الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ١١
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الأولى ١٤١٧
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-٠١٥-٣
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولي أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء الحادي عشر
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

Bp النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 - 1245 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد مهدي
4 ن النراقي تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1415 ه‍.
1415 ه‍ ج. نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
- عليهم السلام - لإحياء التراث. ب. العنوان.
ردمك (شابك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزء.
. VOIS 18 - 2 - 75 - 5503 - ISBN 964
ردمك (شابك). - 76 - 5503 - 964 / ج 1
L / VO / 0 - 76 - 5503 - ISBN 964
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 11
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك):
الطبعة: الأولى - جمادى الأولى 1417 ه‍.
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 6000 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 37185 / 996 - هاتف 4 - 370001
4

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
5

كتاب الحج
وتتبعه العمرة أو تدخل فيه، وفيه مقاصد:
7

المقصد الأول
في أنواعه (وأقسامه بحسب الحكم وشرائط كل منها، وما يتعلق به
من هذه الجهة، وينقسم كل من الحج والعمرة من هذه الجهة إلى قسمين:
واجب وندب) (1)، فها هنا أبواب ثلاثة:

(1) بدل ما بين القوسين في (س): وشرائطها، وهو واجب وندب، وكل منهما إما
تمتع أو قران أو إفراد.
9

الباب الأول
في الواجب من الحج
وهو على قسمين: الواجب بأصل الشرع، والواجب بالعارض، فها
هنا مطلبان:
المطلب الأول
في الواجب بأصل الشرع
وهو الذي يسمى بحجة الاسلام، وهو واجب على كل من اجتمعت
فيه الشرائط الآتية من الرجال والنساء والخناثى، بالكتاب (1) والسنة (2)
وإجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين. والكلام إما في أحكامه من
جهة الوجوب، أو شرائطه من هذه الجهة، ففيه فصلان:
الفصل الأول
في أحكامه
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الواجب على كل مستجمع للشرائط في تمام العمر
مرة واحدة، بلا خلاف فيه بين المسلمين كما في التهذيبين (3)، بل

(1) آل عمران: 96 - 97.
(2) الوسائل 11: 7 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 1.
(3) التهذيب 5: 16، الإستبصار 2: 148.
11

بإجماعهم كما في المعتبر والمنتهى وشرح المفاتيح (1) وغيرها (2)، ونسبه
في التذكرة إلى عامة أهل العلم (3)، للأصل، والاجماع المحقق، وقيل (4):
بالنصوص المستفيضة من طرق الخاصة والعامة (5).
خلافا للمحكي عن الصدوق في العلل، فأوجبه في المستجمع
للشرائط في كل عام (6)، للمستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره (7)، لكنها غير
ناهضة لاثبات الحكم، لمخالفتها الاجماع، فهي إما مطروحة، أو على
الاستحباب محمولة، أو على إرادة كل عام على البدلية، أو على الوجوب
كفاية، بمعنى: أنه يجب أن لا يخلو بيت الله من طائف أبدا، كما يستفاد
من الأخبار المستفيضة أيضا (8).
المسألة الثانية: وجوبه فوري، بمعنى: أنه تجب المبادرة إليه في
أول عام الاستطاعة والتمكن، بلا خلاف فيه يعرف كما في الذخيرة (9)، بل
بلا خلاف فيه بيننا كما عن السرائر (10)، بل بالاجماع كما في المنتهى والتذكرة
والمدارك والمفاتيح وعن الناصريات والخلاف والروضة وشرح الجمل

(1) المعتبر 2: 747، المنتهى 2: 642.
(2) كالرياض 1: 337.
(3) التذكرة 1: 296.
(4) كما في الرياض 1: 337.
(5) من طرق الخاصة: كما في الوسائل 11: 19 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب
3، ومن طرق العامة: كما في سنن ابن ماجة 2: 963 / 2886، سنن أبي داود 2:
139 / 1720.
(6) العلل: 405.
(7) كما في الوسائل 11: 16 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 2.
(8) انظر الوسائل 11: 20 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 4.
(9) الذخيرة: 549.
(10) السرائر 1: 515.
12

للقاضي وشرح القواعد للمحقق الثاني (1) وغيرها (2)، بل بالاجماع
المحقق، له، وللأخبار المستفيضة، كصحيحتي الحلبي (3) والمحاربي (4)،
وغيرهما (5) من الروايات الكثيرة.
ثم لو عصى وأخر عن أول العام يجب عليه فيما يليه كذلك وهكذا،
بالاجماع.
ولو توقف إدراك الحج على مقدمات - من سفر وغيره - وجب الفور
بها على وجه يدرك الحج كذلك، لوجوب مقدمة الواجب.
ولو تعددت الرفقة في العام الواحد، فإن لم يتمكن من المسير مع
بعضها تعين الباقي قطعا، وإن احتمل المسير مع كل واحد منها يجوز التأخير
إلى الأخير، وفاقا للمدارك (6)، لانتفاء الدليل على فورية المسير بهذا المعنى.
وقيل: يجب السير مع أولاها، فإن أخر عنها وأدركه مع الثانية وإلا
كان كمؤخره عمدا، اختاره في الروضة (7). وقال في الدروس بجواز التأخير
مع الوثوق بالسفر مع غيرها (8). ولا دليل لهما.

(1) المنتهى 2: 642، التذكرة 1: 296، المدارك 7: 15، المفاتيح 1: 294،
الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، الخلاف 2: 257، الروضة 2: 161، شرح
جمل العلم العمل: 207، لم نعثر عليه في جامع المقاصد.
(2) كما في كشف اللثام 1: 275.
(3) التهذيب 5: 18 / 54، 403 / 1405، الوسائل 11: 26 أبواب وجوب الحج
وشرائطه ب 6 ح 3.
(4) الكافي 4: 268 / 1، الفقيه 2: 273 / 1333، التهذيب 5: 17 / 49، الوسائل
11: 29 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 7 ح 1.
(5) كما في الوسائل 11: 25 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 6.
(6) المدارك 7: 18.
(7) الروضة 2: 161.
(8) الدروس 1: 314.
13

نعم، يتم الأول بالنسبة إلى ثبوت الاستقرار الموجب للقضاء، لعموم
ما دل على وجوبه (1) السليم عن المعارض، وأما بالنسبة إلى الإثم والعصيان
فلا.

(1) كما في الوسائل 11: 29 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 7.
14

الفصل الثاني
في شرائط حجة الاسلام
وهي أمور:
الشرط الأول والثاني: البلوغ والعقل.
فلا يجب على الصبي والمجنون، إجماعا محققا ومحكيا (1)
مستفيضا، للأصل، وحديث رفع القلم (2)، مضافا في الصبي إلى مفهوم
رواية شهاب (3) وموثقة إسحاق: عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: (عليه
حجة الاسلام إذا احتلم، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت) (4).
ويصح من الصبي المميز وغير المميز، بلا خلاف في الأول كما عن
التذكرة والمنتهى (5)، بل بالاجماع كما صرح به بعضهم (6) وحكي عن
الخلاف (7)، بل قيل: بلا خلاف في الثاني أيضا (8).
وتدل عليه في الأول عمومات مرغبات الحج وأفعاله، فإنها شاملة

(1) كما في المعتبر 1: 327، وكشف اللثام 1: 285، والرياض 1: 337.
(2) الفقيه 1: 36 / 132، الخصال: 417 / 9، الوسائل 8: 249 أبواب الخلل الواقع
في الصلاة ب 30 ح 2.
(3) التهذيب 5: 6 / 14، الإستبصار 2: 146 / 476، الوسائل 11: 45 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 12 ح 2.
(4) الفقيه 2: 266 / 1296، الوسائل 11: 44 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 12 ح 1.
(5) التذكرة 1: 297، المنتهى 2: 859.
(6) كصاحب الرياض 1: 337.
(7) الخلاف 2: 378.
(8) كما في كشف اللثام 1: 285.
15

للصبي أيضا على ما مر في الصوم.
وفيهما الأخبار العديدة، كرواية محمد بن الفضيل: عن الصبي متى
يحرم به؟ قال: (إذا أثغر) (1)، أقول: يعني إذا سقط سنه.
ورواية الحكم: (الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى
يكبر، والعبد إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يعتق) (2).
وصحيحة ابن سنان: (فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها، فقالت:
يا رسول الله، أيحج عن مثل هذا؟ قال: نعم، ولك أجره) (3).
وصحيحة زرارة: (إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبي
ويفرض الحج، فإن لم يحسن أن يلبي لبوا عنه ويطاف به ويصلى عنه)،
قلت: ليس لهم ما يذبحون، قال: (يذبح [عن] الصغار ويصوم الكبار،
ويتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب والطيب، وإن قتل صيدا فعلى
أبيه) (4).
أقول: يفرض الحج - أي يوجبه على نفسه - بعقد الاحرام والتلبية،
أو الاشعار، أو التقليد، فإن الصبي في تلك الأخبار أعم من المميز وغيره،
بل في الأخيرة تصريح بكل منهما.

(1) الكافي 4: 276 / 9، الفقيه 2: 266 / 1297، الوسائل 11: 55 أبواب وجوب
الحج وشرائطه ب 20 ح 2.
(2) الفقيه 2: 267 / 1298، الوسائل 11: 49 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 16
ح 2.
(3) التهذيب 5: 6 / 16، الإستبصار 2: 146 / 478، الوسائل 11: 54 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 20 ح 1.
(4) الكافي 4: 303 / 1، الفقيه 2: 265 / 1291، التهذيب 5: 409 / 1424،
الوسائل 11: 288 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 5، وبدل ما بين المعقوفين في
النسخ: من، وما أثبتناه من المصادر.
16

ولا ينافيه قوله: (يحرم به) و: (حج به)، لأنه أعم من الأمر بمباشرته
أو جعله مباشرا، بقرينة قوله في الثانية: (والعبد إذا حج به) وكذا قوله في
الأخيرة: (حج بابنه) ثم قوله: (يأمره) إلى آخره.
ثم كيفية حج الأول: أن يباشر بنفسه ما يباشره الحاج من المناسك.
وحج الثاني: أن يباشر به، أي يجعل مباشرا لما يمكن جعله كذلك
من الأفعال، وتولي (1) عنه ما لم يمكن من النيات والأقوال.
وتدل على الأول: العمومات المشار إليها، وقوله في صحيحة زرارة:
(يأمره أن يلبي ويفرض الحج)، بضميمة الاجماع المركب في تتمة
المناسك.
وعلى الثاني: قوله في الصحيحة: (فإن لم يحسن) إلى آخره.
وصحيحة معاوية بن عمار: (قدموا من كان معكم من الصبيان إلى
الجحفة (2) أو إلى بطن [مر] ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم
ويسعى بهم ويرمى عنهم، ومن لم يجد منهم هديا فليصم عنه وليه) (3).
والبجلي، وفيها - بعد السؤال عن مولود صبي -: (إذا كان يوم التروية
فجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم، ثم أحرموا عنه، ثم قفوا به في
الموقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه، ثم زوروه بالبيت،

(1) في (ح) و (س): ويؤتى...
(2) كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل، وهي
ميقات أهل مصر والشام إن لم يمروا على المدينة - معجم البلدان 2: 111.
(3) 38 الفقيه 2: 266 / 1294 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 409 / 1423، الوسائل
11: 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3 بتفاوت يسير، وبدل ما بين المعقوفين في
النسخ: مرو، وما أثبتناه موافق للمصادر، وهو من نواحي مكة، عنده يجتمع
وادي النخلتين فيصيران واديا واحدا - معجم البلدان 1: 449.
17

ثم مروا الخادم أن يطوف به بالبيت وبين الصفا والمروة) (1).
ولا يتوهم شمول هذه الكيفية للمميزين أيضا، لظهورها في غيرهم،
مع أنه على فرض الشمول يجب التقييد بما في صحيحة زرارة المتقدمة.
فروع:
أ: هل يشترط في صحة حج المميز إذن الولي؟
فيه وجهان، أوجههما: لا، للأصل، والعمومات.
وقيل: نعم (2)، بل نسب إلى الأكثر (3).
لأن الحج عبادة متلقاة من الشرع مخالف للأصل، فيجب الاقتصار
فيها على المتيقن، وهو الصبي المأذون.
ولأن الصحة هنا بمعنى ترتب الكفارات عليه أو على الولي والهدي
أو بدله، ولم يجز له التصرف في شئ من ذلك في المال إلا بإذن الولي.
ولقوله في الصحيحة: (يأمره) إلى آخره.
ويضعف الأول: بحصول التوقيف والتعيين من العمومات.
والثاني: بمنع كون الصحة هنا بالمعنى المذكور، بل هي بمعنى
موافقة الأفعال لأمر الشارع، ولزوم الكفارات أثر ارتكاب أمر آخر وليس أثرا
للاحرام أصلا.
سلمنا أنه أثره ولا يجوز له التصرف في المال، فغايته أنه يبقى في

(1) الكافي 4: 300 / 5 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 410 / 1425، الوسائل 11:
286 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 1، بتفاوت يسير.
(2) انظر الرياض 1: 338.
(3) 41 كما في الرياض 1: 338.
18

ذمته، أو يكون بالنسبة إلى الكفارات والهدي بمنزلة الفاقد لها فيصنع
ما يصنعه.
والثالث: بعدم الدلالة، لتقييده بقوله: (إذا أراد الرجل) (1).
ب: ظاهرهم أن المباشر للحج بغير المميز: الولي أو من يأمره
ويستنيبه.
ثم اختلفوا في تعينه، والأخبار غير دالة على التخصيص، لأن قوله:
(من كان معكم من الصبيان) أعم ممن كان مع وليه أو غيره، وكذا لا
اختصاص في الأمر بقوله: (قدموا) و: (فجردوه) و: (لبوا عنه) وغير
ذلك، فإن ثبت الاجماع فيه فهو، وإلا فالظاهر جوازه لكل من يتكفل طفلا،
غاية الأمر أنه لا يتعلق أمر مالي بالطفل، بل يكون على المباشر، فتأمل.
ج: قيل: ما وقفت عليها في المسألة من الروايات مختص بالصبي،
ولا ريب أن الصبية في معناه (2).
أقول: لأحد مطالبته بدليل كونها في معناه، وربما يستدل للصبية
برواية شهاب وموثقة إسحاق المتقدمتين (3)، وفي دلالتهما نظر، لأنها إنما
هي إذا تضمنت حج الصبية، وليس فيها ذلك، بل ليس فيها حج الصبي
أيضا، لجواز أن يكون السؤال عن وجوب الحج، فأجاب بأنه بعد الاحتلام
والطمث، لا أن يكون السؤال عن الحج الواقع حتى يمكن التمسك فيه
بالتقرير.
وقد يستدل أيضا بموثقة يعقوب: إن معي صبية صغارا وأنا أخاف

(1) كذا في النسخ، وفي الصحيحة: إذا حج الرجل.
(2) كما في المدارك 7: 26.
(3) في ص: 15.
19

عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال: (ائت بهم العرج (1) فليحرموا منها)
الحديث (2).
ولا يخفى أن الثابت من هذه الرواية - بل الأوليين - هو حج الصبية،
وهو يثبت من العمومات أيضا، لا الحج به.
د: ألحق الأصحاب بالصبي: المجنون، واستدل له بأنه ليس أخفض
حالا من الصبي (3).
ورد بأنه قياس (4)، وهو كذلك، إلا أنه لما كان المقام مقام المسامحة
تكفي في حكمه فتوى كثير من الأصحاب به.
ه‍: لا يجزئ هذا الحج بقسميه عن حجة الاسلام لو استجمع
الصغير والمجنون الشرائط بعد الكمال، بلا خلاف يعرف كما عن
المنتهى (5)، بل بالاجماع كما في شرح القواعد لبعض الأجلة والمفاتيح
وشرحه (6)، بل بالاجماع المحقق، له، وللمستفيضة، كروايتي شهاب
والحكم، وموثقة إسحاق المتقدمة (7)، ورواية مسمع (8).

(1) وهي قرية جامعة في واد من نواحي الطائف، في أول تهامة، وتقع في بلاد
هذيل - معجم البلدان 4: 98.
(2) الكافي 4: 303 / 3، الفقيه 2: 266 / 1293، الوسائل 11: 289 أبواب أقسام
الحج ب 17 ح 7.
(3) منهم المحقق في المعتبر 2: 748، والعلامة في المنتهى 2: 649.
(4) المدارك 7: 26.
(5) المنتهى 2: 649.
(6) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 285، المفاتيح 1: 296.
(7) في ص: 15 و 16.
(8) الكافي 4: 278 / 18، التهذيب 5: 6 / 15، الإستبصار 2: 146 / 477،
الوسائل 11: 46 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 13 ح 2.
20

وهل يجزئ لو أدرك أحد الموقفين كاملا، أم لا؟
الأول: للشيخ في المبسوط والخلاف (1) والوسيلة والارشاد (2)، بل
أكثر الأصحاب كما صرح به جماعة (3)، بل إجماعي كما عن الخلاف
والتذكرة (4) وظاهر المسالك (5).
وتردد فيه في الشرائع والمنتهى والتحرير (6)، بل نفاه جمع من
متأخري المتأخرين (7).
دليل الأولين: الروايات المثبتة لهذا الحكم في العبد (8).
وكونه زمانا يصح فيه إنشاء الحج، فكان مجزئا بأن يجدد نية الوجوب.
ويرد الأول: بأنه قياس.
والثاني: بأنه إن أريد أنه زمان يصح فيه الانشاء في بعض الصور
المنصوصة فلا يفيد، وإن أريد مطلقا فلا نسلم.
ولو استدل له بقوله عليه السلام في غير واحد من الأخبار: (من أدرك
المشعر فقد أدرك الحج) (9) لكان أقرب، وإن كان في شموله للمورد نظر،

(1) المبسوط 1: 297، الخلاف 2: 378.
(2) الوسيلة: 195، الإرشاد 1: 310.
(3) منهم صاحب المدارك 7: 22، والسبزواري في الكفاية: 56، وصاحب الحدائق
14: 60.
(4) الخلاف 2: 379، التذكرة 1: 299.
(5) المسالك 1: 87.
(6) الشرائع 1: 225، المنتهى 2: 649، التحرير 1: 90.
(7) كصاحب الحدائق 14: 61، والمفاتيح 1: 296.
(8) كما في الوسائل 11: 52 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 17.
(9) رجال الكشي 2: 680 / 716، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23
ح 13، وانظر ص 57 ب 23.
21

سيما في حج التمتع، حيث إن العمرة الواجبة وقعت في زمان عدم التكليف
ولم يثبت إدراك العمرة بذلك.
ولا شك أن الأحوط بل الأظهر: الإعادة بعد الاستطاعة.
ثم على القول بالاجزاء، ففي اشتراط استطاعته من البلد، أو
الميقات، أو حين التكليف، أقوال، أظهرها: الأخير، كما يظهر مما سنذكره
في المملوك ونفقته الزائدة على ما يلزمه في الحضر على من يسافر به،
لعدم ثبوت جواز التصرف في القدر الزائد في مال الطفل.
الشرط الثالث: الحرية.
فلا يجب على المملوك، إجماعا محققا، ومحكيا (1) مستفيضا، له،
وللنصوص المستفيضة (2)، وإطلاقها - كإطلاق الفتاوى (3)، بل صريح
بعضها (4) - يشمل ما لو أذن له المولى أيضا.
نعم، يصح منه الحج إذا أذن له المولى، بالاجماع والنصوص،
ولا يجزئه عن حجة الاسلام كذلك لو استجمع الشرائط بعد العتق.
وأما بعض الروايات الظاهرة في الاجزاء فمؤولة، أو مخصصة بما هو
أخص منها، أو مطروحة، للمعارضة مع الأكثر والمخالفة للاجماع، إلا أن
يدرك أحد الموقفين معتقا، فيجزئه عنها إجماعا ونصا..
ففي صحيحة ابن عمار: مملوك أعتق يوم عرفة، قال: (إذا أدرك أحد.

(1) كما في الرياض 1: 337.
(2) الوسائل 11: 47 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 15.
(3) كما في المبسوط 1: 297، والغنية (الجوامع الفقهية): 573، المعتبر 2: 749.
(4) كما في الحدائق 14: 71.
22

الموقفين فقد أدرك الحج) (1) وشهاب: في رجل أعتق عشية عرفة عبدا، أيجزئ عن حجة
الاسلام؟ قال: (نعم) (2).
وهل تشترط في إجزائه عنها استطاعته حين العتق أم لا؟
الظاهر: نعم، إن أريد الاستطاعة البدنية، بل المالية بقدر ما يحتاج إليه من
الزاد والراحلة من الموقف إلى إتمام الحج، لاطلاق الآية (3) والنصوص (4)،
فلو لم يكن كذلك وأتم الحج بجهد ومشقة لم يجز عن حجة الاسلام.
ولا، إن أريد الأزيد من ذلك، للأصل السالم عن المعارض.
وقيل: لا يشترط أصلا، لاطلاق النص (5).
وفيه نظر، لأن الاطلاق لا عموم فيه، فينصرف إلى الغالب من حصول
الاستطاعة البدنية المعتبرة في المورد، فلا يشمل ما لو لم تكن هناك استطاعة.
ولو سلم الاطلاق فيعارض ما دل على اشتراط الاستطاعة من الكتاب
والسنة بالعموم من وجه، والأخير أرجح، لموافقة الكتاب، مضافا إلى
الأكثرية والأصرحية والأشهرية، بل يظهر من بعض الأجلة الاجماع على
اشتراط الاستطاعة (6).
فرع: لو جنى العبد المأذون في إحرامه حال رقيته بما يلزمه به الدم،

(1) الفقيه 2: 265 / 1290، التهذيب 5: 5 / 13، الإستبصار 2: 148 / 485،
الوسائل 11: 52 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 17 ح 2.
(2) الكافي 4: 276 / 8، التهذيب 5: 5 / 12، الإستبصار 2: 148 / 484، الوسائل
11: 53 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 17 ح 4.
(3) آل عمران: 97.
(4) الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 8.
(5) قاله صاحب المدارك 7: 31.
(6) انظر كشف اللثام 1: 288.
23

كان على سيده، وفاقا لصريح المعتبر (1)، وظاهر التهذيب (2)، وقواه في
المدارك (3)، لصحيحة حريز: (كلما أصاب العبد وهو محرم في إحرامه فهو
على السيد إذا أذن له في الاحرام) (4).
ولا تعارضه صحيحة ابن أبي نجران: عن عبد أصاب صيدا وهو
محرم، هل على مولاه شئ من الفداء؟ فقال: (لا شئ على مولاه) (5)،
لأن الأولى أخص مطلقا من الثانية بتقييدها بالإذن في الاحرام.
والقول بأن الثانية أيضا متضمنة له، لأن قول السائل: (وهو محرم)
بقرينة تقريره عليه في الجواب يدل على تحقق الصحة المشروطة بالإذن.
مردود بمنع حجية مثل ذلك التقرير أولا، وتحقق الصحة بالإذن
بالعموم، بأن يقول له: افعل ما تشاء، الذي هو أيضا أعم مطلقا من الإذن في
الاحرام، ثانيا.
الشرط الرابع: الاستطاعة.
بالاجماع، والكتاب (6)، والسنة المتواترة (7)، وهي تكون بالاستطاعة

(1) المعتبر 2: 751.
(2) التهذيب 5: 382.
(3) المدارك 7: 33.
(4) 75 الكافي 4: 304 / 7، الفقيه 2: 264 / 1284، التهذيب 5: 382 / 1334،
الإستبصار 2: 216 / 741، الوسائل 13: 104 أبواب كفارات الصيد وتوابعها
ب 56 ح 1.
(5) التهذيب 5: 383 / 1335، الإستبصار 2: 216 / 742، الوسائل 13: 105
أبواب كفارات الصيد وتوابعها ب 56 ح 3.
(6) آل عمران: 97.
(7) الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 8.
24

في أربعة أمور: الاستطاعة المالية، والسربية، والبدنية، والزمانية، وتفصيلها
يقع في أربعة مقامات:
المقام الأول: في الاستطاعة المالية.
وهي تحصل بالتمكن من الزاد والراحلة.
أما الزاد فالمراد منه: ضروري الأكل والشرب مدة ذهابه إلى المقصد
وعوده إلى بلده، ودخوله في مفهوم الاستطاعة لغة وعرفا واضح، والأخبار
به ناصة (1) كما يأتي.
وأدخل بعضهم في الزاد: الملبس وما يكن به (2)، أي يستر ويقي
نفسه من الحر والبرد من خباء ونحوه.
أقول: أما الملبس، فإن أراد به ما يحتاج إليه في السفر زائدا عما
يحتاج إليه في وطنه مما يقيه من برد ونحوه، فلا شك في دخوله في
الاستطاعة مع الحاجة، سواء سلمنا شمول الزاد له أم لا، ويدل على
اشتراطه نفي العسر والحرج أيضا.
وإن أراد مطلق الملبس الضروري ولو في الحضر، فإن أراد أنه
يشترط أن يكون له بعد استثناء الملبس ما يكفي لزاده، فهو صحيح كما
يأتي، ولكن لا يحسن إدخاله في الزاد.
وإن أراد مطلق الملبس الضروري، فتوجيهه كتوجيه المأكل
الضروري، فإنه قد يتمكن في الحضر من ملبس باكتساب ونحوه ويمنعه
السفر إلى الحج عن تحصيله فيبقى في أثناء الطريق عريانا، أو يكتفي في
الحضر بالاستعراء والتكفف من الناس ونحوهما، فيشترط وجوب الحج

(1) الوسائل 11: 37 و 39 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 9 و 10.
(2) انظر المفاتيح 1: 297.
25

بعدم احتياجه في ضروري ملبسه إلى مثل ذلك.
وأما ما يكن به، فاشتراط التمكن منه إنما يتم مع الحاجة إليه لا مطلقا،
كما إذا كانت من وطنه إلى مكة خمسة منازل - مثلا - وكان الهواء بحيث
لا يحتاج إلى كن، أو كان الشخص ممن لا تضره الشمس ولا يشق عليه أيضا
انتفاء الكن.
نعم، يشترط وجوده مع الحاجة للضرورة أو المشقة بدونه، ولكن
مع ذلك في إدخاله في الزاد تأمل، وإن دخل فيما يستطاع به.
ثم ظاهر الكتاب والسنة وإن لم يقتض اعتبار الزاد في العود أيضا، إلا
أن أكثر الأصحاب اعتبروه (1)، بل عن الشهيد الثاني: الاجماع عليه (2).
والتحقيق أن يقال: إنه لا شك في عدم دخول زاد العود في استطاعة
سبيل الحج، ولكن إن كان الشخص ممن له أهل أو ملك في الوطن، أو
يشق عليه مفارقته، فلا محيص من اعتباره، دفعا للضرر والحرج المنفيين..
وإلا فلا - كما قيل - لعدم الدليل، وإن استضعفه في التذكرة (3)، لأن
النفوس تطلب الأوطان.
وفيه: أن الطلب إن كان بحد يشق معه الترك فكذلك، وإلا فلا يوجب
الاشتراط، مع أن من الأشخاص من تساوى عنده البلاد.
ثم المعتبر في وجدان الزاد: أن يكون مقتدرا على تحصيل المأكول
والمشروب بقدر الحاجة، إما بالقدرة على حملهما، أو تحصيلهما في
المنازل، من غير فرق في ذلك بين المأكول والمشروب وعلف الدابة.

(1) كالعلامة في التذكرة 1: 301، والكاشاني في المفاتيح 1: 297.
(2) المسالك 1: 92.
(3) التذكرة 1: 301.
26

وعن المنتهى والتذكرة: التفرقة، فأوجب حمل المأكول دون الماء
والعلف، فإذا فقدا في المواضع المعتادة يسقط الحج ولو أمكن الحمل (1).
وكأنه لعدم صدق الاستطاعة مع الفقد، بناء على الغالب. وهو ليس بجيد.
ولو لم يجد الزاد، ولكن كان كسوبا يتمكن من الاكتساب في الطريق
لكل يوم بقدر ما يكفيه، وظن إمكانه بجريان العادة عليه من غير مشقة،
وجب الحج، لصدق الاستطاعة.
وعن التذكرة: سقوطه إن كان السفر طويلا، لما في الجمع بين
الكسب والسفر من المشقة، ولامكان انقطاعه من الكسب (2).
وهو منازعة لفظية، لأن المفروض إمكان الجمع وجريان العادة بعدم
الانقطاع، وإلا فالزاد أيضا قد يسرق.
وأما الراحلة، فعلى اشتراطها وتوقف الاستطاعة عليها الاجماع، كما
عن الناصريات والخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة والسرائر (3).
ويدل عليه - مضافا إلى الاجماع - ظاهر الكتاب - حيث إنه لا
استطاعة بدون الراحلة - والأخبار المتكثرة:
كصحيحة الخثعمي: عن قول الله عز وجل (ولله على الناس حج
البيت) إلى آخره، ما يعني بذلك؟ قال: (من كان صحيحا في بدنه مخلى
سربه له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج) الحديث (4).

(1) المنتهى 2: 653، التذكرة 1: 301.
(2) التذكرة 1: 302.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، الخلاف 2: 246، الغنية (الجوامع
الفقهية): 573، المنتهى 2: 652، التذكرة 1: 301، السرائر 1: 508.
(4) التهذيب 5: 3 / 2، الإستبصار 2: 139 / 454، الوسائل 11: 34 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 8 ح 4.
27

والمرويين في توحيد الصدوق (1) وتفسير العياشي (2): في تفسير
الآية: (من استطاع إليه سبيلا)، ما يعني بذلك؟ قال: (من كان صحيحا
في بدنه مخلى في سربه له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج).
وفي خبر السكوني: (إنما يعني بالاستطاعة: الزاد والراحلة، ليس
استطاعة البدن) (3).
والمروي عن العلل: (إن السبيل: الزاد والراحلة مع الصحة) (4).
وهل اشتراط الراحلة مختص بصورة الاحتياج إليها - لعدم القدرة على
المشي - أو للمشقة مطلقا، أو الشديدة منها وإن كان قادرا على المشي، أو
لمنافاة المشي لشأنه وشرفه ونحو ذلك، أو يعم جميع الصور وإن ساوى
عنده المشي والركوب سهولة وصعوبة وشرفا وضعة؟
ظاهر المنتهى: الأول، حيث اشترط الراحلة للمحتاج إليها (5)، وهو
ظاهر الذخيرة والمدارك (6)، وصريح المفاتيح وشرحه (7)، ونسبه في الأخير
إلى الشهيدين (8)، بل التذكرة (9)، بل يمكن استفادته من كلام جماعة قيدوها

(1) التوحيد: 350 / 14، الوسائل 11: 35 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 8 ح 7،
بتفاوت يسير.
(2) تفسير العياشي 1: 192 / 111، الوسائل 11: 36 أبواب وجوب الحج وشرائطه
ب 8 ح 10، بتفاوت يسير.
(3) الكافي 4: 268 / 5، الوسائل 11: 34 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 8 ح 5.
(4) نسبه إليه في الرياض 1: 337، ولكنا لم نجده في العلل، وهو موجود في عيون
أخبار الرضا 2: 120 / 1، الوسائل 11: 35 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 8 ح 6.
(5) المنتهى 2: 652.
(6) الذخيرة: 559، المدارك 7: 36.
(7) المفاتيح 1: 297.
(8) الشهيد الأول في الدروس 1: 310، الشهيد الثاني في المسالك 1: 88.
(9) التذكرة 1: 301.
28

بالاحتياج أو الافتقار (1)، واستشكل في الكفاية (2).
ويدل عليه صدق الاستطاعة بدون الحاجة إليها بأحد الوجوه
المتقدمة، ولذا صرح جماعة بعدم اعتباره للمكي والقريب إلى مكة
والمسافر من البحر (3)، والأخبار العديدة عموما أو خصوصا..
فمن الأول: صحيحة الحلبي: (إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع
ذلك وليس له شغل يعذره الله فيه فقد ترك شريعة من شرائع الاسلام)
الحديث (4).
والمحاربي: (من مات ولم يحج حجة الاسلام ما يمنعه من ذلك
حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق معه الحج أو سلطان يمنعه، فليمت
يهوديا أو نصرانيا) (5).
ومن الثاني: صحيحة ابن عمار: عن رجل عليه دين، أعليه أن
يحج؟ قال: (نعم، إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من
المسلمين، ولقد كان أكثر من حج مع النبي مشاة) الحديث (6).
والحلبي: في قوله تعالى: (ولله على الناس) الآية، ما السبيل؟

(1) كالمحقق في المعتبر 2: 752.
(2) الكفاية: 56.
(3) كالعلامة في التذكرة 1: 301، وصاحب المدارك 7: 37، والسبزواري في
الذخيرة: 557.
(4) التهذيب 5: 18 / 54، 403 / 1405، الوسائل 11: 26 أبواب وجوب الحج
وشرائطه ب 6 ح 3.
(5) الكافي 4: 268 / 1، الفقيه 2: 273 / 1333، التهذيب 5: 17 / 49،
الوسائل 11: 29 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 7 ح 1، بتفاوت يسير.
(6) التهذيب 5: 11 / 27، الإستبصار 2: 140 / 458، الوسائل 11: 43 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 11 ح 1.
29

قال: (أن يكون له ما يحج به) إلى أن قال: (فإن كان يطيق أن يمشي
[بعضا] ويركب بعضا فليحج) (1).
ورواية أبي بصير: قول الله عز وجل: (ولله على الناس) الآية،
قال: (يخرج ويمشي إن لم يكن عنده)، قلت: لا يقدر على المشي، قال:
(يمشي ويركب)، قلت: لا يقدر على ذلك، قال: (يخدم القوم ويخرج
معهم) (2)، وصحيحة محمد الآتية (3).
وصرح بعض المتأخرين بالثاني (4)، بل نسب إلى الأكثر، بل نسب
غيره إلى الشذوذ، واستشهد بالاجماعات المتقدمة المحكية..
وبقول صاحب المدارك - بعد ذكر أن اللازم منه، أي مما سبق ذكره،
عدم اعتبار الراحلة في حق البعيد مطلقا إذا تمكن من المشي من غير مشقة
شديدة -: ولا نعلم به قائلا (5).
وقول صاحب الذخيرة، بعد نقل الأخبار المتقدمة، حيث قال:
والمسألة لا تخلو من إشكال، لعدم تصريح بالخلاف بين الأصحاب في
اعتبار الزاد والراحلة في الاستطاعة (6). انتهى.
واستدل على التعميم بالأخبار المذكورة أولا، المتضمنة لذكر الزاد

(1) الكافي 4: 266 / 1، التهذيب 5: 3 / 3، الإستبصار 2: 140 / 455،
الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 10 ح 5، ما بين المعقوفين
أضفناه من المصادر.
(2) التهذيب 5: 10 / 26، الإستبصار 2: 140 / 457 وفيه: إن لم يكن عنده ما
يركب...، الوسائل 11: 43 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 11 ح 2.
(3) في ص: 33.
(4) انظر الرياض 1: 337.
(5) المدارك 7: 36.
(6) الذخيرة: 557.
30

والراحلة على الاطلاق، ورجحها على تلك الأخبار بموافقة عمل
الأصحاب، والاجماعات المحكية، والأصل، والشهرة العظيمة، وظاهر الآية
من جهة عدم انصراف إطلاق الأمر فيها إلا إلى المستطيع ببدنه، فاعتبار
الاستطاعة بعده ليس إلا لأمر آخر وليس إلا الزاد والراحله بإجماع الأمة.
وبمخالفة قول مالك من العامة، حيث نقل في المنتهى عنه عدم
اعتباره الزاد والراحلة (1).
وبشذوذ تلك الأخبار الأخيرة.
أقول: أما الأخبار المذكورة فلا شك أن دلالتها بالاطلاق المنصرف
إلى الغالب، وهو احتياج البعيد إلى الراحلة ولو لدفع مطلق المشقة أو حفظ
شرف النفس ونحوهما، ولو سلم عدم الانصراف والبقاء على الاطلاق
يعارض الأخبار الأخيرة، إما بالعموم والخصوص من وجه، أو مطلقا.
ولا نسلم رجحان الأولى بما ذكر، أما عمل الأصحاب فلانصراف
إطلاق كلماتهم أيضا إلى الغالب، مع تصريح جمع كثير منهم بالحاجة (2)،
ولذا لم يشترطوها للقريب وراكب السفينة.
ومنه يظهر حال الاجماعات المحكية، مع أن كثيرا منها وارد في شأن غير
المحتاج، وكذا حال الشهرة، مع أن الترجيح بهذه الأمور مما لم يثبت اعتباره.
وأما شذوذ الأخيرة، فإن أريد بالنسبة إلى الاطلاق والوجوب على
الماشي - ولو بالمشقة - فلا ننكره ولا نقول به، بل يخالف ذلك ظاهر آيات
الاستطاعة ونفي العسر.

(1) الرياض 1: 337، وفي المنتهى 2: 652.
(2) كالمحقق في المعتبر 2: 752، والعلامة في المنتهى 2: 652، والسبزواري في
الكفاية: 56.
31

وأن أريد بالنسبة إلى غير المحتاج بوجه فلا نسلم الشذوذ أصلا.
وأما ظاهر الآية، فلا يوافق إطلاقها أصلا، لصدق الاستطاعة بدون
الراحلة في غير المحتاج، ولا يلزم من اعتبار أمر آخر وراء صحة البدن في
الاستطاعة اعتبار الزاد والراحلة معا مطلقا، بل يكفي اعتبارهما في حق
المحتاج واعتبار تخلية السرب.
وأما قول مالك فهو أنه لا يعتبر الراحلة مطلقا ولو مع المشقة.
ومما ذكر ظهر أن الحق هو: الأول، وعليه الفتوى والعمل.
والكلام في العود وإمكان التحصيل بالكسب في السفر هنا كما مر في
الزاد.
وهل يعتبر في الراحلة أن تكون مناسبة لحاله بحسب العزة والشرف،
فيعتبر المحمل أو نحوه عند علو منصبه؟
ظاهر التذكرة: اعتباره (1).
وعن الدروس: العدم (2).
واختاره في الذخيرة إلا مع العجز عن الركوب بدون المحمل أو
التضرر (3)، وهو كذلك..
لقوله عليه السلام في صحيحة ابن عمار: (فإن كان دعاه قوم أن يحجوه
فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا أن يخرج ولو على حمار أجدع أبتر) (4).
والحلبي: من عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك أهو ممن

(1) التذكرة 1: 301.
(2) الدروس 1: 312.
(3) الذخيرة: 559.
(4) التهذيب 5: 18 / 52، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 10
ح 3.
32

يستطيع إليه سبيلا؟ قال: (نعم، ما شأنه يستحيي؟! يحج ولو على حمار
أبتر، فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج) (1).
وأبي بصير: (من عرض عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع
الذنب [فأبى] فهو مستطيع) (2).
ومحمد: فإن عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: (هو ممن يستطيع
ولم يستحي ولو على حمار أجدع أبتر) قال: (فإن كان يستطيع أن يمشي
بعضا ويركب بعضا فليفعل) (3).
وبها يخصص عموم انتفاء العسر لو سلمناه هنا ولم نقل أنه من
الخيلاء وخداع النفس الخبيثة.
ويدخل في الاستطاعة المالية: ما يضطر إليه من الآلات والأوعية التي
يحتاج إليها المسافر، من القرب والجواليق (4) وثياب المركوب وما شابهها
بالاجماع، لعدم صدق الاستطاعة بدونها مع الضرورة.
ويلحق بهذا المقام مسائل:
المسألة الأولى: لا بد في وجوب الحج من فاضل من الزاد والراحلة

(1) الكافي 4: 266 / 1، التهذيب 5: 3 / 3، الإستبصار 2: 140 / 456، الوسائل
11: 40 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 10 ح 5، بتفاوت يسير.
(2) الفقيه 2: 259 / 1256، الوسائل 11: 42 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 10
ح 7، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(3) التهذيب 5: 3 / 4، الإستبصار 2: 140 / 456، الوسائل 11: 39 أبواب وجوب
الحج وشرائطه ب 10 ح 1.
(4) الجواليق بكسر الجيم واللام وبضم الجيم وفتح اللام وكسرها، وجمعه جوالق:
وعاء - الصحاح 14: 1454، القاموس المحيط 3: 225.
33

بقدر ما يمون به عياله الواجبي النفقة حتى يرجع، بالاجماع المحقق
والمحكي (1)، والنص، وهو: رواية أبي الربيع: عن قول الله عز وجل:
(ولله على الناس) فقال: (ما يقول الناس؟) قال: فقيل: الزاد والراحلة،
قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: (قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا، فقال: هلك
الناس إذن، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغني
به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا، فقيل له فما السبيل؟ قال
: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضا يقوت به
عياله) (2).
والمرسلة المروية في المجمع عن أئمتنا عليهم السلام في تفسير الاستطاعة:
(إنها وجود الزاد والراحلة ونفقة من يلزم نفقته والرجوع إلى كفاية، إما من
مال أو ضياع أو حرفة مع الصحة في النفس وتخلية السرب من الموانع
وإمكان السير) (3).
ونحوه المروي عن الخصال، وفيها: (إنها الزاد والراحلة مع صحة
البدن، وأن يكون للانسان ما يخلفه على عياله وما يرجع إليه من حجه) (4).
والمروي في المقنعة: (هلك الناس إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك
غيرهما أو مقدار ذلك مما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس، فقد
وجب عليه أن يحج بذلك، ثم يرجع فيسأل الناس بكفه، لقد هلك إذن)

(1) حكاه في الرياض 1: 339.
(2) 120 الكافي 4: 267 / 3، التهذيب 5: 2 / 1، الإستبصار 2: 139 / 453، الوسائل
11: 37 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 9 ح 1، بتفاوت يسير.
(3) مجمع البيان 1: 478، الوسائل 11: 39 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 9
ح 5.
(4) الخصال: 606، الوسائل 11: 38 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 9 ح 4.
34

فقيل له عليه السلام: فما السبيل عندك؟ فقال: (السعة في المال، وهو أن يكون
معه ما يحج ببعضه ويبقى بعض يقوت به نفسه وعياله) (1).
وضعف بعض هذه الأخبار لو كان لكان منجبرا بعمل الطائفة طرا
والاجماعات المحكية مستفيضة.
ويدل عليه أيضا بعض الأخبار المذكورة في المسألة الثالثة الآتية،
وبعض هذه النصوص وإن لم يقيد العيال بواجبي النفقة ولا ما يمون به إلى
وقت الرجوع، إلا أن الأول مصرح به في رواية المجمع، ومع ذلك هو
مقتضى الاقتصار على القدر المتيقن، والثاني مفهوم من السياق، بل هو
أيضا اقتصار على المتيقن، لأن الظاهر منه اعتبار ما يستغني به عن الناس
مطلقا، وهو يشمل ما بعد الرجوع أيضا.
المسألة الثانية: الحق اشتراط الرجوع إلى صنعة أو بضاعة أو عقار أو
نحوها مما تكون فيه الكفاية عادة بحيث لا يحوجه صرف المال في الحج
إلى السؤال بعد العود، وفاقا للشيخين والحلبي والقاضي وبني زهرة وحمزة
وسعيد (2)، وهو ظاهر الصدوق أيضا (3)، وفي المسالك: أنه مذهب أكثر
المتقدمين (4)، وفي الروضة: أنه المشهور بينهم (5)، وفي المختلف والمسالك:

(1) المقنعة: 384، الوسائل 11: 37 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 9 ح 1،
بتفاوت يسير.
(2) المفيد في المقنعة: 385، الطوسي في الخلاف 2: 245، الحلبي في الكافي في الفقه:
192، القاضي في شرح جمل العلم والعمل: 205، ابن زهرة في الغنية (الجوامع
الفقهية): 573، ابن حمزة في الوسيلة: 155، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 173.
(3) الفقيه 2: 259.
(4) المسالك 1: 92.
(5) الروضة 2: 168.
35

نقله السيد عن الأكثر (1)، وعن الخلاف والغنية إجماع الإمامية عليه (2).
لما مر من روايات المجمع والخصال والمقنعة، فإن قوله في
الأخيرة: (ثم يرجع فيسأل الناس بكفه) يدل على اشتراط الكفاية، وكذا
قوله: (ويبقى البعض يقوت به نفسه وعياله) يعني: وقت رجوعه، وإلا
فكيف يقوت نفسه بذلك البعض الباقي مع أنه خرج إلى الحج؟!
والايراد: بأن أقصى ما يستفاد منه اعتبار بقاء شئ بعد الحج
والرجوع، وهو غير دال على كونه بقدر الكفاية على الوجه المتنازع فيه،
فيحتمل أن يكون المراد به قوت السنة له ولعياله، إذ ذلك كاف في عدم
السؤال، إذ به يحصل الغناء الشرعي، كما في المدارك والذخيرة (3).
مردود بأن بعد اعتبار ذلك يثبت المطلوب بالاجماع المركب.
ويدل على المطلوب أيضا ما مر من الاجمال في العمومات
والمطلقات، الموجب للرجوع إلى الأصل في غير ما ثبت معه الوجوب،
وضعف سند ما ذكر مجبور بما مر من حكايات الشهرة والاجماع.
وقد يستدل أيضا للمطلوب بظاهر الآية، حيث إن الاستطاعة لغة وعرفا
ليست هي مجرد القدرة والطاقة، بل ما تكون فيه السهولة وارتفاع المشقة،
كما ذكره السيد في المسائل الناصرية مستدلا بالاستعمال في مواضع كثيرة (4).
وهو غير جيد، لأنه إنما يتم على أصله من كون الأصل في الاستعمال
الحقيقة، مضافا إلى أنه يفيد لو كانت الاستطاعة في الآية مطلقة، ولكنها

(1) المختلف 2: 256، المسالك 1: 92.
(2) الخلاف 2: 246، الغنية (الجوامع الفقهية): 573.
(3) المدارك 7: 79، الذخيرة: 559.
(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 208.
36

باستطاعة السبيل مقيدة، فغايته سهولة قطع الطريق لا مطلقا، فتأمل.
خلافا للمحكي عن القديمين وجمل السيد والحلي وفي النافع
والشرائع (1) وأكثر المتأخرين (2)، بل مطلقا كما عن المعتبر والتذكرة (3)،
لظاهر الآية، وللأخبار المتقدمة المصرحة بحصول الاستطاعة بوجود ما
يحج به، أو الزاد والراحلة.
ويجاب عن الكل: بوجوب تخصيصه بما ذكرنا، لأخصية المطلقة
الموافقة للشهرة القديمة والملة السهلة الحنيفة، ومخالفة عمل العامة.
فرع: لا يخفى أن الرجوع إلى كفاية إنما يشترط فيمن كانت استطاعته
بماله وكانت له كفاية، بحيث لو قلنا بعدم الاشتراط صرف الكفاية في
الحج..
أما من ليس كذلك ولا يتفاوت حجه في وجود الكفاية وعدمها - كمن
أدرك أحد الموقفين كاملا أو حرا أو من ذهب متسكعا أو تأجر إلى قريب
مكة وتحصل له الاستطاعة من غير احتياج إلى صرف مال، أو بذل له أحد
نفقة الحج - فلا يعتبر فيه الرجوع إلى الكفاية إجماعا، لأن من ذكرنا هو
المراد من روايات اعتبار الكفاية - كما هو ظاهر من سياقها (4) - لا من
يتكفف، سواء حج أو لم يحج، مع أن انجبارها الموجب لحجيتها

(1) حكاه عن الإسكافي والعماني في المختلف: 256، السيد في جمل العلم والعمل
(رسائل الشريف المرتضى 3): 62، الحلي في السرائر 1: 508، النافع: 76،
الشرائع 1: 225.
(2) كالشهيد الثاني في الروضة 2: 168، وصاحب الرياض 1: 340.
(3) المعتبر 2: 756، التذكرة 1: 302.
(4) الوسائل 11: 37 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 9.
37

مخصوص بما ذكر أيضا.
وكذا صحيحة ابن عمار (1) والغنوي (2) - الموجبتان للاجمال - واردتان
فيمن يحج من مال نفسه.
ومع ذلك كله فروايات وجوب الحج على مدرك الموقفين والمبذول
له نفقة الحج ونحوهما (3) تعارض الروايات المذكورة، ولا تخصص أيضا
بهاتين الروايتين حتى يحصل فيها الاجمال، فتأمل.
المسألة الثالثة: لا يباع لنفقة الحج: الخادم، ولا دار السكنى، ولا
الثياب المحتاج إليها، ولا فرس الركوب، ولا كتب العلم، ولا أثاث البيت،
ولا آلات الصنائع، كل ذلك مع الضرورة والحاجة بقدرهما، وعلى أكثرها
حكاية الاجماع مستفيضة (4).
ويدل عليه انتفاء الضيق والعسر والحرج الحاصلة بالتكليف ببيع هذه
الأمور، ويمكن أن يستدل له بصحيحة المحاربي المتقدمة (5)، حيث إن مع
الحاجة إليها يصدق حاجة تجحف به.
ويمكن الاستدلال أيضا بصحيحة ابن عمار: (من مات ولم يحج
حجة الاسلام ولم يترك إلا بقدر نفقة الحج فورثته أحق بما ترك، إن شأوا
حجوا عنه وإن شأوا أكلوا)، ونحوها الغنوي (6).

(1) التهذيب 5: 405 / 1412، الإستبصار 2: 318 / 1127، وفي الوسائل 11:
46 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 14 ح 1 بتفاوت يسير.
(2) الفقيه 2: 270 / 1315، الوسائل 11: 46 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 14 ح 1.
(3) الوسائل 11: 39 و 52 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 10 و 17.
(4) كما في المعتبر 2: 753، والتذكرة 1: 302.
(5) في ص: 29.
(6) مرت الإشارة إليهما أعلاه.
38

وجه التقريب: أنهما دلتا على عدم كفاية نفقة الحج في الاستطاعة
واستقرار الحج في الذمة، بل لا بد من الزائد عليها، ولعدم تعين الزائد
يدخل الاجمال في العمومات والاطلاقات، فلا يحكم بالوجوب إلا في
موضع اليقين، وهو بعد استثناء نفقة العيال والأمور المذكورة طرا.
ومنه يظهر جواز مراعاة المناسبة لحاله بحسب عادة زمانه ومكانه في العز
والشرف، ويجب الاقتصار في هذه الأشياء على قدر الضرورة مع المناسبة.
ولو زادت أعيانها على قدر الحاجة وجب صرف الزائد في الحج.
ولو أمكن بيعها وشراء ما يليق بحاله بأقل من ثمنها، فقيل: الأقرب
وجوب البيع وشراء الأدون (1)، وكذا لو أمكن تحصيل ما تحصل به الكفاية
من هذه الأشياء بالإجارة ونحوها من غير مشقة عادية، فالظاهر الاكتفاء به،
وما ذكره أحوط.
ومن لم تكن له المستثنيات تستثنى له أثمانها إذا دعت الضرورة
العادية إليها.
المسألة الرابعة: لو لم يكن له عين الزاد والراحلة وأمكن شراؤهما
أو استئجار ما يصح استئجاره منهما، وجب إجماعا، لتوقف الواجب عليه.
ولو لم يوجد إلا بالزائد عن الثمن والأجرة، فصرح في الشرائع
والمنتهى (2) وغيرهما (3) بوجوب الشراء والإجارة، ونسبه في المدارك
والذخيرة إلى الأكثر (4).

(1) كما في الذخيرة: 560.
(2) الشرائع 1: 226، المنتهى 2: 654.
(3) كالحدائق 14: 87، والكفاية: 56.
(4) المدارك 7: 42، الذخيرة: 560.
39

وقال في التذكرة: وعن المبسوط عدم الوجوب (1)، وقال في التذكرة:
فإن كانت تجحف بماله لم يلزمه شراؤه وإن تمكن على إشكال (2).
وفي التحرير: ولو وجده بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر من أجرة
المثل، فإن تضرر به لم يجب الشراء إجماعا، وإن لم يتضرر فالأقرب
وجوب الشراء (3). انتهى.
ومراده من التضرر إما إهلاك النفس والعيال، أو الوقوع في ذل
المسكنة والسؤال، فلا يجب مع مثل ذلك ويجب بدونه، أو المراد ما يعد
ضررا عرفا ولو كان ماليا - أي لم تكن الزيادة شيئا لا يعد بالنسبة إليه ضررا -
وهذا هو مراده من قوله في التذكرة: تجحف بماله.
أقول: دليل الأكثر: عمومات (4) وجوب الحج بالاستطاعة، أو بوجدان
الزاد والراحلة، ولا شك أن مثل ذلك الشخص واجد لهما عرفا.
ويدل عليه أيضا المروي في الدعائم المتقدم في بحث التيمم: فيمن
يجد الماء بثمن غال، قال: (إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده) (5).
ودليل النافين للوجوب - الذي يمكن التعويل عليه -: أدلة نفي الضرر
والضرار والعسر والحرج، بجعلها معارضا للأولى وتقديم الثانية، أو الرجوع
إلى الأصل.
ومنه يظهر دليل المفصل بين الاجحاف والتضرر وعدمه.
والحق على الظاهر مع المفصل، لما ذكر، بل النافي للوجوب مطلقا،

(1) التذكرة 1: 301، وهو في المبسوط 1: 300.
(2) التذكرة 1: 301.
(3) التحرير 1: 92.
(4) الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 8.
(5) دعائم الاسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 549 أبواب التيمم ب 20 ح 1.
40

لصدق الضرر على بذل الزائد على الثمن مطلقا، كما يظهر من استدلال
بعضهم لخيار الغبن مطلقا بنفي الضرر. (1) إلا أن في صدق الضرر على مثل
ذلك نظرا، لما يقع بإزائه من تحصيل مقدمات الحج بملاحظة العلة
المنصوصة في صحيحة صفوان الواردة في شراء ماء الوضوء بمائة درهم أو
ألف درهم من قوله: (وما يشتري بذلك مال كثير) (2)، فإنه علل وجوب
الشراء بأنه يشتري بإزائه مالا كثيرا، وهو هنا أيضا متحقق.
وتؤيده الأخبار الأخر المتضمنة لشراء ماء الوضوء بمائة ألف أو ألف
أو مائة دينار (3)، فالأقرب هو مذهب الأكثر.
ومنه يظهر وجوب بيع المتاع أو الضياع بأقل من ثمن المثل ولو كثيرا
إذا لم يمكن البيع بالثمن، للعلة المنصوصة، ولأنه يجب البيع لو كان ثمنه
الزاد أو الراحلة ويتعدى إلى ثمنهما بالاجماع المركب، مع أن العلة
المنصوصة جارية هنا أيضا.
المسألة الخامسة: لو كان له دين وهو قادر على اقتضائه وجب عليه
إجماعا، لصدق الاستطاعة، ولو لم يقدر لم يجب.
ولو كان مؤجلا هل تجب عليه الاستدانة للحج وأداؤه من ماله بعد
الأجل، وكذا لو كان له مال لا يمكنه الحج ولم يمكن بيعه في الحال، فهل
تجب الاستدانة؟

(1) كما في التذكرة 1: 522.
(2) الكافي 3: 74 / 17، الفقيه 1: 23 / 71، التهذيب 1: 406 / 1276، الوسائل
3: 389 أبواب التيمم ب 26 ح 1، وفي الفقيه: وما يسؤني، وفي الوسائل:
وما يسرني، بدل: وما يشتري.
(3) انظر الوسائل 3: 389 أبواب التيمم ب 26.
41

صرح في المنتهى بالعدم (1)، وفي الدروس والمدارك بالوجوب (2).
دليل الأول: الأصل، وعدم الاستطاعة من ماله.
ودليل الثاني: صدق التمكن من الحج، فيكون مستطيعا.
ورد: بأن المراد الاستطاعة من ماله، وقبل الاقتراض ليس كذلك، فلا
يجب عليه، ولو كان مطلق التمكن استطاعة لوجبت الاستدانة لو لم يكن له
مال أيضا، بل طلب البذل إذا علم أنه يبذل له لو طلب، وهو خلاف
الاجماع، ومنة القبول وذل الطلب حاصلان في الاستدانة أيضا.
وفيه: منع التقييد بالاستطاعة من ماله أولا، وحصولها بالتمكن من
تحصيل المال ثانيا.
ومنه يعلم رد دليل الأول وتمامية دليل القول الثاني، فهو الأقرب،
وخرجت الاستدانة من غير مال والسؤال بالأخبار والاجماع، مع أنه لو صح
الأول لزم عدم إجزاء حج من فقد ماله في أثناء الطريق أو سرق أو نهب أو
صرفه في مصرف (3) واحتاج إلى الاقتراض، والظاهر أنهم لا يقولون به.
المسألة السادسة: هل يجب الحج على المديون أم لا؟
تفصيل الكلام فيه: أن الدين إما معجل أو مؤجل، والأول إما أن
يكون مطالبا به أم لا، والثاني إما لا يسع الأجل إتمام المناسك والعود أو
يسعه، وعلى التقادير إما يكون له ما يقضي دينه زائدا على نفقة الحج أم
لا، وعلى الثاني إما يظن له طريق للوفاء به بعد الرجوع أو لا.
قيل: لا إشكال في عدم الوجوب مع التعجيل وعدم وفاء المال بالحج

(1) المنتهى 2: 653.
(2) الدروس 1: 311، المدارك 7: 44.
(3) في (ق) و (ح) زيادة: ولم يمكن.
42

والدين معا، سواء كان مطالبا به أم لا، وسواء ظن له طريق للوفاء بعد
الرجوع أم لا، وإن تردد بعضهم في بعض صوره (1).
بل قيل: إن الظاهر عدم الجواز مع المطالبة (2).
وكذا لا إشكال في الوجوب مع كون ماله بقدر ما يقضي به دينه زائدا
على نفقة الحج مطلقا، وكذا قيل: الظاهر عدم الوجوب مع التأجيل وعدم
سعة الأجل للحج والعود.
أقول: الظاهر دخول الاشكال والخدش في أكثر الصور المذكورة،
لأن المديون - الذي له مال يسع أحد الأمرين من الحج والدين - داخل في
الخطابين: خطاب الحج وخطاب أداء الدين، وإذ لا مرجح في البين فيكون
مخيرا بين الأمرين.
فالوجه أن يقال: إن مع التعجيل أو عدم سعة الأجل هو مخير بين
الحج ووفاء الدين، سواء علمت المطالبة أم لا.
نعم، لو علم رضاء الدائن بالتأخير فلا يكون مأمورا بالوفاء، فيبقى
خطاب الحج خاليا عن المعارض، فيكون واجبا.
وأما إذا كان مؤجلا بأجل يسع الحج والعود - سواء ظن له طريق
للوفاء بعد العود أم لا - فلم أعثر للقدماء على قول في المسألة، وكذا كثير
من المتأخرين.
نعم، تعرض لها جماعة منهم، وهم بين مصرح بعدم الوجوب إذا لم
تفضل عن دينه نفقة الحج، من غير تعرض للمعجل أو المؤجل، كما في

(1) انظر المدارك 7: 42، الذخيرة: 560، والكفاية: 56.
(2) قاله في مجمع الفائدة 6: 72.
43

الشرائع (1) وبعض كتب الفاضل (2).
ومصرح بعدمه مع التعجيل والتأجيل، كالمنتهى والتحرير
والدروس (3).
وظاهر المدارك والكفاية والذخيرة التردد في بعض الصور (4).
وعن المحقق الأردبيلي: الوجوب (5)، والظاهر أنه مذهب القدماء،
حيث لم يتعرضوا لاشتراط الخلو عن الدين.
وهو الحق، لصدق الاستطاعة عرفا، والمستفيضة المصرحة: بأن
الاستطاعة هي أن يكون له مال يحج به، كصحاح ابن عمار (6) ومحمد (7)
والحلبي (8) والخثعمي (9)، والدالة على وجوب الحج على من له ما يحج به
من المال، كمرسلة الصدوق (10) وصحيحة ابن عمار (11) وغيرهما (12).

(1) في (ق): اللوامع.
(2) الشرائع 1: 226، إرشاد الأذهان 1: 310.
(3) المنتهى 2: 653، التحرير 1: 91، الدروس 1: 311.
(4) المدارك 7: 42، الكفاية: 56، الذخيرة: 560.
(5) كما في مجمع الفائدة 6: 73.
(6) التهذيب 5: 18 / 52، الوسائل 11: 25 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 6 ح 1.
(7) التهذيب 5: 3 / 4، الإستبصار 2: 140 / 456، الوسائل 11: 33 أبواب وجوب
الحج وشرائطه ب 8 ح 1.
(8) الكافي 4: 266 / 1، التهذيب 5: 3 / 3، الإستبصار 2: 140 / 455، الوسائل
11: 34 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 8 ح 3.
(9) الكافي 4: 267 / 2، التهذيب 5: 3 / 2، الإستبصار 2: 139 / 454، الوسائل
11: 34 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 8 ح 4.
(10) الفقيه 2: 273 / 1331، الوسائل 11: 27 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 6 ح 8
(11) التهذيب 5: 18 / 52، الوسائل 11: 25 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 6 ح 1
(12) الوسائل 11: 25 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 6.
44

ولا شك أن من استدان مالا على قدر الاستطاعة يكون ذلك ملكا له،
فيصدق عليه أن عنده مال وله ما يحج به، للاتفاق على أن ما يقرض ملك
للمديون، ولذا جعلوا من إيجاب صيغة القرض: ملكتك، وصرحوا بجواز
بيعه وهبته وغير ذلك من أنحاء التصرفات.
والأخبار المتضمنة لوجوب الحج على من عليه دين بقول مطلق:
كصحيحة الكناني: أرأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج
كل عام، وليس يشغله عنه إلا التجارة أو الدين؟ فقال: (لا عذر له متى
يسوف الحج إن مات وقد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع
الاسلام) (1).
وابن عمار: عن رجل عليه دين، أعليه أن يحج؟ قال: (نعم، إن
حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين) (2).
وموثقة البصري: (الحج واجب على الرجل وإن كان عليه دين) (3).
والمصرحة بوجوبه على من عليه دين وليس له ما يقضيه به لو حج
مما في يده، كصحيحة العطار: يكون علي الدين فتقع في يدي الدراهم،
فإن وزعتها بينهم لم يقع شيئا، أفأحج بها أو أوزعها بين الغرماء؟ فقال:
(حج بها وادع الله أن يقضي عنك دينك) (4)، ورواها الكليني، وفيها: لم

(1) الكافي 4: 269 / 4، الوسائل 11: 26 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 6 ح 4،
بتفاوت يسير.
(2) التهذيب 5: 11 / 27، الإستبصار 2: 140 / 458، الوسائل 11: 43 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 11 ح 1.
(3) التهذيب 5: 462 / 1611، الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحج وشرائطه
ب 50 ح 4.
(4) الفقيه 2: 268 / 1304، الوسائل 11: 142 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 50 ح 10.
45

يبق شئ (1)، بدل: لم يقع شيئا.
دليل القائل بعدم الوجوب: عدم صدق الاستطاعة.
وتوجه الضرر المنفي.
والأخبار الدالة على عدم الاستقراض للحج مع عدم مال يفي
بالقرض، كرواية الواسطي (2)، وموثقة عبد الملك (3).
ولرواية أبي همام: الرجل يكون عليه الدين ويحضره الشئ،
أيقضي دينه أو يحج؟ قال: (يقضي ببعض ويحج ببعض)، قلت: لا يكون
إلا بقدر نفقة الحج، قال: (يقضي سنة ويحج سنة) (4).
والجواب عن الأول: بالمنع، لأنه ماله يجوز له إتلافه، فكيف
لا يستطيع به؟!
وعن الثاني أولا: بمنع توجه الضرر مع ظن طريق للوفاء.
وثانيا: بمنع كون ما بإزائه الثواب والدرجات الرفيعة ضررا، سيما مع
ما ورد في الأخبار المتكثرة من أن الحج أقضى للدين، وأن من حج
سيقضي الله دينه (5).
وثالثا: بأن هذا لو كان ضررا لكان مما أقدم عليه المتداينان، والضرر

(1) الكافي 4: 279 / 5.
(2) الكافي 4: 279 / 6، التهذيب 5: 442 / 1536، الوسائل 11: 141 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 50 ح 7.
(3) الكافي 4: 279 / 3، الفقيه 2: 267 / 1300، التهذيب 5: 442 / 1535،
الوسائل 11: 141 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 50 ح 5.
(4) الكافي 4: 279 / 4، الفقيه 2: 267 / 1302، الوسائل 11: 141 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 50 ح 6.
(5) الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 50.
46

الناشئ من عمل المكلف لا يمنع الأحكام التكليفية.
ورابعا: إن الضرر مما يجب الحكم به مع وجود الدليل الشرعي، كما
في المقام.
وخامسا: أنه إن أريد توجه الضرر على المديون، ففيه: أنه ليس أكثر
ضررا مما لو لم يكن عليه دين وكان له ذلك المال، فإنه إذا حج به يعد ماله
ولا تسلط لأحد عليه، وهذا أيضا كذلك، إذ لو حصل له بعد العود ما يفي به
دينه فيوفيه وقد حج من ماله، وإلا فلا تسلط عليه، لوجوب النظرة.
وإن أريد توجهه على من له الدين، ففيه: أنه لو كان كذلك لزم منع
المديون عن صرفه في حوائجه وبيعه وهبته وعتقه، مع أنه لا خلاف في
جواز ذلك، بل في جواز الحج أيضا، وإنما النزاع في الوجوب.
وعن الثالث: أنه غير المتنازع فيه، لأن السؤال فيها وقع عن أن
يستقرض ويحج، وكلامنا فيما إذا استقرض، فإن الفرق بين قولك:
استقرضت فهل يجب علي الحج؟ وقولك: هل يجب علي الاستقراض
للحج؟ كما بين قولك: استطعت فهل يجب علي الحج؟ وقولك: هل
يجب علي أن أستطيع وأحج؟
مع أن هذه الأخبار معارضة بأخبار أخر أكثر وأوضح وأصرح،
كصحيحتي ابن أبي عمير (1)، ويعقوب (2)، ومرسلة الفقيه (3)، ورواية

(1) التهذيب 5: 441 / 1533، الإستبصار 2: 329 / 1168، الوسائل 11: 140
أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 50 ح 1.
(2) الكافي 4: 279 / 1، الفقيه 2: 267 / 1299، الوسائل 11: 142 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 50 ح 8.
(3) الفقيه 2: 267 / 1303، الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحج وشرائطه
ب 50 ح 1.
47

عقبة (1).
وعن الرابع أولا: أن الظاهر منه أن الدين معجل.
وثانيا: أنه لا دلالة فيه على تأخير الحج من قضاء الدين.
وثالثا: أنه غير المتنازع فيه، لأن المستفاد من قوله: (يقضي سنة
ويحج سنة) أن هذا الشئ الحاضر مما يعتاد أن يحضر كل سنة، كغلة
ضياع، أو ربح تجارة، وأمثالهما.
وعلى هذا، فإن كان الدين معجلا يجب قضاؤه ولا يجب الحج وليس
من المتنازع فيه، وإن كان مؤجلا - فلوجود ما يقضي به الدين عادة بعد
حلول الأجل - يجب عليه الحج إجماعا، ولا نزاع فيه أيضا.
المسألة السابعة: لو بذل له الزاد والراحلة، مؤنة عياله ذاهبا وعائدا
صار مستطيعا مع استكمال باقي الشرائط، إجماعا محققا، ومحكيا عن
صريح الخلاف والغنية (2) وظاهر المنتهى والتذكرة (3)، لصدق الاستطاعة
الموجبة للحج كتابا وسنة، والقدرة والإطاقة الموجبتين له في بعض ما تقدم من
الأخبار، وخصوص المستفيضة، كصحاح محمد (4) وابن عمار (5) وهشام (6)،

(1) التهذيب 5: 441 / 1534، الإستبصار 2: 329 / 1169، الوسائل 11: 140
أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 50 ح 3.
(2) الخلاف 2: 251، الغنية (الجوامع الفقهية): 583.
(3) المنتهى 2: 652، التذكرة 1: 302.
(4) التهذيب 5: 3 / 4، الإستبصار 2: 140 / 456، الوسائل 11: 39 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 10 ح 1.
(5) التهذيب 5: 18 / 52، الإستبصار 2: 143 / 468، الوسائل 11: 40 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 10 ح 3.
(6) الفقيه 2: 259 / 1256، التوحيد: 350 / 11، الوسائل 11: 42 أبواب وجوب
الحج وشرائطه ب 10 ح 7
48

والحلبي (1)، المتقدمة جميعا.
وإطلاقها - كما ترى - يقتضي عدم الفرق بين تمليك المبذول وعدمه،
ولا بين وجوب البذل بنذر وشبهه وعدمه، ولا بين وثوق الباذل وعدمه.
إلا أن المحكي عن الحلي: اشتراط الأول (2)، وعن التذكرة: الثاني (3)،
وعن الدروس: أحدهما (4)، وفي المدارك والذخيرة والمفاتيح (5) وغيرها (6):
الثالث، وهو الأصح، لعدم صدق الاستطاعة بدونه عرفا ولا لغة، فيعارض
ما ينفي الوجوب بدونها - كمفهوم (7) الآية وغيره - مع الاطلاق بالعموم من
وجه، ويرجع إلى الأصل، ولاستلزام الوجوب بدونه العسر والحرج
المنفيين، مضافا إلى عدم معلومية انصراف الاطلاق إلى ما يشمل صورة عدم
الوثوق أيضا، لأن المتبادر منه ما يكون معه الوثوق.
ولا يشترط في الوثوق العلم، بل تكفي مظنة الوفاء، لانتفاء المقيدات
المذكورة معها، ولأنه لا يزيد على ملكية مال الاستطاعة، وبقاؤه ليس
بعلمي، فقد يفقد ويسرق وينهب.
فروع:
أ: المراد ببذل الزاد والراحلة والمؤنة: عرضها عليه، بأن يقول: علي

(1) الكافي 4: 266 / 1، التهذيب 5: 3 / 3، الإستبصار 2: 140 / 455، الوسائل
11: 40 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 10 ح 5.
(2) السرائر 1: 517.
(3) التذكرة 1: 303.
(4) الدروس 1: 310.
(5) المدارك 7: 47، الذخيرة: 560، المفاتيح 1: 298.
(6) كما في الحدائق 14: 101.
(7) في (ق): لمفهوم...
49

زادك وراحلتك ونفقة عيالك، أو أحضرها وقال: حج بذلك، أو: أبحتها
لك لتحج بها، لصدق العرض والاستطاعة والقدرة.
ولا وفرق في الوجوب بين عرض عين الزاد والراحلة أو أثمانهما،
وفاقا للأكثر، كما في المدارك والذخيرة (1)، لصدق الموجبات المذكورة.
وعن الشهيد الثاني: عدم الوجوب بالثاني، معللا بأن ذلك موقوف
على القبول، وهو شرط للواجب المشروط فلا يجب تحصيله (2).
وفيه: - مضافا إلى جريانه في بذل العين أيضا - أن المشار إليه بقوله:
ذلك، إن كان وجوب الحج أو إباحة التصرف أو حصول الاستطاعة العرفية،
فلا نسلم التوقف، فإنه يجوز له التصرف ولو سكت قولا وفعلا.
وإن كان تحقق الملكية واللزوم، فلا نسلم كونهما شرطين للواجب.
وأيضا قوله: فلا يجب تحصيله، إن أريد أنه إجماعي، فهو في
موضع النزاع ممنوع، وإن أريد أنه مقتضى القاعدة، فهو يكون من باب
الأصل اللازم طرحه بعد إطلاق النصوص.
ومنه يظهر وجوب الحج على من بذل له مال نذره مالكه لمن يحج،
أو أوصى له على سبيل الاطلاق.
ب: لو وهب له مالا ليحج به، يجب الحج على الأظهر، لما ذكر،
وفاقا للشهيد الثاني (3)، وظاهر المدارك والذخيرة (4).
وعن الدروس: عدم وجوب القبول ولا الحج (5)، لما مر بجوابه، فإن

(1) المدارك 7: 46، الذخيرة: 560.
(2) الروضة 2: 166.
(3) الروضة 2: 166.
(4) المدارك 7: 47، الذخيرة: 560.
(5) الدروس 1: 310
50

القبول شرط اللزوم والملكية وتحقق الهبة الشرعية، دون إباحة التصرف
والاستطاعة العرفية.
ومنه يظهر رد ما قيل من أن الهبة موقوفة على القبول، فهي اكتساب
غير واجب، بخلاف البذل، فإنه إباحة يكفي فيها الايقاع (1)، فإن الهبة
متضمنة للإباحة المتحققة بدون القبول أيضا قطعا وإن كان تحقق جزئها
الآخر - وهو التملك - موقوفا على الاكتساب، مع أن عدم وجوب الاكتساب
- الذي تحقق قبله الاستطاعة العرفية - ممنوع، وأي دليل عليه؟! فإن
المسلم عدم وجوب تحصيل الاستطاعة.. وأما مع تحققها عرفا فيجب
الاكتساب المتوقف عليه الحج، ولولاه لم يجب بيع المال لنفقة الحج، ولا
شراء عين الزاد والراحلة لمن يملك ثمنها، فإن بعد تحقق الاستطاعة يصير
الواجب مطلقا، وما يتوقف عليه مقدمة للواجب المطلق، فيجب تحصيله.
ج: لو بذل له مالا، أو وهبه له وأطلق - أي لم يقيده بكونه للحج -
فقيل: المشهور عدم وجوب القبول، لكونه اكتسابا (2). وجوابه قد مر، مع
أنه لا فرق في ذلك بين الاطلاق والتقييد.
فالحق: وجوب الحج معه، إلا أن لم يكن مستجمعا لسائر الشرائط
حين البذل ولم يبذل حال الاستجماع، كأن بذله قبل إمكان المسافرة.
د: لا يمنع الدين - ولو كان معجلا - من وجوب الحج على تقدير
البذل أو الهبة للحج، وأما مع الاطلاق فيشترط في وجوب الحج عليه معينا
توفية الدين أو رضاء الدائن أو تأجيله، والوجه ظاهر، وكذا سائر ما يستثني
من الاستطاعة.

(1) قاله صاحب الرياض 1: 339.
(2) قاله صاحب الرياض 1: 339.
51

ه‍: لو بذل له تمام ما تتم به الاستطاعة مع وجود القدرة على باقيه،
يجب الحج.
و: لا يجب على المبذول له إعادة الحج بعد اليسار، وفاقا للمشهور
على ما في المدارك والذخيرة والمفاتيح وشرحه (1)، بل في الأخيرين: أن
القول الآخر شاذ، وعن بعض آخر: أن عليه فتوى علمائنا، الظاهر في
دعوى الاجماع (2).
لنا: الأصل، وصدق الامتثال، ودلالة الأمر على الاجزاء.
واستدلوا أيضا بصحيحة ابن عمار: رجل لم يكن له مال فحج به
رجل من إخوانه، هل يجزئ ذلك عنه عن حجة الاسلام، أو هي ناقصة؟
قال: (بل هي حجة تامة) (3).
وفيه: أن الاجزاء عن حجة الاسلام لا يدل على عدم وجوب الإعادة
إلا بضميمة عدم وجوبها إلا مرة واحدة، وهو إما بالاجماع القابل للمنع في
محل النزاع، أو العمومات اللازم تخصيصها بما يأتي من المخصصات،
ولذا أمر بالإعادة في الروايات الآتية مع التصريح بقضاء حجة الاسلام، مع
أن حجة الاسلام قد يعبر بها عن أول حجة.
وأما تمامية الحج فهي تجري في المندوب والحج عن الغير أيضا،
لأن معناها كماله.
خلافا للاستبصار، فيعيد مع اليسار (4)، لموثقة البقباق: عن رجل

(1) المدارك 7: 47 وفيه: وهو قول الأكثر، الذخيرة: 561، المفاتيح 1: 300.
(2) كما في الرياض 1: 339
(3) التهذيب 5: 7 / 17، الإستبصار 2: 143 / 468، الوسائل 11: 40 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 10 ح 2.
(4) الإستبصار 2: 143.
52

لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه، أقضى حجة الاسلام؟
قال: (نعم، وإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج)، قلت: فهل تكون
حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله؟ قال: (نعم،
يقضي عنه حجة الاسلام وتكون تامة ليست بناقصة، وإن أيسر فليحج) (1).
ورواية أبي بصير: (لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة،
فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج، وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج
وإن كان قد حج) (2).
والجواب عنهما: بعدم صلاحيتهما لاثبات حكم مخالف للأصل،
لشذوذهما، ومخالفتهما للشهرتين العظيمتين، بل للاجماع المحقق، فإن
مخالفة الاستبصار لا تضر في تحققه، سيما مع رجوع الشيخ عنه في سائر
كتبه (3).
مضافا إلى أن تشبيه الناصب - المجمع على عدم الوجوب عليه -
أقوى قرينة على إرادة الاستحباب، فيجب الحمل عليه، وأما الحمل على
من حج عن غيره فبعيد غايته.
ز: لا يشترط في المبذول له الرجوع إلى كفاية، لأن الظاهر المتبادر
من أخبار اشتراطه إنما هو فيما إذا أنفق في الحج من كفايته، لا مثل ذلك،
مع أن الشهرة الجابرة غير متحققة في المورد، ومع ذلك تعارضها إطلاقات

(1) الكافي 4: 274 / 2، التهذيب 5: 7 / 18، الإستبصار 2: 143 / 467، الوسائل
11: 41 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 10 ح 6.
(2) الفقيه 2: 260 / 1265، التهذيب 5: 9 / 22، وأورد صدر الحديث في
الإستبصار 2: 144 / 470، والوسائل 11: 57 أبواب وجوب الحج وشرائطه
ب 21 ح 5.
(3) كما في التهذيب 5: 7، والنهاية: 204.
53

وجوب الحج بالبذل، وهي أقوى وأكثر، فيرجع إلى عمومات وجوب الحج
والاستطاعة العرفية (1).
وأما نفقة العيال، فصريح الأصحاب اشتراط وجودها له، ولا يخفى
أن إثباته من أدلة استثنائها مشكل، لأن سبيلها سبيل أدلة استثناء الكفاية.
نعم، يمكن إثبات اشتراطها بإيجاب نفيه لتضيع العيال الموجب
للعسر والحرج المنفيين، وعلى هذا فلو كان المبذول له من لا يقدر على
نفقة العيال ولا يتكفلهم يتجه القول بعدم اشتراط وجودها.
المسألة الثامنة: لو استأجره أحد للمعونة على السفر أو لتعليم فيه أو
نحوهما بما يكفي لنفقة الحج والعيال أو شرطهما له، فلا شك في الوجوب
بعد القبول وتحقق الإجارة، ويجزئ عن حجة الاسلام.
ولا يرد: أن الوصول إلى تلك الأماكن قد وجب بالإجارة دون أفعال
الحج، فلا يتداخل الواجبان.
لأن الوصول إليها مقدمة الحج لا نفسه، ولا تجب عليه بالإجارة
أفعاله، ومقدمة الشئ لا يجب إيقاعها على وجه كونه لذلك الشئ، مع أن
عدم التداخل ممنوع كما يأتي.
وهل تجب إجابة المستأجر وقبول الإجارة قبل القبول، أم لا؟
المصرح به في كلام الأكثر: الثاني (2)، لأنه مقدمة الواجب المشروط،
وتحصيلها غير واجب.
والحق: الأول، إذا كان ما استؤجر له مما لا يشق عليه ويتمشى منه،
لصدق الاستطاعة، ولأنه نوع كسب في الطريق، وقد مر وجوبه على مثله،

(1) الوسائل 11: 7 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 1.
(2) كما في الحدائق 14: 108.
54

وليس القبول مقدمة للواجب المشروط، بل للمطلق، لأن مع الفرض
تحصل الاستطاعة العرفية، فيصير الحج واجبا عليه وإن توقف إيقاعه على
القبول، كاشتراء عين الزاد والراحلة.
والتحقيق: أن هذه ليست تحصيل الاستطاعة، لأن بعد تمكنه مما
استؤجر له يكون ذلك منفعة بدنية مملوكة له، حاصلة له، قابلا لايقاع الحج
به، فيكون مستطيعا، كمالك منفعة ضيعة تفي بمؤنة الحج عليه، غايته أنه
يبادلها بالزاد والراحلة.
لا يقال: فعلى هذا يجب تحصيل مؤنة الحج على كل من قدر على
الاكتساب وتحصيل الاستطاعة، فيكون الحج واجبا مطلقا.
لأنا نقول: إن كان اقتداره بحيث تصدق معه الاستطاعة العرفية فنسلم
الوجوب ولا يصدق وجوب تحصيل الاستطاعة، ولا ضير فيه، وإلا فلا
دليل على وجوب الاكتساب، لأن ما نقول بوجوبه هو ما اجتمع مع صدق
الاستطاعة العرفية.
فإن قيل: الاستطاعة على ما فسرت في الأخبار المستفيضة: أن يكون
له زاد وراحلة، فلا تحصل إلا بوجودهما، ولا يوجدان لمثل ذلك الشخص
إلا بعد الكسب.
قلنا: المراد بوجودهما ليس وجود عينهما، بل أعم منها ومما
بإزائها، والمنفعة البدنية إنما هي موجودة له، وهي بإزاء العين، فمن يصدق
عليه أنه واجد لما بإزاء الزاد والراحلة - إما بالبذل أو الإباحة الصريحين، أو
الضمنيين كما في الهبة، أو بعوض يملكه كمنفعة بدنية أو ملكية - يجب
عليه الحج.
وأما من لم يصدق عليه ذلك وسهل عليه التحصيل - كمن يتمكن من
55

أن يشتري متاعا بألف نسية إلى خمسة أيام ويبيعه في بلد آخر قريب قبل
الخمسة بألفين نقدا - ففيه إشكال، لأنه لا يملك قبل الشراء ما بإزاء الزاد
والراحلة.
والتحقيق: أنه يجب هنا أولا بيان مسألة أخرى وتفريع أمثال تلك
المسائل عليها، وهي بيان معنى الاستطاعة المالية.
وتحقيقه: أنه قد مر في المسألة الثانية: أنه لا يشترط في صدق
الاستطاعة وجود عين الزاد والراحلة، بل يكفي وجود ثمنهما أو ما يصلح
أن يكون إزاء لهما أو لثمنهما، وهو إجماعي، بل ضروري من الدين.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما يصلح الإزاء عينا موجودة أو منفعة
مملوكة، فلو كانت له ضيعة لم يتمكن من بيعها ويمكن إجارتها في مدة بما
يكفي لمؤنة الحج وما يتبعه، يجب الحج، لصدق الاستطاعة.
وهل يشترط وجود ما يصلح أن يكون إزاء للمؤنة عينا أو منفعة، أو
يكفي الاقتدار والتمكن على تحصيله من غير مشقة، بل بسهولة حال
اجتماع سائر الشرائط؟
ظاهر كثير من كلماتهم: الأول، حيث نفوا الوجوب إذا توقف على
الاكتساب مطلقا (1)، حتى بمثل قبول الهبة وقبول إجارة النفس.
ولعله للأخبار - المتقدمة كثير منها - المفسرة للاستطاعة: بأن يكون له
أو عنده زاد وراحلة (2)، أو أنها وجود الزاد والراحلة، كما في المرسلة
المتقدمة (3).

(1) انظر الشرائع 1: 226، التذكرة 1: 302، الروضة 2: 166.
(2) الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 8.
(3) مجمع البيان 1: 478.
56

وظاهر بعض كلماتهم: الثاني، ككلام من أوجب الحج للمتمكن من
الزاد الراحلة بالكسب في الطريق، ومن أوجب الاستدانة لمن له دين مؤجل
أو متاع لا يتمكن الحال من بيعه، ومن أوجب قبول الهبة، ومن استدل
لهذه الأمور بالاقتدار والتمكن والاستطاعة، ومن قيد الاستطاعة بالعرفية.
ولعله لوجوب حمل الاستطاعة على العرفية وتحققها مع التمكن
بالسهولة، وللأخبار الموجبة للحج بمجرد القدرة على ما يحج به، أو
بمجرد عدم الحاجة المجحفة، أو مانع آخر، كصحيحتي الحلبي (1)
والمحاربي (2) المتقدمتين. وهو الأظهر، لما ذكر.
ولا تضر الأخبار المفسرة للاستطاعة، إذ ليس المراد بوجود الزاد
والراحلة فيها معناه الحقيقي، وهو وجوب عينهما إجماعا، ومجازه كما
يمكن أن يكون الأعم من وجود العين والثمن يمكن أن يكون القدرة على
تحصيلهما، التي هي حقيقة الاستطاعة، فلا نعلم إرادة معنى آخر غير
الحقيقي للفظ الاستطاعة، فيجب الرجوع إليه، مع أن صحيحتي الحلبي
والمحاربي تعينان (3) هذا المعنى، فيجب الأخذ به.
ثم إنه يتفرع عليه كثير من مسائل المقام:
منها: ما مر من وجوب الحج على الكسوب إذا تمكن من كسبه في
الطريق.
ومنها: وجوب الاستدانة لمن له دين مؤجل أو متاع لا يتمكن من

(1) الكافي 4: 266 / 1، التهذيب 5: 3 / 3، الإستبصار 2: 140 / 455، الوسائل
11: 40 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 10 ح 5.
(2) الكافي 4: 268 / 1، الفقيه 2: 273 / 1333، التهذيب 5: 17 / 49، الوسائل
11: 29 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 7 ح 1.
(3) في (ق): يعنيان...
57

بيعه في الحال.
ومنها: وجوب قبول الهبة وإجارة النفس لمعونة السفر ونحوها.
ومنها: من تقدم ممن يتمكن من شراء المتاع بألف وبيعه بألفين إذا
كان ذلك مع استجماع سائر الشرائط، كأن يكون وقت المسافرة وحضور
الرفقة ونحوهما.
ومنه يرتفع إشكال وجوب التكسب للحج مطلقا، إذ قبل الأوان لا
يجب، ومعه لا تحصل المؤنة من الكسب غالبا.
نعم، يجب تقييد التحصيل بما لا يخرجه الدليل، فلا تجب الاستدانة
لمن ليس له مال ولا السؤال ولا الاستيهاب، للاجماع، والأخبار، والعسر
والحرج.
المسألة التاسعة: لا يجب للولد بذل ماله لوالده للحج، ولا يجوز
للوالد صرف مال ولده فيه بدون مصلحته أو إذنه، وفاقا للأكثر (1)، للأصل.
وعن النهاية والمبسوط والخلاف والقاضي (2): الوجوب، واستشكل
فيه في الذخيرة (3)، وظاهر الخلاف إجماع الأصحاب (4)، لصحيحة سعيد بن
يسار: الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير؟ قال: (نعم، يحج منه حجة
الاسلام)، قلت: وينفق منه؟ قال: (نعم)، ثم قال: (إن مال الولد لوالده)
الحديث (5).

(1) كما في الشرائع 1: 226، التذكرة 1: 302، مجمع الفائدة 6: 76، المدارك
7: 53.
(2) النهاية: 204، المبسوط 1: 299، الخلاف 2: 250، القاضي في المهذب 1: 267.
(3) الذخيرة: 561.
(4) الخلاف 2: 250.
(5) التهذيب 5: 15 / 44، الوسائل 11: 91 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 36 ح 1.
58

وفيه: أنه لا تدل الصحيحة على أزيد من جواز الحج من مال الابن
الصغير الذي ولايته بيد الأب، وهو غير دال على عدم إعطاء العوض، فلعله
معه حتى يكون قرضا.
والحاصل: أن المستفاد منها جواز هذا النوع من التصرف أيضا، وهو
أعم من القرض ونحوه، فلا يعارض ما دل على عدم جواز صرفه في غير
مصلحة الصغير، وأما جزؤه الأخير فمخالف للاجماع والأخبار.
المسألة العاشرة: قال بعضهم: لا يجوز صرف المال في النكاح بعد
تعلق الخطاب بالحج وتوقف الحج على المال وإن شق ترك النكاح، لأن
الحج مع الاستطاعة واجب فلا يعارضه النكاح المندوب، ولو حصل له من
ترك النكاح ضرر شديد لا يتحمل عادة أو خشي حدوث مرض بتركه قدم
النكاح (1).
بل قيل بتقديم النكاح لو خشي وقوع الزنا بتركه (2).
أقول: ما يدل على تقديم النكاح في صورة التضرر بتركه يدل عليه
في صورة المشقة أيضا، إذ تحمل المشقة عسر، وهو منفي في الشريعة، إلا
أن يراد مشقة جزئية لا عسر في تحملها، وفي صدق المشقة نظر.
ثم القول بتقديمه في صورة خشية الوقوع في الزنا مما لا دليل عليه،
سيما إذا كانت الخشية باحتمال الوقوع أو الظن بتركه، بل وكذلك مع
العلم، فإن هذه الخشية لو أوجبت تخصيص عمومات وجوب الحج (3)
للاستطاعة لجاز تخصيص عموم كل ما يدفع به ذلك من ترك الواجبات

(1) الحدائق 14: 107.
(2) الذخيرة: 560، المنتهى 2: 653.
(3) الوسائل 11: 7 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 1.
59

وفعل المحرمات، ولا يقولون به، بل يمكن على ذلك أن يقال بتعارض
عمومات حرمة الزنا (1) بهذه العمومات.
وفساد ذلك ظاهر جدا، بل نقول: إنه يجب عليه الأمران: الحج
وترك الزنا، والخشية إنما هي لأجل غلبة نفسه، التي هو مأمور بدفعها.
ثم إن ما ذكروه من عدم جواز صرف المال في النكاح مبني على ما
نقول به من وجوب إبقاء مقدمة الواجب كما يجب تحصيلها، ولذا نقول
بعدم جواز إهراق الماء المحتاج إليه للطهارة، والأكثر لم يذكروه وإن قالوا به
هنا.. ويلزمه عدم جواز وقفه وهبته وبيعه بثمن قليل تنتفي معه الاستطاعة،
وأنه لو فعله لبطل الوقف، بل الهبة والبيع أيضا على القول باستلزام
النهي في المعاملات للفساد، كما هو التحقيق.. وكذا تلزمه هذه الأمور في
صورة اشتغال الذمة بالدين المعجل المتوقف أداؤه على ذلك المال كما
نقول به.
المقام الثاني: في الاستطاعة السربية.
وهي تحصل بتخلية السرب - بفتح المهملة وإسكان الراء: الطريق -
واشتراطها مجمع عليه محققا ومحكيا (2)، والآية تدل عليه، وكثير من
الأخبار المتقدمة ترشد إليه، ونفي العسر والحرج يؤكده، وانتفاء الضرر
والضرار يبينه.
والمراد منها: عدم الخوف على النفس أو البدن أو البضع أو المال،
وعدم خوف المنع في الطريق، فمع خوف أحد هذه الأمور لا تحصل
الاستطاعة ولا يتحقق فرض الحج.

(1) الوسائل 20: 307 أبواب النكاح المحرم ب 1.
(2) كما في المعتبر 2: 754.
60

وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: تكفي في الوجوب سلامة بعض الطرق، فلو كان له
طريقان مخلى أحدهما دون الآخر وجب سلوك الأول وإن كان أبعد إذا لم
تقصر نفقته عنه واتسع الزمان له.
والظاهر اشتراط كون الأبعد طريقا من بلده إلى مكة عرفا، أي لم يبلغ
من الانحراف والبعد حدا يخرج عن كونه سبيلا إليه، ويصح أن يقال: إن
بعض طرق البلد إليه مخلى، فإن بعد بحيث لا ينصرف الطريق إليه ففي
وجوب سلوكه إشكال، بل عدمه أظهر، لعدم صدق تخلية السرب عرفا،
وعدم انصراف استطاعة السبيل إليه، فالمدني لو منع من المسير من طرق
المدينة إلى مكة وأمكنه المسير إلى الشام ومنه إلى العراق ومنه إلى خراسان
ومنه إلى الهند ومنه إلى البحر ومنه إلى مكة لم يجب عليه الحج.
المسألة الثانية: لو كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بمال، ففي
سقوط الحج - كما عن الشيخ (1) وجماعة (2) - أو وجوبه - كالمحقق والفاضل
في بعض كتبه والمدارك والذخيرة (3)، وجمع آخر (4) - أو الأول مع
الاجحاف والثاني مع عدمه - كما عن التذكرة والدروس (5) - أقوال، وظاهر

(1) المبسوط 1: 301.
(2) كما في الإيضاح 1: 271.
(3) المحقق في الشرائع 1: 228، الفاضل في المنتهى 2: 656، المدارك 7: 63،
الذخيرة: 561.
(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 90، الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 78،
صاحب الحدائق 14: 142.
(5) التذكرة 1: 306، الدروس 1: 313.
61

الإرشاد التردد (1).
حجة الأول: انتفاء تخلية السرب.
وحصول الإعانة على الظلم.
والقياس على من أخذ المال منه قهرا.
ورد الأول: بمنع اشتراط التخلية مطلقا، بل المشترط تخليته بحيث
يتمكن من المسير بدون مشقة وشدة.
والثاني: بمنع كونه إعانة.
والثالث: بالفرق ومنع الأصل.
ودليل الثاني: حصول الاستطاعة والقدرة، فتتناوله الآية والأخبار.
وحجة الثالث: حصول الضرر المنفي مع الاجحاف.
أقول: حمل الأولون تخلية السرب المأخوذة في الاستطاعة على كونه
خاليا عما يخاف معه الضرر على النفس أو البدن أو البضع أو المال.
وحملها الرادون على كونه بحيث يتمكن من المسير منه بلا مشقة
شديدة، وإن كان التمكن لتحمل ضرر مالي.
ولا شك أنه يرد على الطائفة الأخيرة: أن تقييد التمكن بعد المشقة إن
كان لآيات نفي العسر والحرج فيجب تقييده بعدم الضرر أيضا، لأخبار نفي
الضرر والضرار، بل لأدلة نفي العسر أيضا، فإن تحمل الضرر عسر غالبا..
وإن كان لفهم العرف واللغة فلا شك أنهم يفهمون منها التمكن من المسير
بلا ضرر يعتد به، وأما معه فلا.
فالصواب: تفسير تخلية السرب بكونه بحيث يتمكن من المسير منه

(1) الإرشاد 1: 311.
62

بلا مشقة شديدة، ولا ضرر يعتد به زائدا عما هو لازم قطع المسافة من
المشقة والضرر.
هذا، مع أن أدلة نفي الضرر بنفسها أدلة مستقلة معارضة مع عمومات
الاستطاعة والقدرة - لو لم يؤخذ في معناهما تخلية السرب - بالعموم من
وجه، موجبة للرجوع إلى الأصل.
فإذن الأظهر هو القول الأول إن كان مرادهم من المال المعتد به
الموجب لصدق الضرر عرفا، والقول الثالث إن كان مطلقا.
ثم إنه لا فرق في الضرر الموجب لعدم تخلية السرب بين أن يؤخذ
المال المتضرر به قهرا ونهبا، أو صلحا وهدية - بأن يتصالح العدو ويرتفع
عن الطريق بسبب أخذ المال - أو سلطانا ورئاسة، بأن يقرر أخذ مال لمن
يحج، أو يعبر عن تحت ولايته أو بمصاحبته.
وسواء كان الأخذ لأجل العبور للحج، أو العبور مطلقا.
وسواء كان بلا مستند أو كان لأجل دفعه عدوا آخر ومحافظة الطرق
عما فيها من الأعداء، متعديا عن قدر ما يلزم في الدفع، أو لا، إذا كان
المأخوذ ضررا وإجحافا على المأخوذ منه.
ومنه يظهر أنه لو اندفع خوف العدو بصرف مال موجب للضرر في
استصحاب عسكر لم يجب.
المسألة الثالثة: ليس المراد بتخلية السرب تخليته لكل أحد في كل
حال، بل المراد تخليته بالنسبة إلى الشخص بحسب أحواله، فلو كان في
الطريق خوف عدو لشخص دون آخر يجب الحج على الآخر.
ولو لم يأمن الطريق للقافلة القليلة وأمن مع الكثرة وتحققت، يجب.
ولو ارتفع العدو بتحمل شخص الضرر على نفسه، يجب على
63

الباقين، إلى غير ذلك من الموانع.
المسألة الرابعة: لو حج من هذا شأنه ورضي بالضرر لم يكف عن
حجة الاسلام، ويجب عليه الحج ثانيا إذا ارتفع المانع بلا تضرر، إلا إذا كان
تحمل الضرر قبل أحد المواقيت ولم يكن بعده عدو، لحصول الاستطاعة
بعده، أو إذا كان هناك طريقان أحدهما مخلى وسلك هو من غير المخلى،
لتحقق الاستطاعة أيضا.
ويمكن الحيلة في الاجزاء أيضا، بإيجاب ما يأخذه العدو له على
نفسه أولا بنذر أو يمين أو عهد، أو ببذله لغيره وشرطه إعطائه العدو ونحو
ذلك، وكذا يجزئ لو بذله باذل.
المسألة الخامسة: كما يشترط خلو السرب عن العدو يشترط خلوه
عن سائر الموانع أيضا، فلو كان في بعض منازل الطريق طاعون أو وباء
وخاف على نفسه من العبور فيه لا يجب.
وكذا لو انحصر الطريق في البحر وخاف المرض من سلوكه، بل لو
كان المانع مجرد الخوف من الطاعون أو البحر بحد يعسر تحمله، وكانت
فيه مشقة شديدة، أو احتمال حدوث مرض من الخوف، لم يجب أيضا.
المقام الثالث: في الاستطاعة البدنية.
وهي الصحة من المرض العائق عن الحركة أو الركوب أو الاتيان
بالأفعال، ومن العضب المانع كذلك، وهو - بالمهملة ثم المعجمة -: الزمانة
والضعف، فغير الصحيح لا يجب عليه الحج، بالاجماع، وعدم صدق
الاستطاعة، وانتفاء الحرج، وكثير من الأخبار المتقدمة.
المقام الرابع: في الاستطاعة الزمانية.
وهي التمكن من المسير بسعة الوقت، فلو ضاق أو احتاج إلى سير
64

عنيف لقطع المسافة وعجز عنه سقط عنه فرضه في عامه، وكذا لو قدر
ولكن بمشقة شديدة لا يتحمل مثلها عادة، للاجماع، وفقد الاستطاعة،
ولزوم الحرج والعسر، وكونه أمرا يعذره الله فيه، كما صرح به في بعض
الأخبار (1).
ولنختم ذلك الفصل بمسائل:
المسألة الأولى: يشترط في وجوب الحج - بعد حصول
الاستطاعات الأربع - أمر آخر أيضا، وهو عدم ترتب ضرر عليه أو على
غيره بالخروج إلى الحج، فلو كان أحد بحيث لو خرج كان خروجه إلى
الحج موجبا لتلف ماله المعتد به غير ما يصرف في الحج، أو كانت المرأة
بحيث تخاف على رضيعها، وغير ذلك، لم يجب الحج.
والفرق بين ذلك وبين الشراء بأزيد من ثمن المثل أو البيع بالأقل أن
العلة المنصوصة فيهما غير جارية هنا.
وكذا يسقط الوجوب لو منعه قاهر من المسافرة، أو خاف فيه على
نفسه أو بضعه أو ماله أو ما يتعلق به.
المسألة الثانية: لا يعتبر في الاستطاعات المذكورة حصولها من بلد
المكلف، فلو حصلت له في موضع آخر مطلقا - حتى الميقات - واستطاع
للحج والعود إلى بلده وجب عليه الحج وإن لم تكن له الاستطاعة من بلده،
وفاقا للذخيرة والمدارك (2)، وبعض آخر من المتأخرين (3)، بل الأكثر، كما
يظهر من قولهم في الصبي والمجنون المدركين في الميقات.

(1) الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 34.
(2) الذخيرة: 559، المدارك 7: 41.
(3) كما في الحدائق 14: 87.
65

لعموم النصوص السالم عن المعارض، وصحيحة ابن عمار: الرجل
يمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة، فيدرك الناس
وهم يخرجون إلى الحج، فيحرم معهم إلى المشاهد، يجزيه ذلك من حجة
الاسلام؟ قال: (نعم) (1).
وعن الشهيد الثاني: أن من أقام في غير بلده إنما يجب عليه الحج إذا
كان مستطيعا من بلده، إلا أن تكون إقامته في الثانية على وجه الدوام أو مع
انتقال الفرض، كالمجاور بمكة بعد السنتين (2).
ولعله لانفهام ذلك من العمومات والاطلاقات، وهو ممنوع جدا.
وعلى هذا، فلو حج الفقير متسكعا إلى الميقات ولكن لم يحتج إلى
التسكع منه إلى الفراغ من المناسك يجب عليه ويجزئه عن حجة الاسلام،
وكذا الحال في سائر الاستطاعات، وكذا لو سافر للتجارة إلى الشام مثلا
وحصل له فيه من الربح ما يكفيه للحج والعود.
المسألة الثالثة: لو حج غير المستطيع تسكعا أو بمشقة شديدة كان
حجه ندبا ولم يجز عن حجة الاسلام، وتجب عليه الإعادة لو استطاع، بلا
خلاف كما قيل (3)، بل بظاهر الاجماع كما عن الخلاف والمنتهى (4)
وغيرهما (5)، لتوقف الاجزاء على الأمر والخطاب المنفيين في المقام، لفقد
الشرط.

(1) الكافي 4: 275 / 6، الفقيه 2: 264 / 1283، الوسائل 11: 58 أبواب وجوب
الحج وشرائطه ب 22 ح 2.
(2) المسالك 1: 102.
(3) في الرياض 1: 338.
(4) الخلاف 2: 246، المنتهى 2: 652.
(5) كما في الدروس 1: 310، وكشف اللثام 1: 290.
66

ولا فرق في ذلك بين انتفاء الاستطاعة المالية وغيرها، كما صرح به
جماعة (1)، وحكي عن المشهور (2).
وعن الدروس: الفرق (3)، فلا يجزئ في الأول ويجزئ في غيره،
كالمريض والممنوع بالعدو وضيق الوقت والمعضوب، لأن ذلك من باب
تحصيل الشرط، فإنه لا يجب، ولو حصله أجزاء.
وفيه: أن الحاصل بالتكلف: الحج أو السير إليه، لا الصحة وأمن
الطريق مثلا، اللذان هما الشرط.
نعم، لو حصلت لغير المستطيع الاستطاعة قبل الميقات - كأن يحصل
له من السؤال ما يكفي له منه إلى تمام المناسك، أو كان له من ماله هذا
المقدار، أو سهل له المشي منه إلى مكة من غير راحلة، أو تحمل الحركة
العنيفة في ضيق الوقت حتى أدرك الميقات في الوقت، أو بلغ إلى موضع
الأمن قبل الميقات، وغير ذلك - يجزئ عن حجة الاسلام، ولأجل ذلك
يشبه أن يكون خلاف الدروس مع المشهور لفظيا.
ومنه يظهر أنه لو اقترض ما يكفيه لنفقة الحج والعيال وحج يكون
مجزئا عنه، إذ بعد الاقتراض يصير مستطيعا.
وهل يشترط في الوجوب والاجزاء لمن حصلت له الاستطاعة قبل
الميقات - بالسؤال أو وجود قليل من المال أو الاقتراض - نفقة العيال، أو
الكفاية، أو نفقة العود، أم لا؟
الظاهر أنه لو لم يتفاوت الحال للعيال والكفاية والعود بصرف ما في

(1) منهم صاحب الرياض 1: 338.
(2) انظر المفاتيح 1: 299.
(3) حكاه في المفاتيح 1: 299، وهو في الدروس 1: 314.
67

يده إلى الحج يجب الحج ويجزئ، وإن توقف أحد الثلاثة عليه لا يجب.
المسألة الرابعة: لو حج المستطيع تسكعا أو في نفقة غيره أجزأه عن
الفرض، بلا خلاف فيه بين العلماء، لأن الحج واجب عليه وقد امتثل بفعل
المناسك المخصوصة، فيحصل الاجزاء، وصرف المال غير واجب لذاته
وإنما يجب إذا توقف عليه الواجب.
المسألة الخامسة: لو حج عن المستطيع الحي غيره لم يجزه
إجماعا، لأن الواجب عليه إيقاعه مباشرة فلا تجزئ الاستنابة فيه، وكذا لو
حج غير المستطيع عن غيره لم يجزه، بلا خلاف يعرف كما في المدارك
والذخيرة (1)، بل هو مذهب الأصحاب كما في الأول، ومقطوع به في
كلامهم كما في الثاني، بل هو إجماعي، فلو استطاع بعده يجب عليه الحج.
للأصل، ولرواية آدم: (من يحج عن إنسان ولم يكن له مال يحج به
أجزأت عنه حتى يرزقه الله ما يحج) (2).
ورواية إبراهيم بن عقبة: عن رجل صرورة لم يحج قط، حج عن
صرورة لم يحج قط، أيجزئ كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة
الاسلام، أم لا؟ بين ذلك يا سيدي إن شاء الله، فكتب عليه السلام: (لا يجزئ
ذلك) (3).
وبإزائها أخبار أخر دالة على الاجتزاء:
كصحيحة ابن عمار: عن رجل حج عن غيره، يجزئه ذلك عن حجة

(1) المدارك 7: 49، الذخيرة: 561.
(2) التهذيب 5: 8 / 20، الإستبصار 2: 144 / 469، الوسائل 11: 55 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 21 ح 1.
(3) التهذيب 5: 411 / 1430، الإستبصار 2: 320 / 1134، الوسائل 11: 173
أبواب النيابة في الحج ب 6 ح 3.
68

الاسلام؟ قال: (نعم) (1).
وأخرى: (حج الصرورة يجزئ عنه وعمن حج عنه) (2).
وجميل: رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجة رجل، ثم أصاب
مالا، هل عليه الحج؟ فقال: (يجزئ عنهما) (3).
والجواب أولا: بعدم الحجية، للشذوذ.
وثانيا: بالمعارضة مع ما مر، والرجوع إلى الأصل.
وثالثا: بعدم الصراحة ولا الظهور في خلاف ما مر، لاحتمال رجوع
الضمير في: يجزيه، في الأولى، إلى الغير وكان ممن تتعين الاستنابة عنه،
وفي: (عنهما) في الثالثة إلى المنوب عنه والمحجوج به.
مع أن الاجزاء في الجميع يمكن أن يكون عن الأمر الندبي أو
الايجابي الثابت بالاستئجار، ولم تثبت الحقيقة الشرعية في لفظ حجة
الاسلام.. فما في الذخيرة - من أن المسألة محل إشكال (4)، وما في بعض
شروح المفاتيح أنها من المتشابهات - غير جيد.
المسألة السادسة: إذا استطاع أحد مالا ومنعه كبر أو مرض أو عدو
أو سلطان أو نحو ذلك، فإما يكون مأيوسا من الخلاص أو لا، وعلى
التقديرين إما يكون الحج مستقرا في ذمته قبل العذر أو لا..

(1) الكافي 4: 274 / 3، التهذيب 5: 8 / 19، الإستبصار 2: 144 / 471، الوسائل
11: 56 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 21 ح 4.
(2) التهذيب 5: 411 / 1432، الإستبصار 2: 320 / 1136، الوسائل 11: 55
أبواب النيابة في الحج ب 21 ح 2.
(3) الفقيه 2: 261 / 1268، الوسائل 11: 57 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 21
ح 6، بتفاوت يسير.
(4) الذخيرة: 561.
69

فمع اليأس والاستقرار قالوا: تجب عليه الاستنابة في الحياة، بل في
المسالك والروضة والمفاتيح (1) وشرح الشرائع للشيخ علي وغيرها (2):
الاجماع عليه.
واستدلوا له - بعد الاجماعات المحكية - بصحيحة محمد: (لو أن
رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم، فلم يستطع الخروج،
فليجهز رجلا من ماله فليبعثه مكانه) (3).
وابن سنان: (إن أمير المؤمنين عليه السلام، أمر شيخنا كبيرا لم يحج قط
ولم يطق الحج لكبره أن يجهز أن يجهز رجلا يحج عنه) (4)، ومثلها
صحيحة ابن عمار (5).
ولا ينافيهما التعليق على المشية في روايتي القداح وأبي حفص:
الأولى: (إن عليا عليه السلام قال لشيخ كبير لم يحج قط: إن شئت فجهز
رجلا ثم ابعثه أن يحج عنك) (6).
والثانية: (إن رجلا أتى عليا عليه السلام ولم يحج قط، فقال: إني كنت كثير
المال وفرطت في الحج حتى كبر سني، قال: فتستطيع الحج؟ قال: لا،
فقال له علي عليه السلام: إن شئت فجهز رجلا ثم ابعثه حتى يحج عنك) (7).

(1) المسالك 1: 90، الروضة 2: 167، المفاتيح 1: 298.
(2) كالذخيرة: 562.
(3) الكافي 4: 273 / 4، التهذيب 5: 14 / 40، الوسائل 11: 64 أبواب وجوب
الحج وشرائطه ب 24 ح 5.
(4) الكافي 4: 273 / 2، الفقيه 2: 260 / 1263، التهذيب 5: 460 / 1601،
الوسائل 11: 65 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 24 ح 6.
(5) التهذيب 5: 14 / 38، الوسائل 11: 63 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 24 ح 1.
(6) الكافي 4: 272 / 1، الوسائل 11: 65 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 24 ح 8.
(7) التهذيب 5: 460 / 1599، الوسائل 11: 64 أبواب وجوب الحج وشرائطه
ب 24 ح 3.
70

لاجمال متعلق المشية، فلعله براءة الذمة أو الخلاص من العذاب،
وأيضا هذه قضايا في وقائع ولم يعلم اتحادها، فلعل الرجل في الأخيرتين
لم يكن مستطيعا قبل الكبر، إما من جهة المال، أو من جهة مانع آخر من
عدو أو غيره.
وصحيحة الحلبي: إن كان رجل موسر حال بينه وبين الحج مرض
يعذره الله فيه، قال: (عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له) (1)،
وقريبة منها رواية علي بن أبي حمزة (2).
وبالنصوص المفيدة لوجوب الاستنابة مع الاستقرار بعد الموت (3)،
فحين الحياة مع اليأس أولى، لجواز الاستنابة حيا، اتفاقا فتوى ونصا.
ويمكن الخدش في جميع تلك الأدلة:
أما الاجماعات المحكية، فبعدم الحجية.
وأما الصحيحة الأولى، فبضعف الدلالة على الوجوب من جهات
عديدة:
من تعلق التجهيز على إرادة الحج، الدالة بالمفهوم على عدم وجوبه
مع عدمها، والاجماع المركب يجري من الطرفين.
نعم، لو حمل على الاستحباب أمكن الفرق بين الإرادة وعدمها،
فيستحب - ولو مع عدم وجوب الحج - مع الإرادة وعروض المانع دون

(1) الكافي 4: 273 / 5، التهذيب 5: 403 / 1405، الوسائل 11: 63 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 24 ح 2، بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 273 / 3، التهذيب 5: 14 / 39، الوسائل 11: 65 أبواب وجوب
الحج وشرائطه ب 24 ح 7.
(3) كما في الوسائل 11: 71 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 28.
71

حال عدم الإرادة، من جهة أن من أراد خيرا ينبغي إتمامه كيف أمكن.
ومن الأمر بالتجهيز من ماله الغير الواجب قطعا، لكفاية بعثه ولو تبرعا.
ومن شمول إطلاقه لمن يجب عليه الحج أولا، كمن حج قبل ذلك،
أو استقر الوجوب في ذمته قبل ذلك أم لا، وحصل له اليأس أم لا، بل
ظهور عدم اليأس منهما، حيث إن كون المرض العارض أو السقم المخالط
مما لا يرجى زوالها من الأفراد النادرة جدا. وبعض هذه الأفراد مما لا تجب
الاستنابة فيه إجماعا، وبعضها مما ادعي فيه الاجماع على عدم الوجوب،
وبعضها مما وقع الخلاف فيه، والحكم بأولوية التخصيص عن التجوز في
الأمر مشكل.
ومن كون الأمر - كما قيل - واردا مورد توهم الحظر، إما من جهة
عدم ثبوت الاستنابة للحي، أو من جهة قول بعض العامة به، كما في
الخلاف والمنتهى (1).
وأما الثانيتان، فبكثير مما ذكر أيضا، مضافا إلى معارضتهما بالتعليق
على المشية في الروايتين الأخيرتين.
وجعل متعلق المشية غير المأمور به خلاف المتبادر الظاهر.
واحتمال تعدد الوقائع وعدم استطاعة مورد الأخيرتين بعيد جدا، بل
الظاهر - كما قيل (2) - الاتحاد.
مع أن ظاهر قوله في الأخير: (فرطت) حصول الاستطاعة، وإلا لم
يكن تفريطا (3)، فترك الاستفصال فيه يفيد العموم الشامل لما نحن فيه قطعا

(1) الخلاف 2: 249، المنتهى 2: 655.
(2) قاله في الرياض 1: 339.
(3) 53 في (س) زيادة: هذا مع أن الأخيرة ليست في قضية واقعة بل متضمنة للسؤال
التي ترك...
72

لو لم نقل بالاختصاص، بل نقول به من جهة دلالتها على سبق الاستطاعة
من جهة كثرة المال والتقصير، وعلى اليأس من جهة الكبر.
ومنه تظهر معارضتهما مع الصحيحة الأولى أيضا.
وأما الرابعتان، فلبعض ما مر، مضافا إلى تعلق الأمر فيهما بالصرورة،
ولم يقل أحد بوجوب استنابته، وحمله - بالإضافة إليه على الاستحباب أو
الإباحة أو الأعم منهما ومن الوجوب - ينافي حمله بالإضافة إلى الاستنابة
على الوجوب، إلا على القول بجواز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته
ومجازه في استعمال واحد، وهو خلاف التحقيق.
وأما السادسة، فبمنع الأولوية، لعدم معلومية العلة، سيما مع القول
بوجوب الإعادة لو اتفق زوال العذر، لقيام الفارق حينئذ، وهو القطع بعدم
وجوب الإعادة في الأصل وعدمه في الفرع، لاحتمال زوال العذر.
ومن جميع ذلك ظهر عدم وجود مخرج تام لنا عن أصل عدم
وجوب الاستنابة..
ولذا حكي التردد عن بعضهم في الوجوب في هذه الصورة، وهو
الظاهر من الذخيرة، بل من الشرائع والنافع والارشاد (1)، لترددهم في مسألة
استنابة المعذور، من غير تفصيل بين الاستقرار وعدمه، بل قيل بخلو كثير
من كلمات الموجبين للاستنابة والنافين لها عن هذا التفصيل (2).
ولم يتعرض جماعة للحكم بالوجوب في هذه الصورة، ومنهم
الحلي، حيث اقتصر على رد وجوب الاستنابة بدون استقرار الاستطاعة،

(1) الذخيرة: 562، الشرائع 1: 227، النافع: 76، الإرشاد 1: 311.
(2) انظر الرياض 1: 340.
73

وحكم بوجوبها إذا استقرت ومات المستطيع (1).
وعلى هذا، فليس في المسألة مظنة إجماع، بل ولا علم بشهرة،
وحيث كانت كذلك ولم يكن دليل تام على الوجوب فالأقرب إذن ما
يقتضيه الأصل، وهو عدم الوجوب وإن استحب.
ومن ذلك تظهر أقربية عدم الوجوب في صورة عدم الاستقرار بطريق
أولى، لوجود التصريح بالعدم فيها من الفحول، كما عن المفيد والحلي
والجامع والقواعد والمختلف والايضاح (2)، واختاره بعض مشايخنا (3).
خلافا لآخرين، كالشيخ في النهاية والتهذيب والمبسوط والخلاف
- مدعيا فيه الاجماع (4) - والقديمين والحلبي والقاضي والتحرير (5)،
وكثير من المتأخرين (6)، بل الأكثر مطلقا كما قيل (7)، لجميع ما مر مع
رده.
والأولى من الأولى: عدم الوجوب في صورة عدم اليأس، لعدم
مصرح فيها بالوجوب سوى شاذ يأتي، بل عن المنتهى: الاجماع على
العدم (8)، ولعدم جريان جميع الأدلة المذكورة فيها.

(1) السرائر 1: 641.
(2) المفيد في المقنعة: 442، الحلي في السرائر 1: 641، الجامع للشرائع: 173،
القواعد: 75، المختلف: 257، الإيضاح 1: 270.
(3) كما في الرياض 1: 340.
(4) النهاية: 203، التهذيب 5: 14، المبسوط 1: 299، الخلاف 2: 248.
(5) حكاه عن الإسكافي والعماني في المختلف: 257، الحلبي في الكافي في الفقه:
218، القاضي في المهذب 1: 267، التحرير 1: 92.
(6) كصاحبي المدارك 7: 55، والحدائق 14: 129.
(7) انظر الرياض 1: 339.
(8) المنتهى 2: 655.
74

خلافا للمحكي عن الدروس (1)، لاطلاق بعض ما مر برده.
والأولى من الأولى: عدم الوجوب في صورة عدم الاستقرار وعدم
اليأس، والوجه ظاهر.
نعم، تستحب الاستنابة في جميع تلك الصور، لما مر.
فرعان:
أ: لو قلنا بوجوب الاستنابة في بعض الصور واستناب ثم زال العذر
يجب عليه الحج ثانيا، من غير خلاف صريح بينهم أجده، بل قيل: كاد أن
يكون إجماعا (2)، وعن ظاهر التذكرة. أنه لا خلاف فيه بين علمائنا،
لاطلاق الأمر بالحج للمستطيع، وما فعله كان واجبا في ماله، وهذا يلزمه في
نفسه (3).
وعن بعضهم: احتمال العدم، لأنه أدى حجة الاسلام بأمر الشارع،
ولا يجب الحج بأصل الشرع إلا مرة (4).
وفيه: أنه لم يعلم أن ما فعله حجة الاسلام، ونحن أيضا لا نوجبها إلا
مرة، ولم يحج هو بعد، وإنما حج غيره نيابة.
ب: إطلاق بعض ما تقدم من الأخبار - كصحيحتي محمد
والحلبي (5) - عدم اختصاص ذلك بحجة الاسلام، وجريانه في غيره من
الواجبات أيضا، كالمنذور، والظاهر عدم الخلاف فيه أيضا، كما يظهر منهم

(1) الدروس 1: 312.
(2) 65 المفاتيح 1: 299.
(3) التذكرة 1: 304.
(4) انظر المدارك 7: 58.
(5) المتقدمتين في ص: 70 و 71.
75

في مسألة الاستنابة عن الحجتين في عام واحد.
المسألة السابعة: من استقر الحج في ذمته - بأن اجتمعت له شرائط
الوجوب ومضت مدة يمكنه فيها استيفاء جميع أفعال الحج كما عن
الأكثر (1)، أو الأركان منها خاصة كما احتمله جماعة (2) - فأهمل حتى مات،
يجب قضاؤه عنه، بالاجماع المحقق، والمحكي في الخلاف والمنتهى
والتذكرة (3) وغيرها (4).
لصحيحة ضريس: في رجل خرج حاجا حجة الاسلام فمات في
الطريق، قال: (إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الاسلام، وإن مات
دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الاسلام) (5).
وموثقة سماعة: عن الرجل يموت ولم يحج حجة الاسلام ولم يوص
بها وهو موسر، فقال: (يحج عنه من صلب ماله، لا يجوز غير ذلك) (6).
وصحيحة العجلي: عن رجل استودعني مالا فهلك وليس لولده شئ
ولم يحج حجة الاسلام، قال: (حج عنه وما فضل فأعطهم) (7).
وصحيحة ابن عمار: في رجل توفى فأوصى أن يحج عنه، قال: (إن

(1) انظر الذخيرة: 563، والحدائق 14: 152.
(2) انظر المسالك 1: 91، والذخيرة: 563، وكشف اللثام 1: 293.
(3) الخلاف 2: 253، المنتهى 2: 871، التذكرة 1: 307.
(4) كالرياض 1: 341.
(5) الكافي 4: 276 / 10، الفقيه 2: 269 / 1313، الوسائل 11: 68 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 26 ح 1.
(6) التهذيب 5: 15 / 41، الوسائل 11: 72 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 28
ح 4.
(7) الكافي 4: 306 / 6، الفقيه 2: 272 / 1328، التهذيب 5: 416 / 1448،
الوسائل 11: 183 أبواب النيابة في الحج ب 13 ح 1.
76

كان صرورة فمن جميع المال، إنه بمنزلة الدين الواجب، وإن كان قد حج
فمن ثلثه، ومن مات ولم يحج حجة الاسلام ولم يترك إلا قدر نفقة الحمولة
وله ورثة فهم أحق بما ترك، فإن شاؤوا أكلوا، وإن شاؤوا حجوا عنه) (1)،
جعل الحجة من جميع المال معللا بأنه بمنزلة الدين الواجب، وليس ذلك
لأجل الوصية، لأنها لا تكون إلا من الثلث.
وهنا أخبار كثيرة أخر أيضا متوترة معنى، كالصحاح الثمان لابن
عمار (2)، ومحمد (3)، ورفاعة (4)، والعجلي (5)، والحلبي (6)، وضريس (7)،
وموثقة رفاعة (8)، إلا أن الأكثر - لتضمنها الجملة الخبرية، أو ما يحتملها، أو
ما لا يجب قطعا كاستنابة الصرورة - عن إفادة الوجوب قاصرة، إلا أن يجعل

(1) الكافي 4: 305 / 1، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 25
ح 4.
(2) الأولى: التهذيب 5: 404 / 1409، الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحج
وشرائطه ب 25 ح 1.
الثانية: الكافي 7: 18 الوصايا 13 ح 7، الفقيه 4: 158 / 551، الوسائل
11: 67 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 25 ح 6.
(3) الفقيه 2: 270 / 1320، التهذيب 5: 492 / 1769، الوسائل 11: 72 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 28 ح 05.
(4) الكافي 4: 277 / 15، الوسائل 11: 73 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 28
ح 6.
(5) الكافي 4: 276 / 11، الفقيه 2: 269 / 1314، التهذيب 5: 407 / 1416،
الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 26 ح 2.
(6) التهذيب 5: 403 / 1405، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحج وشرائطه
ب 25 ح 3.
(7) الكافي 4: 276 / 10، الفقيه 2: 269 / 1313، الوسائل 11: 68 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 26 ح 1.
(8) الكافي 4: 277 / 16، الوسائل 11: 73 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 28 ح 7.
77

الاجماع والأخبار الأولى على إرادته قرينة.
فروع:
أ: المصرح به في موثقة سماعة والعجلي وصحيحة ابن عمار
المذكورة: أنه يجب القضاء من أصل مال الميت، ويدل عليه أيضا قوله في
آخر صحيحة الحلبي المشار إليها: (يقضى عن الرجل حجة الاسلام من
جميع ماله)، وكذا يستفاد ذلك من صحيحة ابن عمار والعجلي وضريس.
والظاهر أنه إجماعي أيضا، ولا ينافيه آخر صحيحة ابن عمار
المذكورة فيمن لم يترك إلا قدر نفقة الحمولة، وبمضمونها رواية الغنوي (1)
- إلا أن فيها نفقة الحج مكان الحمولة - لأن مجرد نفقة الحمولة أو الحج لا
يوجب الاستطاعة، للتوقف على نفقة العيال، بل الرجوع إلى الكفاية.
ب: مقتضى إخراج مؤنة الحج عن جميع المال تقدمها على الميراث
والوصايا كسائر الديون، وأنه لو لم يترك ما لا غيرها يصرف فيها، كما
صرح به في بعض الأخبار السابقة أيضا (2).. ولو كان له دين معها يقسم
التركة على الدين ومؤنة الحج بقدر الحصص، لأنه مقتضى كونها بمنزلة
الدين المصرح به في الأخبار.
ج: هل يقضى الحج من أقرب المواقيت إلى مكة إن أمكن وإلا فمن
غيره من المواقيت مراعيا للأقرب فالأقرب، فإن تعذر من أحد المواقيت
فمن أقرب ما يمكن الحج منه إلى الميقات، كما هو مختار المبسوط والخلاف
والوسيلة والغنية والفاضلين في كتبهما والمسالك والروضة والمدارك

(1) الفقيه 2: 270 / 1315، الوسائل 11: 46 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 14 ح 1.
(2) راجع ص: 76 - 77.
78

والذخيرة (1)، وأكثر المتأخرين (2)، بل مطلقا، وفي الغنية الاجماع عليه (3)؟
أو من البلد مطلقا، كما حكاه في الشرائع (4) قولا واحدا لا يعرف
قائله، كما صرح به جمع (5)، بل نفاه بعضهم (6)؟
أو الثاني مع السعة في التركة والأول مع عدمها، كما حكي عن الشيخ
في النهاية والصدوق في المقنع والحلي والقاضي والجامع والمحقق الثاني
والدروس (7) وظاهر اللمعة (8)؟
الحق هو: الأول، للأصل السالم عن المعارض، وكون (9) المأمور به
قضاء الحج، الذي هو المناسك المخصوصة، وقطع المسافة ليس جزا
منه، بل ولا واجبا لذاته، وإنما وجب لتوقف الواجب عليه، فإذا انتفى
التوقف انتفى الوجوب.
على أنه لو سلمنا وجوبه لم يلزم من ذلك وجوب قضائه، لأن

(1) المبسوط 1: 301، الخلاف 2: 255، الوسيلة: 157، الغنية (الجوامع
الفقهية): 604، المحقق في المعتبر 2: 760، والعلامة في المنتهى 2: 871،
المسالك 1: 92، الروضة 2: 173، المدارك 7: 84، الذخيرة: 563.
(2) انظر الإيضاح 1: 273، كشف اللثام 1: 293، كفاية الأحكام: 57.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 604، والموجود فيه: ويستأجر للنيابة عنه من ميقات
الاحرام بدليل إجماع الطائفة.
(4) الشرائع 1: 229.
(5) كما في المدارك 7: 87، والذخيرة: 563، والرياض 1: 342.
(6) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 92.
(7) النهاية: 203، المقنع: 164، الحلي في السرائر 1: 516، القاضي في
المهذب 1: 267، الجامع للشرائع: 174، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:
136، الدروس 1: 316.
(8) اللمعة (الروضة 2): 172.
(9) في (س) و (ق): فيكون...
79

القضاء إنما هو بأمر جديد، وهو إنما قام على وجوب قضاء الحج خاصة.
ولم أعثر للقول الثاني على دليل.
ودليل الثالث: ما احتج به في السرائر من أنه كانت تجب عليه نفقة
الطريق من بلده، فلما مات سقط الحج من بدنه وبقي في ماله بقدر ما كان
يجب عليه لو كان حيا من مؤنة الطريق من بلده (1). والظاهر أن مرجعه إلى
استصحاب وجوب صرف هذا القدر من ماله أيام حياته بعد ثبوته، فإنه كان
يجب عليه ذلك مع فعله ببدنه، سقط الأخير فيستصحب الأول.
ومن تواتر أخبارنا بذلك (2).
وما ذكره في الروضة (3) وغيره (4) من الروايات الدالة على ذلك
التفصيل في صورة الوصية بمال معين أو مطلقا بالحج (5).
والجواب عن الأول: أن الحكم الأول وجوب صرف هذا القدر من
المال على هذا الشخص المستطيع في مؤنة بدنه، وبعد موته تغير الموضوع
من وجهين، فلا يجب على الغير صرفه في مؤنة بدن الغير.
مع أنا نمنع وجوب صرف هذا القدر من المال في أيام حياته مطلقا، بل
كان الواجب عليه الحج، ويتبعه وجوب صرف هذا القدر مشروطا بالحاجة
إليه في الحج، والواجب المشروط لا يمكن استصحابه بعد انتفاء الشرط.
وعن الثاني: بما في المعتبر والمختلف (6) من أنا لم نقف على خبر

(1) السرائر 1: 516.
(2) السرائر 1: 516.
(3) الروضة 2: 172.
(4) كالحدائق 14: 181.
(5) كما في الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 25.
(6) المعتبر 2: 760، المختلف: 257.
80

شاذ فكيف بدعوى التواتر؟! ويمكن أن يكون نظره إلى روايات الوصية.
وعن الثالث: بأن إجراء حكم الوصية - لو سلم - في غيرها قياس
باطل، فلعل للوصية مدخلية في ذلك، سيما مع قرب احتمال قيام القرائن
الحالية يومئذ على إرادة الحج من البلد، كما هو الظاهر من إطلاق الوصية
في زماننا هذا.
مضافا إلى خلو روايات الوصية عن الدال على الوجوب أيضا، بل في
بعضها: أنه أوصى ببقية المال للإمام، فحكمه عليه السلام بصرف ماله لا يستلزم
جريانه في مال الوارث.
د: لو لم يخلف من استقر الحج في ذمته شيئا لم يجب الحج على
مال الغير.
وإن خلف ما لا يفي بقضاء مجموع أفعال الحج والعمرة، فإن قصر
عن أجرة أحدهما تاما أيضا كان المال للوارث أو الدين، إذ لا يجب قضاء
الحج والعمرة منه حينئذ، لعدم الامكان، والأمر به إنما هو مع إمكانه، ولو
أمكن قضاء بعض أفعال الحج أو العمرة لم يجب أيضا، لعدم ثبوت التعبد
بذلك على الخصوص، ووجوبه التبعي عند وجوب الكل لا يقتضي وجوبه
عند عدمه، ومن يقول: ما لا يدرك كله لا يترك كله، يلزمه الاتيان بما أمكن
ولو مجرد الطواف.
وإن قصر عن أجرة الأمرين من الحج والعمرة ووفى بأحدهما، فعن
جمع من الأصحاب وجوبه، وتقديم العمرة، لتقدمها، أو الحج، لأهميته
في نظر الشرع، أو التخيير، لعدم الأولوية (1).

(1) انظر الشرائع 1: 229، المسالك 1: 92، كشف اللثام 1: 293.
81

وفي المدارك: أنه يحتمل قويا سقوط الفرض مع القصور عنهما إن
كان الفرض التمتع، لدخول العمرة في الحج (1).
أقول: إن كان الحج اسما لهما معا تعين ما احتمله في المدارك، إذ بعد
سقوط الكل ليس دليل على وجوب الجزء، وإلا - كما هو مقتضى الأصل،
حيث إنه لم تعلم الحقيقة الشرعية فيهما ولم يرد مجرد اللغوية - فيقتصر
على المتيقن، فيتعين تقديم الحج، لأنه المأمور بقضائه في الروايات، بل
يستشكل حينئذ في وجوب قضاء العمرة مع الوفاء بهما أيضا.
إلا أن يقال: بأن وجوبه حينئذ إجماعي كما هو كذلك، فالأقوى
وجوب قضائهما مع الوفاء بهما، والحج مع اختصاص الوفاء به، إلا أن
يعلم من القرائن إرادتهما معا من لفظ الحج، فيسقط مع عدم الوفاء بهما.
ه‍: لو كان له دين وكان المال بقدر لا يفي إلا بأحد الأمرين من الحج
والدين، فالظاهر التخيير، لأنهما واجبان تعارضا ولا مرجح لأحدهما،
واحتمال التوزيع إنما يكون إذا وفت حصة الحج به، وأما مع عدمه فلا
فائدة في التوزيع.
وجعله بمنزلة الدين الواجب في صحيحة ابن عمار (2) إنما هو في
الوجوب.
ولو وفى بالحج وشئ من الدين أيضا يكون التخيير في القدر
المساوي لأجرة الحج، ويصرف الباقي في الدين.
و: قيد الأكثر وجوب قضاء الحج عن الميت باستقراره في ذمته،
واختلفوا فيما يتحقق به الاستقرار:

(1) المدارك 7: 84.
(2) المتقدمة في ص: 76 - 77.
82

فذهب الأكثر إلى أنه مضي زمان يتمكن فيه الاتيان بجميع أفعال
الحج مستجمعا للشرائط (1).
وقيل: إنه مضي زمان يمكن فيه تأدي الأركان خاصة، ونسب إلى
التذكرة (2).
واحتمل بعضهم الاكتفاء بمضي زمان يمكنه فيه الاحرام ودخول
الحرم، ونسبه بعضهم إلى التذكرة (3).
واستحسن بعض المتأخرين الأخير إن كان زوال الاستطاعة بالموت.
والتحقيق: أنه إن اشترط وجوب القضاء بالاستقرار واقعا، فالحق هو:
الأول، إذ لم تثبت استطاعة من تمكن من إتيان الأركان خاصة أو دخول
الحرم دون سائر الأفعال، والاجزاء لو مات بعد دخول الحرم بدليل لا يدل
على وجوبه في غير ذلك المورد.
ولكن الشأن في اشتراط ذلك، ولذا تأمل فيه في الذخيرة (4)، وهو في
موضعه.
بل الأقرب: عدم الاشتراط، وكفاية توجه الخطاب ظاهرا أولا، كما
هو ظاهر المدارك (5)، وصريح المفاتيح وشرحه (6)، وجعل الأخير القول
بالاشتراط اجتهادا في مقابلة النص، ونسب فيه وفي سابقه القول بعدم
الاشتراط إلى الشيخين، وينسب إلى المحقق أيضا، حيث حكم بوجوب

(1) انظر التذكرة 1: 308، والروضة 2: 173، والحدائق 14: 154.
(2) كما في المسالك 1: 91، والمدارك 7: 68.
(3) نسبه إليه في الذخيرة: 563.
(4) الذخيرة: 563.
(5) المدارك 7: 68.
(6) المفاتيح 1: 300.
83

القضاء بالاهمال مع استكمال الشرائط (1).
لاطلاقات وجوب القضاء، بل عموم صحيحة ضريس المتقدمة (2)،
الحاصل بترك الاستفصال فيمن مات قبل دخول الحرم.
وكذا صحيحة العجلي: عن رجل خرج حاجا ومعه جمل له ونفقة
وزاد فمات في الطريق، فقال: (إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزاء
[عنه] حجة الاسلام، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله
وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام) الحديث (3).
وكون القضاء تابعا للأداء ممنوع.
لا يقال: لو بني الأمر على الاطلاق لزم وجوب القضاء ولو لم يكن
ماله بقدر يستطيع بنفسه أو لم يتمكن من المسافرة، أي لم يتوجه إليه
الخطاب الظاهري.
لأنا نجيب عنه: بخروج ذلك بالاجماع، وبمفهوم مثل صحيحة
الحلبي: (فإن كان موسرا وحال بينه وبين الحج مرض أو حصر أو أمر
يعذره الله فيه، فإن عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له) (4).
المسألة الثامنة: لو مات المستطيع في طريق الحج، فإن كان قبل
الاحرام ودخول الحرم وجب القضاء عنه بشرط استقرار الحج في ذمته

(1) انظر الشرائع 1: 229.
(2) في ص: 75.
(3) الكافي 4: 276 / 11، التهذيب 5: 407 / 1416، الوسائل 11: 68 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 26 ح 2، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: منه، وما
أثبتناه موافق للمصادر.
(4) الكافي 4: 273 / 5، التهذيب 5: 403 / 1405، الوسائل 11: 63 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 24 ح 2.
84

سابقا على المشهور، ومطلقا على الأقرب المنصور كما مر.
وإن كان بعدهما برئت ذمته ولم يجب القضاء عنه مطلقا بلا خلاف
يعرف، وفي المدارك: أنه مذهب الأصحاب (1)، وفي المفاتيح وشرحه
وعن المسالك، المنتهى والتنقيح (2) وغيرها (3): الاجماع عليه.
لصحيحتي ضريس والعجلي المتقدمتين في المسألة السابقة،
وإطلاقهما - كإطلاق كلام الأصحاب - يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن
يقع التلبس بإحرام الحج أو العمرة، ولا بين أن يموت في الحل أو الحرم
محرما أو محلا كما لو مات بين الاحرامين، وبهذا التعميم قطع
المتأخرون (4)، وهو كذلك.
وإن كان بعد الاحرام وقبل دخول الحرم لم تبرأ ذمته، وكان كما قبل
الاحرام على الأظهر الأشهر، للأصل، ومنطوق الصحيح الأول، ومفهوم
صدر الثاني.
خلافا للمحكي عن الخلاف والسرائر، فاكتفيا بالموت بعد
الاحرام (5)، لمنطوق ذيل الصحيح الثاني.
وفيه: أنه معارض بمفهوم الصدر مع منطوق الأول، ولولا ترجيح
الأخيرين لوجب التمسك بالأصل الموافق للقول الأول أيضا، مع احتمال أن
يكون معنى قوله: (قبل أن يحرم) قبل أن يدخل الحرم، فقد جاء بمعناه.

(1) المدارك 7: 64.
(2) المفاتيح 1: 300، المسالك 1: 95، المنتهى 1: 863، التنقيح 1: 426.
(3) كالرياض 1: 346.
(4) كالشهيد في الدروس: 86، والشهيد الثاني في المسالك 1: 91، وصاحب
المدارك 7: 65.
(5) الخلاف 2: 390، السرائر 1: 628.
85

وربما يعضده السياق أيضا، بل قيل يعضده ما في الخلاف من أن
الحكم منصوص للأصحاب لا يختلفون فيه (1)، فلولا أن المراد من الاحرام
في كلامه ما ذكرنا لكان بعيدا، فإن الخلاف مشهور لو أريد منه غيره.
ولا يخفى أن كلام الخلاف والسرائر وارد في النائب دون الحاج
لنفسه، ونقل في السرائر من هذا القول في النائب عن المبسوط أيضا (2)،
واستدل له بعموم الأخبار. والنائب هو الذي يستفاد منه هذا الحكم من
بعض الأخبار كما يأتي، فلا يبعد أن يكون كلامهما في خصوص النائب
دون الحاج لنفسه، والاجماع المركب بعد غير معلوم لي. وحينئذ فلا
معاضدة في كلام الخلاف لما ذكر، إذ لا تعلم شهرة الخلاف في النائب قبل
الشيخ.
المسألة التاسعة: الكافر يجب عليه الحج عندنا ولا يصح منه
إجماعا، ولو مات كذلك أثم بالاخلال ولا يجب قضاؤه عنه، ولو أسلم
وجب عليه الاتيان بالحج إن بقيت الاستطاعة إجماعا، وإلا فعلى الأظهر
- للاستصحاب، وفاقا للذخيرة والمدارك (3) وعن التذكرة (4) - عدم الوجوب.
ولو حج المسلم ثم ارتد ثم عاد لم تجب عليه إعادة الحج، للاتيان
بالمأمور به المقتضي للاجزاء، ولرواية زرارة (5).
خلافا للمبسوط (6)، لقاعدة موهونة، مع عدم استلزام القاعدة لها على

(1) انظر الخلاف 2: 390، الرياض 1: 346.
(2) السرائر 1: 628، وهو في المبسوط 1: 323.
(3) الذخيرة: 563، المدارك 7: 69.
(4) التذكرة 1: 308.
(5) التهذيب 5: 459 / 1597، الوسائل 1: 125 أبواب مقدمة العبادات ب 30 ح 1.
(6) المبسوط 1: 305.
86

فرض الصحة.
المسألة العاشرة: المخالف لنا إذا حج ولم يخل بركن من أركانه لم
يجب عليه الإعادة لو استبصر على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر،
للصحاح المستفيضة (1).
خلافا للمحكي عن الإسكافي والقاضي (2)، فتجب الإعادة، لروايتين
محمولتين على الاستحباب جمعا (3)، ويشهد له ما في بعض تلك الصحاح
من قوله: (ولو حج أحب إلي).
وإن أخل بالركن تجب الإعادة بلا خلاف، لعدم إتيانه بالحج المسقط
للإعادة في الأخبار.
وهل الركن الموجب إخلاله للإعادة هو الركن عندنا، كما عن المعتبر
والمنتهى والتحرير والدروس (4)؟ أو عنده، كما هو ظاهر المسالك
والروضة والمدارك (5) وجماعة ممن تأخر عنهما (6)؟
النصوص مطلقة بالنسبة إلى الاخلال، إلا أن ظواهرها:
الحج الصحيح عنده لا عندنا، فإذا حج فاسدا عنده لم يدخل في
موردها، وإذا كان صحيحا عنده كان داخلا في مورد النصوص النافية

(1) الوسائل 11: 61 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 23.
(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 258، القاضي في المهذب 1: 268.
(3) الأولى في: التهذيب 5: 9 / 23، الإستبصار 2: 145 / 472، الوسائل 11: 61
أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 23 ح 1.
الثانية في: الكافي 4: 275 / 4، التهذيب 5: 10 / 25، الإستبصار 2:
146 / 475، الوسائل 11: 61 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 23 ح 2.
(4) المعتبر 2: 765، المنتهى 2: 860، التحرير 1: 125، الدروس 1: 315.
(5) المسالك 1: 91، الروضة 2: 177، المدارك 7: 74.
(6) كالحدائق 14: 162، والذخيرة: 564، والرياض 1: 244.
87

للإعادة قطعا.
فالقول الثاني أقوى، كما أن عليه مدار هؤلاء الفضلاء في الصلاة
ونحوها، والفرق غير واضح.
وما ذكره بعض الأجلة من أنه إذا أخل بركن عندنا لم يأت حينئذ
بالحج مع بقاء وقته، بخلاف الصلاة فإنه خرج وقتها والقضاء بأمر جديد (1).
غير جيد، لأن الصلاة الفاسدة يجب قضاؤها خارج الوقت،
بالعمومات، مع أنهم لا يقولون به إذا كانت صحيحة عنده، فالسقوط فيها
ليس إلا لنحو الصحاح المتقدمة الجارية هنا بعينها.
ثم إنه لا فرق بين من حكم بكفره من المخالفين - كالناصبي وغيره -
لاطلاق الصحاح (2)، بل صريح بعضه، لتضمنه له.
المسألة الحادية عشرة: لا تتوقف استطاعة المرأة على المحرم، بلا
خلاف يعرف كما في الذخيرة (3)، بل بالاجماع كما عن المنتهى (4)
وغيره (5)، للأصل، والعمومات، وخصوص المستفيضة:
كصحيحة ابن عمار: عن المرأة تخرج بغير ولي، قال: (لا بأس) (6).
والأخرى نحوها، وفيها: (تحج) بدل: (تخرج) (7).

(1) كما في كشف اللثام 1: 295.
(2) الوسائل 11: 61 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 23.
(3) الذخيرة: 564.
(4) المنتهى 2: 658.
(5) كالغنية (الجوامع الفقهية): 582.
(6) الكافي 4: 282 / 2 وفيه: تخرج مع غير ولي، الوسائل 11: 154 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 58 ح 4.
(7) التهذيب 5: 401 / 1396، الوسائل 11: 154 أبواب وجوب الحج وشرائطه
ب 58 ح 4.
88

وكذا الثالثة، وفيها: تخرج إلى مكة بغير ولي، قال: (لا بأس تخرج
مع قوم ثقات) (1).
وصحيحة سليمان: في المرأة تريد الحج ليس لها محرم، هل يصلح
لها الحج؟ قال: (نعم إذا كانت مأمونة) (2).
وموثقة البجلي: عن المرأة تحج بغير محرم، فقال (إذا كانت مأمونة
ولم تقدر على محرم فلا بأس بذلك) (3).
وصحيحة صفوان: تأتيني المرأة المسلمة قد عرفتني بعمل، أعرفها
بإسلامها ليس لها محرم، قال: (فاحملها، فإن المؤمن محرم للمؤمن) (4).
وقوية أبي بصير: عن المرأة تحج بغير وليها؟ قال: (نعم، إن كانت
امرأة مأمونة تحج مع أخيها المسلم) (5).
والظاهر أن المراد بقوله في بعض تلك الأخبار: (إذا كانت مأمونة)
أي كانت غير خائفة على عرضها وآمنة عليه، لا أن تكون هي بنفسها، محل
الاطمئنان غير متهمة، لأن التكليف تكليفها فعليها حفظ نفسها، ولا يعلق

(1) الكافي 4: 282 / 5 وفيه: عن المرأة الحرة تحج...، الفقيه 2: 268 / 1308،
الوسائل 11: 153 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 58 ح 3.
(2) الكافي 4: 282 / 4 وفيه: ليس معها...، الفقيه 2: 268 / 1309، الوسائل
11: 153 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 58 ح 2.
(3) التهذيب 5: 401 / 1394، الوسائل 11: 154 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب
58 ح 6.
(4) التهذيب 5: 401 / 1395، وفي الفقيه 2: 268 / 1310، والوسائل 11: 153
أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 58 ح 1: قد عرفتني بعملي وتأتيني أعرفها
بإسلامها وحبها إياكم، وولايتها لكم، ليس لها محرم، قال: (إذا جاءت المرأة
المسلمة فاحملها، فإن المؤمن محرم المؤمنة).
(5) التهذيب 5: 400 / 1393، الوسائل 11: 154 أبواب وجوب الحج وشرائطه
ب 58 ح 5.
89

تكليف مطلق بتكليف مطلق آخر.
ويحتمل أن يكون الحكم لأوليائها، أي إذا كانت مأمونة يجوز لهم
تركها بغير محرم.
ثم بعض هذه الأخبار وإن كانت مطلقة إلا أن مقتضى بعض آخر أنه
مقيد بصورة الأمن على العرض وظن سلامته، كما قيده جماعة من
الأصحاب (1)، ويدل عليه أيضا استلزام التكليف بالحج مع عدمهما العسر
والحرج المنفيين عليها أو على أوليائها.
وأما ما يدل عليه مفهوم الموثقة - بأن عدم اشتراط المحرم إنما هو مع
عدم القدرة وإلا فيشترط - فمحمول على الاستحباب والأولوية، لعدم توقفه
على عدم القدرة إجماعا.
ثم لو لم يحصل ظن السلامة إلا بالمحرم اعتبر وجوده، ويتوقف
وجوب الحج عليها على سفره معها.
وكذا لو كانت ممن يشق عليها مخاطبة الأجانب وإركابهم إياها، مع
عدم اقتدارها على الركوب بنفسها، على احتمال قوي ذكره بعض
الأصحاب (2).
ومن ذلك يعلم عدم استطاعة أكثر النسوان الشابة، سيما من الأشراف
والمخدرات من البلاد البعيدة مع تلك القوافل، التي فيها أصناف الناس
بدون محرم، أو قريب ثقة، أو مؤمن متدين ثقة، يتحمل ما لها وعليها.
ثم في صورة التوقف على المحرم لا تجب عليه إجابته لها تبرعا ولا

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 169، صاحب المدارك 7: 90، صاحب
الحدائق 14: 143.
(2) المدارك 7: 90.
90

بأجرة، ولو احتاج إلى الأجرة وجبت، لتوقف الواجب عليها، ويكون
حينئذ جزا من استطاعتها.
المسألة الثانية عشرة: لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج
الواجب، بلا خلاف يوجد، للأصل، والعمومات، والمستفيضة:
كصحيحة زرارة وموثقته عن امرأة لها زوج وهي صرورة ولا يأذن لها
في الحج، قال: (تحج وإن لم يأذن لها) (1).
وفي رواية البجلي: (تحج وإن رغم أنفه) (2).
وصحيحة محمد: عن امرأة لم تحج ولها زوج وأبى أن يأذن لها في
الحج فغاب زوجها، فهل لها أن تحج؟ قال: (لا طاعة له عليها في حجة
الاسلام) (3).
وقريبة منها صحيحة ابن وهب (4) ورواية ابن أبي حمزة (5)، وزاد
فيهما: وقد نهاها أن تحج.
هذا في الحج الواجب.
وأما المندوب، فلا يجوز لها إلا بإذن زوجها، بلا خلاف يعرف كما

(1) الكافي 4: 282 / 3، الفقيه 2: 268 / 1305، الوسائل 11: 156 أبواب وجوب
الحج وشرائطه ب 59 ح 4.
(2) الفقيه 2: 268 / 1306، الوسائل 11: 157 أبواب وجوب الحج وشرائطه
ب 59 ح 5.
(3) التهذيب 5: 400 / 1391، الإستبصار 2: 318 / 1126، الوسائل 11: 155
أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 59 ح 1.
(4) التهذيب 5: 474 / 1671، الوسائل 11: 156 أبواب وجوب الحج وشرائطه
ب 59 ح 3.
(5) الكافي 4: 282 / 1، الوسائل 11: 156 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 59
ح 3.
91

في الذخيرة (1)، ولا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم كما عن المنتهى (2)، بل
الاجماع كما في المدارك (3)، بل لعله إجماع محقق، فهو الدليل عليه..
المؤيد بموثقة إسحاق: عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الاسلام
فتقول لزوجها: أحجني مرة أخرى، أله أن يمنعها؟ قال: (نعم) (4)، وجعلها
مؤيدة لعدم دلالتها إلا على جواز منعه لا على التوقف على الإذن.
وكذا يؤيده فحوى ما دل على عدم حج المعتدة حج التطوع أو الحج
مطلقا (5)، المخرج عنه حجة الاسلام والمأذون فيه إجماعا ونصا، فيبقى الباقي.
المسألة الثالثة عشرة: حكم المعتدة الرجعية حكم ذات البعل، لما
ذكر، ويجوز للبائنة والمتوفى عنها زوجها، فيحجان المندوبة مطلقا، وتدل
عليه النصوص المستفيضة (6).
المسألة الرابعة عشرة: اختلفت الأخبار في أفضلية الحج مطلقا،
راكبا أو ماشيا (7)، والذي يستفاد من المجموع ويجمع به بينها بشهادة
بعضها لبعض: أفضلية المشي إذا لم يضعفه من العبادة وعن التقدم إلى مكة
للعبادة، أو كان قد ساق معه ما إذا أعياه ركبه، أو كان لمشقة العبادة دون
توفير المال.. وأفضلية الركوب فيما عداها.

(1) الذخيرة: 564.
(2) المنتهى 2: 659.
(3) المدارك 7: 91.
(4) الفقيه 2: 268 / 1307، التهذيب 5: 400 / 1392، الوسائل 11: 156 أبواب
وجوب الحج ب 59 ح 2.
(5) الوسائل 11: 158 أبواب وجوب الحج ب 61.
(6) الوسائل 11: 159 أبواب وجوب الحج ب 61.
(7) الوسائل 11: 81 أبواب وجوب الحج ب 33.
92

المطلب الثاني
في الحج الواجب بالعارض
وله أنواع ثلاثة: الواجب بالنذر وأخويه، والواجب بالنيابة،
والواجب بالفساد، ولما كان الأخير يذكر في طي مسائل الحج وموارد فساده
يكتفى هنا بذكر الأولين، فها هنا فصلان:) (1).
الفصل الأول
في الواجب بالنذر وأخويه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا شك في انعقاد نذر الحج وعهده ويمينه، وانعقد
عليه الاجماع، ودلت عليه النصوص (2) بالعموم والخصوص بشرائطها
المذكورة في كتاب النذر، ومنها: البلوغ، والعقل، والحرية، وإذن الزوج،
والوالدين على قول، كما يأتي.
المسألة الثانية: لو نذر الحج ولم يتمكن من أدائه ومات، فلا قضاء
عنه، للأصل السالم عن المعارض.
ولو تمكن منه ومات قبل أدائه، فذهب أكثر الأصحاب - كما في

(1) بدل ما بين القوسين في (س): تذكر في فصول.
(2) الوسائل 23: 307 أبواب النذر والعهد ب 8، و ص: 315 ب 15، و ص: 316
ب 16.
93

المدارك (1)، وأكثر المتأخرين كما في غيره (2)، ومنهم: الحلي والشرائع
والارشاد (3) - إلى وجوب قضائه عنه من أصل التركة، لأنه دين كحجة
الاسلام.
وفيه منع ظاهر، فإن الحج ليس واجبا ماليا، بل هو بدني وإن توقف
على المال مع الحاجة إليه كما تتوقف الصلاة عليه كذلك، وإنما وجب
قضاء حجة الاسلام بالاجماع والنصوص، وإلحاق النذر به قياس باطل،
ووجوب الأداء لا يستلزم وجوب القضاء، لأنه بأمر جديد كما في حج
الاسلام، وبدونه يكون منفيا بالأصل.
وعن الإسكافي والصدوق والنهاية والتهذيب والمبسوط والمعتبر
والنافع والجامع: وجوب قضائه من الثلث (4)، لصحيحتي ضريس (5) وابن
أبي يعفور (6) الواردتين فيمن نذر أن يحج رجلا كما في الأولى، أو ابنه كما
في الثانية، ومات قبل الوفاء، المصرحتين بالاخراج من الثلث.
وفيه: أن موردهما غير محل النزاع، بل ظاهر إحجاج الغير صرف
المال فيه، فهو نذر مالي ودين محض، وهو غير الحج الذي كلامنا فيه.
والقول: بأن الاستدلال إنما هو بفحواهما، حيث إن الاحجاج الذي

(1) المدارك 7: 96.
(2) انظر الحدائق 14: 236.
(3) الحلي في السرائر 1: 120، الشرائع 1: 230، الإرشاد 1: 312.
(4) نقله عن الإسكافي في المختلف: 321، الصدوق في الفقيه 2: 263، النهاية:
284، التهذيب 5: 406، المبسوط 1: 306، المعتبر 2: 774، النافع 1: 78،
الجامع: 176.
(5) الفقيه 2: 263 / 1280، التهذيب 5: 406 / 1413، الوسائل 11: 74 أبواب
وجوب الحج ب 29 ح 1.
(6) التهذيب 5: 406 / 1414، الوسائل 11: 75 أبواب وجوب الحج ب 29 ح 3.
94

ليس إلا بذل المال قطعا إذا لم يجب إلا من الثلث فحج نفسه أولى.
مردود بمنع الحكم في الأصل أولا، إذ - كما قيل (1) - لم يفت به فيه
أحد، بل أخرجوه من الأصل، لما دل على وجوب الحق المالي من
الأصل، ونزلوا الصحيحتين تارة على وقوع النذر في مرض الموت،
وأخرى على وقوعه التزاما بغير صيغة، وثالثة على ما إذا قصد الناذر تنفيذ
الحج المنذور بنفسه فلم يتفق بالموت.. فلا يتعلق بماله حج واجب بالنذر،
ويكون الأمر بإخراج الحج المنذور واردا على الاستحباب للوارث وكونه من
الثلث رعاية لجانبه.
وثانيا: بمنع الأولوية، لعدم معلومية العلة.
ومما ذكر ظهر ضعف دليل القولين وعدم وجود على أصل القضاء،
فكيف بالقضاء من الأصل؟! ولذا استشكل في أصله في المدارك
والذخيرة (2)، وبعض آخر (3)، وهو في موقعه جدا، إلا أن لمظنة الاجماع
يكون الأحوط القضاء، ولأصالة الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع
اليقين يحتاط به بإخراجه من الثلث.
المسألة الثالثة: لو نذر الحج وهو معضوب (4)، فإن كان مقيدا بوقت
معين واستمر المانع إلى ذلك الوقت بطل النذر. وإن كان مطلقا توقع
المكنة، ومع اليأس يبطل.
ولا تجب الاستنابة في الصورتين إلا أن لاحظ في نذره الاستنابة،

(1) انظر الرياض 1: 349.
(2) المدارك 7: 154، الذخيرة: 565.
(3) كصاحب الرياض 1: 350.
(4) المعضوب: الزمن الذي لا حراك به - القاموس المحيط 1: 109.
95

فتجب قطعا.
ولو حصل العضب بعد النذر والتمكن من الفعل، فقد قطع جمع
بوجوب الاستنابة (1)، وطالبهم في المدارك بالدليل (2)، وهي مطالبة حقة،
وإذ ليس فينفي بالأصل.
المسألة الرابعة: إذا نذر الحج فإما أن ينوي حجة الاسلام، أو
غيرها، أو يطلق فلا ينوي شيئا منهما.
فعلى الأول: ينعقد نذره على الأصح، فتجب الكفارة بالترك أو
تأخيره عن الوقت المعين مع الاستطاعة فيه، ولا يجب عليه غيرها حينئذ
اتفاقا ولا تحصيل الاستطاعة، لأن المنذور ليس أمرا زائدا عن حج الاسلام،
إلا أن ينذر تحصيلها فيجب، ولو قيد النذر بوقت معين ولم تحصل له
الاستطاعة إلى انقضائه بطل النذر.
وعلى الثاني: لم يتداخلا قطعا ويجبان معا، اتفاقا كما عن التحرير
والمختلف والمسالك (3) وغيرها (4)، إن كان حال النذر مستطيعا وكانت حجة
النذر مطلقة أو مقيدة بزمان متأخر عن سنة الاستطاعة، ويجب عليه حينئذ
تقديم حجة الاسلام، لفوريتها وسعة مقابلها.
وإن كانت مقيدة بسنة الاستطاعة بطل النذر إن قصدها مع بقاء
الاستطاعة، وإن قصدها مع زوالها صح ووجب الوفاء عند زوالها.
وإن خلا عن القصدين فوجهان.

(1) منهم العلامة في التذكرة 1: 309، والشهيد الثاني في المسالك 1: 93.
(2) المدارك 7: 98.
(3) التحرير 1: 128، المختلف: 322، المسالك 1: 93.
(4) كالرياض 1: 343.
96

وإن لم يكن حال النذر مستطيعا وجبت المنذورة خاصة بشرط القدرة
دون الاستطاعة الشرعية، فإنها شرط في حجة الاسلام خاصة.
خلافا للمحكي عن الدروس فيشترط أيضا (1). ولا وجه له.
وإن حصلت الاستطاعة الشرعية قبل الاتيان بالمنذورة، فإن كانت
مطلقة أو مقيدة بزمان متأخر عن سنة الاستطاعة خصوصا أو عموما وجب
تقديم حجة الاسلام، لما مر، وفاقا لجماعة (2).
وخلافا للمحكي عن الدروس، فقدم المنذورة (3)، ولا أعرف
وجهه.
وإن كانت مقيدة بسنة الاستطاعة، ففي تقديم المنذورة أو الفريضة
وجهان، أجودهما: الأول، وفاقا للمختلف والمسالك والمدارك (4)
وغيرها (5)، لعدم تحقق الاستطاعة، لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي،
وعلى هذا فيعتبر في وجوب حج الاسلام بقاء الاستطاعة إلى السنة الثانية.
وعلى الثالث: ففي التداخل مطلقا، فتجزئ نية كل منهما عن الآخر،
كما في الذخيرة (6)، ومال إليه في المدارك (7)، وعن الشيخ (8)..
أو عدمه كذلك، كما عن الخلاف والسرائر والناصريات والغنية

(1) الدروس 1: 318.
(2) كصاحب المسالك 1: 93، والحدائق 14: 222، والرياض 1: 343.
(3) الدروس 1: 318.
(4) المختلف: 322، المسالك 1: 93، المدارك 7: 100.
(5) كالحدائق 14: 222، والرياض 1: 343.
(6) الذخيرة: 566.
(7) المدارك 7: 101.
(8) التهذيب 5: 406.
97

والفاضلين والشهيدين (1)، وغيرهم (2)، بل الأكثر كما قيل (3)، بل الاجماع
كما في الناصريات..
أو تداخل حجة الاسلام في قصد النذر دون العكس، كما عن النهاية
والتهذيب والاقتصاد (4)، وجمع آخر (5)..
أقوال، الحق هو: الأول، لأصالة التداخل - كما بينا في موضعه -
وصدق الامتثال، مضافا في صورة قصد المنذور إلى صحيحتي محمد (6)
ورفاعة (7).
احتج الثاني بحكاية الاجماع.
وبأصالة عدم التداخل.
وبما في الخلاف من قوله بعد - نسبته ما ذكره في النهاية إلى بعض
الروايات (8) -: وفي بعض الأخبار أنه لا يجزئ عنه (9). وهو وإن كان ضعيفا
إلا أنه منجبر بما ذكر.

(1) الخلاف 2: 256، السرائر 1: 518، المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية):
209، الغنية (الجوامع الفقهية): 583، والمحقق في الشرائع 1: 231، والعلامة
في المنتهى 2: 875، والشهيد الأول في اللمعة الدمشقية (الروضة البهية 2):
178، والشهيد الثاني في المسالك 1: 93.
(2) كالعلامة في القواعد 1: 77، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 296،
وصاحب الرياض 1: 343.
(3) كما في المدارك 7: 100، والذخيرة: 566، والرياض 1: 343.
(4) النهاية: 205، التهذيب 5: 406، الإقتصاد: 298.
(5) حكاه عن جماعة في المسالك 1: 93، الرياض 1: 343.
(6) التهذيب 5: 459 / 1595، الوسائل 11: 70 أبواب وجوب الحج ب 27 ح 1.
(7) التهذيب 5: 406 / 1415، الوسائل 11: 70 أبواب وجوب الحج ب 27 ح 3.
(8) النهاية: 205.
(9) الخلاف 2: 256.
98

والأول: ليس بحجة.
والثاني: ممنوع، مع أن الأصل في أحد شقي المسألة مدفوع
بالصحيحين.
والثالث: بعدم معلومية مرجع الضمير المجرور عندنا.
دليل الثالث في الجزء الأول: الصحيحان، وفي الثاني: أصالة عدم
التداخل.
والأول مقبول، والثاني - كما مر - ممنوع.
المسألة الخامسة: لو نذر الحج ماشيا، فإن كان عاجزا عنه حين
النذر ومأيوسا عن حصول القوة أو قيده بوقت معين علم العجز (1) فيه، بطل
النذر (2)، لانتفاء التكليف بما يعجز عنه، سواء في ذلك العجز مطلقا أو
العجز في جميع الحالات وإن تمكن في بعضها.
وما ورد في بعض النصوص من أنه إذا عجز يركب فإنما هو في
العجز المتجدد، ولا تلزم من صحة النذر مع القوة وتجدد العجز صحته مع
العلم بالعجز أيضا، ولا يجب الحج مطلقا حينئذ، وإن اقتضاه ما ذكره
بعضهم (3) من أن العجز إنما حصل عن الصفة لا عن أصل الحج، والنذر
إنما يتعلق بأمرين، ولا يلزم من سقوط أحدهما للعجز سقوط الآخر، لمنع
كون النذر متعلقا بأمرين، بل المنذور أمر واحد، وهو الحج على الصفة
المخصوصة لا الحج مع الصفة، فلا يمكن الاتيان بالمنذور عند العجز.
وإن كان متمكنا عنه انعقد ووجب على المعروف من مذهب

(1) في (س) زيادة: عنه.
(2) في (س) زيادة: فيه.
(3) كالعلامة في المختلف: 323، والفاضل المقداد في التنقيح 1: 422.
99

الأصحاب، وعن المعتبر: اتفاق العلماء عليه (1)، وعمومات النذر
وخصوص نصوص نذر الحج من الصحاح وغيرها (2) عليه دالة.
وأما صحيحة الحذاء (3) - الواردة في حكاية أخت عقبة بن عامر - فلا
تنافي ذلك، لأن مقتضاها عدم انعقاد نذر الحج ماشيا مع الحفاء، وهو لا
يخالف المدعى، وجعله بعيدا عن السياق لا وجه له، إذ ليس فيها ما
يوجب بعده سوى الأمر بالاركاب دون لبس النعل، ولعله لبطلان أصل النذر
لأجل الحفاء، فلا يبقى المشي واجبا.
وكونه مخالفا لأدلة انعقاد نذره حافيا عموما وخصوصا لا يوجب
صرفها إلى إبطال نذره ماشيا، لأنه أيضا مخالف لأدلة انعقاد النذر ماشيا، مع
أن وجود خصوص في ذلك ممنوع.
وما ذكر من المروي عن نوادر ابن عيسى: عن رجل نذر أن يمشي (4)
حافيا إلى بيت الله تعالى، قال: (فليمش) (5) لا يثبته، لأنه أوجب المشي
دون الحفاء. هذا، مع أنه حكاية حال، فلعل النبي صلى الله عليه وآله علم منها العجز،
أو كشف ما يجب ستره من المرأة.
والقول: بأن إيراد ذلك في الرواية على سبيل الجواب يقتضي عدم
اختصاص الحكم بتلك المرأة.

(1) المعتبر 2: 763.
(2) الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحج ب 34.
(3) التهذيب 5: 13 / 37، الإستبصار 2: 150 / 491، الوسائل 11: 86 أبواب
وجوب الحج ب 34 ح 4.
(4) في (س)، (ق): يجي.
(5) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 47 / 81، الوسائل 11: 88 أبواب وجوب
الحج ب 34 ح 10.
100

مردود بأنه لعل كان مقتضى المقام الاجمال في الجواب، ومع احتمال
ذلك لا يثبت التعميم في حكاية الحال الخالية عن الاطلاق والعموم.
وعن الفاضل في بعض كتبه (1) وولده في الإيضاح (2): توقف انعقاد
النذر على القول بكون المشي أفضل من الركوب، وإلا فلا ينعقد، لاشتراط
رجحان المنذور.
وفيه: - مع مخالفته للاطلاقات - أنه لا يعتبر في المنذور كونه أرجح
من جميع ما عداه، بل المعتبر رجحانه في نفسه، ولا ريب في ثبوته وإن
كان مرجوحا بالإضافة إلى غيره.
فروع:
أ: اختلف الأصحاب في مبدأ المشي ومنتهاه:
أما الأول، فقيل: إنه بلد الناذر (3).
وقيل: وقت الشروع في أفعال الحج (4).
والأصح فيه: الرجوع إلى قصد الناذر إن تعين، وإلا فإلى عرفه حين
النذر إن كان معلوما مضبوطا، وهو في أمثال بلادنا بلد الناذر أو النذر.
ومع اضطراب عرفه بالنسبة إليهما يكتفي بالأقرب منهما إلى
الميقات، للأصل، وإلا فإلى مقتضى اللفظ لغة، وهو في لفظة سأحج
ماشيا ش ش [أول الأفعال] (5) الذي هو الاحرام.

(1) كالقواعد 2: 142.
(2) الإيضاح 4: 66.
(3) كما في القواعد 2: 142، الدروس 1: 319، الحدائق 14: 225.
(4) كما في المدارك 7: 103.
(5) في (س)، (ق): أوان الأفعال، وفي (ح): أول أفعال، والأولى ما أثبتناه.
101

وأما الثاني، فقيل: رمي الجمار (1).
وقيل: طواف النساء (2).
وروي في قرب الإسناد للحميري: أنه إذا أفاض من عرفات (3).
والمعول فيه أيضا: قصد الناذر مع اليقين، وإلا فعرفه مع معلوميته،
وإلا فمقتضى اللغة، وهو فيما ذكر آخر أفعال الحج الواجبة، وهو رمي
الجمار، كما استفاضت به الروايات أيضا، كصحيحتي جميل (4) وابن
همام (5)، ورواية ابن أبي حمزة (6). والأولى القطع بطواف النساء، وأما رواية
الحميري فشاذة، أو على بعض المحامل محمولة.
ب: من نذر الحج ماشيا - بحيث يجب عليه المشي في الطريق
أيضا - لا تجوز له المسافرة من طريق البحر، لعدم صدق المشي على العابر
بالسفن، ولو لم يكن طريق غيره يحتمل سقوط النذر.
وأما ما في رواية السكوني: (فليقم في المعبر قائما حتى يجوز) (7)
فهي واردة في مثل: الفرات والدجلة من الشطوط، والأنهار العظيمة التي
تحتاج إلى المعبر، دون البحر والسفينة، لأن المتبادر من المعبر: الأول.
وأما في أمثال تلك المعابر، فلو قطع النظر عن الرواية يجوز بالمعبر

(1) كما في المدارك 7: 103.
(2) كما في التحرير 2: 107، والدروس 1: 319.
(3) قرب الإسناد: 161 / 588، الوسائل 11: 90 أبواب وجوب الحج ب 35 ح 6.
(4) التهذيب 5: 478 / 1692، الوسائل 11: 90 أبواب وجوب الحج ب 35 ح 2.
(5) الكافي 4: 457 / 7، الوسائل 11: 90 أبواب وجوب الحج ب 35 ح 3.
(6) الكافي 4: 456 / 6، الوسائل 11: 90 أبواب وجوب الحج ب 35 ح 4.
(7) الكافي 7: 455 / 6، الفقيه 3: 235 / 1113، التهذيب 5: 478 / 1693،
الإستبصار 4: 50 / 171، الوسائل 11: 92 أبواب وجوب الحج ب 37 ح 1.
102

مطلقا قائما أو جالسا، لأن هذا القدر لا يضر عرفا في صدق المشي إلى
مكة، ولكن لدلالة الرواية على وجوب القيام فيه يحكم به، ولا يضر
ضعفها.
ج: لو ركب ناذر المشي بعض الطريق وحج لم يكن آتيا بالمنذور،
فيعيده ماشيا إن كان النذر مطلقا.
والقول - بأنه يعيده ماشيا في موضع الركوب خاصة - ضعيف جدا.
وكذا القول بالأول إن كان الركوب بعد التلبس بالحج، والثاني إن كان
قبله كما في المدارك (1).
وإن كان مقيدا بسنة معينة فيكفر لخلف النذر، ويقضي الحج إن قلنا
بوجوب قضاء المنذور من العبادات إذا ترك، ويأتي بيانه في بابه.
وأما قضاء الحج لفساده الموجب للقضاء فإنما يصح إذا ركب في
أفعال الحج، لكون الأمر بالحج ماشيا نهيا عن ضده الموجب لفساده، وأما
إذا ركب قبلها فلا وجه لفساد نفس الحج، إلا إذا قصد به المنذور، فتأمل.
د: لو عجز الناذر للحج ماشيا عن المشي كلا أو بعضا مع المكنة أولا
أو توقعها، ففيه أقوال:
الأول: توقع المكنة مع الاطلاق وعدم اليأس منها، والسقوط مع
التقييد بزمان معين وحصول العجز فيه أو اليأس مع الاطلاق، اختاره الحلي
والفاضل في الإرشاد (2) والمحقق الثاني في حاشية الشرائع، لوجوب
تحصيل الواجب بقدر الامكان في الأول، والعجز المستتبع للسقوط في

(1) المدارك 7: 105.
(2) الحلي في السرائر: 357، الإرشاد 1: 312.
103

الثاني.
والثاني: الركوب وسياق البدنة مطلقا، ذهب إليه الشيخ (1) وجماعة
من الأصحاب (2)، لصحيحتي الحلبي (3) والمحاربي (4).
والثالث: الركوب بلا وجوب السياق، وهو المحكي عن المفيد
والإسكافي والمحقق (5)، لصحيحة رفاعة: رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله،
قال: (فليمش)، قلت: فإنه تعب، قال: (إذا تعب ركب) (6)، فإن السكوت
عن سياق الهدي في مقام البيان يقتضي عدم وجوبه.
ورواية عنبسة: نذرت في ابن لي إن عافاه الله أن أحج ماشيا،
فمشيت حتى بلغت العقبة، فاشتكيت فركبت، ثم وجدت راحة فمشيت،
فسألت أبا عبد الله عليه السلام، فقال: (إني أحب إن كنت موسرا أن تذبح بقرة)،
فقلت: معي نفقة ولو شئت أن أذبح لفعلت وعلي دين، فقال: (إني أحب
إن كنت موسرا أن تذبح بقرة)، فقلت: شئ واجب أفعله؟ فقال: (لا، من
جعل لله شيئا واجبا فبلغ جهده فليس عليه شئ) (7).

(1) النهاية: 205.
(2) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 156، والشهيد في اللمعة (الروضة 2): 183.
(3) التهذيب 5: 13 / 36، الإستبصار 2: 149 / 489، الوسائل 11: 86 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 34 ح 3.
(4) التهذيب 5: 403 / 1403، الإستبصار 2: 149 / 490، الوسائل 11: 86
أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 34 ح 2.
(5) المفيد في المقنعة: 441، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 659، المحقق في
المعتبر 2: 331، والشرائع 1: 231.
(6) التهذيب 5: 403 / 1402، الإستبصار 2: 150 / 492، الوسائل 11: 86 أبواب
وجوب الحج وشرائطه 34 ح 1.
(7) التهذيب 8: 313 / 1163، الإستبصار 4: 49 / 170، الوسائل 23: 308 أبواب
النذر والعهد ب 8 ح 5، بتفاوت يسير.
104

والرابع: توقع المكنة مع الاطلاق والركوب مع التعيين أو اليأس،
حكي عن المختلف (1)، واختاره في التنقيح والروضة والمسالك (2).
وقد يجعل قول الأخيرين غير الأولين، باعتبار عدم تعرض الأولين
لليأس وتعرض الأخيرين. والظاهر: الاتحاد، إذ لا يكون اليأس داخلا في
توقع المكنة قطعا، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن العجز عن الصفة لا
يوجب سقوط الموصوف.
والخامس: توقع المكنة مع الاطلاق، والركوب والاتمام إن حصل
العجز بعد التلبس بالاحرام مطلقا، والسقوط إن حصل قبله، حكي عن
بعض المتأخرين (3).
أقول: لولا النصوص المذكورة لكان المصير إلى القول الأول متعينا،
بضميمة ما مر سابقا من إبطال الاستدلال بعدم إيجاب العجز عن الصفة
سقوط الموصوف، ولكن مع تلك النصوص (4) - الآمرة بالركوب عند العجز
على الاطلاق سواء كان نذرا مطلقا أو معينا إما مع سياق الهدي أو بدونه
الموافقة لعمل جمع من الأعيان - فلا محيص عن القول بمقتضاها.
مضافا بالنسبة إلى النذر المطلق [إلى] (5) أن الأمر بتوقع المكنة
بعد طريان العجز ربما يؤدي إلى العسر والحرج المنفيين، سيما وأن يكون
بعد التلبس بالاحرام، سيما مع الأمر بإكمال الحج والعمرة حينئذ.
ومخافة الخروج عن المجمع عليه في صورة الاطلاق، حيث إن

(1) المختلف: 323 و 659.
(2) التنقيح 1: 424، الروضة 2: 182، المسالك 2: 207.
(3) كصاحب المدارك 7: 108، وفيه: مع وجوب الاكمال سياق البدنة.
(4) الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 34.
(5) أضفناها لاقتضاء السياق.
105

المستفاد من كلام فخر المحققين (1) وغيره (2): أن الخلاف إنما هو في
المعين، وأما المطلق فلا خلاف فيه في وجوب توقع المكنة.
فليس في موقعها، إذ ظاهر جمع من الأصحاب - منهم: المحقق في
الشرائع والنافع (3) - تحقق الخلاف في الصورتين، فالأخذ بمقتضى
النصوص - وهو الركوب عند العجز مع أحد الأمرين من السياق وعدمه -
هو الأقوى، والأصول المقتضية للقول الأول بها تندفع.
وقد يورد على النصوص بعدم صراحتها في مفروض المسألة - وهو
نذر الحج ماشيا - بأن يكون أحدهما مشروطا بالآخر، لأن مورد صحيحتي
الحلبي ورفاعة نذر المشي إلى بيت الله، وهو لا يستلزم نذر الحج، فلعل
إيجابه إنما هو لايجابه عليه مضيقا سابقا بالاستطاعة ونحوها.. ومورد
الأخريين وإن كان المفروض، إلا أنه يحتمل أن يكون المراد نذر المشي
خاصة منضما إلى الحج الواجب مضيقا سابقا، وحينئذ فيخرجان عن المورد
أيضا إلا من جهة الاطلاق أو العموم. وفي رفع اليد عن الأصول
وتخصيصها بمجردهما إشكال، بل يمكن العكس، بصرفهما إلى نذر
المشي خاصة في سنة الوجوب مضيقا.
وفيه: - مضافا إلى ظهور إرادة نذر الحج ماشيا من نذر المشي إلى
بيت الله - أن إطلاق الخبرين الآخرين - اللذين أحدهما الصحيح (4)، والآخر
أيضا حجة على الصحيح (5) - أو عمومهما كاف في دفع الأصل.

(1) إيضاح الفوائد 1: 276.
(2) كصاحب الحدائق 14: 235.
(3) الشرائع 1: 231، النافع: 76.
(4) وهو صحيح الحذاء، المتقدم في ص: 98.
(5) المروي عن نوادر ابن عيسى، المتقدم في ص: 100.
106

سلمنا أن الأصل - لكونه مؤسسا أيضا من العموم أو الاطلاق -
يعارض ذلك، ومقتضاه الرجوع إلى أصالة عدم وجوب توقع المكنة أيضا،
وهو المطلوب.
والقول: بأن صرف النصوص إلى الأصول أولى، لكونها مقطوعا بها،
بخلاف النصوص، فإنها آحاد.
باطل، لأن الآحاد بعد حجيتها تكون قطعية، مع أن مأخذ تلك
الأصول أيضا لا يخرج عن الآحاد.
بقي الكلام في أنه هل يجب سياق الهدي، كما هو القول الثاني
ومقتضى الصحيحين الأولين (1)؟
أو يستحب، كما هو القول الثالث ومقتضى الرواية (2) المعتضدة بظاهر
الصحيحة (3)؟
ولولا الرواية لكان المصير إلى الوجوب معينا، ولكن معها لا يبقى
ظهور للصحيحين في الوجوب، لتصريحها بعدمه والاستحباب، فتكون
قرينة على إرادته منهما أيضا.
والقول بضعف الرواية مع وجودها في الأصول المعتبرة عندي
ضعيف.
فإذن الأصح هو: القول الثالث، وعليه الفتوى.

(1) المتقدمين في ص: 101 - 104.
(2) المتقدمة في ص: 104.
(3) المتقدمة في ص: 104.
107

الفصل الثاني
في الواجب بالنيابة والإجارة
وهي ثابتة في الحج في الجملة، بالاجماع، بل الضرورة، والأخبار
المتواترة (1) الواردة في أحكام النيابة والإجارة.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يشترط في النائب أمور:
منها: العقل، فلا تصح نيابة المجنون والطفل الغير المميز بالاجماع
المحقق والمحكي (2)، له، ولارتفاع تحقق القصد منهما.
ومنها: البلوغ، فلا تصح نيابة غير البالغ ولو كان مميزا على
المشهور، كما صرح به جماعة (3)، وجعله في المدارك المعروف من مذهب
الأصحاب (4).
واستدل له بالأصل، لكون كفاية حج الغير عن آخر مخالفة له قطعا،
فيقتصر فيها على موضع اليقين.
وبخروج عباداته عن الشرعية الموجبة للثواب وإنما هي تمرينية، فلا
تجزئ عمن تجب عليه أو تندب، لأن التمرينية ليست بواجبة ولا مندوبة.
وبأنه ليس بمكلف فلا تصح عبادته، لأنها موافقة المكلف به، والحج

(1) الوسائل 11: 7 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 1.
(2) حكاه في كشف اللثام 1: 296.
(3) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 296، وصاحب الذخيرة: 568.
(4) المدارك 7: 112.
108

بالنيابة أيضا عبادة.
وبأن علمه بعدم المؤاخذة بأفعاله موجب لعدم الركون إلى إخباره،
واحتمال أن يفعل بعض المناسك لا على الوجه المأمور به.
وفي الكل نظر:
أما الأول، فللزوم الخروج عن الأصل بالدليل ولو كان إطلاقا أو
عموما. وأكثر أخبار المقام وإن تضمن لفظ: (الرجل) أو: (الصرورة الذي
لا مال له) (1) المراد منه البالغ، إذ غيره لا يحتاج إلى القيد، أو الأمر بمثل:
(فليقض عنه وليه) (2) المخصوص بالمكلفين، أو مثل: (ويقضي عنه) (3)
الغير المتعرض (4) للقاضي ولو من جهة الاطلاق.. ولكن من الأخبار ما
يشمل غير المميز بالاطلاق، كرواية عامر بن عمير الصحيح عمن أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصح عنه: بلغني أنك قلت: (لو أن رجلا مات ولم
يحج حجة الاسلام فحج عنه بعض أهله أجزاء ذلك عنه) قال: (نعم) (5).
وصحيحة ابن عمار: (حج الصرورة يجزئ عنه وعمن حج عنه) (6).

(1) الكافي 4: 306 / 3، التهذيب 5: 15 / 42، الوسائل 11: 71 أبواب وجوب
الحج وشرائطه ب 28 ح 1.
(2) الكافي 4: 276 / 10، الفقيه 2: 269 / 1313، الوسائل 11: 68 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 26 ح 1.
(3) الكافي 4: 276 / 11، الفقيه 2: 269 / 1314، الوسائل 11: 68 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 26 ح 2.
(4) في (ق) و (ج): المنصوص...
(5) الكافي 4: 277 / 13، التهذيب 5: 404 / 1407، الوسائل 11: 77 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 31 ح 2.
(6) التهذيب 5: 411 / 1432، الإستبصار 2: 320 / 1136، الوسائل 11: 55
أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 21 ح 2.
109

ورواية محمد: (لا بأس أن يحج الصرورة عن الصرورة) (1).
وأما الثاني، فلمنع خروج عبادات الصبي عن الشرعية بإطلاقها، وإنما
هي خارجة عن الواجبة على نفسها.
سلمنا التمرينية، لكنها مخصوصة بأوامر الله سبحانه لا ما يستأجر
للغير، ولا نسلم ما رتبه على تمرينية عباداته من عدم إجزائه عمن تجب
عليه أو تندب، ولا يلزم من عدم وجوبها أو ندبها على نفسه عدم إجزائها
عمن تجب عليه أو تندب.
فإن قيل: إذا لم تكن واجبة ولا مندوبة فلا تكون مأمورا بها، فلا
تكون صحيحة، لأن الصحة موافقة الأمر.
قلنا: لا نسلم أن الصحة فيما يستأجر للغير موافقته للمأمور به
للأجير، بل هي الموافقة للمأمور به لمن استؤجر له.
ومن ذلك يعلم ما في الثالث أيضا.
وأما الرابع، فلعدم إيجاب العلم بعدم المؤاخذة لعدم الركون بأفعاله،
إذ قد يكون الشخص في نفسه ثقة لا يرضى بالخيانة.
سلمنا، ولكن عدم المؤاخذة عنه إنما هو في حال الصغر، ولكنه يعلم
بكونه مؤاخذا بعد البلوغ بغرامة ما يتلفه في حال الصغر عن حق الغير، وذلك
منه.
ومن ذلك يعلم ضعف جميع تلك الأدلة.
ولذا ذهب جمع من المتأخرين إلى جواز نيابة المميز، كالمحقق

(1) التهذيب 5: 411 / 1429، الإستبصار 2: 320 / 1133، الوسائل 11: 173
أبواب النيابة في الحج ب 6 ح 1.
110

الأردبيلي والمدارك والمفاتيح وشرحه (1)، ومال إليه في الذخيرة (2).
إلا أن في الفقيه عن بشير النبال: قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن
والدتي توفيت ولم تحج، قال: (يحج عنها رجل أو امرأة)، قلت: أيهم
أحب إليك؟ قال: (رجل أحب إلي) (3).
وفي المستفيضة المتقدمة - الواردة فيما لم يطق الحج ببدنه -:
(فليجهز رجلا) (4)، ولا شك أن الرجل لا يصدق على غير البالغ.
ولكن الاستدلال بالأول يتم عند من يقول بإفادة الجملة الخبرية
للوجوب، وبالثاني عند من يوجب على من لم يطق تجهيز الغير، وقد
عرفت أن الأظهر عدمه، فلا يتمان عندنا.
نعم، يمكن الاستدلال على عدم الجواز برواية عمار الواردة في
استئجار الصلاة والصوم المتقدمة في كتاب الصلاة (5)، إما من جهة الاجماع
المركب وعدم الفصل بينهما وبين الحج، أو من جهة اشتمال أفعال الحج
على الصلاة أيضا، المؤيدين بقوله عليه السلام: (الطواف بالبيت صلاة) (6).
ومن ذلك يظهر أن الأظهر: عدم صحة إجارة غير المكلف.
ومنها: الاسلام، فلا تصح نيابة الكافر.
لا لما استدلوا به من عدم تأتي نية القربة منه، لمنعه أولا، فإنه يمكن
تأتيتها من جهة زعمه اشتغال ذمته بفعل الغير، وعدم اشتراط القربة في

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 6: 128، المدارك 7: 112، المفاتيح 1: 302.
(2) الذخيرة: 568.
(3) الفقيه 2: 270 / 1319، الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحج ب 8 ح 8.
(4) الوسائل 11: 63 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 24.
(5) راجع ج 7 ص 328.
(6) سنن الدارمي 2: 44.
111

عمل الأجير ثانيا.
بل للاجماع، ولكون الكافر نجسا لا يجوز له دخول مسجد الحرام
المتوقف بعض أعمال الحج عليه، ولروايتي مصادف:
إحداهما: أتحج المرأة عن الرجل؟ قال: (نعم، إذا كانت فقيهة
مسلمة وكانت قد حجت) (1)، وقريبة منها الأخرى (2).
ولا يضر في الاشتراط شرط كونها قد حجت مع أنه غير شرط، لأنه
قرينة على أن المراد المرأة المستطيعة.
ومنها: الايمان، اشترطه بعضهم (3)، لعدم صحة عبادة المخالف.
وفيه: أنه لو سلم فإنما هو في عبادات نفسه، وأما ما ينوب فيه لغيره
فلا دليل على عدم صحته، التي هي الموافقة لتكليف المنوب عنه، والأخبار
الواردة في عدم صحة عبارته ظاهرة في عبادات نفسه، ولذا ذهب جمع إلى
الصحة (4)، بل هو ظاهر الأكثر.
ويمكن الاستدلال على عدم الصحة برواية عمار المشار إليها في نيابة
المميز، المتقدمة في بحث الصلاة بالتقريب المتقدم في المميز (5).
وعلى هذا، فالأظهر: عدم الصحة.

(1) التهذيب 5: 413 / 1436، الإستبصار 2: 322 / 1142، الوسائل 11: 177
أبواب النيابة في الحج ب 8 ح 7.
(2) الكافي 4: 306 / 1، الوسائل 11: 177 أبواب النيابة في الحج ب 8 ح 4.
(3) كصاحب المدارك 7: 108، والكاشاني في المفاتيح 1: 302، وصاحب
الحدائق 14: 240.
(4) كالمحقق في المعتبر 2: 766، والعلامة في المنتهى 2: 863، والتذكرة 1:
309، والشهيد في الدروس 1: 319.
(5) في ص: راجع ج 7: 344.
112

ومنها: العدالة، وقد اعتبرها المتأخرون في الحج الواجب، كما في
المدارك والذخيرة والمفاتيح (1)، أو في الحج مطلقا، كما في بعض شروح
المفاتيح، وهو ظاهر المفيد في باب مختصر المسائل والجوابات من كتاب
الأركان، حيث قال: إذا لم يكن للانسان مانع عن الحج وكان ظاهر العدالة
فله أن يحج عن غيره.
واستند المتأخرون إلى أن الاتيان بالحج الصحيح إنما يعلم
بإخباره (2)، والفاسق لا تعويل على إخباره، لآية التثبت (3). واكتفى بعضهم
بكونه ممن يظن صدقه ويحصل الوثوق بأخباره، واستحسنه جماعة (4).
ولا يخفى أنه يرد على مستندهم: أن المطلوب إن كان هو العلم فلا
يحصل من خبر العادل أيضا، وإن كان الظن فهو قد يحصل بخبر الفاسق.
إلا أن يقال: إن المطلوب كونه مقبول الخبر، والفاسق ليس كذلك،
للآية.
ويرد عليه حينئذ أولا: أن مقتضى الآية قبول خبر الفاسق مع التثبت،
فقد يعلم من حاله أنه لا يكذب، أو أنه يأتي بما استؤجر له، أو تدل قرائن
على أحدهما، فلا تكون العدالة شرطا.
وثانيا: أنا نمنع أصل المطلوب - وهو كونه مقبول القول - فإن المأمور
به هو الاستنابة مطلقا، كما في الأخبار، وأما أنه يجب أن يستفسر عنه أنه
هل أتى بما استنيب له أم لا، وأنه يجب أن يكون مقبول القول في ذلك،

(1) المدارك 7: 109، الذخيرة: 867، المفاتيح 1: 302.
(2) منهم صاحب المدارك 7: 109، والفيض في المفاتيح 1: 302.
(3) 100 الحجرات: 6.
(4) كما في المدارك 7: 109، والذخيرة: 567، والمفاتيح 1: 302.
113

فلا دليل عليه، والأصل ينفيه، بل المصرح به في المستفيضة: أن بالاستنابة
تبرأ ذمة المنوب عنه، أتى النائب بالأفعال أم لا، كان في حجه نقص أم
لا (1).
ففي مرسلة ابن أبي عمير - التي هي في حكم الصحاح -: في رجل
أخذ من رجل مالا ولم يحج عنه ومات ولم يخلف شيئا، قال: (إن كان
حج الأجير أخذت حجته ودفعت إلى صاحب المال، وإن لم يكن حج كتب
لصاحب المال ثواب الحج) (2).
وفي مرسلة الفقيه: الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك
شيئا، فقال: (أجزأت عن الميت، وإن كانت له عند الله حجة أثبتت
لصاحبه) (3).
وفي موثقة إسحاق الصحيحة عمن أجمعت العصابة على تصحيح ما
يصح عنه: في الرجل يحج عن آخر فاجترح في حجه شيئا يلزمه فيه الحج
من قابل أو كفارة؟ قال: (هي للأول تامة، وعلى هذا ما اجترح) (4).
وفي أخرى كذلك أيضا: فإن ابتلى بشئ يفسد عليه حجه حتى
يصير عليه الحج من قابل، أيجزئ عن الأول؟ قال: (نعم)، قلت: لأن
الأجير ضامن للحج؟ قال: (نعم) (5).

(1) كما في الوسائل 11: 185 و 194 أبواب النيابة في الحج ب 15 و 23.
(2) الكافي 4: 311 / 3، الوسائل 11: 194 أبواب النيابة في الحج ب 23 ح 1.
(3) الفقيه 2: 261 / 1269، الوسائل 11: 194 أبواب النيابة في الحج ب 23 ح 2.
(4) الكافي 4: 544 / 23، التهذيب 5: 461 / 1606، الوسائل 11: 185 أبواب
النيابة في الحج ب 15 ح 2.
(5) الكافي 4: 306 / 4، التهذيب 5: 417 / 1450، الوسائل 11: 185 أبواب
النيابة في الحج ب 15 ح 1.
114

وصحيحة الحسين: في رجل أعطاه رجل مالا يحج عنه فحج عن
نفسه، فقال: (هي عن صاحب المال) (1).
ومكاتبة أبي علي بن مطهر: إني دفعت إلى ستة أنفس مائة دينار
وخمسين دينارا ليحجوا بها، فرجعوا ولم يشخص بعضهم، وأتاني بعض
وذكر أنه قد أنفق بعض الدنانير وبقيت بقية وأنه يرد علي ما بقي، وإني قد
رمت مطالبة من لم يأتني بما دفعت إليه، فكتب عليه السلام: (لا تعرض لمن لم
يأتك ولا تأخذ ممن أتاك شيئا مما يأتيك به، والأجر قد وقع على الله) (2).
وهذه الأخبار ناطقة بأنه يثبت الحج للمنوب عنه بعد الاستنابة مطلقا،
فأي حاجة إلى كون الأجير مقبول القول أو لا حتى تشترط عدالته؟!
والأصل عدم اشتراطها، ولا كونه مظنون الصدق، وهو الأظهر.
نعم، لو كان المستنيب وصيا أو وكيلا ودلت القرائن على إرادة
الموصي أو الموكل لاستنابة العدل أو الثقة - كما هو الظاهر في الأكثر -
تجب استنابته، كما مر في كتاب الصلاة.
ومنها: أن يكون فقيها حال الحج - أي عارفا بما يلزم عليه من أفعال
الحج - اجتهادا أو تقليدا، لروايتي مصادف [المتقدمتين] (3)، ولتوقف
الاتيان بها عليه.
وهل يشترط علم المستنيب بفقاهته، أو عدم علمه بعدمها، أو لا
يشترط شئ منهما؟

(1) التهذيب 5: 461 / 1605، الوسائل 11: 193 أبواب النيابة في الحج ب 22
ح 1، بتفاوت يسير.
(2) الفقيه 2: 260 / 1266، الوسائل 11: 180 أبواب النيابة في الحج ب 10 ح 4.
(3) في النسخ: المتقدمة، والأنسب ما أثبتناه. وقد تقدمتا في ص 109 و 110.
115

مقتضى الروايتين: الأول، فهو المعمول وإن لم نقل به في استئجار
الصلاة، لأن الصلاة واجبة على كل أحد، ومقتضى معاملة العلماء - بل
الحجج: - مع الناس اكتفاؤهم في حقهم في تكاليفهم بعدم العلم
بالعدم، وبناؤهم معهم على كونهم عالمين بأحكامهم، وإن أمكن الخدش
في الصلاة أيضا، فتأمل.
واللازم معرفته هو العلم بما يجب عليه الاتيان به من أعمال الحج،
دون ما يمكن أن يحتاج إليه من مسائل الشك، والسهو، وقدر الكفارات،
والأحكام المفروضة احتياجه إليها.
وكذا اللازم هو المعرفة حال كل فعل، فلو لم يعلم الجميع مفصلا
أولا ولكن كان معه أصل يرجع إليه عند كل عمل كان كافيا، ولو كان بتعليم
مرشد عادل يحج معه.
وأما ما احتمله الشهيد في الدروس (1) - من كفاية العلم الاجمالي
بذلك - فلا أفهم حقيقته، فإنه إن أراد حال الإجازة أو قبل الأعمال فلا
يشترط العلم مطلقا، لا التفصيلي ولا الاجمالي، وإن كان حال الفعل فلا
معنى لكفاية الاجمالي.
ومنها: كونه قادرا على السير والاتيان بمناسك الحج، والوجه ظاهر.
ومنها: موت المنوب عنه أو عجزه، كما مر. نعم، يجوز التبرع بحج
التطوع لغيرهما كما يأتي.
ومنها: خلو ذمته من حج واجب عليه في عام النيابة بالأصالة أو
بالاستئجار أو بالافساد أو بغير ذلك، فلو وجب عليه حج في ذلك العام لم يجز

(1) الدروس 1: 320.
116

له أن ينوب عن غيره بالاجماع، للنهي عن الضد الموجب للفساد، وللأخبار
المستفيضة من الصحاح وغيرها:
كصحيحة سعد: عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال: (نعم،
إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه، فإن كان له ما يحج به عن نفسه
فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله) الحديث (1)، وغيرها من الأخبار (2).
ومن شغلت ذمته بواجب موسع أو مقيد بالعام القابل - كما لو نذر أو
استؤجر لأن يحج في القابل - جازت له النيابة قبل عام الوجوب، من غير
خلاف يعرف.
وكذا من استقر في ذمته الحج في عام وعجز عن أدائه فيه ولو مشيا
- كالمستقر من حج الاسلام - تجوز له الاستنابة إذا تمكن من الركوب حينئذ
بمال الإجارة، بشرط ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدد الاستطاعة، لأن
العجز يمنع عن الوجوب.
وخالف فيه بعضهم (3)، ولا وجه له.
ولو صار نائبا في عام وتجددت بعد النيابة له الاستطاعة في ذلك
العام تصح النيابة ويحج للنيابة، لأن المانع الشرعي كالعقلي، ويحج لنفسه
في العام القابل بشرط بقاء الاستطاعة.
وكذا تجوز النيابة لو لم يكن مستطيعا وعلم حصول الاستطاعة قبل
المسافرة، لعدم الوجوب قبل الحصول، فتجوز له النيابة، وبعدها لا يحصل

(1) الكافي 4: 305 / 2، التهذيب 5: 410 / 1427، الإستبصار 2: 319 / 1131،
الوسائل 11: 172 أبواب النيابة في الحج ب 5 ح 1.
(2) الوسائل 11: 172 أبواب النيابة في الحج ب 5.
(3) وهو الحلي في السرائر 1: 626.
117

تمام الاستطاعة للمانع الشرعي.
ويتفرع عليه: أنه لو أوصى أحد بولده نيابة الحج بنفسه لوالده أول
عام وفاته، ولم يكن للولد مال بنفسه، ولكن يستطيع بالميراث بعد فوت
أبيه، يجوز له قبول الوصية، وبعده لا يكون مستطيعا في العام الأول.
ولو كان له مال قبل فوت أبيه يجوز له قبول الوصية مقيدا بحجة
لنفسه قبل فوت أبيه، فلو لم يحج قبله لا يجوز له الحج نيابة.
ولو ظن تمكنه من الحج لنفسه قبل وفاة أبيه، فقبل الوصية، فلم
يتمكن أو مات أبوه في ذلك العام، بطلت الوصية وعاد المال إلى الورثة.
ومنها: إذن المولى إن كان النائب عبدا، فلا يصح بدون إذنه، ووجهه
واضح، ومعه يصح بإجماعنا، للاطلاقات.
المسألة الثانية: لا تصح النيابة عن الكافر، للاجماع، وهو الحجة
فيه..
دون ما قيل من أنه يستحق في الآخرة العقاب دون الثواب، وهو من
لوازم صحة الفعل (1).
ولا قوله سبحانه: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا
للمشركين) (2).
ولا قوله: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) (3).
لمنع كون ثواب الآخرة من لوازم صحة الفعل، لجواز ترتب الأجر
الدنيوي كما ورد في كثير من الأفعال، أو تخفيف عقاب الآخرة.

(1) الحدائق 14: 239.
(2) التوبة: 113.
(3) النجم: 39.
118

وعدم استحقاق الكافر لهما ممنوع، كما ورد في بعض الموثقات:
عن الرجل يحج فيجعل حجته أو عمرته أو بعض أفعاله لبعض أهله - إلى
أن قال - قال: وإن كان ناصبا ينفعه ذلك؟ قال: (نعم، يخفف عنه) (1).
ولمنع كون نيابة الحج استغفارا.
ولكون الاستنابة أيضا سعيا من المنوب عنه.
ولا تصح أيضا عن المسلم الناصب إلا أن يكون أبا للنائب، لمكاتبة
ابن مهزيار (2) وصحيحة ابن عبد ربه (3).
وأما غير الناصب من المخالفين فتصح عنه على الأظهر، وفاقا
لجماعة (4)، للأصل والاطلاقات، إلا إذا استناب لفعل لا يجوز عندنا.
ومنعه جماعة (5) مطلقا، لعدم انتفاعه بشئ من الأعمال، واستحقاقه
العقاب الدائم، وكونه كافرا.
ويرد على الأول: أن المسلم عدم انتفاعه الأخروي، فلعله يؤجر به
في الدنيا.
ومنه يظهر ما يرد على الثاني أيضا.
وعلى الثالث: بمنع كونه كافرا. سلمنا، ولكن المستند في عدم

(1) الكافي 4: 315 / 4 وفيه: بعض طوافه، بدل: بعض أفعاله، الوسائل 11: 197
أبواب النيابة في الحج ب 25 ح 5.
(2) الكافي 4: 309 / 2، الوسائل 11: 192 أبواب النيابة في الحج ب 20 ح 2.
(3) الكافي 4: 309 / 1، الفقيه 2: 262 / 1273، التهذيب 5: 414 / 1441،
الوسائل 11: 192 أبواب النيابة في الحج ب 20 ح 1.
(4) منهم القاضي في المهذب 1: 269، والحلي في السرائر 1: 632.
(5) كالشيخ في النهاية: 280، والعلامة في القواعد 1: 77، والكاشاني في المفاتيح
1: 303.
119

الصحة عنه الاجماع المنتفي في ذلك الصنف.
المسألة الثالثة: قالوا: لا بد من نية النيابة وتعيين المنوب عنه، وفي
الذخيرة: أن هذا الحكم مقطوع به في كلامهم (1)، ونسبه بعض شراح
المفاتيح إلى المشهور المنبئ عن الخلاف، واستدل له بقوله عليه السلام: (إنما
الأعمال بالنيات، وأن لكل امرئ ما نوى) (2).
وفيه: إنما هو في الأعمال التي تتحمل الاشتراك ويمكن وقوعه على
وجوه عديدة، فلا بد فيه من قصد المميز، وأما ما لا يمكن وقوعه إلا على
وجه واحد فلا يحتاج إلى مميز، كما مر مستوفى في بحث النية من الوضوء
والصلاة.
فعلى هذا يتجه القول بعدم لزوم قصد النيابة، لوقوع الفعل للمنوب
عنه قهرا ولو قصد غيره.
وتدل عليه صحيحة أبي حمزة والحسين: في رجل أعطى رجلا مالا
يحج عنه فحج عن نفسه، فقال: (هي عن صاحب المال) (3)، ونحوها
مرفوعة محمد (4).
نعم، إذا كان وقت النيابة موسعا أو كان الحج للغير تبرعا يجوز
التخلف، فوقوعه عن النيابة يتوقف على قصدها، وعلى هذا وردت

(1) الذخيرة: 567.
(2) التهذيب 4: 186 / 519، الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 7،
بتفاوت يسير.
(3) التهذيب 5: 461 / 1605، الوسائل 11: 193 أبواب النيابة في الحج ب 22
ح 1.
(4) الكافي 4: 311 / 2، الفقيه 2: 262 / 1376، الوسائل 11: 194 أبواب النيابة
في الحج ب 22 ح 2.
120

الروايات المفيدة لقصد الحج عن شخص (1).
ولو كان المنوب عنه متعددا - بأن ينوب عن اثنين في عامين بدون
التعيين - يجب تعيين المنوب عنه أيضا، ولا يجب تسمية المنوب عنه
باللفظ قولا واحدا.. نعم، يستحب، كما يأتي.
المسألة الرابعة: تجوز نيابة كل من الرجل والمرأة عن الآخر،
بالاجماع مطلقا في الأول، وفي غير الصرورة من الثاني، للمستفيضة من
الأخبار الصحيحة وغيرها (2).
والروايتان المنافيتان (3) بظاهرهما لذلك الحكم شاذتان مطروحتان،
مع أنهما في الحقيقة غير منافيتين، لعمومهما بالنسبة إلى الصرورة الذي له
مال والذي لا مال له، واختصاص المجوزات بمن لا مال له، فيجب
التخصيص، مع أن مدلول إحداهما: عدم إجزاء حجة عن حجتين، لا عدم
إجزاء حج الصرورة.
وعلى الحق المشهور في الصرورة منه أيضا، للمستفيضة، بل - كما
قيل - المتواترة. وبعض الأخبار (4) - المتضمنة لعدم حج المرأة الصرورة عن
الرجل - غير ناهض لاثبات الزائد عن الكراهة، بل في بعضها دلالة عليها
دلالة واضحة.
المسألة الخامسة: لو مات النائب قبل إتمام المناسك، فإن كان قبل
الاحرام لم يجزئ عنه إجماعا، للأصل، والاجماع، وبه تخصص الأخبار

(1) الوسائل 11: 193 أبواب النيابة في الحج ب 22.
(2) كما في الوسائل 11: 176 أبواب النيابة في الحج ب 8.
(3) انظر الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحج ب 9 ح 1 و 2.
(4) الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحج ب 9.
121

الآتية المصرحة بالاجزاء مع الموت في الطريق مطلقا.
وإن كان بعد الاحرام ودخول الحرم أجزاء حجة عمن حج عنه وبرئت
ذمته عن فرضه، ولا حاجة إلى الاستنابة له ثانيا، بلا خلاف يوجد، بل بلا
خلاف على الظاهر المصرح به في التنقيح والمفاتيح وشرحه والحدائق (1)،
بل الوفاق كما في الذخيرة (2)، بل بالاجماع كما في المسالك والمنتهى (3)
وجماعة (4)، بل بالاجماع المحقق.
لا للاجماع المنقول، أو ثبوته في المنوب عنه بالاجماع، أو
صحيحتي ضريس (5) والعجلي (6) المتقدمتين في مسألة موت الحاج لنفسه،
لعدم حجية الأول، وكون الثانيين قياسا، وعدم ثبوت الاجماع المركب.
بل للاجماع المحقق، وموثقة إسحاق الصحيحة عمن أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصح عنه: عن الرجل يموت فيوصي بحجة،
فيعطي رجل دراهم يحج بها عنه، فيموت قبل أن يحج، ثم أعطى الدراهم
غيره، قال: (إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزئ
عن الأول) (7).

(1) التنقيح 1: 426، المفاتيح 1: 300، الحدائق 14: 254.
(2) الذخيرة: 568.
(3) المسالك 1: 95، المنتهى 2: 863.
(4) انظر المدارك 7: 118.
(5) الكافي 4: 276 / 10، الفقيه 2: 269 / 1313، الوسائل 11: 68 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 26 ح 1.
(6) الكافي 4: 276 / 11، الفقيه 2: 269 / 1314، التهذيب 5: 407 / 1416،
الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 26 ح 2.
(7) الكافي 4: 306 / 4، التهذيب 5: 417 / 1450، الوسائل 11: 185 أبواب
النيابة في الحج ب 15 ح 1.
122

ومرسلة الحسين بن عثمان الصحيحة أيضا: في رجل أعطى رجلا ما
يحجه، فحدث بالرجل حدث، فقال: (إن كان خرج فأصابه في بعض
الطريق فقد أجزأت عن الأول وإلا فلا) (1).
وجه الاستدلال: أنها دلت على الاجزاء في الطريق مطلقا، خرج عنها
قبل الاحرام بالاجماع، وبقي الباقي.
والقول بأنه تخصيص بعيد - كما في الذخيرة (2) - غفلة عن حال بلد
السؤال الذي هو المدينة، فإن محل الاحرام فيها قريبة منها معدودة من
حدودها.
بل يمكن أن يقال: إنه ما لم يصل إلى مسجد الشجرة - الذي هو
الميقات - لم يخرج من المنزل عرفا، فتأمل.
وتضعيف تلك الروايات - بعد وجودها في الأصول المعتبرة وصحتها
عمن ذكر - لا وجه له.
ولا تعارضها موثقة الساباطي: في رجل حج عن آخر ومات في
الطريق، قال: (قد وقع أجره على الله ولكن يوصي، فإن قدر على رجل
يركب في رحله ويأكل زاده فعل) (3).
لعدم صراحتها في الوصية بالحج للمنوب عنه أولا، بل يحتمل أن
يراد الوصية بما بقي من الأجرة ليستعاد، كما هو أحد القولين كما يأتي،
ويكون قوله: (فإن قدر) إلى آخره، على الاستحباب، ولعدم صراحتها في

(1) الكافي 4: 306 / 5، التهذيب 5: 418 / 1451، الوسائل 11: 186 أبواب
النيابة في الحج ب 15 ح 3.
(2) الذخيرة: 568.
(3) التهذيب 5: 461 / 1607، الوسائل 11: 186 أبواب النيابة في الحج ب 15
ح 5.
123

الوجوب ثانيا، فلعله مستحب.
وإن مات بعد الاحرام وقبل دخول الحرم أجزاء أيضا على الأظهر،
وفاقا للشيخ في المبسوط والخلاف (1) والحلي في السرائر (2)، بل في
الخلاف: إن أصحابنا لا يختلفون في ذلك، للأخبار المذكورة (3) بالتقريب
المذكور بعينه.
المسألة السادسة: لو مات النائب، فإما يكون قبل العمل المبرئ
للذمة - وهو الاحرام أو مع دخول الحرم على اختلاف القولين - أو بعده،
وعلى الثاني: إما يكون قبل الاتيان بجميع المناسك أو بعده، وعلى الثاني:
إما يكون قبل الشروع في العود أو بعده.
فعلى الأول: فإن كان الاستئجار لأفعال الحج أو الحج (4) خاصة - أي
نص على الخصوصية - لا يستحق من الأجرة شيئا واستعيد الجميع لو
أخذها قولا واحدا، والوجه واضح.
وإن كان للحج مطلقا من غير تنصيص بالخصوصية فكذلك على
الأظهر الأشهر، وفاقا للاصباح والمبسوط والسرائر - جاعلا إياه مقتضى
أصول المذهب - والمختلف والتذكرة والمسالك والروضة والمدارك
والذخيرة (5)، وغيرهم من المتأخرين (6)، لأن الحج اسم للأفعال

(1) المبسوط 1: 323، الخلاف 2: 390.
(2) السرائر 1: 628.
(3) الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحج ب 15.
(4) في س: والحج.
(5) المبسوط 1: 323، السرائر 1: 629، المختلف: 313، التذكرة 1: 315،
المسالك 1: 95، الروضة 2: 188، المدارك 7: 119، الذخيرة: 569.
(6) 145 كصاحب الرياض 1: 346.
124

المخصوصة، ومفهومه لا يتناول غيره أصلا، ولم يأت الأجير بشئ مما
تعلقت الإجازة به وإن أتى بمقدماته، ووجه الأجرة إنما يوزع على أجزاء
الفعل المستأجر عليه، والمقدمات خارجة عن ذلك.
خلافا للمحكي عن النهاية والكافي والمقنعة والمهذب والغنية (1)،
فقالوا: بأنه يستحق مع الاطلاق بنسبة ما فعل من الذهاب إلى المجموع منه
ومن أفعال الحج. وفي الشرائع والقواعد والارشاد (2) وغيرها: فبنسبته إلى ما
ذكر مع العود أيضا.
وضعفه ظاهر مما ذكر، سيما بالنسبة إلى العود الذي لا مدخل له في
الحقيقة ولا في المقدمات.
قيل: ويمكن تنزيل إطلاقهم على ما إذا شهدت قرائن العرف والعادة
بدخول قطع المسافة في الإجارة وإن لم يذكر في صيغتها، فيكون اللفظ
متناولا لها بالالتزام، ولهذا يعطى الأجير من الأجرة الكثيرة ما لا يعطى من
يحج من الميقات (3).
وفيه: أنه أن أريد بدخول قطع المسافة في الإجارة كونه مرادا من لفظ
الحج مجازا حتى يكون اللفظ مستعملا فيه وفي الأفعال، فتصح النسبة
حينئذ، ولكن يكون مذكورا في الصيغة، لأن المجاز مع القرينة كالحقيقة في
كونه مذكورا، ولا معنى لتناول اللفظ حينئذ بالالتزام أيضا، بل يكون
مستعملا فيه، ومع ذلك تنزيل الاطلاق عليه بعيد جدا.. وجعل إعطاء

(1) النهاية: 278، الكافي في الفقه: 220، المقنعة: 443، المهذب 1: 268،
الغنية (الجوامع الفقهية): 583.
(2) الشرائع 1: 232، القواعد 1: 77، الإرشاد 1: 313.
(3) قاله في الرياض 1: 346.
125

الأجرة الكثيرة قرينة عليه فاسد، لعدم دلالته على التجوز في لفظ الحج
أصلا.
نعم، لكون الحج المحتاج إلى المقدمات الصعبة والمؤنة الكثيرة أشق
يعطى الأجرة عليه أكثر.
وإن أريد به إرادة الاتيان به للتوصل إلى المعنى الحقيقي للحج فهو
كذلك، ولكن كلما كان بين الأجير والميقات مسافة يراد قطعها، ولا معنى
للتخصيص بقوله: إذا شهدت، ولا تنزيل الاطلاق، ومع ذلك لا يكون
داخلا فيما استؤجر له لا صريحا ولا التزاما، فإن كل من يستأجر بناء لبناء
داره يريد خروجه من بيته ومجيئه إلى موضع العمل، وليس ذلك مما
استؤجر له قطعا لا عرفا ولا عادة. وعلى هذا، فإن كان مراده من تناول
اللفظ لها بالالتزام استلزامه لإرادة المستأجر الاتيان به فمسلم، ولكن لا
يدخل بذلك فيما استؤجر له.
وإن أريد استلزام الإجارة للحج للإجارة لقطع المسافة فممنوع، ولذا
لو آجر نفسه لأحد لأن يحج عنه في العام القابل بالاطلاق، ثم آجر نفسه
لآخر لأن يقطع المسافة ويحج عنه في العام الحاضر، فقطعها له ومكث في
مكة إلى القابل وحج عن الأول، أجزاء عنه.
وبالجملة: إطلاق الإجارة للحج ينصرف إلى مجرد الأفعال، إلا أن
تكون قرينة على وقوع الإجارة على قطع المسافة أيضا، فيكون من القسم
الآتي.
وإن كان الاستئجار على الحج وعلى الذهاب أو عليهما وعلى العود
أيضا استحق منها بنسبة ما قطع من المسافة إلى ما بقي من المستأجر عليه.
وعلى الثاني: فالمشهور أنه يستحق الجميع ولا يستعاد منه شئ،
126

وعن الغنية: أنه لا خلاف فيه عندنا (1)، وعن الخلاف: إجماع أصحابنا
عليه، لأنه قد فعل ما ابراء ذمة المنوب عنه، فكان كما لو أكمل الحج (2).
ورده في المدارك: بأنه إنما يتم إذا تعلق الاستئجار بالحج المبرئ
للذمة، أما لو تعلق بالمعهود أو الأفعال المخصوصة لا وجه لاستحقاقه
لجميع الأجرة وإن كان ما أتى به مبرئا للذمة، لعدم الاتيان بالفعل المستأجر
عليه (3).
واستحسنه في الذخيرة (4)، وكذا بعض آخر إن لم يثبت نص أو
إجماع على استحقاق الجميع، وإذ لم يثبت عندنا والمنقول منه ليس بحجة
فالأظهر أنه كالأول أيضا.. (إلا أنه مع الاستئجار للحج مخصوصا أو مطلقا
يستحق من الأجرة بنسبة ما أتى به من أفعاله إلى جميعها) (5).
وعلى الثالث: فمع إطلاق الحج أو التخصيص به أو ضم الذهاب
أيضا يستحق الجميع ولا يستعاد منه شئ، ولو ضم العود أيضا فبنسبة
الذهاب والأفعال إلى العود.
وعلى الرابع: فكالثالث، إلا أنه يدخل في ما فعل ما أتى به من العود
أيضا، والدليل على كل ما ذكر - من النسبة والاستعادة بحسبها فيما لم
يفعل - الاجماع على ذلك، وأن الأجير إنما يستحق بقدر ما فعل من الفعل
المستأجر له.
فإن قيل: مقتضى عقد الإجارة تملك الأجير لمال الإجارة بمجرد

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 583.
(2) انظر الخلاف 2: 390.
(3) المدارك 7: 119.
(4) الذخيرة: 569.
(5) 153 ما بين القوسين ليس في (ق) و (س).
127

العقد، وصرح به في موثقة الساباطي، وفيها: (إذا ضمن الحجة فالدراهم له
يصنع بها ما أحب وعليه حجة) (1)، فالاستعادة مخالفة للأصل، يجب
الاقتصار فيها على موضع الاجماع في جميع ما ذكر، ومنه ما إذا أحرم أو
دخل الحرم، فيجب عدم استرداد شئ، لأنه موضع للاجماع.
قلنا: المستند هنا الاجماع الواقع على أن الأجير لا يستحق ما لم
يفعله من المستأجر له، وهذا الاجماع مسلم، وعليه بناء الاستدلال،
ولا حاجة إليه في كل جزئي جزئي، ولذا لا يحسبون الذهاب في صورة
الاطلاق.
فرعان:
أ: لو نسي كيفية الاستئجار من الاطلاق والتقييد، فالظاهر العمل
بأصالة عدم التقييد وجعل المستأجر له الحج مطلقا، وبه يخرج عن أصل
عدم التسلط على استعادة الزائد عن القدر المتيقن، لكون الأول مزيلا
للثاني.
وعلى هذا، فلو ادعى ورثة الأجير دخول الذهاب أيضا وأنكره
المستأجر يكون عليهم الاثبات.
ب: كيفية الاستعادة بالنسبة: أنه يستعلم إجارة كل فعل فعل
بخصوصه عن أهل العرف وينسب إلى مجموع مال الإجارة، فيستعلم أجرة
من ذهب إلى الشام - مثلا - أو إلى مدينة أو الميقات وأجرة من حج من
الميقات وأجرة من عاد من مكة إلى الوطن - مثلا - وينسب كل إلى مجموع

(1) الكافي 4: 313 / 2، التهذيب 5: 415 / 1444، الوسائل 11: 180 أبواب
النيابة في الحج ب 10 ح 3.
128

مال الإجارة ويعمل فيه بحسابه.
ولا يلاحظ في أجرة الذهاب والعود أن المقصود والأهم هو الحج
حتى لا يقابلهما إلا أقل قليل، بل الملحوظ نفس قطع المسافة، فيقال: من
كان له شغل من العراق إلى المدينة أو من المدينة إلى العراق فبكم
يستأجر؟ وهكذا.
المسألة السابعة: قال في المدارك: مقتضى القواعد أنه يعتبر في
صحة الإجارة تعيين النوع الذي يريده المستأجر ولو بالقرائن الحالية،
لاختلافها في الكيفية والأحكام (1).
ولا يخفى أنه بظاهره ينافي ما ذكروه في مسألة جواز العدول إلى
التمتع من أنه إذا علم أن قصد المستأجر التخيير، وقد ذكره هو أيضا بعد
ذلك بقليل من تخصيص الحكم بجواز العدول من الافراد إلى التمتع بما إذا
كان المستأجر مخيرا بين الأنواع، فإن مقتضى ذلك جواز التخيير وصحة
الإجارة التخييرية.
والتحقيق: أن الإجارة تقع تارة على منافع الشخص في الزمان المعين
وإن كان مراد المستأجر استيفاء نفع خاص منه، وأخرى على العمل إما في
زمان معين أو مطلقا.

(1) المدارك 7: 120.
129

فإن وقعت على الطريق الأول يتحمل التخيير، فيستأجر الشخص في
سنة معينة مطلقا لأن يحج بما يأمره أو بما يشاء الأجير، فالمنتقل إلى
المستأجر منفعة الشخص، وله أن يخيره في كيفية إيجاد المنفعة، ومن هذا
القبيل إجارة الشخص لمعونة السفر أو الخدمة، مع أن أنواعهما غير محصورة.
وإن وقعت على الطريق الثاني - بأن يستأجره للحج خاصة، أي تنتقل
إليه هذه المنفعة منه خاصة - فلا شك في اشتراط التعيين، لاختلاف العمل
والكيفية وزمان كل منهما، فلا يتحمل التخيير، للزوم تعيين المنتقل إليه من
المنافع.
وتحصل مما ذكر - أنه إن وقعت الإجارة على الشخص - أي جميع
منافعه وإن كان ذلك لأجل العمل الخاص - لا يجب تعيين النوع، وإن
وقعت على العمل - أي على الشخص لأجل العمل، أي على منفعة
مخصوصة منه - يجب التعيين، لعدم جواز نقل منفعة غير معينة.
والأول: من قبيل إجارة الشخص لمعونة السفر أو للتجارة أو
للمسافرة بأمره أو للخدمة، فإنها تصح مع عدم تعيين نوع العمل.
والثاني: من قبيل إجارته لسفر غير معين أو خدمة غير معينة، فإنها لا
تصح.
المسألة الثامنة: إذا وقعت الإجارة على العمل المعين لا يجوز
العدول عنه إلى غيره، بلا خلاف إذا كان الغير مرجوحا، لقاعدة الإجارة
السالمة عن المعارض بالمرة، ولو كان راجحا ففيه خلاف.
والأقوى: عدم جواز العدول مع تعيين المرجوح على المستأجر
والاستئجار له أو احتمال تعلق غرض له بفعل المرجوح، للقاعدة، ولرواية
علي المتضمنة للسراد المجمع على تصحيح ما يصح عنه: عن رجل أعطى
رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة، قال: (ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى
الحج، لا يخالف صاحب الدراهم) (1).

(1) التهذيب 5: 416 / 1447، الإستبصار 2: 323 / 1146، الوسائل 11: 182
أبواب النيابة في الحج ب 12 ح 2.
130

ولا تنافيهما صحيحة أبي بصير: في رجل أعطى رجلا حجة مفردة،
فيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: (نعم، إنما خالف إلى الفضل
والخيرة) (1).
لأن المراد منها: الفضل للمنوب عنه لا مطلقا، ولا شك أنه
مخصوص بما إذا لم يستأجر لما تعين عليه من المرجوح، وإلا لم يكن
فضلا له، بل يكون حراما عليه.
ولأن سياق التعليل مفهم لكون الفضيلة موجبة لرضا المستأجر ولو
احتمل تعلق غرض له بفعل المرجوح لا يعلم رضاه.
وجوازه في غير الصورتين، للصحيحة المذكورة، التي هي - بمقتضى
التعليل بالتقريب المذكور - أخص مطلقا من الرواية المتقدمة، فتخصص بها
وبشهادة الحال برضا المستأجر وإذنه في العدول، وأن ما ذكر في العقد
للرخصة إلى الأدنى، ولا شك أن مع علمه بالإذن في العدول يجوز له
ذلك، لأنه أمر منوط برضاه.
ثم إنه إذا عدل إلى غيره، ففي صورة عدم الجواز يقع العمل للمنوب
عنه لقصد النيابة، ولا يستحق الأجير شيئا من الأجرة، والوجه واضح.
وفي صورة الجواز، قالوا: يستحق تمام الأجرة، إذ يكون العدول
حينئذ معلوما من قصده، فكان كالمنطوق به.
وعندي فيه نظر، إذ جواز العدول لا يستلزم استحقاق الأجرة، وذلك لأن
من الأمور ما يكفي فيه العلم برضا المالك ولو بشاهد الحال، كالتصرف في ملكه.
ومنها ما لا يكفي فيه ذلك، بل يتوقف على ثبوت التوقيف من

(1) الكافي 4: 307 / 1، الفقيه 2: 261 / 1272، التهذيب 5: 415 / 1446،
الوسائل 11: 182 أبواب النيابة في الحج ب 12، ح 1، بتفاوت يسير.
131

الشرع، كبيع ماله بعنوان اللزوم، فإن من اشترى متاعا بعشرة للتجارة وعلم
غاية رضاه ببيعه بخمسة عشر فباعه أحد بعشرين لم يرتكب محرما، إلا أنه
لا يلزم البيع، لتوقفه على بيع المالك أو وليه أو وكيله المصرح بتوكيله أو
إجازته بعد الفضولي على قول.
وجواز العدول من الأول، واستحقاق الأجرة من الثاني، إذ لم يثبت
من جواز الاتيان بعمل لشخص استحقاق الأجرة عليه، بل هو يتوقف على
ذكر العمل في متن العقد، ولا يكفي مجرد الرضا.
نعم، لو دلت قرينة على أن المراد من المرجوح الأعم منه ومن
الراجح مجازا يكون في حكم المذكور.
المسألة التاسعة: لو استأجره للحج من طريق معين، ففي جواز العدول
عنه مطلقا - كالشيخين والقاضي والحلي والجامع والارشاد (1) وغيرهم - أو إلا مع
العلم بتعلق غرض بذلك المعين - كما في الشرائع (2)، بل أكثر المتأخرين
كما قيل، بل قيل: هو المشهور (3) - أو عدم جوازه إلا مع العلم بانتفاء الغرض
في ذلك الطريق، كبعضهم (4). أقوال، أقواها: الأخير، للقاعدة المتقدمة.
دليل الأول: صحيحة حريز: عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه
من الكوفة فحج عنه من البصرة؟ قال: (لا بأس إذا قضى جميع مناسكه
فقد تم حجه) (5).

(1) المفيد في المقنعة: 443، الطوسي في النهاية: 278، والتهذيب 5: 415، القاضي في
المهذب 1: 268، الحلي في السرائر 1: 627، الجامع للشرائع: 226، الإرشاد 1: 313.
(2) الشرائع 1: 233.
(3) الحدائق 14: 270.
(4) كصاحب المدارك 7: 123.
(5) الكافي 4: 307 / 2، الفقيه 2: 261 / 1271، التهذيب 5: 415 / 1445،
الوسائل 11: 181 أبواب النيابة في الحج ب 11 ح 1.
132

وهو دليل الثاني أيضا بتقيد الصحيحة بالقيد المذكور، لظهورها في
انتفائه.
ورد بإجمال دلالتها وقصورها عن إفادة الجواز مطلقا، إما لاحتمال
تعلق قوله: (من الكوفة) بقوله: (أعطى)، وكون السؤال لتجويز الاعطاء من
الكوفة موجبا لتوهم وجوب الحج منه، كما في الذخيرة (1).
أو كونه صفة لقوله: (رجلا)، كما في المدارك (2).
أو وقوع الشرط خارج العقد وعدم الاعتبار بمثله عند الفقهاء، كما
ذكره السيد نعمة الله الجزائري.
أو كون الدفع على وجه الرزق لا الإجارة، كما في المنتقى (3)، وهو
ظاهر الرواية.
أو كون المراد حصول الاجزاء بذلك، ونفي البأس عنه للمستأجر بعد
وقوع الفعل، لا جواز ذلك للأجير، كما في الذخيرة (4) أيضا.
وإن كان غير الأول والأخيرين بعيدا.
ثم لو خالف الشرط وحج من الغير يصح حجه وإن تعلق الغرض
بالطريق المعين، لأنه بعض العمل المستأجر عليه وقد امتثل بفعله، والأصل
عدم ارتباطه بالطريق، إلا أن يصرح بالارتباط والاشتراط فلم تبرأ ذمة النائب
عن الحج أيضا، وأما الأجرة فالظاهر توزيعها على الحج والطريق المشترك
مع الطريق المخالف فيه بالنسبة. ومع الارتباط لا يستحق شيئا منها.

(1) الذخيرة: 569.
(2) المدارك 7: 123.
(3) منتقى الجمان 3: 84.
(4) الذخيرة: 569.
133

المسألة العاشرة: لو استأجره لحج التمتع وسافر الأجير وضاق وقته
عن التمتع، فهل يجوز له العدول إلى الافراد للمنوب عنه ويجزئ عنه كما
يجوز ويجزئ للحاج لنفسه، أم لا؟
لم أعثر على مصرح من الفقهاء بحكمه.
والذي يقوى عندي الثاني، للأصل والقاعدة المتقدمة كما بينتهما،
وذكرت الجواب عن عمومات عدول المعذور إلى ما تيسر له في باب
إجارة الصلاة من كتاب الصلاة..
مع أن عمومات عدول المتمتع إلى الافراد مع العذر لا تفيد أزيد من
جوازه أو لزومه عليه وعدم ترتب إثم أو شئ آخر عليه من هذه الحيثية،
وهو مسلم، ولا يدل ذلك على برأته عما لزم عليه من جهة الإجارة
واستحقاقه لمال الإجارة.
ومنه يعلم أنه لو أوصى أحد باستئجار واحد للتمتع لا يجوز للوصي
شرط العدول مع العذر، لعدم استفادة الإذن فيه من الوصية.
نعم، لو أذن له الموصي جاز ويجزئ أيضا عما يجب عليه من الحج.
ثم لو حصل للأجير العذر وعدل مع عدم الشرط المجوز للعدول،
فإن وسع عام إجارته يؤخر الحج الاستئجاري إلى العام القابل، وإلا فيكون
كمن لم يتمكن من الحج أصلا، فيعمل في الأجرة بالتوزيع على الطريق
والحج إن كانت بإزائهما، ولا يستحق منها شيئا إن كانت بإزاء الحج فقط.
المسألة الحادية عشرة: لا يجوز للأجير أن يؤجر نفسه ثانيا في
السنة التي استؤجر لها قطعا، ووجهه واضح.
ويجوز في غيرها مطلقا وإن كانت الإجارة الثانية في العام المتأخر،
لعدم دليل على وجوب اتصال مدة الاستئجار بزمان العقد، ولا على فورية
134

الحج الاستئجاري ولو كان فوريا على المستأجر (1).
وإن كانت الإجارة الأولى مطلقة ولم تكن قرينة على إرادة التعجيل
تصح الثانية مطلقة ومعينة في العام الأول وفي غيره، للأصل، وعدم دليل
على بطلان نوع منها، وعدم اقتضاء الاطلاق الخالي عن القرينة للتعجيل.
المسألة الثانية عشرة: لا تجوز استنابة غيره إلا مع الإذن له صريحا
فيها ممن يجوز له الإذن فيها، أو إيقاع العقد مقيدا بالاطلاق، لا إيقاعه
مطلقا، فإنه يقتضي المباشرة بنفسه.
والمراد بتقييده بالاطلاق: أن يستأجره ليحج عنه مطلقا بنفسه أو
بغيره، أو بما يدل عليه، كأن يستأجره لتحصيل الحج عن المنوب عنه.
وبإيقاعه مطلقا: أن يستأجره ليحج عنه، فإن هذا الاطلاق يقتضي
مباشرته.
كل ذلك للأصول المقررة، وبها أفتى جماعة (2)، بل قيل: لا خلاف فيه.
وأما رواية عيثم: ما تقول في الرجل يعطى الحجة فيدفعها إلى غيره؟
قال: (لا بأس) (3)، فلا دلالة فيها على الاستئجار بوجه، بل مدلولها: إعطاء
ما يحج به لأجل الحج، فيحتمل التوكيل أيضا، بل هو الظاهر، فسئل: إنه
إذا أعطى رجل وجه حجة لغيره هل يجب على الغير مباشرته بنفسه، أو
يجوز له الدفع إلى الغير؟
المسألة الثالثة عشرة: لو صد الأجير قبل إكمال العمل المستأجر

(1) في (ق): المتأخر.
(2) كما في المبسوط 1: 326، والسرائر 1: 627، والدروس 1: 325، واللمعة
(الروضة) 2: 191.
(3) الكافي 4: 309 / 2، التهذيب 5: 417 / 1449، الوسائل 11: 184 أبواب
النيابة في الحج ب 14 ح 1، وفيها: عثمان بن عيسى، بدل: عيثم.
135

عليه حجا كان أو مع الذهاب أو الإياب أيضا، استعيد منه بنسبة المتخلف
منه من العمل إن كانت الإجارة مقيدة بسنة الصد، لانفساخها بفوات الزمان
الذي تعلقت به.
ولا يلزم المستأجر إجابته لو التمس عدم الاستعادة وضمن الحج من
قابل، للأصل، وعدم تناول العقد لغير تلك السنة.
خلافا للمحكي عن ظاهر السرائر والنهاية والمبسوط والقواعد
والحلبي (1)، فيلزم، ومستنده غير واضح، مع احتمال أن يكون مرادهم
الجواز برضا المستأجر كما قيل (2)، ولا كلام فيه حينئذ.
ولا فرق بين أن يقع الصد قبل الاحرام ودخول الحرم، أو بعدهما،
أو بينهما، لعموم ما دل على استعادة ما بإزاء المتخلف من العمل، وإلحاقه
بالموت قياس مع الفارق، لعدم الاجزاء مع الصد بعد الاحرام ودخول
الحرم عن نفسه، فكيف عن غيره؟!
خلافا لبعضهم، فألحقه بالموت (3)، ولا وجه له.
وإن كانت الإجارة مطلقة وجب على الأجير الاتيان بالحج بعد الصد،
لعدم انفساخها به.
وهل للمستأجر أو الأجير الفسخ؟
الظاهر: لا، للأصل. وقيل: نعم (4).
وعلى تقدير الفسخ، له أجرة ما فعل واستعيد بنسبة ما تخلف.

(1) السرائر 1: 629، النهاية: 278، المبسوط 1: 323، القواعد 1: 77، الحلبي
في الكافي في الفقه: 220.
(2) قال به في الرياض 1: 348.
(3) كما في الخلاف 2: 390، والشرائع 1: 233.
(4) انظر الدروس 1: 323 و 325.
136

ومتى انفسخت الإجارة استؤجر من موضع الصد مع الامكان، إلا أن
يكون عن مكة فمن الميقات، لوجوب إنشاء الحج منه.
المسألة الرابعة عشرة: لا يجوز أن ينوب عن اثنين في عام، لأن
الحجة الواحدة لا تقع عن اثنين إجماعا، هذا في الواجب.
وأما المندوب، فقد دلت الأخبار الكثيرة (1) على جواز الاشتراك فيه،
فتجوز الاستنابة فيه على هذا الوجه، بأن يستأجره اثنان أو أكثر بعقد واحد
لأن يحج تطوعا لهم، لا بأن يؤجر نفسه لاثنين أو أكثر بعقود متعددة، فإن
كل عقد يقتضي الاستقلال، فلا يجوز بعده.
المسألة الخامسة عشرة: لا تجوز النيابة في الطواف الواجب عن
المتمكن الحاضر، وتجوز مع العذر، وسيجئ تحقيقه في بحث الأفعال
والأعذار.
المسألة السادسة عشرة: لو حج أحد - عن ميت وجب عليه الحج -
تبرعا، برئت ذمته وصح، سواء ترك الميت مالا أو لا، وسواء كان المتبرع
وليا أم لا، بالاجماع المحقق، والمحكي مستفيضا (2)، والمستفيضة من
الصحاح وغيرها الخالية عن المعارض بالمرة (3).
وكذا يجوز التبرع عن الميت والحي بالتطوع، بالاجماعين (4) والأخبار
المستفيضة القريبة من التواتر (5)، بل قيل: لعلها متواترة (6).

(1) الوسائل 11: 202 أبواب النيابة في الحج ب 28.
(2) كما في الحدائق 14: 287، والمفاتيح 1: 301، والرياض 1: 348.
(3) الوسائل 11: 206 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 31.
(4) كما في المدارك 7: 132، والحدائق 14: 289، والمفاتيح 1: 301.
(5) الوسائل 11: 196 أبواب النيابة في الحج ب 25.
(6) انظر الرياض 1: 348.
137

وفي التبرع عن الحي بالواجب فيما إذا كان له العذر المسوغ للاستنابة
وكفايته عنه، وجهان، أجودهما: العدم، إذ الأخبار المتضمنة لاستنابته
صريحة في أمره بالتجهيز من ماله، فلعل هذا العمل واجب عليه مقام الحج
بنفسه، وكفاية فعل الغير موقوفة على الدليل، وهو في المقام مفقود.
وأما مع عدم العذر المسوغ فلا يجوز التبرع عنه قطعا.
المسألة السابعة عشرة: ما يلزم الأجير من كفارات الجنايات في
إحرامه فهو من ماله، بلا خلاف يعرف كما قيل (1)، بل بالاجماع كما عن
الغنية (2)، لأنها عقوبة جناية صدرت عنه أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع
منه، لتوجه الخطابات بها إلى الجاني، فيكون عليه.
المسألة الثامنة عشرة: لو أفسد الأجير حجه يجب عليه إتمامه
وقضاؤه من قابل، ويجزئ عن المستأجر مطلقا، معينة كانت الإجارة أو
مطلقة، وفاقا للدروس (3)، ولا يستعاد الأجرة منه شيئا، لموثقتي ابن عمار:
إحداهما: في الرجل يحج عن آخر فاجترح في حجه شيئا، يلزمه فيه
الحج من قابل أو كفارة؟ قال: (هي للأول تامة، وعلى هذا ما اجترح) (4).
والأخرى: فإن ابتلى بشئ يفسد عليه حجه من قابل أيجزئ عن
الأول؟ قال: (نعم)، قلت: لأن الأجير ضامن للحج؟ قال: (نعم) (5).

(1) كشف اللثام 1: 300.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 583.
(3) الدروس 1: 323.
(4) الكافي 4: 544 / 23، التهذيب 5: 461 / 1606، الوسائل 11: 185 أبواب
النيابة في الحج ب 15 ح 2.
(5) الكافي 4: 306 / 4، التهذيب 5: 417 / 1450، الوسائل 11: 185 أبواب
النيابة في الحج ب 15 ح 1.
138

ومنهم من قال بانفساخ الإجارة بالافساد في المعينة واستعادة
الأجرة (1)، ومنهم من أوجب عليه في المطلقة حجة ثالثة غير الفاسدة
وقضاءها (2)، لوجوه كلها اجتهادات في مقابل النص.
المسألة التاسعة عشرة: من وجب عليه حجان مختلفان - كحجة
الاسلام والنذر - ومنعه مانع، جاز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد،
على المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك (3)، وباتفاق
علمائنا كما عن التذكرة (4)، لثبوت جواز الاستنابة فيهما، وعدم دليل على
لزوم اختلاف العام، وأصالة عدم وجوب الترتيب، وتحققه في المنوب عنه
لم يكن لوجوب الترتيب، بل لعدم إمكان صدور الحجتين منه في عام
واحد.
المسألة العشرون: يستحب للنائب أن يذكر المنوب عنه باسمه في
المواطن وعند كل فعل من أفعال الحج، بلا خلاف كما في المفاتيح وعن
المنتهى (5)، وعلى مذهب الأصحاب كما في المدارك (6)، واتفاقا كما في
شرح المفاتيح، وهو الحجة فيه، لأنه مقام التسامح.
مضافا إلى صحيحة محمد في المواطن والمواقف (7)، ورواية الحلبي

(1) انظر المبسوط 1: 322، التذكرة 1: 315.
(2) انظر المبسوط 1: 322، التذكرة 1: 315.
(3) المدارك 7: 137.
(4) التذكرة 1: 311.
(5) المفاتيح 1: 303، المنتهى 2: 871.
(6) المدارك 7: 138.
(7) الكافي 4: 310 / 2، التهذيب 5: 418 / 1453، الإستبصار 2: 324 / 1148،
الوسائل 11: 187 أبواب النيابة في الحج ب 16 ح 1.
139

فيما بعد ما يحرم (1)، وصحيحة ابن عمار عند الاحرام (2).
وتوهم دلالة بعضها على الوجوب ضعيف، لخلوها عن الدال عليه
رأسا، مع أنه لو كان لوجب الحمل على الاستحباب، للاتفاق على عدم
الوجوب، ودلالة الأخبار عليه، كمرسلة الفقيه (3)، وروايتي البزنطي (4)
ومثنى (5).
وأن يعيد فاضل الأجرة بعد الحج إن لم يقتر على نفسه، للشهرة
الكافية في المقام، ولرواية مسمع: أعطيت رجلا دراهم يحج بها عني
ففضل منها شئ فلم يرده علي، فقال: (هو له، لعله ضيق على نفسه في
النفقة لحاجته إلى النفقة) (6)، دل التعليل أنه لولا الضيق على النفس لكان
الرد أولى، إذ لولاه لم يحسن التعليل.
ومرسلة المقنعة: قال: وقد جاءت رواية: (أنه إن فضل مما أخذه
فإنه يرده إن كانت نفقته واسعة، وإن كان قتر على نفسه لم يرده) (7).
ويستفاد وجه القيد من الروايتين، مضافا إلى رواية محمد بن عبد الله
القمي: عن الرجل يعطى الحجة يحج بها ويوسع على نفسه ففضل منها،

(1) الكافي 4: 310 / 1، الفقيه 2: 278 / 1365، التهذيب 5: 418 / 1452،
الإستبصار 2: 324 / 1147، الوسائل 11: 187 أبواب النيابة في الحج ب 16
ح 2.
(2) الكافي 4: 311 / 3، الوسائل 11: 188 أبواب النيابة في الحج ب 16 ح 3.
(3) الفقيه 2: 145 / 634، الوسائل 11: 189 أبواب النيابة في الحج ب 16 ح 6.
(4) الفقيه 2: 279 / 1367، الوسائل 11: 188 أبواب النيابة في الحج ب 16 ح 5.
(5) الفقيه 2: 279 / 1368، التهذيب 5: 419 / 1454، الإستبصار 2: 324 / 1149،
الوسائل 11: 188 أبواب النيابة في الحج ب 16 ح 4.
(6) التهذيب 5: 414 / 1442، الوسائل 11: 179 أبواب النيابة في الحج ب 10 ح 1.
(7) المقنعة: 442.
140

أيردها عليه؟ قال: (لا، هو له) (1).
ولا ينافي استحباب الرد موثقة الساباطي: عن الرجل يأخذ الدراهم
يحج بها، هل يجوز له أن ينفق منها في غير الحج؟ قال: (إذا ضمن الحج
فالدراهم له فصنع بها ما أحب وعليه حجة) (2)، إذ غايتها جواز عدم الرد،
وهو غير مناف للاستحباب.
ويستحب للمستأجر أن يتمم للأجير لو أعوز به الأجرة، لفتوى
الأصحاب (3)، ولما فيه من المساعدة للمؤمن والرفق به.
ويكره أن تنوب المرأة إذا كانت صرورة، لرواية صالح (4) والشحام (5)،
القاصرتين عن إفادة الحرمة، لاحتمال الجملة الخبرية، فالقول بالحرمة
- كما قيل (6) - ضعيف، بل تكره نيابة المرأة مطلقا، لروايتي عبيد بن
زرارة (7) والنبال (8).
المسألة الإحدى والعشرون: من أوصى بحجة تنصرف إلى الميقاتي،
للأصل، إلا مع التصريح أو شهادة القرائن.

(1) الكافي 4: 313 / 1، التهذيب 5: 415 / 1443، الوسائل 11: 180 أبواب
النيابة في الحج ب 10 ح 2.
(2) الكافي 4: 313 / 3، التهذيب 5: 415 / 1444، الوسائل 11: 180 أبواب
النيابة في الحج ب 10 ح 3.
(3) انظر المبسوط 1: 322، والمنتهى 2: 869، والرياض 1: 349.
(4) التهذيب 5: 412 / 1433، الإستبصار 2: 321 / 1137، الوسائل 11: 174
أبواب النيابة في الحج ب 6 ح 4.
(5) التهذيب 5: 414 / 1439، الإستبصار 2: 323 / 1143، الوسائل 11: 178
أبواب النيابة في الحج ب 9 ح 1.
(6) الرياض 1: 349.
(7) التهذيب 9: 229 / 899، الوسائل 11: 179 أبواب النيابة في الحج ب 9 ح 2.
(8) الفقيه 2: 270 / 1319، الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحج ب 8 ح 8.
141

ثم لو لم يعين القدر يؤخذ أجرة المثل، لتوقف الحج عليه ووجوب
ما يتوقف عليه الواجب.
وعلى هذا، فلو وجد من يأخذ بأقل من أجرة المثل وجب الاقتصار
عليه إذا لم يرض الوارث بالزائد، لعدم التوقف حينئذ.
وما في كلام بعضهم - من الاستدلال للأول بأن أجرة المثل كالمنطوق
به، والحكم بوجوب الاقتصار على الأقل لو وجد من يأخذه (1) - لا يخلو
عن تدافع.
ويلزم الفحص عنه لو احتمل وجدانه، لما ذكر.
وكذا لو لم يوص من يجب الحج عنه، وأخذ الأجرة من صلب ماله.
ثم المأخوذ يكون من أصل المال إن كان حجة الاسلام، ومن الثلث
إن كان غيرها، بلا خلاف يعرف، لصحيحتي معاوية بن عمار (2)
وغيرهما (3).
ولو عين القدر، فإن لم يكن زائدا عن أجرة المثل كان كما سبق، إلا
في الاقتصار على الأقل مع وجدان من يأخذه، فإنه لا يجب حينئذ، بل
يؤخذ الأقل من الأصل حينئذ والزائد من الثلث.
وإن كان زائدا على أجرة المثل فتؤخذ الأجرة من الأصل والزائد من
الثلث مع كون الحج حجة الاسلام، والكل من الثلث إن كان غيرها،

(1) الرياض 1: 349.
(2) الأولى في: التهذيب 5: 404 / 1409، الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحج
وشرائطه ب 25 ح 1.
الثانية في: الكافي 4: 305 / 1، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحج
وشرائطه ب 25 ح 4.
(3) الفقيه 2: 270 / 1316، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 25 ح 5.
142

والأجرة المأخوذة من الأصل هي الأجرة الميقاتية، كما يأتي بيانه في كتاب
الوصية.
المسألة الثانية والعشرون: إذا أوصى أحد أن يحج عنه ندبا، فإن
علم مراده من المرة أو التكرار على وجه خاص يعمل به، وإن لم يعلم
شئ منهما أو علم التكرار ولم يعلم وجهه فمقتضى روايتي محمد بن
الحسين التكرار إلى أن يستوفى الثلث:
أولاهما: عن رجل أوصى أن يحج عنه مبهما، فقال: (يحج عنه ما
بقي من ثلثه شئ) (1).
والأخرى قد أوصى: [حجوا] عني، مبهما، ولم يسم شيئا، كيف
ذلك؟ فقال: (يحج عنه ما دام له مال) (2).
ولكن متأخري الأصحاب حملوها على فهم قصد التكرار وقالوا: لو
لم يفهم منه ذلك اكتفى بالمرة، وإن فهم التكرار على وجه خاص اقتصر
عليه، وإلا فبالمرتين، وإن فهم التكرار بقدر الثلث أو أزيد عمل بمضمون
الخبرين (3).
ولا يخفى أن ذلك طرح لهما رأسا وعمل بمقتضى القواعد، ولا وجه
له مع عدم ظهور راد لهما من المتقدمين سوى شاذ، وقد أفتى بمضمونهما
في التهذيب (4)، إلا عند من لا يعمل بغير الصحاح ونحوها، وأما نحن ففي

(1) التهذيب 5: 408 / 1420، الإستبصار 2: 319 / 1129، الوسائل 11: 171
أبواب النيابة في الحج ب 4 ح 2.
(2) التهذيب 5: 408 / 1419، الإستبصار 2: 319 / 1130، الوسائل 11: 171
أبواب النيابة في الحج ب 4 ح 1، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
(3) انظر التحرير: 128، الدروس 1: 326، والرياض 1: 349.
(4) التهذيب 5: 408.
143

توسعة من ذلك، فالوجه العمل بمضمونهما ومتابعة قصده إن كان مفهوما،
والتكرار إلى تمام الثلث إن كان مبهما.
المسألة الثالثة والعشرون: إذا أوصى أن يحج عنه سنين متعددة،
وعين لكل سنة قدرا معينا تفصيلا أو إجمالا، فقصر ما لكل سنة عن
حجتها، جمع من نصيب سائر السنين ما يمكن به الاستئجار لحجة فصاعدا
ويستأجر به الحجة، لمكاتبتي إبراهيم بن مهزيار وعلي بن محمد الحضيني،
المنجبر ضعفهما - لو كان - بدعوى كون الحكم مقطوعا به في كلام الأصحاب
كما في المدارك وشرح التهذيب للجزائري وشرح الروضة للهندي
والحدائق (1)، بل بدعوى عمل الأصحاب كافة كما قيل (2)، وبالشهرة المحققة..
إحداهما: إن مولاك علي بن مهزيار أوصى أن يحج عنه من ضيعة
صير ربعها لك في كل سنة حجة بعشرين دينارا، وأنه منذ انقطع طريق
البصرة تضاعف المؤن على الناس، فليس يكتفون بعشرين دينارا، وكذلك
أوصى عدة من مواليك حجتهم، فكتب عليه السلام: (يجعل ثلاث حجج حجتين
إن شاء الله) (3).
والثانية: إن ابن عمي أوصى أن يحج عنه بخمسة عشر دينارا في كل
سنة، فليس يكفي، فما تأمر في ذلك؟ فكتب عليه السلام: (يجعل حجتين
حجة، إن الله عالم بذلك) (4).

(1) المدارك 7: 144، الحدائق 14: 297.
(2) الرياض 1: 349.
(3) الكافي 4: 310 / 1، الفقيه 2: 272 / 1326، التهذيب 9: 226 / 890،
الوسائل 11: 170 أبواب النيابة في الحج ب 3 ح 2.
(4) الكافي 4: 310 / 2، الفقيه 2: 272 / 1327، التهذيب 5: 408 / 1418،
الوسائل 11: 169 أبواب النيابة في الحج ب 3 ح 1.
144

وقد يستدل له أيضا بخروج المال عن الإرث، ووجوب أمرين:
الحج، وكونه بقدر مخصوص، فإذا تعذر الثاني لم يسقط الأول، ومرجعه
إلى قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور، وهي عندي ضعيفة جدا.
المسألة الرابعة والعشرون: يستحق الأجير مال الإجارة بالعقد، لأنه
مقتضى صحة المعاوضة، ولروايات مسمع ومحمد بن عبد الله القمي
وموثقة الساباطي، المتقدمة جميعا في المسألة العشرين (1)، وعلى هذا فلو
كانت عينا فزادت أو نمت بعد العقد فهما للأجير.
قال في المدارك: لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل كما في مطلق
الإجارة، وعلى هذا فليس للوصي التسليم قبله، ولو سلم كان ضامنا، إلا مع
الإذن من الموصي المستفاد من اللفظ أو اطراد العادة (2).
أقول: عدم وجوب التسليم - بعد كونه ماله - يحتاج إلى الدليل، ولا
يسلم ذلك في مطلق الإجارة، حتى في الحج الذي دلت المستفيضة
المتقدمة عند ذكر اشتراط العدالة على براءة ذمة المنوب عنه بعد الإجارة،
ووردت أخبار أخر (3) فيمن أنفق مال إجارة الحج [أو مات] (4) ولم يترك
شيئا، ولم يحكم في شئ منهما بالضمان.
والمسألة محل إشكال، والاحتياط للوصي ونحوه أن يشترط عدم
التسليم أو إلا بوثيقة في ضمن العقد.
المسألة الخامسة والعشرون: لو كانت عند شخص وديعة ومات

(1) راجع ص: 137 و 138.
(2) المدارك 7: 141
(3) كما في الوسائل 11: 194 أبواب النيابة في الحج ب 23.
(4) في النسخ: وانفقه، والصواب ما أثبتناه بالاستفادة من المصادر.
145

صاحبها وعليه حجة الاسلام، كان له أن يقتطع قدر أجرة الحج منها
فيستأجره به، ويرد الفاضل - إن كان - للورثة، بلا خلاف فيه في الجملة.
لصحيحتي العجلي: عن رجل استودعني مالا فهلك وليس لوارثه
شئ ولم يحج حجة الاسلام، قال: (حج [عنه]، وما فضل فأعطهم) (1).
ومقتضى إطلاقها - بل عمومها الحاصل بترك الاستفصال - وجوب
ذلك، سواء أذن الورثة فيه أو لا، وسواء علم أن الورثة لا يؤدون الحج عنه
أو ظن ذلك، أو لم يعلم ذلك ولم يظن، بل علم الأداء أو ظن.
ولكن الأكثر قيدوه بما إذا علم أنهم لا يؤدونه - كما في النافع
والشرائع والارشاد (2) وغيرها (3) - أو بما إذا ظن ذلك - كالسرائر (4) وبعض
آخر - فبدونها يجب استئذانهم، لأن مقدار أجرة الحج وإن كان خارجا عن
الميراث إلا أن الوارث مخير في جهات القضاء، وله الحج بنفسه
والاستقلال بالتركة والاستئجار بدون أجرة المثل، فيقتصر في منعه من التركة
على موضع الوفاق (5)، وربما يستأنس له بقوله: وليس للورثة شئ.
أقول: لا شك أنه إذا علم المستودع - أو ظن ظنا مقبولا شرعا - أن
الورثة قد أدوه، ليس له ذلك، لبراءة ذمة الميت وعدم وجوب حج عنه،

(1) الأولى في: الكافي 4: 306 / 6، الفقيه 2: 272 / 1328، التهذيب 5:
416 / 1448، الوسائل 11: 183 أبواب النيابة في الحج ب 13 ح 1، بدل ما بين
المعقوفين في النسخ: عنهم، وما أثبتناه من المصادر.
الثانية في: التهذيب 5: 460 / 1598.
(2) النافع: 78، الشرائع: 235.
(3) كما في الحدائق 14: 278.
(4) السرائر 1: 630.
(5) الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 25.
146

وأما قبل أدائهم فلا شك أن مقدار الأجرة لم ينتقل إليهم، لأن الإرث بعد
الدين الذي منه الحج، كما صرح به في النصوص (61)، ونسبة الوارث وغيره
في وجوب صرف ذلك في الحج وجوبا كفائيا مشروطا بعدم العلم ببراءة
ذمة الميت من طريق آخر بتبرع أو مال غيره أو أقل من أجرة على السواء،
فما دام عدم العلم بالبراءة وتحقق الشرط يكون الاقتطاع واجبا كفائيا على
المستودع، وما لم يعلم أداءهم لا يجوز له تركه، بل يجب عليه عينا، كما
هو شأن الواجبات الكفائية، ووجوب استئذان الوارث فيه يحتاج إلى دليل،
وكونه مخيرا في جهات القضاء لا يدل عليه، لأن المسلم منه أن ما دام بقاء
المال وعدم صرفه في الاستئجار يتخير هو في الجهات، وهو مسلم، لكون
وجوب الصرف - كما مر - مشروطا بعدم الأداء من جهة أخرى، فتخييره
أيضا مشروط بالبقاء، وأما التخيير على الاطلاق فلا نسلمه حتى في المقام
المتضمن للنص المنافي بعمومه له.
والحاصل: أن المسلم أن الوارث مخير بشرط بقاء المال وعدم صرفه
في الحج، وللمستودع الاستئجار بشرط عدم أداء الوارث أو غيره من هذه
الجهة أو جهة أخرى، فيعمل بعموم الصحيح، ويحكم بوجوب استئجار
المستودع مطلقا، إلا ما خرج عنه بالاجماع، وهو ما إذا علم أداء الحج،
وعليه الفتوى.
فروع:
أ: الاستئجار واجب على المستودع، لظاهر الأمر المفيد له، وتعبير

(1) الفقيه 2: 270 / 1316، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 25
ح 5.
147

بعض الأصحاب بالجواز (1) إما بإرادة معناه الأعم المجامع للوجوب كما
قيل (2)، أو باعتبار ما ذكرنا من كونه مشروطا بعدم العلم بأداء الوارث من
جهة أخرى، فللمستودع إعلام الوارث وأدائهم من جهة أخرى، وله الأخذ
من الوديعة، فيكون الأخذ جائزا وإن كان أحد فردي المخير.
ب: الوارث إما يعلم بالوديعة، أم لا..
فإن لم يعلم بها فللمستودع الاستئجار بدون إعلام الوارث، وله
إعلامهم إن علم عدم امتناعهم عن الاستئجار أو الأداء من جهة أخرى، أو
عدم تمكنهم من الامتناع، وإلا فلا يجوز الاعلام، لكونه سببا لتفويت
الواجب، وسبب الحرام حرام.
وإن علم بها، فإن أمكن للمستودع إثبات وجوب الحج على الميت
- ولو باعتراف الوارث - وإثبات الاستئجار لو استأجر، وجب عليه
الاستئجار أيضا.
وكذا إن لم يمكن له ذلك ولكن لم يكن للوارث تسلط عليه، وإلا
فلا يجب عليه، لاستلزامه الضرر المنفي شرعا، فتعارض أدلة انتفائه
الصحيحة (3).
وكذا إن أمكن له ذلك ولكن علم عدم وقوف الوارث على حكم
الشرع وتضرره بذلك، ولذا اعتبر في التذكرة (4) وغيره (5) أمن المستودع من
الضرر، وهو في موقعه.

(1) كالطوسي في النهاية: 279، المحقق في الشرائع 1: 235، المعتبر 2: 774.
(2) انظر المسالك 1: 99.
(3) المتقدمة في ص 143.
(4) التذكرة 1: 401.
(5) كالرياض 1: 349.
148

ج: اعتبر بعضهم في ذلك استئذان الحاكم، إما مع إمكانه - كبعضهم (1) -
أو مطلقا - كآخر (2) - اقتصارا في ما خالف الأصل على المتفق عليه.
واستبعده بعضهم (3)، لاطلاق النص (4). ورده آخر بتضمنه لأمر
الإمام، وهو منه إذن له.
أقول: يمكن أن يقال: إنه لا شك في أن كونه إذنا منه موقوف على
أمر زائد على صدور الأمر الشرعي المساوي فيه كل مكلف، وهو ملاحظة
جهة الإذنية له، والأصل عدمه.
سلمنا، ولكن كل من الأمرين محتمل، أي كونه من جهة حكم الشرع
أو من جهة الإذنية، فاللازم حينئذ ملاحظة أن استئجار المستودع خلاف
الأصل حتى يقتصر فيه على موضع اليقين، أو هو الأصل حتى يتوقف
الخروج عنه على اليقين، مقتضى الأخبار (5) - المتواترة معنى، المصرحة
بوجوب قضاء الحج عن الميت عن أصل ماله من غير خطاب إلى شخص
معين - وجوبه على كل مكلف كفاية، وهو يجعل وجوب الكفائي
للمستودع أصلا ثابتا، فالتوقف على الإذن يحتاج إلى دليل.
وعلى هذا، لو كان هذا الأمر من الإمام عليه السلام إذنا أيضا لا بد في
التوقف عليه من ثبوت أن أمره لجهة حصول الإذن، وهو غير معلوم.
د: هل الحكم مختص بالوديعة - كما حمل عليه جماعة (6) -

(1) انظر التذكرة 1: 308.
(2) انظر المسالك 1: 99، ومجمع الفائدة 6: 152.
(3) كالشهيد في اللمعة (الروضة 2): 203.
(4) أي نص صحيحة العجلي المتقدمة في ص: 143.
(5) الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 25.
(6) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 152.
149

لاختصاص النص، أو يتعدى إلى سائر الحقوق المالية من الغصب والدين
وغيرهما، كما اختاره آخرون (1)؟
التحقيق فيه: البناء على ما ذكرنا من كون استئجار المستودع مخالفا
للأصل، وموافقا له، فعلى الأول يحكم بالاقتصار، وعلى الثاني بالتعدي،
وعلى ما ذكرنا فالحق هو: الثاني.
ه‍: قالوا: مقتضى النص حج الودعي بنفسه (2)، ولكن الأصحاب
جوزوا له الاستئجار (3)، بل ربما جعلوه أولى، خصوصا إذا كان ذلك
أنسب.
وأسند بعضهم في ذلك إلى تنقيح المناط القطعي (4).
وهو جيد، مع أن إرادة الحج بنفسه من اللفظ في هذا المقام محل
تأمل، وعلى ما ذكرنا من الأصل يصير جواز الاستئجار أظهر.
و: لو استأجر المستودع، ثم علم الوارث وأنكر أحد الأمرين من
وجوب الحج أو الاستئجار، كان على المستودع الاثبات، للأصل.. ولا
يدل النص على قبول قوله، لأن حكمه إنما هو في حق شخص خاص،
ولأنه إنما هو بعد فرض أن عليه الحج، وحكمه عليه السلام أنه إن كان كما قلت:
فحج عنه، كما هو المراد في جميع السؤالات والجوابات الواردة في

(1) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1: 433، الشهيد الثاني في الروضة 2: 200،
صاحب المدارك: 388.
(2) انظر جامع المقاصد: 161، والمدارك 7: 146، والذخيرة: 571، والرياض
1: 349.
(3) كالشهيد في الدروس 1: 327، الفاضل المقداد في التنقيح 1: 433، الفيض في
المفاتيح 1: 302.
(4) انظر الرياض 1: 349.
150

الأحاديث..
فلا يرد ما نقله في المنتقى (1) عن بعض المتأخرين من كون مقتضى
الحديث نفوذ إقرار المستودع في حق الوراث، ولا حاجة إلى ما أجاب به
صاحب المنتقى في المقام.
ز: لو تعدد من عنده الوديعة وعلموا بالحق، جاز لكل منهم الاخراج
والاستئجار، بل وجب كفاية، ويجوز لهم توازع الأجرة أيضا.
ولو لم يعلم بعضهم بالحق تعين على العالم.
ولو حجوا جميعا مع علم بعضهم ببعض صح السابق خاصة وضمن
اللاحق.
ولو انتفى العلم فلا ضمان مع الاجتهاد اللازم.
والوجه في الكل واضح.
المسألة السادسة والعشرون: من أوصى أن يحج عنه شخص معين
فإما يعين الأجرة أو لا، وعلى التقديرين: إما يكون الحج واجبا، أو ندبا،
فهذه أربع صور..
فإن عين الأجرة وكان واجبا تخرج الأجرة المعينة من الأصل إن كانت
مقدار أجرة المثل من الميقات أو أقل، وإن زادت عنها أخرج الزائد من
الثلث إن لم يجز الورثة.
ثم لو امتنع الموصى له من الحج بطلت الوصية، لتعلقها بشخص
معين، ويجب استئجار غيره بأقل ما يوجد من يحج عنه، لا للوصية، بل
لوجوب قضاء الحج الواجب.

(1) منتقى الجمان 3: 76.
151

وإن امتنع من أخذ المعين وطلب الأزيد لم تجب إجابته وإن لم يزد
عن أجرة المثل، لأنه يخرج حينئذ عن الوصية ويساوي الأجنبي، فيجوز
استئجاره بالأزيد لو لم يوجد من يأخذ الأقل.
وإن كان ندبا تخرج الأجرة المعينة من الثلث، إلا مع إجازة الورثة،
فتنفذ من الأصل.
ولو امتنع الموصى له من الحج فالظاهر بطلان الوصية وسقوط الحج،
لما مر من تعلق الوصية بشخص معين.. وعدم ترك الميسور بالمعسور مع
احتمال ارتباط أحدهما بالآخر ممنوع، كما بينا في موضعه.
قيل: لو علم تعلق غرض الموصي بالحج مطلقا وجب إخراجه، لأن
الوصية على هذا التقدير تكون في قوة شيئين، فلا يبطل أحدهما بفوات
الآخر (1).
ولي فيه نظر، لأن الوصية أيضا - كالتوكيل ونحوه - من الأمور التي
يتوقف ثبوتها على الانشاء اللفظي، ولا يتحقق بشاهد الحال بل ولا
الفحوى، لأنها أمور توقيفية لم يثبت التوقيف في غير المذكور، فلا يفيد في
وجوب العمل بالوصية العلم بتعلق غرض الموصي بشئ، إلا أن يعلم إرادة
هذا الغرض من اللفظ مجازا بالقرينة دون معناه الحقيقي، وما نحن فيه ليس
كذلك.
وإن لم يعين الأجرة وكان واجبا فتجب إجابة الموصى له فيما يرضى
بأن يحج به وإن كان زائدا عن الأجرة، إلا أن الزائد يخرج من الثلث، ولو
زاد عن الثلث أيضا ولم يرض بما يفي به ولم يجز الورثة بطلت الوصية،

(1) المدارك 7: 149.
152

ويستأجر غيره بأقل ما يوجد.
وقيل: يجب استئجاره بأقل ما يوجد من يحج عنه (1).
وعن الدروس: احتمال وجوب إعطاء أجرة مثله إن اتسع الثلث (2).
وعلى هذين القولين تبطل الوصية لو لم يرض الموصى له بالأقل أو
الأجرة، ولا وجه له.
ولو امتنع الموصى له من الحج مطلقا تبطل الوصية، ويستأجر من
يحج بالأقل، لأجل وجوب القضاء من الأصل.
وإن كان ندبا تجب إجابة الموصى له بما يرضى من الثلث مطلقا، وإن
زاد عن الثلث ولم يجز الورثة أو امتنع الموصى له من الحج بطلت الوصية
رأسا، ولا يجب استئجاره.
والحج في جميع هذه الصور من الميقات، إلا أن تدل قرينة على
إرادة الموصي من البلد، فيستأجر منه، ويخرج غير أجرة المثل للميقاتي في
الواجب منه من الثلث.
ولو قصر الثلث عن الاستئجار عن البلد ولم يجز الورثة فالحق بطلان
الوصية وعدم وجوب الاستئجار بحسب الامكان، لأن الموصى به هو الحج
البلدي، وهو غير ممكن.
نعم، يستأجر للميقاتي من الأصل مع وجوب الموصى به.
ثم المراد بالواجب المحكوم باستئجاره من الأصل - أو مع بطلان
الوصية - هو حجة الاسلام دون غيره، بل هو في حكم المندوب كما مر
سابقا.

(1) المدارك 7: 149.
(2) الدروس 1: 325.
153

المسألة السابعة والعشرون: لو عين الموصي الأجرة، وكانت بقدر
لا يرغب فيها أجير أصلا، بطلت الوصية بالحج قطعا، لبطلان التكليف بغير
الممكن.
وهل تبقى الوصية بالقدر المعين من المال بحالها مطلقا، فيكون
كمجهول المالك، فيصرف في وجوه البر، كما اختاره في الشرائع
والمنتهى (1)، بل جعله في المدارك المشهور بين الأصحاب (2)؟
أو يعود ميراثا مطلقا، كما اختاره في المدارك (3)؟
أو الأول إن طراء القصور لعارض، والثاني إن قصرت الأجرة ابتداء،
كما حكي عن المحقق الثاني (4)، واستوجهه ثاني الشهيدين أيضا (5)؟
أحسنها: أوسطها، لأن الأصل في مال الميت الثابت بالعمومات
والاطلاقات (6): الانتقال إلى الوارث، إلا ما تعلق به دين أو وصية، والوصية
قد بطلت هناك بعدم إمكان الاتيان بها، فلا وجه لعدم الانتقال.
احتج الأول: بأن هذا القدر من المال قد خرج عن ملك الورثة
بالوصية النافذة، ولا يمكن صرفها في الطاعة التي عينها الموصي، فيصرف
إلى غيرها من الطاعات، لدخوله في الوصية ضمنا.
ويرد عليه: منع تحقق الوصية النافذة، لأن النفوذ فرع الامكان، وإذ
ليس فليس، وإمكان الطاعة الأخرى لا يفيد، لعدم كونها موصى بها،

(1) الشرائع 1: 235، المنتهى 2: 874.
(2) المدارك 7: 150.
(3) المدارك 7: 151.
(4) حكاه عنه في المدارك 7: 151 وانظر جامع المقاصد 3: 148.
(5) المسالك 1: 99.
(6) الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1.
154

ودخولها ضمنا إنما يتم على قاعدة من لا يترك الميسور بالمعسور، وقد بينا
بطلانها في موضعه.
ودليل الثالث: صحة الوصية ابتداء، فخرج عن الوارث لنفوذ الوصية
المعينة، فلا يعود إليه إلا بدليل، ولم يثبت، غاية الأمر أنه قد تعذر صرفه
في الوجه المعين، فيكون كمجهول المالك، فيصرف في وجوه البر.
ويرد عليه أولا: أن عدم دليل على عوده إلى الوارث لا يوجب صرفه
في وجوه البر أيضا، لعدم الدليل عليه أيضا، ومجهول المالك الذي يصرف
فيها إنما هو غير ذلك، بل هو على النحو المعهود، وقياس ذلك عليه
باطل.
وثانيا: أن لنا أن نقول: إن الموصى به على هذا الوجه إنما هو مثل
المبيع بشرط الخيار، أو المبيع الذي يثبت فيه خيار الغبن للمشتري، أو
المؤجر به الذي ثبت للمستأجر خيار الفسخ بعد فوت المؤجر، لحصول
نقصان في منفعته أو عينه، فإن العين في الأولين والمنفعة في الأخير لم
تنتقل بالموت إلى الوارث، ولكن كان للميت في العين والمنفعة
المذكورتين حق، هو كونه بحيث لو فسخ العقد ينتقل إليه، وهذا الحق قد
انتقل إلى الوارث، لانتقال جميع حقوق مورثه إليه ولازم ذلك انتقال العين
أو المنفعة إليه بعد الفسخ، فكذا فيما نحن فيه، فنقول: إن الموصى به إنما
هو بحيث لو بطلت الوصية فيه ابتداء أو لعارض لصار كما كان ملكا
للموصي، وهذا حق له ينتقل إلى الوارث، ويلزمه انتقال الموصى به إليه.
فإن قيل: من أين علم ثبوت هذا الحق للموصي حتى ينتقل إلى
الوارث؟
قلنا: لأن الموصى به كان ملكا له فالأصل بقاؤه عليه، إلا بقدر علم
155

خروجه منه، ولم يعلم إلا هذا القدر، يعني: علم أنه خرج عن ملكه ما
دامت الوصية واجب العمل بها، وأما الزائد عنه فلا.
فإن قيل: بالوصية خرج عن ملكه، فيستصحب ذلك.
قلنا: بالوصية صار واجب الصرف في الوصية ولزمه الخروج عن
ملكه، فإذا انتفى الملزوم لا يمكن استصحاب اللازم.
فروع:
أ: لو احتمل رغبة الأجير في بعض الأعوام الآتية، فإن كان عام
الوصية معينا ولم يرغب فيه أجير لم يلزم الانتظار وبطلت الوصية، ولو كان
مطلقا وجب انتظاره ما لم يحصل اليأس، لاستصحاب وجوب العمل
بالوصية.
ب: ما ذكرنا من العود إلى الوارث إنما هو في الحج المندوب والزائد
من الحجة الميقاتية في الواجب، وأما أجرة الميقاتية فيه فلا تعود إليه إلا إذا
كان المال بقدر لا يفي بها أيضا، كما مر.
ج: لو كان القدر المعين بقدر لا يرغب فيه أجير أصلا، ولكن كان له
نماء بعد حصوله يمكن وفاؤهما بالحج - كدكان له منفعة وافية مع الأصل
بالحج بعد مدة، أو أمكن استنماء المال بالتجارة وصرفه في الحج بعد مدة -
فهل يجب العمل بالوصية، أم لا؟
الظاهر: الثاني، لأن الوصية إنما تعلقت بالأصل دون النماء، ولعدم
وفائه بالوصية تبطل الوصية ويعود ميراثا، فلا يكون عليه نماؤه إلا للوارث.
نعم، لو أوصى بالأصل والنماء يجب العمل بها.
156

الباب الثاني
في الحج المندوب
اعلم أنه يستحب الحج لفاقد الشرائط الخالي عن الموانع، ومنه العبد
المأذون والفقير والصبي المميز، للاجماع، وعمومات الترغيب فيه، وكذا
يستحب لمن حج تكراره استحبابا مؤكدا كما نطقت به الأخبار (1)، وصرح
به العلماء الأخيار (2)، وفي بعض الأخبار: (أن من حج ثلاث حجات لم
يصبه فقر أبدا) (3).
ويكره للموسر ترك الحج خمس سنين متوالية، كما صرح به في
روايتي ذريح (4) وحمران (5).
قالوا: ويشترط في حج التطوع: الاسلام (6)، وفي الذخيرة: لا أعلم
خلافا في ذلك (7)، والظاهر أن المراد اشتراطه في الصحة دون الاستحباب.
ويشترط فيه أيضا: أن لا يكون عليه حج واجب فورا، لمنافاته

(1) الوسائل 11: 123 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 45.
(2) منهم العلامة في التحرير 1: 89، الشهيد الأول في اللمعة والشهيد الثاني في
الروضة 2: 162، صاحب المدارك 7: 19.
(3) الفقيه 2: 139 / 604، الوسائل 11: 127 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 45
ح 14.
(4) الكافي 4: 278 / 1، التهذيب 5: 450 / 1570، الوسائل 11: 138 أبواب
وجوب الحج وشرائطه ب 49 ح 1.
(5) الكافي 4: 278 / 2، الوسائل 11: 139 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 49
ح 2.
(6) كما في الإرشاد 1: 313، وكفاية الأحكام: 57.
(7) الذخيرة: 571.
157

للواجب المضيق، فيكون منهيا عنه.
وقال في الذخيرة: إنه لا يبعد أن يقال: النهي متعلق بأمر خارج، فلا
يلزمه فساد الحج (1).
وعن المبسوط: صحته ووقوعه عن حجة الاسلام (2).
وعن الخلاف: صحته تطوعا وبقاء حجة الاسلام في ذمته (3).
ويشترط فيه أيضا: إذن الزوج والمولى، كما مر.
ولا يشترط البلوغ، وقد مر أيضا.

(1) الذخيرة: 571.
(2) المبسوط 1: 302.
(3) الخلاف 2: 256.
158

الباب الثالث
في أقسام العمرة بحسب الحكم
وهي أيضا كالحج تنقسم إلى واجب أصلي، أو عارضي ومندوب،
نذكر بعض أحكامها بحسب هذه القسمة في مسائل:
المسألة الأولى: تجب العمرة على الفور في العمر مرة بأصل الشرع
على كل مكلف، بالشرائط المعتبرة في الحج، بالكتاب (1)، والسنة،
والاجماع المحقق والمنقول مستفيضا (2)..
ففي صحيحة زرارة: (العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، فإن الله
تعالى يقول: (وأتموا الحج والعمرة لله) (3)).
وفي صحيحة الفضل: في قول الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة)
قال: (هما مفروضان) (4)، إلى غير ذلك من الأخبار الغير العديدة (5).
المسألة الثانية: الحق المشهور: وجوب العمرة عند تحقق استطاعتها
وعدم توقفه على تحقق الاستطاعة للحج، بل لو استطاع لها خاصة وجبت،
كما أنه لو استطاع للحج خاصة وجب دون العمرة، لاطلاق الأوامر، وعدم
وجدان دليل يدل على ارتباط أحدهما بالآخر في الوجوب، كما صرح به

(1) البقرة: 196.
(2) كما في المنتهى 2: 876، والتذكرة 1: 296.
(3) التهذيب 5: 433 / 1502، الوسائل 14: 295 أبواب العمرة ب 1 ح 2.
(4) الكافي 4: 265 / 2، التهذيب 5: 459 / 1593، الوسائل 14: 295 أبواب
العمرة ب 1 ح 1.
(5) الوسائل 14: 295 أبواب العمرة ب 1.
159

غير واحد أيضا (1).
وفي المسألة قولان آخران:
أحدهما: أن كلا منهما لا يجب إلا عند الاستطاعة للآخر.
وثانيهما: أن الحج يجب عند استطاعته دون العمرة، فإنه لا يجب إلا
عند الاستطاعة للحج، ونقل ذلك عن الدروس (2).
هذا في العمرة المفردة.
وأما عمرة التمتع، فلا ريب في توقف وجوبها على الاستطاعة
للحج، لدخولها فيه وارتباطها به وكونها بمنزلة الجزء منه، وهو موضع وفاق
ومدلول عليه بالأخبار (3).
المسألة الثالثة: العمرة المتمتع بها تجزئ عن العمرة المفردة
المفروضة، إجماعا فتوى محققا ومنقولا (4) ونصا..
ففي حسنة الحلبي: (إذا تمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من
فريضة العمرة) (5).
وفي صحيحة يعقوب بن شعيب: يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى
الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: (كذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه) (6).

(1) كالعلامة في المنتهى 2: 876، وصاحبي المدارك 8: 459، والرياض 1:
434.
(2) الدروس 1: 338.
(3) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2.
(4) كما في المنتهى 2: 876.
(5) الكافي 4: 533 / 1، التهذيب 5: 433 / 1503، الإستبصار 2: 325 / 1150،
الوسائل 14: 305 أبواب العمرة ب 5 ح 1.
(6) التهذيب 5: 433 / 1504، الإستبصار 2: 325 / 1151، الوسائل 14: 306
أبواب العمرة ب 5 ح 4.
160

وفي رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر: عن العمرة واجبة هي؟
قال: (نعم)، قلت: فمن تمتع يجزئ عنه؟ قال: (نعم) (1).
وفي رواية أبي بصير: (فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة) (2).
المسألة الرابعة: قد تجب العمرة بنذر أو عهد أو يمين،
وبالاستئجار، وبالافساد - أي إذا أفسد عمرة يجب عليه فعلها ثانيا وإن كانت
مندوبة، كالحج على ما قطع به الأصحاب - وبفوات الحج، فإنه يجب
التحلل منه بعمرة مفردة، كما يأتي في مسائل فوات الحج.
وقالوا: تجب أيضا لمن دخل مكة - بل الحرم - عدا من يستثنى، كما
يأتي في آخر كتاب الحج في بحث خصائص الحرم.
والمراد بالوجوب في ذلك القسم: الوجوب الشرطي دون الشرعي،
فإن الإثم والمؤاخذة مترتب على الدخول بغير إحرام، والمطلوب هو عدم
الدخول بدون الاحرام، دون الاحرام والدخول، ولا إثم على تركها لو دخل
بدونه، وهو له كالطهارة لصلاة النافلة، إلا إذا وجب الدخول، فإنه يجب
الاحرام حينئذ أيضا، لوجوب مقدمة الواجب شرعا.
وأيضا المراد بالوجوب: الوجوب التخييري دون المعين، لتخير
الداخل بين إحرامه بالحج وبالعمرة.
المسألة الخامسة: ما عدا ما ذكر مندوب، ولا خلاف في استحبابها
تمتعا كلما يستحب حج التمتع، وإفرادا لغير المتمتع.
ووقع الخلاف في المدة التي تستحب فيها العمرة المفردة بعد عمرة

(1) الكافي 4: 533 / 2، التهذيب 5: 434 / 1506، الإستبصار 2: 325 / 1153،
الوسائل 14: 305 أبواب العمرة ب 5 ح 3.
(2) الفقيه 2: 274 / 1339، الوسائل 14: 306 أبواب العمرة ب 5 ح 6.
161

أخرى، أي في الزمان الذي يصح فيه تتابع العمرتين المفردتين.
فمنهم من لم يقدر بينهما حدا، بل جوز الاعتمار في كل يوم مرة
فصاعدا، حكي ذلك عن السيد والحلي والديلمي (1) وكثير من
المتأخرين (2)، وعن الناصريات: نسبته إلى أصحابنا مؤذنا بدعوى الاجماع
عليه (3)، لاطلاقات الأمر بالاعتمار (4)، فلا يتقيد بوقت دون وقت.
ومنهم من قال: إن أقل ما يكون بينهما عشرة أيام، وهو منقول عن
الإسكافي والشيخ في أحد قوليه والمهذب والجامع والاصباح والتحرير
والتذكرة والمنتهى والارشاد (5).
لرواية علي بن أبي حمزة، وفيها: قال: (ولكل شهر عمرة)، فقلت:
يكون أقل؟ فقال: (يكون لكل عشرة أيام عمرة) (6).
ومنهم من قال: إن أقله شهر، وهو القول الآخر للشيخ وابن حمزة
والحلبي وابن زهرة والنافع والمختلف (7)، وإن احتمل كلام الأخيرين

(1) السيد في الناصريات: 208، الحلي في السرائر 1: 541، الديلمي في
المراسم: 104.
(2) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1: 526، والشهيد في اللمعة (الروضة 2): 375.
(3) الناصريات: 208.
(4) الوسائل 14: 295 أبواب العمرة ب 1.
(5) نقله عن الإسكافي في المختلف: 319، الشيخ في المبسوط 1: 309. المهذب
1: 211، الجامع للشرائع: 179، التحرير 1: 129، التذكرة 1: 401، المنتهى
2: 877، الإرشاد 1: 338.
(6) الكافي 4: 534 / 3، الفقيه 2: 278 / 1363، التهذيب 5: 434 / 1508،
الإستبصار 2: 326 / 1158، الوسائل 14: 308 أبواب العمرة ب 6 ح 3.
(7) الشيخ في المبسوط 1: 304، ابن حمزة في الوسيلة: 157، الحلبي في الكافي
في الفقه 1: 221، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 583، النافع: 99،
المختلف: 320.
162

للتوقف وللتردد بين الشهر والسنة.
لصحيحتي الحلبي (1) وابن عمار (2)، وموثقتي يونس (3) وإسحاق (4)،
ورواية علي بن أبي حمزة، المتضمنة لقوله عليه السلام: (لكل شهر عمرة) كما
في بعضها، أو: (في كل شهر عمرة) كما في بعض آخر.
وعن العماني: أنه لا يكون في السنة إلا عمرة واحدة، فأقل ما يكون
بينهما السنة (5).
لصحيحتي الحلبي وزرارة: (لا يكون عمرتان في سنة) (6) كما في
إحداهما، (والعمرة في كل سنة) (7) كما في الأخرى.
أقول: لا ينبغي الريب في ضعف القول الأخير وإن صحت روايتاه،
لشذوذهما، كما صرح به غير واحد (8)، مضافا إلى ضعف دلالة الأخيرة على
المنع عن الزائد، واحتمالهما التقية، لموافقتهما لبعض العامة كما قيل (9)،

(1) التهذيب 5: 435 / 1511، الإستبصار 2: 326 / 1156، الوسائل 14: 309
أبواب العمرة ب 6 ح 6.
(2) التهذيب 5: 435 / 1509، الإستبصار 2: 326 / 1154، الوسائل 14: 308
أبواب العمرة ب 6 ح 4.
(3) الكافي 4: 534 / 1، التهذيب 5: 434 / 1507 الوسائل 14: 307 أبواب
العمرة ب 6 ح 2.
(4) الفقيه 2: 278 / 1362، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 8.
(5) نقله عن العماني في المختلف: 319، التنقيح 1: 526، الحدائق 16: 319.
(6) التهذيب 5: 435 / 1512، الإستبصار 2: 326 / 1157، الوسائل 14: 309
أبواب العمرة ب 6 ح 6.
(7) التهذيب 5: 435 / 1511، الإستبصار 2: 326 / 1156، الوسائل 14: 309
أبواب العمرة ب 6 ح 7.
(8) انظر الرياض 1: 435.
(9) انظر: الوافي 12: 477.
163

وعمومهما بالنسبة إلى المتمتع بها والمفرد، واختصاص معارضاتهما
بالأخيرة قطعا.
ومن بعض ما ذكر يظهر جواب أدلة القول الثالث أيضا، فإنها غير دالة
على المنع عن الزائد، بل غايتها الدلالة على جواز الاعتمار في كل شهر وأن
لكل شهر عمرة، وهو لا يدل على النهي عن الزيادة - كما اعترف به من
المتأخرين جماعة (1) - بل يؤكد عدم الدلالة رواية علي بن أبي حمزة
المتقدمة، فلا معارض لذيل هذه الرواية المجوزة لها في كل عشرة،
وضعف سندها غير ضائر بعد وجودها في الكتب المعتبرة، فلا وجه لردها
بالمرة، وهو دليل القول الثاني، ولكن في دلالتها على ما هو مرادهم - من
المنع من الزائد أيضا - ما مر من المنع، وسبيلها سبيل الأخبار السابقة،
واقتضاء سوق السؤال له ممنوع غايته.
فلم يبق إلا دليل القول الأول، وهو في غاية الجودة والمتانة.
والايراد عليه: بأن الاطلاقات بالنسبة إلى تحديد المدة بينهما مجملة
غير واضحة الدلالة، وإنما هي مسوقة لبيان الفضيلة.
مردود بكفاية الفضيلة، لحسنها في كل مرة، ولا يحتاج إلى تحديد
المدة، مع أن المقام مقام الاستحباب المتحمل للمسامحة، فتكفي فيه فتوى
الأجلة وظاهر الاجماع المحكي (2)، والله العالم.

(1) كصاحبي المدارك 8: 466، والرياض 1: 435.
(2) حكاه في الرياض 1: 436.
164

المقصد الثاني
في بيان المواقيت وأحكامها
وهي جمع الميقات، والمراد منها: الأمكنة المعينة شرعا للاحرام.
بيانه: إن الاحرام - الذي هو أول أفعال الحج والعمرة - يجب إيقاعه
في موضع معين، وقد قرر الشارع لكل طائفة موضعا خاصا يجب عليه إحرامه
منه، وباعتبار تعدد تلك الطوائف تكثرت المواقيت، فمنهم من جعلها خمسة،
ومنهم من قال: إنها ستة، ومنهم من حصرها في سبعة، ومنهم في عشرة.
وليست تلك الاختلافات باعتبار الاختلاف في جواز الاحرام من
الجميع وعدمه، لأن الجميع مما جوزوا بل أوجبوا إحرام أهله منه، بل لكل
نكتة في تعيين العدد بحسب نظره، كما أن من ذكر الخمسة نظر إلى ذكرها
بخصوصها في بعض الأحاديث (1)، أو إلى أنها مما خصها رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) الكافي 4: 319 / 2، الفقيه 2: 198 / 903، التهذيب 5: 55 / 167، الوسائل
11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.
165

بذلك الحكم (1)، وبذلك عرف، ولا حكم له غير ذلك، وكما أن من لم يذكر
الفخ لأنه ليس ميقاتا لحج واجب أو عمرة واجبة، وهكذا.
وبالجملة: مجموع المواقيت التي يتحقق فيها الاحرام عشرة:
الأول: العقيق.
وهو ميقات العراقيين والنجديين ومن والاهم، وهو في اللغة: كل واد
عقه السيل، أي شقه فأنهره ووسعه (2)، وسميت به أربعة أودية في بلاد
العرب، أحدها الميقات، وهو: واد يندفق سيله في غوري تهامة، كما
حكي عن تهذيب اللغة (3)، وله طرفان ووسط..
فأوله: المسلح، بفتح الميم وكسرها، كما في السرائر (4)، ثم
بالمهملتين، كما عن فخر المحققين والتنقيح (5)، أي الموضع العالي، أو
مكان أخذ السلاح ولبس لامة الحرب، ويناسبه تسميته ببريد البعث أيضا
كما يأتي.
أو بالخاء المعجمة، كما حكاه الشهيد الثاني عن بعض الفقهاء (6)، أي
موضع النزع، سمي به لأنه تنزع فيه الثياب للاحرام، ومقتضى ذلك تأخير
التسمية عن وضعه ميقاتا.
وأوسطه: غمرة - بالمعجمة، ثم الميم الساكنة، وقيل: المكسورة، ثم

(1) انظر الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1.
(2) الصحاح 4: 1527.
(3) حكاه عنه في لسان العرب 10: 255، وهو في تهذيب اللغة 1: 59.
(4) السرائر 1: 528.
(5) حكاه عن فخر المحققين في كشف اللثام 1: 304، التنقيح 1: 446.
(6) المسالك 1: 103.
166

المهملة -: منهلة من مناهل طريق مكة، وهي: فصل ما بين نجد وتهامة،
كما عن الأزهري (1) والقاموس (2)، سميت بها لزحمة الناس فيها.
وآخره: ذات عرق، بالمهملة المكسورة، ثم المهملة الساكنة، وهو:
الجبل الصغير، سميت بها لأنه كان بها عرق من الماء، أي قليل، وقيل: إنها
كانت قرية فخربت (3).
ثم كون العقيق ميقاتا لمن ذكر مما لا خلاف فيه، بل نقل عليه
الاجماع مستفيضا (4)، وتدل عليه الأخبار المستفيضة:
كصحيحة ابن عمار: (من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت
التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله، لا تجاوزها إلا وأنت محرم، فإنه وقت لأهل
العراق - ولم يكن يومئذ عراق - بطن العقيق من قبل أهل العراق، ووقت
لأهل اليمن يلملم، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقت لأهل المغرب
الجحفة، وهي مهيعة، ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ومن كان منزله
خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله) (5).
وصحيحة الحلبي: (الاحرام من مواقيت خمسة، وقتها
رسول الله صلى الله عليه وآله، لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها، وقت
لأهل المدينة ذا الحليفة، وهو مسجد الشجرة يصلى فيه ويفرض الحج،
ووقت لأهل الشام الجحفة، ووقت لأهل نجد العقيق، ووقت لأهل الطائف

(1) نقله عنه في لسان العرب 5: 33، وهو في تهذيب اللغة 8: 129.
(2) القاموس 2: 108.
(3) المنتهى 2: 671.
(4) كما في التذكرة 1: 320، وكشف اللثام 1: 304، والرياض 1: 358.
(5) الكافي 4: 318 / 1، التهذيب 5: 54 / 166 و 283 / 964، العلل: 434 / 2،
الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 2.
167

قرن المنازل، ووقت لأهل اليمن يلملم، ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن
مواقيت رسول الله صلى الله عليه وآله) (1).
وقريبة منها الأخرى لعبيد الله بن علي الحلبي، وفيها - بعد قوله:
ويفرض الحج -: (فإذا خرج من المسجد وسار واستوت به البيداء حين
يحاذي الميل الأول أحرم) (2).
والخزاز: حدثني عن العقيق أوقت وقته رسول الله صلى الله عليه وآله أو شئ
صنعه الناس؟ فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت لأهل المدينة ذا الحليفة،
ووقت لأهل المغرب الجحفة، وهي عندنا مكتوبة مهيعة، ووقت لأهل
اليمن يلملم، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقت لأهل نجد العقيق
وما أنجدت) (3).
أقول: الأنجاد: الدخول في أرض نجد، أي وقته لمن دخل أرض
نجد.
ورفاعة: (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله العقيق لأهل نجد، وقال: هو وقت
لما أنجدت الأرض وأنتم منهم، ووقت لأهل الشام الجحفة، ويقال لها:
المهيعة) (4).
أقول: (وأنتم منهم)، أي ممن دخل أرض نجد.

(1) الكافي 4: 319 الحج ب 74 ح 2، التهذيب 5: 55 / 167، الوسائل 11: 308
أبواب المواقيت ب 1 ح 3.
(2) الفقيه 2: 198 / 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4 وفيه:
يجازي، بدل: يحاذي.
(3) الكافي 4: 319 / 3، التهذيب 5: 55 / 168، الوسائل 11: 307 أبواب
المواقيت ب 1 ح 1.
(4) الفقيه 2: 198 / 904، الوسائل 11: 310 أبواب المواقيت ب 1 ح 10.
168

وعلي: عن إحرام أهل الكوفة وخراسان وما يليهم وأهل الشام
ومصر، من أين هو؟ قال: (أما أهل الكوفة وخراسان وما يليهم فمن
العقيق، وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة، وأهل الشام ومصر من
الجحفة، وأهل اليمن من يلملم، وأهل السند من البصرة) [يعني]: ميقات
أهل البصرة (1).
وعمر بن يزيد: (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل المشرق العقيق نحوا
من بريدين ما بين بريد البعث إلى غمرة، ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة،
ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم) (2).
قال في الوافي: البعث - بالموحدة ثم المهملة ثم المثلثة -: أول
العقيق، وهو بمعنى الجيش، كأنه بعث الجيش من هناك، ولم نجده في
اللغة اسما لموضع، كذلك ضبطه من يعتمد عليه من أصحابنا، فما يوجد
في بعض النسخ على غير ذلك لعله مصحف (3).
ومرسلة الفقيه: (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل العراق العقيق، وأوله
المسلخ، ووسطه غمرة، وآخره ذات عرق، وأوله أفضل) (4)، ونحوها
الرضوي (5).
وأما ما في صحيحة عمر بن يزيد المذكورة - من أن الميقات لأهل

(1) التهذيب 5: 55 / 169، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 5، بدل ما
بين المعقوفين في النسخ: أي، وما أثبتناه من المصدر.
(2) التهذيب 5: 56 / 170، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 6 وفيه:
نحوا من بريد..
(3) الوافي 12: 483.
(4) الفقيه 2: 199 / 907، الوسائل 11: 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 9.
(5) فقه الرضا (ع): 216، مستدرك الوسائل 8: 104 أبواب المواقيت ب 3 ح 1.
169

نجد قرن المنازل - فقد فسره بعضهم بأهل الموضع المرتفع، وأريد
الطائف (1)، وقيل: لعل لنجد طريقين، لكل طريق ميقات (2).
وأما أن حد العقيق من المسلخ إلى ذات عرق فتدل عليه المرسلة
والرضوي المتقدمين.
ورواية أبي بصير: (حد العقيق أوله المسلخ وآخره ذات عرق) (3).
وتدل على مبدئه أيضا رواية أخرى عن أبي بصير: (حد العقيق ما
بين المسلخ إلى عقبة غمرة) (4).
والظاهر عدم خلاف في ذلك التحديد وكون ما ذكره عقيقا وأنه ليس
غيره بعقيق يحرم منه.
نعم، في صحيحة ابن عمار: (أول العقيق بريد البعث، وهو دون
المسلخ بستة أميال مما يلي العراق، وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلا،
بريدان) (5).
ومقتضاها تقدم مبدأ العقيق على المسلخ بستة أميال، ولكنها شاذة،
بل فيها: أنها خلاف ما اتفقت عليه كلمة الأصحاب والأخبار.
ويمكن الجمع بأن المراد في الصحيحة مطلق العقيق، وفي باقي
الأخبار الميقات من العقيق.
وقيل: إن هذه الستة أميال وإن كانت من العقيق ولكنها خارجة عن

(1) انظر مجمع الفائدة 6: 181.
(2) انظر الحدائق 14: 439.
(3) التهذيب 5: 56 / 171، الوسائل 11: 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 7.
(4) الكافي 4: 320 / 5، الوسائل 11: 312 أبواب المواقيت ب 2 ح 5.
(5) الكافي 4: 321 / 10، التهذيب 5: 57 / 175، الوسائل 11: 312 أبواب
المواقيت ب 2 ح 2.
170

بطنه الذي هو الميقات، كما نص عليه في صحيحة ابن عمار الأولى (1).
وكيف كان، فلا يجوز تقديم الاحرام على المسلخ، وكأنه لا خلاف
فيه، بل الظاهر أنه إجماعي، وادعى بعضهم الاتفاق عليه أيضا (2)، وتدل
عليه الأخبار الثلاثة المذكورة، ولا تضر معارضة الصحيحة، إذ غايتها حصول
الاجمال المقتضي لاستصحاب الاشتغال إلى أن تعلم البراءة الغير المعلوم
إلا بالتأخير إلى المسلخ..
ولا تأخيره عن ذات عرق، وهو أيضا إجماعي نصا وفتوى.
وهل يجوز التأخير إلى ذات عرق، كما هو المشهور، بل قيل: كاد أن
يكون إجماعا (3)، بل نسبه جماعة إلى الأصحاب وإلى المعروف بينهم
مشعرين بدعوى الاجماع عليه، بل عن الخلاف والناصريات والغنية
الاجماع عليه (4)؟
أو لا يجوز التأخير عن الغمرة إلا لمرض أو تقية، كما عن الشيخ في
النهاية ووالد الصدوق، بل عن الصدوق في المقنع والهداية، وتبعهما
الشهيد في الدروس (5)، ومال إليه بعض متأخري المتأخرين (6)؟
دليل المشهور: المرسلة، والرضوي، وإحدى روايتي أبي بصير

(1) المتقدمة في ص: 165.
(2) كصاحب الرياض 1: 358.
(3) الرياض 1: 358.
(4) الخلاف 2: 283، الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، الغنية (الجوامع
الفقهية): 574.
(5) النهاية: 210، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 262، المقنع: 69،
الهداية: 55، الدروس 1: 340.
(6) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 305.
171

المتقدمة، المؤيدة برواية مسمع: (إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق من
مكة فليحرم من منزله) (1)، المنجبرة بما مر ذكره.
وحجة النافين: صحيحة عمر بن يزيد، والرواية الأخرى لأبي بصير،
وصحيحة ابن عمار الأخيرة الراجحة على ما تقدم بصحة السند وموافقة
أصل الاشتغال ومخالفة العامة.
كما تدل عليه الصحيحة المروية في الاحتجاج عن صاحب الأمر عليه السلام:
عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون متصلا بهم، يحج ويأخذ عن
الجادة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ؟ فكتب إليه في الجواب: (يحرم من
ميقاته، ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره) (2).
وأجيب عنها (3): بعدم تكافئها - ولو كانت صحيحة - للمرسلة
وأخويها، لشهرة المرسلة وشذوذ الصحيحة.
مضافا إلى عدم دلالة الصحيحة الثانية على خروج ذات العرق بل
شئ بالكلية، وتضمنها ما لم يقل به أحد من أن أول العقيق ما دون
المسلخ.. ودلالة الأخريين على خروج الغمرة أيضا، لخروج الغاية عن
المغيي، بل دلالة الرواية على خروج المسلخ أيضا لمثل ذلك، وهما
باطلان اتفاقا.
ومنه يظهر وجه مرجوحية لرواية أبي بصير الثانية، لموافقتها من هذه
الجهة للعامة، ووجه راجحية للمرسلة وأخويها، لمخالفتها العامة من تلك
الجهة، ومن جهة التصريح: بأن العقيق من المواقيت المنصوصة عن

(1) التهذيب 5: 59 / 185، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 3.
(2) الإحتجاج: 484، الوسائل 11: 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 10.
(3) كما في الرياض 1: 358.
172

رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو أيضا مما لا يقول به العامة.
وعلى هذا، فتعين الجمع بحمل الصحيحتين والرواية على أن المراد:
أن ذات عرق وإن كانت من العقيق، إلا أنها لما كانت ميقات العامة وكان
الفضل فيما تقدم عليها فالتأخير إليها وترك الفضل إنما يكون لعلة وعذر أو
تقية، كما يشير إليه كلام الحلي في السرائر (1)، بل يحتمله كلام المخالفين
في المسألة أيضا، ولعله لذلك لم يجعلهم الفاضل والشهيد مخالفين
صريحا، بل نسباهما بالاشعار والظهور (2).
أقول: كلما ذكر وإن كان كذلك، إلا أن الشذوذ المخرج عن الحجية
غير ثابت بعد فتوى مثل الصدوقين والشيخ والشهيد، بل الكليني أيضا (3)،
حيث اقتصر في التحديد على رواية أبي بصير الثانية وصحيحة ابن عمار،
فيبقى دليلا الطرفين متكافئين، فيجب الرجوع إلى أصل الاشتغال، ولذا لم
يجترئ أكثر المتأخرين المرجحين لأدلة المشهور على الفتوى به، وجعلوا
الأخير أحوط، وهو كذلك لو لم يكن أظهر، مع أنه الأظهر أيضا، لما مر،
فتدبر.
ثم إنهم ذكروا أن المسلخ أفضل من الغمرة، وهي من ذات عرق على
دخولها في العقيق، وهو كذلك، لفتوى الأصحاب الكافية في مقام التسامح.
مضافا في الأول إلى المرسلة، والرضوي، وموثقة يونس: الاحرام من
أي العقيق أفضل أن أحرم؟ فقال: (من أوله فهو أفضل) (4).

(1) السرائر 1: 528.
(2) الفاضل في المنتهى 2: 666، الشهيد في الدروس 1: 340.
(3) الصدوق في المقنع: 69، نقله عن والد الصدوق في المختلف: 262، الشيخ في
المبسوط 1: 312، الشهيد في الدروس 1: 340، الكليني في الكافي 4: 321.
(4) الكافي 4: 320 / 7، الوسائل 11: 314 أبواب المواقيت ب 3 ح 2.
173

وموثقة إسحاق: عن الاحرام من غمرة، قال: (ليس به بأس أن يحرم
منها، وكان بريد العقيق أحب إلي) (1).
أقول: أي البريد الذي في أوله.
وفي الثاني إلى مرسلة الكافي: (إذا خرجت من المسلخ فأحرم عند
أول بريد يستقبلك) (2).
وأول بريد بعد المسلخ هو بريد غمرة، كما يستفاد من الأخبار.
وقد يقال: إن أفضل مواضع العقيق: بركة الشريف، وهي: بركة
مربعة في يمين من يذهب من العراق إلى مكة، في حواليها أشجار الشوك
الكثيرة.
ولا دليل على تلك الأفضلية، واحتمل بعضهم أن يكون ذلك مبنيا
على أفضلية أول كل من المسلخ والغمرة وذات العرق وكونها في أول
المسلخ، ولكن لم يظهر لي ذلك بعد الفحص.
والثاني: مسجد الشجرة.
وهو ميقات أهل المدينة، كما صرح به في المقنعة والناصريات
وجمل العلم والعمل والنافع والشرائع والارشاد والقواعد والكافي والإشارة
والغنية والسرائر والمعتبر والمنتهي والتحرير والمهذب والمبسوط والخلاف
والنهاية، بل جميع كتب الشيخ، والصدوق والقاضي والديلمي والتذكرة (3)،

(1) الكافي 4: 325 / 9، التهذيب 5: 56 / 172، الوسائل 11: 314 أبواب
المواقيت ب 3 ح 3 بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 321 / 10، الوسائل 11: 312 أبواب المواقيت ب 2 ح 3.
(3) 169 المقنعة: 394، الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، جمل العلم والعمل
(رسائل الشريف المرتضى 3): 64، النافع: 80، الشرائع 1: 241، الإرشاد 1:
315، القواعد 1: 79، الكافي في الفقه: 202، إشارة السبق: 125، الغنية
(الجوامع الفقهية): 574، السرائر 1: 528، المعتبر 2: 802، المنتهى 2:
666، التحرير 1: 94، المهذب 1: 213،، المبسوط 1: 312، لم نعثر عليه
في الخلاف، النهاية: 210، الإقتصاد: 300، الصدوق في المقنع: 68، القاضي
في شرح جمل العلم والعمل: 213، الديلمي في المراسم: 107، التذكرة 1: 320.
174

بالنصوص المعتبرة المتواترة:
كصحيحة ابن عمار، وفيها: (فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله في أربع بقين
من ذي القعدة، فلما انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل، ثم خرج
حتى أتى المسجد الذي هو عند الشجرة فصلى فيه الظهر، ثم عزم على
الحج مفردا، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول، فصف الناس
له سماطين، فلبى بالحج مفردا) الحديث (1).
وابن سنان الواردة في حج رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا، وفيها: (فلما نزل الشجرة
أمر الناس بنتف الإبط وحلق العانة والغسل والتجرد في إزار ورداء) الحديث (2).
وابن وهب: سألت أبا عبد الله عليه السلام - ونحن بالمدينة - عن التهيؤ
للاحرام، فقال: (أطل بالمدينة وتجهز بكل ما تريد واغتسل، وإن شئت
استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة) (3).
ومرسلة الكافي: (يحرم من الشجرة ثم يأخذ من أي طريق شاء) (4).
ورواية رباح، وفيها: (فلو كان كما يقولون لم يتمتع رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، الوسائل 11: 213 أبواب
أقسام الحج ب 2 ح 4، بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 249 / 7، الوسائل 11: 223 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 15.
(3) التهذيب 5: 62 / 196، الوسائل 12: 324 أبواب الاحرام ب 7 ح 1، ورواها في
الفقيه 2: 200 / 915.
(4) الكافي 4: 321 / 9، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 2.
175

بثيابه إلى الشجرة) (1)، ونحوها رواية أبي بصير (2).
ومرسلة النضر: رجل دخل مسجد الشجرة فصلى وأحرم، ثم خرج
من المسجد فبدا له قبل أن يلبي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء، أله ذلك؟
فكتب: (نعم) [أو]: (لا بأس به) (3)، وقريبة منها مرسلة جميل (4)، ورواية
علي بن عبد العزيز (5)، وصحيحتا ابن عمار (6) والبجلي (7).
وصحيحة الحلبي: (إذا صليت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في
دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل
وتستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلبه) (8).
وصحيحة عمر بن يزيد: (إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت
ماشيا لبيت من مكانك إلى المسجد) الحديث (9).
والمروي في قرب الإسناد: (ولأهل المدينة ومن يليها الشجرة) (10).

(1) التهذيب 5: 59 / 187، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 5.
(2) الفقيه 2: 199 / 909، الوسائل 11: 232 أبواب المواقيت ب 11 ح 2.
(3) الكافي 4: 331 / 9، الفقيه 2: 208 / 950، الوسائل 12: 337 أبواب الاحرام
ب 14 ح 12، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: و، وما أثبتناه من المصادر.
(4) التهذيب 5: 82 / 273، الوسائل 12: 335 أبواب الاحرام ب 14 ح 5.
(5) الكافي 4: 330 / 6، الفقيه 2: 208 / 947، التهذيب 5: 83 / 276، الوسائل
12: 335 أبواب الاحرام ب 14 ح 6.
(6) التهذيب 5: 82 / 272، الإستبصار 2: 188 / 631، الوسائل 12: 333 أبواب
الاحرام ب 14 ح 1.
(7) الفقيه 2: 208 / 948، التهذيب 5: 82 / 275، الإستبصار 2: 188 / 633،
الوسائل 12: 333 أبواب الاحرام ب 14 ح 3.
(8) الكافي 4: 333 / 11، الفقيه 2: 207 / 943، الوسائل 12: 373 أبواب
الاحرام ب 35 ح 3.
(9) التهذيب 5: 92 / 301، الوسائل 12: 383 أبواب الاحرام ب 40 ح 3.
(10) قرب الإسناد: 244 / 970، الوسائل 11: 310 أبواب المواقيت ب 1 ح 9.
176

وفي العلل: لأي علة أحرم رسول الله من مسجد الشجرة ولم يحرم
من موضع دونه؟ فقال: (لأنه لما أسري به إلى السماء) الحديث (1).
ولا تنافي تلك الأخبار المستفيضة من الصحاح وغيرها المتقدمة
أكثرها الجاعلة لميقات أهل المدينة ذا الحليفة (2)، لأنه مسجد الشجرة كما
صرح به في الإشارة (3)، ومن تأخر ذكره عنه من الكتب المتقدمة (4).
وتدل عليه صحيحتا الحلبيين السابقتين (5)، والمروي في قرب الإسناد: (ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة، وهي الشجرة) (6).
وصحيحة ابن عمار، وفيها: (ومسجد ذي الحليفة الذي كان
خارجا من السقائف عن صحن المسجد، ثم اليوم ليس شئ من السقائف
منه) (7).
وبذلك يجمع بين الأخبار، وكذلك بين فتاوى من أطلق المسجد
- كالكتب المتقدمة على الإشارة (8) - أو ذا الحليفة، كما عن الدروس واللمعة
والوسيلة والمحقق الثاني (9).

(1) العلل: 433 / 1، الوسائل 11: 311 أبواب المواقيت ب 1 ح 13.
(2) كما في الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1.
(3) الإشارة: 125.
(4) في ص: 172.
(5) الأولى في: الكافي 4: 319 الحج ب 74 ح 2، التهذيب 5: 55 / 167،
الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.
الثانية في: الفقيه 2: 198 / 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.
(6) قرب الإسناد 164 / 599، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 7.
(7) الكافي 4: 334 / 14، الوسائل 11: 315 أبواب المواقيت ب 4 ح 1.
(8) انظر ص: 172.
(9) الدروس 1: 340، اللمعة (الروضة 2): 224، الوسيلة: 160، المحقق الثاني
في جامع المقاصد 3: 158.
177

إلا أن بعض هؤلاء صرح بأفضلية المسجد وأحوطيته (1)، وظاهرها
عدم تعين المسجد، وصرح الأخير بأن جواز الاحرام من الموضع كله مما
لا يكاد يدفع (2).
ويدفعه ما سبق ذكره من تصريح الصحيحين وغيرهما: بأن ذا الحليفة
هو مسجد الشجرة، والأمر في طائفة من الأخبار المتقدمة بالاحرام منها،
وأنها التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله، المؤيدة بعمل الأكثر، بل الاجماع
المحكي عن الناصريات والغنية (3)، وبروايات غير ما ذكر أيضا، كصحيحة
ابن سنان: (من أقام بالمدينة - وهو يريد الحج - شهرا أو نحوه، ثم بدا له
أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستة
أميال فليحرم منها) (4)، وقريبة منها صحيحته الأخرى (5).
وكذا لا تنافي ما ذكرناه صحيحة عبيد الله الحلبي المتقدمة، حيث
قال: (فإذا خرج من المسجد وسار واستوت به البيداء حين يحاذي الميل
الأول أحرم) (6).
حيث إن ظاهرها جواز الاحرام من خارج المسجد، كما فهمه
صاحب الذخيرة (7)، لأن هذا إنما هو إذا أريد من الاحرام معناه الحقيقي،

(1) كما في الدروس 1: 340.
(2) جامع المقاصد 3: 158.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، الغنية (الجوامع الفقهية): 574.
(4) الفقيه 2: 200 / 913، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 3.
(5) الكافي 4: 321 / 9، التهذيب 5: 57 / 178، الوسائل 11: 317 أبواب
المواقيت ب 7 ح 1.
(6) الفقيه 2: 198 / 903، الوسائل 11: 308.
(7) الذخيرة: 576.
178

وليس كذلك قطعا، لمنافاته لصدرها..
بل المراد: التلبية، كما تدل عليه صحيحة ابن وهب: عن التهيؤ
للاحرام، فقال: (في مسجد الشجرة، فقد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد
ترى ناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء جنب الميل، فتحرمون
كما أنتم في محاملكم، تقول: لبيك اللهم لبيك) (1) إلى آخره، حيث جعل
الاحرام هو التلبية.
وصحيحة ابن سنان: هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يظهر
التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: (نعم، إنما لبى رسول الله صلى الله عليه وآله على
البيداء، لأن الناس لم يكونوا يعرفون التلبية فأحب أن يعلمهم كيفية
التلبية) (2).
وفي صحيحته الأخرى: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن يلبي حتى يأتي
البيداء) (3)
وفي صحيحة ابن حازم: (إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى
تأتي البيداء) (4).
ودلت عليه صحيحة ابن عمار ومرسلة النضر وصحيحة [الحلبي] (5)

(1) التهذيب 5: 84 / 277، الإستبصار 2: 169 / 599، الوسائل 12: 370 أبواب
الاحرام ب 34 ح 3.
(2) الكافي 4: 334 / 12، التهذيب 5: 84 / 280، الإستبصار 2: 170 / 562،
الوسائل 12: 372 أبواب الاحرام ب 35 ح 2، بتفاوت يسير.
(3) التهذيب 5: 84 / 279، الإستبصار 2: 170 / 561، الوسائل 12: 370 أبواب
الاحرام ب 34 ح 5.
(4) التهذيب 5: 84 / 278، الإستبصار 2: 170 / 560، الوسائل 12: 370 أبواب
الاحرام ب 34 ح 4.
(5) في النسخ: البجلي، والظاهر ما أثبتناه.
179

المتقدمة (1) أيضا.
هذا، ثم إنه يجوز إحرام أهل المدينة أيضا من الجحفة - بالجيم
المضمومة ثم المهملة الساكنة ثم الفاء المفتوحة فتاء - على سبع مراحل من
المدينة وثلاث من مكة، كما عن بعض أهل اللغة، وعنه: أن بينها وبين البحر
نحو ستة أميال، وعن غيره: ميلان، قيل: ولا تناقض، لاختلاف البحر
باختلاف الأزمنة (2).
وقيل: كانت مدينة فخربت، سميت بها لاجحاف السيل بها، أي
ذهابه بها (3).
وسميت مهيعة، بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء المثناة التحتانية،
ومعناها: المكان الواسع.
وفي القاموس: كانت قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة
تسمى مهيعة، فنزل بها بنو عبيد وهم إخوة عاد، وكان أخرجهم العماليق
من يثرب، فجاءهم سيل فاجتحفهم فسميت جحفة (4).
وعن المصباح المنير: منزل بين مكة والمدينة قريب من رابغ بين
بدر وخليص (5).
وجواز إحرامهم منها مما لا خلاف فيه، كما صرح به جماعة (6)، بل

(1) جميعا في ص: 173 - 174.
(2) انظر كشف اللثام 1: 305.
(3) انظر الذخيرة: 576، الحدائق 14: 435.
(4) القاموس المحيط 3: 125.
(5) المصباح المنير: 91.
(6) منهم السبزواري في الذخيرة: 576، وصاحبي الحدائق 14: 444، والرياض
1: 359.
180

نقل بعضهم عليه الاجماع (1)، وتدل عليه المستفيضة من الأخبار.
كصحيحة علي المتقدمة، وفيها: (وأهل المدينة من ذي الحليفة
والجحفة) (2).
وابن عمار: عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة، قال: (لا
بأس) (3).
والحلبي: من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: (من
الجحفة، ولا يجاوز الجحفة إلا محرما) (4).
وأبي بصير: خصال عابها عليك أهل مكة، قال: (وما هي؟) قلت:
قالوا: أحرم من الجحفة ورسول الله صلى الله عليه وآله أحرم من الشجرة، فقال:
(الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما وكنت عليلا) (5).
ورواية الحضرمي، وفيها: (وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وآله لمن كان
منكم مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة) (6).
وهل جواز الاحرام منها مقيد بحال الضرورة، أي المشقة التي يعسر
تحملها، كما فعله الأصحاب من غير خلاف ظاهر إلا من نادر، عملا
بالأدلة الدالة على توقيت الشجرة الظاهرة في عدم جواز العدول عنها
بالمرة، خرجت عنها حال الضرورة بالاجماع والمعتبرة، فبقي الباقي تحتها
مندرجة؟

(1) كما في المدارك 7: 219.
(2) التهذيب 5: 55 / 169، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 5.
(3) الفقيه 2: 199 / 908، الوسائل 11: 316 أبواب المواقيت ب 6 ح 1.
(4) التهذيب 5: 57 / 177، الوسائل 11: 316 أبواب المواقيت ب 6 ح 3.
(5) التهذيب 5: 57 / 176، الوسائل 11: 317 أبواب المواقيت ب 6 ح 4.
(6) الكافي 4: 324 / 3، الوسائل 11: 317 أبواب المواقيت ب 6 ح 5.
181

أو مطلق، كما عن الجعفي والوسيلة (1)، لاطلاق الصحاح الثلاثة؟
الظاهر هو: الأول، لأن الصحاح وإن كانت مطلقة، إلا أنها من هذه
الحيثية شاذة، للحجية غير صالحة، ومع ذلك يجب تقييدها بالرواية
الأخيرة، لأنها لمعنى الشرط متضمنة، فتدل بالمفهوم على اختصاص
الرخصة بالمريض والضعيف، ومثلهما في المشقة.
هذا، مع ما في الصحاح من قصور الدلالة على العموم، سيما
الأولى، إذ ليس المراد: أن أهل المدينة يحرمون من الموضعين، كما هو
مقتضى حقيقة اللفظ، فمجازه يمكن أن يكون التوقيت في الجملة ولو في
حال الضرورة.
بل وكذا الثانية، لجواز أن يكون السؤال عن رجل من أهل المدينة
- أي ساكنيها - مر على طريق الشام، وكأن السائل توهم أن الشجرة ميقات
أهل المدينة مطلقا وإن مر على طريق آخر.
بل وكذا الثالثة، إذ لا شك أن بعد التجاوز عن الشجرة يكون العود
إليها والاحرام منها مشقة وضرورة، سيما مع إيجابه التخلف عن الرفقة.
ثم على ما ذكرنا من تقييد جواز التأخير بحال الضرورة، فهل يجوز
سلوك طريق لا يؤديه إلى الشجرة اختيارا فيحرم من الجحفة، كما اختاره
في الدروس والمدارك (2) وغيرهما (3)، للأصل وعموم جواز الاحرام من أي
ميقات اتفق المرور عليه ولو لغير أهله، وكون المراد بأهل كل ميقات من
يمر عليه؟

(1) حكاه عن الجعفي في الدروس 1: 493، الوسيلة: 160.
(2) الدروس 1: 341، المدارك 7: 220.
(3) كالرياض: 359.
182

وأيضا على ما ذكرنا، لو عصى من لا ضرورة له وترك الاحرام من
الشجرة، هل يصح له الاحرام حينئذ من الجحفة، كما عن الدروس
والمدارك؟ أو لا، كما يظهر من بعض (1)؟
الوجه: التفصيل بالامكان وعدم المشقة فلا يصح، وإلا فيصح.
فرع: وإذا عرفت تعين الاحرام من مسجد الشجرة، فلو كان المحرم
جنبا أو حائضا أحرما فيه مجتازين، لحرمة اللبث.
وإن تعذر بدونه، فهل يحرمان من خارجه، كما صرح به الشهيد
الثاني والمدارك والذخيرة (2)، لوجوب قطع المسافة من المسجد إلى مكة
محرما؟
أم يؤخرانه إلى الجحفة، لكون العذر ضرورة مبيحة للتأخير؟
الأحوط: الاحرام منهما وإن كان الأظهر الثاني، لما ذكر، ولعدم دليل
على توقيت الخارج لمثلهما، ومنع وجوب قطع المسافة محرما عليه..
وتمثيل الضرورة في الأخبار بالعلة والمرض والضعف لا يوجب التخصيص
بعد اتحاد العلة قطعا وعدم القول بالفصل ظاهرا، فتدبر.
الثالث: الجحفة.
وهو ميقات أهل الشام بلا خلاف يوجد، لصحاح الحلبيين (3) ورفاعة (4)

(1) انظر الحدائق 14: 446.
(2) الشهيد الثاني في المسالك 1: 104، المدارك 7: 219، الذخيرة: 576.
(3) الأولى في: الكافي 4: 319 / 2، التهذيب 5: 55 / 167، الوسائل 11: 308
أبواب المواقيت ب 1 ح 3.
الثانية في: الفقيه 2: 198 / 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.
(4) الفقيه 2: 198 / 904، الوسائل 11: 310 أبواب المواقيت ب 1 ح 10.
183

وعلي (1) وعمر بن يزيد (2) المتقدمة، وهي أيضا ميقات أهل مصر
والمغرب، كما صرح به في صحاح ابن عمار (3) والخزاز (4) وعلي السابقة.
الرابع: - وهو ميقات أهل اليمن - يلملم.
ويقال: الملم ويرمرم، جبل على مرحلتين من مكة، وكونه ميقاتا مما
لا خلاف فيه أيضا، ووقع التصريح به في الصحاح المستفيضة المتقدمة.
الخامس: قرن المنازل.
بفتح القاف وسكون الراء، وهو ميقات أهل الطائف، وهو قرية عند
الطائف، أو اسم الوادي كله، قاله في القاموس، قال: وغلط الجوهري في
تحريكه وفي نسبة أويس القرني إليه، لأنه منسوب إلى قرن بن ردمان بن
ناجية بن مراد (5). بل قيل: اتفق العلماء في تغليطه فيهما، وإنما أويس من
بني قرن بطن من مراد (6).
ولا يخفى أنه لم يصرح بالتحريك ولا بنسبة أويس إليه، وإنما قال:
والقرن حي من اليمن ومنه أويس القرني (7).

(1) التهذيب 5: 55 / 169، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 5.
(2) التهذيب 5: 56 / 170، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 6.
(3) الكافي 4: 318 / 1، التهذيب 5: 54 / 166، الوسائل 11: 307 أبواب
المواقيت ب 1 ح 2.
(4) الكافي 4: 319 / 3، التهذيب 5: 55 / 168، الوسائل 11: 307 أبواب
المواقيت ب 1 ح 1.
(5) القاموس المحيط 4: 260.
(6) الرياض 1: 359.
(7) الصحاح 6: 2181، وفيه: والقرن: موضع، وهو ميقات أهل نجد، ومنه أويس القرني.
184

وبالجملة: لا كلام في كونه ميقاتا، وبه صرح كثير من الصحاح المتقدمة.
فائدة: قال في المنتهى: أبعد تلك المواقيت ذو الحليفة، وهو على
عشر مراحل من مكة على ميل من المدينة، ويليه في البعد الجحفة،
والمواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة، بينها وبين مكة ليلتان قاصدتان (1).
السادس: مكة.
وهو ميقات حج المتمتعين في حجهم خاصة، كما يأتي بيانه.
السابع: ميقات من كان منزله أقرب من المواقيت الخمسة إلى مكة.
فإن ميقاته دويرة أهله - أي منزله - بلا خلاف يعرف كما في
الذخيرة (2)، وفي المدارك: أنه مجمع عليه بين الأصحاب (3)، وعن المنتهى:
أنه قول أهل العلم كافة إلا مجاهد (4).
وتدل عليه المستفيضة من الصحاح وغيرها، كصحيحة ابن عمار
المتقدمة في الميقات الأول (5).
والأخرى: (من كان منزله دون الوقت إلى مكة [فليحرم] من منزله) (6).
وفي حديث آخر - كما نقله الشيخ -: (إذا كان منزله دون الميقات إلى

(1) المنتهى 2: 667.
(2) الذخيرة: 576.
(3) المدارك 7: 222.
(4) المنتهى 2: 667.
(5) راجع ص: 165.
(6) التهذيب 5: 59 / 183، الوسائل 11: 333 أبواب المواقيت ب 17 ح 1، بدل ما
بين المعقوفين في النسخ: فليخرج، وما أثبتناه من المصدر.
185

مكة فليحرم من دويرة أهله) (1).
وحسنة مسمع: (إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم
من منزله) (2).
وفي صحيحة ابن مسكان: عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة،
قال: (يحرم منه) (3).
وفي رواية رباح - بعد السؤال عما روي عن علي عليه السلام -: (إن من
تمام حجك إحرامك من دويرة أهلك، وإنما معنى دويرة أهله: من كان
أهله وراء الميقات إلى مكة) (4).
ومرسلة الصدوق: عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟
قال: (من منزله) (5).
والأخرى: (من كان منزله دون المواقيت ما بينها وبين مكة فعليه أن
يحرم من منزله) (6)، إلى غير ذلك.
وأما اعتبار القرب إلى عرفات - كما ذكره جماعة (7) - فلا دليل عليه.
ثم الحكم يعم أهل مكة أيضا على المشهور بين الأصحاب، بل نفى
بعضهم الخلاف فيه (8)، وتدل عليه مرسلة الصدوق المتقدمة، وما روي عن

(1) التهذيب 5: 59 / 184، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 2.
(2) التهذيب 5: 59 / 185، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 3.
(3) التهذيب 5: 59 / 186، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 4.
(4) التهذيب 5: 59 / 187، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 5.
(5) الفقيه 2: 199 / 911، الوسائل 11: 335 أبواب المواقيت ب 17 ح 6.
(6) الفقيه 2: 200 / 912، الوسائل 11: 335 أبواب المواقيت ب 17 ح 7.
(7) منهم المحقق في المعتبر 2: 786، الشهيد الثاني في المسالك 1: 104،
الروضة 2: 225.
(8) كما في الرياض 1: 360.
186

النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (فمن كان دونهن فمهله من أهله) (1).
بل يمكن الاستدلال عليه بصحيحة ابن عمار المشار إليها أيضا، إذ
معناها: أن من كان منزله خلف هذه المواقيت من طرف مكة، ولا شك أن
أهل مكة أيضا كذلك.
بل يمكن الاستدلال بجميع الأخبار المتقدمة سوى المرسلة الأخيرة،
بأن يفسر نحو قوله: (من كان منزله دون الميقات إلى مكة) بأن المراد: من
كان منزله في جميع ذلك الموضع المبتدأ بدون الميقات المنتهي بمكة.
واستشكل بعضهم فيهم من جهة أن الأقربية إلى مكة تقتضي
المغايرة، ومن جهة الصحيحين الواردين في المجاور أنه يحرم من
الجعرانة (2)، سواء انتقل فرضه إلى أهله أم لا (3).
ولا يخفى أن الأقرب إنما ورد في كلام الأصحاب دون أخبار
الأطياب، والصحيحان واردان في حكم المجاور، فلعل هذا مختص به، مع
أنه يأتي شذوذ تلك الأخبار أيضا.
الثامن: محاذاة الميقات.
وهو ميقات من حج على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت، ومنه
طريق البحر. وكونها ميقاتا لمن ذكر مشهور بين الأصحاب، بل نسبه

(1) صحيح مسلم 2: 838 / 1181، سنن البيهقي 5: 29.
(2) الأول: صحيح البجلي، رواه في: الكافي 4: 300 / 5، الوسائل 11: 267
أبواب أقسام الحج ب 9 ح 5.
الثاني: صحيح سماعة بن مهران، رواه في: الفقيه 2: 274 / 1335، الوسائل
11: 270 أبواب أقسام الحج ب 10 ح 2.
(3) انظر الرياض 1: 360.
187

بعضهم إلى الشهرة العظيمة (1).
لصحيحة ابن سنان: (من أقام بالمدينة - وهو يريد الحج - شهرا أو
نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة
والبيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها) (2).
وصحيحته الأخرى، وفيها: (فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال،
فيكون حذاء الشجرة من البيداء) (3).
ويتعدى إلى سائر المواقيت بالاجماع المركب.
ولا تعارضها مرسلة الكافي: (يحرم من الشجرة ثم يأخذ من أي
طريق شاء) (4)، لعدم دلالتها على الوجوب أولا، وشذوذها ثانيا، وإيجابه
الحرج في بعض الأحيان ثالثا.
وهل الميقات - الذي يحرم ذلك من محاذاته - هو الميقات الأقرب
إلى الطريق، كما هو مذهب الأكثر، وإليه ذهب الفاضل في المنتهى
والتذكرة (5)؟
أو إلى مكة، كما عن القواعد (6) وغيره (7)؟
أو أي ميقات كان، كما عن الإسكافي والحلي (8)، واختاره في

(1) كما في الرياض 1: 360.
(2) الفقيه 2: 200 / 913، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 3.
(3) الكافي 4: 321 / 9، التهذيب 5: 57 / 178، الوسائل 11: 317 أبواب
المواقيت ب 7 ح 1.
(4) الكافي 4: 321 / ذ ح 9، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 2.
(5) المنتهى 2: 671، التذكرة 1: 322.
(6) القواعد 1: 79.
(7) كالروضة 2: 227، المسالك 1: 104.
(8) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 263، الحلي في السرائر 1: 529.
188

الإرشاد (1)؟
ومقتضى الصحيحين: الأول، فهو المختار في العمل، وتكفي
المحاذاة التقريبية، لعدم إمكان التحقيق غالبا، ولأنها المتحققة في ستة
أميال.
قالوا: ويكفي الظن بالمحاذاة، لعدم حصول غير الظن إما مطلقا أو
غالبا، فلا يكون متعلق التكليف إلا الظن.
ومن لم يكن له سبيل إلى الظن أيضا يحرم من أول موضع يحتمل
المحاذاة، ويجدد النية إلى آخر موضع كذلك، ولا حرج فيه.
ومنع تقديم الاحرام على الميقات إنما هو لا فيما كان بنية الاحتياط.
واختلفوا في حكم من سلك طريقا لا يحاذي شيئا منها، وهو خلاف
لا فائدة فيه، إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب، ولو فرض إمكان
فالمختار الاحرام من أدنى الحل، لأصالة البراءة عن الزائد.
ويمكن أن يقال بذلك فيمن لا سبيل له إلى الظن أيضا، لما ذكر،
بضميمة أن المتبادر من الصحيحة غير ذلك الشخص.
التاسع: أدنى الحل.
وهو ميقات العمرة المفردة الواقعة بعد حج الافراد والقران، فإن
المفرد والقارن إذا أرادا الاعتمار بعد الحج لزمهما الخروج إلى أدنى الحل،
فيحرمان منه ثم يعودان إلى مكة للطواف والسعي، بلا خلاف فيه كما صرح
به في المنتهى (2).

(1) الإرشاد 1: 315.
(2) المنتهى 2: 667.
189

وتدل عليه صحيحة عمر بن يزيد: (من أراد أن يخرج من مكة
ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما) (1)، وغير ذلك من
الأخبار (2).
وإطلاقها يشمل كل من أراد العمرة المفردة من مكة أيضا وإن لم
يكن مفردا أو قارنا، بل أراد التقرب بالعمرة والتحلل من الحج الفاسد،
وهو كذلك.
العاشر: فخ، وهو ميقات الصبيان في غير حج التمتع عند جماعة (3)،
وجعله آخرون موضع التجريد وإن كان موضع إحرامهم كغيرهم (4)، ويأتي
تحقيقه في المسألة الثانية من بحث أحكام الاحرام.
وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: الحج والعمرة متساويان في المواقيت المذكورة، فمن
قدم إلى مكة حاجا أو معتمرا ومر بها يجب عليه الاحرام منها، سواء كانت
العمرة عمرة تمتع أو إفراد، وسواء كان الحج قرانا أو إفرادا، إلا حج التمتع
فميقاته مكة، والعمرة المفردة لمن أرادها من مكة فميقاتها أدنى الحل كما مر.
المسألة الثانية: كل من حج أو اعتمر على طريق - كالعراقي يمر
بمسجد الشجرة - فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق، بغير خلاف فيه يوجد

(1) الفقيه 2: 276 / 1350، التهذيب 5: 95 / 315، الإستبصار 2: 177 / 588،
الوسائل 11: 341 أبواب المواقيت ب 22 ح 1.
(2) انظر: الوسائل 11: 341 أبواب المواقيت ب 22.
(3) كما في المعتبر 2: 804، الدروس 1: 342، الرياض 1: 360.
(4) حكاه في المعتبر 2: 804.
190

كما صرح به جماعة (1)، بل عن جماعة دعوى الاجماع عليه (2)، بل هو
إجماع محقق أيضا، فهو الحجة فيه.
مضافا إلى انتفاء العسر والحرج في الشريعة، والنبوي: (هن لهن
ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) (3).
وصحيحة صفوان، وفيها: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت المواقيت لأهلها
ومن أتى عليها من غير أهلها، وفيها رخصة لمن كانت به علة، فلا يجاوز
الميقات إلا من علة) (4)، وغير ذلك.
المسألة الثالثة: من أحرم قبل الميقات لم ينعقد إحرامه بالاجماع،
كما حكي عن جماعة منهم المنتهى (5)، وتدل عليه الأخبار المستفيضة جدا
من الصحاح وغيرها..
منها: صحيحة الحلبي المتقدمة (6) في الميقات الأول، وصحيحة ابن
أذينة: (من أحرم دون الميقات فلا إحرام له) (7).
وفي رواية زرارة: (وليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقت
رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنما مثل ذلك مثل من صلى في السفر أربعا) (8).

(1) منهم العلامة في المنتهى 2: 667، السبزواري في الذخيرة 577، صاحب
الرياض 1: 360.
(2) المدارك 7: 226، كشف اللثام 1: 307، الحدائق 14: 455.
(3) صحيح مسلم 2: 838 / 1181.
(4) الكافي 4: 323 / 2، الوسائل 11: 331 أبواب المواقيت ب 15 ح 1.
(5) المنتهى 2: 668.
(6) الكافي 4: 319 / 2، التهذيب 5: / الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.
(7) الكافي 4: 322 / 4، التهذيب 5: 52 / 157، الإستبصار 2: 162 / 529،
الوسائل 11: 320 أبواب المواقيت ب 9 ح 3.
(8) الكافي 4: 321 / 2، التهذيب 5: 51 / 155، الإستبصار 2: 161 / 527،
الوسائل 11: 323 أبواب المواقيت ب 11 ح 3.
191

وفي رواية إبراهيم الكرخي: عن رجل أحرم بحجة في غير أشهر
الحج دون الميقات الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: (ليس إحرامه بشئ، فإن
أحب أن يرجع إلى أهله فليرجع، فإني لا أرى عليه شيئا) (1).
والمروي في العلل: (لا يجوز الاحرام دون الميقات) (2)، إلى غير ذلك.
واستثنيت من ذلك صورتان:
إحداهما: من نذر الاحرام من موضع معين قبل أحد هذه المواقيت
فيصح، بشرط أن يقع في أشهر الحج لو كان للحج أو عمرة يتمتع بها،
ومطلقا للعمرة المفردة على الأقوى، وفاقا للشيخ في النهاية والمبسوط
والخلاف والتهذيبين والمفيد والديلمي والقاضي وابن حمزة (3)، وأكثر
المتأخرين (4)، بل الأكثر مطلقا كما قيل (5).
لصحيحة الحلبي (6)، وموثقة أبي بصير (7)، ورواية علي بن أبي

(1) الكافي 4: 321 / 1، التهذيب 5: 52 / 159، الإستبصار 2: 162 / 530،
العلل: 455 / 12 بتفاوت يسير، الوسائل 11: 319 أبواب المواقيت ب 9 ح 2.
(2) لم نعثر عليه في العلل، لكنه موجود في عيون أخبار الرضا (ع) 2: 122،
الوسائل 11: 320 أبواب المواقيت ب 9 ح 4.
(3) النهاية: 209، المبسوط 1: 311، الخلاف 2: 286، التهذيب 5: 53،
الإستبصار 2: 164، نقله عن المفيد في المدارك 7: 229، الديلمي في المراسم:
108، القاضي في المهذب 2: 412، ابن حمزة في الوسيلة: 159.
(4) كما في الرياض 1: 360.
(5) انظر الرياض 1: 360.
(6) التهذيب 5: 53 / 162، الإستبصار 2: 163 / 534، الوسائل 11: 326 أبواب
المواقيت ب 13 ح 1.
(7) التهذيب 5: 54 / 164، الإستبصار 2: 163 / 536، الوسائل 11: 327 أبواب
المواقيت ب 13 ح 3.
192

حمزة (1)، المنجبرة ضعف بعضها أو الجميع على ما قيل (2) بما مر.
وخلافا للحلي والمختلف، فمنعا عن الاستثناء، لأنه نذر غير مشروع (3).
وفيه: أنه شرع بالنصوص المذكورة، وإبداء بعض الاحتمالات البعيدة
فيها غير ضائر.
ولو احتاط بالجمع بين الاحرام عن الموضع المنذور والميقات
المقرر كان أولى وأفضل، وحكم باستحباب الجمع بعضهم (4)، ومنهم من
أوجبه إذا كان النذر في الاحرام الواجب (5).
وثانيتهما: أن يعتمر في شهر رجب إذا خاف خروجه قبل الوصول
إلى أحد المواقيت، فإنه يجوز له الاحرام قبل الميقات ليدرك فضل الشهر، بلا
خلاف فيه يعرف، واتفاقهم عليه منقول في كلامهم، وتدل عليه صحيحة ابن
عمار (6)، وموثقة إسحاق (7)، والاحتياط فيه أيضا تجديد الاحرام من الميقات.
المسألة الرابعة: لا يجوز لمريد النسك تأخير الاحرام عن الميقات،
إجماعا فتوى ونصا، لأن ذلك مقتضى التوقيت، مضافا إلى التصريح به في
جملة من النصوص المعتبرة، كصحيحة صفوان المتقدمة في المسألة

(1) التهذيب 5: 53 / 163، الإستبصار 2: 163 / 535، الوسائل 11: 327 أبواب
المواقيت ب 13 ح 2.
(2) انظر الرياض 1: 360.
(3) الحلي في السرائر 1: 526 و 527، المختلف: 263.
(4) كصاحب الرياض 1: 361.
(5) كما في المراسم: 108.
(6) الكافي 4: 323 / 8، التهذيب 5: 53 / 161، الإستبصار 2: 163 / 533،
الوسائل 11: 325 أبواب المواقيت ب 12 ح 1.
(7) الكافي 4: 323 / 9، التهذيب 5: 53 / 160، الإستبصار 2: 162 / 532،
الوسائل 11: 326 أبواب المواقيت ب 12 ح 2.
193

الثانية (1)، وصحيحة ابن أذينة (2)، والمروي في العلل (3).
[وفي رواية الفضيل] (4): (ولكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم) (5).
ورواية إبراهيم بن عبد الحميد: عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة
البرد وكثرة الأيام - يعني الاحرام من الشجرة - فأرادوا أن يأخذوا منها إلى
ذات عرق فيحرموا منها، فقال: (لا) وهو مغضب (من دخل المدينة فليس
له أن يحرم إلا من المدينة) (6).
أقول: أراد من المدينة: ميقات أهلها.
وفي بعض الصحاح: (من تمام الحج والعمرة أن تحرم من الميقات
الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله، لا تجاوزها إلا وأنت محرم) (7)، وفي آخر: (لا
يجاوز الجحفة إلا محرما) (8).
المسألة الخامسة: لو كان له عذر يمنع من الاحرام في الميقات،
فعن الشيخ (9) وجماعة (10) تجويز التأخير، وتدل عليه صحيحة صفوان
المتقدمة، ومرسلة المحاملي: (إذا خاف الرجل على نفسه أخر إحرامه إلى

(1) في ص: 187.
(2) المتقدمة في ص: 188.
(3) المتقدم في ص: 188.
(4) بدل ما بين القوسين في (ح): وهي فيه جميل بن صالح الفضيل، وفي (س):
وفي الفضيل، وفي (ق): وهي الفضيل، والأنسب ما أثبتناه.
(5) الكافي 4: 322 / 3، الوسائل 11: 319 أبواب المواقيت ب 9 ح 1.
(6) التهذيب 5: 57 / 179، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 8 ح 1.
(7) الكافي 4: 318 / ح 1، التهذيب 5: 54 / 166، الوسائل 11: 307 أبواب
المواقيت ب 1 ح 2، بتفاوت يسير.
(8) التهذيب 5: 57 / 177، الوسائل 11: 316 أبواب المواقيت ب 6 ح 3.
(9) في النهاية: 209.
(10) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 160.
194

الحرم) (1).
ومنعه الحلي والفاضل في جملة من كتبه (2)، وحملوا قول الشيخ
[على] (3) تجويز تأخير صورة الاحرام وإظهاره، من التعري ولبس الثوبين،
وقالوا: إن المرض والتقية لا يمنعان النية والتلبية.
وأيد ذلك بحديث: (الميسور لا يسقط بالمعسور) (4)، وببعض
الحديث المتضمن لحكم من مر على المسلخ مع العامة بأنه يحرم من
الميقات من غير تلبس الثياب وإظهار له، ثم يظهره من ميقاتهم (5).
أقول: أما حديث المسلخ فغير ما نحن فيه، لتصريح بالاحرام خفيا،
ولكنه يلبس الثياب بعده، وهذا لا كلام فيه.
ولا يتم الاستدلال بحديث: (الميسور لا يسقط بالمعسور) كما بيناه
في موضعه، فلا معارض للصحيح والمرسل.
نعم، يمكن أن يقال بلفظية النزاع، لأن مرادنا: ما إذا لم يتمكن من
الاحرام أصلا، ومرادهما: ما إذا تمكن منه باطنا وإن لم يتمكن من استدامته
أو إظهاره.
وبالجملة: لو لم يتمكن أصلا - وإن كان فرضا نادرا - أخر، ولو
تمكن باطنا يجب الاتيان به ويؤخر الاظهار، وإن تمكن من بعض واجباته
دون بعض فالأولى الاتيان بما أمكن، بل الظاهر الوجوب، لعدم ثبوت
الارتباط.

(1) التهذيب 5: 58 / 182، الوسائل 11: 333 أبواب المواقيت ب 16 ح 3.
(2) الحلي في السرائر 1: 527، الفاضل في المختلف 263، والمنتهى 2: 671.
(3) أضفناها لاستقامة العبارة.
(4) غوالي اللآلئ 4: 58 / 205.
(5) انظر الإحتجاج: 484 - 485، الوسائل 11: 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 10.
195

المسألة السادسة: لو لم يحرم من الميقات - لما منع أو سهو أو
جهل بالحكم أو الوقت - يجب الرجوع إليه والاحرام منه مع الامكان، بلا
خلاف فيه بين العلماء كما عن المنتهى (1)، لتوقف الواجب عليه،
والمستفيضة من الأخبار:
كصحيحة الحلبي: عن رجل ترك الاحرام حتى دخل الحرم، فقال:
(يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، وإن خشي أن
يفوته الحج فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم
فليخرج) (2).
والأخرى: في رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم، قال: (قال
أبي: عليه أن يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم
من مكانه، وإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم) (3).
وصحيحة ابن عمار: عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم
فسألتهم، فقالوا: ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت حائض؟ فتركوها حتى
دخلت الحرم، قال: (إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه،
وإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعدما تخرج من الحرم
بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم) (4).
وأما ما في طائفة من الأخبار في الجاهل والناسي، من الأمر بالخروج

(1) المنتهى 2: 670.
(2) التهذيب 5: 58 / 180، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 7.
(3) الكافي 4: 323 / 1، التهذيب 5: 283 / 965، الوسائل 11: 328 أبواب
المواقيت ب 14 ح 1، بتفاوت يسير.
(4) الكافي 4: 325 / 10، التهذيب 5: 389 / 1362، الوسائل 11: 329 أبواب
المواقيت ب 14 ح 4.
196

إلى خارج الحرم بقول مطلق، كصحيحة ابن سنان (1)، ورواية الكناني (2)، أو
بالاحرام من مكانه أو مكة أو المسجد كذلك، كموثقة زرارة (3)، وموثقة
سورة بن كليب (4).
فيجب حملها على صورة عدم التمكن من الخروج إلى الميقات كما
هو الغالب، فيحمل الاطلاق عليه حملا للمطلق على المقيد، واقتصارا في
الاطلاق على المتيقن.
نعم، في المروي عن قرب الإسناد (5) ما لا يمكن الحمل عليه، إلا
أنه - لشذوذه مع عدم وضوح سنده - لا يكافئ ما مر.
المسألة السابعة: لو تعذر رجوع الناسي أو الجاهل إلى الميقات
فليرجع إلى قرب الميقات بقدر الامكان، وفاقا للشهيد (6) وبعض آخر (7)،
لصحيحة ابن عمار المتقدمة (8)، واختصاصها بالجاهل غير ضائر، لعدم
القول بالفصل.
وذكر في المدارك - بعد نقل الصحيحة -: أنه يمكن حملها على
الاستحباب، لعدم وجوب ذلك على الناسي والجاهل مع الاشتراك في

(1) الكافي 4: 324 / 6، التهذيب 5: 58 / 181، الوسائل 11: 328 أبواب
المواقيت ب 14 ح 2.
(2) الكافي 4: 325 / 7، التهذيب 5: 284 / 966، الوسائل 11: 329 أبواب
المواقيت ب 14 ح 3.
(3) الكافي 4: 324 / 5، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 6.
(4) الكافي 4: 326 / 12، الوسائل 11: 329 أبواب المواقيت ب 14 ح 5.
(5) قرب الإسناد: 242 / 956، الوسائل 11: 331 أبواب المواقيت ب 14 ح 9.
(6) في الدروس: 95.
(7) كالرياض 1: 361.
(8) في ص: 193.
197

العذر، ولموثقة زرارة المشار إليها، الواردة في حكم مثل المرأة المذكورة،
الحاكمة بأنها تحرم من مكانها (1).
وفيه أولا: أن كلامه يدل على إجماعية عدم وجوب الرجوع على
الجاهل والناسي، وهي ممنوعة.
وثانيا: أنه قياس مستنبط.
وثالثا: أن الموثقة أعم مطلقا من الصحيحة، فيجب التخصيص بها.
وإن لم يمكن القرب، فإن كان خارج الحرم فليحرم من موضعه، بلا
خلاف فيه يوجد كما قيل (2)، لصحيحتي الحلبي المتقدمتين، اللازم تقييد
إطلاقهما - بالنسبة إلى داخل الحرم وغيره - بما يأتي.
وإن كان داخل الحرم، فإن أمكن الخروج إلى أدنى الحل خرج
وجوبا وأحرم منه، لذيل صحيحتي الحلبي، وصحيحة ابن سنان: عن رجل
مر على الوقت الذي أحرم منه الناس، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى
مكة، فخاف إن يرجع إلى الوقت أن يفوته الحج، فقال: (يخرج من الحرم
ويحرم ويجزئه ذلك) (3)، وقريبة منها رواية الكناني في الجاهل.
وبتلك الأخبار تقيد مطلقات الاحرام من مكانه أو من مكة أو
المسجد.
ولو تعذر الخروج من الحرم أحرم في موضعه، لما مر من الأخبار،
مضافا إلى رواية سورة بن كليب.

(1) المدارك 7: 487.
(2) انظر الرياض 1: 361.
(3) الكافي 4: 324 / 6، التهذيب 5: 58 / 181، الوسائل 11: 328 أبواب
المواقيت ب 14 ح 2.
198

المسألة الثامنة: ذو المانع من الاحرام في الميقات في الحرم كالناسي
والجاهل في الأحكام المذكورة، لاطلاق صحيحة الحلبي الأولى (1).
وكذا من لا يريد النسك أولا ممن لا يريد دخول مكة، أو جاز له
دخول مكة بغير إحرام، كالمتكرر مثلا إذا قصد النسك بعد مروره على
الميقات، أو تجدد له قصد دخول مكة بعد المرور عليه.
بل وكذا تارك الاحرام عمدا عصيانا، فإنه كمن ذكر في جميع
الأحكام، أما في الرجوع إلى الميقات والاحرام منه فبالاجماع، ووجهه
ظاهر، وأما في باقي الأحكام فوفاقا للمحكي عن المبسوط والمصباح
ومختصره (2)، وجماعة من متأخري المتأخرين (3)، لاطلاق صحيحة الحلبي
الأولى.. ودعوى عدم انصرافه إلى العامد ممنوعة.
وخلافا للأكثر، فحكموا بفوات الحج عنه، لعدم ثبوت الإذن له من
الشارع، وللاطلاقات المتقدمة النافية للاحرام عمن أحرم دون الميقات.
ويرد بثبوت الإذن بما مر، وشمول الاطلاقات لما قبل الميقات
أيضا، فتكون أعم مطلقا، فيجب تخصيصها بما مر قطعا.
المسألة التاسعة: حكم من كان منزله دون الميقات في مجاوزة منزله
إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال السابقة، لأن منزله
ميقاته، فهو في حقه كأحد المواقيت الخمسة في حق الآفاقي، كذا ذكره في
المدارك (4)، ولا بأس به.

(1) التهذيب 5: 58 / 180، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 7.
(2) المبسوط 1: 312، مصباح المتهجد: 8.
(3) كصاحب المدارك 7: 235، والسبزواري في الذخيرة: 575، صاحب الحدائق 14: 471.
(4) المدارك 7: 236.
199

المسألة العاشرة: لو نسي الاحرام أو جهله حتى قضى المناسك
كلها، يجزئه ولا قضاء عليه، وفاقا للتهذيبين والنهاية والمبسوط والجمل
والعقود والاقتصاد والوسيلة والمهذب والجامع والمعتبر والقواعد والتحرير
والمنتهى والتنقيح والنكت والمسالك (1) وغيرها (2)، بل الأكثر كما قيل (3)،
وعن المسالك: أنه فتوى المعظم، وعن الدروس: أنه فتوى الأصحاب عدا
الحلي (4).
لصحيحة علي: عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات وجهل أن
يحرم يوم التروية بالحج حتى يرجع إلى بلده، ما حاله؟ قال: (إذا قضى
المناسك كلها فقد تم حجه) (5).
والأخرى: عن رجل نسي الاحرام بالحج فذكره وهو بعرفات، ما
حاله؟ قال: (يقول: اللهم على كتابك وسنة نبيك، فقد تم إحرامه، فإن
جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى يرجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه
كلها فقد تم حجه) (6).
ومرسلة جميل: في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك
كلها [وطاف وسعى، قال: (تجزئه نيته] إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه

(1) التهذيب 5: 60، نقله عن الاستبصار في الرياض 1: 362، النهاية: 211،
المبسوط 1: 314، الرسائل العشر (الجمل والعقود): 233، الإقتصاد: 305،
الوسيلة: 159، المهذب 1: 143، الجامع: 180، المعتبر 2: 810، القواعد
1: 79، التحرير 1: 97، المنتهى 2: 715، التنقيح 1: 451.
(2) كالرياض 1: 362.
(3) الرياض 1: 362.
(4) الدروس 1: 350.
(5) التهذيب 5: 476 / 1678، الوسائل 11: 338 أبواب المواقيت ب 20 ح 2.
(6) التهذيب 5: 175 / 586، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 8.
200

وإن لم يهل) (1).
والمشار إليه في قوله: (ذلك) كل المناسك على الظاهر، أو الحج
بجميع أجزائه جملة كما ذكره في المدارك (2).
أو المراد من النية: العزم المتقدم على الاحرام كما ذكره الشيخ (3)،
وليس المراد منه نية الاحرام، لأن نيته من الجاهل به والناسي له غير متعقل.
واختصاص الصحيحين بإحرام الحج غير ضائر، لأن الظاهر عدم
الفاصل، وكذا اختصاصها بالجاهل، لأن الظاهر شمول معناه الحقيقي
اللغوي للناسي أيضا كما صرح به بعضهم (4)، وللتصريح بالناسي أيضا في
المرسلة، وضعفها - لو كان - بما ذكر وبصحتها عن جميل منجبر.
خلافا للمحكي عن الحلي، فأوجب القضاء (5)، لوجوه ضعيفة،
أقواها: عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه، وهو حسن لولا الروايتان، وأما
معهما فلا.
ودعوى الاجمال في قوله: (إذا كان قد نوى ذلك) وبه تخرج
الروايتان عن الحجية، لتخصيصها بالمجمل..
ففيها: - مع أن الصحيحة تكون مخصصة بالمنفصل، وهو لا يخرج
عن الحجية على التحقيق - أنه لا إجمال كما عرفت.

(1) الكافي 4: 325 / 8، التهذيب 5: 61 / 192، الوسائل 11: 338 أبواب
المواقيت ب 20 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في (ح) و (ق): أو طاف وسعى،
قال: يجزئه عنه، وما أثبتناه من المصادر.
(2) المدارك 7: 237
(3) في المبسوط 1: 314.
(4) في كشف اللثام 1: 310.
(5) السرائر 1: 529 و 530.
201

المسألة الحادية عشرة: المكي إذا بعد عن مكة ثم حج على ميقات
من المواقيت الخمسة الآفاقية أحرم منها وجوبا، بغير خلاف يعرف كما
صرح به غير واحد (1)، إذ لا يجوز لقاصد مكة مجاوزة الميقات بغير إحرام،
وقد صار هذا ميقاتا له باعتبار وروده عليه وإن كان ميقاته في الأصل غير
ذلك، وتدل عليه النصوص الكثيرة (2) أيضا.

(1) كصاحب المدارك 7: 205 السبزواري في الذخيرة: 555، صاحب الحدائق 14:
406.
(2) الوسائل 11: 262 أبواب أقسام الحج ب 7.
202

المقصد الثالث
في بيان أقسام الحج والعمرة بحسب الكيفية، وكيفية كل منهما
إجمالا.
204

فنقول: أما كيفية الحج فهي:
أن يحرم في موضعه ويتلبس بما يلزم الاحرام ويتعلق به، من لبس
ثوبيه والتلبية أو ما يقوم مقامها، والاجتناب عن محرماته.
ثم يخرج بعده إلى عرفات ويقف بها في وقته.
ثم يفيض منها إلى المشعر ويمكث عنده إلى الوقت المقرر.
ثم يأتي منى يوم العيد ويرمي الجمرة العقبة بسبع حصيات.
ثم يذبح هديه فيها إن كان معه بالسياق أو كان متمتعا.
ثم يحلق رأسه أو يقصر فيها.
ثم يمضي إلى مكة فيطوف للحج، ثم يصلي ركعتيه في محلهما.
ثم يسعى بين الصفا والمروة.
ثم يعود إلى البيت فيطوف للنساء ويصلي ركعتيه.
ثم يرجع إلى منى للمبيت بها ليالي التشريق ورمي الجمرات الثلاث
في كل يوم منها، وبها تم الحج.
وأما العمرة فهي:
أن يحرم ويتلبس بما يلزمه ويتعلق به.
ثم يأتي البيت ويطوف به، ثم يصلي ركعتيه في محلهما.
ثم يسعى بين الصفا والمروة.
ثم يقصر أو يحلق في بعض أفراد العمرة.
وكذا يطوف طواف النساء ويصلي ركعتيه في بعضها كما يأتي،
205

وبذلك تتم العمرة.
كل ذلك فيهما بالاجماع، بل الضرورة في أكثرها.
وتدل عليه متفرقات الأخبار الواردة في أبواب الحج، وأخبار حج
الأنبياء وحج نبينا صلى الله عليه وآله، كروايتي أبي إبراهيم (1) وعبد الرحمن بن كثير
الهاشمي (2) الواردتين في حج أبينا آدم عليه السلام، وصحيحتي ابني عمار (3)
وسنان (4) الواردتين في حج نبينا صلى الله عليه وآله وعمرته.
ثم الحج على ثلاثة أقسام: تمتع، وقران، وإفراد، بالاجماع المحقق،
والمحكي مستفيضا في كلام جماعة (5)، والمستفيضة من النصوص.
منها: صحيحة ابن عمار على الأصح: (الحج ثلاثة أصناف: حج
مفرد، وقران، وتمتع بالعمرة إلى الحج، وبها أمر رسول الله صلى الله عليه وآله، والفضل
فيها، ولا نأمر الناس إلا بها) (6).
ورواية الصيقل: (الحج عندنا على ثلاثة أوجه: حاج متمتع، وحاج
مقرن سائق الهدي، وحاج مفرد للحج) (7).

(1) الكافي 4: 190 / 1، الوسائل 11: 226 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 20.
(2) الكافي 4: 191 / 2، الوسائل 11: 227 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 21.
(3) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، مستطرفات السرائر: 23 / 4،
الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
(4) الكافي 4: 249 / 7، الوسائل 11: 223 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 15.
(5) منهم العلامة في التذكرة 1: 317، صاحب المدارك 7: 155، الفيض في
المفاتيح 1: 304، صاحب الحدائق 14: 311.
(6) الكافي 4: 291 / 1، التهذيب 5: 24 / 72، الإستبصار 2: 153 / 504،
الوسائل 11: 211 أبواب أقسام الحج ب 1 ح 1.
(7) الكافي 4: 291 / 2، الفقيه 2: 203 / 926، التهذيب 5: 24 / 73، الإستبصار
2: 153 / 505، الوسائل 11: 211 أبواب أقسام الحج ب 1 ح 2.
206

أما حج التمتع: فهو ما تقدمت العمرة عليه وارتبطت به، فيعتمر أولا
ثم يحل منها، ثم يحج.
فصورته: أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتع بها.
ثم يمضي إلى مكة ويطوف سبعا بالبيت، ثم يصلي ركعتيه.
ثم يسعى بين الصفا والمروة.
ثم يقصر. وحينئذ قد أحل من كل شئ أحرم منه.
ثم ينشئ إحراما آخر للحج من مكة.
ثم يأتي عرفات فيقف بها.
ثم يفيض إلى المشعر ويقف به إلى وقته.
ثم إلى منى فيحلق ويهدي ويرمي العقبة.
ثم يأتي بمكة فيطوف ويصلي ركعتيه.
ثم يسعى.
ثم يطوف طواف النساء ويصلي ركعتيه.
ثم يعود إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق ويرمي في أيامها الجمار
الثلاث.
وتسمى هذه العمرة بالعمرة المتمتع بها إلى الحج، وهذا الحج حج
التمتع، لأن معنى التمتع: الانتفاع والتلذذ، وهذا الحاج يتحلل بين عمرته
وحجه، فيجوز له الانتفاع والتلذذ بما كان قد حرمه الاحرام مع ارتباط
عمرته بحجه، حتى أنهما كالشئ الواحد شرعا، فإذا حصل بينهما ذلك
فكأنه حصل في الحج.
وصورة حج الافراد:
أن يحرم بالحج من حيث يصح له.
207

ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها.
ثم يأتي بمناسك حجه كما مر في التمتع.
وعليه في بعض أفراده أن يأتي بعمرة مفردة عن الحج بعده، وبعد
الاحلال منه في أي وقت شاء يأتي بها من أدنى الحل.
وسمي إفرادا لانفصاله عن العمرة وعدم ارتباطه بها.
وصورة القران كالافراد، إلا أنه يضيف إلى إحرامه سياق الهدي،
ولذلك سمي بالقران.
والعمرة على قسمين: المتمتع بها كما مر، والمفردة، وصورتها: أن
يحرم من ميقاتها، ثم يطوف، ثم يصلي، ثم يسعى، ثم يحلق أو يقصر،
ثم يطوف طواف النساء، ثم يصلي ركعتيه.
ويدل على ذلك كله الاجماع القطعي، بل الضرورة، والأخبار الواردة
في الموارد المتكثرة.
فمن الأخبار المبينة للتمتع: صحيحة زرارة، وفيها: قلت: وكيف
يتمتع؟ قال: (يأتي الوقت فيلبي بالحج، وإذا أتى مكة طاف وسعى أحل
من كل شئ وهو محتبس، وليس له أن يخرج من مكة حتى يحج) (1).
ومنها: الأخبار (2) الواردة في إحرام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الناس
بالحج، ثم أمرهم بعد الفراغ عن السعي بجعله عمرة والاحلال، ثم الاحرام
بالحج والاتيان بمناسكه، وقوله لهم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت
لفعلت ما فعل الناس).

(1) التهذيب 5: 31 / 93، الوسائل 11: 254 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 1، بتفاوت
يسير.
(2) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2.
208

والتصريح بأن ذلك حج التمتع، كما في صحيحة الخزاز: أي أنواع
الحج أفضل؟ فقال: (التمتع، وكيف يكون شئ أفضل منه
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت ما فعل
الناس؟!) (1).
ومنها صحيحة ابن عمار: (على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة
أطواف بالبيت وسعيان بين الصفا والمروة، فعليه إذا قدم مكة طواف بالبيت
وركعتان عند مقام إبراهيم وسعي بين الصفا والمروة، ثم يقصر وقد أحل،
هذا للعمرة، وعليه للحج طوافان وسعي بين الصفا والمروة، ويصلي عند
كل طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم) (2).
ورواية أبي بصير: (المتمتع عليه ثلاثة أطواف بالبيت، وطوافان بين
الصفا والمروة، وقطع التلبية من متعته إذا نظر إلى بيوت مكة، ويحرم
بالحج يوم التروية، ويقطع التلبية يوم عرفة حين تزول الشمس) (3).
وصحيحة ابن حازم: (على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف
بالبيت، ويصلي لكل طواف ركعتين، وسعيان بين الصفا والمروة) (4).
وصحيحة زرارة: قلت: وما المتعة؟ فقال: (يهل بالحج في أشهر

(1) الكافي 4: 291 / 3، الفقيه 2: 204 / 935، التهذيب 5: 29 / 89، الإستبصار
2: 154 / 507، الوسائل 11: 250 أبواب أقسام الحج ب 4 ح 16، بتفاوت.
(2) الكافي 4: 195 / 1، التهذيب 5: 35 / 104، الوسائل 11: 220 أبواب أقسام
الحج ب 2 ح 8.
(3) الكافي 4: 295 / 2، التهذيب 5: 35 / 105، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام
الحج ب 2 ح 11.
(4) الكافي 4: 295 / 3، التهذيب 5: 36 / 106، الوسائل 11: 220 أبواب أقسام
الحج ب 2 ح 9.
209

الحج، فإذا طاف بالبيت وصلى الركعتين وسعى بين الصفا والمروة قصر
وأحل، فإذا كان يوم التروية أهل بالحج ونسك المناسك وعليه الهدي)
الحديث (1).
وصحيحة أخرى لابن عمار في القارن: (لا يكون قران إلا بسياق
الهدي، وعليه طواف بالبيت، وركعتان عند مقام إبراهيم، وسعي بين الصفا
والمروة، وطواف بعد الحج، وهو طواف النساء، وأما المتمتع بالعمرة إلى
الحج فعليه ثلاثة أطواف بالبيت، وسعيان بين الصفا والمروة) إلى أن قال:
(فعلى المتمتع إذا قدم مكة طواف بالبيت، وركعتان عند مقام إبراهيم،
وسعي بين الصفا والمروة، ثم يقصر وقد أحل، هذا للعمرة، وعليه للحج
طوافان، وسعي بين الصفا والمروة، ويصلي عند كل طواف بالبيت ركعتين
عند مقام إبراهيم، وأما المفرد للحج فعليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام
إبراهيم، وسعي بين الصفا والمروة، وطواف الزيارة، وهو طواف النساء) (2).
وصحيحة الحلبي: (إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل
نسك المفرد ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت،
وصلاة ركعتين خلف المقام، وسعي واحد بين الصفا والمروة، وطواف
بالبيت بعد الحج) الحديث (3).
وأخرى لابن حازم: (لا يكون القارن قارنا إلا بسياق الهدي، وعليه
طوافان بالبيت، وسعي بين الصفا والمروة) (4).

(1) التهذيب 5: 36 / 107، الوسائل 11: 255 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 3.
(2) التهذيب 5: 41 / 122، الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 1 و 2.
(3) التهذيب 5: 42 / 124، الوسائل 11: 218 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 6.
(4) الكافي 4: 295 / 1، التهذيب 5: 42 / 123، الوسائل 11: 220 أبواب أقسام
الحج ب 2 ح 10، بتفاوت يسير.
210

وصحيحة الفضيل: (القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت،
وسعي واحد بين الصفا والمروة) (1).
وأخرى لابن عمار: (المفرد للحج عليه طواف بالبيت وركعتان عند
مقام إبراهيم، وسعي بين الصفا والمروة، وطواف الزيارة وهو طواف
النساء، وليس عليه هدي ولا أضحية) (2).
ورواية أبي بصير: (العمرة المبتولة: يطوف بالبيت وبالصفا والمروة
ثم يحل، فإن شاء أن يرتحل من ساعته ارتحل) (3). والمراد بالعمرة
المبتولة: المفردة.
إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة الواردة في الموارد المختلفة.
وقد اختلف بعض روايات الباب في بعض أحكام القارن والمفرد،
وكذا وقع الخلاف في بعض مواردهما كما يأتي بيانه، وتحقيق الحال فيه
في بيان أحكام هذه الأقسام وعند ذكر الأفعال، والله هو الموفق للصواب
في جميع الأحوال.

(1) التهذيب 5: 43 / 125، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 3.
(2) الكافي 4: 298 / 1، التهذيب 5: 44 / 131، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام
الحج ب 2 ح 13.
(3) الكافي 4: 537 / 5، الوسائل 13: 443 أبواب الطواف ب 82 ح 4.
212

المقصد الرابع
في تفصيل أحكام كل من هذه الأقسام وشرائطه وأفعاله
وفيه بابان:
214

الباب الأول
في شرائط حج التمتع وأحكامه وتفصيل أفعاله
وفيه مبحثان:
المبحث الأول
في شرائط حج التمتع - من حيث هو تمتع - وأحكامه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يشترط في وجوب حج التمتع البعد عن مكة،
فإن حج التمتع فرض من لم يكن من حاضري مكة وكان نائيا عنها،
بإجماعنا المحقق، والمحكي في الانتصار والخلاف والغنية والمنتهى
والتذكرة والمعتبر (1)، وغيرها (2)، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى قوله سبحانه: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر
من الهدي) إلى قوله: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد
الحرام) (3).
والظاهر عود الإشارة إلى جميع ما تقدم، وعن بعض فضلا العربية
أن معناه: ذلك التمتع (4)، واستجوده، بعضهم لما نص عليه أهل العربية من

(1) الإنتصار: 93، الخلاف 2: 272، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2:
659، التذكرة 1: 314، المعتبر 2: 783.
(2) كالمدارك 7: 158، ومفاتيح الشرائع 1: 305.
(3) البقرة: 196.
(4) حكاه في المعتبر 2: 785.
215

أن (ذلك) للبعيد (1)، مع أنه قد صرح بذلك المعنى في المستفيضة من
الأخبار.
كرواية الأعرج: (ليس لأهل سرف ولا لأهل مر ولا لأهل مكة متعة،
يقول الله عز وجل: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد
الحرام)) (2).
وصحيحة علي: لأهل مكة أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج؟ فقال: (لا
يصلح أن يتمتعوا، لقول الله عز وجل: (ذلك لمن لم يكن أهله
حاضري المسجد الحرام)) (3).
وصحيحة زرارة: قول الله عز وجل في كتابه: (ذلك لمن لم يكن
أهله حاضري المسجد الحرام) قال: (يعني أهل مكة ليس لهم متعة، كل
من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان كما يدور حول
مكة فهو ممن يدخل في هذه الآية، وكل من كان وراء ذلك فعليه المتعة) (4).
وإلى الأخبار المستفيضة الآمرة بالتمتع مطلقا:
فمنها: صحيحة صفوان الواردة في حج رسول الله صلى الله عليه وآله، وفيها: (إن
هذا جبرئيل يأمرني أن آمر من لم يسق منكم هديا أن يحل، ولو استقبلت

(1) المدارك 7: 159.
(2) الكافي 4: 299 / 1، التهذيب 5: 492 / 1765، الوسائل 11: 260 أبواب
أقسام الحج ب 6 ح 6. وسرف: وهو موضع على ستة أميال من مكة، وقيل: سبعة
وتسعة واثني عشر - معجم البلدان 3: 212. ومر: - ويقال مر ظهران - موضع على
مرحلة من مكة - معجم البلدان 5: 104.
(3) التهذيب 5: 32 / 97، الإستبصار 2: 157 / 515، قرب الإسناد: 244 / 967،
الوسائل 11: 259 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 2.
(4) التهذيب 5: 33 / 98، الإستبصار 2: 157 / 516، الوسائل 11: 259 أبواب
أقسام الحج ب 6 ح 3.
216

من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم، ولكني سقت الهدي ولا
ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله) إلى أن قيل له: (فهذا
الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لما يستقبل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل هو
للأبد إلى يوم القيامة، ثم شبك أصابعه وقال: دخلت العمرة في الحج هكذا
إلى يوم القيامة) الحديث (1).
وبمضمونها صحيحة الحلبي، وفيها: (وأحرم الناس كلهم بالحج لا
ينوون عمرة ولا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وآله مكة طاف
بالبيت وطاف الناس) إلى أن قال: (فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيبا
فأمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة، وهو شئ أمر الله عز وجل به، فأحل
الناس) إلى أن قيل له: (أرأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لكل عام؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا، بل للأبد) (2).
ومنها: صحيحة الحلبي: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة،
لأن الله تعالى يقول: (فمن تمتع)) الآية (فليس لأحد إلا أن يتمتع، لأن
الله أنزل ذلك في كتابه وجرت به السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله) (3).
وأخرى: عن الحج، فقال: (تمتع) الحديث (4).

(1) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، الوسائل 11: 213 أبواب
أقسام الحج ب 2 ح 4، بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 248 / 6، العلل: 412 / 1، الوسائل 11: 222 أبواب أقسام الحج
ب 2 ح 14.
(3) التهذيب 5: 25 / 75، الإستبصار 2: 150 / 493، الوسائل 11: 240 أبواب
أقسام الحج ب 3 ح 2.
(4) التهذيب 5: 26 / 76، الإستبصار 2: 150 / 494، الوسائل 11: 240 أبواب
أقسام الحج ب 3 ح 3.
217

ومنها: صحيحة ابن عمار: (من حج فليتمتع، إنا لا نعدل بكتاب الله
وسنة نبيه صلى الله عليه وآله) (1).
وأخرى: (لا نعلم لله حجا غير المتعة، إنا إذا لقينا ربنا قلنا: ربنا عملنا
بكتابك وسنة نبيك) (2).
ومنها: رواية محمد بن الفضل الهاشمي: إنا نريد الحج وبعضنا
صرورة، فقال: (عليكم بالتمتع، فإنا لا نتقي في التمتع بالعمرة إلى الحج
سلطانا، واجتناب المسكر، والمسح على الخفين) (3)، إلى غير ذلك من
الأخبار المتجاوزة حد الاحصاء.
وجه الدلالة: أنها دلت على وجوب التمتع مطلقا، خرج منه غير
النائي بالاجماع وما مر من الأخبار وما يأتي، فبقي النائي، مع أن مورد أكثر
تلك الأخبار والمخاطب بها الناءون عن مكة.
فرع: حد البعد الموجب للتمتع ثمانية وأربعون ميلا من كل جانب،
وفاقا للمحكي عن علي بن إبراهيم في تفسيره والصدوقين والشيخ في
التهذيب والنهاية والنافع والمعتبر والمختلف والتذكرة والمنتهى والتحرير
والمسالك والدروس واللمعة والروضة والمدارك والذخيرة (4)، وغيرهم من

(1) الكافي 4: 291 / 6، التهذيب 5: 27 / 82، الإستبصار 2: 152 / 500،
الوسائل 11: 243 أبواب أقسام الحج ب 3 ح 14.
(2) الكافي 4: 291 / 4، التهذيب 5: 27 / 81، الإستبصار 2: 152 / 499،
الوسائل 11: 243 أبواب أقسام الحج ب 3 ح 13.
(3) الكافي 4: 293 / 14، الفقيه 2: 205 / 936، التهذيب 5: 26 / 77،
الإستبصار 2: 151 / 495، الوسائل 11: 241 أبواب أقسام الحج ب 3 ح 5،
بتفاوت.
(4) تفسير القمي 1: 69، الصدوق في الفقيه 2: 203، وحكاه عن والده في
المختلف: 260، التهذيب 5: 32، النهاية: 206، النافع: 78، المعتبر 2:
784، المختلف: 260، التذكرة 1: 318، المنتهى 2: 661، التحرير 1: 93،
المسالك 1: 101، الدروس 1: 330، اللمعة والروضة 2: 204، المدارك 7:
160، الذخيرة: 550.
218

المتأخرين (1)، بل عند أكثر الأصحاب كما في الأخيرين، وفي شرح
المفاتيح: أنه المشهور، وفي المعتبر: أن القول الآخر شاذ نادر (2).
للمعتبرة من الأخبار، كصحيحة زرارة المتقدمة (3)، وروايته، وفيها:
(ذلك أهل مكة ليس لهم متعة ولا عمرة) قال: قلت: فما حد ذلك؟ قال:
(ثمانية وأربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان وذات عرق) (4).
وتدل عليه أيضا رواية الأعرج السابقة (5)، ومثلها صحيحة الحلبي
وسليمان بن خالد وأبي بصير (6)، ورواية أبي بصير: قلت: لأهل مكة
متعة؟ قال: (لا، ولا لأهل البستان، ولا لأهل ذات عرق، ولا لأهل
عسفان) (7).
وجه الدلالة: أنها تدل على انتفاء المتعة عن أهالي تلك المنازل التي
بينها وبين مكة أزيد من اثني عشر ميلا، فيبطل بها ذلك القول، فيتعين به

(1) كابن فهد في المهذب 2: 145.
(2) المعتبر 2: 785.
(3) التهذيب 5: 33 / 98، الإستبصار 2: 157 / 516، الوسائل 11: 259 أبواب
أقسام الحج ب 6 ح 3.
(4) التهذيب 5: 492 / 1766، الوسائل 11: 260 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 7.
(5) الكافي 4: 299 / 1، التهذيب 5: 492 / 1765، الوسائل 11: 260 أبواب
أقسام الحج ب 6 ح 6.
(6) التهذيب 5: 32 / 96، الإستبصار 2: 157 / 514، الوسائل 11: 258 أبواب
أقسام الحج ب 6 ح 1.
(7) الكافي 4: 299 / 2، الوسائل 11: 262 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 12.
219

القول المختار، للاجماع المركب.
بل تدل عليه أيضا صحيحة الحلبي: في حاضري المسجد الحرام،
قال: (ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضري المسجد الحرام، وليس لهم
متعة) (1).
وكذا صحيحة حماد بن عثمان: في حاضري المسجد الحرام، قال:
(ما دون الأوقات إلى مكة) (2) بالتقريب المذكور.
ولا يضر كون بعض المواقيت على مسافة أكثر من ثمانية وأربعين،
لأن التعارض يكون حينئذ مع أخبار ثمانية وأربعين بالعموم والخصوص
المطلقين، اللازم تقديم الدال على الخاص، كما هو القاعدة المجمع عليها.
خلافا للسرائر والشرائع والارشاد والمحكي عن الاقتصاد والمبسوط
والتبيان ومجمع البيان وفقه القرآن وروض الجنان والجمل والعقود والغنية
والكافي والوسيلة والجامع والاصباح والإشارة والقواعد (3)، فاثني عشر
ميلا.
ولعله لظهور الآية في أن غير حاضري المسجد فرضه التمتع، بل قد
أشرنا إلى تواتر الأخبار بفرضية التمتع مطلقا، خرج ما دون اثني عشر ميلا

(1) التهذيب 5: 33 / 99، الإستبصار 2: 158 / 517، الوسائل 11: 260 أبواب
أقسام الحج ب 6 ح 4.
(2) التهذيب 5: 476 / 1683، الوسائل 11: 260 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 5.
(3) السرائر 1: 519، الشرائع 1: 237، الإرشاد 1: 309، الإقتصاد: 298،
المبسوط 1: 306، التبيان 2: 161، مجمع البيان 1: 291. فقه القرآن 1:
266، ونسبه إلى روض الجنان في كشف اللثام 1: 277، الجمل والعقود
(الرسائل العشر): 224، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، الكافي في الفقه:
191، الوسيلة: 157، الجامع: 177، إصباح الشيعة للكيدري البيهقي: 149،
الإشارة: 124، القواعد 1: 72.
220

بالاجماع، فيبقى الباقي، وهذا حسن على طريقة الحلي ومن يحذو حذوه
في عدم العمل بأخبار الآحاد، حيث إن الدال على الزائد على اثني عشر
ليس غير الآحاد، سيما مع زعم احتمال إرادة توزيع الثمانية والأربعين ميلا
الواردة في رواياتها على أربع جوانب.
وأما من يقول بحجية تلك الأخبار - كما هو الثابت من الأئمة
الأطهار - فلا وجه لذلك أصلا، واحتمال إرادة التوزيع فاسد جدا، سيما مع
التنصيص بما دون عسفان وذات عرق.
وقد يستدل لهم أيضا بنص الآية على أن التمتع فرض من لم يكن
حاضري المسجد الحرام، ومقابل الحاضر المسافر، وحده أربعة فراسخ.
وضعفه ظاهر، لمنع كون ذلك حد المسافر، ومنع كون المسافر
مقابل الحاضر، وإنما هو اصطلاح طارئ بعد نزول الآية، هذا، مع وجود
النصوص الكثيرة الصريحة في خلاف ذلك.
وأما صحيحة حريز (1) - المصرحة بأن من كان منزله من كل من
الأربع جوانب ثمانية عشر ميلا فلا متعة له - فلا تنافي ما ذكرنا بمنطوقها
أصلا، إذ منطوقها عدم المتعة على من كان منزله ثمانية عشر.
نعم، ينافيه عموم مفهومها اللازم تخصيصه بما مر، لكونه أخص
مطلقا من المفهوم.
المسألة الثانية: وإذا عرفت أن فرض من كان على الحد المذكور
حج التمتع تعلم أنه ليس له العدول إلى غيره اختيارا، بلا خلاف فيه بين
الأصحاب كما في الذخيرة (2)، وعن المعتبر وجملة من كتب الفاضل

(1) الكافي 4: 300 / 3، الوسائل 11: 261 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 10.
(2) الذخيرة: 550
221

إجماعنا (1).
ويدل عليه أن فرضه التمتع - فلو عدل إلى غيره لم يكن آتيا بالمأمور
به، فلا يجزئه - وتصريح بعض الأخبار المتقدمة بأنه ليس لأحد إلا أن
يتمتع.
وأما في حال الضرورة، فيجوز له العدول بلا خلاف، ومن الضرورة:
ضيق الوقت عن إدراك أفعال الحج لو أتم العمرة، فمن أحرم للعمرة
المتمتعة وضاق وقته عن الاتيان بمناسكها والاحرام بالحج والاتيان بمناسكه
عدل عن نية التمتع إلى الافراد وإن كان ممن وجب عليه التمتع، ثم مضى
كما هو إلى الموقف وأتم الحج بأفعاله، وعليه عمرة مفردة بعد الحج، بلا
خلاف يعرف فيه كما صرح به جماعة (2)، بل صرح بالاتفاق عليه أيضا (3).
ويدل عليه القدر المشترك من الأخبار الآتية، إلا أنه قد اختلفوا في
حد ذلك الضيق إلى أقوال:
الأول: أنه إذا زالت الشمس من يوم التروية ولم يكن أحل من
عمرته فقد فاتته المتعة وتكون حجته مفردة، حكي عن والد الصدوق ونقله
في السرائر عن المفيد أيضا (4).
وتدل عليه صحيحة ابن بزيع: عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض
قبل أن تحل، متى تذهب متعتها؟ قال: (كان جعفر عليه السلام يقول: زوال
الشمس من يوم التروية، وكان موسى عليه السلام يقول: صلاة الصبح من يوم

(1) المعتبر 2: 783، الفاضل في القواعد 1: 73، المنتهى 2: 659.
(2) السبزواري في الذخيرة: 551، الفيض في المفاتيح 1: 308، صاحب الحدائق
14: 327.
(3) كما في المعتبر 2: 789.
(4) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 294، السرائر 1: 582.
222

التروية) فقلت: جعلت فداك، عامة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون
ويسعون ثم يحرمون بالحج، فقال: (زوال الشمس) فذكرت له رواية
عجلان أبي صالح، فقال: (لا، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة)، فقلت:
فهي على إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال: (لا، هي على إحرامها)،
فقلت: فعليها هدي؟ فقال: (لا، إلا أن تحب أن تتطوع)، ثم قال: (أما
نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة) (1).
أقول: رواية عجلان هذه: متمتعة قدمت مكة فرأت الدم كيف
تصنع؟ قال: (تسعى بين الصفا والمروة وتجلس في بيتها، فإن طهرت
طافت بالبيت، وإن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء وأهلت
بالحج وخرجت إلى منى فقضت المناسك كلها، فإذا فعلت ذلك فقد حل
لها كل شئ ما عدا فراش زوجها) الحديث (2).
والمراد من قوله في الصحيحة: فقال: (لا) - بعد ذكر الراوي رواية
عجلان - يعني: ليس مطلق يوم التروية وإنما هو زوال شمسه.
ورواية عجلان المذكورة، وصحيحة البجلي والعلا وابن رئاب وابن
صالح: (المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية،
فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة، وإن لم تطهر إلى يوم
التروية اغتسلت واحتشت وسعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى، فإذا
قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا

(1) التهذيب 5: 391 / 1366، الإستبصار 2: 311 / 1107، الوسائل 11: 299
أبواب أقسام الحج ب 21 ح 14.
(2) الكافي 4: 445 / 3، التهذيب 5: 392 / 1369، الإستبصار 2: 312 / 1110،
الوسائل 13: 450 أبواب الطواف ب 84 ح 6.
223

للحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شئ يحل منه
المحرم إلا فراش زوجها، فإذا طافت أسبوعا آخر حل لها فراش زوجها) (1).
ولا يضر عدم توثيق العلاء وابن صالح مع وثاقة البجلي وابن رئاب،
فعد الخبر غير صحيح - كما في الذخيرة (2) - غير صحيح.
وصحيحة جميل: عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية،
قال: تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر
وتخرج إلى التنعيم، فتحرم فتجعلها عمرة) (3).
الثاني: أنه إذا غابت الشمس من يوم التروية ولم يحل من عمرته
فاتته المتعة، نقل عن الصدوق في المقنع والمفيد في المقنعة (4).
وتتشهد له صحيحة العيص: عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية صلاة
العصر، تفوته المتعة؟ قال: (لا، له ما بينه وبين غروب الشمس) قال:
(وقد صنع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله) (5).
وصحيحة علي بن يقطين: عن الرجل والمرأة يتمتعان بالعمرة إلى
الحج ثم يدخلان مكة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال: (يجعلانها حجة
مفردة، وحد المتعة إلى يوم التروية) (6).

(1) الكافي 4: 445 / 1، الوسائل 13: 448 أبواب الطواف ب 84 ح 1 وفيه:
طوافا، بدل: أسبوعا.
(2) الذخيرة: 553.
(3) الفقيه 2: 240 / 1146، التهذيب 5: 390 / 1363، الوسائل 11: 296 أبواب
أقسام الحج ب 21 ح 2.
(4) المقنع: 85، المقنعة: 431.
(5) التهذيب 5: 172 / 574، الإستبصار 2: 248 / 869، الوسائل 11: 294
أبواب أقسام الحج ب 20 ح 10.
(6) التهذيب 5: 173 / 582، الإستبصار 2: 249 / 877، الوسائل 11: 299
أبواب أقسام الحج ب 21 ح 11.
224

ورواية إسحاق بن عبد الله: عن المتمتع يدخل مكة يوم التروية،
فقال: (للمتمتع ما بينه وبين الليل) (1).
وقريبة منها رواية عمر بن يزيد (2)، ورواية أخرى منه: (إذا قدمت
مكة يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة، امض كما أنت
بحجك) (3).
وأخرى من إسحاق: (المتمتع إذا قدم ليلة عرفة فليست له متعة،
يجعلها حجة مفردة، إنما المتعة إلى يوم التروية) (4)، وقريبة منها رواية
موسى بن عبد الله (5).
وتدل عليه أيضا رواية زكريا بن عمران: عن المتمتع إذا دخل يوم
عرفة، قال: (لا متعة له، يجعلها حجة مفردة) (6)، حيث إنه لا قائل بما بين
غروب التروية وزوال عرفة.

(1) التهذيب 5: 172 / 575، الإستبصار 2: 248 / 870، الوسائل 11: 294
أبواب أقسام الحج ب 22 ح 11.
(2) التهذيب 5: 172 / 576، الإستبصار 2: 248 / 871، الوسائل 11: 294
أبواب أقسام الحج ب 20 ح 12.
(3) التهذيب 5: 173 / 583، الإستبصار 2: 249 / 878، الوسائل 11: 299 أبواب
أقسام الحج ب 21 ح 12.
(4) التهذيب 5: 173 / 580، الإستبصار 2: 249 / 875، الوسائل 11: 298
أبواب أقسام الحج ب 21 ح 9.
(5) التهذيب 5: 173 / 581، الإستبصار 2: 249 / 876، الوسائل 11: 298
أبواب أقسام الحج ب 21 ح 10.
(6) التهذيب 5: 173 / 579، الإستبصار 2: 249 / 874، الوسائل 11: 298
أبواب أقسام الحج ب 21 ح 8، وفيها: عمرة مفردة، بدل: حجة مفردة، وفي
التهذيب والوسائل: عن زكريا بن آدم.
225

الثالث: أنه إذا زالت الشمس من يوم عرفة ولم يتحلل من المتعة فقد
فاتت العمرة، اختاره الشيخ في المبسوط والنهاية وحكي عن الإسكافي
والقاضي في المهذب وابن حمزة في الوسيلة واختاره في المدارك
والذخيرة والكفاية (1).
وتدل عليه صحيحة جميل: (المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من
يوم عرفة، وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر) (2).
ومرفوعة سهل: في متمتع دخل يوم عرفة، قال: (متعته تامة إلى أن
تقطع التلبية) (3) يعني: يقطع الناس تلبيتهم، وهو زوال الشمس من يوم
عرفة.
الرابع: أنه إذا خاف فوت اختياري عرفة من غير تحديد له بزمان
حتى لو لم يخف منه لم يجز العدول ولو كان بعد زوال الشمس من يوم
عرفة، حكي عن الغنية والمختلف والدروس (4)، واختاره أيضا بعض
شيوخنا المعاصرين (5).
بل هو ظاهر التهذيب والاستبصار (6)، حيث علل التحديد بزوال

(1) المبسوط 1: 364، النهاية: 247، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 294،
المهذب 1: 243، الوسيلة: 176، المدارك 7: 176، الذخيرة: 553، الكفاية:
55.
(2) التهذيب 5: 171 / 569، الإستبصار 2: 247 / 864، الوسائل 11: 295
أبواب أقسام الحج ب 20 ح 15.
(3) الكافي 4: 444 / 5، الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 7.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 577، المختلف: 394، انظر الدروس 1: 335 و
336.
(5) كما في الرياض 1: 351.
(6) التهذيب 5: 170، الإستبصار 2: 249.
226

شمس يوم عرفة بأنه لو لم يتحلل قبله لم يغلب على ظنه أنه يدرك الناس
في عرفات، حيث ظهر منه أن الأصل فيه إدراك الناس بعرفات، وأن
التحديد بالزوال أيضا لأجله.
واحتج (1) له بالأصل، وصدق الامتثال، لرواية الميثمي: (لا بأس
للمتمتع إن لم يحرم من ليلة التروية (2) ما لم يخف فوات الموقفين) (3).
وصحيحة الحلبي: عن رجل أهل بالحج والعمرة جميعا ثم قدم مكة
والناس بعرفات فخشي هو إن طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته
الموقف، فقال: (يدع العمرة، فإذا تم حجه صنع كما صنعت عائشة ولا
هدي عليه) (4).
وصحيحة زرارة: عن الرجل يكون في يوم عرفة بينه وبين مكة ثلاثة
أميال وهو متمتع بالعمرة إلى الحج، فقال: (يقطع التلبية تلبية المتعة، ويهل
بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر، ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس ويقضي
جميع المناسك، ويقيم بمكة حتى يعتمر عمرة الحج ولا شئ عليه) (5).
ورواية محمد بن سرو (6)، وفيها - بعد السؤال عمن لم يواف ليلة

(1) كما في الرياض 1: 351.
(2) في المصادر زيادة: متى ما تيسر له.
(3) الكافي 4: 444 / 4، التهذيب / 5: 171 / 568، الإستبصار 2: 247 / 863،
الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 5.
(4) التهذيب 5: 174 / 584، الإستبصار 2: 250 / 879، الوسائل 11: 297
أبواب أقسام الحج ب 21 ح 6.
(5) التهذيب 5: 174 / 585، الإستبصار 2: 250 / 880، الوسائل 11: 298
أبواب أقسام الحج ب 21 ح 7، وفيها: عمرة المحرم، بدل: عمرة الحج.
(6) قال في المنتقى 3: 340: الذي تحققته من عدة قرائن أن راوي هذا الحديث
محمد بن جزك.
227

التروية -: (ساعة يدخل مكة إن شاء الله، يطوف ويصلي ركعتين، ويسعى
ويقصر، ويخرج بحجته ويمضي إلى الموقف، ويفيض مع الإمام) (1).
والأخبار المعتبرة المتضمنة لادراك المتعة ما أدرك الناس بمنى،
كمرسلة ابن بكير (2)، وصحيحتي الحلبي (3) ومرازم (4)، وغيرها (5)، بناء على
أن ظاهرها إدراكهم بمنى قبل مضي عرفات.
وما دل على إدراكها بإدراك الناس مطلقا، كرواية أبي بصير: المرأة تجئ
متمتعة فطمثت قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال: (إن كانت
تعلم أنها تطهر وتطوف بالبيت وتحل من إحرامها وتلحق بالناس فلتفعل) (6).
والخامس: أنه إذا خاف فوت اضطراري عرفة، وهو مذهب الحلي
في السرائر (7)، وحكي عن محتمل الحلبي (8).
ولعله لصدق إدراك الموقفين معه، وللأخبار المستفيضة من الصحاح

(1) التهذيب 5: 171 / 570، وفي الإستبصار 2: 247 / 865، والوسائل 11: 295
أبواب أقسام الحج ب 20 ح 16: ويحرم بحجته... وفي الوسائل: محمد بن
مسرور، بدل: محمد بن سرو.
(2) الكافي 4: 443 / 3، التهذيب 5: 170 / 566، الإستبصار 2: 246 / 861،
الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 6.
(3) التهذيب 5: 170 / 565، الإستبصار 2: 246 / 860، الوسائل 11: 293
أبواب أقسام الحج ب 20 ح 8.
(4) التهذيب 5: 171 / 567، الإستبصار 2: 246 / 862، الوسائل 11: 294
أبواب أقسام الحج ب 20 ح 14.
(5) الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحج ب 20.
(6) الكافي 4: 447 / 8، الفقيه 2: 242 / 1158، التهذيب 5: 475 / 1675،
الإستبصار 2: 311 / 1108، الوسائل 11: 292 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 3.
(7) السرائر 1: 582.
(8) الكافي في الفقه: 194.
228

وغيرها المتضمنة ل‍: أن من يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ويدركها
ليلة النحر فقد تم حجه..
كصحيحة ابن عمار: رجل أدرك الإمام وهو بجمع، فقال: (إن ظن
أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها،
وإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها، وليقم بجمع فقد تم حجه) (1)،
وغيرها من الصحاح المتكثرة (2).
أقول: لا شك في أن الأصل بقاء الاشتغال بالتمتع إلى أن يعلم عدمه
المتحقق هنا بعدم إمكان دركه الحاصل بالاتيان بجميع واجبات عمرته
وحجه، ولازمه أصالة وجوبه ما لم يعلم عدم إمكان درك الوقوف الواجب
بعرفات، إذ مع دركه يدرك جميع أفعال العمرة والحج الواجبة.
ولا شك أيضا أن - بعد درك جميع أفعالهما الواجبة - الأصل: براءة
الذمة، لصدق الامتثال، وللاتيان بالمأمور به المستلزم للاجزاء.
ولا شك أيضا أن الأصل: بقاء الاشتغال وعدم البراءة لو لم يؤت
بجميع أفعالهما الواجبة، ركنا كان ما لم يؤت به أو غير ركن، لأن عدم
الركنية لا يخرجه عن الوجوب وإن لم يكن تركه مبطلا في بعض الصور أو
مطلقا بعوض أو بدونه بدليل.
ثم لازم ذلك وجوب الاتيان بالتمتع بعد ذلك في عام آخر، إلا أن
يدل دليل على قيام غيره من إفراد أو غيره مقامه.
والمتحصل من جميع ذلك أصلان:

(1) الكافي 4: 476 / 2، وفي الفقيه 2: 284 / 1394، والوسائل 14: 35 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 22 ح 1 بتفاوت يسير.
(2) كما في الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.
229

أحدهما: براءة الذمة مع الاتيان بجميع أفعالهما الواجبة، إلا بدليل
يعارضه في مورد (1).
وثانيهما: عدم البراءة مع عدم درك بعض واجباته، إلا بالاتيان بفعل
آخر يقوم مقامه بدليل شرعي.
ولازم الأول: صحة التمتع ما دام يدرك الوقوف الواجب بعرفات، كما
هو القول الرابع.
ولازم الثاني: عدم إدراك التمتع بعدم إدراكه كذلك، إلا أن يخرج عن
أحد الأصلين بدليل.
والقولان الأولان مخالفان للأصل الأول، والخامس للثاني، والثالث
كالأولين إن لم نقل بوجوب الوقوف من أول الزوال، وكالرابع إن قلنا به،
فاللازم حينئذ هو ملاحظة تمامية أدلة تلك الأقوال وعدمها، فنقول:
أما دليل القول الأول فكان حسنا لولا معارضته مع الأكثر منه عددا،
وأوضح دلالة، والأشهر فتوى، ولكنه معارض مع جميع أدلة الأقوال
المتأخرة عنه المتقدمة ذكرها، مضافا إلى غيرها من المستفيضة:
كرواية محمد بن ميمون: قدم أبو الحسن عليه السلام متمتعا ليلة عرفة،
فطاف، وأحل، وأتى بعض جواريه، ثم أهل بالحج وخرج (2).
وصحيحة محمد: إلى متى يكون للحاج عمرة؟ قال: (إلى السحر
من ليلة عرفة) (3).

(1) في (ح): مورده.
(2) الكافي 4: 443 / 2، الفقيه 2: 242 / 1157، التهذيب 5: 172 / 572،
الإستبصار 2: 247 / 867، الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 2.
(3) التهذيب 5: 172 / 573، الإستبصار 2: 248 / 868، الوسائل 11: 293
أبواب أقسام الحج ب 20 ح 9.
230

ومرسلة التهذيب: (أهل بالمتعة بالحج - يريد يوم التروية - إلى زوال
الشمس وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء ما بين ذلك كله واسع) (1)،
فلولا ترجيح الأخيرة بما ذكر يجب الرجوع إلى الأصل المتقدم.
هذا، مع ما في ذلك القول من الشذوذ المسقط لأدلته عن الحجية،
ومع ذلك أخباره مختصة بالحائض، والتعدي إلى غيرها كما - هو
المطلوب - يحتاج إلى الدليل، والاجماع المركب غير ثابت، كيف؟!
وصرح صاحب الذخيرة بالفصل (2).
ومحتملة لإرادة حج التطوع وإرادة الأفضل فيه، كما يشعر به قوله عليه السلام
في صحيحة ابن بزيع: (أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة) إلى آخره (3).
وإذن فسقوط ذلك القول جدا واضح.
وكذا القول الثاني، لنحو ما مر من الشذوذ والمعارضات الموجبة
للرجوع إلى الأصل.
وكذا القول الخامس، لمخالفته للأصل الثاني، مع قصور أدلته عن
النهوض لاثبات المطلوب.
أما الأول: فلظهور إدراك الموقف في الاختياري منه جدا وتبادره
منه، سيما مع تصريح طائفة من أخبار درك الموقف بدرك الناس فيه (4)، وهو
إنما يكون في الاختياري، ومع ذلك تعارضه أخبار إدراك الناس بمنى (5)،

(1) التهذيب 5: 172 / 578، الوسائل 11: 294 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 13.
(2) الذخيرة: 552.
(3) التهذيب 5: 391 / 1366، الإستبصار 2: 311 / 1107، الوسائل 11: 299
أبواب أقسام الحج ب 21 ح 14.
(4) انظر الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.
(5) كما في الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحج ب 20.
231

اللازم حمله على إدراكهم قبل عرفات بالاجماع.
وأما الثاني: فلأن غاية ما تدل عليه تلك الأخبار: أن من أدرك
الاضطراري فقد تم حجه، ولا كلام فيه، بل هو كذلك، وإنما الكلام في
تمامية التمتع المركب من العمرة المتقدمة والحج، وأين هو من ذلك؟!
فلم يبق إلا القول الثالث والرابع..
فإن قلنا: إن الموقف هو جميع ما بين الزوال إلى الغروب، فيتحد
القولان ولا يكون اختلاف بينهما، ويتميز القول الحق.
وإن قلنا: بأنه المسمى، فيتعارض أدلة القولين، وظاهر أن ما يعارض
دليل القول الثالث من أدلة الرابع منحصر برواية الميثمي (1)، وأما البواقي
فبين غير مناف له وبين معاضد له، كأخبار إدراك الناس بمنى.
ولا شك أن رواية الميثمي - مع مرجوحية سندها بالنسبة إلى دليل
الثالث، وعدم ظهور عامل بها أو غير نادر من القدماء - أعم مطلقا من أخبار
القول الثالث، فتعين تخصيصها بها، مع أن المصرح به في رواية الميثمي
أنه ما لم يخف فوات الموقفين.
ولا شك إن لم يتحلل من العمرة قبل الزوال يخاف الفوت البتة، كما
صرح به الشيخ في التهذيبين (2).
فإذن القول الحق هو: القول الثالث وعليه الفتوى.
المسألة الثالثة: إذا حاضت المرأة المتمتعة أو نفست قبل الطواف،
ومنعها العذر من الطواف وبقية أفعال عمرتها لضيق الوقت عن التربص إلى
الطهر، ففيه أقوال:

(1) المتقدمة في ص: 223.
(2) التهذيب 5: 170، الإستبصار 2: 249.
232

الأول: أنها تعدل إلى الافراد، وهو الأشهر كما في المدارك والذخيرة
والكفاية والمفاتيح (1) وشرحه، بل في الأخيرين كاد أن يكون إجماعا، وهو
ظاهر المدارك أيضا، بل عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة الاجماع
عليه (2).
لصحيحتي ابن بزيع (3) وجميل (4) المتقدمتين، وموثقة إسحاق بن
عمار: عن المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج
إلى عرفات، قال: (تصير حجة مفردة)، قلت: عليها شئ؟ قال: (دم
تهريقه، وهي أضحيتها) (5).
ومرسلة إسحاق بياع اللؤلؤ الصحيحة عمن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح منه: (المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم
رأت الدم فمتعتها تامة) (6)، دلت بالمفهوم على أنه قبل أربعة أشواط لا
تكون متعتها تامة.
ومرسلة إبراهيم بن إسحاق، وهي كمرسلة إسحاق، وزاد: (وإن هي

(1) المدارك 7: 178، الذخيرة: 553، الكفاية: 55، المفاتيح 1: 308.
(2) الخلاف 2: 261، 262، المعتبر 2: 789، المنتهى 2: 663، التذكرة 1:
320.
(3) التهذيب 5: 391 / 1366، الإستبصار 2: 311 / 1107، الوسائل 11: 299
أبواب أقسام الحج ب 21 ح 14.
(4) الفقيه 2: 240 / 1146، التهذيب 5: 390 / 1363، الوسائل 11: 296 أبواب
أقسام الحج ب 21 ح 2.
(5) الفقيه 2: 240 / 1147، التهذيب 5: 390 / 1365، الإستبصار 2:
310 / 1106، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 13.
(6) الكافي 4: 449 / 4، وفي التهذيب 5: 393 / 1370، والاستبصار 2:
313 / 1111، والوسائل 13: 456 أبواب الطواف ب 86 ح 2: ثم حاضت،
بدل: ثم رأت الدم.
233

لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج، فإن أقام بها جمالها بعد الحج
فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر) (1).
والثاني: ما حكي عن علي بن بابويه والحلبي وابن زهرة
والإسكافي (2)، وهو أنها لا تعدل، بل مع الضيق تؤخر طواف العمرة
فتسعى، ثم تحرم بالحج، ثم تقضي مناسكها للحج وتقضي طواف العمرة
مع طواف الحج، وعن الغنية الاجماع عليه (3).
للمستفيضة من الأخبار، كصحيحة البجلي والعلا وابن رئاب (4)
ورواية عجلان (5) المتقدمتين.
ورواية أخرى لعجلان: (إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلت قبل أن تطوف
قدمت السعي وشهدت المناسك، فإذا طهرت وانصرفت من الحج قضت
طواف العمرة وطواف الحج وطواف النساء، ثم أحلت من كل شئ) (6).
وثالثة: متمتعة دخلت مكة فحاضت، فقال: (تسعى بين الصفا
والمروة، ثم تخرج مع الناس حتى تقضي طوافها بعد) (7).
ومرسلة يونس: عن امرأة متمتعة طمثت قبل أن تطوف فخرجت مع

(1) الفقيه 2: 241 / 1155، الوسائل 13: 455 أبواب الطواف ب 85 ح 4.
(2) حكاه عن علي بن بابويه في الدروس 1: 406، الحلبي في الكافي في الفقه: 218، ابن
زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 578، حكاه عن الإسكافي في الدروس 1: 406.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.
(4) الكافي 4: 445 / 1، الوسائل 13: 448 أبواب الطواف ب 84 ح 1.
(5) الكافي 4: 446 / 2، التهذيب 5: 391 / 1368، الإستبصار 2: 312 / 1109،
الوسائل 13: 449 أبواب الطواف ب 84 ح 2.
(6) الكافي 4: 447 / 6، التهذيب 5: 394 / 1374، الإستبصار 2: 314 / 1115،
الوسائل 13: 449 أبواب الطواف ب 84 ح 3.
(7) الفقيه 2: 239 / 1143، الوسائل 13: 452 أبواب الطواف ب 84 ح 10.
234

الناس إلى منى، فقال: (أوليس هي على عمرتها وحجتها؟! فلتطف طوافا
للعمرة وطوافا للحج) (1).
وصحيحة الحلبي: (ليس على النساء حلق وعليهن التقصير، ثم
يهللن بالحج يوم التروية، وكانت عمرة وحجة، فإن اعتللن كن على
حجتهن ولم يضررن بحجتهن) (2).
وصحيحة الكاهلي: عن النساء على إحرامهن؟ فقال: (يصلحن ما
أردن أن يصلحن) إلى أن قال: (فإذا قضين طوافهن وسعيهن قصرن
وجازت متعة، ثم أهللن يوم التروية بالحج، فكانت عمرة وحجة، وإن
اعتللن كن على حجهن ولم يفردن حجهن) (3).
والثالث: التخيير بين الأمرين، حكي عن الإسكافي (4)، واحتمله
بعض متأخري المتأخرين (5)، للجمع بين الأخبار.
والرابع: ما استحسنه في الوافي والمفاتيح (6)، وهو: أنها إن أحرمت
بالمتعة قبل الحيض تمتعت، كما في القول الثاني، وإن حاضت قبل الاحرام
أفردت، كما في القول الأول، وبه جمع بين أخبار الطرفين.
واستدل له برواية أبي بصير في المرأة المتمتعة (إذا أحرمت وهي
طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت ولم تطف حتى تطهر، ثم
تقضي طوافها وقد قضت عمرتها، وإن هي أحرمت وهي حائض لم تسع
ولم تطف حتى تطهر) (7).

(1) الكافي 4: 447 / 7، الوسائل 13: 451 أبواب الطواف ب 84 ح 8.
(2) التهذيب 5: 390 / 1364، الوسائل 11: 297 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 3.
(3) الفقيه 2: 241 / 1152، الوسائل 13: 452 أبواب الطواف ب 84 ح 12.
(4) حكاه عنه في المختلف: 316.
(5) كصاحب المدارك 7: 180، السبزواري في الذخيرة: 553.
(6) الوافي 13: 986، المفاتيح 1: 341.
(7) الكافي 4: 447 / 5، وفي التهذيب 5: 394 / 1375، والاستبصار 2: 315 / 1116،
والوسائل 13: 450 أبواب الطواف ب 84 ح 5: وقد تمت متعتها، بدل: وقد قضت متعتها.
235

أقول: لا يخفى أن أدلة القول الثاني برمتها خالية عن التصريح في
الوجوب، لأنها بين جملة خبرية أو محتملة لها، وأما قوله في مرسلة
يونس: (فلتطف) فإنما هو بعد كونها على عمرتها، ولكن لا دلالة فيها
على وجوب الكون على العمرة.
فإذن فالقول الثاني - المتضمن لتعين الكون على العمرة - خال عن
الدليل بالمرة، ساقط عن درجة العبرة، مع أنه على فرض الدلالة كلها أعم
مطلقا من مرسلة إسحاق وإبراهيم (1)، إما لعمومها بالنسبة إلى ما قبل الطواف
وما بعده أو بالنسبة إلى ما قبل أربعة أشواط الطواف وما قبلها، فيجب
تخصيصها بهما والقول بأنه إن كان ما قبل أربعة أشواط يجعلها حجة، وإن
كان ما بعدها يتمها عمرة، كما هو الأصح الأشهر، كما يأتي.
ومنه يظهر سقوط الثالث أيضا.
وأما الرابع: فمع عدم قائل به من المتقدمين والمتأخرين الموجب
لشذوذه الباعث على طرح ما يدل عليه، لا تصلح روايته للجمع الذي
ذكره، لصريح المرسلتين المتضمنتين للعدول إلى الافراد في كون الحيض
بعد الاحرام.. بل وكذا صحيحة ابن بزيع، لعطف الحيض بالفاء الدالة على
الترتيب وكون الحيض بعد دخول مكة، وهو لا يكون إلا بعد الاحرام.. بل
وكذا صحيحة البجلي وابن رئاب المتقدمة.
هذا، مع عموم تلك الرواية في حكمها بعدم العدول بالنسبة إلى ما

(1) المتقدمتين في ص 229 و 230.
236

قبل أربعة أشواط وما بعدها، ولذا حملها الشيخ على ما بعدها، بل استشهد
بها عليه فقال - بعد حمل الأخبار السابقة على ذلك -: ويدل عليه ما رواه
- ثم ساق الرواية - وقال بعدها: فبين عليه السلام في هذا الخبر صحة ما ذكرنا،
لأنه قال: (إن هي أحرمت وهي طاهر) جاز أن يكون حيضها بعد الفراغ من
الطواف أو بعد مضيها في النصف منه، فحينئذ جاز لها تقديم السعي
وقضاء ما بقي عليها من الطواف، فإذا أحرمت وهي حائض لم يكن لها
سبيل إلى شئ من الطواف، فامتنع لأجل ذلك السعي (1). انتهى.
ومنه يظهر أن الحق هو القول الأول.
وحكي في المسألة قول خامس، وهو: أنها تستنيب من يطوف
عنها، ولا نعرف قائله ولا مستنده، فهو ضعيف غايته.
المسألة الرابعة: المناط للحائض والنفساء أيضا ما مر في حق من
ضاق وقته من عدم إدراكه زوال الشمس من يوم عرفة، كما سبق دليله.
وقد اختار صاحب الذخيرة فيهما زوال الشمس من يوم التروية (2)،
بعد اختياره في من ضاق وقته ما اخترناه.
والظاهر أنه خرق الاجماع المركب، ونسبة هذا القول فيهما إلى علي
ابن بابويه والمفيد لا تفيد، لأنهما قالا بذلك فيه أيضا.
هذا، مع أن ما استدل به لذلك التفصيل - من أنه مقتضى صحيحتي
ابن بزيع (3) وجميل (4) - عليل، لأنهما لا تدلان على أزيد من كونهما

(1) التهذيب 5: 394 - 395.
(2) الذخيرة: 551.
(3) التهذيب 5: 391 / 1366، الإستبصار 2: 311 / 1107، الوسائل 11: 299
أقسام الحج ب 21 ح 14.
(4) الفقيه 2: 240 / 1146، التهذيب 5: 390 / 1363، الوسائل 11: 296 أبواب
أقسام الحج ب 21 ح 2.
237

حائضين يوم التروية، وأنهما إذا كانتا كذلك تعدلان، والحيض يوم التروية
لا يستلزم دركهما الطواف طاهرتين قبل زوال يوم عرفة.
بل صحيحة جميل صريحة في بقاء حيضها إلى ما بعد عرفات أيضا،
حيث قال: (ثم تقيم حتى تطهر).
بل ظاهر صحيحة ابن بزيع أيضا ذلك، حيث إنها صرحت بأن
تحيضها بعد دخول مكة، وبأن عامة الموالي يدخلون يوم التروية، فالظاهر
أن تحيضها لم يتقدم على التروية، فلا تتطهر لزوال الشمس من يوم عرفة.
هذا، مع أن تعارضها مع بعض ما مر وكون الأصل مع زوال يوم
عرفة أيضا يكفي في الحكم به.
المسألة الخامسة: لو حصل عذرهما في أثناء الطواف، ففي صحة
متعتهما مطلقا، أو العدم كذلك، أو الأول إذا كان بعد أربعة أشواط، والثاني
إذا لم يكن، أقوال.
أصحها: ثالثها، وفاقا للصدوقين والشيخين والقاضي وابن حمزة
والفاضلين (1)، وغيرهم (2)، بل هو الأشهر كما صرح به في المدارك
والذخيرة (3) وغيرهما (4)، لمرسلتي إسحاق وإبراهيم المتقدمتين (5)، وقريبة

(1) الصدوق في المقنع 1: 84، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 316،
المفيد في المقنعة: 440، الطوسي في النهاية: 275، القاضي في المهذب 1:
231، ابن حمزة في الوسيلة: 173، المحقق في الشرائع 1: 268، العلامة في
التحرير 1: 99.
(2) كالشهيد في الدروس 1: 405.
(3) المدارك 7: 181، الذخيرة: 643.
(4) كالحدائق 14: 347، رياض المسائل 1: 411.
(5) في ص 229 و 230.
238

منهما رواية الأعرج (1).
خلافا للمحكي عن الصدوق، فالأول (2)، لصحيحة محمد: عنه امرأة
طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما، قال: (تحفظ مكانها، فإذا
طهرت طافت بقيته واعتدت بما مضى) (3).
وتضعف بأنها أعم مطلقا من الأخبار المتقدمة، باعتبار شمولها
لطواف النافلة والفريضة المتمتعة وغيرها، واختصاص الأخبار بالمتمتعة،
فيجب تخصيصها بها.
وتضعيف الأخبار - بعد الانجبار وصحتها ممن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه - ضعيف.
بل لنا أن نقول أيضا: إن إتمام بقية هذا الطواف بعد الطهر أعم من
جعله من التمتع أو الحج أو كونه أمرا تعبديا، فلا يعارض ما مر أصلا.
وللحلي، فالثاني (4)، وتبعه بعض المتأخرين (5) على ما قيل، للأصل
وصحيحة ابن بزيع المتقدمة، وتضعيفه كسابقه، فإن ما مر يدفع الأصل
ويخصص الصحيحة، لأخصيته منها.
المسألة السادسة: لو حصل الحيض بعد الطواف وصلاة الركعتين
صحت المتعة قطعا، ووجب عليها السعي والتقصير، لعدم توقفهما على

(1) التهذيب 5: 393 / 1371، الإستبصار 2: 213 / 1112، الوسائل 13: 456
أبواب الطواف ب 86 ح 1.
(2) حكاه عنه في المختلف: 316، وهو في الفقيه 2: 241 / 1153.
(3) الفقيه 2: 241 / 1153، التهذيب 5: 397 / 1380، الإستبصار 2:
317 / 1121، الوسائل 13: 454 أبواب الطواف ب 85 ح 3، بتفاوت يسير.
(4) السرائر 1: 623.
(5) انظر المدارك 7: 182.
239

الطهارة، وللأخبار المستفيضة (1) من الصحاح وغيرها، وإطلاقها بل عمومها
يشمل ما إذا كان قبل الركعتين أيضا كما هو الأصح الأشهر، ودلت عليه
خصوصا رواية الكناني (2) المنجبرة، المؤيدة بصحيحة محمد العامة
للمتمتعة وغيرها أيضا، فالاستشكال فيه - كما في المدارك (3) - غير جيد.
وأما بعض الأخبار الناهية عن سعي الحائض (4) فشاذة، ومع الأكثر
منها الأوضح دلالة معارضة، ومع ذلك عن الدال على الحرمة خالية، والله
العالم.
المسألة السابعة: اعلم أن ما ذكر من تعين التمتع للنائي إنما هو في
حجة الاسلام دون التطوع والمنذور، وصرح الشيخ في التهذيبين والمحقق
في المعتبر والفاضل في جملة من كتبه والشهيد في الدروس (5) وغيرهم (6):
بأن من أراد التطوع بالحج كان مخيرا بين الافراد الثلاثة.
بل ظاهر الذخيرة عدم الخلاف فيه، حيث قال: إن موضع الخلاف
حجة الاسلام دون التطوع والمنذور (7). انتهى.
نعم، التمتع أفضل.
وتدل على الحكمين مكاتبة علي بن ميسر: عن رجل اعتمر في شهر

(1) كما في الوسائل 13: 458 أبواب الطواف ب 88.
(2) الكافي 4: 448 / 1، التهذيب 5: 397 / 1381، الوسائل 13: 458 أبواب
الطواف ب 88 ح 2.
(3) المدارك 7: 184.
(4) انظر الوسائل 13: 457 أبواب الطواف ب 87.
(5) التهذيب 5: 31، الإستبصار 2: 155، المعتبر 2: 338، الفاضل في
التحرير 1: 93، الدروس 1: 330.
(6) المسالك 1: 101.
(7) الذخيرة: 553.
240

رمضان ثم حضر له الموسم، أيحج مفردا للحج أو يتمتع، أيهما أفضل؟
فكتب إليه: (التمتع أفضل) (1).
ورواية عبد الملك: عن التمتع، فقال: (تمتع)، قال: فقضى أنه أفرد
الحج ذلك العام أو بعده، فقلت: أصلحك الله، سألتك فأمرتني بالتمتع
وأراك قد أفردت الحج العام، فقال: (أما والله الفضل لفي الذي أمرتك به،
ولكني ضعيف فشق علي طوافان بين الصفا والمروة، فلذلك أفردت الحج
العام) (2).
وصحيحة ابن سنان: إني قرنت العام وسقت الهدي، قال: (ولم
فعلت ذلك؟ التمتع والله أفضل، لا تعودن) (3).
وصحيحة ابن عمار: إني اعتمرت في رجب وأنا أريد الحج، أسوق
الهدي أو أفرد الحج أو أتمتع؟ فقال: (في كل فضل وكل حسن)، فقلت:
أي ذلك أفضل؟ فقال: (تمتع، هو والله أفضل) (4)، إلى غير ذلك من
الأخبار التي لا تحصى كثرة.
المسألة الثامنة: يجب في التمتع - من حيث هو تمتع زائدا على ما
يشترط في غيره - أمور:

(1) الكافي 4: 292 / 8، الفقيه 2: 204 / 932، الوسائل 11: 247 أبواب أقسام
الحج ب 4 ح 4، وفيه: علي بن جعفر.
(2) الكافي 4: 292 / 12، التهذيب 5: 28 / 84، الإستبصار 2: 153 / 502،
الوسائل 11: 249 أبواب أقسام الحج ب 4 ح 10.
(3) 71 التهذيب 5: 29 / 90، الإستبصار 2: 154 / 508، الوسائل 11: 251 أبواب
أقسام الحج ب 4 ح 17.
(4) الكافي 4: 293 / 15، التهذيب 5: 31 / 94، الإستبصار 2: 156 / 512،
الوسائل 11: 251 أبواب أقسام الحج ب 4 ح 18، في التهذيب والوسائل بتفاوت
يسير.
241

الأول: النية، والظاهر أنه ليس مرادهم منها هنا الخلوص والقربة، أو
نية كل من الحج والعمرة أو كل من أفعالهما المتفرقة، أو نية الاحرام
خاصة، أو نية المجموع جملة، كما فسره بكل طائفة، لعدم ظهور
خصوصية ذكر شئ منها في هذا المقام، مع أن بعضها مما يذكر مفصلا في
مواضعها، وبعضها مما لا دليل له على الوجوب والشرطية.
بل المراد: نية خصوص التمتع، لتتميز عن القسمين الآخرين، أو
عن العمرة المفردة، كما أوجبها في المختلف (1) وغيره (2).
وتدل عليها الأخبار المستفيضة:
كصحيحة أحمد: كيف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال: (لب بالحج
وانو المتعة، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت) الحديث (3).
وصحيحة أبان: بأي شئ أهل؟ فقال: (لا تسم حجا ولا عمرة،
وأضمر في نفسك المتعة، فإن أدركت متمتعا وإلا كنت حاجا) (4).
وصحيحة البزنطي: عن رجل متمتع كيف يصنع؟ قال: (ينوي المتعة
ويحرم بالحج) (5).
وموثقة إسحاق بن عمار: إن أصحابنا يختلفون في وجهين من

(1) المختلف: 264.
(2) كما في كشف اللثام 1: 313.
(3) التهذيب 5: 86 / 285، الإستبصار 2: 172 / 567، الوسائل 12: 352 أبواب
الاحرام ب 22 ح 4.
(4) التهذيب 5: 86 / 286، الإستبصار 2: 172 / 568، الوسائل 12: 349 أبواب
الاحرام ب 21 ح 4.
(5) التهذيب 5: 80 / 264، وفي الإستبصار 2: 168 / 544، والوسائل 12: 351 أبواب الاحرام ب 22 ح 1: نوي العمرة...
242

الحج، يقول بعضهم: أحرم بالحج مفردا، وبعضهم يقول: أحرم وانو
المتعة بالعمرة إلى الحج، أي هذين أحب إليك؟ قال: (انو المتعة) (1).
وتدل عليه أيضا الأخبار (2) المتضمنة لمثل قولك: اللهم إني أريد أن
أتمتع بالعمرة إلى الحج، أو الاكتفاء بإضمار ذلك.
ولا ينافي ذلك جواز تجديد النية إلى وقت التحلل إن فات أولا، كما
لا يضر في اشتراط الصوم بالنية جواز تجديدها إلى الزوال إن فات أول الوقت.
وكذا لا تنافيه قضية إهلال علي عليه السلام بما أهل به النبي صلى الله عليه وآله، لأنها
قضية في واقعة لا عموم لها، فيمكن أن يكون عالما بكيفية إهلاله أو لم
يكن عالما بحكم الواقعة، حيث إنه كان نزل في غيبته.
الثاني: أن يكون مجموع عمرته وحجه في أشهر الحج، بخلاف
القسمين الآخرين، فإن عمرتهما لا يشترط أن تكون فيها وإن اشترط كون
أصل الحج فيهما فيها أيضا.
ثم ما ذكرنا من اشتراط كون المجموع في أشهر الحج مما وقع عليه
الاجماع، ونقله عليه في كلماتهم متكرر، قال في السرائر: الاجماع حاصل
منعقد على أنه لا ينعقد إحرام حج ولا عمرة متمتع بها إلى الحج إلا في
أشهر الحج (3)، وهو الدليل عليه.
مضافا إلى صحيحة زرارة الثانية (4) المتقدمة في بيان كيفية أقسام

(1) الكافي 4: 333 / 5، التهذيب 5: 80 / 265، الإستبصار 2: 168 / 555،
الوسائل 12: 348 أبواب الاحرام ب 21 ح 1، بتفاوت يسير.
(2) قرب الإسناد: 123 / 433، الوسائل 12: 355 أبواب الاحرام ب 23 ح 3.
(3) السرائر 1: 526.
(4) الكافي 4: 289 / 1، التهذيب 5: 51 / 155، الإستبصار 2: 161 / 527،
الوسائل 11: 272 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 5.
243

الحج، ولا يضر وقوعه بالجملة الخبرية، لأنها جواب عن سؤال الماهية.
وموثقة سماعة: (من حج معتمرا في شوال ومن نيته أن يعتمر
ويرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، وإن أقام هو إلى الحج فهو متمتع، لأن
أشهر الحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة، من اعتمر فيهن وأقام إلى الحج
فهي متعة، ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحج فهي عمرة، وإن اعتمر
في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس بمتمتع، وإنما هو مجاور
أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج
فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة
إلى الحج) الحديث (1).
وصحيحة عمر بن يزيد: (لا تكون متعة إلا في أشهر الحج) (2).
وعلى هذا، فلو أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج لم يجز
له التمتع بها.
ثم أشهر الحج هي: شوال وذو القعدة وذو الحجة، كما عليه
الإسكافي والصدوق والشيخ في النهاية (3)، بل الأكثر كما قيل، وعليه كافة
المتأخرين (4)، وبه استفاضت الروايات (5).
وقال السيد والعماني والديلمي: هي الأولان مع عشرة من ذي الحجة (6).

(1) الفقيه 2: 274 / 1335، الوسائل 11: 270 أبواب أقسام الحج ب 10 ح 2.
(2) التهذيب 5: 435 / 1513، الوسائل 14: 312 أبواب العمرة ب 7 ح 5،
بتفاوت يسير.
(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 260، الصدوق في الفقيه 2: 278، النهاية: 207.
(4) انظر الرياض 1: 350.
(5) الوسائل 11: 271 أبواب أقسام الحج ب 11.
(6) السيد في الإنتصار: 91، حكاه عن العماني في المختلف: 260، الديلمي في
المراسم: 104.
244

وقال الشيخ في الجمل والاقتصاد والقاضي في المهذب: مع تسعة
منه (1).
وعن الحلبي: مع ثمان منه (2).
وعن الخلاف والمبسوط: مع تسعة منه وليلة يوم النحر إلى طلوع
فجره (3).
وعن الحلي: إلى طلوع شمسه (4).
ولا فائدة في هذا النزاع، بل في الحقيقة هو لفظي، للاتفاق على
خروج وقت بعض الأفعال بمضي العشرة، وبقاء وقت البعض إلى ما بعدها
أيضا.
وكذا لا تنافي بين الأخبار المستفيضة المصرحة بأنها الثلاثة كملا (5)
والنادر المتضمن للأولين والعشر (6)، إذ ليس المراد في الأولى أنه يصح
وقوع جميع الأفعال في كل وقت من الثلاثة، ولا أنه يجب إيقاعها في
المجموع من حيث المجموع. ولا المراد في الثاني: أن الأولين مع العشر
هي الأشهر.
بل معنى الأولى: أن أفعالها يجب أن تكون في تلك الثلاثة، ويصح
إطلاق شهر عمل على ما يكون العمل في جزء منه، كما يقال يوم صلاة
الجمعة: يوم الجمعة. ومعنى الثاني: أنه بانقضاء العشر وعدم التلبس

(1) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 226، الإقتصاد: 300، المهذب 1: 213.
(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 201.
(3) الخلاف 2: 258، المبسوط 1: 308.
(4) السرائر 1: 524.
(5) الوسائل 11: 271 أبواب أقسام الحج ب 11.
(6) الكافي 4: 290 / 3، الوسائل 11: 273 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 6.
245

ينقضي الوقت.
الثالث: أن يأتي بالحج وعمرته في سنة واحدة، بلا خلاف يعلم كما
في الذخيرة (1)، ومطلقا كما في المدارك والمفاتيح (2) وشرحه، بل بالاتفاق
كما عن التذكرة (3).
واحتجوا له بالأخبار الدالة على دخول العمرة في الحج إلى يوم
القيامة، والناصة على ارتباط عمرة التمتع بحجه، والمصرحة بأنه لا يجوز
للمتمتع الخروج من مكة حتى يقضي تمتعه (4).
وبأن المتبادر من أخبار التمتع إيقاع نسكيه في عام واحد، سيما
أخبار عدم جواز خروجه من مكة حتى يقضي حجه، سيما مع ملاحظة
ندرة بقاء إحرام العمرة إلى السنة المستقبلة.
وبأن العبادات توقيفية تتوقف صحتها على دلالة، وهي في المقام
مفقودة.
ولا يخفى ما في جميع تلك الأدلة من قصور الدلالة وعدم التمامية،
لعدم دلالة غير الأخيرين منها على اعتبار كونهما في سنة أصلا، ولذا جعلها
بعض مشايخنا معاضدة لا حجة مستقلة (5).
وعدم نهوض الأخيرين، أما التبادر فلمنعه، وأما التوقيفية فلحصول
التوقيف بإطلاق الأدلة.
ولذا احتمل الشهيد الاجزاء لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام

(1) الذخيرة: 572.
(2) المدارك 7: 168، المفاتيح 1: 339.
(3) التذكرة 1: 379.
(4) انظر الوسائل 11: 246 أبواب أقسام الحج ب 4.
(5) كما في الرياض 1: 351.
246

الأفعال إلى القابل (1)، وتبعه بعض مشايخنا المعاصرين، فقال بعد ما قال:
فما ذكره الشهيد من الاجزاء محتمل - إلى أن قال -: وكيف كان فلا ريب
في أن الاتيان بهما في سنة واحدة أحوط (2).
أقوال: الأدلة المذكورة وإن كانت قاصرة عن إثبات المطلوب إلا أنه
تدل عليه الأخبار المتكثرة المصرحة بانتفاء المتعة أو ذهابها بزوال شمس
يوم التروية أو عرفة أو غروبها أو ليلة عرفة، والآمرة بجعلها حينئذ حجة
مفردة، المتقدمة أكثرها في المسألة الثانية.
ولو لم يعتبر في المتعة اتحاد سنة النسكين لم يصح ذلك النفي
والحكم بالذهاب والأمر بالعدول على الاطلاق، بل مطلقا.
والتقييد بمن أراد الحج في سنة العمرة أو من لم يتمكن من البقاء إلى
عام آخر تقييد بلا دليل، مع أن في جواز التقييد بالإرادة من أصله نظر.
ويظهر من ذلك صحة القول المشهور وتماميته، وعدم تأتي الاحتمال
المذكور، ووجوب كون الحج مع عمرته في عام واحد.
الرابع: أن يحرم بحجه من بطن مكة، فهو الميقات له، بلا خلاف
كما قيل (3)، بل بإجماع العلماء، كما في المدارك والمفاتيح (4) وشرحه
وغيرها (5)، للأخبار المستفيضة، منها: رواية إبراهيم ابن ميمون، وفيها:
(فإنك متمتع في أشهر الحج، وأحرم يوم التروية من المسجد الحرام) (6).

(1) الدروس 1: 339.
(2) انظر رياض المسائل 1: 351.
(3) انظر الذخيرة: 572.
(4) المدارك 7: 169، المفاتيح 1: 339.
(5) كالرياض 1: 351.
(6) التهذيب 5: 446 / 1554، الوسائل 11: 266 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 4،
بتفاوت يسير.
247

وصحيحة ابن عمار: (إذا كان يوم التروية فاغتسل والبس ثوبك
وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار، ثم صل ركعتين عند مقام
إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة، ثم قل في دبر
صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، وأحرم بالحج ثم امض وعليك
السكينة والوقار، فإذا انتهيت إلى الروحاء (1) دون الردم (2) فلب، فإذا انتهيت
إلى الردم وأشرفت على الأبطح (3) فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى) (4).
وموثقة أبي بصير: (إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما
صنعت حين تحرم، خذ من شاربك ومن أظفارك وأطل عانتك إن كان لك
شعر وانتف إبطيك واغتسل والبس ثوبيك، ثم ائت المسجد الحرام فصل
فيه ست ركعات قبل أن تحرم) إلى أن قال: (ثم تلبي من المسجد الحرام
كما لبيت حين أحرمت، تقول: لبيك بحجة تمامها وبلاغها عليك، فإن
قدرت أن يكون رواحك إلى منى زوال الشمس وإلا فمتى تيسر لك من
يوم التروية) (5).

(1) في الكافي والوسائل: الرفضاء، وفي التهذيب: الرقطاء، ولم نعثر عليهما في
معجم البلدان وغيره.. قال في المعجم 3: 76: لما رجع تبع من قتال أهل المدينة
يريد مكة نزل بالروحاء فأقام بها وأراح فسماها الروحاء.
(2) الردم: وهي ردم بني جمح بمكة، وسمي كذلك بما ردم منهم يوم التقوا بني
محارب واقتتلوا قتالا شديدا - معجم البلدان 3: 40.
(3) الأبطح: يضاف إلى مكة وإلى منى، لأن المسافة بينه وبينهما واحدة، وربما كان
إلى منى أقرب، ونقل بعضهم أنه إنما سمي أبطح لأن آدم عليه السلام بطح فيه - معجم
البلدان 1: 74.
(4) الكافي 4: 454 / 1، التهذيب 5: 167 / 557، الوسائل 12: 408 أبواب
الاحرام ب 52 ح 1، بتفاوت يسير.
(5) التهذيب 5: 168 / 559، الإستبصار 2: 251 / 881، الوسائل 12: 409
أبواب الاحرام ب 52 ح 2.
248

ورواية عمر بن يزيد: (إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت
بالشجرة، ثم صل ركعتين خلف المقام، ثم أهل بالحج، فإن كنت ماشيا
فلب عند المقام، وإن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك، وصل الظهر إن
قدرت بمنى، واعلم أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو
ليل أو نهار) (1).
وصحيحة الحلبي: عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج
إلى الطائف، قال: (يهل بالحج من مكة، وما أحب له أن يخرج منها إلا
محرما، ولا يجاوز الطائف إنها قريبة من مكة) (2).
والأخرى، وفيها: (فإذا أقاموا [شهرا] فإن لهم أن يتمتعوا)، قلت:
من أين؟ قال: (يخرجون من الحرم)، قلت: من أين يهلون بالحج؟
فقال: (من مكة نحوا مما يقول الناس) (3).
وصحيحة حماد، وفيها: فإن مكث [الشهر]؟ قال: (يتمتع)، قلت:
من أين؟ قال: (يخرج من الحرم)، قلت: من أين يهل بالحج؟ قال: (من
مكة نحوا مما يقول الناس) (4).
وهذه الأخبار وإن كانت قاصرة عن إفادة الوجوب والتعيين الذي هو
المطلوب، إما لكونها متضمنة للجملة الخبرية، أو لما لا يجب قطعا من

(1) التهذيب 5: 169 / 561، الإستبصار 2: 252 / 886، الوسائل 12: 397
أبواب الاحرام ب 46 ح 2، وأورد ذيله في ص 338 أبواب الاحرام ب 15 ح 2.
(2) الكافي 4: 443 / 3، التهذيب 5: 164 / 547، الوسائل 11: 303 أبواب أقسام
الحج ب 22 ح 7.
(3) التهذيب 5: 35 / 103، الوسائل 11: 266 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 3، بدل
ما بين المعقوفين في النسخ: أشهرا، وما أثبتناه من المصدر.
(4) الكافي 4: 300 / 4، الوسائل 11: 268 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 7، بتفاوت
يسير، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ: أشهرا، وما أثبتناه من المصدر.
249

الاحرام من المسجد، أو في يوم التروية، وأيضا كانت غير الأخيرة منها
مخصوصة بالمسجد الحرام أو موضع خاص منه والمطلوب أعم منه..
إلا أن الأول يتم بضميمة أصل الاشتغال، حيث إنه لا إطلاق يدل
على جواز الاحرام من أي موضع كان، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن،
مع أن الاجماع قرينة على إرادة الوجوب من الجملة الخبرية أيضا.
والثاني بإطلاق الأخيرة الخالي عن المعارض، لأن المقيد غير دال
على الوجوب، لما عرفت.
وبصحيحة عمرو بن حريث الصيرفي: من أين أهل بالحج؟ فقال:
(إن شئت من رحلك، وإن شئت من الكعبة، وإن شئت من الطريق) (1)،
وفي بعض الطرق: (من المسجد) بدل قوله: (من الكعبة).
وموثقة يونس: من أي المسجد أحرم يوم التروية؟ فقال: (من أي
المسجد شئت) (2)، أي: أي موضع من المسجد.
ثم المراد ببطن مكة: ما دخل على شئ من بنائها، لصدق الاسم
الذي أطلقته صحيحة الحلبي، فيجوز الاحرام من كل ما كان داخلا عليه.
ولكن الأفضل أن يحرم من المسجد اتفاقا، كما في المدارك
والحدائق (3) وغيرهما (4)، وهو الحجة فيه، لكونه مقام التسامح، مضافا إلى
كونه أشرف الأماكن.

(1) الكافي 4: 455 / 4، التهذيب 5: 166 / 555، الوسائل 11: 339 أبواب
المواقيت ب 21 ح 2.
(2) الكافي 4: 455 / 5، التهذيب 5: 166 / 556، الوسائل 11: 340 أبواب
المواقيت ب 21 ح 3.
(3) المدارك 7: 169، الحدائق 14: 359.
(4) كرياض المسائل 1: 351.
250

واستحباب الاحرام عقيب الصلاة وهي في المسجد أفضل، والأمر به
في الأخبار المتقدمة الذي ليس بأقل من الاستحباب، وأفضله مقام إبراهيم
أو الحجر مخيرا بينهما، وفاقا للهداية والمقنع والفقيه والمدارك (1)،
لصحيحة ابن عمار المتقدمة (2).
ولا ينافيها الأمر بالمقام في رواية عمر بن يزيد، لأنه لا يفيد هنا أزيد
من الرجحان الإضافي أو أحد فردي المستحب، لأنهما أيضا من المجازات
المحتملة بعد عدم إرادة الحقيقة بالاجماع.
وفي النافع وعن الكافي والغنية والجامع والتحرير والمنتهى والتذكرة
والدروس وموضع من القواعد: التخيير بين المقام وتحت الميزاب (3).
وفي الشرائع وعن النهاية والمبسوط والمصباح ومختصره والمهذب
والسرائر والمختلف: الاقتصار على المقام (4).
وفي الإرشاد: على تحت الميزاب (5).
فرع: لو أحرم بحج التمتع من غير مكة عمدا اختيارا لم يجزه
ويستأنفه منها، لتوقف الواجب عليه، ولا يكفي دخولها محرما، ولا بد من
الاستئناف منها على المعروف من مذهب الأصحاب، لما مر.. ولو نسي
الاحرام منها يعيد إليها وجوبا، للاحرام مع المكنة.

(1) الهداية: 60، المقنع: 85، الفقيه 2: 207، المدارك 7: 169.
(2) في ص: 244.
(3) النافع: 79، الكافي في الفقه: 212، الغنية (الجوامع الفقهية): 579، الجامع:
179، التحرير 1: 94، المنتهى 2: 714، التذكرة 1: 320، الدروس 1: 341،
القواعد 1: 85.
(4) الشرائع 1: 237، النهاية: 248، المبسوط 1: 364، المصباح: 627،
المهذب 1: 244، السرائر 1: 583، المختلف: 297.
(5) الإرشاد 1: 328.
251

ولو تعذر العود إليها - لخوف أو ضيق وقت أو غيرهما - أحرم من
موضعه ولو كان بعرفات، لصحيحة علي: عن رجل نسي الاحرام بالحج
فذكره وهو بعرفات ما حاله؟ قال: (يقول اللهم على كتابك وسنة نبيك،
فقد تم إحرامه، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده
إن كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه) (1).
وكذا لو تركه جهلا، لكونه عذرا، ولفحوى ما دل على الاحرام من
موضعه لو جهل الاحرام من المواقيت الأخر، كما في موثقة زرارة، وفيها
- بعد السؤال عن امرأة تركت الاحرام جهلا حتى قدمت مكة - (إنها تحرم
من مكانها، قد علم الله بنيتها) (2).
بل يثبت المطلوب بالعلة المذكورة في هذه الموثقة أيضا.
ويستفاد من صحيحة علي: أنه لو نسي الاحرام بالحج حتى يرجع
إلى بلده صح حجه، وهو المحكي عن الشيخ في طائفة من كتبه وعن ابن
حمزة (3)، وهو الأقوى، لما ذكر.
خلافا للحلي (4)، لأنه ترك نية الاحرام، ورد الصحيحة بأنه أخبار
آحاد، وهو يتم على أصله من عدم حجية الآحاد، مع أن ترك الاحرام لا
يستلزم ترك النية، مع أنه يمكن أن تكون نية العمرة المتمتع بها إلى الحج
في قوة نية إحرام الحج.
ولو أحرم من غير مكة جهلا أو نسيانا ثم علم أو تذكر ولم يمكن

(1) التهذيب 5: 175 / 586، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 8.
(2) الكافي 4: 324 / 5، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 6.
(3) الشيخ في النهاية: 211، ابن حمزة في الوسيلة: 177.
(4) السرائر 1: 529، 530.
252

العود، فهل يجتزئ بما فعل، أو يستأنف متى ما علم أو تذكر؟
فيها قولان، الاستئناف الأحوط، بل لعله الأظهر، تحصيلا للبراءة
اليقينية، فإنه مبرئ قطعا، إما للاجماع عليه - كما قيل (1) - أو لجمعه بين
الاحتمالين، بخلاف الاحرام السابق، فإنه لا دليل على حصول البراءة به.
المسألة التاسعة: مرجوحية خروج المتمتع بعد قضاء مناسك العمرة
وقبل الحج عن مكة في الجملة إجماعي فتوى ونصا، وفي المستفيضة
تصريح بها (2).
وإنما الخلاف في أنها هل هي على التحريم، كما عن المشهور؟ أو
الكراهة، كما عن الحلي، والفاضلين في بعض كتبهما (3)؟
وعلى التقديرين: فمنتهى المرجوحية هل هو إتمام الحج أو الاحرام
به مطلقا، أو الأول بدون الحاجة والضرورة والثاني معها؟
والظاهر من الجمع بين أخبار المسألة هو التحريم وانتفاؤه بالاحرام
بالحج مطلقا، وإن كان الأحوط عدم الخروج بالاحرام إلا مع الحاجة
والضرورة.
ثم لو خرج بدون الاحرام، فإن رجع في الشهر الذي خرج لم يحتج
إلى إحرام آخر ورجع بغير إحرام، وإن رجع بعده أحرم بالعمرة ثانيا ودخل
مكة محرما وأتى بمناسك العمرة، ثم يحرم بالحج وتكون عمرته المتمتع
بها الأخيرة، وتقع الأولى مبتولة.
وهل يحتاج إلى طواف النساء حينئذ للأولى أم لا؟ الأرجح هو:

(1) انظر المدارك 7: 171، الذخيرة: 572.
(2) الوسائل 11: 301 أبواب أقسام الحج ب 22.
(3) الحلي في السرائر 1: 581، المحقق في النافع: 99، العلامة في التحرير 1: 101.
253

الثاني.
المسألة العاشرة: لا تجزئ العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة،
بمعنى: أنه لا يجب على المكلف الجمع بينهما بإجماع العلماء كافة، كما
في المنتهى (1)، للاجماع، والمتكثرة من الروايات، كصحيحة يعقوب (2)
وحسنة الحلبي (3) وغيرهما (4).
المسألة الحادية عشرة: يختص حج التمتع بوجوب تقديم طوافه
وسعيه على الوقوفين، كما يأتي بيانه في بحث أفعال الحج وبيان مناسك
مكة بعد الرجوع من منى.

(1) المنتهى 2: 674.
(2) التهذيب 5: 433 / 1504، الإستبصار 2: 325 / 1151، الوسائل 14: 306 أبواب
العمرة ب 5 ح 4.
(3) علل الشرائع: 412 / 1، الوسائل 14: 306 أبواب العمرة ب 5 ح 7.
(4) الوسائل 14: 305 أبواب العمرة ب 5.
254

المبحث الثاني
في تفصيل أفعال حج التمتع
وقد عرفت أنه الذي تقدمت العمرة عليه، ويقال لعمرتها: العمرة
المتمتع بها، فأفعاله متضمنة لجميع أفعال عمرته وحجه، ومجموع أفعاله
الواجبة ثمانية عشر فعلا:
خمسة للعمرة: الاحرام، والطواف، وركعتاه، والسعي، والتقصير.
وثلاثة عشر للحج: الاحرام، والوقوف بعرفات، والوقوف بالمشعر،
وثلاثة أفعال بمنى: رمي جمرة العقبة، والهدي، والحلق أو التقصير،
وخمسة أفعال بمكة بعدها: طواف الزيارة، وركعتاه، والسعي، وطواف
النساء، وركعتاه، وفعلان بعد العود إلى منى: البيتوتة، ورمي الجمار
الثلاث.
وأما المستحبات، فتذكر في مطاوي ذكر الأفعال الواجبة.
ففي هذا المقصد مطلبان:
255

المطلب الأول
في بيان الأفعال الخمسة لعمرة حج التمتع
وفيه خمسة فصول:
الفصل الأول
في الفعل الأول، وهو الاحرام
والكلام فيه إما في مقدماته أو أفعاله، أو أحكامه، أو تروكه.
فهاهنا أربعة أبحاث تذكر بعد مقدمة لا بد من تقديمها، نبين فيها معنى
الاحرام وحقيقته وما به يتحقق، فإن كلام القوم في هذا المراد غير منقح جدا.
ولنذكر أولا معنى الاحرام في الصلاة وما يتحقق به، لتسهيل المقصود
بالقياس عليه، ولذا قيل: الاحرام في هذا المقام كالاحرام في الصلاة.
فنقول: معنى الاحرام في الصلاة: الدخول في حالة يحرم معها ما
يحرم على المصلي من التكلم والانحراف عن القبلة وغير ذلك، أو هو
الدخول في الصلاة وصيرورته مصليا، ويلزمه الأول أيضا، كما أن الأول
أيضا يستلزم الثاني.
ولتحقق هذا الدخول بالتكبيرة نسب الاحرام إليها، وسميت تكبيرة
الاحرام، ولكن ليست هي فقط سببا للاحرام، بل التكبيرة المقارنة لنية
الصلاة ولو حكمية، فالتكبيرة جزء أخير العلة، ولذا نسبت إليها السببية.
إذا عرفت ذلك فنقول: معنى الاحرام بالعمرة أو الحج - على قياس ما
ذكر - هو: الدخول في العمرة أو الحج وصيرورة الشخص معتمرا أو حاجا،
256

أو دخوله في حالة يحرم عليه معها ما يحرم على أحدهما ما لم يتحلل.
وذلك إما هو: إيقاع التلبية المقارنة لنية العمرة أو الحج ولو حكمية،
أو: غيره من النية الفعلية لأحدهما الواقعة في الموضع المعين، أو هي: مع
لبس الثوبين، أي: اللبس المقارن لهما، وأما مجموع التلبية والنية واللبس
فهو راجع إلى الأول، لأن المعلول ينسب إلى جزء أخير العلة.
والأول: هو الذي صرح به الشيخ في التهذيب والاستبصار، حيث
قال: إن من اغتسل للاحرام وصلى وقال ما أراد من القول بعد الصلاة لم
يكن في الحقيقة محرما، وإنما يكون عاقدا للحج والعمرة، فإنما يدخل في
أن يكون محرما إذا لبى (1).
واستدل له بالأخبار المستفيضة المجوزة لكل فعل يشاء قبل
التلبي (2)، وهو الذي يطابق كلام الأكثر المصرحين بعدم انعقاد الاحرام إلا
بالتلبية، بل عليه الاجماع عن الانتصار والخلاف والجواهر والغنية والتذكرة
والمنتهى (3) وغيرها (4)، وهو الذي تستأنسه الصحاح المستفيضة الآتية،
المجوزة لكل فعل يحرم على المحرم قبل التلبي، الموافقة لعمل
الأصحاب، وهو الذي يستفاد من أخبار مستفيضة.
كصحيحة ابن وهب: عن التهيؤ للاحرام، فقال: (في مسجد
الشجرة، فقد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد ترى ناسا يحرمون فلا تفعل
حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم، تقول:

(1) التهذيب 5: 83، وورد مؤداه في الإستبصار 2: 189.
(2) الوسائل 12: 333 أبواب الاحرام ب 14.
(3) الإنتصار: 102، الخلاف 2: 289، 290، جواهر الفقه: 41، الغنية (الجوامع
الفقهية): 574، التذكرة 1: 327، المنتهى 2: 679.
(4) كالمفاتيح 1: 313، الرياض 1: 366.
257

لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك
لا شريك لك، لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج) (1).
وعبيد الله بن علي الحلبي، وفيها: (وقت لأهل المدينة ذا الحليفة،
وهو مسجد الشجرة يصلي فيه ويفرض الحج، فإذا خرج من المسجد
وسار واستوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم) (2)، حيث
صرحت بأن ما يعمل في المسجد هو عزم الحج، وأن الاحرام هو ما يعمل
في البيداء، وهو التلبية.
والبزنطي: عن رجل متمتع كيف يصنع؟ قال: (ينوي المتعة ويحرم
بالحج) (3).
فإن المراد بالاحرام هنا: التلبية، كما تصرح به صحيحة أحمد: كيف
أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال: (لب بالحج وانو المتعة) (4).
ولكن لا يلائم ذلك أخبارا مستفيضة أخرى مصرحة بمغايرة الاحرام
والتلبي وأنه قبله، كصحيحة ابن عمار: (صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو
بالمتعة وأخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن
يسارك، فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلب) (5).

(1) التهذيب 5: 84 / 277، الإستبصار 2: 169 / 559، الوسائل 12: 370 أبواب
الاحرام ب 34 ح 3، وأورد ذيله في ص 382 أبواب الاحرام ب 40 ح 1.
(2) الفقيه 2: 198 / 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.
(3) التهذيب 5: 80 / 264، الإستبصار 2: 168 / 554، الوسائل 12: 351 أبواب
الاحرام ب 22 ح 1.
(4) التهذيب 5: 86 / 285، الإستبصار 2: 172 / 567، الوسائل 12: 352 أبواب
الاحرام ب 22 ح 4.
(5) الكافي 4: 334 / 14، الوسائل 12: 370 أبواب الاحرام ب 34 ح 6.
258

وأخرى، وفيها: (صليت ركعتين وأحرمت في دبرهما، فإذا انفتلت
من صلاتك فاحمد الله) إلى أن قال: (ويجزئك أن تقول هذا مرة واحدة
حين تحرم، ثم قم فامش هنيئة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا أو راكبا
فلب) (1).
وفي ثالثة: (إذا كان يوم التروية فاغتسل والبس ثوبيك وادخل
المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار، ثم صل ركعتين) إلى أن قال: (ثم
قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، وأحرم بالحج، ثم
امض وعليك السكينة والوقار، فإذا انتهيت إلى الروحاء دون الردم فلب،
فإذا انتهيت إلى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية)
الحديث (2).
وفي صحيحة هشام: (إن أحرمت من غمرة أو بريد البعث صليت
وقلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك، وإن شئت لب من موضعك،
والفضل أن تمشي قليلا ثم تلبي) (3)، إلى غير ذلك من الأخبار (4).
وكذا لا يلائمه ما صرحوا به جميعا - طباقا للأخبار (5) - من وجوب
الاحرام من الميقات وعدم جواز تأخير الاحرام عنه، مع تصريح الأخبار
المستفيضة بجواز تأخير التلبية عنه (6) واختلاف الأصحاب فيه كما يأتي.

(1) الكافي 4: 331 / / 2، الوسائل 12: 340 أبواب الاحرام ب 16 ح 1.
(2) الكافي 4: 454 / 1، التهذيب 5: 167 / 557، الوسائل 12: 408 أبواب
الاحرام ب 52 ح 1.
(3) الفقيه 2: 208 / 944، الوسائل 12: 372 أبواب الاحرام ب 35 ح 1.
(4) انظر الوسائل 12: 372 أبواب الاحرام ب 35.
(5) الوسائل 11: 319 أبواب المواقيت ب 9.
(6) كما في الوسائل 12: 369، 372 أبواب الاحرام ب 34، 35.
259

وكذا لا يناسبه قول كثير منهم: لو عقد الاحرام ولم يلب لم تلزمه
كفارة بما فعله (1).
وكذا عدهم التلبية أحد واجبات الاحرام (2)، وقولهم: إنها تجب فيه (3).
وكذا حكمهم بوجوب النية للاحرام (4)، إذ لا نية على حدة للتلبية،
ولذا لا يذكرون لتكبيرة الاحرام نية سوى نية الصلاة.
وكذا جعلهم الاحرام - وفاقا للأخبار - فعلا على حدة من أفعال
الحج، والتلبية فعلا آخر على حدة أو من أجزاء الاحرام، كما لا يجعلون
إحرام الصلاة فعلا والتكبيرة فعلا آخر.
والثاني هو ظاهر الأكثر المستفاد من جميع ما مر من منافيات كون
التلبية وحدها هو الاحرام، ولكن لا يلائمه شئ مما ذكرنا من ملائمات
كونه هو التلبية.
وقد يرجح الأول ويجمع بينه وبين منافياته بأن ما يجوز تأخيره من
التلبية هو الاجهار بها ورفع الصوت بها.
وقد يرجح الثاني ويجمع بينه وبين منافياته بحمل عدم انعقاد الاحرام
إلا بالتلبية - في الفتاوى وإطلاق الاحرام عليها في الأخبار - على أنه ما لم
يلب له ارتكاب المحرمات على المحرم، ولا كفارة عليه وإن لم يجز له
فسخ النية.
أقول: أما الجمع الأول: فهو مما لا تقبله أكثر أخبار جواز تأخير

(1) كما في الشرائع 1: 246، والذخيرة: 578، والرياض 1: 367.
(2) كما في الشرائع 1: 245، المدارك 7: 263، كشف اللثام 1: 312.
(3) كما في القواعد 1: 80، والذخيرة: 577.
(4) كما في الذخيرة: 577، المفاتيح 1: 313، الرياض 1: 366.
260

التلبية إلا بتكلف بعيد كما يأتي.
وأما الثاني: فلا مانع عنه، بل هو الصحيح، ولكن بأن يقال: إنه قد
عرفت أن الاحرام بالصلاة هو الدخول في أول جزء منه، أو الدخول في
حالة يحرم معها ما يحرم على المصلي، وإن المعنيين فيها يتحققان
بالتكبيرة، وليس لها جزء مقدم على التكبيرة لا يجوز معه ارتكاب المحرمات.
ولكن العمرة والحج يفترقان عن الصلاة في ذلك وفي أمر آخر، هو:
أن الواجب في نية الصلاة على التحقيق نية فعلية واحدة متحققة لمن يريد
الصلاة قطعا، ووقتها موسع من بدو الشروع في مقدماتها إلى الشروع في
التكبيرة، وليس لها وقت معين آخر في ذلك الأثناء يجب الاتيان بها على
التحقيق، وبعد تحققها الابتدائي تكفي الحكمية إلى آخر الصلاة.
بخلاف العمرة والحج، فإنهما وإن يستلزمان عقلا نية فعلية في بدو
الشروع إلى مقدماتهما - من غسل الاحرام وصلاته، بل من الخروج من
البيت والمسافرة - ولكن تجب نية فعلية أخرى عند الميقات، وهي المأمور
بها بقوله في الأخبار: (وانو المتعة) و: (يفرض الحج) ونحو ذلك (1).
فيمتازان عن الصلاة ونحوها بلزوم هذه النية الفعلية في ذلك
الموضع، كما يمتازان عنها وعن سائر الواجبات باستحباب التلفظ بالمنوي
فيهما، كما يأتي.
وهذه النية أول الأفعال الواجبة للحج والعمرة، وثانيها: لبس الثوبين،
وثالثها: التلبية، ولكن الفعلين الأولين لا يحرمان شيئا من المحظورات على
المحرم، وإنما هي تحرم بالثالث، فيتحقق الاحرام بأحد المعنيين: بالنية
ولبس الثوبين - وهذا الذي يجب الاتيان به في الميقات ولا يجوز التجاوز

(1) المتقدمة في ص: 254.
261

عنه بدونه - وبالآخر: بالتلبية، وقبلها لا تحرم المحرمات.
فهذا هو التحقيق التام في المقام، ولكن لا يترتب عليه كثير فائدة في
العمل، إذ الكل قائلون بوجوب النية واللبس في الميقات وعدم جواز
التجاوز عنه بدونهما، وأنه لا تحرم المحرمات إلا بالتلبية، وأنه لا يضر
جواز تأخيرها عن الميقات على القول به في ذلك، لأنه يكون المراد
بالاحرام - الذي لا يجوز تأخيره على ذلك القول - هو الأولان، وإنما فائدته
تشريح المقام وفهم الأخبار والجمع بين كلمات العلماء الأخيار.
إذا عرفت تلك المقدمة فاعلم: أنهم ذكروا أن للاحرام أفعالا واجبة
ومستحبة وتروكا، وظهر لك من التحقيق الذي ذكرناه أنه ليس المراد أن
الاحرام بنفسه من حيث هو هو فعل آخر من أفعال الحج والعمرة وهذه
الأفعال أجزاؤه، بل المراد: أن هذه الأفعال من أفعالهما مما تحقق به
الاحرام وسبب لتحقق الاحرام بالمعنيين، كالتكبيرة التي هي فعل من الصلاة
يتحقق بها الاحرام.
ومعنى مستحبات الاحرام: أنها أفعال مستحبة للدخول في الحج أو
العمرة والشروع في أحدهما، أو مستحب لكل فعل من أفعاله بخصوصه،
والأول: هو مقدمات الاحرام التي تذكر قبل ذكر أفعاله. والثاني: يذكر في
ذيل كل فعل.
ومعنى واجباته: أنها مما لا بد منها في الدخول فيهما.
ومعنى تعدد الأفعال: أن بالمجموع يتحقق الاحرام بالمعنيين،
فبالأول يتحقق الاحرام بالمعنى الأول ثم يجب الثاني، وبالثالث المسبوق
بالأولين - بل المقارن لهما، ولو كانت النية حكمية - يتحقق المعنى الثاني،
فبالثلاثة يتحقق معنيا الاحرام.
262

البحث الأول
في مقدماته والتهيؤ له
وهي كلها مستحبة، وهي المراد بمستحبات الاحرام في الأكثر، وهي
أمور:
منها: توفير شعر الرأس للحج مطلقا في أول ذي القعدة وللعمرة في
شهر.
لصحيحة ابن عمار: (فمن أراد الحج وفر شعره إذا نظر إلى هلال ذي
القعدة، ومن أراد العمرة وفر شعره شهرا) (1).
وابن سنان: (لا تأخذ من شعرك وأنت تريد الحج في ذي القعدة،
ولا في الشهر الذي تريد الخروج إلى العمرة) (2)، ونحوها رواية أبي
حمزة (3).
ورواية الأعرج: (لا يأخذ الرجل إذا رأى هلال ذي القعدة وأراد
الخروج من رأسه ولا لحيته) (4).
وصحيحة ابن أبي العلاء: عن الرجل يريد الحج، أيأخذ من رأسه في

(1) الكافي 4: 317 / 1، الفقيه 2: 197 / 899، التهذيب 5: 46 / 139،
الإستبصار 2: 160 / 520، الوسائل 12: 316 أبواب الاحرام ب 2 ح 4.
(2) التهذيب 5: 46 / 138، الوسائل 12: 315 أبواب الاحرام ب 2 ح 1.
(3) الكافي 4: 318 / 3، الوسائل 12: 317 أبواب الاحرام ب 2 ح 7.
(4) الكافي 4: 318 / 4، التهذيب 5: 47 / 144، الإستبصار 2: 160 / 521،
الوسائل 12: 317 أبواب الاحرام ب 2 ح 6.
263

شوال كله ما لم ير الهلال؟ قال: (لا بأس به ما لم ير الهلال) (1).
وابن سنان: (اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة وللعمرة
شهرا) (2).
وموثقة محمد: (خذ من شعرك إذا أزمعت على الحج شوال كله إلى
غرة ذي القعدة) (3)، حيث دلت بالمفهوم على عدم جواز الأخذ - الذي هو
المراد من الأمر قطعا - بعد غرة ذي القعدة.
وهذه الروايات - كما ترى - شاملة لمطلق الحج، كما صرح به
جماعة من محققي المتأخرين (4)، فالتخصيص بالمتمتع - كما في عبارات
جماعة (5) - لا وجه له، والاسناد في التخصيص إلى بعض الروايات الآتية
- المثبتة للدم على المتمتع الحالق لرأسه - ضعيف جدا، لظهوره في حال الاحرام
[أولا، ولوقوع] (6) التمتع - الذي هو أحد أفراد المسألة - في السؤال ثانيا.
وكذا أكثرها عامة لشعر الرأس واللحية، بل بعضها مصرح بالأمرين،
فالتخصيص بالرأس - كما في كلام جمع منهم (7) - لا وجه له، وكأنه

(1) الكافي 4: 317 / 2، التهذيب 5: 47 / 140، الإستبصار 2: 160 / 523،
الوسائل 12: 319 أبواب الاحرام ب 4 ح 1.
(2) الكافي 4: 318 / 5، الوسائل 12: 316 أبواب الاحرام ب 2 ح 5.
(3) التهذيب 5: 47 / 141، الإستبصار 2: 160 / 524، الوسائل 12: 316 أبواب
الاحرام ب 2 ح 2.
(4) منهم الشهيد في الدروس 1: 343، واللمعة (الروضة 2): 228، والأردبيلي في
مجمع الفائدة 6: 246.
(5) منهم الطوسي في النهاية: 206، المبسوط 1: 309، المحقق في الشرائع 1: 244.
(6) في النسخ: ولا لوقوع، والظاهر ما أثبتناه.
(7) كالمحقق في المختصر النافع: 81، والعلامة في الإرشاد 1: 316، والسبزواري
في الكفاية: 59، وصاحب الحدائق 15: 6.
264

للروايات المشار إليها المثبتة للدم على الحالق، المذكور ضعف دلالتها.
أو لصحيحة الكناني: عن الرجل يريد الحج، أيأخذ من شعره في
أشهر الحج؟ فقال: (لا، ولا من لحيته، ولكن يأخذ من شاربه ومن
أظفاره، وليطل إن شاء) (1).
وفيها: - مع أخصيتها عن المدعى، وعدم صراحتها في ما بعد دخول
ذي القعدة - عدم منافاتها للكراهة واستحباب الترك.
ثم مقتضى الثلاثة الأخيرة من الروايات المتقدمة (2) وجوب التوفير،
كما حكي عن المقنعة والاستبصار والفقيه (3)، استنادا إليها وإلى صحيحة
جميل: عن متمتع حلق رأسه بمكة - إلى أن قال -: (وإن تعمد بعد الثلاثين
التي توفر فيها الشعر للحج فإن عليه دما يهريقه) (4).
ويجاب عن الأول: - مضافا إلى المخالفة لشهرة القدماء - بالمعارضة
لما يدل على خلافه، كصحيحة الكناني المتقدمة، وموثقة سماعة: عن
الحجامة وحلق القفا في أشهر الحج، فقال: (لا بأس به والسواك والنورة) (5).
ورواية محمد بن خالد الخزاز: (أما أنا فآخذ من شعري حين أريد
الخروج إلى مكة للاحرام) (6).

(1) التهذيب 5: 48 / 148، الإستبصار 2: 161 / 526، الوسائل 12: 320 أبواب
الاحرام ب 4 ح 4.
(2) في النسخ زيادة: وإن كان.
(3) المقنعة: 391، الإستبصار 2: 161، الفقيه 2: 197.
(4) الكافي 4: 441 / 7، الفقيه 2: 238 / 1137، التهذيب 5: 158 / 526،
الإستبصار 2: 242 / 843، الوسائل 12: 321 أبواب الاحرام ب 5 ح 1.
(5) الفقيه 2: 198 / 902، التهذيب 5: 47 / 145، الإستبصار 2: 160 / 522،
الوسائل 12: 319 أبواب الاحرام ب 4 ح 3.
(6) التهذيب 5: 48 / 147، الإستبصار 2: 161 / 525، الوسائل 12: 320 أبواب
الاحرام ب 4 ح 5.
265

ورواية إسماعيل بن جابر: أوفر شعري إذا أردت هذا السفر؟ قال:
(اعفه شهرا) (1).
والمروي صحيحا عن كتاب علي: الرجل إذا هم بالحج يأخذ من
شعر رأسه ولحيته وشاربه ما لم يحرم؟ قال: (لا بأس) (2)، وضعفه - إن
كان - بالعمل منجبر.
وإمكان الجمع بين هذه وبين الأولى - بتخصيص هذه بغير ذي
القعدة - معارض بإمكان تخصيص الأولى بالمحرم، فيرجع إلى الأصل.
وقيل: يتأكد الاستحباب إذا أهل ذو الحجة (3)، ولا بأس به، لفتوى
الفقيه، وقيل: لصحيحة جميل السابقة (4)، ولا دلالة لها.
ومنها: قص الأظفار، وأخذ الشارب، وإزالة شعر الإبط والعانة
خصوصا بالاطلاء بالنورة، لفتوى الطائفة، والنصوص المستفيضة،
كالصحاح الأربع لابن عمار وحريز (5).
واستحباب الاطلاء لا يختص بما إذا مضى خمسة عشر يوما من

(1) التهذيب 5: 47 / 142، الوسائل 12: 318 أبواب الاحرام ب 3 ح 2.
(2) مسائل علي بن جعفر: 176 / 319، الوسائل 12: 320 أبواب الاحرام ب 4 ح 6.
(3) كما في الرياض 1: 364.
(4) كما في كشف اللثام 1: 310.
(5) الأولى في: الكافي 4: 326 / 1، الفقيه 2: 200 / 914، الوسائل 12: 323
أبواب الاحرام ب 6 ح 4.
الثانية في: التهذيب 5: 61 / 193، الوسائل 12: 322 أبواب الاحرام ب 6 ح 3.
الثالثة في: الكافي 4: 326 / 2، الوسائل 12: 323 أبواب الاحرام ب 6 ح 5.
الرابعة في: التهذيب 5: 61 / 194، الوسائل 12: 322 أبواب الاحرام ب 6 ح 1.
266

الطلية الأولى، بل يستحب مطلقا عند جماعة من المتأخرين (1)، تبعا
للمحكي عن النهاية والمبسوط والمنتهى (2)، لخبر ابن أبي يعفور: (أطليا)،
فقلنا: [فعلنا] منذ ثلاثة أيام، فقال: (أعيدا، فإن الاطلاء طهور) (3).
وظاهر بعضهم اختصاص الاستحباب للاحرام بما إذا لم تمض المدة
المذكورة (4)، لرواية أبي بصير: إذا أطليت للاحرام الأول كيف أصنع في الطلية
للأخيرة، وكم بينهما؟ قال: (إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوما فأطل) (5).
ولا يخفى أن الخبر الأول لا يختص بكون الثاني ولا الأول الطلي
للاحرام، والثاني مخصوص بكون الأول للاحرام، ومقتضى العمل
بالأخبار (6) أن يقال باستحباب الطلي للاحرام مطلقا، سواء مضى خمسة
عشر يوما أو لم يمض، لعموماته.. إلا أن يطلي للاحرام قبله ولم تمض
المدة المذكورة، للخبر الأخير.. أو لم يثبت له بعد شعر، لموثقة أبي بصير
في إحرام الحج، وفيها: (وأطل عانتك إن كان لك شعر) (7)، فعليه الفتوى.
ومنهم من زاد في المستحبات تنظيف الجسد من الأوساخ وإزالة

(1) كما في القواعد 1: 79، المنتهى 2: 672، اللمعة (الروضة 2): 228،
المسالك 1: 106.
(2) النهاية: 211، المبسوط 1: 314، المنتهى 2: 672.
(3) الكافي 4: 327 / 6، التهذيب 5: 62 / 199، الوسائل 2: 69 أبواب آداب
الحمام ب 32 ح 5، وما بين المعقوفين من المصدر.
(4) كما في الشرائع 1: 244، قواعد الأحكام 1: 79.
(5) الكافي 4: 326 / 3، الفقيه 2: 201 / 917، التهذيب 5: 62 / 198، الوسائل
12: 325 أبواب الاحرام ب 7 ح 4.
(6) الوسائل 12: 324 أبواب الاحرام ب 7.
(7) الكافي 4: 454 / 2، التهذيب 5: 168 / 559، الإستبصار 2: 251 / 881،
الوسائل 12: 409 أبواب الاحرام ب 52 ح 2.
267

الشعر منه مطلقا (1)، ولا بأس به بعد فتوى الفقيه وإشعار تعليل الاطلاق في
بعض الأخبار بأنه طهور.
ومنها: الغسل للاحرام إجماعا، له، وللمتواترة من النصوص،
كالصحاح الثلاث لابن عمار (2)، وصحيحتي ابن وهب (3) وهشام (4)،
المتضمنة جميعا للفظ: (اغتسل)، و: (اغتسلوا)، وموثقة سماعة: (غسل
المحرم واجب) (5)، ومرسلة يونس: (الغسل في سبعة عشر موطنا، منها:
الفرض ثلاثة)، وعد من الثلاثة غسل الاحرام (6).
وصحيحتي ابن عمار (7) والنضر (8)، وروايتي محمد (9) وعلي بن أبي

(1) كما في الشرائع 1: 244، والمختصر النافع: 82، والرياض 1: 364.
(2) الأولى في: الكافي 4: 326 / 1، الفقيه 2: 200 / 914، الوسائل 12: 323
أبواب الاحرام ب 6 ح 4.
الثانية في: الكافي 3: 40 / 1، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب ح 1.
الثالثة في: الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، الوسائل 11:
213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
(3) الفقيه 2: 200 / 915، التهذيب 5: 62 / 196، الوسائل 12: 324 أبواب الاحرام
ب 7 ح 1.
(4) الكافي 4: 328 / 7، الفقيه 2: 201 / 918، الوسائل 12: 326 أبواب الاحرام
ب 8 ح 1.
(5) الكافي 3: 40 / 2، الفقيه 1: 45 / 176، التهذيب 1: 104 / 270، الوسائل
3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
(6) التهذيب 1: 105 / 271، الإستبصار 1: 98 / 316، الوسائل 2: 174 أبواب
الجنابة ب 1 ح 4.
(7) التهذيب 5: 71 / 232، الوسائل 12: 332 أبواب الاحرام ب 13 ح 1.
(8) الكافي 4: 328 / 3، التهذيب 5: 65 / 206، الإستبصار 2: 164 / 537،
الوسائل 12: 329 أبواب الاحرام ب 10 ح 1.
(9) الكافي 4: 329 / 8، التهذيب 5: 65 / 210، الوسائل 12: 331 أبواب الاحرام
ب 11 ح 2.
268

حمزة (1) الآمرة بإعادة الغسل لمن لبس قميصا بعده، وغير ذلك من
الأخبار (2).
ومقتضى تلك الأخبار جميعا وجوبه، كما عن العماني (3) وظاهر
الإسكافي (4)، إلا أن شذوذ قولهما - بل مخالفته لظاهر الاجماع المحكوم به
بالحدس، مضافا إلى عده في بعض الأخبار (5) في طي الأغسال المسنونة
وإلى جواز الاحرام للحائض والنفساء مع عدم كون غسلهما غسلا حقيقيا -
أوجب صرف تلك الأخبار عن ظواهرها وحملها على الاستحباب.
فروع:
أ: لو أكل أو لبس بعد الغسل ما لا يجوز للمحرم أكله أو لبسه أعاد
الغسل، لصحيحتي عمر بن يزيد (6) وابن عمار (7)، وروايات علي بن أبي
حمزة ومحمد، بل مقتضى الأولى الإعادة مع التطيب أيضا، كما عن
التهذيب والدروس (8) وغيرهما (9)، وهو كذلك، لذلك.
وفي صحيحة النضر: عن الرجل يغتسل للاحرام ثم ينام قبل أن

(1) الكافي 4: 328 / 4، التهذيب 5: 65 / 209، الوسائل 12: 330 أبواب الاحرام
ب 11 ح 1.
(2) الوسائل 12: 330 أبواب الاحرام ب 11.
(3) حكاه عنه في المختلف: 264.
(4) حكاه عنه في المختلف: 264.
(5) الوسائل 12: 399 أبواب الاحرام ب 48.
(6) التهذيب 5: 71 / 231، الوسائل 12: 332 أبواب الاحرام ب 13 ح 2.
(7) الكافي 4: 348 / 3، الوسائل 12: 332 أبواب الاحرام ب 13 ح 3.
(8) التهذيب 5: 70، الدروس 1: 343.
(9) كما في كشف اللثام: 311، والحدائق 15: 12.
269

يحرم، قال: (عليه إعادة الغسل) (1)، ونحوها رواية علي بن أبي حمزة (2).
ب: مقتضى الأخيرتين استحباب الإعادة مع النوم أيضا، كما هو
المحكي عن الأكثر (3)، والمؤيد بما دل عليه لمن اغتسل لدخول مكة أو
الطواف (4)، ولا ينافيه نفي لزوم الغسل عنه في صحيحة العيص (5)، لأنه لا
ينافي الاستحباب، فيحمل على نفي الوجوب - كما فعله الشيخ (6) - أو على
نفي تأكد الاستحباب، كما ذكره جماعة (7).
وهل يشارك النوم باقي الأحداث أيضا، كما اختاره في الدروس
والمسالك (8)، لفحوى ما مر؟
أو لا، كما عليه بعض من عنهما تأخر، كما في المدارك والذخيرة (9)؟
الأقرب هو: الثاني، للأصل، ومنع الفحوى.. بل لو قلنا بكون
الأحداث نواقض لهذا الغسل أيضا لم تفد الإعادة، لأن الثابت من النصوص
هو الغسل للاحرام، لا الاحرام مع الغسل.
ج: مقتضى صحيحة ابن عمار - المتضمنة لقوله: (إذا انتهيت إلى

(1) تقدمت في ص 266.
(2) الكافي 4: 328 / 5، التهذيب 5: 65 / 207، الإستبصار 2: 164 / 538،
الوسائل 12: 330 أبواب الاحرام ب 10 ح 2.
(3) حكاه في الرياض 1: 364.
(4) الوسائل 12: 328 أبواب الاحرام ب 10.
(5) الفقيه 2: 202 / 925، التهذيب 5: 65 / 208، الإستبصار 2: 164 / 539،
الوسائل 12: 330 أبواب الاحرام ب 10 ح 3.
(6) في الإستبصار 2: 164.
(7) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 254، صاحب المدارك 7: 252، صاحب
رياض المسائل 1: 365.
(8) الدروس 1: 343، المسالك: 106.
(9) المدارك 7: 253، الذخيرة: 556.
270

العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت من هذه المواقيت وأنت تريد الاحرام)
الحديث (1) - أن مكان الغسل هو الميقات، كما صرح به جمع من
الأصحاب (2) أيضا، بل قد يقال: إنه المتبادر من النص والفتوى مطلقا.
ولكن يجوز تقديمه عليه مع خوف عوز الماء في الميقات، وفاقا
للشيخ وأتباعه، كما عن التنقيح (3)، بل لعامة المتأخرين أيضا كما قيل (4)،
بل بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة (5)، بل بالاجماع كما في المدارك (6).
لصحيحة ابن وهب: (أطل بالمدينة وتجهز بكل ما تريد واغتسل،
وإن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة) (7).
والحلبي: عن الرجل يغتسل بالمدينة لاحرامه، أيجزئه ذلك من
غسل ذي الحليفة؟ قال: (نعم) (8).
وهشام: (اغتسلوا بالمدينة، فإني أخاف أن يعز عليكم الماء بذي
الحليفة، فاغتسلوا بالمدينة والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها) الحديث (9).

(1) الكافي 4: 326 / 1، الفقيه 2: 200 / 914، الوسائل 12: 323 أبواب الاحرام
ب 6 ح 4.
(2) منهم الحلي في السرائر 1: 530، الشهيد الثاني في الروضة 2: 229،
السبزواري في الذخيرة: 573.
(3) التنقيح 1: 454.
(4) انظر رياض المسائل 1: 364.
(5) الذخيرة: 586.
(6) المدارك 7: 251.
(7) الفقيه 2: 200 / 915، التهذيب 5: 62 / 196، الوسائل 12: 324 أبواب
الاحرام ب 7 ح 1.
(8) التهذيب 5: 63 / 201، الوسائل 12: 327 أبواب الاحرام ب 8 ح 5.
(9) الكافي 4: 328 / 7، الفقيه 2: 201 / 918، التهذيب 5: 63 / 202، الوسائل
12: 326 أبواب الاحرام ب 8 ح 1.
271

ومقتضى الأولين جواز التقديم مطلقا وإن لم يخف عوز الماء - كما
قواه جماعة من متأخري أصحابنا (1) - وهو الأقرب، وظهور عدم قائل به من
التنقيح (2) لا يضر، لعدم ثبوت الاجماع بمجرده.
وهل تستحب الإعادة لو وجد الماء في الميقات أم لا؟
فيه قولان، الأقرب هو: الثاني، للأصل
واستدل للأول بذيل صحيحة هشام: (لا عليكم أن تغتسلوا إن
وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة) (3).
ورد بأن نفي البأس غير الاستحباب، إلا أن يتمم بأنه إذا لم يكن به
بأس كان راجحا لكونه عبادة.
أقول: لا يتعين تقدير البأس، بل الظاهر منه نفي أصل الغسل، أي
ليس عليكم الغسل، فهو لدليل الثاني أقرب وأشبه.
د: يجزئ غسل النهار ليومه والليل لليلته ما لم ينم بلا خلاف،
للمستفيضة من النصوص (4)، بل المستفاد من بعضها كفاية غسل الليل لليوم
واليوم لليل، وأفتى به جماعة أيضا (5)، ولا بأس به، وإن كان الأفضل في
الأخير الإعادة، لبعض الأخبار (6).
ه‍: لو أحرم بغير غسل أو صلاة، أعاد الاحرام بعد تداركهما

(1) كما في الرياض 1: 364.
(2) التنقيح 1: 454.
(3) الكافي 4: 328 / 7، الفقيه 2: 201 / 918، التهذيب 5: 63 / 202، الوسائل
12: 326 أبواب الاحرام ب 8 ح 1.
(4) الوسائل 12: 328 أبواب الاحرام ب 9.
(5) كما في المقنع: 70، والحدائق 15: 15، والرياض 1: 364.
(6) الكافي 4: 328 / 2، الوسائل 12: 328 أبواب الاحرام ب 9 ح 3.
272

استحبابا على الأظهر الأشهر، لصحيحة الحسن بن سعيد: رجل أحرم بغير
صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عامدا، ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي أن
يصنع؟ فكتب: (يعيده) (1).
خلافا لمن حكي عنه الوجوب (2)، لما مر.
وفيه: أنه غير ناهض (3) لاثباته، للجملة الخبرية، ويؤيده ظهور
السؤال في الاستحباب، فكذا الجواب ليتم المطابقة.
وللحلي، فأنكر الاستحباب أيضا (4)، ولعله للأصل، بناء على أصله
في الآحاد.
وهل يبطل الاحرام الأول فيكون المعتبر منه هو الثاني؟ أم لا، فيكون
المعتبر هو الأول؟
الظاهر هو: الثاني، لعدم دليل على بطلان الأول أو إبطاله،
ولاستصحابه، ولمطلقات وجوب الكفارة لمن ارتكب ما فيه الكفارة بعد
الاحرام.
وقيل بالأول (5)، لتبادره من الإعادة عرفا، وتصريح الأصوليين بأنها
عبارة عن الاتيان بالشئ ثانيا بعد الاتيان به أولا لوقوعه على نوع خلل.
وفيه: منع انفهام ذلك عرفا، والخلل الواقع في تصريح الأصوليين
أعم من المبطل، ولو سلم فلا نسلم كونه كذلك في عرف الشارع واللغة،

(1) الكافي 4: 327 / 5، التهذيب 5: 78 / 260، الوسائل 12: 347 أبواب
الاحرام ب 20 ح 1.
(2) حكاه العلامة عن ابن الجنيد في المختلف: 264.
(3) في نسخة في (ح): ناص.
(4) السرائر 1: 532.
(5) كما في الرياض 1: 365.
273

بل وردت الإعادة في كثير من المواقع التي لم يبطل فيها الأصل.
ثم إنه تظهر ثمرة الخلاف في وجوب الكفارة للمتخلل بين
الاحرامين، واحتساب الشهر بين العمرتين، والعدول إلى عمرة التمتع لو
وقع الثاني في أشهر الحج.
ومنها: أن يكون إحرامه عقيب الصلاة، ولا خلاف في رجحانه، بل
هو إجماع مقطوع به، وتدل عليه معه المستفيضة من الصحاح وغيرها (1).
والمشهور أنه على الاستحباب، والأصل معهم.
وعن الإسكافي (2): الوجوب، وظاهر أكثر الأخبار معه، إلا أن شذوذه
- بل مخالفته للاجماع المحقق بالحدس، لعدم قدح مخالفة النادر فيه -
أوجب صرفه عن ظاهره.
بل هنا أمر آخر، وهو: أن جميع الأخبار المتضمنة لما ظاهره
الوجوب واردة على أمر لا يقول أحد بوجوبه بخصوصه من فريضة
مخصوصة أو نافلة كذلك، بل لا يخلو شئ من الخصوصيات من معارض
من النصوص، فبعضها أمر بما بعد المكتوبة، وآخر بما بعد ست ركعات،
وثالث بالأربع، ورابع باثنتين، مع أنه صرح في آخر رواية عمر بن يزيد
بأنه: (واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار) (3).
فلا يمكن إثبات وجوب شئ، بل يرجع فيه إلى الأصل.
قالوا: والأفضل أن يكون بعد الصلاة المكتوبة، أي: الخمس

(1) الوسائل 12: 344 أبواب الاحرام ب 18.
(2) حكاه عنه في المختلف: 264.
(3) التهذيب 5: 169 / 561، الإستبصار 2: 252 / 886، الوسائل 12: 345 أبواب
الاحرام ب 18 ح 3.
274

اليومية (1)، ومنها صلاة الظهر.
واحتج للأول بصحيحة ابن عمار: (لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة
مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، وإن كانت نافلة صليت ركعتين
وأحرمت في دبرهما) الحديث (2).
والأخرى: (صل المكتوبة، ثم أحرم بالحج أو المتعة، وأخرج بغير
تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء) (3).
وثالثة: (إذا أردت الاحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصل ركعتين
ثم أحرم في دبرها) (4).
ورواية الكناني: لو أن رجلا أحرم في دبر صلاة غير مكتوبة أكان
يجزئه ذلك؟ قال: (نعم) (5).
وموثقة ابن فضال: في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد
صلاة العصر أو في غير وقت صلاة، قال: (لا، ينتظر حتى تكون الساعة
التي يصلي فيها) (6).
ورواية إدريس: عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر، كيف
يصنع؟ قال: (يقيم إلى المغرب)، قلت: فإن أبى جماله أن يقيم عليه؟

(1) انظر المقنعة: 396، والنهاية: 212، والرياض 1: 365.
(2) الكافي 4: 331 / 2، الفقيه 2: 206 / 939، التهذيب 5: 77 / 253،
الإستبصار 2: 166 / 548، الوسائل 12: 340 أبواب الاحرام ب 16 ح 1.
(3) الكافي 4: 334 / 14، الوسائل 12: 344 أبواب الاحرام ب 18 ح 1.
(4) التهذيب 5: 78 / 258، الإستبصار 2: 166 / 546، الوسائل 12: 345 أبواب
الاحرام ب 18 ح 5.
(5) الكافي 4: 333 / 10، التهذيب 5: 77 / 254، الإستبصار 2: 166 / 547،
الوسائل 12: 345 أبواب الاحرام ب 18 ح 2.
(6) الفقيه 2: 208 / 945، الوسائل 12: 347 أبواب الاحرام ب 19 ح 4.
275

قال: (ليس له أن يخالف السنة)، قلت: له أن يتطوع بعد العصر؟ قال: (لا
بأس به، ولكن أكرهه للشهرة، وتأخير ذلك أحب إلي)، قلت: كم أصلي
إذا تطوعت؟ قال: (أربع ركعات) (1).
وللثاني: بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله، حيث إنه أحرم بعد صلاة الظهر، كما
في صحيحة الحلبي (2) وغيرها (3).
وبصحيحة أخرى للحلبي: (لا يضرك بليل أحرمت أو نهار، إلا أن
أفضل ذلك عند زوال الشمس) (4).
وصحيحة ابن عمار: (إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل) إلى أن
قال: (ثم صل ركعتين في مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول
الشمس فصل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من
الشجرة، وأحرم بالحج) الحديث (5).
أقول: يرد على أدلة الأول بعدم دلالة الأخيرة، لجواز أن تكون
أولوية التأخير إلى وقت الفريضة، لما ذكره فيها من كون التطوع حينئذ
موجبا للشهرة ومحلا للتقية.
ومنه يظهر عدم دلالة ما قبلها أيضا، مضافا إلى احتمال أن يكون

(1) التهذيب 5: 78 / 259، الوسائل 12: 346 أبواب الاحرام ب 19 ح 3.
(2) 240 التهذيب 5: 78 / 255، الإستبصار 2: 167 / 549، الوسائل 12: 338 أبواب
الاحرام ب 15 ح 3.
(3) الكافي 4: 332 / 4، الفقيه 2: 207 / 940، الوسائل 12: 339 أبواب الاحرام
ب 15 ح 5.
(4) الكافي 4: 331 / 1، التهذيب 5: 78 / 256، الوسائل 12: 338 أبواب الاحرام
ب 15 ح 1.
(5) الكافي 4: 454 / 1، التهذيب 5: 167 / 557، الوسائل 12: 408 أبواب
الاحرام ب 52 ح 1.
276

المراد بوقت الصلاة فيها أعم من وقت الفريضة والتطوع، أي الوقت الذي
لا يكره فيه التطوع عند الناس.
وكذا اللتين ما قبلهما، فإنه لا دلالة لهما على أفضلية وقت الفريضة
وما بعدها، وإن كان سؤال السائل في أوليهما يشعر بذلك، ولكنه ليس
بحجة.
فلم تبق إلا الأوليين، وثانيهما لا تفيد العموم، لأنها مخصوصة بغير
إحرام المتمتع للحج في مكة، لقوله: (حتى تصعد البيداء)، بل وكذا
أوليهما كما يظهر من ذيلها.
مع أنهما معارضتان بما يأتي من الأخبار الدالة على أفضلية إحرام
المتمتع للحج يوم التروية، وعلى أفضلية إيقاع صلاة الظهر مطلقا أو للإمام
في منى، فالتعميم ليس بجيد.
ومنه يظهر ما في أدلة الثاني من التعميم، مع كون إحرام الرسول بعد
صلاة الظهر في غير مكة، كما يظهر من الصحيحة (1).
مضافا إلى ما في التمسك بالتأسي من المعارضة بصحيحة الحلبي
المتضمنة لاحرام رسول الله صلى الله عليه وآله، وفيها: فسألته متى ترى أن نحرم؟
فقال: (سواء عليكم، إنما أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة الظهر، لأن الماء كان
قليلا، كأن يكون في رؤوس الجبال فيهجر الرجل إلى مثل ذلك في الغد
ولا يكاد يقدرون على الماء، وإنما أحدثت هذه المياه حديثا) (2).
فإنها تدل على التسوية بالنسبة إلينا، والحمل على التسوية في

(1) المتقدمة في ص: 273.
(2) الكافي 4: 332 / 4، الفقيه 2: 207 / 940، الوسائل 12: 339 أبواب الاحرام
ب 15 ح 5.
277

الاجزاء دون الفضيلة خلاف الظاهر، مع أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وآله أيضا
مساويا في الاجزاء.
وإلى ما في التمسك بالصحيحة الأخرى (1) من أنها إنما تدل على
الأفضلية عند الزوال لا بعد صلاة الظهر، إلا أن ينضم معه ما مر من
الأفضلية بعد الفريضة أيضا.
وحينئذ وإن ثبتت الأفضلية بعد صلاة الظهر منها - وأوجب ذلك
حمل التسوية في الأولى على ما قيل من الاجزاء، أو على محمل آخر -
ولكن يعارض عمومها ما أشير إليه من أخبار أفضلية صلاة الظهر للمتمتع
بمنى (2).
وعلى هذا، فالظاهر ما ذكروه، ولكن في غير إحرام الحج للمتمتع.
ثم لو لم يكن وقت فريضة وأراد الاحرام، يستحب أن يصلي صلاة
الاحرام، وهي ست ركعات.
لرواية أبي بصير: (تصلي للاحرام ست ركعات تحرم في دبرها) (3).
وموثقته، وفيها: (ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات قبل
أن تحرم) الحديث (4).
والأقل منها أربع، لرواية إدريس المتقدمة (5). والأقل منها ركعتان،

(1) المتقدمة في ص: 273.
(2) كما في الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحج ب 20.
(3) التهذيب 5: 78 / 257، الإستبصار 2: 166 / 545، الوسائل 12: 345 أبواب
الاحرام ب 18 ح 4.
(4) التهذيب 5: 168 / 559، الإستبصار 2: 251 / 881، الوسائل 11: 340
أبواب المواقيت ب 21 ح 4.
(5) في ص: 273.
278

للصحاح الثلاث المتقدمة لابن عمار (1).
بل وظاهر الأخبار (2) استحباب صلاة الاحرام مطلقا، سواء كانت
الست أو الأقل ولو أحرم بعد الفريضة أيضا، كما نسب إلى ظاهر أكثر
الأصحاب (3).
وهل يقدم صلاة الاحرام مع عدم ضيق وقت الفريضة، أو يعكس؟
المشهور: - كما قيل (4) - الأول، وهو الأظهر، لصحيحة ابن عمار
الأخيرة (5)، المصرحة بتقديم الركعتين في المقام أو الحجر، والرضوي
- المنجبر بالشهرة المحكية، بل المحققة -: (فإن كان وقت فريضة فصل
هذه الركعات قبل الفريضة ثم صل الفريضة) (6).
وعن الجمل والعقود والمهذب والإشارة والوسيلة والغنية:
العكس (7).
لعموم: (لا نافلة في وقت فريضة) (8).
ولأن يقع الاحرام دبر صلاته، فإن المتبادر منه التعقيب بلا فاصلة.
ويضعف الأول: بما مر في موضعه من جواز النافلة في وقت

(1) انظر ص: 272.
(2) الوسائل 12: 344، 346 أبواب الاحرام ب 18 و 19.
(3) انظر الرياض 1: 365.
(4) انظر كشف اللثام 1: 311.
(5) الكافي 4: 454 / 1، التهذيب 5: 167 / 557، الوسائل 12: 408 أبواب
الاحرام ب 52 ح 1.
(6) فقه الرضا عليه السلام: 216، مستدرك الوسائل 9: 170 أبواب الاحرام ب 13 ح 2.
(7) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 227، المهذب 1: 215، الإشارة: 107،
الوسيلة: 161، الغنية (الجوامع الفقهية): 565.
(8) الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35.
279

الفريضة، خصوصا مع خصوصية دليل تقديم صلاة الاحرام، وتصريح
بعض الأخبار من أنها من الصلوات التي تصلى في كل وقت (1).
والثاني: بالمعارضة بما دل على أفضلية إيقاعه دبر الفريضة مع
أصحيته وأكثريته، فيحمل الدبر في القسمين على المعنى الأعم.
ويستحب أن يقرأ في أولى ركعات الاحرام بالحمد والتوحيد، وفي
الثانية بالحمد والجحد، للتصريح به في بعض الصحاح (2)، وهو وإن لم يفد
ذلك الترتيب إلا بحسب الترتيب الذكري الذي هو في الإفادة قاصر، إلا أنه
يستفاد الترتيب من المرسلة المروية في الكافي والتهذيب، المذكورة بعد
الصحيح المذكور بقوله: وفي رواية أخرى أنه (يبدأ في هذا كله ب‍: قل هو
الله أحد، وفي الركعة الثانية ب‍: قل يا أيها الكافرون، إلا في الركعتين قبل
الفجر) الحديث (3).

(1) انظر الوسائل 12: 346 أبواب الاحرام ب 19.
(2) كما في الوسائل 12: 346 أبواب الاحرام ب 19.
(3) الكافي 3: 316 / 22، التهذيب 2: 74 / 273، 284، الوسائل 6: 65 أبواب
القراءة في الصلاة ب 15 ح 1، 2.
280

البحث الثاني
في واجباته
وهي أيضا أمور:
الأول: النية.
قالوا: ويجب فيها قصد الفعل والقربة، بلا خلاف ولا إشكال، وظهر
وجهه في كتاب الطهارة والصلاة، وكذا قصد المميز إن أمكن وقوع الفعل
على وجوه، كالأصالة، والنيابة، والندب، والوجوب، إذا لم يكن مميز
خارجي، كما إذا كانت عليه نيابة موسعة أو واجب موسع، إذ مع الضيق لا
يمكن وقوع الفعل إلا على تلك الجهة، فيكون هو المميز.
ومنه يظهر عدم لزوم قصد حجة الاسلام، إذ مع وجوبها لا يمكن
وقوع غيرها.
وكذا يجب قصد الجنس من الحج والعمرة، والنوع من التمتع أو
القران أو الافراد.
لا لتوقف التميز عليه، لحصوله بما ينضم إليه من باقي النسك، وعدم
وجوب التميز الابتدائي، كما مر في موضعه.
بل قد يقال: بعدم اعتبار التميز هنا أيضا، لأن النسكين في الحقيقة
غايتان للاحرام غير داخلين في حقيقته، ولا يشترط تعيين الغاية، لعدم
اختلاف حقيقة الفعل ولا آثاره ولا لوازمه باختلاف الغايات.
ولكنه غير جيد، لمنع كون الاحرام خارجا عن النسكين مأمورا به
281

بأمر أصلي على حدة، فيكونا غايتين له، بل هو جزء من كل منهما مأمورا
به بتبعية الأمر بهما، مضافا إلى منع عدم اختلاف الآثار واللوازم باختلاف
الغايات، فيمكن أن يكون لاحرام الحج أجر ولاحرام العمرة أجر آخر.
بل للصحاح وغيرها من المستفيضة المتقدمة (1) في بيان خصائص
التمتع، المصرحة بوجوب قصد المتعة المسرية إلى سائر الأنواع بعدم
القول بالفصل، المعتضدة بأخبار دعاء حال الاحرام (2)، المتضمنة لتعيينه.
ولو نوى نوعا ونطق بغيره عمدا أو سهوا فالمعتبر المنوي، لأن النية
أمر قلبي ولا اعتبار بالنطق، وصرح به في بعض الصحاح (3) أيضا.
ولو أخل بالنية عمدا أو سهوا لم يصح إحرامه، بلا خلاف فيه بين
علمائنا كما في المدارك (4)، لفوات الكل أو المشروط بفوات الجزء أو
الشرط.
هذا بيان المقام على ما هو الموافق لكلام القوم.
وأقول: إن مرادهم بالنية المذكورة في هذا المقام إن كان نية نفس
الاحرام، فإنا نراهم يقولون: إن الاحرام هنا بمنزلة الاحرام في الصلاة، وإن
التلبية هنا قائمة مقام التكبيرة، ونراهم لا يوجبون نية إحرام للصلاة زائدة
على نية الصلاة، مع أنه ورد في الأخبار (5) الاحرام بالصلاة متكررا كوروده
في العمرة والحج، فما وجه الفرق بينهما؟!

(1) انظر الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2.
(2) كما في الوسائل 12: 340 أبواب الاحرام ب 16.
(3) التهذيب 5: 76 / 261، الإستبصار 2: 167 / 551، الوسائل 12: 342 أبواب
الاحرام ب 17 ح 1.
(4) المدارك 7: 259.
(5) الوسائل 12: 340 أبواب الاحرام ب 16.
282

وإن كان نية أحد النسكين فهو لا يلائم ما ذكروه من نية الاحرام زائدة
على نية التمتع، ولا قولهم: إن النسكين غايتان للاحرام ولا يشترط تعيين
الغاية في نية الفعل.
ثم أقول: إن كان مرادهم هو الأول، فلا دليل على وجوبه واشتراطه
أصلا، والأخبار كلها واردة في نية العمرة أو الحج أو المتعة، والأصل ينفيه.
فإن قيل: الاحرام فعل من أفعال أحد النسكين مأمور به، فيكون
عبادة محتاجة إلى النية.
قلنا: لا نسلم أن الاحرام فعل غير التلبس بأحد النسكين والشروع فيه
مطلقا، أو بما تحرم معه محظورات الحج والعمرة من أجزائهما، فهو لفظ
معناه أحد الأمرين، لا أنه أمر آخر وجز مأمور به بنفسه من حيث هو،
ولذا تكفي نية الصلاة عن نية إحرامها وتكبيرتها، مع أنه أيضا مما ورد به
الأمر في الأخبار.
فمعنى الاحرام: الشروع أو الدخول في أحد النسكين إما مطلقا أو
مقيدا بما ذكر، فنيته تكفي عن نيته.
ومعنى غسل الاحرام وثوب الاحرام ونحو ذلك: غسل الدخول في
الحج، ومثلا: الثوب الذي يجب لبسه في التلبس بالحج.
ومعنى عدم جواز تجاوز الميقات إلا محرما: أي إلا متلبسا بالحج
مثلا.
وإن كان مرادهم هو الثاني، فهو كذلك، وهو الذي تدل عليه الأخبار (1)،
كقوله: (يهل بالحج)، أو: (يفرض الحج)، أو: (ينوي المتعة) وغير ذلك.

(1) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2.
283

وأصرح من الجميع صحيحة ابن عمار الواردة في حج النبي صلى الله عليه وآله، وفيها:
(فلما انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل، ثم خرج حتى أتى المسجد
الذي هو عند الشجرة فصلى فيه الظهر، ثم عزم على الحج مفردا، وخرج حتى
انتهى إلى البيداء عند الميل الأول، فصف له سماطان، فلبى بالحج) الحديث (1).
وفي صحيحة الحلبي الواردة فيه: (وأحرم الناس كلهم بالحج لا
ينوون عمرة) الحديث (2).
ولكن لا يحسن حينئذ جعل أحد النسكين غاية الاحرام، إلا أن ذلك
شئ قاله بعض متأخري المتأخرين (3).
ويمكن أن يكون مراد الباقين أيضا من نية الاحرام هو: النية الحاصل
بها الاحرام والدخول في النسك.
ثم إنه على أن لا يكون المراد منه غير نية الحج أو العمرة لا يشترط
في تلك النية غير تصور أفعال أحدهما مجملا أو مفصلا، ولو اعتبر نية
الاحرام يعتبر تصور معناه وأفعاله، بل تصور محظوراته ولو بالاجمال، على أن
يكون المراد بالاحرام: تحريم هذه الأشياء، أو فعل يحرم معه هذه الأشياء.
وأما لو كان المراد نية الحج أو العمرة فلا يشترط ذلك وإن لزم
تحريم هذه الأمور بالدخول في أحدهما، كما لا يشترط تصوير منافيات
الصلاة حال نيتها، وإن حرمت بالدخول في الصلاة.
وقد ظهر مما ذكرنا أن جعلنا الاحرام فعلا ثم النية واللبس والتلبية من

(1) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، مستطرفات السرائر: 22 / 3،
الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4: بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 248 / 6، الفقيه 2: 153 / 665، العلل: 412 / 1، الوسائل 11:
222 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 14.
(3) قاله في الرياض 1: 366.
284

أفعاله والمحظورات من تروكه إنما هو جري على الطريقة المجرية عليها،
وإلا كان المناسب أن تجعل النية من أحد أفعال العمرة - مثلا - واللبس
واحدا والتلبية واحدا والطواف واحدا، إلى آخر الأفعال، وتجعل
المحظورات محظورات المعتمر، وهكذا في الحج.
ويستحب في النية أمران:
الأول: أن يتلفظ بما يعزم عليه وينويه، للأخبار المستفيضة:
كصحيحة ابن عمار، وفيها: (وإذا انفتلت من صلاتك فاحمد الله
وأثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله، وقل: اللهم إني أسألك) إلى أن قال:
(اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك، فإن عرض
لي شئ يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي، اللهم إن
لم يكن حجة فعمرة، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي
ومخي وعصبي من النساء والثياب والطيب، أبتغي بذلك وجهك والدار
الآخرة)، قال: (ويجزئك أن تقول هذا مرة واحدة حتى تحرم، ثم قم
فامش هنيهة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب) (1).
وصحيحة حماد: قلت له: إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج، كيف
أقول؟ قال: (تقول: اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة
نبيك صلى الله عليه وآله، وإن شئت أضمرت التي تريد) (2)، ونحوها رواية أبي الصباح (3).

(1) الكافي 4: 331 / 2، الفقيه 2: 206 / 939، التهذيب 5: 77 / 253، الإستبصار
2: 166 / 548، الوسائل 12: 340 أبواب الاحرام ب 16 ح 1.
(2) الكافي 4: 332 / 3، الفقيه 2: 207 / 941، التهذيب 5: 79 / 261، الإستبصار
2: 167 / 551، الوسائل 12: 342 أبواب الاحرام ب 17 ح 1.
(3) التهذيب 5: 79 / 262، الإستبصار 2: 167 / 552، الوسائل 12: 343 أبواب
الاحرام ب 17 ح 2.
285

وصحيحة ابن سنان: (إذا أردت الاحرام والتمتع فقل: اللهم إني أريد
ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج فيسر ذلك لي وتقبله مني وحلني
حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي، أحرم لك شعري وبشري من
النساء والطيب والثياب، فإن شئت فلب حين تنهض، وإن شئت فأخره
حتى تركب) الحديث (1).
ولا يخفى أن استحباب ذلك مخصوص بالحج والعمرة، فإن غيرهما
من العبادات لا يستحب التلفظ بالمنوي فيه، قال بعض شراح المفاتيح:
يمتاز الحج من بين سائر العبادات باستحباب التلفظ بما ينوي ويعزم عليه.
ثم إن ذلك غير ما يستحب زيادته في التلبية من قولك: لبيك بحجة
وعمرة، ونحوه، وليس هو التلفظ بما يحرم، بل هو دعاء مستحب.
وقد فسر بعض شراح النافع (2) قول المصنف - والتلفظ بما يعزم
عليه - بما يذكر في التلبية، واستدل برواياته، وليس بجيد، ولذا عدهما في
المدارك والمفاتيح (3) أمرين، وذكر الأول في الأخبار المذكورة قبل التلبي.
الثاني: أن يشترط عند إحرامه أن يحله من إحرامه حيث منعه مانع
من الاتمام وأن يتمه عمرة إن لم يتيسر له حجة، ولا خلاف في استحبابه
كما صرح به غير واحد (4)، بل صرح جماعة بالاجماع أيضا (5).

(1) التهذيب 5: 79 / 263، الإستبصار 2: 167 / 553، الوسائل 12: 341 أبواب
الاحرام ب 16 ح 2.
(2) انظر الرياض 1: 371.
(3) المدارك 7: 298، 299، المفاتيح 1: 314.
(4) كما في الذخيرة: 584، والرياض 1: 371.
(5) منهم السيد المرتضى في الإنتصار: 105، الفاضل المقداد في التنقيح 1: 465،
الفيض في المفاتيح 1: 312، صاحب الحدائق 15: 100.
286

وتدل عليه الصحاح المستفيضة كما مرت طائفة منها، ويتأدى بكل
لفظ أفاد المراد عملا بالاطلاق، كما صرح به في المنتهى (1) وغيره (2)، وإن
كان باللفظ المنقول في إحدى الصحاح المتقدمة أولى، ولا يتأدى
المستحب بنية الاشتراط من دون التلفظ به، بل لا اعتداد بها، للأصل.
وقد وقع الخلاف في فائدة هذا الاشتراط بعد الاتفاق على أنه حل إذا
حبس، اشترط أو لم يشترط، كما نطقت به بعض النصوص، (فبعض قال
بأنها) (3): التحلل عند الحبس من دون هدى، وتعجيل التحليل قبل بلوغ
الهدي محله، وبأنها: سقوط الحج من قابل، وبأنها: استحقاق الثواب
والتعبد، والله سبحانه أعلم.
الثاني: لبس الثوبين.
وهما واجبان بلا خلاف يعلم، كما في المنتهى والذخيرة والكفاية (4)،
بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب، كما في المدارك (5)، بل إجماعي، كما
عن التحرير (6) وفي المفاتيح (7) وشرحه، بل إجماع محقق، وتدل عليه معه
الأخبار المستفيضة:
كصحيحة [ابن] عمار: (إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى

(1) المنتهى 2: 680.
(2) كالحدائق 15: 101، الرياض 1: 371.
(3) بدل ما بين القوسين في (ح): فتبين فائدة....
(4) المنتهى 2: 681، الذخيرة: 580، الكفاية: 58.
(5) المدارك 7: 274.
(6) التحرير 1: 96.
(7) المفاتيح 1: 313.
287

الوقت من هذه المواقيت وأنت تريد الاحرام إن شاء الله فانتف إبطيك،
وقلم أظفارك، وأطل عانتك، وخذ من شاربك، ولا يضرك بأي ذلك
بدأت، ثم استك، واغتسل، والبس ثوبيك، وليكن فراغك من ذلك إن شاء
الله عند زوال الشمس، وإن لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرك، غير
أني أحب أن يكون عند زوال الشمس) (1).
والأخرى الواردة في إحرام الحج: (إذا كان يوم التروية فاغتسل،
والبس ثوبيك) (2)، وقد مرت بتمامها في مقدمة الاحرام.
والثالثة الواردة فيه أيضا، وفيها: (إذا أردت أن تحرم يوم التروية)
إلى أن قال: (واغتسل، والبس ثوبيك، ثم ائت المسجد الحرام، فصل فيه
ست ركعات قبل أن تحرم) الحديث (3).
وصحيحة هشام، وفيها: (فاغسلوا بالمدينة، والبسوا ثيابكم التي
تحرمون فيها) الخبر (4).
وفي صحيحة ابن وهب: (إن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي
الشجرة، فتفيض عليك من الماء، وتلبس ثوبيك إن شاء الله) (5)، إلى غير ذلك.
ولا يضر ورود بعض الأوامر في تلو الأوامر المستحبة، ولا وقوع

(1) الكافي 4: 326 / 1، الفقيه 2: 200 / 914، الوسائل 12: 339 أبواب الاحرام
ب 15 ح 6.
(2) الكافي 4: 454 / 1، التهذيب 5: 167 / 557، الوسائل 12: 408 أبواب
الاحرام ب 52 ح 1.
(3) الكافي 4: 454 / 2، التهذيب 5: 168 / 559، الوسائل 12: 409 أبواب
الاحرام ب 52 ح 2.
(4) الكافي 4: 328 / 7، الفقيه 2: 201 / 918، التهذيب 5: 63 / 202، الوسائل
12: 326 أبواب الاحرام ب 8 ح 1.
(5) التهذيب 5: 64 / 203، الوسائل 12: 325 أبواب الاحرام ب 7 ح 3.
288

بعض آخر بالجملة الخبرية، لأن خروج جزء من الخبر عن حقيقته بدلالة
خارجية لا يوجب خروج الآخر، ولأن الاجماع وسائر الأوامر قرائن على
إرادة الوجوب من الخبرية.
والظاهر - كما ذكره في الذخيرة (1) - أن محل لبسهما قبل عقد
الاحرام، أي نية الحج أو العمرة، لا لئلا يكون بعده لابسا للمخيط، لعدم
التلازم بينهما، بل لصحيحتي ابن عمار الأخيرتين، المؤيدتين بالأولى منها
أيضا وبغيرها من الأخبار (2) أيضا.
وهل لبسهما من شرائط صحة الاحرام، بمعنى: أنه ما لم يلبسهما لم
يكن داخلا في الحج أو العمرة وإن نوى أحدهما، كما أن من ينوي الصلاة
ليس داخلا فيها ما لم يشرع في فعل آخر، أو لم تكن التلبية الغير المسبوقة
به محرمة لما يحرم بالاحرام؟
أم لا، بل يدخل في النسك بمجرد النية، ويحرم عليه بالتلبية ما
يحرم وإن لم يسبق به إلا أن يكون واجبا مأثوما تاركه؟
حكي الأول عن ظاهر الإسكافي (3)، وليس كذلك، فإن كلامه لا يفيد
سوى اشتراط التجرد، وهو أعم من اشتراط اللبس.
والثاني مصرح به في كلام جماعة، كالمقداد والشهيد الثاني وسبطه
والذخيرة (4)، وجماعة ممن تأخر عنهم (5)، بل نسب إلى ظاهر الأصحاب (6)،

(1) الذخيرة: 580.
(2) الوسائل 12: 408 أبواب الاحرام ب 52.
(3) حكاه عنه في المختلف: 264، والرياض 1: 368.
(4) المقداد في التنقيح 1: 460، الشهيد الثاني في المسالك 1: 105، وسبطه في
المدارك 7: 274، الذخيرة: 580.
(5) كصاحبي الحدائق 15: 78، والرياض 1: 368.
(6) كما في الدروس 1: 345.
289

وهو الأقوى، لأن المراد بالاحرام إما هو الشروع في الحج أو العمرة
والدخول فيه، فقد تحقق بعزمه ونيته، أو صيرورته بحيث تحرم عليه
المحظورات المعهودة، فلا يتحقق إلا بالتلبية.
والأصل - الموافق لاطلاقات التحريم بالتلبية - عدم اشتراطها
بمسبوقية اللبس، وإن كان الاحرام بنفسه أيضا فعلا مأمورا به من حيث هو
هو، كما هو ظاهر كلماتهم، فالأصل عدم كون اللبس جزا منه حتى تنتفي
صحته بانتفائه.
وقد يستدل أيضا بمثل صحيحة ابن عمار: في رجل أحرم وعليه
قميصه، فقال: (ينزعه ولا يشقه، وإن كان لبسه بعد ما أحرم شقه
[وأخرجه] مما يلي رجليه) (1).
حيث إن الاخراج من قبل الرجل للتحرز عن ستر الرأس، فإذا لم
يجب لو أحرم مع القميص يعلم أنه لم ينعقد إحرامه المحرم لستر الرأس.
وفيه نظر، لجواز أن لا يكون الحكم لما ذكر، بل كان تعبدا.
فروع:
أ: المراد بالثوبين: الرداء والإزار، بلا إشكال فيه كما قيل (2).
وتدل عليه صحيحة ابن سنان، وهي طويلة، وفيها: (فلما نزل
الشجرة أمر الناس بنتف الإبط وحلق العانة والغسل والتجرد في إزار ورداء،

(1) الكافي 4: 348 / 1، التهذيب 5: 72 / 238، الوسائل 12: 488 أبواب تروك
الاحرام ب 45 ح 2، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ: أخرج، وما أثبتناه من
المصادر.
(2) 25 انظر الرياض 1: 368.
290

أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه إن لم يكن له رداء) (1).
وفي صحيحة محمد وغيرها: (يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له
رداء) (2).
وفي صحيحة ابن عمار: (ولا سراويل إلا أن لا يكون إزار) (3).
وفي بعض الروايات العامية عن النبي صلى الله عليه وآله: (ولبس إزار ورداء
ونعلين) (4).
ب: قالوا: المعتبر من الرداء ما يوضع على المنكبين، ومن الإزار ما
يستر العورة وما بين السرة إلى الركبتين، ولعل الوجه اعتبار صدق الاسم
عرفا المتوقف على ذلك، بل الظاهر في الأول ستر شئ مما بين الكتفين
أيضا.
وفي التوقيع الرفيع المروي في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان:
(جائز أن يتزر الانسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض
ولا إبرة تخرجه عن حد المئزر، وغرزه غرزا ولم يعقد ولم يشد بعضه
ببعض، وإذا غطى السرة والركبتين كليهما فإن السنة المجمع عليها بغير
خلاف تغطية السرة والركبتين، والأحب إلينا والأكمل لكل أحد شده على
سبيل المألوفة المعروفة جميعا إن شاء الله) (5).

(1) الكافي 4: 249 / 7، الوسائل 11: 223 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 15.
(2) الفقيه 2: 218 / 997، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 7.
(3) الكافي 4: 340 / 9، الفقيه 2: 218 / 998، الوسائل 12: 473 أبواب تروك
الاحرام ب 35 ح 1.
(4) كما في مسند أحمد 2: 34.
(5) الإحتجاج 2: 485، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الاحرام ب 53 ح 3،
بتفاوت.
291

ج: كيفية لبسهما هي الكيفية المعروفة، فيغطي بالرداء المنكبين وما
يحويه مما بينهما، وهو المراد بالارتداء الوارد في كلام جماعة، وبالإزاء
ما بين السرة والركبتين.
وعن الشيخ والحلي والقواعد والمسالك (1) وبعض آخر (2): التخيير
في الرداء بين الارتداء والتوشح، وهو تغطية أحد المنكبين.
وعن بعض أهل اللغة: التوشح بالثوب: هو إدخاله تحت اليد اليمنى
وإلقاؤه على المنكب الأيسر كما يفعل المحرم (3)، ونحوه في المغرب (4).
وعن الوسيلة (5): التوشح من غير ذكر للارتداء. ولا شك في ضعف
ذلك، لعدم دليل على تعيينه.
وأما الجواز، فاستدل له بالاطلاق. وفي دلالته عليه نظر، لأنه ليس
هناك إطلاق يشمله، والمتبادر من لبس الرداء الارتداء به، كما أن المتبادر
من لبس العمامة والمنطقة التعمم والتمنطق.
وهل يجوز عقد الرداء، أم لا؟
فعن الفاضل والدروس (6) وغيرهما (7): عدم الجواز، واستدل له
بموثقة الأعرج: عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال: (لا) (8).

(1) الشيخ في المبسوط 1: 314، الحلي في السرائر 1: 530، القواعد 1: 80،
المسالك 1: 107.
(2) كالرياض 1: 368.
(3) المصباح المنير: 661.
(4) المغرب 2: 250.
(5) الوسيلة: 160.
(6) الفاضل في التذكرة 1: 332، الدروس 1: 344.
(7) انظر الرياض 1: 375.
(8) الفقيه 2: 221 / 1023، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الاحرام ب 53 ح 1.
292

وفي دلالتها على التحريم ثم في الرداء نظر، لجواز أن يكون السؤال
عن الإباحة دون الجواز بالمعنى الأعم.
ويمكن الاستدلال له بأن الظاهر من الأمر بالارتداء المستفاد من لبس
الرداء هو: الالقاء، دون العقد والشد، فإنه غير الارتداء، فتأمل.
وأما الإزار، فصرح جماعة بجواز عقده (1)، قال في المنتهى: يجوز
للمحرم أن يعقد إزاره عليه، لأنه يحتاج إليه لستر العورة (2).
أقول: ويدل عليه أيضا الأصل، وكونه طريق لبس الإزار، ورواية القداح:
(إن عليا عليه السلام كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلي وإن كان محرما) (3).
إلا أن في موثقة الأعرج المتقدمة النهي عن عقده في عنقه، وكذا في
المروي في قرب الإسناد: (المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته،
ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده) (4).
ولكن المنهي فيهما العقد على العنق، ولا بأس به، لكونه غير الطريق
المألوف في الاتزار.
نعم، في التوقيع المتقدم النهي عن عقده مطلقا، فإذن الأحوط - بل
الأظهر - تركه.
د: الظاهر - كما صرح به جماعة، منهم: المدارك والذخيرة (5)

(1) منهم الشهيد في الدروس 1: 344، صاحب المدارك 7: 330، السبزواري في
الذخيرة: 580.
(2) المنتهى 2: 783.
(3) الكافي 4: 347 / 3، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الحج ب 53 ح 2.
(4) قرب الإسناد: 241 / 953، الوسائل 12: 503 أبواب تروك الاحرام ب 53 ح
5، البحار 10: 254.
(5) المدارك 7: 274، الذخيرة: 580.
293

وغيرهما (1) - عدم وجوب استدامة اللبس، لصدق الامتثال، وعدم دليل
على وجوب الاستمرار.
وتدل عليه أيضا مثل رواية الشحام: عن امرأة حاضت وهي تريد
الاحرام فطمثت، فقال: (تغتسل وتحتشي بكرسف وتلبس ثياب الاحرام
وتحرم، فإذا كان الليل خلعتها ولبست ثيابها الأخر حتى تطهر) (2).
ه‍: صرح جماعة - منهم: المبسوط والنهاية والمصباح ومختصره
والاقتصاد والكافي والغنية والمراسم والنافع والقواعد والمنتهى والارشاد
والتحرير واللمعة والروضة والمسالك (3) وغيرها (4) - بأنه يشترط في ثوبي
الاحرام كونهما مما يصح الصلاة فيه، وفي الكفاية: أنه المعروف من
مذهب الأصحاب (5)، وفي المفاتيح: أنه لا خلاف فيه (6)، وفي شرحه: أنه
اتفقت عليه كلمات الأصحاب.
واستدل له بمفهوم صحيحة حريز: (كل ثوب يصلى فيه فلا بأس بأن
يحرم فيه) (7).

(1) كالرياض 1: 368.
(2) الكافي 4: 445 / 4، التهذيب 5: 388 / 1357، الوسائل 12: 400 أبواب
الاحرام ب 48 ح 3. والكرسف: القطن.
(3) المبسوط 1: 319، النهاية: 217، مصباح المتهجد: 618، الإقتصاد: 301،
الكافي في الفقه: 207، الغنية (الجوامع الفقهية): 574، المراسم: 108، النافع:
83، القواعد 1: 80، المنتهى 2: 681، الإرشاد 1: 315، التحرير 1: 96،
اللمعة (الروضة 2): 231، المسالك 1: 107.
(4) كالرياض 1: 368.
(5) كفاية الأحكام: 58.
(6) المفاتيح 1: 317.
(7) الكافي 4: 339 / 3، الفقيه 2: 215 / 976، التهذيب 5: 66 / 212، الوسائل
12: 359 أبواب الاحرام ب 27 ح 1.
294

واعترض عليها في جانب الاثبات بالجلود التي تصح الصلاة فيها، إذ
لا يصدق عليها الثوب.
وفي جانب النفي بعدم صراحتها في الحرمة، لأعمية البأس منها ومن
الكراهة.
ويرد على الأول: منع عدم صدق الثوب على مطلق الجلود حتى مثل
الفرو.
وعلى الثاني: منع أعمية البأس، كما حققناه في موضعه.
نعم، يرد عليها: أن دلالتها إنما هي بمفهوم الوصف، وهو غير حجة
على التحقيق، فلا دليل يوجب الخروج عن الأصل، إلا أن يثبت الاجماع،
وهو أيضا مشكل، إذ المحكي عن كثير من الأصحاب عدم التعرض لذلك،
إما بالكلية - كالشيخ في الجمل والحلي ويحيى بن سعيد - أو لجميع الأفراد،
كالسيد في الجمل وابن حمزة والمفيد.
نعم، لا شك في حرمة لبس المغصوب والميتة مطلقا والحرير
للرجل لو قلنا بحرمة لبسه ذلك أيضا.
ويمكن القول بحرمة النجس أيضا، لمفهوم الشرط في صحيحة ابن
عمار: عن المحرم يقارن بين ثيابه وغيرها التي أحرم فيها، قال: (لا بأس
بذلك إذا كانت طاهرة) (1).
ولرواية الحلبي الواردة في ثوبي الاحرام: وسألته يغسلها إن أصابها
شئ؟ قال: (نعم، فإذا احتلم فيها فليغسلها) (2).
المؤيدة بصحيحة أخرى لابن عمار: عن المحرم يصيب ثوبه جنابة،

(1) الكافي 4: 340 / 9، الوسائل 12: 363 أبواب الاحرام ب 30 ح 2.
(2) التهذيب 5: 70 / 230، الوسائل 12: 477 أبواب تروك الاحرام ب 38 ح 4.
295

قال: (لا يلبسه حتى يغسله وإحرامه تام) (1).
وأما سائر ما يشترط في ثوب الصلاة - من عدم كونه مما لا يؤكل
لحمه ولا حاكيا - فلا يعرف له مستند ظاهرا، والأصل يجوزه، والأحوط تركه.
ومنهم من منع عن كل جلد حتى المأكول، لقوله في صحيحة حريز:
(كل ثوب)، والثوب لا يصدق على الجلد.
وفساده ظاهر، إذ دلالتها ليست إلا بمفهوم اللقب الذي هو من
أضعف المفاهيم ولو سلم عدم صدق الثوب على الجلد، فالأولى الاستناد
فيه إلى قوله في الأخبار المتقدمة: (والبس ثوبيك) (2).
و: في جواز لبس الحرير المحض للمرأة قولان:
الأول: المنع، وهو للصدوق والشيخ في المقنعة وجمل السيد
والدروس (3)، ونسبه في النافع إلى أشهر الروايتين (4)، للمستفيضة:
كصحيحة عيص: (المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير
الحرير والقفازين) (5).
ورواية ابن عيينة: ما يحل للمرأة أن تلبس وهي محرمة؟ قال:
(الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير)، قلت: تلبس الخز؟ قال:
(نعم)، قلت: فإن سداه إبريسم وهو الحرير، قال: (ما لم يكن حريرا

(1) الفقيه 2: 219 / 1006، الوسائل 12: 476 أبواب تروك الاحرام ب 37 ح 1.
(2) الوسائل 12: 408 أبواب الاحرام ب 52.
(3) المقنع: 72، المقنعة: 396، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3):
66، الدروس 1: 344.
(4) النافع: 83.
(5) الكافي 4: 344 / 1، التهذيب 5: 73 / 243، الإستبصار 2: 308 / 1099،
الوسائل 12: 368 أبواب الاحرام ب 33 ح 9، القفاز - بالضم والتشديد - شئ
يعمل لليدين ويحشى بقطن ويكون له أزار تزر على الساعد - مجمع البحرين 4: 31.
296

خالصا فلا بأس) (1).
وما رواه الكليني عن إسماعيل بن الفضل بسند معتبر: عن المرأة هل
يصلح لها أن تلبس ثوبا حريرا وهي محرمة؟ قال: (لا، ولها أن تلبسها في
غير إحرامها) (2).
والقول - بعدم ظهور: (لا يصلح) في الحرمة - ضعيف، كما بيناه في
العوائد.
ومرسلة ابن بكير: (النساء تلبس الحرير والديباج إلا في الاحرام) (3)،
ومعنى تلبس: أنه يجوز لها لبسه، فالمنفي في المستثنى هو الجواز.
وموثقة سماعة: عن المحرمة تلبس الحرير، قال: (لا يصلح لها أن
تلبس حريرا محضا لا خيط فيه) (4).
والصحيح المروي عن جامع البزنطي: عن المتمتع كم يجزئه؟ قال:
(شاة)، وعن المرأة تلبس الحرير؟ قال: (لا) (5).
والثاني: الجواز، وهو للمفيد في كتاب أحكام النساء والحلي (6)،
وأكثر المتأخرين (7)، للأصل، والأخبار، كصحيحة حريز المتقدمة (8)..

(1) الكافي 4: 345 / 6، التهذيب 5: 75 / 247، الإستبصار 2: 309 / 1101،
الوسائل 12: 367 أبواب الاحرام ب 33 ح 3.
(2) الكافي 4: 346 / 8، الوسائل 12: 368 أبواب الاحرام ب 33 ح 10.
(3) الكافي 6: 454 / 8، الوسائل 4: 379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 3.
(4) الفقيه 2: 220 / 1017، الوسائل 12: 368 أبواب الاحرام ب 33 ح 7.
(5) مستطرفات السرائر: 36، 37، الوسائل 12: 368 أبواب الاحرام ب 33 ح 8.
(6) أحكام النساء (مصنفات الشيخ المفيد 9): 35، السرائر 1: 531.
(7) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 232، والمسالك 1: 107، السبزواري في
الذخيرة: 581، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 315.
(8) في ص: 291.
297

وصحيحة يعقوب: المرأة تلبس القميص تزره عليها وتلبس الحرير
والخز والديباج؟ قال: (نعم، لا بأس به) (1).
ورواية النضر: عن المرأة المحرمة أي شئ تلبس من الثياب؟ قال:
(تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس) الحديث (2).
ويجيبون هؤلاء عن الأخبار الأولى بالحمل على الكراهة جمعا،
بشهادة صحيحة عبيد الله الحلبي: (لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب
والحرير، وليس يكره إلا الحرير المحض) (3).
وفي آخر موثقة سماعة المتقدمة: (إنما يكره الحرير البهم) (4).
ورواية الأحمسي: عن العمامة السابري فيها علم حرير، تحرم فيها
المرأة؟ قال: (نعم، إنما كره ذلك إذا كان سداه ولحمته جميعا حريرا) (5).
وفي موثقة أخرى لسماعة، قال: (لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير
المحض وهي محرمة) (6).
أقول: ويرد على الاستشهاد بأعمية الكراهة في العرف القديم من

(1) التهذيب 5: 74 / 246، الإستبصار 2: 309 / 1100، الوسائل 12: 366
أبواب الاحرام ب 33 ح 1.
(2) الكافي 4: 344 / 2، التهذيب 5: 74 / 244، الوسائل 12: 366 أبواب الاحرام
ب 33 ح 2، الورس: نبات أصفر يزرع باليمن، ويصبغ به - المصباح المنير 2:
655.
(3) الفقيه 2: 220 / 1020، الوسائل 12: 367 أبواب الاحرام ب 33 ح 4.
(4) تقدمت مصادرها في ص 294. والبهم - بالضم وبضمتين -: الخالص الذي لم
يشبه غيره - القاموس المحيط 4: 83.
(5) الكافي 4: 345 / 5، الوسائل 12: 369 أبواب الاحرام ب 33 ح 11.
والسابري: ضرب من الثياب الرقاق تعمل بسابور، موضع بفارس - مجمع البحرين
3: 322.
(6) الكافي 6: 455 / 12، الوسائل 4: 380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 4.
298

الحرمة أيضا، بل أكثر استعمالاتها فيه فيها، وكذا لفظ (لا ينبغي).
وأما الحمل لأجل الجمع فيتوقف على تمامية دلالة أدلة الجواز،
وهي ممنوعة، لأن الأصل لا أثر له في مقابل ما مر، والخطاب في
الصحيحة الأولى (1) إلى الرجل حتما أو احتمالا متساويا، وهو غير ما نحن
فيه، مع أنه على فرض الاطلاق تكون عامة بالنسبة إلى ما تقدم مطلقة،
فيجب تخصيصها به.
وهو الجواب عن الثانية أيضا، فإنها مطلقة بالنسبة إلى حال الاحرام
وغيره، وجعلها ظاهرة الورود في حال الاحرام لا وجه له، إذ لا سبيل إلى
ذلك الظهور أصلا.
وكذا الجواب عن الثالثة، لعمومها بالنسبة إلى الثياب.
فظهر أن الأقوى هو القول الأول، وبه المعول.
ز: يجوز للمحرم أن يلبس أكثر من ثوبين، بلا خلاف فيه كما في
المفاتيح (2) وشرحه، للأصل الخالي عن المعارض، ولصحيحة ابن عمار
الأولى المتقدمة في الفرع الخامس.
وصحيحة الحلبي: عن المحرم يتردى بالثوبين؟ قال: (نعم، والثلاثة
إن شاء يتقي بهما الحر والبرد) (3)، وقريبة منها روايته (4).
ح: يجوز له إبدال الثوبين، للأصل، وصحيحة ابن عمار: (لا بأس
بأن يغير المحرم ثيابه، ولكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم

(1) الكافي 4: 340 / 9، الوسائل 12: 363 أبواب الاحرام ب 30 ح 2.
(2) المفاتيح 1: 317.
(3) الكافي 4: 341 / 10، الوسائل 12: 362 أبواب الاحرام ب 30 ح 1.
(4) التهذيب 5: 70 / 230، الوسائل 12: 362 أبواب الاحرام ب 30 ح 1.
299

فيهما، وكره أن يبيعهما) (1).
وصحيحة الحلبي: (ولا بأس بأن يحول المحرم ثيابه) (2).
وفي روايته: عن المحرم يحول ثيابه؟ قال: (نعم) (3).
ومقتضى الصحيحة الأولى: استحباب الطواف فيهما، كما هو ظاهر
الأصحاب أيضا.
ط: إذا لم يكن معه ثوبا الاحرام وكان معه قباء، جاز له لبسه، بلا
خلاف فيه كما في كلام جماعة (4)، وفي المدارك: أن هذا الحكم مقطوع به
في كلام الأصحاب (5)، وعن المنتهى والتذكرة: أنه موضع وفاق (6)، وفي
المفاتيح وشرحه: أنه إجماعي (7).
وتدل عليه المعتبرة المستفيضة:
كصحيحة الحلبي: (إذا اضطر المحرم إلى القباء ولم يجد ثوبا غيره
فليلبسه مقلوبا، ولا يدخل يديه في يدي القباء) (8).
وعمر بن يزيد: (يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين، وإن لم
يكن له رداء أطرح قميصه على عنقه أو قباه بعد أن ينكسه) (9).

(1) الكافي 4: 341 / 11، الفقيه 2: 218 / 1000، التهذيب 5: 71 / 233،
الوسائل 12: 363 أبواب الاحرام ب 31 ح 1.
(2) الكافي 4: 343 / 20، الوسائل 12: 364 أبواب الاحرام ب 31 ح 3.
(3) التهذيب 5: 70 / 230، الوسائل 12: 364 أبواب الاحرام ب 31 ح 4.
(4) كما في الرياض 1: 369.
(5) المدارك 7: 277.
(6) المنتهى 2: 683، التذكرة 1: 326.
(7) المفاتيح 1: 318.
(8) التهذيب 5: 70 / 228، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 1.
(9) التهذيب 5: 70 / 229، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 2.
300

وابن عمار: (لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه) (1).
ومحمد: في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال: (نعم،
ولكن يشق ظهر القدم، ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء، ويقلب
ظهره لبطنه) (2).
ورواية الحناط: (من اضطر إلى ثوب وهو محرم وليس معه إلا قباء
فلينكسه فليجعل أعلاه أسفله وليلبسه) (3)، ونحوها صحيحة البزنطي
المروية في مستطرفات السرائر (4).
وعلي بن أبي حمزة: (إذا اضطر المحرم إلى أن يلبس قباء من برد
ولا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، ولا يدخل يديه في يد القباء) (5)، وقريبة
منها رواية أبي بصير (6).
والمستفاد من هذه الروايات: أن الواجب في لبس القباء أن يكون
مقلوبا كما في الأولى والأخيرتين، ومنكوسا كما في البواقي غير صحيحة
محمد.
وظاهر الأول: جعل ظاهره باطنه، كما صرح به في صحيحة محمد،
ويستأنس له النهي عن إدخال اليد في القباء، إذ لو كان المراد به النكس لم

(1) الكافي 4: 340 / 9، الفقيه 2: 218 / 998، الوسائل 12: 474 أبواب تروك
الاحرام ب 36 ح 1.
(2) الفقيه 2: 218 / 997، الوسائل 12: 487، 501 أبواب تروك الاحرام ب 44 و
51 ح 7 و 5.
(3) الكافي 4: 347 / 5، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 3.
(4) مستطرفات السرائر: 33 / 34، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الاحرام ب 44
ح 8.
(5) الفقيه 2: 216 / 989، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 6.
(6) الكافي 4: 346 / 1، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 5.
301

يحتج إلى ذلك، لعدم إمكانه حينئذ، وإن جوز المحقق الثاني في شرح
الشرائع إرادة جعل الأعلى منه أسفل، بل فسره به في السرائر (1) مبالغا فيه،
وتبعه جمع آخر (2).
وظاهر الثاني: جعل الأعلى أسفل، وإن جوز في الوافي (3) إرادة جعل
الظاهر منه الباطن.
وموافق قاعدة الاستدلال الجمع بين الأمرين، كما صرح به جماعة (4)
وإن جعلوه أحوط أو أكمل، ويحتمل كلام الشرائع (5) إرادة وجوبهما،
لاطلاق أخبار كل منهما بالآخر، فيجب التقييد به، فالاكتفاء بالأول
- كبعضهم (6) - أو الثاني - كالآخر (7) - أو التخيير بينهما - كثالث (8) - ليس
بجيد.
ثم إنه لا شك في جواز لبسه إذا فقد ثوبي الاحرام واضطر إلى اللبس
أيضا لبرد ونحوه.
وهل يجوز اللبس مع تحقق أحد الشرطين دون الآخر، أم لا؟
الظاهر: نعم، لتجويز اللبس مع واحد من الشرطين في بعض
الروايات (9) الموجب لتخصيص ما يمنعه به.

(1) السرائر 1: 543.
(2) انظر القواعد 1: 80، والدروس 1: 344، وكشف اللثام 1: 315.
(3) الوافي 12: 568.
(4) كما في المسالك 1: 107، والمدارك 7: 279، والذخيرة: 582، والرياض 1: 369.
(5) الشرائع 1: 246.
(6) المبسوط 1: 320، النهاية: 218.
(7) السرائر 1: 543، الشرائع 1: 246.
(8) كما في المنتهى 2: 683، المسالك 1: 107، الحدائق 15: 94.
(9) انظر الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44.
302

وهل الشرط الأول فقد الثوبين معا، كما هو ظاهر كثير (1)، بل نسب
إلى مشهور القدماء؟
أو أحدهما، كما عن الشهيد الثاني (2)؟
أو الرداء خاصة، كما عن الشهيدين (3)؟
وفي المدارك: الظاهر الأخير (4)، لصحيحتي عمر بن يزيد
ومحمد (5)، وبهما يخصص ما ظاهر إطلاقه أو عمومه غير ذلك.
وهل لبس القباء حينئذ على الرخصة، أو الوجوب؟
ظاهر الأمر في بعض الأخبار المتقدمة: الثاني.
وليعلم أنه ليس للبسه حينئذ فداء - كما صرح به جماعة (6) - للأصل،
إلا إذا أدخل اليدين في الكمين، فهو كما إذا لبس مخيطا.
ويستفاد من صحيحة عمر بن يزيد جواز طرح القميص أيضا، ولا
بأس به، بل كل ثوب آخر إذا كان إليه مضطرا - ولو للاحرام - إذا كان ما
يجوز لبسه له.
فائدة: يكره الاحرام في الثوب الوسخ، لصحيحة محمد: الرجل
يحرم في الثوب الوسخ؟ فقال: (لا، ولا أقول أنه حرام ولكن أحب أن
يطهره، وطهوره غسله، ولا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل

(1) كما في الشرائع 1: 246، والقواعد 1: 80، والمختلف 1: 268، والرياض
1: 269.
(2) المسالك 1: 107.
(3) اللمعة (الروضة 2): 233.
(4) المدارك 7: 279.
(5) المتقدمتين في ص: 298.
(6) التحرير 1: 96، الروضة 2: 233.
303

وإن توسخ، إلا أن يصيبه جنابة أو شئ فيغسله) (1).
وتثبت منها كراهة غسله قبل الاحلال أيضا وإن توسخ في أثناء
الاحرام، إلا أن يكون ذلك بشئ نجس فيطهره.
وفي الثياب السود، لرواية الحسين بن المختار (2)، القاصرة عن إفادة
الحرمة، للجملة الخبرية، فالقول بها - كما عن النهاية والخلاف والمبسوط
والغنية والوسيلة (3) - ضعيف.
ولا يكره المصبوغ، للأصل، ولرواية أبي بصير (4).
ويستحب أن يكون قطنا بلا خلاف ظاهر، له، وللتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله،
فإنه أحرم به.
وأن يكون أبيض، لفتوى الأصحاب (5)، وبظاهر الأخبار: يلبس الأبيض.
وكونه خير الثياب وأحسنها وأطهرها وأطيبها.
الثالث: التلبيات الأربع.
ووجوبها - بعد نية الاحرام للمعتمر والحاج - إجماعي، محققا

(1) الكافي 4: 341 / 14، الفقيه 2: 215 / 980، التهذيب 5: 71 / 234، الوسائل
12: 476 أبواب تروك الاحرام ب 38 ح 1.
(2) الكافي 4: 341 / 13، الفقيه 2: 215 / 983، التهذيب 5: 66 / 214، الوسائل
12: 358 أبواب الاحرام ب 26 ح 1.
(3) النهاية: 217، الخلاف 2: 298، المبسوط 1: 319، قال في الغنية (الجوامع الفقهية)
ص 555: وتكره الصلاة في الثوب المصبوغ وأشد كراهة الأسود. وفي ص 574: ولا يجوز
أن يكونا مما لا يجوز الصلاة فيه ويكره أن يكونا مما تكره الصلاة فيه. الوسيلة: 163.
(4) الفقيه 2: 215 / 982، التهذيب 5: 67 / 219، الوسائل 12: 482 أبواب
تروك الاحرام ب 42 ح 2.
(5) كما في المنتهى 2: 682.
304

ومحكيا مستفيضا (1)، مدلول عليه بالمستفيضة، بل المتواترة من الأخبار (2)،
المتقدمة كثير منها في المقدمة التي ذكرناها في أول البحث، والآتية طائفة
أخرى منها فيما يأتي.
وكذا عدم انعقاد الاحرام إلا بها بالمعنى الثاني، بمعنى: عدم حرمة
المحظورات قبلها، فلو نوى ولبس الثوبين ولم يلب وفعل شيئا منها لم
يرتكب محرما ولم يلزمه كفارة بما فعله إجماعا، ونقل الاجماع عليه أيضا
مستفيض (3)، والأخبار المستفيضة به ناصة:
كصحيحة حريز: في الرجل إذا تهيأ للاحرام (فله أن يأتي النساء
ما لم يعقد التلبية أو يلب) (4).
والبجلي: في الرجل يقع على أهله بعدما يعقد الاحرام ولم يلب،
قال: (ليس عليه شئ) (5).
والأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه صلى ركعتين في مسجد الشجرة
وعقد الاحرام، ثم خرج فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه قبل أن يلبي (6).
وابن عمار: (لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة ويقول
الذي يريد أن يقوله ولا يلبي، ثم يخرج ويصيب من الصيد وغيره فليس

(1) انظر الرياض 1: 366.
(2) الوسائل 12: 374 أبواب الاحرام ب 36.
(3) كما في الرياض 1: 367.
(4) الكافي 4: 330 / 7، التهذيب 5: 316 / 1090، الإستبصار 2: 190 / 637،
الوسائل 12: 336 أبواب الاحرام ب 14 ح 8.
(5) التهذيب 5: 82 / 274، الإستبصار 2: 188 / 632، الوسائل 12: 333 أبواب
الاحرام ب 14 ح 2.
(6) الفقيه 2: 208 / 948، التهذيب 5: 82 / 275، الإستبصار 2: 188 / 633،
الوسائل 12: 333 أبواب الاحرام ب 14 ح 3.
305

عليه شئ) (1).
والبختري: في من عقد الاحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله
قبل أن يلبي، قال: (ليس عليه شئ) (2).
ومرسلة جميل: في رجل صلى الظهر في مسجد الشجرة، وعقد
الاحرام وأهل بالحج، ثم مس طيبا أو صاد صيدا أو واقع أهله، قال: (ليس
عليه شئ ما لم يلب) (3).
والنضر: رجل دخل مسجد الشجرة فصلى وأحرم، ثم خرج من
المسجد فبدا له قبل أن يلبي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء، أله ذلك؟
فكتب: (نعم، ولا بأس به) (4).
إلى غير ذلك، كروايات زياد بن مروان (5) وعلي بن عبد العزيز (6).
وأما صحيحة أحمد بن محمد: في رجل يلبس ثيابه ويتهيأ للاحرام
ثم يواقع أهله قبل أن يهل بالاحرام، قال: (عليه دم) (7).

(1) التهذيب 5: 82 / 272، الإستبصار 2: 188 / 631، الوسائل 12: 333 أبواب
الاحرام ب 14 ح 1.
(2) الفقيه 2: 208 / 946، الوسائل 12: 337 أبواب الاحرام ب 14 ح 13.
(3) الكافي 4: 330 / 8، التهذيب 5: 316 / 1088، الإستبصار 2: 189 / 635،
الوسائل 12: 336 أبواب الحج ب 14 ح 9.
(4) الكافي 4: 331 / 9، الفقيه 2: 208 / 950، الوسائل 12: 337 أبواب الاحرام
ب 14 ح 12.
(5) الكافي 4: 331 / 10، التهذيب 5: 316 / 1089، الإستبصار 2: 189 / 636،
الوسائل 12: 336 أبواب الاحرام ب 14 ح 10.
(6) الكافي 4: 330 / 6، الفقيه 2: 208 / 947، التهذيب 5: 83 / 276، الوسائل
12: 335 أبواب الاحرام ب 14 ح 6، 7.
(7) التهذيب 5: 317 / 1091، الإستبصار 2: 190 / 638، الوسائل 12: 337
أبواب الاحرام ب 14 ح 14.
306

فمع كونها مقطوعة، بالشذوذ مطروحة، أو على الاستحباب أو إرادة
الجهر بالتلبية من الاهلال محمولة.
وهل يلزمه تجديد النية بعد ذلك؟
مقتضى الأصل وظاهر أكثر الروايات المتقدمة: العدم، كما هو ظاهر
الأكثر أيضا.
وصرح في الانتصار باستئنافها (1)، واستدل له بمرسلة النضر ورواية
زياد المتقدمتين، المشتملتين على لفظ النقض.
وفيه: أنه في كلام الراوي، ومثل ذلك التقرير من الإمام لم يثبت
حجيته، مع أن النقض ليس صريحا في وجوب استئناف النية وبطلانها.
وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: ما ذكرنا - من وجوب التلبيات معينة وعدم حصول
الاحرام بالمعنى الثاني إلا بها - إنما هو لمن لم يسق الهدي - أي المفرد
والمتمتع - وأما القارن فهو مخير بينها وبين الاشعار أو التقليد، فإن شاء لبى
وعقد إحرامه بها، وإن شاء أشعر أو قلد وعقد به، على الأقوى الأشهر، بل
عن ظاهر الخلاف والغنية والمنتهى والمختلف (2): الاجماع عليه،
للمستفيضة من الروايات (3).
منها: صحيحة ابن عمار: (يوجب الاحرام ثلاثة أشياء: التلبية،

(1) الإنتصار: 96.
(2) الخلاف 2: 290، الغنية (الجوامع الفقهية): 574، المنتهى 2: 676،
المختلف: 265.
(3) الوسائل 11: 275 أبواب أقسام الحج ب 12.
307

والاشعار، والتقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم) (1).
والأخرى: (يقلدها نعلا خلقا قد صليت فيها، والاشعار والتقليد
بمنزلة التلبية) (2).
وثالثة: في قول الله سبحانه: (فمن فرض فيهن الحج) (والفرض:
التلبية والاشعار والتقليد، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج) (3).
وعمر بن يزيد: (من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا
كثير) (4).
وحريز، وفيها: (ولا يشعرها أبدا حتى يتهيأ للاحرام، فإنه إذا
أشعرها وقلدها وجب عليه الاحرام، وهو بمنزلة التلبية) (5)، ونحوها رواية
جميل (6)، إلى غير ذلك.
خلافا للمحكي عن السيد والحلي (7)، فاقتصرا على التلبية، للاقتصار
فيما يخالف الأصل على المتيقن المجمع عليه.
وهو صحيح على القول بعدم حجية الآحاد كما هو أصلهما، مع أنها
في المقام محفوفة بعمل الأصحاب، بل قيل: مخالفة السيد أيضا غير
معلومة، كما أشار إليه في المختلف (8).

(1) التهذيب 5: 43 / 129، الوسائل 11: 279 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 20.
(2) الفقيه 2: 209 / 956، الوسائل 11: 277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 11.
(3) الكافي 4: 289 / 2، الوسائل 11: 271 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 2.
(4) التهذيب 5: 44 / 130، الوسائل 11: 279 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 21.
(5) التهذيب 5: 43 / 128، الوسائل 11: 279 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 19.
(6) الكافي 4: 297 / 5، الوسائل 11: 276 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 7.
(7) السيد في الإنتصار: 102، الحلي في السرائر 1: 532.
(8) قال به في الرياض 1: 367، وهو في المختلف: 265.
308

وعن الشيخ في الجمل والمبسوط والقاضي وابن حمزة: اشتراط
الانعقاد بهما بالعجز عن التلبية (1)، وكأنهم جمعوا بين هذه الأخبار
وعمومات التلبية.
وفيه: أنه ليس بأولى من تخصيص الأخيرة بمن عدا القارن، بل هو
أولى، سيما مع ندرة العاجز عنها، سيما في الأعراب جدا، ومع عدم شاهد
لذلك الجمع أصلا ووجوده للأول، وهو: اختصاص السوق بالقارن.
ثم المشهور: أن القارن لو عقد إحرامه بإحدى هذه الثلاثة كان الاتيان
بالآخر مستحبا له، وفسره الشهيد الثاني (2): بأنه إن بداء بالتلبية كان الاشعار
أو التقليد مستحبا، وإن بداء بأحدهما كانت التلبية مستحبة.
وقال في الدروس: إنه لو جمع بين التلبية وأحدهما كان الثاني
مستحبا (3)، قيل - بعد نقله عنه -: ويستفاد منه أنه فسر ما هو المشهور باستحباب
الجمع بين الثلاثة لا بين التلبية وأحدهما كما فهمه الثاني طاب ثراه.
وفيه نظر ظاهر، إذ الظاهر أن مراد الشهيد الثاني: ثاني التلبية
وأحدهما، لا ثاني الاشعار والتقليد.
وكيف كان، فيمكن أن يستدل لاستحباب الجمع في الجملة برواية
يونس، قال: (ثم افرض بعد صلاتك ثم أخرج إليها فأشعرها من الجانب
الأيمن من سنامها، ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبه) (4).

(1) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 226، المبسوط 1: 307، القاضي في شرح
جمل العلم والعمل: 208، ابن حمزة في الوسيلة: 158.
(2) المسالك 1: 106.
(3) الدروس 1: 349.
(4) الكافي 4: 296 / 1، الفقيه 2: 210 / 958، الوسائل 11: 275 أبواب أقسام
الحج ب 12 ح 2، 3، بتفاوت يسير.
309

ورواية الفضيل بن يسار، وفيها: (ولكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم
ثم يشعرها ويقلدها) (1).
المسألة الثانية: لا تشترط مقارنة نية الاحرام - أي نية دخول الحج
أو العمرة - للتلبية، على الأظهر الأشهر، للأصل، وللمستفيضة المتقدمة في
مقدمة الاحرام (2) وفي بيان عدم حرمة المحظورات إلا بالتلبية.
وتزيد عليها صحيحة ابن سنان: وفيها - بعد ذكر الاحرام ودعائه -:
(وإن شئت فلب حين تنهض، وإن شئت فأخره حتى تركب بعيرك واستقبل
القبلة فافعل) (3).
والأخرى: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء) (4).
وابن عمار والحلبي والبجلي والبختري جميعا: (إذا صليت في
مسجد الشجرة فقل [و] أنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول
المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء، فإذا استوت
بك فلب، وإن أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف
المقام، وأفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي قبل أن تصير إلى
الأبطح) (5).

(1) الفقيه 2: 209 / 954، الوسائل 11: 277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 13.
(2) الوسائل 12: 340 أبواب الاحرام ب 16.
(3) التهذيب 5: 79 / 263، الإستبصار 2: 167 / 553، الوسائل 12: 341 أبواب
الاحرام ب 16 ح 2.
(4) التهذيب 5: 84 / 279، الإستبصار 2: 170 / 561، الوسائل 12: 370 أبواب
الاحرام ب 34 ح 5.
(5) الكافي 4: 333 / 11، الفقيه 2: 207 / 943، الوسائل 12: 373، 396 أبواب
الاحرام ب 35 و 46 ح 3 و 1. الرقطاء: موضع دون الردم، ويسمى مدعا،
ومدعى الأقوام: مجتمع قبائلهم - مجمع البحرين 4: 249. والأبطح: مسيل وادي
مكة، وهو مسيل واسع فيه الحصى، أوله عند منقطع الشعب بين وادي منى،
وآخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالمعلى عند أهل مكة - مجمع البحرين 2:
343.
310

وابن حازم: (إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء) (1).
وابن عمار: (إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقم وامش
هنيهة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب) الحديث (2).
وموثقة إسحاق: إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أيلبي حين ينهض
به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة؟ قال: (أي ذلك شاء صنع) (3).
وقوية زرارة: متى ألبي بالحج؟ قال: (إذا خرجت إلى منى) (4).
إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة جدا (5)، بل المستفاد من كثير منها
أفضلية التأخير إلى المواضع المخصوصة.
وحمل تلك الأخبار على رفع الصوت بالتلبية دون مطلقها - بل يقارن
بالمطلقة - مما لا يقبله كثير منها، مع أنه لا شاهد لذلك الجمع، بل لا داعي
إليه سوى ما قيل من عدم انعقاد الاحرام إلا بالتلبية، وعدم جواز المرور عن
الميقات إلا محرما (6).
وجوابه: ما عرفت من أن المراد بالاحرام - الذي لا يجوز المرور عن

(1) التهذيب 5: 84 / 278، الإستبصار 2: 170 / 560، الوسائل 12: 370 أبواب
الاحرام ب 34 ح 4.
(2) التهذيب 5: 91 / 300، الوسائل 12: 369 أبواب الاحرام ب 34 ح 2.
(3) الكافي 4: 334 / 13، الوسائل 12: 373 أبواب الاحرام ب 35 ح 4.
(4) الكافي 4: 455 / 6، التهذيب 5: 167 / 558، الإستبصار 2: 252 / 884،
الوسائل 12: 398 أبواب الاحرام ب 46 ح 5.
(5) كما في الوسائل 12: 396 أبواب الاحرام ب 46.
(6) الرياض 1: 366.
311

الميقات إلا معه - هو: فرض الحج أو العمرة ونيته والصيرورة حاجا أو
معتمرا بها، كما مر ذلك مفصلا.
المسألة الثالثة: لا خلاف بين العلماء - كما صرح به جماعة - أن
التلبيات الواجبة أربع (1)، واختلفوا في كيفيتها:
فبين مقتصر بقول: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، وهو
المحكي عن المقنعة - على ما نقله بعض الأجلة (2) - وفي الشرائع والنافع
والمختلف والمسالك والمدارك والذخيرة والكفاية (3)، وغير واحد من
المتأخرين (4)، ويميل إليه في المنتهى بل في التحرير على نقله (5)، وهو
ظاهر ثقة الاسلام (6).
وبين مضيف إلى ذلك: إن الحمد والنعمة لك والملك، وهو المحكي
عن المقنعة على نقل (7)، والصدوقين في الرسالة والمقنع والهداية (8)،
والقديمين (9)، والسيد في الجمل والشيخ في النهاية والمبسوط والاقتصاد
والديلمي والحلبي والحلي والقاضي وابني زهرة وحمزة والارشاد والقواعد (10)،

(1) انظر المختلف: 266، الذخيرة: 578، كشف اللثام 1: 312.
(2) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 313.
(3) الشرائع 1: 246، النافع: 82، المختلف: 265، المسالك 1: 107، المدارك
7: 268، الذخيرة: 578، كفاية الأحكام: 58.
(4) كما في الدروس 1: 347، مجمع الفائدة 6: 195.
(5) أي على نقل بعض الأجلة، وقد نقله في كشف اللثام 1: 314.
(6) الكافي 4: 336.
(7) انظر المقنعة: 397.
(8) المقنع: 69، الهداية: 55.
(9) حكاه عنهما في المختلف: 265، والمدارك 7: 268.
(10) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 67، النهاية: 215،
المبسوط 1: 316، الإقتصاد: 301، الديلمي في المراسم: 108، الحلبي في
الكافي في الفقه: 193، الحلي في السرائر 1: 536، القاضي في شرح جمل العلم
والعمل: 224، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 574، ابن حمزة في
الوسيلة: 161، الإرشاد 1: 315، القواعد 1: 80.
312

بل أكثر المتأخرين كما قيل (1).
وإن اختلفت كلمات هؤلاء في محل هذه الإضافة، فبين من جعلها
بعد ما مر، وبين من جعلها بعد لبيك الثالثة، ومنهم من أضاف مع الإضافة:
لا شريك لك، أيضا، وقد يضاف معها أيضا: لبيك بحجة وعمرة، أو:
بحجة مفردة تمامها عليك لبيك، أيضا.
والحق هو: الأول، لصحيحة ابن عمار: (التلبية: لبيك اللهم لبيك،
لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
لبيك، ذا المعارج لبيك) إلى أن قال: (واعلم أنه لا بد من التلبيات الأربع
التي كن أول الكلام، وهي الفريضة وهي التوحيد) الحديث (2).
وذيلها - بضميمة قطع التفصيل للشركة - يدل على عدم وجوب ما
بعد التلبية الرابعة. وتجويز رجوع الإشارة إلى ما قبل الخامسة بعيد غايته،
مع أنه على فرض الاحتمال ينفى الزائد بالأصل.
ودليل النافين: ورود الإضافة في المعتبرة من المستفيضة من الصحاح
وغيرها (3).
ويجاب عنه بعدم كفاية الورود بعد عدم صراحة شئ منها في
الوجوب، لمكان الجملة الخبرية، أو الأمر بما ليس بواجب قطعا، أو

(1) المدارك 7: 268.
(2) الكافي 4: 335 / 3، التهذيب 5: 91 / 300 و 284 / 967، الوسائل 12: 382
أبواب الاحرام ب 40 ح 2.
(3) الوسائل 12: 382 أبواب الاحرام ب 40.
313

حكاية تلبية الرسول.
وأما الرضوي والخصالي: (تقول: لبيك لبيك، لا شريك لك لبيك،
إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك، هذه الأربعة مفروضات) (1).
فمع ضعفهما الغير الثابت انجبارهما، ومعارضتهما مع صحيحة عمر
ابن يزيد (2) الخالية عن الإضافة وإن اشتملت على إضافة أخرى غير واجبة
قطعا، غير صريحين في وجوب الزائد، لاحتمال رجوع الإشارة إلى
التلبيات الأربع خاصة، كما هو الظاهر.
وأما تضعيف القول الأول - بندوره بين القدماء - فضعيف، لعدم
ثبوت الندرة المضعفة.
نعم، لو ضم الإضافة - سيما على جميع الأقوال ولو بالتكرير - كان
أحوط.
ثم ما زاد على ما وجب من الفقرات الواردة في صحيحة ابن عمار
وغيرها مستحب ليس بواجب إجماعا، بل هو مستحب كذلك، وقد مر ما
يمكن أن يكون مستندا لكل من الحكمين.
المسألة الرابعة: الأخرس يحرك لسانه ويشير بإصبعه إلى التلبية،
لرواية السكوني - المنجبر ضعفها لو كان بعمل الأصحاب -: (تلبية الأخرس
وتشهده وقرائته القرآن في الصلاة: تحريك لسانه وإشارته بإصبعه، وليكن
مع عقد قلبه بها) (3)، أي بصورتها القولية، لأنها بدونه لا تكون إشارة إليها.

(1) فقه الرضا عليه السلام: 216، الخصال 2: 606 بتفاوت فيها، المستدرك 9: 176،
180 أبواب الاحرام ب 23 و 27 ح 2، 5.
(2) التهذيب 5: 92 / 301، الوسائل 12: 383 أبواب الاحرام ب 40 ح 3.
(3) الكافي 3: 315 / 17، الكافي 4: 335 / 2، التهذيب 5: 93 / 305، الوسائل
12: 381 أبواب الاحرام ب 39 ح 1.
314

وقيل: يستناب له مع ما ذكر فلبي عنه (1).
واستند له بخبر زرارة: إن رجلا قدم حاجا لا يحسن أن يلبي،
فاستفتي له أبو عبد الله عليه السلام، فأمر أن يلبى عنه (2).
ولأن أفعال الحج تقبل النيابة، فلا تحصل البراءة إلا بإتيانه بنفسه ما
يمكنه، ونيابته مالا يمكنه.
ورد الأول: بأنها قضية في واقعة، فيحتمل الورود في غير المسألة،
بل هو الظاهر مما لا يحسن، فإنه الظاهر في الأعجمي ونحوه ممن يمكن
له التكلم ولكن لا يحسن العربية، والأخرس غير قادر لا غير محسن، ولو
منع الظهور فلا أقل من الاحتمال.
والثاني: بأنه اجتهاد في مقابلة النص.
وأما الأعجمي الذي لا يحسن التلبية ولا يمكنه التعلم، فقيل: يكتفي
بترجمتها (3)، وقيل: يلبى عنه (4)، والأحوط الجمع بين الأمرين، والله العالم.
المسألة الخامسة: قد مر سابقا عدم وجوب مقارنة التلبية لنية الاحرام.
ثم إنه قد اختلفت كلمات المجوزين للتأخير مطلقا في الأفضل:
ففي المبسوط جعل الأفضل للمحرم عن طريق المدينة التأخير إلى
البيداء إن كان راكبا (5)، وهو المحكي عن ابن حمزة (6).

(1) انظر المختلف: 266.
(2) الكافي 4: 504 / 13، التهذيب 5: 244 / 828، الوسائل 12: 381 أبواب
الاحرام ب 39 ح 2.
(3) المدارك 7: 266.
(4) الجامع للشرائع: 180.
(5) المبسوط 1: 316.
(6) الوسيلة: 161.
315

وعن القاضي: أفضليته له مطلقا، راكبا كان أو ماشيا (1).
وجعل في المبسوط والتحرير والمنتهى والمسالك الأفضل للمحرم
عن غيره إلى أن يمشي خطوات (2).
وفي التهذيب جعل الأفضل للمحرم عن مكة التلبية عن موضعه إن
كان ماشيا، وعن الرقطاء أو شعب الدب إن كان راكبا (3).
وعن هداية الصدوق: أفضلية التأخير إلى الرقطاء له مطلقا (4).
وعن جماعة - منهم: السرائر والنهاية والجامع والوسيلة والمنتهى
والتذكرة - أفضلية تلبية المحرم عن مكة من موضعه إن كان ماشيا، وإذا
نهض به بعيره إن كان راكبا (5).
وسبب الاختلاف اختلاف الأخبار، وهي بين مرجح في المحرم عن طريق
المدينة للتأخير إلى البيداء بقول مطلق، كصحيحة ابن وهب (6) وعبيد الله الحلبي (7)
المتقدمتين في المقدمة، وصحاح ابن عمار والحلبي والبجلي والبختري (8)،

(1) شرح جمل العلم والعمل: 225.
(2) المبسوط 1: 316، التحرير 1: 96، المنتهى 2: 679، المسالك 1: 108.
(3) التهذيب 5: 168. وفي معجم البلدان 3: 347 شعب أبي دب: بمكة، يقال
فيه مدفن آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وآله.
(4) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 353، وانظر المقنع: 86، والهداية: 60، والفقيه
2: 207.
(5) السرائر 1: 584، النهاية: 214، الجامع للشرائع: 183، الوسيلة: 161،
المنتهى 2: 679، التذكرة 1: 327.
(6) التهذيب 5: 64 / 203، الوسائل 12: 325 أبواب الاحرام ب 7 ح 3.
(7) الفقيه 2: 220 / 1020، الوسائل 12: 367 أبواب الاحرام ب 33 ح 4.
(8) الكافي 4: 333 / 11، الفقيه 2: 207 / 943، الوسائل 12: 373، 396 أبواب
الاحرام ب 35 و 46 ح 3 و 1.
316

وابن حازم (1)، وابن سنان (2)، المتقدمة في المسألة الثانية.
ومرجح له للماشي والراكب بخصوصهما، كصحيحتي عمر بن يزيد:
(إذا أحرمت من مسجد الشجرة، فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من
المسجد) الحديث (3).
والأخرى: (إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد، وإن
كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء) (4).
ومرجح في مطلق المحرم للتأخير إلى المشي هنيهة حتى تستوي به
الأرض، كصحيحة ابن عمار الثانية (5) المتقدمة في المقدمة، والأخرى
السابقة في المسألة الثانية (6).
ومرجح في المحرم عن طريق العراق التأخير إلى أن يمشي قليلا،
كصحيحة هشام المتقدمة في المقدمة (7).
ومرجح في المحرم عن مكة للتأخير إلى الروحاء، أو الفضاء كما في
صحيحة ابن عمار المتقدمة في المقدمة (8) - على نسخ الكافي - أو الرقطاء

(1) التهذيب 5: 84 / 278، الإستبصار 2: 170 / 560، الوسائل 12: 370 أبواب
الاحرام ب 34 ح 4.
(2) التهذيب 5: 79 / 263، الإستبصار 2: 167 / 553، الوسائل 12: 341 أبواب
الاحرام ب 16 ح 2.
(3) التهذيب 5: 92 / 301، الوسائل 12: 383 أبواب الاحرام ب 40 ح 3.
(4) التهذيب 5: 85 / 281، الإستبصار 2: 170 / 563، الوسائل 12: 369 أبواب
الاحرام ب 34 ح 1.
(5) التهذيب 5: 91 / 300، الوسائل 12: 369 أبواب الاحرام ب 34 ح 2.
(6) المتقدمة في ص: 308.
(7) راجع ص 255.
(8) راجع ص: 255.
317

كما فيها - على نسخ الفقيه والتهذيب - وكما في صحيحة البختري والحلبي
والبجلي وابن عمار المتقدمة في المسألة الثانية (1).
ومرجح فيه له للتلبية عند المقام للماشي وإذا نهض به بعيره للراكب،
كصحيحة عمر بن يزيد: (ثم صل ركعتين عند المقام ثم أهل بالحج،
فإن كنت ماشيا فلب عند المقام، وإن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك)
الحديث (2).
ومرجح له للتلبية في المسجد الحرام، كما في موثقة أبي بصير، وفيها:
(ثم يلبى من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت) (3).
والأمر بالتأخير في بعض تلك الأخبار محمول على الاستحباب أو
الجواز بلا خلاف يوجد، لتصريح جملة من الأخبار بجواز التلبية عن
موضعه، كما في صحيحة هشام المتقدمة، وصحيحة ابن سنان (4)، وموثقة
إسحاق بن عمار (5)، وغيرها (6).
ثم المستفاد من جميع تلك الأخبار ومقتضى الجمع بينها: جواز
التلبي عن موضع الاحرام مطلقا، وأفضلية التأخير للمحرم عن مسجد
الشجرة إلى البيداء راكبا كان أو ماشيا، لاطلاقات رجحان التأخير إليها،

(1) راجع ص 307 - 308.
(2) التهذيب 5: 169 / 561، الإستبصار 2: 252 / 886، الوسائل 12: 397 أبواب
الاحرام ب 46 ح 2.
(3) الكافي 4: 454 / 2، التهذيب 5: 168 / 559، الإستبصار 2: 251 / 881،
الوسائل 12: 409 أبواب الاحرام ب 52 ح 3.
(4) التهذيب 5: 79 / 263، الإستبصار 2: 167 / 553، الوسائل 12: 341 أبواب
الاحرام ب 16 ح 2.
(5) الكافي 4: 334 / 13، الوسائل 12: 373 أبواب الاحرام ب 35 ح 4.
(6) الوسائل 12: 372 أبواب الاحرام ب 35.
318

الفارغة عن مكادحة (1) ما يدل على أفضلية التعجيل للماشي، لاشتغالها
بمعارضة ما يدل على أفضلية التأخير له أيضا.
وللمحرم عن غيره إلى أن يمشي خطوات.
وللمحرم عن مكة إلى الرقطاء، أو إلى أن ينهض البعير إن كان راكبا،
وفي المسجد إن كان ماشيا.. والله هو العالم.
المسألة السادسة: يستحب الجهر بالتلبية على المشهور بين الأصحاب،
للمستفيضة من الأخبار:
كمرسلة الفقيه: (إن التلبية شعار المحرم، فارفع صوتك بالتلبية) (2).
ومرفوعة حريز: (لما أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه جبرئيل، فقال له: مر
أصحابك بالعج والثج) (3).
فالعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: نحر البدن.
وصحيحة ابن عمار: (التلبية لبيك اللهم) إلى أن قال: (تقول ذلك في
دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة، وحين ينهض بك بعيرك، وإذا علوت شرفا،
أو هبطت واديا، أو لقيت راكبا، أو استيقظت من منامك، وبالأسحار،
وأكثر ما استطعت منها واجهر بها) الحديث (4)، وقريبة منها الأخرى (5).
ويتأكد الاستحباب في مواضع مخصوصة ذكرها في صحيحة عمر بن
يزيد: (واجهر بها كلما ركبت، وكلما نزلت، وكلما هبطت واديا، أو علوت

(1) في (ق): مكاوحة...
(2) الفقيه 2: 211 / 966، الوسائل 12: 379 أبواب الاحرام ب 37 ح 3.
(3) الكافي 4: 336 / 5، الفقيه 2: 210 / 960، التهذيب 5: 92 / 302، معاني
الأخبار: 223 / 1، الوسائل 9: 378 أبواب الاحرام ب 37 ح 1.
(4) التهذيب 5: 91 / 300، الوسائل 12: 382 أبواب الاحرام ب 40 ح 2.
(5) الكافي 4: 335 / 3، الوسائل 12: 383 أبواب الاحرام ب 40 ذيل الحديث 2.
319

أكمة، أو لقيت راكبا، وبالأسحار) (1).
وخلاف المشهور قول الشيخ في التهذيب (2)، فقال: يجب بقدر
الامكان، وهو ظاهر ثقة الاسلام، حيث قال: ولا يجوز لأحد أن يجوز
ميل البيداء إلا وقد أظهر التلبية (3).
والظاهر أنه لظاهر الأوامر في النصوص المتقدمة، وهي عن إفادة
الوجوب - لندرته وشذوذه، حتى أن الشيخ أيضا رجع عنه في خلافه قائلا:
لم أجد من ذكر كونه فرضا (4)، بل كما قيل: ثبوته مطلقا بالوجوب بالمعنى
المصطلح غير معلوم (5) - قاصرة.
مع أن في أصل دلالتها عليه أيضا نظرا، لورود الأوامر الواردة فيها كلا
على ما لا يجب قطعا من الزيادات المستحبة في التلبية أو التكرار
المستحب أو نحر البدن.
ثم مقتضى الاطلاقات استحباب الاجهار بها مطلقا، إلا أن المستفاد
من الأخبار الأخر اختصاصه لمن حج على طريق المدينة إن كان راكبا بما إذا
علت البيداء، لصحيحة عمر بن يزيد الأولى (6)، المتقدمة في المسألة
السابقة، المحمولة على الاستحباب، لتصريح غيرها بجواز الاجهار في
المسجد مطلقا، كصحيحة ابن سنان: هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج

(1) التهذيب 5: 92 / 301، الوسائل 12: 383 أبواب الاحرام ب 40 ح 3.
(2) التهذيب 5: 92.
(3) الكافي 4: 334.
(4) الخلاف 2: 291.
(5) انظر الذخيرة: 578.
(6) انظر ص: 314.
320

أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ قال: (نعم) الحديث (1).
ولمن أحرم عن مكة بما إذا أشرف على الأبطح، لصحيحة ابن عمار
الثالثة المتقدمة (2) في المقدمة، من غير فرق في ذلك بين الراكب
والماشي، لعدم فارق إلا في نفس التلبية، كما مر.
وليعلم أن استحباب الجهر بها مخصوص بالرجال بلا خلاف،
للمستفيضة:
منها: مرسلة فضالة: (إن الله تعالى وضع عن النساء أربعا: الجهر
بالتلبية) الحديث (3).
ومنها: رواية أبي بصير (4)، وهي أيضا كسابقتها.
المسألة السابعة: قدر الواجب هو التلبي بما مر مرة واحدة، كما
صرح به في السرائر (5)، ويستحب تكرارها وإكثار القول بها إجماعا، له،
ولقوله: (وأكثر ما استطعت منها) في صحيحة ابن عمار المتقدمة في
المسألة السابقة (6)، سيما في المواضع العشرة المنصوصة في صحيحتي ابن
عمار وعمر المتقدمتين في المسألة المذكورة (7)
وفي رواية ابن فضال: (من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا

(1) الكافي 4: 334 / 12، التهذيب 5: 84 / 280، الإستبصار 2: 170 / 562،
الوسائل 12: 372 أبواب الاحرام ب 35 ح 2.
(2) الكافي 4: 454 / 1، التهذيب 5: 167 / 557، الوسائل 12: 408 أبواب الاحرام
ب 52 ح 1، وقد تقدمت في ص 255.
(3) التهذيب 5: 93 / 303، الوسائل 12: 379 أبواب الاحرام ب 38 ح 1.
(4) الكافي 4: 405 / 8، الوسائل 12: 380 أبواب الاحرام ب 38 ح 4.
(5) السرائر 1: 536.
(6) في ص: 316 - 317.
(7) في ص: 316 - 317.
321

واحتسابا أشهد الله له ألف ألف ملك ببراءة من النار وبراءة من النفاق) (1).
المسألة الثامنة: استحباب التكرار للمعتمر إلى أن يشاهد بيوت مكة
إجماعا محققا ومحكيا (2)، للمستفيضة من الأخبار:
كموثقة ابن عمار: (إذا دخلت مكة وأنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكة
فاقطع التلبية، وحد بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين،
فاقطع التلبية وعليك بالتكبير والتهليل والتمجيد والثناء على الله عز وجل
ما استطعت، وإن كنت قارنا بالحج فلا تقطع التلبية حتى يوم عرفة عند
زوال الشمس، وإن كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم) (3).
وسدير: (وإذا رأيت أبيات مكة فاقطع التلبية) (4).
وصحيحة الحلبي: (المتمتع إذا نظر إلى بيوت مكة قطع التلبية) (5).
والبزنطي: عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال: (إذا نظرت إلى
أعراش مكة، عقبة ذي طوى)، قلت: بيوت مكة؟ قال: (نعم) (6).
أقول: أعراش مكة: بيوتها، جمع عرش بالضم، وقد يفتح أيضا، وربما

(1) الكافي 4: 337 / 8، المحاسن: 64 / 116، الوسائل 12: 386 أبواب الاحرام
ب 41 ح 1.
(2) كما في المختلف 1: 266، والمنتهى 2: 678، والكفاية: 59، والذخيرة:
583، والرياض 1: 370.
(3) الكافي 4: 399 / 1، التهذيب 5: 94 / 309، الإستبصار 2: 176 / 583،
الوسائل 12: 388 أبواب الاحرام ب 43 ح 1، بتفاوت يسير.
(4) الكافي 4: 399 / 2، التهذيب 5: 94 / 308، الإستبصار 2: 176 / 582،
الوسائل 12: 390 أبواب الاحرام ب 43 ح 5.
(5) الكافي 4: 399 / 2، التهذيب 5: 94 / 307، الإستبصار 2: 176 / 581،
الوسائل 12: 389 أبواب الاحرام ب 43 ح 2.
(1) الكافي 4: 399 / 4، التهذيب 5: 94 / 310، الإستبصار 2: 176 / 584،
الوسائل 12: 389 أبواب الاحرام ب 43 ح 4.
322

يخص بيوتها القديمة.
وابن مسكان: عن تلبية المتعة متى يقطعها؟ قال: (إذا رأيت بيوت
مكة، ويقطع التلبية للحج عند زوال الشمس يوم عرفة) (1).
وروايته: (المتمتع عليه ثلاثة أطواف بالبيت، وطوافان بين الصفا
والمروة، وقطع التلبية من متعته إذا نظر إلى بيوت مكة، ويحرم بالحج
يوم التروية، ويقطع التلبية يوم عرفة حين تزول الشمس) (2).
وأما موثقة زرارة: أين يمسك المتمتع عن التلبية؟ قال: (إذا دخل
البيوت، بيوت مكة لا بيوت الأبطح) (3).
ورواية الشحام: عن تلبية المتعة متى يقطع؟ قال: (حين يدخل
الحرم) (4).
مطروحتان بالشذوذ، أو الأولى محمولة على الاشراف والثانية على
الجواز.
والظاهر من الأخبار المذكورة أن حد القطع: النظر إلى ما كان من بيوت
مكة عرفا، ولو اختلفت زيادة ونقصانا باختلاف الدهور والأعصار،
وتحديد بيوتها السابقة في الموثقة بعقبة المدنيين لا يدل على تحديد
القطع أيضا بالبيوت السابقة، إذ غايتها بيان البيوت القديمة.. وكذا قوله

(1) التهذيب 5: 182 / 609، الوسائل 12: 390 أبواب الاحرام ب 43 ح 6 وفيه
صدر الحديث.
(2) الكافي 4: 295 / 2، التهذيب 5: 35 / 105، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام
الحج ب 2 ح 11.
(3) التهذيب 5: 468 / 1638، الوسائل 12: 390 أبواب الاحرام ب 43 ح 7.
(4) التهذيب 5: 95 / 312، الإستبصار 2: 177 / 585، الوسائل 12: 391 أبواب
الاحرام ب 43 ح 9.
323

في الصحيحة: (عقبة ذي طوى)، لجواز أن يكون ذكرها بعد الأعراش
لانتهاء البيوت في ذلك الزمان في تلك العقبة.
وعلى هذا، فلا حاجة إلى بيان حدود بيوت مكة كما ارتكبه جمع من
الفقهاء، إلا أن يثبت الاجماع على وجوب التحديد بالقديم، وحينئذ فيشكل
الأمر ويحتاط بالقطع فيما يقطع أنه لم يكن من مكة سابقا، ولكنه غير ثابت.
وللحاج مطلقا متمتعا كان أو قارنا أو مفردا إلى زوال الشمس من يوم
عرفة، بلا خلاف يوجد، للمستفيضة من النصوص:
منها: موثقة ابن عمار (1)، وصحيحة ابن مسكان، وروايته، المتقدمة (2)،
وموثقة أخرى لابن عمار: (إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند
زوال الشمس) (3).
وصحيحة ابن يزيد: (إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية) (4)،
إلى غير ذلك.
وللمعتمر مفردا إلى أن يدخل الحرم مطلقا عند الشيخ في الجمل
والاقتصاد (5)، بل المصباح، ومختصره على ما قيل (6).
لموثقة ابن عمار المتقدمة (7).

(1) المتقدمة في ص: 322.
(2) في ص: 323.
(3) التهذيب 5: 181 / 608، الوسائل 12: 392 أبواب الاحرام ب 44 ح 5.
(4) التهذيب 5: 182 / 610، الوسائل 13: 530 أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة
ب 9 ح 4.
(5) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 227، الإقتصاد: 301.
(6) مصباح المتهجد: 620، حكاه عن مختصر المصباح في كشف اللثام 1: 317.
(7) الكافي 4: 399 / 1، التهذيب 5: 94 / 309، الإستبصار 2: 176 / 583،
الوسائل 12: 388 أبواب الاحرام ب 43 ح 1.
324

وصحيحة عمر بن يزيد: (من دخل مكة معتمرا فليقطع التلبية حين
تضع الإبل أخفافها في الحرم) (1).
وبمضمونهما رواية مرازم (2) وزرارة (3)، ومرسلة الفقيه (4).
وإلى أن يشاهد الكعبة كذلك عند الحلبي على ما حكي عنه (5)،
لصحيحة أخرى لعمر بن يزيد: (ومن خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل
معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة) (6).
وإلى الأول لمن أحرم من أحد المواقيت أو دويرة أهله، أي كان
خارجا من الحرم.
وإلى الثاني لمن خرج من مكة للعمرة فاعتمر ورجع على المشهور عند
الطائفة، كما صرح به بعض الأجلة (7)، للجمع بين الصنفين المتقدمين.
وإلى أيهما شاء مخيرا مطلقا عند الصدوق والشرائع والنافع
والتنقيح (8)، للجمع أيضا.
والأول أحسن، بل أقرب، لأنه مقتضى القاعدة المطردة من تخصيص

(1) التهذيب 5: 95 / 313، الإستبصار 2: 177 / 586، الوسائل 12: 394 أبواب
الاحرام ب 45 ح 2، وفيها: مفردا للعمرة، بدل: معتمرا.
(2) الكافي 4: 537 / 1، الفقيه 2: 277 / 1355، الوسائل 12: 394 أبواب الاحرام ب
45 ح 6.
(3) الكافي 4: 537 / 2، الوسائل 12: 394 أبواب الاحرام ب 45 ح 5.
(4) الفقيه 2: 277 / 1352، الوسائل 12: 395 أبواب الاحرام ب 45 ح 10.
(5) الكافي في الفقه: 193.
(6) الفقيه 2: 276 / 1350، التهذيب 5: 95 / 315، الإستبصار 2: 177 / 588،
الوسائل 12: 395 أبواب الاحرام ب 45 ح 8.
(7) انظر كشف اللثام 1: 317.
(8) حكاه عن الصدوق في المختلف: 266، الشرائع 1: 248، النافع: 83، التنقيح
1: 463.
325

العام المطلق بالخاص.
وها هنا أخبار أخر أيضا دالة على القطع بالنظر إلى المسجد الحرام،
كصحيحة ابن عمار (1) ومرسلة الفقيه (2)، أو عند بيوت ذي طوى، كرواية
أبي خالد (3)، أو إذا رأى بيوت ذي طوى، كموثقة يونس بن يعقوب (4)، أو
حيال عقبة المدنيين، كرواية الفضيل (5)، ولكن لم يظهر بها عامل، فرفع
اليد عنها للشذوذ لازم.
ثم القطع في الموارد المذكورة على الوجوب، وفاقا في الأول لظاهر
الأكثر، بل عن الخلاف الاجماع عليه (6)، وفي الثاني لوالد الصدوق
والشيخ والوسيلة والمفاتيح (7) وشرحه، واستحسنه في المدارك (8)، بل
محتمل الأكثر كما قيل (9)، وفي الثالث لظاهر الأكثر وصريح بعضهم (10)،
كل ذلك لظاهر الأوامر الخالية عن المعارض.

(1) الكافي 4: 537 / 3، الوسائل 12: 394 أبواب الاحرام ب 45 ح 4.
(2) الفقيه 2: 277 / 1351، الوسائل 12: 395 أبواب الاحرام ب 45 ح 9.
(3) التهذيب 5: 94 / 311، الوسائل 12: 391 أبواب الاحرام ب 43 ح 8.
(4) الفقيه 2: 277 / 1354، التهذيب 5: 95 / 314، الإستبصار 2: 177 / 587،
الوسائل 12: 394 أبواب الاحرام ب 45 ح 3.
(5) الفقيه 2: 277 / 1353، التهذيب 5: 96 / 316، الإستبصار 2: 177 / 589،
الوسائل 12: 395 أبواب الاحرام ب 45 ح 11.
(6) الخلاف 2: 293.
(7) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 266، الشيخ في المبسوط 1: 317،
الوسيلة: 161، المفاتيح 1: 316.
(8) المدارك 7: 295.
(9) في كشف اللثام 1: 316.
(10) كالمفيد في المقنعة: 63.
326

البحث الثالث
في بعض الأحكام المتعلقة بالاحرام
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: لا إحرام مع إحرام عمدا، أي لا ينعقد إحرام عمدا
ما لم يتحلل عن الاحرام الأول، لأصالة عدم المشروعية، واختصاص
إطلاقات كل إحرام بغير المحرم، فإنها كلها واردة في إحرام المحل، ولم
يشرع إحرام مع آخر، فهو كالاحرام لصلاة قبل الخروج عن الأخرى، ومع
ذلك هو موضع وفاق كما حكي عن ظاهر المنتهى (76)، وفي الذخيرة: أنه لا
أعرف فيه خلافا بين الأصحاب (77).
ومقتضى ذلك: أنه لو أحرم أحد قبل التحلل عن الآخر بطل الثاني
ويمضى على الأول مطلقا عمدا كان ذلك أو نسيانا، فهو الأصل في
المسألة.
وعلى هذا، فلو أحرم المتمتع بالحج قبل تمام العمرة يلزمه أن يكون
إحرامه بالحج باطلا ويمضي على عمرته، فإذا تمت يحرم للحج ثانيا إن
كان وقته باقيا، وتصير عمرته حجة مفردة إن لم يكن باقيا وكان إحرامه
للحج عمدا، إذ مع النسيان له إنشاء إحرامه متى يذكر، كما مر في آخر
بحث المواقيت، فإن ذلك بعينه هو من ترك الاحرام نسيانا.
ولكنهم قالوا في متمتع أحرم بالحج قبل التقصير للعمرة بصحة عمرته

(1) المنتهى 2: 685.
(2) الذخيرة: 582.
327

وصحة إحرامه للحج إن كان ذلك نسيانا منه (1)، وادعي عدم الخلاف فيه
في التنقيح والذخيرة والكفاية (2)، بل عن المختلف دعوى الاجماع عليه (3)،
وهو كذلك أيضا، لصحاح ابن سنان وابن عمار والبجلي:
الأولى: في رجل متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج، قال:
(يستغفر الله ولا شئ عليه) (4).
والثانية: عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل في الحج،
قال: (يستغفر الله ولا شئ عليه وتمت عمرته) (5).
والثالثة: عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فدخل مكة فطاف وسعى
ولبس ثيابه وأحل ونسي أن يقصر حتى خرج إلى عرفات، قال: (لا بأس
به، يبني على العمرة وطوافها، وطواف الحج على أثره) (6).
ولكن مخالفة هذا الحكم للأصل السابق إنما هو إذا قلنا بكون التقصير
أيضا جزا من أفعال العمرة ومنسكا من نسكه، كما هو الظاهر من
جماعة (7)، بل في المنتهى الاجماع عليه (8).

(1) انظر الشرائع 1: 246، والحدائق 15: 117، والرياض 1: 371.
(2) التنقيح 1: 463، الذخيرة: 582، الكفاية: 59.
(3) المختلف: 267.
(4) الكافي 4: 440 / 1، الفقيه 2: 237 / 1129، التهذيب 5: 90 / 297، الإستبصار
2: 175 / 577، الوسائل 12: 410 أبواب الاحرام ب 54 ح 1، بتفاوت يسير.
(5) الكافي 4: 440 / 2، التهذيب 5: 159 / 528، الإستبصار 2: 175 / 579،
الوسائل 12: 411 أبواب الاحرام ب 54 ح 3.
(6) الكافي 4: 440 / 3، التهذيب 5: 90 / 298، الإستبصار 2: 175 / 578،
الوسائل 12: 411 أبواب الاحرام ب 54 ح 2.
(7) كصاحب المدارك 7: 283 و 8: 88، السبزواري في الذخيرة: 648، الفاضل
الهندي في كشف اللثام 1: 350.
(8) المنتهى 2: 709.
328

وأما لو لم نقل بكونه جزا منها، بل نجعله محللا - كما نقله في
المدارك والذخيرة عن بعضهم (1)، وتشعر به صحيحة الحلبي: لما قضيت
نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم أقصر، قال: (عليك بدنة) الحديث (2)، بل
تشعر به المستفيضة الواردة في بيان أصناف الحج، المتضمنة لمثل قوله:
(على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف وسعيان) إلى أن قال: (ثم
يقصر) (3) - فلا يكون مخالفا للأصل أصلا.
بل يمكن القول بعدم المخالفة مع الجزئية أيضا، إذ لم يصرح في
الأخبار ولم ينص أحد من الأصحاب بصحة هذا الاحرام للحج، غاية الأمر
عدم التعرض للاحرام له ثانيا، ويمكن أن يكون ذلك لكفاية نيته المستدامة
حكما، كما تستأنس له مرسلة جميل: رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد
شهد المناسك كلها وطاف وسعى، قال: (تجزئه نيته إذا كان قد نوى ذلك،
فقد تم حجه وإن لم يهل) (4).
نعم، يجب على ذلك الشخص - لأجل تقديم الاحرام على التقصير
- دم يهريقه، وفاقا للشيخ في كتبه (5) (6)، والقاضي وابني زهرة وحمزة (7)،

(1) المدارك 7: 282، الذخيرة: 582.
(2) الكافي 4: 441 / 6، الفقيه 2: 238 / 1138 وفيه: عن حماد بن عثمان،
التهذيب 5: 162 / 543، الإستبصار 2: 244 / 852، المقنع: 83، الوسائل 13:
117 أبواب كفارات الاستمتاع ب 5 ح 2 بتفاوت يسير.
(3) كما في الوسائل 11: 212، 220 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 1 و 2 و 8.
(4) الكافي 4: 325 / 8، التهذيب 5: 61 / 192، الوسائل 11: 338 أبواب
المواقيت ب 20 ح 1.
(5) الإستبصار 2: 242، النهاية: 263، التهذيب 5: 158.
(6) في (ح) زيادة: وعلي بن بابويه. نقله عنه في المختلف: 467.
(7) القاضي في المهذب 1: 225، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 579،
ابن حمزة في الوسيلة: 168.
329

وبعض آخر (1)، لموثقة إسحاق الصحيحة عمن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه: الرجل يتمتع فنسي أن يقصر حتى يهل بالحج، قال:
(عليه دم يهريقه) (2).
ولا ينافيها ما تقدم، لكونه عاما مطلقا فيجب تخصيصه، وهو أولى
من الجمع بينهما بحمل الموثقة على الاستحباب (3)، لتقدم هذا التخصيص
على التجوز.
ولو كان تقديم الاحرام منه على التقصير عمدا فحكم الحلي
صريحا (4) وجماعة (5) بعده ميلا ببطلان الاحرام الثاني وبقائه على عمرته كما
هو مقتضى الأصل، للأصل وضعف سند المعارض إن قلنا بكون التقصير
جزا، وإلا فيكون البقاء على العمرة موافقا للأصل، وبطلان الاحرام مخالفا
له خاليا عن الدليل.
ولكن خالف جماعة فيه الأصل، وقالوا ببطلان عمرته وصيرورة حجه
بذلك مفردا، فيكمله ثم يعتمر بعد عمرة مفردة، ولعله الأشهر كما عن
الدروس والمسالك (6).
واستدلوا له بموثقة أبي بصير الصحيحة عمن أجمعت العصابة عليه:
(المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبى قبل أن يقصر فليس له أن يقصر وليس

(1) كالعلامة في الإرشاد 1: 328، وصاحب الرياض 1: 371.
(2) الفقيه 2: 237 / 1128، التهذيب 5: 158 / 527، الإستبصار 2: 242 / 844،
الوسائل 13: 513 أبواب التقصير ب 6 ح 2.
(3) في (ح) زيادة: كما عن الفقيه والديلمي والحلي والقواعد.
(4) السرائر 1: 581.
(5) كالمحقق في المختصر النافع: 83، والشهيد في الدروس 1: 333.
(6) الدروس 1: 333، المسالك 1: 107.
330

له متعة) (1).
ورواية العلاء: عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر،
قال: (بطلت متعته، وهي حجة مبتولة) (2).
وحملهما على متمتع عدل إليه عن الافراد ثم لبى بعد السعي قبل
التقصير - كما عن الشهيد (3)، ووردت به رواية (4) - خلاف الظاهر جدا،
مخالف للاطلاق الخالي عن المقيد، وورود رواية بذلك في العادل لا
توجب تقييد ذلك الاطلاق، لعدم التلازم والداعي، بل قد يقال بكون
صدق المتمتع على ذلك العادل مجازا.
وفيه نظر ظاهر، لحصول مبدأ الاشتقاق فيه حالا وماضيا بعد العدول.
ولا يضر إطلاق الموثقة والرواية بالنسبة إلى العمد والنسيان، لخروج
الثاني عنهما بالصحاح المتقدمة (5)، التي هي أخص مطلقا.
ولا ضعف سند الأخيرة - إن كان - لاعتبار الأولى سندا، ومع ذلك
انجبرتا بالشهرة المحكية، فالحكم بمضمونهما متعين وإن كان للأصل
المتقدم مخالف، ولكن الخروج عنه مع الدليل لازم.
والجاهل كالعامد، للاطلاق الخالي عن المقيد في غير الناسي.
وهل يجزئ ذلك عن فرضه لو كان الحج عليه واجبا، أم لا؟

(1) التهذيب 5: 159 / 529، الإستبصار 2: 243 / 846، الوسائل 12: 412
أبواب الاحرام ب 54 ح 5 بتفاوت يسير.
(2) التهذيب 5: 90 / 296، الإستبصار 2: 175 / 580، الوسائل 12: 412 أبواب
الاحرام ب 54 ح 4.
(3) الدروس 1: 333.
(4) الفقيه 2: 204 / 931، التهذيب 5: 90 / 295، الوسائل 11: 290 أبواب
أقسام الحج ب 19 ح 1.
(5) في ص: 326.
331

فيه وجهان، أقربهما: الثاني، وفاقا للروضة والمسالك (1)، واحتمله
في المدارك (2)، لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه عمدا.
وقيل بالأول (3)، لخلو النصوص عن الأمر بالإعادة مع ورودها في
محل الحاجة.
وفيه: منع كونها في محل الحاجة، مع أن الأمر بفرضه كاف عن الأمر
الآخر.
المسألة الثانية: إحرام الصبي وحجه كغيره، إلا في أمور ثلاثة:
أحدها: في ميقاته في غير حج التمتع، وأما فيه فكغيره من مكة.
وثانيها: في المباشرة.
وثالثها: في الكفارة والهدي.
أما الأول: فقيل: هو فخ، وهو بئر معروف على نحو فرسخ من مكة،
كما ذكره جماعة (4)، وعن القاموس: أنه موضع بمكة (5)، وعن النهاية
الأثيرية: أنه موضع عندها (6)، ويمكن إرجاع الجميع إلى واحد.
وبكونه ميقاتا له أفتى في المعتبر والمنتهى والتحرير والدروس
والمسالك (7)، وجعل الأخير الاحرام عن الميقات أولى، وتبعه في الجواز

(1) الروضة 2: 221، المسالك 1: 107.
(2) المدارك 7: 283.
(3) الرياض 1: 372.
(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 104، صاحب المدارك 7: 227، الفاضل
الهندي في كشف اللثام 1: 306.
(5) القاموس 1: 275.
(6) 109 النهاية الأثيرية 3: 418.
(7) المعتبر 2: 804، المنتهى 2: 667، التحرير 1: 94، الدروس 1: 342،
المسالك 1: 104.
332

جماعة من المتأخرين (1)، ونسبه بعضهم إلى الأكثر (2)، بل يشير كلام
المفاتيح بعدم الخلاف فيه (3).
واستدل له على جواز التأخير إليه بصحيحة علي: من أين يجرد
الصبيان؟ فقال: (كان أبي يجردهم من فخ) (4)، ونحوها صحيحة أيوب بن
الحر (5).
وعلى جوازه من الميقات بصحيحة ابن عمار (6) المتقدمة في أول
الكتاب عند بيان اشتراط البلوغ.
ويرد عليه قصور الدلالة على الاحرام، فإنه غير التجريد.
وقيل: هو الميقات وإن جاز تأخير نزع المخيط والثياب عنه إلى فخ،
وهو المنقول عن الحلي والمحقق الثاني (7)، وجعله في التنقيح مراد
المصنف (8).
وتردد بينهما بعض الأجلة (9)، لعموم نصوص المواقيت، وعدم جواز
التجاوز عن الميقات إلا محرما، وعدم دلالة الصحيحتين المذكورتين

(1) كصاحب المدارك 7: 227.
(2) كما في الحدائق 14: 457.
(3) المفاتيح 1: 310.
(4) الكافي 4: 303 / 2، الفقيه 2: 265 / 1292، التهذيب 5: 409 / 1422،
الوسائل 11: 288 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 6.
(5) التهذيب 5: 409 / 1421، الوسائل 11: 288 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 6.
(6) الكافي 4: 304 / 4، الفقيه 2: 266 / 1294، التهذيب 5: 409 / 1423،
الوسائل 11 / 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3.
(7) الحلي في السرائر 1: 537، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 160.
(8) التنقيح 1: 448.
(9) انظر كشف اللثام 1: 306.
333

على جواز تأخير الاحرام.
ورد بمنع العموم بحيث يتناول غير المكلف أيضا، وظهور التجريد في
الاحرام.
وفيه: أنه إن أريد بالعموم الممنوع عموم عدم جواز التجاوز عن
الميقات فلا بأس بمنعه، ولكن لا حاجة إليه، بل عدم توقيف غير الميقات
كاف في عدم صحة إحرام الصبي عن غيره، لكونه حكما وضعيا.
وإن أريد عموم توقيت المواقيت فهو فاسد قطعا، لاشتمال نصوصها
على أهل فلان وفلان، الصادق على البالغ وغيره، وعدم كونه تكليفا
مخصوصا بالبالغين.
ومنه تظهر قوة القول الثاني وأن الفخ محل التجريد، مع أنه أحوط
أيضا، بناء على ما عرفت من عدم ظهور خلاف في جواز إحرامه عن
الميقات، بل أولويته.
وأما الثاني: فإنه إن كان غير مميز يفعل به الولي ما يلزم المحرم من
حضور المواقف والمطاف والمسعى ويلبي عنه ويجتنبه ما يجتنبه المحرم،
وإن كان مميزا يأمره الولي بالاتيان بهذه الأمور، فإن عجز عن شئ منه
يتولاه الولي عنه، بلا خلاف يوجد في شئ من ذلك، لصحاح ابن عمار
وزرارة (1) والبجلي (2)، المتقدمة كلا في أول الكتاب.
وأما الثالث: فإنه على الولي في ماله إن فعل ما يوجب الكفارة عمدا

(1) الكافي 4: 303 / 1، الفقيه 2: 265 / 1291، التهذيب 5: 409 / 1424،
الوسائل 11: 288 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 5.
(2) الكافي 4: 300 / 5، التهذيب 5: 410 / 1425، الوسائل 11: 286 أبواب
أقسام الحج ب 17 ح 1.
334

وسهوا كالصيد، لصحيحة زرارة المتقدمة بضميمة الاجماع المركب، لا ما
يوجبها عمدا خاصة، فإنه لا كفارة فيه، للأصل، والاقتصار فيما يخالفه على
موضع الوفاق والنص.
وكذا يلزم الولي أمره بالصيام بدلا عن الهدي، أو هدي الولي في ماله
في حج التمتع والصيام عنه مع عجزه عن الهدي وعجز الصبي عن الصوم.
وتدل على الأول والثاني صحيحة زرارة المتقدمة، وموثقة إسحاق،
وفيها: (واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم) (1).
ورواية سماعة: عن رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا، قال: (عليه أن
يضحي عنهم) إلى أن قال: (ولو أنه أمرهم فصاموا كان قد أجزاء عنهم) (2).
وعلى الثالث صحيحة ابن عمار المتقدمة، وصحيحة البصري: (يصوم
عن الصبي وليه إذا لم يجد هديا وكان متمتعا) (3).
ورواية عبد الرحمن بن أعين: تمتعنا فأحرمنا ومعنا صبيان فأحرموا ولبوا
كما لبينا، ولم نقدر على الغنم، قال: (فليصم عن كل صبي وليه) (4).
المسألة الثالثة: إحرام المرأة والرجل على السواء إجماعا، ولقوله في
صحيحة ابن عمار الواردة في إحرام الحائض: (وتصنع كما يصنع
المحرم) (5).
ويستثنى من المساواة أمور ذكرت في مواضعها: من تغطية الرأس،

(1) الكافي 4: 304 / 6، الوسائل 11: 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 2.
(2) الكافي 4: 305 / 9، الفقيه 2: 266 / 1295، الوسائل 14: 86 أبواب الذبح
ب 2 ح 8.
(3) التهذيب 5: 410 / 1426، الوسائل 14: 87 أبواب الذبح ب 3 ح 2.
(4) التهذيب 5: 237 / 801، الوسائل 14: 87 أبواب الذبح ب 3 ح 4.
(5) التهذيب 5: 388 / 1358، الوسائل 12: 400 أبواب الاحرام ب 48 ح 4.
335

ولبس المخيط، والتظليل، وغيرها، ولبس الحرير كما مر، وفي استحباب
رفع الصوت بالتلبية.
والحيض لا يمنعها من الاحرام بلا خلاف، للاجماع، والأصل،
وعدم دليل يدل على اشتراط الطهارة في الاحرام، والصحاح وغيرها
المستفيضة المصرحة بذلك، كصحيحتي ابن عمار (1)، وصحيحتي عيص
ابن القاسم (2)، والصحاح الثلاث: للبجلي (3) والحلبي (4) ومنصور بن
حازم (5)، وموثقة يونس بن يعقوب (6)، ورواية زيد الشحام (7)، وغير
ذلك (8).
والمصرح به في أكثر تلك الأخبار أنها تغتسل غسل الاحرام، ومعه

(1) الأولى في: الكافي 4: 304 / 4، الفقيه 2: 266 / 1294، التهذيب 5:
409 / 1423، الوسائل 11: 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3.
الثانية في: الفقيه 2: 239 / 1142، الوسائل 12: 401 أبواب الاحرام ب 49
ح 1.
(2) الأولى في: التهذيب 5: 389 / 1360، الوسائل 12: 401 أبواب الاحرام ب 48
ح 5.
الثانية في: الكافي 4: 444 / 2، التهذيب 5: 389 / 1361، الوسائل 12:
402 أبواب الاحرام ب 49 ح 2.
(3) الكافي 4: 300 / 5، الوسائل 11: 300 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 15.
(4) التهذيب 5: 390 / 1364، الوسائل 11: 297 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 3.
(5) الكافي 4: 445 / 3، التهذيب 5: 388 / 1356، الوسائل 12: 399 أبواب
الاحرام ب 48 ح 1.
(6) الكافي 4: 444 / 1، التهذيب 5: 388 / 1355، الوسائل 12: 399 أبواب
الاحرام ب 48 ح 2.
(7) الكافي 4: 445 / 4، التهذيب 5: 388 / 1357، الوسائل 12: 400 أبواب
الاحرام ب 48 ح 3.
(8) انظر الوسائل 12: 399، 401 أبواب الاحرام ب 48 و 49.
336

لا وجه لما حكي عن الشهيد الثاني في مناسك الحج أنها تترك الغسل (1)،
ولكنها تترك الصلاة، لحرمتها عليها، وتصريح كثير من تلك الأخبار.
ووردت فيها أيضا: أنها تستثفر (2) وتحتشي بالكرسف وتتمنطق بمنطقة،
وفي بعضها: أنها تلبس ثوبا دون ثيابها لاحرامها، وفي بعضها: أنها إذا
كانت في الليل تخلع ثياب إحرامها ولبست ثيابها الأخرى حتى تطهر، ولو
جهلت بجواز الاحرام لها فتركته فحكمها حكم الجاهل بالاحرام، وقد مر.

(1) حكاه عنه في المدارك 7: 386.
(2) تستثفر: تأخذ خرقة طويلة عريضة تشد أحد طرفيها من قدام وتخرجها من بين
فخذيها وتشد طرفها الآخر من وراء بعد أن تحتشي بشئ من القطن ليمتنع به من
سيلان الدم - مجمع البحرين 3: 237.
337

البحث الرابع
في تروك الاحرام
أي ما يحرم على المحرم ارتكابه أو يكره، فهاهنا مقامان:
المقام الأول
في المحرمات
وهي على ثلاثة أقسام، لأنه إما يشترك فيه الرجل والمرأة، أو يختص
بالرجل، أو المرأة.
القسم الأول: ما يشترك فيه الرجل والمرأة، وهي أحد عشر أمرا:
الأول: صيد البر، بالاجماعين (1) والكتاب والسنة.
أما الكتاب، فقد قال الله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم
حرما) (2).
وقال عز وجل: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) (3).
وأما السنة، فمتكثرة متواترة:
كصحيحة الحلبي: (لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام، ولا
وأنت حلال في الحرم، ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده، ولا تشر
إليه فيستحل من أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمده) (4).

(1) انظر الحدائق 15: 135.
(2) المائدة: 96.
(3) المائدة: 95.
(4) الكافي 4: 381 / 1، الوسائل 12: 415 أبواب تروك الاحرام ب 1 ح 1.
338

وعمر بن يزيد: (واجتنب في إحرامك صيد البر كله، ولا تأكل مما
صاده غيرك، ولا تشر إليه فيصيده) (1).
وابن عمار: (إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب
والفأرة) إلى أن قال: (والحية إذا أرادتك فاقتلها، فإن لم تردك فلا تردها،
والكلب العقور والسبع إذا أراداك فاقتلهما، فإن لم يريداك فلا تردهما،
والأسود (2) الغدر فاقتله على كل حال، وارم الغراب رميا والحدأة (3) على
ظهر بعيرك) (4)، إلى غير ذلك مما يأتي في أثناء المسائل.
والمحرم اصطياده قتلا وحيازة وذبحا - ولو صاده غيره ولو كان محلا
وأكل كذلك - ودلالة بلفظ أو كتابة أو إشارة، وتسبيبا ولو بإعارة سلاح
أو نصب شرك أو إغلاق باب حتى يموت أو يصاد، ونحوها، بإجماع
المسلمين في الأولين، وإجماعنا المحقق والمحكي (5) في البواقي، وهو
الحجة في الجميع، مضافا إلى دلالة الأخبار في أكثرها، كالصحيحتين
الأوليين..
وصحيحة ابن حازم: (المحرم لا يدل على الصيد، فإن دل عليه فقتل
فعليه الفداء) (6).

(1) التهذيب 5: 300 / 1021، الوسائل 12: 416 أبواب تروك الاحرام ب 1 ح 5.
(2) الأسود: العظيم من الحيات وفيه سواد - الصحاح 2: 491.
(3) الحدأة: طائر يصيد الجرذان، ويقال إنها كانت تصيد لسليمان بن داود وكانت
أصيد الطير، فانقطع عنه الصيد لدعوة سليمان - العين 3: 278.
(4) الكافي 4: 363 / 2، التهذيب 5: 365 / 1273، العلل: 458 / 2، الوسائل
12: 545 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 2 و 3 و 4، بتفاوت يسير.
(5) الرياض 1: 373.
(6) الكافي 4: 381 / 2، التهذيب 5: 315 / 1086، الإستبصار 2: 187 / 629،
الوسائل 12: 416 أبواب تروك الاحرام ب 1 ح 3.
339

وابن عمار: (لا تأكل من الصيد وأنت حرام، وإن كان أصابه محل،
وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد، فإن عليك فيه الفداء بجهل كان
أو بعمد) (1).
وموثقة ابن عمار: (لا تأكل شيئا من الصيد وإن صاده حلال) (2).
وصحيحته: (اعلم أن ما وطأت من الدبا أو وطأته بعيرك فعليك فداؤه) (3).
أقول: الدبا: أصغر الجراد والنمل (4).
والأخرى: (ما وطأته أو وطأه بعيرك وأنت محرم فعليك فداؤه) (5).
ورواية أبي ولا د: خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكة، فأوقدنا نارا
في بعض المنازل عظيما، أردنا أن نطرح عليه لحما نكببه، وقد كنا
محرمين، فمر بها طائر صاف، قال: حمامة أو شبهها، فاحترقت جناحاه،
فسقط في النار فمات، فاغتممنا لذلك، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام
بمكة، فأخبرته وسألته، قال: (عليكم فداء واحد، دم شاة تشتركون فيه
جميعا، لأن ذلك كان منكم على غير تعمد، فلو كان ذلك منكم تعمدا ليقع
فيها الصيد فوقع ألزمت كل رجل منكم دم شاة) قال أبو ولا د: وكان ذلك
منا قبل أن ندخل الحرم (6).

(1) الكافي 4: 381 / 3، التهذيب 5: 315 / 1085، الوسائل 13: 68 أبواب
كفارات الصيد ب 31 ح 1.
(2) التهذيب 5: 370 / 1288، الوسائل 13: 70 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 5.
(3) الكافي 4: 393 / 5، الوسائل 13: 100 أبواب كفارات الصيد ب 53 ح 2.
(4) في (ق):... والقمل.
(5) الكافي 4: 382 / 10، الوسائل 13: 100 أبواب كفارات الصيد ب 53 ح 1.
(6) الكافي 4: 392 / 5، التهذيب 5: 352 / 1226، الوسائل 13: 48 أبواب
كفارات الصيد ب 19 ح 1.
340

ولا يخفى أن تحريم الإشارة والدلالة إنما هو لمن لم ير الصيد، وأما
لمن يراه ولا يفيده ذلك شيئا، وكذا لمن لا يتمكن من صيده، فالوجه
العدم، وفاقا لجمع كما قيل (1)، للأصل، واختصاص النصوص بما تسبب
للصيد، مع أن الدلالة عرفا تختص بما لا يعلمه المدلول بنفسه.
وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: كما يحرم الصيد يحرم فرخه، وبيضه، بلا خلاف يعلم
كما في الذخيرة (2)، بل عن التذكرة (3) وفي شرح المفاتيح الاجماع عليه،
وتدل عليه الروايات المتكثرة المتضمنة لثبوت الكفارة فيه، كما سيأتي ذكرها.
المسألة الثانية: إذا صاد المحرم صيدا وقتله كان حراما عليه وعلى
من مثله في كونه محرما، إجماعا، وللروايات الآتية الخالية عن المعارض
في حقه.
وكذا يحرم على كل أحد وإن كان محلا عند جماعة، منهم: الشيخ في
أكثر كتبه والسرائر والمهذب والجامع والوسيلة والجواهر والشرائع
والنافع والقواعد والارشاد (4) وغيرها (5)، وادعى جماعة الشهرة عليه (6)،

(1) انظر الرياض 1: 373.
(2) الذخيرة: 588.
(3) التذكرة 1: 328
(4) 156 الشيخ في النهاية: 220، السرائر 1: 546، المهذب 1: 230، الجامع: 183،
الوسيلة: 165، جواهر الفقه: 46، الشرائع 1: 249، النافع: 84، القواعد 1:
81، الإرشاد 1: 317.
(5) كالتذكرة 1: 329.
(6) منهم السبزواري في الذخيرة: 600 وصاحب الحدائق 15: 143 وصاحب
الرياض 1: 373.
341

وعن الجواهر والتذكرة والمنتهى: الاجماع عليه (1).
ولرواية وهب: (إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال والمحرم،
وهو كالميتة، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أم حرام) (2)،
وإسحاق (3)، وهي بمضمون الأولى.
وابن أبي عمير: المحرم يصيب الصيد فيفديه يطعمه أو يطرحه؟
قال: (إذن كان عليه فداء آخر)، قلت: فما يصنع به؟ قال: (يدفنه) (4).
المعتضدة جميعا بالشهرة المحققة، والاجماعات المحكية، وأخبار
تعارض الصيد والميتة للمحرم المضطر (5)، سيما ما رجح منها الميتة على الصيد.
خلافا للمحكي عن المقنع والفقيه والإسكافي والمفيد والسيد
والكليني (6)، فقالوا بحلية مذبوح المحرم في غير الحرم للمحل،
للأصل، والصحاح المستفيضة:
كصحيحة الحلبي: (المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ويتصدق
بالصيد على مسكين) (7).
والأخرى: عن محرم أصاب صيدا وأهدى إلي منه، قال: (لا، لأنه

(1) جواهر الفقه: 46، التذكرة 1: 329، المنتهى 2: 800.
(2) التهذيب 5: 377 / 1315، الإستبصار 2: 214 / 733، الوسائل 12: 432
أبواب تروك الاحرام ب 10 ح 4.
(3) التهذيب 5: 377 / 1316، الإستبصار 2: 214 / 734، الوسائل 12: 432
أبواب تروك الاحرام ب 10 ح 5.
(4) الفقيه 2: 235 / 1120، التهذيب 5: 378 / 1320، الإستبصار 2: 215 / 740،
المقنع: 79، الوسائل 12: 432 أبواب تروك الاحرام ب 10 ح 3.
(5) الوسائل 13: 84 أبواب كفارات الصيد ب 43.
(6) المقنع: 79، الفقيه 2: 235، المفيد في المقنعة: 438، السيد في جمل العلم
والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 72، الكليني في الكافي 4: 382.
(7) التهذيب 5: 372 / 1297، الوسائل 13: 93 أبواب كفارات الصيد وتوابعها ب 48 ح 1.
342

صيد في الحرم) (1)، فإن مقتضى مفهوم التعليل: جواز أكل المحل لو صاده
المحرم في غير الحرم.
وابن عمار: وإذا أصاب الرجل الصيد في الحرم وهو محرم فإنه
ينبغي له أن يدفنه ولا يأكله أحد، وإذا أصابه في الحل فإن الحلال يأكله
وعليه هو الفداء (2).
والأخرى: عن رجل أصاب صيدا وهو محرم أياكل منه الحلال؟
فقال: (لا بأس، إنما الفداء على المحرم) (3).
وابن حازم: رجل أصاب من صيد أصابه محرم وهو حلال، قال:
(فليأكل منه الحلال، فليس عليه شئ، إنما الفداء على المحرم) (4).
والأخرى: رجل أصاب صيدا وهو محرم، أكل منه وأنا حلال؟ قال:
(أنا كنت فاعلا)، قلت له: فرجل أصاب مالا حراما، فقال: (ليس هذا مثل
هذا يرحمك الله، إن ذلك عليه) (5).
وحريز: عن رجل أصاب صيدا وهو محرم، أيأكل منه الحلال؟ فقال:
(لا بأس، إنما الفداء على المحرم) (6).
المؤيدة بالأصل، والأكثرية، والأشهرية رواية، والأصحية سندا،

(1) التهذيب 5: 375 / 1308، الوسائل 12: 422 أبواب تروك الاحرام ب 4 ح 1.
(2) الكافي 4: 382 / 6، التهذيب 5: 378 / 1318، الوسائل 12: 420 أبواب
تروك الاحرام ب 3 ح 2، بتفاوت يسير.
(3) التهذيب 5: 375 / 1307، الإستبصار 2: 215 / 738، الوسائل 12: 421
أبواب تروك الاحرام ب 3 ح 5.
(4) الكافي 4: 382 / 7، الوسائل 12: 420 أبواب تروك الاحرام ب 3 ح 1.
(5) التهذيب 5: 375 / 1305، الوسائل 12: 421 أبواب تروك الاحرام ب 3 ح 3.
(6) التهذيب 5: 375 / 1306، الإستبصار 2: 215 / 737، الوسائل 12: 421
أبواب تروك الاحرام ب 3 ح 4، بتفاوت يسير.
343

وأخبار ترجيح الصيد على الميتة للمضطر عند التعارض (1)، ولولا حليته في
الجملة لم يكن كذلك.
وحمل تلك الأخبار على ما إذا كان به رمق خلاف الظاهر جدا، بل لا
يحتمله بعضها البتة كالأولى والثالثة، وكذلك جعل الباء في الأولى سببية
والصيد مصدرا.
وللمحكي عن الشيخين أيضا مفصلا بين مقتول المحرم ومذبوحه،
فحكما بالحلية للمحل في الأول والحرمة له في الثاني (2)، وإليه مال في
المدارك (3) وبعض من تأخر عنه (4)، استنادا في الأول إلى الأخبار الأخيرة،
وفي الثاني إلى الأولى.
وهو الأقرب، لأعمية الأخبار الأخيرة عن الأولى مطلقا بالنسبة إلى
الذبح وغيره، فيجب تخصيصها بها، عملا بقاعدة تخصيص العام المطلق
بالخاص المطلق.
المسألة الثالثة: الصيد المحرم يشمل كل حيوان ممتنع بالأصالة،
سواء كان مما يؤكل أو لا، وفاقا للشرائع والتذكرة (5)، بل جملة من كتب
الفاضل (6) وجمع من المتأخرين (7)، وعن الراوندي: أنه مذهبنا (8)، معربا

(1) الوسائل 13: 84 أبواب كفارات الصيد ب 43.
(2) حكاه عنهما في المدارك 7: 308، وانظر المقنعة: 438، والتهذيب 5: 375 -
378، والاستبصار 2: 215.
(3) المدارك 7: 308.
(4) كصاحب الحدائق 15: 145.
(5) الشرائع 1: 283، التذكرة 1: 328.
(6) كالمنتهى 2: 800.
(7) كما في المسالك 1: 132.
(8) فقه القرآن 1: 306.
344

عن دعوى الاجماع.
لشمول الصيد المنهي عنه كتابا وسنة له لغة وعرفا، فيشمله إطلاقهما.
مضافا إلى عموم صحيحة ابن عمار المتقدمة (1) المتضمنة للفظ:
(الدواب كلها)، والنهي فيها وفي الآتية عن قتل ما لم يرده من الحيوانات
المحرمة المذكورة فيها، وما دل على حرمة قتل الوحش والطير مطلقا في
الحرم، والنهي عن قتل غير الإبل والبقر والغنم والدجاج في الحرم، وحرمة
ذبح كل ما أدخل الحرم حيا، ووجوب تخلية سبيل الصقر في الحرم كما
يأتي في باب مسائل الحرم.
بضميمة الاجماع على اتحاد حكم الحرم والاحرام في تحريم الصيد،
بل دلالة صحيحة (2) حريز (3) عليه كما يأتي في الباب المذكور.
والتقييد بالأصالة لاخراج ما توحش من الأنسي وإدخال ما استأنس
من الوحشي، إذ بذلك لا يخرج الحيوان عن مسماه الأصلي، ولا يختلف
بذلك إطلاق الصيد وعدمه، بل لا خلاف في جواز قتل الأنسي المتوحش
وعدم جواز قتل الوحشي المستأنس.
مضافا إلى إطلاق صحيحة حريز: (المحرم يذبح البقر والغنم والإبل،
وكل ما لم يصف من الطير، وما أحل للحلال أن يذبحه في الحرم، وهو
محرم في الحل والحرم) (4).

(1) الكافي 4: 363 / 2، التهذيب 5: 365 / 1273، العلل: 458 / 2، الوسائل
12: 545 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 2، 3، 4.
(2) في (س) و (ق): صحيحتي.
(3) الكافي 4: 363 / 1، التهذيب 5: 365 / 1272، الإستبصار 2: 208 / 711،
الوسائل 12: 544 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 1.
(4) الكافي 4: 365 / 1، الوسائل 12: 549 أبواب تروك الاحرام ب 82 ح 3.
345

ورواية ابن سنان: المحرم ينحر بعيره ويذبح شاته؟ قال: (نعم) (1).
وما يأتي من جواز ذبح الإبل والبقر والغنم والدجاجة في الحرم كما
يأتي.
نعم، تستثنى منه الأفعى والعقرب والفأرة، وفاقا للمحقق (2) وجماعة (3)،
لصحيحة ابن عمار المتقدمة، وصحيحة الحسين بن أبي العلاء: (يقتل
المحرم الأسود الغدر والأفعى والعقرب والفأرة) إلى أن قال: (اقتل كل
شئ منهن يريدك) (4).
ورواية محمد بن الفضيل: عن المحرم وما يقتل من الدواب؟ فقال:
(يقتل الأسود والأفعى والفأرة والعقرب وكل حية، وإن أرادك السبع
فاقتله، وإن لم يردك فلا تقتله، والكلب العقور إن أرادك فاقتله، ولا
بأس للمحرم أن يرمي الحدأة) (5).
وصحيحة الحلبي: (يقتل في الحرم والاحرام الأفعى والأسود الغدر،
وكل حية سوء، والعقرب والفأرة وهي الفويسقة، ويرجم الغراب
والحدأة رجما) (6).
بل كلما خيف منه فيجوز قتله إذا أراده إجماعا كما قيل (7)، لذيل
صحيحة ابن عمار، وابن أبي العلاء، ورواية الفضيل المتقدمة.

(1) الكافي 4: 365 / 2، الوسائل 12: 549 أبواب تروك الاحرام ب 82 ح 4.
(2) الشرائع 1: 284.
(3) منهم الصدوق في المقنع: 77، وصاحبي المدارك 8: 316، والحدائق 15:
158.
(4) التهذيب 5: 366 / 1274، الوسائل 12: 546 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 5.
(5) الفقيه 2: 232 / 1109، الوسائل 12: 547 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 10.
(6) الكافي 4: 363 / 3، الوسائل 12: 546 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 6.
(7) الحدائق 15: 138.
346

ولصحيحة حريز: (كلما خاف المحرم على نفسه من السباع والحيات
وغيرها فليقتله، وإن لم يردك فلا ترده) (1).
وفي رواية العرزمي: (يقتل المحرم كلما خشيه على نفسه) (2).
وفي صحيحة أخرى لابن عمار: (كل شئ أرادك فاقتله) (3).
وهل يجوز قتل الحية مطلقا، لبعض ما مر من الروايات المطلقة، كما
هو الأشهر، بل عن الغنية والمبسوط: الاجماع عليه (4)؟
أو يختص بصورة الخوف، كما عن السرائر (5)؟
الظاهر: الثاني، لصحيحة ابن عمار المتقدمة، التي هي أخص مطلقا مما
مر.
وفي رواية غياث بن إبراهيم: (يقتل المحرم الزنبور والنسر والأسود
والذئب، وما خاف أن يعدو عليه)، وقال: (الكلب العقور هو
الذئب) (6).
والظاهر أن تجويز قتل الزنبور وما بعده أيضا لأجل الخوف لا مطلقا،
وإن احتمل الاطلاق في الزنبور لهذه الرواية التي هي أخص مما دل على
المنع، ولذا تردد في الشرائع (7)، بل وجوز قتله في المبسوط (8).

(1) الكافي 4: 363 / 1، الوسائل 12: 544 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 1.
(2) الكافي 4: 364 / 10، الوسائل 12: 546 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 7.
(3) الكافي 4: 364 / 5، الوسائل 12: 547 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 9.
(4) الغنية (الجواهر الفقهية): 575، المبسوط 1: 338.
(5) السرائر 1: 567.
(6) الكافي 4: 363 / 4، الوسائل 12: 546 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 8.
(7) الشرائع 1: 284.
(8) المبسوط 1: 339.
347

وتدل عليه أيضا صحيحة ابن عمار: (لا بأس بقتل النحل والبق في
الحرم) (1)، بضميمة الصحيحتين الآتيتين في بحث أحكام الحرم،
المصرحتين: بأنه يجوز للمحرم ذبح كل ما يجوز ذبحه للمحل في الحرم.
ومنه يثبت استثناء النملة أيضا، للتصريح به في صحيحة أخرى له (2)،
حيث فيها موضع النحل: والنمل.
وأما غيره فلا، أما النسر فلظاهر الاجماع المركب.
وأما الأسود فلما مر وإن احتمل الاطلاق فيه أيضا، لأن الأسود نوع
خاص من الحيات، والدليل الخاص بالإرادة في الحية إنما هو في مطلق
الحية.
وأما الذئب - المفسر بالكلب العقور - فلمفهوم رواية ابن الفضيل
المتقدمة (3).
ثم إنه قد خالف هنا جماعة في الصيد المحرم أكله، بل في المفاتيح حكي
عن الأكثر (4)، فقيدوا الصيد المحرم بالمحلل من الممتنع، فجوزوا صيد كل
ما لا يؤكل، إما مطلقا، كطائفة (5)، أو باستثناء الأسد والثعلب والأرنب
والضب واليربوع والقنفذ والزنبور والعظاية، فحرموا صيدها أيضا، كجماعة (6)،

(1) الفقيه 2: 172 / 761، التهذيب 5: 366 / 1276، الوسائل 12: 550 أبواب
تروك الاحرام ب 84 ح 1، وفي الجميع: النمل، بدل: النحل.
(2) الفقيه 2: 172 / 761، التهذيب 5: 366 / 1277، الوسائل 12: 551 أبواب
تروك الاحرام ب 84 ح 2.
(3) الفقيه 2: 232 / 1109، الوسائل 12: 547 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 10.
(4) المفاتيح 1: 319.
(5) منهم الطوسي في المبسوط 1: 338، المحقق في النافع: 101.
(6) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 133.
348

استنادا إلى عدم وجوب كفارة في غير المأكول سوى الثمانية.
ورد (1): بمنع التلازم بين عدم لزوم الكفارة وعدم التحريم، لأنها
ليست من لوازم الحرمة، كما يشهد عليه سقوط الكفارة عمن عاد في الصيد
متعمدا.
وأجيب (2): بأنه يمكن استنباط التلازم بين الحرمة ولزوم الكفارة من
سياق قوله سبحانه: (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من
النعم) (3)، ومن صحيحتي الحلبي (4) وابن حازم (5) المتقدمتين، فإن
مفادهما ثبوت الفداء في كل ما تعلق به النهي، فلا بد من أحد
التخصيصين: إما تخصيص الصيد بالمحلل، أو الفداء ببعض ما يحرم
صيده، فلا يعلم عموم حرمة الصيد.
أقول: يمكن أن يقال: إن غاية ذلك اختصاص حرمة الصيد بما فيه
الفداء، ولكن لا يفيد ذلك فيما نهي فيه عن قتل الدواب والسباع ونحوها.
والحاصل: أن ها هنا أمرين، أحدهما: النهي عن الصيد، والآخر:
عن قتل الدواب، وما ثبت فيه التلازم هو الأول دون الثاني، والمثبت
للتعميم حقيقة هو الثاني.
وقد تلخص مما ذكر أن الأصل: حرمة قتل الدواب كلها حال
الاحرام، وخرج منها الإبل والبقر والغنم والدجاج، وكل ما خيف منه مع

(1) كما في المدارك 8: 313.
(2) كما في الرياض 1: 445.
(3) المائدة: 95.
(4) الكافي 4: 381 / 1، الوسائل 12: 415 أبواب تروك الاحرام ب 1 ح 1.
(5) الكافي 4: 381 / 2، التهذيب 5: 315 / 1086، الإستبصار 2: 187 / 629،
الوسائل 12: 416 أبواب تروك الاحرام ب 1 ح 3.
349

الإرادة، والزنبور والنمل والأفعى والعقرب والفأرة وهوام الجسد والغراب
يرمى، والسائر باق تحت الأصل من الوحوش والطيور والحشرات.
المسألة الرابعة: ما مر من تحريم الصيد إنما هو في الصيد البري،
وأما البحري فلا يحرم، بالاجماعين (1)، والكتاب (2)، والسنة المستفيضة (3).
والمراد بالبحر يعم النهر أيضا كما قيل (4)، بل لا خلاف كما عن
التبيان، قال: لأن العرب تسمي النهر بحرا (5)، ومنه قوله تعالى: (ظهر
الفساد في البر والبحر) (6).
والأغلب في البحر هو الذي يكون ماؤه مالحا، لكن إذا أطلق دخل فيه
الأنهار بلا خلاف.
المسألة الخامسة: التفرقة بين صيد البر والبحر إنما هي بالتعيش،
فما يعيش في البر فمن البري وإن كان أصله من البحر، وما يعيش في البحر
فمن البحر، لصدق الاسم، وصحيحة محمد: مر أبو جعفر عليه السلام على ناس
وهم يأكلون جرادا، فقال: (سبحان الله وأنتم محرمون)، فقالوا: وإنما هو
من البحر، فقال: (فارمسوه في الماء إذن) (7).
وصحيحة ابن عمار: (كل شئ يكون أصله في البحر ويكون في البر

(1) انظر الرياض 1: 446.
(2) المائدة: 96.
(3) الوسائل 12: 425 أبواب تروك الاحرام ب 6.
(4) انظر الرياض 1: 446.
(5) التبيان 4: 28.
(6) الروم: 41.
(7) الكافي 4: 393 / 6، الفقيه 2: 235 / 1119، التهذيب 5: 363 / 1263،
الوسائل 12: 428 أبواب تروك الاحرام ب 7 ح 1، بتفاوت.
350

[والبحر] فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فإن قتله فعليه الجزاء) (1).
وأما ما يعيش في البر والبحر معا فالفصل المميز فيه إنما هو اعتبار
البيض والفرخ، فما يبيض ويفرخ في الماء فهو بحري وإن كان يعيش في
البر، وما يبيض ويفرخ في البر فهو بري وإن كان يعيش في الماء، باتفاق
الأصحاب.
وقد صرح بذلك في صحيحة حريز، وفيها: (وفصل ما بينهما كل طير
يكون في الآجام ويبيض في البر ويفرخ في البر فهو من صيد البر، وما
كان من صيد البر يكون في البر ويبيض في البحر ويفرخ في البحر فهو
من صيد البحر) (2).
وفي حكم البيض والأفراخ التوالد.
المسألة السادسة: الجراد في معنى الصيد البري، اتفاقا محققا
ومحكيا (3)، له، وللمستفيضة، كصحيحة محمد المتقدمة، وابن عمار:
(ليس للمحرم أن يأكل جرادا ولا يقتله) (4)، وغير ذلك (5).
المسألة السابعة: يجوز رمي الغراب بأقسامه والحدأة في الحرم
وغيره، مع الاحرام أو لا معه، وعن ظهر البعير وغيره، للروايات السابقة (6).

(1) الكافي 4: 393 / 2، التهذيب 5: 468 / 1636، الوسائل 12: 426 أبواب
تروك الاحرام ب 6 ح 2، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(2) الكافي 4: 392 / 1، الفقيه 2: 236 / 1126، التهذيب 5: 365 / 1270،
الوسائل 12: 426 أبواب تروك الاحرام ب 6 ح 3، بتفاوت.
(3) كما في التذكرة 1: 330، الذخيرة: 589.
(4) التهذيب 5: 363 / 1264، الوسائل 12: 429 أبواب تروك الاحرام ب 7 ح 4.
(5) الوسائل 12: 428 أبواب تروك الاحرام ب 7.
(6) في ص: 344، وانظر الوسائل 12: 544 أبواب تروك الاحرام ب 81.
351

وتخصيص الحكم في صحيحة ابن عمار (1) بالرمي عن ظهر البعير لا
يفيد الاختصاص بعد إطلاق سائر الروايات، إذ لا منافاة بينهما، فوجب الجمع.
ولا يجوز قتلهما، لما مر، إلا أن يفضي الرمي إليه.
المسألة الثامنة: قيل بجواز قتل البرغوث والبقة (2)، للأصل، ورواية
زرارة: عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا أراداه؟ قال: (نعم) (3).
وعن جماعة - منهم: الشيخ في التهذيب والفاضل في جملة من كتبه
- تحريم قتلهما (4)، لصحيحة ابن عمار المتقدمة، وقواه في المدارك (5).
ولو قلنا بالجواز إذا أراداه - كما هو مورد الرواية - والمنع بدونه كان
حسنا، إلا أن ها هنا أخبارا أخر تدل على الجواز، ويأتي تحقيقه في
بحث هوام الجسد إن شاء الله.
المسألة التاسعة: يجوز للمحرم أكل الصيد مع اضطراره إليه، حيث
يحل أكل الميتة بقدر ما يمسك الرمق إذا لم يوجد غيره إجماعا، فيأكل
ويفدي بما يأتي، أما جواز الأكل فللاضطرار المجوز له كتابا وسنة
وإجماعا، وأما الفداء فلاطلاقاته.
وتدل عليهما أيضا صحيحة زرارة وبكير: في رجل اضطر إلى صيد
وميتة وهو محرم، قال: (يأكل الصيد ويفدي) (6).

(1) الكافي 4: 363 / 2، التهذيب 5: 365 / 1273، العلل: 458 / 2، الوسائل
12: 545 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 2، 3، 4.
(2) الحدائق 15: 195.
(3) الكافي 4: 364 / 6، الوسائل 12: 542 أبواب تروك الاحرام ب 79 ح 3.
(4) التهذيب 5: 366، الفاضل في المنتهى 2: 800، التذكرة 1: 340.
(5) المدارك 8: 318.
(6) الكافي 4: 383 / 3، الوسائل 13: 85 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 3.
352

والحلبي: عن المحرم يضطر فيجد الميتة والصيد أيهما يأكل؟ قال:
(يأكل من الصيد، ليس هو بالخيار، أما يحب أن يأكل من ماله؟!) قلت:
بلى، قال: (إنما عليه الفداء، فليأكل وليفده) (1).
ويستفاد منهما ومما في معناهما من المعتبرة - كموثقة يونس (2)
ورواية منصور (3) ومرسلة الفقيه (4) - وجوب تقديم أكل الصيد على الميتة إذا
وجدت معه، كما قاله المفيد والسيد والديلمي (5)، وجماعة (6)، ونسبه في
النافع والتنقيح إلى أشهر الروايتين (7)، وعن الانتصار: الاجماع عليه (8).
وقال الحلي: بل يأكل الميتة (9)، لصحيحة عبد الغفار الجازي: عن المحرم
إذا اضطر إلى ميتة فوجدها ووجد صيدا، فقال: (يأكل الميتة ويترك الصيد) (10).
وبمعناها رواية إسحاق، وفيها: (فليأكل الميتة التي أحل الله له) (11).

(1) الكافي 4: 383 / 1، التهذيب 5: 368 / 1283، الإستبصار 2: 209 / 714،
الوسائل 13: 84 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 1، بتفاوت.
(2) الكافي 4: 383 / 2، التهذيب 5: 368 / 1285، الإستبصار 2: 210 / 716،
الوسائل 13: 85 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 2.
(3) علل الشرائع: 445 / 3، الوسائل 13: 86 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 7.
(4) الفقيه 2: 235 / 1121، الوسائل 13: 85 أبواب كفارات الصيد وتوابعها ب 43
ح 4.
(5) المفيد في المقنعة: 438، السيد في الإنتصار: 100، الديلمي في المراسم: 121.
(6) كصاحب المدارك 8: 400، السبزواري في الذخيرة: 615.
(7) النافع: 105، التنقيح 1: 552.
(8) الإنتصار: 100.
(9) السرائر 1: 568.
(10) التهذيب 5: 369 / 1286، الإستبصار 2: 210 / 717، الوسائل 13: 87 أبواب
كفارات الصيد ب 43 ح 12.
(11) التهذيب 5: 368 / 1284، الإستبصار 2: 209 / 715، الوسائل 13: 87
أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 11.
353

وجمع الصدوق بينهما بالتخيير مع رجحان الصيد (1)، استنادا إلى ما
صرح بكون الصيد أحب (2).
وترده صحيحة الحلبي المتقدمة، فيتعين العمل بإحدى الروايتين،
والأولى أرجح، لموافقتها لاستصحاب حلية الصيد وحرمة الميتة،
ومخالفتها لما عليه أكثر العامة، سيما رؤساؤهم وأصحاب أبي حنيفة (3).
وجمع آخر بوجوه أخر خالية عن الشاهد.
ولو لم يتمكن من الفداء حينئذ، يقضيه إذا رجع من ماله، كما صرح
به في موثقة يونس.
ولو لم يتمكن منه حين الرجوع أيضا يرجع إلى بدله من الصوم
ونحوه إن كان له بدل، لصدق الفداء عليه، كما يأتي في بحث الكفارات.
ولو لم يكن له بدل أو كان وعجز عنه أيضا يأكل الميتة، وفاقا للمبسوط
والتهذيب والمهذب والشرائع والقواعد (4) وغيرها (5)، لاختصاص أخبار
تقديم الصيد بما إذا تمكن من الفداء، للأمر به، فتبقى أخبار تقديم
الميتة في هذا المورد خالية عن المعارض، فيجب العمل بها البتة.
وفي المسألة أقوال أخر وفروع أخر لا ينبغي لمن له أمر آخر أهم
الاشتغال بذكرها، فإن المسألة مجرد فرض يندر الاحتياج إليها جدا،
ونحوها أكثر مسائل الصيد، ولذا ارتكبنا فيه نحوا من الاقتصار.

(1) الفقيه 2: 235.
(2) الفقيه 2: 235 / 1121، الوسائل 13: 85 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 4.
(3) المغني والشرح الكبير 3: 296، انظر الأم للشافعي 2: 253.
(4) المبسوط 1: 349، التهذيب 5: 368، المهذب 1: 230، الشرائع 1: 293،
القواعد 1: 96.
(5) كالرياض 1: 462.
354

الثاني من المحرمات على الرجال والنساء: النساء والرجال جماعا،
ولمسا بشهوة، وتقبيلا كذلك لا بدونها، وعقدا لنفسه ولغيره، بلا خلاف
في شئ منها كما قيل (1)، بل بالاجماع المحكي في التحرير في الأول (2)،
وفي ظاهر المدارك وشرح الهندي للقواعد فيه وفي الأخير (3)، وفي الخلاف
والغنية والمنتهى والتذكرة - كما حكي - في الأخير (4)، [وفي] (5) المفاتيح
وشرحه في الجميع (6).
ويدل على الأول: نفي الرفث في الكتاب الكريم في الحج - وفسره
في صحيحتي ابن عمار (7) وعلي بن جعفر (8) بالجماع - والنصوص
المستفيضة (9) القريبة من المتواترة من الصحاح وغيرها الآتية جملة منها في
بحث الكفارات.
وعلى الثاني: صحيحة محمد: عن رجل محرم حمل امرأته وهو
محرم فأمنى أو أمذى، قال: (إن كان حملها أو مسها بشئ من الشهوة
فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم شاة يهريقه، فإن حملها أو مسها

(1) الحدائق 15: 339.
(2) التحرير 1: 112.
(3) المدارك 7: 310، كشف اللثام 1: 322.
(4) الخلاف 2: 317، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، المنتهى 2: 808، التذكرة
1: 342.
(5) ليست في النسخ، أضفناها لاستقامة العبارة.
(6) المفاتيح 1: 327.
(7) الكافي 4: 337 / 3، التهذيب 5: 296 / 1003، الوسائل 12: 463 أبواب
تروك الاحرام ب 32 ح 1.
(8) قرب الإسناد: 234 / 915، الوسائل 13: 115 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح
16.
(9) الوسائل 12: 463 أبواب تروك الاحرام ب 32.
355

بغير شهوة أمنى أو أمذى فليس عليه شئ) (1).
ورواية الأعرج: عن رجل ينزل المرأة من المحمل فيضمها إليه وهو
محرم، قال: (لا بأس إلا أن يتعمد) (2).
والحلبي: المحرم يضع يده على امرأته، قال: (لا بأس) قلت: فإنه أراد
أن ينزلها من المحمل فلما ضمها إليه أدركته الشهوة، قال: (ليس عليه
شئ، إلا أن يكون طلب ذلك) (3).
وعلى الثالث: رواية علي بن أبي حمزة: عن رجل قبل امرأته وهو
محرم، قال: (عليه بدنة وإن لم ينزل) (4).
ورواية الحسين بن حماد: عن المحرم يقبل أمه؟ قال: (لا بأس، هذا
قبلة رحمة، إنما تكره قبلة الشهوة) (5)، والمراد بالكراهة هنا: الحرمة،
لأن التفصيل قاطع للشركة.
ورواية العلاء: عن رجل وامرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته ولم يقصر
فقبلها، قال: (يهريق دما، وإن كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد
منهما أن يهريق دما) (6).

(1) الفقيه 2: 214 / 972، التهذيب 5: 326 / 1119، المقنع: 76، الوسائل 13:
137 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 6.
(2) الفقيه 2: 231 / 1101، الوسائل 12: 436 أبواب تروك الاحرام ب 13 ح 2.
(3) التهذيب 5: 326 / 1118، الوسائل 13: 137 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17
ح 5.
(4) الكافي 4: 376 / 3، التهذيب 5: 327 / 1123، الوسائل 13: 139 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 18 ح 4.
(5) الكافي 4: 377 / 9، التهذيب 5: 328 / 1127، الوسائل 13: 139 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 18 ح 5.
(6) التهذيب 5: 473 / 1666، الوسائل 13: 140 أبواب كفارات الاستمتاع ب 18 ح 6.
356

وعلى الثاني والثالث: صحيحة الحلبي: عن المحرم يضع يده من غير
شهوة على امرأته، قال: (نعم، يصلح عليها خمارها، ويصلح عليها ثوبها
ومحملها)، قلت: أفيمسها وهي محرمة؟ قال: (نعم)، قلت: المحرم يضع
يده بشهوة، قال: (يهريق دم شاة)، قلت: فإن قبل؟ قال: (هذا أشد،
ينحر بدنة) (1).
ورواية مسمع: (إن حال المحرم ضيقة، فمن قبل امرأته على غير شهوة
وهو محرم فعليه دم شاة، ومن قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور
ويستغفر ربه، ومن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة،
ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، ومن مس امرأته أو
لازمها من غير شهوة فلا شئ عليه) (2).
ودلالة تلك الروايات على الحرمة لأجل إيجاب الكفارة، للاجماع
ظاهرا على استلزام وجوب الكفارة لعدم الجواز في هذا المقام، مضافا إلى
إثبات البأس - الذي هو العذاب - في الضم مع العمد في رواية الأعرج
المتقدمة.
وحمل البأس على الكراهة - لاطلاق الضم الشامل لما كان بشهوة
ولغيره - مردود بأولوية التخصيص عن المجاز، مع أن الظاهر عدم الكراهة
في الضم بدون الشهوة أيضا.
وأكثر هذه الروايات وإن كانت مختصة بالرجل إلا أنه يتعدى الحكم إلى

(1) الكافي 4: 375 / 2، الوسائل 13: 136، 138 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17
و 18 ح 2 و 1.
(2) الكافي 4: 376 / 4، التهذيب 5: 326 / 1121 بتفاوت يسير، الإستبصار 2:
191 / 641، الوسائل 12: 434 أبواب تروك الاحرام ب 12 ح 3.
357

المرأة بالاجماع المركب، مضافا إلى التصريح بحكم المرأة في رواية العلاء
أيضا في التقبيل الموجب للتعدي إلى غيره بالاجماع المركب أيضا.
وإطلاق نادر من تلك الروايات في المس الشامل لما كان بشهوة ولغيره
مقيد بتقييد البواقي والتصريح بجواز الثاني، وكذا إطلاق طائفة منها في
التقبيل، بل تصريح صحيحة الحلبي بتقييد رواية الحسين بن حماد.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن الثابت في الصحيحة الكفارة، والمنفي في
الرواية الحرمة.
إلا أن يقال بشمول المس - المجوز منه ما كان بغير شهوة - للتقبيل
أيضا، ولكنه خلاف الظاهر.
إلا أن الظاهر عدم الفصل بين الكفارة، وعدم الجواز هنا، فتتعارض
الرواية مع الصحيحة، فتحمل الأخيرة على الاستحباب، كما في الذخيرة (1).
وأما الاطلاق في المس والتقبيل - كما حكي عن جمل العلم والعمل
والسرائر والكافي (2) ويحتمله كلام جماعة (3) أيضا - فغير موجه.
وتدل على الأخير مرسلة الحسن بن علي: (المحرم لا ينكح ولا
ينكح ولا يخطب ولا يشهد النكاح، فإن نكح فنكاحه باطل) (4)، وقريبة منها
مرسلة ابن فضال.
وصحيحة ابن عمار: (المحرم لا يتزوج ولا يزوج، فإن فعل فنكاحه

(1) الذخيرة: 590.
(2) جمل العلم والعمل: 212، السرائر 1: 542، الكافي في الفقه: 202.
(3) منهم المفيد في المقنعة: 434، الصدوق في المقنع: 76، الفيض في المفاتيح
1: 327.
(4) الكافي 4: 372 / 1 وفي التهذيب 5: 330 / 1136 بتفاوت يسير، الوسائل
12: 438 أبواب تروك الاحرام ب 14 ح 7.
358

باطل) (1).
وصحيحة ابن سنان: (ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج، فإن تزوج
أو زوج محلا فتزويجه باطل) (2).. إلى غير ذلك (3).
وظاهر الأخير نفي الجواز، كما يشهد به إبطال النكاح أيضا، ولأجله
يحمل الأولان على الحرمة أيضا.
مسائل:
المسألة الأولى: صرح جماعة - بل الأكثر - بتحريم النظر بشهوة أيضا (4)،
بل قيل: إنه لعله لا خلاف فيه (5)، وفي المفاتيح وشرحه: الاجماع عليه (6).
وقد يستدل عليه برواية مسمع المتقدمة، وصحيحة ابن عمار: عن
محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم، قال: (لا شئ عليه،
ولكن ليغتسل ويستغفر ربه، وإن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا
شئ عليه، وإن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم)، وقال:
في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى ينزل، قال: (عليه بدنة) (7).

(1) الكافي 4: 372 / 4، التهذيب 5: 330 / 1135، الوسائل 12: 438 أبواب
تروك الاحرام ب 14 ح 9.
(2) الفقيه 2: 230 / 1096، التهذيب 5: 328 / 1128، الإستبصار 2:
193 / 647، الوسائل 12: 436 أبواب تروك الاحرام ب 14 ح 1، 2.
(3) الوسائل 12: 436 أبواب تروك الاحرام ب 14.
(4) كما في الحدائق 15: 344، والرياض 1: 470.
(5) انظر الحدائق 15: 344.
(6) المفاتيح 1: 327.
(7) الكافي 4: 375 / 1 وفي التهذيب 5: 325 / 1117 والاستبصار 2: 191 / 642:
صدر الحديث فقط، الوسائل 13: 135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 1.
359

والأخرى: في محرم نظر إلى غير أهله فأمنى، قال: (عليه دم)، قال:
(لأنه نظر إلى غير ما يحل له، وإن لم يكن أنزل فليتق الله ولا يعد وليس
عليه شئ) (1).
وصحيحة زرارة: عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل، قال:
عليه جزور أو بقرة، فإن لم يجد فشاة) (2).
وموثقة أبي بصير: عن رجل نظر إلى ساق امرأة فأمنى، فقال: (إن
كان موسرا فعليه بدنة، وإن كان بين ذلك فبقرة، وإن كان فقيرا فشاة، أما
إني لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء ولكن من أجل أنه نظر إلى ما لا يحل
له) (3).
وقريبة منها روايته (4)، وفيها: (أو إلى فرجها) بعد قوله: (ساق
امرأة).
ولا يخفى أن الأوليين مخصوصتان بصورة النظر مع الامناء، فلعل
الكفارة لأجله، أو لأجله مع النظر لا للنظر خاصة، بل هو الظاهر من
الأولى.
والثالثة مخصوصة بالنظر إلى غير المحرم، فلعلها لأجله، بل تعليلها

(1) الكافي 4: 377 / 8، الوسائل 13: 135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 5،
بتفاوت يسير.
(2) التهذيب 5: 325 / 1116، الوسائل 13: 133 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16
ح 1.
(3) الكافي 4: 377 / 7، وفي الفقيه 2: 213 / 971 بتفاوت يسير، التهذيب 5:
325 / 1115، المقنع: 76، العلل: 458 / 1، المحاسن: 319 / 15، الوسائل
13: 133 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ب 2.
(4) كما في الوسائل 13: 134 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 3.
360

صريح في ذلك، أو لأجله وللانزال كما يصرح به ذيلها.
ومنه يعلم عدم دلالة الرابعة أيضا.
وأما الأخيرة وإن كانت مطلقة من جهة المرأة الشاملة لامرأته أيضا،
ولا يقيدها قوله: (ما لا يحل له) بالأجنبية، لجواز عدم الحلية لأجل
الاحرام، وكانت صريحة في أن الكفارة ليست لأجل الانزال بل لأجل النظر
فتتم دلالتها.
إلا أنها تعارض ذيل صحيحة ابن عمار الأخيرة، المصرحة بعدم شئ
مع عدم الانزال لو حملت على أنها للانزال فقط، فيجب حمل الأخيرة على
أن الكفارة للأمرين معا، فلا تبقى لها دلالة على المطلوب.
ومع ذلك تعارضها موثقة إسحاق: في محرم نظر إلى امرأته بشهوة
فأمنى، قال: (ليس عليه شئ) (1).
وإطلاق رواية محمد الحلبي: المحرم ينظر إلى امرأته وهي محرمة،
قال: (لا بأس) (2).
فيبقى ما عليه الأكثر خاليا عن الدليل، مع مخالفته للأصل، ولذا
صرح الصدوق في الفقيه بأنه لا شئ عليه (3)، وقواه بعض مشايخنا (4) إن
لم يكن خلافه إجماعا، ولعله نظر إلى الاجماع المنقول، وحيث لا حجية
فيه ولم يتحقق الاجماع فعدم الحرمة أقوى، وأمر الاحتياط واضح.
المسألة الثانية: قالوا: تحرم الشهادة على العقد سواء كان لمحرم أو

(1) التهذيب 5: 327 / 1122، الإستبصار 2: 192 / 643، الوسائل 13: 138
أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 7.
(2) الفقيه 2: 231 / 1102، الوسائل 12: 435 أبواب تروك الاحرام ب 13 ح 1.
(3) الفقيه 2: 213.
(4) كما في رياض المسائل 1: 470.
361

محل، بلا خلاف فيه يظهر كما قيل (1)، بل هو مقطوع به في كلام
الأصحاب كما في المدارك (2)، بل بالاجماع كما عن الخلاف (3)، فإن ثبت
الاجماع فهو، وإلا فلا دليل عليه تاما، إذ غاية ما يستدل به له مرسلتا
الحسن بن علي وابن فضال المتقدمتين..
ومرسلة أخرى لابن أبي شجرة: في المحرم يشهد نكاح محلين،
قال: (لا يشهد)، ثم قال: (يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل) (4) إلا
أنها قاصرة عن إثبات الحرمة، لمكان الجملة الخبرية.
وتتميم الدلالة في الأخيرة - بكون السؤال فيها عن الجواز، المستلزم
نفيه في الجواب للحرمة، إذ لا شك أنه لا يسأل عن وجوبها أو رجحانها -
مردود بجواز كون السؤال عن الإباحة، بمعنى تساوي الطرفين.
نعم، يمكن تتميم دلالتها لو جعل قوله: (يجوز) إلى آخره، استفهاما
إنكاريا، وكان ذكر هذه الجملة تمثيلا تأكيدا للسابق - كما قيل (5) - ولكنه
غير متعين الحمل عليه.
وعلى هذا فالمناط هو الاجماع، وعلى هذا فيقتصر فيه على المتفق
عليه، وهو حضور العقد لأجل الشهادة، فلو اتفق حضوره لا لأجلها لم
يكن محرما.

(1) انظر الحدائق 15: 347.
(2) المدارك 7: 311.
(3) الخلاف 2: 317.
(4) الفقيه 2: 230 / 1095 وليس فيه: عن ابن أبي شجرة، التهذيب 5:
315 / 1087، الإستبصار 2: 188 / 630، الوسائل 12: 417 أبواب تروك
الاحرام ب 1 ح 8.
(5) انظر التهذيب 5: 315.
362

نعم، لو تمت دلالة الروايات لشملت الأخيرة أيضا، لأن الشهادة هي
الحضور مطلقا.
والحق: عدم تحريم إقامة الشهادة على العقد للمحرم مطلقا، كما هو
ظاهر النافع (1)، واستشكل فيه في القواعد (2)، للأصل، وعدم الدليل،
وعموم أدلة النهي عن الكتمان.
وعن المبسوط والسرائر وفي الشرائع (3) وغيره (4) - بل في المشهور
كما قيل (5) -: الحرمة، لعموم الشهادة المنهية في المراسيل المتقدمة.
وفيه - مضافا إلى ما مر -: أن تعديها بالنكاح مطلقا ظاهر في إرادة
معنى الحضور عنها.
المسألة الثالثة: يحرم الاستمناء باليد أو التخيل أو الملاعبة، بلا ريب
كما في المدارك (6)، بل بلا خلاف كما في المفاتيح وشرحه (7)، وغيرهما (8).
لصحيحة البجلي: عن الرجل يمني وهو محرم من غير جماع، أو
يفعل ذلك في شهر رمضان، ماذا عليهما؟ قال: (عليهما جميعا الكفارة مثل
ما على الذي يجامع) (9).

(1) النافع: 84.
(2) القواعد 1: 81.
(3) المبسوط 1: 317، السرائر 1: 553، الشرائع 1: 249.
(4) كالحدائق 15: 347.
(5) انظر الذخيرة: 590.
(6) المدارك 7: 314.
(7) المفاتيح 1: 327.
(8) كالرياض 1: 374.
(9) التهذيب 5: 327 / 1124، الوسائل 13: 131 أبواب كفارات الاستمتاع ب 14
ح 1، بتفاوت يسير.
363

ونحوها الأخرى، إلا أن فيها: عن المحرم يعبث بأهله حتى يمني من
غير جماع... (1).
وموثقة إسحاق بن عمار: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال:
(أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم، بدنة والحج من قابل) (2).
وأما رواية أبي بصير: عن رجل سمع كلام امرأة من خلف حائط
وهو محرم فتشاهى حتى أنزل، قال: (ليس عليه شئ) (3).
ومرسلة البزنطي: في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى،
قال: (ليس عليه شئ) (4).
وموثقة سماعة: في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخليقة فيمني،
قال: (ليس عليه شئ) (5).
فمحمولة على عدم قصد الامناء، لكونها أعم منه ومن قصده،
وظهور الروايات الأولى في الثاني، فتكون أخص مطلقا يحمل عليها الأعم.
وكذا تحمل على عدم القصد موثقة أبي بصير المتقدمة في المسألة
الأولى (6)، المتضمنة لقوله عليه السلام: (أما إني لم أجعل عليه ذلك من أجل
الماء).

(1) الكافي 4: 376 / 5، التهذيب 5: 324 / 1114، الوسائل 13: 131 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 14 ح 1.
(2) الكافي 376 / 6، التهذيب 5: 324 / 1113، الإستبصار 2: 192 / 646،
الوسائل 13: 132 أبواب كفارات الاستمتاع ب 15 ح 1.
(3) الكافي 4: 377 / 10، التهذيب 5: 327 / 1125 وفيه: حتى أمنى، الوسائل
13: 142 أبواب كفارات الاستمتاع ب 20 ح 3.
(4) الكافي 4: 377 / 11، الوسائل 13: 141 أبواب كفارات الاستمتاع ب 20 ح 2.
(5) الكافي 4: 377 / 12، الوسائل 13: 141 أبواب كفارات الاستمتاع ب 20 ح 1،
بتفاوت يسير.
(6) في ص: 358.
364

المسألة الرابعة: يجوز للمحرم أن يطلق زوجته، للأصل ورواية
حماد بن عثمان: عن المحرم يطلق؟ قال: (نعم) (1).
وأبي بصير: (المحرم يطلق ولا يتزوج) (2).
ويجوز له مراجعة المطلقة الرجعية بلا خلاف، لأنها ليست بالتزويج
المنهي عنه.
وكذا شراء الإماء بلا خلاف أيضا، للأصل وصحيحة سعد بن سعد:
عن المحرم يشتري الجواري ويبيع؟ قال: (نعم) (3).
وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في شراء الإماء
بين أن يقصد به الخدمة أو التسري، وهو كذلك وإن حرمت المباشرة،
للأصل والاطلاق، وقيل: لو قصد المباشرة حرم (4)، وهو ضعيف.
المسألة الخامسة: لو عقد المحرم لنفسه أو لغيره يكون نكاحه
باطلا، ويجب التفريق، بالاجماع بين الأصحاب كما عن المنتهى (5)، وقد
مر ما يدل عليه من الأخبار (6)..
وصحيح محمد بن قيس: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ملك

(1) الكافي 4: 373 / 7، الوسائل 12: 442 أبواب تروك الاحرام ب 17 ح 2.
(2) الكافي 4: 372 / 6، الفقيه 2: 231 / 1100، التهذيب 5: 383 / 1336،
الوسائل 12: 441 أبواب تروك الاحرام ب 17 ح 1.
(3) الكافي 4: 373 / 8، الفقيه 2: 308 / 1529، التهذيب 5: 331 / 1139،
الوسائل 12: 441 أبواب تروك الاحرام ب 16 ح 1.
(4) انظر المسالك 1: 109.
(5) المنتهى 2: 809.
(6) الوسائل 12: 439 أبواب تروك الاحرام ب 15.
365

بضع امرأة وهو محرم قبل أن يحل، فقضى أن يخلي سبيلها، ولم يجعل
نكاحه شيئا حتى يحل، فإذا حل خطبها إن شاء، فإن شاء أهلها زوجوه،
وإن شأوا لم يزوجوه) (1).
وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله: (إن رجلا من الأنصار تزوج
وهو محرم فأبطل رسول الله صلى الله عليه وآله نكاحه) (2).
ورواية الكناني: عن محرم تزوج، قال: (نكاحه باطل) (3).
وهل يجوز له تزويج هذه المعقودة بعد حصول الحل، أم لا؟
مقتضى صحيحة ابن قيس: الأول، ولكن مدلول روايتي أديم بن
الحر وإبراهيم: الثاني، والحرمة المؤبدة.
الأولى: (المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ولا يتعاودان أبدا،
والذي يتزوج ولها زوج يفرق بينهما ولا يتعاودان أبدا) (4)، وبمضمونها
الثانية (5).
وصريح المنتهى والتذكرة كون الحرمة المؤبدة إجماعية في غير
الجاهل (6)، وهو ظاهر المدارك أيضا في مسألة اختلاف الزوجين في وقوع
(1) التهذيب 5: 330 / 1134، الوسائل 12: 440 أبواب تروك الاحرام ب 15 ح 3.
(2) الكافي 4: 372 / 2، التهذيب 5: 328 / 1130، الإستبصار 2: 193 / 649،
الوسائل 12 / 437، أبواب تروك الاحرام ب 14 ح 4.
(3) التهذيب 5: 328 / 1129، الإستبصار 2: 193 / 648، الوسائل 12: 437
أبواب تروك الاحرام ب 14 ح 3.
(4) التهذيب 5: 329 / 1132، الوسائل 12: 440 أبواب تروك الاحرام ب 15 ح 2،
بتفاوت.
(5) الكافي 4: 372 / 3، التهذيب 5: 329 / 1133، الوسائل 12: 439 أبواب
تروك الاحرام ب 15 ح 1.
(6) المنتهى 2: 809، التذكرة 1: 343.
366

العقد محلا أو محرما (1)، ولذا حمل الشيخ الصحيحة على الجاهل (2)،
ولكنه حمل بلا شاهد.
ولكن يمكن أن يقال باحتمال رجوع الضمير في قوله: (ولم يجعل
نكاحه شيئا) إلى المحرم المطلق، وقوله: (إذا حل) من كلام الإمام عليه السلام،
والمقصود: أن المحرم إذا حل جاز له خطبة النساء، أي من عدا من عقد
عليها حال الاحرام.
وعلى هذا، لا يكون دليل على استثناء الجاهل أيضا، إلا أن يقال: إن
دلالة الروايتين إنما هي بالجملة بالخبرية المحتملة للكراهة، فيقتصر في
الحرمة على موضع الاجماع، وهو العالم، ولأجل ذلك لما قلنا فيه أيضا
بالتأبيد لولا مخالفة الاجماع.
الثالث: الطيب.
فإنه يحرم على المحرم والمحرمة في الجملة، إجماعا محققا
ومحكيا (3)، إلا أنهم اختلفوا في الطيب المحرم عليهما:
فذهب الأكثر كما قيل (4) - ومنهم: المفيد والصدوق في المقنع والسيد
والحلبي والحلي (5)، وظاهر الإسكافي والعماني والشيخ في المبسوط

(1) المدارك 7: 315.
(2) التهذيب 5: 329.
(3) كما في الرياض 1: 374.
(4) انظر الرياض 1: 374.
(5) المفيد في المقنعة: 432، الصدوق في المقنع: 72، السيد في جمل العلم
والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 66، الحلبي في الكافي: 202، الحلي في
السرائر 1: 542.
367

والمحقق والفاضل في أكثر كتبه (1)، وجملة من المتأخرين (2)، بل أكثرهم -
إلى التعميم بالنسبة إلى كل طيب، عدا ما يأتي استثناؤه.
وعن الصدوق في المقنع أيضا والتهذيب والخلاف والنهاية والجمل
والعقود والقاضي والوسيلة والغنية والمهذب والاصباح والإشارة والجامع
والذخيرة والكفاية وعن الخلاف والغنية الاجماع عليه: التخصيص بما أقله
أربعة (3)، وهي: المسك والعنبر والزعفران والورس (4)، كما عن التهذيب
والمقنع والجامع وفي الذخيرة والكفاية.
وأكثره ستة - بزيادة الكافور والعود - كما عن الخلاف والنهاية والوسيلة (5).
ووسطه خمسة بإسقاط الورس عن الستة، كما في البواقي (6).
وظاهر الفاضل في الإرشاد (7) وطائفة من متأخري المتأخرين (8) التردد

(1) حكاه عن الإسكافي والعماني في المختلف: 268، المبسوط 1: 319، المحقق
في الشرائع 1: 249، الفاضل في المنتهى 2: 790، التذكرة 1: 333،
المختلف: 268.
(2) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 109، وصاحب الحدائق 15: 409.
(3) المقنع: 72، التهذيب 5: 299، الخلاف 2: 302، النهاية: 219، الجمل
والعقود (الرسائل العشر): 228، القاضي في شرح جمل العلم والعمل: 215،
الوسيلة: 162، الغنية (الجوامع الفقهية): 575، المهذب 1: 220، إصباح
الشيعة: 153، الإشارة: 127، الجامع للشرائع: 183، الذخيرة: 590، الكفاية:
59.
(4) الورس: نبت أصفر يزرع باليمن ويصبغ به، وقيل صنف من الكركم، وقيل:
يشبهه - المصباح المنير: 655.
(5) الخلاف 2: 302، النهاية: 219، الوسيلة: 162.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 575، الذخيرة: 591.
(7) الإرشاد 1: 317.
(8) منهم صاحب المدارك 7: 322، صاحب الحدائق 15: 420، صاحب الرياض
1: 375.
368

في التعميم أو التخصيص.
حجة الأكثر: صحيحة ابن عمار المروية في الكافي: (لا تمس شيئا
من الطيب ولا من الدهن في إحرامك، واتق الطيب في طعامك، وأمسك
على أنفك من الريح الطيبة، ولا تمسك عليه من الريح المنتنة، فإنه لا
ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة) (1).
ومرسلة الفقيه: (كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا تجهز إلى مكة قال
لأهله: إياكم أن تجعلوا في زادنا شيئا من الطيب ولا الزعفران نأكله أو
نطعمه) (2).
ومرسلة حريز: (لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان، ولا
يتلذذ به ولا بريح طيبة، فمن ابتلي بشئ من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع
قدر سعته) (3).
ومثلها صحيحته (4)، إلا أنه ليس فيها: (ولا بريح طيبة) وبدل: (قدر
سعته) بقوله: (بقدر شبعه)، يعني: من الطعام.
وصحيحة زرارة: (من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه
دم، وإن كان ناسيا فلا شئ عليه ويستغفر الله عز وجل ويتوب إليه) (5).

(1) الكافي 4: 353 / 1، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 5.
(2) الفقيه 2: 223 / 1043، الوسائل 12: 446 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 18.
(3) الكافي 4: 353 / 2، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 6 بتفاوت
يسير.
(4) التهذيب 5: 297 / 1007، الإستبصار 2: 178 / 591، الوسائل 12: 445
أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 11.
(5) الكافي 4: 354 / 3، الفقيه 2: 223 / 1046، الوسائل 13: 150 أبواب بقية
كفارات الاحرام ب 4 ح 1، وليس في الكافي: ويتوب إليه.
369

وصحيحة الحلبي: (المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة، ولا
يمسك على أنفه من الريح الكريهة) (1).
ونحوها صحيحة هشام، وزاد فيها: (لا بأس بالريح الطيبة فيما بين
الصفا والمروة من ريح العطارين، ولا يمسك على أنفه) (2).
ورواية الحسن بن زياد: الأشنان فيه الطيب أغسل به يدي وأنا محرم
- إلى أن قال -: (تصدق بشئ كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك) (3).
والأخرى: وضأني الغلام ولم أعلم بدستشان (4) فيه طيب، فغسلت
يدي وأنا محرم، فقال: (يتصدق بشئ لذلك) (5).
ورواية سدير: (لا ينبغي للمحرم أن يأكل شيئا فيه زعفران، ولا
يطعم شيئا من الطيب) (6).
ورواية إسحاق بن عمار: عن المحرم يمس الطيب وهو نائم لا
يعلم، قال: (يغسله وليس عليه شئ)، وعن المحرم يدهنه الحلال بالدهن
الطيب والمحرم لا يعلم، ما عليه؟ قال: (يغسله أيضا وليحذر) (7).

(1) الكافي 4: 354 / 4، وفي الفقيه 2: 224 / 1055 والوسائل 12: 452 أبواب
تروك الاحرام ب 24 ح 1: عن الحلبي ومحمد بن مسلم، وفي الجميع بتفاوت
يسير.
(2) الكافي 4: 354 / 5، الفقيه 2: 225 / 1056، التهذيب 5: 300 / 1018،
الإستبصار 2: 180 / 599، الوسائل 12: 448 أبواب تروك الاحرام ب 20 ح 1.
(3) الكافي 4: 354 / 7، الوسائل 12: 456 أبواب تروك الاحرام ب 27 ح 2.
والأشنان: معرب، ويقال له بالعربية: الحرض - المصباح المنير: 16.
(4) يريد به غسول اليد، وليست الكلمة عربية - مجمع البحرين 2: 200 (دست).
(5) الفقيه 2: 223 / 1047، الوسائل 13: 151 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 4
ح 4.
(6) الكافي 4: 355 / 10، الوسائل 12: 442 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 2.
(7) الكافي 4: 355 / 15، الوسائل 13: 152 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 4 ح 7.
370

وموثقة الساباطي: عن المحرم يأكل الأترج (1)؟ قال: (نعم)، قلت:
له رائحة طيبة، قال: (الأترج طعام ليس هو من الطيب) (2)، فإنها تدل
بالتعليل على أنه لو كان طيبا لحكم بالاجتناب عنه.
ومثلها في وجه الدلالة صحيحة ابن سنان: عن الحناء، فقال: (إن
المحرم ليمسه ويداوي به بعيره، وما هو بطيب وما به بأس) (3).
وصحيحة حماد بن عثمان: إني جعلت ثوبي الاحرام مع أثواب قد
جمرت فأخذ من ريحها، قال: (فانشرها في الريح حتى يذهب
ريحها) (4).
ودليل القول الآخر: صحيحة ابن عمار المروية في التهذيب، وهي
كما مر عن الكافي، إلا أن في آخرها: (فمن ابتلي بشئ من ذلك فليعد
غسله، وليتصدق بقدر ما صنع، وإنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء:
المسك، والعنبر، والورس، والزعفران، غير أنه كره للمحرم الأدهان الطيبة
الريح) (5).
ونحوها صحيحته الأخرى المروية فيه أيضا بزيادة في آخرها (6).
ومرسلة الفقيه: (يكره من الطيب أربعة أشياء للمحرم: المسك،

(1) الأترجة: وهي فاكهة معروفة، طعمها طيب ورائحتها طيبة - مجمع البحرين 2: 280.
(2) الكافي 4: 356 / 17، التهذيب 5: 306 / 1043، الإستبصار 2: 183 / 607،
الوسائل 12: 455 أبواب تروك الاحرام ب 26 ح 2.
(3) الكافي 4: 356 / 18، الفقيه 2: 224 / 1052، التهذيب 5: 300 / 1019،
الإستبصار 2: 181 / 600، الوسائل 12: 451 أبواب تروك الاحرام ب 23 ح 1.
(4) الكافي 4: 356 / 19، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 4.
(5) التهذيب 5: 297 و 299 / 1006 و 1013، الوسائل 12: 444، 445 أبواب
تروك الاحرام ب 18 ح 9، 14.
(6) التهذيب 5: 304 / 1039، الوسائل 12: 444 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 8.
371

والعنبر، والزعفران، والورس، وكان يكره من الأدهان الطيبة: الريح) (1).
ورواية عبد الغفار: (الطيب: المسك، والعنبر، والزعفران، والورس،
وخلوق الكعبة لا بأس به) (2).
ونحوها صحيحة ابن أبي يعفور (3)، إلا أنه بدل الورس بالعود، وليس
فيها: (خلوق الكعبة) إلى آخره.
أقول: أما أدلة القول الأول وإن كان أكثرها قاصرة الدلالة، إما باعتبار
التضمن للجملة الخبرية، أو لما يحتملها، أو للفظ: (لا ينبغي) كصدر
صحيحة ابن عمار وذيلها ومرسلة حريز وصحيحتي الحلبي وهشام ورواية
سدير، أو لغير ذلك كمرسلة الفقيه، فإن نهيه عليه السلام عن جعل الطيب في
زاده لا يدل على حرمته شرعا، لجواز أن يكون ذلك لأجل أنه أراد
الاجتناب عن المكروه، فله أن يأمر في ماله وينهى كيف يشاء، والرواية
الأخيرة لحسن بن زياد، فإن عدم علمه بالطيب يمنع عن احتمال الحرمة
ووجوب التصدق، وموثقة الساباطي وصحيحة ابن سنان، فإن التعليل
يمكن أن يكون لنفي الكراهة.
ولكن تبقى طائفة قليلة منها دالة على المطلوب.
وأما أدلة القول الثاني فهي أيضا كذلك، لعدم دلالة مرسلة الفقيه على
عدم كراهة غير الأربعة إلا بمفهوم العدد الذي ليس بحجة، وعدم دلالة
الأخيرتين على حصر الطيب المحرم على المحرم في ما ذكر، وذكر بعض

(1) الفقيه 2: 223 / 1044، الوسائل 12: 446 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 19.
(2) التهذيب 5: 299 / 1015، وفي الإستبصار 2: 180 / 598، والوسائل 12:
446 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 16 لا توجد: وخلوق الكعبة لا بأس به.
(3) التهذيب 5: 299 / 1014، الإستبصار 2: 179 / 597، الوسائل 12: 446
أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 15.
372

الأصحاب (1) الخبرين في ذلك الباب لا حجية فيه، وتأييد ذلك بما في آخر
الأولى من قوله: (وخلوق الكعبة لا بأس به) باطل، إذ - كما قيل (2) - ليس
هو من تتمة الحديث، بل هو من كلام الشيخ.
والقول بأن حصر الطيب في الأشياء المذكورة يكفي في المطلوب،
إذ يستلزم ذلك أن الطيب المحرم بعمومه يكون هذه الأشياء، إذ غيرها لا
يكون طيبا.
غير جيد، لأن الحصر حينئذ يكون مجازيا، ضرورة عدم الانحصار،
فيمكن أن يكون المجاز هو أحسن أنواع الطيب أو الطيب الكامل
ونحوهما، فتبقى الصحيحتان الأوليان.
ولكن الانصاف أنهما لكونهما أخصين مطلقا مما بقي من أدلة القول
الأول - بل من جميعها لو دل - يكفيان لتخصيصها، ولا يضر اشتمالهما في
الكفارة على ما هو خلاف المجمع عليه بقوله: (وليتصدق بقدر ما صنع)،
لأن خروج جزء من الحديث عن الحجية لا يوجب خروج الباقي عنها، ولا
يلزم ارتكاب مجاز فيها بجعل الحصر إضافيا، لحرمة العود والكافور أيضا.
أما الأول فلصحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة.
وأما الثاني فلفحوى ما دل على منع الميت المحرم عنه (3)، فالحي
أولى، لمنع لزوم جعل الحصر إضافيا، لما عرفت من عدم دلالة صحيحة
ابن أبي يعفور على حرمة العود للمحرم إلا بالعموم اللازم تخصيصه بما
ذكر، ومنع الأولوية المذكورة في الحي، بل منع العلم بالمساواة أيضا.

(1) انظر الحدائق 15: 418.
(2) انظر الحدائق 15: 419.
(3) الوسائل 2: 503 أبواب غسل الميت ب 13.
373

فإذن الترجيح لقول الشيخ في التهذيب ومن تبعه (1)، والقول - بأنه
شاذ - فاسد.
ثم إنه لا فرق في حرمة الطيب للمحرم بين ابتدائه بعد الاحرام
واستدامته، بأن يتطيب قبله بما يبقى إلى ما بعده، بلا خلاف يعرف، ودلت
عليه رواية حماد بن عثمان: إني جعلت ثوبي الاحرام مع أثواب قد جمرت
فأخذ من ريحها، قال: (فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها) (2).
فروع:
أ: الطيب المحرم على المحرم - على القول بالتعميم - أو المكروه
- على القول الآخر - هو: ما يسمى طيبا عرفا، والظاهر - كما قيل - أنه
الجسم ذو الريح الطيبة يؤخذ للشم غالبا غير الرياحين (3).
والحاصل: أن يكون معظم الغرض منه التطيب أو يظهر منه هذا
الغرض، لا مطلق ما له رائحة طيبة، كما تنطق به موثقة الساباطي (4)
وصحيحة ابن سنان (5) المتقدمتين.
وتدل عليه أيضا صحيحة ابن عمار: (لا بأس أن تشم الإذخر (6)

(1) راجع ص: 366.
(2) الكافي 4: 356 / 19، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 4.
(3) انظر المسالك 1: 109.
(4) الكافي 4: 356 / 17، التهذيب 5: 306 / 1043، الإستبصار 2: 183 / 607،
الوسائل 12: 455 أبواب تروك الاحرام ب 26 ح 2.
(5) الكافي 4: 356 / 18، الفقيه 2: 224 / 1052، التهذيب 5: 300 / 1019،
الإستبصار 2: 181 / 600، الوسائل 12: 451 أبواب تروك الاحرام ب 23 ح 1.
(6) الإذخر: بكسر الهمزة والخاء، نبات معروف ذكي الريح - المصباح المنير: 207.
374

والقيصوم (1) والخزامى (2) والشيح (3) وأشباهه وأنت محرم) (4).
والقيصوم ما يقال له بالفارسية: بومادران، والخزامى بالمعجمتين
- كحبارى - خيري البر، والشيح - بكسر المعجمة وسكون المثناة التحتانية
ثم المهملة - ما يقال له بالفارسية: درمنه تركي.
ب: يستثنى من الطيب المحرم: خلوق الكعبة، بلا خلاف يعرف،
بل عن بعضهم الاجماع عليه (5)، لرواية عبد الغفار المتقدمة (6)، وصحيحة
يعقوب بن شعيب (7)، وصحيحتي ابن سنان (8) وحماد (9)، ومرسلة ابن
أبي عمير (10)، وموثقة سماعة (11).
واشتمال الأربعة الأخيرة على قوله: (هو طهور) وإن دل على أن نفي
البأس إنما هو من جهة دفع توهم النجاسة، إلا أنه يدل أيضا على أنه

(1) القيصوم: نبات السهل، طيب الرائحة من رياحين البر، وورقه هدب، وله نورة
صفراء - لسان العرب 12: 486.
(2) الخزامي: من نبات البادية... وقال الأزهري: بقلة طيبة الرائحة، لها نور كنور
البنفسج - المصباح المنير: 168.
(3) الشيح: نبات سهلي... له رائحة طيبة وطعم مر - لسان العرب 2: 502.
(4) الكافي 4: 355 / 14، الفقيه 2: 225 / 1057، التهذيب 5: 305 / 1041،
الوسائل 12: 453 أبواب تروك الاحرام ب 25 ح 1.
(5) كما في الحدائق 15: 420.
(6) في ص: 370.
(7) التهذيب 5: 69 / 226، الوسائل 12: 449 أبواب تروك الاحرام ب 21 ح 2.
(8) التهذيب 5: 69 / 225، الوسائل 12: 449 أبواب تروك الاحرام ب 21 ح 1.
(9) الفقيه 2: 217 / 993، التهذيب 5: 299 / 1016، الوسائل 12: 449 أبواب
تروك الاحرام ب 21 ح 3.
(10) الكافي 4: 342 / 15، الوسائل 12: 450 أبواب تروك الاحرام ب 21 ح 5.
(11) الفقيه 2: 217 / 994، الوسائل 12: 449 أبواب تروك الاحرام ب 21 ح 4.
375

لا مانع غيره فيه أيضا.
والخلوق - كما قيل (1) -: طيب خاص، فيكون المجوز هو فقط، فلو
طيب ثوب الكعبة بغيره مما يحرم على المحرم حرم، كذا قيل (2)، ولا بأس
به إن ثبت أن الخلوق هو أخلاط خاصة، وإلا فيكون مجملا، ولا حجية في
العام المخصص بالمجمل في موضع الاجمال.
ج: ويستثنى أيضا ما يستشم من العطر في سوق العطارين بين الصفا
والمروة، وتدل عليه صحيحة هشام المتقدمة (3).
د: المحرم من الطيب المحرم: شمه وأكله وإطلاؤه في البدن
والثوب، وتدل على الأول صحاح ابن عمار (4)، وعلى الثاني هي أيضا
وصحيحة زرارة (5)، وعلى الثالثة روايتا الحسن بن زياد (6)، وعلى الرابعة
- مضافا إلى ما يأتي في الفرع الثامن - صحيحة حماد (7)، المتقدمة جميعا.
والظاهر عدم الخلاف في شئ منها أيضا، بل عن التذكرة: إجماع
العلماء عليه (8)، وقيل (9): تحرم جميع أنحاء الاستعمالات الأخر أيضا، فإن
ثبت فيه إجماع أو حرم لأجل استلزامه الاستشمام، وإلا فلا دليل عليه.
ه‍: قالوا: إذا اضطر المحرم إلى مس الطيب - لدواء ونحوه - أو إلى

(1) انظر المسالك 1: 109.
(2) انظر الذخيرة: 592.
(3) في ص: 368.
(4) في ص: 369.
(5) المتقدمة في ص: 367.
(6) المتقدمتان في ص: 368.
(7) المتقدمة في ص: 372.
(8) التذكرة 1: 333.
(9) انظر مجمع الفائدة 6: 285، وكشف اللثام 1: 327.
376

أكله، قبض على أنفه وجوبا، ونسب إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى
الاجماع (1)، ويدل عليه قوله في صحاح ابن عمار: (فامسك على أنفك)،
المعتضد بأخبار كثيرة أخرى، كصحيحة الحلبي وهشام (2) ومرسلة حريز
المتقدمة (3)..
وصحيحة محمد بن إسماعيل: رأيت أبا الحسن عليه السلام كشف بين
يديه طيب لينظر إليه وهو محرم، فأمسك على أنفه بثوبه من ريحه (4).
و: قال في التذكرة: لو استهلك الطيب في غيره فلم تبق له ريح ولا
طعم ولا لون، فالأقرب أنه لا فدية فيه (5). انتهى.
وفي الذخيرة: إن الاعتبار يقتضي إناطة حكم الجواز باستهلاك
الرائحة لا مطلق الوصف، والنهي عن التلذذ بالرائحة الطيبة مشعر به،
والأحوط: الاجتناب عن الجميع مطلقا (6). انتهى.
أقول: في صحيحة عمران الحلبي: عن المحرم يكون به الجرح
فتداوى بدواء فيه زعفران، قال: (إن كان الزعفران الغالب على الدواء فلا،
وإن كانت الأدوية الغالب عليه فلا بأس) (7).
ولا يخفى أن الغلبة وإن كانت أعم من الغلبة في كل وصف إلا أن

(1) التذكرة 1: 334.
(2) المتقدمتين في ص: 367 - 368.
(3) في ص: 367.
(4) الكافي 4: 354 / 6، الوسائل 12: 442 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 1،
بتفاوت يسير.
(5) التذكرة 1: 334.
(6) الذخيرة: 592.
(7) الكافي 4: 359 / 8، الفقيه 2: 222 / 1037، الوسائل 12: 527 أبواب تروك
الاحرام ب 69 ح 3.
377

الظاهر أن بعد المغلوبية في الريح يصير مغلوبا في سائر الأوصاف أيضا،
فلو أنيط بالغلبة والاستهلاك في الرائحة - كما في الذخيرة - كان حسنا، مع
أن بعد المغلوبية في الريح لا يصدق الريح الطيب، مضافا إلى لزوم
التخصيص - لو كان مطلقا - بصحيحة عمران المذكورة.
ز: قال في الذخيرة: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في تحريم مس
الطيب، ولعل المستند قول أبي عبد الله عليه السلام (1)، ونقل صحيحة ابن عمار (2)
المتقدمة.
أقول: إن ثبت الاجماع، وإلا في دلالة الصحيحة على الحرمة نظر.
ح: قال في المدارك: يحرم على المحرم لبس الثوب المطيب، سواء
صبغ بالطيب أو غمس فيه (3)، وزاد في الذخيرة وقال: ثوب مسه طيب (4).
والظاهر أن مراده ما يطيب به. وعن التذكرة: إجماع علماء الأمصار على
تحريم ثوب مسه طيب (5). ولا ريب في تحريمه.
وتدل عليه صحيحة حماد السالفة (6)، ومفهوم رواية الحسين بن أبي
العلاء: عن ثوب المحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل، فقال: (لا بأس به إذا
ذهب ريحه) (7).

(1) الذخيرة: 592.
(2) راجع ص: 367.
(3) المدارك 7: 325.
(4) الذخيرة: 592.
(5) التذكرة 1: 334.
(6) الكافي 4: 356 / 19، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 4.
(7) الكافي 4: 342 / 18، الفقيه 2: 216 / 988، التهذيب 5: 68 / 220، الوسائل
12: 484 أبواب تروك الاحرام ب 43 ح 1، بتفاوت.
378

وإسماعيل بن الفضل: عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب،
فقال: (إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه) (1).
ط: إذا أصاب ثوب المحرم طيب، قيل: يأمر الحلال بغسله أو
يغسله بالة (2)، وعن الشيخ: جواز إزالته بنفسه باليد (3)، وهو كذلك،
لمرسلة ابن أبي عمير: في محرم أصابه طيب، فقال: (لا بأس بأن يمسحه
بيده ويغسله) (4).
والأخرى: في المحرم يصيب ثوبه الطيب، فقال: (لا بأس بأن
يغسله بيد نفسه) (5).
ي: قال ابن بابويه: إذا اضطر المحرم إلى سعوط فيه مسك لا بأس
بأن يتسعط (6)، وهو كذلك، لصحيحتي إسماعيل (7).
يا: يجوز للمحرم شراء الطيب والنظر إليه بلا خلاف يعرف، وعن
بعضهم: الاجماع عليه (8)، ويدل عليه الأصل، وصحيحة محمد بن

(1) الكافي 4: 343 / 19، الفقيه 2: 317 / 991، التهذيب 5: 68 / 223، الوسائل
12: 485 أبواب تروك الاحرام ب 43 ح 5.
(2) انظر الدروس: 1: 374.
(3) المبسوط 1: 319.
(4) التهذيب 5: 299 / 1017، الوسائل 12: 450 أبواب تروك الاحرام ب 22 ح 2،
بتفاوت يسير.
(5) الكافي 4: 354 / 8، الوسائل 12: 450 أبواب تروك الاحرام ب 22 ح 3.
(6) المقنع: 73.
(7) الأولى في: التهذيب 5: 298 / 1012، الإستبصار 2: 179 / 595، الوسائل
12: 447 أبواب تروك الاحرام ب 19 ح 1.
الثانية: الفقيه 2: 224 / 1054، التهذيب 5: 298 / 1011، الإستبصار 2:
179 / 594، وسائل 12: 447 أبواب تروك الاحرام ب 19 ح 2.
(8) التذكرة 1: 334.
379

إسماعيل (1) المتقدمة.
يب: قالوا: لا يجوز للمحرم افتراش المطيب ولا الجلوس ولا النوم
عليه..
فإن أريد لأجل استلزامه الاستشمام المحرم أو المس المحرم على
القول به - كما يدل عليه قولهم: ولو فرش فوقه ثوب كثيف يمنع الرائحة
والملامسة جاز الجلوس عليه والنوم - فهو حسن.
وإن أريد حرمته بنفسه ففيه نظر، للأصل وعدم الدليل.
نعم، ورد في روايتي معلى (2) وأبي بصير (3): أنه يكره أن ينام
المحرم على فراش أصفر ومرفقة صفراء.
وفي صحيحة منصور: (إذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة
حتى تطوف بالبيت) (4).
وفسر بعض المتأخرين الأصفر بما صبغ بالزعفران أو الورس أو شبههما
مما له رائحة طيبة (5)، والتفسير غير ثابت، والروايات (6) على الحرمة غير دالة.
الرابع: الفسوق.
وهو محرم على المحرم والمحرمة من حيث هو - وإن كان حراما

(1) الكافي 4: 354 / 6، الوسائل 12: 442 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 1.
(2) الكافي 4: 355 / 11، الوسائل 12: 457 أبواب تروك الاحرام ب 28 ح 1.
(3) الفقيه 2: 218 / 1002، التهذيب 5: 68 / 221، الوسائل 12: 457 أبواب
تروك الاحرام ب 28 ح 2.
(4) التهذيب 5: 298 / 1009، الوسائل 12: 445 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 12.
(5) انظر الحدائق 15: 430.
(6) الوسائل 12: 442 أبواب تروك الاحرام ب 18.
380

بنفسه مطلقا أيضا - بالكتاب، والسنة، والاجماع المحكي (1) والمحقق.
قال الله سبحانه: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق
ولا جدال في الحج) (2).
والحج يتحقق بالتلبس بإحرامه، بل بإحرام عمرة التمتع، لدخولها
في الحج.
وفي صحيحة ابن عمار: (فإن من تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء
لسانه إلا من خير كما قال الله عز وجل، فإن الله تعالى يقول: (فمن فرض
فيهن الحج) الآية، والرفث: الجماع، والفسوق: الكذب والسباب، والجدال:
قول الرجل: لا والله، و: بلى والله، واعلم أن الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان
ولا في مقام واحد وهو محرم فقد جادل، فعليه دم يهريقه ويتصدق به، وإذا
حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل، وعليه دم يهريقه ويتصدق به)، وقال:
(اتق المفاخرة)، إلى أن قال: وسألته عن الرجل يقول: لا لعمري، و: بلى
لعمري، قال: (ليس هذا من الجدال، إنما الجدال: لا والله، و: بلى والله) (3).
وفي صحيحة سليمان بن خالد: (في الجدال شاة، وفي السباب
والفسوق بقرة، والرفث فساد الحج) (4).
وفي صحيحة علي: عن الرفث والفسوق والجدال ما هو وما على من
فعله؟ فقال: (الرفث: جماع النساء، والفسوق: الكذب والمفاخرة،

(1) انظر الرياض 1: 376.
(2) البقرة: 197.
(3) الكافي 4: 337 / 3، وفي التهذيب 5: 296 / 1003 أورد صدر الحديث فقط،
الوسائل 12: 463 أبواب تروك الاحرام ب 32 ح 1.
(4) الكافي 4: 339 / 6، التهذيب 5: 297 / 1004، الوسائل 12: 145 أبواب بقية
كفارات الاحرام ب 1 ح 1.
381

والجدال: قول الرجل: لا والله، و: بلى والله) (1)، إلى غير ذلك (2).
والمراد بالفسوق هو: الكذب مطلقا خاصة عند الأكثر، بل عن التبيان
ومجمع البيان وروض الجنان: أنه رواية الأصحاب مشعرين بدعوى الاجماع (3).
ومقيدا بالكذب على الله تعالى ورسوله أو أحد الأئمة عليه وعليهم السلام،
في المحكي عن الغنية والمهذب والمصباح (4) والإشارة (5).
وبالكذب على الله خاصة، في المنقول عن الجمل والعقود (6).
والكذب المطلق مع السباب، عند السيد والإسكافي والشهيدين (7)،
وجمع آخر من المتأخرين (8).
ومع المفاخرة عند بعض آخر، كما يظهر من الذخيرة (9).
ومع البذاء، على قول محكي (10).
وقيل: هو المفاخرة (11)، وقيل: هو كل لفظ قبيح (12).

(1) التهذيب 5: 297 / 1005، الوسائل 12: 465 أبواب تروك الاحرام ب 32 ح 4.
(2) الوسائل 12: 463 أبواب تروك الاحرام ب 32.
(3) التبيان 2: 164، مجمع البيان 1: 294، حكاه عن روض الجنان لأبي الفتوح
الرازي في كشف اللثام 1: 327.
(4) لم نعثر عليه في المصباح ونسبه في كشف اللثام 1: 327 إلى الاصباح، ولعله
وقع هنا تصحيف من كتاب النسخ. وهو في إصباح الشيعة: 153.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 575، المهذب 1: 221، الإشارة: 128.
(6) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 228.
(7) السيد في جمل العلم والعمل: 106، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 270،
الشهيد في الدروس 1: 387، الشهيد الثاني في الروضة 2: 241.
(8) كصاحب المدارك 7: 341، وصاحب الحدائق 15: 460.
(9) الذخيرة: 593.
(10) حكاه في كشف اللثام 1: 327.
(11) كما في المختلف: 270، البحار 96، 169.
(12) حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف: 270.
382

وعن التبيان والراوندي: حمله على جميع المعاصي التي نهي المحرم
عنها (1).
حجة الأول: تفسيره بالكذب في الصحيحين المتقدمين بلا معارض
له، فيجب الأخذ به، وزيادة السباب في إحداهما يعارضها زيادة المفاخرة
في الأخرى، حيث إن الظاهر من التفسير هو تمام المعنى والحصر، مع أن
عطف الفسوق على السباب في صحيحة سليمان يفيد التغاير بينهما.
كما أن ذكر المفاخرة في صحيحة ابن عمار يفيده بينهما أيضا، مضافا
إلى الاقتصار بالتفسير بالكذب خاصة في المروي في معاني الأخبار (2)
وتفسير العياشي (3).
أقول: يمكن رد المعارضة بأن غايتها بالعموم والخصوص المطلقين،
الواجب فيها حمل العام على الخاص، إذ غاية ما يستفاد من التفسير بتمام
المعنى والحصر هو نفي الغير مطلقا، والمعارض أثبت فردا من الغير،
فيكون أخص مطلقا، ويكفي في التغاير المفهوم من العطف الخصوصية
والعمومية، فيكون من باب عطف العام على الخاص.
نعم، الظاهر المتبادر من الأمر بالاتقاء عن المفاخرة في الصحيحة
الأولى - بعد تفسير الفسوق بالكذب والسباب - المغايرة، ومع ذلك
فالصحيحة المفسرة له بها للشهرة العظيمة مخالفة، بل لم يظهر به قائل
بخصوصه، فلأجل ذلك يتجه رفع اليد عن المفاخرة، ثم بذلك تظهر حجة
من ضم السباب أو المفاخرة أيضا.

(1) التبيان 2: 164، الراوندي في فقه القرآن 1: 283.
(2) معاني الأخبار: 294 / 1، الوسائل 12: 467 أبواب ترك الاحرام ب 32 ح 8.
(3) تفسير العياشي 1: 95 / 256، الوسائل 12: 467 أبواب تروك الاحرام ب 32 ح 9.
383

وأما باقي الأقوال فبين تخصيص بلا مخصص، أو تعميم بلا معمم،
سوى ما قيل للثاني من دعوى الاجماع في الغنية (1)، وهي أيضا ليس
بحجة.
ومن جميع ما ذكر تظهر قوة قول السيد، فهو الجيد، والله المؤيد.
هذا، مع أنه لا ثمرة معتد بها بعد ظهور حرمة الجميع بنفسها، وعدم
وجوب كفارة فيها سوى الاستغفار، وعدم إفساده الاحرام كما يأتي.
الخامس: الجدال.
وحرمته من حيث الاحرام ثابتة، وإنما الخلاف في المراد منه، ولا بد
أولا من ذكر الأخبار المفسرة له حتى تظهر جلية الحال.
فمنها: الصحيحتان المتقدمتان (2).
ومنها: صحيحة أبي بصير (إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات جادل
صادقا فقد جادل وعليه دم، وإذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل وعليه
دم) (3)، وقريبة منها صحيحته الأخرى (4).
والثالثة: عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه: والله لا
تعمله، فيقول: والله لأعملنه، فيحالفه مرارا، يلزمه ما يلزم صاحب
الجدال؟ قال: (لا، إنما أراد بهذا إكرام أخيه، إنما ذلك ما كان لله فيه

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.
(2) وهما صحيحة ابن عمار وصحيحة علي المتقدمتان في ص: 379.
(3) الكافي 4: 338 / 4، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1 ح 4
بتفاوت يسير.
(4) التهذيب 5: 335 / 1154، الإستبصار 2: 197 / 665، الوسائل 13: 147
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1 ح 7.
384

معصية) (1).
والظاهر من الحديث أن المراد بالعمل: ما كان فيه إكرام صاحبه،
وبما كانت فيه معصية: ما لم يكن فيه غرض ديني، فإن ذلك دخول في
نهيه سبحانه بقوله: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) (2)، وورد في
الأخبار: (أن من حلف بالله كاذبا كفر ومن حلف بالله صادقا أثم) (3).
وصحيحة ابن عمار: (إن الرجل إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولا
وهو محرم فقد جادل، وعليه حد الجدال دم يهريقه ويتصدق به) (4).
والأخرى: عن الرجل يقول: لا لعمري، وهو محرم، قال: (ليس
بالجدال، إنما الجدال قول الرجل: لا والله، و: بلى والله) الحديث (5).
ومحمد: عن الجدال في الحج، فقال: (من زاد على مرتين فقد وقع
عليه الدم)، فقيل له: الذي يجادل وهو صادق؟ قال: (عليه شاة، والكاذب
عليه بقرة) (6).
وموثقة يونس: عن المحرم يقول: لا والله، و: بلى والله، وهو
صادق، عليه شئ؟ قال: (لا) (7).

(1) الكافي 4: 338 / 5، الفقيه 2: 214 / 973، العلل: 457 / 1، مستطرفات
السرائر: 32 / 30، الوسائل 12: 466 أبواب تروك الاحرام ب 32 ح 7.
(2) البقرة: 224.
(3) انظر الوسائل 23: 197 أبواب الأيمان ب 1.
(4) التهذيب 5: 335 / 1152، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1
ح 5.
(5) الكافي 4: 337 / 3، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1 ح 3.
(6) التهذيب 5: 335 / 1153، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1 ح 6.
(7) التهذيب 5: 335 / 1156، الإستبصار 2: 197 / 666، الوسائل 13: 147
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1 ح 8.
385

أقول: لا يخفى أن المستفاد من تلك الأخبار بكليتها: أن الجدال هنا
هو اليمين، فلا محيص عن القول به ورفض قول من جعل الجدال مطلق
الخصومة على ما هو مقتضى اللغة وإن لم ينقل به قائل.
ولا يشترط مسبوقيتها بالخصومة، كما حكي عن السيد الاجماع
عليه (1)، لاطلاق الأخبار. واستفادة ذلك من الصحيحة الثالثة لأبي بصير
- كما قيل (2) - ضعيفة، إذ مدلولها اشتراط عدم كون اليمين في الاكرام، لا
اشتراط كونها في الخصومة.
نعم، يشترط عدم كونها في الاكرام وطاعة الله، كما هو المحكي عن
الإسكافي والفاضل والجعفي (3)، لتلك الصحيحة، وبها تقيد الأخبار
المطلقة. ولا فرق بين كونها في المعصية أو غيرها، للاطلاق.
ولا يضر آخر تلك الصحيحة، إذ لم يقيد فيه بما كان في المعصية،
بل بما كانت فيه المعصية، وكل ما لم يكن في الطاعة كانت فيه المعصية
بالتقريب المتقدم.
ومنه يظهر خروج ما توقف عليه استنقاذ الحق أو دفع الدعوى الباطلة
عن الجدال، كما حكي عن الشهيدين (4) وغيرهما من المتأخرين (5)،
لخروجه عن المعصية بأدلة نفي الضرر.
وكذا يشترط كونها حلفا بالله، للأخبار المتقدمة الحاصرة لها بقول: لا
والله، و: بلى والله، المؤيدة بالمصرحة بعدم كون (لعمري) جدالا.

(1) الإنتصار: 95.
(2) انظر الرياض 1: 376.
(3) حكاه عنهم في الدروس: 1 / 387، وهو في المختلف: 271.
(4) الشهيد في الدروس 1: 387، الشهيد الثاني في الروضة 2: 362.
(5) كصاحبي المدارك 7: 342، الحدائق 15: 469.
386

والظاهر عدم الاختصاص بلفظ (الله)، بل التعدي إلى كل ما يؤدي
هذا المعنى، كالرحمن والخالق ونحوهما، وبالفارسية وغيرها من اللغات،
إذ الأصل في الألفاظ إرادة معانيها دون خصوص اللفظ، فالمراد بالله معناه،
وهو: الذات المخصوصة.
وكذا يشترط التكرار ثلاثا في الصادقة، وأما الكاذبة فتكفي الواحدة،
للأخبار المتقدمة الدالة بالمفهوم أو التفصيل القاطع للشركة على انتفاء
الجدال بالأقل من الثلاث في الصادقة، وبها تقيد المطلقة، وعليها تحمل
الموثقة الأخيرة بحملها على المرة.
وحمل الأخبار المتضمنة للثلاث على بيان ما يوجب الكفارة خاصة
خلاف الظاهر من الأكثر، سيما الصحيحة الأولى لابن عمار، حيث رتبت
تحقق الجدال على الثلاثة، وفرعت وجوب الدم على الجدال بلفظة
(الفاء). وجعل المتضمنة للثلاثة مطلقة لا وجه له.
وهل يشترط قول: لا ولله وبلى والله معا، أو يكفي أحدهما مكررا
في الصادقة وغير مكرر في الكاذبة؟
الظاهر: الثاني، وفاقا للأكثر، لأن النفي والاثبات لا يجتمعان غالبا،
فالمراد بيان الموارد.
السادس: قتل هوام الجسد والثوب من القملة والبرغوث ونحوهما،
وإلقاؤها عنهما.
أما الأول فحرمته على المحرم والمحرمة هي المشهورة بين
387

الأصحاب، كما صرح به جماعة (1)، لصحيحة ابن عمار المتقدمة،
المتضمنة لقوله: (اتق قتل الدواب كلها) (2)، الشاملة للمسألة.
ورواية أبي الجارود: عن رجل قتل قملة وهو محرم، قال: (بئس ما
صنع)، قال: فما فداؤها؟ قال: (لا فداء لها) (3).
المعتضدتين بصحيحة زرارة: عن المحرم هل يحك رأسه ويغتسل
بالماء؟ قال: (يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة) (4).
وبحسنة الحسين بن أبي العلاء: (المحرم لا ينزع القملة من جسده
ولا من ثوبه متعمدا، وإن قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما
قبضة بيده) (5).
وبسائر ما دل على المنع من نزع القملة وإبانتها وإلقائها (6)، فإن القتل
متضمن لبعض ذلك، بل يمكن التعدي منها إلى القتل بالأولوية.
ولكن بإزاء الروايتين روايات أخرى مخالفة لهما ظاهرا:
كصحيحة ابن عمار: ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: (لا شئ

(1) منهم صاحب المدارك 7: 343، صاحب الحدائق 15: 505، صاحب الرياض
1: 377.
(2) التهذيب 5: 297 / 1006، الإستبصار 2: 178 / 590، الوسائل 12: 444
أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 9.
(3) الكافي 4: 362 / 1، الفقيه 2: 230 / 1090، الوسائل 12: 539 أبواب تروك
الاحرام ب 78 ح 1.
(4) الكافي 4: 366 / 7، الفقيه 2: 230 / 1092، المقنع: 75، الوسائل 12:
534 أبواب تروك الاحرام ب 73 ح 4، بتفاوت يسير.
(5) التهذيب 5: 336 / 1160، الإستبصار 2: 196 / 661، الوسائل 13: 168
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 15 ح 3.
(6) الوسائل 12: 539 أبواب تروك الاحرام ب 78.
388

في القملة، ولا ينبغي أن يتعمد قتلها) (1)، حيث إن لفظة: (ينبغي)، وعموم
الشئ المنفي وشموله للعقاب، ظاهران في عدم التحريم.
والأخرى، وفيها: (ولا بأس بقتل القملة في الحرم وغيره) (2).
ورواية زرارة: (لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم) (3).
والأخرى: عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا أراده؟ قال:
(نعم) (4)، وفي بعض النسخ: إذا رآه، ونحوها المروي في مستطرفات
السرائر صحيحا (5)، إلا أن فيه: إذا آذاه، مكان: إذا أراده.
ولا يخفى أن الأخيرة لا تعارض رواية أبي الجارود، لاختلاف
الموضوع، وأخص مطلقا من الصحيحة الأولى، لاختصاصها بالبقة
والبرغوث، ومنهما بصورة إرادة الاذاء للمحرم، ومقتضى الجمع: إخراج
هذه الصورة من الحرمة، فهي خارجة قطعا.
ثم الروايات الثلاث الأخرى أعم من وجه من الصحيحة، لعمومية
الأولى من الثلاثة من جهة الشئ، والباقيتين من حيث إنهما يشملان
المحرم وغيره، وعمومية الصحيحة بالنسبة إلى الدواب، ومقتضى القاعدة:
الرجوع في مورد التعارض - وهو مثل هوام الجسد للمحرم - إلى الأصل،
وهو جواز القتل، سيما مع كونه - كما قيل (6) - مخالفا للعامة.
فلولا رواية أبي الجارود المنجبر ضعفها - لو كان - بالعمل لقلنا بذلك

(1) الكافي 4: 362 / 2، الوسائل 12: 539 أبواب تروك الاحرام ب 78 ح 2.
(2) الفقيه 2: 172 / 761، الوسائل 12: 551 أبواب تروك الاحرام ب 84 ح 3.
(3) الكافي 4: 364 / 11، الوسائل 12: 551 أبواب تروك الاحرام ب 84 ح 4.
(4) الكافي 4: 364 / 6، الوسائل 12: 542 أبواب تروك الاحرام ب 79 ح 3.
(5) مستطرفات السرائر: 32 / 33، الوسائل 12: 540 أبواب تروك الاحرام ب 78 ح 7.
(6) الحدائق 15: 508.
389

في جميع الهوام، كما هو ظاهر جماعة من القدماء (1)، حيث لم يذكروا إلا
الإزالة عن نفسه والالقاء دون قتله، إلا أن هذه الرواية أخص مطلقا من
الثلاثة.
ولا تعارضها الأخيرة، لعدم تعرضها للقملة، فإذن الحق حرمة قتل
القملة للمحرم مطلقا دون غيرها من هوام الجسد، وفاقا لكل من خص
الذكر بالقمل، ونسب ذلك إلى الأكثر (2)، وقواه بعض مشايخنا (3).
خلافا للمحكي عن ابن حمزة، فجوز قتل قمل البدن خاصة دون
الثوب (4)، وعن بعض المحدثين، فجوز قتل القمل مطلقا على كراهة (5)،
وهما - كما قيل (6) - شاذان وعن الدليل التام خاليان، وإن كان في الشذوذ
نظر، لما مر من عدم تعرض جماعة من القدماء للقتل.
وأما الثاني - أي الالقاء - فذكر حرمته جماعة (7)، وقيل باتفاق
الأصحاب ظاهرا على حرمته في القملة (8)، وعن الغنية: نفي الخلاف
عنه (9).

(1) منهم الطوسي في مصباح المتهجد: 620، الإقتصاد: 302، الجمل والعقود:
228، المبسوط 1: 339، القاضي في المهذب 1: 221.
(2) كما في كشف اللثام 1: 329، والرياض 1: 377.
(3) وهو صاحب الرياض 1: 377.
(4) الوسيلة: 163.
(5) حكاه في الرياض 1: 377.
(6) انظر المفاتيح 1: 340، الرياض 1: 377.
(7) منهم الشيخ في النهاية: 319، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 184،
الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 328.
(8) انظر الرياض 1: 377.
(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.
390

واستدل له بحسنة ابن أبي العلاء المتقدمة، وقريبة منها الأخرى (1)،
إلا أن فيها: (فإن فعل) مكان قوله: (وإن قتل)، و: (كفا واحدا) مكان
قوله: (قبضة بيده).
وصحيحة حماد بن عيسى: عن المحرم يبين القملة عن جسده
فيلقيها، قال: (يطعم مكانها طعاما) (2)، ونحوها صحيحة محمد (3).
وصحيحة ابن عمار: المحرم يحك رأسه فتسقط القملة والثنتان،
فقال: (لا شئ عليه، ولا يعيدها) (4).
والأخرى: (المحرم يلقي عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من
جسده، فإذا أراد أن يحول قملة من مكان إلى مكان فلا يضره) (5).
ورواية أبي بصير: عن المحرم ينزع الحلمة من البعير؟ قال: (لا،
هي بمنزلة القملة من جسدك) (6).
وصحيحة حريز: (إن القراد ليس من البعير، والحلمة من البعير
بمنزلة القملة من جسدك، فلا تلقها وألق القراد) (7).

(1) الكافي 4: 362 / 3، الوسائل 12: 539 أبواب تروك الاحرام ب 78 ح 3.
(2) التهذيب 5: 336 / 1158، الإستبصار 2: 196 / 659، الوسائل 13: 168
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 15 ح 1.
(3) التهذيب 5: 336 / 1159، الإستبصار 2: 196 / 660، الوسائل 13: 168
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 15 ح 2.
(4) الفقيه 2: 229 / 1086، التهذيب 5: 337 / 1165، الإستبصار 2:
197 / 663، الوسائل 13: 169 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 15 ح 5، بتفاوت.
(5) الفقيه 2: 230 / 1091، التهذيب 5: 336 / 1161، الوسائل 12: 540 أبواب
تروك الاحرام ب 78 ح 5.
(6) الفقيه 2: 232 / 1108، الوسائل 12: 543 أبواب تروك الاحرام ب 80 ح 3.
(7) الكافي 4: 364 / 8، الفقيه 2: 232 / 1107، الوسائل 12: 543 أبواب تروك
الاحرام ب 80 ح 2.
391

ولا يخفى أن تلك الروايات بأسرها خالية عن ذكر غير القملة
خصوصا أو عموما، وصحيحة ابن عمار الثانية ناصة على جواز إلقاء غير
القملة من الدواب، ولم يذكره أيضا كثير من قدماء الأصحاب، فالقول
بالجواز فيه خال عن الارتياب، كما اختاره صريحا بعض المتأخرين (1).
وأما الاستدلال لمنع إلقاء مثل البرغوث والبقة بصحيحة ابن سنان:
أرأيت إن وجدت علي قرادا أو حلمة أطرحهما؟ قال: (نعم، وصغارا
لهما، إنهما رقيا في غير مرقاهما) (2)، كما صدر عن بعضهم (3).
غير جيد جدا، لأن غايتها أن الارتقاء في غير المرقى يرجح
الاطراح، ولا دلالة على أن الارتقاء في المرقى يمنع عنه.
وأما القملة وإن وردت في الأخبار المذكورة إلا أن صحيحتي حماد
ومحمد لا تشتملان على منع إنشائي أو إخباري، وإنما تتضمنان الكفارة،
وهي غير حرمة الفعل، مع أن وجوبها أيضا محل كلام.
وكذلك صحيحة ابن عمار الأولى، لرجوع ضمير: (لا يعيدها) إلى
القملة، أي: لا يعيدها إلى موضعها، فهي بنفي الشئ الشامل للعقاب أيضا
على خلاف المطلوب - أي الجواز - دالة.
والبواقي - غير الأخيرة - عن إثبات التحريم قاصرة، لمكان الجملة
الخبرية.
والأخيرة وإن كانت ظاهرة في التحريم إلا أنها لرواية مرة معارضة:

(1) انظر المسالك 1: 110.
(2) الكافي 4: 362 / 4، الفقيه 2: 229 / 1085، التهذيب 5: 337 / 1162،
المقنع: 75، الوسائل 12: 541 أبواب تروك الاحرام ب 79 ح 1.
(3) انظر الرياض 1: 377.
392

عن المحرم يلقي القملة؟ فقال: (ألقوها، أبعدها الله غير محمودة ولا
مفقودة) (1).
وكذلك لعموم صحيحة ابن عمار الأولى المتقدمة، وبهما أيضا
يعارض سائر الأخبار المذكورة لو جعلناها على الحرمة دالة.
فإذن الجواز في الجميع أقوى مع الكراهة في القملة، بل في البواقي
أيضا، لفتوى جماعة، كما اختاره بعض مشايخنا ونقله عن بعض المحدثين
أيضا (2).
فرعان:
أ: يجوز نقل القملة وغيرها من مكان من الجسد إلى آخر ولو قلنا
في الالقاء بالحرمة، بلا خلاف فيه بين الطائفة كما ذكره بعض الأجلة (3)،
لصحيحة ابن عمار الثانية، ومقتضى إطلاقها عدم اشتراط كون المنقول إليه
مساويا أو أحرز، فالقول به - كما اختاره المحقق الشيخ علي (4) - تقييد بلا
مقيد، إلا أن يكون مراده عدم كونه معرضا للسقوط قطعا أو غالبا، وحينئذ
فلا بأس به، لأنه في معنى الالقاء.
ب: يجوز إلقاء القراد والحلم - وهو صغير القراد أو عظيمه - عن
نفسه بلا خلاف، للأصل، وصحيحة ابن سنان المتقدمة.
وكذا يجوز إلقاء الأول من البعير بلا خلاف، لصحيحة حريز المتقدمة

(1) التهذيب 5: 337 / 1164، الإستبصار 2: 197 / 662، الوسائل 12: 540
أبواب تروك الاحرام ب 78 ح 6.
(2) انظر الرياض 1: 377.
(3) انظر الرياض 1: 377.
(4) انظر جامع المقاصد 3: 184 و 302.
393

وغيرها (1).
ولا يجوز إلقاء الحلمة عنها، وفاقا لجماعة (2)، للصحيحة المذكورة
وغيرها من الروايات (3).
السابع: التدهين بعد الاحرام مطلقا، وبالدهن المطيب بعده وقبله إذا
كان ريحه يبقى إلى الاحرام، ويجوز بغير المطيب قبل الاحرام ولو بقي أثره
إلى ما بعده، وكذا بعده مع الضرورة.
أما الأول: فحرمته هي الأقوى الأشهر، لصحيحة ابن عمار المتقدمة
في صدر مسألة حرمة الطيب (4).
وصحيحة الحلبي: (لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك أو
عنبر، من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعدما تحرم، وأدهن بما شئت
من الدهن حين تريد أن تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى
تحل) (5)، وقريبة منها مضمرة علي بن أبي حمزة (6).
خلافا للمفيد والعماني والديلمي والحلبي (7)، فجوزوه على كراهة،

(1) في ص: 389.
(2) منهم الطوسي في التهذيب 5: 338، صاحب الرياض 1: 377.
(3) الوسائل 12: 542 أبواب تروك الاحرام ب 80.
(4) في ص: 367 وهي في الكافي 4: 353 / 1، الوسائل 12: 443 أبواب تروك
الاحرام ب 18 ح 5.
(5) الكافي 4: 329 / 2، الفقيه 2: 202 / 921 وفيه: عن علي بن أبي حمزة،
التهذيب 5: 303 / 1032، الإستبصار 2: 181 / 603، الوسائل 12: 458 أبواب
تروك الاحرام ب 29 ح 1.
(6) الكافي 4: 329 / 1، الفقيه 2: 202 / 921، التهذيب 5: 302 / 1031،
الإستبصار 2: 181 / 602، الوسائل 12: 458 أبواب تروك الاحرام ب 29 ح 1.
(7) المفيد في المقنعة: 432، حكاه عن العماني في المختلف: 269، الديلمي في
المراسم: 106، الحلبي في الكافي في الفقه: 203.
394

جمعا بين الأخبار المانعة والناصة على الجواز بعد الغسل قبل الاحرام، كصحاح
محمد (1) وابن أبي العلاء (2) وهشام بن سالم (3) وغيرها (4)، حيث إن الظاهر
بقاؤه عليه إلى ما بعد الاحرام، وتساوي الابتداء والاستدامة، والأمران ممنوعان.
وقد يستدل أيضا بالأخبار المرخصة له حال الضرورة (5)، وهو غير
جيد، لخروجه عن المسألة، لأن المفروض غير حال الضرورة.
وأما الثاني: فحرمه الأكثر أيضا، لما دل على المنع عن الطيب ولو
استدامة، كما مر في مسألة الطيب، لصحيحة الحلبي ورواية علي بن أبي
حمزة وغيرهما من الصحاح وغيرها الواردة في ذلك المضمار (6).
خلافا للمحكي عن ابن حمزة (7) وجماعة (8)، فكرهوه، للأصل،
وإطلاق جملة من الصحاح بجواز الادهان قبل الاحرام، وصحيحة محمد:
(لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل للاحرام أو بعده) وكان يكره
الدهن الخاثر الذي يبقى.
وأجيب: بأن الأصل يدفع بما مر، والمطلق يقيد به، والكراهة
تستعمل بمعنى الحرمة أيضا أو أعم منها (9).

(1) الكافي 4: 329 / 4، الوسائل 12: 460 أبواب تروك الاحرام ب 30 ح 3.
(2) الكافي 4: 330 / 5، الوسائل 12: 460 أبواب تروك الاحرام ب 30 ح 4.
(3) الفقيه 2: 201 / 918، التهذيب 5: 303 / 1034، الإستبصار 2: 182 / 605،
الوسائل 12: 461 أبواب تروك الاحرام ب 30 ح 6.
(4) الوسائل 12: 460 أبواب تروك الاحرام ب 30 و ص 458 ب 29.
(5) الوسائل 12: 462 أبواب تروك الاحرام ب 31.
(6) انظر الذخيرة: 594، الحدائق 15: 503.
(7) الوسيلة: 164.
(8) كالطوسي في الجمل والعقود (الرسائل العشر): 229.
(9) انظر المختلف: 269، الرياض 1: 378.
395

أقول: أما الأخبار المذكورة فكلها واردة بالجملة الخبرية أو ما
يحتملها، ودلالة مثلها على الحرمة ممنوعة.
وأما ما دل على حرمة استدامة الطيب فهو يعارض أخبار جواز
الادهان قبل الاحرام بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.
وأما الصحيحة فلا تتضمن إلا الكراهة التي هي أعم من الحرمة،
فقول ابن حمزة لا يخلو من قوة، والاجتناب أحوط.
وأما الثالث: فجوازه مما لا خلاف فيه كما قيل (1)، وعن التذكرة
والمنتهى: الاجماع عليه (2)، والصحاح به مع ذلك مستفيضة (3)، وليس في
شئ منها اشتراط عدم بقاء عينه بعد الاحرام مع مخالفته الأصل.
وقيل باشتراطه (4)، ولا وجه له، وصحيحة محمد المتقدمة لا تفيد
أزيد من المرجوحية.
وأما الرابع: فهو أيضا موضع وفاق، وفي المدارك (5) وغيره (6):
الاجماع عليه، والأخبار به مستفيضة من الصحاح وغيرها (7).
الثامن: إزالة الشعر.
قليله وكثيره عن الرأس واللحية وسائر البدن، بحلق أو نتف أو

(1) انظر الرياض 1: 377.
(2) التذكرة 1: 335، المنتهى 2: 787.
(3) الوسائل 12: 460 أبواب تروك الاحرام ب 30.
(4) انظر القواعد 1: 82.
(5) المدارك 7: 350.
(6) كالرياض 1: 378.
(7) الوسائل 12: 462 أبواب تروك الاحرام ب 31.
396

غيرهما بالاختيار، إجماعا محققا ومحكيا (1) مستفيضا، له، ولقوله سبحانه:
(ولا تحلقوا رؤوسكم) (2).
وصحيحة حريز: (لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع
الشعر) (3).
ورواية عمر بن يزيد: (لا بأس بحك الرأس واللحية ما لم يلق
الشعر، ويحك الجسد ما لم يدمه) (4).
دلتا بمفهوم الغاية - الذي هو أقوى المفاهيم - بثبوت البأس - الذي
هو الحرمة - إذا أوجب الحلق أو قطع الشعر، المؤيد جميعا بالأخبار
المستفيضة بل المتواترة معنى، الآمرة بالفداء أو المانعة بالجملة الخبرية (5).
وتجوز الإزالة للضرورة، للاجماع، والأصل، وقوله سبحانه: (فمن
كان منكم مريضا) الآية (6)، وصحيحة حريز (7) الواردة في سبب نزول الآية.
ولا يجوز للمحرم حلق رأس المحرم إجماعا، وفي حلق رأس
المحل قولان، الأصل يجوزه، وصحيحة معاوية بن وهب (8) تمنعه (9) ولكن

(1) انظر الرياض 1: 378.
(2) البقرة: 196.
(3) 227 الفقيه 2: 2 22 / 1033 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 306 / 1046، الإستبصار
2: 183 / 610، الوسائل 12: 513 أبواب تروك الاحرام ب 62 ح 5.
(4) التهذيب 5: 313 / 1077، الوسائل 12: 534 أبواب تروك الاحرام ب 73 ح 2.
(5) الوسائل 12: 531 أبواب تروك الاحرام ب 71.
(6) البقرة: 196.
(7) الكافي 4: 358 / 2، التهذيب 5: 333 / 1147، الإستبصار 2: 195 / 656،
المقنع: 75، الوسائل 13: 165 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 14 ح 1.
(8) ليست في (س)، وفي المصادر: معاوية بن عمار أو معاوية.
(9) الكافي 4: 361 / 7، التهذيب 5: 340 / 1179، الوسائل 12: 515 أبواب
تروك الاحرام ب 63 ح 1.
397

بالجملة الخبرية، فالأجود الكراهة.
التاسع: قص الأظفار كلا أو بعضا.
أي قطعها بأي نحو كان، للاجماع المؤيد بالأخبار المستفيضة (1)
المانعة عنه بالجمل الخبرية أو المثبتة للفداء.
وتجوز إزالتها مع الاضطرار، بأن ينكسر ويتضرر ببقائه، بلا خلاف
فيه، كما عن المنتهى والتذكرة (2)، لصريح صحيحة ابن عمار، وفيها: (فإن
كانت تؤذيه فليقصها) (3).
العاشر: قطع الشجر والحشيش النابتين في الحرم.
فإنه يحرم على المحرم والمحرمة، إجماعا محققا ومحكيا (4)
مستفيضا، له، وللنصوص المتكثرة المحرمة للقطع، أو المانعة عنه بالجمل
الخبرية أو مفهوم الوصف أو إثبات الفداء.
فمن الأولى صحيحة حريز: (كل شئ ينبت في الحرم فهو حرام
على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت أو غرسته) (5).
وصحيحة ابن عمار: عن شجرة أصلها في الحرم وفرعه في الحل،

(1) الوسائل 12: 538 أبواب تروك الاحرام ب 77.
(2) المنتهى 2: 795، التذكرة 1: 339.
(3) التهذيب 5: 314 / 1083، المقنع: 75، الوسائل 12: 538 أبواب تروك
الاحرام ب 77 ح 1.
(4) انظر الرياض 1: 379.
(5) الكافي 4: 230 / 2، الفقيه 2: 166 / 718، التهذيب 5: 380 / 1325،
الوسائل 12: 553 أبواب تروك الاحرام ب 86 ح 4.
398

فقال: (حرم فرعها لمكان أصلها)، قال: قلت: فإن أصلها في الحل وفرعها
في الحرم؟ قال: (حرم أصلها لمكان فرعها) (1).
وموثقة زرارة: (حرم الله حرمه بريدا في بريد أن يختلى خلاه أو
يعضد شجره إلا الإذخر) (2).
والاختلاء والعضد: القطع، والخلى: النبات اليابس، كما قاله
الجوهري (3)، أو الرطب كما ذكره في القاموس وابن الأثير (4).
وحماد بن عثمان: في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم،
قال: (إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها، وإن كانت نبتت في
منزله [وهو له فليقلعها]) (5).
والأخرى: عن الرجل يقطع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم،
قال: (إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتخذ المضرب فليس
له أن يقلعها، وإن كانت طرية عليها فله أن يقلعها) (6).
ومن الثانية مرسلة عبد الكريم: (لا ينزع من شجر مكة إلا النخيل
وشجر الفواكه) (7)، وبمضمونها مع زيادة موثقة سليمان بن خالد (8).

(1) الكافي 4: 231 / 4، الفقيه 2: 165 / 717، التهذيب 5: 379 / 1321،
الوسائل 12: 459 أبواب تروك الاحرام ب 90 ح 1.
(2) التهذيب 5: 381 / 1332، الوسائل 12: 555 أبواب تروك الاحرام ب 87 ح 4.
(3) الصحاح 2: 509، و ج 6: 2331 وفيه: الخلي: الرطب من الحشيش.
(4) القاموس المحيط 4: 327، النهاية الأثيرية 2: 75.
(5) الكافي 4: 231 / 6، التهذيب 5: 380 / 1327، الوسائل 12: 554 أبواب
تروك الاحرام ب 87 ح 3، بدل ما بين المعقوفين في (ح) و (ق): وهي له فله أن
يقلعها، وفي (س): فهي له أن يقلعها، وما أثبتناه من المصادر.
(6) التهذيب 5: 380 / 1326، الوسائل 12: 554 أبواب تروك الاحرام ب 87 ح 2، بتفاوت.
(7) الكافي 4: 230 / 1، الوسائل 12: 556 أبواب تروك الاحرام ب 87 ح 9.
(8) الفقيه 2: 166 / 720، التهذيب 5: 379 / 1324، الوسائل 12: 554 أبواب
تروك الاحرام ب 87 ح 1.
399

وصحيحة محمد: المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم، فقال:
(نعم)، قلت: فمن الحرم؟ قال: (لا) (1).
ورواية جميل بن دراج: (رآني علي بن الحسين عليه السلام وأنا أقلع
الحشيش من حول الفساطيط بمنى، فقال: يا بني، هذا لا يقلع) (2).
ورواية إسحاق بن يزيد: الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها، قال:
(اقطع ما كان داخلا عليك ولا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك) (3).
وصحيحة محمد بن حمران: عن النبت الذي في أرض الحرم
أينزع؟ قال: (أما شئ يأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه) (4).
وصحيحة حريز: ([يخلى] عن البعير يأكل في الحرم ما شاء) (5).
ورواية زرارة: (رخص رسول الله صلى الله عليه وآله في قطع عودي المحالة
- وهي: البكرة التي يستقى بها - من شجر الحرم والإذخر) (6).
ومرسلة موسى: (إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم
تنزع فإن أراد نزعها كفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين) (7).

(1) الفقيه 2: 166 / 721، الوسائل 12: 552 أبواب تروك الاحرام ب 85 ح 2.
(2) التهذيب 5: 379 / 1322، الوسائل 12: 553 أبواب تروك الاحرام ب 86 ح 2.
(3) الكافي 4: 231 / 3، الفقيه 2: 166 / 722، الوسائل 12: 555 أبواب تروك
الاحرام ب 87 ح 6.
(4) الفقيه 2: 166 / 719، التهذيب 5: 380 / 1328، الوسائل 12: 559 أبواب
تروك الاحرام ب 89 ح 2.
(5) الكافي 4: 231 / 5، الفقيه 2: 166 / 719، التهذيب 5: 381 / 1329،
الوسائل 12: 558 أبواب تروك الاحرام ب 89 ح 1، وما بين المعقوفين ليست في
النسخ، أضفناها من المصادر.
(6) التهذيب 5: 381 / 1330، الوسائل 12: 555 أبواب تروك الاحرام ب 87 ح 5.
(7) التهذيب 5: 381 / 1331، الوسائل 13: 174 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 18 ح 3.
400

وصحيحة حريز، وفيها: (إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات
والأرض، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة، لا ينفر صيدها ولا يقطع
شجرها ولا يختلى خلاها) إلى أن قال: (إلا الإذخر) (1)، وبمضمونها مرسلة
الفقيه (2)، إلى غير ذلك.
ولا يخفى أن حرمة هذا القطع لا تخص بالمحرم، بل هي من
خصائص الحرم، فعده من تروك الاحرام غير جيد، ولذا جعله في الدروس
مسألة برأسها (3)، واقتفينا نحن أثر الأكثر.
ثم إنهم استثنوا من ذلك أمورا:
الأول: ما نبت في ملك الانسان، لموثقتي حماد ورواية إسحاق،
وهي أخص من المدعى، لاختصاصها بالدار والمنزل والمضرب وبالشجر،
ودعوى الاجماع ممنوعة، ولذا استشكل فيها في الذخيرة (4)، ومنعها بعض
مشايخنا السادة (5)، فالأحوط الاقتصار على موردها.
بل استشكل بعضهم في أصل الاستثناء (6)، لضعف الروايات، وهو
عندي غير جيد.
الثاني: ما غرسه الانسان وأنبته بنفسه، سواء كان في ملكه أو غيره،
وهو كذلك، وفاقا للمحكي عن المبسوط والنهاية والسرائر والنزهة

(1) الكافي 4: 225 / 3، الوسائل 12: 557 أبواب تروك الاحرام ب 88 ح 1.
(2) الفقيه 2: 159 / 689، الوسائل 12: 558 أبواب تروك الاحرام ب 88 ح 4.
(3) الدروس 1: 388.
(4) الذخيرة: 596.
(5) كما في الرياض 1: 380.
(6) انظر الرياض 1: 380.
401

والمنتهى والتذكرة (1)، ونفى عنه الريب في المدارك (2)، لصحيحة حريز
الأولى (3).
خلافا للمنقول عن القاضي وابن زهرة والكيدري (4)، فقيدوه بملكه،
ولا وجه له، ويشعر بعض كلمات صاحب المدارك بجواز قطع ما أنبته
الآدمي مطلقا (5)، سواء كان نفس القالع أو غيره، ولا دليل عليه.
الثالث: شجر الفواكه والنخيل، سواء أنبته الله تعالى أو الآدمي، وعلى
استثنائه دعوى الاجماع عن الخلاف (6) والاتفاق عن المنتهى (7)، ونسبه في
المدارك والذخيرة إلى قطع الأصحاب به (8)، وتدل على استثنائها المرسلة
والموثقة المتقدمتين (9)، فلا محيص عنه.
الرابع: الإذخر، وصرح جماعة بعدم معرفة الخلاف في استثنائه (10)،
وعن المنتهى والتذكرة: الاجماع عليه (11)، وتدل عليه طائفة من الأخبار (12)

(1) المبسوط 1: 354، النهاية: 234، السرائر 1: 554، نزهة الناظر: 61،
المنتهى 2: 797، التذكرة 1: 340.
(2) المدارك 7: 370.
(3) تقدمت في ص: 396.
(4) القاضي في شرح جمل العلم والعمل: 215، ابن زهرة في الغنية (الجوامع
الفقهية): 575، الكيدري في إصباح الشيعة: 153.
(5) المدارك 7: 371.
(6) الخلاف 2: 407.
(7) المنتهى 2: 797.
(8) المدارك 7: 370، الذخيرة: 596.
(9) وهي مرسلة عبد الكريم، وموثقة سليمان بن خالد، المتقدمتين في ص: 397.
(10) كما في الذخيرة: 596، المفاتيح 1: 392، الرياض 1: 380.
(11) المنتهى 2: 798، التذكرة 1: 341.
(12) الوسائل 12: 554 أبواب تروك الاحرام ب 87.
402

المتقدمة.
الخامس: عود المحالة بفتح الميم، والمحالة: البكرة العظيمة يستقى
بها، وتدل على استثنائها رواية زرارة.
السادس: اليابس من الشجر والحشيش، استثناه في المنتهى والتذكرة
والتحرير واللمعتين والدروس (1)، للأصل، ولأن الخلي الممنوع من قطعه
هو الرطب من النبات، ولأن اليابس لا حرمة له.
والكل ضعيف، لأن الأصل مدفوع بالاطلاقات والعمومات (2)،
والخلى وارد في بعض الروايات (3)، وتخصيصه بالذكر فيه لا ينفي الحكم
عن غيره، مع أن الخلي مفسر عند بعض اللغويين - كما مر - باليابس،
وعليه فيفيد ضد المطلوب، وضعف التعليل ظاهر، فعدم الاستثناء أقوى.
فروع:
أ: قيل: التحريم يتناول القطع والانتفاع مطلقا، فلو انكسر غصن أو
سقط ورق لم يجز الانتفاع به، سواء كان ذلك بفعل الآدمي أو غيره (4)،
وفي المنتهى والتذكرة: الاجماع على جواز الانتفاع في الساقط بفعل غير
الآدمي، واستقرب الجواز في الساقط بفعل الآدمي (5).
والحق: الاختصاص بالقطع، لأنه المتبادر من التحريم المطلق في

(1) المنتهى 2: 798، التذكرة 1: 340، التحرير 1: 115، الروضة 2: 245،
الدروس 1: 389.
(2) الوسائل 12: 552 أبواب تروك الاحرام ب 86.
(3) كموثقة زرارة المتقدمة في ص: 396.
(4) انظر الرياض 1: 379.
(5) المنتهى 2: 798، التذكرة 1: 341.
403

هذا المقام، ولو منع لكان مجملا، فيجب الاقتصار فيه على المقطوع به،
وهو القطع المصرح به في سائر الأخبار (1).
ب: يجوز للمحرم أن يترك إبله ودابته في الحرم ليرعى في
الحشيش وإن حرم قطعه، للأصل، وصحيحة حريز السالفة (2)، بل جوز في
المدارك نزعه للإبل (3)، لصحيحة جميل ومحمد بن حمران (4)، وهو كذلك.
ج: قال في المدارك: يجوز للمحرم أن يأخذ الكمأة (5) من الحرم،
لأنه ليس بحشيش (6).
وفيه: منع عدم صدق الحشيش، سلمنا ولكن يصدق عليه النبات
والشي النابت المعنون في بعض الأخبار (7).
نعم، لو أخذها بعد انكسارها أو قلعها للدابة لم يكن به بأس.
د: الحشيش والنبت والشجر الممنوع عن قطعها يعم الشوك وشبهه من
الأشجار المؤذية، فيحرم قطعها كما هو ظاهر الخلاف (8) وصريح التذكرة (9)،
وعن الشافعي (10) وطائفة (11) من العامة عدم التحريم. ومن الله التأييد.

(1) كما في الوسائل 12: 552 أبواب تروك الاحرام ب 86.
(2) في ص 398.
(3) المدارك 7: 372.
(4) المتقدمة في ص: 398.
(5) الكمأة: شئ أبيض مثل الشحم، ينبت من الأرض، يقال له شحم الأرض،
واحدها كم والجمع أكمؤ - مجمع البحرين 1: 363.
(6) المدارك 7: 371.
(7) الوسائل 12: 552 أبواب تروك الاحرام ب 86.
(8) الخلاف 2: 407.
(9) التذكرة 1: 340.
(10) حكاه عنه في الخلاف 2: 407، 408.
(11) حكاه عنهم في الخلاف 2: 408.
404

الحادي عشر: لبس السلاح.
وتحريمه هو المشهور بين الأصحاب، وهو الأقوى، لمفهوم رواية
زرارة: (لا بأس أن يحرم الرجل وعليه سلاحه إذا خاف العدو) (1)، أثبت
البأس مع عدم الخوف، والبأس: العذاب.
وتؤيده المستفيضة من الصحاح وغيرها الواردة بالجملة الخبرية
والمثبتة للكفارة (2).
خلافا للشرائع والنافع والارشاد (3)، فكرهوه، ويظهر من الأولين
وجود قائل غيرهما به أيضا، للأصل، وتضعيف المفهوم، وجوابهما ظاهر.

(1) الكافي 4: 347 / 4، الوسائل 12: 504 أبواب تروك الاحرام ب 54 ح 4.
(2) الوسائل 12: 504 أبواب تروك الاحرام ب 54.
(3) الشرائع 1: 251، النافع: 85، الإرشاد 1: 318.
406