الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ٩
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت ( ع ) لإحياء التراث - مشهد
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٦
المطبعة: ستاره - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث مشهد - إيران
ردمك: ٢-٧٥-٥٥٠٣-٩٦٤
ملاحظات:

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء التاسع
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

bp النراقي، أحمد بن محمد بن مهدي، 1185 - 1245 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد
4 ن مهدي النراقي، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1416 ه‍.
1419 ج. نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
عليهم السلام لإحياء التراث. ب. العنوان.
شابك (ردمك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا 18 جزءا
. vols 18 / 2 - 75 - 5503 - isbn 964
شابك (ردمك) 7 - 013 - 319 - 964 / ج 9
vol 9 / 7 - 013 - 319 - isbn 964
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 9
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم: والألواح الحساسة (الزينك): تيزهوش - قم
الطبعة: الأولى - ذو القعدة - 1416 ه‍
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 5000 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عيهم السلام
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دورشهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 996 / 37185 - هاتف 4 - 730001
4

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وآله الطاهرين
5

كتاب الزكاة
وهي في اللغة لمعان عديدة وفي عرف الشرع للمال المعهود
المخرج، وقد يطلق على إخراجه أيضا، وعليه يحمل قوله سبحانه:
(والذين هم للزكاة فاعلون) (1).
وهي في المعنى المذكور حقيقة شرعية، يدل على ثبوتها التبادر في
زمان الشارع بحكم الحدس والوجدان.
وقد عرفها الفقهاء بتعريفات منتقضة طردا أو عكسا، ولكن الأمر فيها
هين بعد وضوح المعرف وظهوره.
والاشتغال بتزييفها وتصحيحها حينئذ قليل الفائدة، وصرف الوقت
في غيره من الأمور المهمة في الدين هو اللائق بشأن المتقين.
ثم إن وجوبها ثابت بالكتاب، والسنة، والاجماع، بل الضرورة. وهي
أحد الأركان الخمسة، والنصوص في فضلها وعقاب تاركها متواترة، بل
لا تكاد تحصى من الكثرة، وكتب الفقه والحديث بها مشحونة.
وهي قسمان: زكاة المال، وزكاة الفطرة. فنبين أحكامها في
مقصدين:

(1) المؤمنون: 4.
7

المقصد الأول
في زكاة المال
والكلام فيها: إما في من تجب عليه.. أو في ما تجب فيه، وشرائطه،
والقدر الواجب فيه إخراجه.. أو في ما تستحب الزكاة فيه.. أو في مصرفها،
وكيفية صرفها، ووقته.
فهاهنا أربعة أبواب:
9

الباب الأول
في من تجب عليه
أي بيان شرائط وجوبها بحسب أحوال المكلف، وهي أمور:
الشرط الأول والثاني: البلوغ، والعقل.
فلا تجب زكاة في مال الصبي، ولا المجنون مطلقا، نقدا كان المال أو
غيره.
بلا خلاف في النقد، كما في الذخيرة والحدائق (1)، بل بالاجماع، كما
ذكره الفاضلان (2)، والشهيدان (3)، وغيرهم (4).
وأما ما ذكره ابن حمزة - كما نقله في المختلف (5) من قوله: وتجب
الزكاة في مال الطفل - فالظاهر - كما قيل - أن المراد به في الجملة.
كما أن ما حكي عن المقنعة - من وجوبها في مال التجارة للطفل (6) -
محمول على إرادة الاستحباب، كما يأتي.
وعلى الأصح الأشهر بين المتأخرين في غيره، وإليه ذهب السيد في
الجمل (7)، والحلي (8)، والديلمي (9)، والإسكافي (10)، والعماني (11)، والفاضلان (12)،

(1) الذخيرة: 320، والحدائق 12: 17.
(2) المحقق في المعتبر 2: 486، والعلامة في المنتهى 1: 471.
(3) الشهيد الأول في البيان: 276، والشهيد الثاني في الروضة البهية 2: 12.
(4) كصاحب الرياض 1: 261.
(5) المختلف: 172، وهو في الوسيلة: 121.
(6) المقنعة: 238.
(7) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3) 74.
(8) السرائر 1: 429.
(9) المراسم: 128.
(10) حكاه عنهما في المختلف: 172.
(11) حكاه عنهما في المختلف: 172.
(12) المحقق في المعتبر 2: 488، والشرائع 1: 140، والعلامة في التذكرة 1:
، والمنتهى 1: 472.
11

بل نسبه في التحرير إلى أكثر علمائنا (1).
ويدل على الحكم مطلقا: الأصل، لاختصاص أدلة وجوب الزكاة
بالمكلفين، وحديث رفع القلم (2) بضميمة أصالة عدم تعلق التكليف
بالولي.
وقد يستدل أيضا بقوله سبحانه: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم
وتزكيهم بها) (3)، حيث إنه لا يتمشى التطهير عن الآثام في غير أهل
التكليف. وفيه نظر (4).
ويدل على انتفاء الزكاة في مال الصبي مطلقا أيضا حكمهم:
بانتفاء الزكاة في مال اليتيم بعبارات مختلفة، كما في الصحاح الأربع:
لزرارة (5)، ومحمد بن القاسم (6)، والحلبي (7)، ومحمد (8)، وحسنة
محمد (9)، والموثقات الأربع: لعمر بن أبي شعبة (10)، وأبي بصير (11)،

(1) التحرير 1: 57.
(2) الخصال 1: 93 / 40، الوسائل 1: 45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
(3) التوبة: 103.
(4) وجه النظر: أنه لا عموم في ضمير أموالهم لمن تجب عليه الزكاة، بل لطائفة خاصة.
(5) التهذيب 4: 26 / 62، الوسائل 9: 85 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 8.
(6) الكافي 3: 54 / 8، الفقيه 2: 115 / 495، التهذيب 4: 30 / 74، الوسائل 9: 84 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 4.
(7) الكافي 3: 540 / 1، التهذيب 4: 26 / 60، الوسائل 9: 83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 1.
(8) التهذيب 4: 26 / 61، الوسائل 9: 85 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 7.
(9) الكافي 3: 541 / 3، الوسائل 87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 1.
(10) التهذيب 4: 27 / 64، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 10.
(11) الكافي 3: 541 / 4، الوسائل 9: 84 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 3.
12

ويونس (1)، وسماعة (2)، وروايات السمان (3)، ومروان (4)، ومحمد بن
الفضيل (5).
وفي صحيحة زرارة وبكير: (ليس في مال اليتيم زكاة، إلا أن يتجر
به، فإن اتجر به ففيه الزكاة، والربح لليتيم) (6)، وغير ذلك من الروايات.
ولا يضر التعبير فيها بلفظ اليتيم الذي هو من لا أب له، لعدم القول
بالفصل بينه وبين سائر الأطفال.
ولا اشتمال بعضها على ثبوت الزكاة في ماله إذا اتجر به، لعدم
وجوبها في مال التجارة على البالغ كما يأتي، فهاهنا أولى.
وعلى انتفائها في مال المجنون كذلك: صحيحة البجلي (7)، ورواية
موسى بن بكر (8).
ولا يظن اختصاصهما بالنقدين - من حيث تضمنهما العمل والتجارة
في المال - لتأتيهما في غير النقدين أيضا.

(1) الكافي 3: 541 / 7 التهذيب 4: 27 / 66، الإستبصار 2: 29 / 84، الوسائل
9: 85 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 5.
(2) التهذيب 4: 28 / 69، الإستبصار 2: 30 / 87، الوسائل 9: 88 أبواب من
تجب عليه الزكاة ب 2 ح 5.
(3) الكافي 3: 541 / 6، التهذيب 4: 27 / 65، الإستبصار 2: 92 / 83، الوسائل
9: 87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 2.
(4) التهذيب 4: 27 / 63، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 9.
(5) التهذيب 4: 27 / 67، الإستبصار 2: 29 / 85، الوسائل 9: 88 أبواب من
تجب عليه الزكاة ب 2 ح 4.
(6) الفقيه 2: 9 / 27، الوسائل 9: 89 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 8.
(7) الكافي 3: 542 / 2، التهذيب 4: 39 / 75، الوسائل 9: 90 أبواب من تجب
عليه الزكاة ب 3 ح 1.
(8) الكافي 3: 245 / 3، التهذيب 4: 30 / 76، الوسائل 9: 90 أبواب من
تجب عليه الزكاة ب 3 ح 2.
13

وعلى انتفائها في خصوص غلات اليتيم: صحيحة أبي بصير: (وليس
على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة، وإن بلغ اليتيم فليس عليه
لما مضى زكاة، ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك فإنما عليه زكاة
واحدة) (1).
وحملها على نفي الاستغراق بعيد جدا، سيما بملاحظة صدر الرواية
وذيلها.
خلافا في غير النقدين - من الغلات والمواشي - للمحكي عن
الشيخين (2)، والقاضي (3)، والحلبي (4)، بل نسبه في الناصريات إلى أكثر
أصحابنا (5)، وجعله في النافع الأحوط (6)، فأوجبوا الزكاة فيها.
أما في غلات الأطفال، فلصحيحة محمد وزرارة، عن
الصادقين عليهما السلام: (ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شئ،
وأما الغلات فعليها الصدقة واجبة) (7).
والجواب عنها: أنها مرجوحة بالنسبة إلى الأولى بموافقة العامة، كما
ذكره في المنتهى (8).
بل تدل عليه رواية مروان: (كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم،

(1) التهذيب 4: 92 / 73، الإستبصار 2: 31 / 91، الوسائل 9: 86 أبواب من
تجب عليه الزكاة ب 1 ح 11.
(2) المفيد في المقنعة: 238، والشيخ في النهاية: 147، والمبسوط 1: 190.
(3) المهذب 1: 168.
(4) الكافي في الفقه 165.
(5) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 205
(6) المختصر النافع: 53.
(7) الكافي 3: 541 / 5، التهذيب 4: 29 / 72، الإستبصار 2: 31 / 90، الوسائل
9: 83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 2.
(8) المنتهى 1: 471.
14

ليس عليه زكاة) (1).
مع أنه مع التكافؤ يرجع إلى العمومات والأصل، وهما مع النفي.
مع أن في دلالة الصحيحة على الوجوب بالمعنى المصطلح نظرا، لأن
الوجوب في اللغة: الثبوت، والمسلم ثبوت الحقيقة الشرعية فيه - لو سلم -
هو الوجوب الواقع على المكلفين، وهو هنا واقع على الصدقة.
وأما في مواشيهم ومواشي المجانين وغلاتهم، فلعموم قوله سبحانه:
(في أموالهم حق معلوم) (2)
وعموم الأخبار المثبتة للنصب وما يخرج منها، كقوله: (فيما سقت
السماء العشر) (3).
والجواب، أما عن الآية: بأن الضمير فيها يعود إلى ما لا يشمل
الأطفال والمجانين أولا.
وبعدم دلالتها على الوجوب ثانيا.
وبعدم ثبوت كون الحق المعلوم الزكاة ثالثا، بل في رواية سماعة:
(الحق المعلوم ليس من الزكاة، هو الشئ تخرجه من مالك، إن شئت كل
جمعة، وإن شئت كل شهر) (4).
وأما عن عموم الأخبار: فبأنها مسوقة لبيان النصب والعدد المخرج
في ما تجب فيه الزكاة، وهو هنا أول المسألة، مع أنه لو سلم العمومان يجب
تخصيصهما بما مر من الأخبار النافية للزكاة في مال اليتيم والمجنون مطلقا.

(1) التهذيب 4: 27 / 63، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 9.
(2) المعارج: 24.
(3) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلات ب 4.
(4) الفقيه 2: 25 / 94، الوسائل 9: 51 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 7 ح 11.
15

فروع:
أ: هل الحمل ملحق بالصبي فيما عزل له، أو لا؟
قطع في التذكرة بالأول (1)، وفي الإيضاح: إن إجماع أصحابنا على أنه
قبل انفصال الحمل لا زكاة في ماله، لا وجوبا ولا غيره، وإنما تثبت وجوبا
على القول به، أو استحبابا على الحق، بعد الانفصال (2). انتهى.
وقيل: يبنى على دخوله في مفهوم اليتيم، فإن دخل لم تجب في
نصيبه زكاة، وإلا وجبت، لعموم مثل قوله: (فيما سقت السماء العشر)، و:
(في كل مائتي درهم خمسة دراهم) (3)، ونحوهما.
واستقرب في البيان أنه يراعى بالانفصال (4)، (وهو الحق) (5).
فلو انفصل حيا لم تجب فيه زكاة، لانكشاف كون المال للجنين، ولذا
يكون نماؤه له، ولا زكاة في ماله، إما لصدق اليتيم، أو للأولوية بالنسبة إلى
المنفصل، أو للاجماع المركب.
ويؤيده ما يدل بظاهره على تلازم وجوب الزكاة لوجوب الصلاة.
وإن انفصل ميتا يعلم أن المال كان لغيره، ولذا يكون نماؤه له،
وينتقل إلى وارثه لو مات ذلك الغير ولو قبل سقوط الحمل، فإن كان الغير
جامعا لشرائط وجوب الزكاة - التي منها التمكن من التصرف - وجبت الزكاة
فيه، لأدلتها، ولعموم مثل: (في كل مائتي درهم خمسة دراهم).
ولا ينافيه الاجماع المنقول في الإيضاح، لأنا أيضا نقول بعدم وجوب

(1) التذكرة 1: 201.
(2) إيضاح الفوائد 1: 167.
(3) الوسائل 9: 142 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 2.
(4) البيان 277.
(5) ليس في (ح).
16

الزكاة قبل الانفصال.
ب: يشترط الكمال بالبلوغ والعقل في تعلق الزكاة بالنقدين
والمواشي طول حول، فلا زكاة بعد (الكمال) (1) فيما حال حوله
قبل الكمال، ولا بعد تمام الحول فيما حال بعض حوله قبله، بل يستأنف
الحول من حين الكمال.
وتدل على الأول - بعد الاجماع - صحيحة أبي بصير السالفة (2)، فإن
معنى (ما مضى): ما سبق زمان تعلق الزكاة به على زمان البلوغ، ويصدق
على ما حال حوله قبل البلوغ أنه مضى.
وكذا قوله: (فإذا أدرك فإنما عليه زكاة واحدة) بأي معنى أخذ يدل
على ذلك، إذ لولاه لكان عليه زكوات عديدة للأحوال المتعددة.
وعلى الثاني: قوله في موثقة إسحاق بن عمار - بعد السؤال عن الدين
المقبوض - أيزكيه؟ قال: (لا، حتى يحول عليه الحول في يده) (3).
وفي الأخرى - بعد السؤال عن ميراث الغائب - أيزكيه حين يقدم؟
قال: (لا، حتى يحول عليه الحول وهو عنده) (4).
وفي ثالثة - بعد السؤال عن ميراث الغائب أيضا - أنه إذا جاء هو
أيزكيه؟ قال: (لا، حتى يحول عليه الحول وهو في يده) (5).
وفي رابعة - بعد السؤال عن ثمن وصيفة إذا باعها - أيزكي ثمنها؟

(1) بدل ما بين القوسين في (ق): كمال زمان تعلق الزكاة.
(2) راجع ص 14.
(3) التهذيب 4: 34 / 87، الإستبصار 2: 28 / 97، الوسائل 9: 69 أبواب من
تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.
(4) الكافي 3: 527 / 5، التهذيب 4: 34 / 89، الوسائل 9: 94 أبواب من تجب
عليه الزكاة ب 5 ح 3.
(5) الكافي 3: 524 / 1، الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 2.
17

قال: (لا، حتى يحول عليه الحول وهو في يده) (1).
وفي صحيحة الفضلاء الخمسة: (وكل ما لم يحل عليه الحول عند
ربه فلا شئ عليه فيه) (2).
وفي صحيحة علي بن يقطين: (كلما لم يحل عليه عندك الحول
فليس عليك فيه زكاة) (3).
وفي حسنة زرارة وعبيد: (فلا شئ عليه فيها حتى يحوله مالا،
ويحول عليه الحول وهو عنده) (4)، إلى غير ذلك.
ولا شك أنه لا يكون المال في يد الصبي والمجنون ولا عنده.
ويدل عليه أيضا ما يأتي من اشتراط التمكن من التصرف فيه طول
الحول، وهما غير متمكنين. وكون تصرف الولي تصرفه ويده يده ممنوع،
كما يأتي في زكاة المال الغائب.
وقد يستدل لذلك أيضا بصحيحة أبي بصير السابقة (5).
وفي دلالتها عليه نظر، إذ صدق ما مضى على ما بقي بعض حوله غير
معلوم، وحمل قوله: (حتى يدرك) على (يحول عليه الحول عنده) غير
متعين.
ولذا تأمل صاحب الذخيرة في هذا الحكم (6). ولكنه لا وجه له بعد

(1) الكافي 3: 529 / 6، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 14 ح 4.
(2) الكافي 3: 534 / 1، التهذيب 4: 14 / 103، الإستبصار 2: 34 / 65، الوسائل 9:
121 أبواب زكاة الأنعام ب 8 ح 1.
(3) الكافي 3: 518 / 8، التهذيب 4: 8 / 19، الإستبصار 2: 6 / 13، الوسائل 9:
169 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 15 ح 3.
(4) الكافي 3: 515 / 1، التهذيب 4: 40 / 102، الوسائل 9: 194 أبواب زكاة
الغلات.
(5) في ص 14.
(6) الذخيرة: 421.
18

دلالة غيرها عليه.
هذا حكم النقدين والمواشي.
وأما الغلات، فيشترط الكمال قبل وقت تعلق الوجوب بها، من بدو
الصلاح وانعقاد الحب أو صدق الاسم، فلو كمل بعده لم تجب عليه زكاة
وإن كان قبل الحصاد، لقوله في صحيحة أبي بصير: (فليس عليه لما مضى
زكاة)، لصدق المضي.
وللاستصحاب، حيث إنه لم تجب في تلك الغلة قبل كمال ربها
زكاة، فيستصحب. ولا يندفع بإطلاقات وجوب الزكاة، لأنه خرجت منها
هذه الغلة قبل كمال الرب، فعودها يحتاج إلى دليل.
ج: المجنون الدوري إن بلغ دور إفاقته حولا، تجب عليه زكاة ما
حال عليه ذلك الحول إجماعا، كما أنه لا تجب عليه زكاة ما حال عليه حول
جنونه.
ولو كان بعض الحول حين إفاقته وبعضه حين جنونه، أو لم يبلغ
دوره الحول مطلقا، فصرح في التذكرة والنهاية (1) وجمع آخر من متأخري
المتأخرين (2) بعدم وجوب الزكاة فيه، ووجوب استئناف الحول من حين
الإفاقة بشرط بقائها إلى تمامه.
واستقرب في المدارك تعلق الوجوب حال الإفاقة (3)، واستحسنه في
الذخيرة (4)، لعموم الأدلة، وعدم مانع من توجه الخطاب إليه حينئذ.
قال في الذخيرة: إلا أن يصدق عليه المجنون عرفا حين الإفاقة، كما

(1) التذكرة 1: 201، نهاية الإحكام 2: 300.
(2) كصاحب الحدائق 12: 28، وكاشف الغطاء: 354، وصاحب الرياض 1: 262.
(3) المدارك 5: 16.
(4) الذخيرة 421.
19

إذا كان زمان الإفاقة قليلا نادرا بالنسبة إلى زمان الجنون.
والحق هو الأول، لما مر من اشتراط حولان الحول عليه في يده
وعنده، وليس مال ذي الأدوار كذلك، لرفع يده عنه بالحجر حال الجنون،
وعدم تمكنه من التصرف فيه.
وبذلك تخصص العمومات، إلا أن يكون زمان جنونه قليلا جدا
بحيث لا يحكم بخروج ماله عن يده، وعن كونه فيما عنده عرفا، فإن
الظاهر عدم الالتفات إلى هذا الجنون، كمن جن طول الحول ساعة ثم أفيق.
ومنه يظهر ضعف القول الثاني، مع أنه على فرضه لا وجه للاستثناء
الذي ذكره في الذخيرة، لأن حال الإفاقة وإن كانت قليلة جدا، فليس في
تلك الحال مجنونا حقيقة وواقعا، ولذا تجب عليه الصلاة لو كانت بقدرها،
فلا يكون مانع من تعلق الخطاب إليه. وإطلاق المجنون عليه أعم من
الحقيقة، بل صحة السلب أمارة المجاز.
هذا حكم غير الغلات، وأما هي فالمعتبر فيها وقت تعلق وجوب
الزكاة، فإن كان فيه مجنونا لا تجب، وإن كان مفاقا تجب.
د: قال في التذكرة: تجب الزكاة على الساهي والنائم والمغفل، دون
المغمى عليه، لأنه تكليف وليس من أهله (1).
وتنظر فيه جمع ممن تأخر عنه (2)، وهو كذلك، لأنه إن أراد المغمى
عليه حال تمام الحول، ففيه:
أولا: إن النائم والساهي أيضا ليسا من أهل التكليف، فالفرق غير
واضح، والقياس على قضاء الصلاة - حيث لا يجب على المغمى عليه ويجب
على أخويه - باطل، لأنه من جهة النصوص، مع أن ذلك ليس قضاء.

(1) التذكرة 1: 102.
(2) كصاحبي المدارك 5: 16، والذخيرة: 421.
20

وثانيا: إنه وإن لم يكن حينئذ من أهله، ولكنه مكلف بعد رفع
الاغماء. ولا يلزم من عدم تكليفه في أن تمام الحول عدمه مطلقا.
وإن أراد المغمى عليه في أثناء الحول حتى ينقطع بسببه الحول ولزم
استئنافه، فإن كان له وجه - كما مر - وتم الفرق من جهة استحالة خلو
الآدمي عن النوم والسهو طول حول، فيكون استثناؤهما ضروريا، بخلاف
الاغماء.
إلا أنه يرد عليه: أن المناط في انقطاع الحول عدم صدق كون المال
في يده أو عنده عرفا، ولا شك أنه (لا ينتفي) (1) الصدق بمجرد النوم أو
السهو أو الاغماء، فتشملهم أدلة عموم وجوب الزكاة.
نعم، لو فرض حصول الاغماء مدة مديدة، كشهر أو شهرين، بحيث
ينتفي الصدق المذكور عرفا، نسلم انقطاع الحول، بل وكذا النوم والسهو
لولا الاجماع على خلافه فيهما.
وقد يجاب عن الاستناد إلى انقطاع الحول بمنعه، لأن هذه الأمور من
موانع التكليف، والموجب لانقطاع الحول انتفاء شرط التكليف. وفيه نظر
ظاهر.
ه‍: المشهور عند النافين لوجوب الزكاة على الطفل والمجنون في
الزرع والضرع استحباب إخراجها لوليهما فيهما.
ومنهم من خص الاستحباب بزرع الأطفال، ونفاه عن مواشيهم
ومواشي المجانين وزرعهم (2).
وعن الحلي: نفي الاستحباب مطلقا (3).

(1) في (س) ينبغي.
(2) كما في المدارك 5: 22.
(3) السرائر 1: 441.
21

دليل القائلين بالاستحباب مطلقا: التفصي عن خلاف الموجبين،
وصحيحة زرارة ومحمد المتقدمة (1).
ويضعف الأول: بأن فيه دخولا في خلاف المحرم، والتفصي عنه أيضا احتياط.
والثاني: بأنه إنما يتم لو ردت دلالة الصحيحة بقصورها عن إفادة
الوجوب، وأما بعد ردها بالمرجوحية بموافقة العامة فلا تبقى دلالة فيها
على الاستحباب.
ودليل من خصه بزرع الطفل: اختصاص الصحيحة به، وخلو غيره
عن المستند.
وحجة الحلي: ضعف الاستناد إلى الصحيحة بما مر، أو عدم حجية
الآحاد، وعدم مستند آخر للزرع ولا لغيره.
أقول: لما ثبت التسامح في أدلة السنن ولو بالتعويل على مجرد فتوى
الفقهاء، فيمكن الاستناد في الاستحباب في الجميع بفتاوى القائلين
بالوجوب والاستحباب، فالأقرب هو القول المشهور.
و: تستحب الزكاة في مال الصبي والمجنون إذا اتجر به لهما، وفاقا
للأكثر، بل عن المعتبر والمنتهى والغنية ونهاية الإحكام: إجماع علمائنا
عليه (2).
وظاهر المقنعة الوجوب (3)، إلا أن في التهذيب حمل كلامه على
الاستحباب، استنادا إلى انتفاء الوجوب عنده في مال التجارة للكامل، فغيره

(1) في ص: 14.
(2) المعتبر 2: 487، والمنتهى 1: 472، والغنية (الجوامع الفقهية): 569، ونهاية
الإحكام 2: 299.
(3) المقنعة: 238.
22

أولى (1).
وعن الحلي: نفي الوجوب والاستحباب (2)، ومال إليه بعض
المتأخرين (3).
لنا على نفي الوجوب: الأخبار المتقدمة النافية للزكاة عن مال اليتيم
والمجنون (4)، والآتية النافية لها عن مال [التجارة] (5) مطلقا (6).
وعلى الاستحباب: الاجماعات المحكية، والمعتبرة المستفيضة
المتقدمة إليها الإشارة، كصحيحتي الحلبي، وزرارة وبكير، وحسنة محمد،
وموثقتي ابن أبي شعبة، ويونس، ورواية السمان (7).
ورواية أبي العطارد: مال اليتيم يكون عندي فأتجر به؟ قال: (إذا
حركته فعليك زكاته) (8).
وقوية محمد بن الفضيل: عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو
أخيهم، هل تجب على مالهم زكاة؟ فقال: (لا تجب في مالهم زكاة حتى
يعمل به، فإذا عمل به وجبت الزكاة، فأما إذا كان موقوفا فلا زكاة
عليه) (9)، كل ذلك في الأطفال.
وتدل عليه في المجنون: صحيحة البجلي، ورواية موسى بن بكر

(1) التهذيب 4: 27.
(2) السرائر 1: 441.
(3) كصاحب المدارك 6: 18.
(4) راجع ص 12 و 13.
(5) أضفناها لاقتضاء السياق.
(6) في ص 241.
(7) في ص 12 و 13.
(8) الكافي 3: 450 / 2، التهذيب 4: 28 / 68، الإستبصار 2: 29 / 86، الوسائل 9:
88 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 3.
(9) تقدمت مصادرها في ص 13.
23

المتقدمة إليها الإشارة (1).
ومقتضى بعض تلك الأخبار صريحا وبعضها ظاهرا وإن كان
الوجوب، إلا أن سيأتي من الأخبار النافية لوجوبها في مال التجارة
مطلقا، أو للبالغ العاقل، أوجب حملها على الاستحباب.
دليل النافي للوجوب [والاستحباب] (2): قصور الروايات دلالة، من
جهة ظهورها في الوجوب المنفي هنا، ومن جهة دلالة بعض النصوص أن
الحكم في هذه الروايات وارد مورد التقية، فلا يكون دليلا على
الاستحباب.
ويرد بعدم دلالة بعضها على الوجوب، وعدم ضير انتفاء الوجوب
في ما دل عليه في ثبوت مطلق الرجحان، وعدم ثبوت الورود مورد التقية كما يأتي.
مع أنه على فرض تسليم الجميع تكفي الشهرة العظيمة والاجماعات
المحكية في إثبات الاستحباب.
الشرط الثالث: الحرية.
فلا تجب زكاة على المملوك.
أما على القول بعدم تملكه شيئا فبلا خلاف، كما صرح به جماعة (3).
ووجهه ظاهر.
وتدل عليه أيضا صحيحة ابن سنان: مملوك في يده مال، أعليه
زكاة؟ قال: (لا)، قلت له: فعلى سيده؟ قال: (لا، لأنه لم يصل إلى سيده،
وليس هو للمملوك) (4).

(1) في ص 13.
(2) أضفناها لاقتضاء الكلام.
(3) كالعلامة في التذكرة 1: 201، وصاحبي الحدائق 12: 28، والرياض 1 262.
(4) الكافي 3: 342 / 5، الفقيه 2: 19 / 63، علل الشرائع: 372 / 1، الوسائل 9:
92 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 4.
24

وأما على القول بتملكه شيئا، فعلى الأقوى الأشهر، بل عن الخلاف،
والتذكرة الاجماع عليه (1)، لصحيحة أبي البختري: (ليس في مال المكاتب
زكاة) (2)، ونفيها عن المكاتب يقتضي نفيها عن غيره بطريق أولى.
وصحيحة ابن سنان: (ليس في مال المملوك شئ ولو كان ألف
ألف، ولو أنه احتاج لم يعط من الزكاة شئ) (3).
والأخرى: سأله رجل - وأنا حاضر - عن مال المملوك أعليه زكاة؟
فقال: (لا، ولو كان له ألف ألف درهم) (4).
خلافا للمحكي عن المعتبر والمنتهى (5) فأوجباها حينئذ، لأنه مالك،
وله التصرف فيه كيف شاء.
وهو اجتهاد في مقابلة النص.
ومقتضى إطلاق هذه الأخبار وفتاوي الأخبار عدم الفرق في الحكم
بين ما لو أذن السيد له في التصرف مطلقا أو في أداء الزكاة أم لا، وفاقا
للشرائع والدروس والبيان (6) وغيرها (7).
ويحكى قول بالتقييد بعدم الإذن (8)، لارتفاع الحجر بالإذن،
وللمروي عن قرب الإسناد (ليس على المملوك زكاة إلا بإذن مواليه) (9).

(1) انظر الخلاف 2: 41، والتذكرة 1: 201.
(2) الكافي 3: 542 / 4، الوسائل 9: 29 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 5.
(3) الكافي 3: 542 / 1، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.
(4) الفقيه 2: 19 / 62، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 3.
(5) المعتبر 2: 489، والمنتهى 1: 472.
(6) الشرائع 1: 140، والدروس 1: 230، والبيان 277.
(7) كما في الرياض 1: 263.
(8) حكاه في الحدائق 12 / 28.
(9) قرب الإسناد: 228 / 893، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4
ح 2.
25

والجواب عن الأول: بأنه يتم لو كان سبب انتفاء الوجوب عنه
الحجر، وليس كذلك.
وعن الثاني: بضعف السند الخالي عن الجابر أولا، وبضعف الدلالة ثانيا، لاحتمال كون متعلق الإذن إخراج الزكاة عن السيد.
وكما لا تجب الزكاة على المملوك على القول بتملكه، كذلك لا تجب
زكاة هذا المال على سيده أيضا، كما نص به في المنتهى والبيان (1)،
للأصل، ولأنه غير مالك ولا تجب على أحد زكاة مال غيره.
وعن ظاهر التحرير والقواعد: وجوبها على المولى (2)، لأنه مال
مملوك لأحدهما فلا تسقط الزكاة عنهما معا، ولأنه مال مستجمع لشرائط
وجوب الزكاة، فإذا لم تجب على العبد وجبت على المولى.
وفسادهما في غاية الظهور.
وعلى القول بعدم تملك العبد، فهل تجب الزكاة على سيده فيما تركه
السيد في يد المملوك لانتفاعه، أم لا؟
قيل: نعم (3)، لأنه مال مستجمع لجميع شرائط وجوب الزكاة.
وقيل: لا (4)، لأنه غير متمكن من التصرف فيه.
وفيه: أنه أخص من المدعى، لامكان تمكنه من التصرف.
وأما تنزيله على عدم التمكن من جهة المروءة والوفاء بالعهد فغير
مفيد، لأنهما لا ينفيان جواز التصرف.
نعم، يمكن أن يستدل على نفي الزكاة عليه بصحيحة ابن سنان

(1) المنتهى 1: 473، والبيان: 277.
(2) التحرير 1: 57، والقواعد 1: 51.
(3) قال به العلامة في المنتهى 1: 473.
(4) قال به المحقق في المعتبر 2: 489.
26

الأولى (1)، حيث صرحت بعدم وجوب الزكاة على السيد.
ولا يوجب التعليل المذكور فتخصيص الانتفاء بصورة عدم تمكن
السيد من التصرف ببعده عن المملوك أو جهله، لجواز أن يكون المعنى:
لأنه لم يفد وصوله لسيده، ولا ينتفع هو به، حيث تركه للمملوك، فيجري
التعليل في جميع الصور.
بل هذا المعنى هو الظاهر من هذه العبارة في هذا المقام.
فرع: لو قلنا بعدم ملكية المملوك شيئا فلا شك في اشتراط الحرية
في وجوب الزكاة على أنعامه وأثمانه على طول حوله.
ووجهه ظاهر مما يأتي من اشتراط الملكية في الحول.
وإن قلنا بملكيته فكذلك لو لم يكن مأذونا في التصرف، لما يأتي
أيضا من اشتراط التمكن من التصرف طول الحول.
وإن كان مأذونا فيه متمكنا فأعتق في أثناء الحول ففيه إشكال.
والظاهر البناء على الحول السابق إلا أن يثبت الاجماع على خلافه.
الشرط الرابع: الملكية.
فلا زكاة على أحد في غير ما يملكه، بالاجماع المحقق، والمحكي
في المعتبر والمنتهى والذخيرة (2)، وغيرها.
ويدل عليه - مع الاجماع - الأصل، إذ لم يثبت من أدلة وجوب الزكاة
وجوبها في غير ما يملك، ولا عموم فيها من هذه الجهة حتى يحتاج إلى
التخصيص بإجماع أو غيره.
وبعض الأخبار، كمكاتبة علي بن مهزيار، وفيها: فكتب: (لا تجب

(1) المتقدمة في ص 25.
(2) المعتبر 2: 490، والمنتهى: 475، والذخيرة: 423.
27

عليه الزكاة إلا في ماله) (1).
وفي صحيحه الكناني: (إنما الزكاة على صاحب المال) (2).
ولا إشكال في ذلك ولا كلام، وإنما الكلام فيما اشترطه جماعة
- منهم: المحقق في الشرائع (3) والفاضل في جملة من كتبه (4) والشهيد في
البيان (5) وغيرهم (6) - من تمام الملكية.
والكلام تارة في المراد منه، والأخرى في اشتراطه وعدمه..
أما الأول: فالذي يومئ إليه كلام المعتبر (7) - على ما حكاه في
المدارك (8) وغيره (9) - أن المراد منه الشرط الآتي، وهو التمكن من التصرف
بالمعنى الآتي.
وبه صرح في البيان، قال في تعداد الشرائط: من كون الملك تاما،
ونقصه بمنعه من التصرف، والموانع ثلاثة. فعد الوقف والغصب والغيبة (10).
واحتمل في المدارك والذخيرة أن يكون المراد منه تمامية السبب
المقتضي للملك، وجوزا أن يكون مرادهم عدم تزلزل الملك، ونقلاه عن
بعضهم (11).

(1) الكافي 3: 521 / 11، الوسائل 9: 104 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 2.
(2) الكافي 3: 251 / 12، الوسائل 9: 103 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 2.
(3) الشرائع 1: 141.
(4) التذكرة 1: 201، والقواعد 1: 51.
(5) البيان 278.
(6) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 51.
(7) المعتبر 2: 490.
(8) المدارك 5: 26.
(9) كما في الذخيرة: 423.
(10) البيان: 278.
(11) المدارك 5: 26، والذخيرة: 423.
28

وصرح باشتراطه بهذا المعنى بعض مشايخنا المحققين (1)، ولكن
خصه بالتزلزل الموجب لنقص الملك لا مطلقا، ومثل للأول بخيار البائع،
وللذي لا يوجبه بخيار المشتري.
وجعله بعض مشايخنا الأعم من التزلزل ومن غيره مما يوجب نقصا
في الملكية، باعتبار عدم التمكن من جميع التصرفات فيه، من جهة ضعف
الملكية وقصور فيها، لا من جهة العوارض الخارجية كالغصب والغيبة،
ومثل له بالمنذور صدقة بعينه، وبالوقف على البطون، وبالغنيمة قبل القسمة
ونحوها.
واعترض على إرادة بعض هذه المعاني بمنافاته لبعض تعريفاتهم،
وعلى إرادة بعض آخر بعدم خروجه عن بعض الشروط الأخر.
ولا اهتمام كثيرا بتعيين مرادهم منه، وإنما المهم بيان اشتراطه وعدمه
بأي معنى أخذ.
فنقول: لا شك في اشتراطه بالمعنى الأول، لما يأتي من اشتراط
التمكن من التصرف.
ولا بالمعنى الثاني، لأن الملكية المعتبرة قطعا تتوقف عليه.
ويتفرع عليه أنه لا يجري الموصى به في الحول إلا بعد حصول
القبول عن الموصى له وبعد وفاة الموصي.
وأما المعنى الثالث - وهو عدم كونه متزلزلا - فقد عرفت أن منهم من
قال باشتراطه.
ويمكن أن يستدل له بوجوه:
منها: الاجماع المنقول في التذكرة (2).

(1) المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(2) التذكرة 1: 201.
29

ومنها: ما قيل من أن التزلزل ينافي التمكن من التصرف (1)، فإن
التمكن من التصرف ربما ينتفي من جهة عدم تمامية الملك، وربما ينتفي
تماميته.
فالأول مثل: المبيع في زمن الخيار للبائع، والموهوب قبل القبض،
والغنيمة قبل القسمة، والمنذور بصدقة في أثناء الحول.
والثاني مثل: المال المفقود والمغصوب والغائب. وهذا القسم هو
مرادهم في الشرط الآتي.
والأول هو المراد عند اشتراط تمامية الملك، حيث إن الملك ما دام
ناقصا متزلزلا لا يجوز لمالكه التصرف فيه، فلا يجوز له نقله إلى غيره ببيع
أو غيره من النواقل، ولا إعطاؤه للغير بعنوان الزكاة.
وقد صرح بعدم نقله جماعة، منهم: الفاضل الهندي، وصاحب
الذخيرة (2)، وبعض مشايخنا المحققين (3)، بل هو ادعى عليه البداهة،
ونقل عن المدارك أيضا (4).
فلا يجب عليه إعطاء الزكاة من هذا المال، لأنه تصرف فيه، ولا من
غيره، إذ لا معنى لوجوب زكاة مال على غير ذلك المال، مع أن الزكاة
تتعلق بالأعيان.
ومنها: أنه لا شك في اعتبار الملكية والمالية، كما ثبت بالاجماع،
ودلت عليه الأخبار، كالمكاتبة والصحيحة المتقدمتين (5)، والمتبادر من
الملكية: التامة.

(1) قال به السبزواري في الذخيرة: 423.
(2) الذخيرة: 424.
(3) المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(4) المدارك 5: 37.
(5) في ص 27، 28.
30

أقول: يرد على الأول - مع عدم حجية الاجماع المنقول - عدم تعين
إرادته الاجماع على اشتراط هذا المعنى من تمامية الملك، فلعله أراد أحد
المعاني الأخر.
كما أن الشهيد أطلق في البيان اشتراط التمكن من التصرف، وحصر
المانع منه في الثلاثة المذكورة، وعد خيار البائع مما جعله بعضهم مانعا،
وليس بمانع (1).
وعلى الثاني: أنه لو سلم عدم تمكن المالك من جميع التصرفات
أولا فإنه مختلف فيه، وقد جوز نقل المبيع في زمن الخيار بعض متأخري
المتأخرين، فمن أين يشترط في وجوب الزكاة التمكن من هذا النوع من
التصرفات؟ وما الدليل عليه؟ ولا يثبت مما سيأتي اشتراط التمكن من
جميع أنحاء التصرفات.
فإن قلت: إعطاء الزكاة نقل الملك إلى الفقير، فإذا لم يتمكن
المشتري - مثلا - من نقل الملك فكيف يجوز له إعطاء الزكاة؟!
قلت: لا نسلم أن إعطاء الزكاة نقل المالك الملك إلى الفقير، وإنما
هو تعيين لمال الفقير، والناقل في الزكاة هو الله سبحانه، فهو بالاعطاء
يعين ما نقله الله إلى الفقير.
ولذا قال في الذخيرة - مع منعه من تصرف المتهب في الموهوب
قبل القبض ببيع ونحوه -: لو رجع الواهب بعد وجوب الزكاة وقبل أدائها،
فالظاهر تقديم حق الفقراء، لتعلقه بالعين ولا يضمنه المتهب (2). انتهى.
فإن التعلق بالعين لم يحصل من جهة المتهب، بل من جهة الله
سبحانه.

(1) البيان 278 و 279.
(2) الذخيرة: 423.
31

وعلى الثالث: المنع من تبادر الملكية التامة بهذا المعنى - أي عدم
كونه متزلزلا - فإن من البديهيات أنه يقال في العرف: إن الحيوان قبل انقضاء
الثلاثة مال المشتري وملك له، وكذا ما للبائع خيار الغبن فيه أو خيار تأخير
الثمن، وكذا الموهوب قبل القبض.
ومن ذلك ظهر أن الحق عدم اشتراط تمامية الملكية بذلك المعنى،
أي عدم التزلزل.
وأما بالمعنى الرابع (1)، فقد عرفت الحال في أحد قسميه، وهو ما
كان ضعف الملكية وقصورها باعتبار التزلزل.
وأما القسم الآخر، فالظاهر أنه لا يضبطه عنوان خاص، ولذا ترى
بعضهم يدرج الوقف والمنذور والغنيمة تحت ما لا يمكن التصرف فيه (2)،
وبعض آخر يعنون كلا منها على حدة.
ولك أن تضبطه ب‍: ما ثبت من الشرع وجوب صرف عينه في مصرف
معين، أو ثبت منه بخصوصه عدم جواز نقل عينه، لا من المالك، ولا من
غيره.
وبالجملة: فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب الزكاة في ذلك
القسم، لأنه ليس ملكا له عرفا، بل يقال لمن نذر إعطاء شئ معين للفقير:
إنه أخرجه من ملكه، وكذا الوقف الخاص، وكذا الغنيمة قبل القسمة، ولا
يتبادر من المال والملك شئ منها.
مع أنه تتعارض عمومات وجوب الزكاة مع عمومات عدم جواز
التصرف فيها أو عدم جواز صرف عينها في غير مصرف معين، فيبقى أصل

(1) وهو كون المراد بتمامية الملكية الأعم من التزلزل وغيره المتقدمة الإشارة إليه في
ص 29.
(2) كالشهيد في الروضة 2: 13.
32

عدم وجوب الزكاة بلا معارض.
ولعله يأتي الكلام في بعض أفراد ذلك القسم أيضا.
ثم بعدما ذكرنا من عدم اشتراط تمامية الملك - بمعنى: عدم التزلزل
في تعلق وجوب الزكاة - لا يبقى مجال للكلام في أنه هل يشترط حولان
الحول من حين الملكية أو من حين انتفاء التزلزل.
نعم، لو قلنا باشتراطها لزم الكلام في ذلك أيضا.
وكذا لا يبقى مجال للكلام في ذلك في القسم الثاني من قسمي عدم
تمامية الملك، بعد ما عرفت من عدم تعلق وجوب الزكاة به.
فرع: المشروط: الملكية طول الحول فيما يشترط فيه الحول،
بالاجماع، ولأنه المراد من حولان الحول، لا حولانه على وجوده.
وتدل عليه جميع الأخبار المتقدمة، المصرحة باشتراط حولان الحول
عليه عند ربه وفي يده (1).
الشرط الخامس: التمكن من التصرف.
واشتراطه مقطوع به في كلام كثير من الأصحاب. وفي الحدائق:
وهو مما لا خلاف فيه فيما أعلم (2). وفي المدارك وغيره: إنه مقطوع به
في كلام الأصحاب (3). بل عليه الاجماع عن السرائر والتذكرة والغنية وفي
المنتهى (4).
واستدل له - بعد الاجماع المنقول - بأنه لو وجبت الزكاة مع عدم
التمكن من التصرف عقلا أو شرعا للزم وجوب الاخراج من غيره، وهو

(1) راجع ص 17 و 18.
(2) الحدائق 12: 31.
(3) المدارك 5: 32، والرياض 1: 263.
(4) السرائر 1: 432، والتذكرة 1: 201، والغنية (الجوامع الفقهية): 567، والمنتهى
1: 475.
33

معلوم البطلان، لأن الزكاة إنما تجب في العين.
وبالمستفيضة من الأخبار، كالموثقات الأربع، وصحيحتي الفضلاء
وعلي بن يقطين، المتقدمة في الفرع الثاني من الشرط الأول (1).
والواردة في سقوط الزكاة عن المال الغائب، كصحيحة ابن سنان: (لا
صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك) (2).
وموثقة إسحاق: رجل خلف عند أهله نفقة، ألفين لسنتين، عليها
زكاة؟ فقال: (إن كان شاهدا فعليه زكاة، وإن كان غائبا فليس عليه
زكاة) (3)، وقريبة من مضمونها مرسلة ابن أبي عمير (4) وموثقة أبي بصير (5).
وصحيحة رفاعة: عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثم يأتيه فلا
يرد رأس المال، كم يزكيه؟ قال: (سنة واحدة) (6).
وموثقة زرارة: في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه، قال:
(فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا خرج زكاه لعام واحد، وإن كان يدعه
متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين) (7).
وحسنة سدير: في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع، فلما

(1) راجع ص 17. 18.
(2) التهذيب 4: 31 / 78، الوسائل 8: 59 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 6.
(3) الكافي 3: 544 / 1، التهذيب 4: 99 / 279، الوسائل 9: 172 أبواب زكاة الذهب
والفضة ب 17 ح 1.
(4) الكافي 4: 544 / 2، الوسائل 9: 173 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 17 ح 2.
(5) الكافي 3: 544 / 3، الفقيه 2: 15 / 43، التهذيب 4: 99 / 280، الوسائل 9:
173 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 17 ح 3.
(6) الكافي 3: 519 / 2، التهذيب 4: 31 / 79، الإستبصار 2: 28 / 82، الوسائل
9: 94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 4.
(7) التهذيب 4: 31 / 77، الإستبصار 2: 28 / 81، الوسائل 9: 95 أبواب من
تجب عليه الزكاة ب 5 ح 7.
34

حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه، فاحتفر الموضع الذي ظن أن
المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثم إنه احتفر
الموضع من جوانبه كله فوقع على المال بعينه، كيف يزكيه؟ قال: (يزكيه
لسنة واحدة، لأنه كان غائبا عنه، وإن كان احتبسه) (1).
وما ورد في سقوط الزكاة عن الدين أو الوديعة الذي لا يقدر على
أخذه أو لا يصل إليه، كرواية عمر بن يزيد: (ليس في الدين زكاة، إلا أن
يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس
عليه زكاة حتى يقبضه) (2).
ورواية عبد العزيز: (كل دين يدعه هو، إذا أراد أخذه، فعليه زكاته،
وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة) (3).
وصحيحة الخراساني: الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل
إليهما، ثم يأخذهما، متى تجب عليه الزكاة؟ قال: (إذا أخذهما ثم يحول
عليه الحول يزكي) (4).
ومنهم من لم يذكر هذا الشرط، بل ذكر سقوط الزكاة في جملة من
الأفراد التي لا يتمكن فيها من التصرف خاصة، ولم يذكر القاعدة الكلية،
كالشيخ في الخلاف والفاضل في الإرشاد (5)، وغيرهما (6).

(1) الكافي 3: 519 / 1، الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1.
(2) الكافي 3: 519 / 3، التهذيب 4 6 32 / 81، الوسائل 9: 79 أبواب من تجب
عليه الزكاة ب 6 ح 7.
(3) التهذيب 4: 32 / 82، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 5.
(4) التهذيب 4: 34 / 88، الإستبصار 2: 28 / 80، الوسائل 9: 95 أبواب من
تجب عليه الزكاة ب 6 ح 1.
(5) الخلاف 2: 31، والارشاد 1: 278.
(6) كصاحب الذخيرة: 42.
35

واعترض على اشتراط القاعدة الكلية بوجهين:
أحدهما: أن العمدة في اعتبارها الروايات، وهي إنما تدل على
سقوط الزكاة في المال الغائب - الذي لا يقدر مالكه على أخذه - لا على
اعتبار التمكن من التصرف (1).
وثانيهما: أنه إن أريد به التمكن من التصرف من جميع الوجوه،
يخرج المملوك في زمن خيار البائع، ومال المريض إذا حجرنا عليه فيما
زاد من الثلث، والمحجور عليه لردة أو سفه أو فلس.
وإن أريد التمكن في الجملة، ورد تحققه في الغائب والمغصوب
ونحوهما، إذ يجوز بيعها ممن يتمكن من استخلاصها، ويجوز هبة
المغصوب لغاصبه، ونحو ذلك (2).
وأجيب عن الأول: بأنه مع أن الاجماع المنقول والدليل المذكور بعده
يثبت القاعدة، أن كل واحد من الأخبار وإن كان أخص من المدعى إلا أن
ضم بعضها مع بعض يفيد القاعدة من باب الاستقراء.
مع أن الموثقات الأربع والصحيحة التي بعدها غير مختصة بالمال
الغائب، بل تدل على سقوط الزكاة عن كل ما ليس في يد المالك أو عنده.
وصحيحة ابن سنان متضمنة لحكم الدين أيضا (3).
وحسنة سدير لحكم المال المفقود، بل المستفاد من الروايات الثلاثة
الأخيرة (4) اقتضاء عدم القدرة على الأخذ مطلقا لسقوط الزكاة.
أقول: أما الاجماع المنقول فقد عرفت عدم حجيته مرارا، مع أن مراد

(1) كما في المدارك 5: 33.
(2) كما في الذخيرة: 423.
(3) تقدمت في ص 34.
36

المدعي له من التمكن من التصرف لا يخلو عن إجمال.
وأما الدليل الذي بعده ففيه: أن غاية ما يدل عليه - لو سلم - عدم
التكليف بالاخراج حال عدم التمكن لا مطلقا.
وأما الأخبار وإن لم تكن مخصوصة بالمال الغائب، ولكن لا يستفاد
منها أكثر من اشتراط القدرة على الأخذ كلما شاء، وكون المال عنده وفي
يده عرفا.
أما التمكن من مطلق التصرف من نقل الملك ونحوه فلا، فلا يثبت
الحكم في مثل الوقف والمنذور صدقة ونحوهما.
فإن أرادوا بالتمكن من التصرف هذا المعنى، فهو صحيح ثابت
بالأخبار، وإن أرادوا الزائد عنه، فلا دليل عليه، بل لا يعلم إرادة المدعي
للاجماع معنى زائدا على الأول.
ومن ذلك يظهر الجواب عن الثاني أيضا، فيقال: إن المراد من
التمكن من التصرف كونه في يده عرفا، أو قادرا على أخذه كلما شاء،
ووضعه أينما أراد، فلا يرد النقض بالمملوك في زمن الخيار وما عطف
عليه، ولا بالغائب والمغصوب ونحوهما.
ولا حاجة إلى ما أجاب به الفاضل الهندي، حيث قال: ولعله يندفع
بأنهم إنما أرادوا به ما يرفعه الأسباب التي ذكروها خاصة، لأن في ذلك ردا
للقاعدة وتخصيصا ببعض الأفراد. فتأمل.
ثم مقتضى الأخبار المذكورة - بل كثير من الاجماعات المنقولة
وفتاوي الأصحاب - اشتراط جريان الحول - فيما يعتبر فيه الحول - على
هذا الشرط، ولا يكفي مجرد تحققه حال تعلق الوجوب.
وهو كذلك، لما ذكر، وبه يقيد بعض الاطلاقات، كصحيحة ابن
37

سنان المتقدمة (1) المقتضية بإطلاق مفهوم الغاية لوجوب الزكاة حين الوقوع
على اليد مطلقا.
فرعان:
أ: قد عرفت اشتراط التمكن من الأخذ، وسيجئ في كل من
الأجناس الزكوية اشتراط ملكية النصاب أيضا، فهل يشترط التمكن من
التصرف في النصاب، أو يشترط التمكن من التصرف والنصاب مطلقا سواء
تمكن من التصرف في مجموعه أم لا؟
وتظهر الفائدة فيما لو ملك النصاب وخص التمكن من التصرف بما
دونه، كأن يكون له عشرون دينارا، وكانت عشرة منها غائبة وعشرة بيده،
أو أربعون شاة، وكانت عشرون منها غائبة أو مغصوبة وعشرون بيده، أو
كان له ألف من زرعا وغصب غير مائة من منه، أو غصب المجموع وعادت
مائة من، فإنه لا شك في عدم وجوب قدر الحصة من زكاة الغائب أو
المغصوب، إذ لا زكاة فيه بالأخبار.
وهل يجب قدر الحصة من زكاة ما يتمكن من أخذه، لاستجماعه
الشرائط من القدرة على الأخذ وملكية النصاب؟
أو لا يجب، لعدم استجماعه الشرائط، التي منها: القدرة على أخذ
النصاب؟
الظاهر: الأول، إذ لم يثبت من أخبار اشتراط القدرة الزائد على عدم
وجوب الزكاة فيما لا يقدر، وأما عدم وجوبه في غيره فلا، ولم يثبت من
أدلة النصاب سوى اشتراط تملكه.
فإن مثل قوله: (في أربعين شاة شاة) أو: (ما بلغ خمسة أوسق ففيه

(1) في ص 34.
38

العشر) أو: (لا يجب في أقل من أربعين أو خمسة أوسق) ونحو ذلك،
مطلق، فمقتضاه ثبوت الشاة والعشر في كل أربعين شاة وخمسة أوساق.
ولكن قيد ذلك بالأربعين والخمسة المملوكتين لشخص واحد مع
الشرائط الثابتة كالسوم والزرع، وأما تقييدهما بالتمكن من التصرف في
جميعهما فلا دليل عليه.
ب: اشتراط تعلق الزكاة بالأجناس الزكوية بالتمكن من التصرف،
وسقوط الزكاة عنها - لما مضى - بدونه (مطلقا) (1)، إنما هو فيما يعتبر فيه
الحول.
وأما غيره من الغلات فلا، لاختصاص جميع الأخبار الموجبة
لاشتراط التمكن من التصرف بما يعتبر فيه الحول.
نعم، إذا كانت الغلة ممنوعة من التصرف فيها، أو غائبة، لا يجب
على المالك الاخراج حين عدم التمكن والغيبة، لأنه تكليف بما لا يطاق،
وأما بعد وصولها إلى يده تجب زكاتها لما مضى، كما تدل عليه صحيحة
ابن سنان المتقدمة (2).
وسيجئ بيان ذلك أيضا في بيان حكم المغصوب.
وإذا عرفت اشتراط التمكن من التصرف - بالمعنى الذي ذكرناه -
يتفرع عليها عدم وجوب الزكاة على أموال:
منها: المال الغائب عن مالكه، وهو اتفاقي، ونقل الاجماع عليه
متكرر (3)، والأخبار به ناطقة كما مر.
وهل الموجب لسقوط الزكاة هو الغيبة مطلقا، كما نفى عنه البعد في

(1) ليست في (س).
(2) في ص 34.
(3) كما في المنتهى 1: 475، والذخيرة: 424.
39

الذخيرة (1)، وهو ظاهر إطلاق الإرشاد والشرائع (2)، للأصل، وعموم كثير
من الأخبار السالفة، كالموثقات الأربع وصحيحتي الفضل وعلي
وغيرها (3)؟
أو الغيبة المقيدة بعدم القدرة على التصرف، حتى لو كان متمكنا من
إحضار المال أو إيصاله إلى وكيله متى شاء لم يسقط، كما في الخلاف
والنهاية والنافع والتحرير ونهاية الإحكام (4)، بل عن الخلاف: عدم الخلاف
فيه؟
الحق: هو الثاني، لأن أكثر الأخبار وإن كانت مطلقة، إلا أن موثقة
زرارة (5) - المعتبرة بنفسها، المنجبرة بالشهرة - مقيدة، فبها تقيد المطلقات.
والقول - بأن قوله فيها: (فعليه الزكاة) ليس صريحا في الوجوب -
ضعيف.
فروع:
أ: المصرح به في المعتبر والشرائع والارشاد والبيان (6) وغيرها (7):
أن يد الوكيل يد المالك، وتمكنه تمكنه، وكذا الولي. ولم يذكر بعضهم
الوكيل ولا الولي، كما في النافع (8).

(1) الذخيرة: 424.
(2) الإرشاد 1: 278، والشرائع 1: 141.
(3) راجع ص 17 و 18.
(4) الخلاف 2: 111، والنهاية: 175، والمختصر النافع: 53، والتحرير 1: 58،
ونهاية الإحكام 2: 304.
(5) المتقدمة في ص 34.
(6) المعتبر 2: 490، والشرائع 1: 132، والارشاد 1: 278، والبيان 279.
(7) كالدروس 1: 230، ومجمع الفائدة والبرهان 4: 23.
(8) المختصر النافع: 53.
40

ومقتضى إطلاق الأخبار السقوط إذا لم يتمكن المالك من الأخذ وإن
كان في يد وكيله أو وليه، إذا لم يتمكن من الأخذ من الوكيل لبعده وعدم
وصول اليد إليه، أو انقطاع خبره، أو عدم علمه بوصول المال إلى الوكيل.
بل مقتضى عموم موثقة إسحاق - الحاصل بترك الاستفصال - السقوط
إن كان في يد الولي، حيث إنه بعد السؤال عن رجل مات وبعض ولده
غائب، وأنه كيف يصنع بميراث الغائب عن أبيه، قال: (يعزل حتى يجي)
قلت: فعلى ماله زكاة؟ فقال: (لا، حتى يجي)، قلت: فإذا جاء هو
أيزكيه؟ قال: (لا، حتى يحول عليه الحول في يده) (1).
فإنه أعم من أن يكون المعزول في يد ولي الغائب، ومن أن يكون
الولد صغيرا ويعزل في يد وليه.
بل في موثقته الأخرى - المتقدمة في صدر هذا الشرط (2) - تصريح
به، حيث قال: رجل خلف عند أهله نفقة سنتين، فإن الأهل يكون حينئذ
وكيلا في ضبطه مع أنه أسقط الزكاة عنه. وكذا مرسلة ابن أبي عمير،
وموثقة أبي بصير (3).
فالتحقيق: أن المناط تمكن المالك بنفسه، إلا أن يثبت الاجماع على
قيام يد الوكيل مقام يده، وهو عندي غير ثابت.
ب: المرجع في الغيبة، وعدم القدرة على الأخذ، وعدم الكون في
اليد، هو العرف، مثلا: إذا كان له داران بينهما فرسخ أو فرسخان، وكان هو
في دار والمال في أخرى، فلا شك أنه غائب عنه حينئذ ولا يقدر على
الأخذ في تلك الساعة، ولكن نحو ذلك لا يضر في الصدق العرفي، ولا
يقال لمثل ذلك: إنه غائب، وإنه على الأخذ غير قادر، وإنه ليس في يده.

(1) الكافي 3: 524 / 1، الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 2.
(2) راجع ص 34 و 35.
41

فالمناط في الصدق هو العرف، وكذلك في الضال والمفقود.
وربما يتفاوت ذلك فيما قبل الحول وفي أثنائه، فإنه لو ورث مالا
وكان غائبا وحضر بعد يوم، يبتدئ الحول من ذلك اليوم الذي قدم،
بخلاف ما لو غاب عن ماله في أثناء الحول يوما، فإنه لا ينقطع به الحول،
والفارق العرف.
ج: قد صرح جماعة - منهم: المحقق في الشرائع والنافع (1) والفاضل
في المنتهى والارشاد (2) وغيرهما (3) -: أنه لو مضت على الغائب والمفقود
أعوام ثم عاد استحبت زكاة سنة واحدة، وعن المنتهى: الاجماع عليه، وفي
المدارك: إنه مذهب الأصحاب لا أعرف فيه مخالفا (4)، لموثقة زرارة،
وصحيحة رفاعة، وحسنة سدير، المتقدمة (5).
وفي المنتهى أطلق استحباب زكاة سنة، ولم يقيد بمضي السنين،
ومال إليه في الذخيرة (6). وهو الأظهر، للاطلاق في الموثقة.
وقيل: في إطلاقها نظر، لظهورها في مضي السنين، كما يظهر من
آخرها. وفيه منع ظاهر.
وألفاظ الأخبار جمل خبرية، فلا تفيد أزيد من الرجحان، فالقول
بإفادتها الوجوب غير سديد.
د: منع الغيبة عن وجوب الزكاة إنما هو فيما يعتبر فيه الحول دون
الغلات، كما يأتي وجهه في المال المغصوب.

(1) الشرائع 1: 142، والمختصر النافع: 53.
(2) المنتهى 1: 475، وإرشاد الأذهان 1: 278.
(3) كصاحب الرياض 1: 263.
(4) المدارك 5: 37.
(5) في ص 34.
(6) الذخيرة: 425.
42

ومنها: المال المغصوب والمجحود والمسروق الذي لا يقدر على
تخليصه، وعدم وجوب الزكاة فيه، واعتبار مبدأ الحول من حين التخلص،
إجماعي، وعليه الاجماع عن الخلاف والتذكرة والمنتهى (1).
وتدل عليه الموثقات والصحيحة المتقدمة (2)، بل أكثر الأخبار
المذكورة، لاشتراط القدرة على الأخذ طول الحول.
هذا في الأموال التي يعتبر فيها الحول.
وأما الغلات، فلا شك في عدم وجوب زكاتها إذا غصبت قبل بدو
الصلاح، أو بعده بدون تقصير المالك ولم تعد إليه أبدا، ولا في وجوبها إذا
عادت إليه قبل حال تعلق الوجوب - أي بدو الصلاح - (ولا فيما إذا غصبت
بعد تعلق الوجوب ثم عادت) (3).
وإنما الكلام فيما غصبت قبل تعلق الوجوب وعادت بعد زمان تعلق
الوجوب، فظاهر إطلاق بعضهم عدم الوجوب أيضا (4)، وعن المسالك
التصريح به (5).
واستشكل فيه في المدارك، ونفى البعد عن وجوب الزكاة فيها متى
تمكن من الأخذ (6)، واستحسنه في الذخيرة (7)، واختاره الفاضل الهندي في
شرح الروضة.
وهو الأظهر، لصدق نموها في ملكه، وعموم الأخبار الموجبة للزكاة

(1) الخلاف 2: 31، والتذكرة 1: 201، والمنتهى 1: 475.
(2) في ص 17 و 18.
(3) ما بين القوسين ليس في (ق)، (س).
(4) كالمحقق في الشرائع 1: 141.
(5) المسالك 1: 51.
(6) المدارك 5: 34.
(7) الذخيرة: 424.
43

فيها، نحو قوله: (فيما سقت السماء العشر) (1).
وفي صحيحة محمد وأبي بصير: (كل أرض دفعها إليك السلطان فما
حرثته فيها فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه، وليس على
جميع ما أخرج الله منها العشر، إنما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد
مقاسمته لك) (2).
ولا تنافيه أخبار سقوط الزكاة عما لا يقدر عليه، لاختصاصها بما فيه
الحول، مع أن في بعضها دلالة على وجوب زكاته بعد القدرة من غير اعتبار
شرط..
كقوله في صحيحة ابن سنان: (ولا على المال الغائب عنك حتى يقع
في يدك) (3).
وفي رواية عمر بن يزيد: (فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه
زكاة حتى يقبضه) (4).
دلتا بمفهوم الغاية على وجوب الزكاة بعد الأخذ مطلقا، خرج ما
يعتبر فيه الحول بالدليل، فيبقى الباقي.
فروع:
أ: هل الممنوع من التصرف في ماله من غير إثبات اليد عليه حكم
المغصوب منه، أم لا؟

(1) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلات ب 4.
(2) الكافي 3: 513 / 4، التهذيب 4: 36 / 93، الإستبصار 2: 25 / 70، الوسائل
9: 188 أبواب زكات الغلات ب 7 ح 1.
(3) المتقدمة في ص 34.
(4) المتقدمة في ص 35.
44

صرح في البيان بالثاني ووجوب الزكاة فيه، لنفوذ تصرفه (1).
ولا أفهم معنى نفوذ التصرف، فإن أراد أنه غير ممنوع منه شرعا
فالمغصوب أيضا كذلك، وإن أراد وقوع تصرفه فالمفروض عدمه.
والأقرب أنه إن بلغ المنع والحبس حدا يسلب معه كون المال عنده
وفي يده، منع عن وجوب الزكاة، وإلا فلا.
هذا فيما يعتبر فيه الحول، وأما الغلات فلا، كما مر.
ب: لو أمكن تخليص أحد الثلاثة وجبت الزكاة، لموثقة زرارة (2).
واعتبر ابتداء الحول من حين تحقق التخلص إن شرع فيه أول الامكان، وإلا
فبعد مضي زمان يمكن فيه التخلص.
ومنه يظهر أن المناط والضابطة: القدرة على الأخذ كلما شاء عرفا،
للموثقة المذكورة، بل رواية عبد العزيز (3)، وبهما تقيد إطلاقات اشتراط اليد
والكون عند الرب.
ج: إذا أمكن التخليص ببعض المال أو بمال آخر، فإن خلصه به فلا
شك في وجوب الزكاة في المستخلص.
وإنما الكلام في أنه هل يجري إمكان التخليص به مجرى التمكن
من التخليص، حتى تجب عليه زكاته لو لم يخلصه، وابتداء الحول من بدو
زمان الامكان، أم لا؟
تردد فيه في البيان (4). والأظهر الأول، لصدق القدرة على الأخذ.
ووجه الثاني: أن القدرة إنما تحصل بعد إفداء البعض أو مال آخر،
فهو أولا قادر على تحصيل القدرة لا على التخليص، وتحصيل القدرة على

(1) البيان: 279.
(2) المتقدمة في ص 34 و 35.
(3) المتقدمة في ص 34 و 35.
(4) البيان: 279.
45

القدرة غير واجب، لعدم وجوب تحصيل شرائط الوجوب من غير فرق بين
شرطه وشرط شرطه.
وفيه: أن المرجع في صدق القدرة العرف، ولا شك في أن مثل ذلك
يعد قادرا عرفا، لا أنه يصير قادرا بعد بذل البعض أو مال آخر.
ونحوه الكلام فيما إذا توقف التخليص في المغصوب أو المسروق أو
المجحود على إقامة البينة وتمكن منها، فإنه تجب عليه الزكاة فيما يمكن
تخليصه بالبينة، كما حكي التصريح به عن التذكرة ونهاية الإحكام
والقواعد (1).
نعم، لو احتاج التخليص إلى دعوى وشقت عليه أمكن السقوط،
لعدم صدق القدرة مع الدعوى الشاقة، وأمكن عدمه، لصدق القدرة.
والأولى ملاحظة حال المالك والجاحد وقدر المال، فإنه تختلف
مراتب المشقة باختلافها، فيحكم بالسقوط فيما كانت المشقة فيه كثيرة
بحيث لا يجوز أهل العرف تحملها.
ومنه يظهر الحال فيما إذا توقف التخليص على اليمين، أو على
الاستعانة بشخص يشق على المالك التوسل به، سيما إذا توقف على نوع
تعظيم له شاق عليه.
ومنها: المفقود والضال، ووجه سقوط الزكاة فيه يظهر مما مر.
وضلال بعض النصاب حكم ضلال الكل، فلو ضلت شاة من أربعين
ثم عادت بعد مضي زمان صدق الضلال عرفا استأنف الحول للكل.
ومنها: الوقف، ولا خلاف في سقوط الزكاة فيه عند الأصحاب،
لعدم التمكن من الأخذ.
وفي دلالته نظر، لمنع عدم التمكن، وإنما هو لا يتمكن من الاتلاف

(1) التذكرة 1: 201، ونهاية الإحكام 2: 304، والقواعد 1: 51.
46

ونقل الملك ونحوهما، والثابت من الأخبار ليس اشتراط ذلك التمكن.
فالأولى الاستدلال بعدم صدق الملكية عرفا، وبعدم دليل على
وجوب الزكاة فيه، إذ ليس إلا العمومات، وهي معارضة بعمومات منع
التصرف في الوقف وتغييره، فيرجع فيه إلى أصل عدم وجوب الزكاة.
وتجب الزكاة في نتاج الوقف بعد الحول، وفي غلته بعد بدو الصلاح
إذا كان وقفا على شخص واحد.
وإن كان وقفا على أشخاص محصورين:
فلو كانت القسمة معينة شرعا اعتبرت الشرائط - من الحول فيما يعتبر
فيه، والنصاب في الغلات - في سهم كل واحد.
وإن كانت مفوضة إلى رأي الناظر اعتبرت الشرائط في سهم كل بعد
القسمة، إذ لا يملكه إلا بعدها، ففي الغلة لا زكاة لو كانت القسمة بعد بدو
الصلاح، لعدم تعلق الوجوب في ملكه.
نعم، لو قسمه الناظر قبل زمان تعلق الوجوب تجب الزكاة على كل
من بلغ سهمه النصاب.
ومنها: المرهون، فقيل بعدم تعلق الزكاة به إلا بعد جريان الحول
عليه بعد الفك، وهو مختار موضع من المبسوط والشرائع والقواعد والتذكرة
والمنتهى والتحرير (1)، لعدم تمكن الراهن منه، وعدم الاقتدار على التصرف
فيه شرعا.
واختار في موضع آخر من المبسوط تعلق الزكاة به (2)، لأنه قادر على
التصرف فيه بأن يفك رهنه.

(1) المبسوط 1: 225، والشرائع 1: 142، والقواعد 1: 51، والتذكرة 1: 202،
والمنتهى 1: 478، والتحرير 1: 59.
(2) المبسوط 1: 208.
47

ومنهم من فصل، فقال بالأول مع عدم قدرة الراهن على الفك،
وبالثاني مع القدرة عليه (1).
والحق: هو الثاني، لأنه ماله واستجمع جميع الشرائط إلا ما يتوهم
من عدم تمكن التصرف فيه، وهو ممنوع، لأن الشرط هو كونه في يده
وقادرا على أخذه، وهو كذلك وإن لم يكن قادرا على إتلافه ونقل ملكه،
ولكنه ليس بشرط.
وتدل على وجوب الزكاة فيه العلة المذكورة في صحيحة يعقوب بن
شعيب: عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلاثة أو ما شاء
الله، على من الزكاة، على المقرض أو على المقترض؟ فقال: (على
المقترض، لأن له نفعه وعليه زكاته) (2).
وفي صحيحة زرارة الواردة في زكاة المقرض، وفيها - بعد أن حكم
بأن من كان المال في يده زكاه - قال: (يا زرارة، أرأيت وضيعة (3) ذلك
المال أو ربحه لمن هو وعلى من هو؟) قلت: للمقترض، قال: (فله
الفضل وعليه النقصان، وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل منه ولا ينبغي له أن
يزكيه؟! بل يزكيه، فإنه عليه جميعا) (4).
ولا شك أن وضيعة المرهون وربحه للراهن، بل له أن ينكح من
ربحه ويلبس منه ويأكل منه.
ومنها: المنذور صدقة بعينه، فقالوا بسقوط الزكاة عنه، لعدم جواز

(1) كالشهيد الأول في الدروس 1: 230، والبيان 278، والشهيد الثاني في الروضة
2: 13.
(2) التهذيب 4: 33 / 84، الوسائل 9: 102 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 5.
(3) الوضيعة: الخسارة والنقصان - مجمع البحرين 4: 406.
(4) الكافي 3: 520 / 6، التهذيب 4: 33 / 85، الوسائل 9: 100 أبواب من تجب
عليه الزكاة ب 7 ح 1.
48

تصرفه فيه.
والأولى أن يستدل له بعدم صدق المملوكية كما مر، وبتعارض أدلة
وجوب الزكاة ووجوب الوفاء بالنذر.
هذا إذا كان النذر قبل تمام الحول أو تعلق الوجوب، سواء كان النذر
مطلقا من حيث وقت الأداء أو مؤقتا، وسواء كان وقته بعد الحول أو تعلق
الوجوب أو قبله، وسواء وفى في المؤقت بالنذر في وقته أو لم يف به.
وأما إذا كان بعده، فتجب الزكاة فيه فيزكيه، ويتصدق بالباقي إن كان
متعلق النذر الجميع، أو بقدر يستوعب ما سوى القدر الواجب في
الزكاة، وإلا فيزكي ويتصدق بالقدر المنذور.
هذا كله إذا كان النذر مطلقا أو مشروطا بشرط حاصل قبل الحول أو
تعلق الوجوب.
وأما إذا كان مشروطا بشرط غير متحقق في الحول أو قبل تعلق
الوجوب، فإن كان شرط تحققه في أثناء ذلك الحول، أو في زمان هو قبل
تعلق الوجوب، فلا شك في وجوب الزكاة فيه، لعدم تعلق النذر به من
جهة عدم تحقق الشرط.
وإن كان شرطه مطلقا ولم يحصل بعد، أو مؤقتا بما بعد الحول أو
وقت تعلق الوجوب، احتمل وجوب الزكاة، لعدم تعلق النذر به بعد، فلو
حصل الشرط يتصدق بما بقي، ويكون القدر المخرج كالتالف.
ويحتمل عدم الوجوب، لتعلق النذر في الجملة، والممنوعية من
التصرف.
ويحتمل البناء على حال الشرط، فإن كان تحققه مقتضى الأصل
- كعدم حصول الأمر الفلاني - تسقط الزكاة، وإن كان عدمه مقتضى الأصل
تجب الزكاة. والأقرب الأول.
49

ومنها: الدين، أي ما لأحد في ذمة الغير، فقالوا: ليس على المدين
زكاة، لأنه ليس في يده.
وتفصيل الكلام: إن ما في ذمة الغير لأحد، فإما لا يقدر المدين على
أخذه - لكونه على ذمة جاحد أو مماطل أو معسر، أو لكونه مؤجلا - أو
يقدر.
فعلى الأول، فالحق المشهور عدم وجوب الزكاة على المدين، فإذا
أخذه استأنف الحول. وفي التذكرة إشعار بالاتفاق عليه (1)، بل صرح بعض
مشايخنا بالاتفاق (2).
وفي المبسوط عن بعض أصحابنا: أنة يخرج لسنة واحدة إذا لم
يكن مؤجلا (3)، ولعل غرضه الاستحباب كما قيل.
ويدل على المختار أكثر ما مر من الأخبار في الشرط الخامس (4)،
وموثقة سماعة: عن الرجل يكون له الدين على الناس، تجب فيه الزكاة؟
قال: (ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه، فإذا قبضه فعليه الزكاة، وإن هو طال
حبسه على الناس حتى يمر لذلك سنون فليس عليه زكاة حتى يخرج، فإذا
خرج زكاه لعامه ذلك) (5) الحديث.
وأما رواية عبد الحميد: عن رجل باع بيعا إلى ثلاث سنين من رجل
ملي بحقه وماله في ثقة، يزكي ذلك المال في كل سنة تمر به أو يزكيه إذا
أخذه؟ فقال: (لا، بل يزكيه إذا أخذه)، قلت له: لكم يزكيه؟ قال: قال:

(1) التذكرة 1: 202.
(2) كصاحب الرياض 1: 263.
(3) المبسوط 1: 211.
(4) المتقدمة في ص 34 و ص 35.
(5) الكافي 3: 519 / 4، الوسائل 9: 97 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 6.
50

(لثلاث سنين) (1).
وصحيحة الكناني: عن الرجل ينسئ أو يعير (2)، فلا يزال ماله دينا
كيف في زكاته؟ قال: (يزكيه ولا يزكي ما عليه من الدين، إنما الزكاة
على صاحب المال) (3).
فلا تفيدان أزيد من الرجحان، فعليه يحملان، أو على ما إذا كان
التأخير من صاحب المال، أو على التقية، لمطابقته لمذهب جمع من
العامة (4).
وعلى الثاني، ففيه قولان:
الأول: عدم وجوب الزكاة على المالك، وهو المحكي عن
القديمين (5) والاستبصار (6) والحلي (7) والسيد (8) والقاضي (9) والفاضلين (10)
وفخر المحققين (11)، وعامة المتأخرين. ونسبه بعض المتأخرين إلى الأكثر.

(1) الكافي 3: 521 / 8، الوسائل 9: 98 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 8.
(2) كذا في النسختين، وفي المصدر: يعين. قال في المصباح المنير: 441: عين
التاجر تعيينا والاسم: المعينة بالكسر، وفسرها الفقهاء بأن يبيع الرجل متاعه إلى
أجل، ثم يشتريه في المجلس يثمن حال ليسلم به من الربا، وقيل لهذا البيع:
عينة، لأن مشتري السلعة إلى أحل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا....
(3) الكافي 3: 521 / 12، الوسائل 9: 103 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 1.
(4) منهم ابن رشد في بداية المجتهد 1: 272، وابنا قدامة في المغني والشرح
الكبير 2: 638.
(5) حكاه عنهما في المختلف: 74.
(6) الإستبصار 2: 82.
(7) السرائر 1: 444.
(8) نقله عنه في الإيضاح 1: 168.
(9) شرح الجمل: 242.
(10) المحقق في المختصر النافع: 53، والشرائع 1: 142، والعلامة في المنتهى 1: 476. (11) إيضاح الفوائد: 168.
51

والثاني: للشيخين (1) وجمل السيد (2). واستظهره بعض مشايخنا الأخباريين (3).
حجة الأول: الأصل، والموثقات الأربع، وصحيحة الفضلاء الخمسة
المتضمنة لاشتراط كونه عند المالك أو في يده، وحسنة زرارة المتقدمة
المذكورة بعد هذه الموثقات والصحيحة (4)، و صحيحة ابن سنان المتقدمة
في صدر هذا الشرط (5)، وموثقة سماعة المتقدمة.
وموثقة الحلبي: قلت له: ليس في الدين زكاة؟ قال: (لا) (6).
وموثقة إسحاق بن عمار: الدين عليه الزكاة؟ فقال: (لا، حتى
يقبضه)، قلت: فإذا قبضه أيزكيه؟ قال: (لا، حتى يحول عليه الحول في
يده) (7).
وصحيحة أبي بصير: عن رجل يكون نصف ماله عينا ونصفه دينا
فتحل عليه الزكاة؟ قال: (يزكي العين ويدع الدين) (8).
وصحيحة زرارة: رجل دفع إلى رجل مالا قرضا، على من زكاته على
المقرض أم على المقترض؟ قال: (لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده
حولا على المقترض) قال: قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال:

(1) المفيد في المقنعة 239، والشيخ في المبسوط 1: 211، والجمل والعقد
(الرسائل العشر): 205.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 74.
(3) كصاحب الحدائق 12: 34.
(4) راجع ص 18.
(5) في ص 34.
(6) التهذيب 4: 32 / 80، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 4.
(7) التهذيب 4: 34 / 80، والاستبصار 2: 28 / 79، الوسائل 9: 96 أبواب من
تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.
(8) الكافي 3: 523 / 6، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.
52

(لا يزكى المال من وجهين في عام واحد، وليس على الدافع شئ، لأنه ليس
فيده، إنما المال في يد الآخذ، فمن كان المال في يده زكاه) (1)
الحديث ويظهر من قوله: (لا يزكى المال من وجهين...) دلالة رواية الحسن
ابن عطية أيضا: إن لقوم عندي قروضا ليس يطلبونها مني، أفعلي فيها
زكاة؟ فقال: (لا تقضي ولا تزكي؟! زك) (2).
ويدل عليه أيضا التعليل المذكور في صحيحة يعقوب بن شعيب
السابقة (3)، وما دل على اشتراط الملكية، فإن الدين غير مملوك للمدين
فعلا إلا بعد قبضه له.
ويصرح به المروي في قرب الإسناد المنجبر ضعفه - لو كان -
بدعوى الشهرة: عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه، هل
على صاحبه زكاة؟ قال: (لا، حتى يقبضه ويحول عليه الحول) (4).
ودليل القول الثاني: موثقة زرارة، وروايتا عمر بن يزيد وعبد العزيز
المتقدمة جميعا (5).
والرضوي: (وإن غاب مالك عنك فليس عليك الزكاة إلا أن يرجع
إليك، ويحول عليه الحول وهو في يدك، إلا أن يكون مالك على رجل
متى ما أردت أخذت منه، فعليك زكاته) (6).

(1) تقدمت في ص 48.
(2) التهذيب 4: 33 / 86، الوسائل 9: 102 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 6.
(3) راجع ص 49.
(4) قرب الإسناد: 228 / 895، الوسائل 9: 100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6
ح 15.
(5) في ص 34، 35.
(6) فقه الرضا (ع): 198 بتفاوت يسير، مستدرك الوسائل 7: 52 أبواب من
تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1
53

وإطلاق صحيحة الكناني ورواية عبد الحميد المتقدمتين (1).
ولا يخفى ضعف دلالة الموثقة، لأن مرجع الضمير في قوله: (يدعه)
هو المال الغائب، والدين - لعدم تشخصه، بل هو أمر كلي في الذمة - ليس
مالا، وكذلك ليس غائبا، فموضوع الموثقة غير موضوع المسألة.
والرضوي ضعيف قاصر عن الاستناد.
والأخيرتان غير ناهضتين لاثبات الوجوب، مع أن رواية عبد الحميد
مختصة بما لا يقدر على أخذه لبيعه إلى ثلاث سنين، فهي خارجة عن
المورد.
فلم تبق إلا الروايتان.
وأجيب عنهما أيضا بضعف السند (2). وهو عندي ليس بمعتمد.
وبمعارضتهما مع مثل موثقتي سماعة والحلبي (3)، ولا تفيد
أخصيتهما، إذ لو أفادت لوجب تخصيص المعارض، وهو فيما يتضمن
السؤال غير جائز، لايجابه تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وفيه: منع لزوم كون وقت السؤال وقت الحاجة.
نعم، إنهما يعارضان المروي في قرب الإسناد بالتباين للزكاة (4)، فإما
يجب حمل الروايتين على الاستحباب بقرينة هذه الرواية، أو يطرحان
لموافقة العامة في الجملة، أو يرجع إلى الأصل، وهو أيضا مع عدم
الوجوب.
فرع: لو استقرض شخص مالا عن آخر وقبضه، ثم يدعه حولا إما

(1) في ص 50، 51. (2)
كما في المدارك 5: 40.
(3) راجع ص 50، 52.
(4) كذا في جميع النسخ.
54

عند نفسه أو عند المقرض مع تمكنه من التصرف فيه، فزكاته على
المقترض بلا خلاف كما قيل (1)، لأنه ماله، فزكاته عليه، لأنها على صاحب
المال كما مر، ولصحيحتي يعقوب بن شعيب وزرارة (2)، ورواية ابن عطية
المتقدمة (3)، وتدل عليه أيضا موثقة البصري (4)، ومرسلة أبان (5).
وفي صحيحة منصور: في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول
وهو عنده، قال: (إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه، وإن كان
لا يؤدي أدى المستقرض) (6).
وإطلاق هذه الروايات كعبارات طائفة من الأصحاب (7) وتصريح
بعض آخر (8) يقتضي عدم الفرق بين ما إذا شرط الزكاة على المقرض أم لا.
خلافا للشيخ في باب القرض من النهاية (9)، فأوجبها بالشرط على
المقرض، للصحيحة الأخيرة.
وضعف بأن مقتضاها جواز أداء المقرض، لا لزومها عليه.
وحملها على صورة الشرط ليس بأولى من حملها على التبرع.
مع أن الزكاة تابعة للملك وهو للمقترض، فلا يجوز اشتراطها على
الغير، لأنه من قبيل اشتراط العبادة على غير من وجبت عليه.

(1) قال به الشيخ في الخلاف 2: 111.
(2) المتقدمين في ص 48.
(3) في ص 53.
(4) الكافي 3: 521 / 7، الوسائل 9: 101 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 3.
(5) الكافي 3: 521 / 9، الوسائل 9: 101 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 4.
(6) الكافي 3: 521 / 5، التهذيب 4: 32 / 83، الوسائل 9: 101 أبواب من تجب
عليه الزكاة ب 7 ح 2.
(7) منهم الصدوق في المقنع: 53، والمفيد في المقنعة: 239.
(8) منهم العلامة في المنتهى 1: 477، وفخر المحققين في الإيضاح 1: 171.
(9) النهاية: 312.
55

ويمكن أن يجاب عن الأول بأنه لا شك في دلالة الصحيحة على
جواز مباشرة الغير لاخراجها عمن لزمته ولو تبرعا، وحيث جاز صح
اشتراطها ولزمته لعموم ما دل على لزوم الوفاء بالشروط الجائزة.
هذا، مع ما ورد في الأخبار من جواز شرط أداء الزكاة عن الغير
ولزومه، كما في صحيحة ابن سنان: (باع أبي هشام بن عبد الملك أرضا
بكذا وكذا ألف دينار، واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين) (1)، وقريبة
منها صحيحة الحلبي (2).
وفي الفقه الرضوي: (فإن بعت شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على
المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه ذلك دونك) (3)،
وحكي الفتوى به عن الصدوقين (4).
ثم مع الشرط المذكور، هل يسقط عن المقترض بمجرد الشرط فيه،
أم لا؟
صرح في الذخيرة بالثاني (5)، وهو كذلك، لعمومات وجوب الزكاة
على المقترض.
ولا ينافيه الوجوب على المقرض أيضا، كما لو وجبت على شخص
أداء دين آخر بنذر أو شرط، فإنه لا يسقط الوجوب عن المديون، فإن وفى
سقط عنه، وإلا وجبت عليه.

(1) الكافي 3: 524 / 2، علل الشرائع: 375 / 2، الوسائل 9: 173 أبواب زكاة
الذهب والفضة ب 18 ح 1.
(2) الكافي 3: 524 / 1، الوسائل 9: 174 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 18 ح 2.
(3) فقه الرضا (ع): 198 مستدرك الوسائل 7: 84 أبواب زكاة الذهب والفضة
ب 12 ح 1.
(4) الصدوق في المقنع: 53، وحكي عن والده في المختلف: 174.
(5) الذخيرة: 426.
56

والحاصل: أنه تجب حينئذ على كل منهما بدلا، فكل أداها يسقط
عن الآخر.
أما عن المقترض، فلا الوفاء بالشرط إنما يجب مع إمكانه، وبعد
أداء المقترض لا تكون زكاة حتى يمكن له أداؤها، إذ لا تجب زكاة في مال
في عام مرتين.
هذا، ثم إن مقتضى الصحيحة (1) جواز تبرع المقرض بأداء الزكاة، وأنه
لو أداها لسقط عن المستقرض، وهو كذلك.
وهل هو مطلق أو مقيد بما إذا أذن المقترض؟
مقتضى الاطلاق: الأول، فهو الأقرب.
ومنها: مال المحجور عليه للفلس. صرح بعدم الزكاة فيه: الشهيد في
البيان (2) وصاحب الذخيرة (3).
وصريح الفاضل الهندي في شرح الروضة وجوب الزكاة فيه، بل
كونه من المسلمات، حيث اعترض على من اشترط تمكن التصرف بأنه إن
أراد من جميع الوجوه يرد عليه النقض بالمبيع في زمن الخيار، ومال
المحجور عليه لردة أو سفه أو فلس.
وكذا هو الظاهر منهم في مسألة عدم منع الدين من الزكاة ولو
استوعب الدين المال، من غير استثنائهم المحجور عليه.
ويدل عليه أيضا عموم الأخبار الآتية المصرحة بعدم منع الدين للزكاة
ولو كان الدين أكثر ما في يده (4)، الحاصل من ترك الاستفصال.

(1) أي صحيحة منصور المتقدمة في ص 55.
(2) البيان: 278.
(3) الذخيرة: 427.
(4) في ص 50، 60.
57

إلا أنه يمكن أن يقال: إن أدلة اشتراط الاقتدار من التمكن في
التصرف فيما يعتبر فيه الحول توجب سقوطها عن المحجور عليه، لعدم
صدق كون المال في يده وعنده، وعدم القدرة على أخذه.
وأما في الغلات، فالأقرب وجوب الزكاة فيها، لعدم دليل على
السقوط.
ومنع المحجور عليه إنما هو في التصرف في ماله، وليس ذلك ماله،
بل مال الفقراء، مع أن دليل منعه وحجره الاجماع، وتحققه في المورد غير
معلوم.
وتلحق بهذا الباب مسائل أربع:
المسألة الأولى: لا يعتبر في وجوب الزكاة إمكان الأداء والايصال
إلى المستحق إجماعا، كما في المنتهى (1)، لاطلاق الأوامر السالمة عن
المعارض والمقيد.
وأما ما قيل من أن معنى وجوب الزكاة وجوب إيصالها إلى
المستحق، ولا معنى لهذا عند عدم التمكن (2).
ففيه: أن معناه ليس وجوب إيصالها بالفعل، بل معناه وجوب
إيصالها عند التمكن، كما أنه تجب الصلاة بالزوال على فاقد الماء في أول
الوقت المتوقع له بعد ساعة، وهذا ليس وجوبا تعليقيا، بل إيجاب
تنجيزي، بمعنى: أنه طلب منه حينئذ الصلاة بعد الوضوء ودخل تحت
خطاب: (أقيموا الصلاة لدلوك الشمس)، ففي المورد أيضا يدخل تحت
خطاب: (أيما رجل كان له مال وحال عليه الحول يزكيه) وإن لم يرد أنه
يزكيه بالفعل مطلقا، بل مع اجتماع سائر الشرائط.

(1) المنتهى 1: 490.
(2) قال به صاحب الذخيرة: 426.
58

والحاصل: أن كل خطاب تكليفي مقيد بحال القدرة، ولكن معناه:
أن أداء التكليف موقوف عليها، لا تعلق الخطاب به. وتظهر الفائدة فيما
بعد حصول القدرة.
نعم، يعتبر في الضمان التمكن من الأداء، كما يأتي بعد ذلك.
المسألة الثانية: لا يشترط في وجوب الزكاة الاسلام، بل تجب على
الكافر كسائر الفروع، ولكن لا يصح أداؤها منه ما دام كافرا.
إلا أنهم قالوا: إنه لا يضمن بعد إسلامه زكاة حال كفره، أداها أو لم
يؤدها، تلف النصاب أو كان موجودا. وعلى تقدير الوجود يستأنف الحول
من حين الاسلام، وإن أسلم في أثناء الحول.
ولم أجد دليلا على شئ من ذلك، ومقتضى استصحاب الوجوب
عدم سقوط الزكاة عنه بالاسلام، أي زكاة ما استجمع الشرائط حال الكفر،
وضمانه التالف كضمان المسلم، وكذا مقتضى وجوبه حال الكفر وجوب
أخذ الإمام أو نائبه زكاة الكافر حال كفره، ولا دليل على نفي شئ من
ذلك.
المسألة الثالثة: الدين لا يمنع وجوب الزكاة، سواء استوعب الدين
النصاب أم لا، وسواء كان للمديون مال سوى النصاب أم لا، إجماعا، كما
في المنتهى والتذكرة وشرح المفاتيح (1). وفي المفاتيح: بلا خلاف (2)، وفي
المدارك: إنه مقطوع به في كلام الأصحاب (3).
والظاهر تحقق الاجماع فيه، فهو الدليل عليه، مضافا إلى عموم الأدلة
الدالة على وجوب الزكاة الخالية عن المخصص، وخصوص صحيحة زرارة

(1) المنتهى 1: 506، والتذكرة 1: 202، وشرح المفاتيح (المخطوط).
(2) المفاتيح 1: 195.
(3) المدارك 5: 183.
59

وضريس: (أيما رجل كان له [مال] موضوع حتى يحول عليه الحول فإنه
يزكيه، وإن كان عليه من الدين مثله وأكثر منه فليزك ما في يده) (1)، ورواية
الحسن بن عطية (2) وموثقة البصري ومرسلة أبان (3).
وقد ينسب إلى البيان التوقف في ذلك (4)، لخبر رواه فيه عن
الجعفريات (5).
والخبر ضعيف في نفسه، ولمخالفته عمل الطائفة ولمعارضته
المعتبرة الكثيرة.
ومع ذلك هو قاصر الدلالة، بل قد يناقش في نسبة التوقف إلى
الشهيد أيضا، لتصريحه بعدم منع الدين عن الزكاة في ذلك البحث مكررا،
وليس كلامه هنا صريحا في التوقف، ولو كان فالظاهر اختصاصه بمال
التجارة. والله يعلم.
فرع: لو مات المديون بعد تعلق الزكاة، فإن وفت التركة بالدين
والزكاة يجب أداؤهما، وإن ضاقت تقدم الزكاة، لتعلقها بالعين وخروجها
عن التركة، إلا إن تلفت أعيان متعلق الزكاة قبل الوفاة فتوزع التركة مع
القصور، وإن تلفت بعد الوفاة بلا تفريط من أحد وزع التالف على الزكاة
والدين.
المسألة الرابعة: الفقر لا يمنع من وجوب الزكاة، بل تجب لو لم

(1) الكافي 3: 522 / 13، الوسائل 9: 104 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 10 ح 1.
وما بين المعقوفين من المصدر.
(2) المتقدمة في ص 53.
(3) المتقدمتين في ص 55.
(4) البيان 308 و 309، ونسبه إليه في المدارك 5: 184.
(5) الجعفريات (قرب الإسناد): 54، مستدرك الوسائل 7: 54 أبواب من تجب
عليه الزكاة ب 8 ح 1.
60

يملك سوى النصاب، للعمومات الخالية عن المخصص.
وكذا السفه لا يمنع منه، كما صرح به في البيان، للعمومات
المذكورة.
قال في البيان: [يتولى] (1) إخراجه الحاكم، وتجب على السفيه النية
عند أخذ الحاكم (2).
ولا يمنعه المرض وإن قلنا بكون المريض محجورا عليه في الزائد
عن الثلث، لما ذكر من العمومات.

(1) أثبتناه من المصدر.
(2) البيان: 282.
61

الباب الثاني
فيما تجب فيه الزكاة، والشروط المتعلقة بمحل الوجوب، والقدر
الواجب إخراجه، وما يتعلق بذلك من الأحكام.
واعلم أولا: أن ما تجب فيه الزكاة تسعة: النقدان، والأنعام الثلاثة،
والغلات الأربع.
أما وجوب الزكاة فيها فبإجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين،
والمتواترة من أخبار العترة الطاهرة، كما تأتي إلى بعضها الإشارة.
وأما عدم وجوبها في غيرها فهو المشهور بين الأصحاب، بل عن
الناصريات والانتصار والخلاف والغنية والمنتهى (1) وغيرها (2): الاجماع
عليه، للأصل والأخبار.
ففي صحيحة ابن سنان: (إن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض
عليكم الصلاة، ففرض الله عليهم من الذهب والفضة، وفرض عليهم
الصدقة من الإبل والبقر والغنم، ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب،
ونادى فيهم بذلك في رمضان، وعفا لهم عما سوى ذلك) (3).
وصحيحة الفضلاء الخمسة: (فرض الله الزكاة مع الصلاة في
الأموال، وسنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تسعة أشياء وعفا عما سواهن: في
الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب، وعفا

(1) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 204، والانتصار، 75، والخلاف 2: 54
و 61، والغنية (الجوامع الفقهية): 566، والمنتهى 1: 473.
(2) كالدروس 1: 228.
(3) الكافي 3: 497 / 2، ألقيه 2: 8 / 26، الوسائل 9: 53 أبواب ما تجب فيه
الزكاة ب 8 ح 1.
62

رسول الله عما سوى ذلك) (1).
وقريبة منها رواية الحضرمي (2)، ورواية زرارة (3)، ورواية الطيار (4)،
وموثقة الحسن بن شهاب (5).
وفي موثقة زرارة: عن صدقات الأموال، فقال: (في تسعة أشياء
ليس في غيرها شئ: في الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب
والإبل والبقر والغنم السائمة، وهي الراعية، وليس في شئ من الحيوان
غير هذه الثلاثة الأصناف شئ، وكل شئ كان من هذه الثلاثة الأصناف
فليس فيه شئ حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج) (6)، إلى غير ذلك
من الأخبار التي يأتي ذكرها في مواضعها.
خلافا لشاذ، فأوجبها في كل ما تنبته الأرض مما يكال أو يوزن (7)،
والآخر مثله، فأوجبها في مال التجارة (8). وسيأتي الكلام مع الفريقين في

(1) الكافي 3: 109 / 1، التهذيب 4: 3 / 5، الإستبصار 2: 3 / 5، الوسائل 9: 55
أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 4.
(2) التهذيب 4: 3 / 6، الإستبصار 2: 2 / 1، الوسائل 9: 55 أبواب ما تجب فيه
الزكاة ب 8 ح 5.
(3) التهذيب 4: 2 / 1، الإستبصار 2: 2 / 1، الوسائل 9: 57 أبواب ما تجب فيه
الزكاة ب 8 ح 8.
(4) التهذيب 4: 2 / 1، الإستبصار 2: 4 / 9، الوسائل 9: 58 أبواب ما تجب فيه
الزكاة ب 8 ح 12.
(5) التهذيب 4: 3 / 3، الإستبصار 2: 2 / 3، الوسائل 9: 58 أبواب ما تجب فيه
الزكاة ب 8 ح 10.
(6) التهذيب 4: 2 / 2، الإستبصار 2: 2 / 2، الوسائل 9: 57 أبواب ما تجب فيه
الزكاة ب 8 ح 9.
(7) نقله عن ابن الجنيد في المختلف: 180.
(8) نسبه إلى ابني بابويه في المختلف: 179. والموجود في المقنع: 52 إذا كان
مالك في تجارة وطلب منك المتاع برأس مالك ولم تبعه تبتغي بذلك الفضل
فعليك زكاته إذا حال عليه الحول.
63

بحث ما تستحب فيه الزكاة.
ثم إن في هذا الباب فصولا:
64

الفصل الأول
في زكاة الأنعام الثلاثة
وفيه بحثان
البحث الأول
في شرائط وجوبها وقدرها
والشرائط أمور:
الشرط الأول: أن يحول عليها الحول في ملكه، فما لم يحل عليه
الحول ولو بنقص ساعة ليس فيه شئ إجماعا محققا، ومحكيا
مستفيضا (1)، له، وللمستفيضة من الأخبار:
منها: الموثقات الأربع، وحسنة زرارة، المتقدمة جميعا في الفرع
الثاني من الشرط الأول من الباب الأول (2)، وموثقة زرارة المتقدمة في صدر
الباب الثاني.
وفي صحيحة ابن سنان المتقدمة في صدر الباب الثاني بعد قوله:
(وعفا لهم عما سوى ذلك) قال: (ثم لم يتعرض (3) لشئ من أموالهم حتى
حال عليهم الحول من قابل، فصاموا وأفطروا، فأمر مناديه، فنادى في

(1) كما في المعتبر 2: 507، والمنتهى 1: 486، والايضاح 1: 172.
(2) راجع ص 17، 18.
(3) في الكافي: لم يفرض.
65

المسلمين: أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم) قال: (ثم وجه
عمال الصدقة وعمال الطسوق) (1).
وفي رواية زرارة: (وليس في شئ من الحيوان زكاة غير هذه
الأصناف الثلاثة التي سميناها، وكل شئ كان من هذه الأصناف من
الدواجن (2) والعوامل (3) فليس فيها شئ، وما كان من هذه الأصناف الثلاثة
الإبل والبقر والغنم فليس فيها شئ حتى يحول عليها الحول من يوم
ينتج) (4).
وفي صحيحة الفضلاء الخمسة: (إنما الصدقة على السائمة الراعية،
وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه حتى يحول عليه
الحول، فإذا حال عليه الحول وجبت عليه) (5).
وفي رواية زرارة: (ليس في صغار الإبل والبقر والغنم شئ إلا ما
حال عليه الحول عند الرجل، وليس في أولادها شئ حتى يحول عليها
الحول) (6).
وفي أخرى: (لا يزكى من الإبل والبقر والغنم إلا ما حال عليه

(1) الطقوس: جمع الطقس، وهو الوظيفة من خراج الأرض - الصحاح 4: 1517.
(2) الدواجن: جمع الداجن. دجن بالمكان: أقام به، وشاة داجن: إذا ألفت البيوت
وسنأست - الصحاح 5: 2111.
(3) العوامل: جمع عاملة، وهي التي يستقى عليها وتحرث وتستعمل في الأشغال -
مجمع البحرين 5: 430.
(4) التهذيب 4: 21 / 54، الإستبصار 2: 20 / 58، الوسائل 9: 79 أبواب ما
تجب فيه الزكاة ب 17 ح 3.
(5) الكافي 3: 534 / 1، التهذيب 4: 24 / 57، الوسائل 9: 119 أبوب زكاة الأنعام ب 7 ح 2 و ص 121 ب 8 ح 1.
(6) التهذيب 4: 42 / 108، الإستبصار 2: 23 / 63، الوسائل 9: 123 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 5.
66

الحول، وما لم يحل عليه الحول فكأنه لم يكن) (1).
وفي صحيحة زرارة في الزكاة: (وكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله
إلا ما حل عليه الحول) (2).
وفي صحيحة محمد: الحلبي: عن الرجل يفيد المال، قال: (لا يزكيه
حتى يحول عليه الحول) (3).
وفي صحيحة زرارة ومحمد: (أيما رجل كان له مال وحال عليه
الحول فإنه يزكيه)، قيل: فإن وهبه قبل حوله بشهر أو بيوم؟ قال: (ليس
عليه شئ إذن) (4).
وحسنة عمر بن يزيد: الرجل يكون عنده المال، أيزكيه إذا مضى
نصف السنة؟ قال: (لا، ولكن حتى يحول عليه الحول ويحل عليه) (5).
وصحيحة زرارة: أيزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال: (لا،
أيصلي أحدكم قبل الزوال؟!) (6).
وهاهنا مسائل:
المسألة الأولى: حد الأصحاب الحول المعتبر في الزكاة بتمام

(1) التهذيب 4: 43 / 109، الإستبصار 2: 23 / 64، الوسائل 9: 121 أبواب زكاة الأنعام ب 8 ح 2.
(2) الكافي 3: 252 / 4، التهذيب 4: 35 / 92، الإستبصار 2: 8 / 8، الوسائل 9:
161 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 11 ح 5، وفيها: حال عليه الحول.
(3) الكافي 3: 525 / 2، التهذيب 4: 35 / 91، الوسائل 9: 169 أبواب زكاة
الذهب والفضة ب 15 ح 1.
(4) الكافي 3: 525 / 4، الفقيه 2: 17 / 54، التهذيب 4: 35 / 92، الوسائل 9:
163 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 12 ح 2.
(5) الكافي 3: 523 / 8، التهذيب 4: 43 / 110، الإستبصار 2: 31 / 9، الوسائل 9:
305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 2.
(6) الكافي 3: 524 / 9، التهذيب 4: 43 / 111، الوسائل 4: 166 أبواب
المواقيت ب 13 ح 2، بتفاوت يسير.
67

أحد عشر شهرا ودخول الثاني عشر، بل عن المعتبر والمنتهى والتذكرة والايضاح
الاجماع عليه (1)، وفي الذخيرة: لا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب (2)،
وفي الحدائق: والظاهر أنه لا خلاف فيه (3).
واستدل له - مع الاجماع المنقول - بقوله عليه السلام في صحيحة
زرارة: (إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة) إلى أن قال:
(إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها
الزكاة)، واختصاصها بالنقد غير ضائر، لعدم الفاصل.
والمستفاد من تحديدهم والمتبادر من الصحيحة: أن الحول الذي
اعتبره الشارع في وجوب الزكاة هو حولان اثني عشر هلالا، وبعبارة أخرى:
هو دخول الثاني عشر.
ومقتضى ذلك أنه بدخول الثاني عشر مستجمعا للشرائط تجب
الزكاة، ولا يضر اختلال بعض الشروط بعده، ولا يجوز التأخير على القول
بالفورية، ولو أخر كان ضامنا، إلى غير ذلك من آثار الوجوب.
وهذا هو معنى الوجوب المستقر، الذي ذكروه.
ومنهم من قال: إن الوجوب بذلك المعنى إنما يتحقق بتمام الثاني
عشر، والمتحقق بدخوله إنما هو الوجوب المتزلزل - وهو الذي اختاره
في المسالك (4) - لأن الثابت من الاجماع ليس إلا تحقق الوجوب بدخول
الثاني عشر، وهو أعم من المستقر وإن كان ظاهرا فيه. ومقتضى المعنى
الحقيقي للحول المصرح به في الروايات عدم تحقق الوجوب المستقر إلا
بتمام الثاني عشر.

(1) المعتبر 2: 507، والمنتهى 1: 487، والتذكرة 1: 205، والايضاح 1: 172.
(2) الذخيرة: 428.
(3) الحدائق 12: 73.
(4) المسالك 1: 53.
68

وأما صحيحة زرارة، ففي سندها كلام يضعف الاعتماد عليها (1)، بل
قيل: في بعض مواضع متنها أيضا تشابه يوجب تضعيفها (2).
مع أنا لو قلنا بصحة الخبر - كما هو الأصح - وبعدم ضير تشابه بعض
أجزائه في العمل بما لا تشابه فيه - كما هو الوجه - لم يستفد منه مع
ملاحظة سائر الأخبار أيضا أعم من مطلق الوجوب المحتمل للمتزلزل.
وذلك لأن الظاهر من الوجوب المذكور فيه وإن كان المستقر، إلا
أن ما دل على اشتراط سائر الشروط طول الحول أوجب صرفه عنه، لأنه
مقتضى العمل بهما. كما أنه ورد وجوب الصلاة بدلوك الشمس، ولكنه لا
ينفي اشتراط سائر الشروط الواجبة بأدلة أخرى، وكما أن ذات العادة تجب
عليها العبادة بمجرد انقطاع الدم على العادة، ولكنه لا ينافي اشتراط عدم
رؤية الدم إلى العاشر.
فإن قيل: الخبر كما يدل على تحقق الوجوب بدخول الثاني عشر،
كذلك يدل على حولان الحول به أيضا، حيث قال: (فقد حال الحول)
ولازمه حمل الحول المعتبر لسائر الشروط على ذلك أيضا، فلا يبقى
معارض لظهور الوجوب في المستقر أصلا.
قلنا: الحول حقيقة - لغة وشرعا كتابا وسنة - في تمام الاثني عشر،
وحمله على الأحد عشر مجاز لا يصار إليه إلا بقرينة، والخبر إنما يصلح
قرينة لولا احتمال المجاز فيه بحمل قوله: (حال الحول) على المقرب (3)
منه أو غيره، فإن باب المجاز واسع.

(1) لعل منشأه: أن جملة رجالها إبراهيم بن هاشم، قال العلامة في الخلاصة
ص 4: لم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه، ولا على تعديله
بالتنصيص. والروايات عنه كثيرة، والأرجح قبول قوله.
(2) قد عبر عنها الفيض الكاشاني بالحسن المتشابه. المفاتيح 1: 196.
(3) في (ق)، (س): المقرر.
69

وهذا الاحتمال قائم، بل راجح، لأن ارتكاب التجوز في خبر أولى
من ارتكابه في السنة المتواترة والكتاب.
ولو سلم التساوي فالأمر دائر بين مجازين متساويين، فيرجع إلى
حكم الأصل، وهو عدم استقرار الوجوب.
قيل: يرد عليه أن مقتضى حقيقة أدلة سائر الشروط عدم تحقق
وجوب أصلا قبل تمام الاثني عشر وعدم وجوب شئ قبله، فالقول بتحقق
وجوب قبله صرف لها عن حقائقها أيضا، فهذا القول يوجب ارتكاب
التجوز فيها وفي الخبر، بخلاف حمل الخبر على المستقر.
مع أنه لو سلمنا تعارض المجازين، وفقدان المرجح من البين،
فالجمع - بحمل أحدهما على الوجوب المتزلزل، والآخر على المستقر -
جمع بلا دليل، إذ لا شاهد عليه ولا سبيل.
والقياس على دلوك الشمس وانقطاع دم ذات العادة باطل، لوجود
الشواهد فيهما.
فيجب إما نفي مطلق الوجوب بدخول الثاني عشر، أو القول
بالوجوب المستقر به، والأول باطل إجماعا، فبقي الثاني.
أقول: يمكن أن يقال: إن تحقق مطلق الوجوب - الذي أقله المتزلزل
بدخول الثاني عشر - إجماعي، فالتعارض إنما هو في الوجوب المستقر،
وإذ لا مرجح لأحد المجازين يجب الرجوع إلى أصالة عدم الاستقرار.
والترجيح الذي ذكر - من إيجاب القول بالمستقر ارتكاب التجوز في
أحدهما، وبالمتزلزل أيضا - لا يصلح للترجيح، لأن المجاز خلاف الأصل،
واحدا كان أو متعددا، فلا يصار إلى شئ منهما ما لم يتضمن الأكثر للأقل
إلا بدليل.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن الوجوب في كل من الخبر وأدلة سائر
70

الشروط حقيقة في المستقر، ولكن الخبر أخص مطلقا من أدلة سائر
الشروط، لدلالتها على عدم تحقق الوجوب قبل حولان الحول مطلقا، سواء
دخل الثاني عشر أو الحادي عشر أو العاشر إلى آخر الشهور، أم لا، والخبر
يدل على تحققه بدخول الثاني عشر خاصة، حيث قال: (وجبت الزكاة)،
والخاص مقدم على العام قطعا، والخبر معتبر سندا لصحته، ومعتضد بعمل
الطائفة.
ولا يضر قوله في الخبر: (فقد حال الحول) لو سلم احتمال تجوز
فيه، لأن الاستناد على قوله: (فقد وجبت الزكاة)، مع أن المفهوم من هذا
عرفا: التجوز في حول سائر الأدلة، فإن المتبادر منه أن الحول الذي اشترط
هو أحد عشر شهرا، ولا يلتفت في العرف إلى احتمال التجوز فيه.
هذا، مضافا إلى أنه على فرض الاحتمال وتكافؤ المجازين ترتفع
أخبار الحول من البين، وتبقى عمومات وجوب الزكاة مطلقا خالية من
المقيد، خرج ما دون أحد عشر شهرا بالاجماع، فيبقى الباقي.
وعلى هذا، فالحق ما هو المشهور من استقرار وجوب الزكاة بدخول
الثاني عشر.
ولا تنافيه صحيحة ابن سنان المتقدمة في صدر المقام (1)، لاحتمال
كون الوجوب المتحقق بدخول الثاني عشر موسعا إلى تمامه، فإن الوجوب
حقيقة في المطلق.
المسألة الثانية: هل يحتسب الشهر الثاني عشر من الحول الأول أو
الثاني.
ذهب العلامة (2) والشهيدان (3) إلى الأول. واختاره المحقق الأردبيلي

(1) في ص 65.
(2) نهاية الإحكام 2: 312.
(3) الشهيد الأول في الدروس 1: 232، والشهيد الثاني في الروضة
2: 23، والمسالك 1: 53.
71

مع حكمه بالاستقرار بدخول الثاني عشر (1).
واستدل بأن الحول حقيقة لغة وشرعا في تمام الاثني عشر، وغاية ما
دلت عليه الصحيحة هي أنه يكفي في وجوب الزكاة واستقراره دخول
الثاني عشر، وذلك لا يدل على أن الحول الذي يجب جريانه على الأموال
هو أحد عشر شهرا.
واعترض عليه بأنه ليس مقتضى أدلة حولان الحول، إلا أنه لا تجب
الزكاة قبله، وأن تمامه شرط في وجوبها، ولا معنى لها إلا ذلك. فإذا قلنا
بالوجوب قبله، وخصصنا أدلة حولان الحول بالصحيحة، لا يبقى دليل آخر
على اشتراط الحول الحقيقي.
والحاصل: أن مقتضى عمومات وجوب الزكاة وجوبها بمجرد تملك
النصاب من غير اشتراط حول، ولكن ثبت اشتراط الحول في وجوبها
بأدلته. ثم ثبت بالصحيحة عدم اشتراط تمام الحول، بل يشترط مضي أحد
عشر شهرا، وبها تخصص أدلة اشتراط الحول.
فلا يبقى دليل على اشتراط مضي الثاني عشر، فلا يكون وجه
لاحتسابه من الحول الأول، بل تجب زكاة كل حول بمضي أحد عشر
شهرا.
أقول: القائل باحتسابه من الأول لعله لا ينكر كون كل حول للزكاة
أحد عشر شهرا، ولا يقول باشتراط مضي الثاني عشر في تعلق الوجوب أو
استقراره. بل مراده من احتسابه من الأول: أن مبدأ الحول الثاني تمام اثني
عشر شهرا من الأول، ومبدأ الثالث تمام اثني عشر من الثاني وهكذا.
فمرجع النزاع حقيقة في مبدأ الأحوال اللاحقة، ولا دلالة لاستقرار الوجوب

(1) مجمع الفائدة 4: 31.
72

بدخول الثاني عشر على أن مبدأ الثاني دخول هذا الشهر، بل لا دليل أصلا
يدل على ذلك.
ولو سلمنا كون حول الزكاة مطلقا أحد عشر، وأن أخبار الحول تدل على وجوب
حولان أحد عشر في كل عام، فلا يثبت أن مبدأ الاثني عشر
في أي وقت وليس قوله في الخبر (إذا رأى الهلال الثاني عشر فقد حال
الحول) أن الثاني عشر مبتدئ من أي وقت.
فعلى هذا يجب الرجوع إلى الأصل، وهو ابتداء الحول الثاني من
تمام الثاني عشر من الأول، لأصالة عدم وجوب الزكاة إلا بعد مضي
أحد عشر من ذلك المبدأ.
بل لولا الاجماع على اتحاد جميع الأعوام لكان مقتضى الأصل عدم
الوجوب إلا بمضي اثني عشر شهرا من ذلك المبدأ، إذ الخبر لا يدل على
أزيد من أن الحول الأول يحول بمضي أحد عشر. إذ (1) يمكن أن يكون
المراد إذا رأى الهلال الثاني عشر من حين التملك أو استجماع الشرائط فقد
حال الحول، فلا يدل على ما بعده.
هذا، مضافا إلى رواية الكرخي: عن الزكاة (انظر شهرا من السنة فانو
أن تؤدي زكاتك فيه، فإذا دخل ذلك الشهر فانظر ما نض - يعني ما حصل
في يدك من مالك - فزكه، فإذا حال الحول والشهر الذي زكيت فيه فاستقبل
مثل ما صنعت، ليس عليك أكثر منه) (2)، فإن انتظار مثل الشهر يجتمع مع
احتساب الثاني عشر مع الأول.
هذا غاية ما يمكن أن يستدل به لذلك القول.
ولكن يرد عليه: أن التمسك بالأصل إنما كان يتم لو كان دليل تكرار

(1) في (س): أو، وفي (ح): و.
(2) الكافي 3: 522 / 1، الوسائل 9: 166 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 13 ح 2.
73

الزكاة بتكرر السنين مجرد الاجماع، فيقال: لم يثبت أزيد من ذلك.
ولقد دلت عليه الأخبار:
ففي موثقة زرارة: (وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر أخذه فعليه
الزكاة لكل ما مر به [من] السنين) (1).
وفي رواية عبد الحميد بن سعد (2): قلت: لكم يزكيه إذا أخذه؟ قال:
(لثلاث سنين) (3).
وفي صحيحة ابن يقطين: (تلزمه الزكاة في كل سنة إلا أن
يسبك) (4).
وعلى هذا فنقول: إنه وإن لم يتعين مبدأ الأحوال، ولكن ظاهر أن
بعد اشتراط الحول والسنة في الزكاة بالأخبار وجعله أحد عشر شهرا بالخبر
المتقدم (5) يفهم أن كل حول في ا لزكاة هو ذلك.
ثم إذا قال (6): ما مر به أحوال أو سنون، فكذا يتفاهم منه عرفا: أن
مبدأ كل حول لاحق تمام الحول السابق، فإنه المتفاهم من مرور الأحوال
المصطلحة على شئ.
ولذا لو قيل: حول الآخرة خمسون عاما ويفرغ من الحساب بعد
ثلاث أحوال، يفهم منه أن مبدأ كل حول لاحق بعد تمام الحول السابق،
الذي هو خمسون عاما من أعوام الدنيا.

(1) تقدمت في ص 34، وما بين المعوقين من المصدر.
(2) في (س): عبد الحميد بن سعيد.
(3) تقدمت في ص 50.
(4) الكافي 3: 518 / 5، التهذيب 4: 7 / 17، الإستبصار 2: 7 / 15، الوسائل 9:
166 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 13 ح 1.
(5) أي صحيحة زرارة المتقدمة في ص 68.
(6) في (ح): حال.
74

وأما رواية الكرخي فهي متشابهة غير صالحة للاستدلال، لأن المراد
بقوله: (فإذا حال الحول والشهر الذي زكيت فيه) إن كان تمام الحول
والشهر، يلزم لزوم مرور ثلاثة عشر شهرا، وهو خلاف الاجماع.
وإن كان المراد بقوله: (حال): دخل، لم يكن معنى لدخول الحول
والشهر معا، لأن هذا الشهر آخر الحول.
وحمله على (تم) - بالنسبة إلى الحول ودخل بالنسبة إلى الشهر -
يوجب استعمال اللفظ في معنييه.
والظاهر أنه نوع إرشاد لم يلاحظ فيه التحقيق، بل اكتفي بالتقريب.
ومن ذلك يظهر أن الحق: احتساب الثاني عشر من الثاني، كما هو
مذهب القطب الراوندي (1)، وفخر المحققين في حواشي القواعد (2)،
والفاضل الهندي في شرح الروضة.
المسألة الثالثة: المراد من اشتراط حولان الحول على الجنس
الزكوي: اشتراط حولانه عليه مستجمعا (طول الحول) (2) لجميع شرائط
وجوب الزكاة المعتبرة في المالك، من البلوغ، والعقل، والحرية،
والملكية، والتمكن من التصرف. وفي المال، من النصاب، والسوم، وعدم
كونه عوامل في الأنعام.. والمسكوكية ونحوها في النقدين.
فلو اختل أحد هذه الشروط في أثناء الحول سقطت الزكاة.
أما اشتراط تحقق شرائط المالك طول الحول فقد مر.
وأما اشتراط النصاب وسقوطها بنقصان النصاب بعض الحول فهو
إجماعي، بل هو مما لا خفاء فيه، إذ لو كان نصابا أولا ونقص في أثناء

(1) فقه القرآن 1: 237.
(2) الإيضاح 1: 172.
(3) ليست في (س).
75

الحول فليس عليه الزكاة قبل تمام الحول، لما صرح: بأن ما لم يحل عليه
الحول فليس فيه شئ.. ولا بعد تمام الحول، لما صرح: بأن ما نقص عن
النصاب ليس فيه شئ.
ولو كان ناقصا أولا وبلغ النصاب في أثناء الحول فلا تجب على
المجموع بعد تمام الحول، إذ بعضه لم يحل عليه الحول، وما لم يحل عليه
الحول لا زكاة فيه، ولا على القدر الناقص الذي حال عليه الحول، لمثل
قوله: (ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شئ) (1) وقوله: (ليس
فيما دون الأربعين شاة شئ) (2)، إلى غير ذلك.
وتدل عليه أيضا حسنة رفاعة، وفيها: (إذا اجتمع مائتا درهم، فحال
عليها الحول، فإن عليها الزكاة) (3).
وأما اشتراط سائر الشرائط من السوم ونحوه طول الحول فسيأتي في
طي ذكر الشرائط إن شاء الله.
المسألة الرابعة: لو عاوض الجنس الزكوي في أثناء الحول بغيره
سقطت الزكاة مطلقا، سواء عاوضه بجنسه كالشاة بالشاة، أو بغير جنسه
كالشاة بالبقر مطلقا.
بلا خلاف معتبر إذا لم تكن المعاوضة بقصد الفرار، سواء كان العوض
مستجمعا لجميع الشرائط غير الحول - كمعاوضة السائمة بالسائمة - أو لا.
للأصل، وقوله عليه السلام في المستفيضة: (كلما لا يحول عليه
الحول عند ربه فلا شئ عليه) (4)، فإن العوض لم يحل عليه الحول عنده

(1) الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1.
(2) الوسائل 9: 166 أبواب زكاة الأنعام ب 6.
(3) الكافي 3: 515 / 2، الوسائل 9: 134 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 2 ح 2.
(4) راجع ص 66.
76

مطلقا، جنسا كان أو غيره، بقصد الفرار كان أولا.
خلافا للمحكي عن المبسوط فيما إذا عاوضه بجنسه، فيبنى على
حوله (1).
واختاره فخر المحققين في شرح الإرشاد، وقال: إذا عاوض أربعين
سائمة في ستة أشهر بأربعين أخرى كذلك يبنى على الحول الأول، لا إذا
عاوضها بأربعين معلوفة، أو أربعين سائمة في أربعة أشهر.
ودليلهما صدق الاسم، فيصدق أن عنده أربعين شاة - مثلا - طول
حول.
وهو ضعيف، لأن المراد بالموصول في مثل قوله: (ما لم يحل عليه
الحول) الأعيان.
المسألة الخامسة: لو عاوض في أثناء الحول أو جعل النصاب ناقصا
بقصد الفرار من الزكاة سقطت الزكاة أيضا على الأقوى، وفاقا للمحكي عن
العماني (2) والإسكافي (3) والمفيد (4) والنهاية والتهذيب والاستبصار (5)
والقاضي (5) والحلي (7) واحتمله في الناصريات (8).
وكلام أكثرهم وإن كان في سبك الذهب والفضة بقصد الفرار، إلا أن
الظاهر عموم الحكم، وهو مختار الفاضلين (9)، بل هو المشهور مطلقا،

(1) المبسوط 1: 206.
(2) حكاه عنه في الرياض 1: 271.
(3) حكاه عنه في المختلف: 173.
(4) المقنعة: 38.
(5) النهاية: 175، التهذيب 4: 9، الإستبصار 2: 8.
(6) حكاه عنه في الرياض 1: 271.
(7) السرائر 1: 442.
(8) الناصريات (الجوامع الفقهية): 218.
(9) المحقق في المعتبر 2: 115، والشرائع 1: 145، والعلامة في المختلف
179، والمنتهى 1: 495، والقواعد 1: 53.
77

كما في المدارك والذخيرة (1)، أو بين المتأخرين خاصة، كما في
الحدائق (2).
للأصل، وعدم حولان الحول، وإطلاق صحيحة زرارة ومحمد: (أيما
رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه)، قيل له: فإن وهبه قبل
حوله بشهر أو بيوم؟ قال: (ليس عليه شئ) (3).
ونحوه في حسنته، وفيها أيضا: رجل كانت له مائتا درهم فوهبها
لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة، فعل ذلك قبل حلها
بشهر، فقال: (إذا حل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت
عليه فيها الزكاة)، قلت: فإن أحدث فيها قبل الحول؟ قال: (جاز له
ذلك)، قلت: إنه فر بها من الزكاة، قال: (ما أدخل على نفسه أعظم مما
منع من زكاتها) (4) الحديث.
وصحيحة عمر بن يزيد: رجل فر بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو
دارا، أعليه فيه شئ؟ فقال: (لا، ولو جعله حليا أو نقرا (5) فلا شئ عليه،
وما يمنع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق الله [الذي] يكون فيه) (6).
وحسنة هارون: إن أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم أعمالا أصاب فيها
أموالا كثيرة، وإنه جعل ذلك حليا أراد به أن يفر من الزكاة، أعليه الزكاة؟

(1) المدارك 5: 74، والذخيرة: 431.
(2) الحدائق 12: 96.
(3) راجع ص 67.
(4) راجع ص 68.
(5) النقرة، والجمع: النقر والنقار: القطعة المذابة من الفضة - المصباح المنير:
621.
(6) الكافي 3: 559 / 1، الفقيه 2: 17 / 51، الوسائل 9: 159 أبواب زكاة الذهب
والفضة ب 11 ح 1، وما بين المعوقين من الوسائل.
78

قال: (ليس على الحلي زكاة) (1).
وحسنة ابن يقطين، وفيه: (إذا أردت ذلك فاسبكه، فإنه ليس في
سبائك الذهب ونقار الفضة شئ من الزكاة) (2).
والمروي في العلل والمحاسن: (لا تجب الزكاة فيما سبك فرارا من
الزكاة) (3).
وتدل عليه أيضا عمومات نفي الزكاة عن الحلي والسبائك (4).
وصحيحة ابن يقطين: عن المال الذي لا يعمل به ولا يقلب، قال:
(تلزمه الزكاة في كل سنة إلا أن يسبك) (5).
خلافا للمحكي عن المقنع والفقيه ورسالة والده والانتصار والمسائل
المصرية الثالثة والجمل والاقتصاد والخلاف والمبسوط وموضع من
التهذيب والوسيلة والغنية والإشارة (6)، فأوجبوا الزكاة في سبك الذهب
والفضة بقصد الفرار، وزاد في الانتصار والخلاف والمبسوط: إذا ناول

(1) الكافي 3: 518 / 7، التهذيب 4: / 26، الإستبصار 2: 8 / 23، علل
الشرائع: 370 / 2، الوسائل 9: 160 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 11 ح 4.
(2) الكافي 3: 518 / 8، التهذيب 4: 8 / 19، الإستبصار 2: 6 / 13، الوسائل 9:
154 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 8 ح 2.
(3) علل الشرائع: 370 / 3، المحاسن: 319 / 52 بتفاوت يسير، الوسائل 9: 160
أبواب زكاة الذهب والفضة ب 11 ح 2، 3.
(4) الوسائل 9: 154 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 8 و ص 156 ب 9.
(5) الكافي 3: 518 / 5، التهذيب 4: 7 / 17، الإستبصار 2: 7 / 15، الوسائل 9:
155 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 8 ح 4.
(6) المقنع: 51، والفقيه 2: 9، وحكاه عن والده في المختلف: 173، الإنتصار:
83، وحكاه عن المسائل المصرية في المختلف: 173، وجمل العلم العمل
(رسائل الشريف المرتضى 3): 75، الإقتصاد: 278، والخلاف 2: 77،
والمبسوط 1: 210، والتهذيب 4: 9، الوسيلة: 122، الغنية (الجوامع الفقهية):
567، والارشاد: 109.
79

جنسا بغيره أيضا، وفي الأولين الاجماع عليه كما في المسائل المصرية،
ونسبه بعضهم إلى أكثر المتقدمين (1)، وقواه بعض مشايخنا الأخباريين (2).
للاجماع المذكور، والروايات:
كموثقة محمد: عن الحلي فيه زكاة؟ قال: (لا، إلا ما فر به من
الزكاة) (3).
وموثقتي معاوية وإسحاق، إحداهما: الرجل يجعل لأهله الحلي من
مائة دينار والمائتي دينار وأراني قد قلت ثلاثمائة، فعليه الزكاة؟ قال: (ليس
عليه زكاة) قال: قلت: فإنه فر به من الزكاة، فقال: (إن كان فر به من
الزكاة فعليه الزكاة) (4).
ورواه الحلي في مستطرفات السرائر عن معاوية بن عمار (5)، فتكون
الرواية صحيحة.
والأخرى: عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير أعليه زكاة؟ قال:
(إن كان فر بها من الزكاة فعليه الزكاة، وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس
عليه زكاة) (6).
والرضوي: (ليس في السبائك زكاة إلا أن يكون فر به من الزكاة،

(1) كصاحب الرياض 1: 271.
(2) كصاحب الحدائق 12: 105.
(3) التهذيب 4: 19 / 25، الإستبصار 2: 8 / 21، الوسائل 9: 162 أبواب زكاة
الذهب والفضة ب 11 ح 7.
(4) التهذيب 4: 19 / 25، الإستبصار 2: 8 / 22، الوسائل 157 أبواب زكاة
الذهب والفضة ب 9 ح 6.
(5) مستطرفات السرائر: 21 / 2، الوسائل 9: 162 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 11
ذيل الحديث 6.
(6) التهذيب 4: 94 / 270، الإستبصار 2: 40 / 122، الوسائل 9: 151 أبواب
زكاة الذهب والفضة ب 5 ح 3.
80

فإن فررت به من الزكاة فعليك فيه زكاة) (1).
والجواب عنها - مع ضعف الأخير، وأخصية الأولين والأخير عن
مطلوب بعضهم، لاختصاصها بالسبائك وتحقق القول بالفصل -: أن الأخبار المتقدمة قرينة على عدم إرادة الوجوب من هذه، فهي محمولة على
الاستحباب، كما قاله أكثر الأصحاب (2).
مع أن الأولى غير دالة على الوجوب أصلا، إذ قوله: (فيه الزكاة) أعم
من الوجوب والاستحباب.
بل كذا قيل في الموثقتين الأخيرتين أيضا (3)، لاحتمال عود الضمير
في (عليه) إلى المال، قال: وحينئذ لا فرق بين في وعلى. وهو كذلك.
مع أنه على فرض التعارض فالترجيح للمتقدمة، لأصحية السند
وأكثرية العدد، مع أنه لولا الترجيح لكان المرجع إلى الأصل، والاستصحاب
مع القول الأول.
وقد يرجح الثاني بمخالفة جميع العامة، كما صرح به في الانتصار (4).
وفيه: أنه إنما يحتاج إليه لولا انفهام الاستحباب عرفا مع مقابلة
الفريقين من الأخبار، مع أن الثانية أيضا موافقة لقول مالك (5) وأحمد (6)،
واشتهار مذهب الشافعي وأبي حنيفة (7) في تلك الأزمنة لا يفيد بعد موافقة

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 199، مستدرك الوسائل 7: 81 أبواب زكاة الذهب والفضة
ب 6 ح 1.
(2) كما في الذخيرة: 432، والرياض 1: 271.
(3) كما في الإستبصار 2: 8، والمدارك 5: 76.
(4) الإنتصار: 83.
(5) الموطأ 1: 250.
(6) المغني والشرح الكبير 2: 465، 534.
(7) أنظر: الأم للشافعي 2: 24، وبدائع الصنائع 2: 15.
81

كل منهما لطائفة من العامة.
وقد تحمل الثانية على قصد الفرار بعد الحول، ويستشهد له بموثقة
زرارة: إن أباك قال: (من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها)، قال: (صدق
أبي، إن عليه أن يؤدي ما وجب عليه، وما لم يجب عليه فلا شئ عليه
منه) (1)، ونحوها حسنته (2).
ورده في الحدائق بأنه لا يجري في الموثقة الثانية، لأنه متى خص
بتمام الحول وجعل المقسم بعده اقتضى سقوط الزكاة عمن فعله ليتجمل
به، وهو خلاف الاجماع، وحمل الفرار على ما بعد الحول وقصد التجمل
عليها قبله يجعل الكلام متهافتا (3).
أقول: يمكن أن يقال: إن المراد حمل الفرار من الزكاة على ما إذا
فعله بعد الحول، فيكون المقسم عاما ويقسمه الإمام على قسمين:
قسم يفعله بعد الحول، وهو الذي عبر عنه بقوله: (فإن كان فر به
من الزكاة).
وقسم يفعله قبله وهو المذكور بقوله: (ليتجمل به).
وإنما عبر بما بعد الحول بالفرار لأن الفرار عن الشئ [بعد] (4)
وجوده، فالاستشهاد إنما هو في التجوز دون التخصيص المستلزم للتهافت.
وإلى هذا ينظر كلام الشيخ، حيث ذكر بعد ذلك الحمل: أن معه لا
يستقيم الاستثناء في الموثقة الأولى، وأجاب بأن (لا) في جواب السؤال
عن وجوب الزكاة في الحلي اقتضى أن كلما يقع عليه اسم الحلي لا يجب

(1) الكافي 3: 525 / 4، الإستبصار 2: 8 / 24، التهذيب 4: 10 / 27، الوسائل 9:
161 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 11 ح 5.
(2) المتقدمة في ص 68.
(3) الحدائق 12: 100.
(4) أضفناه لاستقامة المعنى.
82

عليه الزكاة، سواء صنع قبل حلول الوقت أو بعد حلوله، لدخوله تحت
العموم، فقصد عليه السلام بذلك تخصيص البعض من الكل، وهو ما صنع
بعد حلول الوقت (1). انتهى.
يعني: أنه أراد من قوله (إلا ما فر) ما حال عليه الحول، فتجوز عن
حلول الحول بذلك، وبه حصل التخصيص في المستثنى منه.
وعلى هذا يظهر جواب آخر عن الأخبار الثانية، إذ يكون الخبران
المذكوران (2) قرينتين على التجوز، فيجب ارتكابه.
فروع على القول بعدم السقوط:
أ: هل الوجوب يختص بالفرار في أثناء الحول؟
أم يعم الفرار ولو قبل الشروع في الحول أيضا، كأن ورث مالا زكويا
فبدل بعضه أولا فرارا؟
ظاهرهم: العموم.
ب: لو تركب القصد من الفرار وغيره، فمع استقلال أحدهما فالحكم
له، ومع تساويهما يشكل.
ج: لو فر وبدل فهل الزكاة متعلقة بالمبدل، أو المبدل منه، أو ينتقل
إلى الذمة؟ فيه احتمالات.
المسألة السادسة: لا تعد أولاد الأنعام - الحاصلة في أثناء حول
الأمهات - مع أمهاتها، بل لها حول بانفرادها.
وكذا غير الأولاد مما يملكه المالك - ويضمه مع ما كان له - في أثناء
الحول بإرث أو شراء أو نحو ذلك.

(1) التهذيب 4: 10.
(2) في ص 68، 80.
83

بلا خلاف فيه، كما في الذخيرة والحدائق (1)، بل بالاجماع، كما في
المدارك (2)، وحكاه بعضهم عن جملة من عبارات الأصحاب (3).
ويدل عليه عموم جميع ما دل على أن (كل ما لم يحل عليه الحول
عند ربه فلا شئ عليه فيه) (4).
وجميع (5) ما د ل على أنه (ليس في السخال شئ حتى يحول عليه
الحول منذ يوم ينتج) (6).
ولا فصل بين الأولاد وغيرها من الضمائم بالاجماع، مع أنه تدل عليه
مطلقا صحيحة شعيب: (كل شئ جر عليك المال فزكه، وكل شئ ورثته
أو وهب لك فاستقبل به) (7)، أي استأنف الحول حين ما ملكته.
ورواية الأصبهاني: يكون لي على الرجل مال فأقبضه، متى أزكيه؟
قال: (إذا قبضته فزكه)، قلت: فإني أقبض بعضه في صدر السنة، وبعضه
بعد ذلك، قال: فتبسم ثم قال: (ما أحسن ما أدخلت فيها من السؤال)، ثم
قال: (ما قبضت منه في الستة الأشهر الأولى فزكه لسنته، وما قبضت بعد
في الستة الأشهر الأخيرة فاستقبل به في السنة المستقبلة، وكذلك إذا
استفدت مالا منقطعا في السنة كلها، فما استفدت منه في أول السنة إلى ستة
أشهر فزكه في عامك ذلك كله، وما استفدت بعد ذلك فاستقبل به السنة

(1) الذخيرة: 432، الحدائق 12: 77.
(2) المدارك 5: 76.
(3) انظر: مفتاح الكرامة 3: 37.
(4) أخبارها مذكورة في طي شرط السوم (منه رحمه الله).
(6) الوسائل 9: 122 أبواب زكاة الأنعام ب 9، والسخال: جمع سخل، ولد الشاة من
المعز والضأن ذكرا كان أو أنثى. لسان العرب: 332.
(7) الكافي 3: 527 / 1، الوسائل 9: 171 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 16 ح 1.
84

المستقبلة) (1).
وما يتضمنه ذيل الرواية من جعل ابتداء ما يستفاد في الستة الأشهر
إلا عند الشروع في الاستفادة، وما يستفاد في الستة الأخرى عند الفراغ
منها جميعا، فليس على وجه الوجوب إجماعا، وإنما هو إرشاد لتسهيل
الضبط.
ورواية أبي بصير: عن رجل يكون نصف ماله عينا ونصفه دينا،
أتحل عليه الزكاة؟ قال: (يزكي العين ويدع الدين)، قلت: فإن اقتضاه بعد
ستة أشهر، قال: (يزكيه حين اقتضاه)، قلت: فإن هو حال عليه الحول وحل
الشهر الذي كان (يزكي فيه وقد أتى لنصف ماله سنة ولنصفه الآخر ستة
أشهر؟ قال: (يزكي الذي مرت عليه سنة، ويدع الآخر حتى تمر عليه
سنة)، قلت: فإن اشتهى أن يزكي ذلك؟ قال: (ما أحسن ذلك) (2).
ورواية عبد الحميد: في الرجل يكون عنده المال، فيحول عليه
الحول، ثم يصيب مالا آخر قبل أن يحول على المال الحول، قال: (إذا
حال على المال الحول زكاهما جميعا) (3)، أي إذا حال على كل مال حوله
زكاه.
ويحتمل غير ذلك المعنى أيضا، بأن يراد بالمال الأخير المال الأول،
فيقدم زكاة الثاني، أو الأخير فيؤخر زكاة الأول، وعلى هذا فالخبر لا يخلو
عن إجمال.
فرع: إذ عرفت أنه لا تعد الضميمة مع الأصل في الحول، فنقول
لكيفية ضبط حولهما: إن بعد كون الأصل نصابا لا يخلو إما لا تكون

(1) الكافي 3: 523 / 5، الوسائل 9: 172 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 16 ح 4.
(2) الكافي 3: 523 / 6، الوسائل 9: 98 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 6 ح 9.
(3) الكافي 7: 527 / 2، الوسائل 9: 171 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 16 ح 2.
85

الضميمة الحاصلة في أثناء حول الأصل بنفسها نصابا مستقلا بعد نصاب
الأصل، أو تكون..
فإن لم تكن كذلك، فإما لا تكون نصابا غير النصاب الذي بعد
نصاب الأصل أيضا ولا مكملا لنصاب أيضا، أو تكون.
فالأول: كأن يضم مع خمس من الإبل أربع، أو مع ثلاثين من البقر
خمس، أو مع أربعين من الغنم عشرون، وحكمه ظاهر، إذ لا أثر لوجوده،
بل يجري على حول الأصل، كما لو لم يكن هناك ضميمة.
والثاني: إما يكون مكملا للنصاب اللاحق خاصة، أو نصابا غير
النصاب الذي بعد نصاب الأصل خاصة، أو يكون كليهما.
فالأول: كأن يضم مع خمس وعشرين من الإبل إبلان، أو مع ثلاثين
من البقر أحد عشر، أو مع مائة من الغنم اثنان وعشرون، وحكمه أيضا
ظاهر، فيزكي الأصل بعد تمام حوله، للروايات الأربع المتقدمة (1)،
وعمومات وجوب الزكاة في النصاب بعد الحول (2).
ولا ينافيه ما يدل على أن فريضة النصاب الحاصل من الأصل
والضميمة غير ذلك، لأنه بعد حولان الحول عليه، ولم يحل بعد.
ولا دلالة فيها على أنه ليس لما دونه شئ حتى يعارض العمومات
والروايات المتقدمة.
ولا زكاة حين تمام حول الضميمة للضميمة منفردة، لنقصانها عن
النصاب، فإما يزكي حينئذ لمجموعهما، أو يؤخر إلى الحول الثاني لأصلها
ويزكي المجموع.
الأول باطل، لاستلزامه إخراج الزكاة عن الأصل مرتين في عام واحد،

(1) في ص 84، 85.
(2) الوسائل 9: 64 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 10.
86

وهو بصريح الأخبار باطل، فتعين الثاني.
فإن قيل: يعارض ما دل على أنه لا يزكى مال في عام مرتين مع ما
دل على أن النصاب اللاحق بعد حولان الحول عليه تجب فريضته.
قلنا: التعارض بالعموم من وجه، والمرجع معه أيضا أصالة عدم
وجوب الزكاة.
والثاني: كأن يضم مع ست وعشرين من الإبل خمس، أو مع أربعين
من الغنم أو مائة وإحدى وعشرين أربعون، ويزكي أصله بعد حولان حوله.
وفي إخراج زكاة الضميمة بعد حولها، ثم زكاة الأصل بعد حول الثاني
أيضا، وهكذا، لعمومات زكاة النصاب، وظاهر الروايات الأربع
المتقدمة (1).
أو إسقاط الضميمة من البين والبناء على حول الأصل، لأدلة العفو،
ثم زكاة الضميمة بعد حوله الثاني.
احتمالان، أظهرهما: الثاني، وفاقا للأكثر (2)، لما ذكر.
مضافا إلى الأصل، واختصاص الروايات الأربع بما استجمعت شرائط
وجوب الزكاة إجماعا، ومنها: عدم كونه عفوا، وبه تخصص عمومات
وجوب الزكاة في النصاب، مع أنه على التعارض يرجع إلى الأصل.
والثالث: كأن يضم مع ثلاثين من الإبل سبع، أو مع خمس وعشرين
منها إحدى عشرة، أو مع ثمانين من الغنم اثنان وأربعون.
ففي بناء زكاتهما على الحول الأول للأصل، فيزكيان جميعا عند تمام
حوله، فتحصل الفائدة للفقير.
أو على الحول الأول للضميمة، فيزكيان عنده ويسقط من حول

(1) في ص 84، 85.
(2) منهم صاحب المدارك 5: 77، والذخيرة: 432، والرياض 1: 267.
87

الأصل ما زاد للأصل ما تقدم من حوله على حول الضميمة من البين،
فتحصل الفائدة للمالك.
أو إخراج زكاة للأصل بعد تمام حوله الأول ثم البناء في زكاتهما على
الحول الثاني للأصل ويسقط للضميمة من حوله على (1) تمام الحول الأول
للأصل.
أو بناء زكاة كل منهما على حوله دائما.
احتمالات أربعة، يبطل أولها بأدلة اشتراط الحول ولم يجر على
الضميمة بعد، وبظاهر الروايات الثلاث الأول من الأربع.
وثانيها: بعمومات وجوب الزكاة في النصاب المعين بعد حولان
الحول عليه (2) الخالية عن معارضة أدلة العفو، مضافة إلى ظاهر الروايات
الثلاث (3) (الأول من الأربع) (4).
وثالثها: بالعمومات المذكورة أيضا، ورواية أبي بصير (5).
فلم يبق إلا الأخير، ولا أدري له مبطلا.
وما ورد في حكم العدد المركب من الأصل والضميمة فالمتبادر
[منه] (6) ما اتحد الجميع في سائر الشرائط.
ولا يضر عدم ظهور مصرح بهذا الاحتمال، لعدم ثبوت إجماع في
ذلك المورد.
وإن كانت الضميمة نصابا مستقلا بعد نصاب الأصل، فهو على قسمين:

(1) كذا، والأنسب: إلى.
(2) راجع ص 86.
(3) المتقدمة في ص 84، 85.
(4) ما بين القوسين من (س).
(5) المتقدمة في ص 85.
(6) أضفناه لاستقامة العبارة.
88

لأنه إما لا تبلغ الضميمة مع الأصل النصاب - الذي بعد نصاب
الضميمة كالنصاب الثالث مثلا - أو تبلغ.
فالأول: كأن يضم مع أربعين من الغنم مائة واثنان وعشرون، فإن
الضميمة مستقلة بلغت النصاب الذي بعد نصاب الأصل ولكن لا يصلان مع
النصاب الثالث وهو إحدى ومائتان، وحكمه سقوط زكاة الأصل بأدلة
العفو، فإن ما زاد عن المائة وإحدى وعشرين ونقص عن الإحدى
والمائتين، عفو، ثم البناء على حول الضميمة.
والثاني: كأن يضم مع مائة من الغنم مائة واثنان وعشرون، والظاهر
فيه بناء كل على حوله كما مر، والله يعلم.
الشرط الثاني: السوم، بالاجماع المحقق، والمحكي في المعتبر
والتحرير والتذكرة والمدارك والحدائق، له (1)، ولموثقة زرارة المتقدمة في
صدر الباب (2)، وقوله في حسنة الفضلاء بعد نصاب الإبل: (إنما ذلك على
السائمة الراعية) (3) وبعد نصاب البقر: (إنما الصدقة على السائمة الراعية) (4).
وصحيحة الفضلاء، وفيها: (إنما الصدقات على السائمة الراعية) (5).
وصحيحة زرارة، وفيها: هل على الفرس أو على البعير يكون للرجل
يركبهما شئ؟ قال: (لا، ليس على ما يعلف شئ، إنما الصدقة على
السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فأما ما سوى

(1) المعتبر 2: 161، التحرير 1: 60، التذكرة 1: 205، المدارك 5: 76،
الحدائق 12: 78.
(2) في ص 63.
(3) الكافي 3: 531 / 1، الوسائل): 118 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 1.
(4) الكافي 3: 534 / / 1، الوسائل 9: 119 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 2.
(5) التهذيب 4: 41 / 103، الإستبصار 2: 23 / 65، الوسائل 9: 120 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 5.
89

ذلك فليس فيه شئ) (1).
أقول: المرج - بالجيم - مرعى: الدواب. ثم المراد بالسوم الرعي، كما
هو معناه اللغوي، والمصرح به في الأخبار.
وهاهنا مسائل:
المسألة الأولى: يشترط كونها سائمة طول الحول بالاجماع المحقق،
والمحكي مستفيضا (2)، له، ولقوله في صحيحة زرارة الأخيرة: (عامها الذي
يقتنيها فيه الرجل).
فلو انقطع سومها في أثناء الحول لم تجب الزكاة، لعدم صدق كونها
سائمة عام اقتنائها.
ثم إنه لا خلاف في انقطاع السوم بما إذا كان العلف غالبا على
السوم، بل ادعى بعضهم الاجماع في المساوي أيضا (3). والظاهر أنه كذلك.
إلا أنه حكي عن الخلاف اعتبار الأغلب (4)، ولم ينقل منه حكم
المساوي.
واختلفوا فيما إذا كان العلف أقل من السوم على أقوال:
أصحها عند أكثر المتأخرين اعتبار الصدق والاسم عرفا (5)، فينقطع
السوم إن علف بقدر لا يصدق معه السوم طول الحول في العرف، ولا
ينقطع إن كان بقدر يصدق عليه ذلك.
وهو مذهب الفاضل في التحرير والتذكرة والمنتهى والمختلف (6)

(1) الكافي 3: 530 / 2، الوسائل 119 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 3.
(2) حكاه في الرياض 1: 266.
(3) كصاحب الرياض 1: 266.
(4) الخلاف 2: 53.
(5) منهم صاحبي الذخيرة: 442، والرياض 1: 266.
(6) التحرير 1: 60، التذكرة 1: 205، المنتهى 1: 486، المختلف 2: 175.
90

والشهيد الثاني في الروضة (1)، وإليه ذهب المحقق الثاني (2)، لعدم النص
ووجوب الرجوع إلى العرف المحكم في مثله.
خلافا للشيخ في الخلاف، فجعل الحكم للأغلب (3)، ولازمه عدم
الانقطاع بالعلف خمسة أشهر ونصف.
وللشرائع، فحكم بالانقطاع به ولو في يوم (4)، وهو مختار القواعد
والارشاد (5) وبعض آخر (6).
وأكثر هؤلاء صرحوا بعدم الانقطاع باللحظة، وقد يشمل إطلاق كلام
البعض اللحظة أيضا، ويأتي تحقيق المقام في ذكر العوامل.
المسألة الثانية: قالوا: يتحقق العلف بإطعامها العلف المملوك مطلقا
ولو بالرعي، كما لو زرع لها قصيلا (7) وأرسلها إليه لترعاه، أو اشترى لها
مرعى وأرسلها إليه.
وحاصل الضابط على هذا: اشتراط السوم بأن لا يكون العلف
مملوكا، وانقطاعه بالعلف بالمملوك مطلقا.
أقول: نظرهم في التعميم إن كان إلى أن اعتبار السوم لجبر ضرر مؤنة
العلف في المعلوفة كما قيل (8)، ففيه: أنه علة مستنبطة مردودة، وإن كان
إلى أنه مقتضى معنى السوم ذلك، ففيه إشكال كما صرح به بعض أفاضل

(1) الروضة 2: 22.
(2) جامع المقاصد 3: 11.
(3) الخلاف 2: 53.
(4) الشرائع 1: 144.
(5) القواعد 1: 52، الإرشاد 1: 280.
(6) كالتبصرة: 44.
(7) القصيل: الذي تعلف به الدواب. لسان العرب 11: 558.
(8) كما في التذكرة 1: 205، والمسالك 1: 52.
91

المتأخرين أيضا (1).
والتحقيق: أن العلف بالمملوك على قسمين، أحدهما: نقل العلف
بعد حصاده، وثانيهما: رعي الدابة من العلف الثابت في منبته.
ثم إنه لا شك في تحقق العلف بنقل العلف إلى الدابة، أو إلى محل
آخر وإتيان الدابة إليه، سواء كان العلف مملوكا أو مباحا في الأصل.
وأما فيما إذا كان العلف بالرعي ففيه إشكال جدا، سيما إذا كان العلف
مما يبقى من الحصاد من أصول السنابل أو من علف الباغ (2) وأمثالها، فإن
عدم صدق الرعي الذي هو معنى السوم عليها غير معلوم.
إلا أن يقال: إن تصريح الأصحاب بمنافاة مثل ذلك للسوم يوجب
الشك في الصدق، ولأجله يحصل الاجمال في معنى السائمة، ولعدم حجية
العام المخصص بالمجمل في موضع الاجمال لا يحكم بوجوب الزكاة في
أمثال ذلك، فتأمل.
ولا فرق في العلف المملوك بين ما إذا استأجر الأرض المنبتة للعلف
أو اشتراها. والتفرقة بينهما كما في كلام جماعة غير جيدة (3).
ولا فرق أيضا في العلف بين أن يكون لعذر كثلج أو لغير عذر، ولا
بين أن تعتلف الدابة بنفسها من العلف المنقول، أو أعلفها المالك، أو غيره،
من دون إذن المالك أو بإذنه، من مال المالك أو غيره، وفاقا لجماعة (4).
وخلافا للمحكي عن التذكرة (5) وغيره، فاستقرب وجوب الزكاة لو

(1) السبزواري في الذخيرة: 432.
(2) الباغ: كلمة فارسية، وتعني البستان.
(3) منهم الشهيد الأول في الدروس 1: 233، والشهيد الثاني في الروضة 2: 22.
(4) كما في الدروس 1: 233، والمدارك 5: 70، وكشف الغطاء: 352،
والرياض 1: 266.
(5) التذكرة 1: 205.
92

علفها الغير من ماله، لعدم المؤنة.
وفيه: أن العلة غير منصوصة بل مستنبطة، فلا تصلح مقيدة لاطلاق ما
دل على نفي الزكاة في المعلوفة.
المسألة الثالثة: ما ذكر من اشترط السوم طول الحول إنما هو في غير
السخال - أي أولاد الأنعام الثلاثة في عامها الأول - وأما هي فلا يشترط فيها
ذلك طول الحول على الأقوى، بل يستثنى منها زمن الرضاع، وفاقا
للإسكافي والشيخ والروضة (2) وجماعة (2)، ومال إليه جدي الفاضل - قدس
سره - بل أكثر المتأخرين، بل هو المشهور مطلقا، كما في المختلف
والمسالك (3).
لموثقة زرارة المتقدمة في صدر الباب (4)، وروايته المتقدمة في صدر
الشرط الأول (5)، وصحيحته: (ليس في صغار الإبل شئ حتى يحول عليه
الحول منذ يوم ينتج) (6).
دلت هذه الأخبار بمفهوم الغاية على وجوب الزكاة في الأنعام بعد
مضي الحول من يوم النتاج.
وهذه أخص مطلقا من صحيحة زرارة المتقدمة المشترطة للسوم
طول الحول (7)، إذ ما مضى حول من يوم نتاجه لا تكون سائمة طول الحول
93

قطعا.
فيكون مقتضى مفهوم الغاية: وجوب الزكاة في الأولاد الحولية الغير
السائمة تمام الحول البتة.
ومقتضى مفهوم الحصر في الصحيحة: عدم وجوب الزكاة في غير
السائمة عامها، سواء كانت من الأولاد الحولية أو غيرها، فيجب تخصيص
المفهوم الأخير.
بل وكذلك الحكم لو قلنا بعموم المفهوم الأول أيضا، كما قد يتوهم
من جهة شمول: ما مضى حول من يوم نتاجه، لما مضى أكثر من حول
أيضا إذ التعارض حينئذ يكون بالعموم من وجه، فلو رجحنا الأول بقوة
الدلالة والأكثرية، وإلا فيرجع إلى عمومات وجوب الزكاة في الأنعام (1).
وتدل على المطلوب أيضا حسنة ابن أبي عمير: (كان علي عليه السلام
لا يأخذ من صغار الإبل شيئا حتى يحول عليه الحول، ولا يأخذ من جمال
العمل صدقة) (2).
ورواية زرارة: (ليس في صغار الإبل والبقر والغنم شئ إلا ما حال
عليه الحول عند الرجل، وليس في أولادها شئ حتى يحول عليه الحول) (3).
والأخرى: (لا يزكى من الإبل والبقر والغنم إلا ما حال عليه
الحول) (4) إلى غير ذلك.
ولا ينافي ما ذكرنا موثقة إسحاق بن عمار: السخل متى يجب فيه
الصدقة؟ قال: (إذا أجذع) (5)، لأن معنى أجذع - على ما في الوافي - تمت

(1) الوسائل 9: 121 أبواب زكاة الأنعام ب 8.
(2) الكافي 3: 531 / 7، الوسائل 9: 123 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 2.
(3) تقدمت في ص 66.
(4) تقدمت في ص 66.
(5) الكافي 3: 533 / 4، الفقيه 2: 15 / 39، الوسائل 9: 123 أبواب زكاة الأنعام
ب 9 ح 3.
94

له سنة (1)، فيوافق ما ذكرنا.
نعم، يستشكل فيها على ما فسر الجي الغنم بما كمله سبعة
أشهر، واستشكاله حينئذ من جهة المعارضة مع أخبار الحول، ولا شك في
مرجوحيته بالنسبة إليها.
خلافا للفاضلين، فشرطا فيها أيضا السوم طول الحول (2). ويلزمه أن
يكون مبدأ حولها عند استغنائها بالرعي عن الارتضاع، لاشتراط السوم
بالنصوص والاجماع، ولا سوم حين الارتضاع.
والاجماع ممنوع في موضع النزاع، والعام يخصص مع وجود
الأخص، مع أن العمومات معارضة بمثلها، كقوله في صحيحة الفضلاء:
(وإذا حال عليه الحول وجب عليه) (3).
واستقرب في البيان التفصيل بارتضاعها من لبن السائمة فالأول، أو
المعلوفة فالثاني (4)، جمعا بين الدليلين.
ويندفع بأن الجمع بالتخصيص هو الموافق للأصول، دون مثل ذلك
مما لا شاهد له.
ثم إن استثناء السخال إنما هو من اشتراط السوم طول العام لا من
اشتراط السوم مطلقا، فيشترط سومها بعد الاستغناء من الارتضاع،
لعمومات اشتراط السوم مطلقا من غير معارض ومخصص.
والظاهر كفاية صدق السائمة حال حولان الحول، ولا يشترط اتصال
السوم من مدة الاستغناء عن الأمهات إلى الحول، لعدم الدليل، وإنما

(1) الوافي 10: 99.
(2) المحقق في المعتبر 2:: 510، والشرائع 1: 144، العلامة في التذكرة 1: 205.
(3) راجع ص 66.
(4) البيان: 186.
95

يخصص ما ذكر ما دل على اشتراطه طول الحول.
الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل، بلا خلاف فيه بين الأصحاب
كما في الذخيرة (1)، بل بالاجماع كما في المدارك وعن الخلاف والتذكرة
والمنتهى (2).
لموثقة زرارة، وفيها: (وكل شئ من هذه الأصناف من الدواجن
والعوامل فليس فيها شئ) (3).
وفي حسنة الفضلاء في الإبل: (وليس في العوامل شئ) (4).
وقال في البقر: (ولا على العوامل السائمة شئ) (5).
وفي صحيحة الفضلاء: (ليس على العوامل من الإبل والبقر شئ،
إنما الصدقات على السائمة الراعية) (6).
ولا تنافيها الروايات الثلاث لإسحاق بن عمار (7)، لعدم دلالة شئ
منها على الوجوب وإن تضمنت لفظة: (على)، لأنها داخلة على المال ولم
تثبت إفادتها حينئذ للوجوب، مع أنه لو دلت عليه لوجب صرفها إلى
الاستحباب بقرينة سائر الأخبار.
هذا، مضافا إلى عدم حجيتها، لشذوذها، ومخالفتها الاجماع.
ثم الظاهر اتفاقهم على اعتبار هذا الشرط أيضا طول الحول، وهو

(1) الذخيرة: 433.
(2) المدارك 5: 79، الخلاف 2: 51، التذكرة 1: 205، المنتهى 1: 486.
(3) المتقدمة في ص 66.
(4) الكافي 3: 531 / 1، التهذيب 4: 22 / 55، الإستبصار 2: 20 / 59، الوسائل
9: 118 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 1.
(5) تقدمت في ص 66، بتفاوت.
(6) التهذيب 4: 41 / 103، الإستبصار 2: 23 / 65، الوسائل 9: 120 أبواب زكاة الأنعام
ب 7 ح 5.
(7) المتقدمة في ص 17.
96

الدليل عليه، ولم أعثر على دليل آخر يدل على اشتراط استمراره.
مسألة لا شك أن المراد بالسائمة والمعلوفة والعوامل ليس المتلبس
بالمبدأ بالفعل، بالمراد من هذه الألفاظ ذوي الملكات، كالكاتب
والفصيح والأكول.
والمرجع في معرفة هذه المعاني إلى العرف، لا لأجل تقديم الحقيقة
العرفية على اللغوية، بل لأن الألفاظ موضوعة للمصاديق العرفية.
فالمراد بالسائمة: ما تسمى في العرف سائمة وإن أعلفت في آن
الاطلاق، فإن الراعية طول دهرها لو اعتلفت لحظة يقال: إنها سائمة حينئذ
أيضا، والعاملة طول حولها لو سكنت يوما يقال: إنها عاملة حينئذ أيضا.
ثم إنك تراهم اختلفوا فيما يتحقق به السوم وينقطع، وكذلك العمل،
وكلامهم إما في صدق كونها سائمة أو معلوفة أو عاملة أو عدم صدقها
بالاطلاق، أو في صدقها وعدمه في الحول، والظاهر من اعتبار بعضهم
الأغلب: أن المراد صدق المعلوفة والعاملة وضدهما في الحول.
وكيف كان، فإن كان الكلام في الأول، فلا شك في وجوب الرجوع
إلى المصداق العرفي، فالسائمة ما يصدق عليها السائمة عرفا، وكذا العاملة
وضدهما.
ولا شك في اشتراط وجوب الزكاة بصدق كونها سائمة وغير عاملة
حال تعلق وجوب الزكاة، فلو لم يصدقان عليها حال التعلق لا يتعلق.
وإن كان الكلام في الثاني - أي ما تصدق معه السائمة أو غير العاملة
في الحول - فمرادهم من اشتراط ذلك في الحول:
إما أنه يجب أن تكون في تمام الحول سائمة وغير عاملة، بحيث لم
يصدق في جزء منه أنها غير سائمة أو عاملة.
أو مرادهم منه: أنه يجب أن تكون بحيث يصدق عليها أنها سائمة
97

في الحول، أو غير عاملة فيه، وإن لم يصدق عليها ذلك في يوم أو يومين
من الحول.
فإن كان المراد الأول، فاللازم تحقيق معنى السائمة وغير العاملة
مطلقا كما مر، ولا يحتاج إلى تحقيق معنى سائمة الحول وغير العاملة في
الحول، بل إذا علم ما يتحقق به السوم المطلق وينقطع به - وكذا العاملة -،
يكفي لفهم ذلك أيضا.. ويقال: إنه يجب أن تكون بحيث لا يصدق عليها
في جزء من الحول ولو لحظة: غير السائمة والعاملة، كما كان كذلك في
اشتراط الملكية والنصاب والبلوغ والعقل والتمكن من التصرف، فإنه
يشترط تحقق هذه الأمور في جميع أجزأ الحول، لأنه مدلول: (وما لم
يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه).. لا أن لا تعمل لحظة ولا تعلف
لحظة، لأنهما لا يوجبان صدق العاملية والعلف في هذه اللحظة، بل غير
عاملة وسائمة في هذه اللحظة أيضا ما لم تعمل ولم تعلف مدة تصدق معها
العاملة والمعلوفة في تلك اللحظة.
وإن كان المراد الثاني، فاللازم تحقيق معنى السائمة وغير العاملة في
الحول، فإنه يمكن أن يصدق عليها سائمة الحول مع عدم كونها سائمة في
بعض أيام الحول.
والظاهر [حينئذ] (1) عدم منافاة صدق المعلوفة أو [غير] (2) السائمة
في يوم بل يومين في صدق سائمة الحول.
وظاهر قولهم: إن بعضهم اعتبر الأغلب، إرادة الثاني، لأنه الذي
يمكن اعتبار الأغلب وغيره فيه دون المعنى الأول.
ولكن يخدشه: إنه لو كان مرادهم ذلك يجب أن لا يضر عدم صدق

(1) في النسخ: حين، والصحيح ما أثبتناه.
(2) أضفناه لاستقامة المعنى.
98

السائمة وغير العاملة في يوم في تمام الحول عند من يعتبر الأغلب أو
المعنى العرفي، من غير تفاوت بين طرفي الحول وأثنائه.
مع أن الظاهر أنه لو ملك أحد النصاب معلوفة أو عاملة يبتدئ الحول
من حيث السوم وترك العمل، ولا يحسب ما كان معلوفة أو عاملة في
الابتداء من الحول ولو كان يوما أو يومين، وكذلك لو كان بحيث يصدق
عليها المعلوفة والعاملة في يوم أو يومين في آخر الحول.
وكيف كان، فالمفيد لنا: تحقيق أن اشتراط استمرار السوم وعدم
العمل في الحول هل هو بالمعنى الأول أو الثاني؟
الظاهر أنه لا دليل على الأول، أما في اشتراط عدم العاملية في الحول
فلأن دليله الاجماع فقط، ولم يثبت الاجماع على ذلك.
وأما في اشتراط السوم فلأنه وإن دل عليه قوله: (المرسلة في مرجها
عامها) في صحيحة زرارة (1)، ولكن إرادة كونها كذلك في جميع أجزاء
الحول غير معلوم، بل إرادة انتفاء ما ينتفي معه صدق السوم الحولي معلوم،
وغيره منتف بالأصل.
فتعين المعنى الثاني - أي يجب أن يصدق عليها السائمة حولا وغير
العاملة حولا - وإن انتفى الصدق في نحو يوم من الحول.
والظاهر انتفاء ذلك الصدق بانتفائها في شهر من الحول بل عشرين
يوما، وأما فيما دون ذلك فمشكل، والأصل يقتضي عدم كونه مسقطا
للزكاة، لعمومات وجوب الزكاة، فيقتصر في التخصيص على ما علم
خروجه.
لا يقال: إذا كان الدليل الاجماع والاقتصار على المتيقن، يجب
اشتراط أغلبية السوم وعدم العاملية أو مع التساوي، وما سواهما ليس مورد

(1) المتقدمة في ص 89.
99

الاجماع واليقين.
لأنا نقول: إن المجمع عليه والمتيقن اشتراط سوم الحول وعدم
عامليته، ومن عين الأغلب فإنما هو لتعيين معنى سوم الحول وعدم
عامليته، حيث إنه زعم توقف صدق سوم الحول عليه، لا أن يكون لنفس
الغلبة أو التساوي مدخلية ويكون محطا للخلاف، فتأمل جدا، والله العالم.
الشرط الرابع: النصاب، ولكون نصب الأنعام الثلاثة مختلفة نذكر
نصب كل واحد مع قدر الفريضة في مقام على حدة.
فهاهنا ثلاث مقامات:
المقام الأول: في نصب الإبل.
وهي اثنا عشر نصابا:
الخمس، ولا يجب فيما دونه شئ، فإذا بلغت خمسا حصل أول
النصب، وفيها شاة.
ولا يجب للزائد عليها شئ حتى إذا بلغت ثاني النصب، وهو العشرة
وفيها شاتا.
ولا يزيد عليهما شئ حتى إذا بلغت ثالثها، وهو خمسة عشر، وفيها
ثلاث شياه.
إلى أن تبلغ الرابع، وهو عشرون، وفيها أربع.
إلى أن تبلغ الخامس، وهو خمس وعشرون، وفيها خمس.
إلى أن تبلغ السادس، وهو ست وعشرون، وفيها بنت مخاض - بفتح
الميم - اسم جمع الماخض، بمعنى الحامل، أي بنت ما من شأنها أن تكون
ماخضا - أي حاملا - فإن ولد الناقة إذا استكمل الحول فصل عن أمه وصار
من شأن أمه أن تكون ماخضا، سواء كانت ماخضا أو لم تكن.
100

وبنت المخاض ما استكملت الحول ودخلت في الثانية فهي زكاة
النصاب السادس.
إلى أن تبلغ السابع، وهو ست وثلاثون، وفيها بنت لبون - بفتح اللام -
أي بنت ذات لبن ولو بالصلاحية، وهي ما استكملت السنتين ودخلت في
الثالثة، فإن أمها صالحة لوضع حمل غيرها فصار لها لبن، وهي نصاب
السابع.
إلى أن تبلغ الثامن، وهو ست وأربعون، وفيها حقة - بكسر الحاء -
وهي ما استكملت الثلاث ودخلت في الرابعة، سميت بها لاستحقاقها
الفحل والحمل.
إلى أن تبلغ التاسع، وهو إحدى وستون، وفيها جذعة - بفتح الجيم -
وهي ما دخلت الخامسة، سميت بها لشبابها، وحداثة سنها. وقيل: لأن فيها
يجذع مقدم أسنانها (1) - أي يسقط - ورده بعضهم.
ثم هي الزكاة إلى أن تبلغ العاشر، وهو ست وسبعون، وفيها بنتا لبون.
إلى أن تبلغ الحادي عشر، وهو إحدى وتسعون، وفيها حقتان.
إلى أن تبلغ الثاني عشر، وهو مائة وإحدى وعشرون، وحينئذ ففي
كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون.
وإنما كل ذلك على المشهور المنصور، بل عليه الاجماع عن الخلاف
والانتصار والغنية (2).
وأما ما في المبسوط والجمل والوسيلة والتذكرة - من أن النصب ثلاثة
عشر وجعل الثالث عشر في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون (3) -

(1) كما في الرياض 1: 265.
(2) الخلاف 2: 6 و 7، الإنتصار: 80، الغنية (الجوامع الفقهية): 567.
(3) المبسوط 1: 191، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 199، الوسيلة: 124، التذكرة 1:
205.
101

فالتعبير لفظي، لرجوعه إلى المشهور، بل الظاهر أن الاجماع محقق، فهو
الدليل عليه مع النصوص المستفيضة.
منها: صحيحة البجلي المتضمنة لجميع هذه النصب، وقدر زكاتها
كما ذكر، إلى أن بلغ عشرين ومائة قال: (فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين
حقة) (2).
وصحيحة أبي بصير، وهي قريبة من سابقتها (2).
وصحيحة زرارة: وهي نحو سابقتها إلى قوله عشرين ومائة، ثم قال:
(فإن زادت على العشرين ومائة واحدة ففي كل خمسين حقة وفي كل
أربعين ابنة لبون) (3).
ونحو الصحيحة الأخيرة موثقة ابن بكير وزرارة (4).
خلافا للمحكي عن العماني، فجعل النصاب أحد عشر (5)، بإسقاط
سادس المشهور، وهو ست وعشرون، وأوجب بنت المخاض في خمس
وعشرين، فخلافه معهم في عدد النصب وزكاة نصاب الخامس.
لصحيحة الفضلاء الخمسة، وهي مثل ما مر من الأخبار إلى قوله:
(إلى أن يبلغ خمسا وعشرين)، قال: (فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض،
وليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا وثلاثين)، وأسقط فيها الواحدة من كل

(1) الكافي 3: 532 / 2، التهذيب 4: 21 / 53، الإستبصار 2: 19 / 57، الوسائل
9: 110 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 4.
(2) التهذيب 4: 20 / 52، الإستبصار 2: 19 / 56، الوسائل 9: 109 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 2.
(3) الفقيه 2: 12 / 32، الوسائل 9: 108 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 1.
(4) التهذيب 4: 21 / 54، الإستبصار 2: 20 / 58، الوسائل 9: 109 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 3.
(5) حكاه عنه في المختلف: 175.
102

نصاب إلى عشرين ومائة.
ثم قال: (فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل، فإذا
زادت واحدة على عشرين ومائة، ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين
بنت لبون) (1).
والجواب عنها: بتضعيفها، لمخالفتها عمل الأصحاب كلا، حتى
العماني في النصب المتأخرة عن الخامس، وموافقتها لمذهب العامة في
النصاب الخامس (2)، حيث إن ما تضمنه موافق للعامة، كما صرح به
الأصحاب (3).
وتدل عليه الصحيحة الأولى، فإن فيها - على ما في الكافي - بعد
قوله: (وفي ست وعشرين ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين) قال: وقال
عبد الرحمن: هذا فرق بيننا وبين الناس (4).
مع أن صحيحة الفضلاء مروية في الوسائل (5) عن بعض نسخ معاني
الأخبار الصحيحة بما يوافق سائر الأخبار.
وللمحكي عن الإسكافي في قدر زكاة النصاب الخامس، فإنه قال:
في خمسة وعشرين ابنة مخاض، فإن تعذر فابن لبون، فإن لم يكن فخمس
شياه، فإن زادت على خمس وعشرين ففيها ابنة مخاض (6).

(1) الكافي 3: 531 / 1، التهذيب 4: 22 / 55، الإستبصار 2: 20 / 59، معاني الأخبار: 327 / 1، الوسائل 9: 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 6.
(2) انظر: المغني والشرح الكبير 2: 441، وبداية المجتهد 1: 259، كتاب الأم
2: 5.
(3) انظر: التهذيب 4: 23.
(4) الكافي 3: 532 / 2، الوسائل 9: 110 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 4.
(5) الوسائل 9: 112 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 7.
(7) حكاه عنه في المختلف: 175، والانتصار: 80.
103

ولم نعثر له على مستند تام له في الأخبار، نعم قال في الانتصار: إن
ابن الجنيد عول في هذا المذهب على بعض الأخبار المروية عن أئمتنا (1).
ولا يخفى أن مثل ذلك لا يصير حجة لنا.
وللمحكي عن الصدوق في الهداية، ووالده في الرسالة، في النصاب
العاشر، فبدلاه بالإحدى والثمانين، وقالا: إن فيها شيئا (2)، ومستندهما
عبارة الفقه الرضوي، فإنها مصرحة بذلك (3).
والجواب عنها: بضعفها بنفسها، وبمعارضتها للأخبار الصحيحة،
ومخالفتها لعمل معظم الطائفة.
وللانتصار في النصاب الأخير، فجعله مائة وثلاثين، وقال: فيها حقة
وابنتا لبون، مستدلا عليه بالاجماع (4).
وهو غير حجة في مقام النزاع، سيما مع دعواه الاجماع على خلافه
في الناصريات (5).
فروع:
أ: هل التقدير بالأربعين والخمسين في النصاب الأخير على التخيير
مطلقا، كما اختاره جماعة من المتأخرين (6)، ونسبه في فوائد القواعد إلى
ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب؟

(1) الإنتصار: 81.
(2) الهداية: 42، ونقله عن والده في المختلف: 167.
(3) فقه الرضا (ع): 196، مستدرك الوسائل 7: 59 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 3.
(4) الإنتصار: 81.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 205.
(6) منهم المحقق في المختصر النافع: 54، والعلامة في التبصرة: 44، وصاحب
المدارك 5: 58.
104

أم يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب، فإن أمكن بهما تخير،
وإن لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا حتى لو كان التقدير بهما
وجب الجمع، فيجب تقدير أول هذا النصاب، وهو المائة وإحدى وعشرين
بالأربعين، والمائة والثلاثين والمائة والأربعين بهما، والمائة والخمسين
بالخمسين، ويتخير في المائتين، وفي الأربعمائة يتخير بين اعتباره بهما
وبكل واحد منهما، كما هو صريح المبسوط والخلاف والسرائر والوسيلة
والنهاية والتذكرة والمنتهى (1)، وظاهر المحقق (2)، بل في الخلاف: إنه
مقتضى المذهب، وفي السرائر: إنه المتفق عليه، وفي المنتهى نسبه إلى
علمائنا، وكلام التذكرة يشعر بكونه اتفاقيا عندنا؟
دليل الأول: الأصل، لانحصار القول فيه وفي الثاني وعدم الترجيح،
فيجب الاكتفاء بمقتضى الأصل.
وإطلاق قوله: (ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون) في
صحيحتي الفضلاء وزرارة وموثقة زرارة وابن بكير (3)، وباعتبار التقدير
بالخمسين خاصة في صحيحة البجلي (4)، ولو كان التقدير بالمستوعب تعين
أربعين في المائة وإحدى وعشرين.
وفيهما نظر، أما في الأول: فلمنع كون التخيير مقتضى الأصل، بل
الأصل عدم تعلق الحكم بالفرد الآخر في موضع الانطباق على أحد
الفردين.
وأما الثاني: فلأن الاستدلال بما في الصحيحين إنما يتم لو جعلت

(1) المبسوط 1: 192، الخلاف 2: 7، السرائر 1: 449، الوسيلة: 125، نهاية
الإحكام 2: 333 و 322، التذكرة 1: 207، المنتهى 1: 481.
(2) المعتبر 2: 501.
(3) المتقدمة في ص 102.
(4) المتقدمة في ص 102.
105

لفظة الواو في قوله: (وفي كل أربعين) بمعنى أو، وكما أنه محتمل يحتمل
أن يخص قوله: (في كل خمسين حقة) بما يعده الخمسون خاصة، وقوله:
(وفي كل أربعين) بما يعده الأربعون مع الأربعين الزائدة على الخمسين،
وإذ لا ترجيح فلا دلالة للاطلاق.
وأما ما في صحيحة البجلي من قوله: (في كل خمسين حقة) يحتمل
معنيين، أحدهما: أنه يكفي في كل خمسين حقة، وثانيهما: أنه يجب في
كل خمسين حقة، ويختص حينئذ بكل ما يعده الخمسون، أو يكون
الخمسون أقل عفوا، لعدم الوجوب العيني في غيره إجماعا.
والاستدلال إنما يتم على الأول، ولا دليل على تعينه سوى عدم
الاستيعاب في بعض الصور، ويعالج ذلك بالتخصيص، وهو وإن كان
خلاف الأصل إلا أن الحمل على الكفاية أيضا كذلك.
حجة القول الثاني: الاحتياط.
ومراعاة حق الفقراء.
والاجماع المحكي.
وأن التخيير يقتضي جواز الاكتفاء بالحقتين في النصاب الأخير مع
أنهما واجبتان فيما دونه، فلا فائدة في جعله نصابا آخر.
واستدل له أيضا في المبسوط بعموم الأخبار (1)، ووجه بأنها دلت
على أن في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، فيشمل العموم
الأول كل ما يطابق الخمسين دون الأربعين فلا بد من عده بها، والعموم
الثاني كل ما يطابق الأربعين دون الخمسين فيجب عده بها.
ونجيب عن الأولين: بعدم وجوبهما.
وعن الثالث: بعدم حجيته.

(1) المبسوط 1: 192.
106

وعن الرابع: بإمكان كون الفائدة جواز العدول عن الحقتين إلى ثلاث
بنات لبون على وجه الفريضة لا القيمة.
وعن الخامس: بما مر من أن ذلك تخصيص ليس بأولى من جعل
لفظة الواو بمعنى أو.
ويمكن الاستدلال لهذا القول باستصحاب بقاء الاشتغال إلى أن يؤدي
فريضة العدد المطابق، ولا دافع له.
ولكن يعارضه استصحاب عدم شغل الذمة بالزائد، وإذ لا دليل على
شئ منهما معينا فيحكم العقل في مثله بالتخيير، لعدم قول بتعين الأقل،
الذي هو موافق الأصل، ولا مرجح لشئ منهما، فتعين التخيير.
ب: لو كانت الزيادة بجزء من بعير لم يتغير به الفرض إجماعا، لأن
الأحاديث تضمنت اعتبار الواحدة.
ج: هل الواحدة الزائدة على المائة والعشرين جزء من النصاب؟
أو شرط في الوجوب فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شئ،
كما لا يسقط في الزائد عنها مما ليس بجز؟
وجهان، بل قولان:
الأول: للنهاية (1)، لاعتبارها في النص، وهو موجب للجزئية.
والثاني: لجملة من المتأخرين (2)، لايجاب الفريضة في كل من
الخمسين والأربعين الظاهر في خروجها.
ولتكافؤ الدليلين توقف في البيان (3)، وهو في موقعه، وإن كان الأخير
أظهر، لما مر، حيث إنه أثبت الفريضة في الخمسين والأربعين دون
المجموع، والله العالم.

(1) نهاية الإحكام 2: 333.
(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 18، وصاحب الرياض 1: 265.
(3) البيان: 287.
107

المقام الثاني: في نصاب البقر وقدر فريضته.
ونصابه أحد العددين من الثلاثين والأربعين دائما، بمعنى: أنه إذا بلغ
أحدهما تتعلق به فريضته.
ومعنى الدوام: أن الحكم كذلك فيما بعد أحدهما أيضا، أي يزيد
بزيادة أحد النصابين على أحدهما فريضة النصاب الزائد وبزيادة أحدهما
على الزائد فريضته، وهكذا.
فإذا بلغت ثلاثين تجب فريضتها، ولو بلغت أربعين تجب فريضتها،
ولو بلغت ستين تزيد على الثلاثين ثلاثون أخرى، فتجب اثنتان من فريضة
الثلاثين، ولو بلغت سبعين تزيد عليها أربعون، فتجب فريضة الثلاثين
وفريضة الأربعين، ولو بلغت ثمانين تزيد على الأربعين أربعون أخرى،
فتجب اثنتان من فريضة الأربعين، وإذا بلغت تسعين تزيد على الستين
ثلاثون، فتجب ثلاث من فريضة الثلاثين، وإذا بلغت مائة تزيد على
السبعين ثلاثون، فتزيد فريضة الثلاثين على فريضة السبعين، وهكذا.
وما يعده العددان كالمائة والعشرين، يتخير في تكرير فريضة أي من
العددين.
كل ذلك بالاجماع المحقق، والمحكي مستفيضا (1)، والنص، وهو
صحيحة الفضلاء الخمسة المصرحة بذلك (2)، إلا أن المصرح به فيها فيما
يعده العددان كالمائة والعشرين تعين تكرير فريضة الأربعين، ولكن
الاجماع أوجب حمله على أحد فردي المخير.
ثم فريضة الأربعين: مسنة - وهي بقرة أنثى سنها ما بين سنتين إلى

(1) كما في الرياض 1: 265.
(2) الكافي 3: 534 / 1، الوسائل 9: 114 أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1.
108

ثلاث - إجماعا محققا، ومحكيا في المنتهى (1) وغيره (2)، ونفى عنه الخلاف
جدي الفاضل - قدس سره - في رسالته الزكوية، له، وللتصريح به في
الصحيحة، وإن كان في دلالتها على الوجوب والتعيين نظر.
وفريضة الثلاثين: تبيع حولي - أي بقرة ذكر تتبع أمها في المرعى
ولها حول كامل - للصحيحة المذكورة.
وهل يتعين التبيع، كما عن العماني (3) وابني بابويه، حيث خصوه
بالذكر اتباعا للنص (4)؟
أو يتخير بينه وبين التبيعة، كما هو المشهور، بل يظهر من جماعة
الاجماع عليه (5)؟
وفي المنتهى: لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين (6)، لأولويتها
من التبيع، ولما رواه في المعتبر والنهاية من الرواية المصرحة بالتخيير (7)
المنجبرة بالشهرة العظيمة، بل لاشعار الصحيحة المذكورة بأن ذكر التبيع
ليس على التعيين، حيث قال: (في التسعين ثلاث تبايع) [بتذكير] (8)
الثلاث الظاهر في إرادة الأنثى.
بل الظاهر أن مراد المخالفين أيضا ليس التعين، انظر إلى كلام
الصدوق في الهداية والمقنع حيث قال: إذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع حولي

(1) المنتهى 1: 487.
(2) كما في التذكرة 1: 209.
(3) حكاه عنه في المخالف: 177.
(4) كما في المقنع: 50، حكاه عن أبيه في المختلف 1: 177.
(5) منهم الشيخ في الخلاف 2: 18، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.
(6) المنتهى 1: 487.
(7) المعتبر 2: 502، النهاية: 181.
(8) في النسخ: بتأنيث، والصحيح ما أثبتناه.
109

- إلى أن قال: - فإذا بلغت ستين ففيها تبيعتان بالتأنيث (1).
مع أن دلالة الصحيحة على التبيع غير معلومة، لعدم صراحتها
في كون ذلك على سبيل الوجوب، والله العالم.
المقام الثالث: في نصاب الغنم وقدر فريضته.
وللغنم خمسة نصب: أربعون، وفيها شاة.
ثم مائة وإحدى وعشرون، وفيها شاتان.
ثم مائتان وواحدة، وفيها ثلاث شياه.
ثم ثلاث مائة وواحدة، وفيها أربع شياه.
ثم أربعمائة، ففي كل مائة شاة، وهكذا دائما.
على الحق الموافق للمحكي عن المقنعة والشيخ والإسكافي والحلبي
والقاضي والصهرشتي وابني زهرة وحمزة (2) والفاضل في غير المنتهى
والتحرير (3) والايضاح لولده (4) والبيان واللمعة والذخيرة (5)، واختاره جدي
الفاضل نصير الدين القمي في رسالته الزكوية.
بل هو الأشهر، كما في الشرائع والنافع والروضة (6) وعن المعتبر (7)،

(1) الهداية: 42، المقنع: 50. وفيهما: تبيعان، بالتذكير.
(2) المقنعة: 238، الشيخ في المبسوط 1: 198، حكاه عن الإسكافي في
المختلف: 177، الحلبي في الكافي في الفقه: 167، القاضي في شرح جمل
العلم: 254، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، ابن جمزة في
الوسيلة: 126.
(3) كالتذكرة 1: 210، والقواعد 1: 53.
(4) الإيضاح 1: 177.
(5) البيان: 291، اللمعة (الروضة 2): 19، الذخيرة: 435.
(6) الشرائع 1: 143، النافع: 55، الروضة 2: 19.
(7) المعتبر 2: 503.
110

بل في الخلاف: الاجماع عليه مطلقا (1)، كما عن جماعة الاجماع على
النصب الثلاثة الأولى.
لصحيحة الفضلاء الخمسة: (في الشاة: في كل أربعين شاة شاة،
وليس فيما دون الأربعين شئ، ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ عشرين
ومائة، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على
مائة وعشرين ففيها شاتان، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين،
فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة
ففيها ثلاث شياه، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت
ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى
تبلغ أربعمائة كان على كل مائة شاة، وسقط الأمر الأول، وليس على ما دون
المائة بعد ذلك شئ وليس في النيف شئ) (2).
خلافا للمحكي عن الصدوق في الفقيه والمقنع، بل عن أبيه في
النصاب الأول، حيث جعلاه واحدة وأربعين (3)، لما في الفقه الرضوي (4).
وهو - مع ضعفه بنفسه جدا، بل ظني أنه ليس إلا رسالة والد
الصدوق - شاذ واجب الطرح، لمخالفته عمل الطائفة، سيما مع معارضته مع
الصحاح المعتضدة بالشهرة.
وأما ما في الفقيه من قوله: وروى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:
قال: قلت له: في الجواميس شئ؟ قال: (مثل ما في البقر، وليس على
الغنم شئ حتى تبلغ أربعين شاة، فإذا بلغت أربعين شاة وزادت واحدة

(1) الخلاف 2: 21.
(2) الكافي 3: 534 / 1، الوسائل 9، 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 1، ورواها في
التهذيب 4: 25 / 58، والاستبصار 2: 22 / 61.
(3) القفيه 2: 14، المقنع: 50، وحكاه عن أبيه في المختلف: 177.
(4) فقه الرضا عليه السلام 196، المستدرك 7: 63 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 3.
111

ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإن
زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا كثر الغنم أسقط هذا كله
وأخرج من كل مائة شاة) (1).
فالظاهر أن الكل ليس من الخبر، بل من قوله: (وليس في الغنم
شئ) من كلام الصدوق، ويؤيده أن خبر زرارة مروي في الكافي وليست
فيه هذه الزيادة (2).
وللمحكي عن الصدوق والعماني والجعفي والسيد والديلمي والحلي
والمنتهى والتحرير (3)، ونسبه الحلي إلى المفيد، وأنكره في المختلف
وتعجب منه وقال: إن المفيد قد صرح في المقنعة بالأول (4).
أقول: قال المفيد: وإذا كملت مائتين وزادت واحدة ففيها ثلاث شياه
إلى ثلاثمائة، فإذا بلغت ذلك تركت هذه العدة وأخرج من كل مائة شاة (5).
انتهى.
ولا يخفى أن ظاهر هذه العبارة: أنه يجعل النصاب الأخير ثلاثمائة
لا بزيادة واحدة، فيكون كلامه مخالفا للنسبتين وللقولين، بل يجعل النصاب
أربعة ويجعل الرابع ثلاثمائة، فيكون ذلك قولا ثالثا، ونسب في المختلف
والمهذب القول الثاني إلى ابن حمزة أيضا (6).

(1) الفقيه 2: 14 / 36، الوسائل 9: 115 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 1.
(2) الكافي 3: 534 / 2، الوسائل 9: 115 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 1.
(3) الصدوق في الفقيه 1: 14، حكاه عن ألماني في المختلف: 177، السيد في
جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 77، الديلمي في المراسيم:
131، الحلي في السرائر 1: 436، المنتهى 1: 489، التحرير 1: 61.
(4) المختلف: 177.
(5) المقنعة: 238.
(6) المختلف: 177، المهذب البارع 1: 511.
112

أقول: قال ابن حمزة: النصاب فيها أربعة، والعفو كذلك، والفريضة
جنس واحد، وهو في كل نصاب واحد من جنسه، وباختلاف الغنم
في البلد لا يتغير الحكم، والنصاب الأول أربعون، والثاني مائة وإحدى
وعشرون، والثالث مائتان وواحدة، والرابع ثلاثمائة وواحدة، فإذا زاد على
ذلك تغير هذا الحكم وكان في كل مائة شاة (1). انتهى.
وحصره النصب في الأربعة وإن كان يوهم موافقته للقول الثاني، إلا
أن الظاهر منه وجوب أربع شياه في ثلاثمائة وواحدة، كما هو القول الأول،
فيكون جعل النصب أربعة من باب المسامحة، إلا أنه أجمل الزائد على
الثلاثمائة وواحدة، فيشمل ما فوقها إلى الأربع مائة أيضا كما فعل ابن
زهرة (2).
ولذا جعل في الذخيرة قوله قولا ثالثا، قال: وفيها قول ثالث، قاله ابن
زهرة في الغنية، وهو أن في ثلاثمائة وواحدة أربع شياه، فإذا زادت على
ذلك سقط هذا الاعتبار وأخرج من كل مائة شاة، ونقل عليه إجماع
الفرقة (3).
والظاهر أن مرادهما من الزائد زيادة مائة، وإلا فيكون قولهما قولا
ثالثا.
ونسب في الإيضاح هذا القول الثاني إلى نهاية والده (4)، وما رأيناه من
نسخه صريحة في الأول.
وكيف كان، فدليل هذا القول ما رواه الشيخ، عن محمد بن قيس،

(1) الوسيلة: 125.
(2) الغنية (الجوامع الفقيهة): 568.
(3) الذخيرة: 435.
(4) الإيضاح 1: 178.
113

عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (ليس فيما دون الأربعين من الغنم شئ، فإذا
كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان
إلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا
كثرت الغنم ففي كل مائة شاة) (1).
وأجيب عنها: بأنها ضعيفة السند، لأن محمد بن قيس مشترك بين
أربعة، أحدهم ضعيف، فلعله إياه (2).
ورد: بأن المستفاد من كلام الشيخ والنجاشي أنه البجلي، بقرينة
رواية عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عنه، فيكون الخبر
صحيحا معارضا للرواية الأولى (3).
فلا بد من الرجوع إلى الترجيح، فمنهم من رجح الثاني بالسند
والمتن والخارج..
أما الأول: فلأنه الصحيح والأولى حسنة.
وأما الثاني، فلما في متن الأولى مما يخالف الأصحاب طرا في
النصاب الثاني، وذلك مما يضعف الحديث.
وأما الثالث: فلموافقته للأصل.
ويرد على الأول: أن حسن الأولى إنما هو باعتبار إبراهيم بن هاشم،
والحق أنه لا يقصر عن الصحة، سيما مع ما في صحة الثانية من التأمل من
جهة تعيين محمد بن قيس.
وعلى الثاني: أن مخالفة الرواية الأولى للمعمول بينهم في النصاب

(1) التهذيب 4: 25 / 59، الإستبصار 2: 23 / 62، الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 2.
(2) كما في المختلف: 177.
(4) انظر: المدارك 5: 62.
114

الثاني إنما هي على ما نقله الفاضل في المنتهى وفاقا لبعض نسخ، التهذيب
حيث قال: (فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها شاتان).
وأما على الوجه الذي أوردنا الخبر نقلا عن الكافي - وعليه أورده
الشيخ في الاستبصار، والفاضل في التذكرة، وصاحب المنتقى، ويوافقه
بعض نسخ التهذيب - فلا يلزم محذور أصلا.
مضافا إلى أنه يرد مثل ذلك على الرواية الثانية، لتصريح آخرها
باختيار المصدق في أخذ الهرمة وذات العوار، فهو مخالف لما عليه
الأصحاب، مع أن رد جزء من الخبر لا يؤثر في الجزء الآخر.
مع أن مثل هذين الوجهين ليس من المرجحات الشرعية عند أهل
التحقيق من الفقهاء.
وأما الثالث: فلأن الأصل ليس مرجحا حقيقة، بل هو المرجع لولا
الترجيح، فاللازم أولا ملاحظة وجوه التراجيح.
ومنهم من رجح الأولى بأكثرية الرواة وفضلهم ولو في بعض
المراتب، وروايتها عن إمامين، فإن احتمال السهو من الراوي حينئذ أبعد.
والتحقيق: أن مثل ذلك أيضا لا يصلح للترجيح، بل الصواب في
الجواب أن يقال: إن بين الروايتين عموما وخصوصا مطلقا، لأن قوله في
الثانية: (فإذا كثرت الغنم) ومفهوم الغاية - وهو ما تجاوز عن ثلاثمائة - أعم
من أن يبلغ الأربعمائة أو لا، والأولى مخصوصة مفصلة فيجب التخصيص
بها، غاية الأمر أن حكم ما زاد على الثلاثمائة إلى الأربعمائة لا يكون
مستفادا من الثانية، تركه لمصلحة، ومثله ليس في الأخبار بعزيز، سيما مع
ظهور المصلحة وهي التقية، فإن عمومها موافق للعامة، كما صرح به
جماعة، منهم: المعتبر والمختلف والمنتهى والتذكرة والذخيرة (1) وجدي

(1) المعتبر 2: 503، المختلف: 177، المنتهى 1: 489، التذكرة 1: 210، الذخيرة: 435.
115

الفاضل طاب ثراه، وغيرهم (1).
ومنه يظهر أنه لو تحقق التعارض بين الروايتين لكان الترجيح
للأولى، لأن مخالفة العامة من المرجحات المنصوصة.
وأما ما قيل من أن صدر هذه الصحيحة كانت موافقة للعامة (2) في
النصاب الخامس للإبل فكيف يصرح بخلافهم فيها؟!
ففيه: أن أصحاب الكتب الأربعة أخذوا الروايات من كتب أصحاب
الأصول، وما في كتبهم لم يأخذوه عن المعصوم في وقت واحد، فلعلهم
أخذوا صدرها في زمان يقتضي التقية دون ما بعده.
ثم إنه قد ظهر بما ذكرنا أن في المسألة قولين آخرين أيضا:
أحدهما: ما تثبته عبارة المفيد، وهو كون نصاب الرابع ثلاثمائة، وأن
فيها يرجع إلى المئات (3).
ويحتمله كلام الصدوق والسيد أيضا، حيث إنهما قالا: ففيها ثلاث
شياه إلى ثلاثمائة، فإذا كثر ففي كل مائة شاة (4).
ويمكن أن يكون ون المراد من الكثرة بلوغ الثلاثمائة، بل إرادة زيادة
الواحدة من الكثرة بعيدة، فعباراتهم في مخالفة القولين ظاهرة، وتوافق
كلامهما الرواية الثانية، فتكون هي دليلا لهم.
والجواب ما مر أيضا، مع ما يحصل لها حينئذ من الاجمال المانع
عن الاستدلال، إذ يكون قوله فيها: (فإذا كثرت الغنم) محتملا لوجهين:

(1) كصاحب الرياض 1: 266.
(3) المقنعة: 238.
(4) الصدوق في المقنع: 50، والسيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3: 77.
116

إرادة بلوغ الثلاثمائة، أو التجاوز عنها.
وثانيهما: ما نسبه في الذخيرة إلى ابن زهرة (1)، ومثله كلام ابن
حمزة (2)، وهو جعل النصاب الزائد على ثلاثمائة وواحدة مطلقا، لا
خصوص أربعمائة.
وهو لو كان قولا لهما لكان مردودا بالشذوذ وعدم الدليل، والله
الهادي إلى سواء السبيل.
ثم إن هاهنا سؤالا، وهو: أنه إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في
ثلاثمائة وواحدة، فأي فائدة في جعلهما نصابين؟
وأجيب: بأنها تظهر في محل الوجوب والضمان مع التلف بعد الحول
بدون تفريط، فإنه لو تلفت واحدة من الأربعمائة سقط من الفريضة جزء
من مائة جزء من شاة، ولو كانت ناقصة عنها لم يسقط ما دامت الثلاثمائة
وواحدة باقية (3).
وأورد على ذلك: بأن الزكاة تتعلق بالعين، فتكون الفريضة حقا شائعا
في المجموع، ومقتضاه توزيع التالف على المجموع وإن كان الزائد على
النصاب عفوا (4).
ورده في الحدائق: بأنه إن أريد بالمجموع مجموع النصاب والزائد،
فالتعلق بعينه والإشاعة فيه ممنوع، وإن أريد عين النصاب فمسلم، ولكن لا
يلزم منه سقوط شئ، واختلاط النصاب بالعفو وعدم تميزه منه لا يستلزم
تقسيط التالف فيما كان عفوا وإن كان النصاب شائعا فيه (5).

(1) الذخيرة: 435.
(2) الوسيلة: 126.
(3) انظر: الشرائع 1: 143.
(4) كما في الذخيرة: 345.
(5) الحدائق 12: 64.
117

وفيه ما لا يخفى، إذ شيوع الحق في النصاب وشيوع النصاب في
المجموع يستلزم شيوع الحق في المجموع ولازمه تقسيط التالف.
ألا ترى أنه لو باع من له أربعمائة غنم ثلاثة أغنام شائعة من ثلاثمائة
أغنام شائعة من أغنامه، وبعبارة أخرى: واحدة من مائة من ثلاثمائة من
أغنامه وتلفت واحدة من أربعمائة، يقسط التالف على المجموع قطعا.
نعم، لو منعت الإشاعة مطلقا وقيل: إن الواجب إخراج واحد غير
معين من النصاب والعفو كما هو الظاهر، لم تظهر الفائدة كما يجي بيانه
في مسألة تعلق الزكاة بالعين.
118

البحث الثاني
فيما يتعلق بهذا الفصل من الأحكام:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: من وجب عليه سن من الإبل وليست عنده، وعنده
أعلى منها بدرجة من الدرجات المعتبرة في الفريضة، دفعها وأخذ من
الفقير أو المصدق شاتين أو عشرين درهما.. ولو كان عنده الأدون منها
بدرجة دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما.. بالاجماع، كما عن
التذكرة والمنتهى (1) وغيرهما (2).
لصحيحة زرارة المروية في الفقيه: (كل من وجبت عليه جذعة ولم
تكن عنده وكانت عنده حقة دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما،
ومن وجبت عليه حقة ولم تكن عنده وكانت عنده جذعة دفعها وأخذ من
المصدق شاتين أو عشرين درهما، ومن وجبت عليه حقة ولم تكن عنده
وكانت عنده ابنة لبون دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما، ومن
وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن عنده وكانت عنده حقة دفعها وأعطاه
المصدق شاتين أو عشرين درهما، ومن وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن
عنده وكانت عنده ابنة مخاض دفعها وأعطى معها شاتين أو عشرين درهما،
ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها
وأعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهما، ومن وجبت عليه ابنة مخاض
ولم تكن عنده وكان عنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون وليس يدفع

(1) التذكرة 1: 208، المنتهى 1: 483.
(2) كما في مجمع الفائدة 4: 82.
119

معها شيئا) (1).
ونحوها رواية محمد بن مقرن، عن جده، عن أمير المؤمنين عليه السلام (2)، وضعف سند الأخيرة مع صحة الأولى غير ضائر، مع أنه بالعمل أيضا
منجبر.
وأقول الصدوقين - بأن التفاوت بين بنت المخاض وبنت اللبون
شاة (3)، استنادا إلى الرضوي (4) - شاذ، ومستندهما ضعيف.
فروع:
أ: يجزئ ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض مع عدمها، وإن كان
أدون قيمة من غير جبر مطلقا، بغير خلاف يعرف، كما في الذخيرة (5)
وغيرها (6)، وعن التذكرة أنه موضع وفاق (7).
لآخر صحيحة زرارة، ورواية محمد بن مقرن، المتقدمتين، ولقوله
في صحيحة أبي بصير بعد النصاب الخامس: (فإذا زادت واحدة ففيها ابنة
مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر) (8)،
ونحوها في روايته.

(1) الفقيه 2: 12 / 33، الوسائل 9: 127 أبواب زكاة الأنعام ب 13 ح 1.
(2) الكافي 3: 539 / 7، التهذيب 4: 95 / 273، الوسائل 9: 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 5.
120

وهل يجزئ عنها مع وجودها؟
الأظهر: لا، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص والفتوى،
وهو الاجزاء بشرط عدمها مع أنه مقتضى مفهوم الشرط في الأخبار المتقدمة.
وظاهر إطلاق الفاضل في الإرشاد وصريح المحكي عن التنقيح:
الاجزاء اختيارا واضطرارا، لكونه أكبر منها سنا (1).
وفيه: أنه لا دليل على اعتبار الأكبرية، وإنما المعتبر الفريضة
الشرعية، أو ما يقوم مقامها في الشريعة، وهو ابن اللبون مع فقدها.
نعم، لو ساوى قيمته قيمتها أو زادت عليها جاز إخراجه بدلا عنها
بالقيمة مع وجودها، إن جوزنا إخراج القيمة مطلقا، وهو أمر آخر غير
مفروض المسألة.
ولو لم يوجدا معا تخير في ابتياع أيهما شاء، كما عن الخلاف
والفاضلين، بل عنهما إنه موضع وفاق بين علمائنا (2)، لجواز اشتراء كل
منهما بالأصل، وبعد شراء ابن اللبون يكون واجدا له، ولأنه مع فقد بنت
المخاض لم يشترط جواز ابن اللبون بوجوده بل أطلق في النص.
وحكي عن مالك القول بتعين شراء بنت المخاض (3)، بل عن الشهيد
الثاني تحقق الخلاف فيه بين علمائنا أيضا (4)، استنادا إلى أن مع عدمهما لا
يكون واجدا لابن اللبون فيتعين عليه ابتياع ما يلزم الذمة، ولأنهما استويا
في العدم، فلا يجزئ ابن اللبون كما لو استويا في الوجود.

(1) الإرشاد 1: 281، التنقيح 1: 306.
(2) الخلاف 2: 11، المحقق في المعتبر 2: 515، العلامة في المنتهى 1:
484، والتذكرة 1: 208.
(3) انظر الموطأ 1: 258، وبداية المجتهد 1: 261.
(4) المسالك 1: 53.
121

والثاني: قياس مردود، والأول: مدفوع بعدم دليل على اشتراط
وجدان ابن اللبون، وعدم تعلق بنت المخاض بالذمة بعد تجويز ابن اللبون
مع عدمهما، بل يتعلق أحدهما بها.
ويمكن أن يقال: إن مقتضى مفهوم صحيحة زرارة ورواية ابن مقرن
المتقدمتين (1) اشتراط قبول ابن اللبون بوجدانه، وهو وإن يعارض إطلاق
منطوق صحيحة أبي بصير ورواية زرارة (1)، إلا أن بعد الرجوع إلى الأصل
يكون الحكم عدم كفاية ابن اللبون.
إلا أنه يمكن أن يقال: بعد شراء ابن اللبون يكون واجدا له ويخرج
عن تحت المفهوم.
ومنه يظهر أنه لو كان عنده بنت مخاض وابن لبون بعد الحول وماتت
بنت المخاض يكفي ابن اللبون، بل لو لم يكن ابن اللبون جاز شراؤه حينئذ
أيضا.
ب: اكتفى العلامة في التذكرة في الجبر بشاة وعشرة دراهم (3)، وبه
قطع الشهيد الثاني على ما حكي عنه (4)، لمساعدة الاعتبار له.
وهو ضعيف، لوجوب الاقتصار فيما يخالف الأصل على
المنصوص.
ومنه يظهر أيضا أن الجبر إنما هو في صورة فقد السن المفروض،
لأنها المنصوص عليها.
ج: لو فقد السن المفروض ووجد كل من الأدنى والأعلى تخير

(1) في ص 119، و 120.
(2) المتقدمتين في ص 102.
(3) التذكرة 1: 208.
(4) انظر: المسالك 1: 53.
122

بينهما، لثبوت كل منهما في النص مطلقا بعد فقد الفرض.
د: قالوا: الخيار في دفع الأعلى والأدنى وفي الجبر بالشاتين أو
الدراهم إلى المالك لا إلى العامل والفقير (1).
وهو كذلك في الأدنى والأعلى فيما إذا كان المالك هو الدافع
للضميمة، لظهور الخبرين المتقدمين في ذلك.
وأما لو كان العامل أو الفقير هو الدافع فيشكل ذلك، لأن ظاهر
الخبرين إثبات التخيير فيه للمصدق، فهو الأظهر.
ه‍: مقتضى ظاهر إطلاق النص والفتاوى عدم الفرق بين ما لو كانت
قيمة الواجب السوقية مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور، أم زائدة
عليها، أم ناقصة عنها.
واستشكل ذلك في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من الفقير لقيمة
المدفوع إليه، كما لو كانت قيمة بنت اللبون المدفوعة إلى الفقير عن بنت
المخاض يساوي عشرين درهما التي أخذ منها، بل عن التذكرة عدم
الاجزاء هنا (2).
واستوجهه في المدارك (3)، ونفى عنه البعد في الذخيرة (4).
وهو كذلك، لأن النص وإن كان مطلقا بظاهره، إلا أنه ينصرف إلى
الشائع المتعارف في ذلك الزمان بل جميع الأزمان، فإن ندرة الفرض بل
فقده قرينة حالية على إرادة غير هذه الصورة، فتبقى تلك باقية تحت
الأصل.

(1) كما في الذخيرة: 438، والحدائق 12: 53.
(2) التذكرة 1: 208.
(3) المدارك 5: 84.
(4) الذخيرة: 438.
123

و: مورد النص والفتاوى ما إذا كان التفاوت في الأسنان بدرجة
واحدة، فلو كان بأكثر من سن لم يؤخذ بدل الفريضة مع تضاعف التقدير
الشرعي بقدر تفاوت الدرجات، اقتصارا فيما خالف الأصل - الدال على
لزوم الفريضة بعينها مع الامكان وبدلها مع العدم وهو القيمة السوقية كائنة ما
كان - على مورد النص.
وللشيخ قول بالجواز مع تضاعف الجبران (1)، وهو المحكي عن
الحلبي (2) والفاضل في عدة من كتبه (3)، فإن المساوي للمساوي مساو.
وفيه: منع التساوي من جميع الجهات، حتى في تعلق الحكم
الشرعي به.
ومنه يظهر عدم إجزاء غير الأسنان الواردة في النص - أي ما فوق
الجذع مع الجبران - بل لا يجزئ من غير جبر أيضا، ولا بنت المخاض عن
خمس شياه، بل ولا عن شاة إلا بالقيمة.
ز: ولو حال الحول على النصاب، وهو فوق الجذع، فالظاهر وجوب
تحصيل الفريضة من غيره لتعلق التكليف بها، فلا يجزئ غيرها إلا بالقيمة.
ولو حال الحول على نصاب، وهي دون فريضة، يجب تحصيل
الفريضة من غيرها، لما مر.
ولو كان تفاوته مع فريضة بدرجة، جاز الدفع منه مع الجبر.
ح: الحكم مختص بالإبل، للأصل، فلا يثبت في غيرها الجبر، فمن
عدم فريضة البقر أو الغنم ووجد الأدون أو الأعلى يخرج الفريضة بالقيمة،
والله العالم.

(1) المبسوط 1: 195.
(2) الكافي في الفقه: 167.
(3) كالتذكرة 1: 208، والمختلف: 177.
124

المسألة الثانية: لا يزيد من الفريضة شئ لما بين النصابين في
جميع الأنعام الثلاثة، بلا خلاف فيه يعرف، بل بالاجماع.
ويصرح به قوله عليه السلام في صحيحة الفضلاء في زكاة الإبل: (وليس
على النيف شئ ولا على الكسور شئ) (1)، ونحوه فيها في زكاة البقر (2).
وفيها أيضا في زكاة الغنم: (وليس على ما دون المائة بعد ذلك
شئ، وليس في النيف شئ) (3).
المسألة الثالثة: المشهور بين الأصحاب - على ما صرح به
جماعة (4) -: أن الواجب في الشاة التي تؤخذ في الزكاة من الغنم والإبل
يجب أن يكون أقله جذعا - بالفتحتين - من الضأن وثنيا من المعز، بل قيل:
إنه لا خلاف فيه يعرف (5)، بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه (6).
ونقل في الشرائع قولا بكفاية ما يسمى شاة (7)، واختاره في المدارك
والحدائق (8)، ونسبه في الأخير إلى جملة من أفاضل متأخري المتأخرين.
وهو الأصح، لاطلاق الأخبار المتقدمة في نصب الغنم والإبل الخالي
عن المقيد.

(1) الكافي 3: 531 / 1، الوسائل 9: 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 6.
(2) كما في الكافي 3: 534 / 1، التهذيب 4: 24 / 57، الوسائل 9: 114 أبواب
زكاة الأنعام ب 4 ح 1.
(3) الكافي 3: 534 / 1، التهذيب 4: 25 / 58، الوسائل 9: 116 أبواب
زكاة الأنعام ب 6 ح 1.
(4) منهم المحقق في المعتبر 1: 482، والعلامة غي المنتهى 1: 482، وصاحب
الذخيرة: 436.
(5) كما في الرياض 1: 267.
(6) الخلاف 2: 24، الغنية (الجوامع الفقهية): 568.
(7) الشرائع 1: 147.
(8) المدارك 5: 93، الحدائق 12: 66.
125

احتج الأولون بالاجماع المنقول.
وبما رواه سويد بن غفلة، قال: أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال:
نهينا أن نأخذ المراضع، وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية (1).
وبرواية إسحاق بن عمار المتقدمة: السخل متى يجب فيه الصدقة؟
قال: (إذا أجذع) (2)، حيث إن الحمل على إرادة ابتداء الحول من حين
الأجذاع أو انتهائه به خلاف ما ثبت من الأدلة، فينبغي أن يراد منه بيان ما
يصلح للاخراج.
وبتعلق الفريضة بالعين مع وجوب حولان الحول على المال، فلا
يكون مع الأمرين إلا وجوب شاة سنها سنة لا أقل منها، ولكن لما لم تجب
هذه بخصوصها في الجملة إجماعا تعين ما يقرب منها سنا.
وبعدم انصراف الاطلاقات، بل عدم معلومية صدق الشاة على أدنى
مما عليه المشهور.
ويرد الأول: بعدم الحجية.
والثاني: به أولا أيضا، لعدم كونه من روايات أصحابنا. ولا يفيد
الانجبار بالشهرة، لأنه إنما هو في الضعيف من روايات أصحابنا.. إلا أن
يقال بكفاية روايته في الكتب الفقهية لأصحابنا من غير تصريح منه بكونه
عاميا.
وثانيا: بأن الأمر فيها غير معلوم فلعله بعض أصحاب الرسول، ولا
يجري فيه ما يجري في مضمرات رواياتنا، من أن المعلوم من حال الراوي

(1) لم نجد الحديث باللفظ المذكور في ما بأيدينا من كتب العامة، نعم أورده الشيخ
في الخلاف 2: 24، وهو مروي بالمضمون في سنن النسائي 5: 30، وسنن أبي
داود 2: 102 / 1579 و 1581.
(2) الكافي 3: 535 / 4، الفقيه 2: 15 / 39، الوسائل 9: 123 أبواب زكاة الأنعام
ب 9 ح 3.
126

أنه لا يروي إلا عن المعصوم، لعدم معروفية حال المصدق.
وثالثا: بعدم الدلالة، لاجمال الرواية موجهين:
أحدهما: عدم وجوب الجذع والثنية إجماعا، بل هما أقل ما يجزئ
عند المشهور، والحمل على ذلك المعنى مجاز لا قرينة على تعينه، وإذا
انفتح باب المجاز اتسعت دائرته، فيصير مجملا.
وثانيهما: أنها لكونها حكاية عن واقعة لا عموم فيها ولا إطلاق، فلا
يعلم أنه كان مصدق الإبل أو الغنم أو كليهما، فلا يعلم أنه أقل الواجب من
زكاة أيهما.
والقول بعدم الفرق غير مقبول، بل الفرق موجود، كيف؟! وخص
المحقق الثاني في حواشي القواعد والشرائع والارشاد - على ما حكي -
التقدير المذكور بزكاة الإبل، وقال: أما الغنم فلا بد من مراعاة المماثلة فيها
أو اعتبار القيمة.
هذا كله، مع أنها على التفصيل المشهور - من كون الجذع للضأن
والثنية للمعز - غير دالة.
والثالث: بعدم دليل على الحمل المذكور، فالرواية مجملة، مع أنها
على فرض الدلالة لا تثبت حكم الثنية، بل تنفيه.
والرابع: بأن بعد عدم وجوب ما حال عليه الحول بخصوصه - أي ما
جرى عليه إحدى عشر شهرا - لا دليل على تعيين ما يقرب سنها منه أصلا،
لا في جهة الدنو، كما في الجذع، ولا في جهة العلو، كما في الثنية، بل
يجب الرجوع إلى الاطلاق.
والخامس: بأنه على فرض تسليم عدم صدق الشاة وعدم انصراف
الاطلاقات إلى أقل من الجذع والثنية، فمقتضاه الرجوع إلى الصدق العرفي،
127

وهو لا يختلف باختلاف يوم أو يومين، كما يختلف به صدق الجذع
والثنية، فيسقط اعتبارهما ويجب الرجوع إلى العرف.. ومقتضاه كفاية ما
يسمى شاة سواء كاجذعا أو ثنية، أم لا.
نعم، لما كان صدقها على السخلة وما يقرب منها سنا غير معلوم،
ويجب تحصيل البراءة اليقينية، فالاكتفاء بالأقل من الجذع غير محصل
للبراءة اليقينية، بل حصولها بالجذع أيضا مشكل، فاللازم اعتبار ما قطع
بصدق الشاة عليه.
فرع: على القول المشهور، اعلم أنه قد اختلفت كلمات أهل اللغة
في بيان سن الجذع من الضأن والثنية من المعز على أقوال في الأول..
منها: أنه ما له سنة كاملة ودخل في الثانية مطلقا، ذكره في الصحاح
والقاموس والمصباح المنير والنهاية الأثيرية والمجمل (1).
ومنها: أنه ما له ثمانية أشهر، وأما السنة فإنما هي في ولد المعز،
ذكره الأزهري، وصاحب المغرب (2)، ونقل بعضهم عن الأخير القول الأول.
ومنها: أنه ما له ستة أشهر.
ومنها: سبعة.
ومنها: تسعة.
ومنها: عشرة.
ومنها: الفرق بين المتولد من الشابين فستة أشهر إلى سبعة، وبين
الهرمين فثمانية إلى عشرة.

(1) الصحاح 3: 1194، القاموس 3: 12، والمصباح المنير: 94، النهاية الأثيرية
1: 25، المجمل 1: 415.
(2) قال صاحب المغرب (1: 78): وعن الأزهري: الجذع من المعز لسنة، ومن
الضأن لثمانية أشهر.
128

وعلى قولين في الثاني:
أحدهما: أنها ما دخلت في السنة الثالثة، ذكره في الصحاح والقاموس
والمغرب والنهاية (1).
وثانيهما: أنها ما دخلت في الثانية، ذكره في المجمل (2).
ومنه ظهر أن المشهور فيما بين أهل اللغة القول الأول.
وأما الفقهاء فكلماتهم مختلفة، ولعل المشهور عندهم في الفريضة
الثانية: القول الثاني، وفي الأولى: الثالث، ومع هذا الاختلاف
فالحكم بالتعيين مشكل، وأصل البراءة مع الأقل (3)، وأصل الاشتغال
والاحتياط مع الأكثر، والله الموفق.
المسألة الرابعة: قد صرح الأصحاب من غير ذكر خلاف أنه لا
تكفي في الفريضة المريضة من الصحاح، والهرمة من الفتيات، وذات
العوار من السليمة.
بل عليه دعوى الاجماع مستفيضة (4)، بل هو إجماع حقيقة، فهو
الدليل عليه، مضافا إلى قوله سبحانه: (ولا تيمموا الخبيث منه
تنفقون) (5)، وصدق الخبيث على الأصناف الثلاثة وإن لم يكن معلوما لغة،
إلا أنه يراد منه الردي من كل جنس بقرينة الأخبار الواردة في شأن نزول
الآية..
كموثقة أبي بصير: في قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا

(1) الصحاح 6: 2295، القاموس 4: 311، المغرب 1: 69، النهاية الأثيرية 1:
226.
(2) مجمل اللغة 1: 371.
(3) في (س) و (ح): الأول.
(4) كما في الرياض 1: 269، مفتاح الكرامة: 3: 75.
(5) البقرة: 267.
129

من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث
منه تنفقون)، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر بالنخيل أن يزكى تهيأ
قوم بألوان من التمرة وهو من أردأ التمر، يؤدونه عن زكاتهم تمرا) إلى أن
قال: (وفي ذلك نزل: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) الحديث (1).
ولا تعارضها روايته: في قوله: (أنفقوا من طيبات ما كسبتم).
فقال: (كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهلية، فلما أسلموا أرادوا
أن يخرجوها من أموالهم ليتصدقوا بها، فأبى الله تعالى إلا أن يخرجوا من
أطيب ما كسبوا) (2)، لجواز أن يكون صدر الآية في ذلك وذيلها في الأول.
وقد يستدل أيضا بقوله: (ولا يؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء
المصدق) في صحيحتي أبي بصير ومحمد بن قيس (3).
وفيه نظر، لعدم صراحته في الحرمة، مع ما فيه من الاستثناء المثبت
لجواز الأخذ مع مشية المصدق، بكسر الدال، كما هو المشهور، أو
بفتحها، كما ذكره الخطائي، قال: وكان أبو عبيدة يرويه: إلا أن يشاء
المصدق، بفتح الدال، يريد صاحب الماشية (4)، واحتمله في الذخيرة (5).
والمرجع في صدق الأصناف إلى العرف.
ويشترط في العور ما ثبت فيه الاجماع وجرت فيه الآية، فإن مثل
العرج القليل أو مقطوع الأذن أو القرن ونحوهما لم يثبت فيه الاجماع ولم
يعلم شمول الآية، لأن الثابت من الأخبار ليس أزيد من استعمال الخبيث
في الأرداء، وأما كل ردي ولو قليلا فغير معلوم.

(1) الكافي 4: 48 / 9، الوسائل 9: 205 أبواب زكاة الغلات ب 19 ح 1.
(2) الكافي 4: 48 / 10، الوسائل 9: 469 أبواب الصدقة ب 46 ح 1.
(3) المتقدمتين في ص 102. 113.
(4) النهاية لابن الأثير 3: 18، لسان العرب 10: 197.
(5) الذخيرة: 437.
130

وحيث كان المستند فيها منحصرا بالاجماع والآية، فيجب الاقتصار
في المنع على ما ثبت فيه الاجماع ودلت الآية، وهو ما إذا وجد في النصاب
صحيح فتي، فلو كان كله مريضا - مثلا - لم يكلف شراء الصحيح، ولعله
إجماعي أيضا، كما يظهر من المنتهى (1) وغيره (2)، فإنه لا إجماع هاهنا ولا
دلالة للآية، لأن قوله تعالى: (منه) يدل على أن الخبيث بعض المال،
وكذا يظهر من قوله تعالى: (ولا تيمموا)، فإن القصد إلى الخبيث ظاهر
في وجود غيره أيضا.
المسألة الخامسة: لو حال على نصاب أحوال وكان يخرج فريضته
من غيره، تعددت الزكاة، لعموم أدلة الوجوب السالم عن المعارض.
ولو لم يخرج من غيره أخرج عن سنة لا غير، سواء أخرجها من
النصاب أو لم يخرج أصلا، لنقصان ملكية النصاب، لتعلق الزكاة بالعين.
والظاهر اختصاص ذلك بما إذا كانت الفريضة من جنس النصاب لا
غيره، كما مر، ووجهه ظاهر.
وإن كان المال الذي حال عليه الحول أزيد من نصاب، تعددت
الزكاة، ويجبر من الزائد حتى ينقص النصاب.
المسألة السادسة: الضأن والمعز جنس واحد، وكذا البخاتي
والعراب، والبقر والجاموس، بلا خلاف يعرف، كما في التذكرة والمنتهى
والذخيرة (3)، وفي المدارك: إن الحكم مقطوع به بين الأصحاب (4).
ويدل عليه دخول كل من صنفين تحت جنس واحد تعلقت به

(1) المنتهى 1: 485.
(2) كالرياض 1: 269.
(3) التذكرة 1: 210، المنتهى 1: 489، الذخيرة: 431.
(4) المدارك 5: 101.
131

الزكاة، فالأول يجمعهما الغنم والشاة، والثاني الإبل، والثالث البقر، فيصدق
اسم الغنم والإبل والبقر عرفا، فالنصاب المجتمع من كل من الصنفين يجب
فيه الزكاة.
وهل يخرج المالك من أيهما شاء وإن تفاوت الغنم؟
أو يجب التقسيط والأخذ من كل بقسطه مطلقا؟
أو يناط بتفاوت الغنم؟
الأظهر: الأول، لصدق امتثال إخراج ما يصدق عليه اسم الفريضة،
وعدم ما يدل على اعتبار القيمة.
والأشهر - كما قيل -: الثاني (1)، والأحوط: الثالث، وقيل: الثاني (2).
وكذا إذا كانت للمالك أموال متفرقة كان له إخراج الزكاة من أيها شاء،
سواء تساوت القيمة أو اختلفت، لما مر.
المسألة السابعة: اختلف الأصحاب في عد الأكولة وفحل الضراب.
فذهب الفاضلان في النافع والارشاد والتبصرة والشهيدان في اللمعة
والروضة إلى عدم عدهما (3)، ونقل عن الحلبي في الأخير أيضا (4)،
لصحيحة البجلي: (ليس في الأكيلة ولا في الربى - والربى التي تربي اثنين -
ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة) (5).
وظاهر الأكثر عدهما، للاطلاقات.
وضعف دلالة الصحيحة، لاحتمال أن يكون المراد عدم أخذهما

(1) كما في الحدائق 12: 71.
(2) كما في المدارك 5: 102.
(3) النافع: 79، الإرشاد 1: 281، التبصرة: 45، اللمعة (الروضة البهية 2): 27.
(4) الكافي في الفقه: 167.
(5) الكافي 3: 535 / 2، الفقيه 2: 14 / 37، الوسائل 9: 124 أبواب زكاة الأنعام
ب 10 ح 1.
132

للصدقة، ولاشتمالها على الربى وشاة اللبن المعدان اتفاقا.
ولقرينة موثقة سماعة: (لا تؤخذ الأكولة - والأكولة الكبيرة من الشاة
تكون في الغنم - ولا والده، ولا كبش الفحل) (1).
مع أن الرواية مع صحتها غير صالحة للحجية، لمخالفة الشهرة.
ويرد الأول: بكونه خلاف الظاهر جدا.
والثاني: بأن مخالفة جزء من الحديث لدليل لا يوجب ترك العمل
بسائر أجزائه، مع أن الاتفاق المدعى غير ثابت، بل نفى بعض متأخري
المتأخرين البعد عن عدم عد سائر الأجزاء أيضا (2).
والثالث: بعدم صلاحيته للقرينة، لعدم التنافي بين عدم الأخذ وعدم
العد.
والرابع: بمنع الشهرة المخرجة للخبر عن الحجية، كيف؟! واقتصر
بعضهم في نقل القول بعد الأكولة عن الشهيد الثاني في حواشي الإرشاد
وابن فهد في المحرر والموجز، وقال: ونقل في الدروس قولا بالعد
أيضا (3)، وبعد الفحل عن الحلي والمختلف (4).
والأولى رد الصحيحة بالاجمال:
أما في الأكلية، فلأنها مفسرة بالسمينة المعدة للأكل في كلام بعض
الفقهاء (5)، وفسرها بها في النهاية الأثيرية أيضا، وفيها: وقيل: هي الخصي

(1) الكافي 3: 535 / 3، الفقيه 2: 14 / 38، الوسائل 9: 125 أبواب زكاة الأنعام
ب 10 ح 2.
(2) كصاحب الحدائق 12: 70.
(3) الدروس 1: 235.
(4) الحلي في السرائر 1: 437، المختلف: 177.
(5) كما في الذخيرة: 437، والرياض 1: 268.
133

والهرمة والعاقر من الغنم (2).
وفي القاموس: الأكولة العاقر من الشياه تعزل للأكل كالأكيلة (2).
وفسرها في الموثقة بالكبيرة، وهي أيضا مجملة، لامكان إرادة الكبير
في السن، فيوافق تفسيرها بالهرمة، والكبير في الجسم فيوافق السمينة.
وعلى التقديرين، تعارضها صحيحة محمد بن قيس، وفيها: (ويعد
صغيرها وكبيرها) (3).
وأما في الفحل، فلأن إضافته إلى الغنم يمكن أن يكون بمعنى
(اللام)، فيراد به فحل الضراب، لأنه الفحل الذي يكون للغنم، وأن يكون
بمعنى (من)، وحينئذ فإطلاقه يخالف الاجماع، وتقييده يوجب تخصيص
الأكثر.
إلا أنه يحصل الاجمال حينئذ في المطلقات أيضا، والعام المخصص
بالمجمل ليس بحجة في موضع الاجمال.
وعلى هذا، فيقوى القول الأول، وهو عدم عد الصنفين، بل لا يبعد
عدم عد الربى بالمعنى المفسر به في الصحيحة وشاة اللبن - أي المعدة
للبن - بل سائر محتملات معنى الأولين أيضا، لولا الاتفاق على عد ما عدا
المعدة للأكل وفحل الضراب.
إلا أن الاتفاق في غيرهما - ولا أقل من الشهرة العظيمة الموهنة
لشمول الرواية له - يمنع من العمل بها في غيرهما، بل الأحوط ترك العمل
بها فيهما أيضا وعد الجميع.
المسألة الثامنة: صرح جماعة بأنه لا يجوز أخذ الربى - بضم الراء

(1) النهاية الأثرية 1: 58.
(2) القاموس المحيط 3: 339.
(3) تقدمت في ص 113.
134

وتشديد الباء، والألف المقصورة - ولا الأكولة ولا فحل الضراب بدون إذن
المالك (1)، على ما قطع به الأصحاب، بل يظهر من بعضها لاتفاق عليه (2).
وهو الموافق للأصل، حيث إنه سيأتي - إن شاء الله سبحانه - أنه لا
تخيير لغير المالك في أخذ شئ، ولا يجوز له مزاحمته.
وتؤيده الموثقة المتقدمة (3)، والشهرة العظيمة، بل الاجماع
المنقول (4)، فلا محيص عنه.
وهل يجوز الأخذ مع رضاه، أو يجوز له نفسه دفعه عن الفريضة لا
بالقيمة، أم لا؟
صرح بعضهم - ومنهم: الفاضل في التذكرة - بالأول في الجميع (5)،
بل نفى عنه الخلاف في المنتهى (6).
وقيل بالثاني في الربى والفحل خاصة (7).
وذهب جدي الفاضل - قدس سره - إلى الثاني في الأول - أي الربى -
وإلى الأول في الثاني والثالث.
ولعل منشاء الخلاف: الخلاف في أن جهة المنع هل هي كونه من
كرائم الأموال ونحوه مما يتضرر به المالك، أو المرض وفساد اللحم؟
والحق عدم صلاحية شئ منهما للاستناد، بل المستند الموثقة، وهي
وإن كانت مطلقة شاملة لصورة إذن المالك وعدمه، إلا أنها لا تثبت أزيد من

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 485، وصاحب الحدائق 12: 70.
(2) كصاحب الرياض 1: 268.
(3) في ص 133.
(4) كما في الرياض 1: 268، والحدائق 12: 70.
(5) التذكرة 1: 215.
(6) المنتهى 1: 485.
(7) كما في المسالك 1: 54.
135

المرجوحية، فعليها الفتوى، ولكن بتبديل الربى بالوالدة، كما هو مورد
الرواية.
والظاهر أن المراد من الوالدة ذات الولد المشتغلة بإرضاعه وتربيته،
فإنها التي تستعمل فيها الوالدة، وعلى هذا فتطابق الربى على بعض
تفاسيرها، وأما الربى بالتفسير المذكور في الصحيحة (1) فلا، إلا من جهة
صدق الوالدة عليها أيضا.
تنقيح: اعلم أنه قد مر تفسير الأكولة في اللغة بالمسمنة للأكل
والمعدة له - وهما التفسيران اللذان ذكرهما الفقهاء - وبالخصي والهرمة
والعاقر، وفي الحديث بالكبيرة.
وأما الربى، ففسرت في الحديث بالتي تربي الاثنين، وفسرها أكثر
الفقهاء بالوالدة إلى خمسة عشر يوما (2)، وقيل إلى خمسين (3).
وقال الجوهري: إنها الشاة التي وضعت حديثا، وقال الأموي: هي ما
بين الولادة إلى شهرين (4)، وقيل: عشرون يوما (5).
وفي النهاية الأثيرية: إنها التي تربى في البيت من الغنم لأجل
اللبن (5).
ثم إنه تطلق الربى والأكولة في كلام الفقهاء تارة فيما لا يؤخذ،
وأخرى فيما لا يعد.

(1) المتقدمة في ص 132.
(2) كالشيخ في المبسوط 1: 199، والمحقق في الشرائع 1: 149، والعلامة في
المنتهى 1: 485.
(3) حكاه في المبسوط 1: 199.
(4) الصحاح 1: 131، وحكاه عن الأموي أيضا.
(5) حكاه ابن الأثير في النهاية 2: 181.
(6) النهاية الأثرية 2: 180.
136

وأما الأخبار فلم تذكر فيها الأولى في الأول، بل ذكر مقامها الوالدة.
والتحقيق: أن المحكوم بعدم أخذه من الربى هو قريب العهد بالولادة
إلى خمسة عشر يوما بل إلى الخمسين، سواء سميت ربى أو الوالدة،
للمسامحة في مقام الكراهة، فيكفي قول الفقيه فيه، مضافا إلى صدق الوالدة
الواردة في الموثقة.
ومن الأكولة هي المعدة للأكل، لفتوى الجماعة (1)، وإن كان المراد
منها في الموثقة غير ظاهر.
والمحكوم بعدم العد من الربى - لو قلنا به - هي ما تربي الاثنين، لأنه
الوارد في الصحيحة (2).
ومن الأكولة أيضا المعدة للأكل، لظاهر الاجماع على عد غيرها مما
قد يطلق عليه الأكولة.
المسألة التاسعة: قال جماعة: إنه يجزئ الذكر والأنثى من الشاة في
الفريضة للأغنام والإبل، سواء كان النصاب كله ذكرا أو أنثى أو ملفقا منهما،
تساوت قيمتهما أم اختلفت، للاطلاقات (3).
وخالف فيه في الخلاف، فعين الإناث في الإناث من الغنم مطلقا (4).
وعن المختلف، فجوز دفع الذكر إذا كان بقيمة واحدة من الإناث..
ووجه بتعلق الزكاة بالعين، فلا بد من دفعها منها أو من غيرها مع اعتبار
القيمة (5).

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 199، والمحقق في الشرائع 1: 149، والعلامة
في المنتهى 1: 495.
(2) المتقدمة في ص 132.
(3) منهم الشيخ في المبسوط 1، 199، والمحقق في الشرائع 1: 149، والعلامة
في التذكرة 1: 213.
(4) الخلاف 2: 25.
(5) المختلف: 192.
137

ورد بأن الزكاة المتعلقة بالعين ليس إلا مقدار ما جعله الشارع فريضة
لا بعض آحادها بخصوصها، وهي على ما وصلت إلينا من الشارع من جهة
إطلاق الشاة بقول مطلق، وهو يصدق على الذكر والأنثى لغة وعرفا.
وفيه: أنه نفى تعلق الزكاة بالعين بالمعنى الذي ذكروه، ويرجعه إلى
إرادة تعلق الزكاة بجنس المال، وهو غير مرادهم قطعا، بل خلاف مقتضى
أدلة تعلق الزكاة بالعين كما يأتي.
والحق - كما يأتي - تعلقها ببعض آحادها بخصوصها.
وعلى هذا، فالحق إجزاء الذكر عن النصاب الذكر والأنثى عن
النصاب الأنثى، وكل منهما عن الملفق منهما، وأما الذكر عن الأنثى
وبالعكس فلا يجزئ إلا بالقيمة، لما يأتي من تعلق الزكاة أصالة بالعين.
ومن هذا يظهر أنه لا يجوز دفع غير بعض آحاد الفريضة فيما يتعلق
بالعين إلا مع اعتبار القيمة، فلا يدفع غير غنم البلد بل ولا غير الغنم الذي
تعلقت به الزكاة لفريضة الأغنام إلا بالقيمة.
المسألة العاشرة: لا يضم مال إنسان إلى مال غيره وإن كانا في مكان
واحد، بل يعتبر النصاب في مال كل واحد، بالاجماع كما في المدارك (1)،
وعن الخلاف والسرائر والمنتهى (2) وغيرها (3).
للأصل، وانتفاء الدليل على الضم، والنبوي: (إذا كانت سائمة الرجل
ناقصة عن أربعين فليس فيه صدقة).
وفي آخر: (من لم يكن له إلا أربعة من الإبل فليس فيها صدقة) (4)،

(1) المدارك 5: 66.
(2) الخلاف 2: 35، السرائر 1: 451، المنتهى 1: 504.
(3) كالرياض 1: 269.
(4) صحيح البخاري 3: 249.
138

ونحوه المرتضوي الخاصي (1).
والمروي في العلل: قلت له: مائتا درهم بين خمسة إناث أو عشرة
حال عليها الحول وهي عندهم، أتجب عليهم زكاتها؟ قال: (لا، هي بمنزلة
تلك - يعني جوابه في الحرث - ليس عليهم شئ حتى يتم لكل إنسان
منهم مائتا درهم)، قلت: وكذلك في الشاة والإبل والبقر والذهب والفضة
وجميع الأموال؟ قال: (نعم) (2). وضعف السند - لو كان - ينجبر بالعمل.
وقد يستدل أيضا بما ورد في جملة من المعتبرة العامية والخاصية،
وفيها الصحيح: (لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق) (3) بالحمل على
المجتمع والمتفرق في الملك، على ما فهمه أصحابنا.
ولكن للخصم أن يرده بعدم تعين إرادة الملك.
وخالف في ذلك جمع من العامة، وقالوا: إن الخلطة تجمع المالين
مالا واحدا، سواء كان خلطة أعيان، كأربعين بين شريكين، أو خلطة
أوصاف، كالاتحاد في المرعى والمشرب والمراح مع تميز المالين (4).
وهو باطل، لانتفاء الدليل عليه.
والاستدلال بقوله: (لا يفرق بين مجتمع) مردود بما مر.
المسألة الحادية عشرة: لا يفرق بين مالي المالك الواحد ولو تباعد
مكاناهما، بالاجماع كما عن المنتهى والتذكرة (5)، للعمومات، نحو قوله:

(1) الكافي 3: 539 / 7، التهذيب 4: 95 / 273، الوسائل 9: 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 5، وفي (ق): الماضي، بدب: الخاصي.
(2) العلل: 347 / 1، الوسائل 9: 151 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 2.
(3) سنن الدارقطني 2: 104 / 1.
(4) حكاه في المعني والشرح الكبير 2: 476.
(5) المنتهى 1: 505، التذكرة 1: 212.
139

(في أربعين شاة شاة) (1)، فتضم الثمار في البلاد المتباعدة وإن اختلفت في
وقت الادراك إذا كانا لعام واحد وإن اختلف وقتهما بشهر أو بشهرين أو
أكثر، وفي التذكرة: إجماع المسلمين على ذلك أيضا (2)، وفي الذخيرة: إن
الظاهر أنه لا خلاف فيه (3).
وعلى هذا، فلو كان المدرك أولا نصابا أخذت منه الزكاة ثم يؤخذ من
الباقي عند تعلق الوجوب به قل أو كثر. وإن كان دون النصاب يتربص إلى
أن يدرك محل الوجوب ما يكمل به نصابا، فيؤخذ منه ثم من الباقي.

(1) الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6.
(2) التذكرة 1: 212.
(3) الذخيرة: 444.
140

الفصل الثاني
في زكاة النقدين
وفيه بحثان:
البحث الأول
في شرائطها
وهي أمور:
الشرط الأول: النصاب، بلا خلاف بين علماء الإسلام، ولكل منهما
نصابان:
أما الأول للذهب: فعشرون دينارا، فليس فيما نقص عنها شئ
إجماعا فتوى ونصا، وإذا بلغها يجب فيه الزكاة ربع العشر نصف دينار على
المشهور بين الأصحاب، بل بالاجماع كما عن الغنية والخلاف والتذكرة
والسرائر (1)، بل في الأخير إجماع المسلمين.
للنصوص المستفيضة، بل المتواترة، كموثقة علي بن عقبة والعدة (2):
(ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شئ، فإذا كملت عشرين مثقالا
ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين، فإذا كملت أربعة وعشرين ففيها
ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين، فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 567، الخلاف 2: 82، التذكرة 1: 216، السرائر
1: 447.
(2) المراد من العدة: عدة من أصحابنا.
141

دنانير) (1).
وموثقة سماعة: (في كل مائتي درهم خمسة دراهم من الفضة، فإن نقص شئ فليس عليك زكاة، ومن الذهب من كل عشرين دينارا نصف
دينار، فإن نقص فليس عليك شئ) (2).
وصحيحة الحسين بن بشار: في كم وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزكاة؟
فقال: (في كل مائتي درهم خمسة دراهم، فإن نقصت فلا زكاة فيها، وفي
الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار، فإن نقص فلا زكاة فيه) (3).
وموثقة زرارة: (في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار،
وليس فيما دون العشرين شئ، وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم خمسة
دراهم، وليس فيما دون المائتين شئ، فإذا زادت تسعة وثلاثون على
المائتين فليس فيها شئ حتى تبلغ الأربعين، وليس في شئ من الكسور
شئ حتى تبلغ الأربعين، وكذلك الدنانير على هذا الحساب) (4).
وفي صحيحة البزنطي: عما أخرج من المعدن من قليل أو كثير، هل
فيه شئ؟ قال: (ليس عليه شئ حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين
دينارا) (5).

(1) الكافي 3: 515 / 3، التهذيب 4: 6 / 13، الإستبصار 2: 12 / 35، الوسائل
9: 138 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 5.
(2) الكافي 3: 515 / 1، التهذيب 4: 12 / 31، الوسائل 9: 138 أبواب زكاة
الذهب والفضة ب 1 ح 4 و ب 2 ح 4.
(3) الكافي 3: 516 / 6، الوسائل 9: 138 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 3
و ب 2 ح 3.
(4) التهذيب 4: 7 / 15، الإستبصار 2: 12 / 37، الوسائل 9: 140 أبواب زكاة
الذهب والفضة ب 1 ح 9 و ب 2 ح 6.
(5) التهذيب 4: 138 / 391، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 4
ح 1.
142

وموثقة ابن أبي العلاء: (في عشرين دينارا نصف دينار) (1).
إلى غير ذلك من الروايات المتكثرة، كموثقتي زرارة وبكير (2) ورواية
زرارة (3) وصحيحة الحلبي (4) وحسنة محمد (5) وغيرها (6). والتعبير في
البعض بالدينار وفي البعض بالمثقال لاتحادهما كما يأتي.
خلافا للمحكي عن الصدوقين (7) - بل جماعة من أصحاب الحديث
كما في المعتبر (8)، أو قوم من أصحابنا كما في الخلاف (9) - أن النصاب
الأول أربعون دينارا.
احتجاجا بموثقة الفضلاء الأربعة: (في الذهب في كل أربعين مثقالا
مثقال، وفي الورق في كل مائتين خمسة دراهم، وليس في أقل من أربعين
مثقالا شئ، وليس في أقل من مائتي درهم شئ، وليس في النيف شئ
حتى يتم أربعون فيكون فيه واحد) (10).

(1) التهذيب 4: 6 / 14، الإستبصار 2: 12 / 36، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة
الذهب والفضة ب 1 ح 8.
(2) الأولى في: التهذيب 4: 12 / 33، الوسائل 9: 140 أبواب زكاة الذهب والفضة
ب 1 ح 11.
الثانية في التهذيب 4: 6 / 12، الوسائل 9: 140 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1
ح 12.
(3) التهذيب 4: 12 / 30، الوسائل 9: 140 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 10.
(4) الكافي 3: 516 / 7، الوسائل 9: 137، أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 1. ب 2 ح 1.
(5) الكافي 3: 516 / 5، التهذيب 4: 10 / 28، الإستبصار 2: 13 / 38، الوسائل
9: 137 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 2.
(6) الوسائل 0: 137 و 142 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1. ب 2.
(7) الصدوق في المقنع: 50، وحكاه عن والده في المختلف: 178.
(8) المعتبر 2: 523.
(9) الخلاف 2: 84.
(10) التهذيب 4: 11 / 29، الإستبصار 2: 13 / 39، الوسائل 9: 144 أبواب زكاة
الذهب والفضة ب 2 ح 7.
143

وصحيحة زرارة: رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهما
وتسعة وثلاثون دينارا، أيزكيها؟ قال: (ليس عليه شئ من الزكاة في
الدراهم، ولا في الدنانير حتى يتم أربعين، والدراهم مائتي درهم) (1).
ويردان بعدم حجيتهما، لشذوذهما.
مع أنه على التعارض مع ما تقدم، الترجيح لما تقدم بالأشهرية رواية
وفتوى، والموافقة للاطلاقات كتابا وسنة بوجوب الزكاة في الذهب بقول
مطلق، خرج منه ما نقص عن العشرين دينارا بالاجماع وبقي الباقي.
مع أن الثانية مروية في الفقيه (2) بمتن يوافق المشهور، حيث بدل
فيه: تسعة وثلاثون دينارا، في السؤال ب‍: تسعة عشر دينارا، مع الجواب
بنفي الزكاة فيها حتى يتم.
وعلى هذا، فلا يبقى حجية في الطريق الأول.
وأما النصاب الثاني للذهب: فأربعة دنانير ويزيد لها عشر دينار،
ولا يزيد لما بين العشرين والأربعة الزائدة شئ، بالاجماع.
وتدل عليه موثقتا علي بن عقبة وزرارة المتقدمتين، ورواية ابن
عيينة: (إذا جاز الزكاة العشرين دينارا ففي كل أربعة دنانير عشر دينار) (3)،
وغير ذلك.
وأما النصاب ا لأول للفضة: فمائتا درهم، فلا يجب شئ فيما
دونها، وإذا بلغ هذا المقدار وجب ربع العشر خمسة دراهم، بإجماع علماء الإسلام محققا ومحكيا (4).

(1) التهذيب 4: 92 / 267، الإستبصار 2: 38 / 119، الوسائل 9: 141 أبواب زكاة
الذهب والفضة ب 1 ح 14.
(2) الفقيه 2: 11 / 32.
(3) الكافي 3: 516 / 4، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 6.
(4) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 567، والمعتبر: 267، والتذكرة 1: 215.
144

وتدل عليه النصوص المستفيضة من المتقدمة، وغيرها (1).
والثاني: أربعون درهما، وفيه درهم، ولا يجب شئ لما بينها وبين
المائتين، بالاجماعين (2) أيضا.
وتدل عليه من الروايات موثقة زرارة المتقدمة، وموثقة محمد
الحلبي: (إذا زاد على المائتي درهم أربعون درهما فعليها درهم، وليس فيما
دون الأربعين شئ) فقلت: فما في تسعة وثلاثين درهما؟ قال: (ليس على
التسعة وثلاثين درهما شئ) (3).
فائدة: الدينار قد ينسب إلى المثقال الصيرفي فيعرف به، وقد
ينسب إلى الدرهم.
أما على الأول، فهو ثلاثة أرباع مثقال الصيرفي، كما صرح به
جماعة، منهم: صاحب الوافي والمحدث المجلسي في رسالته في الأوزان
نافيا عنه الشك (4)، ووالده في روضة المتقين (5)، وابن الأثير في نهايته (6)،
وغيرهم.
ويثبته إطلاق الدينار عرفا على هذه الذهب المعمولة في بلاد الروم
والإفرنج المسماة ب‍ (دوبتي وباج اغلو) وكل منهما ثلاثة أرباع الصيرفي.
بل يظهر من المجمع أن الدينار في الأزمنة الماضية أيضا كانت اسما
لهذين الذهبين، قال في مادة الدرهم: وأما الدنانير فكانت تحمل إلى
العرب من الروم إلى أن ضرب عبد الملك بن مروان الدينار في أيامه (7).

(1) انظر الوسائل 9: 142 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 2.
(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 567.
(3) التهذيب 4: 12 / 32، الوسائل 9: 145 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 2 ح 9.
(4) رسالة المقادير الشرعية (المخطوط).
(5) في النسخ: حلية المتقين، والصحيح ما أثبتناه.
(6) النهاية الأثرية 1: 217.
(7) مجمع البحرين 6: 62.
145

انتهى.
والظاهر عدم التغير في مسكوكات الروم، بل هي ما يحمل منها الآن
أيضا، وهو الذهبان المذكوران، بل صرح في النهاية الأثيرية بأن الدينار هو
ذلك، حيث قال: المثقال يطلق في العرف على الدينار خاصة، وهو الذهب
الصنمي عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي (1). انتهى.
وبه صرح في المجمع في مادة الثقل، حيث قال: فالمثقال الشرعي
يكون على هذا الحساب عبارة عن الذهب الصنمي (2). انتهى.
والذهب الصنمي هو الذهبان المذكوران، حيث إن فيهما شكل
الصنم، فما يكون الصنم في أحد طرفيه يقال له: باج اغلو، وما في طرفيه
يسمى ب‍: دوبتي، أي ذو الصنمين.
وبما ذكرنا يعلم أن الدينار هو الذهب، الذي هو ثلاثة أرباع المثقال
الصيرفي، أو هذان الذهبان، وكل منهما أيضا ثلاثة أرباعه، ولا أقل من
استعماله في ذلك.
والأصل في الاستعمال الحقيقة، إذ لم يعلم له في عرف العرب
استعمال في غيره أصلا، وبضميمة أصالة عدم النقل يثبت ذلك في عرف
الشرع أيضا.
مع أنه صرح جماعة - منهم: العلامة في النهاية (3) والرافعي في شرح
الوجيز -: أن الدينار لم يختلف في جاهلية ولا إسلام (4).
وقال في الحدائق: لا خلاف بين الأصحاب - بل وغيرهم أيضا - أن

(1) النهاية الأثرية 1: 217.
(2) مجمع البحرين 5: 331.
(3) نهاية الإحكام 2: 340.
(4) شرح الوجيز (المجموع للنووي 6): 5.
146

الدنانير لم يتغير وزنها عما هي عليه الآن في جاهلية ولا إسلام، صرح
بذلك جماعة من علماء الطرفين (1). انتهى.
وقال جدي - رحمه الله - في بعض ما ذكر: إنه لا اختلاف فيه بين العلماء.
ثم إن المثقال الصيرفي - على ما اعتبرناه مرارا ووزناه وأمرنا جمعا
من المدققين باعتباره - يساوي تقريبا ثلاث وتسعين حبة من حبات الشعير
المتوسطات، فيكون الدينار على ذلك سبعين حبة تقريبا، وهو يطابق
حبات الذهب الصنمي المذكور، فإنا وزناه مرارا فكان سبعين حبة.
وأما على الثاني، فصرح الأصحاب - منهم: المحقق في الشرائع
والمعتبر (2) والفاضل في المنتهى والتذكرة والتحرير (3) والشهيدان في البيان
والروضة (4)، وغيرهم (5) -: بأن الدينار درهم وثلاثة أسباع درهم، والدرهم
نصف دينار وخمسه
بل هو متفق عليه بين الأصحاب، مقطوع به في كلماتهم، بل كلمات
اللغويين أيضا، وقال المحدث المجلسي: إنه مما اتفقت عليه العامة
والخاصة (6)، ونفى عنه الاختلاف جدي الأمجد أيضا.
ثم الدرهم - كما به صرحوا جميعا أيضا - ستة دوانيق، والدانق:
ثمان حبات من أوسط حب الشعير.
وتدل عليه - بعد الاتفاق المحقق، والمحكي مستفيضا (7) - أصالة

(1) الحدائق 12: 89.
(2) الشرائع 1: 150، المعتبر 2: 525.
(3) المنتهى 1: 493، التذكرة 1: 215، التحرير 1: 62.
(4) انظر: البيان: 302، الروضة البهية 2: 30.
(5) كصاحب المدارك 5: 114، وصاحب الرياض 1: 270.
(6) رسالة المقادير الشرعية (المخطوط).
(7) انظر: المفاتيح 1: 50.
147

الاستعمال، بضميمة أصالة عدم النقل.
ويوافق أيضا ما اعتبرناه من تطابق الدينار بالحبات، فإن مقتضاه كون
الدرهم ثمان وأربعين حبة تقريبا، كما صرحوا به.
ومن ذلك يعلم قدر الدرهم بالنسبة إلى الدينار أيضا، وكذلك بالنسبة
إلى المثاقيل الصيرفية المتعارفة الآن في أكثر البلاد، التي كل واحد منهما
ثلاث وتسعون حبة تقريبا، ويعلم أن كل درهم نصف مثقال صيرفي وربع
عشره.
وأما ما في بعض الأخبار الضعيفة - مما يدل على أن الدرهم ستة
دوانيق، والدانق: اثنا عشر حبة - فهو مخالف لتصريح الجميع، بل للاعتبار
الصحيح، فهو بالشذوذ مردود.
ومنه يعلم أيضا ما في مجمع البحرين من أن المثقال الشرعي ستون
حبة من حبات الشعير، فإنه يلزمه أن يكون الدرهم اثنتين وأربعين حبة،
وهو مخالف لتصريح الأصحاب والاعتبار.
ثم بعدما ذكرنا تعلم أن النصاب الأول للذهب خمسة عشر مثقالا
بالمثقال الصيرفي، والثاني ثلاثة مثاقيل. والنصاب الأول للفضة مائة وخمسة
مثقال، والثاني واحد وعشرون، والله أعلم.
فرعان:
أ: المراد ببلوغ عشرين دينارا أو مائتي درهم بلوغ وزنهما، ولا
يشترط أن يكون ما يسمى دينارا أو درهما أو يكون بهذا العدد الخاص،
بالاجماع، وصرح به في موثقة علي بن عقبة السابقة، حيث قال: (فإذا
كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال) (1).

(1) تقدمت في ص 141.
148

وفي صحيحة ابن أبي عمير: ما أقل ما يكون فيه الزكاة؟ قال: (مائتا
درهم، وعدلها من الذهب) (1)، فإن المراد بالعدل: العدل في القيمة، حيث
إن قيمة مثقال من الذهب في هذه الأزمان عشرة دراهم، كما صرحوا به،
ويدل عليه الاستقراء في موارد الأحكام أيضا.
وفي صحيحة محمد: عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال: (إذا بلغ
قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة) (2)، مع أن كون الدرهم اسما لنقد خاص غير
معلوم.
ويشعر باعتبار الوزن أيضا التعبير بمثل قوله: (إذا بلغ، وإذا كان أقل،
أو نقص) ونحو ذلك، فلا يشترط.
ب: لو نقص عن النصاب ولو بقليل لا تجب الزكاة.
ولو اختلفت الموازين، فنقص في بعضها دون بعض، فعن الخلاف:
عدم وجوب الزكاة (3).
وعن المعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة والنهاية والمسالك:
الوجوب، إن كان الاختلاف بما جرت به العادة والنقص مما يتسامح به
في ذلك الوزن (4).
وهو قوي، لأنه علق وجوب الزكاة ببلوغ النصاب، فإذا بلغ بأحد
الموازين صدق البلوغ فوجب.
ولا يضر الاختلاف اليسير في بعض آخر، لأنه مما جرت به العادة،
ومثل ذلك لا ينفي الصدق العرفي كما لا يخفى.

(1) الكافي 3: 516 / 7، الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 1.
(2) الكافي 3: 516 / 5، الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 2.
(3) الخلاف 2: 75.
(4) المعتبر 2: 524، المنتهى 1: 493، التحرير 1: 62، التذكرة 1: 215، نهاية
الإحكام 2: 340، المسالك 1: 55.
149

وأيضا بناء كلام الشارع على طريقة المحاورات، فيبتني النصاب على
الأوزان المعتبرة في المعاملات، ومثل ذلك مما يتسامح به فيها.
على أن غاية تحقيق الأوزان اعتبارها بأوساط الشعير، ولا شبهة في
اختلافها.
الشرط الثاني: كونهما منقوشين بسكة المعاملة الخاصة، سواء كان
النقش بكتابة حروف وكلمات، أو بنقش صور وغيرها، بلا خلاف فيه بين
علمائنا، بل في الانتصار والمدارك والذخيرة (1) وغيرها (2) إجماعهم عليه.
وهو الدليل عليه، مضافا إلى أن عمومات وجوب الزكاة في الذهب
والفضة وإن اقتضت وجوبها فيهما مطلقا، إلا أن النصوص المستفيضة - بل
المتواترة النافية للزكاة عن الحلي والسبائك والنقار والتبر - أخرجت هذه
الأمور، التي هي العمدة في غير المسكوكات.
والباقي وإن كان أيضا أعم من المدعى، إلا أنه خرج غير المنقوش
بخبر علي بن يقطين المنجبر ضعفه - لو كان - بالعمل، وفيه: (وما لم يكن
ركازا فليس عليك فيه شئ)، قال: قلت: وما الركاز؟ قال: (الصامت
المنقوش) (3).
وذلك وإن كان أيضا أعم من المدعى في الجملة - لعدم اختصاص
النقش بسكة المعاملة - إلا أنه خرج غير المسكوك بسكة المعاملة بموثقة
جميل: (ليس في التبر زكاة، إنما هي على الدنانير والدراهم) (4).

(1) الإنتصار: 80، المدارك 5: 115، الذخيرة: 439.
(2) كالرياض 1: 269.
(3) الكافي 3: 518 / 8، التهذيب 4: 8 / 19، الإستبصار 2: 6 / 13، الوسائل 9:
145 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 8 ح 2.
(4) التهذيب 4: 7 / 18، الإستبصار 2: 7 / 16، الوسائل 9: 156 أبواب زكاة
الذهب والفضة ب 8 ح 5.
150

والتبر: ما كان من الذهب غير مضروب، على ما ذكره الجوهري،
وصاحب المغرب (1).. فخرج جميع غير الدنانير والدراهم وبقيت الزكاة
واجبة فيهما.
وهي وإن اقتضت اختصاص الزكاة بالدينار والدرهم، اللذين هما
اسمان لمسكوك بوزن خاص، إما مطلقا أو بسكة خاصة أيضا، كما مر في
الدينار.. إلا أن الاجماع اقتضى التعدي إلى كل مسكوك بسكة المعاملة،
بأي سكة وأي وزن كان.
ولما كان التعدي بالاجماع يجب الاقتصار على ما ثبت فيه، فلا يجب
في سكة لم تقع المعاملة عليها بين الناس، كمن نقش ذهبا أو فضة باسمه،
ولم يكن من شأنه ذلك ولم تقبل سكته.
والحاصل: أنه يشترط وقوع المعاملة بنحو هذه السكة، لا صلاحيتها
لها بأن يصير الناقش ممن تقبل سكته، ولا فيما انمحت سكته بكثرة
الاستعمال، بحيث لم يبق فيه نقش أصلا.
ولا يفيد الاستصحاب، لعدم صدق الدينار والدرهم وإن تعومل به،
ولا بغير المنقوش من السبائك وإن جرت به المعاملة.
نعم، لا يتعين التعامل بها في جميع البلدان إجماعا، بل يكفي جريانه
في بعض الأصقاع.
وتدل عليه أيضا رواية زيد الصائغ: إني كنت في قرية من قرى
خراسان يقال لها: بخارى، فرأيت فيها درهما يعمل، ثلث فضة وثلث مس
وثلث رصاص، وكانت تجوز عندهم وكنت أعملها وأنفقها، فقال
أبو عبد الله عليه السلام: (لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم)، فقلت: أرأيت إن
حال عليها الحول وعندي منها ما يجب فيه الزكاة أزكيها؟ قال: (نعم إنما

(1) الصحاح 2: 600، المغرب 1: 55.
151

هو مالك)، قلت: فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها [مثلها]، فبقيت عندي
حتى يحول عليها الحول، أزكيها؟ قال: (إن كنت تعرف أن فيها من الفضة
الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزك ما كان لك فيها من الفضة ودع ما سوى
ذلك من الخبث)، قلت: وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة، إلا
أني أعلم أن فيها ما يجب فيه الزكاة، قال: (فاسبكها حتى تخلص الفضة،
ويحترق الخبث، ثم تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة) (1).
وهل تشترط فعلية المعاملة ولو في بعض البلدان، أو لا، بل تكفي
السكة ولو هجرت المعاملة بها في بعض الأزمان مطلقا؟
نص الفاضلان (2) والشهيدان على الثاني (3)، بل قيل: لم أعثر فيه على
خلاف (4).
وهو كذلك، لا لما قيل من دلالة رواية الصائغ المتقدمة (5)، لعدم
دلالة فيها أصلا.
بل لاطلاق الدنانير والدراهم، الشامل لما هجرت المعاملة به أيضا،
الموافق لاطلاق ما دل على ثبوت الزكاة في النقد المنقوش، وإطلاق ما دل
على ثبوتها في الذهب والفضة مطلقا، خرج ما علم خروجه وبقي غيره.
الشرط الثالث: حولان الحول عليه، بإجماع العلماء، والمستفيضة
من النصوص. والمراد بالحول ما تقدم، من دخول الثاني عشر، كما مر
مفصلا.

(1) الكافي 3: 517 / 9، الوسائل 9: 153 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 7 ح 1،
وما بين المعوقتين من المصدرين.
(2) المحقق في المعتبر 2: 522، العلامة في التحرير 1: 62، والارشاد 1: 282.
(3) الشهيد الأول في الدروس 1: 236، والبيان: 300، والشهيد الثاني في الروضة 2: 30.
(4) كما في مجمع الفائدة 4: 86، والرياض 1: 269.
(5) كما في الرياض 1: 269.
152

البحث الثاني
فيما يتعلق بذلك الباب من الأحكام
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا تجب الزكاة في الحلي محللا كان أو محرما، ولا
في السبائك والنقار والتبر إذا لم يقصد بها الفرار من الزكاة، بإجماعنا
المحقق والمحكي (1)، وأخبارنا المستفيضة في جميع ما ذكر (2).
وعلى الحق إذا قصد الفرار أيضا.
وخالف الجمهور في الحلي المحرم، فأوجبوها فيه (3)، وجماعة فيما
إذا قصد الفرار، ومر الكلام فيه.
وعن الشيخ استحباب الزكاة في المحرم (4)، ولم نقف على مأخذه.
نعم، تستحب زكاة الحلي بإعارته للمؤمن إذا استعاره، لرواية دلت
عليه (5).
المسألة الثانية: لا فرق بين ردي كل من النقدين وجيده، بمعنى:
أنه يعد الكل جنسا واحدا مع تساويهما في الجنسية، وإن اختلف في الرغبة
والجودة، لعموم ما دل على وجوب الزكاة في المقدار المعين من الذهب أو
الفضة، فإنه يشمل الجيد والردي والمختلف القيمة وغيرها.

(1) كما في المدارك 5: 118، الحدائق 12: 96، الرياض 1، 271.
(2) الوسائل 9: 156، 159 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 9، 11.
(3) كما في المغني والشرح الكبير 2: 609، 614.
(4) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 205.
(5) الكافي 3: 518 / 6، التهذيب 4: 8 / 22، الإستبصار 2: 7 / 19، الوسائل 9:
158 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 10 ح 1.
153

ثم إن تطوع المالك إخراج الجيد للفريضة فلا كلام.
وإن ماكس، فهل يجب عليه التقسيط، كما في الشرائع والارشاد (1)،
للتعلق بالعين وقوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) (2)؟
أو يجوز له إخراج الأدون، كما عن الشيخ (3)، واختاره جمع من
المتأخرين (4)، لحصول الامتثال بما يصدق عليه الاسم؟ وهو الأظهر، لما
ذكر، وعدم منافاته للتعلق بالعين، وعدم دلالة الآية، لأن إطلاق الخبيث
على الرد ي مجاز، وإرادة مطلق الردي منه - حتى يصدق على مثل ذلك -
غير معلوم.
وأولى بالجواز إخراج الأدنى بالقيمة.
ولو أخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون - مثل: أن يخرج نصف دينار
جيد عن دينار أدون - فالمشهور كما قيل عدم الجواز (5)، لأن الواجب عليه
دينار، فلا يجزئ الناقص عنه.
واحتمل في التذكرة الاجزاء (6)، ومال إليه في الحدائق (7)، بل نفى
الاشكال عنه على القول بعدم وجوب التقسيط، إذ متى جاز أخذ دينار من
النصاب لنفسه وجاز إخراج القيمة يلزمه جواز ذلك.
وهو حسن، إلا أنه يمكن أن يقال بعدم ثبوت جواز دفع القيمة من
أدلته حتى من نفس النصاب، بل يظهر منه الخدش في جواز دفعها من

(1) الشرائع 1: 151، الإرشاد 1: 283.
(2) البقرة: 267.
(3) المبسوط 1: 209.
(4) كالعلامة في التذكرة 1: 216.
(5) انظر: الحدائق 12: 94.
(6) التذكرة 1: 216.
(7) الحدائق 12: 94.
154

جنس النصاب أيضا من غير ما تعلقت به الزكاة، فالأجود المشهور.
المسألة الثالثة: لا زكاة في المغشوش من الذهب والفضة مع غيرهما
ما لم يبلغ الصافي نصابا، فإذا بلغ وجب فيما بلغ خاصة، بلا خلاف فيهما
بين أصحابنا كما قيل (1)، بل قيل: إنه يفهم من الخلاف والمنتهى أيضا (2)،
وفي الحدائق اتفاق الأصحاب عليه (3).
ويدل على الأول عموم الأدلة الدالة على نفيها عما لم يبلغ منهما
نصابا، وعلى الثاني ثبوتها فيما بلغه منهما، مضافا في الحكمين إلى رواية
الصائغ المتقدمة (4).
ومما ذكرنا يظهر: أنه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب، أو دنانير
مغشوشة بفضة، وبلغ كل منهما نصابا، وجبت عليه الزكاة في كل منهما.
فرعان:
أ: لو شك في بلوغ الصافي من المغشوش من أحد النقدين وغيرهما
نصابا، لا تجب عليه زكاة، للأصل.
والمناقشة فيه: بأن مقتضى الأدلة وجوب الزكاة في النصاب، وهو
اسم لما كان نصابا في نفس الأمر، من غير مدخلية للعلم به في مفهومه،
وحينئذ فيجب تحصيل العلم، والتفحص عن ثبوته وعدمه ولو من باب
المقدمة.
مردودة بأن الألفاظ وإن كانت أسماء للمعاني النفس الأمرية، إلا أنها

(1) كما في الرياض 1: 270.
(2) الخلاف 2: 76، المنتهى 1: 494.
(3) الحدائق 12: 94.
(4) في ص 151.
155

تقيد في مقام التكليف بالعلم، كما بينا في محله، وتوقف إجراء الأصل على
الفحص إنما هو في الأحكام دون الموضوعات، ووجوب المقدمة بعد
ثبوت وجوب ذي المقدمة.
وإن تيقن البلوغ وعلم قدره، أخرج الزكاة منه بقدره نقدا خالصا، أو
أخرج ربع عشر المجموع، إذ به يتحقق إخراج ربع عشر الصافي، إلا إذا
لم يعلم تساوي قدر الغش في كل دينار أو درهم، فيجب حينئذ إخراج
الخالص أو قيمته، تحصيلا للبراءة اليقينية.
ولو لم يعلم قدره مع علمه بالبلوغ، فإن أخرج المالك ربع عشر
المجموع مع تساوي قدر الغش في الكل، أو أخرج من الخالصة أو
المغشوشة ما يحصل معه اليقين بالبراءة، فهو، وإن ماكس وجب عليه
تصفيتها وسبكها.
لا لما قيل من وجوب تحصيل البراءة اليقينية، وهو موقوف
بالسبك (1)، لأن الواجب منه تحصيل البراءة اليقينية عما قد علم الشغل به
يقينا، ولم يعلم الشغل بالأزيد من فريضة القدر المتيقن وجوده من
الخالص، فيعمل في الزائد بأصل البراءة.
وما قيل من عدم جريانه إلا فيما لم يثبت فيه تكليف أصلا، أما ما
ثبت فيه مجملا فلا بد فيه من تحصيل البراءة اليقينية، عملا
بالاستصحاب (2).
مردود بمنع عدم الجريان، كيف؟! مع أن الأزيد مما لم يثبت فيه
تكليف أصلا، والمجمل الواجب فيه تحصيل البراءة اليقينية هو ما لم يكن

(1) كما في الرياض 1: 270.
(2) كما في الرياض 1: 270.
156

فيه قدر مشترك.
والاستصحاب لا يفيد، لأن ما علم به الشغل أوتي به، وما لم يعلم
كيف يستصحب؟! واستصحاب أصل الشغل - مع العلم بمتعلقه المعلوم وزواله - لا وجه له.
بل للأمر بالسبك في رواية الصائغ السابقة.
خلافا للمحكي عن الفاضلين (1) وجماعة (2)، فاستوجهوا الاكتفاء بما
علم اشتغال الذمة به وطرح المشكوك فيه، عملا بأصل البراءة.
وفيه: إنه يتم لولا الرواية.
ب: لو كان المغشوش النقدين معا وشك في بلوغ كل منهما
النصاب، يعمل فيهما بالأصل.
ولو تيقن بلوغ أحدهما معينا وشك في الآخر، يعمل فيه خاصة
بالأصل.
ولو لم يعلم البالغ، وجب تحصيل البراءة اليقينية، بإخراج الأعلى
قيمة، أو ربع عشر المجموع، أو السبك، لاستصحاب الشغل، وفقد القدر
المشترك.
وكذا لو علم بلوغ كل منهما ولم يعلم قدر كل واحد.
ولا يجوز له العمل بالأصل في واحد منهما، لاستلزامه مخالفة أصل
في الآخر، وحصول التعارض.
المسألة الرابعة: من خلف لعياله نفقة سنة أو سنتين أو أكثر وبلغت
النصاب وحال عليها الحول، فلو كان حاضرا وجبت عليه زكاتها، بلا
خلاف فتوى ونصا، كما لا خلاف في عدم الوجوب لو كان غائبا ولم

(1) المحقق في المعتبر 2: 525، والشرائع 1: 151، والعلامة في القواعد 1:
54، والمنتهى 1: 494.
(2) كصاحب المدارك 5: 124، والسبزواري في الذخيرة: 441.
157

يتمكن من التصرف فيها وأخذها متى رامه.
ولو كان غائبا قادرا على أخذها متى شاؤوا ففيه قولان.
سقوط الزكاة، وهو عن الشيخين (1) والفاضلين (2) وغيرهما (3)، بل
ادعى عليه جماعة الشهرة (4)، لعمومات سقوط الزكاة عن المال الغائب (5)،
أو ما ليس في يد المالك أو عنده، كالروايات العشر من الصحاح،
والموثقات، والحسان، وغيرها، المتقدمة في مسألة اشتراط التمكن من
التصرف وغيرها (6)، وخصوص موثقتي أبي بصير وإسحاق، ومرسلة ابن
أبي عمير الواردة في نفقة العيال، المتقدمة فيها أيضا (7).
ووجوبها، وهو للسرائر (8)، وربما يحكى عن جماعة.
إما لقصور سند الروايات الثلاث الواردة في النفقة، فلا تصلح
مخصصة لعمومات وجوب الزكاة، كما في المدارك (9).
أو لأجل معارضة روايات السقوط بإطلاق ما دل على وجوب الزكاة
مع التمكن من التصرف وعدمه مع عدمه بالعموم والخصوص من وجه،
ورجحان الأخير بالأكثرية والشهرة القطعية، كما قيل (10).

(1) المفيد في المقنعة: 239، والطوسي في المبسوط 1: 213، والنهاية: 178.
(2) المحقق في الشرائع 1: 152، والمعتبر 2: 530، والعلامة في المختلف:
178، والتحرير 1: 58.
(3) كالشهيد في الدروس 1: 230، والسبزواري في الذخيرة: 424، والكفاية: 35.
(4) نقله في مفتاح الكرامة 3: 25 عن تلخيص التلخيص.
(5) الرسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب 5 ح 1.
(6) راجع ص 34 و 35.
(7) في ص 34.
(8) السرائر 1: 443.
(9) المدارك 5: 127.
(10) كما في الرياض 1: 271.
158

ولكن يرد على الأول: أن قصور السند - مع وجود الخبر في الأصول
المعتبرة سيما الكتب الأربعة - غير ضائر، ولو سلم فإنما هو مع عدم
الجابر، وما مر من الشهرة المحكية كاف في الجبر.
مع أن القصور ممنوع، لكون اثنين منها من الموثقات، وواحدة من
مراسيل ابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه، والمحكوم بكون
مراسيله في حكم المسانيد.
هذا، مع عدم انحصار الدال بهذه الثلاث، بل تدل عليه جميع
الروايات العشر المذكورة أيضا.
وعلى الثاني: منع الرجحان بما ذكر، لأن ما يدل على وجوب الزكاة
في المال الغائب - الذي يقدر على أخذه - منحصر بموثقة زرارة، وروايتي
عمر بن يزيد وعبد العزيز، المتقدمة في المسألة المذكورة، بل في الأولى
منها، لقصور شمول الأخيرتين لغير الدين.
والشهرة المفيدة إنما هي التي كانت في المورد، وهي مع الأول.
فالظاهر عدم الترجيح من هاتين الجهتين، ولا من جهة أخرى
مقبولة، ولازمه تعارضهما ورفع اليد عنهما، لبطلان التخيير - الذي هو
المرجع عند عدم الترجيح - بالاجماع، فتبقى عمومات سقوط الزكاة - عن
مطلق المال الغائب، وما ليس في يده، ولا عنده - سالمة عن المعارض.
ومنه يظهر أن الترجيح للأول، فهو الأقوى والمعول.
المسألة الخامسة: لا تجب الزكاة حتى يبلغ كل جنس نصابا، ولو
قصر جنس مما تجب فيه الزكاة لم يجبر بجنس آخر منه، بالاجماع
المحقق، والمحكي مستفيضا (1).
ويدل عليه - مع الاجماع - الأصل، وكل ما دل على نفي الزكاة في كل

(1) كما في المدارك 5: 127، والرياض 1: 272.
159

جنس إذا لم يبلغ نصابه، وخصوص صحيحة زرارة (1).
وأما رواية إسحاق بن عمار الظاهرة في جبر الذهب والفضة
بالآخر (2) - فشاذة مردودة، ومع ذلك على التقية محمولة، لموافقتها طائفة
من العامة (3).
ويحتمل حملها على من جعل ماله أجناسا مختلفة فرارا من الزكاة،
فتستحب فيه الزكاة، بل تشهد له رواية أخرى لإسحاق بن عمار أيضا (4)،
ولا دلالة في الأولى على الأزيد من الاستحباب - الذي هو الحكم عند
الفرار - مع احتمالها لمحامل أخرى أيضا، والله يعلم.

(1) المتقدمة في ص 144.
(2) الكافي 3: 516 / 8، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 7.
(3) انظر: المغني والشرح الكبير 2: 598.
(4) كما في الكافي 3: 516 / 8، التهذيب 4: 93 / 269، الإستبصار 2:
39 / 121، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 7.
160

الفصل الثالث
في زكاة الغلا ت الأربع
وفيه بحثان:
البحث الأول
فيما يشترط به وجوبها
اعلم أنه يشترط في وجوبها عليها شرطان:
الشرط الأول: النصاب، باتفاق الأصحاب المصرح به في كلماتهم،
وفي المنتهى: لا نعلم فيه خلافا - إلا عن مجاهد وأبي حنيفة، فإنهما
أوجباها في قليلها وكثيرها (1) - فهو الدليل عليه، مضافا إلى النصوص:
ففي صحيحة سعد: عن أقل ما تجب فيه الزكاة من البر والشعير
والتمر والزبيب؟ قال: (خمسة أوساق بوسق النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: فكم
الوسق؟ فقال: (ستون صاعا) (2).
وصحيحة محمد: عن التمر والزبيب، ما أقل ما تجب فيه الزكاة؟
قال: (خمسة أوساق) (3).
وصحيحة سليمان: (ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق،
والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا) (4).

(1) المنتهى 1: 496.
(2) الكافي 3: 514 / 5، الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 1.
(3) الكافي 3: 514 / 7، التهذيب 4: 18 / 47، الإستبصار 2: 19 / 53، الوسائل
9: 176، أبواب زكاة الغلات ب 1 ح 3.
(4) التهذيب 4: 18 / 46، الإستبصار 2: 18 / 52، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة
الغلات ب 1 ح 7.
161

وصحيحة الحلبي وفيها - بعد ذكر حديث -: وقال في حديث آخر،
ثم ذكر مثل صحيحة سليمان، وقال في آخره: (والوسق ستون صاعا) (1).
وصحيحته الأخرى: (ليس فيما دون خمسة أوساق شئ، والوسق
ستون صاعا) (2)، وقريبة منها موثقة أبي بصير وابن شهاب (3).
وصحيحة زرارة وابن بكير: (وأما ما أنبتت الأرض من شئ من
الأشياء فليس فيه زكاة إلا في أربعة أشياء: البر والشعير والتمر والزبيب،
وليس في شئ من هذه الأربعة أشياء شئ حتى يبلغ خمسة أوساق،
والوسق ستون صاعا، وهو ثلاثمائة صاع بصاع النبي، فإن كان من كل
صنف خمسة أوساق غير شئ وإن قل فليس فيه شئ، وإن نقص البر
والشعير والتمر والزبيب، أو نقص من خمسة أوساق صاع أو بعض صاع،
فليس فيه شئ) (4) الحديث.
ومرسلة ابن بكير: (في زكاة الحنطة والشعير والتمر والزبيب ليس
فيما دون الخمسة أوساق زكاة، فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة،
والوسق ستون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبي) (5)، إلى غير ذلك.
وأما رواية إسحاق بن عمار: عن الحنطة والتمر عن زكاتهما، فقال:
(العشر ونصف العشر، العشر مما سقت السماء، ونصف العشر مما سقي

(1) التهذيب 4: 14 / 36، الإستبصار 2: 15 / 42، الوسائل 9: 178 أبواب زكاة
الغلات ب 1 ح 11.
(2) التهذيب 4: 18 / 48، الإستبصار 2: 18 / 45، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة
الغلات ب 1 ح 6.
(3) التهذيب 4: 19 / 49، الإستبصار 2: 18 / 55، الوسائل 9: 178 أبواب زكاة
الغلات ب 1 ح 9.
(4) التهذيب 4: 19 / 50، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلات ب 1 ح 8.
(5) التهذيب 4: 14 / 35، الإستبصار 2: 14 / 41، الوسائل 9: 179 أبواب زكاة
الغلات ب 1 ح 12.
162

بالسواقي)، فقلت: ليس عن هذا أسألك، إنما أسألك عما خرج منه قليلا
كان أو كثيرا، أله حد يزكى ما خرج منه؟ فقال: (يزكى ما خرج منه قليلا
كان أو كثيرا من كل عشرة واحدا، ومن كل عشرة نصف واحد) (1) الحديث.
فحملها في التهذيبين على القليل، والكثير على ما زاد على الخمسة
أوساق، أو على الاستحباب (2).
والأول مقتضى حمل العام على الخاص، والثاني موافق للجملة
الخبرية.
ويمكن الحمل على التقية أيضا، ولولا ما ذكر لوجب طرحها،
لشذوذها من وجهين، والله يعلم.
ثم حد النصاب خمسة أوساق، بالاجماع المحقق، والمحكي
مستفيضا في الناصريات والخلاف والغنية والمنتهى (3) وغيرها (4)، ويدل
عليه - مع الاجماع - أكثر النصوص المتقدمة.
وأما صحيحة الحلبي: في كم تجب الزكاة من الحنطة والشعير والتمر
والزبيب؟ قال: (في ستين صاعا) (5).
ورواية ابن سنان: عن الزكاة في كم تجب في الحنطة والشعير؟
فقال: (في وسق) (6).

(1) التهذيب 4: 17 / 42، الإستبصار 2: 16 / 45، الوسائل 9: 184 أبواب زكاة
الغلات ب 4 ح 6 و ب 3 ح 2.
(2) التهذيب 4: 17، الإستبصار 2: 16.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 205، الخلاف 2: 58، الغنية (الجوامع
الفقهية): 567، المنتهى 1: 496.
(4) كما في الرياض 1: 272.
(5) تقدمت في ص 162.
(6) التهذيب 4: 18 / 45، الإستبصار 2: 18 / 51، الوسائل 9: 181 أبواب زكاة
الغلات ب 3 ح 4.
163

ورواية أبي بصير: (لا تكون في الحب ولا في النخل ولا في العنب
زكاة حتى تبلغ وسقين، والوسق ستون صاعا) (1).
فتحمل إما على شدة الاستحباب بقرينة ما مر، أو تترك، لمخالفتها
الاجماع والصحاح المتكثرة.
والوسق ستون صاعا، كما في المعتبر والتذكرة والمنتهى (2)، وكثير من
النصوص المتقدمة من غير معارض به ناطقة، فهذه ثلاثمائة صاع.
والصاع قدر في الأخبار وكلام الأصحاب بالأمداد، والأرطال، والدراهم.
أما الأول: فهو أربعة أمداد باتفاق علمائنا، كما عن الخلاف والغنية
والمعتبر والمنتهى والتذكرة، له (3)، ولصحيحة ابن سنان الواردة في قدر
الفطرة، وفيها: (والصاع أربعة أمداد) (4)، ونحوها في صحيحة الحلبي
الواردة في الفطرة أيضا (5).
وصحيحة زرارة، وفيها: (والمد رطل ونصف، والصاع ستة أرطال) (6).
والرضوي: (والوسق ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد، والمد مائتان
واثنان وتسعون درهما ونصف) (7).

(1) التهذيب 4: 17 / 44، الإستبصار 2: 17 / 50، الوسائل 9: 181 أبواب زكاة
الغلات ب 3 ح 3.
(2) المعتبر 2: 523، التذكرة 1: 218، المنتهى 1: 479.
(3) الخلاف 2: 59، الغنية (الجوامع الفقهية): 567، المعتبر 2: 532، المنتهى
1: 497، التذكرة 1: 218.
(4) التهذيب 4: 81 / 234، الإستبصار 2: 47 / 155، الوسائل 9: 336 أبواب
زكاة الفطرة ب 6 ذيل الحديث 12.
(5) التهذيب 4: 81 / 233، الإستبصار 2: 47 / 154، الوسائل 9: 336 أبواب
زكاة الفطرة ب 6 ح 12.
(6) التهذيب 1: 136 / 379، الإستبصار 1: 121 / 409، الوسائل 1: 481 أبواب
الوضوء ب 50 ح 1.
(7) فقه الرضا (ع): 179، مستدرك الوسائل 7: 87 أبواب زكاة الغلات ب 1 ح 1.
164

وتدل عليه أيضا رواية الهمداني الآتية.
وأما رواية المروزي: (الغسل بصاع من ماء، والوضوء بمد من ماء،
وصاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمسة أمداد، والمد وزن مائتين وثمانين درهما،
والدرهم وزن ستة دوانيق، والدانق وزن ست حبات، والحبة وزن حبتي
شعير من أوساط الحب، لا من صغاره ولا من كباره) (1).
فلا تصلح لمعارضة ما مر، لأكثريته عددا، الموجبة لأشهريته رواية،
وهي من المرجحات المنصوصة، ولأصحيته سندا، وهي أيضا من
المرجحات، ولموافقته لعمل الأصحاب ومخالفتها، بل في الحدائق ظاهر
الأصحاب الاتفاق على طرح هذا الخبر (2).
وقد يوجه بأن الصاع مكيال معين، ومن البديهيات أن الأجسام
المختلفة يختلف قدرها بالنسبة إلى مكيال معين، ولا يمكن أن يكون
الصاع من الماء موافقا للصاع من الحنطة والشعير وشبههما، فيكون الصاع
من الماء - كما هو مورد الرواية الأخيرة - أثقل من الصاع من الطعام، كما
هو مورد الصحاح والروايتين السابقة.. ولذا فرق الصدوق في معاني الأخبار
بين صاع الماء وصاع الطعام (3).
أقول: هذا التوجيه كان حسنا لولا أن المد أيضا كالصاع مكيال معين،
ولكن الظاهر - كما صرح به في الحدائق، ناقلا عن بعض مشايخه - أن كلا
من المد والرطل والصاع مكيال معين (4)، فلا يختلف.

(1) التهذيب 1: 135 / 374، الإستبصار 1: 121 / 410، الوسائل 1: 481 أبواب
الوضوء ب 50 ح 3.
(2) الحدائق 12: 114.
(3) معاني الأخبار: 249.
(4) الحدائق 12: 115.
165

هذا، مع أن صحيحة زرارة المتقدمة واردة في صاع الماء أيضا.
ومنه يظهر ما في التوجيه بحمل الاختلاف على تعدد الصاع للنبي
صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كلا من صحيحة زرارة ورواية المروزي واردة في صاع غسل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فتأمل.
ثم إنه قد ظهر مما ذكر أن النصاب ألف ومائتا مد.
وأما الثاني: فهو ستة أرطال بالمدني وتسعة بالبغدادي، بلا خلاف،
بل بالاجماع، كما عن الانتصار والناصريات والخلاف والغنية (1)، لرواية
علي بن بلال: كم الفطرة وكم يدفع؟ قال: فكتب: (ستة أرطال من تمر
بالمدني، وذلك تسعة أرطال بالعراقي، فإن قدر الفطرة صاع) (2).
وتدل عليه أيضا صحيحة أيوب بن نوح، المتضمنة لارسال الراوي
عن كل رأس من عياله درهما قيمة تسعة أرطال، وتقرير المعصوم إياه (3).
ورواية الهمداني، وفيها: (الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة
بالعراقي) وأخبرني: (أنه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة) (4).
وأما ما فسر الصاع بستة أرطال (5)، فمحمول على المدني، لوجوب
حمل المجمل على المبين، وتدل عليه رواية أخرى للهمداني تأتي.
وأما موثقة سماعة: (وكان الصاع على عهده خمسة أرطال، وكان

(1) الإنتصار: 88، الناصريات) الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 156، الغنية
(الجوامع الفقهية): 567.
(2) الكافي 4: 172 / 8، التهذيب 4: 83 / 242، الإستبصار 2: 49 / 162،
الوسائل 9: 341 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 2.
(3) كما في الكافي 4: 174 / 24،، الوسائل 9: 346 أبواب زكاة الفطرة ب) ح 3.
(4) الكافي 4: 172 / 9، الفقيه 2: 115 / 493، التهذيب 4: 83 / 143، الإستبصار
2: 49 / 163، الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.
(5) الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7.
166

المد قدر رطل وثلاث أواق) (1).
فمع شذوذها، غير منضبطة، لاختلاف النسخ فيها، لأن في
الإستبصار: (خمسة أمداد) مكان: (خمسة أرطال)، وهو المناسب لتقدير
المد بعده.
وأما الثالث: فهو ما تضمنته رواية الهمداني المتقدمة، وفيها وإن عبر
عن الدرهم بالوزنة ولكنه قد روى هذا الخبر في عيون الأخبار وذكر الدرهم
موضع الوزنة (2). وعلى هذا، فيكون النصاب ثلاثمائة آلاف وواحد
وخمسون ألف درهم، ويكون على التقدير الأول ألفا ومائتا مد، وعلى
الثاني ألفين وسبعمائة رطل بالعراقي.
ومرجع الثلاثة واحد، وذلك لأن المد رطلان وربع بالعراقي، والرطل
مائة وثلاثون درهما.
أما الأول، فظهر وجهه مما مر من تقدير الصاع بأربعة أمداد وتسعة
أرطال، وعليه الاجماع عن الخلاف والغنية (3)، وعن البزنطي: أنه رطل
وربع (4).
واستدل له بموثقة سماعة المتقدمة، وهي لا تلائمه إن فسرت الأوقية
بأربعين درهما، كما ذكره الجوهري (5)، أو بعشرة مثاقيل وخمسة أسباع
درهم، كما عند الأطباء.. فتكون الرواية مردودة بمخالفة الاجماع، أو

(1) التهذيب 1: 136 / 376، الإستبصار 1: 121 / 411، الوسائل 1: 482 أبواب
الوضوء ب 50 ح 4.
(2) عيون أخبار الرضا (ع) 1: 241 / 73، الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7
ح 1.
(3) الخلاف 2: 59، 156، الغنية (الجوامع الفقهية): 567.
(4) نقله عنه في البيان: 293.
(5) الصحاح 6: 2527.
167

بحمل المد والرطل فيها على مكيال بعض البلاد الغير الشائعة اليوم.
نعم، إن فسرت الأوقية بسبعة مثاقيل - التي هي عشرة دراهم، كما
في العين (1) - يقرب من ربع الرطل، ويطابق قول البزنطي تقريبا، وعلى هذا
يمكن حمل الرطل في الموثقة على المكي - الذي هو ضعف العراقي -
فيوافق المشهور تقريبا أيضا.
ومنه يظهر إمكان تطبيق قول البزنطي على المشهور، بحمله على
المكي.
ومن ذلك يظهر أن ألفا ومائتي مد يكون ألفين وسبعمائة رطل بالعراقي.
وأما الثاني - وهو كون كل رطل عراقي مائة وثلاثين درهما - فهو مما
ذهب إليه الأكثر، ومنهم: الصدوق (2) والشيخان (3).
وتدل عليه رواية الهمداني المتقدمة، لأن الحاصل من ضرب التسعة
- التي هي عدد أرطال الصاع بالعراقي - في مائة وثلاثين: ألف
ومائة وسبعون.
وتدل عليه أيضا رواية أخرى للهمداني، وفيها بعد أن كتب: (إن
الفطرة صاع) إلى أن قال: (يدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة، والرطل
مائة وخمسة وتسعون درهما، تكون الفطرة ألفا ومائة وسبعين درهما) (4).
خلافا للتحرير وموضع من المنتهى (5)، فوزنه مائة وثمانية وعشرون
درهما وأربعة أسباع درهم، ولم أعثر على مستنده.

(1) العين 5: 240.
(2) من لا يحضره الفقيه 1: 115.
(3) المفيد في المقنعة: 251، الطوسي في المبسوط 1: 241.
(4) التهذيب 4: 79 / 226، الإستبصار 2: 44 / 140، الوسائل 9: 342 أبواب
زكاة الفطرة ب 7 ح 4.
(5) التحرير 1: 62، المنتهى 1: 497.
168

وأما رواية المروزي - المقدرة للمد بمائتين وثمانين درهما - فهي لا
توافق شيئا من القولين، فتكون مخالفة للاجماع، مردودة بالشذوذ.
ثم حاصل ضرب الألفين وسبع مائة في مائة وثلاثين هو: ثلاثمائة
آلاف وواحد وخمسون ألفا، وهو بعينه عدد دراهم الصاع.
وظهر به رجوع التقديرات الثلاثة إلى واحد، وأن دراهم النصاب
ثلاثمائة آلاف وواحد وخمسون ألف درهما.
ولما عرفت أن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية، يكون النصاب
مائتي ألف وخمسة وأربعون ألفا وسبع مائة مثقالا شرعيا.
ولكون المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي، يكون النصاب مائة
ألف وأربعة وثمانين ألفا ومائتين وخمسة وسبعين مثقالا صيرفيا.
أو نقول: لكون كل درهم نصف مثقال صيرفي وربع عشره، يكون
ثلاثمائة آلاف وواحد وخمسين ألف درهما، العدد المذكور من المثاقيل
الصيرفية.
ولكون كل من تبريزي - بالوزن المتعارف في بلادنا هذه وما يقربها
في هذه الأزمنة، وهي سنة ألف ومائتان وسبع وثلاثون من الهجرة - ست
مائة وأربعين مثقالا صيرفيا، يكون النصاب بالمن التبريزي مائتين وسبع
وثمانين منا ونصف من، ومائتين وخمسة وسبعين مثقالا صيرفيا.
وبعبارة أخرى: مائتين وثمانية وثمانين منا إلا خمسة وأربعين مثقالا.
ولما كان المن الشاهي المتعارف في بلادنا في هذه الأزمان ضعف
التبريزي، يكون النصاب مائة وأربعة وأربعين منا شاهيا إلا خمسة وأربعين
مثقالا.
وكان المن التبريزي في الأزمنة السابقة علينا نا ستمائة مثقال، والشاهي
- الذي ضعفه - ألف ومائتي مثقال، وهو المشهور بالمن ن الشاهي العباسي،
169

سمي باسم الشاه عباس الصفوي.. فيكون النصاب عليه بالمن الشاهي مائة
وثلاثة وخمسين من ونصف من وخمسة وسبعين مثقالا.
وإلى هذا ينظر كلام جدي - قدس سره - ومن حذا حذوه، حيث قال: إن
الاحتياط في نحو هذه الأعصار - وهي سنة ألف ومائة واثنين من الهجرة -
إن اعتبر النصاب بالمن المتعارف فيه أن يجعل ثلاثمائة من بالمن التبريزي.
فروع:
أ: قال في المنتهى: لو بلغت الغلة النصاب بالكيل والوزن معا وجبت
الزكاة قطعا، وكذا لو بلغت بالوزن دون الكيل.. ولو بلغت بالكيل دون
الوزن - كالشعير، فإنه أخف من الحنطة مثلا - لم تجب الزكاة على
الأقوى (1).
أقول: البلوغ بالوزن دون الكيل يتصور بأن يصنع وعاء يسع ألفا
ومائة وسبعين درهما من الشعير، فهو صاع، ولكنه يسع من الحنطة أكثر
من ذلك قطعا، فيكون نصاب الحنطة بالوزن أقل من ثلاثمائة صاع من ذلك
الصاع. أو يصنع ما يسع هذا الوزن من الحنطة ولكن لتقريبية مل الصاع كيل
وزن النصاب بأقل من ثلاثمائة صاع ولو ببعض الصاع.
ثم أقول: إن ما ذكره عندي محل نظر، وإن تبعه جمع ممن عنه
تأخر (2).
بيان ذلك: إن المعلوم بنقل الأصحاب وتصريح أهل اللغة - بل
بالأخبار - أن الصاع اسم لمكيال معين كانوا يكيلون به الغلات وغيرها.
ومن البديهيات أن الوعاء والمكيال الذي يسع الألف ونحوه إذا قدر

(1) المنتهى 1: 497.
(2) انظر: البيان: 293، والمدارك 5: 136.
170

بالدراهم والمثاقيل لا يمكن إرادة التحقيقية، لأن الاختلاف بنحو الدرهم
والمثقال بديهي محسوس، فقد يزيد درهم وقد ينقص.
نعم، لو كان الصاع اسما لألف ومائة وسبعين درهما لا للمكيال لتم
ما ذكره، ولكنه ليس كذلك، فالمراد أن الصاع بهذا الوزن تقريبا، كما
يتعارف في هذه الأزمنة في مكيال يسمى في بعض بلادنا بالكيلة.. وكل
أحد يقول: إنه من تبريزي، والمن ستمائة مثقال وأربعون، مع أنهم يكيلون
به وقد يزيد بمثاقيل وقد ينقص، ولو باع أحد مائة كيلة حنطة وكالها
للمشتري فوزنها وكان منا، لا يحكم بالتسلط على مطالبته من آخر.
وعلى هذا، فنقول: لو صنع صاع يسع ألفا ومائة وسبعين درهما عرفا،
وكيل وبلغ النصاب بهذا المقدار بالكيل، يصدق بلوغ ثلاثمائة صاع، فلم لا
تجب فيه الزكاة؟! مع التصريح بالوجوب في النصوص، سواء بلغ بالوزن
التحقيقي ذلك أو لم يبلغ، أو جهل الحال، إذ المراد بالوزن: التقريبي، وقد
بلغ.
ولو بلغ الوزن بالوزن التحقيقي ولم يعلم بلوغ الكيل، أو كيل وعلم
عدم البلوغ، فمقتضى القاعدة عدم الوجوب، كما صرح به في صحيحة
زرارة وابن بكير المتقدمة (1). إلا أن الظاهر الاجماع على اعتبار الوزن أيضا،
ويدل عليه: أن الظهر أن كل من [علق] (2) حكما على مكيال له وزن
تقريبي يعتبر ذلك الوزن تحقيقا أيضا، فالحق اعتبار كل من الكيل والوزن
وحده أيضا.
ومما ذكرنا ظهر ما في كلام المدارك، حيث قال - بعد نقل ما سبق
عن المنتهى -: ومرجعه إلى اعتبار الوزن خاصة، وهو كذلك، إذ التقدير

(1) في ص: 162.
(2) في النسخ: تعلق، والصحيح ما أثبتناه.
171

الشرعي إنما وقع به لا بالكيل، ومع ذلك فهذا البحث لا جدوى له في هذا
الزمان، إذ لا سبيل إلى معرفة قدر الصاع إلا بالوزن (1). انتهى.
وفيه: منع وقوع تقدير النصاب شرعا بالوزن، بل قدر بثلاثمائة
صاع، وهي الكيل، غاية الأمر تقدير الكيل في مقام آخر بوزن معين،
والمراد أنه كذلك تقريبا.
وأما منع الجدوى لما ذكر، ففيه: أن بعد معرفة الصاع بالوزن تقريبا
يحصل مكيال الصاع أيضا.
ثم إنه لما ورد في سائر الأخبار أن الصاع يسع ألفا ومائة وسبعين
درهما (2)، ولم يقيده بالماء أو الحنطة، ومن الظاهر اختلاف سعة هذه
الأشياء، فنقول: المراد أن الصاع من كل شئ ما يسع ذلك المقدار منه،
فتختلف الصيعان ضيقا وسعة.
ب: قال في المدارك: هذا التقدير تحقيق لا تقريب، فلو نقص عن
المقدار المذكور ولو قليلا فلا زكاة (3).
وصرحت به جماعة أخرى، منهم: الفاضل في التذكرة والمنتهى
أيضا (4)، بل عنهما الاشعار بعدم الخلاف فيه، واستدل عليه بصحيحة زرارة
وابن بكير المتقدمة.
وفي التذكرة عن بعض العامة قولا بأن هذا التقدير تقريب، فتجب
الزكاة لو نقص قليلا، لأن الوسق في اللغة الحمل، وهو يزيد وينقص، ثم
رده بأنا اعتبرنا التقدير الشرعي دون اللغوي (5).

(1) المدارك 5: 136.
(2) الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7.
(3) المدارك 5: 135.
(4) التذكرة 1: 218، المنتهى 1، 497.
(5) التذكرة 1: 218.
172

أقول: إن أريد أن عدد الصاع تحقيقي ولا تكفي ثلاثمائة تقريبا، فهو
كذلك إن اعتبر الكيل، ويصرح به في الصحيحة.. وكذلك إن أريد تحقيقية
الوزن إن اعتبر بالوزن، للأصل.. وأن أريد أن وزن النصاب غير مختلف
أبدا، بل هو واحد حقيقة دائما، فهو ليس كذلك، وظهر وجهه من الفرع
السابق، إذ لو اعتبر بالكيل يتحقق التقريب في الوزن.
ج: عن التذكرة والمنتهى: الاجماع على أن النصاب المعتبر إنما
يعتبر وقت جفاف التمر ويبس العنب والغلة (1)، فلو كان الرطب أو العنب
أو الغلة نصابا ولو جف تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا نقص، فلا زكاة
وإن كان وقت تعلق الوجوب نصابا.
وتدل عليه صحيحتا سليمان والحلبي، المتقدمتان في صدر
الفصل (2).
وما دل من المستفيضة - على نفي الزكاة عن الأقل من النصاب من
التمر والزبيب - فإنه يشمل ما لو كان الأقل نصابا حال الرطوبة.
ويتعدى الحكم إلى الحنطة والشعير بعدم القول بالفصل، مع أن
المفهوم المتبادر من تعليق حكم على وزن معين من الغلة إنما هو ذلك
الوزن عند التصفية، التي هي بعد الجفاف لا غيره.
وما يؤكل من الرطب والعنب رطبا ولا يجف مثله تجب فيه الزكاة إذا
بلغ تمره أو زبيبه النصاب وإن كان يقل كثيرا على القول بوجوب الزكاة في
الرطب والعنب.
د: لا تقدير فيما زاد على النصاب، بل تجب في الزائد الزكاة وإن

(1) التذكرة 1: 219، المنتهى 1: 497.
(2) راجع ص: 161. 162.
173

قل، بلا خلاف نصا وفتوى، وفي المنتهى: أنه لا خلاف فيه بين العلماء (1).
ويدل عليه - مع الاجماع المحقق - الأصل، ورواية إسحاق بن عمار المتقدمة (2) وغيرها (3).
الشرط الثاني: أن يملكها قبل بلوغها حدا تجب عليها الزكاة - أي
قبل صدق الحنطة والشعير والتمر والزبيب - باقيا إلى وقت تعلق الوجوب،
بالاجماع المحقق، والمحكي مستفيضا (4).
فلو ملكها قبله كذلك تجب عليه الزكاة، يعني: تخرج من ماله وإن
نقلها بعده.
ولو ملكها بعده لا تجب عليه، أي لا تخرج من ماله.
أما الأول - وهو وجوب الزكاة لو ملكها قبل تعلق الوجوب باقيا إلى
وقته - فلجميع عمومات تعلق الزكاة بالأجناس الأربعة (5) وإطلاقاتها، فأول
وقت يصدق عليها الاسم - وهي في ملكه - تتعلق بها الزكاة، ويشترك فيها
الفقراء، للعمومات والاطلاقات.
وأما الثاني - وهو عدم الوجوب لو ملكها بعد زمان تعلق الوجوب -
فلعدم تعلق زكاتين بمال واحد في عام واحد، وذلك قد تعلقت به الزكاة
في بدو زمان تعلق الوجوب قبل الانتقال إلى الثاني، فالمنتقل إليه لا تجب
فيه زكاة.
نعم، لو انتقل جميع الزرع بعد زمان الوجوب إلى أحد ولم يعلم

(1) المنتهى 1: 498.
(2) في ص: 162.
(3) الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1.
(4) انظر: المعتبر 2: 538، المنتهى 1: 497.
(5) الوسائل 9: 175 أبواب زكاة الغلات ب 1.
174

ضمان المالك الأول لزكاته يجب عليه إخراج الزكاة من جانب المالك
الأول، كما إذا مات أحد عن زرع بعد زمان تعلق الوجوب قبل التصفية
والاخراج، والله يعلم.
175

البحث الثاني
فيما يتعلق به من الأحكام
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يزكى حاصل الزرع مرة واحدة، ثم لا تجب فيه
زكاة، بالاجماع والنصوص (1)، وإن بقي ألف عام.. إلا أن ينض وجعل ثمنا
أو حيوانا زكويا فتجب بشروطها.
المسألة الثانية: قدر الفريضة الواجب إخراجها: العشر إن سقي
سيحا، أي بالماء الجاري على وجه الأرض.
سواء كان السقي قبل الزرع، كالنيل، فإن الله سبحانه يبعث عليه ريح
الشمال، فينقلب عليه البحر المالح، فيزيد، فيملأ الخلجان، وتروى به
الأرض، حتى إذا كان زمان الزراعة كان ذلك كافيا، وأغنى عن المطر وغيره.
أو بعده، كعامة الأنهار والعيون.
أو بعلا، بأن يسقى بالعروق القريبة من الماء في الأراضي التي يقرب
ماؤها.
أو عذبا، أي بماء المطر.
ونصف العشر إن سقي بالدلو والناضح والدولاب والناعورة ونحوها
من الآلات، بالاجماع في الحكمين محققا، ومحكيا في المعتبر والمنتهى
والتذكرة (2) وغيرها (3).
وتدل عليهما الأخبار المستفيضة، كصحيحة زرارة وابن بكير، وفيها:

) (1) الوسائل 9: 194 أبواب زكاة الغلات ب 11.
(2) المعتبر 2: 539، المنتهى 1: 498، التذكرة 1: 219.
(3) كما في الذخيرة: 442.
176

(فإذا كان يعالج بالرشاء والنضح والدلاء ففيه نصف العشر، وإن كان يسقى
بغير علاج بنهر أو غيره أو سماء ففيه العشر تاما) (1)، ونحوها صحيحتهما
الأخرى (2).
وصحيحة زرارة، وفيها: (وما كان منه يسقى بالرشاء والدوالي
والنواضح ففيه نصف ف العشر، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه
العشر تاما) (3).
وفي صحيحة الحلبي: (فيما سقت السماء والأنهار إذا كان سيحا أو
كان بعلا العشر، وما سقت السواني والدوالي أو يسقى بالقرب فنصف
العشر) (4).
وفي حديث ث آخر: (وما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا فالصدقة،
وهو العشر، وما سقي بالدوالي أو بالقرب فنصف العشر) (5).
ومرسلة ابن بكير: (فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة،
والوسق ستون صاعا، وذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والزكاة فيها
العشر فيما سقت السماء أو كان سيحا، أو نصف العشر فيما سقي بالقرب
والنواضح) (6).

(1)
177

وحسنة ابن شريح: (فيما سقت السماء والأنهار أكان بعلا فالعشر،
وأما ما سقت السواني والدوالي فنصف العشر)، فقلت له: فالأرض تكون
عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء وتسقى سيحا، فقال: (إن ذا ليكون
عندكم كذلك؟!) قلت: نعم، قال: (النصف والنصف، نصف بنصف
العشر ونصف بالعشر)، فقلت: الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء
فتسقى السقية والسقيتين سيحا، قال: (وفي كم تسقى السقية والسقيتين
سيحا؟) قلت: في ثلاثين ليلة أربعين ليلة، وقد مكثت قبل ذلك في
الأرض ستة أشهر سبعة أشهر، قال: (نصف العشر) (1)، إلى غير ذلك من
الأخبار (2).
والمستفاد من هذه الروايات: أن مناط الفرق بين وجوب العشر
ونصفه احتياج الماء في ترقية إلى الأرض إلى أنه من دولاب أو حبل ودلو
أو نحوها، وعدمه، ولا عبرة بغير ذلك من الأعمال، كحفر الأنهار والسواقي
وإن كثرت مؤنتها، لاطلاق النصوص.
ولو سقي الزرع بالأمرين فسقي بالسيح مثلا تارة، وبالدولاب أخرى،
قالوا: فإن تساويا أخذ من نصفه العشر ومن نصفه نصف العشر، وإلا
فالحكم للأغلب منهما.
وعن المعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام: الاجماع على الأول (3)، وعن
الأولين والتذكرة والخلاف على الثاني (4)، واستند فيهما إلى الاجماع،
وإطلاق الحسنة المتقدمة المنجبرة.

(1) الكافي 3: 514 / 6، التهذيب 4: 16 / 41، الإستبصار 2: 15 / 44، الوسائل 9: 187
أبواب زكاة الغلات ب 6 ح 1.
(2) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلات ب 4.
(3) المعتبر 2: 539، المنتهى 1: 498، نهاية الإحكام 2: 348.
(4) التذكرة 1: 219، الخلاف 2: 67.
178

ثم اختلفوا فيما يعتبر التساوي أو الغلبة بالنسبة إليه أنه هل هو العدد
أو الزمان أو النفع والنمو؟
فمنهم من اعتبر بالنسبة إلى العدد بشرط التساوي في النفع وإلا
فبالنفع.
ومنهم من اعتبر بالنسبة إلى الزمان بشرط المذكور، وإلا فبالنفع.
ومنهم من اعتبر بالنسبة إلى العدد مطلقا.
ومنهم من قال: إن العبرة بالزمان كذلك، وهو المحكي عن ابن
زهرة (1)، والمنتهى والمسالك (2) وحواشي القواعد للشهيد الثاني.
ومنهم من اعتبر النفع مطلقا، قواه الشهيد الثاني في حواشي الإرشاد،
واستقربه في القواعد والتذكرة والايضاح (3)، بل في حواشي القواعد: أنه
الأشهر.
دليل اعتبار العدد - على ما قيل - أن الكثرة حقيقة في الكم المنفصل،
واللفظ يحمل على حقيقته، وأن السبب في التفرقة هي المؤنة، وهي إنما
تكثر بكثرة العدد (4).
ويمكن إرجاع الحسنة إليه بتقييد إطلاقها بما هو الغالب في الزمان
الأكثر من احتياجه إلى عدد أكثر.
ودليل اعتبار الزمان: ظاهر الحسنة، وأنه ربما لا يمكن اعتبار العدد،
كما لو شرب بالعروق أو بمطر متصل ونحوه.
ودليل اعتبار النفع: أن الزكاة تابعة للنمو، وأن ظاهر الحسنة أن النظر

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 567.
(2) المنتهى 1: 498، المسالك 1: 57.
(3) القواعد 1: 55، التذكرة 1: 219، الإيضاح 1: 183.
(4) انظر: المسالك 1: 57، المدارك 5: 149.
179

إلى نفع الزرع.
وضعف غير دليل اعتبار الزمان ظاهر، وهو أيضا عن إثبات الاطلاق المطلوب قاصر.
والتحقيق أن يقال: إن المستفاد من المستفيضة المتقدمة ليس إلا
حكم ما تفرد بأحد الأمرين.
وأما ما اجتمع فيه الأمران فهو غير داخل فيها، فاللازم فيه إما الرجوع
إلى أصل البراءة عن الزائد عن نصف العشر، أو الرجوع إلى مطلقات
العشر، وهو الأظهر، فمقتضى إطلاقات العشر ثبوته فيه.
إلا أن الحسنة المذكورة دلت بجزئها الأول على ثبوت ثلاثة أرباع
العشر فيما اجتمع فيه الأمران مطلقا، سواء كانا متساويين، أم مختلفين
عددا، أو زمانا، أو نفعا.. فيجب أن يكون ذلك هو الأصل ويحكم به إلا
فيما أخرجه دليل آخر، وليس إلا جزؤها الأخير، وهو لا يخرج إلا إذا كان
زمان العلاج بالآلة أكثر، أو مع أكثرية العدد أيضا، بناء على ما مر من أن
الغالب في الزمان الأكثر الاحتياج إلى العدد الأكثر، ويبقى الباقي بجميع
أقسامه تحت الأصل المذكور، وهو ثبوت ثلاثة أرباع العشر مع اجتماع
الأمرين.
إلا أن الظاهر - كما ذكره بعض المتأخرين (1) - أن اعتبار الكثرة الزمانية
في العلاج بالآلة إنما هو إذا كانت كثرة معتدا بها، وأما إذا كان التفاوت قليلا
جدا فلا يدخل في الحسنة، والاجماع أيضا لا يفيد أكثر مما ذكر.
ثم إنه لو اشتبه الحال ولم يعلم أغلب أحدهما على الآخر أم لا، ففي
وجوب العشر، لعموماته الخالية عن المعارض.
أو نصفه، لأصالة البراءة.

(1) كالمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 118، وصاحب الحدائق 12: 123.
180

أو الالحاق بالتساوي، لصدر الحسنة، ولتحقق تأثيرهما، والأصل
عدم التفاضل.
أوجه، أقواها: الأخير، لما ذكر.
ولو علمت الغلبة واشتبه الأغلب، ففي أحد الاحتمالات الثلاثة أو
القرعة احتمالات، أظهرها: الثالث أيضا، لما مر.
المسألة الثالثة: الحد الذي تتعلق به الزكاة - أي يشترك فيها الفقراء -
من الأجناس ما يسمى حنطة وشعيرا وتمرا وزبيبا، ولا يكون ذلك إلا عند
الجفاف، بمعنى أنه لا تجب الزكاة على غير هذه المسميات وإن سمي رطبا
أو عنبا أو بسرا أو حصرما.
وفاقا للمحكي عن الشيخ في النهاية والديلمي والإسكافي (1)
والمحقق في كتبه (2) والشيخ سديد الدين والد العلامة، وإليه مال الشهيد
الثاني في الروضة (3) والفاضل الهندي في شرحه، واختاره جدي -، -
حيث جعل القول الآخر هو الأحوط.
لنا: الأصل، وتعليق الوجوب في الأخبار الغير العديدة على التمر
والزبيب والحنطة والشعير، ونفيه عما سوى ذلك (4)، ولا شك أن البسر
والرطب والحصرم والعنب ما سوى الأجناس الأربعة.
ويؤيده تعقيب الحنطة والشعير في جميع تلك الروايات بالتمر
والزبيب، ولو تعلقت بالرطب والعنب لما كان وجه لتركهما وعدم ذكرهما.
وربما تؤيده - بل تدل عليه أيضا - صحيحة علي: عن البستان لاتباع

(1) النهاية: 182، والديلمي في المراسم: 127، وحكاه عن الإسكافي في
المختلف: 178.
(2) المعتبر 2: 268.
(3) المعتبر 2: 268، والشرائع 1: 153.
(3) الروضة 2: 33.
(4) كما في الوسائل 9: 173 أبواب زكاة الغلات ب 1.
181

غلته ولو بيعت بلغت غلتها مالا فهل تجب فيه صدقة؟ فقال: (لا، إذا كانت
تؤكل) (1).
خلافا للمحكي عن الشيخ في غير النهاية والحلي والفاضل (2)، بل هو
المشهور كما ذكره جماعة، فقالوا: الحد الذي يتعلق به الوجوب هو بدو
الصلاح (3)، وفسروه: باشتداد الحب في الحنطة والشعير، وانعقاد الحصرم
في الكرم، والاحمرار أو الاصفرار في ثمر النخل.
واستدل له: بأنه إذا اشتد الحب يسمى حنطة وشعيرا، والبسر والرطب
تمرا، فإن أهل اللغة نصوا على أن البسر نوع من التمر، والرطب نوع من
التمر (4).
وبالروايات الآتية، الدالة على وجوب الزكاة في العنب.
وبصحيحة سعد بن سعد: عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر
والزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال: (إذا صرم وإذا خرص) (5)، فإن
الخرص إنما يكون في حال كون التمر بسرا أو عنبا.
وبعموم قوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر).
ويرد الأول: بأن ما ذكره وإن كان مسلما في الحنطة والشعير، ولكنه
في البسر والرطب والحصرم ممنوع، أما الأخير فظاهر، وأما الأولان فلعدم
معلومية التسمية حقيقة، ولو سمي يكون مجازا باعتبار ما يؤول إليه، لصحة
السلب سيما في البسر.

(1) التهذيب 4: 19 / 51، الوسائل 9: 190 أبواب زكاة الغلات ب 8 ح 1.
(2) الشيخ في المبسوط 1: 214، الحلي في السرائر 1: 453، الفاضل في التحرير
1: 63، والمختلف: 178.
(3) منهم العلامة في المختلف: 178، وفخر المحققين في الإيضاح 1: 175.
(4) كما في المختلف: 178.
(5) الكافي 3: 523 الزكاة / 4، الوسائل 9: 194 أبواب زكاة الغلات ب 12 ح 1.
182

وتصريح أهل اللغة بكونه تمرا غير معلوم، بل المعلوم من الصحاح
والمصباح المنير والمغرب والمجمع خلافه (1)، وأن البسر لا يسمى تمرا إلا
عند اليبس والجفاف، بل في المصباح ادعاء إجماع أهل اللغات عليه.
ولم يوجد في كلام غيرهم إلا ما يحكى عن العين والقاموس (2)، فإن
فيهما ما ربما يومي إليه ويشعر به، لكن فيهما أيضا ما يخالفه.
قال في الأول: في الحديث: (لا تبسروا) أي لا تخلطوا التمر بالبسر
للنبيذ.
ومع ذلك، فغاية ما يستفاد منهما الاطلاق، وهو أعم من الحقيقة.
ثم لو سلم ما ذكروه، فلا يفيد في الزبيب، لوضوح عدم إطلاقه على
الحصرم بل العنب، فلا يتم المدعى، والاتمام بالاجماع المركب فرع ثبوته،
وهو ممنوع كما يأتي.
ورد في الذخيرة الاجماع المركب بالمعارضة بالمثل (3).
وفيه نظر، إذ الحكم في الطرف الآخر يكون ثابتا بالأصل أو العموم،
فلا يفيد ضم الاجماع المركب معه، لمعارضة الطرف الذي يثبت فيه الحكم
بالدليل الخاص، وإلا لم يتم إجماع مركب أصلا.
والثاني: بأن الروايات غير دالة كما يأتي، ولو دلت فإنما يثبت الحكم
في العنب دون الحصرم، كما هو المدعى.
وبذلك يرد الثالث أيضا، مضافا إلى أن المستتر في صرم وخرص
راجع إلى التمر والزبيب، فلا يفيد في البسر والعنب.

(1) الصحاح 2: 589، المصباح المنير 1: 76، المغرب 1: 38، مجمع البحرين
3: 221.
(2) العين 7: 250.
(3) الذخيرة: 427.
183

والقول - بأن الخرص يكون في وقت البسرية والعنبية - ممنوع، ولو
سلم فإنما هو وقت خرص البسر والعنب دون خرص التمر والزبيب،
فيمكن أن يكون المراد خرصهما إذا تركا في النخل والكرم حتى يصير تمرا
أو زبيبا، كما يترك الأول غالبا والثاني في بعض البلاد، فيتركون العنب حتى
يصير زبيبا في الكرم.
وعلى هذا، فيكون المراد: أن وقت وجوب الاخراج وقتان: صرم التمر
والزبيب، وخرصهما، فالأول لمن لا يريد تصرفا في بعضه قبل أوان
الصرم، والثاني لمن يريد.
مع ما في الرواية من الخلل، لأن المسؤول عنه إن كان وقت وجوب
الاخراج، فلا شك في عدم وجوبه عند الخرص على شئ من القولين.
وإن كان وقت تعلق الوجوب، فلا شك في مغايرته لوقت الصرم على
القولين، وعدم انطباقه على شئ منهما.
وأيضا لو كان وقت الخرص ما ذكروه لما كان معنى لقوله: (إذا
صرم)، لما بين البسرية والعنبية وبين الصرم من المدة.
ومن بعض ما ذكر يظهر ضعف ما يستأنس به للقول المشهور من
بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخارص على الناس، إذ على تقدير ثبوته لم يثبت في
غير النخل، ولا فيه في حال البسرية والرطبية.
وقول بعض - بأنه كان في حال البسرية - لا يثبت منه شئ، مع أنه
يمكن أن يكون الغرض منه أن يؤخذ منهم إذا صارت الثمرة تمرا أو زبيبا،
فإذا لم يبلغ ذلك لم يؤخذ منهم.
والرابع: بأنه عام يجب تخصيصه بالأخبار النافية للوجوب عن غير
الأجناس الأربعة.
وقد يظهر من بعضهم قول آخر، وهو القول بتوقف تعلق الوجوب
184

في التمر على اليبس، وأما في العنب فلا، بل يتوقف على العنبية.
وفيه مخالفة للمشهور من وجهين، أحدهما: في البسر والرطب،
والآخر: في الحصرم، وللمختار من وجه، وهو الوجوب في العنب.
وإليه مال صاحب المدارك والذخيرة (1)، ونسبه في البيان إلى
الإسكافي والمحقق (2).
وهو غير جيد، كما أشار إليه في الروضة (3)، فإن المحقق يصر (4) في
كتبه على التسمية بالزبيب (5)، وهو المحكي عن الإسكافي في غيره من
الكتب (6).
ودليل هذا القول صحيحة سعد: وهل على العنب زكاة أو إنما تجب
عليه إذا صيره زبيبا؟ قال: (نعم، إذا خرصه أخرج زكاته) (7).
وصحيحة سليمان: (ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق،
والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا) (8)، ونحوها صحيحة
الحلبي (9).
ورواية أبي بصير: (لا تكون في الحب ولا في النخل ولا في العنب

(1) المدارك 5: 138، الذخيرة: 427.
(2) البيان: 297.
(3) الروضة 2: 38.
(4) في (ق) و (ح): يظن...
(5) كما في المعتبر 2: 535، والشرائع 1: 153.
(6) حكاه عنه في المختلف: 178.
(7) الكافي 3: 514 / 5، الوسائل 9: 195 أبواب زكاة الغلات ب 12 ح 2.
(8) التهذيب 4: 18 / 46، الإستبصار 2: 18 / 52، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة
الغلات ب 1 ح 7.
(9) التهذيب 4: 14 / 36، الإستبصار 2: 15 / 42، الوسائل 9: 178 أبواب زكاة
الغلات ب 1 ح 11.
185

زكاة حتى يبلغ وسقين) (1).
ويرد على الجميع: أنه ليس في شئ منها دلالة على الوجوب أصلا،
فيمكن إرادة الاستحباب، سيما الأولى على ما في بعض نسخ الكافي من
تبديل (أو) بالواو.
مضافا إلى ما في الأولى من دلالتها على عدم الوجوب عند عدم
الخرص، وهو ينافي الوجوب المطلق.
ومن عدم الوجوب بالخرص إجماعا.
ومن احتمال أن يكون التصديق للجملة الأخيرة - أي يجب إذا صيره
زبيبا - والضمير المنصوب راجع إلى الزبيب، وأن يكون حرصه - بالحاء
المهملة - بمعنى: حرسه، كما ورد: أن للخارص العذقان (2)، أي الحارس،
يعني: إذا حرسه حتى صار زبيبا أخرج زكاته.
وما في الثانيتين من احتمالهما معنيين، أحدهما: إناطة الوجوب بحالة
يثبت له البلوغ خمسة أوساق حال كونه زبيبا.
وثانيهما: إناطته بحالة يقدر له هذا الوصف.
والاستدلال يتم على الثاني، مع أن الأظهر الأول، إذ اعتبار التقدير
خلاف الظاهر.
ولا ينافي الأول (3) زوال العنبية حينئذ، لأن مثله شائع، مثل: لا تجب
الصلاة على الصبي حتى يبلغ.
وما في الرابعة من عدم الوجوب عند بلوغ الوسقين بالاجماع، فهي

(1) التهذيب 4: 17 / 44، الإستبصار 2: 17 / 50، الوسائل 9: 181 أبواب زكاة
الغلات ب 3 ح 3.
(2) الكافي 3: 514 / 7، التهذيب 4: 18 / 47، الوسائل 9: 176 أبواب زكاة
الغلات ب 1 ح 3.
(3) في النسخ: الثاني، والصحيح ما أثبتناه.
186

إما مطروحة، أو على الاستحباب محمولة.
المسألة الرابعة: قالوا: وقت الاخراج إذا صفت الغلة ويبست
التمرة، وفي التذكرة والمنتهى والمدارك والحدائق (1) وغيرها (2): نفي
الخلاف فيه، والاجماع عليه.
فإن كان مرادهم الوقت الذي يتعلق وجوب الاخراج حينئذ، فيدل
عليه - مضافا إلى الاجماع - أصالة عدم الوجوب قبله، وعدم دلالة شئ من
النصوص على وجوب الاخراج قبل ذلك.
وكذا إن أريد الوقت الذي يجوز للساعي مطالبة المالك.
وإن أريد الوقت الذي يصير ضامنا بالتأخير كما ذكروه أيضا، فالدليل
عليه منحصر بالاجماع، وإلا فإطلاق كثير من أخبار الضمان بالتلف مع
وجود الأصل (3) يشمل ذلك أيضا.
المسألة الخامسة: قيل: لا خلاف بين الأصحاب في استثناء حصة
السلطان وإخراج الزكاة من غيرها (4).
أقول: تفصيل المقام: إن ما يأخذه السلطان إما أن يكون من أراضيه
المملوكة له، أو من غيرها.
وحكمه في الأول حكم سائر الناس فيما يأخذونه من أراضيهم.
والثاني على قسمين، لأن الأراضي إما خراجية أو غير خراجية،
وعلى التقديرين إما يكون ما يأخذه حصة من حاصل الأرض ويسمى
بالمقاسمة، أو وجها آخر غيرها، ويسمى بالخراج، وعلى التقادير إما يكون

(1) التذكرة 1: 237، المنتهى 1: 510، المدارك 5: 139، الحدائق 12: 116.
(2) كالذخيرة: 443، والرياض 1: 273.
(3) انظر: الوسائل 9: 285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39.
(4) كما في الرياض 1: 274.
187

السلطان من المخالفين أو منا.
فإن كانت الأراضي خراجية، فالظاهر عدم الخلاف في استثناء ما
يأخذه السلطان - سواء كان باسم المقاسمة أو الخراج - إن كان السلطان من
أهل الخلاف.
وتدل عليه في المقاسمة: صحيحة محمد: عن الرجل يتكارى
الأرض من السلطان بالثلث أو النصف هل عليه في حصته زكاة؟ قال:
(لا) (1).
وحسنة محمد وأبي بصير: (كل أرض دفعها إليك سلطان فما حرثته
فيها فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه، ليس على جميع ما
أخرج الله منها العشر، إنما العشر عليك فما يحصل في يدك بعد مقاسمته
لك) (2).
وفي صحيحة صفوان والبزنطي: (وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض
العشر ونصف العشر في حصصهم) (3).
وفي الأخرى: (وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر، وعليهم في
حصصهم العشر ونصف العشر) (4).
وفي الخراج: رواية رفاعة: عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها
فيؤدي خراجها إلى السلطان، هل عليه عشر؟ قال: (لا) (5).

(1) التهذيب 7: 202 / 889، الوسائل 9: 190 أبواب زكاة الغلات ب 7 ح 5.
(2) التهذيب 4: 36 / 93، الإستبصار 2: 25 / 70، الوسائل 9: 188 أبواب زكاة
الغلات ب 7 ح 1.
(3) الكافي 3: 512 / 2، التهذيب 4: 38 / 96، الإستبصار 2: 25 / 73، الوسائل
9: 188 أبواب زكاة الغلات ب 7 ح 2.
(4) التهذيب 4: 119 / 342، الوسائل 9: 189 أبواب زكاة الغلات ب 7 ح 3.
(5) الكافي 3: 543 / 3، الوسائل 9: 193 أبواب زكاة الغلات ب 10 ح 2.
188

وصحيحته: عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها، هل عليه فيها
عشر؟ قال: (لا) (1).
ورواية سهل: حيث أنشأ سهل آباد سأل أبا الحسن موسى عليه السلام عما
يخرج منها ما عليه؟ فقال: (إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك
شئ، وإن لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون
فيها) (2).
ورواية أبي كهمش: (من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه) (3).
وجه الاستدلال: أنها دلت على انتفاء الزكاة عما يؤخذ منه الخراج
مطلقا، خرجت زكاة غير الخراج إذا بلغ النصاب بالاجماع، فيبقى الباقي.
والسلطان في هذه الأخبار وإن كان أعم من المخالف والمؤالف، إلا
أن المعهود في أزمنة الأئمة لما كان سلطان المخالفين، فتنصرف الروايات
إليه.
أقول: لا يخفى أن انحصار السلطان في عهد في المخالف لا يقيد
إطلاقات الأخبار به، كما لا يقيد إطلاق المسلم والمؤمن في الأخبار النبوية
بالعرب أو أهل الحجاز لانحصارهما فيهم، بل الظاهر إطلاق السلطان.
إلا أن في دلالة أخبار الخراج على المطلوب نظر، إذ الظاهر من هذه
الأخبار ورودها في الأراضي المملوكة، والمراد من الخراج فيها غير معلوم،
والحقيقة الشرعية فيه غير ثابتة، وإرادة ما يأخذونه من الزكاة ممكنة، بل
هي الظاهرة من سائر الأخبار، فتكون غير دالة على مورد الكلام.

(1) التهذيب 4: 37 / 94، الإستبصار 2: 25 / 71، الوسائل 9: 193 أبواب زكاة
الغلات ب 10 ح 2.
(2) الكافي 3: 543 / 5، الوسائل 9: 192 أبواب زكاة الغلات ب 10 ح 1.
(3) التهذيب 4: 37 / 95، الإستبصار 2: 25 / 72، الوسائل 9: 193 أبواب زكاة
الغلات ب 10 ح 3.
189

وعلى هذا، فاللازم في الخراج الاكتفاء بالمجمع عليه، وهو خراج
السلطان المخالف الأراضي الخراجية.
وأما المقاسمة، فالظاهر استثناؤها مطلقا، سواء كان السلطان منا أو
من المخالفين وإن لم تكن الأراضي خراجية، كالأراضي التي غصبها
السلطان من الموقوفات، أو المجهول مالكها، أو إذا ضرب شيئا على ملك
شخص وأخذه منه، ونحو ذلك. فما يأخذ منه إما حصة من الحاصل، أو
شئ آخر.
فعلى الأول: فإن كانت حصة الحاصل ملكا للسلطان، كأن يكون
البذر منه وزرع المالك بقصد الاشتراك، أو اشترى البذر له وللسلطان، أو
غير ذلك من الوجوه الموجبة لشركة السلطان شرعا، فلا شك في استثناء
حصته مطلقا، مخالفا كان أو مؤالفا.
وكذا إن لم تكن ملكا شرعيا له، ولكن لم يتمكن المالك من ممانعة
السلطان أو إخفائه كلا أو بعضا منه، لتعلق الزكاة بالعين، وإن تمكن وفرط
فلا يستثنى شئ.
وإن كان ما يأخذه السلطان غير حصة الحاصل فلا يستثنى مطلقا،
لعدم دليل عليه أصلا وإن أخذه لأجل الزراعة، إذ لا دليل على وضع جميع
المؤن، كما يأتي.
المسألة السادسة: اختلف الأصحاب في غير المقاسمة والخراج من
مؤن الزراعة والضيعة، هل هو على رب المال، فتجب الزكاة في جميع
الحاصل؟
أو عليه وعلى الفقراء بالنسبة، فتستثنى المؤن وتخرج الزكاة من
الباقي إن بلغ النصاب؟
190

الأول: مختار الشيخ في المبسوط والخلاف (1)، ونسبه في الخلاف
إلى جميع الفقهاء إلا عطا، ولأجل هذه النسبة نقل جماعة عن الخلاف
الاجماع (2)، وليس بجيد، لأن الشائع من الفقهاء عند القدماء: العامة.
وإلى هذا القول ذهب الفاضل يحيى بن سعيد في الجامع وادعى فيه
الاجماع (3)، وهو محتمل اللمعة والروضة (4)، واختاره الشهيد الثاني في
فوائد القواعد، وجمع من المتأخرين، كالمدارك والذخيرة والمفاتيح
والحدائق (5).
وجدي - قدس سره - في الرسالة، قال: ولا دليل يعتمد عليه على وضع
المؤن، بل في تفرقة الشارع بين ما يسقى من السماء وما يسقى من الدلاء
شهادة على عدم وضع المؤن. انتهى.
والثاني: مذهب الصدوق والمفيد والشيخ في النهاية والاستبصار
والاقتصاد والمصباح والسيدين في الجمل والغنية (6) والفاضلين والشهيد في
أكثر كتبه والمحقق الثاني والأردبيلي (7)، بل هو المشهور، كما صرح به جماعة (8).

(1) المبسوط 1: 217، الخلاف 2: 62.
(2) كصاحب المدارك 5: 142، السبزواري في الذخيرة: 442، صاحب الرياض 1:
274.
(3) الجامع للشرائع: 134.
(4) اللمعة (الروضة) 2: 35، الروضة 2: 35.
(5) المدارك 5: 142، الذخيرة: 442، المفاتيح 1: 201، الحدائق 12: 125.
(6) الصدوق في الفقيه 2: 18، والمقنع: 48، المفيد في المقنعة: 239، النهاية:
178، الإستبصار 2: 26، الإقتصاد: 281، مصباح المجتهد: 787، جمل العلم
والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 78، الغنية (الجوامع الفقهية): 567.
(7) المحقق في المعتبر 2: 541، والشرائع 1: 237، والبيان: 293، المحقق الثاني في
جامع المقاصد 3: 21 و 22، الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 109.
(8) كالعلامة في المختلف: 179، والشهيد الثاني في الروضة 2: 35.
191

والحق: هو الأول، لصريح رواية سهل المتقدمة (1)، ولعموم الأخبار
الدالة على العشر ونصف العشر في الغلات الأربع من غير استثناء للمؤن.
ففي الأخبار الغير العديدة - من الصحيحة وغيرها بعبارات متفاوتة -
ورد أن فيما سقت السماء العشر، وفيما سقت الدوالي فنصف العشر (2).
وفي مرسلة ابن بكير: (فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة)
إلى أن قال: (والزكاة فيها العشر فيما سقت السماء أو كان سيحا، أو نصف
العشر فيما سقي بالقرب والنواضح) (3).
وما مر في حسنة محمد وأبي بصير من قوله: (إنما العشر عليك فيما
يحصل في يدك بعد مقاسمته لك) (4)
وما مر في صحيحة البزنطي من إثبات العشر ونصف العشر في
حصصهم.
وفي صدر هذه الصحيحة: (من أسلم طوعا تركت أرضه في يده،
وأخذ منه العشر مما سقت السماء والأنهار، ونصف العشر مما كان بالرشا
فيما عمروه منها) (5).
وما سبق في موثقة إسحاق: عن الحنطة والتمر عن زكاتهما، فقال:
(العشر ونصف العشر، العشر فيما سقت السماء، ونصف العشر مما سقي
بالسواني) إلى أن قال: (يزكي ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كل عشرة
واحد، أو من كل عشرة نصف واحد) (6).

(1) في ص: 189.
(2) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلات ب 4.
(3) تقدمت في ص: 177.
(4) راجع ص: 188.
(5) راجع ص: 188.
(6) التهذيب 4: 17 / 42، الإستبصار 2: 16 / 45، الوسائل 9: 184 أبواب زكاة
الغلات ب 4 ح 6.
192

والأخبار المتقدمة في صدر البحث الدالة على أن الغلة إذا بلغت
خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة (1)، وهي بإطلاقها شاملة لما إذا بلغت قبل
وضع المؤن أيضا.
ومرسلة حماد بن عيسى في الأرض المفتوحة عنوة، والحديث
طويل، وفيه: (فإذا خرج منه ما خرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع مما
سقت السماء أو سقي سيحا، ونصف العشر مما سقي بالدوالي
والنواضح) (2).
ويؤيده الاجماع المنقول، وما مر في كلام جدي من تفرقة الشارع
بين الأمرين.
ورواية النيسابوري: عن رجل أصاب من ضيعته مائة كر مما يزكى
فأخذ منه العشر عشرة أكراره، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا
وبقي في يده ستون كرا، ما الذي يجب لك حينئذ من ذلك؟ فوقع عليه السلام:
(منه الخمس مما يفضل عن مؤنته) (3).
والمناقشة في دلالة العمومات، بأنها واردة لبيان حكم آخر، وهو
التفصيل بين ما يجب فيه العشر ونصفه، ولذا لم يستثن في كثير منها ما وقع
الاتفاق على استثنائه، كحصة السلطان.
مردودة، أولا: بمنع ورودها لذلك فقط، بل كثير منها يتضمن هذا
التفصيل وقدر النصاب وبيان ما فيه الزكاة من الأجناس وما ليست فيها..
فيمكن أن تكون متضمنة لذلك الحكم أيضا، أي وجوب العشر ونصف

(1) الوسائل 9: 175 أبواب زكاة الغلات ب 1.
(2) الكافي 1: 541 / 4، التهذيب 4: 128 / 366، الوسائل 9: 183 أبواب زكاة
الغلات ب 4 ح 3.
(3) التهذيب 4: 16 / 39، الإستبصار 2: 17 / 48، الوسائل 9: 186 أبواب زكاة
الغلات ب 5 ح 2.
193

العشر في جميع ما سقي من غير استثناء شئ منه، فإنه لو كان مراده عليه السلام
بيان ذلك الحكم في ضمن ما ذكر أيضا لم يزد شيئا على ذلك الكلام..
فمن أين علم أنها واردة لبيان حكم آخر؟! بل لعلها واردة لبيان ذلك الحكم
أو مع غيره أيضا.
نعم، قد يقال ذلك في موضع كان الاطلاق جوابا عن سؤال خاص،
فيكون ذلك قرينة على إرادة بيان جواب ذلك السؤال، لا في مثل المقام
الخالي عن هذا السؤال.
وثانيا: إنا سلمنا ورودها لبيان ذلك، ولكنه لا ينافي استفادة حكم
آخر منه أيضا إذا كان اللفظ مقتضيا له، ومقتضى الاطلاق أو العموم ثبوت
هذا التفصيل في مطلق ما سقي من غير استثناء شئ..
ألا ترى أنه لو قيل: ما في يد زيد نصفه مغصوب من عمرو ونصفه
مغصوب من بكر، يصح أن يستدل به على عدم كون كل جزء جزء منه
حلالا لزيد.
ولا يرد أنه في مقام تفصيل قدر المغصوب من كل شخص لا بيان
عموم ما في يد زيد.
وأما عدم استثناء بعض ما أجمعوا على استثنائه فلا يضر في العموم
بالنسبة إلى غيره.
وأضعف منها المناقشة فيها بعدم صراحة العموم في وجوب عشر
الجميع، فلعله عشر ما يبقى بعد المؤنة، فإن المعلوم أن العشر إذا نسب إلى
شئ فالمراد عشره، سواء كانت النسبة بالإضافة، أو بلفظة في أو من أو
نحوها، فإذا قيل: يجب الخمس في مال زيد، يتبادر خمس ماله، مع أن
في موثقة إسحاق المتقدمة (1) العشر مما سقت السماء، وفي رواية سهل

(1) في ص: 192.
194

عشر ما يكون فيها (1).
وفي دلالة الحسنة (2)، بأن دلالتها على الاستثناء أظهر، لأن مقاسمة
السلطان لا تكون عادة إلا بعد إخراج المؤن من نفس الزرع، وعلى هذا
فالحاصل في يده حينئذ ليس إلا ما بعد المؤن.
مردودة بأن المقاسمة وإن كانت بعد المؤن، ولكن لا بعد إخراج
المؤن من الزرع، فإن (ما قبل انعقاد الحب - من) (3) من أجرة البقر والعملة
وغيرها وكذا كثير مما بعده - لا يخرج من نفس الزرع، فيكون ما بإزائه
داخلا فيما يحصل في يده بعد المقاسمة، وبضميمة الاجماع المركب
يتعدى الحكم إلى الجميع.
ولا يمكن العكس، إذ لا يقطع بإخراج شئ من نفس الزرع في زمان
الصدور قبل المقاسمة.
على أن لنا أن نقول: بأن معنى ما حصل في يده ما صار ماله وإن
صرفه في دين ونحوه، ولا شك أن المؤن من قبيل الدين، إذ لا يتعلق بعين
الزرع، فكل ما عدا المقاسمة إنما حصل في يده.
ومما ذكرنا يظهر ضعف ما قيل من أن الحاصل في يد المالك إنما هو
ما بعد المؤن لأن المؤن لا تحصل في يد المالك بل يخرج عنها (4)، فإن
المؤن وإن خرجت عنها إلا أن الحاصل حصل فيها وإن كان يحتاج حصوله
إلى مؤن.
مع أنه لا سبيل لهذه المناقشة في صحيحتي البزنطي المثبتة للعشر في

(1) راجع ص: 189.
(2) يعني: والمناقشة في دلالة الحسنة.... مردودة.
(3) ما بين القوسين ليس في (س) و (ح).
(4) كما في الرياض 1: 275.
195

حصص الزارع، إذ لا شك أن المؤن أيضا من حصته.
وفي دلالة الموثقة (1)، بأنها نافية للنصاب فيجب حملها على التقية.
مردودة بأنه إنما هو مع إبقائها على إطلاقها، وأما لو خص بما بعد
النصاب فلا، والتخصيص في الأخبار ليس بأمر جديد.
وفي أكثر ما ذكر (2)، بعدم الدلالة على الوجوب، لاشتماله إما على مثل
قوله: (فيه العشر)، وهو غير صريح في الوجوب، أو الأخبار في مقام
الانشاء.
مردودة بعدم قول باستحباب الزكاة قبل المؤن بنفسه، وإن أمكن من
باب الاحتياط، ولكنه غير مفيد لحمل الرواية عليه، كما أن من يصلي الظهر
بعد صلاة الجمعة احتياطا لا يجوز له حمل رواية أمره بالظهر على
الاستحباب.
مع أن رواية سهل وحسنة محمد وأبي بصير وصحيحة البزنطي (3)
تتضمن لفظة (على) الدالة على الوجوب، وفي مرسلة ابن بكير: (وجبت
فيه الزكاة) (4) وفي صدر الصحيحة: (أخذ منه العشر)، ومقتضاه أنه يؤخذ
منه، سواء أعطى بالرضا أو لا، وذلك ينافي الاستحباب.
نعم، قد يناقش في المؤيدات المذكورة أخيرا بوجوه لا بأس بها،
ولكنها لا تخرجها عن التأييد وإن نفت دلالتها.
احتج الأكثر بوجوه، منها: الأصل.
ومنها: الرضوي - المنجبر ضعفه بالشهرتين -: (وليس في الحنطة

(1) يعني: والمناقشة في دلالة الموثقة.... مردودة.
(2) يعني: والمناقشة في أكثر ما ذكر.... مردودة.
(3) المتقدمة في ص: 188، 189.
(4) تقدمت في ص: 177.
196

والشعير شئ إلى أن يبلغ خمسة أوساق) إلى أن قال: (فإذا بلغ ذلك
وحصل بعد خراج السلطان ومؤنة العمارة والقرية أخرج منه العشر إن كان
سقي بماء المطر أو كان بعلا، وإن كان سقي بالدلاء ففيه نصف العشر، وفي
التمر والزبيب مثل ما في الحنطة والشعير) (1).
ومنها: حسنة الفضلاء الثلاثة: في قول الله تعالى: (وآتوا حقه يوم
حصاده) (2)، (هذا من الصدقة يعطى المسكين القبضة بعد القبضة، ومن
الجداد (3) الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ، ويترك للخارص (4) قدرا معلوما،
ويترك من النخل معافاره وأم جعرور (5)، ويترك للحارس يكون في الحائط
العذق والعذقان والثلاثة لحفظه له) (6).
وحسنة محمد: أقل ما تجب فيه الزكاة؟ قال: (خمسة أوساق،
ويترك معافارة وأم جعرور لا يزكيان وإن كثرا، ويترك للحارس العذق
والعذقان، والحارس يكون في النخل ينظره، فيترك ذلك لعياله) (7).
وأخصيتهما من المدعى مجبورة بعموم التعليل في الأولى بل الثانية أيضا،
مع عد م القائل بالفرق بين مؤنة الحارس وغيرها، كما صرح به في المنتهى (8).

(1) فقه الرضا عليه السلام: 197، إلا أن فيه: وحصل بغير خراج السلطان ومؤنة العمارة
للقربة، وقد أشار إلى ذلك المصنف في ص: 199، مستدرك الوسائل 7: 91
أبواب زكاة الغلات ب 6 ح 1.
(2) الأنعام: 141.
(3) الجداد: صرام النخل وهو قطع ثمرتها - النهاية الأثرية 1: 244.
(4) في التهذيب والوسائل: يترك للحارس أجرا معلوما، وفي الكافي: يعطي الحارس
أجرا معلوما.
(5) معافارة وأم جعور: ضربان رديان من التمر - مجمع البحرين 3: 409.
(6) الكافي 3: 565 / 2، التهذيب 4: 106 / 303، الوسائل 9: 195 أبواب
زكاة الغلات ب 13 ح 1 و ص 191 ح 4.
(7) الكافي 3: 514 / 7، الوسائل 9: 176 أبواب زكاة الغلات ب 1 ح 3.
(8) المنتهى 2: 500.
197

ومنها: أن النصاب مشترك بين المالك والفقراء، فلا يختص أحدهم
بالخسارة عليه، كغيره من الأموال المشتركة.
ومنها: أن الزكاة في الغلات إنما تجب في النماء والفائدة، وهو لا
يتناول المؤنة.
أما أن الزكاة في النماء فتدل عليه حسنة محمد وأبي بصير المتقدمة،
فإن قوله: (فتاجرته فيها) شاهد على إرادة المنافع لا رأس المال، وكذا
قوله: (فيما أخرج الله) فإن ما يصرف في المتاجرة لا يقال إنه أخرجه الله
من هذه المعاملة، بل قوله: (فيما يحصل في يدك) (1) كما مر، وقوله في
مرسلة حماد المتقدمة: (فإذا خرج منها نماء) (2).
ومنها: أن ذلك حيف وضرر وعسر وحرج، وكل ذلك منفي بالكتاب
والسنة، سيما إذا كانت الضيعة مستأجرة بأجرة كثيرة، فربما لا يحصل منها
أزيد من الأجرة.
ومنها: أنه يستفاد من الأخبار أن العلة في الزكاة هي المواساة، وعدم
وضع المؤن ينافي ذلك غالبا.
ومنها: أنه لا بد من القول بعدم تعلق الزكاة بما قابل البذر، ضرورة
عدم تكرر (3) الزكاة في الغلا ت، وحيث ثبت استثناء البذر ثبت غيره، لعدم
القائل بالفرق.
وفي الكل نظر..
أما الأول، فلاندفاعه بما مر.
وأما الثاني، فلاجمال مؤنة العمارة والقرية أولا، فإن إرادة مؤن

(1) راجع ص: 188.
(2) راجع ص 193.
(3) في (ح): تكرار...
198

الزراعة منها غير معلومة، بل يصدق على ما لا يستثنى (1) إجماعا أيضا، ولا
بالمراد.
ولا يتوهم أنه يلزم تخصيص العمومات بالمجمل، وهو مخرج لها
الحجية، لأن الرواية بنفسها ضعيفة غايته، وحجيتها إنما هي إذا
انجبرت بالشهرة، وهو إذا كان المراد منها معلوما.
سلمنا صدق مؤنة العمارة والقرية على بعض مؤن الزراعة، ولكن
لا شك في عدم صدقها على الجميع، كأجرة الحصاد والحمال ونحوهما،
فلا يفيد.
وضم عدم القول بالفصل ينعكس، لأنه يدل على ثبوت العشر في
جميع ما عدا الخراج ومؤن العمارة والقرية، مع أن إثبات الاجماع على عدم
الفصل في هذه المسائل شطط من الكلام.
ولعدم الدلالة على المطلوب ثانيا، لأن المطلوب إثبات أن المخرج
عشر ما بقي بعد الخراج والمؤن، ومدلول الرواية أنه إذا بلغ النصاب بعدهما
يخرج منه العشر، وأما أنه عشر ما عداهما أو عشر الجميع فلا.
نعم، يكون دالا على أن اعتبار النصاب إنما هو بعد المؤن، وهو
بعض المطلوب، والاجماع المركب في أمثال المقام غير ثابت.
هذا كله، مع أن نسخ الرواية مختلفة، والموجود في نسختي - التي
هي من النسخ المصححة غاية الصحة -: (بغير خراج السلطان ومؤنة
العمارة) مكان: (بعد خراج السلطان)، وهكذا نقله بعض مشايخنا
المحققين في شرحه على المفاتيح عن نسخته (2)، وكذا وجد منقولا في
بعض نسخ رسالة كتبها بعض الفضلاء في المسألة.

(1) في (ق) و (ح): ما يستثنى.
(2) شرح المفاتيح (المخطوط).
199

وعلى هذا، فيمكن أن يكون قوله: (بغير) إلى آخره، متعلقا بقوله فيما
بعد: (أخرج منه العشر)، يعني: إذا بلغ النصاب وحصل أخرج منه بغير
الخراج والمؤنة العشر، فيكون تقييدهما دفعا لتوهم أنه إذا أخرج منه
الخراج أو المؤنة لا يخرج منه العشر، كما ورد في بعض الروايات في
خصوص الخراج (1).
وعلى هذا، فيكون المراد: أن الخراج أو المؤنة لا توجب إسقاط
العشر، بل يجب هو معهما.
وأما الثالث، فلاختصاصه بالحارس وبالعذق والعذقان له، فالتعدي إلى
غيره باطل، وعدم القول بالفصل غير ثابت، كيف؟! وصرح في المدارك
والذخيرة بعدم ثبوته (2)، بل في الأخير: إن هذا الحكم منصوص فيه ثابت
عند الجميع حتى من لا يعتبر المؤنة.
وأما التمسك بعموم التعليل فعليل جدا، لأن العلة المذكورة هو
الحفظ، وهو غير متحقق في غير الحارس، فإنه لا يجري في البذر
والحصادة والحمالة وأجرة الأرض وغير ذلك.
نعم، لو كانت العلة تضرر المالك أو صرف المؤنة ونحوهما لكان له
وجه. ولكنه ليس كذلك.
مع أن هذا التعليل منحصر بالأولى، وأما الثانية فخالية عن التعليل.
ولو سلم كون الجملة الأخيرة تعليلية فغاية ما تثبته أن نظر الحارس
علة للترك له، أي لما كان ينظره ويراه فكان طبعه يميل إليه ويتمناه لعياله
فلذلك يترك له، وأين تلك العلة مما هو بصدده؟!
نعم، لو جعل النظر بمعنى الحفظ لكان مثل الرواية الأولى، ولكنه

(1) الوسائل 9: 192 أبواب زكاة الغلات ب 10.
(2) المدارك 5: 144، الذخيرة: 443.
200

غير معلوم.
هذا كله، مضافا إلى أنه لم يعلم أن ترك العذق والعذقين إنما هو من
باب المؤنة ووجه الأجرة، بل الظاهر أنه من باب حق الحصاد والجداد، كما
يستفاد من عدم تعيين المقدار، ولذلك رواه الكليني في باب حق الحصاد
والجداد (1).
وأيضا غاية ما يستفاد من الروايتين ترك هذا القدر للحارس، لا أنه لا
يزكى ذلك، فيمكن أن يكون المراد أنه كما يخرج حق الحصاد أو العشر
يترك ذلك للحارس أيضا من غير تعرض لاخراج العشر منه وعدمه.
بل لا دلالة ولا إشعار في الرواية الأولى إلى كون الترك لعدم إخراج
العشر أصلا.
وأما الرابع، فلأن الزكاة وإن تعلقت بالعين، ولكن تعلقها ليس على
وجه الإشاعة حتى يكون الفقير شريكا في كل جزء كما يأتي، بل القدر
الثابت وجوب إخراج المالك عشرا واحدا من المال من أي جزء شاء.
ولا نسلم أن مثل تلك الشركة تقتضي الشركة في النفع والخسارة، كما
يأتي، ولذا لو نذر أحد أن يعطي عشر هذا الزرع للفقراء لا نقول باستثناء
البذر وسائر المؤن، بل نقول: يجب إعطاء عشر الجميع.
سلمنا الاشتراك وكونه كسائر الأموال المشتركة، ولكن تشريك الله
سبحانه للفقراء إنما هو بعد الزرع وصرف البذر ومؤن كثيرة، وهو حين
صدق الاسم.
فإذا كان التشريك حينئذ فلم تستثن المؤن التي قبل ذلك، وهل هذا
إلا مثل أن يبيع أحد نصف زرعه حين صدق الاسم لغيره مطلقا، فهل يجوز
أحد استثناء شئ منه مما صرفه قبل ذلك؟!

(1) الكافي 3: 564 الزكاة ب 46.
201

وأما ما بعده، فمقتضى الشركة وقياسه على سائر الأموال أن يكون
الفقير شريكا في التلف والخسارة المتلفة، دون مؤنة الحصاد والحمال
ونحوهما مما يكون الكلام فيه، إذ لم يقل أحد بأن لأحد الشريكين توزيع
هذه الاخراجات على الشريك الآخر لو فعله بدون إذنه، وليس مقتضى
قاعدة الشركة الشركة في أمثال تلك المؤن ولو تحملها أحد الشريكين بدون
إذن الآخر، وهذا فعله بدون إذن الفقير، فأي تسلط له على حصته؟! غاية
الأمر أنه لو أذن الفقير في التصرف قبل ذلك كان ذلك له، مع أن فيه أيضا
كلاما، لأنا نقول: إن أوامر إخراج الزكاة إيجاب من الشارع للمالك إعطاء
العشر للفقير، ولتوقفه على الحصاد ونحوه يجب عليه من باب المقدمة، إلا
أن يبذله للفقير قبل الحصاد، فإنه لا كلام حينئذ، ولا تكون المؤنة على رب
المال إذا رضى الفقير، وأما لو لم يرض فليس للمالك إجباره، لأنه ليس
حقا لفقير معين.
وأما الخامس، فظاهر، لأن تمام الزرع نمأ ليس غيره، وصرف
شئ في تنميته وتصفيته وتحصيله لا يخرجه عن كونه نمأ.
نعم، لو دل دليل على أن الزكاة إنما هي في المنافع لكان لما ذكره
وجه، ولكن لم نعثر على مثل ذلك.
وأما ما ذكره من حسنة محمد وأبي بصير (1)، فالموجود في أكثر
النسخ المصححة: (فما حرثته فيها) وليس: (فتاجرته فيها)، مع أنه ليس
في المتاجرة أيضا دلالة.
وأما قوله: (فما أخر ج الله) فلا شك أن جميع محصول الزرع مما
أخرجه الله، وأما حمله على ما جعله الله نفعا لك زائدا على رأس مالك
فمما لا يفهمه منه أحد.

(1) راجع ص: 188.
202

وأما السادس، فلمنع كون مثل ذلك ضررا وحيفا، فإن ما بإزائه ثواب
موعود، سيما ما يضاعف إلى سبعمائة ضعف لا يكون ضررا وحيفا.
سلمنا، ولكن تخصص عمومات نفي الضرر والضرار (1) والعسر
والحرج بأدلة العشر (2) كما بينا في موضعه، كيف؟! مع أنه إذا خصص بها
ضرر عشر ما بعد المؤنة فلم لا يخصص بها ضرر عشر الجميع؟! فإنه لو
فرض أن الحاصل مائة كر، فالمؤن التي تستثنى منها على القول به لا تزيد
غالبا على ثلاثين كرا، بل الأدلة التي يذكرونها على فرض تماميتها لا تثبت
الأزيد، لعدم ثبوت الاجماع المركب ولا الشهرة الجابرة في غيرها.. فعلى
الاستثناء تجب سبعة كرور وعلى عدمه عشرة، فما يصلح لتخصيص السبعة
يصلح لتخصيص العشرة أيضا.
وأما مثل أجرة الأرض ونحوها، فالظاهر أن القائل بالاستثناء لا يقول
باستثنائها، ولذا ترى صاحب التنقيح يصرح بعدم استثناء دين أجرة الأرض
ودين البذر (3)، فمثل ذلك الضرر مشترك بين القولين، مع أن للمستأجر دفع
هذا الضرر عن نفسه بجبر ذلك بنقص الأجرة حين الاستئجار.
وأما السابع، فلمنع منافاة إخراج العشر من الجميع للمواساة، بل هو
أقرب إليها غالبا.
وأما الثامن، فلعدم وجود عين البذر في الحاصل أصلا، بل الحاصل
ليس إلا نماؤه.
ولو منع من تحقق الزكاة على ما نمى وحصل من البذر لزمه عدم
تعلق الزكاة بشئ من الحاصل، لأن كل حبة فإنما هي من نماء البذر.

(1) الفقيه 3: 147 / 648، الوسائل 25: 428 أبواب زكاة إحياء الموات ب 12 ح 3.
(2) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلات ب 4.
(3) التنقيح 1: 313.
203

سلمنا وجود البذر، ولكن نمنع عدم تكرر الزكاة في الغلات مطلقا،
وإنما هو في غير، وأما فيه فهو عين النزاع.
ثم إذا عرفت أن الحق عدم وضع المؤن مطلقا، فلا فائدة في التعرض
لذكر بعض ما يتفرع على وضعها، من بيان المؤن، واعتبار النصاب قبله أو
بعده، ونحو ذلك.
المسألة السابعة: حكم النخيل والزروع في البلاد المتباعدة حكمها
في البلد الواحد، فتضم الثمار المتباعدة في البلاد بعضها إلى بعض وإن
تفاوتت في الادراك، من غير خلاف يعرف، بل عن التذكرة إجماع
المسلمين عليه (1)، وتدل عليه إطلاقات الأدلة وعمومها.
وعلى هذا، فإذا بلغ بعضه الحد الذي يتعلق به الوجوب، فإن كان
نصابا أخذت منه الزكاة، ثم تؤخذ من الباقي قل أو كثر بعد أن يتعلق به
الوجوب.
وإن كان الذي أدرك أولا أقل من النصاب يتربص به حتى يدرك
الآخر ويتعلق به الوجوب، فيكمل منه النصاب الأول، ثم يؤخذ من الباقي
كائنا ما كان.
وكذا يضم الطلع الثاني إلى الأول فيما يطلع مرتين في السنة، على
الأظهر الأشهر بين الأصحاب (2)، لأنهما ثمرة سنة واحدة فيتناوله عموم
الأدلة.
وعن المبسوط: عدم الضم، احتجاجا بأنه في حكم ثمرة السنتين (3).
وهو ممنوع.

(1) التذكرة 1: 221.
(2) كما في المدارك 5: 151، الذخيرة: 444.
(3) المبسوط 1: 215.
204

المسألة الثامنة: يجزئ الرطب والعنب عن مثله في إخراج الفريضة
لو قلنا بوجوب الزكاة فيهما، لاطلاقات العشر ونصف العشر، فإن المراد
منها عما فيه الزكاة ونصف عشره، ولأنه الثابت من أدلة ثبوت الزكاة
فيهما لو تمت.
ولا يجزي الرطب والعنب عن التمر والزبيب لو قلنا باختصاص الزكاة
بالأخيرين ولو كانا بقدر الفرض إذا جفا، لعدم كونه عشر ما فيه الزكاة أو
نصف عشره، وللتعلق بالعين.
نعم، يجوز إخراجهما بالقيمة السوقية.
وأما لو قلنا بتعلق الزكاة بالأولين أيضا فيجوز إخراجهما عن زكاة
الآخرين إذا كانا بحيث لو جفا لكانا بقدر الفريضة، ولكن بشرط أن يكون
المخرج بعض ما تعلق به الزكاة على هذا المزكي أيضا.
وأما لو أخرج العنب أو الرطب الذي اشتراه عن التمر أو الزبيب الذي
تجب زكاته فلا يجوز إلا بالقيمة.
وكذا لا يجزئ غير الزكوي من الأجناس الأربعة - كالحنطة التي
اشتراها، أو حنطة السنة السابقة التي زكاها - عما تعلقت به الزكاة إلا بالقيمة
أو لأجل المثلية بقصد التبادل.
ولا يجزئ المعيب عن الصحيح بلا خلاف ظاهر، ولا الردي عن
الجيد، لقوله سبحانه: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) (1).
بضميمة موثقة أبي بصير: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر بالنخل أن
يزكى يجي قوم بألوان من التمر وهو من أردأ التمر يؤدونه من زكاتهم تمرة
يقال لها: الجعرور والمعافارة، قليلة اللحاء عظيمة النواة، وكان بعضهم

(1) البقرة: 267.
205

يجي بها عن التمر الجيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تخرصوا هاتين
التمرتين، ولا تجيئوا منها بشئ، وفي ذلك نزل: (ولا تيمموا الخبيث
منه تنفقون) (1) الحديث.
ولكن في جريان ذلك في مطلق الردئ والجيد إشكالا، فإن للجودة
والرداءة عرضا عريضا، وهما أمران نسبيان. والخبيث لا يصدق على الكل
ولو بضميمة الموثقة، إذ المذكور فيها: إنهم كانوا يجيئون بأردأ التمر.
وعلى هذا، فاللازم قصر الحكم على ما علم عدم إجزائه، وهو
المعيوب من الأجناس أو الردي جدا بحيث يطلق عليه الردي مطلقا أو
الأرداء، لا مجرد الرداءة بالنسبة إلى بعض الأصناف الأخر.
المسألة التاسعة: لو مات الزارع بعد زمان تعلق الوجوب وجبت
الزكاة مطلقا.
ولو مات قبله وانتقل إلى الوارث، فإن لم تبلغ حصة واحد منهم النصاب
فلا زكاة، وإن بلغت حصة بعضهم النصاب وجبت في حصته خاصة.
ولو لم تبلغ حصة أحدهم النصاب قبل القسمة، ولكن اختص الزرع
بواحد منهم وبلغ النصاب، فإن كانت القسمة قبل زمان تعلق الوجوب
وجبت الزكاة عليه، وإلا فلا.
والوجه في الجميع ظاهر.
المسألة العاشرة: لو مات الزارع المديون بعد زمان تعلق الوجوب
يجب إخراج الزكاة من أصل المال، بلا خلاف ظاهر كما في الذخيرة (2)، بل
إجماعا كما في المدارك (3)، لتعلق الزكاة بالعين، وانتقالها إلى الفقير.

(1) الكافي 4: 48 / 9، الوسائل 9: 205 أبواب زكاة الغلات ب 19 ح 1.
(2) الذخيرة: 444.
(3) المدارك 5: 153.
206

ولا فرق في ذلك بين ما إذا ضاقت التركة عن الدين أو لا، إلا إذا
ضاقت ولم يكن متعلق الزكاة موجودا في التركة، بل أتلفها الزارع في حياته
وصارت في ذمته، وجب التحاص بين أرباب الزكاة والديان، لصيرورتها في
الذمة، فتجري مجرى غيرها من الديون..
فعلى القول بالإشاعة في كل جزء يتعلق عشر ما أتلفه بالذمة.
وعلى القول بعشر جميع المال لا على التعيين كما اخترناه، لا يتعلق
بالذمة، إلا إذا أتلف الجميع أو بقي أقل من العشر، وإلا فيكون متعلق الزكاة
موجودا.
ولو مات الزارع المديون قبل زمان تعلق الوجوب، فإما يكون الدين
مستوعبا، أم لا.
فعلى الأول: فإن قلنا بعدم انتقال التركة إلى الوارث - كما هو الوجه
في المسألة - قالوا: لا تجب فيه زكاة، لا على الميت، لعدم وجوب عليه،
بل ولا ملكية له، ولا على الوراث، لانتفاء الملكية، إلا إذا أدى الوارث
الدين من غير التركة وانتقلت التركة إليه قبل زمان تعلق الوجوب، فتجب
الزكاة عليه.
وللبحث فيما قالوه مجال واسع، إذ لا يلزم من عدم وجوب الزكاة
على الميت بخصوصه ولا على الوارث انتفاؤها، كما إذا كان لأحد زرع
وكان الزارع غائبا لا يتمكن من التصرف فيه حين تعلق الوجوب، فإنه لا
يجب عليه ولكن يتعلق حق الفقراء بالمال.
والتحقيق: أن بعض الأخبار المثبتة للعشر ونصف العشر مطلق،
مثبت للعشر للفقراء في المال، ومثبت لوجوب إخراج العشر، ولا يلزم من
عدم وجوبه على شخص معين عدم وجوبه أصلا، بل يكون حين عدم
207

التعيين وجوبا كفائيا.
وعلى هذا، فالظاهر تعلق الزكاة ولو لم نقل بالانتقال إلى الوارث
أيضا، فيخرجها من يتصرف في المال، ولو لم يجب لزم عدم الوجوب لو
مات بعد تعلق الوجوب وقبل الحصاد، لعدم الأمر بالاخراج حينئذ للمالك،
وموته حين إمكان الاخراج.
وإن قلنا بانتقالها إليه فتجب عليه الزكاة، للاطلاقات والعمومات وإن
قلنا بأنه ممنوع من التصرف في التركة، لعدم مانعية مثل هذه الممنوعية من
وجوب الزكاة كما عرفت.
ولا يتعلق الدين بما يقابل الزكاة، لأنه صار ملكا للفقراء بأدلة وجوب
الزكاة الخالية عما يصلح للمعارضة في المقام.
ولا غرامة على الوارث، إلا إذا أمكن للوارث صرف الزرع إلى الديان
قبل زمان تعلق الوجوب وفرط فيه، فإنه يمكن أن يقال بوجوب غرامة
العشر للديان على الوارث.
وعلى هذا، فلو بذل الوراث عين التركة للديان لم يكن لهم مطالبة
غرامة العشر منه بدون تفريطه، ولو بذل بدلها بالقيمة لم يكن لهم مطالبة
غرامة بدل العشر، بل ليس لهم مطالبة بدل ما يقابل النماء الحاصل بعد
الموت، لأنه للوارث على هذا القول.
وعلى التفريط، يطالب ما يقابل العشر حين الموت، لا حين ما يقابل
نماءه الحاصل في ملك الوارث.
ولا فرق في جميع ما ذكر بين ما إذا كان الموت قبل ظهور الثمرة أو
بعده، كما صرح به في البيان (1)، وفي المدارك وكذا الذخيرة تبعا للمدارك

(1) البيان: 295.
208

التفصيل بين ظهورها وعدمها (1)، ولم أعرف وجهه.
وعلى الثاني (2): فإن قلنا بعدم انتقال شئ من التركة إلى الوارث كان كالأول على القول بعدم الانتقال.
وإن قلنا بانتقال الجميع إليه كان كالأول على القول بالانتقال.
وإن قلنا بانتقال الزائد عن الدين إليه خاصة، فإن لم يبلغ الزائد حد
النصاب فكالأول، وإن بلغ النصاب وجبت فيه الزكاة عليه.
المسألة الحادية عشرة: المذكور في كلام الأصحاب - ومنهم:
المحقق في المعتبر (3) والفاضل في المنتهى (4)، وغيرهما (5) - جواز الخرص
في النخيل والكروم وتضمينهم حصة الفقراء، ونقل عليه في المعتبر
الاجماع منا.
واختلفوا في جواز الخرص في الزروع، فأثبته الشيخ (6) وجماعة،
ونفاه والإسكافي والمحقق والفاضل في المنتهى والتحرير (7).
والمراد من الخرص: تخمين المحصول وتقديره بالظن والتقريب،
والمراد من جوازه: جواز الاكتفاء في إخراج الفريضة بعشر المقدر أو نصف
عشره.
واستدلوا له بوجوه ضعيفة جدا، أقواها: أخبار بين عامية (8) مردودة،

(1) المدارك 5: 154، الذخيرة: 444.
(2) معطوف على قوله: ولو مات الزارع المديون قبل....، فعلى الأول....
(3) المعتبر 2: 535.
(4) المنتهى 1: 500.
(5) كالشهيد في الدروس 1: 237.
(6) الخلاف 2: 60.
(7) حكاه عن الإسكافي في المعتبر 2: 269، المحقق في المعتبر 2: 537،
المنتهى 1: 501، التحرير 1: 63.
(8) كما في صحيح البخاري 3: 268، وصحيحي مسلم 4: 1785 / 1392.
209

وبين غير دالة على الخرص في الزكاة، بل في الأراضي الخراجية في حصة
النبي والإمام، وبين غير صريحة في جواز الاكتفاء في إخراج الفريضة
بالقدر الذي عليه الخرص.
وبالجملة: لا دليل على ذلك أصلا، والاجماع غير ثابت، مع أن أكثر
فروع الخرص إنما تترتب على المشهور من تعلق الوجوب حين بدو الصلاح.
وأما على ما اخترناه - من تعلقه حين صدق التمر والزبيب والحنطة
والشعير - فلا تترتب أكثر الفروع، وحيث إن جواز أصله غير ثابت - سيما
في الزروع - فلا فائدة في التعرض لذكر فروعه.
المسألة الثانية عشرة: لا خفاء في وجوب الزكاة في حصة المالك
في المزارعة والمساقاة، للعمومات والاطلاقات، وخصوص حسنة محمد
وأبي بصير وصحيحتي البزنطي، المتقدمة في مسألة استثناء الخراج
والمقاسمة (1).
والمشهور: وجوب الزكاة في حصة العامل أيضا (2)، للعمومات
المذكورة.
ونقل عن ابن زهرة: نفي الزكاة عن العامل في المزارعة والمساقاة (3)،
لأن الحصة التي أخذها كالأجرة من عمله.
واستدل له أيضا بمرسلة ابن بكير: في زكاة الأرض (إذا قبلها
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام بالنصف أو الثلث أو الربع، زكاتها عليه، وليس على
المتقبل زكاة، إلا أن يشترط صاحب الأرض أن الزكاة على المتقبل) (4)

(1) راجع ص: 188. 198.
(2) كما في المختلف: 179، والبيان: 294، ومجمع الفائدة 4: 121.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 602.
(4) التهذيب 4: 38 / 97، الإستبصار 2: 26 / 74، الوسائل 9: 189 أبواب زكاة
الغلات ب 7 ح 4.
210

الحديث.
وضعف دليله الأول ظاهر، وكذا المرسلة، لشذوذها بمخالفتها عمل
معظم الطائفة، مع أنها واردة فيما قبله النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام، فالتعدي إلى
الغير يحتاج إلى الدليل، والاجماع المركب غير ثابت.
211

الفصل الرابع
فيما يتعلق بذلك المقام من الأحكام
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا خلاف يعرف في الاجتزاء بالقيمة في الزكاة في
النقدين أو الغلات، بل عليه الاجماع في المعتبر والتذكرة (1)، للصحيحين:
أحدهما لعلي: عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير وعن
الدنانير دراهم، قال: (لا بأس) (2).
والآخر للبرقي: يجوز - جعلت فداك - أن يخرج ما يجب في الحرث
عن الحنطة والشعير دراهم بقيمة ما يسوى، أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل
شئ ما فيه؟ فأجابه عليه السلام: (أيما تيسر يخرج) (3).
ولا يضر تعليق الحكم على ما تيسر، إذ لو تيسر كل منهما يصدق
على كل منهما أنه تيسر، فيدخل في عموم الخبر.
والمروي في قرب الإسناد: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة،
وأشتري لهم منها ثيابا وطعاما، وأرى أن ذلك خير لهم، فقال: (لا
بأس) (4).
وليس المراد أن الزكاة تعطي أولا فتؤخذ منهم ويشترى منها الثياب

(1) المعتبر 2: 516، التذكرة 1: 225.
(2) الكافي 3: 559 / 2، الفقيه 2: 16 / 51، التهذيب 4: 95 / 272، الوسائل 9:
167 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 14 ح 2.
(3) الكافي 3: 559 / 1، الفقيه 2: 16 / 52، التهذيب 4: 95 / 271، الوسائل 9:
167 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 14 ح 1.
(4) قرب الإسناد: 49 / 159، الوسائل 9: 168 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 14
ح 4.
212

والطعام، إذ ذلك لا يحتاج إلى السؤال، بل يلغو قوله: وأرى أن ذلك خير
لهم، وضعفه منجبر بالعمل.
وتدل عليه أيضا روايات جواز احتساب الدين من الزكاة، كصحيحة
البجلي: عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم ولا يقدرون على
قضائه وهم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من
الزكاة؟ قال (نعم) (1).
وموثقة سماعة: عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن
يعطيه من الزكاة، إلى أن قال: (فلا بأس أن يقاصه بما أراد أن يعطيه من
الزكاة أو يحتسب بها) (2).
ولا تنافيها رواية سعيد: يشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق
والدقيق والبطيخ فيقسمه، قال: (لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر الله
تعالى) (3)..
لعدم دلالتها على الوجوب، والتشبيه يمكن أن يكون لتعيين القدر،
أي يستحب أن يعطى من الدراهم بقدر أمر الله، مع أن إعطاء الدراهم من
مطلق الزكاة غير واجب ضرورة، بل ولا مستحب، بل لا يجب من زكاة
الدراهم أيضا إجماعا.
والحق: الاجتراء بها في الأنعام أيضا، وفاقا للشيخ وابن زهرة
والسيد والحلي والفاضلين والشهيدين (4)، بل الأكثر كما صرح به

(1) الكافي 3: 558 / 1، الوسائل 9: 295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 2.
(2) الكافي 3: 558 / 2، الوسائل 9: 296 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 3.
(3) الكافي 3: 559 / 3، الوسائل 9: 168 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 3.
(4) الشيخ في الخلاف 2: 50، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568،
السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 75، الحلي في
السرائر 1: 451، المحقق في الشرائع 1: 147، والمختصر النافع: 65، العلامة
في التذكرة 1: 225، والتحرير 1: 64، والمختلف، 186، الشهيد في اللمعة
(الروضة 2): 28، الشهيد الثاني في الروضة 2: 28.
213

جماعة (1)، بل قيل: إن عليه الشهرة العظيمة القريبة من الاجماع (2)، بل عن
صريح الأولين وظاهر الثالث والرابع الاجماع عليه.
لا لبعض الاعتبارات الضعيفة، بل لرواية قرب الإسناد المنجبرة،
والصحيحة والموثقة الواردتين في الدين، المتقدمتين، الشاملتين لزكاة الأنعام لترك الاستفصال.
خلافا للمحكي عن الإسكافي والمفيد، فأوجبا فيها العين (3)، وعن
المعتبر: الميل إليه (4)، وقواه في المدارك والحدائق (5)، وجعله في الذخيرة
متجها (6).
لتعلق الوجوب بالفرائض، فلا يعدل إلا بدليل، ولا دليل، وبعض
الأخبار.
ويرد الأول بما تقدم من الدليل، والثاني بعدم الدلالة.
فروع:
أ: ظاهر الأصحاب جواز إعطاء كل جنس بقيمة الواجب.
وهو الأظهر، لقوله: (أيما تيسر) ولرواية قرب الإسناد، وإطلاق
الصحيحة والموثقة الواردتين في الدين، المتقدمة جميعا.

(1) منهم العلامة في التذكرة 1: 225.
(2) كما في الرياض 1: 269.
(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 186، المفيد في المقنعة: 253.
(4) المعتبر 2: 517.
(5) المدارك 5: 92، الحدائق 12: 137.
(6) الذخيرة: 447.
214

واستوجه في الذخيرة الاقتصار على الدراهم والدنانير (1)، وهو ظاهر
صاحبي الوافي والحدائق (2).
واستشكل في المدارك أيضا (3)، اقتصارا على مورد الصحيحين.
ودفعه يظهر مما مر.
ب: هل المعتبر من القيمة قيمة وقت الاخراج مطلقا، كما اختاره في
المدارك والذخيرة (4)؟
أو يقيد ذلك بما إذا لم يقوم الزكاة على نفسه ولو قومها على نفسه
وضمن القيمة فالواجب هو ما ضمنه، زاد السوق قبل الاخراج أو انخفض،
كما ذهب إليه في التذكرة (5)؟
دليل الأول: أن وقت الاخراج هو وقت الانتقال إلى القيمة.
ودليل الثاني: أنه متى كان التقويم جائزا والضمان صحيحا فإن
المستقر في ذمته هو القيمة.
أقول: التحقيق: أن الانتقال إلى القيمة خلاف الأصل، فيجب
الاقتصار فيه على القدر الثابت، ولم يثبت من النصوص المتقدمة إلا جوازه
حين الاخراج، وأما جواز الانتقال ولو بالذمة مطلقا فلم يثبت، فإذن الأظهر
الأول.
ولكن الاخراج أعم من أن يسلمه إلى الفقير أو يفرزه عن ماله حتى
يعطيه بعد ذلك، فلا يضر تفاوت القيمة إن أخرجه وإن كان مودعا عنده.

(1) الذخيرة: 447.
(2) الوافي 10: 152، الحدائق 12: 139.
(3) المدارك 5: 92.
(4) المدارك 5: 92، الذخيرة: 447.
(5) التذكرة 1: 225.
215

ج: قال في البيان: لو أخرج في الزكاة منفعة من العين - كسكنى
الدار - فالأقرب الصحة، وتسليمها بتسليم العين. ويحتمل المنع، لأنها
تحصل تدريجا (1).
قال في الذخيرة - بعد نقل ذلك -: ولا يبعد ترجيح هذا القول، لفقد
الدليل الصالح للدلالة على الصحة (2). انتهى.
وما ذكره جيد. والأولى إذا أراد ذلك أن يؤجر العين ويحتسب مال
الإجارة من الزكاة، والله العالم.
د: لا ريب أن إخراج الجنس مطلقا أفضل، كما صرح به الحلي
والمحقق (3) وغيرهما (4)، لفتواهم.
وقد يستدل أيضا برواية سعيد المتقدمة (5)، بحمل الزكاة المسؤول
عنها على زكاة الدراهم، وحمل الأمر على الاستحباب. ولا بأس به.
ويتأكد الاخراج من الجنس في النعم خروجا عن شبهة الخلاف فيها،
بل هو فيها الأحوط.
المسألة الثانية: المشهور تعلق الزكاة بالعين مطلقا (6)، وصريح
المنتهى وظاهر التذكرة الاجماع عليه (7).
لا بمعنى تعلقها بمثل جنس النصاب ولو من غير النصاب كما توهم،
لأنه راجع إلى التعلق بالذمة.

(1) البيان: 303.
(2) الذخيرة: 447.
(3) الحلي في السرائر 1: 451، المحقق في المختصر النافع: 56.
(4) كالعلامة في القواعد 1: 54.
(5) في ص 213.
(6) كما في الحدائق 12: 141.
(7) المنتهى 1: 505، التذكرة 1: 224.
216

بل بمعنى التعلق ببعض آحاد خصوص النصاب.
وحكي عن شاذ من أصحابنا تعلقها بالذمة، واحتمل في البيان تعلق
ما في النصب الخمسة للإبل بالذمة (1).
والأظهر أنها تتعلق بالذمة فيما ليست الفريضة جزء من النصاب،
كالشاة من الإبل، وبنت المخاض من بنات اللبون، والتبيع من المسنات،
ونحو ذلك، وبالعين فيما كانت الفريضة جزء من النصاب.
أما الأول، فلوجوب أدت ء الفريضة على المالك، وليست في النصاب
حتى تتعلق به، ولا يتعلق بغيره من أمواله، كما إذا كانت لصاحب الإبل شاة
أيضا أو لصاحب بنات اللبون بنت مخاض معلوفة، إجماعا، فبقي تعلقها
بالذمة.
وأما الثاني، فلحسنة العجلي، وفيها فيما قال أمير المؤمنين عليه السلام
لمصدقه: (فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه، فإن أكثره له) إلى أن قال:
(فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء، أيهما أختار فلا تعرض
له، ثم اصدع الباقي صدعين) إلى أن قال: (فلا تزال كذلك حتى ما يبقى ما
فيه وفاء لحق الله في ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه) الحديث (2).
ولولا تعلقها بالعين واشتراك الفقراء فيها لما ساغ ذلك، بل في قوله
أولا: (فإن أكثره له) دلالة واضحة على أن تمامه ليس له بل له شريك آخر.
وصحيحة البصري: رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها، على من
اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال: (نعم، تؤخذ زكاتها ويتبع بها البائع، أو
يؤدي زكاتها البائع) (3).

(1) البيان: 303.
(2) الكافي 3: 536 / 1، التهذيب 4: 96 / 274، الوسائل 9: 130 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1.
(3) الكافي 3: 531 / 5، الوسائل 9: 127 أبواب زكاة الأنعام ب 12 ح 1.
217

ولولا التعلق بالعين لما ساغ الأخذ من المشتري أصلا.
والايراد - بأن التخيير المستفاد من قوله: (أو يؤدي زكاتها البائع)
ينافي التعلق بالعين - مردود بعدم المنافاة بعد ثبوت جواز أدائه الفريضة من
غير النصاب أو قيمتها، فإن جواز ذلك أوجب عدم تعين الأخذ من
المشتري، ومحل الاستدلال جواز الأخذ منه، وهو باق بحاله.
ورواية أبي المغراء: (إن الله تبارك وتعالى شرك بين الفقراء والأغنياء
في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم) (1).
ولو كانت متعلقة بالذمة لما تحققت الشركة، إذ لم تتعلق بغير النصاب
إجماعا.
قيل: يمكن أن يقال: إنها وإن تعلقت بالذمة، لكن يجب إخراجها
من الأموال التي تدخل تحت ملكه، فتحصل الشركة بهذا الاعتبار (2).
قلنا: إذا تعلقت بالذمة ففي كل آن يجوز له أن يخرجها عما ليس بعد
تحت يده بتحصيله من اتهاب أو نحوه، فأين الشركة؟!
ومنه يظهر جواز الاستدلال بقوله عليه السلام: (إن الله فرض في أموال
الأغنياء للفقراء) كصحيحة ابن سنان (3)، أو قوله: (جعل للفقراء في أموال
الأغنياء) كحسنة ابن مسكان (4).
وتؤيده أيضا، بل تدل عليه الأخبار الغير المحصورة، المتضمنة للفظ
إخراج الزكاة من المال، فإن الاخراج من شئ يكون مع دخوله فيه، كما

(1) الكافي 3: 545 / 3، الوسائل 9: 215 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 4.
(2) كما في الذخيرة: 446.
(3) الكافي 3: 498 / 7، الفقيه 2، 2 / 1، الوسائل 9: 10 أبواب ما تجب فيه
الزكاة وما تستحب فيه ب 1 ح 3.
(4) الكافي 3: 497 / 4، الوسائل 9: 13 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه
ب 1 ح 9.
218

في صحيحة أبي بصير: (إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله) (1)، وغيرها (2).
وتدل عليه أيضا صحيحة ابن سنان: (باع أبي من هشام بن
عبد الملك أرضا له بكذا وكذا ألف دينار واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر
سنين، وإنما فعل ذلك لأن هشاما كان هو الوالي) (3).
فإن شرطه عليه السلام لأن الولاة يومئذ لا يزكون أموالهم، فأراد عليه السلام أن
يحل له عن أرضه مجملا، فاشترط على هشام زكاته ليحل.
وقد يستدل أيضا بقوله: (في أربعين شاة شاة. وفي ثلاثين من البقر
تبيع).
وبأنها مطهرة للمال، فكانت في عينه.
وبأنها لو وجبت في الذمة لتكررت الفريضة في النصاب الواحد
بتكرر الحول، ولم تقدم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت
التركة، ولم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط، ولم يجز للساعي تتبع
العين لو باعها المالك، والتوالي باطلة بأسرها اتفاقا.
وفي الكل نظر:
أما في الأول، فلأن لفظة (في) هنا غير ظاهرة في الظرفية، بل
استعمالها في السببية شائع، كما في قوله عليه السلام: (في قتل الخطأ مائة من
الإبل)، (وفي العينين الدية)، (وفي الوطء في الحيض كفارة)، بل في قوله
(في خمس من الإبل شاة).
ويمكن أن يقال: إن حقيقتها الظرفية واستعمالها في بعض المواضع
في معنى آخر لا يقتضي حملها عليه في سائر المواضع، والاحتياج إلى

(1) الكافي 3: 553 / 2، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 3.
(2) الوسائل 9: 285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39.
(3) الكافي 3: 524 / 2، الوسائل 9: 173 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 18 ح 1.
219

التقدير مشترك.
فإن المراد على الظرفية: أن في أربعين شاة شاة واجبة الاخراج، أو
شاة من مال الفقراء.
وعلى السببية: أن بسببها شاة كذلك، فتبقى أصالة الحقيقة خالية عن
المعارض.
مع أن في بعضها لا تحتاج الظرفية إلى تقدير، بخلاف السببية، مثل:
الأخبار المتضمنة لمثل قوله: (الزكاة في تسعة أشياء) أو: (على تسعة
أشياء) (وفي المال الفلاني الزكاة)، بل هي في نفسها ظاهرة في كون الزكاة
متعلقة بالعين.
وأظهر منها مثل ما في صحيحة زرارة: (كل ما كيل بالصاع فبلغ
الأوساق فعليه الزكاة) (1).
وأما في الثاني، فلجواز أن يكون الاخراج من غير المال أيضا مطهرا
للمال.
وأما في البواقي، فلمنع بطلان التوالي، وإنما هي مبنية على القول
بالتعلق بالعين، ولولاه لم يسلم البطلان.
وحكى في البيان عن ابن حمزة أنه نقل عن بعض الأصحاب وجوبها
في الذمة، إذ لو وجبت في العين لجاز إلزام المالك بالأداء منها، ولمنع من
التصرف حتى يخرج الفرض (2).
ويضعف بأنه كان كذلك لولا الدليل من الخارج لجواز الاخراج من
مال آخر، وجواز التصرف في النصاب مع ضمان الزكاة.

(1) الكافي 3: 510 / 2، الوسائل 9: 63 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه
ب 9 ح 5.
(2) البيان: 303.
220

فروع:
أ: ظاهر هذه الأدلة أن تعلقها بالعين إنما هو على سبيل الاستحقاق
وليس مجرد الاستيثاق (1)، وهو ظاهر.
ب: هل يكون استحقاق الفقير وشركته على سبيل الإشاعة حتى
يشترك في كل شاة مثلا بقدر الحصة، أو يملك الفقراء واحدا منها لا على
التعيين؟
لا دليل على الأول، وظاهر جميع الأخبار: الثاني، بمعنى: أن واحدا
غير معين من الأربعين مثلا يصير ملكا للفقير، فتحصل البراءة بإعطاء أي
واحد منها.
وتوهم أن الملك لا يخلو عن التعيين أو الإشاعة باطل، إذ لا أرى
فسادا في أن يقول الشارع: واحد غير معين من هذه العشرة ملك لزيد، كما
إذا قال: يجب عليك إعطاء شاة من هذه الأربعين أو نذر شاة من هذه الشياه
المعينة، فكما يتعلق الوجوب والنذر بواحد لا على التعيين فكذلك
الملكية، بل مرجع الملكية هنا أيضا على وجوب الاخراج.
ج: يجوز للمالك إخراج ما شاء من النصاب بعدما كان جامعا
لوصف الفريضة من غير حاجة إلى حضور المصدق ولا الفقير، ومن غير
احتياج إلى قرعة، وليس للمصدق ولا الفقير مزاحمته ومشاحته.
أما جواز إخراجه بنفسه مستقلا، فبالأخبار الغير العديدة الواردة في
جواز إعطاء الزكاة إلى الفقير من غير إظهار أنه زكاته، وفي إخراج الزكاة.

(1) قال في البيان: 303: في كيفية تعلقها بالعين وجهان، أحدهما، أنه على طريق الاستحقاق فالفقير شريك، وثانيهما: أنه استيثاق، فيحمل أنه كالرهن، ويحتمل
أنه كتعلق أرش الجناية بالعبد.
221

منها صحيحة أبي بصير: (إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها
لقوم فضاعت، أو أرسل بها إليهم فضاعت، فلا شئ عليه) (1).
وصحيحة زرارة: (إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمها لأحد فقد
برئ منها) (2)، إلى غير ذلك (3).
وأما عدم الاحتياج إلى قرعة أو تسوية، فللأصل، وصدق إخراج
الشاة مثلا.
وأما عدم جواز مزاحمة الفقير والمصدق فلذلك أيضا.
وأما ما في حسنة العجلي - المتضمنة لما علمه أمير المؤمنين عليه السلام
لمصدقه وأمره بصدع المال صدعين إلى أن ينتهي إلى قدر الفريضة (4) - فهو
ليس بواجب إجماعا.
وذهب جماعة - منهم الشيخ - إلى استعمال القرعة عند التشاح (5)، بل
قد ينقل قول بها من غير تقييد بالتشاح أيضا (6). ولا دليل لهما.
د: قالوا: الفريضة وإن تعلقت بالعين، إلا أنه يجوز إخراجها من غير
عين النصاب وإن اشتمل عليها (7)، بالاجماع على ما نقله جماعة (8)، وتدل
عليه صحيحة البصري المتقدمة (9).

(1) تقدمت في ص: 219.
(2) الكافي 3: 553 / 3، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 4.
(3) الوسائل 9، 285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39.
(4) راجع ص: 217.
(5) المبسوط 1: 215.
(6) انظر التذكرة 1: 215.
(7) انظر: المعتبر 2: 522، التذكرة 1: 224، المسالك 1: 54.
(8) كالمحقق في المعتبر 2: 516، العلامة في التذكرة 1: 224، الكاشاني في
المفاتيح 1: 202.
(9) في ص: 217.
222

وقد تنسب المخالفة إلى شاذ (1).
أقول: المخالفة إن كانت في الاخراج من غير النصاب مطلقا ولو
بالقيمة فهي ضعيفة للصحيحة (2)، وسائر روايات القيمة الآتية.
وإن كانت في الاخراج جنس النصاب عن غيره بدون اعتبار القيمة
فهي قوية، إذ لا دليل على كفاية مطلق الجنس ولو من غير النصاب، فإن
الاطلاقات (3) كلها مما يستدل بها على التعلق بالعين، كقولهم: (في أربعين
شاة شاة) ونحوه، ولا يثبت منه أزيد من كفاية المطلق مما في العين.
وأما المطلق من غيره فلا دليل عليه، ولو فرض وجود إطلاق فيجب
حمله على المقيد مما يدل على التعلق بالعين.
فالحق: جواز الاخراج من غير النصاب، ولكن مع اعتبار القيمة.
ه‍: يجوز إعطاء القيمة أيضا كما مر.
و: لو باع المالك جميع المال الذي تعلقت به الزكاة نفذ في الزائد عن
الفريضة قولا واحدا، وكذا في قدر الفرض إن أخرجه من غيره أو بقيمته أو
ضمن القيمة إن قلنا بجوازه.
ويبطل البيع في مساوي الفريضة إن لم يخرجه من غيره أو بقيمته،
لما مر من شركة الفقراء. ويتخير المشتري من باب تبعض الصفقة.
ولا يقع فضوليا يصح بالإجازة ولو قلنا بصحة البيع الفضولي، لعدم
ثبوتها فيما لم يتعين المالك المخير أيضا.
ولو أخرج الزكاة بعد البيع لم يصح البيع في الجميع، كما ذكره

(1) انظر: التذكرة 1: 224.
(2) المتقدمة في ص: 218 - 219.
(3) الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6.
223

المحقق (1)، لأن الفريضة حينئذ ملك مستأنف.
وعن الشيخ قول بصحة البيع في الجميع حينئذ (2)، ولا وجه له.
وللفاضل في التذكرة قول بصحة البيع مطلقا ولو لم يخرج بعده
أيضا (3)، وقول آخر في موضع آخر منه بالصحة عند الضمان أو الشرط
على المشتري، واحتمل الصحة والبطلان عند عدمهما. والأصح ما ذكرناه.
ز: وإذ عرفت أن شركة الفقراء ليست على وجه الإشاعة حتى
يشتركوا في كل جزء، وأن لهم قدر الفريضة من النصاب لا على التعيين،
فيجوز للمالك التصرف في القدر الزائد على الفريضة كيف شاء، ويجوز
القبول منه والأكل من ماله وإن علم أنه لا يزكي، ما لم يزد ذلك ك على جميع
النصاب.
وكذا لا يسقط عن الفريضة شئ بتلف بعض النصاب ما دام قدر
الفريضة باقيا، كما يأتي بيانه في مسألة على حدة، والله العالم.
المسألة الثالثة: إذا اجتمعت شرائط وجوب الزكاة، فإن لم يوجد
المستحق يجوز للمالك عزلها وإفرازها من ماله وتعيينها في مال خاص
ويصح عزله، بلا خلاف يعلم، كما في الذخيرة (4)، ونسبه في الحدائق إلى
الأصحاب (5)، ونفى عنه الريب في المدارك (6)، بل فيه وفي غيره من كتب
الأصحاب: أفضليته (7).
224

لا لوجوه اعتبارية ذكروها، لاشكال الاستناد إليها في إثبات ما هو
العمدة والمقصود من العزل، من صيرورة المعزول ملكا للمستحقين قهرا
حتى لا يشاركهم المالك عند التلف أصلا.
بل للمستفيضة من الأخبار، كالصحاح الثلاث لمحمد وزرارة وأبي
بصير، وحسنتي عبيد وبكير، وموثقة وهب، الآتية جميعا في المسألة الآتية.
وموثقة يونس بن يعقوب: زكاة تحل علي شهرا فيصلح لي أن
أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدة؟ قال: (إذا
حال الحول فأخرجها من مالك، ولا تخلطها بشئ، وأعطها كيف شئت)
قال: قلت: [فإن] (1) أنا كتبتها وأثبتها يستقيم لي؟ قال: (نعم، لا
يضرك) (2).
وصحيحة ابن سنان: في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها ويبقي
بعض يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر، قال: (لا
بأس) (3).
ورواية أبي حمزة: عن الزكاة تجب علي في موضع لا يمكنني أن
أؤديها، قال: (اعزلها، فإن اتجرت بها فأنت ضامن لها، ولها الربح، وإن
نويت في حال عزلها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك، وإن لم
تعزلها واتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح، ولا وضيعة
عليها) (4).

(1) لا يوجد في النسخ، أثبتناه من المصدر.
(2) الكافي 3: 522 / 3، التهذيب 4: 45 / 119، الوسائل 9: 307 أبواب
المستحقين للزكاة ب 52 ح 2.
(3) الكافي 3: 523 الزكاة / 7، التهذيب 4: 45 / 118، الوسائل 9: 307 أبواب
المستحقين للزكاة ب 53 ح 1.
(4) الكافي 4: 60 / 2، الوسائل 9: 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 3.
225

ويدل إطلاق غير الأخيرة - بل ظاهر صدر الموثقة الثانية - على جواز
العزل وصحته مع وجود المستحق أيضا كما الأظهر، وفاقا للفاضلين
والدروس، لما ذكر (1).
وخلافا للمحكي عن الشهيد الثاني، فمنعه حينئذ (2)، لأن الزكاة
كالدين، وهو لا يتعين بدون قبض مالكه أو من في حكمه.
وهو اجتهاد في مقابلة النص.
ودعوى تبادر صورة فقد المستحق من النصوص ممنوعة، بل خلافها
من بعضها ظاهر، كما مر.
فروع:
أ: إذا جاز العزل، فإذا عزل يكون المعزول أمانة في يده، وحكم
ضمانه مع التلف بتفريط أو بدونه يأتي في المسألة الآتية.
ب: هل يجوز للمالك إبدالها بغيرها بعد العزل، أم لا؟
المحكي عن الشهيد: الثاني (3).
وظاهر بعض المتأخرين: الأول (4). وهو الأظهر.
لا لقوله في حسنة بريد بن معاوية الواردة في آداب الساعي: (اصدع
المال صدعين) إلى أن قال: (حتى يبقى وفاء لحق الله في ماله فاقبض حق
الله منه وإن استقالك فأقله) (5) كما استدل به للتبديل.

(1) المحقق في المعتبر 2: 588، العلامة في التحرير 1: 66، الشهيد في الدروس
1: 247.
(2) المسالك 1: 62، الروضة 2: 40.
(3) حكاه عنه في المسالك 1: 62.
(4) كصاحب المدارك 5: 275.
(5) راجع ص: 217.
226

لمنع دلالته عليه بوجه، أما أولا: فلأن الاستقالة من الساعي غير
التبديل بنفسه، فإن الساعي بمنزلة الفقير، والاستقالة طلب منه.
وأما ثانيا: فلأنه ليس صريحا في أن الاستقالة بعد القبض، بل هي
بعد الصدع، فلعل المراد: استقالة كيفية التقسيم.
بل لاطلاق بعض أخبار جواز دفع القيمة المذكورة في مسألة جواز
دفعها.
ولاستصحاب جواز دفع القيمة، ولا يتصور بغير الموضوع، حيث إنه
ابتدأ كان دفع قيمة جزء مشاع، وحينئذ يكون دفع قيمة جزء معين، فإن
المستصحب جواز دفع قيمة ما يجب إعطاؤه، ولا نسلم تعيين وجوب دفع
المعين وإن أخرجه، إلا مع ثبوت عدم جواز دفع القيمة.
ج: إذا تحقق العزل يكون النماء المتصل تابعا للمعزول، فيكون
للفقراء، لتبعيته للأصل، وكذا المنفصل على الأظهر، وفاقا لجماعة من
متأخري المتأخرين (1)، للرواية الأخيرة.
وخلافا للمحكي عن الدروس، فجعله للمالك (2). ولم أعرف له مستندا.
المسألة الرابعة: لو تلف المال الذي فيه الزكاة، فلا يخلو إما يتلف
جميع المال أو بعضه، فإن تلف الجميع فإما يكون مع عدم التمكن من
أداء الزكاة ومن غير تفريط، أو مع التمكن والتفريط، أو مع التمكن بدون
التفريط، أو بالعكس.
فعلى الأول: لا ضمان عليه ولا زكاة بالاجماع، له، وللأصل، ولما
عرفت من تعلق الزكاة بالعين، فيكون المال في يده بمنزلة [الأمانة] (3)، فلا

(1) كصاحب المدارك 5: 275، وصاحب الحدائق 12: 242.
(2) الدروس 1: 247.
(3) ما بين المعقوفتين أضفناه لاستقامة العبارة.
227

يضمن إلا بتعد أو تفريط.
وعلى الثاني: يضمن بالاجماع، له، ولاطلاق مفهوم صحيحة أبي بصير
وحسنة عبيد الآتيتين، بل فحوى ما يأتي مما يدل على الضمان مع التمكن
من الأداء بعد الاخراج.
وكذا على الثالث والرابع، لاطلاق المفهومين، الشامل لصورة عدم
التمكن والتفريط أيضا، خرجت منه هذه بالاجماع، فيبقى الباقي.
وإن تلف بعض المال، فإما يكون بعد إفراز الزكاة وإخراجها منه قبل
تسليمها إلى الفقير، أو قبله.
فعلى الأول: فإما يكون التالف هو البعض الذي أفرزه لنفسه، فلا
ينقص من الزكاة شئ، لأنه كان مختارا في التقسيم وقسم وتلفت قسمة
نفسه.
أو يكون هو البعض الذي أفرزه للزكاة، وفيه الأقسام الأربعة
المتقدمة.
فعلى أولها: لا يضمن إجماعا وبرئت ذمته، له، وللأصل، ولصحيحة
محمد: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها
حتى تقسم؟ قال: (إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى
يدفعها، وإن لم يجد لها من يدفعها فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان،
لأنها قد خرجت من يده) (1).
وصحيحة زرارة: عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت،
فقال: (ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان)، قلت: فإن لم يجد
أهلا ففسدت وتغيرت، أيضمنها؟ قال: (لا، ولكن إن عرف لها أهلا

(1) الكافي 3: 553 / 1، الفقيه 2: 15 / 46، التهذيب 4: 47 / 125، الوسائل 9:
285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 1.
228

فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها) (1).
وعلى الثاني والثالث: يضمن، كما هو المعروف من مذهب
الأصحاب، بل في التذكرة: أنه قول علمائنا أجمع (2)، لصحيحتي محمد
وزرارة.
ولا يضر إطلاق بعض الأخبار بعدم الضمان، كصحيحة أبي بصير:
(إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم
فضاعت فلا شئ عليه) (3).
وحسنة عبيد: (إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمها لأحد فقد
برئ منها) (4).
وحسنة بكير: عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق أو تضيع، قال: (ليس
عليه شئ) (5).
وموثقة وهب وفيها: الرجل يبعث بزكاته من أرض إلى أرض فيقطع
عليه الطريق، فقال: (قد أجزأت عنه) (6).
لأن هذه مطلقة والصحيحتان مقيدتان، والمطلق يحمل على المقيد.
ولا فرق في الضمان مع إمكان الأداء بين أن يكون التأخير لأجل
توقع درك فضيلة أم لا.

(1) الكافي 3: 553 / 4، التهذيب 4: 48 / 126، الوسائل 9: 286 أبواب
المستحقين للزكاة ب 39 ح 2.
(2) التذكرة 1: 225.
(3) الكافي 3: 553 / 2، التهذيب 4: 47 / 123، الوسائل 9: 286 أبواب
المستحقين للزكاة ب 39 ح 2.
(4) الكافي 3: 553 / 3، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 4.
(5) الكافي 3: 554 / 5، التهذيب 4: 47 / 124، الوسائل 9: 287 أبواب
المستحقين للزكاة ب 39 ح 5.
(6) الكافي 3: 554 / 9، الوسائل 9: 287 أبواب المستحقين للزكاة ب 36 ح 6.
229

وعلى الرابع: لا يضمن، لاطلاق جميع تلك الروايات.
والمراد بالتفريط - الذي لا يضمن معه إذا لم يتمكن من الأداء -: أ
يقصر في حفظها من غير أن يكون سببا لتلفها، وأما لو أتلفها بنفسه
بالمباشرة أو التسبيب فيضمنها إجماعا.
وإن كان تلف بعض المال قبل إفراز الزكاة، فالحق - وفاقا للمحكي
عن الشهيد الثاني - الضمان مطلقا، بمعنى: وجو ب إخراجه الزكاة عن
الباقي، للاستصحاب، ولمفهوم الصحيحة والحسنة (1).
ولا ينافيه تعلق الزكاة بالعين، إذ قد عرفت أن تعلقها بها ليس على
سبيل الإشاعة، بل تعلق بالواحد لا بعينه، فتجب الزكاة ما دام قدر الفريضة
باقيا.
نعم، لو نقص عن قدر الفريضة أيضا فحكم ما نقص منها حكم ما
تلف (2) في ضمن جميع المال كما سبق، والله العالم.
فرع: إنما يتحقق تلف الزكاة في صورة تلف البعض بإفراز الزكاة
بالنية، وهو متفرع على جواز ذلك الافراز مطلقا أو في الجملة، وسيأتي بيانه
في أواخر الكتاب.
المسألة الخامسة: لو قال رب المال: لا زكاة في مالي، يجب
القبول، ولا يجوز مزاحمته للحاكم ولا للمصدق ولا للفقير، بلا خلاف
أعرفه، كما صرح به غير واحد أيضا (3)
لحسنة العجلي، المتضمنة لما أمره أمير المؤمنين عليه السلام لمصدقه،

(1) انظر: الروضة 2: 40، والمقصود بالصحيحة صحيحة أبي بصير، والحسنة حسنة
عبيد.
(2) في جميع النسخ: تلف ما.
(3) انظر: الرياض 1: 286.
230

وفيها: (قل لهم: يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في
أموالكم، فهل لله في أموالكم محق فتؤدوه إلى وليه، فإن قال لك قائل:
لا، فلا تراجعه) (1).
ورواية غياث بن إبراهيم: (كان علي عليه السلام لا إذا بعث مصدقه قال: إذا
أتيت على رب المال فقل له: تصدق - رحمك الله - مما أعطاك الله، فإن
ولى عنك فلا تراجعه) (2).
وإطلاق الروايتين - سيما الأخيرة - يشمل ما إذا ادعى رب المال عدم
تحقق الشرائط، من النصاب أو الحول أو السوم في صورة عدم العلم
بتحققها، أو ادعى الأداء وبراءة الذمة في صورة العلم به أو اعترافه.. به ولا
يكلف حينئذ بينة ولا يمينا، أو ادعى أنه لا زكاة عندي، مع عدم العلم
بوجوبها عليه أولا أو العلم.
مضافا - في صورة ادعاء عدم تحقق الشرائط، أو عدم العلم
بالوجوب - إلى الأصل، وفي الجميع إلى أن الزكاة ليست حقا لشخص
معين أو أشخاص معينين حتى يجوز له المزاحمة والدعوى.. فالمزاحمة لو
جازت لكانت من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشرطهما:
العلم بكونه معروفا أو منكرا، وفي صورة ادعاء البراءة أنها لا تعلم غالبا إلا
من قبله، وجاز احتسابه من دين وغيره مما يتعذر الاشهاد عليه، بل لا
يزاحم مع الظن بعدم الأداء.
نعم، لو علم تعلق الزكاة على ماله وعدم إخراجه إياه، كان لمن من
شأنه ذلك أن يكلفه الأداء أو يأخذ منه.
وهل تقوم شهادة الشاهدين على تحقق الشرائط أو عدم الأداء، على

(1) تقدمت في ص: 217.
(2) الكافي 3: 538 / 4، الوسائل 9: 132 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 5.
231

نحو يقبل بأن يرجع إلى الاثبات بحصر المالك الاخراج في صورة تمكن
الشهادة على نفيها مقام العلم، أم لا؟
صرح في الشرائع بالأول (1)، ولا يحضرني دليله، والأصل يثبت
الثاني.
ولا تسمع الشهادة على عدم الأداء مطلقا قطعا، لكونها شهادة على
النفي.

(1) الشرائع 1: 164.
232

الباب الثالث
فيما تستحب فيه الزكاة
وهي أشياء:
منها: كل ما يكال أو يوزن مما أنبتته الأرض، عدا الغلا ت الأربع
الواجبة زكاتها، وعدا الخضر والفواكه والباذنجان والخيار ونحوها، فإنها لا
تستحب فيها، فهذه أحكام أربعة:
أحدها: الوجوب في الغلات الأربع، وقد مر.
وثانيها: الرجحان في غيرها أيضا مما ذكر، وهو إجماعي كما صرح
به جماعة (1)، فهو الدليل عليه.
مضافا إلى المستفيضة، كصحيحة ابن مهزيار: قرأت في كتاب عبد الله
ابن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام، إلى أن قال: فوقع عليه السلام: (كذلك هو،
والزكاة في كل ما كيل بالصاع) وفيها أيضا: (صدقوا، الزكاة في كل شئ
كيل) (2).
وصحيحة محمد بن إسماعيل، وفيها: (أما الرطبة فليس عليك فيها
شئ، وأما الأرز فما سقت السماء العشر وما سقي بالدلو فنصف العشر في
كل ما كلت بالصاع) (3).
وحسنة محمد: (البر والشعير والذرة والدخن والأرز والسلت

(1) كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، صاحب المدارك 5: 48،
وصاحب الحدائق 12: 153، وصاحب الرياض 1: 264.
(2) الكافي 3: 510 / 3، التهذيب 4: 5 / 11، الإستبصار 2: 5 / 11،
الوسائل 9: 55 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 8 ح 6 و ص 61 ب 9 ح 1.
(3) الكافي 3: 511 / 5، الوسائل 9: 61 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه
ب 9 ح 2.
233

والعدس والسمسم، كل هذا مما يزكى، وأشباهه) (1).
ونحوها رواية أبي مريم، إلا أنه نقص فيها الدخن والسمسم
وأشباهه، وزاد فيها: وقال: (كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه
الزكاة) (2).
وصحيحة زرارة: (كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة)، قال:
(وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصدقة في كل شئ أنبتته الأرض إلا الخضر
والبقول وكل شئ يفسد من يومه) (3).
وحسنة زرارة الموثقة: (الذرة والعدس والسلت والحبوب فيها مثل ما
في الحنطة والشعير، وكل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة
فعليه فيه الزكاة) (4).
وثالثها: انتفاء الوجوب في غير الأربع، وهو المشهور بين أصحابنا،
بل عليه نقل الاجماع مستفيضا، كما مر في صدر الباب الثاني.
وتدل عليه جميع العمومات النافية للزكاة عما سوى التسعة المتقدمة
في الصدر المذكور.
وخصوص رواية الطيار، وفيها - بعد قوله عليه السلام: (عفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عما سوى ذلك) -: فقلت: أصلحك الله، فإن عندنا حبا كثيرا، قال: فقال:

(1) الكافي 3: 510 / 1، التهذيب 4: 65 / 175، الإستبصار 2: 3 / 7، الوسائل
9: 62 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 9 ح 4.
(2) الكافي 3: 511 / 6، التهذيب 4: 4 / 8، الإستبصار 2: 4 / 8، الوسائل 9، 62
أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 9 ح 3.
(3) الكافي 3: 510 / 2، الوسائل 9: 63 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب
فيه ب 9 ح 6.
(4) التهذيب 4: 65 / 177، الوسائل 9: 64 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب
فيه ب 9 ح 10.
234

(وما هو؟) فقلت: الأرز، قال: (نعم، ما أكثره)، فقلت: أفيه الزكاة؟ قال:
فزبرني، قال: ثم قال: (أقول لك: إن رسول الله صلى الله عليه وآله عفا عما سوى ذلك
وتقول لي: إن عندنا حبا كثيرا أفيه الزكاة) (1).
وصحيحة زرارة وبكير: (ليس في شئ أنبتت الأرض من الأرز
والذرة والحمص والعدس وسائر الحبوب والفواكه غير هذه الأربعة
الأصناف وإن كثر ثمنه) (2) الحديث.
وصحيحتهما الأخرى المتقدمة في زكاة الغلا ت، وفيها: (وأما ما أنبتت
الأرض من شئ من الأشياء فليس فيه زكاة، إلا في الأربعة أشياء: البر
والشعير والتمر والزبيب) (3).
وصحيحة زرارة، وفيها - بعد ذكر الحنطة والشعير والتمر والزبيب -:
(وليس فيما أنبتت الأرض شئ إلا في هذه الأربعة أشياء) (4).
ومرسلة القماط المروية في معاني الأخبار: عن الزكاة، فقال: (وضع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزكاة على تسعة وعفا عما سوى ذلك) إلى أن قال: فقال
السائل: فالذرة؟ فغضب عليه السلام، ثم قال: (والله كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
دائما السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك)، فقال: إنهم يقولون: إنه لم
يكن ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما وضع على تسعة لما لم يكن
بحضرته غير ذلك، فغضب وقال: (كذبوا، فهل يكون العفو إلا عن شئ

(1) التهذيب 4: 4 / 9، الإستبصار 2: 4 / 9، الوسائل 0: 58 أبواب ما تجب فيه
الزكاة وما تستحب فيه ب 8 ح 12. والزبر: الزجر والمنع - الصحاح 2: 167.
(2) التهذيب 4: 6 / 12، الإستبصار 2: 6 / 12، الوسائل 9: 63 أبواب ما تجب
فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 9 ح 9.
(3) التهذيب 4: 19 / 50، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلات ب 1 ح 8.
(4) التهذيب 4: 13 / 34، الإستبصار 2: 14 / 40، الوسائل 9: 63 أبواب ما
تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 9 ح 8.
235

قد كان؟! ولا والله ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن
ومن شاء فليكفر) (1).
ورابعها: انتفاء الاستحباب في الخضر والثمار والفواكه ومثل
الباذنجان، وعليه الاجماع عن المفيد والمنتهى (2).
وتدل عليه - بعد الأصل، وبعض ما مر من الأخبار - موثقة سماعة:
(ليس على البقول ولا على البطيخ وأشباهه زكاة) (3).
وحسنة الحلبي: ما في الخضر؟ قال: (وما هي؟)، قال: القصب
والبطيخ ومثله من الخضر؟ قال: (ليس عليه شئ) (4).
وحسنة محمد: في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان بمال، هل
فيه الصدقة؟ قال: (لا) (5).
وصحيحة زرارة: (عفا رسول الله عن الخضر)، قلت: وما الخضر؟
قال: (كل شئ لا يكون له بقاء: البقل والبطيخ والفواكه، وشبه ذلك مما
يكون سريع الفساد) (6)، إلى غير ذلك.
خلافا في الثالث للمحكي عن يونس بن عبد الرحمن والإسكافي (7)،

(1) معاني الأخبار: 154 / 1، الوسائل 9: 54 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما
تستحب فيه ب 8 ح 3.
(2) المفيد في المقنعة: 245، المنتهى 1: 510.
(3) الكافي 3: 511 / 1، الوسائل 9: 68 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه
ب 11 ح 7.
(4) الكافي 3: 512 / 3، التهذيب 4: 67 / 182، الوسائل 9: 67 أبواب ما تجب
فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 11 ح 2.
(5) الكافي 3: 512 / 6، الوسائل 9: 67 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 11 ح 3.
(6) التهذيب 4: 66 / 180، الوسائل 9: 68 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 11 ح 9.
(7) حكاه عن يونس بن عبد الرحمن في الكافي 3: 509، وعن الإسكافي في
المختلف: 180.
236

ونسبه في الوافي إلى الكافي (1). وفيه نظر.
للمستفيضة المتقدمة في إثبات الرجحان، وقوله عليه السلام في روايات
كثيرة: (في ما سقت السماء العشر) (2).
وبعض الآيات، نحو قوله تعالى: (والنخل والزرع مختلفا أكله)
إلى قول وأتوا حقه يوم حصاده) (3).
وقوله سبحانه: (وأنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم
من الأرض) (4)، فإن الأمر للوجوب ولا وجوب في غير الزكاة.
وقوله سبحانه: (خذ من أموالهم صدقة) (5).
وقوله سبحانه: (وفي أموالهم حق معلوم) (6).
والجواب عن الأخبار.
أولا: بعدم دلالة شئ منها على الوجوب أصلا، أما ما لا يتضمن لفظة
(على) فظاهر، وأما ما تضمنها فلأن المسلم دلالة ما يتضمنها على الوجوب إذا
دخلت على الأشخاص المكلفين نحو على فلان كذا، لا ما دخلت على الأعيان.
ولا يتوهم تعين رجوع الضمير في الأخيرة إلى مكلف، لاحتمال
رجوعه إلى ما كيل، يعني: على ما كيل في ما بلغ الأوساق الزكاة، ويؤكده
عدم ذكر شخص في الكلام.
وثانيا: بأنه لو كانت ظاهرة في الوجوب يتعين حملها على
الاستحباب بقرينة الأخبار النافية.

(1) الوافي 10: 59.
(2) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلات ب 4 ح 1.
(3) الأنعام: 141.
(4) البقرة: 267.
(5) التوبة: 103.
(6) المعارج: 24.
237

وثالثا: بأنها تعارض جميع الأخبار النافية، والترجيح للأكثرية
والأشهرية ومخالفة العامة، فإن الأخبار المثبتة موافقة لمذهب جمهور
المخالفين، فإن أبا حنيفة وزفر أوجبا الزكاة في جميع ما يزرع سوى
الحطب والحشيش والقصب (1)، والشافعي أوجبها في كل ما يصان
ويدخر (2)، وأحمد في جميع الثمار والحبوب التي تكال وتدخر إلا
الجوز (3)، وأبو يوسف في كل ما له ثمرة باقية (4)، ومالك في الحبوب
كلها (5).
فهي خارجة مخرج التقية، وتشعر به رواية معاني الأخبار (6)، بل
صحيحة ابن مهزيار (7).
ورابعا: بأنه لولا الترجيح لكان المرجع الأصل، وهو مع عدم
الوجوب.
فرع: حكم ما يخرج من الأرض مما تستحب فيه الزكاة حكم
الأجناس الأربعة الزكوية في قدر النصاب وقدر ما يخرج منها واعتبار السقي
والزراعة، بالاجماع المحقق، والمحكي مستفيضا (8).
وتدل على الأول صحيحة زرارة ورواية أبي مريم، وعلى الأولين
حسنة زرارة الموثقة، وعلى الثانيين صحيحة محمد بن إسماعيل (9).

(1) حكاه عن أبي حنيفة وزفر في عمدة القارئ 9: 73.
(2) الأم 2: 23.
(3) حكاه عنه في الإنصاف 3: 86.
(4) حكاه عنه في عمدة القارئ 9: 74.
(5) الوطأ 1: 271.
(6) المتقدمة في ص: 235.
(7) المتقدمة في ص: 233.
(8) انظر: المدارك 5: 159، الذخيرة: 451، والرياض 1: 275.
(9) راجع ص: 233. 234.
238

وفي مرسلة الكافي: وروي أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (كل
ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة والشعير والزبيب) (1).
ومنها: الخيل بشرط الأنوثة والسوم والحول، فمع هذه الشرائط
يستحب عن كل فرس عتيق - وهو الذي أبواه عربيان كريمان - ديناران،
وعن كل برذون - وهو خلاف العتيق - دينار، وعليه الاجماع عن التذكرة
والمنتهى (2).
وفي حسنة محمد وزرارة: (وضع أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل
العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين، وجعل على البراذين
دينارا) (3).
وفي حسنة زرارة: هل في البغال شئ؟ فقال: (لا)، فقلت: فكيف
صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ قال: (لأن البغال لا تلقح، والخيل
الإناث ينتجن، وليس على الخيل الذكور شئ)، قال: فما في الحمير؟
فقال: (ليس فيها شئ)، قال: قلت: هل على الفرس أو البعير يكون
للرجل يركبها شئ؟ فقال: (لا، ليس على ما يعلف شئ، إنما الصدقة
على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل) (4).
وتثبت من الروايتين جميع الأحكام المذكورة.
ثم هاتان الروايتان وإن احتملتا الوجوب، إلا أنهما لما لم تكونا

(1) الكافي 3: 115 / 4، الوسائل 9: 61 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما
تستحب فيه ب 9 ح 1.
(2) التذكرة 230، المنتهى 1: 510.
(3) الكافي 3: 530 / 2، التهذيب 4: 67 / 183، الإستبصار 2: 12 / 34، الوسائل
9: 77 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 16 ح 1.
(4) الكافي 3: 530 / 2، التهذيب 4: 67 / 184، الوسائل 9: 78 أبواب ما تجب
فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 16 ح 3.
239

صريحتين فيه لم تثبتا أزيد من الاستحباب، بل لو كانتا صريحتين فيه لتعين
حملهما عليه، للاجماع، بضميمة الأخبار المتواترة، النافية للوجوب عما
سوى الأصناف التسعة.
ومنها: حاصل العقار المتخذ للنماء، من البساتين والدكاكين
والحمامات والخانات ونحوها، لفتوى الأصحاب، حيث إنها كافية في مقام
الاستحباب.
وهل يشترط فيه الحول والنصاب؟
قيل: لا (1)، للعموم، وكأن مراده عمومات ثبوت الزكاة وشركة الفقراء
مع الأغنياء في الأموال.
وقيل: نعم (2)، اقتصارا فيما يخالف الأصل على القدر المعلوم. وهو
حسن.
ولعل النصاب وقدر المخرج: نصاب النقدين وقدر المخرج منهما.
ومنها: الحلي المحرم، ذكره الشيخ (3) وجماعة (4)، ولم نقف له على
دليل، ولا بأس بإثباته بفتوى ذلك الجليل.
ومنها: المال الغائب المدفون الذي لا يتمكن صاحبه من التصرف فيه
إذا مضت عليه أحوال ثم عاد، زكاه لسنة استحبابا، لدلالة بعض الأخبار
عليه (5).
ومنها: ما إذا قصد الفرار من الزكاة قبل الحول، للأخبار الدالة على

(1) كما في التذكرة 1: 230، والمسالك 1: 590.
(2) كما في البيان: 309.
(3) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 205.
(4) كالعلامة في الإرشاد 1: 286، والأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 145.
(5) الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب 5 ح 1.
240

رجحانها (1)، والله أعلم.
ومنها: مال التجارة، ورجحان الزكاة فيه هو المعروف بين الأمة، بل
لا خلاف فيه عندنا، كما عن المنتهى (2)، فهو عليه الدليل لأجل التسامح،
مضافا إلى الأخبار الغير العديدة، الآتية إليها الإشارة.
وإنما هو على الاستحباب، على المشهور بين الأصحاب، بل عن
الناصريات والانتصار والغنية الاجماع عليه (3)، للأصل، والمستفيضة الناصة
على حصر الوجوب في الأجناس التسعة، وخصوص صحيحة زرارة الواردة
في مخاصمة أبي ذر وعثمان (4)، وموثقة عبيد وابن بكير وجماعة من
أصحابنا (5)، وصحيحة سليمان بن خالد (6)، وصحيحة زرارة (7)، وموثقة
إسحاق بن عمار (8)، بل في الأوليين إشعار بأن الحكم بعدم الوجوب حق
مخفي، وأن عمل الناس على الوجوب.
خلافا للمحكي عن ظاهر الصدوقين، فأوجباها (9)، وعن العماني

(1) الوسائل 9: 159 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 11.
(2) المنتهى 1: 507.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 204، الإنتصار: 78، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.
(4) التهذيب 4: 70 / 192، الإستبصار 2: 9 / 27، الوسائل 9: 74 أبواب ما
تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 14 ح 1.
(5) التهذيب 4: 70 / 190، الإستبصار 2: 9 / 25، الوسائل 9: 75 أبواب ما
تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 14 ح 5.
(6) التهذيب 4: 70 / 191، الإستبصار 2: 9 / 26، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب
فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 14 ح 2.
(7) التهذيب 4: 35 / 90، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب فيه الزكاة ما تستحب
فيه ب 14 ح 3.
(8) التهذيب 4: 69 / 188، الإستبصار 2: 11 / 31، الوسائل 9: 75 أبواب ما
تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 14 ح 4.
(9) الصدوق في الفقيه 2: 11، وحكاه عن والده في المختلف: 179.
241

نسبته إلى طائفة من الشيعة (1)، وعن الخلاف والمبسوط والنزهة (2) والسرائر
حكايته عن جماعة من أصحابنا (3).
لروايات غير عديدة جدا، منها: الواردة في مال اليتيم يتجر له، وقد
مرت الإشارة إلى كثير منها في الباب الأول.
ومنها: حسنة محمد (4)، وموثقة سماعة (5)، والروايات الأربع: لأبي
الربيع، وإسماعيل بن عبد الخالق، وخالد بن الحجاج، وأبي بصير، الآتية
أكثرها، وأكثرها صريحة أو ظاهرة في الايجاب.
والجواب عنها: بالمعارضة مع ما مر، فإما يجعل ما مر قرينة على
الاستحباب، أو يبنى على التعارض، فيجب إما الترجيح، وهو للنافية، لأن
الوجوب مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد (6)، فأخباره محمولة على
التقية، كما يومي إليه ما تقدم من الصحيحة والموثقة أيضا.. أو الرجوع
إلى الأصل، وهو أيضا مع النفي، فهو الحق.
مسائل:
المسألة الأولى: قالوا: المراد بمال التجارة - الذي تتعلق به الزكاة -
ما ملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب عند التملك (7).
والمراد بعقد المعاوضة ها هنا: ما يقوم طرفاه بالمال، ويعبر عنه

(1) حكاه عنه في المختلف: 179.
(2) الخلاف 2: 91، المبسوط 1: 220: نزهة الناظر: 50.
(3) السرائر 1: 445.
(4) الكافي 3: 541 / 3، الوسائل 9: 87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 1.
(5) التهذيب 4: 28 / 69، الإستبصار 2: 30 / 87، الوسائل 9: 88 أبواب من
تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب 2 ح 5.
(6) انظر: بدائع الصانع 2: 20، الأم للشافعي 2: 46، المغني والشرح الكبير 2:
623.
(7) انظر: الشرائع 1: 156، القواعد 1: 56، الدروس 1: 238.
242

بالمعاوضة المحضة، فيخرج الصداق عوض الخلع، والصلح عن عوض
الجنايات.
فلا زكاة فيما يملك بغير عقد، كالإرث والاحتطاب وغيره، وحيازة
المباحات وإن قصد به الاكتساب.
أو بعقد غير معاوضة، كالهبة.
أو بعقد معاوضة لا بقصد الاكتساب بل مع الذهول.
أو بقصد القنية (1) أو الصدقة أو نحوها.
أو بقصد الاكتساب لا عند التملك، بل طرأ ذلك القصد بعد التملك.
ويدل على اشتراط جميع هذه الشروط - مضافا إلى الاجماع المحقق
في أكثرها، وقد حكي في المعتبر والمنتهى على اشتراط نية الاكتساب عند
التملك (2)، وفي المدارك والذخيرة: نفي الخلاف عن اشتراط نية
- الاكتساب (3) - الأصل السالم عن المعارض، لاختصاص أدلة ثبوت الزكاة
هنا بما يتضمن رأس المال أو ما يتجر به أو ما عمل فيه، ولا يصدق شئ
من هذه الأمور بدون تحقق التجارة في المال، ولا تتحقق هي ما لم تتحقق
فيه معاوضة بقصد التجارة.
وإلى ذلك يشير قول صاحب الذخيرة، حيث استدل على اشتراط
عقد المعاوضة باختصاص الأدلة بذلك وعدم شمولها لغيره (4).
بل يدل على الجميع أيضا مفهوم قوله في رواية موسى بن بكر: (إن
كان أخوها يتجر به فعليه الزكاة) (5)، فإن الاتجار لا يتحقق بدون جميع

(1) إذا اقتنيتها لنفسك لا للتجارة - الصحاح 6: 2467.
(2) المعتبر 2: 548، المنتهى 1: 108.
(3) المدارك 5: 165، الذخيرة: 449.
(4) الذخيرة: 449.
(5) الكافي 3: 542 / 3، التهذيب 4: 30. 76، الوسائل 9: 90 أبواب من تجب
عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب 3 ح 2.
243

الشروط المذكورة، ولا يكفي فيه مجرد النية قطعا.
وإلى هذا يشير من استدل على اشتراط نية الاكتساب عند التملك،
بأن التجارة عمل، فلا تكفي فيه النية.
ويدل عليه قوله في صحيحة البجلي: (إن كان عمل به فعليها الزكاة،
وإن لم يعمل به فلا) (1)، فلا تثبت (2) الزكاة ما لم يتحقق العمل، ولا يتحقق
هو بدون الشروط المذكورة.
وكذا قوله في صحيحة محمد بن الفضيل: (لا تجب في مالهم زكاة
حتى يعمل به، فإذا عمل وجبت الزكاة) (3).
وأما ما في المدارك (4)، من الاستدلال على اعتبار عقد المعاوضة
برواية أبي الربيع: في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه وقد كان زكى
ماله قبل أن يشتري به، هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال: (إن كان أمسكه
ليلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة) (5).
وحسنة محمد: عن رجل اشترى متاعا وكسد عليه وقد زكى ماله قبل
أن يشتري المتاع، متى يزكيه؟ فقال: (إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس
ماله فليس عليه زكاة، وإن كان حبسه بعدما يجد رأس ماله فعليه الزكاة

(1) الكافي 3: 542 / 2، التهذيب 4: 30 / 75، الوسائل 9: 90 أبواب من تجب
عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب 3 ح 1.
(2) في (ح): يترتب.
(3) التهذيب 4: 27 / 67، الإستبصار 2: 29 / 85، الوسائل 9: 88 أبواب من
تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب 2 ح 4.
(4) المدارك 5: 165.
(5) الكافي 3: 527 / 1، التهذيب 4: 68 / 185، الإستبصار 2: 10 / 28، الوسائل
9: 71 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 13 ح 4.
244

بعدما أمسكه بعد رأس المال) (1).
فضعيف، لأن الجواب في الخبرين وقع على وفق السؤال، فلا يدل
على اختصاص الحكم بالمسؤول عنه وعدم شموله لغيره.
وقد خالف في اشتراط مقارنة نية الاكتساب للتملك جماعة،
كالمحقق في المعتبر (2) والشهيد في الدروس (3) والشهيد الثاني في جملة من
كتبه (4) والفاضل الهندي في شرح الروضة وصاحب الحدائق (5)، ونفي عنه
البأس في المدارك (6).
فلو تملك أولا بقصد القنية ثم قصد به التجارة تتعلق به الزكاة، نظرا
إلى أن المال بإعداده للربح يصدق عليه أنه مال تجارة، فتتناوله الروايات،
وبإطلاق الروايتين المذكورتين فإنه لو اشترى أولا لا بنية التجارة ثم قصدها
وحبسه بعدما يجد رأس ماله يكون مصداقا للروايتين.
قال في المعتبر: وقولهم: التجارة عمل. قلنا: لا نسلم أن الزكاة
تتعلق بالفعل، الذي هو الابتياع، بل لم لا يكفي إعداد السلعة لطلب
الربح؟! وذلك يتحقق بالنية (7).
وفيه: أنه إن أريد بإعداد المال للربح تملكه بنية الربح فهو لا يفيد
له، وإن أريد قصد الاسترباح منه بعد تملكه بقصد آخر فلا نسلم كونه إعدادا

(1) الكافي 3: 528 / 2، التهذيب 4: 68 / 186، الإستبصار 2: 10 / 29، الوسائل
9: 71 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 13 ح 3
(2) المعتبر 2: 459.
(3) انظر الدروس 1: 240.
(4) كالروضة 2: 37، المسالك 1: 57.
(5) الحدائق 12: 146.
(6) المدارك 5: 166.
(7) المعتبر 2: 549.
245

للربح، ولا يصدق عليه مال التجارة.
وأما الروايتان فظاهرهما الاشتراء بقصد الاسترباح، كما يشعر به
قوله: (فكسد عليه).
وأما ما ذكره أخيرا من منع تعلق الزكاة بسبب الفعل ففيه: أن تعلقها
خلاف الأصل، فعليه الاثبات، مع أن الاعداد للربح ليس إلا تملكه له دون
قصد الاسترباح.
المسألة الثانية: يشترط في تعلق الزكاة بمال التجارة - سوى ما مر
من كونه مال تجارة - ثلاثة شروط أخر:
الأول: الحول بالمعنى السابق، بالاجماع المحقق، والمحكي (1)،
وحسنة محمد وروايته..
الأولى: عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها، قال: (إذا حال
عليها الحول فليزكها) (2).
والثانية: (كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه
الحول) (3).
الثاني: النصاب، وهو نصاب أحد النقدين بالاجماع المحقق،
والمحكي (4) فيهما.
مضافا في الأول إلى الأصل، لأن الثابت من الروايات ليس إلا وجوب
الزكاة في مال التجارة، والزكاة لكونها اسما لمال معين شرعا فلا يعلم
صدقها على المخرج من الأقل مما أجمع على ثبوت الزكاة فيه.

(1) انظر: المنتهى 1: 507.
(2) راجع ص: 244.
(3) الكافي 3: 528 / 5، الوسائل 9: 72 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه
ب 13 ح 8.
(4) كما في المعتبر 2: 546.
246

وفيهما، إلى رواية إسحاق بن عمار، وفيها: (وكل ما خلا الدراهم من
ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة الديات) (1).
وهل يشترط في الزيادة على النصاب بلوغه النصاب الثاني؟
المشهور: نعم، وهو الحق، للأصل المذكور.
وعن ظاهر إطلاق التحرير: عدم الاشتراط (2).
وعن الشهيد الثاني في حواشي القواعد: عدم الوقوف على دليل يدل
على اعتباره، والأصل المذكور كاف في الدلالة.
ويشترط بقاء النصاب طول الحول بالاجماع المحقق، والمحكي عن
المعتبر والتذكرة (3)، وفي المدارك (4)، وهو الدليل عليه دون غيره
من روايات اشتراط الحول، لخلوها عن اشتراط وجود النصاب تمام الحول.
الثالث: أن لا تنقص قيمة المتاع عن رأس المال، بأن يطلب منه
برأس المال أو أزيد وهو لم يبعه التماس الفضل، فلو نقص متاعه عن رأس
المال ولو قل فلا زكاة وإن كان ثمنه أضعاف النصاب، بالاجماعين،
والمستفيضة:
منها: حسنة محمد ورواية الشامي المتقدمتين (5).
وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق، وفيها: (إن كنت تربح فيه شيئا
أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة، وإن كنت إنما تربص به لأنك لا تجد

(1) الكافي 3: 516 / 8، التهذيب 4: 93 / 269، الإستبصار 2: 39 / 121،
الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 1 ح 7.
(2) التحرير 1: 65.
(3) المعتبر 2: 456، التذكرة 1: 227.
(4) المدارك 5: 170.
(5) في ص: 244.
247

إلا وضيعته فليس عليك زكاة) (1)
وموثقة سماعة: يكون الرجل عنده المتاع موضوعا فيمكث عنده
السنة والسنتين أو أكثر من ذلك، قال: (ليس عليه زكاة حتى يبيعه، إلا أن
يكون أعطي به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل، فإذا هو فعل
ذلك وجبت فيه الزكاة، وإن لم يكن أعطي به رأس ماله فليس عليه زكاة
حتى يبيعه وإن حبسه ما حبسه، فإذا هو باعه فإنما عليه زكاة سنة
واحدة) (2).
وموثقة العلاء: المتاع لا أصيب به رأس المال، علي فيه زكاة؟ قال:
(لا)، قلت: أمسكه سنتين ثم أبيعه، ماذا علي؟ قال: (سنة واحدة) (3).
وأما ما في الروايتين الأخيرتين - من التزكية لسنة واحدة بعد البيع مع
النقيصة - فالمراد منهما: زكاة النقدين، يعني: إذا باع وصار ثمنه ذهبا أو
فضة وحال عليه الحول يزكيه لهذه السنة.
وقد يحمل على الاستحباب، كما صرح به جمع من الأصحاب (4)،
جمعا بين الأدلة، وهو أيضا محتمل.
وقالوا: يشترط بقاء رأس المال طول الحول (5)، والدليل عليه
الاجماع، وأما الروايات فلا تدل على أزيد من اشتراط بقاء رأس المال،

(1) الكافي 3: 529 / 9، التهذيب 4: 69 / 187 الإستبصار 2: 10 / 30،
الوسائل 9: 70 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 13 ح 1.
(2) الكافي 3: 528 / 3، الوسائل 9: 72 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه
ب 13 ح 6.
(3) التهذيب 4:: 69 / 189، الإستبصار 2: 11 / 32، الوسائل 9: 72 أبواب ما
تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ب 13 ح 9.
(4) كالشيخ في الإستبصار 2: 11، صاحب الرياض 1: 275.
(5) كما في المعتبر 2: 550، والمنتهى 1: 508.
248

وأما اشتراط ذلك طول الحول فلا.
فروع:
أ: هل يشترط في زكاة مال التجارة بقاء عين السلعة طول الحول،
كما في المالية؟
أم لا يشترط ذلك، فتثبت الزكاة وإن تبدلت الأعيان مع بلوغ القيمة
النصاب؟
الأول: محكي عن الصدوق والمفيد والمحقق (1)، واختاره في
المدارك والذخيرة (2)، وبعض من تأخر عنهما (3).
وهو الحق، لأن المستفاد من حسنة محمد وروايته (4) المتضمنتين
لاشتراط الحول: اشتراط حولانه على شخص المال، لأنه معنى حولان
الحول على المال المذكور في الحديث، ويرجع إليه الضمير، وسقوط
الزكاة بدون ذلك، ومع التبدل تكون الثانية غير الأولى، فلا تكون فيه الزكاة
إذا لم يحل عليه الحول.
ويدل عليه أيضا الأصل، وتؤكده ظواهر النصوص، سيما مثل: حسنة
محمد ورواية أبي الربيع، المتضمنتين للامساك والحبس (5)، وصحيحة ابن
عبد الخالق وموثقة سماعة، المشتملتين على التربص والمكث (6)، وصحيحة

(1) الصدوق في الفقيه 2: 11، المفيد في المقنعة: 247، المحقق في المعتبر 2:
547، والشرائع 1: 158.
(2) المدارك 5: 171، الذخيرة: 449.
(3) كصاحب الحدائق 12: 147، وصاحب الرياض 1: 275.
(4) المتقدمتين في ص: 246.
(5) تقدمتا في ص: 244.
(6) تقدمتا في ص 248، 249.
249

الكرخي، المشتملة على المنع من البيع (1)، وغيرها.
والثاني: منقول الفاضل وولده (2)، وجمع ممن تأخر عنهما (3)،
وعن التذكرة والايضاح الاجماع عليه (4)، له، ولاطلاق ثبوت الزكاة في
مال التجارة وما يعمل [به] (5) في رواية موسى بن بكر، وصحيحتي البجلي
ومحمد بن الفضيل، المتقدمة (6).
ورواية عمر بن أبي شعبة: عن مال اليتيم، قال: (لا زكاة عليه، إلا أن
يعمل به) (7).
والاجماع ممنوع، والاطلاق بما مر مدفوع.
ب: قد عرفت أن النصاب هنا نصاب النقدين، يعني: إذا بلغت قيمة
المال هذا الحد وجبت الزكاة فيه.
فقيل: إنه يكفي بلوغ أحدهما مطلقا وإن لم يبلغ الآخر، ذكره في
الشرائع والارشاد (8)، لصدق بلوغ النصاب معه.
وقيل: هذا إذا كان رأس المال، أي الثمن الذي اشترى به المتاع
عرضا، وإلا فالمعتبر نصاب الثمن الذي اشتراه به، ذكره الشهيدان في
الدروس والمسالك (9) وابن فهد في موجزه والمحقق الثاني (10) وجدي

(1) الكافي 3: 529 / 7، الوسائل 9: 71 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 ح 5.
(2) الفاضل في المنتهى 1: 507، والتحرير 1: 65، ولده في الإيضاح 1: 187.
(3) كالشهيد الأول في البيان: 307، والشهيد الثاني في المسالك 1: 58.
(4) التذكرة 1: 229، الإيضاح 1: 187.
(5) أضفناه لاستقامة المعنى.
(6) في ص: 243، 244.
(7) التهذيب 4: 27 / 64، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب
عليه ب 1 ح 10.
(8) الشرائع 1: 159، الإرشاد 1: 285.
(9) الدروس 1: 239، المسالك 1: 58.
(10) المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 26.
250

الفاضل في رسالته.
وقيل: على كون الثمن عروضا يقوم بالنقد الغالب - إن كان - ويعتبر
البلوغ به وإن تساويا فبأيهما شاء أو بأقلهما (1)، لصدق البلوغ.
وفي كلام بعضهم هنا اضطراب، ولا دليل تاما على شئ منها.
وحيث كان الدليل على اعتبار النصاب: الاجماع والأصل كما مر،
فلازمه جعله أعلى الأمور، حيث إنه لا دليل على وجوب الزكاة في الأقل.
ويستفاد من كلام بعضهم اعتبار الأقل (2).
وهو حسن إن ثبت المراد من الزكاة وأنها إخراج جزء من المال
مطلقا. وفيه تأمل، لاحتمال كونها إخراج جزء من المال البالغ حدا معينا،
فتأمل.
ج: كما أنه يشترط بقاء النصاب ورأس المال طول الحول، كذلك
يشترط بقاء سائر القيود المتقدمة، الموجبة لصدق مال التجارة أيضا طول
الحول، بالاجماع، فلو نوى القنية في أثناء الحول سقط الاستحباب.
د: لو كان بيده نصاب واشترى به في أثناء الحول متاعا للتجارة سقط
حول الأول، واستأنف حول التجارة من حين الشراء، وفاقا للفاضلين (3)،
وجمع آخر (4)، لانقطاع حول الأول بتبدل المحل، واشتراط حول التجارة
بكونه بعد عقد المعاوضة.
ولا فرق في ذلك بين كون المال الأول النقدين أو مال التجارة، بناء
على ما عرفت من اعتبار بقاء السلعة طول الحول في مال التجارة.

(1) انظر: البيان: 306.
(2) كما في مجمع الفائدة 4: 136.
(3) المحقق في الشرائع 1: 157، والمعتبر 2: 545، العلامة في القواعد 1: 56.
(4) كالشهيد الثاني في الذخيرة: 449.
251

وعن الخلاف والمبسوط: بناء حول العرض على حول الأصل إن
كان الأصل نقدا (1)، وحجته ضعيفة.
وعن التذكرة: البناء إن كان الثمن مال تجارة، وإلا استأنف (2)، وهو
مبني على ما اختاره من عدم سقوط الاستحباب بالتقليب والتبديل في
الأثناء، وقد عرفت حاله.
ه‍: لو كان رأس المال أقل من النصاب استأنف الحول عند بلوغه،
بلا خلاف بين الأصحاب (3)، ووجهه ظاهر، ولبعض العامة هنا خلاف (4).
المسألة الثالثة: زكاة مال التجارة تتعلق بالقيمة لا بالعين عند الشيخ
ومن تبعه (5)، ومنهم: المحقق في الشرائع والفاضل في الإرشاد والمنتهى (6)،
بل ظاهر المنتهى يشعر بعدم الخلاف فيه عندنا، وفي الحدائق: الظاهر أنه
المشهور (7)، واستدل له بوجه اعتباري ضعيف غايته، ورواية قاصرة الدلالة
جدا.
وعن التذكرة: الميل إلى التعلق بالعين (8)، وجعله في المعتبر أنسب
بالمذهب (9)، واستحسنه في المدارك (10).
وهو الحق، لأصل الاشتغال، ولقوله في صحيحة ابن عبد الخالق:

(1) الخلاف 2: 94، المبسوط 1: 221.
(2) التذكرة 1: 229.
(3) انظر: المدارك 5: 173.
(4) انظر: المغني والشرح الكبير 2: 625.
(5) الشيخ في الخلاف 2: 95، وسلار في المراسم: 136.
(6) الشرائع 1: 157، الإرشاد 1: 285، المنتهى 1: 508.
(7) الحدائق 12: 150.
(8) التذكرة 1: 228.
(9) المعتبر 2: 550.
(10) المدارك 5: 174.
252

(فعليك فيه زكاة) (1).
وفي رواية محمد: (كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة) (2).
وفي موثقة سماعة: (فإذا فعل ذلك وجبت فيه الزكاة) (3).
دلت على التعلق بالعين لمكان لفظة (في) على ما مر في مسألة تعلق
الزكاة بالعين.
وتظهر الفائدة في جواز بيع السلعة بعد الحول وقبل إخراج الزكاة أو
ضمانها، على القول بوجوب هذه الزكاة فيما إذا زادت القيمة بعد الحول،
وغير ذلك.
المسألة الرابعة: لو اتجر بالمال الزكوي وملك نصابا منه للتجارة
- كأربعين شاة - وحال عليه الحول مع قصد التجارة، فالمشهور - كما صرح
به جدي الفاضل قدس سره وصاحب الحدائق، بل المدعى عليه الاجماع (4) -
سقوط أحد الزكاتين، وهو زكاة التجارة، ووجوب المالية.
أما سقوط أحدهما فبالاجماع، ذكره في المعتبر والمنتهى والتذكرة (5)،
ولقوله عليه السلام في حسنة زرارة: (لا يزكى المال من وجهين في عام
واحد) (6).
وأما أن الساقط زكاة التجارة، فلانتفاء الدليل على ثبوت زكاة التجارة
عند تحقق شرائط وجوب المالية، كما لا يخفى على الناظر في النصوص،

(1) الخلاف تقدمت في ص: 247.
(2) تقدمت في ص: 246.
(3) تقدمت في ص: 248.
(4) الحدائق 12: 151.
(5) المعتبر 2: 549، المنتهى 1: 509، التذكرة 1: 229.
(6) الكافي 3: 520 / 6، التهذيب 4: 33 / 85، الوسائل 9: 100 أبواب من تجب
عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب 7 ح 1.
253

التي هي مستند زكاة التجارة.
مضافا على القول باستحبابها إلى وجوب تقديم الواجب على
المستحب، وعلى القول باستحبابها إلى وجوه أخر ذكرها الشيخ (1)، ولكنها
ضعيفة جدا.
أقول: أما سقوط أحدهما فإن ثبت الاجماع فيه، وإلا فلا دليل عليه،
لأن قوله: (لا يزكى) في الحسنة مجاز في الانشاء، ومجازه يمكن أن يكون
عدم الوجوب، أي لا تجب في عام واحد زكاة مال من وجهين، فلا ينافي
استحبابها من وجه، ووجوبها من آخر، ولذا قيل بثبوت الزكاتين: هذه
وجوبا، وهذه استحبابا، نقله في الشرائع (2)، وغيره (3)، وهو متجه جدا.
ثم على السقوط، فما ذكروه لاسقاط التجارة ضعيف، أما انتفاء
الدليل على الثبوت فلكفاية عموم قوله في رواية محمد: (كل مال عملت به
فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول) (4).
وقوله في صحيحة الكرخي: (ما كان من تجارة في يدك فيها فضل
ليس يمنعك من بيعها إلا لتزداد فضلا على فضلك فزكه) (5).
وأما تقديم الواجب على المستحب، فلأن ذلك إنما هو على فرض
ثبوت الواجب على وجوبه، ونحن إذا قلنا بعدم اجتماع الزكاتين وسقوط
أحدهما فيحتمل سقوط الواجب، ولذا ذهب بعضهم إلى تخيير المالك في

(1) المبسوط 1: 222.
(2) الشرائع 1: 157.
(3) انظر: المسالك 1: 59.
(4) تقدمت في ص: 246.
(5) الكافي 3: 529 / 7، الوسائل 9: 71 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه
ب 13 ح 5.
254

إخراج أيهما شاء (1)، وهو جيد على القول بعدم اجتماعهما.
هذا، ثم لا يخفى أن على المشهور - من بقاء زكاة المالية فقط -
ينبغي التقييد بما إذا لم يزد على النصاب بقدر نصاب التجارة، فلو كانت
عنده مائة شاة، وبلغت خمسون منها قيمة النصاب للتجارة اتجه القول
بالزكاتين، إحداهما لأربعين شاة، والأخرى للزائد عليها، لأنه لا تكون
الزكاتان حينئذ لمال.
إلا أن يقال: إن المالية لمجموع النصاب، والعفو دون النصاب
خاصة.
واعلم أيضا أنه لو كان المال بقدر كل من النصابين، فإن تقدم حول
المالية سقطت الزكاة للتجارة قطعا، لنقصان النصاب قبل الحول.
وإن تقدم حول التجارة لم تسقط المالية، لأن زكاة التجارة وإن تعلقت
بالعين إلا أنه ليس تعلق استحقاق وانتقال ملك، بل أولوية إخراج، فإن
أخرج قبل حول المالية سقطت المالية، وإلا كان كما إذا حال الحولان معا.
المسألة الخامسة: لو عاوض النصاب الزكوي في أثناء الحول
للتجارة بمثله لها - كأربعين سائمة بأربعين سائمة - سقط وجوب المالية
والتجارة واستأنف الحول من حين المعاوضة.
أما سقوط المالية، فلانقطاع الحول بالنسبة إليها، وأما سقوط التجارة،
فلتبدل العين.
وخالف الشيخ في الأول (2)، والفاضل في الثاني (3).
وخلاف الأول مبني على ما ذهب إليه من عدم سقوط الزكاة بالتبديل
بالجنس.

(1) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 58.
(2) كما في المبسوط 1: 223، والخلاف 2: 100.
(3) كما في التحرير 1: 65، والمنتهى 1: 507.
255

والثاني على ما ذهب إليه من عدم اشتراط بقاء السلعة طول الحول.
وتقدم الكلام معهما فيهما.
المسألة السادسة: إذا دفع إنسان مالا إلى غيره قراضا - على النصف
مثلا - فظهر فيه ربح، كانت زكاة الأصل على المالك إذا بلغ النصاب
واجتمعت فيه الشرائط، وكذا حصته من الربح بعد اعتبار ما يجب اعتباره
من النصاب والحول.
وأما حصة العامل، فإن قلنا: إنه يملكها بالظهور، وجبت زكاتها عليه
إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول من حين الملك، وكان متمكنا من
التصرف فيها، ولو بالتمكن من القسمة.
وإن قلنا: إنه لا يملكها إلا بالقسمة، فلا زكاة عليه قبلها، لانتفاء
الملك.
والأظهر سقوط زكاة هذه الحصة عن المالك أيضا على هذا التقدير،
لأنها مترددة بين أن تسلم فتكون للعامل، أو تتلف فلا تكون له ولا
للمالك.
وإن قلنا: إنه لا يملك الحصة وإنما يستحق أجرة المثل، فالزكاة كلها
على المالك، لأن الأجرة دين، والدين لا يمنع الزكاة.
والله سبحانه هو الموفق للسداد والرشاد.
المسألة السابعة: الدين لا يمنع من تعلق الزكاة بالنصاب المتجر به
إجماعا، كما صرح به غير واحد (1)، وإن لم يكن للمديون مال سواه، لأن
متعلق الدين: الذمة، ومتعلق زكاة التجارة: العين، وللعمومات والاطلاقات
السالمة عن المخصص والمقيد.
تتميم: لا تستحب الزكاة في المساكن، ولا في الثياب، ولا الآلات

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 506، والتذكرة 1: 230، صاحب المدارك 5: 183.
256

وأمتعة القنية، بالاجماع، والأصل، وأخبار حصر الزكاة في الأصناف
التسعة، والله يعلم.
257

الباب الرابع
في مصرف الزكاة وصرفها، وما يتعلق بهما
وتفصيل الكلام في ذلك المقام يستدعي رسم فصول:
الفصل الأول
في أصناف المستحقين
وهي ثمانية بنص القرآن، وإجماع المسلمين:
الصنف الأول والثاني: الفقراء والمساكين.
وهما وإن كانا متغايرين معنى على الأظهر الأشهر لغة وفتوى،
المنصوص عليه في الصحيح (1) والحسن (2)، ومقتضاهما كون المسكين
أسوء حالا من الفقير، إلا أنه - لما انعقد الاجماع على عدم وجوب بسط
الزكاة على الأصناف، واستحقاقهما الزكاة - لا ثمرة في تحقيق ذلك في هذا
المقام، وإنما المهم بيان الوصف الجامع بين الصنفين في استحقاقهما الزكاة
وسائر شرائطها.
ونحن نذكرهما في مسائل:
المسألة الأولى: قد وقع الخلاف في الوصف الجامع بين الصنفين
في استحقاقهما الزكاة على ثلاثة أقوال:
الأول: أن لا يملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمته، وهو منقول عن

(1) الكافي 3: 502 / 18، الوسائل 9: 210 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.
(2) الكافي 3: 501 / 16، التهذيب 4: 104 / 297، الوسائل 9: 210 أبواب
المستحقين للزكاة ب 1 ح 3.
258

الخلاف (1)، ولم أجده في باب الزكاة منه، ونقل عنه الحلي غيره كما يأتي.
نعم، قال فيه تجب زكاة الفطرة على من ملك نصاب الزكاة أو
قيمته (2).
ولعله منشأ النقل، حيث إنه لا تجب الفطرة على الفقير، ونقل في
المبسوط هذا القول عن بعض أصحابنا، وكذا في السرائر (3).
الثاني: أن لا يملك ما يكون قدر كفايته لمؤنته طول سنته، ذهب إليه
الأكثر، كما صرح به في الروضة (4)، وغيرها (5).
الثالث: أن لا يكون قادرا على كفايته وكفاية من تلزمه كفايته على
الدوام، اختاره في المبسوط (6).
فإن أريد بالدوام السنة - كما في المختلف (7) - يرجع إلى القول الثاني.
وإن أريد به ما تحصل به الكفاية عادة - من فائدة صنعة، أو غلة
ضيعة، أو ربح مال تجارة كما قيل - يرجع أيضا إليه على بعض وجوهه
الآتية، حيث إن من ملك ما تكفي غلته وربحه مؤنة سنته يصدق عليه أنه
يملك ما يحصل به الكفاية عادة.
وإن جعل الدوام قيدا لقوله: تلزمه، كما احتمل، تكون مدة الكفاية
مجملة، ويكون موافقا لقول من اعتبر عدم الكفاية بالاطلاق، والظاهر أنه
أيضا يرجع إلى الثاني بأحد وجوهه.

(1) نقله عنه في المنتهى 1: 517، والمهذب البارع 1: 529.
(2) الخلاف 2: 146.
(3) المبسوط 1: 257، السرائر 1: 462.
(4) الروضة 2: 42.
(5) كمجمع الفائدة 4: 151، والرياض 1: 278.
(6) المبسوط 1: 256.
(7) المختلف: 183.
259

ومنه يظهر: أن في المسألة قولين، والحق هو الثاني.
لا لما قيل من صدق الفقر والاحتياج عرفا مع عدم تملك ما يكفيه
لسنته وعدم صدقه مع تملكه (1)، لأني لا أفهم تفاوت الصدق عرفا بين
مالك كفاية السنة وأحد عشر شهرا.
ولا للمروي في المقنعة: (تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة،
وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة) (2)، لعدم دلالته فيه إلا بمفهوم
وصف ضعيف.
بل للاجماع، حيث إن المخالف فيه شاذ جدا، غير قادح في حكم
الحدس بالاجماع.
وحسنة أبي بصير: (يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد
غيره)، قلت: فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟! فقال: (زكاته
صدقة على عياله، فلا يأخذها إلا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها
في أقل من سنة فهذا يأخذها، ولا تحل الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما
تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة) (3).
والمروي في العلل عن المسائل: وعنده قوت يوم، أيحل له أن
يسأل؟ وإن أعطي شيئا من قبل أن يسأل أيحل له أن يقبله؟ قال: (يأخذ
وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة، لأنها إنما هي من سنة إلى
سنة) (4).
وتدل عليه أيضا النصوص الآتية، الدالة على جواز أخذ الزكاة لمن له
ثلاثمائة درهم، أو أربعمائة درهم، أو مائتا درهم، أو سبعمائة درهم، أو

(1) كما في المدارك 5: 194، والذخيرة: 453.
(2) المقنعة: 248.
(3) الكافي 3: 560 / 1، الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 1.
(4) العلل: 371 / 1، الوسائل 9: 233 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 7.
260

دار غلة إذا كانت قاصرة عن الاستنماء بقدر الكفاية، فإن الظاهر المتبادر من
الكفاية فيها الكفاية طول السنة، بل الظاهر أن الكفاية المطلقة تستلزم كفاية
السنة، إذ ما لا يكفيها ليس بقدر الكفاية، لاحتياجه في بعض السنة.
هذا، مع أنها صريحة في جواز أخذ الزكاة لمن عنده نصاب، فيبطل
بها القول الأول، فيتعين الثاني، لانتفاء الثالث، كما صرح به جماعة من
الأصحاب، منهم صاحب التنقيح (1).
ومن ذلك يظهر وجه لصحة الاستدلال برواية المقنعة المتقدمة،
حيث دلت على حرمة الزكاة على من عنده قوت سنة ولو كان أقل من
النصاب، فيبطل بها القول الأول، فيتعين الثاني.
دليل الأول: رواية عامية قاصرة دلالة، واستبعاد ضعيف.
وأما ما ورد في موثقة زرارة: (لا تحل لمن كانت عنده أربعون درهما
يحول عليها الحول عنده أن يأخذها، وإن أخذها أخذها حراما) (2).
وفي رواية العرزمي: (إن الصدقة لا تحل إلا في دين موجع، أو غرم
مفظع، أو فقر مدقع) (3).
فلا تنافيان ما ذكرناه، لعدم معلومية مرجع الضمير في (أن يأخذها)
في الأولى، وجواز كون الفقر المدقع في الثانية عدم كفاية السنة.
مع أن الأولى مخالفة للاجماع القطعي لو كانت في الزكاة، وموافقة
لبعض العامة، أو محمولة على عدم احتياجه، كما يفهم من حولان الحول
على دراهمه.
المسألة الثانية: قد عرفت أن المعتبر في الفقر هو عدم تملك قدر

(1) التنقيح 1: 318، اختاره في الرياض 1: 278.
(2) التهذيب 4: 61 / 131، الوسائل 9: 240 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 5.
(3) الكافي 4: 47 / 7، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 6.
261

كفاية السنة من الأموال، فهل المعتبر عدم تملك قدر الكفاية من الربح
والنماء والفائدة فلا اعتبار بكفاية رأس المال أو الضيعة، أو عدم تملكه من
أصل الأموال؟
الحق: هو الأول، وفاقا للمشهور، كما صرح به جماعة منهم
الروضة (1)، بل قيل: بلا خلاف أجده (2)، ونسبه في الحدائق إلى الشيخ
والحلي والفاضلين وعامة المتأخرين (3).
وقيل بالثاني، نقله في الروضة (4)، ولكن قال الهندي في شرحه: ولم
أظفر بقائله.
أقول: ويحتمله كلام جماعة، بل يفهم من الذخيرة أنه مذهب الحلي
والفاضلين وجمهور المتأخرين (5)، ولكنه خلاف الظاهر من أكثر كلماتهم،
حيث إن الأول صرح بجواز أخذ الزكاة لمن كان له دار لا تكفيه غلته (6).
وصرح أيضا في النافع والتذكرة وفي الدروس والروضة بجواز أخذها
لمن كان له مال يتعيش به، أو ضيعة يشتغلها، إذا كان بحيث يعجز عن
استنماء الكفاية، وإن كان بحيث يكفي رأس المال أو ثمن الضيعة لكفاية
السنة (7).
لنا: المستفيضة من الأخبار، كصحيحة معاوية بن وهب: عن الرجل
يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم، وله عيال، وهو يحترف فلا

(1) الروضة 2: 45.
(2) كما في الرياض 1: 279.
(3) الحدائق 12: 165.
(4) الروضة 2: 45.
(5) الذخيرة: 452.
(6) كما في السرائر 1: 462.
(7) النافع: 58، التذكرة 1: 231، الدروس 1: 240، الروضة 2: 45.
262

يصيب نفقته فيها، أيكب فيأكلها ولا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟ قال:
(لا، بل ينظر إلى فضلها، فيقوت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله،
ويأخذ البقية من الزكاة، ويتصرف بهذه لا ينفقها) (1). وموثقة سماعة: عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال:
(نعم، إلا أن تكون داره دار غلة فيخرج له من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه
وعياله، فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم
وحاجتهم من غير إسراف فقد حلت له الزكاة، فإن كانت غلتها تكفيهم
فلا) (2).
والأخرى، وفي آخرها: (وأما صاحب الخمسين فإنه يحرم عليه إذا
كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب منها ما يكفيه إن شاء
الله) (3)، دلت بمفهوم الشرط على عدم الحرمة إذا لم يصب منها ما يكفيه.
ورواية هارون بن حمزة: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة
وله عيال، فإن أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها، قال: (فلينظر ما
يستفضل منها، فيأكل هو ومن يسعه ذلك، وليأخذ لمن لم يسعه من
عياله) (4).
ورواية أبي بصير: عن رجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم، وهو
رجل خفاف وله عيال كثير، أله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: (يا أبا محمد،
أيربح في دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل؟) قال: قلت: نعم، قال: (كم
يفضل؟) قلت: لا أدري، قال: (إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف

(1) الكافي 3: 561 / 6، الوسائل 9: 238 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1.
(2) الكافي 3: 560 / 4، الفقيه 2: 17 / 57، التهذيب 4: 48 / 127، الوسائل 9:
235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 1.
(3) الكافي 3: 561 / 9، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 2.
(4) التهذيب 4: 51 / 130، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 4.
263

القوت فلا يأخذ الزكاة، وإن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة) (1)
الحديث.
ولعل تقدير الفاضل عن القوت بنصف القوت باعتبار أنه متى فضل
هذا المقدار فإنه يكفي للقيام بكسوتهم وسائر ضرورياتهم، فلا يجوز أخذ
الزكاة، وإن كان أقل من ذلك فلا يقوم بمؤنة السنة.
ورواية عبد العزيز، وفيها: له دار تسوى أربعة آلاف درهم، وله
جارية، وله غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة
سوى علف الجمل، وله عيال، أله أن يأخذ من الزكاة؟! قال: (نعم)، قال:
وله هذه العروض؟ فقال: (يا أبا محمد، فتأمرني أن آمره ببيع داره وهي
عزه ومسقط رأسه، أو ببيع جاريته التي تقيه الحر والبرد وتصون وجهه
ووجه عياله، أو آمره أن يبيع غلامه أو جمله وهو معيشته وقوته؟ بل يأخذ
الزكاة، فهي له حلال، ولا يبيع داره ولا غلامه ولا جمله) (2).
ولا يضر اختصاص بعض تلك الأخبار بثلاثمائة أو أربعمائة أو
ثمانمائة أو الدار، لعدم القول بالفصل قطعا.
حجة القول الثاني: صدق تملك ما يفي بمؤنة السنة مع وفاء الأصل.
وفيه: أن المصرح به في الأخبار المذكورة - المنجبرة بالشهرة - لزوم
تملك ما يفي نماؤه لا أصله.
ثم إن عرفت أن المعتبر في الفقر والغناء عدم كفاية الربح والنماء، ولا
اعتبار برأس المال والعقار، ولا يجب عليه الانفاق من الأصل.. فهل هو إذا
اتخذ الأصل بضاعة يستربحه ومشتغلا يشغله - أي يتجر به ويستربحه

(1) الكافي 3: 560 / 3، الفقيه 2: 18 / 58، الوسائل 9: 232 أبواب المستحقين
للزكاة ب 8 ح 4.
(2) الكافي 3: 562 / 10، الوسائل 9: 236 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 3.
264

ويشتغل به فعلا - فيكون الفقير من لا يملك من الأموال التي يستنميها -
كالدراهم التي يتجر بها لأجل معاشه أو العقار التي يشتغلها أو نحو ذلك -
ما يكفي ربحها ونماؤها لمؤنة سنته، وأما ما لم يكن كذلك - أي لا يتجر به
ولا يستربحها - فالمعتبر قصور أصل الأموال منفردة أو منضمة مع نماء ما
يستنميها؟
أو يكفي في صدق الفقر وعدم وجوب إنفاق الأصل عدم كفاية النماء
والربح على فرض الاستنماء والاسترباح، حتى أنه لو كان له من الأموال ما
يكفي لمؤنة سنته ولم يستربحها ولم يشتغلها جاز له أخذ الزكاة إذا كانت
بقدر لو استنماها لم يكفه نماؤها؟
الأول: للذخيرة والحدائق (1)، بل لجميع من يعتبر الربح والنماء، إذ
الظاهر منهم إرادة الاستنماء الفعلي، كما يشعر به قولهم: يتعيش به، أو
يشتغلها، أو يتجر به.
نعم، يظهر من الكتابين المذكورين أن مراد القائلين باعتبار النماء
اعتباره مطلقا، حيث إن بعد ذكرهما القول باعتبار النماء دون الأصل اختارا
التفصيل باعتبار النماء فيما يستنميه، والأصل فيما لا يستنميه.
وكيف كان، فالحق: هو الأول، أما جواز أخذ الزكاة مع استنماء ما
يصلح له وعدم وفاء النماء بمؤنة السنة، فلجميع الأخبار المتقدمة.
وأما عدم جواز الأخذ مع وفاء أصل ماله الذي لا يستنميه ولا يشتغله
منفردا أو منضما مع نماء ما يستنميه، فلرواية المقنعة وحسنة أبي بصير
المتقدمتين (2)، وعدم صدق الفقير عرفا، واختصاص أخبار النماء بما إذا
كان يستنمي المال دون ما لا يستنميه.

(1) الذخيرة 1: 453، الحدائق 12: 157.
(2) في ص: 260.
265

المسألة الثالثة: ويشترط في صدق الفقير أيضا: عدم قدرته على
تكسب المؤنة بصنعة أو غيرها، فلو قدر عليه لم يجز له أخذ الزكاة على
الأظهر الأشهر، بل عن الخلاف والناصريات: الاجماع عليه (1).
لحسنة زرارة: (إن الصدقة لا تحل لمحترف ولا لذي مرة سوي
قوي، فتنزهوا عنها) (2)، وموثقة سماعة الثانية (3)، ولصدق الغنى وعدم
صدق الفقير مع ذلك.
ولا ينافيه قوله في حسنة أبي بصير المتقدمة: (ولا تحل الزكاة لمن
كان محترفا وعنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة) (4) حيث ضم مع
الاحتراف تملك النصاب، لعدم دلالتها على الحلية للمحترف الذي لا
يملك النصاب إلا بمفهوم الوصف، وهو ضعيف.
وحكى في الخلاف عن بعض أصحابنا جواز دفع الزكاة إلى
المكتسب من غير اشتراط قصور كسبه (5)، واستدل له بصدق عدم تملك
الكفاية من الأموال.
ويجاب عنه: بعدم كفاية ذلك في جواز الأخذ، بل يشترط عدم
الاحتراف أيضا، لما مر.
ولو قصرت الحرفة والتكسب عن تمام مؤنة السنة جاز أخذ الزكاة
له، بلا خلاف فيه يعلم، بل في التذكرة: إنه موضع وفاق بين العلماء (6)،

(1) الخلاف 4: 230، الناصريات (الجوامع الفقهية): 206.
(2) الكافي 3: 560 / 2، المقنعة: 241، الوسائل 9: 321 أبواب المستحقين للزكاة
ب 8 ح 2.
(3) تقدمت في ص: 263.
(4) تقدمت في ص: 260.
(5) الخلاف 4: 230.
(6) التذكرة 1: 236.
266

لصدق الفقير مع ذلك، ولمفهوم الشرط في موثقة سماعة المذكورة، بل
تدل عليه صحيحة معاوية بن وهب ورواية أبي بصير المتقدمتين (1)، وبه
يقيد إطلاق حسنة زرارة (2).
فروع:
أ: المعتبر في الحرفة والصنعة ما كان لائقا بحال الشخص عادة، فلو
لم يكن كذلك لم يكلف بالحرفة، ويجوز له أخذ الزكاة، فلا يكلف
الشريف بمثل الاحتطاب والاحتشاش، لكونه عسرا ومشقة.
فتعارض أدلة نفيهما إطلاقات حرمة الصدقة على المحترف،
والترجيح مع الأول، لموافقة الكتاب والسنة، مع أنه لولا الترجيح لكان
المرجع إلى إطلاقات من لا يملك مؤنة السنة.
ومنه يعلم حكم المحترف اللائق به، إذا كان فيه مشقة وعسر عليه،
لمرض أو كبر أو ضعف أو نحوها.
ب: يشترط في مزاحمة الحرفة لأخذ الزكاة إمكان احترافه، فلو علم
الحرفة ولم يمكن له اشتغاله - لفقد آلة، أو عدم طالب لها، أو نحو ذلك -
يأخذ الزكاة، لمفهوم الموثقة، بل مدلول الصحيحة والرواية (3).
ج: من لم تكن له حرفة ولكن يقدر على تعلمها من غير عسر، فلا
شك في جواز أخذه الزكاة ما لم يتعلمها، لعدم صدق المحترف.
فهل يجب عليه التعلم والامتناع من الزكاة بعده؟
الظاهر: لا، للأصل، وعدم الدليل على الوجوب.

(1) في ص: 262 و 263.
(2) المتقدمة في ص: 266.
(3) راجع ص: 262، 263.
267

د: لو اشتغل عن التكسب بطلب العلم المانع عن الكسب، فإن كان
العلم مما يجب تعلمه عينا أو كفاية بشر عدم قيام الغير به، فلا شك في
جواز أخذ الزكاة، لأنه مانع عن التكسب، وقد عرفت جواز الأخذ مع
المانع.
وإن كان مما لا يجب تعلمه ولا يستحب - كالرياضيات، والفلسفة،
وكثير من الكلاميات، والسير، والعروض والأدبية، لمن لا يريد التفقه في
الدين - فلا شك في عدم جواز أخذ الزكاة له، لصدق المحترف وعدم
الدليل على التخصيص.
وإن كان يستحب - كالتفقه في الدين تقليدا أو اجتهادا - فظاهر
الذخيرة عدم جواز الأخذ (1)، وهو ظاهر حواشي القواعد للشهيد الثاني.
وعن التحرير والمنتهى والدروس والبيان والروضة والمسالك
وحواشي النافع للشهيد الثاني والمهذب: جوازه (2). وهو الأقرب، للأمر
به (3) ولو استحبابا، المستلزم لطلب ترك الحرفة المستلزم لجواز أخذ
الزكاة، وكذا مقدمات علم التفقه إذا تعلمه من باب مقدمته. ولو أمكنه
الجمع بين التعلم والاحتراف لم يجز الأخذ.
ه‍: لو ترك المحترف حرفته يوما عمدا، فهل يجوز له أخذ الزكاة
لليلته إذا لم يمكن له الاحتراف فيها؟ وكذا لو كانت حرفته في وقت معين
ويصيب فيه ما يكفي السنة فتركها في ذلك الوقت عمدا؟
فيه إشكال، والذي يقوى في نفسي: عدم الجواز، لصدق المحترف،

(1) الذخيرة: 461.
(2) التحرير 1: 68، المنتهى 1: 519، الدروس 1: 240، البيان: 311، الروضة
2: 45، المسالك 1: 59، المهذب البارع 1: 530.
(3) التوبة: 122.
268

وعدم معلومية صدق الفقير.
المسألة الرابعة: الظاهر عدم الخلاف في أن دار السكنى والخادم
والمركب وثياب التجمل لا تمنع من أخذ الزكاة، ولا تعد من الأموال، وفي
التذكرة: لا نعلم فيه خلافا (1).
وتدل عليه في الأولين: رواية عبد العزيز المتقدمة (2)، وابن أذينة:
عن الرجل له دار أو خادم أو عبد، يقبل الزكاة؟ قال: (نعم، إن الدار
والخادم ليسا بمال) (3).
وابن يسار: (تحل الزكاة لصاحب الدار والخادم)، لأن أبا عبد الله عليه السلام
لم يكن يرى الدار والخادم شيئا (4).
وفي الثلاثة الأولى: المروي صحيحا عن كتاب علي بن جعفر
- المنجبر بالشهرة -: عن الزكاة أيعطاها من له الدابة؟ قال: (نعم، ومن له
الدار والعبد، فإن الدار ليس يعد بمال) (5).
وفي الأربعة - إذا كان ممن تجري العادة في مثله في الخادم والمركب
وثياب التجمل -: التعليل المذكور في رواية عبد العزيز بقوله: (وهي عزه)
وبقوله: (وتصون وجهه).
وإذا كان ممن يحتاج إلى الأربعة: قوله في موثقة سماعة المتقدمة:
(فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم) (6)

(1) التذكرة 1: 236.
(2) في ص: 264.
(3) الكافي 3: 561 / 7، الفقيه 2: 17 / 56، التهذيب 4: 51 / 133، الوسائل 9:
235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 2.
(4) التهذيب 4: 52 / 134، الوسائل 9: 236 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 4.
(5) مسائل علي بن جعفر: 142 / 165، الوسائل 9: 237 أبواب المستحقين للزكاة
ب 9 ح 5.
(6) راجع ص: 263.
269

إلى آخره، وفي الأخرى: (وهو يصيب منها ما يكفيه) (1).
ويظهر مما ذكر استثناء كل ما يتوقف بقاء عزه وحفظ شرفه عليه، أو
يحتاج إليه من الآلات وكتب العلم وأدوات الصناعة.
ويظهر منه أيضا استثناء أثمان هذه الأشياء لفاقد أعيانها، واستثناء
المتعدد منها مع اقتضاء العادة أو مسيس الحاجة.
ويجب مراعاة العادة في الكيفية، فيستثنى اللائق بحاله عادة.
وإطلاق النص في الثلاثة الأولى وإن اقتضى عموم الحكم فيها
وشموله لما إذا زادت عن حاجته بحيث تكفيه قيمة لمؤنة السنة وأمكنه
بيعها منفردة، إلا أن حملها على المتعارف يقتضي تقييدها بغير هذه
الصورة، مع عدم صدق الفقر وصدق ملك مؤنة السنة في مثلها بلا شبهة،
فيجب بيع الزيادة.
نعم، لو كانت حاجته تندفع بأقل منها قيمة، وكانت الزيادة في مجرد
القيمة، فصرح جماعة بعدم تكليفه ببيعها وشراء الأدون منها قيمة (2)،
للاطلاق، مع ما في تكليفه بذلك من العسر والمشقة.
والتحقيق: أنه إن كانت الزيادة في القيمة بحيث تخرجه عن مصداق
الفقير عرفا، أو تخرجها عن مناسبة حاله كثيرا، بحيث لا تنصرف إليه
الاطلاقات عرفا، لا يجوز له أخذ الزكاة، وإلا جاز.
الصنف الثالث: العاملون عليها.
وهم جباة الصدقة، والسعاة في أخذها وجمعها وحفظها وضبطها
حتى يؤدوها إلى من يقسمها، كما في المروي في تفسير علي (3)، المنجبر

(1) تقدمت في ص: 263.
(2) كما في الحدائق 12: 163.
(3) تفسير القمي 1: 298، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
270

بالفتاوي، ومقتضى المعنى اللغوي.
ولا خلاف بين العلماء في استحقاقهم الزكاة، كما عن المبسوط (1)
وغيره (2)، بل عن المنتهى وفي المدارك (3) وغيرهما: الاجماع عليه (4)، بل
لا شبهة في إجماعيته.
فهي الحجة عليه، مضافة إلى الآية الشريفة، والأخبار، كصحيحة
محمد (5)، وموثقة سماعة (6)، والمروي في تفسير علي.
ولا يجوز أن يكونوا هاشميين - كما صرح به في صحيحة العيص (7) -
إلا أن يكونوا عاملين على صدقات مثلهم.
ولا يعتبر فيهم الفقر، بلا خلاف، كما في الذخيرة (8)، بل الاتفاق،
كما عن الخلاف (9)، للتفصيل في الآية (10) والأخبار، القاطع للشركة،
وللاطلاق، وعدم انحصار جهة الاستحقاق للزكاة في الفقر.
ولا الحرية على الأظهر، للأصل.
ويعتبر الايمان والعدالة، كما يأتي.

(1) المبسوط 1: 247.
(2) كالغنية (الجوامع الفقهية): 568.
(3) المنتهى 1: 517، المدارك 5: 208.
(4) كالحدائق 12: 173، الرياض 1: 280.
(5) الكافي 3: 496 / 1، الفقيه 2: 2 / 4، التهذيب 4: 49 / 128، الوسائل: 9
209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.
(6) التهذيب 4: 48 / 127، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 3.
(7) الكافي 4: 58 / 1، التهذيب 4: 58 / 154، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة
ب 29 ح 1.
(8) الذخيرة: 453.
(9) الخلاف 4: 237.
(10) التوبة: 60.
271

ثم إنه لا ينبغي لنا التكلم في حكم زمان الحضور في وجوب نصب
العامل أو جوازه.
وأما زمان الغيبة، فعلى القول بوجوب دفع الزكاة إلى النائب العام،
يجوز له نصب العامل وتشريكه للفقراء، بل قد يجب، وكذا على القول
باستحبابه إذا دفعها ملاكها إلى النائب واحتاج الحفظ والتقسيم إلى عامل.
وأما على غير ذلك، فإن علم النائب بتقصير في أداء الزكاة أو في
التقسيم بين أهلها، جاز له نصب العامل من باب الأمر بالمعروف والإعانة
على البر، بل قد يجب، ويجعل له نصيبا من الزكاة، بل يجوز ذلك أو
يجب لآحاد المؤمنين أيضا، بل يجوز لشخص يعلم ذلك عمله بنفسه
وأخذه أجرة عمله من الزكاة.
وأما بدون العلم بذلك، ففي جواز نصب العامل وتشريكه في الزكاة
إشكال، ولا يبعد جوازه للنائب العام أو عدول المؤمنين، سيما إذا كان فيه
نوع مصلحة، للأصل، وتشريكه للاطلاق.
ولا تقدير لنصيب العاملين، بل إن كان منصوبا من الإمام فيقدر لهم
ما يراه، كما في حسنة الحلبي (1)، وإلا فبقدر أجرة مثل عملهم، كما عن
المبسوط (2)، لأنه المتبادر من تعليق شئ على العمل.
الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم.
ولا خلاف بين العلماء في أن لهم سهما من الزكاة، والاجماع عليه
منقول مستفيضا (3)، بل محقق قطعا، فهو الحجة فيه، مضافا إلى الكتاب

(1) الكافي 3: 563 / 13، التهذيب 4: 108 / 311، الوسائل 9: 257 أبواب
المستحقين للزكاة ب 23 ح 3.
(2) المبسوط 1: 257.
(3) كما في المدارك 5: 214، والذخيرة. 454، والرياض 1: 280.
272

العزيز والأخبار المستفيضة.
وإنما الخلاف في مقامين:
الأول: في تعيين المؤلفة قلوبهم، هل هم من الكفار خاصة، أو
المسلمين كذلك، أو يشملهما جميعا؟ وعلى كل تقدير فما جهة تأليفهم
الموجبة لتشريك الفقراء؟
والثاني: في أن التأليف هل يختص بزمان أو لا؟
أما الأول، فعن المبسوط: اختصاصهم بالكفار، الذين يستمالون
للجهاد بالصدقات (1)، وهو المحكي عن الخلاف والاقتصاد والمصباح وابني
زهرة وحمزة (2)، وفي الشرائع والارشاد وعن كتب الشهيد بل في الحدائق
أنه المشهور (3)، بل ظاهر الأول وصريح الثاني: الاجماع عليه.
وعن المفيد - كما في السرائر والمعتبر والتذكرة والمنتهى (4)،
وغيرها (5) - أنهم مسلمون ومشركون، وهو المحكي عن الحلي والمختلف
والقواعد والتبصرة وفي النافع (6)، ونقله في المبسوط عن الشافعي، وأنه
جعل المشركين منهم صنفين، والمسلمين أربعة أصناف (7).
وعن الإسكافي: اختصاصهم بالمنافقين، الذين يظهرون الدين

(1) المبسوط 1: 249.
(2) الخلاف 4: 233، الإقتصاد: 282، مصباح المتهجد: 789، ابن زهرة في
الغنية (الجوامع الفقهية): 568، ابن حمزة في الوسيلة: 128.
(3) الشرائع 1: 161، الإرشاد 1: 286، الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 2):
45، والبيان: 312، والدروس 1: 241، الحدائق 12: 175.
(4) السرائر 1: 456، المعتبر 2: 573، التذكرة 1: 232، المنتهى 1: 519.
(5) كما في المختلف: 181.
(6) الحلي في السرائر 1: 457، المختلف: 181، القواعد 1: 57، التبصرة: 48،
النافع: 59.
(7) المبسوط 1: 249.
273

بألسنتهم ويعينون المسلمين بأيديهم (1).
دليل الاختصاص بالكفار: حسنة زرارة ومحمد، وفيها - بعد
السؤال عن قوله سبحانه: (إنما الصدقات) إلى آخره -: (إن الإمام
يعطي هؤلاء جميعا، لأنهم يقرون له بالطاعة) إلى أن قال: (وإنما يعطي
من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه) إلى أن قال: (سهم
المؤلفة قلوبهم وسهم الرقاب عام والباقي خاص) الحديث (2)، فإن
في قوله: (ليرغب في الدين) دلالة على خروجه عن الدين، فيكون
كافرا.
والمروي في تفسير علي: (والمؤلفة قلوبهم: قوم وحدوا الله وخلعوا
عبادة من يعبد دون الله، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
فكان رسول الله يتألفهم ويعلمهم ويعرفهم كيما يعرفوا، فجعل لهم نصيبا
في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا) (3).
وأن في المراد من المؤلفة قلوبهم إجمالا، فيجب الاقتصار فيهم على
موضع الاجماع، وهم الكفار.
ويضعف الأول: بأن الرغبة لا تقتضي الخروج، مع أن في قوله:
(يثبت) دلالة على الدخول، وفي قوله: (سهم المؤلفة عام) تصريح
بشمول المسلمين أيضا.
والثاني: بعدم صراحته في الكفار، لأن من المظهرين للاسلام أيضا
من لم تدخل المعرفة قلوبهم، بل في التقييد بقوله: (قلوبهم) إشعار

(1) تقله عنه في المختلف: 181.
(2) الكافي 3: 496 / 1، التهذيب 4: 49 / 128، الوسائل 9: 209 أبواب
المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.
(3) تفسير القمي 1: 299، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
274

بإظهارهم الاسلام، بل في قوله: (ويعلمهم).
والثالث: بأنه يتم لو لم يجعل المنافقين من المسلمين وثبت الاجماع
في الكفار.
ودليل التعميم: عموم كونهم مؤلفة.
وقوله: (وسهم المؤلفة عام) في الحسنة المتقدمة، والتعليل المذكور
فيها بقوله: (ليرغب في الدين) (1). وفي الرواية الآتية بقوله: (لكي يحسن
إسلامهم).
ويضعف الأول: بتخصيص العموم بما يأتي.
والثاني: بأن الظاهر أن المراد بقوله: (عام) بالنسبة إلى من يعرف
الإمامة ومن لا يعرفها كما يظهر من باقي الحديث، فلا دلالة فيه على شمول
الكفار، وأما عموم التعليل فلو سلم يجب التخصيص بما يأتي.
ودليل الإسكافي: المروي في تفسير علي بالتقريب المتقدم، وحسنة
زرارة: عن قول الله تعالى: (والمؤلفة قلوبهم)، قال: (هم قوم وحدوا الله
عز وجل، وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله، وشهدوا أن لا إله إلا الله
و [أن] (2) ومحمد رسول الله، وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به
محمد رسول الله، فأمر الله نبيه أن يتألفهم بالمال والعطاء، لكي يحسن
إسلامهم ويثبتوا على دينهم، وأقروا، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين تألف
رؤساء العرب من قريش ورؤساء مضر، منهم: أبو سفيان بن حرب وعيينة
بن حصين) (3) الحديث.
وروايته: (والمؤلفة قلوبهم: قوم وحدوا الله، وخلعوا عبادة من دون

(1) المتقدم في ص: 274.
(2) ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
(3) الكافي 2: 411 / 2، بتفاوت يسير.
275

الله، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (1) الحديث،
ونحوها مرسلة موسى بن بكر (2).
ومقتضى هذه النصوص: أنهم قوم مسلمون قد أقروا بالاسلام
ودخلوا فيه، لكنه لم يستقر في قلوبهم ولم يثبت ثبوتا راسخا، فأمر الله
تعالى نبيه بتألفهم بالمال، لكي تقوى عزائمهم وتشتد قلوبهم على البناء
على هذا الدين، وهؤلاء هم المنافقون، كما يدل عليه عده أبا سفيان
وعيينة، المصرح في الروايات بنفاقهم.
ولا معارض لهذه الأخبار، سوى بعض ما ظن من العمومات الواجب
تخصيصها، وعدا ما توهم من الاجماع على دخول الكفار، وهو غير ثابت.
فهذا القول هو الأظهر، كما اختاره صاحب الحدائق أيضا (3).
ثم مقتضى تلك الأخبار: أن التأليف إنما هو لأجل البقاء على الدين
والثبات عليه، لا لما ذكروه من الجهاد.
وأما الثاني، فعن الصدوق اختصاصه بزمان النبي (4)، وعن الشيخ
بزمان حضور الإمام (5)، وظاهر المعتبر والمنتهى بقاؤه في جميع الأزمان (6)،
ومقتضى الاستصحاب وعموم الآية (7) وظاهر الأخبار المذكورة: الأخير.
وحيث لا يجب بسط الزكاة على الأصناف الثمانية، ويجوز إعطاء
الزكاة لجميع الفرق المذكورة المختلف فيها في جميع الأزمان من سهم في

(1) الكافي 2: 410 / 1.
(2) الكافي 2: 412 / 5.
(3) الحدائق 12: 177.
(4) الفقيه 2: 3.
(5) المبسوط 1: 249.
(6) المعتبر 2: 573، المنتهى 1: 250.
(7) التوبة: 60.
276

سبيل الله، فلا ثمرة مهمة في بسط الكلام في المقام.
الصنف الخامس: في الرقاب: بالاجماع، والكتاب، والسنة
المستفيضة كما يأتي.
والمراد بهم ثلاث طوائف:
الأولى: المكاتبون، بلا خلاف فيه بين العلماء، كما عن صريح
المبسوط والسرائر والغنية (1)، بل بالاجماع، كما عن ظاهر المنتهى
والمدارك (2)، ومرسلة أبي إسحاق: عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدى
بعضها، قال: (يؤدى عنها من مال الصدقة، إن الله تعالى يقول في كتابه:
(وفي الرقاب) (3).
ثم صريح الأكثر: أنه يشترط في إعطاء المكاتب من هذا السهم أن لا
يكون معه ما يصرفه في كتابته (4)، وظاهر بعض إطلاقات هؤلاء جواز
الاعطاء وإن قدر على تحصيل مال الكتابة بالتكسب إذا لم يكن معه.
واعتبر الشهيد قصور كسبه عن مال الكتابة (5).
والحق: اشتراط العجز عن الأداء مطلقا ولو بالتكسب، لا للمرسلة،
لأن العجز فيها وارد في السؤال، بل للأصل، وعدم المجوز.
والاستدلال - على الجواز بعموم الآية المستدل به في ذيل المرسلة -
يرد بأن المراد بقوله: (في الرقاب) غير معلوم، لاجماله جدا، فيقتصر فيه
على القدر المعلوم من الرواية، وليس هو إلا مورد السؤال.

(1) المبسوط 1: 250، السرائر 1: 457، الغنية (الجوامع الفقهية): 568.
(2) المنتهى 1: 250، المدارك 5: 216.
(3) الفقيه 3: 74 / 258، التهذيب 8: 275 / 1002، الوسائل 9، 239 أبواب
المستحقين للزكاة ب 44 ح 1.
(4) كما في المبسوط 1: 250، والمعتبر 2: 574، والمدارك 5: 219.
(5) البيان: 313.
277

ويجوز الدفع إلى السيد بإذن المكاتب وبدون إذنه، وإلى المكاتب
بإذن السيد، لاطلاق الرواية، ولا يتوقف على حلول النجم على الأشهر
الأظهر (1)، للأصل. الثانية: المملوك يشترى ويعتق بأحد الشرطين: إما كونه تحت شدة
وضر، أو عدم وجدان المزكي مستحقا آخر للزكاة.
وعلى جواز الأول: الاجماع في المبسوط والخلاف والاقتصاد
والسرائر والغنية والمنتهى والتذكرة (2).
وعلى الثاني في ظاهر المعتبر والمنتهى (3).
وتدل على الأول رواية أبي بصير المنجبرة بالعمل: عن الرجل
يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستمائة يشتري منها نسمة ويعتقها،
قال: (إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم!!) ثم مكث مليا، ثم قال: (إلا أن
يكون عبدا مسلما في ضرورة، فليشتره ويعتقه) (4).
وعلى الثاني: موثقة عبيد: عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم، فلم
يجد موضعا يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريد، فاشتراه
بتلك الألف التي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز له ذلك؟ قال:
(نعم، لا بأس بذلك)، قلت: فإنه لما أن أعتق وصار حرا اتجر واحترف،
فأصاب مالا، ثم مات وليس له وارث، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟
قال: (يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة، لأنه إنما اشتري

(1) كما في المبسوط 1: 250، والمعتبر 2: 280، والمنتهى 1: 521.
(2) المبسوط 1: 250، الخلاف 4: 234، الإقتصاد: 282، وانظر: السرائر 1:
457، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المنتهى 1: 250، التذكرة 1: 133.
(3) المعتبر 2: 575، المنتهى 1: 250.
(4) الكافي 3: 557 / 2، التهذيب 4: 100 / 282، الوسائل 9: 292 أبواب
المستحقين للزكاة ب 43 ح 1.
278

بمالهم) (1).
وهل يجوز الشراء والعتق بدون الشرطين من سهم الرقاب؟
المحكي عن ظاهر المفيد والانتصار والمراسم والسرائر والقواعد
وحواشي القواعد والارشاد والنافع للشهيد الثاني وصريح الإيضاح
والكنز والمسالك (2) وجمع من متأخري المتأخرين (3): نعم، لعموم
الآية (4).
وللصحيح المروي في العلل: مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن
عليه، أشتريه من الزكاة وأعتقه؟ قال: فقال: (اشتره وأعتقه)، قلت: فإن
هو مات وترك مالا؟ قال: فقال: (ميراثه لأهل الزكاة، لأنه اشتري
بسهمهم) (5).
وصحيحة أبي محمد الوابشي: عن رجل اشترى أباه من الزكاة - زكاة
ماله - قال: (اشترى خير رقبة، لا بأس بذلك) (6).
وعن كثير من الأصحاب: لا (7)، وهو الأظهر، لرواية أبي بصير
المتقدمة المصرحة بالاشتراط، وهي أخص من تلك الأخبار، فيجب
تخصيصها بها، كما يخصص عموم الآية أيضا لو سلم.

(1) الكافي 3: 557 / 3، التهذيب 4: 100 / 281، الوسائل 9: 191 أبواب
المستحقين للزكاة ب 43 ح 2.
(2) المفيد في المقنعة: 241، الإنتصار: 85، المراسم: 132، السرائر 1: 457،
القواعد 1: 57، الإرشاد 1: 286، الإيضاح 1: 169، كنز العرفان: 237
، المسالك 1: 60.
279

إلا أنه - كما ذكرنا في المؤلفة قلوبهم - لا ثمرة في تحقيق ذلك أيضا،
بعد عدم وجوب البسط ودخول جميع ذلك في سبيل الله بل لولا
تصريح الأصحاب لم يكن دليل تام على دخول غير المكاتب في
الرقاب.
وجمع - ممن لم يجوز الشراء والعتق إلا مع أحد الشرطين - جوزوه
بدونهما من سهم سبيل الله، استنادا إلى الروايتين، مع أن جميع الروايات
المذكورة لغير المكاتب مطلقة، فإما يحمل الجميع على سهم الرقاب، أو
الجميع على سهم سبيل الله، ولعل الفارق تصريح العلماء.
الثالثة: من وجبت عليه كفارة ولم يجد ما يعتق، فظاهر المبسوط
والمختلف والتذكرة وصريح النافع والحدائق: جواز العتق عنه من الزكاة (1).
لما رواه في المبسوط مرسلا: (إن من وجبت عليه عتق رقبة في
كفارة
ولا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه) (2).
وفي التهذيب عن تفسير علي، عن العالم: (وفي الرقاب: قوم
لزمتهم كفارات في قتل الخطأ وفي الظهار وفي الأيمان وفي قتل الصيد في
الحرم، وليس عندهم ما يكفرون به وهم مؤمنون، فجعل الله لهم سهما في
الصدقات ليكفر عنهم) (3).
وظاهره أعم من العتق وغيره، وإن قيل: تفسيره للرقاب يعطي
تخصيصه بالعتق، لكن يخدشه أن فك رقبة المكفر عن اشتغال الذمة أيضا
يناسب التفسير.

(1) المبسوط 1: " 50، المختلف 2: 181، التذكرة 1: 233، النافع 1: 59،
الحدائق 12: 185.
(2) المبسوط 1: 250.
(3) التهذيب 4: 49 / 129، تفسير القمي 1: 298، الوسائل 9: 211 أبواب
المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
280

ولا يوجب ذلك التعميم وهنا في الرواية ولا ضعف السند، لاعتبار
الرواية، ولكن - لامكان التكفير عن سهم الغارمين وسبيل الله، وعدم
وجوب البسط - لا يهم الكلام أكثر من ذلك في المقام.
فرع: مقتضى موثقة عبيد وصحيحة العلل المتقدمتين: أن ميراث
العبد المبتاع من الزكاة لأرباب الزكاة، كما هو المشهور بين أصحابنا، كما
صرح به جماعة من المتأخرين (1)، بل عزاه في الانتصار والمعتبر والمنتهى
إلى علمائنا مؤذنين بدعوى الاجماع عليه (2)، بل ادعى جدي في الرسالة
الاجماع عليه.
وهو الأقوى، للروايتين السالمتين عن المعارض.
خلافا لمن جعله للإمام، كالفاضل في القواعد (3) وولده في الشرح (4)،
أو توقف كما في المختلف والارشاد (5)، لأن الإمام وارث من لا وارث له.
وفيه: أن الوارث هنا موجود بالنص، وضعفه ممنوع، ولو سلم فبما
مر مجبور.
ولمن فصل بين ما لو اشتري لعدم المستحق، فالأول، لأنه يكون
مصروفا من حق الفقراء، وبين ما لو اشتري من سهم الرقاب كالعبد تحت
الشدة، فللإمام، لأنه لم يشتر بمالهم، كالشهيد والمقداد (6).
وهو اجتهاد في مقابلة النص.

(1) كالمحقق في المعتبر 2: 589، الشهيد في البيان 319، ابن فهد الحلي في
المهذب البارع 1: 538.
(2) الإنتصار: 85، المعتبر 2: 589، المنتهى 1: 531.
(3) القواعد 1: 59.
(4) الإيضاح 1: 207.
(5) المختلف: 191، الإرشاد 1: 290.
(6) الشهيد في الدروس 1: 244، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 327.
281

ودعوى إشعار التعليل بالأول مردودة بأن الظاهر من الموثقة وقوع
الشراء بجميع الزكاة لا بسهم مخصوص منها، والمراد من التعليل: أنه
أشتري بمال يسوغ صرفه إليهم.
ثم هل الميراث للفقراء، كما هو صريح الموثقة، وبه عبر المفيد (1)؟
أو أرباب الزكاة، كما هو مقتضى الصحيحة، وبه عبر الأكثر، بل
أرجع إليه قول المفيد في المختلف (2؟
كل محتمل، وإن كان الثاني أظهر.
والأحوط صرفه إلى الفقراء، للخروج به عن العهدة على جميع
الأقوال في زمن الغيبة قطعا.
الصنف السادس: الغارمون.
وهم: المدينون عرفا ولغة وشرعا، إجماعا وسنة، ولا خلاف في
إسهامهم في الزكاة، كما صرح به جماعة، منهم: المبسوط والمعتبر
والتذكرة (3)، بل هو إجماعي، كما في المنتهى والغنية والتذكرة والمدارك
والذخيرة (4)، وغيرها (5).
ويدل عليه - مع الاجماع - الكتاب، والسنة، كموثقة إسحاق: عن
رجل على أبيه دين ولابنه مؤنة أيعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال:
(نعم، ومن أحق من أبيه؟!) (6).

(1) المقنعة: 259.
(2) المختلف: 191.
(3) المبسوط 1: 251، المعتبر 2: 575، التذكرة 1: 233.
(4) المنتهى 1: 521، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، التذكرة 1: 233، المدارك
5: 222، الذخيرة: 455.
(5) كالرياض 1: 281.
(6) الكافي 3: 553 / 2، الوسائل 9: 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 2.
282

ورواية موسى بن بكر: (من طلب الرزق من حله ليعود به على نفسه
وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله، فإن غلب عليه فليستدن على الله تعالى
وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فإن لم
يقضه كان عليه وزره، إن الله عز وجل يقول: (إنما الصدقات للفقراء
والمساكين) إلى قوله: (والغارمين)، وهو: فقير مسكين مغروم) (1).
وصحيحة البجلي: عن رجل عارف فاضل توفي وترك عليه دينا قد
ابتلي به، لم يكن بمفسد ولا مسرف ولا معروف بالمسألة، فهل يقضى عنه
من الزكاة الألف والألفان؟ قال: (نعم) (2).
ورواية أبي نجاد، وفيها - بعد السؤال عن قوله سبحانه: (وإن كان
ذو عسرة) (3)، وعن حد النظرة - قال: (يقضى ما عليه من سهم الغارمين
إذا كان أنفقه في طاعة الله عز وجل، فإن كان أنفقه في معصية الله فلا شئ
له على الإمام)، قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه وهو لا يعلم فيما أنفقه،
في طاعة الله عز وجل، أم في معصيته؟ قال: (يسعى له في ماله فيرده عليه
وهو صاغر) (4).
ورواية صباح بن سيابة: (أيما مؤمن أو مسلم مات فترك دينا لم يكن
في فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك،
إن الله تبارك وتعالى يقول: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)، الآية،

(1) الكافي 5: 93 / 3، التهذيب 6: 184 / 381، قرب الإسناد: 340 / 1245،
الوسائل 18: 335 أبواب الدين والقرض ب 9 ح 2.
(2) الكافي 3: 549 / 2، التهذيب 4: 102 / 288، الوسائل 9: 295 أبواب
المستحقين للزكاة ب 46 ح 1.
(3) البقرة: 280.
(4) الكافي 5: 93 / 5، التهذيب 6، 185 / 385، تفسير العياشي 1: 155،
الوسائل 18: 336 أبواب الدين والقرض ب 9 ح 3.
283

فهو من الغارمين، وله سهم عند الإمام) (1).
وحسنة زرارة: رجل حلت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين، أيؤدي
زكاته في دين أبيه وللابن مال كثير؟ قال: (إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر
عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث ولم يقضه
من زكاته، وإن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه،
فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه) (2).
والمروي في تفسير علي: (والغارمين: قوم قد وقعت عليهم ديون
أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم،
ويفكهم من مال الصدقات) (3).
وفي قرب الإسناد: (يعطى المستدينون من الصدقة والزكاة دينهم
كلهم ما بلغ إذا استدانوا في غير إسراف) (4).
فروع:
أ: الغارم إما يتمكن من قضاء دينه في الحال، أو لا.
والأول على ثلاثة أقسام:
لأنه إما ليس بفقير، ولا يصير مع الأداء فقيرا أيضا.
أوليس بفقير، ويصير معه فقيرا، بأن يقضي من قوت سنته أو من
رأس ماله الذي من نمائه قوت السنة.

(1) تفسير العياشي 2: 94 / 78، مستدرك الوسائل 7: 127 أبواب المستحقين للزكاة
ب 27 ح 1.
(2) الكافي 3: 553 / 3، الوسائل 9: 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 1.
(3) تفسير القمي 1: 299، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
(4) قرب الإسناد: 109 / 374، وفيه: كله بدل: كلهم، الوسائل 9: 261 أبواب
المستحقين للزكاة ب 24 ح 10.
284

أو فقير، كمن عنده قوت ستة أشهر، وعليه الدين بقدر قوت ثلاثة
أشهر.
والثاني على قسمين: لأنه إما ليس بفقير - كالمحترف الذي يحترف
كل يوم بقدر قوته، أو مالك قوت سنته وزيادة الدين عليه كثيرا - أو فقير.
لا شك في عدم إسهام الأول في الزكاة، للاجماع القطعي عليه، وكذا
لا شك في إسهام الخامس، للاجماع، والآية، والأخبار.
وإنما الكلام في البواقي:
أما الثاني منها، فاستقرب الفاضل في النهاية جواز الدفع إليه (1).
وظاهر من اشترط العجز عن الأداء - كالمبسوط والتذكرة (2) - أو الفقر
- كالوسيلة والسرائر والغنية والمعتبر والمنتهى (3) - عدم الجواز.
وأما الثالث، فظاهر كل من اكتفى باشتراط الفقر - كالمذكورين - جواز
الدفع، وظاهر كل من اشترط العجز عن الأداء وعدم التمكن من القضاء
عدمه.
وأما الرابع، فعكس الثالث.
والحق في الكل: جواز الدفع، لاطلاق الآية (4)، والموثقة (5)،
والمرويين في تفسير علي وقرب الإسناد من غير مقيد، بل ظاهر الآية عدم
اشتراط الفقر في جواز الدفع، لجعلها الغارمين قسيم الفقراء.
خلافا في كل منها لمن ذكر، ولا دليل لهم سوى ما قيل في اشتراط

(1) نهاية الإحكام 2: 391.
(2) المبسوط 1: 251، التذكرة 1: 233.
(3) الوسيلة: 129، السرائر 1: 459، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المعتبر 2:
576، المنتهى 1: 521.
(4) التوبة: 60.
(5) المتقدمة في ص: 282.
285

العجز عن الأداء: من أن الزكاة إنما شرعت لسد الخلة ورفع الحاجة، ولا
حاجة مع التمكن من الأداء (1). وما في الحدائق: من أنه مقتضى الأخبار الواردة في إسهام الغارمين من الزكاة (2)..
وفي اشتراط الفقر، من نفي الخلاف عنه في السرائر (3)، ودعوى
الاجماع ظاهرا في التذكرة (4)، والتنصيص في المستفيضة، كصحيحتي ابن
وهب (5) وزرارة (6)، ومرسلة الفقيه (7)، ورواية الغنوي: (أنه لا تصلح الصدقة
لغني ومحترف) (8).
وفي الكل نظر:
أما الأول، فلأن المسلم منه إنما هو في سهم الفقراء والمساكين وأبناء
السبيل، وأما البواقي فلا نسلم أن التشريع لما ذكر.
وأما الثاني، فلأنه إن أريد أن مقتضى الأخبار التقييد والاشتراط فهو
ممنوع جدا، بلا لا دلالة في رواية عليهما أصلا.
وإن أريد أن موردها المقيد، فلو سلم فيكفي عموم الآية، مع أن كثيرا
من الأخبار أيضا مطلقة كما ذكرنا.
وأما الثالث، فلمنع الحجية.
وأما الرابع، فلتعارضه مع الموثقة والمرويين بالعموم من وجه،

(1) انظر: المدارك 5: 223.
(2) الحدائق 12: 190.
(3) السرائر 1: 459.
(4) التذكرة 1: 233.
(5) الكافي 3: 562 / 12، الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 3.
(6) الكافي 3: 560 / 2، المقنعة: 241، الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة
ب 8 ح 2.
(7) الفقيه 3: 109 / 458، الوسائل 9: 232 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 5.
(8) التكذيب 4: 51 / 130، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 4.
286

لأعمية الغني عن المديون وغيره، والصدقة عن سهم الفقراء وغيره، كأعمية
المديون عن الفقير وغيره، والترجيح للموثقة وما يوافقها بموافقة ظاهر
الكتاب، الذي هو من المرجحات المنصوصة، مع أن الغني لغة: من
لا احتياج له، ولا نسلم أن المديون بأقسامه الثلاثة لا احتياج له، سيما
القسمين الثالث والرابع.
وها هنا قسم سادس، وهو من لم يتمكن من القضاء حالا وتمكن
بعد حين، كمن عليه دين معجل وله دين مؤجل لا يمكن له أخذه قبل
أجله، أو له غلة لم يبلغ أوانها، فهل يجوز دفع الزكاة إليه؟ نعم،
للاطلاقات المتقدمة، وإخراج المتمكن إنما هو بالاجماع الغير المعلوم هنا.
ثم إن ما ذكر من اشتراطهم الفقر إنما هو فيمن استدان لمصلحة
نفسه.
وأما من استدان لمصلحة غيره - كإصلاح ذات البين، أو إطفاء الفتنة،
كمن استدان في دم لم يوجد قاتله، أو تلف لا يعلم تالفه وكادت أن تقع
بسببه فتنة، أو من ضمن معسرا، ونحو ذلك - فظاهر الأكثر: عدم اشتراط
العجز والفقر (1)، وهو كذلك، للعموم السالم عن المعارض.
ب: الغارم إما تكون استدانته في غير معصية، أو تكون في معصية.
أو يجهل الحال.
فالأول: يقضى دينه من الزكاة إجماعا محققا، ومحكيا (2).
والثاني: لا يقضى على الأظهر الأشهر، بل ظاهر جماعة الاجماع
عليه (3)، للروايات الأربع الأخيرة (4)، وبها يقيد إطلاق الآية وبعض الأخبار.

(1) كما في المبسوط 1: 251، والتذكرة 1: 233، والرياض 1: 281.
(2) كما في المنتهى 1: 521.
(3) كما في المنتهى 1: 521، والرياض 1: 281.
(4) الظاهر أنها: صحيحة البجلي ورواية أبي نجاد المتقدمتان في ص: 283
والروايتان المذكورتان في تفسيري القمي والعياشي، المتقدمتان في ص: 283 و 284.
287

خلافا للمحكي عن المعتبر (1)، وبعض من عنه تأخر (2)، فجوز الدفع
إليه بعد التوبة، للاطلاق المذكور، وضعف المخصص.
والضعف ممنوع، ولو سلم فبالشهرة وحكاية الاجماع مجبور.
ثم ظاهر بعض تلك الأخبار وإن كان اشتراط الانفاق في الطاعة،
ولازمه عدم القضاء إذا أنفقه في المباحات، إلا أن الظاهر الاجماع على
القضاء معه أيضا، بل الظاهر أن المراد بالطاعة غير المعصية، كما يشعر به
الحصر في القسمين في رواية أبي نجاد (3).
والثالث: كالأول أيضا على الأظهر، وفاقا للمبسوط والسرائر
والفاضلين (4)، وغيرهما من المتأخرين (5)، بل يظهر من بعضهم إجماعيته
أيضا (6)، للاطلاقات، خرج منها المصروف في المعصية بما مر، فبقي الباقي.
خلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية (7)، لذيل رواية أبي نجاد،
ولاشتراط القضاء بالانفاق في الطاعة، وحيث جهل الشرط لم يثبت
المشروط.
ويرد الأول: بالضعف، لمخالفة الشهرتين، بل لا عامل بها سوى
الشيخ في النهاية، وهو أيضا رجع عنه في المبسوط (8)، بل قيل بعدم دلالتها

(1) المعتبر 2: 575.
(2) كصاحب المدارك 5: 224.
(3) المتقدمة في ص: 283.
(4) المبسوط 1: 251، السرائر 2: 34، المحقق في المعتبر 2: 576، والنافع 1:
59، والعلامة في التذكرة 1: 233، والمنتهى 1: 521.
(5) كالشهيد الثاني في الروضة 2: 47.
(6) كما في الرياض 1: 281.
(7) النهاية: 184.
(8) المبسوط 1: 251.
288

أيضا (1).
والثاني: بأن الشرط عدم العلم بالصرف في المعصية، وهو حاصل،
والألفاظ وإن كانت أسامي للمعاني النفس الأمرية، إلا أنها تقيد في مقام
التكاليف بالعلم، فمعنى قوله: (وإذا كان أنفقه في معصية الله): أنه وإذا
علم أنه كان كذلك.. ثم بمفهوم ذلك يعارض منطوق قوله: (إذا كان أنفقه
في طاعة الله) وما بمعناه، وتسلم الاطلاقات عن المقيد المعلوم.
ج: يجوز للمزكي دفع زكاته إلى رب الدين من غير إقباض للمديون
ولا إذن له في قبضها، كما نص عليه الفاضل والشهيد (2)، للاطلاقات.
وكذا يجوز دفعها إلى المديون بدون إذن صاحب الدين، لصدق
الغارم عليه.
الصنف السابع: في سبيل الله.
بالاجماع، والكتاب، والسنة، والمراد به: ما يشمل جميع القرب
والخيرات والمصالح للمسلمين وإقامة نظام العلم والدين، وفاقا للخلاف
والمبسوط وابن حمزة والحلبي والحلي وابن زهرة والفاضلين
والشهيدين (3)، وسائر المتأخرين (4)، بل للمشهور كما صرح به جماعة (5)،

(1) الحدائق 12: 193.
(2) الفاضل في التذكرة 1: 233، الشهيد في الدروس 1: 241.
(3) الخلاف 4: 236، المبسوط 1: 252، ابن حمزة في الوسيلة: 128، الحلبي
في الكافي في الفقه: 175، الحلي في السرائر 1: 457 ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المحقق في المعتبر 2: 577، والشرائع 1: 162،
العلامة في المنتهى 1: 522، والتحرير 1: 69، الشهيد الأول في البيان: 315،
اللمعة (الروضة 2): 49، الشهيد الثاني في الروضة 2: 49.
(4) كما في المدارك 5: 231، والذخيرة: 456، والرياض 1: 282.
(5) كصاحب الحدائق 12: 199، وصاحب الرياض 1: 282.
289

بل عن الخلاف والغنية وظاهر المجمع: الاجماع عليه (1).
لظاهر عموم الآية - وإن لا يخلو عن المناقشة - وللمروي في تفسير
علي، المذكور في التهذيب أيضا عنه، قال: (وفي سبيل الله: قوم يخرجون
إلى الجهاد وليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما
يحجون به، أو في جميع سبل الخير) (2)، وضعفه - إن كان - منجبر بما مر.
ويدل عليه أيضا ما دل على جواز صرف الزكاة في الحج بضميمة
عدم القول بالفصل، كصحيحة علي بن يقطين (3)، والمروي عن جميل في
مستطرفات السرائر (4).
وعن المقنعة والنهاية والفقيه والإشارة والديلمي: اختصاصه
بالجهاد (5)، لأنه المتيقن، وأنه المتبادر من سبيل الله.
ويرد الأول: بثبوت غيره أيضا بما مر. والثاني: بمنع التبادر.
وأما ما في رواية يونس بن يعقوب - بعد السؤال عن وصية رجل من
همدان عامي بإعطاء شئ في سبيل الله - من الأمر بصرفه إلى من يخرج
إلى بعض الثغور (6)، فلا دلالة فيه على الانحصار مطلقا، مع أن الوصية إنما
تنصرف إلى قصد الموصي، والظاهر أنه أراد هذا المصرف، لأن أكثر العامة

(1) الخلاف 4: 236، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، مجمع البيان 3: 42.
(2) تفسير القمي 1: 299، التهذيب 4: 49 / 129، الوسائل 9: 211 أبواب
المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.
(3) الفقيه 2: 19 / 61، الوسائل 6: 290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42 ح 1.
(4) مستطرفات السرائر: 33 / 35، الوسائل 9: 291 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 4.
(5) المقنعة: 241، النهاية: 184، الفقيه 2: 3، الإشارة: 112، الديلمي في
المراسم: 133.
(6) الكافي 7: 14 / 4، التهذيب 9: 202 / 805، الوسائل 19: 341 أبواب أحكام
الوصيات ب 33 ح 4.
290

يفسرون سبيل الله به (1).
فروع:
أ: إذا أعطي هذا السهم إلى شخص ليحج أو يزور أو يعلم أو يتعلم
أو نحو ذلك، فهل يعتبر فيه الفقر، أو عدم التمكن من العمل المقصود
بدونه، أو لا يعتبر فيه شئ منهما؟
الظاهر: الثاني، كما اختاره جدي الأمجد - قدس سره - في الرسالة.
أما عدم اشتراط الفقر، فلاطلاق الآية، ولو بضميمة تفسيرها في
المرسلة، بل للتفصيل فيها القاطع للشركة، ولاطلاق الأخبار المجوزة
لصرف الزكاة في الحج (2)، وبه يعارض ما دل على عدم حلية الصدقة
لغني (3)، ويرجح الاطلاق، لموافقة الآية ولو بضميمة التفسير.
وأما اشتراط عدم التمكن، فللتقييد به في المرسلة التي هي للآية
مفسرة، فتقيد بها الآية، ولا يفيد الاطلاق المذكور هنا، لعدم المرجح،
وكون الأصل مع عدم مشروعية الاعطاء.
ب: لو كتب من هذا السهم مصحفا أو كتابا أو بنى حماما أو رباطا أو
نحو ذلك، يشترك فيه المؤمنون جميعا، ويجوز لهم الانتفاع به كسائر
المصالح العامة.
ولا يملكه المزكي ولا يجوز له تملكه، لعدم ملكية الزكاة له، بل لا
يجوز له تمليكه للغير ولو لفقير إذا كتبه أو بناه بقصد الصرف في سبيل الله،
لأن المكتوب والمبني ليس ملكا له حتى يملكه غيره.

(1) كما في بداية المجتهد 1: 277، الأم للشافعي 2: 72، بدائع الصنائع 2: 46.
(2) الوسائل 9: 290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42.
(3) الوسائل 9: 321 أبواب المستحقين للزكاة ب 8.
291

نعم، لو فعله أولا لنفسه جاز تمليكه فقيرا من الزكاة.
ومنه يظهر عدم جواز وقفه لطائفة أو بشرائط بعد كون الفعل أولا
بقصد صرف الزكاة في سبيل الله، ولو كتب لنفسه جاز الوقف بعده من
الزكاة.
ج: يجوز شراء الكتب وإجراء القنوات ونحوها، ووقفها من هذا
السهم على المؤمنين، وعلى طائفة خاصة منهم، كأهل بلد أو قرية أو
محلة، أو على قبيلة، أو على أقاربه، بل على أولاده مع قصد القربة،
لصدق سبيل الخير.
د: من سبيل الخير في زمن الغيبة: الغزاة مع أعداء الدين إذا دهموا
المسلمين، وخيف منهم عليهم أو على بيضة الاسلام، فيعطون من هذا السهم.
والظاهر اعتبار احتياج الغزاة إليه ولو في الغزو خاصة دون مؤنة
السنة، أو توقف إنهاضهم على الغزو عليه، مع احتمال عدم اعتبارهما
أيضا، كما إذا تمكن أحد من شراء السلاح من ماله، وأراد الشراء أيضا،
فأعطاه أحد من زكاته، لصدق سبيل الخير.
والأحوط الترك حينئذ.
الصنف الثامن: ابن السبيل.
بالأدلة الثلاثة، وهو المسافر الذي احتاج في السفر ولم يكن له ما
يبلغه إلى وطنه وإن كان غنيا في بلده، إذا كان بحيث يعجز عن التصرف في
أموال في السفر ببيع ونحوه وعن الاستدانة، وفاقا للأكثر (1).
لأنه القدر المقطوع به من ابن السبيل، فيبقى غيره تحت الأصل،
وللمروي في تفسير علي - المنجبر بالعمل -: (وابن السبيل: أبناء الطريق

(1) كالشهيد الأول في اللمعة (الروضة 2): 49، والشهيد الثاني في الروضة 2:
49.
292

الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله، فيقطع عليهم، ويذهب مالهم،
فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات) (1).
خلافا لمن لم يذكر الشرط، فلم يعتبر العجز عن التصرف في أموال
بلده مطلقا، كبعضهم (2)، أو لم يعتبر العجز عن الاستدانة خاصة، كبعض
آخر (3)، لعموم الآية والخبر.
ويجاب: بمنع العموم، لأن ابن السبيل مجاز فيما يراد به في الآية،
ومجازه غير متعين، فلعله الذي لم يتمكن من كفايته في السفر مطلقا ولو
ببيع أو استدانة.
وكذا قوله في الخبر: (فيقطع عليهم) فإن في معناه إجمالا، فلعله ما
يتضمن عدم التمكن المذكور، مع أن الغني المتمكن من الاعتياض
والاستدانة في السفر غني لغة وعرفا، فيدخل في الأخبار المصرحة بعدم
حلية الصدقة لغني، ويعارض بها الخبر.
ولمن لم يعتبر الكون في السفر، بل جعله أعم منه ومن المريد
للسفر، كالإسكافي (4)، لحجة ضعيفة مخالفة للخبر المذكور المنجبر.
ثم إن منهم من ألحق الضيف بابن السبيل (5)..
فإن أرداوا منه المسافر المحتاج النازل عليك، فهو داخل في ابن
السبيل بالمعنى المذكور.
وإن أرادوا الأعم من المسافر أو المحتاج، فلا دليل عليه، سوى ما

(1) تفسير القمي 1: 299، التهذيب 4: 49 / 129، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين
للزكاة ب 1 ح 7.
(2) انظر: الرياض 1: 283.
(3) كما في المعتبر 2: 578.
(4) حكاه عنه في المختلف: 182.
(5) كما في المعتبر 2: 578، والبيان: 315.
293

قيل من وجود رواية دالة عليه (1).
وضعفها - الخالي عن الانجبار، بل الوهن باعتبار عد فتوى الناقل لها
بظاهرها كما قيل (2) - يمنع من العمل بها، مع أن الظاهر من الرواية - على ما
في الغنية - اعتبار السفر والحاجة في الضيف (3)، فيكون من أفراد ما ذكر.
فروع:
أ: يشترط في جواز إعطاء الزكاة ابن السبيل كون سفره غير معصية،
بلا خلاف كما قيل (4)، بل بالاجماع ظاهرا، للخبر المذكور.
بل ظاهره اشتراط كون السفر طاعة، كما هو ظاهر الإسكافي (5).
ولولا ظهور الاجماع على خلافه لاتجه القول به، إلا أن الظاهر أن
خلافه إجماعي، وادعى عليه الاجماع جماعة، منهم جدي - قدس سره - في
الرسالة، مع أن استعمال الطاعة في مقابل المعصية شائع.
والشرط إباحة السفر حين الاعطاء، فلو أنشأ السفر عاصيا ثم رجع
عن المعصية لم يمنع.
ب: لا يمنع الاعطاء نية إقامة العشرة، للاستصحاب، وعدم زوال
صدق الاسم.
وعن الشيخ: المنع، للخروج عن اسم المسافر (6). وفيه منع ظاهر.
ج: يعطى ابن السبيل ما يكفيه لذهابه وعوده إن قصد غير بلده، وما

(1) الرياض 1: 283.
(2) في المبسوط 1: 252.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 568.
(4) في المدارك 5: 236.
(5) حكاه عنه في المختلف: 182.
(6) المبسوط 1: 257.
294

يكفيه لوصوله بلده إن قصده، أو إلى موضع يتمكن فيه من البيع أو
الاستدانة.
ولا يعطى الأزيد، لعدم دليل عليه، فإن قدر الوصول يقينني، ومدلول
عليه بالخبر، والزائد مشكوك فيه، فينفي بالأصل، فلو أعطي الزائد استعيد
منه.
ولو استفضل من قدر الكفاية بالتقتير أو نحوه، قيل: يستعاد (1)،
وقيل: لا (2)، وللنظر في كل منهما مجال، وإن كان الأحوط الأول.
وكذا إذا حصل التمكن والغناء في أثناء السفر.

(1) كما في المبسوط 1: 253، والمعتبر 2: 579، والمنتهى 1: 528، والدروس
1: 242.
(2) الخلاف 4: 235.
295

الفصل الثاني
في أوصاف المستحقين
وهي أمور:
الأول: الايمان.
أي الاسلام مع معرفة الأئمة الاثني عشر، فلا يجوز دفع الزكاة إلى
غير المؤمن، بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة (1)، بل بالاجماع المحقق،
والمحكي كما عن الانتصار والغنية والمنتهى وفي الحدائق (2)، له،
وللمستفيضة من النصوص:
كموثقة زرارة ومحمد: (الزكاة لأهل الولاية) (3).
وصحيحة علي بن بلال: هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة إلى
محتاج غير أصحابي؟ فكتب: (لا تعط الصدقة والزكاة إلا أصحابك) (4).
وصحيحة العجلي، وفيها: (كل عمل عمله وهو في حالة نصبه
وضلالته ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة، فإنه
يعيدها، لأنه وضعها في غير موضعها، لأنها لأهل الولاية) (5)، وقريبة منها
حسنة ابن أذينة (6).

(1) الذخيرة: 457.
(2) الإنتصار: 82، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المنتهى 1: 522، الحدائق
12: 203.
(3) التهذيب 4: 52 / 135، الوسائل 9: 224 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 9.
(4) التهذيب 4: 53 / 140، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 4.
(5) التهذيب 5: 9 / 23، الوسائل 9: 216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 1.
(6) الكافي 3: 546 / 5، الوسائل 9: 217 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 3.
296

وحسنة الفضلاء الخمسة: في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء:
الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية، ثم يتوب ويعرف هذا الأمر
ويحسن رأيه، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج؟ أوليس
عليه إعادة شئ من ذلك؟ قال: (ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير
الزكاة، لا بد أن يؤديها، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها، وإنما موضعها
أهل الولاية) (1).
وصحيحة عمر بن يزيد: عن الصدقة على النصاب وعلى الزيدية؟
فقال: (لا تصدق عليهم بشئ، ولا تسقهم من الماء إن استطعت) (2).
وصحيحة ضريس: إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟
فقال: (في أهل ولايتك)، فقال: إني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك،
فقال: (ابعث بها إلى بلدهم) (3).
وصحيحة الأشعري: عن الزكاة، هل يوضع فيمن لا يعرف؟ قال:
(لا، ولا زكاة الفطرة) (4).
ورواية البزنطي: عن الرجل له قرابة موالي وأتباع يحبون أمير
المؤمنين، وليس يعرفون صاحب هذا الأمر، أيعطون من الزكاة؟ قال:
(لا) (5)، وظاهر أن السؤال إنما هو عن الجواز، فالنفي له.

(1) الكافي 3: 545 / 1، التهذيب 4: 54 / 143، العلل: 373 / 1 الوسائل
9: 216 أبو باب المستحقين للزكاة ب 3 ح 2.
(2) التهذيب 4: 53 / 141، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 5.
(3) الكافي 3: 555 / 11، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 3.
(4) الكافي 3: 547 / 6، التهذيب 4: 52 / 137، المقنعة: 242، الوسائل 9:
221 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 1.
(5) الكافي 3: 551 / 3، التهذيب 4: 55 / 147، الوسائل 9: 248 أبواب
المستحقين للزكاة ب 16 ح 3.
297

وحسنة زرارة ومحمد: (فأما اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلا من
يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس) (1)،
والناس في عرفهم هم العامة، كما أن العارف الفرقة المحقة.
ورواية عبد الله بن أبي يعفور: ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال:
فقال: (هي لأصحابك)، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: (فأعد
عليهم)، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: (فأعد عليهم)، قال: قلت:
فإن فضل عنهم؟ قال: (فأعد عليهم) (2) الحديث.
وموثقة أبي بصير: الرجل تكون عليه الزكاة وله قرابة محتاجون غير
عارفين، أيعطيهم من الزكاة؟ فقال: (لا، ولا كرامة) (3).
ورواية الأوسي: لي زكاة فإلى من أدفعها؟ قال: (إلينا)، فقال: أليس
الصدقة محرمة عليكم؟! فقال: (بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعهما
إلينا)، فقال: إني لا أعرف لها أحدا، قال: (فانتظر بها سنة)، قال: فإن لم
أصب لها أحدا؟ قال: (انتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين) ثم قال له:
(إن لم تصب لها أحدا فصرها صررا فاطرحها في البحر، فإن الله عز وجل
حرم أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا) (4)، إلى غير ذلك.
فروع:
أ: ما مر من عدم جواز إعطاء الزكاة إلى غير المؤمن عام لصورتي

(1) الكافي 3: 496 / 1، الفقيه 2: 2 / 4، التهذيب 4: 49 / 128، الوسائل 9:
209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.
(2) التهذيب 4: 53 / 142، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 6.
(3) الكافي 3: 551 / 4، التهذيب 4: 55 / 148، الوسائل 9: 248 أبواب
المستحقين للزكاة ب 16 ح 2.
(4) التهذيب 4: 52 / 139، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 8.
298

وجود المؤمن وعدمه، كما صرح به بعض الأخبار المتقدمة.
وقد يحكى قول بجواز إعطاء المستضعفين من أهل الخلاف الذين
لا يعاندون الحق مع عدم وجود المؤمن (1)، لرواية يعقوب بن شعيب (2)،
المخالفة لعمل الفرقة، المردودة بالندرة كما في المعتبر (3)، والشذوذ كما في
المنتهى (4)
ب: استشكل في الحدائق في عوام الشيعة الذين لا يعرفون الله
سبحانه إلا بهذا اللفظ، أو النبي أو الأئمة كلا أو بعضا أو شيئا من المعارف
الخمس، ثم قال: والأقرب عندي عدم إجزاء إعطائهم (5).
أقول: وهو كذلك، إذ موضع الزكاة من يعرف صاحب هذا الأمر ومن
كان من أهل الولاية، ومن لم يعرف الأئمة أو واحدا منهم أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا
يصدق عليه أنه يعرف صاحب هذا الأمر، ولا يعلم أنه من أهل الولاية وأنه
العارف.
بل وكذلك لو عرف الكل بأسمائهم فقط - يعني مجرد اللفظ - ولم
يعرف أنه من هو وابن من، إذ لا يصدق عليه أنه يعرفه ولا يتميز عن غيره.
والحاصل: أنه يشترط معرفته بحيث يعينه في شخصه ويميزه عن
غيره.
وكذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم.
ولو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، فهل يشترط في
الاعطاء الفحص عنه؟

(1) الحدائق 12: 205.
(2) التهذيب 4: 46 / 121، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 7.
(3) المعتبر 2: 580.
(4) المنتهى 1: 523.
(5) الحدائق 12: 206.
299

الظاهر: نعم، إذا احتمل في حقه عدم المعرفة، ولا يكفي الاقرار
الاجمالي بأني مسلم مؤمن واثنا عشري.
ولو علمنا أنه يعرف النبي والأئمة بأسمائهم الشريفة وأنسابهم المنيفة
وترتيبهم وأقر بما يجب الاقرار به في حقهم، فهل يجب الفحص عن حاله
أنه هل هو مجرد إقرار أو مذعن بما يعرف ومعتقد له؟
لا يجب، لأنه خلاف سيرة العلماء وطبقتهم، ولأن معرفة ذلك غير
ممكن غالبا، إذ قد يحصل اليقين بما لا يمكنه بيانه، بل لا يمكن أبدا، إذ
غاية ما يمكن الفحص عنه طلب الدليل عنه، فيمكن أن لا يكون مذعنا
بمقتضى الدليل، وإن تمت هيئة استدلاله.
ج: يجوز أن يعطى الزكاة أطفال المؤمنين بغير خلاف يعلم، كما
صرح به جماعة (1)، بل بالاجماع كما في الروضة والمدارك (2)، بل
المختلف (3)، لاطلاق الكتاب والسنة.
وحسنة أبي بصير: الرجل يموت ويترك العيال، أيعطون من الزكاة؟
قال: (نعم، حتى ينشئوا ويبلغوا ويسألوا من أين كان يعيشون إذا قطع ذلك
عنهم)، فقلت: إنهم لا يعرفون، قال: (يحفظ فيهم ميتهم، ويحبب إليهم
دين أبيهم، فلا يلبثوا أن يهتموا بدين أبيهم، فإذا بلغوا وعدلوا إلى غيركم
فلا تعطوهم) (4).
ورواية أبي خديجة: (ذرية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة

(1) كالسبزواري في الذخيرة: 458، صاحب الحدائق 12: 207، صاحب الرياض
2: 284.
(2) الروضة 2: 50، المدارك 5: 240.
(3) المختلف 2: 183.
(4) الكافي 3: 548 / 1، التهذيب 4: 102 / 287، الوسائل 9: 226 أبواب
المستحقين للزكاة ب 6 ح 1.
300

والفطرة، كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا) (1) الحديث.
ورواية عبد الرحمن: رجل مسلم مملوك، ومولاه رجل مسلم، وله
مال يزكيه، وللمملوك ولد حر صغير، أيجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من
الزكاة؟ قال: (لا بأس به) (2).
ولا يجوز إعطاء أطفال غير المؤمنين بلا خلاف يوجد أيضا، لعدم
تحقق الشرط - الذي هو الايمان والولاية - واختصاص غير الأخيرة من
روايات الجواز بأطفال المؤمنين، بل دلالة العلة المذكورة في الرواية الأولى
بقوله: (يحفظ فيهم ميتهم) على الاختصاص، وبه يخصص عموم الأخيرة
الحاصلة من ترك الاستفصال.
ومن أطفال غير المؤمنين أطفال العوام الذين لا يعلم معرفة آبائهم
النبي أو الأئمة بأسمائهم وترتيبهم.
ولا تشترط عدالة الآباء ولو قلنا باشتراطها في الآباء، كما صرح به في
المقنعة والمعتبر والسرائر والمنتهى (3)، حاكيين له عن السيد في الطبريات
والشيخ في التبيان (4)، وتبعهم المتأخرون (5)، بل في الروضة: الاتفاق
عليه (6).
للأصل، والاطلاقات (7)، بل عموم الأخبار الحاصل بترك الاستفصال،
واختصاص ما دل على اشتراطها بالآباء، وعدم دليل على تبعيتهم لهم في

(1) الكافي 3: 549 / 3، الوسائل 9: 227 أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 2.
(2) الكافي 3: 563 / 14، الوسائل 9: 294 أبواب المستحقين للزكاة ب 45 ح 1.
(3) المقنعة: 259، المعتبر 2: 568، السرائر 1: 460، المنتهى 1، 523.
(4) السرائر 1: 460، والمنتهى 1: 523.
(5) منهم الشهيد في البيان: 316، وصاحب المدارك 5: 241.
(6) الروضة 2: 50.
(7) الوسائل 9: 226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6.
301

الفسق والعدالة، وإنما هو في تبعيتهم لهم في الايمان والكفر لا غيرهما.
ثم قيل: ظاهر النصوص جواز الدفع إلى الطفل من غير اشتراط ولي
إذا كان مميز بحيث يصرفها في وجه يسوغ للولي صرفها فيه، كما صرح به
جماعة من متأخري المتأخرين (1).
وفيه نظر، لأن الاعطاء وإن كان ظاهرا فيما ذكره، ولكنه لا يراد في
حق غير المميز قطعا، فلا بد إما من حمل الاعطاء على صرفها فيهم بطريق
شرعي، أو تخصيص العيال والذرية والابن في الأخبار المذكورة بالمميز ولا
ترجيح، فلا يكون الاعطاء ظاهرا فيما رامه.
ولذا منع في التذكرة من الدفع إليهم مطلقا، مستدلا بأنه ليس محلا
لاستيفاء ماله عن الغرماء فكذا هنا (2)، واستدل له أيضا بعموم أدلة الحجر.
ولو خدش خادش في الأول: بأنه نوع قياس، وفي الثاني: بمنع
العموم، لكفى استصحاب عدم جواز الدفع - حيث لا يجوز قبل التميز -
دليلا على عدم جواز الدفع، فهو الأقوى، مضافا إلى أن صرف الطفل عين
الزكاة قد يحتاج إلى المبادلة ببيع أو شراء، ومثله غير جائز عن الطفل
بصريح الأخبار، فلا تكون الزكاة مصروفة له.
نعم، هذا إذا لم تصرف عين الزكاة، واحتاج صرفها إلى مبادلة، أو لم
يعلم المزكي بصرفه عينه في مصارفها.
وأما إذا كانت الزكاة مما تصرف بنفسها وعلم أن الطفل يصرفها -
كطعام أعطاه وهو يأكله عنده، أو ثياب يلبسها - فلا إشكال في جوازه.
وتدل عليه النصوص (3)، لصدق الاعطاء حينئذ بأي معنى حمل، بل

(1) منهم صاحب الحدائق 12: 208، وصاحب الرياض 1: 284.
(2) التذكرة 1: 236.
(3) الوسائل 9: 226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6.
302

جواز ذلك في غير المميز أيضا.
ثم إذا لم يجز إعطاء الطفل، فإن كان له ولي يدفع إليه ولو كان الحاكم
الشرعي أو عدول المسلمين، وإلا فإن كان من يقوم بأمره ويعتني بحاله
- بحيث يعلم أنه يصرفها مصارف الطفل - جاز الدفع إليه، بل يجوز ذلك
مع وجود الولي أيضا.
ولا يكفي مجرد الظن والعدالة والأمانة، وإلا فيصرفها المزكي بنفسها
في حوائج الطفل.
د: قيل: حكم المجنون حكم الطفل (1)، فإن ثبت الاجماع عليه، وإلا
فمحل نظر، لعدم كونه عارفا.
ه‍: يشترط ذلك الشرط في العاملين أيضا بالاتفاق، كما صرح به
بعضهم (2)، للعمومات المتقدمة.
و: صرح جمع من الأصحاب باستثناء المؤلفة من هذا الشرط (3)،
وهو مبني على أمرين: تفسير المؤلفة بمن يتألف للجهاد، وجواز الجهاد
في زمن الغيبة.
ز: لو أعطى المخالف زكاة ماله مثله ثم استبصر المزكي أعادها بلا
خلاف يعرف، بل بالاجماع كما قيل (4)، وتصرح به ثلاثة من الأخبار المتقدمة (5).
الثاني: العدالة.
اعتبرها جماعة من الأصحاب، منهم: الشيخ في المبسوط والخلاف

(1) القواعد 1: 51.
(2) المنتهى 1: 522.
(3) كما في الإقتصاد: 282، المعتبر 2: 579، الدروس 1: 242.
(4) في المدارك 5: 242.
(5) في ص: 296 و 297.
303

والجمل والاقتصاد ومختصر المصباح والحلبي والقاضي والحلي وابني
حمزة وزهرة (1)، وهو ظاهر المفيد (2)، ونسبه في الخلاف إلى ظاهر مذهب
أصحابنا، وعن الغنية: الاجماع عليه، ونسب إلى السيد أيضا (3)، وليس
كذلك كما قيل، بل هو ادعاه على مختاره الآتي.
واعتبر السيد في الانتصار والجمل (4) والشيخ في المصباح: عدم
الفسق (5)، مدعيا عليه الاجماع.
والإسكافي: عدم كونه شارب الخمر، أو مقيما على كبيرة (6)،
واختاره جدي قدس سره.
وقال قوم من أصحابنا - كما في الخلاف - بعدم اعتبار شئ منها (7)،
وهو مذهب الصدوقين والديلمي والفاضلين (8)، وجمهور المتأخرين (9).
وهو الأقوى، للأصل وإطلاقات الكتاب والسنة الخالية عن الدافع
والمقيد.

(1) المبسوط 1: 247، الخلاف 4: 223، الجمل والعقود (الرسائل العشر):
206، الإقتصاد: 282، الحلي في الكافي في الفقه: 172، القاضي في شرح
جمل العلم والعمل: 261، الحلي في السرائر 1: 459، ابن جمزة في الوسيلة:
129، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.
(2) في المقنعة: 252.
(3) نسبه إليه في المدارك 5: 243، والمفاتيح 1: 208.
(4) الإنتصار: 82، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 79.
(5) مصباح المتهجد: 789.
(6) حكاه عنه في المختلف: 182.
(7) الخلاف 4: 224.
(8) الصدوق في المقنع، 52، والهداية: 43، حكاه عنه والد الصدوق في
المختلف: 182، الديلمي في المراسم: 133، المحقق في المعتبر 2: 580،
العلامة في التحرير 1: 69، والمختلف: 182.
(9) كالشهيد في الدروس 1: 242، والشهيد الثاني في الروضة 2: 51.
304

والمروي في العلل: ما حد المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال: (يعطى
المؤمن ثلاثة آلاف)، ثم قال: (أو عشرة آلاف، ويعطى الفاجر بقدر، لأن
المؤمن ينفقها في طاعة الله، والفاجر ينفقها في معصية الله) (1).
دليل الأول: الاجماع المنقول المؤيد بالشهرة القديمة.
ووجوب تحصيل البراءة اليقينية.
والأخبار الناهية عن الركون إلى الظالمين وموادتهم ومعونتهم
وتقويتهم (2).
والروايات الدالة على اختصاصها بأهل الولاية، بناء على خروج غير
العدل منهم (3).
ومضمرة داود الصرمي: عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟
قال: (لا) (4).
ويرد الأول: بعدم الحجية.
وتوهم تحقق المحقق منه، حيث إن المخالف من القدماء بين معتبر
للايمان، المحتمل لاعتبار العمل فيه، كما هو مذهب جمع من القدماء،
ومعتبر لاجتناب الكبائر، المحتمل لإرادة الاجتناب عن الاصرار على
الصغائر أيضا، ومعتبر لعدم الفسق، الذي هو العدالة، لانتفاء الواسطة.
فاسد، لأن احتمال اعتبار العمل غير كاف في الحكم بالاجماع، بل
يشترط عدم احتمال خلافه.
والمعتبر لاجتناب الكبائر: بين من اعتبر عدم كونه مقيما على كبيرة،

(1) العلل: 372 / 1، الوسائل 0: 249 أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 2.
(2) الوسائل 17 أبواب ما يكتسب به ب 42 و 43 و 44.
(3) الوسائل 9: 221 أبواب المستحقين للزكاة ب 5.
(4) الكافي 3: 563 / 9، التهذيب 4: 52 / 138، المقنعة: 242، الوسائل 9:
249 أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 1.
305

كالإسكافي، وظاهر أن انتفاء ذلك غير كاف في إثبات العدالة.
وبين من اعتبر عدم كونه من أصحاب الكبائر (1)، وظاهر أن لا تعلم
منه كبيرة، وانتفاؤه أيضا لا يثبت العدالة، بل مجرد اجتناب الكبائر - كما في
بعض العبارات أيضا - غير مستلزم لها، إذ ليست العدالة مجرد اجتناب
الكبائر وعدم الاصرار على الصغائر، كما أن عدم الفسق أيضا لا يستلزمها،
إذ الظاهر أن مرادهم عدم إعطائها من يعلم فسقه، كما لا يخفى على من
نظر في كلماتهم، فمجهول الحال واسطة.
مع أنه صرح الشيخ في الخلاف بأن عدم اشتراط العدالة مذهب قوم
من أصحابنا، وهم غير معروفين عينا وعددا، فكيف يمكن معه دعوى
الاجماع؟! مع أن العدالة عند جمع من القدماء: مجرد ظاهر الاسلام (2).
ومنه يحصل الخدش في شهرة اشتراط العدالة المطلوبة بين القدماء
أيضا.
بل نقول: إن الاختلاف في أمر العدالة واضح، ولا يتفق كلام اثنين
من القدماء على أمر واحد غالبا، فأي معنى من معانيه يمكن إثبات الشهرة
أو دعوى الاجماع عليه، سوى القدر المشترك، الذي ليس هو أمرا زائدا
على ظاهر الاسلام؟!
والثاني: بحصول البراءة اليقينية بما تقتضيه الاطلاقات.
والثالث: بمنع كون كل غير عادل ظالما، ومنع كون إعطاء الزكاة
ركونا بل معونة وتقوية أيضا، وإنما هو أداء حق منهم، كرد وديعته
وقرضه. ومنع النهي عن مطلق معونته وتقويته، وإنما هو في ظلمه.
والرابع: بمنع اختصاص أهل الولاية بالعدل، بل صرح في

(1) انظر: الشرائع 1: 163، والمفاتيح 1: 208.
(2) كالشيخ في النهاية: 510، والراوندي في فقه القرآن 2: 165، وانظر: المقنعة: 725.
306

الأخبار بأن الشيعة يزني ويسرق (1)، وما ظاهره خلافه على كمال التشيع
محمول.
والخامس بأخصيته من المدعى أولا، وعدم القول بالفرق بين شرب
الخمر وسائر منافيات العدالة غير ثابت، بل القول بالفصل كما عرفت
متحقق.
وبعدم دلالته على الحرمة ثانيا، لجواز أن يكون السؤال عن إباحة
الاعطاء المستلزمة لتساوي الطرفين، فيكون النفي للتساوي فيحتمل
الكراهة.
وبالضعف ثالثا، لجهالة المسؤول عنه.
واستدل السيد على قوله بالاجماع أيضا (2). وجوابه قد ظهر.
واحتج للإسكافي بالمضمرة مع ضميمة عدم الفصل (3). وجوابه ما
مر.
والقول بالفصل هنا وإن كان أندر، ولكن ذهب إليه بعض من تأخر (4).
هذا، ثم إن موضع الخلاف: غير المؤلفة والعاملين، لعدم اشتراطها
في الأولى إجماعا - كما قيل (5) - للأصل، ومنافاة مفهومها لها، واشتراطها في
الثاني بالاجماع أيضا، كما عن نهاية الإحكام والدروس وفي الروضة (6)
ورسالة جدي - قدس سره - وهو ظاهر الذخيرة (7).

(1) مستدرك الوسائل 9: 86 أبواب أحكام العشرة ب 120 ح 13، وفيه: المؤمن، بدل:
الشيعة.
(2) الإنتصار: 82.
(3) حكاه عنه في المعتبر 2: 580.
(4) كصاحب الحدائق 12: 209، والسبزواري في الذخيرة: 458.
(5) في الرياض 1: 284.
(6) نهاية الإحكام 2: 396، الدروس 1: 242، والروضة 2: 50.
(7) الذخيرة: 457.
307

لرواية ابن يقطين: عمن يلي الصدقة العشر على من لا بأس به؟
فقال: (إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها، وإن لم يكن ثقة فخذها منه وضعها
في مواضعها) (1)، ولكنها مختصة بالقاسم، ولا يشمل الجابي.
واستدل له أيضا بما في حسنة العجلي من أمر أمير المؤمنين عليه السلام
مصدقه بقوله: (فلا توكل به إلا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا) (2).
فإن الوثوق - كما في الأولى - والأمانة - كما في الثانية - لا يكون إلا في
العادل، ولكن في دلالتها على الاشتراط بالوجوب نظر، لاحتمال كون قوله:
(لا توكل) نفيا، مع أنه لم يعلم كون المورد عاملا، فلعله لحفظ المواشي.
والتحقيق: أن عمل العامل وما عومل به إما يكون معينا مشخصا
يمكن الاطلاع عليه من غير جهته بسهولة، فلا دليل على اشتراط العدالة فيه
إلا أن يثبت الاجماع.. وإن لم يكن كذلك، تشترط، لأصالة عدم العمل
بغير العلم، خرج قول العدل فيما يخبر به من أمر الجباية، فيبقى الباقي.
الثالث: عدم وجوب نفقته على المالك.
فلا يجوز له إعطاء زكاته لواجبي النفقة، وهم الأبوان وإن علوا،
والأولاد وإن نزلوا، والزوجة الدائمة، والمملوك، بلا خلاف يعرف، بل
بالاجماع المحقق، والمحكي في التذكرة والمنتهى (3) وغيرهما (4)، له،
وللمستفيضة:
كصحيحة البجلي: (خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب، والأم،

(1) الكافي 3: 539 / 6، الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 35 ح 1.
(2) الكافي 3: 539 / 1، التهذيب 4: 96 / 274، الوسائل 9: 129 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1.
(3) التذكرة 1: 234، المنتهى 1: 523.
(4) كما في الرياض 1: 285.
308

والولد، والمملوك، والمرأة، وذلك أنهم عيال لازمون له) (1).
ومن التعليل يثبت الحكم في الآباء العلوية والأولاد السفلية، إن لم
نقل بصدق الأب والأم والولد عليهم.
وموثقة إسحاق: فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى
لا أحتسب الزكاة عليه؟ قال: (أبوك وأمك)، قلت: أبي وأمي؟! قال:
(الوالدان والولد) (2).
وفي رواية الشحام: في الزكاة: (يعطى منها الأخ والأخت، والعم
والعمة، والخال والخالة، ولا يعطى الجد ولا الجدة) (3).
والمروي في العلل والخصال: (خمس لا يعطون الزكاة: الولد،
والوالدان، والمرأة، والمملوك، لأنه يجبر على نفقتهم) (4).
وموثقة أبي خديجة: (لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول) (5)، خرج
منه غير واجب النفقة بالاجماع، فيبقى الباقي.
وعدم صراحة بعضها في الحرمة - بعد الاجماع ودلالة الموثقة
الأخيرة - غير ضائر.
وأما روايتا عمران القمي ومحمد بن جزك:

(1) الكافي 3: 552 / 5، التهذيب 4: 56 / 150، الإستبصار 2: 33 / 101،
الوسائل 9: 240 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 1.
(2) الكافي 3: 551 / 1، التهذيب 4: 56 / 149، الإستبصار 2: 33 / 100،
الوسائل 9: 242 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 2.
(3) الكافي 3: 552 / 6، التهذيب 4: 56 / 151، الوسائل 9: 242 أبواب
المستحقين للزكاة ب 13 ح 3.
(4) العلل 2: 371 / 1، الخصال: 288 / 45، الوسائل 9: 242 أبواب المستحقين
للزكاة ب 13 ح 4.
(5) التهذيب 4: 57 / 153، الإستبصار 2: 34 / 103، الوسائل 9: 244 أبواب
المستحقين للزكاة ب 14 ح 6.
309

الأولى: إن لي ولدا رجلا ونساء، أفيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟
فكتب: (إن ذلك جائز لك) (1).
والثانية: أدفع عشر مالي إلى ولد ابني؟ فقال: (نعم، لا بأس) (2).
فلا تنافيان ما مر، لاحتمال كل منهما محامل..
كاحتمال الأولى لزكاة غير نفسه، كزكاة أعطيت ليؤديها أهله، أو كانت
من غير سهم الفقراء، بل تكون من سهم العامل أو الغارم، أو يعطيهم لغير
نفقة أنفسهم، بل لنفقة عيالهم، كالزوجة والمملوك وغير ذلك، أو لمصرف
آخر يحتاجون إليه غير النفقة، ككتب العلم أو للتوسعة، أو يكون المزكي
عاجزا عن تمام الواجب من نفقتهم فسئل عن دفع التتمة من الزكاة.. فإن
كل ذلك جائز كما يأتي، ولا يثبت من قوله: شيئا، أزيد من بعض هذه.
وكاحتمال الثانية لبعض تلك الوجوه، ولغير الزكاة، بأن أراد أن
يتشاور معه في هبة أو وصية ولم يكن سؤالا عن الزكاة أصلا، فإنه لم تثبت
حقيقة للعشر في الزكاة.
فروع:
أ: لو عجز أحد عن إنفاق تمام ما يجب عليه من النفقة لمن تجب
عليه نفقته - كما إذا عجز عن إدامه أو إكسائه - يجوز له إتمامه من زكاته،
على ما صرح به جماعة (3)، بل من غير خلاف يوجد كما قيل (4).

(1) الكافي 3: 552 / 9، التهذيب 4: 56 / 152، الإستبصار 2: 34 / 102،
الوسائل 3: 243 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 3.
(2) الكافي 3: 552 / 10، الوسائل 9: 243 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 4،
وفيهما: ابنتي: بدل: ابني.
(3) منهم الشيخ في التهذيب 4: 57، والأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 176،
وصاحب الحدائق 12: 211.
(4) كما في الرياض 1: 285.
310

لا للأصل وانتفاء المانع، لوجود المانع الدافع للأصل من بعض
الروايات المتقدمة
بل لرواية أبي بصير: عن الرجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم، وهو
رجل خفاف وله عيال كثير، أله أن يأخذ من الزكاة؟ - إلى أن قال -: قلت:
فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: (بلى)، قلت: كيف يصنع؟ قال: (يتوسع
بها على عياله في طعامهم وكسوتهم) (1) الحديث.
وموثقتي إسحاق وسماعة، الأولى: رجل له ثمانمائة درهم، ولابن له
مائتا درهم، وله عشر من العيال، وهو يقوتهم منها قوتا شديدا، وليس له
حرفة بيده، إنما يستبضعها، فتغيب عنه الأشهر، ثم يأكل من فضلها، أترى
له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يسبغ عليهم
بها النفقة؟ قال: (نعم) (2) الحديث.
والثانية: عن الرجل يكون له الدراهم يعمل بها وقد وجب عليه فيها
الزكاة، ويكون فضله الذي يكتسب بماله كفاف عياله لطعامهم وكسوتهم،
ولا يسعهم لأدمهم، وإنما هو ما يقوتهم في الطعام والكسوة، قال: (فلينظر
إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قل أو كثر، فليعطه بعض من تحل له
الزكاة، وليعد بما بقي من الزكاة على عياله، فليشتر بذلك آدامهم وما يصلح
لهم من طعامهم في غير إسراف) (3) الحديث.
والايراد - بأن الظاهر من هذه الأخبار أنها وردت في زكاة مال التجارة
المستحبة دون الواجبة - مردود بأنه لو كان فإنما هو في الأخيرة.

(1) الكافي 3: 560 / 3، الفقيه 2: 180 / 58، الوسائل 9: 232 أبواب المستحقين
للزكاة ب 8 ح 4.
(2) الكافي 3: 561 / 8، الوسائل 9: 232 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 1.
(3) الكافي 3: 562 / 11، الوسائل 9: 242 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 2.
311

وأما قوله: في ماله، في الأولى، و: إذا حضرت الزكاة، في الثانية،
مطلقان، غير مختصين لا صريحا ولا ظاهرا في زكاة التجارة.
وبأن الأوليين واردتان في التوسعة دون تتمة الواجب مردود بأن تتمة
الواجب أيضا من التوسعة.
ب: يجوز للمالك التوسعة على عياله الواجبي النفقة من زكاته من
غير إسراف، للروايات المذكورة (1).
وهل هو مخصوص بما إذا عجز المزكي عن التوسعة، كما في
الذخيرة (2)؟
أو يعم، كما هو ظاهر جماعة (3)؟
الظاهر هو الأول، لأنه الظاهر من مورد الروايات، وشمولها لغيره غير
معلوم.
ج: الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة من الزكاة هو ما كان لأجل الفقر
ومن سهم الفقراء.
وأما من سهم العامل أو الغارم أو في سبيل الله أو المؤلفة أو في
الرقاب أو ابن السبيل، فيجوز له دفعها إليهم، على المقطوع به بين
الأصحاب، كما في الذخيرة (4)، بل بلا خلاف كما في غيره (5)، ونفى عنه
الاشكال في الحدائق (6)، والريب في غيره (7).

(1) في ص: 311.
(2) الذخيرة: 459.
(3) كما في الدروس 1: 244.
(4) الذخيرة: 459.
(5) كالمفاتيح 1: 209.
(6) الحدائق 12: 215.
(7) كما في الرياض 1: 285.
312

وفي المدارك في قضاء دين واجبي النفقة: أنه مقطوع به في كلام
الأصحاب، بل قال: إن ظاهر المعتبر والتذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق بين
العلماء (1).
لعموم الآية (2)، وللأخبار الدالة على جواز قضاء دين الأب من سهم
الغارمين، واشتراء الأب من سهم الرقاب، كما مر بعضها في بيان
الصنفين (3).
ورواية علي بن يقطين: عندي المال من الزكاة أفأحج به موالي
وأقاربي؟ قال: (نعم، لا بأس) (4).
والموالي والأقارب وإن كانوا أعم من الواجبي النفقة، إلا أن الزكاة
الممنوع عنها لهم في رواياته أيضا أعم من سهم الفقراء أو في سبيل الله،
فيتعارضان بالعموم من وجه، ويرجح المجوز، لموافقة إطلاق الآية
والأصل، ولو لم يثبت بعض الأصناف من الروايات يتم بالاجماع المركب.
وعلى هذا، فيجوز لكل أحد ولو كان غنيا، غايته صرف زكاته في
دين واجبي النفقة له، وزيارتهم، وحجهم، وتعلمهم، وسفر تحصيل
علمهم، وكتب علمهم، وتزويجهم إذا كان راجحا، ونحو ذلك.
وكذا يجوز صرف الزكاة في غير النفقة الواجبة لواجبي النفقة إذا
احتاجوا إليه، كنفقة الزوجة والمملوك، لفحوى ما يدل على جواز التوسعة
عليهم منها.
د: يجوز لمن وجبت نفقته على غني أخذ الزكاة من غير من تجب

(1) المدارك 5: 228.
(2) التوبة: 60.
(3) الوسائل 9: 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 و 19.
(4) الفقيه 2: 19 / 36، الوسائل 9: 290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42 ح 1.
313

نفقته عليه للتوسعة، إذا كان من يقوم بنفقته لا يوسع عليه، إما لعدم سعته
أو معها.
أما الجواز، فلصحيحة البجلي: عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو
أخوه يكفونه مؤنته، أيأخذ من الزكاة ليوسع به إذا كانوا لا يوسعون عليه من
كل ما يحتاج إليه؟ قال: (لا بأس) (1)، ولصدق الفقير عرفا عليه حينئذ.
وأما اشتراط عدم قيامه بتوسعته، فلعدم صدق الفقير عليه مع القيام،
فإن وجوب نفقته على الغير وقيامه بها يخرجه عن صدق الفقير، فلا
مقتضي لجواز أخذه.
خلافا لمن منع الجواز مطلقا، كالتذكرة (2)، لعموم (خمسة لا يعطون
من الزكاة شيئا) (3) من غير مخصص، لاحتمال كون المراد من الصحيحة
عدم قيامه بتمام النفقة، ولصدق الغني عليه، لوجوب نفقته على الغير.
ويضعف الأول: بأن المراد أنهم لا يعطون من زكاة من تجب عليه
نفقتهم بقرينة قوله: (الأب والولد والوالد)، فإنه لا يمكن أن يكون المراد
أن مطلق الأب لا يعطى من الزكاة، ولو سلم العموم فيجب التخصيص
بالصحيحة، وحملها على تمام النفقة خلاف الظاهر جدا، بل لا يوافق
قوله: يكفونه مؤنته.
والثاني: بمنع صدق الغني مع عدم قيامه بنفقته، سيما بما لا يجب ب
عليه من التوسعة، ولو سلم فيخصص بالصحيحة.
ولمن لم يقيد الجواز بما ذكر، بل جوزه مطلقا، كالمنتهى والدروس

(1) الكافي 3: 561 / 5، التهذيب 4: 108 / 310، المقنعة: 264، الوسائل 9:
238 أبواب المستحقين للزكاة ب 11 ح 1، في النسخ: أبوه وعمه وأخوه.
(2) التذكرة 1: 234.
(3) الوسائل 9: 240 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 1.
314

والبيان (1)، لصدق الفقير. وهو ممنوع مع قيامه بالتوسعة.
وللصحيحة. وهي مقيدة.
ثم إن من جوز الأخذ مطلقا أو مقيدا خص بغير الزوجة والمملوك.
واستدل للأولى: بأن نفقتها كالعوض من بضعها، فيكون كذي العقار
الذي يستعين بالأجرة.
وللثاني: بأنه لا يملك شيئا، بل ماله لمولاه، فلو أعطي زكاة فكأنها
أعطيت لمولاه الغني.
ويخدش الأول: بعدم معلومية كون قدر التوسعة أيضا عوضا للبضع.
والثاني: بأنه إنما يتم على القول بعدم تملك العبد شيئا.
ولذا جعل بعضهم المنع في الزوجة الأحوط (2)، وتردد في الذخيرة
في المملوك (3).
إلا أن يستدل للتخصيص بمنع صدق الفقير مع غناء من تجب عليه
نفقتهما، واستثناء قدر التوسعة كان بالصحيحة، وهي مخصوصة بالأب،
والتعدي إلى الغير بالاجماع المركب المفقود في الموردين، إلا أن الشأن في
عدم صدق الفقير، وأمر الاحتياط واضح.
ه‍: لو امتنع المنفق من الانفاق على الواجب نفقته، قال في الحدائق:
يجوز لهم الأخذ من الزكاة قولا واحدا (4)، بل قيل: صرح بذلك جماعة (5).
ولعل الوجه: صدق الفقير عليه مع الامتناع، واختصاص أدلة المنع
بمن تجب عليه النفقة دون الغير، وذلك إذا لم يمكن إجبار المنفق على

(1) المنتهى 1: 519، الدروس 1: 242، البيان: 311.
(2) الرياض 1: 285.
(3) الذخيرة: 459.
(4) الحدائق 12: 214.
(5) الرياض 1: 285.
315

نفقته ظاهر، وأما مع إمكان إجباره مشكل.
إلا أن يقال: إنه يجوز أخذ التوسعة كما مر ولا يجبر على التوسعة.
أو يقال: إن قبل الاجبار يصدق عليه الفقير، فما لم يجبر يجوز
إعطاؤه من الزكاة.
والاحتياط أن لا يعطى مع إمكان الاجبار - أي من يمكنه الاجبار -
وأما من لا يتمكن منه فيجوز له الاعطاء وإن وجد من يجبر ولم يجبر.
و: لا يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة الناشزة بالاجماع على ما عن
المعتبر (1)، لتمكنها من النفقة في كل وقت أرادت بالطاعة، فلا تدخل في
الفقراء، وكذا المعقود عليها الغير المتمكنة، لما ذكر.
ويجوز دفعها إلى المتمتع بها، للأصل والاطلاقات.
وربما قيل: بالمنع، لاطلاق النص.
وهو ضعيف غايته، لأن النص باعتبار ما اشتمل عليه من التعليل في
معنى المقيد بالدائمة، لأنها العيال اللازم، وهي التي يجبر على نفقتها.
نعم، لو شرط أن تكون نفقتها على الزوج منعت، لخروجها به عن
صدق الفقير.
ويجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى الزوج مع استحقاقه وإن أنفق
عليها منها، لاطلاق الأدلة وانتفاء المعارض.
وعن الصدوق: المنع منه مطلقا (2)، وعن الإسكافي: الجواز، ولكن
لا ينفق منها عليها ولا على ولدها (3)، ولم أقف لهما على دليل.
ز: يجوز إعطاء الزكاة لغير واجبي النفقة ممن يعول، قريبا كان أو
316

بعيدا، بلا خلاف كما في الحدائق (1)، بل بالاجماع كما في التذكرة
والمدارك (2)، للاطلاقات.
وصدر موثقة إسحاق المتقدمة: لي قرابة أنفق على بعضهم، وأفضل
بعضهم على بعض، فيأتيني إبان الزكاة أفأعطيهم منها؟ قال: (يستحقون
لها؟) قلت: نعم، قال: (هم أفضل من غيرهم، أعطهم) (3).
وبه وبالاجماع يخصص قوله: (من يعول) - في موثقة أبي خديجة
السابقة (4) - بواجبي النفقة.
ح: يجوز إعطاؤها لغير واجبي النفقة من الأقارب بلا خلاف،
للاطلاق (5)، والمستفيضة، كموثقة إسحاق ورواية الشحام المتقدمتين (6)،
وصحيحة أحمد بن حمزة (7)، ورواية علي بن مهزيار (8)، بل هم أفضل من
غيرهم، للموثقة المذكورة، ورواية الأربعة: أي الصدقة أفضل؟ قال: (على
ذي الرحم الكاشح) (9)، وفي مرسلة الفقيه: (لا صدقة وذو رحم محتاج) (10).

(1) الحدائق 12: 214.
(2) التذكرة 1: 235، المدارك 5: 248.
(3) الكافي 3: 551 / 1، التهذيب 4: 56 / 149، الإستبصار 2: 33 / 100،
الوسائل 9: 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 2.
(4) في ص: 309.
(5) الوسائل 9: 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15.
(6) في ص: 309.
(7) الكافي 3: 552 / 7، التهذيب 4: 54 / 144، الإستبصار 2: 35 / 104،
الوسائل 9: 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 1.
(8) الكافي 3: 552 / 8، التهذيب 4: 54 / 145، الإستبصار 2: 35 / 105،
الوسائل 9: 246 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 3.
(9) الفقيه 2: 38 / 165، الوسائل 9: 246 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 5.
والكاشح: الذي يضمر العداوة - الصحاح 1: 399.
(10) الفقيه 2: 38 / 166، الوسائل 9: 252 أبواب الصدقة ب 20 ح 4.
317

الرابع: أن لا يكون هاشميا إن كان المزكي غير هاشمي.
باتفاق الفريقين (1)، له، وللمستفيضة من النصوص:
منها صحيحة العيص: أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فسألوه بأن يستعملهم على صدقات المواشي، وقالوا: يكون لنا هذا السهم
الذي جعله الله تعالى للعاملين عليها، فنحن أولى به، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بني عبد المطلب، إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم) (2)
الحديث.
وفي صحيحة محمد وزرارة وأبي بصير: (إن الصدقة لا تحل لبني
عبد المطلب) (3).
وصحيحة ابن سنان: (لا تحل الصدقة لولد العباس، ولا لنظرائهم من
بني هاشم) (4).
وحسنة المعلى: (لا تحل الصدقة لأحد من ولد العباس، ولا لأحد
من ولد علي عليه السلام، ولا لنظرائهم من ولد عبد المطلب) (5)، إلى غير ذلك.
وأما موثقة أبي خديجة: (أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم، فإنها
تحل لهم، وإنما تحرم على النبي وعلى الإمام الذي بعده وعلى الأئمة (6).

(1) المغني لابن قدامة 2: 517، نيل الأوطار 4: 240.
(2) التهذيب 4: 58 / 154، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
(3) التهذيب 4: 58 / 155، الإستبصار 2: 35 / 106، الوسائل 9: 268 أبواب
المستحقين للزكاة ب 29 ح 3.
(4) التهذيب 4: 59 / 158، الإستبصار 2: 35 / 109، الوسائل 9: 269 أبواب
المستحقين للزكاة ب 29 ح 3.
(5) التهذيب 9: 158 / 651، الوسائل 19: 238 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 4،
(وفيه صدر الحديث).
(6) الكافي 4: 59 / 6، الفقيه 2: 19 / 40، التهذيب 4: 60 / 161، الإستبصار 2:
36 / 110، الوسائل 9: 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 5.
318

فشاذة مطروحة، أو على حال الضرورة أو الصدقات المندوبة
محمولة، ولا يضطر النبي والإمام إليها، مع أن المخاطبين غير معلومين،
فلعلهم من بني هاشم.. ويمكن عدم حلية صدقاتهم للنبي والإمام أيضا.
وإن كان المزكي هاشميا، لا يشترط له دفع زكاته إلى غير الهاشمي،
بل يجوز له دفعها إلى مثله، بالاجماع المحقق، والمحكي مستفيضا (1)،
والنصوص المروية مستفيضة (2).
وكذا يجوز دفعها إليه عند اضطراره، لافتقاره وعدم كفاية الخمس
له، للاجماع، وإباحة المحظورات عند الضرورات.
وموثقة زرارة: (والصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا،
ويكون ممن تحل له الميتة) (3).
وهل يتقدر القدر المدفوع إليه حينئذ بقدر الضرورة، أم لا؟
فعن الشيخ والمنتهى والتحرير والنهاية والبيان والدروس (4) وجمع
من المتأخرين (5): الأول، لأن الضرورة تقدر بقدرها، ولأنه المفهوم من
الموثقة.
وفيه نظر، لأنها تدل على أنة إذا كان ممن تحل له الميتة تحل له

(1) انظر الخلاف 4: 240، والمنهى 1: 524، والرياض 1: 285.
(2) الوسائل 9: 273 أبواب المستحقين للزكاة ب 32.
(3) التهذيب 4: 59 / 159، الإستبصار 2: 36، الوسائل 9: 276 أبواب
المستحقين للزكاة ب 33 ح 1.
(4) الشيخ في التهذيب 4: 59، والاستبصار 2: 36، والمبسوط 6: 285،
المنتهى 1: 526، التحرير 1: 69، نهاية الإحكام 2: 399، البيان: 316،
الدروس 1: 243.
(5) كالشهيد الثاني في الروضة 2: 52، وصاحب المدارك 5: 254، والسبزواري
في الذخيرة: 461.
319

الصدقة، لا على أنه تحل له من الصدقة ما تحل من الميتة.
وعن المختلف والسيدين والشرائع والنافع (1) - بل الأكثر كما في
الأول -: الثاني، للأخبار الدالة على جواز إعطائها إلى أن يحصل الغنى (2).
وفيها: أن المتبادر منها غير المسألة.
والأولى أن يستدل له بالأصل، لأن الاستثناء في الموثقة خصص
أخبار حرمة الصدقة على الهاشمي فارتفع في حقه المانع، والأصل عدم
التقدير، فهو الأظهر، لذلك.
ثم اختلف المقدرون في قدر الضرورة، فعن كشف الرموز: أنه ما
يسد الرمق (3).
وعن المهذب والمسالك وحواشي النافع للشهيد الثاني: أنه قوت يوم
وليلة (4).
وقيل: إنه قوت السنة له ولعياله الواجبي النفقة.
وعن المحقق الشيخ علي في حواشي الشرائع والارشاد: أنه قوت
اليوم والليلة، إلا مع توقع ضرر الحاجة إن لم يدفع إليه قوت السنة، فيدفع
إليه.
وعنه في حواشي القواعد عكس ذلك، فيدفع إليه قوت السنة، إلا أن
يرجى حصول الخمس في أثناء السنة، فيعطى تدريجا (5).
والاقتصار على القدر المجمع عليه إن قلنا بالتقدير يقتضي المصير

(1) المختلف: 185، السيد في الإنتصار: 85، والجمل (رسائل المرتضى 3): 79،
وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، الشرائع 1: 163، النافع: 60.
(2) انظر: الوسائل 9: 276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33.
(3) كشف الرموز 1: 258.
(4) المهذب البارع 1: 536، المسالك 1: 61.
(5) جامع المقاصد 3: 33.
320

إلى الأقل، وكذا الاستناد إلى الانفهام من الموثقة.
فروع:
أ: لا يختص تحريم الصدقة على بني هاشم بسهم الفقراء، بل يحرم
عليهم مطلقا، للاطلاقات (1).
ونقل في المبسوط والسرائر عن قوم: جواز استعمالهم على
الصدقات وإعطائهم من سهم العاملين (2).
والظاهر - كما في المختلف - أنهم من العامة (3)، ويؤكده ما في كتاب
قسمة الصدقات من الخلاف من دعوى إجماعنا على عدم الجواز، ونسبة
الجواز إلى بعض من أصحاب الشافعي (4). وكيف كان فترده الاطلاقات،
وخصوص صحيحة العيص المتقدمة (5).
ب: لا تحرم الصدقات غير الواجبة على الهاشمي ولو من غيره،
ومن الواجبة غير الزكاة.
أما الأول، فعلى الحق الأشهر كما في التذكرة (6)، بل بلا خلاف يعلم
كما في الذخيرة (7)، بل مطلقا كما في المفاتيح (8)، بل عند علمائنا كما عن
المبسوط والمنتهى (9)، بل بالاجماع كما عن الخلاف (10).

(1) راجع ص: 318.
(2) المبسوط 1: 248، السرائر 1: 457.
(3) المختلف: 184.
(4) الخلاف 4: 232.
(5) في ص 318.
(6) التذكرة 1: 235.
(7) الذخيرة: 461.
(8) المفاتيح 1: 232.
(9) المبسوط 3: 302، المنتهى 1: 525.
(10) الخلاف 4: 240.
321

وأما ما في التذكرة من قوله: روى الجمهور، عن الصادق، عن أبيه
الباقر عليهما السلام: (إنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة، فقيل له:
أتشرب من الصدقة؟! فقال: إنما حرم علينا المفروضة) (1)، حيث إن ظاهره
تفرد العامة بالرواية.
فإنما هو في حق الإمام خاصة، فإنه صرح: أن الصدقة المندوبة
محرمة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: إن حكم الأئمة في ذلك أيضا حكمه،
ووافقه في المسالك (2) وجمع آخر (3).
وبالجملة: فكلامه إنما هو في خصوص الإمام، فلا ينافي ادعاءه
الشهرة على الجواز في المندوبة لبني هاشم.
وأما الثاني، فعلى الأظهر أيضا، كما هو ظاهر المدارك والذخيرة (4)،
بل لم أعثر فيه أيضا على مخالف سوى ما في التذكرة من احتمال المنع (5).
ويدل على الأول - مضافا إلى ظاهر الاجماع - قوية (6) الهاشمي:
أتحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال: (إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس
لا تحل لنا، وأما غير ذلك فليس به بأس) (7).
وعلى الثاني روايته: عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم، ما

(1) التذكرة 1: 235.
(2) المسالك 1: 61.
(3) نقله عن كتاب الأربعين للشيخ البهائي في الحدائق 12: 218، وفصل في
المفاتيح 1: 232 بين الصدقة العامة فجوزها وبين الخاصة فحرمها.
(4) المدارك 5: 256، الذخيرة 461.
(5) التذكرة 1: 235.
(6) في (س) زيادة: كصحيحة.
(7) الكافي 4: 59 / 3، التهذيب 4: 62 / 166، المقنعة: 243، الوسائل 9: 272
أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 3.
322

هي؟ فقال: (هي الزكاة) (1).
وعليهما رواية الشحام: عن الصدقة التي حرمت عليهم، قال: (هي
الزكاة المفروضة) (2).
وبهذه الأخبار تخصص مطلقات تحريم الصدقة على بني هاشم.
وصحيحة البجلي: (لو حرمت علينا الصدقة لم يحل لنا أن نخرج إلى
مكة، لأن كل ما بين مكة والمدينة فهو صدقة) (3)، دلت على عدم حرمة
مطلق الصدقة، فإما يفسر بما ذكرنا بشهادة ما مر، أو يكون مجملا تخرج به
المطلقات عن الحجية في غير موضع الاجماع، وهو الزكاة المفروضة.
ج: الهاشميون هم بنو عبد المطلب، والموجود منهم في هذه الأزمنة
أولاد أمير المؤمنين عليه السلام والعباس وأبي لهب، وقيل: الحارث أيضا (4).
وفي الاختصاص بالمتقرب بالأب أو الأعم منه ومن المتقرب بالأم
أيضا، وجهان..
(الحق: هو الأول، كما صرح به في مرسلة حماد، وفيها: (ومن
كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحل له،
وليس له من الخمس شئ) (5)، ويأتي تحقيقه في بحث الخمس أيضا) (6).

(1) التهذيب 4: 58 / 156، الإستبصار 2: 35 / 107، الوسائل 9: 274 أبواب
المستحقين للزكاة ب 32 ح 5.
(2) التهذيب 4: 59 / 157، الإستبصار 2: 35 / 108، الوسائل 9: 274 أبواب
المستحقين للزكاة ب 32 ح 4.
(3) التهذيب 4: 61 / 165، الوسائل 9: 272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 1.
(4) كما في المنتهى 1: 525.
(5) التهذيب 4: 128 / 366، الإستبصار 2: 56 / 186، الوسائل 9: 271 أبواب المستحقين للزكاة ب 30 ح 1.
(6) بدل ما بين القوسين في (ق) ويأتي تحقيقه في موضعه.
323

الفصل الثالث
فيما يتعلق بهذا البحث من الأحكام
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قد مر أن العاملين يعطون من الزكاة في هذه الأزمنة
بقدر أجرة العمل لا أزيد ولا أنقص، وأن ابن السبيل يعطى ما يكفيه لذهابه
وإيابه، والغارمون والرقاب ما يؤدون به الدين ويفكون الرقبة لا أزيد،
ووجهه ظاهر.
وأما الفقراء، فقد وقع الخلاف في أقل ما يعطى واحد منهم من
الزكاة، هل يقدر بقدر، أم لا؟
فالأول: منقول عن المقنعة والرسالة العزية للمفيد والانتصار
والمسائل المصرية للسيد والنهاية والمبسوط والتهذيب (1) والصدوقين
والإسكافي والديلمي والوسيلة والغنية والإشارة والمعتبر والشرائع والنافع (2)
وصاحب الحدائق من متأخري المتأخرين (3)، ومال إليه بعض مشايخنا (4)،

(1) المقنعة: 243، الإنتصار 82: النهاية 189، المبسوط 1: 260، التهذيب
4: 62.
(2) الصدوق في المقنع: 50، حكاه عن والده في الفقيه 2: 10، حكى عن
الإسكافي في المختلف: 186، الديلمي في المراسم: 133، الوسيلة: 130،
الغنية (الجوامع الفقهية): 568، الإشارة: 113، المعتبر 2: 590، الشرائع 1:
166، النافع: 60.
(3) الحدائق 12: 249.
(4) وهو صاحب الرياض 1: 288.
324

ونسبه جماعة إلى المشهور بين القدماء (1)، وأخرى - ومنهم جدي، - إلى
الأكثر مطلقا، وفي الانتصار والمصرية والغنية: الاجماع عليه.
والثاني: محكي عن جمل السيد والسرائر (2).
وذهب القاضي والفاضل والشهيدان (3) وأكثر من تأخر عنهم إلى
التقدير على سبيل الاستحباب (4).
فإن قلنا: إن تقدير الأولين أيضا استحبابي - كما صرح به في التذكرة،
حيث قال: ولا حد للاعطاء إلا أنه يستحب أن لا يعطى الفقير أقل ما يجب
في النصاب الأول، وهو خمسة دراهم أو عشرة قراريط، قاله الشيخان وابنا
بابويه وأكثر علمائنا، إلى أن قال: وما قلناه على الاستحباب لا الوجوب
إجماعا (5) - يتحد القول الأول والثالث.
وإن قلنا: إنه على سبيل الوجوب، كما يستفاد عن المدارك، حيث
قال: الظاهر من كلام الأصحاب أن هذه التقديرات على سبيل الوجوب (6)،
وكذا الفاضل الهندي في شرح الروضة..
فإن قلنا: إن مراد النافين للتقدير: نفي الوجوب دون الاستحباب
- كما تحتمله عبارة الذخيرة، حيث إنه بعد نقل نفي التقدير عمن ذكر قال:

(1) كما في المعتبر 2: 590، والرياض 1: 288.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 79، السرائر 1: 464.
(3) القاضي في المهذب 1: 172، وشرح الجمل: 263، الفاضل في المختلف:
186، والتذكرة 1: 244، الشهيد في الدروس 1: 244، الشهيد الثاني في
الروضة 2: 56، والمسالك 1: 62.
(4) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 208، صاحب المدارك 5: 281، السبزواري
في الذخيرة: 467.
325

وإلى هذا القول ذهب جماعة من الأصحاب ومنهم المصنف (1)، مع أن
المصنف صرح بالتقدير الاستحبابي - فيتحد الثاني مع الثالث.
وإن قلنا: إن مرادهم نفي التقدير مطلقا تكون في المسألة أقوال ثلاثة.
والتحقيق: أن كلام أكثر الأولين صريح أو ظاهر في الوجوب، كما أن
الصدوق عبر بقوله: لا يجزئ، ووالده بقوله: لا يجوز، والديلمي قال:
وأقل ما يجزئ، وكذا في المصريات، والشيخ في التهذيب حمل تجويز
إعطاء الدرهمين في بعض الروايات على النصاب الثاني (2)، وصرح بعدم
جواز ذلك في النصاب الأول.
وأما النافون، فظاهرهم نفي الوجوب فقط.
وكيف كان، فدليل الأولين - وهم المقدرون وجوبا - طريقة
الاحتياط، والمحكية من الاجماعات، وفتوى أعيان الطائفة.
وصحيحة الحناط: (لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم،
وهو أقل ما فرض الله من الزكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحدا من
الزكاة أقل من خمسة دراهم فصاعدا) (3).
ورواية ابن عمار وابن بكير: (لا يجوز أن يدفع أقل من خمسة
دراهم، فإنها أقل الزكاة) (4).
وفي الفقه الرضوي: (ولا يجوز أن يعطى من الزكاة أقل من نصف

(1) الذخيرة: 467.
(2) التهذيب 4: 63.
(3) الكافي 3: 548 / 1، التهذيب 4: 62 / 167، الإستبصار 2: 38 / 116،
المحاسن: 62 / 168، المقنعة: 244، الوسائل 9: 257 أبواب المستحقين للزكاة
ب 23 ح 2.
(4) التهذيب 4: 62 / 168، الإستبصار 2: 38 / 117، الوسائل 9: 257 أبواب
المستحقين للزكاة ب 23 ح 4.
326

دينار) (1).
وحجة الثاني - وهو النافي للتقدير - الأصل، وإطلاقات الكتاب (2)
والسنة والأخبار المستفيضة، كحسنة عبد الكريم الهاشمي: (كان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل
الحضر في أهل الحضر، ولا يقسمها بينهم بالسوية، إنما يقسمها على قدر
من يحضرها منهم وما يرى، وليس في ذلك شئ مؤقت) (4).
وحسنة الحلبي: ما يعطى المصدق؟ قال: (ما يرى الإمام، ولا يقدر
له شئ) (5).
ومكاتبة الصهباني الصحيحة: هل يجوز لي يا سيدي أن أعطي الرجل
من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة دراهم، فقد اشتبه ذلك علي؟
فكتب: (ذلك جائز) (6)، وقريبة منها الأخرى (7)، وضعف بعضها منجبر بما
ذكر.
وجواب الأولين عنها بدفع الأصل وتقييد الاطلاق بما مر، وبرد
الحسنة الأولى بعدم الدلالة أصلا، لاحتمال كون التقدير المنفي فيها التقدير
البسطي، بل هو الظاهر من صدر الحديث، فإنه وارد في احتجاجه عليه السلام

(1) فقه الرضا عليه السلام 197، مستدرك الوسائل 7: 113 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1.
(2) التوبة: 60.
(3) الوسائل 9: 256 أبواب المستحقين للزكاة ب 23.
(4) الكافي 3: 554 / 8، الفقيه 2: 16 / 48، التهذيب 4: 103 / 292، الوسائل
9: 2656 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 1.
(5) الكافي 3: 563 / 13، التهذيب 4: 108 / 311، الوسائل 9 6 257 أبواب
المستحقين للزكاة ب 23 ح 3.
(6) التهذيب 4: 63 / 169، الإستبصار 2: 38 / 118، الوسائل 9: 258 أبواب
المستحقين للزكاة ب 23 ح 5، وفيها: محمد ابن أبي الصهبان.
(7) الفقيه 2: 10 / 28، الوسائل 9: 256 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 1.
327

على عمرو بن عبيد: قال له: (ما تقول في الصدقة؟) فقراء: (إنما
الصدقات) الآية، فقال: (كيف تقسمها؟) قال: أقسمها على ثمانية
أجزاء، فأعطي كل جزء واحدا، إلى أن قال عليه السلام: (وتجمع صدقات أهل
الحضر وأهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟) قال: نعم، قال: (فقد خالفت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل ما قلت في سيرته، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم)
إلى آخر ما مر.
وكذلك الثانية، لجواز كون: يعطى مبنيا للمفعول، فيكون السؤال
عن حصة العامل.
مع أنه على فرض دلالتهما يحتملان التقييد بما بعد النصاب الأول،
كما صرح به جمع (1)، يعني: أنه لا يقدر شئ بعد ذلك التقدير، فيكون
أعم من الأخبار المقدرة، لاختصاصها بما قبل النصاب الثاني للاجماع،
فيجب التقييد.
ولهما جهة عموم أخرى أيضا، وهي ما إذا تمكن من إعطاء الزائد أو
لم يتمكن، كما إذا كان ما يجب عليه هذا القدر خاصة، كما إذا تلف بعض
النصاب بعد الحول بلا تفريط، وما مر خاص بصورة الامكان إجماعا،
فيحتمل التقييد من هذه الجهة أيضا.
وهذان الاحتمالان جاريان في المكاتبتين أيضا، مع أنهما لم تدلا
على عدم التقدير، بل غايتهما الدلالة على جواز دفع الدرهمين والثلاثة في
الجملة، وذلك لا ينافي التقدير بما دونها كالدرهم الواحد، كما هو مختار
الإسكافي والمصريات بل الديلمي (2)، أو الدرهمين في الفضة ونصف دينار
في الذهب، كالمقنع (3).

(1) انظر: الرياض 1: 288.
(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 186، الديلمي في المراسم: 134.
(3) المقنع: 50.
328

هذا كله، مع أنه على فرض التعارض يجب تقديم ما مر، لرجحانه
بمخالفة العامة وموافقة المكاتبتين، فإن عدم التقدير مذهب الجمهور كافة،
كما صرح به جماعة، منهم: السيد في الانتصار والفاضل في التذكرة (1).
دليل الثالث: الجمع بين الأخبار.
ورد: بأن هذا الجمع مما لا شاهد عليه.
فأجيب: بأن أخبار الجواز قرينة على التجوز في أخبار نفي الجواز.
وفيه: أن هذا يتم لو كان أحدهما نهيا والآخر رخصة، فإن العرف
يجعل الآخر قرينة للتجوز في الأول، بخلاف نحو: لا يجوز وجائز، فإنهما
متنافيان قطعا.
أقول: حق المحاكمة أن الحسنتين غير دالتين على مطلوب النافين
كما ذكر، فبقيت المكاتبتان معارضتين لروايات التقدير.
والحكم بأعمية المكاتبتين غير جيد، لأن الملحوظ في التعارض هو
نفس المتعارضين من غير تصرف في أحدهما بواسطة سائر المعارضات
الخارجية ولو كان إجماعا.
فلا بد من الرجوع إلى حكم المتعارضين، والمكاتبتان وإن كانتا
مرجوحتين بموافقة العامة، ولكنهما راجحتان بالأحدثية وموافقة إطلاق
الكتاب، وهما أيضا من المرجحات المنصوصة، فيتكافئان، فيجب الرجوع
إلى الأصل والاطلاقات في نفي التقدير، ولكن لما كانت أدلة السنن تتحمل
من التسامح ما لا يتحمله غيرها، ويدفع أصل عدم الاستحباب، وتقيد
إطلاقاته بالأدلة الضعيفة، فيحكم باستحباب المقدر، للاحتياط،
والاجماعات المنقولة (2)، وفتوى العلماء.. بل الرضوي أيضا (3)، لخلوه عن

(1) الإنتصار: 83، التذكرة 1: 244.
(2) كما في التذكرة 1: 244.
(3) المتقدم في ص: 326.
329

المعارض في الذهب.
فالحق أؤذن مع القول الثالث، وهو الاستحباب.
فروع:
أ: وإذ عرفت استحباب إعطاء المقدر لا أقل فقد اختلفوا فيه،
فالمصرح به في كلام أكثر المقدرين للأقل وجوبا أو استحبابا خمسة دراهم
في زكاة الفضة، ونصف دينار في زكاة الذهب (1)، وعليه دعوى الشهرة (2)،
وعلى الخمسة دعوى الاجماع في الانتصار (3).
وقيل: أقل من ذلك (4).
والظاهر استحباب المشهور، للشهرة، والاجماع المنقول،
والرضوي، وموافقة الروايتين المقدرتين.
ب: هل التقدير منحصر بزكاة النقدين، أم يجري في غيرهما أيضا؟
المذكور في كلام جماعة: هما خاصة (5)، ولكن صريح عبارة المراسم
والغنية (6) وظاهر مهذب القاضي والإشارة (7): التعميم، وصرح في الوسيلة
بالتعميم بالنسبة إلى المواشي أيضا (8)، وفي الغنية: الاجماع عليه.
وعلى هذا، فلا بأس بالقول بعموم الاستحباب، لفتوى هؤلاء
والاجماع المنقول، فيكون المقدر في المواشي فريضة النصاب الأول، وفي

(1) كما في الإنتصار: 82، والمبسوط 1: 260، والمعتبر 2: 590.
(2) كما في المعتبر 2: 590.
(3) الإنتصار: 83.
(4) كما في المراسم: 133، والمختلف: 186.
(5) كما في المقنع: 50.
(6) المراسم: 134، الغنية (الجوامع الفقهية): 568.
(7) المهذب 1: 172، الإشارة: 113.
(8) الوسيلة: 130.
330

الغلات فريضة النصاب، كما هو المذكور في كلام هؤلاء الأصحاب.
ج: المستحب إنما هو عدم النقصان عن المقدر مطلقا - أي أن
لا يعطى فقير أقل من ذلك ما دام عليه ذلك المقدار فصاعدا - فلو كان عنده
نصابان يدفع الفريضتين إلى فقير واحد، لئلا ينقص واحد عن المقدر.
وما ذكره الشهيد الثاني - أنه يعطي فريضة الأول لواحد، والثاني لآخر
من غير كراهة (1) - غير جيد.
نعم، إذا لم يتمكن من إعطاء المقدر - كما إذا تلف بعض النصاب من
غير تفريط - فلا يستحب الاتمام من غير الزكاة، ويعطي ما عليه من غير
كراهة.
المسألة الثانية: ما ذكر إنما كان في جانب القلة، وأما في جانب
الكثرة: فإن لم يكن الفقير ذا كسب لا يفي بمؤونته فلا حد للأكثر، فيجوز
أن يعطى الفقير الواحد ما يغنيه وما يزيد على غناه إجماعا محققا، ومحكيا
مستفيضا (2)، له، وللأصل، والاطلاقات المستفيضة (3).
ويظهر من المنتهى وقوع الخلاف، حيث قال: لو كان معه ما يقصر
عن مؤونته ومؤونة عياله حولا جاز له أخذ الزكاة، لأنه محتاج، وقيل لا
يأخذ زائدا عن تتمة المؤونة حولا، وليس بالوجه (4). انتهى.
ويحتمل أن يكون القائل من العامة، حيث نسب نفسه الأول إلى
علمائنا أجمع (5)، ويمكن أن يكون الخلاف مخصوصا بمن معه بعض

(1) المسالك 1: 62.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المدارك 5: 282، الرياض 1: 288.
(3) الوسائل 9: 258 أبواب المستحقين للزكاة ب 24.
(4) المنتهى 1: 518.
(5) المنتهى 1: 528.
331

المؤنة. وكيف كان، فهو ضعيف، لما مر من غير معارض.
نعم، لو تعاقبت عليه العطية، فبلغت مؤنة السنة، حرم عليه الزائد،
لتحقق الغنى المانع من الاستحقاق.
وأما ما في المدارك ردا على المحقق - من أنه لا وجه للفرق بين
الدفعة والتعاقب، لأن الفقير متى ملك مؤنة السنة صار غنيا وحرم عليه
تناول الزكاة (1) - فغير جيد جدا.
وكذا إن كان ذا كسب غير واف بتمام المؤنة، وفاقا للأكثر على ما
صرح به غير واحد (2)، لما مر من الأصل والاطلاق وعموم المستفيضة (3).
وحكى جماعة قولا بأنه لا يأخذ ما يزيد على كفايته، واستحسنه في
البيان (4)، وهو ظاهر اللمعة (5)، وتردد في الدروس (6)، لصحيحة ابن وهب
الواردة فيمن له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم وهو يحترف ولا يصيب
نفقته منها، وفيها: (ويأخذ البقية من الزكاة) (7)، ونحوها غيرها (8)
ويرد: بأنها ليست صريحة في المنع عن الزيادة، ومع ذلك موردها
غير ذي الكسب، إلا أن يعمم الكسب للتجارة، أو الخلاف لغير ذي
الكسب أيضا، وحينئذ فيكتفى في الجواب بقصور الدلالة، فلا يصلح لتقييد
الأخبار المطلقة، أو تخصيص العامة المعتضدة بالأصل والشهرة، ولكن

(1) المدارك 5: 282.
(2) كما في المنتهى 1: 518، والمدارك 5: 197، والرياض 1: 279.
(3) الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8.
(4) البيان: 311.
(5) اللمعة (الروضة): 45.
(6) الدروس 1: 240.
(7) الكافي 3: 561 / 6، الوسائل 9: 238 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1.
(8) التهذيب 4: 50 / 130، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 4.
332

الاحتياط في كل حال مطلوب.
المسألة الثالثة: من ادعى الفقر، إن عرف صدقه أو كذبه عومل به
بما يقتضيه. وإن جهل حاله:
فإن لم يعلم له مال أولا، فالمشهور أنه يصدق في دعواه (1)، وفي
المدارك: أنه المعروف من مذهب الأصحاب، وفيه عن ظاهر الفاضلين: أنه
موضع وفاق (2)، وفي الحدائق: أن ظاهرهم الاتفاق عليه (3).
واستدل له باتفاق الأصحاب ظاهرا.
وبأنه ادعى موافقا للأصل.
وباستلزام عدمه الحرج والعسر على الفقير في كثير من الموارد، سيما
إذا كان ممن يستحيي من الاظهار.
وبأنه مسلم ادعى ممكنا ولم يظهر ما ينافيه فكان مقبولا.
وبأن الأصل عدالة المسلم، فكان قوله مقبولا.
وبرواية العرزمي: (جاء رجل إلى الحسن والحسين عليهما السلام على الصفا
فسألهما، فقالا: إن الصدقة لا تحل إلا في دين موجع، أو غرم مقطع، أو
فقر مدقع، ففيك شئ من هذا؟ قال: نعم، فأعطياه (4).
وبأنه لا يخفى على متتبع الأخبار الواردة في البينة واليمين (5) أنه
لا عموم لها على وجه يشمل ما نحن فيه، فإن موردها ما إذا كانت الدعوى
من اثنين مدع ومنكر، ولا دلالة فيها على أن من ادعى شيئا وليس في مقابله

(1) انظر: المعتبر 2: 568، والمنتهى 1: 526، والحدائق 12: 163.
(2) المدارك 5: 201.
(3) الحدائق 12: 163.
(4) الكافي 4: 47 / 7، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 6.
(5) الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 3.
333

من ينكر دعواه بأنه يكلف البينة واليمين.
وبأن الظاهر من الأخبار أن من ادعى مالا يدعى عليه قضي له به.
وغير الثلاثة الأول من هذه الوجوه منظور فيه..
أما الرابع، فلمنع كلية كبراه.
وأما الخامس، فله، ولمنع صغراه.
وأما السادس، فلأنه قضية في واقعة، فلعل ما أعطياه لم يكن من
الصدقة الواجبة والكلام فيها.
وأما السابع، فبأن عدم ثبوت طلب البينة أو اليمين عن مدع لا منكر
يقابله، وعدم شمول أخبارهما له لا يستلزم تصديق قوله والعمل بمقتضاه.
وأما الثامن، فلمنع ثبوت كليته، وإنما هو في مال لا يد لأحد عليه،
ولا منازع له، ولا يطلب منه امتثال واجب ولا إبرأ ذمة.
نعم، الظاهر تمامية دلالة الثلاثة الأول..
أما الأصل، فظاهر.
وأما الاجماع، فلأنه طريقة السلف والخلف من غير نكير ومصرح به
في كلام العلماء، ونراهم يعطون الغرباء الذين لا ترجى بينة لهم من غير
حلف، ويقتحمون الفقراء إليهم من البلدان النائية.
وأما العسر والحرج على الفقراء، فلدوران الأمر بين صبرهم على
الافتقار والجوع، أو إقامة البينة المتعذرة في حق الأكثر، وكل منهما حرج
عظيم.
ويدل عليه أيضا: أنه لولاه للزم الحرج على أرباب الزكاة أيضا، سيما
على عدم سماع الشهادة العلمية، لأن العمل بمقتضى الحلف لا دليل عليه
في المقام، وإقامة البينة الحسية على الفقراء متعذرة، لأن جهات حصول
المال غير محصورة، فلعله وجد كنزا، أو أعطي مالا بحيث لا نعلمه، أو له
334

مال مدفون أو مودع ولو بمواهبة.. بل وكذا البينة العلمية، لما ذكرنا، فلو
لم تسمع دعواه لسد باب إعطاء الزكاة غالبا.
ويمكن أن يستدل عليه أيضا بحسنة أبي بصير: الرجل يموت ويترك
العيال، أيعطون من الزكاة؟ فقال: (نعم، حتى ينشئوا ويبلغوا ويسألوا من
أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم) (1) الحديث.
تدل على أنهم إذا قالوا: لا معيشة لهم لو قطع ذلك، يجوز إعطاؤهم.
وتؤكده ما دلت على كراهية رد السائل مطلقا أيضا.
وإن علم له مال أولا، فالمشهور أيضا قبول دعواه (2)، وعن
المبسوط: عدمه إلا بالبينة أو إمارة مفيدة للعلم (3)، وقواه في المدارك (4)،
ومال إليه في الذخيرة (5)، وهو ظاهر جدي -، - في الرسالة.
وهو الأقوى، لتوقف حصول العلم بالمشروط، وهو البراءة من الزكاة
على العلم بالشرط، وهو الفقر.
ولو علم له مال، وعلم تلف مال منه أيضا، ولم يعلم أن التالف هو
ما كان له أو مال آخر حصله، بني على الأول، لأصالة عدم حصول مال
آخر.
ولو كان له مال يكفي لمعيشته مدة، ومضت المدة، ولم يعلم أنه هل
صرفه في معيشته أو حصلت المعيشة من جهة أخرى، بني على الأول
أيضا، لعين ما ذكر.

(1) الكافي 3: 548 / 1، التهذيب 4: 102 / 287، الوسائل 9: 226 أبواب
المستحقين للزكاة ب 6 ح 1.
(2) كما في المعتبر 2: 568، والمنتهى 1: 526.
(3) المبسوط 1: 247.
(4) المدارك 5: 202.
(5) الذخيرة: 462.
335

فرعان:
أ: حكم الغارم والعبد وابن السبيل يعلم مما ذكر، فلا يقبل قول
الأولين إلا مع الثبوت أو العلم بالحال أولا، ويقبل قول الثالث مع العلم
باستصحابه ما يكفيه أولا، لا مع العلم به.
ب: لو ادعى عدم الهاشمية يسمع منه، لكفاية عدم العلم بالهاشمية
في إعطاء زكاة غير الهاشمي، لأن الثابت هو منع من علمت هاشميته، لأن
التكاليف مقيدة بالعلم، فتبقى عمومات الفقراء خالية عن المقيد.
المسألة الرابعة: لا يشترط إعلام الفقير أن المدفوع إليه زكاة، فلو
كان مستحقا لها جاز صرفها إليه من غير تسمية، بل ولو بتسمية أخرى،
للأصل، بل الاجماع والاطلاقات..
ولرواية أبي بصير: الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ الزكاة،
فأعطيه من الزكاة ولا اسمي له أنها من الزكاة، فقال: (أعطه، ولا تسم له،
ولا تذل المؤمن) (1).
وضعف الرواية سندا غير واضح، ولو وضح فغير ضائر، سيما مع
انجبارها بالعمل وموافقتها للأصل.
وأما حسنة محمد: الرجل يكون محتاجا، فيبعث إليه بالصدقة ولا
يقبلها على وجه الصدقة، يأخذه من ذلك ذمام واستحياء وانقباض،
أفيعطيها إياه على غير ذلك الوجه وهي منا صدقة؟ فقال: (لا، إذا كانت
زكاة فله أن يقبلها، فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إياه) (2).

(1) الكافي 3: 563 / 3، الفقيه 2: 8 / 25، المقنعة: 260، الوسائل 9: 314
أبواب المستحقين للزكاة ب 58 ح 1.
(2) الكافي 3: 564 / 4، الوسائل 9: 315 أبواب المستحقين للزكاة ب 58 ح 2
والذمام: حفظ الحرمة - لسان العرب 12: 221.
336

فهي مختصة بصورة العلم بعدم قبوله على وجه الزكاة والاعطاء على
غير ذلك الوجه، ونحن نسلم عدم جواز الاعطاء مع ذلك، لهذه الرواية،
التي هي أخص من الأولى، ولم يعلم مخالفتها لعمل الأصحاب، إذ لا علم
لنا ولا ظن بذهابهم إلى الجواز مع الأمرين أيضا، سيما إذا أعطاها إياه ورده
مرة.
وحملها في الذخيرة على صورة التصريح بأنه غير الزكاة، والأولى
على عدم التسمية أصلا (1).
والصحيح ما ذكرنا، لاشتمالها على عدم القبول، فلا بد من اعتباره
في القول بما يخالف الأصل والاجماع.
وأما الحمل على الكراهة كما في المدارك (2)، أو على صورة احتمال
كون الامتناع لعدم الاستحقاق كما في الوسائل (3)، أو جعله لفظة (لا) في
قوله: فقال: (لا) إضرابا عن الكلام السابق، وارتكاب التأويل فيما بعده كما
قيل (4) -.. [فوجوه] (5) بعيدة، لا وجه لارتكابها أصلا.
المسألة الخامسة: لو دفع الزكاة إلى الفقير ثم ظهر عدم فقره، فإما
تكون العين باقية أو لا، وعلى التقديرين إما يكون الأخذ عالما بأنه زكاة أم
لا، وعلى التقادير إما يمكن الارتجاع منه أم لا.
ثم الكلام إما في الارتجاع أو الاجزاء عن الزكاة.
أما الأول: فمع إمكان الارتجاع يجب مع بقاء العين اتفاقا محققا

(1) الذخيرة: 463.
(2) المدارك 5: 240.
(3) الوسائل 9: 315 أبواب المستحقين للزكاة ب 58.
(4) في الحدائق 12: 172.
(5) في النسخ: بوجوه، والصحيح ما أثبتناه.
337

ومحكيا (1)، في صورة علم الأخذ بالحال أولا، لأن الأصل عدم الانتقال إلى
الأخذ، والمسلم إنما هو انتقالها مع استجماعه شرائط الأخذ.
وأما بدونه فلا، حتى أنه لو لم يعلم بالحال يبقى مراعى إلى أن يتلف
حال عدم ظهور الحال.
وعلى هذا، فتكون العين إما مال المالك أو الفقراء، فلهم الارتجاع، بل
يجب على المالك، لأنه مال فقير موضوع عند غير أهله بعمله وهو يتمكن
من الانتزاع.
وبما ذكرنا يظهر دفع ما جوزه بعضهم من امتناع الأخذ للرد (2)،
لثبوت الملك له بالدفع على الظاهر، فإن الثبوت مع العلم ممنوع، بل وكذا
مع عدمه، بل يقع مراعى.
وكذا إن تلفت العين وكان الأخذ عالما بالحال، لأنه عاد في إتلافه،
لعلمه بعدم رضى المالك بشهادة الحال، فهي معارضة للأذن الصريح مقدمة
عليه.
بل وكذا لو تلفت من جانب الله سبحانه، لوضع يده على ملك الغير
بدون إذنه، لأن لسان شاهد الحال يصرح بعدم الإذن ويرتفع به الإذن الصريح.
وإن لم يكن عالما بالحال، فلا يجوز الارتجاع عنه، لأصالة عدم
التسلط عليه وعلى ماله، وعدم شغل ذمته، فإنه تصرف أو إتلاف بالإذن
الصريح الخالي عن المعارض من المالك، فبأي دليل يجب عليه رد المثل
أو القيمة من ماله؟!
وسواء في ذلك أن يجوز الأخذ كونه زكاة أم لا، لأن مجرد التجويز لا
يثبت شاهد حال يعارض به الإذن الصريح.

(1) كما في الرياض 1: 279.
(2) كما في الرياض 1: 279.
338

وإن لم يمكن الارتجاع فلا شئ على المالك.
نعم، على الأخذ رده إن تمكن مع علمه بالحال قبل التلف.
والحكم في بعض الصور التي ذكرناها وفاقي، وفي بعضها خلاف
يعلم ضعفه مما ذكرنا.
وأما الثاني: وهو الاجزاء عن الزكاة وبراءة ذمة المالك عنها وعدمهما،
فقضية الأصل وإن كان الاجزاء مطلقا - سيما إذا كان المدفوع عين الزكاة،
حتى إذا تمكن من الارتجاع، وإن وجب الارتجاع من باب تخليص حق
الفقراء، لوقوع الدفع مشروعا، فلا يستعقب ضمانا، لأن امتثال الأمر
يقتضي الاجزاء، وما يجب دفعه شئ واحد دفعه على وجه أمر به - إلا أن
المنصوص في مرسلة الحسين: في رجل يعطي زكاة ماله رجلا وهو يرى
أنه معسر فوجده موسرا، قال: (لا يجزي عنه) (1) عدم الاجزاء، وهي
مخصصة للأصل المذكور.
فالحق: عدم الاجزاء والضمان مطلقا، وفاقا للمحكي عن المفيد
والحلبي (2)، واختاره شيخنا صاحب الحدائق (3).
وإرسال الرواية عندنا غير ضائر مع كونها مروية في الكتب الثلاثة،
سيما مع صحتها عن ابن أبي عمير، وهو ممن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه (4).
خلافا للمحكي عن المبسوط (5) وجماعة (6)، فيجزي مطلقا، للأصل

(1) الكافي 3: 545 / 1، التهذيب 4: 51 / 132، الفقيه 2: 15 / 45، الوسائل 9:
215 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 5.
(2) المفيد في المقنعة: 259، الحلبي في الفقه: 173.
(3) الحدائق 12: 170.
(4) رجال الكشي 2: 830.
(5) المبسوط 1: 261.
(7) منهم العلامة في الإرشاد 1: 288.
339

المذكور. ويندفع بما مر.
وللمعتبر والنافع والمنتهى والتذكرة والبيان والأردبيلي وجدي في
الرسالة، فيجزي مع الاجتهاد لا بدونه (1)، لأن المالك أمين فيجب عليه
الاجتهاد، فبدونه تجب الإعادة.
ولحسنة عبيد: رجل عارف أدى زكاته إلى غير أهلها زمانا، هل عليه
أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال: (نعم) إلى أن قال: قلت له: فإنه
لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها أهل، وقد كان طلب واجتهد، ثم
علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال: (ليس عليه أن يؤديها مرة أخرى) (2).
ومرسلة الكافي، وهي مثل السابقة، إلا أنه قال: (فإن اجتهد برئ،
وإن قصر في الاجتهاد في الطلب فلا) (3).
ويرد الأول: بأنه إن أريد بالاجتهاد القدر المسوغ لدفع الزكاة ولو
بدعواه الفقر، فيرجع ذلك إلى القول بعدم الضمان.
وإن أريد به الزائد عليه - كما هو الظاهر من لفظ الاجتهاد - فهو غير
واجب عندهم.
والثاني: بأن الظاهر منه أن المراد: أنه لم يجد الأهل بعد الاجتهاد،
فدفعها إلى غير الأهل عمدا، كما يشعر به قوله: سوء ما صنع، بل معنى
قوله: لم يعلم الأهل وقد طلب واجتهد: أنه بعد الاجتهاد أيضا لم يعلمه،
والمتنازع فيه أنه علمه ولكنه أخطأ في علمه، فيخرج عن المسألة.
والقول - بأن الاجزاء حينئذ يدل بالفحوى على الاجزاء لو كان الدفع

(1) المعتبر 2: 526، النافع 59، المنتهى 1: 527، التذكرة 1: 245، البيان:
317، مجمع الفائدة 4: 195.
(2) الكافي 3: 546 / 2، التهذيب 4: 102 / 290، الوسائل 9: 214 أبواب
المستحقين للزكاة ب 2 ح 1.
(3) الكافي 3: 546 / 2، الوسائل 9: 214 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 2.
340

عن غير عمد - مردود بأن الأصل باطل إجماعا، فلا تبقى معه فحوى،
لبطلان التابع ببطلان المتبوع.
فروع:
أ: مورد مرسلة الحسين المثبتة لعدم الاجزاء إنما هو إذا كان الدافع هو
المالك، أما لو دفعه المالك إلى وكيله أو إلى الفقيه، ودفعه هو إلى من بان
غير مستحق، لم يضمن أحد، للأصل المذكور الخالي عن المعارض في
المقام.
وقد نفى عنه الخلاف بين العلماء في المنتهى إذا كان المدفوع إليه
الإمام أو نائبه الشامل للنائب العام أيضا (1).. بل المصرح في كلماتهم أن
محل الخلاف إنما هو إذا كان الدافع المالك.
نعم، حكم الفقيه والوكيل في مواضع الارتجاع حكم المالك بعينه.
ب: ما ذكر إنما هو إذا بان عدم الاستحقاق بالغناء، ولو بان
بالهاشمية أو الكفر أو نحوهما، فالكلام في الارتجاع - كما ذكرنا - في
الضمان والإعادة، ففي الذخيرة: أن الذي قطع به الأصحاب عدم الإعادة (2).
مؤذنا بعدم خلاف فيه بينهم. وهو كذلك، للأصل المذكور، واختصاص
المرسلة بظهور اليسار.
ج - لو أدى زكاته إلى غير المستحق باعتقاده عمدا، ثم بان
استحقاقه، لم يجز عنها، فإن كان من المواضع التي له الارتجاع يجوز له
الاحتساب من الزكاة بعد ظهور الاستحقاق، وإلا أعادها.
المسألة السادسة: يجوز للمزكي مقاصة المستحق للزكاة بدين له في

(1) المنتهى 1: 527.
(2) الذخيرة: 464.
341

ذمته، أي إسقاط ما في ذمة المستحق للمزكي من الدين على وجه الزكاة،
حيا كان المستحق ميتا، بلا خلاف ظاهر في الموضعين.
وفي المدارك والذخيرة في الأول: أنه مقطوع في كلام الأصحاب (1).
وفي الأول في الثاني: أنه المتفق عليه بين علمائنا (2).
وفي الحدائق فيهما: أنه مما لا خلاف فيه بين العلماء (3)، وكذا عن
المعتبر والمنتهى والتذكرة، ولكن في الأول خاصة (4)، وعن كلام جماعة في
الثاني أيضا.
وتدل على الأول صحيحة البجلي: عن دين لي على قوم قد طال
حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه، وهم مستوجبون للزكاة، هل لي أن
أدعه وأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: (نعم) (5).
ورواية عقبة بن خالد، وفيها: يجئ الرجل ويسألني الشئ وليس
هو إبان زكاتي، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: (القرض عندنا بثمانية عشر
والصدقة بعشرة، وماذا عليك إذا كنت موسرا أعطيته، فإذا كان إبان زكاتك
احتسبت بها من الزكاة) (6).
وموثقة سماعة: عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن
يعطيه من الزكاة، فقال: (إذا كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من الدين
من عرض من دار، أو متاع من متاع البيت، أو يعالج عملا يتقلب فيه
بوجهه، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه، فلا بأس أن يقاصه بما

(1) كما في المدارك 5: 266، والذخيرة: 464.
(2) المدارك 5: 227.
(3) الحدائق 12: 195.
(4) المعتبر 2: 576، المنتهى 1: 521، التذكرة 1: 242.
(5) الكافي 3: 558 / 1، الوسائل 9: 295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 2.
(6) الكافي 4: 4 / 34، الوسائل 9: 300 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 2.
342

أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها، وإن لم يكن عند الفقير وفاء ولا
يرجو أن يأخذ منه شيئا، فليعطه من زكاته ولا يقاصه بشئ من
الزكاة) (1).
وحمل في الذخيرة ما في ذيلها عن الاستحباب (2)، وهو حسن، بل
لا دلالة فيها على الوجوب، لاحتمال قوله: (ولا يقاصه) للنفي.
وقوله: (فليعط) وإن كان أمرا، إلا أنه ليس للوجوب قطعا، لعدم
وجوب إعطاء شخص معين.
وأما مفهوم الشرط في صدرها فكان مقيدا لو لم يصرح بحكم
المفهوم في الذيل.
وحمل في الحدائق الذيل على الوجوب، وفرق بينه وبين الصدر،
بحمل الصدر على من يملك شيئا يفي بدينه وإن لم يف بقوت السنة،
والذيل على من لا يملك بما يفي بالدين أصلا، فيكون معسرا يجب إنظاره
ولا يجوز الاستيفاء عنه ولو بالاحتساب من الزكاة (3).
وهو كان حسنا لو كان الذيل دالا على الوجوب، مع أن الظاهر من
الأنظار الواجب هو عدم مطالبة المديون.
وأما الاحتساب من الزكاة فكونه منافيا له غير معلوم، بل يمكن جعله
من أفراد التصدق المأمور به في الآية بقوله: (وأن تصدقوا خير لكم) (4).
ويدل على الثاني إطلاق رواية عقبة السابقة، ورواية يونس بن عمار:
(قرض المؤمن غنيمة وتعجيل خير، إن أيسر أدى وإن مات قبل ذلك

(1) الكافي 3: 558 / 2، الوسائل 9: 296 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 3.
(2) الذخيرة: 464.
(3) الحدائق 12: 197.
(4) البقرة: 280.
343

احتسب به من الزكاة) (1)، ونحوها رواية إبراهيم السندي (2).
وكذا يجب قضاء دين الميت من الزكاة فيما إذا كان من له الدين غير
المزكي، فيؤدي دينه من زكاته بلا خلاف ظاهر أيضا، وفي الذخيرة: لا
أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب (3)، وفي المدارك: اتفاق العلماء عليه (4).
وتدل عليه صحيحة البجلي، وحسنة زرارة، وروايتا موسى بن بكير
وصباح بن سيابة، المتقدمة جميعا في بيان الصنف السادس من أصناف
المستحقين (5).
فروع:
أ: لا يشترط في الحي الذي تحتسب عليه الزكاة لدينه فقره، بل
يشترط فيه ما يشرط في الغارم، كما مر مع دليله.
ب: هل يشترط في الأداء عن الميت قصور تركته عن الوفاء
بالدين، كما عن الإسكافي والشيخ في المبسوط والوسيلة والتذكرة والتحرير
والدروس والبيان والروضة (6)، واختاره جمع من المتأخرين (7)؟
أو لا يشترط، كما عن ظاهر نهاية الشيخ والحلي والمحقق والمختلف

(1) الكافي 3: 588 / 1، الفقيه 2: 32 / 127، الوسائل 9: 299 أبواب المستحقين
للزكاة 49 ح 1.
(2) الكافي 4: 34 / 5، الوسائل 9: 300 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 3.
(3) الذخيرة: 464.
(4) المدارك 5: 227.
(5) راجع ص: 283 - 284.
(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 183، المبسوط 1: 252، الوسيلة: 130،
التذكرة 1: 237، التحرير 1: 69، الدروس 1: 241، البيان: 314، الروضة 2:
48.
(7) انظر: مجمع الفائدة 4: 164، المفاتيح 1: 207، الحدائق 12: 198.
344

والمنتهى واللمعة (1)؟
حجة الأولين: حسنة زرارة المشار إليها.
ودليل الآخرين: إطلاق بعض روايات الأداء عنه.
وانتقال التركة بالموت إلى الوارث فصار عاجزا عن الأداء.
ويرد الأول: بوجوب تقييد الاطلاق بالحسنة.
والثاني: بأنه لا انتقال إلا بعد الدين، لقوله سبحانه: (من بعد وصية
يوصي بها أو دين) (2).
ومنه يظهر وجه آخر للاشتراط، إذ مفاد الآية وجوب صرف التركة
إلى الدين، وتدل عليه الأخبار أيضا (3)، فالاشتراط هو الأقوى.
ولو وفت التركة ببعض الدين اختص جواز الوفاء بالزكاة بالباقي.
ج: لو وفت التركة بالدين ولكن تعذر استيفاؤه منها لعدم إمكان إثباته
أو غير ذلك، فجوز الشهيد الثاني الاحتساب عليه (4)، وتنظر فيه في
المدارك (5)، وجعله في الذخيرة في موقعه (6)، وهو كذلك، بل عدم جواز
الاحتساب أقوى.
د: لو كان الدين على من يجب على المزكي الانفاق عليه جاز له
القضاء عنه والمقاصة حيا كان أو ميتا، بلا خلاف يوجد، كما مر في بيان
اشتراط كون الفقير غير واجبي النفقة.

(1) النهاية 188، الحلي في السرائر 1: 462، المحقق في المعتبر 2: 576،
المختلف: 183، المنتهى 1: 521، اللمعة (الروضة 2): 48.
(2) النساء: 11.
(3) الوسائل 19: 329 أبواب الوصايا ت 28.
(4) المسالك 1: 60.
(5) المدارك 5: 228.
(6) الذخيرة 465.
345

ه‍: لو كان دين لغني عليه زكاة على فقير علم باشتغاله بالزكاة، فإن
احتمل الفقير أداء الغني زكاته فهو، وإن علم أنه لم ينو الأداء جاز له أن
يقاص دينه لزكاته، بل يجب إن لم يتمكن من إبرأ ذمته بنحو آخر، من
باب استخلاص حق الفقراء والأمر بالمعروف.
المسألة السابعة: يجوز تولي المالك إيصال الزكاة إلى مستحقها
بنفسه، على الحق المشهور، كما صرح به جماعة (1)، بل عن ظاهر التذكرة
والمنتهى الاجماع عليه (2)، وكذا عن الغنية في زمن الغيبة (3)، وفي المبسوط
والخلاف نفى الخلاف فيه في الأموال الباطنة، كزكاة النقدين والتجارات (4).
وفي كتاب قسمة الصدقات من الخلاف: الاجماع على جواز توليه
مطلقا (5).
للأصل والعمومات (6)، ولقوله سبحانه: (إن تبدو الصدقات فنعما
هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) (7)، إلا أنه ورد في الأخبار
الكثيرة تخصيص ما يخفى بغير الزكاة (8).
وما مر من احتساب رب الزكاة دينه للزكاة، ومن أداء دين الأب من
الزكاة.
وما دل على جواز اشتراء الرجل من زكاته مملوكا يباع واشتراء الأب.

(1) انظر: الحدائق 12: 221، والذخيرة: 465.
(2) التذكرة 1: 241، المنتهى 1: 514.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 568.
(4) المبسوط 1: 233 و 244، الخلاف 4: 225.
(5) الخلاف 4: 225.
(6) انظر: الوسائل 9: 217 و 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 4 و ب 36.
(7) البقرة: 217.
(8) الوسائل 9: 392 و 395 أبواب الصدقة ب 12 و ب 13.
346

والأخبار الدالة على ذلك بخصوصه، كحسنة زرارة ومحمد، الواردة
في بيان مصرف الزكاة، وفيها: (فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا
فأعطه دون الناس) (1).
ورواية أبي بصير، وفيها: (فلو أن رجلا حمل زكاة ماله على عاتقه
فقسمها علانية كان ذلك حسنا جميلا) (2).
ورواية إسحاق بن عمار: لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضل بعضهم
على بعض، فيأتيني إبان الزكاة أفأعطيهم منها؟ قال: (مستحقون لها؟)
قلت: نعم، قال: (هم أفضل من غيرهم، أعطهم) (3).
ورواية الصهباني: هل يجوز لي يا سيدي أن أعطي الرجل من إخواني الزكاة
الدرهمين والثلاثة دراهم فقد اشتبه ذلك علي؟ فكتب: (ذلك جائز) (4).
وفي الروايات الكثيرة (أعطه من الزكاة حتى تغنيه) (5).
وما ورد من الأخبار الدالة على الأمر بإيصال الزكاة إلى المستحقين (6)،
وعلى نقل الزكاة من بلد إلى آخر مع عدم وجود المستحق (7)، وعلى التوكيل
في تفريق الزكاة (8)، وغير ذلك من الأخبار المتكثرة في الأبواب العديدة.

(1) الكافي 3: 496 / 1، التهذيب 4: 49 / 128، الوسائل 9: 209 أبواب
المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.
(2) الكافي 3: 501 / 16، التهذيب 4: 104 / 297، الوسائل 9: 309 أبواب
المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.
(3) الكافي 3: 551 / 1، التهذيب 4: 100 / 283، الإستبصار 2: 33 / 100،
الوسائل 9: 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 2.
(4) التهذيب 4: 63 / 169، الإستبصار 2: 38 / 118، الوسائل 9: 258 أبواب
المستحقين للزكاة ب 23 ح 5.
(5) الوسائل 9: 259 أبواب المستحقين للزكاة ب 24.
(6) الوسائل 9: 217 أبواب المستحقين للزكاة ب 4.
(7) الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37.
(8) الوسائل 9: 284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38.
347

خلافا للمفيد والحلبي، فأوجبا الدفع إلى الإمام أو عامله مع حضوره،
وإلى الفقيه الجامع للشرائط مع الغيبة (1).
وللقاضي وابن زهرة، فخصا وجوب الدفع إلى الإمام في زمان
الحضور، وجوزا قسمة المالك في زمن الغيبة (2).
لقوله سبحانه: (خذ من أموالهم صدقة) (3).
ولمطالبة أبي بكر الزكاة وقتاله عليها مع عدم إنكار الصحابة (4).
ولأمر النبي صلى الله عليه وآله والولي عمالهما بأخذ الصدقات
وجبايتها، كما هو المعلوم من سيرتهما في حياتهما، والمنصوص عليه في
الروايات الكثيرة (5).
ويرد الأول: بأن غايته وجوب الدفع مع المطالبة، وهو لا يستلزم
وجوبه قبلها، مع أن الضمير عائد إلى من تقدم في قوله سبحانه:
(وآخرون خلطوا عملا صالحا) (6)، ولا يلزم من وجوب الأخذ عنهم
الأخذ من غيرهم.
وأيضا لا يتعين أن تكون الصدقة هي الزكاة، بل هي أموال يعطونها
لتكون كفارة لما أذنبوه من التخلف، فإنه روي: أنهم قالوا: يا رسول الله، هذه
أموالنا التي خلفتنا منك فتصدق بها عنا وطهرنا واستغفر لنا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
(ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا) فأنزل الله تعالى... الآية (7).

(1) المفيد في المقنعة: 252، الحلبي في الكافي في الفقه: 172.
(2) القاضي في المهذب 1: 171، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.
(3) التوبة: 103.
(4) تأريخ الطبري 2: 476، 495، 502.
(5) انظر: الوسائل 9: 9 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1 ح 1. ص 129 أبواب زكاة الأنعام ب 14.
(6) التوبة: 102.
(7) مجمع البيان 3: 67.
348

وأيضا الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يعلم مساواة الأئمة له، ولو
علم فلا يتعدى إلى غيرهم - كما هو المفيد لنا - قطعا، فيمكن أن يكون
ذلك مختصا بهم، بل بحال ظهور سلطانهم ليكون عونا لهم على المصالح
والعساكر، كما ذكره في الحدائق (1).
ويدل عليه المروي في العلل: أقبل رجل إلى الباقر عليه السلام، فقال:
رحمك الله، اقبض مني هذه الخمسمائة درهما فضعها في مواضعها، فإنها
زكاة مالي، فقال عليه السلام: (بل خذها أنت وضعها في جيرانك والأيتام
والمساكين، وفي إخوتك من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه
يقسم بالسوية) (2) الحديث.
وبهذا يظهر الجواب عن الأخيرين أيضا، مع أن عدم إنكار جميع
الصحابة على أبي بكر غير مسلم، مضافا إلى أن مقاتلته كانت لامتناعهم من
أداء الزكاة مطلقا.
فروع:
أ: كما يجوز للمالك التقسيم يجوز له التوكيل والاستنابة فيه، للأخبار
المستفيضة، كموثقة سعيد: الرجل يعطى الزكاة يقسمها في أصحابه، أيأخذ
منها شيئا؟ قال: (نعم) (3)، وبمضمونها حسنة الحسين (4)، وصحيحة
البجلي (5).

(1) الحدائق 12: 223.
(2) العلل: 161 / 3، الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 36 ح 1.
(3) الكافي 3: 555 / 1، الوسائل 9: 287 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 1.
(4) الكافي 3: 555 / 2، التهذيب 4: 104 / 295، الوسائل 9: 288 أبواب
المستحقين للزكاة ب 40 ح 2.
(5) الكافي 3: 555 / 3، التهذيب 4: 104 / 296، المقنعة: 261، الوسائل 9:
288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 3.
349

وكصحيحة جميل: في الرجل يعطي غيره الدراهم ليقسمها، قال:
(يجري له مثل ما يجري للمعطي، وينقص المعطي من أجره شئ) (1).
وفي رواية صالح بن رزين، عن شهاب: إني إذا وجبت زكاتي
أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسمها، قال: (نعم، لا بأس بذلك) (2).
والأخبار الكثيرة المتقدمة في بحث تلف الزكاة التي بقيت عند
غيره (3).
وفي رواية ابن يقطين: عمن يلي الصدقة العشر على من لا بأس به،
فقال: (إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها، وإن لم يكن ثقة فخذها منه
وضعها في مواضعها) (4).
والمستفاد من الأخيرة وجوب كون الوكيل أو النائب ثقة ولا ريب
فيه، بل يلزم عدالته، لعدم الوثوق بغير العادل.
ب: صرح جماعة - منهم: الفاضلان والشهيدان - باستحباب الدفع
في زمان الغيبة إلى الفقيه الجامع للشرائط (5)، وعن الخلاف: الاجماع عليه،
لفتوى الأعيان ونقل الاجماع والخروج عن شبهة الخلاف، ولأنه أبصر
بمواقعها وأخبر بمواضعها.
ج: لو طلبها الفقيه لا يجب الدفع إليه، إلا إذا كان الراجح عنده

(1) الكافي 4: 18 / 3، الفقيه 2: 40 / 176، الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة
ب 35 ح 2 و 3.
(2) الكافي 4: 17 / 1، الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 35 ح 1.
(3) الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 39.
(4) الكافي 3: 539 / 6، الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 35 ح 1.
(5) المحقق في الشرائع 1: 164، والمعتبر 2: 578، العلامة في المنتهى 1:
514، والمختلف: 187، الشهيد الأول في الدروس 1: 246، والبيان: 323
واللمعة (الروضة 2): 53، الشهيد الثاني في المسالك 1: 61.
350

وجوب الدفع إليه، وكان رب الزكاة مقلدا له، ولا يجوز له الطلب الحتمي
أيضا إلا مع علمه بوجودها عنده وعدم إقدامه على دفعها بنفسه.
المسألة الثامنة خلاف بين الأصحاب - كما صرح به جماعة (1) -
في عدم وجوب البسط على الأصناف، وأنه يجوز تخصيص جماعة من كل
صنف أو صنف واحد، بل شخص واحد من بعض الأصناف، وعن
الخلاف والتذكرة: الاجماع عليه (2).
وتدل عليه الأخبار العديدة من الصحاح وغيرها (3)، وفي تفسير
العياشي: عن الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل: (إنما الصدقات) إلى
آخر الآية، فقال: (إن جعلتها فيهم جميعا وإن جعلتها لواحد أجزأ
عنك) (4).
وليس في الآية حجة علينا، لأنها لبيان المصرف، واللام فيها
للاختصاص دون الملكية.
نعم، صرحوا بأفضلية البسط، ولا دليل عليه تاما سوى فتاوى
الأعيان.
المسألة التاسعة: يجوز تفضيل بعض الفقراء على بعض، للأصل،
بل يستحب في بعض المواضع.
كما يستحب ترجيح الأقارب وتفضيلهم على غيرهم كما مر في الفرع
الثامن من الوصف الثالث (5)، وأهل الفقه والعقل، لرواية عبد الله بن عجلان (6).

(1) انظر: الحدائق 12: 224، والذخيرة: 465.
(2) الخلاف 4: 266، التذكرة 1: 244.
(3) كما في الوسائل 9: 265 أبواب المستحقين للزكاة ب 28.
(4) تفسير العياشي 2: 90، الوسائل 9: 267 أبواب المستحقين للزكاة 28 ح 5.
(5) أي من أوصاف المستحقين للزكاة.
(6) الكافي 3: 549 / 1، الفقيه 2: 18 / 34، التهذيب 4: 101 / 285، الوسائل
9: 262 أبواب المستحقين للزكاة ب 25 ح 2.
351

ومن لا يسأل على من يسأل، لصحيحة البجلي (1).
ويستحب إغناء الفقير بالزكاة، للمستفيضة
وصرف صدقة المواشي إلى المتجملين ومن لا عادة له بالسؤال،
وصرف صدقة غيرها إلى الفقراء المدقعين، لرواية ابن سنان (2).
المسألة العاشرة: اختلفوا في جواز نقل الزكاة عن بلدها وعدمه.
فذهب المفيد والشيخ في المبسوط والاقتصاد والحلبي وابن حمزة
والفاضل في التحرير والمنتهى والمختلف والشهيد الأول في الدروس
والثاني في المسالك والروضة وحواشي القواعد وحواشي الإرشاد على ما
حكي عنهم (3) وأكثر متأخري المتأخرين (4) إلى الأول.
واختار في الخلاف والشرائع والارشاد والتذكرة واللمعة والبيان:
الثاني (5)، وفي الحدائق: أنه المشهور (6)، وعن التذكرة: إجماع علمائنا عليه (7).

(1) الكافي 3: 550 / 2، التهذيب 4: 101 / 284، الوسائل 9: 261 أبواب
المستحقين للزكاة ب 25 ح 1.
(2) الكافي 3: 550 / 3، التهذيب 4: 101 / 286، المحاسن: 304 / 13، العلل:
371 / 1، الوسائل 9: 263 أبواب المستحقين للزكاة ب 26 ح 1.
(3) المفيد في المقنعة: 240، المبسوط 1: 245 و 263، الإقتصاد: 279، الحلبي
في الكافي في الفقه: 173، ابن حمزة في الوسيلة: 130، التحرير 1: 70،
المنتهى 1: 529، المختلف 190، الدروس 1: 246، المسالك 1: 62،
الروضة 2: 40.
(4) كصاحب المدارك 5: 271، والسبزواري في الذخيرة: 466، وصاحب الرياض
1: 277.
(5) الخلاف 2: 28، الشرائع 1: 165، الإرشاد 1: 289، التذكرة 1: 244،
اللمعة (الروضة 2): 39، البيان 320.
(6) الحدائق 12: 239.
(7) التذكرة 1: 244.
352

والحق: هو الأول، للأصل، والاطلاقات، والمستفيضة، كمرسلة
ورواية درست: في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده، قال: (لا بأس
أن يبعث بالثلث أو الربع، شك أبو أحمد) (1).
وصحيحة هشام: في الرجل يعطى الزكاة يقسمها، أله أن يخرج
الشئ منها من البلد الذي هو به إلى غيره؟ قال: (لا بأس) (2).
وصحيحة أحمد بن حمزة: عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد
آخر ويصرفها إلى إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ قال (نعم) (3).
وفي موثقة وهب بن حفص: الرجل يبعث بزكاته من أرض إلى
أرض، فيقطع عليه الطريق، فقال: (قد أجزأت عنه، ولو كنت أنا
لأعدتها) (4).
حجة المانعين: حكاية الاجماع.
وأن فيه نوع تغرير بالزكاة وتعريضا لاتلافها، فيكون حراما.
وأنه مناف للفورية.
وصحيحة الحلبي: (لا تحل صدقة المهاجرين للأعراب، ولا صدقة
الأعراب للمهاجرين) (5).
وصحيحة الهاشمي: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم صدقة أهل

(1) الكافي 3: 554 / 6، الفقيه 2: 16 / 49، التهذيب 4: 46 / 120، الوسائل 9:
283 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 2.
(2) الكافي 3: 554 / 7، الفقيه 2: 16 / 50، الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين
للزكاة ب 37 ح 1.
(3) التهذيب 4: 46 / 122، الوسائل 9: 283 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 4.
(4) الكافي 3: 554 / 9، الوسائل 9: 287 أو بواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 6.
(5) الكافي 3: 554. 10، التهذيب 4: 108 / 309، المقنعة: 263، الوسائل 9:
284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 1.
353

البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر) (1).
وصحيحة ضريس: إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟
فقال: (أهل ولايتك)، فقال: إني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك،
فقال: (ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم) (2).
ورواية يعقوب بن شعيب: الرجل منا يكون في أرض منقطعة، كيف
يصنع بزكاة ماله؟ قال: (يضعها في إخوانه وأهل ولايته)، قلت: فإن لم
يحضره منهم فيها أحد؟ قال: (يبعث بها إليهم) (3).
ويضعف الأول: بعدم الحجية.
والثاني: باندفاعه بالضمان.
والثالث: بمنع وجوب الفورية، سلمنا لكن النقل شروع في الاخراج.
والرابع: بعدم الدلالة، إذ قد تكون صدقة المهاجر في أرض الأعراب
وبالعكس، وقد يحضر الأعراب في بلد المهاجر، والمهاجر في أرض
الأعراب.
وكذا الخامس، لأن أهل الحضر لا يتعين أن يكونوا من بلد واحد،
فيقسم صدقة أهل المدينة في أهل مكة، مضافا إلى قصورها عن إفادة
الوجوب.
وكذا السادس والسابع، بل لا وجه لتوهم دلالتهما وإن احتج بهما
للوجوب في الحدائق (4)، إلا أن يحمل أهل الولاية على أهل البلد. وهو
منه بعيد، فإن المراد به أهل الايمان الخاص، كما صرح به في

(1) الكافي 3: 554 / 8، التهذيب 4: 103 / 292، الوسائل 9: 284 أبواب
المستحقين للزكاة ب 38 ح 2.
(2) الكافي 3: 555 / 11، الوسائل 9: 284 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 5.
(3) التهذيب 4: 46 / 121، الوسائل 9: 283 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 5.
354

الروايات (1). أو يستنبط من قول الراوي: إني في بلاد، إلى آخره، وقوله:
فإن لم يحضره، إلى آخره، حيث إنه لو جاز النقل لما احتاج إلى السؤال.
وفيه: أنه في كلام الراوي، ولم يدل على اعتقاده بحرمة النقل حتى يفيد
التقرير.
فروع:
أ: لو نقلها أجزأته إذا وصلت إلى الفقراء على القولين، بلا خلاف
كما قيل (2)، بل بالاجماع كما في المنتهى والتذكرة والمختلف (3) وغيرها (4)،
للأصل، وصدق الامتثال وإن أثم بالنقل على القول الثاني.
واحتمل في الروضة عدم الاجزاء، لتعلق النهي (5).
وفيه: أنه تعلق بالاخراج دون الدفع بعده.
ب: ما مر من الخلاف إنما هو مع وجود المستحق في البلد، وأما
مع إعوازه فيجوز إجماعا كما عن التذكرة والمنتهى (6)، للأصل،
وتوقف الدفع الواجب عليه، وصحيحة ضريس ورواية يعقوب المتقدمتين،
وغيرهما (7).
ولو احتمل حضور مستحق في البلد، فهل يتعين عليه النقل، أو
يتخير؟

(1) الوسائل 9: 216. 221 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 5.
(2) الحدائق 12: 241.
(3) المنتهى 1: 529، التذكرة 1: 244، المختلف 2: 190.
(4) المدارك 5: 269.
(5) الروضة 2: 40.
(6) التذكرة 1: 244، المنتهى 1: 529.
(7) الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37.
355

اختار في الذخيرة: الأول (1)، لوجوب مقدمة الواجب.
وفيه: منع التوقف لو احتمل الحضور.
وحكي عن الإرشاد: الثاني، وفي النسبة نظر، واختاره بعض آخر،
للأصل.
وهو حسن، لولا الأمر بالبعث في صحيحة ضريس، فتأمل.
ج: هل جواز النقل على المختار مخصوص بصورة عدم خوف
التلف، أو مطلق؟
صرح الحلبي وابن زهرة - على ما حكي عنهما - بالأول، إلا مع إذن
الفقير (2). وظاهر إطلاقات الفتاوى: الثاني (3).
د: ظاهر القائلين بعدم جواز النقل وجوب التقسيم في البلد لا في
أهل البلد، فيجوز الدفع في البلد إلى الغرباء وأبناء السبيل، ونفى عنه الشبهة
بعض الأجلة (4).
ه‍: لو أخرج الزكاة عن البلد فتلفت يضمن مع وجود المستحق في
البلد لا مع إعوازه، كما مر بيانه في مسألة تلف الزكاة.
و: قال في المنتهى بكراهة النقل (5)، وحكي عن ابن حمزة أيضا (6)،
دفعا لشبهة الخلاف، ولا بأس به، له، ولدعوى الاجماع على استحباب
الصرف في بلد المال (7).

(1) انظر: الذخيرة: 466.
(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 173، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.
(3) انظر: الشرائع 1: 165، والتذكرة 1: 244، والبيان: 320.
(4) غنائم الأيام: 342.
(5) المنتهى 1: 529.
(6) الوسيلة: 140.
(7) كما في المدارك 5: 271.
356

ز: قال في المنتهى باستحباب الدفع إلى أقرب الأماكن إذا نقلها (1)،
وعن المعتبر والمسالك: تقديم الأقرب فالأقرب (2)، ولا يحضرني وجهه.
ح: المراد بالبلد الذي اختلف فيه كما ذكرنا: بلد المال، أي البلد
الذي فيه المال الزكوي حال استجماع الشرائط من الحول وغيره، وإن كان
قبله بلد آخر.
ط: لو نقل لا يجوز احتساب الأجرة من الزكاة، إلا إذا تعين النقل،
لعدم وجود المستحق في البلد.
ى: لو كان المالك في غير بلد المال يجب صرفه في بلد المال،
على القول بتحريم النقل، ويستحب على المختار. ويجوز نقله إلى بلده.
ولو دفع العوض في بلده جاز أيضا على المختار، بل صرح به في
الشرائع مع اختياره حرمة النقل (3)، بل في المدارك: أنه لا خلاف فيه بين
الأصحاب (4).
ولعل الوجه: أن سبب التحريم كان التغرير والتأخير، وهما منتفيان
حينئذ.
نعم، لو كان الاستناد في المنع إلى الأخبار اتجه عدم جواز دفع
العوض أيضا.
يا: نقل الزكاة إنما يتحقق بنقل جميع المال الزكوي قبل ضمان المثل
المثل أو القيمة أو التبديل، أو بنقل بعض المال بدون قصد كونه لنفسه
فينقل حينئذ قدر الحصة من الزكاة أيضا، أو بنقل قدر الفريضة بعد إفرازها
عينا، أو بدلا لو قلنا بجوازه مطلقا، أو في الجملة كما يأتي.

(1) المنتهى 1: 529.
(2) المعتبر 2: 589، المسالك 1: 62.
(3) الشرائع 1: 165.
(4) المدارك 5: 271.
357

المسألة الحادية عشرة: أجرة الكيل والوزن على المالك، على
الأظهر الأشهر، كما صرح به جمع ممن تأخر (1)، لتوقف الدفع الواجب
عليه عليها، فيكون عليه من باب المقدمة.
خلافا للمحكي عن المبسوط (2)، لأنه سبحانه أوجب على المالك
قدرا معلوما من الزكاة، فلو وجبت الأجرة عليه لزم أن يزاد الواجب على
القدر الذي وجب.
وفيه: أن تقدير الواجب بالأصالة بقدر لا يقتضي عدم وجوب شئ
آخر عليه من باب المقدمة في بعض الأحيان.
المسألة الثانية عشرة: لو اجتمعت للمستحق أسباب - كأن يكون
فقيرا وعاملا وغارما - يجوز أن يعطى بكل سبب نصيب، لصدق هذه
العنوانات عليه، فيدخل تحت عموم الآية (3) والأخبار (4).
وأما ما في الحدائق، من التوقف في الحكم، لعدم دليل عليه،
ولا دعاء تبادر تغاير هذه الأفراد من الآية والروايات، لأنه الشائع المتكثر،
ولأنه متى أعطي من حيث الفقر ما يغنيه ويزيد على غناه فكيف يعطى من
حيثية أخرى مع اشتراط الغرم مثلا بالعجز عن الأداء (5)؟!.
ففاسد جدا، لوجود الدليل كما مر، ومنع التبادر المذكور جدا، وعدم
استلزام الاعطاء من حيث الفقر القدرة على الأداء مثلا، وأيضا العمل لا
يشترط بعجز أو فقر، وبالجملة ضعفه ظاهر.
المسألة الثالثة عشرة: يستحب للعامل والفقيه والفقير الدعاء للمالك

(1) منهم السبزواري في والذخيرة: 469.
(2) المبسوط 1: 256.
(3) التوبة: 61.
(4) الوسائل 9: 209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1.
(5) الحدائق 12: 251.
358

بعد أخذ الزكاة، أما من حيث استحباب الدعاء مطلقا فظاهر، وأما من جهة
خصوص المورد فلفتوى جمع من الأصحاب (1).
ولا يجب قطعا، للأصل، وعدم الدليل سوى الآية المخصوصة
بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم خطابا وتعليلا بقوله سبحانه: (إن صلاتك سكن لهم) (2).
مضافا إلى عدم معلومية شمول مرجع الضمير لجميع المؤمنين، وعدم
صراحة الآية في كون الصلاة المأمور بها لأجل أداء الزكاة وبعد قبضها، بل
عدم ظهورها فيه أيضا.
المسألة الرابعة عشرة: يكره لرب الزكاة تملك ما أخرجه في الصدقة
الواجبة أو المندوبة، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة (3)، بل مطلقا كما في
المنتهى (4)، بل بالاجماع كما في المدارك (5).
أما الجواز: فللأصل المؤيد بنقل الاجماع من جماعة (6)، وإطلاق
قوله سبحانه: (إلا أن تكون تجارة عن تراض) (7).
ورواية محمد بن خالد: (إذا أخرجها - يعني الشاة - فليقومها فيمن
يريد، فإذا قامت على ثمن، فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها، وإن لم يردها
فليبعها) (8).

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 244، المحقق في المختصر النافع: 60، العلامة في
المنتهى 1: 531.
(2) التوبة: 103.
(3) الذخيرة: 469.
(4) المنتهى 1: 531.
(5) المدارك 5: 284.
(6) منهم العلامة في المنتهى 1: 530، والتذكرة 1: 242، وصاحب الرياض: 1
288.
(7) النساء: 29.
(8) التهذيب 4: 98 / 276، الوسائل 9: 131 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 3.
359

وأما الكراهة: فلما مر من نفي الخلاف والاجماع المنقول الكافيين
في مقام المسامحة، المؤيدين ببعض وجوه اعتبارية صالحة لحكمة الحكم.
والكراهة إنما هي إذا تملكها اختيارا، وأما لو عاد إليه بميراث وشبهه
فلا كراهة فيه على ما صرحوا به (1). ونفى عنه الخلاف في المنتهى (2)،
للأصل، واختصاص دليل المنع بغير هذا الفرض.
وكذا لو احتاج إلى شرائها، بأن يكون الفرض جزء من حيوان لا
يمكن للفقير الانتفاع به ولا يشتريه غير المالك، أو يحصل للمالك ضرر
بشراء الغير، فإنه تزول الكراهة حينئذ إجماعا، كما عن المنتهى
والتذكرة (3).

(1) كما في المعتبر 2: 591، والتذكرة 1: 242، والذخيرة: 469.
(2) المنتهى 1: 531.
(3) المنتهى 1: 531، والتذكرة 1: 242.
360

الفصل الرابع
في وقت إخراجها، وتسليمها، وما يعتبر فيهما
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قد عرفت أن وقت تعلق وجوب الزكاة الاستقراري
- فيما يعتبر فيه الحول -: حولان الحول الشرعي، وفي الغلا ت: التسمية.
وأما وقت وجوب الاخراج، ففي الأول: هو وقت الوجوب، وفي
الثاني: وقت التصفية ويبس الثمرة، بمعنى: أنه يصح الاخراج حينئذ.
بالاجماع، والأخبار، كموثقة يونس: زكاتي تحل علي في شهر،
أيصلح لي أن أحبس شيئا منها مخافة أن يجيئني من يسألني؟ فقال: (إذا
حال الحول فأخرجها من مالك، ولا تخلطها بشئ، ثم أعطها كيف شئت) (1).
وصحيحة سعد بن سعد: عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في
ثلاث أوقات، أيؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ قال: (متى حلت
أخرجها)، وعن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى يجب على
صاحبها؟ قال: (إذا صرم وإذا خرص) (2).
ورواية أبي حمزة: عن الزكاة تجب علي في موضع لا يمكنني
أداؤها، قال: (اعزلها) (3) إلى آخر الحديث.
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على عدم الوجوب قبل الحول، وأنه

(1) الكافي 3: 522 / 3، التهذيب 4: 45 / 119، الوسائل 9: 307 أبواب المستحقين
للزكاة ب 52 ح 2.
(2) الكافي 3: 523 / 4، الوسائل 9: 306 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 1.
(3) الكافي 4: 60 / 2، الوسائل 9: 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 3.
361

يزكي بعد حولان الحول (1)، وهي كثيرة.
وهل الوجوب فوري، أم لا؟ فيه أقوال ثلاثة:
وجوب الاخراج والدفع فورا، وإليه ذهب الفاضلان (2)، وهو ظاهر
المقنعة (3)، وفي المنتهى الاجماع عليه (4).
وعدمهما كذلك، اختاره الحلي والشهيدان والمدارك والذخيرة (5)،
وفي السرائر: الاجماع عليه ونفي الخلاف فيه.
ووجوب العزل والاخراج فورا دون الدفع والتسليم، فيجوز فيه التأخير،
وهو صريح الشيخ في المبسوط والنهاية (6)، ونسبه في التذكرة إلى المفيد
أيضا (7)، وهو الأقوى.
أما وجوب العزل والاخراج، فلموثقة يونس المتقدمة، ورواية أبي
حمزة، فإنه إذا وجب العزل مع عدم إمكان الأداء وجب بدونه بالطريق
الأولى، والاجماع المركب.. وليس استفادة فورية الاخراج منهما من مجرد
الأمر بالاخراج العزل، لأنه لا يفيد الفور، بل بقرينة المقام وسياق الرواية.
وأما عدم وجوب الدفع فورا، فللأصل السالم عن المعارض جدا،
ولموثقة يونس، وللمستفيضة الآتية المصرحة بجواز تأخير الزكاة مطلقا أو
مقيدا بمدة - إما بحملها على الدفع، جمعا بينها وبين ما ظاهره الفور، بحمله

(1) الوسائل 9: 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51.
(2) المحقق في المعتبر 2: 553، والشرائع 1: 167، العلامة في التحرير 1: 66،
والتذكرة 1: 337.
(3) المقنعة: 240.
(4) المنتهى 1: 510.
(5) الحلي في السرائر 1: 454، الشهيد في الدروس 1: 245، والبيان: 324،
الشهيد الثاني في الروضة 2: 39، المدارك 5: 289، الذخيرة: 428.
(6) المبسوط 1: 234، النهاية: 183.
(7) التذكرة 1: 238.
362

على الاخراج بشهادة الموثقة، أو لعدم تعين المجوز تأخيره فيها هل هو
الاخراج أو الدفع، ولكنه يتضمن الدفع قطعا، لأن جواز تأخير الاخراج
يستلزم جواز تأخير الدفع ولا عكس - وللأخبار المتقدمة الدالة على جواز
بعث الزكاة من بلد إلى آخر من غير استفصال لوجود المستحق وعدمه.
احتج الأولون: بالاجماع المنقول (1).
والأمر بإيتاء الزكاة، وهو للفور.
ومطالبة المستحق بشاهد الحال، فيجب التعجيل كالدين.
ولقوله في حسنة محمد: (إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو له
ضامن حتى يدفعها) (2).
وصحيحة سعد المتقدمة (3).
ومفهوم الغاية في الأخبار المتكثرة الناطقة: بأنه لا زكاة عليه، أو لا
يزكيه حتى يحول الحول (4).
والمشبهة لها بالصلاة والصوم في عدم جواز التأخير عن الوقت إلا
قضاء، كما في حسنة عمر بن يزيد: الرجل يكون عنده المال، أيزكيه إذا
مضى نصف السنة؟ قال: (لا، ولكن حتى يحول عليه الحول ويحل عليه،
إنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها وكذلك الزكاة، ولا يصوم أحد شهر
رمضان إلا في شهره إلا قضاء) (5).

(1) انظر: المنتهى 1: 510.
(2) الكافي 3: 553 / 1، الفقيه 2: 15 / 21، التهذيب 4: 47 / 125، الوسائل 9:
285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 1.
(3) في ص: 361.
(4) كما في الوسائل 9: 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51.
(5) الكافي 3: 523 / 8، التهذيب 4: 43 / 110، الإستبصار 2: 31 / 92،
الوسائل 9: 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 2.
363

والمروي في مستطرفات السرائر عن نوادر ابن محبوب: (إن كنت
تعطي زكاتك قبل حلها بشهر أو شهرين فلا بأس، وليس لك أن تؤخرها
بعد حلها) (1).
والرضوي: (إني أروي عن أبي في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة
أشهر، إلا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك، ولا يجوز لك
تقديمها ولا تأخيرها، لأنها مقرونة بالصلاة، ولا يجوز لك تقديم الصلاة
ولا تأخيرها إلا أن تكون قضاء، وكذلك الزكاة) (2).
والأول: مردود بمنع الحجية، سيما مع معارضته بمثله.
والثاني: بمنع الفورية.
والثالث: بمنع الملازمة، والقياس على الدين باطل، لوجود الفارق،
وهو أنه حق لمعين، بخلاف هذه.
والرابع: بعدم استلزام الضمان للإثم.
والخامس: بعدم الدلالة على الوجوب أولا، وعلى وجوب الأداء
والدفع ثانيا، وغايته وجوب الاخراج وهو مسلم.
والسادس: بأن غاية ما يدل عليه وجوب الزكاة بعد الحول ولا كلام
فيه، وإنما الكلام في التضيق، سلمنا ذلك، ولكن وجوب الزكاة لا يستلزم
وجوب الدفع، بل تتحقق التزكية بالاخراج.
ومنه يظهر رد الثلاثة الأخيرة.
مضافا إلى ما في الأول (3) من عدم الدلالة إلا على عدم جواز التقديم

(1) مستطرفات السرائر: 99 / 25، الوسائل 9: 308 أبواب المستحقين للزكاة ب 52
ح 4.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 197، مستدرك الوسائل 7: 130 أبواب المستحقين للزكاة
ب 29 ح 1.
(3) أي الأول من الثلاثة الأخيرة، وهو السابع بالأحرى.
364

في قوله: (ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها)، فيدل على أن الزكاة أيضا
لا تؤدى إلا لوقتها، والمعلوم من وقتها أنه بعد الحول وليس قبله وقت،
وأما تحديده بحد بعده فعين المتنازع فيه. وأما قوله: (ولا يصوم) إلى
آخره، فالمطلوب منه أيضا أنه لا صوم إلا في غير وقته إلا بعنوان القضاء،
فكذلك الزكاة، فلا زكاة في غير وقته، ولكن الكلام في تعيين الوقت.
وما في الأخيرين من الضعف المانع عن الحجية.
وما في الأخير من الاجمال الحاصل من مدافعة أوله مع ما بعده.
والجمع بين الأول وما بعده - بالتفرقة بين العذر وغيره - غير معلوم،
لجواز الجمع بالتفرقة بين الأصل والرخصة - كما ورد في عبارة المفيد (1) -
أو بين الاعطاء والاخراج، بحمل الأول على الأول والثاني على الثاني، بأن
يراد من الدفع: الدفع من المال.
ومن جميع ما ذكرنا ظهر أنه لا حاجة في الجواب عن هذه الأخبار
بلزوم حملها على العزل للجمع بينها وبين ما مر حتى يقال: إن الجمع
بذلك فرع التكافؤ وهو هنا مفقود، لاستفاضة هذه الأخبار وشهرتها،
وحكاية الاجماع، واحتمال ورود ما مر للتقية، فإن جواز التأخير محكي
عن أبي حنيفة (2).
مع ما في بعض ما مر من الوهن، فإن الموثقة تتضمن جواز الاكتفاء
عن العزل بالكتابة والاثبات، مع أن الظاهر أنه ليس مراد القائلين به، وبعض
أخبار جواز تأخير الزكاة تتضمن جواز تقديمها أيضا (3). وهو غير جائز.
مع أنه يمكن التفصي عن هذه الأمور أيضا بمنع فقد التكافؤ،

(1) في المقنعة: 240.
(2) كما في المغني لابن قدامة 2: 541.
(3) الوسائل 9: 308 أبواب المستحقين للزكاة ب 53.
365

كيف؟! مع أن أخبار جواز تأخير الدفع أكثر، وكثير منها صحاح، والشهرة
المتأخرة (1) معها، والاجماع المنقول في السرائر يعضدها (2)، ومحض
ترجيح الشهرة المتقدمة - لو سلمت - على المتأخرة لا يوجب منع التكافؤ،
سيما مع ما عرفت في أخبار المنع من فقد الدلالة.
والجواز وإن كان مذهب أبي حنيفة، ولكن عدمه أيضا مذهب
الشافعي وأحمد كما في المنتهى والتذكرة (3)، ومجرد أشهرية مذهب أبي
حنيفة في بعض الأعصار لا يصلح قرينة لحمل أخبار الجواز على التقية.
وأما تضمن الموثقة وبعض أخبار التأخير لما ذكر فلا يوجب وهنا في
سائر أجزاء الخبر، كما هو القاعدة المسلمة، مع أن الموثقة ليست دالة على
جواز الاكتفاء عن العزل بالكتابة والثبت، لاحتمال أن يكون المراد كتابة
المعزول وتثبيته بعد عزله، وتقديم الزكاة في بعض الأخبار لو لم يجز
محمول على سبيل القرض كما يأتي.
استدل الثاني: بالأصل.
وبموثقة يونس المتقدمة (4) وصحيحة ابن سنان: في الرجل يخرج
زكاته فيقسم بعضها ويبقي بعض يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوله
وآخره ثلاثة أشهر، قال: (لا بأس) (5).
وصحيحة حماد: (لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين) (6).

(1) انظر رقم 5 من ص: 362.
(2) السرائر 1: 454.
(3) المنتهى 1: 510، التذكرة 1: 237.
(4) في ص: 361.
(5) الكافي 3: 523 / 7، التهذيب 4: 45 / 118، الوسائل 9: 308 أبواب المستحقين
للزكاة ب 53 ح 1.
(6) التهذيب 4: 44 / 114، الإستبصار 2: 32 / 96، الوسائل 9: 302 أبواب
المستحقين للزكاة ب 49 ح 11.
366

وصحيحة ابن عمار: الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان
فيؤخرها إلى المحرم قال: (لا بأس)، قال: قلت: فإنها لا تحل عليه إلا
في المحرم فيعجلها في شهر رمضان، قال: (لا بأس) (1).
ومرسلة الفقيه: قد روي في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر وستة
أشهر (2).
وعموم الأخبار المجوزة لبعث الزكاة إلى بلد آخر (3).
ويجاب عن الأصل باندفاعه - بالنسبة إلى الاخراج - بما مر.
وعن الموثقة بأنها مخصوصة بالدفع، وكذا صحيحة ابن سنان
والأخبار المجوزة للبعث.
وعن الصحيحة الأخرى والمرسلة بلزوم حملهما على الدفع،
للجمع، أو الاجمال كما مر، مع أنهما ظاهرتان في الدفع بقرينة التعجيل
والتقديم، فإن الظاهر أنهما تكونان في الدفع دون العزل.
فروع:
أ: أجمع القائلون بفورية الدفع أنها مع المكنة، وأما مع وجود العذر
- كفقد المستحق، أو غيبة المال، أو الخوف - فيجوز التأخير، وهو ظاهر.
وكذا وجوب الاخراج على ما اخترناه، فإنه أيضا مقيد بإمكان
الاخراج، ووجهه أيضا ظاهر.
ولا يقيد بإمكان الدفع فيجب العزل مع فقد المستحق، كما صرح به

(1) التهذيب 4: 44 / 112، الإستبصار 2: 32 / 94، الوسائل 9: 301 أبواب
المستحقين للزكاة ب 49 ح 9.
(2) الفقيه 2: 10 / 29، الوسائل 9: 303 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 15.
(3) الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37.
367

في رواية أبي حمزة (1).
ب: جعل في المحرر لابن فهد والتحرير والتذكرة والمنتهى والنهاية
للفاضل عدم وجود جميع الأصناف وإرادة البسط عذرا (2)، فجوزا معه
تأخير الزكاة بعد دفع نصيب الموجودين.
وفيه نظر، وليس في صحيحة ابن سنان دلالة على أن تأخير البعض
للبسط على الأصناف، بل الظاهر أن المراد منها بعض أفراد أخر، فإن كان
المراد بالبسط: البسط على الأفراد - كما هو محتمل بعض كلمات هؤلاء -
تصلح الصحيحة دليلا لتخصيص أخبار المنع إن تمت دلالتها عليه.
ج: وإذ عرفت جواز تأخير الدفع، فهل هو مطلق، كما هو ظاهر
السرائر (3).
أو مقيد بشهر أو شهرين، كما عن المبسوط والنهاية والشهيد الثاني
والمدارك والذخيرة (4)، وصرح به في صحيحة حماد؟
أو بثلاثة أشهر، كما يستفاد من صحيحتي ابن عمار وسنان.
أو بأربعة وستة؟ كما في المرسلة؟
الحق هو الأول، لعدم دليل على التقييد، والتقييد في الأخبار المذكورة لا
يدل على لزوم القيد أصلا، فإن نفي البأس عن تأخير مدة لا
يفيد ثبوته في غيره.
نعم، لو كانت أدلة المنع تامة وكنا نخصصها ببعض هذه الأخبار لأفاد
التقييد، ولكن قد عرفت عدم تماميتها.

(1) المتقدمة في ص: 361.
(2) التحرير 1: 66، التذكرة 1: 238، المنتهى 1: 511، نهاية الإحكام 2: 404.
(3) السرائر 1: 454.
(4) المبسوط 1: 234، النهاية، 183، الشهيد الثاني في المسالك 1: 62،
المدارك 5: 270، الذخيرة: 428.
368

نعم، الظاهر التقييد بعدم الأداء إلى الاهمال والدخول في عنوان
المتهاون بالأمر الواجب، كما صرح به بعضهم (1)، ولعله يحصل بالتأخير
أزيد من ستة أشهر، بل أربعة بل ثلاثة من غير عذر، وقد تختلف الحالات
والأوقات والأشخاص، وذلك هو وجه اختلاف الأخبار.
د: هل جواز التأخير مطلق، أو مقيد بانتظار راجح، كالتعميم، أو
الأفضل، أو الأحوج، أو معتاد الطلب؟
الظاهر: الأول، ولكن لا يبعد دخوله بالتأخير مدة مع عدم وجه
رجحان أصلا في المتهاون.
ه‍: ما مر إنما كان الكلام في الإثم وعدمه، وأما الضمان مع التلف
وعدمه فقد مر بيانه، وحاصله الضمان بتأخير الدفع مع وجود المستحق
والتمكن من الأداء، وعدمه بدونه.
المسألة الثانية: لا يجوز تقديم الزكاة قبل الوجوب، ولا يجزي عن
الواجب، وفاقا للصدوقين والشيخين والسيد والحلي والحلبي والإسكافي
والفاضلين والشهيدين (2)، وعامة المتأخرين (3)، بل القدماء عدا شاذ يأتي،
وفي الخلاف الاجماع عليه (4).
لأن الصحة موافقة الفعل لما تحقق الأمر به، ولم يتحقق أمر قبل

(1) كما في البيان: 324.
(2) الصدوق في المقنع: 51، حكاه عن والده في المختلف: 188، المفيد في
المقنعة: 240، الطوسي في النهاية: 183، والمبسوط 1: 227، السيد في جمل
العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 78، الحلي في السرائر 1: 453، الحلبي في
الكافي في الفقه 173، حكاه عن الإسكافي في المختلف، 188، المحقق في
المعتبر 2: 554، والشرائع 1: 167، العلامة في التذكرة 1: 238، والمختلف:
188.
(3) كفخر المحققين في الإيضاح 1: 200، والفاضل المقداد في التنقيح 1: 316.
(4) الخلاف 2: 43.
369

وقت الوجوب، وتحققه بعده لا يفيد في حصول الصحة.
ولأنه لو صح لزم إما عدم وجوب الزكاة بعد حصول الشرائط، أو
وجوبها ثانيا، والكل باطل.
أما الملازمة، فلأن الايجاب ليس إلا طلب الفعل، والطلب لا يكون
إلا مع عدم حصول المطلوب، فمع صحة ما قدمه إن لم يطلب الزكاة بعد
حول الحول مثلا لزم الأول، وإن طلب يلزم الثاني.
وأما بطلان اللازمين، فلمنافاة أوله للأخبار المصرحة بالوجوب بعد
حولان الحول، والتقييد بصورة عدم التقديم تقييد بلا دليل، ومنافاة ثانيه
للاجماع وإجزاء الأول.
ولأنه لو صح لزم عدم وجوب امتثال الأمر، لأن الامتثال لا يكون إلا
بالاتيان بالمأمور به بعد الأمر.
ولأن أداء الزكاة عبادة محتاجة إلى التوقيف، ولم يثبت في محل
البحث، للرضوي المتقدم في المسألة السابقة (1)، المنجبر ضعفه بالعمل.
ولحسنة عمر بن يزيد: الرجل يكون عنده المال، أيزكيه إذا مضى
نصف السنة؟ قال: (لا، ولكن حتى يحول الحول ويحل عليه، إنه ليس لأحد أن
يصلي صلاة إلا لوقتها، وكذلك الزكاة) (2) الحديث.
وحسنة زرارة: أيزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال: (لا،
أيصلي الأولى قبل الزوال؟!) (3).
والسؤال والجواب فيهما وإن احتمل أن يكون عن الوجوب أو الرجحان
ونفيهما، إلا أنه يتعين الجواز ونفيه بقرينة المقابلة للصلاة في الجواب.

(1) في ص: 364.
(2) تقدمت في ص: 363.
(3) الكافي 3: 524 / 9، التهذيب 4: 34 / 111، الإستبصار 2: 32 / 93، الوسائل 9:
305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 3.
370

والروايات النافية للزكاة قبل حولان الحول، كصحيحة محمد
الحلبي (1)، وموثقتي إسحاق بن عمار (2)، ولكنها محتملة لنفي الوجوب أو
الرجحان.
خلافا للمحكي عن العماني (3) والديلمي (4)، فجوزا التقديم، ويظهر
من المعتبر الميل إليه، ويظهر منه أيضا أنه مذهب المفيد (5)، وعبارته
صريحة في خلافه (6).
لروايات كثيرة، كمرسلتي الكافي والفقيه (7)، وصحاح ابني عمار (8)
وعثمان (9)، وأبي بصير (10)، ومرسلة الحسين (11)، ورواية أبي بصير (12)،

(1) الكافي 3: 525 / 2، التهذيب 35: 91، الوسائل 9: 305 أبواب المستحقين
للزكاة ب 51 ح 1.
(2) الأولى في: الكافي 3: 527 / 5، التهذيب 4: 34 / 89، الوسائل 9: 94
أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب 5 ح 3.
الثانية في: الكافي 3: 524 / 1، الوسائل 1: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة
ومن لا تجب عليه ب 5 ح 2.
(3) حكاه عن العماني في المختلف: 188.
(4) المراسم: 128.
(5) المعتبر 2: 556.
(6) المقنعة: 239.
(7) الكافي 3: 524 / 9، الفقيه 2: 17 / 55.
(8) التهذيب 4: 44 / 112، الإستبصار 2: 32 / 94، الوسائل 9: 301 أبواب
المستحقين للزكاة ب 49 ح 9.
(9) التهذيب 4: 44 / 114، الإستبصار 2: 32 / 96، الوسائل 9: 302 أبواب
المستحقين للزكاة ب 49 ح 11.
(10) التهذيب 4: 44 / 115، الإستبصار 2: 32 / 95، الوسائل 9: 302 أبواب
المستحقين للزكاة ب 49 ح 12.
(11) التهذيب 4: 44 / 113، الإستبصار 2: 32 / 95، الوسائل 9: 302 أبواب
المستحقين للزكاة ب 49 ح 10.
(12) الكافي 3: 523 / 6، الوسائل 9: 98 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب
عليه ب 6 ح 9.
371

والمروي في المستطرفات المتقدم (1).
والجواب - بعد تضعيفها بالشذوذ -: ومعارضتها مع ما مر، وترجيحه
بمخالفة أبي حنيفة والشافعي وأحمد الذين هم رؤساء العامة (2). وترجيحها
بالأشهرية رواية يعارض بترجيحه بالأشهرية فتوى، مع أن بعد احتمال إرادة
نفي الجواز من روايات نفي الزكاة قبل الحول لا يعلم أشهريتها رواية أيضا.
ثم لولا الترجيح لزم الرجوع إلى الأصول، وقد عرفت أنها مع عدم
الجواز.
وقد يجاب (3) أيضا بحملها على القرض، بشهادة المستفيضة،
كصحيحة مؤمن الطاق: في رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطي قبل رأس
السنة، قال: (يعيد المعطى الزكاة) (4).
ومرسلة الكافي: (يجوز إذا أتاه من يصلح له الزكاة أن يعجل له قبل
وقت الزكاة إلا أنه يضمنها إذا جاء وقت الزكاة وقد أيسر المعطي أو ارتد
أعاد الزكاة) (5).
وموثقة عقبة: يجيئني الرجل فيسألني الشئ وليس هو إبان زكاتي،
فقال له أبو عبد الله عليه السلام: (القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة، وماذا
عليك إذا كنت - كما تقول - موسرا أعطيته، فإذا كان إبان زكاتك احتسبت

(1) في ص: 364.
(2) راجع المغني لابن قدامة 2: 495، وكتاب الأم 2: 20، وبداية المجتهد 1:
274، والأشباه والنظائر: 419.
(3) كما في المختلف: 188.
(4) الفقيه 2: 15 / 44، التهذيب 4: 45 / 116، الإستبصار 2: 33 / 98، الوسائل
9: 304 أبواب المستحقين للزكاة ب 50 ح 1.
(5) الكافي 3: 524 / 9، الوسائل 9: 304 أبواب المستحقين للزكاة ب 50 ح 2.
372

بها من الزكاة) (1).
ومرسلة الفقيه: (قرض المؤمن غنيمة وتعجيل خير، إن أيسر قضاك،
ومات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة) (2)، وبمضمونها روايتا يونس بن
عمار وإبراهيم السندي (3).
والرضوي، وفيه - بعد التصريح بعدم جواز تقديم الزكاة -: (وإن
أحببت أن تقدم من مالك شيئا تفرج به عن مؤمن فاجعلها دينا عليه، فإذا
حلت وقت الزكاة فأحسبها له زكاة، فإنه يحسب لك من زكاة مالك،
ويكتب لك أجر القرض والزكاة) (4).
وهو وإن كان محتملا وفي مقام الجمع حسنا، إلا أن هذه الأخبار غير
معينة لإرادة ذلك من الأخبار المجوزة للتعجيل.
فروع:
أ: قد ظهر - من الأخبار المذكورة، وما تقدم في مسألة احتساب
الدين الذي على الفقير زكاة: - جواز القرض تعجيلا، واحتسابه من الزكاة
وقت الوجوب مع بقاء القابض على صفة الاستحقاق أو حصلت له.. وكذا
تجوز مطالبته بعوضه ودفعه إلى غيره ودفع غيره إلى غيره، لأن حكمه حكم
المديون. ولا يجب الاحتساب، لعدم دليل عليه، والتعبير بالأمر في
الرضوي لا يثبت الوجوب، لضعفه الخالي عن الجابر في المسألة.
ولو تغيرت حال القابض عند تحقق الوجوب - بأن فقد فيه أحد
شروط الاستحقاق - استأنف المالك الاخراج بلا خلاف، وله الاسترجاع من

(1) الكافي 3: 34 / 4، الوسائل 9: 304 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 2.
(2) الفقيه 2: 32 / 127، الوسائل 9: 299 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 1.
(3) تقدمتا في ص: 343 و 344.
(4) فقه الرضا (ع): 198، مستدرك الوسائل 7: 130 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
373

القابض، وإن لم يمكن غرم المالك الزكاة من ماله.
ب: لو قدم الزكاة جهلا بالمسألة، فإن كانت عينها باقية، له
استرجاعها واحتسابها من الزكاة.
وكذا إن لم تكن باقية، وعلم القابض بالحال، وكان هو عالما
بالمسألة، لأن الحال يشهد بعدم كونه مأذونا في الاتلاف.
وإن لم يكن عالما بالحال والمسألة فليس للمعطي مطالبة العوض ولا
الاحتساب، لعدم وجوب شئ في ذمة القابض.
ج: إذا استغنى القابض بعين المال وبقي مستغنيا به إلى وقت
الوجوب، لم يجز احتسابه عليه من جهة الفقر، لانتفائه، وفاقا للحلي (1)،
وخلافا للأكثر (2)، لوجوه ضعيفة.
نعم، يجوز الاحتساب من جهة الغرم، ويحتمل أن يكون ذلك أيضا
مراد الأكثر.
المسألة الثالثة: النية معتبرة في عزل الزكاة ودفعها إلى المستحق أو
الإمام أو الساعي أو وكيل نفسه، بإجماع العلماء، ولما مر في بحثي الطهارة
والصلاة.
ويجب اشتمالها على القربة، وتعيين كونه زكاة مندوبة أو واجبة مالية
أو فطرة إن تعدد ما في ذمته ولم يتعين من الخارج.
ولا يجب قصد الوجه، للأصل، ولا تعيين ما يخرج زكاته إذا تعدد
شخصا واتحد نوعا، كحنطة ضيعتين، أو تعدد نوعا واتحد جنس الفريضة،
كالشاتين، إحداهما لأربعين شاة، والأخرى لخمس من الإبل إذا دفع من

(1) في السرائر 1: 455.
(2) كالشيخ في المبسوط 1: 230، والمحقق في المعتبر 2: 557 والعلامة في
المنتهى 1: 513.
374

الشياه التي تعلقت بها الزكاة، ولو دفع من غيرها وجب تعيين المزكى، على
ما اخترنا من وجوب الدفع بالقيمة فيما يتعلق بالعين إذا أخرج من غيرها،
فيختلف حكم الفريضتين، فيجب التعيين.
ولو تعدد نوع المزكى والفريضتين معا - كالحنطة والشعير - يجب
تعيين الجنس المزكى، سواء أعطى من عين إحدى النوعين أو من غيرهما،
لوجوب قصد التبديل والقيمة لأحد النوعين في الأول، ولهما في الثاني،
فيختلف الحكم.
وأما ما ادعوه (1) من الاجماع على عدم وجوب تعيين الجنس، فثبوته
مما ذكرنا غير معلوم، بل مرادهم غيره قطعا.
فروع:
أ: لو دفع المالك إلى الإمام أو الفقيه أو الساعي أو الوكيل ونوى،
فهل تجب على الدافع إلى الفقير منهم أيضا النية؟
الظاهر: لا، للأصل، ولعدم كونه عبادة مخصوصة بالنسبة إليه، ولذا
تبرأ ذمته لو دفع رياء أو لعدم تمكنه من عدم الدفع، فلا يجب عليه
قصد أنه زكاة أو زكاة فلان أو القربة.
وهل تكفي نية أحد هؤلاء عن نية المالك؟
الظاهر: لا، لأن الزكاة عبادة للمالك، فلا بد من نيته، إلا إذا وكله
المالك في إخراج الزكاة من مال المالك.
ب: تلزم مقارنة النية للدفع أو تقدمها عليه مستدامة الحكم، ولو دفع
بغير نية فتجزئ النية بعده إذا كان مما له استرجاعه عينا أو بدلا، وإلا فلا،
والوجه واضح.

(1) كما في المنتهى 1: 516، والمدارك 5: 302، والرياض 1: 278.
375

ج: لو أخذت الزكاة من شخص كرها لا تعتبر نيته، والمعتبر نية
الأخذ عند الأخذ والدفع.
والوجه فيه: أن الأخذ منه من باب الأمر بالمعروف، فهو أمر واجب
على الأخذ ينوى عند الفعل، وأما المالك فهو قد ترك ما يجب عليه،
وتكون ذمته مشغولة بحق الفقراء، وبعد الأخذ منه كرها تبرأ ذمته، ولكنه لم
يمتثل ما كان يجب عليه، فهو كمديون اقتص منه فهو أثم وبرئ.
وقد ذكروا فروعا أخر في النية، ليس مزيد فائدة في ذكرها، والله
العالم، وصلى الله على رسوله وآله.
376

المقصد الثاني
في زكاة الفطرة
أي زكاة البدن، أو الدين، أو يوم الفطر، أو الزكاة التي هي الفطرة
على أن تكون الإضافة بيانية، وهذا بناء على ما ذكره البغدادي وصاحب
المغرب من أن لفظ الفطرة اسم لهذا المخرج (1).
وهي واجبة بالاجماع، والكتاب، والسنة، قال الله سبحانه: (قد
أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) (2)، قال في المنتهى: قال علماء
أهل البيت:: المراد زكاة الفطرة (3).
وقد نص الصادق 7 على أن المراد زكاة الفطرة (4).
ففي مرسلة الفقيه: عن قول الله عز وجل: (قد أفلح من تزكى)،
قال: (من أخرج الفطرة) (5).

(1) المغرب 2: 99، و ج 1 ص 233.
(2) الأعلى: 14 و 15.
(3) المنتهى 1: 531.
(4) انظر: مجمع البيان 5: 476.
(5) الفقيه 1: 323 / 1378، الوسائل 7: 450 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 4.
377

وفي تفسير القمي: (قد أفلح من تزكى) قال: (زكاة الفطرة) (1).
وفي صحيحة زرارة وأبي بصير: (إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة،
كما أن الصلاة على النبي وآله من تمام الصلاة، لأنه من صام ولم يؤد الزكاة
فلا صوم له إذا تركها متعمدا، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي وآله،
إن الله عز وجل بدأ بها قبل الصلاة، فقال: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم
ربه فصلى) (2).
والزكاة فيها وإن كانت مطلقة، إلا أن القرائن فيها قائمة على أن المراد
زكاة الفطرة من وجوه.
وأما الأخبار فمتواترة معنى، كما ستقف عليه في تضاعيف هذا
الباب.
ثم الكلام فيه إما فيمن تجب عليه، أو من تجب عنه، أو في
جنسها وقدرها، أو في وقتها، أو في مصرفها.
فها هنا خمسة أبحاث:

(1) تفسير القمي 2: 417.
(2) الفقيه 2: 119 / 515، التهذيب 4: 108 / 314، المقنعة: 264، الوسائل 9:
318 أبواب زكاة الفطرة ب 1 ح 5.
378

البحث الأول
فيمن تجب عليه
وهو المكلف الحر الغني عند غروب ليلة الفطر، فشرائط وجوبها أربعة:
الشرط الأول: التكليف بالبلوغ والعقل.
فلا تجب على الصبي والمجنون إجماعا، كما عن المعتبر والمنتهى
والتذكرة والتحرير، لحديث رفع القلم (1)، وأصالة عدم تكليف الولي.
مضافا في الأول إلى صحيحة محمد بن القاسم: الوصي يزكي زكاة
الفطر عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب: (لا زكاة على يتيم) (2).
وأما الأخبار (3) الدالة على وجوب الفطرة على الصغير والكبير فالمراد
وجوبها على المنفق عليهم.
ولا تجب على المغمى عليه أيضا إذا استوعب الاغماء وقت
الوجوب، لعدم توجه الخطاب إليه.
الشرط الثاني: الحرية.
فلا تجب على المملوك بالاجماع، حكاه جماعة (4)، ونسبه في
المنتهى إلى أهل العلم كافة إلا داود (5). وهو على القول بعدم تملك العبد

(1) المعتبر 2: 593، المنتهى 1: 531، التذكرة 1: 247، التحرير 1: 70.
(2) الكافي 4: 172 / 13، الفقيه 2: 115 / 495، التهذيب 4: 30 / 74، الوسائل
9: 326 أبواب زكاة الفطرة ب 4 ح 2.
(3) الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5.
(4) انظر: الخلاف 2: 130، والغنية (الجوامع الفقهية): 568.
(5) المنتهى 1: 532.
379

ظاهر، وأما على القول بتملكه فدليله آآ.
والأخبار الدالة على وجوب فطرته على مولاه (1).
وبما دل على أنه ليس في مال المملوك شئ (2).
وبصحيحة ابن سنان: مملوك في يده مال، أعليه زكاة؟ قال: (لا)
قلت: ولا على سيده؟ قال: (لا، إنه لم يصل إلى سيده، وليس هو
للمملوك) (3).
وببعض الروايات المصرحة: بأنه (تجب الفطرة على كل من تجب
عليه الزكاة) (4).
وفي الكل نظر، لاندفاع الأول بالعمومات مثل قوله عليه السلام: (الفطرة على
كل من أقتات قوتا) (5)، وقوله عليه السلام: (والفطرة عليك وعلى الناس كلهم) (6).
وظهور سياق الثاني - أي أخبار وجوب فطرته على مولاه - أنه من
جهة العيلولة.
وظهور الثالث في الزكاة المالية، لأنها التي تكون في المال، والفطرة
متعلقة بالذمة.
وكذا الرابع، لقوله: في يده مال وقوله: (لأنه لم يصل إلى سيده).

(1) الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5.
(2) الكافي 4: 542 / 1، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.
(3) الكافي 3: 542 / 5، الفقيه 2: 19 / 63 بتفاوت يسير، الوسائل 9: 62 أبواب
من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب 4 ح 4.
(4) المقنعة: 248، الوسائل 9: 325 أبواب زكاة الفطرة ب 4 ح 1.
(5) الكافي 4: 173 / 14، التهذيب 4: 78 / 220، الإستبصار 2: 42 / 136،
الوسائل 9: 344 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 4.
(6) التهذيب 4: 79 / 226، الإستبصار 2: 44 / 140، الوسائل 9: 342 أبواب زكاة
الفطرة ب 7 ح 4.
380

وعدم دلالة الخامس على أن من لا تجب عليه الزكاة لا تجب عليه
الفطرة إلا بمفهوم ضعيف.
فالمستند في الحكم ليس إلا الاجماع، ولازمه الاقتصار في موارد
الخلاف على المجمع عليه.
وعلى هذا، فلا تجب على القن والمدبر وأم الولد، وتجب على
المكاتب الذي لم يتحرر منه شئ، وفاقا للصدوق والذخيرة (1)، لما ذكر،
ولصحيحة علي (2).
ولا تعارضها مرفوعة أحمد: (يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه،
ورقيق امرأته، وعبده النصراني والمجوسي، ومن أغلق عليه بابه) (3)،
لظهور سياقها في العيلولة، مع عدم صراحتها في الوجوب، مع أنه مع
التعارض يرجع إلى العمومات.
وكذا تجب عليه فطرة زوجته وعبده، على القول بملكيته وعدم
عيلولتهم للمولى، لما ذكر.
الشرط الثالث: الغنى.
واشتراطه مذهب علمائنا أجمع، كما في المعتبر والمنتهى (4)، وإن
اختلفوا في الغنى الموجب لأدائها، والحق أنه الغنى المانع عن جواز أخذ
الزكاة المالية، وفاقا للمقنع والمقنعة والعماني والفاضلين (5)، وكل من تأخر

(1) الصدوق في الفقيه 2: 117، الذخيرة: 473.
(2) الفقيه 2: 117 / 502، الوسائل 9: 365 أبواب زكاة الفطرة ب 17 ح 3.
(3) الكافي 4: 174 / 20، التهذيب 4: 72 / 195، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة
الفطرة ب 5 ح 9.
(4) المعتبر 2: 593، المنتهى 1: 532.
(5) المقنع: 67، المقنعة: 248، حكاه عن العماني في المختلف: 193، المحقق في
المعتبر 2: 593، والشرائع 1: 171، العلامة في المنتهى 1: 532، والتذكرة 1: 248.
381

عنهما (1)، بل الأشهر مطلقا كما قيل (2).
للمستفيضة من الروايات، كصحيحة الحلبي: عن رجل يأخذ من
الزكاة، عليه صدقة الفطرة؟ قال: (لا) (3)، وقريبة منها رواية يزيد بن
فرقد (4).
ورواية الفضيل: لمن تحل الفطرة؟ قال: (لمن لا يجد، ومن حلت
له لم تحل عليه، ومن حلت عليه لم تحل له) (5).
وفي أخرى: (من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة) (6).
وموثقة إسحاق بن عمار: على الرجل المحتاج زكاة الفطرة؟ قال:
(ليس عليه فطرة) (7)، ونحوها رواية إسحاق بن المبارك (8).
ورواية يزيد: على المحتاج صدقة الفطرة؟ قال: (لا) (9).
وجه الدلالة في غير الثلاثة الأخيرة ظاهر، وفيها: أن الظاهر من

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 64، صاحب المدارك 5: 313.
(2) انظر: الرياض 1: 289.
(3) التهذيب 4: 73 / 201، الإستبصار 2: 40 / 125: الوسائل 9: 321 أبواب زكاة
الفطرة ب 2 ح 1.
(4) التهذيب 4: 74 / 203، الإستبصار 2: 41 / 130، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة
الفطرة ب 2 ح 5.
(5) التهذيب 4: 73 / 202، الإستبصار 2: 41 / 127، الوسائل 9: 322 أبواب زكاة
الفطرة ب 2 ح 9.
(6) التهذيب 4: 73 / 202، الإستبصار 2: 40 / 126، الوسائل 9: 322 أبواب زكاة
الفطرة ب 2 ح 7.
(7) التهذيب 4: 73 / 205، الإستبصار 2: 41 / 129، الوسائل 9: 318 أبواب زكاة
الفطرة ب 2 ح 6.
(8) التهذيب 4: 72 / 199، الإستبصار 2: 40 / 123، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة
الفطرة ب 2 ح 3.
(9) التهذيب 4: 73 / 200، الإستبصار 2: 40 / 124، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة
الفطرة ب 2 ح 4.
382

المحتاج: المحتاج إلى أخذ الزكاة، ولو منع ذلك لقلنا: إن لكل نفس
حاجة، فيحصل الاجمال في معناه، وبه تخرج عمومات وجوب زكاة
الفطرة وإطلاقاتها عن الحجية في موضع الاجمال، فلا يبقى إلا من تحرم
عليه الزكاة، للوجوب عليه بالاجماع والخلاف فيمن دونه مطلقا.
خلافا للإسكافي، فأوجبها على من فضل من مؤنته ومؤنة عياله ليوم
وليلة صاع (1)، ونقله الشيخ في الخلاف عن أكثر أصحابنا (2).
وللخلاف والديلمي وابني حمزة وزهرة والحلي، فأوجبوها على من
ملك نصابا تجب فيه الزكاة (3)، بل عن الأول والأخيرين الاجماع عليه.
فنظر هؤلاء الفريقين إن كان إلى أن ذلك هو الغنى الموجب لحرمة
الزكاة ولذا تجب معه الفطرة، فلا بحث لنا معهم في الجزء الثاني ها هنا،
ولكن الكلام معهم حينئذ في الجزء الأول، وهو أنه الغنى المحرم للزكاة.
وإن لم يكن نظرهم إلى ذلك، بل يقولون: بأن هذا هو الغنى
الموجب للفطرة وإن لم يكن كذلك في حرمة الزكاة، فلا دليل لهما إلا ما قد
يستدل به للإسكافي من لزوم الاقتصار في تخصيص العمومات وتقييد
الاطلاقات بالمتيقن، وهو من لم يملك قوت يوم وليلة مع قدر الفطرة،
وللآخرين من الاجماعات المنقولة.
ويرد الأول: بتيقن خروج من لم يملك قوت السنة أيضا بما ذكر.
والثاني: بعدم حجية الاجماع المنقول، سيما مع مخالفة الفحول،
ومعارضة الأخبار المتكثرة.
نعم، ها هنا روايات غير مطابقة بظواهرها مع الأخبار المتقدمة،

(1) حكاه عنه في المختلف: 193.
(2) الخلاف 2: 146.
(3) الخلاف 2: 146، الديلمي في المراسم: 134، ابن حمزة في الوسيلة: 130،
ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، الحلي في السرائر 1: 465.
383

كصحيحة القداح في زكاة الفطرة، وفيها: (وليس على من لا يجد ما
يتصدق به حرج) (1).
وموثقة زرارة: هل على من قبل الزكاة زكاة؟ فقال: (أما من قبل زكاة
المال فإن عليه زكاة الفطرة، وليس على من يقبل الفطرة فطرة) (2)، ونحوها
رواية الفضيل (3).
وصحيحة زرارة: الفقير الذي يتصدق عليه، هل تجب عليه صدقة
الفطرة؟ قال: (نعم، يعطي ما يتصدق عليه) (4).
ولكنها لا توافق شيئا من القولين أيضا، فظواهرها بإطلاقاتها متروكة
إجماعا، وتقييدها بنوع يرجع إلى أحدهما ليس بأولى من تقييد يرجع إلى
المختار.
مع أن أولاها لا تخالف الأخبار المتقدمة إلا بمفهوم ضعيف غير معتبر
جدا.
والثانيتان متضمنتان لتفصيل لم يقل به أحد من الخاصة والعامة، إلا
بحمله على إمكان حصول قوت السنة بزكاة المال دون الفطرة.
مع أنهما مع الرابعة أعم مطلقا من الأخبار المتقدمة، فيجب
تخصيصها بها.

(1) التهذيب 4: 75 / 211، الإستبصار 2: 47 / 152، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة
الفطرة ب 2 ح 2.
(2) التهذيب 4: 74 / 207، الإستبصار 2: 41 / 131، الوسائل 9: 322 أبواب زكاة
الفطرة ب 2 ح 10.
(3) التهذيب 4: 87 / 254، الإستبصار 2: 41 / 128، الوسائل 9: 322 أبواب زكاة
الفطرة ب 2 ح 10.
(4) الكافي 4: 172 / 11، التهذيب 4: 74 / 208، الإستبصار 2: 41 / 132،
الوسائل 9: 324 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 2.
384

ولا يشترط في وجوبها: كون المخرج والمخرج عنه صائما ولا
حاضرا إجماعا، للاطلاقات.
ولا الاسلام، لمخاطبة الكفار بالفروع عندنا.
نعم، لو أسلم بعد غروب ليلة الفطر سقط عنه بالاجماع، لصحيحة
ابن عمار: عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: (لا) (1)، إلا أنه
يستحب له، لمرسلة التهذيب (2).
الشرط الرابع: إدراك الغروب ليلة الفطر.
مجتمعة الشرائط إجماعا.
فلو لم يدركه كذلك لم يجب، للاجماع، وصحيحة ابن عمار
المتقدمة بضميمة الاجماع المركب.
وفي اشتراط إدراك طلوع الفجر يوم العيد قولان، يأتي في بيان الوقت.
فروع:
أ: هل يعتبر أن يملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة؟
فيه قولان، أقواهما: عدم الاعتبار، لاطلاق الأخبار.
ب: يستحب للفقير إخراجها عن نفسه وعن عياله، للشهرة العظيمة،
بل الاجماع المنقول في المنتهى (3)، الكافيين في مقام الاستحباب.
واستدل أيضا بالأخبار المذكورة المثبتة للفطرة على الفقير بحملها
على الاستحباب.

(1) الكافي 3: 172 / 12، التهذيب 4: 72 / 197، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة
الفطرة ب 11 ح 2.
(2) التهذيب 4: 72 / 198، الوسائل 9: 353 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 3.
(3) المنتهى 1: 536.
385

وفيه نظر، لأنه ليس بأولى من تخصيصها بالغني.
والحاصل: أنها بين غير دال أصلا، كالأولى، ومخالف للاجماع - لولا
ارتكاب تخصيص فيها وإن حمل على الاستحباب - كالثانيتين، ومتضمنة
للفظ الوجوب مع عموم: (ما يتصدق عليه) كالرابعة.
وعدم صحة الاستدلال بالأوليين واضح، وبالثالثة وإن صح إلا أنه
يعارضه احتمال التخصيص فيما يتصدق عليه، بحيث يخرج عن الفقر.
ثم إنهم قالوا: إنه يستحب للفقير إدارة فطرة رأس بين عياله،
بإخراجها عن نفسه إلى واحد منهم، ثم هو إلى آخر، وهكذا.
والمستند فيه موثقة إسحاق: عن الرجل لا يكون عنده شئ من
الفطرة إلا ما يؤدي عن نفسه وحدها، أيعطيه غريبا أو يأكل هو وعياله؟
قال: (يعطيه بعض عياله، ثم يعطي الآخر عن نفسه، يرددونها، فيكون
عنهم جميعا فطرة واحدة) (1).
وهل هذه الإدارة هو إخراج الفطرة المستحب للفقير مطلقا، كما هو
ظاهر الإرشاد (2)؟
أو هو أقل ما يستحب، كصريح الشرائع (3)؟
أو هو المستحب عند الحاجة، كما في النافع (4)؟
الظاهر: هو الأخير، إن كان مراده من الحاجة: عدم تيسر غير فطرة
رأس له، كما هو المصرح به في الموثقة، وإن كان مراده غير ذلك، فهو
أيضا كسابقيه لا وجه له، بل اللازم العمل بمقتضى الموثقة، وتقييد

(1) الكافي 4: 172 / 10، التهذيب 4: 74 / 209، الإستبصار 2: 42 / 133،
الوسائل 9: 325 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 3.
(2) الإرشاد 1: 291.
(3) الشرائع 1: 171.
(4) النافع: 61.
386

استحباب الإدارة بما لا يكون عنده غير فطرة رأس.
وهل يتصدق الأخير إلى الأجنبي البتة، كما هو صريح جماعة (1)؟
أو يجوز إعطاؤه لمن أعطى أولا أيضا، كما يميل إليه كلام بعض
المتأخرين (2)؟
ظاهر إطلاق النص: الثاني، فعليه الفتوى.
وليس في قوله: (يكون عنهم جميعا فطرة واحدة) إشعار بالأول،
ولو كان فليس بأظهر من إشعار قوله: (يترددونها) بالثاني.
وفي اختصاص الحكم بكون الجميع مكلفين - كصريح بعضهم (3) -
أو تعميمه لغيرهم، فيتولى الولي لذلك من الصغير - كصريح الشهيد الثاني (4)
وظاهر بعض آخر (5) - قولان:
دليل الأول: أنه مورد النص، لقوله: (يعطي الآخر عن نفسه).
ودليل الثاني: إطلاقه.
وكلاهما غير مطابقين للواقع، فإن غاية ما يثبت من قوله: (يعطي عن
نفسه) كونه مميزا، وأما التكليف فلا.
وظاهر الاعطاء عن النفس أيضا ينافي عدم التمييز، إلا أن يقال: بأن
بعد عمومه للصبي المميز يتعدى إلى غيره بالاجماع المركب، وحينئذ يتم
الاستدلال، ومنه تظهر قوة التعميم.
ج: لو بلغ الطفل قبل الغروب ليلة الفطر، أو زال الجنون، أو استغنى
الفقير، وجبت عليه الفطرة إجماعا، ولو حصل أحد هذه بعده لا تجب

(1) انظر: المختصر النافع: 61، والمنتهى 1: 536، والبيان: 332.
(2) كما في المدارك 5: 315.
(3) المدارك 5: 315.
(4) في المسالك 1: 64.
(5) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 277.
387

كذلك، له، وللأصل.
نعم، يستحب له الاخراج، كما عليه فتوى الأصحاب.
388

البحث الثاني
فيمن تجب عليه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إذا تكاملت الشروط في شخص يجب عليه إخراج
الفطرة عن نفسه وعن جميع من يعوله، أي ينفق عليه، بالاجماع المحقق،
والمحكي عن الخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة والمدارك (1) وغيرها (2)،
له، وللمستفيضة بل المتواترة معنى.
كصحيحة عمر بن يزيد: عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه
فيحضر يوم الفطر، يؤدي عنه الفطرة؟ فقال: (نعم، الفطرة واجبة على كل
من يعول من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حر أو مملوك) (3).
وصحيحة الفضلاء الخمسة: (على الرجل أن يعطي عن كل من يعول
من حر وعبد، صغير وكبير، يعطي يوم الفطر فهو أفضل، وهو في سعة أن
يعطيها في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره) (4) الحديث.
وصحيحة الحلبي: عن صدقة الفطرة، فقال: (على كل من يعول
الرجل، على الحر والعبد والصغير والكبير) (5).

(1) الخلاف 2: 130، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المنتهى 1: 533، التذكرة
1: 248، المدارك 5: 315.
(2) كالشرائع 1، 171.
(3) الكافي 4: 173 / 16، الفقيه 2: 16 / 497، التهذيب 4: 332 / 1014،
الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 2.
(4) التهذيب 4: 76 / 215، الإستبصار 2: 45 / 147، الوسائل 9: 354 أبواب زكاة
الفطرة ب 12 ح 4.
(5) التهذيب 4: 81 / 233، الإستبصار 2: 47 / 154، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 12.
389

وصحيحة ابن سنان: في صدقة الفطرة، فقال: (تصدق عن جميع من
تعول من صغير أو كبير أو مملوك) (1).
ورواية الفضلاء الثلاثة: عن زكاة الفطرة، قالا: (صاع من تمر)، إلى
أن قالا: (عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والبالغ ومن تعول في ذلك
سواء) (2).
ومرسلة محمد: عما يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة،
قال: (تصدق عن جميع من تعول من حر أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك
منهم الصلاة) (3)، إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة (4).
ثم المراد بمن يعول الرجل المصرح بوجوب فطرته في تلك الأخبار
هو من ينفق عليه، كما صرح به أهل اللغة، قال الجوهري: عال عياله
عولا، أي قاتهم وأنفق عليهم (5). وفي المجمع: عال يعول، أي ينفق
عليهم (6).
ويكفي في ذلك تفسير الإمام عليه السلام له في رواية أبي حفص: (صدقة
الفطرة على كل صغير أو كبير، حر أو عبد، عن كل من يعول - يعني من
ينفق عليه - صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من زبيب) (7).

(1) التهذيب 4: 81 / 234، الإستبصار 2: 47 / 155، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 12.
(2) التهذيب 4: 82 / 236، الإستبصار 2: 43 / 139، الوسائل 9: 338 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 17.
(3) الفقيه 2: 118 / 511، الوسائل 9: 329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 6.
(4) الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5.
(5) الصحاح 5: 1777.
(6) مجمع البحرين 5: 432.
(7) التهذيب 4: 82 / 237، الإستبصار 2: 48 / 157، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 9.
390

وهذا المعنى أعم من العيال العرفي، لأنهم في العرف من يتكفل
مؤنته ونفقته بدوام واستمرار بل مجانا، فلا يعد من ينفق عليه أياما من
العيال، ولا من ينفق عليه لجعالة عمل، ولا الضيف ولو كان عندك شهرا..
ولذا يقال: علته أياما، قال في الصحاح: علته شهرا، أي كفيته معاشه (1).
ولذا عد الضيف في صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة ممن يعول، مع
أنه ليس من العيال العرفي، بل العيال لغة غير من يعول وأخص منه أيضا،
لأن العيال مشتق من العيلة، التي هي الحاجة والفاقة، حيث إنهم يوجبون
احتياج الرجل وفاقته، لا من العول الذي هو الانفاق.. ولذا ذكر اللغويون
العيال في مادة العيلة دون العول (2).
ولذا ترى أنه - مع تفسيره عليه السلام في الرواية المتقدمة من يعول
بمن ينفق عليه - سئل في صحيحة البجلي: عن رجل ينفق على رجل ليس
من عياله (3)، حيث أثبت الانفاق ونفى العيلولة، وصرح في آخرها: بأن
(العيال: الولد والمملوك والزوجة وأم الولد).
ومن هذا يظهر لك ما في كلام كثير من الفقهاء، حيث عبروا في
المقام بالعيال (4)، مع أنه لو كان الواجب فطرته العيال يشكل عليهم الأمر في
كثير من الفروع التي حكموا فيها بوجوب الفطرة، والتي حكموا فيها بعدم
وجوبها، كزوجة رجل ومملوكه ونحوهما إذا أنفق عليه غيره، فإنه لا يخرج
بذلك عن عيال الرجل مع أنه لا تجب فطرته.
وبالجملة: الذي تجب فطرته على الرجل هو من ينفق عليه، سواء

(1) الصحاح 5: 1777.
(2) راجع الصحاح 5: 1780، ومجمع البحرين 5: 432.
(3) الفقيه 2: 118 / 509، الوسائل 9: 328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 3.
(4) كالمحقق في المختصر النافع: 60.
391

كان من عياله أم لا.
وأما صحيحة البجلي: عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلا
أن يتكلف له نفقته وكسوته، أتكون عليه فطرته؟ قال: (لا، إنما تكون
فطرته على عياله صدقة دونه)، وقال: (العيال: الولد والمملوك والزوجة وأم
الولد) (1)، فحملت على تصدق النفقة والكسوة له.
والتحقيق: أن فيها إجمالا من جهة مرجع الضمائر، إذ يمكن أن
يكون ضمير: عليه، راجعا إلى الرجل الأول، وفي: فطرته، الأولى، إلى
الثاني، وفي الثانية أيضا إليه، وكذا في: (عياله) وفي: (دونه) إلى الأول،
ولا بد حينئذ من إرادة المعيل من: (العيال).
أو يكون بصيغة المبالغة، وأن يكون الأولان كما مر، ويكون مرجع
الثالث والرابع إلى الأول والخامس إلى الثاني، وحينئذ لا بد من إرادة الفطرة
الواجبة عليه من: (فطرته) الثانية، ويكون (على) بمعنى: عن.
وأن يكون مرجع الأول والثاني إلى الثاني، ويكون السؤال عن
وجوب فطرة المنفق عليه على نفسه، وكذا يكون مرجع الثلاثة الأخيرة إليه
أيضا، والعيال يكون بأحد المعنيين المذكورين.
والمنافي للمطلوب هو أحد الأولين دون الثالث.
وللحديث احتمال ثالث، وهو أن يكون السؤال عن وجوب فطرة
الثاني على الأول، فالمرجعان الأولان كما مر أولا، وتكون الضمائر الثلاثة
الأخيرة راجعة إلى الثاني، ويكون في الجواب عدولا عن مطابقة السؤال
لمصلحة، ويكون المراد أنه يجوز للأول إعطاء فطرة الثاني لعيال الثاني
بعنوان الصدقة، ولا يجوز له إعطاء فطرة الثاني للثاني نفسه.
وعلى هذا، لا ينافي المطلوب، مع أنه مع التنافي أيضا يجب

(1) الفقيه 2: 118 / 509، الوسائل 9: 328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 3.
392

طرحها، لشذوذها ومخالفتها لأخبار كثيرة.
ثم المراد بمن ينفق عليه: ليس من ينفق عليه دائما، بالاجماع،
ولأصالة عدم التقييد بالدوام.. بل من يصدق عليه هذا العنوان، لاطلاقه.
وليس المراد: الانفاق في الاستقبال، بالاجماع.. بل المراد الحال،
كما صرح به في المنتهى أيضا (1). والمراد حال وجوب الفطرة، فالذي
تجب فطرته هو الذي يكون ممن ينفق عليه في غروب الشمس من ليلة
الفطر عرفا. وهذا العنوان يتحقق بإنفاقه عليه في الليلة السابقة أو النهار إن
لم يكن صائما مع قصد إنفاقه ليلة الفطر وتحققه أيضا قطعا.. بل وكذا لو
لم يتحقق الانفاق السابق، وكان ممن يقصد إنفاقه ليلة الفطر حال الغروب
ودخول الوجوب وتحقق الانفاق أيضا.
نعم، يشكل الأمر فيما إذا لم يقصد الانفاق أول الوقت وتحقق بعده،
من صدق الانفاق، ومن عدم تعلق الوجوب به أولا، بل تعلقه بنفس المنفق
عليه، أو سقوطه رأسا إن لم يستجمع الشرائط.
وكذا فيما إذا قصد الانفاق ولم يتحقق، وعدم الوجوب حينئذ أظهر،
أو الاحتياط في الصورتين أحسن بإعطاء المستجمع للشرائط منهما إن
استجمعها أحدهما فقط، واعطاؤهما معا إن استجمعاها، أو توكيل أحدهما
الآخر في الاعطاء وإعطاؤه بنية من يجب عنه.
فروع:
أ: لا فرق فيمن يعول بين من تجب نفقته ومن يتبرع إجماعا، له،
وللاطلاقات.
وصحيحة ابن سنان: (كل من ضممت إلى عيالك من حر أو مملوك

(1) المنتهى 1: 536.
393

فعليك أن تؤدي الفطرة عنه) (1).
وروايته: عن صدقة الفطرة، قال: (من كل رأس من أهلك، الصغير
منهم والكبير، والحر والمملوك، والغني والفقير، كل من ضممت إليك، عن
كل إنسان صاع من حنطة، أو صاع من شعير، أو تمر، أو زبيب)، وقال:
(التمر أحب إلي، فإن لك بكل تمرة نخلة في الجنة) (2).
ب: لا فرق فيهم بين الصغير والكبير، والغني والفقير، والحر
والمملوك، والذكر والأنثى، والكافر والمسلم، كل ذلك بالاجماع،
والاطلاقات، وفي غير الأخيرين بالتصريحات المتقدمة، وفيهما بالتصريح
في مرفوعة محمد بن أحمد: (يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه، ورقيق
امرأته، وعبده النصراني والمجوسي، ومن أغلق عليه بابه) (3).
ج: لا بد في وجوب فطرة المنفق عليه من كون النفقة من مال المنفق
أو ما في يده وتحت اختياره عرفا حين صرف المنفق عليه له حتى يصدق
إنفاقه، فلو باعها المنفق للمنفق عليه أو وهبها له أو تصدقها عليه لم تجب
به الفطرة.
د: ولا بد أيضا فيه من قصد المنفق لانفاقه، فلو أعطاه دراهم
ليصرفها فيما يريد، وهو صرفها في نفقته، لا تجب الفطرة، لعدم صدق
إنفاقه.
وكذا لو أعطاه خبزا ليصرفه فيما يريد فأكله، أو صرف أحد مال غيره
في نفقته من غير قصد المنفق ولو بشاهد الحال.

(1) الكافي 3: 170 / 1، التهذيب 4: 71 / 193، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة
الفطرة ب 5 ح 8.
(2) التهذيب 4: 86 / 250، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 12.
(3) الكافي 4: 174 / 20، التهذيب 4: 72 / 195، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة
الفطرة ب 5 ح 9.
394

ه‍: لا يشترط كون ما يعطيه المنفق هو الجنس الذي يأكله المنفق
عليه، فلو أعطاه دراهم ليشتري بها النفقة، فاشتراها وأنفقها، تجب الفطرة
عليه.
و: لا يشترط في الانفاق أن يكون مجانا، فلو استأجره وشرط أن
تكون النفقة على المستأجر تجب فطرته عليه، للاطلاق.
نعم، يجب أن يكون المشروط هو الانفاق، فلو شرط أن يعطيه شيئا
- ولو كان من الأجناس المنفقة - والمؤجر بنفسه يصرفها في النفقة، لا تجب
فطرته عليه.
والحاصل: أنه يجب أن يكون الانفاق صادرا من المنفق، لا محض
إعطاء شئ، وإن صرفه المعطى له في النفقة.
ويظهر من بعضهم عدم وجوب فطرة الأخير إن شرط النفقة (1).
والاطلاق يرده.
ز: لا يشترط في وجوب الفطرة على المنفق كون المنفق عليه في
بيت المنفق أو أعطاه المنفق النفقة بنفسه، فلو كان مال أحد عند شخص في
سفر ووكله أو آذنه في صرف النفقة منه، تجب عليه فطرته.. ولكن يشترط
في وجوبها عليه: علمه بصرفها منه، فلو جوز صرف نفقة ليلة الفطر من
مال آخر لا تجب نفقته، للأصل.
ح: يشترط أن تكون النفقة مما تعد نفقة وإعطاؤه إنفاقا عرفا، فلو
أفطره ليلة الفطر بشربة ماء أو تمرة أو لقمة لا تجب عليه فطرته، لعدم
صدق عنوان من يعول ومن ينفق عليه عرفا عليه.
ومنه يظهر: أنه لو أعطاه جماعة بقدر النفقة، ولم يبلغ حصة كل
واحد ما يصدق عليه العنوان، تجب فطرته على نفسه دون المعطين.

(1) انظر: المعتبر 2: 601.
395

ط: الظاهر اشتراط صرف المنفق عليه للنفقة في نفقته، فلو أعطاه
المنفق نفقته بقصد الانفاق، وهو لم يصرفها في النفقة، بل يبقيها حتى
يخرج الوقت، لا تجب الفطرة، لعدم صدق النفقة بدون الصرف.
ي: لو أنفق رجلان على رجل بقدر يبلغ ما أعطاه كل واحد قدرا
تصدق معه النفقة، فأكلهما معا، تجب الفطرة على من صرف نفقته أولا،
لتعلق الوجوب عليه بصرفه، ولا تتعدد الفطرة.
نعم، يستشكل الأمر لو صرفهما معا في آن واحد، كأن يعطيه هذا
طحينا وذاك طحينا، فمزجهما وخبزهما وأكل الخبز. والأظهر: تخييرهما
حينئذ، فيكون كالواجب الكفائي. والأحوط: إخراجهما الفطرة معا، بل مع
المنفق عليه أيضا، أو إعطاء واحد منهم مع توكيل الباقين.
يا: هل يشترط في وجوب الفطرة على المنفق كون النفقة من ماله
الحلال، فلا تجب الفطرة على سلطان ينفق على عياله من الأموال
المغصوبة، أم لا يشترط، فتجب؟
الظاهر: الثاني، لاطلاق الانفاق، وعدم التقييد بكونه من ماله.
المسألة الثانية: اتفق الأصحاب على وجوب فطرة الضيف على
المضيف في الجملة، استنادا فيه إلى صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة.
ولكن اختلفوا في قدر الضيافة الموجبة لوجوبها على أقوال متشتتة:
فبين من اعتبرها طول الشهر، كما عن الشيخ والسيدين (1).
ومن اكتفى بالنصف الأخير، كالمفيد (2).
وبالعشر الأخير، كما عن جماعة من الأصحاب (3).

(1) الشيخ في النهاية، 189، والمرتضى في الإنتصار: 88، وابن زهرة في الغنية
(الجوامع الفقهية): 506.
(2) المقنعة: 265.
(3) حكاه في المعتبر 2: 603، والتذكرة 1: 249.
396

وبالليلتين الأخيرتين، كالحلي والمختلف (1).
وبالليلة الأخيرة، كالمنتهى والتذكرة والتحرير (2).
وبآخر جزء من الشهر، بحيث يهل الهلال وهو في ضيافته، كما عن
المعتبر وفي الروضة (3).
وبمسمى الافطار عنده في الشهر، كالوسيلة (4).
ومن اعتبر صدق العيلولة عرفا، كبعض المتأخرين (5).
وكذا اختلفوا في اشتراط إفطار الضيف عند المضيف وعدمه:
فعن الشيخ والحلي وابن حمزة والدروس: الأول (6).
وعن شرح الإرشاد لفخر المحققين والمسالك: الثاني (7).
ولا يخفى أن منشأ أكثر هذه الاختلافات هو الاختلاف في مصداق
الضيف، أو في صدق كونه عنده فيحضر يوم الفطر، كما هو مورد السؤال،
أو ملاحظة العيلولة العرفية أيضا، كما ورد في الجواب.
والحق: أن الكل بمعزل عن التحقيق، لأن لفظة الضيف والكون عند
المضيف وقع في كلام السائل، والإمام لم يكتف في الجواب بصدق
العنوانين، بل علقه على كونه ممن يعوله، الذي هو أيضا مناط مستقل في
الوجوب، فهو المناط من غير اعتبار صدق أحد لعنوانين ولا عنوان العيلولة
العرفية، بل اللازم في الضيف أيضا كونه ممن يعوله، وقد مر تفصيل ما

(1) السرائر 1: 466، المختلف: 196.
(2) المنتهى 1: 536، التذكرة 1: 249، التحرير 1: 71.
(3) المعتبر 2: 287، الروضة 2: 58.
(4) الوسيلة: 131.
(5) منهم السبزواري في الذخيرة: 472.
(6) النهاية: 189، السرائر 1: 466، الوسيلة: 131، الدروس 1: 250.
(7) المسالك 1: 64.
397

يعتبر فيه.
المسألة الثالثة: كما يتبع وجوب الفطرة للانفاق الفعلي، فهل يتبع
وجوب الانفاق من دون فعلية، أم لا؟
فأوجبها جماعة عن الزوجة غير الناشزة والمملوك، استنادا إلى
وجوب النفقة، ومقتضاه عموم الحكم في كل واجب النفقة، كما صرح به
الشيخ في المبسوط في الأبوين والأولاد المعسرين (1).
ومنهم من صرح باختصاص الحكم بالانفاق الفعلي، بل هم
الأكثرون. وهو الحق، للأصل، وعدم الدليل.
وما يمكن أن يكون دليلا للأول: صحيحة البجلي المتقدمة في
المسألة الأولى، ورواية ابن سنان المتقدمة في الفرع الأول منها، حيث
اشتمل على الأهل.
وصحيحة الحلبي: (صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك، الصغير
والكبير، والحر والمملوك، والغني والفقير، من كل إنسان صاع من حنطة أو
شعير، أو صاع من تمر أو زبيب، لفقراء المسلمين)، وقال: (التمر أحب
ذلك إلي) (2).
وموثقة إسحاق: (الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأمك
وولدك وامرأتك وخادمك) (3).
ويرد الأول: بما مر من الاجمال المسقط للاستدلال.
والثانيتان: بأعمية الأهل من واجبي النفقة، سيما مع اشتماله على
الغني، المسقط لوجوب النفقة في الأكثر.

(1) المبسوط 1: 239.
(2) التهذيب 4: 75 / 210، الإستبصار 2: 42 / 134، الوسائل 9: 324 أبواب زكاة
الفطرة ب 3 ح 1. وفي الجميع: نصف صاع من حنطة أو شعير...
(3) الفقيه 2: / 118 510، الوسائل 9: 328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 4.
398

والرابعة: بأعميتها من واجبي النفقة أيضا، فيجب إما تخصيصها
بالأب والأم والولد الفقراء والامرأة الدائمية المطيعة والخادم الرقيق، بشرط
أن لا يعولهم غيره، أو بالمنفقين عليهم منهم وإن لم يكونوا واجبي النفقة.
وليس الأول أرجح من الثاني، مع ما في هذه الأخبار مما يأتي ذكره.
وقد يستدل أيضا بصدق العيلولة مع وجوب النفقة وعدم توقفه على
الانفاق.
وفيه: أنه لو سلم فإنما هو في صدق العيال، وقد عرفت أن المناط:
العول.
المسألة الرابعة: هل يشترط في وجوب فطرة الزوجة والمملوك
عيلولتهما بالمعنى المتقدم؟
أو يكفي صدق عنوانهما من حيث إنهما هما إما مع وجوب نفقتهما
أو مطلقا؟
الأكثر فيهما على الثاني، بل جعله في المعتبر في المملوك مما قطع
به الأصحاب (1)، ونسبه في المنتهى إلى أهل العلم كافة (2)، وفي السرائر
ادعاء الاجماع عليه في الزوجة وإن لم تجب نفقتها (3).
ونقل في الشرائع قولا بالأول، واختاره في المدارك والذخيرة
والحدائق (4).
وصريح الشرائع التردد.
والحق هو الأول، للأصل.
ودليل الثاني: الاجماع المنقول، وصدق العيلولة بالزوجية والرقية،

(1) المعتبر 2: 597.
(2) المنتهى 1: 534.
(3) السرائر 1: 466.
(4) الشرائع 1: 172، المدارك 5: 322، الذخيرة 473، الحدائق 12: 268.
399

وبعض الاطلاقات.
والأول مردود: بعدم الحجية، مع أن الاجماع الذي ادعاه الحلي رده
في المعتبر: بأنا ما عرفنا أحدا من فقهاء الاسلام فضلا عن الإمامية أوجب
الفطرة عن الزوجة من حيث هي (1)، وقريب منه في المنتهى (2).
والثاني: بمنع صدق العيلولة المعتبرة هنا - على ما مر - بدون الانفاق
الفعلي.
والثالث: بأن الخطاب فيما يتضمن هذه الاطلاقات إلى شخص
خاص، فلعله كان يعول مملوكه وامرأته، كما هو الغالب الشائع، فلا يتعدى
إلى غيره، إلا إذا علم الاتحاد في جميع ماله مدخلية في الحكم.
مضافا إلى أن الاطلاق ينصرف إلى الشائع، وإلى انضمامهما فيها مع
من يلزم تقييده بالعيلولة بالمعنى المتقدم، فكذا هما.
ثم بعدما اخترناه من توقف وجوب الفطرة على الانفاق في المملوك
والزوجة، لا حاجة إلى ذكر بعض الفروع المتفرعة على ترتب الوجوب
على مجرد الزوجية والمملوكية.
نعم، بقيت في المقام فروع أخر لا بد من ذكرها، فنقول:
فروع:
أ: لا فرق في وجوب الفطرة عمن يعوله بين غيبة المعال وحضوره،
فلو كان له عبد غائب بيده مال من مولاه ينفق عنه، أو كان العائل في السفر
وله أهل في الحضر ينفقون من ماله، تجب عليه فطرتهم، وإن يتيقن بحياة
بعضهم، لأصالة البقاء.

(1) المعتبر 2: 601.
(2) المنتهي 1: 533.
400

ولا تعارضها أصالة براءة الذمة، لكون الأولى مزيلة للأصل الثاني،
كما بين تحقيقه في موضعه.
وله أمرهم بإخراج الفطرة، كما صرح به في رواية جميل (1).
نعم، لو كان الغائب غير منفق عليه منه - كالعبد الآبق - أو المغصوب -
لم تجب فطرته على المختار. وعلى القول بوجوب فطرة المملوك مطلقا
يتعين القول بالوجوب هنا أيضا، للأصل المذكور.
ب: من تجب فطرته على عائله تسقط عنه ولو كان غنيا، بالاجماع
كما صرح به فخر المحققين في شرح الإرشاد وبعض مشايخنا المحققين،
بل بالاجماع المحقق حقيقة، لشذوذ المخالف، وهو الدليل عليه.
مضافا إلى النبوي المنجبر: (لا يثنا في صدقة)، وفي لفظ آخر:
(الأنثى) (2): ك‍: إلى.
وإلى الأخبار المصرحة بأنها عن كل إنسان صاع (3)، فلا يتعدد الصاع.
ويشعر به أيضا ما في الأخبار من ذكر الأداء أو الوجوب عمن
يعول (4)، فإن لفظة: (عن) ظاهرة في أنها نيابة عنه.
خلافا للمحكي عن الحلي، فأوجبها على المضيف والضيف
الغني (5)، لاطلاق الوجوب على [كل] (6) أحد. وجوابه ظاهر.
ج: لو كان العائل فقيرا والمعال غنيا تسقط عن الأول، لاعساره،

(1) الكافي 4: 171 / 7، التهذيب 4: 331 / 1038، الوسائل 9: 366 أبواب زكاة
الفطرة ب 19 ح 1.
(2) النهاية الأثرية 1: 224.
(3) الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6.
(4) الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5.
(5) السرائر 1: 468.
(6) أضفناه لاستقامة المعنى.
401

وتجب على الثاني على الحق، وفاقا للحلي والمعتبر (1)، للعمومات السالمة
عن المعارض.
وخلافا للمبسوط في الزوج والزوجة، فأسقطها عنهما (2)، أما عن
العائل فلاعساره، وأما عن المعال فلعيلولته للغير.
ويرد: بأنه لا دليل على الاسقاط بعيلولة الغير، إلا مع وجوب أداء
الغير، وهو هنا منفي، وظاهره عدم الفرق بين إنفاق الزوج عليها وعدمه.
وفصل في المختلف بين إنفاقه عليها، فأسقطها عنهما، لما مر، وبين
عدمه فأوجبها عليها، لانتفاء العيلولة الموجبة للسقوط عنها، فتبقى
العمومات الدالة على وجوبها على كل مكلف سالمة عن المعارض (3).
وجوابه ظهر مما ذكر.
د: لو لم يخرج العائل مع وجوبها عليه لم تجب على المعال وإن كان
غنيا، لتعلق الخطاب بالعائل فلا يتعلق بالمعال.
وكذا الحكم إذا كان العائل كافرا، لتوجه الخطاب إليه.
ه‍: لو أخرجها المعال عن نفسه تبرعا بغير إذن العائل لم تبرأ ذمة
العائل، كما نص عليه في الخلاف والتحرير والروضة (4)، وغيرها، لأصالة
اشتغال ذمته، وتوجه الخطاب إليه، وتوقف الاخراج على النية الغير
المتصورة في حق المعال.
واستشكل في القواعد من الأصالة والتحمل (5)، ولا محصل له، كما

(1) السرائر 1: 468، المعتبر 2: 287.
(2) المبسوط 1: 241.
(3) المختلف: 196.
(4) الخلاف 2: 138، التحرير 1: 71، الروضة 2: 58.
(5) القواعد 1: 60.
402

ذكره المحقق الشيخ علي (1).
وهل تسقط عن العائل لو أخرجها المعال بإذنه؟
صرح جماعة بالسقوط (2)، وعن الخلاف: نفي الخلاف عنه (3)، واستدل له بأنه مع الإذن يكون كالمخرج.
واستشكل بأنه عبادة، فلا تصح عن غير من وجبت عليه، إلا إذا كان
بالوكالة في الأداء من مال الموكل.
وهو في محله، بل الظاهر عدم السقوط إلا أن يوكله بقبول قدر
الفطرة له ثم إخراجه عنه.
ولا دلالة في رواية جميل بالسقوط، لأن الظاهر من أمر العيال
بالاخراج: إخراجهم من مال المعيل.
و: لو كان العبيد بين شركا، فإن كان لكل منهم رأس وجبت على كل
منهم فطرة، وكذا لو كان لواحد منهم رأس، ولو كانت حصة كل أو بعضهم
أقل من رأس فلا فطرة عليه، وفاقا للصدوق والمدارك والذخيرة (4).
لرواية زرارة المصرحة بذلك (5)، وللأصل أيضا، فإنه لم يثبت من
الأخبار وجوب فطرة أقمن رأس على شخص.
خلافا للأكثر، فأوجبوها مطلقا على كل بقدر حصته، للعمومات.
وشمولها لذلك ممنوع.
هذا إذا عاله الجميع بقدر الحصة، وإن عاله واحد فتجب فطرته عليه.
المسألة الخامسة: لا شك في وجوب فطرة الرضيع، للاجماع،

(1) جامع المقاصد 3: 45.
(2) منهم العلامة في المنتهى 1: 533، والشهيد الثاني في المسالك 1: 65.
(3) الخلاف 2: 138.
(4) الفقيه 2: 119، المدارك 5: 329، الذخيرة: 474.
(5) الفقيه 2: 119 / 512، الوسائل 9: 365 أبواب زكاة الفطرة ب 18 ح 1.
403

وإطلاقات الصغير المتقدمة، ورواية إبراهيم بن محمد الهمداني، وفيها:
(والفطرة عليك وعلى الناس كلهم، ومن تعول من ذكر أو أنثى، صغير أو
كبير حر أو عبد، فطيم أو رضيع) (1) الحديث.
ولا في عدم وجوبها على أبيه أو جده لو تكفل مؤنة إرضاعه، لصدق
العول، بل وكذا كل من يكفلها.
ولا في وجوبها إذا كانت مؤنة إرضاعه من ماله.
وإنما الاشكال فيما لو تبرعت أمه بالارضاع، كما هو الشائع في تلك
الأزمان، فهل تجب فطرته على أمه، أو على أبيه المنفق على أمه؟
وأشكل منه لو لم ينفق أبوه على أمه أيضا.
والأحوط: إخراجهما معا.
المسألة السادسة: لا تجب فطرة الجنين إجماعا، له، وللأصل.. إلا
إذا تولد قبل الغروب، فتجب حينئذ، لدخوله تحت الصغير والرضيع.
ولو تولد بعده وقبل الزوال لم تجب على الأظهر الأشهر، لصحيحة
ابن عمار: عن مولود ولد ليلة الفطر عليه الفطرة؟ قال: (لا، قد خرج
الشهر) (2)، ونحوها روايته (3).
نعم، يستحب إخراج فطرته، للمروي في التهذيب مرسلا: (إن ولد
قبل الزوال تخرج عنه الفطرة) (4).

(1) التهذيب 4: 79 / 226، الإستبصار 2: 44 / 140، الوسائل 9: 342 أبواب زكاة
الفطرة ب 7 ح 4.
(2) الكافي 4: 172 / 12، التهذيب 4: 72 / 197، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة
الفطرة ب 11 ح 2.
(3) الفقيه 2: 116 / 500، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1.
(4) التهذيب 4: 72 / 198، الوسائل 9: 353 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 3.
404

البحث الثالث
في جنسها وقدرها
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: اختلف الأصحاب في الجنس الواجب إخراجه عن
الفطرة.. فمنهم من اقتصر على الأربعة الزكوية، كعلي بن بابويه في رسالته،
وولده في مقنعه وهدايته (1)، والعماني في متمسكه (2).
ومنهم من خص بخمسة: الأربعة مع الذرة، كما عن الإسكافي
والحلبي والحلي (3) (4)، أو مع الأقط، كصاحب المدارك (5).
ومنهم من جعله ستة: الخمسة الأولى مع الأقط، كما مال إليه في
الذخيرة (6)، أو الخمسة الثانية مع اللبن، كالسيد (7).
ومنهم من حصره في سبعة: الستة الأخيرة مع الأرز، كما في الخلاف
والمبسوط (8) وجماعة (9).
ومنهم من جعله من القوت الغالب، إما من الأجناس السبعة،

(1) نقله عن علي بن بابويه في المختلف: 197، المقنع: 66، النهاية: 51.
(2) نقله عنه في المختلف: 197.
(3) نقله عنهم في المدارك 5: 332.
(4) في (ق) زيادة: وهؤلاء وإن زكوا السلت أيضا، إلا أنه شعير أيضا.
(5) المدارك 5: 333.
(6) الذخيرة: 470.
(7) كما في الجمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 80.
(8) الخلاف 2: 150، المبسوط 1: 241.
(9) كابن حمزة في الوسيلة: 131.
405

كطائفة (1)، أو مطلقا، كأخرى (2).
ومنهم من اعتبر غلبة القوت في غير الأجناس المذكورة، وأما فيها
فاكتفى بالاطلاق، ومرجعه التخيير بين الأمرين، وهو الأشهر، سيما بين
المتأخرين.
وبالجملة: فلهم اختلاف شديد في المقام، بل اختلفت كلمات
الحاكين للأقوال أيضا.
ومنشأ الاختلاف في المسألة: اختلاف أخبارها، فإنها بين مكتف
بذكر اثنين: الحنطة والتمر، كصحيحة الحلبي (3).
أو ثلاثة: الحنطة والتمر والزبيب مطلقا، كصحيحة صفوان (4).
أو الأولين مع الشعير، كصحيحتي الفضلاء السبعة (5) وابن سنان (6)
ورواية منصور بن خارجة (7).
والأول والثالث مع الشعير، كصحيحة ابن وهب (8) ورواية سلمة (9).

(1) منهم الشيخ في النهاية: 190، والقاضي في المهذب 1: 174، والديلمي في
المراسم: 135.
(2) منهم المحقق في المعتبر 2: 605، والعلامة في المنتهى 1: 536.
(3) التهذيب 4: 81 / 233، الإستبصار 2: 46 / 149، الوسائل 9: 327 أبواب
زكاة الفطرة ب 6 ح 12.
(4) التهذيب 4: 71 / 194، الإستبصار 2: 46 / 149، الوسائل 9: 327 أبواب
زكاة الفطرة ب 5 ح 1.
(5) التهذيب 4: 76 / 215، الإستبصار 2: 45 / 147، الوسائل 9: 337 أبواب
زكاة الفطرة ب 6 ح 14.
(6) التهذيب 4: 81 / 234، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.
(7) التهذيب 4: 85 / 246، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 3.
(8) التهذيب 4: 83 / 239، الإستبصار 2: 48 / 159، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 8.
(9) التهذيب 4: 82 / 237، الإستبصار 2: 48 / 157، الوسائل 9 6 335 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 9.
406

أو الأول والرابع مع الأقط، كرواية ابن المغيرة (1).
أو أربعة، هي الأربعة الأولى كصحيحتي البجلي (2) وسعد بن سعد (3)
ورواية ابن سنان (4).
أو الأخيرة، كصحيحة القداح (5).
أو غير الأول من الأربعة الأولى مع الذرة، كصحيحة الحذاء (6).
أو خمسة: هي الأربعة الأولى مع الذرة، كرواية الفضلاء الثلاثة (7).
ومتضمن لايجاب ما اقتاته المزكي وتغذى به عياله، أو ما اقتاته أهل
بلده، كصحيحة ابن مسكان (8) ومرسلة يونس (9) ورواية الهمداني (10)،

(1) التهذيب 4: 80 / 229، الإستبصار 2: 46 / 150، الوسائل 9: 333 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 3.
(2) الرواية بهذا النص عن الحلبي، ولم نعثر على هكذا رواية للحلبي، لاحظ
التهذيب 4: 75 / 210، الإستبصار 2: 42 / 134، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 11.
(3) الكافي 4: 171 / 5، الفقيه 2: 115 / 492، التهذيب 4: 80 / 227، الإستبصار 2:
46 / 148، الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 1.
(4) التهذيب 4: 86 / 250، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 12.
(5) التهذيب 4: 81 / 231، الإستبصار 2: 42 / 135، الوسائل 9: 335 أبواب
زكاة الفطرة ب 5 ح 11.
(6) التهذيب 4: 82 / 238، الإستبصار 2: 48 / 135، الوسائل 9: 335 أبواب
زكاة الفطرة ب 6 ح 10.
(7) التهذيب 4: 82 / 238، الإستبصار 2: 43 / 139، الوسائل 338 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 17.
(8) التهذيب 4: 78 / 221، الإستبصار 2: 43 / 137، الوسائل 9: 343 أبواب زكاة
الفطرة ب 8 ح 1.
(9) التهذيب 4: 78 / 220، الإستبصار 2: 42 / 136، الوسائل 9: 344 أبواب زكاة
الفطرة ب 8 ح 4.
(10) التهذيب 4: 79 / 226، الإستبصار 2: 44 / 140، الوسائل 9: 343 أبواب زكاة
الفطرة ب 8 ح 2.
407

وتعضدهما صحيحة ابن عمار المثبتة للأقط لأصحاب الإبل والبقر والغنم (1).
وجميع تلك الأقسام - غير الأخير، لعدم دلالتها على وجوب ما
تضمنته، بل على كفايته وإجزائه، كما لا يخفى على الفقيه الخبير - لا
تعارض بعضها بعضا.
نعم، تتعارض هذه الأقسام مع القسم الأخير بالعموم من وجه،
لدلالتها على إجزاء ما تضمنته مطلقا، سواء كان قوتا غالبا أو لا، ودلالته
على تعين القوت الغالب، سواء كان أحد الأجناس أو لا.
وتوهم عدم التعارض، لأن ورود خصوص الأجناس لأن الغالب عدم
خروج القوت الغالب عنها.
فاسد، إذ القوت الغالب للغالب لا يخرج عن الجميع، وأما عن كل
واحد فالعيان يشهد بخلافه، فإن أهل عراق العجم والري ليس قوتهم تمرا،
كما أن أهل النجد ليس زبيبا، مع أنها تدل على إجزاء كل واحد مطلقا،
فالتعارض متحقق، فاللازم المحاكمة، ومقتضاها الحكم بالتخيير في موضع
التعارض، فبه الحكم وعليه الفتوى، فيتخير المكلف بين إخراج أحد
الأجناس الخمسة، وبين إخراج قوته الغالب لو كان غيرها.
لا يقال: مقتضى مفهوم الشرط في صحيحة محمد: (الصدقة لمن لا
يجد الحنطة والشعير يجزئ عنه القمح والعدس والذرة نصف صاع من
ذلك كله، أو صاع من تمر أو زبيب) (2)، ومرسلة الفقيه: (من لم يجد
الحنطة والشعير أجزأ عنه القمح والسلت والعدس والذرة) (3) عدم إجزاء

(1) التهذيب 4: 80 / 230، الإستبصار 2: 46 / 151، الوسائل 9: 333 أبواب
زكاة الفطرة ب 6 ح 2.
(2) التهذيب 4: 81 / 235، الإستبصار 2: 47 / 156، الوسائل 9: 337 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 13.
(3) الفقيه 2: 115 / 494، الوسائل 9: 344 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 5.
408

الذرة إلا مع عدم وجدان الحنطة والشعير.
لأنا نقول: مقتضاه عدم إجزاء كل واحد المذكورات، وهو لا
ينافي إجزاء واحد منها.
فروع:
أ: هل المعتبر في القوت الغالب قوت المزكي، أو بلده الذي فيه ليلة
الفطر، أو وطنه؟
مقتضى الخبرين الأولين من القسم الأخير: الأول، ومقتضى الثالث:
أحد الأخيرين، بل الأخير.
وحمل الأولين على الغالب - لتلازم الغلبتين في الأغلب - ليس أولى
من العكس لذلك، وإذ لا ترجيح فالوجه التخيير في ذلك أيضا.
ب: لا يعتبر في القوت الغالب أن يكون من أحد الأجناس الخمسة،
ولا فيها أن يكون من القوت الغالب، للاطلاق.
ج: لا يجوز إخراج قدر الفطرة من الدقيق أو الخبز عوضا للجنس،
ولكنه يجوز من القوت الغالب.
والحاصل: أنه على الاقتصار على الأجناس لا يكفي الدقيق والخبز،
لعدم صدق الجنس.
وأما على ما اخترناه من كفاية القوت الغالب يكفيان من جهته،
للصدق.
ولا يضر في الدقيق افتقاره إلى العجن والطبخ، لأن الحاجة على هذا
القدر من العمل لا تخرجه عن القوت الغالب عرفا.
د: أفضل ما يخرج: التمر والزبيب، وفاقا لكثير، منهم: الشيخان
والقاضي في الكامل والحلي وابن حمزة والشرائع والنافع والتذكرة والارشاد
409

والقواعد والتبصرة والدروس والبيان واللمعة والروضة (1).
للشهرة، وصحيحة هشام: (التمر في الفطرة أفضل، لأنه أسرع
منفعة، وذلك أنه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه) (2)، وهي دالة على الأول
بالصراحة، وعلى الثاني بعموم العلة.
مضافا في الأول إلى غيرها من المستفيضة، كصحيحة الحلبي
المتقدمة في المسألة الثالثة من البحث الثاني (3)، ورواية ابن سنان السالفة في
الفرع الأول من المسألة الأولى منه (4)، وموثقة إسحاق بن عمار (5)، وروايتي
منصور (6) والشحام (7)، وفيها: (لأن أعطي صاعا من تمر أحب إلي من أن
أعطي صاعا من ذهب في الفطرة)، ومرسلة الفقيه، وفيها قريب مما ذكر
أيضا (8).
والأول أفضل من الثاني، وفاقا لجميع من ذكر، وجمع آخر، منهم:
العماني والصدوقان (9)، لأكثرية رواياته وصراحتها، ولقوله في صحيحة

(1) المفيد في المقنعة: 251، والطوسي في النهاية: 190، والحلي في السرائر 1:
468، وابن حمزة في الوسيلة: 131، الشرائع 1: 174، النافع 1: 61، التذكرة
1: 249، الإرشاد 1: 291: القواعد 1: 61، التبصرة: 49، الدروس 1: 251،
البيان: 335، اللمعة (الروضة البهية 2): 59.
(2) الكافي 4: 171 / 3، الفقيه 2: 117 / 505، التهذيب 4: 85 / 248، الوسائل
9: 351 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 8.
(3) انظر ص: 398.
(4) انظر ص: 394.
(5) التهذيب 4: 85 / 247، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 4.
(6) التهذيب 4: 85 / 246، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 3.
(7) التهذيب 4: 85 / 249، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 6.
(8) الفقيه 2: 117 / 504، الوسائل 9: 351 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 7.
(9) اختاره الصدوق في المقنع: 66 ونقله عن الصدوقين والعماني في المختلف:
197.
410

الحلبي - بعد ذكر الأجناس الأربعة -: (التمر أحب ذلك إلي)، وكذا في
رواية ابن سنان بدون لفظة ذلك.
خلافا في الأول للمحكي عن الديلمي، فجعل الأفضل الأعلى قيمة،
لكونه أنفع للفقير (1).
ويرده: منع إيجابه للأفضلية، لصريح ما جعل التمر أفضل من
الذهب.
وعن الخلاف، فجعله القوت الغالب (2)، لرواية الهمداني المعينة
لأهل كل قطر ما يقتاتونه (3)، وما بمعناها من الروايات (4)، بحملها على
الاستحباب، إما للاجماع على عدم الوجوب كما قيل (5)، أو للجمع بين
الروايات.
وفيه - مع أن الوجهين لا يعينان الحمل المذكور لامكان التخيير كما
قلنا، وأنه لا يكافئ ما صرح بأفضلية ما ذكر -: أنه يحصل الجمع بالحمل
على الفضيلة بالنسبة دون الأفضلية من الجميع، بأن يكون أفضل من
غيرهما كما فعله جماعة، فجعلوا القوت الغالب أفضل بعدهما (6). وهو كان
حسنا لولا إمكان الجمع بالتخيير.
وفي الثاني للمحكي عن القاضي في المهذب، فجعل الزبيب مساويا

(1) المراسم: 135.
(2) الخلاف 2: 150.
(3) التهذيب 4: 79 / 226، الإستبصار 2: 44 / 140، الوسائل 9: 343 أبواب زكاة
الفطرة ب 8 ح 2.
(4) الوسائل 9: 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8.
(5) المدارك 5: 339.
(6) منهم المحقق في الشرائع 1: 174، والعلامة في القواعد 1: 61، والشهيد في
اللمعة (الروضة 2): 59.
411

للتمر، لمساواته العلة (1).
ويرده التصريح في التمر بالأفضلية، كما مر.
ه‍: يجوز إخراج القيمة من أحد هذه الأجناس، بلا خلاف يعرف
كما في الذخيرة (2)، بل مطلقا كما في المنتهى (3)، بل بالاجماع كما في
السرائر والمدارك والمفاتيح (4)، وعن الخلاف والغنية والتذكرة
والمختلف (5)، بل هو إجماع محققا، له، وللمستفيضة، كالموثقات الأربعة
لإسحاق بن عمار وروايته.
وفي إحداها: (لا بأس بالقيمة في الفطرة) (6).
وفي الأخرى: (ولا بأس أن يعطى قيمة ذلك فضة) (7).
وفي الثالثة: ما تقول في الفطرة، يجوز أن أؤديها فضة بقيمة هذه
الأشياء التي سميتها؟ قال: (نعم، إن ذلك أنفع له، يشتري ما يريده) (8).
وفي الرابعة: فما ترى أن نجمعها ونجعل قيمتها ورقا ونعطيها رجلا
واحدا مسلما؟ قال: (لا بأس) (9).

(1) المهذب 1: 175.
(2) الذخيرة: 475.
(3) المنتهى 1: 538.
(4) السرائر 1: 469، المدارك 5: 336، المفاتيح 1: 217.
(5) الخلاف 2: 150، الغنية (الجوامع الفقهية): 507، التذكرة 1: 249،
المختلف 198.
(6) التهذيب 4: 86 / 252، الإستبصار 2: 50 / 167، الوسائل 9: 348 أبواب
زكاة الفطرة ب 9 ح 9.
(7) الفقيه 2: 117 / 506، التهذيب 4: 78 / 224، الوسائل 9: 348 أبواب زكاة
الفطرة ب 9 ح 10.
(8) التهذيب 4: 86 / 251، الإستبصار 2: 50 / 166، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة
الفطرة ب 9 ح 6.
(9) الكافي 4: 171 / 6، الوسائل 9: 346 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 4 بتفاوت.
412

وفي الخامسة: (لا بأس أن تعطيه قيمتها درهما) (1).
وصحيحتي عمر بن يزيد الأولى: يعطى الرجل الفطرة دراهم ثمن
التمر والحنطة يكون أنفع لأهل بيت المؤمن؟ قال: (لا بأس).
والثانية: تعطى الفطرة دقيقا مكان الحنطة، قال: (لا بأس، يكون أجر
طحنه بقدر ما بين الحنطة والدقيق) (2).
وظاهر أن المراد الاعطاء بالقيمة لا أصالة، كما يدل عليه قوله:
(يكون أجر طحنه) إلى آخره، فإنه لو كان أصالة للزم الاتمام صاعا، وزيادة
ما نقص باعتبار الطحن.
وصحيحة ابن بزيع: بعثت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام بدراهم لي
ولغيري، وكتبت إليه أخبره أنها من فطرة العيال، فكتب عليه السلام بخطه: (قبضت) (3).
ورواية المروزي: (إن لم تجد من تضع الفطر فيه فاعزلها تلك الساعة
قبل الصلاة، والصدقة بصاع من تمرا أو قيمته في تلك البلاد دراهم) (4).
ورواية [أبي] (5) علي بن راشد: عن الفطرة - إلى أن قال -: (لا بأس
بأن يعطي ويحمل ثمن ذلك ورقا) (6).

(1) التهذيب 4: 79 / 225، الإستبصار 2: 50 / 168، الوسائل 9: 348 أبواب
زكاة الفطرة ب 9 ح 4.
(2) التهذيب 4: 332 / 1041، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 5.
(3) الكافي 4: 174 / 22، التهذيب 4: 91 / 266، بزيادة: وقبلت، الفقيه 2:
119 / 513، الوسائل 9: 345 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 1.
(4) التهذيب 4: 87 / 256، الإستبصار 2: 50 / 169، الوسائل 9: 347 أبواز زكاة
الفطرة ب 9 ح 7.
(5) أثبتناه من المصدر: لأن الرواية عن محمد بن عيسى، ولم تثبت روايته عن علي
ابن راشد.
(6) الكافي 4: 174 / 23، التهذيب 4: 91 / 264، الوسائل 9: 346 أبواب زكاة
الفطرة ب 9 ح 2.
413

والمروي في المقنعة مرسلا: عن القيمة مع وجود النوع، قال: (لا
بأس) (1).
ثم إنه لا فرق في جواز إخراج القيمة بين إمكان إخراج عين الأجناس وعدمه،
على الأظهر الموافق لصريح جماعة (2)، للاطلاقات، وخصوص
رواية المقنعة.
وظاهر الشيخ في النهاية والديلمي وابن حمزة الاقتصار على عدم
الامكان (3). وهو محجوج بما مر.
ولا في القيمة بين النقدين وغيرهما من الأجناس، وفاقا لصريح
المبسوط والمختلف (4)، بل الأكثر، كما تنادي به تصريحاتهم بجواز إخراج
ما عدا الأجناس المخصوصة بالقيمة، لصحيحة عمر بن يزيد الثانية ونفي
دلالتها - كما في الحدائق (5)، إذ قيام الأجر مقام الكسر لا يكون
إلا بالقيمة.
خلافا للمحكي عن ظاهر الحلي والأردبيلي (6) ويميل إليه كلام بعض
المتأخرين، فخصوا بالنقدين أو خصوص الفضة (7)، لأن النقدين هو
المتبادر من القيمة، ولا أقل من احتمال الخصوصية، فلا تحصل بغيره
البراءة، وللتقييد في سائر الأخبار، الموجب لتقييد المطلق إن كان.
ويجاب: بعدم دلالة شئ من الأخبار على لزوم الانحصار، غايتها

(1) المقنعة: 251.
(2) منهم الحلي في السرائر 1: 468، وصاحبي الحدائق 12: 288، والرياض 1: 291.
(3) النهاية: 191، المراسم 135، الوسيلة: 131.
(4) المبسوط 1: 241، المختلف: 198.
(5) الحدائق 12: 290.
(6) السرائر 1: 468، مجمع الفائدة والبرهان 4: 259.
(7) كصاحب الرياض 1: 291.
414

ذكر المقيد، وهو لا يدل على لزوم التقييد، فتبقى الصحيحة بلا معارض.
ثم على ما اخترناه من عدم اختصاص القيمة بالنقد، هل يجوز إخراج
أقل من صاع من أحد الأجناس المذكورة بعوض صاع من آخر أرخص منه،
أم لا؟
المحكي عن المختلف: الأول (1).
وعن البيان: الثاني (2)، واختاره في الذخيرة والمفاتيح (3). وهو
الأقرب، لأن أخبار القيمة متضمنة للنقد، سوى صحيحة عمر بن يزيد،
وهي أيضا مخصوصة بغير هذه الأجناس، والقول بالفصل متحقق، فليس
على إجزاء مثل تلك القيمة دليل، مع أنه ورد في روايات كثيرة أن ذلك من
عمل عثمان أو معاوية (4)، مؤذنا بكونه بدعة.
ولا تقدير في القيمة على الأصح، كما ذهب إليه الأكثر، بل المرجع
القيمة السوقية، للأصل، وظاهر الأخبار.
وأما رواية إسحاق (5)، فلا دلالة فيها على التقدير بالدرهم الواحد، إذ
المراد بالدرهم جنسه، ولو سلم فيمكن حملها على اختلاف الأسعار،
فينزل على أن قيمتها وقت السؤال ذلك.
وأما ما رواه في المقنعة: عن قدر القيمة، فقال: (درهم في الغلا
والرخص) (6) فلضعفه لا يدفع ما مر.. ولذا صرح جماعة بأن القول

(1) حكاه عنه في الدروس 1: 251، المدارك 5: 337، وهو في المختلف: 199.
(2) البيان: 337.
(3) الذخيرة: 475، المفاتيح 1: 218.
(4) الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6.
(5) التهذيب 4: 79 / 225، الإستبصار 1: 50 / 168، الوسائل 9: 348 أبواب
زكاة الفطرة ب 9 ح 11.
(6) المقنعة: 251.
415

بتقديرها درهما أو أربعة دوانيق مجهول القائل والمستند (1).
المسألة الثانية: القدر الواجب من الأجناس المذكورة في زكاة
الفطرة: صاع، بالاجماع المحقق، والمحكي في كلام جماعة (2)، له،
وللروايات المستفيضة من الصحاح وغيرها، كالصحاح السبع: للجمال (3)،
والحذاء (4)، والقداح (5)، والأشعري (6)، والحلبي (7)، وابن وهب (8)،
ومحمد بن عيسى (9)، والروايات العشر: للهمداني (10)، والمروزي (11)،

(1) منهم العلامة في المختلف: 198، والشهيد في المسالك 1: 65، وصاحب
الرياض 1: 291.
(2) منهم صاحب المدارك 5: 339، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 218،
وصاحب الرياض 1: 291.
(3) الكافي 4: 171 / 2، الفقيه 2: 114 / 491، التهذيب 4: 71 / 194،
الإستبصار 2: 46 / 149، الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 1.
(4) التهذيب 4: 82 / 238، الإستبصار 2: 48 / 158، الوسائل 9: 335 أبواب
زكاة الفطرة ب 6 ح 10.
(5) التهذيب 4: 81 / 231، الإستبصار 2: 42 / 135، الوسائل 9: 330 أبواب
زكاة الفطرة ب 5 ح 11.
(6) الكافي 4: 171 / 5، الفقيه 2: 115 / 492، التهذيب 4: 80 / 227،
الإستبصار 2: 46 / 148، الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 1.
(7) التهذيب 4: 81 / 233، الإستبصار 2: 47 / 154، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 12.
(8) التهذيب 4: 83 / 239، الإستبصار 2: 48 / 159، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 8.
(9) التهذيب 4: 87 / 257، الإستبصار 2: 51 / 170، الوسائل 9: 334 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 6.
(10) التهذيب 4: 79 / 226، الإستبصار 2: 44 / 140، الوسائل 9: 343 أبواب زكاة
الفطرة ب 8 ح 2.
(11) التهذيب 4: 87 / 256، الإستبصار 2: 50 / 169، الوسائل 9: 347 أبواب
زكاة الفطرة ب 9 ح 7.
416

والشحام (1)، وسلمة (2)، وابن المغيرة (3)، وجعفر بن معروف (4)،
وياسر (5) وإبراهيم بن أبي يحيى (6)، وابن سنان (7)، ومنصور (8).
وأما الأخبار (9) المتضمنة لنصف الصاع من الحنطة أو غيرها فهي
موافقة للعامة، محمولة على التقية، كما صرح به طائفة من الأجلة (10)،
ونطقت به المستفيضة، بأنه من بدع عثمان أو معاوية (11)، ومع ذلك كله
مخالفة لأصالة بقاء شغل الذمة.
ولا فرق في ذلك بين سائر الأجناس واللبن على الأظهر،
وفاقا لاطلاق أكثر القدماء، كالمفيد والسيد والخلاف
والإسكافي والقاضي والحلبي وابن زهرة (12)، وجمهور

(1) التهذيب 4: 85. 249، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 6.
(2) التهذيب 4: 82 / 237، الإستبصار 2: 48 / 157، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 9.
(3) التهذيب 4: 80 / 229، الإستبصار 2: 46 / 150، الوسائل 9: 333 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 3.
(4) التهذيب 4: 81 / 232، الإستبصار 2: 47 / 153، الوسائل 9: 333 أبواب
زكاة الفطرة ب 6 ح 4.
(5) التهذيب 4: 83 / 241، الإستبصار 2: 49 / 161، الوسائل 9: 334 أبواب
زكاة الفطرة ب 6 ح 5.
(6) التهذيب 4: 83 / 240، الإستبصار 2: 48 / 160، الوسائل 9: 334 أبواب
زكاة الفطرة ب 6 ح 7.
(7) التهذيب 4: 81: 234، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.
(8) التهذيب 4: 85 / 246، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 3.
(9) الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6.
(10) منهم الشيخ الطوسي في التهذيب 4: 82 / 236، والفيض في المفاتيح 1:
218، وصاحب الوسائل 9: 336.
(11) الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6.
(12) المفيد في المقنعة 250، السيد في الجمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 80،
الخلاف 2: 148، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 198، القاضي في شرح
جمل العلم والعمل: 267، الحلبي في الكافي في الفقه: 169، ابن زهرة في
الغنية (الجوامع الفقهية): 568.
417

المتأخرين (1)، بل قيل: من غير خلاف يعرف بينهم عدا شاذ (2)، لعموم
بعض الأخبار المتقدمة أو إطلاقه، واستصحاب شغل الذمة.
وخلافا للمحكي المبسوط والمصباح ومختصره والاقتصاد
والجمل والنهاية والتهذيب والاستبصار ظاهرا والحلي وابن حمزة والشرائع
والنافع والتذكرة والتبصرة والهداية والارشاد والتلخيص ونسبه في الايضاح
إلى كثير من الأصحاب، فاكتفوا في اللبن بأربعة أرطال، أو ستة (3)، لمرسلة
القاسم بن الحسن: رجل بالبادية لا يمكنه الفطرة، فقال: (يتصدق بأربعة
أرطال من لبن) (4).
وفيه: أن مورد الخبر من لا يتمكن من الفطرة، وهو ظاهر في الفقير
أو محتمل له، فالتصدق المذكور من باب الاستحباب.
وكون المورد من لا يتمكن لأجل كونه في البادية غير معلوم، غايته
الاحتمال، وهو غير مفيد، ولو سلم فيمكن أن يكون هذا إخراجا بالقيمة
دون الأصالة، وتكون قيمة أربعة أرطال من اللبن في ذلك الوقت مساوية
لصاع من بعض الأجناس المذكورة.

(1) كالمحقق في المعتبر 2: 608، والشهيد في المسالك 1: 65.
(2) الرياض 1: 291.
(3) المبسوط 1: 241، المصباح 610، الإقتصاد 284، الجمل والعقود (الرسائل
العشر): 208، النهاية: 191، التهذيب 2: 84، الإستبصار 2: 49، الحلي في
السرائر 1: 469، ابن حمزة في الوسيلة: 131، الشرائع 1: 147، النافع: 61،
التذكرة 1: 250، التبصرة: 49، الهداية: 52، الإرشاد 1: 291، الإيضاح 1:
214.
(4) التهذيب 4: 78 / 222، الإستبصار 2: 43 / 138، الوسائل 9: 341 أبواب
زكاة الفطرة ب 7 ذيل ح 3.
418

ثم إن تحقيق الصاع قد مر في باب الزكاة.
فرع: لا يجوز إخراج صاع واحد من جنسين، وفاقا للشيخ (1)
وجماعة (2)، لا أصالة ولا قيمة.
أما الأول، فلعدم ثبوت ذلك شرعا، وإنما الثابت أصالة صاع من
جنس.
وأما الثاني، فلما مر من عدم ثبوت هذا النوع من القيمة، ووجود
القول بالفصل.
خلافا في الأول للمختلف (3)، وفي الثاني للكيدري والمحقق على ما
حكي عنهما (4)، لوجوه ضعيفة.

(1) في المبسوط 1: 241.
(2) كالشهيد في الدروس 1: 251، والأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 256.
(3) المختلف: 199.
(4) حكاه عن الكيدري في المختلف: 199، المحقق في المعتبر 2: 608.
419

البحث الرابع
في وقتها وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في مبدأ وجوبها، فذهب الشيخان في
المقنعة والعزية والخلاف والنهاية والمبسوط والسيد في الجمل والإسكافي
والديلمي والحلبي والقاضي وابن زهرة: أنه طلوع فجر يوم العيد، واختاره
صاحب المدارك من المتأخرين (1).
واختار الشيخ في الجمل والاقتصاد والمصباح ومختصره والحلي
وابن حمزة والفاضلان والشهيدان ومعظم المتأخرين: أنه غروب الشمس
من آخر يوم من شهر رمضان (2).
دليل الأولين: أصالة عدم الوجوب، واستصحابه إلى أن يحصل
اليقين، وهو ما بعد الفجر.
وصحيحة العيص: عن الفطرة متى هي؟ فقال: (قبل الصلاة يوم

(1) المقنعة: 249، حكاه عن العزية في الحدائق 12: 297، الخلاف 2: 155،
النهاية: 191، المبسوط 1: 242، الجمل: 126، حكاه عن الإسكافي في
المختلف: 199، الديلمي في المراسم 134، الحلبي في الكافي في الفقه:
169، القاض
ي في شرح الجمل: 267، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):
569، المدارك 5: 344.
(2) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 209، الإقتصاد: 284، المصباح: 610،
الحلي في السرائر 1: 469، ابن حمزة في الوسيلة: 131، المحقق في المعتبر 2:
611، العلامة في المنتهى 1: 539، الشهيد الأول في الدروس 1: 250، الشهيد
الثاني في المسالك 1: 65.
420

الفطر) (1).
والمتبادر من: (قبل الصلاة) وإن كان ما قرب منها لا ما يشمل جميع
ما بعد طلوع الفجر، إلا أن الاجماع أوجب صرفه عن المتبادر، فيحمل على
أقرب ما يمكن من المجازات وأشيعها وأسبقها إلى الذهن بعد الصرف عن
الحقيقة.. أو نقول: إلا أنه يجب الاقتصار في غير مدلول النص على
المتيقن. والسؤال فيها عن أصل الوقت، فالظاهر أن غيره ليس وقتا، فلا
يرد أنه أعم من وقت الوجوب والاستحباب.
وحجة الآخرين: صحيحة معاوية بن عمار: عن مولود ولد ليلة
الفطر، عليه فطرة؟ قال: (لا، قد خرج الشهر)، وسألته عن يهودي أسلم
ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: (لا) (2)، ونحوها روايته (3)، وبعض وجوه آخر
بينة الوهن.
وردت الصحيحة والرواية أيضا بأنهما تدلا ن على وجوب الاخراج
عمن أدرك الغروب، لا على أنه أول وقت الوجوب.
والاعتراض عليه - بأنه يدل عليه بالعموم أو الاطلاق، كما في
الذخيرة (4) وغيره - لا وجه له، إذ لا دلالة لهما على جواز الاخراج أو وجوبه
حينئذ بوجه.
ثم أقول: التحقيق أن مرادهم بمبدأ وقت وجوبها إن كان الوقت الذي
من لم يدركه لم يجب عليه وإن أدرك طلوع الفجر، فالحق هو الثاني،

(1) التهذيب 4: 75 / 212، الإستبصار 2: 44 / 141، الوسائل 9: 354 أبواب زكاة
الفطرة ب 12 ح 5.
(2) الكافي 4: 172 / 12، التهذيب 4: 72 / 197، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة
الفطرة ب 11 ح 2.
(3) الفقيه 2: 116 / 500، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1.
(4) الذخيرة: 476.
421

لصحيحة معاوية بن عمار وروايته، حيث دلتا على عدم كفاية إدراك طلوع
الفجر في الوجوب، فلم يبق إلا الغروب، إذ لا قول بكون غيرهما أول
الوقت بذلك المعنى، فلا يجب على من صار غنيا بعد الغروب أو ولد.
وإن كان مرادهم الوقت الذي من أدركه مع الوقت الأول وجبت عليه
الفطرة، فالحق مع الأول، لعدم دليل على الوجوب بإدراك الغروب،
فيستصحب عدمه إلى الطلوع، فلو مات المكلف قبله أو فقد بعض الشرائط
لا تجب عليه.
ولا يتوهم عدم القول بالفصل بين عدم الوجوب بعدم إدراك وقته
والوجوب بإدراكه، فإن الشيخ نص في كتبه الثلاثة - التي ذهب فيها إلى
القول الأول - على أن من أسلم أو ولد له مولود ليلة الفطر لم يجب عليه
إخراج الفطرة (1).
ويظهر منه أن مبدأ الوجوب الطلوع بشرط إدراك الغروب أيضا.
وإن كان مرادهم أول زمان يجوز فيه إخراجها بعنوان زكاة الفطرة ولا
يجوز التقديم عليه، فليس الحق في شئ منهما.
بل الحق قول آخر، وهو أنه أول شهر رمضان، وفاقا للصدوقين
والنهاية والمبسوط والخلاف والمعتبر والنافع والتذكرة والمختلف
والذخيرة (2)، وعزاه في التنقيح إلى كثير (3)، وفي المنتهى إلى الأكثر (4)، وفي
الدروس والمسالك إلى المشهور (5).

(1) المبسوط 1: 241، النهاية 189، الخلاف 2: 139.
(2) الصدوق في المقنع: 67، حكاه عن ابني بابويه في المختلف: 200، النهاية:
191، المبسوط 1: 242، الخلاف 2: 155، المعتبر 2: 613، النافع: 62،
التذكرة 1: 250، المختلف: 200، الذخيرة: 475.
(3) التنقيح 1: 333.
(4) المنتهى 1: 540.
(5) الدروس 1: 250، المسالك 1: 65.
422

لصحيحة الفضلاء الخمسة، المتقدمة في المسألة الأولى من البحث
الثاني (1).
والرضوي: (لا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى
آخره وهي زكاة إلى أن يصلي صلاة العيد، فإذا أخرجها بعد الصلاة فهي
صدقة، وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان) (2).
والحمل على التقديم على سبيل القرض حمل بلا حامل وعدول عن
الظاهر، مع أنه لا اختصاص له بأول شهر رمضان.
واشتمال آخر الأولى على ما يخالف الاجماع لا يوجب ترك العمل
بجميع ما اشتملت عليه، فلعل بعض مدلولها جار على تأويل أو مصلحة.
وخلافا للمفيد والاقتصاد والحلبي والحلي والشرائع والارشاد (3)
وغيرها (4)، وفي المدارك والذخيرة: أنه المشهور (5).
لأنها عبادة مؤقتة، فلا يجوز فعلها قبل وقتها، كما صرح به في
الصحاح الواردة في الزكاة المالية (6).
ولصحيحة عيص المتقدمة (7).
والجواب عن الأول: أن رمضان من وقتها لما تقدم، فلم يكن فعلها
فيه قبل الوقت.

(1) انظر: 389.
(2) فقه الرضا (ع): 210، مستدرك الوسائل 7: 137 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ذيل
الحديث 3.
(3) المفيد في المقنعة: 249، الإقتصاد: 284، الحلبي في الكافي في الفقه: 169،
الحلي في السرائر 1: 469، الشرائع 1: 175، الإرشاد 1: 291.
(4) كالحدائق 12: 307.
(5) المدارك 5: 345، الذخيرة: 475.
(6) الوسائل 9: 359 أبواب زكاة الذهب والفضة ب 15.
(7) في ص: 420.
423

وعن الثاني: أنه قد عرفت لزوم ارتكاب تجوز فيه، فيحتمل أن
يكون في غير ما ذكر، بأن يكون السؤال عن آخر وقت الفطرة، أي إلى متى
هي، أو عن الأفضل، وغير ذلك.
المسألة الثانية: اختلفوا في آخر وقتها، فذهب السيد والشيخان
والصدوقان والديلمي والحلبي والشرائع والنافع إلى أنه صلاة العيد (1)،
ونسبه جماعة إلى الأكثر (2)، وفي التذكرة إلى علمائنا (3)، وفي المنتهى إلى
علمائنا أجمع (4)، وادعى عليه الاجماع في الغنية (5).
وعن الإسكافي: امتداده إلى الزوال (6)، واستقربه في المختلف (7).
وهو ظاهر الإرشاد حيث جعل وقتها وقت صلاة العيد (8)، واختاره في البيان
والدروس (9).
وظاهر المنتهى كون تمام يوم العيد وقتا لها (10)، وجواز التأخير عن
الصلاة، وإن ادعى أولا قول علمائنا أجمع بعدم جوازه.

(1) السيد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 80، الطوسي في النهاية:
191، المفيد في المقنعة: 249، الصدوق في المقنع: 67، ونقله عن الصدوقين
في المختلف: 200، الديلمي في المراسم: 134، الحلبي في الكافي في الفقه:
169، الشرائع 1: 175، النافع: 62.
(2) منهم صاحب المدارك 5: 347، السبزواري في الذخيرة: 476، وصاحب الحدائق
12: 301.
(3) التذكرة 1: 250.
(4) المنتهى 1: 541.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 569.
(6) حكاه عنه في المختلف: 200.
(7) المختلف.
(8) الإرشاد 1: 291.
(9) البيان: 333، الدروس 1: 250.
(10) المنتهى 1: 541.
424

حجة الأولين: رواية إبراهيم بن ميمون: (الفطرة إن أعطيت قبل أن
يخرج إلى العيد فهي فطرة، وإن كان بعدما يخرج إلى العيد فهي صدقة) (1).
ورواية المروزي: (إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك
الساعة قبل الصلاة) (2).
وموثقة إسحاق بن عمار: (إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها، قبل
الصلاة أو بعد الصلاة) (3)، دلت بالمفهوم على الضرر متى ما أعطيتها قبل
الصلاة أو بعدها لو لم تعزل، وليس قبلها إجماعا فيكون بعدها.
والرضوي المتقدم في المسألة السابقة.
والمروي في الإقبال: (ينبغي أن تودي الفطرة قبل أن يخرج الناس
إلى الجبانة، فإن أداها بعدما يرجع فإنما هو صدقة وليس ف طرة) (4).
وفي تفسير العياشي: (أعط الفطرة قبل الصلاة) إلى أن قال: (وإن لم
يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا يعد له فطرة) (5).
وتؤيده الآية الشريفة، حيث قال: (فصلى) (6)، فأتى بلفظة الفاء
الدالة على التعقيب.
دليل الثاني: صحيحة العيص المتقدم بعضها، وفيها بعد ما مر: قلت:

(1) التهذيب 4: 76 / 214، الإستبصار 2: 44 / 143، الوسائل 9: 353 أبواب زكاة
الفطرة ب 12 ح 2.
(2) التهذيب 4: 87 / 256، الإستبصار 2: 50 / 169، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة
الفطرة ب 13 ح 7.
(3) التهذيب 4: 77 / 218، الإستبصار 2: 45 / 146، الوسائل 9: 357 أبواب زكاة
الفطرة ب 13 ح 4.
(4) الإقبال: 283، الوسائل 9: 355 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 7
والجبانة: الصحراء، وتسمى بها المقابر - مجمع البحرين 6: 224.
(5) تفسير العياشي 1: 43 / 46، الوسائل 9: 355 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 8.
(6) الأعلى: 14.
425

فإن بقي منه شئ بعد الصلاة، قال: (لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثم
يبقى فنقسمه) (1)، وهي بإطلاقها شاملة لما قبل العزل أيضا.
وصحيحة ابن سنان: (وإعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل وبعد الصلاة
صدقة) (2).
وقوله في صحيحة الفضلاء: (يعطي يوم الفطرة قبل الصلاة فهي
أفضل، وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل في شهر رمضان إلى
آخره) (3).
والمروي في الإقبال: قلت: أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال: (إن
أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة، وإن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة
لا تجزيك) قلت: فأصلي الفجر وأعزلها وأمكث يوما أو بعض يوم ثم
أتصدق بها، قال: (لا بأس، هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة) (4).
وأكثر هذه الأخبار وإن كان شاملا لما بعد الزوال أيضا، إلا أنه خرج
بعد الزوال بالاجماع كما في المختلف (5).
ودليل الثالث: إطلاق الصحاح الثلاث المذكورة.
أقول: يمكن رد دلالة الصحاح:
أما أولاها، فبأن ظاهر صدرها انتهاء الوقت بالصلاة، وظاهر ذيلها

(1) التهذيب 4: 75 / 212، الإستبصار 2: 44 / 141، الوسائل 9: 354 أبواب زكاة
الفطرة ب 12 ح 5.
(2) الكافي 4: 170 / 1، التهذيب 4: 71 / 193، الوسائل 9: 353 أبواب زكاة
الفطرة ب 12 ح 1.
(3) التهذيب 4: 76 / 215 باختلاف يسير، الإستبصار 2: 45 / 147، الوسائل
9: 354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 4.
(4) الإقبال: 274.
(5) المختلف: 200.
426

بقاؤه إلى بعدها، فلا بد لها من تجوز في الأول أو تقييد بما بعد العزل في
الثاني، ولا ترجيح، فلا دلالة لها.
وأما الثانية، فلأن ظاهر صدرها البقاء وظاهر ذيلها الانتهاء، فلا بد
من أحد التجويزين أيضا، مع أن المفضل عليه في صدرها غير معلوم،
فلعله التقديم كما هو ظاهر الثالثة.
ويرد على الرابعة أيضا مثل ما يرد على الثانية، مع ما فيها من الضعف
وعدم الحجية
ومنه يظهر خلو الأخيرين عن الدليل سوى استصحاب بقاء الوجوب
المستلزم لبقاء الوقت، ولكنه أيضا لا يفيد مع أدلة القول الأول، فهو
المعول، إلا أنه قد لا يصلي المكلف وتقع هناك صلوات متعددة، بل قد
لا تقع هناك صلاة أصلا، فلا يمكن توقيتها بالصلاة حينئذ قطعا، وسقوط
الفطرة أيضا باطل إجماعا بل ضرورة، فالتحديد بالصلاة مطلقا مما لا يمكن
تصحيحه أصلا.
بل الصواب أن يقال: إنه إن صلى المزكي أو وقعت هناك صلاة
جامعة تصلح لانصراف إطلاق الصلاة إليها ولم يرد المصلي صلاة أخرى،
فيجب الاخراج قبلها وينتهي وقتها بها، لجميع ما مر دليلا للقول الأول وإن
لم يكن كذلك، فيستصحب وقتها إلى الزوال، وأما بعده فلا، لظاهر
الاجماع.
ولا يتوهم أن فيه مخالفة للاطلاق - إذ الظاهر أن تعليق الإمام بالصلاة
إنما كان بناء على الشائع في زمانه من أمر صلاة العيد - أو خرقا للاجماع،
فإنه صرح بعض شراح المفاتيح: بأن المستفاد من كلام الفاضل أن الاخراج
للصلاة ومقدم عليها، فحيث يجوز تأخيرها إلى الزوال يجوز تأخيره إليه إذا
أخرت الصلاة إلى الزوال لا مطلقا، فإن المراد بامتداد وقته إلى الزوال:
427

امتداده بشرط تأخير الصلاة عنه. انتهى.
فإذن الأقوى: انتهاء وقته بالصلاة إن صلى المزكي قبل الزوال أو
وقعت هناك صلاة جامعة يخرج الناس إليها، وبالزوال إن لم يكن كذلك.
المسألة الثالثة: الواجب في الوقت هو العزل - أي الافراز من المال
وتعيينه في مال مخصوص - وأما الاعطاء فلا. بل يجوز تأخيره مع العزل
وإن خرج الوقت ومضى منه ما مضى، كما صرح به غير واحد (1)، وفي
الحدائق: أن الظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب (2).
للمستفيضة من الأخبار، كرواية المروزي وموثقة ابن عمار
المتقدمتين (3)، وقريبة منها روايته.
ومرسلة ابن أبي عمير: (في الفطرة إذا عزلتها وأنت تطلب بها
الموضع أو تنتظر بها رجلا فلا بأس به) (4).
وبهذه الأخبار يقيد إطلاق مثل قوله: (إن أعطيت) في رواية إبراهيم
ابن ميمون (5).
فروع:
أ: الظاهر من إطلاق الأصحاب: جواز العزل مع وجود
المستحق وعدمه. وهو كذلك، لاطلاق الموثقة والرواية، الخالي عما
يتوهم مقيدا له، سوى مفهوم الشرط في رواية المروزي (6)، والوصف في

(1) كصاحب المدارك 5: 349، والسبزواري في الذخيرة: 476.
(2) الحدائق 12: 307.
(3) في ص: 425.
(4) الفقيه 2: 118 / 510، الوسائل 9: 357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ذيل ح 4.
(5) التهذيب 4: 77 / 217، الإستبصار 2: 45 / 145، الوسائل 9: 357 أبواب زكاة
الفطرة ب 13 ذيل ح 5.
(6) المتقدمة في ص: 425.
428

المرسلة.. والأول لا يفيد المطلوب، لأن مقتضاه عدم وجوب العزل مع
الوجدان، لا عدم جوازه، وهو كذلك، لامكان الاعطاء.. والثاني ليس
بحجة.
ب: المراد بالعزل - كما ذكر - هو تعيينها وتمييزها في مال مخصوص
بقدرها، بأن يميزه عن غيره بقصد كونه فطرة، فلا عزل بدون الأمرين،
لعدم الصدق عرفا، فلا يكفي الامتياز والتعين بدون قصد الفطرة،
ولا قصدها بدون التمييز، فقصد صاع من هذه الصبرة، أو دراهم من هذه
الصرة، أو قدر معين من مالي على ذمة فلان، أو سلعة من هذه الأمتعة، أو
نصف من هذه السلعة، ليس بكاف في عزل الفطرة.
ج: لو عزلها فتلفت، فإن كان بتفريط منه ضمنها مطلقا،
للاجماع، ولأنها صارت بالعزل ملكا للفقراء أمانة في يده، فيضمنها
بالتفريط.
وإن كان بغير تفريط، فإن كان لم يجد لها مستحقا ولذا أخرها فلا
يضمن، وإن كان وجده ضمن، كما نص عليه جماعة، منهم: الصدوق في
المقنع والشيخ في النهاية والمبسوط والحلي وابن حمزة والفاضلان
والشهيدان (1)، وغيرهم (2).
لا لصحيحة زرارة الواردة في الفطرة (3)، لعدم خلوها عن الاجمال.
بل لصحيحة زرارة: عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها
فضاعت، فقال: (ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان) قلت: فإن لم

(1) المقنع: 67، النهاية: 191، المبسوط 1: 242، الحلي في السرائر 1: 470،
ابن حمزة في الوسيلة: 131، المحقق في النافع: 62، العلامة في المنتهى 1:
541، الشهيدان في اللمعة والروضة 5: 352.
(3) التهذيب 4: 77 / 219، الوسائل 9: 356 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 2.
429

يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت، أيضمنها؟ قال: (لا، ولكن إذا عرف لها
أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها) (1)، وغير ذلك.
د: لو عين الفطرة بالعزل، فهل له إبدالها بغيرها، أم لا؟
صرح في الدروس بالثاني (2). واستشكل فيه بعض الأجلة، لأصالة عدم التعيين ما لم يقبضه المستحق.
وفيه: أن المتبادر من العزل صيرورة المعزول - ما عزل له - ملكا
لمستحقه، ولذا صرح الأصحاب: بأنه أمانة في يده (3)، فجواز التبديل
يحتاج إلى الدليل وليس.
المسألة الرابعة: لو لم يعزلها وخرج الوقت، فقال جماعة - منهم:
الصدوق والمفيد والحلبي والقاضي وابن زهرة والمحقق (4) وجمع من
المتأخرين -: إنها تسقط (5)، وادعى في الغنية الاجماع عليه.
وذهب جمع آخر - منهم: الشيخ والديلمي والفاضل والحلي (6)
وجماعة من المتأخرين (7) - على عدم سقوطها، بل يجب إما قضاء، كما

(1) الكافي 3: 553 / 4، التهذيب 4: 48 / 126، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين
للزكاة ب 39 ح 2.
(2) الدروس 1: 247.
(3) كما في الذخيرة: 476، والرياض 1: 292.
(4) الصدوق في المقنع: 67، المفيد في المقنعة: 249، الحلبي في الكافي في
الفقه: 169، القاضي في المهذب 1: 176، وشرح الجمل: 267، ابن زهرة في
الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المحقق في الشرائع 1: 175.
(4) كما في كشف الغطاء: 358، والحدائق 12: 310.
(6) الشيخ في الإقتصاد: 284، الديلمي في المراسم: 134، الفاضل في المنتهى 1: 541،
الحلي في السرائر 1: 470.
(7) كفخر المحققين في الإيضاح 1: 213، والشهيد في الدروس 1: 250،
والأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 266.
430

يقوله غير الحلي، أو أداء، كما يقوله الحلي.
واستدل كل منهم بأدلة مدخولة أو مصادرة، إلا ما يستدل به لله
الأول من الأخبار المتقدمة المنجبرة بالشهرة، النافية بعد الصلاة للفطرة،
وأنها ما يكون قبلها، فلا يجب بعدها شئ، للاجماع على عدم وجوب
غير الفطرة.
مضافا إلى أن القضاء لا يكون إلا بأمر جديد، وهو في المقام فقيد،
فالقول به البتة غير سديد.
والقول بأدائيته شاذ نادر، إذ ليس للحلي فيه موافق ظاهر، فبحكم
الحدس بطلانه مجمع عليه، فلم يبق إلا الأول، فعليه الفتوى، ولكن
الاحتياط في المقام أولى ثم أولى.
431

البحث الخامس
في مصرفها وكيفية إعطائها
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: المشهور بين الأصحاب - كما في كلام طائفة
منهم (1)، بل مقطوع به في كلامهم كما في المدارك (2) - أن مصرفها مصرف
الزكاة المالية من الأصناف الثمانية الجامعة للشرائط المتقدمة، لآية
الصدقات (3)، وأخبار الزكاة (4)، وهذه منهما بالاجماع وصريح الأخبار.
وفي المعتبر والمنتهى: أنها لستة أصناف بإسقاط المؤلفة والعاملين (5)،
ونسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب (6).
وعن ظاهر المفيد: اختصاصها بالفقراء والمساكين (7)، ومال إليه طائفة
من متأخري المتأخرين بعض الميل (8).
وتدل عليه صحيحة الحلبي: (صدقة الفطرة على كل رأس من
أهلك: الصغير والكبير، والحر والمملوك، والغني والفقير، عن كل إنسان

(1) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 269، والسبزواري في الذخيرة: 470،
وصاحب الحدائق 12: 310.
(2) المدارك 5: 353.
(3) التوبة: 60.
(4) الوسائل 9: 209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1.
(5) المعتبر 2: 614، المنتهى 1: 541.
(6) الحدائق 12: 311.
(7) حكاه عنه في المدارك 5: 353، وانظر المقنعة: 252.
(8) انظر: الرياض 1: 293.
432

صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين) (1).
ورواية الجهني: عن زكاة الفطرة، فقال: (تعطيها المسلمين، فإن لم
تجد مسلما فمستضعفا، وأعط ذا قرابتك منها إن شئت) (2).
ورواية يونس بن يعقوب: عن الفطرة، من أهلها الذين تجب لهم؟
قال: (من لا يجد شيئا) (3).
ورواية الفضيل: لمن تحل الفطرة؟ قال: (لمن لا يجد) (4).
ولا شك أن الأحوط الاقتصار عليهم لو لم يكن أقرب.
ويشترط في الفقير هنا ما يشترط في المالية من عدم كونه هاشميا،
لما مر في المالية من قوله في صحيحة العيص: (يا بني عبد المطلب، إن
الصدقة لا تحل لي ولا لكم) (5).
وفي صحيحة الفضلاء الثلاثة: (وإن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب) (6).
وفي صحيحة الهاشمي: أتحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال: (إنما تلك
الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا) (7).

(1) التهذيب 4: 75 / 210، الإستبصار 2: 42 / 134، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة
الفطرة ب 6 ح 11، بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 173 / 18، التهذيب 4: 87 / 225، الوسائل 9: 359 أبواب زكاة
الفطرة ب 15 ح 1.
(3) التهذيب 4: 87 / 235، الوسائل 9: 359 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 3.
(4) التهذيب 4: 73 / 203، الإستبصار 2: 41 / 127، الوسائل 9: 268 أبواب
زكاة الفطرة ب 14 ح 4.
(5) الكافي 4: 58 / 1، التهذيب 4: 58 / 154، الوسائل 9: 268 أبواب
المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.
(6) الكافي 4: 58 / 2، التهذيب 4: 58 / 155، الإستبصار 2: 35 / 106، الوسائل
9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 2.
(7) الكافي 4: 59 / 3، التهذيب 4: 62 / 166، الوسائل 9: 272 أبواب
المستحقين للزكاة ب 31 ح 3.
433

وفي رواية الشحام: عن الصدقة التي حرمت عليهم، فقال: (هي
الزكاة المفروضة، ولم تحرم علينا صدقة بعضنا على بعض) (1). إلى غير ذلك.
إلا إذا كانت فطرة الهاشمي فتحل له، للرواية الأخيرة، وغيرها مما مر
في بحث الزكاة.
والعبرة هنا بمن يجب عليه الاخراج - أي المعيل - لا بمن يخرج عنه
- أي المعال - لوجوبه على الأول وهو المعطي ويخرج من ماله، وليس
الثاني إلا سبب الوجوب عليه، فلا يجوز لغير السيد إعطاء فطرة زوجته
السيدة للسيد، ويجوز للسيد إعطاء فطرة زوجته الغير السيدة له.
ورجح في الحدائق اعتبار المعال، لأنه الذي تضاف إليه الزكاة،
فيقال: فطرة فلان وإن وجب إخراجها عنه على غيره، وذكر بعض الأخبار
المتضمنة لذكر فطرة العيال، وعن كل رأس، ونحوهما (2).
وفيه: أن هذه النسبة مجازية قطعا، بل الزكاة زكاة من أمر بها،
ويؤاخذ على تركها، ويثاب بفعلها، ويخرجها من ماله، وله تعيين
مستحقها، وليس إضافته إلى المعال إلا كنسبة المنذور لشخص إليه، فإنه إذا
نذر أحد أن يتصدق لكل واحد من عياله شيئا، ونذر أيضا أن لا يتصدق من
صدقاته إلى غير العالم، لا يجوز له صرف الصدقة المذكورة إلى غير العالم
قطعا.
ولو روعي الاحتياط في الاخراج لكان أولى.
وكذا يشترط كونه مؤمنا، وما يظهر منه خلافه محمول على التقية.

(1) التهذيب 4: 59 / 157، الإستبصار 2: 35 / 108، الوسائل 9: 274 أبواب
المستحقين للزكاة ب 32 ح 4.
(2) الحدائق 12: 317.
434

المسألة الثانية: يجوز للمالك إخراجها وتفريقها بنفسه إجماعا،
ولا يجب الدفع إلى الإمام أو نائبه الخاص أو العام، للأصل، والاجماع..
وإن كان الأفضل دفعه إليه، كما صرح به الجماعة (1)، والله العالم.
المسألة الثالثة: صرح المحقق في الشرائع والنافع والفاضل في
الإرشاد (2) وبعض آخر (3): بعدم جواز نقلها إلى غير بلد المخرج مع وجود
المستحق فيه.
وصريح بعض آخر الجواز (4).
والخلاف هنا يتفرع على الخلاف في المالية، كما صرح به
جماعة (5).
فالحق هنا أيضا: الجواز، للعمومات المتقدمة فيها، مضافة هنا إلى
الصحاح المتضمنة لبعث الفطرة إلى الإمام وقبضه وقبوله.
وأما مكاتبة علي بن بلال (6)، ورواية الفضيل بن يسار (7)، فغير
صريحتين في عدم الجواز، لمكان الجملة الخبرية، بل غايتهما استحباب
الصرف في البلد.
نعم، ربما يقال بآكديته هنا، لهما، بل نسبها بعضهم إلى الأكثر أيضا،
ولا بأس به.

(1) كما في الشرائع 1: 176، والبيان: 335، والروضة 2: 53.
(2) الشرائع 1: 175، النافع: 62، الإرشاد 1: 291.
(3) كصاحب المدارك 5: 353.
(4) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 284، والفيض في المفاتيح 1: 212، 221.
(5) منهم صاحب الرياض 1: 292.
(6) التهذيب 4: 88 / 258، الإستبصار 2: 51 / 171، الوسائل 9: 360 أبواب زكاة
الفطرة ب 15 ح 4.
(7) التهذيب 4: 88 / 260، الإستبصار 2: 51 / 173، الوسائل 9: 360 أبواب زكاة
الفطرة ب 15 ح 3.
435

المسألة الرابعة: الحق عدم جواز إعطاء فقير أقل من فطرة رأس،
وفاقا للصدوقين والشيخين والسيدين والحلي وابن حمزة والديلمي
والفاضلين في طائفة من كتبهما والشهيدين كذلك (1)، بل للمشهور كما
صرح به جماعة (2)، وفي المختلف: أنه قول فقهائنا (3)، وعن الانتصار
والغنية: الاجماع عليه (4).
لمرسلة الحسين المنجبر ضعفهما - لو كان - بما مر: (لا تعط أحدا
أقل من رأس) (5).
وبها يقيد إطلاق قوله: (يفرقها أحب إلي) في رواية إسحاق بن
المبارك (6) بصورة لا يوجب التفرق إعطاء أقل من صاع لواحد.
خلافا للمحكي عن التهذيب والمعتبر والتحرير والمنتهى والمسالك
واللمعتين (7)، وهو مذهب الجمهور، كما صرح به جماعة، منهم: السيد

(1) الصدوق في المقنع 66 والهداية: 51، حكاه عن والده في الدروس 1: 251،
المفيد في المقنعة: 252، الطوسي في المبسوط 1: 242، السيد المرتضى في
الإنتصار: 88، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، الحلي في السرائر
1: 472، ابن حمزة في الوسيلة: 132، الديلمي في المراسم: 135، المحقق في
النافع: 62: الفاضل في التذكرة 1: 251، الشهيد الأول في البيان: 334،
والدروس 1: 251.
(2) كما في المفاتيح 1: 221، والحدائق 12: 314، والرياض 1: 293.
(3) المختلف: 202.
(4) الإنتصار: 88، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.
(5) التهذيب 4: 75 / 210، الإستبصار 2: 52 / 174، الوسائل 9: 362 أبواب زكاة
الفطرة ب 16 ح 2.
(6) التهذيب 4: 89 / 262، الإستبصار 2: 52 / 175، الوسائل 9: 362 أبواب زكاة
الفطرة ب 16 ح 1.
(7) التهذيب 4: 89، المعتبر 2: 616، التحرير 1: 73، المنتهى 1: 542،
المسالك 1: 65، اللمعة والروضة 2: 61.
436

والشيخ، فقالوا: يستحب ذلك، لرواية إسحاق (1). وقد مر جوابها.
مع أنه على فرض التعارض يجب تقديم المخالف للعامة.
وهل يجوز إعطاء الأقل اجتماع من لا يسع لكل منهم فطرة
واحدة؟
صرح الشيخ (2) وجماعة بالجواز (3)، لوجه اجتهادي لا يصلح
مخصصا للنص.
فالوجه: المنع مطلقا.
المسألة الخامسة: يستحب أن يختص بها الأقارب ثم الجيران،
وترجيح أهل الفضل والمعرفة مع الاستحقاق، كما يستفاد من النصوص،
وصرح به جمع من علماء الطائفة رضوان الله عليهم (4).
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله أجمعين.

(1) السيد في الإنتصار: 88، الشيخ في الإستبصار 2: 52.
(2) في النهاية: 192.
(3) منهم العلامة في التحرير 1: 73، والشهيد الثاني في المسالك 1: 65.
(4)
كالشهيد الثاني في المسالك 1: 65.
437