الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ١٩
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٩
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٢-٧٥-٥٥٠٣-٩٦٤
ملاحظات:

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف العلامة الفقيه
المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء التاسع عشر
تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

الطبعة: الأولى - ربيع الآخر - 1419 ه‍
المطبعة: ستارة. قم
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

كتاب الفرائض والمواريث
وفيه خمس مقدمات، وثلاثة مقاصد:
5

المقدمة الأولى
في بيان معناهما، والأصل في ثبوتهما
أما المعنى: فالفرائض جمع فريضة، من الفرض، وهو لغة:
التوقيت، والتقدير، والقطع، والبيان، والوجوب، والثبوت، والعطية
الموسومة (1).
وفي العرف العام لفقهائنا مرادف للواجب. وفي الخاص: ما يستحقه
الإنسان من السهام المقدرة في كتاب الله بموت آخر بينهما نسب أو سبب.
والمواريث جمع ميراث، من الإرث، وهو في اللغة: الأصل،
والبقية، والأمر القديم، والرماد (2).
وفي الاصطلاح: حق منتقل من ميت حقيقة أو حكما إلى حي كذلك
ابتداء.
فدخل في الحد الحق المالي وغيره كالحد. ودخل بقولنا " حكما " في
الموضعين: المرتد الفطري وإن لم يقتل، والمفقود، والحمل، والغريق،

(1) لاحظ النهاية. لابن الأثير 3: 432، والقاموس 2: 352، والصحاح 3: 1097
وقال: ويسمى العلم بقسمة المواريث فرائض، والمصباح المنير: 469، والمغرب
2: 92، وقال: قيل لانصباء المواريث: الفرائض لأنها مقدرة لأصحابها، ثم قيل
للعلم بمسائل الميراث علم الفرائض، ولسان العرب 7: 202، مجمع البحرين 4:
220، وزاد بعضهم معاني أخرى منها: ما أعطيت من غير قرض، والحز في
الشئ، والسنة، والترس، وما فرضته على نفسك فوهبته أو جدت به لغير ثواب،
والهبة.
(2) كما في لسان العرب 2: 111.
7

ونحوه. وبالابتداء خرج الوقف المرتب والوصايا.
ولو أبدل الأخير بقولنا: " بنسب أو سبب " لأفاد ما يفيد.
وهو أعم من الفريضة، لشموله للحقوق المالية وغيرها واختصاصها
بالأولى، ولاعتبار التقدير فيها وعدم اعتباره فيه.
وقد يقال بتساويهما بإرادة ما يشمل غير المقدر من الفرائض ولو
بالتغليب. وهذا إنما يفيد لو أريد منها ما يشمل غير المالية أيضا، وإطلاقها
عليه غير متعارف.
وأما الأصل في ثبوتهما - سوى الضرورة الدينية والإجماع القطعي -
الآيات المتكاثرة:
قال الله سبحانه: * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون
وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) * (1).
وقال سبحانه: * (يوصيكم الله في أولادكم) * (2) الآيتين.
وقال: * (إن امرؤ هلك) * (3) الآية.
والأخبار المتضافرة التي يأتي ذكرها في طي بيان تفاصيل الأحكام.
وروى في المبسوط، عن ابن مسعود، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
" تعلموا الفرائض، وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، والعلم سيقبض،
وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدان من يفصل
بينهما " (4).

(1) النساء: 7.
(2) النساء: 11.
(3) النساء: 176.
(4) المبسوط 4: 67.
8

قيل: وذلك لابتناء مسائل الفرائض على أصول غير عقلية وعدم
اشتمال القرآن على جميعها (1).
وروى فيه أيضا عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " تعلموا الفرائض، فإنها من
دينكم، وإنه نصف العلم، وإنه أول ما ينتزع من أمتي " (2).
ومصداق ما ذكره بقوله: " وإنه أول ما ينتزع " ما شاع وذاع من قصة
غصب فدك، وخيبر، ووضع حديث لا نورث.
ويمكن إرجاع الضمير إلى العلم. وكونه أول ما ينتزع، لكونه الخلافة
التي يوجب انتزاعها انتزاع العلم والتعليم.
وتوجيه كون العلم بالفرائض نصف العلم باختصاصه بإحدى حالتي
الإنسان من الحياة والممات، أو بكونه أحد سببي الملك من الاضطراري
والأعم، أو أحد قسمي العلم مما يكون المقصود بالذات فيه التعليم والتعلم
والعمل تابع وعكسه، أو باعتبار ثوابه، أو لإيجابه وضع الإمامة (3) في
موضعها الموجب لتمامية العلم، أو لتوقفه على مشقة عظيمة..
تكلف (4) لا تقبله الأذهان السليمة، وإن كان أخيرها أولاها.
ويمكن أن يراد بالفرائض ما يجب فعله، فيكون إشارة إلى الحكمة
العملية التي هي أحد قسمي العلم، والتخصيص بالفرائض لكونها أهم.

(1) انظر الرياض 2: 334.
(2) المبسوط 4: 67، بتفاوت.
(3) في " ق ": الأمانة.
(4) قوله " تكلف " خبر لقوله " وتوجيه " المتقدم.
9

المقدمة الثانية
في موجبات الإرث وأسبابه
وهي اثنان بالاستقراء والضرورة من الدين: النسب والسبب.
والمراد بالنسب عرفا: اتصال بين شخصين عرفا بالولادة شرعا.
فخرج بقولنا عرفا من يتصل بالآخر اتصالا بعيدا عرفا (1)، كاتصالهما
بالولادة من آدم أو النبي أو غيرهما. وبقولنا بالولادة اتصال أحدهما بالآخر
بزوجية أو إخاء أو ولاء أو نحوها. وبقولنا شرعا ولد الزنا، ودخل به من
ألحقه الشارع ولو لم تعلم الولادة.
وبالسبب: اتصال أحدهما بالآخر بزوجية أو ولاء مخصوص.
ولا يلزم خروج المطلقة رجعية مع ارتفاع الزوجية وثبوت التوارث،
لأن الزوجية وإن كانت مرتفعة إلا أنها سبب لنوع اتصال بينهما يمكن معه
الرجوع، فالاتصال الحاصل بينهما إنما هو بسببها.
ثم للنسب عمود وحاشية، وعموده الآباء وإن صعدوا، والأبناء وإن
نزلوا، والبواقي حاشيته.
والفقهاء جعلوه على طبقات ومراتب، باعتبار الاجتماع والافتراق في
الإرث، والتباين والتناسب في جهة النسبة.
وبيان ذلك: أنهم لما تتبعوا تفاصيل الأدلة رأوا أن جميع الأنسباء
لا يجتمعون في الإرث بل يمنع بعضهم بعضا.
ثم رأوا أن بعض من يمنع بعضا يجامع آخر أيضا، وأن البعض الذي

(1) في " ق ": عادة.
10

يمنعه هذا البعض على قسمين (1): قسم لا يمنعه البعض الذي يجامع الأول
ويمنع سائر من يمنعه، وقسم يمنعه أيضا.
وأيضا رأوا أنهم إما متحدون في جهة النسبة، أو متباينون، والأول إما
لا يجامع بعضه من يمنعه البعض الآخر، أو يجامع.
فجعلوا كل نسيبين متباينين في جهة النسبة يجامعان في الإرث
منضما مع من يجامع أحدهما ويمنع سائر من يمنعانه وإن لم يجامع
الآخر، أو متحدين فيها غير مجتمع (2) أحدهما مع من يمنعه الآخر وإن
لم يجتمعا في الإرث في طبقة واحدة.
وبتقرير آخر: الأنسباء إما متناسبون في جهة النسبة، أو متباينون،
والأولون إما يجامع بعضهم بعض من لا يجامع الآخر أو لا، والآخرون إما
يجتمعون في الإرث أو لا.
فجعلوا كل نسيبين متناسبين لا يجتمع أحدهما مع من يمنعه الآخر،
أو متباينين مجتمعين في الإرث في طبقة واحدة.
ولأجل ذلك حصل للنسب طبقات ثلاث..
الأولى: الأبوان من غير ارتفاع، والأولاد وإن نزلوا.
الثانية: الإخوة والأخوات لأب أو لأم أو لهما، وأولادهم وإن نزلوا،
والأجداد والجدات لأب أو لأم أو لهما وإن علوا.
الثالثة: الأخوال والخالات والأعمام والعمات وإن علوا، وأولادهم

(1) فالقسم الأول كأولاد الأولاد الذين يمنعهم الأولاد، فإنه لا يمنعهم الأبوين اللذين
يجامعان الأولاد، ويمنعون سائر من يمنعه الأولاد، والقسم الثاني كالأجداد " منه
قدس سره ".
(2) هذا القيد لتصحيح جعلهم الجد والأب في طبقتين مع اتحادهما في جهة النسبة
(منه قدس سره).
11

وإن سفلوا.
ثم لما كان في كل طبقة أنسباء متفرقين باعتبار النسبة جعلوا كل
طائفة متحدة فيها صنفا واحدا، وباعتبار ذلك حصل له خمسة أصناف.
تشتمل الأولى على صنفين: أصل محصور وهو الأبوان، وفرع غير محصور
وهو الأولاد. وكذلك الثانية، وصنفاها غير محصورين عروجا ونزولا،
وهما الإخوة والأجداد. ولا تشمل الثالثة إلا على واحد غير محصور.
ولما كان أنسباء كل صنف متفاوتة باعتبار القرب والبعد إلى الميت
جعلوا كل طائفة متساوية قربا وبعدا درجة واحدة، فحصل له درجات،
وهي غير محصورة إلا أن للصنف الأول من الأولى درجة واحدة.
وقد تجعل (1) الطبقات أكثر بجعل الأعمام والأخوال وأولادهم طبقة
ثالثة، وأعمام كل من الأبوين وأخواله وأولادهم رابعة، وأعمام كل من الجدين
وأخواله وأولادهم خامسة، وهكذا فتتصاعد طبقات إلى غير النهاية. ولا بأس به.
وهذه الطبقات مترتبة في الإرث، فلا يرث أحد من اللاحقة مع وجود
واحد من سابقتها خال من الموانع وإن كان أنثى. كما أن درجات كل طبقة
كذلك أيضا، فلا ترث الثانية مع وجود واحد من الأولى وهكذا. ولكن لا يمنع
أحد من صنف - وإن كان أقرب - أحدا من صنف آخر في طبقته وإن كان
أبعد.
وأما السبب فقسمان: زوجية وولاء (2).
وللولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، وولاء تضمن الجريرة، وولاء الإمامة.
وأول قسميه يجامع النسب، فيرث من له الزوجية مع كل من

(1) جعلها صاحب المفاتيح أكثر (منه رحمه الله).
(2) الولاء - بالفتح والمد - وهو في اللغة القرب (منه رحمه الله).
12

الأنسباء، وإن كان في أول الدرجات من الطبقة الأولى. دون ثانيهما، فلا يرث
أحد منه وإن كان في أول المراتب مع واحد منه وإن كان في آخر الطبقات.
ولا ممانعة بين قسمي السبب، فيجامع من له الولاء من له الزوجية،
إلا من كان له ولاء الإمامة ففيه خلاف يأتي.
ومراتب الولاء مرتبة، فيقدم العتق على ضمان الجريرة المقدم على
الإمامة.
فوائد:
الأولى: كل وارث مناسب أو مسابب إما سمى الله تعالى له في كتابه
سهما معينا أو لا، والأول يسمى ذا فرض، والثاني قرابة. والأول إما سمى
له في جميع حالاته، أو في حالة دون أخرى. فالوارث ثلاثة:
الأول: ذو فرض لا غير إلا على الرد، وهو ثلاثة أصناف:
الأم، قال الله تعالى: * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك
إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له
إخوة فلأمه السدس) * (1).
سمى لها في جميع حالاتها سهما معينا.
والزوجان، قال الله سبحانه: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن
لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع) * (2).
وقال: * (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم
ولد فلهن الثمن) * (3).
وكلالة الأم، اتحدت أم تعددت، قال عز شأنه: * (وإن كان رجل

(1) النساء: 11، 12.
(2) النساء: 11، 12.
(3) النساء: 11، 12.
13

يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن
كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * (1).
الثاني: ذو فرض تارة وقرابة أخرى، وهو أيضا ثلاثة أصناف:
الأب، فيرث بالفرض إذا اجتمع مع الولد، قال تعالى: * (ولأبويه
لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * (2).
وبالقرابة إذا انفرد، قال: * (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه
الثلث) * (3).
فرض للأم على تقديري وجود الولد وعدمه، ولم يجعل للأب على
الأخير فرضا فيرث حينئذ بالقرابة.
والبنت والبنات، فيرثن بالقرابة إذا دخل عليهن الذكر، قال عز من
قائل: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * (4).
فلم يجعل لهن حينئذ فرضا.
وبالفرض إذا انفردن، قال سبحانه: * (فإن كن نساء فوق اثنتين
فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) *. (5)
والأخت من قبل الأبوين أو الأب، أتحدث أم تعددت، فيرثن
بالقرابة إذا دخل عليهن ذكر من الأب، قال سبحانه: * (وإن كانوا إخوة
رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) * (6).
وبالفرض إذا انفردن أو دخلت عليهن كلالة الأم، قال عز شأنه: * (إن
امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن
لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان) * (7).

(1) النساء: 12.
(2) النساء: 11.
(3) النساء: 11.
(4) النساء: 11.
(5) النساء: 11.
(6) النساء: 176.
(7) النساء: 176.
14

الثالث: ذو قرابة لا غير، وهم الباقون.
ثم إن ما ذكرنا من التقسيم هو الموافق للدروس (1)، وهو أحسن ما
ذكر في هذا المقام، ولكنه يصح إذا لم يجعل الرد داخلا في القرابة، أو
قطع النظر عنه، وهو بعيد، بل خلاف مدلول كلمات القوم.
ولذا قسمه (2) بعضهم بأنه إما ذو فرض أو قرابة، والأول إما ذو فرض
دائما، أو في حالة دون أخرى، أو ذو فرض وقرابة معا كما في صورة الرد.
وهذا وإن كان أتم من الأول إلا أنه يخرج منه قسم رابع: وهو من
يرث بالفرض في حالة، وبالقرابة في أخرى، وبهما معا في ثالثة، كالأب
يرث بالفرض مع مجامعة الذكر من الولد، وبالقرابة إذا انفرد أو جامع الأم،
وبهما معا مع مجامعة البنت أو البنات.
وبالجملة ما عثرت في عباراتهم في هذا المقام على كلام خال عن
القصور والخلل، إما استقصاء، أو تعبيرا، أو تمثيلا، أو معنى. وأكثرها
خللا كلام المسالك (3)، كما لا يخفى على المتدبر فيه.
والأولى في التقسيم أن يقال: الوارث إما يرث بالفرض أو بالقرابة،
وعلى الأول إما يكون كذلك دائما، أو في حال دون حال، وعلى الأول إما
لا يرث إلا بالفرض، أو لا يرث إلا به وبالقرابة معا، أو يرث به في حال
وبهما في أخرى، وكذلك على الثاني فيما يرث به.
وهذه الأقسام وإن جرت فيمن يرث بالقرابة أيضا، إلا أن غير واحد
من أقسامها يرجع إلى أقسام ذي الفرض.

(1) الدروس 2: 333، 334.
(2) أي الوارث (منه قدس سره).
(3) المسالك 2: 309.
15

أو يقال: إن الوارث إما ذو فرض دائما أو قرابة كذلك، أو ذو فرض
في حالة وقرابة في أخرى، فالأول إما ذو فرض محض دائما، أو مع القرابة
كذلك، أو محض في حال ومعها في أخرى، والثاني أيضا إما قرابة محضة
دائما أو مع الفرض كذلك، أو محضة في حال ومعه في أخرى.
وإن شئت أمثلة هذه الأقسام فارجع إلى هذين الجدولين (1).
الثانية: الوارث إن لم يكن ذا فرض فالمال له، اتحد أم تعدد، وإن
كان ذا فرض أخذ فرضه كذلك، فإن فضل شئ يرد عليه على التفصيل
الآتي. وفي الرد على الزوجين خلاف يأتي.
ولو نقصت الفريضة عن ذوي الفروض دخل النقص على بعضهم
على ما سيجئ.
ولا تعصيب عندنا في الأول، كما لا عول كذلك في الثاني، كما
يأتي.
الثالثة: إذا اجتمع لوارث موجبان - نسبيان أو سببيان، أو نسبي
وسببي - أو أكثر يرث بالجميع إذا لم يكن هناك من هو أقرب منه فيهما أو
في أحدهما، ولم يكن أحدهما مانعا من الآخر، فإن كان هناك أقرب منه
فيهما فلا يرث بشئ منهما، أو في أحدهما فلا يرث به وحده، أو كان
أحدهما مانعا فلا يرث بالممنوع.
ثم الموجبان إما يوجبان بالفرض، أو بالقرابة، أو بعض بالفرض
وبعض بالقرابة، وفي جميع الصور لكل حكمه. ولا يمنع ذو الموجبين من
هو في طبقته من ذوي الموجب الواحد.

(1) الجدولان غير مثبتين في النسخ التي بأيدينا، وذكر في هامش النسخة الحجرية أن
هذين الجدولين غير مرقومين في نسخة الأصل.
16

ولما كانت الصور المتصورة ثمانية وأربعين، الحاصلة بضرب
ثمانية صور اجتماع الموجبين أو أكثر، في اثنين المانع أحدهما عن الآخر
وغيره، ثم ضرب الستة عشر في الثلاثة كونهما موجبين بالفرض أو بالقرابة
أو بعض بالفرض وبعض بالقرابة، وكان بعض هذه الصور ممكن الوقوع
وبعضها ممتنع الوقوع، فرسمنا هذا الجدول لبيان ما يمكن وقوعه ومثاله
وما يمتنع:
ثم الصور وإن تصاعدت بضربها في الثلاثة: وجود من هو أقرب
فيهما، أو في أحدهما، وعدم الأقرب مطلقا، ولكن تركنا بيانها لوضوحها
عند من أحاط بالصور الثمانية والأربعين.
17

المقدمة الثالثة
في بيان موانع الإرث ولواحقها
وهي أمور:
الأول: الكفر.
والمراد به كل ما يخرج معتقده عن الإسلام، سواء كان حربيا أو ذميا
أو مرتدا أو منتحلا للإسلام كالخوارج والغلاة.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الكافر بأنواعه لا يرث المسلم ولا من في حكمه
وإن قرب، كافرا كان المسلم في الأصل أو لا، خلف وارثا غيره أم لا.
للإجماع المحقق والمحكي في المسالك والتنقيح وظاهر الكفاية
والمفاتيح (1).
والروايات المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب، كصحيحة أبي
بصير وفي آخرها: " وإن لم يسلم من قرابته أحد فإن ميراثه للإمام " (2).
وصحيحة أبي ولاد (3): " المسلم يرث امرأته الذمية ولا ترثه " (4).

(1) المسالك 2: 311، التنقيح 4: 132، كفاية الأحكام: 289، المفاتيح 3: 311.
(2) الكافي 7: 144 / 2، الفقيه 4: 244 / 787، التهذيب 9: 369 / 1316،
الوسائل 26: 20 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 1.
(3) وكون رواية أبي ولاد صحيحة إنما هو على طريق الفقيه، حيث إنه روى عن
السراد، وطريقه إليه صحيح (منه قدس سره).
(4) الكافي 7: 143 / 6، الفقيه 4: 244 / 784، التهذيب 9: 366 / 1306،
الإستبصار 4: 190 / 710، الوسائل 26: 11 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 1.
18

وموثقة سماعة: عن المسلم هل يرث المشرك؟ فقال: " نعم، فأما
المشرك فلا يرث المسلم " (1) وقريبة منها موثقته الأخرى (2).
وحسنة جميل وهشام: فيما روى الناس عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
" لا يتوارث أهل ملتين " فقال: " نرثهم ولا يرثونا، إن الإسلام لم يزده إلا عزا
في حقه " (3).
وفي الكافي: " لم يزده في حقه إلا شدة " (4).
وحسنة محمد بن قيس قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: " لا يرث
اليهودي والنصراني المسلم، ويرث المسلم اليهودي والنصراني " (5).
ورواية الحسن بن صالح: " المسلم يحجب الكافر ويرثه، والكافر
لا يحجب المؤمن ولا يرثه " (6).
ورواية أبي العباس: " لا يتوارث أهل ملتين، يرث هذا هذا، وهذا
هذا، إلا أن المسلم يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم " (7).

(1) الفقيه 4: 244 / 781، الوسائل 26: 13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 5.
(2) الكافي 7: 143 / 3، التهذيب 9: 366 / 1304، الإستبصار 4: 190 / 708،
الوسائل 26: 13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 5.
(3) التهذيب 9: 365 / 1302، الإستبصار 4: 189 / 706، الوسائل 26: 15 أبواب
موانع الإرث ب 1 ح 14.
(4) الكافي 7: 142 / 1.
(5) الكافي 7: 143 / 2، الفقيه 4: 244 / 786، التهذيب 9: 366 / 1303،
الإستبصار 4: 190 / 707، الوسائل 26: 13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 7.
(6) الكافي 7: 143 / 5، الفقيه 4: 244 / 783، التهذيب 9: 366 / 1307،
الإستبصار 4: 190 / 711، الوسائل 26: 11 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 2.
(7) التهذيب 9: 367 / 1313، الإستبصار 4: 191 / 717، الوسائل 26: 15 أبواب
موانع الإرث ب 1 ح 15.
19

وقول الباقر والصادق (عليهما السلام) في روايتي ابني أعين (1) بعد سؤالهما عن
النصراني يموت وله ابن مسلم، أيرثه؟: " نعم، إن الله لم يزده بالإسلام إلا
عزا، فنحن نرثهم ولا يرثونا " (2).
وقريب منه قول الأول في رواية أخرى (3) لأحدهما (4).
وروايته عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لا يتوارث أهل ملتين، نحن
نرثهم ولا يرثونا، إن الإسلام لم يزده في ميراثه إلا شدة " (5).
وقريب منه روايته الأخرى (6).
ورواية أبي خديجة (7): " لا يرث الكافر المسلم، وللمسلم أن يرث
الكافر " (8).

(1) عبد الله بن أعين وعبد الرحمن بن أعين، والأول روى عن الباقر والثاني عن
الصادق (عليهما السلام) (منه قدس سره).
(2) الموجود في المصادر قول الباقر (عليه السلام) فقط في كلتي الروايتين: رواية عبد الله بن
أعين في الكافي 7: 143 / 4، والتهذيب 9: 366 / 1305، رواية عبد الرحمن بن
أعين في الفقيه 4: 243 / 780، والاستبصار 4: 190 / 709، ورواهما في الوسائل
26: 12 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 4.
(3) وهو قول أبي جعفر (عليه السلام) لعبد الرحمن بن أعين، التهذيب 9: 370 / 1321،
الإستبصار 4: 192 / 719، الوسائل 26: 16 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 19.
(4) أي أحد ابني أعين وهو عبد الرحمن (منه قدس سره).
(5) الفقيه 4: 244 / 782، الوسائل 26: 13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 6. وفيهما
" عزا " بدل " شدة ".
(6) التهذيب 9: 367 / 1312، الإستبصار 4: 191 / 716، الوسائل 26: 15 أبواب
موانع الإرث ب 1 ح 17.
(7) أبي خديجة هذا هو سالم بن مكرم، ولا يبعد توثيقه فتكون الرواية صحيحة، إذ
ليس في رجاله من يتوقف في شأنه دونه (منه قدس سره).
(8) الفقيه 4: 244 / 785، التهذيب 9: 372 / 1329، الوسائل 26: 12 أبواب
موانع الإرث ب 1 ح 3.
20

والرضوي: " واعلم أنه لا يتوارثان أهل الملتين، نحن نرثهم
ولا يرثونا، ولو أن رجلا مسلما أو ذميا ترك ابنا مسلما وابنا ذميا لكان
الميراث من الرجل المسلم والذمي للابن المسلم " (1).
وفيه أيضا: " ولو مات مسلم وترك امرأة يهودية أو نصرانية لم يكن
لها ميراث، وإن ماتت هي ورثها الزوج المسلم " (2) إلى غير ذلك من الأخبار
المتكثرة (3).
وعدم شمول الجميع لجميع أصناف الكفار لا يضر، لعدم القول
بالفصل. مع كون كثير منها عاما شاملا للجميع. وضعفها بعد الانجبار
بالعمل والاعتضاد بالإجماعين غير ضائر.
ويدل على المطلوب أيضا الأخبار الآتية (4) الدالة على أن من أسلم
على ميراث قبل أن يقسم فهو له، كما لا يخفى.
وقد يستدل عليه أيضا بوجوه ضعيفة أخرى لا فائدة في ذكرها.
المسألة الثانية: المسلم يرث الكافر أصليا كان أم لا.
خلافا لأكثر العامة فنفوا التوارث من الجانبين، ونسبوه إلى علي (عليه السلام)
وزيد وعامة الصحابة (5)، وهو فرية بلا مرية.
لنا: إجماع أصحابنا - الكاشف عن قول الحجة - المحقق، والمحكي
في الاستبصار والانتصار والتحرير والمسالك والتنقيح وظاهر الكفاية (6).

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 290، مستدرك الوسائل 17: 141 أبواب موانع الإرث ب 1
ح 1.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): 290، مستدرك الوسائل 17: 141 أبواب موانع الإرث ب 1
ح 1.
(3) الوسائل 26: 11 أبواب موانع الإرث ب 1.
(4) في ص 28.
(5) بداية المجتهد 2: 352، المغني والشرح الكبير 7: 166.
(6) الإستبصار 3: 191، الإنتصار: 302، التحرير 2: 171، المسالك 2: 311،
التنقيح 4: 132، كفاية الأحكام: 289.
21

وما عدا الأولى من الروايات المتقدمة. ولعموم آيات الإرث ورواياته،
خرج إرث الكافر من المسلم بالإجماع فيبقى الباقي.
ويؤكده الاعتبار، كما قال في الفقيه قال: فإن الله عز وجل حرم على
الكفار الميراث عقوبة لهم بكفرهم، كما حرم على القاتل عقوبة لقتله، وأما
المسلم فلأي جرم وعقوبة يحرم الميراث (1)؟!
وأشار إلى ذلك الاعتبار في بعض ما تقدم من الأخبار بمثل
قوله (عليه السلام): " لم يزده الإسلام إلا عزا ".
احتجوا بما رووه عن أسامة عنه (صلى الله عليه وآله): " لا يرث المسلم الكافر،
ولا الكافر المسلم " (2).
وعنه (صلى الله عليه وآله): " لا يتوارث أهل ملتين " (3).
قلنا: ثبوت الرواية عنه ممنوع، على أنه يمكن حمل الأخيرة على
نفي التوارث من الجانبين كما هو مقتضى التفاعل، وهو لا ينافي ثبوته من
طرف، وقد فسر التوارث بهذا المعنى في كثير من الروايات المتقدمة، وبهذا
يحمل ما ورد في روايات أصحابنا أيضا من نفي التوارث بين أهل ملتين
على الإطلاق، كموثقتي ابن سدير (4) وجميل (5)، ورواية ابن حمران (6).

(1) الفقيه 4: 243.
(2) صحيح مسلم 3: 1233 / 1614.
(3) سنن البيهقي 6: 218.
(4) التهذيب 9: 366 / 1308، الإستبصار 4: 190 / 712، الوسائل 26: 16 أبواب
موانع الإرث ب 1 ح 20.
(5) التهذيب 9: 367 / 1309، الإستبصار 4: 190 / 713، الوسائل 26: 17 أبواب
موانع الإرث ب 1 ح 21.
(6) التهذيب 9: 367 / 1310، الإستبصار 4: 190 / 714، الوسائل 26: 17 أبواب
موانع الإرث ب 1 ح 21.
22

ويمكن حملها على التقية أيضا، كما تحمل عليها موثقة البصري
قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " قضى أمير المؤمنين في نصراني اختارت زوجته
الإسلام ودار الهجرة، أنها في دار الإسلام لا تخرج منها، وأن بضعها في يد
زوجها النصراني، وأنها لا ترثه ولا يرثها " (1).
ورواية عبد الملك بن عمير القبطي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه قال
للنصراني الذي أسلمت زوجته: " بضعها في يدك، ولا ميراث بينكما " (2).
ويؤكد هذا الحمل في الأخير كون بعض رجاله من العامة، فإن منهم
أمي الصيرفي أبو ربيعة المرادي، وهو منهم، ووثقه ابن حجر في تقريبه،
ومنهم عبد الملك المذكور، وهو أيضا منهم، ذكره فيه أيضا وطعن في
حفظه، وظهر منه مفاسد كثيرة (3).
المسألة الثالثة: المعروف من مذهب الأصحاب أنه لو مات كافر وله
ورثة كافر ومسلم كان ميراثه للمسلم وإن بعد - كمولى نعمة أو ضامن

(1) التهذيب 9: 368 / 1314، الإستبصار 4: 191 / 718، الوسائل 26: 17 أبواب
موانع الإرث ب 1 ح 23.
(2) التهذيب 9: 367 / 1311، الإستبصار 4: 191 / 715، الوسائل 26: 17 أبواب
موانع الإرث ب 1 ح 22.
(3) فإنه هو الذي روى حديث ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين
أفضل من أبي بكر، وكان مع عسكر الشام في حرب الحسين (عليه السلام)، وكلما وصل إلى
واحد من عسكر الحسين (عليه السلام) وقد رمي من فرسه إلى الأرض قطع رأسه من بدنه،
وهو الذي روى عن أسيد بن صفوان راوي الزيارة المعروفة بزيارة الخضر لأمير
المؤمنين إن أمير المؤمنين لما مات أبو بكر زاره بتلك الزيارة، وهو أيضا قال
عبد الله بن يقطر رضيع الحسين (عليه السلام) ورسوله إلى ابن زياد بالكوفة فأمر به ابن زياد
فرمي من فوق القصر مكشوفا فوقع على الأرض وبه رمق فذبحه عبد الملك، وروى
عنه البخاري حديث كفر أبي طالب في آخر باب صفة أهل الجنة والنار بواسطتين،
ومع ذلك كله كان مشهورا بسوء الولادة أيضا (منه قدس سره).
23

جريرة - دون الكافر وإن قرب كالولد. وادعى عليه الإجماع في
المفاتيح (1)، ونفى عنه الخلاف في السرائر والمسالك (2) وغيرهما (3).
وتدل عليه رواية الحسن بن صالح المتقدمة (4).
ورواية مالك بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن نصراني
مات وله ابن أخ مسلم وابن أخت مسلم، وللنصراني أولاد وزوجة نصارى
قال، فقال: " أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثي ما ترك، ويعطى ابن
أخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار، فإن كان له ولد صغار
فإن على الوارثين أن ينفقا على الصغار مما ورثا من أبيهم حتى يدركوا " قيل
له: كيف ينفقان؟ قال، فقال: " يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة، ويخرج
وارث الثلث ثلث النفقة، فإذا أدركوا قطعا النفقة عنهم " قيل له: فإن أسلم
الأولاد وهم صغار؟ قال، فقال: " يدفع ما ترك أبوهم إلى الإمام حتى
يدركوا، فإن بقوا على الإسلام دفع الإمام ميراثهم إليهم، وإن لم يبقوا على
الإسلام دفع الإمام ميراثه إلى ابن أخيه وابن أخته المسلمين، يدفع إلى ابن
أخيه ثلثي ما ترك، ويدفع إلى ابن أخته ثلث ما ترك " (5).
وحكم في الدروس بكون الرواية صحيحة (6).
ومرفوعة ابن رباط، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " لو أن رجلا ذميا

(1) المفاتيح 3: 312.
(2) السرائر 3: 266، المسالك 2: 311.
(3) الرياض 2: 335.
(4) في ص: 17.
(5) الكافي 7: 143 / 1، الفقيه 4: 245 / 788، التهذيب 9: 368 / 1315،
الوسائل 26: 18 أبواب موانع الإرث ب 2 ح 1.
(6) الدروس 2: 345.
24

أسلم وأبوه حي ولأبيه ولد غيره ثم مات الأب ورثه المسلم جميع ماله،
ولم يرثه ولده ولا امرأته مع المسلم شيئا " (1).
وما تقدم من قول الرضا (عليه السلام) في فقهه (2). وفيه أيضا: " وكذلك من
ترك ذا قرابة مسلمة وذا قرابة من أهل ذمة - ممن قرب نسبه أو بعد - لكان
المسلم أولى بالميراث من الذمي، ولو كان الذمي ولدا وكان المسلم أخا أو
عما أو ابن أخ أو ابن عم، أو أبعد من ذلك، لكان المسلم أولى بالميراث
من الذمي، كان الميت مسلما أو ذميا " (3).
ويدل عليه أيضا ما سيأتي من أخبار من أسلم على الميراث قبل
قسمته (4)، كما لا يخفى.
وبما ذكرنا ظهر ضعف ما في المسالك من حصر المستند في خبر ابن
صالح (5).
ثم بعد تحقق الشهرة العظيمة التي كادت أن تكون إجماعا لا يضر
ضعف المستند، مع أن في روايات من أسلم على الميراث ما ليس
بضعيف، هذا.
وأما ما رواه التميمي مرسلا عن أبي عبد الله (عليه السلام): في يهودي أو
نصراني يموت وله أولاد مسلمون وأولاد غير مسلمين، فقال: " هم على

(1) الكافي 7: 146 / 1، التهذيب 9: 371 / 1326، الإستبصار 4: 193 / 723،
الوسائل 26: 24 أبواب موانع الإرث ب 5 ح 1.
(2) راجع ص: 19.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): 290، بتفاوت يسير، مستدرك الوسائل 17: 141 أبواب موانع
الإرث ب 1 ح 1.
(4) انظر ص 18.
(5) المسالك 2: 311.
25

مواريثهم " (1).. فمع ما فيه من الإرسال لا دلالة له، إذ معنى كونهم على
مواريثهم أنهم على ما استحقوا من المواريث، واستحقاق غير المسلمين
محل الكلام. وجوز في التهذيبين حمله على التقية أيضا (2).
المسألة الرابعة: إذا مات المرتد فإن كان له وارث مسلم كان
الميراث له، كان معه كافر أو لا، قرب أم بعد. ويدل عليه بعد الإجماع،
ما مر من اختصاص الوارث المسلم بإرث الكافر.
وإن لم يكن له وارث غير الكافر، فالمشهور أنه يرثه الإمام ولا شئ
للكافر، فطريا كان المرتد أم مليا، بل نفي عنه الخلاف في الأول (3).
وصريح المقنع كظاهر الفقيه والاستبصار: أن ميراثه للكافر إن ارتد
عن ملة (4)، ورواه ابن الجنيد في الأحمدي، عن ابن فضال وابن يحيى،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقال: لنا في ذلك نظر (5).
للمشهور: تنزيله منزلة المسلم في كثير من الأحكام، كقضاء عبادته
الفائتة من الردة.
وكونه في حكمه حيث لا يقبل منه إلا الإسلام أو القتل.
وموثقة أبان على ما في الفقيه (6) عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الرجل

(1) الكافي 7: 146 / 2، التهذيب 9: 371 / 1327، الإستبصار 4: 192 / 722،
الوسائل 26: 24 أبواب موانع الإرث ب 5 ح 2.
(2) التهذيب 9: 371، الإستبصار 4: 192.
(3) كما في الرياض 2: 339.
(4) المقنع 1: 179، الفقيه 4: 245، الإستبصار 4: 189.
(5) المختلف: 751.
(6) حيث روى فيه أبان عن الصادق (عليه السلام) بلا واسطة، وأما على طريق الكافي
والتهذيب فمرسل لتوسيط عمن ذكره (منه قدس سره).
26

يموت مرتدا عن الإسلام وله أولاد ومال فقال: " ماله لولده المسلمين " (1).
حيث إن تقييد الولد بالمسلمين يدل بمفهوم القيد على عدم كون إرثه
لأولاده الكافرين، فلا يكون لغيرهم من الورثة الكفار بالإجماع أو فحوى
الخطاب، فانحصر الميراث للإمام.
ويضعف الأول: بالمعارضة بالنجاسة، والدعوة أو القتل، وعدم
توريثه من المسلم، وغيرها. وبعدم ثبوت حجية مثل هذا التنزيل.
والثاني: بأن هذه الحيثية لا توجب كونه في حكمه.
والثالث: بأن الكلام فيمن لم يكن له ولد مسلم، والمفهوم مفهوم
وصف لا حجية فيه، سيما مع احتمال كونه واردا مورد الغالب كما قيل (2).
للمقنع: موثقة إبراهيم بن عبد الحميد على ما في الفقيه (3)، قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): نصراني أسلم ثم رجع إلى النصرانية ثم مات، قال:
" ميراثه لولده النصارى " ومسلم تنصر ثم مات، قال: " ميراثه لولده
المسلمين " (4).
وصحيحة محمد، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المرتد فقال:
" يقسم ما ترك على ولده " (5).

(1) الفقيه 3: 92 / 342، الوسائل 26: 28 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 6.
(2) انظر رياض المسائل 2: 339.
(3) فإن في الفقيه روى عن ابن أبي عمير - وطريقه إليه صحيح - عن إبراهيم، عن
الصادق (عليه السلام)، وأما على ما في التهذيب حيث روى فيه عن ابن أبي عمير، عن
إبراهيم، عن رجل فيكون الحديث مرسلا (منه قدس سره).
(4) الفقيه 4: 245 / 789، التهذيب 9: 377 / 1346، الإستبصار 4: 193 / 724،
الوسائل 26: 25 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 1.
(5) الكافي 7: 153 / 4، التهذيب 9: 373 / 1333، الوسائل 26: 27 أبواب موانع
الإرث ب 6 ح 5.
27

وموثقة الساباطي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " كل مسلم
بين مسلمين ارتد عن دين الإسلام " إلى أن قال: " ويقسم ماله على
ورثته " (1).
وصحيحة الحناط عنه (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل ارتد عن دين
الإسلام، لمن يكون ميراثه؟ قال: " يقسم ميراثه على ورثته على كتاب
الله " (2).
وعموم آيات الإرث ورواياته، خرج ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي.
وأجيب (3) عن الموثقة: بالحمل على الصغير من الولد تارة.
ولا يخفى ما فيه.
وعلى التقية أخرى (4)، لموافقته لمذهب العامة.
وفيه: أنها غير ثابتة، مع أنه لا موجب للحمل.
وعن الصحاح: بكونها مبنية على الغالب، من كون ورثة المرتد عن
الإسلام مسلمين (5).
وفيه: أنه لو سلم فإنما هو في الفطري دون الملي.
والمسألة محل إشكال، حيث إن الحدس (6) يأبى عن ذهاب فحول
العلماء ومعظم الفقهاء إلى قول بلا مستند، مع دلالة الأخبار على خلافه.

(1) الكافي 7: 257 / 11، الفقيه 3: 89 / 333، التهذيب 10: 136 / 541،
الإستبصار 4: 253 / 957، الوسائل 28: 324 أبواب حد المرتد ب 1 ح 3.
(2) الكافي 7: 152 / 2، الفقيه 4: 242 / 771، التهذيب 9: 374 / 1334،
الوسائل 26: 27 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 3.
(3) انظر الرياض 2: 339.
(4) كما في النهاية: 667.
(5) انظر الرياض 2: 339.
(6) في " س ": العقل.
28

وإن جواز الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة والموثقة والعمومات
الكثيرة بمجرد هذا الاستبعاد وعدم ثبوت الإجماع وفقد المخرج غير معلوم.
وقول المقنع لا يخلو عندي من قوة. والله العالم.
ولو رفعنا اليد من هذه الأخبار الخاصة بمخالفة الشهرة العظيمة
للقدماء والشذوذ فلا يمكن رفعها عن عمومات الكتاب والسنة، ومع ذلك
مظنة انعقاد الإجماع على ما ذهبوا إليه متحققة. والله العالم.
المسألة الخامسة: إذ عرفت أن الكافر لا يرث المسلم، فلو مات
وكان له ورثة كفار لا غير لم يرثوه وورثه الإمام. أما الأول فلما مر. أما
الثاني فلأن الإمام وارث من لا وارث له كما يأتي. وتدل عليه خصوص
صحيحة أبي بصير المتقدمة (1).
وقد يستدل أيضا بصحيحة سليمان بن خالد: في رجل مسلم قتل
وله أب نصراني لمن تكون ديته؟ قال: " تؤخذ ديته فتجعل في بيت مال
المسلمين، لأن جنايته على بيت مال المسلمين " (2).
ولا خلاف فيه أيضا بين الأصحاب كما صرح به غير واحد (3).
المسألة السادسة: لو أسلم الكافر على ميراث كافر أو مسلم قبل
قسمته شارك أهله مع المساواة مرتبة وإسلاما. واختص به مع التقدم فيهما
أو في أحدهما. ولو أسلم بعدها فلا شئ له.
للإجماع، والمستفيضة من الصحاح وغيرها..
منها: صحيحة أبي بصير: عن رجل مسلم مات وله أم نصرانية وله

(1) في ص 16.
(2) الفقيه 4: 243 / 775، التهذيب 9: 370 / 1322، الوسائل 26: 22 أبواب
موانع الإرث ب 3 ح 6.
(3) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 278، وصاحب الرياض 2: 335.
29

زوجة وولد مسلمون قال: فقال: " إن أسلمت أمه قبل أن يقسم ميراثه
أعطيت السدس " قلت: فإن لم يكن له امرأة ولا ولد ولا وارث له سهم في
الكتاب من المسلمين وله أم نصرانية وله قرابة نصارى ممن له سهم في
الكتاب لو كانوا مسلمين، لمن يكون ميراثه؟ قال: " إن أسلمت أمه فإن
جميع ميراثه لها، وإن لم تسلم أمه وأسلم بعض قرابته ممن له سهم في
الكتاب فإن ميراثه له، وإن لم يسلم من قرابته أحد فإن ميراثه للإمام " (1).
وحسنة ابن مسكان: " من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه،
وإن أسلم بعد ما قسم فلا ميراث له " (2).
وفي حسنة ابن مسلم: " من أسلم على ميراث قبل أن يقسم الميراث
فهو له، ومن أسلم بعد ما قسم فلا ميراث له " (3).
وموثقة البقباق: " من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فهو له " (4).
وموثقة ابن مسلم: في رجل يسلم على الميراث قال: " إن كان قسم
فلا حق له، وإن كان لم يقسم فله الميراث " (5). إلى غير ذلك.
وكذا لو كان الوارث واحدا سوى الإمام أو أحد الزوجين فالمال له،
ولا ينتقل إلى من أسلم بعد الموت. ولا أعرف فيه أيضا خلافا، وفي

(1) الكافي 7: 144 / 2، الفقيه 4: 244 / 787، التهذيب 9: 369 / 1316،
الوسائل 26: 20 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 1.
(2) الكافي 7: 144 / 3، التهذيب 9: 369 / 1317، الوسائل 26: 21 أبواب موانع
الإرث ب 3 ح 2.
(3) الكافي 7: 144 / 4، التهذيب 9: 369 / 1318، الوسائل 26: 21 أبواب موانع
الإرث ب 3 ح 3.
(4) التهذيب 9: 370 / 1320، الوسائل 26: 22 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 5.
(5) الفقيه 4: 237 / 758، التهذيب 9: 336 / 1211، الوسائل 26: 21 أبواب
موانع الإرث ب 3 ح 4.
30

السرائر والتنقيح ادعى الإجماع عليه (1).
ووجهه أنه قد استحق المال عند الموت وانتقل إليه وحصل في
ملكه، فالانتقال منه يحتاج إلى دليل. وأخبار من أسلم قبل القسمة
لا توجب الانتقال، لأن القسمة إنما تتصور إذا كان بين نفسين فصاعدا،
ولا تتأتى في الواحد على حال، فلا قبلية مع الوحدة ولا بعدية، إذ القبلية
من الأمور الإضافية فهي لا تتحقق إلا فيما أمكن له البعدية وهي منتفية هنا،
فهي ظاهرة في صورة إمكان القسمة.
ولو كان الواحد هو الإمام فالمسلم أولى وفاقا للأكثر، لصحيحة
أبي بصير المتقدمة الخاصة الناصة.
وتدل عليه أيضا صحيحة أبي ولاد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
مسلم قتل مسلما عمدا فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلا أولياء من
أهل ذمته من قرابته فقال: " على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته
الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليه، يدفع القاتل إليه، فإن شاء قتل وإن شاء
عفا وإن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام ولي أمره " الحديث (2).
وقيل: الإمام أولى، لأنه واحد فلا قسمة. ونسب إلى النهاية (3)،
ولم أجده فيها، وإلى المبسوط (4)، والحلي (5)، وظاهر النافع أيضا (6).

(1) السرائر 3: 268، التنقيح 4: 133.
(2) الكافي 7: 359 / 1، الفقيه 4: 79 / 248، التهذيب 10: 178 / 697، علل
الشرائع: 581 / 15، الوسائل 29: 124 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 1.
(3) كما في التنقيح 4: 133.
(4) المبسوط 4: 79.
(5) حكاه عنه في التنقيح 4: 133. والموجود في السرائر 3: 268، إذا كان الوارث
المسلم واحدا استحق بنفس الموت الميراث ولا يرد على من أسلم بعد الموت من
الميراث شئ على حال لأن هاهنا لا تتقدر القسمة.
(6) المختصر النافع: 264.
31

وقيل: المسلم أولى إن كان إسلامه قبل النقل إلى بيت المال، والإمام
أولى إن كان بعده. وهو مختار المبسوط والوسيلة والإيجاز والإرشاد (1)
والإيضاح (2).
والكل ضعيف، بعد ورود النص الصحيح المنجبر (3) بخلافه.
ولو كان أحد الزوجين فيبنى - على الأقوى - على أن الزوجين إذا
لم يكن وارث غيرهما هل يرد الفاضل عليهما، أم لا يرد على أحدهما
أصلا، أم يرد على الزوج دون الزوجة؟
فعلى الأول لا يؤثر الإسلام أصلا، للوحدة المنافية للقسمة الموجبة
لتوريث المسلم قبلها.
وعلى الثاني اعتبرت المقاسمة مع أحدهما والإمام قبل الإسلام وبعده
فيهما، لإمكانها.
وعلى الثالث اعتبرت فيمن يرد عليه دون الآخر.
والشيخ في النهاية - كالقاضي - شارك المسلم مع الزوج مع اختيار
الرد عليه (4).
ونصره في النكت محتجا بأن الرد إنما يستحقه الزوج إذا لم يوجد
وارث محقق أو مقدر - أي من يصلح أن يكون وارثا - والمقدر هنا موجود.
وبأن استحقاق الزوج الفاضل ليس أصليا، بل لفقد الوارث وكونه
أقوى من الإمام، فيجري في الفاضل مجراه، وهو ممنوع إذا أسلم (5).

(1) المبسوط 4: 79، الوسيلة: 394.
(2) الإيضاح 4: 175، الموجود فيه اختيار القول الأول، ولكن الذي نسبه إليه هو
الصيمري في غاية المرام كما في مفتاح الكرامة 8: 29.
(3) كذا في جميع النسخ، والصحيح لا يحتاج إلى الانجبار.
(4) النهاية: 664. والقاضي في المهذب 2: 157.
(5) نكت النهاية 3: 235.
32

ويضعف الأول أولا: بمنع وجود المقدر هنا، فإنه عين المتنازع فيه.
وثانيا: بأن استحقاق الزوج للتركة وانتقالها إليه إنما هو بعد الموت
كلها فرضها وردها إذا لم يكن وارث والوارث حقيقة في المحقق، واعتبار
المقدر لا دليل عليه. مع أن في اعتباره إيقاف الفاضل إلى موت الكافر أو
إسلامه، لوجود التقدير وعدم دليل على زواله في حال، وبعد الانتقال إليه
لا ينتقل منه إلا بناقل، وهو غير متحقق، لتحقق الوحدة المذكورة.
والثاني: بأن الفرق بين الاستحقاق الأصلي وغيره لا دخل له في
الحكم، بعد ثبوته في الجملة عند عدم الوارث حين انتقال الإرث.
المسألة السابعة: لو ارتد أحد الورثة بعد الموت فسهمه في حكم
مال المرتد، وهو لوارثه - كما يأتي - ولو كان الارتداد قبل القسمة، لحصول
الانتقال إليه، فيكون في حكم ماله.
المسألة الثامنة: إذ عرفت أن الكافر لا يرث المسلم وهو محجوب
به، فإن كان الوارث بالغا فالحكم بكفره أو إسلامه واضح.
وإن كان طفلا فهو في الإسلام تابع لأحد أبويه، فلو كان الأبوان أو
أحدهما مسلما وقت العلوق يحكم بإسلام الطفل، وكذا لو أسلما أو
أحدهما بعده قبل البلوغ. ولا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب، وقال
في المسالك: والحكم في ذلك موضع وفاق (1)، ونفى الخلاف في أصل
التبعية في الكفاية والمفاتيح (2).
وكذا لا خلاف في التبعية في الكفر إذا كان أبواه معا كافرين، وفي
التنقيح الإجماع عليها بالخصوص (3).

(1) المسالك 2: 312.
(2) الكفاية: 289، المفاتيح 3: 312.
(3) التنقيح 4: 135.
33

وقيل (1): ولعل التبعية في الإسلام والكفر للأبوين من الضروريات،
يمكن استنباطها من الأخبار المتواترة معنى، المتشتتة في مواضع كثيرة
كأبواب المواريث، والحدود، والجهاد، والوصية.
وتدل على التبعية في الجملة رواية زيد بن علي: " إذا أسلم الأب جر
الولد إلى الإسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام، فإن أبى قتل " (2).
وموثقة أبان على ما في الفقيه: في الصبي إذا شب فاختار النصرانية
وأحد أبويه نصراني أو جميعا مسلمين، قال: " لا يترك، ولكن يضرب
على الإسلام " (3).
ورواية عبيد: في الصبي يختار الشرك وهو بين أبويه، قال:
" لا يترك، وذاك إذا كان أحد أبويه نصرانيا " (4).
وجه الاستدلال بالأخيرتين أنه لا شك في أنه لا يجبر غير المرتد
على الإسلام من أهل الذمة بل يترك، وحكم فيهما بجبر صبي اختار الكفر
بعد البلوغ - إذا أسلم أحد أبويه - على الإسلام، فيكون مرتدا، ولا ارتداد إلا
بسبق الإسلام.
ولو ارتد الأبوان وهو طفل لم يرتدد، لسبق إسلامه فيستصحب،
وإيجاب ارتدادهما لارتداده غير ثابت.
وفي إلحاق إسلام أحد الأجداد أو الجدات بالأبوين وجهان، والظاهر
الإلحاق إن لم يكن الواسطة حيا، وأما إذا كان حيا ففيه إشكال. وقوى

(1) انظر الرياض 2: 337.
(2) التهذيب 8: 236 / 852، الوسائل 23: 107 أبواب العتق ب 70 ح 1.
(3) الفقيه 3: 91 / 341، الوسائل 28: 326 أبواب حد المرتد ب 2 ح 2.
(4) الكافي 7: 256 / 4، التهذيب 10: 140 / 553، الوسائل 28: 326 أبواب حد
المرتد ب 2 ح 1.
34

الشيخ (1) - كالشهيد في المسالك (2) - الإلحاق، وظاهر التحرير كالكفاية
التردد (3).
وعلى هذا فلو مات مسلم أو كافر وله أولاد كفار وأطفال أخ مسلم أو
أخت مسلمة، يرثه الأطفال دون الأولاد.
ولو مات مسلم وله أطفال أخ كافر وكانت أمهم أيضا كافرة لم يرثوه.
ولو مات كافر وله ابن كافر وطفل ابن مسلم، ورثه الطفل دون الابن.
ولو مات مسلم وله ابن كافر يرثه طفل ابنه إن مات أبوه، وإلا ففيه
وجهان.
ولو مات الكافر وخلف أبا وابنا صغيرا كافرين، فأسلم الأب يرثان
معا.
ولو مات كافر وله جد كافر وابن صغير فأسلم الجد قبل القسمة
اختص الابن بالإرث.
المسألة التاسعة: روى مالك بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) - كما
سبق - أنه لو خلف نصراني أولادا صغارا وابن أخ وابن أخت مسلمين كان
لابن الأخ ثلثا التركة، ولابن الأخت ثلثها، وينفقان على الصغار بنسبة
حقهما، وإن أسلموا وهم صغار دفعت التركة إلى الإمام، فإن بلغ الأولاد
مسلمين فهم أحق بها، وإلا فتعطى الوارثين (4).
وأفتى بمضمونها معظم القدماء وجمع من المتأخرين، منهم الشيخان
والصدوق والقاضي وابن زهرة والحلبي والكيدري ونجيب الدين

(1) حكاه عنه في التحرير 2: 171.
(2) المسالك 2: 312.
(3) التحرير 2: 171، كفاية الأحكام: 289.
(4) راجع ص: 22.
35

والدروس (1)، ونسبه جماعة إلى أكثر المتقدمين أيضا (2)، وفي النكت
والدروس والمسالك نسبته إلى الأكثر والمعظم مطلقا (3).
وكثير منهم طردوا الحكم إلى ذي القرابة المسلم مع الأولاد مطلقا،
كما طردوه إلى الكافر كذلك، وقالوا: إن المسلمين ينفقون على الأولاد إلى
أن يبلغوا، فإن أسلموا دفعت إليهم التركة، وإلا استقر ملك المسلمين
عليها.
وردها الحلي والمحقق والعلامة والتنقيح والمسالك (4) وسائر
المتأخرين، وأقروا الإرث على المسلمين، وأنكروا وجوب الإنفاق،
محتجين بوقوع الإجماع على تبعية الولد لأبويه في الكفر، واختصاص
المسلم بالإرث إلا أن يسلم الكافر قبل القسمة، وحرمانه لو لم يسلم قبلها،
صغيرا كان أو كبيرا كما ثبت.
وأجاب في الدروس بأن الخروج عن الأصول جائز إذا قام عليه
دليل (5). قيل (6): إن قيام الدليل ممنوع، كيف؟! وهو يتوقف على صحة
الرواية، وهي ممنوعة، وإن قال بها في المختلف والتحرير والدروس

(1) المفيد في المقنعة: 701، الطوسي في النهاية: 665، الصدوق في المقنع:
176، القاضي في جواهر الفقه: 167، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):
608، الحلبي في الكافي في الفقه: 375، نجيب الدين في الجامع للشرائع:
502، الدروس 2: 345، 346.
(2) كما في تحرير الأحكام 2: 171، والتنقيح 4: 135.
(3) حكاه عن نكت الإرشاد في الرياض 2: 337، الدروس 2: 346، المسالك 2:
312.
(4) الحلي في السرائر 3: 269، المحقق في الشرائع 4: 13، العلامة في تحرير
الأحكام 2: 172، التنقيح 4: 135، المسالك 2: 312.
(5) الدروس 2: 346.
(6) انظر رياض المسائل 2: 337.
36

والغاية والمهذب (1)، وتحقق الشهرة الجابرة غير معلوم.
وفيه أولا: عدم ضير ضعف السند بعد اعتبار الرواية.
وثانيا: أنه لو سلم ينجبر بشهرة القدماء المحققة قطعا، حتى قيل: إنه
لا يرى منهم مخالف عدا الحلي (2)، أو بالشهرة المحكية مستفيضة، وهي
كافية في الجبر، مع أنها صحيحة عن السراد المجمع على تصحيح ما يصح
عنه، ومثلها في قوة الصحيحة، ومع ذلك وصفها كثير من الأصحاب بل
أكثرهم - كما عن التقي المجلسي (3) - بالصحة، كما هي مقتضى بعض نسخ
الفقيه، حيث أسندها إلى عبد الملك ومالك ابني أعين معا، فالرواية معتبرة،
وللخروج بها عن مقتضى الأصول صالحة، ومثله ليس بعزيز، فعليه
الفتوى.
وأما القول بأنها لا تخالف الأصول، من حيث إن الولادة على الفطرة،
فهم بحكم المسلمين إلا أن يبلغوا ويعرفوا الكفر.
ففيه: أنه خلاف الإجماع، لجواز استرقاقهم كما يسترق أبواهم، بل
يخالف الرواية حيث حكم فيها بعدم استحقاقهم إلا أن يسلموا وهم صغار.
ثم إن الرواية لما كانت مشهورة بالاعتبار تصدى العاملين بها
والرادين لها لتوجيهها بوجوه لا فائدة في ذكرها.
وهل يختص الحكم بالمورد كما عن ظاهر الأكثر، أم يطرد
بالاطرادين المتقدمين، أو أحدهما كما عن بعضهم (4)؟ الحق هو الأول.
المسألة العاشرة: المسلمون يتوارثون، بمعنى أن بعضهم يرث

(1) المختلف: 740، تحرير الأحكام 2: 172، الدروس 2: 345.
(2) انظر رياض المسائل 2: 337.
(3) روضة المتقين 11: 387.
(4) انظر: المقنعة: 701، والنهاية: 665، والكافي في الفقه: 375.
37

بعضا وإن اختلفوا في المذاهب، ما لم يخرجوا به عن سمة الإسلام،
ولم يدخلوا في عنوان الكافر، وفاقا للمشهور.
وخلافا للمفيد في أكثر نسخ المقنعة، فيرث المؤمن أهل البدع من
المعتزلة والمرجئة (1) والخوارج من الحشوية، ولا يرثوه (2).
وللحلبي، فيرث المسلم المجبر والمشبه وجاحد الإمامة،
ولا عكس (3).
لنا: عموم أدلة التوارث، وعدم ما يصلح للتخصيص. ولم أعثر
للمخالف على دليل، ويمكن أن يكون بناؤه على تكفيرهم، وهو صحيح
إن ثبت المبنى، لعمومات منع الكافر عن إرث المسلم، ولكن الكلام في
المبنى.
ومنه يظهر حكم المنكر لضروري الدين، فإنه لو لزم من إنكاره إنكار
صاحب الدين ورجع إليه بأن لم تحتمل الشبهة في حقه يمنع من إرثه وإن
أظهر الشهادتين، لأن إيجابهما للإسلام إنما هو إذا لم يقارنه ما ينافيهما قولا
أو فعلا ويدل على اعتقاد خلافهما.
وكذا الكفار يتوارثون على اختلاف مللهم كما يأتي.
وخالف فيه الثاني أيضا فيرث كفار ملتنا غيرهم ولا عكس (4)،

(1) المرجئة بالهمزة والمرجية بالياء مخففة: من الإرجاء، أرجأت الأمر أي أخرته،
وهم فرقة من فرق الإسلام يزعمون أن أهل القبلة كلهم مؤمنون ويعتقدون أن الله
تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي، أي أخره عنهم - الصحاح 1: 52، القاموس 1:
16، راجع كتاب المقالات والفرق: 5 فرقة 14، ومجمع البحرين 1: 177.
(2) انظر المقنعة: 701.
(3) الكافي في الفقه: 375، قال: لا يرث الكافر المسلم.... ويرث المسلم الكافر
وإن بعد، كابن خال مسلم لموروث مسلم، أو كافر له ولد كافر بيهودية أو نصرانية
أو جبر أو تشبيه أو جحد نبوة أو إمامة ميراثه لابن خاله المسلم.
(4) الكافي في الفقه: 375.
38

واختاره في التنقيح إن كان المراد كفر من أظهر كلمة الشهادة، محتجا بأن
لهم خصوصية بذلك على غيرهم (1).
وفيه: أنها لو سلمت فإيجابها لمنع التوارث ممنوع، وقوله: " الإسلام
يعلو ولا يعلى عليه " (2) لا يفيد، لكون الصغرى ممنوعة.
وأما ما في موثقة حنان من أنه لا يتوارث أهل ملتين (3)، فمحمول
على ملتي الإسلام والكفر، كما يشعر به كثير من الأخبار المتقدمة، وصرح
به غير واحد من الأصحاب (4). ولو سلم عمومها فلا يفيد أيضا، لجواز
إرادة نفي التوارث من الجانبين، ولما لم يتعين الجانب الممنوع فيكون كل
منهما باقيا على مقتضى الأصل.
وقد يقال: بكون الكفر كله ملة واحدة فليس فيه ملتان. وهو خلاف
الظاهر، وما ذكروا في بيانه ضعيف.
المسألة الحادية عشرة: الكفار يتوارثون بعضهم من بعض إذا
لم يكن هناك وارث مسلم خاص، بلا خلاف فيه ظاهر كما صرح به غير
واحد منا (5).
لعموم أدلة الإرث، وسلامتها عن المعارض في محل البحث،
لاختصاصه بما إذا كان هناك وارث خاص مسلم.
ولمرسلة ابن أبي عمير: في يهودي أو نصراني يموت وله أولاد غير

(1) التنقيح 4: 138.
(2) الفقيه 4: 243 / 778، الوسائل 26: 14 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 11.
(3) التهذيب 9: 366 / 1308، الإستبصار 4: 190 / 712، الوسائل 26: 16 أبواب
موانع الإرث ب 1 ح 20.
(4) كالطوسي في النهاية: 666، الشهيد الثاني في المسالك 2: 312.
(5) منهم السبزواري في الكفاية: 289.
39

مسلمين، فقال: " هم على ميراثهم " (1).
ولما مر من النصوص في ميراث المجوسي (2).
والمستفاد من المرسلة أن طريق توريثهم إنما هو على ملتهم، وأنه
تجري على أهل الذمة أحكام مواريثهم على دينهم، وليست كغيره من
الأحكام بأن يكون مخيرا في الحكم أو الرد على أهل ملتهم.
ويمكن أن يكون المراد بميراثهم ميراث الأولاد على طريقة الإسلام.
أو أن لهم إرثهم على التخيير المذكور، فلا يمكن الاستدلال به لشئ من
الطرفين، فيجري فيه على قاعدة سائر الأحكام من التخيير.
وفي صحيحة أبي حمزة: " إن عليا (عليه السلام) كان يقضي في المواريث
فيما أدرك الإسلام من مال مشرك تركه - لم يكن قسم قبل الإسلام - أنه كان
يجعل للنساء والرجال حظوظهم منه على كتاب الله وسنة نبيه " (3).
وقريبة منها صحيحة محمد بن قيس (4).
وقد يستدل بها على أصل الحكم من توارث الكفار.
وفيه نظر، لكونها مجملة ذات احتمالات ثلاثة، فلا يمكن الاستدلال
بها على شئ منها.
المسألة الثانية عشرة: المرتد إما فطري أو ملي، فالأول إن كان

(1) التهذيب 9: 372 / 1330، الوسائل 26: 25 أبواب موانع الإرث ب 5 ح 3.
(2) لم يتقدم البحث عن ميراث المجوسي. انظر: الوسائل 26: 317 أبواب ميراث
المجوس ب 1.
(3) الكافي 7: 144 / 1، التهذيب 9: 370 / 1324، الإستبصار 4: 192 / 720،
الوسائل 26: 23 أبواب موانع الإرث ب 4 ح 1.
(4) الكافي 7: 145 / 2، التهذيب 9: 371 / 1325، الإستبصار 4: 192 / 721،
الوسائل 26: 23 أبواب موانع الإرث ب 4 ح 2.
40

رجلا تقسم تركته من حين ارتداده بين ورثته وإن كان حيا، بالإجماع.
لصحيحة محمد، عن الباقر (عليه السلام): " من رغب عن دين الإسلام وكفر
بما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله) بعد إسلامه فلا توبة، ووجب قتله، وبانت
امرأته، ويقسم ما ترك على ولده " (1).
وموثقة الساباطي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " كل مسلم
بين مسلمين ارتد عن دين الإسلام وجحد محمدا (صلى الله عليه وآله) نبوته وكذبه فإن
دمه مباح لكل من سمع ذلك منه، وامرأته بائنة منه يوم ارتد فلا تقربه،
ويقسم ماله على ورثته " الحديث (2)، وغيرهما (3).
وغيره لا تقسم تركته ما دام حيا، للأصل، وعدم الدليل.
ثم لو مات المرتد فإن كان له وارث مسلم فالمال له، ولا شئ لوارثه
الكافر إن كان، فطريا كان المرتد أو مليا، للإجماع، ولما مر.
وإن لم يكن له وارث مسلم فالمشهور - سيما بين المتأخرين - أن
تركته للإمام، وفي بعض العبارات نسبة خلافه إلى الشذوذ (4).
لظاهر الاتفاق. ولمرسلة أبان: في الرجل يموت مرتدا عن الإسلام
وله أولاد ومال، قال: " ماله لولده المسلمين " (5).

(1) الكافي 7: 153 / 4، التهذيب 9: 373 / 1333، الوسائل 26: 27 أبواب موانع
الإرث ب 6 ح 5.
(2) الكافي 7: 257 / 11، الفقيه 3: 89 / 333، التهذيب 10: 136 / 541،
الإستبصار 4: 253 / 957، الوسائل 28: 324 أبواب حد المرتد ب 1 ح 3.
(3) الوسائل 28: 323 أبواب حد المرتد ب 1.
(4) كما في المفاتيح 3: 312.
(5) الكافي 7: 152 / 1، الفقيه 3: 92 / 342، التهذيب 9: 374 / 1335، الوسائل
26: 28 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 6.
41

والاتفاق غير ثابت كما يأتي، والمرسلة غير دالة، لظهورها بل
صراحتها في وجود الأولاد المسلمين.
خلافا للمحكي عن صريح المقنع وظاهري الفقيه والاستبصار في
الملي فميراثه لورثته الكفار (1).
لعمومات الإرث مطلقا، وعمومات ميراث ورثة المرتد وأنه لورثته
على كتاب الله (2)، وخصوص موثقة إبراهيم عن عبد الحميد: في نصراني
أسلم ثم رجع إلى النصرانية ثم مات قال: " ميراثه لولده النصارى "
الحديث (3).
ورد تارة: بالحمل على التقية، وأخرى: بالطرح للشذوذ، وثالثة:
بالضعف بالإرسال، ورابعة: بالمخالفة للقاعدة الثابتة من أن المرتد بحكم
المسلم، وخامسة: بعدم المقاومة للمرسلة المتقدمة.
والأول مردود: بأنه فرع وجود المعارض، والثاني: بكفاية العمومات
الكتابية والخبرية، والثالث: بأنها في الفقيه مسندة، مع أنها عن ابن
أبي عمير صحيحة، والرابع: بأن القاعدة كلية غير ثابتة، والخامس: بأن
المرسلة كما مر غير دالة.
فإذا قول الصدوق هو الأقرب، بل مقتضى الإطلاقات ذلك في
الفطري أيضا، إلا أن ظاهر الإجماع فيه يمنع عن القول به، بل ميراثه مع
عدم المسلم للإمام.

(1) المقنع: 179، الفقيه 4: 242، الإستبصار 4: 193.
(2) الوسائل 26: 25 أبواب موانع الإرث ب 6.
(3) الفقيه 4: 245 / 789، التهذيب 9: 372 / 1328، الإستبصار 4: 193 / 724،
التهذيب 9: 377 / 1346، الوسائل 26: 25 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 1.
42

والثاني من الموانع: القتل.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: القاتل إذا كان متعمدا بغير حق لا يرث، قريبا كان
أو بعيدا، بلا خلاف يعرف، ونقل الإجماع عليه متكرر (1)، واقتضاء
الحكمة له يرشد إليه، إذ لولاه لم يأمن مستعجل الإرث أن يقتل مورثه.
والدليل الشرعي عليه الأخبار المستفيضة، كصحيحة هشام عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا ميراث للقاتل " (2).
ورواية أبي بصير عنه (عليه السلام) قال: " لا يتوارث رجلان قتل أحدهما
صاحبه " (3).
ورواية القاسم بن سليمان: عن رجل قتل أمه أيرثها؟ قال: " سمعت
أبي يقول: أيما رجل ذي رحم قتل قريبه لم يرثه " (4).
وصحيحة الحذاء: في رجل قتل أمه قال: " لا يرثها " (5).
وصحيحة الحلبي: عن الرجل يقتل ابنه، أيقتل به؟ قال:
" لا، ولا يرث أحدهما الآخر إذا قتله " (6).

(1) انظر الخلاف 4: 28 - 30، والروضة البهية 8: 31، والرياض 2: 340.
(2) الكافي 7: 141 / 5، التهذيب 9: 378 / 1352، الوسائل 26: 30 أبواب موانع
الإرث ب 7 ح 1.
(3) الكافي 7: 140 / 1، التهذيب 9: 377 / 1348، الوسائل 26: 31 أبواب موانع
الإرث ب 7 ح 5.
(4) الكافي 7: 140 / 2، التهذيب 9: 377 / 1349، الوسائل 26: 31 أبواب موانع
الإرث ب 7 ح 6.
(5) الكافي 7: 140 / 4، التهذيب 9: 378 / 1351، الوسائل 26: 30 أبواب موانع
الإرث ب 7 ح 2.
(6) التهذيب 10: 238 / 948، الوسائل 26: 31 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 7.
43

وحسنته: " إذا قتل الرجل أباه قتل به، وإن قتله أبوه لم يقتل به
ولم يرثه " (1).
وصحيحتي عبد الله بن سنان وجميل، وروايتي جميل ومحمد بن
قيس الآتية (2).
ولو تعدد القاتل منعوا جميعا لو كانوا ورثة، والوارث إن اختلفوا،
للإطلاقات.
ولو كان بحق كحد أو قصاص أو نحوهما يرث كذلك، سواء جاز
للقاتل تركه أم لا.
ويدل عليه - مضافا إلى عمومات الإرث - رواية حفص بن غياث:
عن طائفتين من المؤمنين إحداهما باغية والأخرى عادلة اقتتلوا، فقتل رجل
من أهل العراق أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه وهو من أهل البغي وهو
وارثه، أيرثه؟ قال: " نعم، لأنه قتله بحق " (3).
وضعفها غير ضائر، لانجبارها بالعمل، واعتضادها بنقل الإجماع.
كاختصاصها بالباغي، لإيجاب التعليل التعدي إلى ما سواه.
وبها تقيد إطلاقات القاتل المتقدمة. ودعوى اختصاصها بحكم التبادر
بالقاتل بغير حق دعوى موهونة جدا.
وإن كان خطأ ففي إرثه ومنعه أقوال:
الأول للمفيد - على نقل - والديلمي والمحقق وظاهر المسالك (4)،

(1) الكافي 7: 141 / 10، التهذيب 9: 378 / 1355، الوسائل 26: 30 أبواب
موانع الإرث ب 7 ح 4.
(2) في ص 44 و 45 و 50.
(3) الفقيه 4: 233 / 748، التهذيب 9: 381 / 1364، الوسائل 26: 41 أبواب
موانع الإرث ب 13 ح 1.
(4) المفيد في المقنعة: 703، والديلمي في المراسم: 218، والمحقق في الشرائع
4: 14، المسالك 2: 313.
44

واختاره بعض الثالثة (1) ونسبه المحقق في الشرائع والفاضل في التحرير
وغيرهما في غيرهما إلى الأشهر (2)، واختاره الشيخ في النهاية وإن عمل
بالتفصيل لكونه أحوط (3).
والثاني للعماني (4).
والثالث - وهو أنه يرث مما عدا الدية - للشيخ والمفيد - على نقل -
والإسكافي والسيد والقاضي والكيدري والحلبي وابني حمزة وزهرة والحلي
والمختلف (5)، واستجوده في القواعد وشرحه (6)، كما استحسنه في
التحرير (7)، وقربه في الإرشاد، ونسبه في المسالك والنكت والكفاية إلى
أكثر الأصحاب (8) وعن السيد والشيخ والحلبيين والحلي الإجماع عليه (9).
وظاهر الدروس والتنقيح التردد مطلقا (10)، كصريح الكفاية في

(1) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 3: 314.
(2) الشرائع 4: 14، التحرير 2: 172، وانظر المفاتيح 3: 314.
(3) النهاية: 672.
(4) حكاه عنه في المختلف 2: 742.
(5) الشيخ في النهاية: 672، وحكاه عن المفيد في التهذيب 9: 380، ونقله عن
الإسكافي في المختلف 2: 742، والسيد في الإنتصار: 307، والقاضي في
المهذب 2: 162، والحلبي في الكافي في الفقه: 375، وابن حمزة في الوسيلة:
296، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، والحلي في السرائر 3:
274، المختلف 2: 743.
(6) القواعد 2: 163، وانظر الإيضاح 4: 179، وكشف اللثام 2: 280.
(7) التحرير 2: 172.
(8) المسالك 2: 313، كفاية الأحكام: 290.
(9) السيد في الإنتصار: 308، الشيخ في الخلاف 4: 28 - 30، وأبو الصلاح الحلبي
في الكافي في الفقه: 375 وابن زهرة الحلبي في الغنية (الجوامع الفقهية): 608،
الحلي في السرائر 3: 274.
(10) الدروس 2: 347، التنقيح 4: 140.
45

الدية (1).
للأول: عمومات الإرث كتابا وسنة، ورفع المؤاخذة عن الخطأ.
وصحيحة ابن سنان: " عن رجل قتل أمه، أيرثها؟ قال: " إن كان خطأ
يرثها، وإن كان عمدا لم يرثها " (2).
وصحيحة محمد بن قيس، قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل
قتل أمه قال: " إن كان خطأ فإن له ميراثه، وإن كان قتلها متعمدا
فلا يرثها " (3).
وحسنته عنه (عليه السلام) قال: " إذا قتل الرجل أمه خطأ ورثها، وإن قتلها
عمدا لم يرثها " (4).
ويؤيد المطلوب انتفاء الحكمة الموجبة لنفي الإرث.
قيل: هذه الروايات قاصرة عن الدلالة على إرثه من الدية المأخوذة
منه أو من العصبة، لاختصاصها بحكم التبادر بإرث ما عداها من التركة،
على أن ما يرث منه غير مذكور، والقرينة على إرادة ما يشمل الدية
مفقودة، فلا دلالة لها على إرث القاتل من الدية (5).
قلنا، لو سلمنا ذلك نقول: إن استدلالنا بهذه الأخبار على الإرث من
الدية أيضا ليس باعتبار دلالتها وحدها على ذلك، بل ثبت بها كون القاتل

(1) كفاية الأحكام: 290.
(2) التهذيب 9: 379 / 1358، الإستبصار 4: 193 / 726، الوسائل 26: 34 أبواب
موانع الإرث ب 9 ح 2.
(3) التهذيب 9: 379 / 1357، الإستبصار 4: 193 / 725، الوسائل 26: 33 أبواب
موانع الإرث ب 9 ح 1. ولكن الرواية فيها إما موثقة بعلي بن الحسن بن فضال أو
ضعيفة بابن أبي المفضل أو ابن بطة.
(4) الفقيه 4: 232 / 742، الوسائل 26: 33 أبواب موانع الإرث ب 9 ح 1.
(5) الرياض 2: 340.
46

وارثا مطلقا، أو وارثا لسائر الأموال، ثم بانضمام الأحاديث المستفيضة من
الصحاح وغيرها الآتية في المسألة السابعة (1)، الدالة على أن الدية كسائر
الأموال، أو يأخذها من يأخذ سائر الأموال، أو يأخذها الورثة على كتاب
الله - أي ورثة سائر الأموال - يتم المطلوب.
والحاصل أنه ليس المراد بالاستدلال بتلك الأخبار إثبات تمام
المطلوب بها وحدها، بل يثبت بعضه بها، وبعضه بها وبغيرها، هذا.
على أن هذه الروايات توجب تخصيص القاتل في روايات نفي
الإرث للقاتل مطلقا بالعامد، فيبقى الخاطئ تحت عمومات الإرث
بلا مخصص.
للثاني: العمومات، وخصوص رواية الفضيل: " لا يرث الرجل
الرجل إذا قتله وإن كان خطأ " (2).
وأجيب: بأن العمومات مخصصة. والرواية مع كونها ضعيفة - فإنها
رويت بطرق ثلاثة، اثنان منها يشتمل على محمد بن سنان والآخر مرسلة (3) -

(1) في ص 53 و 54.
(2) الكافي 7: 141 / 7 وفيه: لا يرث الرجل أباه، التهذيب 9: 379 / 1359،
الإستبصار 4: 193 / 727، وقد وردت فيهما بسندين مرسلين في أحدهما
محمد بن سنان، الوسائل 26: 34 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 3، وفيه مثل ما في
الكافي.
(3) الرواية مروية بخمسة طرق: ثلاثة منها عن الفضيل بن يسار وجميعها مرسلة
وفي أحدها محمد بن سنان تقدمت الإشارة إليها، وطريقان عن العلاء بن الفضيل
وفيهما محمد بن سنان كما في التهذيب والوسائل أو ابن سنان كما في الكافي.
لاحظ الكافي 7: 298 / 5، التهذيب 10: 237 / 946، الوسائل 26: 35 أبواب
موانع الإرث ب 9 ح 4. فيمكن أن يكون مراده من الطريقين اللذين فيهما محمد بن
سنان هو طريقي رواية العلاء بن الفضيل، ومن الآخر المرسل هو طرق رواية
الفضيل بن يسار الثلاثة.
47

موافقة لمذهب أبي حنيفة وأصحابه، كما صرح به في الانتصار، والتهذيبين (1)،
فحملها على التقية ممكن، ومع ذلك حكم الشيخ في النهاية بشذوذها (2).
وللثالث: الجمع بين الدليلين.
وقوله تعالى: * (ودية مسلمة إلى أهله) * (3) ولا يعقل تسليمه أو
عاقلته إلى نفسه.
وما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " ترث المرأة من مال زوجها ومن
ديته، ويرث الرجل من مالها ومن ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه، فإن
قتل أحدهما صاحبه عمدا فلا يرثه من ماله ولا من ديته، وإن قتله خطأ
ورث من ماله ولا يرث من ديته " (4).
والأخبار الآتية في أواخر المسألة السابعة (5)، الدالة بإطلاقها على عدم
إرث الزوج أو الزوجة القاتل من الدية شيئا، سواء كان خطأ أو عمدا،
والاختصاص بالزوجين لا يضر، لعدم قائل بالفصل.
وما روي في الصحيح: عن امرأة شربت دواء وهي حامل ولم يعلم
بذلك زوجها فألقت ولدها، قال: فقال: " إن كان له عظم وقد نبت عليه
اللحم عليها دية تسلمها إلى أبيه، وإن كان حين طرحته علقة أو مضغة فإن
عليها أربعين دينارا، أو غرة تؤديها إلى أبيه " قلت: فهي لا ترث ولدها من
ديته مع أبيه؟ قال: " لا لأنها قتلته " (6).

(1) الإنتصار: 307، التهذيب 9: 380، الإستبصار 4: 194.
(2) النهاية: 672.
(3) النساء: 92.
(4) سنن البيهقي 6: 221.
(5) في ص 56.
(6) الكافي 7: 141 / 6، الفقيه 4: 233 / 746، التهذيب 9: 379 / 1356،
الإستبصار 4: 301 / 1130، الوسائل 26: 31 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 1.
48

والإجماع المنقول عن السيد والشيخ والحلبيين (1).
ويرد الأول: بأنه لا جمع إلا مع وجود الدليلين، وهو ممنوع.
والثاني: بأن عدم تعقل التسليم إلى القاتل محض استبعاد.
والثالث: بأن الرواية ضعيفة غايته، فإنها وإن كانت خاصة بالنسبة إلى
الأخبار الأول حيث إنها توجب ثبوت الإرث في الدية وغيرها، وهذه
مخصصة بالغير، ولكنها لضعفها غير صالحة للتخصيص.
وأما الأخبار الآتية، فبالنسبة إلى دليلنا (2) عامة أو مطلقة، فتخصص أو
تقيد بقتل العمد.
وأما الصحيح فهو ظاهر بل صريح في العمد، حيث قال: " عليها
دية " ولو كان خطأ لم يكن الدية عليها، وأيضا " طرحته " مشعر بذلك،
وعلى فرض العموم فالتخصيص لازم.
وأما الإجماع المنقول فلا حجية فيه، سيما في مثل هذا المقام الذي
ادعى جمع كثير الشهرة على خلافه. بل يمكن أن يقال: نقل الشهرة
معارض لنقل الإجماع فيتساقطان، ولو لم يعارضه لإمكان اجتماعهما
فلا أقل من تضعيفهما. على أن كلام السيد الذي رأيناه ليس بصريح في
نقل الإجماع، بل ظاهره أن الإجماع إنما هو على أصل توريث القاتل
خطأ، لا على مجموع الحكم الذي ذكره من توريثه من أمواله وعدم توريثه
من الدية، كما لا يخفى على من لاحظ كلامه في الانتصار.
أقول: كل ما ذكر للأقوال الثلاثة دليلا وجوابا وردا له وجه، إلا

(1) السيد في الإنتصار: 308، الشيخ في الخلاف 4: 28 - 30، أبو الصلاح الحلبي
في الكافي في الفقه: 375 وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.
(2) في " س ": أخبارنا.
49

ما قيل في رد الرواية النبوية من أنها لضعفها غير صالحة للتخصيص، فإنها
وإن كانت ضعيفة ولكنها مروية في كتب أصحابنا الفقهية، منجبرة بدعوى
الشهرة العديدة، وحكاية الإجماع المستفيضة، ومثل ذلك لا يقصر عن
الصحاح في الحجية.
وكذا ما ذكر في رد الأخبار الآتية من كونها أعم مطلقا من جميع
ما تقدم، فإنها ليست كذلك، بل النسبة بينها وبين أخبار القول الأول
بالعموم من وجه فيتعارضان، ويصلح النبوي للجمع بما تضمنه، بل هو
أخص مطلقا من الجميع فتخصص به.
فالحق هو القول الثالث.
وهل يلحق شبه العمد بالعمد أو الخطأ؟
قال في القواعد بالأول (1)، وحكي عن أبي علي (2). وبالثاني في
التحرير والمختلف (3)، وحكي عن الديلمي (4).
والأول هو الأظهر، لعمومات منع القاتل. ودعوى ظهورها في العامد
المحض ممنوعة، والاحتمال غير ضائر.
والاستشكال في جواز تخصيص عمومات الإرث مع ذلك الاحتمال
- كالأردبيلي - لعدم جواز تخصيص القطعي بالظني غير جيد، لأن شمول
عمومات الإرث للقاتل أيضا ظني، بل المتبادر غيره.
وهل يختص المنع بالقتل بالمباشرة، أو يعم التسبيب أيضا فعمده
يمنع وخطؤه لا يمنع؟

(1) القواعد 2: 163.
(2) حكاه عنه في المختلف: 743.
(3) التحرير 2: 172، المختلف: 743.
(4) المراسم: 218.
50

الأول محكي عن الفضل بن شاذان والعماني (1)، لعدم صدق القاتل
على المسبب. والثاني للقواعد (2).
ولعل الأول أظهر، إذ يقال: إنه صار سببا للقتل، لا أنه قتل، ولا أقل
من الشك فيعمل بالعمومات.
المسألة الثانية: لا فرق في ذلك بين مراتب النسب والسبب، لعموم
الأدلة.
المسألة الثالثة: لو لم يكن وارث سوى القاتل كان الميراث للإمام
(عليه السلام) لأنه وارث من لا وارث له. وظاهر الشرائع أنه لبيت مال المسلمين (3)،
وبه صرح في صحيحتي الحناط في خصوص الدية (4)، وسيأتي تحقيقه
ومصرفه حال الغيبة، كما يظهر.
المسألة الرابعة: لا يمنع من كان تقربه بواسطة القاتل بلا خلاف
يعرف، فلو كان له ولد يرث لولا من يحجبه، وكذا ابن الأخ القاتل، لموثقة
جميل: في رجل قتل أباه، قال: " لا يرثه، فإن كان للقاتل ابن ورث الجد
المقتول " (5). ورواها في الفقيه بطريق حسن.
وروايته، قال: " لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده، ولكن يكون
الميراث لورثة القاتل " (6).

(1) حكاه عن الفضل بن شاذان في الفقيه 4: 234، وحكاه عن العماني في
المختلف: 742.
(2) القواعد 2: 163.
(3) الشرائع 4: 14.
(4) الآتية في ص 51.
(5) الفقيه 4: 232 / 741، التهذيب 9: 380 / 1361، الوسائل 26: 39 أبواب
موانع الإرث ب 12 ح 1.
(6) الكافي 7: 140 / 3، التهذيب 9: 378 / 1350، الوسائل 26: 40 أبواب موانع
الإرث ب 12 ح 2.
51

ولأن القرب الموجب متحقق والمانع منتف، ووجوده في الواسطة
غير صالح للمانعية.
فإن قيل: نفس وجودها مانع، لأنه موجب لأمرين انتقال الإرث
إليها، وحجبها لمن يرث بواسطة، وانتفاء أحدهما لا يستلزم انتفاء الآخر.
قلنا: يستلزمه، لأن أحدهما معلول للآخر، فينتفي بانتفاء علته.
وبتقرير آخر: لا نسلم أن المانع نفس وجودها بل توريثها، ويدل عليه
توريث غير من يتقرب به من الوارث إجماعا.
المسألة الخامسة: لو كان للقاتل أو معه وارث كافر منعا، وكان
الميراث للإمام لولا وارث غيرهما، لوجود المانع في كل منهما.
المسألة السادسة: إذا لم يكن للمقتول وارث سوى الإمام (عليه السلام) فله
المطالبة بالقود أو الدية مع التراضي، وليس له العفو، وفاقا للمشهور،
وخلافا للحلي فأثبت له الثلاثة (1).
لنا: صحيحة أبي ولاد، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في الرجل يقتل وليس
له ولي إلا الإمام: " إنه ليس للإمام أن يعفو، وله أن يقتل أو يأخذ الدية " (2).
وصحيحته الأخرى: قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل مسلم قتل
رجلا مسلما عمدا - إلى أن قال -: قلت له: فإن عفا عنه الإمام؟ قال،
فقال: " إنما هو حق جميع المسلمين، وإنما على الإمام أن يقتل أو يأخذ
الدية، وليس له أن يعفو " (3).
وهما بإطلاقهما يتناولان الخطأ أيضا.

(1) السرائر 3: 336.
(2) التهذيب 10: 178 / 696، الوسائل 29: 125 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 2.
(3) الكافي 7: 359 ح 1، الفقيه 4: 79 / 248، التهذيب 10: 178 / 697، علل
الشرائع: 581 / 15، الوسائل 29: 124 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 1.
52

للمخالف: أولوية الإمام (عليه السلام) بالعفو.
قلنا: لو كان حق الإمام دون جميع المسلمين، على أنه اجتهاد في
مقابلة النص.
المسألة السابعة: اختلفوا في وارث الدية على أقوال:
الأول: أنه يرثها من يرث غيرها. وهو مختار الشيخ في المبسوط
وموضع من الخلاف (1)، وحكي عن ابن حمزة (2) والفاضل في جنايات
القواعد (3)، ونسب أيضا إلى الحلي في السرائر والفاضل في المختلف (4)
وأنكرها بعض مشايخنا، وأرجع قولهما إلى أمر آخر (5).
وهو قريب، بل صرح في السرائر في هذه المسألة بعدم توريث كلالة
الأم من الدية ونفى الخلاف فيه.
والثاني: أنه يرثها من عدا المتقرب بالأم. ذهب إليه المفيد (6) والشيخ
في النهاية وجنايات الخلاف (7)، والحلي في ميراث السرائر (8)، والقاضي
والحلبي وابن زهرة والكيدري (9)، والمحقق في جنايات الشرائع والنافع (10)،

(1) المبسوط 4: 80، الخلاف 4: 114.
(2) حكاه عنه في الإيضاح 4: 180.
(3) القواعد 2: 163.
(4) نسبه إلى الحلي في الدروس 2: 348، وانظر السرائر 3: 328، المختلف: 742.
(5) انظر رياض المسائل 2: 341.
(6) المقنعة: 702.
(7) النهاية: 673، وحكاه عن جنايات الخلاف في كشف اللثام 2: 280، وانظر
الخلاف 2: 356.
(8) السرائر 3: 274، 336.
(9) القاضي في جواهر الفقه: 168، الحلبي في الكافي في الفقه: 376، ابن زهرة
في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.
(10) الشرائع 4: 288، المختصر النافع: 265.
53

واستقربه في الدروس (1)، كما استجوده في المسالك (2)، وقال في الكفاية:
ولعله قول الأكثر (3)، وادعى عليه الإجماع في الخلاف والسرائر (4).
والثالث: أنه يرثها غير المتقرب بالأم وبالأب وحده، وهو قول
الشيخ في موضع من الخلاف (5).
للأول: عموم آيات الإرث وأخباره، وخصوص رواية إسحاق بن
عمار: " إذا قبلت دية العمد فصارت مالا فهي ميراث كسائر الأموال " (6).
ورواية العبدي: " الدية تقسم على من أحرز الميراث " (7).
وللثاني: صحيحة سليمان بن خالد: " قضى أمير المؤمنين في دية
المقتول أنه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن على المقتول
دين، إلا الإخوة والأخوات من الأم، فإنهم لا يرثون من ديته شيئا " (8).
وصحيحة ابن سنان: " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الدية يرثها الورثة،
إلا الإخوة والأخوات [من الأم] (9)، فإنهم لا يرثون من الدية شيئا " (10).
وصحيحة محمد بن قيس: " الدية يرثها الورثة على فرائض

(1) الدروس 2: 348.
(2) المسالك 2: 314.
(3) كفاية الأحكام: 291.
(4) انظر الخلاف 2: 356، السرائر 3: 336.
(5) الخلاف 2: 356.
(6) التهذيب 9: 377 / 1347، الوسائل 26: 41 أبواب موانع الإرث ب 14 ح 1.
(7) الفقيه 4: 188 / 657، التهذيب 9: 249 / 964، علل الشرائع: 569 / 4،
الوسائل 26: 81 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 12.
(8) الكافي 7: 139 / 2، الفقيه 4: 232 / 744، التهذيب 9: 375 / 1338،
الوسائل 26: 35 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 1.
(9) أثبتناه من المصدر.
(10) الكافي 7: 139 / 4، التهذيب 9: 375 / 1339، الوسائل 26: 36 أبواب موانع
الإرث ب 10 ح 2.
54

المواريث، إلا الإخوة من الأم، فإنهم لا يرثون من الدية شيئا " (1).
وموثقة عبيد بن زرارة: " لا يرث الإخوة من الأم من الدية شيئا " (2).
ورواية البقباق: هل للإخوة من الأم من الدية شئ؟ قال: " لا " (3).
وقول الرضا (عليه السلام) في فقهه قال: " واعلم أن الدية يرثها الورثة على كتاب
الله، ما خلا الإخوة والأخوات من الأم، فإنهم لا يرثون من الدية شيئا " (4).
وهذه الروايات وإن كانت مخصوصة إلا أنهم عمموا الحكم، لمفهوم
الموافقة، وعدم القول بالفصل.
ومستند الثالث غير معلوم، نعم يظهر من الصيمري أن فيه رواية (5)،
ولم أقف عليها ولا نقله غيره.
أقول: إن عموم آيات الإرث وأخباره وشمولها للدية غير ظاهر، فإن
الحكم فيها إما متعلق بالإرث والميراث، أو بغيرهما نحو المال وما ترك
وما خلف وغيرها، وعدم شمول الثاني للدية حقيقة واضح. وأما الأول،
فإما نقول بثبوت الحقيقة الشرعية فيه أو لا، فإن قلنا به فنقول بثبوتها فيما
كان مالا للميت حين حياته، وأما في غيره فغير ثابت، فلا نقول به. وإلا
فيكون مجازا، فيجب الحمل على الأقرب إن كان، وإلا فعلى المتيقن،
واختصاصهما بغير الدية من أموال الميت ظاهر، على أنه لو سلم العموم

(1) الكافي 7: 139 / 5، التهذيب 9: 375 / 1340، الوسائل 26: 37 أبواب موانع
الإرث ب 10 ح 4.
(2) الكافي 7: 139 / 6، التهذيب 9: 376 / 1343، الوسائل 26: 37 أبواب موانع
الإرث ب 10 ح 5.
(3) الكافي 7: 140 / 8، التهذيب 9: 375 / 1342، الوسائل 26: 37 أبواب موانع
الإرث ب 10 ح 6.
(4) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 290، مستدرك الوسائل 17: 147 أبواب موانع الإرث ب 7
ح 2.
(5) حكاه عنه في الرياض 2: 341.
55

فيجب التخصيص، لوجود المخصص الشرعي، وهو ما تمسك به الأكثر
من الأحاديث الصحيحة.
وكذا روايتا ابن عمار (1) والعبدي فلا وجه للحكم بالعموم.
ولكن المخصص لا يشمل غير الإخوة والأخوات، ولذا حكم في
الدروس بالقصر على موضع النص وإن قال بعده: والأقرب منع قرابة الأم
مطلقا (2)، واستوجهه في المسالك أيضا (3)، وقال في الكفاية: فالوجه
الاقتصار عليهما في الحكم (4).
فعدم التعدي والاقتصار على ما خصصه المخصص أولى وأظهر، إلا
أن يثبت عدم القول بالفصل وهو غير معلوم، والأولوية المدعاة بل المساواة
ممنوعتان. ودعوى أن العرف يفهم من هذه الأحاديث أن المراد كل من
يتقرب بالأم دعوى عجيبة.
وأما قسمتها على غيرهما من الورثة فليست لعموم آيات الإرث وأخباره،
لما عرفت، بل للتصريح بها في صحاح أبناء خالد وسنان وقيس المتقدمة.
وأما رواية السكوني: " إن عليا (عليه السلام) كان لا يورث المرأة من دية
زوجها شيئا، ولا يورث الرجل من دية امرأته شيئا، ولا الإخوة من الأم من
الدية شيئا " (5).

(1) وقد يقال بعدم دلالة رواية ابن عمار، فإن الثابت منها أنها تصير مالا فيحتمل أن
يكون لمن يرث الدية. وفيه أن الظاهر من قوله " فهي ميراث " أنه يصير مالا للميت
فتأمل. (منه قدس سره).
(2) الدروس 2: 348.
(3) المسالك 2: 314.
(4) كفاية الأحكام: 291.
(5) التهذيب 9: 380 / 1360، الإستبصار 4: 195 / 731، الوسائل 26: 39 أبواب
موانع الإرث ب 11 ح 4.
56

فمع ضعفها بالنوفلي والسكوني وعدم العامل بها واحتمال حملها
على التقية كما ذكره الشيخ (1) معارضة بما هو أقوى منها، كحسنة محمد بن
قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " المرأة ترث من دية زوجها ويرث من
ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه " (2).
وحسنة ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): هل للمرأة من
دية زوجها شئ؟ وهل للرجل من دية امرأته شئ؟ قال: " نعم ما لم يقتل
أحدهما الآخر " (3).
ورواية عبيد بن زرارة عنه (عليه السلام) قال: " للمرأة من دية زوجها،
وللرجل من دية امرأته، ما لم يقتل أحدهما صاحبه " (4).
وغيرها من الأخبار الدالة على أن المرأة المطلقة إذا كانت في العدة
الرجعية ترث من زوجها ويرث منها من الدية وغيرها، كموثقتي محمد بن
مسلم، ومحمد بن قيس، ورواية عبد الله بن سنان الآتية في بحث ميراث
الأزواج في مسألة ميراث المطلقة (5).
فيجب إطراحها، على أن حملها على التقية ممكن، لموافقتها
لمذهب العامة، كما صرح به في التهذيب.
وحملها على ما إذا قتل أحدهما صاحبه كما فيه أيضا بعيد جدا.

(1) التهذيب 9: 380، الإستبصار 4: 195.
(2) الكافي 7: 141 / 8، التهذيب 9: 378 / 1353، الإستبصار 4: 194 / 728،
الوسائل 26: 32 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 2.
(3) الكافي 7: 141 / 9، التهذيب 9: 378 / 1354، الإستبصار 4: 194 / 729،
الوسائل 26: 32 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 3.
(4) الفقيه 4: 232 / 743، الوسائل 26: 38 أبواب موانع الإرث ب 11 ح 1.
(5) ستأتي موثقتا محمد بن مسلم ومحمد بن قيس في ص 347، وأما رواية
عبد الله بن سنان فلم نعثر عليها.
57

ثم إنه لا فرق فيما ذكر بين دية العمد والخطأ، لعموم الأدلة.
المسألة الثامنة: قالوا: إن الدية في حكم مال المقتول، ويتفرع عليه
أنه تقضى منها ديونه، وتخرج منها وصاياه.
والأول (1) مع كونه موضع الوفاق ظاهرا، تدل عليه رواية ابن عمار
وصحيحة سليمان المتقدمتان.
وصحيحة يحيى الأزرق (2): في رجل قتل وعليه دين، ولم يترك
مالا، وأخذ أهله الدية من قاتله، عليهم أن يقضوا الدين؟ قال: " نعم " قال،
قلت: وهو لم يترك شيئا؟! قال: " إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا
دينه " (3).
وقريب منها صحيحته الأخرى (4).
وصحيحته الأخرى: عن رجل قتل وعليه دين، وأخذ أولياؤه الدية،
أيقضى دينه؟ قال: " نعم إنما أخذوا ديته " (5).
ورواية أبي بصير: رجل قتل رجلا متعمدا أو خطأ وعليه دين و [ليس
له] (6) مال، فأراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل، فقال: " إن وهبوا دمه ضمنوا
الدين " قلت: فإنهم أرادوا قتله، فقال: " إن قتل عمدا قتل قاتله وأدى عنه
الإمام الدين من سهم الغارمين " قلت: فإن هو قتل عمدا وصالح أولياؤه

(1) أي قضاء ديونه عنها (منه قدس سره).
(2) ذكرها - الثلاثة المتوالية - في الوافي في باب قضاء الدين (منه قدس سره).
(3) الكافي 7: 25 / 6، الفقيه 4: 167 / 584، التهذيب 9: 167 / 681، و ج 9:
245 / 952.
(4) الكافي 7: 139 / 7، التهذيب 9: 375 / 1341.
(5) التهذيب 6: 312 / 862، وكل ذلك في الوسائل 18: 364 أبواب الدين والقرض
ب 24 ح 1.
(6) أثبتناه من المصدر.
58

قاتله على الدية، فعلى من الدين، على أوليائه من الدية؟ أو على إمام
المسلمين؟ فقال: " بل يؤدوا دينه من ديته التي صالح عليها أولياؤه، فإنه
أحق بديته من غيره " (1).
ورواية عبد الحميد بن سعيد: عن رجل قتل وعليه دين، ولم يترك
مالا، وأخذ أهله الدية من قاتله، أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال: " نعم "
قلت: وهو لم يترك شيئا؟! قال: " أما إنه إذا أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا
عنه الدين " (2) وغيرها.
وقد يستدل عليه أيضا بأنه لو أتلف متلف ماله أو جنى عليه في
بعض أطرافه فأخذ العوض أو الدية بعد الموت أو قتله يصرف في ديونه
وفاقا، فصرف ما هو عوض نفسه فيها أولى.
ولمانع أن يمنع الأولوية، متمسكا بأن عوض المال والأطراف قد
انتقل إليه حال حياته وصار مالكا له، فهو حق ثابت له بخلاف عوض
النفس، فإنه لا يجب على القاتل إلا بعد الموت.
وربما قيل بعدم صرفها في ديونه، لأن الدين كان متعلقا بالمديون في
حال حياته وبماله بعدها، والميت لا يملك بعد وفاته.
قلنا: اجتهاد في مقابلة النص. والحاصل أن اختصاص تعلق الدين
بالمديون أو ماله ممنوع، بل يتعلق بديته أيضا.

(1) لم نعثر على رواية بهذا النص عن أبي بصير، ولكن هناك رواية عنه بلفظ آخر في
الفقيه 4: 119 / 411، التهذيب 10: 180 / 703. وهناك رواية بهذا النص مروية
عن علي بن أبي حمزة في الفقيه 4: 83 / 264، الوسائل 29: 122، 123 أبواب
القصاص في النفس ب 59 ح 1، 2.
(2) التهذيب 6: 192 / 416، الوسائل 18: 364 أبواب الدين والقرض ب 24 ذيل
الحديث 1.
59

أو نقول: إن الدية أيضا في حكم ماله ولذا تقسم كتقسيم سائر
الأموال.
ولا فرق في الدية المأخوذة على المشهور بين قتل العمد والخطأ.
وربما قيل باختصاصه بالأخير، لأن العمد إنما يوجب القود الذي هو
حق للوارث، فإذا رضي بالدية فقد باذل حقه بغيره، فكان أبعد عن
استحقاقها المقتول من الخطأ الذي يوجب الدية.
ويدفعه إطلاق النصوص، بل صريح روايتي ابن عمار (1)،
وأبي بصير.
ثم لو أراد الوارث في العمد الاقتصاص لم يكن للديان منعه وإن
لم يكن للميت مال آخر، وفاقا للمشهور، وخلافا للشيخ والإسكافي
والحلبي والقاضي وابن زهرة مدعيا عليه الإجماع (2)، ويأتي تفصيله في
كتاب القصاص (3).
والثاني (4) يدل عليه بعد ظاهر الوفاق إطلاق رواية ابن عمار (5) (6)،
وصحيحة محمد بن قيس: " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أوصى

(1) المتقدمة في ص 53.
(2) الشيخ في النهاية: 309، وحكاه عن الإسكافي في الرياض 2: 341، الحلبي في
الكافي في الفقه: 376، القاضي في المهذب 2: 163 قال: فإن كان على المقتول
دين قضي عنه من ديته كما يقضى عنه من ميراثه سواء كان المقتول مقتولا عمدا أو
خطأ. ونقله عنه في المختلف: 413. وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.
(3) لا يوجد كتاب القصاص في النسخ المتوفرة.
(4) يعني: إخراج وصايا الميت من الدية.
(5) المتقدمة في ص 53.
(6) هذه الروايات الخمس المتوالية نقلها في الوافي في باب أن ثلث الدية داخل في
وصيته (منه رحمه الله).
60

لرجل بوصية مقطوعة غير مسماة من ماله، ثلثا أو ربعا أو أقل من ذلك أو
أكثر، ثم قتل بعد ذلك الموصي فودي، فقضى في وصيته أنها تنفذ من ماله
وديته كما أوصى " (1).
وروايته: رجل أوصى لرجل بوصية من ماله، ثلث أو ربع، فقتل الرجل
خطأ يعني الموصي فقال: " تجاز لهذا الوصية من ميراثه ومن ديته " (2).
ومثلها رواية محمد بن مسلم (3).
ورواية السكوني: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من أوصى بثلثه ثم قتل
خطأ فثلث ديته داخل في وصيته " (4).
ومرسلة الفقيه: عن رجل أوصى بثلث ماله ثم قتل خطأ، فقال:
" ثلث ديته داخل في وصيته " (5).
المسألة التاسعة: لو قتل أحد مورثه وقتله وارثهما فهو يرث عنهما.
أما عن المقتول فلانتفاء المانع، وأما عن القاتل فلكون قتله حقا.
المسألة العاشرة: لو قتل الصبي أو المجنون مورثه عمدا، فهل
يلحق بالعمد أو الخطأ؟
صرح في القواعد بالأول، لصدق القاتل (6). وعن الفضل بن شاذان
والعماني الثاني، لأن عمدهما خطأ (7). وفيه: أنه في حكم الخطأ وليس

(1) التهذيب 9: 207 / 823، الوسائل 19: 286 أحكام الوصايا ب 14 ح 3.
(2) الكافي 7: 63 / 21، الفقيه 4: 168 / 588، الوسائل 19: 285 أحكام الوصايا
ب 14 ح 1.
(3) التهذيب 9: 207 / 822، الوسائل 19: 285 أحكام الوصايا ب 14 ح 1.
(4) الكافي 7: 11 / 7، التهذيب 9: 193 / 774، التهذيب 9: 207 / 821، الوسائل
19: 285 أحكام الوصايا ب 14 ح 2.
(5) الفقيه 4: 169 / 589، الوسائل 19: 285 أحكام الوصايا ب 14 ح 2.
(6) القواعد 2: 163.
(7) نقله عن الفضل في الفقيه 4: 234، وحكاه عنهما في المختلف: 742.
61

خطأ حقيقة، فالأقرب الأول.
والنائم كالعامد في القواعد (1). وكالخاطئ عند بعض آخر (2). وصدق
القاتل عليه يقرب الأول. فهو المعول.
والضارب تأديبا إذا قتله يلاحظ الحال، فإن كان له ذلك شرعا
ولم يتعد يرث، وإلا لم يرث.
والثالث من الموانع: الرق.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الرق يمنع الإرث من الجانبين، فلا يرث المملوك
مملوك ولا حر بل ماله لمولاه، ولا يرث المملوك مملوكا ولا حرا،
ولا أعرف في شئ منهما خلافا، ونقل عليهما الإجماع في المفاتيح (3)
وغيره، وقال في الكفاية: لا أعرف خلافا في شئ من الحكمين (4).
وهما على القول بأن الرق لا يملك شيئا - واضحان، وإن كان
[عد] (5) الرق مانعا في الأول حينئذ خلاف الظاهر.
وتدل عليه مطلقا في الأول أيضا صحيحة ابن رئاب: " العبد
لا يورث " (6). وقد سها صاحب الوافي حيث أورد: لا يرث (7).

(1) القواعد 2: 163.
(2) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 313، صاحب الرياض 2: 340.
(3) المفاتيح 3: 313.
(4) كفاية الأحكام: 289.
(5) في جميع النسخ: عدا، أصلحناه لاستقامة العبارة.
(6) الفقيه 4: 247 / 796، الوسائل 26: 44 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 7.
(7) الوافي 3: 133. وأورده كذلك في الوسائل.
62

وصحيحة ابن عطية: عن رجل مكاتب مات ولم يؤد مكاتبته وترك
مالا وولدا، من يرثه؟ قال: " إن كان سيده حين كاتبه اشترط عليه إن عجز
عن نجم من نجومه فهو رد في الرق وكان قد عجز عن نجم فما ترك من
شئ فهو لسيده " الحديث (1).
وجه الاستدلال أنه لولا منع الرقية المعادة لما كان ما ترك لسيده بل
كان لوارثه من ذي قرابة أو مولى وإن لم يكن سوى الإمام.
وما رواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله): قال في العبد يعتق بعضه: " يرث
ويورث على قدر ما عتق منه " (2).
وتدل عليه أيضا الأخبار المتكثرة من الصحاح وغيرها الدالة على أنه
يورث من المكاتب بقدر ما عتق منه (3).
واختصاص المورد في أكثر الروايات بالعبد لا يضر، لعدم القول بالفصل.
والاستدلال على المطلوب بأنه على القول بأن العبد يملك يكون
الملك غير مستقر، يعود إلى السيد إذا زال الملك عن رقبته لا يخلو عن
مصادرة، كما لا يخفى. هذا وأما انتقال ماله إلى مولاه على القول بأنه يملك
فليس من باب التوريث المتنازع فيه.
وفي الثاني رواية الفضيل بن يسار: " العبد لا يرث " (4).
وصحيحة محمد - وهي طويلة - وفيها: " لا يرث عبد حرا " (5).

(1) الكافي 7: 151 / 5، التهذيب 9: 350 / 1257، الإستبصار 4: 38 / 128،
الوسائل 26: 57 أبواب موانع الإرث ب 23 ح 1.
(2) سنن النسائي 8: 46.
(3) انظر الوسائل 26: 47 أبواب موانع الإرث ب 19.
(4) الكافي 7: 150 / 4، التهذيب 9: 336 / 1209، الإستبصار 4: 178 / 671،
الوسائل 26: 44 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 3.
(5) ستأتي في ص: 72.
63

ورواية مهزم الآتية.
والأخبار المستفيضة من الصحاح وغيرها الدالة على أن المملوك
لا يرث إن أعتق بعد القسمة (1) كما هو المطلوب.
والدالة على اشتراء الوارث وعتقه ثم إعطائه الإرث (2)، كما يأتي.
والاستدلال على الحكمين بصحيحة محمد عن أحدهما (3) (عليه السلام)،
وموثقتي جميل (4)، وابن جبلة (5)، ورواية محمد بن حمران، عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لا يتوارث الحر والمملوك " (6)..
لا يخلو عن مناقشة، لصدق انتفاء التوارث بانتفائه من جانب واحد،
ولعدم تعينه واحتمال كونه كلا منهما تتطرق المناقشة في الاستدلال.
المسألة الثانية: لو تقرب الوارث بالمملوك لم يمنع وإن منع الواسطة،
بلا خلاف يعرف، وقال في الكفاية: لا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب (7).
لما مر من وجود المقتضي وانتفاء المانع، واحتمال كونه وجودها
مدفوع بتوريث غير من يتقرب بها معه من الممنوعين بها عند توريثها.
ولرواية مهزم: في عبد مسلم وله أم نصرانية، وللعبد ابن حر، قيل:

(1) انظر الوسائل 26: 46 أبواب موانع الإرث ب 18.
(2) الوسائل 26: 49 أبواب موانع الإرث ب 20.
(3) الكافي 7: 150 / 3، التهذيب 9: 335 / 1206، الإستبصار 4: 177 / 668،
الوسائل 26: 43 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 1.
(4) الكافي 7: 149 / 1، الوسائل 26: 44 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 4.
(5) التهذيب 9: 336 / 1207، الإستبصار 4: 177 / 669، الوسائل 26: 44 أبواب
موانع الإرث ب 16 ح 5.
(6) الكافي 7: 150 / 2، التهذيب 9: 336 / 1208، الإستبصار 4: 177 / 670،
الوسائل 26: 43 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 2.
(7) كفاية الأحكام: 290.
64

أرأيت إن ماتت أم العبد وتركت مالا؟ قال: " يرثها ابن ابنها الحر " (1).
وضعفها لانجبارها بالعمل، واشتمال سندها على السراد - الذي
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه - غير ضائر.
وصحيحة محمد: عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم يرثا؟ قال:
" لا " (2).
وموثقة البقباق: عن المملوك والمملوكة، هل يحجبان إذا لم يرثا؟
قال: " لا " (3).
ومثلها موثقة الفضل (4).
المسألة الثالثة: لو أعتق بعد موت مورثه، فإن كان الوارث الحر
متعددا شاركهم مع التساوي، واختص به مع التقدم، إن تقدم العتق القسمة،
بلا خلاف يعرف.
لصحيحة ابن سنان: " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن ادعى عبد
إنسان أنه ابنه: أنه يعتق من مال الذي ادعاه، فإن توفي المدعي وقسم ماله
قبل أن يعتق العبد فقد سبقه المال، وإن أعتق قبل أن يقسم ماله فله نصيبه
منه " (5).
وموثقة محمد: في رجل يسلم على ميراث قال: " إن كان قسم

(1) الكافي 7: 150 / 1، التهذيب 9: 337 / 1214، الوسائل 26: 45 أبواب موانع
الإرث ب 17 ح 1.
(2) التهذيب 9: 284 / 1027، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين ب 14 ح 1.
(3) الفقيه 4: 247 / 798، الوسائل 26: 45 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 9، و ص
124 أبواب ميراث الأبوين ب 14 ح 3.
(4) التهذيب 9: 282 / 1021، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين ب 14 ح 2.
(5) الفقيه 4: 246 / 794، التهذيب 9: 337 / 1212، الوسائل 26: 46 أبواب
موانع الإرث ب 18 ح 1.
65

فلا حق له، وإن كان لم يقسم فله الميراث " قال: قلت: العبد يعتق على
ميراث؟ قال: " هو بمنزلته " (1).
وحسنته وفيها: " ومن أعتق على ميراث قبل أن يقسم الميراث فهو
له، وإن أعتق بعد ما قسم فلا ميراث له " (2).
ورواية ابن مسكان: " من أعتق على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه،
وإن أعتق بعد ما يقسم فلا ميراث له " (3).
وإن تأخر عنها لم يرث، لما مر.
ولو قسم بعض التركة ثم أعتق، ففي إرثه من الجميع أو الباقي خاصة
أو عدمه مطلقا أوجه.
أظهرها الأول، وفاقا للفاضل في الإرشاد (4) وغيره (5)، لأن المتبادر
من قسمة الميراث قسمة جميعه.
وكذا لا يرث إذا كان الوارث الحر واحدا غير الإمام، لما سبق في
الكفر. والظاهر أنه إجماعي، وقال في الكفاية: لا أعرف فيه خلافا (6).
وأما إذا كان إماما فإن كان الرق ممن يفك فلا عبرة بعتقه قبلها أو
بعدها، وإلا فالظاهر إلحاقه بغيره، لانتقال المال إليه أولا وعدم ما يدل على

(1) الفقيه 4: 237 / 758، التهذيب 9: 336 / 1211، الوسائل 26: 21 أبواب
موانع الإرث ب 3 ح 4.
(2) الكافي 7: 144 / 4، التهذيب 9: 369 / 1318، الوسائل 26: 21 أبواب موانع
الإرث ب 3 ح 3.
(3) التهذيب 9: 336 / 1210، الوسائل 26: 47 أبواب موانع الإرث ب 18 ح 2.
(4) الإرشاد 2: 127.
(5) انظر القواعد 2: 162، والتحرير 2: 171، ومجمع الفائدة والبرهان 11: 488،
والرياض 2: 342.
(6) كفاية الأحكام: 290.
66

الانتقال منه. والتفرقة في صورة كفر الوارث وإسلامه للنص، فلا يتعدى
عنه.
المسألة الرابعة: إذا مات ولم يكن له وارث حر سوى الإمام وإن
كان بعيدا وكان له وارث مملوك، فإن كان أحد الأبوين أو كليهما اشتريا من
التركة وأعتقا وأعطيا البقية إرثا، بالإجماع، وادعى الإجماع عليه في
الانتصار والسرائر والشرائع والقواعد والتنقيح والروضة والمسالك
والمفاتيح (1).
والمستند فيه الأخبار. أما في الأم فكثيرة، كصحيحة سليمان: " كان
أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في الرجل الحر يموت وله أم مملوكة: تشترى من
مال ابنها، ثم تعتق، ثم يورثها " (2).
وصحيحة ابن سنان: في رجل توفي وترك مالا وله أم مملوكة، قال:
" تشترى أمه، وتعتق، ثم تدفع إليها بقية المال " (3).
وحسنته: " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الرجل يموت وله أم مملوكة
وله مال: أن تشترى أمه من ماله، وتدفع إليها بقية المال إذا لم يكن له ذووا
قرابة لهم سهم في كتاب الله " (4).

(1) الإنتصار: 308، السرائر 3: 273، الشرائع 4: 14، القواعد 2: 164، التنقيح
4: 143، الروضة البهية 8: 41، المسالك 2: 314، المفاتيح 3: 313.
(2) الكافي 7: 146 / 1، التهذيب 9: 334 / 1199، الإستبصار 4: 175 / 661،
الوسائل 26: 49 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 1.
(3) الكافي 7: 147 / 2، التهذيب 9: 334 / 1200، الإستبصار 4: 176 / 662،
الوسائل 26: 50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 2.
(4) الكافي 7: 147 / 7، التهذيب 9: 333 / 1196، الإستبصار 4: 175 / 658،
الوسائل 26: 51 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 6.
67

وقول الرضا (عليه السلام) في فقهه: " وإذا مات رجل حر فترك أما مملوكة،
فإن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أمر أن تشترى الأم من مال ابنها وتعتق
ويورثها " (1).
ورواية ابن طلحة الآتية (2).
وورودها بالجمل الخبرية هنا غير ضائر في إثبات الوجوب، لأن
الجواز هنا يستلزمه بالإجماع المركب، على أن في رواية ابن طلحة الآتية
في الفرع الرابع (3) دلالة على الوجوب، حيث قال: " ليس لهم ذلك ".
وأما في الأب فمرسلة ابن بكير: قال: " إذا مات الرجل وترك أباه
وهو مملوك أو أمه وهي مملوكة والميت حر، اشتري مما ترك أبوه أو
قرابته وورث ما بقي من المال " (4).
وقريب منها مرسلته الأخرى، وزاد بعد قوله: " أو أمه وهي مملوكة ": " أو
أخاه أو أخته وترك مالا " (5).
وإرسالهما غير ضائر، لانجبارهما بعمل الأصحاب، واعتضادهما
بالإجماعات المنقولة، على أن ابن بكير ممن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه.

(1) فقه الرضا " ع ": 291، بتفاوت يسير، مستدرك الوسائل 17: 149 أبواب موانع
الإرث ب 11 ح 3.
(2) في ص 70.
(3) انظر ص 74.
(4) الكافي 7: 147 / 3، التهذيب 9: 334 / 1202، الإستبصار 4: 176 / 664،
الوسائل 26: 50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 3.
(5) التهذيب 9: 334 / 1203، الإستبصار 4: 176 / 665، الوسائل 26: 53 أبواب
موانع الإرث ب 20 ح 9.
68

ويدل عليه أيضا الإجماع المركب، فإنه لا قائل بالفصل بين الأب
والأم.
وقد يؤيد أيضا باستبعاد الفرق بين الأم والأب، بل بأولويته منها.
وأما غيرهما فقد وقع الخلاف فيه على أقوال:
الأول: المنع من الاشتراء والعتق، ودفع التركة إلى الإمام. وهو مختار
الديلمي (1) وظاهر الصدوقين في المقنع والرسالة (2)، بل كلامهما
فيهما مخصوص بالأم.
والثاني: إضافة الأولاد للصلب إليهما خاصة. ذهب إليه المفيد.
والحلي وابن حمزة والمحقق (3) وجماعة (4)، ونسبه الحلي إلى الأكثر (5)،
وفي التحرير إلى السيد (6)، وكلامه في الانتصار لا يفيده وإن لم ينفيه (7).
والثالث: إضافة الأقارب النسبية إليهم مطلقا دون السببية، وذهب إليه
الإسكافي والقاضي والحلبي وصاحب التنقيح (8)، وقال في القواعد بعد ذكر
الأبوين والأولاد: وكذا الأقارب على إشكال (9).

(1) الديلمي في المراسم: 219.
(2) المقنع: 178 وحكاه عن الرسالة أيضا.
(3) المفيد في المقنعة: 695، الحلي في السرائر 3: 272، ابن حمزة في الوسيلة:
396، المحقق في الشرائع 4: 14، والنافع: 265.
(4) منهم: الشهيد الثاني في الروضة 8: 41.
(5) الحلي في السرائر 3: 272.
(6) التحرير: 172.
(7) قال في الإنتصار: 308 من مات وخلف مالا وأبا مملوكا وأما مملوكة، فإن
الواجب أن يشترى أبوه وأمه من تركته ويعتق عليه ويورثا باقي التركة.
(8) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 741، القاضي في جواهر الفقه: 167،
الحلبي في الكافي في الفقه: 375، السيوري في التنقيح 4: 145.
(9) القواعد 2: 164.
69

والرابع: تعميم الحكم إلى كل وارث قريب، نسبيا كان أو زوجا
وزوجة، وهو قول الشيخ في النهاية والكيدري وابن زهرة والارشاد
والمحقق الثاني واللمعة والدروس والمسالك والمفاتيح (1)، واحتمل في
الكفاية إلحاق الزوج وتأمل في الزوجة (2)، وظاهر المختلف والتحرير
التوقف (3).
والأقوى هو الثالث.
لنا على ثبوت الحكم في الأولاد - بعد ظاهر الإجماع كما ادعاه في
الروضة أيضا (4) -: صحيحة جميل: الرجل يموت وله ابن مملوك قال:
" يشترى ويعتق ويدفع إليه ما بقي " (5).
ورواية سليمان، الصحيحة عن ابن أبي عمير: في رجل مات وترك
ابنا له مملوكا، ولم يترك وارثا غيره، وترك مالا فقال: " يشترى الابن ويعتق
ويورث ما بقي من المال " (6).
وهما وإن اختصتا بالابن ولكن يلحق به البنت بالإجماع المركب،
ولإطلاق القرابة في مرسلتي ابن بكير المتقدمتين.

(1) النهاية: 668، وحكاه عن الكيدري في المختلف: 741، ابن زهرة في الغنية
(الجوامع الفقهية): 607، الإرشاد 2: 128 وحكاه عن المحقق الثاني في الرياض
2: 344، اللمعة (الروضة البهية 8): 41، الدروس 2: 343، المسالك 2:
315، المفاتيح 3: 313.
(2) كفاية الأحكام: 290.
(3) المختلف: 741، التحرير 2: 172.
(4) الروضة البهية 8: 41.
(5) الكافي 7: 147 / 4، الفقيه 4: 246 / 792، التهذيب 9: 334 / 1221،
الإستبصار 4: 176 / 663، الوسائل 26: 50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 4.
(6) التهذيب 9: 335 / 1205، الوسائل 26: 53 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 10.
70

وتؤيده موثقة إسحاق بن عمار قال: مات مولى لعلي (عليه السلام) فقال:
" انظروا هل تجدون له وارثا؟ " فقيل: له ابنتان باليمامة مملوكتان،
فاشتراهما من مال مولاه الميت ثم دفع إليهما بقية المال (1).
وتدل عليه أيضا صحيحة وهب بن عبد ربه، عن أبي عبد الله (عليه السلام):
قال: سألته عن رجل كان له أم ولد - إلى أن قال - قلت: فولدها من الزوج
قال: " إن كان ترك مالا أشتري بالقيمة منه فأعتق وورث " (2).
فإن الولد يشمل الذكر والأنثى.
وعلى ثبوته في سائر الأقارب النسبية: مرسلتا ابن بكير، ورواية
عبد الله بن طلحة: عن رجل مات وترك مالا كثيرا، أو ترك أما مملوكة وأختا
مملوكة قال: " يشتريان من مال الميت ويعتقان ويورثان " (3).
وضعف الروايات الثلاثة بعد صحة المرسلتين عن ابن بكير - الذي
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه - والانجبار بالعمل لا يضر.
والجمع بين الأم والأخت في الأخيرة لا يقدح، إذ يلزم أن يراد بلفظ
الواو معنى " أو " تجوزا، لوجود القرينة، وهي الإجماع والأخبار الناصة
بحرمان الأخت بالأم.
ولنا على نفيه في الزوجين: الأصل، وعدم ما يصلح دليلا للإثبات
كما يأتي.

(1) الكافي 7: 148 / 8، التهذيب 9: 333 / 1197، الإستبصار 4: 175 / 659،
الوسائل 26: 52 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 8.
(2) الفقيه 4: 246 / 795، التهذيب 8: 153 / 531، الوسائل 26: 54 أبواب
موانع الإرث ب 20 ح 12.
(3) الكافي 7: 147 / 6، التهذيب 9: 333 / 1198، الإستبصار 4: 175 / 660،
الوسائل 26: 50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 5.
71

للديلمي: الأصل.
قلنا: العمل به بعد فقد الدليل، وهو موجود.
للمفيد وتابعيه، أما في الأولاد فما مر، وأما في النفي في غيرهم
فالأصل وضعف المرسلتين والرواية.
قلنا: ضعفهما سندا غير ضائر.
واستدل من ضم الزوجين بصحيحة سليمان بن خالد: " كان علي (عليه السلام)
إذا مات الرجل وله امرأة مملوكة اشتراها من ماله فأعتقها ثم ورثها " (1).
دلت على ثبوت الحكم في الزوجة، ويثبت في الزوج بالأولوية، لأنه
أكثر نصيبا وأقوى سببا منها.
قلنا: الثابت منه فعل علي (عليه السلام) ويحتمل أن يكون تبرعا منه، لكون
التركة ماله فيكون مما لم يعلم جهته، وحكمه لنا الاستحباب على الأقوى
كما بين في موضعه، على أن ثبوته أيضا هنا محل نظر.
وقوى الشيخ هذا الاحتمال بتوريثها مطلقا، مع أنه ليس لها أكثر من
الربع (2).
ورده في المختلف باحتمال أن يكون ثمنها أقل من الربع، فتشتري
ثم تعطى بقية الربع (3).

(1) الفقيه 4: 246 / 793، التهذيب 9: 337 / 1213، الإستبصار 4: 178 / 674،
الوسائل 23: 89 أبواب العتق ب 53 ح 1.
(2) انظر الإستبصار 4: 179. قال بعد نقل صحيحة سليمان: فالوجه في هذا الخبر
أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يفعل على طريق التطوع، لأنا قد بينا أن الزوجة إذا كانت
حرة ولم يكن هناك وارث لم يكن لها أكثر من الربع والباقي يكون للإمام، وإذا كان
المستحق للمال أمير المؤمنين (عليه السلام) جاز أن يشتري الزوجة ويعتقها ويعطيها بقية
المال تبرعا وندبا دون أن يكون فعل ذلك واجبا لازما.
(3) المختلف: 742.
72

قال في التنقيح بعد نقل قول المختلف: وفيه نظر، لأن الشيخ لا ينفي
هذا الاحتمال، وإنما ذكر احتمال التبرع، لأن مع وجوده لا يلزم المطلوب (1).
أقول: غرض الفاضل ليس أن الشيخ ينفي هذا الاحتمال، بل يريد أن
مع قيامه لا يصح التعليل للتبرع بما ذكر، فكلامه في التعليل دون الاحتمال
كما صرح به. نعم إن كان المراد نفي تعليل الشيخ بذلك لكان له وجه،
والظاهر من كلام الشيخ إرادة التعليل، هذا.
ثم إن إجراء الحكم في الزوج لو ثبت مشكل، لمنع الأولوية، بل
ظاهر صحيحة محمد ينفي الحكم في الزوج، حيث قال: سألت
أبا جعفر (عليه السلام) عن مملوك لرجل أبق منه فأتى أرضا فذكر لهم أنه حر من
رهط بني فلان، وأنه تزوج امرأة من أهل تلك الأرض فأولدها أولادا، ثم
إن المرأة ماتت وتركت في يده مالا وضيعة وولدها، ثم إن سيده بعد أتى
تلك الأرض فأخذ العبد وجميع ما في يديه وأذعن له العبد بالرق فقال:
" أما العبد فعبده، وأما المال والضيعة فإنه لولد المرأة الميتة، لا يرث عبد
حرا " قلت: جعلت فداك فإن لم يكن للمرأة يوم ماتت ولد ولا وارث، لمن
يكون المال والضيعة التي تركتها في يد العبد؟ فقال: " جميع ما تركت
لإمام المسلمين خاصة " (2).
فإن هذه الصحيحة دلت على خروج الزوج عن هذا الحكم.
وحملها على أن ذلك لخدعته المرأة - كما في الوافي (3) - مردود بأنه
لا معارض لها ظاهرا حتى تحمل عليه ويخرج عن ظاهرها، مع أن القائلين

(1) التنقيح الرائع 4: 147.
(2) الفقيه 3: 288 / 1371، الوسائل 21: 224 أبواب العيوب والتدليس ب 11 ح 3.
(3) الوافي 3 (الجزء 13): 134.
73

بوجوب فك الزوجين لا يقولون باشتراطه بعدم الخدعة.
واحتمال استناد عدم الفك في هذه الصحيحة إلى عدم وقوع التزويج
لوقوعه بدون إذن المولى، لا يلائم قوله: " لا يرث عبد حرا " حيث يظهر
منه أن المانع من عدم الإرث هو العبودية لا عدم الزوجية.
بل لا يبعد أن يقال: إن ظاهر حسنة محمد بن حكيم نفي الحكم في
الزوجة أيضا وهي: أنه قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن رجل زوج
أمته من رجل حر ثم قال لها: إذا مات زوجك فأنت حرة، فمات الزوج.
قال، فقال: " إذا مات الزوج فهي حرة تعتد منه عدة الحرة المتوفى عنها
زوجها، ولا ميراث لها منه لأنها صارت حرة بعد موت الزوج " (1).
حيث دلت بالتعليل على أن حريتها بعد موت الزوج مانعة عن
التوريث، فتكون كذلك الحرية المتعقبة للشراء، فتأمل.
فروع:
أ: الأقوى عدم كفاية الشراء عن العتق، للأمر به بعده في الصحاح
الأربع وروايتي ابني خالد وطلحة والرضوي. وعدم ذكر العتق في بعض
الروايات بعد الأمر به في عدة أخرى لا يضر، لوجوب تقييده بها.
ب: قالوا: إن المباشر للشراء والعتق هو الإمام أو نائبه الخاص أو
العام، ولا يبعد كونهما من الواجبات الكفائية، فتجوز المباشرة لكل أحد
وإن لم يكن عدلا، لإطلاق الأخبار وفقد المقيد.
ج: إذا قلنا بعدم تعين الإمام، فهل يجب وقوع الشراء والعتق من

(1) الفقيه 3: 302 / 1445، التهذيب 8: 213 / 760، الوسائل 21: 183 أبواب
نكاح العبيد والإماء ب 65 ح 1.
74

واحد أو يجوز التعدد؟
الأظهر الثاني، للأصل، وفقد الدليل على وجوب الإعتاق على من
يشتري بخصوصه.
د: لو أبى المالك من بيع المملوك يقهر عليه وتدفع إليه القيمة
العادلة، ولم أجد في ذلك مخالفا من الأصحاب، وظاهر المسالك كصريح
المفاتيح ادعاء الإجماع عليه (1)، لوجوب البيع على المالك، لتوقف الشراء
الواجب عليه، فيجب من باب المقدمة. فإذا امتنع يجب قهره، لوجوب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وتدل عليه أيضا رواية عبد الله بن طلحة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفيها:
قلت: أرأيت إن أبى أهل الجارية كيف يصنع؟ قال: " ليس لهم ذلك،
يقومان قيمة عدل ثم يعطى ما لهم على قدر القيمة " (2).
والمستفاد من هذه الرواية أن القدر اللازم إعطاؤه للمالك هو القيمة
العادلة السوقية، فلا يلزم بل لا يجوز إعطاء الزائد ولو رضي بالزائد دون
العادلة، ويدل عليه أيضا قوله في صحيحة وهب المتقدمة (3) " اشتري
بالقيمة " بل هو المتبادر من جميع الأخبار المتضمنة للشراء.
ه‍: لو اتحد الوارث المملوك، وقصرت التركة عن ثمنه، لا يشترى
البعض، وكان المال للإمام، وفاقا للمشهور، ونفى عنه الخلاف في
السرائر (4).

(1) المسالك 2: 314، المفاتيح 3: 313.
(2) تقدم مصدرها في ص: 70، الرقم (2).
(3) في ص 70.
(4) السرائر 3: 272.
75

لأن وجوب الشراء بل أصل فك الرقبة مخالف للأصل (1) فيقتصر
على موضع اليقين، والأخبار الموجبة له لا توجبه في موضع النزاع،
لظهورها فيما إذا وفت بالقيمة بل زادت عنها. ولأن لفظ الأم والأب والابن
وأمثالها حقيقة في الكل مجاز في البعض، فلا يفهم منه البعض إلا مع
قرينة، وهي منتفية ها هنا.
ونقل الشيخ والإسكافي والقاضي عن بعض أصحابنا قولا بأنه يفك
بما وجد ويستسعى في الباقي (2)، ونفى عنه البعد في المختلف (3)،
واستوجهه في المسالك مطلقا أولا ثم قواه في الأبوين واستضعفه في
غيرهما (4)، واختاره في المفاتيح (5).
واستدل عليه: بأن هذا الجزء المملوك الممكن شراؤه لو كان حرا
لكان وارثا بالفعل بالإجماع في المبعض، وكل مملوك لو كان حرا لكان
وارثا يشترى ويعتق، للنص، فهذا الجزء يشترى ويعتق.
وبأن عتق الجزء يشارك عتق الجميع في الأمور المطلوبة شرعا،
فيساويه في الحكم.

(1) كون فك الرقبة مخالفا للأصل إنما هو من وجوه، أحدها: أن لازم الفك حصول
نوع تسلط على ملك الغير والأصل عدمه، وثانيها: أن كل ملك لأحد يستصحب
إلى أن يثبت المزيل والفك إزالته، فهو خلاف الأصل، وثالثها: أن فكه يوجب
انتقال المملوك إلى غير مالكه الأول من نفسه أو غيره فهو خلاف الأصل، ورابعها: أن
من لوازم هذا الفك التوريث والإعتاق وهما في الرق خلاف الأصل. (منه رحمه الله).
(2) الشيخ في النهاية: 668، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 742، القاضي في
المهذب 2: 155.
(3) المختلف: 742.
(4) المسالك 2: 314.
(5) المفاتيح 3: 313.
76

وبقوله (صلى الله عليه وآله): " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " (1).
وبأن الميسور لا يسقط بالمعسور.
والجواب أما عن الأول: فبمنع كلية الكبرى، لأنا نقول باختصاص
النص بغير الجزء.
وأما عن الثاني: فبأن مشاركة عتق الجزء لعتق الجميع في بعض
الأمور لا تقتضي مساواته له في وجوب الشراء، وإنما هو قياس لا نقول به.
وأما عن الثالث: فبأن اللازم منه هو الإتيان بما استطاع من المأمور به
لا من غيره، وشراء الجزء ليس مأمورا به وإنما هو شراء الكل، ولا يستطاع
منه شئ.
وبهذا يظهر الجواب عن الرابع أيضا، فإن المراد بالميسور الميسور
من المأمور به، على أنه كسابقه معارض بعموم ما دل على أنه لا ضرر
ولا ضرار في الإسلام، وإجبار المالك على بيع مملوكه نوع ضرر، هذا.
وقال الفضل بن شاذان: يفك من قصرت التركة عن ثمنه، إلا أن
يقصر المال عن جزء من ثلاثين جزء من قيمته فلا يفك (2). ولم يظهر لي
وجهه.
و: لو كان الوارث الرقيق متعددا، فإن كانوا متساوي المرتبة
والنصيب كابنين ووفت التركة بشرائهم جميعا وجب، لشمول النص
المتعدد والمنفرد، ويؤيده خصوص موثقة ابن عمار المتقدمة (3).

(1) صحيح مسلم 2: 975 / 412، و ج 4: 1830 / 130، سنن النسائي 5: 110 / 1.
وفي الجميع: " بشئ " بدل " بأمر ".
(2) حكاه عنه في الكافي 7: 148.
(3) في ص: 69.
77

ولو قصرت عن شراء الكل ووفت ببعضهم، ففي عدم فكه أو
التخيير أو فكة بالقرعة أوجه، أشهرها أولها، وخيرها أوسطها، للأمر بشراء
الوارث وإمكانه فيجب امتثاله. وبتقرير آخر: للأمر بشراء كل منهم مع
الإمكان، ويمكن في بعضها فيجب شراؤه، وعدم إمكان شراء البعض
لا ينفي وجوب شراء غيره مما ثبت وجوب شرائه. ولأن الميسور لا يسقط
بالمعسور. ولقوله (صلى الله عليه وآله): " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " ثم انتفاء
المرجح يوجب التخيير.
ولا يبعد الأخير أيضا، لأن القرعة لرفع الاشتباه الحاصل بين المتعدد.
للمشهور: أن الوارث هو المجموع ولم تف التركة بقيمته الذي هو
شرط وجوب الفك، لا كل واحد.
قلنا أولا: إن الوارث ليس هو المجموع من حيث هو بل كل واحد.
وثانيا: إن الحكم في النصوص ليس معلقا بالوارث، بل بالأم والأب
والابن وأمثالها، وليس شئ منها هو المجموع.
هذا إذا لم يكن البعض الذي تفي التركة بقيمته معينا، وأما إذا تعين،
كأن تفي بقيمة أحد الابنين دون الآخر تعين شراؤه، لوجود المقتضي فيه
وانتفاء المانع ووجوده في الآخر.
ولو اختلفوا في النصيب، فإن وفى نصيب كل بقيمته فالحكم واضح.
ولو قصر نصيب بعضهم عنها، فإن وفت التركة بشراء الجميع فيجب
شراؤهم أجمع، إجماعا، كما ادعاه في الإيضاح (1)، سواء بقي منها شئ أو
لا، لتساويهم في أصل سبب الشراء، وأكثرية نصيب الأكثر نصيبا إنما هي

(1) إيضاح الفوائد 4: 183.
78

فيما بقي بعد الشراء.
وإن لم يف به ووفى بالبعض المعين يجب شراؤه دون غيره وإن كان
أقل نصيبا، لما مر.
وإن وفى بالبعض الغير المعين فقيل بعدم فكه (1)، وقيل بتقديم الأكثر
نصيبا (2).
والأقوى وجوب الفك، لما سبق، وعدم وجوب تقديمه، للأصل.
وأكثرية نصيبه بعد شرائه وعتقه لا توجب وجوب تقديمه، ولا يقتضي نفي
المانع فيه وإثباته في غيره. ويحتمل الرجوع إلى القرعة أيضا.
ز: لا يخفى أن هذا الحكم كما عرفت مختص بما إذا لم يكن له
وارث حر، وأما إذا كان ولو بعيدا فلا يجب الشراء بالإجماع، كما صرح به
في التهذيبين (3).
وتدل عليه روايات العتق قبل القسمة أو بعدها (4)، فإنه لو وجب
الشراء مع جود الحر أيضا فلا تجوز القسمة قبل الشراء بل يجب الشراء،
ولا يترتب التوريث وعدمه على العتق قبل القسمة وبعدها.
والاحتجاج بحسنة ابن سنان المتقدمة (5) لا يخلو عن نظر، لأن
الظاهر شرعا رجوع القيد إلى الأخير إذا تعقب جملا متعاطفة كما بينا في
الأصول، وعلى هذا فلا يتم الاستدلال، لأن اشتراط انتفاء ذي القرابة حينئذ
يكون لدفع تمام بقية المال لا للشراء.

(1) كما في القواعد 2: 164، وكشف اللثام 2: 282.
(2) كما في المسالك 2: 314.
(3) التهذيب 9: 335، الإستبصار 4: 177.
(4) انظر الوسائل 26: 46 أبواب موانع الإرث ب 18.
(5) في ص: 66.
79

وأما ما رواه السائي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في رجل
توفي وترك مالا وله أم مملوكة قال: " تشترى وتعتق ويدفع إليها بعد ماله إن
لم تكن له عصبة، فإن كانت له عصبة قسم المال بينها وبين العصبة " (1).
فضعيف، على أنه غير معمول به، لأنه متى دخلت الأم لا ترث
العصبة، فجزؤه الذي يدل على خلاف المطلوب متروك بالإجماع، ولذا
قال في الاستبصار: اللهم إلا أن نحمله على ضرب من التقية إذ ثبتت حرية
الأم، لأن العامة يورثونها الثلث والباقي يعطون العصبة (2).
ويظهر من بعض المتأخرين الميل إلى وجوب الاشتراء والعتق لو كان
له حر وارث بالولاء كمنعم أو ضامن جريرة. وهو مردود بما ذكرنا.
ح: لو أشتري وأعتق ثم ظهر الوارث، فالأقرب بطلانهما. والوجه
واضح.
المسألة الخامسة: المشقص يرث من نصيبه بقدر حريته، وكذا
يورث منه، بلا خلاف يعرف، وفي المفاتيح: بلا خلاف منا (3)، وقيل:
ظاهر جماعة أن عليه إجماع الإمامية (4).
وخالف فيه جماعة من العامة، فنفى بعضهم الحكمين، والآخر الأخير (5).
لنا على الحكمين بعد ظاهر الإجماع: ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله)
- المنجبر ضعفه بما ذكر -: أنه قال في العبد يعتق بعضه: " يرث ويورث

(1) التهذيب 9: 335 / 1204، الإستبصار 4: 176 / 666، الوسائل 26: 53 أبواب
موانع الإرث ب 20 ح 11.
(2) الإستبصار 4: 177.
(3) المفاتيح 3: 313.
(4) انظر رياض المسائل 2: 344.
(5) انظر المغني والشرح الكبير 7: 135.
80

بقدر ما عتق منه " (1).
وصحيحة ابن حازم: " المكاتب يرث ويورث على قدر ما أدى " (2).
وعلى الأول أيضا بخصوصه: ما روي عن علي (عليه السلام) قال: " إنه
يحجب بقدر ما فيه من الرقية " (3).
وحسنة محمد بن قيس: في رجل مكاتب كانت تحته امرأة حرة،
فأوصت عند موتها بوصية فقال أهل الميراث: لا يرث، ولا نجيز وصيتها
له، لأنه مكاتب لم يعتق ولا يرث، فقضى (عليه السلام): أنه يرث بحساب ما أعتق
منه (4).
وعلى الثاني أيضا بخصوصه: صحيحة محمد بن قيس: قال: قضى
أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب توفي وله مال، قال: " يحسب ميراثه على
قدر ما أعتق منه لورثته، وما لم يعتق منه لأربابه الذين كاتبوه من ماله " (5).
وموثقة محمد: في مكاتب مات وقد أدى من مكاتبته شيئا وترك مالا
وله ولدان أحرار فقال: " إن عليا (عليه السلام) كان يقول: يجعل ماله بينهم وبين
مواليه بالحصص " (6).
وصحيحة العجلي: عن رجل كاتب عبدا له على ألف درهم

(1) جواهر الكلام 39: 56، المغني 7: 136.
(2) الكافي 7: 151 / 1، الفقيه 4: 248 / 802، التهذيب 9: 349 / 1255،
الوسائل 26: 48 أبواب موانع الإرث ب 19 ح 3.
(3) المسالك 2: 315.
(4) الكافي 7: 151 / 3، الوسائل 26: 47 أبواب موانع الإرث ب 19 ح 1.
(5) الكافي 7: 151 / 4، الفقيه 4: 248 / 801، التهذيب 9: 349 / 1254،
الوسائل 26: 48 أبواب موانع الإرث ب 19 ح 2.
(6) الكافي 7: 152 / 7، التهذيب 9: 352 / 1262، الوسائل 26: 58 أبواب موانع
الإرث ب 23 ح 4.
81

ولم يشترط عليه حين كاتبه إن هو عجز عن مكاتبته فهو رد في الرق، وأن
المكاتب أدى إلى مولاه خمسمائة درهم، ثم مات المكاتب وترك مالا
وترك ابنا له مدركا، قال: " نصف ما ترك المكاتب من شئ فإنه لمولاه
الذي كاتبه، والنصف الباقي لابن المكاتب، لأن المكاتب مات ونصفه حر
ونصفه عبد للذي كاتبه، فابن المكاتب كهيئة أبيه نصفه حر ونصفه عبد
للذي كاتب أباه، فإن أدى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حر
لا سبيل لأحد من الناس عليه " (1).
وهذه الأخبار وإن كانت مخصوصة بالمكاتب إلا أنه غير ضائر، لأن العلة
هي عتق البعض، كما صرح به في الأخيرة، ويشعر به حسنة ابن قيس أيضا.
وأما ما في بعض الأخبار الصحيحة وغيرها، من أن ولد المكاتب إذا
أدى ما بقي على أبيه كان ما يبقى له (2) فلإطلاقه واحتمال أن يكون المراد ما
بقي من نصيبه يقيد ويحمل على أنه إذا أدى ما بقي على أبيه مما يخصه ثم
بقي بعد ذلك شئ كان له، لوجود المقيد، وبهذا صرح في التهذيب (3).
فائدة: المراد بإرثه بقدر حريته: إن تقدر حريته كله وينظر إلى ما
يستحقه على هذا التقدير فينسب شقصه الحر إلى الجميع، ويرث مما
يستحقه حرا بهذه النسبة، فلو كان للميت ابنان نصف أحدهما حر فله
الربع، ولو لم يكن غيره فله النصف، ولو تحرر ثلث أحدهما فله السدس،
ولو لم يكن غيره فله الثلث، ولو كان له ابنان نصفهما حر فلكل واحد
منهما الربع، واحتمال التكميل فلكل منهما النصف كاحتمال التنزيل أو
الخطاب فلكل منهما ثلاثة أثمان خروج عن ظاهر النص. وكذا في سائر

(1) التهذيب 9: 350 / 1259، الوسائل 26: 59 أبواب موانع الإرث ب 23 ح 5.
(2) الوسائل 26: 57 أبواب موانع الإرث ب 23.
(3) التهذيب 9: 351.
82

الفروض.
والحاصل أن التوريث بقدر ما حرر ظاهر في النسبة، والرجوع إلى
التكميل أو التنزيل أو الخطاب خلاف الظاهر المتبادر فلا يصار إليه (1).

(1) المراد بالنسبة أن يورث المشقص بنسبة ما فيه من الحرية من نصيبه ويعطى الزائد
لمن بعد.
وبالتكميل أن يضم مقدار الحرية من المشقص إلى الحرية ممن في طبقته، فإن
كمل منهما حر واحد لا أزيد ورثا جميعا المال وميراث حر كامل، ثم يقسم المال
بينهما على قدر ما فيهما من الحرية، فلذي النصف النصف، ولذي الثلثين الثلثان
وهكذا، فإن زاد ما فيهما عن حر عيل الفريضة ووزع المال على مفاد الحرية،
فللكامل الثلثان، ولذي النصف الثلث، وإن نقص ما فيهما عن حر كامل ورثا بقدر
ما فيهما من الحرية ويكون الباقي لمن بعد.
وبالتنزيل - ويسمى تنزيل الأحوال أيضا - ضبط جميع الأحوال المتصورة
للمشقص وتعيين سهمه على كل من تلك الأحوال، ثم أخذ سهم منتزع من مجموع
تلك السهام على السواء، فلذي الحالين نصف ما حصل له فيهما، ولذي الأربع ربع
ما حصل له فيها، وإذا زاد المشقص على اثنين لوحظ كل من الورثة مع كل منهم
ويجمع ما حصل له في الأربعين أو الأربعات.
وبالخطاب أن يخاطب المشقص بحالاته وينظر إلى ما يصل إليه.
وحاصله أن حرية بعض الوراث المشاركين تمنع البعض الآخر - الذي لو انفرد
لأخذ الكل - عن قدر نصيبه المانع، فتمنع حرية المشقص جزء النسبة إلى ما يمنعه
الكل كنسبة الجزء إلى الكل.
وتوضيحه أنه يخاطب من ثلثاه حر بأنه: لو كنت وحدك وكنت حرا كاملا
أخذت المال كله، ولو كنتما حرين كاملين كان لكل منكما النصف فقد حجبك
أخوك بحريته الكاملة عن النصف فثلثه يحجبك عن ثلث النصف وهو السدس
فيبقى لك خمسة أسداس لو كنت حرا، فلك بثلثي الحرية ثلثا الخمسة أسداس
وهما خمسة أتساع وهي عشرة من ثمانية عشر، ويقال لمن ثلثه حر: حجبك
أخوك بثلثي حريته عن ثلثي النصف وهو ثلث الكل، يبقى لك ثلثاه لو كنت حرا،
ولكن لك الآن بثلث حريتك ثلث ذلك وهو تسعان أربعة من ثمانية عشر، ويبقى
تسعان وهو الأربعة الباقية لمن بعد. (منه رحمه الله).
83

ثم بعد النسبة والتوريث يكون الزائد لمن بعده من الطبقات إن اتفق،
لوجود المقتضي وعدم المانع على ما سبق. ولو لم يتفق فلو اتفق وارث
مملوك أشتري وورث إن يفي الزائد بقيمته، وإلا ففي شراء الجزء من
المشقص أو توريث الإمام وجهان، خيرهما أخيرهما.
وأما الإرث منه بنسبة الحرية فذكروا في كيفيته وجهين:
أحدهما: أن يقسط جميع ما كسبه بجزئه الحر بين مولاه ووارثه
بالنسبة، فإذا كان نصفه حرا ونصفه رقا فنصف ما ملكه بكسبه في أيامه
للمولى ونصفه للوارث.
وثانيهما: أن يكون جميع ما كسبه بجزئه الحر ملكا لوارثه من غير
نصيب لمولاه فيه، لأنه قد استوفى نصيبه بحق ملكيته، فما كسبه في أيام
رقيته فهو ملك لمولاه ولا سبيل له على ما كسبه في زمان حريته، فعلى هذا
فالتقسيط بينهما بالنسبة إنما هو مخصوص بما إذا كانت تركته مكتسبة بكل
السعاية من دون مهاياة.
والظاهر هو الوجه الأول، لأن ما اكتسبه في أيام مولاه ملك لمولاه،
وملكه منحصر فيما اكتسبه في أيامه، فلو اختص الوارث بذلك لم يصدق
التوريث بالنسبة.
ثم إن الظاهر أن الوجهين إنما هو في غير المكاتب المشقص، لانتفاء
التقسيط والمهاياة فيه واختصاص جميع أيامه به.
المسألة السادسة: عدم توريث أم الولد والمدبر والمكاتب المشروط
والمطلق الذي لم يؤد شيئا عن غير المولى ما داموا رقيقا واضح، لتحقق
الوصف المانع.
وأما عنه إذا كان لأحدهم جهة وراثة فكذلك في الطرفين، أما في
84

الأخير فلما مر. وأما في الأول، لأن الولد المفروض بقاؤه حجاب لها
لا محالة. وأما المدبر فإن تعدد الوارث الحر فيرث جميع التركة إن تقدمهم
مرتبة، وشاركهم إن ساواهم، لانعتاقه بمجرد موت المولى فتتأخر القسمة
عن عتقه. وإن اتحد فلا يرث، لعدم صدق العتق قبل القسمة، لانتفائها مع
الاتحاد كما سبق، فيبقى على الأصل الثابت وهو عدم توريث المملوك،
ولمقارنة انتقال التركة إلى الحر لانعتاقه، لكونهما معلولين لعلة واحدة هي
موت المولى، والانتقال منه ثانيا يحتاج إلى ناقل شرعي، وهو مفقود.
والاستدلال بمسبوقية الانعتاق بالانتقال - كما في المسالك (1) - خطأ.
الرابع من الموانع: اللعان.
وهو يقطع إرث الزوجين والولد المنفي من جانب الأب والابن،
فيرث الابن أمه وترثه، وكذا يرثه ولده وقرابة الأم والزوج والزوجة، فإن
اعترف به بعد اللعان يرثه الولد دون العكس، لورود النص بذلك.
ويلحق بهذا المقام مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في تقسيم تركة المفقود الغائب غيبة
منقطعة على أقوال:
الأول: أنه يحبس ماله ويتربص به حتى يتحقق موته أو تنقضي مدة
لا يعيش مثله إليها عادة. وهو مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط،
والقاضي وابن حمزة والحلي والمحقق والفاضل في أكثر كتبه والشهيدين

(1) المسالك 2: 325.
85

في اللمعة والمسالك (1)، وجعله في التنقيح أولى وأحوط (2)، وبه كان
يحكم والدي العلامة طاب ثراه، بل هو المشهور كما في المسالك والروضة
والمفاتيح والكفاية (3).
والثاني: أنه يحبس ماله أربع سنين، ويطلب فيها في (كل) (4)
الأرض، فإن لم يوجد قسم ماله بين ورثته. وإليه ذهب الصدوق والسيد
والحلبي وابن زهرة (5)، ونفى البأس عنه في المختلف (6)، وقواه في
الدروس والروضة (7)، واستوجهه في المسالك (8)، وقال في المفاتيح
وشرحه: إنه سيد الأقوال (9)، واختاره في الكفاية (10)، وادعى عليه الإجماع
في الانتصار والغنية (11).
والثالث: أنه يحبس إلى عشر سنين، ثم يقسم من غير طلب إن كان

(1) الخلاف 4: 119، المبسوط 4: 125، القاضي في المهذب 2: 166، ابن
حمزة في الوسيلة: 400، الحلي في السرائر 3: 298، المحقق في الشرائع 4:
16، الفاضل في القواعد 2: 167، والتحرير 2: 173، والمختلف: 749، اللمعة
(الروضة 8): 49، المسالك 2: 315.
(2) التنقيح 4: 207.
(3) المسالك 2: 315، الروضة البهية 8: 49، المفاتيح 3: 218، كفاية الأحكام:
291.
(4) ليس في " ق " و " س ".
(5) الصدوق في المقنع: 119، السيد في الإنتصار: 307، الحلبي في الكافي في
الفقه: 378، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.
(6) المختلف: 749.
(7) الدروس 2: 352، الروضة البهية 8: 50.
(8) المسالك 2: 315.
(9) المفاتيح 3: 319.
(10) كفاية الأحكام: 292.
(11) الإنتصار: 307، الغنية (الجوامع الفقهية): 608.
86

خبره منقطعا لغيبة أو لكونه مأسورا، ولو كان فقده في عسكر قد شهرت
هزيمته وقتل من كان فيهم أو أكثره كفى مضي أربع سنين. ذهب إليه
الإسكافي (1).
والرابع: أنه يقسم بعد مضي عشر سنين مطلقا. نقله في القواعد
والنافع والشرائع والروضة (2)، ولم أعثر على قائله، والظاهر أنه قول
الإسكافي (3)، ولكنه سامحوا في نقل قوله، لاستلزامه التقسيم بعد العشر
مطلقا، أو لأن المفقود في العسكر المذكور خارج عن محل المسألة من
جهة مظنة قتله.
الخامس: أنه يدفع المال إلى وارثه الملئ. نقله جماعة من غير
تعيين قائله (4)، ونسبه في المفاتيح (5) وغيره (6) إلى المفيد، وكلامه
مخالف لذلك من وجوه، فإنه قال: ولو مات إنسان وله ولد مفقود لا يعرف
له موت ولا حياة عزل ميراثه حتى يعرف خبره، فإن تطاولت المدة في ذلك
وكان للميت ورثة سوى الولد ملأ بحقه لم يكن بأس باقتسامه، وهم
ضامنون له إن عرف للولد خبر بعد ذلك، ولا بأس أن يبتاع الإنسان عقار
المفقود بعد عشر سنين من غيبته وفقده وانقطاع خبره، ويكون البائع ضامنا
للثمن والدرك (7).

(1) حكاه عنه في المختلف: 748.
(2) القواعد 2: 167، النافع 2: 274، الشرائع 4: 16، الروضة البهية 8: 50.
(3) انظر المختلف: 749.
(4) انظر الشرائع 4: 16، القواعد 2: 167.
(5) المفاتيح 3: 319.
(6) كالمسالك 2: 315.
(7) المقنعة: 706.
87

وحاصله أنه يجوز أن يدفع إلى وارث مورث المفقود الملئ ميراثه
مع ضمانهم بعد تطاول المدة، ويجوز بيع العقار بعد عشر سنين مع كون
الثمن للمفقود، فإن مقتضى ذلك وجوب العزل حتى يجئ خبره، وبعد
طول المدة يجوز إقراضه لورثة مورث المفقود، وذلك غير التقسيم لوارث
المفقود، ومع ذلك مقيد بطول المدة، والمحكوم به نفي البأس عن ذلك
العمل لا تعيينه، ومع ذلك قول المفيد مخصوص بميراث المفقود من
مورثه دون سائر أمواله لو كان له مال آخر.
إلا أنه يمكن أن يقال: إنه لو كان مراده الاقراض أو الإيداع الذي
يجوز للحاكم لم يكن وجه للتخصيص بورثة الميت ثم للاقتسام، فالظاهر
أن مراده نقل ملكه إليهم وإن ضمنوا لو انكشفت حياته، كما هو المحتمل
على القولين الأولين أيضا لو قسم بعد المدة التي لا يعيش، أو بعد أربع
سنين ثم جاء المفقود، بل هو الأظهر كما يأتي. وعلى هذا يتحد قول
المفيد مع ذلك القول في التقسيم.
ويمكن أن يكون تخصيصه بورثة الميت، لفرض أنهم ورثة المفقود
أيضا، كما هو مقتضى الأصل. وحينئذ فيتحد القولان إلا في التقييد بطول
المدة وعدمه، ولا بعد أن يكون القيد أيضا مراد القائل بذلك القول فيتحدان
رأسا.
وكذا يتحدان مع القول الثاني، إلا في تعيين طول المدة والطلب
- حيث إنهما مذكوران في الثاني دون ذلك القول - وفي اشتراط الملاءة في
الوارث.
دليل الأول: أصالة عدم الانتقال إلى الوارث، إلا بناقل قطعي. وأصالة
بقاء الحياة إلى أن يقطع بالموت. وأصالة عصمة مال الغير عن التصرف
88

حتى يثبت المبيح له. وتوقف العلم بالمشروط على العلم بالشرط.
والعمومات الدالة على عدم جواز التصرف في مال الغير.
وحسنة هشام: كان لأبي أجير، وكان له عندي شئ، فهلك الأجير
فلم يدع وارثا ولا قرابة، وقد ضقت بذلك فكيف أصنع - إلى أن قال -:
إني قد ضقت بذلك فكيف أصنع؟ فقال: " هو كسبيل مالك، وإن جاء
طالب أعطيته " (1).
ورواية الهيثم أبي روح: إني أتقبل الفنادق، فينزل عندي الرجل
فيموت فجأة لا أعرفه ولا أعرف بلاده ولا ورثته، فيبقى المال عندي، كيف
أصنع به؟ ولمن ذلك المال؟ فكتب: " اتركه على حاله " (2).
أقول: الأصول إنما يعمل بها لولا الدليل المخرج عنها، وأما معه كما
يدعيه المخالف فلا أثر لها.
وأما الروايتان فهما خارجتان عن محل النزاع، لأن النزاع في مال
عرف صاحبه وفقد، وموردهما إنما هو فيما علم موت صاحبه ولم يعرف
له صاحب آخر.
والقول بأنه يمكن أن يثبت حكمه في المطلوب بالأولوية، بأن يقال:
إذا وجب الانتظار في مال لم تعلم حياة صاحبه ولا وجوده أولا لوجب فيما

(1) الفقيه 4: 241 / 767، الوسائل 26: 301 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 6
ح 10. والرواية كاملة هي: كان لأبي أجير وكان له عنده شئ، فهلك الأجير فلم
يدع وارثا ولا قرابة، قد ضقت بذلك كيف أصنع؟ فقال: رأيك المساكين رأيك
المساكين، فقلت: جلعت فداك إني قد ضقت...
(2) الكافي 7: 154 / 4، التهذيب 9: 389 / 1390، الإستبصار 4: 197 / 738 وفيه
هيثم بن روح صاحب الخان، الوسائل 26: 298 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه
ب 6 ح 4.
89

لم تعلم حياته مع العلم بوجوده أولا بطريق أولى، إذ ليست علته إلا احتمال
مجيئه أو حياته مطلقا، وأيهما كأن يكون تحققه في الأخير أولى من الأول..
مردود، بمنع العلم بانحصار العلة فيما ذكر وإنما هي علة مستنبطة
لا عبرة بها.
هذا مع أن الأولى ليست واردة في مجهول المالك أيضا، بل هي
صريحة في أنه مال من لا وارث له، حيث قال: لم يدع وارثا ولا قرابة،
فهو مال الإمام قطعا وليس له مالك معروف ولا مجهول غيره.
والظاهر أن المراد بالطالب فيها أيضا الإمام نفسه أو من يوكله في
المطالبة، وليس في الرواية دلالة على الحبس بالمال أيضا.
والثانية أيضا كذلك، فإنها واردة فيما لا يعرف أنه هل له مالك أو لا،
وسبيل مثل ذلك أيضا سبيل مال من لا وارث له، مع أن المأمور به فيها
الترك على حاله، ولم يذكر فيها منتهى الترك هل هو حتى يطلب الإمام أو
أربع سنين أو عشر أو غير ذلك، غايته أنها تكون عامة تخصص
بالمخصصات الآتية.
هذا مع أنهما وما بمعناهما معارضة بأخبار أخر، كمرسلة الفقيه
وفيها: " إن لم تجد له وارثا وعلم الله منك الجهد فتصدق به " (1).
ورواية نصر بن حبيب: قد وقعت عندي مائتا درهم وأربعة دراهم
وأنا صاحب فندق ومات صاحبها ولم أعرف له ورثة فرأيك - إلى أن قال -:
" أعمل فيها وأخرجها صدقة قليلا قليلا حتى تخرج " (2).

(1) الفقيه 4: 241 / 770، الوسائل 26: 301 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 11.
(2) الكافي 7: 153 / 3، التهذيب 9: 389 / 1389، الإستبصار 4: 197 / 740، إلا
أن فيه فيض بن حبيب صاحب الخان، الوسائل 26: 297 أبواب ميراث الخنثى
ب 6 ح 3. وفي " ق "، " ح ": نضر بن حبيب، وهو المنقول عن بعض نسخ الكافي.
90

وصحيحة يونس: كنا مرافقين لقوم بمكة وارتحلنا عنهم وحملنا
بعض متاعهم بغير علم وقد ذهب القوم ولا نعرفهم ولا نعرف أوطانهم
- إلى أن قال - فقال: " بعه وأعط ثمنه أصحابك " قال، فقال: جعلت فداك
أهل الولاية؟ فقال: " نعم " (1).
ورواية هشام: كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه وله عندنا دراهم
وليس له وارث، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): " تدفع إلى المساكين " إلى أن قال
بعد المسألة ثالثة: " تطلب له وارثا، فإن وجدت له وارثا وإلا فهو كسبيل
مالك " إلى أن قال: " توصي بها فإن جاء لها طالب وإلا فهي كسبيل مالك " (2)
إلى غير ذلك.
وقد يستدل عليه أيضا بصحيحة ابن وهب عن الصادق (عليه السلام): في
رجل كان له على رجل حق، ففقده ولا يدرى أين يطلبه ولا يدري أحي
هو أم ميت، ولا يعرف له وارثا ولا نسبا ولا ولدا، قال: " اطلب " قال: إن
ذلك قد طال فأتصدق به؟ قال: " اطلبه " (3).
وصحيحة هشام، قال: سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم (عليه السلام) وأنا
جالس فقال: إنه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجر، ففقدناه وبقي له من
أجره شئ ولا نعرف له وارثا، قال: " فاطلبه " قال: قد طلبناه ولم نجده

(1) التهذيب 6: 395 / 1189، الوسائل 25: 450 أبواب اللقطة ب 7 ح 2.
(2) التهذيب 7: 177 / 781، الوسائل 26: 254 أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 4 ح 7.
(3) الكافي 7: 153 / 2، الفقيه 4: 241 / 769، التهذيب 9: 389 / 1388،
الإستبصار 4: 196 / 737، الوسائل 26: 297 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه
ب 6 ح 2.
91

قال، فقال: " مساكين " وحرك يديه، قال: فأعاد عليه قال: " اطلب واجهد،
فإن قدرت عليه، وإلا كسبيل مالك حتى يجئ له طالب، فإن حدث بك
حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع إليه " (1).
وفيهما مضافا إلى ما مر من الخروج عن محل النزاع: أنهما لا تدلان
على مطلوبه، لأنه أمر بالطلب، ولم يحكم في الأولى على قدر الطلب،
وعلى ما بعد اليأس وفي الثانية حكم بأنه كسبيل ماله بعد اليأس حتى يجئ
طالب - أي من الإمام - ولا أقل من احتماله.
هذا مع أنه لو قطع النظر عن جميع ذلك فدلالتهما موقوفة على أن
يكون المستتر في اطلب والبارز في اطلبه راجعين إلى المفقود دون
الوارث، ولكنه يحتمل أن يكونا راجعين إليه دونه، وحينئذ فلا دلالة لهما
على المطلوب، بل تكونان دالتين على خلافه.
نعم يمكن أن يستدل لذلك القول بموثقتي إسحاق الآتيتين في دليل
القول الخامس (2)، الآمرتين بعزل نصيب الغائب المفقود حتى يجئ،
ولا ينافيه حكمه فيهما بالاقتسام بين ورثة مورثه مع ضمانهم له، لأنه نوع
اقتراض لا ينكره أرباب هذا القول مع المصلحة.
إلا أن فيه ما مر ويأتي من أنه لو كان المراد الاقتراض لما كان وجه
للتخصيص والتقسيم.
احتج الثاني (3) بالإجماع المنقول. وبأن التفحص على هذا الوجه

(1) التهذيب 9: 389 / 1387، الإستبصار 4: 197 / 739، الوسائل 26: 296
أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 6 ح 1.
(2) انظر ص: 94 و 95.
(3) كما في الإنتصار: 307، الغنية (الجوامع الفقهية): 608.
92

مقتض لاعتداد زوجته عدة الوفاء بالإجماع، وعصمة الفروج أهم من
عصمة الأموال، فإذا جاز لزوجته أن تنكح غيره بعد انقضاء تلك المدة
مضافا إلى العدة فلتجز قسمة أمواله بطريق أولى.
وبموثقة إسحاق بن عمار: " المفقود يتربص بماله أربع سنين ثم
يقسم " (1).
وموثقة سماعة: " المفقود يحبس ماله عن الورثة قدر ما يطلب في
الأرض أربع سنين، فإن لم يقدر عليه قسم ماله بين الورثة " (2).
أقول: الدليلان الأولان وإن كانا ضعيفين: أما الأول فلأن الإجماع
المنقول لا حجية فيه عندنا أصلا كما بينا في الأصول، سيما مع مخالفة أكثر
الأصحاب، ومعارضته بدعوى الشهرة من جمع أكثر من المدعين للإجماع.
وأما الثاني فلأنه إن أريد به أنه يدل على الحكم بموته فيجب تقسيم
أمواله فهو ظاهر الفساد، لأنه لو دل على ذلك لما احتاج إلى طلاق من
الولي أو الوالي، مع أن المذكور في أكثر الأخبار (3) والمشهور بين الأصحاب
الاحتياج إليه، والاعتداد بعدة الوفاة يمكن أن يكون بعيدا، بل هو كذلك.
وإن أريد أن جواز فسخ نكاح زوجته وإن لم يكن للحكم بالموت
يدل على جواز قسمة أمواله بطريق أولى فالأولوية بل المساواة ممنوعة،
لجواز أن يكون لجواز الفسخ داع وضرورة لم يكن للقسمة، كتضرر
الزوجة لاحتياجها إلى النفقة وأمثالها، ألا ترى أنه ينفسخ النكاح أو يجوز

(1) الكافي 7: 154 / 5، الفقيه 4: 240 / 766، الوسائل 26: 298 أبواب ميراث
الخنثى وما أشبهه ب 6 ح 5.
(2) الكافي 7: 155 / 9، التهذيب 9: 388 / 1386، الوسائل 36: 300 أبواب
ميراث الخنثى وما أشبهه ب 6 ح 9.
(3) الوسائل 22: 156، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب 23.
93

فسخه بأمور لا يوجب شئ منها قسمة الأموال.
ولكن الخبرين معتبران حجتان، لوجودهما في الأصول المعتبرة،
وكونهما من الموثق الذي هو بنفسه حجة، بل وصف الأول بعض الأجلة
بالصحة (1)، ومع ذلك منجبران بالإجماعين المنقولين وبعمل طائفة من
أجلة القدماء (2). ولا خفاء في دلالتهما أيضا، والجملة الخبرية فيها للإرشاد
وإراءة الحكم، أي الحكم كذلك.
واحتج الثالث والرابع بصحيحة علي بن مهزيار: عن دار كانت لامرأة
وكان لها ابن وبنت، فغاب الابن بالبحر وماتت المرأة، فادعت ابنتها أن أمها
كانت صيرت هذه الدار لها، وباعت أشقاصا منها، وبقيت في الدار قطعة
إلى جنب دار رجل من أصحابنا، وهو يكره أن يشتريه لغيبة الابن
وما يتخوف من أن لا يحل له شراؤها، وليس يعرف للابن خبر، فقال لي:
" ومنذ كم غاب؟ " فقلت: منذ سنين كثيرة، فقال: " ينتظر به غيبة عشر سنين ثم
يشتري " فقلت: فإن انتظر به غيبة عشر سنين يحل شراؤها؟ قال: " نعم " (3).
والرواية وإن لم تدل على التفصيل الذي ذكره، إلا أنه يمكن أن
يكون وجهه الجمع بينها وبين روايتي سماعة وإسحاق.
وفيه: أنه لا يلزم من جواز بيع حصته من الدار بعد العشر جواز
تقسيم تركته بعده، لجواز أن يكون تجويز بيعها لادعاء البنت لها، مع عدم
ظهور منازع في عشر سنين، فيمكن أن يكون تسويغ البيع لذلك وإن بقي
الغائب على حجته.

(1) انظر الرياض 2: 373 و 374.
(2) راجع ص: 84 - 86.
(3) الكافي 7: 154 / 6، التهذيب 9: 390 / 1391، الوسائل 26: 299 أبواب
ميراث الخنثى وما أشبهه ب 6 ح 7.
94

ولا ينافيه الحكم بالتأخير إلى تلك المدة، لاحتمال كونه من باب
الاحتياط كما قيل (1)، أو لأن الأرض التي تركها صاحبها في هذه المدة يزول
حقه عنها وإن لم يكن مفقودا. ويؤيد ذلك ما ورد في أخبار متكثرة من أن
من ترك أرضا في ثلاث سنين فلا حق له (2). أو يكون بيعها لصونها من
البوار فيكون ثمنها للمفقود، كما قاله المفيد (3). فإنه ليس فيها ما يدل على
انتقالها إلى البنت، وللحاكم بيع مال الغائب للمصلحة، فكيف بالإمام (عليه السلام).
على أنه لو تم لم يثبت منه إلا جواز بيع الدار بعد العشر دون
التفصيل الذي ذكره، ولا دليل عليه. والجمع لا يفيده.
ولو قطع النظر عن جميع ذلك وقلنا بدلالة الرواية تكون شاذة غير
صالحة للحجية.
حجة الخامس على ما ذكروه (4): موثقة إسحاق بن عمار: عن رجل
كان له ولد فغاب بعض ولده فلم يدر أين هو ومات الرجل، كيف يصنع
بميراث الغائب عن أبيه؟ قال: " يعزل حتى يجئ "، قلت: فقد الرجل
ولم يجئ، فقال: " إن كان ورثة الرجل ملأ بماله اقتسموه بينهم، فإذا هو
جاء ردوه عليه " (5).
وقريبة منها موثقته الأخرى (6).

(1) انظر الرياض 2: 374.
(2) الوسائل 25: 433 أبواب إحياء الموات ب 17.
(3) المقنعة: 706.
(4) كما في التنقيح 4: 206، المفاتيح 3: 319، كشف اللثام 2: 286.
(5) الكافي 7: 154 / 7، التهذيب 9: 388 / 1384، الوسائل 26: 298 أبواب
ميراث الخنثى وما أشبهه ب 6 ح 6.
(6) الكافي 7: 155 / 8، الفقيه 4: 241 / 768، التهذيب 9: 388 / 1385،
الوسائل 26: 300 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 6 ح 8.
95

وفيه: أنها لا تدل على مطلوبه من تقسيمه بين وارث المفقود أصلا،
نعم تدل على جواز الاقتسام بين ورثة مورثه مع ضمانهم له، ومرجعه إلى
الإقراض أو الإيداع. ومن يقول بوجوب التربص إلى زمان لا يعيش مثله
فيه لا يشك في جواز إقراض ماله أو إيداعه للحاكم مع كون المستقرض
والمستودع مليئا، سيما مع طول المدة وخوف الضياع، وهذا أيضا نوع
اقراض أو إيداع فيكون جائزا، وعلى هذا فيكون قوله " اقتسموا " في
الروايات محمولا على الإباحة أو الإرشاد.
إلا أن يقال: إنه لو كان الغرض الإقراض ونحوه لم يكن وجه
للتخصيص بالورثة ولا للاقتسام، سيما قد يكون المال من الضياع والعقار
والحيوان التي لها إجارة وغلة ومنفعة ولم يحكم بردها أيضا، وهو خلاف
مصلحة الغائب قطعا، فالمراد التمليك والتقسيم لهم. وأما التخصيص بورثة
المورث فيمكن أن يكون لأجل عدم وجود وارث آخر للابن أو يكون
المراد بالرجل هو الابن. وأما الرد حين مجئ خبره فلا ينافي التمليك
حينئذ كما يأتي.
ولكن بعض ما ذكر مجرد احتمال لا يكفي في مقام الاستدلال،
فتأمل.
ثم أقول: هذا غاية ما ذكر في المسألة من الاستدلال، ولتحقيق الحال
فيها نقول: إنه قد ظهر أن الأقوال فيها خمسة أو ستة بجعل قول المفيد قولا
سادسا، وأن الثالث والرابع والخامس منها ليس لها دليل أصلا، ومع ذلك
هي شاذة مخالفة لظاهر الإجماع، فالثلاثة ساقطة من البين قطعا. وكذا
السادس لما ذكر أخيرا، فالخبر الدال عليه لشذوذه ليس بحجة، مع أنه قد
عرفت ما فيه من ضعف الدلالة للاحتمالات المذكورة، مضافا إلى أنه غير
96

مقيد بطول المدة، ولم يقل بإطلاقه أحد، ومخصوص بحصته من ميراثه،
فلا يفيد في غيرها، فبطلان هذا القول أيضا ظاهر.
فبقي منها اثنان:
الأول: التربص حتى يعلم موته عادة، ودليله التام - كما صرح به في
الروضة أيضا (1) - منحصر في الأصول المذكورة (2)، لما عرفت من حال
الأخبار التي ذكروها دليلا له. والأصول يجب رفع اليد عنها مع الدليل
المخرج، وهو موجود، وهو موثقتا إسحاق وسماعة المذكورتان دليلا
للقول الثاني (3)، وجعلهما من الأخبار الموهونة المرجوحة - كما في
النافع (4) - مما لا وجه له، كيف؟! وهما معتبرتان سندا، واضحتان دلالة،
معتضدتان بعمل أجلاء الأصحاب، وبالإجماعين المنقولين (5)، وبما دل
على حكم الزوجة، وليست في الأدلة التي يدفع بها الأصول الكلية في كثير
من الموارد أقوى منهما.
والشهرة المدعاة في كلام جماعة (6) ليست إلا شهرة متأخرة، كما
صرح به جماعة منهم صاحب الكفاية (7)، ومثلها لا يوجب المرجوحية،
سيما إذا كان في مقابلها الإجماعات المحكية وعمل الأجلة.
وأما موثقتا إسحاق اللتان أشرنا إليهما فقد عرفت ما فيهما من

(1) الروضة البهية 8: 49.
(2) انظر ص 88.
(3) انظر ص: 92.
(4) المختصر النافع: 274.
(5) انظر ص: 93.
(6) انظر ص: 84 و 85.
(7) كفاية الأحكام: 291.
97

الاحتمالات المنافية للاستدلال، مع أنه لو قطع النظر عنها تدلان بالمفهوم
على أنه إذا لم يجئ حتى مضت المدة التي يعيش فيها عادة لم يرد المال
وإن علمت حياته بعد موت مورثه وكان له وارث آخر، ولا يقول به أرباب
القول بالتربص. ومع قطع النظر عن ذلك أيضا تكونان أعمين مطلقا من
الموثقتين اللتين هما دليلان للقول الثاني، لأن مفاد الأوليين الإبقاء حتى
يجئ، سواء مضت أربع سنين مع الطلب أو بدونه، ومقتضى الأخيرتين
الإبقاء إلى أربع سنين ثم التقسيم، فيجب تخصيصهما بهما.
الثاني: التربص أربع سنين ثم التقسيم، ودليله الموثقتان المذكورتان
فيه، ولا معارض لهما يكافئهما، فيتعين العمل بهما، وبهما تندفع الأصول
المذكورة، ويخصص ما يحتمل عمومه.
ومنه يظهر أن الأقوى هو القول الثاني بلا إشكال.
فروع:
أ: مقتضى إطلاق إحدى الموثقتين (1) جواز التقسيم بعد الأربع سنين
مطلقا من غير تقييد بالطلب والفحص عن المفقود، والأخرى (2) وإن كانت
مقيدة بالطلب ولكنها لتضمنها للجملة الخبرية القاصرة عن إفادة اللزوم
والوجوب لا توجب تقييد الأولى بعنوان اللزوم، بل غايتها الرجحان.
بل فيها كلام آخر، لأن المذكور فيها أنه يحبس ماله قدر ما يطلب في
الأرض أربع سنين، وهو كما يمكن أن يكون قوله: " أربع سنين " متعلقا
بقوله: " يطلب " وظرفا له، يحتمل أن يكون بدلا للقدر ويكون المعنى: أنه

(1) انظر ص: 92.
(2) انظر ص: 92.
98

يحبس ماله قدر ما يطلب المفقود في الأرض فيما هو المعهود لأمر زوجته
وهو أربع سنين، فيرجع المعنى إلى الحبس أربع سنين من غير تقييده.
وهذا معنى واضح مناسب لذكر لفظ القدر، ويكون التعبير بذلك
لبيان التقدير بهذا القدر، لأنه الذي قرر لطلبه لخلاص زوجته، وأنه مظنة
لوصول خبر منه فيما يطلب لأمر الزوجة، وعلى هذا فتكون هذه أيضا مطلقة.
إلا أن الظاهر من القائلين بذلك القول انعقاد إجماعهم على التقييد.
فبه يقيد الإطلاق، ولكن مقتضاه الاقتصار في التقييد على ما علم الإجماع
فيه.
ب: الظاهر من الأمر بطلب شئ اختصاصه بما إذا كان ذلك الأمر
محتمل الحصول بل مظنونه لو طلب، بل هذا مقتضى معنى الطلب عرفا بل
لغة والمتبادر منه، فلا طلب فيما يكون مأيوسا عن الوصول إليه ويعلم عدم
حصوله، ولازم ذلك اختصاص التقييد بالطلب بما إذا كان مظنون الوصول
إليه ولا أقل من احتماله.
وذلك أيضا مقتضى ما ذكرنا من لزوم الاقتصار في التقييد بما علم
الإجماع فيه، ولا يعلم ذلك في صورة اليأس، فلا حاجة فيها إلى الطلب.
نعم يحبس الأربع حينئذ امتثالا لظاهر النص واتباعا للأصل، ولا حاجة
حينئذ إلى جعل مبدأ التربص من حين طلب الوارث أو تأجيل الحاكم، بل
يكفي مضي هذه المدة من حين الفقد، لصدق الحبس سنين.
وكذا لا يحتاج إلى الطلب فيما لم يمكن الطلب، كما إذا فقد في صقع
لم يمكن الوصول إلى ذلك الصقع لمانع، لعدم العلم بالإجماع على التقييد (1)

(1) في " ح ": التعبد.
99

حينئذ أيضا، بل لو قلنا برجوع الضمير المجرور في قوله في الموثقة الثانية
" فإن لم يقدر عليه " (1) إلى الطلب دون المفقود يثبت ذلك من الموثقة
أيضا، ولكنه لكونه احتماليا بل مرجوحا لا يصلح للاستدلال به.
ولو أمكن الطلب في بعض النواحي دون بعض يجب الطلب فيما
يمكن، ولا يحتاج إلى الطلب في غيره. ولو حصل الفراغ منه في ما دون
الأربع يتربص في الباقي منها من غير طلب، وكذا لو حصل اليأس في أثناء
الأربع، بل للكلام في لزوم الطلب فيما دون الأربع إذا علم أولا عدم إمكان
الإكمال أو حصول اليأس قبل الإكمال مجال، إلا أن الاحتياط في الطلب.
ج: مقتضى ما ذكرنا من معنى الطلب أنه لو احتمل الوصول إليه في
ناحية مخصوصة دون غيرها يكفي الاقتصار على الطلب فيها من غير حاجة
إلى الطلب في سائر الأصقاع والنواحي.
ويستأنس لذلك بالأخبار الواردة في طلبه لخلاص زوجته، كصحيحة
الحلبي: " المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية
التي هو غائب فيها، فإن لم يجد له أثر أمر الوالي وليه " الحديث (2).
وصحيحة العجلي: عن المفقود كيف يصنع بامرأته - إلى أن قال -:
" فإن رفعت أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين، ثم يكتب إلى الصقع الذي
فقد فيه فيسأل عنه، فإن خبر عنه بحياة صبرت، وإن لم يخبر عنه بشئ
حتى تمضي الأربع سنين دعا ولي الزوج المفقود " الحديث (3).

(1) انظر ص: 92.
(2) الكافي 6: 147 / 1، الوسائل 22: 158 أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب 23
ح 4.
(3) الكافي 6: 147 / 2، الفقيه 3: 354 / 1696، التهذيب 7: 479 / 1922،
الوسائل 22: 156 أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب 23 ح 1.
100

د: اللازم في الطلب ما يسمى طلبا عرفا، وهو كما يحصل بإنفاذ
شخص أو أشخاص إلى تلك الناحية أو النواحي ليستخبر عنه، كذلك
يحصل بإنفاذ الكتب إليها أو أمر من فيها بالفحص، وبالجملة لا يلزم نصب
شخص بخصوصه أو أشخاص كذلك لذلك الأمر بل يحصل بكل ما يسمى
طلبا، وكذا لا يلزم السؤال في تلك الناحية عن كل بيت بيت فيها وكل
زاوية وجبل وقرية، بل يكفي ما يصدق عليه الطلب في تلك الناحية.
ه‍: الحق عدم اشتراط رفع الأمر هنا إلى الحاكم وحصول ضرب
الأجل والفحص والطلب منه، بل يكفي حصوله من كل شخص، للأصل.
والرجوع إلى الحاكم في أمر زوجته لتوقف التطليق أو الأمر بالإنفاق عليه،
وليس هنا كذلك، نعم الأولى والأحوط الرجوع إليه مع الإمكان، وبدونه
إلى العدول أو العدل، وحصول ذلك باطلاعه.
و: مبدأ الأربع حين الفقد مطلقا إن لم يكن هناك طلب، للإطلاق،
وحين الشروع في صورة لزوم الطلب، ليصدق الطلب في الأربع.
ز: لو احتاج الطلب إلى مؤونة لا يجوز أخذها من مال المفقود،
للأصل، بل هو على طالبه.
ح: لو قسمت التركة بعد الأربع مع الطلب أو بدونه فيما لا يحتاج
إليه ثم جاء المفقود، فإن لم تكن عين المال باقية بل أتلفتها الورثة
فلا تسلط له عليهم، لأنه إتلاف بإذن من الشرع، والأصل عدم الضمان،
وكذا إن بدلوا العين بأعيان أخر باقية، لأصالة عدم تسلطه على تلك الأعيان
الباقية.
وإن كانت العين باقية كلا أو بعضا، فمقتضى التقسيم وإن كان
تمليكها للوارث، حيث إنه المتبادر من التقسيم للورثة دون الإيداع أو
101

الإقراض الغير المتوقفين على الطلب ولا المقصورين على الوارث، بل
الظاهر كونه إجماعيا، والأصل عدم الانتقال عنه إلا بناقل شرعي، إلا أن
مقتضى عموم موثقتي إسحاق الأخيرتين (1) الشاملتين لما إذا كانت ورثة
الميت ورثة المفقود أيضا ولما إذا كان بعد الفحص أيضا: لزوم الرد الذي
هو الظاهر في رد خصوص العين الباقية لرجاء المفقود بنفسه، فيجب العمل
بهما.
ولا يتوهم أنه على ذلك يشترط ملاءة الوارث لاشتراطها فيهما،
لاحتمال كون اشتراطها لأجل الإطلاقين، فيكون التقسيم قبل الفحص لورثة
الميت مطلقا مشروطا بالملاءة، فتأمل.
ط: المقسوم بينهم بعد الأربع الواقعة بعد الطلب أو مطلقا ورثته حين
انقضاء الأربع، لأنهم الوارث حينئذ دون الوارث حين الفقد أو قبل الأربع.
ي: لو لم ينهض أحد للطلب مع إمكانه لا تجوز القسمة إلى أن
تمضي مدة لا يعيش مثلها عادة كما يقوله أرباب القول الأول (2)، والوجه
واضح. ويقسم حينئذ بين ورثته في ذلك الزمان كما يأتي.
يا: المرجع في انقضاء زمان لا يعيش مثله فيه - على القول بالتربص
إلى انقضائه أو إذا لزم التربص لعدم النهوض للطلب مع الإمكان - إلى
العادة، وهو يختلف باختلاف الأزمان والأصقاع، وقد قدره الجمهور بمائة
وعشرين سنة (3)، وقال في المسالك: والظاهر الاكتفاء في زماننا بما دونها،
فإن بلوغ العمر مائة سنة الآن على خلاف العادة (4).

(1) انظر ص: 94 و 95.
(2) انظر ص: 84.
(3) انظر المغني والشرح الكبير 7: 208، مغني المحتاج 3: 26.
(4) المسالك 2: 315.
102

أقول: الاكتفاء بما قدره الجمهور مما لا شك فيه، وأما بالمائة
فلا يخلو عن إشكال، وذلك لأن الظاهر وإن منع من العيش إلى المائة،
ولكن الظاهر لا يرجح عندي على الأصل إذا تعارضا إلا إذا أفاد العلم العادي
بخلافه، وإفادته له هنا فيها غير ظاهرة، لكنه يفيده في المائة والعشرين
قطعا، بل فيما دونها أيضا كالمائة والعشر وما فوقها. نعم من يرجح الظاهر
على الأصل مطلقا أو فيما إذا أفاد ظنا مساويا لما يفيده الأصل أو أقوى منه
يجب أن يكتفي بالمائة بل بما دونها بقليل.
يب: مبدأ هذا التقدير وقت التولد فون الغيبة، والوجه ظاهر.
ولو اشتبه وقته يؤخذ بالمتيقن، لأصالة تأخر الحادث.
يج: إذا انقضت هذه المدة يرثه من يرثه من الموجودين حين
الانقضاء دون الغيبة، إذ لا ميراث إلا للوارثين الموجودين بعد الموت،
وانقضاء المدة قائم مقامه. ولأن انتقال الإرث إلى الوارث موقوف على
العلم بموت المورث وحياة الوارث، والأول منتف قبل الانقضاء، والثاني
بعده بالنسبة إلى من فرض موته من الورثة الموجودين قبله.
يد: لو مات من يرثه غائب عزل نصيبه، فإن بان حيا أخذه، أو ميتا
بعد موت مورثه دفع إلى ورثته، أو قبله رد إلى ورثة مورثه.
وإن مضت المدة ولم ينكشف حاله فقال في التحرير: يرد إلى ورثة
مورثه (1)، لاشتراط انتقال التركة إليه بحياته بعد موت المورث، والعلم
بالمشروط مشروط بالعلم بوجود الشرط، وهو منتف، للشك في حياته
حين موت مورثه.
ويعارض بأن الانتقال إلى غيره مشروط بموته قبله، للعلم بحياته

(1) التحرير 2: 173.
103

أولا، والعلم بالمشروط مشروط بالعلم بوجود الشرط، وهو منتف، للشك
في موته قبله، على أن الشرط في الأول مستصحب، فيترتب عليه
مشروطه.
فإن قيل: استصحاب الشئ لا يوجب العلم بوجوده.
قلنا: إن أريد وجوده الواقعي فعدم إيجاب الاستصحاب للعلم به
مسلم، وإن أريد وجوده الشرعي - أي ما كان في حكم الموجود شرعا -
فغير مسلم، والأحكام مترتبة على الوجود الشرعي دون الواقعي.
وأيضا: معنى الاستصحاب الذي هو حجة شرعية إما الحكم بوجود
ما علم وجوده سابقا بعد الشك في وجوده، أو الحكم بترتب الأحكام
الشرعية المعلقة عليه عليه وإن كان وجوده مشكوكا فيه، وكل ما كان
يستلزم ترتب المشروط الشرعي عليه، أما الثاني فظاهر، وأما الأول فلأن
الأحكام المعلقة على الشئ من لوازمه، والحكم بوجود الملزوم يستلزم
الحكم بوجود اللازم.
وأيضا: لو كان هذا الشك معتبرا لزم نقض اليقين بالشك، مع أنه
لا ينقض اليقين بالشك أبدا.
وأيضا: لو لم يوجب الاستصحاب طرد هذا الشك ودفعه وعدم
الاعتناء به لزم عدم حجيته في موضع أصلا، إذ لو لم يوجبه لكان لأجل أنه
لا يوجب الحكم بالوجود ولا يترتب الحكم، فإنه لو استلزم أحدهما لما
بقي للشك مجال، وإذا لم يوجب شيئا منهما لما كان حجة:
أما في الموضوعات، فلأن كل حكم معلق على شئ فإنما هو معلق
على وجوده، فإذا لم يفد الاستصحاب الحكم بوجوده ولا ترتب الحكم
عليه لما أفاد فائدة أصلا. وأما الحكم بعدم تحقق ما اشترط على عدمه فإنما
104

هو ليس لاستصحابه بل لعدم العلم بالشرط.
وأما في نفس الأحكام، فلأن معنى استصحابها الحكم بوجودها بعد
الشك فيه، فإذا لم يفد الاستصحاب في ذلك فكيف يستصحب.
وأيضا أصالة تأخر الحادث تؤيد تأخر موته عن موت مورثه.
ويعلم مما ذكر أن القول بالانتقال إلى ورثة المفقود أقرب إلى الحق.
قال في التحرير: وكذا لو علمنا موته قبل الانقضاء ولم نعلم هل مات
قبل المورث أو بعده (1). ويعلم ضعفه مما ذكرنا.
المسألة الثانية: الحمل يرث حيث يحكم بإلحاقه بالميت قطعا أو
شرعا إن انفصل حيا، ولو ولد ميتا لم يرث.
أما الأول فتدل عليه بعد ظاهر الاجماع: عمومات الإرث،
والمستفيضة من الأخبار كصحيحة ربعي: في المنفوس: " إذا تحرك ورث،
إنه ربما كان أخرس " (2).
والمنفوس هو المولود الذي لم يستهل ولم يصح.
والأخرى: في السقط إذا سقط من بطن أمه فتحرك تحركا بينا: " يرث
ويورث، فإنه ربما كان أخرس " (3).
وموثقة أبي بصير: " إذا تحرك المولود تحركا بينا فإنه يرث ويورث،
فإنه ربما كان أخرس " (4).

(1) التحرير 2: 173.
(2) الكافي 7: 155 / 1، الوسائل 26: 302 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 7
ح 3.
(3) الكافي 7: 155 / 2، التهذيب 9: 391 / 1394، الإستبصار 4: 198 / 742،
الوسائل 26: 303 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 7 ح 4.
(4) التهذيب 9: 392 / 1398، الإستبصار 4: 198 / 743، الوسائل 26: 304
أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 7 ح 7.
105

وصحيحة الفضيل: قال: سأل الحكم بن عتيبة أبا جعفر (عليه السلام) عن
الصبي يسقط عن أمه غير مستهل، أيورث؟ فأعرض عنه فأعاد عليه،
فقال: " إذا تحرك تحركا بينا ورث، فإنه ربما كان أخرس " (1).
والروايات الآتية الدالة على أن المستهل يرث ويورث.
وأما ما ورد في بعض الأخبار من اشتراط إرثه باستهلاله كصحيحة
ابن سنان: " لا يصلى على المنفوس، وهو المولود الذي لم يستهل
ولم يصح، ولم يورث من الدية ولا من غيرها، وإذا استهل فصل عليه
وورثه " (2).
وروايته: في المنفوس قال: " لا يرث من الدية شيئا حتى يصيح
ويسمع صوته " (3).
ورواية السكوني: " يورث الصبي ويصلى عليه إذا سقط من بطن أمه
فاستهل صارخا، فإذا لم يستهل صارخا لم يورث " (4).
ومضمرة ابن عون يقول: " إن المنفوس لا يرث من الدية شيئا حتى
يستهل ويسمع صوته " (5).
فلا تصلح لمعارضة ما مر، لشذوذها المخرج لها عن الحجية

(1) التهذيب 9: 392 / 1399، الإستبصار 4: 198 / 744، الوسائل 26: 304
أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 7 ح 8.
(2) التهذيب 3: 199 / 459، الوسائل 26: 303 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه
ب 7 ح 5.
(3) الكافي 7: 156 / 5، التهذيب 9: 391 / 1397، الإستبصار 4: 198 / 745،
الوسائل 26: 302 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 7 ح 1.
(4) التهذيب 3: 331 / 1035، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 3.
(5) الكافي 7: 156 / 6، الوسائل 26: 302 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 7
ح 2.
106

بالمرة، حتى قيل: إنه أطبق الأصحاب على ترك العمل بها (1)، وهو كذلك،
ومع ذلك فهي مرجوحة عند المعارضة، لموافقتها العامة كما صرح به
الشيخ (2)، وكثير من الطائفة (3)، ويومئ إليه إعراضه (4) عن ابن عتيبة أولا كما
في صحيحة الفضيل المتقدمة.
ويدل عليه أيضا الأمر بالصلاة عليه في صحيحة ابن سنان ورواية
السكوني المتقدمتين، وكذا التعليل في الأخبار المتقدمة بقوله " فإنه ربما
كان أخرس " فإن المتبادر منه أنه رد على جماعة يقولون باشتراط الصياح
والاستهلال.
والجمع بين الأخبار بالتخيير ينافي ما يستفاد من الأخبار الأخيرة من
عدم التوريث قبل الاستهلال. وبحمل الأخيرة على الإرث من الدية - كما
في الوافي (5) - كان حسنا لولا صحيحة ابن سنان المصرحة بعدم إرثه من
الدية ولا من غيرها قبل الاستهلال، حيث إن روايته والمضمرة خاصتان
بالنسبة إلى سائر أخبار الطرفين، وأما الصحيحة فلصراحتها في الدية
وغيرها لا تلائم ذلك الجمع، ولعله لم يلتفت إليها، لما ذكره من اختلاف
النسخ فيها، وأنها في بعض النسخ ولم يورث من الدية ولا من غيرها،
ولكن مع ذلك أيضا لا يمكن المصير إلى ذلك الجمع، لما عرفت من
شذوذ تلك الأخبار، وعدم وجود قائل بذلك التفصيل.

(1) انظر الرياض 2: 372.
(2) التهذيب 3: 199، الإستبصار 1: 480.
(3) منهم العلامة في المختلف: 119، والشهيد الأول في الدروس 2: 355،
وصاحب الرياض 2: 372.
(4) وإنما أعرض عليه السلام أولا عن الحكم، لأنه كان منافقا مخالفا غير مصدق له
عليه السلام (منه قدس سره).
(5) الوافي 3 ج 13: 141.
107

وأما الثاني فيدل عليه بعد ظاهر الإجماع أيضا: مفاهيم الأخبار
المتقدمة، وما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " السقط لا يرث
ولا يورث " (1) خرج المتحرك بالدليل فبقي غيره.
وقد يستدل عليه أيضا بعدم صلاحية الميت للمالكية، وفيه كلام (2).
فروع:
أ: لا يشترط استقرار حياته بحيث يمكن أن يعيش، فلو سقط بجناية
وتحرك حكرة المذبوح ورث بلا خلاف يعرف، لإطلاق الروايات بل
عمومها، ولتصريح صحيحة الفضيل المتقدمة بأن السقط إذا تحرك تحركا
بينا يرث، والغالب في السقط عدم استقرار الحياة.
وقد ينسب الخلاف إلى ظاهر الشرائع (3)، وهو غير ظاهر.
ب: الحكم في الأخبار وجودا وعدما ومنطوقا ومفهوما وإن كان معلقا
على الحركة، ولكنهم صرحوا بأن المعتبر في الحركة الموجبة للإرث هي
الحركة الدالة على الحياة المعبر عنها بالحركات الإرادية دون غيرها
كالتقلص والاختلاج، وادعوا الإجماع على ذلك (4)، ويدل عليه تقييد
الحركة في أكثرها بالبينة، فإن الحركات الغير الدالة على الحاية لا تكون
بينة، ويدل عليه أيضا قوله فيها: " ربما كان أخرس " فإنه لولا إناطة الحكم

(1) كنز العمال 11: 6 / 30383، نقله عن سنن الترمذي 2: 248 / 1037.
(2) وهو أنه إنما يصح إذا تولد ولم تلج الحياة فيه أولا أيضا، أما لو كان حيا أولا ثم
مات فتولد فلا يصح ذلك، إلا أن يقال: إنه لا سبيل إلى العلم بحياته أولا أيضا
والأصل عدمه (منه قدس سره).
(3) الشرائع 4: 16.
(4) كما في الخلاف 4: 112، الرياض 2: 372.
108

بالحياة لكان قوله هذا لغوا.
ج: لو لم تعلم حركته الدالة على الحياة لم يرث وإن لم يعلم عدم
التحرك أيضا، لاشتراط الإرث بها في الأخبار المذكورة، والعلم بالمشروط
يتوقف على العلم بالشرط.
د: لا يشترط حياته وولوج الروح فيه عند موت المورث، بل لو كان
نطفة ورث بشرطه بلا خلاف يعرف، لإطلاق الروايات، وأصالة عدم
الاشتراط.
ه‍: تحركه في البطن لا يوجب إرثه إذا انفصل ميتا، لإناطة الإرث
بحركة المولود أو السقط، وما دام في البطن لا يصدق عليه ذلك، فينفي
إرثه حينئذ، لعموم المفهوم.
و: لا فرق في الحكم وجودا وعدما بين ما إذا كان التولد في أقصى
مدة الحمل أو ما دونها، وما إذا تولد تاما سويا كامل الخلقة أو لا، وما إذا
كان خروجه بنفسه أو بسبب خارجي، كضرب أو سقط، للإطلاق.
ز: صرح جمع من الأصحاب باشتراط حياته عند تمام الانفصال، فلو
خرج بعضه حيا ومات قبله لم يرث (1).
ولعل وجهه عدم صدق المنفوس والمولود والسقط والصبي إلا على
المنفصل تماما، فمن مات قبل تمام الانفصال يكون داخلا تحت المفاهيم
فيمنع. وأيضا: انتقال المال من الميت إلى غيره يحتاج إلى دليل، خرج من
انفصل تمامه حيا بالإجماع والأخبار فبقي الباقي، وخروج المبعض بالأخبار
يتوقف على صدق الألفاظ المذكورة عليها وهو غير ثابت، كصدق الولد
والابن والبنت الثابت إرثهم بالآيات (2).

(1) كما في التحرير 2: 174، والدروس 2: 355، والرياض 2: 373.
(2) انظر سورة النساء: 11، 12.
109

ح: لو مات عقيب انفصاله حيا كان نصيبه لورثته، والوجه ظاهر.
ط: الحمل كما يحجب عن الإرث إلى أن ينفصل وينكشف الأمر،
كذلك يحجب غيره من الوارث على قدر حجب ذكرين موجودين إلى أن
ينكشف ويستبين أمره، فلو كان الوارث ممن لا يرث مع الولد حجب
مطلقا كالأخ، ولو كان ممن ينقص نصيبه معه يمنع عن الزائد كالأبوين
والزوجين، ولو كان ولدا واحدا أو متعددا منع عن نصيب ولدين ذكرين،
ولو كان مع الولد الواحد أحد الزوجين أو الأبوين أو كلاهما لم يكن حجب
مطلقا كما لا يخفى.
أما أصل الحجب، فلأن انتقال ما يرثه الحمل على تقدير انفصاله حيا
إلى غيره إذا كان هناك حمل مشروط بانفصاله ميتا، إذ لولاه لم ينتقل إليه.
وانفصاله ميتا غير معلوم، فكذلك انتقال ما يرثه إلى غيره، لأن العلم
بالمشروط يتوقف على العلم بالشرط، ثم انتقاله إلى الحمل أيضا لما كان
مشروطا بانفصاله حيا وهو أيضا غير معلوم، فيجب تركه إلى أن يستبين
الأمر.
فإن قيل: المسلم هو اشتراط الانتقال بعدم الانفصال حيا لا بالانفصال
ميتا.
قلنا: لو كان كذلك لكان الانتقال إلى الحمل لو انفصل حيا انتقالا من
الوارث إليه لا توريثا، مع أن الأخبار مصرحة بالتوريث، فانفصاله حيا
كاشف عن سبق الانتقال.
فإن قيل: وجود الوارث وهو غير الحمل يقيني، وتحقق المانع وهو
انفصاله حيا مشكوك فيه، فيجب الحكم بانتقاله إليه إلى أن يعلم المانع.
قلنا: تيقن وجود الوارث ممنوع، لتوقفه على العلم بعدم انفصاله
110

حيا.
فإن قيل: أدلة إثبات وارثيته مطلقة بالنسبة إلى ما نحن فيه.
قلنا: أخبار إرث الحمل قيدتها.
فإن قيل: المخرج بالتقييد هو صورة الانفصال حيا لا غير، وهو غير
معلوم فيما نحن فيه، فلا يحكم بخروجه حتى يثبت المخرج.
قلنا: نسلم أن المخرج إنما هو صورة الانفصال حيا، ولكن خروج
هذه الصورة لا يختص بهذه الحالة أيضا، بمعنى أن يكون غير الحمل وارثا
قبل الانفصال وخرج عن الوارثية بعده، بل في هذه الصورة ينكشف
الخروج السابق، فقبل الكشف لا يعلم أن هذا هل هو من الفرد المخرج أم
لا.
فإن قيل: الأصل عدم خروجه.
قلنا: هذا إنما يصح فيما إذا شك في عروضه لفرد معين، وأما إذا علم
عروضه لفرد معين ولم يعلم أن هذا الفرد هل هو الفرد المخرج أم لا
فلا يصح بإطلاقه، بل يجب الرجوع إلى ما نيط به الخروج، فإن كان مخالفا
للأصل والاستصحاب غير ثابت بدليل آخر من ظاهر أو غيره يصح إجراء
أصل العدم فيه وإلا فلا، والانفصال حيا لا يخالف الأصل كما لا يخفى.
وأما الحجب عن نصيب الذكرين فلاحتمال وجودهما، فلا يعلم
انتقال قدر نصيبهما إلى وارث آخر، وأما الزائد عنهما وإن كان محتملا عقلا
إلا أن العادة تأبى عنه.
ولو اتفق الزائد على الذكرين يسترد من سائر الورثة على حسب
ما يقتضيه الحال.
ثم بعد عزل نصيب الذكرين لا يخلو من احتمالات عشرة: لأنه إما
111

يولد ذكرا، أو أنثى، أو خنثى، أو ذكرين، أو أنثيين، أو خنثيين، أو ذكرا
وأنثى، أو ذكرا وخنثى، أو أنثى وخنثى، أو يسقط ميتا، فلو اجتمع مع
الحمل ذكرا أعطي الثلث وعزل الثلثان، ولو اجتمعت معه الأنثى أعطيت
الخمس إن ولد حيا كما فرض، وإلا وزعت التركة بينهم كما يقتضيه حال
الحمل.
المسألة الثالثة: من مات وعليه دين يستغرق التركة فذهب الشيخ في
الخلاف والمحقق في الشرائع والحلي في السرائر والشهيد وأكثر الأصحاب
- كما في المسالك والكفاية - إلى أنها لا تنتقل إلى الورثة، بل هي باقية على
حكم مال الميت سواء كان الدين مساويا لها أو زائدا عليها (1).
وذهب الفاضل في ميراث القواعد وثاني الشهيدين في المسالك (2)
وجماعة (3) إلى انتقالها إليهم مطلقا، لكنهم يمنعون من التصرف فيه إلى أن
يوفى الدين منها أو من غيرها، أو ضمانهم مع رضا الديان. واستقربه في
التحرير (4)، وحكي عن المبسوط والجامع (5).
والأقوى هو الأول.
لنا بعد أصالة عدم الانتقال: أن انتقالها إليهم ليس إلا بالإرث،
ولا توريث هنا، لأنه لا يكون إلا بعد الدين، وإذا كان الدين مساويا لها أو

(1) الخلاف 2: 144، الشرائع 4: 16، السرائر 3: 219، والشهيد في الدروس 2:
352، المسالك 2: 316، الكفاية: 292.
(2) القواعد 2: 167، المسالك 2: 316.
(3) كفخر المحققين في الإيضاح 2: 62، و ج 4: 205، الفاضل الهندي في كشف
اللثام 2: 286.
(4) التحرير 2: 173.
(5) كما في كشف اللثام 2: 286.
112

أكثر لم يبق منها شئ بعده حتى يورث.
أما أنه لا توريث إلا بعد الدين، فبالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله
تعالى في مواضع: * (من بعد وصية يوصى بها أو دين) * (1).
وأما السنة فكثيرة، منها صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة في وارث
الدية (2)، حيث دلت بمفهوم الشرط على أنه إذا كان على المقتول دين
لا ترث الورثة الدية، فلا تنتقل اؤليهم، إذ لا ناقل سوى التوريث.
وحسنة محمد بن قيس: " إن الدين قبل الوصية، ثم الوصية على أثر
الدين، ثم الميراث بعد الوصية، فإن أول القضاء كتاب الله تعالى " (3).
وخبر السكوني: " أول شئ يبدأ به من المال: الكفن، ثم الدين، ثم
الوصية، ثم الميراث " (4).
وقريب منه خبره الآخر (5).
احتج المخالف بأن بقاء الملك بلا مالك مستحيل، والميت غير
مالك، والديان لا يملكه إجماعا، فتعين الوارث. وحملوا الآية والروايات
على أن الملك المستقر الغير الممنوع معه من التصرف فيه بعد الدين والوصية.
والجواب: إن هذا اجتهاد في مقابلة النص، واستحالة بقاء الملك

(1) النساء 11: 12.
(2) في ص: 53.
(3) الكافي 7: 23 / 1، الفقيه 4: 143 / 489، التهذيب 9: 165 / 675، الإستبصار
4: 116 / 441، الوسائل 19: 330 في أحكام الوصايا ب 28 ح 2.
(4) الكافي 7: 23 / 3، الفقيه 4: 143 / 488، التهذيب 9: 171 / 698، الوسائل
19: 329 في أحكام الوصايا ب 28 ح 1.
(5) الفقيه 4: 143 / 491، التهذيب 9: 171 / 699، الوسائل 19: 329 في أحكام
الوصايا ب 27 ح 3.
113

بلا مالك مطلقا ممنوعة، نعم يستحيل لو لم يكن في حكم مال الميت، وأما
معه فلا، كيف؟! وقد جوزه جمع كثير من الأصحاب.
والحاصل أن الملك يستحيل أن لا يكون لمالك ولا في حكم مال
الميت، بل يجب تحقق أحدهما، والثاني فيما نحن فيه متحقق.
وبعبارة أخرى لا ريب في أن المراد باستحالة بقاء الملك بلا مالك
ليس استحالته عقلا، إذ لا يترتب عليه محال، ولا ينكره العقل أصلا،
فيكون المراد استحالته شرعا، والاستحالة الشرعية لا تثبت إلا بدليل
شرعي، ولا دليل من نص أو إجماع على الاستحالة المطلقة.
وحمل الآية على الملك المستقر إنما يصح لو ثبت ناقل موجب
للملك المتزلزل، وهو غير ثابت. وظهور اللام في المستقر لو سلم لا يفيد
أيضا، لانتفاء ما يدل على المتزلزل حينئذ، لإمكان القول بهذا الظهور في
جميع ما يدل على ثبوت الإرث، فيبقى المال على أصله، أي يكون في
حكم مال الميت.
وتظهر فائدة الخلاف في النماء المتجدد بين الموت وأداء الدين،
فعلى ما اخترناه يتبع العين في تعلق الدين به، وتقديمه على حق الوارث
لو لم تف التركة به، لأن النماء تابع للعين. وعلى القول الآخر يكون
للوارث مطلقا.
وقيل: إن الفائدة تظهر أيضا فيما إذا أراد الوارث أخذ التركة وأداء
الدين من غيرها، فعلى الأول ليس لهم ذلك بل يتعين عليه تسليمها إلى
الديان، وعلى الثاني له الخيار بين تسليمها وبين أداء الدين من غيرها (1).

(1) انظر المسالك 2: 316.
114

وهو حسن لو لم يثبت الإجماع على خيار الورثة.
وقد يقال بظهورها أيضا فيما إذا كانت التركة دارا ولم يكن للوارث
دار أخرى غيرها ولا شئ آخر، فعلى الأول يكون الديان مسلطين على
أخذها، وعلى الثاني ليس لهم ذلك، إذ بعد انتقالها إلى الوارث تكون
سكناهم ولا تؤخذ السكنى بالدين.
وفيه أولا: أن هذا إنما يصح لو قيل بالملك المستقر، وأما المتزلزل
فلا يمنع من الأخذ. وثانيا: أن الإجماع متحقق هنا على جواز الأخذ مطلقا.
ولو كان الدين غير مستغرق للتركة فلا ريب في انتقال ما فضل عن
الدين إلى الوارث.
وفي منعه من التصرف مطلقا، أو فيما قابل الدين خاصة وجهان،
الأول للقواعد والدروس (1) وبعض آخر (2) حيث جعلوا جميع التركة
كالرهن. والثاني للمسالك والكفاية (3)، وهو الأجود، لثبوت الانتقال
المقتضي لجواز التصرف وعدم المانع منه. وشركة الديان كاحتمال تلف
ما قابل الدين لا يصلح للمانعية، لأن إفراز حقهم إنما هو بيد الورثة
إجماعا، واحتمال التلف يجبر بالاسترداد عنهم لو تلف، وليس المراد من
كون الإرث بعد الدين والوصية أنه بعد أدائه والعمل بها، ولذا يجوز
التصرف قبل العمل بالوصية، بل المراد أن أول ما يتعلق بالتركة هو الدين
ثم الوصية ثم الميراث.

(1) القواعد 2: 167، الدروس 2: 352.
(2) كما في إيضاح الفوائد 2: 63.
(3) المسالك 2: 316، الكفاية: 292.
115

فروع:
أ: لو تصرف الوارث في الزائد ثم قصر الباقي لتلف أو نقص لزم
الوارث الإكمال بحسب الزائد، للإجماع، ووجوب أداء الدين عليه من
التركة، وأداؤه يتوقف عليه.
ب: لو تعذر استيفاء الدين مما قابله فالظاهر تسلط المدين أو الحاكم
على نقض التصرف في الزائد أو مطالبة الدين، لوجوب أدائه وتوقفه على
أحدهما، فيجب من باب المقدمة.
ج: لو كان المدين غائبا وأراد الوارث التصرف في التركة في صورة
الاستيعاب أو فيما قابل الدين في صورة عدمه، فيجب على الحاكم أو
المؤمنين عند فقده منعه، لأنه تصرف فيما ليس له، فيجب المنع من باب
النهي عن المنكر.
د: يجب أن يكون ما قابل الدين الممنوع من التصرف فيه مما يعلم
وفاؤه بالدين إذا كان من غير جنسه، فكف اليد عما يحتمل وفاؤه به غير
كاف، لأن انتقال قدر المحصل لليقين بالوفاء إلى الوارث غير معلوم،
فتصرفه فيه غير جائز.
116

المقدمة الرابعة
في الحجب
وهو لغة: المنع (1)، والمراد منه هنا منع من له سبب الإرث عنه
بالكلية أو من بعضه، والأول يسمى: حجب حرمان، والثاني: حجب
نقصان.
والتوضيح: أنه قد عرفت أن الورثة إما نسبيات أو سببيات، ولكل
منهما مراتب وطبقات، ولكل منها أصناف ودرجات. وقد عرفت أيضا
وستعرف أن جميع هذه الطبقات والدرجات لا يجتمعون في الإرث، بل
يمنع بعضهم بعضا من الإرث بالكلية، ومنعه إياه منه يسمى حجب
حرمان.
ثم إن الذين يجتمعون منهم قد يصير الاجتماع مع بعض موجبا
لنقص ما يرثه الآخر عند عدمه، فيمنعه عن الزائد وإن لم يمنعه بالكلية،
ومنعه هذا يسمى حجب نقصان.
وعلم من ذلك أن الحجب قسمان، وتفصيل كل منهما مع أدلة
تفاصيله وإن يأتي في المقاصد، إلا أنه نذكره هنا إجمالا، لأوقعية التفصيل
بعد الإجمال.
فنقول: أما القسم الأول، فكل قريب من الأنسباء يحجب البعيد
منهم، ولا خلاف فيه إلا في مسألة إجماعية، وإن وقع الخلاف في أقربية

(1) مجمع البحرين 2: 34، الصحاح 1: 107، نهاية ابن الأثير 1: 340، المغرب
1: 107.
117

بعض بالنسبة إلى آخر.
ويدل على أصل الحكم مضافا إلى الإجماع والروايات الآتية الواردة
في تفاصيل المواريث موثقة زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
* (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) * (1) قال: " إنما عنى
بذلك أولي الأرحام في المواريث، ولم يعن أولياء النعمة، فأولاهم بالميت
أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها " (2).
وصحيحة الخزاز في كتاب علي (عليه السلام): " أن كل ذي رحم بمنزلة
الرحم الذي يجر به، إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت " (3).
وموثقته، وفيها: " وكل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به، إلا أن
يكون وارث أقرب إلى الميت منه " (4).
ومرسلة يونس: " إذا التفت القرابات فالسابق أحق بميراث قريبه، فإن
استوت قام كل واحد منهم مقام قريبه " (5).
ورواية البزاز: " المال للأقرب، والعصبة في فيه التراب " (6).
ورواية حماد بن عثمان: عن رجل ترك أمه وأخاه، فقال: " يا شيخ
تريد على الكتاب؟ " قال، قلت: نعم. قال: " [كان] علي (عليه السلام) يعطي

(1) النساء: 33.
(2) الكافي 7: 76 / 2، التهذيب 9: 268 / 975، الوسائل 26: 63 أبواب موجبات
الإرث ب 1 ح 1.
(3) الكافي 7: 77 / 1، التهذيب 9: 269 / 976، الإستبصار 4: 169 / 640،
الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 1.
(4) الكافي 7: 77 / 1، التهذيب 9: 269 / 976، الإستبصار 4: 169 / 640،
الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 1.
(5) الكافي 7: 77 / 3، التهذيب 9: 269 / 978 وفيه: إذا التقت، الوسائل 26: 69
أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 3.
(6) الكافي 7: 75 / 1، التهذيب 9: 267 / 972، الوسائل 26: 64 أبواب موجبات
الإرث ب 1 ح 3 إلا أن الراوي فيه وفي الكافي: حسين الرزاز.
118

المال الأقرب: فالأقرب " قال، قلت: فالأخ لا يرث شيئا؟! قال: " قد
أخبرتك أن عليا (عليه السلام) كان يعطي المال الأقرب فالأقرب " (1).
وصحيحة البزنطي: عن ابن بنت وبنت ابن، قال: " إن عليا (عليه السلام) كان
لا يألو أن يعطي الميراث الأقرب " (2).
ثم إن كثيرا منهم (3) فرعوا على ذلك أن الولد للصلب يحجب أولاد
الأولاد مطلقا ويمنع الأقرب منهم الأبعد، كما يحجب من يتقرب بالأبوين
أو أحدهما، ولا يشاركه سوى الأبوين والزوجين.
والأبوين أو أحدهما يحجب من يتقرب بهما أو به.
وإذا عدم الأولاد والآباء فالميراث للإخوة والأجداد، يحجب الأقرب
منهم الأبعد، فالأخ والأخت يحجبان أولادهما والأقرب منهم الأبعد، كما
يحجبان من يتقرب بالأجداد، والجد يحجب أباه كما يحجب أبوه أباه،
وهكذا.
وإذا عدم الإخوة والأجداد فينتقل الإرث إلى الأعمام والأخوال،
يحجب الأقرب منهم الأبعد، فيحجب كل منهما الأبعد صعودا ونزولا،
فيحجب أولاده (وأولاد) (4) الآخر، كما يحجب أولاد كل منهما أولادهم،
وهكذا، ويحجب أعمام أحدهما وأخواله أولادهم، كما يحجبون أعمام

(1) الكافي 7: 91 / 2، التهذيب 9: 270 / 981، الوسائل 26: 105 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 5 ح 6.
(2) التهذيب 9: 318 / 1144، الإستبصار 4: 168 / 636، قرب الإسناد:
389 / 1365، الوسائل 26: 113 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 7 ح 9.
(3) كالعلامة في القواعد 2: 168، والشهيد الثاني في المسالك 2: 309، والفاضل
الهندي في كشف اللثام 2: 287.
(4) في " س ": وأولاده، وفي " ح ": أولاد.
119

الجد وأخواله وأولادهم، وهكذا إلا في مسألة إجماعية.
ويحجب في الطبقتين الأخيرتين المتقرب بالأبوين المتقرب بالأب
مع التساوي في الدرج.
وكل من هؤلاء يحجب الوارث بالسبب سوى الزوجين، فيحجب
النسب مطلقا مولى النعمة، وهو ضامن الجريرة والإمام (عليه السلام).
أقول: إن ما ذكروه من تفاصيل الحجب كثبوت حجب الأقرب
للأبعد وإن كان صحيحا كما يأتي بأدلتها، ولكن في تفريع هذا التفصيل
على حجب الأقرب للأبعد نظر.
بيانه: أن المراد بالأقرب إما ما كان أقرب عرفا، فكون مثل ولد ولد
ولد العم أقرب من عم الأب غير معلوم، وكذلك أقربية المتقرب بالأبوين
عن المتقرب بالأب دون الأم.
أو ما كانت واسطته إلى الميت أقل كما صرح به بعضهم، فينتقض
بحجب ولد ولد الولد للأخ وعدم حجب الأب له، وكذلك حجب ولد ولد
ولد العم لعم الأب، وبالفرق بين المتقرب بالأب وبالأم وغيرها.
أو تكون الأقربية ملحوظة بالنسبة إلى الصنف الواحد دون صنفين
مختلفين، كما ذهب إليه آخر، فلا يكون لتفريع حجب أحد الصنفين
للآخر عليها وجه.
أو بالنسبة إلى صنفين مختلفين دون صنف واحد، بجعل درجات كل
صنف متساوية في القرب بالنسبة إلى غيرهم، لكون كل منهم بمنزلة الرحم
الذي يجره إليه، فلا يكون تفريع حجب الأقرب من صنف للأبعد منه عليها
صحيحا.
والقول بأن المراد منه الأقرب شرعا - وهو ما قدمه الشارع في الإرث
120

- من قبيل جعل الضابط عين المطلوب، وفساده ظاهر، على أن في كون
من قدمه أقرب من غيره مطلقا نظر، فإن الثابت من الأخبار والإجماع هو
أن كل أقرب حاجب للأبعد، وأما أن كل من هو حاجب لغيره فهو أبعد منه
فلا، فالصواب في الضبط هو الرجوع إلى الطبقات والدرجات، كما مر.
وأما القسم الثاني: فهو من حيث المفهوم وإن لم يختص بمواضع
معينة، لثبوته في حق كل وارث لولاه لورث الآخر أزيد مما يرث معه،
كحجب الزوج للأولاد عما زاد عن ثلاثة أرباع، والأب لهم عما زاد عن
خمسة أسداس، وللأم عما زاد عن الثلثين، وهكذا.
وتخصيصه بالحجب عن بعض الفرض كما في الشرائع (1) خطأ، لأن
حجب الولد للأب عما زاد عن السدس ليس حجبا عن بعض الفرض، مع
أنه عده من أقسامه.
ولكنهم خصوا استعماله بمواضع مخصوصة، تنقسم أولا إلى
قسمين: حجب الولد، وحجب الإخوة.
والأول على قسمين: حجب الأبوين، وحجب الزوجين. أما الأول:
فالولد وإن نزل يحجبهما عما زاد عن السدسين وأحدهما عما زاد عن
السدس، كما يأتي، إلا مع بنت واحدة الخالية عن الإخوة الحاجبة للأم
مطلقا، أو أكثر من الواحدة مع أحدهما، فإن نصيبهما أو نصيبه يزيد على
السدس بسبب الرد على المشهور، وفيه خلاف للإسكافي يأتي (2). وأما
الثاني: فالولد أيضا يحجب الزوجين عن النصيب الأعلى إلى الأخفض،
فإن الزوج يرث لا معه النصف ومعه الربع، والزوجة لا معه الربع ومعه

(1) الشرائع 4: 18.
(2) في ص: 177.
121

الثمن.
والثاني فالإخوة يحجبون الأم عما زاد عن السدس مطلقا، سواء كان
بالفرض أو الرد، وحجبهم إياها عنه في الجملة ثابت بالإجماع والكتاب
والسنة، ولكنه مشروط بأمور:
الأول: أن لا يكونوا أقل من ذكرين، أو ذكر وانثيين، أو أربع إناث،
فلو كانوا أقل لا يحجبون.
أما الحجب مع الشرط فبالثلاثة: أما الإجماع فظاهر، وادعاه جماعة
من الطائفة أيضا (1).
وأما الكتاب فقوله سبحانه: * (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * (2).
ولفظ الإخوة وإن كان حقيقة في ثلاثة ذكور فصاعدا دون غيرهم، إلا أنه
محمول على ما زاد عن الواحد مجازا، لوجود القرينة من الإجماع والأخبار.
وأما الأخبار فكثيرة جدا، كصحيحة محمد: " لا يحجب الأم من
الثلث إذا لم يكن ولد إلا أخوان أو أربع أخوات " (3).
ومثله موثقة البقباق، وزاد في آخرها: " لأب وأم، أو لأب " (4).
وصحيحته: " إذا ترك الميت أخوين فهم إخوة مع الميت حجبا الأم
عن الثلث، وإن كان واحدا لم يحجب الأم، قال: وإذا كن أربع أخوات

(1) كالسيد في الإنتصار: 298، والشيخ في الخلاف 4: 39، وابن زهرة في الغنية
(الجوامع الفقهية): 605.
(2) النساء: 11.
(3) الكافي 7: 92 / 4، التهذيب 9: 282 / 1019، الإستبصار 4: 141 / 527،
الوسائل 26: 121، أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 11 ح 4.
(4) الكافي 7: 92 / 5، التهذيب 9: 281 / 1017، الإستبصار 4: 141 / 526،
الوسائل 26: 120، ميراث الأبوين والأولاد ب 11 ح 3.
122

حجبن الأم من الثلث، لأنهن بمنزلة الأخوين، وإن كن ثلاثا
فلا يحجبن " (1).
وروايته عنه (عليه السلام): قال: سألته عن أبوين وأختين لأب وأم هل
يحجبان الأم من الثلث؟ قال: " لا " قلت: فثلاث؟ قال: " لا " قلت: فأربع؟
قال: " نعم " (2).
وقول الرضا (عليه السلام) في فقهه: " فإن ترك أبوين وأخوين أو أربع
أخوات أو أخا وأختين، فللأم السدس، وما بقي فللأب " (3).
والخبر المروي في الفقيه: " ولا يحجبها إلا أخوان، أو أخ وأختان،
أو أربع أخوات لأب، أو لأب وأم، وأكثر من ذلك، والمملوك لا يحجب
ولا يرث " (4).
ورواية العياشي في تفسيره: " لا يحجب عن الثلث الأخ والأخت
حتى يكونا أخوين أو أخا وأختين " الحديث (5).
ويظهر من الروايات الأخيرة والمنزلة المستفادة من الصحيحة الثانية
أن الحصر في الروايات إضافي، ويدل عليه الإجماع أيضا.

(1) الكافي 7: 92 / 2، التهذيب 9: 281 / 1015، الإستبصار 4: 141 / 524،
الوسائل 26: 120 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 11 ح 1، مع تفاوت يسير.
(2) الكافي 7: 92 / 3، التهذيب 9: 281 / 1016، الإستبصار 4: 141 / 525،
الوسائل 26: 120 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 11 ح 2.
(3) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 288، مستدرك الوسائل 17: 170 أبواب ميراث الأبوين
والأولاد ب 10 ح 2.
(4) الفقيه 4: 198 / 674، الوسائل 26: 123 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 13
ح 1.
(5) تفسير العياشي 1: 226 / 52، الوسائل 26: 122 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 11 ح 7.
123

وأما عدم حجب الأقل، فللأصل، وعدم الدليل، والأخبار المتقدمة.
الثاني: أن لا يكونوا كفرة ولا أرقاء، فلا يحجب الكافر والرق
إجماعا محققا ومحكيا في الخلاف والمسالك والمفاتيح (1) وغيرها (2)، وهو
الحجة مع المستفيضة، كصحيحة محمد: عن المملوك والمشرك يحجبان
إذا لم يرثا؟ قال: " لا " (3).
وموثقة البقباق: عن المملوك والمملوكة هل يحجبان إذا لم يرثا؟
قال: " لا " (4).
وخبر حسن بن صالح: " المسلم يحجب الكافر ويرثه، والكافر
لا يحجب المؤمن ولا يرثه " (5).
ورواية الفقيه المتقدمة.
وفي خبر آخر: " الكفار بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يرثون " (6).
والقول باحتمال كون المراد فيها عدم حجب الكافر القريب المسلم
البعيد حتى يكون المراد من الحجب حجب الحرمان لا حجب النقصان.
مردود بأن الحجب مطلق، ونفي المطلق إنما هو نفي جميع أفراده،

(1) الخلاف 4: 32، المسالك 2: 318، المفاتيح 3: 327.
(2) كالرياض 2: 353.
(3) التهذيب 9: 284 / 1027، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 14 ح 1.
(4) التهذيب 9: 282 / 1021، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 14 ح 3.
(5) الكافي 7: 143 / 5، الفقيه 4: 244 / 783، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 15 ح 1، مع تفاوت يسير.
(6) الفقيه 4: 243 / 778، الوسائل 26: 125 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 15
ح 2.
124

ومنها حجب الإخوة، لصدقه عليه لغة، وإطلاقه عليه شرعا، فالتقييد يحتاج
إلى الدليل. ودعوى شيوعه في غيره ممنوعة، ولو سلم فيجري مثله في
الإخوة الحاجبة، بل فيها أولى، لأنها مطلقة وليست بعامة.
ويؤيده في الرق ما في بعض الأخبار من أن الحجب لحصول التوفير
على الأب، لأجل إنفاقه عليهم (1)، والرقيق لا تجب نفقته عليه.
ثم المشهور اشتراط عدم كونهم قتلة، والشيخ في النهاية والديلمي
لم يتعرضا له، والصدوقان والعماني قالوا بعدم اشتراطه (2)، وهو الظاهر من
الشيخ في النهاية (3)، ومن الديلمي (4)، وهو الظاهر من المسالك (5)،
واستقربه في الكفاية (6)، ونفى عنه البأس في المختلف (7)، وتردد في
الشرائع والمفاتيح (8)، وإن قال في الأول بظهور الأول ثانيا.
والحق عدم الاشتراط، لإطلاق الإخوة في الآية (9)، والرواية (10)،
وعدم المعارض.
قيل: لا عموم في الإخوة في الآية والرواية، لكونه جمع منكر في

(1) الوسائل 26: 116 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 10.
(2) حكاه عنهم في المسالك 2: 318، وحكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف:
743.
(3) النهاية: 629.
(4) المراسم (الجوامع الفقهية): 654.
(5) المسالك 2: 318.
(6) كفاية الأحكام: 293.
(7) المختلف: 743.
(8) الشرائع 4: 19، المفاتيح 3: 327.
(9) انظر ص: 121.
(10) انظر ص: 121 و 122.
125

سياق الإثبات، فهو مطلق، وشموله لمثل الإخوة القتلة غير معلوم (1).
قلنا، أولا: إنه قد عبر في رواية بكير الآتية في الشرط الثالث بالجمع
المعرف (2)، وهو يفيد العموم. وثانيا: إنه لا حاجة إلى عموم الإخوة، بل
إطلاقه كاف. نعم يحتاج إلى ثبوت عموم تعليق الحكم بالمهية المطلقة،
بأن يثبت أن هذا الحكم يترتب على هذا المطلق في جميع أوقات وجوده،
وهو هنا ثابت، لمكان أداة الشرط، سيما في حسنة البقباق المتقدمة التي
عبر بلفظة " إذا " الظاهرة في العموم.
ودعوى عدم شمول الإخوة للإخوة القتلة بإطلاقه، بمعنى عدم صدقه
عليه دعوى غريبة.
ويؤيد [عدم] (3) الاشتراط أيضا وجود العلة المنصوصة، فإن الأخ
لا يخرج بقتل أخيه عن عيال الأب.
للمشهور: نقل الإجماع في الخلاف (4)، ومشاركته لهما (5) في العلة
المقتضية، وهو وجود المانع من الإرث لو كان وارثا.
قلنا: تحقق الإجماع ممنوع، والمنقول لا يفيد، لعدم كونه حجة
عندنا، كالشهرة، والعلة غير صالحة للعلية، ولو سلم فمستنبطة لا يحكم
بها من لا يقيس.
الثالث: حياة الأب، وفاقا للمعظم، وظاهر المجمع ادعاء الإجماع

(1) انظر الرياض 2: 354.
(2) انظر ص: 126.
(3) أضفناه لتصحيح المتن.
(4) الخلاف 4: 32.
(5) أي: للكافر والرق.
126

عليه (1).
ونسب المسالك القول بعدم الاشتراط إلى بعض الأصحاب (2) وإلى
ظاهر الصدوق، حيث قال: لو خلفت زوجها وأمها وإخوة فللأم السدس
والباقي يرد عليها (3). حيث أثبت لها الزائد بالرد دون الفرض، وهو مذهب
العامة.
لنا بعد الأصل: رواية بكير عن الصادق (عليه السلام)، قال: " الأم لا تنقص
من الثلث أبدا إلا مع الولد والإخوة إذا كان الأب حيا " (4).
وموقوفة زرارة المتصلة به بطريق صحيح، قال: " وإن مات رجل
وترك أمه وإخوة وأخوات لأب وأم، وإخوة وأخوات لأب، وإخوة
وأخوات لأم، وليس الأب حيا، فإنهم لا يرثون ولا يحجبونها " (5).
ويؤيده أن علة هذا الحجب توفير نصيب الأب، لأجل وجوب إنفاقه
عليهم كما في الموقوفة: " وإنما وفر للأب من أجل عياله ".
وفي أخرى: " وحجبها الإخوة للأب والأم والإخوة من الأب، لأن
الأب ينفق عليهم فوفر نصيبه " (6).
وضعف الروايتين غير ضائر، على أن الحكم لموافقته للأصل
يستعني عن الدليل، وإنما يحتاج إليه المخالف.

(1) مجمع البيان 2: 15.
(2) المسالك 2: 318.
(3) الفقيه 4: 198.
(4) التهذيب 9: 282 / 1020، الوسائل 26: 122 أبواب ميراث الأبوين ب 12 ح 1.
(5) الكافي 7: 91 / 1، التهذيب 9: 280 / 1013، الإستبصار 4: 145 / 545،
الوسائل 26: 123 أبواب ميراث الأبوين ب 12 ح 3.
(6) الكافي 7: 103 / 6، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين ب 10 ح 3.
127

وقد يستدل له بالآية. وفيه نظر، لأن غاية ما يستفاد منها هو الحكم
في صورة وجود الأب، وأما اشتراط وجوده فلا.
ويحتج لعدم الاشتراط بإطلاق أدلة الحجب، وبرواية زرارة: امرأة
تركت أمها وأخواتها لأبيها وأمها، وأخوة لأم، وأخوات لأب، قال:
" لأخواتها لأبيها وأمها الثلثان، ولأمها السدس ولإخوتها من أمها
السدس " (1).
وروايته الأخرى: " امرأة تركت زوجها وأمها، وإخوتها لأمها،
وإخوتها لأبيها وأمها، فقال: " لزوجها النصف، ولأمها السدس، وللإخوة
من الأم الثلث، وسقط الإخوة من الأم والأب " (2).
والجواب أما عن الأول، فبأن الإطلاق في الجميع ممنوع، فإن الآية
سياقها ظاهر في ثبوت الحجب فيما لو ورثه أبواه، المستلزم لوجود الأب.
سلمنا عدم الظهور، ولكن نقول: إن لفظة الفاء في الجملة الشرطية
إما رابطة الجزاء بالشرط، على أن يكون مجموع جملتي الشرط والجزاء
جزاءا للشرط المحذوف الذي يدل عليه الشرط الأول، أو عاطفة.
فعلى الأول يحتمل اشتراطها بانتفاء الولد فقط وبه مع أن يرثه أبواه،
فلا يثبت الإطلاق.
وعلى الثاني فإما أن يكون مدخولها معطوفا على الجملة الجزائية
المحذوفة، شرطية كانت أو معطوفة، فتكون مخصوصة بما لو ورثه أبواه،

(1) التهذيب 9: 320 / 1149، الإستبصار 4: 146 / 550، الوسائل 26: 150
أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 1 ح 12.
(2) التهذيب 6: 321 / 1152، الإستبصار 4: 146 / 549، الوسائل 26: 150
أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 1 ح 13.
128

أو على الشرطية المذكورة، وحينئذ فيحتمل أن يكون تقديرها: فإن كان له
إخوة وورثه أبواه، فتكون مخصوصة أيضا، ويحتمل عدم تقدير المعطوف
فتكون مطلقة وإن كان الظاهر هو الأخير. والتخصيص بالأول كما في
المجمع (1) لا وجه له، ولكن ظهوره في هذه الصورة مع جريان الاحتمالات
المذكورة غير كاف في الاستدلال.
وأما الروايات (2) فالأخيرتان منها خاصتان، والبواقي وإن كانت مطلقة
إلا أنها مقيدة، لوجود المقيد.
وأما عن الروايتين، فبأنهما لاشتمالهما على الحكم بتوريث الإخوة
مع الأم صريحتان في كونهما واردتين مورد التقية، فيلزم حمل الحكم
بحجب الإخوة فيهما أيضا عليها، لاتفاق العامة على عدم اشتراط وجود
الأب، كما صرح به في المجمع.
وأما حملهما على إلزام الأم على معتقدها، فإنما يصح لو كان السؤال
فيهما عن واقعة محققة، والظاهر أن السؤال عن المقدرة، فلا معنى للإلزام
على المعتقد، مع عدم كون السائل منهم.
هذا، ولا يخفى أنه لا يترتب على هذا الخلاف ثمرة، لأن المخالف
يخصص الحجب حينئذ بالفرض دون الرد، فعلى القولين ترث الأم
السدس مع الولد، ويرد عليهما إذا كان هناك رد، وترث الجميع مع عدمه،
نعم يتفاوت الفرض في الأخير على القولين، فتظهر الفائدة فيما لو صالحت

(1) قال في المجمع: قال أصحابنا إنما يكون لها السدس إذا كان هناك أب، ويدل
عليه ما تقدمه من قوله: وورثه أبواه، فإن هذه الجملة معطوفة على قوله: فإن لم
يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، وتقديره فإن كان له إخوة وورثه أبواه فلأمه السدس (منه رحمه الله). راجع مجمع البيان 2: 15.
(2) عنى بها الروايات المتقدمة في ص 121 و 122.
129

فرضها لغيرها أو نذرته، إلا أن يقال: إن تخصيص المخالف الحجب
بالفرض عند انتفاء الولد، وأما معه فتحجب عنهما، لمكان من يرد عليه.
الرابع: كونهم من الأب والأم، أو من الأب، فلا تحجب كلالة الأم،
ولا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب، والإجماع عليه منقول في الانتصار
والمسالك والمفاتيح (1)، وخالفنا العامة في ذلك (2).
لنا: انتفاء العلة المنصوصة، وموثقة البقباق: " لا يحجب الأم عن
الثلث إلا أخوان أو أربع أخوات، لأب وأم، أو لأب " (3).
وموثقة عبيد بن زرارة: " إن الإخوة من الأم لا يحجبون الأم عن
الثلث " (4).
وفي رواية زرارة: " ويحك يا زرارة، أولئك الإخوة من الأب، فإذا
كان الإخوة من الأم لم يحجبوا الأم عن الثلث " (5).
وفي رواية إسحاق بن عمار بعد سؤاله عن رجل مات وترك أبويه
وإخوة لأم: " الله سبحانه أكرم من أن يزيدها في العيال، وينقصها من
الميراث الثلث " (6).

(1) الإنتصار: 298، المسالك 2: 318، المفاتيح 3: 327.
(2) انظر المغني والشرح الكبير 7: 22.
(3) الكافي 7: 92 / 5، التهذيب 9: 281 / 1017، الإستبصار 4: 141 / 526،
الوسائل 26: 120 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 11 ح 3.
(4) الكافي 7: 93 / 6، التهذيب 9: 281 / 1018، الوسائل 26: 116 أبواب
ميراث الأبوين والأولاد ب 10 ح 1.
(5) الكافي 7: 93 / 7، التهذيب 9: 280 / 1014، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 10 ح 2.
(6) التهذيب 9: 284 / 1026، الوسائل 26: 118 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 10 ح 5.
130

وقول زرارة في موقوفته: " وأما الإخوة لأم ليسوا للأب فإنهم
لا يحجبون الأم عن الثلث " (1).
وفي أخرى: " فأما الإخوة من الأم فليسوا من هذا في شئ،
فلا يحجبون أمهم من الثلث " (2) إلى غير ذلك.
الخامس: انفصالهم، فلا يحجب الحمل ولو بكونه متمما للعدد،
وفاقا للمشهور كما في المسالك والروضة والكفاية (3).
وظاهر الدروس عدم الاشتراط (4)، حيث جعل عدم حجبه قولا مؤذنا
بتمريضه، وتردد في الشرائع أولا وإن جعل المشهور الأظهر ثانيا (5).
لنا: أصالة عدم الحجب، فيقتصر فيه على موضع اليقين، وهو فيما
وجد من يطلق عليه اسم الإخوة حقيقة يقينا، وإطلاقه على الحمل غير
معلوم ولو كان ذكرا، بل نفى الإطلاق في الروضة (6)، فيكون باقيا على
الأصل.
فإن قيل: ثبوت السدس للأم مطلقا يقيني، والأصل عدم الزيادة،
خرج ما إذا لم يكن هناك ولد ولا حمل ولا إخوة بالدليل فيبقى الباقي،
وأصالة عدم الحجب إنما هي فيما علم ثبوته لها.

(1) الكافي 7: 92 / ذ. ح 1، التهذيب 9: 280 / 1013، الوسائل 26: 117 أبواب
ميراث الأبوين والأولاد ب 10 ح 4.
(2) الكافي 7: 104 / ذ. ح 6، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 10 ح 3.
(3) المسالك 2: 318، الروضة 8: 63، الكفاية: 293.
(4) الدروس 2: 357.
(5) الشرائع 4: 19.
(6) الروضة 8: 63.
131

قلنا: المخرج (1) مطلق، فلا يقيد إلا بمقيد معلوم.
وقد يستدل له أيضا: بالشك في وجود الإخوة، لاحتمال كونه أنثى.
وبانتفاء العلة، وهي وجوب الإنفاق. وبقول الصادق (عليه السلام) في رواية العلاء:
" إن الطفل والوليد لا يحجب ولا يرث إلا من أذن بالصراخ " (2).
ويضعف الأول: بإمكان حصول اليقين بحصول العدد المعتبر
كثيرا (3)، وبالانكشاف بعد الانفصال.
والثاني: بمنع العلية أولا، وإلا لما حجب الإخوة الأغنياء وحجب
أولاد الإخوة الفقراء، وإنما يتمسك بها في مقام التأييد. وبمنع انتفائها ثانيا،
كيف؟! وقد أفتى الشيخ بثبوت النفقة للحمل (4).
والثالث: بأن القيد المتعقب للجمل المتعاطفة وإن كان راجعا إلى
الأخير على الأظهر، إلا أن القرينة قائمة هنا على رجوع الاستثناء إلى
الجملتين، وإلا للزم عدم حجب الصبي ما لم يبلغ حد الكمال، ولم يقل به
أحد، وإذا رجع إليهما يلزم ثبوت الحجب للحمل بعد انفصاله حيا، بمعنى
أن يجعل الحجب مراعي إلى أن يظهر الحال، كما في إرثه، إلا أن يقال: إن
الثبوت في الإرث مستفاد من دليل آخر، فتأمل.
للمخالف: أصالة عدم اشتراط الانفصال. وعموم أدلة الحجب.
قلنا: أصالة عدم الاشتراط إنما تكون بعد ثبوت المقتضي، وثبوته

(1) أي مخرج ما إذا لم يكن هناك ولد ولا حمل ولا إخوة. (منه رحمه الله).
(2) الفقيه 4: 198 / 674، التهذيب 9: 282 / 1022، الوسائل 26: 123 أبواب
ميراث الأبوين والأولاد ب 13 ح 1.
(3) كما إذا كان هناك أربع نسوان حاملات، أو ثلاث نسوة مع وجود بنت، أو اثنتين
مع وجود ابن أو بنتين، أو واحدة مع وجود ثلاث بنات (منه رحمه الله).
(4) المبسوط 6: 21.
132

غير ثابت. وعموم الأدلة ممنوع.
السادس: كونهم أحياء عند موت المورث، فلو كان بعضهم ميتا
عنده أو كلهم، لم يحجب، ووجهه ظاهر.
فروع:
أ: أولاد الإخوة لا يقومون مقام آبائهم في هذا الحكم، فهم
لا يحجبون، للأصل، وعدم صدق الأخوة عليهم.
ب: الحكم في الخنثى الواضح واضح، وفي المشكل مشكل. فقيل
بالقرعة، لأنها لكل أمر مشكل (1). وقيل كالأنثى، فيعتبر عددها، لاحتمال
أن يكون أنثى، فلا يخرج عن الأصل إلا مع القطع بالحاجب، وهو
لا يحصل هنا إلا باعتبار عدد الأنثى (2)، وهو الأقوى.
ج: قال في الدروس: والأقرب أن الغائب يحجب ما لم يقض
بموته (3).
وهو كذلك: لأنه مقتضى استصحاب الحياة، ولأن ثبوت الحجب قبل
الغيبة لو مات أخوه يقيني فيستصحب، ولأن انتقال الزائد عن السدس إلى
الأم مشروط بموت الغائب حين موت أخيه، للعلم بحياته أولا، والعلم
بالمشروط مشروط بالعلم بالشرط، وهو منتف. والمعارضة باشتراط
الحجب بالعلم بالحياة وهو غير معلوم قد مر دفعها.
ثم إنه إذا بان موته قبل موت الأخ يرد الزائد عن السدس إلى الأب،

(1) انظر الدروس 2: 357.
(2) انظر المسالك 2: 318.
(3) الدروس 2: 357.
133

لانكشاف عدم الشرط.
د: لو مات أخوان ولهما أبوان وأخ، ولم يعلم المتقدم، فقال في
الدروس: الظاهر عدم الحجب (1). وبه حكم في الروضة (2)، ووجهه أن
حجب كل منهما مشروط بتأخر موته، وهو غير معلوم، واستصحاب حياته
كأصالة تأخر الحادث معارض بالمثل في الآخر. وهو حسن، إلا أنه يشكل
فيما إذا كان لهما مال مشترك بينهما، فإن الأم محجوبة عن نصف سدسه
قطعا، لأن موت أحدهما متأخر لا محالة فيحجب.
ه‍: لو مات أخوان غرقا ومعهما أبوان وأخ، فتوقف في الدروس،
من حيث إن فرض موت كل منهما يستدعي كون الآخر حيا فيتحقق
الحجب، ومن عدم القطع بوجوده، والإرث حكم شرعي، فلا يلزم منه
اطراد الحكم الحياة (3). والحق عدم الحجب، كما في الروضة (4)، للشك،
والوقوف فيما خالف الأصل على مورده.
و: لا أعرف خلافا بين الأصحاب في ثبوت حجب الإخوة عن الرد
أيضا، كحجبهم عن الفرض، كما في أبوين وابنة. والأدلة قاصرة عن
إفادته، وسيأتي تحقيقه.

(1) الدروس 2: 357.
(2) الروضة 8: 64.
(3) الدروس 2: 357.
(4) الروضة البهية 8: 64.
134

المقدمة الخامسة
في تفصيل السهام المنصوصة، وبيان أهلها، وما يلحق به
اعلم أن السهام المنصوصة ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان،
والثلث، والسدس. وبعبارة أخرى: النصف ونصفه ونصف نصفه، والثلثان
ونصفهما ونصف نصفهما. وبثالثة: الربع والثلث وضعف كل ونصفه..
وبيان موضع كل منها وإن يأتي بدليله، إلا أنا نذكر هنا إجمالا لبيان بعض
متفرعاتها.
ثم أهل هذه السهام ثلاثة عشر:
فالنصف لثلاثة: لزوج مع عدم الولد للزوجة وإن نزل، قال الله
سبحانه: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) * (1).
والبنت المنفردة، قال تعالى: * (وإن كانت واحدة فلها النصف) * (2).
والأخت المنفردة لأب وأم، أو للأب مع عدمها، قال عز من قائل:
* (وله أخت فلها نصف ما ترك) * (3).
وتقييد البنت والأخت بالانفراد كالأخيرة بكونها لأب وأم أو لأب
مستفاد من الخارج كما يأتي.
والربع لاثنين: الزوج مع الولد للزوجة وإن نزل، سواء كان منه أو من

(1) النساء: 12.
(2) النساء: 11.
(3) النساء: 176.
135

غيره، قال تعالى: * (فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن) * (1).
والزوجة لا مع الولد للزوج كذلك، قال تعالى: * (ولهن الربع مما
تركتم إن لم يكن لكم ولد) * (2).
والثمن لواحد: الزوجة معه، قال سبحانه: * (فإن كان لكم ولد
فلهن الثمن) * (3).
ولا فرق في الزوجة في المقامين بين الواحدة والمتعددة، فالمتعددة
مطلقا يرثن الربع أو الثمن، وتقسيمه بينهن على عددهن سواء.
والثلثان لاثنين: البنتين فصاعدا إذا انفردن من الإخوة. وهذا إما بناءا
على ما ذهب إليه الأكثر (4)، من استفادة حكم البنتين من الآية على ما يأتي،
أو على عدم تخصيص السهام بالمنصوصة في الكتاب، وإلا فالصواب جعل
الثلثين سهم ثلاث بنات فصاعدا.
والأختين فصاعدا لأب وأم، أو لأب مع عدمهما، قال سبحانه:
* (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * (5).
وهذا أيضا بناءا على أن المراد في الآية اثنتان فأكثر، أو عدم
تخصيص السهام بالمنصوصة في الكتاب، وإلا فالصواب التخصيص بالأختين.
والثلث لاثنين: الأم مع عدم الحاجب والولد وإن نزل، قال تعالى
شأنه: * (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة

(1) النساء: 12.
(2) النساء: 12.
(3) النساء: 12.
(4) كما في الشرائع 4: 20، والقواعد 2: 168، والدروس 2: 338، والمسالك 2:
319.
(5) النساء: 17.
136

فلأمه السدس) * (1).
والأكثر من واحد من ولدها، قال سبحانه: * (فإن كانوا أكثر من
ذلك فهم شركاء في الثلث) * (2) والتخصيص للمخصص.
والسدس لثلاثة: الأب مع الولد.
والأم معه أو بدونه مع الإخوة الحاجبة، قال تعالى: * (ولأبويه لكل
واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * (3).
والواحد من كلالة الأم مطلقا، قال عز شأنه: * (وله أخ أو أخت
فلكل واحد منهما السدس) * (4).
وقد يجعل مواضع السهام خمسة عشر، بجعل كل من الأخت
والأختين قسمين: ما يتقرب بالأبوين وما يتقرب بالأم خاصة مع عدم
المتقرب بالأبوين.
ثم إن هذه الفروض منها ما يجتمع شرعا، ومنها ما لا يجتمع، إما
لامتناع الوقوع، أو لاستلزامه العول. والاجتماع يكون ثنائيا، أو ثلاثيا، أو
رباعيا، وأما الأزيد فلا يمكن. ثم الثلاثة ليست بحيث يمكن بجميع
أقسامها بل منها ما يمتنع ومنها ما يجتمع.
والقانون الكلي في معرفة الممكن والممتنع هو أنه إذا كانت السهام
سهاما لجماعة يمتنع اجتماعهم إرثا أو وجودا أو سهما مخصوصا، أو لزم
من اجتماعها زيادة السهام على الفريضة - يعني لو رفعت كسور السهام

(1) النساء: 11.
(2) النساء: 12.
(3) النساء: 11.
(4) النساء: 12.
137

حصل الزائد عن الواحد - امتنع الاجتماع، وإلا جاز.
وأما الجائز من أقسام الثنائي - وهي واحد وعشرون بعد حذف
المكررات من الستة والثلاثين التي هي حاصل ضرب الستة في نفسها، وهي
خمسة عشر - ثلاثة عشر، والممتنع منها ثمانية. والمتكفل لبيانها هذا الجدول:
النصف - النصف - الثلثان - الثلث - الربع - السدس - الثمن
النصف - زوج وأخت للأب - مكرر - مكرر - مكرر - مكرر - مكرر
الثلثان - ممتنع - ممتنع - مكرر - مكرر - مكرر - مكرر
الثلث - زوج وأم مع عدم الحاجب - أختان للأب وأختان للأم - ممتنع - مكرر - مكرر - مكرر
الربع - زوج وبنت - زوج وبنتان - زوجة وأم مع عدم الحاجب - ممتنع - مكرر - مكرر
السدس - زوج وواحدة من ولد الأم - أم وبنتان - ممتنع - زوج وأم وولد ذكر - أب وأم مع ولد - مكرر
الثمن - زوجة وبنت - زوجة وبنتان - ممتنع - ممتنع - زوجة وأم - ممتنع
138

وأما الجائز من أقسام الثلاثي - وهي خمسة وخمسون بعد حذف
المكررات من مائتين وستة عشر التي هي حاصل ضرب الستة في الستة
والثلاثين - سبعة:
1 - اجتماع النصف والربع والسدس، كزوجة وأخت لأب وأخت لأم.
2 - النصف والسدس والسدس، كبنت وأم وأب.
3 - النصف والسدس والثمن، كبنت وأحد الأبوين وزوجة.
4 - الثلثين والسدس والسدس، كبنتين وأب وأم.
5 - الثلثين والسدس والثمن، كبنتين وأحد الأبوين وزوجة.
6 - الربع والسدس والسدس، كزوج وأب وأم مع الولد.
7 - السدس والسدس والثمن، كأب وأم وزوجة مع الولد.
والممتنع منها ثمانية وأربعون.
وأما الجائز من أقسام الرباعي - وهي ألف ومائتان وستة وتسعون مع
المكررات، التي هي حاصل ضرب الستة في مائتين وستة عشر - واحد،
وهو اجتماع النصف والسدس والسدس والثمن، كبنت، وأب، وأم،
وزوجة. والبواقي إما مكررة أو ممتنعة.
ولا يخفى أن المراد اجتماع هذه السهام فرضا لا قرابة، وإلا فكثير
من الأقسام الممتنعة ممكنة في القرابة.
هذا، واعلم أنه إذا وجد وارث ذو فرض أو أكثر، فإما يكون معه
مساو لا فرض له، أو لا يكون، وعلى التقديرين فإما تكون التركة مساوية
للفروض أو أزيد أو أنقص فهذه ستة أقسام: اثنان منها ممتنعان وقوعا،
وهما: أن يكون مع ذوي الفروض مساو لا فرض له ونقصت التركة عن
فروضهم، أو ساوتها.
139

وحكم اثنين منها واضح، وهما: أن تزيد التركة عن الفروض وكان
هنا مساو لا فرض له فإن الزائد له بالقرابة بلا خلاف، أو ساوتها ولم يكن
هناك مساو، فيعطى كل ذي فرض فرضه.
بقي اثنان آخران، أحدهما: أن تزيد التركة عن الفروض ولم يكن
مساو لا فرض له: وثانيهما: أن تنقص التركة عنها. وقد وقع الخلاف في
حكمهما بين الفريقين ونحن نشير إلى حكمهما في مسألتين:
المسألة الأولى: إذا زادت التركة عن السهام ولم يكن مساو
لا فرض له رد الزائد إلى ذوي الفروض على التفصيل الآتي عندنا، والعامة
ذهبوا فيه إلى التعصيب، أي يعطون الزائد العصبة (1).
واعلم أولا أنه لما كان بناؤهم في مطلق التوريث على التعصيب وكان
ذلك - أي إعطاء الزائد عن الفرض للعصبة أيضا - من شعبه خلط جمع من
فقهائنا في مقام الرد عليهم بين أدلة بطلان أصل التعصيب وبين أدلة بطلان
رد الزائد إلى العصبة، لاشتراكهما في كثير من الأدلة، ولذلك تحصل كثيرا ما
شبه لغير المتعمقين. وقد أحسن في الانتصار، حيث عنونهما بعنوانين (2).
ونحن نبين أولا طريقة توريثهم وقسمتهم إجمالا، ثم نبين موضع
مخالفتهم معنا، ثم نورد ما يقتضيه المقام من الأدلة.
فنقول: إن طريقهم في التوريث أنهم يقسمون الورثة أولا إلى
قسمين: الرجال والنساء.
فالوارث من الرجال عندهم عشرة: الأب، وأبوه وإن علا، والابن،
وابن الابن وإن نزل، والأخ، وابن الأخ لا من الأم، والعم لا من الأم، وابنه،
والزوج، والمعتق. ولا يرث عندهم غير هؤلاء من الرجال، فلا يرث ابن

(1) انظر المغني والشرح الكبير 7: 20.
(2) الإنتصار: 277.
140

البنت، وأب الأم، وابن الأخت، وابن الأخ من الأم، والخال، وابن الخالة،
والعم من الأم.
ومن النساء سبعة: الأم، والبنت، وبنت الابن وإن سفلت، والجدة،
والأخت، والزوجة، والمعتقة. ولا يرث عندهم غيرهن من النساء،
فلا ترث بنت بنت، وبنت أخ، وبنت أخت، وبنت عم، وعمة، وخالة.
ثم يقسمون هؤلاء إلى قسمين: أصحاب الفروض، والعصبات. فمن
كان له سهم مقدر من السهام الستة فهو من أصحاب الفروض، ومن
لم يكن له سهم مقدر فهو من العصبات، ومن كان له سهم في حالة
ولم يكن له في أخرى فهو ذو الحالتين.
والرجال كلهم عندهم من العصبات، إلا الأب والجد، فإنهما ذوا
الحالتين، والأخ من الأم والزوج، فإنهما ذوا فرض دائما.
وأما النساء فثلاثة منهن عندهم ذوات فرض دائما، الأم والزوجة
والأخت من الأم، وواحدة عصبة كذلك وهي المعتقة، والبواقي ذوات
فرض تارة وعصبات أخرى، فالبنت عصبة إن كان لها أخ وذات فرض إن
لم يكن، وكذا بنت الابن والجدة عصبة مع الجد أو الأخ وذات فرض
منفردة، والأخت لا من الأم عصبة مع البنت أو الأخ وذات فرض بدونهما.
ويقولون: إن هؤلاء النساء لسن بعصبة، بل يعصبن بغيرهن، فالابن يعصب
البنت، وابن البنت بنت الابن، والجد أو الأخ الجدة، والبنت أو الأخ
الأخت.
فالعصبات عندهم ثلاثة أقسام: العصبات بأنفسهم، وهم الذكور من
العصبات. والعصبة بواسطة عصبة، ويسمونه العصبة بغيره، وهي أربعة من
النساء: البنت، وبنت الابن، والأخت من الأبوين، والأخت من الأب.
والعصبة بواسطة غير عصبة ويسمونه العصبة مع غيره، وهي اثنتان منهن:
الأخت من الأبوين، والأخت من الأب.
141

وأما طريق توريثهم هؤلاء: فهو أنه إن لم يكن ذو فرض فيعطون
التركة العصبات الأقرب فالأقرب، فيبدؤون بالابن أو هو والبنت، ثم ابن
الابن أو هو وأخته، ثم أبوه أو هو والجدة والإخوة بدون الأخوات أو معها،
ثم الأخ من الأبوين، ثم الأخ من الأب كلاهما مع الأخت العصبة أو
بدونها، ثم ابن الأخ من الأبوين، ثم ابن الأخ من الأب، ثم العم من
الأبوين، ثم العم من الأب، ثم ابن العم من الأبوين، ثم ابن العم من الأب
وإن سفل، ثم عم الأب من الأبوين، ثم من الأب، وهكذا، ثم المعتق أو
المعتقة، ثم بيت المال إن انتظم، وإلا فأولو الأرحام، الذين ليسوا بذوي
فرض ولا عصوبة.
وإن كان ذو فرض فيقدم الأقرب منه على الأبعد وعلى جميع
العصبات، ويأخذ فرضه. فإن ساوى فرضه التركة أو زاد عليها فهو، وإن
نقص فيعطون الزائد على العصبة - ذكرا كان أم أنثى - الأقرب فالأقرب،
ولا يعطونه ذا فرض آخر إذا لم يكن عصبة، فإن لم يكن عصبة نقل إلى
بيت المال إن انتظم، وإلا فرد إلى ذوي الفروض على نسبة فروضهم غير
الزوجين.
هذه خلاصة طريقتهم في الفرائض، وظهر منها أن مخالفتهم مع
الإمامية في التوريث كلية في أمرين:
أحدهما: إعطاء الميراث للعصبة وأصحاب الفروض مع مراعاة
الأقربية بينهم، وحرمان جمع من الأقربين مع أقربيتهم ذكورا وإناثا من
التركة مطلقا، ويسمى بالتعصيب، والإمامية لا يحرمون شيئا من الأقرباء،
بل يقولون بكون الجميع وارثا وإن كان بعضهم حاجبا لبعض، والأقربية
ملحوظة.
142

وثانيهما: إعطاء الزائد من الفروض للعصبة، دون أصحاب الفروض.
والإمامية يذهبون إلى الرد إليهم. وبه قال: جمع من العامة أيضا (1)، ورووها
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن عباس وابن مسعود (2).
وقد ذكر أصحابنا لبطلان كل من الأمرين وجوها كثيرة لا فائدة في
ذكرها، وكثير منها مما يتطرق الخدش فيها، واعتمادنا في بطلانهما على
الإجماع القطعي الكاشف عن قول الحجة، بل الضرورة المذهبية، والأخبار
المستفيضة، بل المتواترة معنى عن أئمتنا الطاهرين، مضافة إلى أخبار
مروية في طرقهم. ومنها الأخبار المتكثرة الدالة على لزوم تقديم الأقرب
فالأقرب، وأن العصبة في فيه التراب. وخصوص الأخبار الواردة في
جزئيات المسائل، كما يأتي.
وقد يستدل عليه أيضا بقوله تعالى: * (للرجال نصيب مما ترك
الوالدان والأقربون) * (3) الآية. وبقوله (صلى الله عليه وآله): " من ترك مالا فلأهله " (4) (5).
وها هنا إشكال: وهو أن أخبار توريث الأقرب وإن أبطلت التعصيب،
لدلالتها على توريث الأقرب مطلقا وإن لم يكن عصبة، ولكنها غير ملائمة
لما ذهب إليه أصحابنا، وذلك لأن المراد بالأقرب إن كان ما كان أقل واسطة
كما قال بعضهم، يلزم أن لا يرث أولاد الابن مع الأب، ولا أولاد الإخوة
مع الجد، ولا ابن ابن الأخ مع العم. وإن كان ما كان عرفا يلزم حجب العم

(1) كما في بداية المجتهد 2: 344.
(2) المغني والشرح الكبير 7: 7.
(3) النساء: 7.
(4) مسند أحمد 2: 287، سنن أبي داود 3: 137 / 2954، سنن ابن ماجة 1:
17 / 45.
(5) في " س " زيادة: واحتج الخصم بروايات العصبة الآتية، ويأتي جوابها.
143

لابن ابن ابن الأخ، وعم الأب لابن ابن ابن العم، وكذلك في أقربية
المتقرب بالأبوين عن المتقرب بالأب دون الأم. ولا يمكن أن يكون المراد
الأقرب شرعا، لفقد الحقيقة الشرعية، وإرادة من قدمه الشارع في الإرث
لا معنى محصل له، سيما في بعض الأحاديث التي سال فيه عمن يرث،
على أنه لو كان المراد لما بطل التعصيب بها، إذ للخصم أن يقول: إن
العصبة هي الأقرب، لتقديم الشارع إياها في الإرث.
ويمكن دفعه بوجهين، الأول: أن المراد بالأقرب أحد الأولين،
ولكن العام يخص مع وجود المخصص، فخصت هذه الأخبار بما دل على
حجب من ليس أقرب للأقرب. والثاني: أنه ثبت بنص الشارع أن أولاد كل
صنف قائمون مقام آبائهم وبمنزلتهم، ولا شك أن آباء من ذكر أنه أبعد
ممن حجب به أقرب من المحجوب، وأولادهم بمنزلتهم، فيجب توريث
الأولاد لا محالة.
وقد يوجه أيضا بأن أولاد كل صنف إنما يرثون سهم آبائهم، فهم
ورثة لآبائهم لا للميت، ولا شك أنهم أقرب إلى آبائهم من غيرهم.
وقد نقل في الكافي عن يونس وجها آخر (1) ما حصل لي منه معنى
محصلا، إلا أن يرجع إلى الأخير.
واحتج الخصم (2): بأنه لو شرع توريث ذوي الفروض أكثر من
فرضهم وجاز إعطاء الجميع عند الانحصار وعدم القصر على الفرض لكانوا
مثل غيرهم، فوجب بيان إرثهم على نحو يدل على ذلك دون القصر
والفرض كما في غيرهم، ولما قصر وفرض دل على أنه لا يجوز التعدي عنه.

(1) الكافي 7: 115.
(2) كما في الإنتصار: 291، الخلاف 4: 64، المسالك 2: 321.
144

وبأنه لو ورث ذوو الفروض زيادة عن فروضهم لبينه الله سبحانه.
وبأنه لو لم يكن نصيبهم مقصورا لما كان في القصر فائدة.
وبقوله تعالى: * (إن امرؤا هلك ليس له ولد) * الآية (1)، حيث حكم
بتوريث الأخت النصف، والأخ الجميع، فلو ورثت الأخت الجميع لم تكن
للتفرقة ثمرة.
وبقوله تعالى: * (فهب لي من لدنك وليا * يرثني) * (2) حيث سأل
الولي الذي هو الذكر مخافة توريث العصبة، فلو كانت الأنثى تمنعها لما كان
في التخصيص فائدة.
وببعض روايات يروونها عن طريقهم.
وأجيب عن الأول (3): بأن الفرض لو دل على أنه لا يجوز التعدي عنه
بالزيادة لدل على عدم جواز التعدي عنه بالنقصان، لاشتراكهما في مخالفة
الفرض، بل النقصان أولى، لمنافاته الفرض، بخلاف الزيادة، لتحقق
الفرض معها، ففيها إعمال الدليلين، وفيه طرح دليل الفرض، ولكن يجوز
النقص باعتراف الخصم كما في العول، فما المانع من الزيادة؟
وبأن آيات الفرض معارضة بآية أولي الأرحام، فيجب الجمع، وهو
يحصل بالرد بالأقرب، لأن الأولى لا تدل صريحا على المنع من الرد، وإنما
تدل عليه بمفهوم اللقب، الذي هو من أضعف المفاهيم، والثانية تدل على
الرد صريحا، فيجمع بالأخذ بصريحتهما.
وبأنه لا بد من رد الفاضل على شخص بدليل، ودليل الرد على

(1) النساء: 176.
(2) مريم: 5 و 6.
(3) كما في كنز العرفان 2: 336، المسالك 2: 321.
145

العصبة باطل، فتعين الرد إلى ذوي الفروض بالإجماع المركب.
ويرد على الأول: أن النقص إنما هو مما لا بد منه، لأنه لا يكون إلا
فيما لا تفي التركة بالفروض وحينئذ لا مفر منه، والأمر بعدم النقص حينئذ
أمر بما لا يطاق، فيعلم أن النقص جائز ولم يرد الفرض حينئذ، بخلاف
الزيادة، فإنها ليست كذلك.
وعلى الثاني: أنه إنما يتم لو سلم الخصم أن المراد بآية أولي الأرحام
الأقرب فالأقرب مطلقا، وهو غير معلوم، فإن له أن يقول: إن المراد
بالبعضين إما مطلق البعض، أي بعض أولي الأرحام - أي بعض كان - أولى
ببعض من غيرهم، كما في قوله تعالى: * (ولا يغتب بعضكم بعضا) * (1)
وقول القائل: قتل الحزبان بعضهم بعضا، أو بعضا خاصا. وعلى التقديرين
لا تدل على أولوية كل أقرب على الوجه المخصوص. وقول الخصم بمنع
الأقرب من العصبة للأبعد لا يدل على قوله بمنع كل أقرب ولو لم يكن
عصبة - كالبنت والأخت - له.
والقول بأنهم يقولون في الوارث بآية أولي الأرحام إن الأقرب منهم
يمنع الأبعد، إن أريد أنهم يقولون بمنع الأقرب من أولي الأرحام مطلقا فهو
ظاهر البطلان، لتصريحهم بخلاف ذلك في التعصيب، وإن أريد أنهم
يقولون بمنع الأقرب منهم على وجه مخصوص عندهم فلا يفيد.
وعلى الثالث: أن بطلان دليل الرد على العصبة إنما يوجب عدم
تعيين الرد عليهم ولا يوجب الرد على ذوي الفروض. على أن هذا لو تم
لكان بالدليل على الرد على ذوي الفروض أشبه من الجواب عن دليل

(1) الحجرات: 12.
146

الخصم كما لا يخفى.
فالصواب أن يجاب: بأن شرعية توريث ذوي الفروض أكثر من
فرضهم لا توجب كونهم مثل غيرهم مطلقا، لوجود الفرق في جانب
النقص، فإنهم لا ينقص عن نصيبهم شئ بازدياد الورثة مهما أمكن، إلا إذا
خرج عن كونه ذا فرض، كالبنت والأخت، بخلاف غيرهم. وكونهم مثله
في جانب الزيادة في بعض الصور لا يقتضي بيان الفرض والزيادة بكلام
واحد، فإنهما حكمان يجوز بيان كل منهما منفردا، فبين الفرض بآياته
والزيادة بغيرها كآية أولي الأرحام أو السنة. وذكر الفرض لا دلالة له على
عدم جواز الزيادة إلا بمفهوم اللقب الذي لا حجية فيه أصلا، نعم يدل على
عدم جواز النقص مهما أمكن، وهو كذلك.
وبأنه إذا كان لأمر أسباب متعددة تجتمع وتتفارق لا يلزم عند بيان
سبب ذكر الآخر أيضا، ولا من عدم ذكره عدم تأثيره إذا اجتمع مع الأول.
وللإرث أسباب من التسمية والقرابة أو العصوبة، ومنها الرد عندنا،
ولا يلزم من ذكر التسمية في موضع دون الرد مثلا عدم تأثيره إذا اجتمع،
كما تؤثر القرابة أو العصوبة إذا اجتمعت مع التسمية، كما في زوج هو ابن
عم.
وعن الثاني (1): بأن الله سبحانه بينه بآية أولي الأرحام، على أن بيانه
سبحانه جميع الأحكام على نحو يظهر لنا من الكتاب غير لازم.
وعن الثالث: بأن الفائدة لا تنحصر في عدم جواز الزيادة، بل تظهر
في عدم جواز النقص مهما أمكن، وفي حصول النقص على نسبة الفروض

(1) عطف على قوله: وأجيب عن الأول.
147

كما هو مذهب الخصم، فإن غير ذوي الفروض لا ينقص عن نصيبهم على
نسبة فروضهم عندهم، بل يقع تمام النقص عليه، كما في زوج وأختين من
أم وأخ من الأبوين فيقع النقص على الأخ. وأيضا تظهر الفائدة في الرد إذا
اجتمع مع ذي فرض آخر ولم يكن هناك مساو لا فرض له، فإنه يزيد
نصيب غيره من ذوي الفروض حينئذ بسبب الرد، ولولا كونه ذا فرض
لم يرد على غيره.
وعن الرابع: بأنه وإن لم يكن للتفرقة ثمرة في صورة الزيادة، ولكنها
تظهر في صورة النقصان على ما سبق، وكذا في الرد على غيرها من ذوي
الفروض المجتمع معها عندنا. وبأنه قد عرفت أن للإرث أسبابا متعددة:
التسمية والقرابة أو العصوبة والرد عندنا، ولكل تأثير خاص، فتكون فائدة
التفرقة بيان أثر التسمية الحاصلة للبنت.
وقد يجاب أيضا عنه بالوجوه الثلاثة المذكورة في الجواب عن
الأول، وقد عرفت ضعفها، على أن الخصم استدل على مطلوبه بانتفاء
فائدة التفرقة لولاه، فاللازم في الجواب إبداء الفائدة ولم يبد بشئ منها
فائدة.
وعن الخامس: بالمنع من كون المسؤول هو الذكر، والولاية لا تدل
عليه، لاحتمال أن يكون المراد منها غير المعنى الذي علم اختصاصه بالذكر
شرعا، وتذكير الوصف لا يثبته، لاحتمال أن يكون بمعنى المفعول،
فيستوي فيه المذكر والمؤنث، أو كان من باب التغليب وهو باب شائع.
سلمنا، ولكنه أي مانع من أن تكون إرادة الذكر لأنه أحب إلى طباع
البشر، أو إنما طلبه لأن يرث منه العلم والنبوة دون المال، بل لا بد وأن
يكون هذا هو المراد من قوله: * (يرثني) * عندهم، كيف؟! وهم الذين
148

يروون عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث دينارا
ولا درهما وما تركناه صدقة " (1) فكيف يمكن لهم حمل الإرث في الآية
على إرث المال؟! ولذا ترى مفسريهم بأجمعهم فسروها بإرث العلم
والنبوة (2)، ويشهد لذلك قوله: * (ويرث من آل يعقوب) * (3) فإنه لو كان
طلبه للولد لخوف توريث العصبة كيف لا يخافه على آل يعقوب.
وأيضا: الأنبياء أعظم شأنا من أن يبخلوا على مواليهم من إرثه المال،
ولأجل ذلك يطلبون من يمنعهم.
وعن السادس: بعدم حجية الروايات العامية عندنا أولا، وعدم دلالتها
على مطلوبهم ثانيا، كما لا يخفى على الناظر المتأمل فيها.
المسألة الثانية: إذا انعكس الأمر فزادت السهام عن التركة، كزوج
وأبوين وبنتين، فلا يدخل النقص على الجميع عندنا، بل على بعض معين
على التفصيل الآتي، وبه قال ابن عباس من الصحابة (4) وعطاء (5) وداوود بن
علي الإصفهاني (6) من فقهاء العامة، ونقله مخالفونا عن الصادقين (عليهما السلام) (7).
وذهب باقي العامة إلى دخوله على الجميع بنسبة سهامهم، فيأخذون
المخرج المشترك، ويجمعون كسور السهام أو يزيدون السهم الزائد عليه،

(1) الموطأ 2: 993 / 27، صحيح مسلم 3: 1379 / 51، سنن أبي داود 3: 139 / 2963.
(2) انظر تفسير الطبري 16: 31، تفسير البيضاوي 4: 3، روح المعاني 16: 62،
البحر المحيط 6: 171، تفسير أبي السعود 5: 254.
(3) مريم: 6.
(4) انظر الخلاف 4: 73، الجامع لأحكام القرآن 5: 79، الدر المنثور 2: 127.
(5) انظر المغني والشرح الكبير 7: 70، الدر المنثور 2: 127.
(6) حكاه عنه في الخلاف 4: 73، المغني والشرح الكبير 7: 70.
(7) انظر المغني والشرح الكبير 7: 70.
149

ويقسمون التركة على الحاصل، ويعطون كل ذي فرض فرضه منسوبا إلى
المخرج من الحاصل، ففي المثال المتقدم يأخذون اثني عشر، ويجمعون
ربعه وسدسيه وثلثيه يحصل خمسة عشر، فيقسمون التركة عليها، فيعطون
الزوج ربع اثني عشر من خمسة عشر أي ثلاثة من خمسة عشر، وكلا من
الأبوين سدسه منها أي اثنين منها، والبنتين ثلثيه منها أي ثمانية،
والمجموع خمسة عشر فدخل النقص على الجميع بنسبة سهامهم.
ويسمون هذا بالعول، وهو من لغات الأضداد جاء بمعنى الزيادة
والنقصان وهو يتعدى ولا يتعدى، كما صرح به الجوهري (1)، سمي به لأن
العائل يزيد التركة عن المخرج، أو لأنه ينقص سهم كل ذي سهم بعمله
هذا، أو لأن السهام زادت على التركة، أو لأن التركة نقصت عن السهام،
فعلى الأولين يكون فعلا للعائل، وعلى الثانيين وصفا للسهام، أو التركة.
لنا: إجماع الطائفة المحقة، بل هذا من ضروريات مذهبهم أيضا.
وأنه لو صح العول لسمى الله تعالى هذه السهام المفروضة في صورة
الاجتماع أيضا، فإن كان مراده تعالى عدم جواز النقص لزم المحال، وإن
كان جوازه لزم التناقض والإغراء بالجهل.
والقول بورود الإيراد على النافي أيضا مردود، فإنه يقول بعدم عموم
التسمية بجميع أفرادها لصورة الاجتماع الموجب للنقص، بل إما لا تسمية
حينئذ أصلا، أو يختص ببعض معين، فيرجع فيها إلى دليل آخر، وقد دل
الدليل على الاختصاص بالبعض، كما يأتي.
وأن الظاهر من آيات التسمية شمولها لجميع الصور (2)، ولكن لضيق

(1) انظر الصحاح 5: 1778.
(2) في " س ": التركة.
150

التركة في بعضها لا مفر من ارتكاب تخصيص فيها، إما في التسمية، بأن
يقال: إنها مخصوصة بغير صورة الاجتماع، أو في نفس المسمى، بأن
يقال: إن المسمى في صورة الاجتماع مخصوص ببعضه، فالمراد بالنصف
تمام النصف إلا الخمس مثلا، وإثبات العول يقتضي ارتكاب التخصيص في
جميع الآيات ونفيه يقتضيه في البعض، ولا شك أن التخصيص خلاف
الأصل لا يصار إلى أكثره مع إمكان أقله.
والأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى عن أئمتنا المعصومين (عليهم السلام)،
وإنكارهم على ذلك أشد الإنكار (1)، واحتجاجهم على بطلانه كما ورد في
الأخبار، ولا حاجة إلى ذكرها بعد وضوح المسألة عندنا.
ويدل عليه أيضا بعض الأخبار الواردة في طرقهم، ومنها ما يصرح
بأن أول من عال الفرائض عمرهم (2). وقد يستدل أيضا بوجوه أخر كثيرة
لا فائدة في ذكرها.
احتج المخالفون (3): بأنه لا بد من النقص، وإدخاله على البعض
ترجيح بلا مرجح، فيجب الإدخال على الجميع.
وبالقياس على الوصية لجماعة بما قصرت التركة عنها، حيث
لا يجوز التقديم، لتصريح الموصي بجامع استحقاق الجميع، فإن منكري
العول في الميراث يعولون (4) فيها.
وعلى الدين إذا كان لجماعة ولم يف المال به، فإنهم يقسمونه

(1) الوسائل 26: 72 أبواب موجبات الإرث ب 6.
(2) كما في المغني والشرح الكبير 7: 70.
(3) كما في المغني والشرح الكبير 7: 71.
(4) في " ح ": يقولون.
151

بالحصص.
وبما رووه: إن عليا (عليه السلام) كان على المنبر فقام إليه رجل فقال:
يا أمير المؤمنين رجل مات وترك ابنتيه وأبويه وزوجته؟ فقال علي (عليه السلام):
" صار ثمن المرأة تسعا " (1).
وبأن عمر حكم بالعول ولم ينكر عليه أحد.
والجواب عن الأول: أن المرجح موجود، وهو ما قدمنا من الأدلة.
سلمنا ولكن بطلان الترجيح بلا مرجح ينفي دخول النقص على البعض
المعين، وأما المبهم (2) على سبيل التخيير فلا.
وعن الثاني: بأنه قياس ولا نقول به، ولو سلمنا فمع الفارق، لأن
العول في الوصية عندنا لا يكون إلا مع تصريح الموصي به، فيجب اتباعه
ولا محذور، لأن تصريحه به دفع المحال أو الإغراء بالجهل، ولا تصريح
في الفرائض، ولو كان فيها لاتبعناه، أو مع تصريحه بعدم الترتيب من غير
ذكر العول، كما قيل (3)، فإن دل هذا التصريح على إرادته العول فكسابقه،
وإن لم يدل عليها باحتمال جهله بالاستحالة أو أمره بالمحال فيجب الأخذ
بالمقدور، لأن متابعة الموصي مهما أمكن واجبة، ولما صرح بعدم الترتيب
فلا يجوز تقديم البعض، ولما كانت السهام مفروضة لهم في هذه التركة
فيجب النقص بنسبتها ولا يلزم محذور، لعدم قبح الجهل أو الإغراء به أو
الأمر بالمحال في حقه، بخلافه سبحانه تعالى شأنه عن ذلك علوا كبيرا.
وعن الثالث أيضا: بأنه قياس، ولو سلمنا فمع الفارق، لأنك قد

(1) المغني والشرح الكبير 7: 36.
(2) في " ح " و " ق ": السهم.
(3) انظر التهذيب 9: 258، المسالك 2: 323.
152

عرفت أن ثبوت العول يتوقف على اجتماع هذه الفروض في المال تسمية،
وكان هذا محالا، بخلاف الديون، فإنها مجتمعة في الذمة دون المال،
واجتماع كل ما يتصور من الدين في الذمة ليس محالا وإنما عرض تعلقها
بعين المال، والعارض هو القدر الذي يفي به دون الزائد، فإنه تعلق
استحقاق لا تعلق انحصار، ولهذا لا يعد أخذ أحد من الديان قسطه استيفاءا
لجميع حقه.
ولو فرض قدرة المديون على إيفاء الدين بعد تقسيط ماله يجب
عليه، ومع موته يبقى الباقي في ذمته، ويصح احتسابه عليه وإبراؤه منه
بخلاف الإرث. ولو سلمنا تعلقها بأجمعها بالمال، فنقول: إن الباعث له
إنما هو المديون، حيث استدان ما لم يكن عنده به وفاء، وأما الباعث لتعلق
سهام الفرائض بالتركة إنما هو الله سبحانه، ولا يجوز عليه أن يوجب على
مال ما لا وفاء له به.
وعن الرابع: بعدم ثبوت الرواية، لضعف سندها، مع أنها معارضة
بخلافها مما رواه راويها - كما في التهذيب (1) - والأئمة المعصومون، مع أن
أهل البيت أدرى بما فيه، ومع ذلك فاحتمال التقية كإرادة التهجين أو
الاستفهام الانكاري قائم.
وعن الخامس: بأن حكم عمرهم ليس بحجة، مع أنه أيضا لم يحكم
به بل اعترف بالجهل، وعدم إنكار أحد غير مسلم. ولو سلم فلا يدل على
الرضا.

(1) التهذيب 9: 259 / 971، الوسائل 26: 82 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 14.
153

فوائد:
أ: لا يحصل النقص إلا بمزاحمة أحد الزوجين مع البنات أو
الأخوات من الأبوين (1)، وحينئذ فيحصل النقص على البنات أو الأخوات
من الأبوين، دون الزوجين أو الأبوين أو كلالة الأم، ويأتي دليله.
ب: من أصحابنا من ضبط إدخال النقص بأنه يدخل على من لم
يهبطه الله عز وجل من فريضة إلى دونها دون من أهبطه، وقد عرفت
ما فيه، فإن كلالة الأم غير هابطة مع أنه لا يدخل عليها النقص.
ج: إذا قلنا بالعول فلمخارج أصول الفرائض الثلاثة (2) حد خاص
لا تتجاوز عنه، فتعال الستة - وهي المخرج إذا لم يكن ربع أو ثمن - إلى
العشرة شفعا وترا ولا يزيد، واثنا عشر - وهو المخرج إذا دخل الربع - وترا
إلى سبعة عشر، وأربعة وعشرون - وهي المخرج إذا دخل الثمن - إلى سبعة
وعشرين لا غير، وبهذا صرح جمع من القائلين به أيضا، والوجه فيه ظاهر.

(1) أي يشترط أن يكون أحد الزوجين مع البنات والأخوات وإن كان معهم غيرهم أيضا،
وليس المراد كون أحد الزوجين مع البنات أو الأخوات ولم يكن غيرهم (منه رحمه الله).
(2) وصف لمخارج الأصول لا الفرائض (منه رحمه الله).
154

وأما المقاصد فثلاثة:
المقصد الأول
في مواريث ذوي الأنساب
وفيه فصول:
155

الفصل الأول
في ميراث الأبوين والأولاد
وفيه ستة أبحاث (1):
البحث الأول:
في ميراث الأبوين إذا لم يكن معهما ولد
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا يرث مع الأبوين أو أحدهما غير الولد وولده
وإن نزل من الأنسباء، بالإجماع في غير الجد، فإن فيه خلافا يأتي في
البحث السادس (2)، وغير الزوج والزوجة من ذوي الأسباب.
للأصل، والمستفيضة من الأخبار، كصحيحة محمد: " لا يرث مع
الأم، ولا مع الأب، ولا مع الابن، ولا مع الابنة، إلا زوج أو زوجة " (3).
وصحيحة زرارة: " ولا يرث مع الأم، ولا مع الأب، ولا مع الابن،

(1) الأول في ميراث الأبوين، والثاني في ميراث الأولاد، والثالث في الأبوين
والأولاد إذا اجتمعا، الرابع ميراث أولاد الأولاد، الخامس في ميراث الحبوة،
السادس في حكم الجد إذا اجتمع مع الأولاد والأبوين (منه قدس سره).
(2) انظر ص 237.
(3) الكافي 7: 82 / 1، التهذيب 9: 251 / 969، الوسائل 26: 91 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 1 ح 1.
157

ولا مع الابنة أحد خلقه الله، غير زوج أو زوجة " (1).
ورواية أبي بصير: عن رجل مات وترك أباه وعمه وجده قال، فقال:
" حجب الأب الجد، الميراث للأب، وليس للعم ولا للجد شئ " (2).
وصحيحة زرارة الموقوفة المتقدمة في الشرط الثالث من شرائط
حجب الإخوة (3).
ورواية أبي بصير: في امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وأباها
وإخوتها قال: " هي من ستة أسهم، للزوج النصف ثلاثة أسهم، وللأب
الثلث سهمان، وللأم السدس، وليس للإخوة شئ " (4).
والأخرى: في رجل ترك أبويه وإخوته، قال: " للأم السدس، وللأب
خمسة أسهم، وسقط الإخوة " (5).
ورواية الحسن بن صالح: قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة مملكة
لم يدخل بها زوجها ماتت وتركت أمها وأخوين لها من أبيها وأمها وجدا
لأمها وزوجها؟ قال: " يعطى الزوج النصف، وتعطى الأم الباقي، ولا يعطى

(1) الكافي 7: 83 / 2، التهذيب 9: 251 / 970، الوسائل 26: 80 أبواب موجبات
الإرث ب 7 ح 8.
(2) الكافي 7: 114 / 9، التهذيب 9: 310 / 1112، الإستبصار 4: 161 / 609،
مستطرفات السرائر: 85 / 33، الوسائل 26: 135 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 19 ح 3.
(3) المتقدمة في ص 126 و 127.
(4) التهذيب 9: 283 / 1023، الإستبصار 4: 145 / 546، الوسائل 26: 119
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 10 ح 6.
(5) التهذيب 9: 283 / 1024، الإستبصار 4: 146 / 547، الوسائل 26: 119
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 10 ح 7.
158

الجد شيئا، لأن ابنته أم الميتة حجبته عن الميراث، ولا تعطى الإخوة
شيئا " (1).
وصحيحة عبد الله بن جعفر: امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها
وجدها وجدتها، فكيف يقسم ميراثها؟ فوقع (عليه السلام): " للزوج النصف،
وما بقي فللأبوين " (2).
ثم إن في شئ منها وإن لم يكن تصريحا بمنع أولاد الجد وأولاد
الإخوة، إلا أن عموم الأوليين يكفي له، بل تدل عليه البواقي أيضا، فإنه إذا منع
الجد والأخ بالأبوين يمنع أولادهما بهما بطريق أولى، لكونهما أقرب منهم.
ويدل على المطلوب أيضا أن الأقرب يمنع الأبعد كما مر، ولا شك
أن الأبوين أقرب من سائر الأنسباء غير الولد، بأي معنى أخذ.
وتدل عليه أيضا الأخبار الآتية الواردة فيمن مات وترك أبويه (3)،
حيث حكم فيها بأن للأم الثلث وللأب ما بقي أو الثلثان، والواردة في
ميراث الأبوين أو أحدهما وأحد الزوجين (4)، فإن إطلاقها أو عمومها
الحاصل من ترك الاستفصال يشمل ما إذا كان معهما قريب آخر أيضا.
وأما رواية زرارة: قلت: امرأة تركت أمها وأخواتها لأبيها وأمها وإخوة
لأم وأخوات لأب قال: " لأخواتها لأبيها وأمها الثلثان، ولأمها السدس،

(1) الكافي 7: 113 / 8، التهذيب 9: 310 / 1111، الإستبصار 4: 161 / 608،
الوسائل 26: 134 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 19 ح 2. وكلمة " أم الميتة "
غير موجودة في المصادر.
(2) التهذيب 9: 310 / 1113، الإستبصار 4: 161 / 610، الوسائل 26: 135
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 19 ح 4.
(3) انظر ص 161 و 162.
(4) الوسائل 26: 125 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 16.
159

ولإخوتها من أمها السدس " (1).
والأخرى: امرأة تركت زوجها، وأمها، وإخوتها لأمها، وإخوتها لأبيها
وأمها فقال: " لزوجها النصف، ولأمها السدس، وللإخوة من الأم الثلث،
وسقط الإخوة من الأم والأب " (2).
وموثقة فضيل بن يسار: في رجل مات وترك أمه وزوجته وأخته
وجده قال: " للأم الثلث، وللمرأة الربع، وما بقي بين الجد والأخت، للجد
سهمان، وللأخت سهم " (3).
ورواية أبي بصير: عن رجل مات وترك أمه وزوجته وأختين له وجده،
فقال: " للأم السدس، وللمرأة الربع، وما بقي نصفه للجد، ونصفه للأختين " (4).
فهي لموافقتها لمذهب العامة (5) ومخالفتها لإجماع الطائفة المحقة
مردودة مطروحة، على أن بعضها يناقض بعضا، حيث حكم في الأولى
بتوريث الإخوة من الأبوين، وفي الثانية بسقوطهم. وحكم في الثالثة بأن
للأم الثلث، وفي الرابعة بأن لها السدس، وهذا يوجب وهنها. ويجوز أن
يكون إلزاما للعامة بما ألزموا به أنفسهم.
المسألة الثانية: لا يمنعهما أحد وإن دنت فريضتهم بالإجماع،

(1) التهذيب 9: 320 / 1149، الإستبصار 4: 146 / 550، الوسائل 26: 150
أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 1 ح 12.
(2) التهذيب 9: 321 / 1152، الإستبصار 4: 146 / 549، الوسائل 26: 150
أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 1 ح 13.
(3) التهذيب 9: 315 / 1133، الإستبصار 4: 161 / 611، الوسائل 26: 149
أبواب ميراث الأخوة والأجداد ب 1 ح 10.
(4) التهذيب 9: 315 / 1134، الإستبصار 4: 161 / 612، الوسائل 26: 149
أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 1 ح 11.
(5) انظر المغني والشرح الكبير 7: 78.
160

والمستفيضة، كموثقتي زرارة (1) وبكير (2)، وروايتي سالم (3) وأبي المغراء (4)،
وحسنة أبي بصير (5). ولأنه لا أحد أقرب منهما، لتساويهما مع الولد في
القرب حيث يجتمعان معه.
المسألة الثالثة: الأب إذا انفرد كان له المال كله بالإجماع، والوجه
ظاهر، فإنه لا وارث غيره يمنعه إياه.
والأم إذا انفردت كان لها المال كله كذلك، ثلثه بالفرض، والباقي
بالرد.
أما الأول: فبالإجماع والكتاب والسنة، أما الأولان فظاهران، وأما
الثالث، فالروايات المتقدمة في بحث حجب الإخوة (6).
وأما الثاني: فبالإجماع والسنة، أما الأول فظاهر، وأما الثاني
فالروايات المتقدمة، الدالة على أن الأقرب يمنع الأبعد، وأن السابق أحق
بميراث قريبه.
ورواية سليمان بن خالد: " إذا كان وارث ممن له فريضة فهو أحق
بالمال " (7).

(1) التهذيب 9: 273 / 987، الوسائل 26: 81 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 11.
(2) التهذيب 9: 292 / 1046، الوسائل 26: 134 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 19 ح 1.
(3) الكافي 7: 82 / 2، التهذيب 9: 250 / 966، الوسائل 26: 77 أبواب موجبات
الإرث ب 7 ح 2.
(4) الكافي 7: 82 / 4، التهذيب 9: 251 / 968، الوسائل 26: 77 أبواب موجبات
الإرث ب 7 ح 4.
(5) الكافي 7: 82 / 3، التهذيب 9: 250 / 967، الوسائل 26: 77 أبواب موجبات
الإرث ب 7 ح 3.
(6) راجع ص 121 و 122.
(7) الكافي 7: 77 / 2، التهذيب 9: 269 / 977، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات
الإرث ب 2 ح 2.
161

والأحقية أعم من تقديم فريضته ورد ما يبقى بعد فريضته عليه.
وقول الباقر (عليه السلام) في رواية بكير: " لأن الله قد سمى لهما، ومن سمى
لهما فيرد عليهما بقدر سهامهما " (1).
حيث علل أحقية الباقي بالتسمية، والعلة هنا متحققة.
وقد يستدل عليه، وعلى أمثاله من جزئيات الرد بآية أولي الأرحام
أيضا (2)، حيث تدل على أن بعض أولي الأرحام - وهو الأقرب - أولى
ببعض من الأبعد، كما ورد في الروايات.
وهو إنما يصح إذا كان المراد بقوله سبحانه: * (بعضهم أولى
ببعض) * أن بعضا منهم - أي بعضا خاصا - أولى ببعض من بعض آخر
منهم.
ويمكن أن يكون المراد مطلق البعض، أي بعض أولي الأرحام - أي
بعض كان - أولى ببعض من غيرهم، وحينئذ فلا دلالة لها على الرد.
ويمكن ترجيح إرادة الأول، بل تعينها، برواية الفضيل بن يسار، عن
الصادق (عليه السلام) أنه قال بعد ذكر أن عباسا وعليا (عليه السلام) ما ورثا رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
ولا ورثه إلا فاطمة (عليها السلام): * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله) * (3).
فيشعر بأن المراد أولوية بعض أولي الأرحام من بعضهم، لأن عباسا
وعليا لم يكونا من غيرهم.

(1) التهذيب 9: 273 / 988، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 17 ح 6.
(2) الأنفال: 75.
(3) الفقيه 4: 190 / 660، الوسائل 26: 101 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 4
ح 4، والآية في الأنفال: 75، والأحزاب: 6.
162

ورواية العياشي في تفسيره: في قول الله سبحانه: * (وأولوا الأرحام
بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * " إن بعضهم أولى بالميراث من
بعض، لأن أقربهم إليه رحما أولى به " (1). وهذا نص.
وأما المروي في العيون: عن قول الله عز وجل: * (النبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم) * الآية (2)، فيمن نزلت؟ قال: " نزلت في الإمرة، إن
هذه الآية جرت في الحسين بن علي، وفي ولد الحسين من بعده، فنحن
أولى بالأمر وبرسوله " (3).
وفي كتاب ابن الحجام عن الصادق (عليه السلام): إنه سئل عن قول الله
عز وجل: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من
المؤمنين والمهاجرين) * قال: " نزلت في ولد الحسين " قال، قلت: جعلت
فداك نزلت في الفرائض؟ قال: " لا " قلت: في المواريث؟ فقال: " لا " قال:
" نزلت في الإمرة " (4).
فهما واردتان في التأويل والبطون، مع أن الأخيرة غير مذكورة في
كتاب معتبر، ومعارضة بأخبار معتبرة أخر، دالة على نزولها في الميراث،
كما يأتي شطر منها.
المسألة الرابعة: لو اجتمع الأبوان، فللأم الثلث مع عدم الإخوة
الحاجبة والباقي للأب، ولها السدس مع الإخوة وله الباقي، بلا خلاف

(1) تفسير العياشي 2: 72 / 86، الوسائل 26: 89 أبواب موجبات الإرث ب 8
ح 11.
(2) والأحزاب: 6.
(3) لم نعثر عليها في العيون، وهي موجودة في علل الشرائع: 206 / 4.
(4) تأويل الآيات الظاهرة 2: 447 / 4، ونقله عنه وعن كنز جامع الفوائد في البحار
23: 257 / 3.
163

فيهما.
ويدل على حكم الأم في الصورتين صريح الكتاب (1)، وعليه وعلى
حكم الأب فيهما المستفيضة من الروايات، أما الدالة على حكمهما في
الصورة الأولى، فصحيحة زرارة: في رجل مات وترك أبويه، قال: " للأب
سهمان، وللأم سهم " (2).
والأخرى: في رجل ترك أبويه، قال: هي من ثلاثة أسهم، للأم سهم، وللأب سهمان " (3).
ورواية أبان بن تغلب: في رجل مات وترك أبويه، قال: " للأم الثلث، وما بقي فللأب " (4).
ورواية أبي بصير: في رجل ترك أبويه، قال: " هي من ثلاثة أسهم،
للأم سهم، وللأب سهمان " (5) إلى غير ذلك.
وهذه الروايات وإن كانت مطلقة، إلا أنها قيدت بصورة عدم الإخوة
بالثلاثة (6).
وعلى حكم الأم في الثانية روايات حجب الإخوة المتقدمة (7).

(1) انظر النساء: 11.
(2) الكافي 7: 91 / 1، التهذيب 9: 270 / 980، الوسائل 26: 115 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 9 ح 1.
(3) الكافي 7: 91 / 3، التهذيب 9: 269 / 979، الوسائل 26: 115 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 9 ح 2.
(4) التهذيب 9: 273 / 989، الوسائل 26: 116 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 9 ح 4.
(5) الكافي 7: 91 / 3، التهذيب 9: 269 / 979، الوسائل 26: 115 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 9 ح 2.
(6) أي: بالإجماع والكتاب والسنة.
(7) في ص 121 و 122.
164

وعلى حكمهما فيها رواية أبي بصير: في رجل ترك أبويه وإخوته، قال:
" للأم السدس، وللأب خمسة أسهم، وسقط الإخوة، وهي من ستة أسهم " (1).
وقول الرضا (عليه السلام) في فقهه، المتقدم في مسألة حجب الإخوة.
وعلى حكمهما فيهما، صحيحة زرارة الموقوفة، وفيها: " إن الرجل
إذا ترك أبويه فللأم الثلث، وللأب الثلثان، في كتاب الله، فإن كان له إخوة "
يعني للميت، يعني إخوة لأب وأم، أو إخوة لأب " فلأمه السدس، وللأب
خمسة أسداس " (2).
وضعف بعضها سندا بعد اعتضادها بعمل الكل غير ضائر.
المسألة الخامسة: لو كان معهما أحد الزوجين فلا يخلو إما أن
يكون معهما، أو معه، أو معها.
فعلى الأول: فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى: النصف أو الربع، وللأم الثلث مع عدم الإخوة، والسدس معهم، والباقي للأب، للإجماع
والمستفيضة من الأخبار.
كموثقة الجعفي: في زوج وأبوين، قال: " للزوج النصف، وللأم الثلث، وللأب ما بقي " وقال في امرأة وأبوين، قال: " للمرأة الربع، وللأم الثلث، وما بقي فللأب " (3).
وصحيحته: في زوج وأبوين قال: " للزوج النصف، وللأم الثلث،

(1) التهذيب 9: 283 / 1024، الإستبصار 4: 146 / 547، الوسائل 26: 119
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 10 ح 7.
(2) الكافي 7: 92 / ذ. ح 1، التهذيب 9: 280 / 1013، الإستبصار 4: 145 / 545،
الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 10 ح 4.
(3) الكافي 7: 98 / 1، الإستبصار 4: 142 / 529، التهذيب 9: 284 / 1028،
الوسائل 26: 126 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 16 ح 3.
165

وما بقي فللأب " (1).
والأخرى: رجل مات وترك امرأة وأبويه، قال: " لامرأته الربع، وللأم الثلث، وما بقي فللأب " (2).
ورواية عقبة بن [بشير] (3): في رجل مات وترك زوجته وأبويه،
قال: " للمرأة الربع، وللأم الثلث، وما بقي فللأب " وعن امرأة ماتت
وتركت زوجها وأبويها، قال: " للزوج النصف، وللأم الثلث مع جميع
المال، وما بقي فللأب " (4).
وصحيحة محمد: إن أبا جعفر (عليه السلام) أقرأني صحيفة الفرائض التي هي
إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي (عليه السلام) بيده، فقرأت فيها: " امرأة ماتت
وتركت زوجها وأبويها فللزوج النصف ثلاثة أسهم، وللأم الثلث تاما
سهمان، وللأب السدس سهم " (5).
وموثقة أبي بصير: في امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وأباها،
قال: " هي من ستة أسهم، للزوج النصف ثلاثة أسهم، وللأم الثلث
سهمان، وللأب السدس سهم " (6).

(1) الكافي 7: 98 / 2، التهذيب 9: 284 / 1029، الإستبصار 4: 142 / 530،
الوسائل 26: 126 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 16 ح 2.
(2) الفقيه 4: 195 / 671، الوسائل 26: 126 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 16 ح 2.
(3) في " ح ": كثير، وفي " ق " و " س ": بشر، والصحيح ما أثبتناه موافقا للمصادر،
حيث إن عقبة بن كثير، وعقبة بن بشر غير مذكورين في كتب الرجال.
(4) التهذيب 9: 286 / 1039، الإستبصار 4: 143 / 536، الوسائل 26: 127
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 16 ح 8.
(5) الكافي 7: 93 / 1، الفقيه 4: 192 / 668، التهذيب 9: 270 / 982، الوسائل
26: 128 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 17 ح 1.
(6) الكافي 7: 98 / 5، التهذيب 9: 285 / 1032، الوسائل 26: 126 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 16 ح 4.
166

ورواية زرارة: عن امرأة تركت زوجها وأبويها، فقال: " للزوج
النصف، وللأم الثلث، وللأب السدس " (1).
وصحيحة صفوان: في زوج وأبوين: " أن للزوج النصف، وللأم الثلث كاملا، وما بقي فللأب " (2) إلى غير ذلك.
وهذه الروايات وإن كانت مطلقة إلا أنها مقيدة بصورة عدم الإخوة،
للإجماع، وروايتي أبي بصير المتقدمتين في المسألة الأولى (3)، وعموم قوله
تعالى: * (فإن كان له إخوة) * (4) وعموم روايات الحجب.
كما أن رواية أبان بن تغلب: في امرأة ماتت وتركت أبويها وزوجها،
قال: " للزوج النصف، وللأم السدس، وللأب ما بقي " (5) مقيدة بصورة
وجودهم. وحملها في التهذيبين على التقية (6)، لموافقتها للعامة (7).
وعلى الثاني: فلأحدهما نصيبه الأعلى، وللأب الباقي. أما الأول،
فبالإجماع، والكتاب والسنة، أما الأولان فظاهران، وأما الثالث فصحيحة
الجعفي، وفيها: " فإن تركت زوجها وأباها فللزوج النصف، وما بقي
فللأب " (8).

(1) التهذيب 9: 286 / 1034، الإستبصار 4: 143 / 533، الوسائل 26: 127
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 16 ح 5.
(2) التهذيب 9: 286 / 1035، الإستبصار 4: 143 / 534، الوسائل 26: 127
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 16 ح 7.
(3) في ص: 155 و 156.
(4) النساء: 11.
(5) التهذيب 9: 287 / 1040، الإستبصار 4: 143 / 537، الوسائل 26: 128
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 16 ح 9.
(6) التهذيب 9: 287، الإستبصار 4: 144.
(7) انظر المغني والشرح الكبير 7: 21.
(8) الفقيه 4: 195 / 671.
167

وأما الثاني، فبها أيضا، أما الأول فظاهر، وأما الثاني، فقوله تعالى:
* (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) * (1) وجه الاستدلال: أنه يدل على
أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض من غيرهم في الميراث، كما يظهر من
الروايات، كصحيحة ابن سنان: " كان علي (عليه السلام) إذا مات مولى له وترك
قرابته لم يأخذ من ميراثه شيئا، ويقول: * (أولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض) * (2) ".
وصحيحته الأخرى: " اختلف أمير المؤمنين (عليه السلام) وعثمان بن عفان
في الرجل يموت وليس له عصبة يرثونه وله ذو قرابة لا يرثون، فقال
علي (عليه السلام): ميراثه لهم، يقول الله تعالى: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض) * وكان عثمان يقول: يجعل في بيت مال المسلمين " (3).
وحسنة محمد بن قيس: " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في خالة جاءت
تخاصم في مولى رجل مات فقرأ هذه الآية * (وأولوا الأرحام بعضهم
أولى ببعض في كتاب الله) * فدفع الميراث إلى الخالة ولم يعط المولى " (4)
إلى غير ذلك.
وإذا ثبت أن أولي الأرحام أولى من غيره فلا يرث غيره معه شيئا،
فيجب أن لا يرث مع الأب زوج ولا زوجة شيئا، خرج النصف أو الربع

(1) الأنفال: 75.
(2) الكافي 7: 135 / 5، التهذيب 9: 328 / 1181، الإستبصار 4: 171 / 647،
الوسائل 26: 234 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 5.
(3) التهذيب 9: 396 / 1416، الوسائل 26: 191 أبواب ميراث الأعمام والأخوال
ب 5 ح 1.
(4) الكافي 7: 135 / 2، التهذيب 9: 329 / 1183، الإستبصار 4: 172 / 649،
الوسائل 26: 190 أبواب ميراث الأعمام والأخوال ب 3 ح 2.
168

بالدليل، فيبقى الباقي.
وأما الثالث فصحيحة الجعفي المتقدمة.
وعلى الثالث: فلأحدهما النصيب الأعلى أيضا، وللأم الباقي، الثلث
بالفرض، والباقي بالرد. أما الأولان فظاهران. وأما الثالث (1)، فللإجماع،
وقضية الأقربية، وآية أولي الأرحام على ما مر، وقول الصادق (عليه السلام) في
صحيحة الجعفي: " فإن تركت امرأة زوجها وأمها فللزوج النصف، وما بقي
فللأم " (2) ورواية الحسن بن صالح المتقدمة في المسألة الأولى (3)، وموثقة
جميل عنه (عليه السلام)، قال: " لا يكون الرد على زوج ولا على زوجة " (4).
وأما عموم علية التسمية للرد الواردة في رواية بكير (5) فمخصص.

(1) أي أن الباقي بالرد. منه رحمه الله.
(2) الفقيه 4: 195 / 671.
(3) في ص: 156.
(4) التهذيب 9: 296 / 1061، الإستبصار 4: 149 / 563، الوسائل 26: 204
أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 10.
(5) المتقدمة في ص: 159.
169

البحث الثاني
في ميراث الأولاد من الصلب إذا لم يكن معهم واحد من الأبوين
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا يرث مع الولد مطلقا (1) غير الوالدين من
الأنسباء، بالإجماع في غير الجد، فإن فيه خلافا يأتي.
للأصل، وكونه أقرب من غيره، وصريح الأخبار، كصحيحتي محمد
وزرارة المتقدمتين في المسألة الأولى (2)، والمروي في الكافي والتهذيب
عن كتاب موسى بن بكر عن زرارة عن الصادقين (عليهما السلام) - والحديث طويل -
وفيه: " ولا يرث أحد من خلق الله مع الولد، إلا الأبوان والزوج
والزوجة " (3).
ورواية العبدي العامية عن علي (عليه السلام)، وفيها: " ولا يرث مع الولد، إلا
الأبوان والزوجة " (4).
وروايات ميراث الرسول (صلى الله عليه وآله) (5)، وسائر الأخبار الواردة في جزئيات
المسائل.

(1) أي ذكرا كان أو أنثى، واحدا أو متعددا. منه رحمه الله.
(2) في ص: 155.
(3) الكافي 7: 97 / 3، التهذيب 9: 288 / 1043، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 18 ح 3.
(4) الفقيه 4: 188 / 657، التهذيب 9: 249 / 964، الوسائل 26: 196 أبواب
ميراث الأزواج ب 2 ح 1.
(5) انظر الوسائل 26: 100 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 4.
170

المسألة الثانية: لا يمنعهم أحد بالإجماع، إذ لا أحد أقرب منهم،
ولمنعهم غيرهم.
المسألة الثالثة: الابن المنفرد من الأبوين والزوجين له المال كله
بالإجماع، لقضية الأقربية، ولاستفاضة الروايات بأن الابنة المنفردة لها المال
كله (1)، كما يأتي، فلو نقص عن الابن المنفرد شئ لزم نقص الرجل عن
المرأة لو كان مكانها، وهو باطل، لما في كتاب موسى المتقدم وفيه:
" ولا تزاد المرأة أبدا على نصيب الرجل لو كان مكانها ".
وما في صحيحة ابن أذينة المتقدمة - وهي طويلة - وفيها: " لأنها لو
كانت ذكرا لم يكن لها غير خمسة من اثني عشر " وفيها أيضا: " لأنهما لو
كانا ذكرين لم يكن لهما غير ما بقي " (2).
وإن تعدد الأبناء فالمال كله لهم، يقسم بينهم بالسوية، بالإجماع بل
الضرورة. ويدل على التسوية أيضا استواء النسبة، وصحيحة محمد وبكير،
وفيها: " فإن تركت المرأة زوجها وأبويها وابنا أو ابنين أو أكثر، فللزوج
الربع، وللأبوين السدسان، وما بقي فللبنين بينهم بالسوية " (3).
المسألة الرابعة: البنت المنفردة لها المال كله، نصفه بالفرض
والباقي بالرد.
أما الأول: فبالثلاثة.
وأما الثاني: فبالإجماع والسنة، كروايات ميراث الرسول (صلى الله عليه وآله)،

(1) انظر الوسائل 26: 100 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 4.
(2) الكافي 7: 96 / 1، الفقيه 4: 193 / 669 بتفاوت، التهذيب 9: 288 / 1041،
الوسائل 26: 131 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 18 ح 1.
(3) الفقيه 4: 194، ذكرها في ذيل الرواية السابقة، والظاهر أنها من كلام الصدوق (رحمه الله)،
ولذا لم تنقل في الوسائل.
171

وصحيحتي زرارة (1) والبزنطي (2)، وروايات العجلي (3)، وابن خداش (4)،
وعبد الله بن محرز (5)، وسلمة بن محرز (6).
وإن تعددت البنات فالمال كله لهن، يقسم بينهن بالسوية، الثلثان
بالفرض والثلث بالرد.
أما الدليل على كون المال كله لهن - بعد الإجماع بل الضرورة -
فحديث الأقربية، وموثقة إسحاق بن عمار المتقدمة في ميراث المملوك (7).
ورواية ابن أبي حمزة: عن جار لي هلك وترك بنات، فقال: " المال
لهن " (8).
ورواية أبي بصير: " إن رجلا مات على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وكان يبيع
التمر، فأخذ أخوه التمر، وكان له بنات، فأتت امرأته النبي (صلى الله عليه وآله) فأعلمته،
فأنزل الله تعالى عليه، فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) التمر من العم، فدفعه إلى البنات " (9).

(1) الكافي 7: 86 / 1، الفقيه 4: 190 / 659، التهذيب 9: 277 / 1003، بصائر
الدرجات: 294 / 6، الوسائل 26: 100 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 4 ح 1.
(2) الفقيه 4: 191 / 661، الوسائل 26: 107 ميراث الأبوين والأولاد ب 5 ح 11.
(3) الكافي 7: 87 / 6، التهذيب 9: 278 / 1007، الوسائل 26: 104 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 5 ح 3.
(4) الكافي 7: 87 / 4، التهذيب 9: 278 / 1006، الوسائل 26: 104 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 5 ح 2.
(5) الكافي 7: 87 / 8، التهذيب 9: 278 / 1009، الوسائل 26: 105 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 5 ح 5.
(6) الكافي 7: 86 / 3، التهذيب 9: 277 / 1004، الوسائل 26: 101 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 4 ح 3.
(7) راجع ص: 69.
(8) الفقيه 4: 191 / 662، الوسائل 26: 102 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 4 ح 5.
(9) التهذيب 9: 279 / 1011، الوسائل 26: 106 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 5 ح 8.
172

وأما على كون ثلثيه بالفرض فصريح الكتاب (1)، ولكنه يختص بما
إذا كن فوق اثنتين، وأما فيهما فينحصر المستند بالإجماع، والنقل الذي
ادعاه في المسالك (2) ما عثرت عليه.
واستدل عليه جمع من الأقدمين (3) بقوله تعالى: * (للذكر مثل حظ
الأنثيين) * (4).
وجه الدلالة: أنه ليس المراد منه أن للذكر حالة الانفراد مثل حظهما،
لأن له تمام المال إن اتحد ولهم جميعه بالسوية إن تعدد، بل المراد حالة
اجتماعه مع الأنثى، وكذا ليس المراد أن له حظهما حالة اجتماعهما مع
الذكر، لأن لهما في أول صوره النصف، وليس نصيب الابن النصف في
أول صور اجتماعه مع الأنثى، وهو أن يخلف ابنا وبنتا، فيكون المراد أن
نصيب الابن في حالة الاجتماع مثل نصيب البنتين في حالة الانفراد
(ونصيب الابن في أول صور الاجتماع الثلثان، فكذا نصيب البنتين في حالة
الانفراد) (5).
ورده والدي العلامة - طاب ثراه - في مشكلات العلوم: بأن قوله
سبحانه * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * بيان لإرث الذكور والإناث مع
اجتماعهما، والمراد أنهم إذا اجتمعوا يقسم المال بينهم على هذا النحو، أي
يأخذ كل ذكر ضعف كل أنثى وكل أنثى نصف كل ذكر، سواء كان الوارث
ذكرا وأنثى، أو ذكرا وانثيين أو أناثى، أو ذكورا وإناثا كثيرة، فالآية بيان

(1) النساء: 11.
(2) المسالك 2: 319.
(3) انظر الخلاف 4: 44، والسرائر 3: 233.
(4) النساء: 11.
(5) ما بين القوسين ليس في " ق " و " س ".
173

لكيفية القسمة، وليس فيها بيان لتعيين سهم الذكر أو سهم الأنثيين، فإن
الذكر ليس من ذوي السهام ولم يقدر له سهم، بل المعين بالآية أنه في
الإرث ضعف الأنثى وهو يختلف باختلاف أعداد الورثة، فربما كان نصيبه
العشر، وربما كان نصف العشر، وربما كان أقل أو أكثر، وليس فيها دلالة
على أن حظه ثلثان حتى يفهم منه أن حظ الأنثيين أيضا كذلك، غاية الأمر
أنه يستفاد من عموم الآية أن الورثة إذا انحصرت في ذكر وأنثى، يكون
حظ الذكر ثلثين وحظ الأنثى ثلثا، كما يستفاد منه أن الذكور لو كانوا ثلاثة
والإناث أربعا كان حظ كل ذكر خمسا وحظ كل أنثى عشرا وهكذا في سائر
فروض الاجتماع، فمجرد استفادة كون سهم الذكر ثلثين إذا اجتمع مع أنثى
واحدة لا يفيد في المطلوب.
نعم لو كان المراد من الآية أن الذكر الواحد لو اجتمع مع أنثى واحدة
فحظ الذكر كالحظ المقرر المعلوم بدليل آخر للأنثيين إذا لم يكن معهما
ذكر ظهر كون سهمهما ثلثين، إلا أنه لا يعلم ذلك من هذه الآية، بل لا بد
أن يكون ثابتا بدليل آخر.
المسألة الخامسة: إذا اجتمع الذكور والإناث فالمال كله لهم، لكل
ذكر مثل حظ الأنثيين.
أما الأول فظاهر مما مر.
وأما الثاني فبالضرورة الدينية، والكتاب، والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل
حظ الأنثيين) * (1).

(1) النساء: 11.
174

فإن المعنى أن لكل ذكر مثل حظ الأنثيين لا جنس الذكر، بإجماع
المفسرين (1).
وأما السنة فكثيرة، كموثقة أبي بصير، وفيها: فإن ترك بنات وبنين
وأما، قال: " للأم السدس، والباقي يقسم لهم، للذكر مثل حظ الأنثيين " (2).
وصحيحة محمد وبكير، وفي آخرها: " فإن تركت زوجها وأبويها
وابنة وابنا أو بنين وبنات، فللزوج الربع، وللأبوين السدسان، وما بقي
فللبنين والبنات، للذكر مثل حظ الأنثيين " (3).
والروايات الواردة في علة تفضيل الرجال، كرواية ابن سنان: لأي
علة صار الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين؟ قال: " لما يجعل لها من
الصداق " (4).
ورواية يونس: كيف صار الرجل إذا مات وولده من القرابة سواء
ترث النساء نصف ميراث الرجال وهن أضعف من الرجال وأقل حيلة؟
فقال: " لأن الله تعالى فضل الرجال على النساء بدرجة، ولأن النساء يرجعن
عيالا على الرجال " (5) وغيرها.

(1) انظر مجمع البيان 2: 14، التفسير الكبير 9: 404، مجالس التأويل 5: 50،
الكشاف 1: 480، التبيان 3: 129، تفسير أبي السعود 2: 148.
(2) التهذيب 9: 274 / 990، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 17 ح 7.
(3) الكافي 7: 96 / 1، التهذيب 9: 288 / 1041، وفي الفقيه 4: 193 / 669
ذيله، الوسائل 26: 131 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 18 ح 1.
(4) الفقيه 4: 253 / 815، التهذيب 9: 398 / 1421، الوسائل 26: 95 أبواب
ميراث الأبوين والأولاد ب 2 ح 5.
(5) الكافي 7: 84 / 1، التهذيب 9: 274 / 991، الوسائل 26: 94 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 2 ح 2.
175

المسألة السادسة: لو اجتمع مع الولد أحد الزوجين كان له نصيبه
الأدنى الربع أو الثمن، والباقي للولد، ذكرا كان أو أنثى، واحدا أو متعددا،
فيختص الرد مع البنت أو البنات بها.
والدليل بعد الإجماع، أما على الأول: فنص الكتاب (1)، وصريح
الأخبار كصحيحة محمد وفيها: " فإذا كان معهما ولد فللزوج الربع،
وللزوجة الثمن " (2) وغيرها.
وأما على الثاني: فآية أولي الأرحام (3)، وقول الصادق (عليه السلام) في موثقة
جميل المتقدمة: " لا يكون الرد على زوج ولا على زوجة " (4).
ورواية سويد بن غفلة، قال: أتي علي بن أبي طالب (عليه السلام) في ابنة
وامرأة وموالي، فأعطى البنت النصف، وأعطى المرأة الثمن، وما بقي رده
على البنت، ولم يعط الموالي شيئا (5).

(1) النساء: 12.
(2) الكافي 7: 82 / 1، الوسائل 26: 195 أبواب ميراث الأزواج ب 1 ح 1.
(3) الأنفال: 75.
(4) راجع ص: 168.
(5) التهذيب 9: 332 / 1193، الوسائل 26: 237 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1
ح 14.
176

البحث الثالث
في ميراث الأولاد والأبوين إذا اجتمعوا
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إذا اجتمع أحد الأبوين أو كلاهما مع الولد الذكر
واحدا كان أم متعددا، كان لكل منهما نصيبه الأدنى السدس، والباقي للولد.
والدليل بعد الإجماع، أما على الأول: فصريح الكتاب (1).
وأما على الثاني: فإنه لو كان مكان الذكر أنثى كان لها الباقي، كما
يأتي، فلو نقص عن الذكر شئ لزم [نقص الرجل عن] (2) المرأة لو كان
مكانها وهو باطل كما مر.
وقول الرضا (عليه السلام) في فقهه: " فإن ترك أبوين وابنا أو أكثر من ذلك،
فللأبوين السدسان، وما بقي فللابن " (3).
المسألة الثانية: إذا اجتمع أحد الأبوين مع بنت فله السدس ولها
النصف، والباقي يرد عليهما أرباعا، فتكون التركة مقسومة على أربعة
وعشرين، الحاصلة من ضرب الأربعة في الستة، ربعها له وثلاثة أرباع لها.
والدليل على ذلك بعد الإجماع، الأخبار المستفيضة، كصحيحة
محمد: " رجل ترك ابنته وأمه: للابنة النصف ثلاثة أسهم وللأم السدس

(1) النساء: 11.
(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أن يزاد الرجل على...، وهو سهو، راجع
ص 169 - المسألة الثالثة.
(3) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 287، مستدرك الوسائل 17: 172 أبواب ميراث الأبوين
والأولاد ب 13 ح 3.
177

سهم، يقسم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة
وما أصاب سهما فهو للأم " قال: وقرأت فيها: " رجل ترك ابنته وأباه فللابنة
النصف ثلاثة أسهم وللأب السدس سهم، يقسم المال على أربعة أسهم فما
أصاب ثلاثة أسهم فللابنة وما أصاب سهما فللأب " (1).
وصحيحته الأخرى وهي قريبة منها (2).
ورواية سلمة بن محرز: في بنت وأب، قال: " للبنت النصف وللأب
السدس، وبقي سهمان، فما أصاب ثلاثة أسهم منها فللبنت، وما أصاب
سهما فللأب، والفريضة من أربعة أسهم: للبنت ثلاثة أرباع وللأب الربع " (3).
وروايتي بكير وحمران الآتيتين.
المسألة الثالثة: إذا اجتمع أحدهما مع بنتين فصاعدا فله السدس
ولهما أو لهن الثلثان، بقي سدس فيرد أخماسا على الحق المشهور، كما
في المختلف والمسالك والكفاية (4)، بل نسب في الروضة القول المخالف
إلى الندور وقال: وهو متروك (5) وعن التحرير الإجماع عليه (6)، فخمسه له
وأربعة أخماسه لهما أو لهن، فتكون التركة من ثلاثين.
لرواية بكير: في رجل ترك ابنته وأمه: " أن الفريضة من أربعة، للبنت

(1) الكافي 7: 93 / 1، الفقيه 4: 192 / 668، التهذيب 9: 270 / 982، الوسائل
26: 128 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 17 ح 1.
(2) الكافي 7: 96 / 2، التهذيب 9: 288 / 1042، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 18 ح 2.
(3) التهذيب 9: 328 / 1179، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 17 ح 4.
(4) المختلف: 750، المسالك 2: 316، الكفاية: 295.
(5) الروضة 8: 61.
(6) التحرير 2: 163.
178

ثلاثة أسهم، وللأم السدس سهم وبقي سهمان، فهما أحق بهما من العم
والأخ والعصبة، لأن الله تعالى قد سمى لهما، ومن سمي لهم فيرد عليهما
بقدر سهامهما " (1).
وقريبة منها رواية حمران (2)، ورواية أخرى لبكير وفيها: " ثم المال
بعد ذلك لأهل السهام الذين ذكروا في الكتاب " (3).
وهذه العلة موجودة في الابنتين وأحد الأبوين.
وقد يستدل (4) أيضا: بأن الفاضل لا بد له من مستحق، ولا يمكن
استحقاق غير هؤلاء، لمنع الأقرب للأبعد، ولا بعضهم، لاستواء النسبة
وعدم الأولوية، فتعين الجميع على النسبة، كما في الفاضل في غيرهم.
وفيه نظر: فإن عدم الأولوية لا يعين الجميع ولا التقسيم بالنسبة،
لإمكان التخيير أو التقسيم بنحو آخر، إلا أن يتم بالإجماع المركب.
مع أن ادعاء الإجماع البسيط المحقق أيضا ممكن، لعدم قدح مخالفة
النادر وهو الإسكافي (5)، حيث خص الفاضل بالبنتين أو البنات، لدخول
النقص عليهما بدخول الزوجين، ولموثقة أبي بصير: في رجل مات وترك
ابنتيه وأباه، قال: " للأب السدس، وللابنتين الباقي " (6).

(1) التهذيب 9: 273 / 988، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 17 ح 6.
(2) التهذيب 9: 272 / 985، الوسائل 26: 129 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 17 ح 3.
(3) الكافي 7: 81 / 7، الوسائل 26: 73 أبواب موجبات الإرث ب 6 ح 8.
(4) كما في المختلف: 750.
(5) حكاه عنه في المختلف: 750.
(6) التهذيب 9: 274 / 990، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 17 ح 7.
179

ويرد الأول: بأنه نوع قياس لا نقول به، على أنه إنما يجب جبر
النقص بذلك إذا لم يكن جبر بشئ آخر غيره، مع أنه قد جبره الشارع به
حيث جعل لهن فريضة عليا خاصة لا دنيا، فيكون النقص لهما بمنزلة الدنيا
للأبوين، فيتساويان من جميع الوجوه.
والثاني: بأنها لمخالفتها عمل المعظم عن حيز الحجية خارجة
بالمرة، فلا تصلح لمعارضة ما مر، مضافا إلى ما يخدشها من كلام صاحب
الوافي، حيث قال: والصواب " ابنيه " بدل " ابنتيه " كما يظهر من بعض
النسخ أنه كان كذلك فغير، وكذا قوله " وللابنتين " الصواب: " وللابنين " (1).
المسألة الرابعة: إذا اجتمع الأبوان مع البنتين أو أكثر فلكل منهما
السدس ولهما أو لهن الثلثان، يقسم بينهم بالسوية، والوجه في الكل ظاهر.
وإذا اجتمعا مع بنت فلكل منهما السدس ولها النصف، بقي سدس،
يرد عليهم أخماسا على نسبة سهامهم، لكل منهما خمسة، ولها ثلاثة
أخماسه، فتقسم التركة على ثلاثين.
والدليل بعد الإجماع الأخبار المستفيضة، كصحيحة محمد: " رجل
ترك أبويه وابنته فلابنته النصف ثلاثة أسهم، وللأبوين لكل واحد منهما
السدس، لكل واحد منهما سهم، يقسم المال على خمسة أسهم فما أصاب
ثلاثة فللبنت، وما أصاب سهمين فللأبوين " (2).
وقريبة منها صحيحته الأخرى (3).

(1) الوافي 25: 753.
(2) الكافي 7: 93 / 1، الفقيه 4: 192 / 668، التهذيب 9: 270 / 982، الوسائل
26: 128 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 17 ح 1.
(3) الكافي 7: 96 / 2، التهذيب 9: 288 / 1042، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 18 ح 2.
180

ورواية زرارة: " رجل مات وترك ابنته وأبويه: للابنة ثلاثة أسهم،
وللأبوين لكل واحد منهما سهم، يقسم المال على خمسة أجزاء، فما
أصاب ثلاثة أجزاء فللابنة، وما أصاب جزأين فللأبوين " (1).
وفي فقه الرضا (عليه السلام): " فإن ترك أبوين وابنة فللابنة النصف وللأبوين
السدسان، يقسم المال على خمسة، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة
وما أصاب سهمين فللأبوين " (2).
ولكن هذا الحكم مختص بما إذا لم يكن معهم إخوة حاجبة. وأما
مع وجودهم فالأم محجوبة عن الرد، وهو مخصوص بالبنت والأب.
والمخصص الإجماع المحقق وبه أيضا صرح في المسالك (3)، وقال
في الكفاية: لا أعرف خلافا بين الأصحاب (4).
وقد يعلل ذلك بقوله تعالى: * (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * (5).
وفي دلالته نظر، لأن سياقها يقتضي الاختصاص بصورة عدم الولد،
ولا أقل من احتمالها، فلا يصح الاستدلال.
نعم يمكن أن يستدل له بقوله تعالى: * (ولأبويه لكل واحد منهما
السدس مما ترك إن كان له ولد) * (6).

(1) الكافي 7: 94 / 2، التهذيب 9: 272 / 984، الوسائل 26: 129 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 17 ح 2.
(2) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 287، مستدرك الوسائل 17: 172 أبواب ميراث الأبوين
والأولاد ب 13 ح 3.
(3) المسالك 2: 324.
(4) الكفاية: 295.
(5) النساء: 11.
(6) النساء: 11.
181

حيث يدل على أن لكل منهما مع الولد ليس إلا السدس، خرج
ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي.
وأما الاستدلال عليه بالقياس بطريق الأولى، بأن يقال: إن وجود
الإخوة يوجب حرمانها عن أصل الفريضة العليا فيوجب حرمانها عن الرد
بطريق أولى.
فلا يخفى ما فيه، لمنع الأولوية، لأنها إنما تعلم لو كانت العلة معلومة
وكانت في الفرع أولى، وهي غير معلومة هنا، على أنه صرح في الأخبار
بأن التوفير لكون الإخوة عيال الأب، وذلك في الأصل والفرع سواء من غير
أولوية، نعم يمكن تأييد المطلوب بوجود العلة المنصوصة فيما نحن فيه
أيضا.
ثم إنهم اختلفوا في أن ما حجب منه الأم من نصيبه من الرد هل
يقسم بين الأب والبنت على نسبة سهامهم أو يخص بالأب؟
المشهور هو الأول، فيقسم الزائد أرباعا. وذهب الشيخ معين الدين
المصري إلى الثاني، فيقسمه أخماسا خمساه له وثلاثة أخماسه لها (1)،
وما عثرت لشئ من القولين له على دليل يمكن الركون إليه.
نعم لا يبعد دعوى الإجماع على أولهما، بل التشبث بقوله (عليه السلام):
" فيرد عليهما بقدر سهامهما " بعد قوله: " فهما أحق بهما " في رواية بكير
المتقدمة (2)، حيث رتب الرد بقدر السهام على الأحقية، فتدل على عليتها
له، وأحقية الأب والبنت هنا متحققة، فيترتب عليها الرد بالنسبة.

(1) حكاه عنه في المسالك 2: 324.
(2) في ص: 177.
182

المسألة الخامسة: إذا دخل عليهم أحد الزوجين فلا يخلو إما أن
يكون في الأولاد ذكر منفردا أو مع أنثى أو لا، فإن كان فلكل من الأبوين
وأحد الزوجين النصيب الأدنى، بالإجماع، والآية، والأخبار، والباقي
للأولاد، للإجماع، وصحيحة محمد وبكير وفيها: " فإن تركت المرأة
زوجها وأبويها وابنا أو ابنين أو أكثر فللزوج الربع، وللأبوين
السدسان، وما بقي فللبنين بينهم بالسوية، فإن تركت زوجها وأبويها وابنة
وابنا أو بنين وبنات فللزوج الربع، وللأبوين السدسان، وما بقي فللبنين
والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين " (1).
وإن لم يكن ويكون الجميع حينئذ ذوي فروض، فإما أن تكون
التركة زائدة على الفروض ويكون ذلك باجتماع أحد الأبوين والزوجة مع
البنتين فصاعدا، أو باجتماعه مع الزوج والبنت أو اجتماع الأبوين أو
أحدهما والزوجة معها، أو ناقصة، وذلك في سائر الصور.
فعلى الأول يأخذ كل ذي فرض فرضه ويرد الزائد في المثال الأول على
البنتين وأحد الأبوين أخماسا، فتكون التركة مقسومة على مائة وعشرين وفي
الثاني على البنت وأحدهما أرباعا، فتكون مقسومة على ثمانية وأربعين.
وفي الثالث عليها وعليهما أخماسا، وتكون مقسومة على مائة وعشرين إلا مع
الإخوة الحاجبة فيرد عليها وعلى الأب خاصة أرباعا، وتكون مقسومة على
ستة وتسعين. وفي الرابع عليها وعلى أحدهما أرباعا، فيقسم أيضا على ستة
وتسعين، ولا يكون رد على أحد الزوجين.

(1) الكافي 7: 96 / 1، الفقيه 4: 193 / 669، التهذيب 9: 288 / 1041، الوسائل
26: 131 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 18 ح 1، بتفاوت.
183

والدليل على ذلك كله بعد الإجماع، وعدم الرد على الزوج الزوجة
بالنص، رواية زرارة وفيها: " وإن ترك الميت أما أو أبا وامرأة وبنتا، فإن
الفريضة من أربعة وعشرين سهما: للمرأة الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين،
ولأحد الأبوين السدس أربعة أسهم وللابنة النصف اثنا عشر سهما، وبقي
خمسة أسهم هي مردودة على سهام الابنة وأحد الأبوين على قدر سهامهم،
ولا يرد على المرأة شئ. وإن ترك أبوين وامرأة وبنتا فهي أيضا من أربعة
وعشرين سهما: للأبوين السدسان ثمانية أسهم لكل واحد أربعة أسهم،
وللمرأة الثمن ثلاثة أسهم، وللبنت النصف اثنا عشر سهما، وبقي سهم
واحد مردود على الابنة والأبوين على قدر سهامهم، ولا يرد على المرأة
شئ. وإن ترك أبا وزوجا وابنة فللأب سهمان من اثني عشر وهو السدس،
وللزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهما، وللابنة النصف ستة أسهم
من اثني عشر، وبقي سهم واحد مردود على الابنة والأب على قدر
سهامهما، ولا يرد على الزوج شئ " الحديث (1).
وعلى الثاني (2) يأخذ أحد الزوجين والأبوان أو أحدهما النصيب
الأدنى بلا نقص، والباقي للبنت أو البنتين، للإجماع، وبطلان العول،
والأخبار المصرحة بأن الأبوين لا ينقصان من السدس أبدا والزوج والزوجة
من الربع والثمن كذلك (3)، فيختص النقص بالبنت أو البنتين.
ورواية زرارة وفيها: عن امرأة تركت زوجها وأمها وابنتيها، فقال:
" للزوج الربع، وللأم السدس وللابنتين ما بقي " (4).

(1) الكافي 7: 97 / 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 18 ح 3.
(2) أي: إذا كانت التركة ناقصة عن الفروض.
(3) الوسائل 26: 128 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 17.
(4) الكافي 7: 97 / 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 18 ح 3.
184

وصحيحة محمد: في امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها وابنتها،
قال: " للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهما، وللأبوين لكل واحد
منهما السدس سهمان من اثني عشر سهما، وبقي خمسة أسهم فهي للابنة "
إلى أن قال: " لأن الأبوين لا ينقصان كل واحد منهما من السدس شيئا، وأن
الزوج لا ينقص من الربع شيئا " (1).
وصحيحة محمد وبكير: في زوج وأبوين وابنة: " للزوج الربع ثلاثة
أسهم من اثني عشر سهما، وللأبوين السدسان أربعة أسهم من اثني عشر
سهما، وبقي خمسة أسهم فهي للابنة " إلى أن قال: " وإن كانتا ابنتين فلهما
خمسة من اثني عشر سهما " الحديث (2).

(1) الكافي 7: 96 / 2، التهذيب 9: 288 / 1042، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 18 ح 2.
(2) الكافي 7: 96 / 1، الفقيه 4: 193 / 669، التهذيب 9: 288 / 1041، الوسائل
26: 131 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 18 ح 1.
185

البحث الرابع
في ميراث أولاد الأولاد
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الحق المشهور أن أولاد الأولاد وإن نزلوا يرثون مع
الأبوين أو أحدهما كآبائهم، ذهب إلى ذلك الفضل والكليني (1)، والشيخان
والسيدان (2)، والعماني والديلمي والحلبي والحلي والقاضي والكراجكي (3)،
وعامة من تأخر عنهم (4).
وذهب الصدوق في المقنع والفقيه إلى أنهم يمنعون بالأبوين أو
أحدهما، ولا يرثون إلا مع فقدهما (5)، ويظهر من الوافي الميل إليه (6).
لنا بعد الإجماع المحقق، والمنقول في الخلاف والكافي - في أول
كتاب الفرائض - والانتصار والسرائر والغنية والكنز والتنقيح (7)، رواية

(1) حكاه عن الفضل في الكافي 7: 88 / ذ ح 4، الكليني في الكافي 7: 70.
(2) المفيد في المقنعة: 688، الطوسي في النهاية: 634، ابن زهرة في الغنية
(الجوامع الفقهية): 605، المرتضى في الناصريات (الجوامع الفقهية): 222.
(3) حكاه عن العماني في المختلف: 729، الديلمي في المراسم: 216، الحلبي في
الكافي في الفقه: 368، الحلي في السرائر 3: 257، القاضي في المهذب 2: 132.
(4) كالمحقق في الشرائع 4: 24، والعلامة في القواعد 2: 170، والشهيد في
اللمعة (الروضة البهية 8): 102.
(5) المقنع: 169، الفقيه 4: 196.
(6) الوافي 25: 791 - 792.
(7) الخلاف 4: 50، الكافي 7: 70، الإنتصار: 298، السرائر 3: 240، 248،
الغنية (الجوامع الفقهية): 607، كنز العرفان 2: 329، التنقيح 4: 164.
186

زرارة: " فإن لم يكن له ولد وكان ولد الولد ذكورا كانوا أو إناثا فإنهم بمنزلة
الولد، وولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين، وولد البنات بمنزلة
البنات يرثون ميراث البنات، ويحجبون الأبوين والزوج والزوجة عن
سهامهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر، يرثون ما يرث ولد الصلب،
ويحجبون ما يحجب ولد الصلب " (1).
وصحيحة البجلي: " بنات الابنة يرثن، إذا لم تكن بنات كن مكان
البنات " (2).
وروايته، قال: " ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام
الابن " قال: " وابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام
البنت " (3).
دلتا بعموم الشرط على أن ابن الابن وابنة البنت يقومان مقام الابن
والبنت عند عدمهما دائما، فيشمل حال وجود الأبوين أيضا، والتخصيص
يحتاج إلى المخصص، والقول بعدم توريثهما مع وجودهما يستلزم عدم
قيامهما مقامهما حينئذ كما لا يخفى. وأيضا لو كان قيامهما مقامهما مشروطا
بعدم الأبوين لزم قيام غير الشرط مقامه، لأن عدم الولد حينئذ يكون جزءا
للشرط وهو غيره.
فإن قيل: الشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده
الوجود، وجزء الشرط أيضا كذلك، فهو أيضا شرط فلا محذور في جعله

(1) الكافي 7: 97 / 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 18 ح 3.
(2) الكافي 7: 88 / 3، التهذيب 9: 317 / 1138، الإستبصار 4: 166 / 630،
الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 7 ح 1.
(3) التهذيب 9: 317 / 1141، الوسائل 26: 112 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 7 ح 5.
187

شرطا، ولا يلزم قيام غير الشرط مقامه.
قلنا: هذا إنما هو فيما إذا جعل شئ شرطا لوجود شئ آخر
فلا يلزم من وجوده الوجود، وأما إذا حكم بوجود شئ بشرط شئ آخر
فيلزم في صدقه من استلزام وجوده الوجود، وإلا لزم الكذب، وما نحن فيه
كذلك.
وتؤيده أيضا رواية إسحاق بن عمار: " ابن الابن يقوم مقام الابن " (1).
وقد يستدل أيضا: بأن الآية والأخبار مصرحة بإرث الولد مع
الأبوين (2)، وهو يصدق على ولد الولد حقيقة.
وفيه: أن الصدق ممنوع كما يأتي.
للصدوق: صحيحة البجلي عن الصادق (عليه السلام): قال: " بنات الابنة
يقمن مقام الابنة إذا لم يكن للميت بنات ولا وارث غيرهن، وبنات الابن
يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيرهن " (3).
دلت بعموم النكرة على اشتراط قيامهن مقام الابنة والابن على انتفاء
الوارث مطلقا، خرج غير الأبوين والأولاد بالإجماع.
وصحيحة الخزاز: " كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به إلا أن
يكون وارث للميت أقرب منه " (4).

(1) الكافي 7: 88 / 2، التهذيب 9: 317 / 1139، الإستبصار 4: 167 / 631
وفيها: مقام أبيه، الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 7 ح 2.
(2) الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 7.
(3) الكافي 7: 88 / 4، التهذيب 9: 316 / 1136، الإستبصار 4: 166 / 628،
الوسائل 26: 111 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 7 ح 4.
(4) الكافي 7: 77 / 1، التهذيب 9: 269 / 976، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات
الإرث ب 2 ح 1.
188

وكون الأبوين أقرب منه.
وكون نسبته كنسبة الجد، وهو لا يرث مع أحدهما، فكذلك ذلك.
وكونهما متساويي النسبة مع الولد، وهو يحجب ولد الولد، فهما
أيضا كذلك.
والجواب أما عن الأول: بعدم الدلالة أولا، لاحتمال أن يكون المراد:
ولا يرث معهن غيرهن، كما لا يرث مع الابن والابنة غيرهما، فيكون قوله:
" ولا وارث غيرهن " معطوفا علي بنات الابنة (1). وبعدم الحجية ثانيا،
لشذوذه بمخالفته للشهرتين القديمة والجديدة، بل الإجماع في الحقيقة.
وبلزوم التخصيص، للإجماع ولكون رواية زرارة خاصة مع اعتضادها
بالعمل ثالثا.
وبالأخيرتين يجاب عن الثاني أيضا.
وأما عن الثالث: فبالمعارضة بأولاد الأخ والجد وأمثالهما. والحل بأن
عموم تقديم الأقرب مخصص. وأجاب في الكفاية بمنع الأقربية (2)، ولعله
لم يلاحظ فيها قلة الوسائط، أو لكون ولد الولد بمنزلة الولد الذي ليس
أحد الأبوين أقرب منها.
وأما عن الرابع: فبأنه [قياس] (3) وهو باطل عندنا.
وأما عن الخامس: فبأنه إن أريد التساوي من جميع الوجوه فممنوع،
وإن أريد ببعض الوجوه جازت المخالفة بوجه آخر.

(1) بأن يخص قوله " لا وارث غيرهن " المذكور أولا بالذكور، والمذكور ثانيا بالإناث.
(منه (رحمه الله)).
(2) الكفاية: 296.
(3) في النسخ: مناسب، وهو تصحيف.
189

المسألة الثانية: الحق المشهور أن أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم،
ولكل منهم نصيب من يتقرب به، فلأولاد الابن نصيبه وإن كان أنثى،
ولأولاد البنت نصيبها وإن كان ذكرا، فلبنت الابن المنفردة جميع المال،
ولابن البنت وإن تعدد النصف بالفرض والباقي بالرد، إلى غير ذلك من
الأحكام.
وهو مذهب الصدوق والشيخين (1)، والعماني في أحد قوليه (2)،
والحلبي والقاضي وابن حمزة (3)، وعامة من تأخر عنهم (4)، وفي كنز
العرفان: انعقاد الإجماع عليه بعد السيد (5)، وفي الغنية: إن عليه إجماع
الطائفة (6).
وذهب جماعة منهم العماني في قوله الآخر (7)، والسيد والمصري (8)،
والحلي إلى أنهم يقتسمون تقاسم الأولاد من غير اعتبار من تقربوا به،
فللذكر منهم مثل حظ الأنثيين وإن كان الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر (9)،

(1) الصدوق في المقنع: 171، المفيد في المقنعة: 688، الطوسي في النهاية:
634.
(2) حكاه عنه في المختلف: 729.
(3) الحلبي في الكافي في الفقه: 368، القاضي في المهذب 2: 132، ابن حمزة
في الوسيلة: 387.
(4) كالمحقق في الشرائع 4: 24، والعلامة في القواعد 2: 170، والشهيد الثاني في
الروضة 8: 102.
(5) كنز العرفان 2: 328.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 607.
(7) حكاه عنه في السرائر 3: 240.
(8) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 222، حكاه عن المصري في كشف
الرموز 2: 448 والمختلف: 732.
(9) السرائر 3: 232 - 240.
190

وقال في المفاتيح: ولا يخلو من قوة (1)، وفي الكفاية: ولا يبعد
ترجيحه (2)، وجعله الأردبيلي قريبا.
لنا: رواية زرارة المتقدمة (3)، وهي نص في المطلوب، وضعفها سندا
غير ضائر من وجوه.
وصحيحة سليمان بن خالد: قال: " كان علي (عليه السلام) يجعل العمة بمنزلة
الأب في الميراث، ويجعل الخالة بمنزلة الأم، وابن الأخ بمنزلة الأخ " قال:
" وكل ذي رحم لم يستحق له فريضة فهو على هذا النحو " (4).
وصحيحة الخزاز عنه (عليه السلام): قال: " إن في كتاب علي (عليه السلام) أن العمة
بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وكل ذي رحم
بمنزلة الرحم الذي يجر به، إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه
فيحجبه " (5).
وجه الاستدلال: أن المراد بكون العمة والخالة وكل ذي رحم بمنزلة
من ذكر في الميراث ليس كونهم بمنزلته في مطلق التوريث، وإلا لم يكن
لهذا التفصيل وجه، ولا في الحاجبية والمحجوبية، لانتفاء التنزيل فيهما،
فبقي أن يكون المراد في قدر الميراث، أو في جميع الأحكام إلا ما خرج
بالدليل، إذ ليس شئ آخر يصلح للتقدير سواهما.

(1) المفاتيح 3: 322.
(2) الكفاية: 296.
(3) في ص: 185.
(4) التهذيب 9: 326 / 1171، الوسائل 26: 188 أبواب ميراث الأعمام والأخوال
ب 2 ح 7.
(5) التهذيب 9: 325 / 1170، الوسائل 26: 188 أبواب ميراث الأعمام والأخوال
ب 2 ح 6.
191

وقد يستدل أيضا بصحيحتي البجلي وروايته المتقدمة (1).
ورد باحتمال أن يكون المراد بقيامهن مقام الابن والبنت قيامهن
مقامهما في الإرث، أو في حجب الأبوين والزوجين عن أعلى فروضهم،
لا في قدر النصيب.
وهو وإن كان محتملا إلا أنه بعيد، لمكان التفصيل.
احتج المخالف (2): بقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم) * (3)
وسائر عمومات قسمة الأولاد (4)، قال: إن ولد الولد ولد حقيقة، فيكون
للذكر مثل حظ الأنثيين.
والجواب أولا: أنه لو سلم الصدق تكون الآية وما بمعناها عامة
فتخصص بما ذكر.
وثانيا: أنه إن أريد صدقه عليه لغة فممنوع، فإن ولد الشئ في اللغة
ما يتولد عنه (5)، ولا يصدق على ولد ولد الشخص أنه تولد عنه، وأما
الاستعمال فلا يفيد، لكونه أعم من الحقيقة.
وإن أريد الصدق الشرعي، فيتوقف على ثبوت الحقيقة الشرعية فيه،
وثبوتها إما بتصريح الشارع بالوضع، أو بكثرة الاستعمال وغلبته بحيث
يهجر المعنى الأول، وشئ منهما لم يتحقق، فإنه لم ينقل من كتاب
ولا سنة، ولم يثبت إجماع على الوضع، والاستعمال لا يفيد، والغلبة هنا
ممنوعة، كيف؟! مع أنهم يستعملون الولد في الولد للصلب أكثر من

(1) في ص 185 و 186.
(2) انظر السرائر 3: 232 - 240.
(3) النساء: 11.
(4) الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 7.
(5) انظر لسان العرب 3: 467، المصباح المنير: 671.
192

استعماله في ولد الولد أو في القدر المشترك. وأما ذكر الولد أحيانا
والتصريح بإرادة ولد الولد منه فلا يثبت الحقيقة الشرعية، على أن في
بعض الأخبار دلالة على خلافه كما يأتي.
وإن أريد العرفي، فثبوته فرع حصول التبادر عند أهل العرف، وهو
ممنوع، كيف؟! وقد ذهب الأكثر إلى خلافه، وهم من أهل العرف. وأما
التبادر في بعض المواضع فإنما هو لأجل القرينة.
ويدل على عدم الصدق أيضا الأخبار النافية لصدق الولد على ولد
الولد وسلبه عنه، والأخبار الجاعلة ولد الولد بمنزلة الولد، كرواية زرارة (1)،
وصحيحتي البجلي (2)، وروايته المتقدمة (3)، حيث إن فيها قوله: " إذا
لم يكن ولد " " ولم يكن بنات " فسلب الولد والبنات، ولو كان الولد صادقا
على ولد الولد لما جاز السلب، ولما كان بمنزلته، بل كان هو هو.
واستدلوا على الصدق بوجوه:
منها: الآيات، كقوله تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) * (4).
فإنه لا خلاف في أنه تحرم بهذه الآية زوجة الجد، فتدل على أن أب
الأب والأم أب حقيقة، فيكون ولد الابن والبنت ولدا حقيقة للتضايف.
وقوله سبحانه: * (وحلائل أبنائكم) * (5).
فإنه لا خلاف في أن بهذه الآية يحرم نكاح زوجة ولد الولد، لصدق
الأبنية والبنتية.

(1) في ص: 185.
(2) في ص: 185 و 186.
(3) في ص: 185.
(4) النساء: 22.
(5) النساء: 23.
193

وقوله تعالى: * (أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن) * (1).
فإنه يحل بهذه الآية لابن الولد النظر إلى زينة جدته، أو زوجة جده.
وقوله تعالى: * (فإن كان لهن ولد فلكم الربع) * و: * (فإن كان لكم
ولد فلهن الثمن) * (2) و: * (لأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن
كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) * (3).
فإن الولد في جميع هذه المواضع شامل بإطلاقه لولد الولد،
والأحكام المذكورة مترتبة عليه بلا خلاف، ومن الظاهر أنه لولا الصدق
حقيقة لما ترتب.
ويجاب عنه: بأن غاية ما ثبت منه الاستعمال وهو أعم من الحقيقة.
ومنها: الأخبار المجرية أحكام الأولاد على أولادهم بالاستدلال بهذه
الآيات، كالأخبار التي استدل فيها على حرمة زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) على
الحسنين (عليهما السلام) بقوله تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) * وغيرها (4).
والجواب: أن الاستدلال بها لا يدل على كونها حقائق، لجواز
الاستدلال بالألفاظ المستعملة في المجازات عند وجود القرينة، أو تسليم
الخصم، والخصم يدعي أن القرينة في هذه الآيات موجودة وإن لم يكن
غير الإجماع.
ومنها: الأخبار الواردة في تسمية الحسنين (عليهما السلام) وأولادهما أولاد
الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهي كثيرة (5).

(1) النور: 31.
(2) النساء: 12.
(3) النساء: 11.
(4) انظر الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 7.
(5) الإحتجاج: 324، الوسائل 20: 416 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 2 ح 12، وقد
وردت رواية أخرى في الدعائم 2: 367 / 1332.
194

والجواب ظاهر بعد ما مر.
ومنها: مدحهما بأنهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهما يفضلان بذلك،
ولا فضيلة ولا مدح في وصف مجاز مستعار.
والجواب: أنه كيف لا مدح في المجاز، مع أن أكثر مدائح الأئمة
الواردة في الزيارات والأدعية من باب المجاز، وإن المدح بالوصف
المجازي باعتبار العلاقة الكائنة في الممدوح.
ومنها: أن لفظ الولد استعمل في ولد الولد، والأصل في الاستعمال
الحقيقة.
والجواب: أن أصالته في مثل ذلك ممنوعة، وإنما هي مسلمة فيما
لم يعلم له معنى حقيقي آخر.
ومنها: الإجماع، ادعاه السيد والحلي (1).
والجواب: أنه ممنوع، والمنقول منه غير حجة.
ومنها: اقتسام المال بين أولاد الأنثى (2) للذكر مثل حظ الأنثيين،
مستدلا بقوله تعالى: * (يوصيكم الله) * فلولا الصدق لما صح الاستدلال.
قلنا: انحصار الدليل فيه ممنوع، بل المناط الإجماع وغيره، ولو
انحصر فلا نقول به، على أنه لا يرد على من قال بالتسوية بينهم.
ومما يمكن أن يستدل به على أن أولاد الأولاد يتقاسمون تقاسم
الأولاد، الأخبار الواردة في علة تفضيل الرجال، كما رواه الفقيه في
الصحيح، عن هشام: إن ابن أبي العوجاء قال لمحمد بن النعمان الأحول:
ما بال المرأة الضعيفة لها سهم واحد وللرجل القوي الموسر سهمان؟ قال:

(1) رسائل الشريف المرتضى 3: 257 - 265، الحلي في السرائر 3: 240، 257.
(2) في " ق ": الأولاد.
195

فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن المرأة ليس لها عاقلة، ولا عليها
نفقة، ولا جهاد " وعد أشياء غير هذا " وهذا على الرجل، فلذلك جعل له
سهمان ولها سهم " (1).
وحسنة مؤمن الطاق، قال: قال لي ابن أبي العوجاء: ما بال المرأة
المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين؟! قال: فذكر
بعض أصحابنا لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: " لأن المرأة ليس عليها جهاد،
ولا نفقة، ولا معقلة، وإنما ذلك على الرجال، فلذلك جعل للمرأة سهم
وللرجل سهمان " (2).
وما كتب الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب
مسائله: " علة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأن المرأة
إذا تزوجت أخذت والرجل يعطي " (3).
ورواية عبد الله بن سنان: قال، قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لأي علة صار
الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين؟ قال: " لما يجعل لها من الصداق " (4) إلى
غير ذلك من الأخبار المتكثرة (5).
وجوابه: أن عمومها لو سلم مخصص بما مر، وعلل الشرائع معرفات

(1) الفقيه 4: 253 / 816، الوسائل 26: 93 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 2 ح 1.
(2) الكافي 7: 85 / 3، التهذيب 9: 275 / 993، المحاسن: 329 / 89، الوسائل
26: 93 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 2 ح 1.
(3) الفقيه 4: 253 / 814، التهذيب 9: 398 / 1420، العلل: 570 / 1، العيون 2:
96، الوسائل 26: 95 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 2 ح 4.
(4) الفقيه 4: 253 / 815، التهذيب 9: 398 / 1421، الوسائل 26: 95 أبواب
ميراث الأبوين والأولاد ب 2 ح 5.
(5) كما في الوسائل 26: 93 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 2.
196

يجوز التخلف عنها لمانع، وأصالة عدم المانع مندفعة بما مر.
ثم إن السيد قد ذكر إلزامات على المذهب المختار، وزعم أنه
لا مخلص منها.
منها: لزوم كون نصيب البنت أزيد من نصيب الابن بل البنين، كما
في رجل خلف بنت ابن وأبناء بنت، وهو غير جائز، كما نطقت به حسنة
محمد وبكير، ورواية زرارة المتقدمتان (1).
ومنها: لزوم تساوي نصيب البنت نصيب الابن لو كان مكانها، فإن
كلا منهما يرث جميع التركة.
ومنها: لزوم توريث البنت والبنتين الجميع، مع أن لها النصف ولهما
الثلثان، بظاهر القرآن.
ومنها: لزوم عدم تقاسم أولاد البنت تقاسم الأولاد، إذ لا دليل عليه
سوى الآية، وهي لا تشمل أولاد الأولاد عندهم.
ولا يخفى أن هذه التشنيعات لازمة عليه في أولاد الإخوة والأخوات
والأعمام والعمات، فما يجيب به عنه نجيب به، على أنه لا تشنيع في
شئ منها:
أما الأول: فلأنه لا استبعاد في زيادة نصيب البنت على نصيب الابن
أو البنين، نعم لا يزيد نصيبها على نصيبه لو كان مكانها، كما في الأخبار،
أي فيما إذا لم تكن البنت وكان الابن مكانها متقربا على وجه تتقرب هي
به، وليس موضع الإلزام من هذا القبيل.
وأما الثاني: فلأنه لا دليل على بطلان تساوي نصيب الابن والبنت

(1) في ص 170 و 173.
197

لغير الصلب.
وأما الثالث: فلأن التسميتين إنما تثبتان بظاهر القرآن للبنت والبنتين
اللتين هما من الأولاد، وقد عرفت اختصاص صدق الولد على الولد
للصلب.
وأما الرابع: فقد سبق دفعه.
المسألة الثالثة: لا خلاف في أن أولاد الابن يقتسمون نصيبهم للذكر
مثل حظ الأنثيين.
وهو المشهور في أولاد البنت أيضا، وعليه الإجماع عن التنقيح
وظاهر الشرائع (1).
ونقل الشيخ عن بعض أصحابنا قولا بأنهم يقتسمون بالسوية (2)،
واختاره القاضي (3)، ونقل في التنقيح عن بعض الفضلاء أنه قال: لا يخلو
من قوة (4).
والحق هو الأول، لا لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم) * (5)
لعدم صدق الولد.
بل للإجماع، وأخبار علة تفضيل الرجال المتقدمة (6).
وقول الرضا (عليه السلام) في فقهه: " وجعل الأموال بعد الزوج والزوجة

(1) التنقيح 4: 164، الشرائع 4: 25.
(2) النهاية: 634.
(3) المهذب 2: 133.
(4) التنقيح 4: 163.
(5) النساء: 11.
(6) في ص: 194.
198

والأبوين للأقرب فالأقرب، للذكر مثل حظ الأنثيين " (1).
خرج ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.
احتج القاضي باقتسام المتقربين بالأنثى نصيبهم بالسوية (2)، كما يأتي.
قلنا: عمومه ممنوع، ودليله خاص، ولذا اعترف باقتسام أولاد
الأخت للأبوين والأب بالتفاوت، مع الاشتراك في التقرب بالأنثى.
واستدل (3) أيضا: بأن القول بأنهم يأخذون نصيب آبائهم يستلزم
بطلان اقتسامهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكن الأول حق، فالثاني باطل،
وبالإجماع المركب يثبت تمام المطلوب، أما الاستلزام، فلأن القول بكون
نصيبهم نصيب آبائهم فرع عدم صدق الولد حقيقة على ولد الولد،
فلا تشمله الآية، فلا تكون دليلا على وجوب الاقتسام للذكر مثل حظ
الأنثيين.
قلنا: أولا لا يلزم من عدم شمول الآية له بطلان الاقتسام المذكور،
لجواز الاستناد إلى دليل آخر، كما بينا.
وثانيا: أن كون القول بأخذه نصيب أبيه فرع عدم صدق الولد عليه
ممنوع، لجواز اجتماعه مع القول بالصدق وارتكاب التخصيص في الآية،
كما ذهب إليه جماعة (4).
وثالثا: أنه لو سلمنا عدم دليل آخر لا يلزم منه ثبوت القول الثاني،
لاستواء القولين حينئذ في عدم الدليل، إلا أن يتمسك بعدم إمكان الترجيح

(1) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 286، مستدرك الوسائل 17: 159 أبواب موجبات الإرث
ب 5 ح 2.
(2) حكاه عنه في المسالك 2: 325.
(3) كما في التنقيح 4: 163.
(4) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 2: 449.
199

بلا مرجح، وفيه هنا كلام.
المسألة الرابعة: ولد الولد كالولد في حجب النقصان، فيحجب
الأبوين والزوجين عن النصيب الأعلى، للإجماع (1)، وخصوص رواية
زرارة المتقدمة (2)، المنجبرة بالعمل، وبصفوان الذي أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه. ولأنه قد ثبت أنه يرث نصيب من يتقرب به، ولولا
هذا الحجب لنقص نصيبه منه، فالروايات المثبتة له دالة عليه أيضا.
المسألة الخامسة: لا يرث مع ولد الولد غير الأبوين والزوجين إذا
لم يكن ولد، بالإجماع في غير الجد، وفيه خلاف يأتي، لرواية زرارة
المتقدمة، ورواية الكناسي عن الباقر (عليه السلام)، وفيها: " وابن ابنك أولى بك من
أخيك " (3) ولما ثبت من أن له نصيب أبيه، فإنه لو حجبه غيره أو شاركه لما
كان له نصيبه.
المسألة السادسة: كل حكم ثابت لولد الولد فهو ثابت لولد ولد
الولد مع فقد أبيه وإن نزل ببطنين أو أكثر، للإجماع، وخصوص رواية
زرارة المتقدمة، ولكون كل ولد ولد قائما مقام أبيه في أحكام الإرث،
ومنها كون أبيه أيضا قائما مقام أبيه فهو أيضا قائم مقام أب أبيه، وهكذا.
المسألة السابعة: أولاد الأولاد المتنازلة مترتبة في الإرث، فكل بطن
أقرب منهم يمنع الأبعد، للإجماع، وقضية الأقربية.

(1) أي الإجماع المركب في حجب الأبوين، والبسيط في حجب الزوجين، بل
البسيط في الأول، فلا تضر مخالفة الصدوق من عدم حجب الأبوين في دعوى
الإجماع (منه (رحمه الله)).
(2) في ص 187.
(3) الكافي 7: 76 / 1، التهذيب 9: 268 / 974، الوسائل 26: 114 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 8 ح 2.
200

البحث الخامس
في الحبوة
وهي مثلثة، اسم في اللغة للإعطاء بلا جزاء ولا من، أو عام (1).
واصطلاحا قيل: هو إعطاء الابن الأكبر من ميراث أبيه أشياء
مخصوصة ابتداء. أو أعيان مخصوصة يعطاها الابن الأكبر من ميراث الأب
ابتداء (2). واحترز بالأخير عما لو أوصى له بها، أو وصلت إليه بالقسمة، فإن
الاختصاص حينئذ بواسطة الوصية والقسمة.
والأولى أن يقال: هي إعطاء من لا أكبر منه من الأبناء من حيث هو
كذلك أشياء مخصوصة من تركة أبيه بأمر الشارع (3)، أو أعيان مخصوصة
يعطاها من لا أكبر منه من الأبناء من حيث هو كذلك بأمر الشارع ابتداء.
ثم القول بثبوتها في الجملة مما اتفقت عليه الكلمة، وتفردت به
طائفتنا الحقة، إلا أنهم اختلفوا في بعض خصوصياتها الراجعة إما إلى
كيفيتها، أو كميتها، أو المحبو، أو المحبو منه.
ونحن نتكلم فيها في مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في أنها هل هي واجبة فليس لسائر الورثة
الامتناع منها، أو مستحبة فلهم ذلك؟

(1) القاموس 4: 316.
(2) انظر رسائل الشهيد الثاني: 220.
(3) في " ق ": زيادة: ابتداءا.
201

فالشيخان والقاضي والحلي وابن حمزة وابن سعيد والمحقق (1)،
والعلامة في غير المختلف (2)، والشهيدان والسوراوي (3)، وجماعة أخرى (4)
على الأول، وادعى الحلي عليه إجماع الأصحاب.
وذهب السيد والإسكافي إلى الثاني (5)، وهو المحكي عن الإصباح
والغنية والرسالة النصيرية في الفرائض، وظاهر الوافي، وهو صريح
المختلف والكفاية (6)، ونسب إلى الحلبي أيضا (7)، وكلامه ليس بصريح فيه
ككلام السيد في الانتصار، وظاهر المسالك والمفاتيح التوقف (8).
والحق هو الأول.
لنا: موثقة الفضلاء: " الرجل إذا ترك سيفا أو سلاحا فهو لابنه، فإن
كانوا اثنين فهو لأكبرهما " (9).

(1) حكاه عن المفيد في الإيضاح 4: 216 وانظر المقنعة: 684، الطوسي في
النهاية: 633، القاضي في المهذب 2: 132، الحلي في السرائر 3: 258، ابن
حمزة في الوسيلة: 387، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 509، المحقق في
الشرائع 4: 25.
(2) كالتحرير 2: 164.
(3) الشهيد الأول في الدروس 2: 362، الشهيد الثاني في الروضة 8: 107،
السوراوي - وهو الفاضل المقداد - في التنقيح 4: 168، راجع طبقات أعلام
الشيعة في القرن التاسع ص 138.
(4) كالفاضل الآبي في كشف الرموز 2: 451، وصاحب الرياض 2: 349.
(5) السيد في الإنتصار: 299، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 732.
(6) حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 2: 291، الغنية (الجوامع الفقهية): 607،
انظر الوافي 25: 725 - 729، المختلف: 733، الكفاية: 297.
(7) الكافي في الفقه: 371.
(8) المسالك 2: 325، المفاتيح 3: 329.
(9) التهذيب 9: 276 / 998، الإستبصار 4: 144 / 542، الوسائل 26: 98 أبواب
ميراث الأبوين والأولاد ب 3 ح 6.
202

وصحيحة ربعي: " إذا مات الرجل فسيفه وخاتمه ومصحفه وكتبه
ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده، فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من
الذكور " (1).
والأخرى: قال: " إذا مات الرجل فللأكبر من ولده سيفه ومصحفه
وخاتمه ودرعه " (2).
وموثقة العقرقوفي: عن الرجل يموت، ما له من متاع بيته؟ قال:
" السيف " وقال: " الميت إذا مات فإن لابنه السيف والرحل والثياب ثياب
جلده " (3).
وقريب منها صحيحته (4).
وصحيحة حريز: " إذا هلك الرجل وترك بنين فللأكبر السيف والدرع
والخاتم والمصحف، فإن حدث به حدث فللأكبر منهم " (5).
ومرسلة ابن أذينة الصحيحة عن ابن أبي عمير: " الرجل إذا ترك سيفا
وسلاحا فهو لابنه، وإن كان له بنون فهو لأكبرهم " (6).

(1) الكافي 7: 86 / 4، الفقيه 4: 251 / 805، التهذيب 9: 275 / 997، الإستبصار
4: 144 / 541، الوسائل 26: 97 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 3 ح 1.
(2) الكافي 7: 86 / 3، التهذيب 9: 275 / 996، الإستبصار 4: 144 / 540،
الوسائل 26: 97 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 3 ح 2.
(3) التهذيب 9: 276 / 999، الإستبصار 4: 145 / 544، الوسائل 26: 99 أبواب
ميراث الأبوين والأولاد ب 3 ح 7.
(4) الفقيه 4: 251 / 806، الوسائل 26: 98 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 3
ح 5.
(5) الكافي 7: 85 / 1، التهذيب 9: 275 / 994، الإستبصار 4: 144 / 538،
الوسائل 26: 98 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 3 ح 3.
(6) الكافي 7: 85 / 2، التهذيب 9: 275 / 995، الإستبصار 4: 144 / 539،
الوسائل 26: 98 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 3 ح 4.
203

فإن الظاهر الشائع المتبادر من كون المال لفلان لزوم اختصاصه به.
والتوضيح: أنه لا تصلح اللام فيها من معانيها إلا الملكية، أو
الاستحقاق، أو الاختصاص، أو القدر المشترك بينها، وهو الاختصاص
أيضا، وعلى التقادير يثبت المطلوب.
أما على الأولين، فلأن مقتضى الملكية والاستحقاق لشئ أن
لا يجوز لغيره مزاحمته فيه، ولأن مقتضى الاستحباب ليس إلا أولوية
الإعطاء وهي لا توجب الملكية والاستحقاق.
وأما على الأخيرين، فلأن معنى اختصاص مال بشخص اختصاص
ملكيته، أو جواز الانتفاع به، ولذا صرح بعضهم برجوع الاختصاص إلى
الملكية (1)، ولو كانت مستحبة لما اختص شئ منهما بأكبر الأبناء.
ولو قلنا بجواز توصيف المال بالاختصاص أيضا من غير احتياج إلى
تقدير - كما هو الظاهر والموافق للأصل - لأفاد الوجوب أيضا، لمنافاة
الاستحباب لاختصاصه، فإن مقتضى الاختصاص أن لا يشارك المختص
غيره في المختص به.
وأما إرادة اختصاص استحباب التخصيص فخلاف الأصل، لا يصار
إليه إلا مع الاقتضاء، واقتضاء الكلام له غير معلوم، ولو سلم فيقدر ما قام
عليه قرينة أو شاع تقديره واستبق الذهن إليه، وقرينة الظاهر تدل على إرادة
الملكية والاستحقاق، وهي الشائع والمتبادر، ولذا استدلوا لملكية السهام
للورثة بآيات الإرث وأخباره المشتملة على مجرد اللام، من غير استناد
واعتضاد بإجماع أو غيره، ولذا اكتفوا في الأقارير والوصايا والجعائل،

(1) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 325، وصاحب الرياض 2: 350.
204

بقولهم: لفلان كذا.
احتج المخالف: بالأصل.
وعموم آيات الإرث ورواياته وسائر أدلته، خرج أولوية الاختصاص
بالإجماع فيبقى الباقي.
وعدم دلالة الاختصاص المذكور في الروايات على أكثر من
الاستحباب.
والاختلاف في الأخبار.
والجواب: أن الأصل مندفع بما مر.
وعموم كثير من الآيات والروايات ممنوع، وما كان منها عاما لا دلالة
فيه على وجوب إعطاء الجميع أو سهم كل واحد للورثة بناءا على قول
المخالف، لمكان اللام، وهو لا يقول بدلالته على الوجوب. والحاصل: أن
آيات الإرث ورواياته بين ما لا عموم فيه وما لا دلالة فيها على وجوب
تقسيم جميع التركة، لاشتماله على اللام الغير المفيد لوجوب الاعطاء
عنده. وأما الإجماع فهو غير منعقد على الأمر العام، بل مخصوص بغير
الحبوة من التركة. ولو سلمنا عمومها ودلالتها على الوجوب لوجب
التخصيص، لوجود المخصص، على أن هذا إنما يرد لو قلنا بالإعطاء مجانا
وأما على القول باحتساب القيمة فلا منافاة بين وجوب الحبوة وعمومها،
ولا حاجة إلى تخصيص.
وعدم دلالة الروايات على الأكثر من الاستحباب مردود بما ذكرنا،
على أنها لو لم تدل على الأكثر لما دلت على الاستحباب أيضا، لعدم إفادة
اللام له أصلا، وتقديره تقدير بلا مقدر، بل تكون مجملة.
واختلاف الأخبار لا دلالة له على الاستحباب، مع أن الاختلاف الذي
205

قد يؤيد به الاستحباب هو الاختلاف في السلب والإيجاب دون المقدار.
فرعان:
أ: على القول بالاستحباب هل يكون الاستحباب ثابتا في نفسه، أو
يستحب على سائر الورثة فقط؟
ظاهر أدلتهم الأول، والتخصيص خلاف الأصل.
والحق هو الثاني، إذ الاستحباب حكم شرعي فلا بد له من أحد
يستحب له، ولا أحد سوى سائر الورثة، إذ الاستحباب لغيرهم ينافي ملكية
الورثة.
ب: على هذا القول لو امتنع باقي الورثة فهل يسقط الحباء أم لا؟
ظاهر كلماتهم يدل على الأول. وقيل: الدليل لا يساعده، لعدم دليل
على السقوط، فيجوز للحاكم إعطاء الحبوة، إلا أن يتمسك بالإجماع
المركب (1).
وبعد ما ذكرنا من أن الاستحباب مختص بالورثة، فالحكم ظاهر.
المسألة الثانية: المشهور أنها تؤخذ مجانا، والمحبو يشارك الباقي
في الباقي بقدر نصيبه، وذهب السيد في الانتصار والإسكافي إلى أنها تعطى
وتحسب عليه من ميراث أبيه (2)، واختاره في المختلف والكفاية وشرح
القواعد للهندي (3)، وظاهر المسالك الميل إليه (4)، ونفى عن البأس المحقق

(1) انظر رسائل الشهيد الثاني: 244.
(2) الإنتصار: 299، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 733.
(3) المختلف: 733، الكفاية: 297، كشف اللثام 2: 291.
(4) المسالك 2: 325.
206

الأردبيلي وإن جعل الأولى بعده أحد الأمرين إما الاستحباب أو الاحتساب،
بأن يجعل الأكبر مخيرا بين الأخذ بالقيمة والترك، كما أن ظاهر الروضة
والمفاتيح وصريح شرحه: التوقف (1).
والحق هو الثاني.
لنا: أن الثابت من النصوص ليس إلا مجرد اختصاص الحبوة بالابن
الأكبر، ولا شك أن الاختصاص والتملك كما يكونان بغير عوض ومجردين
عن احتساب القيمة كذلك يكونان مع العوض ومع احتسابهما، ويجتمعان
مع كل من الأمرين، ولا ينافيان شيئا منهما.
واحتساب القيمة ومراعاة العوض وإن كان أمرا مخالفا للأصل، ولولا
دليل على ثبوته وجب عدم القول به والمصير إلى خلافه، ولكن الدليل
عليه موجود، وهو قوله تعالى: * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما
ترك إن كان له ولد) * (2) وقوله تعالى: * (فلكم الربع مما تركن) * (3) وقوله
تعالى: * (فلهن الثمن مما تركتم) * (4).
حيث دلت بعموم الموصول على أن لهم السدس والربع والثمن من
جميع ما تركه الميت، وعدم الاحتساب يستلزم أن يكون لهم هذه من
بعضه.
والروايات المتقدمة المصرحة بأن الأبوين لا ينقصان من السدس
شيئا، والزوجين لا ينقصان من الربع والثمن كذلك (5). وبأن أربعة لا يدخل

(1) الروضة 8: 109، المفاتيح 3: 329.
(2) النساء: 11.
(3) النساء: 12.
(4) النساء: 12.
(5) في ص: 182 و 183.
207

عليهم ضرر في الميراث: الوالدان والزوجان (1)، وعدم الاحتساب يوجب
النقص والضرر.
وموثقة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) وفيها: " ولو ترك بنات وبنين
لم ينقص الأب من السدس شيئا " قلت له: فإن ترك بنات وبنين وأما، قال:
" للأم السدس، والباقي يقسم لهم للذكر مثل حظ الأنثيين " (2).
وغيرها مما يضاهيها، حيث دلت على أن غير السدس يقسم للذكر
مثل حظ الأنثيين، وعدم الاحتساب يوجب زيادة نصيب بعض الذكور عن
حظهما.
وبتقرير أحسن: لا ريب في أن الآيات والروايات المذكورة عامة،
فلا يخصص إلا بمخصص يقيني، ولا شئ ها هنا يصلح للتخصيص سوى
أخبار الحبوة، والتخصيص بها فرع دلالتها على عدم الاحتساب يقينا، وهي
لا تدل على أكثر من الاختصاص والتملك، وهما كما يكونان مع عدم
الاحتساب يكونان معه أيضا، ولا يلزمهما عدمه، فوجود المخصص غير
معلوم، فيجب إبقاء العام على عمومه.
وبتقرير ثالث: لا شك في أن المستفاد من نصوص الحبوة ليس
سوى الاختصاص، ولا شك أيضا في أن نفس الاختصاص لا دلالة لها على
عدم الاحتساب، لاجتماعها معه، نعم إطلاقها مع كون وجوب الاحتساب
مخالفا للأصل يصلح دليلا على نفيه، ولكن العمل بالأصل إنما هو عند
عدم الدليل على خلافه، والعمومات دليل عليه.

(1) الوسائل 26: 76 أبواب موجبات الإرث ب 7.
(2) التهذيب 9: 274 / 990، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 17 ح 7.
208

فإن قيل: الثابت من العمومات استحقاق الأبوين ومن شابههما
نصيبهم، كالسدس مثلا من جميع التركة مشاعا، ومنها الحبوة، فإذا علم
بدليل اختصاصها بواحد من الورثة يعلم عدم استحقاقهم السدس منها،
فيبقى سدس غيرها، ولا دلالة على وجوب أخذ سدس الحبوة من غيرها.
قلنا: لا دلالة في قوله تعالى: * (ولأبويه لكل واحد منهما
السدس) * وغيره من العمومات على الإشاعة، بل يدل على اشتراكهم في
التركة بالسدس مثلا، والاشتراك أعم من الإشاعة وغيرها، وإنما يحكم
بالإشاعة لدليل من خارج، وهو عدم المرجح. ألا ترى أن قول القائل:
نصف هذه الدار لزيد، يحتمل الإشاعة وعدمها، ولذا يصح الاستفسار بأن
هل له النصف مشاعا أو مفروزا. ثم أخبار الحبوة دلت على ترجيح غير
الحبوة، في وجوب أخذ نصيبهم منه فيأخذون منه، على أن العمومات لو
دلت على الإشاعة تكون أخبار الحبوة كالمقسم لبعض التركة.
احتج المشهور بعد الإجماع الذي ادعاه الحلي (1):
بأن الثابت من النصوص اختصاص الحبوة به، واحتسابها من سهمه
أمر خارج عن حقيقة الاختصاص، ولا دلالة له عليه مطلقا، فالأصل عدم
وجوبه.
وأن إطلاقها يدل على استحقاقه لها من غير شرط، فلو كان مشروطا
بالاحتساب لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب والحاجة.
وأن قوله " سيفي لفلان " يوجب ملكه بغير عوض، فكذا هنا،
للاشتراك في المانع والمقتضي. وأن الوارث يخص بسهمه من غير عوض

(1) السرائر 3: 258.
209

بآيات الإرث ورواياته، المشتركة مع هذه النصوص في وجه الدلالة.
قلنا: أما الإجماع المنقول فلا حجية فيه، سيما مع مخالفة جمع كثير.
وأما الأصل فمندفع بالعمومات المذكورة الخالية عن المعارض
القطعي.
وأما تأخير البيان، فإنما يلزم لولا هذه العمومات مقدمة عليها، ومعها
فلا تأخير، مع أن ورود أخبار الحبوة في وقت الحاجة لا دليل عليه.
وأما تملك السيف بغير عوض، فلعدم المقتضي للعوض، وهنا
موجود، فالاشتراك المدعى ممنوع، وكذا في تملك كل وارث سهمه.
وقد يستدل لكل من القولين بوجوه ضعيفة جدا.
فروع:
أ: هل المعتبر القيمة عند الموت أو الإعطاء أو الاحتساب (1)؟
الأظهر هو الأول، لانتقال الحبوة إليه عنده، لتعليق اختصاصها به
على الموت وقد تحقق، والأصل عدم اشتراط أمر آخر، ولأنه وقت انتقال
التركة إلى الوارث فينتقل المختص بالبعض إليه، لعدم انتقاله إلى غيره قطعا
ولو بالاشتراك، والمعتبر هو القيمة وقت الانتقال، إذ لا معنى لاعتبارها
قبله، وهو ظاهر، ولا بعده، لأنه حينئذ ملك للمحبو ولا يحتسب قيمة
ملك أحد عليه، ولأنه لا ينتفع أحد بزيادة قيمة ملك غيره ولا يخسر
بنقصانها.
وبتقرير آخر: لو اعتبرت القيمة عند الإعطاء أو الاحتساب لكانت

(1) أي إذا تغاير وقت الاحتساب والإعطاء ولم يحتسب عند الإعطاء (منه (رحمه الله)).
210

الحبوة قبلهما إما ملكا للمحبو، أو الورثة، أو غيرهما، أو باقية في حكم
مال الميت، والثلاثة الأخيرة باطلة، أما الأول: فلاستلزامه عدم اختصاص
المحبو بها، وأما الثاني: فبالإجماع، وأما الثالث: فلاستلزامه اشتراط
الانتقال بشرط آخر، والأصل عدمه فتعين الأول، فيلزم أن يكون العين
ملكا لأحد ومختصة به دون قيمتها.
فإن قيل: جاز أن يكون تملكه تملكا متزلزلا.
قلنا: الملك المتزلزل أيضا يعتبر قيمته عند حصوله.
فإن قيل: إذا نقصت القيمة عند الإعطاء أو الاحتساب، فالأصل براءة
الذمة عن الزائد، فأين المخرج.
قلنا: المخرج ما ذكرنا، على أنها لو زادت عندهما لكان الأصل براءة
الذمة عن الزائد أيضا.
قيل: ذلك معارضة وقيمة المعوض إنما تعتبر عند دفع العوض.
قلنا: ممنوع، بل المعتبر حين الانتقال وإن لم يدفع العوض.
قيل: الانتقال مشروط بالاحتساب على هذا القول، فلا يتحقق
المشروط قبل الشرط.
قلنا: الاشتراط ممنوع، بل الاحتساب أمر لازم في الواقع، كما أن
دفع الثمن ليس شرطا لانتقال المبيع.
ب: لو تلفت الحبوة كلا أو بعضا قبل القبض، فإن كان من تفريط أو
امتناع تسليم من غير المحبو فيغرم، وإلا فالتالف من مال المحبو، ويحسب
عليه، ووجهه على ما اخترناه ظاهر.
ج: لو نقص نصيبه عنها فيعطى بقدره منها على القولين، ومع الزائد
على المشهور، وأما على ما اخترناه ففي إعطاء الزائد مجانا، أو مع أخذ
211

قيمته منه، أو دفعه إلى باقي الورثة، أوجه، أوجهها أخيرها، لأنه إذا ترك
أبوين وابنا مثلا فعمومات الإرث تقتضي أن ثلثه لهما، وبعض منه هو القدر
الزائد من الحبوة، ونصوص الحبوة تقتضي أن مجموع الحبوة له وبعض
منها من الثلث، ولا يمكن العمل بهما إلا بإعطاء المجموع له وأخذ قيمة
الزائد منه، وهو أمر مخالف للأصل لا دليل عليه أصلا، فيجب إما
تخصيص العمومات بغير هذا الموضع، أو تخصيص أخبار الحبوة بغير
القدر الزائد عن النصيب، ولكن الأول يتوقف على تيقن شمول نصوص
الحبوة للقدر الزائد، وهو غير معلوم (1)، فتعين الثاني.
د: لا يعتبر رضا المحبو ولا غيره من الورثة في الحباء والاحتساب،
للأصل، وإطلاق النصوص.
ه‍: لو كان المحبو غير مكلف أو غائبا يحبى ويحتسب، ولا ينتظر
التكليف أو الحضور، والوجه ظاهر. والمتولي لجميع ذلك الولي، ثم
عدول المؤمنين، ثم الورثة.
المسألة الثالثة: ذهب الأكثر إلى أن ما يحبى به أربعة: السيف،
والمصحف، والخاتم، وثياب بدنه، لا غير (2). وزاد الإسكافي السلاح (3)،
والصدوق الكتب والرحل والراحلة (4). ولم يذكر في الانتصار الثياب، وكذا

(1) وذلك لأن اختصاص الحبوة يحتمل أن يكون اختصاصا معوضا بنصيب الإرث
وأن يكون غير معوض، والمعوض منه يتوقف على وفاء نصيب الإرث، فمع عدم
وفائه فإما ينتفى الاختصاص أو وجوب الاحتساب، فشئ منها ليس يقينا فلا
يصلح للتخصيص. (منه (رحمه الله)).
(2) انظر الروضة 8: 107، والمفاتيح 3: 329، والرياض 2: 349.
(3) حكاه عنه في المختلف: 732.
(4) الفقيه 4: 251 / 805.
212

في الغنية (1) والإصباح والرسالة النصيرية وأعلام المفيد. وعن الكافي
تخصيص الثياب بثياب مصلاه (2). وعن الخلاف عدم ذكر الخاتم (3).
أقول: وجوب الحباء بالأربعة مما لا إشكال فيه، لتصريح الأخبار
المتقدمة جميعا بالكل وإن لم يذكر بعضها في البعض، ولا يضر عدم ذكر
بعضها في البعض، لأن البعض الخالي عن بعض آخر لا ينفي ذلك الآخر
إلا بمفهوم اللقب الذي ليس بحجة أصلا، ولا يجب اشتمال كل حديث
على كل حكم، كما لا يضر تضمن كل من الأخبار ما لا يقول به أحد، لأن
خروج جزء من الحديث عن الحجية لا يوهن في حجية الباقي، مع أنه
ليس في الكل (4) بل ولا في الأكثر ما لا يقول به أحد. نعم يتضمن ما
لا يقول به الأكثر، بل قد يقال: بعدم معلومية ذلك أيضا كما يظهر وجهه
مما يأتي.
وإنما الإشكال فيما هو المشهور من الاقتصار عليها مع عدم الاقتصار
عليها في رواية بخصوصها - ليمكن أن يوجه بانحصار المعلوم صحتها
عندهم فيها، أو بغير ذلك - بل الروايات بين مقتصرة على بعضها ومشتملة
على غيرها، فيجب إما الاقتصار على الأولى إن لم يعلم صحة الأخيرة، أو
عدم الاقتصار على الأربعة إن علمت، بل المقتصرة على البعض يشمل
الغير أيضا.
وقد يعلل بأنها معلومة الإرادة، وأما غيرها فمشكوك فيه،

(1) الإنتصار: 299، الغنية (الجوامع الفقهية): 607.
(2) الكافي: 371.
(3) الخلاف 4: 115.
(4) بل ليست رواية من الروايات مقتصرة على بعضها فقط أيضا، وما اقتصر فيها على
بعض الأربعة زيد فيها بعض من غيرها أيضا كما لا يخفى. (منه (رحمه الله)).
213

والاختصاص خلاف الأصل، فاقتصر فيه على موضع اليقين (1).
أما كون السلاح مشكوكا فيه، فلاحتمال أن يكون ذكره تأكيدا
وتفسيرا للسيف، فإنه أحد معانيه كما في القاموس (2)، على أنه لم يذكر إلا
في المرسلة، وموثقة الفضلاء (3)، والأولى لإرسالها لا تصلح للحجية،
والثانية عطفته بلفظة " أو " المفيدة للترديد، فيمكن أن يكون الترديد من
الراوي.
وأما الرحل، فلاشتراكه بين المسكن، وما يستصحبه الإنسان من
الأثاث، ورحل البعير، ولا قرينة على التعيين، فيجب التوقف. ويمكن أن
يكون المراد به الثاني، وبه الكسوة (4)، ويكون عطفهما للتأكيد.
وأما الراحلة، فلعدم ذكرها في بعض نسخ الفقيه، مع ما في معناها
من الإجمال.
وأما الكتب، فلاحتمال كونها تأكيدا للمصحف، أو كان المراد الكتب
السماوية، وتكون الحبوة كالإرث غير مختصة بالملة الحنيفة.
وأما الدرع، فلاحتمال أن يراد به القميص أو الثوب، لإطلاقه عليهما
وإن كان في الرحل مجازا، والقرينة عدم ذكر الثوب المجمع عليه فيما
اشتمل عليه، بل قيل: إنه مشترك بين ما ذكر وبين درع الحديد لغة (5)،
وورد بمعنى القميص في الأخبار كثيرا.
ولا يخفى ضعف هذا التعليل وبعده، ولو جاز فتح باب هذه

(1) انظر رسائل الشهيد الثاني: 223.
(2) القاموس 1: 237.
(3) المتقدمتين في ص 200 و 201.
(4) أي: والمراد بالثاني الكسوة.
(5) انظر الرياض 2: 350.
214

الاحتمالات لبطلت الاستدلالات رأسا، على أن بعضها مما لا يحتمله
الكلام، كما لا يخفى على المتأمل.
والأولى أن يقال: لعل مستندهم الإجماع.
وما في المسالك - من أنه لا بد للإجماع من مستند والمستند هنا غير
ظاهر (1) - غير صحيح، فإن اللازم الثابت هو وجود المستند لا ظهوره لنا،
لم لا يجوز أن يكون هنا مستند خفي علينا؟ وعدم الوجدان لا يدل على
عدم الوجود.
والقدح في الإجماع - بأنه لو ثبت هنا لكان سكوتيا ولا حجية فيه -
غير جيد، لأن كونه سكوتيا لنا لا يوجب كونه سكوتيا لهم أيضا.
ويمكن أن يكون المستند لهم دليل آخر لا نعلمه. وأما نحن فيكفينا
مستندا للاقتصار اقتصار الأصحاب، وشذوذ القول بالتعدي عن الأربعة،
الموجب لخروج المتضمن للزائد عن الحجية في الزائد.
فروع:
أ: لو تعددت هذه الأجناس فهل يحبى بالجميع أو لا؟
كلام أكثر القدماء خال عن التعيين.
وقال الشهيد: ما كان منها بلفظ الجمع تدخل أجمع، وما كان بلفظ
الوحدة يتناول واحدا (2). وتبعه جمع من تأخر عنه (3).
وحكم في القواعد بعموم الثياب واستشكل في البواقي (4).

(1) المسالك 2: 326.
(2) المسالك 2: 326، والروضة 8: 112.
(3) كالسبزواري في الكفاية: 297، والفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 292.
(4) القواعد 2: 171.
215

ومال في الكفاية إلى عموم الجميع (1). وهو الأقرب.
أما عموم الثياب، فلأن الجمع المعرف يفيده، بل المفرد المضاف
عند عدم القرينة على التخصيص.
وأما عموم البواقي، فلظهوره من قوله: " إذا ترك سيفا " (2)، ولأنه
يصدق على كل سيف من سيوفه أنه سيف أبيه، وكذا البواقي. ولأن المفرد
المعرف يفيد العموم شرعا عند عدم العهد وإن لم يفده لغة، كما بينا في
موضعه، وكذا المفرد المضاف. نعم من لا يقول بإفادته له شرعا فله المنع.
احتج الشهيد، بأن الحبوة على خلاف الأصل فيقتصر فيها على
موضع اليقين، وإفادة الجمع للعموم يقينية دون غيره (3). وجوابه ظاهر.
ب: العموم الذي ثبت في هذه الأجناس، هل هو ثابت في نوع
خاص منها - فيحبى بجميع أفراد هذا النوع - أو في جميع أنواعها؟
الحق المشهور هو الأول، فالثياب التي تحبى بأجمعها هو ثياب
بدنه، وهي التي لبسها أو أعدها للبسه وإن لم يلبسها، فتخرج الثياب
المعدة للتجارة أو إلباس الغير أو الإدخار ونحوها.
للإجماع. ولأنها المتبادر من لفظ كسوته، ومن ثياب جلده،
ويؤكدها التخصيص بثياب الجلد بعد التعميم (4). ولأن المراد بثياب جلده
إما الملاصقة له، أو المحيطة به ولو بالواسطة، أو الملبوسة ولو في وقت
ما، أو المعدة له، أو الصالحة له. والمعنى الحقيقي هو الأول، ولكنه غير

(1) الكفاية: 297.
(2) راجع ص 200 و 201.
(3) رسائل الشهيد الثاني: 223.
(4) انظر: موثقة العقرقوفي المتقدمة في ص 201.
216

مراد بخصوصه بالإجماع، فيحمل إما على الأقرب، أو ما دلت عليه
القرينة، والإجماع قرينة على إرادة المحيطة والملبوسة والمعدة، فلا يحمل
على غيرها، بل هي أقرب بالنسبة إلى غيرها أيضا. وكذا إضافة الكسوة إلى
الميت ونسبتها إليه إما نسبة ملكية، أو اكتسائية، وكل محتمل، ولكن الثانية
مرادة بالإجماع، فتنفى الأولى بالأصل.
والحلبي خص الثياب بثياب الصلاة (1)، ومستنده غير ظاهر. والحلي
بما يلبسه ويديمه (2)، وكأن نظره إلى الإضافة، وهي لا تفيده.
وكذا السيوف والمصاحف والخواتيم التي تحبى بأجمعها هي التي
أعدها للاستعمال، ولخاصة نفسه، دون ما أعده للتجارة ونحوها، لشهادة
ظاهر لفظ سيفه ومصحفه وخاتمه بذلك.
نعم يشكل الأمر فيها من حيث ورودها في بعض النصوص بالتعريف
دون الإضافة، إلا أن يتمسك في تخصيصها بالإجماع، ولكن إثباته لا يخلو
عن إشكال.
ج: لما كان الوارد في النصوص لفظ: " الكسوة والثياب " فاللازم في
تعيينها ملاحظة صدق الاسم عرفا، فيدخل فيها القميص والزبون (3) والقباء
والسراويل ونحوها بلا خفاء (4)، وكذا الممطر (5) والعباء والرداء والفراء
والثوب من اللبد، لصدق الكسوة لغة، بل عرفا.

(1) الكافي في الفقه: 371.
(2) السرائر 3: 258.
(3) الزبون: الذي يقطع على قدر الجسد ويلبس. تاج العروس 9: 224.
(4) في " س ": بلا خلاف.
(5) الممطر: ما يلبس في المطر يتوقى به. الصحاح 2: 818.
217

وأخرج في المسالك القلنسوة (1)، والدخول أظهر - وعدم الاكتفاء بها
في الكفارات لدليل آخر - ومثلها الجورب.
واختلفوا في العمامة، والظاهر الدخول، لما مر.
والنعل والخف خارجان، للشك في صدق الاسم. وكذا ما يشد به
الوسط من المنطقة والحزام، إلا أن يكون من شالات العجم، فإن دخولها
أقرب.
وفي الشبه بالبسط الذي يلبسه العجم بالتلفف لدفع البرد والمطر
تردد، والخروج أظهر، والوجه في الجميع يظهر مما مر.
ولا يدخل لباس الحرب، كالدرع والمغفر، لعدم الصدق.
د: لو كان الثوب مما يحتاج إلى القص والخياطة ولم يتحقق شئ
منهما فلا يدخل، لعدم صدق الاسم لغة وعرفا. ولو قصه ولم يخطه ففي
الدخول نظر، ولعل الخروج أقرب، للشك في الصدق، ولو سلم الإطلاق
فهو أعم من الحقيقة والمجاز.
ه‍: في دخول غمد السيف وبيت المصحف وحمائلهما وحليتهما
وجهان، من إطلاق الاسم على الجميع عرفا، وصحة سلبه عنها حقيقة.
والحق أن ما لا ينفكان عنه غالبا كالجلد في المصحف والقراب
والقبضة والحمائل في السيف داخل، لشهادة العرف بذلك.
والاستدلال عليه بصدق الاسم عرفا محل نظر، لصدقه عليها مجردة
أيضا، فيكون إما مشتركا، أو مجازا راجحا في المجموع، وعلى التقديرين
لا يتم الاستدلال. ولا فرق في الدخول بين رخيصه وغاليه، وإن أمكن

(1) المسالك 2: 326.
218

الأرخص منه.
وأما غير ذلك فخارج، لعدم الصدق، وفقد الدليل.
و: الخاتم يطلق على ما يوضع على الحجج، وعلى حلي للإصبع،
معروف، وبين المعنيين عموم من وجه، فما كان من الخواتيم جامعا
للوصفين فلا إشكال في دخوله، وكذا ما اختص بالأخير، للإطلاق حقيقة
وعرفا. وأما ما اختص بالأول ولا يمكن لبسه - كأكثر ما يختم به العجم -
ففي دخوله إشكال، لعدم كونه متعارفا عند العرب، خصوصا في الصدر
الأول، فيشك في صدق الاسم عليه في عرف هذا الزمان، ولذا صرح
الشيخان وابن حمزة باشتراط لبسه (1)، فتأمل.
ز: فص الخاتم داخل فيه وإن كان غاليا، لشهادة العرف بذلك، بل
لعدم الصدق على الخالي منه.
ولا فرق فيه بين ما كان فصه منقوشا أم لا، ولا بين المأخوذ من
الفضة أو الحديد أو غيرهما، إلا الذهب، وفيه كلام يأتي، ولا بين ما يلبس
في الخنصر وغيرها، في اليمين أو اليسار، للصدق.
وفي دخول ما يلبس في الرجل أو الإبهام لأجل الرمي، أو لأجل
الزينة، ويقال له بالفارسية: زهگير، وجهان، أوجههما العدم، للشك في
صدق الاسم.
ح: لو كان بعض هذه الأجناس مما يحرم استعماله على الرجل،
كالثوب من الحرير، والخاتم من الذهب، فظاهر بعضهم الدخول، لصدق
الاسم عرفا، وعدم الملازمة بين الحرمة والحرمان (2). ويمكن الإخراج، بأن

(1) المفيد في المقنعة: 684، الطوسي في النهاية: 633، ابن حمزة في الوسيلة: 387.
(2) انظر رسائل الشهيد الثاني: 228.
219

الاسم وإن كان صادقا، إلا أن القرينة المخصصة موجودة، وهو عدم كون
مثله الثوب المضاف إليه، والخاتم المضاف إليه، وعدم معهوديته عند
الشارع، ولا يخلو عن قوة.
ط: لو كان المحبو منه ممن لا ينتفع بمصحفه كالأمي، أو بسيفه
وخاتمه كمقطوع اليدين، ففي إحباء تلك الأعيان وعدمه احتمالان،
أظهرهما الأول، لعموم الأدلة، وصدق التسمية. والأظهر منه ما لو كان
سبب عدم الانتفاع طارئا بعد إمكانه. وكذا الكلام فيما لو كان المحبو ممن
لا ينتفع، واحتمال المنع هنا أضعف.
ي: لو خلق الثوب بحيث انتفى الصدق خرج، للخروج عن الاسم.
كما لو أحدث فيه تغييرا أخرجه عنه. وكذا لو كسر السيف والخاتم، أو
تغيرا على وجه خرجا عن إطلاق الاسم. ولا فرق في التغيير بين كونه
للإصلاح فاتفق موته قبله أو لا، لزوال الاسم، وتغير الموضوع حال
الاستحقاق، وعدم مدخلية النية.
يا: لو انفصل جزء من هذه الأعيان قبل الموت، كالفص من الخاتم،
والجلد من المصحف، والقبضة من السيف، وغيرها، مما لا يخرج انفصاله
الباقي عن صدق الاسم وكان داخلا قبل الانفصال، فهل يدخل بعده أيضا
أم لا؟
فيها وجهان، من تنزيل المنفصل منزلة المتصل للاستصحاب، ومن
خروج المنفصل عن الاسم. والأقرب الثاني، لما ذكر. والاستصحاب إنما
يكون عند عدم تغير الموضوع ولو لأجل عروض وصف، وقد تغير هنا.
يب: لو نقص عن واحد من هذه الأعيان بعضه، فحكم بعضهم
220

بدخول الباقي وإن كثر الناقص (1)، كما لو كان نصف سيف أو سورة من
المصحف، محتجا باستلزام استحقاق الكل استحقاق بعضه، ولقوله (عليه السلام):
" لا يسقط الميسور " (2) " وما لا يدرك كله " (3) و " إذا أمرتكم بشئ " (4).
وفي الكل نظر، أما الأول: فلأن المسلم هو استلزام استحقاق الكل
استحقاق البعض إذا كان في ضمن الكل، وأما مطلقا فغير مسلم.
وأما في الثاني: فلأن المراد منه عدم سقوط الميسور من المأمور به،
وكون البعض مطلقا منه عين النزاع. ومنه يظهر ما في البواقي.
والتحقيق: أن الناقص إن كان مما يوجب نقصه زوال الصدق كنصف
سيف أو أكثر المصحف يوجب الخروج، وإلا فلا. وشيوع إطلاق
المصحف على البعض ولو كان قليلا ممنوع، ولو سلم فإنما هو في عرف
خاص لا يلزم اتباعه.
يج: لا فرق في هذه الأعيان بين ما يليق منها بحاله عادة وبين
ما لا يليق، للعموم.
يد: لو شك في الثوب بأنه معد للبس أو لغيره، أو في الخاتم
والسيف والمصحف بكونها معدة لنفسه أو للتجارة ومثلها، على القول
بالتخصيص فلا يحبى به، لكونه أمرا مخالفا للأصل، فيقتصر فيه على
موضع اليقين، وهو ما كان معدا للبس أو لنفسه يقينا، وهذه ليست
منه.

(1) انظر رسائل الشهيد الثاني: 227.
(2) عوالي اللآلي 4: 58 / 205.
(3) عوالي اللآلي 4: 58 / 207.
(4) عوالي اللآلي 4: 58 / 206.
221

المسألة الرابعة: المحبو هو الولد الذكر، فلا حبوة للأنثى مطلقا (1)
بالإجماع، للأصل، وللتقييد به في أكثر النصوص، فإطلاق الولد في بعضها
محمول عليه، لوجوب حمل المطلق على المقيد، وتشهد له إحدى
صحيحتي ربعي (2).
ثم الذكور إن تعددوا، فلأكبرهم وإن كانت هناك أنثى أكبر منه، أما مع
فقد الأكبر من الأنثى فللإجماع، وصريح الأخبار (3)، وإطلاق الابن في
بعضها مقيدة وأما مع وجودها، فلخصوص صحيحة ربعي (4)، وإطلاق
الباقي، والظاهر أنه أيضا مجمع عليه، وقد ينسب الخلاف فيه إلى
الإسكافي فيحكم بسقوط الحبوة معه (5)، ولم يثبت.
وإن اتحد فله، بالإجماع، وصريح موثقة الفضلاء، ومرسلة ابن أذينة
حيث حكم فيهما بالتفصيل القاطع للشركة، وإطلاق موثقة العقرقوفي (6).
والاستشكال مع الاتحاد، لأن أفعل التفضيل يقتضي مشاركا في أصل
الفعل، وإطلاق الابن في بعض الأخبار لا يفيد، لوجوب حمله على الأكبر
مع التعدد حملا للمطلق على المقيد، كما في المسالك (7).
ضعيف، لأنه إنما يصح لو انحصرت الأخبار بما فيه التفضيل أو
الإطلاق، على أن اعتبار وجود المفضل عليه في أفعل التفضيل أكثري

(1) أي سواء كانت منفردة أم لا، وسواء كانت من الأكبر أم لا. (منه (رحمه الله)).
(2) راجع ص 201.
(3) الوسائل 26: 97 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 3.
(4) المتقدمة في ص 201.
(5) حكاه عنه الشهيد الثاني في رسائله: 234.
(6) قد تقدمت الروايات في ص 200 و 201.
(7) المسالك 2: 326.
222

لا كلي.
ولو تعدد الأكبر بأن كان هناك ذكور متساوية سنا، فيشتركون فيها
على المشهور، وأسقطها ابن حمزة هناك (1)، وحكي عن النهاية والمهذب
أيضا (2)، ونفى بعض مشايخنا المعاصرين عنه البعد (3).
واستدل للمشهور: بالأصل، وبأن الأكبر اسم جنس يقع على القليل
والكثير.
ويرد على الأول: أن الأصل الثابت هو ثبوت الحبوة للابن الواحد أو
المتعدد مع وجود الأكبر لا مطلقا.
فإن قيل: قد صرحت موثقة العقرقوفي بثبوتها للابن الشامل للمتنازع
فيه أيضا.
قلنا: الابن فيها وإن كان مطلقا إلا أنه يقيد بالواحد أو الأكبر مع
التعدد، لوجوب حمل المطلق على المقيد، إلا أن يقال: بأن وجوب الحمل
إنما هو فيما إذا وجد المقيد لا مطلقا.
وعلى الثاني: أن الأكبر وإن صدق على المتعدد لغة، إلا أنه ظاهر في
الواحد عرفا، وأيضا فرض وجود بنين متساوين في السن نادر جدا،
والمطلق ينصرف إلى الفرد الشائع، وأيضا لو تم ذلك، فإنما يصح فيما لو
كان هناك ولد أصغر منهم أيضا. وأما مع الانحصار في المتساويين مثلا
فلا يصدق الأكبر عليهما.
واحتج لابن حمزة: بأنه يجب الوقوف فيما خالف الأصل على

(1) الوسيلة: 387.
(2) النهاية: 633، المهذب 2: 132.
(3) انظر: الرياض 2: 350.
223

موضع اليقين، وبظهور الأكبر المصرح به في الأخبار في الواحد، وبأنه مع
التعدد لا يصدق استحقاق كل واحد ما حكم باستحقاق واحد منه كالسيف
والخاتم، لأن بعض الواحد ليس هو (1).
ولا يخفى أنه لا يبعد ترجيح هذا القول، سيما مع ما أشير إليه من
ندرة هذا الفرض، بحيث يشك في اندراجه تحت الإطلاقات، هذا.
ثم إنه على المشهور تقسم الحبوة بينهم كما صرح به الشيخ (2)
وغيره (3)، والوجه ظاهر. وقد يجوز احتمال القرعة هاهنا، وهو ضعيف.
فروع:
أ: الأكبر في التوأمين أولهما خروجا، ولو كان التفاوت يسيرا لا يعتد
به عرفا، والوجه ظاهر.
وأما ما رواه في الكافي - في باب العقيقة -: " أصاب رجل غلامين
في بطن فهنأه أبو عبد الله (عليه السلام) قال: " أيهما أكبر؟ " قال: الذي خرج أولا،
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): " الذي خرج آخرا هو أكبر، أما تعلم أنها حملت
بذلك أولا وإن هذا دخل على ذلك فلم يمكنه أن يخرج حتى خرج،
فالذي يخرج آخرا هو أكبرهما " (4).
فهو ضعيف، للشذوذ، على أنه يمكن حمله على أن المراد بيان كبره
في نفس الأمر وإن لم تتعلق به الأحكام الشرعية المبتنية على الدلالات

(1) انظر رسائل الشهيد الثاني: 238.
(2) المبسوط 4: 126.
(3) كابن سعيد في الجامع للشرائع: 509، والشهيد الثاني في المسالك 2: 326.
(4) الكافي 6: 53 / 8، الوسائل 21: 497 أبواب أحكام الأولاد ب 99 ح 1.
224

اللفظية، ومع ذلك يعارضه ما رواه في الفقيه عن الصادق (عليه السلام): إنه قال:
" أكبر ما يكون الإنسان يوم يولد، وأصغر ما يكون يوم يموت " (1).
ب: لو اشتبه الأكبر، ففي إخراج مستحقها بالقرعة، أو تشريك كل
من اشتبه الأمر فيه، أو سقوطها أوجه، أوجهها الأول، لأن القرعة لكل أمر
مشكل.
ج: الحق اعتبار كون الولد للصلب، كما قطع به في الإرشاد (2)،
لتعليق الحكم على الابن والولد، وشئ منهما لا يصدق على ولد الولد كما
مر (3)، ولوجوب الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع اليقين.
د: هل يشترط انفصال الولد عند موت أبيه، أو يحبى ولو كان
حملا؟
فيه وجهان، حكم بعض معاصرينا في شرحه على المفاتيح بالأول،
واستجود ثاني الشهيدين في الرسالة الثاني مطلقا (4)، واستوجهه فيما لو كان
عند موت أبيه متصفا بالذكورية، وظاهر المسالك التوقف (5).
للأول: عدم الحكم على الحمل حين موت أبيه بكونه ذكرا، والحكم
بالحبوة معلق عليه.
وأن إفرازها له إن كان في ذلك الوقت كان حكما غير مطابق للواقع،
لأنه ليس بمعلوم الذكورية، وإن كان حين التولد، فإن حكم بها قبله
للورثة، لزم الاستصحاب إلى أن يثبت الناقل، وإن لم يحكم بها لهم، لزم

(1) الفقيه 1: 124 / 595.
(2) الإرشاد 2: 120.
(3) في ص 190 و 191.
(4) رسائل الشهيد الثاني: 236.
(5) المسالك 2: 326.
225

بقاء المال بغير مالك.
وأن استحقاقها مخالف للأصل، فيجب الاقتصار فيه على موضع
اليقين.
ويرد على الأول: أن الحكم بالحبوة ليس معلقا على ما حكم
بذكوريته بالفعل، بل معلق على ما حكم له بها في نفس الأمر ولو بعد
ظهور الكاشف، ولذا يحبى من لم يعلم ذكوريته أولا ثم علمت بالفحص
والاستعلام.
وعلى الثاني: النقض بسهم الحمل قبل انفصاله، فإنه يعزل له نصيب
ذكرين، مع أنه ليس بمعلوم الذكورية أيضا.
وعلى الثالث: أنه إنما يتم لولا دلالة على خلاف الأصل، والمخالف
يدعيها.
وللثاني: كون الحبوة إرثا، فإن انتقالها ليس إلا بالإرث، سيما على
القول بالاحتساب، وقد ثبت أن الحمل يرث.
واستحقاقه نصيبه من غير الحبوة.
وصدق كونه ذكرا في نفس الأمر وإن لم يظهر بعد، ومن ثم أجمعوا
على استحقاقه بحسب ما يظهر من ذكوريته وأنوثيته.
ويرد على الأول: أن اللازم من أخبار توريث الحمل هو ثبوت
التوريث المطلق له لا جميع أنواعه التي منها الإحباء.
ويمكن أن يقال: إن الثابت مطلق التوريث وهو يشمل الحبوة.
وعلى الثاني: أنه قياس لا نقول به، مع أن الفارق موجود، وهو أن
استحقاقه لغيرها ليس من حيث كونه ذكرا، بل من حيث كونه ولدا، وهو
معلوم في جميع الأحوال.
226

وعلى الثالث: أن الأحكام منوطة بالظاهر دون الواقع ونفس الأمر.
ويمكن دفع ذلك: بأن الأحكام وإن كانت منوطة بالظاهر، ولكن
لا بما كان ظاهرا بالفعل، بل بالظاهر ولو بعد تحقق الكاشف، فتحقق
الذكورية في نفس الأمر ولو كان مشتبها علينا بالفعل يكفي في إثبات
الأحكام المعلقة عليها بعد ظهورها.
فإن قيل: فاللازم الحكم بالحبوة بعد الظهور لا قبله.
قلنا: لا يحكم بها قبله، بل يبقى مراعى حتى ينكشف الحال.
فإن قيل: لا دليل على لزوم الإبقاء مراعى، بل يجب الحكم بها
للورثة فيستصحب.
قلنا: الدليل موجود، وهو أن الحبوة حق للذكر الظاهر ذكوريته
بالفعل، أو بعد تحقق الكاشف، فالحكم بها للورثة مشروط بانتفاء ذكر
كذلك، والشرط غير معلوم فكذلك المشروط، فيجب إبقاؤها مراعى.
ومن هذا يظهر أن الترجيح مع القول بعدم الاشتراط إذا كان عند موت
أبيه متصفا بالذكورية. وأما إذا لم يكن كذلك كما إذا لم يتم للحمل أربعة
أشهر، حيث صرح في صحيحة زرارة المروية في كتاب العقيقة من
الكافي (1)، ورواية ابن الجهم المروية فيه أيضا (2): بأن الذكورية والأنوثية
تحصل بعد تمام أربعة أشهر، فالحكم بذلك مشكل، لعدم صدق الوصف
مطلقا لا في الواقع ولا في الظاهر، والصدق المتأخر لا يفيد.
ه‍: لو كان هناك حملان أو أكثر، فإن تبين انحصار الذكر بالواحد
فلا إشكال.

(1) الكافي 6: 16 / 7.
(2) الكافي 6: 13 / 3.
227

وإن تعدد ففي الحكم بتساويهما مطلقا، أو بأكبرية الأقدم علوقا، أو
الأسبق تولدا أوجه:
من إناطة الكبر والصغر عرفا بيوم التولد وعدم مدخلية تقدم العلوق
وتأخره فيه كما مر، ولم يتولدا بعد حتى يصدق الكبر والصغر العرفيان،
والصدق المتأخر غير مجد فيتساويان.
ومن أن كون قدم التولد مناطا في الكبر عرفا إنما هو في المتولد وأما
في الحمل فلا، بل يناط بتقدم العلوق في العرف.
ومن أن الحكم بلزوم الإحباء إنما هو بعد التولد، وإنما يبقى قبله
مراعى، فالمناط هو الكبر الصادق حينئذ، وهو ليس إلا بقدم التولد.
وبالجملة المسألة محل الإشكال، نعم لا يبعد الحكم بأكبرية من كان
جامعا لو صفي قدم العلوق وسبق التولد، ولكن تحققه ثم العلم به مما
لا يكاد يتحقق.
و: لو كان الولد خنثى فإن كان واضحا فواضح. وإن كان مشكلا
فالظاهر حرمانه من الحبوة، للشك في حصول الموجب.
واحتمل بعضهم العمل بالقرعة (1). وهو حسن لو ثبت الانحصار في
الذكر والأنثى، فهو في نفس الأمر أحدهما، فيستخرج بالقرعة. وفي
الانحصار نظر، لجواز الطبيعة الثالثة.
واحتمل ثاني الشهيدين في رسالته استحقاقه نصف الحبوة، قياسا
على استحقاقه نصف النصيبين في السهم (2)، وهو ضعيف.
ثم لو كان معه ذكر أصغر منه ففي إحبائه أيضا نظر، للشك في كونه

(1) كالشهيد الثاني في رسائله: 237.
(2) رسائل الشهيد الثاني: 236.
228

أكبر الذكور، والعمل بالقرعة محتمل.
ز: لا يشترط في المحبو البلوغ، فيحبى الصغير، للأصل، وإطلاق
النصوص، بل عمومها.
وصريح ابن حمزة كالظاهر الحلي الاشتراط (1)، لكونها في مقابلة
القضاء، ولا يتأتى من الصبي.
قلنا: لا نسلم المقابلة، ولو سلمت ففورية القضاء ممنوعة.
ح: لا يشترط سداد رأيه (2)، وفاقا للكركي (3)، ومال إليه في
الدروس (4)، للأصل، وإطلاق النص.
وذهب الشيخ في النهاية (5) وصاحب الجامع (6) وابن حمزة (7)
والحلي (8) وأكثر من تأخر عنهم منهم الشهيد في اللمعة (9) إلى اشتراطه،
ونسبه في الشرائع إلى قول مشهور (10)، لأن المخالف لا يعتقد ما يقابلها من
وجوب القضاء، ولأنه لا يرى استحقاقها، فيمنع منها إلزاما له بما التزم، كما
يلزم بغيره من الأحكام الشرعية.

(1) ابن حمزة في الوسيلة: 387، الحلي في السرائر 3: 258.
(2) أي ايمانه بالمعنى الخاص واعتقاده للحق. منه (رحمه الله).
(3) قال في مفتاح الكرامة 8: 138: إن المحقق الثاني في تعليق الإرشاد قائل
باشتراط عدم فساد الرأي.
(4) الدروس 2: 362.
(5) النهاية: 636.
(6) الجامع للشرائع: 509.
(7) الوسيلة: 387.
(8) السرائر 3: 258.
(9) اللمعة (الروضة البهية 8): 120.
(10) الشرائع 4: 25.
229

ودفع الأول بمنع المقابلة أولا، ومنع لزوم اعتقادها ثانيا. والثاني بأن
وجوب الإلزام في جميع المواضع غير ثابت، وجوازه لا يمنع لأن الثابت
من الأخبار وفتاوى الأصحاب، إلا أنه لا يكون من باب الشرطية، ولذا
لم يشترط أحد في إبطال العول والتعصيب عدم فساد الرأي.
ط: يشترط كونه مسلما، لأن الحبوة ميراث، والكافر لا يرث.
ي: لا يشترط خلوه عن السفه، وفاقا للكركي والشهيد الثاني (1)،
ومال إليه في الدروس (2)، للإطلاق، وعدم الدليل.
وجماعة على اشتراطه، منهم المقنعة والنهاية والسرائر والجامع (3)،
وتبعهم الفاضل في القواعد (4)، وجمع آخر ممن تأخر عنه (5)، ولم نقف
على مأخذه.
يا: لا يشترط عقله لما مر، فيحبى ولو كان مجنونا، واختاره الشهيد
الثاني (6).
المسألة الخامسة: المحبو منه هو الأب، فلا تؤخذ الحبوة من تركة
غيره وفاقا، لأنه المنصوص عليه، فيبقى غيره على الأصل السالم عن
المعارض.
ولا يشترط إسلامه ولا إيمانه، لإطلاق النص. واحتمال الاشتراط

(1) حكاه الشهيد الثاني عن الكركي في رسائله: 238، الشهيد الثاني في الروضة 8:
120.
(2) الدروس 2: 362.
(3) المقنعة: 684، النهاية: 634، السرائر 3: 258، الجامع: 509.
(4) القواعد 2: 171.
(5) كالشهيد في اللمعة (الروضة البهية 8): 120.
(6) المسالك 2: 326.
230

نظرا إلى اعتقاده عدم الاستحقاق، وكونها في مقابلة القضاء، ولا قضاء عن
الكافر ضعيف، لأن اعتقاده لا يؤثر في استحقاق غيره، ولو أثر فإنما هو في
استحقاق المعتقد. وارتباطها بالقضاء ممنوع.
المسألة السادسة: اختلفوا في أنه هل يشترط الحباء بأن يخلف
الميت مالا غير الحبوة أم لا؟
فذهب الشيخان والحلي وابن حمزة والمحقق والفاضل في بعض
كتبه (1) وجمع آخر (2) إلى الاشتراط، ونسبه في المسالك إلى المشهور (3)،
وفي شرح القواعد للهندي: اتفقوا على ذلك (4)، والظاهر منه اتفاق
الأصحاب، وإن احتمل بعيدا إرادة اتفاق الذين ذكرهم في المسألة السابقة
على تلك المسألة.
وظاهر الشهيد الثاني في الرسالة (5) كصريح بعض آخر (6) العدم،
وظاهر الدروس والمسالك التوقف (7).
ولا يخفى أن هذا الاختلاف إنما يتمشى على المشهور من القول
بعدم الاحتساب. وأما على القول به - كما اخترناه - فلا شك في الاشتراط،
بل يشترط أن لا ينقص نصيب كل من الورثة عما كان عليه قبل الحبوة.

(1) المفيد في المقنعة: 684، الطوسي في النهاية: 634، الحلي في السرائر 3:
258، ابن حمزة في الوسيلة: 387، المحقق في الشرائع 4: 25، الفاضل في
القواعد 2: 171.
(2) كالشهيد في اللمعة (الروضة 8): 121 وصاحب الرياض 2: 350.
(3) المسالك 2: 326.
(4) كشف اللثام 2: 292.
(5) رسائل الشهيد الثاني: 248.
(6) كالفيض في مفاتيح الشرائع 3: 330.
(7) الدروس 2: 362، المسالك: 326.
231

ثم على المشهور فالظاهر هو العدم، لإطلاق النصوص، وفقد
المقيد.
احتج المشترط: بلزوم الإضرار والإجحاف بالورثة لولاه. وإيذان لفظ
الحبوة ببقاء شئ آخر. ووجوب الاقتصار في خلاف الأصل على المتيقن.
وانصراف المطلق إلى الفرد الشائع، والشائع تخلف مال آخر.
قلنا: لزوم الإضرار والإجحاف ممنوع، ولو سلم فلا ضير فيه، لأن
الحق إذا ثبت بالدليل لا يقدح فيه الإضرار والإجحاف بغير المستحق، وله
نظائر كثيرة (1). ولا إشعار في لفظ الحبوة، على أنه غير وارد في النصوص.
والإطلاق ممنوع، بل الأخبار عامة، لذكر أداة الشرط المفيدة للعموم،
كقوله: " إذا ترك " و " إذا مات " و " إذا هلك " (2) ولو سلم فوصول الشيوع إلى
حد يجب حمل المطلق عليه ممنوع.
ثم على الاشتراط ففي كفاية بقاء أقل ما يتمول كما هو مقتضى إطلاق
كلامهم، أو اشتراط كونه كثيرا يزول به الإضرار كما يقتضيه تعليلهم،
احتمالان.
وعلى الثاني لو تعدد الوارث بحيث لم يندفع الإضرار بنصيب كل
واحد واندفع بالجملة، ففي اعتبار الجملة أو الإفراد وجهان. وعلى تقدير
اعتبار ذلك كله ففي اعتبار بلوغ نصيب كل قدر الحبوة قولان.
المسألة السابعة: يشترط الحباء بخلو الميت عن دين مستغرق، فلو

(1) كحرمان كلهم إذا لم يخلف الميت شيئا أصلا، أو زائدا على كفنه ودينه، وكحرمان
المحجوبين، والزوجة عن الأرضين على المشهور إذا انحصرت التركة فيهما، وكما
إذا أوصى بجميع التركة وأجاز الورثة ثم ندموا بعد الموت، إلى غير ذلك. منه (رحمه الله).
(2) الوسائل 26: 97 و 98 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 3 ح 1 و 3 و 4.
232

استغرق دينه تركته التي منها الحبوة لا يحبى. ولم أعثر في ذلك على
مخالف، وكلام الشهيد الثاني في الرسالة يشعر بوجوده (1).
والوجه فيه أن الحبوة ليس إلا اختصاص في الإرث، وانتقالها ليس
بسبب إلا التوريث، وقد تقدم أن الدين مقدم على الإرث، بل لو قيل بعدم
كونها إرثا أيضا، يمكن إثبات المطلوب بصحيحتي زرارة (2)، وأبي ولاد (3)،
وخبر السكوني المتقدم في بحث استغراق الدين للتركة (4)، كما لا يخفى.
فرعان:
أ: لو بذل المحبو قيمتها حينئذ، وأراد الاختصاص بها دون غيره من
الورثة، فعلى القول بعدم انتقال التركة إلى الوارث - كما هو المختار - ليس
له ذلك مطلقا، إلا أن يثبت إجماع على خيار كل ذي نصيب في نصيبه.
وعلى القول بالانتقال، فعلى القول بعدم الاحتساب، له ذلك،
والوجه ظاهر. وعلى القول به، فلو كانت الحبوة مساوية لسهمه لولا
الدين، فله ذلك أيضا، وإلا فلو كان استحقاق كل من الورثة منها على
السواء، بأن لم يخلف شئ سواها فالكل في ذلك سواء، ولو لم يكن
كذلك فلكل يكون ذلك بقدر نصيبه.
ب: لو كان الدين غير مستغرق فالحكم على القول بالاحتساب
واضح.

(1) رسائل الشهيد الثاني: 249.
(2) التهذيب 6: 187 / 391، الوسائل 18: 345 أبواب الدين والقرض ب 13 ح 1.
(3) التهذيب 6: 193 / 421، الإستبصار 3: 8 / 20، الوسائل 18: 415 أحكام
الحجر ب 5 ح 3.
(4) في ص: 112.
233

وأما على القول بعدمه فإن استغرق بعض الحبوة فيمنع المحبو منه
قطعا.
وأما في توزيع الدين على جميع التركة حينئذ وفيما لو استغرق
ما عداها أو قصر عنه أيضا وعدمه فوجهان:
الأول: التوزيع، وجعله في المسالك الأظهر (1)، وفي الرسالة متجها،
لأن الدين يتعلق بالتركة على الشياع، والحبوة منها فيصيبها نصيبها (2).
والثاني، وهو الذي نسبه في الرسالة إلى ظاهر الأصحاب: عدمه،
لعموم النصوص. قال فيها: ويؤيده إطلاق النصوص والفتاوى باستحقاق
جميع الحبوة، مع أن الميت لا ينفك عن دين في الجملة إلا نادرا، فلو كان
لمطلق الدين أثر في النقص عليها لنبهوا عليه فيهما، وأيضا: فإن الواجب
من الكفن ومؤنة التجهيز كالدين بل أقوى، لتقدمه عليه ويتعلق بالتركة
شياعا، فيلزم أن لا تسلم الحبوة لأحد، وهو مناف لإطلاق إثباتها فيهما.
ورد العموم بالتخصيص والبواقي بأنها مجرد استبعاد، لا يعارض ما
سبق (3).
أقول: لا ريب في أن تعلق الدين إنما هو بالشياع، ولكن الشياع
ليس ثابتا بالنص، بل إنما يحكم به لعدم المرجح وفقد ما يوجب تخصيصه
ببعض، ولكن أخبار الحبوة تخصصه بغيرها فلا يوزع.
فإن قيل: ما الوجه في تخصيصه بغيرها بهذه الأخبار؟
قلنا: شهادة العرف بذلك، ألا ترى أنه إذا قال قائل: نصف هذه الدار

(1) المسالك 2: 326.
(2) رسائل الشهيد الثاني: 251.
(3) انظر رسائل الشهيد الثاني: 251.
234

لزيد، يحكم له به مشاعا، فإذا أشار إلى بيت معين وقال: إنه لعمرو،
يحكم بالنصف المشاع من غير هذا البيت [لزيد] (1).
فإن قيل: إن هذا إنما يتم لو دلت الأخبار على اختصاص المحبو
بالحبوة من بين جميع ذوي الحقوق، لم لا يجوز أن يكون المراد
اختصاصه من بين الورثة؟
قلنا: تخصيص بلا مخصص.
فإن قيل: التبادر يخصص.
قلنا: التبادر ممنوع.
فإن قيل: فيلزم تقدم الحبوة على الدين ولو استغرق.
قلنا: لا يلزم لتعلق الدين حينئذ بجميع التركة التي منها الحبوة، على
أنه يقع التعارض حينئذ بين وفاء الدين وإخراج الحبوة، فيقدم الأول،
لكون أوامر الوفاء أقوى وأكثر من روايات الحباء، مع أنه قد نطقت الأخبار
بتقديم الدين على الإرث (2)، والحبوة إرث مخصوص.
فإن قيل: مقتضى تقديم الدين عدم اختصاص الحبوة بالمحبو أولا
فيبقى الدين مشاعا.
قلنا: تقديمه إنما هو عند التزاحم والتعارض - أي الاستغراق كلا أو
بعضا - وأما بدونه فيتعلقان بالتركة معا.
ثم إنه يؤيد ما ذكرناه أولا من التخصيص، أنه لو أوصى الميت بعين
لواحد لا يوزع الدين عليها بل يخصص بما عداها، فتخصيصها بشخص
خصص تعلق الدين بغيرها.

(1) في النسخ: لعمرو، غيرناه لتصحيح المتن.
(2) كما في الوسائل 19: 329 أبواب أحكام الوصايا ب 28.
235

وبهذا يظهر أن الترجيح لما عليه ظاهر الأصحاب.
المسألة الثامنة: لو أوصى الميت بوصايا، فإن كانت بعين غير
الحبوة لم يمنع منها، لبقائها سالمة من المعارض.
وإن كانت بعين منها فالأقوى الصحة، لعموم الأدلة، ولأن الميت
مسلط على ماله ما دام فيه الروح، واختصاص المحبو بها إنما هو بعد
الموت.
وحينئذ لو زادت عن الثلث اعتبرت إجازة الجميع على القول
بالاحتساب، وعلى القول بعدمه لم يعتبر إلا إجازة المحبو. واحتمال اعتبار
إجازة الجميع - لإطلاق النص والفتوى - ضعيف، لأن الظاهر أن هذا
الإطلاق مقيد بالمستحق.
وإن كانت بجزء من التركة مطلق كمائة درهم، أو منسوب كالثلث،
فالظاهر أنها حينئذ كالدين.
المسألة التاسعة: لو كانت بعض أعيان الحبوة أو كلها مرهونة على
دين على الميت، قدم حق المرتهن، وروعي في استحقاق المحبو لها
مجانا أو مع الاحتساب افتكاكها، ولا يجب على الوارث، للأصل.
وحينئذ فللمحبو فكها من ماله، ولا يرجع بما غرم إلى التركة، لتبرعه
بالأداء.
ولو افتكها وارث غيره، فإن كان قبل حلول الأجل فالظاهر عدم
استحقاقه لها، ورجوعها إلى المحبو، لعدم ناقل شرعي. وإن كان بعده،
فإن نقلها المرتهن إليه فيستحقها، وإن كان بمجرد الافتكاك فالظاهر أيضا
عدم الاستحقاق واختصاص المحبو بها.
المسألة العاشرة: اشترط ابن حمزة في الوسيلة في ثبوت الحبوة
236

للمحبو قضاءه ما فات أباه من صلاة وصيام، وجعلها عوضا عن ذلك، فإذا
لم يفعل المعوض لم يستحق العوض (1).
والأكثر على عدم الاشتراط. وهو الأقوى، لإطلاق النصوص، وعدم
دليل على التقييد. على أنه قد يقال بوجوب القضاء على غير الولد مع أنه
لا حبوة له، وقد يقال بوجوبه عن المرأة مع أنه لا حبوة عنها.
المسألة الحادية عشرة: لو كان هناك مجتهدان مختلفان في مسائل
الحبوة من الوجوب والاستحباب، أو المجانية والاحتساب، أو في ما يحبى
به من الأنواع أو أفراد الأنواع، أو نحو ذلك، وقلد كل من أكبر الذكور
وسائر الورثة واحدا منهما ممن فيه الصرفة له:
فإن عمل أحدهما بمقتضى رأي مجتهده ولم يزاحمه الآخر إما تبرعا
له أو جهلا بأن له المزاحمة، أو لعدم اقتداره على مزاحمته، فلا شئ على
الأول، ويحل له ما أخذه تقليدا لمجتهده.
فإن نازعه وزاحمه: فإن اتفقا على اختيار مجتهد للترافع فلا كلام،
والحكم حكمه.
وإن تنازعا في ذلك: فإن كان بعد التصرف في المتنازع فيه وأخذه
فالمزاحم للمتصرف المريد استرداده منه يكون مدعيا، ويقدم من اختاره
للمرافعة، لأنه يكون مدعيا.
وإن كان قبل ذلك، كأن يكون المتنازع فيه في يد ثالث لا يؤديه إلا
بعد تعين من يجب الأداء إليه، أو منعهما مانع من التصرف قبل رفع النزاع،
أو امتنع كل منهما من التصرف مخافة صيرورة الآخر مدعيا، فيقدم مختار

(1) الوسيلة: 387.
237

من رجحه الإمام في مقبولة عمر بن حنظلة (1) وما بمعناها، من الأفقه
والأصدق والأورع كما يأتي، لتلك الأخبار. وإن لم يكن هناك راجح بل
تساوي المجتهدان، أو لم يمكن تعيين الراجح فالظاهر حينئذ نفوذ حكم
كل من حكم أولا بعد مطالبة أحد المتنازعين الحكم منه، لأنه حاكم
منصوب من الإمام حكم بحكمه، فينفذ لكل من حكم له وعلى كل من
حكم عليه.

(1) الكافي 1: 67 / 10، الفقيه 3: 5 / 18، التهذيب 6: 301 / 845، الوسائل 27:
106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
238

البحث السادس
في حكم الجد والجدة إذا اجتمعا
أو أحدهما مع الأبوين والأولاد أو أحدهم
وفيه مسائل وخاتمة:
أما المسائل فثلاثة:
المسألة الأولى: لا يرث الجد ولا الجدة مع أحد الأبوين مطلقا،
وفاقا لغير الصدوق حيث شرك الجد من الأب معه، ومن الأم معها، على
ما حكاه جماعة (1)، وقيل: إن كلامه وإن كان موهما لذلك إلا أنه صرح بعده
بخلافه (2). والإسكافي حيث شرك الجدين والجدتين مع الأبوين والبنت
الواحدة، وجعل الفاضل عن سهام الأبوين والبنت لهم (3).
والظاهر كون الحكمين إجماعيين، وفي التنقيح الإجماع [على
خلاف الثاني] (4) وفي الكافي على كون الجد بمنزلة الأخ (5).
لنا - بعد الإجماع المحقق، ومنع الأقرب للأبعد، وكون الأبوين
والبنت أقرب -: روايتا الحسن بن صالح وأبي بصير، وصحيحة عبد الله بن

(1) كما في المفاتيح 3: 302، الرياض 2: 351.
(2) انظر كشف اللثام 2: 291.
(3) حكاه عنه في التنقيح 4: 170.
(4) بدل ما بين المعقوفين في " س " و " ح ": في الثاني، غيرناه لتصحيح المتن.
ومراده من الثاني قول الإسكافي انظر: التنقيح 4: 170.
(5) الكافي 7: 115.
239

جعفر، المتقدمة في المسألة الأولى من البحث الأول (1).
وهذه الروايات الثلاث باجتماعها تنفي قول الصدوق بشقوقها،
فالأولى تنفي تشريكه الجد للأم معها، والثانية تشريكه الجد للأب معه،
والثالثة تشريكه الجدين لهما.
وتضعيف دلالة الثانية باحتمال اختصاص الجد فيها بالجد من الأم
ضعيف، لأنه تخصيص للعموم الحاصل من ترك الاستفصال بلا مخصص.
بل كل منها بانفراده ينفي جميع الشقوق أيضا بضميمة الإجماع
المركب.
ولا ينفي شئ منهما قول الإسكافي، إلا أن يقال: إن تشريكه
لا يختص بالصورة المذكورة، وإنما ذكرت تمثيلا، بل أعم منها ومن سائر
الصور المشتملة على زيادة الفريضة عن سهام ذوي الفروض، أو أعم
منهما ومن الصورة التي لا تشتمل على رد، كاجتماع الجدودة مع الأبوين أو
الأب كما هو الظاهر من استدلاله، كما يأتي، فحينئذ ينفى بعض صور
ما اختاره بهذه الروايات، ويمكن حينئذ نفي البواقي أيضا بالإجماع
المركب.
ولنا أيضا: الأخبار المستفيضة الدالة على أنه لا يرث مع الأب أو الأم
أو الولد أحد إلا الزوج والزوجة، كصحيحتي محمد وزرارة المتقدمة في
المسألة المذكورة (2)، ورواية العبدي المتقدمة في المسألة الأولى من البحث
الثاني (3)، وغيرها.

(1) في ص: 156.
(2) في ص: 155.
(3) في ص: 168.
240

ولنا أيضا: الأخبار الواردة في بيان فريضة الأبوين مع الولد وبدونه،
فإنها ظاهرة في انقسام التركة بينهما وبينه خاصة على الأول، وبينهما خاصة
على الثاني مطلقا من دون تقييد بما إذا لم يكن هناك جد.
وقد يستدل لنا أيضا (1): بالأدلة الدالة على أن الأجداد والجدات في
مرتبة الإخوة لا يرثون إلا حيث يرثون، ولا ريب في أن الإخوة لا يرثون مع
الأبوين فكذلك الأجداد.
وبالنصوص الآتية في الطعمة، الدالة على أن الله تعالى لم يفرض
للجد شيئا، وإنما أطعمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأجازه الله تعالى.
وفيهما نظر:
أما في الأولى، فلخلو الأخبار عن كون الأجداد والجدات بمنزلة
الإخوة مطلقا، بل هي دالة على أنهم بمنزلة واحد منهم في النصيب إذا
اجتمعوا. نعم إن كان نظره إلى الإجماع المنقول على ذلك فله وجه عند
القائلين بحجية الإجماع المنقول.
وأما في الثانية، فلأن عدم فرض الله سبحانه إنما يفيد لو لم يعقبه
إطعام الرسول وإجازة الله، وأما بعد إطعامه وإجازته فلا يفيد، لاحتمال
كونه على سبيل الوجوب.
فإن قيل: فعل النبي إذا لم يعلم جهته يحمل على الندب على
الأصح، فيستفاد من هذه النصوص استحباب الطعمة، فيبطل التشريك
وجوبا كما هو قول المخالف.
قلنا: إذا لم يعلم جهة فعله فلا يحكم بكونه ندبا في الواقع، بل نقول

(1) انظر: الرياض 2: 351.
241

بكونه مستحبا لنا، لثبوت الرجحان وعدم تيقن الزيادة، فهذا إنما يصلح
دليلا على إثبات الرجحان لا على نفي الوجوب، كما لا يخفى.
وأما الأخبار الدالة على اجتماع الجدة مع الأبوين أو أحدهما، كرواية
أبي بصير الأخيرة، المتقدمة في المسألة الأولى من البحث الأول (1)،
وصحيحة البصري قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده أبان بن
تغلب، فقلت: أصلحك الله إن ابنتي هلكت وأمي حية؟ فقال أبان: ليس
لأمك شئ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): " سبحان الله أعطها السدس " (2).
ورواية إسحاق بن عمار: في أبوين وجدة لأم قال: " للأم السدس،
وللجدة السدس، وما بقي وهو الثلثان للأب " (3).
ومرفوعة ابن رباط: " الجدة لها السدس، مع ابنها وابنتها " (4).
فهي لعدم قائل بها من جهة التوريث - لعدم انطباقها على مذهب -
عن درجة الحجية ساقطة، فلا تصلح لمعارضة ما مر البتة. ولو انطبق
بعضها على بعض صور مذهب المخالف في المسألة فلشذوذه لا يصلح
للحجية أيضا، فكيف بالأخبار المعتبرة التي منها الصحاح الموافقة لعمل
الأصحاب مع أن منها ما يوافق العامة أيضا.

(1) في ص: 158.
(2) الكافي 7: 114 / 15، الفقيه 4: 204 / 681، التهذيب 9: 310 / 1114،
الإستبصار 4: 162 / 613، الوسائل 26: 138 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 20 ح 6.
(3) الفقيه 4: 205 / 684، التهذيب 9: 312 / 1119، الإستبصار 4: 163 / 617،
الوسائل 26: 140 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20 ح 10.
(4) الفقيه 4: 205 / 685، التهذيب 9: 312 / 1120، الإستبصار 4: 163 / 618،
الوسائل 26: 140 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20 ح 11.
242

مع أنها أعم من أن يكون السدس من جهة الميراث، لجواز أن يكون
من جهة الطعمة، أي الإرزاق المأمور به في قوله سبحانه: * (وإذا حضر
القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم) * (1). وهي غير
المتنازع.
بل في الأخبار ما يصرح بأن السدس من باب الطعمة، كما يأتي.
وأما روايات الطعمة فسيأتي عدم منافاتها للمسألة، فهي بحمد الله
ظاهرة. هذا.
ثم إني لم أقف للمخالف الأول على حجة. وأما الروايات المتقدمة
فمنها ما هو أخص من مدعاه، ومنها ما لا ينطبق على مذهبه، ومع ذلك
عرفت ما فيه.
وأما الثاني فاستدل - على ما نقل - بمشاركة الجد والجدة للأبوين في
التسمية التي أخذوا بها الميراث الذي عين لهم، وهي الأبوة والأمومة.
وبالروايات المتقدمة. وبأخبار الطعمة.
والجواب عن الأول: بمنع مشاركتهما لهما في التسمية، فإن الجد
لا يدخل في اسم الأب حقيقة، بدليل صحة السلب وتبادر الغير، وكذا
الجدة بالنسبة إلى الأم، على أنه لو ثبتت التسمية لم تدل على مطلبه الذي
هو جعل نصيب الجد - وإن تعدد - الفاضل من السهام، ولزم توريثهما في
صور كثيرة لا يقول به فيها.
وعن البواقي: بما مر ويأتي، مع أنها لا تطابق مذهبه في القسمة.
المسألة الثانية: لا يرث الجد والجدة مع الأولاد، ذكرا كان أم أنثى،

(1) النساء: 8.
243

بالإجماع في غير البنت الواحدة، فإن فيها خلافا للإسكافي (1)، وقد مر.
وتدل عليه العمومات المتقدمة الخالية عن المخصص.
المسألة الثالثة: لا يرث الجد ولا الجدة مع أولاد الأولاد وإن نزلوا
مطلقا، وفاقا لغير الصدوق، وعن السيد في الناصريات (2) وابن فضال
الإجماع عليه (3).
وعن الصدوق تشريك الجد مع ولد الولد (4).
لنا - بعد الإجماع عند التحقيق لعدم قدح مخالفة من ذكر -: رواية
زرارة المتقدمة، وفيها: " فإن لم يكن له ولد وكان ولد الولد، ذكورا كانوا أو
إناثا، فإنهم بمنزلة الولد، وولد البنين بمنزلة البنين، وولد البنات بمنزلة
البنات، يرثون ميراث البنات ويحجبون الأبوين والزوج والزوجة عن
سهامهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر، يرثون ما يرث ولد الصلب
ويحجبون ما يحجب ولد الصلب " (5).
وما تقدم من الأخبار المتضمنة لأن كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي
يجر به، المصرحة بأن ولد الولد يقوم مقام الولد (6)، فإن قيامه مقامه - كما
مر - ليس في مطلق التوريث وإلا لم تكن فائدة للتخصيص، بل إما في
جميع الأحكام، أو الحجب، أو قدر الميراث، وبالكل يثبت المطلوب.
احتج المخالف: بتساوي الجد وأولاد الأولاد في القرب. وبصحيحة

(1) حكاه عنه في المختلف: 751.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 221.
(3) حكاه عنه في التهذيب 9: 315.
(4) الفقيه 4: 208.
(5) الكافي 7: 97 / 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 18 ح 3.
(6) الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2.
244

سعد بن أبي خلف قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن بنات بنت
وجد، فقال: " للجد السدس، والباقي لبنات البنت " (1).
والجواب أما عن حديث التساوي: فبأن الثابت أن الأقرب يمنع
الأبعد، أما اشتراك المتساويين في الإرث فغير ثابت، مع أنه لو صح إنما
يتبع لولا دليل على خلافه.
وأما عن الصحيحة - فمع شذوذها المخرج لها عن الحجية -: بعدم
صراحتها في المطلوب أولا، لإمكان أن يكون المراد بالجد جد بنات البنت
أي أب البنت، لأجد البنت، فيكون الميت هي البنت، ويكون السؤال عن
أب وبنات.
وبأخصيتها عن مدعاه ثانيا.
وبمعارضتها للروايات المتقدمة الراجحة عليها باعتضادها بالشهرة
العظيمة بل الإجماعين ثالثا.
وبدعوى ابن فضال الإجماع على ترك العمل بها رابعا (2).
وبإمكان الحمل على الاستحباب حتى يكون هو الطعمة المستحبة
خامسا.
وبالحمل على التقية كما احتمله العلامة المجلسي (3) والحر العاملي (4)
سادسا.
والإيراد على الأول بعدم إمكان إرادة جد بنات البنت، لقوله:

(1) التهذيب 9: 314 / 1128، الإستبصار 4: 164 / 622، الوسائل 26: 141
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20 ح 15.
(2) حكاه عنه في التهذيب 9: 315.
(3) المجلسي الأول في روضة المتقين 11: 248.
(4) الوسائل 26: 141 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20 ذيل الحديث 15.
245

" والباقي لبنات البنت " فإنه لو كان المراد بالجد ذلك لم يكن الباقي
[لهن] (1) لمكان الرد، والحمل على الباقي من الرد والفرض خلاف الأصل
والظاهر.
مردود، بأن الرد على الأب مع البنات مختلف فيه أيضا، وظهور أدلة
الرد عليه ليس بأكثر من ظهوره في منع ولد الولد للجد، بل هنا أقوى،
حيث تكرر نقل الإجماع من القدماء أيضا (2) وتعاضد بالعمومات الكثيرة،
فلو كانت أدلة الرد على الأب قرينة على عدم إرادة الأب هنا، فتكون أدلة
منع ولد الولد للجد أولى بالقرينة على عدم إرادة الجد، فيبقى الاحتمالان
متساويين.
وأما الخاتمة ففي حكم الطعمة للجد:
اعلم أن الجد والجدة وإن كانا لا يرثان مع أحد الأبوين، ولا مع
الأولاد، ولا مع أولاد الأولاد، لكن يستحب إطعامهما. والظاهر أن المراد
بالإطعام الإعطاء من باب الإرزاق المأمور به في قوله سبحانه: * (وإذا حضر
القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم) * (3).
فكيف كان يدل على استحبابه، وفاقا لكل من لا يقول بتوريثهما.
وتدل عليه المستفيضة من الأخبار، كصحيحة جميل: " إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطعم الجدة السدس " (4).
والأخرى: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطعم الجدة أم الأم السدس، وابنتها

(1) في النسخ: له، والصحيح ما أثبتناه.
(2) كما في الإنتصار: 299.
(3) النساء: 8.
(4) الكافي 7: 114 / 11، التهذيب 9: 311 / 1115، الإستبصار 4: 162 / 614،
الوسائل 26: 137 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20 ح 2.
246

حية " (1).
والثالثة: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطعم الجدة أم الأب السدس وابنها
حي، وأطعم الجدة أم الأم السدس وابنتها حية " (2).
وموثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطعم الجدة
السدس، ولم يفرض الله لها شيئا " (3).
وروايته: قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: " إن نبي الله (صلى الله عليه وآله) أطعم
الجدة السدس طعمة " (4).
ووجه الدلالة على الاستحباب ليس لما قيل من أنها تدل على أن
الإعطاء على جهة الطعمة التي هي في اللغة بمعنى الهبة، وهي غير
الإرث (5)، لعدم ثبوت أنها معناها، ولو فرض فلا دلالة للهبة على
الاستحباب وإن قلنا أنها غير الإرث.
بل لما ثبت في محله، من أن ما لم تظهر جهته لنا من أفعال
النبي (صلى الله عليه وآله) فيستحب لنا التأسي ولا يجب.
فإن قيل: إطعامه (صلى الله عليه وآله) قضية في واقعة، يحتمل أن يكون مع رضاء
الأبوين أو بدونه، وعدم ظهور الجهة إنما هو في الأول، وأما في الثاني

(1) الكافي 7: 114 / 12، الوسائل 26: 136 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20
ح 1.
(2) الفقيه 4: 204 / 680، التهذيب 9: 311 / 1118، الإستبصار 4: 162 / 616،
الوسائل 26: 139 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20 ح 9.
(3) الكافي 7: 114 / 13، الفقيه 4: 205 / 683، التهذيب 9: 311 / 1116،
الوسائل 26: 137 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20 ح 3.
(4) الكافي 7: 114 / 14، التهذيب 9: 311 / 1117، الإستبصار 4: 162 / 615،
الوسائل 26: 137 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20 ح 4.
(5) انظر الرياض 2: 352.
247

فيكون الإطعام واجبا قطعا، إذ لا يستحب لأحد إعطاء مال الغير بدون رضاه.
قلنا: لما كان ذلك الاحتمال غير معلوم أيضا، فيكون فعله مما
لم تعلم جهته حينئذ أيضا، مع أنه لا قائل بوجوب الإطعام، بل كل من قال
به، فقال باستحبابه، فالإجماع قرينة على تعيينه.
ومن ذلك يظهر لزوم حمل الأخبار الآمرة بالإعطاء أو الدالة على
الاختصاص والملكية الظاهرة في الوجوب - كصحيحة البصري وروايتي
ابن عمار وابن رباط المتقدمة (1) - على الاستحباب أيضا، لأن السدس
المذكور فيها محمول على الإطعام بقرينة الموثقة والرواية الأخيرتين،
والإطعام ليس إلا مستحبا. مع أن القول بالسدس مطلقا في الصور المذكورة
في الروايات على جهة التوريث إما لا قائل به، أو شاذ لا اعتبار به، كما
مر، فهذه الروايات أيضا أدلة على الإطعام، فقد عرفت وجه التفصي عنها.
ثم إن القدر المجمع عليه الثابت من هذه الأخبار هو استحباب
الطعمة في الجملة، وقد وقع فيها مواضع خلاف كما نبينها في مسائل:
المسألة الأولى: المطعم - بالفتح - هو الجد والجدة مطلقا، سواء
كانا من الأب أو الأم، وفاقا للمشهور.
وخلافا للحلبي حيث خصه بالمتقرب بالأب (2)، وحكاه بعض الأجلة
عن ابن زهرة والمحقق الطوسي أيضا (3).
وللمحكي عن ابن زهرة حيث خصه بأم الأم (4).

(1) في ص: 240.
(2) الكافي في الفقه: 378.
(3) حكاه عنهما الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 291.
(4) في " ح ": بأم الأب.
248

ويبطل الأول: بصحيحتي جميل الأخيرتين (1)، وروايتي ابن عمار،
وابن رباط (2).
والثاني بالصحيحة الثالثة لجميل (3)، وصحيحة البصري (4) ورواية ابن
رباط.
وتمام المطلوب يثبت بعدم القول بالفصل.
مضافا في الجد إلى المرسلة المروية في الكافي قال: وقد روي أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطعم الجد والجدة السدس (5).
فإن إطعام السدس قرينة على أنه لم يكن في صورة فقد الأبوين
والأولاد، إذ ليس نصيبه السدس حينئذ.
وتدل عليه أيضا صحيحة سعد المتقدمة (6)، بناءا على ما حملها عليه
الأكثر من إرادة جد البنت منها.
وقد يستدل لإلحاق الجد: بالأولوية. وبالنصوص المروية في
التهذيب وبصائر الدرجات، الدالة على أن الله تعالى لم يذكر الجد
ولم يفرض له فرضا، وإنما جعل له رسول الله (صلى الله عليه وآله) سهما كما في
بعضها (7)، أو أطعمه سهما كما في آخر (8)، أو أطعم من دون ذكر السهم

(1) المتقدمتين في ص: 244.
(2) المتقدمتين في ص: 240.
(3) المتقدمة في ص: 245.
(4) المتقدمة في ص: 240.
(5) الكافي 7: 114 / 10، الوسائل 26: 136 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 19 ح 5.
(6) في ص: 242.
(7) التهذيب 9: 311 / 1117، بصائر الدرجات: 379 / 4، الوسائل 26: 137
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20 ح 5.
(8) بصائر الدرجات: 378 / 3، الوسائل 26: 142 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 20 ح 16.
249

كما في ثالث (1)، فأجاز الله تعالى له ذلك.
ويمكن منع الأولوية: ويحتمل كون السهم الذي جعله النبي للجد
كما في البعض الأول هو ما يرثه عند عدم الأبوين والأولاد، فإنه أيضا
مما لم يذكره الله سبحانه، دون ما يطعم استحبابا عند وجودهما.
المسألة الثانية: مقدار الطعمة هو سدس الأصل، وفاقا للمشهور،
لظهوره من لفظ السدس الوارد في الأخبار، وصريح رواية إسحاق
المتقدمة (2).
وقال الإسكافي: سدس نصيب المطعم (3)، لأن السدس يحتمل
الأمرين، والأقل ثابت قطعا، فينفي الزائد بالأصل.
وقال الفاضل في القواعد: أقل الأمرين من سدس الأصل وزيادة
نصيب المطعم من السدس مع الزيادة (4).
ولا دليل عليه، وظاهر الأخبار وصريح الرواية يدفعه، على أنه
لا يمكن فرض أقلية الزيادة مع وجودها عن سدس الأصل، فيرجع إلى
المشهور، إلا أن يكون من مذهبه استحباب الطعمة مع الولد أيضا، وهو
بعيد.
واحتج له بعض شراح القواعد: بأنه لو أطعمناهم سدس الأصل
مطلقا بقي الأب أو الأم في بعض الفروض بلا شئ، أو بأقل من نصيبهم،

(1) بصائر الدرجات: 381 / 13، الوسائل 26: 142 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 20 ح 17.
(2) في ص: 240.
(3) حكاه عنه في المسالك 2: 327.
(4) القواعد 2: 170.
250

مع أن في بعض الأخبار أن الأم لا تنقص من السدس أبدا (1).
وفيه: أنه لا استبعاد فيما ذكره بعد قول الشارع، سيما مع
الاستحباب. وأما بعض الأخبار الذي ذكره فإنه عام يجب تخصيصه، كما
أنه يخصص مثل رواية بكير المتقدمة: " الأم لا تنقص من الثلث أبدا إلا مع
الولد والإخوة إذا كان الأب حيا " (2).
مع أنه لو صلح ما ذكره للاستناد لأوجب سقوط الطعمة في تلك
الفروض، لا الأقل الذي ذكره، إذ لا دليل على إطعام الأقل، فتأمل.
المسألة الثالثة: هل تختص الطعمة بصورة عدم الولد أم تستحب
ولو كان ولد أيضا؟
الظاهر هو الأول، كما هو ظاهر الأصحاب كما صرح به في
المفاتيح (3)، للأصل، وعدم الدليل، فيقتصر على المتيقن.
قيل: الأخبار مطلقة.
قلنا: ممنوع، أما الأخبار الأخيرة فظاهرة. وأما أخبار إطعام النبي،
فلأن الثابت منها هو إطعام النبي في واقعة أو وقائع خاصة، وهي غير
صالحة للإطلاق أو العموم، فتكون مجملة، فيجب الأخذ بالمتيقن. وحمل
الإطعام على الأمر به تجوز لا يصار إليه إلا بدليل.
فإن قيل: إذا كانت الواقعة مجملة فمن أين تيقن الاستحباب عند
عدم الولد؟
قلنا: من الأخبار المقيدة المفصلة، كرواية إسحاق بن عمار

(1) انظر كشف اللثام 2: 291.
(2) راجع ص: 126.
(3) المفاتيح 3: 303.
251

المتقدمة (1)، والمرسلة المروية في الكافي، قال: أخبرني بعض أصحابنا أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطعم الجد السدس مع الأب، ولم يعطه مع وجود الولد (2).
ومن هذا يعلم عدم استحبابها مع ولد الولد أيضا لو قلنا بحجبه
للجد.
المسألة الرابعة: كما أنه لا تستحب للأبوين الطعمة عند وجود
الولد، كذلك لا تستحب للولد ولا لولده بدونهما الطعمة، والوجه ما مر.
المسألة الخامسة: وإذا عرفت أنه لا طعمة مع الولد ولا مع ولد الولد
تعرف أن المطعم - بالكسر - هو أحد الأبوين أو كلاهما، إذ لولاهما لكان
الجد وارثا فلا طعمة، وهذا هو المراد من قولهم أن المطعم أحد الأبوين.
المسألة السادسة: وإذا عرفت أن المطعم هو الأبوان أو أحدهما
فاعلم أنهم ذكروا أن كلا من الجدودة يطعم مع وجود من يتقرب به من
الأبوين، ولا يكفي وجود من يتقرب بالآخر، فمع الأب يطعم أبوه وأمه
ومع الأم يطعم أبوها وأمها، ولو فقد أحدهما فلا طعمة لمن يتقرب به.
وظاهر الكفاية والمفاتيح التردد (3).
والظاهر هو الأول، لأن الروايات بين مجملة ومبينة بوجود المتقرب
للمطعم - بالفتح - فيؤخذ بالمبين ويعمل بالأصل في غيره.
المسألة السابعة: سدس الأصل الذي يطعم به الجد والجدة، فهل
يخرج من التركة قبل القسمة، أو من نصيب من يتقرب به المطعم؟

(1) في ص: 240.
(2) الكافي 7: 115 / ذ. ح 16، الوسائل 26: 139 أبواب ميراث الأبوين والأولاد
ب 20 ح 8 وفيه: ولم يطعمه.
(3) الكفاية: 297، المفاتيح 3: 302.
252

الظاهر هو الثاني، لإجمال غير ما يبينه بهذا النحو، وهو رواية
إسحاق بن عمار المتقدمة (1).
المسألة الثامنة: قد صرحوا بأنه يشترط في استحباب إطعام كل من
الأبوين زيادة نصيبه عن السدس، فلو لم يحصل لأحدهما سوى السدس
كالأب في أبوين وزوج بدون الإخوة الحاجبة، والأم في أبوين وزوج مع
الإخوة لم تستحب له الطعمة. وهو كذلك، وإن كان ظاهر المفاتيح والكفاية
التردد (2).
لنا: ما مر من إجمال غير المبين بهذا النحو، وهو رواية ابن عمار،
فينفي غيره بالأصل. ويؤيده اختصاص الأخبار بحكم التبادر والاعتبار بما
إذا كان هناك للمطعم عن نصيبه زيادة.
المسألة التاسعة: هل يكفي في زيادة المطعم - بالكسر - عن
السدس مسمى الزيادة، أم يشترط كونها بقدر السدس؟
ذهب جماعة منهم: المحقق في الشرائع والفاضل في القواعد
والشهيد الثاني في المسالك إلى الأول (3).
وأخرى، منهم: المحقق في النافع والشهيد في اللمعة والدروس إلى
الثاني (4)، وفي الروضة إنه الأشهر (5).
وهو الأظهر، لوجهين أحدهما: ما مر من الإجمال والتفصيل في
رواية ابن عمار. وثانيهما: أن بعد القول بعدم الاستحباب عند وجود الولد

(1) في ص: 240.
(2) المفاتيح 3: 302، الكفاية: 297.
(3) الشرائع 2: 25، القواعد: 170، المسالك: 327.
(4) النافع: 268، اللمعة (الروضة البهية 8): 122، الدروس 2: 367.
(5) الروضة 8: 123.
253

لا تبقى صورة كانت الزيادة فيها أقل من السدس.
ومن هذا يظهر أنه لا ثمرة لهذا النزاع إلا عند من قال بالاستحباب مع
وجود الولد للميت أيضا.
المسألة العاشرة: مقتضى الأصل الذي أصلناه من إجمال الأخبار
اختصاص الاستحباب بما إذا كان للمطعم - بالكسر - جد واحد أو جدة
واحدة، دون ما إذا كانا له معا، لاختصاص المبين به، بل لعدم ظهور جميع
الأخبار إلا في الصورة الأولى خاصة، فيتمسك في نفي الطعمة في الثانية
بالأصل.
لكن الإجماع المركب - كما قيل - ينفي الفرق (1)، ولكون المقام مقام
التسامح يمكن الاكتفاء فيه بهذا الإجماع المنقول، ولكن يقع في المفصلة (2)
حينئذ في التقسيم، كما يأتي.
المسألة الحادية عشرة: لا يتوهم أن مقتضى الأصل المذكور
اختصاص الاستحباب بصورة عدم اجتماع المتقربين، فلا تستحب الطعمة
إذا كان جد أو جدة لأب وجد أو جدة لأم، إذ من الأخبار ما صرح فيه
بالاستحباب مع اجتماعهما، كرواية جميل المرسلة، قال: " إذا ترك الميت
جدتين أم أبيه وأم أمه فالسدس بينهما " (3).
وردها بظهورها في عدم وجود الأبوين، والانحصار في الجدتين،
فيكون مخالفا للإجماع.

(1) انظر الرياض 2: 352.
(2) في " س ": الفصلة.
(3) التهذيب 9: 313 / 1125، الإستبصار 4: 163 / 619، الوسائل 26: 140
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20 ح 12.
254

مدفوع، بأن ذكر السدس قرينة على عدم الانحصار، فيكون وجود
الأبوين محتملا، فلم يقطع بالمخالفة.
نعم جعل السدس الواحد بينهما لو كان مخالفا للإجماع لكان موجبا
لرد الحديث، وحينئذ فلا بد في تعميم الحكم بالإجماع المركب.
المسألة الثانية عشرة: وإذ عرفت أن الاستحباب ثابت في صورة
التعدد أيضا سواء كان المتعدد من طرف واحد أو من طرفين.
فنقول: إن المتعدد إذا كان من طرف واحد، بأن يكون هناك جد
وجدة لأم أو لأب، فالمشهور أن السدس الذي يطعمه أحدهما مشترك
بينهما، يقسم بالسوية ولا زيادة.
أما عدم الزيادة، فلأن الاستحباب في هذه الصورة إنما هو بالإجماع
المركب، والثابت منه ليس إلا مجرد الاستحباب، ولا أقل من السدس
إجماعا، فينفي الزائد بالأصل.
وأما التقسيم بالسوية فاستدل عليه بعدم مرجح لأحدهما بالسدس أو
زيادة. والقياس على التوريث باطل.
وفي هذا الاستدلال نظر، إذ لا يلزم من عدم المرجح ثبوت التسوية
بينهما، لأن الترجيح بلا مرجح إنما يلزم لو قلنا باختصاص واحد منهما
بالسدس أو الزيادة، أما لو قلنا بالتخيير في الأول أو الثاني فلا يلزم الترجيح
بلا مرجح، بل هو الحكم بين الشيئين عند عدم المرجح لأحدهما في
الشرعيات.
وتوضيح ذلك: أن هاهنا يتصور صور، إحداها: اختصاص أحدهما
بالسدس. والثانية: الاشتراك مع اختصاص أحدهما بزيادة. والثالثة:
الاشتراك مع التسوية. والرابعة: التخيير بين الاختصاص والاشتراك.
255

الخامسة: التخيير في الاختصاص بين كل واحد منهما. السادسة: التخيير
بين التسوية والتفاوت. السابعة: التخيير في الزيادة بين كل واحد منهما.
والمحذور الذي هو الترجيح بلا مرجح إنما يلزم لو قلنا بالأولى أو
الثانية، دون البواقي، فاختيار واحد منها لا وجه له.
نعم يمكن إثبات أصل الاشتراك بالإجماع. وأما التسوية فمحل تردد
وإشكال.
وما ذكرنا في إبطال التمسك بالترجيح بلا مرجح هنا يجري في غير
ذلك الموضع من أمثاله، مما تمسكوا به فيه، فليكن في ذكر منك.
وإن كان من طرفين، فظاهر الأكثر أن لكل من يتقرب من طرف
واحد السدس، فيستحب إطعام السدسين للأبوين.
ولا دلالة في الأخبار على ذلك، ومرسلة الجميل صريحة في خلافه،
فالأخذ بمضمونها متبع، إلا أن يدعى الإجماع على خلافه، وهو غير محقق
عندي.
وقول الشيخ في التهذيب: إن هذا الخبر غير معمول عليه (1)، فإنما
هو لأجل ما يستفاد من ظاهره، أن الجدة تستحق الطعمة مع عدم وجود
ولدها، كما يشعر به كلمات الشيخ (2)، لا لأجل كون السدس بينهما. وبعد
ما ذكرنا من أن المراد ليس الانحصار فلا يكون هذا الخبر غير معمول عليه
من هذه الجهة أيضا.
وكلام صاحب المفاتيح ظاهر في الاكتفاء بالسدس (3)، وعلى هذا

(1) التهذيب 9: 313.
(2) التهذيب 9: 313.
(3) الوافي 3 الجزء 13: 129.
256

فيقسم السدس بين الأربع أو الثلاث أو الاثنين سوية.
المسألة الثالثة عشرة: هل يختص الجد والجدة بالقريبين أم يعمان
البعيدين أيضا؟
صرح الفاضل في القواعد بالأول (1). وهو الأظهر، للأصل، وإجمال
الأخبار، وتبادر القريب من لفظ الجد والجدة، بل صحة السلب بالنسبة إلى
البعيد.
واستوجه بعض معاصرينا الثاني، تمسكا بإطلاق النص والفتوى.
والإطلاق ممنوع، لما عرفت من الإجمال، ولو سلم فينصرف إلى
أفراده الشائعة.
المسألة الرابعة عشرة: روى الشيخ في الموثق، عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
عن أبيه (عليه السلام): قال: " أطعم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الجدتين السدس، ما لم يكن
دون أم الأم أم ولا دون أم الأب أب " (2).
ويحتمل أن يكون معنى قوله: " دون أم الأم أم " أي أم أم الأم، وكذا
معنى قوله: " دون أم الأب أب " أي أب أم الأب، فيكون المعنى: أنه (صلى الله عليه وآله)
أطعمهما حين عدم وجود الجد البعيد، وعلى هذا فلا منافاة بين هذه الرواية
وبين شئ من الأحكام المتقدمة، بل يكون مضمونها موافقا لمرسلة الجميل.
وأن يكون معناه انتفاء أم الميت وأبيه.
وحينئذ فإما يكون معنى قوله " أطعم الجدتين " أطعم كلا منهما، حتى
يمكن أن يكون إطعام كل واحد منهما في واقعة. ويمكن أن يكون إطعام

(1) القواعد 2: 171.
(2) التهذيب 9: 313 / 1126، الإستبصار 4: 163 / 620، الوسائل 26: 141
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20 ح 14.
257

أم الأم مع وجود الأب، وإطعام أم الأب مع وجود الأم. وعلى هذا فتكون
الرواية منافية للحكم المذكور في السادسة.
أو يكون معنى قوله: " أطعم الجدتين " أنه أطعمهما معا حتى يكون
في واقعة واحدة، وحينئذ فلا يمكن أن يكون ذلك في صورة عدم الولد
ولا ولد الولد، ولا شئ من الإخوة، لأن تمام التركة حينئذ للجدتين. فإما
يكون مع بعض من الإخوة بحيث يكون إرث الجدتين السدس، ولكنه
خلاف الظاهر من قوله أطعم. أو مع الولد أو ولد الولد وحينئذ فتكون
منافية لما ذكر في الرابعة والسادسة.
وتحتمل الرواية محامل أخرى أيضا، وبعد قيام تلك الاحتمالات
الكثيرة فتكون مجملة غير ناهضة لإبطال شئ من الأحكام المذكورة.
ولو أبيت عن جميع الاحتمالات المذكورة أو المتصورة غير أن يكون
المراد أطعمهما معا عند عدم أب الميت وأمه، لأجل كون البواقي موجبة
لارتكاب خلاف ظاهر أو أصل من تقدير أو تجوز، فنقول: إن إطعامهما
عند عدمهما يمكن أن يكون مع وجود الولد أو ولد الولد، فلا يمكن أن
يخرج عن مقتضى الأصل في شئ من الصورتين بهذه الرواية، لإمكان
كون القضية واقعة في الصورة الأخرى، هذا، مع ما في هذه الرواية من
كونها متروك العمل بها، كما صرح به الشيخ في التهذيب (1).

(1) التهذيب 9: 113.
258

الفصل الثاني
في ميراث الإخوة والأجداد
ويعبر عن الإخوة بالكلالة، من الكل، وهو الثقل، لكونها ثقلا على
الرجل، لقيامه بمصالحهم مع عدم التولد (1) الموجب لمزيد الإقبال والخفة
على النفس. أو من الإكليل، وهو ما يزين بالجوهر شبه العصابة، لإحاطتهم
بالرجل كإحاطته بالرأس.
وفيه [خمسة] (2) أبحاث:
البحث الأول:
في ميراث الإخوة إذا لم يكن معهم جد
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا يحجب الإخوة ولا الأخوات عن الإرث أحد
خلقه الله غير الأبوين والأولاد وأولاد الأولاد وإن نزلوا، بالإجماع،
للأقربية، وخصوصيات الأخبار الواردة في الموارد الجزئية، كما يأتي.
المسألة الثانية: إذا فقد الأبوان والأولاد وأولادهم فلا يرث مع
الإخوة أو الأخوات أحد غير الجدودة والزوجين إجماعا، لما مر. وفي ابن
الأخ للأبوين مع الأخ للأم خلاف يأتي.

(1) في " ح ": التوالد، وفي " ق ": ولد.
(2) في " ح " و " ق " و " س ": أربعة، والصحيح ما أثبتناه.
259

المسألة الثالثة: إذا انفرد الأخ للأب والأم كان له المال كله بالقرابة،
للإجماع، ومنع الأقرب للأبعد، وأحقية السابق، وقول أبي جعفر (عليه السلام) في
صحيحة بكير - الطويلة -: " فإن الله قد سمى للأخ الكل " (1).
وصحيحته الأخرى: عن أختين وزوج، فقال: " النصف والنصف "
فقال الرجل: أصلحك الله قد سمى الله لهما أكثر من هذا: لهما الثلثان،
فقال: " ما تقول في أخ وزوج؟ " فقال: النصف والنصف، فقال: " أليس قد
سمى الله له المال فقال: * (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) * " (2).
ورواية موسى بن بكر: قال، قلت لزرارة: إن بكيرا حدثني عن
أبي جعفر (عليه السلام): " أن الإخوة للأب والأخوات للأب والأم يزادون وينقصون
لأنهن لا يكن أكثر نصيبا من الإخوة والأخوات للأب والأم لو كانوا
مكانهن، لأن الله تعالى يقول: * (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت
فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) * يقول: يرث جميع
مالها إن لم يكن لها ولد، فأعطوا من سمى الله له النصف كملا، وعمدوا
فأعطوا الذي سمى الله له المال كله أقل من النصف، والمرأة لا تكون أبدا
أكثر نصيبا من رجل لو كان مكانها " قال: فقال زرارة: وهذا قائم عند
أصحابنا لا يختلفون فيه (3).
والأخ وإن كان مطلقا إلا أنه خرج المتقرب بالأم بالكتاب والسنة كما

(1) الكافي 7: 102 / 4، الفقيه 4: 202 / 677، التهذيب 9: 291 / 1046،
الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 3 ح 3.
(2) التهذيب 9: 293 / 1048، الوسائل 26: 154 أبواب ميراث الإخوة والأجداد
ب 3 ح 1.
(3) الكافي 7: 104 / 7، التهذيب 9: 319 / 1148، الوسائل 26: 152 أبواب
ميراث الإخوة والأجداد ب 2 ح 2.
260

يأتي، والمروي في تفسير علي الآتي.
وإذا كانوا متعددين كان لهم المال بالسوية. أما الأول فللإجماع،
والأقربية، والأحقية، ولأنه لما كان المال كله للواحد فالتعدد أولى بذلك.
وأما الثاني فللإجماع.
ولو كانت معه أو معهم أخت أو أخوات من الأبوين فالمال كله
للكل، للذكر مثل حظ الأنثيين، للإجماع، وقوله سبحانه: * (وإن كانوا
إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) * (1).
وإطلاق الإخوة مقيد بما ذكرنا، بالأخبار، كما يأتي، وصحيحة بكير
وفيها: قال " وقال في آخر سورة النساء: * (يستفتونك قل الله يفتيكم في
الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت) * - يعني أختا لأم وأب أو
أختا لأب - * (فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد وإن
كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) * فهم الذين يزادون
وينقصون " الحديث (2).
وقريبة منها صحيحة محمد (3).
ولو انفردت أخت لأب وأم كان لها النصف فرضا والباقي ردا.
أما الأول: فللإجماع، وقوله تعالى: * (إن امرؤا هلك ليس له ولد
وله أخت فلها نصف ما ترك) * (4).

(1) النساء: 176.
(2) الكافي 7: 101 / 3، الفقيه 4: 202 / 676، التهذيب 9: 290 / 1045، الوسائل
26: 154 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 3 ح 2.
(3) الكافي 7: 103 / 5، الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 3 ذيل
الحديث 3.
(4) النساء: 176.
261

وإطلاق الأخت مقيد بما ذكر بالنسبة، كما مر.
وأما الثاني: فللإجماع ومنع الأقرب للأبعد، وأحقية السابق، ورواية
سليمان بن خالد المتقدمة: " إذا كان وارث ممن له فريضة فهو أحق
بالمال " (1).
وقول الباقر (عليه السلام) في رواية بكير - المتقدمة مكررا - " لأن الله قد سمى
لهم ".
وخصوص ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره، عن أبيه، عن ابن
أبي عمير، عن ابن أذينة، عن بكير، عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: " إذا مات
الرجل وله أخت تأخذ نصف الميراث بالآية كما تأخذ الابنة لو كانت،
والنصف الباقي يرد عليها بالرحم، إذا لم يكن للميت وارث أقرب منها،
فإن كان موضع الأخت أخ أخذ الميراث كله بالآية، لقول الله * (وهو يرثها
إن لم يكن لها ولد) * فإن كانتا أختين أخذتا الثلثين بالآية والثلث الباقي
بالرحم " الحديث (2).
ولو كانوا أختين أو أخوات من الأبوين كان لهما أو لهن الثلثان
والباقي يرد عليهما أو عليهن. أما الأول - فبعد الإجماع - لقوله تعالى:
* (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * (3) وأما الثاني فلما مر.
المسألة الرابعة: إذا انفرد الأخ أو الأخت للأم كان له أو لها المال،
السدس بالفرض، والباقي بالرد، بالإجماع فيهما.

(1) التهذيب 9: 326 / 1171، 26: 188 أبواب ميراث الأعمام والأخوال ب 2 ح 7،
وقد تقدم صدر الحديث في ص 189.
(2) تفسير القمي 1: 159، الوسائل 26: 153 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 2
ح 5.
(3) النساء: 176.
262

ويدل على الأول قوله تعالى: * (وإن كان رجل يورث كلالة أو
امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) * (1).
ويدل على أن المراد بالأخ والأخت في الآية ما كان من الأم خاصة
- بعد الإجماع - أخبار كثيرة، منها صحيحة محمد، وفيها: " والذي عنى الله
في قوله: * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل
واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) *
إنما عنى بذلك الإخوة والأخوات من الأم خاصة " (2).
وعلى الثاني ما مر في الرد على الأخت والأختين للأبوين.
ويدل على أن الأخ للأم يجمع المال كله - مضافا إلى ما مر - صحيحة
ابن سنان: عن رجل ترك أخاه لأمه لم يترك وارثا غيره، قال: " المال
له " (3).
ولو كان المتقرب بالأم متعددا سواء كانوا اثنين أو أكثر، ذكورا أو
إناثا، أو ذكورا وإناثا، كان المال لهما أو لهم، الثلث بالفرض، والباقي
بالرد، بالإجماع.
ويدل على الأول قوله تعالى: * (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء
في الثلث) * (4).
وعلى الثاني ما سبق.

(1) النساء: 12.
(2) الكافي 7: 103 / 5، الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 3 ذيل
الحديث 3.
(3) الكافي 7: 111 / 1، الفقيه 4: 206 / 688، التهذيب 9: 307 / 1096، الإستبصار
4: 159 / 600، الوسائل 26: 172 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 8 ح 1.
(4) النساء: 12.
263

ويقتسمون المال بالسوية، سواء كانوا ذكورا أم إناثا، أم ذكورا وإناثا،
بالإجماع القطعي، ونقله جمع كثير أيضا، منهم الكليني في الكافي (1)،
وصاحب مجمع البيان، قال: ولا خلاف بين الأمة في أن الإخوة والأخوات
من قبل الأم متساوون في الميراث (2).
وهو الحجة في ذلك، مضافا إلى ما رواه مسمع: عن رجل مات
وترك إخوة وأخوات لأم وجدا، فقال: " الجد بمنزلة الأخ من الأب، له
الثلثان، وللإخوة والأخوات من الأم الثلث، فهم فيه شركاء سواء " (3).
وقول الرضا (عليه السلام) في فقهه: " فإن ترك أختين أو أخوين أو أخا أو
أختا لأم أو أكثر من ذلك وجدا، فللإخوة والأخوات من الأم الثلث بينهم
بالسوية، وما بقي فللجد " (4).
والمرسلة المروية في المجمع، وفيها: " ومتى اجتمع قرابة الأب مع
قرابة الأم مع استوائهم في الدرج كان لقرابة الأم الثلث بينهم بالسوية،
والباقي لقرابة الأب للذكر مثل حظ الأنثيين " (5).
وصحيحة محمد الآتية في المسألة الحادية عشرة (6).
إلا أن هذه الروايات وإن كان بعضها مختصا بصورة وجود الجد

(1) الكافي 7: 111.
(2) مجمع البيان 2: 17.
(3) الكافي 7: 111 / 3، التهذيب 9: 307 / 1098، الإستبصار 4: 159 / 602،
الوسائل 26: 173 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 8 ح 4.
(4) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 289، مستدرك الوسائل 17: 182 أبواب ميراث الإخوة
والأجداد ب 7 ح 3.
(5) مجمع البيان 2: 18، الوسائل 26: 65 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 5.
(6) انظر ص: 276.
264

وبعضها بصورة وجود قرابة الأب إلا أن بالإجماع المركب يتم المطلوب.
وقد يستدل للتعميم بعدم مدخلية وجودهم في التسوية بين الإخوة.
وقد تنفى المدخلية بأصالة عدمها.
وفيه: أن للتسوية علة لا محالة، فيحتمل أن تكون هي التقرب بالأم
أو وجود الجد أو غيرهما، وكما أن الأصل يجري في وجود الجد وقرابة
الأب يجري في غيره أيضا.
وتدل على ذلك أيضا رواية أبي عمر العبدي، عن علي بن
أبي طالب (عليه السلام)، وفيها: " ولا تزاد الإخوة من الأم على الثلث، ولا ينقصون
من السدس، وهم فيه سواء الذكر والأنثى " الحديث (1).
وقال الفضل: هذا حديث صحيح (2).
وشهادته هذا كافية في حجيته، ولكنها مخصوصة بالثلث والسدس،
وإن كان الإجماع المركب كافيا للتعدية.
وقد يستدل على التسوية ببطلان الترجيح بلا مرجح.
وفيه ما مر (3)، فإن بعد ثبوت الاشتراك يحتمل التسوية والاختلاف
والتخيير بينهما، ثم على الاختلاف يحتمل اختصاص واحد معين بالزيادة
أو التخيير، ولزوم المحذور إنما هو على القول باختصاص الواحد المعين
دون غيره. على أن عموم أخبار تفضيل الرجال على النساء يرجح
تخصيص الرجال بالزيادة، فلا يلزم الترجيح بلا مرجح.

(1) الفقيه 4: 188 / 657، التهذيب 9: 249 / 964، العلل: 569 / ذ. ح 4، الوسائل
26: 81 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 12.
(2) حكاه عنه في الفقيه 4: 189.
(3) في ص 253.
265

وقد يستدل عليها أيضا باقتضاء إطلاق الشركة التسوية فيما اشترك
فيه.
ولا يخفى أن المراد إما اقتضاؤه لغة أو عرفا أو باعتبار دليل يدل
عليه. والاقتضاء اللغوي مفقود، لكونه موضوعا للقدر المشترك بين التسوية
والتفاوت. وكذا العرفي، لاستعماله عرفا في المعنيين، وصحة الاستفهام
عن كيفية الشركة.
نعم إن أريد الاقتضاء في عرف الشرع باعتبار أن التسوية هو المراد
من الشركة حيث أطلقت، لكان له وجه، ولكن تحقق الحقيقة الشرعية فيها
غير معلوم، بل انتفاؤها معلوم، ومجرد أكثرية الاستعمال لا توجب جواز
الحمل عند الإطلاق. وأما فهم الأصحاب من المفسرين والعلماء منها
التسوية فيما نحن فيه فيمكن أن يكون باعتبار القرينة.
وأما الدليل على وجوب حمل الشركة المطلقة على التسوية فلم أعثر
عليه، ولزوم الترجيح بلا مرجح لا يفيدها كما مر.
فإن قيل: الأصل عدم اختصاص أحدهما بالزيادة.
قلنا: لو لم يختص لكانت الزيادة بينهما سوية، فيلزم اختصاص كل
منهما بنصفه، والأصل عدمه أيضا.
وبالجملة لا دليل على التسوية سوى الإجماع المعلوم تحققه قطعا
بالتتبع والنقل، المؤيد بالأخبار المذكورة (1)، وهو كاف في إثبات المطلوب.
المسألة الخامسة: حكم المتقرب بالأب وحده حكم المتقرب
بالأبوين - حال عدم المتقرب بهما - في الإرث والتقسيم، بالإجماع،

(1) راجع ص: 261 و 262.
266

والعمومات الدالة على حكم الأخ مطلقا (1)، وعمومات تفضيل الرجال على
النساء، خرج المتقرب بالأم وحدها بالدليل فيبقى الباقي، وخصوص
صحيحتي بكير ومحمد ورواية موسى بن بكر المتقدمة في المسألة
الثالثة (2).
ويدل عليه أيضا صدر الصحيحتين المتقدمتين (3) وهو أنه قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): امرأة تركت زوجها وإخوتها لأمها وإخوتها وأخواتها
لأبيها، فقال: " للزوج النصف ثلاثة أسهم، وللإخوة من الأم الثلث للذكر
والأنثى فيه سواء، وما بقي فهو للإخوة وللأخوات من الأب للذكر مثل حظ
الأنثيين ".
وعلى هذا فلو انفرد الأخ أو الأخت للأب حاز المال كله، لكن الأول
جمعه بالقرابة، والثانية النصف بها والباقي بالتسمية. وكذا الإخوة
والأخوات المتعددون، لكن فريضتهن الثلثان والباقي بالقرابة، ويقتسمون
بالسوية مع التساوي في الذكورة والأنوثة، وبالتفاوت مع الاختلاف فيهما
للذكر مثل حظ الأنثيين.
المسألة السادسة: إذا اجتمعت الإخوة أو الأخوات المتفرقون في
جهة التقرب فيسقط المتقرب بالأب وحده، سواء كان ذكرا أو أنثى أو ذكرا
وأنثى، واحدا أو متعددا، إذا كان معه واحد من المتقرب بالأبوين سواء كان
معهم متقرب بالأم أيضا أو لا، فلا يرث أصلا لا من الفريضة ولا من القرابة.
والدليل عليه - بعد الإجماع المحقق والمحكي في كلام جماعة،

(1) الوسائل 26: 152 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 2.
(2) راجع ص: 258.
(3) في ص: 259.
267

منهم الفضل بن شاذان من قدماء الطائفة (1)، والسيد في الانتصار (2) -:
صحيحة يزيد الكناسي وفيها: " أخوك لأبيك وأمك أولى بك من أخيك
لأبيك " (3).
وقول الرضا (عليه السلام) في فقهه: " فإذا ترك الرجل أخاه لأبيه وأخاه لأمه
وأخاه لأبيه وأمه فللأخ من الأم السدس، وما بقي فللأخ من الأم والأب،
وسقط الأخ من الأب، وكذلك إذا ترك ثلاث أخوات متفرقات
[فللأخت] (4) من الأم السدس، فما بقي فللأخت من الأم والأب " (5).
ورواية الحسن بن عمارة: قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " أيما أقرب
ابن عم لأب وأم أو عم لأب؟ " قال، قلت: حدثنا أبو إسحاق السبيعي،
عن الحارث الأعور، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه كان
يقول: " أعيان بني الأم أقرب من بني العلات " قال: فاستوى جالسا [ثم]
قال: " جئت بها من عين صافية، إن عبد الله أبا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخو
أبي طالب لأبيه وأمه " (6).
ورواية الحارث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): قال: " أعيان بني الأم يرثون
دون بني العلات " (7).

(1) انظر الكافي 7: 105.
(2) الإنتصار: 301.
(3) الكافي 7: 76 / 1، التهذيب 9: 268 / 974، الوسائل 26: 63 أبواب موجبات
الإرث ب 1 ح 2.
(4) ما بين المعقوفين أثبتناه من البحار 104: 343 / 12.
(5) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 288، مستدرك الوسائل 17: 178 أبواب ميراث الإخوة
والأجداد ب 3 ح 4.
(6) التهذيب 9: 326 / 1172، الإستبصار 4: 170 / 644، الوسائل 26: 192
أبواب ميراث الأعمام والأخوال ب 5 ح 2، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.
(7) التهذيب 9: 327 / 1174، الوسائل 26: 182 أبواب الإخوة والأجداد ب 13 ح 2.
268

ومرسلة الفقيه عن النبي (صلى الله عليه وآله): " أعيان بني الأم أحق بالميراث من
ولد العلات " (1).
أقول: والعلة كالضرة زنة ومعنى، مأخوذ من العل، وهو شرب الإبل
مرة بعد أخرى، يقال لها: نهل - محركة - فيقال: عل بعد نهل، والنهل أن
يشرب أولا ثم يترك، حتى يسري الماء في عروقه ثم يشرب، فكأن من
تزوج بامرأة بعد أخرى نهل بالأولى ثم عل بالثانية.
قال في النهاية: وفيه " الأنبياء أولاد علات " أولاد العلات الذين
[أمهاتهم] (2) مختلفة وأبوهم واحد، أراد أن إيمانهم واحد وشرائعهم
مختلفة، ومنه حديث علي (عليه السلام): " يتوارث بنو الأعيان من الإخوة دون بني
العلات " أي يتوارث الإخوة من الأب والأم وهم الأعيان، دون الإخوة
للأب إذا اجتمعوا معهم، مأخوذ من عين الشئ وهو النفيس منه. وبنو
العلات الإخوة لأب واحد وأمهاتهم شتى. فإذا كانوا لأم واحدة وآباء شتى
فهم الأخياف (3)، انتهى.
وعلى ما ذكره من تفسير الأعيان بالإخوة تكون الإضافة في قوله:
" أعيان بني الأم " بيانية. وأما ما رواه من حديث علي من قوله " بنو الأعيان
من الإخوة " فهو لا يلائم ذلك، لأن فيه فسر بني الأعيان بالإخوة، إلا أن
يجعل قوله: " من الإخوة " بيانا للأعيان.
وبالجملة بعد تفريعه (عليه السلام) في رواية ابن عمار أولوية عبد الله
وبملاحظة تفسير اللغويين (4) يعلم أن المراد هو تقديم المتقرب بالأبوين

(1) الفقيه 4: 199 / 675، الوسائل 26: 183 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 13
ح 4. وفيهما: بني العلات.
(2) في النسخ: آبائهم، وما أثبتناه موافق للمصدر.
(3) النهاية الأثيرية 3: 291 و 333.
(4) انظر الصحاح 5: 1773، لسان العرب 11: 470.
269

على المتقرب بالأب، فيدل على المطلوب.
وضعف أسنادها بعد انجبارها بالشهرة وشهادة الصدوق في المقنع:
بأنه خبر صحيح وارد عن الأئمة (1) غير ضائر، ومراده من الصحة هي
الصحة بطريقة القدماء.
واستدل في الشرائع على ذلك تبعا للمفيد في مثله: بأن المتقرب
بالأبوين اجتمع فيه السببان وبالأب يتقرب بسبب واحد، والمتقرب
بالسببين أحق من المتقرب بسبب (2). واستدل المفيد على أحقيته بآية أولي
الأرحام (3).
ولا يخفى ما فيه: أما أولا، فلعدم دليل على أحقية المتقرب
بالسببين، ولا دلالة للآية. وأما ثانيا، فبالانتقاض بالمتقرب بالأم، وغير
ذلك.
ثم لا يخفى أنه يمكن أن يستدل على مانعية المتقرب بالأبوين
للمتقرب بالأب وحده، بمنع الأقرب للأبعد، والمراد من الأقرب ما صدق
عليه الأقرب عرفا، سواء كان لأجل أقلية الواسطة أو لأشدية الارتباط
والانتساب، ولا شك أن المتقرب بالأبوين أقرب عرفا وأشد ارتباطا، بل
جهة قربه إلى الميت أيضا أكثر من المتقرب بأحدهما فيجب حجبه له،
خرج المتقرب بالأم وحدها بالإجماع، فيبقى الباقي.
وعلى هذا فتكون المسألة باقية على مقتضى الأصل الثابت المخصص
لعمومات الإرث سالمة عن المعارض، ويمكن أن يكون نظر المحقق

(1) لم نعثر عليه في المقنع وهو موجود في الفقيه 4: 212.
(2) الشرائع 4: 26.
(3) المقنعة: 693.
270

والمفيد إلى ذلك أيضا.
المسألة السابعة: إذا اجتمعت الكلالتان كلالة الأم وكلالة الأبوين،
فلكلالة الأم السدس مع الوحدة، والثلث مع التعدد، والباقي لكلالة الأبوين
إجماعا إن كانت غير ذات فرض، بأن كانت ذكرا، أو ذكرا وأنثى.
والدليل عليه - بعد الإجماع - قول الرضا (عليه السلام) في فقهه المتقدم ذكره،
وأن كلالة الأبوين بمنزلة قريبة إذا لم تكن ذات فرض دون كلالة الأم
لكونها ذات فرض، فإن الأخبار المصرحة بأن كل ذي رحم بمنزلة الرحم
الذي يجربه (1) مخصوصة بذي رحم (لم يكن) (2) له فريضة، إذ معها
لا معنى للتنزيل، وقد صرح بذلك الاختصاص في بعض تلك الأخبار
أيضا.
وعلى هذا فيلزم أن يكون تمام المال لكلالة الأبوين، لأنه بمنزلة
الأب والأم، وكلالة الأم لا يرث معه، خرج السدس أو الثلث بالإجماع
والنص، فيبقى الباقي.
وإن كانت كلالة [الأبوين] (3) ذات فرض فإن لم تزد التركة عن
فرضها وفرض كلالة الأم، كأختين للأبوين والإخوة والأخوات للأم
فلا إشكال.
وإن زادت التركة فيأخذ كل ذي فرض فرضه. وهل يرد الزائد على
كلالة الأبوين خاصة؟
أو يرد عليهما على قدر نصيبهما، فيرد أخماسا إذا كان أخ أو أخت

(1) الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2.
(2) ما بين القوسين ليس في " س ".
(3) في النسخ: الأب، والظاهر هو سهو.
271

لأم وأختان فصاعدا للأبوين، أو كان إخوة أو أخوات لأم وأخت للأبوين،
وأرباعا إذا كان أخ أو أخت للأم وأخت للأبوين؟
الأول هو المشهور بين الأصحاب، بل عليه عامة المتأخرين، بل
سوى الفضل والعماني كما في الكفاية (1)، وفي السرائر (2) بل في كلام
جماعة كما في المسالك (3) بل في كلام أكثر علمائنا كما في المختلف:
الإجماع عليه (4)، وهو الحق.
والثاني للفضل (5)، والعماني (6).
لنا: قول علي (عليه السلام) في رواية العبدي التي شهد الفضل بصحتها كما
مر: " ولا تزاد الإخوة من الأم على الثلث " (7).
وقول الرضا (عليه السلام) في فقهه المتقدم (8).
وقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم وغيرها (9)، مشيرا
إلى كلالة الأبوين والأب " فهم الذي يزادون وينقصون " الدال على الحصر.

(1) الكفاية: 298.
(2) السرائر 3: 260.
(3) المسالك 2: 327.
(4) المختلف: 738.
(5) حكاه عنه في الكافي 7: 106.
(6) حكاه عنه في المختلف: 738.
(7) راجع ص: 263.
(8) في ص: 266.
(9) راجع ص: 259.
272

ويؤكد ذلك قول الكليني في باب بيان الفرائض: والإخوة والأخوات
من الأم لا يزادون على الثلث ولا ينقصون عن السدس، والذكر والأنثى فيه
سواء، وهذا كله مجمع عليه (1)، انتهى.
وقد يستدل على المطلوب: بأن كلالة الأبوين يتقرب بسببين دون
كلالة الأم، فتكون وصلته أقوى، فهو أولى بالرد (2).
وفيه نظر، إلا أن يكون مراده أن التقرب بالسببين يوجب الأقربية
عرفا، فيمنع المتقرب بالسبب الواحد، خرج فرضه بالدليل، فيبقى الباقي
تحت المنع، وله وجه.
ولم أعثر للمخالف على حجة سوى ما يتوهم من التساوي في القرب
وعدم أولوية البعض.
وفيه: أن عدم الأولوية ممنوع، فإن النص يفيد أولوية البعض.
ويمكن أن يحتج له بما احتجوا به على الرد على البنتين وأحد
الأبوين من رواية بكير المتقدمة في مسألة ميراث أحد الأبوين والبنتين،
ووجه الاستدلال والجواب ما مر فيها (3).
المسألة الثامنة: إذا اجتمعت الكلالتان كلالة الأم وكلالة الأب
خاصة، فلكلالة الأم السدس مع الوحدة، والثلث مع التعدد، والباقي لكلالة
الأب إجماعا، إن كانت غير ذا فرض، لمثل ما مر في كلالة الأبوين.
وإن كانت ذا فرض فلا إشكال مع عدم زيادة التركة على الفرائض

(1) الكافي 7: 74.
(2) انظر السرائر 3: 260، والمفاتيح 3: 326.
(3) راجع ص: 176 - 177، ولا يخفى أنه (رحمه الله) لم يجب عن الاستدلال بتلك الرواية
في مسألة اجتماع أحد الأبوين مع البنتين، فراجع.
273

أيضا، ومعها فيأخذ كل ذي فرض فرضه. والزائد يرد على كلالة الأب
خاصة، وفاقا للشيخين والصدوق والقاضي والتقي وابن حمزة ونجيب الدين (1)
والفاضل في بعض كتبه (2) وأكثر المتأخرين كما في المسالك والكفاية (3)،
لا على الكلالتين أرباعا أو أخماسا كما اختاره الشيخ في المبسوط
والإسكافي والفضل والعماني وابن زهرة والحلي والمحقق والكيدري
والتحرير (4)، ولا يتردد كظاهر القواعد (5).
لنا: أن النقص يدخل على كلالة الأب فيلزم أن تكون الزيادة له.
أما دخول النقص عليها فلما يأتي.
وأما لزوم كون الزيادة لمن عليه النقصان فلحسنة ابن أذينة: قال، قال
زرارة: إذا أردت أن تلقي العول (6) فإنما يدخل النقصان على الذين لهم
الزيادة من الولد والإخوة من الأب، وأما الزوج والإخوة من الأم فإنهم
لا ينقصون مما سمي لهم شيئا (7).

(1) المفيد في المقنعة: 690، الطوسي في النهاية: 638، الصدوق في المقنع:
172، القاضي في المهذب 2: 135، 136، 138، التقي في الكافي في الفقه:
372، ابن حمزة في الوسيلة: 389، نجيب الدين في الجامع للشرائع: 513.
(2) كالمختلف: 738.
(3) المسالك 2: 327، الكفاية: 298.
(4) المبسوط 4: 73، نقله عن الإسكافي والعماني في المختلف: 738، وحكاه عن
الفضل في المسالك 2: 327، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607، الحلي
في السرائر 3: 260، المحقق في الشرائع 4: 27 والنافع: 269، ونقله عن
الكيدري في الكفاية: 298، التحرير 2: 164.
(5) القواعد 2: 172.
(6) في " ق " و " س ": القول.
(7) الكافي 7: 82 / 1، التهذيب 9: 250 / 965، الوسائل 26: 76 أبواب موجبات
الإرث ب 7 ح 1.
274

وجه الدلالة: أنها تدل على أن النقص منحصر بمن له الزيادة، فكل
من يكون عليه النقصان يلزم أن تكون له الزيادة.
واعترض عليه: بالنقص بالبنت مع الأبوين، فإن الزيادة للجميع مع
أن النقصان ليس إلا على البنت (1).
وأجاب في الكفاية: بأن الأبوين أيضا يدخل النقص عليهما، لأن
فريضتهما مختلفة (2).
ويرد عليه: أنه إن أردت بدخول النقص بأن كان له فريضة أنقص من
فريضة أخرى فليست كلالة الأب كذلك، وإن أردت مطلق النقص فكلالة
الأم أيضا كذلك، إذ يدخل عليهم النقص بدخول الجد والجدة للأم.
فالمراد بالنقص: اللازم عند تحقق العول كما تشعر به الحسنة أيضا،
ولا شك أن الأبوين لا يدخل عليهما هذا النقص.
ولنا أيضا: موثقة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): في ابن أخت لأب
وابن أخت لأم قال: " لابن الأخت للأم السدس، ولابن الأخت للأب
الباقي " (3).
وجه الاستدلال: أنه قد وقع التصريح في أخبار كثيرة بأن كل ذي
رحم لم تكن له فريضة فهو بمنزلة قريبه، فتدل هذه الأخبار بعمومها أن
ابن الأخت للأب بمنزلة الأخت له، وقد بينا سابقا ونبين بعد ذلك أيضا أنه
بمنزلته في قدر الميراث، فيعلم بذلك أن قدر ميراث ابن الأخت للأب هو

(1) انظر المسالك 2: 328.
(2) الكفاية: 298.
(3) التهذيب 9: 322 / 1157، الإستبصار 4: 168 / 637، الوسائل 26: 162
أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 5 ح 11.
275

قدر ميراث الأخت، فيلزم من ذلك أن يكونا متساويين في الميراث، إذ
لو كان لأحدهما ما ليس للآخر لم يكن هذا بمنزلته، فإذا كان لابن الأخت
للأب الذي هو بمنزلة الأخت له الفرض والرد مع ابن الأخت للأم الذي
بمنزلة الأخت لها فيكون كذلك الأخت له مع الأخت لها.
ولنا أيضا: رواية العبدي المتقدمة (1)، والحصر المستفاد من
الصحيحة وغيرها (2)، وقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيحة يزيد الكناسي:
" وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك " (3) حيث دل على أولويته منه
في جميع المال، خرج المجمع عليه، فيبقى الباقي.
والمرسلة المروية في المجمع وفيها: " ويصح اجتماع الكلالتين معا،
لتساوي قرابتهما، وإذا فضلت التركة يرد الفاضل على كلالة الأب والأم، أو
الأب، دون كلالة الأم " (4).
احتج المخالف بما احتج به المخالف في المسألة السابقة. والجواب
الجواب.
المسألة التاسعة: إذا اجتمعت كلالة الأم مع أحد الزوجين، فللكلالة
السدس أو الثلث، ولأحدهما النصف أو الربع، والزائد يرد على الكلالة
دون أحدهما.
أما عدم الرد على أحدهما فللإجماع، مضافا إلى موثقة جميل عن

(1) في ص: 263.
(2) راجع ص 259 و 260.
(3) الكافي 7: 76 / 1، التهذيب 9: 268 / 974، الوسائل 26: 171 أبواب ميراث
الإخوة والأجداد ب 7 ح 4.
(4) مجمع البيان 2: 18، الوسائل 26: 65 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 5.
276

أبي عبد الله (عليه السلام): قال: " لا يكون الرد على زوج ولا على زوجة " (1).
وأما الرد عليها فلبطلان التعصيب.
المسألة العاشرة: إذا اجتمعت كلالة الأب أو الأبوين مع أحدهما،
فإن لم تكن الكلالة من ذوي الفروض - وهذا إذا كانت الكلالة ذكرا أو ذكرا
وأنثى - فلأحدهما النصيب الأعلى، والباقي للكلالة.
أما الأول: فبالإجماع، والآية (2)، والأخبار (3).
وأما الثاني: فبالإجماع، وعموم روايات كل ذي رحم بمنزلة الرحم
الذي يجر به، ولا شك أن الباقي لأحد الأبوين بعد فريضة الزوجين.
وإن كانت من ذوي الفروض، فإن ساوى فرضها وفرض أحدهما
التركة كأن يكون هناك أخت وزوج فيأخذ كل فرضه.
وإن زادت التركة عن الفروض كأخت أو أكثر وزوجة فالزائد بعد
وضع الفروض للكلالة، لما مر، وللأحاديث المصرحة بأن كلالة الأب
والأبوين هم الذين يزادون وينقصون (4).
وإن نقصت التركة عنها كأختين وزوج، فللزوج النصف نصيبه
الأعلى، والباقي للكلالة، للإجماع، والأخبار الدالة على أنهم هم الذين
ينقصون، وخصوص حسنة ابن أذينة المتقدمة (5).
وصحيحة محمد عن أبي جعفر (عليه السلام)، وفيها: " وإن الزوج لا ينقص

(1) التهذيب 9: 296 / 1061، الإستبصار 4: 149 / 563، الوسائل 26: 199
و 204 أبواب ميراث الأزواج ب 3 و 4 ح 8 و 10.
(2) النساء: 12.
(3) الوسائل 26: 195 أبواب ميراث الأزواج ب 1.
(4) راجع ص: 259 و 260.
(5) في ص: 272.
277

من النصف شيئا إذا لم يكن ولد، ولا تنقص الزوجة من الربع شيئا إذا
لم يكن ولد " (1).
وصحيحة محمد الآتية، وغير ذلك.
المسألة الحادية عشرة: إذا اجتمعت الكلالتان مع أحدهما، فإن
كانت كلالة الأب أو الأبوين غير ذات فرض - بأن كانت ذكرا أو ذكرا وأنثى -
كان الثلث أو السدس لكلالة الأم، والنصف أو الربع لأحدهما، والباقي
لكلالة الأب أو الأبوين، لكونها بمنزلة أحد الأبوين، وهو يأخذ الباقي بعد
إخراج الفروض، ولأنهم يزادون وينقصون.
وإن كانت ذات فرض، فإن نقصت التركة عن الفروض فيأخذ كل من
كلالة الأم وأحد الزوجين فريضته، ويدخل النقص على كلالة الأب أو
الأبوين، لصحيحة محمد المتقدم بعضها، وهي: إنه قال، قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): امرأة تركت زوجها وإخوتها لأمها وإخوتها وأخواتها
لأبيها، فقال: " للزوج النصف ثلاثة أسهم، وللإخوة من الأم الثلث الذكر
والأنثى فيه سواء، وما بقي فهو للإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ
الأنثيين، لأن السهام لا تعول، ولا ينقص الزوج من النصف ولا الإخوة من
الأم من ثلثهم، لأن الله تعالى يقول: * (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء
في الثلث) * وإن كانت واحدة فلها السدس، والذي عنى الله في قوله:
* (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد
منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * إنما عنى
بذلك الإخوة والأخوات من الأم خاصة، وقال في آخر سورة النساء:

(1) الكافي 7: 82 / 1، الوسائل 26: 195 أبواب ميراث الأزواج ب 1 ح 1.
278

* (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله
أخت) * يعني أختا لأم وأب أو أختا لأب * (فلها نصف ما ترك وهو يرثها
إن لم يكن لها ولد [فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك] (1) وإن كانوا
إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) * فهم الذين يزادون
وينقصون وكذلك أولادهم الذي يزادون وينقصون. ولو أن امرأة تركت
زوجها وإخوتها لأمها وأختيها لأبيها كان للزوج النصف ثلاثة أسهم،
وللإخوة من الأم سهمان، وبقي سهم فهو للأختين للأب، وإن كانت واحدة
فهو لها، لأن الأختين لو كانتا أخوين لأب لم يزادا على ما بقي ولو كانت
واحدة أو كان مكان الواحدة أخ لم يزد على ما بقي، ولا تزاد أنثى من
الأخوات ولا من الولد على ما لو كان ذكرا لم يزد عليه " (2).
وإن زادت التركة عن الفروض فالزائد يرد على كلالة الأب أو الأبوين
دون كلالة الأم أو أحد الزوجين، لما مر مفصلا.

(1) أثبتناه من الكافي.
(2) الرواية في الكافي 7: 103 / 5، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) بلفظ
قريب، وبنقيصة: ولا تزاد أنثى إلى آخره، وأيضا في الكافي 7: 101 / 3 الرواية
بالنص عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير ومحمد بن عيسى عن يونس
جميعا عن عمر بن أذينة عن بكير بن أعين وفي الفقيه 4: 202 / 676 أورد بعضها،
وأشار إلى ذلك وإلى غيره في الوسائل 26: 154، 155 أبواب ميراث الإخوة
والأجداد ب 3 ح 2، 3. والرواية بسند آخر وردت في التهذيب 9: 292 / 1047.
279

البحث الثاني
في ميراث الأجداد إذا لم يكن معهم إخوة
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا يحجب الجد عن الإرث أحد سوى الأبوين
والأولاد وأولاد الأولاد، بالإجماع، وحديث الأقربية، وجزئيات الأخبار
الواردة في مواردها، وكونه بمنزلة الأم أو الأب.
ولا يرث معه أحد سوى الأخ وأولاده والزوجين، لما مر.
المسألة الثانية: إذا انفرد الجد كان المال كله له، لأب كان أو لأم،
وكذا الجدة، للإجماع، والأقربية.
ويدل على الحكم في الجدة أيضا رواية سالم بن أبي الجعد: إن
عليا (عليه السلام) أعطى الجدة المال كله (1).
وفي الجد في الجملة، صحيحة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام): قال:
سئل عن ابن عم وجد، قال: " المال للجد " (2).
وقول الرضا (عليه السلام) في فقهه: " ومن ترك عما وجدا فالمال للجد " (3).
المسألة الثالثة: لو كان جدا أو جدة أو هما لأم، وجدا أو جدة أو

(1) الفقيه 4: 207 / 703، التهذيب 9: 315 / 1132، الإستبصار 4: 158 / 599،
الوسائل 26: 176 أبواب ميراث الأخوة والأجداد ب 9 ح 1.
(2) الفقيه 4: 207 / 700، التهذيب 9: 315 / 1131، الوسائل 26: 181 أبواب
ميراث الإخوة والأجداد ب 12 ح 2.
(3) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 289، مستدرك الوسائل 17: 189 أبواب ميراث الأعمام
والأخوال ب 1 ح 1.
280

هما لأب، كان لمن يتقرب منهم بالأم الثلث ولمن يتقرب بالأب الثلثان،
في الصور التسع، الحاصلة من ضرب ثلاث صور وجود المتقرب بالأم
- الجد أو الجدة أو هما - في ثلاث صور وجود المتقرب [بالأب] (1).
إجماعا في ثلاث صور منها، وهي: صور اجتماع الجدين للأم مع
الجدين أو الجد أو الجدة للأب.
وفاقا لعلي بن بابويه والنهاية والقاضي والحلي وابن حمزة (2)، وعامة
المتأخرين كما في المسالك (3) وغيره (4) في جميع الصور التسع، بل عن
الخلاف الإجماع عليه (5).
وخلافا للفضل والعماني في صورة اجتماع الجدتين، فجعلا للجدة
للأم السدس وللجدة للأب النصف، ورد الباقي عليهما بالنسبة (6).
وللصدوق في صورة اجتماع الجد للأم مع الجد للأب، فجعل
السدس للجد للأم والباقي للجد للأب (7).
وللتقي وابن زهرة والكيدري في غير الصور الإجماعية جميعا،
فجعلوا للمتقرب بالأم السدس، وبالأب الباقي (8).

(1) في جميع النسخ: بالأم، والصحيح ما أثبتناه.
(2) حكاه عن ابن بابويه في المختلف: 733، النهاية: 647، القاضي في المهذب
2: 142، 143، وجواهر الفقه: 166، الحلي في السرائر 3: 259، ابن حمزة في
الوسيلة: 392.
(3) المسالك 2: 327.
(4) كما في الرياض 2: 356.
(5) الخلاف 4: 88.
(6) حكاه عن الفضل في الكافي 7: 116، حكاه عن العماني في المختلف: 733.
(7) الهداية: 84.
(8) التقي في الكافي في الفقه: 371، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607،
حكاه عن الكيدري في المختلف: 733.
281

لنا على الحكم في صورة اجتماع الجد للأب والجد للأم: قول
الرضا (عليه السلام) في فقهه: " فإن ترك جدا من قبل الأب وجدا من قبل الأم
فللجد من قبل الأم الثلث، وللجد من قبل الأب الثلثان " (1).
وفي صورة اجتماع جد الأب مع جدة الأم (وجدة الأب مع جدة
الأم) (2) موثقة محمد بن مسلم: " إذا لم يترك الميت إلا جده أبا أبيه وجدته
أم أمه فإن للجدة الثلث، وللجد الباقي " قال: " وإذا ترك جده من قبل أبيه
وجد أبيه وجدته من قبل أمه وجدة أمه كان للجدة من الأم الثلث وسقطت
جدة الأم، والباقي للجد من قبل الأب وسقط جد الأب " (3).
وفي صورة اجتماع الجدود الأربعة: قول الرضا (عليه السلام): " فإن ترك
جدين من قبل الأم وجدين من قبل الأب فللجد والجدة من قبل الأم الثلث
بينهما بالسوية، وما بقي فللجد والجدة من قبل الأب للذكر مثل حظ
الأنثيين " (4).
وفي جميع الصور: الأخبار المصرحة بأن لكل قريب أو كل من ليس
له فريضة نصيب من يتقرب به، كصحيحتي سليمان بن خالد والخزاز
المتقدمتين في مسألة ميراث أولاد الأولاد (5)، ومرسلة يونس عن

(1) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 290، مستدرك الوسائل 17: 183 أبواب ميراث الإخوة
والأجداد ب 8 ح 2.
(2) الظاهر أن ما بين القوسين زائد، ولكنه موجود في جميع النسخ.
(3) التهذيب 9: 313 / 1124، الإستبصار 4: 165 / 625، الوسائل 26: 176
أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 9 ح 2.
(4) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 290، مستدرك الوسائل 17: 183 أبواب ميراث الإخوة
والأجداد ب 8 ح 2.
(5) راجع ص: 189.
282

أبي عبد الله (عليه السلام): قال: " إذا التفت القرابات فالسابق أحق بميراث قريبه،
فإن استوت قام كل واحد منهم مقام قريبه " (1).
ولا ريب أن الجد والجدة من الأم يتقرب بالأم، فيكون لهما نصيبها،
وهو الثلث.
لا يقال: إن هذه الأخبار إنما تدل على أن لكل واحد من ذوي
الأرحام نصيب من يتقرب به، ويلزم منه ثبوت الثلث لكل واحد من الجد
والجدة للأم لا الثلث لهما معا، فلا يتم الاستدلال بها على ثبوت الثلث في
صورة اجتماعهما، نعم يتم الاستدلال في صورة الانفراد.
لأنا نقول: إن المراد أن كل نوع بمنزلة من يتقرب به لا كل شخص،
لفهم العلماء، والإجماع على عدم إرادته، بل عدم صحة إرادته، إذ قد
يجتمع مائة من كلالة الأم مع مثلهم من كلالة الأب أو أقل، وإعطاء كل
منهم نصيب من يتقرب به محال.
ثم إنه اعترض على الاستدلال بهذه الأخبار: بأنه كما أن الثلث نصيبها
فكذلك السدس، فترجيح الأول على الثاني يحتاج إلى مرجح (2).
وأجيب بمنع كون السدس نصيبها الأصلي بل هو الثلث، وإنما
السدس نصيبها بالحاجب، واللازم ثبوت النصيب الأصلي الذي هو
الثلث (3).
وفيه: منع كون الثلث نصيبها الأصلي، بل لها نصيبان أصليان أحدهما
الثلث، وهو عند عدم الإخوة، والآخر السدس، وهو عند وجودهم، وعلى

(1) الكافي 7: 77 / 3، التهذيب 9: 269 / 978، الإستبصار 4: 170 / 641،
الوسائل 26: 69 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 3.
(2) الرياض 2: 356.
(3) الرياض 2: 356.
283

التسليم فترجيح الأصلي يحتاج إلى دليل.
فالصواب أن يجاب: بأن للأم نصيبين، أحدهما عند وجود الإخوة
الحاجبة، والآخر عند عدمهم، فليكن الجد أو الجدة المتقرب بها أيضا
كذلك، ولكن الإخوة الحاجبة مع الجد أو الجدة مفقودة، لأن لحجب
الإخوة شروطا منصوصة، منها حياة الأب، حيث نص بأن حجبهم إذا كان
الأب حيا، والأب ها هنا ليس بحي، فالشرط مفقود، فيرث نصيبها عند
عدم الإخوة الحاجبة.
فإن قيل: الجد أو الجدة للأب يكون حينئذ بمنزلة الأب، فتكون الإخوة
حاجبة.
قلنا: الثابت إنما هو كون الجد أو الجدة للأب بمنزلته في قدر
الميراث، وأما في كل حكم حتى في ذلك فهو ليس بمعلوم، فيكون وجود
شرط الحجب مشكوكا فيه فكذلك المشروط. وأيضا: عموم مفهوم الشرط
في قوله: " إذا كان الأب حيا " يقتضي عدم الحجب للأم إذا لم يكن حيا،
وحينئذ ليس بحي، وقيام الجد مقامه غير ثابت، فيكون لها الثلث فكذلك
لمن يتقرب بها.
فإن قيل: كون الجد بمنزلة الأب في قدر الميراث كاف في إثبات
المطلوب، لأن ميراثه مع الإخوة ما عدا السدس فكذلك الجد، ويتبعه كون
السدس للمتقرب بالأم.
قلنا: ميراثه مع الإخوة الحاجبة السدس، وحجب الإخوة هنا غير
معلوم، إلا بتنزيله الجد الأبي منزلة الأب في هذا الحكم أيضا.
ولم أعثر للمخالف على حجة واضحة.
نعم قد يتوهم أن رواية محمد بن حمران عن زرارة: قال: أراني
284

أبو عبد الله (عليه السلام) صحيفة الفرائض فإذا فيها: " لا ينقص الجد من السدس
شيئا " ورأيت سهم الجد فيها مثبتا (1). مما يمكن أن يستدل بها على مذهب
التقي وموافقيه.
وجه الاستدلال: أن المراد بالجد ليس الجد للأب، لأنه إذا كان مع إخوة
كان كأحدهم فيمكن أن ينقص من السدس كثيرا، وألحقت به الجدة،
لأن نصيب الأنثى لا يكون أزيد من الذكر إذا كانت مقامه.
وهو ضعيف: أما أولا، فلعدم دلالتها على مطلوبهم أصلا، لأنه لا ينفي
الزيادة عن السدس. نعم يستفاد منه كونه نصيبه في بعض الأحيان،
وهو كذلك، فإنه إذا اجتمع مع الجدة للأم فلهما الثلث بالسوية لكل منهما
السدس، ألا ترى الأخبار المتكثرة الناصة على أن نصيب الأبوين لا ينقص
من السدس أبدا ونصيب الزوجين من الربع والثمن كذلك، مع أنه يزيد
عليها أيضا.
وأما ثانيا، فلأن حمل الجد على الأمي لكون الأبي كأحد الإخوة إنما
يصح إذا لم يكن من مذهب المستدل أن الأمي أيضا كأحد الإخوة من
الأم، مع أنه يقول بذلك.
وقد ينتصر لهم أيضا بالأخبار المنزلة للأجداد منزلة الإخوة، والأخ
الواحد من الأم نصيبه السدس، فليكن كذلك الجد المنزل منزلته، عملا
بعموم المنزلة.
وفيه أولا: أن الثابت من تلك الأخبار كون الجد بمنزلة واحد من الإخوة
إذا اجتمع معهم لا مطلقا، ولا دلالة في شئ منها على الإطلاق. وبذلك

(1) التهذيب 9: 306 / 1095، الإستبصار 4: 158 / 597، الوسائل 26: 170
أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 6 ح 21.
285

صرح الصدوق في الفقيه في جملة كلامه في الرد على الفضل - فيما قال به
من أن الجد بمنزلة الأخ أبدا يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط -
ما لفظه: فكيف يكون الجد بمنزلة الأخ أبدا وكيف يرث حيث يرث
ويسقط حيث يسقط؟ بل الجد مع الإخوة بمنزلة واحد منهم، فأما أن
يكون أبدا بمنزلتهم يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط الأخ فلا (1)،
انتهى.
وثانيا: أنا لو سلمنا عدم التقييد، فعموم المنزلة ممنوع، لأن التنزيل
لو أفاد العموم فإنما يفيد لو لم يبين وجه كونه بمنزلته، وجميع الأخبار
المنزلة مبينة لوجه المنزلة أيضا، فلا يثبت العموم.
ثم إن الثلث الذي يحوزه المتقرب بالأم ينقسم بين الجد والجدة للأم
حين اجتماعهما بالسوية، والثلثين الذين يحوزها المتقرب بالأب ينقسم
بين الجد والجدة للذكر مثل حظ الأنثيين مع اجتماعهما، بالإجماع فيهما،
وقال في الكفاية: ولا أعرف في الحكمين خلافا (2).
وتدل عليهما المرسلة المروية في المجمع المتقدمة (3) والرضوي
المتقدم (4) المنجبران بعمل الأصحاب، مع كون الحكم في المتقرب
بالأب موافقا للأصل الثابت بالأحاديث المستفيضة من الصحاح وغيرها،
من تفضيل الذكر على الأنثى، مضافا إلى الإجماع المحقق في الحكمين.
وأما الاستدلال بالتسوية في المتقرب بالأم بأنه مقتضى الشركة حيث

(1) الفقيه 4: 208.
(2) الكفاية: 298.
(3) في ص: 262.
(4) في ص: 280.
286

أطلقت، فضعيف كما مر (1).
المسألة الرابعة: إذا اجتمع الجد والجدة من الأب أو من الأم كان المال
لهما، ويقتسمان الأولان للذكر ضعف الأنثى، والثانيان سوية، والدليل
في الكل يظهر مما مر.
المسألة الخامسة: إذا اجتمع أحد الزوجين مع الجد أو الجدة أو هما
من قبل الأم أو من قبل الأب، كان لأحد الزوجين نصيبه الأعلى من
النصف أو الربع، والباقي للباقي واحدا كان أو متعددا.
ويدل عليه - مضافا إلى الإجماع - كون الجدود بمنزلة الأب أو الأم،
ولكل منهما الباقي بعد نصيب أحد الزوجين.
وتدل عليه أيضا في الجملة رواية أبي بصير: عن زوج وجد، قال:
" يجعل المال بينهما نصفين " (2).
وإذا اجتمع أحدهما مع الجد أو الجدة أو هما من قبل الأب، والجد أو
الجدة أو هما من قبل الأم، كان لأحدهما نصيبه الأعلى وللمتقرب بالأم
الثلث واحدا كان أو متعددا، والباقي للمتقرب بالأب.
والدليل عليه - بعد الإجماع - أن المتقرب بالأم بمنزلة الأم وبالأب بمنزلة
الأب، وهكذا حكمهما إذا اجتمعا مع أحد الزوجين.

(1) راجع ص: 263 و 264.
(2) التهذيب 9: 315 / 1129، الوسائل 26: 180 أبواب ميراث الإخوة والأجداد
ب 11 ح 2.
287

البحث الثالث
في ميراث الإخوة والأجداد إذا اجتمعوا
اعلم أولا أن الجدودة المجتمعة مع الكلالة إما يكون المتقرب بالأم
أو الأب أو يجتمع المتقربان، ثم الكلالة إما تكون كلالة الأم أو الأب أو
تجتمع الكلالتان، ثم كل من الكلالات إما يكون واحدا أو متعددا، ذكرا أو
أنثى، أو ذكورا وإناثا، وبملاحظة هذه الأقسام تحصل صور غير محصورة
تتجاوز عن المائة.
ونحن نبين أحكام الجميع في تسع مسائل، ونتبعها بمسألة في حكم
دخول أحد الزوجين مع الجدودة والكلالة، فتلك عشرة كاملة.
المسألة الأولى: إذا اجتمع الجد أو الجدة أو هما من قبل الأم مع
كلالتها، واحدة كانت أو متعددة، ذكرا أم أنثى أم ذكرا وأنثى، فالمال كله
لهم بالسوية، بمعنى أن الجد أو الجدة بمنزلة واحد من الكلالة.
أما كون المال كله لهم فوجهه ظاهر.
وأما الانقسام بالسوية فللإجماع المحقق، ومرسلة المجمع المتقدمة (1).
وموثقة أبي بصير: في ستة إخوة وجد، قال: " للجد السبع " (2).
وصحيحته: رجل مات وترك ستة إخوة وجدا، قال: " هو كأحدهم " (3).

(1) في ص: 262.
(2) الكافي 7: 110 / 5، الفقيه 4: 207 / 698، التهذيب 9: 304 / 1084،
الإستبصار 4: 156 / 586، الوسائل 26: 168 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 6
ح 15.
(3) الفقيه 4: 207 / 697، الوسائل 26: 165 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 6 ح 7.
288

وروايته: في رجل ترك خمسة إخوة وجدا، قال: " هي من ستة،
لكل واحد منهم سهم " (1).
وغيرها من الأخبار الواردة بهذا المضمون (2).
وتلك الأخبار بإطلاقها تثبت حكم الجد مع الإخوة فقط.
وأما صحيحة ابن سنان: عن رجل ترك أخاه لأمه لم يترك وارثا غيره،
قال: " المال له " قلت: فإن كان مع الأخ للأم جد، قال: " يعطى الأخ للأم السدس،
ويعطى الجد الباقي " الحديث (3).
فمحمولة على الجد للأب، لمكان الإجماع.
المسألة الثانية: إذا اجتمع الجد أو الجدة من قبلها مع كلالة الأب، فإن
كانت الكلالة ممن يرث بالقرابة دون الفريضة كالذكر أو الذكر والأنثى،
فالثلث للجد أو الجدة أو هما بالسوية، والثلثان للكلالة، للذكر ضعف
الأنثى.
أما كون الثلث للجد أو الجدة، والثلثان للكلالة، فللأصل الثابت
بالمستفيضة من الأخبار من أن لكل قريب ليس له فريضة نصيب من
يتقرب به. وأما تقسيم الجد والجدة سوية فلما مر. وأما تقسيم الكلالة على
التفاوت فللآية (4)، وتفضيل الذكر على الأنثى، والروايات المتقدمة.

(1) الكافي 7: 110 / 6، التهذيب 9: 304 / 1085، الإستبصار 4: 156 / 587،
الوسائل 26: 168 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 6 ح 16.
(2) كما في الوسائل 26: 164 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 6.
(3) الكافي 7: 111 / 1، الفقيه 4: 206 / 688، التهذيب 9: 307 / 1096،
الإستبصار 4: 159 / 600، الوسائل 26: 172 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 8
ح 1.
(4) النساء: 176.
289

وأما الأخبار الآتية الدالة بإطلاقها على أن مطلق الجد كواحد من الإخوة
للأب (1)، فمحمولة على الجد للأب.
والأخبار الدالة على أن مطلقه كواحد من الإخوة مطلقا (2)، فمحمولة
على أن الجد للأب كواحد من الإخوة له، والجد للأم كواحد من الإخوة لها.
والدليل على هذا الحمل هو الإجماع، فإنه لا خلاف في أن الجد للأم
ليس كالأخ للأب وبالعكس. ويؤيده تفسير الجد في بعضها بالجد
للأب (3).
وإن كانت الكلالة ممن له فريضة، وهو إذا كانت أنثى، فإن كانت أكثر
من واحد فللجد أو الجدة أو هما نصيب من يتقربان به، وللكلالة
فريضتها (4)، فيكون للجد أو الجدة الثلث أيضا وللكلالة الثلثان. والدليل
على إعطائه الثلث ما مر. وعلى إعطائها الثلثين كونهما فريضتها (5)
بالآية.
وإن كانت واحدة فللجد أو الجدة الثلث أيضا، لأنه نصيب من يتقربان
به، وللكلالة النصف لأنه فريضتها، بقي السدس فيرد عليها، وفاقا للنهاية
والقاضي ونجيب الدين بن نما والدروس والنكت وظاهر الإيضاح (6).
لا عليهما بنسبة سهامهما، فيرد عليهما أخماسا كما نقل عن ابن زهرة

(1) انظر ص: 297.
(2) انظر ص: 297.
(3) الوسائل 26: 164 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 6.
(4) في " س " و " ق ": فريضتهما.
(5) في " س ": كونهما فريضتهما.
(6) النهاية: 638، القاضي في المهذب 2: 136، وحكاه عن نجيب الدين في
الرياض 2: 357، الدروس 2: 369، الإيضاح 4: 220.
290

والكيدري (1). ولا يستشكل كالقواعد والتحرير في الأخت للأب خاصة
دون الأخت للأبوين (2).
لنا: رواية بكير بن أعين: " أصل الفرائض عن ستة أسهم لا تزيد على
ذلك ولا تعول عليها، ثم المال بعد ذلك لأهل السهام الذين ذكروا في
الكتاب " (3).
والأخت من أهل السهام المذكورة فيه دون الجد.
وقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (4)،
مشيرا إلى كلالة الأب: " فهم الذين يزادون وينقصون " فيدل بمفهوم الحصر
على أن غيرهم ممن يجتمع معهم لا يزاد ولا ينقص مطلقا، سواء كان الجد
أو الجدة للأم أو كلالتهما.
والإشارة وإن كانت صالحة لكونها راجعة إلى الإخوة من الأب رجالا
ونساءا فكان الحكم مختصا بهم دون الأخت للأب، بل رجوعها إليهم
أولى من الرجوع إلى الجميع كما بين في محله.
إلا أن تصريح غيرها من الأخبار بحصول الزيادة والنقصان للأخوات
المتقربات بالأب أو الأبوين قرينة على رجوعها إلى الجميع، كحسنة ابن
أذينة: قال، قال زرارة: إذا أردت أن تلقي العول فإنما يدخل النقصان
على الذين لهم الزيادة من الولد والإخوة من الأب (5) الحديث.

(1) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607، حكاه عن الكيدري في الرياض 2: 357.
(2) القواعد 2: 173، التحرير 2: 165.
(3) الكافي 7: 81 / 7، الوسائل 26: 73 أبواب موجبات الإرث ب 6 ح 8.
(4) في ص: 276.
(5) الكافي 7: 82 / 1، التهذيب 9: 250 / 965، الوسائل 26: 76 أبواب موجبات
الإرث ب 7 ح 1.
291

ورواية عبد الله بن عتبة (1)، عن ابن عباس، وفيها: " والأخوات لها
النصف والثلثان، فإن أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لها إلا ما بقي،
فتلك التي أخر " (2).
ورواية موسى بن بكر: قال، قلت لزرارة: إن بكيرا حدثني عن
أبي جعفر (عليه السلام): " إن الإخوة للأب والأخوات للأب والأم يزادون وينقصون "
إلى أن قال: فقال زرارة: وهذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه (3).
وصحيحة بكير بن أعين: قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) يسأله عن
امرأة تركت زوجها وإخوتها لأمها وأختها لأبيها، فقال: " للزوج النصف
ثلاثة أسهم وللإخوة من الأم الثلث سهمان، وللأخت من الأب السدس
سهم " (4).
وتعضده صحيحة محمد بن مسلم: قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ابن
أخت لأب وابن أخت لأم، قال: " لابن الأخت من الأم السدس، ولابن
الأخت من الأب الباقي " (5).
فجعل الزيادة لمن هو بمنزلة الأخت من الأب فكذلك الأخت نفسها.
بقي هاهنا شئ وهو أنه قد يتوهم أن كلا من الزيادة والنقصان لكونه

(1) في المصادر: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
(2) الكافي 7: 79 / 3، الفقيه 4: 187 / 656، التهذيب 9: 248 / 963، العلل:
568 / 4، الوسائل 26: 78 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 6.
(3) الكافي 7: 104 / 7، التهذيب 9: 319 / 1148، الوسائل 26: 152 أبواب
ميراث الإخوة والأجداد ب 2 ح 2.
(4) الكافي 7: 102 / 4، الفقيه 4: 202 / 677، التهذيب 9: 291 / 1046،
الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 3 ح 3.
(5) التهذيب 9: 322 / 1157، الإستبصار 4: 168 / 637، الوسائل 26: 162 أبواب
ميراث الإخوة والأجداد ب 5 ح 11، وقد ذكرها أيضا في ص 273 بعنوان الموثقة.
292

أمرا نسبيا لا بد له من حد ينتسب إليه، ولا شئ هنا يصلح لذلك إلا
الفريضة، فيكون المعنى: فهم الذين قد يزادون من فروضهم وقد
ينقصون، دون غيرهم، ولا بد من تخصيص الغير بذوي الفروض أيضا
حتى يتصور في حقهم الزيادة والنقصان فيصح نفيهما، والسلب مع
انتفاء الموضوع وإن كان جائزا إلا أنه مجاز. وعلى هذا فلا يثبت عدم
الرد على الجد والجدة بذلك، لعدم كونهما من ذوي الفروض حتى
يشملهما عموم مفهوم الحصر.
وهذا توهم فاسد، لأن قوله (عليه السلام): " فهم " إشارة إلى الإخوة من
الأبوين أو الأب أيضا قطعا، مع أنهم ليسوا من ذوي الفروض، فمعنى
قوله (عليه السلام): " هم الذين يزادون وينقصون " أنهم هم الذين ليس لميراثهم حد
خاص يقف لديه كالثلث أو السدس أو غيرهما، بل يزاد مرة على مرة
وينقص مرة عنها، أي يحصل في ميراثه الزيادة والنقصان، فتارة يكون لهم
تمام المال، وأخرى نصفه، وأخرى ثلثه، وأخرى سدسه، وهكذا، بخلاف
غيرهم من الذين في مرتبتهم، فإن لميراثهم حدا خاصا، لا يزاد عليه
ولا ينقص منه، فالجد لا بد أن يكون كذلك، أي يكون له حد خاص لا يزاد
عليه ولا ينقص منه، وقد ثبت الثلث له في بعض الصور فيكون كذلك
هاهنا أيضا.
ومما يمكن أن يستدل به على أصل المطلوب أيضا: قول علي (عليه السلام) في
صحيحة سليمان بن خالد: " إذا كان وارث ممن له فريضة فهو أحق
بالمال " (1).

(1) الكافي 7: 77 / 2، التهذيب 9: 269 / 977، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات
الإرث ب 2 ح 2.
293

دلت على أن الأخت للأب أو الأبوين التي لها الفريضة أحق بجميع
المال، خرج الثلث بالدليل فيبقى الباقي.
واحتج في الإيضاح (1) على المطلوب برواية محمد بن مسلم.
ويمكن أن يكون مراده منها الصحيحة الأولى التي فيها قوله: " فهم
الذين يزادون وينقصون " (2).
وأن يكون مراده الأخيرة التي وردت في ميراث ابن الأخت للأم وابن
الأخت للأب، حيث جعل لابن الأخت للأب - الذي هو بمنزلة الأخت -
النصف والرد، مع ابن الأخت للأم الذي هو المتقرب بالأم كالجد.
وفي تماميتها نظر واضح.
واحتج المخالف بتساويهما في درجة أولي الأرحام التي هي سبب في
الرد، وعدم أولوية أحدهما، فيتساويان في مطلق الرد، لكن على نسبة
النصيبين.
وفيه: منع عدم الأولوية، ولو سلم فإيجابه للرد عليهما ممنوع، كما
مر نظيره (3).
وأما الاستشكال في الأخت للأب خاصة دون الأخت للأبوين، فيمكن
أن يكون لأجل تقرب الأخيرة بسببين فيكون أكثر تقربا وأشد سببا من
الجد أو الجدة للأم، فتحصل لها أولوية بخلاف الأولى.
وفيه ما فيه.
المسألة الثالثة: إذا اجتمع الجد أو الجدة أو هما من قبلها مع الكلالتين،

(1) الإيضاح 4: 221.
(2) راجع ص: 276 و 277.
(3) راجع ص: 253.
294

فللجد أو الجدة أو هما مع كلالة الأم الثلث للذكر مثل الأنثى، ولكلالة
الأب الثلثان للذكر ضعف الأنثى.
أما تقسيم أقرباء الأم نصيبهم سوية وأقرباء الأب بالتفاوت فلما مر.
وأما التقسيم أثلاثا فللإجماع، وكون كل ذي رحم بمنزلة الرحم التي
يجره إليه، وقد عرفت أن المراد أن كل نوع من ذوي الأرحام كذلك،
فنوع أقرباء الأم يأخذون نصيبها، ونوع أقرباء الأب نصيبه.
فإن قيل: المراد من قوله: " كل ذي رحم " كل نوع لم تكن له فريضة
خاصة، وإلا فيأخذ فريضته، وكلالة الأم في مسألتنا من ذوي الفروض،
فليست المسألة داخلة في عموم قوله: " كل ذي رحم ".
قلنا: النوع في المسألة هو كلالة الأم مع الجدودة من قبلها، لا الكلالة
منفردة، وليست للجميع فريضة، وكون البعض ذا فرض لا يوجب كون
الجميع كذلك.
فإن قيل: يلزم أن يكون نصيب المركب من ذوي الفروض وغيره
مساويا لنصيب ذي الفرض وحده.
قلنا: لا استبعاد فيه، بل قد يصير أقل، كما في بنت وأخ (1)، وسببه
انتفاء الفريضة حينئذ وكون التوريث بالقرابة، فيمكن أن يكون توريث
كلالة الأم بدون الجدودة بالفرض ومعهم بالقرابة.
فإن قيل: الخروج عن الفرض - بعد ثبوته - إلى القرابة يحتاج إلى دليل.
قلنا: الدليل بعد الإجماع عموم قوله: " كل ذي رحم ".
فإن قيل: هذا العموم معارض بإطلاق قوله تعالى: * (وله أخ أو

(1) كذا في النسخ، والظاهر هو سهو، لأنهما ليسا في طبقة واحدة، فلا يرث الأخ
مع وجود البنت.
295

أخت) * (1) وقوله: * (فإن كانوا أكثر من ذلك) * (2) وليس لتقييد هذا مرجح
على تخصيص ذلك.
قلنا: الإجماع يرجحه.
فإن قيل: روى ابن أذينة في الحسن، عن زرارة أنه قال: " إذا أردت أن
تلقي العول فإنما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد
والإخوة من الأب، وأما الزوج والإخوة من الأم فإنهم لا ينقصون مما
سمي لهم شيئا " (3).
وروى محمد بن مسلم في الصحيح، عن أبي جعفر (عليه السلام): أنه قال،
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): امرأة ماتت وتركت زوجها وإخوتها لأمها وإخوتها
وأخواتها لأبيها فقال: " للزوج النصف ثلاثة أسهم، وللإخوة من الأم الثلث،
الذكر والأنثى فيه سواء، وما بقي فهو للإخوة والأخوات من الأب، للذكر
مثل حظ الأنثيين، لأن السهام لا تعول، ولا ينقص الزوج من النصف
ولا الإخوة من الأم من ثلثهم " الحديث (4).
وجعل الثلث للجدودة والكلالة للأم معا يوجب حصول النقص على
الكلالة من الثلث.
قلنا أولا: إنه خرج صورة المسألة عن عموم الحديثين بالإجماع.
وثانيا: إنه لا عموم في الرواية الأولى بحيث كان شاملا لما نحن فيه
أصلا، لأنه قال: " إذا أردت أن تلقي العول فلا تنقص الإخوة من الأم "

(1) النساء: 12.
(2) النساء: 12.
(3) الكافي 7: 82 / 1، التهذيب 9: 250 / 965، الوسائل 26: 76 أبواب موجبات
الإرث ب 7 ح 1.
(4) الكافي 7: 103 / 5، التهذيب 9: 292 / 1047، الوسائل 26: 155 أبواب
ميراث الإخوة والأجداد ب 3 ذيل الحديث 3.
296

ونحن نقول به، ولا عول هاهنا. وأما الثانية وإن كان ظاهرها العموم إلا أنها
مختصة بصورة العول بقرينة المقام، ويشهد لذلك قوله: " ولا ينقص الزوج
من النصف " فإنه ينقص عنه مع وجود الولد قطعا، والمراد أنه لا ينقص
بسبب العول.
المسألة الرابعة: إذا اجتمع الجد أو الجدة أو هما للأب مع كلالة الأم،
كان الثلث للكلالة، يقتسمونه بالسوية إن كانوا أكثر من واحدة،
والسدس إن كانت واحدة، والباقي للجد أو الجدة أو هما، للذكر ضعف
الأنثى.
والدليل: أما على كون الثلث للكلالة مع التعدد والثلثين لقرابة الأب
جدا كانت أو جدة أو هما فالإجماع، وكون الثلث ما يورثه الكلالة بالفرض
للآية، والثلثين ما يورثه قرابة الأب بالقرابة لأخبار المنزلة (1).
ويدل على هذا التقسيم إن كانت القرابة جدا مضافا إلى ما ذكر، الروايات
المستفيضة، كموثقة الحلبي: " للإخوة من الأم الثلث مع الجد، وهو
شريك الإخوة من الأب " (2).
وصحيحة الحلبي: في الإخوة من الأم مع الجد، قال: " للإخوة من الأم
فريضتهم الثلث مع الجد " (3).

(1) إنما خصصنا التوريث بالمنزلة بالقرابة دون الكلالة، لاختصاصه بمن لم يستحق
له فريضة. (منه (رحمه الله)).
(2) الفقيه 4: 205 / 687، الوسائل 26: 175 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 8
ح 9.
(3) الكافي 7: 112 / 7، التهذيب 9: 308 / 1102، الإستبصار 4: 160 / 606،
الوسائل 26: 173 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 8 ح 5.
297

ومثلها روايتا الشحام (1)، والكناني (2).
ورواية أبي الربيع: " في كتاب علي صلوات الله عليه: إن الإخوة من الأم
يرثون مع الجد الثلث " (3).
وصحيحة الحلبي: في الإخوة من الأم مع الجد، قال: " للإخوة من الأم
مع الجد نصيبهم الثلث مع الجد " (4).
وموثقة أبي بصير: " أعطي الأخوات من الأم فريضتهن مع الجد " (5).
وأما على كون السدس للكلالة مع الوحدة والباقي للقرابة جدا كانت أو
جدة أو هما: الإجماع، وكون قرابة الأب بمنزلة الأب فيرث الجميع مع
عدم الولد، خرج السدس بالآية، فيبقى الباقي.
ويدل على هذا التقسيم إن كانت القرابة جدا مضافا إلى ما ذكر صحيحة
ابن سنان المتقدمة في المسألة الأولى (6).
المسألة الخامسة: إذا اجتمع الجد أو الجدة أو هما للأب مع كلالته كان
الجد بمنزلة الأخ والجدة بمنزلة الأخت يقتسمون المال للذكر مثل حظ

(1) الكافي 7: 112 / 6، التهذيب 9: 308 / 1101، الإستبصار 4: 160 / 605،
الوسائل 26: 174 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 8 ح 7.
(2) الكافي 7: 111 / 2، الفقيه 4: 206 / 689، التهذيب 9: 307 / 1097،
الإستبصار 4: 159 / 601، الوسائل 26: 172 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 8
ح 2.
(3) الفقيه 4: 206 / 690، الوسائل 26: 175 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 8
ح 10.
(4) الكافي 7: 112 / 5، التهذيب 9: 308 / 1100، الإستبصار 4: 160 / 604،
الوسائل 26: 173 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 8 ح 3.
(5) الكافي 7: 111 / 4، التهذيب 9: 307 / 1099، الإستبصار 4: 159 / 603،
الوسائل 26: 174 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 8 ح 6.
(6) في ص: 287.
298

الأنثيين.
والدليل على ذلك بعد الإجماع: حسنة الفضلاء: " إن الجد مع الإخوة
من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا " قال، قلت: رجل ترك أخاه
لأبيه وأمه وجده، أو قلت: ترك جدة وأخاه لأبيه أو أخاه لأبيه وأمه، قال:
" المال بينهما، فإن كانا أخوين أو مائة ألف فله مثل نصيب واحد من
الإخوة " قال، قلت: رجل ترك جده وأخته، فقال: " للذكر مثل حظ
الأنثيين، وإن كانتا أختين فالنصف للجد والنصف الآخر للأختين، وإن كن
أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب، وإن ترك إخوة وأخوات لأب وأم أو لأب
وجدا فالجد أحد الإخوة، المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين " (1).
وصحيحة زرارة: عن رجل ترك أخاه لأبيه وأمه وجده، قال: " المال
بينهما، ولو كانا أخوين أو مائة كان الجد معهم كواحد منهم، للجد
ما يصيب واحدا من الإخوة " قال: " وإن ترك أخته فللجد سهمان، وللأخت
سهم، وإن كانتا أختين فللجد النصف وللأختين النصف " قال: " وإن ترك
إخوة وأخوات من أب وأم كان الجد كواحد من الإخوة، للذكر مثل حظ
الأنثيين " (2).
وصحيحة ابن سنان: عن رجل ترك إخوة وأخوات من أب وأم وجدا،
قال: " الجد كواحد من الإخوة، المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين " (3).

(1) الكافي 7: 109 / 2، التهذيب 9: 303 / 1081، الإستبصار 4: 155 / 583،
الوسائل 26: 165 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 6 ح 9.
(2) الكافي 7: 110 / 8، الفقيه 4: 206 / 694، التهذيب 9: 305 / 1087،
الإستبصار 4: 156 / 589، الوسائل 26: 167 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 6 ح 13.
(3) الفقيه 4: 207 / 699، الوسائل 26: 164 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 6
ح 2.
299

وصحيحة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام): في رجل مات وترك امرأته وأخته
وجده، قال: " هذه من أربعة أسهم للمرأة الربع، وللأخت سهم، وللجد
سهمان " (1).
إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة التي يطول المقام بذكرها.
وهذه الأخبار كما ترى مختصة بالجد، وأما حكم الجدة فعلم بالإجماع
المحقق المصرح به في كلام جماعة (2).
المسألة السادسة: إذا اجتمع الجد أو الجدة أو هما من قبله مع
الكلالتين، فلكلالة الأم فريضتها من السدس أو الثلث سوية، والباقي
للجد أو الجدة أو هما وكلالة الأب، للذكر ضعف الأنثى.
للإجماع، ولأن كلالة الأب مع الجد يرثون بالقرابة ولا فرض لهم مطلقا
فتكون بمنزلة الأب وهو يرث المال مع عدم الولد، فيجب أن يكون كل
المال لمن هو بمنزلته أيضا، خرج السدس أو الثلث بالدليل، فيبقى
الباقي. ولا يمكن أن يقال بمثل ذلك في كلالة الأم، لكونها ذات
فرض، والمنزلة مختصة بغير ذوي الفروض.
المسألة السابعة: لو اجتمع الجد أو الجدة أو هما من قبل الأب والأم
معا مع كلالة الأم، كان للجد أو الجدة أو هما من قبل الأب الثلثان، وله
أو لهما من قبل الأم وكلالتها الثلث.
للإجماع، ولانتفاء الفرض، أما من المتقرب بالأب فظاهر، وأما من

(1) الكافي 7: 110 / 4، الفقيه 4: 205 / 686، التهذيب 9: 304 / 1083،
الإستبصار 4: 156 / 585، الوسائل 26: 166 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 6
ح 10.
(2) منهم الفاضل المقداد في كنز العرفان 2: 334، والفاضل الهندي في كشف اللثام
2: 294.
300

المتقرب بالأم فلما مر في المسألة الثالثة (1)، فيكون كل متقرب بمنزلة
قريبة.
المسألة الثامنة: إذا اجتمع النوعان من الجد أو الجدة أو هما مع كلالة
الأب، فللمتقرب بالأم الثلث بالسوية مع التعدد، وللمتقرب بالأب
الثلثان بالتفاوت، إجماعا، والوجه واضح.
المسألة التاسعة: إذا اجتمع النوعان مع الكلالتين، فللمتقرب بالأم
الثلث، وبالأب الثلثان، بالإجماع، والدليل ظاهر.
المسألة العاشرة: إذا اجتمع أحد الزوجين مع الجدودة والكلالتين فله
نصيبه الأعلى، والثلث للمتقرب بالأم من الجدودة والكلالة، أو السدس
إن لم يكن جد ولا جدة ولم يتعدد، والباقي للمتقرب بالأب، ومع
عدمه فالجميع للأول، ومع عدمه فللثاني. وتفصيل الصور وأدلة الكل
بعد الإحاطة بما ذكرناه ظاهر جدا.

(1) راجع ص: 292 و 293.
301

البحث الرابع
في بيان ميراث الأجداد العليا
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الأقرب من الأجداد يمنع الأبعد، للإجماع، ومنع
الأقرب للأبعد، وموثقة محمد المتقدمة في المسألة الثالثة من البحث
الثاني (1). فلو اجتمعت الأجداد العليا والدنيا والإخوة كان المقاسم
للإخوة الأجداد الدنيا دون العليا.
المسألة الثانية: المصرح به في كلماتهم أن الجدودة العليا مطلقا
ما لم يسلب عنه صدق النسبة عرفا تقاسم الإخوة والأخوات مطلقا (2)، ونفى
بعضهم عنه الخلاف ظاهرا ونسبه إلى فتوى الأصحاب (3) بل نقل عليه الإجماع
أيضا (4).
واستدلوا عليه بإطلاق الأخبار الدالة على تنزيل الجد منزلة الإخوة
واقتسامهما التركة (5).
وقد يخدش فيه بأن الإطلاق ينصرف إلى الفرد الشائع، والشائع هو
الجد الأدنى، ولذا عدل بعضهم عن ذكر الإطلاق إلى العموم الثابت

(1) راجع ص: 280.
(2) انظر المبسوط 4: 109، والشرائع 4: 28، والدروس 2: 371.
(3) الرياض 2: 358.
(4) انظر الخلاف 4: 90، ومفتاح الكرامة 8: 152.
(5) كما في المسالك 2: 328، والروضة 8: 137.
302

للمفرد المعرف، أو بترك الاستفصال (1).
ولا يخفى أن عموم المفرد المعرف أيضا إطلاق، وعدم الاستفصال
حسن لولا التبادر المدعى، سيما مع ما في القاموس: من أن الجد أبو الأب
وأبو الأم (2).
إلا أن التبادر مطلقا في حيز المنع، وكذا الشيوع الموجب للانصراف،
فالشمول أولى.
إلا أنه مع تسليمه يكون معارضا بعموم ما دل على منع الأقرب للأبعد،
ولا شك أن الأخ أقرب من جد الأب، والجمع بينهما كما يمكن
بتخصيص عموم الأقرب، كذا يمكن بتخصيص عموم الجد، ولا مرجح
لأحدهما. إلا أن يرجح تخصيص عموم الأقرب بفتوى الأصحاب، أو
بمنع القرب، فتأمل.
المسألة الثالثة: اعلم أن للإنسان أبا وأما، وهما الواقعان في الدرجة
الأولى من درجات أصوله، ثم لكل منهما أب وأم وهم الواقعون في
الدرجة الثانية من درجات الأصول والدرجة الأولى من درجات الأجداد
والجدات، وهم أربعة حاصلة من ضرب الاثنين في مثلهما، ثم الجدودة
في الدرجة الثانية ثمانية، لأن لكل من الأربعة أبا وأما فيضرب الاثنين في
أربعة يحصل ثمانية، وفي الدرجة الثالثة ستة عشر، وهكذا، والنصف
من كل درجة ذكور والنصف إناث.
وقد جرت عادة الفقهاء بالبحث عن الأجداد الثمانية الواقعة في الدرجة
الثانية إذا اجتمعوا، ونحن أيضا نكتفي بهم.

(1) الرياض 2: 358.
(2) القاموس المحيط 1: 291.
303

ونقول: إذا اجتمعوا فلا خلاف بين الأصحاب - كما اعترف به
جماعة (1) - في أن ثلثي التركة للأجداد الأربعة من قبل أب الميت جدي أبيه
وجدتيه، وثلثها للأربعة من قبل أمه، لأن لكل نوع من ذوي الأرحام نصيب
من يتقرب به.
ولا خلاف أيضا في أن ثلثي الأجداد الأربعة المتقربين بأب الميت
ينقسم أثلاثا، فثلثا الثلثين للجد والجدة لأب الميت من قبل أبيه وثلثهما
للجد والجدة لأبيه من قبل أمه.
والدليل عليه: أن لكل ذي رحم نصيب قريبه، ونصيب أب أب
الميت - أي جده لأبيه - الثلثان، فهما لمن يتقرب به، ونصيب أم أبيه
الثلث، فهو لمن يتقرب بها.
ولا خلاف أيضا في أن ثلثي الثلثين الذين للجد والجدة لأبيه من قبل
أبيه ينقسم بينهما أثلاثا، فالثلثان للجد والثلث للجدة، وذلك للأصل
الثابت من تفضيل الرجال على النساء، ولكونهما قرابتي الأب المحض
من غير توسط أم.
وإنما الخلاف في ثلث الثلثين الذي هو للجد والجدة لأب الميت من
قبل أمه، وثلث التركة الذي هو للأجداد الأربعة لأم الميت.
فذهب الشيخ وأكثر الأصحاب - كما في المسالك والكفاية (2) - إلى أن
ثلث الثلثين ينقسم بين الجد والجدة لأب الميت من قبل أمه بالتفاوت
للذكر مثل حظ الأنثيين، وثلث التركة ينقسم بين الأجداد الأربعة لأم
الميت بالسوية، قالوا: وذلك التقسيم لأجل اعتبار النسبة إلى نفس

(1) انظر القواعد 2: 172، والمسالك 2: 328، والرياض 2: 356.
(2) انظر: النهاية: 648، والمسالك 2: 328، وكفاية الأحكام: 298.
304

الميت.
وفيه: أن هذا الاعتبار لو تم يقتضي اقتسام ثلثي التركة بين الأجداد
الأربعة للأب للذكر مثل حظ الأنثيين دون الاقتسام أثلاثا، فإنه مقتضى
اعتبار النسبة إلى جد الميت.
وذهب الشيخ معين الدين المصري (1) إلى أن ثلث الثلثين بين الجد
والجدة لأب الميت من قبل أمه بالسوية، لكونهما متقربين إلى الميت
بواسطة الأم التي هي جدته لأبيه، وثلث التركة ينقسم بين الأجداد
الأربعة للأم أثلاثا، فثلث الثلث لأبوي أم الأم بالسوية، وثلثاه لأبوي أبيها
بالسوية أيضا، قالوا: وذلك لأجل اعتبار النسبة في الجملة.
وفيه: أنه لو تم لاقتضى اقتسام ثلثي الثلث بين أبوي أبيها للذكر مثل
حظ الأنثيين.
وقال الشيخ زين الدين محمد بن القاسم البرزهي (2): باقتسام ثلثي التركة
بين الأجداد الأربعة لأب الميت على النحو الذي ذكره الأكثر، واقتسام
الثلث الذي للأجداد الأربعة للأم أثلاثا، ثلثه لأبوي أم الأم بالسوية،
وثلثاه لأبوي أبيها أثلاثا.
وظاهر الشرائع التردد (3).
ثم إنهم صرحوا بأنه ليس هنا دليل يرجح أحد الأقوال.
أقول: لا إشكال في تقسيم مجموع التركة بين الأجداد الثمانية أثلاثا، بأن
يكون ثلثاها للأجداد الأربعة للأب، وثلثها للأربعة للأم، للإجماع،

(1) حكاه عنه في المسالك 2: 328.
(2) حكاه عنه في المسالك 2: 328.
(3) الشرائع 4: 28.
305

وكون كل ذي رحم بمنزلة من يتقرب به.
ثم الثلثان اللذان هما نصيب الأربعة للأب يلزم أن ينقسم بينهم أثلاثا،
الثلثان لأبوي أب الأب، والثلث لأبوي أمه، لما مر بعينه، فإن الأولين
يتقربان بواسطة جد الميت لأبيه، والثانيين بواسطة جدته [لأبيه] (1) وقد
سبق أن الثلثين ينقسم بينهما أثلاثا.
ثم ثلثا الثلثين ينقسم بين أبوي أب الأب للذكر مثل حظ الأنثيين، لأنه
مقتضى الأصلين المتقدمين: من تفضيل الرجال على النساء، وتقسيم
قرابة الأب بالتفاوت. وثلث الثلثين ينقسم بين أبوي أم الأب أيضا
كذلك، لأول الأصلين.
وأما تقسيم قرابة الأم بالسوية فلا يفيد هنا، لأن دليله إن كان الإجماع
فهو في محل النزاع ممنوع، وإن كان النص فوجود نص معتبر دال على
عموم (2) ذلك غير ثابت. ولو سلم اعتبار ما ورد في ذلك فلا يفيد أيضا،
لأن فيه لفظ قرابة الأم، والمتبادر منه قرابة أم الميت، بل القواعد
الأصولية أيضا لا تثبت من هذا اللفظ إلا ذلك، كما لا يخفى على المتدبر
فيها.
وأما الثلث الذي هو نصيب الأربعة للأم يلزم أن ينقسم بينهم بالتناصف،
نصف الثلث لأبوي أب الأم ونصفه لأبوي أمها، لأن أب الأم وأمها
يقتسمان الثلث كذلك، وكل قريب يرث نصيب من يتقرب به.
ثم أبوا أب الأم يقتسمان نصفهما للذكر مثل حظ الأنثيين، لما عرفت من
تفضيل الرجال على النساء، وعدم الدليل على التسوية. والإجماع على

(1) في جميع النسخ: لأمه، والصحيح ما أثبتناه.
(2) كلمة عموم غير موجودة في " س ".
306

تقسيم قرابة الأم سوية بحيث يشمل هنا أيضا مع وجود النزاع ممنوع،
والنص المعتبر غير موجود.
وأبوا الأم يقتسمان نصفهما سوية إن ثبت الإجماع عليه بخصوص هذه
المسألة، أو على اقتسام نصيب المتقرب بالأم المحضة مطلقا بالسوية.
ولكن لم يثبت الإجماع على شئ منهما عندي، فالعمل بمقتضى
تفضيل الرجال على النساء أولى وأظهر.
ومن هنا ظهر أن الأظهر في تقسيم الثلثين بين الأجداد الأربعة للأب هو
ما ذكره الشيخ والأكثر، وفي تقسيم أصل الثلث بين الأربعة للأم هو
القولان الآخران، من انقسامه بينهم أثلاثا، وفي تقسيم ثلثي الثلث بين
أبوي أب الأم هو ما ذكره البرزهي، وفي تقسيم ثلثه بين أبوي أمها هو
التفاوت أيضا.
ولا ضير في خروجه عن الأقوال الثلاثة، لعدم ثبوت الإجماع المركب.
نعم لو ثبت الإجماع على التسوية في خصوص هذا الثلث للثلث لكان
الأظهر هو قول البرزهي مطلقا.
وليعلم أن المسألة تصح عن مائة وثمانية على قول الشيخ، وعن أربعة
وخمسين على قول المصري والبرزهي، وعن سبعة وعشرين على ما
ذكرنا.
ثم إن لاجتماع الأجداد الثمانية أو بعضهم مسائل أخرى، من وجود أحد
الزوجين أو الكلالتين أو أولاد الكلالة، وليس للتعرض لذكرها كثير
فائدة، لندرة وقوعه.
307

البحث الخامس
في ميراث أولاد الكلالة
وفي مسائل:
المسألة الأولى: لا يرث أولاد الأخ مع الأخ مطلقا بلا خلاف
يعرف، إلا ما نقل عن الفضل بن شاذان (1): أنه شرك ابن الأخ من الأبوين
مع الأخ من الأم، وابن ابن الأخ منهما مع ابن الأخ منها، ونحو ذلك، فجعل
السدس للمتقرب بالأم والباقي للمتقرب بالأبوين.
لنا - بعد ظاهر الإجماع -: منع الأقرب للأبعد، ولا شك أن الأخ وإن
كان من أم أقرب من ابن الأخ وإن كان من الأبوين لغة وعرفا.
وقول الرضا (عليه السلام) في فقهه: " من ترك واحدا ممن له سهم ينظر فإن كان
من بقي في درجته ممن سفل، وهو أن يترك الرجل أخاه وابن أخيه
فالأخ أولى من ابن أخيه " (2).
وذكر في المسالك التعليل للفضل: بأنه جعل الإخوة أصنافا، فاعتبر
الأقرب من إخوة الأم فالأقرب، وكذلك إخوة الأبوين والأب، ولم يعتبر
قرب أحد الصنفين بالنسبة إلى الآخر، كما لم يعتبر قرب الأخ بالنسبة
إلى الجد الأعلى، لتعدد الصنف.
ورد ذلك بما ذكره قبله: من أن المعتبر في جهات القرب وترجيح

(1) حكاه عنه في الفقيه 4: 200.
(2) فقه الرضا ((عليه السلام)): 289، مستدرك الوسائل 17: 180 أبواب ميراث الإخوة
والأجداد ب 4 ح 4.
308

الأقرب على الأبعد بأصناف الوارث، فالأولاد في المرتبة الأولى صنف،
ذكورا كانوا أم إناثا، فيمنع ابن البنت ابن ابن الابن، وهكذا، والإخوة
صنف واحد، سواء كانوا لأب وأم أو لأحدهما أم متفرقين، كما أن
الأجداد صنف واحد كذلك، فالأقرب منهم إلى الميت وإن كان جدة لأم
يمنع الأبعد وإن كان جد الأب، قال: وهذا هو المفهوم من تقديم
الأقرب فالأقرب، مضافا إلى النص الصحيح (1).
أقول: مراده بالنص النص على أن المراد بالأقرب ذلك، أي: هذا
المعنى هو المفهوم من الأقرب، مضافا إلى دلالة النص الصحيح عليه،
ولكني لم أقف على ذلك النص.
ويمكن أن يكون نظره إلى الأخبار الصحيحة الدالة على أن ابن الابن أو
البنت أو بنت أحدهما يرث إذا لم يكن هناك ولد للصلب (2)، والولد
شامل للذكر والأنثى، فيدل على اعتبار الأقربية بالنسبة إلى ابن الابن
والبنت أيضا، حيث إنهما صنف واحد من الوارث، مع أن مقتضى كلام
الفضل عدم اعتبارها فيهما وجعلهما صنفين.
ويمكن أن يكون نظره أيضا إلى صحيحة حماد بن عثمان: قال: سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل ترك أمه وأخاه، فقال: " يا شيخ تريد على
الكتاب؟ " قال، قلت: نعم، قال: " كان علي (عليه السلام) يعطي المال الأقرب
فالأقرب " قال، قلت: فالأخ لا يرث شيئا؟ قال: " قد أخبرتك أن عليا (عليه السلام)
كان يعطي المال الأقرب فالأقرب " (3).

(1) انظر المسالك 2: 328.
(2) الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 7.
(3) الكافي 7: 91 / 2، التهذيب 9: 270 / 981، الوسائل 26: 105 أبواب ميراث
الأبوين والأولاد ب 5 ح 6.
309

حيث جعل مطلق الأخ الشامل للأخ للأب أيضا أبعد من الأم.
ومكاتبة الصفار الصحيحة إلى أبي محمد (عليه السلام) وهي: أنه كتب إليه: رجل
مات وترك ابنة بنته وأخاه لأبيه وأمه، لمن يكون الميراث؟ فوقع (عليه السلام)
في ذلك: " الميراث للأقرب " (1).
ولكن ليس شئ من هذه الأخبار نصا، على أن الأخيرين إنما يدلان
على اعتبار الأقربية والأبعدية في صنفين مختلفين.
فالأقرب كما صرح به صاحب الكفاية: أن الأقرب لا يعتبر فيه صنف
واحد أيضا (2)، بل يجري في الأصناف المختلفة أيضا كما هو مقتضى
(عموم) (3) قوله: " المال للأقرب " أيضا.
ثم لا يخفى أنه لو كان الأمر كما ذكره في المسالك أي كان التعليل
ما ذكر، لزم على الفضل تشريك ابن الأخ من الأم مع الأخ من الأبوين، مع
أنه لا يقول به كما صرح به بعضهم (4)، فالظاهر أنه ليس تعليلا له.
والمحقق (5)، وجماعة (6) نقلوا عنه التعليل بكثرة الأسباب، وردوه بأنها
إنما تؤثر مع تساوي الدرجة وهي هنا متفاوتة، لأن الأخ أقرب درجة من
ابن الأخ مطلقا.

(1) الفقيه 4: 196 / 673، التهذيب 9: 317 / 1140، الإستبصار 4: 167 / 632،
الوسائل 26: 114 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 8 ح 1.
(2) كفاية الأحكام: 299.
(3) ليست في " س ".
(4) انظر كشف اللثام 2: 293.
(5) الشرائع 4: 29.
(6) منهم العلامة في التحرير 2: 166، والقواعد 2: 172، الشهيد الثاني في الروضة
8: 139.
310

والظاهر من كلام الفضل أن حكمه ليس لهذا التعليل أيضا، لأنه فرق بين
الأخ للأم والأخ للأب فقط، فحكم بتقدمه على ابن الأخ للأبوين، مع
أنه مجمع للسببين.
المسألة الثانية: أولاد الإخوة والأخوات وإن نزلوا يقومون مقام آبائهم
في الإرث، فلو خلف الميت أولاد أخ لأم أو أخت لها خاصة، كان
المال كله لهم بالسوية، السدس بالفرض والباقي بالرد، من غير فرق بين
الذكر والأنثى.
وإن تعدد من تقربوا به من الإخوة للأم أو الأخوات أو الجميع، كان لكل
فريق من الأولاد نصيب من يتقرب به، فلو كان أولاد الإخوة للأم ثلاثة،
واحد منهم ولد أخ والآخران ولد آخر فنصف المال لولد الأخ، السدس
فرضا والباقي ردا، والنصف الآخر لولدي الأخ كذلك. وكذلك لو كان
أحدهم من أخت والآخران من أخ. وكذلك لو كان بنت أخت للأم وابنا
أخ لها، فللبنت النصف وللابنين النصف.
ولو خلف أولاد أخ لأب وأم أو لأب مع عدمهم، كان المال كله لهم
بالسوية مع الاتفاق، وللذكر ضعف الأنثى مع الاختلاف. وإن كانوا أولاد
أخت للأبوين أو الأب، كان النصف لهم بالفرض والباقي بالرد مع عدم
غيرهم، يقتسمونه بالسوية مع الاتفاق، وبالاختلاف مع الاختلاف. وإن
كانوا أولاد أختين فصاعدا كذلك، كان الثلثان لهم بالفرض والثلث بالرد مع
عدم غيرهم، يقتسمونه بالسوية أو الاختلاف.
ولو اجتمع أولاد الأخت للأبوين أو الأب مع أولاد الأخ أو الأخت أو
الإخوة أو الأخوات للأم، فللأول النصف فرضا وللثاني السدس مع
وحدة من يتقربون به والثلث مع التعدد، ويرد الباقي على الأول أو
311

عليهما على الخلاف السابق (1).
ولو اجتمعت أولاد الكلالات الثلاث سقطت أولاد من يتقرب
بالأب، وكان لأولاد من يتقرب بالأم السدس مع وحدة من يتقرب به
والثلث مع التعدد، ولأولاد من يتقرب بالأب [والأم] (2) الباقي مع كون من
يتقرب بهما ذكرا أو ذكرا وأنثى، والنصف أو الثلثان بالفرض إن كان أنثى أو
إناثا، ويرد الباقي عليهم أو عليهما على الاختلاف المتقدم.
ولو دخل في هذه الفروض أحد الزوجين كان له النصيب الأعلى
وينقسم الباقي كما مر.
والدليل على ذلك كله الإجماع، وعموم الأخبار المصرحة بأن كل ذي
رحم بمنزلة الرحم الذي يجربه.
ويدل على المطلوب أيضا في الجملة موثقة محمد: عن ابن أخت لأب
وابن أخت لأم، قال: " لابن الأخت من الأم السدس، ولابن الأخت من
الأب الباقي " (3).
وروايته: عن ابن أخ لأب وابن أخ لأم، قال: " لابن أخ من الأم
السدس، وما بقي فلابن الأخ من الأب " (4).
وأما روايته: بنات أخ وابن أخ، قال: " المال لابن الأخ " الحديث (5).

(1) راجع ص: 269.
(2) أضفناه لتصحيح المتن.
(3) التهذيب 9: 322 / 1157، الإستبصار 4: 168 / 637، الوسائل 26: 170
أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 7 ح 1.
(4) التهذيب 9: 322 / 1158، الإستبصار 4: 169 / 638، الوسائل 26: 171
أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 7 ح 2.
(5) التهذيب 9: 323 / 1159، الإستبصار 4: 169 / 639، الوسائل 26: 171
أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 7 ح 3.
312

فلا تصلح للمعارضة، لضعفها بالشذوذ، وحملها في التهذيبين تارة
على التقية، وأخرى على ما إذا كان بنات الأخ للأب وابن الأخ للأبوين (1).
المسألة الثالثة: أولاد الإخوة والأخوات يقومون مقام آبائهم عند عدمهم
في مقاسمة الأجداد والجدات، بلا خلاف يعرف، ونقل عليه الإجماع
في الانتصار والسرائر والغنية وكنز العرفان (2).
وتدل عليه أيضا الصحيحتان المصرحتان بأن بنت الأخت بمنزلة الأخت
وابن الأخ بمنزلة الأخ (3).
وخصوص صحيحة محمد: نشر أبو عبد الله (عليه السلام) صحيفة فأول ما تلقاني
فيها: " ابن أخ وجد، المال بينهما نصفان " فقلت: جعلت فداك إن
القضاة عندنا لا يقضون لابن الأخ مع الجد بشئ، فقال: " إن هذا
الكتاب خط علي (عليه السلام) وإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (4).
وصحيحته: قال: نظرت إلى صحيفة ينظر فيها أبو جعفر (عليه السلام)، قال:
فقرأت فيها مكتوبا: " ابن أخ وجد، المال بينهما سواء " فقلت لأبي جعفر (عليه السلام):
إن من عندنا لا يقضون بهذا القضاء، ولا يجعلون لابن الأخ مع الجد شيئا،
فقال أبو جعفر (عليه السلام): " أما إنه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي (عليه السلام) " (5).

(1) التهذيب 9: 323، الإستبصار 4: 169.
(2) الإنتصار: 302، السرائر 3: 260، الغنية (الجوامع الفقهية): 607، كنز العرفان
2: 334.
(3) لم نعثر عليهما، نعم في صحيحة الخزاز: " بنت الأخ بمنزلة الأخ ". انظر:
الوسائل 26: 162 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 5 ح 9.
(4) الكافي 7: 112 / 1، الوسائل 26: 159 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 5 ح 1.
(5) الكافي 7: 113 / 5، التهذيب 9: 308 / 1104، الوسائل 26: 160 أبواب
ميراث الإخوة والأجداد ب 5 ح 5، بتفاوت يسير.
313

ورواية القاسم بن سليمان: " إن عليا (عليه السلام) كان يورث ابن الأخ مع
الجد ميراث أبيه " (1).
وصحيحة محمد عن أبي جعفر (عليه السلام): " قال: حدثني جابر عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) - ولم يكن يكذب جابر -: إن ابن الأخ يقاسم الجد " (2).
ومرسلة سعد بن أبي خلف الصحيحة عن السراد المجمع على تصحيح
ما يصح عنه: في بنات أخت وجد، قال: " لبنات الأخت الثلث وما بقي
فللجد " فأقام بنات الأخت مقام الأخت وجعل الجد بمنزلة الأخ (3). إلى
غير ذلك.
وبهذه الأخبار وإن ثبت حكم أكثر الصور، ولكن تبقى صور لا بد في
إثبات الحكم فيها بالتمسك بالصحيحتين المتقدمتين (4) والإجماع
المركب.
وقد يستدل أيضا في جميع هذه الصور بعمومات كل ذي رحم بمنزلة
الرحم الذي يجر به، إلا أن يكون وارث أقرب منه.
وفي دلالتها نظر، لمكان الاستثناء، فإن الظاهر أن الجد أقرب من ابن
الأخ.
ثم إنهم قد صرحوا باطراد الحكم في الأجداد وإن علوا، وأولاد الإخوة

(1) الكافي 7: 113 / 2، التهذيب 9: 309 / 1105، الوسائل 26: 160 أبواب
ميراث الإخوة والأجداد ب 5 ح 2.
(2) الكافي 7: 113 / 3، التهذيب 9: 309 / 1106، الوسائل 26: 160 أبواب
ميراث الإخوة والأجداد ب 5 ح 3.
(3) الكافي 7: 113 / 7، الفقيه 4: 207 / 702 وفيه صدر الحديث، التهذيب 9:
309 / 1109، الوسائل 26: 161 أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 5 ح 7.
(4) راجع ص: 311 الهامش (3).
314

وإن نزلوا، واستدلوا عليه بالأدلة المتقدمة.
وفي دلالتها نظر ظاهر: أما الأخبار المتقدمة فلأن الحكم فيها إنما هو
للجد وابن الأخ وبنت الأخت، وصدقها على الأجداد العليا وأولاد أولاد
الأخ والأخت لغة أو عرفا أو شرعا غير معلوم، كما مر مرارا. وأما
عمومات المنزلة فلما عرفت آنفا. فلا بد في إثبات الحكم فيها من
التمسك بالإجماع البسيط أو المركب.
نعم قد يمكن التمسك بالعمومات المذكورة إذا كان علو الجد ونزول
الأخ بحيث لم يكن لأحدهما أقربية بالنسبة إلى الآخر، وحينئذ يمكن
تعميم الحكم بإجماع مركب آخر أيضا، وبالجملة المناط فيه كأكثر
أحكام الإرث أحد الإجماعين البسيط والمركب.
315

الفصل الثالث
في ميراث الأعمام والأخوال
ونقدم أولا ذكر شطر من الأخبار الواردة في حكمهم، وهي كثيرة:
منها: صحيحة الكناسي وفيها: " وابن أخيك من أبيك أولى بك من
عمك " قال: " وعمك أخو أبيك من أبيه وأمه أولى بك من عمك أخي
أبيك من أبيه " قال: " وعمك أخو أبيك لأبيه أولى بك من عمك أخي
أبيك لأمه " قال: " وابن عمك أخي أبيك من أبيه وأمه أولى بك من ابن
عمك أخي أبيك لأبيه " قال: " وابن عمك أخي أبيك من أبيه أولى بك
من ابن عمك أخي أبيك لأمه " (1).
ومنها: صحيحة أبي بصير: قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شئ من
الفرائض قال لي: " ألا أخرج لك كتاب علي (عليه السلام)؟ " فقلت: كتاب علي
لم يدرس؟! فقال: " يا أبا محمد إن كتاب علي (عليه السلام) لا يدرس " فأخرجه
فإذا كتاب جليل، وإذا فيه: " رجل مات وترك عمه وخاله " قال: " للعم
الثلثان وللخال الثلث " (2).
ومنها: صحيحة الخزاز عنه (عليه السلام): قال: " إن في كتاب علي (عليه السلام) العمة
بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وكل ذي

(1) الكافي 7: 76 / 1، التهذيب 9: 268 / 974 بتفاوت يسير، الوسائل 26: 190
أبواب ميراث الأعمام والأخوال ب 4 ح 1.
(2) الكافي 7: 119 / 1، التهذيب 9: 324 / 1162، الوسائل 26: 186 أبواب
ميراث الأعمام والأخوال ب 2 ح 1.
316

رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به، إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت
منه " (1).
ومنها: صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة (2).
ومنها: صحيحة محمد: عن الرجل يموت ويترك خاله وخالته وعمه
وعمته وابنته وأخته فقال: " كل هؤلاء يرثون ويحوزون، فإذا اجتمعت
العمة والخالة فللعمة الثلثان وللخالة الثلث " (3).
ومثلها مرسلة أبي المعزا (4) وصحيحة أبي بصير (5) ورواية أبي مريم (6).
ومنها: رواية سلمة بن محرز، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال في عمة وعم
قال: " للعم الثلثان، وللعمة الثلث " وقال في ابن عم وخالة قال: " المال
للخالة " وقال في ابن عم وخال قال: " المال للخال " وقال في ابن عم
وابن خالة قال: " للذكر مثل حظ الأنثيين " (7).
ومنها: روايتا الحسن بن عمارة والحارث، المتقدمتان في مسألة

(1) التهذيب 9: 325 / 1170، الوسائل 26: 188 أبواب ميراث الأعمام والأخوال
ب 2 ح 6.
(2) في ص: 291.
(3) الكافي 7: 120 / 6، التهذيب 9: 324 / 1165، الوسائل 26: 187 أبواب
ميراث الأعمام والأخوال ب 2 ح 4.
(4) الكافي 7: 120 / 8، التهذيب 9: 325 / 1166، الوسائل 26: 188 أبواب
ميراث الأعمام والأخوال ب 2 ح 5.
(5) الكافي 7: 119 / 5، التهذيب 9: 324 / 1164، الوسائل 26: 187 أبواب
ميراث الأعمام والأخوال ب 2 ح 3.
(6) الكافي 7: 119 / 4، التهذيب 9: 324 / 1163، الوسائل 26: 187 أبواب
ميراث الأعمام والأخوال ب 2 ح 2.
(7) التهذيب 9: 328 / 1179، الإستبصار 4: 171 / 645، الوسائل 26: 193
أبواب ميراث الأعمام والأخوال ب 5 ح 4.
317

اجتماع الإخوة المتفرقين (1).
ومنها: قول الرضا (عليه السلام) في فقهه: " فإن ترك خالا وخالة وعما وعمة،
فللخال والخالة الثلث بينهما بالسوية، وما بقي فللعم والعمة، للذكر مثل
حظ الأنثيين " (2).
وأيضا قال: " وكذلك إذا ترك عمه وابن خاله فالعم أولى، وكذلك خالا
وابن عم فالخال أولى، لأن ابن العم قد نزل ببطن، إلا أن يترك عما لأب
وابن عم لأب وأم فإن الميراث لابن العم للأب والأم، لأن ابن العم جمع
الكلالتين كلالة الأب وكلالة الأم، فعلى هذا يكون الميراث له " (3).
وفيه أبحاث:

(1) راجع ص: 266.
(2) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 289، مستدرك الوسائل 17: 190 أبواب ميراث الأعمام
والأخوال ب 2 ح 4.
(3) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 289، مستدرك الوسائل 17: 192 أبواب ميراث الأعمام
والأخوال ب 5 ح 1.
318

البحث الأول
في ميراث الأعمام والعمات
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا يرث العم مع واحد من الإخوة وأولادهم
والأجداد وآبائهم بالإجماع. ومخالفة يونس (1) في تشريك العم مع ابن الأخ
غير قادح فيه، مع أنه مردود بقوله في صحيحة الكناسي: " وابن أخيك من
أبيك أولى بك من عمك " (2).
وقد يرد أيضا بحديث الأقربية (3). وفيه نظر.
المسألة الثانية: إذا انفرد العم كان المال كله له، وكذا العمة. وإذا تعدد
العم أو العمة كان المال كله لهم بالسوية، إذا كانوا لأب أو لأم أو لهما، كل
ذلك بالإجماع، وصحيحة محمد، وكون العم والعمة بمنزلة الأب.
المسألة الثالثة: لو اجتمع العم والعمة أو العمومة والعمات من نوع
واحد كان المال لهم، يقتسمونه للذكر ضعف الأنثى إن كانوا جميعا من
الأبوين أو الأب، للإجماع المحقق، وما مر من قاعدة تفضيل الرجال على
النساء ورواية سلمة، وفقه الرضا (عليه السلام).
وكذلك إذا كانوا جميعا لأم، وفاقا للفضل والمفيد والصدوق والنهاية

(1) حكاه عنه في الكافي 7: 121.
(2) الكافي 7: 76 / 1، التهذيب 9: 268 / 974، الوسائل 26: 182 أبواب ميراث
الإخوة والأجداد ب 13 ح 1، و ص 190 أبواب ميراث الأعمام والأخوال ب 4 ح 1.
(3) كما في الرياض 2: 359.
319

والشرائع والنافع والغنية مدعيا عليه إجماع الإمامية (1).
وخلافا للفاضل والشهيدين (2)، وبعض آخر (3)، فقالوا باقتسامهم
بالسوية، وقال في الكفاية: لا أعرف فيه خلافا (4).
لنا: قاعدة التفضيل، والروايتان، ومرسلة المجمع المتقدمة (5) المعتضدة
بشهرة القدماء.
احتج بعض المخالفين باقتضاء شركة المتعددين في شئ تسويتهم،
خرج ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي (6).
وفيه: منع الاقتضاء المذكور كما مر غير مرة. ولو سلمناه فإنما هو إذا
أطلق لفظ الشركة دون ما إذا علم الاشتراك من غير تصريح بلفظه. ولو
سلمناه فإنما هو إذا لم يكن هناك دليل على التفضيل، وقد
ذكرناه.
وتخصيص العم والعمة في الروايتين بالعم والعمة للأبوين تخصيص
بلا مخصص. وتقييد إطلاق الجد في أحاديث اجتماعه مع الإخوة بما إذا
كان للأب بدليل لا يرجح احتمال التخصيص هنا أصلا.
المسألة الرابعة: إذا اجتمع المتفرقون من الأعمام أو العمات أو
منهما فيسقط المتقرب بالأب مع وجود المتقرب بالأبوين، لخصوص

(1) حكاه عن الفضل في الكافي 7: 120، المفيد في المقنعة: 692، الصدوق في
المقنع: 175، النهاية: 653، الشرائع 4: 30، النافع: 270، الغنية (الجوامع
الفقهية): 607.
(2) الفاضل في التحرير 2: 166، الشهيدان في الدروس 2: 372، واللمعة والروضة
8: 153.
(3) انظر الرياض 2: 359.
(4) الكفاية: 300.
(5) في ص: 262.
(6) انظر الرياض 2: 359.
320

صحيحة الكناسي، وسائر ما تقدم في مسألة اجتماع الإخوة المتفرقين،
فالمال ينقسم بين المتقرب بالأبوين وبالأم أو بين المتقرب بالأب خاصة
وبالأم مع عدم المتقرب بالأبوين.
والمشهور: أن السدس للمتقرب بالأم إذا كان واحدا، والثلث إذا كان
أكثر، والباقي للمتقرب بالأبوين أو الأب.
ولم أقف على حجة عليه سوى الشهرة، وإلحاق الأعمام بالكلالة.
والأول مردود بعدم حجيته. والثاني بكونه قياسا.
وظاهر الصدوق في الفقيه والهداية، والفضل (1): تسوية المتفرقين من
الأعمام والعمات مع غير المتفرقين في تقسيمهم للذكر مثل حظ
الأنثيين، وظاهر الكفاية التردد (2).
ويدل على قول الفضل قاعدة التفضيل، وإطلاق الروايتين،
والمرسلة (3)، فيكون هو الأقوى وإن كان الاحتياط أولى.
فإن قيل: قاعدة التفضيل التي هي الحجة هنا إنما تتم إذا اجتمع الذكر
والأنثى، وأما إذا اجتمع الذكران أو الأنثيان، كعم من الأب وعم من الأم
فمن أين يحكم بالتساوي.
قلنا: يتم المطلوب بضميمة عدم القول بالفصل.
والتمسك بالإجماع لإثبات المشهور ضعيف، لأن منقوله غير حجة،
والمحقق غير ثابت.
وهاهنا احتمال آخر أقرب بحسب الدليل: وهو أن يكون للمتقرب بالأم
الثلث مطلقا، وللمتقرب بالأب الثلثان. وذلك لأن الرحم الذي يجر به العم

(1) الفقيه 4: 212، الهداية: 85، حكاه عن الفضل في الكافي 7: 120.
(2) كفاية الأحكام: 300.
(3) راجع ص 312 و 317.
321

أو العمة للأم هو أم الأب ولها الثلث، والذي يجر به العم أو العمة
للأب أو الأبوين هو الأب وله الثلثان. ولكن انعقاد الإجماع على تركه
يضعفه ويوجب الأخذ بأحد القولين الأوليين.
المسألة الخامسة: لا يرث مع العم أو العمة مطلقا أحد من أولادهم،
للأصل الثابت بالإجماع والأخبار، من منع الأقرب للأبعد، إلا في مسألة
واحدة إجماعية هي ابن عم لأب وأم مع عم لأب، فابن العم أولى، وهي
مخصصة بالإجماع المحقق، ونقله أيضا في النهاية واللمعة والمسالك والتنقيح
والقواعد والكفاية والمفاتيح (1) وغيرها (2)، بل قيل بتواتر نقل الإجماع هنا (3).
ويدل عليه من الأخبار روايتا ابن عمارة والحارث وقول الرضا (عليه السلام) (4)،
وضعف المستند في بعضها بعد تحقق الإجماع غير ضائر.
وفي الاقتصار في المسألة على موضع الإجماع، وهو فيما إذا انحصر
الوارث في ابن عم لأب وأم وعم لأب لا غير، أو التعدي إلى غيره خلاف،
والخلاف في غير صورة الإجماع وقع في مواضع:
منها: ما إذا حصل التعدد للعم أو ابن العم أو لهما، فذهب الشهيدان
إلى عدم تغير الحكم بذلك (5)، لوجود المقتضي للترجيح، وهو ابن العم مع
العم. لأنه إذا منع مع اتحاده فمع تعدده أولى، لتعدد السبب المرجح. ولأن
سبب إرث العمين وما زاد هو العمومة، وابن العم مانع لهذا السبب، ومانع
أحد السببين المتساويين مانع للآخر. ولأن ابن العم مفيد للعموم بسبب

(1) النهاية: 653، اللمعة (الروضة 8): 54، المسالك 2: 329، التنقيح 4: 181،
القواعد 2: 175، الكفاية: 301، المفاتيح 3: 301.
(2) كما في كشف اللثام 2: 297، الرياض 2: 360.
(3) انظر الرياض 2: 360.
(4) المتقدمة جميعا في ص: 266 و 316.
(5) الشهيد الأول في الدروس 2: 336، والشهيد الثاني في الروضة 8: 54.
322

الإضافة.
ويرد على الأول: أنه يمكن أن يكون المقتضي هو ابن العم بشرط
الوحدة مع العم كذلك.
وعلى الثاني: أن السبب يمكن أن يكون مركبا من الوحدة، فيكون
التعدد منافيا له.
وعلى الثالث: أنه يمكن أن يكون ابن العم مانعا لهذا السبب إذا كان
(لا) (1) مع سبب آخر، ومعه تضعف قوة المانع.
وعلى الرابع: أنه لا مفرد مضافا في قول الإمام (عليه السلام) إلا في الرضوي
الضعيف الغير الثابت انجباره في المقام.
ويمكن أن يستدل له بالروايتين المتقدمتين المعتبرتين، حيث إن
أعيان بني الأم شاملة لصورة التعدد أيضا، فمذهب الشهيدين هو الأظهر.
ومنها: ما إذا تغيرت الذكورية بالأنوثية فيهما أو في أحدهما، كما إذا
كان بدل العم عمة، أو بدل ابن العم بنتا، أو كان بدل العم عمة وبدل الابن
بنتا، ونسب الخلاف فيما إذا تبدل العم إلى الشيخ، محتجا باشتراك العم
والعمة في السببية (2).
وفيه: أن الاشتراك في السببية لا يوجب الاشتراك في الممنوعية،
لجواز أن يكون لأحد المسببين مدخلية فيها لم يكن للمسبب الآخر، فيتغير
الحكم. وأولى بالتغير ما إذا كان التبديل في طرف المانع، وهو ظاهر.
والأخبار غير شاملة للإناث، للتعبير فيها بالعم والابن أو بني الأم وبني
العلات، فقول الشيخ ساقط.
ومنها: ما إذا تغير المورد بالهبوط، كما إذا كان بدل ابن العم ابن ابنه،

(1) ليست في " س ".
(2) الإستبصار 4: 170.
323

أو بدل العم للأب ابنه، وعلل الأول بصدق الابن على ابن الابن حقيقة.
وفيه: أنه ممنوع، فلا تشمله الأخبار، فلا يتعدى إلى ذلك الموضع.
ومنها: ما إذا انضم معهما زوج أو زوجة، والكلام فيه كما مر في
الموضع الأول.
ومنها: ما إذا انضم معهما خال أو خالة، واختلفوا حينئذ على أقوال
أربعة.
الأول: حرمان ابن العم، ومقاسمة العم والخال أثلاثا، ونسب إلى
عماد بن حمزة القمي، المعروف بالطبرسي (1)، وتابعه أكثر المحققين
كالفاضلين والشهيدين (2) وجمهور المتأخرين.
والثاني: حرمان العم خاصة، وجعل المال للخال وابن العم، وإليه
ذهب القطب الراوندي ومعين الدين المصري (3).
والثالث: حرمان العم وابن العم معا، واختصاص الخال بالمال،
ذهب إليه سديد الدين محمود الحمصي (4).
والرابع: حرمان العم والخال، وجعل المال كله لابن العم.
والحق هو الأول، أما حرمان ابن العم، فلوجود الخال الذي هو
أقرب منه، ولا مانع له، كما كان للعم. وعدم حرمانه مع العم الذي هو في
مرتبة الخال، إنما كان بالإجماع، فلا يتعدى إلى غيره.

(1) نسبه في المختلف: 734 إلى العماد القمي المعروف بالطوسي، وفي الدروس
2: 336 إلى عماد الدين بن حمزة.
(2) المحقق في الشرائع 4: 30، العلامة في القواعد 2: 175، الشهيد في الدروس
2: 336، الشهيد الثاني في الروضة 8: 57.
(3) حكاه عن الراوندي في المختلف: 734، وعن المصري في الدروس 2: 337.
(4) حكاه عنه في الدروس 2: 337 والروضة 8: 57.
324

وأما عدم حرمان العم حينئذ فلكونه بمنزلة الأب مع عدم وارث
أقرب منه، وأقربية ابن العم المذكور عنه بالروايتين إنما يفيد لو كان الأقرب
وارثا. وأما بدونه فلا يترتب عليها أثر كما في الأقرب الكافر والقاتل والرق.
وأما عدم حرمان الخال، فلعدم المانع، وحرمان من هو في مرتبته
عند انفراده لا يدل على حرمانه.
وأما مقاسمة العم والخال أثلاثا، فلكون العم بمنزلة الأب، والخال
بمنزلة الأم، وهما يقتسمان المال كذلك.
وتدل على الأحكام الأربعة صحيحة أبي بصير أيضا (1). أما دلالتها
على حرمان ابن العم، فلإطلاق الحكم بكون المال للعم والخال مع
اجتماعهما، سواء كان معهما ابن عم أو لا. وأما على البواقي فظاهر.
احتج المخالف الأول: أما على حرمان العم، فبوجود ابن العم.
وأما على عدم حرمان ابن العم، فبأنه لو حرم لكان بوجود الخال
وهو غير صالح لذلك، لأن الخال لا يمنع العم وابن العم أولى منه، لمنعه
إياه فلا يمنع بالخال بطريق أولى.
وأيضا: الخال إنما يحجب ابن العم مع عدم كل من هو في درجته
من ناحية العمومة، فأما مع وجود أحدهم فلا يقال إنه محجوب به، وإنما
هو محجوب بذلك الذي من قبل العم، لأنه يأخذ منه النصيب من الإرث،
بخلاف الخال، فإن فرضه لا يتغير بوجود ابن العم ولا بعدمه، والحجب
إنما يتحقق بأخذ ما كان يستحقه المحجوب لا ما يأخذه غيره.
والجواب أما عن دليله على حرمان العم: فبأنا لا نسلم أن وجود ابن
العم مانع مطلقا، وإنما هو مع انفراد العم ومع كونه وارثا، إذ لا دليل على

(1) المتقدمة في ص: 314.
325

المنع مطلقا، وليس هنا كذلك.
وأما عن دليله الأول على عدم حرمان ابن العم: فبأن منع ابن العم
للعم لا يوجب كونه أولى من العم مطلقا حتى يشمل عدم الممنوعية بالخال
أيضا، لا بد في إثباته من دليل.
وأما عن دليله الثاني: فبأن اختصاص حجب الخال لابن العم بعدم
كل من هو في درجته من العمومة ممنوع، وتخصيص لعمومات منع
الأقرب للأبعد بلا مخصص.
واحتج الثاني: بأن العم محجوب بابن العم وابن العم بالخال،
فيختص الإرث به، وأيد ذلك برواية سلمة، الدالة على تقديم الخال على
ابن العم (1)، فيكون مقدما على ما هو أضعف منه بطريق أولى.
والجواب: أن محجوبية العم حينئذ بابن العم ممنوعة، وإنما هي في
صورة توريثه، وتقديم الخال على ابن العم لا يوجب تقديمه على العم
بطريق أولى، لأن أولويته في الميراث في صورة خاصة لا توجب أولويته
منه في جميع الأحكام.
واحتج الثالث: بأن الخال مساو للعم في المرتبة، وابن العم يمنع العم،
ومانع أحد المتساويين من جميع الميراث مانع للآخر، وإلا لم يكونا متساويين.
والجواب: أن المسلم إنما تساويهما في المرتبة، وأما في جميع
الأحكام فممنوع، فقوله: مانع أحد المتساويين مانع للآخر، إن أريد به
أحد المتساويين في جميع الأحكام فالمنع مسلم، ولكن التساوي ممنوع،
وإن أريد المتساويين في المرتبة فالتساوي مسلم والمنع ممنوع.

(1) راجع ص: 315.
326

البحث الثاني
في ميراث الأخوال والخالات
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الخال إذا انفرد كان المال كله له، وكذا الخالة،
للإجماع، وكونه بمنزلة الأم.
ولو اجتمع الخالان أو الأخوال أو الخالتان أو الخالات من نوع
واحد، كما إذا كانوا لأب أو لأم أو لهما كان المال كله لهم، للإجماع،
وصحيحة محمد (1).
المسألة الثانية: لو اجتمع الخال والخالة، أو الأخوال والخالات،
فالمعروف من مذهب الأصحاب أنهم يقتسمون المال بالسوية أيضا،
والذكر والأنثى فيهم سواء، وادعى عليه الإجماع جماعة (2). قال السيد في
المسائل الناصرية: وإليه يذهب أصحابنا، وادعى عليه الإجماع فيها
أيضا (3).
وتدل عليه أيضا مرسلة المجمع المتقدمة (4)، وعبارة فقه الرضا (عليه السلام) (5).
ونقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب: أنهم إذا كانوا متقربين

(1) المتقدمة في ص: 315.
(2) منهم الطوسي في الخلاف 4: 16، والشهيد الثاني في المسالك 2: 33،
والفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 297، وصاحب الرياض 2: 360.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 222.
(4) في ص: 262.
(5) انظر ص: 316.
327

بالأبوين أو الأب يقتسمونه للذكر ضعف الأنثى (1).
وهو ضعيف شاذ مردود بالإجماع والأخبار.
المسألة الثالثة: لو اجتمع الأخوال والخالات أو هما مع كونهم
متفرقين، فالمعروف أنه يسقط المتقرب بالأب مع المتقرب بالأبوين،
للإجماع، وكون المتقرب بهما أقرب عرفا كما مر، فيقسم المال بين
المتقرب بهما والمتقرب بالأم، أو بين المتقرب بالأب والمتقرب بالأم.
ثم المعروف في كيفية القسمة أن للمتقرب بالأم السدس مع الوحدة
ذكرا كان أو أنثى، والثلث مع التعدد، ينقسم بينهم بالسوية، والباقي
للمتقرب بالأبوين أو بالأب مع عدمه. والمشهور أنهم أيضا يقتسمونه
كذلك وإن اختلفوا بالذكورية والأنوثية.
فهاهنا حكمان:
أحدهما: القسمة أسداسا مع وحدة المتقرب بالأم، وأثلاثا مع التعدد.
وثانيهما: قسمة الثلث والباقي سوية.
أما الأول: فلا خلاف فيه يعرف كما صرح به جماعة من
الأصحاب (2)، وقال في المسالك: وهذا الحكم محل وفاق (3). والظاهر أنه
كذلك، فهو الدليل عليه، وإلا فمراعاة قاعدة التفضيل مع انضمام عدم القول
بالفصل يوجب الاقتسام للذكر ضعف الأنثى، وملاحظة كون المتقرب بالأم
بمنزلة أم الأم والمتقرب بالأبوين أو الأب بمنزلة أبيها يستدعي الاقتسام
على السوية مطلقا.
وأما الثاني: فلا إشكال في انقسام السدس أو الثلث بين المتقرب

(1) الخلاف 4: 17.
(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 8: 154، صاحب الرياض 2: 360.
(3) المسالك 2: 330.
328

بالأم سوية، لمكان الإجماع.
وإنما الإشكال في انقسام الباقي بين المتقرب بالأبوين أو الأب
كذلك، فإنه نقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب: أن الخؤولة
للأبوين يقتسمون للذكر ضعف الأنثى (1) وحكي ذلك عن القاضي أيضا (2)،
نظرا إلى تقربهم بالأب في الجملة.
ورد بأن تقرب الخؤولة بالميت بالأم مطلقا ولا عبرة بجهة قربها.
واعترض عليه: بأنه متى كان الحكم كذلك وكان الاعتبار بالمتقرب
بالأم مطلقا فالحكم في صورة التفرق بأن للمتقرب بالأم السدس مع الوحدة
والثلث مع الكثرة والباقي للباقي غير صحيح، بل اللازم هو الحكم
بالتساوي، لأنه من شأن المتقرب بالأم (3).
وفيه: أن اعتبار التقرب بالأم إنما يقتضي إجراء حكمه في كل موضع
لم يدل دليل على خلافه، وحكمهم بالاختلاف في صورة التفرق بسبب
دليل لا ينافي الحكم بالتساوي في غير موضع الدليل، ولعل الاختلاف في
صورة التفرق إنما هو بسبب الإجماع المذكور.
ومن هنا يظهر فساد ما قيل هنا: من أنه إن كان الاعتبار بالنظر إلى
تقرب هذا الوارث إلى الميت فتقرب الخؤولة مطلقا إنما هو بالأم الموجب
لاقتسام من يتقرب بها بالسوية أعم من أن يكون المتقرب إليها بالأبوين أو
أحدهما خاصة، فلا وجه حينئذ لتخصيص المتقرب إليها بالأم بالسدس أو
الثلث. وإن كان الاعتبار بالنظر إلى تقرب الوارث إلى الواسطة - أعني الأم -

(1) الخلاف 4: 17.
(2) المهذب 2: 148.
(3) انظر الرياض 2: 360.
329

فلا ينبغي النظر إلى الأم مطلقا (1).
فإن لأحد أن يقول: إن الاعتبار بالتقرب إلى الميت، والتخلف في
موضع بالإجماع لا يوجب التخلف في غير موضعه.
إلا أنه بقي الكلام في وجه اقتضاء اعتبار التقرب إلى الميت بالأم
للتسوية مطلقا، فإنه لا دليل يدل عليه عموما أو إطلاقا، فإنما هو في بعض
الصور المخصوصة. والإجماع المركب غير ثابت. وتصور إطلاق مرسلة
المجمع (2) غير جيد، لأن قرابة الأم فيها وإن كانت مطلقة إلا أنها مخصوصة
بصورة الاجتماع مع قرابة الأب. وتوهم اقتضاء الشركة للتسوية في الأصل
مردود بما مر (3).
فالمسألة محل إشكال جدا، كما صرح به في الكفاية (4)، ويظهر من
بعض مشايخنا أيضا (5). بل لا يبعد ترجيح قول القاضي، لقاعدة تفضيل
الرجال. والاحتياط بالمصالحة حسن في كل حال.
المسألة الرابعة: لا يرث شئ من أولاد العمومة ولا أولاد الخؤولة
مع وجود خال أو خالة، للإجماع، والأقربية، وخصوص رواية سلمة (6)،
وعبارة فقه الرضا (عليه السلام) (7).

(1) انظر الرياض 2: 360.
(2) المتقدمة في ص: 262.
(3) راجع ص: 263.
(4) كفاية الأحكام: 301.
(5) كصاحب الرياض 2: 360.
(6) المتقدمة في ص: 315.
(7) المتقدمة في ص: 316.
330

البحث الثالث
في ميراث الأعمام والأخوال إذا اجتمعوا
اعلم: أنه لو اجتمع عم أو عمة أو أعمام مع خال أو خالة أو أخوال،
فللخال أو الخالة أو الأخوال الثلث، وللعم أو العمة أو الأعمام الثلثان،
وفاقا للمشهور (1)، لكون الخال أو الخالة أو الأخوال بمنزلة الأم، والعم أو
العمة أو الأعمام بمنزلة الأب، فلكل نوع نصيب من يتقرب به.
وجعل الخؤولة بمنزلة الأخت والعمومة بمنزلة الأخ - كما في
المسالك والكفاية (2) - لا وجه له، فإن نسبة الخؤولة والعمومة إلى الأخت
والأخ كنسبتهم إلى الميت بعينه. ولو صح فصحة الاحتجاج به على
المطلوب غير واضحة، لأن مطلق الأخت ليس لها الثلث، وجعل الخال
مطلقا بمنزلة الأخت من الأبوين محض تحكم، إلا أن يحمل الأخت على
أخت الأخوال التي هي أم الميت، والأخ على أخ الأعمام الذي هو أبوه. هذا.
ويدل على الحكم أيضا في صورة اجتماع العم والخال صحيحة
أبي بصير، وفي صورة اجتماع العمة والخالة حسنة محمد، وصحيحة
أبي بصير، ومرسلة أبي المعزا، ورواية أبي مريم، وفي صورة اجتماع
الخال والخالة مع العم والعمة عبارة فقه الرضا (عليه السلام) (3)، وبضميمة الإجماع
المركب يمكن إثبات الحكم في غير هذه الصور أيضا.

(1) كما في الروضة 8: 155، والمسالك 2: 330، والرياض 2: 360.
(2) المسالك 2: 330، الكفاية: 301.
(3) انظر ص: 314 - 316.
331

وادعى السيد في المسائل الناصرية الإجماع على الحكم في صورة
اجتماع العم والخال أيضا (1).
وخالف في ذلك الحكم جماعة، منهم: العماني والديلمي والمفيد
والكيدري وابن زهرة والمصري (2)، فنزلوا الخؤولة والعمومة منزلة الكلالة،
الخؤولة منزلة كلالة الأم، والعمومة منزلة كلالة الأب، فقالوا: إن للخؤولة
مع الوحدة السدس، ومع التعدد الثلث، وللعمومة الباقي بالقرابة مع وجود
الذكر، والثلثان بالفرض مع عدمه وثبوت التعدد، والنصف مع عدمه،
والباقي يرد على الجميع أو على العمومة أو العمة بناءا على الخلاف المتقدم.
ولم أعثر على حجة لهم، والقياس على الكلالة باطل. هذا.
ثم إنه على المشهور المنصور يقتسمون الأخوال ثلثهم بالسوية مع
عدم التفرق، سواء كانوا ذكورا أم إناثا أم ذكورا وإناثا، ومع التفرق يعطى
المتقرب بالأم سدس الثلث مع الوحدة، وثلثه بدونها، يقتسمونه سوية،
والباقي للمتقرب بالأبوين يقتسمونه سوية على المشهور، وتفاضلا على
قول القاضي وبعض الأصحاب المتقدم في البحث السابق، إلا أن مرسلة
المجمع (3) الشاملة لهذه المسألة تقوي هاهنا المشهور جدا (4).
والأعمام يقتسمون ثلثيهم سوية مع عدم الاختلاف في الذكورة
والأنوثة، وعلى التفاضل معه، ومع التفرق يكون تقسيم الثلثين بينهم
كتقسيم جميع المال بينهم عند عدم الخؤولة، والوجه في الجميع واضح.

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 223.
(2) حكاه عن العماني في المختلف: 734، الديلمي في المراسم: 223، المفيد في
المقنعة: 708، وحكاه عن الكيدري والمصري في المختلف: 735، ابن زهرة في
الغنية (الجوامع الفقهية): 607.
(3) المتقدمة في ص: 262.
(4) في " س ": خاصة.
332

البحث الرابع
في ميراث عمومة أب الميت وخؤولته، وعمومة أمه
وخؤولتها، وعمومة جدة وخؤولته، وهكذا متصاعدا.
والمتعارف الاقتصار على الأول، لندرة تحقق الأعلى منه.
وهاهنا مسألتان:
المسألة الأولى: إذا اجتمع الأعمام والأخوال الثمانية، أي: عم الأب
وعمته، وخاله وخالته، وعم الأم وعمتها، وخالها وخالتها، فذهب الشيخ
في النهاية (1)، بل هو المشهور كما في الإيضاح والمسالك (2) وغيرهما (3): أن
الثلث لمن يتقرب منهم بالأم بالسوية، والثلثين لمن يتقرب منهم بالأب،
ثلث الثلثين لخال الأب وخالته بينهما بالسوية، وثلثاهما للعم والعمة بينهما
للذكر مثل حظ الأنثيين.
والمسألة مركبة من حكمين، أحدهما: التقسيم بين المتقربين أثلاثا.
وثانيهما: تقسيم كل متقرب نصيبه على النحو المذكور.
وقد صرح باحتمال المخالفة في كل منهما.
أما في الأول: فاحتمل في المسالك أن يجعل للخؤولة الأربعة الثلث
يقتسمونه بالسوية، وللأعمام الثلثين ثلثهما لعم الأم وعمتها بالسوية،
وثلثاهما لعم الأب وعمته أثلاثا (4).

(1) النهاية: 657.
(2) الإيضاح 4: 230، المسالك 2: 330.
(3) كالرياض 2: 361.
(4) المسالك 2: 330.
333

وأما في الثاني: فاحتمل أفضل المحققين نصير الملة والدين الطوسي
في فرائضه (1) أن يعطى ثلث الثلث الذي للمتقرب بالأم لخالها وخالتها
سوية، وثلثاه لعمها وعمتها كذلك، وسهم الأعمام ينقسم بينهم كالمشهور.
أقول: أما الحكم الأول، فالحق فيه هو المشهور، لمرسلة المجمع
المتقدمة المنجبرة، وللعمومات الدالة على أن كل نوع من ذي رحم بمنزلة
الرحم الذي يجر به (2)، فاحتمال غيره ضعيف.
وأما الحكم الثاني، فكذلك أيضا في ثلث المتقرب بالأم، للمرسلة
المذكورة. ولولاها لاحتمل فيه ما مر.
واحتمل أيضا أن ينقسم ثلث المتقرب للأم بين الأخوال والأعمام
على التنصيف، بأن يكون نصفه للأخوال ونصفه للأعمام. وتظهر مخالفته
مع المشهور عند وحدة أحد الصنفين.
ووجه الاحتمال تقرب عمومة الأم بأب الأم، وخؤولتها بأمها، وهما
يقتسمان كذلك.
ثم نصف الثلث يحتمل أن ينقسم بينهما سوية، للتقرب بالأم. وأن
ينقسم أثلاثا، لقاعدة التفضيل.
ولكن مع المرسلة المذكورة لا ينبغي الالتفات إلى الاحتمال، لكونها
أخص من القاعدة المذكورة، وعدم دليل على اعتبار التقرب إلى الواسطة.
وأما ثلثا المتقرب بالأب، فيحتمل فيه القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين
مطلقا، مراعاة لقاعدة التفضيل، ونظرا إلى إطلاق المرسلة. ويحتمل القسمة
أثلاثا كما في المشهور، لاعتبار التقرب بالواسطة. ولكن مع تقسيم الخال

(1) حكاه عنه في الإيضاح 4: 230.
(2) الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2.
334

والخالة للأب ثلثهما أثلاثا، للقاعدة المذكورة.
وبالجملة المسألة لخلوها عن النص محل إشكال، ومراعاة الاحتياط
مهما أمكن أولى. ولو لم يمكن فلا مفر من الأخذ بقاعدة التفضيل
المعتضدة بالمرسلة وإن خالف المشهور، لعدم ثبوت الإجماع في مثل
المسألة.
وأما احتمال تقسيم المتقرب بالأب أثلاثا فالثلثان لأعمام الأب،
والثلث لأخواله، أخذا بقاعدة كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به،
فغير سديد، لأن القدر الثابت من تلك القاعدة كون كل ذي رحم بمنزلة
الرحم الجار إلى الميت، وأما كونه بمنزلة الجار إلى الجار وهكذا فلا يعلم
منه. فتأمل. هذا.
ثم إنه يصير الإشكال في المسألة أشد، إذا كان كل من المتقربين
متفرقين، فهل الحكم حينئذ أيضا كما ذكر أم يراعى التسديس مع وحدة
المتقرب بالأم وحدها والتثليث مع الكثرة؟ فتأمل جدا.
المسألة الثانية: عمومة الميت وعماته وخؤولته وخالاته
[وأولادهم] (1) وإن نزلوا أولى من عمومة أبيه وخؤولته، وعمومة أمه
وخؤولتها، وأولادهم. وعمومة الأب أو الأم وخؤولتهما وأولادهم وإن
نزلوا أولى من عمومة الجد والجدة وخؤولتهما وأولادهم وإن نزلوا.
وهكذا. بالإجماع المحقق.
واحتجوا له أيضا بحديث الأقربية، وعموم كل ذي رحم بمنزلة

(1) أضفناه لاقتضاء العبارة.
335

الرحم الذي يجر به.
ولا يخفى أن الاحتجاج بالأول إنما يحسن في أولوية عمومة الميت
وخؤولته من عمومة الأب أو الأم وخؤولتهما، وأولوية عمومة الأب أو الأم
وخؤولتهما عن عمومة الجد والجدة وخؤولتهما، وهكذا. وأما دلالته على
أولوية أولاد عمومة الميت وخؤولته عن عمومة أبيه أو أمه أو خؤولتهما
فمحل نظر، لمنع الأقربية مطلقا، فإن كون ابن ابن العم - مثلا - أقرب من
عم الأب غير معلوم، بل المعلوم ظاهرا خلافه، لكون المرجع في معرفة
الأقربية هنا العرف أو اللغة، ولا يحكم شئ منهما على أقربية ابن ابن العم.
وكذا الاحتجاج بالثاني: فإنه وإن دل على أن عمومة أب الميت
وخؤولته مثلا بمنزلة الأب، إلا أن لتقييده بقوله: " إلا أن يكون وارث أقرب
منه " يدل على أن اعتبار المنزلة عند عدم الأقرب، فلا يعتبر المنزلة في
عمومة الأب وخؤولته مع عمومة الميت وخؤولته. ويدل بالمفهوم على أن
مع الأقرب تطرح المنزلة، ويؤخذ بالأقرب، فيثبت به الحكم المذكور في
اجتماع عمومة الأب مثلا مع عمومة الميت.
ولكنه لا يفيد في الحكم في اجتماع عمومة الأب مع أولاد العم، لأن
عموم المنزلة وإن دل على أن أولاد عمومة الميت وخؤولته بمنزلة العمومة
والخؤولة الذين هم بمنزلة الأب والأم، ولكنه يدل أيضا على أن عمومة
الأب وخؤولتهما أيضا بمنزلة أب الأب والأم، اللذين هما أيضا بمنزلة
الأب والأم، فيتساويان من هذه الجهة.
336

البحث الخامس
في ميراث أولاد العمومة والخؤولة
اعلم: أنه إذا فقدت العمومة والخؤولة جميعا فالميراث لأولادهم وإن
نزلوا، بالإجماع، وحديث المنزلة، وصحيحة ابن سنان: قال: " اختلف
أمير المؤمنين (عليه السلام) وعثمان بن عفان في الرجل يموت وليس له عصبة يرثونه
وله ذو قرابة لا يرثون، فقال علي (عليه السلام): ميراثه لهم بقول الله تعالى: * (وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض) *. وكان عثمان يقول: يجعل في بيت مال
المسلمين " (1).
وقريب منها روايات أخر.
ثم إن أولادهم يتقاسمون المال تقاسم آبائهم، لأن لكل ذي رحم
نصيب من يتقرب به.
ويدل على الحكم في الجملة أيضا قوله (عليه السلام) في رواية سلمة: في
ابن عم وابن خالة قال: " للذكر مثل حظ الأنثيين " (2).
والمراد من الذكر العم الذي ينزل ابن العم منزلته، وبالأنثى الخالة
التي ينزل ابنها منزلتها.
وعلى هذا فيأخذ ولد العم أو العمة وإن كان أنثى الثلثين، وولد الخال

(1) التهذيب 9: 327 / 1175، الوسائل 26: 191 أبواب ميراث الأعمام والأخوال
ب 5 ح 1، والآية في الأنفال: 75، الأحزاب: 6.
(2) التهذيب 9: 328 / 1179، الإستبصار 4: 171 / 645، الوسائل 26: 193 أبواب
ميراث الأعمام والأخوال ب 5 ح 4.
337

أو الخالة وإن كان ذكرا الثلث، وابن العمة مع بنت العم الثلث، ويتساوى
ابن الخال وابن الخالة وبنتيهما. ويأخذ أولاد العم أو العمة للأم السدس إن
كان واحدا، والثلث إن كان أكثر، والباقي لأولاد العم أو العمة للأبوين أو
الأب مع عدمهم. وكذا القول في أولاد الخؤولة المتفرقين.
ولو اجتمعوا جميعا فلأولاد الخال الواحد أو الخالة الواحدة للأم
سدس الثلث، ولأولاد الخالين أو الخالتين فصاعدا أو هما ثلث الثلث،
والباقي للمتقرب منهم بالأب، وهكذا الحكم في البواقي.
ونختم الكلام في ميراث ذوي الأنساب بمسائل:
المسألة الأولى: اعلم: أنه قد يجتمع للوراث سببان أو أكثر من
أسباب الإرث، وحينئذ فإن كان مع ذي السببين من هو أقرب منه فيهما
لم يرث ذو السببين باعتبار شئ من سببيه، والوجه واضح.
وإن كان معه من هو أقرب منه في أحدهما، كزوج هو ابن عم مع
أخ، فيرث بالسبب الذي ليس معه من هو أقرب عنه، ولا يرث بالسبب
الآخر، لأنه قد ثبت أن الزوج مع الأخ مثلا المال لهما على التناصف،
ولم يثبت تأثير السبب الآخر في رفع هذا الحكم، ولأن تأثير السبب الآخر
في التوريث إنما هو إذا لم يكن معه الأخ.
وإن لم يكن معه من هو أقرب في شئ منهما: فإما ليس معه من هو
مساو له فيهما، كعم هو خال أو هو ابن خال، فالمال كله له سواء كان أحد
السببين مانعا عن الآخر أم لا، ولا يترتب أثر على اجتماع السببين، إذ
المفروض انحصار الوارث فيه فالمال له، فإن شئت قلت: كله له بأحد
السببين، أو بعضه بسبب وبعضه بآخر.
وإن كان معه من هو مساو له فيهما: فإما أن يكون أحد السببين مانعا
338

عن الآخر، كأخ هو ابن عم مع أخ، فيرث ذو السببين النصيب الذي
يقتضيه أحد سببيه، وهو السبب الأقرب دون السبب الآخر.
لا لكون السبب الآخر ممنوعا بهذا السبب لأقربيته، لأن منع الأقرب
للأبعد إنما هو مع تغايرهما واقعا لا اعتبارا، إذ تحقق الأقربية والأبعدية مع
التغاير الاعتباري ممنوع، فإن هذا الشخص من حيث كونه أخا إنما يكون
أقرب منه من حيث كونه ابن عم إذا أوجبت الحيثيتان صيرورته شخصين
متغايرين في الواقع، وأما مع عدم صيرورته كذلك فكيف يوجب الأقربية
والأبعدية مع عدم انفكاك شئ من الحيثيتين عن الأخرى. وقطع النظر عن
إحداهما غير مفيد، لأنه أمر غير واقعي، فلا يترتب عليه أمر واقعي.
ولا لكون السبب الآخر ممنوعا بمن يساوي ذا السببين، لأن المسلم
ممنوعيته به إذا لم يجتمع معه السبب الآخر، فإن ممنوعيته به لكونه أبعد
منه، ولا نسلم أن ابن العم الذي هو أخ أبعد من الأخ.
بل لأنه قد ثبت أن الأخوين المجتمعين مثلا يقتسمان جميع المال
سوية، ولم يثبت زوال هذا الحكم بكون أحدهما ابن عم.
أو لا يكون أحد السببين مانعا عن الآخر، كعم هو خال مع خال
مثلا، وحينئذ فيرث ذو السببين نصيب كل سبب، فللعم الذي هو خال ثلثا
المال لكونه عما، وسدسه لكونه أحد الخالين، والسدس الآخر للخال الآخر.
ووجهه: أنه قد ثبت أن للعم مع الخال ثلثي المال سواء كان خالا أم
لا، وأن للخال الذي معه خال نصف ما للخالين، سواء كان عما أم لا.
وأيضا: كونه خالا لو لم يوجب تقوية تقربه من حيث العمية
لا يوجب ضعفه، وكونه عما لو لم يقو تقربه من حيث الخالية لا يضعفه.
وأيضا: قد ثبت أن كل نوع من ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به،
339

ولا شك أن العم الذي هو خال يجر بالأب فهو بمنزلته، لعدم المخصص،
والخال الذي هو عم يجر مع الخال الآخر بالأم فهما بمنزلتها، لعدم
المخصص. هذا.
وتدل عليه أيضا في الجملة صحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل:
قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن رجل مات وترك امرأة قرابة ليس له
قرابة غيرها، قال: " يدفع المال كله إليها " (1).
ثم إنهم قد ذكروا هاهنا لاجتماع السببين أو الأسباب أمثلة، ونحن
أيضا نذكر ستة منها.
الأول: اجتماع نسبين يرث بهما، كعم هو خال. وذلك بأن يتزوج
أخ الشخص من أمه بأخته من أبيه، فهذا الشخص بالنسبة إلى ولد هذين
الزوجين عم لأبيه وخال لأمه.
الثاني: أنساب متعددة يرث بها، مثل ابن ابن عم لأب، هو ابن ابن
خال لأم، هو ابن بنت عمة، هو ابن بنت خالة. وذلك بأن يكون للشخص
المذكور في المثال الأول أخت لأب وأم، وكان له أيضا ابن، ولها بنت،
فيتزوجان فيتولد منهما ابن، فهو بالنسبة إلى الولد المذكور في المثال الأول
مجمع القرابات الأربع.
الثالث: نسبان يحجب أحدهما الآخر، كأخ هو ابن عم. وذلك بأن
يتزوج الرجل امرأة أخيه بعد أن ولدت منه ولدا، ثم أولدها الأخ الثاني
آخر، فهو أخ الولد الأول وابن عمه.
الرابع: سببان لا يحجب أحدهما الآخر، كزوج هو معتق.

(1) التهذيب 9: 295 / 1057، الإستبصار 4: 151 / 569، الوسائل 26: 102
أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 4 ح 6.
340

الخامس: سببان يحجب أحدهما الآخر، كالإمام الذي هو معتق.
السادس: نسب وسبب [لا] (1) يحجب أحدهما الآخر، كابن عم هو
زوج، أو بنت عمة هي زوجة.
وقد مرت صور أخرى في أول كتاب الميراث أيضا.
فائدة: اعلم أنه من الأقرباء الذي يجتمع فيه السببان الأخ من
الأبوين، والعم منهما، والخال منهما، فإنه أخ أو عم أو خال لأب، وأخ أو
عم أو خال لأم، فعلى القاعدة المذكورة يلزم أنه لو اجتمع أحدهم مع
المتقرب بالأم وحدها ممن هو في مرتبته أن يكون لأحدهم نصيب من
يتقرب بالأب وحده لو اجتمع مع المتقرب بالأم، ويشارك أيضا المتقرب
بالأم في نصيبه. ولكن انعقاد الإجماع على خلافه فيهم أوجب ترك
ملاحظة القاعدة المذكورة فيهم.
المسألة الثانية: إذا اجتمع أحد الزوجين مع الأخوال والأعمام فله
نصيبه الأعلى من النصف أو الربع، إجماعا. وتدل عليه الأخبار الكثيرة المتقدمة
بعضها، الدالة على أنهما لا ينقصان من نصيبهما الأعلى إلا مع الولد،
كصحيحة محمد، عن أبي جعفر (عليه السلام)، وفيها: " وإن الزوج لا ينقص من
النصف شيئا إذا لم يكن ولد، ولا تنقص الزوجة شيئا من الربع إذا لم يكن
ولد " (2).
ثم الباقي ينقسم بين الأخوال والأعمام، للأخوال ثلث الأصل واحدا
كان أو أكثر، ذكرا أم أنثى، والباقي للأعمام كذلك، فيدخل النقص عليهم.
والدليل عليه - بعد الإجماع - كون الخال والخالة بمنزلة الأم ولها الثلث،

(1) أضفناه لتصحيح المتن.
(2) الكافي 7: 82 / 1، الوسائل 26: 195 أبواب ميراث الأزواج ب 1 ح 1.
341

وكون العم والعمة بمنزلة الأب وله الباقي بعد نصيب الأم وأحد الزوجين.
ثم كلا من الفريقين - أي الخؤولة والعمومة - يقتسمون نصيبهم على
النحو الذي سبق.
المسألة الثالثة: لو اجتمع أحدهما مع أحد الفريقين من الأعمام
والأخوال خاصة فله نصيبه الأعلى بالإجماع، والباقي لأحد الفريقين. وهو
إن كان واحدا فلا إشكال، وكذا إن كان متعددا مع اتحاد الجهة كالأعمام من
الأب خاصة، أو من الأم كذلك، أو الأخوال كذلك.
وأما مع اختلاف الجهة فإن كان أحد الفريقين من العمومة فقالوا: إن
لمن يتقرب منهم بالأم سدس الأصل مع الوحدة، وثلثه مع التعدد، والباقي
للمتقرب بالأب.
ولم أعثر فيه على مخالف، نعم كلام الفاضل في القواعد يحتمل
المخالفة (1)، بأن يجعل للمتقرب بالأم سدس الباقي كما لا يخفى، وظاهر
المسالك أيضا التردد (2) وقال في المسالك: ولم يذكروا هنا خلافا.
وإن كان من الخؤولة فالمشهور بل الظاهر من كلام الأصحاب كما في
المسالك: أنه أيضا كالعمومة (3)، فللمتقرب بالأم سدس الأصل مع الوحدة،
وثلثه مع التعدد، والباقي للمتقرب بالأب.
ولكن الفاضل في القواعد والتحرير لم ينقل هذا القول، واقتصر على
القولين الآتيين (4). وقال في الدروس: إنه قد يفهم من كلام الأصحاب أن

(1) القواعد 2: 176.
(2) المسالك 2: 331.
(3) المسالك 2: 331.
(4) القواعد 2: 175، التحرير 2: 166.
342

للخال للأم بعد نصيب الزوجة سدس الأصل إن اتحد، وثلثه إن تعدد (1).
وذلك كما ترى يوجب الوهن في الشهرة.
ونقل في التحرير والقواعد والمسالك والدروس، وغيرها (2) قولا بأن
للمتقرب بالأم سدس الباقي لا غير، فيجعل حصة الزوج داخلة على الجميع.
وذهب الفاضل في القواعد والتحرير وولده فخر المحققين والشهيد في
الدروس إلى أن للمتقرب بالأم سدس الثلث مع الوحدة، وثلثه مع التعدد (3).
للمشهور: أن النقص لا يدخل على المتقرب بالأم، فيكون له نصيبه
لولا أحد الزوجين.
وفيه: أنه إن أريد بالمتقرب بالأم المتقرب بأم الميت، فعدم دخول
النقص عليه مسلم، ولكن هذه النسبة ثابتة لمطلق الخؤولة من غير
اختصاص له بالخال للأم، فيتساوى الجميع. وإن أريد به المتقرب بأم أم
الميت حتى يكون الخال للأم بمنزلة الجدة للأم، والخال للأب بمنزلة الجد
لها، فلا دليل على عدم دخول النقص عليه، بل يدخل عليه، لأن الجد
والجدة للأم يقتسمان المال بعد نصيب أحد الزوجين على التساوي كما مر.
للقول الثاني: أن للمتقرب بالأم من الخؤولة سدس نصيب الخؤولة
مع الوحدة، وثلثه مع التعدد (4).

(1) الدروس 2: 374.
(2) كالروضة 8: 159.
(3) القواعد 2: 175، التحرير 2: 166، فخر المحققين في الإيضاح 4: 230،
الدروس 2: 373.
(4) كذا وردت العبارة في جميع النسخ، والظاهر أنها لا تناسب دليلا للقول الثاني،
ولعله قد وقع خلط في النسخ. ونحن نذكر عبارة الجواهر في مقام اختيار هذا القول
والاستدلال له:... وبذلك يظهر أن المتجه في المفروض أن للخال من الأم سدس
ما بقي بعد نصيب الزوج، لأنه هو نصيب الأم المنتقل إلى الخؤولة جميعهم، لا
سدس الأصل. الجواهر 39: 194.
343

وفيه: أن ذلك ممنوع، ولا دليل عليه، وأخذه سدس الأصل بدون
أحد الزوجين لو سلم للإجماع، والإجماع يحتمل أن يكون على أن له
سدس الأصل مطلقا، أو يكون مخصوصا بصورة عدم وجود أحد
الزوجين، على أن في تحقق الإجماع فيه أيضا كلام.
للثالث: أن الثلث نصيب الخؤولة، وللمتقرب منهم بالأم سدسه أو ثلثه.
وضعفه ظاهر، فإن الثلث نصيبهم إذا اجتمعوا مع العمومة لا مطلقا.
وإذ عرفت ضعف هذه الأدلة فنقول: إن مقتضى قاعدة كل ذي رحم
بمنزلة الرحم الذي يجر به أن ينزل المتقرب بالأم بمنزلة أم الأم، لأنها
الرحم الذي يجر به، والمتقرب بالأب منزلة أب الأب، وهما يقتسمان
نصيبهما بالسوية، فهاهنا أيضا كذلك.
وأما قاعدة التفضيل فلا تعارض ذلك، لكونها أعم من ذلك، ولكون
الأخبار الدالة على ذلك أقوى سندا وأوضح دلالة.
فعلى هذا لا مفر من الأخذ بهذه القاعدة إلا إذا ثبت الإجماع المركب،
وثبوته هنا سيما بملاحظة أن أكثر هذه المسائل لكونها غير عامة البلوى
خال عن قول من المعصوم، فباتفاق جمع من العلماء لا يحصل العلم
بدخول قوله وإن كان ذلك الجمع ممن يحكم الحدس بدخول قول
المعصوم فيما حكموا به باتفاقهم في المسائل العامة البلوى.
بل نقول بمثل ذلك فيما إذا كان المجامع لأحد الزوجين الأعمام
المتفرقون أيضا. ومقتضى القاعدة فيهم انقسام المال بين المتقرب بالأم
منهم والمتقرب بالأب أثلاثا، لأنه كيفية القسمة بين الجد والجدة للأب.
المسألة الرابعة: لا ريب في أن حكم أولاد العمومة والخؤولة مع
أحد الزوجين كحكم آبائهم وأمهاتهم، والوجه والتفصيل واضح مما سبق.
344

المقصد الثاني
في ميراث ذوي الأسباب
والأسباب الموجبة للإرث اثنان: زوجية، وولاء - بفتح الواو - بمعنى
القرب. والمراد به هنا: تقرب أحد الشخصين بالآخر بالعتق، أو ضمان
الجريرة، أو الإمامة، فأقسام الولاء ثلاثة.
وهاهنا أربعة فصول:
345

الفصل الأول
في بعض أحكام الزوجين
وإنما قلنا بعض أحكامهما لأنه قد سبق جملة من أحكام ميراثهم، بل
سبق أصولها، وقد بقيت هاهنا أحكام نذكرها في مسائل:
المسألة الأولى: الزوجان يتوارثان ما دامت الزوجة في حبال الزوج
وإن لم يدخل بها، للإجماع، وصدق الزوجية، وأصالة عدم اشتراط
الدخول، فيدل عليه جميع العمومات والإطلاقات المتقدمة.
ويدل عليه أيضا الروايات الآتية الدالة على ثبوت التوارث بين
الصغيرين (1)، وخصوص صحيحة محمد: في الرجل يموت وتحته امرأة
لم يدخل بها قال: " لها نصف المهر، ولها الميراث كاملا " (2).
وصحيحة عبيد بن زرارة: عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها،
قال: " إن هلكت أو هلك أو طلقها فلها النصف وعليها العدة كملا، ولها
الميراث " (3).
ومثلها صحيحة الحلبي (4) ورواية البجلي (5).

(1) انظر ص: 353.
(2) الكافي 6: 118 / 1، التهذيب 8: 144 / 499، الإستبصار 3: 339 / 1207،
الوسائل 21: 326 أبواب المهور ب 58 ح 1.
(3) الكافي 6: 118 / 2، التهذيب 8: 144 / 500، الإستبصار 3: 339 / 1208،
الوسائل 21: 327 أبواب المهور ب 58 ح 3.
(4) الكافي 6: 118 / 4، التهذيب 8: 144 / 501، الإستبصار 3: 339 / 1209،
الوسائل 21: 328 أبواب المهور ب 58 ح 6.
(5) الكافي 6: 118 / 3، الوسائل 21: 327 أبواب المهور ب 58 ح 5.
347

وموثقة ابن أبي يعفور: " في المرأة توفيت قبل أن يدخل بها، ما لها
من المهر؟ وكيف ميراثها؟ فقال: إذا كان قد فرض لها صداقا فلها نصف
المهر، وهو يرثها، وإن لم يكن فرض لها صداقا فلا صداق لها. وقال في
رجل توفي قبل أن يدخل بامرأته، قال: إن كان قد فرض لها مهرا فلها
نصف المهر، وهي ترثه " (1).
وموثقة عبيد بن زرارة والبقباق: قالا، قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول
في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها وقد فرض لها الصداق؟ فقال: " لها
نصف الصداق، وترثه من كل شئ، وإن ماتت فهو كذلك " (2) إلى غير
ذلك من الأخبار المتكثرة.
ويستثنى من ذلك ما إذا كان الزوج مريضا حال التزويج ولم يبرأ من
مرضه، ويأتي بيانه.
المسألة الثانية: إذا كانت الزوجة مطلقة رجعية فيتوارثان إذا مات
أحدهما في العدة بالإجماع، للأخبار العديدة، كصحيحة الحلبي: قال: " إذا
طلق الرجل وهو صحيح لا رجعة له عليها، لم ترثه ولم يرثها " وقال: " هو
يرث ويورث ما لم تر الدم من الحيضة الثالثة إذا كان له عليها رجعة " (3).
وصحيحة محمد بن قيس: " أيما امرأة طلقت ثم توفى عنها زوجها
قبل أن تنقضي عدتها ولم تحرم عليه فإنها ترثه ثم تعتد عدة المتوفى عنها

(1) الكافي 6: 119 / 6، التهذيب 8: 147 / 510، الإستبصار 3: 341 / 1220،
الوسائل 21: 328 أبواب المهور ب 58 ح 8.
(2) الكافي 6: 119 / 7، التهذيب 8: 147 / 511، الإستبصار 3: 342 / 1221،
الوسائل 21: 329 أبواب المهور ب 58 ح 9.
(3) الكافي 7: 134 / 3، التهذيب 9: 383 / 1369، الوسائل 26: 223 أبواب
ميراث الأزواج ب 13 ح 2.
348

زوجها، وإن توفيت وهي في عدتها ولم تحرم عليه فإنه يرثها " (1).
وموثقته وهي قريبة منها أيضا (2).
وموثقة زرارة: عن الرجل يطلق المرأة، قال: " ترثه ويرثها ما دام له
عليها رجعة " (3).
وموثقة محمد: عن رجل طلق امرأته تطليقة على طهر، ثم توفى
عنها وهي في عدتها، قال: " ترثه وتعتد عدة المتوفى عنها زوجها، وإن
كانت قبل انقضاء العدة منه ورثها وورثته، وإن قتل أو قتلت وهي في عدتها
ورث كل واحد منهما من دية صاحبه " (4). إلى غير ذلك.
ولا تعارض ذلك صحيحة الحلبي: عن الرجل يحضره الموت فيطلق
امرأته، هل يجوز طلاقه؟ قال: " نعم، وإن مات ورثته، وإن ماتت
لم يرثها " (5).
لإطلاقها فيجب تقييدها بالطلاق البائن. ولا ينافيه الحكم بإرث
الزوجة، لما يأتي من أن الزوج إذا كان مريضا وطلق بائنا ترثه الزوجة،

(1) الكافي 6: 121 / 6، التهذيب 8: 79 / 269، الإستبصار 3: 305 / 1087،
الوسائل 22: 250 أبواب العدد ب 36 ح 3، 4.
(2) التهذيب 9: 381 / 1362، الإستبصار 3: 343 / 1225، الوسائل 26: 224
أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 8.
(3) الكافي 7: 134 / 2، التهذيب 9: 383 / 1368، الإستبصار 3: 308 / 1095،
الوسائل 26: 223 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 4.
(4) التهذيب 8: 81 / 276، الوسائل 26: 224 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 5.
ولا يخفى أن فقرة: " وإن قتل... " إلى آخر الرواية مذكورة في ذيل موثقة أخرى
لمحمد. راجع: التهذيب 9: 381 / 1363، الإستبصار 4: 194 / 730، الوسائل
26: 225 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 9.
(5) الكافي 6: 123 / 11، الفقيه 3: 354 / 1695، التهذيب 8: 79 / 268،
الوسائل 22: 151 أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب 22 ح 2.
349

على أنه لولا ذلك أيضا لم يضر، لوجوب الحكم بشذوذها، لمعارضتها
للأخبار الصحاح المستفيضة المعاضدة بالإجماع.
وأما إذا كانت بائنة كغير المدخول بها واليائسة والمطلقة ثالثة
والمختلعة والمباراة فلا توارث بينهما إجماعا، لمنطوق الصحيحة الأولى،
ومفهوم الموثقة الثانية، وصحيحة زرارة: " إذا طلق الرجل امرأته توارثا
ما كانت في العدة، فإذا طلقها التطليقة الثالثة فليس له عليها رجعة، ولا
ميراث بينهما " (1).
وحسنة عبد الأعلى مولى آل سام، وفي آخرها: وقال أبو عبد الله (عليه السلام)
في الرجل يطلق امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة، قال: " قد بانت منه
بتطليقها، ولا ميراث بينهما في العدة " (2).
وصحيحة يزيد الكناسي: " لا ترث المختلعة والمخيرة والمباراة
والمستأمرة في طلاقها، هؤلاء لا يرثن من أزواجهن شيئا في عدتهن، لأن
العصمة قد انقطعت فيما بينهن وبين أزواجهن من ساعتهن، فلا رجعة
لأزواجهن، ولا ميراث بينهم " (3) وغير ذلك من الأخبار.
وأما إطلاق التطليقة في الموثقة الأخيرة وغيرها من الأخبار فمقيدة
بالرجعية، لوجود المقيد.
وأما موثقة يحيى الأزرق: " المطلقة ثلاثا ترث وتورث ما دامت في
عدتها " (4).

(1) الفقيه 4: 228 / 723، الوسائل 26: 225 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 10.
(2) التهذيب 9: 384 / 1372، الوسائل 26: 224 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 7.
(3) التهذيب 9: 384 / 1371، الوسائل 26: 224 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 6.
(4) التهذيب 8: 94 / 320، الإستبصار 3: 290 / 1026، الوسائل 22: 156 أبواب
أقسام الطلاق وأحكامه ب 22 ح 13.
350

فحملها في التهذيبين على ما إذا وقعت الثلاث في مجلس واحد
فتحسب بواحدة يملك معها الرجعة (1).
وهو حسن، حيث اشتهر التطليق بهذا النحو بين العامة. ومع قطع
النظر عنه فلا تعارض ما تقدم، لأصحيته وأكثريته واعتضاده بالإجماع.
ثم إنه استثني من عدم الإرث مع الطلاق البائن ما لو كان المطلق
مريضا، فإنها ترثه إلى سنة ولا يرثها هو، ويأتي تحقيقه.
المسألة الثالثة: إذا كن الزوجات أكثر من واحدة فلا يزيد لهن من
الربع عند عدم الولد، والثمن معه، بل هن مشتركات في الربع أو الثمن
يقتسمونه بالسوية بالإجماع، والأخبار.
منها صحيحة علي بن مهزيار الآتية في المسألة الحادية عشرة (2).
ومنها الرواية الآتية في المسألة الرابعة (3).
ومنها رواية أبي عمر العبدي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفيها:
" ولا تزاد المرأة على الربع ولا تنقص من الثمن وإن كن أربعا أو دون ذلك،
فهن فيه سواء " (4).
وهذه الرواية مما شهد الفضل بأن هذا حديث صحيح على موافقة
الكتاب (5).
وقد يتأمل في دلالته من حيث إمكان ارجاع الضمير المجرور في

(1) التهذيب 8: 94، الإستبصار 3: 291.
(2) انظر ص: 397.
(3) انظر ص: 350 و 351.
(4) الفقيه 4: 188 / 657، التهذيب 9: 249 / 964، الوسائل 26: 196 أبواب
ميراث الأزواج ب 2 ح 1، وفي الفقيه والتهذيب: أبو عمرو العبدي.
(5) الفقيه 4: 189.
351

قوله: " فيه " إلى الحكم، دون الربع أو الثمن، وإرادة كل واحد منهن من
قوله " فهن ".
ولا يخفى ما فيه، فإنه موقوف على تقدير كل واحد، وهو خلاف
الأصل.
وقد يعلل أيضا بأنه لو أعطيت كل زوجة ذلك لاستغرق نصيبهن
التركة على بعض الوجوه أو مع نصيب بعض الورثة كالأبوين، فيلزم حرمان
غيرهن أجمع، أو بعضهم، وهو خلاف الإجماع، بل الأخبار الكثيرة، منها
ما دلت على أن الأم لا تنقص من السدس شيئا.
المسألة الرابعة: إذا كان لرجل أربع نسوة فطلق إحداهن بائنة وتزوج
بالأخرى، أو رجعية وتزوج بعد العدة، ثم مات واشتبهت المطلقة، كان
للأخيرة ربع الربع أو ربع الثمن ويقسم الباقي بين الأربعة بالسوية، وفاقا
لغير الحلي، وهو قال: إن بعد وضع نصيب الأخيرة يقرع بين الأربع، فمن
أخرجتها القرعة بالطلاق منعت من الإرث، وحكم بالنصيب للباقيات
بالسوية (1).
لنا: رواية أبي بصير: " عن رجل تزوج أربع نسوة في عقد واحد - أو
قال: في مجلس واحد - ومهورهن مختلفة، قال: " جائز له ولهن " قال:
أرأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان فطلق واحدة من الأربع وأشهد على
طلاقها قوما من أهل تلك البلاد، وهم لا يعرفون المرأة، ثم تزوج امرأة من
أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة تلك المطلقة، ثم مات بعد ما دخل بها،

(1) نسب الخلاف إلى الحلي في كشف الرموز 2: 464، والتنقيح 4: 193،
والدروس 2: 361، والروضة 8: 178. ولكن لم نعثر عليه في السرائر، بل
الظاهر أنه موافق للأصحاب كما ذكره في مفتاح الكرامة 8: 185، وانظر السرائر 3:
301.
352

كيف يقسم ميراثه؟ قال: " إن كان له ولد فإن للمرأة التي تزوجها أخيرا من
أهل تلك البلاد ربع ثمن ما ترك، وإن عرفت التي طلقت من الأربع بعينها
ونسبها فلا شئ لها من الميراث، وليس عليها العدة، قال: ويقتسمن
الثلاث نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك، وعليهن العدة، وإن لم تعرف التي
طلقت من الأربع اقتسمن الأربع نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهن
جميعا، وعليهن جميعا العدة " (1).
وهذه الرواية مع صحتها على ما وصفها به الأكثر - وإن كان فيه كلام
لاحتمال اشتراك أبي بصير الراوي عن أبي جعفر (عليه السلام) بين الثقة وغير الثقة
كما حققناه في موضعه - معتضدة باشتهار الرواية بين العلماء وعملهم
بمضمونها استنادا إليها، بل بظاهر الإجماع.
احتج الحلي بأن القرعة لكل أمر مشتبه، إما مطلقا، أو في الظاهر مع
كونه معينا عند الله، والأمر هنا كذلك، لأن المطلقة غير وارثة في نفس
الأمر.
وبأن الحكم بتوريث الجميع يستلزم توريث من يعلم عدم إرثه،
للعلم بأن إحدى الأربع غير وارثة.
والجواب عن الأول: بأن الاشتباه إنما كان لو لم يكن الدليل، قوله:
المطلقة غير وارثة، قلنا: المطلقة المعينة دون المشتبهة.
وعن الثاني: بأن العلم بأن إحدى الأربع غير وارثة ممنوع، بل كان
ذلك لو لم تكن مشتبهة، نعم هذا حسن على أصله حيث لا يعمل بالآحاد.
هذا.
ثم إنه هل يتعدى الحكم إلى غير المنصوص أيضا كما لو كان للمطلق

(1) الكافي 7: 131 / 1، التهذيب 8: 93 / 319، الوسائل 26: 217 أبواب ميراث
الأزواج ب 9 ح 1.
353

دون أربع زوجات، أو لم يتزوج أخرى، أو تزوج بأكثر من واحدة، أو
طلق أكثر من واحدة، أو حصل الاشتباه في جملة الخمس، أو الأكثر، أو
اشتبهت المطلقة في أقل من الأربع: أو فسخ نكاح واحدة لعيب أو غيره.
فيه وجهان: أحدهما: انسحاب الحكم السابق في جميع هذه
الفروع، والثاني: القرعة.
قوى الأخير في المسالك، ثم قال: والصلح خير (1).
وقال في الإيضاح: والأقوى عندي الصلح أو القرعة (2).
وتوقف فيه جمع منهم الفاضل (3) والشهيد (4).
وهو في موقعه، لأن استصحاب الحكم السابق لكل منهما يقتضي
الأول، ولا يضره العلم بعدم زوجية الجميع كما في استصحاب الطهارة في
كل من الأوان الأربع المشتبهة. وقولهم (عليهم السلام): القرعة لكل أمر مشتبه،
يثبت الثاني. ويمكن منع الاشتباه لمكان الاستصحاب.
ومنه يظهر رجحان الأول، إلا أن الاستصحاب إنما يجري فيما إذا
لم تزد الزوجات التي يقسم المال بينهن عن الأربع، وإلا فالحكم الجاري
حينئذ غير الحكم السابق، لنقص النصيب، فالرجوع إلى القرعة حينئذ
أولى. والأولى منها، بل منهما: الصلح.
وقد يستدل للأول أيضا بأن جميع هذه الفروع مشاركة للمنصوص
في المقتضي، وهو اشتباه المطلقة بغيرها وتساوي الكل في الاستحقاق،

(1) المسالك 2: 332.
(2) الإيضاح 4: 240.
(3) القواعد 2: 178.
(4) الدروس 2: 361.
354

فلا ترجيح بينها. وأنه لا خصوصية ظاهرة في قلة المشتبه وكثرته، فالنص
على عين لا يفيد التخصيص بالحكم، بل للتنبيه على مأخذ الحكم وإلحاق
كل ما حصل فيه الاشتباه به.
وفيهما: أن مالهما إلى قياس لا نقول به.
المسألة الخامسة: إذا زوج الصبية وليها لبالغ، أو الصبي وليه لبالغة،
أو الصبي والصبية ولياهما، ورث كل منهما الآخر لو مات، بلا خلاف
ظاهر.
ويدل على الجميع عمومات ميراث الزوج والزوجة. وعلى الأخير
خصوص صحيحة محمد، عن أبي جعفر (عليه السلام): في الصبي يتزوج الصبية،
يتوارثان؟ قال: " إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم " (1).
ومثلها رواية عبيد بن زرارة (2).
وأما صحيحتا الحلبي (3) والحذاء (4) الدالتان على ثبوت الخيار
للصغيرين اللذين زوجاهما ولياهما، ونفي التوارث بينهما إن ماتا قبل
البلوغ وعزل نصيب الحي إن مات أحدهما إلى أن يبلغ ويحلف.
فمتروكتان معارضتان بأقوى منهما من الأخبار النافية للخيار حينئذ (5).
فإن قيل: بطلان الخيار لا يوجب بطلان نفي التوارث، فإن فساد جزء
من الحديث لا يوجب فساد الجزء الآخر.

(1) التهذيب 7: 388 / 1556، الوسائل 20: 292 أبواب عقد النكاح ب 12 ح 1.
(2) الكافي 7: 132 / 3، الفقيه 4: 227 / 720، الوسائل 22: 80 أبواب مقدمات
الطلاق وشرائطه ب 33 ح 2.
(3) الفقيه 4: 227 / 722، الوسائل 26: 220 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 4.
(4) الكافي 7: 131 / 1، التهذيب 7: 388 / 1555، الوسائل 26: 219 أبواب
ميراث الأزواج ب 11 ح 1.
(5) انظر الوسائل 20: 276 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 3 و 7.
355

قلنا: نعم إذا لم يحتمل ترتب الحكم المستفاد من الجزء الثاني على
الحكم المستفاد من الأول، فإن علم ذلك أو احتمل يخرج الثاني أيضا عن
الحجية.
فإن قيل: الأصل عدم الترتب.
قلنا: ممنوع كما بينا في موضعه، فإن الحكم معلول لعلة، وهي كما
يمكن أن تكون غير ذلك الجزء وحده يمكن أن تكون مع ذلك الجزء أو
مجرد ذلك الجزء. مع أن الترتب فيما نحن فيه معلوم، لتعليل نفي ميراث
الزوج في الصحيحة بثبوت الخيار لهما.
على أنهما لا تعارضان الأوليين، لموافقة الأوليين لعموم الكتاب، بل
معاضدتهما لظاهر الإجماع وعموم الروايات.
هذا كله إذا سلمنا أن المراد بالولي في صحيحة الحذاء هو الأب أو
الجد، وأما إذا قلنا بكونه غيره كما هو الظاهر - كما يأتي - فالأمر أسهل.
هذا إذا كان التزويج من كفو وبمهر المثل. ولو تخلف أحدهما أو
كلاهما فإن قلنا بصحة العقد وعدم الخيار فكذلك أيضا بلا إشكال، وكذا إن
قلنا في صورة تخلف مهر المثل بالخيار بين المسمى والرجوع إلى مهر المثل.
وإن قلنا بالبطلان فلا توارث بلا إشكال أيضا.
وإن قلنا بالخيار في العقد فجعله في المسالك كالأول أيضا، لصدق
الزوجية (1).
ولا ينافيه ثبوت الخيار، كما لا ينافي ثبوته في الملكية، سيما إذا
لم يكن الخيار ثابتا إلا بعد زمان. وعدم التوارث في العقد الفضولي لو ماتا

(1) المسالك 2: 332.
356

قبل البلوغ لا يوجب عدمه هنا، لقيام الفارق، فإن المقتضي التام للزوجية
هاهنا متحقق والفسخ رافع له، بخلاف الفضولي فإنه لا يتم المقتضي إلا بعد
الإجازة، ولذا يحتاج انتفاء الزوجية هاهنا إلى أمر هو الفسخ، ويحتاج
ثبوتها في الفضولي إلى أمر هو الإجازة.
وهو كان حسنا لولا التعليل الآتي في صحيحة الحذاء لنفي التوارث
بالخيار، ولكنه ينفي التوريث عن ذي الخيار لا عن الجانبين، فهو الأقوى،
كما هو الحكم لو قلنا بكونه حينئذ كالفضولي، فإنه لا ينتفي التوارث من
الجانبين، بل ينظر إلى من له الخيار والميت، فيحكم بما يقتضيه.
ولو زوجهما غير الولي فضولا ولم يكن لهما ولي يجيز العقد أو
يرده، فلو مات أحدهما أو كلاهما قبل البلوغ بطل العقد، ولا ميراث لشئ
منهما. ولو بلغ أحدهما وأجاز العقد ثم مات قبل بلوغ الآخر عزل للآخر
نصيبه، فإن مات أو رد بعد البلوغ لم يرث، وإن أجاز حلف على عدم
سببية الرغبة في الميراث أو المهر للإجازة وورث.
وتدل على الحكم صحيحة الحذاء: عن غلام وجارية زوجهما وليان
لهما وهما غير مدركين، فقال: " النكاح جائز وأيهما أدرك كان له الخيار،
وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر، إلا أن يكونا قد أدركا
ورضيا " قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: " يجوز ذلك عليه إن
هو رضي " قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم
مات قبل أن تدرك الجارية. أترثه؟ قال: " نعم، يعزل ميراثها منه حتى
تدرك، فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج، ثم
يدفع إليها الميراث ونصف المهر " قلت: فإن ماتت الجارية ولم تكن
أدركت، أيرثها الزوج المدرك؟ قال: " لا، لأن لها الخيار إذا أدركت " قلت:
357

فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال: " يجوز عليها تزويج
الأب، ويجوز على الغلام، والمهر على الأب للجارية " (1).
وجه الاستدلال أن المراد بالوليين غير الأب والجد - من الوصي
لأحدهما أو الحاكم أو مطلق الأقارب كما ورد كثيرا في الأخبار - بقرينة قوله
في آخر الحديث " فإن كان أبوها ". وأيضا: لم تثبت الحقيقة الشرعية
ولا العرفية العامة في الولي، وإنما يحمل على الأب والجد بمعونة القرائن،
ولا قرينة هنا، بل القرينة موجودة على خلافه.
ودلالتها على عدم التوارث إن ماتا معا قبل البلوغ: بقوله " وإن
ماتا... ".
وعلى عدمه إن مات أحدهما: بقوله " إلا أن يكونا... " وبقوله " فإن
ماتت الجارية ".
وعلى الحلف والتوريث مع موت أحدهما بعد الإجازة وحياة الآخر
إلى البلوغ: بقوله " فإن كان الرجل.. ".
ثم إن هذه وإن كانت مخصوصة بما إذا مات الرجل بعد البلوغ
والرضا، إلا أن الأصحاب حملوها عليه أيضا للاشتراك في العلة، والأصل
يقتضي انتفاء الحلف والتوريث، إلا أن الظاهر عدم الخلاف فيه، فتأمل.
وهل يثبت الحكم لو كان تزوج بالغ بغير بالغة فضولا أو زوجه وليه
بها ثم مات؟
فيه وجهان، لعدم خصوصية ظاهرة لوقوع العقد من الطرفين فضولا،
ورواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال في الرجل يزوج ابنه

(1) الكافي 7: 131 / 1، التهذيب 7: 388 / 1555، الوسائل 26: 219 أبواب
ميراث الأزواج ب 11 ح 1.
358

يتيمة في حجره وابنه مدرك واليتيمة غير مدركة قال: " نكاحه جائز على
ابنه، وإن مات عزل ميراثها منه حتى تدرك، فإذا أدركت حلفت بالله
ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالنكاح، ثم يدفع إليها الميراث
ونصف المهر " قال: " وإن ماتت هي قبل أن تدرك وقبل أن يموت الزوج
لم يرثها الزوج، لأن لها الخيار عليه إذا أدركت، ولا خيار له عليها " (1).
ثم إنه فيما إذا وقع العقد فضوليا من الجانبين أو من أحدهما وقلنا
باتحاد الحكم لو مات المجيز بعد الإجازة وقبل الحلف، فالظاهر انتفاء
الإرث، لكونه موقوفا على اليمين ولم يتحقق، فيعمل بمقتضى الأصل،
وكذا لو نكل. ولو جن يعزل نصيبه إلى أن يفيق فيحلف أو يموت أو
حصل اليأس من إفاقته فيرد إلى سائر الورثة.
وهل يكون حكم المجنونين حكم الصغيرين؟
قيل: الظاهر نعم. وهو غير متجه، لأنه لا يثبت إلا بالقياس، وهو
باطل.
وهل ينسحب الحكم إلى البالغين إذا زوجهما الفضولي؟
الأقرب: لا، والوجه ظاهر.
المسألة السادسة: اعلم أنه انعقد الإجماع من علمائنا - إلا
الإسكافي (2) - على حرمان الزوجة عن شئ من ميراث الزوج في الجملة،
وعن نكت الإرشاد وشرح الشرائع للصيمري ادعاء الإجماع عليه (3)، وعن

(1) الفقيه 4: 227 / 721، الوسائل 21: 330 أبواب المهور ب 58 ح 14.
(2) حكاه عنه في المختلف: 736.
(3) حكاه عنهما في الرياض 2: 364.
359

الانتصار والسرائر والمسالك وظاهر الغنية (1) وغيرها (2) أنه من متفردات
الإمامية، ولكن وقع الخلاف في ذلك في بعض المواضع.
ونحن نذكر أولا الأخبار الواردة في هذا المقام، ثم نتبعه بتفصيل
المراد.
ونقول: الأخبار في هذا المضمار كثيرة جدا:
الأول: رواية محمد: " النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئا " (3).
والثاني: صحيحة زرارة: " إن المرأة لا ترث مما ترك زوجها من
القرى والدور والسلاح والدواب شيئا، وترث من المال والفرش والثياب
ومتاع البيت مما ترك، ويقوم النقض والأبواب والجذوع والقصب وتعطى
حقها منه " (4).
والثالث: موثقته وهي مثل الصحيحة إلا أنه قال: " الرقيق " بدل
" الفرش " ولم يذكر الأبواب (5).
الرابع: رواية طربال وهي مثل الموثقة، إلا أنه قال " ويقوم نقض
الأجذاع والقصب والأبواب " (6).

(1) الإنتصار: 301، السرائر 3: 258، المسالك 2: 334، الغنية (الجوامع
الفقهية): 607.
(2) انظر: كشف اللثام 2: 301، والرياض 2: 364.
(3) الكافي 7: 127 / 1، التهذيب 9: 298 / 1066، الإستبصار 4: 152 / 572،
الوسائل 26: 207 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 4.
(4) الكافي 7: 127 / 2، التهذيب 9: 298 / 1065، الإستبصار 4: 151 / 571،
الوسائل 26: 205 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 1.
(5) التهذيب 9: 299 / 1072، الإستبصار 4: 153 / 578، الوسائل 26: 210
أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 12.
(6) الفقيه 4: 252 / 811، الوسائل 26: 210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 12.
360

الخامس: صحيحة الفضلاء الخمسة: " المرأة لا ترث من تركة زوجها
من تربة دار أو أرض، إلا أن يقوم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو
ثمنها إن كان له ولد من قيمة الطوب والجذوع والخشب " (1).
السادس: حسنة زرارة ومحمد: " لا ترث النساء من عقار الأرض شيئا " (2).
السابع: رواية عبد الملك بن أعين: " ليس للنساء من الدور والعقار
شئ " (3).
الثامن: رواية يزيد الصائغ: عن النساء، هل يرثن الأرض؟ فقال:
" لا، ولكن يرثن قيمة البناء " قال، قلت: فإن الناس لا يرضون أبدا، فقال:
" إذا ولينا ولم يرض الناس ضربناهم بالسوط، فإن لم يستقيموا ضربناهم
بالسيف " (4).
التاسع: روايته أيضا: " إن النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئا،
ولكن لهن قيمة الطوب والخشب " الحديث (5).
العاشر: صحيحة مؤمن الطاق: " لا يرثن النساء من العقار شيئا، ولهن
قيمة البناء والشجر والنخل " يعني بالبناء: الدور، وإنما عنى من النساء:

(1) الكافي 7: 128 / 3، التهذيب 9: 297 / 1064، الإستبصار 4: 151 / 570،
الوسائل 26: 207 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 5، وكلمة: " له ولد " غير موجودة
في التهذيب والاستبصار.
(2) الكافي 7: 128 / 4، الوسائل 26: 208 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 6.
(3) الكافي 7: 129 / 9، التهذيب 9: 299 / 1070، الإستبصار 4: 152 / 576،
الوسائل 26: 209 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 10.
(4) الكافي 7: 129 / 8، الوسائل 26: 208 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 8.
(5) الكافي 7: 129 / 10، التهذيب 9: 299 / 1069، الإستبصار 4: 152 / 575،
الوسائل 26: 210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 11.
361

الزوجة (1).
الحادي عشر: رواية ميسر بياع الزطي: عن النساء ما لهن من
الميراث؟ قال: " لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأما الأرض
والعقارات فلا ميراث لهن فيه " قال، قلت: فالثياب؟ قال: " الثياب لهن
نصيبهن " (2).
الثاني عشر: رواية محمد: " ترث المرأة الطوب، ولا ترث من الرباع
شيئا " (3) الحديث.
الثالث عشر: صحيحة زرارة أو محمد: " لا ترث النساء من عقار
الدور شيئا، ولكن يقوم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها " (4) الحديث.
الرابع عشر: حسنة حماد بن عثمان: " إنما جعل للمرأة قيمة الخشب
والطوب لئلا يتزوجن فيدخل عليهم " (5).
الخامس عشر: رواية محمد وزرارة: " إن النساء لا يرثن من الدور
ولا من الضياع شيئا، إلا أن يكون أحدث بناء فيرثن ذلك البناء " (6).

(1) الفقيه 4: 252 / 809، الوسائل 26: 211 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 16.
(2) الكافي 7: 130 / 11، الفقيه 4: 251 / 807، التهذيب 9: 299 / 1071،
الإستبصار 4: 152 / 577، الوسائل 26: 206 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 3.
(3) الكافي 7: 128 / 5، قرب الإسناد: 56 / 182، الوسائل 26: 206 أبواب ميراث
الأزواج ب 6 ح 2.
(4) في نسخة من الكافي 7: 129 / 6، وفي الوسائل 26: 208 أبواب ميراث
الأزواج ب 6 ح 7: زرارة ومحمد.
(5) الكافي 7: 129 / 7، الفقيه 4: 252 / 810، التهذيب 9: 298 / 1068،
الإستبصار 4: 152 / 574، الوسائل 26: 209 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 9.
(6) التهذيب 9: 300 / 1073، الإستبصار 4: 153 / 579، الوسائل 26: 210
أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 13.
362

السادس عشر: ما كتب الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان: " علة المرأة
أنها لا ترث من العقار شيئا إلا قيمة الطوب والنقض، لأن العقار لا يمكن
تغييره وقلبه " الحديث (1).
السابع عشر: رواية موسى بن بكر: قال: قلت لزرارة: إن بكيرا
حدثني عن أبي جعفر (عليه السلام): " أن النساء لا ترث امرأة مما ترك زوجها من
تربة دار ولا أرض، إلا أن يقوم البناء والجذوع والخشب فتعطى نصيبها من
قيمة البناء، وأما التربة فلا تعطى شيئا من الأرض ولا تربة دار " قال زرارة:
هذا مما لا شك فيه (2).
الثامن عشر: ما رواه الصفار في بصائر الدرجات بإسناده عن
عبد الملك: قال: دعا أبو جعفر بكتاب علي (عليه السلام)، فجاء به جعفر مثل فخذ
الرجل مطويا، فإذا فيه: " أن النساء ليس لهن من عقار الرجل إذا توفى
عنهن شئ " فقال أبو جعفر (عليه السلام): " هذا والله خط علي (عليه السلام) بيده وإملاء
رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (3).
التاسع عشر: ما رواه الصدوق في الصحيح، عن ابن أذينة: في النساء
إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع (4).
العشرون: صحيحة البقباق وابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام):

(1) الفقيه 4: 251 / 808، التهذيب 9: 300 / 1074، الإستبصار 4: 153 / 579،
العلل: 572 / 2، عيون أخبار الرضا " (عليه السلام) ": 96، الوسائل 26: 210 أبواب ميراث
الأزواج ب 6 ح 14.
(2) التهذيب 9: 301 / 1077، الإستبصار 4: 153 / 580، الوسائل 26: 211
أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 15.
(3) بصائر الدرجات: 165 / 14، الوسائل 26: 212 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 17.
(4) الفقيه 4: 252 / 813، الوسائل 26: 213 أبواب ميراث الأزواج ب 7 ح 2.
363

قال: سألته عن الرجل، هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئا؟
أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا؟ فقال: " يرثها
وترثه كل شئ ترك وتركت " (1).
الحادي والعشرون: موثقة [عبيد بن] زرارة والبقباق المتقدمة في
المسألة الأولى (2).
ولنعقب ذلك ببيان معنى بعض الألفاظ المذكورة في تلك الأخبار،
من العقار والضياع وغيرها.
فنقول: أما العقار فقال في الصحاح: العقار - بالفتح -: الأرض
والضياع والنخل، ومنه قولهم ما له دار ولا عقار (3).
وقال في القاموس: العقار: الضيعة، كالعقري بالضم - إلى أن قال -
والنخل (4).
وقال في النهاية لابن الأثير: العقار - بالفتح -: الضيعة والنخل
والأرض (5).
وقال في المصباح المنير: العقار مثل سلام: كل ملك ثابت له أصل،
كالدار والنخلة (6).
وقال في مجمع البحرين: وفي الحديث ذكر العقار كسلام، وهو: كل

(1) الفقيه 4: 252 / 812، التهذيب 9: 300 / 1075، الإستبصار 4: 154 / 581،
الوسائل 26: 212 أبواب ميراث الأزواج ب 7 ح 1.
(2) راجع ص: 346.
(3) الصحاح 2: 754.
(4) القاموس 2: 97.
(5) النهاية 3: 274.
(6) المصباح المنير: 421.
364

ملك ثابت له أصل، كالدار والأرض والنخلة والضياع (1).
وقال في المسالك: والشجر من جملة العقار (2).
وقال الهروي: العقار: الأصل.
وهذه العبارات كما ترى متطابقة في الدلالة على كون العقار حقيقة
في مطلق الأرض والضيعة من غير تخصيص له بالدار.
ويؤيده عطفه على الدار في الرواية السابعة. وكذا يؤيده ما وقع في
بعض كتب الأحاديث من أنهم يعنونون باب ما يذكرون فيه الترغيب في
شري الأرض المغلة والماء وكراهة بيعها بباب: شري العقارات وبيعها (3).
وكذا رواية هشام بن أحمر، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: " ثمن العقار
ممحوق إلا أن يجعل في عقار مثله " (4) فإنه شامل لجميع الأراضي.
وكذا يؤيده، بل يثبته تفسير الجميع الضيعة بالعقار، قال في
الصحاح: الضيعة: العقار (5). وفي القاموس والمجمع: الضيعة: العقار
والأرض المغلة (6). والضيعة هي الأراضي المغلة قطعا كما يظهر من تتبع
الأخبار وكلام اللغويين، بل العرف.
وبالجملة لا شك في صدق العقار على الأراضي المغلة والدار
حقيقة، فما يفهم من كلام المحقق في النافع من اختصاصه بالدار (7) لا وجه له.

(1) مجمع البحرين 3: 410.
(2) المسالك 2: 333.
(3) انظر الكافي 5: 91.
(4) الكافي 5: 92 / 6، الوسائل 17: 71 أبواب مقدمات التجارة ب 24 ح 7.
(5) الصحاح 3: 1252.
(6) القاموس 3: 60، مجمع البحرين 4: 367.
(7) النافع: 272.
365

ثم هو إما حقيقة في الضيعة أو مطلق الأرض مجاز في غيره من
النخلة ومثلها، أو مشترك معنوي بينها، أي موضوع لكل غير منقول كما هو
الظاهر من المصباح والمجمع، أو مشترك لفظي. وأصالة عدم الاشتراك
وأولوية المجاز منه يؤيد أحد الأولين، بل تفسيرهم الضياع بالعقار يثبت
الأول، مع أن القرينة على إرادة الأراضي في أكثر الأحاديث موجودة.
ومن هنا ظهر أنه لا مفر من حمل العقار في الأخبار إما على مطلق
الأرض الشامل للضيعة، أو على الضيعة.
ثم النقض بكسر النون: المنقوض من البناء. والطوب بالضم: الآجر.
والرباع جمع الربع، وهو المنزل ودار الإقامة. وفي القاموس: الربع الدار
بعينها. وفسره بالمحلة والمنزل أيضا. والجذع بالكسر: ساق النخلة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه - كما سبق - قد وقع الاتفاق من أصحابنا
سوى الإسكافي على حرمان الزوجة من شئ في الجملة، ونقل الاتفاق
على ذلك متكرر. قال الشهيد في النكت: أهل البيت أجمعوا على حرمانها
من شئ ما، ولا يخالف في هذا علماؤنا الإمامية إلا ابن الجنيد.
وقال في المسالك: وقد وقع الاتفاق بين علمائنا إلا ابن الجنيد على
حرمان الزوجة في الجملة من شئ من أعيان التركة (1). انتهى.
وقد وقع الخلاف هنا في موضعين، الأول: فيما تحرم منه الزوجة،
والثاني: في الزوجة التي تحرم.
أما الموضع الأول، فقد اختلفوا فيه على أقوال:
الأول: حرمانها من نفس الأرض مطلقا، سواء كانت بياضا أم

(1) المسالك 2: 333.
366

مشغولة بزرع أو شجر أو بناء أو غيرها، عينا وقيمة. وحرمانها من عين
الآلات، كالأبواب والشباك والآجر واللبن ومن عين الأبنية دون قيمتها،
فتعطى نصيبها من قيمتها. نسب ذلك إلى الشيخ والقاضي وابن حمزة
والحلبي (1). واختاره المحقق في الشرائع، والفاضل في المختلف
والإرشاد، والشهيد في اللمعة والدروس (2). وقواه في المسالك
والمفاتيح (3). وادعى عليه الشهرة جماعة في كتبهم كالتحرير والقواعد
والإيضاح ونكت الإرشاد، وشرح الشرائع للصيمري، وشرح الإرشاد
للأردبيلي، والمسالك والمفاتيح والكفاية (4). وعن الخلاف الإجماع
عليه (5). وظاهر هذا القول عدم حرمانها من الأشجار عينا، لعدم صدق
الأرض عليها.
والثاني: حرمانها من جميع ما ذكر وزيادة أعيان الأشجار، فتعطى
قيمتها، كالآلات والأبنية، جعله في القواعد والإيضاح (6) وغيرهما (7) هو
المشهور، واختاره في الإيضاح ونسبه إلى والده أيضا، ونسب إلى أكثر
المتأخرين (8)، بل لم ينقلوا الأول، كما لم ينقل بعضهم الثاني. واتحاد

(1) الشيخ في النهاية: 642، القاضي في المهذب 2: 140، ابن حمزة في الوسيلة:
391، الحلبي في الكافي: 374.
(2) الشرائع 4: 34، المختلف: 736، الإرشاد 2: 125، اللمعة (الروضة 8):
172، الدروس: 259.
(3) المسالك 2: 334، المفاتيح 3: 329.
(4) التحرير 2: 168، القواعد 2: 178، الإيضاح 4: 240، المسالك 2: 333،
المفاتيح 3: 329، الكفاية: 302.
(5) الخلاف 4: 116.
(6) القواعد 2: 178، الإيضاح 4: 240.
(7) كالمسالك 2: 333.
(8) انظر الروضة 8: 173، والكفاية: 302، والرياض 2: 365.
367

القولين بعيد (1)، والظاهر: تغايرهما، واشتهار الأول عند القدماء، والثاني
عند المتأخرين.
والثالث: حرمانها من أراضي الرباع، وهي الدور والمساكن خاصة،
دون أراضي المزارع والقرى والبساتين، وتعطى قيمة الآلات والأبنية من
الدور والمساكن، ولا تعطى عينها. اختاره المحقق في النافع (2)، ونسب إلى
المفيد والحلي وصاحب كشف الرموز (3)، ومال إليه في المختلف بعض
الميل (4)، وقال في الكفاية: إنه بعد قول السيد لا يخلو عن قوة (5).
والرابع: حرمانها من عين الرباع خاصة، لا من قيمتها. وهو قول
السيد المرتضى (6)، وجعله في الكفاية أقوى (7)، واستحسنه في المختلف
وإن استقر رأيه أخيرا على الأول (8).
والخامس: قول الإسكافي، وهو عدم حرمانها من شئ أصلا (9).
والحق عندي هو الثاني، وهو مركب من أمور، أحدها: حرمانها من
عين أراضي الرباع. والثاني: حرمانها من عين أراضي الزرع والبستان
والقرى والدكاكين والخانات والطواحين والحمامات وغيرها. والثالث:
حرمانها من قيمة الأراضي مطلقا أيضا. والرابع من عين الأشجار.

(1) في " ق ": ضعيف.
(2) النافع: 272.
(3) المفيد في المقنعة: 687، الحلي في السرائر 3: 258، كشف الرموز 2: 463.
(4) المختلف: 736.
(5) الكفاية: 304.
(6) الإنتصار: 301.
(7) الكفاية: 304.
(8) المختلف: 736.
(9) حكاه عنه في المختلف: 736.
368

والخامس: حرمانها من عين الآلات والأبنية. والسادس: عدم حرمانها من
قيمة الأشجار والآلات والأبنية.
أما الأول: فالدليل عليه بعد الإجماع المحقق والمنقول في الانتصار
والسرائر (1) وغيرهما (2): غير الثلاثة الأخيرة من الاجبار المتقدمة بأجمعها.
ودلالة غير السادس والثالث عشر والرابع عشر ظاهرة.
وأما دلالة السادس فلأن العقار فيه لا يصلح من معانيه إلا الأصل،
فيكون المعنى: إن النساء لا يرثن من أصل الأرض شيئا، فيشمل أراضي
الرباع أيضا. ويمكن أن تكون إضافة العقار إلى الأرض بيانية (ودلالته أيضا
واضحة) (3).
وأما الثالث عشر فلأن المراد بالعقار فيه الأرض، لعدم صلاحية غيره
من معانيه. ويؤيده قوله: " ولكن يقوم البناء... ".
وأما الرابع عشر فلجريان العلة فيما نحن فيه.
وأما الحكم الثاني: أي حرمانها من عين سائر الأراضي مطلقا، سواء
كان أرض زرع أو بستان أو طاحونة أو دكان أو عين أو قناة، وبالجملة كل
ما يصدق عليه الأرض، فيدل على الجميع غير التاسع والثاني عشر والثالث
عشر والرابع عشر والثلاثة الأخيرة.
أما دلالة غير الثاني والثالث والرابع فظاهرة، وأما دلالتها فبضميمة
الإجماع المركب، حيث تدل على عدم إرثها من القرى ولا قائل بالفصل.
وعدم صحة سند بعضها مع كون الباقي صحيحا أو موثقا أو حسنا

(1) الإنتصار: 301، السرائر 3: 258.
(2) انظر الكفاية: 303.
(3) ما بين القوسين ليس في " ح ".
369

واعتضاد الجميع بعمل الأكثر والشهرة المحكية متواترا والإجماع المنقول
غير ضائر، مع أن صحة السند عندنا غير معتبرة بعد وجود الخبر في أصل
معتبر.
وأما الحكم الثالث: أي حرمانها من قيمة مطلق الأراضي، فالدليل
عليه بعد ظاهر الإجماع وجوه:
منها: الأصل، فإن توريثها من القيمة أمر مخالف للأصل، فلا يصار
إليه إلا بدليل، وهو مفقود.
فإن قيل: على وتيرة ما سبق منا في الحبوة أن الدليل عليه موجود،
وهو العمومات الدالة على أن لها الربع أو الثمن من جميع ما ترك، فإنها
عامة، فلا تخصص إلا بمخصص، ولا شئ يصلح للتخصيص سوى هذه
الأخبار، وهي لا تدل إلا على عدم التوريث من الأراضي، وهو كما يكون
مع عدم التوريث من القيمة يكون معه أيضا، فوجود المخصص غير
معلوم، فيجب إبقاء العام على عمومه.
قلنا: أولا إن الفرق بين هذا وما سبق واضح، فإن فيما سبق كان هناك
حكمان: اختصاص الحبوة بالأكبر، واختصاص الربع من التركة بالزوجة،
وليس بينهما منافاة، بخلاف ما نحن فيه، فإن الحكمين وهما: التوريث من
جميع التركة، وعدم التوريث من الأراضي متنافيان متعارضان.
وثانيا: إن معنى عمومات الربع أو الثمن أن لها ذلك من عين جميع
ما ترك، لا من قيمته، ولذا لو أراد سائر الورثة بذل القيمة لم تجبر المرأة
على قبولها. وعلى هذا فعدم التوريث من عين الأراضي أيضا يوجب
تخصيص تلك العمومات قطعا، ويبقى بذل القيمة بلا دليل.
وثالثا: إنه إما يصدق على توريث القيمة أنه ورث عن الأراضي أو
370

لا، فإن صدق فيجب نفيه بتلك الأخبار، وإلا فلا يفيد لإبقاء العمومات
على عمومها، لتخصيصها بغير الأراضي حيث إنها لا تورث عنها.
ومنها: أن قوله (عليه السلام) في كثير من الأحاديث: " لا ترث شيئا " نكرة في
سياق النفي، فيفيد العموم، أي لا ترث عينا ولا قيمة.
ومنها: أنه (عليه السلام) قد ذكر التفصيل في كثير منها كصحيحة الفضلاء
وصحيحتي زرارة ومؤمن الطاق وغيرها فقال: " لا ترث من العقار
والأرض، وترث من الثياب والفرش، ويقوم الطوب والخشب والشجر "
وهذا ظاهر في أنه لا يقوم العقار والأرض، فإن التفصيل قاطع للشركة.
ومنها: أن المتبادر من " لا يرث من فلان " أنه لا حق له فيه، لا عينا
ولا قيمة.
وقد يستدل أيضا بعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وهو لا يخلو عن نظر، لأن كون الوقت وقت الحاجة غير معلوم.
وأما الحكم الرابع: أي الحرمان من عين الأشجار، فيستدل عليه
بصدق العقار عليها وشموله لها.
والأولى الاستدلال لها بقوله في صحيحة مؤمن الطاق: " ولهن قيمة
الشجر والبناء والنخل " فإن كون قيمتها لها صريح في حرمانها عن العين.
بل يدل عليه ما في طائفة من الأخبار الأخر من التصريح بالحرمان
عن أعيان الجذوع.
ويدل عليه أيضا العلة المذكورة في بعضها بقوله: " لئلا يتزوجن "
وقوله: " لا يمكن قلبه وتغييره " ويؤيده لفظ " القرى " في بعضها أيضا.
وأما الحكم الخامس: فمأخذه واضح كالسادس.
ثم إنه قد يضعف دلالة بعض هذه الأخبار على بعض هذه الأحكام
371

باحتمالات ضعيفة وتأويلات سخيفة لا تقبلها العقول والأوهام، وفتح بابها
موجب لسد باب شريعة الملك العلام.
كما يضعف دلالة صحيحة الفضلاء (1) على الحرمان من مطلق
الأرض، باحتمال كون الترديد بين قوله: " تربة دار أو أرض " من الراوي،
فلا يلزم شمول الحكم لجميع الأراضي.
أو احتمال أن يكون الألف زائدا سهوا، ويكون المراد بالأرض أرض
الدار أيضا، ويكون ذكره تعميما بعد التخصيص، أو عطفا تفسيريا.
واحتمال كون قوله: " لا ترث " لإنشاء المرجوحية دون الإخبار عن
حكم الشريعة.
وإرجاع الضمير في ربعها وثمنها إلى المرأة وجعل " إن كان " (2) بمعنى
" إن وفى " وكون المراد أنه تعطى المرأة ربعها أو ثمنها من جميع المتروكات
من قيمة الطوب والخشب إن وفت القيمة بأحد الأمرين، محتجا بعدم
إمكان إرجاع المستتر فيه إلى أحد الأمرين ولا إلى الثمن.
وأنت خبير بفساد هذه الاحتمالات.
أما الأولان: فلأن المصير إلى السهو أو الترديد بدون دليل خلاف
الأصل والظاهر، سيما إذا رواه خمسة من الفضلاء، فلا وجه للمصير إليه،
مع أن في أكثر النسخ التي عندنا " وأرض " بدون الترديد، وكيف كان
فالأرض عطف على تربة الدار، فيكون تعميما بعد تخصيص، ويكون
الاستثناء منقطعا إذا كانت التربة هي نفس أرض الدار، ولا يضر كونه خلاف

(1) المتقدمة في ص: 359.
(2) هذا بناء على عدم وجود كلمة " له ولد " في الصحيحة، كما في التهذيب
والاستبصار.
372

الأصل بعد دلالة القرينة عليه، ويكون متصلا إذا جعلت كناية عن مجموع
الدار.
وأما الثالث: فظاهر.
وأما الرابع: فلأنه لا يلزم إرجاع المستتر إلى أحد الأمرين أو الثمن،
بل هو راجع إلى الطوب وغيره، يعني: إن وجد الطوب والخشب فيقومان
ويعطى ربع المرأة أو ثمنها من الطوب والخشب، أو ربع قيمتها أو ثمنها،
ولا يعطى من عينها. وهذا ظاهر. مع أنه يلزم على ما ذكره لزوم إعطاء
ربعها أو ثمنها من جميع المتروكات من قيمة الطوب والخشب، مع أنه
لم يقل به أحد، بل مخالف لآيات الإرث ورواياته، حيث تدل على أن لها
ربع عين ما ترث منه. هذا مع أن عبارة الحديث على النسخ التي عندنا
هكذا: " فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان له ولد " حتى يكون شرطا لإعطاء
الثمن، فيرتفع الإشكال رأسا.
وكما يضعف دلالة الثاني والثالث والرابع باشتمالها على ما لم يقل به
أحد من الأصحاب، من حرمانها من السلاح والدواب.
وفيه: أن ترك بعض الحديث لدليل لا يخرج الباقي عن الحجية، كما
بينا في موضعه، بل لا يوجب نقصا فيه في مقام التعارض أيضا، مع أنه
لا معارض لها سوى العمومات التي فيها أيضا نقص من جهة تيقن
تخصيصها.
مع أن عدم قول أحد بالحرمان من السلاح والدواب ممنوع، فإنه قد
جعلهما بعضهم من الحبوة (1)، فيحتمل أن يكون حرمانها من هذه الجهة.

(1) انظر الرياض 2: 364.
(2) انظر الرياض 2: 364.
373

واحتمل بعضهم أيضا كون السلاح أو الدابة موصى بها أو موقوفة أو نحو
ذلك (1). وهذا وإن كان بعيدا إلا أنه ليس بأبعد مما ذكره المضعف من
الاحتمالات لتوجيهها.
حجة القول الأول: عدم التعرض للأشجار في أكثر الأحاديث،
واستضعاف الرواية المتضمنة لها (2).
وجوابه إن قلنا بشمول العقار لها ظاهر، وكذا إن لم نقل به.
واستضعاف الرواية لا وجه له، فإنه رواها الصدوق عن الحسن بن
محبوب عن مؤمن الطاق، ومكانهما من الجلالة أظهر من أن يخفى،
وطريق الصدوق إلى الحسن صحيح كما صرح به في الخلاصة (3)، ويظهر
من مشيخته أيضا، حيث قال: إن ما كان فيه عن الحسن بن محبوب فقد
رويته عن محمد بن موسى المتوكل عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر
الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب (4).
وكلهم عدول ثقات كما يظهر من تتبع أحوالهم، فوصف بعضهم الرواية
بالحسن لإبراهيم بن هاشم لا وجه له، على أنه أيضا لا يقدح في الحجية
(بل في الصحة أيضا على الأصح) (5).
حجة المفيد ومن تابعه: عموم الآيات والروايات الدالة على إرثها،
خرج منه ما اتفقت عليه الأخبار، وهو أرض الرباع والمساكن عينا وقيمة
والأنهار عينا لا قيمة، فيبقى الباقي.

(2) أي رواية مؤمن الطاق المتقدمة في ص: 360.
(3) الخلاصة: 278.
(4) مشيخة الفقيه (الفقيه 4): 49.
(5) ما بين القوسين ليس في " ق ".
374

وأيضا: يقتصر فيما خالف الأصل على موضع الوفاق.
وأيضا: وقع الاقتصار في كثير من الأخبار على الرباع والدور خاصة،
فلو كان حكم غيرها كحكمها أيضا لم يقتصر عليها.
والجواب عن الأول: أنه إن لم نقل بجواز تخصيص الكتاب بالآحاد
فلا فرق فيه بين ما اتفقت عليه الأخبار وما ورد في بعضها بعد كون ذلك
البعض حجة. وإن قلنا به فالخبر الواحد يخصصه وإن لم يكن متكثرا.
وبالجملة لا تأثير لكثرة الأخبار وعدمها بعد اشتراك الجميع في كونه خبرا
واحدا.
وعن الثاني: أن الواجب هو الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع
الدليل دون الوفاق، والدليل على تخصيص غير الرباع أيضا موجود.
وعن الثالث: أنه لا يلزم بيان كل حكم في كل رواية.
قيل: صدق العقار على غير الرباع غير مسلم كما هو ظاهر المحقق
في النافع (1)، ولا دليل على تخصيص غير الدار من عمومات إرث الزوجة
- سيما الرواية العشرين الصحيحة صحيحة البقباق وابن أبي يعفور (2) - سوى
صحيحة الفضلاء (3) وبعض الروايات الضعيفة، وغير الصحيحة لا حجية
فيه، وهي وإن كانت حجة إلا أن من رجالها إبراهيم بن هاشم وفي عدالته
كلام مشهور، ولذا عدت رواياته عند الأكثر من الحسان فتكون هذه حسنة،
فصحيحة البقباق مقدمة عليها عند التعارض، للأعدلية، وموافقة الكتاب.
وترجيح الحسنة بالشهرة ممنوع، لتساويهما في الاشتهار بين أرباب

(1) النافع: 272.
(2) المتقدمة في ص: 362.
(3) المتقدمة في ص: 359.
375

الحديث. واشتهار المضمون غير كاف للترجيح، على أنه أيضا مختص
بغير ذات الولد، لعدم اشتهار الحرمان في ذات الولد، فيجب ترجيح
الصحيحة.
نعم خرجت الدار لدلالة الأخبار الصحيحة عليه.
ولا يمكن أن يقال: إن تعارض الحسنة والصحيحة من باب تعارض
العام والخاص، فيقدم الخاص قطعا، وهو الحسنة، لأن تقديم الخاص
لكونه قرينة على إرادة غيره من العام، وهذا لا يتمشى في الصحيحة، حيث
إن السؤال وقع عن دار المرأة وأرضها، فلا معنى لإرادة غيرها في الجواب،
فيكون من باب تعارض المتساويين.
والجواب بعد ما ذكرنا في تحقيق معنى العقار واضح. ثم لو سلم
اختصاص العقار بالدار نقول: يدل على حكم غير الدار بعض الأخبار
الصحيحة والموثقة أيضا كالثاني والثالث (1)، واختصاصهما بالقرى غير
ضائر، لعدم القول بالفصل.
ولو لم يكن إلا حسنة الفضلاء أيضا لكفى، لكونها صحيحة على
الأصح. ولو سلم كونها من الحسان أيضا يكفي، لمنع كون الأعدلية من
المرجحات، كما بيناه في موضعه. وموافقة الكتاب معارضة بمخالفة
العامة، فإنها للحسنة، فلا يكون ترجيح من هذه الجهة.
مع أن ملاحظة التراجيح إنما هي في التعارض بالتساوي أو العموم
من وجه، وأما الخاص المطلق فيقدم على العام بعد كونه حجة مطلقا.
والحسنة خاصة بالنسبة إلى الصحيحة، لمنع إيجاب السؤال عن شئ

(1) راجع ص: 358 و 359.
376

خاص اختصاص الجواب العام فيه، بل ولا نصوصية فيه أيضا. على أن
وقوع السؤال عن مطلق الأرض غير معلوم، حتى تكون الصحيحة نصا فيه،
لاحتمال إرجاع الضمير في أرضها في الصحيحة إلى الدار دون المرأة، فيكون
المراد من الدار مجموع الأرض والبناء والآلات، ومن الأرض نفس التربة.
حجة السيد: مراعاة الجمع بين عموم آيات الإرث وأخباره، وما
اجتمع عليه الأصحاب ودل عليه الروايات من الحرمان.
والجواب عنه: أن الجمع إنما يصح لو كان له شاهد معتبر. واعتبار
القيمة لا دليل عليه، بل لا يوجب الجمع كما عرفت، لأنك قد عرفت أن
معنى آيات الإرث أن لها الربع من الأعيان، فإعطاء قيمة البعض لم يوجب
إبقاءها على عمومها.
فإن قلت: التوريث من العين يلزم التوريث من القيمة، فإن كل
ما كان عينه لشخص فقيمته له أيضا، فالعمومات تدل على أن لها الربع من
العين، والقيمة، وروايات الحرمان تدل على المنع منهما، فتخص الروايات
بالعين، تقليلا للتخصيص.
قلنا: لو سلمنا ذلك فإنما يكون توريثها من القيمة لأجل ترتبها على
العين، فإذا منع من الأصل منع من الفرع أيضا، لا أن يكون هناك شيئان
ترث منهما حتى جاز تخصيص أحدهما وإبقاء الآخر.
وأيضا: الجمع إنما يصح لو لم يكن دليل على خلافه، وقد عرفت
أن التفصيل المذكور في كثير من الأخبار دليل على عدم إعطاء قيمة
الأراضي.
فإن قيل: هذا لا يرد على السيد حيث لا يقول بحجية الآحاد، ونظره
في المنع والحرمان إلى الإجماع، فيصح له أن يقول: إنه ثبت توريثها الربع
377

من جميع ما ترك، وخرج عين بعضها بالإجماع، فتبقى القيمة.
قلنا: أولا إن كون تلك الأخبار أخبار آحاد ممنوع، بل هي كما قيل
متواترة معنى (1). ولو سلم فالقرينة على صحتها من فتاوي الأصحاب
موجودة، فهي من الآحاد المحفوفة بالقرائن، ومثلها عنده حجة،
ولعمومات الكتاب مخصص.
وثانيا: إنا لا نسلم اختصاص الإجماع بالحرمان من العين خاصة، بل
هو شامل للعين والقيمة كما صرح به في المسالك (2)، ويظهر لمن تتبع
فتاوي الأصحاب.
وثالثا: إن هذا إنما يفيد لو كان التوريث من القيمة أمرا وراء التوريث
من العين، وقد عرفت أنه ليس كذلك، بل هو مترتب عليه، فلم يثبت هنا
أمران وقع الإجماع على خلافه في أحدهما فيبقى الآخر، بل يذهب
أحدهما بذهاب الآخر أيضا. وإعطاء القيمة الذي يقول به السيد أمر آخر
غير ما كان ثابتا أولا، فإن هذا حكم وضعي مترتب على الموت بجعل
الشارع غير متحقق قبل الموت، والأول حكم مترتب على مالكية العين
سواء كانت بالتوريث أو غيره ثابت قبل موت المورث أيضا، فلا يحصل
بذلك جمع بين الآيات والإجماع، بل يزيد أمر آخر مخالف للأصل.
حجة ابن الجنيد: عموم الآيات والأخيرتان من الروايات (3) مضافا إلى
سائر العمومات.
والجواب أن العام يخص مع وجود المخصص، وهو موجود، من

(1) انظر الرياض 2: 365.
(2) المسالك 2: 333.
(3) راجع ص: 362.
378

الإجماع والأخبار الغير العديدة. ولو قيل بكون الأخيرتين ظاهرتين في
الإرث من الأراضي غير قابلتين للتخصيص منعناه كما مر. ولو سلمناه
فنقول بتحقق التعارض حينئذ بينهما وبين روايات الحرمان، ولا شك أنها
راجحة مقدمة عليهما، لاعتضادها بالإجماع ومخالفتها للعامة.
وأما الموضع الثاني: أي من يحرم من الزوجات فقد اختلفوا فيه
على قولين:
أحدهما: الفرق بين ذات الولد من الزوج وغيرها، فخص الحرمان
بغير ذات الولد، ذهب إليه المحقق في الشرائع (1)، والفاضل (2)، ونفى عنه
البأس في المسالك (3)، ونسب إلى المشهور بين المتأخرين (4).
وثانيهما: التعميم، أي حرمان الزوجة مطلقا من غير فرق بين ذات
الولد وغيرها، ذهب إليه الكليني والمفيد والسيد والشيخ في الاستبصار
والحلبي والحلي والمحقق في النافع وابن زهرة (5)، وجعله في المسالك
قويا متينا (6)، واختاره جماعة من المتأخرين (7)، وفي الخلاف والسرائر
الإجماع عليه (8).

(1) الشرائع 4: 34.
(2) القواعد 2: 178.
(3) المسالك 2: 334.
(4) كما في المفاتيح 3: 329، والرياض 2: 364.
(5) الكليني في الكافي 7: 127، المفيد في المقنعة: 687، السيد في الإنتصار:
301، الإستبصار 4: 154، الحلبي في الكافي: 374، الحلي في السرائر 3:
259، النافع: 272، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607.
(6) المسالك 2: 334.
(7) كالسبزواري في الكفاية: 303، وصاحب الرياض 2: 365.
(8) الخلاف 4: 116، السرائر 3: 259.
379

وهو الحق، لإطلاق جميع الروايات، بل عموم كثير منها باعتبار
الإتيان بصيغة الجمع وترك الاستفصال. ولعموم التعليل ووجه الحكمة.
وأظهر منها دلالة الخامس والثالث عشر (1)، حيث ذكر فيهما الربع أو الثمن،
فإن استحقاق الثمن قد يكون من جهة كون الزوج ذا ولد من هذه الزوجة
فقط.
احتجوا بأن في هذا التفصيل تقليلا للتخصيص في الآية، وبالتاسع
عشر من الأخبار (2)، وبالجمع بين روايات الحرمان والأخيرتين (3).
والجواب: أما عن الأول: فبأن بعد وجود المخصص ولزوم
التخصيص به لا وجه لتقليله. وعموم المخصص أو إطلاقه بالنظر إلى أفراد
الخاص غير ضائر، لأنه بالنظر إلى أصل العمومات خاص، فيقدم عليها.
على أن هذا لا يوجب تقليلا في التخصيص، لأنه موجب لتخصيصين:
أحدهما في عمومات إرثها، وثانيهما في روايات حرمانها.
وأما عن الثاني: فبأن الخبر مقطوع غير مسند إلى إمام بتصريح أو
إضمار أو نحو ذلك، بل الظاهر أنه كلام ابن أذينة وفتواه، وليس شأنه شأن
سائر المرسلات والمقطوعات والمضمرات التي يقال فيها إن الظاهر أن نقل
مثلها إنما هو عن الإمام أو يجبر ضعفه بالشهرة ونحوها.
وأما عن الثالث: فبأن الجمع لا دليل عليه، ومجرد الجمع لا يصير
دليلا. على أن الجمع بغير ذلك من حمل الأخيرتين على التقية واضح،
والشاهد عليه موجود. وبالجملة الظاهر أن المسألة لا خفاء فيها.

(1) راجع ص: 359 و 360.
(2) المتقدم في ص: 362.
(3) راجع ص: 362.
380

وها هنا فروع ينبغي الإشارة إليها:
أ: لا فرق في الدور التي تمنع الزوجة من أرضها وترث من قيمة
بناها وآلاتها بين ما كان يسكنه الزوج أو يؤجره أو لا يسكنه أحد، للعموم
أو الإطلاق، ولعدم القول بالفصل.
ب: لا فرق في الأرض بين أرض الدار والزرع والدكاكين والحمامات
والخانات والقرى والطواحين والمساكن البائرة ومغارس الأشجار، وغيرها
مما يصدق عليه اسم الأرض أو العقار، كما مر، لصدق الاسم.
ج: يدخل في الآلات الآجر سواء كان الحائط أو الأرض، والأخشاب
المستدخلة في البناء، والميازيب، واللبن، والأبواب، والشبابيك المعمولة
من الخشب أو الجص أو الحديد. وكذا يدخل فيها الحيطان المعمولة من
الطين، وكذا الطين الواقع بين اللبن، أي يقوم مجموع الجدار والسقف،
لصدق البناء والطوب والخشب، وبالجملة المعتبر المدخلية في البناء.
وهل يدخل فيها مثل المرايا المنصوبة؟
الظاهر لا، لعدم صدق البناء عليها، وصدق الآلات لو سلم لا يفيد،
لخلو الأخبار عن ذكر الآلات. نعم لو بني بيت من الزجاجة فالظاهر دخوله
فيها.
وفي دخول المرايا المستدخلة في الشبابيك إشكال. ولا يبعد ترجيح
العدم، لعدم صدق الاسم عرفا.
وكذا الإشكال في دخول الجذوع المنصوبة لحمل الكروم عليها، فإن
الظاهر من الجذوع في الأخبار جذوع البناء لا مطلقا. وعدم الدخول أظهر، إلا
أن يدخل أمثال ذلك بدليل آخر، وهو نفي الضرر عن سائر الوراث، وله وجه.
وفي الذهب والفضة المحلولين على الجدران تردد. والأظهر
381

التقويم، لعدم إمكان تفكيكهما إلا بإبطال المحل.
وفي دخول الظروف المثبتة في الحمامات والدكاكين اللازمة لها
كالظرف الذي يحمى فيها الماء في الحمام تأمل. وعدم الدخول أظهر، إلا
أن يدخل بنفي الضرر أو بصدق أبنية الحمام مثلا عليه.
والظاهر عدم دخول حجر الطاحونة، لعدم صدق الاسم. والظاهر
عدم دخول السلم المثبت ومثله.
وأما الحياض المعمولة من قطعة واحدة من الحجر ففيها إشكال.
والدخول أظهر، لظهور دخولها في البناء.
وأما الآلات المعدة للبناء قبل إثباتها من الحجر والآجر واللبن
والجذوع وأمثالها فلا تدخل فيها، ووجهه ظاهر. وأما ما كان من هذه
الآلات مثبتة ثم انتقضت فمقتضى الأصل عدم الدخول، ولكن التصريح في
الأخبار بدخول النقض يدخلها.
والاحتياط في كثير من هذه مطلوب.
د: يدخل في الأشجار الكبير منها والصغير، والكروم منها. وأما
الزرع الذي لم يحصد والثمر الذي الذي لم يجنى والعلف والبذر المزروع
فلا تدخل فيها، والزوجة ترث من أعيانها، للأصل، وعدم صدق الاسم.
وعلى هذا فإذا كان الثمر غير منضوج والزرع غير بالغ حد الحصاد
فهل يجب على الورثة إبقاؤهما إلى أوانهما مجانا، أم لا بل لهم أمرها بأخذ
حقها أو الإبقاء مع أخذ أجرة الأرض والشجر؟
اختار في المسالك الأول (1).

(1) المسالك 2: 334.
382

والظاهر هو الثاني، لأن الأرض والشجر صارا ملكين للورثة، والناس
مسلطون على أموالهم. ولا ينافيه نفي الضرر إذ لا يحصل بذلك ضرر
عليها، لأن مالها من الثمر والزرع إنما هو على هذا النحو، وحينئذ فلو
فصلت مدة بين موت المورث والتقسيم وكانت الثمار أو الزروع كائنة على
محالها فيكون للورثة مطالبة أجرة المثل.
ه‍: تحرم الزوجة من أراضي الأنهار والقنوات والآبار، لصدق الاسم.
وأما مياهها فما خرجت بعد الموت فلا ترث منها، لتبعيتها للأرض وعدم
كونها من متروكات الميت. وما خرجت قبله وبقيت فيها فترث من عينها،
لعدم دخولها في شئ مما تحرم من عينها وقيمتها أو من عينها.
و: لو كان للزوج بيت فوقاني وكان تحته من غيره فالظاهر توريثها
من قيمة جميع البيت: حيطانه وسقفه وأرضه، لكونه بناء محضا. ولو
خرب البيت الفوقاني وبقي هواؤه فالظاهر توريثها من عين الهواء، لعدم
صدق الأرض والبناء، وعدم توريثها من الهواء إذا كان هواء دار لكونه تابعا
للأرض، ولا أرض هنا.
ز: لو استأجر الزوج دارا أو أرضا ومات قبل تمام المدة وقلنا بعدم
بطلان الإجارة فالزوجة شريكة مع سائر الورثة في الانتفاع، لأن المخلف
من الزوج ليس نفس الأرض حينئذ بل الانتفاع بها، فلا دليل على حرمانها.
ح: هل تقوم الأبنية والطوابيق وأمثالها حال كونها مجتمعة باقية على
هيئاتها البنائية؟ أم يقدر انفكاكها فيقوم الآجر منفردا والجص منفردا واللبن
كذلك؟
الظاهر هو الأول كما صرح به بعضهم (1)، بل هو الظاهر من كلام
الأصحاب في بيان كيفية التقويم. والحاصل أن البناء يقوم على حاله.

(1) كالسبزواري في الكفاية: 303.
383

والدليل عليه تصريح كثير من الأخبار كالثامن والعاشر والحادي عشر
والثالث عشر والخامس عشر والسابع عشر بأن لهن قيمة البناء (1)، والبناء
هو الهيئة الاجتماعية الكائنة في الأرض.
والظاهر أن الشجر أيضا كذلك كما صرح به في المسالك
والكفاية (2)، فيقوم حال كونه قائما في الأرض، لأن الشجرية إنما هي
حينئذ. وعلى هذا لو فرض أن الأرض لم يكن لها بدون الشجر قيمة
لم ينقص عن قيمة الشجر شئ.
ط: هل يقوم البناء والشجر الكائنان في الأرض حال كونهما كذلك
مع ملاحظة أجرة الأرض؟ أو يقومان كذلك بدون ملاحظتها بل يقوم
مستحق البقاء في الأرض مجانا إلى أن يفنى؟
صرح جمع بالثاني، وهو ظاهر المسالك (3)، واستحسنه في
الكفاية (4). وهو الأظهر، لإطلاق الأخبار، ولأنه الظاهر المتبادر من قيمة
البناء والشجر، بل لأن الأول يوجب نقصا في القيمة، فلا يكون ما يعطى
ربع قيمة البناء والشجرة.
ي: الطريق في كيفية التقويم أن تقوم أرض فارغة ثم يفرض
اشتغالها بما يريد تقويمه من الشجر أو البناء، فتقوم ثانيا وتعطى المرأة
الربع أو الثمن من قيمة ما عدا الأرض من ذلك، أو تقوم الأرض التي فيها
الشجر أو البناء على تقدير فراغها ثم يقوم المجموع وتطرح القيمة الأولى

(1) راجع ص: 359 - 361.
(2) المسالك 2: 334، الكفاية: 303.
(3) المسالك 2: 334.
(4) الكفاية: 304.
384

عن الثانية وتعطى الربع أو الثمن من الباقي.
يا: هل إعطاء الورثة القيمة على سبيل الرخصة، أم لا بل يجب
عليهم إعطاؤها؟ وتظهر الفائدة فيما لو امتنعت الزوجة إلا من أخذ القيمة
وأراد الوارث إعطاء العين.
ذهب الشهيد الثاني في المسالك والروضة والصيمري والمحقق الثاني
إلى الثاني (1). واستقرب في الكفاية الأول، واختاره جمع من المتأخرين (2).
والحق هو الثاني، لأنه المستفاد من اللام - الظاهرة في الاختصاص
والتمليك سيما في المواريث - المذكورة في قوله " لهن " كما في التاسع
والعاشر والحادي عشر، أو في قوله " للمرأة " كما في الرابع عشر. ولأنه
مقتضى كون القيمة إرثا لها كما في الثامن والخامس عشر والسادس عشر.
ولأنه المفهوم من الحصر بالاستثناء في قوله " إلا أن يقوم أو إلا قيمة فلان "
كما في الخامس والسادس عشر والسابع [عشر] (3). ولأنه مدلول الجعل
المصرح به في الرابع عشر. بل هو الظاهر من قوله " ويقوم " أو " لكن
يقوم " كما في باقي الأخبار، ولو منع ظهوره فيكون محتملا للأمرين مجملا
فيجب حمله على المبين.
احتجوا: بأن العلة المذكورة في الأخبار لذلك إنما هو عدم تضرر
الورثة، فإذا رضي الوارث بالضرر أو كان ضرره في القيمة فلا يستفاد
حكمه من الأخبار.

(1) المسالك 2: 334، الروضة 8: 173، وحكاه عن الصيمري والمحقق الثاني في
الرياض 2: 365.
(2) الكفاية: 304، واستقربه أيضا صاحب الرياض 2: 365.
(3) أضفناه لتصحيح المتن.
385

وبأن ورود أخبار الحرمان في مقام توهم تعين العين فلا يفيد سوى
إباحة القيمة، وسبيلها سبيل الأوامر الواردة مورد توهم الحظر.
وبأن ذلك يوجب بقاء عمومات إرثها على عمومها بالنسبة إلى الأبنية
والآلات والأشجار من دون ارتكاب تخصيص فيها، بل تكون الرخصة في
التقويم حكما آخر غير مناف للأول، ثابتا بالأخبار، وذلك كرخصة مالك
النصاب في الغلات في شراء قدر الزكاة منها وإعطاء القيمة، فإنه لا ينافي
تعلق حق الفقراء بالعين ولا يوجب التخصيص فيما يدل عليه. والحاصل
أنه تكون العين مختصة بها، ولكن جوز الشارع الابتياع القهري وإعطاء
القيمة.
والجواب أما عن الأول: فبان أكثر الأخبار الصحيحة خالية عن ذكر
التعليل، مع أن التعليل كما يصلح علة للرخصة يصلح علة للوجوب أيضا،
وتخلف العلة في النادر بأن لا يستضر الورثة غير ضائر، لأن الحكم على
الغالب.
وعن الثاني: بأنه ممنوع، بل نقول: ورود الأخبار في مقام بيان
الحكم، بل الظاهر ورودها في مقام توهم الحرمان عن القيمة أيضا.
وعن الثالث: أنا لو سلمنا أن الرخصة لا توجب التخصيص في
العمومات المذكورة ولكنها توجب خلاف أصل آخر هو الابتياع القهري، إذ
بدونه لا معنى لعدم ارتكاب التخصيص في العمومات، على أنا لو قلنا
بوجوب الابتياع القهري لا ينتفي التخصيص على المختار أيضا. هذا كله
مع أن ارتكاب التخصيص في العمومات مما لا مفر منه أيضا باعتبار قوله
في الأحاديث المتكثرة " لا يرثن من العقار " الصادق على الأبنية. فتأمل.
يب: لو لم يملك الوارث شيئا سوى الأرض والأبنية المخلفة يجب
386

عليه إعطاء قيمة الأبنية أو مثلها من نفسها أو نفس الأراضي، أو يبيعها بغير
الزوجة ويأخذ الثمن ويعطيها إياها، والوجه واضح. وأخذ البناء أو الأرض
حينئذ لا ينافي عدم توريثها، لعدم كون الأخذ حينئذ من باب التوريث.
يج: لو تلف البناء أو الشجر بعد الموت قبل التقسيم والتقويم فهل
يسقط من قيمته حق الزوجة أو لا؟
الظاهر هو الثاني، لأن بمجرد الموت انتقلت العين إلى الوارث
واستحقت الزوجة القيمة، وتلف ملك أحد لا يوجب سقوط حق الآخر،
مع أن الأصل بقاؤه. وهكذا لو غصبه غاصب.
يد: الظاهر من الأخبار تعلق القيمة بذمة الورثة دون التركة، بمعنى
أنه يجب عليهم إعطاء القيمة من أينما أرادوا وشاؤوا. ويدل عليه أيضا عدم
تسلط الزوجة على المطالبة من أموال خاصة من التركة أو غيرها. وأيضا:
مدلول الأخبار وجوب إعطاء القيمة، ولا وجوب إلا يتعلق بمكلف، وليس
هناك أحد يتعلق به إلا الورثة إجماعا، والأصل عدم وجوب الإعطاء من مال
معين، فيجب عليهم أصل الإعطاء، وهو المطلوب.
يه: يظهر من هذين الفرعين أنه لو لم يخلف الميت سوى أشجار أو
أبنية بأن تكون أراضيها موقوفة أو ملكا للغير وتلفت تلك الأشجار والأبنية
بعد موته ولو بساعة أو غصبت، كان للزوجة مطالبة حقها من القيمة من
الورثة لو كانوا موسرين، وبعد الإيسار إن كانوا معسرين، وهو كذلك.
يو: لو قلنا بالفرق بين ذات الولد وغيرها واجتمعتا فظاهر كلام
جماعة بل صريحه: أن ذات الولد ترث كمال الثمن من الأراضي والأبنية
والأشجار، وتعطى الأخرى نصف ثمن قيمة الأبنية والأشجار، ويجب
الإعطاء على ذات الولد دون غيرها من الورثة.
387

وفيه تأمل، والظاهر أن ثمن غير الأراضي والأبنية والأشجار لهما
معا، وكمال الثمن من الأراضي والأبنية والأشجار لذات الولد، وكمال الثمن
من قيمة الأبنية والأشجار لغير ذات الولد، والقيمة على الورثة الذين منهم
ذات الولد.
وما استدلوا به على أن لذات الولد كمال الثمن يدل مثله على أن
لغيرها كمال القيمة فلا وجه للفرق. والحاصل أنه ثبت بآيات إرث الزوجة
ورواياته أن لها الثمن (من غير العقار مع الولد) (1) ولها ثمن قيمة الأبنية
والأشجار مطلقا أو إذا لم تكن ذات ولد، ومقتضاها ثبوته لكل واحدة حين
التعدد، ولكن دل الإجماع والروايات المتقدمة على أن الزوجات المتعددة
شركاء في الثمن، وثبوت الإجماع ودلالة الروايات فيما نحن فيه ممنوع،
فيكون على أصل المقتضى، فلا تكون فيه شركة، بل يكون لذات الولد
ثمن أعيان الأبنية والأشجار، ولغير ذات الولد ثمن قيمتها.
وأما وجه أن القيمة على جميع الورثة دون ذات الولد خاصة: فعدم
الدليل على الاختصاص، وتبادر تعلق القيمة على من يجوز المقوم والجائز
له هو جميع الورثة دون ذات الولد خاصة وإنما هي تجوز نصيبها فقط. بل
من هذا يظهر وجه لأنها على غير ذات الولد من سائر الورثة. فتأمل.
المسألة السابعة: قد عرفت أن ثبوت التوارث بين الزوجين غير
مشروط بالدخول.
وقد استثني من ذلك صورة واحدة، وهي ما لو تزوجها مريضا
ولم يدخل بها فمات في مرضه، فالحق المعروف من مذهب الأصحاب

(1) ما بين القوسين ليس في " ق ".
388

- كما في الكفاية (1) - أنها لا ترثه. وظاهر السرائر كصريح التذكرة دعوى
الإجماع عليه (2)، وفي المسالك: جزم الأكثر بالحكم من غير أن يذكروا فيه
خلافا وإشكالا (3). وقيل: بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف (4). ونسبه في
الشرائع إلى الرواية وفي الدروس إلى المشهور (5). وهما مشعران بالتردد،
ولكنهما صرحا بالنفي في النافع واللمعة المتأخرين على الأولين (6) فهو
رجوع وجزم منهما بالحكم. نعم ظاهر الفرائض النصيرية التردد. وعن
شرح الإيجاز استظهار إمكان أن يراد بالدخول أن تدخل عليه لتخدمه
وتضاجعه وتمرضه وإن لم يطأها (7).
لنا بعد ظاهر الإجماع: صحيحة الحناط: عن رجل تزوج في مرضه،
فقال: " إذا دخل بها فمات في مرضه ورثته، وإن لم يدخل بها لم ترثه،
ونكاحه باطل " (8).
وصحيحة زرارة: " ليس للمريض أن يطلق، وله أن يتزوج، فإن هو
تزوج ودخل بها فهو جائز، وإن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه
باطل، ولا مهر لها، ولا ميراث " (9).

(1) الكفاية: 304.
(2) السرائر 3: 283، التذكرة 2: 518.
(3) المسالك 2: 334.
(4) انظر الرياض 2: 366.
(5) الشرائع 4: 35، الدروس 2: 358.
(6) النافع: 272، اللمعة (الروضة البهية 8): 172.
(7) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 300.
(8) الفقيه 4: 228 / 724، الوسائل 26: 231 أبواب ميراث الأزواج ب 18 ح 1.
(9) الكافي 6: 123 / 12، التهذيب 8: 77 / 261، الإستبصار 3: 304 / 1080،
الوسائل 26: 232 أبواب ميراث الأزواج ب 18 ح 3.
389

وموثقة عبيد بن زرارة بابن بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه:
عن المريض أله أن يطلق امرأته في تلك الحال؟ قال: " لا، ولكن له أن
يتزوج إن شاء، فإن دخل بها ورثته، وإن لم يدخل بها فنكاحه باطل " (1).
وظاهر أن المراد ببطلان العقد في تلك الأخبار طريان المزيل عليه،
فيكون في حكم المتزلزل المشروط لزومه بالدخول أو البرء، بل في حكم
اللازم الطارئ عليه الفسخ، لا البطلان وعدم صحة العقد حقيقة، كما حكي
عن شرح الإيجاز (2)، لتصريح صدري الأخيرتين بالجواز، مضافا إلى
روايات عديدة أخرى دالة على جواز نكاح المريض (3)، ولأنه لولا الصحة
لزم عدم جواز وطئه لها في المرض بل بعد البرء أيضا بذلك العقد، مع أنه
خلاف المجمع عليه، المصرح به في تلك الأخبار (4) وغيرها.
وحينئذ فلا ينافي ذلك موثقة محمد: عن الرجل يحضره الموت
فيبعث إلى جاره فيزوجه ابنته على ألف درهم، أيجوز نكاحه؟ قال:
" نعم " (5).
على أنه يمكن إرجاع البارز في يزوجه إلى الجار.
ثم لكون هذه الأخبار صحيحة خاصة معمولا بها بل معتضدة
بالإجماعين فيجب تقديمها على عمومات إرث الزوجة من الكتاب والسنة،

(1) الكافي 6: 121 / 1، الوسائل 26: 232 أبواب ميراث الأزواج ب 18 ح 2.
(2) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 300.
(3) انظر الوسائل 20: 505 أبواب ما يحرم بالمصاهرة وغيرها ب 43، والوسائل 22:
149 أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب 21.
(4) الوسائل 26: 231 أبواب ميراث الأزواج ب 18.
(5) التهذيب 7: 481 / 1933، الإستبصار 3: 192 / 695، الوسائل 20: 505
أبواب ما يحرم بالمصاهرة وغيرها ب 43 ح 2.
390

فلا وجه لقول صاحب الكفاية بعد ذكر أن هذه الأخبار معارضة بعموم
الأخبار الكثيرة: فللتأمل طريق إلى الحكم المذكور.
وأما عمومات جواز نكاح المريض فلا ينافي تلك الأخبار مطلقا،
وقد عرفت وجهه.
وأما ما تقدم من شرح الإيجاز فهو ضعيف غايته، ولا تحتمله الأخبار
بالمرة، وهو لم يفرق بين " دخل بها " و " دخلت به "، والمصرح به في
الأخبار الأول.
فروع:
أ: لو برئ من هذا المرض ومات بمرض آخر قبل الدخول، ففي
عدم توريثها إشكال، من حيث مخالفته للأصل والاستصحاب والعمومات،
ومن إطلاق الموثقة.
والظاهر المصرح به في كلام جماعة (1) بل لم أعثر على مصرح
بخلافه هو التوريث، لأن المتبادر من الموثقة أيضا هو الموت في هذا
المرض. وأيضا قوله فيها: " وإن لم يدخل بها فنكاحه باطل " محتاج إلى
تقدير قطعا، لعدم البطلان بمجرد عدم الدخول وإن كان حيا، لجواز
الدخول كلما كان حيا. والمقدر إما هو الموت مطلقا أو الموت في هذا
المرض، والأول وإن كان أقل تقديرا ولكن في التقدير يتبع القرينة،
والتقييد في الصحيحين قرينة ظاهرة على أن المقدر هو المقيد دون
المطلق.

(1) منهم العلامة في القواعد 2: 178، والفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 300،
وصاحب الرياض 2: 366.
391

ب: لو مات في هذا المرض ولكن لا بسببه بل بمرض آخر أو سبب
غير المرض كغرق أو حرق أو الهدم عليه، ففي توريثها وعدمه احتمالان،
من إطلاق الأخبار وكون لفظة " في " حقيقة في الظرفية فيصدق الموت في
المرض وإن كان بسبب آخر، ومن مخالفة الحكم للأصل وتبادر إرادة
السببية هنا، ولكل وجه، والمسألة محل إشكال.
ج: هل يشترط أن يكون المرض مهلكا عادة أم لا؟
فيه وجهان، وقد مر تفصيله في كتاب الوصايا، وكذا بيان ما لو
حصل مرض آخر واشتركا في الهلاك، أو انجر هذا المرض إلى مرض آخر
ومات بالأخير، أو زاد هذا المرض ومات بالازدياد، أو مات وحصل الشك
في برئه قبل الموت من المرض الأول وسائر ما يتعلق بالمقام.
د: لا يلحق بالعقد الرجعة في مرض الموت وإن وقع الطلاق في
المرض إذا كان قد برئ منه، للأصل، وبطلان القياس.
ه‍: لو ماتت هي في مرضه قبل الدخول فاستشكل في المسالك
والكفاية (1)، وظاهر القواعد والإيضاح التردد (2). والحق أنه يرثها، للأصل
والاستصحاب والعمومات.
قيل: العقد متزلزل (3)، ولزومه بحيث يترتب جملة الأحكام عليه
موقوف على الدخول أو البرء.
قلنا: التزلزل ممنوع، بل هو عقد لازم ينفسخ، فلا ينفسخ إلا بما
نص عليه الشارع، فإن الأصل في عقد النكاح الصحيح اللزوم، والأصل في

(1) المسالك 2: 335، الكفاية: 304.
(2) القواعد 2: 178، الإيضاح 4: 240.
(3) انظر الرياض 2: 366.
392

العقد الصحيح اللازم ترتب جميع آثاره عليه. ولو سلم التزلزل فإنما هو
باعتبار موت الزوج في مرضه قبل الزوجة لا مطلقا، وهو منفي فيما نحن
فيه، بل تحققه مستحيل، لتحقق موت الزوجة أولا، فيلزم. وفائدته ترتب
الآثار اللاحقة بعد الموت عليه.
المسألة الثامنة: قد عرفت أن المطلقة بالطلاق البائن لا ترث الزوج،
وقد استثني من ذلك صورة واحدة، وهي ما إذا كان الزوج حين الطلاق
مريضا، فإنها ترثه إلى سنة ولا يرثها. والأصل في ذلك الإجماع والروايات
المستفيضة. وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في كتاب الطلاق في مسألة
طلاق المريض.
المسألة التاسعة: في ثبوت التوارث بين الزوج والمتمتع بها أقوال
أربعة:
أحدها: التوارث مطلقا، حتى لو شرط سقوطه بطل الشرط.
وثانيها: عدم التوارث مطلقا، اشترط، أو لم يشترط، أو شرط العدم.
وثالثها: أنهما يتوارثان ما لم يشترط العدم.
ورابعها: أن أصل العقد لا يقتضي التوارث مطلقا بل مع اشتراطه،
فإذا اشترط ثبت تبعا للشرط.
وقد تقدم تفصيل المسألة في كتاب النكاح في أحكام عقد التمتع.
المسألة العاشرة: إذا ماتت الزوجة عن زوج ولم يكن هناك مناسب
ولا مسابب كان المال كله له، نصفه بالفرض ونصفه بالرد، ولا أعرف في ذلك
خلافا، ونقل عليه الإجماع الشيخان في الأعلام (1)، والإيجاز والاستبصار

(1) الأعلام (مصنفات الشيخ المفيد 9): 55.
393

والمبسوط (1)، والسيدان في الغنية والانتصار، والحلي والفاضل في السرائر
والمختلف، والشهيد الثاني في المسالك (2)، وفي المهذب نفي الخلاف عنه.
ويدل عليه مضافا إلى الإجماع الأخبار المستفيضة من الصحاح
وغيرها، كصحيحة محمد بن قيس: في امرأة توفيت ولم يعلم لها أحد ولها
زوج قال: " الميراث كله لزوجها " (3).
وصحيحة أبي بصير: قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدعا بالجامعة
فنظرنا فيها، فإذا فيها: " امرأة هلكت وتركت زوجها لا وارث لها غيره له
المال كله " (4).
وموثقته: قال: قرأ علي أبو عبد الله (عليه السلام) فرائض علي (عليه السلام)، فإذا فيها:
" الزوج يحوز المال إذا لم يكن غيره " (5).
وصحيحته الأخرى: رجل مات وترك امرأته، قال: " المال لها " قال:
قلت: امرأة ماتت وتركت زوجها، قال: " المال له " (6).
وروايته: قال: قرأ علي أبو جعفر (عليه السلام) في الفرائض: " امرأة توفيت
وتركت زوجها، قال: المال للزوج، ورجل توفي وترك امرأة قال: للمرأة

(1) الإيجاز (الرسائل العشر): 271، الإستبصار 4: 149، المبسوط 4: 74.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الإنتصار: 300، السرائر 3: 284، المختلف:
737، المسالك 2: 317.
(3) الكافي 7: 125 / 1، التهذيب 9: 294 / 1051، الإستبصار 4: 149 / 559،
الوسائل 26: 197 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 1.
(4) الكافي 7: 125 / 2، التهذيب 9: 294 / 1053، الإستبصار 4: 149 / 561،
الوسائل 26: 197 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 3.
(5) التهذيب 9: 294 / 1052، الإستبصار 4: 149 / 560، الوسائل 26: 197
أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 2.
(6) التهذيب 9: 295 / 1056، الإستبصار 4: 150 / 568، الوسائل 26: 204
أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 9.
394

الربع وما بقي فللإمام " (1).
والأخرى: عن امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره. قال
" إذا لم يكن غيره فله المال، والمرأة لها الربع وما بقي فللإمام " (2).
والثالثة: في امرأة توفيت وتركت زوجها، قال: " المال للزوج " يعني
إذا لم يكن لها وارث غيره (3).
والرابعة: عن المرأة تموت ولا تترك وارثا غير زوجها، قال:
" الميراث كله له " (4).
والخامسة: امرأة هلكت وتركت زوجها، قال: " المال كله للزوج " (5).
وموثقة مثنى: امرأة تركت زوجها، قال: " المال كله له إذا لم يكن له
وارث غيره " (6).
والطعن في الأربعة الأولى باشتراك محمد بن قيس وأبي بصير
ضعيف، إذ لا اعتبار بأمثال ذلك بعد وجود الخبر في الأصول المعتبرة
عندنا، مع أنهما ليسا بضعيفين أيضا:
أما الأول، فلأنه روى عنه عاصم، وكلما كان هو الراوي عن
محمد بن قيس هو أبو عبد الله البجلي الثقة.
وأما الثاني، فلأن اشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره إنما هو في غير

(1) الكافي 7: 126 / 2، الوسائل 26: 202 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 3.
(2) الفقيه 4: 191 / 666، التهذيب 9: 294 / 1055، الإستبصار 4: 149 / 564،
الوسائل 26: 198 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 5.
(3) الكافي 7: 125 / 3، الوسائل 26: 199 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 12.
(4) الكافي 7: 126 / 6، التهذيب 9: 294 / 1054، الإستبصار 4: 149 / 562،
الوسائل 26: 198 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 4.
(5) الكافي 7: 126 / 7، الوسائل 26: 200 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 14.
(6) التهذيب 9: 294 / 1050، الإستبصار 4: 148 / 558، الوسائل 26: 198
أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 7.
395

ما كان راويا عن أبي عبد الله (عليه السلام) كما بينا في موضعه.
وقد ينسب إلى ظاهر الديلمي عدم الرد عليه، بل هو للإمام (1).
وظاهر الإيضاح القول به من غيره أيضا (2).
ويحتج له بظاهر الآية الدالة على أن له النصف مع عدم الولد الشامل
لوجود وارث آخر وعدمه. وبأصالة عدم الرد، فإن الأصل فيه آية أولي
الأرحام، والرحم منتفية عن الزوج من حيث هو زوج. وبموثقة جميل عن
الصادق (عليه السلام): قال: " لا يكون رد على زوج ولا على زوجة " (3).
والجواب: أن العمل بالأصل والإطلاق والعموم عند عدم الرافع
والمقيد والمخصص، وهي هنا موجودة، فبها يدفع الأصل، ويقيد إطلاق
ظاهر الآية بوجود وارث آخر، ويخصص عموم الموثقة به، مع أنها
لا تقاوم الأخبار المتقدمة (لوجوه عديدة) (4) على أن حملها على التقية
ممكن، لموافقتها لمذاهب العامة كما صرح به في الانتصار (5).
المسألة الحادية عشرة: إذا مات عن زوجة كذلك ففيه أقوال:
عدم الرد عليها مطلقا، بل لها الربع خاصة والباقي للإمام. ذهب إليه
السيد والشيخ في الإيجاز، والصدوقان في الرسالة والمقنع، والديلمي
والحلبي والقاضي والحلي والمحقق والفاضل في المختلف وولده (6)،

(1) المراسم: 222.
(2) الإيضاح 4: 237.
(3) التهذيب 9: 296 / 1061، الإستبصار 4: 149 / 563، الوسائل 26: 199
أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 8.
(4) ما بين القوسين ليس في " ق ".
(5) الإنتصار: 301.
(6) السيد في الإنتصار: 301، الإيجاز (الرسائل العشر): 271، الصدوق في
المقنع: 170، حكاه عن والده في المختلف: 737، الديلمي في المراسم: 222،
الحلبي في الكافي: 374، القاضي في المهذب 2: 141، الحلي في السرائر 3:
242، المحقق في النافع: 271، المختلف: 737، ولد الفاضل في الإيضاح 4: 238.
396

ومعظم الطبقة الثالثة (1)، ودعوى الشهرة عليه متكررة (2). وظاهر الانتصار
والسرائر دعوى الإجماع عليه (3).
والرد عليها كذلك. نسب إلى ظاهر المفيد، حيث قال: إذا لم يوجد
مع الأزواج قريب ولا سبب للميت رد باقي التركة على الأزواج (4).
وهو غير ظاهر فيما نسب إليه، لاحتمال أن يريد بالأزواج الرجال.
وتأكيد هذا الاحتمال بأن اللفظ المشترك لا يجوز استعماله في جميع معانيه
حقيقة، بل مجازا، والأصل عدمه - كما في التنقيح (5) - باطل كما لا يخفى.
والتفصيل بالرد عليها حال الغيبة دون الحضور. اختاره في الفقيه
والجامع والتحرير واللمعة (6)، وفي النهاية: إنه قريب من الصواب (7).
ونسب إلى ظاهر التهذيب أيضا (8)، وليس كذلك.
وظاهر القواعد والإرشاد والدروس التردد (9). واستشكل في الكفاية.
وإن رجح الأول أخيرا (10).

(1) كالسبزواري في الكفاية: 304، والفيض في المفاتيح 3: 304.
(2) كما في الروضة 8: 86، والمفاتيح 3: 304، والرياض 2: 363.
(3) الإنتصار: 301، السرائر 3: 242.
(4) المقنعة: 691.
(5) التنقيح 4: 189.
(6) الفقيه 4: 192، الجامع: 502، التحرير 2: 168، اللمعة (الروضة البهية 8): 82.
(7) النهاية: 642.
(8) انظر الرياض 2: 363، وهو في التهذيب 9: 295.
(9) القواعد 2: 178، الإرشاد 2: 125، الدروس 2: 376، وقال في ص 334:
وفي الزوج والزوجة خلاف أقربه الرد على الزوج دون الزوجة سواء كان في غيبة
الإمام وحضوره إذا لم يكن وارث سواهما.
(10) الكفاية: 305.
397

والحق هو الأول، للأصل. والمستفيضة من الأخبار المعتضدة بالشهرة
العظيمة والإجماعات المنقولة، وبرواية العبدي - التي شهد الفضل بصحتها -
المتضمنة لقوله (عليه السلام): " ولا تزاد المرأة على الربع، ولا تنقص من الثمن " (1).
فمن تلك الأخبار: رواية موسى بن بكر عن زرارة - الطويلة - وفيها:
" ولا يرد على المرأة شئ " (2).
وقول الصادق (عليه السلام) في موثقة جميل المتقدمة (3): " لا يكون رد على
زوج ولا على زوجة ".
وروايتا أبي بصير الأوليان المتقدمتان (4).
وروايته الأخرى: في رجل توفي وترك امرأته، قال: " للمرأة الربع،
وما بقي فللإمام " (5).
ورواية محمد بن مروان: في رجل مات وترك امرأته، قال: الربع،
وما بقي فللإمام " (6).
ورواية محمد بن نعيم الصحاف قال: " مات محمد بن أبي عمير بياع
السابري، وأوصى إلي، وترك امرأة له لم يترك وارثا غيرها، فكتبت إلى
العبد الصالح (عليه السلام)، فكتب إلي: " اعط المرأة الربع، واحمل الباقي إلينا " (7).

(1) الفقيه 4: 188 / 657، التهذيب 9: 249 / 964، الوسائل 26: 204 أبواب
ميراث الأزواج ب 4 ح 11.
(2) الكافي 7: 97 / 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 18 ح 3.
(3) في ص: 394.
(4) في ص: 392 و 393.
(5) الكافي 7: 126 / 3، الوسائل 26: 202 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 4.
(6) التهذيب 9: 296 / 1060، الإستبصار 4: 150 / 567، الوسائل 26: 203
أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 7.
(7) الكافي 7: 126 / 1، التهذيب 9: 295 / 1058، الإستبصار 4: 150 / 565،
الوسائل 26: 202 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 2.
398

وقول الرضا (عليه السلام) في فقهه: " فإذا ترك الرجل امرأته فللمرأة الربع،
وما بقي فللقرابة إن كان له قرابة، وإن لم يكن أحد حصل ما بقي لإمام
المسلمين " (1).
وتوهم الاختصاص بحال الحضور في غير الأوليين، لوقوع السؤال
في أكثرها بلفظ الماضي، باطل جدا، لأنها ظاهرة في السؤال عن الوقائع
الفرضية، ويراد القواعد الكلية، مع أن الجواب فيها عام، وخصوص
السؤال - لو كان - لا يدل على خصوص الجواب. مع أن رواية أبي بصير
المتقدمة أولا (2) - لحكايتها الحكم المذكور عن صحيفة الفرائض التي
تضمنت الأحكام على سبيل القاعدة الكلية - كلية قطعا، بل عبارة فقه
الرضا (عليه السلام) صريحة فيه، حيث أتى بأداة الشرط المفيدة للعموم.
وقد يستدل أيضا بصحيحة علي بن مهزيار: قال: كتب محمد بن
حمزة العلوي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): مولى لك أوصى إلي بمائة درهم
وكنت أسمعه يقول: كل شئ هو لي فهو لمولاي، فمات وتركها ولم يأمر
فيها بشئ وله امرأتان، أما واحدة فلا أعرف لها موضعا الساعة، والأخرى
بقم، ما الذي تأمر في هذه المائة درهم؟ فكتب إلي: " أنظر أن تدفع
[من] (3) هذه الدراهم إلى زوجتي الرجل، وحقهما من ذلك الثمن إن كان
له ولد، وإن لم يكن له ولد فالربع، وتصدق بالباقي على من تعرف أن له
إليه حاجة " (4).

(1) فقه الرضا " (عليه السلام) ": 287، مستدرك الوسائل 17: 194 أبواب ميراث الأزواج ب 3
ح 1.
(2) في ص: 392.
(3) أضفناه من الكافي.
(4) الكافي 7: 126 / 4، التهذيب 9: 296 / 1059، الإستبصار 4: 150 / 566،
الوسائل 26: 201 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 1.
399

ورد: بأن الظاهر من إقراره أن المائة له (عليه السلام) فيحكم فيه بما يشاء،
وأمره بإعطاء الزوجتين لا يدل على أنه إرث.
وفيه: أن ظاهر قوله: " وحقهما " مع ضميمة التفصيل الذي هو
مقتضى الإرث أن الإعطاء على سبيل الإرث والاستحقاق. وعدم الأخذ
بإقراره يمكن أن يكون لأجل عدم ثبوته عنده، أو لعلمه بأنه ليس من ماله.
نعم، يرد أن الكلام إنما هو فيما إذا لم يكن عدا الإمام وارث سوى
الزوجة. وصريح الصحيحة أن الإمام كان مولى للميت، فهي خارجة عن
محل النزاع.
للثاني: صحيحة أبي بصير الثانية المتقدمة (1)، ورواها في الفقيه
بطريق موثق، عن أبي عبد الله (عليه السلام) بأدنى تغيير وفيها: في امرأة ماتت
وتركت زوجها، قال: " المال كله له " قلت: فالرجل يموت ويترك امرأته؟
قال: " المال لها " (2).
وفيها - مع كونها أعم مطلقا مما مر لإطلاق الامرأة بالنسبة إلى ذات
القرابة وغيرها، والمال بالنسبة إلى الربع وغيره، واحتمال كون اللام في
المال للمعهود، وربما يستأنس له بترك لفظ كله مع ذكره في جانب الزوج،
ومعارضتها مع الأخبار المتقدمة الراجحة عليها بموافقة الأصل والكتاب
وعمل الأصحاب -: أنها شاذة جدا كما في المسالك وعن الانتصار
والسرائر (3)، فلا حجية فيها أصلا.
وللثالث: الجمع بين الأخبار، بحمل الصحيحة على حال الغيبة،

(1) في ص: 393.
(2) الفقيه 4: 192 / 667، الوسائل 26: 203، أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 6.
(3) المسالك 2: 317، الإنتصار: 301، السرائر 3: 243.
400

والسابقة على حال الحضور.
وقد يؤيد ذلك بما مر من التعبير في أكثر أخبار عدم الرد بلفظ
الماضي الدال على الوقوع حال السؤال الذي هو حال الحضور.
وفيه: أن كل جمع ليس مما يمكن القول به، بل لا بد فيه من شاهد
(شرعي) (1) وهو هنا مفقود. والإتيان بلفظ الماضي مشترك، مع أنه
لا ماضي في رواية موسى وموثقة جميل، بل الرضوي أيضا.
ولذا قال الحلي: ما قربه شيخنا أبعد مما بين المشرق والمغرب (2).
وهو كذلك، سيما مع إمكان الجمع بنوع آخر له شاهد - كما فعله
الشيخ (3) - بحمل الصحيحة على كون المرأة ذات قرابة، مستشهدا بصحيحة
الفضيل: في رجل مات وترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها، قال: " يدفع
المال كله إليها " (4).
مع أن السؤال في الصحيحة إنما وقع عن الباقر (عليه السلام) (5)، فكيف يترك
الجواب عما يحتاج إليه عاجلا ويجيب على حالة غيبة الإمام المتأخرة عن
الجواب بأزيد من مائة وخمسين سنة من دون إشعار بالاختصاص.

(1) ما بين القوسين ليست في " ق ".
(2) السرائر 3: 243.
(3) التهذيب 9: 295، الإستبصار 4: 150.
(4) التهذيب 9: 295 / 1057، الإستبصار 4: 151 / 569، الوسائل 26: 205
أبواب ميراث الأزواج ب 5 ح 1.
(5) إن السؤال وقع عن الصادق (عليه السلام). راجع المصادر المتقدمة في ص 2765 الهامش
(8).
401

الفصل الثاني
في ولاء العتق
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ولاء العتق من أسباب الإرث في الجملة، بإجماع
الأمة، والسنة المستفيضة، بل كما قيل (1): المتواترة من طرق العامة والخاصة.
منها: رواية السكوني: " الولاء لحمة كلحمة النسب، لاتباع
ولا توهب " (2).
وصحيحتا الحلبي ومحمد (3) والعيص (4) وفيهما: " الولاء لمن أعتق ".
وموثقة العيص، وفيها: " فإن الولاء لمن أعتق " (5).
وصحيحة هشام: " إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه وعليه معقلته " (6)
والمعقلة دية جناية الخطأ.
وصحيحة الكناني: في امرأة أعتقت رجلا، لمن ولاؤه ولمن ميراثه؟

(1) انظر الرياض 2: 366.
(2) الفقيه 3: 78 / 281، التهذيب 8: 255 / 926، الوسائل 23: 75 أبواب العتق
ب 42 ح 2.
(3) الكافي 6: 197 / 1، التهذيب 8: 249 / 905، المقنع: 156، الوسائل 23: 61
أبواب العتق ب 35 ح 1.
(4) الكافي 6: 198 / 4، التهذيب 8: 250 / 907، الوسائل 23: 64 أبواب العتق
ب 37 ح 1.
(5) لم نعثر على هذه الموثقة للعيص، نعم هي منقولة عن زرارة. انظر الوسائل 23:
62 أبواب العتق ب 35 ح 2.
(6) الكافي 7: 171 / 3، التهذيب 9: 396 / 1413، الوسائل 26: 244 أبواب ولاء
ضمان الجريرة والإمامة ب 1 ح 4.
402

قال: " للذي أعتقه، إلا أن يكون له وارث غيرها " (1). ونحوها صحيحة
الحلبي (2).
إلى غير ذلك مما يأتي جملة منها في طي المسائل الآتية.
والاستدلال بالخمسة الأول وإن كان موقوفا على ثبوت ترتب الإرث
على الولاء مطلقا أو تضمن الولاء مطلقا للتوريث، وفي الأولى على عموم
التشبيه أيضا، وكلاهما غير معلومين بحقيقة لغوية أو شرعية، إلا أن إطباق
الأصحاب على الاستدلال بها وفهمهم ذلك منها يكفي قرينة لإرادة ذلك
المعنى، مضافا إلى احتجاج عمر بن يزيد في صحيحته بقول النبي (صلى الله عليه وآله):
" الولاء لمن أعتق " (3) على التوريث، وتقرير الإمام له. بل ربما يستفاد ذلك
من موثقة العيص المذكورة أيضا، تدل عليه صحيحته.
المسألة الثانية: يختص التوريث بولاء العتق بالمعتق - بكسر التاء -
المعبر عنه بالمنعم والمولى، دون المعتق - بالفتح - المعبر عنه بالمنعم له
والعتيق، ويستعمل فيه المولى أيضا. بمعنى أنه لا توارث بذلك السبب
بين الجانبين كما كان في النسب، بل يختص بأحد الجانبين، وهو المنعم
فيرث المنعم له، دون العكس، على الحق المشهور، كما صرح به
جماعة (4)، بل عن الخلاف والتنقيح الإجماع عليه (5). وجعل في المسالك

(1) الكافي 7: 170 / 5، التهذيب 8: 250 / 908، الوسائل 26: 241 أبواب ميراث
ولاء العتق ب 3 ح 1.
(2) التهذيب 8: 253 / 920، الوسائل 23: 62 أبواب العتق ب 35 ح 3.
(3) الكافي 7: 170 / 1، الفقيه 3: 74 / 261، التهذيب 8: 224 / 807، الوسائل
26: 243 أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 1 ح 1.
(4) منهم العلامة في المختلف: 754 والشهيد الثاني في المسالك 2: 336،
والسبزواري في الكفاية: 306، والفيض في المفاتيح 3: 306.
(5) الخلاف 4: 84، التنقيح 4: 194.
403

خلافه شاذا (1).
خلافا للمحكي عن الإسكافي والصدوق في الفقيه، فقالا بالتوارث
من الجانبين (2).
لنا - بعد أصالة عدم توريث العتيق، لأنه أمر شرعي محتاج إلى
الدليل، ولا دليل له، لاختصاص النصوص المثبتة لذلك الإرث بإرث
المولى - الحصر المستفاد من قوله في المستفيضة من الصحاح وغيرها:
" الولاء لمن أعتق " و " إنما الولاء لمن أعتق " (3) والتعليل المصرح به في
رواية ثابت بن دينار، عن السجاد (عليه السلام) في حديث الحقوق قال: " وأما حق
مولاك الذي أنعمت عليه فإن تعلم أن الله جعل عتقك له وسيلة له، وحجابا
لك من النار، وأن ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم، مكافأة لما
أنفقت من مالك، وفي الآجل الجنة " (4).
ولعل مستند المخالف كما قيل (5) رواية السكوني المتقدمة.
وفيه: ما أشير إليه من أن المشابهة لا تستلزم اتحاد حكم المتشابهين
في جميع الأمور.
نعم لو دار الولاء بينهما توارثا لوجود السبب، ومثل بعضهم له بما لو
اشترى العتيق أب المولى فأعتقه (6). وفي انطباقه على الممثل له نظر، فإن

(1) المسالك 2: 335.
(2) حكاه عن الإسكافي في المفاتيح 3: 306، الفقيه 4: 224.
(3) انظر الوسائل 23: 61، 64 أبواب العتق ب 35 و 37.
(4) الفقيه 2: 376 / 1626، الأمالي: 301 / 1، الخصال: 564 / 1، مكارم الأخلاق
2: 299 / 2654، تحف العقول: 255، الوسائل 15: 172 أبواب جهاد النفس
وما يناسبه ب 3 ح 1.
(5) كما في المسالك 2: 336 والمفاتيح 3: 306.
(6) انظر المسالك 2: 336.
404

العتيق يرث أب مولاه دون نفسه. ومثاله المطابق ما لو أسلم كافر أصلي
فاشترى عبدا وأعتقه، ثم ارتد ولحق بدار الكفر فسبي واشتراه عتيقه
وأعتقه.
المسألة الثالثة: يشترط إرث المولى عن عتيقه بشروط ثلاثة:
الشرط الأول: أن يكون العتق تبرعا، فلا ولاء على من أعتقه لأمر
واجب، ككفارة، أو نذر، أو شبهه، أو انعتق لمثلة، أو تنكيل، أو عمى،
أو إقعاد، أو نحوها، أو لولد لها عن المولى، أو لقرابة موجبة للعتق،
بلا خلاف فيه يعلم، كما في المسالك، وعن السرائر نفي الخلاف فيه (1)،
وعن الانتصار والغنية الإجماع عليه (2).
واستدل له بالأصل، لظهور مثل قوله: " لمن أعتق " وسائر أخبار
الباب المتضمنة للفظ الإعتاق في مباشرة العتق.
وهو حسن لإخراج الانعتاق القهري، دون العتق لوجوبه.
ويدل على اشتراط التبرع وعدم حصول الولاء بالواجب منه صحيحة
ابن رئاب: عن السائبة فقال: " انظروا في القرآن فما كان فيه فتحرير رقبة
فتلك السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلا الله، فما كان ولاؤه لله فهو
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وما كان ولاؤه لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإن ولاءه للإمام،
وجنايته على الإمام، وميراثه له " (3).
ومثلها رواية عمار بن أبي الأحوص (4).

(1) السرائر 3: 262 - 264.
(2) الإنتصار: 168، الغنية (الجوامع الفقهية): 607.
(3) الكافي 7: 171 / 2، الوسائل 26: 248 أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 3 ح 6.
(4) التهذيب 9: 395 / 1410، الإستبصار 4: 199 / 748، الوسائل 26: 248
أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 3 ح 6.
405

وصحيحة العجلي: عن رجل كان عليه عتق رقبة، فمات من قبل أن
يعتق رقبة، فانطلق ابنه فابتاع رجلا من كسبه فأعتقه من أبيه، وأن المعتق
أصاب بعد ذلك مالا ثم مات وتركه، لمن يكون ميراثه؟ قال، فقال: " إن
كانت الرقبة التي كانت على أبيه في ظهار أو شكر واجب عليه فإن المعتق
سائبة لا سبيل لأحد عليه. وإن كان توالى قبل أن يموت إلى أحد من
المسلمين فضمن جنايته وحدثه كان مولاه ووارثه إن لم يكن له وارث
قريب يرثه " قال: " وإن لم يكن توالى إلى أحد من المسلمين حتى مات
فإن ميراثه للإمام، إمام المسلمين إن لم يكن له قريب يرثه من المسلمين.
وإن كانت الرقبة على أبيه تطوعا وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإن
ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال " قال: " ويكون الذي
اشتراه وأعتقه بأمر أبيه كواحد من الورثة إذا لم يكن للمعتق قرابة من
المسلمين أحرار يرثونه "، قال: " وإن كان ابنه الذي اشترى الرقبة وأعتقها
عن أبيه من ماله بعد موت أبيه تطوعا منه من غير أن يكون أبوه أمره بذلك
فإن ولاءه وميراثه للذي اشتراه من ماله فأعتقه عن أبيه إذا لم يكن للمعتق
وارث من قرابته " (1).
وقد يستدل أيضا لذلك الحكم بالأخبار المتضمنة لأن السائبة لا ولاء
لأحد أو لمولاه عليه (2).
وهو إنما يتم لو كان معنى السائبة من أعتق في واجب، أي مقابل
المعتق تطوعا. وأما إذا كان معناها من لا ولاء لأحد عليها ولو بشرط أو

(1) الكافي 7: 171 / 7، الفقيه 3: 81 / 293، التهذيب 8: 254 / 925، الوسائل
23: 71 أبواب العتق ب 40 ح 2.
(2) كما في الوسائل 23: 77 أبواب العتق ب 43.
406

تبرؤ أو غيرهما فلا، إذ يكون الاستدلال حينئذ مصادرة المطلوب.
ويدل على اشتراط الإعتاق وعدم حصوله بالانعتاق - مضافا إلى
الأصل المتقدم ذكره - صحيحة أبي بصير: فيمن نكل بمملوكه: " أنه حر
ولا سبيل له عليه سائبة، فيتولى إلى من أحب، فإذا ضمن جريرته فهو
يرثه " (1).
خلافا في الأول للمحكي عن الشيخ، فأثبت الولاء في منذور العتق
أيضا (2)، وله أيضا في فصل الكفارات من المبسوط، فأثبته للمعتق في
الكفارات (3)، مع أنه وافق المشهور في مواضع أخر منه (4).
ولعله لعموم " الولاء لمن أعتق " وخصوص صحيحة أبي بصير: عن
الرجل يعتق الرجل في كفارة يمين أو ظهار، لمن يكون الولاء؟ قال:
" للذي يعتق " (5).
والعموم مخصوص بما مر. والخصوص معارض له، مرجوح عنه
بالشذوذ الموجب للاطراح، وبمخالفة الأصل، وموافقة العامة كما يستفاد
من الانتصار، حيث نسب خلافها إلى الفقهاء الأربعة (6)، مع أنه لا يخلو عن
جهات عموم أيضا.

(1) الكافي 7: 172 / 9، التهذيب 9: 395 / 1411، الوسائل 26: 245 أبواب ولاء
ضمان الجريرة والإمامة ب 1 ح 6.
(2) لم نعثر عليه.
(3) المبسوط 6: 71، 209، 210.
(4) المبسوط 4: 108 و 6: 217.
(5) الفقيه 3: 79 / 283، التهذيب 8: 256 / 931، الإستبصار 4: 26 / 86،
الوسائل 23: 78 أبواب العتق ب 43 ح 5.
(6) الإنتصار: 168.
407

وفي الثاني للمحكي عن المبسوط وابن حمزة في أم الولد، فأثبتا
الولاء لورثة مولاها بعد انعتاقها من نصيب ولدها، وفيمن أعتق بالقرابة،
فأوجبا الولاء لمن ملك أحد أقربائه وانعتق عليه، سواء ملكه باختيار أو
اضطرار (1).
واستدل الشيخ للأول بالإجماع (2)، واحتجا للثاني (3) بموثقة سماعة:
في رجل يملك ذا رحمه، هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟ قال:
" لا يصلح أن يبيعه ولا يتخذه عبدا، وهو مولاه وأخوه في الدين، وأيهما
مات ورثه صاحبه، إلا أن يكون وارث أقرب إليه منه " (4).
والإجماع مردود بالمنع والمعارضة مع الأكثر، والموثقة بعدم الدلالة،
لأن الظاهر أن المراد بالإرث فيه الإرث الحاصل بالقرابة دون الولاء، وإلا لم
يحكم بالتوارث.
فرع: لو حصل الشك في العتيق أنه سائبة أو مولى عليه ولم يكن
طريق إلى ثبوت أحد الطرفين يعمل فيه بالأصل والاستصحاب، ويقدم
الاستصحاب المزيل لو تعارض الاستصحابان.
فلو شك في أنه تبرعي أو في أمر واجب مع عدم العلم بوجوب عتق
على المنعم فالأصل عدم الوجوب، ولو علم وجوبه ولم يعلم أنه أعتق
لذلك الوجوب أم تبرع، فالأصل عدم ملاحظة الوجوب في قصد العتق،
فإنه أمر زائد على أصله، والأصل عدمه.

(1) المبسوط 6: 71، الوسيلة: 344.
(2) المبسوط 6: 71.
(3) انظر المختلف: 633 والايضاح 3: 523.
(4) الفقيه 3: 80 / 287، الوسائل 23: 29 أبواب العتق ب 13 ح 5.
408

ولو شك في أنه لمثلة أو تنكيل مع صدوره من المولى، وشك في
تقديم العتق عليه أم حصوله به، فالأصل عدم تحقق عتق قبله.
ولو كان العتيق أعمى أو مقعدا، وشك في حصوله حال رقيته حتى
يكون سائبة أو بعد عتقه تبرعا حتى يكون مولى عليه، فالأصل عدم تحقق
عتق سابق، وهكذا.
الشرط الثاني: أن لا يتبرأ المنعم من ضمان جريرته وجنايته، فلو
تبرأ منه وشرط سقوط الضمان انتفى الولاء والميراث، بالإجماع كما ذكره
جماعة (1)، للمستفيضة من الأخبار، كصحيحه ابن سنان: " من أعتق رجلا
سائبة ليس عليه من جريرته شئ، وليس له من ميراثه شئ، وليشهد على
ذلك " (2).
وقريبة منها الأخرى (3).
والثالثة: في من أعتق عبدا سائبة " أنه لا ولاء لمواليه عليه، فإن شاء
توالى إلى رجل من المسلمين فليشهد أنه ضمن جريرته وكل حدث يلزمه،
فإذا فعل ذلك فهو يرثه، وإن لم يفعل ذلك كان ميراثه يرد على إمام
المسلمين " (4).

(1) منهم العلامة في التحرير 2: 169 وولده في الإيضاح 3: 523 والكاشاني في
المفاتيح 3: 310 والفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 195.
(2) التهذيب 8: 256 / 928، الإستبصار 4: 26 / 83، الوسائل 23: 78 أبواب
العتق ب 43 ح 4.
(3) الكافي 7: 152 / 8، الفقيه 4: 247 / 799، التهذيب 9: 352 / 1264،
الوسائل 26: 248 أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 3 ح 7.
(4) التهذيب 9: 394 / 1407، الوسائل 26: 250 أبواب ولاء ضمان الجريرة
والإمامة ب 3 ح 12.
409

والرابعة وفيها: " إذا أعتق المملوك سائبة أنه لا ولاء عليه لأحد إن كره
ذلك، ولا يرثه إلا من أحب أن يرثه، فإن أحب أن يرثه ولي نعمته أو غيره
فليشهد رجلين بضمان ما ينوبه لكل جريرة جرها أو حدث، فإن لم يفعل
السيد ذلك ولا يتوالى إلى أحد فإن ميراثه يرد إلى إمام المسلمين " (1).
وموثقة أبي بصير: " السائبة ليس لأحد عليها سبيل، فإن والى أحدا
فميراثه له وجريرته عليه " (2).
وأما صيرورة العبد سائبة بالتبري المذكور فتدل عليه حسنة
أبي الربيع: عن السائبة، فقال: " هو الرجل يعتق غلامه، ثم يقول له: اذهب
حيث شئت ليس لي من ميراثك شئ، ولا علي من جريرتك شئ،
وليشهد على ذلك شاهدين " (3).
ومقتضى الحسنة توقف صيرورته سائبة على ذكر عدم الميراث وعدم
ضمان الجريرة معا، والمذكور في كلام الأصحاب هو الأخير فقط.
وهل يشترط كون التبري حال الإعتاق أو يكفي وقوعه بعده؟
ظاهر الأكثر وصريح جماعة: الأول (4)، اقتصارا في تخصيص عموم
" الولاء لمن أعتق " على مورد اليقين.
وتشعر عبارة التحرير والدروس بوجود قول بالثاني (5)، ويستأنس له

(1) التهذيب 8: 257 / 933، الإستبصار 4: 27 / 88، الوسائل 23: 78 أبواب
العتق ب 43 ح 3.
(2) التهذيب 9: 394 / 1408، الإستبصار 4: 199 / 749، الوسائل 26: 249
أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 3 ح 10.
(3) الكافي 7: 171 / 6، الفقيه 3: 80 / 289، التهذيب 8: 256 / 929، الإستبصار
4: 26 / 84، الوسائل 23: 64 أبواب العتق ب 36 ح 2.
(4) كما في المسالك 2: 335، والكفاية: 305، والرياض 2: 366.
(5) التحرير 2: 168، الدروس 2: 214.
410

بإطلاق التبري في الحسنة، سيما مع عطفه على " يعتق " بلفظة " ثم " في
الكافي والفقيه.
ويمكن أن يقال: إن مقتضى إطلاقها لو سلم أن مطلق السائبة يتحقق
بذلك، ومجرد ذلك لا يفيد، إلا إذا نفى الإرث عن السائبة مطلقا، وأكثر
الأخبار المتقدمة على الحسنة النافية للإرث إنما تدل على نفي الإرث عمن
أعتق سائبة، والمتبادر منه أن يجعل سائبة حال الإعتاق، بل لا يتحقق العتق
سائبة إلا أن يجعل كذلك حال الإعتاق كما لا يخفى. ومقتضى عموم مفهوم
الشرط فيها أنه لو لم يجعل كذلك بل أعتق غير سائبة يورث منه. وبه يقيد
إطلاق موثقة أبي بصير أيضا.
وهل يشترط الإشهاد في التبري في سقوط الولاء؟
فيه قولان. والأكثر على العدم (1)، للأصل.
والشيخ والصدوق والإسكافي على الاشتراط (2)، للأمر به في
الروايات المتقدمة.
وفيه: أنه لا دلالة للأمر على الاشتراط أصلا، فإن هذا الأمر ليس
للوجوب الشرعي قطعا لانتفائه، فهو إما للإرشاد أو للوجوب الشرطي،
فكما يمكن أن يكون لإرشاد طريقة السقوط أو اشتراط حصول السقوط
يمكن أن يكون لإرشاد طريقة الثبوت عند الحاكم أو اشتراط ثبوته عنده بذلك.
الشرط الثالث: أن لا يكون للعتيق وارث مناسب، فلو كان له وارث
بنسب قريب أو بعيد، ذو فرض أو غيره، لم يرث المنعم، بالإجماع
والمتواترة معنى من الأخبار. وما يخالفه منها محمول على التقية، فإن

(1) كما في الشرائع 4: 36، والتحرير 2: 168، والمسالك 2: 335.
(2) الشيخ في النهاية: 669، الصدوق في المقنع: 156، حكاه عن الإسكافي في
الرياض 2: 367.
411

العامة في ذلك مخالفة كما يظهر من الأخبار المستفيضة.
ولو كان للعتيق زوج أو زوجة فله نصيبه الأعلى بالإجماع،
للعمومات. والباقي للمنعم مطلقا على المشهور، بل لا يعلم فيه مخالف
سوى الحلبي في الزوج، فرد عليه الباقي، ومنع المنعم عن الإرث معه
خاصة (1).
ورد عليه بعموم " الولاء لمن أعتق " (2) وعمومات توريث المنعم (3).
ولا يخفى أنها معارضة بعمومات إرث الزوج كصحيحة أبي بصير:
امرأة ماتت وتركت زوجها، قال: " المال له " (4) وروايته: امرأة هلكت
وتركت زوجها، قال: " المال كله للزوج " (5) وغير ذلك.
فإن قيل: هي مقيدة بما إذا لم يكن وارث غيره بالمتكثرة من
الأخبار.
قلنا: كذلك عمومات الولاء، فإنها أيضا مقيدة بذلك كما مر في
صحيحتي الكناني والحلبي (6).
ويمكن أن يقال: إن الوارث المانع للمنعم مقيد في صحيحة العجلي
المتقدمة (7) بالقرابة، وبها يقيد سائر المطلقات، وليس كذلك في طرف الزوج.
إلا أن يقول أحد: إن اختصاص القرابة بالنسبية غير معلومة، فإن

(1) الكافي في الفقه: 374.
(2) الوسائل 23: 61 أبواب العتق ب 35.
(3) انظر الوسائل 26: 241 أبواب ميراث ولاء العتق ب 3.
(4) الكافي 7: 125 / 5، التهذيب 9: 295 / 1056، الإستبصار 4: 150 / 568،
الوسائل 26: 198 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 6.
(5) الكافي 7: 126 / 7، الوسائل 26: 200 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 14.
(6) المتقدمتين في ص: 401 و 402.
(7) في ص: 404.
412

الزوج أيضا من الأقرباء عرفا، أو يقول بأن المتبادر والشائع من الوارث
المنفي في طرف الزوج أيضا هو غير المنعم من الأقرباء.
وبالجملة لولا شذوذ قول الحلبي الظاهر في الإجماع على خلافه
لكانت المسألة محل الكلام والإبرام.
المسألة الرابعة: إذا اجتمعت الشرائط ورث المنعم المنعم له،
واختص بتمام تركته أو الباقي عن نصيب أحد الزوجين إن كان واحدا،
واشتركوا في المال إن كانوا أكثر، يقتسمونه بينهم بالسوية مطلقا، ذكورا
كانوا أو إناثا أو مختلفين بلا خلاف، لأن السبب في الإرث هو الإعتاق
فيتبع الحصة، ولا ينظر إلى الذكورة والأنوثة.
وتدل على الحكم موثقة الساباطي: في مكاتبة بين شريكين يعتق
أحدهما نصيبه، كيف يصنع الخادم؟ قال: " يخدم الباقي يوما، وتخدم
نفسها يوما " قلت: فإن ماتت وتركت مالا؟ قال: " المال بينهما نصفان، بين
الذي أعتق، وبين الذي أمسك " (1).
المسألة الخامسة: إذا فقد المنعم لعتيق ففي تعيين وارثه أقوال:
الأول: أنه يرثه أولاده مطلقا، من غير فرق بين الذكر والأنثى، رجلا
كان المنعم أو امرأة. حكي عن الصدوق، واستحسنه في الشرائع، ونسبه
في اللمعة إلى الشهرة، وأعجبه في الروضة (2).
والثاني: أنه يرثه وارث المال مطلقا، نقل عن العماني، وجعله
مشهورا متعالما (3).

(1) الكافي 7: 172 / 1، الفقيه 3: 74 / 260، التهذيب 8: 275 / 1003، المقنع:
160، الوسائل 23: 163 أبواب المكاتبة ب 19 ح 4.
(2) حكاه عن الصدوق في المختلف: 632، الشرائع 4: 36، اللمعة (الروضة 8):
183، الروضة 8: 186.
(3) نقله عنه في المختلف: 632.
413

والثالث: أنه يرثه أولاده الذكور دون الإناث، رجلا كان المنعم أو
امرأة، فإن لم يكن له ذكور فترثه عصبته، أي عاقلته الذين عليهم دية
الجنايات خطأ. نسب إلى المفيد (1).
والرابع: أنه إن كان المنعم رجلا يرث الولاء أولاده مطلقا، ذكورا
كانوا أم إناثا، بل يرثه جميع ذوي أنسابه على وتيرة النسب، سوى
المتقربين بالأم. وإن كان امرأة يرثه عصبتها دون أولاده مطلقا. اختاره
الشيخ في الخلاف مدعيا عليه إجماع الفرقة (2)، وحكي ذلك عن السرائر
والدروس أيضا (3)، واستقربه في الكفاية (4)، ومال إليه بعض مشايخنا
المعاصرين (5). إلا أن بعضهم لم يذكروا سائر ذوي الأنساب بعد الأولاد (6)،
فيمكن أن يكونوا موافقين [للشيخ] (7) فيه أيضا، وأن يكونوا مقتصرين
على الأولاد فيكون قولا آخر.
والخامس: أن المنعم إن كان رجلا كان الولاء لأولاده الذكور خاصة،
ومع فقدهم فلعصبته، وإن كان امرأة فلعصبتها. وهو المحكي عن الشيخ
في النهاية والإيجاز والقاضي وابن حمزة والنافع والمختلف والمسالك (8)،

(1) المقنعة: 694.
(2) الخلاف 4: 79 - 81.
(3) السرائر 3: 23، 24، الدروس 2: 215، 216.
(4) الكفاية: 305.
(5) كصاحب الرياض 2: 367.
(6) كالشهيد في الدروس 2: 215.
(7) في النسخ: للمفيد، والظاهر هو سهو.
(8) النهاية: 547، الإيجاز (الرسائل العشر): 277، القاضي في المهذب 2: 154،
ابن حمزة في الوسيلة: 397، 398، النافع: 272، المختلف: 632، المسالك
2: 335.
414

وجماعة من المتأخرين (1)، وعن التحرير وشرح الشرائع للصيمري ادعاء
الشهرة عليه (2).
أقول: لا ينبغي الريب في اختصاص العصبة بالولاء إذا كان المنعم
امرأة كما في القولين الأخيرين وهو المشهور، للروايات المعتبرة،
كصحيحة محمد بن قيس: " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) على امرأة أعتقت
رجلا واشترطت ولاءه ولها ابن، فألحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه
دون ولدها " (3).
وصحيحة يعقوب: عن امرأة أعتقت مملوكا ثم ماتت، قال: " يرجع
الولاء إلى بني أبيها " (4).
وصحيحة أبي ولاد: عن رجل أعتق جارية صغيرة لم تدرك، وكانت
أمه قبل أن تموت سألته أن يعتق عنها رقبة من مالها، فاشتراها فأعتقها بعد
ما ماتت أنه لمن يكون ولاء العتق؟ قال، فقال: " ولاؤها لأقرباء أمه من قبل
أبيها " إلى أن قال: " ولا يكون الذي أعتقها عن أمه من ولائها شئ " (5).
وهذه الأخبار صحيحة خالية عما يصلح للمعارضة، موافقة للشهرة
العظيمة، بل في الاستبصار وعن الخلاف أنه لا خلاف فيه بين الطائفة (6)،

(1) كالفيض في المفاتيح 3: 307.
(2) التحرير 2: 169.
(3) التهذيب 8: 253 / 921، الإستبصار 4: 25 / 80، الوسائل 23: 70 أبواب
العتق ب 39 ح 1.
(4) التهذيب 8: 254 / 922، الإستبصار 4: 25 / 81، الوسائل 23: 70 أبواب
العتق ب 39 ح 2.
(5) التهذيب 8: 254 / 924، الإستبصار 4: 25 / 82، الوسائل 23: 70 أبواب
العتق ب 39 ح 3.
(6) الإستبصار 4: 173، حكاه عن الخلاف في الرياض 2: 367. وانظر الخلاف 4: 81.
415

وعن السرائر الإجماع عليه (1)، فالإشكال فيها منفي بالمرة.
وأما إذا كان المنعم رجلا فاختلفت فيه الروايات، فاستدل من خص
الولاء بالذكور على اختصاصه بالذكور من أولاده دون الإناث بصحيحة
العجلي المتقدمة في الشرط الأول من المسألة الثالثة (2).
وبمكاتبة محمد بن عمر: عن رجل مات وكان مولى لرجل وقد مات
مولاه قبله، وللمولى ابن وبنات، فسألته عن ميراث المولى، فقال: " هو
للرجال دون النساء " (3).
وصحيحة محمد بن قيس: " في رجل حرر رجلا فاشترط ولاءه،
فتوفي الذي أعتق وليس له ولد إلا النساء، ثم توفي المولى وترك مالا، وله
عصبة، فاحتق في ميراثه بنات مولاه والعصبة، فقضى بميراثه للعصبة الذين
يعقلون عنه إذا أحدث حدثا يكون فيه عقل " (4).
واحتج من جعل الذكور والإناث شركاء فيه بموثقة البجلي: " مات
مولى لحمزة بن عبد المطلب فدفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ميراثه إلى بنت
حمزة " (5).
ورجحها على الصحاح المتقدمة بموافقتها لعموم " الولاء لحمة "
ومخالفتها للعامة، كما صرح به شيخ الطائفة والحسن بن محمد بن سماعة

(1) السرائر 3: 24.
(2) راجع ص: 404.
(3) التهذيب 9: 397 / 1419، الوسائل 26: 239 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 18.
(4) التهذيب 8: 254 / 923، الإستبصار 4: 24 / 77، الوسائل 23: 71 أبواب
العتق ب 40 ح 1.
(5) الكافي 7: 170 / 6، التهذيب 9: 331 / 1191، الإستبصار 4: 172 / 652،
الوسائل 23: 236 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 10.
416

الذي هو أحد رواة الموثقة (1).
وبقول علي بن الحسن بن فضال: إن تخصيص الرجال خلاف
ما عليه أصحابنا (2).
وضعف أدلة الاختصاص: أما الصحيحة فلأن الاستدلال بها إنما يتم
لو كان قوله: " من الرجال " قيدا للولد، مع أنه يحتمل أن يكون قيدا
للميت. وأما المكاتبة فلكونها ضعيفة. وأما الصحيحة الأخيرة فلأن العصبة
المذكورة فيها يحتمل أن تكون للعتيق لا للمنعم، كما هو المدعى، بل هو
الظاهر، والاحتقاق إنما وقع بين بنات المنعم وعصبة العبد، فتخرج عما
نحن فيه.
أقول: كان ذلك حسنا لو كانت الموثقة في المطلوب صريحة. ولكن
صراحتها ممنوعة، لكونها قضية في واقعة، فيمكن أن يكون دفع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن مع فقد الذكور كان الولاء أو الميراث للرسول (صلى الله عليه وآله)
فأعطاها من حقه، أو للعصبة ودفعه الرسول بإذنهم، وأصالة عدم الإذن
معارضة بأصالة عدم توريث بنت حمزة. أو يكون ذلك قبل نزول الفرائض
كما احتمله في الفقيه والتهذيب في حديث آخر من أحاديث بنت حمزة (3).
وعموم الولاء لحمة ممنوع، بل الظاهر من قوله: " لا تباع ولا توهب "
في آخر الرواية (4) أن المشابهة في عدم قبول البيع والهبة.
وعلى هذا فيكون الحكم بتوريث النساء خاليا عن الدليل.

(1) صرح بذلك شيخ الطائفة، ونقله عن الحسن بن محمد بن سماعة في الإستبصار
4: 173.
(2) حكاه عنه في التهذيب 9: 398.
(3) الفقيه 4: 223 / 711، التهذيب 9: 331 / 1192.
(4) أي رواية السكوني، المتقدمة في ص 401.
417

ولا يضر عدم دلالة الصحيحتين بعد دلالة المكاتبة، لأنها أيضا
حجة، سيما مع اعتضادها بالشهرتين، المحققة والمحكية (1). مع أن
ما ذكروه احتمالا في الصحيحة الأولى خلاف الظاهر، سيما على ما في
بعض النسخ حيث إن فيه بدل قوله: " فإن ولاء المعتق هو ميراث لجميع
ولد الميت من الرجال " إلى آخره " كان ولاء المعتق ميراثا لجميع ولد الميت
من الرجال ".
وظهر من ذلك أن الترجيح للقول الخامس من الاختصاص بالأولاد
الذكور إذا كان المنعم رجلا، وبالعصبة إذا كان امرأة.
إلا أن ما ذكره أرباب ذلك القول من اختصاص عصبة الرجل إذا فقد
الذكور فلم يذكروا دليلا له سوى صحيحة محمد بن قيس الأخيرة (2)، وقد
عرفت حالها، ولذا لم يحكم به جماعة، منهم صاحب الكفاية، فشرك
الأخوات مع الإخوة بعد فقد الولد، بل المتقرب بالأم أيضا (3).
نعم لو قلنا باختصاص الرجال بالإرث بالولاء مطلقا دون النساء حتى
الأم - كما قاله الإسكافي (4) وله قوة - يظهر دليل اختصاص العصبة مع فقد
الولد كما سنذكره.
المسألة السادسة: الحق عدم توريث النساء بالولاء مطلقا حتى الأم،
وفاقا لابن الجنيد، لصريح المكاتبة (5)، وقيل: لظاهر صحيحة العجلي (6).

(1) راجع ص: 413.
(2) المتقدمة في ص: 415.
(3) الكفاية: 306.
(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 631.
(5) وهي مكاتبة محمد بن عمر المتقدمة في ص: 415.
(6) انظر الرياض 2: 367، وقد تقدمت الصحيحة في ص: 404.
418

وتوهم عدم حجيتها لشذوذ هذا القول غير جيد، إذ ليست المسألة
مما ثبت فيها شذوذ قول أو إجماع مركب، بل غاية ما يمكن ادعاؤه نوع
اشتهار ومعروفية. مع أن ظاهر من جعل الولاء للولد الذكور ثم العصبة
ولم يتعرض للأم - كما في النافع (1) - عدم توريث غير الولد والعصبة.
والاستدلال على توريث النساء بحديث اللحمة، مردود بما مر من
عدم ثبوت عموم المشابهة بل ظهورها في عدم البيع والهبة.
نعم قال العماني: وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة من ولده
أنهم قالوا: " تقسم الدية على من أحرز الميراث، ومن أحرز الميراث أحرز
الولاء " وهذا مشهور متعالم. انتهى (2).
وهذا حديث مرسل شامل للنساء أيضا، ولكنه عام بالنسبة إلى
ما ذكرنا، فيجب تخصيصه به.
ومنه يظهر وجه آخر للجواب عن حديث اللحمة. وكذا يظهر
الجواب عن عمومات إرث النساء من الأم والأخوات مما يمكن تعميمه
للمورد أيضا إن وجد.
ومن ذلك يظهر دليل الاختصاص بالعصبة بعد فقد الولد، إذ لا يبقى
حينئذ غير العصبة، لأن كل من يتقرب بالأم يمنع، لأن كل ذي رحم بمنزلة
الرحم الذي يجر به، ولأن لكل قريب نصيب من يتقرب به، وكل أنثى من
المتقرب بالأب أيضا كذلك، لعدم توريث النساء بالولاء، فلم يبق إلا العصبة.
المسألة السابعة: لا يرث بالولاء زوج ولا زوجة، أما الأول: فلما
عرفت من أن ولاء المرأة مخصوص بعصبتها، وأما الثاني: فلما مر من

(1) النافع: 272.
(2) حكاه عنه في المختلف: 631.
419

اختصاص الولاء بالرجال.
والمشهور - كما قيل - أن الأبوين يرثان بالولاء (1)، وقد عرفت أن
الحق عدم توريث الأم. وأما الأب فيرث على الأقوى، لمرسلة العماني
المتقدمة المنجبرة بقوله: وهو مشهور، ولعموم " الرجال " في المكاتبة (2)
وبعض عمومات إرث الأب على ما قيل، الخالية جميعا عن المعارض،
سوى ما ذكره في الكفاية (3) في صورة وجود الولد الذكور من صحيحة
العجلي المتقدمة (4)، المتضمنة لقوله " فإن ولاء المعتق هو ميراث لجميع
ولد الميت " ونفى البعد عن العمل بها.
وفي دلالتها على التخصيص نظر، لأن كونه ميراثا لهم لا يناقض إرث
غيرهم أيضا، ولا يدل على أن وارثه منحصر فيهم إلا بمفهوم اللقب.
ويظهر مما ذكر أنه يشارك الولد أيضا فيه كما هو المشهور.
ولم يتعرض جماعة لكيفية التقسيم، نعم صرح طائفة - منهم شارح
المفاتيح - بأن له السدس مع الولد. ولم أعثر على وجه له إلا حديث
اللحمة، وقد عرفت أن دلالته غير تامة. ولم أظفر في عمومات إرث الأب
مع الولد ما يشمل هذا المورد أيضا.
ومقتضى ما ذكره بعضهم من أن الأصل في الشركة التساوي كونها
كذلك هنا أيضا، وهو أيضا ضعيف كما مر (5)، فإن ثبت إجماع
(مركب) (6) على التسديس فهو، وإلا فالمسألة مشكلة جدا.

(1) انظر الرياض 2: 368.
(2) المتقدمة في ص: 415.
(3) الكفاية: 306.
(4) في ص: 404.
(5) راجع ص: 263.
(6) ما بين القوسين ليس في " ق ".
420

المسألة الثامنة: قالوا: يقوم أولاد لأولاد مقام الأولاد، ولكن إذا عدم
آباؤهم. وكذا قالوا بترتب من يرث الولاء من الجد والعصبات كترتبهم في
الإرث بالنسب، واستدل عليه بحديث اللحمة، ومر عدم دلالته.
واستدل في الكفاية (1) للحكم الأول بصحيحة العجلي، ولعله مبني
على صدق الولد على ولد الولد، وفيه منع قد مر بيانه (2).
والأولى الاستدلال للحكمين بمرسلة العماني (3)، أما الأول فظاهر،
وأما الثاني فلأن المتأخر في الإرث النسبي لا يحرز الميراث مع وجود
المتقدم، فكذلك الولاء.
ويمكن الاستدلال أيضا بإطلاق صحيحة الكناسي المبينة لمن هو
أولى بالميت، حيث قال: " ابنك أولى بك من ابن ابنك، وابن ابنك أولى
بك من أخيك " الحديث (4).
وظاهر جماعة (5) كصريح شرح المفاتيح أن التقسيم في هذه المراتب
أيضا كتقسيم الإرث النسبي. وفيه الإشكال المتقدم ذكره.
المسألة التاسعة: هل يورث الولاء كما يورث به، أم لا؟
المشهور الثاني، لأنه ليس ما لا يقبل النقل، ولذا ورد في الأخبار أنه
لا يصح بيعه ولا هبته ولا شرطه في بيع، فكذا ما يشبهه.
وفيه: أنه لا يلزم من عدم صحة ما ذكر عدم توريثه، كما في حق

(1) الكفاية: 306.
(2) راجع ص: 191.
(3) المتقدمة في ص: 418.
(4) الكافي 7: 76 / 1، التهذيب 9: 268 / 974، الوسائل 26: 63 أبواب موجبات
الإرث ب 1 ح 2.
(5) كالطوسي في الخلاف 4: 79 - 81، والشهيد في اللمعة (الروضة البهية 8):
183، 187.
421

الشفعة والخيار.
وظاهر النافع والشرائع والكفاية (1)، وبعض مشايخنا المعاصرين (2)،
والمحكي عن الخلاف (3)، بل عن جماعة (4): الأول.
وهو الأقرب، لظاهر الأخبار المستفيضة، كصحيحة العجلي
والصحاح الثلاث الواردة في اختصاص العصبة بولاء المرأة. ومرسلة
العماني، المتقدمة جميعا (5).
وتظهر الفائدة فيما لو مات المنعم قبل العتيق وخلف وارثا غير
الوارث بعد موت العتيق، كما لو مات المنعم عن ولدين، ثم مات أحدهما
عن أولاد، ثم العتيق، فعلى المشهور يختص الإرث بالولد الباقي، وعلى
الأقرب يشاركه أولاد الولد الميت.
المسألة العاشرة: كما يرث المنعم وورثته من عتيقه مع فقد النسب،
كذلك يرثون من أولاد عتيقه مع فقد النسب، بلا خلاف فيه يعرف، بل
مطلقا كما قيل (6)، للصحاح المستفيضة، منها صحيحة العيص: عن رجل
اشترى عبدا له أولاد من امرأة حرة فأعتقه، قال: " ولاء ولده لمن
أعتقه " (7). وغيرها من الأخبار.

(1) النافع: 272، الشرائع 4: 36، الكفاية: 305.
(2) كما في الدرة النجفية: 200 والرياض 2: 368.
(3) حكاه عنه في كفاية الأحكام: 305.
(4) حكاه عنهم في الرياض 2: 368.
(5) راجع ص: 404 و 414 و 418.
(6) انظر الرياض 2: 367.
(7) الكافي 7: 170 / 4، الفقيه 3: 79 / 285، التهذيب 8: 250 / 910، الإستبصار
4: 21 / 66، الوسائل 23: 66 أبواب العتق ب 38 ح 1.
422

وعلى هذا فلو مات رجل ولم يكن له وارث نسبي فميراثه لمن
أعتقه، وإن لم يكن عتيقا فلمن أعتق أباه قبل، وإن لم يكن أبوه عتيقا فلمن
أعتق جده، وهكذا.
وحكم منعم الجد غير معلوم من النص، فإن ثبت إجماع وإلا ففيه
كلام.
ولا ينافي ما مر ما في بعض الصحاح من نفي لفظ المولى عمن أعتق
أبوه، لأنا نسلم أنه ليس مولى حقيقيا، وإنما يجري عليه حكم الولاء بالنص.
ولو مات رجل لم يكن عتيقا وكان أبوه عتيقا لرجل وأمه لآخر
فالمشهور أن وارثه هو المنعم على أبيه ومن أعتقه، لا من أعتق أمه،
لصحيحة محمد بن قيس: " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب اشترط
عليه ولاؤه إذا أعتق، فنكح وليدة لرجل آخر، فولدت له ولدا، فحرر ولده،
ثم توفي المكاتب، فورثه ولده، فاختلفوا في ولده من يرثه، فألحق ولده
بموالي أبيه " (1).
المسألة الحادية عشرة: المشهور بين الأصحاب، بل كما قيل من
غير خلاف يعرف بينهم (2): أنه إذا فقد المنعم وقرابته الوارثون للولاء يرثه
منعم المنعم لو كان، فإن عدم فقرابة منعم المنعم على تفصيل قرابة المنعم،
فإن فقد الجميع فمنعم أب المنعم، ثم منعم هذا المنعم، هكذا كالأول.
ولم أعثر على نص فيه، بل قيل: ولا نص فيه (3)، وكأنهم استنبطوه
من حديث اللحمة، وقد عرفت ما فيه.

(1) الفقيه 3: 77 / 275، الوسائل 23: 159 أبواب المكاتبة ب 16 ح 2.
(2) انظر الرياض 2: 369.
(3) كما في الرياض 2: 369.
423

الفصل الثالث
في ولاء تضمن الجريرة أي: الجناية
فإن من توالى غيره - بأن يضمن جنايات ذلك الغير ويثبت له ولاؤه -
يثبت له ميراثه.
قال في الكفاية: وهذا عقد كانت الجاهلية يتوارثون به دون الأقارب،
فأقرهم الله في صدر الإسلام، ثم نسخ بالاسلام والهجرة، فإذا كان للمسلم
ولد لم يهاجر ورثه المهاجرون دون ولده، ثم نسخ بالتوارث بالرحم
والقرابة، وعند الشافعي أن الإرث لضمان الجريرة منسوخ مطلقا، وعندنا
أنه باق على بعض الوجوه (1)، انتهى.
وظاهره دعوى الإجماع على الإرث به في الجملة، وقد ادعى
الإجماع عليه كثير من الأصحاب، منهم ابن زهرة والشهيد الثاني (2)، بل هو
إجماع محقق، فهو الدليل عليه، مضافا إلى الأخبار المستفيضة من الصحاح
وغيرها.
وقد يستدل على جوازه ومشروعيته بل لزومه بآية أوفوا بالعقود.
وفيه نظر. ولذا ذهب الشيخ وابن حمزة (3) وبعض آخر (4) إلى أنه عقد جائز
إلا أن يعقل عنه.

(1) الكفاية: 306.
(2) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الشهيد الثاني في المسالك 2:
338.
(3) الشيخ في الخلاف 4: 120، ابن حمزة في الوسيلة: 398.
(4) كالعلامة في المختلف: 740.
424

ويختص الإرث به بالضامن دون المضمون له، بل يورث عنه، إلا أن
يتحقق الضمان من الجانبين فيتوارثان.
ولا يتعدى الإرث بهذا الولاء من الضامن إلى أقاربه وورثته على الحق
المشهور، بل المدعى عليه الإجماع (1).
خلافا للمحكي عن المقنعة، فسوى بينه وبين ولاء العتق في جميع
الأحكام (2). وهو شاذ ضعيف.
ولا يصح ضمان الجريرة إلا عن سائبة، أو عمن كان حرا في الأصل،
ولكن لا وارث له مطلقا ولو معتقا. فهذا الإرث متأخر عن الإرث بالنسب
والعتق بلا خلاف يعرف، بل بالإجماع كما قيل (3)، فلا يرث الضامن إلا مع
فقد كل مناسب وارث ومنعم كذلك. ويرث معه الزوج والزوجة نصيبهما
الأعلى. وهو مقدم على ولاء الإمامة، فإذا فقد ذلك أيضا يرث الإمام عليه
الصلاة والسلام.

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.
(2) المقنعة: 694.
(3) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 608.
425

الفصل الرابع
في ولاء الإمامة
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن من مات وليس له وارث نسبي خال عن
موانع الإرث من قتل أو كفر مع إسلام الميت ونحوهما، ولا سببي يحاز به
الإرث من الزوج والمنعم وضامن الجريرة، فالإمام وارثه، وميراثه له،
حاضرا كان الإمام أو غائبا، على الحق المشهور، بل المدعى عليه الإجماع
في كتب الأصحاب مستفيضا، كالخلاف والغنية والسرائر والمنتهى
والمسالك والمفاتيح (1) وغيرها (2)، بل بالإجماع المحقق، لشذوذ ما يخالف
ذلك، كما يظهر وجهه.
للنصوص المستفيضة المعتبرة، كصحيحتي ابن رئاب والعجلي
المتقدمتين في الشرط الأول من المسألة الثالثة من الفصل الثاني (3).
ورواية عمار بن أبي الأحوص المتقدمة فيها أيضا (4).
وصحيحتي ابن سنان المتقدمتين في الشرط الثاني منها (5).
وصحيحة أبي بصير المتقدمة في بحث ميراث الكافر وفيها: " وإن

(1) الخلاف 4: 22، الغنية (الجوامع الفقهية): 608، السرائر 3: 228، المنتهى
1: 553، المسالك 2: 338، المفاتيح 3: 311.
(2) انظر كشف اللثام 2: 302.
(3) راجع ص: 404.
(4) راجع ص: 404.
(5) راجع ص: 408.
426

لم يسلم من قرابته أحد فميراثه للإمام " (1).
والصحاح الثلاث لمحمد، والحلبي، ومحمد الحلبي: الأولى: " من
مات وليس له وارث من قبيل قرابته، ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته
فما له من الأنفال " (2).
والثانية: " ومن مات وليس له موالي فما له من الأنفال " (3).
والثالثة: " من مات وليس له مولى فما له من الأنفال " (4).
وبمعناها رواية أبان بن تغلب (5).
خلافا للصدوق في الفقيه (6)، ففرق بين حال الحضور والغيبة،
فجعله في الأول للإمام، وفي الثاني لأهل بلد الميت، جمعا بين ما مر وبين
أخبار أخر، كمرسلة داوود: " مات رجل على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)
لم يكن له وارث، فدفع أمير المؤمنين (عليه السلام) ميراثه إلى همشهريجه " (7).

(1) الكافي 7: 144 / 2، الفقيه 4: 244 / 787، التهذيب 9: 369 / 1316،
الوسائل 26: 20 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 1.
(2) الكافي 7: 169 / 2، الفقيه 4: 242 / 773، التهذيب 9: 387 / 1381،
الوسائل 26: 246 أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 3 ح 1.
(3) الكافي 7: 168 / 1، الوسائل 26: 247 أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 3
ح 4.
(4) الكافي 7: 169 / 4، التهذيب 9: 386 / 1379، الإستبصار 4: 195 / 732،
تفسير العياشي 2: 48 / 14، الوسائل 26: 247 أبواب ولاء ضمان الجريرة
والإمامة ب 3 ح 3.
(5) التهذيب 9: 386 / 1380، الإستبصار 4: 195 / 733، تفسير العياشي 2:
48 / 12، الوسائل 26: 249 أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 3 ح 8.
(6) الفقيه 4: 242.
(7) الكافي 7: 169 / 1، التهذيب 9: 387 / 1383، الإستبصار 4: 196 / 736،
الوسائل 26: 252 أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 4 ح 3.
427

ومرفوعة السري: في الرجل يموت ويترك مالا ليس له وارث قال،
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " أعط همشاريجه " (1).
ورواية السندي: " كان علي (عليه السلام) يقول في الرجل يموت ويترك مالا
وليس له أحد: أعط الميراث همشاريجه " (2).
ويضعف بأنه جمع لا شاهد عليه أصلا، بل هو كما قاله الصدوق
في حق جمع ذكره غيره: هو أبعد ما بين المشرق والمغرب، فإن فعل
أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده الشريف - كما في المرسلة الأولى - كيف
يحتمل الحمل على حال الغيبة؟! وكذا حكمه بالإعطاء كما في الأخيرتين،
مضافا إلى أنه لا دلالة لفعله وأمره (عليه السلام) على أنه مالهم، فإن له (عليه السلام) أن
يفعل أو يأمر في ماله ما شاء، ولذا حملها الشيخ في الاستبصار على
ذلك (3).
ولو قطع النظر عن جميع ذلك فلا تصلح هذه الأخبار لمعارضة
ما مر، لشذوذها كما ذكره الشيخ في التهذيبين (4)، وأشهرية أخبارنا رواية،
فإن هذه الأخبار الأخيرة تنتهيان إلى روايتين، لأن راوي الأخيرتين هو
خلاد السندي، بل تحتمل رواية واحدة، لجواز كون المرسل عنه في الأولى
أيضا خلاد. والأخبار الأولى كثيرة صحاح.
ومع ذلك كله نسبة الحكم في هذه الأخبار الثلاثة إلى
أمير المؤمنين (عليه السلام) يشعر بنوع تقية في الحكم.

(1) التهذيب 9: 387 / 1382، الإستبصار 4: 196 / 735، الوسائل 26: 252
أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 4 ح 2.
(2) الكافي 7: 169 / 2، الوسائل 26: 252 أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 4 ح 1.
(3) الإستبصار 4: 196.
(4) الإستبصار 4: 196، التهذيب 9: 387.
428

وقد حكى بعض المحدثين عن بعض النسخ همشيريجه بالياء بعد
الشين، فالمراد به نحو الأخ الرضاعي، فيخرج عن محل البحث، ويكون
ما لم يقل به أحد، وإن ورد مثله في بعض الأخبار أيضا.
فضعف هذا القول ظاهر جدا.
وللمحكي عن ظاهر الشيخ في الاستبصار والإسكافي، فقالا: إنه
لبيت مال المسلمين، لا للإمام (1)، لصحيحة أبي بصير: عن المملوك يعتق
سائبة، قال: " يتولى من شاء، وعلى من يتولى جريرته وله ميراثه " قلنا:
فإن سكت حتى يموت ولم يوال أحدا؟ قال: " يجعل ماله في بيت
المسلمين " (2).
ونحوها صحيحة سليمان بن خالد إلا أن فيها: " ويجعل ميراثه لبيت
مال المسلمين " (3).
ورواية ابن عمار، وفيها: " فإن سكت حتى يموت أخذ ميراثه
ويجعل في بيت مال المسلمين " (4).
وصحيحة أخرى لسليمان: في رجل مسلم قتل وله أب نصراني،
لمن تكون ديته؟ قال: " تؤخذ وتجعل في بيت مال المسلمين " (5).

(1) الإستبصار 4: 196، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 749.
(2) الكافي 7: 171 / 4، التهذيب 8: 255 / 927، الوسائل 23: 73 أبواب العتق
ب 41 ح 1.
(3) الكافي 7: 172 / 8، الوسائل 23: 73 أبواب العتق ب 41 ح 1.
(4) التهذيب 9: 394 / 1406، الوسائل 26: 249 أبواب ولاء ضمان الجريرة
والإمامة ب 3 ح 9.
(5) الفقيه 4: 243 / 775، التهذيب 9: 390 / 1392، الوسائل 26: 253 أبواب
ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب 4 ح 5.
429

وفيه: أنه يمكن أن يكون المراد ببيت مال المسلمين بيت الإمام (عليه السلام)
لأنه لما كان ولي المسلمين فبيته بيت مال المسلمين أو بيت مالهم بيته.
انظر إلى كلام الشيخ في التهذيبين يقول بعد نقل صحيحة أبي بصير
المتضمنة لأن ميراث السائبة التي لم يوال أحدا لمولاه: هذا الخبر غير
معمول به، لأن الأخبار كلها وردت في أنه متى لم يوال السائبة أحدا كان
ميراثه لبيت مال المسلمين (1).
ويقول بعد نقل روايتي الهمشهريج: هاتان الروايتان مرسلتان شاذتان
لا تعارض ما قدمناه من الأخبار المسندة، مع أنه ليس فيهما ما ينافي
ما تقدم لأن الذي تضمنتاه حكاية فعل، ولعله (عليه السلام) فعل لبعض
الاستصلاح، لأنه إذا كان المال له خاصة على ما قدمناه جاز له أن يعمل به
ما شاء، ويعطي من شاء (2)، انتهى.
فإنه جعل المال له خاصة مع جعله أولا لبيت مال المسلمين، فيظهر
منه اتحادهما.
وأظهر منه كلامه في الخلاف، قال: ميراث من لا وارث له لا ينقل
إلى بيت المال، وهو للإمام خاصة، وعند جميع الفقهاء ينقل إلى بيت المال
ويكون للمسلمين (3)، انتهى.
ولو سلم إرادة بيت مال المسلمين في تلك الأخبار أيضا فلا تقاوم
ما مر من أخبارنا، لوجوه كثيرة، معظمها موافقتها للعامة ومخالفة أخبارنا
لهم.

(1) الإستبصار 4: 200، التهذيب 9: 395.
(2) الإستبصار 4: 196، التهذيب 9: 387.
(3) الخلاف 4: 22.
430

وللمحكي عن المقنعة، فإن فيها: من مات وخلف تركة في يد إنسان
لا يعرف له وارثا جعلها في الفقراء والمساكين (1).
ولم أعثر على دليل إلا ما نذكره من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يفعل
ذلك، ولكن يظهر منه كما هو الظاهر أيضا أنه ليس مخالفا للمشهور، بل
غرضه أنه يجعل كذلك في زمان الغيبة، لأنه من مال الإمام (عليه السلام)، كما يقول
بمثله كثير من القائلين بأنه مال الإمام (عليه السلام) (2).
ويدل عليه قوله في ذلك الكتاب قبل ذلك: فإن مات إنسان لا يعرف
له قرابة من العصبة ولا الموالي ولا ذوي الأرحام كان ميراثه لإمام المسلمين
خاصة يضعه فيهم حيث يرى، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعطي تركة من
لا وارث له - من قريب ولا نسيب ولا مولى - فقراء أهل بلده وضعفاء
جيرانه وخلطائه، تبرعا عليهم بما يستحقه من ذلك، واستصلاحا للرعية،
حسب ما كان يراه في الحال من صواب الرأي، لأنه من الأنفال، انتهى (3).
المسألة الثانية: وإذ عرفت أن ميراث من لا وارث له للإمام، فمع
حضوره يحمل إليه يصنع به ما يشاء.
وأما مع غيبته فقيل: يحفظ له بالوصاية أو الدفن إلى زمان ظهوره.
وعن ظاهر الخلاف الإجماع عليه (4).
وعن الصدوق - كما مر - لزوم الدفع إلى أهل بلد الميت مطلقا، فقيرا
كان أو غنيا (5).

(1) المقنعة: 706.
(2) انظر النهاية: 671، والشرائع 4: 40، والقواعد 2: 180.
(3) المقنعة: 705.
(4) الخلاف 4: 23.
(5) الفقيه 4: 242.
431

وعن اللمعة وبحث الأنفال من الدروس صرفه في فقراء أهل بلده (1).
وربما يقال بكونه حلالا للشيعة مطلقا (2).
وذهب الأكثر - كما صرح به بعض من تأخر - إلى أنه يصرف في
الفقراء والمساكين من شيعته (3). وهو المحكي عن المفيد والديلمي وابن
زهرة والحلي والقاضي والكيدري والشرائع والنافع والتحرير والإرشاد
والدروس والمسالك (4) وغيرها.
وهو الأقوى، لما أشير إليه في كتاب الخمس من الإذن الحاصل من
شاهد الحال من جهة استغناء الإمام واحتياج مواليه وشيعته الذين هم من
عياله حقيقة، فيعلم بذلك قطعا رضاء الإمام بصرف ماله إليهم ورفع ذلتهم
واحتياجهم، سيما مع ما ورد منهم من تحليل الأنفال لهم، والأمر في بعض
الأخبار بصرف ما يختص بهم من الأموال المجهول مالكها المسؤول عنها
عند حضورهم في الصدقة ونحوها، وما ورد من الأمر بصلة الشيعة وإدخال
السرور عليهم ورفع حاجتهم. ونعلم قطعا أنه لو كان حاضرا مستغنيا لفعل
ذلك، وأنه لا يرضى بالحفظ المورث للتلف غالبا.
ومن هذا يظهر ما في ما قيل بعد الحكم بجواز الصرف إلى الفقراء،
من أن الاحتياط في الحفظ (5)، فإنه غير موافق للاحتياط جزما.

(1) اللمعة (الروضة 8): 190، الدروس 1: 264.
(2) كما في الذخيرة: 492.
(3) انظر الرياض 2: 370.
(4) المفيد في المقنعة: 706، الديلمي في المراسم: 141 و 224، الحلي في
السرائر 1: 498، القاضي في المهذب 2: 154، الشرائع 4: 40، النافع: 273،
التحرير 2: 171، الإرشاد 2: 126، الدروس 2: 377، المسالك 2: 339،
وحكاه عنهم في الرياض 2: 370.
(5) انظر الروضة 8: 191.
432

وهل يتعين الصرف إلى الهاشميين أم لا؟
ظاهر الأصحاب الثاني. وهو كذلك، لعدم دليل على الأول أصلا.
ومال بعض سادة مشايخنا المعاصرين - طاب ثراه - إلى تخصيص
السادات، لما ورد من أنهم عياله يجب عليه جبر نفقتهم من حصته في
الخمس، ولآية أولي الأرحام (1).
ولا يخفى أن المستفاد من أخبارهم وأفعالهم أن شيعتهم كلهم
عيالهم. وتعين وجوب جبر نفقة السادات بخصوصهم عن حصة الخمس
غير معلوم، وآية أولي الأرحام في الإرث، ولم سلم العموم فالمراد الرحم
العرفي، وبعد طول الدهور بهذا القدر لا يبقى رحم عرفا. ولو قيل بالبقاء
لجرى في جميع بني آدم وحواء، ولم يختص أيضا بالهاشمي من الأب.
ثم إنه يجب أن يكون المتولي للصرف النائب العام، لأنه أعرف
بوجوه المصالح، بل لا شاهد حال لتصرف غيره مع وجوده، هذا.
ولو صرفه أحد في أهل الشرف من الفقراء الذين لا يرضون بسؤال
وإظهار حال، سيما الأرامل واليتامى والعجزة، ثم منهم بأهل بلد الميت، ثم
منهم بالهاشميين لكان غاية الاحتياط.
المسألة الثالثة: قد عرفت أن إرث الإمام إنما هو مع فقد كل وارث
نسبي وسببي حتى الزوج، وأما الزوجة فهي لا تمنع الإمام على الأقوى كما
مر، بل تشاركه ولها نصيبها الأعلى.
المسألة الرابعة: لو أوصى من لا وارث له بالثلث فلا كلام في نفوذه
ووجوب العمل به.

(1) انظر الرياض 2: 370.
433

ولو أوصى بالزائد عليه فمقتضى إطلاق أخبار رد الزائد إلى الثلث
الرد هنا أيضا.
ويظهر من بعضهم نفوذ الجميع (1)، ولعله لرواية السكوني: عن
الرجل يموت ولا وارث له ولا عصبة، قال: " يوصي بماله حيث شاء في
المسلمين والمساكين وابن السبيل " (2).
وفي دلالتها نظر، لاحتمال أن يكون لفظة " ما " موصولة واللام في
" له " مفتوحة، ويكون إشارة إلى الثلث. وأيضا المأذون فيه الوصية في
المسلمين والمساكين وابن السبيل، فلا يعم غيرها من المصارف. وأيضا
يحتمل أن يكون ذلك إجازة له (عليه السلام) في حقه لمن يموت في عهده،
لا حكما شرعيا.
وإشباع الكلام في هذه المسألة يطلب من كتاب الوصية.

(1) كما في الفقيه 4: 150.
(2) الفقيه 4: 150 / 521، التهذيب 9: 188 / 754، الإستبصار 4: 121 / 460،
الوسائل 19: 282 في أحكام الوصايا ب 12 ح 1.
434

المقصد الثالث
في بعض الأحكام المتفرقة المتعلقة بهذا الباب
وفيه مسائل:
435

المسألة الأولى: ولد الزنا لا يرث من والده الزاني، ولا من أقرباء
والده، ولا يورثون منه، بلا خلاف فيه يعرف، بل إجماعا محققا ومحكيا
عن المختلف والإيضاح والمسالك وشرح الشرائع للصيمري (1)، له،
ولصحيحة الحلبي: أيما رجل وقع على وليدة قوم حراما، ثم اشتراها
وادعى ولدها فإنه لا يورث منه شئ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " الولد
للفراش، وللعاهر الحجر، ولا يورث ولد الزنا إلا رجل يدعي ابن
وليدته " (2).
وروي قريب منها بطرق آخر أيضا صحيحة وموثقة وغيرهما (3).
ورواية محمد بن الحسن الأشعري: عن رجل فجر بامرأة فحبلت،
ثم إنه تزوجها بعد الحمل فجاءت بولد وهو أشبه خلق الله به، فكتب بخطه
وخاتمه: " الولد لغية (4)، لا يورث " (5).
وصحيحة ابن سنان: في ولد الزنا قلت: فإنه مات وله مال، من
يرثه؟ قال: " الإمام " (6).
وهذه الأخبار كما ترى نافية للإرث منه، ولعل مستند نفي التوارث

(1) المختلف: 745، الإيضاح 4: 247، المسالك 2: 340.
(2) الكافي 7: 163 / 1، التهذيب 9: 346 / 1242، الإستبصار 4: 185 / 693،
الوسائل 26: 274 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 1.
(3) انظر الوسائل 26: 275 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 4.
(4) يقال: فلان لغية، وهو نقيض قولك: لرشدة. الصحاح 6: 2451.
(5) الكافي 7: 163 / 2، الفقيه 4: 231 / 738، التهذيب 9: 343 / 1233،
الإستبصار 4: 182 / 685، الوسائل 26: 274 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 2.
(6) الفقيه 4: 231 / 739، التهذيب 9: 343 / 1234، الإستبصار 4: 183 / 686،
الوسائل 26: 275 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 3.
437

من الجانبين الإجماع. وربما يقال: بل الأصل أيضا، فإنه يقتضي عدم
التوارث، خرج النسب الصحيح، ويبقى غيره. وفيه نظر سيظهر وجهه.
والمشهور عدم التوارث بينه وبين أمه وقرابتها أيضا، ونقل الشهرة عليه
مستفيضة (1)، بل جعل جماعة - كالشيخ في الاستبصار والمحقق في الشرائع
وشيخنا الشهيد الثاني في شرحه والفاضل في القواعد (2) - الرواية المخالفة
له شاذة أو مطروحة، للإطلاق والعموم المتقدمين في الأخبار المذكورة.
خلافا للمحكي عن الصدوق في المقنع، والإسكافي، والحلبي،
ويونس بن عبد الرحمن على احتمال قوي، فقالوا: إنه ترثه أمه وأقاربها،
ويرثهم (3). ونسبه في الخلاف إلى قوم من أصحابنا (4)، وقال أبو الصلاح،
يختلف فيه أصحابنا (5)، وظاهر بعض متأخري المتأخرين (6).
لعمومات إرث الوالدين والولد عن الولد والوالدين، وكذا سائر
الأقارب.
ورواية إسحاق بن عمار: " ولد الزنا وابن الملاعنة ترثه أمه وإخوته
لأمه أو عصبتها " (7).
ومرسلة الفقيه: " إن دية ولد الزنا ثمانمائة درهم، وميراثه كميراث ابن

(1) كما في المسالك 2: 340، والرياض 2: 372.
(2) الإستبصار 4: 183، الشرائع 4: 44، المسالك 2: 340، القواعد 2: 181.
(3) المقنع: 178، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 745، والحلبي في الكافي
في الفقه: 377. حكاه عن يونس في الكافي 7: 164.
(4) الخلاف 4: 104.
(5) لم نعثر عليه في الكافي في الفقه.
(6) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 303.
(7) التهذيب 9: 345 / 1239، الإستبصار 4: 184 / 690، الوسائل 26: 278
أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 9.
438

الملاعنة " (1).
ورواية يونس على احتمال آخر: " ميراث ولد الزنا لقراباته من قبل
أمه نحو ميراث ابن الملاعنة " (2).
وردت تارة بضعف السند، وأخرى بالشذوذ، وثالثة باحتمال الوهم
في الأولى فزاد ولد الزنا اشتباها، واحتمال عدم كونه رواية بل يكون رأيا
في الأخيرة، واحتمال عدم كون الأم زانية في الجميع، بل ربما يقال بأن
صدق الأم على الزانية غير معلوم، فلا يعلم شمول تلك الأخبار لمحل
النزاع.
والأول عندي مردود: بعدم اعتبار السند، بعد وجود الحديث في
الأصول المعتبرة.
والثاني: بمنع الشذوذ مع مخالفة جماعة من أجلة القدماء.
والثالث: بكون الاحتمال الأول مما لا يصغى إليه في مقام الاستدلال،
والثاني غير مضر بعد وجود خبرين آخرين، والثالث وإن كان محتملا
ولكن التخصيص به تخصيص بلا مخصص، ونفي صدق الأم على الزانية
ما يكذبه العرف واللغة، بل الاستعمالات الشرعية.
ويؤيد الحكم أيضا رواية داوود بن فرقد: " أتى رجل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، إني خرجت وامرأتي حائض فرجعت
وهي حبلى، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تتهم؟ قال: أتهم رجلين، قال:

(1) الفقيه 4: 232 / 740، الوسائل 26: 278 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8
ح 10.
(2) الكافي 7: 164 / 4، التهذيب 9: 344 / 1238، الإستبصار 4: 183 / 689،
الوسائل 26: 276 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 6.
439

ائت بهما، فجاء بهما، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن يك ابن هذا فسيخرج
قططا (1) كذا وكذا، فخرج كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجعل معقلته على قوم
أمه وميراثه لهم، ولو أن إنسانا قال له: يا بن الزانية لجلد الحد " (2).
وقد يضعف تلك الأخبار بمرجوحيتها بالنسبة إلى المتقدمة بموافقة
العامة كما في السرائر، والغنية (3).
وفيه: أن الرجوع إلى التراجيح عند المعارضة بالعموم من وجه أو
التساوي، دون ما إذا كان بالعموم والخصوص المطلقين كما في المسألة.
والمسألة عندي مشكلة وإن كان قول الصدوق لا يخلو من قرب
وقوة.
هذا بالنسبة إلى الأبوين ومن يتقرب بهما، وأما بالنسبة إلى الولد وإن
نزل فالتوارث متحقق بلا خلاف، لتحقق النسبة الشرعية، فتشمله
العمومات بلا معارض. وكذا الزوج والزوجة، والمنعم والمنعم له، وضامن
الجريرة، لعمومات الأدلة. ولو عدم الجميع فميراثه للإمام، كالزائد عن
نصيب الزوجة.
المسألة الثانية: ولد الشبهة يرث ويورث منه بلا خلاف فيه، كما
صرح به في المفاتيح، وشرحه أيضا (4)، لصدق النسبة، فتشمله عمومات
الإرث طرا بلا معارض أصلا.
ولو كان شبهة من أحد الأبوين زنا من الآخر يرث ويورث من جانب

(1) جعد قطط أي: شديد الجعودة. وقد قطط شعره. الصحاح 3: 1154.
(2) الكافي 5: 490 / 1، التهذيب 8: 182 / 636، الوسائل 21: 497، أبواب
أحكام الأولاد ب 100 ح 2.
(3) السرائر 3: 276، الغنية (الجوامع الفقهية): 608.
(4) المفاتيح 3: 314.
440

الشبهة، ولا يضر انكشاف الشبهة في صحة الانتساب، لأن الاشتباه أيضا
أحد الأسباب المحللة حال الاشتباه، المثبتة للنسب شرعا، فالنسب صحيح
شرعا، وإن ظهر فساد سببه، فالنسب صحيح وإن كان سببه فاسدا في نفس
الأمر، لاعتبار الشارع تلك النسبة. وأما النسب الفاسد بنفسه فهو أن يظهر
عدم النسبة، ومثل ذلك لا يوجب توارثا.
وأما ما قاله في القواعد: من أن الأسباب الفاسدة تنفي التوارث
إجماعا، والأنساب الفاسدة لا تنفيه (1)، فمراده من النسب الفاسد: النسبة
الحاصلة شرعا بالسبب الفاسد واقعا، كنسبة ولد الشبهة، والمراد بالسبب
الفاسد: مثل ما لو تزوج أحد أمه الرضاعية جهلا ثم انكشف الحال،
فلا ترث الزوجة بالزوجية، ولكن ترث ولدها بالولدية.
المسألة الثالثة: الخنثى إما واضح أو مشكل. والأول من يمكن
استعلام حاله أنه ذكر أو أنثى، إما بعلامات ظاهرة، كاللحية، والجماع،
والحيض، والثدي، والحبل، أو نحوها، أو بما ورد الامتياز به في الشرع.
والثاني من لم يمكن. ويظهر من السيد في الانتصار: أن من يحتاج
في التميز إلى ما به الامتياز الشرعي فهو أيضا مشكل (2). والأمر في ذلك هين.
ثم الأول فحكمه ظاهر، لأنه يرث إرث من يلحق به من الذكر أو
الأنثى. وإنما المهم بيان كيفية الاستعلام والتشخيص إن لم يتشخص من
العلامات الظاهرة.
وطريقه: أن يعتبر ببوله، فإن بال من فرج الرجال فيلحق بهم، وله
مالهم، وإن بال من فرج النساء فهي امرأة، ولها مالهن، بلا خلاف فيه.

(1) القواعد 2: 190.
(2) الإنتصار: 306.
441

ولا يتوهم من عدم تعرض العماني لأصل البول، حيث قال: لو لم
يظهر من العلامات يورث من المبال، فإن سلسل البول على فخذه فهو
امرأة، وإن زرق كما يزرق الرجل فهو رجل (1)، أنه لم يعتبر أصل البول،
لأنه ذكر أولا أنه إذا علم بالعلامات كالحيض، والاحتلام، واللحية،
وما أشبه ذلك، فلا إشكال. ومن البين أن اختصاص البول من العلامات
الظاهرة، فهو داخل فيما أشبه ذلك. فالمسألة إجماعية.
فيدل عليها الإجماع، والمستفيضة من الأخبار، كصحيحة داوود بن
فرقد: عن مولود ولد، وله قبل وذكر، كيف يورث؟ قال (عليه السلام): " إن كان
يبول من ذكره فله ميراث الذكر، وإن كان يبول من القبل فله ميراث الأنثى " (2).
ومرسلة ابن بكير: في مولود له ما للذكر وما للأنثى، قال: " يورث
من الموضع الذي يبول، إن بال من الذكر ورث ميراث الذكر، وإن بال من
موضع الأنثى ورث ميراث الأنثى " (3).
ورواية طلحة بن زيد: " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يورث الخنثى من
حيث يبول " (4).
ونحوها المروي في العيون (5).
وقول أبي الحسن الثالث (عليه السلام) في رواية موسى بن محمد: " أما قول

(1) حكاه عن العماني في المختلف: 745.
(2) الكافي 7: 156 / 1، التهذيب 9: 353 / 1267، الوسائل 26: 283 أبواب
ميراث الخنثى وما أشبهه ب 1 ح 1.
(3) الكافي 7: 157 / 4، الوسائل 26: 284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 3.
(4) الكافي 7: 156 / 2، التهذيب 9: 353 / 1268، الوسائل 26: 283 أبواب
ميراث الخنثى وما أشبهه ب 1 ح 2.
(5) عيون أخبار الرضا 2: 74 / 350، الوسائل 26: 284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 5.
442

علي (عليه السلام) في رواية موسى بن محمد: " أما قول علي (عليه السلام) في الخنثى: إنه
يورث من المبال، فهو كما قال " (1).
والمروي عن إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات، وفيه:
" فانظروا إلى سبيل البول، فإن خرج من ذكره فله ميراث الرجل، وإن خرج
من غير ذلك فورثوه مع النساء " (2). إلى غير ذلك، مما يأتي.
وإن لم يتشخص من ذلك، بأن يبول من الفرجين، اعتبر ابتداء بوله
وسبقه، فمن أيهما سبق يلحق بأهله، وفاقا للأكثر، منهم: المفيد في
الأعلام وشرحه، والحلي، والشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط،
والإسكافي، وعلي بن بابويه، والقاضي في المهذب والكامل، وابن حمزة،
والمحقق والفاضل (3)، وسائر من تأخر عنهما (4)، بل في الأعلام والسرائر
والمسالك وشرح الإرشاد للأردبيلي وعن التحرير والإيضاح وشرح الشرائع
للصيمري (5) وغيرهم (6): الإجماع عليه.

(1) الكافي 7: 158 / 1، التهذيب 9: 355 / 1272، تحف العقول: 480، الوسائل
26: 290 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 3 ح 1.
(2) الغارات 1: 193، الوسائل 26: 284 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 1 ح 6.
وفيه " مسيل البول " بدل " سبيل البول ".
(3) الأعلام (مصنفات الشيخ المفيد 9): 62، وفيه:.... نظر إلى الأغلب منهما
بالكثرة فورث عليه، الحلي في السرائر 3: 277، النهاية: 677، الخلاف 4:
106، المبسوط 4: 114، حكاه عن الإسكافي وعلي بن بابويه في المختلف:
745، المهذب 2: 171، وحكاه عن الكامل في المختلف: 746، ابن حمزة في
الوسيلة: 401، المحقق في الشرائع 4: 44، الفاضل في القواعد 2: 181.
(4) كما في الدروس 2: 378، والتنقيح 4: 209، والمهذب البارع 4: 424،
وكشف اللثام 2: 303، والرياض 2: 375.
(5) السرائر 3: 277، المسالك 2: 340، التحرير 2: 174، الإيضاح 4: 249.
(6) كما في الإنتصار: 307، والمهذب البارع 4: 424.
443

لصحيحة هشام: المولود يولد، له ما للرجال وله ما للنساء، قال:
" يورث من حيث سبق بوله، فإن خرج سواء فمن حيث ينبعث، فإن كان
سواء ورث ميراث الرجال والنساء " (1).
والأخرى: " قضى علي (عليه السلام) في الخنثى له ما للرجال وله ما للنساء،
قال: يورث من حيث يبول، فإن خرج منهما جميعا فمن حيث سبق "
الحديث (2).
ورواية إسحاق بن عمار: " الخنثى يورث من حيث يبول، فإن بال
منهما جميعا فمن أيهما سبق البول ورث منه، فإن مات ولم يبل فنصف
عقل المرأة ونصف عقل الرجل " (3).
ومرسلة الكافي: " في المولود، له ما للرجال وله ما للنساء يبول منهما
جميعا، قال: " من أيهما سبق " قيل: فإن خرج منهما جميعا؟ قال: " فمن
أيهما استدر " قيل: فإن استدرا جميعا؟ قال: " فمن أبعدهما " (4).
خلافا لظاهر العماني والصدوق والسيد والمفيد في المقنعة
والديلمي، فلم يذكروا السبق أصلا، بل اعتبر الأول ما مر من تسلسل البول
وزرقه (5)، والثاني لم يعتبر بعد أصل البول شيئا (6)، والثالث رجع بعده إلى

(1) الكافي 7: 157 / 3، الوسائل 26: 285 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 2
ح 1.
(2) التهذيب 9: 354 / 1269، الوسائل 26: 286 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 2
ذيل الحديث 1.
(3) الفقيه 4: 237 / 759، التهذيب 9: 354 / 1270، الوسائل 26: 286 أبواب
ميراث الخنثى وما أشبهه ب 2 ح 2.
(4) الكافي 7: 157 / 5، الوسائل 26: 284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 4.
(5) حكاه عن العماني في المختلف: 745.
(6) الصدوق في المقنع: 177.
444

الأغلب والأكثر دون شئ آخر (1)، والأخيران اعتبرا القطع أخيرا دون
غيره (2). هذا ما يستفاد من عباراتهم المنقولة في المختلف (3).
ومنهم من نسب إلى الأخير اعتبار الغلبة والكثرة أيضا (4). ومنهم من
نسب إلى الصدوقين والإسكافي عدم اعتبار شئ من ذلك، وإلى المهذب
والإصباح ومحتمل المبسوط والنهاية اعتبار القطع أخيرا بعد التساوي في
أصل البول (5).
وكيف كان فلا وجه لشئ مما ذكر، بعد دلالة الأخبار الصريحة
الصحيحة والمنجبرة على اعتبار السبق بعد الأصل، وعدم دليل على اعتبار
الغلبة والكثرة، ولا على القطع أخيرا. وتوجيه الغلبة والكثرة بأن السبق
ملازم لهما، في حيز المنع، فإنه غير معلوم.
ولو لم يتشخص من ذلك بأن يدر منهما دفعة واحدة، فذهب جماعة
كالشيخ في الخلاف والمبسوط والنهاية، والقاضي وابن حمزة والحلي وابن
زهرة والمحقق في الشرائع والفاضل والشهيدين (6)، وغيرهما من
المتأخرين على ما قيل (7)، بل الديلمي ولكن من غير اعتبار السبق (8) أنه

(1) السيد في الإنتصار: 306.
(2) المقنعة: 698، الديلمي في المراسم: 225.
(3) المختلف: 745.
(4) انظر الرياض 2: 375.
(5) انظر كشف اللثام 2: 302.
(6) الخلاف 4: 106، المبسوط 4: 114، النهاية: 677، القاضي في المهذب 2:
171، ابن حمزة في الوسيلة: 402، الحلي في السرائر 3: 277، ابن زهرة في
الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الشرائع 4: 44، الفاضل في القواعد 2: 181،
الشهيد في الدروس 2: 378، الشهيد الثاني في الروضة 8: 192.
(7) انظر الرياض 2: 376.
(8) المراسم: 225.
445

يورث على ما ينقطع عنه أخيرا، وعن الحلي نفي الخلاف فيه (1).
واستدل له بقوله: " من حيث ينبعث " في صحيحة هشام، وقوله:
" يستدر " وقوله: " فمن أبعدهما " في مرسلة الكافي المتقدمتين.
ولا أرى له وجها، فإن الظاهر من الانبعاث والاستدرار: الاقتضاء
والدغدغة. وإن منع إرادة ذلك - لكونه أمرا خفيا لا يظهر لغير صاحبه الذي
لا يقبل قوله هنا لجلبه النفع لنفسه - فيحصل الإجمال في المراد.
ومن الأبعد (2): الأبعد من المبال كما ورد في بعض أخبار أخر واردة
فيمن ليس له ما للرجال والنساء بلفظ التنحي (3).
والقول بأن المنقطع أخيرا يكون أشد انبعاثا ودرا، في حيز المنع.
ولذا تردد في النافع في اعتبار القطع (4)، ولم يعتبره جماعة، إما مع
اعتبار السبق كالإسكافي ووالد الصدوق، أو بدون اعتباره أيضا كالعماني
والصدوق والسيد. وهو الأقوى، لعدم دليل على اعتباره أصلا. فيصير
حينئذ من الثاني، أي الخنثى المشكل.
واختلفوا في حكمه على أقوال:
الأول: الرجوع إلى القرعة. ذهب إليه الشيخ في الخلاف مدعيا عليه
إجماع الفرقة (5)، ومال إليه بعض الأجلة (6). ولو مات ولم يستعلم حاله نفى
القرعة حينئذ الشبهة.

(1) السرائر 3: 277.
(2) عطف على الانبعاث، أي: والظاهر من الأبعد...
(3) كما في الوسائل 26: 294 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 4 ح 5.
(4) النافع: 275.
(5) الخلاف 4: 106.
(6) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 303.
446

والثاني: أنه تعد أضلاعه، فإن اختلف أحد الجانبين فذكر، وإن
تساويا عددا فأنثى. وهو مختار المفيد في الأعلام والسيد في الانتصار،
والحلي في السرائر، والإسكافي (1)، وادعى الأولان الإجماع عليه، والثالث
نسبه إلى الأكثر من المحصلين، بل اعتضد له بالإجماع والخبر المتفق عليه.
والثالث: أنه يعطى نصف ميراث رجل ونصف ميراث امرأة. وهو
مذهب الصدوقين، والمفيد في المقنعة، والشيخ في النهاية والإيجاز
والمبسوط، والديلمي والقاضي وابني زهرة وحمزة (2)، وأكثر
المتأخرين (3)، بل عامتهم، ونسبه في النافع والقواعد والتنقيح والدروس
والروضة وشرح الشرائع للصيمري (4) وغيرها (5) إلى الأشهر.
ونقل بعض مشايخنا المعاصرين عن بعض معاصريه التفصيل،
باختيار الثاني إذا علم عدد أضلاعه قبل موته، والثالث إذا لم يعلم ذلك (6).
دليل الأول: ما ورد عنهم (عليه السلام): " إن القرعة لكل أمر مشتبه " (7)

(1) الأعلام (مصنفات الشيخ المفيد 9): 62، الإنتصار: 306، السرائر 3: 279 -
282، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 193.
(2) الصدوق في المقنع: 177، حكاه عن والده في المختلف: 745، المقنعة:
698، النهاية: 677، الإيجاز (الرسائل العشر): 275، المبسوط 4: 114،
الديلمي في المراسم: 225، القاضي في جواهر الفقه: 163، والمهذب 2:
171، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، ابن حمزة في الوسيلة: 402.
(3) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 505، والعلامة في المختلف: 746،
والشهيد في الدروس 2: 379.
(4) النافع: 275، القواعد 2: 181، التنقيح 4: 212، الدروس 2: 379، الروضة
8: 194.
(5) كالإيضاح 4: 249.
(6) انظر الرياض 2: 376.
(7) الوسائل 27: 249 أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 12.
447

وتعضده المستفيضة الآمرة بالقرعة في توريث من ليس له فرج الرجال
ولا النساء (1).
وللثاني: صحيحة محمد بن قيس (2) ورواية ميسرة بن شريح (3)
الطويلتان، المتضمنتان لعد أمير المؤمنين (عليه السلام) الأضلاع، والإلحاق بالرجل
بعد الاختلاف، وإن اختلفت الروايتان في عدد الأضلاع، ويوافق الأولى
أيضا رواية المفيد في إرشاده (4)، ولكن اتفق الجميع في اعتبار أصل
الاختلاف، وروى اعتبار ذلك الشيخ في الخلاف والعماني (5)، وادعى
الحلي الخبر المتفق عليه فيه (6).
وقد يستدل له أيضا برواية السكوني: " فتعد أضلاعه، فإن كانت
ناقصة عن أضلاع النساء بضلع ورث ميراث الرجال، لأن الرجل تنقص
أضلاعه عن ضلع المرأة بضلع " (7).
وحجة الثالث: صحيحتا هشام، ورواية إسحاق المتقدمة (8)،
والمروي في قرب الإسناد للحميري: " إن عليا (عليه السلام) قضى في الخنثى الذي
له ذكر وفرج: أنه يرث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعا فمن أيهما
سبق، فإن لم يبل من واحد حتى يموت فنصف ميراث المرأة ونصف
ميراث الرجل " (9).

(1) الوسائل 26: 291 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 4.
(2) الفقيه 4: 238 / 762، الوسائل 26: 288 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 5.
(3) التهذيب 9: 354 / 1271، الوسائل 26: 286 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 3.
(4) إرشاد المفيد 1: 213، الوسائل 26: 288 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 5.
(5) الخلاف 4: 106، حكاه عن العماني في المختلف: 745.
(6) السرائر 3: 280.
(7) الفقيه 4: 238 / 760، الوسائل 26: 287، أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 4.
(8) راجع ص: 444.
(9) قرب الإسناد: 144 / 517، الوسائل 26: 289 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 6.
448

أقول: دليل الأول إنما يتم لو لم يتم دليل الأخيرين، وبقيت الواقعة
على الشبهة، فاللازم التكلم فيهما.
فنقول: أما دليل الثاني، فغاية ما يقال عليه: هو ضعف السند،
ولا يخفى ضعفه، فإن بعد وجود الرواية في الأصول المعتبرة وتكون فيها
الصحيحة، ومع ذلك كانت بدعوى الإجماع المتعددة وشهادة الاتفاق على
الرواية منجبرة، فأي ضرر في ضعف سند بعض أخبار المسألة؟!
وأما قول العماني: من أنه لم يصح عندي خبر عد الأضلاع (1)، فهو
غير موهن له، لأنه لم ينف الصحة، وإنما نفى ثبوتها عنده، مع أنه لا وهن
بنفيه الصحة أيضا.
وقد يقال عليه أيضا: باختلاف العدد الوارد في الأخبار، ففي بعضها
أن بعد العد كان عدد الأيمن اثنى عشر والأيسر أحد عشر، وفي بعضها أن
الأيمن كان تسعة والأيسر ثمانية.
وفيه: أنه لا يضر بعد الاتفاق على اعتبار أصل الاختلاف، مع أنه
يمكن أن يكونا في واقعتين واختلف أضلاع الشخصين.
ولا يضر أيضا دلالة أكثر الروايات على أن المعتبر اختلاف أعداد
ضلعي الرجل، ودلالة رواية السكوني على أن المعتبر نقصان عدد أضلاع
الرجل عن أضلاع المرأة بضلع، لأن الأمرين متلازمان، إذ بعد تساوي
أعداد ضلعي المرأة يكون أعدادها زوجا، فبعد نقص واحد منها يكون
الباقي فردا، فإذا قسم العدد الفرد على ضلعي الرجل يختلف عدديهما.
ولا يضر أيضا ما قيل: من أن الموافق للحس والتشريح تساوي

(1) حكاه عنه في المختلف: 745.
449

أضلاع الرجال والنساء عددا (1)، لأنه يمكن أن تكون العلة المذكورة في
الأخبار من خلقة حواء من ضلع آدم، موجبة لحصول الاختلاف ولو في
الأكثر أو في الجملة دون الكلية، ولأجل ذلك قرر الشارع بناء حكم الخنثى
على ذلك.
وأما دليل الثالث: فهو وإن كان متضمنا للصحيح، إلا أن دلالته على
هذا القول غير واضحة، لأن الصحيحين دلا على أن له ميراث الرجال
والنساء وهو غير المطلوب. وتأويله إليه لامتناع ما دلا عليه لعدم قول به
يصح إذا كان الامتناع معينا لإرادة ذلك، وليس كذلك، لجواز إرادة معنى
آخر لا نعلمه، والتعبير بذلك لجهة لا نعلمها، فإن الإجمال في الأخبار ليس
بعزيز، وطرح الأخبار لمثل ذلك ليس بجديد.
وكذا رواية إسحاق، لأن إرادة الإرث من العقل ليست بدلالة لغوية أو
عرفية أو شرعية ثابتة، ولو سلم فغاية ما تدل عليه إنما هو بعد الموت،
وكذا رواية الحميري. ويدلان بالمفهوم على انتفاء ذلك الحكم لو بال قبل
الموت مطلقا.
وبالجملة الروايات المعتبرة غير صريحة، والصريحة منها ضعيفة،
ولو قيل بانجبارها بالشهرة فبما بعد الموت مخصوصة، ودعوى الإجماع
المركب في أمثال تلك المسألة لا تخلو عن مجازفة.
ثم لو قطع النظر عن جميع ذلك، فلا أرى وجها مقبولا لترجيح هذه
الأخبار على أخبار عد الأضلاع، فالمسألة كموضوعها مشكلة، وإن كان
القول الثاني أقرب، فعليه العمل. والله أعلم.

(1) انظر كشف اللثام 2: 303.
450

المسألة الرابعة: من له رأسان أو بدنان على حقو واحد يوقظ
أحدهما أو يصاح به، فإن انتبه أحدهما خاصة فهو اثنان فله ميراثان، وإلا
فواحد بلا خلاف فيه كما قيل (1)، لرواية حريز المجبرة (2).
ولو تولد كذلك حيا ثم مات قبل الاستعلام وانتقل ميراثه إلى أمه
فيحصل الإشكال، والعمل بأصالة عدم تولد الاثنين وعدم انتقال إرث
الاثنين إلى الأم ممكن.
المسألة الخامسة: من ليس له فرج الرجال ولا النساء يورث
بالقرعة، لدلالة المعتبرة المستفيضة المعتضدة بعمل جل الطائفة عليه (3)،
ولو قيل بالاعتبار أولا بتنحي البول وعدمه، فالأول ذكر والثاني أنثى - كما
في مرسلة ابن بكير (4) - ومع التساوي يرجع إلى القرعة أمكن.
المسألة السادسة: تبرؤ الوالد عن جريرة ولده وميراثه لا يؤثر على
الأظهر الأشهر. والخبران الدالان على تأثيره (5) - مع عدم صراحة أحدهما -
شاذان، كما صرح به الشيخ في الحائريات والحلي والشهيدان والمحقق (6)،

(1) انظر كشف اللثام 2: 308 والرياض 2: 378.
(2) الكافي 7: 159 / 1، الفقيه 4: 240 / 764، التهذيب 9: 358 / 1278،
الوسائل 26: 295 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 5 ح 1.
(3) انظر المقنعة: 698، والمقنع: 177، والمبسوط 4: 114.
(4) الكافي 7: 157 / 4، التهذيب 9: 357 / 1277، الإستبصار 4: 187 / 702،
الوسائل 26: 294 أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 5.
(5) الفقيه 4: 229 / 731، التهذيب 9: 348 / 1252 - 1253، الإستبصار 4:
185 / 696 و 697، الوسائل 26: 272 و 273 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 7 ح 2
و 3.
(6) حكاه عن الحائريات في السرائر 3: 286، الحلي في السرائر 3: 286، الشهيدان
في اللمعة والروضة 8: 213، المحقق في الشرائع 4: 44، والنافع: 274.
451

وادعى بعضهم إجماع أصحابنا بل المسلمين كافة على خلافه (1).
المسألة السابعة: قالوا: يشترط في إرث شخص عن آخر، العلم
بحياة الوارث بعد المورث ولو بطرفة عين، فلو لم يعلم ذلك فله صور
خمس: لأن عدم العلم بذلك إما لأجل العلم باقتران موتهما، أو لأجل عدم
العلم بالاقتران أو تقدم أحدهما فيشتبه المعية والتقدم، أو لأجل عدم العلم
بالمتقدم مع العلم بعدم المعية والاقتران، ثم كل من الأخيرين على قسمين،
أحدهما: أن لا يتعين زمان موت أحدهما أيضا، وثانيهما: أن يتعين ذلك،
وكان الشك لأجل عدم العلم بزمان موت الآخر.
والظاهر عدم الإشكال في القسمين الأخيرين، وهما اللذان يعلم
فيهما زمان موت أحدهما، فيعمل في الآخر بأصالة تأخر الحادث، ولعله
لا خلاف فيه أيضا، إلا ما مر في مسألة ميراث المفقود عن التحرير ورده (2).
وكذا لا إشكال في الأول، لأن بعد العلم بالمعية يعلم عدم حياة
الوارث بعده، التي هي شرط الإرث، ولا خلاف فيه، بل هو إجماعي
محققا ومحكيا (3)، فهو الدليل عليه.
مضافا إلى ما مر من ثبوت اشتراط التوريث - الذي هو مخالف
للأصل - بتحقق حياة الوارث بعد المورث.
وإلى رواية القداح: " ماتت أم كلثوم بنت علي (عليه السلام) وابنها زيد بن
عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدري أيهما هلك قبل، فلم يورث
أحدهما عن الآخر، وصلي عليهما جميعا " (4).

(1) كما في السرائر 3: 286، والتنقيح 4: 209.
(2) راجع ص: 103.
(3) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، والرياض 2: 378.
(4) التهذيب 9: 362 / 1295، الوسائل 26: 314 أبواب ميراث الغرقى ب 5 ح 1.
452

وإلى مفهوم العلة في رواية قابوس، عن أبيه عن علي (عليه السلام): أنه
قضى في رجل وامرأة ماتا جميعا في الطاعون، ماتا على فراش واحد ويد
الرجل ورجله على المرأة، فجعل الميراث للرجل، وقال: " إنه مات
بعدها " (1).
وكذلك الصورة الثانية، بلا خلاف يعرف فيها أيضا، ونسبه بعضهم
إلى تصريح الأصحاب. وفي المسالك (2) وشرح المفاتيح الإجماع عليه.
وتدل عليه - بعد ظاهر الإجماع - رواية القداح، المنجبر ضعفها لو
كان بما مر.
ويدل عليه أيضا أن إرث شخص عن آخر موقوف بالعلم بوارثية
الأول للثاني، لا مجرد وجود المنتسب الواقعي وإن لم يعلمه أحد، فإن
المراد بإرثه عنه حلية تصرف الوارث في ماله تصرفا ملكيا، ووجوب
اجتناب الأبعد منه عنه وحرمته عليه، ووجوب إعطاء من المال بيده إليه،
وحكم الحاكم به، ونحو ذلك، فإنه إذا كان ولد لشخص لا يعلم أحد
ولديته، كما إذا تمتع بامرأة وولد له ولد ولم يعلم به الوالد ولم يعرف الولد
والده، أو ألحق بوالد آخر بوجه شرعي، لا تترتب آثار التوريث في ماله
له، ولا يحرم على الأبعد منه أخذ مال المورث إرثا، ولا على سائر من
يساوي أخذ حصته.
وبالجملة: المراد بالتوريث ترتب آثاره الظاهرية، ولا شك أنه
موقوف على العلم بوجود الوارث ووارثيته، فشرط التوريث ليس مجرد

(1) الكافي 7: 138 / 6 وفيه: مرفوعا، التهذيب 9: 361 / 1289، الوسائل 26:
314 أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب 5 ح 3.
(2) المسالك 2: 343.
453

الوجود والانتساب الواقعي، لأنه تكليف بما لا يطاق وإغراء بالجهل، بل
هو العلم بهما ولو بدليل شرعي، كاستصحاب بلا معارض ونحوه.
وعلى هذا فنقول: إن شرط توريث أحد المشتبهين عن الآخر العلم
ببقاء حياته بعد الآخر. وهو منتف فكذلك المشروط.
ومما ذكرنا يندفع ما ذكره صاحب الكفاية بعد الاستدلال للمشروط
بأن الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط بقوله: ولقائل أن يقول:
ثبوت الإرث له - أي لغير هذا المشكوك فيه ممن هو أبعد منه - مشروط
بعدم وجود الأقرب عند موت المورث، وثبوت الجميع له مشروط بعدم
مشارك له في مرتبته عند موت المورث، فالشك في الشرط يقتضي الشك
في المشروط (1).
فإنا نقول: إن ثبوت الإرث للغير أو المساوي مشروط بعدم العلم
بوجود الأقرب أو المساوي عند موت المورث، وهو حاصل، كما أن
الحكم بثبوت الإرث لهذا المشكوك فيه مشروط بالعلم بوجوده، وهو غير
حاصل.
ومما ذكر يظهر الحكم في الصورة الثالثة أيضا، وهي ما إذا علم عدم
المعية، ولكن لم يعلم المتقدم موته منهما عن المتأخر، فلا يورث أحدهما
عن الآخر أيضا، لما ذكر أخيرا، بل لرواية القداح أيضا (2)، فإن ظاهر قوله:
" لا يدري أيهما هلك قبل " أن التشكيك في المتقدم والمتأخر دون التقدم
وعدمه، بل هو الظاهر من القرينة الحالية أيضا، لندور فرض المعية
الحقيقية البتة.

(1) الكفاية: 307.
(2) المتقدمة في ص: 452.
454

والظاهر أنه لا خلاف في ذلك أيضا، وإن وقع التعبير في كلام كثير
بمثل قولهم: ولو اشتبه التقدم (1)، الظاهر في أن الشك في التقدم والمعية،
ولكن مرادهم ما يشمل الشك في المتقدم والمتأخر أيضا كما في كلام
بعض آخر (2).
ثم إن هذا هو الأصل والقاعدة، وقد يستثنى منه بعض الصور كما يأتي.
المسألة الثامنة: استثني من القاعدة المذكورة: الغرقى، والمهدوم
عليهم، فإنه يرث بعض المغرقين بعضا، وبعض المهدومين بعضا مع
اشتباه المتقدم والمتأخر، بالإجماع المحقق، والمحكي مستفيضا (3)، وقال
العماني: يرث الغرقى والهدمى عند آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).
ودليل الاستثناء: الإجماع، والنصوص المتكثرة، منها صحيحة
البجلي: عن القوم يغرقون في السفينة، أو يقع عليهم البيت فيموتون
ولا يعلم أيهم قبل صاحبه، فقال: " يورث بعضهم عن بعض " (5).
ونحوها الأخرى (6).
والثالثة: عن بيت وقع على قوم مجتمعين فلا يدري أيهم مات قبل،
قال، فقال: " يورث بعضهم من بعض " قلت: فإن أبا حنيفة أدخل فيها
شيئا، قال: " وما أدخل؟ " قلت: رجلين أخوين أحدهما مولاي والآخر
مولى لرجل، لأحدهما مائة ألف درهم والآخر ليس له شئ، ركبا في

(1) انظر الشرائع 4: 49، والقواعد 2: 191، والمفاتيح 3: 319.
(2) انظر المسالك 2: 343، والكفاية: 308.
(3) كما في المسالك 2: 343، والرياض 2: 378.
(4) حكاه عنه في المختلف: 750.
(5) الكافي 7: 136 / 1، الفقيه 4: 225 / 713، الوسائل 26: 307 أبواب
ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب 1 ح 1.
(6) الكافي 7: 136 / 1، الفقيه 4: 225 / 713، الوسائل 26: 307 أبواب
ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب 1 ح 1.
455

السفينة فغرقا فلم يدر أيهما مات أولا، كان المال لورثة الذي ليس له
شئ، ولم يكن لورثة الذي له المال شئ. قال، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
" لقد سمعها وهو هكذا " قلت: ولو أن مملوكين أعتقت أنا أحدهما وأعتقت
أنت الآخر، لأحدهما مائة ألف والآخر ليس له شئ فقال: " مثله " (1).
والرابعة: رجل وامرأة سقط عليهما البيت فماتا، قال: " يورث الرجل
من المرأة والمرأة من الرجل " قال، قلت: فإن أبا حنيفة قد أدخل عليهم في
هذا شيئا، قال: " فأي شئ أدخل عليهم؟ " قلت: رجلين أخوين
أعجميين ليس لهما وارث إلا مواليهما، أحدهما له مائة ألف درهم
معروفة، والآخر ليس له شئ، ركبا سفينة فغرقا، فأخرجت المائة ألف،
كيف يصنع بها؟ قال: " تدفع إلى موالي الذي ليس له شئ " فقال:
" ما أدخل فيها، صدق، هو هكذا " ثم قال: " يدفع المال إلى موالي الذي
ليس له شئ، ولم يكن للآخر مال يرثه موالي الآخر، فلا شئ لورثته " (2).
وصحيحة محمد: في الرجل يسقط عليه وعلى امرأته بيت، قال:
" تورث المرأة من الرجل، ويورث الرجل من المرأة " معناه يورث بعضهم
من بعض من صلب أموالهم، لا يورثون مما يورث بعضهم بعضا شيئا (3).
والأخرى: عن رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت، فقال: " تورث

(1) الكافي 7: 137 / 2، التهذيب 9: 360 / 1286، الوسائل 26: 309 أبواب
ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب 2 ح 1.
(2) الكافي 7: 137 / 3، التهذيب 9: 360 / 1287، الوسائل 26: 309 أبواب
ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب 2 ح 2.
(3) الكافي 7: 137 / 5، التهذيب 9: 361 / 1288، الوسائل 26: 310 أبواب
ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب 3 ح 1.
456

المرأة من الرجل، ثم يورث الرجل من المرأة " (1).
ومثلها موثقة البقباق (2)، ورواية عبيد بن زرارة أيضا، أو صحيحته (3).
وصحيحة محمد بن قيس: " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل
وامرأة انهدم عليهما بيت فماتا، ولا يدري أيهما مات قبل صاحبه، فقال:
يرث كل واحد منهما زوجه كما فرض الله لورثتهما " (4).
ورواية البصري: عن القوم يغرقون أو يقع عليهم البيت، قال:
" يورث بعضهم من بعض " (5).
وقريبة منها موثقة البقباق (6).
ومرسلة أبان: عن قوم سقط عليهم سقف، كيف مواريثهم؟ فقال:
" يورث بعضهم من بعض " (7).
ومرسلة حمران: في قوم غرقوا، جميعا أهل البيت قال: " يورث

(1) التهذيب 9: 359 / 1282، الوسائل 26: 315 أبواب ميراث الغرقى والمهدوم
عليهم ب 6 ح 2.
(2) الفقيه 4: 225 / 714، الوسائل 26: 315 أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم
ب 6 ح 3.
(3) التهذيب 9: 359 / 1281، الوسائل 26: 315 أبواب ميراث الغرقى والمهدوم
عليهم ب 6 ح 2.
(4) الفقيه 4: 225 / 715، التهذيب 9: 359 / 1283، الوسائل 26: 308 أبواب
ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب 1 ح 2.
(5) التهذيب 9: 360 / 1284، الوسائل 26: 308 أبواب ميراث القربى والمهدوم
عليهم ب 1 ح 3.
(6) الفقيه 4: 225 / 714، التهذيب 9: 360 / 1285، الوسائل 26: 308 أبواب
ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب 1 ح 4.
(7) التهذيب 9: 362 / 1293، الوسائل 26: 308 أبواب ميراث الغرقى والمهدوم
عليهم ب 1 ح 5.
457

هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء، لا يورث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء
شيئا، ولا يورث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئا " (1).
ثم إنه يشترط الحكم بتوريث بعضهم من بعض بشروط أربعة:
الأول: أن يشتبه الحال في تقدم موت أحدهما على الآخر وتأخره
عنه، فلو علم اقترانه فلا إرث، ولو علم المتقدم ورثه المتأخر من غير
عكس، إجماعا، له، ولاختصاص أكثر النصوص المتقدمة بما كان كذلك،
وظهور البواقي فيه أيضا، لأن بعد الغرق أو الهدم يشتبه الحال غالبا،
ويخصص بالإجماع لو لم يكتف فيه بالظهور المذكور.
والثاني: أن يكون لجميع المهلكين أو لواحد منهم مال، لأن التوريث
فرع تحقق المال، ولو كان المال لواحد يرثه من لا مال له، ثم ينتقل إلى
وارثه الحي.
والثالث: أن يتحقق سبب الإرث بينهم، إما مقدما على جميع من
سواهم، أو يكون شريكا، فلو انتفى السبب كما لو لم يكن استحقاق إرث
بالكلية، إما لعدم النسب والسبب، أو لوجود مانع من كفر أو رق، أو وجود
وارث حي لكل منهم أو لأحدهم حاجب للميت الآخر، لم يثبت الحكم
بالنسبة إلى ذي المانع، فلو غرق أخوان ولكل منهما ولد فلا توارث بينهما،
بل كل منهما يحوز ميراثه ولده، بلا خلاف فيه أيضا، وذلك أيضا
إجماعي، ووجهه أيضا ظاهر، وتدل عليه أيضا عمومات منع الأقرب،
والحجب، وعمومات موانع الإرث.
والرابع: أن تكون الموارثة ثابتة من الطرفين، فلو ثبت من أحدهما

(1) التهذيب 9: 362 / 1294، الوسائل 26: 311 أبواب ميراث الغرقى والمهدوم
عليهم ب 3 ح 2.
458

سقط هذا الحكم، كأخوين غرقا ولأحدهما ولد دون الآخر، فلا يرثه الأخ
الآخر ولا يرث هو الآخر، وادعي على ذلك الإجماع أيضا (1).
إلا أنه نقل المحقق الطوسي في الفرائض النصيرية أنه قال قوم: بل
يورث من الطرف الممكن (2). ومال إليه المحقق الأردبيلي (3) وصاحب
الكفاية أيضا (4).
وهو غير جيد، بل الأقوى هو المشهور، لأن الحكم ثابت على
خلاف الأصل، فيقتصر فيه على اليقين المنصوص من التوارث.
وقال في الكفاية: عموم قول الصادق (عليه السلام): " يورث بعضهم من
بعض " في أخبار متعددة يقتضي ثبوت الإرث هنا من جانب واحد
انتهى (5).
وفيه: أن مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) أنه يرث كل بعض من كل بعض
- كما في آية أولي الأرحام - ولما لم يمكن ذلك في المفروض فلا بد من
ارتكاب أحد التخصيصين: إما البعض بالبعض الوارث الخالي عن المانع،
أو المهلكين بالمتوارثين، كما هو مورد كثير من الروايات، وإذ لا مرجح
فيدخل الإجمال، ولا يتحقق للخروج عن القاعدة والأصل هنا دليل. بل
المرجح في الجملة للأخير ثابت، وهو التصريح بالتوارث من الجانبين في
مرسلة حمران المتقدمة (6)، مع إطلاق المهلكين.

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.
(2) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 312.
(3) حكاه عنه في الرياض 2: 378.
(4) الكفاية: 308.
(5) الكفاية: 308.
(6) في ص: 457.
459

ثم كيفية التوريث إذا اجتمعت الشرائط: أنه يرث كل منهما عن الآخر
تلاد ماله دون طارقه، أي قديمه دون جديده، وبعبارة أخرى: من صلب
تركته لا مما ورث عمن مات معه، على الأشهر الأظهر، بل عليه عامة من
تأخر، وعن ظاهر الغنية الإجماع عليه (1).
لصحيحتي البجلي الثالثة والرابعة، المصرحتين بعدم شئ لورثة
الذي له مال، ولمرسلة حمران المتقدمة المنجبرة ضعفها لو كان بعمل الأكثر
والإجماع المنقول، والمعاضدة بالتفسير المذكور في صحيحة محمد
الأولى (2).
وقد يستدل بوجوه أخر عقلية قابلة للخدش أيضا.
خلافا للمفيد والديلمي، فورثا كلا من الكل حتى مما ورث من
الآخر (3).
لإطلاق الإرث في الأخبار المتقدمة.
ولأنه لولاه انتفت الفائدة فيما ورد في الأخبار - كما يأتي - من
وجوب تقديم الأضعف نصيبا.
ولأن بعد فرض موت الأول وإعطاء ماله للثاني يصير ما أعطي مالا
للثاني أيضا، فيرثه بعد فرض موته وارثه الذي هو الأول.
ويضعف الأول: بمنع وجود إطلاق يشمل محل البحث، ولو سلمنا
يجب تقييده بما مر.
والثاني: بمنع وجوب تقديم الأضعف كما يأتي، ولو سلم فبمنع

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 608.
(2) راجع ص: 455 - 457.
(3) المفيد في المقنعة: 699، الديلمي في المراسم: 225.
460

انحصار الفائدة فيما ذكر، لإمكان كونه تعبدا محضا، وللشرع علل خفية
لا تكاد تصلها عقولنا القاصرة.
والثالث: بما مر، من لزوم التخصيص بما مر، مع أن هذا التوريث
على خلاف الأصل، فلا يمكن حمله على سائر المواريث والحكم عليه
بمقتضى أدلة الباقي، بل يجب الاقتصار على المتيقن.
فرعان:
أ: لا يخفى أن توريث كل من الغرقى أو الهدمى عن الآخر إنما هو
بقدر نصيبه المقدر شرعا، كما صرح به في صحيحة محمد بن قيس
المتقدمة (1). فالأب والابن إذا لم يكن لهما وارث آخر يرث كل منهما
جميع تركة الآخر، ولو كانت معهما للأب زوجة مغرقة هي أم الابن، يرث
كل من الأب والأم من الابن نصيبه، ويرث الابن من كل منهما نصيبه،
وترث الأم من الزوج نصيبها. وهكذا لو كان معهما وارث مشارك حي يرث
هو نصيبه من مورثه.
ثم بعد تقسيم تركة الغرقى أو الهدمى بعضهم مع بعض واختصاص
كل بميراثه، يعطى ميراثه لسائر ورثته الأحياء لو فرض عدم من مات معه
غرقا أو هدما من الوارث، النسبية أو السببية، أو الولائية الخاصة أو العامة.
ب: قال في المقنع والمقنعة والنهاية والمبسوط والمراسم والوسيلة
والسرائر والجامع واللمعة: بأنه يجب تقديم الأضعف في الإرث (2)، أي

(1) في ص: 457.
(2) المقنع: 178، المقنعة: 699، النهاية: 674، المبسوط 4: 118، المراسم: 225،
الوسيلة: 401، السرائر 3: 300، الجامع: 520، اللمعة (الروضة البهية 8): 219.
461

أقل نصيبا على الأكثر نصيبا، لمكان لفظة ثم في قوله: " ثم يورث الرجل "
في صحيحة محمد الثانية، وموثقة البقباق، ورواية عبيد (1).
ويضعف: بعدم دلالته على الوجوب، لمكان الجملة الخبرية. وعدم
معلومية علية الأضعفية للتقديم فيه. ودعوى الإجماع في أمثال المقام شطط
من الكلام.
فالأقوى الاستحباب حذرا عن مخالفة هؤلاء الأجلة، وفاقا للشيخ في
الإيجاز والغنية والإصباح والحلبي والشرائع والتحرير والمختلف والإرشاد
والدروس والكفاية (2).
ولا ثمرة للمسألة بعد ما ذكر من اختصاص التوريث بأصل التركة.
المسألة التاسعة: هل يختص هذا الحكم بالغرقى والهدمى؟
أو يثبت في غيرهما من الأموات المشتبهين بغير ما ذكر من الأسباب
الخارجية كالقتل والحرق، سوى الأموات حتف أنفهم، فإنهم لا يتوارثون
إجماعا، كما صرح به جماعة (3).
فذهب المفيد (4)، بل المعظم كما في المسالك وعن الروضة (5)،
- ونسبه في الكفاية إلى الأصحاب (6) - إلى الاختصاص.

(1) المتقدمة جميعا في ص: 457.
(2) الإيجاز (الرسائل العشر): 276، الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الحلبي في
الكافي في الفقه: 376، الشرائع 4: 50، التحرير 2: 175، المختلف: 750،
الدروس 2: 353، الكفاية: 308.
(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 343، والسبزواري في الكفاية: 308،
وصاحب الرياض 2: 387.
(4) المقنعة: 699.
(5) المسالك 2: 343، الروضة 8: 213.
(6) الكفاية: 308.
462

وهو الأصح، اقتصارا فيما يخالف الأصل على موضع النص، ولما
روي من أن قتلى اليمامة وقتلى صفين لم يرث بعضهم من بعض، بل
ورثوا الأحياء (1) وضعفه منجبر بعمل الأكثر.
واختار الحلبي وابن حمزة والفاضل في القواعد: التعميم (2)، وقواه
في المختلف أخيرا وإن استقرب الأول أولا (3)، وهو محتمل المبسوط
والنهاية (4).
لأن الظاهر أن العلة في التوارث الاشتباه، وهو حاصل في الجميع،
والاعتبار بجعل العلة منقحة قطعية لا مستنبطة ظنية، حتى يكون من القياس
الباطل عند الفرقة الناجية.
ويؤيده فهم الراوي في صحيحتي البجلي الثالثة والرابعة من
حكمه (عليه السلام) في المهدوم عليهم ثبوته في الغرقى، واعتراضه على أبي حنيفة
في حكمه في الغرقى بما حكم (5).
وفيه أولا: بالمعارضة، فيمكن أن يقال: إن الظاهر أن العلة في نفي
التوارث في رواية القداح المتقدمة في المسألة السابعة (6)، بل الإجماع في
موت حتف الأنف: الاشتباه، والاعتبار بجعلها قطعية، وبعد فتح باب
احتمال مدخلية السبب الداخلي في نفي التوارث والخارجي في إثباته،

(1) انظر إيضاح الفوائد 4: 277.
(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 376، ابن حمزة في الوسيلة: 400، القواعد 2:
191.
(3) المختلف: 750.
(4) المبسوط 4: 118، النهاية: 674.
(5) راجع ص: 455 و 456.
(6) في ص: 2799.
463

يبطل حكم الاعتبار بالمرة، لأنه لا تفهم خصوصية قيد أصلا، وإذا احتمل
مدخلية بعض أنواع الأسباب يسري الاحتمال إلى مدخلية الغرق والهدم
أيضا.
وثانيا: بمنع فهم العلة قطعا، غايته الظن الموجب للقياس المحرم.
وأما فهم الراوي في الصحيحين فلا نسلم أنه فهم الاتحاد من فهم العلة، بل
يجوز أن يكون اتحاد حكم الهدمى والغرقى معلوما عندهم من الخارج كما
في هذا الزمان، مع أنه لا يدل على فهمه الاتحاد أيضا، بل يمكن أن يكون
غرضه أن أبا حنيفة زاد في مسألة التوارث شيئا آخر لا في مسألة المهدوم.
فتأمل.
تتميم: اعلم أنه قد جرت عادة الفقهاء بذكر حساب الفرائض، وبيان
كيفية التقسيم على طريقة أهل الحساب، وبيان المناسخات، وكيفية التقسيم
فيها في كتاب الفرائض.
ولما كان ذلك أمرا مضبوطا غير محتاج إلى نقض وإبرام واستدلال
وترجيح، وكان فيما ذكر في كتاب واحد كفاية للباقين بالرجوع إليه، ومع
ذلك لم يتوقف التقسيم غالبا على معرفة جميع قواعدها، رأينا ترك ذكرها،
والاشتغال بالأهم منه أولى، وبمحافظة الوقت أحرى.
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله أئمة الهدى
464