في الحقيقة عن تقديره مما (1) يتعارف فيه،
غاية ما في الباب أن يجعل التقدير الآخر طريقا إليه.
ويؤيده رواية عبد الملك بن عمرو، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
أشتري مائة راوية من زيت، فأعترض (2) راوية أو اثنتين فأزنهما (3)، ثم
آخذ سائره على قدر ذلك. قال: لا بأس " (4).
استدل بها في التذكرة على جواز بيع الموزون عند تعذر وزنه
بوزن واحد من المتعدد ونسبة الباقي إليه، وأردفه بقوله: ولأنه يحصل
المطلوب وهو العلم (5).
واستدلاله الثاني يدل على عدم اختصاص الحكم بصورة التعذر،
والتقييد بالتعذر لعله استنبطه من الغالب في مورد السؤال، وهو تعذر

(1) كذا في النسخ، والظاهر: " بما " كما في مصححة " ن ".
(2) في غير " ف " و " ش ": " فأعرض "، وصححت في " ن " و " ص " بما
أثبتناه.
(3) كذا في الكافي، وفي النسخ: فأتزنهما.
(4) الكافي 5: 194، الحديث 7، والوسائل 12: 255، الباب 5 من أبواب عقد
البيع وشروطه، الحديث الأول.
(5) التذكرة 1: 469.
221

وزن مائة راوية من الزيت، ولا يخفى أن هذه العلة (1) - لو سلمت على
وجه يقدح في عموم ترك الاستفصال - إنما يجب الاقتصار على موردها
لو كان الحكم مخالفا لعمومات وجوب التقدير، وقد عرفت أن هذا في
الحقيقة تقدير وليس بجزاف.
نعم، ربما ينافي ذلك التقرير المستفاد من الصحيحة الآتية في بيع
الجوز، كما سيجئ (2).
وأما لو كان (3) التفاوت مما لا يتسامح فيه، فالظاهر أيضا الجواز
مع البناء على ذلك المقدار (4) المستكشف من التقدير إذا كان ذلك
التقدير أمارة على ذلك المقدار، لأن ذلك أيضا خارج عن الجزاف،
فيكون نظير إخبار البائع بالكيل. ويتخير المشتري لو نقص.
وما تقدم من صحيحة الحلبي في أول الباب من المنع عن شراء
أحد العدلين بكيل أحدهما قد عرفت توجيهه هناك (5).
هذا كله مع جعل التقدير الغير المتعارف أمارة على المتعارف.
وأما كفاية أحد التقديرين عن الآخر أصالة من غير ملاحظة
التقدير المتعارف (6)، فالظاهر جواز بيع المكيل (7) وزنا على المشهور، كما

(1) في مصححة " م " وهامش " ن ": " الغلبة "، واستظهرها مصحح " ش " أيضا.
(2) سيجئ في الصفحة 224.
(3) في " ف ": إذا كان.
(4) في " ع " و " ش ": المقدر.
(5) راجع الصفحة 210 - 211.
(6) هذه هي الصورة الثانية، وتقدمت أولاها في الصفحة السابقة.
(7) في " ص " و " ش ": الكيل.
222

عن الرياض (1)، لأن ذلك ليس من بيع المكيل مجازفة، المنهي عنه في
الأخبار (2) ومعقد الإجماعات، لأن الوزن أضبط من الكيل، ومقدار
مالية المكيلات معلوم به أصالة من دون إرجاع إلى الكيل.
والمحكي - المؤيد بالتتبع -: أن الوزن أصل للكيل، وأن العدول إلى
الكيل من باب الرخصة، وهذا معلوم لمن تتبع موارد تعارف الكيل في
الموزونات.
ويشهد لأصالة الوزن: أن المكاييل المتعارفة في الأماكن المتفرقة
- على اختلافها في المقدار - ليس لها مأخذ إلا الوزن، إذ ليس هنا كيل
واحد يقاس المكاييل عليه.
وأما كفاية الكيل في الموزون (3) من دون ملاحظة كشفه عن
الوزن، ففيه إشكال، بل لا يبعد عدم الجواز، وقد عرفت عن السرائر:
أن ما يباع وزنا لا يباع كيلا بلا خلاف (4)، فإن هذه مجازفة صرفة،
إذ ليس الكيل فيما لم يتعارف فيه، وعاء منضبطا (5)، فهو بعينه ما منعوه
من التقدير بقصعة حاضرة أو ملء اليد (6)، فإن الكيل من حيث هو لا

(1) الرياض 1: 515.
(2) الوسائل 12: 254، الباب 4 من أبواب عقد البيع وشروطه.
(3) في " ف " زيادة: أولا.
(4) راجع الصفحة 210.
(5) في " ش ": منضبط.
(6) العبارة في " ف " هكذا: فهو بعينه من التعذر كقصعة حاضرة أو ملئ اليد
قدره تخمينا، فإن....
223

يوجب في الموزونات معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة، فالقول
بالجواز فيما نحن فيه مرجعه إلى كفاية المشاهدة.
ثم إنه قد علم مما ذكرنا: أنه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان
معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر - كالحقة والرطل والوزنة
باصطلاح أهل العراق، الذي لا يعرفه غيرهم، خصوصا الأعاجم - غير
جائز، لأن مجرد ذكر أحد هذه العنوانات عليه وجعله في الميزان،
ووضع صخرة مجهولة المقدار معلومة الاسم في مقابله، لا يوجب
للجاهل معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة.
هذا كله في المكيل والموزون.
وأما المعدود: فإن كان الكيل أو الوزن طريقا إليه، فالكلام فيه
كما عرفت في أخويه. وربما ينافيه التقرير المستفاد من صحيحة الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام: " أنه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده،
فيكال بمكيال (1) ثم يعد ما فيه، ثم يكال ما بقي على حساب ذلك
العدد؟ قال: لا بأس به " (2).
فإن ظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك في غير حال
الضرورة، ولم يردعه الإمام عليه السلام بالتنبيه على أن ذلك غير مختص
بصورة الاضطرار.

(1) كذا في " ص " و " ش " والوسائل ومصححة " ن "، والعبارة في سائر النسخ
هكذا: " لا يستطيع يكال بمكيال... " مع اختلافات أخرى لم نتعرض
لذكرها.
(2) الوسائل 12: 259، الباب 7 من أبواب عقد البيع وشروطه.
224

لكن التقرير غير واضح، فلا تنهض الرواية لتخصيص العمومات،
ولذا قوى في الروضة الجواز مطلقا (1).
وأما كفاية الكيل فيه أصالة: فهو مشكل، لأنه لا يخرج عن
المجازفة، والكيل لا يزيد على المشاهدة.
وأما الوزن: فالظاهر كفايته، بل ظاهر قولهم في السلم: " إنه
لا يكفي العد في المعدودات وإن جاز بيعها معجلا بالعد، بل لا بد من
الوزن " (2): أنه لا خلاف في أنه أضبط، وأنه يغني عن العد (3).
فقولهم في شروط العوضين (4): " إنه لا بد من العد في
المعدودات " (5) محمول على أقل مراتب التقدير. لكنه ربما ينافي ذلك
تعقيب بعضهم ذلك بقولهم: " ويكفي الوزن عن العد " (6)، فإنه يوهم كونه
الأصل في الضبط، إلا أن يريدوا هنا الأصالة والفرعية بحسب الضبط
المتعارف، لا بحسب الحقيقة، فافهم.
بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشئ مكيلا أو موزونا.

(1) الروضة البهية 3: 266، وفيه: كان حسنا.
(2) لم نعثر على العبارة بعينها، نعم في الغنية: 227، والسرائر 2: 318،
والشرائع 1: 63 ما يدل عليه، وراجع مفتاح الكرامة 4: 453 أيضا.
(3) في غير " ش ": " الوزن "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(4) في غير " ش " بدل " العوضين ": " المتعاقدين "، وفي هامش " ن ": العوضين -
ظ.
(5) راجع الشرائع 2: 17، والقواعد 1: 126، ومفتاح الكرامة 4: 224.
(6) لم نعثر عليه، نعم حكموا بالجواز مع التعذر أو التعسر، راجع النهاية: 400،
والسرائر 2: 321، والمسالك 3: 176، ومفتاح الكرامة 4: 226.
225

فقد قيل (1): إن الموجود في كلام الأصحاب اعتبار الكيل والوزن
فيما بيع بهما في زمن الشارع، وحكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف
فيها، فما كان مكيلا أو موزونا في بلد يباع كذا، وإلا فلا (2). وعن
ظاهر مجمع البرهان وصريح الحدائق نسبته إلى الأصحاب (3).
وربما منع ذلك بعض المعاصرين، قائلا: إن دعوى الإجماع على
كون المدار هنا على زمانه صلى الله عليه وآله وسلم على الوجه المذكور، غريبة!
فإني لم أجد ذلك في كلام أحد من الأساطين، فضلا عن أن يكون
إجماعا. نعم، قد ذكروا ذلك بالنسبة إلى حكم الربا، لا أنه كذلك
بالنظر إلى الجهالة والغرر الذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه صلى الله عليه وآله وسلم
في رفع شئ من ذلك وإثباته (4)، انتهى.
أقول: ما ذكره - دام ظله -: من عدم تعرض جل الفقهاء لذلك
هنا - يعني في شروط العوضين - وأن ما ذكروه في باب الربا، حق، إلا
أن المدار وجودا وعدما في الربا على اشتراط الكيل والوزن في صحة
بيع جنس ذلك الشئ، وأكثر الفقهاء لم يذكروا تحديد هذا الشرط
والمعيار فيه هنا - يعني في شروط العوضين - إلا أن الأكثر ذكروا في
باب الربا ما هو المعيار هنا وفي ذلك الباب.
وأما اختصاص هذا المعيار بمسألة الربا وعدم جريانه في شروط

(1) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 228.
(2) إلى هنا كلام السيد العاملي قدس سره.
(3) مجمع الفائدة 8: 177، والحدائق 18: 471، وحكى ذلك عنهما السيد
العاملي في مفتاح الكرامة 4: 228.
(4) الجواهر 22: 427 - 428.
226

العوضين - كما ذكره - فهو خلاف الواقع:
أما أولا، فلشهادة تتبع كلمات الأصحاب بخلافه. قال في المبسوط
في باب الربا: إذا كانت عادة الحجاز على عهده صلى الله عليه وآله وسلم في شئ
الكيل، لم يجز إلا كيلا في سائر البلاد، وما كانت فيه وزنا لم يجز
إلا وزنا في سائر البلاد، والمكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزان
أهل مكة (1)، هذا كله بلا خلاف. فإن كان مما لا يعرف عادته (2) في
عهده صلى الله عليه وآله حمل على عادة البلد الذي فيه ذلك الشئ، فما عرف
بالكيل لا يباع إلا كيلا، وما عرف فيه الوزن لا يباع إلا وزنا (3)،
انتهى.
ولا يخفى عموم ما ذكره من التحديد لمطلق البيع، لا لخصوص
مبايعة المتماثلين. ونحوه كلام العلامة في التذكرة (4).
وأما ثانيا، فلأن ما يقطع به بعد التتبع في كلماتهم هنا، وفي باب
الربا أن الموضوع في كلتا المسألتين شئ واحد - أعني المكيل
والموزون - قد حمل عليه حكمان: أحدهما عدم صحة بيعه جزافا،
والآخر عدم صحة بيع بعضه ببعض متفاضلا، ويزيده وضوحا ملاحظة
أخبار المسألتين المعنونة بما يكال أو يوزن، فإذا ذكروا ضابطة لتحديد

(1) كذا في " ش " ومصححة " ن " وفاقا لما في المصدر، وفي سائر النسخ: أهل
الحجاز.
(2) كذا في مصححة " ن " وفاقا لما في المصدر، وفي " ف " و " ش ": " لا تعرف
عادة "، وفي سائر النسخ: لا نعرف عادة.
(3) المبسوط 2: 90.
(4) التذكرة 1: 483.
227

الموضوع فهي مرعية في كلتا المسألتين.
وأما ثالثا، فلأنه يظهر من جماعة - تصريحا أو ظهورا -: أن من
شرط الربا كون الكيل والوزن شرطا في صحة بيعه (1).
قال المحقق في الشرائع - بعد ذكر اشتراط اعتبار الكيل والوزن في
الربا تفريعا على ذلك -: إنه لا ربا في الماء، إذ لا يشترط في بيعه
الكيل أو الوزن (2).
وقال في الدروس: ولا يجري الربا في الماء [وإن وزن أو
كيل] (3)، لعدم اشتراطهما في صحة بيعه نقدا - ثم قال: - وكذا الحجارة
والتراب والحطب، ولا عبرة ببيع الحطب وزنا في بعض البلدان، لأن
الوزن غير شرط في صحته (4)، انتهى.
وهذا المضمون سهل الإصابة لمن لاحظ كلماتهم، فلاحظ المسالك
هنا (5)، وشرح القواعد وحاشيتها للمحقق الثاني (6) والشهيد (7) عند قول

(1) صرح به السيد الطباطبائي في الرياض 1: 542، ويظهر من المحقق في
الشرائع والشهيد في الدروس، كما سيأتي عنهما.
(2) الشرائع 2: 45.
(3) عبارة " وإن وزن أو كيل " من المصدر، اقتضاها السياق.
(4) الدروس 3: 297.
(5) راجع المسالك 3: 323.
(6) جامع المقاصد 4: 271.
(7) لا توجد لدينا حاشية الشهيد على القواعد، ونقل العبارة عنها السيد العاملي
في مفتاح الكرامة 4: 517. هذا، ولم ترد " والشهيد " في غير " ف " و " ش "،
نعم استدركت في هامش " ن ".
228

العلامة: " والمراد بالمكيل والموزون هنا جنسه وإن لم يدخلاه لقلته
كالحبة والحبتين من الحنطة، أو لكثرته كالزبرة (1) " (2)،
ولازم ذلك - يعني
اشتراط دخول الربا في جنس باشتراط الكيل والوزن في صحة بيعه -:
أنه إذا ثبت الربا في زماننا في جنس، لثبوت كونه مكيلا أو موزونا
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لزم أن لا يجوز بيعه جزافا، وإلا لم
يصدق ما ذكروه: من اشتراط الربا باشتراط التقدير في صحة بيعه.
وبالجملة، فتلازم الحكمين - أعني دخول الربا في جنس، واشتراط
بيعه بالكيل أو الوزن - مما لا يخفى على المتتبع في كتب الأصحاب.
وحينئذ فنقول: كل ما ثبت كونه مكيلا أو موزونا في عصره صلى الله عليه وآله وسلم
فهو ربوي في زماننا ولا يجوز بيعه جزافا، فلو فرض تعارف بيعه
جزافا عندنا كان باطلا وإن لم يلزم غرر، للإجماع، ولما عرفت: من
أن اعتبار الكيل والوزن لحكمة سد باب نوع الغرر لا شخصه (3)، فهو
حكم لحكمة غير مطردة، نظير النهي عن بيع الثمار قبل الظهور لرفع
التنازع، واعتبار الانضباط في المسلم فيه، لأن في تركه مظنة التنازع
والتغابن، ونحو ذلك (4).
والظاهر - كما عرفت من غير واحد (5) - أن المسألة اتفاقية.

(1) الزبرة: القطعة من الحديد، والجمع: زبر (الصحاح 2: 666).
(2) القواعد 1: 141.
(3) تقدم في الصفحة 214.
(4) في " ف ": ونحوه.
(5) راجع الصفحة 226.
229

وأما ما علم أنه كان يباع جزافا في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم، فالظاهر
جواز بيعه كذلك عندنا مع عدم الغرر قطعا، والظاهر أنه إجماعي، كما
يشهد به دعوى بعضهم الإجماع على أن مثل هذا ليس بربوي (1)،
والشهرة محققة على ذلك.
نعم، ينافي ذلك بعض ما تقدم من إطلاق النهي عن بيع المكيل
والموزون جزافا، الظاهر فيما تعارف كيله في زمان الإمام عليه السلام أو في
عرف السائل أو في عرف المتبايعين أو أحدهما، وإن لم يتعارف في
غيره. وكذلك قوله عليه السلام: " ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا
يصلح مجازفة " (2) الظاهر في وضع المكيال عليه عند المخاطب وفي عرفه
وإن لم يكن كذلك في عرف الشارع.
اللهم إلا أن يقال: إنه لم يعلم أن (3) ما تعارف كيله أو وزنه في
عرف الأئمة وأصحابهم، كان غير مقدر في زمان الشارع حتى يتحقق
المنافاة. والأصل في ذلك: أن مفهوم المكيل والموزون في الأخبار لا
يراد بهما " كل ما فرض صيرورته كذلك " حتى يعم ما علم كونه غير
مقدر في زمن الشارع، بل المراد بهما المصداق الفعلي المعنون بهما في
زمان المتكلم، وهذه الأفراد لا يعلم عدم كونها مكيلة ولا موزونة في
زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

(1) ادعاه الفاضل المقداد في التنقيح 2: 91.
(2) المتقدم في صحيحة الحلبي، المتقدمة في الصفحة 210.
(3) في غير " ش ": لم يعلم كون ما تعارف، وصححت في " ن " و " ص " بما في
المتن.
230

لكن يرد على ذلك - مع كونه مخالفا للظاهر المستفاد من عنوان
" ما يكال ويوزن " -: أنه لا دليل حينئذ على اعتبار الكيل فيما شك في
كونه مقدرا في ذلك الزمان، مع تعارف التقدير فيه في الزمان الآخر،
إذ لا يكفي في الحكم حينئذ دخوله في مفهوم المكيل والموزون، بل لا
بد من كونه أحد المصاديق الفعلية في زمان صدور الأخبار، ولا دليل
أيضا على إلحاق كل بلد لحكم (1) نفسه مع اختلاف البلدان.
والحاصل: أن الاستدلال (2) بأخبار المسألة المعنونة بما يكال أو
يوزن على ما هو المشهور - من كون العبرة في التقدير بزمان
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم بما اتفق عليه البلاد، ثم بما تعارف في كل بلدة
بالنسبة إلى نفسه - في غاية الإشكال. فالأولى تنزيل الأخبار على ما
تعارف تقديره عند المتبايعين وإثبات ما ينافي ذلك من الأحكام
المشهورة بالإجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة.
وكذا الإشكال لو علم التقدير في زمن الشارع ولم يعلم كونه
بالكيل أو بالوزن.
ومما ذكرنا ظهر ضعف ما في كلام جماعة من التمسك لكون
الاعتبار في التقدير بعادة الشرع بوجوب حمل اللفظ على المتعارف عند
الشارع، ولكون المرجع فيما لم يعلم عادة الشرع هي العادة المتعارفة في
البلدان بأن الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية، ولكون
المرجع عادة كل بلد إذا اختلف البلدان، بأن العرف الخاص قائم مقام

(1) في " ص ": بحكم.
(2) في " ف ": الاستناد.
231

العام عند انتفائه (1)، انتهى.
وذكر المحقق الثاني أيضا: أن الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان
يعتبر في حمل إطلاق لفظ الشارع عليها، فلو تغيرت في عصر بعد
استقرارها فيما قبله فالمعتبر هو العرف السابق، ولا أثر للعرف (2)
الطارئ، للاستصحاب، ولظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " حكمي على
الواحد حكمي على الجماعة " (3). وأما في الأقارير والأيمان ونحوها،
فالظاهر الحوالة على عرف ذلك العصر الواقع فيه شئ منها (4)، حملا له
على ما يفهمه الموقع (5)، انتهى.
أقول: ليس الكلام في مفهوم المكيل والموزون، بل الكلام فيما هو
المعتبر في تحقق هذا المفهوم، فإن المراد بقولهم عليهم السلام (6): " ما كان مكيلا
فلا يباع جزافا " (7)، أو " لا يباع بعضه ببعض إلا متساويا " (8)، إما أن

(1) راجع مفتاح الكرامة 4: 228 - 229، والجواهر 22: 426 - 427 و 23:
363 - 364.
(2) كذا في " ف " و " ص "، وفي " ش " والمصدر: " للتغير "، وفي سائر النسخ: للغير.
(3) عوالي اللآلي 2: 98، الحديث 270.
(4) عبارة " الواقع فيه شئ منها " من " ش " والمصدر.
(5) جامع المقاصد 4: 270.
(6) في " ف ": بقوله عليه السلام.
(7) لم نعثر عليه بلفظه، نعم يدل عليه ما في الوسائل 12: 254، الباب 4 من
أبواب عقد البيع وشروطه.
(8) لم نعثر عليه بلفظه أيضا، نعم يدل عليه ما في الوسائل 12: 438، الباب 8
من أبواب الربا.
232

يكون ما هو المكيل في عرف المتكلم، أو يراد به ما هو المكيل في
العرف العام، أو ما هو المكيل في عرف كل مكلف، وعلى أي تقدير
فلا يفيد الكلام لحكم غير ما هو المراد، فلا بد لبيان حكم غير المراد
من دليل خارجي. وإرادة جميع هذه الثلاثة - خصوصا مع ترتيب
خاص في ثبوت الحكم بها، وخصوصا مع كون مرتبة كل لاحق مع
عدم العلم بسابقة لا مع عدمه - غير صحيحة، كما لا يخفى.
ولعل المقدس الأردبيلي أراد ما ذكرنا، حيث تأمل فيما ذكروه من
الترتيب بين عرف الشارع، والعرف العام، والعرف الخاص، معللا
باحتمال إرادة الكيل والوزن المتعارف عرفا عاما، أو في أكثر البلدان،
أو في الجملة مطلقا، أو بالنسبة إلى كل بلد بلد - كما قيل في المأكول
والملبوس في السجدة - من الأمر الوارد بهما لو سلم (1)، والظاهر هو
الأخير (2)، انتهى.
وقد رده في الحدائق: بأن الواجب في معاني الألفاظ الواردة في
الأخبار حملها على عرفهم صلوات الله عليهم، فكل ما كان مكيلا
أو موزونا في عرفهم وجب إجراء الحكم عليه في الأزمنة المتأخرة،
وما لم يعلم فهو - بناء على قواعدهم - يرجع إلى العرف العام وإلى
آخر ما ذكروه من التفصيل. ثم قال: ويمكن أن يستدل للعرف العام
بما تقدم في صحيحة الحلبي من قوله عليه السلام: " ما كان من طعام سميت
فيه كيلا "، فإن الظاهر أن المرجع في كونه مكيلا إلى تسميته عرفا

(1) لم ترد " لو سلم " في غير " ش " والمصدر.
(2) مجمع الفائدة 8: 177.
233

مكيلا. ويمكن تقييده بما لم يعلم حاله في زمانهم عليهم السلام (1)، انتهى.
أقول: قد عرفت أن الكلام هنا ليس في معنى اللفظ، لأن مفهوم
الكيل معلوم لغة، وإنما الكلام في تعيين الاصطلاح الذي يتعارف فيه
هذا المفهوم.
ثم لو فرض كون الكلام في معنى اللفظ، كان اللازم حمله على
العرف العام إذا لم يكن عرف شرعي، لا إذا جهل عرفه الشرعي، فإنه
لم يقل أحد بحمل اللفظ حينئذ على المعنى العرفي، بل لا بد من
الاجتهاد في تعيين ذلك المعنى الشرعي، ومع العجز يحكم بإجمال اللفظ،
كما هو واضح (2).
هذا كله مع أن الأخبار إنما وصلت إلينا من الأئمة صلوات الله
وسلامه عليهم، فاللازم اعتبار عرفهم لا عرف الشارع.
وأما ما استشهد به للرجوع إلى العرف العام من قوله عليه السلام:
" ما سميت فيه كيلا... الخ " (3) فيحتمل أن يراد عرف المخاطب، فيكون
المعيار العرف الخاص بالمتبايعين.
نعم، مع العلم بالعرف العام لا عبرة بالعرف الخاص، لمقطوعة ابن
هاشم الآتية (4)، فتأمل.

(1) الحدائق 18: 471 - 472.
(2) العبارة من قوله: " ثم لو فرض... " إلى هنا لم ترد في " ف "، وكتب عليها في
غير " ش " و " ص ": وجد في نسخة كذا.
(3) المتقدم في صحيحة الحلبي المتقدمة في الصفحة 210.
(4) الآتية في الصفحة 238.
234

وأبعد شئ في المقام: ما ذكره في جامع المقاصد، من أن الحقيقة
العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل إطلاق لفظ الشارع عليها (1)،
فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله... الخ (2).
وبالجملة، فإتمام المسائل الثلاث بالأخبار مشكل، لكن الظاهر أن
كلها متفق عليها.
نعم، اختلفوا - فيما إذا كان البلاد مختلفة - في أن لكل بلد حكم
نفسه من حيث الربا، أو أنه يغلب جانب التحريم، كما عليه جماعة من
أصحابنا (3). لكن الظاهر اختصاص هذا الحكم بالربا، لا في جواز البيع
جزافا في بلد لا يتعارف فيه التقدير.
ثم إنه يشكل الأمر فيما لو (4) علم كونه مقدرا في زمان الشارع
لكن لم يعلم أن تقديره بالكيل أو بالوزن، ففيه وجوه: أقواها وأحوطها
اعتبار ما هو أبعد من الغرر.
وأشكل من ذلك: ما لو علم كون الشئ غير مكيل في زمن
الشارع أو في العرف العام، مع لزوم الغرر فيه عند قوم خاص، ولا
يمكن جعل ترخيص الشارع لبيعه جزافا تخصيصا لأدلة نفي الغرر،
لاحتمال كون ذلك الشئ من المبتذلات في زمن الشارع أو في العرف

(1) في غير " ف " و " ص ": عليهما، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(2) تقدمت عبارة جامع المقاصد في الصفحة 232.
(3) منهم الشيخ في النهاية: 378، وسلار في المراسم: 179، وقواه فخر المحققين
في الإيضاح 1: 476.
(4) " لو " من " ف ".
235

بحيث يتحرز عن الغرر بمشاهدته وقد بلغ عند قوم في العزة إلى حيث
لا يتسامح فيها. فالأقوى وجوب الاعتبار في الفرض المذكور بما يندفع
فيه الغرر من الكيل أو الوزن أو العد.
وبالجملة، فالأولى جعل المدار فيما لا إجماع فيه على وجوب
التقدير بما (1) بني الأمر في مقام استعلام مالية الشئ على ذلك التقدير،
فإذا سئل عن مقدار ما عنده من الجوز، فيجاب بذكر العدد، بخلاف ما
إذا سئل عن مقدار (2) ما عنده من الرمان والبطيخ، فإنه لا يجاب إلا
بالوزن، وإذا سئل عن مقدار الحنطة والشعير فربما يجاب بالكيل وربما
يجاب بالوزن، لكن الجواب بالكيل مختص بمن يعرف مقدار الكيل من
حيث الوزن، إذ الكيل بنفسه غير منضبط، بخلاف الوزن، وقد تقدم أن
الوزن أصل في (3) الكيل (4).
وما ذكرنا هو المراد بالمكيل (5) والموزون اللذين حمل عليهما الحكم
بوجوب الاعتبار بالكيل والوزن عند البيع، وبدخول الربا فيهما.
وأما ما لا يعتبر مقدار ماليته بالتقدير بأحد الثلاثة - كالماء والتبن
والخضريات (6) - فالظاهر كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير.

(1) في غير " ش ": " فيما "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(2) في غير " ف " زيادة: مالية.
(3) لم ترد " في " في " ف "، " ن "، " خ " و " ص "، وشطب عليها في " ع ".
(4) تقدم في الصفحة 223.
(5) في " ف ": من المكيل.
(6) كذا في النسخ، وفي اللغة: خضروات.
236

فإن اختلف البلاد في التقدير والعدم، فلا إشكال في التقدير في
بلد التقدير. وأما بلد عدم التقدير، فإن كان ذلك لابتذال الشئ عندهم
بحيث يتسامح في مقدار التفاوت المحتمل مع المشاهدة كفت المشاهدة، وإن
كان لعدم مبالاتهم بالغرر وإقدامهم عليه خرصا (1) مع الاعتداد بالتفاوت
المحتمل بالمشاهدة فلا اعتبار بعادتهم، بل يجب مخالفتها، فإن النواهي
الواردة في الشرع عن بيوع الغرر والمجازفات - كبيع الملاقيح والمضامين (2)
والملامسة والمنابذة والحصاة (3)، على بعض تفاسيرها (4)، وثمر الشجر قبل
الوجود (5)، وغير ذلك - لم يرد إلا ردا على من تعارف عندهم الإقدام
على الغرر والبناء على المجازفات، الموجب لفتح أبواب المنازعات.

(1) كذا في " ن "، " م " و " ص "، وفي سائر النسخ: حرصا.
(2) الملاقيح: ما في البطون وهي الأجنة، والمضامين: ما في أصلاب الفحول كما
ورد في الخبر، راجع الوسائل 12: 262، الباب 10 من أبواب عقد البيع
وشروطه، الحديث 2.
(3) قد ورد معنى هذه الثلاث وحكمها في الحديث، راجع الوسائل 12: 266،
الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 13.
(4) قال الشهيدي قدس سره: يعني به جعل المبيع الوارد عليه البيع الشئ المقيد
بتعلق أحد هذه الأمور الثلاثة به بعد الإنشاء، بأن يقول: " ما الامسه بعد ذلك
أو أنبذه أو أطرحه إليك أو ألقي الحصاة عليه " فإن المبيع على هذا مجهول عند
البيع. وأما التفسير الآخر فهو إنشاء البيع بنفس اللمس والنبذ وإلقاء الحصاة
كإنشائه بالمعاطاة، ولا جهالة فيه على هذا التفسير. (هداية الطالب: 383)
وراجع المكاسب 3: 29.
(5) راجع الوسائل 13: 2، الباب الأول من أبواب بيع الثمار.
237

وإلى بعض ما ذكرنا أشار ما عن (1) علي بن إبراهيم عن أبيه (2)
عن رجاله (3) ذكره في حديث طويل، قال: " ولا ينظر فيما يكال أو
يوزن إلا إلى العامة، ولا يؤخذ فيه بالخاصة (4) فإن كان قوم يكيلون
اللحم ويكيلون الجوز فلا يعتبر بهم، لأن أصل اللحم أن يوزن وأصل
الجوز أن يعد " (5).
وعلى ما ذكرنا، فالعبرة ببلد (6) وجود المبيع، لا ببلد العقد ولا
ببلد المتعاقدين.
وفي شرح القواعد لبعض الأساطين (7): ثم الرجوع إلى العادة مع
اتفاقها اتفاقي، ولو اختلف فلكل بلد حكمه كما هو المشهور. وهل يراد
به بلد العقد أو المتعاقدين؟ الأقوى الأول. ولو تعاقدا في الصحراء
رجعا إلى حكم بلدهما. ولو اختلفا رجح الأقرب، أو الأعظم، أو ذو

(1) عبارة " ما عن " من " ش " ومصححة " ن ".
(2) عبارة " عن أبيه " من " ش " فقط.
(3) كذا في " ف " و " ش " ومصححة " ص "، وفي سائر النسخ: " في رجاله "،
قال المامقاني قدس سره: الظاهر أن هذه العبارة قد وقع فيها التشويش من النساخ
وأنه: " ما عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن رجاله " (انظر غاية الآمال:
466).
(4) في غير " ص ": الخاصة.
(5) في غير " ش " زيادة: الحديث، وليس للحديث تتمة، انظر الوسائل 12:
435، الباب 5 من أبواب الربا، الحديث 6.
(6) في غير " ف " زيادة: " فيه "، لكن شطب عليها في " ن ".
(7) وهو كاشف الغطاء قدس سره.
238

الاختبار (1) على ذي الجزاف، أو البائع في مبيعه والمشتري في ثمنه، أو
يبنى على الإقراع مع الاختلاف وما اتفقا عليه مع الاتفاق، أو (2)
التخيير، ولعله الأقوى (3). ويجري مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع
اختلاف البلدان. والأولى التخلص بإيقاع المعاملة على وجه لا يفسدها
الجهالة، من صلح أو هبة بعوض أو معاطاة ونحوها. ولو حصل
الاختلاف في البلد الواحد على وجه التساوي فالأقوى التخيير. ومع
الاختصاص بجمع قليل إشكال (4)، انتهى.

(1) في " ش ": ذو الاعتبار.
(2) في " ع " بدل " أو ": و.
(3) في المصدر: الأقرب.
(4) شرح القواعد (مخطوط): 76.
239

مسألة
لو أخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه على المشهور،
وعبارة التذكرة (1) مشعرة بالاتفاق عليه، ويدل عليه غير واحد من
الأخبار المتقدمة (2).
وما تقدم من (3) صحيحة الحلبي الظاهرة في المنع عن ذلك (4)
محمول على صورة إيقاع المعاملة غير مبنية على المقدار المخبر به وإن
كان الإخبار داعيا إليها، فإنها لا تخرج بمجرد ذلك عن الغرر، وقد
تقدم عن التحرير ما يوافق ذلك (5).
ثم إن الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار كما يشهد به
الروايات المتقدمة، فلو لم يفد ظنا فإشكال: من بقاء الجهالة الموجبة

(1) التذكرة 1: 470، وتقدم في الصفحة 211.
(2) تقدمت في الصفحة 212 - 213.
(3) في غير " ف ": في.
(4) تقدم في الصفحة 210.
(5) تقدم في الصفحة 212.
240

للغرر، ومن عدم تقييدهم الإخبار بإفادة الظن ولا المخبر بالعدالة.
والأقوى، بناء على اعتبار التقدير وإن لم يلزم الغرر الفعلي: هو
الاعتبار (1).
نعم، لو دار الحكم مدار الغرر كفى في صحة المعاملة إيقاعها مبنية
على المقدار المخبر به وإن كان مجهولا. ويندفع الغرر ببناء المتعاملين على
ذلك المقدار، فإن ذلك ليس بأدون من بيع العين الغائبة على أوصاف
مذكورة في العقد، فيقول: بعتك هذه الصبرة على أنها كذا وكذا صاعا،
وعلى كل تقدير حكمنا فيه بالصحة (2).
فلو تبين الخلاف، فإما أن يكون بالنقيصة، وإما أن يكون
بالزيادة.
فإن كان بالنقيصة تخير المشتري بين الفسخ وبين الإمضاء، بل في
جامع المقاصد: احتمال البطلان، كما لو باعه ثوبا على أنه كتان فبان
قطنا. ثم رده بكون ذلك من غير الجنس وهذا منه وإنما الفائت
الوصف (3).
لكن يمكن أن يقال: إن مغايرة الموجود الخارجي لما هو عنوان
العقد حقيقة مغايرة حقيقية لا تشبه مغايرة الفاقد للوصف لواجده،

(1) في " ف ": " عدم الاعتبار "، وفي هامش " م " زيادة: عدم.
(2) كذا في أكثر النسخ، وفي " ش ": " الحكم فيه بالصحة "، وفي هامش " ن "
عن بعض النسخ: الحكم فيه الصحة.
(3) لا يخفى أن ما نقله عن جامع المقاصد من الاحتمال ورده إنما هو في مورد تبين
الخلاف بالزيادة لا بالنقيصة، فراجع جامع المقاصد 4: 427.
241

لاشتراكهما في أصل الحقيقة، بخلاف الجزء والكل، فتأمل، فإن المتعين
الصحة والخيار.
ثم إنه قد عبر في القواعد عن ثبوت هذا الخيار للبائع مع
الزيادة وللمشتري مع النقيصة بقوله: " تخير المغبون " (1)،
فربما تخيل
بعض تبعا لبعض (2) أن هذا ليس من خيار فوات الوصف أو الجزء،
معللا بأن خيار الوصف إنما يثبت مع التصريح باشتراط الوصف في
العقد.
ويدفعه: تصريح العلامة - في هذه المسألة من التذكرة -: بأنه لو
ظهر النقصان رجع المشتري بالناقص (3). وفي باب الصرف من القواعد:
بأنه لو تبين المبيع على خلاف ما أخبر البائع تخير المشتري بين الفسخ
والإمضاء بحصة معينة (4) من الثمن (5). وتصريح جامع المقاصد في المسألة
الأخيرة بابتنائها على المسألة المعروفة، وهي " ما لو باع متساوي
الأجزاء على أنه مقدار معين فبان أقل " (6)، ومن المعلوم أن الخيار
في تلك المسألة إما لفوات الوصف، وإما لفوات الجزء، على الخلاف
الآتي.

(1) القواعد 1: 143.
(2) لم نعثر عليه.
(3) التذكرة 1: 470.
(4) كلمة " معينة " من " ش ".
(5) القواعد 1: 133.
(6) جامع المقاصد 4: 198.
242

وأما التعبير ب‍ " المغبون " فيشمل البائع على تقدير الزيادة،
والمشتري على تقدير النقيصة، نظير تعبير الشهيد في اللمعة عن البائع
والمشتري في بيع العين الغائبة برؤيتها السابقة مع تبين الخلاف، حيث
قال: تخير المغبون منهما (1).
وأما ما ذكره: من أن الخيار إنما يثبت في تخلف الوصف إذا
اشترط في متن العقد، ففيه: أن ذلك في الأوصاف الخارجة التي لا
يشترط اعتبارها في صحة البيع (2)، ككتابة العبد وخياطته. وأما الملحوظ
في عنوان المبيع بحيث لو لم يلاحظ لم يصح البيع - كمقدار معين من (3)
الكيل أو الوزن أو العد - فهذا لا يحتاج إلى ذكره في متن العقد، فإن
هذا أولى من وصف الصحة الذي يغني بناء العقد عليه عن ذكره في
العقد، فإن معرفة وجود ملاحظة الصحة ليست من مصححات العقد،
بخلاف معرفة وجود المقدار المعين.
وكيف كان، فلا إشكال في كون هذا الخيار خيار التخلف وإنما
الإشكال في أن المتخلف في الحقيقة هل هو جزء (4) المبيع أو وصف من
أوصافه؟ فلذلك اختلف في أن الإمضاء هل هو بجميع الثمن، أو بحصة
منه نسبتها إليه كنسبة الموجود من الأجزاء إلى المعدوم؟ وتمام الكلام
في موضع تعرض الأصحاب للمسألة.

(1) اللمعة الدمشقية: 113.
(2) في " ف ": العقد.
(3) في " ف " زيادة: حيث.
(4) في " ف " زيادة: من.
243

ثم إن في حكم إخبار البائع بالكيل والوزن من حيث ثبوت
الخيار عند تبين الخلاف، كل ما يكون طريقا عرفيا إلى مقدار المبيع
وأوقع (1) العقد بناء عليه، كما إذا جعلنا الكيل في المعدود والموزون
طريقا إلى عده أو وزنه.

(1) في " ف ": فأوقع.
244

مسألة
قال في الشرائع: يجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة وإن لم
يمسحا، ولو مسحا كان أحوط، لتفاوت الغرض في ذلك، وتعذر إدراكه
بالمشاهدة (1)، انتهى.
وفي التذكرة: لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة صح كالثوب
والدار والغنم إجماعا (2).
وصرح في التحرير بجواز بيع قطيع الغنم وإن لم يعلم عددها (3).
أقول: يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد، لثبوت
الغرر غالبا مع جهل أذرع الثوب وعدد قطيع الغنم. والاعتماد في عددها
على ما يحصل تخمينا بالمشاهدة عين المجازفة.
وبالجملة، فإذا فرضنا أن مقدار مالية الغنم قلة وكثرة يعلم بالعدد
فلا فرق بين الجهل بالعدد فيها وبين الجهل بالمقدار في المكيل والموزون

(1) الشرائع 1: 18.
(2) التذكرة 1: 470.
(3) التحرير 1: 177.
245

والمعدود. وكذا الحكم في عدد الأذرع والطاقات في الكرابيس (1)
والجربان في كثير من الأراضي المقدرة عادة بالجريب.
نعم، ربما يتفق تعارف عدد خاص في أذرع بعض طاقات
الكرابيس، لكن الاعتماد على هذا من حيث كونه طريقا إلى عدد
الأذرع، نظير إخبار البائع، وليس هذا معنى كفاية المشاهدة.
وتظهر الثمرة في ثبوت الخيار، إذ على تقدير كفاية المشاهدة لا
يثبت خيار مع تبين قلة الأذرع بالنسبة إلى ما حصل التخمين به من
المشاهدة، إلا إذا كان النقص عيبا أو اشترط عددا خاصا من حيث
الذراع (2) طولا وعرضا.
وبالجملة، فالمعيار هنا دفع الغرر الشخصي، إذ لم يرد هنا نص
بالتقدير ليحتمل إناطة الحكم به ولو لم يكن غرر، كما استظهرناه في
المكيل والموزون، فافهم.

(1) في " ف ": الكرباس.
(2) في " خ ": الذرع.
246

مسألة
بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء - كصاع من صبرة مجتمعة
الصيعان أو متفرقتها، أو ذراع من كرباس، أو عبد من عبدين، وشبه
ذلك - يتصور على وجوه:
الأول: أن يريد (1) بذلك البعض كسرا واقعيا من الجملة مقدرا (2)
بذلك العنوان، فيريد (3) بالصاع مثلا من صبرة تكون عشرة أصوع
عشرها، ومن عبد من العبدين نصفهما.
ولا إشكال في صحة ذلك، ولا في كون المبيع مشاعا في الجملة.
ولا فرق بين اختلاف العبدين في القيمة وعدمه، ولا بين العلم بعدد
صيعان الصبرة وعدمه، لأن الكسر مقدر بالصاع فلا يعتبر العلم بنسبته
إلى المجموع.

(1) في نسخة بدل " خ "، " م " و " ع ": يردد.
(2) الكلمة لا تقرأ في " ف "، وفي " ع " و " م ": مقدار.
(3) في نسخة بدل " خ "، " م " و " ع ": فيردد.
247

هذا، ولكن قال في التذكرة: والأقرب أنه لو قصد الإشاعة في عبد
من عبدين أو شاة من شاتين بطل، بخلاف الذراع من الأرض (1)، انتهى.
ولم يعلم وجه الفرق (2)، إلا منع ظهور الكسر المشاع من لفظ
" العبد " و " الشاة ".
الثاني: أن يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه من
الأفراد المتصورة في المجموع، نظير تردد الفرد المنتشر بين الأفراد، وهذا
يتضح في صاع من الصيعان المتفرقة.
ولا إشكال في بطلان ذلك مع اختلاف المصاديق في القيمة كالعبدين
المختلفين، لأنه غرر، لأن المشتري لا يعلم بما يحصل في يده منهما.
وأما مع اتفاقهما في القيمة كما في الصيعان المتفرقة، فالمشهور أيضا
- كما في كلام بعض (3) - المنع، بل في الرياض نسبته إلى الأصحاب (4)،
وعن المحقق الأردبيلي قدس سره أيضا نسبة المنع عن بيع ذراع من كرباس
مشاهد من غير تعيين أحد طرفيه إلى الأصحاب (5).
واستدل على المنع بعضهم (6): بالجهالة التي يبطل معها البيع إجماعا.

(1) التذكرة 1: 470.
(2) في " ف ": للفرق.
(3) لم نقف عليه.
(4) الرياض 1: 515.
(5) حكاه عنه صاحب الجواهر في الجواهر 22: 420، وراجع مجمع الفائدة 8:
181 - 182، وفيه: ومثل المتن أكثر عباراتهم.
(6) كما في جامع المقاصد 4: 150، وسيجئ في كلام الحلي والشيخ.
248

وآخر (1): بأن الإبهام في البيع مبطل له، لا من حيث الجهالة. ويؤيده
أنه حكم في التذكرة - مع منعه عن بيع أحد العبدين المشاهدين
المتساويين - بأنه لو تلف أحدهما فباع الباقي ولم يدر أيهما هو، صح،
خلافا لبعض العامة (2). وثالث (3): بلزوم الغرر. ورابع (4): بأن الملك صفة
وجودية محتاجة إلى محل تقوم به - كسائر الصفات الموجودة في
الخارج - وأحدهما على سبيل البدل غير قابل لقيامه به، لأنه أمر
انتزاعي من أمرين معينين.
ويضعف الأول بمنع المقدمتين، لأن الواحد على سبيل البدل غير
مجهول، إذ لا تعين له في الواقع حتى يجهل، والمنع عن بيع المجهول ولو
لم يلزم غرر، غير مسلم.
نعم، وقع في معقد بعض الإجماعات ما يظهر منه صدق كلتا المقدمتين.
ففي السرائر - بعد نقل الرواية التي رواها في الخلاف على جواز
بيع عبد من عبدين - قال: إن ما اشتملت عليه الرواية مخالف لما عليه
الأمة بأسرها، مناف لأصول مذهب أصحابنا وفتاويهم وتصانيفهم، لأن
المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف (5)، انتهى.
وعن الخلاف - في باب السلم -: أنه لو قال: " أشتري منك أحد

(1) لم نقف عليه.
(2) لم نعثر عليه في التذكرة.
(3) كما في كلام الشيخ الآتي في الصفحة التالية.
(4) كما استدل به المحقق النراقي في المستند 2: 375.
(5) السرائر 2: 350، وراجع الرواية في الوسائل 13: 44، الباب 16 من
أبواب خيار الحيوان.
249

هذين العبدين أو هؤلاء العبيد " لم يصح الشراء. دليلنا: أنه بيع مجهول
فيجب أن لا يصح، ولأنه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين، ولأنه لا
دليل على صحة ذلك في الشرع. وقد ذكرنا هذه المسألة في البيوع
وقلنا: إن أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين، فإن قلنا بذلك تبعنا
فيه الرواية، ولم يقس (1) غيرها عليها (2)، انتهى.
وعبارته المحكية في باب البيوع هي: أنه روى أصحابنا أنه إذا
اشترى عبدا من عبدين على أن للمشتري أن يختار أيهما شاء، أنه
جائز، ولم يرووا في الثوبين شيئا. ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة،
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " المؤمنون عند شروطهم " (3)، انتهى.
وسيأتي أيضا في كلام فخر الدين أن عدم تشخيص المبيع، من
الغرر الذي يوجب النهي عنه الفساد إجماعا (4).
وظاهر هذه الكلمات صدق الجهالة وكون مثلها قادحة اتفاقا مع
فرض عدم نص، بل قد عرفت رد الحلي للنص المجوز بمخالفته لإجماع
الأمة (5).
ومما ذكرنا من منع كبرى الوجه الأول يظهر حال الوجه الثاني
من وجوه المنع، أعني كون الإبهام مبطلا.

(1) كذا في النسخ، والصواب: " ولم نقس "، بصيغة المتكلم كما في المصدر.
(2) في غير " ف ": " غيرهما عليهما "، راجع الخلاف 3: 217، كتاب السلم،
المسألة 38.
(3) الخلاف 3: 38، المسألة: 54 من كتاب البيوع.
(4) الآتي في الصفحة التالية.
(5) راجع الصفحة السابقة.
250

وأما الوجه الثالث، فيرده منع لزوم الغرر مع فرض اتفاق
الأفراد في الصفات الموجبة لاختلاف القيمة، ولذا يجوز الإسلاف في
الكلي من هذه الأفراد، مع أن الانضباط في السلم آكد. وأيضا فقد
جوزوا بيع الصاع الكلي من الصبرة، ولا فرق بينهما من حيث الغرر
قطعا، ولذا رد في الإيضاح حمل الصاع من الصبرة على الكلي برجوعه
إلى عدم تعيين المبيع الموجب للغرر المفسد إجماعا (1).
وأما الرابع، فبمنع احتياج صفة الملك إلى موجود خارجي، فإن
الكلي المبيع سلما أو حالا مملوك للمشتري، ولا وجود لفرد منه في
الخارج بصفة كونه مملوكا للمشتري، فالوجه أن الملكية أمر اعتباري
يعتبره العرف والشرع أو أحدهما في موارده، وليست صفة وجودية
متأصلة كالحموضة والسواد، ولذا صرحوا بصحة الوصية بأحد الشيئين،
بل لأحد (2) الشخصين ونحوهما (3).
فالإنصاف - كما اعترف به جماعة (4) أولهم المحقق الأردبيلي - عدم
دليل معتبر على المنع.
قال في شرح الإرشاد - على ما حكي عنه - بعد أن حكى عن
الأصحاب المنع عن بيع ذراع من كرباس من غير تقييد كونه من أي
الطرفين، قال: وفيه تأمل، إذ لم يقم دليل على اعتبار هذا المقدار من

(1) إيضاح الفوائد 1: 430.
(2) في غير " ف ": أحد.
(3) ممن صرح بذلك العلامة في القواعد 1: 295، والتذكرة 2: 480، والشهيد
في الدروس 2: 301 و 308.
(4) منهم المحدث البحراني في الحدائق 18: 480، ولم نعثر على غيره.
251

العلم، فإنهما إذا تراضيا على ذراع من هذا الكرباس من أي طرف
أراد المشتري أو من أي جانب كان من الأرض، فما المانع بعد العلم
بذلك؟ (1) انتهى.
فالدليل هو الإجماع لو ثبت، وقد عرفت من (2) غير واحد نسبته
إلى الأصحاب.
قال بعض الأساطين في شرحه على القواعد - بعد حكم المصنف
بصحة بيع الذراع من الثوب والأرض، الراجع إلى بيع الكسر المشاع -
قال: وإن قصدا معينا (3) أو كليا لا على وجه الإشاعة بطل، لحصول
الغرر بالإبهام في الأول، وكونه بيع المعدوم، وباختلاف الأغراض في
الثاني غالبا، فيلحق به النادر، وللإجماع المنقول فيه - إلى أن قال: -
والظاهر بعد إمعان النظر ونهاية التتبع أن الغرر الشرعي لا يستلزم
الغرر العرفي وبالعكس، وارتفاع الجهالة في الخصوصية قد لا يثمر مع
حصولها في أصل الماهية، ولعل الدائرة في الشرع أضيق، وإن كان بين
المصطلحين عموم وخصوص من وجهين (4)، وفهم الأصحاب مقدم،
لأنهم أدرى بمذاق الشارع وأعلم (5)، انتهى.
ولقد أجاد حيث التجأ إلى فهم الأصحاب فيما يخالف العمومات.

(1) مجمع الفائدة 8: 182.
(2) في " ف "، " ن " و " خ ": عن.
(3) في " ش " زيادة: " من عين " وهي تصحيف " من غير تعيين "، كما في المصدر.
(4) قال الشهيدي قدس سره: " التثنية بطريق التوزيع، يعني عموم من وجه
وخصوص من وجه " (هداية الطالب: 384).
(5) شرح القواعد (مخطوط): الورقة 90 - 91، ذيل قول العلامة: وإن قصدا معينا.
252

فرع:
على المشهور من المنع، لو اتفقا على أنهما أرادا غير شائع لم
يصح البيع، لاتفاقهما على بطلانه.
ولو اختلفا فادعى المشتري الإشاعة فيصح البيع، وقال البائع:
أردت معينا، ففي التذكرة: الأقرب قبول قول المشتري، عملا بأصالة
الصحة وأصالة عدم التعيين (1)، انتهى.
وهذا حسن لو لم يتسالما على صيغة ظاهرة في أحد المعنيين، أما
معه فالمتبع (2) هو الظاهر، وأصالة الصحة لا تصرف الظواهر (3). وأما
أصالة عدم التعيين فلم أتحققها.
وذكر بعض من قارب عصرنا (4): أنه لو فرض للكلام ظهور في
عدم (5) الإشاعة كان حمل الفعل على الصحة قرينة صارفة. وفيه نظر.
الثالث من وجوه بيع البعض من الكل: أن يكون المبيع طبيعة
كلية منحصرة المصاديق في الأفراد المتصورة في تلك الجملة.

(1) التذكرة 1: 470.
(2) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: " فالمنع "، وكذا أثبته
المامقاني قدس سره في غاية الآمال: 467.
(3) في " ف ": لا تضر بالظواهر.
(4) لم نقف عليه.
(5) لم ترد " عدم " في " ف ".
253

والفرق بين هذا الوجه والوجه الثاني - كما حققه في جامع المقاصد
بعد التمثيل للثاني بما إذا فرق الصيعان، وقال: بعتك أحدها -: أن المبيع
هناك (1) واحد من الصيعان المتميزة المتشخصة غير معين (2)، فيكون بيعه
مشتملا على الغرر. وفي هذا الوجه أمر كلي غير متشخص ولا متميز
بنفسه، ويتقوم بكل واحد من صيعان الصبرة ويوجد به، ومثله ما لو
قسم الأرباع وباع ربعا منها من غير تعيين. ولو باع ربعا قبل القسمة
صح وتنزل على واحد منها مشاعا، لأنه حينئذ أمر كلي. فإن قلت:
المبيع في الأولى أيضا أمر كلي. قلنا: ليس كذلك، بل هو واحد من
تلك الصيعان المتشخصة، مبهم بحسب صورة العبارة، فيشبه الأمر
الكلي، وبحسب الواقع جزئي غير معين ولا معلوم. والمقتضي لهذا المعنى
هو تفريق الصيعان، وجعل كل واحد منها (3) برأسه، فصار إطلاق
أحدها منزلا على شخصي غير معلوم، فصار كبيع أحد الشياه وأحد
العبيد. ولو أنه قال: بعتك صاعا من هذه شائعا في جملتها، لحكمنا
بالصحة (4)، انتهى.
وحاصله: أن المبيع مع الترديد جزئي حقيقي، فيمتاز عن المبيع
الكلي الصادق على الأفراد المتصورة في تلك الجملة.

(1) في غير " ش ": " هنا "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(2) كذا في " ش "، وفي " ف ": " غير متعين "، وفي " ص ": " من غير تعيين "،
وفي سائر النسخ: " من غير متعين "، وشطب في " ن " على " من ".
(3) كذا، والظاهر سقوط كلمة هنا، مثل: " شخصا "، كما أشار إليه مصحح " ص ".
(4) جامع المقاصد 4: 103.
254

وفي الإيضاح: أن الفرق بينهما هو الفرق بين الكلي المقيد بالوحدة
وبين الفرد المنتشر (1).
ثم الظاهر صحة بيع الكلي بهذا المعنى، كما هو صريح جماعة،
منهم الشيخ (2) والشهيدان (3) والمحقق الثاني (4) وغيرهم (5)، بل الظاهر عدم
الخلاف فيه وإن اختلفوا في تنزيل الصاع من الصبرة على الكلي أو
الإشاعة.
لكن يظهر مما عن الإيضاح وجود الخلاف في صحة بيع الكلي
وأن منشأ القول بالتنزيل على الإشاعة هو بطلان بيع الكلي بهذا المعنى،
والكلي الذي يجوز بيعه هو ما يكون في الذمة.
قال في الإيضاح في ترجيح التنزيل على الإشاعة: إنه لو لم يكن
مشاعا لكان غير معين، فلا يكون معلوم العين، وهو الغرر الذي يدل
النهي عنه على الفساد إجماعا، ولأن أحدهما بعينه لو وقع البيع عليه
ترجح (6) من غير مرجح، ولا بعينه هو المبهم، وإبهام المبيع مبطل (7)، انتهى.

(1) إيضاح الفوائد 1: 430.
(2) المبسوط 2: 152 - 153، والخلاف 3: 162 - 163، كتاب البيوع، المسألة
259 و 260.
(3) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 3: 267 - 268.
(4) جامع المقاصد 4: 103 و 105.
(5) كالسيد الطباطبائي في الرياض 1: 515، والمحقق النراقي في المستند 2: 376
- 377، وراجع مفتاح الكرامة 4: 274 - 275.
(6) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: ترجيح.
(7) إيضاح الفوائد 1: 430.
255

وتبعه بعض المعاصرين (1) مستندا تارة إلى ما في الإيضاح من
لزوم الإبهام والغرر، وأخرى إلى عدم معهودية ملك الكلي في غير
الذمة لا على وجه الإشاعة، وثالثة باتفاقهم على تنزيل الأرطال
المستثناة من بيع الثمرة على الإشاعة.
ويرد الأول: ما عرفت من منع الغرر في بيع الفرد المنتشر،
فكيف نسلم في الكلي.
والثاني: بأنه معهود في الوصية والإصداق، مع أنه لم يفهم مراده
من المعهودية، فإن أنواع الملك - بل كل جنس - لا يعهد تحقق أحدها
في مورد الآخر، إلا أن يراد منه عدم وجود مورد يقيني (2) حكم فيه
الشارع بملكية الكلي المشترك بين أفراد موجودة، فيكفي (3) في رده
النقض بالوصية وشبهها.
هذا كله مضافا إلى صحيحة الأطنان الآتية (4)، فإن موردها إما
بيع الفرد المنتشر، وإما بيع الكلي في الخارج.
وأما الثالث: فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى (5).

(1) وهو صاحب الجواهر في الجواهر 23: 222 - 223.
(2) في " ف ": متيقن.
(3) في " ف ": فيكفي فيه حينئذ.
(4) ستأتي في الصفحة الآتية.
(5) في الصفحة 261.
256

مسألة
لو باع صاعا من صبرة، فهل ينزل على الوجه الأول من
الوجوه الثلاثة المتقدمة - أعني: الكسر المشاع - أو على الوجه الثالث
وهو الكلي، بناء على المشهور من صحته؟ وجهان، بل قولان، حكي
ثانيهما عن الشيخ (1) والشهيدين (2) والمحقق الثاني (3) وجماعة (4).
واستدل له في جامع المقاصد: بأنه السابق إلى الفهم،
وبرواية بريد بن معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام: " عن رجل

(1) حكاه فخر المحققين في الإيضاح 1: 430، وراجع المبسوط 2: 152، فصل
في بيع الصبرة وأحكامها.
(2) الدروس 3: 201، والروضة البهية 3: 268، والمسالك 3: 176، وحكاه
عنهما وعمن بعدهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 275.
(3) جامع المقاصد 4: 105.
(4) منهم: المحقق السبزواري في الكفاية: 90، والشيخ الكبير كاشف الغطاء في
شرحه على القواعد (مخطوط): الورقة 91، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة
4: 275.
257

اشترى (1) عشرة آلاف طن من أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة،
والأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب
عشرة آلاف طن. فقال المشتري: قد قبلت واشتريت ورضيت، فأعطاه
المشتري من ثمنه ألف درهم، ووكل من يقبضه، فأصبحوا وقد وقع في
القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طن وبقي عشرة آلاف طن،
فقال عليه السلام: العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري، والعشرون
التي احترقت من مال البائع (2).
ويمكن دفع الأول: بأن مقتضى الوضع في قوله: " صاعا من
صبرة " هو الفرد المنتشر الذي عرفت سابقا (3) أن المشهور - بل الإجماع -
على بطلانه. ومقتضى المعنى العرفي هو المقدار المقدر بصاع، وظاهره
حينئذ الإشاعة، لأن المقدار المذكور من مجموع الصبرة مشاع فيه.
وأما الرواية فهي أيضا ظاهرة في الفرد المنتشر، كما اعترف به في
الرياض (4).
لكن الإنصاف: أن العرف يعاملون في البيع المذكور معاملة الكلي
فيجعلون الخيار في التعيين إلى البائع، وهذه أمارة فهمهم الكلي.

(1) أثبتنا متن الحديث طبقا لما ورد في أكثر النسخ، ولم نتعرض لبعض الاختلافات
الموجودة في " ص " و " ش "، علما بأنها تصحيحات أجريت على أساس التطبيق
مع المصدر.
(2) الوسائل 12: 272، الباب 19 من أبواب عقد البيع وشروطه.
(3) راجع الصفحة 247 - 248.
(4) الرياض 1: 515.
258

وأما الرواية، فلو فرضنا ظهورها في الفرد المنتشر فلا بأس
بحملها على الكلي لأجل القرينة الخارجية، وتدل على عدم الإشاعة من
حيث الحكم ببقاء المقدار المبيع وكونه مالا للمشتري.
فالقول الثاني لا يخلو من قوة، بل لم نظفر بمن جزم بالأول وإن
حكاه في الإيضاح قولا (1).
ثم إنه يتفرع على المختار من كون المبيع كليا أمور:
أحدها: كون التخيير في تعيينه بيد البائع، لأن المفروض أن
المشتري لم يملك إلا الطبيعة المعراة عن التشخص الخاص، فلا يستحق
على البائع خصوصية فإذا طالب بخصوصية زائدة على الطبيعة فقد
طالب ما (2) ليس حقا له. وهذا جار في كل من ملك كليا في الذمة أو
في الخارج، فليس لمالكه اقتراح الخصوصية على من عليه الكلي، ولذا
كان اختيار التعيين بيد الوارث إذا أوصى الميت لرجل بواحد من
متعدد يملكه الميت، كعبد من عبيده ونحو ذلك.
إلا أنه قد جزم المحقق القمي قدس سره - في غير موضع من أجوبة
مسائله -: بأن الاختيار في التعيين بيد المشتري (3)، ولم يعلم له وجه
مصحح، فيا ليته قاس ذلك على طلب الطبيعة! حيث إن الطالب لما
ملك الطبيعة على المأمور واستحقها منه لم يجز له بحكم العقل مطالبة
خصوصية دون أخرى، وكذلك مسألة التمليك كما لا يخفى.

(1) إيضاح الفوائد 1: 430.
(2) في غير " ف ": بما.
(3) منها ما قاله في جامع الشتات 2: 95، المسألة: 72.
259

وأما على الإشاعة: فلا اختيار لأحدهما، لحصول الشركة،
فيحتاج القسمة إلى التراضي.
ومنها: أنه لو تلف بعض الجملة وبقي مصداق الطبيعة انحصر حق
المشتري فيه، لأن كل فرد من أفراد الطبيعة وإن كان قابلا لتعلق ملكه
به بخصوصه، إلا أنه يتوقف على تعيين مالك المجموع وإقباضه، فكل ما
تلف قبل إقباضه خرج عن قابلية ملكيته للمشتري (1) فعلا (2) فينحصر
في الموجود. وهذا بخلاف المشاع، فإن ملك المشتري فعلا (3) ثابت في
كل جزء من المال من دون حاجة إلى اختيار وإقباض، فكل ما يتلف
من المال فقد تلف من المشتري جزء بنسبة حصته.
ومنها: أنه (4) لو فرضنا أن البائع بعد ما باع صاعا من الجملة
باع من شخص آخر صاعا كليا آخر، فالظاهر أنه إذا بقي صاع واحد
كان للأول، لأن الكلي المبيع ثانيا إنما هو سار في مال البائع وهو ما
عدا الصاع من الصبرة، فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان
الكلي فيه ساريا فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض، وهذا بخلاف ما لو
قلنا بالإشاعة.
ثم اعلم: أن المبيع إنما يبقى كليا ما لم يقبض. وأما إذا قبض،
فإن قبض منفردا عما عداه كان مختصا بالمشتري، وإن قبض في ضمن
الباقي - بأن أقبضه البائع مجموع الصبرة فيكون بعضه وفاء، والباقي

(1) في " ف ": " ملك المشتري ".
(2) في " ف " ونسخة بدل " م " و " ع ": مثلا.
(3) في " ف " ونسخة بدل " م " و " ع ": مثلا.
(4) عبارة " منها أنه " من " ش " وهامش " ن ".
260

أمانة - حصلت الشركة، لحصول ماله في يده وعدم توقفه على تعيين
وإقباض حتى يخرج التالف عن قابلية تملك المشتري له فعلا وينحصر
حقه في الباقي، فحينئذ حساب التالف على البائع دون المشتري ترجيح
بلا مرجح، فيحسب عليهما.
والحاصل: أن كل جزء (1) معين قبل الإقباض قابل لكونه كلا أو
بعضا (2) ملكا فعليا للمشتري، والملك الفعلي له حينئذ هو الكلي
الساري، فالتالف المعين غير قابل لكون جزئه (3) محسوبا على المشتري،
لأن تملكه لمعين موقوف على اختيار البائع وإقباضه، فيحسب على
البائع. بخلاف التالف بعد الإقباض، فإن تملك المشتري لمقدار منه
حاصل فعلا، لتحقق الإقباض، فنسبة كل جزء معين من الجملة إلى كل
من البائع والمشتري على حد سواء.
نعم، لو لم يكن إقباض البائع للمجموع (4) على وجه الإيفاء، بل
على وجه التوكيل في التعيين، أو على وجه الأمانة حتى يعين البائع بعد
ذلك، كان حكمه حكم ما قبل القبض.
هذا كله مما لا إشكال فيه، وإنما الإشكال في أنهم ذكروا فيما لو
باع ثمرة شجرات واستثنى منها أرطالا معلومة: أنه لو خاست الثمرة

(1) لم ترد " جزء " في " ف ".
(2) لم ترد " كلا أو بعضا " في " ف ".
(3) في " خ " بدل " جزئه ": " ضرره "، وفي نسخة بدل " م "، " ع " و " ص ":
ضره.
(4) في " ف ": " للجزء حينئذ "، وفي نسخة بدل " م "، " ع " و " ص ": للجزء.
261

سقط من المستثنى بحسابه (1).
وظاهر ذلك تنزيل الأرطال المستثناة على
الإشاعة، ولذا قال في الدروس: إن في هذا الحكم دلالة على تنزيل
الصاع من الصبرة على الإشاعة (2).
وحينئذ يقع الإشكال في الفرق بين
المسألتين، حيث إن مسألة الاستثناء ظاهرهم الاتفاق على تنزيلها على
الإشاعة.
والمشهور هنا التنزيل على الكلي، بل لم يعرف من جزم
بالإشاعة.
وربما يفرق بين المسألتين (3) بالنص فيما نحن فيه على التنزيل على
الكلي، وهو ما تقدم من الصحيحة المتقدمة (4).
وفيه: أن النص إن استفيد منه حكم القاعدة لزم التعدي عن
مورده إلى مسألة الاستثناء، أو بيان الفارق وخروجها عن القاعدة.
وإن اقتصر على مورده لم يتعد إلى غير مورده حتى في البيع إلا بعد
إبداء الفرق بين موارد التعدي وبين مسألة الاستثناء.
وبالجملة، فالنص بنفسه لا يصلح فارقا مع البناء على التعدي عن
مورده الشخصي.
وأضعف من ذلك: الفرق بقيام الإجماع على الإشاعة في مسألة

(1) كما في الشرائع 2: 53، والقواعد 1: 131، والدروس 3: 239، وجامع
المقاصد 4: 168، وراجع مفتاح الكرامة 4: 381 - 382.
(2) الدروس 3: 239.
(3) فرق بينهما صاحب الجواهر في الجواهر 23: 223.
(4) المتقدمة في الصفحة 258.
262

الاستثناء، لأنا نقطع بعدم استناد المجمعين فيها إلى توقيف بالخصوص.
وأضعف من هذين، الفرق بين مسألة الاستثناء ومسألة الزكاة
وغيرهما مما يحمل الكلي فيها على الإشاعة، وبين البيع، باعتبار (1)
القبض في لزوم البيع وإيجابه على البائع، فمع وجود فرد يتحقق فيه
البيع (2) يجب دفعه إلى المشتري، إذ هو شبه الكلي في الذمة.
وفيه - مع أن إيجاب القبض متحقق في مسألتي الزكاة
والاستثناء -: أن إيجاب القبض على البائع يتوقف على بقائه، إذ مع
عدم بقائه كلا أو بعضا ينفسخ البيع في التالف، والحكم بالبقاء يتوقف
على نفي الإشاعة، فنفي الإشاعة بوجوب الإقباض لا يخلو عن
مصادرة، كما لا يخفى.
وأما مدخلية القبض في اللزوم فلا دخل له أصلا في الفرق.
ومثله في الضعف - لو لم يكن عينه - ما في مفتاح الكرامة من
الفرق: بأن التلف من الصبرة قبل القبض، فيلزم على البائع تسليم
المبيع منها و (3) إن بقي قدره، فلا ينقص المبيع لأجله. بخلاف الاستثناء،
فإن التلف فيه بعد القبض، والمستثنى بيد المشتري أمانة على الإشاعة
بينهما، فيوزع الناقص عليهما، ولهذا لم يحكم بضمان المشتري هنا، بخلاف
البائع هناك (4)، انتهى.

(1) الجار متعلق ب‍ " الفرق "، و " الإيجاب " عطف على " الاعتبار " كما قاله
الشهيدي في هداية الطالب: 387.
(2) كذا في النسخ، والظاهر: المبيع، كما في مصححة " ن ".
(3) لم ترد " و " في " ف ".
(4) مفتاح الكرامة 4: 382.
263

وفيه - مع ما عرفت من أن التلف من الصبرة قبل القبض إنما
يوجب تسليم تمام المبيع من الباقي بعد ثبوت عدم الإشاعة، فكيف
يثبت به؟ - أنه:
إن أريد من (1) كون التلف - في مسألة الاستثناء - بعد القبض: أنه
بعد قبض المشتري؟
ففيه: أنه موجب لخروج البائع عن ضمان ما يتلف من مال
المشتري ولا كلام فيه ولا إشكال، وإنما الإشكال في الفرق بين
المشتري في مسألة الصاع والبائع في مسألة الاستثناء، حيث إن كلا
منهما يستحق مقدارا من المجموع لم يقبضه مستحقه، فكيف يحسب نقص
التالف (2) على أحدهما دون الآخر مع اشتراكهما في عدم قبض حقه (3)
الكلي.
وإن أريد من كون التلف بعد القبض: أن الكلي الذي يستحقه
البائع قد كان في يده بعد العقد فحصل الاشتراك، فإذا دفع الكل إلى
المشتري فقد دفع مالا مشتركا، فهو نظير ما إذا دفع البائع مجموع
الصبرة إلى المشتري، فالاشتراك كان قبل القبض.
ففيه: أن الإشكال بحاله، إذ يبقى سؤال الفرق بين قوله: " بعتك
صاعا من هذه الصبرة " وبين قوله: " بعتك هذه الصبرة - أو هذه

(1) لم ترد " من " في غير " ش "، واستدركت في " ن ".
(2) في " ش ": التلف.
(3) كذا في " ف " ونسخة بدل " خ "، وفي " ش " ومصححة " ن ": " عدم قبض
حقهما "، وفي سائر النسخ: عدم قبضه.
264

الثمرة - إلا صاعا منها "، وما الموجب للاشتراك في الثاني دون الأول؟
مع كون مقتضى الكلي عدم تعين (1) فرد منه أو جزء منه لمالكه (2) إلا
بعد إقباض مالك الكل الذي هو المشتري في مسألة الاستثناء، فإن
كون الكل بيد البائع المالك للكلي لا يوجب الاشتراك.
هذا، مع أنه لم يعلم من الأصحاب في مسألة الاستثناء الحكم بعد
العقد بالاشتراك وعدم جواز تصرف المشتري إلا بإذن البائع، كما يشعر
به فتوى جماعة، منهم الشهيدان (3) والمحقق الثاني (4) بأنه لو فرط المشتري
وجب أداء المستثنى من الباقي.
ويمكن (5) أن يقال: إن بناء المشهور في مسألة استثناء الأرطال إن
كان على عدم الإشاعة قبل التلف واختصاص الاشتراك بالتالف دون
الموجود - كما ينبئ عنه فتوى جماعة منهم: بأنه لو كان تلف البعض
بتفريط المشتري كان حصة البائع في الباقي، ويؤيده استمرار السيرة في
صورة استثناء أرطال معلومة من الثمرة على استقلال المشتري في
التصرف وعدم المعاملة مع البائع معاملة الشركاء - فالمسألتان مشتركتان
في التنزيل على الكلي، ولا فرق بينهما إلا في بعض ثمرات التنزيل على

(1) في غير " ش ": تعيين.
(2) كذا في " ف "، " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: لمالك.
(3) في " ف ": " الشهيد الثاني "، راجع الدروس 3: 239، والروضة البهية 3:
360.
(4) راجع جامع المقاصد 4: 168.
(5) في " ف ": هذا، ويمكن.
265

الكلي وهو حساب التالف عليهما. ولا يحضرني وجه واضح لهذا الفرق،
إلا دعوى أن المتبادر من الكلي المستثنى هو الكلي الشائع فيما يسلم
للمشتري، لا مطلق الموجود وقت البيع.
وإن كان بناؤهم على الإشاعة من أول الأمر أمكن أن يكون
الوجه في ذلك: أن المستثنى كما يكون ظاهرا في الكلي، كذلك يكون
عنوان المستثنى منه الذي انتقل إلى المشتري بالبيع كليا، بمعنى أنه
ملحوظ بعنوان كلي يقع عليه البيع، فمعنى " بعتك هذه الصبرة إلا صاعا
منها ": " بعتك الكلي الخارجي الذي هو المجموع المخرج عنه الصاع " فهو
كلي كنفس الصاع، فكل منهما مالك لعنوان كلي، فالموجود مشترك
بينهما، لأن نسبة كل جزء منه إلى كل منهما على نهج سواء، فتخصيص
أحدهما به ترجيح من غير مرجح، وكذا التالف نسبته إليهما على
السواء، فيحسب عليهما.
وهذا بخلاف ما إذا كان المبيع كليا، فإن مال البائع ليس ملحوظا
بعنوان كلي في قولنا: " بعتك صاعا من هذه الصبرة "، إذ لم يقع
موضوع الحكم (1) في هذا الكلام حتى يلحظ بعنوان كلي كنفس الصاع.
فإن قلت: إن مال البائع بعد بيع الصاع ليس جزئيا حقيقيا
متشخصا في الخارج فيكون كليا كنفس الصاع.
قلت: نعم ولكن ملكية البائع له ليس بعنوان كلي حتى يبقى ما
بقي ذلك العنوان، ليكون الباقي بعد تلف البعض صادقا على هذا العنوان

(1) في " ف " ومصححة " خ ": موضوعا لحكم.
266

وعلى عنوان الصاع (1) على نهج سواء، ليلزم من تخصيصه بأحدهما
الترجيح من غير مرجح فيجئ الاشتراك، فإذا لم يبق إلا صاع كان
الموجود مصداقا لعنوان ملك المشتري فيحكم بكونه مالكا له، ولا
يزاحمه بقاء عنوان ملك البائع، فتأمل.
هذا ما خطر عاجلا بالبال، وقد أوكلنا تحقيق هذا المقام - الذي لم
يبلغ إليه ذهني القاصر - إلى نظر الناظر البصير الخبير الماهر، عفى الله
عن الزلل في المعاثر.
قال في الروضة - تبعا للمحكي عن حواشي الشهيد (2) -: إن أقسام
بيع الصبرة عشرة، لأنها إما أن تكون معلومة المقدار أو مجهولته، فإن
كانت معلومة صح بيعها أجمع، وبيع جزء منها معلوم مشاع، وبيع مقدار
كقفيز تشتمل عليه، وبيعها كل قفيز بكذا، لا (3) بيع كل قفيز منها بكذا.
والمجهولة كلها باطلة إلا الثالث (4)، وهو بيع مقدار معلوم يشتمل الصبرة
عليه.
ولو لم يعلم باشتمالها عليه، فظاهر القواعد (5) والمحكي عن حواشي

(1) كذا في النسخ، والعبارة في " ش " هكذا: " مصداقا لهذا العنوان وعنوان
الصاع "، وجاء في هامش " ص " ما يلي: الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف،
وحق العبارة أن يقول: " مصداقا لهذا العنوان ولعنوان الصاع "، كما لا يخفى.
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 275.
(3) كذا في " ف " و " ص "، وفي غيرهما بدل " لا ": " إلا "، وصححت في " ن "
بما أثبتناه.
(4) انتهى كلام الشهيد الثاني قدس سره، راجع الروضة البهية 3: 268.
(5) راجع القواعد 1: 127.
267

الشهيد (1) وغيرها (2) عدم الصحة، واستحسنه في الروضة، ثم قال: ولو
قيل بالاكتفاء بالظن باشتمالها عليه كان متجها (3).
والمحكي عن ظاهر الدروس واللمعة الصحة (4)، قال فيها: فإن
نقصت تخير بين أخذ الموجود منها بحصته (5) من الثمن وبين الفسخ (6)،
لتبعض الصفقة. وربما يحكى عن المبسوط، والمحكي (7) خلافه (8)،
ولا يخلو عن قوة وإن كان في تعيينه نظر، لا لتدارك الغرر (9) بالخيار،
لما عرفت غير مرة: من أن الغرر إنما يلاحظ في البيع مع قطع النظر

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 274، ولا توجد عندنا حواشي
الشهيد.
(2) مثل العلامة في التذكرة 1: 469، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح
الكرامة 4: 274، وفيه: إذا علما اشتمالها على ذلك.
(3) الروضة البهية 3: 267.
(4) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 274، وراجع الدروس 3: 201
و 239، واللمعة: 113، والعبارة منقولة من اللمعة وشرحها (الروضة البهية)
3: 267.
(5) كذا في " ن " و " خ "، وفي سائر النسخ: بحصة.
(6) إلى هنا كلام الشهيد، والتعليل من المؤلف قدس سره.
(7) في " ش ": عن المبسوط والخلاف.
(8) حكى خلافه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 274، كما حكى الصحة
عن ظاهر الدروس واللمعة في نفس ذلك الموضع، فراجع، وانظر المبسوط 2:
152، وإيضاح الفوائد 1: 430.
(9) كذا في " ف " ونسخة بدل " ش "، وفي سائر النسخ: الضرر.
268

عن الخيار الذي هو من أحكام العقد، فلا يرتفع به الغرر الحاصل عند
العقد، بل لمنع الغرر.
وإن قيل (1): عدم العلم بالوجود من أعظم أفراد الغرر.
قلنا: نعم، إذا بني العقد على جعل الثمن في مقابل الموجود.
وأما إذا بني على توزيع الثمن على مجموع المبيع الغير المعلوم الوجود (2)
بتمامه فلا غرر عرفا، وربما يحتمل الصحة مراعى بتبين اشتمالها
عليه.
وفيه: أن الغرر إن ثبت حال البيع لم ينفع تبين الاشتمال.
هذا، ولكن الأوفق بكلماتهم في موارد الغرر عدم الصحة، إلا (3)
مع العلم بالاشتمال، أو الظن الذي يتعارف الاعتماد عليه ولو كان من
جهة استصحاب الاشتمال.
وأما الرابع مع الجهالة - وهو بيعها كل قفيز بكذا - فالمحكي عن
جماعة (4) المنع.
وعن ظاهر إطلاق المحكي من عبارتي المبسوط والخلاف أنه لو

(1) في غير " ش ": " وقيل "، وفي مصححة " ص ": " ولو قيل "، والقائل
صاحب الجواهر في الجواهر 22: 423.
(2) كذا في " ش " ومصححة " ن " و " ص "، وفي سائر النسخ: الموجود.
(3) في " ف " بدل " إلا ": لا.
(4) كالمحقق في الشرائع 2: 34، والعلامة في التذكرة 1: 469، والشهيد
في الدروس 3: 195، ونسبه المحقق السبزواري (في الكفاية: 90) إلى
المشهور.
269

قال: " بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم " صح البيع (1).
قال في الخلاف: " لأنه لا مانع منه، والأصل جوازه ". وظاهر
إطلاقه يعم صورة الجهل بالاشتمال.
وعن الكفاية: نفي البعد عنه (2)، إذ المبيع معلوم بالمشاهدة، والثمن
مما يمكن أن يعرف، بأن تكال الصبرة ويوزع الثمن على قفزاتها،
قال (3): وله نظائر ذكر جملة منها في التذكرة (4).
وفيه نظر.

(1) المبسوط 2: 152، والخلاف 3: 162، كتاب البيع، المسألة 259، وحكاه
عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 276.
(2) كفاية الأحكام: 90.
(3) ظاهر السياق رجوع ضمير " قال " إلى صاحب الكفاية، وليس الأمر كذلك.
بل العبارات من قوله " وأما الرابع - إلى - وفيه نظر " من مفتاح الكرامة (انظر
مفتاح الكرامة 4: 276).
(4) التذكرة 1: 469.
270

مسألة
إذا شاهد عينا في زمان سابق على العقد عليها، فإن اقتضت
العادة تغيرها عن صفاتها (1) السابقة إلى غيرها المجهول عند المتبايعين،
فلا يصح البيع إلا بذكر صفات تصحح بيع الغائب، لأن الرؤية القديمة
غير نافعة.
وإن اقتضت العادة بقاءها عليها فلا إشكال في الصحة، ولا
خلاف أيضا إلا من بعض الشافعية (2).
وإن احتمل الأمران جاز الاعتماد على أصالة عدم التغير (3) والبناء
عليها في العقد، فيكون نظير إخبار البائع بالكيل والوزن، لأن الأصل
من الطرق التي يتعارف التعويل عليها.

(1) الضمائر الراجعة إلى " العين " وردت في غير " ش " مذكرة، وصححت في
" ن " بما أثبتناه.
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 280، عن الأنماطي من الشافعية.
(3) في " ف "، " ن "، " خ "، " م " و " ع ": التغيير، وصحح في " ن " بما في
المتن.
271

ولو فرضناه في مقام لا يمكن التعويل عليه (1) لحصول أمارة
على خلافه (2)، فإن بلغت قوة الظن حدا يلحقه بالقسم الأول - وهو
ما اقتضى العادة تغيره - لم يجز البيع، وإلا جاز مع ذكر تلك الصفات،
لا بدونه، لأنه لا ينقص عن الغائب الموصوف الذي يجوز بيعه بصفات
لم يشاهد عليها، بل يمكن القول بالصحة في القسم الأول إذا لم يفرض
كون ذكر الصفات مع اقتضاء العادة عدمها لغوا. لكن هذا كله خارج
عن البيع بالرؤية القديمة.
وكيف كان، فإذا باع أو اشترى برؤية قديمة فانكشف التغير تخير
المغبون - وهو البائع إن تغير (3) إلى صفات زادت في ماليته، والمشتري
إن نقصت عن تلك الصفات - لقاعدة " الضرر "، ولأن الصفات المبني
عليها في حكم الصفات المشروطة، فهي من قبيل تخلف الشرط، كما
أشار إليه في نهاية الإحكام والمسالك بقولهما: الرؤية بمثابة الشرط في
الصفات الكائنة في المرئي، فكل ما فات منها فهو بمثابة التخلف في
الشرط (4)، انتهى.
وتوهم: أن الشروط إذا لم تذكر في متن العقد لا عبرة بها،
فما (5) نحن فيه من قبيل ما لم يذكر من الشروط في متن العقد، مدفوع:

(1) في غير " ش ": " عليها "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(2) في غير " ش ": " خلافها "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(3) في " ف " ومصححة " ن ": تغيرت.
(4) نهاية الإحكام 2: 501، المسالك 3: 178.
(5) في مصححة " ن ": وما.
272

بأن الغرض من ذكر الشروط في العقد صيرورتها مأخوذة فيه حتى
لا يكون العمل بالعقد بدونها وفاء بالعقد. والصفات المرئية سابقا حيث
إن البيع لا يصح إلا مبنيا عليها كانت (1) دخولها في العقد أولى من
دخول الشرط المذكور على وجه الشرطية، ولذا لو لم يبن البيع عليها
ولم يلاحظ وجودها في البيع كان البيع باطلا، فالذكر اللفظي إنما يحتاج
إليه في شروط خارجة لا يجب ملاحظتها في العقد.
واحتمل في نهاية الإحكام البطلان (2). ولعله لأن المضي على البيع
وعدم نقضه عند تبين الخلاف إن كان وفاء بالعقد وجب، فلا خيار.
وإن لم يكن وفاء لم يدل دليل على جوازه. وبعبارة أخرى: العقد إذا
وقع على الشئ الموصوف انتفى متعلقه بانتفاء صفته، وإلا فلا وجه
للخيار مع أصالة اللزوم.
ويضعفه: أن الأوصاف الخارجة عن حقيقة المبيع إذا اعتبرت فيه
عند البيع - إما ببناء العقد عليها، وإما بذكرها في متن العقد - لا تعد (3)
مقومات للعقد كما أنها ليست (4) مقومات المبيع، ففواتها فوات حق
للمشتري ثبت بسببه الخيار، دفعا لضرر الالتزام بما لم يقدم عليه. وتمام
الكلام في باب الخيارات إن شاء الله.

(1) في مصححة " ن ": كان.
(2) نهاية الإحكام 2: 501.
(3) في " ش " زيادة: " من ".
(4) في " ش " زيادة: " من ".
273

فرعان:
الأول
لو اختلفا في التغيير (1) فادعاه المشتري، ففي المبسوط (2) والتذكرة (3)
والإيضاح (4) والدروس (5) وجامع المقاصد (6) والمسالك (7):
تقديم قول
المشتري، لأن يده على الثمن، كما في الدروس (8)، وهو راجع إلى ما في
المبسوط (9) والسرائر (10): من أن المشتري هو الذي ينتزع منه الثمن، ولا
ينتزع منه إلا بإقراره أو بينة (11) تقوم عليه، انتهى.
وتبعهما (12) العلامة أيضا في صورة الاختلاف في أوصاف المبيع

(1) كذا في النسخ، والظاهر: " التغير " كما في مصححة " ن ".
(2) المبسوط 2: 77.
(3) التذكرة 1: 468.
(4) إيضاح الفوائد 1: 432.
(5) الدروس 3: 199.
(6) جامع المقاصد 4: 109.
(7) المسالك 3: 178.
(8) الدروس 3: 199.
(9) المبسوط 2: 77.
(10) السرائر 2: 243.
(11) في " م "، " ع "، " ص " و " ش ": ببينة.
(12) في غير " ف ": " تبعه "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
274

الموصوف إذا لم يسبقه رؤية (1)، حيث تمسك بأصالة براءة ذمة المشتري
من الثمن، فلا يلزمه ما لم يقر به أو يثبت (2) بالبينة.
ولأن البائع يدعي علمه بالمبيع على هذا الوصف الموجود والرضا
به، والأصل عدمه كما في التذكرة (3).
ولأن الأصل عدم وصول حقه إليه كما في جامع المقاصد (4).
ويمكن أن يضعف الأول: بأن يد المشتري على الثمن بعد اعترافه
بتحقق الناقل الصحيح يد أمانة، غاية الأمر أنه يدعي سلطنته على
الفسخ فلا ينفع تشبثه باليد. إلا أن يقال: إن وجود الناقل لا يكفي في
سلطنة البائع على الثمن، بناء على ما ذكره العلامة في أحكام الخيار من
التذكرة، ولم ينسب خلافه إلا إلى بعض الشافعية، من عدم وجوب
تسليم الثمن والمثمن في مدة الخيار وإن تسلم الآخر (5)، وحينئذ فالشك
في ثبوت الخيار يوجب الشك في سلطنة البائع على أخذ الثمن، فلا
مدفع لهذا الوجه إلا أصالة عدم سبب الخيار لو تم، كما سيجئ.
والثاني (6) - مع معارضته بأصالة عدم علم المشتري بالمبيع على
وصف آخر حتى يكون حقا له يوجب الخيار -: بأن الشك في علم

(1) في غير " ف ": " برؤية "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(2) في غير " ش ": " ثبت "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(3) التذكرة 1: 467 - 468.
(4) جامع المقاصد 4: 109.
(5) التذكرة 1: 537.
(6) عطف على قوله: ويضعف الأول.
275

المشتري بهذا الوصف وعلمه بغيره مسبب عن الشك في وجود غير
هذا الوصف سابقا، فإذا انتفى غيره بالأصل الذي يرجع إليه أصالة
عدم تغير المبيع لم يجر أصالة عدم علمه بهذا الوصف.
والثالث: بأن حق المشتري من نفس العين قد وصل إليه قطعا،
ولذا يجوز له إمضاء العقد، وثبوت حق له من حيث الوصف المفقود
غير ثابت، فعليه الإثبات، والمرجع أصالة لزوم العقد. ولأجل ما ذكرنا
قوى بعض (1) تقديم قول البائع.
هذا، ويمكن بناء المسألة على أن بناء المتبائعين حين العقد على
الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة هل هو كاشتراطها في العقد، فهي
كشروط مضمرة في نفس المتعاقدين - كما عرفت (2) عن النهاية
والمسالك - ولذا لا يحصل من فقدها إلا خيار لمن اشترطت له ولا
يلزم بطلان العقد، أو أنها مأخوذة في نفس المعقود عليه، بحيث يكون
المعقود عليه هو الشئ المقيد، ولذا لا يجوز إلغاؤها في المعقود عليه كما
يجوز إلغاء غيرها من الشروط؟
فعلى الأول: يرجع النزاع في التغير وعدمه إلى النزاع في اشتراط
خلاف هذا الوصف الموجود على البائع وعدمه، والأصل مع البائع.
وبعبارة أخرى: النزاع في أن العقد وقع على الشئ الملحوظ فيه
الوصف المفقود، أم لا (3)؟ لكن الإنصاف: أن هذا البناء في حكم

(1) قواه صاحب الجواهر في الجواهر 22: 431.
(2) راجع الصفحة 272.
(3) في " ف " بدل " أم لا ": وعدمه.
276

الاشتراط من حيث ثبوت الخيار، لكنه ليس شيئا مستقلا حتى يدفع
عند الشك بالأصل، بل المراد به إيقاع العقد على العين الملحوظ كونه
متصفا (1) بهذا الوصف، وليس هنا عقد على العين والتزام بكونه متصفا (2)
بذلك الوصف، فهو قيد ملحوظ في المعقود عليه نظير الأجزاء، لا شرط
ملزم (3) في العقد، فحينئذ يرجع النزاع إلى وقوع العقد على ما ينطبق
على الشئ الموجود حتى يلزم الوفاء وعدمه، والأصل عدمه.
ودعوى: معارضته بأصالة عدم وقوع العقد على العين المقيدة
بالوصف المفقود ليثبت الجواز، مدفوعة: بأن عدم وقوع العقد على العين
المقيدة لا يثبت جواز العقد الواقع إلا بعد إثبات وقوع العقد على العين
الغير المقيدة بأصالة عدم وقوع العقد على المقيدة، وهو غير جائز كما
حقق في الأصول (4).
وعلى الثاني (5): يرجع النزاع إلى وقوع العقد (6) والتراضي على
الشئ المطلق بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود وعدمه،

(1) كذا، والمناسب: كونها متصفة.
(2) كذا، والمناسب: بكونها متصفة.
(3) في مصححة " ن ": ملتزم.
(4) حقق ذلك في مبحث الأصل المثبت، في التنبيه السادس من تنبيهات الاستصحاب.
(5) وهو أن تكون الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة مأخوذة في نفس المعقود
عليه.
(6) قال المامقاني قدس سره: قوله: " على ما ينطبق على الشئ الموجود - إلى
قوله -: إلى وقوع العقد " مضروب عليه [أي مشطوب عليه] في نسخة
المصنف رحمه الله، (غاية الآمال: 471)، ولم ترد هذه الفقرة في " ف ".
277

والأصل مع المشتري.
ودعوى: معارضته بأصالة عدم وقوع العقد على الشئ الموصوف
بالصفة المفقودة، مدفوعة: بأنه لا يلزم من عدم تعلقه بذاك تعلقه بهذا
حتى يلزم على المشتري الوفاء به، فإلزام المشتري بالوفاء بالعقد
موقوف على ثبوت تعلق العقد بهذا، وهو غير ثابت والأصل عدمه،
وقد تقرر في الأصول: أن نفي أحد الضدين بالأصل (1) لا يثبت الضد
الآخر (2) ليترتب عليه حكمه.
وبما ذكرنا يظهر فساد التمسك بأصالة اللزوم، حيث إن المبيع ملك
المشتري، والثمن ملك البائع اتفاقا، وإنما اختلافهما في تسلط المشتري
على الفسخ، فينفي بما تقدم من قاعدة اللزوم.
توضيح الفساد: أن الشك في اللزوم وعدمه من حيث الشك في
متعلق العقد، فإنا نقول: الأصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود حتى
يثبت اللزوم، وهو وارد على أصالة اللزوم (3).
والحاصل: أن هنا أمرين:
أحدهما: عدم تقييد (4) متعلق العقد بذلك الوصف المفقود وأخذه
فيه. وهذا الأصل ينفع في عدم الخيار، لكنه غير جار، لعدم الحالة
السابقة.

(1) لم ترد " بالأصل " في " ف ".
(2) تقرر ذلك في مبحث الأصل المثبت.
(3) عبارة " وهو وارد على أصالة اللزوم " لم ترد في " ف ".
(4) في " ف ": أحدهما: الشك في تقييد.
278

والثاني: عدم وقوع العقد على الموصوف بذاك الوصف المفقود.
وهذا جار غير نافع، نظير الشك في كون الماء المخلوق (1) دفعة كرا من
أصله، فإن أصالة عدم كريته نافعة غير جارية، وأصالة عدم وجود
الكر جارية غير نافعة في ترتب آثار القلة على الماء المذكور، فافهم
واغتنم.
وبما ذكرنا يظهر حال التمسك بالعمومات المقتضية للزوم العقد
الحاكمة على الأصول العملية المتقدمة، مثل ما دل على حرمة أكل المال
إلا أن تكون تجارة عن تراض (2)، وعموم: " لا (3) يحل مال امرئ
مسلم إلا عن طيب نفسه " (4)، وعموم: " الناس مسلطون على
أموالهم " (5)، بناء على أنها تدل على عدم تسلط المشتري على استرداد
الثمن من البائع، لأن المفروض صيرورته ملكا له (6)، إذ لا يخفى عليك
أن هذه العمومات مخصصة قد خرج عنها بحكم أدلة الخيار المال الذي
لم يدفع عوضه الذي وقع المعاوضة عليه إلى المشتري، فإذا شك في
ذلك فالأصل عدم دفع العوض. وهذا هو الذي تقدم: من أصالة عدم
وصول حق المشتري إليه، فإن عدم وصول حقه إليه يثبت موضوع

(1) في نسخة بدل " خ "، " م "، " ع " و " ش ": الخاص.
(2) كآية 29 من سورة النساء.
(3) في غير " ف ": ولا.
(4) عوالي اللآلي 2: 113، الحديث 309.
(5) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.
(6) لم ترد " له " في " ف " و " ش ".
279

خيار تخلف الوصف.
فإن قلت: لا دليل على كون الخارج من العمومات المذكورة
معنونا بالعنوان المذكور، بل نقول: قد خرج من تلك العمومات المال
الذي وقع المعاوضة بينه وبين ما لم ينطبق على المدفوع، فإذا شك في
ذلك فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة.
قلت: السبب في الخيار وسلطنة المشتري على فسخ العقد وعدم
وجوب الوفاء به عليه هو عدم كون العين الخارجية (1) منطبقة على ما
وقع العقد عليه. وبعبارة أخرى: هو عدم وفاء البائع بالعقد بدفع
العنوان الذي وقع العقد عليه إلى المشتري، لا وقوع العقد على ما لا (2)
يطابق العين الخارجية.
كما أن السبب في لزوم العقد تحقق مقتضاه: من انتقال العين
بالصفات التي وقع العقد عليها إلى ملك المشتري.
والأصل موافق للأول، ومخالف للثاني. مثلا إذا وقع العقد على
العين على أنها سمينة فبانت مهزولة، فالموجب للخيار هو: أنه لم ينتقل
إليه في الخارج ما عقد عليه وهو السمين، لا وقوع العقد على السمين،
فإن ذلك لا يقتضي الجواز، وإنما المقتضي للجواز عدم انطباق العين
الخارجية على متعلق العقد، ومن المعلوم أن عدم الانطباق هو المطابق

(1) في النسخ: الخارجة.
(2) في غير " ف ": على ما يطابق، وزيدت " لا " في أكثر النسخ تصحيحا، قال
المامقاني قدس سره: والظاهر أن كلمة " لا " سقطت من قلم الناسخين، (غاية
الآمال: 471).
280

للأصل عند الشك.
فقد تحقق مما ذكرنا: صحة ما تقدم: من أصالة عدم وصول
حق المشتري إليه، وكذا صحة ما في التذكرة: من أصالة عدم التزام
المشتري بتملك هذا الموجود حتى يجب الوفاء بما ألزم (1).
نعم ما في المبسوط (2) والسرائر (3) والدروس (4): من أصالة بقاء يد
المشتري على الثمن، كأنه لا يناسب أصالة اللزوم بل يناسب أصالة
الجواز عند الشك في لزوم العقد، كما يظهر من المختلف في باب السبق
والرماية (5). وسيأتي تحقيق الحال في باب الخيار.
وأما دعوى ورود أصالة عدم تغير المبيع على الأصول المذكورة،
لأن الشك فيها مسبب عن الشك في تغير المبيع، فهي مدفوعة - مضافا
إلى منع جريانه فيما إذا علم بالسمن قبل المشاهدة فاختلف في زمان
المشاهدة، كما إذا علم بكونها سمينة وأنها صارت مهزولة، ولا يعلم
أنها في زمان المشاهدة كانت باقية على السمن أو لا، فحينئذ مقتضى
الأصل تأخر الهزال عن المشاهدة، فالأصل تأخر التغير، لا عدمه

(1) في مصححة " ن ": بما التزم، هذا ولم نعثر عليه في التذكرة، ولعله ينظر إلى
ما تقدم عن التذكرة في الصفحة 275.
(2) المبسوط 2: 77.
(3) السرائر 2: 243.
(4) الدروس 3: 199.
(5) راجع المختلف 6: 255، وفيه - بعد نقل القولين من الجواز واللزوم -:
والوجه، الأول، لنا: الأصل عدم اللزوم.
281

الموجب للزوم العقد -: بأن (1) مرجع أصالة عدم تغير المبيع إلى عدم
كونها حين المشاهدة سمينة، ومن المعلوم: أن هذا بنفسه لا يوجب لزوم
العقد، نظير أصالة عدم وقوع العقد على السمين.
نعم، لو ثبت بذلك الأصل هزالها عند المشاهدة وتعلق العقد
بالمهزول ثبت لزوم العقد، ولكن الأصول العدمية في مجاريها لا تثبت
وجود أضدادها.
هذا كله مع دعوى المشتري النقص الموجب للخيار.
ولو ادعى البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع، فمقتضى ما ذكرنا في
طرف المشتري تقديم قول البائع، لأن الأصل عدم وقوع العقد على
هذا الموجود حتى يجب عليه الوفاء به.
وظاهر عبارة اللمعة تقديم قول المشتري هنا (2). ولم يعلم وجهه.

(1) كذا في " ص " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: أن.
(2) انظر اللمعة الدمشقية: 113، وفيها: " ولو اختلفا في التغير قدم قول
المشتري مع يمينه ". ونسبه في الروضة (3: 271) إلى إطلاق العبارة.
282

[الفرع] (1) الثاني
لو اتفقا على التغير بعد المشاهدة، ووقوع العقد على الوصف
المشاهد،
واختلفا في تقدم التغير على البيع ليثبت الخيار، وتأخره عنه
على وجه لا يوجب الخيار، تعارض كل من أصالة عدم تقدم البيع
والتغير على صاحبه.
وحيث إن مرجع الأصلين إلى أصالة عدم وقوع البيع حال
السمن مثلا، وأصالة بقاء السمن، وعدم وجود الهزال حال البيع
- والظاهر أنه لا يترتب على شئ منهما الحكم بالجواز أو (2) اللزوم،
لأن اللزوم من أحكام وصول ما عقد عليه وانتقاله إلى المشتري،
وأصالة بقاء السمن لا يثبت وصول السمين، كما أن أصالة عدم وقوع
البيع حال السمن لا ينفيه - فالمرجع إلى أصالة عدم وصول حق
المشتري إليه كما في المسألة السابقة، إلا أن الفرق بينهما هو: أن الشك
في وصول الحق هناك ناش عن الشك في نفس الحق، وهنا ناش عن
الشك في وصول الحق المعلوم.
وبعبارة أخرى: الشك هنا في وصول الحق، وهناك في حقية (3)
الواصل، ومقتضى الأصل في المقامين عدم اللزوم.

(1) تقدم الأول في الصفحة 274.
(2) في " ف " و " ش " بدل " أو ": و.
(3) كذا في " ف " و " ن "، وفي سائر النسخ: حقه.
283

ومن ذلك يعلم الكلام فيما لو كان مدعي الخيار هو البائع، بأن
اتفقا على مشاهدته مهزولا ووقوع العقد على المشاهد وحصل السمن،
واختلفا في تقدمه على البيع ليثبت الخيار للبائع، فافهم وتدبر، فإن
المقام لا يخلو عن إشكال واشتباه.
ولو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما يكفي في قبضه التخلية،
واختلفا في تقدم التلف على البيع وتأخره، فالأصل بقاء ملك المشتري
على الثمن، لأصالة عدم تأثير البيع.
وقد يتوهم جريان أصالة صحة البيع هنا، للشك في بعض
شروطه، وهو وجود المبيع.
وفيه: أن صحة العقد عبارة عن كونه بحيث يترتب عليه الأثر
شرعا، فإذا فرضنا أنه عقد على شئ معدوم في الواقع فلا تأثير له
عقلا في تمليك العين، لأن تمليك المعدوم لا على قصد تمليكه عند
الوجود، ولا على قصد تمليك بدله مثلا أو قيمته (1) غير معقول. ومجرد
إنشائه باللفظ لغو عرفا، يقبح مع العلم دون الجهل بالحال، فإذا شككنا
في وجود العين حال العقد فلا يلزم من الحكم بعدمه فعل فاسد من
المسلم، لأن التمليك الحقيقي غير متحقق، والصوري وإن تحقق لكنه ليس
بفاسد، إذ اللغو فاسد عرفا - أي قبيح - إذا صدر عن علم (2) بالحال.
وبالجملة، الفاسد شرعا الذي تنزه (3) عنه فعل المسلم هو التمليك

(1) كذا، والظاهر: قيمة.
(2) كذا في " ف " و " ش "، وفي " خ " و " ص " ومصححة سائر النسخ: عمن
علم.
(3) في مصححة " ن ": ينزه.
284

الحقيقي المقصود الذي لم يمضه الشارع.
فافهم هذا، فإنه قد غفل عنه بعض (1) في مسألة الاختلاف في
تقدم (2) بيع الراهن على رجوع المرتهن عن إذنه في البيع وتأخره (3) عنه،
حيث تمسك بأصالة صحة الرجوع عن الإذن، لأن الرجوع لو وقع بعد
بيع الراهن كان فاسدا، لعدم مصادفته محلا يؤثر فيه.
نعم، لو تحققت قابلية التأثير عقلا وتحقق (4) الإنشاء الحقيقي عرفا
- ولو فيما إذا باع بلا ثمن، أو باع ما هو غير مملوك كالخمر والخنزير
وكالتالف شرعا كالغريق والمسروق، أو معدوم قصد تملكه عند وجوده
كالثمرة المعدومة، أو قصد تمليك بدله مثلا أو قيمة، كما لو باع ما أتلفه
زيد على عمرو، أو صالحه إياه بقصد حصول أثر الملك في بدله - تحقق
مورد الصحة والفساد، فإذا حكم بفساد شئ من ذلك ثم شك في أن
العقد الخارجي منه أم من الصحيح، حمل على الصحيح.

(1) راجع الجواهر 25: 267.
(2) في " ف ": تقديم.
(3) كذا في مصححة " ن "، وفي النسخ: تأخيره.
(4) في غير " ف ": أو تحقق.
285

مسألة
لا بد من اختبار الطعم واللون والرائحة فيما يختلف قيمته
باختلاف ذلك، كما في كل وصف يكون كذلك، إذ لا فرق في توقف
رفع الغرر على العلم، بين هذه الأوصاف وبين تقدير العوضين بالكيل
والوزن والعد.
ويغني الوصف عن الاختبار فيما ينضبط من الأوصاف، دون ما
لا ينضبط، كمقدار الطعم والرائحة واللون وكيفياتها، فإن ذلك مما لا
يمكن ضبطه إلا باختبار شئ من جنسه، ثم الشراء على ذلك النحو من
الوصف، مثل أن يكون الأعمى قد رأى قبل العمى لؤلؤة، فبيع منه
لؤلؤة أخرى على ذلك الوصف. وكذا الكلام في الطعم والرائحة لمن كان
مسلوب الذائقة والشامة.
نعم، لو لم يرد من اختبار الأوصاف إلا استعلام صحته وفساده،
جاز شراؤها بوصف الصحة، كما في الدبس والدهن مثلا، فإن المقصود
من طعمهما ملاحظة عدم فسادهما. بخلاف بعض أنواع الفواكه والروائح
التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها ورائحتها، ولا يقصد من اختبار
أوصافها ملاحظة صحتها وفسادها.
287

وإطلاق كلمات الأصحاب (1) في جواز شراء ما يراد طعمه
ورائحته بالوصف محمول على ما إذا أريد الأوصاف التي لها مدخل في
الصحة، لا الزائدة على الصحة التي يختلف بها القيمة (2)، بقرينة تعرضهم
بعد هذا لبيان جواز شرائها من دون اختبار ولا وصف، بناء على
أصالة الصحة.
وكيف كان، فقد قوى في السرائر عدم الجواز أخيرا بعد اختيار
جواز بيع ما ذكرنا بالوصف، وفاقا للمشهور المدعى عليه الاجماع في
الغنية (3). قال: يمكن أن يقال: إن بيع العين المشاهدة المرئية لا يجوز أن
يكون بالوصف، لأنه غير غائب فيباع مع خيار الرؤية بالوصف، فإذا
لا بد من شمه وذوقه، لأنه حاضر مشاهد غير غائب يحتاج إلى
الوصف، وهذا قوي (4)، انتهى.
ويضعفه: أن المقصود من الاختبار رفع الغرر، فإذا فرض رفعه
بالوصف كان الفرق بين الحاضر والغائب تحكما. بل الأقوى جواز بيعه
من غير اختبار ولا وصف، بناء على أصالة الصحة، وفاقا للفاضلين (5)

(1) منهم المحقق في الشرائع 2: 19، والعلامة في القواعد 1: 126، والشهيد في
الدروس 3: 198، وانظر مفتاح الكرامة 4: 231.
(2) كذا في " خ " و " م " و " ع " و " ص " و " ش "، وفي " ف " بدل " القيمة ":
" مراتب الصحيح "، وفي " ن " جمع بينهما وصححت العبارة هكذا: " يختلف بها
قيمة مراتب الصحيح "، وفي نسخة بدل " م " و " ع " و " ص ": مراتب الصحيح.
(3) الغنية: 211.
(4) السرائر 2: 331.
(5) الشرائع 2: 19، والقواعد 1: 126.
288

ومن تأخر عنهما (1)، لأنه إذا كان المفروض ملاحظة الوصف من جهة
دوران الصحة معه، فذكره في الحقيقة يرجع إلى ذكر وصف الصحة،
ومن المعلوم أنه غير معتبر في البيع إجماعا، بل يكفي بناء المتعاقدين
عليه إذا لم يصرح البائع بالبراءة من العيوب.
وأما رواية محمد بن العيص: " عن الرجل يشتري ما يذاق،
أيذوقه قبل أن يشتري؟ قال: نعم فليذقه، ولا يذوقن ما لا يشتري " (2).
فالسؤال فيها عن جواز الذوق، لا عن وجوبه.
ثم إنه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة إلى المفيد والقاضي
وسلار وأبي الصلاح وابن حمزة.
قال في المقنعة: كل شئ من المطعومات والمشمومات يمكن
للإنسان اختباره من غير إفساد له - كالأدهان المختبرة بالشم وصنوف
الطيب والحلوات المذوقة - فإنه لا يصح بيعه بغير اختباره (3)، فإن ابتيع
بغير اختبار كان البيع باطلا، والمتبايعان فيه (4) بالخيار (5) فإن تراضيا

(1) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 1: 427، والشهيدان في الدروس 3:
998، والمسالك 3: 179 وغيرهم، راجع مفتاح الكرامة 4: 232.
(2) الوسائل 12: 279، الباب 25 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الأول.
(3) في " ش ": بغير اختبار.
(4) في " ش ": فيها.
(5) إلى هنا كلام المفيد قدس سره، راجع المقنعة: 609، ولم نعثر على ما بعده فيها،
نعم نقله العلامة في المختلف (5: 560) بلفظ: " قال الشيخان "، وقال السيد
العاملي في مفتاح الكرامة بعد نقل ما في المقنعة: " ومثله عبارة النهاية حرفا
بحرف... "، وزاد بعد قوله: " والمتبايعان فيه بالخيار ": " فإن تراضيا بذلك لم
يكن به بأس "، راجع مفتاح الكرامة 4: 232.
289

بذلك لم يكن به بأس، انتهى (1).
وعن القاضي: أنه لا يجوز بيعه إلا بعد أن يختبر، فإن بيع من
غير اختبار كان المشتري مخيرا في رده له على البائع (2).
والمحكي عن سلار وأبي الصلاح وابن حمزة: إطلاق القول بعدم
صحة البيع من غير اختبار في ما لا يفسده الاختبار (3) من غير
تعرض لخيار للمتبايعين (4) كالمفيد، أو للمشتري كالقاضي.
ثم المحكي عن المفيد وسلار: أن ما يفسده الاختبار يجوز بيعه
بشرط الصحة (5).
وعن النهاية والكافي: أن بيعه جائز على شرط الصحة أو البراءة
من العيوب (6).
وعن القاضي: لا يجوز بيعه إلا بشرط الصحة أو البراءة من العيوب (7).
قال في محكي المختلف - بعد ذكر عبارة القاضي -: إن هذه العبارة
توهم اشتراط أحد القيدين: إما الصحة أو البراءة من العيوب، وليس

(1) لم ترد " انتهى " في " ف ".
(2) حكاه عنه العلامة في المختلف 5: 260، ولم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب القاضي.
(3) حكاه العلامة في المختلف 5: 260، وانظر المراسم: 180، والكافي في الفقه:
354، والوسيلة: 246.
(4) في " ش ": لخيار المتبائعين.
(5) حكاه العلامة في المختلف 5: 262، وانظر المقنعة: 609 - 610، والمراسم: 180.
(6) حكاه العلامة أيضا في المختلف 5: 263، وانظر النهاية: 404، والكافي في
الفقه: 354.
(7) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب القاضي وحكاه العلامة أيضا في المختلف 5: 263.
290

بجيد، بل الأولى انعقاد البيع، سواء شرط أحدهما أو خلى (1) عنهما أو
شرط العيب. والظاهر أنه إنما صار إلى الإبهام من عبارة الشيخين (2)،
حيث قالا: إنه جاز على شرط الصحة أو بشرط الصحة. ومقصودهما:
أن البيع بشرط الصحة أو على شرط الصحة جائز، لا أن جوازه
مشروط بالصحة أو البراءة (3)، انتهى.
أقول: ولعله لنكتة بيان أن مطلب الشيخين ليس وجوب ذكر
الوصف في العقد (4) عبر في القواعد فيما يفسده الاختبار بقوله: " جاز (5)
بشرط (6) الصحة " (7)،
لكن الإنصاف أن الظاهر من عبارتي المقنعة
والنهاية ونحوهما هو اعتبار ذكر الصحة في العقد، كما يظهر بالتدبر في
عبارة المقنعة من أولها إلى آخرها (8)، وعبارة النهاية - هنا - هي عبارة
المقنعة بعينها، فلاحظ (9).
وظاهر الكل - كما ترى - اعتبار خصوص الاختبار فيما لا يفسده،

(1) كذا، وفي المصدر: أخلاه.
(2) العبارة في المصدر هكذا: وإنما صار إلى هذا الإبهام عبارة الشيخين.
(3) المختلف 5: 263.
(4) في غير " ف " زيادة: " كما "، وقد محيت في " ن ".
(5) في هامش " ن " زيادة: بيعه.
(6) في غير " ف " و " ن ": شرط.
(7) القواعد 1: 126.
(8) انظر المقنعة: 609 - 610.
(9) راجع النهاية: 404.
291

كما تقدم من الحلي (1).
فلا يكفي ذكر الأوصاف، فضلا عن الاستغناء عنها بأصالة
السلامة. ويدل عليه: أن هؤلاء اشترطوا في ظاهر عبائرهم المتقدمة
اشتراط الوصف أو السلامة من العيوب فيما يفسده الاختبار، وإن فهم
في المختلف خلاف ذلك. لكن قدمنا ما فيه.
فينبغي أن يكون كلامهم في الأمور التي لا تنضبط خصوصية
طعمها وريحها بالوصف. والظاهر أن ذلك في غير الأوصاف التي يدور
عليها السلامة من العيب، إلا أن تخصيصهم (2) الحكم بما لا يفسده
الاختبار كالشاهد (3) على أن المراد بالأوصاف التي لا يفسد اختبارها ما
هو مناط السلامة، كما أن مقابله وهو ما يفسد الشئ باختباره
- كالبيض والبطيخ - كذلك غالبا. ويؤيده حكم القاضي بخيار المشتري (4).
وكيف كان، فإن كان مذهبهم تعيين الاختبار فيما لا ينضبط
بالأوصاف، فلا خلاف معهم منا ولا من الأصحاب.
وإن كان مذهبهم موافقا للحلي (5) بناء على إرادة الأوصاف التي
بها قوام السلامة من العيب، فقد عرفت أنه ضعيف في الغاية (6).

(1) تقدم في الصفحة 288.
(2) في " ف ": إلا أن يخصص.
(3) في غير " ن " و " ص ": كالمشاهد.
(4) راجع الصفحة 289.
(5) كذا في أكثر النسخ، وفي " ف " وهامش " م ": " للمشهور "، وفي " خ "
و " ع ": للمحكي.
(6) راجع الصفحة 288 - 289.
292

وإن كان مذهبهم عدم كفاية البناء على أصالة السلامة عن
الاختبار والوصف وإن كان ذكر الوصف كافيا عن الاختبار، فقد
عرفت: أن الظاهر من حالهم وحال غيرهم عدم التزام ذكر الأوصاف
الراجعة إلى السلامة من العيوب في بيع الأعيان الشخصية.
ويمكن أن يقال - بعد منع جريان أصالة السلامة في الأعيان،
لعدم الدليل عليها، لا من بناء العقلاء إلا فيما إذا كان الشك في طرو
المفسد،
مع أن الكلام (1) في كفاية أصالة السلامة عن ذكر الأوصاف
أعم، ولا من الشرع، لعدم الدليل عليه -: إن السلامة من العيب
الخاص متى ما كانت مقصودة على جهة الركنية للمال - كالحلاوة في
الدبس، والرائحة في الجلاب، والحموضة في الخل، وغير ذلك مما
يذهب بذهابه معظم المالية - فلا بد في دفع الغرر من إحراز السلامة
من هذا العيب الناشئ من عدم هذه الصفات، وحيث فرض عدم
اعتبار أصالة السلامة، فلا بد من الاختبار أو الوصف أو الاعتقاد (2)
بوجودها لأمارة عرفية مغنية عن الاختبار والوصف. ومتى ما كانت
مقصودة لا على هذا الوجه لم يجب إحرازها.
نعم، لما كان الإطلاق منصرفا إلى الصحيح جاء الخيار عند تبين العيب،
فالخيار من جهة الانصراف نظير انصراف الإطلاق إلى النقد لا النسيئة،
وانصراف إطلاق الملك في المبيع إلى غير مسلوب المنفعة مدة يعتد بها،
لا من جهة الاعتماد في إحراز الصحة والبناء عليها على أصالة السلامة.

(1) في هامش " ن ": والكلام - خ.
(2) في " ف ": الاعتماد.
293

وبعبارة أخرى: الشك في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر،
ككون الجارية ممن لا تحيض في سن الحيض، ومثل هذا لا يعتبر إحراز
السلامة عنه. وقد يستلزمه، ككون الجارية خنثى وكون الدابة لا تستطيع
المشي أو الركوب والحمل عليها، وهذه مما يعتبر إحراز السلامة عنها،
وحيث فرض عدم إحرازها بالأصل، فلا بد من الاختبار أو الوصف.
هذا، ويؤيد ما ذكرنا من التفصيل: أن بعضهم - كالمحقق في النافع (1)
والعلامة في القواعد (2) - عنون المسألة بما كان المراد طعمه أو ريحه.
هذا، ولكن الإنصاف أن مطلق العيب إذا التفت إليه المشتري
وشك فيه، فلا بد في رفع الغرر من إحراز السلامة عنه إما بالاختبار،
وإما بالوصف، وإما بالإطلاق إذا فرض قيامه مقام الوصف إما لأجل
الانصراف وإما لأصالة السلامة، من غير تفرقة بين العيوب أصلا.
فلا بد إما من كفاية الإطلاق في الكل، للأصل والانصراف، وإما
من عدم كفايته في الكل، نظرا إلى أنه لا يندفع به الغرر إلا إذا حصل
منه الوثوق، حتى أنه لو شك في أن هذا العبد صحيح أو أنه أجذم لم
يجز البناء على أصالة السلامة إذا لم يفد الوثوق، بل لا بد من الاختبار
أو وصف كونه غير أجذم.
وهذا وإن كان لا يخلو عن وجه، إلا أنه مخالف لما يستفاد من
كلماتهم - في غير موضع -: من عدم وجوب اختبار غير ما يراد طعمه
أو ريحه من حيث سلامته من العيوب وعدمها.

(1) المختصر النافع: 119.
(2) القواعد 1: 126.
294

مسألة
يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون اختبار إجماعا على
الظاهر، والأقوى عدم اعتبار اشتراط الصحة في العقد وكفاية الاعتماد
على أصالة السلامة كما فيما لا يفسده الاختبار (1). خلافا لظاهر جماعة
تقدم ذكرهم (2) من اعتبار اشتراط الصحة أو البراءة من العيوب أو
خصوص أحدهما.
وقد عرفت تأويل العلامة في المختلف لعبارتي المقنعة والنهاية
الظاهرتين في ذلك وإرجاعهما إلى ما أراده من قوله في القواعد: " جاز
بيعه بشرط الصحة ": من أنه مع الصحة يمضي البيع، ولا معها يتخير
المشتري (3).
وعرفت أن هذا التأويل مخالف للظاهر، حتى أن قوله في القواعد

(1) في " ف " وهامش " خ " زيادة ما يلي: وفاقا لكل من قال بعدم اعتبار
الاختبار أو الوصف في ما لا يفسده الاختبار.
(2) تقدم ذكرهم في الصفحات 290 - 291.
(3) راجع الصفحة 290.
295

ظاهر في اعتبار شرط الصحة، ولذا قال في جامع المقاصد: وكما يجوز
بيعه بشرط الصحة يجوز بيعه مطلقا (1).
وكيف كان، فإذا تبين فساد المبيع، فإن كان قبل التصرف فيه
بالكسر ونحوه، فإن كان لفاسده قيمة - كبيض النعامة والجوز - تخير بين
الرد والأرش. ولو فرض بلوغ الفساد إلى حيث لا يعد الفاسد من
أفراد ذلك الجنس عرفا - كالجوز الأجوف الذي لا يصلح إلا للإحراق
- فيحتمل قويا بطلان البيع. وإن لم يكن لفاسده قيمة تبين بطلان البيع،
لوقوعه على ما ليس بمتمول.
وإن كان تبين الفساد بعد الكسر، ففي الأول يتعين (2) الأرش
خاصة، لمكان التصرف.
ويظهر من المبسوط قول بأنه لو كان تصرفه على قدر يستعلم به
فساد المبيع لم يسقط الرد، و (3) المراد بالأرش: تفاوت ما بين صحيحه
وفاسده الغير المكسور، لأن الكسر نقص حصل في يد المشتري (4).
ومنه يعلم ثبوت الأرش أيضا ولو لم يكن لمكسوره قيمة، لأن
العبرة في التمول بالفاسد الغير المكسور، ولا عبرة بخروجه بالكسر عن
التمول.
ويبطل البيع في الثاني - أعني ما لم يكن لفاسده قيمة - وفاقا

(1) جامع المقاصد 4: 95.
(2) في " ن " و " ص ": تعين.
(3) في " ن " زيادة: " أن "، تصحيحا.
(4) راجع المبسوط 2: 135.
296

للمبسوط (1) والسرائر (2)، (3) وظاهر من تأخر عنهما (4).
وظاهرهم بطلان
البيع من رأس، كما صرح به الشيخ (5) والحلي (6) والعلامة في التذكرة (7)،
مستدلين بوقوعه على ما لا قيمة له، كالحشرات. وهو صريح جملة ممن
تأخر عنهم (8) وظاهر آخرين عدا الشهيد في الدروس، فإن ظاهره
انفساخ البيع من حين (9) تبين الفساد لا من أصله، وجعل الثاني احتمالا
ونسبه إلى ظاهر الجماعة (10). ولم يعلم وجه ما اختاره، ولذا نسب في
الروضة خلافه إلى الوضوح (11).
وهو كذلك، فإن الفاسد الواقعي إن لم
يكن من الأموال الواقعية كان العقد عليه فاسدا، لأن اشتراط تمول

(1) المبسوط 2: 135.
(2) السرائر 2: 332.
(3) في " ن " زيادة: " والتذكرة "، استدراكا.
(4) في " ف " ومصححة " ن ": عنهم، وسيأتي نسبة المؤلف قدس سره ذلك إلى من
صرح برجوع المشتري بتمام الثمن (انظر الصفحة 301).
(5) المبسوط 2: 135.
(6) السرائر 2: 332.
(7) التذكرة 1: 467 و 531.
(8) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 277، والسيد الطباطبائي في الرياض 1:
516، والسيد المجاهد في المناهل: 294، وكاشف الغطاء في شرحه على القواعد
(مخطوط): الورقة 78.
(9) في غير " ف ": حيث، وفي " ن " كتب عليها: حين - خ.
(10) الدروس 3: 198.
(11) الروضة البهية 3: 277.
297

العوضين واقعي لا علمي. وإن كان من الأموال الواقعية، فإن لم يكن
بينه وبين الصحيح تفاوت في القيمة لم يكن هنا أرش ولا رد، بل كان
البيع لازما وقد تلف المبيع بعد قبضه. وإن كان بينه وبين الصحيح
الواقعي تفاوت، فاللازم هو استرجاع نسبة تفاوت ما بين الصحيح
والفاسد من الثمن لا جميع الثمن.
اللهم إلا أن يقال: إنه مال واقعي إلى حين تبين الفساد، فإذا
سقط عن المالية لأمر سابق على العقد - وهو فساده واقعا - كان في
ضمان البائع، فينفسخ (1) البيع حينئذ.
بل يمكن أن يقال بعدم الانفساخ، فيجوز له الإمضاء فيكون
المكسور ملكا له وإن خرج عن المالية بالكسر، وحيث إن خروجه عن
المالية لأمر سابق على العقد كان مضمونا على البائع، وتدارك هذا
العيب - أعني فوات المالية - لا يكون إلا بدفع تمام الثمن (2). لكن
سيجئ ما فيه من مخالفة القواعد والفتاوى.
وفيه: وضوح كون ماليته عرفا وشرعا من حيث الظاهر، وأما (3)
إذا انكشف الفساد حكم بعدم المالية الواقعية من أول الأمر، مع أنه لو
كان مالا واقعا فالعيب حادث في ملك المشتري، فإن العلم مخرج له عن
المالية، لا كاشف، فليس هذا عيبا مجهولا، ولو سلم فهو كالأرمد يعمى
بعد الاشتراء والمريض يموت، مع أن فوات المالية يعد تلفا، لا عيبا.

(1) في " ف ": فيفسخ.
(2) في " ف " وهامش " خ " زيادة: فيكون الأرش هنا تمام الثمن.
(3) في " ف " بدل " وأما ": وأنه.
298

ثم إن فائدة الخلاف تظهر في ترتب آثار مالكية (1) المشتري
الثمن (2) إلى (3) حين تبين الفساد.
وعن الدروس واللمعة: أنها تظهر في مؤونة نقله عن الموضع
الذي اشتراه فيه إلى موضع اختباره (4)، فعلى الأول على البائع، وعلى
الثاني على المشتري، لوقوعه في ملكه.
وفي جامع المقاصد: الذي يقتضيه النظر أنه ليس له رجوع على
البائع بها، لانتفاء المقتضي (5). وتبعه الشهيد الثاني، قال: لأنه نقله بغير
أمره، فلا يتجه الرجوع عليه بها، وكون المشتري هنا كجاهل استحقاق
المبيع حيث يرجع (6) بما غرم، إنما يتجه مع الغرور، وهو منفي هنا،
لاشتراكهما في الجهل (7)، انتهى.
واعترض عليه (8): بأن الغرور لا يختص بصورة علم الغار.
وهنا قول ثالث نفى عنه البعد بعض الأساطين (9)، وهو: كونه على
البائع على التقديرين. وهو بعيد على تقدير الفسخ من حين تبين الفساد.

(1) كذا في نسخة بدل " ص " ومصححة " ن "، وفي النسخ: ملكية.
(2) في " ص " ومصححة " ن ": للثمن.
(3) لم ترد " إلى " في " خ ".
(4) الدروس 3: 198، واللمعة الدمشقية: 114.
(5) جامع المقاصد 4: 96.
(6) في النسخ: " رجع "، والصواب ما أثبتناه من المصدر.
(7) الروضة البهية 3: 278 - 279.
(8) اعترض عليه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 235.
(9) هو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط): الورقة 79.
299

هذا كله في مؤونة النقل من موضع الاشتراء إلى موضع الكسر.
وأما مؤونة نقله من موضع الكسر لو وجب تفريغه منه - لمطالبة مالكه
أو لكونه مسجدا أو مشهدا - فإن كان المكسور مع عدم تموله ملكا
نظير حبة الحنطة، فالظاهر أنه على البائع على التقديرين، لأنه بعد
الفسخ ملكه، وأما لو لم يكن قابلا للتملك، فلا يبعد مؤاخذة المشتري
به. وفي رجوعه على البائع ما تقدم في مؤونة نقله إلى موضع الكسر.
ثم إن المحكي في الدروس عن الشيخ وأتباعه: أنه لو تبرأ البائع
من العيب فيما لا قيمة لمكسوره صح (1)، قال: ويشكل: أنه أكل مال
بالباطل (2). وتبعه الشهيد والمحقق الثانيان (3).
وقد تصدى بعض لتوجيه صحة اشتراط البراءة بما حاصله: منع
بطلان البيع وإن استحق المشتري مجموع الثمن من باب الأرش
المستوعب، فإن الأرش غرامة أوجبها الشارع بسبب العيب، لا أنه
جزء من الثمن استحق بسبب فوات ما قابله من المثمن، ولذا يسقط
بالإسقاط، ولا يتعين على البائع الإعطاء من نفس الثمن، ويسقط (4)
بالتبري. وليس هذا كاشتراط عدم المبيع في عقد البيع، إذ المثمن
متحقق (5) على حسب معاملة العقلاء، ولم يعلم اعتبار أزيد من ذلك في

(1) راجع النهاية: 404، والوسيلة: 247.
(2) الدروس 3: 198.
(3) جامع المقاصد 4: 95 - 96، والمسالك 3: 179.
(4) كذا في " ف "، وفي مصححتي " ن " و " خ ": " فيسقط "، وفي سائر النسخ:
ليسقط.
(5) كذا في " ن "، وفي سائر النسخ ونسخة بدل " ن ": يتحقق.
300

صحة البيع، فمع فرض رضاه بذلك يكون قادما على بذل ماله على هذا
النحو. نعم، لو لم يشترط استحق الرجوع بالأرش المستوعب. ولعله لذا
لم يعبروا بالبطلان وإن ذكر المحقق وغيره الرجوع بالثمن وفهم منه
جماعة بطلان البيع. لكنه قد يمنع بعدم خروجه عن المالية وإن لم يكن
له قيمة، وهو أعم من بطلان البيع (1)، انتهى محصله (2).
ولا يخفى فيه مواقع النظر (3)، فإن المتعرضين للمسألة بين مصرح
ببطلان البيع - كالشيخ في المبسوط (4)، والحلي في السرائر (5)، والعلامة في
التذكرة (6)، معللين ذلك بأنه لا يجوز بيع ما لا قيمة له - وبين من
صرح برجوع المشتري بتمام الثمن، الظاهر في البطلان (7)، فإن الرجوع
بعين الثمن لا يعقل من دون البطلان. ويكفي في ذلك ما تقدم (8) من
الدروس: من أن ظاهر الجماعة البطلان من أول الأمر، واختياره (9) قدس سره

(1) الجواهر 22: 439 - 440.
(2) في " ف ": ملخصه.
(3) كذا في أكثر النسخ، وفي " ش ": وفيه مواقع للنظر.
(4) المبسوط 2: 135.
(5) السرائر 2: 332.
(6) التذكرة 1: 467 و 531.
(7) مثل المحقق في الشرائع 1: 19، والعلامة في القواعد 1: 126، وانظر
المناهل: 294.
(8) تقدم في الصفحة 297.
(9) كذا في " ف " ونسخة بدل " ن "، وفي " ش " ومصححة " ن ": " واختار "،
وفي سائر النسخ: واختاره.
301

الانفساخ من حيث تبين الفساد (1).
فعلم أن لا قول بالصحة مع الأرش، بل ظاهر العلامة رحمه الله في
التذكرة عدم هذا القول بين المسلمين، حيث إنه - بعد حكمه بفساد
البيع، معللا بوقوع العقد على ما لا قيمة له، وحكاية ذلك عن بعض
الشافعية - قال: وقال بعضهم بفساد البيع لا لهذه العلة، بل لأن الرد
ثبت على سبيل استدراك الظلامة، وكما يرجع بجزء من الثمن عند
انتقاص جزء من المبيع، كذلك يرجع بكل الثمن عند فوات كل المبيع.
ويظهر فائدة الخلاف في أن القشور الباقية بمن تختص حتى يجب عليه
تطهير الموضع عنها (2)، انتهى.
هذا، مع أنه لا مجال للتأمل في البطلان، بناء على ما ذكرنا من
القطع بأن الحكم بمالية المبيع هنا شرعا وعرفا حكم ظاهري، وتمول
العوضين واقعا شرط واقعي لا علمي، ولذا لم يتأمل ذو مسكة في
بطلان بيع من بان حرا أو (3) ما بان خمرا، وغير ذلك، إذ انكشاف فقد
العوض مشترك بينهما.
ثم إن الجمع بين عدم خروجه عن المالية، وبين عدم القيمة
لمكسوره مما لم يفهم، فلعله أراد الملكية.
مضافا إلى أن الأرش المستوعب للثمن لا يخلو تصوره عن
إشكال، لأن الأرش - كما صرحوا به - تفاوت ما بين قيمتي الصحيح

(1) الدروس 3: 198.
(2) التذكرة 1: 531.
(3) في " ف " بدل " أو ": و.
302

والمعيب (1).
نعم، ذكر العلامة في التذكرة (2) والتحرير (3) والقواعد (4): أن
المشتري للعبد الجاني عمدا، يتخير مع الجهل بين الفسخ فيسترد الثمن،
أو (5) طلب الأرش، فإن استوعب الجناية القيمة كان الأرش جميع الثمن
أيضا (6).
وقد تصدى جامع المقاصد لتوجيه عبارة القواعد في هذا المقام بما
لا يخلو عن بعد، فراجع (7).
وكيف كان، فلا أجد وجها لما ذكره.
وأضعف من ذلك ما ذكره بعض آخر (8): من منع حكم الشيخ
وأتباعه (9) بصحة البيع، و (10) اشتراط البائع على المشتري البراءة من

(1) صرح بذلك الشيخان في المقنعة: 597، والمبسوط 2: 127، والنهاية: 392،
وراجع للتفصيل مفتاح الكرامة 4: 631 - 632.
(2) التذكرة 1: 540.
(3) التحرير 1: 185.
(4) القواعد 1: 146.
(5) في " ص " بدل " أو ": و.
(6) في " ن " شطب على " أيضا ".
(7) جامع المقاصد 4: 344.
(8) ذكره السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 236.
(9) في " ف ": والأتباع.
(10) الواو في قوله: " واشتراط " بمعنى " مع ". قاله الشهيدي قدس سره في هداية
الطالب: 394.
303

العيوب (1)، وزعم: أن معنى اشتراط البراءة في كلامهم: اشتراط
المشتري على البائع البراءة من العيوب، فيكون مرادفا لاشتراط
الصحة. وأنت خبير بفساد ذلك بعد ملاحظة عبارة الشيخ والأتباع،
فإن كلامهم ظاهر أو صريح في أن المراد براءة البائع من العيوب، لا
المشتري.
نعم، لم أجد في كلام الشيخين والمحكي عن غيرهما تعرض لذكر
هذا الشرط في خصوص ما لا قيمة لمكسوره.
ثم إنه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة من العيوب الغير
المخرجة عن المالية أيضا بلزوم الغرر، فإن بيع ما لا يعلم صحته
وفساده لا يجوز إلا بناء على أصالة الصحة، فإذا اشترط (2) البراءة كان
بمنزلة البيع من غير اعتداد بوجود العيوب وعدمها.
وقد صرح العلامة وجماعة بفساد العقد لو اشترط سقوط خيار
الرؤية في العين الغائبة (3). وسيجئ توضيحه في باب الخيارات إن شاء
الله تعالى.

(1) تقدم عنهم في الصفحة 290.
(2) في غير " ف ": واشتراط.
(3) النهاية 2: 510، والتذكرة 1: 467، والشهيد في الدروس 1: 276،
والصيمري في غاية المرام (مخطوط) 1: 288، والمحقق الثاني في جامع المقاصد
4: 303، وانظر مفتاح الكرامة 4: 292.
304

مسألة
المشهور - من غير خلاف يذكر - جواز بيع المسك في فأره. والفأر
- بالهمزة - قيل: جمع فأرة، كتمر وتمرة (1). وعن النهاية: أنه قد لا يهمز تخفيفا (2).
ومستند الحكم: العمومات الغير المزاحمة بما يصلح للتخصيص، عدا توهم
النجاسة المندفع - في باب النجاسات - بالنص (3) والإجماع (4)، أو توهم جهالته،
بناء على ما تقدم (5) من احتمال عدم العبرة بأصالة الصحة في دفع (6) الغرر.
ويندفع بما تقدم (7): من بناء العرف على الأصل في نفي الفساد، وبناء
الأصحاب على عدم التزام الاختبار في الأوصاف التي تدور معها الصحة.

(1) قاله الطريحي في مجمع البحرين 4: 433، مادة: " فأر ".
(2) النهاية، لابن الأثير 3: 405، مادة: " فأر ".
(3) راجع الوسائل 3: 314، الباب 41 من أبواب لباس المصلي، الحديث 1 و 2.
(4) كما ادعاه العلامة في التذكرة 1: 58، والشهيد في الذكرى: 14، والسيد
العاملي في المدارك 2: 284، وانظر الجواهر 22: 447.
(5) تقدم في الصفحة 288 والصفحة السابقة.
(6) في " م " و " ص ": رفع.
(7) تقدم في الصفحة 293.
305

لكنك خبير بأن هذا كله حسن لدفع الغرر الحاصل من احتمال
الفساد. وأما الغرر من جهة تفاوت أفراد الصحيح الذي لا يعلم إلا
بالاختبار، فلا رافع له.
نعم، قد روى في التذكرة مرسلا عن الصادق عليه السلام جواز بيعه (1).
لكن لم يعلم (2) إرادة ما في الفأرة.
وكيف كان، فإذا فرض أنه ليس له أوصاف خارجية يعرف بها
الوصف الذي له دخل في القيمة، فالأحوط ما ذكروه من فتقه بإدخال
خيط فيها بإبرة، ثم إخراجه وشمه (3).
ثم لو شمه ولم يرض به (4) فهل يضمن هذا النقص الداخل عليه
من جهة الفتق لو فرض حصوله فيه ولو بكونه جزءا أخيرا لسبب (5)
النقص، بأن فتق قبله بإدخال الخيط والإبرة مرارا؟ وجه مبني على
ضمان النقص في المقبوض بالسوم، فالأولى أن يباشر البائع ذلك فيشم
المشتري الخيط.
ثم إن الظاهر من العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف (6)، وهو كذلك.
وصرح بعدم جواز بيع البيض في بطن الدجاج للجهالة (7)، وهو حسن
إذا لم يعرف لذلك الدجاج فرد معتاد من البيض من حيث الكبر والصغر.

(1) التذكرة 1: 471.
(2) في " ف ": لا يعلم.
(3) كما ذكره الشهيد الثاني في المسالك 3: 182، ونسبه إلى جماعة.
(4) لم ترد " به " في " ف ".
(5) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي غيرهما: بسبب.
(6) راجع التذكرة 1: 471.
(7) راجع التذكرة 1: 471.
306

مسألة
لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه وعدمه،
لأن ضم المعلوم إليه لا يخرجه عن الجهالة فيكون المجموع مجهولا، إذ لا
يعنى (1) بالمجهول ما كان كل جزء جزء منه مجهولا. ويتفرع على ذلك:
أنه لا يجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكا، لجهالته وإن ضم إليه
القصب أو غيره. ولا اللبن في الضرع ولو ضم إليه ما يحلب منه، أو
غيره، على المشهور كما في الروضة (2) وعن الحدائق (3).
وخص المنع جماعة بما إذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال أو
منضما إلى المعلوم، وجوزوا بيعه إذا كان تابعا للمعلوم، وهو المحكي (4)
عن المختلف (5) وشرح الإرشاد لفخر الإسلام (6) والمقتصر (7)، واستحسنه

(1) في " ش ": لا نعني.
(2) الروضة البهية 3: 282.
(3) الحدائق 18: 487.
(4) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 282.
(5) راجع المختلف 5: 248 و 254.
(6) مخطوط، ولا يوجد لدينا.
(7) المقتصر: 167.
307

المحقق والشهيد الثانيان (1). ولعل المانعين لا يريدون إلا ذلك، نظرا إلى
أن جهالة التابع لا توجب الغرر ولا صدق اسم " المجهول " على المبيع
عرفا حتى يندرج في إطلاق ما دل من الإجماع على عدم جواز بيع
المجهول، فإن أكثر المعلومات بعض أجزائها مجهول.
خلافا للشيخ في النهاية (2) وابن حمزة في الوسيلة (3). والمحكي عن
الإسكافي (4) والقاضي (5)، بل في مفتاح الكرامة: أن الحاصل من التتبع أن
المشهور بين المتقدمين هو الصحة (6)، بل عن الخلاف (7) والغنية (8): الإجماع في
مسألة السمك. واختاره من المتأخرين المحقق الأردبيلي (9) وصاحب الكفاية (10)
والمحدث العاملي (11) والمحدث الكاشاني (12)، وحكي عن ظاهر غاية المراد (13)،

(1) جامع المقاصد 4: 110، والروضة البهية 3: 282.
(2) النهاية: 400 - 401.
(3) الوسيلة: 246.
(4) حكاه العلامة في المختلف 5: 248.
(5) حكاه العلامة في المختلف 5: 247، ولم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتبه.
(6) مفتاح الكرامة 4: 282.
(7) الخلاف 3: 155، كتاب البيوع، المسألة 245.
(8) الغنية: 212.
(9) مجمع الفائدة 8: 185 - 186.
(10) كفاية الأحكام: 91.
(11) بداية الهداية 1: 129.
(12) مفاتيح الشرائع 3: 56.
(13) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 282، وانظر غاية المراد 1: 84 - 85.
308

وصريح حواشيه على القواعد (1).
وحجتهم على ذلك الأخبار المستفيضة
الواردة في مسألتي السمك واللبن وغيرهما.
ففي مرسلة البزنطي - التي إرسالها، كوجود سهل فيها، سهل - عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: " إذا كانت أجمة ليس فيها قصب، أخرج
شيئا من سمك فباع (2) وما في الأجمة " (3).
ورواية (4) معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (5): " لا بأس
بأن يشترى الآجام إذا كان فيها قصب " (6). والمراد شراء ما فيها بقرينة
الرواية السابقة واللاحقة.
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في شراء الأجمة ليس
فيها قصب إنما هي ماء، قال: " تصيد (7) كفا من سمك تقول: أشتري
منك هذا السمك وما في هذه الأجمة بكذا وكذا " (8).
وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام - كما في الفقيه - قال:
" سألته عن اللبن يشترى وهو في الضرع؟ قال: لا، إلا أن يحلب (9)

(1) لا يوجد لدينا، نعم حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 282.
(2) كذا في النسخ، وفي التهذيب والوسائل: " أخرج شئ من السمك فيباع... ".
(3) الوسائل 12: 263، الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 2.
(4) في غير " ش ": " وبرواية "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(5) في " خ "، " ص " و " ع " زيادة: قال.
(6) الوسائل 12: 264، الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 5.
(7) في " ف ": " إنما تصيد "، وفي " ص " و " ش ": يصيد.
(8) الوسائل 12: 264، الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 6.
(9) كذا في النسخ، وفي مصححة " ن " زيادة: " إلى "، وفي " ص " زيادة: " لك "،
وفي " ش " زيادة: " لك في "، وفي الفقيه والوسائل: لك منه.
309

سكرجة (1) فيقول: اشتر مني (2) هذا اللبن الذي في السكرجة (3) وما في
ضروعها بثمن مسمى، فإن لم يكن في الضرع شئ كان ما في
السكرجة (4) " (5).
وعليها تحمل صحيحة العيص بن القاسم قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل له نعم يبيع ألبانها بغير كيل؟ قال: نعم، حتى تنقطع (6) أو شئ
منها " (7)، بناء على أن المراد: بيع اللبن الذي في الضرع بتمامه، أو بيع
شئ منه محلوب في الخارج و (8) ما بقي في الضرع بعد حلب شئ منه.
وفي الصحيح إلى ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخي قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة
نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما؟ قال: لا بأس، إن لم
يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف " (9).

(1) السكرجة - بضم السين والكاف وتشديد الراء -: إناء صغير يؤكل فيه الشئ
القليل من الأدم، وهي فارسية، راجع النهاية 2: 384.
(2) في " ف " بدل " اشتر مني ": اشتري.
(3) في " ف " و " ش ": الاسكرجة.
(4) في " ف ": الاسكرجة.
(5) الوسائل 12: 259، الباب 8 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 2،
والفقيه 3: 224، الحديث 3831.
(6) في " خ "، " م " و " ع ": ينقطع.
(7) الوسائل 12: 259، الباب 8 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الأول.
(8) في غير " ش " بدل " و ": أو.
(9) الوسائل 12: 261، الباب 10 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الأول.
310

وموثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام: " في
الرجل يتقبل بخراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر
والآجام والمصائد والسمك والطير، وهو لا يدري لعله لا يكون شئ
من هذا أبدا أو يكون، أيشتريه (1)؟ وفي أي زمان يشتريه ويتقبل
به (2)؟ قال عليه السلام: إذا علمت (3) من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك
فاشتره وتقبل به " (4).
وظاهر الأخيرين - كموثقة سماعة - أن الضميمة المعلومة إنما تنفع
من حيث عدم الوثوق بحصول المبيع، لا من حيث جهالته، فإن ما في
السكرجة (5) غير معلوم بالوزن والكيل، وكذا المعلوم الحصول من
الأشياء المذكورة في رواية الهاشمي.
مع أن المشهور - كما عن الحدائق (6) - المنع عن بيع الأصواف على
ظهور الغنم، بل عن الخلاف عليه الإجماع (7). والقائلون بجوازه (8) استدلوا

(1) في مصححة " ن ": " أنشتريه... نشتريه ونتقبل... ".
(2) في الفقيه والوسائل بدل " به ": منه.
(3) في " ش ": علم.
(4) الوسائل 12: 264، الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث
4.
(5) كذا في " ص " ونسخة بدل " ن "، وفي غيرهما: الاسكرجة.
(6) الحدائق 18: 490.
(7) الخلاف 3: 169، كتاب البيوع، المسألة 276.
(8) في " ف ": بالجواز.
311

برواية الكرخي (1) مع منعهم عن مضمونها (2) من حيث (3) ضم ما في
البطون إلى الأصواف. فتبين أن الرواية لم يقل أحد بظاهرها.
ومثلها في الخروج عن مسألة ضم المعلوم إلى المجهول روايتا أبي
بصير والبزنطي (4)، فإن الكف من السمك لا يجوز بيعه، لكونه من
الموزون، ولذا جعلوه من الربويات (5)، ولا ينافي ذلك تجويز بيع سمك
الآجام إذا كانت مشاهدة، لاحتمال أن لا يعتبر الوزن في بيع الكثير
منه، كالذي لا يدخل في الوزن لكثرته كزبرة الحديد، بخلاف القليل
منه.
وأما رواية معاوية بن عمار، فلا دلالة فيها على بيع السمك،
إلا بقرينة روايتي أبي بصير والبزنطي اللتين عرفت حالهما، فتأمل.
ثم على تقدير الدلالة:
إن أريد انتزاع قاعدة منها - وهي جواز ضم المجهول إلى المعلوم وإن
كان المعلوم غير مقصود بالبيع إلا حيلة لجواز نقل المجهول - فلا دلالة فيها (6)

(1) تقدمت في الصفحة 310.
(2) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 111، والمحقق الأردبيلي في مجمع
الفائدة 8: 188، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 284.
(3) في " ف " بدل " من حيث ": مع.
(4) تقدمتا في الصفحة 309.
(5) كما في المبسوط 2: 99، والمهذب 1: 372 - 373، والقواعد 1: 140،
والدروس 3: 293 - 294 وغيرها.
(6) في غير " ش ": " فيهما "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
312

على ذلك، ولم يظهر من العاملين بها (1) التزام هذه القاعدة، بل المعلوم
من بعضهم، بل كلهم خلافه، فإنا نعلم من فتاويهم عدم التزامهم لجواز
بيع كل مجهول من حيث الوصف أو التقدير بمجرد ضم شئ معلوم
إليه، كما يشهد به تتبع كلماتهم.
وإن أريد الاقتصار على مورد النصوص - وهو بيع سمك الآجام،
ولبن الضرع، وما في البطون مع الأصواف - فالأمر سهل على تقدير
الإغماض عن مخالفة هذه النصوص للقاعدة المجمع عليها بين الكل: من
عدم جواز بيع المجهول مطلقا.
بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم، وأصله من العلامة:
قال في القواعد في باب شرط العوضين: كل مجهول مقصود بالبيع
لا يصح بيعه وإن انضم إلى معلوم، ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا
كان تابعا (2)، انتهى.
وارتضى هذا التفصيل جماعة ممن تأخر عنه (3)، إلا أن مرادهم من
" المقصود " و " التابع " غير واضح.
والذي يظهر من مواضع من القواعد
والتذكرة: أن مراده بالتابع: ما يشترط دخوله في البيع، وبالمقصود:
ما كان جزءا.
قال في القواعد في باب الشرط في ضمن البيع: لو شرط أن
الأمة حامل أو الدابة كذلك صح. أما لو باع الدابة وحملها أو الجارية

(1) في غير " ش ": " بهما "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(2) القواعد 1: 127.
(3) تقدم عنهم في الصفحة 308.
313

وحملها بطل، لأن (1) كل ما لا يصح بيعه منفردا لا يصح جزءا من
المقصود، ويصح تابعا (2)، انتهى.
وفي باب ما يندرج في المبيع قال: السادس: العبد، ولا يتناول
ماله الذي ملكه (3) مولاه، إلا أن يستثنيه المشتري إن قلنا: إن العبد
يملك، فينتقل إلى المشتري مع العبد، وكان جعله للمشتري إبقاء له (4)
على العبد، فيجوز أن يكون مجهولا أو غائبا. أما إذا أحلنا تملكه وما
معه صار جزءا من المبيع، فيعتبر فيه شرائط البيع (5)، انتهى.
وبمثل ذلك في الفرق بين جعل المال شرطا وبين جعله جزء
صرح في التذكرة في فروع مسألة تملك العبد وعدمه، معللا بكونه مع
الشرط كماء الآبار وأخشاب السقوف (6).
وقال في التذكرة أيضا في باب شروط العوضين: لو باع الحمل
مع أمه جاز إجماعا (7).
وفي موضع من باب الشروط (8) في العقد: لو قال: بعتك هذه
الدابة وحملها لم يصح عندنا، لما تقدم من أن الحمل لا يصح جعله

(1) في " ف ": " لأنه "، وفي المصدر: لأنه كما لا يصح.
(2) القواعد 1: 153.
(3) في غير " ش " بدل " ماله الذي ملكه ": ما ملكه.
(4) في غير " ش " ومصححة " ن ": إبقاء ملكه.
(5) القواعد 1: 150.
(6) التذكرة 1: 499.
(7) التذكرة 1: 468.
(8) في غير " ف ": الشرط.
314

مستقلا بالشراء ولا جزءا (1).
وقال أيضا: ولو باع الحامل وشرط (2) للمشتري (3) الحمل صح،
لأنه تابع، كأساس الحيطان وإن لم يصح ضمه في البيع مع الأم، للفرق
بين الجزء والتابع (4).
وقال في موضع آخر: لو قال: بعتك هذه الشياه وما في ضرعها
من اللبن، لم يجز عندنا (5).
وقال في موضع آخر (6): لو باع دجاجة ذات بيضة وشرطها
صح، وإن جعلها جزءا من المبيع لم يصح (7).
وهذه كلها صريحة في عدم جواز ضم المجهول على وجه الجزئية،
من غير فرق بين تعلق الغرض الداعي بالمعلوم أو المجهول.
وقد ذكر
هذا، المحقق الثاني في جامع المقاصد (8) في مسألة اشتراط دخول الزرع
في بيع الأرض، قال: وما قد يوجد في بعض الكلام، من أن المجهول
إن جعل جزءا من المبيع لا يصح، وإن اشترط صح - ونحو ذلك -
فليس بشئ، لأن العبارة لا أثر لها، والمشروط (9) محسوب من جملة

(1) التذكرة 1: 493.
(2) كذا في مصححة " ن "، وفي النسخ: يشترط.
(3) في المصدر: المشتري.
(4) التذكرة 1: 493.
(5) التذكرة 1: 493.
(6) بل قاله في الموضع الذي عنون الفرع السابق، تحت عنوان " فرع "، فراجع.
(7) التذكرة 1: 493.
(8) في " ف " زيادة: " باب "، واستدركت في " ن " أيضا.
(9) في غير " ش ": الشرط.
315

المبيع، ولأنه لو باع الحمل والأم صح البيع ولا يتوقف على بيعها
واشتراطه (1)، انتهى.
وهو الظاهر من الشهيدين - في اللمعة والروضة (2) - حيث اشترطا
في مال العبد المشروط دخوله في بيعه استجماعه لشروط البيع.
وقد صرح الشيخ - في مسألة اشتراط مال العبد - باعتبار (3) العلم
بمقدار المال (4).
وعن الشهيد: لو اشتراه وماله صح، ولم يشترط علمه ولا
التفصي من الربا إن قلنا: إنه يملك، وإن أحلنا ملكه اشترط (5).
قال في الدروس: لو جعل الحمل جزءا من المبيع فالأقوى
الصحة، لأنه بمنزلة الاشتراط، ولا يضر الجهالة، لأنه تابع (6)، انتهى.
واختاره جامع المقاصد (7).
ثم " التابع " في كلام هؤلاء يحتمل أن يراد به (8): ما يعد في
العرف تابعا كالحمل مع الأم، واللبن مع الشاة، والبيض مع الدجاج،

(1) جامع المقاصد 4: 385.
(2) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 3: 313.
(3) في النسخ: " اعتبار "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(4) صرح به في المبسوط 2: 137.
(5) الدروس 3: 226.
(6) الدروس 3: 216 - 217.
(7) جامع المقاصد 4: 427.
(8) كلمة " به " من " ش " ومصححة " ن ".
316

ومال العبد معه، والباغ (1) في الدار، والقصر في البستان، ونحو ذلك مما
نسب البيع عرفا إلى المتبوع لا إليهما معا، وإن فرض تعلق الغرض
الشخصي بكليهما في بعض الأحيان، بل بالتابع خاصة، كما قد يتفق في
حمل بعض أفراد الخيل.
وهذا هو الظاهر من كلماتهم في بعض المقامات كما تقدم عن
الدروس وجامع المقاصد من صحة بيع الأم وحملها، لأن الحمل تابع.
قال في جامع المقاصد - في شرح قوله المتقدم في القواعد:
" ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا كان تابعا " -: إن إطلاق العبارة
يشمل ما إذا شرط حمل دابة في بيع دابة أخرى، إلا أن يقال: التبعية
إنما تتحقق مع الأم، لأنه حينئذ بمنزلة بعض أجزائها، ومثله زخرفة
جدران البيت (2)، انتهى.
وفي التمثيل نظر، لخروج زخرفة الجدران من محل الكلام في المقام،
إلا أن يريد مثال الأجزاء، لا مثال التابع، لكن هذا ينافي ما تقدم من

(1) في " ن ": " الباع " بالمهملة، وأثبتها المامقاني أيضا كذلك، ثم قال ما لفظه:
الظاهر أنه أراد بالباع ساحة الدار، وإن لم أجده مصرحا به في ما حضرني من
كتب اللغة، والذي وجدته في شرح القاموس هو: أن الباع قدر مد اليدين،
والباعة - بالتاء - ساحة الدار، فلعله رحمه الله اطلع على ما لم أطلع عليه، أو أنه
وقع التحريف من قلم الناسخ، وفي بعض النسخ: " الباغ " - بالغين المعجمة -
وهو أنسب بالغرض المسوق له الكلام، قال في المصباح: الباغ: الكرم، لفظة
أعجمية استعملها الناس بالألف واللام، انتهى (غاية الآمال: 476).
(2) جامع المقاصد 4: 112.
317

اعتبارهم العلم في مال العبد (1) - وفاقا للشيخ قدس سره - مع أن مال العبد
تابع عرفي، كما صرح به في المختلف في مسألة بيع العبد واشتراط
ماله (2).
ويحتمل أن يكون مرادهم: التابع بحسب قصد المتبايعين، وهو
ما يكون المقصود بالبيع غيره وإن لم يكن تابعا عرفيا كمن اشترى
قصب الآجام وكان فيها قليل من السمك، أو اشترى سمك الآجام
وكان فيها قليل من القصب، وهذا أيضا قد يكون كذلك بحسب النوع،
وقد يكون كذلك بحسب الشخص، كمن أراد السمك القليل لأجل
حاجة، لكن لم يتهيأ له شراؤه إلا في ضمن قصب (3) الأجمة.
والأول هو الظاهر من مواضع من المختلف، منها: في بيع اللبن في
الضرع مع المحلوب منه، حيث حمل رواية سماعة - المتقدمة (4) - على ما
إذا كان المحلوب يقارب الثمن ويصير أصلا، والذي في الضرع تابعا (5).
وقال في مسألة بيع ما في بطون الأنعام مع الضميمة: والمعتمد أن
نقول: إن كان الحمل تابعا صح البيع، كما لو باعه الأم وحملها أو باعه
ما يقصد مثله بمثل الثمن وضم الحمل، فهذا لا بأس به، وإلا كان
باطلا (6).

(1) تقدم في الصفحة السابقة.
(2) المختلف 5: 218، وفيه: إلا أن يقال: إن المال تابع.
(3) في غير " ف ": قصبة.
(4) في الصفحة 309.
(5) المختلف 5: 248.
(6) المختلف 5: 251.
318

وأما الاحتمال الثاني - أعني مراعاة الغرض الشخصي للمتبايعين -
فلم نجد عليه شاهدا، إلا ثبوت الغرر على تقدير تعلق الغرض
الشخصي بالمجهول، وانتفاءه على تقدير تعلقه بالمعلوم. ويمكن تنزيل
إطلاقات عبارات المختلف عليه، كما لا يخفى.
وربما احتمل بعض (1)، بل استظهر أن مرادهم بكون المعلوم
مقصودا والمجهول تابعا: كون المقصود بالبيع ذلك المعلوم، بمعنى الإقدام
منهما - ولو لتصحيح البيع - على أن المبيع المقابل بالثمن هذا المعلوم الذي
هو وإن سمي ضميمة لكنه المقصود في تصحيح البيع، قال: ولا ينافيه
كون المقصود بالنسبة إلى الغرض ما فيه الغرر، نظير ما يستعمله بعض
الناس في التخلص من المخاصمة بعد ذلك - في الذي يراد بيعه لعارض
من العوارض - بإيقاع العقد على شئ معين معلوم لا نزاع فيه، وجعل
ذلك من التوابع واللواحق لما عقد عليه البيع، فلا يقدح حصوله وعدم
حصوله كما أومي إليه في ضميمة الآبق، وضميمة الثمر على الشجر،
وضميمة ما في الضروع وما في الآجام (2)، انتهى.
ولا يخفى أنه لم توجد عبارة من عبائرهم تقبل (3) هذا الحمل،
إلا أن يريد ب‍ " التابع " جعل المجهول شرطا والمعلوم مشروطا، فيريد
ما تقدم عن القواعد والتذكرة (4)، ولا أظن إرادة ذلك من كلامه، بقرينة
استشهاده بأخبار الضميمة في الموارد المتفرقة.

(1) وهو صاحب الجواهر.
(2) الجواهر 22: 445.
(3) في " ف ": تؤمي.
(4) راجع الصفحة 313 - 314.
319

والأوفق بالقواعد أن يقال: أما الشرط والجزء، فلا فرق بينهما
من حيث لزوم الغرر بالجهالة (1).
وأما قصد المتبايعين بحسب الشخص، فالظاهر أنه غير مؤثر في
الغرر وجودا وعدما، لأن الظاهر من حديث الغرر من كلماتهم: عدم
مدخلية قصد المتبايعين في الموارد الشخصية، بل وكذلك قصدهما بحسب
النوع على الوجه الذي ذكره في المختلف: من كون قيمة المعلوم تقارب
الثمن المدفوع له وللمجهول (2).
وأما التابع العرفي، فالمجهول منه وإن خرج عن الغرر عرفا، إلا
أن المجهول منه جزءا داخل ظاهرا في معقد الإجماع على اشتراط العلم
بالمبيع المتوقف على العلم بالمجموع. نعم، لو كان الشرط تابعا عرفيا
خرج عن بيع الغرر وعن معقد الإجماع على اشتراط كون المبيع معلوما
فيقتصر عليه.
هذا كله في التابع من حيث جعل المتبايعين.
وأما التابع للمبيع الذي يندرج في المبيع وإن لم ينضم إليه حين
العقد ولم يخطر ببال المتبايعين، فالظاهر عدم الخلاف والإشكال في عدم
اعتبار العلم به، إلا إذا استلزم (3) غررا في نفس المبيع، إذ الكلام في
مسألة الضميمة من حيث الغرر الحاصل في المجموع، لا الساري من
المجهول إلى المعلوم، فافهم.

(1) في " ف ": والجهالة.
(2) راجع المختلف 5: 248.
(3) في " ف ": إلا أن يستلزم.
320

مسألة
يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة
والنقيصة على المشهور، بل لا خلاف فيه في الجملة، بل عن فخر
الإسلام التصريح بدعوى الإجماع، قال فيما حكي عنه: نص الأصحاب
على أنه يجوز الإندار للظروف بما يحتمل الزيادة والنقيصة، فقد استثني
من المبيع أمر مجهول، واستثناء المجهول مبطل للبيع، إلا في هذه الصورة،
فإنه لا يبطل إجماعا (1)، انتهى.
والظاهر أن إطلاق الاستثناء باعتبار خروجه عن المبيع ولو من
أول الأمر، بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلى هذا أيضا.
ثم إن الأقوال في تفصيل المسألة ستة:
الأول: جواز الإندار بشرطين: كون المندر متعارف الإندار عند
التجار، وعدم العلم بزيادة ما يندره. وهو للنهاية (2) والوسيلة (3) وعن

(1) لم نعثر عليه في الإيضاح، نعم حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 294.
(2) النهاية: 401.
(3) الوسيلة: 246.
321

غيرهما (1).
الثاني: عطف النقيصة على الزيادة في اعتبار عدم العلم بها. وهو
للتحرير (2).
الثالث: اعتبار العادة مطلقا ولو علم الزيادة أو النقيصة، ومع
عدم العادة فيما يحتملهما. وهو لظاهر اللمعة وصريح الروضة (3).
الرابع: التفصيل بين ما يحتمل الزيادة والنقيصة فيجوز مطلقا، وما
علم الزيادة (4) فالجواز بشرط التراضي (5).
الخامس: عطف العلم بالنقيصة على الزيادة، وهو للمحقق الثاني
ناسبا له إلى كل من لم يذكر النقيصة.
السادس: إناطة الحكم بالغرر (6).
ثم إن صورة (7) المسألة: أن يوزن مظروف مع ظرفه فيعلم أنه
عشرة أرطال، فإذا أريد بيع المظروف فقط - كما هو المفروض - وقلنا

(1) مثل نهاية الإحكام 3: 536، والقواعد 1: 129، وراجع مفتاح الكرامة 4:
294.
(2) التحرير 1: 179.
(3) راجع اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 3: 284.
(4) في " ن " و " خ ": زيادته.
(5) راجع القواعد 1: 129، والكفاية: 91، ونسبه في مجمع الفائدة (8: 190)
إلى ظاهر الشرائع.
(6) يظهر ذلك من صاحب الجواهر، راجع الجواهر 22: 449، وسيأتي نقله في
الصفحة الآتية عن كاشف الغطاء قدس سره.
(7) في " ف ": صور.
322

بكفاية العلم بوزن المجموع وعدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا، على
ما هو مفروض المسألة ومعقد الإجماع المتقدم:
فتارة: يباع المظروف المذكور جملة بكذا، وحينئذ فلا يحتاج إلى
الإندار، لأن الثمن والمثمن معلومان بالفرض.
وأخرى: يباع على وجه التسعير بأن يقول: " بعتكه كل رطل بدرهم "
فيجئ مسألة الإندار، للحاجة إلى تعيين ما يستحقه البائع من الدراهم.
ويمكن أن تحرر المسألة على وجه آخر، وهو: أنه بعد ما علم
وزن الظرف والمظروف، وقلنا بعدم لزوم العلم بوزن المظروف منفردا
فإندار أي مقدار للظرف يجعل وزن المظروف في حكم المعلوم، وهل
هو منوط بالمعتاد بين التجار، أو التراضي، أو بغير ذلك؟
فالكلام في تعيين المقدار المندر لأجل إحراز شرط صحة بيع
المظروف، بعد قيام الإجماع على عدم لزوم العلم بوزنه بالتقدير أو
بإخبار البائع.
وإلى هذا الوجه ينظر بعض الأساطين (1)، حيث أناط المقدار المندر
بما لا يحصل معه غرر، واعترض على ما في القواعد ومثلها: من اعتبار
التراضي في جواز إندار ما يعلم زيادته بأن التراضي لا يدفع غررا
ولا يصحح عقدا. وتبعه في ذلك بعض أتباعه (2).
ويمكن أن يستظهر هذا الوجه من عبارة الفخر - المتقدمة (3) - حيث

(1) وهو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط): الورقة 97.
(2) الظاهر أن المراد صاحب الجواهر حيث جعل المناط الغرر، انظر الجواهر 22:
449.
(3) راجع الصفحة 321.
323

فرع استثناء المجهول من المبيع على جواز الإندار، إذ على الوجه الأول
يكون استثناء (1) المجهول متفرعا على جواز بيع المظروف بدون الظرف
المجهول، لا على جواز إندار مقدار معين، إذ الإندار حينئذ لتعيين الثمن،
فتأمل.
وكيف كان، فهذا الوجه مخالف لظاهر كلمات الباقين، فإن جماعة
منهم - كما عرفت من الفاضلين (2) وغيرهما - خصوا اعتبار التراضي
بصورة العلم بالمخالفة، فلو كان الإندار لإحراز وزن المبيع وتصحيح
العقد لكان معتبرا مطلقا، إذ لا معنى لإيقاع العقد على وزن مخصوص
بثمن مخصوص من دون تراض.
وقد صرح المحقق والشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي مع
العلم بالزيادة أو النقيصة بأن في الإندار من دون التراضي تضييعا لمال
أحدهما (3).
ولا يخفى أنه لو كان اعتبار الإندار قبل العقد لتصحيحه لم يتحقق
تضييع المال، لأن الثمن وقع في العقد في مقابل المظروف، سواء فرض
زائدا أو ناقصا.
هذا، مع أنه إذا فرض كون استقرار العادة على إندار مقدار معين

(1) في " م "، " خ " و " ع ": الاستثناء.
(2) لم يتقدم ذلك من المحقق، بل من العلامة وحده في الصفحة السابقة، ولعله
يستفاد من قوله: " ومثلها " بعد عبارة: " على ما في القواعد "، راجع الشرائع
2: 19.
(3) جامع المقاصد 4: 115، والمسالك 3: 182.
324

يحتمل الزيادة والنقيصة، فالتراضي على الزائد عليه أو الناقص عنه
يقينا لا يوجب غررا، بل يكون كاشتراط زيادة مقدار على المقدار
المعلوم غير قادح في صحة البيع.
مثلا: لو كان المجموع عشرة أرطال وكان المعتاد إسقاط رطل
للظرف، فإذا تراضيا على أن يندر للظرف رطلان (1) فكأنه شرط
للمشتري أن لا يحسب عليه رطلا. ولو تراضيا على إندار نصف رطل
فقد اشترط المشتري جعل ثمن تسعة أرطال ونصف ثمنا للتسعة،
فلا معنى للاعتراض على من قال باعتبار التراضي في إندار ما علم
زيادته أو نقيصته: بأن التراضي لا يدفع غررا ولا يصحح عقدا.
وكيف كان، فالأظهر (2) هو الوجه الأول، فيكون دخول هذه
المسألة في فروع مسألة تعيين العوضين من حيث تجويز بيع المظروف
بدون ظرفه المجهول - كما عنون المسألة بذلك في اللمعة (3)، بل نسبه في
الحدائق إليهم (4) - لا من حيث إندار مقدار معين للظرف المجهول وقت
العقد، والتواطؤ على إيقاع العقد على الباقي بعد الإندار.
وذكر المحقق الأردبيلي رحمه الله في تفسير عنوان المسألة: أن المراد أنه
يجوز بيع الموزون بأن يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع مقدار
الظرف تخمينا بحيث يحتمل كونه مقدار الظرف لا أزيد ولا أنقص، بل

(1) كذا في " ف " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: رطلا.
(2) في " ش ": فالظاهر.
(3) اللمعة الدمشقية: 114.
(4) راجع الحدائق 18: 493.
325

وإن تفاوت لا يكون إلا بشئ يسير يتساهل (1) به (2) عادة، ثم دفع (3)
ثمن الباقي مع الظرف إلى البائع (4)، انتهى.
فظاهره الوجه الأول الذي ذكرنا، حيث جوز البيع بمجرد وزن
المظروف مع الظرف، وجعل الإندار لأجل تعيين الباقي الذي يجب عليه
دفع ثمنه.
وفي الحدائق - في مقام الرد على من ألحق النقيصة بالزيادة في
اعتبار عدم العلم بها - قال: إن الإندار حق للمشتري، لأنه قد اشترى
- مثلا - مائة من من السمن في هذه الظروف، فالواجب قيمة المائة
المذكورة، وله إسقاط ما يقابل الظروف من هذا الوزن (5)، انتهى.
وهذا الكلام وإن كان مؤيدا لما استقربناه في تحرير المسألة، إلا
أن جعل الإندار حقا للمشتري والتمثيل بما ذكره لا يخلو عن (6) نظر،
فإن المشتري لم يشتر مائة من من السمن في هذه الظروف، لأن التعبير
بهذا مع العلم بعدم كون ما في هذه الظروف مائة من لغو، بل المبيع في
الحقيقة ما في هذه الظروف التي هي مع المظروف مائة من، فإن باعه
بثمن معين فلا حاجة إلى الإندار، ولا حق للمشتري. وإن اشتراه على
وجه التسعير بقوله: " كل من بكذا " فالإندار: إنما يحتاج إليه لتعيين

(1) في غير " ف ": " متساهل "، وصححت في " ن " و " ص " بما أثبتناه.
(2) " به " من " ش " ومصححة " ن "، وفي المصدر و " ص ": بمثله.
(3) كذا في النسخ، وفي المصدر: يدفع، وهو المناسب للسياق.
(4) مجمع الفائدة 8: 190.
(5) الحدائق 18: 494.
(6) في " ف ": من.
326

ما يستحقه البائع على المشتري من الثمن، فكيف يكون الواجب قيمة
المائة كما ذكره المحدث؟!
وقد علم مما ذكرنا: أن الإندار - الذي هو عبارة عن تخمين الظرف
الخارج عن المبيع بوزن - إنما هو لتعيين حق البائع، وليس حقا للمشتري.
وأما الأخبار:
فمنها موثقة حنان قال: " سمعت معمر الزيات قال
لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نشتري الزيت في زقاقه، فيحسب لنا النقصان
لمكان الزقاق؟ فقال له: إن كان يزيد وينقص فلا بأس، وإن كان
يزيد ولا ينقص فلا تقربه " (1).
قيل (2): وظاهره عدم اعتبار التراضي (3).
أقول: المفروض في السؤال هو التراضي، لأن الحاسب هو البائع
أو وكيله وهما مختاران، والمحسوب له هو المشتري.
والتحقيق: أن مورد السؤال صحة الإندار مع إبقاء الزقاق
للمشتري بلا ثمن أو بثمن مغاير للمظروف، أو مع ردها إلى البائع من
دون وزن لها، فإن السؤال عن صحة جميع (4) ذلك بعد الفراغ عن
تراضي المتبايعين عليه، فلا إطلاق فيه يعم صورة عدم التراضي. ويؤيده
النهي عن ارتكابه مع العلم بالزيادة، فإن النهي (5) عنه ليس عن (6) ارتكابه

(1) الوسائل 12: 273، الباب 20 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 4.
(2) لم ترد " قيل " في " ف ".
(3) قاله صاحب الجواهر في الجواهر 22: 448.
(4) في " ف ": بيع.
(5) في " ن ": المنهي.
(6) كلمة " عن " من " ف " فقط، والظاهر أن الصواب في العبارة: ليس إلا عن.
327

بغير تراض، فافهم.
فحينئذ لا يعارضها ما دل على صحة ذلك مع التراضي، مثل
رواية علي بن أبي حمزة، قال: " سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد
الله عليه السلام، قال: جعلت فداك! نطرح ظروف السمن والزيت كل ظرف
كذا وكذا رطلا فربما زاد وربما نقص؟ قال: إذا كان ذلك عن تراض
منكم فلا بأس " (1).
فإن الشرط فيه مسوق لبيان كفاية التراضي في ذلك وعدم المانع
منه شرعا، فيشبه التراضي العلة التامة الغير المتوقفة على شئ.
ونحوه اشتراط التراضي في خبر علي بن جعفر المحكي عن قرب
الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام: " عن الرجل يشتري المتاع وزنا في
الناسية والجوالق، فيقول: ادفع للناسية رطلا أو أكثر من ذلك، أيحل
ذلك البيع؟ قال: إذا لم يعلم وزن الناسية والجوالق فلا بأس إذا
تراضيا " (2).
ثم إن قوله: " إن كان يزيد وينقص " في الرواية الأولى، يحتمل
أن يراد به: الزيادة والنقيصة في هذا المقدار المندر في شخص المعاملة،
بمعنى زيادة مجموع ما أندر لمجموع الزقاق أو نقصانه عنه. أو بمعنى: أنه
يزيد في بعض الزقاق، وينقص (3) في بعض آخر.

(1) الوسائل 12: 272، الباب 20 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الأول.
(2) قرب الإسناد: 261، الحديث 1035، والوسائل 12: 273، الباب 20 من
أبواب عقد البيع، الحديث 3.
(3) في غير " ش ": النقيصة.
328

وأن يراد به: الزيادة والنقيصة في نوع المقدار المندر في نوع هذه
المعاملة بحيث قد يتفق في بعض المعاملات الزيادة وفي بعض أخرى
النقيصة. وهذا هو الذي فهمه في النهاية (1) حيث اعتبر أن يكون
ما يندر للظروف مما يزيد تارة وينقص أخرى، ونحوه في الوسيلة (2).
ويشهد للاحتمال الأول رجوع ضمير " يزيد " و " ينقص " إلى
مجموع النقصان المحسوب لمكان الزقاق، وللثاني عطف النقيصة على
الزيادة بالواو الظاهر في اجتماع نفس المتعاطفين لا احتمالهما، وللثالث
ما ورد في بعض الروايات: " من أنه ربما يشتري الطعام من أهل
السفينة ثم يكيله فيزيد؟ قال عليه السلام: وربما نقص؟ قلت: وربما نقص.
قال: فإذا نقص ردوا عليكم؟ قلت: لا. قال: لا بأس " (3).
فيكون معنى الرواية (4): أنه إذا كان الذي يحسب لكم (5) زائدا مرة
وناقصا أخرى، فلا بأس بما يحسب وإن بلغ ما بلغ، وإن زاد دائما،
فلا يجوز إلا بهبة أو إبراء من الثمن أو مع التراضي، بناء على عدم
توقف الشق الأول عليه، ووقوع المحاسبة من السمسار بمقتضى العادة
من غير اطلاع صاحب الزيت.
وكيف كان، فالذي يقوى في النظر، هو المشهور بين المتأخرين:

(1) النهاية: 401.
(2) الوسيلة: 246.
(3) الوسائل 12: 403، الباب 27 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2.
(4) يعني بها موثقة حنان المتقدمة في الصفحة 327.
(5) في " ص ": عليكم.
329

من جواز إندار ما يحتمل الزيادة والنقيصة، لأصالة عدم زيادة المبيع
عليه وعدم استحقاق البائع أزيد مما يعطيه المشتري من الثمن. لكن
العمل بالأصل لا يوجب ذهاب حق أحدهما عند انكشاف الحال.
وأما مع العلم بالزيادة أو النقيصة، فإن كان هنا عادة تقتضيه،
كان العقد واقعا عليها مع علم المتبايعين بها. ولعله مراد من لم يقيد بالعلم.
ومع الجهل بها أو عدمها فلا يجوز إلا مع التراضي لسقوط حق
من له الحق، سواء تواطئا على ذلك في متن العقد، بأن قال: " بعتك
ما في هذه الظروف كل رطل بدرهم على أن يسقط لكل ظرف كذا "
فهو هبة له (1)، أو تراضيا عليه بعده بإسقاط من الذمة أو هبة للعين.
هذا كله مع قطع النظر عن النصوص، وأما مع ملاحظتها فالمعول
عليه رواية حنان المتقدمة (2) الظاهرة في اعتبار الاعتياد، من حيث
ظهورها في كون حساب المقدار الخاص متعارفا، واعتبار عدم العلم
بزيادة المحسوب عن الظروف بما لا يتسامح به في بيع كل مظروف
بحسب حاله. وكأن الشيخ رحمه الله في النهاية فهم ذلك من الرواية فعبر
بمضمونها كما هو دأبه في ذلك الكتاب (3).

(1) العبارة في غير " ف " و " ش " هكذا: " فهو بمنزلة قولك: على أن تزيدني
على كل عشرة رطلا "، وصححت في " ن " بما أثبتناه، قال المامقاني قدس سره - بعد
إثبات ما أثبتناه -: " هكذا صحح المصنف رحمه الله هذه العبارة بخطه " غاية
الآمال: 477.
(2) تقدمت في الصفحة 327.
(3) راجع النهاية: 401.
330

وحيث إن ظاهر الرواية جواز الإندار واقعا، بمعنى عدم وقوعه
مراعى بانكشاف الزيادة والنقيصة، عملنا (1) بها كذلك، فيكون مرجع
النهي عن ارتكاب ما علم بزيادته نظير ما ورد من النهي عن الشراء
بالموازين الزائدة عما يتسامح به، فإن ذلك يحتاج إلى هبة جديدة، ولا
يكفي إقباضها من حيث كونها حقا للمشتري.
هذا كله مع تعارف إندار ذلك المقدار وعدم العلم بالزيادة. وأما
مع عدم (2) القيدين، فمع الشك في الزيادة والنقيصة وعدم العادة يجوز
الإندار، لكن مراعى بعدم انكشاف أحد الأمرين. ومعها (3) يجوز بناء
على انصراف العقد إليها (4). لكن فيه تأمل لو لم يبلغ حدا يكون
كالشرط في ضمن العقد، لأن هذا ليس من أفراد المطلق حتى ينصرف
بكون العادة صارفة له (5).
ثم الظاهر: أن الحكم المذكور غير مختص بظروف السمن والزيت،
بل يعم كل ظرف، كما هو ظاهر معقد الإجماع المتقدم عن فخر
الدين رحمه الله (6) وعبارة النهاية والوسيلة (7) والفاضلين والشهيدين والمحقق

(1) في " ش ": علمنا.
(2) كتب في " ش " فوق " عدم ": أحد - ظ -.
(3) كذا في " ش " و " خ "، وفي غيرهما: معهما، وصححت في " ن " و " ص " بما
أثبتناه.
(4) في غير " ش ": إليهما، وصححت في " ن " و " ص " بما أثبتناه.
(5) كذا في " ف " و " ش "، وفي سائر النسخ بدل " له ": إليه.
(6) راجع الصفحة 321.
(7) من هنا إلى قوله: " والمحقق الثاني رحمهم الله " لم ترد في " ف ".
331

الثاني رحمهم الله (1). ويؤيده الرواية المتقدمة عن قرب الإسناد (2).
لكن لا يبعد أن يراد بالظروف خصوص الوعاء المتعارف بيع
الشئ فيه وعدم تفريغه منه كقوارير الجلاب والعطريات، لا مطلق
اللغوي أعني: الوعاء. ويحتمل العموم، وهو ضعيف.
نعم، يقوى تعدية الحكم إلى كل مصاحب للمبيع يتعارف بيعه
معه كالشمع في الحلي المصوغة (3) من الذهب والفضة، وكذا للمظروف (4)
الذي يقصد ظرفه بالشراء إذا كان وجوده فيه تبعا له كقليل من
الدبس في الزقاق (5). وأما تعدية الحكم إلى كل ما ضم إلى المبيع مما
لا يراد بيعه معه فمما لا ينبغي احتماله.

(1) راجع النهاية: 401، والوسيلة: 246، والقواعد 1: 129، والتحرير 1:
179، واللمعة وشرحها (الروضة البهية) 3: 284، والمسالك 3: 182، وجامع
المقاصد 4: 115.
(2) تقدمت في الصفحة 328.
(3) في " م "، " ش " و " ص ": المصنوعة.
(4) كذا في " ش "، وفي " ن " ومحتمل " ف ": " المظروف "، وفي سائر النسخ:
الظروف.
(5) في " ف " ونسخة بدل " خ " زيادة: للمحافظة.
332

مسألة
يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه وإن لم يعلم إلا بوزن
المجموع، على المشهور، بل لم يوجد قائل بخلافه من الخاصة إلا
ما أرسله في الروضة (1)، ونسب في التذكرة إلى بعض العامة (2)، استنادا
إلى أن وزن ما يباع وزنا غير معلوم، والظرف لا يباع وزنا، بل لو
كان موزونا لم ينفع مع جهالة وزن كل واحد واختلاف قيمتهما، فالغرر
الحاصل في بيع (3) الجزاف حاصل هنا.
والذي يقتضيه النظر: أما فيما نحن فيه - مما جوز شرعا بيعه
منفردا عن الظرف مع جهالة وزنه - فالقطع بالجواز منضما، إذ لم يحصل
بالانضمام (4) مانع، ولا ارتفع شرط.
وأما في غيره من أحد المنضمين اللذين (5) لا يكفي في بيعه منفردا

(1) الروضة البهية 3: 284.
(2) التذكرة 1: 471.
(3) في " ع ": البيع.
(4) في غير " ف ": من الانضمام.
(5) كذا في النسخ، وفي مصححة " ن " ونسخة بدل " خ " و " ع ": الذي.
333

معرفة وزن المجموع، فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي، كما لو باع
سبيكة من ذهب مردد بين مائة مثقال وألف مع وصلة من رصاص قد
بلغ وزنهما (1) ألفي مثقال، فإن الإقدام على هذا البيع (2) إقدام على ما فيه
خطر يستحق لأجله اللوم من العقلاء.
وأما مع انتفاء الغرر الشخصي وانحصار المانع في النص الدال على
لزوم الاعتبار بالكيل والوزن (3) والإجماع المنعقد على بطلان البيع إذا
كان المبيع مجهول (4) المقدار في المكيل والموزن، فالقطع بالجواز، لأن
النص والإجماع إنما دلا (5) على لزوم اعتبار المبيع، لا كل جزء منه.
ولو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفردا مع معرفة وزن المجموع
دون الآخر، كما لو فرضنا جواز بيع الفضة المحشى بالشمع وعدم جواز
بيع الشمع كذلك، فإن فرضنا الشمع تابعا لا يضر جهالته، وإلا فلا.
ثم إن بيع المظروف مع الظرف يتصور على صور:
إحداها: أن يبيعه مع ظرفه (6) بعشرة مثلا، فيقسط الثمن على

(1) كذا في " ف " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: وزنها.
(2) في غير " ف "، " ن " و " ش ": المبيع.
(3) راجع الوسائل 12: 254، الباب 4 من أبواب عقد البيع وشروطه، وغيره
من الأبواب.
(4) في " ص ": المجهول.
(5) في غير " ص ": دل.
(6) كذا في " خ " و " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: أن يبيعه وما في
ظرفه.
334

قيمتي كل من المظروف والظرف لو احتيج إلى التقسيط، فإذا قيل:
قيمة الظرف درهم وقيمة المظروف تسعة، كان للظرف عشر الثمن.
الثانية: أن يبيعه مع ظرفه بكذا على أن كل رطل من المظروف
بكذا، فيحتاج إلى إندار مقدار للظرف، ويكون قيمة الظرف ما بقي بعد
ذلك. وهذا في معنى بيع كل منهما منفردا.
الثالثة: أن يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا على أن يكون
التسعير للظرف والمظروف. وطريقة التقسيط لو احتيج إليه - كما في
المسالك -: أن يوزن الظرف منفردا وينسب إلى الجملة ويؤخذ له من
الثمن بتلك النسبة (1)، وتبعه على هذا غير واحد (2). ومقتضاه: أنه لو كان
الظرف رطلين والمجموع عشرة أخذ له خمس الثمن.
والوجه في ذلك: ملاحظة الظرف والمظروف شيئا واحدا، حتى
أنه يجوز أن يفرض تمام الظرف كسرا مشاعا من المجموع ليساوي ثمنه
ثمن (3) المظروف. فالمبيع كل رطل من هذا المجموع، لا من المركب من
الظرف والمظروف، لأنه إذا باع كل رطل من الظرف والمظروف بدرهم
مثلا وزع الدرهم على الرطل والمظروف (4) بحسب قيمة مثلهما. فإذا كان

(1) المسالك 3: 281.
(2) مثل السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 754، وصاحب الجواهر في الجواهر
23: 234 - 235.
(3) في غير " ف " بدل " ثمن ": من.
(4) كذا في " ف " و " ش "، وفي غيرهما: " الرطل المظروف "، وصححت في " ن "
ب‍: الظرف والمظروف.
335

قيمة خمس الرطل المذكور - الذي هو وزن الظرف الموجود فيه -
مساويا لقيمة أربعة الأخماس التي هي مقدار المظروف الموجود، فكيف
يقسط الثمن عليه أخماسا؟
336

مسألة
المعروف بين الأصحاب - تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ " ينبغي " (1) -:
استحباب التفقه في مسائل الحلال والحرام المتعلقة بالتجارات، ليعرف
صحيح العقد من (2) فاسده ويسلم من الربا.
وعن إيضاح النافع: أنه قد يجب (3). وهو ظاهر عبارة الحدائق
أيضا (4).
وكلام المفيد رحمه الله في المقنعة أيضا لا يأبى الوجوب، لأنه - بعد
ذكر قوله تعالى: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن
تراض) * (5)، وقوله تعالى: * (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم
من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * (6) - قال: فندب إلى الإنفاق

(1) انظر النهاية: 371.
(2) في " ف ": عن.
(3) لا يوجد لدينا إيضاح النافع، نعم حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة
4: 132.
(4) راجع الحدائق 18: 19 و 23.
(5) النساء: 29.
(6) البقرة: 267.
337

من طيب الاكتساب، ونهى عن طلب الخبيث للمعيشة والإنفاق، فمن
لم يعرف فرق ما بين الحلال من المكتسب والحرام لم يكن مجتنبا للخبيث
من الأعمال، ولا كان على ثقة في تفقه (1) من طيب الاكتساب، وقال
تعالى أيضا: * (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم
الربا) * (2)، فينبغي أن يعرف البيع المخالف للربا ليعلم بذلك ما أحل الله
وحرم من المتاجر والاكتساب. وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام
أنه كان يقول: " من اتجر بغير علم فقد ارتطم في الربا، ثم ارتطم " (3).
ثم قال: قال الصادق عليه السلام: " من أراد التجارة فليتفقه في دينه،
ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر
تورط في الشبهات " (4)، انتهى (5).
أقول: ظاهر كلامه رحمه الله الوجوب، إلا أن تعبيره بلفظ " ينبغي "
ربما يدعى ظهوره في الاستحباب، إلا أن الإنصاف (6) أن ظهوره ليس
بحيث يعارض (7) ظهور ما في كلامه في الوجوب من باب المقدمة، فإن
معرفة الحلال والحرام واجبة على كل أحد بالنظر إلى ما يبتلى به (8) من

(1) في " ن " و " ص ": نفقة، والصواب: " نفقته "، كما في نسخة من المصدر.
(2) البقرة: 275.
(3) الوسائل 12: 283، الباب الأول من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.
(4) الوسائل 12: 283، الباب الأول من أبواب آداب التجارة، الحديث 4.
(5) المقنعة: 590 - 591.
(6) لم ترد " أن الانصاف " في " ف ".
(7) في غير " ف " و " ش ": " يتعارض "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
(8) في " ف ": " يبتنى عليه "، وفي " م " و " ع ": يبتنى به.
338

الأمور. وليس معرفة جميعها مما يتعلق بالإنسان وجوبها فورا دفعة،
بل عند الالتفات إلى احتمال الحرمة في فعل يريد أن يفعله، أو عند إرادة
الإقدام على أفعال يعلم بوجود الحرام بينها، فإنه معاقب على ما يفعله
من الحرام لو ترك التعلم وإن لم يلتفت عند فعله إلى احتمال تحريمه،
فإن التفاته السابق وعلمه بعدم خلو ما يريد مزاولتها من الأفعال من الحرام
كاف في حسن العقاب، وإلا لم يعاقب أكثر الجهال على أكثر المحرمات،
لأنهم يفعلونها وهم غير ملتفتين إلى احتمال حرمتها عند الارتكاب.
ولذا أجمعنا على أن الكفار يعاقبون على الفروع. وقد ورد ذم
الغافل المقصر في معصيته، في غير واحد من الأخبار (1).
ثم لو قلنا بعدم العقاب على فعل المحرم الواقعي الذي يفعله من
غير شعور (2) كما هو ظاهر جماعة - تبعا للأردبيلي رحمه الله -: من عدم
العقاب على الحرام المجهول حرمته عن تقصير، لقبح خطاب الغافل،
فيقبح عقابه. لكن (3) تحصيل العلم وإزالة الجهل واجب على هذا القول،
كما اعترفوا به.
والحاصل: أن التزام عدم عقاب الجاهل المقصر لا (4) على فعل
الحرام، ولا على ترك التعلم إلا إذا كان حين الفعل ملتفتا إلى احتمال

(1) راجع الكافي 1: 40، باب سؤال العالم، الحديث 1 و 2، والبحار 1: 177 -
178، الحديث 58.
(2) في غير " ش ": " من شعور "، إلا أنها صححت في بعض النسخ بما في المتن.
(3) في النسخ زيادة: " وجوب "، لكن شطب عليها في " ن ".
(4) كلمة " لا " من " ش " ونسخة بدل " خ ".
339

تحريمه لا يوجد له وجه، بعد ثبوت أدلة التحريم، ووجوب طلب العلم
على كل مسلم، وعدم تقبيح عقاب من التفت إلى وجود الحرام في
أفراد البيع التي يزاولها تدريجا على ارتكاب الحرام في هذا (1) الأثناء
وإن لم يلتفت حين إرادة ذلك الحرام.
ثم إن المقام يزيد على غيره بأن الأصل في المعاملات الفساد،
فالمكلف إذا أراد التجارة وبنى على التصرف فيما يحصل في يده من
أموال الناس (2) على وجه العوضية يحرم عليه ظاهرا الإقدام على كل
تصرف منها بمقتضى أصالة عدم انتقاله إليه إلا مع العلم بإمضاء الشارع
لتلك المعاملة، ويمكن أن يكون في قوله عليه السلام: " التاجر فاجر، والفاجر
في النار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق " (3) إشارة إلى هذا المعنى، بناء
على أن الخارج من العموم ليس إلا من علم بإعطاء الحق وأخذ الحق.
فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام (4) شرعي، لنهي
الشارع عن التصرف في مال لم يعلم انتقاله إليه، بناء على أصالة عدم
انتقاله إليه. وفي غير هذا المقام عقلي مقدمي لئلا يقع في الحرام.
وكيف كان، فالحكم باستحباب التفقه للتاجر محل نظر، بل الأولى
وجوبه عليه عقلا وشرعا، وإن كان وجوب معرفة باقي المحرمات من
باب العقل فقط.

(1) في " ص ": هذه.
(2) لم يرد " الناس " في غير " ف " و " ش " ونسخة بدل " خ ".
(3) الوسائل 12: 282، الباب الأول من أبواب آداب التجارة، الحديث الأول،
والصفحة 285، الباب 2 من الأبواب، الحديث 5.
(4) أي: مقام إرادة التصرف في مال كان سابقا للغير.
340

ويمكن توجيه كلامهم بإرادة التفقه الكامل ليطلع على مسائل الربا
الدقيقة والمعاملات الفاسدة كذلك، ويطلع على موارد الشبهة والمعاملات
الغير الواضحة الصحة فيجتنب عنها في العمل، فإن القدر الواجب هو
معرفة المسائل العامة البلوى، لا الفروع الفقهية المذكورة في المعاملات.
ويشهد للغاية الأولى قوله عليه السلام في مقام تعليل وجوب التفقه:
" إن الربا أخفى من دبيب النملة على الصفا " (1)، وللغاية الثانية قول
الصادق عليه السلام في الرواية المتقدمة: " من لم يتفقه ثم اتجر تورط في
الشبهات " (2)، لكن ظاهر صدره الوجوب، فلاحظ.
وقد حكي توجيه كلامهم بما ذكرنا عن غير واحد (3). ولا يخلو
عن وجه في مقام التوجيه.
ثم إن التفقه في مسائل التجارة لما كان مطلوبا للتخلص عن
المعاملات الفاسدة التي أهمها الربا - الجامعة بين أكل المال بالباطل
وارتكاب الموبقة الكذائية - لم يعتبر فيه كونه عن اجتهاد، بل يكفي فيه
التقليد الصحيح، فلا تعارض بين أدلة التفقه هنا، وأدلة تحصيل المعاش.
نعم، ربما أورد (4) في هذا المقام - وإن كان خارجا عنه - التعارض

(1) الوسائل 12: 282، الباب الأول من أبواب آداب التجارة، الحديث الأول.
(2) تقدمت في الصفحة 338.
(3) لم نعثر على حكاية هذا التوجيه بعينه في كلام الفقهاء، نعم يظهر مما قاله
المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 116 وصاحب الجواهر في الجواهر 22: 451،
وراجع مفتاح الكرامة 4: 132، وفيه: بل قد يجب كما في إيضاح النافع.
(4) أورده صاحب الحدائق في الحدائق 18: 9 و 15 وغيره.
341

بين أدلة طلب مطلق العلم، الشامل لمعرفة مسائل العبادات وأنواع
المعاملات المتوقف على الاجتهاد، وبين أدلة طلب الاكتساب والاشتغال
في تحصيل المال لأجل الإنفاق على من ينبغي أن ينفق عليه، وترك
إلقاء كله على الناس الموجب لاستحقاق اللعن، فإن الأخبار من
الطرفين كثيرة.
يكفي في طلب الاكتساب ما ورد: من أنه " أوحى الله تعالى إلى
داود على نبينا وآله وعليه السلام: يا داود إنك نعم العبد لولا أنك
تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا. فبكى عليه السلام أربعين صباحا
ثم ألان الله تعالى له الحديد، وكان يعمل كل يوم درعا ويبيعه بألف درهم،
فعمل ثلاثمائة وستين درعا فباعها واستغنى عن بيت المال... الحديث " (1).
وما أرسله في الفقيه عن الصادق عليه السلام: " ليس منا من ترك
دنياه لآخرته، أو آخرته لدنياه " (2)، وأن " العبادة سبعون جزءا أفضلها
طلب الحلال " (3).
وأما الأخبار في طلب العلم وفضله فهي أكثر من أن تذكر،
وأوضح من أن تحتاج إلى الذكر.
وذكر في الحدائق: أن الجمع بينهما بأحد وجهين:
أحدهما - وهو الأظهر بين علمائنا -: تخصيص أخبار وجوب
طلب الرزق بأخبار وجوب طلب العلم، ويقال بوجوب ذلك على

(1) الوسائل 12: 22، الباب 9 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 3.
(2) الفقيه 3: 156، الحديث 3568، والوسائل 12: 49، الباب 28 من أبواب
مقدمات التجارة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 12: 11، الباب 4 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 6.
342

غير طالب العلم المشتغل بتحصيله (1) واستفادته وتعليمه وإفادته. قال:
وبهذا الوجه صرح الشهيد الثاني رحمه الله في رسالته المسماة ب‍ " منية المريد
في آداب المفيد والمستفيد " حيث قال في جملة شرائط العلم:
وأن يتوكل على الله ويفوض أمره إليه، ولا يعتمد على الأسباب
فيوكل إليها (2) وتكون (3) وبالا عليه، ولا على أحد من خلق الله تعالى،
بل يلقي مقاليد أمره إلى الله تعالى، يظهر له من نفحات قدسه ولحظات
أنسه ما به يحصل مطلوبه ويصلح به مراده. وقد ورد في الحديث عن
النبي صلى الله عليه وآله أن الله تعالى قد تكفل لطالب العلم برزقه عما ضمنه
لغيره " بمعنى: أن غيره يحتاج إلى السعي على الرزق حتى يحصل له،
وطالب العلم لا يكلف بذلك بل بالطلب، وكفاه مؤونة الرزق إن
أحسن النية، وأخلص القربة. وعندي في ذلك من الوقائع ما لو جمعته
[بلغ] (4) ما لا يعلمه إلا الله من حسن صنع الله تعالى [وجميل معونته
منذ] (5) ما اشتغلت بالعلم، وهو مبادئ عشر الثلاثين وتسعمائة إلى
يومنا هذا، وهو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة.
وبالجملة، ليس الخبر كالعيان. وروى شيخنا المقدم محمد بن يعقوب
الكليني قدس سره بإسناده إلى الحسين بن علوان، قال: كنا في مجلس نطلب

(1) في " ف ": " المستقل بتحصيله "، وفي سائر النسخ: " المستقل تحصيله "، وما
أثبتناه من المصدر ومصححة " ن ".
(2) في النسخ: فيتوكل عليها، والصواب ما أثبتناه من المصدر.
(3) كذا في " ن " والمصدر، وفي سائر النسخ: " ويكون "، وفي بعضها: فيكون.
(4) من المصدر.
(5) من المصدر.
343

فيه العلم، وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعض أصحابي:
من تؤمل لما قد نزل بك؟ فقلت: فلانا، فقال: إذا والله لا تسعف
بحاجتك ولا تبلغ أملك ولا تنجح طلبتك! قلت: وما علمك رحمك
الله؟ قال: إن أبا عبد الله عليه السلام حدثني: أنه قرأ في بعض كتبه: " إن
الله تبارك وتعالى يقول: وعزتي وجلالي ومجدي وارتفاعي (1) على
عرشي لأقطعن أمل كل مؤمل غيري باليأس، ولأكسونه ثوب المذلة
عند الناس، ولأنحينه من قربي، ولأبعدنه من وصلي، أيؤمل غيري في
الشدائد والشدائد بيدي؟! ويرجو غيري ويقرع باب غيري وبيدي
مفاتيح الأبواب وهي مغلقة، وبابي مفتوح لمن دعاني، فمن ذا الذي
أملني لنوائبه فقطعته دونها؟ ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت
رجاءه مني؟ جعلت آمال عبادي عندي محفوظة، فلم يرضوا بحفظي،
وملأت سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي، وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب
بيني وبين عبادي، فلم يثقوا بقولي. ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي
أنه لا يملك كشفها أحد غيري إلا من بعد إذني، فما لي أراه لاهيا
عني؟ أعطيته بجودي ما لم يسألني، ثم انتزعته عنه (2) فلم يسألني رده
وسأل غيري، أفتراني أبدأ بالعطايا قبل المسألة ثم أسأل فلا أجيب
سائلي؟ أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟ أو ليس الجود والكرم لي؟ أو ليس
العفو والرحمة بيدي؟ أو ليس أنا محل الآمال، فمن يقطعها دوني؟

(1) كذا في " ص " والحدائق ومنية المريد والكافي، وفي النسخ: " وارتفاع
مكاني ".
(2) في غير " ف ": منه.
344

أفلا يخشى (1) المؤملون أن يؤملوا غيري؟ فلو أن أهل سماواتي وأهل
أرضي أملوا جميعا ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمل الجميع
ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة، وكيف ينقص ملك أنا قيمه؟
فيا بؤسا للقانطين من رحمتي! ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني! " انتهى
الحديث الشريف، وانتهى كلام شيخنا الشهيد رحمه الله (2).
قال في الحدائق: ويدل على ذلك بأصرح دلالة ما رواه في
الكافي بإسناده إلى أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه، قال: سمعت أمير
المؤمنين عليه السلام يقول: " أيها الناس، إن كمال الدين طلب العلم والعمل
به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم
مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه لكم، وسيفي لكم، والعلم
مخزون عند أهله، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه... الخبر " (3).
قال: ويؤكده ما رواه في الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي
وكبريائي ونوري، وعظمتي وعلوي وارتفاع مكاني (4) لا يؤثر عبد
هواي على هواه إلا استحفظته ملائكتي، وكفلت السماوات والأرضين

(1) كذا في " ف " و " خ " ونسخة بدل بعض النسخ، وفي سائر النسخ: أفلا يستحي.
(2) منية المريد: 62 - 63، وراجع الكافي 2: 66، الحديث 7.
(3) الكافي 1: 30، الحديث 4.
(4) في الحدائق والكافي بعد القسم: لا يؤثر عبد هواه على هواي إلا شتت عليه
أمره، ولبست عليه دنياه وشغلت قلبه بها، ولم أوته منها إلا ما قدرت له،
وعزتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني... الخ.
345

رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر، فتأتيه الدنيا وهي راغمة (1) (2).
انتهى كلامه (3).
وأنت خبير بأن ما ذكره من كلام الشهيد رحمه الله وما ذكره من
الحديث القدسي لا ارتباط له بما ذكر من دفع التنافي بين أدلة الطرفين،
لأن ما ذكر (4) من التوكل على الله وعدم ربط القلب بغيره (5) لا ينافي
الاشتغال بالاكتساب، ولذا كان أمير المؤمنين - صلوات الله عليه وعلى
أخيه وزوجته وولديه وذريته - جامعا بين أعلى مراتب التوكل وأشد
مشاق الاكتساب، وهو الاستقاء لحائط اليهودي (6)، وليس الشهيد أيضا
في مقام أن طلب العلم أفضل من التكسب وإن كان أفضل، بل في
مقام أن طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم فليكن منقطعا عن
الأسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب العلوم من الوظائف المستمرة

(1) كذا في المصدر، ولكن في النسخ: " زاعمة "، وقال المامقاني - بعد أن أثبتها
بالزاي والعين المهملة -: في نسخة من الحدائق وفي الوسائل المصححة على خط
المؤلف " راغمة " بالراء المهملة والعين المعجمة، ومعنى الكلمة حينئذ: " ذليلة
منقادة " (غاية الآمال: 478).
(2) في النسخ زيادة: " الحديث "، والظاهر أنه لا وجه لها، لأن الحديث مذكور
بتمامه، راجع الكافي 2: 335، الحديث 2.
(3) الحدائق 18: 9 - 12.
(4) في " ص ": ما ذكره.
(5) في غير " ص " ومصححة " ن ": لغيره.
(6) كما نقله ابن أبي الحديد في مقدمة شرحه لنهج البلاغة 1: 22، وعنه البحار
41: 144.
346

من السلاطين، والحاصلة من الموقوفات للمدارس وأهل العلم،
والموجودة الحاصلة غالبا للعلماء والمشتغلين من معاشرة السلطان
وأتباعه والمراودة مع التجار والأغنياء والعلماء الذين لا ينتفع منهم
إلا بما في أيديهم من وجوه الزكوات ورد المظالم والأخماس وشبه ذلك،
كما كان ذلك (1) متعارفا في ذلك الزمان، بل في كل زمان، فربما جعل
الاشتغال بالعلم بنفسه سببا للمعيشة من الجهات التي ذكرناها.
وبالجملة، فلا شهادة فيما ذكر من كلام الشهيد رحمه الله - من أوله إلى
آخره - وما أضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور، أعني: تخصيص
أدلة طلب الحلال بغير طالب العلم.
ثم إنه لا إشكال في أن كلا من طلب العلم وطلب الرزق ينقسم
إلى الأحكام الأربعة أو الخمسة.
ولا ريب أن المستحب من أحدهما لا يزاحم الواجب، ولا الواجب
الكفائي الواجب العيني. ولا إشكال أيضا في أن الأهم من الواجبين
العينيين (2) مقدم على غيره، وكذا الحكم في الواجبين الكفائيين مع ظن
قيام الغير به. وقد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال غيره بالعلم،
فيجب أو يستحب مقدمة.
بقي الكلام في المستحب من الأمرين عند فرض عدم إمكان الجمع
بينهما، ولا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المرتبة على
الأمرين.

(1) لم ترد " ذلك " في غير " ف ".
(2) في غير " ف ": المعينين.
347

فرب من لا يحصل له باشتغاله بالعلم إلا شئ قليل لا يترتب
عليه كثير فائدة، ويترتب على اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة، منها:
تكفل أحوال المشتغلين من ماله أو مال أقرانه من التجار المخالطين معه
على وجه الصلة أو الصدقة الواجبة والمستحبة، فيحصل بذلك ثواب
الصدقة وثواب الإعانة الواجبة أو المستحبة على تحصيل العلم.
ورب من يحصل بالاشتغال مرتبة عالية من العلم يحيي بها فنون
علم الدين، فلا يحصل له من كسبه إلا قليل من الرزق، فإنه لا إشكال
في أن اشتغاله بالعلم والأكل من وجوه الصدقات أرجح. وما ذكر من
حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام (1) فإنما هو لعدم مزاحمة
اشتغاله بالكسب لشئ من وظائف النبوة والرئاسة العلمية.
وبالجملة، فطلب كل من العلم والرزق إذا لوحظ المستحب منهما
من حيث النفع العائد إلى نفس الطالب كان طلب العلم أرجح، وإذا
لوحظ من جهة النفع الواصل إلى الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع
الواصل.
فثبت من ذلك كله: أن تزاحم هذين المستحبين كتزاحم سائر
المستحبات المتنافية، كالاشتغال بالاكتساب أو طلب العلم الغير الواجبين
مع المسير إلى الحج (2) أو إلى مشاهد الأئمة عليهم السلام، أو مع السعي في
قضاء حوائج الإخوان الذي لا يجامع طلب العلم أو المال الحلال، إلى
غير ذلك، مما لا يحصى.

(1) ذكره في الصفحة 342.
(2) في " ش " كتب فوق " الحج ": المستحب.
348

مسألة
لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان بالشروط الآتية، واختلفوا
في حرمته وكراهته، فعن التقي (1) والقاضي (2) والحلي (3) والعلامة في
المنتهى (4): الحرمة، وهو المحكي عن ظاهر الدروس (5) وحواشي المحقق
الثاني (6).

(1) حكاه عنه في المختلف 5: 42 ولكن لم نعثر في الكافي إلا على هذه العبارة:
" ويكره تلقي الركبان "، انظر الكافي في الفقه: 360.
(2) حكاه عنه أيضا العلامة في المختلف، ولكن لم نعثر عليه في ما بأيدينا من
كتبه قدس سره.
(3) السرائر 2: 237.
(4) المنتهى 2: 1005.
(5) حكاه السيد الطباطبائي في الرياض (الطبعة الحجرية) 1: 521، وانظر
الدروس 3: 179، ولكن كلامه صريح في الحرمة كما قاله السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 4: 102.
(6) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 102 عن حواشيه الثلاثة.
349

وعن الشيخ وابن زهرة: لا يجوز (1). وأول في المختلف عبارة
الشيخ بالكراهة (2).
وهي - أي الكراهة (3) - مذهب الأكثر، بل عن إيضاح النافع:
أن الشيخ ادعى الإجماع على عدم التحريم (4). وعن نهاية الإحكام:
تلقي الركبان مكروه عند أكثر علمائنا، وليس حراما إجماعا (5).
ومستند التحريم ظواهر الأخبار:
منها: ما عن منهال القصاب، قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام:
لا تلق (6)، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن التلقي. قلت: وما حد
التلقي؟ قال: ما دون غدوة أو روحة، قلت: وكم الغدوة والروحة؟
قال: أربعة فراسخ. قال ابن أبي عمير: وما فوق ذلك فليس بتلق " (7).

(1) حكاه عن الشيخ العلامة في المختلف 5: 43، والسيد العاملي في مفتاح
الكرامة 4: 102، وأما عن ابن زهرة فلم نعثر على الحكاية عنه بلفظ " لا يجوز "،
بل حكى السيد العاملي عنه في مفتاح الكرامة 4: 101 بلفظ " نهى ". راجع
المبسوط 2: 160، والخلاف 3: 172، كتاب البيوع، المسألة 282، والغنية:
216، وفيه: " ونهى عن تلقي الركبان " كما حكاه السيد العاملي عنه.
(2) المختلف 5: 43.
(3) لم ترد " أي الكراهة " في " ف ".
(4) لا يوجد الإيضاح عندنا، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة
4: 101.
(5) نهاية الإحكام 2: 517.
(6) لم ترد " لا تلق " في النسخ، واستدركت في " ش " و " ص " من المصدر.
(7) الوسائل 12: 326، الباب 36 من أبواب آداب التجارة، الحديث الأول.
350

وفي خبر عروة: " لا يتلقى (1) أحدكم تجارة خارجا من المصر،
ولا يبيع (2) حاضر لباد، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض " (3).
وفي رواية أخرى: " لا تلق ولا تشتر ما يتلقى ولا تأكل منه " (4).
وظاهر النهي عن الأكل كونه لفساد المعاملة، فيكون أكلا
بالباطل، ولم يقل به إلا الإسكافي (5).
وعن ظاهر المنتهى: الاتفاق على خلافه (6)، فتكون الرواية - مع
ضعفها - مخالفة لعمل الأصحاب، فتقصر عن إفادة الحرمة والفساد.
نعم لا بأس بحملها على الكراهة لو وجد القول بكراهة الأكل
مما يشترى من المتلقي، ولا بأس به حسما لمادة التلقي.
ومما ذكرنا يعلم: أن النهي في سائر الأخبار أيضا محمول على
الكراهة، الموافقة (7) للأصل مع ضعف الخبر ومخالفته للمشهور.

(1) في " ن " ونسخة بدل " خ ": لا يتلق.
(2) كذا في " ش " وفي " ن " و " ص ": " ولا يبع "، وفي سائر النسخ: ولا بيع.
(3) أورد صدره في الوسائل 12: 326، الباب 36 من أبواب آداب التجارة،
الحديث 5، وذيله في الصفحة 327، الباب 37 من الأبواب، الحديث الأول.
(4) الوسائل 12: 326، الباب 36 من أبواب آداب التجارة، الحديث 3.
(5) لا يوجد لدينا كتابه، نعم حكاه عنه العلامة في المختلف 5: 44، والشهيد في
الدروس 3: 179، وغيرهما.
(6) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 18: 58، وراجع المنتهى 2: 1005،
وفيه: فالبيع صحيح في قول عامة العلماء.
(7) في " ش ": لموافقته.
351

ثم إن حد التلقي أربعة فراسخ، كما في كلام بعض (1).
والظاهر أن
مرادهم خروج الحد عن المحدود، لأن الظاهر زوال المرجوحية إذا كان
أربعة فراسخ. وقد تبعوا بذلك مرسلة الفقيه.
وروي: " أن حد التلقي روحة، فإذا بلغ إلى أربعة فراسخ فهو
جلب " (2)، فإن الجمع بين صدرها وذيلها لا يكون إلا بإرادة خروج
الحد عن المحدود. كما أن ما في الرواية السابقة: أن حده " ما دون
غدوة أو روحة " (3) محمول على دخول الحد في المحدود.
لكن قال في المنتهى: حد علماؤنا التلقي بأربعة فراسخ، فكرهوا
التلقي إلى ذلك الحد، فإن زاد على ذلك كان تجارة وجلبا، وهو ظاهر،
لأن بمضيه ورجوعه يكون مسافرا، ويجب عليه القصر فيكون سفرا
حقيقيا - إلى أن قال: - ولا نعرف بين علمائنا خلافا فيه (4)، انتهى.
والتعليل بحصول السفر الحقيقي يدل على مسامحة في التعبير، ولعل
الوجه في التحديد بالأربعة: أن الحصول (5) على الأربعة بلا زيادة
ونقيصة نادر، فلا يصلح أن يكون ضابطا لرفع الكراهة، إذ لا يقال: إنه
وصل إلى الأربعة إلا إذا تجاوز عنها ولو يسيرا.

(1) نسبه في المنتهى (2: 1006) إلى علمائنا كما سيأتي عنه، وقال في الحدائق:
" الظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا "، وراجع لسائر التعابير مفتاح الكرامة 4: 105.
(2) الفقيه 3: 274، الحديث 3990، والوسائل 12: 327، الباب 36 من أبواب
آداب التجارة، الحديث 6.
(3) تقدمت في الصفحة 350، وهي رواية منهال القصاب.
(4) المنتهى 2: 1006.
(5) في " ش ": الوصول.
352

فالظاهر أنه لا إشكال في أصل الحكم وإن وقع اختلاف في
التعبير في النصوص والفتاوى.
ثم إنه لا إشكال في اعتبار القصد، إذ بدونه لا يصدق عنوان
التلقي، فلو تلقى الركب في طريقه ذاهبا أو جائيا لم يكره المعاملة معهم.
وكذا في اعتبار قصد المعاملة من المتلقي، فلا يكره لغرض آخر ولو
اتفقت المعاملة.
قيل: ظاهر التعليل في رواية عروة - المتقدمة (1) - اعتبار جهل
الركب بسعر البلد (2).
وفيه: أنه مبني على عدم اختصاص القيد بالحكم الأخير،
فيحتمل أن تكون العلة في كراهة التلقي مسامحة الركب في الميزان بما
لا يتسامح به المتلقي، أو مظنة حبس المتلقين ما اشتروه، أو ادخاره عن
أعين الناس وبيعه تدريجا. بخلاف ما إذا أتى الركب وطرحوا أمتعتهم
في الخانات والأسواق، فإن له أثرا بينا في امتلاء أعين الناس - خصوصا
الفقراء - وقت الغلاء إذا أتي بالطعام.
وكيف كان، فاشتراط الكراهة بجهلهم بسعر البلد محل مناقشة.
ثم إنه لا فرق بين أخذ المتلقي بصيغة البيع أو الصلح أو غيرهما.
نعم، لا بأس باستيهابهم ولو بإهداء شئ إليهم.

(1) تقدمت في الصفحة 351.
(2) لم نعثر على هذا التعبير بعينه، نعم قال في المسالك - بعد أن ذكر قيد جهل
الركب -: " كما يشعر به التعليل "، وقال مثله في الجواهر، وقال في الحدائق
- بعد أن ذكر القيد -: " أقول: وإليه يشير التعليل في رواية عروة... "، انظر
المسالك 3: 189، والجواهر 22: 473، والحدائق 18: 57.
353

ولو تلقاهم لمعاملات أخر غير شراء متاعهم، فظاهر الروايات
عدم المرجوحية.
نعم، لو جعلنا المناط ما يقرب من قوله عليه السلام: " المسلمون يرزق
الله بعضهم من بعض " (1) قوي سراية الحكم إلى بيع شئ منهم
وإيجارهم المساكن والخانات.
كما أنه إذا جعلنا المناط في الكراهة كراهة غبن الجاهل، كما يدل
عليه النبوي العامي: " لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى
السوق فهو بالخيار " (2) قوي سراية الحكم إلى كل معاملة توجب غبنهم،
كالبيع والشراء منهم متلقيا (3)، وشبه ذلك. لكن الأظهر هو الأول.
وكيف كان، فإذا فرض جهلهم بالسعر فثبت (4) لهم الغبن الفاحش
كان لهم الخيار. وقد يحكى عن الحلي ثبوت الخيار وإن لم يكن غبن (5)،
ولعله لإطلاق (6) النبوي المتقدم المحمول على صورة تبين الغبن بدخول
السوق والاطلاع على القيمة.
واختلفوا في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي على قولين،
سيجئ ذكر الأقوى منهما في مسألة خيار الغبن إن شاء الله.

(1) في حديث عروة المتقدم في الصفحة 351.
(2) السنن الكبرى 5: 348، باب النهي عن تلقي السلع.
(3) كذا في " ش " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: متلقى.
(4) في غير " ش ": " فيثبت "، لكن صححت في " ن " بما أثبتناه.
(5) حكاه في الجواهر 22: 474، عن ظاهر المحكي عنه، وراجع السرائر 2:
238.
(6) العبارة في غير " ف " و " ش " هكذا: وإن لم يكن غبن كإطلاق... الخ.
354

مسألة
يحرم النجش على المشهور، كما في الحدائق (1)، بل عن المنتهى
وجامع المقاصد: أنه محرم (2) إجماعا (3).
لرواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: الواشمة والمؤتشمة والناجش والمنجوش ملعونون على
لسان محمد صلى الله عليه وآله " (4).
وفي النبوي المحكي عن معاني الأخبار: " لا تناجشوا ولا تدابروا "،
قال: ومعناه: أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها،
ليسمع غيره فيزيد بزيادته، والناجش خائن، والتدابر: الهجران (5)،
انتهى كلام الصدوق.

(1) الحدائق 18: 44.
(2) في " ف ": يحرم.
(3) المنتهى 2: 1004، وجامع المقاصد 4: 39.
(4) الوسائل 12: 337، الباب 49 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.
(5) معاني الأخبار: 284، والوسائل 12: 338، الباب 49 من أبواب آداب
التجارة، الحديث 4.
355

والظاهر أن المراد بزيادة الناجش: مواطاة البائع المنجوش له (1).

(1) قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط: النجش أن تواطئ رجلا إذا أراد بيعا
أن تمدحه، أو أن يريد الإنسان أن يبيع بياعه فتساومه فيها بثمن كثير لينظر
إليك ناظر فيقع فيها... القاموس المحيط 2: 289، مادة " نجش ".
وقال الجوهري في الصحاح: النجش: أن تزايد في المبيع ليقع غيرك وليس
من حاجتك. الصحاح 3: 1021، مادة " نجش ".
وقال الفيومي في المصباح المنير: نجش الرجل نجشا من باب قتل إذا زاد في
سلعة أكثر من ثمنها وليس قصده أن يشتريها، بل ليغر غيره فيوقعه فيه، وكذلك
في النكاح وغيره، والاسم النجش. المصباح المنير: 594، مادة " نجش ".
356

مسألة
إذا دفع إنسان إلى غيره مالا ليصرفه في قبيل يكون المدفوع
إليه منهم، ولم يحصل للمدفوع إليه ولاية على ذلك المال من دون
الدافع - ك‍: مال الإمام، أو رد المظالم المدفوع إلى الحاكم -
فله
صور:
إحداها: أن تظهر (1) قرينة على عدم جواز (2) رضاه بالأخذ منه،
كما إذا عين له منه مقدارا قبل الدفع أو بعده. ولا إشكال في عدم
الجواز، لحرمة التصرف في مال الناس على غير الوجه المأذون فيه.
الثانية: أن تظهر (3) قرينة حالية أو مقالية على جواز أخذه منه
مقدارا مساويا لما يدفع إلى غيره أو أنقص أو أزيد. ولا إشكال في
الجواز حينئذ.

(1) في غير " ف ": " يظهر "، وهذا أيضا صحيح من باب الإفعال، والضمير
المستتر يرجع إلى الدافع.
(2) الظاهر زيادة كلمة " جواز "، ولذا شطب عليها في " ن ".
(3) في غير " ف ": " يظهر "، وهذا أيضا صحيح كما تقدم في الهامش السابق.
357

إلا أنه قد يشكل الأمر فيما لو اختلف مقدار المدفوع إلى
الأصناف المختلفة، كأن عين للمجتهدين مقدارا، وللمشتغلين مقدارا،
وأعتقده (1) الدافع بعنوان يخالف معتقد المدفوع إليه.
والتحقيق هنا: مراعاة معتقد المدفوع إليه إن كان عنوان الصنف
على وجه الموضوعية، كأن يقول: ادفع إلى كل مشتغل كذا وإلى كل
مجتهد كذا، وخذ أنت ما يخصك. وإن كان على وجه الداعي بأن كان
عنوان الصنف داعيا إلى تعيين ذلك المقدار، كان المتبع اعتقاد الدافع،
لأن الداعي إنما يتفرع على الاعتقاد لا الواقع.
الثالثة: أن لا تقوم قرينة على أحد الأمرين، ويطلق المتكلم.
وقد اختلف فيه كلماتهم بل كلمات واحد منهم، فالمحكي عن وكالة
المبسوط (2) وزكاة السرائر (3) ومكاسب النافع (4) وكشف الرموز (5) والمختلف (6)
والتذكرة (7) وجامع المقاصد (8): تحريم الأخذ مطلقا.

(1) في " ص ": " واعتقد "، وعلى فرض صحة ما أثبتناه من سائر النسخ،
فالضمير راجع إلى " مقدار المدفوع " أو راجع إلى " غيره " المتقدم في أول
المسألة.
(2) المبسوط 2: 403.
(3) السرائر 1: 463.
(4) المختصر النافع: 118.
(5) كشف الرموز 1: 443 - 444.
(6) المختلف 5: 24.
(7) التذكرة 1: 583.
(8) جامع المقاصد 4: 43.
358

وعن النهاية (1) ومكاسب السرائر (2) والشرائع (3) والتحرير (4) والإرشاد (5)
والمسالك (6) والكفاية (7): أنه يجوز له الأخذ منه إن أطلق من دون
زيادة على غيره. ونسبه في الدروس إلى الأكثر (8)، وفي الحدائق إلى
المشهور (9)، وفي المسالك: هكذا شرط كل من سوغ له الأخذ (10).
وعن نهاية الإحكام (11) والتنقيح (12) والمهذب البارع (13) والمقتصر (14):
الاقتصار على نقل القولين.
وعن المهذب البارع: حكاية التفصيل بالجواز (15) إن كانت الصيغة

(1) النهاية: 366.
(2) السرائر 2: 223.
(3) الشرائع 2: 12.
(4) التحرير 1: 162.
(5) إرشاد الأذهان 1: 358.
(6) المسالك 3: 138.
(7) الكفاية: 88.
(8) الدروس 3: 171.
(9) الحدائق 18: 237.
(10) المسالك 3: 138.
(11) نهاية الإحكام 2: 526.
(12) التنقيح الرائع 2: 20.
(13) المهذب البارع 2: 353 - 354.
(14) في غير " ف ": المقنعة، والصواب - ظاهرا - ما أثبتناه، راجع المقتصر: 165.
(15) في غير " ف " و " ش ": " الجواز "، وصححت في " ن " بما أثبتناه.
359

بلفظ " ضعه فيهم " أو ما أدى معناه، والمنع إن كانت بلفظ " إدفعه " (1).
وعن التنقيح عن بعض الفضلاء: أنه إن قال: " هو للفقراء "
جاز، وإن قال: " أعطه للفقراء "، فإن علم فقره لم يجز، إذ لو أراده
لخصه، وإن لم يعلم جاز (2).
احتج القائل بالتحريم - مضافا إلى ظهور اللفظ في مغايرة المأمور
بالدفع (3) للمدفوع إليهم، المؤيد بما قالوه فيمن وكلته امرأة أن يزوجها
من شخص فزوجها من نفسه، أو وكله في شراء شئ فأعطاه من عنده -
بصحيحة (4) ابن الحجاج المسندة في التحرير إلى مولانا الصادق عليه السلام
وإن أضمرت في غيره، قال: " سألته عن رجل أعطاه رجل مالا
ليصرفه في محاويج أو في مساكين، وهو يحتاج، أيأخذ منه لنفسه
ولا يعلمه هو؟ قال: لا يأخذ شيئا حتى يأذن له صاحبه " (5).
واحتج المجوزون (6): بأن العنوان المدفوع إليه شامل له، والغرض (7)
الدفع إلى هذا العنوان من غير ملاحظة لخصوصية الغير، واللفظ وإن

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 110، وراجع المهذب البارع 2:
353 - 354.
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 110، وراجع التنقيح 3: 21.
(3) في غير " ش ": " المأمور الدافع "، وصححت في " خ " بما أثبتناه.
(4) كذا في " ف " ومصححة " ن "، وفي سائر النسخ: مصححة.
(5) الوسائل 12: 206، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.
(6) راجع الكتب المنقولة عنها أقوال الفقهاء في الصفحة السابقة.
(7) في غير " ف ": الفرض.
360

سلم عدم شموله له لغة، إلا أن المنساق عرفا صرفه إلى كل من اتصف
بهذا العنوان، فالعنوان موضوع لجواز الدفع يحمل عليه الجواز.
نعم، لو كان المدفوع إليهم أشخاصا خاصة، وكان الداعي على
الدفع اتصافهم بذلك الوصف لم يشمل المأمور. والرواية معارضة
بروايات أخر، مثل:
ما عن الكافي - في الصحيح - عن سعيد بن يسار، قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يعطى الزكاة يقسمها في أصحابه، أيأخذ
منها شيئا؟ قال: نعم " (1).
وعن الحسين بن عثمان - في الصحيح أو الحسن بابن هاشم -: " في
رجل أعطي مالا يفرقه في من يحل له، أيأخذ منه شيئا لنفسه وإن لم
يسم له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره " (2).
وصحيحة ابن الحجاج، قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن
الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ممن تحل
له الصدقة؟ قال: لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، ولا يجوز له
أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه " (3).
والذي ينبغي أن يقال: أما من حيث دلالة اللفظ الدال على
الإذن في الدفع والصرف، فإن المتبع الظهور العرفي وإن كان ظاهرا

(1) الكافي 3: 555، الحديث الأول، والوسائل 12: 206، الباب 84 من أبواب
ما يكتسب به، الحديث الأول.
(2) الوسائل 6: 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
(3) الوسائل 6: 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
361

بحسب الوضع اللغوي في غيره، كما أن الظهور الخارجي الذي يستفاد
من القرائن الخارجية مقدم على الظهور العرفي الثابت للفظ المجرد عن
تلك القرائن.
ثم إن التعبد في حكم هذه المسألة لا يخلو عن بعد، فالأولى حمل
الأخبار المجوزة على ما إذا كان غرض المتكلم صرف المدفوع في
العنوان المرسوم له من غير تعلق الغرض بخصوص فرد دون آخر،
وحمل الصحيحة المانعة (1) على ما إذا لم يعلم الآمر بفقر المأمور فأمره (2)
بالدفع إلى مساكين على وجه تكون المسكنة داعيا (3) إلى الدفع لا موضوعا،
ولما لم يعلم المسكنة في المأمور لم يحصل داع على الرضا بوصول
شئ من المال إليه.
ثم على تقدير المعارضة، فالواجب الرجوع إلى ظاهر اللفظ،
لأن الشك بعد تكافؤ الأخبار في الصارف الشرعي عن الظهور العرفي.
ولو لم يكن للفظ ظهور فالواجب بعد التكافؤ الرجوع إلى المنع، إذ
لا يجوز التصرف في مال الغير إلا بإذن من المالك أو الشارع.

(1) في " ف " و " خ " ونسخة بدل " ن "، " ع " و " ش ": " السابقة "، وهي
صحيحة ابن الحجاج المتقدمة في الصفحة السابقة.
(2) في النسخ: " فأمرها "، وفي نسخة بدل " خ " ومصححة " ن " ما أثبتناه.
(3) كذا، والمناسب: داعية.
362

مسألة
احتكار الطعام - وهو كما في الصحاح (1) وعن المصباح (2): جمع
الطعام وحبسه يتربص به الغلاء - لا خلاف في مرجوحيته.
وقد اختلف في حرمته، فعن المبسوط (3) والمقنعة (4) والحلبي - في
كتاب المكاسب (5) - والشرائع (6) والمختلف (7): الكراهة.
وعن كتب الصدوق (8) والاستبصار (9) والسرائر (10) والقاضي (11)

(1) صحاح اللغة 2: 635، مادة: " حكر ". وفي " ف " زيادة: والنهاية، وانظر
النهاية لابن الأثير 1: 417، مادة: " حكر ".
(2) المصباح المنير: 145، مادة " حكر ".
(3) المبسوط 2: 195.
(4) المقنعة: 616. (5) الكافي في الفقه: 283.
(6) الشرائع 2: 21. (7) المختلف 5: 38.
(8) حكى ذلك عنها السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 107، راجع المقنع:
372، والفقيه 3: 265.
(9) الإستبصار 3: 115، ذيل الحديث 408.
(10) السرائر 2: 218. (11) المهذب 1: 346.
363

والتذكرة (1) والتحرير (2) والإيضاح (3) والدروس (4) وجامع المقاصد (5)
والروضة (6): التحريم.
وعن التنقيح (7) والميسية (8): تقويته. وهو الأقوى بشرط عدم باذل
الكفاية (9)، لصحيحة سالم الحناط، قال: " قال لي أبو عبد الله عليه السلام:
ما عملك؟ قلت: حناط، وربما قدمت على نفاق وربما قدمت على
كساد فحبست. قال: فما يقول من قبلك فيه؟ قلت: يقولون: محتكر.
قال: يبيعه أحد غيرك؟ قلت: ما أبيع أنا من ألف جزء جزءا (10).
قال: لا بأس، إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له: حكيم بن
حزام، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله، فمر عليه النبي صلى الله عليه وآله
فقال له: يا حكيم بن حزام إياك أن تحتكر " (11)، فإن الظاهر منه أن
علة عدم البأس وجود الباذل، فلولاه حرم.

(1) التذكرة 1: 585.
(2) التحرير 1: 160.
(3) إيضاح الفوائد 1: 409.
(4) الدروس 3: 180.
(5) جامع المقاصد 4: 40.
(6) الروضة البهية 3: 218 و 298.
(7) التنقيح الرائع 2: 42.
(8) لا يوجد لدينا، ونقله عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 107.
(9) في " ف ": للكفاية.
(10) كذا في المصادر الحديثية، وفي النسخ: جزء.
(11) الوسائل 12: 316، الباب 28 من أبواب آداب التجارة، الحديث 3.
364

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: " أنه سئل عن
الحكرة، فقال: إنما الحكرة أن تشتري طعاما وليس في المصر غيره
فتحتكره، فإن كان في المصر طعام غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك
الفضل " (1).
وزاد في الصحيحة المحكية عن الكافي والتهذيب: قال: " وسألته
عن الزيت، قال: إن كان (2) عند غيرك فلا بأس بإمساكه " (3).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في كتابه إلى مالك
الأشتر: " فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منع منه.
وليكن البيع بيعا سمحا في موازين (4) عدل (5) لا يجحف بالفريقين: البائع
والمبتاع. فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقب في غير
إسراف " (6).
وصحيحة الحلبي، قال: " سألته عليه السلام عمن يحتكر الطعام

(1) الوسائل 12: 315، الباب 28 من أبواب آداب التجارة، الحديث
الأول.
(2) في " ص ": إذا كان.
(3) الكافي 5: 165، الحديث 3، والتهذيب 7: 160، الحديث 706، وعنهما
في الوسائل 12: 315، الباب 28 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2
وذيله.
(4) في المصدر: بموازين.
(5) في نهج البلاغة زيادة: " وأسعار "، وفي الوسائل: واسعا.
(6) نهج البلاغة: 438، الكتاب 53، وعنه في الوسائل 12: 315، الباب 27
من أبواب آداب التجارة، الحديث 13.
365

ويتربص به، هل يصلح ذلك؟ قال: إن كان الطعام كثيرا يسع الناس
فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر
ويترك الناس ليس لهم طعام " (1).
فإن الكراهة في كلامهم عليهم السلام وإن كان يستعمل في المكروه
والحرام، إلا أن في تقييدها بصورة عدم باذل غيره مع ما دل على
كراهة الاحتكار مطلقا، قرينة على إرادة التحريم. وحمله على تأكد
الكراهة أيضا مخالف لظاهر " يكره " كما لا يخفى.
وإن شئت قلت: إن المراد ب‍ " البأس " في الشرطية الأولى
التحريم، لأن الكراهة ثابتة في هذه الصورة أيضا، فالشرطية الثانية
كالمفهوم لها.
ويؤيد التحريم: ما عن المجالس بسنده عن أبي مريم الأنصاري
عن أبي جعفر عليه السلام: " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيما رجل
اشترى طعاما فحبسه أربعين صباحا يريد به الغلاء للمسلمين، ثم باعه
وتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع " (2).
وفي السند بعض بني فضال، والظاهر أن الرواية مأخوذة من
كتبهم التي قال العسكري عليه السلام عند سؤاله عنها: " خذوا بما رووا
وذروا ما رأوا " (3)، ففيه دليل على اعتبار ما في كتبهم، فيستغنى بذلك

(1) الوسائل 12: 313، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.
(2) الأمالي للطوسي: 676، الحديث 1427 - 6، وعنه في الوسائل 12: 314،
الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 6.
(3) الوسائل 18: 103، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 13.
366

عن ملاحظة من قبلهم في السند، وقد ذكرنا (1): أن هذا الحديث أولى
بالدلالة على عدم وجوب الفحص عما قبل هؤلاء من الإجماع الذي
ادعاه الكشي على تصحيح ما يصح عن جماعة (2).
ويؤيده أيضا: ما عن الشيخ الجليل الشيخ ورام: من أنه أرسل
عن النبي صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عليه السلام، قال: " اطلعت على النار
فرأيت في جهنم واديا فقلت: يا مالك لمن هذا؟ قال: لثلاثة:
المحتكرين، والمدمنين للخمر، والقوادين " (3).
ومما يؤيد التحريم: ما دل على وجوب البيع عليه، فإن إلزامه
بذلك ظاهر في كون الحبس محرما، إذ الإلزام على ترك المكروه خلاف
الظاهر وخلاف قاعدة " سلطنة الناس على أموالهم ".
ثم إن كشف الإبهام عن أطراف المسألة يتم ببيان أمور:
الأول: في مورد الاحتكار، فإن ظاهر التفسير المتقدم عن أهل
اللغة وبعض الأخبار المتقدمة: اختصاصه بالطعام.
وفي رواية غياث بن إبراهيم: " ليس الحكرة إلا في الحنطة،

(1) لم نقف على موضع ذكر هذا المطلب بالخصوص، لكن قال قدس سره في أول
كتاب الصلاة - عندما تعرض لرواية داود بن فرقد -: " وهذه الرواية وإن كانت
مرسلة إلا أن سندها إلى الحسن بن فضال صحيح، وبنو فضال ممن أمرنا
بالأخذ بكتبهم ورواياتهم "، انظر كتاب الصلاة 1: 36.
(2) ادعاه الكشي في موارد عديدة من رجاله، انظر اختيار معرفة الرجال 2:
673، الرقم 705، والصفحة 830، الرقم 1050.
(3) الوسائل 12: 314، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 11.
367

والشعير، والتمر، والزبيب " (1).
وعن الفقيه: زيادة: " الزيت " (2)، وقد تقدم في بعض الأخبار
المتقدمة دخول الزيت أيضا (3).
وفي المحكي عن قرب الإسناد - برواية أبي البختري - عن علي عليه السلام:
" قال: ليس الحكرة إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب (4) والسمن " (5).
وعن الخصال في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن
آبائه عليهم السلام: " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحكرة في ستة أقسام (6)
الحنطة، والشعير، والتمر، والزيت، والزبيب، والسمن " (7).
ثم إن ثبوته في الغلات الأربع بزيادة " السمن " لا خلاف فيه
ظاهرا، وعن كشف الرموز (8) وظاهر السرائر (9): دعوى الاتفاق عليه،

(1) الوسائل 12: 313، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 4.
(2) الفقيه 3: 265، الحديث 3954، وعنه في الوسائل 12: 313، الباب 27
من أبواب آداب التجارة، ذيل الحديث 4.
(3) راجع الصفحة 365، الصحيحة المحكية عن الكافي والتهذيب.
(4) في غير " ف " و " ص ": الزيت.
(5) قرب الإسناد: 135، الحديث 472، الوسائل 12: 314، الباب 27 من
أبواب آداب التجارة، الحديث 7.
(6) كذا في النسخ، وفي المصدر: ستة أشياء.
(7) الخصال: 329، الحديث 23، والوسائل 12: 314، الباب 27 من أبواب
آداب التجارة، الحديث 10.
(8) راجع كشف الرموز 1: 455.
(9) السرائر 2: 238.
368

وعن مجمع الفائدة: نفي الخلاف فيه (1).
وأما الزيت: فقد تقدم في غير واحد من الأخبار، ولذا اختاره
الصدوق (2) والعلامة في التحرير - حيث ذكر أن به رواية حسنة (3) -
والشهيدان (4) والمحقق الثاني (5)، وعن إيضاح النافع: أن عليه
الفتوى (6).
وأما الملح: فقد ألحقه بها في المبسوط (7) والوسيلة (8) والتذكرة (9)
ونهاية الإحكام (10) والدروس (11) والمسالك (12)، ولعله لفحوى التعليل الوارد
في بعض الأخبار: من حاجة الناس (13).

(1) مجمع الفائدة 8: 26.
(2) راجع المقنع: 372، والفقيه 3: 265، الحديث 3954.
(3) التحرير 1: 160.
(4) الدروس 3: 180، والروضة البهية 3: 299، والمسالك 3: 192.
(5) جامع المقاصد 4: 40.
(6) إيضاح النافع (مخطوط) ولا يوجد لدينا، نعم حكاه عنه السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 4: 107.
(7) المبسوط 2: 195.
(8) الوسيلة: 260.
(9) التذكرة 1: 585.
(10) نهاية الإحكام 2: 514.
(11) الدروس 3: 180.
(12) المسالك 3: 192.
(13) ورد التعليل في صحيحة الحلبي المتقدمة في الصفحة 365.
369

الثاني: روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: " إن الحكرة في
الخصب أربعون يوما، وفي الغلاء والشدة ثلاثة أيام، فما زاد على
الأربعين يوما في الخصب، فصاحبه ملعون، وما زاد في العسرة على
ثلاثة أيام فصاحبه ملعون (1) " (2).
ويؤيدها ظاهر رواية المجالس - المتقدمة (3) - وحكي عن الشيخ (4)
ومحكي القاضي (5) والوسيلة (6) العمل بها، وعن الدروس: أن الأظهر
تحريمه مع حاجة الناس. ومظنتها الزيادة على ثلاثة أيام في الغلاء
وأربعين في الرخص، للرواية (7)، انتهى.
أما تحديده ب‍ " حاجة الناس " فهو حسن، كما عن المقنعة (8)
وغيرها (9)، ويظهر من الأخبار المتقدمة.

(1) كذا في " ص " والمصادر الحديثية، وفي سائر النسخ: فملعون.
(2) الوسائل 12: 312، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث
الأول.
(3) تقدمت في الصفحة 366.
(4) راجع النهاية: 374 و 375.
(5) لم نعثر عليه في كتب القاضي، نعم حكاه عنه العلامة في المختلف 5: 40،
والسيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 109.
(6) راجع الوسيلة: 260.
(7) الدروس 3: 180.
(8) المقنعة: 616، وحكاه السيد العاملي عنها وعن غيرها في مفتاح الكرامة 4:
109.
(9) راجع المهذب 1: 346، ومجمع الفائدة 8: 25.
370

وأما ما ذكره من حمل رواية السكوني على بيان مظنة
الحاجة، فهو جيد. ومنه يظهر عدم دلالتها على التحديد بالعددين
تعبدا.
الثالث: مقتضى ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة (1) في بادئ النظر (2)
حصر الاحتكار في شراء الطعام [لكن الأقوى التعميم] (3) بقرينة تفريع
قوله: " فإن كان في المصر طعام ".
ويؤيد ذلك: ما تقدم من تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة
بمطلق جمع الطعام وحبسه (4)، سواء كان بالاشتراء أو بالزرع والحصاد
والإحراز، إلا أن يراد جمعه في ملكه (5).
ويؤيد التعميم تعليل الحكم في بعض الأخبار ب‍ " أن يترك الناس
ليس لهم طعام " (6)، وعليه فلا فرق بين أن يكون ذلك من زرعه أو
من ميراث أو يكون موهوبا له، أو كان قد اشتراه لحاجة فانقضت
الحاجة وبقي الطعام لا يحتاج إليه المالك، فحبسه متربصا للغلاء.
الرابع: أقسام حبس الطعام كثيرة، لأن الشخص إما أن يكون

(1) تقدمت في الصفحة 365.
(2) في " ن " زيادة: " عدم " تصحيحا، ووردت هذه الكلمة في متن غاية
الآمال: 486، فراجع.
(3) من " ش " وهامش " خ ".
(4) تقدم في الصفحة 363.
(5) في " ف " زيادة: بعضا منه.
(6) كما تقدم في صحيحة الحلبي المتقدمة في الصفحة 365.
371

قد حصل الطعام لحبسه أو لغرض آخر، أو حصل له من دون
تحصيل له.
و " الحبس "، إما أن يراد منه (1) نفس تقليل الطعام إضرارا
بالناس في أنفسهم، أو يريد به الغلاء وهو إضرارهم من حيث
المال، أو يريد به عدم الخسارة من رأس ماله وإن حصل ذلك
لغلاء عارضي لا يتضرر به أهل البلد، كما قد يتفق ورود عسكر
أو زوار (2) في البلاد وتوقفهم يومين أو ثلاثة، فيحدث للطعام عزة
لا يضر بأكثر أهل البلد، وقد يريد ب‍ " الحبس " لغرض آخر المستلزم
للغلاء غرضا آخر.
هذا كله مع حصول الغلاء بحبسه، وقد يحبس انتظارا لأيام الغلاء
من دون حصول الغلاء بحبسه، بل لقلة الطعام آخر السنة، أو لورود
عسكر أو زوار ينفد الطعام.
ثم حبسه لانتظار أيام الغلاء، قد يكون للبيع بأزيد من قيمة
الحال، وقد يكون لحب إعانة المضطرين ولو بالبيع عليهم والإرفاق
بهم.
ثم حاجة الناس قد يكون لأكلهم، وقد يكون للبذر أو علف
الدواب، أو الاسترباح بالثمن.
وعليك باستخراج (3) أحكام هذه الأقسام وتمييز المباح والمكروه

(1) لم ترد " منه " في " ف ".
(2) لم ترد " أو زوار " في " ف ".
(3) في غير " ف ": " في استخراج "، وصححت في " ن " و " خ " بما أثبتناه.
372

والمستحب من الحرام.
الخامس: الظاهر عدم الخلاف - كما قيل (1) - في إجبار المحتكر
على البيع، حتى على القول بالكراهة، بل عن المهذب البارع: الإجماع (2)،
وعن التنقيح (3) - كما عن الحدائق (4) -: عدم الخلاف فيه، وهو الدليل
المخرج عن قاعدة عدم الاجبار لغير الواجب، ولذا ذكرنا: أن ظاهر
أدلة الإجبار تدل على التحريم (5)، لأن إلزام غير اللازم خلاف القاعدة.
نعم لا يسعر عليه إجماعا، كما عن السرائر، وزاد وجود الأخبار
المتواترة (6)، وعن المبسوط: عدم الخلاف فيه (7).
لكن عن المقنعة: أنه يسعر عليه بما يراه الحاكم (8).
وعن جماعة (9) - منهم العلامة (10) وولده (11) والشهيد (12) -: أنه يسعر

(1) راجع التنقيح الرائع 2: 42، ومفتاح الكرامة 4: 109.
(2) المهذب البارع 2: 370.
(3) التنقيح الرائع 2: 42.
(4) الحدائق 18: 64.
(5) ذكره في الصفحة 367.
(6) السرائر 2: 239.
(7) المبسوط 2: 195.
(8) المقنعة: 616.
(9) حكاه عنهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 109.
(10) راجع المختلف 5: 42.
(11) إيضاح الفوائد 1: 409.
(12) الدروس 3: 180.
373

عليه إن أجحف بالثمن، لنفي الضرر، وعن الميسي (1) والشهيد الثاني (2):
أنه يؤمر بالنزول من دون تسعير، جمعا بين النهي عن التسعير،
والجبر (3) بنفي الإضرار.

(1) الميسية، لا توجد لدينا، ولكن نقله عنه وعن الشهيد الثاني، السيد العاملي
في مفتاح الكرامة 4: 109.
(2) الروضة البهية 3: 299.
(3) في " م "، " خ "، " ع " و " ص " بدل " والجبر ": " في الخبر "، وعلى فرض
صحة هذه النسخ فالصواب في الكلمة التي بعدها: " ونفي "، كما في نسخة بدل
" خ ".
374

خاتمة
ومن أهم آداب التجارة الإجمال في الطلب والاقتصاد فيه، ففي
مرسلة ابن فضال عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام: " ليكن طلبك
للمعيشة فوق كسب المضيع ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن
إليها، ولكن أنزل نفسك من ذلك منزلة المنصف المتعفف، ترفع نفسك
عن منزلة الواهن الضعيف وتكسب ما لا بد للمؤمن منه، إن الذين
أعطوا المال ثم لم يشكروا، لا مال لهم " (1).
وفي صحيحة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام " قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع: ألا إن الروح الأمين نفث في روعي:
أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب،
ولا يحملنكم استبطاء شئ من الرزق أن تطلبوه بشئ من معصية الله،
فإن الله تبارك وتعالى قسم الأرزاق في خلقه حلالا ولم يقسمها حراما،
فمن اتقى الله وصبر آتاه الله برزقه من حله، ومن هتك حجاب الستر
وعجل فأخذه من غير حله قص (2) به من رزقه الحلال وحوسب عليه

(1) الوسائل 12: 30، الباب 13 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 3.
(2) كذا في " ف " ومصححتي " ن " و " ص " والمصدر، وفي سائر النسخ: قصر.
375

يوم القيامة " (1).
وعن أبي عبد الله عليه السلام: " أنه كان أمير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما
يقول: اعلموا علما يقينا أن الله عز وجل لم يجعل للعبد وإن اشتد
جهده وعظمت حيلته وكثرت مكائدته (2) أن يسبق ما سمي له في الذكر
الحكيم، ولم يحل بين (3) العبد في ضعفه وقلة حيلته أن يبلغ ما سمي له
في الذكر الحكيم.
أيها الناس، إنه لن يزداد امرؤ نقيرا لحذقه (4)، ولم ينقص امرؤ
نقيرا لحمقه (5)، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته،
والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرته، ورب منعم عليه
مستدرج بالإحسان إليه، ورب مغرور في الناس مصنوع له، فأبق (6)
أيها الساعي من سعيك، وأقصر من عجلتك، وانتبه من سنة غفلتك،
وتفكر فيما جاء عن الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وآله " (7).

(1) الوسائل 12: 27، الباب 12 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث الأول.
(2) كذا في النسخ، وفي الكافي والتهذيب: " مكابدته "، وفي الوسائل: مكائده.
(3) كذا في النسخ وفاقا للتهذيب، وفي الكافي: " ولم يحل من العبد "، وفي
مصححة " ن " والوسائل: " ولم يخل من العبد ".
(4) في المصادر الحديثية: بحذقه. (5) في التهذيب: بحمقه.
(6) كذا في " ش "، وفي " ص ": " فاتق "، وفي مصححة " ن ": " فأقل "، وفي
غيرها: " فاتو "، والظاهر أنها مصحفة " فاتق "، وفي الكافي والتهذيب: " فافق "،
وفي الوسائل: فأبق (فاتق الله، خ ل).
(7) التهذيب 6: 322، الحديث 883، والكافي 5: 81، الحديث 9، والوسائل
12: 30، الباب 13 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 4.
376

وفي رواية عبد الله بن سليمان، قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: إن الله عز وجل وسع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء، ويعلموا
أن الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة " (1).
وفي مرفوعة سهل بن زياد أنه قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام: كم
من متعب نفسه مقتر عليه (2)، وكم من مقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير " (3).
وفي رواية علي بن عبد العزيز قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام:
ما فعل عمر بن مسلم؟ قلت: جعلت فداك! أقبل على العبادة وترك
التجارة، فقال: ويحه! أما علم أن تارك الطلب لا تستجاب له
دعوته (4)؟ إن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزل قوله
تعالى: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * (5)
أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كفينا! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله
فأرسل إليهم، فقال لهم: ما دعاكم إلى ما صنعتم؟ فقالوا: يا رسول
الله تكفل الله تعالى (6) لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة. فقال صلى الله عليه وآله (7):
إنه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب " (8).

(1) الوسائل 12: 30، الباب 13 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث الأول.
(2) في " ن " و " ش " زيادة: " رزقه " استدراكا.
(3) الوسائل 12: 30، الباب 30 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 2.
(4) في " ص ": دعوة.
(5) الطلاق: 2 و 3.
(6) لم ترد " تعالى " في " ف " و " خ ".
(7) لم ترد " صلى الله عليه وآله " في " ف "، " ن " و " خ ".
(8) الوسائل 12: 15، الباب 5 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 7.
377

وقد تقدم رواية أنه: " ليس منا من ترك آخرته لدنياه، ولا من
ترك دنياه لآخرته " (1).
وتقدم أيضا (2) حديث داود (3) على نبينا وآله وعليه السلام وعلى
جميع أنبيائه الصلاة والسلام، بعد الحمد لله الملك العلام، على ما أنعم
علينا بالنعم الجسام التي من أعظمها الاشتغال بمطالعة وكتابة كلمات
أوليائه الكرام التي هي مصابيح الظلام للخاص والعام.

(1) تقدم في الصفحة 342.
(2) تقدم في الصفحة 342 أيضا.
(3) من هنا إلى آخر العبارة لم ترد في " ف "، وورد بدلها ما يلي: " قد تم
بفضله وعونه المجلد الأول من هذه النسخة الشريفة، ويتلوه - إن شاء الله -
الثاني في الخيارات، وهو مع أنه قد جمع الأهم من القواعد وشمل الأنفع
والأصح من المسائل والأصول والشوارد، وأودع فيه من الثمرة كل لباب، ومن
النكت ما لا يوجد منتظما في كتاب، قد تضمن من التحقيق كل شارد، ومن
التدقيق كل وارد، واندرج فيه من النوادر ما حلى وضعها، وحسن طرزها،
يشهد به من مارس الصناعة، ويشاهده من تتبع أقاويل الجماعة وكتب العلماء
الأجلة، بل هو - مع أنه كثيرا مقتصر على مخزون الخاطر ومقترح القريحة،
مشتمل على تفصيل مجمل، وبسط موجز، وتقرير أسئلة، وتحرير أجوبة، ومنع
اعتراضات، ودفع معارضات، وكشف شبهات، وتحقيق حق، وإبطال باطل - ففيه
فوائد باهرة وشواهد على صدق المدعى ظاهرة، يكاد من قوة الحدس يستشفق
الواقع من وراء حجابه ويستشهد المستور من وراء ستره ونقابه، فهو حينئذ قد
بلغ الغاية القصوى والدرجة العليا، فلله دره دام ظله حيث أحسن وأجاد، نفعنا
الله بوجوده وإفادته، وسائر المحصلين، بمحمد وآله الأمجاد، والحمد لله على فضل
الإتمام، والصلاة والسلام على النبي وآله أئمة الأنام... ".
378

تم
الجزء الرابع
ويليه
الجزء الخامس وأوله
في الخيارات
379

معجم المفردات
اشتمل هذا المعجم على توضيح لمعاني بعض الكلمات التي تحتمل غرابتها
على غير الناطقين بالعربية تيسيرا لفهمها والاستفادة منها. وقد اعتمدت في
إعداده مجموعة من الأسس:
1 - شرح المفردات وفقا للمعنى الذي استخدمه المؤلف (قدس سره) في الجزء الثالث
والرابع من المكاسب.
2 - ترتيب المحتوى ألفبائيا استنادا إلى هيئة الكلمة.
3 - التقيد بألفاظ معاجم اللغة المعتبرة والتلفيق بينها بنحو مختصر.
4 - عدم تكرار معنى بذاته وإن اختلفت هيئة الكلمات، والإحالة على
المفردات المشروحة من قبل، سواء أكان في هذا المعجم، أم في " معجم المفردات
الغريبة " للجزء الثاني من كتاب المكاسب، طبعة مجمع الفكر الإسلامي.
5 - الإشارة إلى الأصل الفارسي الذي عربت عنه بعض الكلمات،
والاستعانة بمعاجم اللغة الفارسية لتوثيق ذلك.
6 - في المصطلحات الفقهية والأصولية، إما أن يذكر المعنى اللغوي أولا ثم
المعنى الاصطلاحي، أو يذكر الثاني مباشرة.
7 - ختمت كل فقرة بالمصادر المعتمدة. وقد رمز إلى معاجم اللغة بحروف
381

يأتي توضيحها، وأشير إلى الكتب الأخرى بأسمائها الصريحة.
8 - رموز معاجم اللغة العربية:
أ = أساس البلاغة للزمخشري
تا = تاج العروس للزبيدي
خ = معجم الأخطاء الشائعة للعدناني
س = المعجم الوسيط
ص = الصحاح للجوهري
ع = ترتيب كتاب العين للفراهيدي
غ = معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة للعدناني
ف = الإفصاح في فقه اللغة لحسين موسى، والصعيدي
ق = القاموس المحيط للفيروزآبادي
ل = لسان العرب لابن منظور
لا = لاروس لخليل الجر
م = محيط المحيط لبطرس البستاني
مج = مجمع البحرين للطريحي
مص = المصباح المنير للفيومي
من = المنجد للويس معلوف
ن = النهاية لابن الأثير
382

" أ "
الآبق: اسم فاعل من أبق. تقول: أبق
العبد: إذا هرب، أو استخفى ثم
ذهب.
(ص: 4: 1445، ل 1: 47)
الإبراء: أبرأت الرجل إبراء من حق لي
عليه: أسقطته عنه وخلصته منه.
(أ: 18، ف 2: 1208، س 1: 46)
الأجذم: راجع المكاسب 2: 258.
أجمة: راجع المكاسب 2: 258.
ارتطم: يقال: ارتطم عليه الأمر. إذا لم
يقدر على الخروج منه، وارتطم في
الوحل - الطين - أي: دخل فيه
واحتبس.
(ص 5: 1934، مج 5 - 6: 73)
الأرز: راجع المكاسب 2: 259.
الأرش: راجع المكاسب 2: 259.
الأرض الخراجية: راجع " الخراج "
في المكاسب 2: 277 - 278.
الأرمد: المصاب بالرمد، وهو وجع
العين وانتفاخها.
(ص 2: 478، ل 5: 311)
الاسترقاق: راجع المكاسب 2: 260.
الإصداق: أصدق المرأة إصداقا، أي:
سمى لها صداقا، أو: أعطاها صداقها
وهو مهرها.
(ص 4: 1506، ن 3: 18)
الاصطلاء: الاستدفاء بالنار. يقال:
اصطلى النار، وبها، اصطلاء:
استدفأ وتسخن بها.
(ل 7: 399، س 1: 522، ق:
284)
383

الأضحية: شاة - أو غيرها من النعم -
تذبح يوم الأضحى بمنى وغيره.
(ع: 468، ص 6: 2407)
الأضراب: جمع الضرب، وهو المثل
والشكل.
(م: 532، من: 449)
الإعواز: الحاجة والفقر. يقال: أعوزه
الشئ إعوازا: إذا احتاج إليه ولم
يقدر عليه.
(ص 3: 888، ل 9: 472)
الإفاقة: من أفاق. إذا رجع إلى ما كان
قد شغل عنه وعاد إلى نفسه،
فإفاقة المجنون: عودة عقله،
وإفاقة السكران: صحوته،
والنائم: استيقاظه، والمريض:
عودة صحته.
(ن 3: 481، ل 10: 353، مص 1 -
2: 484، ق 3: 278)
الإقالة: فسخ البيع. يقال: أقاله إقالة.
أي: وافقه على نقض البيع، وأجابه
إليه.
(ص 5: 1808، ن 4: 134)
الإقتصاد في المعيشة: التوسط بين
التبذير والتقتير.
(ل 11: 179 - 180، مج 3 - 4:
128)
التقاط: راجع اللقطة في المكاسب 2:
229.
إمعان النظر: أمعن النظر في الأمر
إمعانا: بالغ فيه وأبعد في
الاستقصاء.
(مص 1 - 2: 576، م: 857)
أملى: يقال: فلان أملأ لعيني من فلان.
أي: أتم في كل شئ منظرا وحسنا.
وأملأ القوم: أقدرهم وأغناهم.
(ل 13: 166، مص 1 - 2: 580)
الأنبار: واحدها نبر، وهو الهري،
ويطلق على البيت الكبير الضخم
الذي يجمع فيه الطعام. والأنبار:
بيت التاجر الذي ينضد فيه متاعه،
ويجعل بعضه فوق بعض متراصفا.
(ل 14: 19، 176 و 15: 83، م:
898)
الانتحال: مصدر انتحل. يقال: انتحل
384

فلان قبيلة كذا ومذهب كذا. إذا
انتسب إليه وألزمه نفسه وجعله
كالملك له.
(ص 5: 1826 - 1827، ل 14:
75)
الانجلاء: انجلت الشمس انجلاء: أي
انكشفت وخرجت من الكسوف.
والجلاء: الخروج من البلد.
(ص 6: 2304، ن 1: 290)
الإندار: مصدر أندر. يقال: أندر من
الحساب كذا. بمعنى: أسقطه.
(ص 2: 825، ق 2: 140)
أهل الذمة: راجع " الذمة " في
المكاسب 2: 281.
" ب "
البالي: بلي الثوب: خلق ورث ودثر،
فهو بال.
(مص 1 - 2: 62، م: 55، 251)
البضع: يطلق على الفرج وعقد النكاح
والمهر والجماع والطلاق.
(ن 1: 133، ل 1: 426، ق 3: 5)
البطيخ: واحدته بطيخة، وهو من
اليقطين الذي لا يعلو ويمتد على
الأرض. يسمى بالفارسية
" خربزه ".
(ص 1: 419، م: 43، لغت نامه
دهخدا 6: 8469)
بيع التولية: هو أن تشتري سلعة بثمن
معلوم ثم توليها رجلا آخر بذلك
الثمن.
(ل 15: 406)
بيع الحصاة: هو أن يقول البائع أو
المشتري: إذا نبذت - رميت - إليك
الحصاة - الحجارة الصغيرة - فقد
وجب البيع. وقيل: هو أن يقول:
بعتك من السلع ما تقع عليه
حصاتك إذا رميت بها، أو بعتك من
الأرض إلى حيث تنتهي حصاتك.
وكلها من بيوع الجاهلية.
(ن 1: 398، ل 3: 210 - 211)
بيع المضامين: بيع ما في أصلاب
الفحول. والمضامين جمع مضمون.
يقال: ضمن الشئ، بمعنى تضمنه
385

واحتواه. ومنه: ضمن الله أصلاب
الفحول النسل، أي: حوته، ولهذا
قيل للولد الذي يولد: مضمون.
(ص 6: 2156، ن 3: 102، مص 1
- 2: 364)
البؤس: الخضوع والفقر وشدة
الحاجة.
(ص 3: 907، ن 1: 89)
بيع الملاقيح: بيع ما في بطون النوق
من الأجنة. والملاقيح جمع ملقوح،
وهو جنين الناقة.
(ص 1: 401، ن 4: 263)
بيع الملامسة: هو أن يقول:
إذا لمست المبيع فقد وجب
البيع بيننا بكذا، أو إذا لمست
ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب
البيع بيننا بكذا. وقيل: أن
يلمس المتاع من وراء ثوب
ولا ينظر إليه ثم يوقع البيع عليه. أو
هو: جعل اللمس بالليل قاطعا
للخيار.
(ص 3: 975، ن 4: 269 - 270)
" ت "
تبعض الصفقة: بعض كل شئ:
طائفة منه، وبعضته تبعيضا إذا
فرقته أجزاء. والصفقة: ضرب
اليد على اليد في البيع والبيعة.
وتبعض الصفقة عند الفقهاء هو: أن
يشتري شيئا، فيظهر أن بعضه
مستحق للغير، كما إذا اشترى
أرضا فظهر أن نصفها ملك لغير
البائع.
(ع: 88، 451، ل 7: 365، الروضة
البهية 3: 507، 510)
التجشم: تجشمت الأمر تجشما، إذا
تكلفته على مشقة.
(ع: 141، ص 5: 1888)
التحجير: مصدر حجر، من
حجر يقال: لقد تحجرت واسعا.
أي: ضيقت ما وسعه الله وخصصت
به نفسك. واحتجرت الأرض:
جعلت عليها منارا - ما يوضع بين
الشيئين من الحدود - وأعلمت علما
386

في حدودها لحيازتها.
(ن 1: 341 - 342، مص 1 - 2:
122، لا: 1159)
التحري: راجع المكاسب 2: 268.
التخسير: من خسر، أي: جعله
يخسر. يقال: خسر المال. إذا
ضيعه. و: خسر التاجر. لم يربح في
تجارته أو غبن.
(م: 231، من: 178)
التربص: الانتظار.
(ع: 296، ص 3: 1041)
التسبيل: يقال: سبل ماله. أي: وقفه
وجعله في سبيل الله.
(ع: 360، ص 5: 1724)
التشاح: التنازع والتخاصم يقال:
يتشاحان على أمر. إذا تنازعاه لا
يريد كل واحد منهما أن يفوته.
(ل 7: 43، مج 3 - 4: 397)
التشبث بالحرية: التشبث: التعلق
بالشئ ولزومه وشدة الأخذ به.
والحرية: الاسم من حر يحر، إذا
صار حرا. والمراد: تعلق المملوك
بأحد أسباب الحرية، كصيرورة الأمة
أم ولد، فإنها سوف تعتق من نصيب
ولدها من الإرث.
(ل 7: 14، ن 1: 363)
التضاعيف: راجع " تضاعيف الكتب
وأضعافها " في المكاسب 2:
269.
تعهدت المال: حفظته.
(مص 1 - 2: 435، مج 3 - 4: 115)
التغرير: راجع المكاسب 2: 270.
التفاقم: تفاقم الأمر تفاقما:
عظم.
(ص 5: 2003، ل 10: 305)
التفصي: راجع المكاسب 2: 270.
تقبيل السلطان: راجع " التقبيل
والتقبل " في المكاسب 2: 271.
تقلدت المال: ألزمته نفسي ملازمة
القلادة للعنق.
(ع: 683، ن 4: 99)
تلقي الركبان: هو أن يستقبل الحضري
البدوي قبل وصوله إلى البلد،
فيبتاع متاعه بالرخيص ولا يعرف
سعره.
(ع: 742، ن 4: 266)
387

التهاتر: راجع المكاسب 2: 272.
التورط: يقال: تورط الرجل. إذا وقع
في ورطة، وهي الهلاك والبلية التي
يعسر المخرج منها.
(ص 3: 1166، ن 5: 174)
" ج "
الجريب: راجع المكاسب 2:
273.
الجريش: دقيق فيه غلظ، من جرشت
الشئ، إذا لم تنعم دقه، فهو
جريش.
(ص 3: 998، ل 2: 250)
الجزية: راجع المكاسب 2: 273.
الجمد: الثلج وما جمد من الماء.
(ص 2: 459، ل 2: 347)
الجوالق، الجوالق: عدل - وهو أحد
حملي الجمل - كبير منسوج من
صوف أو شعر. معرب " جوال "
وهو معرب " گوال ".
(ع: 521، م: 118، لغت نامه دهخدا
5: 6929)
" ح "
حب الماء: الحب: الخابية والجرة
الكبيرة، وهي إناء من الخزف،
معرب " خنب " الفارسية، ويطلق
اسم " كوزه ء بزرگ " أيضا.
(ل 2: 244 و 3: 11، لغت نامه
دهخدا 5: 7548)
الحجر والمحجور: الحجر مصدر قولك:
حجر عليه القاضي يحجر حجرا. إذا
منعه من التصرف في ماله، فهو
محجور عليه.
(ع: 165، ص 2: 623)
الحقة: للحقة اطلاقات متعددة
بحسب الأزمنة والأمكنة، فمنها
حقة النجف المسماة بالحقة
البقالية، ومنها حقة (اقة)
اسلامبول. والحقة البقالية في سنة
(1239 ه‍) - كما في الجواهر -
كانت تساوي (640) مثقالا
صيرفيا، وفي سنة (1326 ه‍)
(933) وثلث مثقال صيرفي. أي
388

ما يقارب (4) ونصف كيلو غرام.
والحقة البقالية تساوي (3)
ونصف حقة اسلامبول.
(الأوزان والمقادير للشيخ إبراهيم
العاملي 23: 155، الجواهر 15:
210، العروة الوثقى، كتاب الزكاة،
فصل في زكاة الغلات: 289)
حق المقاسمة: راجع " المقاسمة " في
المكاسب 2: 304.
الحقن: راجع " حقن الدماء " في
المكاسب 2: 276.
الحكرة: الاسم من احتكر الطعام
احتكارا، وهو: جمعه وحبسه
يتربص به الغلاء.
(ص 2: 635، ن 1: 417)
الحناط: بائع الحنطة.
(ع: 202، ص 3: 1120)
حوى: جمع وأحرز. وما حوى
العسكر، أي: ما استولى عليه
الجيش.
(ع: 207، ص 2: 746، مص 1 -
2: 158)
الحيازة: الجمع، وكل من ضم إلى نفسه
شيئا فقد حازه. وحزت الأرض:
أعلمتها - أي: جعلت لها علامة -
وأحييت حدودها.
(ص 3: 875، ل 3: 389).
" خ "
خرط القتاد: راجع المكاسب 2:
278.
الخضروات = الخضراوات: وهي
الفاكهة والبقول.
(ن 2: 41، مج 3 - 4: 287، خ:
79)
الخطر: الإشراف على الهلاك وخوف
التلف.
(ص 2: 648، مص 1 - 2: 173)
الخلع: أن يطلق زوجته على عوض
تبذله له، وهو اسم من خلع. وأصله
استعارة من خلع اللباس - نزعه -
لأن كل واحد من الزوجين لباس
للآخر.
(ن 2: 65، مص 1 - 2: 178)
389

الخلق: يقال: ثوب خلق ودار خلق.
أي: بال وبالية.
(ع: 240، ل 4: 195)
الخنافس: راجع المكاسب 2:
279.
الخوخ: جمع خوخة، وهي ثمرة معروفة
تسمى بالفارسية: " هلو "
و " شفتالو ".
(ع: 247، لغت نامه دهخدا 6:
8828)
" د "
الدراهم الأوضاحية: الدراهم: جمع
درهم. والأوضاح: جمع الوضح،
وهو الدرهم النقي الأبيض الصحيح.
(ل 15: 323، ق 1: 255، مج 1 - 2:
424)
الدرع: راجع المكاسب 2: 280.
الدرك: التبعة. يقال: ما لحقك من
درك فعلي خلاصه.
(ص 4: 1582، ل 4: 334)
الدقاقة: ما يدق - يرض ويكسر في
كل وجه - بها الأرز ونحوه.
والدقاقة: ما اندق من الشئ.
(ع: 269، ل 4: 379)
الدهاقين: جمع دهقان، ويطلق على
رئيس القرية وأصحاب الزراعة
وعلى التاجر ومن له مال وعقار.
معرب " دهگان ".
(ن 2: 145، مص 1 - 2: 201، لغت
نامه دهخدا 7: 9953)
الدهشة: الحيرة وذهاب العقل من
وله - حزن شديد - أو حياء أو
خوف.
(ع: 279، ص 3: 1006، مص 1 -
2: 202، من: 918)
" ذ "
الذب: المنع والدفع والطرد.
(ص 1: 126، ل 5: 19)
ذو مسكة ومسك: ذو رأي وعقل
يرجع إليه.
(ل 13: 108، ق 3: 319)
" ر "
الراغمة: الذليلة العاجزة عن
390

الانتصاف، والمنقادة على كره.
(ع: 318 - 319، ن 2: 238 - 239)
الربائب: جمع الربيبة، وهي بنت امرأة
الرجل التي تربت عنده.
(ل 5: 96 - 99، مص 1 - 2: 214)
الرصاص والرصاص: معدن
معروف، منه أسود وأبيض. يطلق
على الأسود منه بالفارسية اسم
" سرب "، وعلى الأبيض: " قلع ".
(ل 5: 225، مج 3 - 4: 172، لغت
نامه دهخدا 7: 10657)
الرطل والرطل: نصف من وهو ثنتا
عشرة أوقية بأواقي العرب،
والأوقية أربعون درهما. وهو
على ثلاثة أقسام: عراقي ومدني
ومكي.
(ع: 315، ل 5: 238، مج 5 - 6:
384)
رقبة الأرض: نفس الأرض. جمعها:
رقاب.
(ص 1: 138، ن 2: 249)
الركاب: الإبل التي تحمل القوم.
جمعها: الركب.
(ع: 324، ص 1: 138)
الروحة: المرة من الرواح وهو اسم
للوقت من زوال الشمس إلى الليل.
يقال: رحنا رواحا. يعني: السير
والعمل بالعشي. وقد يستعمل
الرواح والغدو للمسير في أي وقت
كان من ليل أو نهار.
(ع: 330، ص 1: 368، ن 2:
274، مص 1 - 2: 243)
الروع: القلب أو موضع الروع - الفزع
والخوف - منه أو سواده والذهن
والعقل.
(ق 3: 32، مص 1 - 2: 472)
" ز "
زبرة الحديد: القطعة الضخمة منه.
جمعها: زبر.
(ع: 340، ص 2: 666)
الزبائل: الزبالة بمعنى:
القمامة والكناسة، أي: ما يكنس
من البيت ويلقى إلى الخارج. وهي
391

من كلام العامة. وجمعها: زبائل،
وهو من كلام العامة أيضا على ما يبدو.
(مص: 516، 542، م: 366، 756،
794، غ: 281)
الزقاق: جمع الزق، وهو السقاء، أي:
وعاء جلدي لما يشرب.
(ع: 347، ص 4: 1491)
الزلل: من زل يزل، إذا زلق وسقط.
(ن 2: 310، مج 5 - 6: 177)
الزيات: بائع الزيت، ومن يعتصره.
راجع " الزيت " في المكاسب 2:
283.
(ع: 354، ل 6: 122)
" س "
السجل: كتاب كبير يدون فيه ما يراد
حفظه، أو: دفتر خاص لتسجيل
العقود وغيرها.
(ن 2: 344، س 1: 418)
سري الملك: السري: النفيس.
والملك: ما يملك ويتصرف به.
(ن 2: 363، م: 863)
السكرجة والسكرجة والسكرجة
والسكرجة: إناء صغير يؤكل فيه
الشئ القليل من الأدم. معرب كلمة
" سكوره " الفارسية.
(ن 2: 384، مج 1 - 2: 310،
م: 417، من: 341، لغت نامه
دهخدا 8: 12071)
السلف: راجع " السلم ".
السلم في البيع: مثل السلف، وهو: أن
يسلم في شئ موصوف إلى أجل
معلوم ومحروس من الزيادة
والنقصان. وعند الفقهاء: بيع
مضمون في الذمة مضبوط بمال معلوم
مقبوض في المجلس إلى أجل معلوم
بصيغة خاصة.
(مج 5 - 6: 88، الحدائق الناضرة
20: 2)
السمسار: اسم يطلق على من يدخل
بين البائع والمشتري متوسطا
لإمضاء البيع.
(ن 2: 400، ق 2: 52)
السنة: النعاس - من وسن يوسن -
392

وهو أول النوم. وقيل: ثقلة النوم.
والهاء في السنة عوض من الواو
المحذوفة.
(ن 5: 186، ل 15: 303 - 304)
السوي: الذي سوى الله خلقه وبلغ
الغاية في شبابه وتمام خلقه
وعقله.
(ع: 397، ل 6: 448)
" ش "
الشاطئ للوادي والنهر: جانبه
وطرفه، وللبحر: ساحله.
(ص 1: 57، ن 2: 472، ل
7: 114)
" ص "
الصاع: راجع المكاسب 2: 287.
الصبرة: راجع المكاسب 2:
287.
الصغرة: جمع الصاغر، وهو الراضي
بالضيم والذل.
(ع: 450، ل 7: 352)
" ض "
الضرايح: واحده الضريح، وهو القبر،
أو ما يوضع على قبور الأئمة من
حجرة مشبكة الجدران.
(مص 1 - 2: 360، ن 3: 81، لغت
نامه دهخدا 9: 13377)
الضرع لكل ذات خف أو ظلف: مدر
لبنها، وهو كالثدي للمرأة.
(ص 3: 1249، ل 8: 54، مص 1 -
2: 361)
الضيعة: العقار والأرض المغلة
التي أعطت الغلة، وهي ما يحصل
من ريع الأرض أو أجرتها ونحو
ذلك.
(ص 3: 1252، ل 8: 106،
مص 1 - 2: 452)
" ط "
الطاقات: جمع الطاقة، وهي الحزمة.
وتطلق على مقدار معين من القماش.
(م: 560، لغت نامه دهخدا 9: 13454)
393

الطسق: ما يوضع من الخراج على
الأرض، أو شبه ضريبة معلومة.
(ل 2: 228، و 8: 162، ق 3:
258)
" ع "
عادي الأرض: قديمها. كأنه
منسوب إلى قبيلة عاد، وهم قوم
هود (عليه السلام).
(ص 2: 515، ل 9: 463)
العاقلة: عاقلة الرجل: عصبته، وهم
القرابة من قبل الأب.
(ص 5: 1771، ن 3: 278)
العاهر: الفاجر الزاني، يطلق
على الرجل والمرأة. ويقال لها:
عاهرة أيضا.
(ع: 593، ص 2: 762، مج 3 - 4:
417)
العدل: راجع " الجوالق ".
العرصة: كل موضع واسع - أو بين
دور - لا بناء فيه. وعرصة الدار:
وسطها.
(ع: 530، ص 3: 1044، ن 3: 208)
العقار: كل ملك ثابت له أصل كالدار
والنخل، وربما أطلق على المتاع.
(ل 9: 316، مص 1 - 2: 421)
العلقة: القطعة الجامدة - أو المنعقدة أو
الشديدة الحمرة أو الغليظة - من
الدم بعد أن كانت منيا، وبعد أربعين
يوما تصير مضغة. جمعها: علق.
(ن 3: 290، ق 3: 266، مج 5 - 6:
217)
العلوق: ماء الفحل. وقيل: هي التي
علقت - حبلت - لقاحا.
(ع: 573، ل 9: 358، مص 1 - 2:
425)
العمودان: الآباء وإن علوا والأولاد
وإن سفلوا.
(مج 3 - 4: 108، الروضة البهية 3:
304)
العنوة: راجع المكاسب 2: 293.
" غ "
الغبطة: حسن الحال.
(ع: 598، ص 3: 1149)
الغدوة: المرة من الغدو، وهو سير
394

أول النهار، نقيض الرواح.
(ن 3: 346، ل 10: 27)
" ف "
فأرة المسك: راجع " الفأرة " في
المكاسب 2: 295.
الفداء: ما تفدي به الأسير من المال
لإنقاذه. يقال: فداه وفاداه. إذا
أعطى فداءه فأنقذه.
(ع: 620، ص 6: 2453، مج 1 - 2:
328)
الفطن: فطن به وإليه وله فطنا - مثلثة
الفاء وبالتحريك وبضمتين -
وفطنة: حذق به وفهم وأدرك.
(مص 1 - 2: 477، ق 4: 256، م:
696)
الفلس: عدم النوال. وهو اسم من
أفلس إذا لم يبق له مال، كأنما
صارت دراهمه فلوسا - نقود
نحاسية - أو صار إلى حال يقال
فيها: ليس معه فلس.
(ص 3: 959، ن 3: 470، م: 700،
من: 593)
الفئ: الغنيمة.
(ع: 642، ص 1: 63)
" ق "
قارف الذنب وغيره: أتاه وفعله.
(ن 4: 45، مج 5 - 6: 108)
القانطون: جمع القانط، وهو من
أصابه القنوط، أي: اليأس، وقيل:
أشده.
(ص 3: 1155، ن 4: 113)
القثاء: الخيار. الواحدة قثاءة.
(ع: 648، ص 1: 64)
القدح: راجع المكاسب 2: 296.
القصعة: الصحفة، وهي إناء مبسوط
للأكل.
(ص 4: 1384، ن 3: 13)
القطائع: جمع قطيعة وهي طائفة من
أرض الخراج يعطيها الإمام من
يشاء.
(ع: 673، ل 11: 224)
قطيع الغنم: طائفة منه.
(ع: 674، ص 3: 1268)
القفيز: مكيال يختلف مقداره
395

باختلاف اصطلاح الناس عليه في
البلاد، فهو عند أهل العراق ثمانية
مكاكيك - جمع مكوك: المد أو
الصاع أو غيره - والقفيز من
الأرض: قدر مئة وأربع وأربعين
ذراعا.
(ص 4: 1609، ن 4: 90 و 350،
ل 11: 255)
القنطرة: ما يبنى على الماء للعبور
عليه. والجسر أعم لأنه يكون بناء
وغيره.
(مص 1 - 2: 508، مج 3 - 4: 462)
القواد: الذي يجمع بين الرجل والمرأة
للفجور. والأنثى: قوادة.
(مج 3 - 4: 132، م: 762)
القيراط: نصف دانق - الدانق: سدس
الدرهم - وهو من أجزاء الدينار:
نصف عشره في أكثر البلاد. وأهل
الشام يجعلونه جزءا من أربعة
وعشرين.
(ص 3: 1151 و 4: 1477، ن 4:
42)
" ك "
الكرابيس: جمع الكرباس، وهو الثوب
الخشن، وقيل: المنسوج من القطن
الأبيض، أو القطن نفسه. فارسي
معرب بكسر الكاف من كلمة
" كرباس " الفارسية، أو " كرپاس "
الهندية.
(ن 4: 161، مص 1 - 2: 529، لغت
نامه دهخدا 11: 16077)
الكري: راجع " كري النهر " في
المكاسب 2: 298.
الكساد: كسد الشئ كسادا: لم ينفق،
أي: قل طلابه ومشتروه.
(ع: 708 و 820، مص 1 - 2: 533
و 618)
الكلأ: راجع المكاسب 2: 298.
" ل "
اللقاح: اسم ماء الفحل.
(ع: 740، ن 4: 262، مص 1 - 2:
556)
396

" م "
الماء المسبل: راجع " التسبيل ".
المجازفة: المساهلة في البيع.
يقال: باعه واشتراه مجازفة وجزافا.
أي: وهو لا يعلم كيله ولا وزنه.
والجزاف معرب " گزاف " الفارسية.
(ع: 139، مص 1 - 2: 99، لغت
نامه دهخدا 5: 6782)
المحاويج: جمع المحوج أو
المحواج، وهو الفقير المحتاج.
(ل 3: 379، مص 1 - 2: 155 و 397)
المدمن: يقال: فلان يدمن كذا، فهو
مدمن. بمعنى: يداوم فعله ويلازمه
ولا ينفك عنه.
(ص 5: 2114، ن 2: 135)
المراوضة: هي المجاذبة في البيع
والشراء، وما يجري بين المتبايعين
من الزيادة والنقصان. وقيل: هي
المواصفة بالسلعة وأن تصفها
وتمدحها عنده، أو أن تواصف
الرجل بالسلعة ليست عندك.
(ن 2: 276 - 277، ق 2: 333)
المساحقة: من سحق الشئ يسحقه
سحقا: دقه بشدة أو برقة أو مرة بعد
أخرى، وقيل: السحق دون الدق.
ومساحقة النساء: هي دلك فرج
امرأة بفرج أخرى.
(ل 6: 194، مج 5 - 6: 184،
م: 400)
المساومة: المجاذبة بين البائع
والمشتري على السلعة وفصل ثمنها.
(ن 2: 425، مص 1 - 2: 297)
المستدرج: اسم مفعول من:
استدرج. يقال: استدرج الله العبد.
بمعنى أنه كلما جدد خطيئة جدد له
نعمة وأنساه الاستغفار، فيأخذه
قليلا قليلا ولا يفاجئه.
(ق 1: 188، مج 1 - 2: 299)
المضغة: كل لحم يخلق من علقة، أو
القطعة من اللحم قدر ما يمضغ
راجع: " العلقة ".
(ع: 769، ن 4: 339)
المضيع: اسم فاعل من: ضيع الشئ
تضييعا، إذا أهمله وفقده وأتلفه.
(ق 3: 57 - 58، م: 541)
397

مطلق العنان: المطلق: الذي يتمكن
صاحبه فيه من جميع التصرفات.
والعنان: السير الذي بيد الفارس
ليقوم به رأس الفرس. يقال: له
مطلق العنان في التصرف في الملك.
أي: له تمام القدرة على أن يفعل به ما
يشاء.
(ع: 585، مص 1 - 2: 377، 433)
المعاثر: الأمكنة التي يعثر - يسقط -
الانسان فيها.
(ع: 514، ص 2: 736)
المفازة: الصحراء والبرية القفر.
(ن 3: 478، ل 10: 348)
المقاسمة: راجع المكاسب 2: 304.
المقاليد: المفاتيح. واحدها إقليد أو
مقليد أو مقلد أو مقلاد. ويقال: هو
جمع لا واحد له.
(ل 11: 276، تا 2: 474 - 475)
المقبوض بالسوم: قبضت الشئ
قبضا: أخذته فهو مقبوض.
والسوم: البيع. والمقبوض بالسوم
هو: ما يقبضه المشتري ليشتريه.
(ص 3: 1100، ل 6: 440، الروضة
البهية 3: 437، الحدائق 18: 466)
المقتر عليه: المضيق عليه في الرزق
أو النفقة.
(ن 4: 12، ق 2: 113)
المكائد: جمع المكيدة وهي اسم من
كاده يكيده كيدا، بمعنى: خدعه
ومكر به.
(ل 12: 199، م: 799)
المكارون: جمع المكاري، وهو:
من يكري دابته، أي: يؤجرها.
(ن 4: 170، مص 1 - 2: 532)
المناشدة: ناشده الله مناشدة: سأله
بالله. وناشده الأمر وفيه: طلبه
إليه.
(ن 5: 53، ل 14: 139)
موتان الأرض: وهي التي لم تحي بعد.
(ع: 779، ص 1: 267)
الموتشمة: راجع " استوشمت المرأة "
في المكاسب 2: 260.
" ن "
الناظر: من تولى إدارة أمر. والناظر في
الوقف: متوليه.
(م: 901، من: 817)
النجش: أن يزيد في سلعة أكثر من
398

ثمنها وليس قصده أن يشتريها، بل
ليغر غيره فيوقعه فيه.
(ص 3: 1021، مص 1 - 2: 594)
النسمة: النفس والروح والإنسان.
وكل دابة فيها روح هي نسمة.
(ع: 804، ن 5: 49)
النعجة: الأنثى من الضأن.
(ع: 814، ل 14: 198)
النفاق: خلاف الكساد. يقال: نفقت
السلعة نفاقا. إذا كثر طلابها
ومشتروها.
(ع: 708 و 820، مص 1 - 2: 618)
النفث: من النفث بالفم وهو شبيه
بالنفخ. ويقال: نفث الله الشئ في
القلب. أي: ألقاه فيه.
(ن 5: 88، مص 1 - 2: 616)
النقير: النقرة التي في ظهر
النواة.
(ع: 822، ص 2: 835)
نكل به: عاقبه بنحو جعله عبرة لغيره.
(ص 5: 1835، ن 5: 117)
النوائب: جمع نائبة، وهي ما ينوب
الإنسان وينزل به من المهمات
والحوادث والمصائب.
(ص 1: 229، ن 5: 123)
" ه‍ "
الهازل: اسم فاعل من هزل في
كلامه هزلا، إذا مزح ولم يكن جادا
فيه.
(ع: 883، مص 1 - 2: 638)
الهدنة: راجع المكاسب 2: 307.
" و "
الوادي: وهو كل منفرج بين جبال أو
آكام يكون منفذا للسيل. والجمع:
أودية.
(ع: 847، مص 1 - 2: 654)
الواشمة: اسم فاعل مؤنث من: وشم.
راجع " استوشمت المرأة " في
المكاسب 2: 260.
الوزنة: أربع وعشرون حقة بقالية.
راجع " حقة "
الوصلة: كل شئ اتصل بشئ فما
بينهما وصلة، أي: اتصال.
(ص 5: 1842، مص 1 - 2: 662)
399

الوضيعة: بيع الوضيعة - أو المواضعة -
هو: أن يخبر البائع بقيمة ما
اشتراه أو تقوم عليه ثم ينقص منه
شيئا، فيقول: بعتك بما اشتريته أو
تقوم علي ووضيعته كذا.
(الروضة البهية 3: 433 - 434)
ولوج الروح: دخولها.
(ص 1: 347، ن 5: 224)
ويحه: ويح: اسم فعل بمعنى الترحم
والتوجع يقال لكل من وقع في بلية
يرحم ويدعى له بالتخلص منها، أو
هو زجر لمن أشرف على الهلكة، أو
بمعنى: ويل، وهي كلمة عذاب، أو
قد يقال للمدح والتعجب.
(ل 15: 421، مج 1 - 2: 425)
" ي "
يوجف: راجع " الإيجاف " في
المكاسب 2: 264، و " وجف " في
2: 308.
400