الكتاب: مصباح الفقيه (ط.ق)
المؤلف: آقا رضا الهمداني
الجزء: ٢ ق ١
الوفاة: ١٣٢٢
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: انتشارات مكتبة النجاح - طهران
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية

ترجمة مصنف كتاب مصباح الفقيه
هو الشيخ الفقيه النبيه العالم العلم والبحر الخضم قدوة الاعلام وحسنة الأيام آية الله في العالمين والثقة الأمين على الدنيا والدين ذو الفكرة السليمة والطريقة
المستقيمة امام عصره وغرة جبين دهره التقي النقي الورع الزاهد الابي شيخنا ومولانا ومقتدانا العالم الرباني الحاج آقا رضا الهمداني نجل الشيخ
العالم الفقيه الكامل المولى الآقا هادي سقى ضريحه صوب الغوادي
مولده وموطنه وهجرته
ولد رحمه الله في همدان ويوشك أن تكون ولادته في سنة 1250 وبعدها بنيف من السنين وذلك بمقتضى ما ذكره بعض أهل العلم من أنه قد انتقل
إلى دار الرضوان ولم يبلغ السبعين من العمر وقد هاجر من همدان إلى النجف الأشرف وكان من ذوي الفضل والتحصيل فحضر على شيخ العلماء المتأخرين
العلامة المرتضى الأنصاري أعلى الله مقامه وعلى غيره ممن عاصره وحضر بعده على الأستاذ الأعظم السيد العلامة الشيرازي في النجف الأشرف
وهاجر إليه لما انتقل إلى سامراء فحضر عنده مدة من الزمان وكان من أفاضل تلامذته وقد استقل في زمانه بالتدريس والتصنيف واجتمع حوله جملة
من التلامذة المبرزين والعلماء البارعين وكان جلهم من فضلاء العرب وكان بحثه لا يشتمل الا على أمثالهم من أهل العلم والتحصيل الذين أصبحوا بعده
وفي زمانه من أكابر فقهاء الإمامية ومراجعها وجملة منهم من أعاظم عصرنا دامت بركاتهم.
زهده وعلمه وأخلاقه
هو بغير شك بهذه الخلال الثلاث عذيقها المرجب وجذيلها المحكك لا يلحق شاؤه ولا يشق غباره أستاذ ماهر وجهبذ باهر حسن السمت كثير الصمت
مع زهد وورع وتقوى وصلاح حكى بعض أكابر الفقهاء الأتقياء قال إني عاشرته زمنا طويلا فلم أرى منه زلة ولا هفوة وما سمعته يوما يتكلم في امر
من أمور الدنيا حتى العاديات من القصص والتواريخ والحكايات والنوادر ولا يتكلم الا بما يعنيه وكان دائم الاشتغال والتصنيف مواظبا على التدريس
والتأليف كيفية تعيشه ان من الغريب المدهش ان يستطيع مثله ان يبلغ هذا المبلغ وينال وأناله من علو الدرجة في العلوم والمعارف
وهو في تلك الفاقة والحاجة وربما تمر عليه جملة أيام وهو صابر مرتاض يحتسب في جنب الله كل عناء راجيا منه تعالى ان ينال رضوانه الأكبر فهو
يعاني مشقتين ويكافح عنائين وهذا مفخر ماجد وشرف عال صاعد يمتاز به نوع المشتغلين في العلوم الدينية من الفرقة الامامية فإنهم يعيشون
بلا رواتب تكفل معيشتهم ولا مخصصات تقوم بواجباتهم وقد استمرت هذه الأحوال الصعبة على شيخنا وأستاذ أساتيذنا المترجم رضوان الله عليه
حتى أواخر أيامه وقد استحكمت في أعماق نفسه المقدسة ملكات التقوى والورع والعفاف وغرائز الزهد والخشية والإباء ولما ألقت الأمور بأزمتها
وانقادت له بنواصيها أبى مشتبهاتها واحتاط عن مشكلاتها وقنع بما اتاه الله من فضله والله ذو فضل عظيم.
حلف الزمان ليأتين بمثله * حنثت يمينك يا زمان فكفر
مرجعيته في التقليد
نبغ رحمه الله وفي زمانه جملة من فطاحل علماء الإمامية وكان من بينهم قدوة الصالحين ومتبوع المتبصرين وكان يتحرج من الفتيا ويتجافى عن التقليد
ومع ذلك فقد قلده كثير من الخواص العارفين معتقدين أعلميته الا انه لم تطل أيامه وابتلى ببعض الأمراض التي منعته من الفتيا والتدريس ومباشرة
الأمور العامة مؤلفاته برز منها شرح الشرائع الذي سماه مصباح الفقيه اسما طابق المسمى وقد تم منه كتاب الطهارة وكتاب الصلاة
والصوم والخمس وبرز منه أكثر كتاب الزكاة وكتاب الرهن وهو كتاب جليل مشحون بالتحقيقات والتدقيقات التي لم يسبقه إليها سابق ولم يزل مما يتنافس
في اقتنائه واستنساخه المتنافسون ولا يستغني عنه المدرسون وله حاشية على رسائل الشيخ الأنصاري قد طبعت في إيران سنة 1318 وله كتاب
البيع من تقريرات سيدنا العلامة الشيرازي وحاشية على الرياض غير تامة ورسالة في اللباس المشكوك وله تقريرات ما حضره على الأستاذ الشيرازي
وله أجوبة مسائل مختلفة لم تخرج إلى البياض وله رسالة عملية
مرضه ووفاته وعقبه
ابتلى رحمه في اخر أيام حياته بمرض السل ولم يجد العلاج فذهب إلى سامراء لتبديل الهواء والاستشفاء بزيارة الأئمة الامناء وبقي في سامراء
عدة اشهر وهناك اختار الله تعالى له دار أوليائه وجرى عليه محتوم قضائه وذلك في صبيحة يوم الأحد الثامن والعشرين من شهر صفر 1322
ودفن في الرواق المطهر بسامراء في الجهة الشرقية منه تجاه قبر الطاهرة حليمة خاتون في الصفة الأخيرة التي لها شباك على زاوية الصحن الشريف
العسكري وقد أعقب من الذكور ولد صالحا تقيا اسمه الشيخ محمد وفقه الله لكل خير وقد تصدى لترجمته قدس الله نفسه جماعة من أكابر المتأخرين
كالعلامة الفقيه الأوحد والعلم الشهير المفرد حجة الاسلام والمسلمين السيد حسن الصدر (في كتابه تكملة الامل) والشيخ العلامة الأوحد الشيخ علي آل كاشف الغطا (في طبقات الشيعة) والفاضل الكامل النحرير الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه المعد لذكر مصنفي الشيعة ومصنفاتهم فعلى
الطالب ان يراجع مظانها
1

عليك بمصباح الفقيه فإنه * أجل كتاب للفقيه المحصل
به يهتدي الشاري إلى منهج الهدى * ومنه ظلام الشك والريب ينجلي
هذا كتاب الصلاة من
مصباح الفقيه لحضرة علامة العلماء
العاملين أستاذ الفقهاء والمجتهدين
حجة الاسلام والمسلمين آية الله
في العالمين المرحوم المبرور الحاج
آقا رضا الهمداني قدس سره
العزيز
بسم الله الرحمين الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين كتاب الصلاة
وهي أوضح من أن يتوقف فهم معناها الذي يراد منها في اطلاقات الشارع والمتشرعة إلى تعريف لفظي وهو من
أفضل العبادات وأهمها في نظر الشارع
فعن الكليني في الصحيح عن معاوية بن وهب قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم وأحب ذلك إلى الله عز وجل ما هو فقال
ما اعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة الا ترى ان العبد الصالح عيسى بن مريم صلى الله عليه قال وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا
وفي الصحيح عن أبان بن تغلب قال صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام المغرب بالمزدلفة فلما انصرف أقام الصلاة فصلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما ثم صليت
بعد ذلك بسنة فصلى المغرب ثم قام فتنفل بأربع ركعات ثم قام فصلى العشاء ثم التفت إلي فقال يا ابان هذه الصلوات الخمس المفروضات من أقامهن
وحافظ على مواقيتهن لقي الله تعالى يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم يصلهن لمواقيتهن ولم يحافظ عليهن فذلك إليه ان شاء غفر له
وان شاء عذبه وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود نفعت الاطناب والأوتاد والغشاء
وإذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء وعن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام صلاة فريضة خير من عشرين حجة وحجة خير من بيت ذهب يتصدق منه
حتى يفنى وعقاب تركها عظيم فعن الشيخ في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام فصلى فلم يتم ركوعه
ولا سجوده فقال صلى الله عليه وآله نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ان تارك الفريضة كافر وعن الصدوق
في الصحيح عن يزيد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما بين المسلم وبين ان يكفر الا ان يترك الصلاة الفريضة متعمدا أو يتهاون بها فلا يصليها
وعن مسعدة بن صدقة أنه قال سئل أبو عبد الله عليه السلام ما بال الزاني لا تسميه كافرا وتارك الصلاة تسميه كافرا وما الحجة في ذلك فقال لان الزاني وما أشبهه انما
فعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه وتارك الصلاة لا يتركها الا استخفافا بها وذلك لأنك لا تجد الزاني يأتي المرأة الا وهو مستلذ لاتيانه إياها
قاصدا لها وكل من ترك الصلاة قاصدا لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذة فإذا انتفت اللذة وقع الاستخفاف وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر
والأخبار الواردة في ذلك أكثر من أن تحصى والعلم بها اي بالصلاة يستدعي بيان أربعة أركان الركن الأول في المقدمات اي الأمور التي ينبغي
التعرض لها قبل بيان مهية الصلاة وما يتعلق بها من الاحكام وهي سبع الأول في اعداد الصلاة والمفروض منها ولو بسبب من المكلف تسعة
صلاة اليوم والليلة وما يتبعها من صلاة الاحتياط والجمعة والعيدين والكسوف الشامل للخسوف والزلزلة
والآيات والطواف الواجب والأموات وما يلتزمه الانسان بنذر وشبهه كالعهد واليمين أو بإجارة ونحوها
ويمكن ادراج ما التزمه الانسان على نفسه من القضاء عن الغير بإجارة ونحوها كادراج القضاء حتى من الولي في اليومية كما أنه يمكن ادراج بعض
المذكورات الموجب لتقليل العدد عن التسعة كالجمعة في اليومية وادراج الكسوف في الآيات وربما اسقط بعض صلاة الأموات رأسا بدعوى عدم كونها
صلاة حقيقة وكيف كان بالامر سهل بعد في لخلاف في أصل الحكم وما عدى ذلك مسنون وهو كثير كما تعرفه فيما يأتي إن شاء الله فهذا مجمل الكلام فيها
2

واما تفصيل ذلك فصلاة اليوم والليلة خمس الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء وهي سبع عشر ركعة في الحضر الصبح ركعتان والمغرب
ثلث ركعات وكل واحدة من البواقي أربع ركعات ويسقط من كل رباعية في السفر ركعتان فهي احدى عشرة ركعة في السفر ونوافلها والمزاد بها ما يعم
بنافلة الليل التي لها أيضا كسائر النوافل المسنونة في اليوم والليلة نحو تعلق بالفرائض على ما يظهر من بعض الأخبار الآتية المبنية لحكمة شرعيتها
إلى الحضر اربع وثلاثون ركعة على الأشهر (رواية) والمشهور فتوى بل في المدارك ومحكى المختلف والذكرى لا نعلم فيه مخالفا وعن جمع من الأصحاب دعوى
الاجماع عليه وتفصيلها امام الظهر ثمان ركعات وقبل العصر مثلها وبعد المغرب أربع ركعات وبعد العشاء ركعتان من جلوس تعدان بركعة و
احدى عشرة صلاة الليل مع ركعتي الشفع والوتر وركعتان للفجر فيكون مجموع الفريضة والنافلة احدى وخمسين ركعة كما يشهد له حسنة فضيل بن يسار
أو صحيحته عن أبي عبد الله عليه السلام قال الفريضة والنافلة احدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدان بركعة وهو قائم الفريضة منها سبع عشرة ركعة
والنافلة اربع وثلاثون ركعة وخبر البزنطي قال قلت لأبي الحسن عليه السلام ان أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع بعضهم يصلي أربعا وأربعين ركعة وبعضهم
يصلي خمسين فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو حتى اعمل بمثله فقال أصلي واحدة وخمسين ركعة ثم قال امسك وعقد بيده الزوال ثمانية وأربعا بعد
الظهر وأربعا قبل العصر وركعتين بعد المغرب وركعتين قبل عشاء الآخرة وركعتين بعد العشاء من قعود تعدان ركعة من قيام وثمان صلاة الليل والوتر
ثلاثا وركعتي الفجر والفرائض سبع عشرة فذلك احدى وخمسون ركعة وعن الكليني والشيخ في الصحيح عن حارث بن المغيرة النضري قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
صلاة النهار ست عشرة ثمان إذا زالت وثمان بعد الظهر وأربع ركعات بعد المغرب يا حارث لا تدعها في سفر ولا حضر وركعتان بعد العشاء كان أبي يصليها وهو
قاعد وانا أصليها وانا قائم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي ثلث عشرة ركعة من الليل ومرفوعة الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الخمسين والواحدة
ركعة فقال إن ساعات النهار اثنتي عشرة ساعة وساعات الليل اثنتي عشرة ساعة ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ومن غروب الشمس إلى غروب الشفق
غسق فلكل ساعة ركعتان وللغسق ركعة وصحيحة الفضيل بن يسار والفضل بن عبد الملك وبكير قالوا سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول كان رسول الله صلى الله عليه آله
من التطوع مثلي الفريضة ويصوم من التطوع مثلي الفريضة ورواية سعد بن الأحوص قال قلت للرضا عليه السلام كم الصلاة من ركعة قال احدى وخمسون ركعة
وموثقة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر وست ركعات بعد الظهر وركعتان قبل العصر
وأربع ركعات بعد المغرب وركعتان بعد العشاء الآخرة تقرأ فيهما ماية آية قائما أو قاعدا والقيام أفضل ولا يعدهما من الخمسين وثمان ركعات من اخر الليل
تقرء في صلاة الليل بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون في الركعتين الأوليين وتقرء في سائرها ما أحببت من القرآن ثم الوتر ثلاث ركعات تقرء فيها
جميعا قل هو الله أحد وتفصل بينهن بتسليم ثم الركعتان اللتان قبل الفجر تقرء في الأولى منهما قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد وخبر
الفضل بن شاذان المروي عن العلل عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال والصلاة الفريضة الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات والمغرب ثلاث
ركعات والعشاء الآخرة أربع ركعات والغداة ركعتان هذه سبع عشرة ركعة والسنة اربع وثلاثون ركعة ثمان ركعات قبل فريضة الظهر وثمان ركعات قبل
فريضة العصر وأربع ركعات بعد المغرب وركعتان من جلوس بعد العتمة تعدان بركعة وثمان ركعات في السحر والشفع والوتر ثلاث ركعات تسلم بعد الركعتين
وركعتا الفجر وروايته الأخرى أيضا عن الرضا عليه السلام المروية عن العيون والعلل وفيها وانما جعلت السنة أربعا وثلاثين ركعة لان الفريضة سبع عشرة فجعلت السنة مثلي
الفريضة كما لا الحديث وخبر الأعمش المروي عن الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث شرايع الدين قال وصلاة الفريضة الظهر أربع ركعات والمغرب ثلاث
ركعات والعشاء الآخرة أربع ركعات والفجر ركعتان فجملة الصلاة المفروضة سبع عشرة ركعة والسنة اربع وثلاثون ركعة منها أربع ركعات بعد المغرب لا
تقصير فيها في السفر والحضر وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدان بركعة وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل والشفع ركعتان والوتر ركعة
وركعتا الفجر بعد الوتر وثمان ركعات قبل الظهر وثمان ركعات بعد الظهر قبل العصر والصلاة تستحب في أول الأوقات وخبر أبي عبد الله القزويني قال
قلت لأبي جعفر عليه السلام محمد بن علي الباقر عليهما السلام لأي علة تصلي الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود فقال لان الله فرض سبع عشر ركعة فأضاف إليها رسول الله صلى الله عليه وآله
مثليها فصارت احدى وخمسين ركعة فتعدان هاتان الركعتان من جلوس بركعة ورواية أبي بصير المروية عن كتاب صفات الشيعة عن الصادق عليه السلام قال شيعتنا
أهل الورع والاجتهاد وأهل الوفاء والأمانة وأهل الزهد والعبادة وأصحاب الإحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة القائمون بالليل الصائمون
بالنهار يزكون أموالهم ويحجون البيت ويجتنبون كل محرم ومرسلة المصباح عن العسكري عليه السلام قال علامات المؤمن خمس وعد منها صلاة الإحدى
والخمسين وربما يظهر من جملة من الاخبار ان المعروف في الصدر الأول لدى أصحاب الأئمة عليهم السلام فيما جرت به السنة في عدد الركعات خمسون مثل
ما عن مجمع البيان عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام في قوله تعالى والذين هم على صلاتهم يحافظون قال أولئك أصحاب الخمسين صلاة من شيعتنا وعن معاوية
بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول كان في وصية النبي لعلي عليهما السلام إلى أن قال يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عني ثم قال اللهم أعنه
إلى أن قال والسادسة الاخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي اما الصلاة فالخمسون ركعة وعن محمد بن أبي حمزة قال سئلت عن أفضل ما جرت به السنة
من الصلاة قال تمام الخمسين وفي خبر ابن سالم المتقدم أيضا شهادة على ذلك فإنه عليه السلام بعد ان عد ركعتين بعد العشاء الآخرة من النوافل قال
3

ولا يعدهما من الخمسين فإنه يدل على معروفية عدد الركعات لديهم بخمسين فأراد الإمام عليه السلام التنبيه على زيادة هاتين الركعتين اللتين تعدان بركعة
على الخمسين ونحو ما عن الشيخ باسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في حديث قال وانما صارت العتمة مقصورة وليس تترك ركعتاها لان الركعتين
ليستا من الخمسين وانما هي زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع وفي حسنة الحلبي أيضا إشارة إليه قال سالت
الصادق عليه السلام هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شئ قال لا غير اني أصلي ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل وربما يستشعر من هذه الحسنة بل
يستظهر منها عدم كونهما من النوافل الموظفة ولكنه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الاستشعار في مقابل ما عرفت وستعرف وفي خبر البزنطي المتقدم
أيضا دلالة على كون الخمسين معروفة لدى بعض الأصحاب ولعل منشا معروفيتها بخمسين عدم مواظبة النبي صلى الله عليه وآله على الركعتين اللتين
تعدان بركعة كما يدل عليه غير واحد من الاخبار مثل ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع عن جنان قال سئل عمرو بن حريث أبا عبد الله عليه السلام وانا جالس فقال له جعلت
فداك أخبرني عن صلاة رسول الله فقال كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي ثمان ركعات الزوال وأربعا الأولى وثمانيا بعدها وأربعا العصر وثلاثا المغرب وأربعا
بعد المغرب والعشاء الآخرة أربعا وثمان صلاة الليل وثلاثا الوتر وركعتي الفجر وصلاة الغداة ركعتين قلت جعلت فداك وان كنت أقوى على أكثر
من هذا يعذبني الله على كثرة الصلاة فقال لا ولكن يعذب على ترك السنة وما عن الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن حماد بن عثمان قال
سئل أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله بالنهار فقال ومن يطيق ذلك ثم قال ولكن الا أخبرك كيف اصنع انا فقلت بلى فقال ثماني ركعات قبل الظهر
وثمان بعدها قلت فالمغرب قال اربع بعدها قلت فالعتمة قال عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي العتمة ثم ينام وقال بيده هكذا فحركها قال ابن أبي عمير ثم وصف
كما ذكر أصحابنا وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن الا بوتر قال قلت يعني الركعتين بعد العشاء الآخرة قال
قال لا قلت ولم ذلك قال لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأتيه الوحي وكان يعلم أنه هل يموت في هذه الليلة أم لا وغيره لا يعلم فمن اجل ذلك لم يصلهما وامر بهما
ويدل عليه أيضا بعض الأخبار الآتية ولكن قد يظهر من بعض الروايات انه صلى الله عليه وآله أيضا ربما كان يأتي بالركعتين ويظهر من رواية ابن أبي
الضحاك المروى عن العيون المشتمل على عمل الرضاع في طريق خراسان انه عليه السلام أيضا لم يكن يواظب على هاتين الركعتين قال فيها كان الرضا عليه السلام إذا زالت
الشمس جدد وضوء إلى أن قال ثم يقوم فيصلي العشاء الآخرة أربع ركعات ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة فإذا سلم جلس في مصلاه يذكر
الله عز وجل ويسبحه ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ثم يأوى إلى فراشه الحديث ولا ينافي هذا استحبابهما بل ولا تأكده
كما يشهد له المستفيضة الواردة فيهما كالرواية المتقدمة وغيرها فإنهم عليهم السلام ربما كانوا يتركون بعض المستحبات لامر أهم أو لكونهم عليهم السلام عارفين
بجهته المقتضية لاستحبابه المنتفية في حقهم فلا معارضة بين هذه الروايات وبين الأخبار المتقدمة وغيرها مما دل على استحباب هاتين الركعتين كما أنه
لا تعارض تلك الأخبار الروايات التي يستشعر أو يستظهر منها انحصار عدد الركعات في أقل من ذلك مثل
مرسلة الصدوق قال قال أبو جعفر عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله
لا يصلي بالنهار شيئا حتى تزول الشمس وإذا زالت صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء وتستجاب الدعاء وتهب
الرياح وينظر الله إلى خلقه فإذا فاء الفئ ذراعا صلى الظهر أربعا وصلى بعد الظهر ركعتين ثم صلى ركعتين أخراوين ثم صلى العصر أربعا إذا فاء الفئ
ذراعا ثم لا يصلى بعد العصر شيئا حتى تؤب الشمس فإذا آبت وهو ان تغيب صلى المغرب ثلثا وبعد المغرب أربعا ثم لا يصلي شيئا حتى يسقط الشفق فإذا
سقط الشفق صلى العشاء ثم آوى إلى فراشه ولم يصل شيئا حتى يزول نصف الليل فإذا زال نصف الليل صلى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من
الليل بثلاث ركعات فقرء فيهن بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ويفصل بين الثلث بتسليمه ويتكلم ويأمر بالحاجة ولا يخرج من مصلاه حتى يصلى الثالثة
التي يوتر فيها ويقنت قبل الركوع ثم يسلم ويصلى ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعيده ثم يصلى ركعتي الصبح وهي الفجر إذا اعترض وأضاء حسنا فهذه صلاة
رسول الله صلى الله عليه وآله التي قبضه الله عز وجل عليها ولا يبعد ان يكون ما تضمنه هذه الرواية وهي تسع وعشرون باسقاط الوتيرة وأربع ركعات من نافلة العصر
هي التي لم يكن النبي صلى الله عليه وآله يأتي بأقل منه لا لضرورة ويحتمل جرى هذه الرواية مجرى التقية ويؤيد التوجيه الأول اي إرادة ما كان
النبي صلى الله عليه وآله لا يقصر عنه وان كان كثيرا ما يأتي بأزيد منه مضافا إلى ما في ذيلها من الاشعار به رواية أبي بصير قالت سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن التطوع بالليل والنهار
فقال الذي يستحب ان لا يقصر منه ثمان ركعات عند زوال الشمس وبعد الظهر ركعتان وقبل العصر ركعتان وبعد المغرب ركعتان وقبل العتمة
ركعتان وفي السحر ثمان ركعات ثم يوتر والوتر ثلاث ركعات مفصولة ثم ركعتان قبل صلاة الفجر وأحب صلاة الليل إليهم اخر الليل فان في قوله عليه السلام الذي
يستحب ان لا يقصر منه اشعار باستحباب الزيادة وان هذه التسعة والعشرين التي هي مع الفرائض تنتهى إلى سنة وأربعين ركعة هي أفضل ما يؤتى بها
من النوافل وعليه تنطبق رواية يحيى بن حبيب قال سئلت الرضا عليه السلام عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله من الصلاة قال ستة وأربعون ركعة فرائضه ونواقه
قلت هذه رواية زرارة قال أو ترى أحدا كان اصدع بالحق منه فلا منافاة بينهما وبين ان يكون الفضل في اكماليها إلى أن ينتهي إلى احدى وخمسين ركعة ولا
ينبغي الالتفات إلى ما فيها من الاشعار بانحصار عدد الفرائض والنوافل المرتبة فيما ذكر بعد ورود التصريح بشرعية ما زاد عليه في سائر الروايات كما أنه لا ينبغي
4

الالتفات إلى ما يستشعر من صحيحة زرارة من انحصار عدد الفرائض والنوافل في الأربع والأربعين بالاقتصار في نافلة العصر على الأربع وفي نافلة العشائين
على ركعتين بينهما قال قلت لأبي جعفر عليه السلام اني رجل تاجر اختلف فكيف لي بالزوال والمحافظة على صلاة الزوال وكم تصلي قال عليه السلام تصلي ثماني ركعات إذا زالت الشمس
وركعتين بعد الظهر وركعتين قبل العصر فهذه اثنتا عشرة ركعة وتصلي بعد المغرب ركعتين وبعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعة
الفجر فذلك سبع وعشرون ركعة سوى الفريضة وانما هذا كله تطوع وليس بمفروض ان تارك الفريضة كافر وان تارك هذا ليس بكافر ولكنها معصية لأنه
يستحب إذا عمل الرجل عملا من الخير ان يدوم عليه فان مقتضى الجمع بينهما وبين ما تقدمها حمل ما في هذه الرواية على بيان أقل المجزى كما يشعر بذلك صحيحة ابن سنان
الناهية عن الأقل من ذلك قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا تصل أقل من اربع وأربعين ركعة قال ورايته يصلي بعد العتمة أربع ركعات أقول
الأربع ركعات التي رآها منه بعد العتمة لم يعرف وجهها فلعلها صلاة جعفر ونحوها فلا تنافي الأخبار السابقة وربما يظهر من صحيحة أخرى لزرارة انحصار
ما جرت به السنة في الأربع والأربعين فتناقض الأخبار السابقة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما جرت به السنة في الصلاة فقال ثمان ركعات الزوال وركعتان بعد
الظهر وركعتان قبل العصر وركعتان بعد المغرب وثلاث عشرة ركعة من اخر الليل منها الوتر وركعتا الفجر قلت فهذا جميع ما جرت به السنة قال نعم فقال أبو الخطاب
أفرأيت ان قوى فزاد قال فجلس وكان متكأ فقال إن قويت فصلها كما كانت تصلي وكما ليست في ساعة من النهار فليست في ساعة من الليل ان الله يقول ومن اناء
الليل فسبح فان مفادها ان ما تضمنتها من عدد الركعات هي جميع ما جرت به السنة ولكنه لابد من تأويلها أو طرحها لعدم صلاحيتها لمعارضة الأخبار المتقدمة
وغيرها من الأخبار الواردة في خصوص نافلة الظهرين والأربع ركعات بعد المغرب والركعتين بع العشاء الآخرة البالغة مرتبة التواتر بل فوقها الدالة
بالصراحة على شرعيتها وكونها من السنة فلا يبعد ان يكون المراد بكون ما في هذه الصحيحة جميع ما جرت به السنة هي جميع ما استمر سيرة النبي صلى الله عليه وآله
على فعلها بحيث لم يكن يأتي بأقل منها لا انها جميع ما سنها النبي صلى الله عليه وآله ولا ينافي إرادة هذا المعنى ما في ذيل الرواية من ظهور اثر الغضب من فعل الإمام عليه السلام وقوله
في جواب أبي الخطاب السائل عن شرعية الازدياد فان غضبه على الظاهر نشأ من سوء تعبير السائل كما يشهد لذلك خبر الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إني لامقت
الرجل يأتيني فيسئلني عن عمل رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول أزيد فإنه يرى أن رسول الله قصر في شئ الحديث فلو كان يسئله عن شرعية الاتيان بالزايد لا بهذه العبارة كما في
بعض الأخبار المتقدمة لأجابه الإمام عليه السلام بالجواب لان الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر غاية الأمر انه لا ينوي بالزائد استحبابه بالخصوص ما لم
يثبت والغرض من إطالة الكلام بيان ان اخبار الباب لدى المتأمل ليست من الاخبار المتعارضة بل الاختلافات الواقعة فيها منزلة على اختلاف المراتب في الفضل
والا فمن الواضح انه لا يصلح سائر الروايات لمعارضة الأخبار الدالة على شرعية الإحدى والخمسين المعتضدة بفتوى الأصحاب وعملهم ومما يشهد بعدم التنافي
بين الاخبار وصحة الجميع ما رواه عبد الله بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل قال وعليكم بالصلاة الستة والأربعين وعليك بالحج ان تهل بالافراد وتنوي
الفسخ إذا قدمت مكة ثم قال والذي اتاك به أبو بصير من صلاة احدى وخمسين والاهلال بالتمتع بالعمرة إلى الحج وما امرناه به من أن يهل بالمتمتع فلذلك عندنا
معان وتصاريف لذلك ما يسعنا ويسعكم ولا يخالف شئ منه الحق ولا يضاده ويحتمل قويا كون الستة والأربعين التي امر بها في هذه الرواية جارية مجرى
التقية حيث إنه عليه السلام بعد ان امر بهذا العدد نبه على صدور رواية أخرى متضمنة للامر بإحدى وخمسين غير مضادة للحق لم يكن يسع الإمام عليه السلام توجيهها في
ذلك المجلس الاعلى سبيل الاجمال والاعتذار بان لها معان وتصاريف غير مخالفة للواقع ففيها ايماء إلى أن ما عدى الرواية التي فيها الامر بإحدى وخمسين
كلها من هذا القبيل والله العالم تنبيهات الأول قال صاحب المدارك قدس سره المشهور بين الأصحاب ان نافلة الظهر ثمان ركعات قبلها ونافلة
العصر ثمان ركعات قبلها وقال ابن الجنيد يصلي قبل الظهر ثمان ركعات وثمان ركعات بعده منها ركعتان نافلة العصر ومقتضاه ان الزائد ليس لها وربما
كان مستنده رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر وست ركعات بعد الظهر وركعتان قبل العصر
وهي لا تعطي كون الستة للظهر مع أن في روايتي البزنطي انه يصلي اربع بعد الظهر وأربع قبل العصر وبالجملة فليس في الروايات دلالة على التعيين بوجه
وانما المستفاد منها استحباب صلاة ثمان ركعات قبل الظهر وثمان بعدها وأربع بعد المغرب من غير إضافة إلى الفريضة فينبغي الاقتصار في نيتها على ملاحظة الامتثال
بها خاصة انتهى أقول لا ريب ان الامر المتعلق بالنوافل ليس امرا غيريا ناشئا من كون الفريضة مسبوقة أو ملحوقة بنافلة شرطا لكمالها بان يكون حال
النافلة حال الأذان والإقامة في كونها بمنزلة الأجزاء المستحبة للصلاة بل هي عبادات مستقلة قد تعلق الامر بايجادها في أوقات معينة قبل فعل الفرائض
أو بعدها فلها نحو تعلق بأوقاتها وبالفرائض التي اعتبر الشارع وقوعها قبلها أو بعدها فيصح بأعيان تلك العلاقة اضافتها إلى وقتها أو إلى الفريضة المرتبطة بها
فإنه يكفي في الإضافة أدنى مناسبة فلا يهمنا تحقيق ان اضافتها إلى الفرض من قبيل إضافة المسبب إلى سببه وان حكمة تعلق الامر بها المناسبة المتحققة بين الفرائض
وبينها المقتضية لتشريعها وان اضافتها إلى الوقت كذلك فان الآتي بهما سواء أضافها إلى الوقت أو إلى الفرض لا ينوي بفعلها الا النافلة المعهودة
المسنونة التي تعلق الامر الشرعي بايجادها في ذلك الوقت قبل الفرض أو بعده فاضافتها إلى الوقت أو إلى الفرض انما هي لكونها معرفة لتلك المهية
ومميزة إياها عن غيرها وبها يحصل التمييز فتصح معها العبادة من غير حاجة إلى تحقيق السبب ولا إلى معرفة ان الشارع اطلق عليها نافلة الوقت أو
سماها نافلة الفرض هذا ولكن الذي يقوى في النظر بالنظر إلى ظواهر كلمات الأصحاب حيث أضافوها إلى الفرض وبالتدبر في الأخبار الواردة في حكمة
5

تشريع النوافل من أنها لتكميل الفرائض وما دل على أن لكل ركعة من الفريضة ركعتين من النافلة وغيرها من الروايات ان العلامة المصححة لإضافتها إلى الفريضة ليست
مجرد القبلية والبعدية لكن لا يترتب على تحقيقها ثمرة عملية قال في المدارك بعد عبارته المتقدمة وقيل ويظهر فائدة الخلاف في اعتبار ايقاع
الست قبل القدمين أو المثل ان جعلناها للظهر وفيما إذا نذر نافلة العصر فان الواجب الثمان عند المشهور وركعتان على قول ابن الجنيد ويمكن
المناقشة في الموضعين اما الأول فبان مقتضى النصوص اعتبار ايقاع الثمان التي قبل الظهر قبل القدمين أو المثل والثمان التي بعدها
قبل الأربعة أو المثلين سواء جعلنا الست منها للظهر أم للعصر واما الثاني فلان النذر يتبع قصد الناذر فان قصد الثماني أو الركعتين وجب
وان قصد ما وظفه الشارع للعصر أمكن التوقف في صحة النذر لعدم ثبوت الاختصاص كما بيناه انتهى أقول اما الثمرة الأولى فيتوجه عليها ما ذكره واما
الثمرة الثانية فالأولى ان يخدش فيها بأنه لا يليق بالفقيه ان يذكرها ثمرة لتحقيق المباحث الفقهية حتى يقابل بالرد كما لا يخفى الثاني يكره الكلام
بين الأربع ركعات التي بعد المغرب لرواية أبي فارس عن أبي عبد الله عليه السلام قال نهاني ان أتكلم بين الأربع ركعات التي بعد المغرب لكن قد ينافيها بعض الأخبار
المتقدمة الظاهرة في استحباب التفريق واتيان ركعتين منها بعد المغرب وركعتين قبل العشاء ولكنه لا ينبغي الالتفات إلى هذا الظاهر بعد مخالفته
للفتاوي وظواهر سائر النصوص أو صريحها فليتأمل وسيأتي لذلك مزيد تحقيق يرتفع به التنافي بين الاخبار في المواقيت إن شاء الله واستشهد في المدارك
بالرواية المتقدمة لاثبات كراهة الكلام بين المغرب ونافلتها قائلا في تقريبه ان كراهة الكلام بين الأربع تقتضي كراهة الكلام بينها وبين المغرب بطريق
أولى واستشهد لها أيضا برواية أبي العلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال من صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين فان صلى أربعا
كتبت له حجة مبرورة ولا يخفى عليك ما في دعوى الأولوية من النظر خصوصا على ما ذهب إليه من عدم ثبوت اختصاص النافلة بالفرض وان القدر المتيقن
الثابت بالاخبار انها صلوات مسنونة في أوقات معينة واما الرواية فلا تدل الا على استحباب ترك التكلم لا كراهة الكلام الثالث لا يتعين الجلوس
في الركعتين اللتين تعدان بركعة كما يوهمه ظاهر المتن وغيره كظواهر كثير من النصوص الواردة فيهما بل يجوز الاتيان بهما قائما بل هو أفضل كما هو صريح
موثقة سليمان بن خالد المتقدمة قال فيها وركعتان بعد العشاء الآخرة يقرء فيهما مائة آية قائما أو قاعدا بل والقيام أفضل الحديث وظاهر رواية
حارث بن المغيرة المتقدمة المصححة بطريق الشيخ قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام إلى أن قال وركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصليهما وهو قاعد وانا أصليهما
وانا قائم فان الظاهر أن مواظبته عليه السلام على القيام لم يكن الا لأفضليته واما أبوه عليه السلام فكان يشق عليه الصلاة قائما فلا ينافي فعله أفضلية
القيام كما يشهد بذلك خبر حنان بن سدير عن أبيه قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أتصلي النوافل وأنت قاعد قال ما أصليهما الا وانا قاعد مذ حملت هذا اللحم
وبلغت هذا السن الرابع لا ريب في أن النوافل المرتبة عبادات مستقلة ونوافل متعددة وليس مجموع الستة والثلاثين ركعة عبادة واحدة
بحيث لا يشرع الاتيان ببعضها الا مع العزم على الاتيان بما عداه فله الاتيان بنافلة الظهر عازما على الاقتصار عليها وهكذا ساير النوافل كما يشهد
بذلك مضافا إلى وضوحه ودلالة كثير من الأخبار المتقدمة بل أكثرها عليه كما لا يخفى على المتأمل الأخبار الخاصة الواردة فيها بالخصوص مثل المستفيضة
الواردة في خصوص الوتيرة وفي الأربع ركعات التي بعد المغرب وفي صلاة الليل وفي ركعتي الفجر اللتين روي فيهما ان النبي صلى الله عليه وآله كان أشد
معاهدة بهما من سائر النوافل وانهما خير من الدنيا وما فيها وانهما المشهودتان لملائكة الليل والنهار ومن هنا قيل بل حكى عليه الاجماع انهما أفضل من غيرهما
من النوافل وغير ذلك من الاخبار التي ورد فيها الحث على آحادها مثل ما في مرسلة الصدوق المتقدمة من
توصيف نافلة الزوال بأنها صلاة الأوابين
ونحوها ما عن يحيى بن أبي العلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام صلاة الزوال صلاة الأوابين وقد بالغ النبي صلى الله عليه وآله في امرها بالخصوص في وصيته لعلي
عليه السلام على ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام حيث قال له في الوصية عليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال (أو عليك بصلاة الزوال) وفي مرفوعة محمد بن إسماعيل
عن أبي عبد الله عليه السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام وعليك بصلاة الليل يكررها أربعا وعليك بصلاة الزوال وعن الفقه الرضوي بعد ان ذكر اجمالا ان رسول
الله صلى الله عليه وآله جعل بإزاء كل ركعة من الفريضة ركعتين من النافلة قال منها ثمان ركعات قبل زوال الشمس وهي صلاة الأوابين وثمان بعد
الظهر وهي صلاة الخاشعين وأربع ركعات بين المغرب والعشاء الآخرة وهي صلاة الذاكرين وركعتان بعد صلاة الآخرة من جلوس تحسب بركعة من قيام
وهي صلاة الشاكرين وثمان ركعات صلاة الليل وهي صلاة الخائفين وثلاث ركعات الوتر وهي صلاة الراغبين وركعتان عند الفجر وهي صلاة الحامدين
والحاصل انه لا مجال للارتياب في أن كل نافلة من النوافل المرتبة عبادة مستقلة يجوز الاقتصار عليها ثم إن مقتضى ظاهر الرضوي كأغلب الفتاوي
والنصوص ان ركعات الوتر عبادة مستقلة لا ربط لها بنافلة الليل وان نافلة الليل هي الثمان ركعات التي كان يأتي بها النبي صلى الله عليه وآله إذا زال نصف
الليل دون ركعات الوتر التي كان يصليها في الربع الأخير كما في بعض الأخبار المتقدمة فلا يلتفت إلى ما يستشعر من بعض الروايات التي جعل فيها نافلة الليل
ثلاث عشرة ركعة وعد منها الركعات الثلاثة وركعتي الفجر فالأظهر انها عبادات مستقلة كما يشهد لذلك مضافا إلى ظهور أغلب النصوص فيه بعض الأخبار
الدالة على جواز الاتيان بها مستقلة مثل ما رواه معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام أنه قال اما يرضى أحدكم ان يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلي ركعتي الفجر
فيكتب له صلاة الليل والظاهر أن المراد بالوتر في الرواية هي الركعات الثلاث لشيوع اطلاق اسم الوتر عليها في الاخبار ويحتمل إرادة خصوص الوتر وكيف
6

كان فالظاهر أن خصوص الركعة المفردة التي تسمى بالوتر في مقابل الشفع في حد ذاتها عبادة مستقلة وان كان مقتضى تسميته الركعات الثلاث في أغلب الاخبار وترا كون
مجموعها نافلة واحدة ولا ينافيها كونها صلاتين مستقلتين لكل منهما افتتاح واختتام إذ لا مانع من تركيب عبادة من عبادتين كالاعتكاف المعتبر فيها صوم ثلاثة أيام
فلا يجوز الاتيان بصوم كل يوم قاصدا لامتثال الامر بالاعتكاف الا مع العزم على الاتيان بالباقي الا انه يظهر من خبر الأعمش المتقدم ان كلا من الشفع والوتر
نافلة مستقلة لها عنوان مخصوص في الشريعة فإنه قال عند تعداد الركعات المسنونة وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل والشفع ركعتان والوتر ركعة
ونحوه رواية الفضل بن شاذان المتقدمة فان سوق الروايتين يشهد بان الاعداد المفصلة كلها نوافل مستقلة ويؤيده بعض الأخبار الواردة في الركعتين
بعد العشاء اللتين تعدان بركعة الدالة على أن حكمة تشريعهما من جلوس قيامها مقام الوتر على تقدير حدوث الموت وعدم التمكن من الاتيان بالوتر في اخر
الليل فالمراد بالوتر الذي تقوم الركعتان مقامه ليس الا الركعة الأخيرة لا الثلاث ركعات لان الركعتين لا تقومان مقام ثلاث ركعات من قيام وكيف كان
فالظاهر جواز الاتيان بهذه الركعة مستقلة واما مع ركعتي الشفع فلا ينبغي الارتياب في شرعيتها كما أنه
لا ينبغي الاستشكال في جواز الاقتصار في نافلة المغرب
على ركعتين وفي نافلة العصر على أربع ركعات لدلالة بعض الأخبار المتقدمة عليه بل الظاهر جواز الاتيان بركعتين من نافلة العصر لما في غير واحد من الاخبار
الامرة بأربع ركعات بين الظهرين من التفصيل بالامر بركعتين بعد الظهر وركعتين قبل العصر فان ظاهرها بشهادة السياق ان كل واحد من العناوين المذكورة
في تلك الروايات نافلة مستقلة فللمكلف الاتيان بكل منها بقصد امتثال الامر المتعلق بذلك العنوان من غير التفات إلى ما عداها من التكاليف
وبهذا ظهر انه يجوز الاتيان بست ركعات أيضا من نافلة العصر لقوله عليه السلام في موثقة سليمان بن خالد صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس
وست ركعات بعد الظهر وركعتان قبل العصر فان ظاهرها كون الست ركعات في حد ذاتها نافلة مستقلة وفي خبر عيسى بن عبد الله القمي عن أبي عبد الله عليه السلام
إذا كانت الشمس من ههنا من العصر فصل ست ركعات ويظهر من بعض الأخبار جواز الاقتصار في نافلة الزوال أيضا على أربع ركعات كخبر الحسين بن علوان
المروي عن قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام انه كان يقول إذا زالت الشمس عن كبد السماء فمن صلى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق
صلاة الأوابين وذلك نصف النهار وهل يجوز التخطي عما يستفاد من النصوص بالاتيان بركعتين من نافلة الزوال أو ست ركعات أو ركعتين من نافلة الليل
أو أربعا أو ستا عازفا عليه من أول الأمر وجهان نفي عن أولهما البعد في الجواهر فإنه بعد ان ذكر ان ركعتي الفجر مستقلة في الطلب لا يتوقف استحباب
فعلهما على فعل باقي صلاة الليل وان الظاهر كون صلاة الوتر أيضا كذلك بشهادة بعض النصوص مع الأصل قال بل لا يبعد ذلك في الثمانية
وابعاضها وبعض الوتر وفاقا للعلامة الطباطبائي للأصل ولتحقق الفصل المقتضي للتعدد ولعدم وجوب اكمال النافلة بالشروع ولأنها شرعت
لتكميل الفرائض فيكون لكل بعض قسط منه فيصح الاتيان به وحده ولذا جاز الاتيان بنافلة النهار بدون الليل وبالعكس وبنافلة كل من الصلوات الخمس مع ترك
الباقي وان ذكر الجميع بعدد واحد في النص والفتوى إذ المنساق منه إلى الذهن في اشتراط الهيئة الاجتماعية في الصحة كما يؤمي إليه الزيادة والنقصان
في النصوص السابقة ومن هنا تعرف البحث حينئذ في تبعيض صلاة الزوال والعصر والمغرب إذ الجميع من واد واحد والاشكال بان صلاة الليل مثلا عبادة
واحدة فلا تتبعض سار في الكل ورفعه بمنع الاتحاد الذي يمتنع معه التبعيض متجه في الجميع والجمع بالعدد كالثمان والأربع مثلا هنا لا يقتضيه فتأمل انتهى كلامه
رفع مقامه أقول اما الأصل فلا أصل له في مثل الفرض سواء أريد به اصالة في لاشتراط وأصالة براءة الذمة عن التكليف بالشرط اما الأول
فلانه ليس للمستصحب حالة سابقة معلومة واستصحاب العدم الأزلي الصادق مع انتفاء الموضوع لا يجدى في احراز كون ما تعلق به الطلب لا بشرط واما الثاني
فلانه بعد تسليم جريان أصل البراءة في المستحبات لا معنى لأصالة البراءة بعد ان علم تعلق الطلب بمجموع الثمان ركعات وشك في أن المجموع الذي تعلق به
الطلب هل هو مطلوب واحد فيكون المكلف به ارتباطيا أو انه غير ارتباطي فيكون الطلب المعلق به قائما مقام طلبات متعددة بل الأصل في مثل المقام
عدم تعلق طلب نفسي بالابعاض كي يصح اتيان كل بعض منها مستقلا بقصد امتثال امره حتى يقع عبادة ولا يقاس ما نحن فيه بمسألة الشك في الجزئية أو
الشرطية التي نقول فيهما بالبراءة فان التكليف بالجزء المشكوك أو الشئ الذي ينتزع منه الشرطية في تلك المسألة غير محرز فينفيه أصل البراءة وأصالة
عدم وجوب الجزء أو الشرط المشكوك فيه وأصالة عدم وجوب الأكثر ولا يجري في جانب الأقل شئ من هذه الأصول حتى تتحقق المعارضة لان وجوبه المردد
بين كونه نفيا أو غيريا فلا يجري معه شئ من هذه الأصول وانما الأصل الجار فيه اصالة عدم كونه واجبا نفسيا اي عدم كونه من حيث هو متعلقا للطلب
وهو معارض بأصالة عدم كون الأكثر أيضا كذلك فيتساقطان ويرجع إلى الأصول المتقدمة النافية لوجوب الأكثر السالمة عن المعارض واما
فيما نحن فيه فلا يجري شئ من الأصول المتقدمة لا في طرف الأكثر ولا في طرف الأقل لان مطلوبية الجميع معلومة الا ان كون الأقل مطلوبا نفسيا غير معلوم
فينفيه الأصل ولا يعارضه في المقام اصالة عدم كون الأكثر كذلك لان الطلب المعلوم تعلقه بالأكثر نفسي بلا شبهة وانما الشك في أن متعلقة عبادة
واحدة أو عبادات متعددة حتى تكون ابعاضه أيضا واجبات نفسية فتدبر واما الفصل بين الأبعاض وانفصال كل بعض عن الاخر بالتسليم الموجب للخروج
عن الصلاة فهو بنفسه لا يقتضي التعدد وعدم ارتباط بعضها ببعض بالنسبة إلى العنوان الصادق على الجميع الواقع في حيز الطلب كما في صلاة جعفر وصوم
الاعتكاف اللهم الا ان يقال إن مغروسية كون الأبعاض في حد ذاتها بعنوان كونها صلاة عبادات مستقلة في النفس وكون كل منهما في حد ذاتها مشتملة
7

على مصلحة مقتضية للطلب وكون الاعداد الواقعة في حيز الطلب غالبا عناوين اجمالية انتزاعية عن موضوعاتها توجب صرف الذهن إلى إرادة التكليف
الغير الارتباطي كما لو امر المولى عبده بان يعطي زيدا عشرين درهما ولا يقاس المقام بالامر بصوم ثلاثة أيام للاعتكاف مما كان المطلوب النفسي عنوانا اخر غير
نفس العدد الذي هو بنفسه غالبا عنوان انتزاعي بل ما نحن فيه نظير ما لو امر بصوم ثلاثة أيام في أول كل شهر فهذا بنظر العرف ليس الا كالأمر باعطاء ثلاثة
دراهم لا يفهمون منه الا تكليفا غير ارتباطي فليتأمل واما عدم وجوب اكمال النافلة بالشروع فيها فلا يدل على جواز الاتيان ببعضها عازما عليه من
أول الأمر الا ترى انا ربما نلتزم بجواز قطع النافلة اختيارا مع أنه لا يشرع الاتيان بجزئها من حيث هو كما هو واضح واما كون حكمة شرع النوافل
تكميل الفرائض فهو لا يدل على شرعية التوزيع ولذا لا يجوز الاتيان بركعة مستقلة اللهم الا ان يقال بأنه يستفاد من ذلك ان المصلحة المقتضية
لشرع النوافل متقومة بذواتها من حيث كونها صلاة لا من حيث كونها بهذا العدد المخصوص فالمأمور به في الحقيقة هو الصلوات المتعددة التي تنتهي عدد
ركعاتها إلى الثمانية مثلا فالامر تعلق بكل جزء جزء بعنوان كونه صلاة لا كونه جزء من الثمانية وكيف كان فعمدة المستند لاثبات جواز الاتيان بالبعض
ما أشار إليه قدس سره في ذيل العبارة من أن دلالة النصوص على جواز الاقتصار على البعض في نافلة العصر وغيرها كما عرفته مفصلا بضميمة مغروسية
محبوبية طبيعة الصلاة في النفس وكون كل فرد منها في حد ذاتها عبادة مستقلة وكون الحكمة المقتضية لتشريعها مناسبة لتعلق الطلب بذواتها من حيث كونها
صلاة توجب انسباق الذهن عند الامر بثمان ركعات في نافلة الزوال مثلا إلى إرادة تكليف غير ارتباطي كالأمر باعطاء الدراهم والانفاق على شخص
في مدة وغير ذلك من الموارد المناسبة لكون المأمور به من قبيل تعدد المطلوب بلا ارتباط فالأظهر في لفرق بين النوافل وجواز الاقتصار على
البعض في الجميع وان كان الأحوط في غير الموارد التي استفدنا جوازها بالخصوص من النصوص المعتبرة عدم قصد الخصوصية الموظفة الا على سبيل الاحتياط
فالأولى عند إرادة الاتيان ببعض نافلة الليل مقتصرا عليه ان يأتي به بقصد امتثال الامر المتعلق بمطلق الصلاة التي هي خير موضوع برجاء حصول
الخصوصية الموظفة على تقدير شرعيتها من غير أن يقصدها على سبيل الجزم وفي نافلة الزوال ونحوها أيضا الأولى هو الاتيان بهذا القصد ان قلنا
بجواز التطوع في وقت الفريضة والا فلا يقصد بفعله الا الاحتياط والاتيان به برجاء المطلوبية والله العالم الخامس حكى عن جملة من الأصحاب
التصريح بان في الوتر بمعناه الأعم من ركعتي الشفع ومفردة الوتر قنوتات ثلاثة أحدها في الركعة الثانية من الشفع والثاني في مفردة الوتر قبل
الركوع والثالث فيها أيضا بعد الركوع واستدل للأول بعموم الأخبار الدالة على أن القنوت في كل ركعتين من الفريضة والنافلة في الركعة الثانية
وفي بعضها أيضا بزيادة قبل الركوع وسيأتي إن شاء الله في باب القنوت ويدل عليه بالخصوص خبر أبي الضحاك المروي عن العيون المشتمل على عمل الرضا عليه السلام
في طريق خراسان قال فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار فاستاك ثم توضأ ثم قام إلى صلاة
الليل فيصلي ثمان ركعات يسلم في كل ركعتين يقرء في الأولتين منها في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلثين مرة ثم يسلم ويصلى صلاة جعفر بن
أبي طالب أربع ركعات ويسلم في كل ركعتين ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح ويستحب بها من صلاة الليل ثم يقوم فيصلي
الركعتين الباقيتين يقرء في الأولى الحمد وسورة الملك وفي الثانية الحمد وهل اتى على الانسان ثم يقوم فيصلي ركعتي الشفع يقرء في كل ركعة منها
الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات ويقنت في الثانية بعد القراءة وقبل الركوع ثم يقوم فيصلي ركعة الوتر ويقرء فيها الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاث
مرات وقل أعوذ برب الفلق مرة واحدة وقل أعوذ برب الناس مرة واحدة ويقنت فيها قبل الركوع وبعد القراءة ويقول استغفر الله واسئله التوبة
وان القنوت في الوتر التي هي عبارة عن الثلاث انما هو في الثالثة وان الأوليين المسماتين بركعتي الشفع لا قنوت فيها واستدل على ذلك بصحيحة عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال القنوت في المغرب في الركعة الثانية وفي العشاء والغداة مثل ذلك وفي الوتر في الركعة الثالثة ثم قال قدس سره
وهذه الفائدة لم يتنبه عليها علمائنا انتهى وفي الحدائق بعد نقل هذه العبارة عن الكتاب المذكور قال فظاهر كلامه
شهرة القول باستحباب القنوت
في ركعتي الشفع حتى أنه لم يحصل فيه مخالف قبله وهو كذلك الا انه قد سبقه إلى ما ذكره السيد السند قدس سره في المدارك والظاهر أنه لم يقف عليه حيث
قال في أول كتاب الصلاة في الفوائد التي قدمها الثامنة يستحب القنوت في الوتر في الركعة الثالثة لقوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان في القنوت
وفي الوتر في الركعة الثالثة انتهى إلى أن قال وجرى على منواله الفاضل الخراساني في الذخيرة وهو الأظهر عندي وعليه اعمل ثم نقل عن بعض معاصريه
كلاما طويلا في تأييد مذهب المشهور وأطنب في تزييفه إلى أن أجاب عن دليل المشهور بان اطلاق الأخبار الدالة على استحباب القنوت في الركعة الثانية
من كل صلاة يقيد بمفهوم الحصر المستفاد من الصحيحة فان ظاهرها انحصار قنوت الوتر في الركعة الثالثة واما رواية العيون فهي ضعيفة السند قاصرة عن
معارضة الصحيحة أقول اما الصحيحة فلها ظهور قوي في أن القنوت الموظف شرعا في الصلوات محله في صلاة الوتر في الركعة الثالثة دون الثانية كما في سائر
الصلوات ولكنه يستشعر منها ارادته في الركعة الثالثة حال كونها موصولة بالأوليين وكون مجموعها صلاة واحدة ومن هنا احتمل البعض المتقدم
إليه الإشارة جرى هذه الرواية على ضرب من التقية وكيف كان فلا يرفع اليد مثل هذه الاحتمالات عن ظاهر الصحيحة ومقتضي الجمع بينها وبين الأخبار العامة
8

تخصيص تلك الأخبار بهذه الصحيحة كما ذكره في الحدائق فان ظهور العمومات في إرادة هذا الفرد أضعف من ظهور الصحيحة في إرادة الحصر الا ان اعراض المشهور
عن هذا الظاهر وعملهم بالعمومات يوهن هذا الظاهر ويرجح العمومات فلا يبعد ان يكون المراد بقوله عليه السلام القنوت في الوتر في الركعة الثالثة هو القنوت
المتأكد مطلوبيته الذي كان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين يهتمون في حفظه ورعاية آدابه فلا ينافي كونه في الركعة الثانية أيضا مشروعا كما
يقتضيه الأخبار العامة المؤيدة بالرواية المتقدمة التي هي نص في شرعيته وما في الرواية من ضعف السند فيمكن التفصي عنه بان من المستبعد كون مثل هذه الرواية
المشتملة على تلك الخصوصيات موضوعة هذا مع أن المقام مقام المسامحة فلا يلتفت إلى ضعف السند اللهم الا ان يقال إن قاعدة التسامح لا تقتضي
الحكم بصدور الرواية حتى تصلح قرينة لصرف الصحيحة عن ظاهرها فارتكاب التأويل فيها بواسطة التسامح مسامحة في القاعدة فليتأمل واما القنوت الثاني
اي القنوت قبل الركوع في الركعة المفردة فمما لا شبهة فيه ويدل عليه اخبار متظافرة سيأتي نقلها في باب القنوت إن شاء الله واما ما ذكره من القنوت الثالث
الذي بعد الرفع من الركوع فلم يعلم مستنده نعم يستحب الدعاء بعد الرفع بالمأثور فعن الكليني رحمه الله بسنده قال كان أبو الحسن عليه السلام إذا رفع رأسه في اخر ركعة من الوتر
قال هذا مقام من حسناته نعمة منك وسيئاته بعمله إلى اخر الدعاء فان أرادوا بالقنوت هذا فهو فلا مشاحة وان أرادوا القنوت بالكيفية المعهودة فلا دليل
عليه بل الأدلة تنفيه لدلالة الاخبار المتكاثرة على أن محل القنوت الموظف قبل الركوع وفي بعضها ما اعترف قنوتا الا قبل الركوع ويدل عليه بالخصوص صحيحة
معاوية بن عمار انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن القنوت في الوتر قال قبل الركوع قال فان نسيت اقنت إذا رفعت رأسي قال لا السادس ربما يظهر من جملة
من الاخبار استحباب نوافل خاصة بين المغرب والعشاء كصلاة الغفيلة والوصية وغيرهما فهل هي غير نافلة المغرب فيكون حينئذ النوافل المسنونة في اليوم
والليلة زائدة على الإحدى والخمسين أو انها خصوصيات مستحبة فيها فتكون رعايتها موجبة للأفضلية لا انه يؤتي بها زائدة على العدد الموظف امتثالا
لهذه الأوامر وتنقيح المقام يتوقف على نقل الأخبار الواردة وتحقيق ما يقتضيه قواعد الجمع فنقول اما الغفيلة فقد ورد فيها اخبار كثيرة
منها ما عن الشيخ في كتاب المصباح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال من صلى بين العشائين ركعتين يقرء في الأولى الحمد وذا النون إذ ذهب مغاضبا
إلى وكذلك ننجي المؤمنين وفي الثانية الحمد وقوله تعالى وعنده مفاتح الغيب إلى اخر الآية وإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال اللهم إني أسئلك
بمفاتح الغيب التي لا يعلمها الا أنت ان تصلي على محمد وآل محمد وان تفعل بي كذا وكذا ويقول اللهم أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم
حاجتي أسئلك بمحمد وآله عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي وسئل الله حاجته الا أعطاه الله ما سئل وعن السيد الزاهد العابد رضي الدين بن
طاوس رضي الله عنه في كتاب فلاح السائل باسناده عن هشام بن سالم نحوه وزاد فان النبي صلى الله عليه وآله قال لا تتركوا ركعتي الغفلة وهما ما بين
العشائين وعن الصدوق وفي الفقيه مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وفي كتاب العلل مسندا في الموثق عن سماعة عن جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
تنفلوا ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فأنهما تورثان دار الكرامة قال وفي خبر آخر دار السلام وهي الجنة وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء
الآخرة وعن الشيخ في التهذيب بسنده عن وهب السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله تنفلوا الحديث إلى قوله دار الكرامة ثم
زاد قيل يا رسول الله وما ساعة الغفلة قال ما بين المغرب والعشاء وعن السيد ابن طاوس في الكتاب المذكور انه روى هذه الرواية أيضا وزاد قيل يا
رسول الله وما معنى خفيفتين قال يقرء فيهما الحمد وحدها قيل يا رسول الله متي أصليهما قال ما بين المغرب والعشاء وعن الصدوق في الفقيه عن الباقر
عليه السلام ان إبليس يبث جنوده جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق ويبث جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى طلوع الشمس وذكر
ان النبي صلى الله عليه وآله كان يقول أكثر واذكر الله عز وجل في هاتين الساعتين وتعوذوا بالله عز وجل من شر إبليس وجنوده وعوذوا صغاركم في هاتين الساعتين
فإنهما ساعتا غفلة وعن شيخنا البهائي في كتاب مفتاح الفلاح انه بعد ان ذكر حديث السكوني ووهب المنقول برواية الشيخ في التهذيب قال ولا
يخفى ان المراد ما بين وقت المغرب ووقت العشاء أعني ما بين غروب الشمس وغيبوبة الشفق كما يرشدك إليه الحديث السابق لا ما بين الصلاتين وقد ورد
في الأحاديث ان أول وقت العشاء غيبوبة الشفق ومن هنا يستفاد ان وقت أداء ركعتي الغفيلة ما بين المغرب وذهاب الشفق فان خرج صار قضاء
انتهى فكأنه أشار بالحديث السابق إلى الرواية الأخيرة التي نقلناها أخيرا ومراده على الظاهر بيان عدم جوز تأخيرها عن الوقت وصيرورتها
قضاء بذلك لا جواز الاتيان بها من أول الوقت مقدما على فريضة المغرب حتى ينافيه الأخبار المتقدمة
المحددة لوقتها بما بين العشائين الذي لا
يتبادر منه الا إرادة ما بين الصلاتين فلا يرد عليه ما قبل من أنه لا منافاة بين كون هذه الساعة ساعة الغفلة كما هو مفاد الرواية الأخيرة وبين
عدم شرعية صلاتها الا بعد الفراغ من فريضة المغرب كما يدل عليه ساير الاخبار وكيف كان فربما يظهر من محكى الذكرى ان ركعتي ساعة الغفلة
اللتين امر بهما النبي صلى الله عليه وآله في خبر السكوني نافلة أخرى مغايرة لصلاة الغفيلة قال على ما حكى عنه السادس عشر يستحب ركعتان ساعة
الغفلة وقد رواهما الشيخ بسنده عن الصادق عن أبيه عليهما السلام وذكر خبر السكوني المتقدم ثم قال ويستحب أيضا بين المغرب والعشاء ركعتان يقرء في
الأولى الحمد وذا النون إذ ذهب مغاضبا إلى اخر ما سمعت انتهى واعترض بوجوه لا تخلو عن وجاهة أوجهها ان الزيادة التي سمعتها عن الفلاح من
استشهاد الإمام عليه السلام لصلاة الغفيلة بقول النبي صلى الله عليه وآله كالصريحة في الاتحاد وان ظاهر الوصلية في خبر السكوني في اعتبار الخفة شرطا
9

كي ينافي اعتبار قراءة الآيتين بل أقصاه الاذن في تركهما بل ظاهره انه الفرد الأدنى هذا ولكن يهون الخطب ان ظاهر خبر السكوني جواز الاتيان بركعتين
فما زاد فله الاتيان بركعتي الغفيلة أيضا بقصد التوظيف بعد فعل ركعتين لساعة الغفيلة وكذا عكسه كما لو عزم من أول الأمر على أن يتنفل لتلك
الساعة أربع ركعات فيجوز الجمع بين النافلتين وان قلنا باتحادهما كما أنه يجوز الاكتفاء بركعتي الغفيلة بقصد حصول كلتا الوظيفتين وان قلنا بتعددهما
ذاتا نظير ما لو أكرم عالما هاشميا بقصد امتثال الامر المتعلق بكل من العنوانين كما عرفت تحقيقه في مبحث تداخل الأغسال فلا يترتب على النزاع ثمرة مهمة
وانما الاشكال في مشروعية الجمع بين الركعتين أو الأربع ركعات وبين نافلة المغرب باتيانها بعد نافلة المغرب أو اتيان نافلة المغرب بعدها بقصد
التوظيف والذي يقتضيه التحقيق انه متى تعلق أمران أو أزيد بمهية كالصلاة أو اعطاء درهم لزيد مثلا فمقتضى القاعدة كما عرفته في مبحث التداخل
حمل ما عدى الأول على كونه تأكيدا للأول وعدم تقييد تعلق كل من الامرين بكونه فردا مغايرا للفرد الذي يؤتى به امتثالا للامر الأول فلو قال أكرم
انسانا أكرم انسانا ليس الا بمنزلة ما لو قيل أكرم زيدا أكرم زيدا في كون الثاني تأكيدا للأول ولذا استقرت سيرة العلماء على الاستدلال بالأوامر
الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام المتعلقة بطبيعة لاثبات فرد من تلك الطبيعة ولا يتفاوت الحال في ذلك بين ما لو اتخذت العبادة الواقعة
في حيز الطلب أو اختلفت ما لم يكن اختلافها كاشفا عن مغايرة التكليفين فلو علم مثلا ان زيدا يدخل داره أول الظهر فقال المولى لعبده اعط زيدا درهما
عند دخوله في داره وقال أيضا اعطه درهما أول الظهر وقال أيضا اعطه درهما قبل ان يصلي إلى غير ذلك من العبائر لا يستفاد من جميع ذلك أزيد من
كونه مكلفا باعطاء درهم فلو أعطاه درهما أول الظهر سقطت هذه الأوامر مطلقا ان كانت توصلية وكذا ان كانت تعبدية وتحقق الاعطاء بقصد
التقرب وان لم يكن ملتفتا حين الاعطاء الا إلى بعض هذه الأوامر بل وان لم يكن ملتفتا إلى شئ منها ولكن اتى بالفعل برجاء كونه محبوبا للمولى هذا إذا
لم يكن الخصوصيات الواقعة في التعبير قيدا في المطلوب والا فيتعدد المأمور به فلابد حينئذ ان كان التكليف تعبديا عند إرادة الاكتفاء بهذا الفرد الجامع
لجميع العناوين من قصد امتثال جميع الأوامر والا فلا يسقط الا ما نواه إذا عرفت ذلك فنقول لا يستفاد من قول النبي صلى الله عليه وآله تنفلوا في ساعة الغفلة ولو
بركعتين خفيفتين بعد ان حدد وقت صلاتها بما بين العشائين إرادة نافلة أخرى مغايرة لنافلة المغرب وقد عرفت في محله انه لم يثبت اعتبار خصوصية
أخرى في نافلة المغرب زائدة عن كونها نافلة مشروعة في هذا الوقت فلا يستفاد من هذه الرواية الا استحباب مطلق النافلة في هذه الساعة فيتحقق
مصداقه بفعل نافلة المغرب وكذا يتحقق مصداق نافلة المغرب بفعل أربع ركعات بقصد كونها نافلة مسنونة في هذا الوقت فيسقط كلام الطلبين بتحقق
مصداقهما وان لم يقصد بفعله الا امتثال الامر الصادر من النبي صلى الله عليه وآله دون نافلة المغرب نعم لو ثبت ان لنافلة المغرب خصوصية غير حاصلة بفعل
الأربع ركعات المأتى بها بقصد نافلة ساعة الغفلة ما لم يقصد وقوعها بعنوانها الخاص لم يسقط امرها بلا قصد الخصوصية لكنه لم يثبت ومجرد كون
نافلة المغرب نافلة خاصة معهودة ولها اثار خاصة ككونها مكملة للفريضة وكونها من الإحدى والخمسين ركعة وغير ذلك من أوصافها الخاصة لا يدل على
مغايرتها للمأتي به حتى يشرع اتيانها بعد فعل الأربع ركعات فان من الجائز اتحاد الأربع ركعات ذاتا مع تلك النافلة فمقتضى اطلاق الامر بأربع ركعات
في نافلة المغرب كون الماتى به مجزيا حيث يصدق عليه فعل أربع ركعات بعد صلاة المغرب والامر يقتضي الاجزاء وكونها عبادة لا يقتضي الا اعتبار حصولها
بقصد التقرب وقد حصل كذلك واشتراط كونها مقصودة بعنوان أخص من كونها نافلة مسنونة في هذه الساعة بعد التقرب موقوف على مساعدة الدليل
عليه وحيث لم يثبت فمقتضى الأصل عدمه كما عرفت تحقيقه في نية الوضوء والحاصل ان مقتضى اصالة الاطلاق في كل من الطلبين سقوطهما بحصول
متعلقهما نعم ظاهر النبوي جواز الاتيان بركعتين فما زاد فيدل بمقتضى اطلاقه على شرعية النافلة في هذا الوقت مطلقا فيتحقق التنافي بينه و
بين ما دل على عدم جواز التطوع في وقت الفريضة بناء على العمل بظاهر تلك الأدلة فلابد اما من تقييد هذه الرواية بما إذا لم يزد على الأربع ركعات التي
ثبت جواز الاتيان بها في هذه الساعة نصا واجماعا أو تخصيص وقت الفريضة بالنسبة إلى صلاة العشاء بما بعد ذهاب الحمرة الذي هو وقت فضيلتها
فعلى هذا يكون الامر بخصوص الأربع ركعات في نافلة المغرب في الأخبار المتقدمة التي كادت تكون متواترة كالأمر بركعتين في بعضها لكون مطلوبيتها
أشد واما ما يقتضيه الجمع بين تلك الأخبار وبين ما دل على صلاة الغفيلة المشتملة على الآيتين فمقتضى اطلاق الامر بالصلاة بهذه الكيفية استحباب
فعلها مطلقا ولو بعد نافلة المغرب لكن لو قدمها احتسبها من نافلة المغرب إذ لم يعتبر في نافلة المغرب خلوها عن الآيتين كما لو قال المولى في المثال المتقدم اعط
زيدا درهما اي درهم يكون وقال أيضا اعطه درهما خاصا فلو أعطاه أولا هذا الدرهم الخاص سقط الأمران ولو
أعطاه درهما اخر سقط الأمر الأول
وعليه اعطاء هذا الدرهم خروجا عن عهدة الأمر الثاني وقد عرفت ان كون ما نحن فيه تعبديا لا يصلح فارقا بعد ما أشرنا إليه من أن الأوامر التعبدية أيضا
كالتوصلية تسقط قهرا بحصول متعلقاتها بداعي التقرب كما لو اتى بها طالبا لمرضاة الله تعالى أو بداعي الشكر من غير التفات بل ولا علم بتعلق الامر بها
اللهم الا ان يكون لنافلة المغرب خصوصية أخرى زائدة عن طبيعة كونها صلاة مسنونة في هذا الوقت من ارتباطها بالفريضة ونحوه فحينئذ لا يحسب منها هاتان
الركعتان كما تقدمت الإشارة إليه الا ان يقصد بفعلهما امتثال كلا الامرين فيكون حينئذ نظير اكرام العالم الهاشمي بقصد امتثال الامر المتعلق بكل من العنوانين
فله حينئذ الاتيان بالركعتين بقصد التداخل والاتيان بكل من النافلتين مستقلة بقصد امتثال امرها بالخصوص لكن هذا ان لم نقل بالمنع عن التطوع في وقت
10

الفريضة ولو بالنسبة إلى صلاة العشاء قبل وقت فضيلتها والا فلا يخلو القول بجواز الاتيان بأزيد من أربع ركعات بين العشائين عن اشكال الاحتمال أن تكون صلاة
الغفيلة بالذات هي نافلة المغرب مشتملة على خصوصية موجبة لزيادة فضلها فإنه لا يستفاد من مثل قوله عليه السلام من صلى العشاءين ركعتين أو أربع ركعات بكيفية
خاصة فله كذا وكذا من الاجر إرادة نافلة أخرى غير نافلة المغرب وان كان مقتضى اطلاقه جواز الاتيان بالصلاة بهذه الكيفية بعد نافلة المغرب أيضا لكن تقييده
بمن لم يصل نافلة المغرب كما لعله المنساق إلى الذهن من مورده ليس بأبعد من تخصيص لا تطوع في وقت الفريضة بالنسبة إليها بل مقتضى اصالة في لتخصيص في
لا تطوع في وقت الفريضة حمل مثل هذه الرواية على إرادة الاتيان بنافلة المغرب بهذه الكيفية فالأحوط بل الأقوى بناء على المنع عن التطوع في وقت الفريضة
في لجمع بين النافلتين والأولى الاتيان بالركعتين بقصد امتثال كلا الامرين ثم لا يخفى عليك انه لا ربط لما نحن فيه بمسألة حمل المطلق على المقيد
حتى يقال بمنع جريانها في المستحبات مع أن شرط الحمل احراز وحدة التكليف وهو غير محرز في المقام ضرورة ان أدلة نافلة المغرب وكذا قول النبي صلى الله عليه وآله
تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين نص في الاطلاق وانما الكلام في أن المقيد هل هو من مصاديق هذين المطلقين ولكنه تعلق الامر به بالخصوص
لخصوصية فيه موجبة لتأكد طلبه أو انه نافلة أخرى مستقلة وكذلك الكلام في نافلة المغرب في أنها هل هي بعينها من مصاديق ما امر به النبي صلى الله عليه وآله
فيحصل المقصود بهذا الامر بفعل نافلة المغرب وان لم يقصده بالخصوص وكذا عكسه أو ان كلا منهما نافلة مستقلة لا يتحقق موضوعها ما لم يكن عنوانها مقصودا
بالفعل وانه على تقدير كون كل من هذه النوافل نافلة مستقلة فهل هي بعناوينها الخاصة مستثناة من لا تطوع في وقت الفريضة أو ان الخارج من العموم
ليس الا أربع ركعات فاطلاق الامر بكل منها مقيد بما إذا لم تكن مسبوقة بنافلة توجب زيادتها على الأربع فلا ربط للمقام بمسألة حمل المطلق على المقيد
واما صلاة الوصية فهي ما عن الشيخ في المصباح عن الصادق عليه السلام عن ابائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال أوصيكم بركعتين بين العشائين يقرء
في الأولى الحمد وإذا زلزلت الأرض ثلث عشر مرة وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد خمس عشر مرة فان فعل ذلك كل شهر كان من المؤمنين فان فعل في كل
سنة كان من المحسنين فان فعل ذلك في كل جمعة كان من المخلصين فان فعل ذلك في كل ليلة زاحمني في الجنة ولم يحص ثوابه الا الله تعالى والكلام في كون هذه
الصلاة من نافلة المغرب أو انها نافلة مستقلة هو الكلام في صلاة الغفيلة ونحوهما أيضا ركعتان أخريان رواهما في الوسائل عن الكليني رحمه الله عن علي بن محمد باسناده
عن بعضهم في قوله تعالى ان ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا قال هي ركعتان بعد المغرب تقرء في أول ركعة بفاتحة الكتاب وعشر آيات من أول البقرة و
آية السخرة وإلهكم اله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ان في خلق السماوات والأرض إلى قوله لايات لقوم يعقلون وخمس عشر مرة قل هو الله أحد
وفي الركعة الثانية فاتحة الكتاب وآية الكرسي واخر سورة البقرة من قوله لله ما في السماوات والأرض إلى أن تختم السورة وخمس عشرة مرة قل هو الله أحد
ثم ادع بعدها بما شئت قال ومن واظب عليه كتب له بكل صلاة ستمائة الف حجة وعنه أيضا عن علي بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال
من صلى المغرب وبعدها أربع ركعات ولم يتكلم حتى يصلي عشر ركعات يقرء في كل ركعة بالحمد وقل هو الله أحد كانت عدل عشر رقاب وظاهرها كون العشر
ركعات ما عدا نافلة المغرب وكيف كان فهذه الرواية نص في استحباب التنفل بأزيد من أربع ركعات لكن بناء على المنع عن التطوع في وقت الفريضة يشكل
ارتكاب التخصيص في أدلة المنع بمثل هذه الروايات لكنك ستعرف إن شاء الله ضعف المبنى والله العالم وتسقط في السفر نافلة الظهر
والعصر بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن جملة من الأصحاب دعوى الاجماع عليه للنصوص المعتبرة المستفيضة منها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ الا المغرب وصحيحة حذيفة بن منصور عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام انهما قالا الصلاة في
السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ الا المغرب فان
بعدها أربع ركعات لا تدعهن في سفر ولا حضر وليس عليك قضاء صلاة النهار وصل صلاة الليل واقضه وعن أبي يحيى الخناط قال سئلت أبا عبد
الله عليه السلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن
الصلاة تطوعا في السفر قال لا تصل قبل الركعتين ولا بعدهما شيئا نهارا إلى غير ذلك من الاخبار التي سيأتي بعضها إن شاء الله ثم إن مقتضى جل الأخبار المتقدمة
بل كلها ما عدى الرواية الأخيرة سقوط الوتيرة أيضا كما حكى القول به عن المشهور بل عن السرائر دعوى الاجماع عليه بل ظاهرها سقوط
نافلة الفجر أيضا حيث لم يستثن فيها من النوافل عدا نافلة المغرب لكن المراد بها ما عدا نافلة الصبح كما يشهد به مضافا إلى في لخلاف فيه على الظاهر
جملة من الاخبار منها ما عن الكليني رضي الله عنه باسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي من الليل ثلاث عشر ركعة منها الوتر
وركعتا الفجر في السفر والحضر وعن الشيخ رحمه الله باسناده عن الحارث بن المغيرة في حديث قال قال أبو عبد الله عليه السلام كان أبي لا يدع ثلاث عشر ركعة بالليل في سفر
ولا حضر وعن محمد بن مسلم قال قال لي أبو جعفر عليه السلام صل صلاة الليل والوتر والركعتين في المحمل إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه فهذا مما لا اشكال
فيه كما لا اشكال في عدم سقوط نافلة المغرب لما في جملة من الاخبار التي تقدم بعضها التصريح بذلك مع أن الأخبار المتقدمة بنفسها قاصرة عن
شمول صلاة المغرب كما لا يخفى وانما الاشكال في الوتيرة التي قد أشرنا إلى أن ظاهر الأخبار المتقدمة
سقوطها وما في خبر أبي يحيى من تخصيص السؤال
بنافلة النهار وان كان مشعرا بعدم كون نافلة الليل عند السائل مظنة للسقوط لكن مع أنه لا عبرة بمظنة السائل ربما يستفاد من تعليل الإمام عليه السلام
11

لعدم صلاحية النافلة في السفر بعدم أولويتها من اتمام الفريضة اطراد الحكم في نافلة العشاء أيضا كما يؤيده بعض الأخبار التي يظهر منها الملازمة بين تقصير
الصلاة وسقوط نافلتها واما صحيحة محمد بن مسلم فربما يظهر مما فيها من تقييد النهي عن فعل النافلة قبل الركعتين أو بعدها بالنهار عدم كون الركعتين اللتين يؤتى
بهما في الليل وهي صلاة العشاء كذلك فمقتضاه عدم سقوط نافلتها كما هو صريح ما عن الشيخ باسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام أنه قال وانما
صارت العتمة مقصورة وليس تترك وركعتاها لان الركعتين ليستا من الخمسين وانما هي زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بهما يدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من
التطوع وفي المدارك بعد ان نسب سقوط نافلة الظهرين إلى مذهب الأصحاب واستدل له بجملة من الأخبار المتقدمة قال واما الوتيرة فذهب الأكثر
إلى سقوطها أيضا ونقل فيه ابن إدريس الاجماع وقال الشيخ في النهاية يجوز فعلها وربما كان مستندة ما رواه ابن بابويه عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام
قال انما صارت العشاء مقصورة ليس يترك ركعتاها لأنها زيادة في الخمسين تطوعا يتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع وقواه في الذكرى
قال لأنه خاص معلل وما تقدم خال منهما الا ان ينعقد الاجماع على خلافه وهو جيد لو صح السند لكن في الطريق عبد الواحد بن عبدوس وعلي بن محمد
القتيبي ولم يثبت توثيقهما فالتمسك بعموم الأخبار المستفيضة الدالة على السقوط أولى انتهى واعترضه بعض بأنهما من مشايخ الإجازة وعدم توثيق
المشايخ غير قادح في السند لان اعتماد المشايخ المتقدمين على النقل عنهم واخذ الاخبار منهم والتلمذ عليهم يزيد على قولهم في كتب الرجال فلان ثقة
وكيف كان فالرواية بحسب الظاهر من الروايات المعتبرة التي لا يجوز ردها من غير معارض مكافؤ إذ ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية على اتصافها بالصحة
المصطلحة والا فلا يكاد يوجد خبير يمكننا اثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق لولا البناء على المسامحة في طريقها والعمل بظنون غير ثابتة الحجية بل
المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية وان كان بواسطة القراين الخارجية التي عمدتها كونها مدونة في الكتب الأربعة أو مأخوذة من الأصول
المعتبرة مع اعتناء الأصحاب بها وعدم اعراضهم عنها ولا شبهة في أن قول بعض المزكين بان فلانا ثقة أو غير ذلك من الألفاظ التي اكتفوا بها في تعديل
الرواة لا يؤثر في الوثوق أزيد مما يحصل من اخبارهم بكونه من مشايخ الإجازة ولاجل ما تقدمت الإشارة إليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن حال الرجال
والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحة كونها موصوفة بها في السنة مشايخنا المتقدمين الذين تفحصوا عن حالهم والحاصل ان الرواية بحسب الظاهر لا
تقصر من حيث الاعتبار عن بعض الروايات المتصفة بالصحة لكن اعراض أكثر الأصحاب عنها مع وضوح دلالتها وحكومتها على سائر الأخبار أوهنها الا ان
عمل الشيخ بها وتقوية الشهيد إياها واعتماد جملة من المتأخرين عليها يعصمها عن السقوط عن درجة الاعتبار خصوصا مع اعتضادها بمفهوم القيد في
صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ويؤيدها أيضا حسنة الحلبي أو صحيحة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شئ قال لا غير اني أصلي بعدها
ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل فان كونها كذلك يوهن ظهور الأخبار المتقدمة في ارادتها بل ربما يستشعر عدم ارادتها من تلك الأخبار مما في ذيل
رواية أبي بصير المتقدمة من قوله عليه السلام وليس عليك قضاء صلاة النهار وصل صلاة الليل واقضها فإنه يشعر بان المقصود بقوله عليه السلام في صدر الرواية الصلاة في
السفر ركعتان الخ نفي شرعية نافلة الظهرين هذا مع امكان ان يقال إن الأخبار المتقدمة معارضة في الوتيرة مع الأخبار الواردة فيها بالخصوص مثل خبر
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن الا بوتر قال قلت يعني الركعتين بعد العشاء الآخرة قال نعم فأنهما تعدان بركعة
فمن صلاهما ثم حدث به حدث الموت مات على وتر وان لم يحدث به حدث الموت صلى الوتر في اخر الليل وصحيحة زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فلا يبيتن الا بوتر وخبر حمران المروي عن العلل عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يبيتن الرجل وعليه وتر فان النسبة بين هذه الأخبار
وبين الروايات المتقدمة العموم من وجه وليس ظهور تلك الروايات في إرادة الاطلاق بالنسبة إلى نافلة العشاء بأقوى من ظهور هذه الروايات مع
ما فيها من التأكيد في الاطلاق بالنسبة إلى المسافر بل هذه الروايات لها نحو حكومة على تلك الأخبار
حيث يفهم منها ان الوتيرة مربوطة بصلاة الليل
وان اتيانها بعد العشاء لوقوعها قبل المبيت لا لارتباطها بالعشاء ولعله لذا أجاب الإمام عليه السلام بلا في حسنة الحلبي المتقدمة التي وقع فيها
السؤال عن انه هل قبل العشاء الآخرة أو بعدها شئ فكأنه أراد بقوله عليه السلام غير اني أصلي ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل التنبيه على أنهما نافلة مستقلة
ولها نحو ارتباط بنافلة الليل وكيف كان فقد تلخص من جميع ما ذكرنا ان الوتيرة أيضا كسائر النوافل الليلية لا تسقط في السفر على الأظهر
ولكن الأحوط فعلها بعنوان نافلة مطلقة برجاء حصول الخصوصية من باب الاحتياط والله العالم تنبيهان الأول هل تسقط النوافل اليومية
عن المسافر في الأماكن الأربعة أيضا كما يقتضيه اطلاق المتن وغيره أم لا تسقط فيها مطلقا كما عن الشيخ نجيب الدين بن نما عن شيخه ابن إدريس مصرحا بعدم الفرق
بين ان يتم الفريضة أولا ولا بين ان يصلي الفريضة خارجا عنها والنافلة فيها أو يصليها معا فيها أو انها تابعة للفريضة فان اختار ايقاع الفريضة فيها
تماما جاز له الاتيان بنافلتها والا فلا وجوه بل أقوال ربما يترجح في النظر القول بعدم السقوط مطلقا نظرا إلى أن عمدة ما يمكن التمسك باطلاقها
للسقوط هي المستفيضة المتقدمة وهي ما ورد فيها ان الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ وهي
قاصرة عن شمول محل البحث إذ الظاهر أن المراد
بهذه القضية بيان قصر طبيعة الصلاة المشروعة في السفر في الركعتين اللتين أريد بهما الفريضة مقصورة فهي بمنزلة ما لو قيل إن الصلاة المأمور
بها في السفر ليست الا ركعتان وقد تخصصت هذه القضية بالأدلة الدالة على جواز الاتمام في الأماكن الأربعة حيث إنها تدل على أن الصلاة المشروعة
12

في تلك الأماكن أزيد من ركعتين لكن لقائل ان يقول إن هذا لا يقتضي اهمال القضية رأسا بالنسبة إلى تلك الأماكن بل مقتضاه رفع اليد عن عموم ما يفهم
منها من عدم شرعية الزائد بمقدار دلالة الدليل كما لو ورد دليل خاص على جواز الاتيان بركعتين مثلا من نافلة الظهر في مكان خاص فان مقتضاه ليس الا رفع
اليد عن عموم المفهوم بالنسبة إلى الركعتين لا اهماله بالنسبة إلى ذلك المكان رأسا فعلى هذا يتجه اختيار القول الأول فليتأمل ويمكن الاستدلال له أيضا
بترك الاستفصال فيما رواه صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سئلته عن التطوع بالنهار وانا في سفر فقال لا ولكن تقضي صلاة الليل بالنهار
وأنت في سفر فقلت جعلت فداك صلاة النهار التي أصليها في الحضر أقضيها بالنهار في السفر قال اما انا فلا أقضيها ويمكن الاستدلال لتبعيتها لاتمام
الفريضة بما يستشعر من جملة من الاخبار بل يستظهر من بعضها من تبعية سقوط النافلة لتقصير الفريضة مثل ما عن الفضل بن شاذان في حديث العلل عن الرضا عليه السلام
عليه السلام قال وانما ترك تطوع النهار ولم يترك تطوع الليل لان كل صلاة لا يقصر فيها لا يقصر فيما بعدها من التطوع وذلك أن المغرب لا تقصير فيهما فلا تقصير
فيما بعدها من التطوع وكذلك الغداة لا تقصير فيها فلا تقصير فيما قبلها من التطوع وفيه تأمل فالانصاف ان الحكم موقع تردد فالقول بالسقوط ان لم
يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط نعم لا ينبغي التأمل في عدم سقوطها عن المسافر الذي هو بحكم الحاضر ككثير السفر ونحوه كما صرح به بعض بل عن ظاهر الغنية أو صريحها
دعوى الاجماع عليه فان ظاهر الأدلة الدالة على أنه يتم صلاته ويصوم ان هذا ليس الا لكونه بمنزلة الحاضر وانه لا حكم لسفره فيختص الأحكام المجعولة للمسافر بغيره
كما لا يخفى على المتأمل الثاني هل يجوز قضاء ما يتركه المسافر من النوافل اليومية أم لا فقد اختلفت الاخبار في ذلك فربما يظهر من بعض الأخبار عدم مشروعية
كخبر سيف التمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال له بعض أصحابنا انا كنا نقضي صلاة النهار إذا نزلنا بين المغرب والعشاء الآخرة فقال لا الله اعلم بعبادة حين رخص لهم
انما فرض على المسافر ركعتين ليس قبلهما ولا بعدهما شئ الا صلاة الليل على بعيرك حيث توجه بك وخبر العامري عن أبي جعفر (ع) وليس عليك قضاء صلاة النهار وصل صلاة الليل واقضه وعن أبي بصير ويظهر من بعض الأخبار استحبابه كخبر حنان بن سدير قال قال أبو عبد الله عليه السلام كان يقضي في
في السفر نوافل النهار بالليل ولا يتم صلاة فريضة وعن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اقضي صلاة النهار بالليل في السفر فقال نعم فقال له إسماعيل بن
جابر اقضي صلاة النهار بالليل في السفر فقال لا فقال إنك قلت نعم فقال إن ذلك يطيق وأنت لا تطيق وربما جمع بين الاخبار بحمل الفعل على الجواز وفيه
مالا يخفى ان أريد به تساوي طرفيه وانه لا اثم فيه وليس بمسنون أو بالحمل على نفي التأكد أو ان الفعل يقع راجحا بلحاظ كونه مصداقا لطبيعة الصلاة التي هي خير
موضوع فتعلق الامر به في رواية معاوية بن عمار انما هو بهذه الملاحظة واما خبر حنان فيحتمل صدوره على سبيل الانكار وفي هذا التوجيه أيضا ما لا يخفى
خصوصا مع اقتضائه حمل خبر حنان على الانكار مع ما فيه من البعد وان كان ربما يستشعر هذا التوجيه من رواية عمر بن حنظلة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت
فداك اني سئلتك عن قضاء صلاة النهار بالليل في السفر فقلت لا تقضها وسئلك أصحابنا فقلت اقضوا فقال لي أفأقول لهم لا تصلوا والله ما ذاك عليهم فاقرب
المحامل هو الحمل على عدم تأكد الاستحباب على وجه يعد من الأمور اللازمة كما يشعر بذلك ما في خبر العامري من التعبير بأنه ليس عليك وفي الرواية الأخيرة أيضا
بأنه ما ذاك عليهم والله العالم والنوافل كلها موقتها وغير موقتها ركعتان بتشهد وتسليم بعدهما الا مفردة الوتر التي
عرفتها وصلاة الاعرابي التي ستعرفها على المشهور بل عن الخلاف والسرائر وغيرهما دعوى الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى الاجماعات
المحكية المعتضدة بالشهرة وعدم نقل خلاف محقق في المسألة خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد
عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يصلي النافلة يصلح
له ان يصلي أربع ركعات لا يسلم بينهن قال لا الا ان يسلم بين كل ركعتين وما عن مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب حريز بن عبد الله عن أبي بصير قال قال أبو جعفر عليه السلام في
حديث وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم وبعضهما النبوي العامي الذي استدل به الشيخ في محكي الخلاف المدعى حيث إنه منع عن الزيادة وقال فان فعل
خالف السنة محتجا عليه باجماعنا وبما رواه ابن عمران رجلا سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن صلاة الليل فقال صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح
صلى ركعة واحدة يوتر له ما قد صلى ثم نقل عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وآله أنه قال صلاة الليل والنهار مثنى والخدشة في سند الاخبار أو دلالتها باحتمال إرادة خصوص النوافل
المرتبة مما لا ينبغي الالتفات إليها بعد الانجبار بما عرفت هذا مع أن الاحتمال المذكور في حد ذاته مخالف لظاهر الخبرين الأولين واستدل للمدعى أيضا بان كيفية
العبادة كأصلها توقيفية والذي ثبت من فعل الحجج وقولهم عليهم السلام انما هو فعل الصلاة ركعتين فاتيانها بغير هذه الكيفية تشريع محرم وفيه ما تقرر في محله من أن
كون العبادات توقيفية لا يصلح دليلا لايجاب الاحتياط بالنسبة إلى ما يشك في جزئية أو شرطية فلا يصح الاستدلال بذلك لاثبات وجوب التسليم في
كل ركعتين وعدم جواز الاتيان بثمان ركعات التي هي نافلة الزوال مثلا موصولة نعم يصح التمسك بذلك لنفي شرعية ركعة مستقلة حيث لم يثبت
لدينا تعلق امر شرعي بايجاد صلاة ركعة الا في مفردة الوتر وصلاة الاحتياط فمقتضي الأصل عدم مشروعيتها في غير هذين الموردين ويؤيده رواية ابن
مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن البتراء يعني الركعة الواحدة على ما فسروه فما عن المحقق الأردبيلي رحمه الله من الاستشكال في اعتبار كون النوافل
ركعتين بل الميل أو القول بجواز ركعة واحدة وما زاد على الركعتين موصولة نظرا إلى صدق كونها صلاة وعموم ما دل على شرعية الصلاة
استحبابها ضعيف فان المسك باطلاق ما دل على شرعية الصلاة واستحبابها مطلقا وانها خير موضوع أو باطلاق الامر بثمان ركعات في نافلة الزوال
ونحوها الصادفة على الموصولة والمفصولة انما يصح بناء على بناء على كون ألفاظ العبادات أسامي للأعم من الصحيحة وكون الاطلاقات مسوقة لبيان الاجزاء والشرائط
13

وفي كلتا المتقدمتين نظر بل منع اما الأولى فلما تقرر في محله من أن الألفاظ أسامي للصحيحة واما الثاني فلوضوح عدم كون مثل هذه المطلقات
مسوقة لبيان كيفية الصلاة حتى يتمسك باطلاقها لنفي ما يحتمل اعتبارها في الصحة كما لا يخفى نعم لولا الأدلة الاجتهادية المتقدمة والاجماعات
المحكية المعتضدة بالشهرة وعدم معروفية الخلاف لكان المرجع عند الشك في اشتراط الاستقلال في كل ركعتين من النوافل وعدم اتصالهما بلاحقتهما
وانفصالهما عن سابقتهما أو الشك في جزئية التشهد والتسليم لكل ركعتين من النوافل الثابتة مشروعيتها كثمان ركعات نافلة الزوال مثلا اصالة البراءة
وأصالة عدم تعلق الامر بالمقيد أو المركب من الاجزاء المشتملة على التشهد والتسليم وأصالة عدم تعلق الامر الغيري بالجزء المشكوك جزئيته كما تقرر في
محله وتقدمت الإشارة إليه عند البحث عن جواز تبعيض النوافل المرتبة واما ما لم تثبت مشروعيتها ذاتا كنافلة ذات ركعة أو ذات ثلاث ركعات أو خمس أو
نحو ذلك فمقتضى الأصل عدم مشروعيتها بل يكفي في حرمة الاتيان بها بعنوان العبادة مجرد الشك في تعلق الامر بالصلاة بهذه الكيفية من غير حاجة
إلى اصالة العدم والحاصل انه متى شك في كون الفعل الخاص مشروعا كالصلاة ركعة واحدة مثلا يحرم ايجاده بعنوان كونه عبادة ومتى شك
في كون الكيفية الخاصة شرطا لما هو المشروع أو جزء له بعد ان ثبت أصل المشروعية كثمان ركعات نافلة الزوال ونحوها يرجع إلى الأصول المتقدمة لو
لم يكن دليل على خلافها واما صلاة الاعرابي فهي ما أرسلها الشيخ في محكي المصباح عن زيد بن ثابت قال اتى رجل من الاعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بأبي أنت وأمي
يا رسول الله صلى الله عليه وآله انا نكون في هذه البادية بعيدا من المدينة ولا نقدر ان نأتيك في كل جمعة فدلني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا مضيت إلى أهلي أخبرتهم
به فقال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان ارتفاع النهار فصل ركعتين تقرء في أول ركعة الحمد مرة وقل أعوذ برب الفلق سبع مرات واقرء في
الثانية الحمد مرة واحدة وقل أعوذ برب الناس سبع مرات فإذا سلمت فاقرء آية الكرسي سبع مرات ثم قم فصل ثماني ركعات بتسليمتين واقرء في كل ركعة
منها الحمد مرة وإذا جاء نصر الله والفتح مرة وقل هو الله أحد خمسا وعشرين مرة فإذا فرغت من صلاتك فقل سبحان الله رب العرش الكريم ولا حول ولا
قوة الا بالله العلي العظيم سبعين مرة فوالله الذي اصطفاني بالنبوة ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول الا وانا ضامن له
الجنة ولا يقوم من مقامه حتى يغفر له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما وفي الجواهر بعد نقل الرواية قال وظاهره انها عشر ركعات بثلاث تسليمات وقال غير واحد
كالصبح والظهرين فان أرادوا به ما ذكرنا كان جيدا وان أرادوا بحيث يشمل التشهد الوسط في الرباعيتين فيها ونحوه كما يفهم من الروضة طولب بدليل
ذلك انتهى أقول مرادهم بحسب الظاهر كونها كالظهرين في اشتمالها على التشهد عقيب كل ركعتين وهذا ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط إذ
لقائل ان يقول إنه ان أراد بقوله بثلاث تسليمات الاتيان بالتسليمات من غير أن يسبقها التشهد بان يقول بعد رفع الرأس من السجدة السلام عليكم بلا
تشهد ففيه ما لا يخفى مخالفته لما هو المعهود من كون التسليم في الصلاة عقيب التشهد وان أراد الاتيان بها بعد التشهد فما هو الدليل على اعتبار
التشهد قبل التسليم هو الدليل على اعتباره عقيب الركعة الثانية توضيحه انه مهما امر الشارع بعبادة خاصة من صلاة أو صوم أو غسل أو نحو ذلك
لا يتعرض في مقام بيان كيفية تلك العبادة الا لخصوصياتها المختصة بها واما سائر اجزائها وكيفياتها المشاركة مع سائر افراد تلك العبادة فمعرفتها
موكولة إلى معهوديتها في الشريعة فكما انا لا نحتاج في اثبات سجدتين في كل ركعة من هذه العشر ركعات إلى دليل سوى معهوديته في الشريعة كذلك في
التشهد عقيب كل ركعتين فنقول لا ريب ان التشهد كالسجود والركوع والقنوت والتكبيرات من اجزاء طبيعة الصلاة من حيث هي وموضوعة
على ما هو المعهود في الشريعة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الثانية وفي الركعة الأخيرة من كل صلاة فيتحد موضعه في كل صلاة ثنائية
ويتعدد فيما زاد عليها كالظهرين والعشائين فالقول باعتباره عقيب كل ركعتين من هذه الصلاة أيضا كغيره من الأمور المعتبرة في سائر الصلوات
لا يخلو عن وجه والله العالم ثم إن الرواية وان كانت ضعيفة السند لكن أفتى المشهور بمضمونها على ما قيل بل عن مفتاح الكرامة قد استثناها
جمهور الأصحاب وفي الجواهر لا أجد من أنكرها على البت ومستندهم بحسب الظاهر ليس الا هذه الرواية وكفى بذلك جابرا لضعفه هذا مع أن
المقام مقام المسامحة فإنه من اظهر مصاديق المعتبرة المستفيضة الدالة على أن من بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله ثواب على عمل فعمله بالتماس ذلك
الثواب أوتيه وان لم يكن الامر كما بلغه اللهم الا ان يقال إن لا موقع للمسامحة بعد ان دل دليل معتبر على خلافها وقد دل الخبران المتقدمان باطلاقها
على نفي شرعية الاتيان بأربع ركعات موصولة ويمكن دفعه بان غاية ما يمكن ادعائه انما هو شمول الخبرين مقتضى ترك الاستفصال في الأول واطلاق
نوافلك في الثاني لمطلق النوافل المتعارفة لا خصوص النوافل المرتبة كما قد يدعى انصرافهما إليها واما مثل هذه الصلاة الغير المتعارفة التي لها
وقت خاص وكيفية خاصة فاطلاقهما منصرف عنها قطعا هذا مع أن تقييد الاطلاق أهون من تخصيص عموم اخبار من بلغ بالنسبة إلى هذا الفرد فليتأمل
وسنذكر تفصيل باقي الصلوات وبعض ما أجملناه فيما يتعلق بالنوافل المفصلة في مواضعها إن شاء الله
المقدمة الثانية
في المواقيت والنظر في مقاديرها واحكامها اما الأول فلا ريب في أن الفرائض اليومية واجبات موقتة لا يجوز
تقديمها على أوقاتها ولا تأخيرها عنها بلا خلاف فيه بل عليه دعوى اجماع علماء الاسلام كافة عدا انه حكى عن ابن عباس والشعبي في صلاة الظهر من جواز
تقديم المسافر لها قليلا فما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت للظهر والعصر بلا خلاف فيه في الجملة عدى ما حكى عن الحلبي
14

من القول بانتهاء وقتهما وللمضطر بصيرورة ظل كل شئ مثله وهو واضح البطلان لمخالفته للاجماع وصريح الاخبار البالغة حد التواتر بل فوقه ولذا قد
يظن بوقوع الغفلة في الحكاية وكيف كان فيدل على دخول وقت الفرضين بالزوال الذي هو عبارة عن ميل الشمس عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة
نصف النهار على سبيل الترتيب أو التشريك على الخلاف الآتي مضافا إلى في لخلاف فيه بل دعوى الاجماع عليه عن غير واحد بل ادعى بعض ان عليه اجماع
المسلمين بل الضرورة من الدين الكتاب المبين قال الله تبارك وتعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل والدلوك هو الزوال بشهادة جماعة من اللغويين
على ما حكى عنهم ودلالة جملة من الاخبار الآتية عليه والصلاة المأمور بإقامتها هي الفريضة بشهادة الاخبار الآتية ويدل عليه أيضا اخبار مستفيضة بل المتواترة
معنى ويستفاد من أكثرها الجزء الثاني من المدعى أيضا أعني امتداد وقتهما إلى الغروب منها صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أخبرني عما فرض الله تعالى من
الصلاة قال خمس صلوات في الليل والنهار قلت هل سماهن الله عز وجل وبينهن في كتابه قال نعم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق
الليل ودلوكها زوالها ففي ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل اربع صلوات سماهن الله وبينهن ووقتهن وغسق الليل انتصافه ثم قال وقران الفجر ان قران
الفجر كان مشهودا فهذا الخامس وقال في ذلك أقم الصلاة طرفي النهار طرفاه المغرب والغداة وزلفا من الليل وهي صلاة العشاء الآخرة وقال حافظوا على
الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وهي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر وقال في بعض القراءات
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين في صلاة الوسطى قال وأنزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فقنت
فيها وتركها على حالها في السفر والحضر وأضاف للمقيم ركعتين وانما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي صلى الله عليه وآله يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الامام فمن
صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيام ولقد نقلنا هذه الصحيحة بطولها لاشتمالها على تعيين صلاة الوسطى
التي خصها الله تعالى بالامر بالمحافظة عليها قوله وفي بعض القراءات يحتمل كونه من كلام الراوي وكونه من كلام الإمام عليه السلام وهذا هو الأقرب والمقصود
بنقل هذه القراءة بيان كون صلاة العصر أيضا منصوصا عليها بالصراحة في الكتاب العزيز ولكن نسخ الاخبار المروي فيها هذا الخبر على ما ذكره في الحدائق مختلفة
فعن الفقيه روايتها كما عرفت بذكر صلاة العصر عقيب الصلاة الوسطى بلا توسيط العاطف وعن التهذيب روايتها بعطف صلاة العصر على
الصلاة الوسطى وهذا بحسب الظاهر هو الصحيح فكان الأول نشأ من سهو قلم النساخ فان ذكرها بلا عطف لا يلايم ما قبل هذه الفقرة وما بعدها من التصريح
بان صلاة الوسطى التي أمروا بالمحافظة عليها وبالقيام فيها قانتين هي صلاة الظهر كما يشهد لذلك الأخبار المستفيضة المروية عن طرق الخاصة والعامة
الحاكية لنقل هذه القراءة التي أشير إليها في الرواية بالواو كصحيحة عبد الله بن سنان المروية عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام انه قرء حافظوا على الصلاة
الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين وعن تفسير العياشي أيضا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له الصلاة الوسطى فقال حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين والوسطى هي الظهر وكذلك كان يقرئها رسول الله صلى الله عليه وآله ورواية محمد بن مسلم المروية
عن فلاح السائل عن أبي جعفر عليه السلام قال كتبت امرأة الحسن بن علي عليه السلام مصحفا فقال الحسن عليه السلام للكاتب لما بلغ هذه الآية اكتب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ورواية أبي بصير المروية وعن كتاب إبراهيم الحزاز عن أبي عبد الله عليه السلام قال وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة
العصر وقوموا لله قانتين وعن طريق العامة عن الحاكم النيسابوري باسناده إلى ابن عمر قال أمرت حفصة بنت عمر انه يكتب لها مصحف فقالت للكاتب إذا اتيت على
اية الصلاة فأرني حتى امرك ان تكتبه كما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أريها امرته ان يكتب حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وصلاة العصر
وعن ابن بابويه في كتاب معاني الأخبار انه روى مثل هذا الحديث عن عائشة ويدل أيضا على أن صلاة الوسطى هي الظهر صحيحة أبي بصير المروية عن معاني الأخبار
قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول صلاة الوسطى صلاة الظهر وهي أول صلاة انزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله وعن الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر
وأبي عبد الله عليهما السلام في صلاة الوسطى انها صلاة الظهر وعن علي عليه السلام انها الجمعة يوم الجمعة والظهر في سائر الأيام فما عن السيد من أنها هي صلاة العصر
ضعيف وان كان ربما يستشهد له بما عن الفقه الرضوي قال قال العالم صلاة الوسطى العصر وعن الصدوق باسناده عن الحسن بن علي عليهما السلام أنه قال
جاء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وآله فسئله اعلمهم عن مسائل فكان مما سئله أنه قال أخبرني عن الله عز وجل لأي شئ فرض هذه الخمس صلوات في خمس مواقيت على
أمتك في ساعات الليل والنهار فقال النبي صلى الله عليه وآله ان الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها فإذا دخلت فيها زالت الشمس فيسبح كل شئ دون العرش
بحمد ربي جل جلاله وهي الساعة التي يصلي علي فيها ربي جل جلاله ففرض الله علي وعلى أمتي فيها الصلاة وقال أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق
الليل إلى أن قال واما الصلاة العصر فهي الساعة التي اكل فيها ادم من الشجرة فأخرجه الله عز وجل من الجنة فامر الله ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة
واختارها الله لامتي فهي من أحب الصلاة إلى الله عز وجل وأوصاني ان احفظها من بين الصلوات الحديث ولا يبعد ان يكون المراد بالحلقة في
الرواية هي دائرة نصف النهار وكيف كان فلا شبهة في عدم صلاحية هاتين الروايتين مع عدم صراحة ثانيتهما لمعارضة ما عرفت فالأقوى ما نسب إلى
المشهور من أن صلاة الوسطى هي صلاة الظهر الشاملة لصلاة الجمعة في يومها فلنرجع إلى ما كنا بصدده ونقول ومما يدل على المدعى أيضا صحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء وعنه أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال
15

صلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة ورواية إسماعيل بن مهران قال كتبت إلى الرضا عليه السلام ذكر أصحابنا
انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة الا ان هذه قبل هذه في السفر والحضر وان وقت المغرب
إلى ربع الليل فكتب كذلك الوقت غير أن وقت المغرب ضيق واخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في أفق المغرب وصحيحة عبيد بن زرارة قال
سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن وقت الظهر والعصر فقال إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الظهر
والعصر جميعا الا ان هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما
جميعا حتى تغيب الشمس وعنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل قال إن الله تعالى افترض اربع صلوات أول وقتها
من زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتها أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس الا ان هذه قبل هذه ومنها صلاتان أول
وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل الا ان هذه قبل هذه وعنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين أو عنه
أيضا قال كنت انا ونفر من أصحابنا مترافقين فيهم ميسر فيما بين مكة والمدينة فارتحلنا ونحن نشك في الزوال فقال بعضنا لبعض فامشوا بنا قليلا حتى نتيقن
الزوال ثم نصلي فما مشينا الا قليلا حتى عرض لنا قطار أبي عبد الله عليه السلام فقلت اتى القطار فرأيت محمد بن إسماعيل فقلت له صليتم فقال لي أمرنا جدي فصلينا
الظهر والعصر جميعا ثم ارتحلنا فذهبت إلى أصحابي وأعلمتهم بذلك وعن مالك الجهني قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن وقت الظهر فقال إذا زالت الشمس
فقد دخل وقت الصلاتين وعن سفيان بن السمط عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وعن منصور بن يونس عن العبد
الصالح عليه السلام قال سمعته يقول إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وعن معاوية بن وهب قال سئلته عن رجل صلى الظهر حين زالت الشمس قال لا
باس وعن معاوية بن ميسرة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا زالت الشمس في طول النهار للرجل ان يصلي الظهر والعصر قال نعم وما أحب ان يفعل ذلك
في كل يوم وعن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أصوم فلا أقيل حتى تزول الشمس فإذا زالت الشمس صليت نوافلي ثم صليت الظهر ثم صليت
نوافلي ثم صليت العصر ثم نمت وذلك قبل ان يصلي الناس فقال يا زرارة إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت ولكني اكره لك ان تتخذه وقتا
دائما ورواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات
فإذا مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات
فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي
وقت العصر حتى تغيب الشمس وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت
المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء
الآخرة إلى انتصاف الليل إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي سيأتي نقلها إن شاء الله ولا يعارضها صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام
عن وقت الظهر قال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك الا في يوم الجمعة أو في السفر فان وقتها حين تزول ورواية سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئلته وقت الظهر هو إذا زالت الشمس فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك الا في السفر أو في يوم الجمعة فان وقتها إذا زالت وصحيحة فضيل
وزرارة وبكير ومحمد بن مسلم ويزيد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام انهما قالا وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك
قدمان وهذا أول وقت إلى أن تمضي أربعة اقدام للعصر وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس ووقت
العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة اقدام من زوال الشمس وقال زرارة قال لي أبو جعفر عليه السلام حين سئلته عن ذلك ان حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كان
قامة فكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان قلت لم جعل ذلك
قال لمكان الفريضة لك ان تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفئ ذراعا فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ
فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة وفي محكي التهذيبين قال ابن مسكان وحدثني بالذراع والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير
المرادي وحسين صاحب القلانس وابن أبي يعفور ومن لا أحصيه منهم وعن زرارة أيضا في الموثق قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول كان حائط مسجد رسول
الله صلى الله عليه وآله قامة فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان قلت لا قال من اجل الفريضة
إذا دخل وقت الذراع والذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة وعن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان فيئ الجدار ذراعا صلى
الظهر وإذا كان ذراعين صلى العصر قال قلت إن الجدران تختلف بعضها قصير وبعضها طويل فقال كان جدار مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ قامة وعن
إسحاق بن عمار مثله وزاد وانما جعل الذراع والذراعان لان لا يكون تطوع في وقت الفريضة وعن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال أتدري لم جعل الذراع
والذراعان قال قلت لم قال لمكان الفريضة لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه وعن زرارة في الموثق عن أبي جعفر عليه السلام قال أتدري لم جعل الذراع
والذراعان قال لمكان الفريضة لك ان تتنفل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعا وإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة وعن زرارة أيضا
في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام قال وقت الظهر على ذراع وعن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن وقت الظهر فقال إذا كان الفئ ذراعا قلت
ذراعا من اي شئ فقال ذراعا من فيئك قلت والعصر قال الشطر من ذلك الحديث وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الظهر على ذراع
16

والعصر على نحو ذلك وعن عبد الله بن محمد قال كتبت إليه جعلت فداك روى أصحابنا عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام انهما قالا إذا زالت الشمس فقد دخل
وقت الصلاتين الا ان بين يديها سبحة ان شئت طولت وان شئت قصرت وروى بعض مواليك عنهما ان وقت الظهر على قدمين من الزوال ووقت العصر
على أربعة اقدام فان صليت قبل ذلك لم يجزك وبعضهم يقول يجزى ولكن الفضل في انتظار القدمين والأربعة اقدام وقد أحببت جعلت فداك ان اعرف
موضع الفضل في الوقت فكتب القدمان والأربعة اقدام صواب جميعا توضيح عدم معارضة هذه الأخبار
للأخبار المتقدمة الدالة على دخول
وقت الصلاتين بالزوال اما الرواية الأخيرة فما كتبه عليه السلام جوابا عن سؤاله لا يخلو عن تشابه ولذا احتمل بعض اشتماله على السقط واما الاخبار
الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله فلا تنافي الأخبار المتقدمة كما هو واضح واما الأخبار الدالة على أن وقت الظهر يدخل بعد الزوال
بقدم أو قدمين أو ذراع فهي وان كانت بظاهرها منافية لتلك الروايات لكنها لا تصلح لمعارضتها بعد تواتر تلك الأخبار معنى وموافقتها لظاهر
الكتاب واعتضادها بغيرها من الاخبار الآتية وبقول المسلمين وعملهم حتى ادعى كون مضمونها من ضروريات الدين خصوصا مع ما في نفس هذه الأخبار من
الاشعار والايماء بكون الوقت في حد ذاته صالحا للفريضة وان تأخيره انما هو لأجل ان يتنفل قبله ولذا اختص ذلك بمن شرع في حقه النافلة دون غيره فكأنه
اقتطع قطعة من وقت الفريضة لنافلتها لكن لا على وجه لا يصح فيه الفريضة حتى يتحقق التنافي بينهما وبين الأخبار السابقة وغيرها من الأخبار الدالة على
صحة الفريضة الواقعة في أول الزوال وكيف كان فلا ريب في أصل الحكم وانما الاشكال في توجيه هذه الأخبار وتعيين ما أريد بها فإنه قد
يقال كما ذهب إليه بعض بان التحديد بالقدمين والأربعة أو الذراع والذراعين انما هو منزل على الفضيلة فيكون الأفضل تأخير الصلاة إلى هذا
الوقت كما يؤيده الأخبار المستفيضة الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله ويشهد له موثقة عبيد بن زرارة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن أفضل
وقت الظهر قال ذراع بعد الزوال قال قلت في الشتاء والصيف سواء قال نعم فان المراد بها بشهادة غيرها من الروايات ما بعد الذراع لا مدة ذراع
كما قد يتوهم ولكن يشكل ذلك أولا بحصول التنافي حينئذ بين هذه الأخبار وبين الخبرين الأولين الذين ورد فيهما تحديد أول وقت الظهر بما بعد الزوال
بقدم إذ لا يستقيم حمل هاتين الروايتين أيضا على إرادة وقت الفضيلة والمفروض في رادة وقت الاجزاء أيضا منهما اللهم الا ان تنزل الروايتان على أول
مراتب الفضل وما عديمها على الأفضلية وثانيا بمخالفة هذا التوجيه لما يظهر من جملة من الاخبار من أن المسارعة والاستباق إلى فعل الصلاة في أول
وقتها هو الأفضل بل الظاهر أن أول الوقت هو المراد بالوقت الأول في الأخبار المستفيضة الآتية الدالة على أن لكل صلاة وقتين وان أول الوقتين أفضلها
وان فضله على الوقت الاخر كفضل الآخرة على الدنيا كما ستعرف وفي خبر سعيد بن الحسن الآتي أيضا شهادة على ذلك وحمل هذه الأخبار بأسرها
على إرادة أول وقت الفضيلة توجيه بعيد خصوصا في مثل ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إن أول الوقت ابدا أفضل فعجل الخير ما اسطعت الخ وعنه
أيضا قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أصلحك الله وقت كل صلاة أول الوقت أفضل أو وسطه أو اخره قال أوله ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال إن الله عز وجل يحب من
الخير ما يعجل وعن أبي بصير قال ذكر أبو عبد الله عليه السلام أول الوقت وفضله فقلت كيف اصنع بالثمان ركعات فقال خفف ما استطعت وعن سعيد بن
الحسن قال قال أبو جعفر عليه السلام أول الوقت زوال الشمس وهو وقت الله الأول وهو أفضلهما وعن زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام أحب الوقت إلى الله عز وجل
حين يدخل وقت الصلاة فصل الفريضة فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حيت تغيب الشمس إلى غير ذلك من الروايات هذا كله مضافا إلى تصريح الصادق
بان فعل الفريضة قبل القدمين والأربعة اقدام أحب إليه في موثقة ذريح قال سئله أناس وانا حاضر فقال إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه الا سبحتك
تطيلها أو تقصرها فقال بعض القوم انا نصلي الأولى إذا كانت على قدمين والعصر على أربعة اقدام فقال أبو عبد الله النصف من ذلك أحب إلي فهذا يدل
على أن الاتيان بالصلاتين بعد القدم أو القدمين كما في الخبرين الأولين أفضل ونحوها رواية محمد بن الفرج قال كتبت أسئله عن أوقات الصلاة فأجاب إذا زالت الشمس
فصل سبحتك وأحب ان يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ثم صل سبحتك وأحب ان يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة اقدام فان عجل لك
امر فابدأ بالفريضتين واقض بعدهما النوافل فإذا طلع الفجر فصل الفريضة ثم اقض بعدها ما شئت فالأظهر انما هو استحباب المبادرة إلى فعل الصلاة
في أول وقتها مطلقا الا ان بين يديها سبحة كما صرح به في الخبرين الأخيرين وغيرهما من الاخبار الآتية فينبغي فعلها في أول الوقت بعد الاتيان بالنافلة الغير
المنافي لوقوع الفريضة في أول وقتها عرفا فالذي ينبغي ان يقال في توجيه الاخبار اما ما دل على أن
الوقت انما هو بعد الذراع والذراعين أو القدمين و
الأربعة اقدام اللتين مالهما إلى الأولين انما أريد به بحسب الظاهر الوقت المخصوص بالفريضة في مقابل وقت التطوع فالمراد بدخول وقت الفريضة هو وقتها
الذي يؤتى بها بلا نافلة كما يشعر بذلك قوله عليه السلام فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة واما قبل القدمين فالوقت وقت للنافلة بمعنى
انه يأتي بها أولا في ذلك الوقت لا انه لو تركها رأسا أو خففها بحيث بقي من الوقت شئ لا يجوز له الاتيان بالفريضة واما الخبران الأولان الدالان على أن
وقت الظهر بعد الزوال بقدم فالمراد بها على الظاهر بيان أول وقت فعلها مترتبة على النافلة التي زمان فعلها يقرب من قدم فكأنه عليه السلام نبه بذلك على أن
مقدار قم هو الوقت الذي ينبغي الاشتغال فيه بالنافلة فأول وقت الفريضة بملاحظة ترتبها على النافلة التي كانت لديهم بمنزلة الواجبات في شدة
الاهتمام بها انما هو بعد مضي هذا المقدار من الوقت الذي هو زمان تقريب لفعل النافلة فليس تحديد الوقت بما بعد الزوال بقدم الا بملاحظة كون هذا المقدار
17

هو القدر الذي يسع فعل النافلة فالمدار على مقدار فعل النافلة لا على مقدار قدم من حيث هو كما يؤيده عطف قوله عليه السلام في الروايتين أو نحو ذلك ويشهد له الأخبار الكثيرة
الدالة على أن العبرة بالفراغ من النافلة لا بالقدم والقدمين كموثقة ذريح ورواية محمد بن الفرج المتقدمتين وصحيحة حارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور بن حازم
قالوا كنا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع فقال أبو عبد الله عليه السلام الا أنبئكم بابين من هذا إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر الا ان بين يديها سبحة وذلك إليك
ان شئت طولت وان شئت قصرت وحسنة ذريح قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام متى أصلي الظهر والعصر فقال صل الزوال ثمانية ثم صل الظهر ثم صل سبحتك
طالت أو قصرت ثم صلى العصر وموثقة سماع قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام إذا زالت الشمس فصل ثمان ركعات ثم صل الفريضة أربعا فإذا فرغت من سبحتك قصرت
وطولت فصل العصر وعن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر الا ان بين يديها سبحة وذلك إليك ان شئت طولت
وان شئت قصرت وعن ابن أبي عمير قال إذا صليت الظهر فقد دخل وقت العصر الا ان بين يديها سبحة فذلك
إليك ان شئت طولت وان شئت قصرت وعن
مالك الجهني انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن وقت الظهر فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين فإذا فرغت من سبحتك فصل الظهر متى بدا لك وعن
عيسى بن منصور قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام إذا زالت الشمس فصليت سبحتك فقد دخل وقت الظهر وعن محمد بن أحمد بن يحيى قال كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام
روى ابائك القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتين وظل مثلك والذراع والذراعين فكتب عليه السلام لا القدم ولا القدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت
الصلاتين وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات فان شئت طولت وان شئت قصرت ثم صل الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان ركعات
ان شئت طولت وان شئت قصرت ثم صل العصر فتلخص من جميع ما ذكرنا ان مقتضى الجمع بين الأدلة حمل الخبرين الدالين على أن وقت الظهر بعد الزوال
بقدم ونحوه على إرادة وقتها الذي جعل لها ثانيا وبالعرض بلحاظ ترتبها على فعل النافلة فان مقتضى امر الشارع بالثمان ركعات نافلة الزوال في أول الوقت
تأخر زمان أداء الفريضة على أول الوقت بمقدار زمان فعل النافلة وهو مقدار قدم تقريبا والا للزم الامر بايجاد المتضادين في زمان واحد وهو غير معقول
وحيث إن تأخر وقت الفريضة مسبب عن مزاحمة فعلها في أول الوقت للخروج عن عهدة التكليف بالنافلة اختص بما إذا كانت النافلة مشروعة ولذا استثنى
في الخبرين يوم الجمعة وفى السفر لكن لما لم يكن التكليف بالنافلة الزاميا جاز له ترك النافلة والاتيان بالفريضة في أول الوقت لانتفاء ما يقتضي تقييد
لأدلة الدالة عليه في الفرض بل قد عرفت عند البحث عن إزالة النجاسة عن المسجد انه لو ترك الإزالة وصلى في سعة الوقت صحت صلاته فان الامر بالإزالة
مضيفا وان اقتضى تقييد الامر بالصلاة بما بعد زمان الإزالة لكن لما كان منشأه المزاحمة اختص التقييد بموردها وهو ما إذا اشتغل بالإزالة فوقت
الصلاة عند تنجز التكليف بالإزالة وان كان بعد مضي زمان يتمكن من فعل الإزالة لكن لو ترك الإزالة فوقتها من أول الوقت فكذلك فيما نحن فيه واما اخبار
القدمين والأربعة اقدام وما بمعناها من التحديد بالذراع والذراعين فالمراد بها على الظاهر هو الوقت الذي يبدء فيه بالفريضة في مقابل وقت التطوع
الذي يكون تكليفه الفعلي ابتداء هو الاتيان بالنافلة ثم بالفريضة كما يشهد بذلك ما في نفس تلك الأخبار
وغيرها مما عرفت وسيأتي لذلك مزيد توضيح
عند البحث عن تحديد أوقات النوافل إن شاء الله لكن يبعد ارتكاب هذا التوجيه في بعض الأخبار الدالة على أن أول وقت العصر بعد مضي أربعة اقدام
مثل رواية إبراهيم الكرخي قال سئلت أبا الحسن موسى عليه السلام متى يدخل وقت الظهر قال إذا زالت الشمس فقلت متى يخرج وقتها فقال من بعد ما يمضي من زوالها
أربعة اقدام ان وقت الظهر ضيق ليس كغيره قلت فمتى يدخل وقت العصر فقال إن اخر وقت الظهر هو أول وقت العصر فقلت فمتى يخرج وقت العصر فقال
وقت العصر إلى أن تغرب الشمس وذلك من علة وهو تضييع الحديث فان حملها على إرادة ما ذكر يستلزم التفكيك بحمل ما أريد من وقت صلاة الظهر على
معنى مغاير لما أريد من وقت صلاة العصر وهو بعيد ونحوها بل واشكل من ذلك رواية محمد بن حكيم قال سمعت العبد الصالح عليه السلام وهو يقول إن أول
وقت الظهر زوال الشمس واخر وقتها قامة من الزوال وأول وقت العصر قامة واخر وقتها قامتان قلت في الشتاء والصيف سواء قال نعم بناء على
تفسير القامة بالذراع كما في غير واحد من الروايات الآتية والا فحال هذه الرواية حال ما رواه يزيد بن خليفة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان عمر بن حنظلة
اتانا عنك بوقت فقال إذا لا يكذب علينا قلت ذكر انك قلت إن أول صلاة افترضها الله على نبيه صلى الله عليه وآله الظهر وهو قول الله عز وجل أقم الصلاة لدلوك
الشمس فإذا زالت الشمس لم يمنعك الا سبحتك ثم لا تزال في وقت إلى أن يصير الظل قامة وهو اخر الوقت فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم
تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء قال صدق فان المراد بالقامة في هذه الرواية بحسب الظاهر هي قامة الشخص كما هو المتبادر من لفظها
لان صيرورة ظل الشاخص مثليه هو الذي يترتب عليه المساء لا أربعة اقدام وكيف كان فهذه الروايات بظاهرها منافيه لجل الأخبار المتقدمة
من وجوه وستعرف ان هذا النحو من الاختلاف في الأخبار الواردة في باب المواقيت غير عزيز فالتفصي عن كل واحدة من هذه الروايات بالخدشة فيها
بضعف السند أو جعل بعضها معارضة ببعض واسقاطها عن الاعتبار أو غير ذلك من المناقشات الجزئية الغير المطردة غير مجدية بعد ان علم اجمالا بصدور
كثير منها بل جلها من الأئمة عليهم السلام كما في جملة من الأخبار المعتبرة الإشارة إليه وسيأتي التكلم في توجيهها إن شاء الله تعالى وقد أشرنا فيما سبق إلى عدم صلاحية شئ
من الروايات لمعارضة الطائفة الأولى من الاخبار المصرحة بدخول وقت الصلاتين من أول الزوال مرتبة ثانيهما على الأولى كما هو المطلوب فان أمكن توجيه
سائر الروايات بما لا ينافي في تلك الأخبار فهو والا يجب رد علمها إلى أهله فما تضمنه تلك الأخبار
من دخول وقت الصلاتين بالزوال اجمالا مما لا شبهة
18

فيه بل وكذا لا شبهة في امتداد وقتها إلى الغروب كما في كثير من تلك الأخبار التصريح بذلك بل لا خلاف في ذلك أيضا في الجملة وانما الخلاف في مقامين أحدهما
في أن مجموع هذا الوقت المحدود بين الحدين وقت اختياري للصلاتين يجوز تأخيرهما بلا عذر إلى اخر الوقت أو ان أوله وقت للمختار واخوه للمعذور والمضطر
وثانيهما في أن كلا من الصلاتين مشتركة مع الأخرى في مجموع الوقت فيدخل وقت كل منهما بالزوال ويمتد إلى الغروب لكن منع عن اتيان العصر في
أول الوقت ترتبها على الظهر أو انه بالزوال يدخل وقت مجموع الصلاتين من حيث المجموع مرتبة ثانيهما على الأولى لا وقت كل واحدة منهما مستقلة اما
الكلام في المقام الأول فسيأتي عند تعرض المصنف رحمه الله له واما المقام الثاني فالمشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم انه يختص صلاة
الظهر من أوله بمقدار أدائها وكذلك العصر من اخره وما بينهما من الوقت مشترك خلافا لما حكى عن ظاهر الصدوقين
من القول بأنه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر الا ان هذه قبل هذه وربما يظهر مما حكى عن المعتبر شيوع القول بذلك بين القدماء فإنه بعد
ان حكى عن الحلي الطعن على القائلين بهذا القول وتخطئتهم في ذلك انكر عليه تمام الانكار وبالغ في التشيع عليه وقال في طي كلماته المحكية عنه ان ذلك
نص من الأئمة عليهم السلام وقد رواه زرارة وعبيد والصباح بن سبابه ومالك الجهني ويونس عن العبد الصالح وأبي عبد الله عليهما السلام على أن فضلاء الأصحاب
رووا ذلك وأفتوا به فيجب الاعتناء بالتأويل لا الاقدام بالطعن ثم قال ويمكن ان يتأول ذلك من وجوه أحدها ان الحديث تضمنت الا ان هذه
قبل هذه وذلك يدل على أن المراد بالاشتراك ما بعد الاختصاص الثاني انه لما لم يكن للظهر وقت مقدر بل اي وقت فرض وقوعها فيه أمكن فرض
وقوعها فيما هو أقل منه حتى لو كانت الظهر تسبيحة كصلاة شدة الخوف كانت العصر بعدها ولأنه لو ظن الزوال ثم دخل الوقت قبل اكمالها يلحظه
أمكن وقوع العصر في أول الوقت الا ذلك القدر فلقلة الوقت وعدم ضبطه كان التعبير عنه بما ذكر في الرواية من الخص العبادات وأحسنها الثالث
ان هذا الاطلاق يتقيد برواية داود بن فرقد واخبار الأئمة عليهم السلام وان تعددت في حكم الخبر الواحد انتهى وقد يقال أيضا في تأويل الاخبار التي تقدمت (الإشارة إليها الدالة على دخول وقت الصلاتين بالزوال بما تقدمت)
الإشارة إليه من أن المراد بدخول وقت الصلاتين دخول وقت المجموع من حيث المجموع على سبيل التوزيع بل قد يقال إن هذا هو الذي يقتضيه ترتب
العصر على الظهر المستفاد من قوله عليه السلام الا ان هذه قبل هذه فان مقتضاه كون حال صلاة العصر حال الركعة الثانية من صلاة الظهر التي يمتنع
دخول وقتها الا بعد مضي مقدار ركعة من الزوال وكالتشهد والتسليم الواقعين في اخر الصلاة الذين لا يدخل وقتهما الا بعد مضي مقدار ما تقدمهما من
الاجزاء واستشهد بعض أيضا الإرادة دخول وقتهما على سبيل التوزيع بأنه ورد في الصحاح إذا زالت الشمس دخل الوقتان وإذا غربت دخل الوقتان
ولفظ الوقتين حقيقة في وقتين متعددين ومحال دخول وقتين كذلك بمجرد الزوال والغروب الا على سبيل التوزيع أقول دخول وقتين متعددين
حقيقة في زمان واحد على سبيل التوزيع لا يخلو عن مناقضة وتعدد الوقتين انما هو بلحاظ تعدد الفعلين الموقتين فالمراد بدخول الوقتين دخول وقت
الصلاتين اي الوقت الذي اعتبره الشارع شرطا لصحتهما على تقدير استجماعهما لسائر الشرائط المعتبرة فيهما ولا استحالة في دخول وقت العصر بهذا
المعنى بمجرد الزوال وكون العصر مرتبة على الظهر لا يصلح مانعا عن صلاحية الوقت من حيث هو لفعلها على تقدير استجماعها لشرائط الصحة التي منها
الترتيب وانما يمنع ذلك عن حصول فعلها جامعة للشرائط في أول الوقت ويظهر اثر كون الوقت صالحا للفعل فيما لو انتفت شرطية الترتيب كما لو
غفل عن الظهر أو اعتقد فعلها فصلى العصر أو فعلها بزعم دخول الوقت ثم اتى بالعصر بعدها فانكشف بعد الفراغ وقوع العصر في أول الوقت والظهر
قبله إلى غير ذلك من الأمثلة التي يحكم فيها بسقوط الاشتراط فان الأظهر اختصاص شرطية الترتيب بحال التذكر كما ستعرفه في محله إن شاء الله ويظهر
اثره أيضا فيما إذا حصلت براءة الذمة عن الظهر ولو بمقتضى ظاهر التكليف قبل مضي مقدار أدائها من أول الوقت كما لو اعتقد دخول الوقت فصلى الظهر
ثم دخل الوقت في اخر صلاته قبل اكمالها بلحظه فإنه يصح صلاة الظهر في الفرض فله الدخول حينئذ في صلاة العصر وستعرف ان هذا لا يجتمع مع القول
بالاختصاص وان جعل المصنف رحمه الله الوقت المختص بالظهر في هذا الفرض خصوص هذه اللحظة ولكنك ستعرف عدم استقامته وكذا لو صلى الظهر بزعم دخول
الوقت ثم شك بعد الفراغ في الزوال فيحكم صحة صلاته السابقة القاعدة الشك بعد الفراغ لكن لا يثبت بذلك دخول الوقت لما عرفت مرارا من عدم
الاعتداد بالأصول المشتبه فله بعد ان علم أو ظن بالزوال الشروع في صلاة العصر وهذا بخلاف ما لو قلنا بأنه لا يدخل وقتها الا بعد مضي مقدار
أداء الظهر فإنه يجب على هذا التقدير الصبر إلى أن يعلم أو يظن بمضي هذا المقدار من الزوال وبما ذكرنا ظهر ما في كلام صاحب المدارك حيث استدل على
اختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها بأنه لا معنى لوقت الفريضة الا ما جاز ايقاعها فيه ولو على بعض الوجوه ولا ريب ان ايقاع العصر عند
الزوال على سبيل العمد ممتنع وكذا مع النسيان على الأظهر لعدم الاتيان بالمأمور به على وجه وانتفاء ما يدل على صحته مع المخالفة وإذا امتنع وقوع
العصر عند الزوال انتفى كون ذلك وقتا لها انتهى وقد ظهر أيضا بما ذكرنا ضعف الاستشهاد لإرادة دخول الوقتين متعاقبين من الاخبار
بما تضمنته من قوله عليه السلام الا ان هذه قبل هذه لما عرفت من عدم الملازمة بين الترتيب بين الصلاتين كما هو مدلول هذه العبارة وبين الترتيب وقتيهما
نعم المتبادر من قول القائل إذا زالت الشمس دخل وقت العمل الكذائي إرادة دخول وقته الفعلي الذي يجوز فيه ذلك الفعل فهو بمنزلة ما لو قال
إذا زالت الشمس جاز ذلك الفعل لا الوقت الثاني الذي لا يصح ايقاعه فيه الا على بعض الفروض النادرة الخارجة عن اختيار المتكلف كما هو الشان في الملام؟
19

بالنسبة إلى صلاة العصر بناء على مشاركتها مع الظهر من أول الوقت ولذا جعل المصنف رحمه الله قوله عليه السلام الا ان هذه قبل هذه دليلا على إرادة الاشتراك بعد الاختصاص
نظرا إلى دلالة هذه الفقرة بناء على مشاركتها مع الظهر من أول الوقت ولذا جعل المصنف رحمه الله قوله عليه السلام الا ان هذه قبل هذه دليلا على إرادة الاشتراك بعد
الاختصاص نظرا إلى دلالة هذه الفقرة على عدم جواز الاتيان بالعصر في أول الوقت فأول وقتها الذي جاز الاتيان بها فيه وتعلق الطلب الشرعي بفعلها
عند حضوره لا يعقل ان يكون الا بعد مضي مقدار أداء الظهر فيصير حينئذ الوقت مشتركا بين الصلاتين وقبله كان مختصا بالظهر فعلى هذا يكون قوله عليه السلام إذا زالت
الشمس دخل وقت كل من الصلاتين الا ان هذه قبل هذه مسوقا لبيان جواز الاتيان بكل منهما بعد الزوال في أول أزمنة الامكان مشيرا إلى أن أول أزمنته امكان
فعل العصر انما هو بعد مضي مقدار أداء الظهر والى هذا التوجيه يؤل كلام من جعل هذه الفقرة قرينة لإرادة دخول الوقتين متعاقبين ولكنك خبير بان
جعلها قرينة لإرادة الوقت الثاني بالنسبة إلى صلاة العصر أولى من ارتكاب هذا التأويل بل هو المتعين فان جملة من الاخبار كادت تكون صريحة في إرادة دخول
وقت العصر أيضا كالظهر بمجرد الزوال فيجب ان يكون المراد بها دخول وقتها الصالح للفعل من حيث هو لا بالفعل أو يكون الكلام مبنيا على التجوز المخالف
للأصل منها صحيحة عبيد بن زرارة إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر جميعا الا ان هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس
وخبره الاخر الذي رواه عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس قال إن
الله افترض اربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف
الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس الا ان هذه قبل هذه ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل الا
ان هذه قبل هذه ولولا اشتمال هاتين الروايتين على هذه الفقرة لأمكن حملها على إرادة دخول وقت المجموع من حيث المجموع وان بعد ذلك في الرواية الأولى
بواسطة اشتمالها على التأكيد بلفظ الجميع الموجب لتأكد ظهورها في إرادة دخول وقت كل منهما على سبيل الحقيقة لكن اشتمالهما على هذه الفقرة يجعلهما كالنص
في أن موضوع القضية كل واحدة من الصلاتين لا المجموع من حيث المجموع فتكون هذه الفقرة بحسب الظاهر مسوقة لدفع توهم جواز البدئة بكل من الصلاتين
بمقتضى الاخبار بمشاركتهما في الوقت فقوله عليه السلام الا ان هذه قبل هذه نظير ما في بعض الأخبار
المتقدمة إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر الا ان بين يديها
سبحة فلم يقصد بهذا الاستثناء تخصيص وقتها ونحو هاتين الروايتين في الاباء عن الجمل على إرادة وقت المجموع من حيث المجموع صحيحة زرارة إذا زالت الشمس
دخل الوقتان الظهر والعصر وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء نعم لا يبعد هذا التوجيه في رواية الصباح بن سبابة عن أبي عبد الله عليه السلام قال
إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ونحوها رواية سفيان بن سمط ومالك الجهني ومنصور بن يونس المتقدمات في أول الباب والحاصل
ان جل اخبار الباب بظاهرها ظاهرة الانطباق على مذهب القائلين يكون الوقت مشتركا بين الصلاتين من أول الزوال ان أرادوا بذلك مجرد الثانية و
الصلاحية بالنسبة إلى صلاة العصر كما هو الظاهر من كلامهم حيث التزموا باشتراط الترتيب وصرحوا بان هذه قبل هذه لا وقتها الفعلي الذي يكون المكلف
مأمورا بايقاعها فيه والا فيرد عليهم ما يستشعر من بعض كلمات الحلي من جمودهم على العباير والألفاظ دون الأدلة والمعاني لكنهم اجل من ذلك ولم يعلم من المشهور
القائلين باختصاص أول الوقت بالظهر انكار صلاحية الوقت من حيث هو للعصر بحيث لو فرض سقوط التكليف بالظهر أو انتفاء شرطية الترتيب أوجبوا
الصبر إلى أن يمضي مدة الاختصاص فان من المحتمل قويا إرادة كثير منهم الوقت الفعلي الذي يكون المكلف مأمورا بان يصلي فيه العصر الغير المنافي لصلاحية الوقت
قبله لصحتها على بعض التقادير كما يشهد بذلك بعض أدلتهم الآتية وكيف كان فقد استدل لاختصاص أول الوقت بالظهر بأمور منها ما تقدمت
الإشارة إليه من الاستشهاد له بقوله الا ان هذه قبل هذه وقد عرفت ان الاخبار المتضمنة لهذه الفقرة على خلاف مطلوبهم أدل ان أرادوا انكار صلاحية
أول الوقت لفعل العصر مطلقا حتى مع فرض انتفاء شرطية الترتيب أو سقوط التكليف بالظهر واما ان أرادوا بذلك نفي الفعلة فهو حق كما تقدمت الإشارة
إليه وسيأتي توضيحه إن شاء الله فان هذه الروايات تدل بالالتزام على أن لصلاة العصر ثلاثة أوقات وقت صالح لها من حيث هو وهو يدخل بالزوال
ووقت يكون المكلف مأمورا بايقاعها فيه على الاطلاق لا على سبيل الفرض والتقدير بحيث يكون وجوبه في ذلك الوقت مشروطا بمقدمات وجوبية خارجة
عن اختيار المكلف وهذا لا يفعل ان يكون الا بعد مضي مقدار أداء الظهر ووقت يتنجز فيه التكليف بها وهذا انما يتحقق بعد الفراغ من الظهر وان شئت
سميت هذا الوقت بالوقت الفعلي فإنه أولى بهذه التسمية من الوقت بالمعنى المتقدم وقد أشير إلى الوقت بهذا المعنى في رواية الفضل عن الرضا عليه السلام
المروية عن العلل قال عليه السلام ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها ومنها ما ذكره في المدارك وقد عرفته مع ضعفه
انفا ومنها ما حكاه في الحدائق عن المختلف ملخصا له فقال وملخصه ان القول باشتراك الوقت حين الزوال بين الصلاتين مستلزم لاحد الباطلين اما
تكليف ما لا يطاق أو خرق الاجماع فيكون باطلا بيان الاستلزام ان التكليف حين الزوال اما ان يقع حينئذ بالعبارتين معا أو بأحدهما لا بعينها أو بواحدة
معينة والثالث خلاف فرض الاشتراك فتعين أحد الأولين على أن المعينة ان كانت هي الظهر ثبت المطلوب وان كانت هي العصر لزم خرق الاجماع وعلى
الاحتمال الأول يلزم تكليف ما لا يطاق وعلى الثاني يلزم خرق الاجماع إذا لا خلاف في أن الظهر مراده بعينها حين الزوال لا لأنها أحد الفعلين انتهى
وأورد عليه بان غاية ما يلزم منه وجوب الاتيان بالظهر دون العصر بالنسبة إلى الذاكر وهو غير مستلزم للاختصاص فان القائل بالاشتراك لا يخالف في ذلك
في صورة التذكر وانما يطرح الخلاف وتظهر الفايدة في صورة النسيان والغفلة كما تقدمت الإشارة إليه وسيأتي التصريح به أيضا فإنها تقع صحيحة على هذا القول
20

وهذا هو المراد من الاشتراك في الوقت كما قرروه فيما بعد مضى قدر الظهر إلى ما قبل قدر العصر من الغروب ولو صح ما ذكره للزم ان لا يكون شئ من الوقت مشتركا لأنه
في كل جزء من الوقت ان اتى بالظهر سابقا لزم اختصاصه بالظهر لعين الدليل المذكور وان اتى بالعصر سابقا كما في اخر الوقت اختص بالعصر انتهى وقد حكى
عنه قدس سره انه تفطن لهذا الايراد فاعترضه على نفسه وأجاب عنه بما حكى ملخصه بان الاشتراك على ما فسرتموه فرع وقوع التكليف بالفعل ونحن قد بينا
عدم تعلق التكليف انتهى وأورد عليه بأنه ان أراد في لتكليف مع التذكر فمسلم ولا ضير فيه وان أراد مطلقا ولو في صورة الغفلة والنسيان فممنوع
ويمكن التفصي عن ذلك بان التكليف الغافل بايجاد شئ في حال غفلته غير معقول فلا يعقل توجيه التكليف إليه بايقاع العصر في أول الوقت على تقدير تركه
للظهر نسيانا أو معتقدا لفعلها نعم لو لم يكن الترتيب بين الصلاتين شرطا في صحة العصر وكان الامر باتيان الظهر أولا لأجل أهميتها في نظر الشارع
لأمكن الامر بفعل العصر في أول الوقت معلقا على ترك امتثال الامر بالأهم كما تقدم تحقيقه مرارا لكن الترتيب مانع عن الامر التعليقي أيضا فتلخص مما ذكر انه لا يصح
الامر بفعل العصر في أول الوقت لا مطلقا ولا معلقا على العصيان ولا على النسيان ونحوه أما الأول فلاستلزامه التكليف بما لا يطاق والتخيير المخالف
للاجماع والثاني فلمنافاته لشرطية الترتيب والثالث فلغفلة المكلف عن العنوان المعلق عليه الحكم وهذا بخلاف الوقت المشترك فإنه
مكلف بايقاع العصر فيه على الاطلاق وترتبها على الظهر غير مانع عن تعلق الامر المطلق بفعلها في الوقت المشترك لان المكلف قادر على الاتيان بها في كل
جزء من اجزاء الوقت بتقديم الظهر عليه فيكون فعل الظهر قبلها بالنسبة إلى الوقت المشترك كالطهارة من
المقدمات الوجودية المقدورة للمكلف الغير
المانعة عن اطلاق الطلب هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه الاستدلال وهو لا يخلو عن نظر اما أولا فلان المانع عن الامر بفعل العصر في أول الوقت
ليس الا الامر بايقاع الظهر قبلها الذي مرجعه إلى ايجاب الترتيب بين الصلاتين ولا نزاع في اختصاص هذا التكليف بحال التذكر ومع قطع النظر عن
هذا التكليف فالواجب على المكلف انما هو الاتيان بكل من الصلاتين من حيث هي في وقتها الذي بينه الشارع بقوله إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين
وحيث إن الوقت موسع لا اثر لمضادة الفعلين فإنه لم يتعين عليه فعل الظهر في أول وقتها فلا يمنع وجوبها الموسع عن الرخصة في ايجاد ما يضاده
أو ايجابه في الجملة والحاصل انه لا استحالة في الامر بأشياء متضادة في زمان يسع الجميع فيجب على المكلف في الفرض الاتيان بجميعها في مجموع الوقت
مخيرا في البدئة بأيها شاء تخييرا عقليا لا شرعيا لكن لا يجوز ذلك فيما نحن فيه بواسطة قوله عليه السلام الا ان هذه قبل هذه وحيث إن كونها كذلك
مخصوص بحال التذكر يختص مانعيته عن جواز فعل العصر في أول الوقت بحاله فما ذكرناه في تقريب الاستدلال من عدم معقولية تكليف الغافل عن الظهر
بايقاع العصر في أول الوقت حال غفلته مغالطة فإنه لم يؤمر بايقاع العصر قبل الظهر لدى الغفلة بل امر بتأخيرها عن الظهر لدى التذكر كغيره من
الشرائط والاجزاء التي اختص اعتبارها في العبادات بحال التذكر وثانيا سلمنا استحالة تكليف الغافل بايقاع العصر في أول الوقت لكن يكفي
في صحة الفعل ووقوعه عبادة محبوبيته للامر وكونه بحيث لو تمكن من الامر به لامر وهو كذلك فيما نحن فيه كما يكشف عن ذلك اخبار الشارع بدخول وقتها
بالزوال وكون المانع عن طلبها في أول الوقت تنجز التكليف بايقاع الظهر قبلها كما يدل عليه قوله عليه السلام إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر
جميعا الا ان هذه قبل هذه بعد قيام الدليل على اختصاص اعتبار الترتيب بحال التذكر وثالثا فلما عرفت من عدم انحصار ثمرة الخلاف في صورة الغفلة
والنسيان فلا مانع عن التكليف بفعل العصر في أول الوقت على تقدير عدم كونه بالفعل مكلفا بصلاة الظهر وقد عرفت امكان تحقق هذا التقدير في بعض
الفروض وكفى بمثل هذا الطلب التقديري والصحة الفرضية في صدق قولنا إذا زالت الشمس دخل وقت العصر إذا أريد به دخول وقتها الصالح لها من حيث
هو الذي اعتبره الشارع شرطا لصحتها كما هو المتبادر من الأخبار المتقدمة لا الوقت الفعلي فلا ينافيها هذا الدليل الذي غاية مدلوله عدم صلاحية أول
الوقت لان يتعلق التكليف بايقاع صلاة العصر فيه على الاطلاق وهذا مما لا نزاع فيه ومنها رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات (فإذا مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات) فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر
حتى تغيب الشمس وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء
الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل
وقد اشتهر الاستدلال بهذه الرواية لمذهب المشهور لصراحتها في مدعاهم فيقيد بها اطلاق الأخبار المتقدمة
وضعف سندها مجبور بالشهرة وما
يقال من أن التقييد فرع المكافئة من حيث السند وهي مفقودة مدفوع بأنه لا عبرة بالمرجحات السندية مع امكان الجمع بتقييد أو تخصيص
أو ما جرى مجريهما من الجميع المقبول الذي يساعد عليه الفهم العرفي كما تقرر في محله هذا ولكن عندي في هذا الجمع نظر لما أشرنا إليه انفا من أن المتبادر من
قول القائل إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر وإذا انكسفت الشمس دخل وقت صلاة الكسوف إلى غير ذلك من الأمثلة ليس الا إرادة الوقت الفعلي الذي
يكون المكلف مأمورا بايقاع الصلاة فيه اي وقت الخروج عن عهدة التكليف بهذا الفعل لا الوقت الثاني الصالح لوقوع الفعل فيه صحيحا على سبيل
الفرض وانما حملنا الأخبار المتقدمة على إرادة هذا المعنى بالنسبة إلى صلاة العصر لما تضمنته من قوله عليه السلام الا ان هذه قبل هذه وقد أشرنا فيما سبق إلى أن
هذه الفقرة كما تدل على أن المراد بدخول وقت العصر بالزوال وقتها من حيث هو وان لم يجز ايقاعها فيه بالفعل كذلك تدل بالملازمة العقلية على
21

ان أول الوقت وقت للخروج عن عهدة خصوص الظهر وان الوقت المشترك الذي يجوز للمكلف الخروج عن عهدة كل من الصلاتين انما يدخل بعد مضي مقدار
يتمكن فيه من أداء الظهر حيث إن له تأخير الظهر إلى ذلك الوقت واتيانها فيه وله تقديمها عليه وايقاع العصر فيه فلا معارضة بين الروايات فان المراد برواية
داود على الظاهر ليس الا الوقت بهذا المعنى وتخصيص مقدار أربع ركعات بالذكر مع أن المدار على مضي مقدار يتمكن فيه من أداء الظهر بحسب ما يقتضيه
تكليفه للجري مجرى العادة فالذي يقوى في النظر صلاحية الوقت من حيث هو من أوله لفعل العصر وكون الترتيب بين الصلاتين مانعا عن الفعلية
فالأظهر عدم وجوب اعادتها لو وقعت في أول الوقت على وجه حكم فيه بسقوط شرطية الترتيب كما أن
المتجه جواز الشروع فيها قبل مضي مقدار أداء
الظهر لو حصلت براءة الذمة عن الظهر قبلها كما لو اتى بها قبل الوقت فدخل الوقت في الأثناء أو اتى بها بزعم دخول الوقت ثم شك بعد الفراغ في
دخول الوقت وعدمه كما تقدم التنبيه على هذه الثمرات في صدر المبحث وقد اعترف المصنف رحمه الله في عبارته المتقدمة بجواز الشروع في العصر فيما لو صلى
الظهر عند ظن الزوال فدخل الوقت قبل اكمالها بلحظة وجعل خصوص هذه اللحظة في هذه الصورة هو الوقت المختص بها ولكنك خبير بان هذا مما لا يمكن
استفادته من الأدلة اللهم الا ان يلتزم بما قويناه من صلاحية الوقت في حد ذاته للفعل وكون اشتغال الذمة بالظهر مانعا عن التكليف بالعصر فالمتجه
بناء على عدم صلاحية أول الوقت للعصر مطلقا كما هو ظاهر المشهور وجوب الصبر عليه في كلا الفرضين (إلى أن يعلم بدخول وقتها وقد صرح بعض بوجوب الصبر عليه) أيضا فيما لو اتى بالظهر في أول الوقت ونسي
بعض اجزائها التي لا تدارك لها كالقراءة ونحوها وجعل ثمرة للنزاع ثم إن مقتضى ظاهر رواية داود عدم دخول وقت العصر الا بعد مضي مقدار
ما يصلي المصلي أربع ركعات من غير فرق بين كون فرضه القصر أو التمام لكن لابد من جمل هذه الرواية
على إرادة مقدار أداء الظهر بحسب ما يقتضيه تكليفه
وكون تخصيص مقدار أربع ركعات بالذكر للجري مجرى الغالب جمعا بينهما وبين الأخبار المتقدمة المتضمنة لقوله عليه السلام الا ان هذه قبل هذه الدالة على
جواز الاتيان بالعصر بعد أداء الظهر مطلقا فتلخص من جميع ما ذكر ان أول الوقت إلى أن يمضي مقدار أداء الظهر وقت بالفعل لخصوص صلاة الظهر
ولكنه صالح شانا للعصر بحيث لو فرض عدم كون شخص مكلفا بالظهر أو كونه خارجا عن عهدتها قبل الوقت جاز له الاتيان بها من أول الزوال على الأظهر
وكذلك الكلام بالنسبة إلى اخر الوقت فإنه بمقدار أداء العصر قبل ان تغيب الشمس مختص بصلاة العصر فأن قوله عليه السلام في الأخبار المتقدمة الا ان
هذه قبل هذه كما يدل بالالتزام العقلي على امتناع تعلق الامر بفعل العصر في أول الوقت مع كونه مكلفا بايقاع الظهر قبلها كذلك يدل على امتناع تعلق
التكليف بفعل الظهر في اخر الوقت مع كونه مكلفا بايقاع العصر بعدها فلو تعلق امر مطلق مثلا بصلاة الظهر من الزوال إلى الغروب على سبيل التوسعة
ثم ورد امر اخر بايقاع العصر بعدها كذلك وجب تقييد كل من الامرين بالاخر وجعلهما بمنزلة امر واحد متعلق بكلا الفعلين على الترتيب فيتضيق
وقتهما إذا لم يبق من الوقت الا مقدار أدائهما فلو اخرهما عن هذا الوقت فقد عصى فلو تركهما حتى لم يبق من الوقت الا مقدار أداء احدى الصلاتين فقد فاتت
الظهر إذ لا يعقل بقاء الامر بها مع كونه مأمورا بايقاع العصر بعدها قبل ان تغيب الشمس واما العصر فوقتها الذي كان مأمورا بايقاعها فيه باق فلم يتحقق
عصيانها بعد والترتيب بين الصلاتين غير معتبر عند استلزام رعايته فوت الحاضرة ويشهد لما ذكر مضافا إلى ما ذكر ما رواه الحلبي فيمن نسي الظهر والعصر
ثم ذكر عند غروب الشمس قال عليه السلام ان كان في وقت لا يخاف فوت إحديهما فليصل الظهر ثم ليصل العصر وان هو خاف ان يفوته فيبتدء بالعصر ولا يؤخره
فيكون قد فاتتاه جميعا ورواية داود بن فرقد المتقدمة ويمكن الاستدلال بما استدل به العلامة في العبارة المتقدمة عن المختلف لاثبات اختصاص
أول الوقت بالظهر فإنه انما يتجه الاستدلال به لاثبات اختصاص اخر الوقت بالعصر بتقريب ان يقال إنه على تقدير تركه للصلاتين إلى أن لم يبق من الوقت الا
مقدار أداء إحديهما فهو اما ان يكون مأمورا بايقاعها معا في ذلك الوقت وبواحدة لا بعينها أو معينة اما الأول فتكليف ما لا يطاق والثاني
فهو مخالف للاجماع والثالث فان كانت المعينة هي العصر ثبت المطلوب وان كانت الظهر فمخالف للاجماع ويؤيده أيضا ما يستفاد من الاخبار من أن تعميم
الشارع لأوقات الصلاة انما هو من باب التوسعة والا فهي بالذات كانت خمسة فمقتضي الاعتبار كون صاحبة الوقت أولى بالرعاية في مقام المزاحمة فتكون
هي المكلف بها بالفعل كما هو الشان في كل واجبين متزاحمين أحدهما أهم من الاخر لكن لو صح الاستدلال بهذا الوجه الاعتباري وكان الدليل منحصرا
فيه لكان مقتضاه صحة الشريكة أيضا وان عصى بترك صاحبة الوقت كما هو الشان في الواجبين المتزاحمين ثم لا يخفى عليك انه لا يثبت بهذه الأدلة
المشترك على وجه صحيح بان صلى مثلا الظهر والعصر جميعا ثم انكشف في اخر الوقت وقوع خلل في الأولى دون الثانية فلا فالأظهر امتداد وقتها من حيث
هو إلى أن تغيب الشمس وان لم يكن عند تنجز التكليف بالعصر وقتا فعليا لها فلا يجوز تأخيرها في الفرض وان كان الأحوط ان ينوي بفعلها امتثال امرها الواقعي
من غير تعرض لكونها أداء أو قضاء كما أن الأحوط الاتيان بها في خارج الوقت أيضا مترتبة على ما عليه من الفوائت لو كان عليه فوائت والله العالم فتلخص
مما أسلفناه ان ما بين الزوال إلى الغروب وقت لكل من الصلاتين شانا واما الوقت الفعلي الذي يكون المكلف مأمورا بايقاعهما فيه على سبيل التحقيق
لا على سبيل الفرض والتقدير ففيه التفصيل المتقدم وكذا الكلام في وقت العشائين فإنه إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب والعشاء
ولكن يختص المغرب عن أوله بمقدار ثلاث ركعات ثم تشاركها العشاء حتى ينتصف الليل ويختص العشاء من اخر الوقت
22

بمقدار أربع ركعات في الحضر وركعتين في السفر اي بمقدار أدائها بحسب ما يقتضيه تكليف المكلف ويدل على اختصاص أول الوقت بالأولى واخرها
بالأخيرة الأدلة المتقدمة الدالة عليه في الظهرين فان المقامين من واد واحد والأدلة مشتركة بينهما وقد تبين فيما تقدم ما يصح ان يراد بالاختصاص فلا نطيل
بالإعادة ويدل على دخول وقتهما بالغروب جملة من الأخبار المتقدمة في صدر المبحث ففي صحيحة زرارة إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء وفي
صحيحة عبيد بن زرارة ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل الا ان هذه قبل هذه وفي خبره الآخرة وإذا غربت الشمس فقد دخل
وقت الصلاتين الا ان هذه قبل هذه وفي رواية ثالثة عنه أيضا إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل وفي مكاتبة ابن مهران في
جواب سؤاله عما ذكره بعض أصحابنا من دخول وقت الظهرين بالزوال والعشائين بالغروب الا ان هذه قبل هذه كتب كذلك الوقت غير أن وقت المغرب
ضيق واخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في أفق المغرب وفي رواية داود بن فرقد فإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما
يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقي من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات
فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل ويدل عليه أيضا مرسلة الصدوق وقال قال الصادق عليه السلام إذا غابت
الشمس حل الافطار ووجبت الصلاة وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل ويدل أيضا على دخول وقت المغرب
بالغروب اخبار كثيرة سيأتي نقل جملة منها مع بعض الأخبار التي قد ينافيها عند البحث عن تحقيق الغروب وسيتضح لك توجيه الاخبار التي يترائى منها التنافي
ويشهد أيضا لدخول وقت العشاء بعد مضي مقدار أداء المغرب من الغروب الأخبار المستفيضة الدالة على جواز تقديمها على ذهاب الشفق إذ لا خلاف
على الظاهر في أنه على تقدير جواز التقديم يجوز الاتيان بها في أول الوقت بعد أداء المغرب منها ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة قال سئلت أبا جعفر عليه السلام
وأبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق قالا لا باس به وعن عبيد الله وعمران ابني على الحلبي قالا كنا نختصم في الصلاة صلاة
العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق وكان منا من يضيق بذلك صدره فدخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فسئلناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق قال لا
باس بذلك قلنا واي شئ الشفق فقال الحمرة وعن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال صلي رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق من غير علة في
جماعة وانما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته وعن أبي عبيدة في الصحيح قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلى
المغرب ثم مكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء الآخرة ثم انصرفوا وعن إسحاق البطيخي قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام صلى العشاء الآخرة
قبل سقوط الشفق ثم ارتحل وعن إسحاق بن عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل ان يغيب الشفق عن غير علة قال لا باس ويدل عليه
أيضا الأخبار المستفيضة المروية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وعن ابن عباس أيضا بعدة طرق وعن عبد الله بن عمير أيضا ان رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين
الظهر والعصر باذان وإقامتين ليتسع الوقت على أمته وفي جملة منها التصريح يكون الجمع بين المغرب والعشاء قبل سقوط الشفق ويدل عليه أيضا خبر عبيد الله
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس ان توخر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق ولا باس بان تعجل العتمة في السفر قبل ان يغيب الشفق وما فيه من الاشعار بثبوت
الباس فيه في الحضر لعله لأفضلية التأخير كما يدل عليه غيره من الروايات التي سيأتي في محلها وان كان قد ينافيها ما عن الطبرسي في الاحتجاج عن الكليني رفعه عن
الزهري انه طلب من العمري ان يوصله إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه فأوصله وذكر انه سئله فاجابه عن كل ما اراده ثم قام ودخل الدار قال فذهبت لأسئل
فلم استمع وما كلمني بأكثر من أن قال ملعون من اخر العشاء إلى أن تشبك النجوم ملعون ملعون من اخر الغداة إلى أن تنقضي النجوم لكن لابد
من رد على هذه الرواية إلى أهله أو توجيهها بما لا ينافي غيرها من الروايات البالغة حد التواتر الدالة على جواز التأخير بل رجحانه ولا يبعد ان يكون المراد
بها اللعن على من أوجب التأخير وتدين بذلك أو يكون المراد بالعشاء الصلاة المفروضة في الليل فأريد بها صلاة المغرب لا العشاء الآخرة وكيف كان
فهذه الأخبار بأسرها ناطقة بجواز تقديم العشاء على ذهاب الشفق وأغلبها تدل بالصراحة والظهور على جوازه اختيارا فما عن الشيخين وابن أبي عقيل
وسلار من أن أول وقتها غيبوبة الشفق في غاية الضعف سواء أريد به أول وقتها على سبيل الاطلاق وفي حال الاختيار ولذا قد يغلب على الظن
ارادتهم بذلك أول وقتها المجعول لها في أصل الشرع الذي ينبغي اختيارها فيه وان جاز تقديمها عليه من باب التوسعة اي أول وقت الفضيلة وحمل
عبارات القدماء على إرادة مثل هذه المعاني غير بعيد وان كان قد يأبى عنه بعض أدلتهم الآتية وكيف كان فقد احتج الشيخان على ما نقله في المدارك
ومحكى المختلف بصحيحة الحلبي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام متى تجب العتمة قال إذا غاب الشفق والشفق الحمرة وصحيحة بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث وأول وقت
العشاء ذهاب الحمرة واخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل وزاد في محكى المختلف نقلا عنهما وقال ولان الاجماع واقع على أن ما بعد الشفق وقت
للعشاء ولا اجماع على ما قبله فوجب الاحتياط لئلا يصلي قبل دخوله ولأنها عبادة موقتة ولابد لها من ابتداء مضبوط والا لزم تكليف ما لا يطاق
وأداء المغرب غير منضبط فلا يناط وقت العبادة انتهى ولا يخفى ما في الدليلين الأخيرين واما الروايتان فلا تصلحان لمعارضة ما عرفت فالأولى
حملهما على إرادة وقت الفضيلة ويحتمل قويا جريهما مجرى التقية التي هي من أقوى أسباب اختلاف الأخبار الواردة في باب المواقيت كما في بعض الأخبار التصريح
بذلك ويؤيد هذا الاحتمال ما في ذيل رواية بكر بن محمد المروية عن قرب الإسناد عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن وقت المغرب فقال لذا غاب القرص ثم
23

مسئلته عن وقت العشاء الآخرة فقال إذا غاب الشفق قال وآية الشفق الحمرة ثم قال بيده هكذا أقول فان وقوع مثل هذه الأشياء والتعبيرات المشعر بصدور
القول عن رأي واجتهاد أو بحسب ما يقتضيه الوقت من امارات التقية والله العالم ويدل على امتداد وقت الصلاتين مرتبة ثانيتهما على الأولى إلى أن
ينتصف الليل كما هو المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم على ما نسب إليهم الروايات الثلاث التي رواها عبيد بن زرارة ورواية داود بن فرقد
المتقدمات وسيأتي تمام الكلام فيه وفي كون المجموع وقتا اختياريا أو اضطراريا عند تعرض المصنف رحمه الله له إن شاء الله وما بين طلوع الفجر
الثاني المسمى بالصبح الصادق المستطير في الأفق اي المنتشر فيه الذي لا يزال في الزيادة دون الفجر الأول المستطيل إلى الفوق المنفصل
عن الأفق المشبه بذنب السرحان المسمى بالصبح الكاذب إلى طلوع الشمس وقت لصلاة الصبح بلا خلاف في أوله بل وكذا في اخره أيضا
وان اختلفوا في كونه اختياريا أو اضطراريا كما ستعرف ويدل عليه مضافا إلى الاجماع رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال وقت صلاة الغداة
ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ولا تفوت صلاة النهار حتى تغيب
الشمس ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل إذا غلبته عيناه أو عاقه
ان يصلي المكتوبة من الفجر ما بين ان يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس وذلك في المكتوبة خاصة فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم وقد
جازت صلاته والمراد بالفجر في هذه الروايات هو الفجر الثاني كما يدل عليه مضافا إلى الاجماع الأخبار المستفيضة الواردة لتحديد أول الوقت
منها خبر علي بن مهزيار قال كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام معي جعلت فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر فمنهم من يصلي إذا طار
الفجر الأول المستطيل في السماء ومنهم من يصلي إذا اعترض في أسفل الأفق واستبان ولست اعرف أفضل الوقتين فاصلي فيه فان رأيت أن تعلمني
أفضل الوقتين وتحده لي وكيف اصنع مع القمر والفجر لا يتبين معه حتى يحمر ويصبح وكيف اصنع مع الغيم وما حد ذلك في السفر والحضر فعلت إن شاء الله
فكتب عليه السلام بخطه وقرأته الفجر يرحمك الله هو الخيط الأبيض المعترض وليس هو الأبيض صعدا فلا تصل في سفر ولا حضر حتى تبينه فان الله تبارك وتعالى
لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به
الأكل والشرب في الصوم وكذلك هو الذي يوجب الصلاة ورواية علي بن عطية عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال الصبح هو الذي إذا رايته كان معترضا
كأنه بياض نهر سوري ورواية هشام بن الهذيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال سئلته عن وقت صلاة الفجر فقال حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوري وما
عن الصدوق مرسلا قال وروى أن وقت الغداة إذا اعترض الفجر فأضاء حسنا واما الفجر الذي يشبه ذنب السرحان فذاك الفجر الكاذب والفجر الصادق هو
المعترض كالقياطي وعنه في الفقيه في الصحيح أو الحسن عن عاصم بن حميد عن أبي بصير ليث المرادي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام فقلت متى يحرم الطعام والشراب على
الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر فقال إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر قلت أفلسنا
في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس قال هيهات أين يذهب بك تلك صلاة الصبيان ورواه الشيخ في التهذيب عن عاصم بن حميد عن أبي بصير المكفوف
بأدنى اختلاف في متنه كسنده قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم متى يحرم عليه الطعام فقال إذا كان الفجر القبطية البيضاء قلت فمتى تحل الصلاة فقال
إذا كان كذلك فقلت الست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس فقال لا انما نعدها صلاة الصبيان ثم قال لم يكن يحمد الرجل ان يصلي في المسجد
ثم يرجع فينبه أهله وصبيانه وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي ركعتي الصبح وهي الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا وعن البحار
نقلا عن كتاب الفردوس باسناده عن الرضا عليه السلام قال صلاة الغداة إذا طلع الفجر وأضاء حسنا ولا منافاة بين الأخبار الدالة على أن وقت الغداة
إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا وبين غيرها من الأخبار المتقدمة فإنه إذا اعترض الفجر وتبين وصار كنهر سوري وكالقبطية البيضاء صدق عليه انه أضاء حسنا
ويدل على المدعى أيضا اخبار اخر سيأتي نقلها عند التعرض لتحقيق كون اخر الوقت وقتا اختياريا أو اضطراريا ولا ينافي هذه الروايات الأخبار الدالة
على أفضلية الصلاة عند طلوع الفجر أو استحباب التفليس فيها مثل رواية إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أخبرني عن أفضل الوقت في
صلاة الفجر فقال مع طلوع الفجر ان الله تعالى يقول إن قران الفجر كان مشهودا يعني صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلى العبد صلاة
الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين أثبتتها ملائكة الليل وملائكة النهار ومرسلة الفقيه قال سئل يحيى بن أكثم القاضي أبا الحسن عن صلاة الفجر لم يجهر
فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار وانما يجهر في صلاة الليل فقال لان النبي صلى الله عليه وآله كان يغلس بها لقربها من الليل وعن الذكرى أنه قال روى عن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي
الصبح فينصرف النساء وهن متلفقات بمروطهن لا يعرفن من الغلس من الأخبار السابقة مسوقة لتحديد طلوع الفجر الذي عنده يحل الصلاة ويحرم الاكل
للصائم فأول طلوع الفجر بمقتضى تلك الأخبار انما يتحقق عند صدق ما تضمنته من التعاريف بان اعترض بياض في أسفل الأفق بحيث يرى في ظلمة الليل كأنه
نهر سوري كما شبه به في روايتي ابن عطية وهشام أو القبطية البيضاء كما في صحيحة أبي بصير أو القباطي كما في غيرها وقد أشرنا إلى أنه عند ذلك يصدق عليه
انه أضاء حسنا كما في بعض الأخبار المتقدمة فلم يقصد على الظاهر بشئ من هذه الأخبار إرادة ما هو أخص من طلوع الفجر الذي لا يرتفع به ظلمة الليل ما لم
ينبسط ضوئه وينتشر إلى أن يضئ الصبح فضلا عن أن يتحقق التنافي بينها وبين ما دل على أن النبي صلى الله عليه وآله كان يغلس بالغداة نعم قد
24

يترائى التنافي بين الأخبار المتقدمة وبين خبر زريق الخلقاني المروي عن مجالس الشيخ عن أبي عبد الله عليه السلام انه كان يصلي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق
أول ما يبدو قبل ان يستعرض وكان يقول وقران الفجر ان قران الفجر كان مشهودا ان ملائكة الليل تصعد وملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر فانا أحب ان
تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي وكان يصلي المغرب عند سقوط القرص قبل ان تظهر النجوم لكن يدفعه ان المراد بالاستعراض صيرورته عريضا
من فوق اي انتشاره في جهة المشرق لا الاعتراض في الأفق المعتبر في تحقق الطلوع نصا وفتوى فلا منافاة بينهما وبين اعتبار العناوين المتقدمة في حصول
الصبح فما توهمه غير واحد من التنافي بين الاخبار حتى ارتكب بعضهم التأويل في الطائفة الأولى التي من جملتها صحيحة أبي بصير التي وقع فيها التشبيه بالقبطية
البيضاء على استحباب التأخير وآخرين بالعكس لما في الأخبار الأخيرة من التصريح بأفضلية التقديم من عند طلوع الفجر فتكلفوا في توجيه الطائفة الأولى
بحملها على بعض المحامل التي منها استحباب التأخير ان لا يدرك الفرق بين الفجرين الا بذلك مع أنك
قد عرفت ان جملة من الأخبار المتقدمة التي منها خبر أبي
بصير نص في إرادة أول الوقت الذي يحرم عنده الاكل للصائم فكيف يحمل على استحباب التأخير فالذي يقتضيه التحقيق انه يعتبر في تحقق الفجر اعتراضه في
الأفق على وجه يشبه نهر سوري والقبطية البيضاء وفي حصول المشابهة بهما في مبادي اخذ الأفق في البياض قبل ان يضئ حسنا تأمل بل صدق تبين الخيط الأبيض
من الخيط الأسود كما أنيط به حرمة الاكل في الكتاب والسنة أيضا لا يخلو عن خفاء فالأحوط ان لم يكن أقوى هو التأخير في الجملة حتى يتبين استطالته في الأفق
بحيث يرى في سواد الليل كنهر مرئي من بعيد أو كثوب ابيض رقيق منشور تنبيهان الأول حكى عن شيخنا البهائي رحمه الله في كتاب الحبل المتين في شرح قوله
عليه السلام في حسنة علي بن عطية كأنها نباض سوري أنه قال وسوري على وزن بشري موضع بالعراق من ارض بابل والمراد بنياضها نهرها كما في رواية هشام
بن الهذيل عن الكاظم عليه السلام ثم ساق الرواية كما قدمناها وقال في حاشية الكاتب على ما حكى عنه النباض بالنون والباء الموحدة واخره ضاد معجمة واصله
من نبض الماء إذا سال وربما قرء بالباء الموحدة والياء المثناة من تحت انتهى وقال قدس سره في الكتاب المذكور والقبطية بكسر القاف واسكان
الماء الموحدة وتشديد الياء منسوبة إلى القبط ثياب تتخذ بمصر انتهى وعن المصباح المنير القبط بالكسر نصارى مصر والواحد قبطي على غير القياس والقبطي
بالضم ثوب من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة إلى القبط على غير القياس انتهى وفي المجمع في الحديث الفجر الصادق هو المعترض كالقباطي بفتح القاف وتخفيف الموحدة
قبل الألف وتشديد الياء بعد الطاء المهملة ثياب بيض رقيقة تجلب من مصر واحدها قبطي بضم القاف نسبة إلى القبط بكسر القاف وهم أهل مصر انتهى
الثاني مقتضى ظاهر الكتاب والسنة وكذا فتاوي الأصحاب اعتبار اعتراض الفجر وتنبيه في الأفق بالفعل فلا يكفي التقدير مع القمر لو اثر في تأخر تبين
البياض المعترض في الأفق ولا يقاس ذلك بالغيم ونحوه فان ضوء القمر مانع عن تحقق البياض ما لم يقهره ضوء الفجر والغيم مانع عن الرؤية لا عن التحقق
وقد تقدم في مسألة التغير التقديري في مبحث المياه من كتاب الطهارة ماله نفع للمقام فراجع ويعلم الزوال الذي قد أنيطت الصلاة به المعبر عنه
في الكتاب العزيز بالدلوك بأمور وقع التنبيه عليها في الاخبار وفي كلمات الأصحاب رضوان الله عليهم الأول بزيادة الظل الحاصل
للشاخص المنصوب على سطح الأفق اي على سطح الأرض بحيث يكون الشاخص عمودا على السطح اي واقفا على جهة الاستواء غير مائل إلى جهة من جوانبه
بعد نقصانه أو حدوثه بعد انعدامه كما قد يتفق في بعض البلاد في يوم أو يومين فإنه إذا طلعت الشمس وقع للشاخص المفروض قائما على سطح الأفق
ظل طويل في جانب المغرب ثم لا يزال ينقص حتى تبلغ الشمس كبد السماء وتصل إلى دائرة نصف النار وهي دائرة عظيمة موهومة تفصل بين المشرق
والمغرب تقاطع دائرة الأفق على نقطتين هما نقطة الجنوب والشمال وقطباها نقطتا المشرق والمغرب وحينئذ يكون ظل الشاخص المذكور واقعا على خط
نصف النهار اي الخط الموهوم الواصل بين نقطتي الجنوب والشمال وهناك ينتهي نقصان الظل المذكور وقد لا يبقي حينئذ للشاخص ظل في بعض البلاد
التي يتفق فيها مسامته الشمس لرأس الشاخص مسامته حقيقية فإذا زالت الشمس عن وسط السماء ومالت عن تلك الدائرة إلى المغرب فإن لم يكن بفي ظل حدث
حينئذ في جانب المشرق وكان ذلك علامة الزوال وان كان قد بقي اخذ في الزيادة فتكون الزيادة حينئذ علامة له ولا اختصاص لهذه العلامة كبعض العلائم الآتية
بموضع دون موضع بل هي مطردة في جميع الأماكن وبها يميز أيضا الوقت الذي يشك في كونه قبل الزوال أو بعده فإنه ينصب مقياسا ويقدر ظله ثم يصير
قليلا ويعتبره فان نقص عن الأول علم بذلك ان الوقت لم يدخل وان زاد استكشف به دخول الوقت وان أراد تعيين أول الوقت فعليه ان يعتبره
ويقدره بحيث يميز انتهاء نقصانه وأول اخذه في الزيادة فهذا أول الوقت وقد ورد التنبيه على هذه العلامة في جملة من الاخبار منها مرفوعة سماعة
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك متى وقت الصلاة فاقبل يلتفت يمينا وشمالا كأنه يطلب شيئا فلما رأيت ذلك تناولت عودا فقلت هذا تطلب
قال فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس ثم قال إن الشمس إذا طلعت كان الفئ طويلا ثم لا يزال ينقص حتى تزول الشمس فإذا زالت زاد فإذا استبنت
فيه الزيادة فصل الظهر ثم تمهل قدر ذراع ثم صل العصر وخبر علي بن أبي حمزة قال ذكر عند أبي عبد الله عليه السلام زوال الشمس قال فقال أبو عبد الله عليه السلام تأخذون
عودا طوله ثلاثة أشبار وان زاد فهو أبين فيقام فما دام ترى الظل ينقص فلم تزل فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت ومرسلة الصدوق قال قال
الصادق عليه السلام تبيان زوال الشمس ان تأخذ عودا طوله ذراع وأربع أصابع فتجعل اربع أصابع في الأرض فإذا نقص الظل حتى يبلغ غايته ثم زاد فقد
زالت الشمس وتفتح أبواب السماء وتهب الرياض وتفضي الحوائج العظام الثاني بميل ظل الشاخص عن خط نصف النهار إلى جانب المشرق ضرورة
25

ان ظل الشاخص عند وصول الشمس إلى دائرة نصف النهار يقع على خط نصف النهار كما تقدمت الإشارة إليه وعند ميلها عن الدائرة إلى جانب المغرب
يميل الظل إلى المشرق وهذه العلامة أيضا كسابقتها عامة يميز الزوال بها في كل مكان وهي أبين من سائر العلامات فإنه يعرف بها أول الوقت على سبيل
التحقيق دون غيرها حتى العلامة السابقة فان زيادة الظل بعد نقصانه وان كانت من لوازم أول الوقت عقلا لكن تمييزها حسا يتوقف غالبا على مضي
مقدار معتد به من الزوال واما ميل الظل عن خط نصف النهار إلى جانب المشرق فيدرك بالحس في أول أناته لكنه موقوف على احراز خط نصف النهار
وطريق استخراج ذلك الخط على ما ذكره جملة من الأصحاب ان تساوي موضعا من الأرض تسوية صحيحة بحيث تخلو عن الانخفاض والارتفاع ثم تدير عليها دائرة
وكلما كانت الدائرة أوسع كانت المعرفة أسهل وتنصب على مركزها مقياسا مخروطا محدد الرأس يكون طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريبا نصبا مستقيما
بحيث تحدث عن جوانبه زوايا قوائم بان يكون نسبته ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة من جميع جوانبها متوازية ثم ترصد ظل المقياس قبل الزوال حين
يكون خارجا عن محيط الدائرة نحو المغرب فإذا انتهى رأس الظل إلى محيط الدائرة يريد الدخول فيه تعلم عليه علامة ثم ترصده بعد الزوال قبل خروج الظل من
من الدائرة فإذا أراد الخروج عنه تعلم عليه علامة وتصل ما بين العلامتين بخط مستقيم وتنصف ذلك الخط وتصل ما بين مركز الدائرة ومنتصف الخط
وهو خط نصف النهار فإذا القى المقياس ظله على هذا الخط الذي هو خط نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم تزل فإذا اخذ رأس الظل في الميل إلى جانب
المشرق فقد زالت وطريق اخر نبه عليه بعضهم وهو أخف مؤنة أو أسهل تناولا من الأول ان يخط على ظل المقياس من أصله خطا عند طلوع الشمس
واخر عند غروبها فان اتصل الخطان وصارا خطا واحدا كما قد يتفق في بعض البلاد التي لا يبقى فيها للشاخص ظل عند الزوال في بعض الأوقات نصف
ذلك الخط من موضع المقياس بخط اخر قائم عليه بحيث يحدث منهما زوايا قوائم وان تقاطعا كما هو الغالب نصف الزاوية الحاصل من تقاطعهما فالخط المنصف
في الصورتين هو خط نصف النهار وفي الجواهر بعد ان ذكر الطريقين المزبورين لمعرفة خط نصف النهار قال ويمكن استخراجه بغير ذلك انما الكلام في
اعتبار مثل هذا الميل في دخول الوقت بعد ان علقه الشارع على الزوال الذي يراد منه ظهوره لغالب الافراد حتى أنه اخذ فيه استبانته كما سمعته في
الخبر السابق وأناطه بتلك الزيادة التي لا تخفى على أحد على ما هي عادته في إناطة أكثر الأحكام المترتبة
على الأمور الخفية بالأمور الجلية كي لا يوقع عباده
في شبهة كما سمعته في خبر الفجر بل امر بالتربص وصلاة ركعتين ونحوهما انتظارا لتحققه فعل الأحوط مراعاة تلك العلامة المنصوبة في معرفة الزوال
وان تأخر تحققها عن ميل الشمس عن خط نصف النهار بزمان خصوصا والاستصحاب وشغل الذمة وغيرها موافقة لها انتهى وفيه ان المراد بالزوال المعلق
عليه الحكم في الكتاب والسنة وفتاوى الأصحاب ليس الا نفسه لا ظهوره للغالب وزيادة الظل بعد نقصانه من
لوازم الزوال كما يدل عليه الأخبار المتقدمة
ويشهد به الاعتبار واعتبار الاستبانة في الخبر المتقدم انما هو من باب الطريقة كما يدل عليه نفس هذه الرواية فضلا عن غيرها فمتى أحرز الموضوع بسائر
الطرق جاز ترتيب الأثر عليه وقياس المقام على الفجر الذي يكون لتبينه مدخلية في تحقق موضوعه قياس مع الفارق الثالث بالاقدام كما يدل عليه صحيحة
ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم وفي النصف من تموز على قدم ونصف وفي النصف من آب على قدمين
ونصف وفي النصف من أيلول على ثلاثة اقدام ونصف وفي النصف من تشرين الأول على خمسة اقدام ونصف وفي النصف من تشرين الاخر على سبعة ونصف
وفي النصف من كانون الأول على تسعة ونصف وفي النصف من كانون الاخر على سبعة ونصف وفي النصف من شباط على خمسة ونصف وفي النصف من أزاد
على ثلاثة ونصف وفي النصف من بيان على قدمين ونصف وفي النصف من ايار على قدم ونصف وفي النصف من حزيران على نصف قدم وقد حكى عن جملة من
أصحابنا رضوان الله عليهم منهم العلامة في المنتهى وشيخنا البهائي انهم ذكروا ان هذه الرواية مختصة بالعراق وما قاربها لان عرض البلاد العراقية
يناسب ذلك ولان الراوي لهذا الحديث وهو عبد الله بن سنان عراقي وعن صاحب المنتقى والعلامة في التذكرة انهما ذكرا ان النظر والاعتبار يدلان
على أن هذا مخصوص بالمدينة أقول وهذا مبني على أن يكون عرض المدينة زائدا على الميل الأعظم وعدم انعدام الظل فيها أصلا كما حكى عن العلامة
وغيره وكيف كان فلا ريب في أن ما في الرواية تحديد تقريبي فلا يتوجه عليه الاشكال بان اختلاف الأشهر في ازدياد الظل ونقصانه تدريجي الحصول فكيف
جعل في الرواية ازدياده في ثلاثة اشهر الصيف قدما قدما وفي اشهر الخريف قدمين قدمين ونقصانه في الشتاء والربيع بعكس ذلك فان المقصود بالرواية
بحسب الظاهر بيان ما يعرف به الزوال تقريبا والتنبيه على اختلاف الظل في الفصول الأربعة وبيان مقدار التفاوت على سبيل الاجمال والله العالم
ونظير هذه العلامة في في لاطراد وكونها علامة تقريبية العلامة الرابعة التي ذكرها المصنف رحمه الله بقوله أو بميل الشمس إلى الحاجب
الأيمن لمن يستقبل القبلة فإنه علامة لأهل العراق كما ذكره غير واحد من الأصحاب بل عن جامع المقاصد نسبته إليهم لكن مع التقييد بما سمعت
كما أنه بحسب الظاهر هو المراد باطلاق المتن ضرورة عدم كون ما ذكر علامة على الاطلاق بل في المدارك وغيره تقييده أيضا بمن كان قبلته نقطة الجنوب
منهم كاطراف العراق الغربية دون أوساطه وأطرافه الشرقية فان قبلتهم تميل عن نقطة الجنوب فلا يكون ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن عند استقبال
القبلة الا بعد مضي مقدار معتد به من الزوال لكن بما أشرنا إليه من كون هذه العلامة تقريبية يندفع هذا الاشكال إذ لم يقصد بها الا بمعرفة
دخول الوقت لا أوله على سبيل التحقيق ولو بالنسبة إلى من كانت قبلته نقطة الجنوب إذ لا يتميز بالحس أول انات ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن الذي هو لوازم
26

ميلها عن دائرة نصف النهار عند استقبال نقطة الجنوب كما هو واضح فالمقصود بذكر مثل هذه العلائم بيان ما يعرف به دخول الوقت في أوائله لا ما يمين
به أوله على سبيل التحقيق وقد وقع التنبيه على هذه العلامة فيما روى عن مجالس الشيخ مسندا عن أمير المؤمنين عليه السلام ان رجلا سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن أوقات
الصلاة فقال صلى الله عليه وآله اتاني جبرئيل عليه السلام فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن الحديث ويعلم الغروب اي غروب الشمس الذي هو أول وقت
صلاة المغرب اجماعا كما عن جماعة نقله باستتار القرص عن العين في الأفق مع في لحائل كما عن غير واحد من القدماء كالصدوق في العلل
وظاهر الفقيه وابن أبي عقيل والمرتضى والشيخ في مبسوطه وجماعة من المتأخرين وقيل بذهاب الحمرة من المشرق وهو الأشهر بل
المشهور كما ادعاه غير واحد ومنشأ الخلاف اختلاف الاخبار فمما يدل على الأول صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول وقت
المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب
والعشاء ورواية يزيد بن خليفة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان عمر بن حنظلة اتانا عنك بوقت فقال أبو عبد الله عليه السلام إذا لا يكذب علينا قلت قال وقت
المغرب إذا غاب القرص الا ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا جد به السير اخر المغرب ويجمع بينهما وبين العشاء فقال صدق وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال وقت
المغرب إذا غاب لقرص فان رايته بعد ذلك وقد صليت أعدت ومضى صومك وتكف عن الطعام ان كنت أصبت منه شيئا وموثقة زيد الشحام قال
قال رجل أؤخر المغرب حتى تستبين النجوم فقال أخطابية ان جبرئيل نزل بها على محمد حين سقط القرص ومرسلة الصدوق قال قال أبو جعفر عليه السلام وقت
المغرب إذا غاب القرص وقال أيضا وقال الصادق عليه السلام إذا غابت الشمس فقد حل الافطار ووجبت الصلاة وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء
الآخرة إلى انتصاف الليل ورواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا غاب القرص افطر الصائم ودخل وقت الصلاة وخبر داود بن أبي
يزيد قال قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب وخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول صحبني
رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر وكنت انا أصلي المغرب إذا غربت الشمس واصلي الفجر إذا استبان الفجر فقال لي الرجل ما يمنعك ان تصنع مثل ما
اصنع فان الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب عنا وهي طالعة على قوم آخرين بعد فقلت انما علينا ان نصلي إذا وجبت الشمس عنا وإذا طلع الفجر عندنا
وعلى أولئك ان يصلوا إذا غربت الشمس عنهم ونوقش في دلالة هذه الأخبار بان غاية مفادها كون وقت المغرب عبارة عن غيبوبة الشمس التي
هي عبارة أخرى عن غروبها وقد تقدم في صدر العنوان الإشارة إلى أن هذا مما لا خلاف فيه وانما البحث فيما به يتحقق الغروب وبالجملة ان غيبوبة
القرص وغروب الشمس ونحو ذلك من العبائر مجملة قابلة للحمل على كل من القولين إذ لفظ القرص ولفظ الشمس بمعنى واحد ولفظ غيبوبة الشمس ولفظ
الغروب بمعنى واحد وفيه مالا يخفى فان انكار ظهور مثل هذه الروايات في القول الأول مجازفة محضة بل المتبادر من غروب الشمس للذي ورد
التحديد به في غير واحد من الاخبار أيضا ليس الا استتار قرصها في الأفق نعم حمل الاخبار التي ورد فيها التحديد بالغروب على ما يطابق المشهور
توجيه قريب هذا بخلاف الأخبار المتقدمة التي وقع التعبير فيها بغيبوبة القرص ونحوها مظنة للتورية وقابلا لاحتمال إرادة خلاف الظاهر مثل
رواية علي بن الحكم عمن حدثه عن أحدهما عليهما السلام انه سئل عن وقت المغرب فقال إذا غاب كرسيها قلت وما كرسيها قال قرصها قلت متى يغيب قرصها قال إذا
نظرت إليه فلم تره فان سؤاله عن انه متى يغيب القرص يشعر بان مثل هذا التعبير كان عندهم من مواقع الريبة إذ لو لم يكن الذهن مسبوقا بالشبهة لا يكاد
يتوهم من غيبوبة قرص الشمس الا إرادة ما ذكره الإمام عليه السلام في تفسيرها وكيف كان فهذه الرواية صريحة الدالة على القول المذكور ونحوها ما عن مجالس
الصدوق عن الربيع بن سليمان وابان بن أرقم وغيرهم قالوا اقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس فوجدنا
في أنفسنا فجعل يصلي ونحن ندعو عليه ونقول هو شباب من شباب أهل المدينة فلما اتيناه إذا هو أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام فنزلنا فصلينا معه وقد فاتتنا
ركعة فلما قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا جعلنا الله فداك هذه الساعة تصلي فقال إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت وينظر من هذه الرواية كون
تأخر وقت المغرب عن غيبوبة الشمس مغروسا في أذهان الشيعة في عصرهم أيضا كما في هذه الاعصار بحيث كانوا يرون اتيانها بعد الغيبوبة مع بقاء الشعاع
من شعار المخالفين وعن كتاب المجالس أيضا عن محمد بن يحيى الخثعمي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي المغرب ويصلي معه حي من الأنصار
يقال لهم بنو سلمة منازلهم على نصف ميل فيصلون معه ثم ينصرفون إلى منازلهم وهم يرون مواضع سهامهم وفي بعض النسخ بدل سهامهم نبلهم وعن
المجلسي رحمه الله في البحار من طرق المخالفين انهم رووا عن جابر وغيره نحوه قالوا كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وآله ثم نخرج نتناضل حتى ندخل بيوت بني سلمه فننظر
إلى مواضع النبل من الاسفار وموثقة سماعة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام في المغرب انا ربما صلينا ونحن نخاف أن تكون الشمس باقية خلف الجبل أو قد سترنا
منها الجبل قال فقال ليس عليكم صعود الجبل وخبر زيد الشحام قال صعدت مرة جبل أبي قبيس والناس يصلون المغرب فرأيت الشمس لم تغب انما توارت خلف
الجبل من الناس فلقيت أبا عبد الله عليه السلام فأخبرته بذلك فقال لي ولم فعلت ذلك بئس ما صنعت انما تصليها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم تجللها سحاب
أو ظلمة وانما عليك مشرقك ومغربك وليس على الناس ان يبحثوا ونوقش في الخبرين الأخيرين بأنهما لا ينطبقان على شئ من القولين اما على القول المشهور
27

فواضح وعلى القول الأول فلان المعتبر عند أصحاب هذا القول انتفاء الحائل بين الناظر وبين موضع الغروب أقول إن تمت المناقشة فيهما ففي ما عداهما
غنى وكفاية ويدل على المشهور ما عن الكليني رحمه الله في الكافي عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال وقت سقوط القرص ووجوب الافطار من الصيام ان
تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص وعنه أيضا
بطريقين عن القاسم بن عروة وعن الشيخ في التهذيب بطريقين آخرين عنه أيضا عن زيد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني
من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها وعن الكافي أيضا عن أحمد بن اشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول وقت المغرب
إذا ذهبت الحمرة من المشرق وتدري كيف ذلك قلت لا قال لان المشرق مطل على المغرب هكذا ورفع يمينه فوق يساره فإذا غابت هيهنا ذهبت الحمرة من
هيهنا وخبر محمد بن شريح بل عن المعتبر رواه جماعة منهم محمد بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن وقت المغرب فقال إذا تغيرت الحمرة في الأفق وذهبت
الصفرة وقبل ان تشتبك النجوم وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام انما أمرت أبا الخطاب ان يصلي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس فجعل هو الحمرة
التي من قبل المغرب وكان يصلي حين يغيب الشفق وخبر أبان بن تغلب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اي ساعة كان رسول الله صلى الله عليه وآله يوتر فقال على مثل مغيب الشمس
إلى صلاة المغرب فإنه يدل على انفصال وقت الصلاة عن مغيب الشمس وان الساعة التي بينهما مماثل للساعة التي كان النبي صلى الله عليه وآله يوتر فيها فكأنه عليه السلام أراد
بذلك الفجر الأول الذي هو أفضل أوقات الوتر وفي التمثيل ايماء إلى أن هذا الوقت غروب كاذب كما أن الفجر الأول فجر كاذب والله العالم ويدل عليه
أيضا الأخبار الواردة في الإفاضة من عرفات المحدودة بغروب الشمس كموثقة يونس بن يعقوب المروية عن الكافي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام متى الإفاضة
من عرفات قال إذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب الشرقي وعن التهذيب في الموثق أيضا عن يونس المذكور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام متى تفيض من عرفات فقال إذا
ذهبت الحمرة هيهنا وأشار بيده إلى المشرق والى مطلع الشمس وعن الفقه الرضوي قال وأول وقت المغرب سقوط القرص وعلامة سقوطه ان تسود
أفق المشرق واخر وقتها غروب الشفق وعن موضع اخر وقت المغرب سقوط القرص إلى مغيب الشفق إلى أن قال والدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة
من جانب المشرق وفي الغيم سواد الحاجز وقد كثرت الروايات في وقت المغرب وسقوط القرص والعمل من ذلك على سواد المشرق إلى حد الرأس ويؤيده
خبر محمد بن علي قال صحبت الرضا عليه السلام في السفر فرأيته يصلي المغرب إذا قبلت الفحمة من المشرق يعني السواد وصحيحة إسماعيل بن همام قال رأيت الرضا عليه السلام وكنا عنده
لم نصل المغرب حتى ظهرت النجوم قال فصلى بنا على باب دار ابن أبي محمود ويشهد له أيضا موثقة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال لي مسوا
بالمغرب قليلا فان الشمس تغيب من عندكم قبل ان تغيب من عندنا وصحيحة بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئله سائل عن وقت المغرب قال إن
الله تعالى يقول في كتابه لإبراهيم عليه السلام فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي وهذا أول الوقت واخر ذلك غيبوبة الشفق وأول وقت العشاء
الآخرة ذهاب الحمرة واخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل وصحيحة زرارة المروية عن التهذيب قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن وقت افطار الصائم فقال حين
تبدو ثلاثة أنجم وعن ابان عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال يحل لك الافطار إذا بدت لك ثلاثة أنجم وهي تطلع مع غروب الشمس وخبر عبد الله بن وضاح
قال كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا وتستر عنا الشمس
وترتفع فوق الجبل حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون
أفأصلي حينئذ وافطر ان كنت صائما أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل فكتب إلي أرى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك
وفي الوسائل وغيره بدل الجبل في المقامين الليل وخبر جارود قال لي أبو عبد الله عليه السلام يا جارود ينصحون فلا يقبلون وإذا سمعوا شينا نادوا به أو
حدثوا بشئ أذاعوه قلت لهم مسوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم وانا الان أصليها إذا سقط القرص ولا ينافي ما في ذيل الخبر من صلاته
عند سقوط القرص ظهور الامر بان يمسوا قليلا في الوجوب بعد كون الرواية ناطقة بان التقديم نشأ من إذاعة سره واشتهار امره بالتأخير فكأنه
عليه السلام التجأ إلى ذلك اظهار الكذب النسبة تقيه لا لمخالفة فعلهم لقوله عليه السلام والا لكان يأتي بها بعد المساء قليلا قبل ان تشتبك النجوم كما امرهم
به لا قبل الوقت الذي امرهم باتيانها فيه كما هو واضح فيظهر من هذه الرواية بل وكذا من الامر بالاحتياط في خبر عبد الله بن وضاح مع أنه ليس من شان
الإمام العارف بالاحكام الواقعية تعذر التصريح بالتأخير بواسطة مخالفته لمذهب العامة واحتمال ان يكون المراد بالحمرة المرتفعة فوق الجبل
أو الليل في خبر ابن وضاح الصفرة الحاصلة في الأماكن العالية عند اشراف الغروب التي هي عبارة عن اصفرار الشمس أو حمرة عارضية موجبة
للشك في غيبوبة القرص حتى يكون الامر بالاحتياط بواسطة كونه شبهة موضوعية في غاية البعد عن سوق السؤال إذا المقصود بذكر ارتفاع
الحمرة كذكر ارتفاع الليل وساير الفقرات المذكورة في السؤال ليس الا تأكيد ما ذكره أولا من مواراة القرص فغرضه ليس الا الاستفهام عن انه هل
يجوز الصلاة والافطار عند مواراة القرص أم يجب الانتظار إلى أن تذهب الحمرة التي يتعارف ارتفاعها بعد الغروب وهي الحمرة المشرقية نعم
بناء على أن يكون متن الرواية فوق الجبل كما في بعض النسخ لا الليل كما في بعضها الاخر لا يبعد ان يكون المراد بها الحمرة الحادثة في الأماكن العالية بواسطة
انعكاس الحمرة الحاصلة في ناحية المغرب بعد غيبوبة القرص وعلى هذا التقدير أيضا تدل على المطلوب ما لا يخفى والحاصل انه لا مجال للاذيان
في أن المقصود بالسؤال والجواب انما هو بيان أصل الوقت لا حكم الشاك في استتار القرص وعدمه فما وقع في الجواب من التعبير بلفظ الاحتياط مع
28

ما فيه من الاشعار؟ بكونه مستحبيا لم يكن الا لعدم تمكن الإمام عليه السلام من اظهار الحق الا بهذا الوجه القابل للتوجيه على مذهب المخالفين فيستفاد من هذين
الخبرين عدم تمكن الأئمة عليهم السلام من الامر بتأخير المغرب إلى ذهاب الحمرة على رؤس الاشهاد على وجه يعرفه المخالف والمؤالف كما يستشعر هذا المطلب
من جملة من الاخبار بل يشهد بذلك الاعتبار مع قطع النظر عن الاخبار لقضاء العادة بصيرورة وقت صلاة المغرب لدى العامة في عصر الصادقين عليهما السلام
بعد استقرار مذهبهم على دخوله بغيبوبة القرص وشهادة اخبارهم المروية عن النبي صلى الله عليه وآله بذلك وشدة مواظبتهم على حفظ الأوقات في انظارهم
من الضروريات الواصلة إليهم يدا بيد من النبي صلى الله عليه وآله فكان اظهار خلافه عندهم من قبيل انكار الضروري الموجب للكفر فالأئمة
عليهم السلام في مثل هذه الموارد كانوا مضطرين إلى موافقتهم قولا وفعلا سواء كان الوقت لديهم في الواقع استتار القرص أم ذهاب الحمرة بل
كانت الحاجة إلى التقية في مثل الفرض أشد من الحاجة إليها في تصديق أئمتهم وعدم القدح فيهم بل ربما كانوا يتقون في مثل هذه المقامات عن
جل شيعتهم الذين لم يرسخ في قلوبهم عصمتهم عليهم السلام فضلا عن العامة فيشكل في مثل الفرض استكشاف الحكم الواقعي من أقوال الأئمة عليهم السلام
وافعالهم الموافقة للعامة إذ لا يصح الاعتماد على اصالة في لتقية بعد شهادة الحال يتحقق ما يقتضيها وقضاء الضرورة بصدور مثل هذه
الأقوال والافعال منهم أحيانا من باب التقية على تقدير مخالفتهم في الرأي بحيث لو لم يصل الينا الا الاخبار المخالفة للعامة ربما كنا نجزم من
مماشاة الأئمة عليهم السلام مع العامة ومداراتهم معهم بصدور مثل هذه الأخبار الموافقة لهم عنهم في مثل المقام وان لم تكن واصلة الينا فلا يجري في مثل
الفرض اصالة في لتقية فيشكل الحكم بمطابقة مضمون مثل هذه الروايات للواقع اللهم الا ان نلتزم بحجية اصالة الظهور من حيث هي لا لرجوعها
إلى الأصول العدمية كاصالة في لقرينة أو اصالة في لمقتضى لاظهار خلاف الواقع من تقية ونحوها وهو لا يخلو عن تأمل فمن هنا يظهر
انه لو كانت الطائفة الأولى من الأخبار الدالة على دخول الوقت باستتار القرص سليمة عن المعارض ومخالفة المشهور لم يكن استكشاف الحكم الواقعي
منها خاليا عن التأمل فضلا عن صلاحيتها بعد اعراض المشهور لمعارضة الأخبار الأخيرة المعتضدة بالشهرة ومغروسية مضمونها في أذهان الشيعة
من صدر الشريعة خصوصا مع كون جملة من هذه الروايات كمرسلة ابن أبي عمير وغيرها مما وقع فيها تفسير الغروب وسقوط (القرص) باسناده في الأفق
بحيث لم يبق له اثر في ناحية المشرق بمدلولها اللفظي حاكمة على جل تلك الروايات مما ورد فيها التحديد بسقوط القرص وغيبوبة الشمس و
نحوهما وما يبقى منها مما لا يقبل هذا التأويل مما هو صريح الدلالة في الخلاف فهو في حد ذاته غير قابل لمعارضة هذه الروايات ولعل ما في
الاخبار التي تقدمت الإشارة إليها من جعل ذهاب الحمرة معرفا لغيبوبة القرص لا حدا بنفسه نشا من معروفية التحديد بالغيبوبة لدى الناس بحيث
لم يجد الأئمة عليهم السلام بدا الا من الاعتراف به وتأويله إلى الحق فالأظهر عدم صلاحية الأخبار المتقدمة
لمعارضة الروايات الأخيرة وان كثرت
وصحت أسانيدها فما هو المشهور من اعتبار ذهاب الحمرة مع موافقته للأصل والاحتياط بوجه هو الأقوى ولكن الأحوط عدم تأخير الظهرين
عن استتار القرص وان كان الأظهر ما عرفت وما عن جملة من متأخري المتأخرين وفاقا لبعض القدماء من تحديد الغروب بغيبوبة القرص وتنزيل
الأخبار الأخيرة على أفضلية التأخير جمعا بينها وبين ما يعارضها بشهادة قوله عليهم السلام في خبر عبد الله بن وضاح أرى لك ان تنتظر الحديث وخبر
شهاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال يا شهاب اني أحب إذا صليت المغرب ان أرى في السماء كوكبا ضعيف لما عرفت من كون الاخبار الموافقة للعامة في
مثل هذه الموارد في حد ذاتها بمنزلة الكلام المحفوف بما يصلح ان يكون قرينة لإرادة خلاف ظاهره في في لعبرة بظاهرة أو وهنة وعدم
صلاحيته لصرف الاخبار المخالفة المسوقة بظاهرها لبيان الحكم الواقعي عن ظاهرها خصوصا مع ما في بعض تلك الأخبار المخالفة من الايماء إلى وجه صدور
الروايات الموافقة وكون جملة منها بمدلولها اللفظي حاكمة على جل تلك الروايات هذا مع أن جملة من هذه الروايات أبية عن هذا الحمل كمرسلة
ابن أبي عمير وغيرها مما جعل فيها ذهاب الحمرة معرفا لاستتار القرص فإنها كادت تكون صريحة في إرادة أول الوقت الذي يجوز عنده الصلاة و
الافطار هذا مع منافاته للاخبار الآتية الدالة عموما على أن الصلاة في أول وقتها ابدا أفضل وخصوصا في المغرب حتى ورد فيها التبري
واللعن على من اخرها طلبا لفضلها ولكن يمكن تنزيل هذه الأخبار المشتملة على اللعن والتبري على التعريض على أصحاب أبي الخطاب الذين
كانوا يؤخرونها إلى أن تشتبك النجوم كما ستعرف فليتأمل هذا كله فيما يتحقق به زوال الشمس وغروبها وذكر مواقيت الصلوات على الاجمال
واما التفصيل فالمشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم بل كاد ان يكود اجماعا كما صرح به في الحدائق وغيره ان لكل صلاة من
الصلوات الخمس وقتين أولا واخرا سواء في ذلك المغرب وغيرها وقد وقع الخلاف هنا في موضعين أحدهما
ما نقله في محكي المختلف عن ابن
البراج أنه قال وفى أصحابنا من ذهب إلى أنه لا وقت للمغرب الا واحد وهو غروب القرص في أفق المغرب وثانيهما في أن الوقتين الذين لكل
فريضة هل الأول منهما للفضيلة والثاني للاجزاء كما عن المشهور أو ان الأول للمختار والثاني للمضطرين وذوي الأعذار كما عن الشيخين وابن أبي
عقيل وأبي الصلاح وابن البراج وبعض متأخري المتأخرين حجة القول بأنه ليس للمغرب الا وقت واحد اخبار مستفيضة منها صحيحة زيد
الشحام قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن وقت المغرب فقال إن جبرئيل عليه السلام اتى النبي صلى الله عليه وآله لكل صلاة بوقتين غير المغرب فان وقتها واحد ووقتها وجوبها في الحدائق
29

يعني سقوطها كقوله سبحانه فإذا وجبت جنوبها والضمير راجع إلى الشمس بقرينة المقام انتهى أقول ولا يبعد ان يكون المراد بوجوبها وقت وجوبها اي تنجز
التكليف بفعلها أعني أول الوقت وصحيحة أديم بن الحر قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن جبرئيل عليه السلام امر رسول الله صلى الله عليه وآله بالصلاة كلها فجعل لكل صلاة وقتين
غير المغرب فإنه جعل لها وقتا واحد وما عن الكافي في الصحيح عن زرارة والفضيل قالا قال أبو جعفر عليه السلام ان لكل صلاة وقتين غير المغرب فأن وقتها واحد ووقتها
وجوبها ووقت فوتها سقوط الشفق قال في محكى الكافي وروى أن لها وقتين اخر وقتها سقوط الشفق ثم قال وليس هذا مما يخالف الحديث الأول ان
لها وقتا واحدا لان الشفق هو الحمرة وليس بين غيبوبة الشمس وبين غيبوبة الحمرة الا شئ يسير وذلك أن علامة غيبوبة الشمس بلوغ الحمرة القبلة
وليس بين بلوغ الحمرة القبلة وبين غيبوبتها الا قدر ما يصلي الانسان صلاة المغرب ونوافلها إذا صلاها على تؤدة وسكون وقد تفقدت ذلك غير
مرة ولذلك صارت وقت المغرب ضيقا انتهى أقول وقد حكى هذا التوجيه عن غيره أيضا والظاهر أن
القائل بأنه ليس لها الا وقت واحد وهو غروب
القرص لم يقصد بذلك ما ينافي هذا التوجيه فان مراده بالوقت الواحد على الظاهر هو ما بين الغروب إلى سقوط الشفق لا خصوص أول الوقت
وان أوهمه ظاهر عبارته فعلى هذا يتجه له الاستدلال على مدعاه مضافا إلى ما عرفت بالمستفيضة الدالة على أن اخر وقت المغرب غيبوبة الشفق
منها موثقة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
واخر وقت المغرب غياب الشفق فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء الآخرة وصحيحة بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئله سائل عن وقت المغرب فقال إن
الله تعالى يقول في كتابه لإبراهيم عليه السلام فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي وهذا أول الوقت واخر ذلك غيبوبة الشفق الحديث وفي
مكاتبة إسماعيل بن مهران كذلك الوقت غير أن وقت المغرب ضيق واخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض ولعله إلى هذا يرجع ما في بعض الأخبار
من تحديد وقتها إلى أن تشتبك النجوم كخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم (وقد ورد التوبيخ والتبري عمن اخر المغرب حتى تشتبك النجوم)
في جملة من الاخبار مثل رواية زيد الشحام قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من اخر المغرب حتى تشتبك النجوم من غير علة فانا إلى الله منه برئ
لكن لا يبعد ان يكون المقصود بهذه الروايات التعريض والتبري عن أصحاب أبي الخطاب الذين كانوا يؤخرونها طلبا لفضلها كما يشهد بذلك
جملة من الاخبار مثل مرسلة الصدوق قال قال الصادق عليه السلام ملعون ملعون من اخر المغرب طلبا لفضلها قال وقيل له ان أهل العراق يؤخرون
المغرب حتى تشتبك النجوم فقال هذا من عمل عدو الله أبي الخطاب وفي بعض الأخبار الآتية أيضا شهادة عليه وكيف كان فهذه الأخبار
بظاهرها تدل على انتهاء وقت المغرب بسقوط الشفق لكن لابد من حملها على ما لا ينافي غيرها من الأخبار الكثيرة الدالة على بقاء وقتها بعد غيبوبة
الشفق في الجملة المعتضدة بفتوى الأصحاب واجماعهم وما سمعت حكايته عن بعض أصحابنا من القول بأنه ليس لها الا وقت واحد فهو مما لم
يعرف قائله بل قد يغلب على الظن ان مراد هذا البعض ليس الا وقتها الاختياري لا مطلقا فان من المستبعد التزام أحد بخروج وقته مطلقا
بسقوط الشفق حتى للمضطر والمعذور لمخالفته للمعتبرة المستفيضة بل المتواترة الدالة بالصراحة على بقاء وقتها في الجملة بعد غيبوبة الشفق فهذا
البعض على ما يظن به اما مفصل بين المغرب وغيرها فيرى جواز تأخير سائر الصلوات اختيارا إلى اخر أوقاتها دون المغرب كما لا يبعد الالتزام
به بالنظر إلى ظواهر الاخبار وان لم نعرف قائلا بذلك أو انه يمنع عن التأخير اختيارا في ساير الصلوات أيضا ولكنه خص المغرب بالوقت
الواحد بواسطة النصوص المتقدمة الدالة عليه بعد توجيهها على ما لا ينافي مذهبه ببعض التقريبات الآتية والحاصل انه لا مجال
للارتياب في بقاء وقت المغرب بعد سقوط الشفق في الجملة اما في السفر ونحوه من موارد الضرورة العرفية
فهو من القطعيات الغير القابلة
للتشكيك حيث يدل عليه مضافا إلى كونه هو القدر المتيقن من مورد المستفيضة المتقدمة عند التكلف في امتداد وقتها إلى نصف الليل الا مقدار
فعل العشاء وغيرها من الأخبار المطلقة الآتية خصوص اخبار مستفيضة منها خبر القاسم بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال ذكر أبو الخطاب فلعنه
ثم قال إنه لم يكن يحفظ شيئا حدثته ان رسول الله صلى الله عليه وآله غابت له الشمس في مكان كذا وكذا وصلى المغرب بالشجرة وبينهما ستة أميال فأخبرته بذلك
في السفر فوضعه في الحضر ومرسلة سعيد بن جناح عن الرضا عليه السلام قال إن أبا الخطاب قد كان أفسد عامة أهل الكوفة وكانوا لا يصلون المغرب
حتى يغيب الشفق وانما ذلك للمسافر والخائف ولصاحب الحاجة وصحيحة علي بن يقطين قال سئلته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أيؤخرها
إلى أن يغيب الشفق قال لا باس بذلك في السفر واما في الحضر فدون ذلك شيئا وموثقة جميل بن دراج قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في الرجل
يصلي المغرب بعد ما يسقط الشفق فقال لعلة لا باس وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام لا باس ان تؤخر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق ولا باس ان تعجل
العتمة في السفر قبل ان يغيب الشفق ورواية إسماعيل بن جابر قال كنت مع أبي عبد الله عليه السلام حتى إذا بلغنا بين العشائين قال يا إسماعيل امض مع الثقل
والعيال حتى ألحقك وكان ذلك عند سقوط الشمس فكرهت ان انزل واصلي وادع العيال وقد امرني ان أكون معهم فسرت ثم لحقني أبو
عبد الله عليه السلام فقال يا إسماعيل هل صليت المغرب بعد فقلت لا فنزل عن دابته واذن واقام وصلي المغرب وصليت معه وكان من الموضع الذي فارقته
فيه إلى الموضع الذي لحقني ستة أميال وصحيحة عمر بن يزيد المروية عن التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل وعن الكافي
30

بسند غير نقي نحوها وعنه أيضا بسند صحيح مثلها الا أنه قال إلى ثلث الليل ورواية أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام أنت في وقت من المغرب في السفر إلى خمسة أميال
من بعد غروب الشمس فهذه الأخبار كغيرها من الاخبار التي تقدم بعضها وسيأتي بعضها الاخر صريحة الدلالة على بقاء وقتها في الجملة بعد غيبوبة الشفق
فيستفاد من ذلك ان الأخبار المتقدمة الدالة على أنه ليس للمغرب الا وقت واحد لم يقصد بها الحصر الحقيقي كما أنه لم يقصد بالاخبار الدالة على انتهاء
وقتها عند سقوط الشفق خروج وقتها بذلك على الاطلاق وصيرورتها قضاء كغيرها من الأخبار الكثيرة
الواردة في تحديد أوقات سائر الصلوات
التي لم يقصد بها الا بيان وقتها الأول الذي وقع الخلاف في كونه وقت الفضيلة والاختيار فالمراد بالحصر في تلك الأخبار اما الحصر الادعائي تنزيلا
لما بعد غيبوبة الشفق منزلة خارج الوقت بواسطة كراهة التأخير ومرجوحية اتخاذه وقتا لها فلا تنافي حينئذ مذهب المشهور أو ان المراد بها الحصر
بالنسبة إلى من لا عذر له في التأخير من سفر ونحوه من الاعذار العرفية اي الوقت الاختياري فتنطبق حينئذ على مذهب الجماعة التي سبقت الإشارة إليهم
لكن مقتضاها جواز تأخير سائر الصلوات التي جعل لها وقتان إلى وقتها الأخير اختيارا إذ لو كان ذلك الوقت وقتا اضطراريا لتلك الصلوات
لشاركتها المغرب فلم يكن وجه لاستثنائها من العموم فان أمكن القول بالفصل بالالتزام بجواز التأخير في سائر الصلوات اختيارا دون المغرب
ولم يكن احداث قول ثالث لكان للاستدلال له بهذه الاخبار وجه والا اتجه حمل هذه الأخبار على إرادة المعنى الأول فتنهض حينئذ شاهدة المدعى المشهور
حيث يستفاد منها جواز التأخير في سائر الصلوات ومن عدم جواز التفصيل مشاركة المغرب لها في أصل الجواز فالشركة التي يقطعها هذه الأخبار
المفصلة هي شدة الكراهة وكون الوقت الثاني بالنسبة إلى المغرب كالعدم ويمكن ابقاء الحصر في هذه الأخبار على حقيقته بان يقال إن المراد
بالوقتين في هذه الروايات على ما نطق به صحيحتي الشحام وأديم بن الحر المتقدمتان هما الوقتان اللذان اتى بهما جبرئيل عليه السلام أو وضعهما النبي صلى الله
عليه وآله بأمر جبرئيل فيكون استثناء المغرب حينئذ في محله فإنه عليه السلام لم يأت للمغرب الا بوقت واحد كما يدل عليه موثقة معاوية بن وهب عن
أبي عبد الله عليه السلام قال اتي جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله بمواقيت الصلاة فاتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ثم اتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى
العصر ثم اتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم اتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء ثم اتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح ثم
اتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم اتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر ثم اتاه حين غربت الشمس مره فصلى
المغرب ثم اتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء ثم اتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح ثم قال ما بينهما وقت ورواية معاوية بن
ميسرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال اتى جبرئيل عليه السلام وذكر مثله الا أنه قال بدل القامة والقامتين ذراع وذراعين ورواية مفضل بن عمر قال قال أبو عبد الله عليه السلام
نزل جبرئيل عليه السلام وذكر مثله الا انه ذكر بدل القامة والقامتين قدمين وأربعة اقدام أقول القامة والذراع وقدمان مرجعها إلى شئ واحد كما تقدمت
الإشارة إليه في أوائل المبحث فلا منافاة بين هذه الروايات بل وكذا لا منافاة بينها وبين خبر ذريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال اتي جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله
فاعلمه مواقيت الصلاة فقال صل الفجر حين ينشق الفجر وصل الأولى إذا زالت الشمس وصل العصر بعيدها وصل المغرب إذا سقط القرص
وصل العتمة إذا غاب الشفق ثم اتاه من الغد فقال أسفر بالفجر فاسفر ثم اخر الظهر حين كان الوقت الذي صلى فيه العصر وصلى العصر بعيدها وصلى
المغرب قبل سقوط الشفق وصلى العتمة حين ذهب ثلث الليل ثم قال ما بين هذين الوقتين وقت الحديث فان امره بان يصلي المغرب قبل سقوط الشفق
كما في هذا الخبر لا يدل الا على تحديد اخر الوقت فمن الجائز ان يكون اتاه في اليوم الثاني أيضا حين غربت الشمس وقد امره بان يصلي المغرب موسعا
في وقتها ما دام بقاء الشفق فلا منافاة بينه وبين الاخبار المقدمة التي وقع فيها التصريح بأنه اتى في اليوم الثاني أيضا حين غربت الشمس هذا مع أنه
على تقدير ان يكون في اليوم الثاني اتيا بوقت اخر للمغرب كما يستشعر من هذه الرواية فلأجل قربه بالوقت الأول ومصادفته لوقت الفضيلة أو الاختيار
الذي هو أول الوقتين المجعولين لكل صلاة نصا وفتوى وكون مجموع الوقتين بمقدار أداء الفعل مع توابعه تقريبا كما أشار إليه الكليني رحمه الله في عبارته المتقدمة
صح ان يقال إن جبرئيل عليه السلام امر رسول الله صلى الله عليه وآله فجعل لكل صلاة وقتين الا المغرب والحاصل انه لا مانع عن حمل الأخبار المذكورة على إرادة الحصر الحقيقي
بالتقريب المتقدم ولا منافاة بينها وبين ما ذكره الأصحاب ودلت عليه صحيحة ابن سنان الآتية من أن لكل صلاة وقتين سواء في ذلك المغرب وغيرها
وبهذا ظهر لك الخدشة فيما ذكرناه من الاستدلال بهذه الاخبار لجواز تأخير سائر الصلوات اختيارا إلى الوقت الأخير المجعول لكل صلاة نعم
يتجه الاستدلال له باختبار نزول جبرئيل عليه السلام بالأوقات فإنها تدل على أن مجيئ جبرئيل عليه السلام في اليوم الثاني في وقت مغاير للوقت الأول انما هو لبيان توسعة
الوقت وجواز فعل الصلوات في الأوقات التي اتاه في الغد وقد امر النبي صلى الله عليه وآله بفعلها بعد مجيئه في الوقت الأخير في حال لم يكن النبي صلى الله عليه وآله بحسب الظاهر
مضطرا في التأخير ولا مريضا أو مسافرا أو نحو ذلك حتى يكون مجيئه في تلك الحالة لبيان كون وقت مجيئه وقتا لها عند الضرورة والحاصل
ان هذه الروايات من أقوى الشواهد على جواز التأخير إلى الوقت الثاني اختيارا فيما عدى المغرب التي لم يأت لها الا بوقت واحد ويؤكد دلالتها
على المدعى ما في خبر ذريح بعد بيان الأوقات وأول الوقت أفضله كما لا يخفى ويدل على جواز تأخير الظهرين والعشائين إلى اخر أوقاتها اختيارا قوله تعالى
أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل فإنه بعد ان علم أنه لم يقصد بالآية الشريفة وجوب الاشتغال بالصلاة في مجموع المدة وانما سيقت لايجاب
31

صلوات خاصة في طول هذه المدة فلا يتبادر منها الا إرادة تلك الصلوات في هذه المدة على سبيل التوسعة ولكن ثبت بدليل خارجي تقييد الأولين
بكونهما قبل الغروب والأخريين بما بعده فيرفع اليد عن ظاهر الآية بمقدار دلالة الدليل فما في الحدائق وفاقا لمنا حكاه عن شيخنا البهائي من الخدشة في
دلالة الآية بأنها لا تدل الا على كون مجموع هذه المدة وقتا للصلوات في الجملة ولا ينافي ذلك كون اخر أوقات الصلوات أوقاتا اضطرارية ضعيف فان
الآية بحسب الظاهر اما منزلة بعد شرعية الصلوات اليومية ونزول جبرئيل بها في أوقاتها الخمسة فأريد بالآية التوسعة في أوقات الصلوات
المعهودة بجعل وقتها من دلوك الشمس إلى غسق الليل المفسر في الأخبار المستفيضة بنصفه أو انها مسوقة ابتداء لايجاب صلوات خاصة على سبيل الاجمال
في هذه المدة المحدودة بين الحدين فهي وان كانت مجملة بالنسبة إلى اجزاء الصلوات وشرائطها وسائر خصوصياتها لكنها بالنسبة إلى وقتها على
سبيل الاجمال مبينة بمعنى انها تدل على أن مجموع هذه المدة وقت لتلك الصلوات في الجملة ولو على سبيل التوزيع وحيث إن الخطاب بفعلها
في طول هذه المدة نتوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله من غير اعتبار الضرورة شرطا في جواز التأخير دلت الآية على أن مجموع الوقت وقت
اختياري لها على سبيل الاجمال فهي تدل على أن ما قبل انتصاف الليل وقت لتلك الصلوات في الجملة ولو لخصوص العشاء وكذا ما قبل الغروب
وقت لها في الجملة ولو لخصوص العصر فيتم فيما عداها بعد القول بالفصل ومما يؤكد دلالة الآية على المدعى بعض الأخبار الواردة في تفسيرها
مما هو بنفسه حجة كافية مثل ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير الآية أنه قال إن الله تعالى افترض اربع صلوات أول وقتها من غروب
الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس الا ان هذه قبل هذه ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب
الشمس إلى انتصاف الليل الا ان هذه قبل هذه ويدل عليه أيضا صحيحة عبيد بن زرارة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن وقت الظهر والعصر فقال
إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر جميعا الا ان هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس ومرسلة داود بن
فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا مضى مقدار ذلك فقد دخل
وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات الحديث ورواية زرارة عن أبي جعفر قال أحب الوقت إلى الله عز وجل أوله
حين يدخل وقت الصلاة فصل الفريضة فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس وصحيحة زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إن من الأمور أمورا
مضيقة وأمورا موسعة وان الوقت وقتان والصلاة مما فيه السعة فربما عجل رسول الله صلى الله عليه وآله وربما اخر الا صلاة الجمعة من الامر المضيق انما لها وقت
واحد حين تزول ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام وما في الحدائق من الخدشة في دلالة هذه الأخبار أيضا كالآية الشريفة
بان هذه الأدلة كلها لا تصريح ولا ظهور فيها بكون الامتداد إلى الغروب أو إلى الانتصاف وقتا للمختار كما هو المطلوب بالاستدلال وانما
تدل على كونه وقتا في الجملة ويكفي في صدقه كونه وقتا لذوي الاعذار والاضطرار انتهى مما لا ينبغي الالتفات إليه ضرورة ان المتبادر من تحديد
وقت التكاليف الموقتة ليس الا إرادة الوقت الذي يجوز اتيانها فيه اختيارا كما لو سئل عن وقت صلاة الخسوف فقيل من أوله إلى زمان الاخذ في
الانجلاء أو تمامه وعن وقت زكاة الفطرة أو غسل الجمعة فقيل من طلوع الفجر إلى الزوال فهل يتوهم أحد في مثل هذه الموارد شائبة اهمال أو اجمال خصوصا
مع ما في بعضها كصحيحة عبيد ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس بل رواية زرارة المتقدمة عن أبي جعفر عليه السلام كبعض الاخبار الآتية كادت
تكون صريحة في استحباب فعل الفريضة في أول الوقت وجواز فعلها في الوقت الأخير ومرجوحيتها بالإضافة مثل ما رواه معاوية بن عمار وابن وهب
قال قال أبو عبد الله لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضلهما وما رواه بكر بن محمد الأزدي قال قال أبو عبد الله عليه السلام لفضل الوقت الأول على الاخر
خير للرجل من ولده وماله وعن قتيبة الأعشى عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن فضل الوقت الأول على الاخر كفضل الآخرة على الدنيا إلى غير ذلك
من الأخبار الدالة عليه واستدل في الحدائق لما اختاره من كون الوقت الأول للمختار والثاني للمضطر وأولى الاعذار بطوائف من الاخبار
منها ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لكل صلاة وقتان
وأول الوقت أفضله وليس لاحد ان يجعل اخر
الوقتين وقتا الا في عذر من غير علة وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا قال قال الصادق عليه السلام أول الوقت رضوان الله واخره عفو الله والعفو
لا يكون الا عن ذنب وما رواه الشيخ في التهذيب عن ربعي عن أبي عبد الله عليه السلام قال انا لنقدم ونؤخر ليس كما يقال من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك
وانما الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لكل
صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سهى
ووقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم وليس لاحد ان يجعل اخر الوقتين وقتا الا من عذرا وعلة ورواية إبراهيم الكرخي قال سئلت أبا الحسن
موسى عليه السلام متى يدخل وقت الظهر قال إذا زالت الشمس فقلت متى يخرج وقتها قال من بعد ما يمضي من زوالها أربعة اقدام إلى أن قال وقت العصر إلى أن
تغرب الشمس وذلك من علة وهو تضييع فقلت له لو أن رجلا صلى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة اقدام أكان عندك غير مؤد لها فقال
32

ان كان فعل ذلك ليخالف السنة والوقت لم يقبل منه كما لو أن رجلا اخر العصر إلى قرب ان تغرب الشمس متعمدا من غير علة لم يقبل منه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وقت للصلوات
المفروضات أوقاتا وحد لها حدودا في سنة للناس فمن رغب عن سنة من سننه الموجبات كمن رغب من فرائض الله تعالى ومنها ما رواه في الكافي عن داود بن فرقد قال
قلت لأبي عبد الله عليه السلام قوله تعالى ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا قال كتابا ثابتا ليس ان عجلت قليلا وأخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضيع تلك الإضاعة فان الله
عز وجل يقول لقوم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا بناء على ما عن بعض المحدثين من أن المراد بالإضاعة التأخير عن وقت الفضيلة وموثقة
أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام ان الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر قلت وما الموتور قال لا يكون له أهل ومال في الجنة قلت وما تضييعها قال يدعها حتى
تصفر وتغيب وعن الفقه الرضوي اعلم أن لكل صلاة وقتين أول واخر فأول الوقت رضوان الله واخره عفو الله ويروي ان لكل صلاة ثلاثة أوقات
أول ووسط واخر فأول الوقت رضوان الله وأوسطه عفو الله واخره غفران الله وأول الوقت أفضله وليس لاحد ان يتخذ اخر الوقت وقتا انما جعل اخر الوقت
للمريض والمعتل والمسافر وفيه أيضا بعد ان ذكر صلاة الظهر في استقبال القدم الثالث والعصر في استقبال القدم الخامس قال فإذا صلى بعد ذلك فهو فقد
ضيع الصلاة فهو قاض بعد الوقت وفيه أيضا في الباب المذكور بعد ذلك وجاء ان لكل صلاة وقتين أولا واخرا كما ذكرنا في أول الباب وأول الوقت أفضلهما
وانما جعل اخر الوقت للمعلول فصار اخر الوقت رخصة للضعيف لحال علته ونفسه وماله إلى اخره وفي موضع اخر بعد ما ذكر التحديد بالقدمين والأربعة
وقد رخص للعليل والمسافر منها إلى أن يبلغ ستة اقدام وللمضطر إلى مغيب الشمس واستدل أيضا بالاخبار التي ورد فيها الامر بالمحافظة على الصلوات
في مواقيتها إذ الظاهر أن المراد بالمواقيت التي ورد الحث والترغيب على محافظتها هي الأوقات الأوائل كما لا يخفى على المتأمل واستدل أيضا بالاخبار المتقدمة
الواردة في وضع الأوقات وإشارة جبرئيل عليه السلام بها إلى النبي صلى الله عليه وآله انتهى ملخصا وقد عرفت انفا ان الطائفة الأخيرة اي الأخبار الواردة في
وضع الأوقات من أقوى الأدلة على ضعف هذا القول وجواز تأخير الصلاة إلى الوقت الأخير اختيارا ولكنه رحمه الله زعم أن مجيئ جبرئيل عليه السلام في اليوم الثاني لم يكن
الا لبيان انتهاء الوقت الأول الذي هو الوقت الحقيقي عند مجيئه لا لبيان كون هذا الوقت أيضا من حيث هو وقتا لها حتى يدل على جواز فعلها فيه اختيارا ولذا لم يحدد
اخره وفيه ما لا يخفى واما روايتا ابن سنان المرويتان عن التهذيب والكافي وان كان ظاهر ذيلهما وهو قوله عليه السلام وليس لاحد ان يجعل الخ عدم جواز التأخير لا
العذر لكن ظاهر صدرهما خلافه فان قضية أفضلية أول الوقتين مشاركة الوقت الأخير له في أصله الفضيلة وكون التقديم مستحبا ولذا استدل غير واحد بهذه
الفقرة للمشهور و وما عن بعض من الخدشة في دلالة الأفضلية على ذلك بدعوى ان التكاليف الاختيارية أفضل من تكاليف أولي الأعذار مما لا ينبغي
الالتفات إليه نعم بناء على أن يكون مراد القائلين بكون الوقت الأخير لأولي الأعذار عدم جواز التأخير اختيار الا صيرورتها قضاء بحيث
يعامل معها معاملة الفوائت كما صرح به بعضهم على وجه يطهر منه كونه من المسلمات يمكن الخدشة فيما ذكر في تقريب الاستدلال من أن قضية الأفضلية مشاركة
الوقتين في أصل الفضيلة بان المشاركة في الفضيلة لا تنافي ووجوب المسابقة إلى الا فضل وحرمة تفويت ما فيه من المزية فالخصم لا ينكر مشاركة الوقتين
في أصل الفضيلة ولذا أوجب اختيار الوقت الأخير على تقدير تفويت الأفضل فالأولى ان يقال في تقريب الاستدلال ان ظاهر قوله عليه السلام ان لكل
صلاة وقتين وأول الوقتين أفضلهما على ما يتبادر منه عرفا ليس الا استحباب اختيار أول الوقتين وجواز الأخير على سبيل المرجوحية بالإضافة
ويؤيد ذلك قوله عليه السلام فيما رواه في التهذيب ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا فان كلمة لا ينبغي ظاهرة في الكراهة ولا يصلح الاستدراك الواقع بعدها لصرفها
عن هذا الظاهر فإنه لم يقصد منه على الظاهر بيان الحكم الوضعي أعني اختصاص الوقت الأخير حقيقة بمن شغل أو نسي أو سهى بحيث يكون بالنسبة إلى غيرهم
كخارج الوقت والا لعارضه جل اخبار الباب مع مخالفته لظاهر سائر فقرات الرواية كما لا يخفى على المتأمل فالمراد بكون الوقت لهم كونهم مرخصين في التأخير
في مقابل المنع الثابت لغيرهم الذي أريد من قوله عليه السلام ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا فيكون ظهور لا ينبغي هو المرجع في تخصيص المراد من الاستدراك وكيف كان فيتوجه
على الاستدلال بها للمشهور ما عرفته من معارضة ظهور الصدر في الاستحباب بظهور الفقرة الأخيرة في في لجواز لغير أولي الأعذار ولا يبعد ان يكون ظهور
الذيل في المنع أقوى من ظهور الصدر في الجواز لولا المرجحات الخارجية لكن لا يصلح مثل هذا الظهور بعد تسليمه لمعارضة الأدلة المتقدمة كما هو واضح هذا مع أن
الظاهر اتحاد روايتي ابن سنان المرويتين عن الكافي والتهذيب فقوله عليه السلام وليس لاحد الخ كان مذكورا في الرواية بعد بيان وقت المغرب فيحتمل قويا ارادتها
بالنسبة إلى صلاة المغرب إذ الظاهر تخصيص صلاتي الفجر والمغرب ببيان وقتهما الأول وجعله تفسير المطلق وقتهما للتنبيه على مزية أفضليتهما فيه وكون
وقتهما للثاني لغير أولي الأعذار بمنزلة خارج الوقت فكأنه قال من باب المبالغة ووقت صلاة الفجر هو وقتها الأول الذي هو عبارة عما بين الطلوع إلى أن
يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخيرها عن ذلك إلى وقتها الأخير فإنه وقت لأولي الأعذار ووقت المغرب أيضا كذلك هو وقتها الأول فلا يبعد ان يكون
قوله عليه السلام وليس لاحد الخ بمنزلة قوله عليه السلام ولا ينبغي تأخير ذلك بعد بيان وقت الفجر في كونه مربوطا بما تقدمه فليتأمل واما مرسلة الفقيه ففيها مع احتمال
ان يكون ما في ذيلها والعفو لا يكون الا عن ذنب من عبارة الصدوق انها لا تنهض دليلا لاثبات أزيد من الكراهة لا لارسالها أو كون الاخبار بالعفو في
المحرمات قبل تحققها منافيا للغرض الباعث على التحريم بل لان المتبادر من مثل هذه الرواية خصوصا بعد تصريح الشارع بتوسعة الوقت في جواب من مسألة عن أوقات
الصلاة ليس الا إرادة أفضلية أول الوقت لا حرمة التأخير بل المتبادر منها ليس الا جواز التأخير غاية الأمر ان ما في ذيلها من قوله والعفو لا يكون الا عن ذنب
33

يدل على كون التأخير متضمنا لذنب مصحح لاطلاق العفو وهو أعم من الذنب المصحح للعقاب فإنه يكفي في ذلك ارتكاب العبد مالا يناسبه في مقام العبودية بما يوجب انحطاط
رتبته ولو بترك الأولى ممن يجل شانه عن ذلك كالأنبياء والأئمة المعصومين عليهم السلام واما رواية ربعي فهي على خلاف مطلوبه أدل فأن قوله عليه السلام
انا لنقدم ونؤخر في غاية الظهور في إرادة التقديم والتأخير الاختياري فقوله عليه السلام وانما الرخصة الخ بحسب الظاهر من تتمة ما يقال كما يؤيده التعبير بلفظ
انما إذ لو كان المقصود به الاستدلال لجواز التأخير لم يكن يناسبه كلمة انما ولا اقحام قوله لنقدم في صدر العنوان وكذا لو كان المقصود به الاستدراك لم
يكن يناسبه اقحام هذه الكلمة التي تجعل الكلام كالنص في إرادة صدور كل منهما عن اختيار هذا مع أنه
لا يظن بأحد انكار الرخصة في هذه الموارد فمقصود
الإمام عليه السلام بحسب الظاهر انما هو تخطئة القائل بانحصار الرخصة في هذه الموارد ومما يؤيد إرادة هذا المعنى فعل الباقر عليه السلام على ما رواه محمد بن مسلم
قال ربما دخلت على أبي جعفر عليه السلام وقد صليت الظهر والعصر فيقول صليت الظهر فأقول نعم والعصر فيقول ما صليت الظهر فيقوم مترسلا غير مستعجل
فيغتسل أو يتوضأ ثم يصلي الظهر ثم يصلي العصر وربما دخلت عليه ولم أصل الظهر فيقول صليت الظهر فأقول لا فيقول قد صليت الظهر والعصر
واما ساير الروايات التي استشهد بها فلا يخفي ما فيها على من تأملها فان مفادها ليس الا كراهة التأخير واستحباب فعل الصلاة في أول وقتها
واما العبائر التي نقلها عن الفقه الرضوي فهي مع عدم حجيتها في نفسها قابلة للحمل على الكراهة كما يؤيدها بل يعينها ما في ذيل بعض فقراتها المتقدمة
الذي حكاه عنه في الحدائق في ذيل المبحث وأسقطه في هذا المقام فإنه حكى عنه في اخر المبحث أنه قال وانما جعل اخر الوقت للمعلول فصار اخر الوقت رخصة
للضعيف لحال علته ونفسه وماله وهي رحمة للقوي والفارغ لعلة الضعيف والمعلول وهذه العبارة كما تريها كالتصريح بان الرخصة عمت القوي
والفارغ فصارت رحمة لهما بواسطة الضعيف والمعلول ثم لو سلمت تمامية الاستدلال بجميع ما ذكر وظهورها في مدعاه فهي ليست قابلة لمعارضة
الأخبار المتقدمة وغيرها مما سيأتي أو صرفها عن ظاهرها مع ما في بعضها من التصريح بكون المخاطب مرخصا في التأخير إلى اخر الوقت كما هو واضح وبهذا
ظهر لك عدم صحة الاستدلال لعدم جواز التأخير عن الوقت الأول في خصوص صلاة المغرب بالاخبار المتقدمة التي استشهدنا بها على بقاء وقتها
في الجملة بعد غيبوبة الشفق حيث يستشعر من جملة منها بل يستظهر من بعضها اختصاص ذلك بالمسافر ونحوه من أولي الأعذار فإنها لا تصلح لمعارضة الاخبار
الظاهرة في جواز تأخيرها اختيارا التي تقدم بعضها كروايتي داود بن فرقد وعبيد بن زرارة وسيأتي بعضها الاخر المعتضدة ببعض الأخبار الدالة
عليه بعمومها مضافا إلى عدم القول بالفصل بين المغرب وغيرها على الظاهر هذا مع أنه ليس في شئ من تلك الأخبار ظهور يعتد به في الاختصاص
اما ما كان من قبيل قوله عليه السلام وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل أو إلى نصف الليل أو إلى خمسة أميال فإنها بحسب الظاهر مسوقة لبيان توسعة وقتها
الأول في حق المسافر فلا يكره في حقه التأخير إلى ربع الليل أو ثلثه ولذا اخرها رسول الله صلى الله عليه وآله في السفر إلى ستة أميال وقد اخبر الصادق عليه السلام بذلك أبا الخطاب
فوضعه في الحضر كما نطق بذلك بعض تلك الأخبار وقد اخرها الصادق عليه السلام أيضا في السفر إلى ستة أميال كما في خبر إسماعيل فالظاهر أن المراد بهذه
الاخبار انما هو تحديد وقتها الأول الذي يكون أفضل وقتيها واما الاخبار النافية للباس عن تأخيرها في السفر ولعلة فليس مفهومها الا ثبوت
البأس في التأخير بلا عذر وهو أعم من الكراهة واما مرسلة سعيد وان كان ظاهرها في بادي الرأي هو الانحصار حيث قال وانما ذلك للمسافر والخائف
ولصاحب الحاجة لكنها صدرت تعريضا على عامة أهل الكوفة الذين كانوا لا يصلون المغرب حتى يغيب الشفق فأريد بالحصر قصر ما زعموه من نفي الحرج في
تأخيرها رأسا في أولي الأعذار لا عدم جواز تأخيرها ولو على سبيل الكراهة ومما يدل على جواز تأخيرها بالخصوص اختيارا مضافا إلى ما عرفت رواية عمر بن
يزيد قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن وقت المغرب فقال إذا كان ارفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك ان تؤخرها إلى ربع الليل فقال
قال لي وهو شاهد في بلده وعنه أيضا قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أكون مع هؤلاء وانصرف من عندهم عند المغرب فامر بالمسجد فأقيمت الصلاة فان انا نزلت
أصلي معهم لم استمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة فقال ايت منزلك وانزع ثيابك وان أردت ان تتوضأ فتوضأ وصل فأنك في وقت إلى
ربع الليل وعنه أيضا قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وانا أريد المنزل فان أخرت الصلاة حتى أصلي في المنزل كان أمكن لي
وأدركني المساء أفأصلي في بعض المساجد فقال صل في منزلك وخبر داود الصري قال كنت عند أبي الحسن الثالث عليه السلام يوما فجلس يحدث حتى غابت الشمس ثم دعا
بشمع وهو جالس يتحدث فلما خرجت من البيت نظرت فقد غاب الشفق قبل ان يصلي المغرب ثم دعا بالماء فتوضأ وصلى ورواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئلته عن صلاة المغرب إذا حضرت هل يجوز ان تؤخر ساعة قال لا باس ان كان صائما افطر ثم صلى وان كان له حاجة قضاها ثم صلى ودعوى ان الأمور
المفروضة في السؤال من الاعذار المبيحة للتأخير وكذا تحديث الإمام عليه السلام لعلة كان من الواجب المضيق
مما لا ينبغي الالتفات إليها خصوصا مع عدم تنبيه
الإمام عليه السلام على كون الحكم اضطراريا بل تعبيره في مقام الجواب في بعض هذه الموارد بما كاد ان يكون نصا في إرادة توسعة وقت الصلاة وعدم كونه
من الأمور المضيقة هذا مع أن الخصم لا يرى بحسب الظاهر مثل هذه الأمور من الاعذار المبيحة للتأخير كما لا يخفى على من راجع كلماتهم ومما يدل على جواز تأخير
العشاء بالخصوص اختيار مضافا إلى بعض ما عرفت رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لولا أني أخاف ان أشق على أمتي لاخرت العشاء إلى ثلث
الليل وروايته الأخرى المروية عن العلل قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لولا أن أشق على أمتي لاخرت العشاء إلى نصف الليل ويدل عليه أيضا الأخبار المستفيضة الآتية
34

الناهية عن النوم عنها إلى نصف الليل حيث يفهم منها جواز النوم إلى ما قبل النصف بمقدار فعلها ولا يخفى عليك ان الغرض الباعث على تكثير الأدلة
انما هو التيمن بذكر الاخبار الصادرة من الأئمة عليهم السلام في الموارد المناسبة لها بقدر الامكان والا فتكثير الأدلة في مثل هذه المسألة من الموهنات
خصوصا مع ضعف دلالة بعضها وامكان الخدشة في بعض وقبول بعضها التأويل بأدنى امارة على خلافه فيكفي في اثبات مذهب المشهور على تقدير الاغماض عن
جميع ما ذكر خصوص مرسلة الصدوق التي استشهد بها صاحب الحدائق المختارة من قوله عليه السلام أول الوقت رضوان الله واخره عفو الله والعفو لا يكون الا
عن ذنب لما أشرنا إليه انفا من أنه لا يفهم من مثل هذه الرواية كغيرها من الأخبار الكثيرة التي لا تحصى الا جواز التأخير وكراهته فهي شاهدة لصرف ما كان مشعرا
أو ظاهرا في الحرمة مع أنه يكفي في صرفها إلى الكراهة معروفية توسعة الوقت لدى الشيعة قديما وحديثا حتى أن بعض أصحاب الأئمة عليهم السلام كزرارة جعل
برهة من الزمان لا يصلي العصر الا في اخر وقتها عند غيبوبة الشمس كما يشهد بذلك ما رواه ابن أبي عمير قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال كيف تركت زرارة
قال تركته لا يصلي العصر حتى تغيب الشمس قال فأنت رسولي إليه فقلت له فليصل في مواقيت أصحابه فان من الواضح انه لو لم يكن يعلم زرارة توسعة الوقت
وان الاخبار التي ورد فيها الامر بالمسارعة إلى الصلاة في أول وقتها التي وصل الينا كثير منها بواسطته على سبيل الاستحباب لم يكن يؤخر صلاته إلى اخر
الوقت لا يقال إن تأخير زرارة للصلاة لم يكن الا لعلة موجبة له فلعله كان مأمورا بذلك من قبل الإمام عليه السلام لبعض المصالح كما يشهد بذلك ما
عن الكشي في كتاب الرجال باسناده عن القسم بن عروة عن ابن بكير قال دخل زرارة على أبي عبد الله عليه السلام فقال إنكم قلتم لنا في الظهر والعصر على ذراع ثم قلتم
ابردوا بها في الصيف فكيف الابراد بها وفتح الراحة ليكتب ما يقول فلم يجبه أبو عبد الله عليه السلام بشئ فأطبق الراحة فقال انما علينا ان نسئلكم وأنتم اعلم بما عليكم
وخرج ودخل أبو بصير على أبي عبد الله عليه السلام فقال إن زرارة سئلني عن شئ فلم أجبه وقد ضقت من ذلك فاذهب أنت رسولي إليه فقل صل الظهر في الصيف إذا
كان ظلك مثلك والعصر إذا كان مثليك وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف ولم اسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير لأنا نقول هذا اجمالا مما
لا ينبغي الارتياب فيه لكن توسعة العذر إلى هذا الحد مع أن التأخير إلى اخر الوقت لا يجب عند أحد من الخاصة والعامة حتى يخاف من مخالفته من أقوى الامارات
على توسعة الوقت وكفاية أدنى عذر في رفع المنقصة المترتبة على التأخير كما أن اختلاف الأخبار الواردة
في باب المواقيت التي ستسمعها من أقوى الشواهد
على ذلك حيث يستكشف من جميعها توسعة الوقت وكون الروايات المختلفة منزلة على جهات الفضيلة ولو بلحاظ خصوصيات الأوقات والاشخاص بواسطة أدنى
ضرورة مقتضية للتقديم أو التأخير بحيث لو كان الوقت في الواقع من الامر المضيق لم يكن يعتني فيه بهذا النحو من المقتضيات هذا مع أنه صرح بعض القائلين لعدم
جواز التأخير اختيارا بأنه لو اخر اختيارا فقد عصى ولكنه يعفى عنه ولا يفوت بذلك الوقت بل يجب عليه الاتيان في الوقت الأخير بل ربما يظهر منه كونه
مسلما عندهم فعلى هذا لا يترتب على النزاع ثمرة يعتد بها وحكى عن الشيخ الذي نسب إليه مخالفة المشهور انه فسر كلامه في التهذيب بما يوافق المشهور فقال في
شرح عبارة المفيد التي يظهر منها وجوب المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها وانه لو اخرها ومات فقد ضيع صلاته ولكن لو بقي وأداها في اخر الوقت أو
ما بين الأول والاخر عفى عن ذنبه بعد ان ذكر الأخبار الدالة على أفضلية أول الوقت (إذا كان أول الوقت) أفضل ولم يكن هناك منع ولا عذر فإنه يجب فعلها فيه ومن لم يفعلها فيه
استحق اللوم والتعنيف وهو مرادنا بالوجوب ولم نرد به هنا ما يستحق بتركه العقاب (لان الوجوب على ضروب عندنا منها ما يستحق تاركه العقاب) ومنها ما يكون الأولى فعله ولا يستحق بالاخلال به العقاب وان كان يستحق
به ضرب من اللوم والعتب انتهى فعلى هذا يكون النزاع لفظيا وكيف كان فتفضيل الأقوال المنسوبة إلى الأصحاب المستفادة من ظواهر كلماتهم هو انه نسب إلى
المشهور ما سمعت من امتداد وقت الظهرين للمختار من الزوال إلى الغروب ووقت العشائين من الغروب إلى نصف الليل ووقت الصبح من الفجر الثاني إلى طلوع
الشمس وقد عرفت ان هذا هو الأقوى بل لا ينبغي الارتياب فيه كما أوضحناه بما لا مزيد عليه لكن بقيت تتمة للكلام فيما يتعلق بأواخر بعضها سيأتي إن شاء الله
وقال آخرون وهم الشيخ في المبسوط والخلاف والجمل وسلار في المراسم وابن حمزة في الوسيلة والقاضي على ما حكى عنهم ما بين الزوال حتى
يصير ظل كل شئ مثله وقت للظهر للمختار وللعصر من حين يمكن الفراغ من الظهر حتى يصير الظل مثليه للمختار
أيضا دون المعذور والمضطر فيمتد الوقت لهما إلى الغروب والمماثلة بين الفئ الزايد والظل الأول عند الشيخ في التهذيب وفخر
المحققين في الايضاح على ما حكى عنهما بل عن الأخير نسبة إلى كثير من الأصحاب وربما نسب ذلك إلى المصنف رحمه الله في الكتاب وهو لا يخلو عن تأمل وكيف
كان فالمراد بالفئ على ما في المسالك والمدارك ما يحدث من ظل الشخص بعد الزوال وبالظل ما حدث منه قبله والمراد بالظل الأول الباقي منه بعد الزوال
انتهى فمعنى العبارة على هذا التقدير حتى يصير ظله الحادث المسمى بالفئ مثل ظله الباقي فضمير مثله يعود إلى الظل وقيل بل مثل الشخص فيكون ضمير مثله
رجعا إلى الشئ لا إلى الظل وقد نسب هذا القول في محكي المعتبر وغيره إلى الأكثر بل عن غير واحد نسبته إلى المشهور وفي كشف اللثام بعد ان نسب القول الأول
إلى الشيخ في التهذيب والمصنف في الكتاب واعترض عليه بلزوم التحديد بغير المنضبط كما ستعرفه قال
والمشهور رواية وفتوى مماثلة الظل للشخص وينبغي إرادة
الفئ كما نص عليه في المصباح ومختصره والخلاف والوسيلة والا جاء الاضطراب أيضا انتهى أقول يعني بالاضطراب اختلاف الوقت في الزيادة والنقصان
اختلافا فاحشا حيث إن الظل الأول قد ينعدم أو يقرب من الانعدام وقد يبقي قريبا من المثل بحيث تتحق المماثلة في أوائل الاخذ في الزيادة بل قد يبقى في أغلب
الأماكن في أواخر الخريف بمقدار ان المثل أو أزيد فيلزمه خلو الفريضة عن التوقيت فلذا ينبغي حمل كلام المشهور على إرادة خصوص الفئ الحادث من ميل الشمس إلى
35

المغرب كما نص عليه بعضهم لا المركب عنه ومن الظل الأول الناشي من ميل الشمس إلى جهة الجنوب المؤثر في صيرورة الفئ موريا كما يترائى من عباير آخرين
وفي الجواهر بعد ان حقق القول المشهور قال وكيف كان فابتداء التقدير انما هو من أول الفئ الحادث لا منه ومن الظل الباقي بل لم يقل أحد بذلك
بل عن الخلاف نفي الخلاف في ذلك نعم ذكره بعض احتمالا معترفا بعدم القائل به في قولهم يصير ظل كل شئ مثله ثم أورد على هذا الاحتمال بلزوم
الاضطراب والاختلاف المترتبين على قول الشيخ إلى أن قال فينبغي ارصاد رأس الظل الباقي عند الزوال حتى لا يختلط السابق واللاحق انتهى أقول
قد يتراءى مما ذكره تفريعا على المختار من ارصاد رأس الظل ان الغبرة بزيادة الظل على ما كان بمقدار المثل فالمقصود بالارصاد تحديد مقدار الظل حتى يزاد
عليه المثل لا تعين موضعه حتى يعرف بذلك مقدار ما يزيد فان الظل لا يبقى في مكانه الأول حتى يعرف بذلك مقدار الزيادة واظهر من ذلك
في اعتبار زيادة المثل على ما كان عبارة المسالك حيث قال والمراد بمماثلة الفئ للشخص زيادة على الظل الأول الذي زالت عليه الشمس وكذا القول
في المثلين والاقدام انتهى أقول لا يخفى عليك انه لا معنى لاعتبار المماثلة بين الفيئ المايل إلى المشرق زائدا على الظل الشمالي الباقي في أول
الزوال فإنهما لا يجتمعان نعم يتداخلان بعد الزوال فيصير الظل موريا فإن كان مرجع ما ذكر إلى ما ستعرف بان تصادقا في الخارج فهو والا فلا
ينطبق عليه اخبار الباب إذ لا ينبغي الارتياب في أنه لم يقصد بها إرادة التحديد بما يتوقف معرفته في كل يوم على مراقبة خاصة وارصاد جديد خصوصا
لو أريد بذلك التعميم حتى بالنسبة إلى الذراع والذراعين والاقدام الواردة لتحديد أول الوقت التي عرفت توجيهها في صدر المبحث فان كثيرا
من اخبارها نص في إرادة الفيئ الحادث بعد الزوال من غير اشتراطه بشرط وقد ورد جملة منها في ظل حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان قامة وانه
إذا فاء الفيئ ذراعا أو قدمين صلى الظهر ومن الواضح ان الاخبار المسوقة لتحديد الأوقات أولا واخرا بالذراع أو الاقدام أو القامة كلها من
واد واحد يصلح بعضها قرينة لتشخيص المراد من البعض وان اختلفت في التقادير وكيف كان فالذي ينطبق عليه اخبار الباب وينبغي ان ينزل عليه كلمات الأصحاب
ولا يترتب عليه اختلاف واضطراب انما هو اعتبار ميل الظل إلى طرف المشرق بقدر الشاخص بعد ان زالت الشمس ومالت إلى المغرب فان الشمس إذا
وصلت إلى دائرة نصف النهار انعدم ظل الشاخص في طرف المغرب فاما ان لا يبقى له ظل أصلا إذا كانت الشمس مسامتة لرأسه أو يقع ظله على
خط نصف النهار فإذا زالت الشمس حدث للشاخص ظل في ناحية المشرق ويزيد شيئا فشيئا حتى تغيب الشمس فالعبرة بزيادة هذا الظل وذهابه إلى
طرف المشرق بقدر قامة الشاخص ويتميز ذلك حسا في ظل الحايط المبنى على خط نصف النهار وفي ظل الشاخص ونحوه مما لا يكون ظله الا موريا
بانتهائه إلى خط واقع في طرف المشرق واصل بين نقطتي الشمال والجنوب يكون بعده عن الشاخص بقدر قامته وان شئت قلت بذهاب الظل
من الموضع الذي زالت عليه الشمس وهو خط نصف النهار إلى طرف المشرق بقدر القامة ولا يبعد ان يكون ما في الجواهر من ارصاد رأس الظل لتشخيص ذلك
لا لما استظهر منه في بادي الرأي فيؤل حينئذ إلى ما ذكرناه واما ما استظهر منه أولا كما هو ظاهر عبارة المسالك فهو أيضا لا ينافي هذا التحديد ان كان
اختلاط الظلين مؤثرا في صيرورة بعد الظل المورب الحاصل منهما بقدر المثل والظل الأول لكن الظاهر أنه كثيرا ما يتخطى عن ذلك بمقدار معتد به
وكيف كان فالعبرة بما ذكر احتج الشيخ في محكي التهذيب لاعتبار المماثلة بين الفئ الزائد والظل الأول بما رواه صالح بن سعيد عن يونس عن بعض رجاله
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عما جاء في الحديث ان صل الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين وذراعا وذراعين وقدما وقدمين من هذا ومن هذا فمتى
هذا وكيف هذا وقد يكون الظل في بعض الأوقات نصف قدم قال عليه السلام انما قال ظل القامة ولم يقل قامة الظل وذلك أن ظل القامة يختلف مرة يكثر
ومرة يقل والقامة قامة ابدا لا تختلف ثم قال ذراع وذراعان تفسير القامة والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظل القامة ذراعا وظل القامتين
ذراعين فيكون ظل القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان معروفين مفسرا أحدهما بالاخر مسددا به فإذا كان الزمان الذي
يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظل القامة وكانت القامة ذراعا من الظل وإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا
بالذراع والذراعين فهذا تفسير القامة والقامتين والذراع والذراعين وفي المدارك بعد نقل استدلال الشيخ بالرواية قال وهذه الرواية
ضعيفة بالارسال وجهالة صالح بن سعيد ومتنها متهافت مضطرب لا يدل على المطلوب وأيضا فان قدر الظل الأول غير منضبط وقد ينعدم في
بعض الأوقات فلو نيط الوقت به لزم التكليف بعبادة موقتة في وقت يقصر عنها وهو معلوم البطلان انتهى ويرد عليه أيضا ان المقصود بالسؤال
والجواب في هذه الرواية بحسب الظاهر انما هو توجيه الاخبار المختلفة الواردة لتحديد أول وقت الظهرين فما أشبه سؤال هذا السائل بالسؤال
الواقع فيما رواه أحمد بن يحيى قال كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام روى ابائك القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتين وظل مثلك والذراع
والذراعين فكتب عليه السلام لا القدم ولا القدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة الحديث فالرواية أجنبية عن مطلب
الشيخ وقد تكلف بعض في توجيه الرواية وتطبيقها على مذهب الشيخ بما لا يلائم بعض فقراتها ولقد أجاد المحدث الكاشاني فيما أفاد في توجيه الرواية
والتنبيه على تقريب الاستشهاد بها لمذهب الشيخ مع ما فيه وان لا يخلو بعض فقراته عن التأمل ولا بأس بنقل كلامه لما فيه من الفوائد قال في الوافي
شئ ما حكى عنه بعد ذكر الخبر المذكور لابد من تمهيد مقدمة ينكشف بها نقاب الارتياب من هذا الحديث ومن سائر الأحاديث التي نتلوها عليك في هذا الباب
36

وما بعده من الأبواب إن شاء الله فنقول وبالله التوفيق ان الشمس إذا طلعت كان ظلها طويلا ثم لا يزال ينقص حتى تزول فإذا زالت زاد ثم قد
تقرر ان قامة كل انسان سبعة اقدام باقدامه وثلاث اذرع ونصف بذراعه والذراع قدمان فلذلك بعبر عن السبع بالقدم وعن طول الشاخص الذي يقاس
به الوقت بالقامة وان كان في غير الانسان وقد جرت العادة بان يكون قامة الشاخص الذي يجعل مقياسا لمعرفة الوقت ذراعا كما يأتي الإشارة إليه في
حديث تعريف الزوال وكان دخل رسول الله صلى الله عليه وآله للذي كان يقيس به الوقت أيضا ذراعا فلأجل ذلك كثيرا يعبر عن القامة بالذراع وعن الذراع بالقامة
وربما يعبر عن الظل الباقي عند الزوال من الشاخص بالقامة أيضا وكأنه كان اصطلاحا معهودا وبناء على هذا الحديث على إرادة هذا المعنى كما ستطلع عليه ثم إن
كلا من هذه الألفاظ قد يستعمل لتعريف أول وقتي فضيلة الفريضتين كما في هذا الحديث وقد يستعمل لتعريف اخر وقتي فضيلتهما كما يأتي في الاخبار الاخر
فكلما يستعمل لتعريف الزوال فالمراد به مقدار سبعي الشاخص وكلما يستعمل لتعريف الاخر فالمراد به مقدار تمام الشاخص ففي الأول يراد بالقامة الذراع وفي
الثاني بالعكس وربما يستعمل لتعريف الاخر لفظ ظل مثلك وظل مثليك ويراد بالمثل القامة والظل قد يطلق على ما يبقى عند الزوال خاصة وقد يطلق
على ما يزيد بعد ذلك فحسب الذي يقال له الفئ من فاء يفيئ إذا رجع لأنه كان أولا موجودا ثم عدم ثم رجع وقد يطلق على مجموع الامرين ثم إن اشتراك
هذه الألفاظ بين هذه المعاني صار سببا لاشتباه الامر في هذا المقام حتى أن كثيرا من أصحابنا عدوا هذا الحديث مشكلا لا ينحل وطائفة منهم عدوه متهافتا
ذا خلل وأنت بعد اطلاعك على ما أسلفناه لا أحسبك تستريب في معناه الا انه لما صار على الفحول خافيا فلا باس ان نشرحه شرحا شافيا نقابل به ألفاظه
وعباراته ونكشف به عن رموزه وإشاراته فنقول والهداية من الله تفسير الحديث على وجهه والله أعلم
ان يقال إن مراد السائل انه ما معنى ما جاء في الحديث (من تحديد)
أول وقت فريضة الظهر وأول وقت فريضة العصر تارة بصيرورة الظل قامة وقامتين وأخرى بصيرورته ذراعا وذراعين وأخرى قدمان وقدمين
وجاء من هذا القبيل من التحديد مرة ومن هذا أخرى فمتى هذا الوقت الذي يعبر عنه بألفاظ متبائنة المعاني وكيف يصح التعبير عن شئ واحد بمعان متعددة مع أن
الظل الباقي عند الزوال قد لا يزيد على نصف القدم فلابد من مضى مدة مديدة حتى يصير مثل قامة الشخص فكيف يصح تحديد أول الوقت بمضي مثل
هذه المدة الطويلة من الزوال فأجاب عليه السلام بان المراد بالقامة التي يحد بها أول الوقت التي هي بإزاء الذراع ليس قامة الشخص الذي هو شئ ثابت
غير مختلف بل المراد به مقدار ظلها الذي يبقى على الأرض عند الزوال الذي يعتبر عنه بظل القامة وهو يختلف بحسب الأزمنة والبلاد مرة ويكثر ومرة
يقل وانما يطلق عليه القامة في زمان يكون مقداره ذراعا فإذا زاد الفئ أعني الذي يزيد من الظل بعد الزال بمقدار ذراع حتى صار مساويا للظل
فهو أول الوقت للظهر فإذا زاد ذراعين فهو أول الوقت للعصر واما قوله عليه السلام فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع
والذراعين فمعناه ان الوقت انما يضبط حينئذ بالذراع والذراعين خاصة دون القامة والقامتين واما التحديد بالقدم فأكثر ما جاء في الحديث فإنما
جاء بالقدمين والأربعة اقدام وهو مساو للتحديد بالذراع والذراعين وما جاء نادرا بالقدم والقدمين فإنما أريد بذلك تخفيف النافلة وتعجيل الفريضة
طلبا لفضل أول الوقت فالأول ولعل الإمام عليه السلام انما لم يتعرض للقدم عند تفصيل الجواب وتنبيه لما استشعر من السائل عدم اهتمامه بذلك وانه
انما كان أكثر اهتمامه بتفسير القامة وطلب العلة في تأخير أول الوقت إلى ذلك المقدار وفي التهذيب فسر القامة في هذا الخبر بما يبقى عند الزوال من الظل
سواء كان ذراعا أو أقل أو أكثر وجعل التحديد بصيرورة الفيئ الزايد مثل الظل الباقي كائنا ما كان واعترض عليه بعض مشايخنا طاب ثراهم بأنه يقتضي
اختلافا فاحشا في الوقت بل يقتضي التكليف بعبادة يقصر عنها الوقت كما إذا كان الباقي شيئا يسيرا جدا بل يستلزم الخلو عن التوقيت في اليوم الذي
قامت فيه الشمس رأس الشخص لانعدام الظل الأول حينئذ ويعني بالعبادة النافلة لان هذا التأخير من الزوال انما هو للاتيان بها كما ستقف عليه
أقول اما الاختلاف الفاحش فغير لازم وذلك لان كل بلد وزمان يكون الظل الباقي فيه كثيرا فإنما يزيد الفيئ فيه في زمان يسير لسرعته في التزائد
حينئذ فلا يتفاوت الامر في ذلك واما انعدام الظل فهو امر نادر لا يكون الا في قليل من البلاد في يوم يكون الشمس فيه مسامتة لرؤس أهله لا غير ولا
عبرة بالنادر نعم يرد على تفسير صاحب التهذيب أمران أحدهما انه غير موافق لقوله عليه السلام فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت
محصورا بالذراع والذراعين لأنه على تفسيره يكون دائما محصورا بمقدار ظل القامة كائنا ما كان والثاني انه غير موافق للتحديد الوارد في سائر الأخبار
المعتبرة المستفيضة كما يأتي ذكرها بل يخالفه مخالفة شديدة كما يظهر عند الاطلاع عليها والتأمل فيها وعلى المعنى الذي فهمناه من الحديث لا يرد عليه شئ
من هذه المؤاخذات الا انه يصير جزئيا مختصا بزمان خاص ومخاطب مخصوص ولا باس بذلك ان قيل اختلاف النافلة في الطول والقصر بحسب الأزمنة
والبلاد وتفاوت حد أول وقت الفريضتين التابع لذلك لازم على اي التقادير لما ذكرت من سرعة تزايد الفئ تارة وبطئه أخرى فكيف ذلك قلنا
نعم ذلك كذلك ولا باس بذلك لأنه تابع لطول اليوم وقصره كسائر الأوقات في الأيام والليالي انتهى كلامه رفع مقامه واستدل للقول باعتبار المماثلة
بين الفئ الزايد والشخص كما عن المشهور بالأخبار المستفيضة التي ورد فيها الحديث وقت الظهر بالقامة والعصر بالقامتين مثل صحيحة أحمد بن عمر عن أبي الحسن عليه السلام قال
سئلته عن وقت الظهر والعصر فقال وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين وصحيحة أحمد بن محمد قال
سئلته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر وقامة للعصر وخبر محمد بن حكيم قال سمعت العبد
الصالح عليه السلام وهو يقول إن أول وقت الظهر زوال الشمس
37

واخر وقتها قامة من الزوال وأول وقت العصر قامة واخر وقتها قامتان قلت في الشتاء والصيف سواء قال نعم وموثقة معاوية بن وهب
المتقدمة في وقت المغرب الواردة في نزول جبرئيل عليه السلام بالأوقات وفيها ثم اتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر إلى أن قال ثم اتاه من الغد
حين زاد الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم اتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر الحديث ورواية يزيد بن خليفة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
ان عمر بن حنظلة اتانا عنك بوقت إلى أن قال فإذا زالت الشمس لم يمنعك الا سبحتك ثم لا تزال في وقت إلى أن يصير الظل قامة وهو اخر الوقت
فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء قال صدق الحديث وخبر زرارة قال سئلت أبا عبد
الله عليه السلام عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني فلما ان كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال ان زرارة سئلني عن وقت صلاة الظهر في
القيظ فلم اخبره فحرجت من ذلك فاقراه مني السلام وقل له إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر والمتبادر من
صيرورة ظل الشخص مثله وان كان ظله الموجود المركب من الفئ والظل لا خصوص الفيئ الزايد من طرف المشرق لكن الاختلاف غير معتد به في القيظ
كما هو مورد الرواية خصوصا في مثل المدينة فلا تنافي هذه الرواية غيرها من الروايات الظاهرة في اعتبار زيادة الظل الحادث بعد الزوال بقدر
القامة المعتضدة بغيرها من الأخبار الواردة لتحديد أول الوقت التي هي صريحة في إرادة التحديد بالفتى الحادث بعد الزوال وقد أشرنا انفا
إلى أن المراد بالظل في الاخبار المسوقة لتحديد الوقت به أولا واخرا بحسب الظاهر شئ واحد وان اختلفت في التقادير واستدل للمشهور أيضا بالنبوي
المرسل الذي رواه العلامة على ما قيل إنه صلى الله عليه وآله قال جائني جبرئيل عند الباب مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وصلى بي العصر
حين كان كل شئ بقدر ظله فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان كل شئ بقدر ظله وصلى بي العصر حين كان ظل كل شئ مثليه ثم التفت إلي فقال يا محمد صلى الله عليه وآله
هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين ويرد على الاستدلال بالنبوي انه ضعيف السند واما خبر زرارة فيمكن الخدشة
في دلالته بان المراد به تأخير الصلاتين عن المثل والمثلين في القيظ وقد سبقت الرواية تفسيرا للايراد المأمور به في الصيف كما تقدم انفا نظيرها
بأدنى اختلاف عن الكشي في كتاب الرجال فالرواية أجنبية عن المدعى اللهم الا ان يقال إنه لم يقصد من الامر بايقاع الصلاة بعد المثل والمثلين ايقاعها
عقيبها بلا فاصل بل المقصود به بيان الرخصة في تأخيرها عن وقت الفضيلة أو رجحانه في الصيف لأجل الايراد ففيه اشعار بان وقت الفضيلة
في غير الصيف انما هو ما قبل المثل والمثلين واما الاخبار التي ورد فيها التحديد بالقامة والقامتين فقد ناقش في الحدائق في دلالة ما عدى الأخيرة
منها اي رواية يزيد بن خليفة بان المفهوم من الاخبار ان لفظ القامة الوارد في الروايات بمعنى الذراع والقامتين بمعنى الذراعين ففي رواية
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال له كم القامة فقال ذراع ان قامة رحل رسول الله صلى الله عليه وآله كانت ذراعا وخبر علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
القامة هي الذراع وخبر علي بن حنظلة قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام القامة والقامتين الذراع والذراعين في كتاب علي عليه السلام قال في محكى الوافي نصبها بالحكاية
وعن علي بن حنظلة أيضا قال قال أبو عبد الله عليه السلام في كتاب علي عليه السلام القامة ذراع والقامتان ذراعان قال في محكى الوافي تفسير القامة بالذراع انما يصح
إذا كان قامة الشاخص ذراعا فيعبر عن أحدها بالاخر كما دل عليه حديث أبي بصير لا مطلقا كما فهمه صاحب التهذيب أو أريد به في زمان يكون فيه الظل
الباقي بعد نقصانه ذراعا فيراد بالقامة الظل الباقي لا قامة الشخص كما دل عليه حديث أول الباب انتهى وفي الحدائق بعد ان نقل كلام الوافي قال أقول
من المحتمل قريبا بل الظاهر أن المراد باللام في القامة والقامتين في هذه الأخبار العهد ويكون إشارة إلى ما قدمنا من الأخبار الدالة على تحديد وقت الظهر
بالقامة ووقت العصر بالقامتين بمعنى ان القامة الواردة في تلك الأخبار المراد منها الذراع لا قامة الشخص وبه يظهر ان حمل القامة في تلك الأخبار
على قامة الشخص ليكون دليلا على امتداد وقت الفضيلة بامتداد المثل والمثلين لا وجه له انتهى واما رواية يزيد بن خليفة فقد اعترف بظهورها في
المدعى لما فيها من قوله وذلك المساء فان من المستبعد ارادته بالنسبة إلى ما بعد القامتين لكن حملها على التقية جمعا بينها وبين غيرها من الروايات
أقول لا ينبغي الارتياب في كون اللام في القامة للعهد كما يؤيده نصب القامتين على الحكاية لكن دعوى ان المشار إليه بها ما في تلك الأخبار رجم
بالغيب بل كيف يشير أبو عبد الله عليه السلام إلى القامة والقامتين اللتين عبر بهما أبو الحسن عليه السلام أم كيف يكون كلام أبي الحسن عليه السلام مفسرا في كتاب علي عليه السلام فالمقصود
بالعهد على الظاهر ليس الا القامة الواردة في الحديث الذي كان معروفا عندهم من الصدر الأول الذي سئل عن تفسيره في رواية يونس وغيرها المشتمل
على تحديد أول الوقت بما إذا كانت الشمس قامة لا الاخبار الصادرة عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام لتحديد اخر الوقت فحمل اللام على العهد وجعل
المعهود الاخبار الصادرة في الأعصار المتأخرة عن زمان صدور تلك الروايات كما ترى نعم لو قيل بأنه يستفاد من هذه الأخبار ان اصطلاح
الأئمة عليهم السلام جرت على تسمية الذراع بالقامة فلها حقيقة شرعية تحمل عليها ما لم تكن قرينة على خلافها فله وجه لكن يرده مضافا إلى قصور الاخبار
عن إفادته ومخالفته للأصل الأخبار المستفيضة التي ورد فيها ان حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كان قامة فإذا مضى من فيئه ذراعا
صلى الظهر مع أنه لم يقصد بها الا قامة الانسان هذا مع أنه لو أريد من القامة في تلك الأخبار الذراع لعارضها الأخبار المستفيضة بل المتواترة
التي ورد فيها تحديد أول وقت الظهرين بالذراع والذراعين فإنها صريحة في كون ما بعد الذراع وقت الفضيلة والاختيار للظهرين وما في الحدائق
38

من الجمع بينها وبين اخبار القامة بعد تفسير القامة بالذراع بجعل الذراع وقتا لغير المتنفل وما بعده وقتا للمتنفل مما لا ينبغي الالتفات إليه فان الطرح
أو الحمل على التقية أولى من الجمع بين الاخبار المتناقضة صورة بهذا الوجه فضلا عن جعل تلك الأخبار
شاهدة لحمل القامة في هذه الروايات على إرادة
ما هو المتبادر منها عرفا دون ما ورد تفسيره في كتاب على مما لم يكن يعرفه المخاطبون كما يشهد بذلك رواية يونس وغيرها نعم ربما يؤيد حمل القامة
على الذراع في موثقة معاوية بن وهب الواردة في نزول جبرئيل عليه السلام بالأوقات انه رواها معاوية بن ميسرة نحوها الا أنه قال بدل القامة والقامتين ذراع
وذراعين ورواها المفضل بن عمر نحوها الا أنه قال بدل القامة والقامتين قدمين وأربعة اقدام لكن جعل الموثقة وغيرها من اخبار القامة وغيرها
من الأخبار المتواترة الدالة على فضيلة ايقاع الظهر بعد الزوال بقدمين كاشفة عن أن صاحب الظل الذي زاد ظله ذراع وذراعين كان رحل رسول الله صلى الله عليه وآله
ونحوه مما كان يقيس به الظل وكانت قامته ذراع كما يؤيد ذلك أيضا النبوي المرسل الذي وقع فيه التصريح بان مجيئ جبرئيل عليه السلام في اليوم الثاني
كان في الوقت الذي كان كل شئ بقدر ظله فالحق انه لا قصور في دلالة هذه الأخبار على مدعى المشهور واما احتمال صدور هذه الأخبار تقية فهو احتمال
سار في ساير الاخبار أيضا ولكنه لا ينافي الاستدلال كما سنوضحه إن شاء الله وقيل أربعة اقدام للظهر وثمان للعصر هذا للمختار
وما زاد على ذلك حتى تغرب الشمس وقت لذوي الاعذار لكن لم تعرف من صرح بذلك في العصر نعم حكى عن جماعة التصريح
بأربعة اقدام للظهر واستدل له برواية إبراهيم الكرخي قال سئلت أبا الحسن موسى عليه السلام متى يدخل وقت الظهر قال إذا زالت الشمس قلت متى يخرج وقتها فقال من
بعد ما يمضي أربعة اقدام ان وقت الظهر ضيق ليس كغيره قلت فمتى يدخل وقت العصر قال إن اخر وقت الظهر هو أول وقت العصر قلت فمتى يخرج وقت العصر
فقال وقت العصر إلى أن تغرب الشمس وذلك من علة وهو تضييع الحديث وخبر الفضل بن يونس قال سئلت أبا الحسن الأول عليه السلام قلت المرأة ترى الطهر قبل غروب
الشمس كيف تصنع بالصلاة قال إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة اقدام فلا تصلي الا العصر لان وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج
عنها الوقت وهي في الدم فلم يجب عليها ان تصلي الظهر وما طرح الله عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر الحديث وحيث انك عرفت فيما سبق امتداد وقت الظهرين
للمختار إلى الغروب علمت أن الأوجه حمل مثل هذه الأخبار على إرادة وقت الفضيلة الذي لا ينبغي التأخير عنه وفى ذيل رواية الكرخي ما يشهد بذلك
كما عرفته فيما سبق فاختلاف الاخبار منزل على اختلاف مراتب الفضل مع قوة احتمال صدورها تقية وامكان توجيهها بغير ذلك أيضا كما سنشير إليه لكن
بقي الاشكال في خبر الفضل حيث إن ظاهره خروج وقت الظهر بعد الأربعة اقدام حتى بالنسبة إلى أولي الأعذار التي مثل لها غير واحد بالحائض وهذا مما
لا يقول به أحد وان حكى عن بعض الالتزام به في خصوص المورد لأجل النص ويشهد له أيضا حسنة معمر بن يحيى قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن الحائض تطهر عند
العصر تصلي الأولى قال لا انما تصلي الصلاة التي تطهر عندها وموثقة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال قلت المرأة ترى الطهر فتشتغل في شانها حتى
يدخل وقت العصر قال تصلي العصر وحدها فان ضيعت فعليها صلاتان وحمل هاتين الروايتين على إرادة الوقت المختص بالعصر اي مقدار
أربع ركعات من اخر الوقت بعيد ولا ينافيه بل يؤيده أيضا المستفيضة الدالة على أن المرأة إذا طهرت في وقت صلاة ففرطت فيها كان عليها قضائها
مثل ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال أيما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت الصلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى
كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها وان رأت الطهر في وقت فقامت في نهية ذلك فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة أخرى فليس عليها
قضاء وتصلي الصلاة التي دخل وقتها إلى غير ذلك من الأخبار المتقدمة في مبحث الحيض لان المعروف في الصدر الأول ولو بحسب المتعارف فيما بينهم انما هو
تفريق الصلوات وتخصيص أول الوقت بالظهر إلى أن يصير الظل قامة أو أربعة اقدام أو نحو ذلك ثم بالعصر فهذه الأخبار أيضا تؤكد مضمون الروايات
المتقدمة ولكن يعارضها موثقة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وان طهرت من اخر
الليل فلتصل المغرب والعشاء وخبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء وان طهرت قبل ان
تغيب الشمس صلت الظهر والعصر وخبر داود الدجاجي عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر وان طهرت
من اخر الليل صلت المغرب والعشاء الآخرة ورواية عمر بن حنظلة عن الشيخ عليه السلام قال إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء وان
طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت الظهر والعصر ولولا اعراض المشهور عن الأخبار المتقدمة وموافقتها للعامة كما يظهر من بعض حيث حملها على التقية لكان
المتجه ما حكى عن الشيخ وغيره من الجمع بينها وبين هذه الروايات بالحمل على الاستحباب لان تلك الأخبار نص في في لوجوب فيرفع اليد بها عن ظاهر
هذه الروايات الامرة بالفعل ولا ينافيه ما هو المختار من امتداد وقت الظهرين إلى الغروب للمختار فضلا عن القول بكون اخر الوقت وقتا لأولي الأعذار
ولا لمجرد كون الحكم تعبديا يجب اتباع النصوص الخاصة الواردة فيها وتوجيه ما فيها من خروج الوقت بعد أربعة اقدام ببعض التوجيهات
التي يوجه بها نظائرها من الأخبار الكثيرة الواردة في المواقيت بل لان أوقات الصلوات الخمس على ما يظهر من جملة من الاخبار ويساعد عليه الاعتبار
كانت في الأصل خمسة ولكن الشارع عمم أوقاتها فجعل الظهرين مشتركين في وقتهما والعشائين كذلك توسعة على العباد وارفاقا بهم وهذا لا يقتضي
الا التعميم في وقت الأداء لا وقت الوجوب الذي هو في حد ذاته من الأسباب المقتضية لحسن الفعل فلعل الوقت الأصلي لصلاة الظهر الذي كان سببا لوجوبها
39

لم يكن الا أربعة اقدام من الزوال التي هي أفضل أوقات أدائها فمتى طهرت الحائض بعد مضيها فقد خرج وقت صلاتها الأصلي الذي كان مقتضيا للوجوب
فلم يجب عليها الفعل ولكنه يستحب رعاية لحق وقتها الثانوي الحاصل لها من باب التوسعة والحاصل ان القول بامتداد وقت الظهرين إلى
المغرب لا يستلزم طرح مثل هذه الأخبار على تقدير جامعيتها لشرائط الحجية فالاشكال في المقام انما هو في
جواز العمل بتلك الروايات مع
وهنها بما سمعت واعتضاد ظاهر الاخبار الامرة بالفعل بالشهرة وان لا يخلو هذا أيضا عن تأمل فأن ما تضمنته هذه الروايات من امتداد وقت العشائين
إلى طلوع الفجر مخالف لظاهر غيرها من النصوص والفتاوي المعتضدة بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ولذا حمله غير واحد على التقية أو على الاستحباب
وهذا وان لم يسقطها عن الحجية في غير مورد المخالفة بل ستعرف قوة القول بمضمونها في العشائين أيضا ولكنه يوهنها فيشكل ترجيحها على تلك الأخبار
التي لا قصور فيها بحسب الظاهر الا من هذه الجهة فالانصاف ان الحكم موقع تردد وان كان الأظهر ما ذهب إليه المشهور من وجوب أداء الصلاتين
فيما إذا طهرت قبل اخر الوقت بمقدار أدائهما مع الطهارة لغلبة الظن بان الاخبار المنافية له صادرة عن علة فيشكل رفع اليد بمثل هذه الأخبار
عن ظواهر النصوص المتقدمة المعتضدة بالقاعدة التي لعلها هي عمدة مستند المشهور التي قررناها في مبحث الحيض من أن مقتضى الأصل المتلقى من
الشارع المستفاد من تتبع النصوص (والفتاوي انما هو وجوب الاتيان بالصلوات المفروضة ولو في خارج الوقت على تقدير فوتها في الوقت) حتى مع عدم تنجز التكليف بها أداء المانع عقلي أو شرعي فضلا عما لو تمكن من الاتيان بها في الوقت جامعة
لشرائطها وانما رفعت اليد عن هذه القاعدة في الحائض للنصوص الخاصة الدالة عليه المنصرفة عما لو أدركت من أول الوقت أو اخره بمقدار يسع فعل الطهارة
والصلاة واما النصوص المتقدمة فهي مع وهنها بما عرفت ومعارضتها بما سمعت لا تنهض مخصصه لهذه القاعدة فلا ينبغي الاستشكال في وجوب
أداء الصلاتين في الفرض مع أنه أحوط ويلحق بذلك ما إذا أدركت من الوقت بمقدار الطهارة وأداء ركعة فلو رأت الطهر قبل الغروب وهي قادرة
على أن تتطهر وتصلي خمس ركعات وجب عليها أداء الصلاتين لما ستعرف من أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله والعبرة بقدرتها
على الطهارة المائية فان اخبار الباب كفتاوي الأصحاب على ما صرح به بعضهم ناطقة بذلك نعم لو اقتضى تكليفها التيمم لا لضيق الوقت
بل لمرض ونحوه اعتبر قدرتها عليه إذ المدار على ما يتبادر من الاخبار ليس الا على اداركها من الوقت بمقدار تتمكن من الخروج عن عهدة تكليفها
الذي هو الصلاة مع الغسل لولا مرض ونحوه فلا يكون ضيق الوقت مؤثرا في انقلاب تكليفها إذ لا تكليف مع الضيق لكن لو لم يكن فرضها الا التيمم
ولو مع في لضيق فلا يعتبر الا وفاء الوقت بذلك لما أشرنا إليه من إناطة الحكم بكافية الوقت للقيام بشأنها بحسب ما يقتضيه تكليفها من غير تواني
وهو حاصل في الفرض وما في بعض الأخبار من اعتبار كونها قادرة على أن تغتسل جاري مجرى الغالب والله العالم تنبيه الأظهر ان جل الاخبار
بل كلها الواردة لتحديد أوقات الصلوات ما عدى الطائفة الأولى المذكورة في صدر المبحث الدالة على امتداد وقت الظهرين إلى الغروب والعشائين
إلى نصف الليل صدرت على ضرب من التقية لكن من نظر فيها وفي غيرها من اخبار الباب بعين البصيرة وجعل بعضها مفسر البعض يراها مشتملة على
مطالب حقة أبرزت بصورة يتأدى بها التقية فان ما ذكرناه من المحامل في مطاوي كلما لنا السابقة لتوجيه الاخبار المختلفة من حمل جملة منها
على إرادة وقت الفضيلة وبعضها على إرادة وقت اتى به جبرئيل عليه السلام أو الوقت الأصلي أو غير ذلك من التأويلات المناسبة فإنما هي أمور استفدناها
من الإشارات الواقعة في الاخبار بعد التدبر في الجميع وجعل بعضها قرينة لاستكشاف المراد من البعض ولم يكن هذه القرائن بحسب الظاهر معرفة
لدى المخاطبين فلم يكونوا يفهمون من الاخبار الا ظواهرها ولذا كثر الاختلاف بينهم في عصر الأئمة عليهم السلام في مواقيت الصلوات وكانوا كثيرا ما يسئلون
الأئمة عليهم السلام عن توجيه الاخبار المختلفة كما لا يخفى على المتتبع في الاخبار وقد أشار أبو عبد الله عليه السلام إلى وجه الاختلاف في خبر أبي خديجة قال سئله انسان
وانا حاضر فقال ربما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلون العصر وبعضهم يصلي الظهر فقال عليه السلام انا امرتهم بهذا لو صلوا على وقت واحد عرفوا
فاخذوا برقابهم فيظهر من هذه الرواية انه عليه السلام تعمد في التحديدات المختلفة لئلا يكون لصلاة الشيعة وقت مضبوط كي يكون الصلاة في ذلك الوقت من
شعارهم فيعرفوا بذلك فالظاهر أن مثل هذه الروايات صدرت على سبيل التورية لأجل المصالح المقتضية لها وفي بعض الأخبار إشارة إلى أن لها
محملا صحيحا فتدبر تبصرة حكى عن المفيد في المقنعة تحديد وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يرجع الفئ سبعي الشاخص والعصر إلى أن يتغير لون الشمس
باصفرارها للغروب وللمضطر والناسي إلى الغروب وعن الحسن عيسى ان أول وقت الظهر زوال الشمس إلى أن ينتهي الظل ذراعا واحدا أو قدمين من ظل
قامته بعد الزوال فان تجاوز ذلك فقد دخل الوقت الاخر وان وقت العصر إلى أن ينتهي الظل ذراعين بعد زوال الشمس فإذا جاز ذلك فقد دخل
الوقت الاخر وعن النهاية والتهذيب ان اخر وقت الظهر للمعذور اصفرار الشمس وعن أبي الصلاح ان اخر وقت المختار الأفضل للظهر ان يبلغ الظل سبعي
القائم واخر وقت الاجزاء ان يبلغ الظل أربعة أسباعه واخر وقت المضطر ان يصير الظل مثله وعن السيد في بعض كتبه امتداد وقت العصر للمختار
إلى أن يصير الظل ستة اقدام وفي الجميع مالا يخفى بعد الإحاطة بما مر بل قد لا يساعد على بعض هذه الأقوال شئ من اخبار الباب على كثرتها وشدة اختلافها
الا ببعض التمحلات وكيف كان فلا يهمنا الإطالة فيها بعد ان ظهر فيما سبق امتداد وقت الظهرين للمختار إلى الغروب وعدم صلاحية الاخبار المنافية له
لمعارضة ما يدل عليه وكذا ظهر أيضا فيما تقدم ضعف ما قيل من أن من غروب الشمس إلى ذهاب الحمرة المغربية للمغرب وللعشاء
40

من ذهاب الحمرة إلى ثلث الليل للمختار وما زاد عليه حتى ينتصف الليل للمضطر حيث عرفت جواز تأخير المغرب عن ذهاب
الشفق اختيارا وتقديم العشاء عليه كذلك وتأخيرها إلى نصف الليل نعم ربما يظهر من بعض الأخبار المتقدمة في محلها ان اخر وقت المغرب ثلث
الليل أو ربعه لكنه لا يصلح لمعارضة غيره مما هو صريح في امتداد وقتها إلى أن يتضيق وقت العشاء بان لم يبق إلى نصف الليل الا مقدار أربع ركعات فما دل
على أن وقت المغرب إلى ثلث الليل أو ربعه أريد به على الظاهر التوسعة في وقتها الأول بالنسبة إلى أصحاب
العذر ولذا خصه في بعض الأخبار الدالة عليه
بالمسافر حيث قال وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل وكيف كان فهذا مما لا ينبغي الاشكال فيه وانما الاشكال فيما قيل من امتداد وقت العشائين
للمضطر إلى طلوع الفجر كما حكى عن غير واحد من القدماء والمتأخرين خلافا لما حكى عن ظاهر المشهور من انتهاء وقتهما مطلقا عند انتصاف الليل
وحكى عن بعض القول بجواز تأخيرهما اختيارا عن نصف الليل لكن لم نعرف قائله ولعله من العامة وكيف كان فلا ريب في فساده وان كان قد يتوهم جواز
الاستدلال له برواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ولا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ولا صلاة
الليل حتى يطلع الفجر ولكن فيه ما لا يخفى من عدم دلالة الرواية على كون اخر الوقت وقتا اختياريا ولو سلم ظهورها في ذلك لوجب تأويلها أو طرحها
لمعارضتها حينئذ بالأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة على انتهاء وقت العشائين عند انتصاف الليل التي منها المعتبرة المستفيضة الواردة
في تفسير قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل التي لا يحوم حولها شائبة التقية كالكتاب العزيز فان مفادها كمفاد الآية الشريفة
ان ما بعد غسق الليل المفسر بانتصافه كما قبل الزوال خارج عن الوقت الذي امر الله تعالى بايقاع الصلوات الأربع فيها فلو دل دليل على أن العشائين
يمتد وقتهما إلى الصبح فهو بمنزلة ما لو دل دليل على أن وقت الظهرين من طلوع الشمس إلى الغروب يجب رد علمه إلى أهله أو تأويله بما لا يخالف
ظاهر الكتاب والسنة المعتضد باجماع الفرقة كما هو واضح ومما يشهد لعدم جواز تأخيرهما اختيارا عن نصف الليل مضافا إلى ما عرفت الأخبار الواردة
في ذم من نام عن صلاة العشاء حتى انتصف الليل مثل مرسلة الصدوق وعن أبي جعفر عليه السلام قال ملك موكل يقول من يأت عن العشاء الآخرة
إلى نصف الليل فلا أنام الله عينه وعنه في العلل مسندا نحوه الا ان فيه من نام عن العشاء وعنه أيضا في الفقيه مرسلا قال وروى في من نام عن
العشاء الآخرة إلى نصف الليل انه يقضي ويصبح صائما عقوبة وانما وجب ذلك لنومه عنها إلى نصف الليل وعن الشيخ بسنده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
في حديث قال وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه
وربما يستشعر من هذه الرواية بل يظهر منها جواز تأخيرها إلى النصف وصيرورتها مضيقة عنده لكن لابد من جملها على إرادة الرخصة في ايقاعها
إلى النصف لا تأخيرها عنه كما يؤمي إلى ذلك ما فيها من تفسير الغسق الذي حد به وقتها في الكتاب العزيز بنصف الليل ومرسلة ابن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلى بعد انتصاف الليل قال يصليها ويصبح صائما ومرفوعة ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال من نام قبل ان يصلي العتمة فلم
يستيقظ حتى يمضي نصف الليل فليقض صلاته ويستغفر الله وربما يستظهر من الامر بقضاء صلاته في هذه الرواية خروج وقتها الاضطراري أيضا
وفيه نظر إذ لم يثبت كون القضاء في عرفهم حقيقة في المعنى المصطلح وكيف كان فلا شبهة في عدم جواز تأخيرها عن نصف الليل وانما أوردنا هذه الأخبار
من باب التيمن والا فالامر أوضح من أن يحتاج إلى الاستشهاد بمثل هذه الروايات فالشأن في المقام انما هو في تحقيق انه هل يخرج وقت
العشائين بالانتصاف فتندرجان حينئذ في الفوائت كما هو ظاهر المشهور وصريح بعض أو انه لا يفوت وقتهما حتى يطلع الفجر اما لخصوص الحائض
والناسي ونحوهما من أولي الأعذار أو مطلقا وان حرم التأخير عن النصف فإنه ربما يشهد لبقاء وقتهما في الجملة جملة من الاخبار منها رواية عبيد بن
زرارة الدالة على عدم اندراج صلاة الليل في الفوائت قبل طلوع الفجر ومنها المستفيضة المتقدمة الواردة في الحائض الدالة على وجوب
أداء الصلاتين عليها إذا طهرت قبل طلوع الفجر ومنها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن نام رجل أو نسي ان يصلي المغرب والعشاء الآخرة
فان استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما فان خاف ان تفوته إحديهما فليبدء بالعشاء وان استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب
ثم العشاء قبل طلوع الشمس ولا منافاة بين هذه الأخبار وبين الآية والروايات الدالة على انتهاء وقتهما عند انتصاف الليل لامكان الجمع بينهما
بحمل هذه الأخبار على الوقت الاضطراري ولو لخصوص من كان معذورا في التأخير كالحائض والنائم والناسي كما هو مورد أغلبها فيجمع بينها وبين ما دل على
انتهاء الوقت بالانتصاف اما بتخصيصها بمن لم يكن معذورا في التأخير أو حملها على الوقت الاختياري الذي امر الله تعالى أولا وبالذات بايقاع
الصلوات فيه على سبيل التوسعة لا مطلق الوقت الشامل للاضطراري الذي لدى التحقيق وقت تقديري لا فعلي فلا يبعد دعوى انصراف اطلاق الوقت
عنه وان كانت قابلة للمنع والحاصل ان الجمع بأحد الوجهين من الجمع المقبول المقدم على طرح الرواية أو حملها على التقية ولكنه مع ذلك لا يخلو
عن اشكال فان الاعتماد على مثل هذه الروايات في رفع اليد عن ظواهر الأخبار الكثيرة الظاهرة في انتهاء الوقت على الاطلاق بعد اعراض المشهور
عنها وموافقتها الفتوى جميع الفقهاء الأربعة على ما قيل مع ما علم من أن أكثر الأخبار الواردة في المواقيت مشوبة بالتقية في غاية الاشكال فالحكم
موضع تردد والأحوط هو الاتيان بهما قبل طلوع الفجر بقصد امتثال امرها الواقعي من غير تعرض للأدائية أو القضائية مراعيا فيهما وظيفتي الوقت
41

وخارجه فيأتي بخصوص العشاء في اخر الليل إذا لم يبق من اخره الا بقدر فعلها ثم يعيدها في خارج الوقت مرتبة على المغرب كما أنه لو كان عليه فوائت لم يتمكن
من الاتيان بجميعها قبل الحاضرة اتي بالحاضرة ثم أعادها في خارج الوقت مرتبة على الفوائت والله العالم وقد ظهر أيضا فيما سبق ضعف ما قيل من أن ما
بين طلوع الفجر إلى طلوع الحمرة وقت للمختار وما زاد على ذلك حتى تطلع الشمس للمعذور فلا حاجة إلى
الإعادة وقد عرفت ان الأظهر عندي وفاقا للمصنف وغيره انما هو توجيه الاخبار التي هي مستند التفصيل بين المختار والمعذور في أوقات
الفرائض بان ذلك كله للفضيلة وان ما فيها من الاختلاف منزل على اختلاف مراتب الفضيلة والاختلاف بحسب الأزمنة أو غير ذلك
من الوجوه القابلة خلافا لبعض من وافقنا في جواز تأخير الصلوات إلى اخر أوقاتها فحمل هذه الأخبار
على التقية ونحوها لا على الفضيلة فالتزم بان
الفضل في المبادرة إلى الصلاة من أول وقتها إلى اخره فهي في كل جزء من اجزاء الوقت أفضل مما بعده وهذا وان كان وجيها لكن الأوجه ما عرفت من أن لكل
صلاة وقتين وأول الوقتين من حيث هو أفضلهما لامر حيث عنوان المسارعة والاستباق الذي هو أيضا من الوجوه المرجحة للفعل وان التحديد الواقع في
الاخبار المشار إليها منزل على تحديد الوقت الذي ينبغي اتخاذه وقتا الذي هو أول الوقتين كما في غير واحد من الاخبار إشارة إلى ذلك لا تخفى على من التفت إليها
وقد ظهر بما ذكر ان الأظهر ان ابتداء وقت فضيلة العشاء بعد زوال الحمرة لما في غير واحد من الاخبار من تحديد أول وقتها بهذا الوقت الذي هو أول وقتها
الذين نزل بهما جبرئيل عليه السلام ولكن رفعنا اليد عن ظاهرها بالحمل على أول وقتها الذي ينبغي اتخاذه وقتا اي وقت الفضيلة جمعا بينهما وبين الأخبار الدالة على
الرخصة في تقديمها وان وقتها الذي يجوز الاتيان بها فيه انما هو بعد مضي مقدار المغرب التي لا يستفاد منها أزيد من جواز التقديم مع ما في بعضها
من الاشعار أو الدلالة على مرجوحيته بلا عذر واما صلاة العصر فهي أيضا وان كانت كالعشاء حيث ورد في جملة من الاخبار تحديد أول وقتها بذراعين
أو أربعة اقدام أو القامة ولكن لم نلتزم فيها بهذا الحمل بل وجهناها بالحمل على أول الوقت المختص بالفريضة أو الوقت الأصلي الذي نزل به جبرئيل عليه السلام
أو غير ذلك من المحامل التي من جملتها الحمل على التقية وإرادة الوقت المتعارف بين الناس للأخبار الدالة على أن المبادرة إليها ابدا أفضل وانه بعد
الفراغ من الظهر لا يمنعك عن العصر الا سبحتك وان تقديمها على أربعة اقدام كان أحب إلى الصادق عليه السلام كما تقدم الكلام فيه مستوفي في صدر المبحث
هذا مع قوة احتمال استحباب تأخيرها أيضا إلى المثل أو الأربعة اقدام كما صرح به الشهيد رحمه الله فيما حكى عنه على وجه يظهر منه كونه من المسلمات كما يدل
عليه استقرار سيرة النبي صلى الله عليه وآله عليه بحيث لم يكن يتخلف عنه الا نادرا كما يشهد بذلك الآثار ويرشدك إليه التتبع في الاخبار ويؤيده أيضا بعض الأخبار
الواردة في المستحاضة ونحوها مما ورد فيها الامر بالجمع بين الصلاتين حيث ورد فيها الامر بتأخير الأولى وتعجيل الثانية ولا ينافي ذلك كون تقديمها
أحب إلى الصادق عليه السلام وكون المبادرة إليها ابدا أفضل فإنه على ما يظهر من بعض الأخبار ان أفضلية التقديم انما هي من باب المسارعة إلى الخيرات وشدة
الاهتمام بالواجب واتيانه في أول أزمنة امكانه مخافة ان يفوته الفريضة فلعل النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يراعي هذه الجهة لعلمه بأنه لا يفوته
الفريضة كما تقدم نظره في صلاة الوتيرة حيث ورد في بعض الأخبار ان النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يصليها لعلمه بأنه لا يفوته صلاة الوتر التي ينوب منابها
الوتيرة عند فوتها لمكان الوحي فالأظهر ان وقت فضيلتها من حيث هو ما بعد المثل أو الأربعة اقدام والا لم يكن يختاره النبي صلى الله عليه
وآله في غالب أوقاته مع ما فيه من الكلفة الزائدة ولكن المبادرة إليها في أول وقتها بعنوان المسارعة إلى الخيرات والخروج عن عهدة ما وجب عليه
في أول وقته أفضل فهما من قبيل المستحبات المتزاحمة التي بعضها أهم ومن هنا ظهر ان المسارعة إلى فعل العشاء أيضا في أول أزمنة امكانها
لا لخلو عن فضيلة وان كان الأفضل فيها بالنظر إلى ظواهر الاخبار انما هو رعاية وقت فضيلتها والله العالم تنبيه الأخبار الواردة لتحديد الوقت
الأول لصلاة الصبح الذي هو أفضل وقتيها مختلفة في التعبير عما جعل غاية له ففي صحيحة ابن سنان المتقدمة مرارا المروية عن التهذيب ووقت صلاة
الفجر من حين ينشق إلى أن يتجلل الصبح السماء الحديث ونحوها صحيحة الحلبي المروية عن الكافي أو حسنته عن أبي عبد الله عليه السلام قال وقت الفجر حين ينشق إلى أن
يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ولكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سهى وفي خبر يزيد بن خليفة قال وقت الفجر حين يبدو حيت يضيئ وفي
بعض اخبار نزول جبرئيل عليه السلام بالأوقات انه اتى في اليوم الثاني حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح وفي بعضها ثم اتاه من الغد فقال أسفر بالفجر فاسفر وهذه الأخبار
وان اختلفت في التعبير لكن لا مخالفة بينها من حيث المفاد الا ان احراز هذه العناوين في مبادي صدقها لا يخلو عن خفاء ولعله لذا جعل الأصحاب
طلوع الحمرة المشرقية التي هي بحسب الظاهر ملازم لأول حصول هذه العناوين حدا والا فلم نجد في الاخبار الواصلة الينا التحديد بها نعم ربما يظهر
من السؤال الواقع في صحيحة علي بن يقطين كون طلوع الحمرة ملازما للأسفار أو أخص منها قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر
وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما قال عليه السلام يؤخرهما وكيف كان فالأولى بل الأحوط هو التحديد بالعناوين الواقعة في النصوص
وابقائه في حيز الاجمال كما أجمله الأئمة عليهم السلام وهو مما يؤكد كونه حد الوقت الفضيلة لا لوقت لا يجوز التأخير عنه كما زعمه بعض والا لعرفوه بمفهوم
غير قابل للتشكيك هذا مع أن جعل طلوع الحمرة حدا للفضيلة قد ينافيه ما ستسمعه من كون هذا الحد حدا لنافلة الفجر فان مقتضاه مزاحمة التطوع
للفريضة في وقت فضيلتها وهو لا يخلو عن بعد كما ستعرف ولكن الأصحاب اعرف بمعاني الاخبار وبالقرائن المحفوفة بها فلا يبعد الاعتماد على فهمهم في
42

استكشاف ما أريد بها ولولا أنهم فهموا من هذه الأخبار ما ينطبق على طلوع الحمرة المشرقية لأمكن حملها على إرادة تنور العالم بإحاطة ضوء الشمس على السماء
بحيث تختفي عنده النجوم كما يؤيد ذلك قول صاحب الزمان عجل الله فرجه في خبر الزهري المروي عن الاحتجاج ملعون ملعون من اخر العشاء إلى أن تشتبك النجوم
ملعون ملعون من اخر الغداة إلى أن تنقضي النجوم وقد تقدم توجيه اللعن على من اخر العشاء مع أنه
أفضل في محله ولأمكن أيضا على بعد حملها على إحاطة
ضوء الشمس بالسماء على وجه يظهر اثرها في ناحية المغرب بحيث ينطبق على الخبر المحكى عن دعائم الاسلام عن الصادق عليه السلام قال أول وقت صلاة الفجر اعتراض
الفجر في أفق المشرق واخر وقتها ان يحمر أفق المغرب وذلك قبل ان يبدو قرن الشمس من أفق المشرق بشئ ولا ينبغي تأخيرها إلى هذا الوقت لغير عذر وأول الوقت
أفضل وعن الفقه الرضوي أول وقت الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق وهو بياض كبياض النهار واخر وقت الفجر ان تبدو الحمرة في أفق المغرب وقد رخص
للعليل والمسافر والمضطر إلى قبل طلوع الشمس ويحتمل ان يكون المراد بخبر الدعائم تحديد اخر وقت الاجزاء الذي يتعين عنده فعل الصلاة ولا يجوز تأخيرها
عنه ولا ينبغي تأخيرها إلى هذا مع أن ضعف الرواية وكذا الرضوي مانع عن جعلهما قرينة لحمل الاسفار والإضاءة بل وكذا تجلل السماء على بلوغ الضوء
إلى هذا الحد مع ما فيه من البعد والله العالم واما وقت النوافل اليومية فللظهر من حين الزوال إلى أن
يبلغ زيادة
الفيئ قدمين اي سبعي الشاخص وللعصر أربعة اقدام وقيل كما عن جملة من القدماء والمتأخرين ما دام وقت الفضيلة
والاختيار على الخلاف السابق باقيا اما مطلقا كما عن غير واحد منهم أو مقيدا بغير مقدار أداء الفريضة كما عن الجمل والعقود والمهذب والجامع
وقيل يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة وقد اختار هذا القول في المستند ونسبه إلى جماعة واستظهره من أخرى حيث قال والحق
انه يمتد إلى وقت الفريضة وفاقا لجماعة ممن تأخر منهم والدي رحمه الله في المعتمد وهو المحكى عن الحلبي بل ظاهر المبسوط والاصباح والدروس والبيان انتهى
والأول اشهر الأقوال وأوضحها مستندا بل هو المشهور كما ادعاه بعض ويدل عليه جملة من الاخبار التي تقدم أغلبها في صدر المبحث عند تحقيق وقت
الظهرين منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة اقدام
من زوال الشمس ثم قال إن حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كان قامة فكان إذا مضى منه ذراع صلى الظهر وإذا مضى منه ذراعان صلى العصر ثم قال أتدري لم جعل الذراع
والذراعان قلت لم جعل ذلك قال لمكان النافلة لك ان تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت
النافلة وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة إلى غير ذلك من الاخبار التي استشهدنا بها في أول المبحث فتنزيل الأخبار الكثيرة التي ورد
فيها تحديد أول وقت الظهرين بالذراع والذراعين والقدمين والأربعة اقدام على إرادة الوقت المختص بالفريضة وقد وقع في بعضها التصريح
بأنه انما جعل كذلك لئلا يكون تطوع في وقت الفريضة ويدل عليه أيضا رواية إسماعيل الجعفي الآتية وفي موثقة عمار التي سيأتي نقلها في مسألة
ما لو أدرك منها ركعة قال فان مضى قدمان قبل ان يصلي ركعة بدا بالأولى ولم يصل الزوال الا بعد ذلك وللرجل ان يصلي من نوافل العصر ما بين الأولى
إلى أن يمضي أربعة اقدام فان مضت الأربعة اقدام ولم يصل من النوافل شيئا فلا يصلي النوافل الحديث وعن المصنف رحمه الله في المعتبر اختيار القول الثاني
والاستدلال عليه بصحيحة زرارة المتقدمة حيث قال بعد ذكرها وهذا يدل على بلوغ المثل والمثلين لان التقدير ان الحائط ذراع فحينئذ ما روى من القامة
والقامتين جاري هذا المجري ويدل عليه ما روى علي بن حنظلة ثم أورد الرواية كما قدمناها مع غيرها مما ورد فيها تفسير القامة بالذراع وفيه ما لا يخفى فإنه
لا يستقيم حمل القامة في هذه الصحيحة على الذراع حيث قال عليه السلام في ذيل الخبر تفريعا على ذلك فإذا بلغ فيئك ذراعا الحديث هذا مع ما عرفت في محله
من أن القامة المفسرة بالذراع أريد بها العهد فلا ينزل عليها اطلاق القامة الواردة في ساير الاخبار وقد صرح في الفقه الرضوي بان حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله
كان قامة انسان ونحوه خبر إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام فإنه وان لم يقع فيه التصريح بذلك لكنه يأبى عن إرادة غيره قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان الفيئ في الجدار
ذراعا صلى الظهر وإذا كان ذراعين صلى العصر قلت الجدران تختلف منها قصير ومنها طويل قال إن
جدار مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ قامة وانما جعل
الذراع والذراعان لئلا يكون تطوع في وقت الفريضة واستدل في محكى الروضة بان المنقول من فعل النبي والأئمة عليهم السلام وغيرهم من السلف فعل
نافلة العصر قبل الفريضة متصلة بها وعلى تقدير الاقدام لا يجتمع فعل صلاة العصر في وقت فضيلتها الذي هو بعد المثل وفعل النافلة متصلة بها بل
لابد من الانفصال وفيه انه قد ورد في الأخبار المستفيضة ان النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي العصر بعد ان مضى من الفيئ ذراعان وانه انما جعل
الذراع والذراعين لمكان النافلة وكفاك شاهدا لذلك صحيحة زرارة ورواية الجعفي المتقدمتين وربما يظهر من كلام الحلي الاستدلال عليه بالاخبار
الدالة على امتداد وقت الظهرين إلى المثل والمثلين بحملها على إرادة بيان وقت نافلتهما فإنه نزل الاخبار المختلفة الواردة لتحديد وقت الظهرين المخالفة
للأدلة الدالة على امتداد وقتهما من الزوال إلى الغروب على وقت النافلة وحمل اختلافها على الاختلاف من حيث الطول والقصر أو غيره من المحامل
وفيه ما لا يخفى واستدل للقول الثالث بجمله من الاخبار المتضمنة لاستحباب هذه النوافل قبل الفريضة بقول مطلق كقولهم عليهم السلام فيما قدمناه من الاخبار
إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الا ان بين يديها سبحة وهي ثمان ركعات ان شئت طولت وان شئت قصرت وقولهم عليهم السلام عند تعداد النوافل
ثمان ركعات قبل الظهر وثمان بعدها أو اربع بعدها أو اربع قبل العصر إلى غير ذلك وفيه ان هذه المطلقات مسوقة لبيان حكم اخر لا يصح التمسك باطلاقها
43

لاثبات امتداد الوقت مع أن الطائفة الأولى على خلاف المطلوب أول فان المقصود بها بيان دخول وقت الظهرين بمجرد الزوال وان المانع عن فعلهما
في أول الوقت ليس الا السبحة التي بين يديها وانه لا عبرة بالذراع والذراعين أو الاقدام بل العبرة بمضي مقدار فعل النافلة من أول الوقت سواء
طالت أم قصرت فهذه الروايات لو لم يكن فيها دلالة فلا أقل من اشعارها بان نافلة الزوال التي هي ثمان ركعات انما يؤتى بها من عند الزوال ونافلة
العصر يوتى بها بعد فريضة الظهر الماتى بها بعد نافلتها ولكن المكلف مخير في أن يطولها أو يقصرها بحيث يأتي بها في أقل من الذراع والذراعين ثم
لو سلم ظهور هذه الأخبار في الاطلاق يجب تقييدها بالاخبار المقيدة واستدل له أيضا بالأخبار المستفيضة
الدالة على أن صلاة التطوع بمنزلة الهدية
وان المكلف مخير في الاتيان بها في اي ساعة شاء من النهار وفيه انه ان تم هذا الدليل فمقتضاه كون ما قبل الزوال أيضا وقتا للنافلتين والخصم لا يقول بذلك
مع أن في بعض تلك الأخبار التصريح بأنك إذا صليتها في مواقيتها أفضل فهي بنفسها تدل على أن لها أوقاتا معينة ولكن الامر موسع على المكلف فله
الاتيان بها في اي جزء من النهار ولو في غير وقتها الكلام في المقام انما هو في تعيين مواقيتها واما انه يجوز التقديم عليها أو التأخير عنها وانه على
تقدير التأخير هل الاتيان بها بعنوان كونها قضاء فله مقام اخر هذا ولكن تحقيق المقام يتوقف على نقل الروايات
التي تقدمت الإشارة إليها
مما دلت على جواز الاتيان بالنافلتين في اي ساعة من النهار وغيرها من الروايات الدالة على جواز تقديمها على الزوال وبسط الكلام فيما يقتضيه
هذه الأخبار ومما يدل على جواز الاتيان بها قبل الزوال خبر محمد بن مسلم المروي عن الكافي والتهذيب قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يشتغل عن الزوال
أيعجل من أول النهار قال نعم إذا علم أنه يشتغل فيجعلها في صدر النهار كلها وصحيحة إسماعيل جابر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اني اشتغل قال فاصنع كما نصنع
صل ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر واعتد بها من الزوال وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ما صلى
رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة الضحى قط قال فقلت له ألم تخبرني انه كان يصلي في صدر النهار أربع ركعات قال
بلى انه كان يصلي يجعلها من الثمان التي بعد الظهر ومما يدل على جواز الاتيان بها في اي ساعة ما عن الكليني رحمه الله في الكافي عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال
اعلم أن النافلة بمنزلة الهدية متى ما اتى بها قبلت وما عن الشيخ في التهذيب في الحسن عن محمد بن عذافر قال قال أبو عبد الله عليه السلام صلاة التطوع بمنزلة الهدية
متى ما اتى بها قبلت فقدم منها ما شئت واخر ما شئت وعن علي بن الحكم عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال لي صلاة النهار ست عشرة ركعة
صلها اي النهار شئت ان شئت في أوله وان شئت في وسطه وان شئت في اخره وعن يوسف عن عبد الأعلى قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن نافلة النهار
قال ست عشرة ركعة متى ما نشطت ان علي بن الحسين عليه السلام كانت له ساعات من النهار يصلي فيها فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها انما النافلة مثل الهدية
متى ما اتى بها قبلت وعن القسم بن الوليد الغشائي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل كم هي قال ست عشرة ركعة في اي ساعات
النهار شئت ان تصلها صليتها الا انك إذا صليتها في مواقيتها أفضل وقد حكى عن الشيخ رحمه الله في التهذيب انه حمل هذه الأخبار على الرخصة في التقديم
لمن علم من حاله انه ان لم يقدمها اشتغل عنها ولم يتمكن من قضائها قال فاما مع في لعذر فلا يجوز تقديمها واستدل على ذلك صحيحة إسماعيل بن جابر ورواية
محمد بن مسلم المتقدمتين وعن الشهيد في الذكرى انه بعد ان ذكر روايات التحديد بالاقدام والأذرع قال ثم إن هنا روايات غير مشهورة في العمل
كرواية القسم بن الوليد ثم ساق جملة من هذه الأخبار ثم ذكر حمل الشيخ المذكور لها وذكر ان الشيخ اعتمد في المنع من التقديم على اخبار التوقيت
وعلى ما رواه ابن أذينة عن عدة انهم سمعوا أبا جعفر عليه السلام يقول كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يصلى من النهار حتى تزول الشمس ولا من الليل بعد ما يصلى العشاء حتى
ينتصف الليل ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام التي نحوه بأدنى اختلاف ثم قال قلت قد اعترف الشيخ بجواز تقديمها عند الضرورة ولو قيل بجوازه مطلقا
كما دلت على هذه الأخبار غاية ما في الباب انه مرجوح كان وجها انتهى وقد حكى عن جماعة من المتأخرين اختيار ما استوجهه الشهيد وفي كلامه التنبيه على
عدم صلاحية شئ من المذكورات لمعارضة هذه الروايات المطلقة التي هي صريحة في الاطلاق ووجهه ظاهر إذ يكفي نكتة التخصيص ذلك الوقت بالامر
بايقاع النافلة فيه وتأخير المعصومين عليهم السلام نافلتهم إلى ذلك الوقت مرجوحيتها في غير ذلك الوقت بالإضافة إليه فلا يستفاد من تلك الأخبار عدم جواز
الاتيان بها في غير ذلك الوقت حتى يتحقق المعارضة لكن في الحدائق انتصر للشيخ حيث قال بعد ان ذكر كلام الشهيد كما قدمناه والأظهر عندي ما
ذكره الشيخ لاخبار التحديد بالأذرع والاقدام فإنها صحيحة مستفيضة صريحة في أن للنافلة وقتا معينا محدودا لا يقدم عليه ولا يؤخر عنه الا ان يكون
على جهة القضاء والترجيح لو ثبت التعارض لهذه الأخبار لما ذكرناه من صحتها واستفاضتها وصراحتها واعتضادها بعمل الطائفة قديما وحديثا إلى أن
قال فيجب ارتكاب التأويل فيما عارضها بان يحمل التقديم على الرخصة في مقام العذر انتهى وأنت خبير بأنه ليس في هذه الأخبار اشعار بأنه لا يجوز التقديم
الامر باب دليل الخطاب الذي لا عبرة به فضلا عن صراحتها في ذلك نعم لو كان التكليف بنافلة الزوال مثلا في الوقت المعين الزاميا وكان امر
مطلق متعلق بفعلها في النهار على الاطلاق لكان مقتضى القاعدة تقييدا لاطلاق لكن لا لظهور التوقيت في عدم جواز التقديم والتأخير بل لان الالزام
بالمقيد ينافي إرادة الاطلاق من المطلق وهذا بخلاف ما لو كان التكليف استحبابيا كما فيما نحن فيه فلا مقتضى حينئذ للتقييد كما تقدم تحقيقه في كتاب
الطهارة مرارا فضلا عما لو كان المطلق نصا في الاطلاق كما في المقام فان مقتضي الجمع حينئذ ولو فيما كان التكليف الزاميا حمل المقيد على كونه أفضل الافراد خصوصا
44

مع شهادة بعض الأخبار المتقدمة عليه فلا ينبغي الاستشكال في جواز التقديم هذا مع أن المقام مقام المسامحة يكتفي في اثباته بمجرد بلوغ رواية وان كانت
ضعيفة السند وقد أشرنا إلى أن اخبار التوقيت لا ينافيه حتى يتوهم انه خارج عن مورد المسامحة وقد ظهر بذلك انه لا ينبغي الاستشكال في جواز التأخير أيضا
وهذا اجمالا مما لا كلام فيه إذ لا نزاع في جواز ترك النافلة في وقتها ومشروعية الاتيان بها فيما بعد وانما الخلاف في مقامين أحدهما في أنها
متى أخرت عن أوقاتها المحدودة هل تكون قضاء أو انها أداء ما دام وقت الفريضة باقيا الثاني في أنه
هل يجوز الاتيان بها حينئذ قبل الفريضة أو انه يجب
تأخيرها عنها اما المقام الأول فمما لا يترتب على تحقيقه ثمرة في مقام العمل لأنه ان أريد بذلك اثبات أفضليتها في تلك الأوقات فهذا مما لا
ينبغي الارتياب فيه ضرورة انه يكفي في ذلك الأوامر المتعلقة بفعلها في الوقت المحدود وان أريد بذلك تشخيص وجه الفعل ليقع الفعل على وجهه في
مقام الإطاعة ففيه ان الأخبار المتقدمة صريحة في اتحاد الماهية المأمور بها وكون المكلف مخيرا في الاتيان بها في اي ساعة من النهار فهي على تقدير
الاتيان بها في اخر النهار ليست ماهية أخرى قد جعلها الشارع تداركا للفائتة كي يكون عنوان كونه قضاء من الجهات المميزة للفعل التي يعتبر قصدها
في مقام الامتثال بل هي بعينها تلك الطبيعة وقد رخص الشارع في ايقاعها اخر النهار فان أراد القائل بصيرورتها قضاء خروج وقتها المأمور
بايقاعها فيه أولا وبالذات فله وجه والا فمقتضي الأخبار المتقدمة كون مجموع النهار من أوله إلى اخره وقتا لأدائها وكون مواقيتها أوقاتا للفضيلة فلو
لم يكن لنا دليل على مشروعية قضاء النوافل لكنا نقول أيضا بجواز الاتيان بها في اخر النهار كتقديمها على الزوال بواسطة هذه الأخبار من غير أن
نسميه قضاء والامر فيه سهل بعد ما عرفت من أنه لا يترتب عليه ثمرة عملية بناء على ما هو التحقيق من أنه لا يعتبر قصد الأدائية والقضائية ما لم يتوقف
عليه تمييز الماهية كما في المقام واما المقام الثاني فسيأتي التكلم فيه عند البحث عن جواز التطوع في وقت الفريضة إن شاء الله وستعرف
ان الفضل انما هو في البدئة بالفريضة ولو على القول بجواز التطوع في وقتها ولكن ان خرج وقت النافلة اي القدمين والأربعة اقدام
وقد تلبس منها اي من النافلة بشئ ولو بركعة زاحم بها الفريضة وأتمها مخففة جمعا بين الحقين والمراد بتحقيقها
على ما حكى عن جماعة التصريح به هو الاقتصار على أقل المجزي كالحمد وحدها وتسبيحة واحدة في الركوع والسجود وعن بعض اعتبار الاتيان بالصلاة جالسا
لو تأدى التخفيف به وفيه نظر بل عن بعض التأمل في أصل اعتبار التخفيف لاطلاق الموثقة الآتية التي هي مستند الحكم وهو لا يخلو عن وجه وان كان الأحوط
التخفيف مهما أمكن خصوصا على القول حرمة التطوع في وقت الفريضة اقتصارا على القدر المتيقن مع امكان دعوى انصراف الموثق إلى ارادته اتمامها
مخففة وان كانت قابلة للمنع خصوصا بالنظر إلى ما في ذيله من التصريح بان له ان يأتي بما بقي من النافلة بعد حضور الأولى إلى نصف قدم وببعد حضور العصر إلى
قدم فان هذا المقدار من الزمان يسع الاتيان بما بقي بحسب المتعارف من غير تخفيف كما لا يخفى وان لم يكن صلى شيئا بدا بالفريضة وجوبا
أو استحبابا على الخلاف الآتي ويدل على الحكمين المذكورين موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال للرجل ان يصلي الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي
قدمان وان كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل ان يمضي قدمان أتم الصلاة حتى يصلي تمام الركعات فان مضى قدمان قبل ان يصلي ركعة بدء بالأولى ولم
يصل الزوال الا بعد ذلك وللرجل ان يصلي من نوافل الأولى ما بين الأولى إلى أن تمضي أربعة اقدام فان مضت الأربعة اقدام ولم يصل من النوافل
شيئا فلا يصلي النوافل وان كان قد صلى ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر وقال للرجل ان يصلي ان بقي عليه شئ من صلاة الزوال إلى أن يمضي
بعد حضور الأولى نصف قدم وللرجل إذا كان قد صلى من نوافل الأولى شيئا قبل ان يحضر العصر فله ان يتم نوافل الأولى إلى أن يمضي بعد حضور العصر قدم
وقال القدم بعد حضور العصر مثل نصف قدم بعد حضور الأولى في الوقت سواء وما في الشرطية الأولى وهي قوله عليه السلام وان كان قد بقي إلى اخرها
من الاجمال حيث لم يتضح المراد بها غير قادح في الاستدلال فان ما عداها من الفقرات واف باثبات المطلوب ولعل ما في هذه الفقرة من الاجمال نشأ من
تحريف النساخ أو خلل من الراوي في التعبير كما أنه ليس بعزيز في روايات عمار وهو لا يوهنها بالنسبة إلى ما لا خلل فيه كما هو واضح وقيل كما في المتن
بل لعله هو المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا انه لا يجوز تقديمها اي النوافل على الزوال خلافا لما سمعته انفا من الشيخ من جوازه
لدى الضرورة وجماعة من المتأخرين من جوازه مطلقا وقد تقدم الكلام فيه مفصلا وعرفت فيما تقدم ان الأخير هو الأقوى للمستفيضة المتقدمة
الدالة عليه التي قد عرفت انه لا مقتضي لطرحها أو تأويلها بعد كون المورد قابلا للمسامحة وعدم صلاحية شئ من الأدلة لمعارضتها وقد تكلف في الجواهر
في تأويلها وصرفها إلى النوافل المبتدأة أو حملها على إرادة التوسعة في امر النوافل بتقديمها في وقتها وتأخيرها عنه اي جواز الاتيان بها أداء
وقضاء وحمل ما هو نص في جواز تقديم النوافل المرتبة من أول النهار اما مطلقا أو إذا علم أنه يشتغل عند الزوال بالحمل على إرادة البدل العرفي قبل
الوقت والقضاء في خارجه بزعم معارضتها لاخبار التوقيت المعتضدة بالفتاوي كما زعمه صاحب الحدائق في كلامه المتقدم وقد تبين ضعفه فيما تقدم
بما لا مزيد عليه ولكن مع ذلك الأحوط في لتقديم كما أنه هو الأفضل الا في يوم الجمعة فان التقديم فيه جايز بل راجح كما ستعرف إن شاء الله
وتعرف أيضا انه يزاد في نافلتها أربع ركعات اثنتان منها للزوال اي يؤتى بهما عنده ووقت نافلة المغرب
بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربية كما عن المشهور وعن بعض دعوى الاجماع عليه وعن الشهيد في الذكرى والدروس الميل إلى امتداد
45

وقتها بوقت المغرب لأنها تابعة لها كالوتيرة واستجوده في كشف اللثام وفي المدارك بعد ان نقل ميل الشهيد في الكتابين إلى ذلك قال وهو متجه
ويشهد له صحيحة أبان بن تغلب قال صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما ثم صليت خلفه
بعد ذلك بسنة فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات ثم قام فصلى العشاء الآخرة انتهى واستدل في الجواهر للمشهور بما لفظه لأنه المعهود من فعلها
من النبي صلى الله عليه وآله وغيره والمنساق مما ورد فيه من النصوص بل قد عرفت فيما مضى التصريح في غير واحد من الاخبار بضيق وقت المغرب وانه يخرج بذهاب الحمرة
فضلا عن نافلتها انتهى وفي الجميع مما لا يخفي فإنه ان أريد بالمعهودية ان النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يأتي بها الا في هذا الوقت بحيث لو كان يؤخر
المغرب كان يترك نافلتها فهذا مما لم يثبت وان أريد ان كان يأتي بها في هذا الوقت فهذا هو القدر المتيقن يجب الاقتصار عليه في الاحكام التوقيفية
ففيه ان المرجع في مثل المقام انما هو استصحاب بقاء التكليف وعدم سقوطه بسقوط الشفق مع أن مقتضى اطلاق الاخبار الامرة بفعلها بعد المغرب
مع ما في جملة منها من الاهتمام بفعلها وعدم تركها في سفر ولا حضر مشروعية الاتيان بها بعد المغرب مطلقا سواء اتى بالمغرب في أول وقتها أو في اخره
كالأوامر المتعلقة بالأذكار والأدعية والسجدة وغيرها من التعقيبات المسنونة بعدها ولا ينافي ذلك ما قد يدعى عليه الاجماع من أن النوافل من التكاليف
الموقتة فان مقتضي اطلاق دليلها امتداد وقتها إلى أن يختص الوقت بالعشاء لو لم يكن دليل على تقييده بذهاب الحمرة كما هو المفروض وقد ظهر بذلك
ما في دعوى ان المنساق من النصوص الواردة فيها أراد فعلها قبل ذهاب الحمرة إذ ليس في النصوص الواردة فيها الا الحث على فعل أربع ركعات بعد أداء
فريضة المغرب وليس حالها الا حال الاخبار التي ورد فيها الحث على التعقيبات المأثورة بعد الفريضة فليتأمل واما الاخبار التي وقع فيها التصريح
بان وقت المغرب ضيق فهي محمولة على وقت الفضيلة باعتراف المستدل فكيف يصح الاستدلال بها لخروج
وقت نافلتها على الاطلاق هذا مع أنه لا ملازمة
بين خروج وقت المغرب بذهاب الحمرة وخروج وقت نافلتها بذلك لأنها شرعت بعد أداء الفريضة فمن الجائز بقاء وقتها بعد انقضاء وقت الفريضة بمقدار
أدائها أو أزيد نعم يلزمه ذلك بناء على ما هو المختار من امتداد وقت المغرب إلى أن يتضيق وقت العشاء فان تضيق وقت العشاء مانع عن بقاء وقت فريضة
المغرب فضلا عن نافلته كما عرفته في محله وعن المصنف رحمه الله في المعتبر الاستدلال للمشهور بان ما بين صلاة المغرب وذهاب الحمرة
(وقت يستحب فيه تأخير العشاء فكان الاقبال فيه على النافلة حسنا وعند ذهاب الحمرة) تقع الاشتغال بالفرض فلا يصلح للنافلة وقال ويدل على أن اخر وقتها ذهاب الحمرة ما روى من منع النافلة في وقت الفريضة روى ذلك جماعة منهم محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا دخل وقت الفريضة
فلا تطوع انتهى وفي المدارك بعد ان نقل عن المعتبر ما سمعت قال وفيه نظر إذ من المعلوم ان النهي عن التطوع وقت الفريضة انما يتوجه إلى غير الرواتب
للقطع باستحبابها في أوقات الفرائض والا لم يشرع نافلة المغرب عند من قال بدخول وقت العشاء بعد مضي مقدار ثلاث ركعات من أول وقت المغرب ولا نافلة
الظهرين عند الجميع وقوله انه عند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرق فلا يصلح للنافلة دعوى خالية من الدليل مع أن الاشتغال بالفرض قد يقع قبل ذلك
عند المصنف رحمه الله ومن قال بمقالته ومجرد استحباب تأخير العشاء عن أول وقتها إلى ذهاب الحمرة لا يصلح للفرق انتهى وأجاب في كشف اللثام عن الاستدلال للمشهور
بالنهي عن التطوع في وقت الفريضة بان المراد وقت تضيقها وفيه ان الأخبار الواردة فيه كادت تكون صريحة في الأعم من ذلك وقد ورد في بعض الأخبار
المتقدمة التي وقع فيها تحديد وقت الظهرين بالذراع والذراعين التعليل بأنه جعل رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك لئلا يكون تطوع في وقت الفريضة ويظهر من مثل
هذه الروايات أيضا ضعف ما زعمه صاحب المدارك من أن النهي من التطوع وقت الفريضة انما يتوجه إلى غير الرواتب فان الأخبار الواردة فيه جملة منها
كادت تكون صريحة في الشمول لكن الأدلة الدالة على شرعية نافلة الظهرين في وقتهما حاكمة على تلك النواهي حيث إنها تدل بمدلولها اللفظي على أن وقت
الفريضة الذي نهى عن التطوع فيه انما هو بعد الذراع والذراعين واما قبلهما فهو وقت للنافلتين لكنك ستعرف في محله اختصاص هذه الحكومة بالنافلتين
فلو تنفل بغيرهما قبل الذراع والذراعين يكون من التطوع في وقت الفريضة واما نافلة المغرب قبل ذهاب الشفق فهي خارجة عن موضوع هذه النواهي
لما أشار إليه المصنف في محكى المعتبر وستعرف تحقيقه من أن المراد بوقت الفريضة هو الوقت الذي أريد فيه من المكلف اشتغاله بالفريضة اما بأمر الزامي كما
في اخر وقتها الذي لا يجوز له التأخير أو بأمر ندبي كما في سائر أوقاتها التي يكون فيها مأمورا بتعجيلها ما استطاع لا مطلق وقتها الذي يجوز له ايقاعها فيه وان كان
الراجح تأخيرها عنه اما بالذات كما في وقت العشاء قبل ذهاب الشفق وكذا العصر على القول باستحباب تأخيرها إلى المثل أو الأربعة اقدام أو بالعرض كما في
منتظر الجماعة فان النافلة في هذا الوقت مما لا محذور فيه وليست مندرجة فيما أريد من النهي عن التطوع في وقت الفريضة كما ستعرف تحقيقه وبهذا ظاهر
لك ان ما ذكره المصنف رحمه الله في غاية الجودة والمتانة ولا يتوجه عليه شئ من مثل هذه الخدشات وسيأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله عند البحث عن جواز التطوع
في وقت الفريضة ويؤيده الاخبار الناطقة بان المفيض من عرفات إذا صلى المغرب في المزدلفة يؤخر النافلة إلى ما بعد العشاء بل قد يستدل له بهذه
الاخبار وفيه نظر إذ لم يعلم انحصار وجهه بخروج وقت النافلة واما ما في المدارك من الاستدلال لعدم خروج وقتها بسقوط الشفق بما في صحيحة ابان من حكاية
فعل الإمام عليه السلام ففيه انه حكاية فعل لم يعرف زمانه ولا وجهه فالأظهر ما هو المشهور من أن وقتها من بعد أداء المغرب إلى سقوط الشفق فان بلغ
ذلك ولم يكن صلى النافلة اجمع بدا بالفريضة كما في المتن وجملة من كتب العلامة على ما حكى عنها واستدل عليه في محكى المعتبر بان
النافلة لا تزاحم غير فريضتها لما روى من أنه لا تطوع في وقت فريضة وعن الشهيدين وغيرهما القول بان من كان قد شرع في ركعتين منها ثم زالت الحمرة
46

يتمهما سواء كانتا الأوليين أو الأخريين واستدل لذلك بالنهي عن ابطال العمل ولان الصلاة على ما افتتحت عليه وفي المدارك بعد ان نقل عن الشهيد ما سمعت
واستدل له بما عرفت قال وهو حسن وأحسن منه اتمام الأربع بالتلبس بشئ منها قبل ذهاب الشفق كما نقل عن ابن إدريس وأولى من الجميع الاتيان بالنافلة بعد
المغرب متى أوقعها المكلف وعدم اعتبار شئ من ذلك انتهى أقول ما جعله أولى من عدم اعتبار شي من ذلك مبني على ما زعمه من أن النهي عن التطوع في وقت
الفريضة يتوجه إلى غير الرواتب وقد عرفت ضعفه واما ما حكى عن ابن إدريس فلم يعرف وجهه نعم لو اعتبر التلبس بركعة في الوقت لأمكن دعوى
استفادته مما ورد في من أدرك ركعة من الوقت من أنه بمنزله من أدرك الوقت كله فإنها وان ورد في الفريضة لكن لا يبعد دعوى ان العبرة بعموم اللفظ
لا بخصوصية المورد وحيث إن نافلة المغرب مجموعها بمنزلة صلاة واحدة في أن لها وقتا واحدا أمكن دعوى استفادته من ذلك لكنها لا يخلو عن تأمل وان كان
ربما يستأنس له بالموثقة المتقدمة في نافلة الظهرين فليتأمل واما الاستدلال لما حكى عن الشهيدين من اتمام ما شرع فيه بالنهي عن ابطال العمل ففيه
ما ستعرف إن شاء الله من اختصاص حرمة القطع بالفريضة دون النافلة خصوصا في مثل الفرض الذي يعارض اطلاق دليل حرمة القطع بعد تسليمه اطلاق النهي عن
التطوع في وقت الفريضة الذي مقتضاه حصول البطلان لا الابطال اللهم الا ان يحمل هذا النهي على الكراهة فلا ينافي حينئذ حرمة القطع واضعف من ذلك
الاستدلال له بان الصلاة على ما افتتحت عليه إذ ليس معناه المضي فيما شرع فيه حتى مع اختلال شرائطه وحصول ما ينافيه كما هو واضح نعم لا يبعد دعوى
انصراف الأخبار الناهية عن التطوع في وقت الفريضة عن مثل الفرض خصوصا لو أتمها مخففة فهذا القول لا يخلو عن قوة وان كان الأول أحوط بناء
على حرمة التطوع في وقت الفريضة ولكنك ستعرف ضعف المبنى فالامر فيه سهل والله العالم والركعتان المسماتان بالوتيرة اللتان يؤتى بهما من
جلوس بعد صلاة العشاء وان جاز فيهما القيام أيضا بل لعله أفضل كما عرفته في محله وقتهما يمتد من بعد العشاء بامتداد وقت
الفريضة بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن ظاهر المعتبر وصريح غيره دعوى الاجماع عليه واستدل له باطلاق
الأدلة السالمة عن المعارض لكن قد
يقال باعتبار البعدية العرفية لأنه المنساق من الأدلة فلا يجوز صلاة العشاء مثلا في أول الوقت وتأخير الوتيرة من غير اشتغال بنافلة إلى النصف
مثلا أو إلى الطلوع بناء على امتداد الوقت إليه اما مطلقا أو لدى الضرورة أقول مقتضى هذا الدليل كون وقتها أطول من وقت الفريضة
لأنها شرعت بعد الفريضة فمقتضي اطلاق دليلها جواز الاتيان بها بعد الفريضة مطلقا وان وقعت الفريضة في اخر وقتها اللهم الا ان يقال
بامتداد وقت الفريضة إلى طلوع الفجر فعنده ينتهي وقت النافلة أيضا لحضور وقت فريضة أخرى فلا يكون وقتها حينئذ أطول من وقت الفريضة
لكن بناء على ما هو المشهور من انتهاء وقت الفريضة عند انتصاف الليل يجب ان يتعدى عنه وقت الوتيرة بمقتضى هذا الدليل وهذا خلاف
ظواهر كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعقد اجماعهم المحكى حيث إن المتبادر من قولهم يمتد وقتهما بامتداد وقت الفريضة إرادة تبعيتها له في الوقت وعدم
كون وقتها أطول من وقت الفريضة وما قيل من اعتبار البعدية العرفية مع ما فيه من منع مستنده غير مجد في توجيه ما يظهر من كلماتهم من انتهاء وقتها
بانتهاء وقت الفريضة فان مقتضاه انه لو صلى الفريضة في اخر وقتها ثم اشتغل بعده بالتعقيبات وغيرها من النوافل لا يخرج وقت الركعتين ما لم يخرج عن
مسمى البعدية العرفية وهذا مع مخالفته لظواهر كلماتهم لا يخلو عن بعد فان المنساق من اخبارها كما في بعضها التنبيه عليه انما هو إرادة ايقاعها قبل
المبيت كي ينام الرجل عن وتر وفي رواية أبي بصير المتقدمة في محلها الإشارة إلى أن حكمة تشريع الوتيرة قيامها مقام الوتر ان حدث بالانسان حدث
الموت وان لم يحدث به حدث الموت صلى الوتر في اخر الليل ولذا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي هاتين الركعتين لعلمه صلى الله عليه وآله بأنه لا يموت في هذه الليلة لمكان الوحي
فلم يكن يخاف من فوت الوتر في وقتها حتى يأتي بالوتيرة بدلا عنها فيظهر من ذلك ان وقتها انما هو في زمان يخاف فيه من فوت الوتر في وقتها وهذا لا يكون
الا قبل حضور وقت الوتر بمقدار معتد به فالذي ينبغي ان يقال هو ان المتبادر من اخبارها إرادة ايقاعها في النصف الأول من الليل فيما بين
العشاء والمبيت الذي لا يتجاوز وقته المتعارف بين الناس بحسب الغالب عن نصف الليل كما يؤيده الوجه المذكور في الرواية حكمة لتشريعها
ولكن الامر فيها سهل بعد مشروعية فعلها في خارج الوقت كغيرها من النوافل وعدم مزاحمتها لفريضة حاضرة حتى يطلع الفجر ولعله إلى ما أشرنا إليه من ظهور
الأدلة في إرادة ايقاعها قبل المبيت أشار المصنف رحمه الله تبعا للمحكى عن الشيخين واتباعهما بقوله وينبغي ان يجعلهما خاتمة نوافله اي
نوافله التي يريد ان يأتي بها قبل ان ينام كنوافل شهر رمضان وغيرها ليكون نومه عن وتر والا فالأولى ان يجعل خاتمتها الوتر بان يأتي بنافلة الليل في وقتها
ثم الشفع ثم الوتر ولا يتركها أو يخالف الترتيب الموظف كما يشهد لذلك مضافا إلى اخبارها الدالة عليه ما روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال وليكن اخر
صلاتك وتر ليلتك والمتبادر منها صلاة الوتر لا الوتيرة فهذه الرواية بحسب الظاهر مسوقة لبيان تأخر مرتبة الوتر عن نافلة الليل وركعتي الشفع
وقد فسر في الحدائق الوتر في هذه الرواية بالوتيرة فجعلها دليلا لما سمعته عن الشيخين مع أنه لا مقتضى لصرف الرواية عن ظاهرها فكان الذي
أوقعه في ذلك وضوح كون الوتر متأخرة في الرتبة عن نوافل الليل فلم يخطر بذهنه إرادة هذا المعنى وأنت خبير بان وضوح كونها كذلك انما نشاء
من الأخبار الواردة فيها التي منها هذه الرواية فلا داعي لارتكاب التأويل فيها والله العالم ووقت صلاة الليل بعد انتصافه وكلما
قرب من الفجر كان أفضل كما في المتن وغيره بل عن المعتبر والمنتهى دعوى اجماع علمائنا عليه ويدل على الحكم الأول جملة من الاخبار منها
47

صحيحة فضيل عن أحدهما عليهما السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي بعد ما ينتصف ثلاثة عشر ركعة ورواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا
صلى العشاء آوى إلى فراشه فلم يصل شيئا حتى ينتصف الليل ونحوهما اخبار مستفيضة حاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وقد تقدم بعضها عن
تعداد النوافل وبعضها عند البحث عن وقت نافلة الظهرين لكن لا يستفاد من مثل هذه الأخبار الا ان ما بعد الانتصاف وقت لها واما قبله ليس بوقت
فلا لان من الجائز ان يكون تأخير النبي والوصي عليهما السلام إلى النصف لايقاعها في وقت فضيلتها فلا يدل ذلك على عدم مشروعيتها قبل ذلك نعم
يمكن الاستدلال لذلك مضافا إلى الأصل ونقل الاجماع المعتضد بالشهرة بمرسلة الصدوق قال قال أبو جعفر عليه السلام وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل
إلى اخره وضعفها مجبور بما سمعت مع اعتضادها بالمستفيضة الحاكية لفعل الحجج عليهم السلام فإنها لا تخلو عن اشعار بذلك خصوصا بملاحظة تكاثرها وتظافرها
وورود جملة منها في مقام بيان النوافل على حسب ما جرت به السنة بل لا يبعد ان يدعى انها بهذه الملاحظة تدل على المدعى ويؤيدها أيضا بعض الأخبار
الآتية واما الحكم الثاني فلم يرد في شئ من الاخبار التي وصلت الينا تصريح به بعنوانه الكلي لكن يكفي في اثباته فتوى الأصحاب ونقل اجماعهم
عليه بعد كون المقام مقام المسامحة مع امكان استفادته من الأخبار الدالة على أنها من اخر الليل أفضل ففي رواية أبي بصير المتقدمة في صدر الكتاب
عند تعداد النوافل قال وأحب صلاة الليل إليهم اخر الليل وفي غير واحد من الاخبار الامر بايقاعها في اخر الليل وفي بعضها التحديد بالثلث
الباقي كصحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري قال سئلت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن ساعات الوتر قال أحبها إلى الفجر الأول وسئلته عن أفضل ساعات الليل قال
الثلث الباقي وسئلته عن الوتر بعد الصبح قال نعم قد كان أبي ربما أوتر بعد ما انفجر الصبح وخبر مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له متى أصلي صلاة
الليل قال صلها اخر الليل قال قلت فاني لا استنبه قال تستنبه مرة فتصليها وتنام فتقضيها فإذا اهتمت بقضائها بالنهار استنبهت وفي هذه الرواية
كنظائرها مما ستسمعها شهادة بان أول الليل ليس وقتا لها والا لم يكن يأمره بالتأخير والقضاء في خارج الوقت ولكنك ستعرف ما في هذه
الشهادة من النظر وفي موثقة سليمان بن خالد الواردة في بيان عدد النوافل وثمان ركعات في اخر الليل وفي خبر الفضل بن شاذان وثمان ركعات
في السحر والشفع والوتر وفي خبر الأعمش وثمان ركعات في السحر إلى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع مما ورد فيه تحديد وقتها أو الامر
بفعلها في السحر أو في اخر الليل فإنها محمولة على الأفضلية جمعا بينها وبين غيرها مما دل على جواز فعلها بعد الانتصاف كما يشهد له مضافا إلى أنه هو
الذي يقتضيه الجمع بين الروايات رواية أبي بصير المتقدمة فيستفاد من هذه الأخبار ان اخر الليل أفضل ولا يبعد ان يدعى انه يستنبط من ذلك بمساعدة
الفهم العرفي بواسطة بعض المناسبات المغروسة في الذهن خصوصا بملاحظة ما في هذه الروايات من الاختلاف وكون اخر الليل مقولا بالتشكيك القاعدة
الكلية المذكورة في المتن التي ادعى عليها الاجماع من أنه كلما قرب من الفجر كان أفضل كما يؤيده فهم الأصحاب واستشهادهم بهذه الاخبار للمدعى ويدل
على استحباب خصوص الوتر من صلاة الليل فيما يقرب من الفجر جملة من الاخبار منها صحيحة معاوية بن وهب قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن أفضل ساعات
الوتر فقال الفجر الأول ذلك ورواية إسماعيل بن سعد المتقدمة وما عن الشهيد رحمه الله في الذكرى قال روى ابن أبي قرة عن زرارة ان رجلا سئل أمير المؤمنين عليه السلام
عن الوتر أول الليل فلم يجبه فلما كان بين الصبحين خرج أمير المؤمنين إلى المسجد فنادى أين السائل عن الوتر ثلاث مرات نعم ساعة الوتر هذه ثم قال فاوتر
إلى غير ذلك من الاخبار التي ستسمع بعضها والظاهر أن المراد بالوتر ما يعم ركعتي الشفع لشيوع استعماله في الاخبار في ذلك ويؤيده بعض الأخبار
الآتية الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وفي المدارك ولو قيل باستحباب تأخير الوتر خاصة إلى أن يقرب الفجر دون الثمان ركعات كما يدل عليه صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدمة
كان وجها قويا ويؤيده ما رواه عمر بن يزيد في الصحيح انه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي ويدعو الله فيها الا يستجاب له
في كل ليلة قلت فأصلحك الله فأي ساعة من الليل قال إذا مضى نصف الليل إلى الثلث الباقي انتهى وربما ذكر من مؤيدات هذا القول أيضا خبر الحسين بن علي بن
بلال قال كتبت إليه في وقت صلاة الليل فكتب عند زوال الليل وهو نصفه أفضل فان فات فأوله واخره جائز وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس بصلاة الليل
من أول الليل إلى اخره الا ان أفضل ذلك إذا انتصف الليل أقول اما الرواية الأخيرة فيحتمل قويا ان يكون المراد بها كون ما بعد الانتصاف أفضل مما قبله
وظاهرها كون مجموع الليل وقتا لصلاتها وسيأتي الكلام فيه واما المكاتبة فهي مع ضعف سندها واضمارها معارضة بالمستفيضة المتقدمة حيث إن
ظاهرها كون زوال الليل أفضل أوقات صلاة الليل مطلقا فلا ينبغي الالتفات إليها بعد مخالفتها لفتاوي الأصحاب ومعارضتها بما سمعت نعم ربما يؤيد هذا
التفصيل اي استحباب تأخير خصوص الوتر بمعناه الأعم من الشفع إلى قريب الفجر بعض الأخبار الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله كصحيحة معاوية بن وهب قال
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وذكر صلاة النبي صلى الله عليه وآله قال كان يؤتى بطهور فيخمر عند رأسه ويوضع مسواكه عند فراشه ثم ينام ما شاء الله فإذا استيقظ جلس ثم
قلب بصره في السماء ثم تلا الآيات من آل عمران ان في خلق السماوات والأرض الآية ثم يستن ويتطهر ثم يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قرائته ركوعه
وسجوده على قدر ركوعه يركع حيت يقال متى يرفع رأسه ويسجد حتى يقال متى يرفع رأسه ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات
من آل عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيصلي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ
فيجلس فيتلوا الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيوتر ويصلي الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة ومعنى يستن يستاك
48

وصحيحة الحلبي أو حسنته المروية عن الكافي الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن رسول اله صلى الله عليه وآله كان إذا صلى العشاء الآخرة امر بوضوئه وسواكه يوضع
عند رأسه مخمرا فيرقد ما شاء الله ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات ثم يرقد فيقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات ثم يرقد حتى إذا
كان في وجه الصباح فاوتر ثم صلى الركعتين ثم قال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة قلت متى يقوم قال بعد ثلث الليل وقال الكليني رضي الله
عنه وفي حديث اخر بعد نصف الليل أقول قد ورد في اخبار مستفيضة انه صلى الله عليه وآله لم يكن يصلي حتى ينتصف الليل فلعله كان يقوم بعد الثلث ولكنه يؤخر
صلاته إلى النصف وكيف كان فهذه الأخبار بأسرها تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يشرع في صلاة الليل ويأتي بها في الجملة بعد انتصافه وفي بعض الأخبار
المتقدمة ان عليا عليه السلام أيضا كان كذلك وهذا يؤيد ما ذكره في المدارك وينافي ما أطلقه الأصحاب من أنه كلما قرب إلى الفجر كان أفضل بل
مقتضى الصحيحتين الأخيرتين استحباب التفريق والاتيان بها في ثلاثة أوقات كما ذهب إليه ابن الجنيد على ما حكاه عنه في المدارك مستدلا عليه بقوله تعالى
ومن اناء الليل فسبح وأطراف النهار وبصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة وما قيل في رفع التنافي بين الاخبار الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله وبين
ما دل على أفضلية اخر الوقت من أن استحباب التفريق من خصائص النبي صلى الله عليه وآله ففيه مضافا إلى بعده في حد ذاته وشهادة بعض الأخبار المتقدمة بان
الوصي عليه السلام أيضا كان يأتي بنافلة الليل في الجملة بعد الانتصاف ويأتي بالوتر في اخر الليل ان ما في ذيل رواية الحلبي من الحث على التأسي برسول الله صلى الله
عليه وآله بعد بيان كيفية ما صدر منه ينافي كونه من الخصائص بل ربما يظهر من صحيحة زرارة المتقدمة في صدر الكتاب عند بيان ما جرت به السنة في عدد
النوافل ان الفضل انما هو في التفريق والاتيان بها على النحو الذي كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وآله لا من حيث التأسي بل من حيث كونها مشروعة كذلك
قال زرارة قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما جرت به السنة في الصلاة إلى أن قال قلت فهذا جميع ما جرت به السنة قال نعم فقال أبو الخطاب أفرأيت ان قوي فزاد قال
فجلس وكان متكئا فقال إن قويت فصلها كما كانت تصلي وكما ليست في ساعة من النهار فليست في ساعة من الليل ان الله يقول ومن اناء الليل فسبح وهذه
الصحيحة كما تريها صريحة فيما يقوله ابن الجنيد من استحباب الاتيان بها في ساعات متفرقة كما كان يصليها رسول الله صلى الله عليه وآله لكن فيها إشارة إلى أن الخروج
عن عهدة هذا التكليف والاتيان بها على النحو الذي صدرت من رسول الله صلى الله عليه وآله ليس في وسع ساير الناس لما فيه من الحرج والمشقة فالذي ينبغي ان يقال في توجيه الاخبار
ما ذكره في الحدائق كما في غيره أيضا احتماله من أن الأفضل هو الاتيان بها على النحو الذي كان يصليها
رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن لو أريد الاتيان بجميعها في مجلس
واحد فالأفضل ايقاعها في اخر الليل وبما أشير إليه في الصحيحة المتقدمة من صعوبة التأسي برسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الفعل وعدم كونه
في وسع كل أحد يظهر وجه ما في الاخبار الامرة بايقاعها في اخر الليل من الاطلاق وعدم تقييده بما إذا لم يرد الاتيان بها على النحو المأثور من فعل النبي
صلى الله عليه وآله فإنها منزلة بلحاظ حال الغالب لا الأوحدي من الناس الذي يتحمل مثل هذه المشقة الشديدة لتحصيل زيادة الفضيلة والله العالم ولا
يجوز تقديمها اي صلاة الليل على الانتصاف قضية للتوقيت الذي عرفته انفا بشهادة النص والاجماع الذي تقدمت حكايته عن المعتبر
والمنتهى المعتضدة بالشهرة وغيرها مما سمعت الا لمسافر يصده جده أو شاب يمنعه رطوبة رأسه عن فعلها فيما بعد الانتصاف
فإنه يجوز لهما تقديمها لدى الأكثر بل المشهور بن عن الخلاف الاجماع عليه خلافا لما حكى عن مرارة بن أعين من المنع مطلقا قائلا كيف تقضي صلاة قبل
وقتها ان وقتها بعد انتصاف الليل وستسمع عن محمد بن مسلم نقل هذا القول عن زرارة في ذيل روايته الآتية وعن الحلي موافقته في المنع مطلقا وعن ابن أبي
عقيل موافقة المشهور في المسافر خاصة والذي يظن بزرارة انه لا يقول بمثل هذا القول من غير أن
يتلقاه من المعصوم ولذا قد يعامل مع هذا النحو
من الكلمات الصادرة من زرارة ونظرائه معاملة رواياته لكن يحتمل قويا ان يكون مستنده في المنع مطلقا اطلاق ما وصل إليه من المعصوم مما دل على
التوقيت مع أن مقتضى الجمع بينه وبين الاخبار الآتية الواصلة الينا اما تقييد الاطلاق والتأويل بالحمل على وقت الفضيلة كما ستعرف وكيف كان
فمستند المشهور اخبار كثيرة منها ما عن الشيخ والصدوق في الصحيح عن ليث قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل
والوتر في أول الليل فقال نعم ورواية أبي حريز القمي المروية عن الفقيه عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال صل صلاة الليل في السفر عن أول الليل في المحمل والوتر وركعتي
الفجر ورواية الحلبي المروية عن الكافي والتهذيب قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الليل والوتر في أول الليل في السفر إذا تخوف البرد أو كانت علة قال لا باس
انا افعل ذلك ورواية يعقوب بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر والبرد أيعجل صلاة الليل والوتر في أول الليل قال
نعم وما رواه الشيخ باسناده عن عبد الرحمن بن أبي نجران في حديث قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة بالليل في السفر في أول الليل فقال إذا خفت الفوت في اخره
وخبر محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن صلاة الليل أصليها أول الليل قال نعم اني لافعل ذلك فإذا أعجلني الجمال صليتها في المحمل ورواية أبي
بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا خشيت ان لا تقوم اخر الليل أو كانت بك علة وأصابك برد فصل صلاتك وأوتر من أول الليل وعن التهذيب في الصحيح نحوه
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه الا أنه قال وكانت بك علة وزاد في اخره في السفر وموثقة سماعة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام ما في الحدائق وفي
الوسائل انه سئل أبا الحسن الأول عن وقت صلاة الليل في السفر فقال من حين تصلي العتمة إلى أن
ينفجر الصبح وعن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام
49

في حديث قال انما جاز للمسافر والمريض ان يصليا صلاة الليل لاشتغاله وضعفه وليحرز صلاته فيستريح المريض في وقت راحته وليشتغل المسافر باشتغاله
وارتحاله وسفره وعن يعقوب الأحمر في الصحيح قال سئلته عن صلاة الليل في الصيف في الليالي القصار في أول الليل فقال نعم نعم ما رأيت ونعم ما صنعت ثم
قال إن الشاب يكثر النوم فانا امرك به وعن علي بن سعيد قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الليل والوتر في السفر من أول الليل إذا لم يستطع ان يصلي في
اخره قال نعم ورواية الفقيه عن علي بن سعيد مثله الا انه اسقط إذا لم يستطع ان يصلي اخر الليل وعن الحسين بن علي بن بلال قال كتب إليه في وقت صلاة
الليل فكتب عند زوال الليل وهو نصفه أفضل وان فات فأوله واخره جائز وعن الشهيد في الذكرى قال روى محمد بن أبي قره باسناده إلى إبراهيم بن
سبابة قال كتب بعض أهل بيته إلى أبي محمد عليه السلام في صلاة المسافر أول الليل صلاة الليل فكتب فضل صلاة المسافر من أول الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر
من اخر الليل وروى في الكافي والتهذيب عن أبان بن تغلب في الصحيح قال خرجت فيما بين مكة والمدينة وكان يقول اما أنتم فشباب تؤخرون واما انا فشيخ
اعجل وكان يصلي صلاة الليل أول الليل وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس بصلاة الليل من أول الليل إلى اخره الا ان أفضل ذلك بعد
انتصاف الليل ورواية محمد بن عيسى قال كتبت إليه أسئله يا سيدي روى عن جدك أنه قال لا باس بان يصلي الرجل صلاة الليل في أول الليل فكتب في
اي وقت صلى فهو جائز إن شاء الله ومقتضى اطلاق بعض هذه الروايات كالخبرين الأخيرين ومكاتبة الحسين جواز تقديمها على الانتصاف مطلقا بل بعضها
كخبر سماعة كاد يكون نصا في ذلك ولا يصلح شئ من الأخبار المتقدمة المعارضة من حيث الدلالة فان له نوع حكومة على ساير الروايات حيث إنه يدل على أن
ما بعد الانتصاف وقت للفضيلة فيمكن ان يكون تحديد وقتها بما بعد الانتصاف في بعض الأخبار المتقدمة في المبحث السابق كمرسلة الصدوق
والاخبار الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله والوصي عليه السلام بلحاظ كونه وقتا للفضيلة خصوصا مع ما عرفت من عدم ظهور ما عدى المرسلة فيما ينافيه كما أنه
يمكن ان يكون ما في بعض الأخبار المتقدمة من تخصيص موضوع الحكم أعني جواز التقديم من أول الليل بكونه في السفر أو عند خوف الجنابة والبرودة
ونحوه وكذا ما في بعضها من اشتراطه بخوف الفوت في اخر الليل بهذه الملاحظة خصوصا مع ضعف ظهور معظم تلك الأخبار في اشتراط كونه لعلة لوقوع الاشتراط
في كلام السائل لا في الجواب بل اشعار الاكتفاء بمثل هذه الاعذار التي لا تقتضي على تقدير تحققها فوت الصلاة في وقتها بل الاتيان بها في الوقت فاقده
لبعض شرائطها الاختيارية كالصلاة مع التيمم أو بلا استقرار الذي هو شرط الكمال في النافلة لا الصحة كون الامر في حد ذاته مبنيا على التوسعة
لا كون التوسعة ناشئة من الضرورة والا فمن المستبعد رفع اليد عن شرط محقق رعاية لاحتمال فوات شرط اختياري اللهم الا ان يكون
الحكمة في الرخصة في التقديم في مثل هذه الموارد كون نفس النافلة بذاتها في معرض الفوت حيث إن
التكليف بها غير الزامي فربما يتسامح في امرها
المكلف ويتركها لأدنى مشقة كتطهير ثوبه لدى الحاجة إليه عند عروض الجنابة أو نزوله عن دابته في أثناء الطريق للتيمم فضلا عما لو
توقفت على كلفة زائدة كالوضوء أو الاغتسال بالماء البارد فالتوسعة في الوقت انما هو بهذه الملاحظة لا لرعاية سائر الشرائط المحتملة الفوات
وكيف كان فمما يؤيد أيضا جواز التقديم مطلقا الأخبار المستفيضة الدالة على أن النافلة بمنزلة الهدية متى اتى بها قبلت لكن مع ذلك كله فالأحوط
بل الأقوى ما حكى عن المشهور من عدم جواز التقديم بلا ضرورة مقتضية له فأن الاعتماد على رواية سماعة وغيره مما يظهر منه جواز التقديم مطلقا
بعد اعراض الأصحاب عنها في رفع اليد عن ظواهر غيرها من الأدلة مشكل وما في بعض الأخبار المتقدمة من نفي الباس عن التقديم في الليالي
القصار أو في السفر على الاطلاق لو لم نقل بانصرافه في حد ذاته إلى ارادته في صورة الضرورة وخوف الفوات في اخر الليل لتعين صرفه إلى ذلك
جمعا بينه وبين الأخبار الدالة على الاشتراط المعتضدة بفتوى الأصحاب ونقل اجماعهم عليه نعم الظاهر كفاية مطلقا العذر في جواز التقديم
ولعل ما في المتن ونحوه من تخصيص المسافر والشاب بالذكر جاري مجرى التمثيل والا فالاطلاق كما حكى عن بعض التصريح به بل في الجواهر هو
معقد ما حكى من اجماع الخلاف أوفق بظواهر النصوص خصوصا رواية أبي بصير المقدمة ولعله لذا عد المحقق الثاني على ما حكى عنه من الاعذار المسوغة
للتقديم إرادة الجماع ويمكن ان يكون اعتماده في ذلك على استفادته مما دل على جوازه عند خوف الجنابة حيث يدل على جوازه لدى القطع بحصول
الجنابة كما في الفرض بالفحوى نعم ربما يظهر من الصدوق على ما حكى عنه اختصاص الرخصة بالمسافر حيث قال كلما روى من الاطلاق في صلاة
الليل من أول الليل وانما هو في السفر لان المفسر من الاخبار يحكم على المجمل انتهى أقول فالذي يغلب على الظن ان التفسير الذي تقدمت حكايته عن
الفقيه في ذيل صحيحة ليث من الصدوق وباجتهاده فلا عبرة به وأنت خبير بأنه لا مقتضى للجمع بين ما دل على جواز التقديم في السفر وبين غيره مما دل
على جوازه في الليالي القصار أو عند خوف البرودة أو الجنابة بل لو لم يكن النص الا في خصوص السفر لأمكن دعوى استفادة جواز التقديم في ساير
مواقع الضرورة بتنقيح المناط وكيف كان فقد صرح الأصحاب رضوان الله عليهم بأنه إذا دار الامر بين التقديم وقضائها بعد خروج الوقت كان
قضائها أفضل من التقديم كما يدل عليه ما عن معاوية بن وهب في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال قلت له ان رجلا من مواليك من صلحائهم شكى
إلى ما يلقي من النوم وقال إني أريد القيام إلى الصلاة بالليل فيغلبني النوم حتى أصبح فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين اصبر على ثقله فقال
قرة عين له والله قرة عين والله ولم يرخص في النوافل أول الليل وقال وقال القضاء بالنهار أفضل قلت فان من نسائنا ابكار الجارية تحب الخير وأهله
50

وتحرص على الصلاة فيغلبها النوم حتى ربما قضيت بما ضعفت عن قضائه وهي تقوى عليه في أول الليل فرخص لهن في الصلاة أول الليل إذا ضعفن وضيعن القضاء
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام قال قلت له الرجل من امره القيام بالليل تمضي عليه الليلة والليلتان والثلاث لا يقوم فيقضي أحب إليك أم يعجل
الوتر أول الليل قال لا بل يقضي وان كان ثلاثين ليلة وعن محمد بن مسلم أيضا قال سئلته عن الرجل لا يستيقظ من اخر الليل حتى يمضي لذلك العشر والخمسة
عشر فيصلي أول الليل أحب إليك أم يقضي قال لا بل يقضي أحب إلى اني اكره ان يتخذ ذلك خلقا وكان زرارة يقول كيف تقضي صلاة لم يدخل وقتها انما وقتها
بعد نصف الليل وعن عمر بن حنظلة أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام اني امكث ثمانية عشر ليلة أنوي القيام فلا أقوم أفأصلي أول الليل قال لا اقض بالنهار فأني
اكره ان تتخذ ذلك خلقا ويظهر من هذه الرواية وكذا من سابقتها ان علة أفضلية القضاء كون التقديم مؤديا إلى الاعتياد بترك التهجد في
اخر الليل الذي هو الأفضل عكس القضاء بالنهار فإنه مهما اهتم به انتبه في اخر الليل كما أشار إليه الإمام عليه السلام في خبر المرازم المتقدم في المسألة السابقة
حيث قال فإذا اهتمت بقضائها في النهار استنبهت فلا يبعد ان يكون تقديمها بالذات أفضل من القضاء لولا فيه هذه الجهة المعارضة كما لو اتفق الحاجة
إليه أحيانا لامر عارضي من غير أن يكون موجبا للاعتبار بان كان في سفر ونحوه من مواقع الضرورات الاتفاقية كما يؤيد ذلك المستفيضة المتقدمة
النافية للباس عن تقديمها من غير إشارة في شئ منها إلى أن قضائها أفضل بل في بعضها كخبري الحلبي ومحمد بن حمران بعد ان نفي الباس عن ذلك أكده بقوله
واني لافعل ذلك وفي بعضها قال فضل صلاة المسافر من أول الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر من اخر الليل إلى غير ذلك من التعبيرات التي ينافيها المرجوحية
بالإضافة ثم إن المنساق إلى الذهن من الفتاوي والنصوص الدالة على جواز التقديم أول الليل حتى من مثل قوله عليه السلام صل صلاة الليل في السفر
من أول الليل انما هو إرادة فعلها بعد أداء الفريضة وعلى تقدير ظهورها في الاطلاق لوجب صرفها إلى ذلك جمعا بينها وبين موثقة سماعة التي ورد
فيها تحديد وقتها في السفر من حين تصلي العتمة وربما يظهر من خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام انه لا يجوز تقديمها على الثلث
مطلقا قال سئلته عن الرجل يتخوف ان لا يقوم من الليل أيصلي صلاة الليل إذا انصرف من العشاء الآخرة وهل يجزيه ذلك أم عليه قضاء قال لا صلاة
حتى يذهب الثلث الأول من الليل والقضاء بالنهار أفضل من تلك الساعة لكنه مع ضعف سنده ومخالفة ظاهرة للفتاوي لا تصلح لمعارضة موثقة
سماعة وغيرها من الأخبار الدالة على جواز تقديمها من أول الليل الأبية عن التقييد بما بعد الثلث فالأولى حمل النهي عن التقديم على الثلث المستفاد
من هذه الرواية الكراهة بحمل قوله عليه السلام لا صلاة على إرادة نفي الكمال لا الصحة هذا مع أن ظهورها في نفي الصحة مبني على أن يكون المشار إليه بتلك
الساعة ما بعد ذهاب الثلث واما ان كان المراد بها هي الساعة التي قال لا صلاة فيها اي قبل ذهاب الثلث كما لعله هو المنساق إلى الذهن من نفس
التعبير من حيث هو فهذه الفقرة بنفسها تصلح قرينة لإرادة نفي الكمال حيث إن المفاضلة تقتضي المشاركة في أصل الجواز فيكون اطلاق نفي الصلاة بلحاظ
اشتمالها على منقصة موجبة لمرجوحيتها بالإضافة إلى القضاء الذي هو في حد ذاته مشتمل على النقص ثم لا
يخفى عليك ان ما ذكره المصنف رحمه الله
وغيره من أن القضاء أفضل من التعجيل مع أن مستندهم بحسب الظاهر ليس الا الأخبار المتقدمة التي يبعد حملها على ارادته في خصوص المسافر والشاب
الذي يمنعه رطوبة رأسه عن الانتباه مما يؤيد ما ذكرناه من أن تخصيصهم المسافر والشاب بالاستثناء جاري مجرى التمثيل والله العالم واخر وقتها
اي صلاة الليل الإحدى عشرة ركعة طلوع الفجر الثاني لان به تحقق زوال الليل الذي قد عرفت فيما سبق ان اخره أفضل أوقات صلاته
خصوصا الوتر منها التي ورد فيها اخبار بالخصوص على أن أفضل وقتها الفجر الأول ويدل عليه أيضا بعض الأخبار الآتية التي تدل على صيرورتها قضاء بعد
طلوع الفجر الذي لا يتبادر منه الا الفجر الصادق فما عن السيد من أن اخر وقتها طلوع الفجر الأول ضعيف بل لم يعرف له وجه وقد حكى عن الذكرى انه بعد
ان نقل ذلك عن السيد قال ولعله نظر إلى جواز ركعتي الفجر حينئذ والغالب ان دخول وقت صلاة يكون بعد خروج وقت أخرى انتهى وفيه ما لا يخفى فان
طلع الفجر ولم يكن قد تلبس منها بشئ أو تلبس بأقل من أربع ركعات بدء بركعتي الفجر قبل الفريضة حتى
تطلع الحمرة المشرقية فيشتغل بالفريضة وان كان تلبس بأربع تممها مخففة ولو طلع الفجر
فههنا مسائل الأولى لو طلع الفجر وقد تلبس بأربع أتمها كما عن المشهور بل عن بعض دعوى الاجماع عليه وعن اخر نفي الخلاف فيه مقيدا بما إذا
لم يخش فضيلة الفرض ويدل عليه ما رواه في التهذيب عن مؤمن الطاق قال إذا كنت صليت أربع ركعات
من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة
طلع أو لم يطلع وعن الرضوي نحوه بأدنى اختلاف في التعبير والذي ينسبق إلى الذهن من الامر باتمام الصلاة طلع الفجر أو لم يطلع إرادة الاتيان
بالركعات الباقية على وجهها المعهود حتى يكون الوتر اخرها ومقتضي اطلاقه في لفرق في كيفية الاتمام على تقدير عدم طلوع الفجر بعد الأربع ركعات
بين ما لو خشي مفاجأة الفجر في الأثناء أم لا ولكن الأولى في الصورة الأولى هو البداة بالوتر فإنها أحق باخر الوقت وأولى بالرعاية من ما عداها من
نافلة الليل كما يدل عليه خبر يعقوب البزاز قال قلت له أقوم قبل طلوع الفجر بقليل فاصلي أربع ركعات
ثم أتخوف ان ينفجر الفجر ابدا بالوتر أو أتم الركعات فقال
لا بل أوتر واخر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن الرجل يقوم من اخر الليل وهو يخشى ان يفاجئه
الصبح أيبدء بالوتر أو يصلي الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر اخر ذلك قال بل يبدء بالوتر وقال انا كنت فاعلا ذلك ويؤيده صحيحة معاوية بن وهب
51

قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول اما يرضي أحدكم ان يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل ولا يخفى عليك ان الامر بالاتيان
في خبر يعقوب والبدئة بالوتر في صحيحة محمد ليس للوجوب ضرورة جواز ترك الوتر اختيارا وقضائها في خارج الوقت وجواز الاتيان باي نافلة أحب في
ذلك الوقت فضلا عن نافلة الليل فالامر بالبدئة بالوتر عند خوف فوات وقتها ليس الا لشدة الاهتمام بها وكون مراعاة الوقت بالنسبة إليها أفضل
فلا منافاة بينه وبين الخبر المتقدم الدال بظاهره على جواز اتمام النافلة على وجهها عند التلبس بأربع ركعات منها الشامل باطلاقه لهذا الفرض
كما أنه لا منافاة بين الصحيحة وبين رواية المفضل الآتية التي ورد الامر فيها بنافلة الليل عند الشك في طلوع الفجر والوتر بعد تنبيه فان الامر
بالاتمام الوارد في تلك الرواية كالأمر بنافلة الليل عند الشك في خبر المفضل لوروده في مقام توهم الخطر لا يدل على أزيد من المشروعية الغير
المنافية لأفضلية البدئة عند خوف خروج الوقت نعم الأحوط تأخير باقي الركعات عن الفريضة إذا أوتر بعد الأربع ركعات عند خوف
الفوات لقوة احتمال إرادة هذا المعنى من قوله عليه السلام واخر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار وان كان الأقوى عدم وجوبه خصوصا على تقدير
الفراغ من الوتر قبل ان يتبين الفجر كما سيأتي الكلام فيه لعدم تعين إرادة هذا المعنى من الرواية وامكان حملها على ما لا ينافي الخبر المتقدم الدال
على جواز اتمام النافلة بعد طلوع الفجر عند التلبس بأربع ركعات منها قبله الغير القاصر عن شمول مثل الفرض هذا مع ضعف الرواية وعدم صلاحيتها
لتخصيص الخبر المتقدم بغير هذه الصورة واما اعتبار التخفيف المفسر بقراءة الحمد وحدها في الركعات الباقية الماتى بها بعد طلوع الفجر كما في المتن
وغيره فلم يدل عليه دليل خاص عدا انه هو المناسب لرعاية حق الفريضة التي نهى عن التطوع في وقتها فلا يبعد ان يدعى ان المنساق إلى الذهن
من الامر باتمامها قبل الفريضة بواسطة هذه المناسبة انما هو ارادتها مخففة وربما يستدل له بخبر إسماعيل بن جابر أو عبد الله بن سنان قال قلت
لأبي عبد الله عليه السلام اني أقوم اخر الليل وأخاف الصبح قال اقرأ بالحمد واعجل واعجل لأولوية ما بعد الصبح مما قبله وفيه ما لا يخفى الثانية ظاهر المتن
وغيره بل ربما نسب إلى المشهور انه لو طلع الفجر ولم يتلبس بشئ منها أو تلبس بأقل من أربع ركعات
بدء بالفريضة كما في كثير من العبائر أو بركعتي الفجر قبل
الفريضة كما في المتن فلا تزاحم بها الفريضة وعمدة مستند الحكم بحسب الظاهر هي الاخبار الآتية الناهية عن التطوع في وقت الفريضة وستعرف
إن شاء الله انها لا تدل على عدم الجواز بل على المرجوحية بالإضافة واستدل له أيضا بصحيحة إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أوتر بعد ما يطلع
الفجر قال لا والتقريب انه إذا امتنع الوتر بعد الفجر امتنع ما قبله بالطريق الأولى ويمكن الخدشة فيه بما عرفت من مشروعية الوتر بعد الفجر في الجملة
نصا وفتوى اما قبل صلاة الصبح فعلى تقدير كونها مسبوقة بأربع ركعات من نافلة الليل في وقتها واما بعدها فمطلقا وحملها على إرادة الاتيار
قبل صلاة الصبح ما لم يكن مسبوقا بنافلة الليل مع ترك الاستفصال المقتضى للعموم ليس بأولى من حمل الرواية على إرادة عدم تأخر الوتر إلى أن يطلع الفجر
لا عدم جواز الاتيان بها واستدل أيضا بمفهوم الشرط في خبر مؤمن الطاق وبخبر المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أقوم وانا أشك
في الفجر فقال صل على شكك فإذا طلع الفجر فاوتر وصل الركعتين وإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدء بالفريضة ولا تصل غيرها فإذا فرغت فاقض مما فاتك
ولا يكون هذا عادة وإياك ان تطلع على هذا أهلك فيصلون على ذلك ولا يصلون بالليل ولا يخفي عليك ان قوله عليه السلام وإذا أنت قمت الخ وان كان
بظاهره ظاهر الانطباق على المدعى لكن مقتضى اطلاق قوله عليه السلام في الفقرة المتقدمة عليه فإذا طلع الفجر فاوتر جواز الاتيار بعد طلوع الفجر عند التلبس بأقل
من أربع ركعات في زمان الشك وهذا ينافي المطلوب اللهم الا ان يقيد هذا الاطلاق بمفهوم الشرط في خبر مؤمن وهو لا يخلو عن تأمل إذ لا تنافي بين
الخبرين لجواز ان يكون الاتيار بعد طلوع الفجر مشروطا بمطلق التلبس ولو بركعتين والاتمام مشروطا بالتلبس بأربع ركعات فليتأمل ثم إن هيهنا
اخبارا مستفيضة تدل على خلاف المشهور منها صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر فقال صلها بعد
الفجر حتى يكون في وقت تصلي الغداة في اخر وقتها ولا تعمد ذلك في كل ليلة وقال أوتر أيضا بعد فراغك منها وصحيحة عمر بن يزيد أيضا قال قلت لأبي
عبد الله عليه السلام أقوم وقد طلع الفجر فان انا بدأت بالفجر صليتها في أول وقتها وان بدأت بصلاة الليل والوتر صليت الفجر في وقت هؤلاء فقال ابدء بصلاة
الليل والوتر ولا تجعل ذلك عادة وصحيحة سليمان بن خالد قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام ربما قمت وقد طلع الفجر فاصلي صلاة الليل والوتر والركعتين
قبل الفجر ثم أصلي الفجر قال قلت افعل انا ذا قال نعم ولا يكون منك عادة ورواية إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أقوم وقد طلع الفجر ولم أصل
صلاة الليل فقال صل صلاة الليل وأوتر وصل ركعتي الفجر وقد حكى عن الشيخ انه أجاب عن هذه الأخبار
بحملها على الرخصة قال هذه رخصة لمن اخر
لاشتغاله بشئ من العبادات انتهى ولو قال بأنه رخصة لأولي الأعذار والخصوص النائم قبل الفجر لكان أوفق بموارد النصوص وعن المحقق في
المعتبر بعد ان ذكر ان فيه روايتين إحديهما النافلة مزاحما بها الفريضة والأخرى يبدء بالفجر ان اختلاف الفتوى دليل التخيير يعني بين فعلها
بعد الفجر قبل الفرض وبعده وعن جملة ممن تأخر عنه اختياره وفي الحدائق حملها على الرخصة في بعض الأوقات من باب الاتفاق لا على الاطلاق فالترحم
بحرمة التقديم لكونه تطوعا في وقت الفريضة الا أحيانا لهذه الأخبار التي وقع فيها التصريح بأنه لا يجعل ذلك عادة ولا يتعمد ذلك في كل ليلة وقد
تكلف بعض من وافق المشهور في حمل الروايات على بعض المحامل التي كادت الروايات تكون نصا في خلافها كحمل الفجر على الفجر الأول أو حمل طلوع الفجر
52

على ما يقرب منه اي ما قبله بقليل بحيث يقع أربع ركعات من نافلة الليل في وقتها أو نحو ذلك مما لا يخفى منافيه فالانصاف ان طرح هذه الأخبار مع صحتها
واستفاضتها واعتناه الشيخ والمحقق وغيرهما بها من غير معارض معتد به مشكل وتأويلها على ما يوافق المشهور أشكل والأخبار الناهية عن التطوع في وقت الفريضة أعم
مطلقا من هذه الأخبار فعلى تقدير العمل بظاهر تلك الروايات والغض عما ستعرفه يجب تخصيصها بهذه الاخبار وورودها فيمن قام بعد طلوع الفجر لا يوجب قصر الحكم
عليه كما قد يتوهم فان الأحكام الشرعية لا تخصص بمواردها هذا مع اطلاق السؤال في الصحيحة الأولى وعدم وقوعه في خصوص من قام بعد طلوع الفجر أو اخرها
لعذر وفي نهي الإمام عليه السلام عن أن يتعمد ذلك في كل ليلة إشارة إلى عدم ارادته في خصوص من كان معذورا في التأخير كما أن ما في ساير الاخبار من النهي عن أن يجعل
ذلك عادة تنبيه على ذلك وقد ظهر بذلك أيضا ضعف ما زعمه صاحب الحدائق من أن النهي عن أن يتعمده في كل ليلة ويتخذه عادة دليل على اختصاص الرخصة ببعض
الأوقات لا على الاطلاق توضيحه ان المقصود بالنهي هو المنع عن أن يتعود على تأخيرها إلى ذلك الوقت في كل ليلة لاعن ان يقدمها على الصبح بعد ان اخرها
إلى ذلك الوقت فالنهي عن الاعتياد في هذه الأخبار ليس الا كالنهي عنه في خبر المفضل المتقدم بعد الامر بقضاء ما فات بعد الفراغ من الفريضة حيث قال ولا
يكون هذا عادة وإياك ان تطلع على هذا أهلك فيصلون على ذلك ولا يصلون بالليل فالنهي عن الاعتياد ليس الا للكراهة ضرورة جواز تركها رأسا في كل
ليلة فضلا عن تأخيرها إلى الصبح فالأظهر جواز الاتيان بنافلة الليل بعد طلوع الفجر قبل الصبح مطلقا خصوصا الوتر منها فإنه يدل عليه بالخصوص مضافا إلى هذه الأخبار
جملة من الروايات منها صحيحة عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا قمت وقد طلع الفجر فابدء بالوتر ثم صل الركعتين ثم صل الركعتين ثم صل الركعات
إذا أصبحت ويدل عليه أيضا بعض الأخبار الآتية بل ربما يقتضيه اطلاق الفقرة الأولى من رواية المفضل المتقدمة كما تقدمت الإشارة إليه لكن مقتضى
ظاهر الفقرة الثانية منها عدم جواز الاتيان بشئ من نافلة الليل بل ولا ركعتي الفجر قبل الفريضة إذا قام بعد طلوع الفجر لكنها لا تصلح لمعارضة ما عرفت
وستعرف خصوصا الاخبار الآتية الدالة على جواز الاتيان بركعتي الفجر بعد طلوع الفجر فالأولى حمل النهي عن أن يصلي غير الفريضة بعد صرفه إلى ما عدا الركعتين
على مرجوحية فعلها قبل الفريضة بالإضافة إلى قضائها بعد الفراغ منها كما يؤيده الأخبار الناهية عن التطوع في وقت الفريضة بناء على حملها على المرجوحية
بالإضافة كما سيأتي التكلم فيه إن شاء الله لكن قد يشكل ذلك بان الأخبار المتقدمة ظاهرها استحباب البدئة بصلاة الليل بعد الفجر وتأخير الفريضة عنها بل كاد ان
يكون هذا صريح بعضها كصحيحة عمر بن يزيد الثانية اللهم الا ان يقال إن المقصود بهذه الروايات ليس الا بيان عدم فوات نافلة الليل بفوات وقتها (واستحباب الاتيان بها قبل فريضة الصبح ما لم تزاحم الفريضة في اخر وقتها)
ولا ينافي ذلك كون اتيانها بعد الفريضة أفضل من ايقاعها قبلها فما في تلك الأخبار من الامر بفعلها قبل الفريضة أريد بها فعلها كذلك في مقابل
تركها رأسا لا تأخيرها عن الفريضة وما في بعضها من الامر بالبدئة بها وتأخير الفريضة عنها المشعر بمرجوحية العكس منزل على ما يقتضيه العادة من أنه
عند البدئة بالنافلة لا يدع الفريضة وعند البدئة بالفريضة يقتصر عليها فليتأمل الثالثة قد أشرنا انفا إلى أن الأفضل تخصيص اخر
الليل بالوتر وان الأولى عند ضيق الوقت هو البدئة بالوتر وقضاء ما عداها من نافلة الليل في صدر النهار والأحوط بل الأفضل تأخيرها عن الفريضة
فلو ظن الضيق فاوتر وصلى ركعتي الفجر ثم انكشف خطائه وبقاء الليل ففي محكي الدروس والذكرى انه بضعيف إلى ما صلى ستا ويعيد ركعة الوتر
وركعتي الفجر ثم نسبة إلى الشيخ المفيد ثم نقل عن الشيخ علي بن بابويه انه يعيد ركعتي الفجر لا غير أقول قد يترائى من عبائرهم اهمال ركعتي الشفع واسقاطهما
من البين في الفرض مع أنه لا مقتضى لذلك فالذي يغلب على الظن ان مرادهم بالوتر فيما هو المفروض موضوعا للكلام هو معناها الأعم من
الركعات الثلاث كما أن الظاهر أنها بهذا المعنى هو المراد من النصوص والفتاوي الدالة على أفضلية ايقاعها في اخر الليل والبدئة بها عند ضيق
الوقت فمحل الكلام على الظاهر فيما إذا اتى بالركعات الثلاث وركعتي الفجر ثم انكشف بقاء الوقت وقد حكم ابن بابويه في الفرض بأنه يحتسب الجميع من نافلة
الليل فيضيف إليها ستا فيصير المجموع احدى عشرة ركعة وهي نافلة الليل ثم يأتي بركعتي الفجر وقد أفتى الشيخ المفيد على ما حكاه عنه الشهيد في الكتابين بأنه
يعيد أيضا ركعة الوتر اي مفردتها فإنها هي المتبادر من الركعة لا الركعات الثلاث وعن الذكرى أيضا بعد ما سمعت حكايته عن المفيد انه نقل عن
الشيخ في المبسوط أيضا أنه قال لو نسي ركعتين من صلاة الليل ثم ذكر بعد ان أوتر قضاهما وأعاد الوتر ثم قال ما لفظه وكان الشيخين نظرا إلى أن الوتر
خاتمة النوافل ليوترها انتهى ولا يخفى عليك ان كلامهم مبنى على جواز العدول عن نافلة الفجر إلى نافلة الليل وعلى هذا فما ذكره ابن بابويه من أنه
يضيف ستا ويعيد ركعتي الفجر لا غير أوفق بالقواعد لان الوتر وقعت صحيحة فلا مقتضى لإعادتها وما يقال من أنه اتى بها في الوقت لتخيل الامر بزعم
الضيق فلم تكن في الواقع مأمورا بها مدفوع بما عرفت في صدر الكتاب من أن الوتر في حد ذاتها نافلة مستقلة لا تتوقف صحتها على ترتبها على نافلة الليل
فهي بنفسها صلاة مأمور بها وانما اثر ظن الضيق في قصد الخروج عن عهدتها لا في صيرورتها مأمورا بها وهذا غير ضائر في سقوط الامر بحصول المأمور
به ولعله لذا لم يتعرضوا في كلماتهم المتقدمة لحال الشفع فإنه لا مقتضى لإعادتها بعد وقوعها صحيحة واما الوتر فهي أيضا وان كانت بذلك لكن
يمكن القول بإعادتها لما رواه الشيخ باسناده عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل صلى صلاة الليل وأوتر وذكر انه نسي ركعتين من صلاته كيف
يصنع قال يقوم فيصلي ركعتين التي نسي مكانه ثم يوتر ويؤيده ما دل على استحباب جعل الوتر خاتمة نوافله كقوله عليه السلام في خبر زرارة وليكن اخر صلاتك
وتر ليلتك ويحتمل ان يكون المراد بالوتر في الروايتين أعم من الشفع وربما يستدل له أيضا بمرسلة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا
53

قام الرجل من الليل فظن أن الصبح قد أضاء وتر ثم نظر فرأى أن عليه ليلا قال يضيف إلى الوتر ركعة ثم يستقبل صلاة الليل ثم يوتر بعدها وفيه انها
انما تدل على مشروعية إعادة الوتر عند إضافة ركعة إلى ما صلاها وجعلها نافلة أخرى وهذا مما لا شبهة فيه وان كان قد يستشكل في أصل العدول
إذا كان بعد الفراغ منها كما لعله المنساق إلى الذهن من الرواية ولذا ربما تنزل على ما إذا نظر إلى الفجر وهو في أثناء الصلاة وكيف كان فهذه الرواية
أيضا لا تخلو عن تأييد للمدعى فالقول بإعادتها لادراك فضيلة الاختتام بالوتر أقرب وأنسب بما تقتضيه قاعدة المسامحة خصوصا ان قلنا بجواز إعادة
العبادة للإجادة كما نفينا البعد عنه في بعض المباحث المتقدمة في كتاب الطهارة ولكن الأقوى جواز الاجتزاء بما صلاها لما أشرنا إليه من صحتها ووقوعها
مطابقة للامر المتعلق بها ولا تصلح رواية عقبة وغيرها مما ذكر دليلا لاثبات ما ينافي قاعدة الاجزاء أو للتصرف في موضوعها بجعل تأخير الوتر
عما عداها شرطا في صحتها بعد ان ثبت جواز الاقتصار عليها اختيارا فهي محمولة على الاستحباب ومما يؤيد ذلك مضافا إلى ما ذكرها عن الفقه الرضوي قال
فان كنت صليت الوتر وركعتي الفجر ولم يكن طلع الفجر فأضف إليها ست ركعات واعد ركعتي الفجر وقد مضى الوتر بما فيه وخبر علي بن عبد العزيز قال قلت
لأبي عبد الله عليه السلام أقوم وانا أتخوف الفجر قال فاوتر قلت فانظر فإذا على ليل قال فصل صلاة الليل ثم انا قد أشرنا انفا إلى أن احتساب ركعتي الفجر من نافلة
الليل مبني على جواز العدول من نافلة إلى أخرى وهو لا يخلو عن نظر خصوصا بعد الفراغ منها كما هو محل البحث وربما يستدل لذلك بمرسلة إبراهيم المتقدمة
وبخبر علي بن عبد الله بن عمران عن الرضا عليه السلام قال إذا كنت في صلاة الفجر فخرجت ورأيت الصبح فزد ركعة إلى الركعتين اللتين صليتهما قبل واجعله وترا
وفيه ان غاية ما يستفاد من المرسلة انما هو العدول من نافلة خاصة إلى نافلة مطلقة فان ظاهرها جعل الوتر بعد إضافة ركعة إليها نافلة أخرى غير
نافلة الليل وهذا مما يمكن الالتزام به في الجملة وان لم يدل عليه دليل خاص كما لو شرع مثلا في صلاة جعفر فصلى ركعة ثم رجع عن قصده وأضاف إليها
ركعة مخففة بقصد وقوعها امتثالا للامر بطبيعة الصلاة التي هي خير موضوع وهذا وان لا يخلو عن بحث لكن الحق جوازه نظير ما صام بعض
اليوم بقصد الاعتكاف ورجع عن قصده وأتم صوم ذلك اليوم قربه إلى الله بلحاظ كونه طبيعة الصوم من حيث هي محبوبة عند الله تعالى وهذا مما
لا ينبغي الاشكال فيه وانما الاشكال فيما إذا أراد ان يجعله قسما اخر من الصوم مباين لذلك الصوم في الصنف كصوم الكفارة أو القضاء أو نحو ذلك
كما فيما نحن فيه واما الرواية الثانية فهي لا تخلو عن تشابه لما في متنها من التهافت ولذا احتمل المحدث الكاشاني وقوع التحريف فيه من النساخ وكون
صلاة الفجر في الأصل صلاة الليل وكيف كان فالاعتماد على مثل هذه الرواية مع ما في متنها من التهافت وفي سندها من القصور في اثبات مثل هذا الحكم
المخالف للقواعد مشكل والله العالم تنبيه لا شبهة في انقضاء الليل عند طلوع الفجر الصادق واستبانته فما حكى عن الأعمش وغيره من القول
بامتداد الليل إلى طلوع الشمس وان ما بين الطلوعين من الليل لا يخلو عن غرابه ضرورة عدم صدق الليل على ما قيل طلوع الشمس بعد ان أضاء الصبح واسفر
لا لغة ولا عرفا ولا شرعا بل يصح سلبه عنه على وجه غير قابل للتشكيك واغرب من ذلك ما نسب إليه من تجويزه الأكل والشرب للصائم إلى طلوع الشمس
مع مخالفته للكتاب والسنة واجماع الأمة بل الضرورة من الدين والعجب من صاحب الجواهر وغيره حيث تعبوا بالهم في ابطال هذا القول بايراد الحجج
من الآيات والاخبار والاستشهاد عليه بكلمات الفقهاء والمفسرين والحكماء الإلهيين والرياضيين واللغويين مع أن بطلانه أوضح من أن يبرهن عليه
فان عدم صدق اخر الليل على قريب طلوع الشمس بديهي فإقامة البراهين عليه يوهم كونه من النظريات القابلة للتشكيك ولعل من زعم أن ما بين الطلوعين
من الليل اغتر بما جرى عليه اصطلاح المنجمين من تسمية ما بين طلوع الشمس وغروبها يوما ومن غروبها إلى طلوعها ليلا بلحاظ احكامهم المتعلقة بالموضوعين
ومن شيوع اطلاق اليوم في العرف على الأول وتسمية الزوال نصف النهار وانصراف اطلاقه إليه بل صحة
سلبه عما قبله فهذا دليل على أن اليوم ابتدائه
أو طلوع الشمس والا لكان نصف النهار قبل الزوال ومقتضاه امتداد الليل إلى طلوع الشمس إذ لا واسطة بين الليل والنهار بشهادة العرف
وفيه ان عدم صدق الليل على ما قبل طلوع الشمس أبين لدى العرف وكذا في اطلاقات الشارع وعرف المتشرعة من انتفاء الواسطة بينهما فإن كان ابتداء اليوم
عرفا أو شرعا من عند الطلوع ولم يكن قبله من اليوم لديهم وجب ان يكون ما بين الطلوعين واسطة بينهما كما هو أحد الأقوال في المسألة ويشهد له بعض الأخبار
الدالة على أن ما بين الطلوعين ليس من ساعات الليل ولا من ساعات النهار ولكن الذي يقتضيه التحقيق ان ابتداء اليوم شرعا وعرفا انما هو من
طلوع الفجر وإضائته ولكن كثيرا ما يطلق اليوم في عرف أرباب الحرف والصناعات في مقام الإجارات والمعاملات على المعنى الأول حتى أنهم كثيرا ما يطلقون
أول الصبح ويريدون منه بعد طلوع الشمس مع أنه لا شبهة في أن الصبح صادق على ما قبله والحاصل ان لليوم اطلاقين فتارة يطلق على ما بين طلوع الفجر إلى الغروب
وأخرى على ما بين طلوع الشمس إلى غروبها وربما يعتبر في عرف الفقهاء على المعنى الأول بيوم الصوم وعن الثاني بيوم الأجير ولا ريب في كونه حقيقة في المعنى
الأول فإنه بعد ان أسفر الصبح وأضاء لا يصح عرفا ان يقال لم يدخل النهار والان ليس بيوم واما اطلاقه على المعنى الثاني فلا يبعد ان يكون مبنيا
على المسامحة بتنزيل ما قبل طلوع الشمس منزلة ما قبل اليوم بلحاظ عدم ترتب اثار اليوم عليه من الاشتغال بالاعمال والصنايع وكيف كان فهذا الاستعمال
شايع ولا يبعد ان يكون تسمية الزوال نصف النهار جريا على هذا الاستعمال وان احتمل قويا ان يكون مأخذها قول المنجمين الذين لا ينتصف النهار عنده
حقيقة بحسب ما جرى عليه اصطلاحهم الا إذا وصلت الشمس إلى الدائرة المسماة عندهم بدائرة نصف النهار والحاصل ان مفهوم اليوم والنهار وان كان
54

قابلا للتشكيك في صدقه على ما قبل طلوع الشمس بلحاظ شيوع استعماله فيما بعده وان كان مقتضى الانصاف وضوح صدقهما عليه وعدم صحة السلب عنه لكن لا
مجال للتشكيك في عدم صدق اسم الليل عليه كما هو واضح وربما يستدل للقول المزبور اي كون بين الطلوعين من الليل باخبار قاصرة السند غير متضحة المفاد كخبر
عمر بن حنظلة انه سال أبا عبد الله عليه السلام فقال له زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل فقال لليل زوال كزوال الشمس قال فبأي شئ نعرفه قال بالنجوم إذا انحدرت
وخبر أبي بصير المروي عن كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أبي جعفر عليه السلام قال دلوك الشمس زوالها وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار وغير ذلك مما وقع فيه التعبير
عن الانتصاف بالزوال مثل مكاتبة الحسين قال كتبت إليه في وقت صلاة الليل فكتب عند زوال الليل وهو نصفه أفضل وفي الرياض بعد ان نقل القول
باعتبار طلوع الشمس في النصف عند البحث عن وقت صلاة الليل عن بعض الأصحاب واستدل عليه بالخبرين وطعن في سنديهما قال الا انهما مناسبان
لتوزيع الصلوات على أوقاتها ومع ذلك هو أحوط جدا سيما مع وقوع التعبير عن الانتصاف بالزوال في غيرهما من الاخبار وان كان فيه أيضا قصور في السند
لاحتمال حصول الجبر بكثرة العدد فتأمل انتهى ولعله أشار بالتأمل إلى عدم صلاحية الكثرة لجبر مثل هذه الروايات المتأكد وههنا بمخالفة المشهور وما ذكره
من أنه أحوط فكأنه أراد بالنسبة إلى صلاة الليل التي هي محل الكلام والا فبالنسبة إلى صلاة العشاء خلاف الاحتياط كما هو واضح واما ما ذكره من مناسبة
الروايتين لتوزيع الصلوات على أوقاتها فلم نتحصل مراده وكيف كان فلا يخفى عليك ان دلالة الروايات المتقدمة على المدعى أضعف من سندها اما
ما عدى الرواية الأولى فواضح إذا لم يثبت ان زوال الليل الذي وقع التعبير به عن النصف أريد منه الوقت الذي مالت الشمس فيه عن دائرة نصف النهار من
تحت الأرض بل الظاهر أن المراد بزوال الليل هو لنصفه؟ على اجماله وكذا غسق الليل على ما يظهر من الأخبار الواردة في تفسيره ليس الا ذلك فهو بمنزلة
الزوال من النهار الذي أريد منه يوم الأجير لا يوم الصوم فتشبيه غسق الليل بالزوال من النهار أو التعبير عن نصف الليل بالزوال أو ما جرى هذا المجرى
لا يدل على أن الليل يمتد إلى طلوع الشمس نعم ربما يستشعر ذلك من المناسبة بين الغسق المفسر بنصف الليل وبين وصول الشمس إلى دائرة نصف النهار
من تحت الأفق ومن مقابلة اليوم بالليل في هذه الاستعمالات التي أريد فيها من اليوم يوم الأجير لكن لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الإشارات في اثبات
المعنى المخالف للعرف واللغة كما هو واضح واما الرواية الأولى فتقريب الاستشهاد بها لمدعى الخصم هو ان المراد بالنجوم النجوم الطوالع عند غروب الشمس
فانحدارها عبارة عن ميلها عن دائرة نصف النهار وهذا لا يكون الا عند انتصاف الليل إذا كان اخره طلوع الشمس وفيه ان الرواية بحسب الظاهر
مسوقة لبيان معرف تقريبي لمعرفة انتصاف الليل باستنباطه من سير الكواكب وميلها إلى الأفول والا فلا يستقيم هذا التعريف سواء قلنا بان الليل إلى
طلوع الشمس أم إلى طلوع الفجر لا لمجرد ما قيل عن أن النجوم لا تستبين عند الغروب فالمراد بها النجوم التي تتبين في ناحية المشرق أوائل الليل وتنحدر
في أواسطه بل لاختلاف مطالع الكواكب فما ذكر في تقريب الاستدلال انما يستقيم بالنسبة إلى كوكب طلع أول الليل من مشرق الشمس في نهاره فيكون
غروبه مقارنا لطلوع الشمس في غده تقريبا واما إذا طلع من مطلع اخر فيختلف اختلافا فاحشا فإنه ربما يغيب قبل نصف الليل إذا كان قريبا من القطب
الجنوبي وربما لا يتعدى عن دائرة نصف النهار إلى قريب طلوع الفجر إذا كان عكسه وحمل النجوم على إرادة خصوص الكوكب المفروض طلوعه أول المغرب
من مشرق الشمس في ذلك اليوم بالخصوص كما ترى فليس المقصود بالرواية الا الارشاد إلى طريق معرفة انتصاف الليل على سبيل التقريب وكيف كان فهذه
اخبار متشابهة لا يجوز رفع اليد بواسطتها عن المحكمات وقد أشرنا إلى أنه لا اجمال في مفهوم الليل ولا خفاء في عدم صدقه على ما بعد الصبح الصادق لا لغة
ولا عرفا ولا شرعا فلا يجوز التشكيك في ذلك بمثل هذه الأخبار ولو على تقدير تسليم ظهورها في المدعى فان أمكن توجيهها على وجه لا ينافي ذلك فهو
والا وجب رد علمها إلى أهله فظهر بما ذكرنا ان انتصاف الليل الذي هو اخر وقت صلاة العشاء وأول وقت صلاة الليل هو المنتصف بين المغرب
وبين طلوع الفجر لا بين غيبوبة الفرص وطلوعها كما توهمه بعض الأصحاب على ما حكاه عنه في الرياض في عبارته المتقدمة ويظهر من مرسلة حفص المروية
عن العسكري عليه السلام ان علامة انتصاف الليل ظهور بياض في وسط السماء قال عليه السلام إذا انتصف الليل ظهر بيان في وسط السماء شبه عمود في حديد يضيئ
له الدنيا فيكون ساعة ويذهب ثم يظلم فإذا بقي الثلث الأخير من الليل ظهر بياض من قبل المشرق فأضائت له الدنيا فيكون ساعة ثم يذهب وهو وقت صلاة
الليل ثم يظلم قبل الفجر ثم يطلع الفجر الصادق من قبل المشرق وقال من أراد ان يصلي في نصف الليل فيطول فذاك له ولو أريد من البياض المشرقي الفجر
الكاذب لكان تحديد وقت ظهوره بالثلث الأخير من الليل من مؤيدات القول بامتداد الليل إلى طلوع الشمس إذ ليس ما بين الفجرين بقدر ثلث الليل واما
بضميمة ما بين الطلوعين فربما يقرب من ذلك وان لا يخلو أيضا عن تأمل فلعله أريد به بياض اخر والله العالم ووقت ركعتي الفجر على ما ذكره
المصنف رحمه الله في المتن ومحكى المعتبر بعد طلوع الفجر الأول وقتهما حكى عن السيد والشيخ في المبسوط وقيل إن أول وقتهما بعد الفراغ من
صلاة الليل والوتر ولو في أول وقتها بل في الحدائق نسبة إلى المشهور لكن في عدم القولين متقابلين تأملا إذ لا خلاف على الظاهر في جواز (؟؟) في صلاة
الليل ولو في أول وقتها ولم يظهر من التوقيت المنسوب إلى المشهور جواز تقديمها على الفجر في غير هذه الصورة على تقدير التزامهم بذلك لم يعلم مخالفة
المصنف وغيره لهم في ذلك بل ظاهر اطلاق المتن حيث قال ويجوز ان يصليهما قبل ذلك جواز الاتيان بهما قبل الفجر الأول من غير دس
أيضا بان تقتصر على فعلهما قبل الفجر من غير نافلة الليل فلذا قد يستشكل فيما اراده من التوقيت المذكور فان جواز تقديمها على الفجر على الاطلاق ينافي تحديد
55

أول وقتهما بما بعد الفجر إذ لا معنى لوقت الصلاة الا ما جاز ايقاعها فيه نعم لو خص الجواز بصورة الدس ونحوها أمكن ان يقال إن وقتهما من حيث هو؟؟
الفجر ولكن رخص في تقديمهما تبعا لصلاة الليل ونحوه كما أن وقت صلاة الليل من حيث هو بعد انتصاف الليل ولكن قد يجوز تقديمها من أول الليل لعلة وهذا
بخلاف ما لو عمت الرخصة في التقديم كما هو واضح والحاصل ان ما حكى عن الأصحاب في تحديد وقت الركعتين لا يخلو عن اجمال حيث لم يعلم أنهم
يجوزون الاتيان بهما من نصف الليل مطلقا وان لم يصل نافلة الليل أم بخصوص ذلك بصورة الدس نعم ظاهر المحكى عن ابن الجنيد هو الأول حيث قال على
ما نقل عنه وقت صلاة الليل والوتر والركعتين من حين انتصاف الليل إلى طلوع الفجر على الترتيب فان صاهره كون وقت الركعتين من حيث هو من حين الانتصاف
بعد مضي مقدار أداء صلاة الليل والوتر وكيف كان فالذي ينبغي ان يقال إنه لا شبهة في جواز الاتيان بهما بعد الفراغ من صلاة الليل ولو في أول
وقتها بل ولو قدم نافلة الليل على الانتصاف في سفر ونحوه كما يدل عليه بالخصوص رواية أبي حريز القمي عن أبي الحسن موسى عليهما السلام قال صل صلاة الليل
من أول الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر مضافا إلى المستفيضة الدالة على جواز ان يدسهما في صلاة الليل منها صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال
سئلت الرضا عليه السلام عن ركعتي الفجر فقال احشوا بهما صلاة الليل وصحيحة الأخرى قال قلت لأبي الحسن عليه السلام وركعتي الفجر أصليهما قبل الفجر أو بعد الفجر فقال
قال أبو جعفر عليه السلام احش بهما صلاة الليل وصلهما قب الفجر وموثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال انما على أحدكم إذا انتصف الليل ان يقوم فيصلي جملة واحدة
ثلاث عشرة ثم إن شاء جلس فدعا وان شاء نام وان شاء ذهب حيث شاء وخبر علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب رجل إلى أبي جعفر عليه السلام الركعتان اللتان
قبل صلاة الفجر من صلاة الليل هي أم من صلاة النهار وفي اي وقت أصليهما فكتب عليه السلام بخطه احشهما في صلاة الليل حشوا ويدل عليه أيضا بعض الأخبار
الآتية وربما يؤيده أيضا الأخبار الدالة على أنهما من صلاة الليل وهل يجوز تقديمهما من نصف الليل ابتداء من غير أن يدسهما في صلاة الليل فيه
تردد فان الأخبار الدالة عليه كفتاوي الأصحاب قاصرة عن إفادته في هذه الصورة وربما يستظهر ذلك من صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الواردة في
بيان عدد النوافل قال عليه السلام وبعد ما ينتصف الليل ثلث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتي الفجر وفيه ما أشرنا إليه من ورودها في مقام بيان حكم
اخر فلا يصح التمسك باطلاقها لاثبات جواز الركعتين بعد النصف مطلاق واضعف من ذلك الاستدلال له بما دل على أنهما من صلاة الليل نعم
في جملة من الاخبار الامر بفعلهما قبل الفجر أو تحديد وقتهما بذلك أو الرخصة في ذلك لكن المتبادر مثل هذه الأخبار ليس الا ارادتهما في اخر الليل
خصوصا مع معروفية اضافتهما إلى الفجر منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر فقال قبل الفجر انهما من صلاة الليل
ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل أتريد ان تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدء بالفريضة أقول
المقصود بالقياس التنظير لا الاستدلال ويحتمل إرادة تعليم زرارة كيفية المجادلة مع العامة في ابطال قياسهم الركعتين بنافلة الظهرين بالنقض
بالصوم وحسنة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام الركعتان اللتان قبل الغداة أين موضعهما فقال قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة
إلى غير ذلك من الاخبار الآتية وغاية ما يمكن استفادته من مثل هذه الأخبار انما هو جواز الاتيان بهما بعد الفجر الأول واما قبله فلا لانصرافها عما
قبل الفجر الأول نعم يظهر من خبر محمد بن مسلم ان وقتهما السدس الأخير من الليل قال سئلت أبا جعفر
عليه السلام عن أول وقت ركعتي الفجر فقال سدس الليل الباقي
وربما يستشهد بهذه الرواية للقول بان قوتهما بعد طلوع الفجر الأول بدعوى مساواة السدس للفجر الكاذب وفيه نظر وكيف كان فينظر من هذه الأخبار
أو وقتهما انما هو قبل الفجر ولا يعارضها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال قال أبو عبد الله عليه السلام صلهما بعد ما يطلع الفجر وصحيحة يعقوب بن سالم البزاز قال
قال أبو عبد الله عليه السلام صلهما بعد الفجر واقرء فيهما في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد لقصور الصحيحتين بعد اعراض الأصحاب عن
ظاهرهما وموافقتهما للعامة على ما قيل ويشهد له الرواية الآتية من مكافئة الأخبار المستفيضة المعمول بها عند الأصحاب التي هي نص في جواز تقديمهما
على الفجر ولذا حمل غير واحد الفجر في الروايتين على الفجر الأول نظرا إلى أن حمله على الفجر الثاني كما هو المتبادر من اطلاقه يستلزم اما حمل الروايتين
على التقية أو حمل الامر بفعلهما بعد الفجر على الرخصة والثاني تأويل بعيد والأول مما لا يصار إليه مع امكان
الجمع بين الروايات وفيه ان حمل الفجر
المطلق على الفجر الكاذب من ابعد التصرفات وأقربها الحمل على التقية فان الحمل على التقية في حد ذاته وان كان من التصرفات البعيدة لكن ربما يشهد له رواية
أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام متى أصلي ركعتي الفجر قال فقال لي بعد طلوع الفجر قلت له ان أبا جعفر عليه السلام امرني ان أصليهما قبل طلوع الفجر فقال يا أبا محمد
ان الشيعة اتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمر الحق واتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية ولا يبعد حملهما على الرخصة ايض بشهادة الاخبار الآتية كما ستعرف
وقد ظهر بما ذكرنا ان القول بجواز تقديمهما على الفجر الأول أو السدس الباقي على اطلاقه لا يخلو عن اشكال وان القدر المتيقن الذي يمكن استفادته
من النصوص والفتاوي انما هو جوازه مع صلاة الليل ومتى قدمهما على الفجر الأول مع صلاة الليل أو بدونها ان قلنا بجوازه فالأفضل
اعادتها بعده كما نقل عن الشيخ وجماعة من الأصحاب لصحيحة حماد قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام ربما صليتهما وعلى ليل فان نمت ولم يطلع الفجر أعدتهما
وعن بعض النسخ فان قمت بالقاف مكان النون وموثقة زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول اني لأصلي صلاة الليل فافرغ من صلاتي واصلي الركعتين فأنام
ما شاء الله قبل ان يطلع الفجر فان استيقظت عند الفجر أعدتهما وربما يظهر من غير واحد من المتأخرين اختصاص استحباب الإعادة بما إذا نام بعد الركعتين
56

اقتصارا على مورد الروايتين أقول وهذا هو الظاهر من الصحيحة الأولى ان كانت الشرطية الواقعة فيها فان نمت بالنون بل ظاهرها على هذا التقدير
اشتراط إحداهما نافلة الفجر بان لا يتخلل بينهما وبين الفجر الفصل بالنون وحيث تعذر حمله على شرط الصحة فليحمل على كونه شرطا للكمال
وان كانت بالقاف فالمراد بها بحسب الظاهر هو القيام من النوم فحالها حينئذ حال الصحيحة الثانية والمنساق إلى الذهن من هذه الصحيحة انما هو إرادة
الإعادة في وقت فضيلتهما لدى التمكن من ذلك بالانتباه من النوم والاستيقاظ بحسب الظاهر للجري مجرى العادة فالقول باستحباب
اعادتهما مطلقا كما في المتن وغيره لا يخلو عن قوة ثم إن المتبادر من الفجر في الروايتين كغيرها من اخبار الباب انما هو الفجر الصادق فتخصيص الإعادة
؟ لو وقعت الركعتين قبل الفجر الأول مع عدم وقوع التصريح بذلك في شئ منهما انما هو لظهورهما في ارادتها على تقدير عدم وقوع الركعتين
في أواخر الليل وحصول الفصل الطويل بينهما وبين الفجر الذي يضاف إليه الركعتين فلا يفهم منهما جواز الإعادة فيما إذا لم يتخلل بينهما الفصل المعتد به
بان وقعتا بعد الفجر الأول نعم بناء على كون الشرطية في الصحيحة الأولى فان نمت فظاهرها سببية النوم قبل الفجر للإعادة مطلقا لكن لم يثبت
كونها كذلك ويحتمل على تقدير كونها بالقاف ان يكون المراد بها القيام من الصلاة اي الفراغ منها فيكون المقصود بالرواية بيان انه عليه السلام ربما كان
يصليهما قبل الفجر فان فرغ منهما وقد طلع الفجر فهو والا كان يعيدهما فيستفاد منها على هذا التقدير ان الفضل في ايقاعهما على وجه لم يحصل الفراغ
منهما قبل طلوع الفجر وكيف كان فعمدة ما يصح الاستناد إليه للمدعى انما هي الرواية الثانية وهي تدل على جواز البدئة بالركعتين عند طلوع الفجر كما
يدل عليه بالصراحة جملة من الروايات منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابن أبي يعفور قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن ركعتي الفجر متى أصليها فقال قبل
الفجر ومعه وبعده وفي الصحيح عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول صل ركعتي الفجر قبل الفجر وبعده وعنده وعنه أيضا قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن
ركعتي الفجر فقال صلهما قبل الفجر ومع الفجر وبعد الفجر وعنه أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال صلهما مع الفجر وقبله وبعده وعن إسحاق بن عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام
عن الركعتين اللتين قبل الفجر قال قبيل الفجر ومعه وبعده قلت فمتى أدعهما حتى أقضيهما قال إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة وعن الصدوق مرسلا
قال قال الصادق عليه السلام صل ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعده تقرء في الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد ويدل عليه
أيضا الاخبار الآتية التي هي نص في جواز الاتيان بهما بعد طلوع الفجر الصادق قبل الفريضة وقد حمل في الحدائق الفجر في جميع الأخبار المتقدمة
على الفجر الكاذب وحمل الاخبار الآتية التي هي صريحة في إرادة الفجر الثاني على التقية لزعمه انتهاء وقت الركعتين عند طلوع الفجر الثاني وفاقا لابن
الجنيد على ما تقدمت حكايته عنه مستشهدا لذلك بالاخبار الناهية عن التطوع في وقت الفريضة وخصوص صحيحة زرارة وحسنته المتقدمتين الدالتين
على أن الركعتين من صلاة الليل وموضعهما قبل طلوع الفجر وعند طلوع الفجر وعند طلوع الفجر يبدء بالفريضة مؤيدا له بالاخبار المتقدمة الامرة بادخالهما في صلاة
الليل وان أول وقتهما سدس الليل الباقي وما دل على أنهما من صلاة الليل التي لا خلاف في أن وقتها قبل الفجر الثاني كموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال
قلت ركعتا الفجر من صلاة الليل هي قال نعم وبقوله عليه السلام في خبر مفضل بن عمر المتقدم عند البحث عن جواز اتيان نافلة الليل بعد الفجر فإذا أنت قمت
وقد طلع الفجر فابدء بالفريضة ولا تصل غيرها فجعل هذه الأخبار شاهدة على إرادة الفجر الأول من الأخبار المتقدمة واستشهد لتنزيل الاخبار التي هي
نص في إرادة الفجر الثاني على التقية برواية أبي بصير المتقدمة الدالة على أن امر الصادق عليه السلام بفعلهما عد الفجر حادي مجرى التقية وفيه ان رواية أبي بصير
وقع فيها السؤال عن وقت الركعتين فقوله عليه السلام بعد طلوع الفجر بمنزلة ما لو قال إن وقت ركعتي الفجر بعد طلوعه وهذا مخالف لجميع الأخبار المتقدمة عدى
صحيحتي ابن الحجاج ويعقوب بن سالم المتقدمتين اللتين امر فيهما الصادق عليه السلام بفعلهما بعد الفجر ولفتوى أصحابنا وموافق لمذهب جمهور العامة على
ما حكى عنهم فلو لا تصريح الصادق عليه السلام بصدوره تقية لكنا نحمله أيضا عليها بمقتضى القواعد الواصلة الينا منهم عليهم السلام نظير رواية أبي بكر الحضرمي
قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام فقلت متى أصلي ركعتي الفجر قال حين يعترض الفجر وهو الذي تسميه العرب الصديع واما الأخبار المستفيضة المتقدمة الدالة
على أن وقتها أعم من ذلك وانه قبل الفجر ومعه وبعده المعتضدة بموافقة المشهور ومخالفة الجمهور وكذا الاخبار الآتية الدالة على جوازها بعد الفجر
فلا مقتضى لتأويلها أو حملها على التقية التي هي من ابعد التصرفات خصوصا في مثل هذه الأخبار الكثيرة التي ليس في شئ منها اشعار بذلك مع مخالفة الطائفة
الأولى منها الدالة على أعمية الوقت للعامة وصدور غير واحد منها من أبي جعفر عليه السلام الذي كان يفتي في هذه المسألة بالحكم الواقعي كما وقع التصريح
بذلك في رواية أبي بصير المتقدمة وحمل الفجر في تلك الأخبار على الفجر الكاذب في غاية البعد بل بعضها كرواية إسحاق نص في خلافه وليس شئ مما ذكره صالحا
لمعارضة هذه الأخبار التي هي ما بين صريح أو كالصريح في امتداد وقتهما إلى ما بعد الفجر اما ما عدى روايتي زرارة وخبر المفضل فواضح إذ غاية مفادها
الظهور في المدعى وهو لا يعارض النص والأظهر كما أن العمومات الناهية عن التطوع لا تعارض الخاص وخبر المفضل أيضا قابل لان يحمل على إرادة البدء
بالفريضة في مقابل نافلة الليل لا الركعتين كما عرفته فيما تقدم واما خبري زرارة فيمكن حملهما على إرادة وقت الفضيلة اما حسنة فواضح واما صحيحته
وان كان قد يترائى تعذر ارتكاب هذا التأويل فيها لقوة ظهورها في انحصار وقتهما بما قبل الفجر بملاحظة ما وقع فيها من التأكيدات البليغة التي ربما تجعلها
كما نص؟ في ذلك لكن قد يقربه ما ستسمعه من أن الأقوى عدم حرمة التطوع في وقت الفريضة فلا يبعد ان يكون المقصود بهذه المبالغات بيان انما قبل الفجر
57

هو الوقت الذي ينبغي اتخاذه وقتا لهما حتى يبتدء بالفريضة في أول وقتها تعريضا على العامة القائلين بان وقتهما بعد الفجر كما يؤيد ذلك ما في الرواية من
استعمال القياس والحاصل ان ارتكاب التأويل في هذه الصحيحة ليس بأبعد من ارتكاب التأويل في مثل قوله عليه السلام صل قبل الفجر وبعده وعنده بحمله
على الفجر الكاذب كما لا يخفى على من راجع العرف ولو سلم عدم قبولها للتأويل فالمتعين رد علمها إلى أهله بعد اعراض المشهور عنها ومعارضتها بالمعتبرة المستفيضة
فلا ينبغي الارتياب في بقاء وقتهما بعد طلوع الفجر في الجملة والأظهر انه يمتد وقتهما حتى تطلع الحمرة كما عن المشهور بل عن السرائر وظاهر الغنية
أو صريحها الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى الأصل مرسلة إسحاق بن عمار عنه عليه السلام قال صل الركعتين ما بينك (وما بين المشرق والمغرب قبلة) وبين الضوء حذاء رأسك فإن كان بعد ذلك فابدء
بالفجر إذ الظاهر مقارنة صيرورة الضوء كذلك لطلوع الحمرة وما احتمله بعض من إرادة الفجر الكاذب بالضوء لأنه هو الذي يحاذي الرأس ففيه ما لا يخفى بعد
ورود الامر بالبدئة بالفريضة بعده ويدل على انتهاء وقتهما عند طلوع الحمرة صحيحة علي بن يقطين قال سئلت أبا الحسن عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر
الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما قال يؤخرهما ولا ينافيها رواية الحسين بن أبي العلا قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يقوم وقد نور بالغداة قال
فليصل السجدتين اللتين قبل الغداة ثم ليصل الغداة لجواز ان يكون المراد بالتنوير إضاءة الصبح واستبانته لا ما لا يتحقق الا بعد ظهور الحمرة ثم إن مقتضى
امتداد وقتهما إلى طلوع الحمرة مزاحمتهما للفريضة عند تضيق وقت فضيلتها بناء على انتهاء وقت فضيلة الصبح عند طلوع الحمرة كما هو المشهور وهو لا يخلو عن
اشكال كما ستعرفه عند التكلم في جواز التطوع في وقت الفريضة ولذا خصصه بعض بما عدى مقدار أداء الفريضة وهو وجيه اللهم الا ان يقال إنه ليس في شئ
من الاخبار تحديد اخر وقت الركعتين بطلوع الحمرة ولا تحديد وقت فضيلة الصبح بذلك بل المدار على ما يستفاد من الاخبار في تحديد اخر وقت الفضيلة بان يتجلل
الصبح السماء ويضيئ العالم كما تقدمت الإشارة إليه في محله واما الركعتان فاخر وقتهما صيرورة الضوء محاذيا للرأس أو في وسط السماء كما دلت عليه
المرسلة المتقدمة فهذا أخص من وقت الفضيلة فلا محذور ولعل ما في كلمات الأصحاب من جعل طلوع الحمرة حدا لكليهما مع خلو الاخبار عن ذلك مبني على
التقريب والله العالم تنبيه حكى عن الشهيد في الذكرى الميل إلى امتداد وقتهما بامتداد وقت الفريضة لرواية سليمان بن خالد قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام
عن الركعتين قبل الفجر قال تركعهما حين تترك الغداة انهما قبل الغداة هكذا روى عن الشيخ في نسخة الوسائل التي يظن بصحتها لكن حكى عن الذكرى أنه قال
بخط الشيخ يركعهما حين تزول الغداة انهما قبل الغداة ثم قال وهذا يظهر منه امتدادها بامتدادها وهو ليس بعيد انتهى فكأنه فهم من الرواية
ان المراد بها بيان انهما قبل الغداة لا قبل الفجر فيؤتى بهما في الوقت الذي يزول بزواله الغداة يعني ما دام وقت الغداة باقيا وفي نسخة الحدائق الموجودة
عندي حين تركع الغداة بدل تترك فعلى هذا أوضح في الدلالة على المدعى لكن حملها صاحب الحدائق على الاستفهام الانكاري ليلايم قوله انهما قبل الغداة
فجعلها دليلا على مختاره من خروج وقتهما عند طلوع الفجر الثاني وفيه ما لا يخفى ويحتمل على تقدير كونها حين تترك كما في الوسائل ان يكون المقصود بها
بيان الرخصة في فعلها بعد طلوع الفجر مطلقا ما دام كونه تاركا للفريضة لانتظار جماعة ونحوها فعلى هذا التقدير أيضا يدل على ما ذكره الشهيد لكن نقل
متن الرواية عن غير خط الشيخ يتركهما بدل يركعهما فإن كان ما بعده حين يركع الغداة فظاهرها عكس ما ذكره الشهيد بخلاف ما لو كان تترك أو تزول وفي الجواهر
عما حضره من نسخة الوافي انه حكاها عن خط الشيخ بدل تترك تنزل وقال في تفسيره يعني ابتداء نزولها لأنها قبل صلاة الغداة أقول فظاهرها على هذا
التقدير ان وقتهما عند طلوع الفجر وعلى تقدير ان يكون صدرها يتركهما بدل يركعهما كما عن غير خط الشيخ فيحتمل قويا ان يكون المراد بنزول وقت الغداة
حضوره وقتها الفعلي الذي يقول فيه المؤذن قد قامت الصلاة كما في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة التصريح بأنه يدعهما في هذا الحين وعن الذخيرة انه نقلها
هكذا يركعهما حين تنور الغداة أقول فعلى هذا يحتمل ان يكون المراد بتنور الصبح استبانته وإضائته حسنا اي أول طلوع الفجر الصادق وأن يكون المراد
أسفاره وكيف كان فلا يصح الاعتماد على مثل هذه الرواية في اثبات شئ مما ذكر بعد ان وقع فيها ما سمعته من الاختلاف فليتأمل ويجوز ان تقضي
الفرائض الخمس في كل وقت ما لم يتضيق وقت الفريضة الحاضرة اجماعا كما ادعاه غير واحد ويدل عليه مضافا إلى الاجماع
صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال اربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها وصلاة ركعتي طواف الفريضة وصلاة
الكسوف والصلاة على الميت هذه يصليهن الرجل في الساعات كلها وصحيحة معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول خمس صلوات لا تترك على حال
إذا طفت بالبيت وإذا أردت ان تحرم وصلاة الكسوف وإذا نسبت فصل إذا ذكرت والجنازة وكذا يصلي بقية الصلوات المفروضات
لوجود المقتضى وعدم المانع واما عند تضيق وقت الحاضرة فيختص الوقت بها ولا يزاحمها غيرها في ذلك
الوقت اما ان كان ذلك الغير واجبا موسعا فوجهه
واضح وان كان مضيقا فيتضح وجهه في محله إن شاء الله ويصلي النوافل ما لم يدخل وقت فريضة وكذا قضاؤها بلا خلاف
ولا اشكال واما إذا دخل وقت الفريضة فهل يجوز النافلة ابتداء أو قضاء عن راتبة أم لا ففيه خلاف فعن الشيخين وكثير من القدماء والمتأخرين القول
بالمنع بل عن المصنف رحمه الله في المعتبر التصريح بذلك ونسبته إلى علمائنا وعن الشهيد وغير واحد ممن تأخر عنه القول بالجواز بل عن الدروس انه الأشهر حجة
المانعين اخبار كثيرة منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن ركعتي الفجر (قبل الفجر أو بعد الفجر فقال قبل الفجر انهما من صلاة الليل ثلاث عشر ركعة صلاة الليل أتريد ان تقايس
لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدء بالفريضة وصحيحته الأخرى أيضا عن أبي جعفر عليه السلام انه سئل عن رجل صلى بغير طهور
58

أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها فقال يقضيها إذا ذكرها إلى أن قال ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها وهذه الصحيحة تدل على عدم جواز التطوع
عن اشتغال الذمة بفريضة ولو قضاء فضلا عما لو دخل وقت فريضة حاضرة فليتأمل وصحيحته ثالثة أيضا رواها في محكى الذكرى سيأتي نقلها كاملا إن شاء الله تعالى
في المسألة الآتية وفيها إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدء بالمكتوبة وصحيحة رابعة له نقلها الشهيد الثاني في محكى الروض والسيد في المدارك
وشيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أصلي النافلة وعلى فريضة أو في وقت فريضة قال لا انه لا يصلي نافلة في وقت فريضة أرأيت لو كان عليك
من شهر رمضان أكان لك ان تتطوع حتى تقضيه قال قلت لا قال فكذلك الصلاة قال فقايسني وما كان يقايسني وهذه الصحيحة على ما يظهر من الحدائق وغيره
مما لم توجد في الكتب الأربع ولا في غيرها من كتب الاخبار وانما نقلها الشهيد في الروض واخذها منه من تأخر عنه فيحتمل قويا كونها نقلا لمضمون الصحيحة الأولى
وعلى تقدير كونها رواية أخرى يشكل الاعتماد عليها وان وصفوها بالصحة فإنها بالنسبة الينا كرواية مرسلة لم نعرف مأخذها ولا الوسائط التي وصلت
الرواية بواسطتهم إلى الشهيد فليتأمل ومنها خبر زياد بن أبي عتاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول إذا حضرت المكتوبة فابدء بها فلا يضرك ان تترك
ما قبلها من النافلة وحسنة مجية قال قلت لأبي جعفر عليه السلام تدركني الصلاة ويدخل وقتها على فابدء بالنافلة قال فقال أبو جعفر عليه السلام لا ولكن ابدء بالمكتوبة
واقض النافلة وعن مستطرفات السرائر عن كتاب حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث الأربعمائة قال لا يصلي الرجل نافلة
في وقت فريضة الا من عذر ولكن يقضى بعد ذلك إذا أمكنه القضاء قال الله تعالى الذين هم على صلواتهم دائمون يعنى الذين يقضون ما فاتهم من الليل بالنهار وما فاتهم
من النهار بالليل لا يقضى النافلة في وقت فريضته ابدء بالفريضة ثم صل ما بدا لك ورواية أبي بكر الحضرمي عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال إذا دخل وقت
صلاة فريضة فلا تطوع ورواية أديم بن الحر قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا يتنفل الرجل إذا دخل وقت فريضة قال وقال إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها
وموثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال قال لي رجل من أهل المدينة يا أبا جعفر مالي لا أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس فقلت انا إذا أردنا ان
نتطوع كان تطوعنا في غير وقت الفريضة فإذا دخلت الفريضة فلا تطوع ويدل عليه أيضا قوله عليه السلام في بعض الأخبار المتقدمة عند البحث عن وقت الظهرين
أتدري لم جعل الذراع والذراعان قلت لا قال حتى لا يكون تطوع في وقت مكتوبة واستدل له أيضا بالنبوي لا صلاة لمن عليه صلاة وما عن بعض من الخدشة
في سند كثير من هذه الأخبار مما لا ينبغي الالتفات إليه بعد استفاضتها وكثرتها وصحة أسانيد جملة منها واشتهار العمل بمضمونها بين الأصحاب بل لا مجال
للتشكيك في تعلق النهي بالتطوع في وقت الفريضة فإنه لا يبعد دعوى تواتر الأخبار الدالة عليه معنى وانما الاشكال في مقامين أحدهما في أن المراد بالشئ
هل هو الحرمة أو الكراهة الثاني في تعيين ما أريد بوقت الفريضة من أنه هل هو مطلق وقتها الذي يجوز ايقاعها فيه ولو على سبيل المرجوحية أو وقتها
الذي يكون المسارعة إليها فيه أفضل من تأخيرها أو اخر وقتها الذي يتضيق عندها الفعل كما توهمه بعض ولكنك عرفت في بعض المباحث السابقة ضعف الاحتمال
الأخير ومخالفته لصريح بعض الأخبار الدالة عليه وكيف كان فالمقصود بالنهي عن التطوع في وقت الفريضة انما هو النهي عنه ما دامت الذمة مشغولة بالفريضة
لا مطلقا ضرورة انه يجوز التطوع في وقت الفريضة بعد أدائها نصا وفتوى فالوقت في حد ذاته صالح للتطوع ولكن اشتغال الذمة بالفريضة اثر في المنع
عنه اما لمزاحمته لايقاع الفريضة في أول وقتها الذي هو أفضل كما ربما يستشعر ذلك من بعض الأخبار
التي وقع فيها الامر بترك النافلة والبدئة بالفريضة
عند حضور وقتها ويشهد له بعض الأخبار الآتية الدالة على جوازه مع المرجوحية بالإضافة أو لكون تفريغ الذمة عن الفريضة شرطا تعبديا لصحة النافلة
كما يقتضيه الجمود على ظواهر أغلب الأخبار الناهية وعليه يبتني استدلال القائلين بالمنع أو شرطا لكمالها كما هو أقرب المحامل في بعض تلك الأخبار على القول
بالجواز إذا عرفت ذلك فنقول اما صحيحة زرارة الأخيرة فقد عرفت قوة احتمال اتحادها مع الأولى وانها على تقدير المغايرة لا تنهض دليلا
لاثبات المدعى واما صحيحته الأولى فالاستدلال بها للمشهور انما يتجه على تقدير العمل بظاهرها في موردها اي في ركعتي الفجر وهو خلاف المشهور بل لم ينقل
القول به الا عن ابن الجنيد والشيخ في كتابي الاخبار وتبعهما في ذلك صاحب الحدائق وقد عرفت فيما سبق ان الأقوى خلافه وان المتجه حمل الصحيحة على استحباب
البدئة بالفريضة عند طلوع الفجر وعدم تأخير الركعتين إلى ذلك الوقت كي تزاحم بهما الفريضة في أول وقتها جمعا بينها وبين المعتبرة المستفيضة التي هي
نص في جواز تأخيرهما عن الفجر فما عن بعض من دعوى صراحة هذه الصحيحة في الحرمة من جهة المقايسة والتنظير بما هي معلومة فيه لا يخلو عن نظر مع أنه على تقدير
تسليم صراحتها فيما ذكر وعدم قبولها للتوجيه لتعين رد علمها إلى أهله كما تقدم الكلام فيه مفصلا فراجع واما صحيحته الثانية فهي انما تدل على المنع عن
التطوع لمن عليه قضاء وهي مسألة أخرى سيأتي التكلم فيها ودعوى ان الحاضرة أولى بهذا الحكم من الفائتة ممنوعة خصوصا على القول بالمضايقة في القضاء كما
هو واضح واما ساير الروايات فالمراد بوقت الفريضة فيها بحسب الظاهر هو وقتها الذي امر فيه بان يبدء بالفريضة ويترك عنده النافلة وهو بالنسبة
إلى الظهرين بعد الذراع والذراعين وبالنسبة إلى العشاء بعد ذهاب الشفق فان المراد بالنافلة في هذه الروايات اما خصوص الراتبة كما يشهد له الامر
بقضائها في جملة منها والتعبير بنفي الضرر عن ترك ما قبلها من النافلة في خبر زياد أو الأعم منها ومن المبتداة لا خصوص المبتداة كما لا يخفى فلا يستقيم حينئذ حمل
وقت المكتوبة على إرادة مطلق وقتها الذي يجوز ايقاعها فيه حتى يتجه الاستدلال بها لمذهب المشهور ودعوى ان مقتضى اطلاق قوله عليه السلام في أغلب
59

تلك الأخبار إذا دخل وقت الفريضة فابدء بها أو فلا تطوع أو نحو ذلك انما هو إرادة مطلق وقتها الذي يجوز ايقاعها فيه لا خصوص ما بعد الذراع
والذراعين أو وقت الفضيلة وإرادة هذا المعنى من بعض الأخبار لا تصلح شاهدة لحمل ما عداها عليه وانما رفعنا اليد عن هذا الظاهر بالنسبة إلى
النوافل المرتبة المأتى بها أداء بواسطة الأخبار الدالة عليه التي هي أخص مطلقا من هذه الروايات مدفوعة بان ارتكاب التخصيص في هذه الروايات
باخراج النوافل المرتبة التي هي اظهر مصاديق النافلة ابعد من حمل الوقت فيها على ذلك المعنى الشايع ارادته من اطلاقه في كلمات الأئمة عليهم السلام بحيث
فسر الوقت به في النصوص المستفيضة بل المتواترة الواردة في تحديد أوقات الفرائض المتقدمة في محلها مع ما في بعضها مما ورد في تحديد وقت الظهرين
بما بعد الذراع والذراعين من التصريح بأنه انما جعل الذراع والذراعين لمكان النافلة وان للرجل ان يتنفل إلى أن يبلغ الفئ ذراعا فإذا بلغ
الفئ ذراعا بدء بالفريضة وترك النافلة وفي بعضها التعليل لذلك بان لا يكون تطوع في وقت فريضة فيستفاد من هذه الروايات بمدلولها
اللفظي ان التطوع قبل الذراع والذراعين خارج عن موضوع الأخبار الناهية عن التطوع في وقت الفريضة هذا مع أن وحدة السياق تشهد
بإرادة معنى واحد من وقت الفريضة في هذه الأخبار وفي غيرها مما ورد فيه الامر بقضاء النافلة بعدها كما لا يخفى فظهر بما ذكرنا انه لا يتم الاستدلال
بشئ من هذه الروايات للمشهور وانه على تقدير تسليم دلالتها على الحرمة والغض عن معارضتها بالأخبار الآتية الحاكمة عليها انما يتم الاستدلال بها
للمنع عن التطوع بعد خروج وقت النوافل المرتبة لا مطلقا هذا مع قوة احتمال ان يكون المراد بحضور المكتوبة في خبر زياد وكذا المراد بادراك الصلاة
في الرواية التي بعدها انعقادها جماعة كما يؤيد هذا الاحتمال الصحيحة الآتية التي وقع فيها تفسير وقت الفريضة الذي لا ينبغي التطوع فيه بما إذا قال
المؤذن قد قامت الصلاة احتج المجوزون بجملة من الاخبار منها موثقة سماعة التي رواها المشايخ الثلاثة فعن الكافي باسناد عن سماعة قال سئلته
عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله أيبتدء بالمكتوبة أو يتطوع فقال إن كان في وقت حسن فلا باس بالتطوع قبل الفريضة وان كان خاف الفوت
من اجل ما مضى من الوقت فليبدء بالفريضة وهو حق الله ثم ليتطوع ما شاء الامر موسع ان يصلي الانسان في أول دخول وقت الفريضة النوافل
الا ان يخاف فوت الفريضة والفضل إذا صلى الانسان وحده ان يبدء بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة وليس بمحظور
عليه ان يصلي النوافل من أول الوقت إلى قريب من اخر الوقت وعن التهذيب نحوه وعن الفقيه باسناده عن سماعة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام الرجل
يأتي المسجد وساق الحديث نحوه إلى قوله عليه السلام ثم ليتطوع ما شاء باسقاط قوله والفضل إلى اخره وهذه الرواية كما تريها صريحة في المدعى وما احتمله
بعض من كون قوله والفضل إلى اخره من عبارة الكليني رحمه الله مع مخالفته للظاهر غير قادح في الاستدلال فان ما تقدمه كاف في اثبات المطلوب فإنه كالصريح
في جواز التطوع في وقت الفريضة ما لم يخف فوتها نعم لو كانت هذه الفقرة من تتمة الحديث كما هو الظاهر لكان لها نحو حكومة على الاخبار
التي ورد فيها الامر بالبدئة بالفريضة وترك النافلة عند حضور وقتها مع ما فيها من الإشارة إلى علية الحكم واختصاصه بما إذا لم يكن الراجح تأخيرها لانتظار
الجماعة كما أن في قوله عليه السلام في الفقرة السابقة وهو حق الله إشارة إلى أن الامر بالبدئة بالفريضة عند خوف فواتها لأجل أهميتها من النافلة لا عدم صلاحية
الوقت من حيث هو للنافلة أو كون تقديم الفريضة شرطا في صحتها كما هو من لوازم مذهب المانعين ومنها حسنة محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
إذا دخل وقت الفريضة انتفل أو ابدء بالفريضة قال إن الفضل ان تبدء بالفريضة وانما أخرت الظهور ذراعا من اجل صلاة الأوابين فان ظاهرها جواز
التنفل في وقت الفريضة وكون البدئة بها عند دخول وقتها من باب الاستحباب وقوله عليه السلام وانما أخرت الظهر الخ يحتمل ان يكون مسوقا لدفع التنافي بين
استحباب البدئة بالفريضة عند حضور وقتها واستحباب التنفل قبلها في أول الوقت ببيان تأخر وقتها عن أول الوقت بمقدار الذراع لمكان النافلة
ويحتمل أيضا ان يكون المقصود بيان ان الظهر متأخرة عن وقتها الأصلي بمقدار ذراع فلا ينبغي تأخيرها أزيد من ذلك ويحتمل أيضا ان يكون استدراكا
عما تقدمه بان يكون المراد بالرواية بيان ان الفضل انما هو بالبدئة بالفريضة حين حضور وقتها اي المسارعة إلى فعلها في أول الوقت ولكن أخرت الظهر
بمقدار ذراع عن أول وقتها لأجل صلاة الأوابين التي هي لدى الشارع كالفرائض من المهمات التي لا يجوز تركها ومنها صحيحة عمر بن يزيد انه سئل
أبا عبد الله عن عن الرواية التي يروون انه لا ينبغي ان يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت قال إذا اخذ المقيم في الإقامة فقال له ان الناس
يختلفون في الإقامة قال عليه السلام المقيم الذي تصلي معه وهذه الصحيحة حاكمة على الأخبار الناهية
عن التطوع في وقت الفريضة ومفسرة لها وظاهرها كون النهي
المتعلق به بصيغة لا ينبغي الظاهرة في الكراهة ومقتضى تحديد ذلك الوقت بما إذا اخذ المقيم في الإقامة اختصاص المنع بهذه الصورة وهذا ربما ينافيه
بعض تلك الأخبار مما هو نص في شمول المنع للمنفرد الذي لا يصلي جماعة فلا يبعد ان يكون المراد بهذه الصحيحة تحديد ذلك الوقت بالنظر إلى من ينتظر الجماعة
لا مطلقا ويمكن ابقاء هذه الصحيحة على ظاهرها وتنزيل الأخبار الدالة على المنع في حق المنفرد على الارشاد إلى ما هو الأصلح كما ربما يستشعر ذلك من بعض
عبائرها لا على الكراهة أو الحرمة فليتأمل وكيف كان فهي نص في جواز التطوع بعد دخول وقت الفريضة في الجملة ولو لخصوص من ينتظر الجماعة ونحوها
رواية إسحاق بن عمار قال قلت أصلي في وقت فريضة نافلة قال نعم في أول الوقت إذا كنت مع امام تقتدي به
فإذا كنت وحدك فابدء بالمكتوبة والمراد بأول
وقت الفريضة في هذه الرواية وكذا في الروايات السابقة انما هو بعد الذراع والذراعين كما حدد أول وقتها بذلك في الأخبار الكثيرة المتقدمة في أول مبحث
60

المواقيت فان هذا هو الوقت الذي يكون مأمورا بان يبدء عند حضوره بالمكتوبة لو صلى وحده دون ما قبل الذراع والذراعين الذي يكون الراجح فيه الابتداء
بالنافلة نصا وفتوى فهذا الرواية أيضا كسابقتها تدل على جواز التطوع في وقت الفريضة عند انتظار الجماعة وكون المتبادر من أغلب هذه الروايات إرادة
النوافل المرتبة غير قادح في الاستدلال بعد حكومة هذه الأخبار على الأخبار الناهية عن التطوع التي هي مستند القائلين بالمنع خصوصا مع أن الظاهر عدم
قول يعتد به بالتفصيل بين النوافل المرتبة بعد خروج وقتها وبين النوافل المبتدئة هذا مع أن المنساق إلى الذهن من الخبرين الأخيرين إرادة مطلق النافلة
لا خصوص الراتبة واستدل له أيضا بموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن فاتك شئ من تطوع الليل والنهار فاقضه عند زوال الشمس وبعد الظهر عند العصر
وبعد المغرب وبعد العتمة ومن اخر السحر وهذه الموثقة انما يتجه الاستدلال بها في رد المشهور القائلين بعدم جواز التطوع في وقت الفريضة مطلقا عدى
النوافل اليومية مؤداة والا فلو قيل باختصاص المنع بالنسبة إلى الظهرين بعد الذراع والذراعين وبالنسبة إلى العشاء بعد ذهاب الشفق كما هو غاية ما
يمكن استفادته من أدلتهم على ما بيناه فيما سبق فيشكل استفادة ما ينافيه من هذه الموثقة كما لا يخفى ومما يؤيد المطلوب الأخبار المستفيضة التي ورد فيها
الامر بصلوات خاصة بين المغرب والعشاء التي تقدم كثير منها في صدر الكاتب وقد أشرنا فيما تقدم إلى امكان توجيه بعضها بما لا ينافي المشهور واما
(بعضها الآخر فهو نص في خلافهم مثل ما ورد فيه الامر بعشر) ركعات بعد المغرب ونافلتها بل مقتضى اطلاق مثل هذه الأخبار جواز مزاحمتها لايقاع العشاء في أول وقتها ولكنك عرفت ان سندها لا يخلو عن قصور
ويؤيده اطلاق الأخبار الكثيرة المتقدمة عند البحث عن جواز تقديم النافلة على الزوال الدالة على أن النافلة بمنزلة الهدية وانها في اي ساعة من ساعات
النهار اتي بها قبلت واطلاق غيرها مما ورد فيه الامر بالنوافل خصوصا ذوات الأسباب منها عند حصول أسبابها وعمومات قضاء الرواتب وفي خبر علي بن جعفر
عن أخيه عليه السلام المروي عن قرب الإسناد الامر بقضاء صلاة الليل والوتر فيما بين الظهر وبين صلاة العصر أو متى أحب قال سئلته عن رجل نسي صلاة الليل
والوتر فيذكر إذا قام في صلاة الزوال فقال يبدء بالنوافل فإذا صلى الظهر صلى صلاة الليل وأوتر ما بينه وبين العصر أو متى أحب إلى غير ذلك من الشواهد
المؤيدات التي لا تخفى على المتتبع واستدل أيضا بصحيح سليمان بن خالد قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل دخل المسجد وافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي
إذ اذن المؤذن واقام الصلاة قال فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الامام ولتكن الركعتان تطوعا والصحيح عن محمد بن نعمان الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام
قال إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم فان كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأوليين وان كانت العصر فليجعل الأوليين نافلة
والأخيرين فريضة أقول ونحوه مرسلة ابن أبي عمير عن أحدهما في مسافر أدرك الامام ودخل معه في صلاة الظهر قال فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين
السبحة وان كانت صلاة العصر فليجعل الأولتين السبحة والأخيرتين العصر ويرد على الاستدلال بالصحيحة الأولى ان الخصم بحسب الظاهر يلتزم بمفادها
ويخصص بها الأخبار الناهية لكونها أخص مطلقا من تلك الأخبار بل يظهر من بعض في لخلاف في ذلك فلا تكون هذه الصحيحة حجة عليهم واما الخبران الأخيران
فلا بد من حمل النافلة فيهما على الفريضة المعادة والا فهما من الشواذ التي يجب رد علمها إلى أهله فالمقصود بجعل الأولتين نافلة جعلهما إعادة الظهر لادراك
فضيلة الجماعة وان كان قد يشكل ذلك بالنسبة إلى ما في المرسلة من جعل الأخيرتين سبحة ان كانت ظهرا فان مشروعية إعادة ما صلاها جماعة لا يخلو عن
تأمل وكيف كان فان أريد بها صلاة التطوع فهي من الشواذ والا فخارج عن محل الكلام سواء أريد بها المعادة أو قضاء الصلوات الماضية أو اعادتها
احتياطا أو استحبابا وما يقال من أن اطلاق كلمات المانعين يشمل المعادة وقولهم باستحباب الإعادة لمن صلى وحده أعم من ذلك فيخصص بما لا يستلزم
تطوعا في وقت فريضة مما لا ينبغي الالتفات إليه فان اطلاق كلماتهم ينصرف عن المعادة خصوصا مع عموم قولهم باستحبابها لمن صلى وحده ولا أقل من عدم ثبوت
التزامهم بعدم الفرق كي يصح الاستشهاد في ردهم بمثل هذه الأخبار فالعمدة في تضعيف مذهبهم ما عرفت من قصور أدلتهم عن اثبات مدعاهم على سبيل العموم
وحكومة الأخبار الدالة على الجواز على الأدلة الدالة على المنع وكون المعارضة بينهما من قبيل معارضة النص والظاهر القابل للتوجيه القريب الذي ربما يستأنس
له ببعض ألفاظ الروايات من كون المنع عن التطوع للحث على ايقاع الفريضة في أول وقتها الذي هو أفضل أو لكراهة الاشتغال بالسنن والمسامحة في امر الفريضة
التي هي حق الله الأهم أو كراهته عند انعقاد صلاة الجماعة فيكون المراد بوقت الفريضة هو هذا الحين الذي يكون الاشتغال فيه بالتطوع منافيا لاحترام
الجماعة أو غير ذلك من المحامل هذا مع أن ما في النفس من استبعاد حرمة النافلة التي هي خير موضوع في الوقت الصالح لفعلها من حيث هو بمجرد اشتغال الذمة
بفريضة موسعة يجوز تأخيرها إلى اخر الوقت والاتيان بسائر الافعال المباحة وبما يصرف النواهي عن إرادة الحرمة فظهر بما ذكرنا ان الأقوى انما هو جواز
التطوع في وقت الفريضة مطلقا ما لم يتضيق وقتها كما لعله المشهور بين المتأخرين وقد وقع التصريح به في الموثقة المتقدمة وهل يكره ذلك على حد غيره من العبادات
المكروهة التي عرفت توجيهها غير مرة كالوضوء بالماء المسخن أو قراءة القرآن للحايض والجنب أو انه مرجوح بالإضافة إلى البدئة بالفريضة والا فهي في حد ذاتها صلاة
تامة كاملة غير مشتملة على منقصة فيه تردد وان كان الأظهر هو الكراهة لكن في وقت فضيلة الفرائض لا مطلقا اي بعد مضي مقدار ذراع أو ذراعين في
الظهرين وفي العشاء بعد غيبوبة الشفق خصوصا عند انعقاد الجماعة وشروع المؤذن في الإقامة بل لو قيل باختصاص الكراهة بهذه الصورة ومرجوحية الإضافة
في غيرها لم يكن خاليا عن وجه كما تقدمت الإشارة إليه فيما سبق والله العالم تذنيب اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم في جواز النافلة لمن عليه
قضاء فريضة قبل بالمنع اختاره في الحدائق ونسبه إلى الأكثر بل المشهور وقيل بالجواز وربما نسب هذا القول أيضا إلى ظاهر الأكثر وكيف كان فهذا هو الأظهر ولو
61

على القول بالمضايقة في القضاء لما ستعرف إن شاء الله في محله من أن المتجه على هذا القول أيضا أوسعية الامر من ذلك وعدم كون التضييق بمرتبة
ينافيها الاتيان بنافلة أو ما جرى مجربها؟ من الافعال المستحبة أو المباحة في خلال التشاغل بالقضاء فالاستدلال للمنع بأدلة القول بالمضايقة غير
وجيه مضافا إلى ما ستعرف إن شاء الله من ضعف هذا القول واضعف من ذلك ما في الحدائق من الاستدلال عليه أيضا بالروايات الدالة على وجوب
ترتيب الحاضرة على الفائتة وانه يجب تأخير الحاضرة إلى أن يتضيق وقتها قائلا في تقريبه انه إذا وجب ذلك في الفريضة التي هي صاحبة الوقت ففي نافلتها
بطريق أولى وأولى منه في غير نافلتها وفيه ما لا يخفى فان المانع عن فعل الحاضرة قبل الفائتة بناء على العمل بظاهر هذه الروايات انما هو وجوب الترتيب
بين الفرائض ولذا ربما يقول به من لا يلتزم بالمضايقة في القضاء فحال الحاضرة بالنسبة إلى الفائتة حال العصر بالنسبة إلى الظاهر فتنظير النافلة عليها
خصوصا النوافل المبتداة أو قضاء الفوائت منها قبل الفريضة الفائتة قياس مع الفارق نعم لو كان مناط ايجاب تأخير الفريضة الفائتة قياس مع الفارق نعم لو كان مناط ايجاب تأخير الفريضة إلى اخر وقتها المضايقة
في امر القضاء لا غير لكان للأولوية التي ادعاها وجه لكن من أين علم ذلك مع مخالفته لظواهر غير واحد من تلك الروايات كما ستسمعها في محلها إن شاء الله
واستدل عليه أيضا بجملة من الاخبار منها صحيحة زرارة الثانية المتقدمة في صدر المبحث وهي ما رواه عن أبي جعفر عليه السلام انه سئل عن رجل صلى بغير طهور
أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها فقال يقضيها إذا ذكرها في اي ساعة ذكرها من ليل أو نهار فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف
ان يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت وهذه أحق فليقضها فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضي ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها وصحيحة
الرابعة المحكية عن الروض المشتملة على مقايسة الصلاة بالصوم قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أصلي النافلة وعلى فريضة أو وقت فريضة قال لا انه لا يصلي نافلة
في وقت فريضة أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك ان تتطوع حتى تقضيه قال قلت لا قال فكذلك الصلاة الحديث وما تكلفه بعض في الجواب
عن هذه الصحيحة بالحمل على الأداء خاصة بقرينة قوله عليه السلام في وقت فريضة الظاهر في وقت الأداء وتنزيل الترديد الواقع في السؤال على كونه من الرواة لا من
السائل وكون المراد بقوله لو كان عليك من شهر رمضان وجوب الصوم عند حلول الشهر فأريد بقضائه فعله في وقته لا القضاء المصطلح تصحيحا للقياس على
التطوع في وقت الفريضة ففيه ما لا يخفى فان قوله عليه السلام في وقت فريضة لا يصلح قرينة لمثل هذه التكلفات بل الظاهر أن المراد بوقت الفريضة بقرينة
السؤال والتنظير هو الوقت الذي تنجز في حقه التكليف بفريضة أداء كانت أم قضاء فأريد بالتشبيه بيان انه لا تطوع عند تنجز تكليف وجوبي بالصلاة
كالصوم وحمله على إرادة الصوم في رمضان يبطل القياس حيث يتعين عليه الصوم الواجب حينئذ فلا يتمكن معه من التطوع فكيف يقاس عليه الصلاة في سعة الوقت
ومنها صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس
فقال يصلي حين يستيقظ قلت أيوتر أو يصلي ركعتين قال بل يبدء بالفريضة واستدل له أيضا بالنبوي المرسل لا صلاة لمن عليه صلاة احتج القائلون
بالجواز بالعمومات الدالة على شرعية النوافل وانها بمنزلة الهدية متى اتى بها قبلت وباطلاقات الأوامر المتعلقة بالصلوات الخاصة التي لا تحصى من ذوات
الأسباب وغيرها مع غلبة اشتغال ذمة المخاطبين بشئ من الفوائت بحسب العادة وبجملة من الأخبار الخاصة
منها موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته
عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس قال يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة ومنها ما روى بطريق عديدة منها الصحيح وغيره من نومه صلى الله عليه وآله
عن صلاة الصبح حتى أذاه حر الشمس فاستيقظ وركع ركعتي الفجر ثم صلى الصبح بعدهما كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول إن
رسول الله صلى الله عليه وآله فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى أذاه حر الشمس ثم استيقظ فعاد ناديه ساعته فركع ركعتين ثم صلى الصبح وقال يا بلال مالك فقال
بلال أرقدني الذي أرقدك يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال وكره المقام وقال نمتم بوادي الشيطان وأجاب الشيخ في محكى الاستبصار عن الخبرين بحملهما على من يريد
ان يصلي بقوم وينتظر اجتماعهم فأجاز له ان يبدء بركعتي النافلة كما فعل النبي صلى الله عليه وآله دون ما إذا كان وحده فلا يجوز له ذلك وفيه
ان تنزيل اطلاق الموثقة على إرادة ما إذا كان ذلك الرجل يريد ان يصلي بقوم جماعة مع ما فيها من اطلاق السؤال وكون المفروض من الفروض النادرة
التحقيق كما ترى نعم ما ذكره من انتظار الجماعة يحتمل ان يكون وجها لصدور الركعتين من النبي صلى الله عليه وآله وحيث إن الفعل مجمل يشكل
الاستدلال بالرواية الأخيرة وما جرى مجريها من الاخبار الحاكية له لاثبات جوازهما على الاطلاق وأجاب عنهما في الحدائق بان مدلول الخبرين ركعتا
الفجر وصلاة الصبح والمدعى أعم من ذلك وما يقال في أمثال هذه المقامات من أن هذه الأخبار قد دلت على الجواز في هذا الموضع ويضم إليه انه لا قائل
بالفرق فيتم في الجميع فكلام ظاهري لا يعول عليه وتخريج شعري لا يلتفت إليه انتهى أقول وكفى بدلالتها على الجواز شاهدة لصرف الامر بالبدئة بالفريضة
في خبر يعقوب بن شعيب الوارد في خصوص هذا الموضع إلى الاستحباب وأفضلية المبادرة إلى تفريغ الذمة من الواجب من فعل النافلة التي هي في حد ذاتها
أيضا من العبادات الراجحة المأمور بها فيكون إرادة الاستحباب من الامر في هذا الموضع من موهنات إرادة الالزام من النهي عن التطوع في ساير
الاخبار بل ربما يشهد بعدمه ان قلنا بان حمل تلك الأخبار على الاستحباب أولى من ارتكاب التخصيص باخراج هذا الموضع من مثل هذه العمومات الابية
عن التخصيص كما ليس بالبعيد ومنها ما عن الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا حضر وقت صلاة
مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدء بالمكتوبة قال فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر عليه السلام
62

فحدثني ان رسول الله صلى الله عليه وآله عرس في بعض أسفاره وقال من يكلؤنا فقال بلال انا فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس فقال يا بلال ما أرقدك فقال يا رسول الله
اخذ بنفسي الذي اخذ بأنفسكم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه
الغفلة وقال يا بلال اذن فاذن فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتي الفجر
وامر الصحابة فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح وقال من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها فأن الله عز وجل يقول أقم الصلاة لذكري
قال زرارة فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقالوا انقضت حديثك الأول فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فأخبرته بما قال القوم فقال يا زرارة الا أخبرتهم
انه قد فات الوقتان جميعا وان ذلك كان قضاء من رسول الله صلى الله عليه وآله قال الشهيد في محكي الذكرى بعد نقل الخبر المذكور ان فيه فوائد منها استحباب ان يكون
للقوم حافظ إذا ناموا صيانة لهم عن هجوم ما يخاف منه ومنها ما تقدم من أن الله أنام نبيه ليعلم أمته ولئلا يعير بعض الأمة بذلك ولم أقف
على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة به ومنها ان العبد ينبغي ان يتفأل بالمكان والزمان بحسب ما يصيبه فيهما من خير وغيره ولهذا
تحول النبي صلى الله عليه وآله من مكان إلى اخر ومنها استحباب الأذان للفائتة كما يستحب للحاضرة وقد روى العامة عن أبي قتادة وجماعة من الصحابة
في هذه الصورة ان النبي صلى الله عليه وآله امر بلالا فاذن فصلى ركعتي الفجر ثم امره فأقام فصلى صلاة الفجر ومنها استحباب قضاء السنن ومنها
جواز فعلها لمن عليه قضاء وان كان قد منع عنه أكثر المتأخرين ومنها شرعية الجماعة في القضاء كالأداء ومنها وجوب قضاء الفائتة لفعله عليه السلام ووجوب
التأسي به وقوله فليصلها ومنها ان وقت قضائها ذكرها ومنها ان المراد بالآية الكريمة ذلك انتهى وفي الحدائق بعد ان نقل ما سمعته عن الذكرى
قال ما لفظه أقول قد أهمل شيخنا قدس سره هنا شيئا هو اظهر الأشياء من الرواية اما غفلة أو لمنافاته لما اختاره في المسألة وهو المنع من صلاة النافلة
إذا دخل وقت المكتوبة حتى يبدأ بالمكتوبة كما صرح به عليه السلام في صدر الخبر واكده بالفرق بينه وبين القضاء واما قوله قدس سره ومنها جواز فعلها يعنى السنن لمن عليه
قضاء فهو ممنوع إذ أقصى ما دل عليه الخبر خصوص جواز ركعتي الفجر في هذه المادة وقضية الجمع بينه وبين ما قدمناه من الاخبار قصر هذا الخبر على مورده
واستثناء هذا الموضع من المنع رخصة اما مطلقا كما ذكره المحدث الكاشاني أو لانتظار اجتماع الجماعة كما ذكره الشيخ فلا دلالة على الجواز مطلقا كما زعمه قد
انتهى أقول اما دلالة الخبر على المنع عن النافلة عند حضور وقت المكتوبة فهي واضحة ولكنك عرفت في المبحث السابق ان المنع محمول على الكراهة أو المرجوحة
بالإضافة بشهادة المعتبرة الدالة عليه واما ما ذكره من أن أقصى ما دل عليه الخبر جواز خصوص ركعتي الفجر فيستثنى هذا الموضع بالخصوص من المنع ففيه ان ما
في ذيل الرواية الذي هو بمنزلة التعليل لجواز الركعتين نص في أن خروج الركعتين عما دل على المنع عن التطوع في وقت الفريضة ليس لخصوصية فيهما بل لعدم
اندراجهما في موضوع المنع حيث إن الفائتة لا تقع الا في خارج الوقت فلا يكون التطوع عند اشتغال الذمة بها تطوعا في وقت الفريضة فهذه
الصحيحة مما لا قصور في دلالتها على المدعى ولا يصلح شئ من الأخبار المتقدمة لمعارضتها اما خبر يعقوب بن شعيب فواضح فان هذه الصحيحة كالخبرين المتقدمين
نص في جواز ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح فيكون الامر بالبدئة بالفريضة في تلك الرواية محمولا على استحباب المسارعة والمبادرة إلى الخروج عن عهدة
الواجب وكذا صحيحة زرارة الأولى الناهية عن التطوع بركعة حتى تقضي الفريضة كلها فان حمل تلك الصحيحة على إرادة الحث على تأدية الواجب واستحباب
المسارعة إلى فعلها وترك التواني في امرها والاشتغال بالنوافل أولى من رفع اليد عن ظاهر ذيل هذه الصحيحة خصوصا مع استلزام ابقاء النهي على ظاهره
من الحرمة اما طرح المستفيضة المصرحة بجواز نافلة الفجر قبل صلاة الصبح التي تقدم جملة منها أو ارتكاب التخصيص بالنسبة إليها والالتزام بالتفصيل
الذي لم يتحقق وجود قائل به مع اباء سوق الرواية عن التخصيص كما لا يخفى على المتأمل ومما يقرب حمل النهي عن التطوع بركعة على المرجوحية بالإضافة
التي مرجعها إلى أفضلية المسارعة إلى قضاء الفريضة من الاشتغال بالنافلة ساير فقرات الرواية الدالة على المضايقة في القضاء وتقديم الفائتة على
الحاضرة ما لم يتضيق وقتها المحمولة على الاستحباب بشهادة ما عرفت كما عرفت واما صحيحته الأخرى المحكية عن الروض فهي بعد الغض عما عرفته في المسألة
السابقة من عدم الوثوق بصدورها ومغايرتها للصحيحة الواردة في ركعتي الفجر التي تقدم الكلام فيها فهي قاصرة عن حد الدلالة فضلا عن صلاحيتها
لمعارضته هذه الصحيحة فإنه لابد من حمل النهي فيها على الكراهة أو مطلق المرجوحية الغير المنافية للكراهة لما عرفت فيما سبق من أن الأظهر كراهة التطوع
في وقت فريضة حاضرة بشهادة اخبار معتبرة دالة على الجواز حاكمة على الأدلة النهاية عن التطوع في وقت الفريضة فلا يمكن إرادة الحرمة ههنا بالنسبة
إلى القضاء لاستلزامها استعمال اللفظ في معنيين فالمراد بالنهي في الجميع اما خصوص الكراهة أو مطلق المرجوحية فلا يتم به الاستدلال هذا ولكن يبقي
بين هاتين الصحيحتين تدافع من جهتين الأولى ان الصحيحة الواردة في المقام تدل على أن المراد بوقت الفريضة التي نهى عن التطوع فيه هو وقت الحاضرة دون
الفائتة وتلك الصحيحة تدل على أن المراد به الأعم الا على الاحتمال الذي عرفت ضعفه والثانية ان تلك الصحيحة تدل على مشاركة التطوع في وقت
الحاضرة والفائتة في النهي الذي أقل مراتبه الكراهة وقد حملنا النهي الوارد فيها بالنسبة إلى الحاضرة على الكراهة فيتحقق التنافي حينئذ بين هذه الصحيحة
وبين الصحيحة المفصلة بين التطوع في الوقتين فان التفصيل بقطع الشركة فيلزمه انتفاء الكراهة أيضا ويمكن دفعهما بان إرادة ما يعم وقد اشتغال
الذمة بالفائتة من وقت الفريضة في تلك الصحيحة مبنية على التوسعة والتجوز ولذا جعل بعض هذه الفقرة قرينة لارتكاب التأويل البعيد الذي
63

سمعه في تلك الصحيحة واما النهي المتعلق به بهذا المعنى الأعم فمحمول على المرجوحية بالإضافة التي ربما يوجه بها العبادات المكروهة والتفصيل الواقع في
الصحيحة الأخرى منزل على اختلاف المراتب فليتأمل واما النبوي المرسل فهو مع ضعف سنده قابل للحمل على نفي الكمال كما أريد هذا المعنى في كثير من
نظائره ثم إن صاحب الحدائق قد ناقش أيضا في الاستدلال بالصحيحة المتقدمة ونظائرها من الاخبار المتضمنة لنوم النبي صلى الله عليه وآله بان مقتضى
ما انعقد عليه اجماع الأصحاب من عدم تجويزهم السهو على النبي صلى الله عليه وآله رد هذه الأخبار
أو حملها على التقية وقد تعجب من الأصحاب كل العجب كيف تلقوا هذه الأخبار
بالقبول مع اجماعهم على عدم جواز السهو والخطاء على الأنبياء عليهم السلام ونقل عن شيخنا المفيد رحمه الله في بعض كلماته التصريح بان الأخبار الواردة في نوم
النبي صلى الله عليه وآله أو سهوه في الصلاة من اخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا وطعن بذلك على الشهيد في مقالته باني لم أقف على راد لهذا الخبر وأنت خبير بان غلبة
النوم غير مندرجة في موضوع السهو والخطأ حتى يندرج في معقد اجماعهم فيشكل دعوى امتناعها على الأنبياء عليهم السلام إذ لا شاهد عليها من نقل
أو عقل عدى ما قد يقال من أن نومهم عن الفريضة نقص يجب تنزيههم عنه وهو غير مسلم خصوصا إذا كان من قبل الله تعالى رحمه على العباد ليلا يعبر بعضهم بعضا
كما في بعض الأخبار التصريح بذلك وربما يستشهد له بما روى من أنه صلى الله عليه وآله كان تنام عيناه ولا ينام قلبه وانه صلى الله عليه وآله كان له خمسة أرواح منها
روح القدس وانه لا يصيبه الحدثان ولا يلهو ولا ينام فان مقتضى هذه الروايات عدم صدور فوت الصلاة منه عند منامه أيضا لولا السهو المجمع
على بطلانه وفيه نظر إذ الظاهر أن الاعمال الظاهرية الصادرة من النبي والأئمة عليهم السلام لم تكن مربوطة بمثل هذه الادراكات الخارجة عن المتعارف
فالانصاف ان طرح تلك الأخبار مع ظهور كلمات الأصحاب في قبولهم لها بمثل هذه الأخبار ونظائرها مما دل على أن عندهم علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة
أو نحو ذلك مشكل نعم قد يقال بأنه لا يجوز التعويل على اخبار الآحاد في مثل هذه المسألة التي هي من العقايد لكن لا يمنع ذلك عن الاخذ بما تضمنتها من
الاحكام الفرعية عند اجتماعها الشرائط الحجية كما في المقام ثم لو سلم منافاة ما فيها لمرتبة النبوة وجرى هذه الأخبار مجرى التقية ونحوها فلا يقتضي ذلك
الا طرح هذه الفقرة دون الفقرة المذكورة في ذيل الصحيحة الدالة على أن وقت الفريضة التي نهى عن التطوع فيه هو وقت أدائها ويمكن الاستشهاد للمدعى
أيضا بالاخبار الدالة على الجواز في المسألة السابقة إذا الظاهر كما صرح به بعض ان كل من قال بالجواز في تلك المسألة قال به في المقام من غير عكس فيتم الاستدلال
بضميمة في لقول بالفصل فليتأمل وقد يستدل له أيضا برواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام لكل صلاة مكتوبة لها نافلة ركعتين الا العصر فإنه يقدم
نافلتها فيصيران قبلها وهي الركعتان اللتان تمت بهما الثماني بعد الظهر فإذا أردت ان تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا حتى تبدء
فصلى قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها ثم اقض ما شئت فان المراد بالصلوات التي رخص في قضائها كلما شاء على الظاهر غير الفريضة الحاضرة
وعن السيد علي بن موسى بن طاوس في كتاب غياث سلطان الورى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف ان
يدركه الصبح ولم يصل صلاة ليلة تلك قال يؤخر القضاء ويصلي صلاة ليلته تلك ثم إن جل الأخبار الدالة
على الجواز بل كلها انما وردت في ذوات
الأسباب لكن لم نقف على مصرح بالتفصيل مضافا إلى أن مقتضى الجمع بين هذه الأخبار وبين الأخبار الدالة على المنع التي عمدتها صحيحة زرارة الأولى انما
هو حمل تلك الأخبار على الاستحباب فان ارتكاب التخصيص فيها بحملها على النوافل المبتداة حتى يتجه التفصيل بين ذوات الأسباب وغيرها في غاية البعد بل كاد
يكون متعذرا في الصحيحة التي هي عمدة أدلة المانعين هذا مع أن مقتضى ما في ذيل الصحيحة الأخيرة الدالة على الجواز انما هو جواز مطلق النافلة وعدم
العبرة بخصوصية المورد كما عرفته انفا فاحتمال التفصيل في المسألة ضعيف وان كان الأحوط ترك النوافل المبتداة لمن عليه فريضة بل الأولى والأحوط ترك مطلق
النافلة عند اشتغال الذمة بفريضة حاضرة كانت أم فائتة الا النوافل المرتبة في أوقاتها حال فراغ الذمة عن الفوائت وان كان الأظهر ما عرفت وكيف
كان فالظاهر في لباس بالتطوع عند اشتغال الذمة بصلاة عرض لها الوجوب بإجارة أو نذر وشبهه فان لفظ الفريضة التي نهى عن التطوع في وقتها
بحسب الظاهر منصرف عما كان وجوبها بالعناوين الطارية لا بعنوان كونها صلاة هذا مع خروج مثل الفرض عما هو المفروض موضوعا في معظم تلك الأخبار
كما لا يخفى نعم قد يقال بشمول قوله عليه السلام لا صلاة لمن عليه صلاة لمثل الفرض وفيه مع امكان دعوى انصرافه عن مثل ذلك أنه لا عبرة بعموم هذه
المرسلة مع ما فيها من ضعف السند وعدم الجابر ثم انا لو قلنا بحرمة التطوع لمن عليه فريضة حاضرة أو فائتة فان نذر ان يتطوع في وقت الفريضة كما إذا
نذر مثلا ان يصلي صلاة جعفر في أول المغرب أو نذر ان يصلي صلاة الاعرابي يوم الجمعة المقبلة وكانت ذمته مشغولة بفوائت لم يتمكن من الخروج عن عهدتها
قبل حضور وقت صلاة الاعرابي لم ينعقد النذر فإنه لا يتعلق بغير المشروع ولكن لو نذر النافلة على الاطلاق أو قيدها بزمان خاص كما في صلاة الاعرابي
المنذور ايقاعها في الجمعة الآتية وتمكن من ايقاعها في ذلك الوقت فارغا ذمته عن الفوائت صح النذر ووجب الوفاء به وهل له بعد انعقاد النذر و
صيرورتها واجبة بالعرض الاتيان بها قبل الفريضة أم يجب تأخيرها عنها وجهان أوجههما الأول فان المنساق من الأدلة المنع عن النافلة التي كانت بالفعل
موصوفة بصفة النفل فلا يعم المفروض بعد انقلاب الوصف بواسطة النذر نعم لو قيل بان المستفاد من الأدلة المنع عما كانت نافلة بالذات اتجه
في لجواز فان النذر لا يجعل الحرام حلالا بل يجب ايقاع الطبيعة التي تعلق بها النذر في ضمن افرادها السائغة واجدة لشرائط الصحة التي منها تفريغ
الذمة عن الفريضة قبلها وكون الفرض السابق أيضا مستلزما لتحليل الحرام غير قادح بعد فرض كون حرمة الفرد المأتي به قبل الفريضة مسببة عن وصفه
64

الزائل بواسطة النذر وكونه حراما قبل النذر لا يوجب صرف النذر إلى ما عداه من الافراد لا يشترط في صحة النذر المتعلق بالطبيعة الا تمكن المكلف من ايقاعها
في ضمن فرد سائغ ومتى انعقد النذر لا يجب عليه الا الاتيان بتلك الطبيعة في ضمن اي فرد أحب مما لا مانع عنه شرعا والمفروض ارتفاع المانع عن هذا الفرد
بعد صيرورته مصداقا للواجب والفرق بين هذه الصورة وبين الصورة الأولى التي قلنا لا ينعقد فيها النذر مطلقا هو ان متعلق النذر في هذه الصورة كمطلق
صلاة جعفر مثلا مستحق في حد ذاته لكن يجب على المكلف ما دامت ذمته مشغولة بفريضة عند إرادة الاتيان بهذا المستحب ان يؤخره عن الفريضة ما دام
موصوفا بصفة الاستحباب فلا مانع عن صحة النذر المتعلق به ومتى صح انذر عرضه الوجوب ومتى عرضه الوجوب انتفى وجوب التأخير بخلاف ما لو تعلق
النذر بالمقيد فإنه بالخصوص غير مشروع فلا يصح النذر المتعلق به حتى يعرضه الوجوب واما احكامها اي
المواقيت ففيها مسائل
الأولى إذا حصل للمكلف أحد الاعذار المانعة من الصلاة كالجنون والحيض والاغماء ونحوها وقد مضى
من الوقت مقدار فعل الطهارة المائية أو الترابية بحسب ما يقتضيه تكليفه ومقدار أداء الفريضة بحسب حاله من القصر والاتمام
والسرعة والبطؤ ونحو ذلك مع ما يتوقف عليه من المقدمات التي يتعارف تحصيلها بعد دخول الوقت كالستر والاستقبال ونحوهما ولم يكن قد فعل وجب
عليه قضائها ويسقط القضاء إذا كان دور ذلك على الأظهر خلافا للعلامة في محكي النهاية فأوجبه فيما لو كان
بمقدار مجرد فعل الصلاة فلم يعتبر في وجوب القضاء أزيد من ذلك وعن السيد والابي قدس سرهما القول بكفاية ما يسع أكثر الصلاة في باب الحيض
ولعلهما لم يقولا به الا في الحايض للرواية الواردة فيها وقد تقدم الكلام في جميع ذلك مفصلا في مبحث الحيض ولو زال المانع فان
أدرك من الوقت مقدار ما يسع الصلاة مع شرائطها من الطهارة ونحوها وجب عليه أدائها ومع الاخلال قضائها بلا خلاف فيه على الظاهر بل
ولا اشكال عدى انه ربما يظهر بعض الأخبار الواردة في الحايض ما ينافيه وقد تقدم نقلها وما يمكن ان يقال في توجيهها عند البحث عما قيل في وقت
صلاة الظهر للمختار من تحديده بأربعة اقدام فراجع بل وكذا إذا أدرك من الوقت مقدار ما يسع الطهارة وأداء ركعة من الفريضة ولا
يتحقق ذلك على ما صرح به غير واحد الا برفع الرأس من السجدة الأخيرة واحتمل الشهيد في محكى الذكرى الاجتزاء بالركوع للتسمية لغة وعرفا ولأنه المعظم
وهو بعيد والاطلاق العرفي مبنى على المسامحة وكيف كان فمتى أدرك من الوقت مقدار أداء ركعة جامعة لشرائط الصحة بحسب ما هو مكلف به في ذلك
الوقت من الطهارة المائية أو الترابية لزمه أدائها بلا خلاف فيه على الظاهر بل في المدارك ان هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب وحكى عن المنتهى
أنه قال لا خلاف فيه بين أهل العلم والأصل فيه ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وعنه صلى الله عليه وآله من أدرك
ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن طريق الأصحاب ما رواه الشيخ عن الأصبغ بن نباته قال قال أمير المؤمنين عليه السلام من أدرك من الغداة
ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة وفي الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم
الصلاة وقد جازت صلاته ثم قال وهذه الروايات وان ضعف سندها الا ان عمل الطائفة عليها ولا معارض لها فينبغي العمل عليها انتهى واستشكل
صاحب الحدائق في الحكم المذكور نظرا إلى أن الخبرين الأخيرين المرويين من طريق أصحابنا أخص من المدعى لورودهما في صلاة الصبح خاصة واما النبويان
وان عم أولهما لكل صلاة ولكنه استظهر من المدارك وغيره كونه عاميا فلم يعتمد عليه وأوهن من ذلك عنده الاستدلال له بالاجماع ولا يخفى عليك ان
الخدشة في مثل هذه الرواية المشهورة المعمول بها لدى الأصحاب قديما وحديثا المعتضدة بالنصوص الخاصة في مثل هذا الفرع الذي لم يعلم وجود قائل بالخلاف
في غير محلها فلا ينبغي الاستشكال في لزوم الاتيان بالفريضة في الصورة المفروضة ويكون بذلك مؤديا لا قاضيا ولا ملفقا على الأظهر
الأشهر بل المشهور بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه خلافا لما حكى عن السيد رحمه الله من القول بكونه قاضيا نظرا إلى أن خروج الجزء يوجب خروج المجموع
من حيث المجموع وان الركعة المدركة وقعت في وقت الركعة الأخيرة لدى التحليل ولصدق عدم فعلها في الوقت مع ملاحظة التمام بل بها بصدق الفوات
وفيه ما لا يخفى بعد شهادة النصوص المتقدمة بان من أدرك ركعة من الفريضة فان ما ذكره يشبه ان يكون اجتهادا في مقابل النص مع أن ما ذكر من وقوع الركعة
المدركة في وقت الركعة الأخيرة ممنوع فان انطباق الاجزاء على أوقاتها لكونه من لوازم وجود الاجزاء التدريجية الحصول مترتبة لا للتوظيف الشرعي
ولذا لو فرض وقوع ما عدى الجزء الأخير قبل الوقت على وجه صحيح كما لو صلى بزعم دخول الوقت فدخل الوقت في الأثناء يأتي بما بقي في أول الوقت
ولا ينتظر حضور وقته الذي كان يؤتى به فيه على تقدير الشروع في الصلاة بعد دخول الوقت هذا مع أنه على الظاهر كما صرح به بعض لا يلتزم
بما هو من لوازم القضاء من ترتبها على الفائتة السابقة ومن جواز تأخيرها عن الوقت وغير ذلك فلا يترتب على تحقيقه ثمرة مهمة الا في النية بناء على
اعتبار تشخيص كون الفعل أداء أو قضاء في مقام الامتثال وهو أيضا خلاف التحقيق فان الحق كفاية قصد وقوع هذا الفعل الخاص امتثالا للامر
المتعلق به من غير التفات إلى كونه هو الامر المتعلق بايقاع الفعل في الوقت أو في خارجه وحكى عن بعض القول بتركها من الأداء والقضاء فما
وقع منها في الوقت أداء وما في خارجه قضاء فان أريد بذلك كونه ممتثلا للامر الأدائي في البعض والقضائي في البعض الاخر كما هو مقتضى ما فرعوا
على هذا القول من تحديد النية في الركعة الثانية أو قصد التوزيع من أول الأمر فهو فاسد فان المتبادر من النصوص المتقدمة انما هو التنزيل الحكمي
65

يجعل ادارك ركعة من الصلاة في وقتها منزلا منزلة الاتيان بجميعها في الوقت الموظف لها شرعا وان
أريد به كون بعضها من حيث هو واقعا في الوقت وبعضها واقعا في خارجه فبهذه الملاحظة سماها مركبة من الأداء والقضاء مع اعترافه بوقوع المجموع بعد
التنزيل الشرعي امتثالا للامر الأدائي فهو حق محض لا مجال لانكاره وان كان ربما يظهر من كلمات بعض خلافه حيث وقع فيها التعبير بامتداد الوقت
الاضطراري للظهرين مثلا إلى أن يمضي من الغروب مقدار ان يصلي المصلي ثلاث ركعات فان أريد بمثل هذه العبائر ما يؤل إلى ما ذكر فهو والا فواضح
الضعف لمخالفته لنصوص والفتاوي الدالة على انتهاء الوقت عند الغروب والأخبار المتقدمة التي هي مستند هذا الحكم لا تدل الا على ما أشرنا إليه من التنزيل
الحكمي لا التوسعة في الوقت بل تدل على خلافها كما لا يخفى ولو أهمل مع الادراك المذكور ولم يصل ولم يطرء إلى أن يمضي مقدار فعل الصلاة مع الطهارة
ونحوها مانع عقلي أو شرعي من الاعذار المسقطة للتكليف قضى كما هو واضح ولو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف الليل
مقدار الطهارة واحدى الفريضتين اي الأخيرة منهما لزمته تلك لا غير فلا يجب عليه الاتيان بغير الفريضة الأخيرة التي
أدرك من اخر وقتها بمقدار أدائها لا أداء ولا قضاء اما الأول فواضح لما عرفت في محله من اختصاص اخر
الوقت بالأخيرة لدى اشتغال الذمة بها
فلا يعقل ان يتنجز التكليف بشريكها في ذلك الوقت واما قضاء فلما دل على أن الحائض والمجنون ونحوهما من أولي الأعذار لا يجب عليهم قضاء صلواتهم
الفائتة في زمان عذرهم خلافا للمحكى عن الشافعي فأوجب الفريضتين عند ادراكه من اخر الوقت بمقدار ركعة واخر إذا أدرك ركعة وتكبيرة واخر إذا
أدرك الطهارة وركعة والكل باطل عندنا كما يدل عليه مضافا إلى ما ذكر بعض الأخبار الخاصة الواردة في الحائض المتقدمة في محلها الدالة عليه ولا ينافيه
ما يظهر من بعض تلك الأخبار من وجوبهما إذا أدركت شيئا من اخر الوقت فإنه محمول على ما إذا كان بمقدار يسع الطهارة والصلاتين بقرينة سائر الأخبار
ثم إنه ربما استظهر من اطلاق المصنف رحمه الله أحدهما التزامه بالاشتراك في هذا المقام بناء على مشروعية التخيير بين الفرضين على هذا التقدير خلافا لما صرح
به فيما تقدم في محله من اختصاص مقدار أداء العصر من اخر الوقت بالعصر وفيه ان كلامه في هذا المقام بحسب الظاهر مبني على الاهمال من هذه الجهة إذا لم
ينقل القول بالتخيير عن أحد ولم يعرف له وجه يعتد به فالمراد بها إحديهما المعينة التي بينها في محلها وهي الأخيرة وقيل هي الأولى بناء على الاشتراك لسبقها
وتوقف صحة الثانية عليها عند التذكر والثانية على الاختصاص فاطلاق إحديهما في المتن منزل على إرادة المعينة على سبيل الاجمال حتى يناسب كلا المذهبين
فيه ما حققنا في محله من أنها هي الثانية ولو على القول بالاشتراك وان فائدة الاشتراك انما هو صحة الأولى ووجوب الاتيان بها في اخر الوقت وعدم جواز تأخيرها عند عدم
تنجز التكليف بالأخيرة لا مطلقا فراجع وان أدرك الطهارة وخمس ركعات قبل الغروب أو قبل انتصاف الليل في الحضر أو ثلاث ركعات
قبل الغروب أو اربع قبل انتصاف الليل في السفر لزمه الفريضتان حيث إنه أدرك من كل منهما ركعة أو ركعتين فيجب عليه أدائهما بمقتضى العموم
الذي عرفته انفا ثم انا قد أشرنا إلى أن مقتضى الأدلة المتقدمة ليس الا تنزيل الصلاة الواقع بعضها في الوقت منزلة ما لو وقع جميعها في الوقت لدى الضرورة
لا التصرف في نفس الوقت وتوسعته للمضطر لكن بناء على ما قويناه من اختصاص اخر الوقت بالفريضة الأخيرة فعلا ومشاركة الفريضتين من حيث الثانية
والصلاحية من أول الوقت إلى اخره أمكن ان يقال إنه بعد ان جازت مزاحمة الظهر والمغرب لشريكتهما في الوقت المختص فيما زاد على الركعة عاد الوقت
وقتا فعليا لهما فالظهر والمغرب بعد ان رخص في ايقاعهما قبل شريكتهما في الفرض لا تقعان الا في وقتهما الحقيقي وبما أشرنا إليه في المقام وحققناه في محله من أن
اخر الوقت بمقدار أداء الفريضة الأخيرة ليس الا وقتا فعليا لها وانا لو قلنا بالاشتراك فإنما هو بحسب الثمانية والصلاحية لا بالفعل اندفع ما قد يتوهم
من أن مقتضى القاعدة بناء على الاشتراك انه إذا بقي إلى نصف الليل مقدار أربع ركعات ان يجب الاتيان بالفريضتين كما حكى التصريح بذلك عن بعض العامة
لادراك ركعة من العشاء مع الاتيان بالمغرب في وقتها فإنه انما يتجه ذلك بناء على الاشتراك الفعلي إلى اخر الوقت ولا يظن بأحد الالتزام به كما تقدم الكلام
في ذلك مستوفي في محله هذا مع دلالة خبر داود بن فرقد وغيره مما عرفته في ذلك المبحث على أنه
إذا لم يبق من اخر الوقت الا بمقدار الأخيرة لا يؤتى الا بها
فلا يهمنا الإطالة في تحقيق ما ذكر المسألة الثانية الصبي المتطوع بوظيفة الوقت بناء على شرعية عباداته
إذا بلغ في أثناء صلاته بما لا يبطل الطهارة كالسن والوقت باق استأنف صلاته ولو بلغ بعد الفراغ منها أعادها
على ما في المتن وغيره بل في المدارك نسبته إلى الشيخ في الخلاف وأكثر الأصحاب وقيل مضى في صلاته ان كان في الأثناء وان كان بعدها فقد تمت صلاته
ولا إعادة عليه وهذا هو الأشبه إذ لا مقتضى لإعادتها بعد وقوعها صحيحة كما سنوضحه إن شاء الله واما طهارته فلا مجال للتشكيك في أنه لا يجب اعادتها
ما لم يحدث إذ المفروض شرعيتها ووقوعها بقصد التقريب وقد عرفت في مبحث الوضوء انه لا يعتبر في صحة الوضوء ورافعيته للحدث أزيد من ذلك فمتى وقع صحيحا
لا ينقضه الا الحدث والبلوغ ليس بحدث فما يظهر من بعض من وجوب اعادتها أيضا ضعيف في الغاية اللهم الا ان يكون مبنيا على كون عبادات الصبي تمرينية
وظني ان جل القائلين بالاستيناف ذهبوا إلى ذلك اما لبنائهم على اعتبار قصد الوجوب في كون الفعل الماتى به مسقطا للامر الوجوبي أو لزعمهم كون عبادة
الصبي تمرينية كما يشهد للأول دليلهم الآتي وللأخير ما في كلمات بعضهم من الإشارة إليه في مقام الاستدلال بل ستسمع عن صاحب المدارك ان بعضهم
بنى الخلاف في هذه المسألة على أن عبادة الصبي شرعية أو تمرينية وكيف كان فقد استدل الشيخ في محكى الخلاف لوجوب الاستيناف بأنه بعد البلوغ مخاطب
66

بالصلاة والوقت باق فيجب الاتيان بها وما فعله أو لا لم يكن واجبا فلا يحصل به الامتثال واستدل العلامة في محكى المختلف للقول بالعدم بأنها
صلاة شرعية فلا يجوز ابطالها لقوله تعالى ولا تبطلوا اعمالكم وإذا وجب اتمامها سقط بها الفرض لان امتثال الامر يقتضي الاجزاء انتهي وفي المدارك
بعد نقل استدلال المختلف قال والجواب بعد تسليم دلالة الآية على تحريم ابطال مطلق العمل ان الابطال هنا لم يصدر من المكلف بل من حكم الشارع سلمنا
وجوب الاتمام لكن لا نسلم سقوط الفرض بها والامتثال انما يقتضي الاجزاء بالنسبة إلى الامر الوارد بالاتمام لا بالنسبة إلى الأوامر الواردة بوجوب
الصلاة ثم قال وربما بنى الخلاف في هذه المسألة على أن عبادة الصبي شرعية أو تمرينية وهو غير واضح واما إعادة الطهارة فيتجه بنائها على ذلك
لان الحدث يرتفع بالطهارة المندوبة انتهى أقول لا يخفى ان الصبي الآتي بوظيفة الوقت كصلاة الصبح مثلا انما يقصد بفعله الاتيان بالمهية
المعهودة التي أوجبها الله تعالى على البالغين لا طبيعة أخرى مغايرة لها بالذات ومشابهة لها في الصورة كفريضة الصبح ونافلته لكن لا يقع ما نواه صحيحا
بناء على التمرينية وله ما نواه على تقدير شرعيته فهو على هذا التقدير مأمور دائما بصلاة الصبح بلغ أم لم يبلغ لكنه ما لم يبلغ مرخص في ترك امتثال
الامر فيكون تكليفه ندبيا وبعد بلوغه غير مرخص في ذلك فيكون الزاميا ومتى اتى بتلك الطبيعة جامعة لشرائط الصحة سقط عنه هذا التكليف سواء
كان ذلك بعد صيرورته الزاميا أم قبله من غير فرق بين ان يتعلق بذلك التكليف المستمر امر واحد كما لو امره قبل البلوغ بصلاة الصبح دائما ما دام حيا
ثم رخصه في تلك الامتثال ما لم يبلغ امتنانا به أو ثبت بخطابين مستقلين بان قال يستحب صلاة الصبح قبل البلوغ وتجب بعده أو تستحب على الصبي وتجب
على البالغ فان حصول المأمور به في الخارج على نحو تعلق به غرض الامر كما أنه مسقط للامر المتعلق به بالفعل كذلك مانع عن أن يتعلق به امر فيما
بعد لكونه طليا للحاصل فظهر بما ذكر ضعف الاستدلال لوجوب الاستيناف بعمومات الامر بالصلاة في الكتاب والسنة الظاهرة في المكلفين من نحو قوله
تعالى أقيموا الصلاة وغيره لما أشرنا إليه من انا اما نلتزم في مثل هذه الأوامر بان الخطاب يعم الصبي ولكن ثبت له جواز الترك بدليل منفصل كحديث
رفع القلم ونحوه ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي كما هو واضح إذ لو سلم كون هذا النحو من الاستعمال مجازا فهو من باب عموم
المجاز ولا ضير فيه بعد مساعدة القرينة عليه أو نقول بان المراد بمثل هذه الخطابات ليس الا الطلب الحتمي المخصوص بالبالغين وانما ثبت استحبابها
للصبي بأمر اخر مما دل على شرعية عبادته ولكن قضية اتحاد متعلق الامرين كما هو المفروض موضوعا في كلمات الأصحاب الباحثين عن عبادة الصبي الآتي
بوظيفة الوقت ويساعد عليه ما دل على شرعية عبادة الصبي كون حصول الطبيعة بقصد امتثال أحد الامرين مانعا عن تنجز التكليف بالاخر وان شئت قلت
مرجع الامرين لدى التحليل إلى مطلوبية ايجاد الطبيعة المعهودة في كل يوم مرة على الاطلاق في حالتي الصغر والكبر وقضية كونها كذلك حصول الاجتزاء
بفعلها مطلقا وبهذا يتوجه ما ذكره العلامة في عبارته المتقدمة المحكية عن المختلف من أن امتثال الامر يقتضي الاجزاء واما ما اعترض عليه صاحب المدارك
وتبعه غير واحد ممن تأخر عنه من أن الامتثال انما يقتضي الاجزاء بالنسبة إلى الامر الوارد بالاتمام لا بالنسبة إلى الأوامر الواردة بوجوب الصلاة فكلام
صوري ضرورة انه بعد تسليم صدور الامر باتمام الصلاة والنهي عن قطعها فلا معنى لذلك الا إرادة الاتيان ببقية الأجزاء بعنوان كونها جزء من الصلاة
المأتى بها بقصد التقرب وامتثال الامر المتعلق بها فكما ان الاتمام يقتضي الاجزاء بالنسبة إلى الامر بالاتمام الذي هو توصلي محض كذلك حصول
تمام الفعل خصوصا إذا كان بأمر الشارع واجازته يقتضي الاجزاء بالنسبة إلى الامر المتعلق بذلك الفعل نعم قد يقال إن الامر الذي أسقطه
هذا الفعل هو الامر الاستحبابي الذي نوى امتثاله من أول الأمر دون الامر الوجوبي الذي تنجز عليه في أثناء الصلاة عند بلوغه كما يؤمى إلى ذلك ما في
الجواهر حيث قال بعد ان استدل لوجوب الإعادة بعد البلوغ بالعمومات الظاهرة في المكلفين وفسر المراد من شرعية عبادة الصبي باستحبابها من امر
اخر غير مثل قوله تعالى وأقيموا الصلاة ما لفظه فيكون اللذان تواردا على الصبي في الفرض أمرين ندبي وايجابي ومن المعلوم عدم اجزاء الأول عن الثاني
بل لو كان حتما كان كذلك أيضا لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب خصوصا في مثل المقام الذي منشا التعدية فيه اختلاف موضوعين كل منهما تعلق
به امر وهما الصبي والبالغ انتهى ولكنك عرفت ضعف هذا القول وان وحدة المتعلق مانعة عن أن يتعلق بذلك الفعل المفروض صحته امر في الأثناء
أو بعد الفراغ منه ولذا لا يكاد يخطر في ذهن الصبي الذي بلغ بعد صلاته التي زعم صحتها وجوب اعادتها بعد البلوغ مع أن وجوب الصلاة على
البالغين وعدم وجوبه على الصبي من الضروريات المغروسة في ذهنه فان شئت قلت إن اطلاق الامر المتوجه إلى البالغين منصرف عمن صلى صلاته صحيحة
في وقتها وليس توارد الامرين على الصبي على سبيل الاجتماع حتى يلزمه تعدد متعلقهما ذاتا أو وجودا بل على سبيل التعاقب ولا مانع من تواردهما على
فعل خاص بحسب اختلاف أحوال المكلف كاستحبابه في السفر ووجوبه في الحضر فكأنه قدس سره زعم أن متعلق كل من الامرين (تكليف مستقل) لا ربط بأحدهما بالاخر فرأى أن
مقتضى اطلاق وجوب الصلاة على البالغ وجوب الاتيان بهذه الطبيعة بعد بلوغه مطلقا سواء اتى بها قبل البلوغ في ضمن فرد اخر أم لا لكن الامر
ليس كذلك لما أشرنا إليه من أن المقصود بشرعية عبادة الصبي هو ان الصلوات المعهودة في الشريعة التي أوجبها الله تعالى على البالغين جعلها بعينها
مسنونة للصبي نظير ما لو قال صلاة الوتر مثلا واجبة على الحاضر ومستحبة للمسافر أو صلاة الجمعة واجبة عينا على الحر الحاضر وتخييرا للعبد والمسافر أو انها مستحبة
لهما إلى غير ذلك من الموارد التي اتحد فيها التكليف مع اختلاف الطلب بلحاظ أحوال المكلف فلا مسرح حينئذ في مثل هذه الموارد للتمسك بأصالة الاطلاق بعد فرض
67

وحدة التكليف وحصول متعلقه جامعة لشرائط الصحة والحاصل انه فرق بين ما لو قال يستحب للعبد أو المسافر ان يصلي صلاة الجمعة على الاطلاق ويجب
على الحر الحاضر كذلك وبين ان يقول صلاة الجمعة المعهودة في الشريعة مسنونة للمسافر وواجبة على الحاضر والذي يمكن التمسك باطلاقه لوجوب الإعادة عند
تجدد العنوان المعلق عليه الحكم الوجوبي هو الأول وما نحن فيه من قبيل الثاني وقد أشرنا إلى أن قضية اتحاد المتعلق حصول الاجتزاء بفعله مطلقا والله العالم
ثم انا ان قلنا بوجوب الاستيناف فهذا انما هو فيما إذا تمكن من ذلك بان أدرك من الوقت بمقدار ما يسع الفريضة ولو بادراك ركعة منها الذي هو بمنزلة
ادراك الكل مع ما تتوقف عليه من الطهارة ان قلنا بوجوب اعادتها أيضا وكون ما صدر منه تمرينية واما ان بقي من الوقت دون الركعة
مع ما تتوقف عليه بنى على نافلته وجوبا بناء على حرمة قطع النافلة وعدم كونها تمرينية واستحبابا بناء على شرعيتها وعدم حرمة القطع واحتياطا بناء
على التمرينية صونا لصورة الصلاة عن الانقطاع رعاية لما احتمله بعض من وجوب حفظ الصورة وان كان بعيدا ولا يجدد نية الفرض إذا المفروض
انه لم يؤمر بالفريضة لقصور الوقت عن أدائها فكيف بقصدها بفعله واما على ما قويناه من شرعية عبادته والاعتداد بعمله السابق فيجب عليه اتمامها بنية الفرض
ضرورة ان المانع عن الزامه بالصلاة الواجبة على البالغين بعد اندراجه في موضوعهم ليس الا في لقدرة على الامتثال وهو في الفرض قادر عليه باتمام
ما في يده فيجب لكن لا يجب تجديد النية لأنا لا نقول بوجوب قصد الوجه كما حققناه في محله تنبيه لو زعم عدم بلوغه أو استصحبه إلى أن مضى مدة من بلوغه فاتى
بوظيفة الوقت ناويا بفعله الاستحباب صحت صلاته ولم يجب عليه اعادتها على المختار لمطابقة المأتى به للمأمور به قاصدا بفعله التقرب ولا يعتبر في صحة العبادة
أزيد من ذلك وخطائه في تشخيص الامر المتوجه إليه غير قادح في ذلك كما عرفت تحقيق ذلك كله في نية الوضوء واما على المشهور فيشكل الحكم بعدم الإعادة في
الفرض خصوصا على التمرينية وان لا يخلو القول به حتى على التمرينية عن وجه المسألة الثالثة إذا كان له
طريق إلى العمل بالوقت
حقيقة أو حكما اي كان متمكنا من تشخيص الوقت الذي هو فيه من أنه هل هو قبل الزوال مثلا أو بعده بطريق على من مشاهدة ونحوها أو بامارة معتبرة شرعا
لم يجز التعويل على الظن كما في غيره من الموضوعات الخارجية والأحكام الشرعية على المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه لان دخول الوقت
شرط في الصلاة فلابد من احرازه كغيره من الشرائط ولا يكفي في ذلك مجرد الظن بذلك فان الظن لا يغني من الحق شيئا كما شهد بذلك بالأدلة الأربعة
الدالة على أن مقتضى الأصل عدم جواز العمل بالظن والتعويل عليه مضافا إلى الأخبار الخاصة الدالة عليه كقوله عليه السلام في خبر ابن مهزيار المتقدم
في تحديد الفجر الفجر هو الخيط الأبيض المعترض فلا تصل في حضر ولا سفر حتى تبينه فان الله سبحانه لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال كلوا واشربوا
حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر ولا يدري اطلع الفجر أم لا
غير أنه يظن لمكان الأذان انه طلع قال لا يجزيه حتى يعلم أنه طلع ويؤيده رواية عبد الله بن عجلان المروية عن مستطرفات السرائر من كتاب نوادر البزنطي
قال قال لي أبو جعفر عليه السلام إذا كنت شاكا في الزوال فصل الركعتين فإذا استيقنت انها قد زالت بدأت بالفريضة واستظهر في الحدائق من الشيخين في المقنعة
والمبسوط والنهاية الخلاف في المسألة واختاره هو بنفسه صريحا فقال بجواز التعويل على الظن بدخول الوقت مطلقا وان كان له طريق علمي مستشهدا
لذلك برواية إسماعيل بن رياح عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إذا صليت وأنت ترى انك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت
عنك بدعوى ان قوله عليه السلام وأنت ترى اي تظن انك في وقت أعم من أن يكون العلم ممكنا أو غير ممكن وفيه أولا منع كون ترى بمعنى تظن فان الرأي
غالبا يستعمل في الاعتقاد المجامع للوثوق والاطمينان المعبر عنه بالجزم والعلم العادي بل لا يكاد يستعمل في مفهوم الظن وما ترى من تفسيره به غالبا
وعدة من معاينة فهو بلحاظ ان الجزم كثيرا ما ينشأ من مقدمات غير مقتضية له كسماع صوت المؤذن ونحوه مع الغفلة عما يوجب التردد بحيث
لو التفت إليه لتردد ففي مثل هذه الموارد يفسر الرأي بالظن لكونه ظنا تقديريا والا فلا يكاد ينسبق إلى الذهن من اطلاق الرأي مفهوم الظن في شئ
من موارد استعماله ولو سلم ظهوره في إرادة هذا المفهوم فنقول ان الرواية مسوقة لبيان حكم اخر فيشكل التمسك باطلاقها لكفاية الظن مطلقا
وعلى تقدير تسليم ظهورها في الاطلاق وجب تقييدها بما إذا تعذر تحصيل الجزم جمعا بينها وبين ما عرفت واستدل أيضا بالأخبار الآتية الدالة
على جواز التعويل على اذان الثقة وفيه ما ستعرف من امكان توجيه تلك الأخبار والعمل بها وهي أخص من المدعى كما ستعرف واما عبارة المقنعة
التي استظهر منها القول بكفاية الظن مطلقا فهي هذه من ظن أن الوقت قد دخل فصلى ثم علم بعد ذلك أنه صلى قبله أعاد الصلاة الا ان يكون الوقت
دخل وهو في الصلاة لم يفرغ منها فيجزيه ذلك وعبارة الشيخ في النهاية فهي قوله ولا يجوز لاحد ان يدخل في الصلاة الا بعد حصول العلم بدخول
الوقت أو يغلب على ظنه ذلك واما عبارة المبسوط فلم ينقلها الا انه بعد نقل عبارة النهاية قال وهو ظاهر المبسوط أيضا وأنت خبير بأنه لا ظهور
لعبارة المقنعة أصلا فان اطلاقها مسوق لبيان حكم اخر كما هو واضح واما عبارة النهاية فهي أيضا قد يناقش في دلالتها على ذلك لقوة احتمال إرادة
العمل بغلبة الظن مع في مكان العلم لا مطلقا لكن دفع هذا الاحتمال في الحدائق بمخالفته للظاهر وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في عدم جواز العمل بمطلق
الظن مع التمكن من تحصيل العلم وهل يجوز العمل بالبينة أم لا وجهان بل قولان ربما نسب إلى ظاهر أكثر الأصحاب قبولها وهو الأقوى لما أشرنا في
باب النجاسات عند البحث عن انها هل تثبت بالبينة أم لا إلى أن المستفاد من تتبع النصوص والتدبر فيها وفي فتاوي الأصحاب ان البينة طريق شرعي
68

لاحراز الموضوعات الخارجية مطلقا عدى انه اعتبر الشارع في بعض المقامات شهادة الأربعة أو رجلين أو غير ذلك من الخصوصيات ولم يوجد مورد اهملها
رأسا بل قد عرفت ان الأقوى كفاية عدل واحد بل مطلق الثقة في غير مورد الخصومات وما يتعلق بالدعاوي كما فيما نحن فيه ونظائره لاستقرار سيرة العقلاء على
التعويل على اخبار الثقات في الأمور الحسية مما يتعلق بمعاشهم ومعادهم وامضاء الشارع لذلك كما يشهد بذلك التدبر في الأخبار الدالة على
حجية خبر الواحد وغيرها مما تقدمت الإشارة إليها ويؤيده في خصوص المورد ما عن الصدوق في العيون باسناده عن أحمد بن عبد الله القروي عن أبيه قال
دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال ادن مني فدنوت منه حتى حاذيته ثم قال لي اشرف إلى البيت في الدار فأشرفت فقال ما ترى قلت
ثوبا مطرحا فقال انظر حسنا فتأملته ونظرت فتيقنت فقلت رجل ساجدا إلى أن قال فقال هذا أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام اني أتفقده الليل والنهار
فلم أجده في وقت من الأوقات الا على الحالة التي أخبرك بها انه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال
ساجدا حيت تزول الشمس وقد وكل من يرصد له الزوال فلست أدري متى يقول له الغلام قد زالت الشمس إذ وثب فيبتدي الصلاة من غير أن يحدث
وضوء فاعلم أنه لم ينم في سجوده ولا اغفاء ولا يزال إلى أن يفرغ من صلاة العصر ثم إذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس فإذا غابت
الشمس وثب من سجدته فيصلي المغرب من غير أن يحدث حدثا ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن
يصلي العتمة فإذا صلى العتمة افطر على شواء يؤتى به
ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ثم يقوم فيجدد الوضوء ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر فلست أدري
متى يقول الغلام ان الفجر قد طلع إذ وثب هو لصلاة الفجر هذا دأبه منذ حول الحديث واحتمال عدم تمكن الإمام عليه السلام من معرفة الوقت
بطريق علمي بواسطة الحبس فيخرج عن محل الكلام في غاية البعد وهل يعتبر في التعويل على قول الثقة افادته الظن الفعلي فيه وجهان أوجههما العدم نعم
قد يقوى في النظر عدم جواز الاعتماد عليه لدى التمكن من استكشاف الحال بطريق علمي كما هو المفروض في المقام ما لم يحصل الظن بل الوثوق من خبره
وان كان الأقوى خلافه ويلحق بخبر الثقة إذ انه إذا انحصر وجهه في الاعلام كما هو الغالب المتعارف فيجوز التعويل عليه حيثما جاز الاعتماد على خبره كما يدل
عليه مضافا إلى ما عرفت اخبار مستفيضة منها صحيحة ذريح المحاربي قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام صل الجمعة باذان هؤلاء فإنهم أشد شئ مواظبة
على الوقت ورواية محمد بن خالد القسري قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أخاف ان نصلي يوم الجمعة قبل ان تزول الشمس قال إن ذلك على المؤذنين ورواية سعيد
الأعرج المروية عن تفسير العياشي قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو مغضب وعنده أناس من أصحابنا وهو يقول تصلون قبل ان تزول الشمس وهم سكوت
قال قلت أصلحك الله ما نصلي حتى يؤذن مؤذن مكة قال فلا باس اما انه إذا اذن فقد زالت الشمس ورواية الحميري المروية عن قرب الإسناد عن عبد الله
بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن رجل صلى الفجر في يوم غيم أو في بيت واذن المؤذن وقعد فأطال الجلوس حتى شك
فلم يدر هل طلع الفجر أم لا فظن أن المؤذن لا يؤذن حتى يطلع الفجر قال قد اجزئه اذانهم وخبر عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال
المؤذن مؤتمن والامام ضامن ومرسلة الصدوق قال قال الصادق عليه السلام في المؤذنين انهم الامناء ومرسلته الأخرى قال كان لرسول الله مؤذنان أحدهما
بلال والاخر ابن أم مكتوم أعمى وكان يؤذن قبل الصبح وكان بلال يؤذن بعد الصبح فقال النبي صلى الله عليه وآله ان ابن أم مكتوم يؤذن بليل فإذا سمعتم اذانه فكلوا
واشربوا حتى تسمعوا اذان بلال ومرسلته الثانية قال قال أبو جعفر عليه السلام في حديث المؤذن له من كل من يصلي بصوته حسنة وباسناده عن عبد الله بن
علي عن بلال قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول المؤذنون امناء المؤمنون على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم لا يسئلون الله شيئا الا أعطاهم
ولا يشفعون في شئ الا شفعوا وعن الشيخ المفيد في المقنعة قال روى عن الصادقين عليهم السلام انهم قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وآله يغفر للمؤذن مد صوته وبصره
ويصدقه كل رطب ويابس وله من كل من يصلي باذانه حسنة وقد استشهد صاحب الحدائق بهذه الاخبار لكفاية الظن بدخول الوقت نظرا إلى أن غاية
ما يفيد اذان المؤذن هو الظن وان تفاوتت مراتبه شدة وضعفا باعتبار المؤذنين وما هم عليه من زيادة الوثاقة والضبط في معرفة الأوقات
وعدمه وفيه انه ان أراد بذلك اثبات جواز الاعتماد على الظن الحاصل من الأذان مطلقا كما حكى القول به عن بعض فله وجه واما ان أراد به اثبات حجية
مطلق الظن كما يعطيه ظاهر كلامه ففيه انه قياس مستنبط العلة مع وجود الفارق ضرورة بطلان مقايسة سائر الظنون على الظن الحاصل من خبر
الواحد الذي هو على تقدير وثاقة مخيرة طريق عقلائي لاثبات متعلقة كظواهر الألفاظ كما تقدمت الإشارة إليه وحيث إن الأذان وضع في الشريعة
للاعلام بدخول الوقت يكون صدوره من المؤذن اخبارا فعليا بالوقت فلا يلزم من جواز الاعتماد عليه جواز التعويل على مطلق الظن نعم
يلزمه حجية اخبار المؤذن بدخول الوقت بل واخبار غير المؤذن أيضا إذا كان كالمؤذن من حيث الوثاقة فان من الواضح ان اعتبار الأذان انما هو
من باب الطريقية وكاشفيته عن الوقت بلحاظ كونه اخبارا فعليا لاخباره صريحا بالقول أولى بالاعتبار ثم إن جملة من هذه الأخبار إشارة
إلى ما ادعيناه من كون خبر الثقة وإذا انه الذي هو بمنزلة اخباره طريقا عقلائيا مضى لدى الشارع وان اعتباره شرعا انما هو بهذه الملاحظة
لا من باب التعبد فان سياقها يأبى عن التعبد الا ترى إلى التعليل الواقع في صحيحة المحاربي الامرة بالاخذ باذان هؤلاء بأنهم أشد شئ مواظبة للوقت
فإنه بمنزلة توثيقهم في الاخبار بالوقت وقد سيق تقريبا للحكم إلى الذهن فيستكشف من ذلك ان التعويل على غير الثقة كان مفروغا عنه لديهم
69

وقول النبي صلى الله عليه وآله في مرسلة الصدوق ان ابن أم مكتوم يؤذن بليل الحديث فإنه بحسب الظاهر مسوق للردع عن الاعتماد على اذان ابن أم
مكتوم لكونه يؤذن بليل لا الامر بالتعويل على اذان بلال فيستشعر من ذلك ان التعويل على اذان بلال على وفق القاعدة وقوله صلى الله عليه وآله في
مرسلة المفيد وله من كل من يصلي باذانه حسنة فان فيه ايماء إلى جريان العادة على التعويل على الأذان ورضاء الشارع بذلك وكيف كان فغاية ما يمكن
اثباته بهذه الاخبار انما هو جواز الاعتماد على اذان من يوثق بأنه لا يؤذن الا بعد دخول الوقت لا مطلقا المؤذن وان كان قد يستظهر منها الاطلاق
لكن اطلاق بعضها وأراد مورد حكم اخر من مدح المؤذنين والترغيب على الأذان ببيان ما يترتب عليه من المغفرة والاجر كالروايات الثلاثة الأخيرة
وبعضها وارد في المؤذن الثقة كصحيحة المحاربي ورواية سعيد وخبر علي بن جعفر بل وكذا رواية محمد بن خالد القسري الظاهرة في جواز الاعتماد على
الأذان مع الشك وان عقوبة مخالفة الوقت على المؤذنين فان المراد بالصوم يوم الجمعة في هذه الرواية بحسب الظاهر هي صلاة الجمعة والمقصود
بالمؤذنين هم الذين يعول عليهم في صلاة الجمعة وهم بمقتضى العادة من هؤلاء الذين امر الصادق عليه السلام في صحيحة ذريح بالصلاة بآذانهم ومدحهم
بأنهم أشد شئ مواظبة على الوقت نعم يظهر من هذه الرواية عدم اعتبار الوثوق الفعلي اللهم الا ان يقال لعله في خصوص المورد نظرا إلى أن
خوف وقوع صلاة الجمعة قبل الوقت لا يكون غالبا الا ممن في قلبه مرض الوسواس لقضاء العادة بعدم انعقاد صلاة الجمعة الا بعد الزوال
هذا مع أن هذه الرواية بحسب الظاهر لا تخلو عن ثوب تقية لما أشرنا إليه من أن الظاهر من قوله أخاف ان نصلي يوم الجمعة إرادة صلاة الجمعة التي
هي لم تكن تنعقد ظاهرا في عصر الصادق عليه السلام الا من المخالفين فكانت صلاتهم فاسدة على كل حال وكذلك صلاة من يصلي الجمعة معهم فلعل الإمام عليه السلام
حيث لم يتمكن من اظهار ذلك اجابه بجواب صوري وكيف كان فما يمكن ان يتمسك باطلاقه ليس الا قوله عليه السلام في خبر الهاشمي المؤذن مؤتمن وقوله عليه السلام
في مرسلة الصدوق في المؤذنين انهم الامناء وهذان الخبران أيضا لو لم نقل بانصراف اطلاقهما إلى من كان من شانه الاستيمان بان يكون في حد ذاته
أمينا في الاخبار بالوقت كما لعمله الغالب في المؤذنين في عصر الأئمة عليهم السلام لتعين صرفه إلى ذلك جمعا بينه وبين صحيحة ذريح الدالة بمقتضى التعليل الواقع
فيها على عدم جواز الاعتماد على مطلق الأذان وخبر علي بن جعفر المتقدم في صدر المبحث الذي وقع فيها
التصريح بان سماع الأذان لا يجزي حتى يعلم أنه
طلع الفجر هذا مع ضعف الخبرين سندا وعدم نهوضهما حجة لاثبات حكم مخالف للقواعد الشرعية ثم إن مقتضي ترك الاستفصال في خبر علي بن جعفر المتقدم
مع اطلاق الجواب بأنه لا يجزي حتى يعلم عدم جواز التعويل على الأذان مطلقا وان كان المؤذن ثقة عارفا بالوقت لكن لابد من صرفه عن ذلك جمعا
بينه وبين الصحيحة وغيرها مما هو نص في جواز التعويل على اذان الثقة بل هو في حد ذاته منصرف عن ذلك فان المتبادر من قول السائل في الرجل
يسمع الأذان إرادة مجرد سماع الأذان من غير أن يميز شخص المؤذن فضلا عن أن يعرفه بالوثاقة فلا يعم اطلاق الجواب ما لو عرف المؤذن وعلم أنه شديد
المواظبة على الوقت وانه بحسب عادته لا يؤذن الا بعد الوقت وليعلم ان ما ذكرنا من حجية خبر الثقة وأذانه في تشخيص الوقت وغيره من الموضوعات
الخارجية انما هو فيما إذا كان المخبر به حسيا لم يتطرق فيه احتمال الخطاء احتمالا يعتد به لدى العقلاء كاخباره ببلوغ الفئ موضع كذا أو زيادة الظل
بعد نقصانه أو غير ذلك أو حدسيا يكون كذلك بان يكون ناشئا عن مقدمات حسية غير قابلة للخطأ كالاخبار بالملكات المستكشفة في اثارها كالشجاعة
والسخاوة ونحوهما واما فيما لم يكن كذلك بان كان حدسيا غير مستند إلى مقدمات حسية أو حسيا يكثر فيها الخطاء والاشتباه كتمييز أوصاف بعض
الأجناس وتشخيص مراتبها ونحو ذلك مما نرى أهل العرف يختلفون فيها فلا بل قد يشكل في مثل هذه الموارد الاعتماد على البينة أيضا الا ان يدل
عليه دليل خاص تعبدي فمن هنا قد يشكل الامر في الاعتماد على شهادة العدلين فضلا عن العدل الواحد أو مطلق الثقة في الاخبار بأول الوقت على
سبيل التحقيق لاختلاف الانظار في تشخيص أول الوقت ما لم يستند إلى زيادة الظل ونحوه من الحسيات الغير القابلة للتشكيك والحاصل ان وثاقة المخبر
أو عدالته انما تؤثر في في لاعتناء باحتمال تعمد الكذب فإن كان المخبر به مما لو علم بأنه لم يخبر به الا عن اعتقاد ويقين لا يعتني باحتمال خطائه واشتباهه
كما في الحسيات التي يبعد فيها الخطاء ويجري بالنسبة إليها اصالة عدم الخطأ والغفلة المعول عليها لدى العقلاء يعول على اخباره والا فلا يشكل حينئذ التعويل
على اذان الثقة في غير الزوال الذي يحرز غالبا باحساس زيادة الظل ورجوعه إلى المشرق الا في تشخيص الوقت تقريبا لو لم يعلم بقرينة حالية أو مقالية
ان غرضه الاعلام يتبين الوقت على وجه غير قابل للتشكيك والالتباس اللهم الا ان يقال إن الاعتماد على اذان الثقة انما هو من باب الرجوع إلى أهل الخبرة
فيعول عليه وان كان المخبر به حدسيا أو بمنزلته لكن يتوجه عليه ان المتجه انما هو رجوع من لا خبرة له بالوقت إليه فيخرج عن محل الكلام لان الرجوع
إلى أهل الخبرة مع كون المكلف بنفسه متمكنا من تحصيل العلم مشكل خصوصا لو لم يكن قوله مفيدا للوثوق الفعلي فتلخص مما ذكر ان الاعتماد على الأذان على
وجه يجوز له الدخول في الصلاة بمجرد سماع الأذان وان كان المؤذن ثقة أيضا لا يخلو عن اشكال ما لم يحصل وثوق فعلي بالوقت وقد أشرنا انفا إلى أن
الامر بالصلاة باذان هؤلاء في صحيحة ذريح ارشادي لا ينافي اشتراط الوثوق وما عداها من الروايات أيضا لا تنهض حجة لاثبات خلافه والله العالم
فان فقد العلم أو ما قام مقامه من البينة أو اخبار العدل بل مطلق الثقة على ما قويناه انفا بان تعذر تحصيله لغيم ونحوه اجتهد فإن لم
يحصل له ظن وجب عليه تأخير الصلاة لأصالة عدم دخول الوقت ولو نوقش في جريان الاستصحاب في الزمان والزمانيات فالمرجع اصالة عدم
70

شرعية الصلاة وعدم الاجتزاء بها ما ليحرز شرطها الذي هو الوقت بالعلم أو بظن معتبر كما هو واضح وان غلب على ظنه دخول الوقت
اي ترجح في نظره احتماله فظن به صلى ولا يجب عليه حينئذ التأخير على الأظهر الأشهر بل المشهور بل عن التنقيح وغيره دعوى الاجماع عليه خلافا
لابن الجنيد فقال على ما حكى عنه ليس للشاك يوم الغيم ولا غيره ان يصلى الا عند تيقنه الوقت وصلاته في اخر الوقت مع اليقين خير من صلاته مع
الشك انتهى فكأنه قدس سره أشار بقوله وصلاته في اخر الوقت إلى اخره إلى قول الصادق عليه السلام في خبر الحسن العطار لان أصلي ظهر في وقت العصر
أحب إلى من أن أصلي قبل ان تزول الشمس ومال إلى هذا القول في المدارك فقال بعد نقل القولين ما لفظه احتج الأولون برواية سماعة قال سئلته
عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس ولا القمر ولا النجوم قال اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك قبل وهذا يشتمل الاجتهاد في الوقت والقبلة
ويمكن ان يستدل له أيضا برواية أبي الصباح الكناني قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفي السماء علة فأفطر ثم إن السحاب
انجلى فإذا الشمس لم تغب فقال قد تم صومه ولا يقضيه وإذا جاز التعويل على الظن في الافطار جاز في الصلاة إذ لا قائل بالفرق وصحيحة زرارة
قال قال أبو جعفر عليه السلام وقت المغرب إذا غاب القرص فان رايته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك ويكف عن الطعام ان كنت أصبت
منه شيئا وتقريب الاستدلال ما تقدم ويمكن المناقشة في الروايتين الأولتين بضعف السند وفي الثالثة بقصور الدلالة والمسألة محل تردد وقول
ابن الجنيد لا يخلو من قوة انتهى وعن الذخيرة أيضا التردد فيه وفي الحدائق بعد ان نقل عبارة المدارك قال لا يخفى ان ما ذكره من الاستدلال برواية
سماعة مبنى على حمل الاجتهاد على الوقت والظاهر بعده بل المراد انما هو الاجتهاد في القبلة فيكون العطف تفسيريا فلا يكون الرواية المذكورة
من المسألة في شئ انتهى أقول ولا يخفى عليك ان تنزيل الجواب على إرادة الاجتهاد في خصوص القبلة في غاية البعد فان المنساق من السؤال ليس الا الاستفهام
عما يقتضيه تكليفه بالنسبة إلى الصلوات الموقتة بأوقات مخصوصة من الليل والنهار عند التباس أوقاتها بواسطة اختفاء الشمس والقمر والنجوم اللاتي
بها يميز اجزاء الوقت لا بالنسبة إلى القبلة التي لا تتوقف معرفتها على رؤية الشمس والقمر والنجوم الا من باب الاتفاق في الاسفار ونحوها فالمقصود
بالاجتهاد بحسب الظاهر اما في خصوص الوقت فيكون قوله عليه السلام وتعمد القبلة جهدك للارشاد إلى كيفية الاجتهاد بجعله إلى سمط القبلة بلحاظ ان استكشاف
الوقت بالتحري إلى هذه الجهة أقرب إلى الاعتبار كما هو واضح بالنسبة إلى الزوال حيث إن فيه مظنة ان يظهر من عين الشمس اثر يميز به الوقت وبالنسبة إلى غيره
أيضا لا يبعد ان يكون كذلك لقوة احتمال ان يكون الموانع عن الرؤية التي هي عبارة عن الغيم ونحوه في سمط الجنوب الذي هو جهة القبلة بالنسبة إلى المدينة
ونحوها مما ينزل عليه اطلاق الروايات أخف واسرع إلى الزوال غالبا أو ان المقصود به الاجتهاد فيه وفي القبلة أيضا فنبه الإمام عليه السلام على حكم الجهل
بالقبلة أيضا الذي قد ينشأ من اختفاء الشمس والقمر والكواكب وان لم ينسبق ارادته من السؤال فالانصاف عدم قصور في دلالة الرواية واما ضعف سندها
فمجبور بالعمل كما أن خبر الكناني أيضا كذلك هذا مع أن الخدشة في رواية الكناني بضعف السند غير ضائر لورود مضمونها في غيرها من الروايات المعتبرة
المعمول بها لدى الأصحاب منها صحيحة أخرى لزرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لرجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ثم ابصر الشمس بعد ذلك فقال ليس
عليه قضاء واحتمال ان يكون المراد بالظن هو الاعتقاد الجزمي المخالف للواقع لشيوع اطلاقه عليه مدفوع بمخالفته للظاهر المعتضد بفتوى الأصحاب
ونقل اجماعهم على جواز الافطار عند ظن الغروب إذا لم يكن للظان طريق إلى العلم من غير نقل خلاف فيه كما أنه لا ينبغي الاعتناء إلى احتمال اختلاف الحكم
في باب الصلاة والصوم بعد اتحاد موضوعهما ومخالفة التفصيل للمشهور بل عن بعض دعوى في لقول بالفصل وما في الصحيحة الأولى من التفصيل بين
الصلاة والصوم انما هو بعد استكشاف الخلاف واحراز وقوع الصلاة قبل الوقت فهو لا ينافي جواز فعلها مع الظن كما هو ظاهر الجواب بناء على أن
يكون المراد به بيان الحكم عند دخول الصلاة مع الظن كما ادعاه بعض نظرا إلى أن رؤية القرص لا تتحقق عادة الا على تقدير الظن لا القطع وفيه نظر
فالاستدلال بالصحيحة الأولى لاثبات المدعى لا يخلو عن تأمل وكيف كان فمما يدل على المشهور أيضا الروايات الدالة على الاعتماد على صياح الديك
التي هي من أضعف الامارات منها ما عن المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن في كتابي الكليني والشيخ عن أبي عبد الله الفراء عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال
له رجل من أصحابنا ربما اشتبه الوقت علينا في يوم غيم فقال أتعرف هذه الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديكة فقالت نعم فقال إذا
ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس أو قال فصله كذا عن الكتابين المتقدمين وعن الفقيه فعند ذلك فصل وعنهم أيضا عن الحسين بن
المختار قال قلت للصادق عليه السلام اني مؤذن فإذا كان يوم غيم لم اعرف الوقت فقال إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ودخل
وقت الصلاة واختار في المستند جواز الاعتماد على صياح الديك مطلقا حتى مع التمكن من معرفة الوقت بطريق علمي كخبر الثقة وأذانه زاعما
ان الاخبار وان وردت في يوم غيم لكن لا عبرة بخصوص المورد وانما العبرة بعموم الجواب فالتزم بان مقتضى الأصول والقواعد بعض الأخبار المتقدمة وجوب تحصيل العلم بالوقت ولكنها خصصت بالاخبار الدالة على جواز التعويل على اذان الثقة العارف بالوقت والأخبار الواردة
في صياح الديك من غير فرق بين حالتي التمكن من تحصيل العلم وعدمه وقد عرفت انفا ان ما ذكره من التعميم بالنسبة إلى خبر الثقة وإذا انه
وجيه واما التعدي عن مورد الأخبار الواردة في صياح الديك فهو في غير محله وما ذكره من أن العبرة بعموم الجواب ففيه ان ظاهرة وان كان
71

ثبوت الملازمة بين الصياح ودخول الوقت فلا يتفاوت الحال حينئذ بين يوم الغيم وعدمه لكن من الواضح ان الملازمة جارية مجرى العادة بلحاظ الغالب
اما على سبيل التحقيق أو التقريب فقوله عليه السلام إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس يعني تقريبا أو بمقتضى عادتها بحسب الغالب
فهي امارة ظنية لا يستفاد من الاخبار اعتبارها الا في مورد السؤال ولا يجوز التخطي عنه الا على تقدير القطع بعدم مدخلية الخصوصية وقد تقدم
نظير ذلك في أوصاف الحيض التي بينا انها أوصاف غالبية يجب الاقتصار في الرجوع إليها على مورد النص فراجع وقد ظهر بما ذكر ان الحاق سائر
الاعذار الغير المطردة بالنسبة إلى غالب الاشخاص كالعمي والحبس ونحوهما بالغيم كما صرح به بعض بل ربما يوهمه اطلاق المتن وغيره لا يخلو عن اشكال
بل منع فان المتجه فيها وجوب الاستخيار ممن يوثق بقوله بناء على كفاية خبر الثقة أو من العدل أو العدلين أو الرجوع إلى الاخبار المحفوفة بالقرائن
الموجبة للجزم واطمئنان النفس ولدى التعذر التأخير حتى يقطع بدخول الوقت واما الاعذار المطردة كالرياح المظلمة ونحوها من الاعذار العامة
الموجبة لاشتباه الوقت من حيث هو لا في خصوص شخص فلا ينبغي الارتياب في الحاقها بالغيم مع أنه يكفي في تسرية الحكم إليها بعض الأخبار المتقدمة
المعتضدة بفهم الأصحاب وفتواهم كما أنه يكفي ذلك في الحاق سائر الظنون بالظن الحاصل من صياح الديك والحاق سائر الأوقات بوقت الزوال
المنصوص عليه في هذه الأخبار مع امكان ان يدعى استفادة اعتبار سائر الظنون الحاصلة من العادات والامارات من اعتناء الشارع بصياح الديك
التي هي من أضعف الامارات كما تقدمت الإشارة الية بالأولوية وتنقيح المناط كاستفادة اعتبار هذه الامارة بالنسبة إلى سائر الأوقات لذلك
وان لا يخلو عن تأمل لولا اعتضادها بفهم الأصحاب وغيرها من الأخبار المتقدمة وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في الحكم بعد ما سمعت مع اعتضاده
بنقل الاجماع المعتضد بالشهرة المحققة وعدم نقل خلاف يعتد به في المسألة واستدل أيضا للمشهور مضافا إلى ما عرفت بالأصل والحرج وقبح التكليف
بما لا يطاق مع فرض عدم سقوط الخطاب بالصلاة في أول الوقت ولنصوص الأذان السابقة وخبر فضل بن الربيع المتقدم الدال على جواز الاعتماد
على خبر الواحد لدى الضرورة كما هو مورد الرواية وللمرسل المشهور على النسبة الفقهاء المرء متعبد بظنه وفي الجميع ما لا يخفى بعد الإحاطة بما عرفت
فان انكشف فساد الظن ومخالفته للواقع قبل دخول الوقت استأنف الصلاة بلا خلاف فيه على الظاهر بل
في الجواهر وغيره دعوى الاجماع عليه لمخالفة المأتى به للمشروع فان الوقت شرط للصلاة بالضرورة وقد ورد في جملة من الاخبار التصريح ببطلان
الصلاة الواقعة قبل الوقت وكونه ممتثلا للامر الظاهري غير مجد بعد انكشاف الخلاف لما تقرر في محله من أن امتثال الامر الظاهري انما يكون
مجزيا عن الواقع بحسب ما يقتضيه تكليفه في مرحلة الظاهر ما لم ينكشف مخالفته للواقع هذا مضافا إلى النصوص الخاصة الدالة عليه منها قوله
عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة فان رايته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وصحيحته
الأخرى عن أبي جعفر عليه السلام أيضا في رجل صلى الغداة
بليل غره من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر انه صلى بليل قال يعيد صلاته وفي هذه الصحيحة شهادة بصحة ما قويناه انفا من حجية خبر الثقة في الاخبار
بالوقت وغيره والا لقيد الإمام عليه السلام الحكم بإعادة الصلاة بما إذا كان قول المخبر مفيدا للقطع إذ لا عبرة بالشك ولا بالظن الغير المعتبر بعد الفراغ من
الصلاة ولا فرق في في لاعتداد بالصلاة الواقعة قبل الوقت بين ما لو انكشف فساد الظن بعد الفراغ أو في الأثناء وما عن الذكرى من احتمال
صيرورتها نافلة لو كان الانكشاف قبل الدخول في ركوع الثالثة بل ولو بعده أيضا بناء على صيرورتها أيضا كإعادة اليومية نفلا مجرد احتمال لا يساعد
عليه دليل خصوصا الأخير منهما وعموم النهي عن ابطال العمل بعد تسليمه والغض عن بعض ما يرد عليه مما هو مذكور في محله لا يعم مثل المقام الذي يشك
في كون رفع اليد عنه ابطالا أو كونه في حد ذاته باطلا نعم يمكن ان يوجه احتمال صيرورتها نافلة قبل الدخول في ركوع الثالثة بدعوى ان طبيعة
الركعتين في حد ذاتها هي مصداق لمطلق الصلاة التي هي خير موضوع وحصولها في ضمن صلاة الظهر من قبيل تعدد المطلوب فإذا بطلت الخصوصية
بقيت الطبيعة بلحاظ كونها محققة لمفهوم مطلق الصلاة المشروعة محبوبة وكفى في صحتها حصولها في الخارج قربة إلى الله تعالى وان لم يتحقق
به امتثال خصوص الامر الذي نوى امتثاله وهذه الدعوى وان كانت قريبة لكن إقامة البينة عليها لا تخلو عن اشكال وأقرب من ذلك
احتمال الاعتداد بما اتى به قبل الوقت لو عدل عنه قبل انكشاف فساد الظن إلى النافلة لادراك فضيلة الجماعة مثلا أو في فائتة ثم انكشف فساد
ظنه فان القول بالصحة في مثل الفرض كما جزم به في محكى الذكرى قوي وان لا يخلو أيضا عن تأمل وان لم ينكشف فساد الظن ولكن عاد شكا أو وهما
فإن كان بعد الفراغ من الصلاة لم يلتفت إليه لأن الشك انما هو في شئ لم تجزه وان كان في الأثناء أتمها عازما إلى الفحص واستكشاف الحال فان
انكشف بعد ذلك وقوعها في الوقت فقد تمت والا أعادها سواء انكشف وقوعها قبل الوقت أو بقي شاكا فيه اما في الأول فواضح وفي الثاني
فلان الشك في الشرط شك في المشروط فلا يجتزي به في مقام الامتثال ولا يجري في مثل الفرض قاعدة اصالة الصحة وعدم الاعتناء بالشك
بعد الفراغ من العمل لان هذا فيما إذا حدث الشك بعد العمل لا فيما قارنه حال الفعل كما في الفرض وكونه ظانا بالوقت حال الشروع
في الصلاة لا يجدي بعد انقلاب الظن شكا أو وهما قبل الفراغ منها اللهم الا ان يقال إن الوقت وان كان شرطا في الصلاة لكن زمان احرازه انما هو
قبل الدخول فيها فمتى دخل في الصلاة بظن دخول الوقت ثم شك فيه لم يلتفت إلى شكه لكونه شكا في الشئ بعد تجاوز محله ولكن فيه ما لا يخفى ضرورة
72

ان شرائط الصلاة من الستر والاستقبال والوقت وغير ذلك لابد من كونها محررة ما دام التشاغل بفعل الصلاة فما لم يتحقق الفراغ منها لم
يتجاوز محل احراز الشرائط هذا مع أن العبرة يتجاوز محل الشئ لا محل احرازه نعم للتوهم المذكور مجال بالنسبة إلى مثل الطهارة الحدثية المنتزعة
من فعل خارجي متقدم على الصلاة في الرتبة لكن قد تبين في محله فساد هذا الوهم بالنسبة إليها أيضا فضلا عن مثل المقام وان كان الوقت
قد دخل عليه وهو متلبس بها ولو قبل التسليم أو فيه بناء على أنه من الصلاة كما هو الأقوى لم يعد على الأظهر
الأشهر بل المشهور كما في الجواهر وغيره خلافا للسيد والإسكافي على ما حكى عنهما فقالا بوجوب الإعادة ونسبه الأول منهما إلى محققي أصحابنا
ومحصليهم حجة المشهور رواية إسماعيل بن رياح عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إذا صليت وأنت ترى انك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت
وأنت في الصلاة وفقد أجزئت عنك وعن الفاضل في المختلف وظاهر المصنف رحمه الله في المعتبر التردد فيه للتردد في حال إسماعيل بن رياح وعن بعض
متأخري المتأخرين موافقة السيد نظرا إلى ضعف الرواية ومخالفة الحكم للأدلة على شرطية الوقت وخصوص الاخبار الناطقة ببطلان الصلاة الواقعة
قبل الوقت الشاملة باطلاقها للفرض وفيه ان ضعف الرواية مجبور بعمل الأصحاب بها قديما وحديثا وهي حاكمة على الأدلة الدالة على شرطية الوقت
ومخصصة للأخبار الدالة على بطلان الصلاة الواقعة بل الوقت بما عدى هذه الصورة لو لم نقل بانصرافها في حد ذاتها عنها فلا ينبغي الاستشكال
في الحكم واستدل عليه أيضا في الجواهر بقاعدة الاجزاء المستفادة من الامر بالعمل بالظن هنا نصا وفتوى خرج منها الصورة الأولى بالاجماع
وبقي الباقي واحتمال عذرية هذا الامر فيحكم بالصحة ما لم ينكشف الخلاف خلاف الظاهر واضعف منه احتمال تعدد الامر ظاهرا وواقعا وان
الأول لا يجزي عن الثاني بعد انكشاف الحائل بل هو معلوم الفساد بأدنى تأمل مضافا إلى اصالة البراءة لو فرض ظهور الحال له بعد الفراغ انتهى
أقول اما التمسك بأصالة البراءة بعد ورود الامر بإقامة الصلوات في الأوقات المحدودة في الكتاب والسنة ففيه مالا يخفى واما قاعدة الاجزاء ففيها
ما أشرنا إليه انفا من أن امتثال الأوامر الظاهرية لا يقتضي الا الاجتزاء بالمأتي به في مرحلة الظاهر ما لم ينكشف مخالفته للواقع فما ذكره قدس
سره من ضعف احتمال تعدد الامر بل فساده حق لو أراد عدم تعدد المأمور به الواقعي الذي تعلق الفرض الأصلي بايجاده والا فتعدد نفس الامرين
بل وكذا متعلقيهما من حيث هو غير قابل للانكار ضرورة ان الامر بالصلاة بعد صياح الديك أو اذان هؤلاء مغاير للامر بالصلاة بعد الزوال وبين
متعلقهما مبانية جزئية لامكان افتراق كل منهما عن الاخر لكن المقصود بكلا الامرين ليس الا الخروج عن عهدة الفريضة الخاصة المعهودة التي أوجبها الله
على المكلفين وهي متحدة فعدم تعدد الامر بهذا المعنى مسلم ولكن قضية اتحاد ما تعلق به الغرض في الواقع وكونه هي الصلاة الخاصة بعد وضوح عدم كون
تلك الصلاة مقيدة بكل من العنوانين اي مشروطة بوقوعها بعد الأذان والزوال كليهما اما حمل كل من الامرين على الوجوب التخييري وتعميم موضوع الوقت
الذي هو شرط للصلاة بجعله أعم من الزوال ومن الظن به اما مطلقا أو إذا حصل من الأذان ونحوه فيكون الظن بالزوال على هذا التقدير كنفس الزوال
سببا واقعيا لدخول وقت الصلاة سواء صادف الواقع أم لم يصادف أو تخصيصه بخصوص الزوال وجعل الظن
المطلق أو الأذان ونحوه طريقا تعبديا لا حرارة
فيكون المكلف به في الواقع هو الصلاة بعد الزوال عينا ولكن متى أحرز الوقت باذان ونحوه من الامارات التي فرض اعتبارها شرعا من باب الطريقية
حكم في مرحلة الظاهر بكون الصلاة الواقعة في ذلك الوقت مصداقا واقعيا للمكلف به موجبا لسقوط امره فالعبرة انما هو بامتثال الامر الواقعي
ولكن يجتزي عنه بامتثال الامر الظاهري بلحاظ كونه أصلا شرعيا أو طريقا تعبديا لاحراز امتثال ذلك الامر لا لكونه بنفسه مقصودا بالامتثال
في عرض الواقع فلا يعقل الاجتزاء بعد استكشاف المخالفة وعدم كون المأتى به مصداقا لذلك الامر اللهم الا على تقدير تعلق الغرض بامتثال
نفس هذا الامر لا الامر الواقعي فيعود إلى الفرض الأول ويخرج عن فرض اعتبار الامارة من حيث الطريقية المحضة والحاصل ان قضية اتحاد التكليف
الذي هو ضروري اما تعميم موضوع الشرط والالتزام باعتبار الظن من باب السببية فيتفرع عليه قاعدة الاجزاء أو الالتزام بكون الامر بالعمل
بالظن لكونه طريقا ظنا لاحراز الوقت الذي هو شرط واقعي للصلاة لا لكونه في حد ذاته مناطا للحكم كالأمر بالعمل بالبينة ونحوها التشخيص الموضوعات
الخارجية التي لها اثار شرعية ولا يعقل على هذا التقدير الاجتزاء بامتثاله عما وجب عليه في الواقع بعد ان علم مخالفته للواقع وعدم كون الماتى
به مصداقا للواجب الواقعي كما لو دفع ما لزيد على ذمته إلى اخر عند قيام البينة على أنه زيد فتبين خلافه ومن الواضح ان اخبار الباب الدالة
على جواز التعويل على الأذان أو صياح الديك ونحوها انما دلت على اعتبارها من باب الطريقية المحضة فلا يجتزي بامتثال الأوامر المنبعثة
عنها عند استكشاف الخطاء كما في المثال ودعوى ان الامر بسلوك طريق جايز الخطاء يستلزم قيام مؤدي الطريق مقام الواقع عند التخطي
تداركا لما يترتب عليه من تفويت الواقع فيلزمه الاجزاء غير مسموعة خصوصا إذا استكشف الخطأ في حال تمكن عنده من ادراك الواقع بان لم يتعد
وقته ولتمام الكلام فيما يتعلق بالمقام من النقض والابرام مقام اخر تنبيه لو زعم دخول الوقت فصلى الظهرين أو العشائين فدخل الوقت في أثناء الأخيرة
بطلت الصلاتين بناء على اختصاص أول الوقت بالأولى وصحت الأخيرة على الاشتراك وعدل بنيته إلى الأولى ان علم بذلك في الأثناء قبل ان يتجاوز محل
العدل والا مضى في صلاته ولو صلى قبل دخول الوقت عامدا أو جاهلا بالحكم اي بشرطية الوقت التي مرجعها لدى التحقيق إلى وجوب
73

ايقاع الصلاة في الوقت المحدود أو بوجوب احراز الوقت أو ناسيا له كانت صلاته باطلة سواء دخل الوقت في أثناء الفعل
أم لم يدخل اما مع العمد فواضح والا لخرج الوقت عن كونه شرطا للصلاة وهو مخالف للكتاب والسنة وكذا مع الجهل والنسيان لما أشرنا إليه من أن
مقتضى الأدلة الدالة على شرطية الوقت وغيرها من الأخبار الخاصة المصرحة ببطلان الصلاة الواقعة قبل الوقت اطلاق شرطيته في جميع الصور
خرج منها الصورة السابقة وهي ما لو رأى دخول الوقت فصلى ودخل عليه الوقت في الأثناء للرواية المتقدمة الدالة عليه المخصوصة بجاهل الموضوع
المعتقد للخلاف وبقي الباقي مندرجا في العموم الذي اقتضاه اطلاقات الأدلة ومن هنا ظهر لك انه لو كان جاهلا بالموضوع غير معتقد للخلاف
لا ظنيا ولا قطعيا بان كان مترددا أو غير ملتفت إلى رعاية الوقت كانت أيضا صلاته باطلة بل وكذا لو كان ظانا بظن غير معتبر فان المنساق من قوله عليه السلام
وأنت ترى انك في وقت نظير قول القائل فلان يرى هذا الشئ كذا أو حكم هذه المسألة هكذا انه كذلك في بنائه بحسب ما أدى إليه نظره بطريق الجزم
وبظن معتبر يعول عليه في مقام ترتيب الأثر دون مطلق الظن الذي لا يعتمد عليه فإنه لا يقال بمجرد ترجح أحد الاحتمالين في نظره مع عدم بنائه عليه
في مقام العمل انه يراه هكذا نعم لا يتوقف صدق هذه القضية على كون ظنه معتبرا في الواقع بل يكفي في ذلك كونه كذلك بنظره كما هو واضح وقد ظهر
بما ذكر ان قوله عليه السلام وأنت ترى انك في وقت يعم الاعتقاد الجزمي بل هو من اظهر مصاديقه فما عن غير واحد من تفسيره بالظن بظاهره غير مستقيم كما تقدم
التنبيه على ذلك في صدر المبحث لدى التكلم في تضعيف استدلال من تمسك بهذه الرواية لاثبات حجية الظن بالوقت مطلقا فلا ينبغي الاستشكال في صحة صلاة
من قطع بدخول الوقت فصلى ودخل الوقت كما صدر من اخذا بظاهر هذا التفسير ثم إن المنساق من قوله عليه السلام إذا صليت وأنت ترى انك في
وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة انما هو إرادة ما لو كان قبل دخول الوقت يرى أنه
في الوقت فلو انكشف فساد ظنه في الأثناء قبل
ان يدخل الوقت فرأى أنه بالفعل ليس في الوقت ولكن لو أتمها لدخل الوقت فهذا خارج عن منصرف النص وقد أشرنا انفا إلى أن مقتضى الأصل بالنسبة
إلى الصلاة الواقعة قبل الوقت في كل مورد لا يعمه النص البطلان فلا يشرع اتمامها حتى فيما إذا كان ذلك قريبا من الوقت وتمكن من التأخير والاتيان
بما بقي من الاجزاء بعد دخول الوقت من غير أن يتخلل الفصل الطويل كما هو واضح نعم لو لم ينكشف الفساد ولكن زال اعتقاده فلم ير انه في وقت
بل تردد في ذلك أو انقلب ظنه وهما فهذا أيضا وان كان كسابقه في خروجه عن منصرف النص لكن له ان يتمها احتياطا برجاء الإصابة فان علم فيما بعد
مصادفتها للوقت أو دخول الوقت في الأثناء قبل زوال اعتقاده فهو والا أعادها وهل له قطعها عند انقلاب ظنه شكا أو وهما فيه وجهان من كونه
قطعا للصلاة فيحرم ومن أن المحرم انما هو قطع الصلاة الصحيحة لا مطلق ما كان صلاة في الصورة وكون المورد مصداقا للمحرم مشكوك فيرجع في حكمه إلى
ما يقتضيه الأصل وهو البراءة لا عموم أدلة حرمة قطع الصلاة فان احراز الموضوع شرط في التمسك بعموم الحكم وهذا هو الأظهر تنبيه لو صادف
الوقت صلاة الجاهل والناسي أو الغافل عن مراعاة الوقت اجزا كما جزم به غير واحد من المتأخرين منهم المحقق الأردبيلي وقال على ما حكى عنه وكذا البحث في
كل من اتى بما هو الواجب في نفس الامر وان لم يكن عالما بحكمه ومثله القول في الاعتقادات الكلامية إذا طابقت نفس الامر فإنها كافية وان لم يحصل بالأدلة
كما صرح به سلطان المحققين نصير الملة والدين انتهى وهو حق كما تحقق في محله ويظهر وجهه من بعض ما أسلفناه في نية الوضوء عند التكلم في صحة عمل المحتاط
وعدم اعتبار الجزم في النية فراجع وقيل لم يجز لعدم الدخول الشرعي وفيه مالا يخفى على من أحاط خبرا بما حققناه في ذلك المبحث المسألة الرابعة
الفرائض اليومية مرتبة في القضاء اي إذا كان عليه فوائت متعددة يقضي السابقة مقدمة على اللاحقة بلا خلاف يعتد به
فيه في الجملة على الظاهر بل عن المصنف رحمه الله في المعتبر أنه قال الأصحاب متفقون على وجوب ترتيبها بحسب الفوات انتهى ويشهد له صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك صلوات فابدأ بأولهن فاذن لها فأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة ونوقش
فيها بعدم دلالتها الا على البدئة بالأول وهو أخص من الترتيب المطلق وبأنها مسوقة لبيان الاجتزاء بالأذان لأولاهن عنه لكل واحدة واحدة فيحتمل ان
يكون الامر بالبدئة بالأولى للجري مجرى العادة في فعل من يريد القضاء أو يكون المراد أولهن قضاء لا فواتا بمعنى ان المراد ابدا بأذان لأولهن قضاء
في عزمك وإرادتك وفيه بعد الغض عن في لاعتناء بمثل هذه الخدشات في رفع اليد عما يقتضيه الكلام بظاهره ان الفقرات التي رواها الكليني
رضي الله عنه عن زرارة بعد هذه الصحيحة على وجه يظهر منه كونها من تتمة هذه الرواية بجعله كالنص في إرادة البدئة بأول ما فات وعدم كون الامر به جاريا
مجرى العادة حيث يظهر منها كون الترتيب بين الفرائض مطلقا حاضرة كانت أم فائتة أم مركبة ملحوظا لدى الشارع ولاجله امر بالعدول من اللاحقة إلى؟؟
في جل تلك الفقرات فإنه بعد ان روى هذه الصحيحة باسناده عنه عن أبي جعفر عليه السلام قال وقال اي زرارة فقال أبو جعفر وان كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك الغداة
فذكرتها فصل الغداة اي ساعة ذكرتها ولو بعد العصر ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها وقال إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في
الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثم صل العصر فإنما هي اربع مكان اربع وان ذكرت انك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها
ركعتين فانوها الأولى ثم صل الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر وان كنت قد ذكرت انك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل
العصر ثم صل المغرب وان كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر وان كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم قم فأتممها ركعتين
74

ثم تسلم ثم تصلي المغرب وان كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب وان كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت
والثالثة فانوها المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة وان كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة وان كنت ذكرتها وأنت
في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة واذن وأقم وان كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل ان تصلي
الغداة ابدا بالمغرب ثم بالعشاء فان خشيت ان تفوتك الغداة (ان بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم صلى الغداة ثم صل العشاء وان خشيت ان تفوتك الغداة) ان بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب في العشاء ابدا بأولهما لأنهما جميعا قضاء
أيهما ذكرت فلا تصلهما الا بعد شعاع الشمس قال قلت ولم ذلك قال لأنك لست تخاف فوتها هذا مع أن
ما في ذيل الرواية من قوله عليه السلام وان كانت
المغرب والعشاء إلى اخره بنفسه حجة كافية الا ان تتيمم الاستدلال به على وجه يثبت به عموما لمدعى يحتاج إلى ضميمة الاجماع وعدم القول
بالفصل ويدل عليه أيضا الصحيح عن الوشا عن رجل عن جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام قال قلت له يفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب وذكرها عند
العشاء الآخرة قال يبدأ بالوقت الذي هو فيه فإنه لا يامن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت ثم يقضي ما فاته الأولى فالأولى
والمتبادر من قوله عليه السلام يبدأ بالوقت الذي هو فيه بقرينة النوال إرادة فعل العشاء ابتداء مع أن ظاهره بقرينة التعليل بعدم الامن من الموت اراته
في سعة الوقت وهو ينافي مشاركة العشائين في الوقت الا بمقدار أداء الأخيرة من اخره كما عرفته في محله فان مقتضاها تقديم المغرب على العشاء
في الفرض لتقدمها عليها في الرتبة نصا واجماعا فلا يبعد ان يكون العدول عن تسمية الفريضة الحاضرة التي أريد الابتداء بها إلى قوله عليه السلام يبدأ
بالوقت الذي هو فيه لأجل التقية ويكون المراد به بيان انه يأتي أولا بما هو وظيفة الوقت على اجماله اي العشائين ثم يقتضي ما فاته الأولى فالأولى
وكيف كان فما في ظاهر الرواية من الاشكال غير قادح في دلالتها على المدعى كما وواضح وربما يستدل له أيضا بغيرها من الروايات التي يأتي التعرض لها
خصوصا مع اعتضاده بفتوى الأصحاب واجماعهم كما عن جماعة صريحا أو ظاهرا ادعائه فما حكاه الشهيد رحمه الله في محكى الذكرى عن بعض من صنف رسالة في
المواسعة والمضايقة من القول بالاستحباب ضعيف إذ لا مقتضى لصرف الامر الدال عليه إلى الاستحباب كما سيأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله في المبحث
المشار إليه وتعرف في ذلك المبحث ان الأظهر اختصاص الحكم بصوره العلم بالترتيب لا مطلقا كما صرح به غير واحد ثم إن ظاهر المتن كصريح غيره
اختصاص الترتيب بين الفرائض باليومية فلا ترتيب بينها وبين الفوائت الاخر ولا بن تلك الفوائت ولكن نقل في محكى الذكرى عن بعض مشايخ (؟؟)
السعيد مؤيد الدين العلقمي القول بوجوب الترتيب فيها أيضا لعموم قوله عليه السلام من فائته فريضة فليقضها كما فاتته وقوله عليه السلام يقضي ما فاته كما فاته وجعله
العلامة في محكي التذكرة أحوط وعن الذكرى نفي الباس عنه ولا ريب في أنه أحوط ولكن الأقوى خلافه لمخالفة الحكم للأصل واختصاص ما دل عليه
باليومية لورودها فيها والامر بالأذان والإقامة لها في بعضها وانصراف الفريضة والفائتة إليها واما الخبران اللذان استشهد بعمومها
لمدعاه ففيهما بعد الغض عن انصرافهما إلى اليومية ما ستعرف إن شاء الله في المبحث المزبور من الخدشة في دلالتهما على اشتراط الترتيب الا ببعض التقريبات
التي لو تمت فهي في الفرائض اليومية دون غيرها والله العالم فلو دخل في فريضة فائتة فذكر في أثنائها ان عليه فريضة سابقه
عليها عدل بنيته إلى السابقة اي جعلها في قصده الفريضة السابقة فينوي وقوعها امتثالا للامر المتعلق بتلك الفريضة كما يدل عليه الامر بالعدول
عن الفريضة إلى سابقتها في غير واحد من الاخبار كصحيحة زرارة المتقدمة ورواية البصري قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى
فقال إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها فإذا ذكرها وهو في صلاة بدا بالتي نسي وان ذكرها مع امام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب
ثم صلى العشاء بعدها وان كان صلى العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر انه نسي المغرب أتمها بركعة فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ثم يصلي العتمة
بعد ذلك وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن رجل أم قوما في العصر فذكر وهو يصلي بهم انه لم يكن صلى الأولى قال فليجعلها الأولى التي فاتته و
يستأنف بعد صلاة العصر وقد قضى القوم صلاتهم لكن الأخبار الدالة عليه انما وردت في العدول عن الحاضرة إلى سابقتها الحاضرة أو الفائتة ولذا
استشكل بعض في العدول عن الفائتة إلى سابقتها لو لم يكن اجماعيا لخروجه عن مورد النصوص وكون الحاقه بالنصوص قياسا لا تقول به ولكن يدفعه
عدم مدخلية خصوصية المورد في ذلك فإنه يستفاد من الامر بالعدول من الظهر أو من الظهر إلى الصبح أو من الصبح إلى العشاء وهكذا ان اجزاء
كل فريضة صالحة بالذات لان تحتسب من سابقتها مع الامكان فمتى تنجز في حقه التكليف بالسابقة وجب عليه ذلك من غير فرق بين ان يكون ذلك في الوقت أو
في خارجه وان شئت قلت جواز العدول ومن فائتة إلى سابقتها فرع جوازه في الحاضرة فان القضاء على زما يظهر من أدلته ليس الا ايجاد ما وجب في الوقت في
خارجه وقد أشرنا في بعض المباحث السابقة ان وجوبه وان كان بأمر جديد لكن الامر الجديد يكشف عن أن الأمر الأول من قبيل تعدد المطلوب فمتى فاته الظهرين
وجب عليه ان يأتي بهما بعد الغروب على حسب ما كانتا واجبتين عليه قبل خروج الوقت وقد كان الواجب عليه قبل الخروج ان يعدل من العصر إلى الظهر المنسية
امتثالا لأمرها فكذلك فيما بعده فيكون جواز العدول أو وجوبه كسائر الأحكام التكليفية أو الوضعية الثابتة لها في الجملة ما دامت في الوقت التي؟؟
في القضاء من غير التماس دليل خارجي وبما ذكرت ظهر لك امكان التمسك بالاستصحاب أيضا فليتأمل لا يقال إن مقتضى ما ذكر بناء على ما هو التحقيق من عدم
75

وجوب العدول عن الحاضرة إلى الفائتة عدم وجوبه في الفوائت أيضا الا بين الظهرين والعشائين من يوم أو ليلة لأنا نقول إن المقصود بالاستدلال
بهذه الاخبار انما هو اثبات صحة العدول واما جوازه أو وجوبه فهو فرع وجوب الترتيب وعدمه كما هو ظاهر المتن وصريح غيره وانما لم توجب العدول
على الحاضرة حيث لم نقل فيها بوجوب المترتب ثم إن مقتضى وجوب الترتيبين الفوائت وصحة العدول عن كل فريضة إلى سابقتها انما هو ترامي العدول
فيما لو ذكر بعد ان عدل من فريضة إلى سابقتها ان عليه أيضا فريضة سابقة على المعدول إليه كما لو عدل من الصبح إلى العشاء فذكر ان عليه المغرب أيضا و
هكذا إذ لا مدخلية لدخوله في العشاء من أول الأمر يقصدها أو صيرورتها عشاء بعد تذكر فوتها في جواز العدول وعنها وعدمه بلا شبهة لكن هذا
فيما إذا كان مكلفا في الواقع بالمعدول إليه أولا بحيث لو لم يتذكر سابقتها إلى أن يفرغ منها لوقعت صحيحة والا فيشكل ذلك كما لو عدل إلى العشاء بزعم انها
هي الفائتة فتبين بعد العدول كونها المغرب وعدم كونه مكلفا بالعشاء في الواقع نعم لو لم ينكشف براءة ذمته عنها الا بعد العدول منها إلى سابقتها
أمكن القول بالصحة وان لا يخلو أيضا عن تأمل حيث إن المنساق من النصوص والفتاوي الدالة على العدول انما هو فيما إذا كان المعدول عنه في حد ذاته صحيحا
في الواقع فلا نعم مثل الفرض كما لا تعم ما لو دخل ابتداء في فريضة حاضره أو مائتة بزعم اشتغال ذمته بها فانكشف في الأثناء خلافه فعدل إلى غيرها فالجزم
بصحة العدول في الفرض كالمثال في غاية الاشكال نعم الأقوى ذلك فيما إذا كان العدول إلى المغرب قبل ان يأتي بشئ من الاجزاء بقصد العشاء (بل الأظهر ذلك في مثل الفرض وان كان انكشاف فراغ ذمته عن العشاء قبل العدول إلى المغرب)
بل وكذا لو كان اتيا ببعض الاجزاء ولكن رفع اليد عنه بعد العدول إلى المغرب على اشكال تحقيقه موكول إلى محله فإنه في هذه الصورة يكون لدى
التحليل عدولا من الصبح إلى المغرب فلا اشكال فيه وليعلم ان الترتيب بين الفرائض المقتضي للعدول عن اللاحقة إلى السابقة يختص اعتباره بصورة
العمد والالتفات من أول الأمر أو تذكره بعد الدخول في اللاحقة ما دام العدول إلى سابقتها الموجب لحصول الترتيب ممكنا بان
لم يستلزم زيادة ركن أو واجب على الخلاف الآتي في محله في مبحث القضاء إن شاء الله والا مضى في اللاحقة وأتمها ثم استأنف المرتبة
اي السابقة لسقوط شرطية الترتيب حينئذ كما تقدمت الإشارة إليه ويأتي تفصيله في محله إن شاء الله المسألة الخامسة يكره
النوافل المبتدئة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند قيامها اي كونها في وسط السماء حتى
يتحقق الزوال الا في يوم الجمعة كما ستعرف وبعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر على المشهور في الجميع بل عن غير واحد
دعوى الاجماع عليه للنصوص المستفيضة الدالة عليه كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال يصلي على الجنازة في كل ساعة انها ليست بصلاة ذات
ركوع وسجود وانما يكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود لأنها تغرب بين قرني الشيطان وتطلع بين قرني
الشيطان ورواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا صلاة بعد الفجر حين تطلع الشمس فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب
بين قرني شيطان وقال لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب
لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا صلاة نصف النهار الا يوم الجمعة وعن الصدوق في الفقيه في
حديث المناهي مسندا عن جعفر بن محمد عن ابائه عليهم السلام قال ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الصلاة عند طلوع الشمس وعن غروبها وعند استوائها وفي المجالس مرسلا
قال وقد روى نهيي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لان الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان وفي العلل بسند قوي عن سليمان
بن جعفر قال سمعت الرضا عليه السلام يقول لا ينبغي لاحد ان يصلي إذا طلع الشمس لأنها تطلع بين قرني شيطان فإذا ارتفعت وصفت فارقها فتستحب الصلاة ذلك
الوقت والقضاء وغير ذلك فإذا انتصف النهار قارنها فلا ينبغي لاحد ان يصلي في ذلك الوقت لان أبواب السماء قد غلقت فإذا زالت الشمس وهبت
الريح فارقها وعن الشيخ مرسلا قال قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام الحديث الذي روى عن أبي جعفر عليه
السلام ان الشمس تطلع بين قرني شيطان قال نعم ان بليس تخذ عرشا
بين السماء والأرض فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال إبليس لشياطينه ان بني ادم يصلون لي وعن الكليني رحمه الله مرسلا نحوه وهذه
المرسلة تشهد بصحة ما تضمنته الصحيحة الأولى وعن مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي باسناده عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام في حديث انه صلى
المغرب ليلة فوق السطح فقبل له ان فلانا كان يفتي عن ابائك انه لا باس بالصلاة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى أن تغيب الشمس فقال
كذب لعنه الله على أبي أو قال على آبائي أقول يحتمل بعيدا ان يكون المقصود بالصلاة في هذه الرواية الأخيرة الفريضة فيكون المقصود بتكذيب من أفتى
عن ابائه عليهم السلام بنفي الباس عن صلاة الصبح والعصر إلى طلوع الشمس وغروبها مخالفته لما تواتر عنهم عليهم السلام من الحكم بمرجوحيته الصلاة في اخر وقتها وكونه
تضييعا لها وكيف كان ففيما عدى هذه الرواية غنى وكفاية فإنها ظاهرة الدلالة في كراهة الصلاة في الأوقات الخمسة المزبورة اما في الثلاثة الأولى
المتعلقة بالشمس فواضح واما في الأخيرين اي فيما بعد الصلاتين وان كان قد يتأمل في دلالة الاخبار عليه نظرا إلى أن ما وقع فيها التعرض يبقى الصلاة
بعد الفجر أو العصر ظاهر في إرادة نفس الوقت لا بعد الصلاتين لكن يدفعه معهودية المنع عن الصلاة بعد الصلاتين لدى العامة والخاصة في تلك الاعصار
كما شهد بذلك كثير من الآثار التي سيأتي الإشارة إلى بعضها فيكون الاخبار منزلة على المعهود كما يؤيد ذلك فهم الأصحاب وفتواهم هذا مع أنه يكفي في
اثبات الكراهة ما سمعته من الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة وربما يستظهر من الأخبار المتقدمة
عدم الجواز كما حكى القول به عن ظاهر السند
76

وفيه مع شذوذ هذا القول إن بعض تلك الأخبار وان كان قد يتراءى منه ذلك لكن مناسبة التعليل الواقع في أغلبها ووقوع التعبير في بعضها بلفظ
لا ينبغي وفي بعض اخر بلفظ يكره يجعلها ظاهرة في إرادة الكراهة مضافا إلى انها هي التي يقتضيها الجمع بينها وبين غيرها من الاخبار التي هي صريحة في
الجواز كرواية محمد بن فرج قال كتبت إلى العبد الصالح أسئله عن مسائل فكتب إلى وصل بعد العصر من النوافل ما شئت وصل بعد الغداة من النوافل
ما شئت وحيث إن الرواية واردة في مقام توهم الحظر لا يستفاد منها أزيد من الجواز الغير المنافي للكراهة مع أن المقصود بالكراهة في المقام هو
الكراهة في العبادة الغير المنافية لرجحانها الفعلي كما عرفت توجيهها في مبحث الوضوء بالماء المسخن وقراءة القرآن للحائض والجنب وغير ذلك من المواضع
المناسبة والتوقيع المروي عن الصدوق في الفقيه باسناده عن أبي الحسين جعفر الأسدي انه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله عن محمد بن عثمان
العمري قدس الله روحه واما ما سئلت عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلان كان كما يقول الناس ان الشمس تطلع بين قرني شيطان و
تغرب بين قرني شيطان فما أرغم انف الشيطان بشئ أفضل من الصلاة فصلها وارغم انف الشيطان والقدح في هذا التوقيع بأنها مقطوعة مع وهنه
في حد ذاته حيث لا يظن صدور مثل هذا الكلام منه عن حدس واجتهاد من غير مراجعة الإمام عليه السلام
مدفوع بان الصدوق رواه في اكمال
الدين واتمام النعمة على ما حكى عنه عن جملة من مشايخه انهم قالوا حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال كان فيما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن
عثمان العمري في جواب مسائل إلى صاحب الدار وذكر الحديث بعينه وعن الطبرسي في الاحتجاج نسبة الجواب إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه
فلا مجال للقدح فيه من هذه الجهة وهو كما تراه نص في الجواز وفي عدم صلاحية القضية المشهورة بين الناس من أن الشمس تطلع وتغرب بين
قرني شيطان على تقدير صدقها علة للمنع عن الصلاة بل هي مقتضية لاستحبابها رغما لانف الشيطان فمن هنا يتحقق التنافي بين هذا التوقيع
وبين الأخبار الناهية المعللة بهذه العلة ولا يجدي في رفعه حمل تلك الأخبار على الكراهة بعد ظهور التوقيع في عدم صلاحية ما فيها من التعليل
تعليلا للنهي وكونه مقتضيا للاستحباب ولاجل تأخر التوقيع عن تلك الأخبار وصدوره عن امام العصر عجل الله فرجه وشهادته بمعروفية ما تضمنته
تلك الأخبار بين الناس المقتضية لصدورها تقية قد يترجح في النظر الاخذ بظاهر التوقيع والالتزام بنفي الكراهة أيضا وحمل تلك الأخبار على
التقية كما حكى القول بذلك عن الصدوق وتبعه غير واحد من المتأخرين لكنه لا يخلو عن اشكال حيث يستشعر من التوقيع ان القضية المعروفة بين
الناس من المشهورات التي لا أصل لها مع أنه قد تكرر ذكرها في اخبار أهل البيت عليهم السلام في مقام الاستدلال وغيره واسنادها إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام في جملة من تلك الأخبار كرواية الحلبي المتقدمة وخبر النفر من اليهود المتقدم عند البحث عن صلاة الوسطى الذين جاؤوا
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله اعلمهم عن مسائل وفيه في تعليل صلاة الفجر في الوقت المخصوص بها ما صورته واما صلاة الفجر فان الشمس
إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان فأمرني ربي عز وجل ان أصلي قبل طلوع الشمس صلاة الغداة وقبل ان يسجد لها الكافر تسجد أمتي إلى آخره وعن العلل فيما أجاب
به أمير المؤمنين عليه السلام عن مسائل اليهود ما يقرب من ذلك لكن هذه الرواية متضمنة لفقرات تشبه قول الناس فلا وثوق بها ولا بسندها واما ساير
الأخبار المشتملة على هذه القضية فيبعد صدورها بأسرها تقية خصوصا اخبار الباب فان صدور حكم تقية والاستدلال له بقضية لا أصل لها واسنادها
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في غاية البعد فرفع اليد عنها مع كثرتها واشتهارها بين الأصحاب فتوى ورواية مشكل فالأولى حمل التوقيع على
إرادة عدم صلاحية هذه القضية علة للتحريم كما زعمه الناس لا انها ليست صالحة للمنع رأسها حتى للكراهة وما فيه من الاشعار بأنها لا حقيقة لها فلعله
بلحاظ معناها الحقيقي فلا ينافي ذلك صدورها عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام على ضرب من الاستعارة هذا ولكن الانصاف ان حمل تلك الأخبار المعللة
بهذه العلة بأسرها على التقية أولى من التصرف في ظاهر التوقيع كما يؤيد ذلك ظهور أغلب تلك الأخبار
في في لمشروعية لهذه العلة كما زعمه الناس
ولكن مع ذلك الأقوى كراهة الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها لا لهذه العلة بل لدلالة بعض الأخبار
المتقدمة الغير المعللة بهذه العلة
وبعض الأخبار الآتية عليه وشهرة القول بها بين الأصحاب ولا ينافيها الامر بفعلها في التوقيع لوروده في مقام توهم الحظر مع انا لا نعني بكراهة
الصلاة ما ينافي ذلك كما تقدمت الإشارة إليه وسيأتي توضيحه وليعلم ان الأصحاب رضوان الله عليهم بعد اتفاقهم على كراهة الصلاة في
الجملة في الأوقات الخمسة المزبورة على ما ادعاه غير واحد اختلفوا في تشخيص موضوعها فمنهم من خصصها بالنوافل المبتدئة وقال بأنه لا باس بما
له سبب كصلاة الزيارة والحاجة وقضاء النوافل المرتبة كما في المتن وغيره بل لعله هو المشهور وقد حكى القول بذلك
عن الشيخ في المبسوط وعن نهايته الحكم بكراهة النوافل مطلقا أداء وقضاء عند الطلوع والغروب ولم يفرق بين ذي السبب وغيره ومن خلافه أنه قال
فيما نهى عنه لأجل الوقت وهي المتعلقة بالشمس لا فرق فيه بين الصلاة والبلاد والأيام الا يوم الجمعة فإنه يصلي عند قيامها النوافل ثم قال
وما نهى عنه لأجل الفعل وهي المتعلقة بالصلاة انما يكره ابتداء الصلاة فيه نافلة فاما كل صلاة لها سبب فإنه لا باس به وعن المفيد قدس سره الجزم
بكراهة النوافل المبتداة وذات السبب عند الطلوع والغروب بل ربما استظهر من عبارته المحكية عن المقنعة التحريم حيث قال من زار أحد المشاهد عند
طلوع الشمس أو غروبها اخر الصلاة حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها وصفرتها عند غروبها وفيه نظر خصوصا بالنظر إلى ما هو المعروف عنه
77

في بعض كتبه من التصريح بالجواز والمبالغة في التشنيع عن العامة القائلين بالحرمة استنادا إلى ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله من النهي عن الصلاة
في الوقتين معللا بان الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان بابطال العلة وتكذيبها ومنع جواز صدور التعليل بمثلها من الأنبياء عليهم السلام كما ستشعر
ذلك من التوقيع المتقدم المصرح بفساد التعليل المشعر بكذب العلة في حد ذاتها وكونها من أقوال الناس لا الأنبياء إلى أن قال فيما حكى عنه فلما بطلت
هذه الرواية بفساد اخر الحديث ثبت ان التطوع جايز فيهما انتهى وعن ابن أبي عقيل لا نافلة بعد طلوع الشمس إلى الزوال ولا بعد العصر حتى يغيب
القرص الا يوم الجمعة وقضاء فوائت السنن وعن ابن الجنيد ورد النهي عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس وعند قيامها نصف
النهار وعند غروبها وأباح الصلاة نصف النهار يوم الجمعة فقط وظاهرهما إرادة عدم المشروعية فتحرم وصرح منهما في ذلك ما عن السيد في بعض
كتبه فقال ومما انفردت به الإمامية كراهة صلاة الضحى وان التنفل بالصلاة بعد طلوع الشمس إلى وقت زوالها محرم الا في يوم الجمعة خاصة وعنه
في أجوبة المسائل الناصرية حيث قال لا باس بقضاء الفرائض عند طلوع الشمس وعند استوائها وعند غروبها قال السيد وهذا عندنا صحيح وعندنا انه يجوز
ان يصلي في الأوقات المنهى عن الصلاة فيها كل صلاة لها سبب متقدم وانما لا يجوز ان يبتدء فيها بالنوافل انتهى وعن بعض المتأخرين التردد في الكراهة مطلقا
وعدمها كذلك إذا عرفت ذلك فنقول اما الأخبار المتقدمة التي هي عمدة مستند الكراهة مطلقة بل مقتضى اطلاقها شمولها لقضاء الفريضة
أيضا فضلا عن قضاء النوافل وغيره من ذوات الأسباب لكن ربما يظهر من بعض الأخبار اختصاصها بما عدى الفوائت كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال
اربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها وصلاة ركعتي طواف الفريضة وصلاة الكسوف والصلاة على الميت هو لا تصليهن
في الساعات كلها ورواية نعمان الرازي قال سئلت أبا عبد الله عن رجل فاته شئ من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها قال فليصل حين
ذكره وصحيحة معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول خمس صلوات لا يترك على كل حال إذا طفت بالبيت وإذا أردت ان تحرم وصلاة الكسوف
وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال خمس صلوات تصليهن في كل وقت صلاة الكسوف والصلاة
على الميت وصلاة الاحرام والصلاة التي تفوت وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل وفي هذه الأخبار إشارة إلى أن
المراد بالصلوات إلي نهى عن الاتيان بها في بعض الأوقات هي ما عدى هذه الصلوات فهي حاكمة على الأخبار الناهية خصوصا الرواية الأخيرة فان قوله
عليه السلام من الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل بمنزلة التأكيد لإرادة العموم من كل وقت بالتصريح بالفرد الذي فيه مظنة المنع ومقتضى اطلاقها
شمولها لمطلق الفائتة المقتضية فريضة كانت أم نافلة اللهم الا ان يدعى انصرافها إلى الأولى وهو قابل للمنع إذ الظاهر كونه بدويا وكيف كان فربما يعارض
هذه الأخبار قوله عليه السلام في ذيل صحيحة زرارة المتقدمة في المسألة السابقة وأيهما ذكرت اي المغرب والعشاء فلا تصليهما الا بعد شعاع الشمس ونحوه
بعض الأخبار الواردة أيضا في ناسي العشائين ففي خبر أبي بصير وان استيقظ بعد الفجر فليبدء فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع
الشمس فان خاف ان تطلع الشمس فتفوته احدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها وفي صحيحة ابن سنان فليصل
الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس وقد حمل صاحب الحدائق هذه الأخبار على التقية مستشهدا لذلك بما تضمنته من امتداد وقت العشائين
للناسي إلى طلوع الفجر وهو خلاف المشهور وقد التزم بجري هذا الحكم مجرى التقية فجعله شاهدا لما ادعاه في المقام ولكنك عرفت ان القول به لا يخلو عن
قوة فالأولى في مقام الجمع اما الالتزام بخفة الكراهة الملحقة بالعدم بالنسبة إلى قضاء الفوائت أو مطلق ذوات الأسباب أو تخصيص عموم الأوقات
في المسألة ولعل هذا وهو الأولى وان كان قد يشكر ذلك أيضا بما في بعض الأخبار من الامر بها في خصوص هذا الوقت مثل ما رواه الصدوق باسناده عن
حماد بن عثمان انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل فاته شئ من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس أو عند غروبها قال فليصل حين يذكر ونحوها رواية نعمان
المتقدمة ولكن يمكن الجمع بين تلك الأخبار الناهية عن القضاء الا بعد شعاع الشمس وبين هذه الرواية وأشباهها بالالتزام باجتماع جهتي الكراهة
الناشئة من عدم مناسبة الوقت للفعل والاستحباب الناشي من حسن المبادرة إلى الخيرات والتعجيل في أداء الحقوق الواجبة وغيرها من الجهات المقتضية حسن
التعجيل وتنزيل الاخبار المختلفة على رعاية الجهات وتوجيهها ببعض الوجوه التي يتوجه بها العبادات المكروهة
التي تعلق بها النهي مع كونها
مطلوبة بالفعل فيكون كل من التعجيل والتأخير راجحا من جهة نظير صلاة العصر التي قد عرفت عند التعرض لوقت فضيلتها ان تأخيرها إلى وقتها الأصلي
مستحب وتقديمها من أول الوقت بعد أداء الظهر ونافلتها من باب المسارعة إلى الخيرات ونحوها أفضل هذا بالنسبة إلى طلوع الشمس الذي ورد الامر
بتأخير القضاء عنه في الأخبار السابقة ولا يبعد الحاق قيامها وغروبها أيضا بذلك بابقاء النهي عن الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة على عمومه وعدم
تخصيصه بالاخبار الحاكمة لاعتضاد عمومه بهذه الاخبار الامرة بتأخير القضاء عن طلوع الشمس واما الوقت الذي يتعلق بالفعل اي ما بعد صلاتي
الفجر والعصر فلا ينبغي التأمل في عدم كراهة القضاء فيه ولو بالمعنى المتقدم الذي مرجعه إلى استحباب التأخير رعاية للوقت الأصلح وان كان قد يظهر
من بعض الأخبار عدم صلاحية هذا الوقت أصلا للصلاة حتى الفريضة الأدائية كخبر الصيقل الذي ورد فيه الامر بالعدول من العصر إلى الظهر المنسية
78

إذا ذكرها بعد ان صلى من العصر ركعتين واتمام العشاء وعدم العدول منها إلى المغرب المنسية إذا ذكرها بعد ان صلى من العشاء ركعتين معللا بان العصر ليس
بعدها صلاة والعشاء بعدها صلاة لكن هذه الرواية لابد من رد علمها إلى أهله إذ لا نقول بمفاده كما تعرف إن شاء الله في محله وقد ورد الامر بقضاء
النوافل في هذا الوقت فضلا عن الفرائض في غير واحد من الاخبار الآتية بحيث يظهر منها عدم شائبة كراهة فيه رأسا مضافا إلى ما أشرنا إليه من كون
رواية أبي بصير المتقدمة الحاكمة على الأخبار الناهية كالنص في ذلك ومما يدل على عدم كراهة قضاء النوافل في هذه الأوقات مضافا إلى ما عرفت من امكان
دعوى استفادته من الأخبار المتقدمة الروايات المستفيضة الواردة فيها بالخصوص كرواية حسان بن مهران قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن قضاء النوافل قال
ما بين طلوع الشمس إلى غروبها وعن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام في قضاء صلاة الليل والوتر يفوت الرجل يقضيها بعد صلاة الفجر وبعد العصر قال
لا باس بذلك وعن جميل بن دراج قال سئلت أبا الحسن الأول عليه السلام عن قضاء صلاة الليل بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فقال نعم وبعد العصر إلى الليل
فهو من سر آل محمد المخزون ومرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام قال قال قضاء صلاة الليل بعد الغداة وبعد العصر من سر آل محمد المخزون وعن سليمان
بن هارون قال سئلت أبا عبد الله عن قضاء صلاة الليل بعد العصر قال نعم انما هي من النوافل فاقضها متى شئت وفي الصحيح عن أحمد بن النضر قال
سئل أبو عبد الله عليه السلام عن القضاء قبل طلوع الشمس وبعده قال نعم فاقضه فإنه من سر آل محمد صلى الله عليه وآله وعن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال اقض
صلاة النهار اي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء وعن ابن أبي يعفور في الصحيح قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول صلاة النهار يجوز قضائها
اي ساعة شئت من ليل أو نهار ومرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام قال كل ما فاتك من صلاة الليل فاقضه بالنهار قال الله تبارك وتعالى و
هو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد ان يذكر أو أراد شكورا يعني ان يقضي الرجل ما فاته بالنهار بالليل واقض ما فاتك من صلاة الليل
اي وقت شئت من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه وهذه الأخبار
وان أمكن القدح في دلالة كل منها على
المدعى بدعوى ورودها في مقام توهم الحظر الناشي من التزام العامة بحرمته فلا يستفاد منها أزيد من مشروعيته خصوصا من مثل قوله عليه السلام في خبر
سليمان انما هي النوافل فاقضها متى شئت فإنه على الظاهر للارشاد إلى انها غير محدودة بوقت معين كالفرائض بل هي من النوافل التي تكون بمنزلة الهدية
متى اتى بها قبلت فلا ينافيه كونها من بعض الأوقات مشتملة على منقصة توجب كونها أقل ثوابا مما لو اتى بها في غير ذلك الوقت كما هو أحد الوجوه التي
يتوجه بها العبادات المكروهة في أغلب مواردها لكن من ملاحظة المجموع وعدم الاشعار في شئ منها بكراهته في بعض الأوقات واطلاق نفي
الباس عنه بل في بعضها التصريح بان اي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء انه لا كراهة فيه رأسا خصوصا بالنسبة إلى الوقت المتعلق بالفعل
اي بعد صلاتي الصبح والعصر الذي كان بالخصوص ملحوظا في كثير من هذه الأخبار واستدل للمدعى أيضا بخبر علي بن بلال قال كتبت إليه في قضاء النافلة من
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس فكتب لا يجوز ذلك الا للمقتضى فاما الغير فلا بناء على تفسير المقتضي بفاعل القضاء فالمقصود
بالجواب بيان قصر الجواز على القضاء دون سائر الصلوات وفيه ان إرادة هذا المعنى من المقتضي خلاف المتعارف فالرواية لا تخلو عن تشابه مع ما
فيها من الاضمار وظهورها في الحرمة التي لا نقول بها فلا يبعد كونها مشوبة بالتقية كما يؤيد ذلك كونها مكاتبة ويحتمل قويا ان يكون المراد بالمقتضى
السبب الباعث على اختيار الفعل في هذا الوقت كخوف في لقدرة عليه في غير هذا الوقت ونحوه فيكون حينئذ على خلاف المطلوب أدل واستدل لاستثناء
مطلق ذوات الأسباب عن عموم أدلة الكراهة باطلاق ما دل على مشروعيتها عند حصول أسبابها الشامل لهذه الأوقات وغيرها فان التعارض بينه و
بين دليل الكراهة السابق وان كان من وجه لكن لا ريب في رجحانه عليه بالأصل وما دل على رجحان أصل الصلاة والشهرة العظيمة والاجماع المحكى والكثرة
وتطرق التخصيص إلى دليل الكراهة بخروج قضاء الفرائض والنوافل الموجب لوهن عمومه مع أن تخصيصه أهون من تخصيص الأدلة الكثيرة الواردة في
ذوات الأسباب وفيه انه لا منافاة بين الكراهة المحمول عليها النواهي المتعلقة بالصلاة في تلك الأوقات وبين اطلاق ما دل على مشروعيتها بل تستلزمه
والا لم تكن الصلاة مشروعة فكانت محرمة ولذا أشكل الامر في توجيه العبادات المكروهة فالأظهر كراهة الصلاة مطلقا في الأوقات المذكورة الا الصلوات
الخمسة التي ورد الامر بفعلها في كل ساعة في الاخبار الحاضرة التي بينا حكومتها على الأخبار الناهية
وهي صلاة الكسوف وصلاة الميت وقضاء الفوائت
مطلقا فريضة كانت أم نافلة وصلاة الاحرام وركعتي الطواف اما مطلقا أو مقيدا بالواجب كما في بعض تلك الأخبار التقييد به بل قد نفينا البعد عن كراهة القضاء
أيضا في الأوقات المتعلقة بالشمس بمعنى أفضلية تأخيرها مع الامكان بواسطة بعض الأخبار الدالة عليه كما يؤيده أيضا خبر ابن بلال المتقدم بناء على
الاحتمال المذكور في توجيهه وكيف كان فالأقوى كراهة ما عدى هذه الخمسة مطلقا عدى بعض النوافل التي ورد الامر بفعلها في شئ من تلك الأوقات
بالخصوص اما لكونه أفضل أوقاتها أو لشرعيتها فيه بالخصوص فان هذا ينافي كون خصوصيتها موجبة للكراهة كما في صلاة الغدير التي ورد الامر
بايقاعها قبل الزوال بنصف ساعة بناء على صدق قيام الشمس على هذا الوقت أو فعل اربع وركعات نافلة قبل الزوال في كل يوم كما ورد الامر به في
ما رواه الكفعمي في المصباح عن أبي عبد الله عليه السلام قال من صلى أربعا في كل يوم قبل الزوال يقرء في كل ركعة الحمد مرة والقدر خمسا وعشرين مرة لم يمرض الا
مرض الموت فلابد في مثل الفرض اما من تخصيص أدلة الكراهة ان أمكن كما في صلاة الغدير أو طرح أحد الدليلين أو تأويله كما في الرواية الثانية
79

لبعد ارتكاب التخصيص فيها بمثل هذا المخصص فيها بمثل هذا المخصص ومما يشهد بكراهة ذوات الأسباب أيضا مضافا إلى ما ذكر ما حكى عن كتاب الاستخارات لابن طاوس
رضي الله عنه انه روى عن أحمد بن محمد بن يحيى عن الصادق عليه السلام في الاستخارة بالرقاع فتوقف إلى أن يحضر صلاة مفروضة فقم فصل ركعتين كما وصفت
لك ثم صل الصلاة المفروضة أو صلهما بعد الفرض ما لم يكن الفجر أو العصر فاما الفجر فعليك بعدها بالدعاء إلى أن تنبسط الشمس ثم صلها
واما العصر فصلها قبلها ثم ادع الله قبلها تنبيهات الأول انا قد أشرنا مرارا انا لا نعني بكراهة الصلاة في هذه الأوقات رجحان
تركها على الاطلاق وانما نعني بذلك عدم مناسبة هذه الأوقات من حيث هي لفعل الصلاة وأولوية ايقاعها في غير هذه الأوقات لدى الامكان
والا فهي في حد ذاتها من أفضل الطاعات ولقد صدر الامر بفعلها من صاحب الامر عجل الله فرجه في أوضح مواقع الكراهة اي عند الطلوع والغروب
في التوقيع المتقدم مع الإشارة إلى انها أفضل شئ يزعم به انف الشيطان كما يؤيد ذلك بعض الأخبار
العامية التي أوردها الصدوق في محكى الخصال
تعريضا على العامة القائلين بالمنع وهي ما رواه عن عبد الله بن أحمد الفقيه عن علي بن عبد العزيز عن عمر بن عون عن خلف بن عبد الله بن الأسود
عن عائشة قالت صلاتان لم يتركهما رسول الله صلى الله عليه وآله سرا وعلانية ركعتين بعد العصر وركعتين قبل الفجر وعنه عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم عن عبد
الواحد بن أيمن عن أبيه عن عائشة انه دخل عليها يسئلها عن الركعتين بعد العصر قالت والذي ذهب بنفسه يعني رسول الله صلى الله عليه وآله ما تركهما حتى لقى الله عز وجل
وحتى ثقل عن الصلاة وكان يصلي كثيرا من صلاته وهو قاعد فقلت انه لما ولى عمر ينهى عنهما قالت صدقت ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله كان لا يصليهما في المسجد مخافة ان يثقل
على أمته وكان يحب ما خف عليهم وعنه عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن الحوضي عن شعبة عن أبي سماوة عن مسروق عن عائشة انها قالت كان رسول الله صلى الله
عليه وآله عندي يصلي بعد العصر ركعتين وعنه عن محمد بن علي بن طرخان عن عبيد الله بن الصباح عن محمد بن سيار عن أبي حمزة عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صلى البردين دخل الجنة يعني بعد الغداة وبعد العصر قال الصدوق بعد نقل هذه الأخبار مرادي بايراد هذه الأخبار الرد على
المخالفين لأنهم لا يرون بعد الغداة وبعد العصر صلاة فأحببت ان أبين انهم قد خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله وفعله انتهى ولو صحت هذه الأخبار
خصوصا الأخير منها لدلت على نفي الكراهة رأسا والله العالم الثاني ظاهر الأصحاب على ما ادعاه في الحدائق الاتفاق على استثناء يوم الجمعة من المنع
عن النوافل عند قيام الشمس ولكن القدر المتيقن من الفتاوي كالنصوص الدالة عليه انما هو ركعتي الزوال لا مطلقا ففي صحيحة علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام
قال سئلته عليه السلام عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده قال قبل الأذان وفي صحيحة ابن سنان لا صلاة نصف النهار الا يوم الجمعة الثالث
لو صلى الصبح والعصر منفردا ثم أراد الإعادة جماعة لتحصيل فضيلتها فهل تتصف صلاته هذه بالكراهة أم لا حكى عن الذكرى الثاني وعلله بان لها
سببا وبما روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله الصبح فلما انصرف رأى رجلين في زاوية المسجد فقال لم لم تصليا معنا فقالا كنا قد صلينا في رحالنا فقال صلى الله عليه وآله إذا
جئتما فصليا معنا وان كنتما قد صليتما في رحالكما لكنها لكما سبحة انتهى واعترضه في الحدائق بان عدها من ذوات الأسباب مما لم اعرف له وجها وان
الرواية بحسب الظاهر عامية فلا تعويل عليها أقول ما سمعته عن الذكرى وان أمكن توجيه بالالتزام بالعمل بمثل هذه الرواية في مثل المقام من باب
المسامحة وتعميم ذوات الأسباب بناء على استثنائها من عموم المنع كما هو المشهور على وجه عم مثل الفرض من حيث المستند وان انصرف عنه اسمها عرفا ولكن
الأولى دعوى انصراف النهي عن الصلاة بعد الصلاتين عن إعادة نفسهما الرابع ان المراد بطلوع الشمس الذي نيطت الكراهة به من لدن طلوعها
إلى أن يذهب شعاعها كما في المدارك أو يذهب الحمرة كما عن المقنعة أو يذهب الحمرة وينتشر شعاعها كما في الحدائق أو ترتفع الشمس ويقوى سلطانها
كما عن الروض والروضة وغيرهما مع زيادة ذهاب الحمرة في بعضها ولا يبعد ان يكون الاختلاف في التعبير والا فالعبرة بذهاب الشعاع كما يدل عليه
قوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة وأيهما ذكرت فلا تصلهما الا بعد شعاع الشمس وفي خبر أبي بصير المتقدم ويدع العشاء حتى تطلع الشمس ويذهب
شعاعها وبالغروب اصفرارها وميلها إلى الغروب حتى يكمل الغروب لكن جعل بعض المدار في حصول الغاية باستتار القرص لأنه هو المتبادر من
اطلاقه عرفا دون ذهاب الحمرة المشرقية المعتبر في تحققه شرعا وصرح آخرون بان العبرة بذهاب الحمرة فان الشارع كشف عن أن الغروب لا يتحقق
حقيقة الا بهذا ولكل وجه وان كان الأخير أوجه حيث إن تصريح الشارع بتحقق الغروب عند ذهاب الحمرة يوجب صرف اطلاقاته إليه هذا مع أن
النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب في رواية معاوية بن عمار وغيرها يجعل النزاع المزبور عاريا عن فائدة يعتد بها فليتأمل الخامس
المتبادر من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات خصوصا من مثل لا صلاة بعد العصر أو بعد الفجر حين تطلع الشمس ونظائرهما انما هو كراهة الاشتغال
بها في هذا الحين كما يؤيده التعليلات الواقعة في بعض الأخبار نظير النهي عن التطوع في وقت الفريضة فما في الجواهر من أن المنساق من الأدلة كراهة
الشروع في النافلة في هذه الأوقات اما لو دخل عليه الأوقات وهو في الأثناء لم يكره اتمامها كما صرح به
بعضهم فيما حكى عنه حتى لو علم من أول الأمر
دخوله عليه كذلك لا يخلو عن نظر المسألة السادسة ما يفوت من النوافل ليلا يستحب تعجيله ولو في النهار
وما يفوت نهارا يستحب تعجيله ولو ليلا ولا ينتظر بها النهار هنا ولا الليل هناك لدى الأكثر كما في المدارك بل المشهور
نقلا وتحصيلا كما في الجواهر ويدل عليه الامر بالاستباق إلى الخيرات والمسارعة إلى المغفرة واستدل له أيضا موثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
80

قال إن علي بن الحسين عليه السلام كان إذا فاته شئ من الليل قضاه بالنهار وإذا فاته شئ من اليوم قضاه من الغد أو في الجمعة أو في الشهر وكان إذا اجتمعت عليه الأشياء قضاها
في شعبان حتى يكمل له عمل السنة كلها تامة ورواية أبي بصير قال إن قويت فاقض صلاة النهار بالليل وخبر إسحاق بن عمار قال لقيت أبا عبد الله عليه السلام بالقادسية
عند قدومه على أبي العباس فاقبل حتى انتهينا إلى طراباد فإذا نحن برجل على ساقية يصلي وذلك عند ارتفاع النهار فوقف عليه أبو عبد الله عليه السلام وقال أبا عبد الله
اي شئ تصلي فقال صلاة الليل فاتتني أقضيها بالنهار فقال يا معتب حط رحلك حتى تتغدى مع الذي يقضي صلاة الليل فقلت جعلت فداك تروي فيه شيئا
قال حدثني أبي عن ابائه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار يقول ملائكتي انظروا إلى عبدي كيف يقضي ما لم افترضه
عليه اشهدوا اني قد غفرت له وخبر جميل المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام قال قال رجل ربما فاتتني صلاة الليل الشهر والشهرين والثلاثة
فاقضها بالنهار أيجوز ذلك قال قرة عين لك والله ثلاثا ان الله يقول وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد ان يذكر أو أراد شكورا فهو قضاء صلاة
النهار بالليل وقضاء صلاة الليل بالنهار وهو من سر آل محمد المكنون ومرسلة الصدوق قال قال الصادق عليه السلام ما فاتك من صلاة الليل فاقضه بالنهار
قال الله تبارك وتعالى وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه لمن أراد ان يذكر أو أراد شكورا يعني ان يقضي الرجل ما فاته بالليل بالنهار وما فاته بالنهار بالليل
واقض ما فاتك من صلاة الليل اي وقت شئت من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة قال وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار
فيقول يا ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم افترضه عليه أشهدكم اني قد غفرت له ويتوجه على الاستدلال بهذه الروايات ونظائرها انها بأسرها أجنبية
عن المدعى اما الرواية الحاكية لفعل الإمام عليه السلام فلو لم نقل باجمال وجه الفعل المسقط له عن الاستدلال لكانت على خلاف المطلوب أدل واما سائر
الروايات فهي بحسب الظاهر ليست مسوقة الا لبيان شرعية القضاء أو التوسعة في وقته وجواز ايقاعه في اي ساعة شاء من ليل أو نهار وان صلاة الليل
يقضي في النهار وبالعكس دفعا لتوهم اشتراط المماثلة بين وقتي الأداء والقضاء كما حكى القول به عن بعض العامة فلا ربط لها بمسألة استحباب التعجيل
وليس المقصود بالليل والنهار في الروايات خصوص يوم الفوات وليله كي يتوهم من ذلك إرادة الاستعجال كما هو واضح نعم يستفاد منها أصل
المشروعية فيتم الاستدلال بها بضميمة ايتي المسارعة والاستباق وغيرهما مما دل على استحباب تعجيل الخبر لكن ربما يظهر من جملة من الاخبار استحباب قضاء صلاة
النهار بالنهار والليل بالليل كما حكى القول بذلك عن ابن الجنيد والمفيد قدس سرهما وقواه غير واحد من المتأخرين منها صحيحة معاوية بن عمار قال قال
أبو عبد الله عليه السلام اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار وما فاتك من صلاة الليل بالليل قلت اقضي وترين في ليلة قال نعم اقض وترا ابدا وأجاب العلامة
عنها في محكى المختلف بجواز إرادة الإباحة من الامر لخروجه عن حقيقته وهي الوجوب اجماعا وليس استعمالها مجازا في الندب أولى من استعمالها مجازا في الإباحة
وأورد عليه بان الواجب عند تعذر الحقيقة المصير إلى أقرب المجازات وهو الندب أقول هذا مع أنه قد يشهد له أيضا جملة من الاخبار التي هي نفسها
حجة كافية لاثبات المدعى كصحيحة يزيد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر عليه السلام قال أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك اخر الليل ولا باس ان تقضيها
بالنهار وقبل ان تزول الشمس ورواية إسماعيل الجعفي قال قال أبو جعفر عليه السلام أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل وقضاء صلاة النهار
بالنهار قلت ويكون وتران في ليلة قال لا قلت ولم تأمرني ان أوتر وترين في ليلة فقال أحدهما قضاء وصحيحة زرارة قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن قضاء
صلاة الليل قال اقضها في وقتها الذي صليت فيه قلت يكون وتران في ليلة قال ليس هو وتران في ليلة أحدهما لما فاتك وهذه الصحيحة أيضا كادت
تكون كسابقتيها صريحة في الاستحباب لوضوح انه لم يقصد بالامر الوجوب ولا مجرد بيان الجواز دفعا لتوهم المنع عن وترين في ليلة كما قد يتوهم
والا لم يكن وجه لتقييدها بخصوص ذلك الوقت الذي أريد به على الظاهر اخر الليل ولا يخفى عليك ان الأخبار السابقة على تقدير تسليم ظهورها
في استحباب التعجيل وقضاء ما فات في الليل في يومه وبالعكس أو ظهورها في استحباب كون قضاء صلاة الليل في اليوم على الاطلاق وبالعكس
أو قلنا بظهورها في وجوب كون القضاء كذلك يجب صرفها عن ذلك بواسطة هذه الأخبار التي هي صريحة في أفضلية المماثلة بين زماني الأداء
والقضاء خصوصا وفي صحيحة يزيد من التصريح بنفي الباس عن غيره فهي بمنزلة المفسر لسائر الروايات تصلح قرينة لصرف كل ما كان ظاهرا في وجوب
المماثلة أو وجوب المخالفة أو استحبابها فالأقوى ما ذهب إليه ابن الجنيد والمفيد من استحباب المماثلة اللهم الا ان يقال إن اعراض المشهور عن
ظاهر هذه الروايات أسقطها عن الحجية وفيه نظر بل منع خصوصا في مثل المقام الذي يكفي فيه رواية ضعيفه ولا ينافيه استحباب الاستباق إلى الخيرات فان
التعجيل حسن ورعاية الوقت من حيث هو أيضا كذلك بل أحسن فإذا تصادق العنوانان في مورد فتور على نوز وقد ظهر بما ذكرنا ضعف ما حكى عن بعض
من جمل الأخبار الأخيرة على التقية لما عرفت من أن المقام مقام الجمع بين الاخبار لا الرجوع إلى المرجحات خصوصا مع وجود شاهد لفظي هذا مع أنه
لم يعلم موافقتها للعامة فإنه وان حكى عن بعضهم القول بأنه يقضي صلاة الليل في الليل والنهار في النهار لكن لا يبعد ارادته الوجوب دون الاستحباب
بل ربما يستشعر من مبالغة السائلين واعتراضهم بلزوم وترين في ليلة معروفية القول بالمنع عند العامة وكون هذه الأخبار مخالفة لهم وكيف كان
فالامر في ذلك كله سهل بعد في لخلاف في مشروعية أصل القضاء في اي ساعة أحب من ليل أو نهار وكون
التعجيل أو الانتظار من باب الفضيلة
التي تختلف حالها بالنظر إلى الأماكن والأوقات والأحوال وغيرها من الجهات المؤثرة في حسن اختيار التعجيل أو التأخير واما موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
81

قال سئلته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر كيف يصنع أيجوز له ان يقضي بالنهار قال لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضته بالنهار ولا يجوز ولا
يثبت له ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل فهي من الشواذ التي يرد علمها إلى أهله ولعل المراد بها المنع عن قضاء فريضة الصبح في اليوم ما دام متشاغلا في
السير أو يكون المراد كراهة القضاء في اليوم مطلقا للمسافر بواسطة كثرة الشواغل المانعة عن التوجه والاقبال والله العالم المسألة
السابعة الأفضل في كل صلاة ان يؤتى بها في أول وقتها كما عرفت عند البحث عن أن لكل صلاة وقتين من أن
أول الوقت ابدا أفضل الا المغرب والعشاء الآخرة لمن أفاض من عرفات فان تأخيرهما إلى المزدلفة
بكسر اللام وهي المشعر الحرام أولى ولو صار إلى ربع الليل بل ولو إلى ثلثه ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال لا تصل المغرب
حتى تأتي جمعا وان ذهب ثلث الليل وغيرها من الروايات الدالة عليه والنهي محمول على أرجحية الترك لا على الحرمة كما يشهد له جملة من الروايات الدالة
على جواز التقديم والا العشاء الآخرة أيضا مطلقا فان الأفضل تأخيرها حتى يسقط الشفق الأحمر
كما عرفته في محله والا المتنفل فان الأفضل له ان يؤخر الظهر والعصر حتى يأتي بنافلتهما كما يدل عليه الاخبار المتظافرة
التي ورد فيها الامر بفعل النافلة قبلهما وتحديد وقتهما بما بعد الزوال بمقدار ذراع أو ذراعين لمكان النافلة كما تقدم الكلام في جميع ذلك مستوفي
في محله وعرفت فيما تقدم ان القول باستحباب التفريق بين الظهرين وتأخير العصر إلى أن يمضي أربعة اقدام أو المثل هو الأقوى وان كان تقديمها
من أول الوقت بعد أداء الظهر ونافلتهما من باب المسارعة إلى المغفرة وتعجيل الخير أيضا حسنا بل أحسن والا المستحاضة التي وظيفتها
الأغسال فإنه يستحب لها ان تؤخر الظهر والمغرب إلى اخر وقت فضلهما لتجمع بين الظهرين بغسل في وقت فضيلتهما وبين العشائين
كذلك كما ورد بذلك روايات تقدمت في محلها ولكن لا يخفى عليك انه بناء على عدم استحباب التفريق بين الظهرين وكون وقت فضيلة العصر
من أول الوقت بعد أداء الظهر كما هو ظاهر المتن يشكل الالتزام باستحباب تأخيرها للمستحاضة وان وردت به روايات فان المتبادر من تلك الروايات
ليس الا إرادة تأخير الظهر والمغرب للجمع بينهما وبين العصر والعشاء عند حضور وقتهما وحيث لم يقصد بها وقت الاجزاء يجب اما حملها على إرادة
وقت الفضيلة والالتزام بان وقت فضيلة العصر بعد مضي وقت فضيلة الظهر كما في العشائين أو الالتزام بجري الاخبار على حسب ما كان متعارفا
في تلك الاعصار من التفريق بين الصلوات وان كان مرجوحا بالنسبة إلى الظهرين أو غير ذلك من المحامل التي ينافيها الالتزام باستحباب التأخير
ثم إن الظاهر أن الجمع بين الصلاتين بغسل واحد رخصة للمستحاضة لا عزيمة فلها التفريق بين الصلوات الخمس والاتيان بكل منهما بغسل
فعلى هذا ينبغي تقييد استحباب التأخير بما لو أرادت الجمع بين الصلاتين بغسل والا فالأفضل الاتيان بكل منها في أول وقت فضيلتها والله العالم
واعلم أن غير واحد من الأصحاب رضوان الله عليهم قد الحقوا بالصور المزبورة التي يستحب فيها التأخير صورا كثيرة قد أنهاها بعضهم إلى نيف
وعشرين صورة مما يستفاد من النصوص والفتاوي رجحان تأخير الصلاة فيها كتأخير ذوي الأعذار مع رجاء زوالها لعذر أو مطلقا ان لم نقل بوجوبه
والصائم الذي تتوق نفسه إلى الافطار أو كان له من ينتظره والطالب للاقبال في العبادة ومنتظر الجماعة والمرتبة للصبي التي تغسل ثوبها في
كل يوم مرة ولتحصيل الابراد في الصيف المأمور به في بعض الروايات وغير ذلك من الموارد التي لا يهمنا الإطالة في ايرادها والتعرض لما يتوجه
عليها من النقص والابرام بل نقول إنه لا شبهة في أن الشارع وسع في وقت الصلاة ورخص عبادة في ايقاعها في اي جزء من اجزاء الوقت
ولا شبهة في أن فعلها في أول الوقت من حيث هو أفضل حتى أنه ورد فيه ان فضل الوقت الأول على الاخر كفضل الآخرة على الدنيا وايقاعها
في اخر الوقت من حيث هو مكروه كراهة شديدة بحيث ظن غير واحد حرمته وروى فيه انه تضييع للصلاة وان الصلاة في اخر الوقت تدعو على المصلي و
تقول ضيعتني ضيعك الله والمسارعة إلى فعلها من أول الوقت إلى اخره ابدأ أفضل من تأخيرها بلا شبهة هذا هو حالها بحسب الوقت من حيث هو و
لم يستثن منه صورة أصلا ان أريد بوقت العشاء والعصر وقتهما الأصلي الذي نزل به جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله على ما نطق
به الأخبار الواردة في نزول الأوقات على تردد في الأولى نظرا إلى ما يستشعر أو يستظهر من بعض الأخبار من استحباب تأخير العشاء عن أول وقت
فضيلتها أيضا مثل قوله صلى الله عليه وآله في بعض الروايات لولا أن أشق على أمتي لاخرت العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل وان أريد به مطلق الوقت الذي
يجوز ايقاع الصلاة فيه فهو مخصص بالنسبة إلى الصلاتين لا غير على تأمل في الأخيرة واما ساير الصور فمرجعها إلى ترجيح بعض الجهات الموجبة لأكملية
الصلاة على هذه الجهة التي هي في حد ذاتها جهة كمال ككون الصلاة جماعة أو في الأمكنة الشريفة أو مع الاقبال أو واجدة للشرائط الاختيارية
ونحوها أو ترجيح بعض المستحبات المضادة لهذا المستحب كفعل النافلة في أول الوقت أو وقع انتظار الرفقة أو غير ذلك من الأمور المستحبة التي يكون
فعلها أهم لدى الشارع من فعل الصلاة في أول الوقت فيكون حال الصلاة في أول الوقت مع ساير الجهات المتعارضة والافعال المضادة له حال
سائر المستحبات المتزاحمة التي لا يهم الفقيه الا بيان استحبابها من حيث هي لا أفضلية بعضها من بعض مع أنه لا سبيل لنا غالبا إلى العلم بذلك الا
بتصريح الشارع وأمره بتأخير الصلاة رعاية لتلك الجهة أو نهيه عن ايقاعها في أول الوقت بملاحظتها أو الامر بما يضادها مقدما عليها كما في الصور
82

التي استثناها المصنف رحمه الله واما ما عداها من الصور وان التزمنا فيها برجحان التأخير واستحبابه لكن مستنده غالبا اما الاحتياط ورعاية بعض الجهات المقتضية
لحسن التأخير من حيث هي أو العمل برواية ضعيفة من باب المسامحة ومن المعلوم ان غاية ما يمكن اثباته بمثل
هذه الأدلة انما هو رجحان التأخير لأجل تلك الجهة الملحوظة
المقتضية له واما أفضليته من فعل الصلاة في أول الوقت فلا من هنا يظهر ان استثناء أغلب تلك الصور لا يخلو عن نظر والله العالم المسألة
الثامنة لا خلاف نصا وفتوى في وجوب الترتيب بين الظهرين والعشائين واشتراط صحة الأخيرة من كل منهما بان تترتب على سابقتها ما لم يتضيق
وقتها كما يشهد لذلك المستفيضة المتقدمة في صدر الكتاب الناطقة بأنه إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر الا ان هذه قبل هذه
وإذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين المغرب والعشاء الا ان هذه قبل هذه فان مقتضاها بطلان العصر والعشاء لدى الاخلال بالترتيب حيث إن
قضية كون هذه قبل هذه مع مشاركتهما في الوقت عدم تنجز التكليف بالأخيرة الا بعد الفراغ من الأولى لكونه مكلفا بفعل الأولى أولا ثم بالثانية فلو
أتى بالثانية ابتداء فقد اتى بها قبل ان يتنجز امرها فلا تصح ولا يقاس ذلك بالواجبين المتزاحمين الذين أحدهما أهم حيث التزمنا هنا بصحيحة غير الأهم
عند ترك الأهم بناء على مسألة الترتب التي حققناها مرارا إذ لا ترتيب بين الواجبين المتزاحمين بالذات بل كل منهما في حد ذاته مطلوب في عرض
الاخر بحيث لو فرض محالا تمكن المكلف من الاتيان بكليهما دفعة لوجب عليه ذلك فالمانع عن ايجاب غير الأهم ليس الا في لقدرة على الامتثال الناشي
من مزاحمة الأهم المنتفية عند اختيار بسواء اختياره فلا مانع عن وجوبه على هذا التقدير بل مقتضى اطلاق دليله وجوبه حيث إن مزاحمة الأهم لا
يقتضي الا تقييد اطلاق طلب غير الأهم بالقدرة على الامتثال الحاصلة في مثل الفرض كما تقدم توضيحه في أواخر مبحث التعميم وغيره من الموارد المناسبة
له من كتاب الطهارة وهذا بخلاف المقام فإنه مأمور بايقاع الظهر قبل العصر فلو فرض محالا تمكنه من الجمع بينهما في زمان واحد لم يجب عليه ذلك بل
لا يشرع فليس المانع عن تنجز التكليف بالعصر لدى تنجز التكليف بالظهر مجرد في لقدرة عليها بل تأخر رتبتها عن الظهر وكونه مأمور بايقاع الظهر
قبلها فلا يتمشى بالنسبة إليها قاعدة الترتب ثم لا يخفى عليك ان اشتراط تأخر العصر عن الظهر في صحتها ليس على حد اشتراطها بالطهارة والاستقبال
ونحوهما من الشرائط المعتبرة في مهمتها من حيث هي بل هو شرط اعتباري مسبب من الامر بفعل الظهر قبلها الذي هو واجب نفسي مستقل فيختص شرطيته
بصورة تنجز التكليف بذلك الواجب وعدم كون المكلف معذورا في تركه كما هو الشان في كل شرط نشأت شرطيته في شئ من تكليف اخر كاشتراط صحة الصلاة
في أول وقتها بتفريغ الذمة عما يضادها من الواجبات المضيقة على القول باقتضاء الامر بالشئ النهي عن ضده أو في لامر به ولو على سبيل الترتيب وكاشتراطها
بإباحة المكان الناشي من حرمة الغصب وغير ذلك من الشرائط المنتزعة من تكاليف نفسية مستقلة لان التكاليف النفسية المستقلة التي انتزع منها الشرطية
لا تصلح مقيدة لاطلاق الامر بذلك الشئ المشروط الذي هو في حد ذاته أيضا واجب نفسي مستقل الا على تقدير كون المكلف ملتزما شرعا في مقام عمله الفعلي
بتلك التكاليف وعدم كونه معذورا في مخالفتها ولتمام الكلام فيما يتعلق بالمقام من النقض والابرام مقام اخر ولكن فيما أشرنا إليه غني وكفاية لمن تدبر وكيف
كان فلا شبهة بل لا خلاف على الظاهر في اختصاص شرطية الترتيب بين الفرائض بحال التذكر حقيقة أو حكما كما في الجاهل بالحكم فلا تبطل الصلاة بالاخلال
به سهوا كما يشهد لذلك مضافا إلى ما عرفت من عدم اقتضاء دليله أزيد من ذلك بعض النصوص الآتية فلو ظن اي اعتقد خطأ على سبيل الجزم أو بامارة
معتبرة انه صلى الظهر ولم يكن مصليها أو صليها فاقدة لشئ من الشرائط المعتبرة في صحتها كالوقت والطهارة ونحوهما ولم يتفطن لذلك فاشتغل
بالعصر فان ذكر ذلك وهو فيها ولو قبل التسليم بناء على أنه منها كما هو الأظهر عدل بنيته إلى الظهر وجوبا وكذا لو زعم فراغ ذمته
عن المغرب فاشتغل بالعشاء فذكر في أثنائها انه لم يكن صلى المغرب وصلاها فاسدة عدل بنيته إليها ما دام العدول ممكنا بان لم يستلزم زيادة ركن أو
واجب على الخلاف الآتي في مبحث القضاء إن شاء الله بلا خلاف في شئ منهما على الظاهر بل عن بعض دعوى الاجماع عليه ولا ينافيه ما عن المنتهى من أنه لا يعلم خلافا
بين أصحابنا في جواز العدول إذا الظاهر أن مراده بالجواز في لمنع عنه فمتى جاز وجب حيثما وجب الترتيب والأصل في الحكم اخبار مستفيضة منها حسنة
الحلبي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أم قوما في العصر فذكر وهو يصلي بهم انه لم يكن صلى الأولى قال فليجعلها الأولى التي فاتته ويستأنف العصر و
قد قضى القوم صلاتهم وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى فقال إذا نسي الصلاة أو
نام عنها صلى حين يذكرها فإذا ذكر وهو في صلاة بدأ بالتي نسي وان ذكرها مع امام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العشاء بعدها
وان كان صلى العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر انه نسي المغرب أتمها ركعة فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ثم يصلي العتمة بعد ذلك وصحيحة زرارة
الطويلة المتقدمة عند التعرض لبيان الترتيب بين الفوائت وفيها إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها
الأولى ثم صل العصر فإنما هي اربع مكان اربع وان ذكرت انك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الأولى ثم صل
الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر إلى أن قال وان كنت ذكرتها اي المغرب وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلم ثم
قم فصل العشاء الآخرة الخ وقد ينافي ما ذكر بالنسبة إلى العشائين خبر الحسن بن زياد الصيقل قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي الأولى حتى صلى ركعتين
من العصر قال فليجعلها الأولى وليستأنف العصر قلت فإنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثم ذكر قال فليتم صلاته ثم ليقض بعد المغرب قال قلت له
83

جعلت فداك قلت حين نسي الظهر ثم ذكر وهو في العصر يجعلها الأولى ثم يستأنف وقلت لهذا يتم صلاته بعد المغرب فقال ليس هذا مثل هذا ان العصر
ليس بعدها صلاة والعشاء بعدها صلاة وقد تكلف كاشف اللثام في توجيه الرواية على وجه ينطبق على ما ذكر لكنه في غاية البعد فالأولى رد علمها
بعد شذوذها ومخالفتها لسائر النصوص وفتاوي الأصحاب إلى أهله ويحتمل قويا جريها مجرى التقية بشهادة ما فيها من التعليل الظاهر في نفي مشروعية
الصلاة بعد العصر وان كانت حاضرة والله العالم ثم إن مقتضى اطلاق المتن وغيره كصريح غير واحد على ما حكى عنهم في لفرق في العدول إلى
السابقة بين ما لو صلى العصر أو العشاء في أول الوقت المختص بالسابقة أو في الوقت المشترك وقد أشرنا في مسألة من أدرك الوقت في أثناء صلاته
ان هذا الفرع ونظائره يتجه على المختار من اشتراك الوقت من حيث الثانية من أول الوقت واما على المشهور فلا يخلو عن اشكال وان لم
يذكر حتى فرغ من صلاته فإن كان صلى العصر في أول وقت الظهر أعادها بعد ان يصلي الظهر على المشهور
من اختصاص أول الوقت بالأولى وكذلك العشاء لو صلاها قصرا في أول وقت المغرب أو تماما وقد اتى بها بزعم دخول الوقت على وجه فرغ منها قبل ان يمضي
من أول الوقت مقدار ثلاث ركعات ولكنك عرفت في محله ان الأظهر في لاختصاص الا عند تنجز التكليف بالأولى لا مطلقا فلا فرق بين هذه الصورة
بل ولا بين ما لو صلى العصر أو العشاء قبل الزوال والغروب ودخل الوقت في الأثناء وبين ما لو صلاهما في الوقت المشترك على الأشبه وان كان صلى
في الوقت المشترك أو دخل الوقت المشترك وهو فيها اجزئه واتى بالظهر لكن مقتضى ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة انه
لو ذكر ذلك بعد الفراغ من العصر فهو بمنزلة ما لو ذكره في الأثناء في العدول إلى سابقتها واستيناف اللاحقة معللا بأنها اربع مكان اربع و
لذا مال إليه وقال به بعض متأخري المتأخرين نظرا إلى صحة الرواية وسلامتها عن المعارض وقوة ظهورها في المدعى بل صراحتها في
ذلك وما عن بعض من حملها على بعض المحامل البعيدة مما لا ينبغي الالتفات إليه الا ان اعراض المشهور عنها أو ههنا فيشكل الاعتماد
عليها وان كان قد يعضدها اطلاق ما رواه الحلبي بل ظاهرة قال سئلته عن رجل نسي ان يصلي الأولى حتى صلى
العصر قال فليجعل صلاته التي صلى الأولى ثم ليستأنف العصر فلا ينبغي ترك الاحتياط
بالعدول إلى الظهر في قصده ثم استينافها وإعادة العصر بعدها والله العالم
قد فرغ من البحث عن المواقيت من الكتاب المسمى بمصباح الفقيه مصنفه
محمد رضا الهمداني ابن المرحوم آقا محمد هادي الهمداني غفر الله
لهما في ليلة السبت من شهر ربيع المولود سنة 1303
ثلاث وثلاثمائة بعد الألف
ويتلوه
البحث عن القبلة وفقه الله لاتمام الكتاب بمحمد واله صلوات الله عليهم أجمعين
في القبلة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين رب يسر ولا تعسر
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين المقدمة الثالثة
في القبلة والنظر في أربعة مواضع مهية القبلة وطريق تشخيصها واحكام المستقبل بالكسر وما يجب الاستقبال له واحكام الخلل اما القبلة
فهي لغة على ما في الحدائق وغيره الحالة التي عليها الانسان حال استقباله الشئ وغلب استعماله في عرف المتشرعة بل في محاورات الشارع أيضا فيما يجب استقباله حال
الصلاة ونحوها وهي الكعبة المعظمة التي جعلها الله قياما للناس وقبلة للمصلين من موضعها إلى السماء كما يشهد لذلك موثقة عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال سئله رجل قال صليت فوق جبل أبي قبيس العصر فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي قال نعم انها قبلة من موضعها إلى السماء وهذا احتمالا مما لا خلاف
فيه بل من ضروريات الدين ولكن اختلفت كلمات الأصحاب رضوان الله عليهم بالنسبة إلى من لم يشاهد الكعبة وكان خارجا عن المسجد الحرام فعن السيد
وابن الجنيد وأبي الصلاح وابن إدريس والمصنف في المعتبر والنافع والعلامة وأكثر المتأخرين انها عين الكعبة لمن تمكن من العلم بها من غير مشقة شديدة
عادة كالمصلي في بيوت مكة وجهتها لعبرة من البعيد ونحوه وعن الشيخين وكثير من الأصحاب بل أكثرهم كما عن الذكرى والروضة بل عن مجمع البيان نسبته إلى الأصحاب
وعن الخلاف الاجماع عليه مثل ما في المتن انها الكعبة لمن كان في المسجد والمسجد لمن كان في الحرم والحرم لمن خرج عنه وربما نسب هذا القول إلى السيد أبي
المكارم ابن زهرة أيضا ولكن حكى عنه في الغنية أنه قال القبلة هي الكعبة فمن كان مشاهدا لها وجب عليه التوجه لها ومن شاهد المسجد ولم يشاهد الكعبة
وجب عليه التوجه إليه ومن لم يشاهده توجه نحوه بلا خلاف انتهى وهذه العبارة كما ترى عارية عن ذكر الحرم كما أن عبارة شيخنا المفيد رحمه الله المحكية عن مقنعته أيضا
84

كذلك فإنه قال على ما حكى عنه القبلة هي الكعبة ثم المسجد قبلة من نأى عينا لان التوجه إليه توجه إليها ثم قال بعد أسطر ومن كان نائيا عنها خارجا من المسجد الحرام
توجه إليها بالتوجه إليه انتهى فلعل نسبة القول المزبور اليهما نشأت من ساير عباراتهما واستفيد ذلك من قراين خارجية والا فالمراد بالعبارتين اما القول الأول
كما هو الظاهر منهما بقرينة ما فيهما من التفريع والتعليل أو قول ثالث وهو كون الكعبة قبلة لمن في المسجد والمسجد عينا أو جهة لمن هو خارج عنه مطلقا كما نسب
بعض اليهما والى ابن شهرآشوب أيضا هذا القول فجعله قولا ثالثا في المسألة الخ يمكن الاستشهاد لهم بالنسبة إلى الجزء الأول من مدعاهم اي كون الكعبة
قبلة لمن في المسجد مضافا إلى الاجماع والضرورة بالأدلة الآتية وبالنسبة إلى الجزء الثاني كون المسجد قبلة لسائر الناس بظاهر قوله تعالى فول وجهك
شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ولكن يتوجه على الاستشهاد بالآية انها وان كانت مشعرة بكون المأمور به هو التوجه نحو المسجد
من حيث هو وكونه بنفسه هو القبلة لكن الملحوظ فيها التوجه نحو المسجد بلحاظ ما تضمنته من البيت كما يفصح عن ذلك اخبار مستفيضة مثل ما عن الكافي في الصحيح
أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي إلى بيت المقدس قال نعم فقلت أكان يجعل الكعبة خلف ظهره فقال عليه السلام اما إذا كان
بمكة فلا واما إذا كان هاجرها إلى المدينة فنعم حتى حول إلى الكعبة وعن الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي باسناده إلى الصادق عليه السلام ان النبي صلى الله عليه و
آله صلى بمكة إلى بيت المقدس ثلاث عشر سنة وبعد هجرته صلى بالمدينة سبعة اشهر ثم وجهه الله إلى الكعبة وذلك أن اليهود كانوا يعيرون رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون
أنت تابع قبلتنا تصلي إلى قبلتنا فاغتم رسول الله صلى الله عليه وآله وخرج في جوف الليل ينظر إلى افاق السماء ينتظر من الله تعالى في ذلك امرا فلما أصبح وحضر وقت صلاة الظهر كان في
مسجد بني سالم قد صلي من الظهر ركعتين فنزل جبرئيل عليه السلام فاخذ بعضده وحوله إلى الكعبة وانزل عليه قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول
وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وكان قد صلى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة وعن الصدوق في الفقيه صلى
رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بيت المقدس بعد النبوة ثلاثة عشر سنة بمكة وتسعة عشر شهرا بالمدينة ثم عيرته اليهود فقالوا له أنت تابع قبلتنا فاغتم لذلك غما شديدا فلما كان
في بعض الليل خرج صلى الله عليه وآله يقلب وجهه في افاق السماء فلما أصبح صلى الغداة فلما صلى من الظهر ركعتين جاء جبرئيل صلى الله عليه وآله وقال قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك
قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام الآية ثم اخذ بيد النبي صلى الله عليه وآله فحول وجهه إلى الكعبة وحول من خلفه وجوههم حتى قام الرجال مقام النساء والنساء
مقام الرجال فكان أول صلاته إلى بيت المقدس واخرها إلى الكعبة وبلغ الخبر مسجدا بالمدينة وقد صلى أهله من العصر ركعتين فحولوا نحو الكعبة فكانت أول
صلاتهم إلى بيت المقدس واخرها إلى الكعبة فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين الحديث وخبر أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال قلت له الله امره ان يصلي
إلى بيت المقدس قال نعم الا ترى ان الله يقول وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول الآية قال إن بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصلاة قد صلوا
ركعتين إلى بيت المقدس فقيل لهم ان نبيكم قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة
فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له متى صرف رسول الله إلى الكعبة قال
بعد رجوعه من بدر ورواية أبي البختري المروية عن قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله استقبل بيت المقدس تسعة عشر شهرا ثم صرف إلى
الكعبة وهو في العصر إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على أن الكعبة هي التي كانت مقصودة الاستقبال وقد استشهد أصحاب القول الأول بهذه الاخبار و
نظائرها لاثبات الجزء الأول مر بدعاهم وهو كون العين قبلة لمن تمكن من العلم بها وللجزء الثاني بما في جملة من هذه الأخبار من الإشارة إلى أن البعيد يتوجه نحوها
فان الظاهر منها إرادة الجهة كما انها هي التي تتبادر من قوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام واظهر منها في الدلالة على أنها هي العين للقريب والجهة للبعيد
ما عن احتجاج الطبرسي رحمه الله باسناده عن العسكري عليه السلام في احتجاج النبي صلى الله عليه وآله على المشركين قال انا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا ننزجر
عما زجرنا إلى أن قال فلما أمرنا ان نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها فاطعنا فلم نخرج في شئ من ذلك
من اتباع امره هذا مع أن المتبادر من الامر باستقبال الكعبة ونحوها ليس الإرادة جهتها بالنسبة إلى البعيد الغير المتمكن من العلم بها كما سنوضحه انشاء الله واظهر
منها دلالة على انحصار القبلة في الكعبة عينا أو جهة خبر عبد الله بن سنان المروي عن أمالي الصدوق
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال إن لله عز وجل حرمات ثلاثة ليس مثلهن شئ
كتابه هو حكمة ونور وبيته الذي جعله قياما للناس لا يقبل من أحد توجها إلى غيره وعترة نبيكم وعن الحميري في قرب الإسناد نحوه واستدل أيضا لكفاية الجهة
في المدارك بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لا صلاة الا إلى القبلة قلت له أين حد القبلة قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله ونحوها صحيحة معاوية بن عمار عن القبلة
في الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ انه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا قال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة ولكنك خبير بما في الاستدلال
بالروايتين والاشكال فان القول باتساع الجهة بهذا المقدار مما لم ينقل عن أحد نعم صرحوا بذلك في من أخطأ في تشخيص القبلة فصلى فيما بين المشرق والمغرب
فإنه لا إعادة عليه كما ستعرف إن شاء الله وعن صاحب الذخيرة الاستدلال له بالاخبار المتقدمة الدالة على أن النبي صلى الله عليه وآله صلى إلى الكعبة قائلا في تقريبه انه ليس
المراد عينها البتة فيحمل على جهتها أقول فكأنه أراد بالعين نفس البناء الذي يمتنع رويته من المدينة والا فالجزم بعدم إرادة استقبال العين بالمعنى المقصود
بالبحث عنه في المقام اي الجهة المحاذية لها في غير محله خصوصا مع كون الفعل صادر امر النبي صلى الله عليه وآله بدلالة من لا يشتبه عليه مكان البيت حجة القول الثاني
جملة من الاخبار منها ما رواه الشيخ عن عبد الله بن محمد الحجال عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام والصدوق في الفقيه مرسلا عن أبي عبد عبد الله عليه السلام ان الله جعل الكعبة
85

قبلة لأهل المسجد وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا وعن الصدوق في العلل عن أبيه عن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسين بن
الحسين عن الحجال مثله وعن بشر بن جعفر الجعفي قال سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول البيت قبله لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة للناس جميعا وفي
العلل باسناده عن أبي غرة قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام البيت قبلة المسجد والمسجد قبلة مكة ومكة قبلة الحرم والحرم قبلة الدنيا لكن ما في هذه الرواية ومن كون مكة
قبلة الحرم مما لم ينقل القول به من أحد فهو مما يوهن الاستشهاد بهذه الرواية مع ما فيها من ضعف السند لكن لا يخلو ايرادها عن تأييد ومما يؤيد هذا
القول بل يستدل به الأخبار الدالة على استحباب التياسر الواردة في أهل العراق على ما فهمه الأصحاب كخبر المفضل بن عمر انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن التحريف
لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه فقال إن الحجر الأسود لما انزل من الجنة ووضع في موضعه جعل انصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر
الأسود فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال عن يسارها ثمانية أميال كله اثنى عشر ميلا فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن القبلة لقلة انصاب الحرم و
إذا انحرف الانسان ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة وغير ذلك من الاخبار الآتية في محلها إن شاء الله وعن الشيخ في الخلاف الاستدلال عليه أيضا بأنه لو كلف
التوجه إلى عين الكعبة لوجب إذا كان في صف طويل خلف الامام ان يكون صلاتهم أو صلاة أكثرهم إلى غير القبلة إلى أن قال ولا يلزمنا مثل ذلك لان الفرض
التوجه إلى الحرم والحرم طويل يمكن ان يكون كل واحد من الجماعة متوجها إلى جزء منه انتهى وأورد عليه بالنقض باهل العراق ونحوه ممن كان مكلفا في تشخيص
القبلة بالرجوع إلى علامة واحدة كجعل الجدي بين الكتفين أو خلف المنكب ونحو ذلك مع تشتت بلادهم وأوسعيتها من الحرم فيعلم اجمالا بعد محاذاة أكثرهم
للحرم محاذاة حقيقية فلو فرض صف طويل في العراق مثلا طوله أزيد من أربعة فراسخ يرد عليه من الاشكال مثل ما أورده علينا وحله ان المعتبر في حق البعيد
انما هو الاستقبال العرفي الحاصل بالتوجه إلى الجهة المتضمنة للقبلة ولا يتفاوت الحال في ذلك بالنسبة إلى
البعيد كاهل العراق مثلا بين أن تكون القبلة
هي الكعبة أو الحرم واما إذا كان قريبا من الكعبة بحيث يخرج بعض الصف المفروض عن مواجهة الكعبة عرفا فنلتزم ببطلان صلاتهم ولا محذور فيه أقول
اما ما قيل في حل الاشكال من الالتزام بكفاية الجهد فقد تفطن له الشيخ وتعرض لابطاله في عبارته المحكية عنه بما لم نتحصل مراده ولذا طويناها ولعلها غير نقية (علم تفصيلي بطلان صلاته كما لو كان الفصل بينه وبين الامام أو من)
عن الغلط وكيف كان فستعرف عند شرح معنى الجهة صحة ما قيل واندفاع الاشكال به بوجوه غير قابلة للتشكيك واما النقض عليه برجوع أهل كل قطر من الأقطار
العظيمة إلى امارة واحدة فيمكنه التفصي عن ذلك بان تكليف البعيد لأجل تعذر تحصيل الموافقة القطعية ليس الا حرمة المخالفة القطعية والرجوع إلى الامارات
المشخصة للجهة التي يقرب عندها احتمال الإصابة ما لم يعلم بعدم الإصابة في مورد ابتلائه فعلمه اجمالا لا بتخلف الامارة عن الواقع في الجملة غير قادح في حقه لان
كل مكلف يراعي ما يقتضيه تكليفه حين الفعل وليس جميع أطراف ما علمه بالاجمال مورد ابتلائه فعلا حتى يمنعه عن الاعتماد على الامارة وحيث إن ما فرضه المعترض
من الصف الطويل مجرد فرض لا يكاد يتحقق في الخارج لا يرد به النقض على الشيخ واما الصف الذي فرضه الشيخ فهو فرض كثير الوقوع ففي مثل هذا الفرض
بناء على اعتبار محاذاة الكعبة كثيرا ما يتولد للمأموم من علمه الاجمالي بعدم محاذاة بعض أهل الصف للقبلة يتصل بواسطتهم إلى الامام أزيد من طول
الكعبة فتأمل وكيف كان فعمدة ما يصح الاستناد إليه حجة للقول المزبور هي الأخبار المتقدمة ونوقش فيها بضعف السند ومعارضتها بالاخبار المتقدمة التي هي
أرجح منها من حيث الشهرة والكثرة وعدالة الراوي في بعضها وعلى تقدير التكافؤ فالمرجع قاعده الاشتغال والجواب اما عن ضعف السند فبانجباره بشهرة
الروايات وعمل الأصحاب بها قديما وحديثا واما عن المعارضة فبالمنع فان الأخبار المتقدمة مع عدم ظهور يعتد به لما عدى روايتي الطبرسي وابن سنان في
الانحصار قابلة للحمل على ما لا ينافي هذا التفصيل لا بارتكاب التخصيص وحمل ما دل على أن الكعبة هي القبلة على ارادتها بالنسبة إلى خصوص من في المسجد فإنه في
غاية البعد بل بعضها صريح وكالصريح في خلافه كرواية الاحتجاج وخبر ابن سنان المتقدمتين بل بالحمل على إرادة البيت وتوابعه مما حوله كجهتي الفوق
والتحت اما لتبعيتها له أو من باب تسميته الكل باسم اشرف اجزائه واما هذه الأخبار فإنه وان أمكن تأويلها أيضا بما لا ينافي القول الأول كالحمل على إرادة سبعة
جهة المحاذاة للبعيد وجرى التعبير مجرى العادة لكن التصرف فيها ابعد من التصرف في تلك الأخبار
بل بعض هذه الروايات كخبر المفضل نص في أعمية القبلة
للبعيد من نفس الكعبة فالقول بالتفصيل اظهر بالنظر إلى ما يقتضيه الجمع بين الاخبار ولكن قد يشكل ذلك بعدم التزام العاملين بهذه الروايات بظاهرها
من الاطلاق فإنه قد استفيض نقل الاجماع حتى من أصحاب القول بالتفصيل على وجوب استقبال العين مع التمكن من مشاهدتها بل عن بعضهم التصريح بكون
الكعبة قبلة لمن تمكن من العلم بها وادعاء الاجماع عليه فكأنهم فهموا من مجموع الاخبار ان الكعبة هي القبلة اصالة وان التعميم توسعة من باب الضرورة
وحيث إن هذه الأخبار بظاهرها غير معمول بها بشكل الاعتماد على ما ولها وجعلها قرينة لارتكاب التأويل في الأخبار الدالة بظاهرها على أن الكعبة هي
القبلة مع قبول هذه الروايات أيضا للتأويل فالقول بان القبلة هي الكعبة مطلقا ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط ولكن لا يترتب على الخلاف ثمرة
عملية للبعيد لذي تكليفه الرجوع إلى الامارات المشخصة للجهة ولا يتميز بواسطة بعده على تقدير مشاهدته للعين استقباله الكعبة عن استقباله للحرم
حيث يقع المجموع بجملته بين يديه واما بالنسبة إلى القريب الذي يتفاوت حسا محاذاته للكعبة أو لطرف من المسجد أو الحرم بحيث يصح عرفا عند استقباله
لطرف من المسجد سلب استقباله عن الكعبة فلو لا التزام القائلين بالتفصيل بعدم جواز العدول من جهة الكعبة لدى التمكن من العلم بها لكان فيه فائدة عظيمة
لكنك سمعت انه حكى عن بعضهم نقل الاجماع على في لجواز فعلى هذا يكون النزاع قليل الجدوى خصوصا لو أوجبوا التحري إلى جهة الكعبة مهما أمكن ومنعوا
86

من المخالفة القطعية لدى التعذر من تحصيل العلم بجبهتها فيعود النزاع حينئذ لفظيا وكيف كان فنقول لا شبهة بل لا خلاف ظاهرا في أنه يجب عند مشاهدة الكعبة
أو العلم بجبهتها الخاصة المحاذية لها من استقبالها حقيقة بنظر العرف بان تكون الكعبة بعينها أو جهتها الخاصة بين يديه وما عن بعض من جواز الانحراف عمدا لدى
العلم بجبهتها الخاصة ما لم يخرج عن المشرق والمغرب أو في الجملة مما لم نتحققه وان كان ذلك مقتضى اطلاق بعض كلماتهم الآتية في تشخيص الجهة لكن لا يظن بأحد ارادته
لدى العلم التفصيلي بجبهتها الخاصة وعلى تقدير تحقق الخلاف فهو ضعيف من غير فرق بين القريب والبعيد ولكن لا يعتبر في صدق الاستقبال عرفا المحاذاة الحقيقية
بحيث لو خرج خط مستقيم من مقاديم المستقبل قائم على خط خارج من يمينه وشماله لوقع على الكعبة بل أعم من ذلك فان صدق الاستقبال مما يختلف بالنسبة إلى القريب
والبعيد فإنك إذا استقبلت صفا طويلا بوجهك وكنت قريبا منهم جدا لا يكون قبلتك من أهل الصف الا واحدا منهم بحيال وجهك ولكنك إذا رجعت قهقري
بخط مستقيم إلى أن بعدت عنهم مقدار فرسخ مثلا لرأيت مجموع الصف بجملته بين يديه بحيث لا تميز من يحاذيك حقيقة عن الاخر مع أن المحاذاة الحقيقية لا
تكون الا بينك وبين ما كان أولا وان أردت مثالا أوضح فانظر إلى عين الشمس أو الكواكب التي تراها قبال وجهك فان جرم الشمس وكذا الكواكب
وما بينها من الفاصل أعظم من مساحة الأرض أضعافا مضاعفة ومع ذلك ترى مجموعها بين يديك حيال وجهك فلو فرض ان الله تعالى جعل قبلتك الشمس
أو كوكبا من تلك الكواكب فهل ترى مائزا بين وقوفك مقابل هذا الطرف من الشمس أو الطرف الآخر وبين هذا الكوكب والكوكب الاخر القريب منه مع أن البعد
بينهما أزيد من مساحة الأرض ولا يعقل ان يحاذيك حقيقة الاجزاء منها بمقدار جثتك وبهذا فسر غير واحد ما شاع في ألسنتهم من أن الشئ كلما ازداد بعدا ازدادت
جهة محاذاته سعة وبه يندفع ما أورده الشيخ رحمه الله على القائلين بان القبلة هي الكعبة من لزوم خروج صلاة أكثر من صلى في صف طويل عن القبلة لما أشرنا إليه فيما سبق
من أن هذا بالنسبة إلى القريب مسلم واما إذا كان الصف بعيدا فيرى كل من أهل الصف القبلة حيال وجهه فيكون مستقبلا حقيقة وان لم تكن القبلة محاذية للخط
القائم (على الخط الخارج) من طرفي المستقبل على سبيل التدقيق فان هذا ليس شرطا في صدق الاستقبال بنظر
العرف كما أوضحناه في ضمن الأمثلة المتقدمة وعن بعض المدققين التفصي
عن نقض الشيخ بعد توجيه كلامه بما تقدمت الإشارة إليه من إرادة المخالفة القطعية للمأموم لدى الفصل بينه وبين الامام بأزيد من طول الكعبة بان كروية
الأرض مانعة عن القطع بالمخالفة فإنها مانعة عن خروج خطوط متوازية عن موقف المصلين فمن الجائز تلاقيهما عن الكعبة وفيه نظر فان كروية الأرض في
حد ذاتها غير مقتضية لخروج الخطوط عن التوازي وانما المقتضى له كون أهل الصف كاجزاء الأرض بالطبع مائلا إلى المركز وهذا وان اقتضى خروج الخطوط
عن التوازي لكن ملتقاها عند القطب الذي يفرض الصف المستطيل منطقتها واني هذا من الكعبة اللهم الا ان يفرض الصف في دائرة عظيمة (تكون الكعبة) قطبها وليس فرض الشيخ
مقصورا عليه فالأولى ان يجاب عن النقض بان فرض استواء الصف المستطيل مجرد فرض لا يكاد يدرك بالحس فمن الجائز كون بعض أهل الصف مائلا إلى جانب
الاخر بمقدار تتلاقى الخطوط الخارجة من مقاديمها عند الكعبة أو يكون موفقهم على قطعة قوس من دائرة محيطة بالكعبة وحيث إن الدائرة المفروضة من البعيد عظيمة
لا يكاد يدرك تحدب قوسها بالحواس الظاهرة إذ لو فرض صف في العراق بمقدار فرسخين وكان في الواقع على الدائرة المحيطة بالكعبة لا يكون انحنائه في طول
الفرسخين أزيد من شبر أو شبرين فكيف يمكننا الجزم بعدم المحاذاة بمجرد ان نرى الصف أطول من الكعبة بل لنا ان نقول على تقدير كون الصف المفروض من بعيد مستويا
حقيقة أيضا أمكن ان يكون جميع أهل الصف محاذيا لعين الكعبة حقيقة فانا إذا فرضنا صفا طويلا قريبا من الكعبة وكان بعض أهل الصف خارجا عن محاذاة الكعبة
فرجعوا قهقري بخطوط متوازية عدة فراسخ مثلا فمن كان خارجا عن محاذاة الكعبة حال كونه قريبا وان كان باقيا بحاله بنظر العقل على تقدير حفظ النسبة وفرض
الخطوط متوازية لكن لو بدا لهذا الشخص ان يحاذي عين الكعبة حقيقة ويستقبلها بوجهه استقبالا حقيقيا لا يحتاج في ذلك إلى انحراف محسوس بل لو انحرف انحرافا
محسوسا أقل ما يمكنه لوقعت الكعبة إلى جانبه الاخر والحاصل انه متى بلغ البعد إلى حد لا يمتاز استقبال الكعبة عن استقبال ما حوله بحيث يتوقف أحدهما على
حركة مغايرة للحركة التي يحصل بها الاخر فهو في هذه الحركة الشخصية مستقبل لهما فأهل الصف الطويل بأسرهم حقيقة متوجهون إلى الكعبة والظاهر أن هذا هو
المراد بقولهم في رد الشيخ ان الشئ كلما ازداد بعدا ازدادت محاذاته سعة لا المعنى الأول كما تقدمت حكايته عن بعض إذ الظاهر أن غرضهم التوسعة في
جانب المستقبل لا القبلة وبهذا ظهر لك امكان الالتزام بكون المحاذاة بين المستقبل وبين الجهة التي التزمنا باتساعها للبعيد على التفسير الأول حقيقية
فان هذا انما يصدق عرفا على سبيل الحقيقة من غير مسامحة على الجهة التي يراها المستقبل حيال وجهه بحيث لا يتميز استقبال اجزائها بعضها عن بعض بحيث يكون محاذاة
يمينها مثلا محتاجا إلى وضع مغاير في الوجود الخارجي لوضعه الذي به يحصل محاذاة شمالها فمتى لم يكن محاذاة الاجزاء محتاجا إلى أوضاع متمايزة فهو باستقباله الشخصي
محاذ حقيقة لجميع الاجزاء وكيف كان فالعبرة مع مشاهدة الكعبة حقيقة أو حكما انما هو بالتوجه إليها واستقبال شئ منها بان يجعله بين يديه على وجه صدق
عليه اسم المقابلة حقيقة بنظر العرف وهل يعتبر استقبالها بجميع مقاديم البدن أو معظمها الموجب لصدق استقبال البدن عرفا وجهان بل قولا أوجههما الأخير كما
ستعرف إن شاء الله واما مع عدم مشاهدة العين والجهل بجهتها الخاصة فالمعتبر استقبال جهتها كما هو المشهور بل لو قلنا بالقول الثاني أيضا لا يجب على من لم يشاهد
المسجد أو الحرم حقيقة أو حكما الا استقبال جهتهما وما تقدمت حكايته عن الشيخ مما يظهر منه اعتبار محاذاة نفس الحرم ضعيف كما يشهد له مضافا إلى ما ستعرف عدم
الخلاف ظاهرا في اجتزاء البعيد بالعلامات الآتية لأهل الأقطار العظيمة مع أنه لا يتعين بها الا جهتهما كما سنوضحه إن شاء الله وليعلم ان كلمات الأصحاب
رضوان الله عليهم قد اختلف في تفسير الجهة أو تحديدها فمن؟ هنا تشتت أقوالهم ففسرها بعض متأخري المتأخرين بجهة المحاذاة التي بينا اتساعها للبعيد بالمعنى الأول
87

فالتزم بوجوب استقبال العين مطلقا من غير فرق بين القريب والبعيد والمشاهد وغير المشاهد لكن حيث تعذر تحصيل القطع بذلك عادة للبعيد الغير المشاهد
للعين وجبت الموافقة الظنية بالرجوع إلى الامارات المورثة للظن بالمقابلة العرفية التي هي المدار في صدق الإطاعة للمشاهد وغيره لا المحاذاة الحقيقية و
هذا القول وان كان مغايرا للأقوال الثلاثة التي عددناها في المسألة لكن لم ندركه في عدادها لما سنشير من أن عد الجهة قبلة ليس لكونها من حيث هي مما يجب استقبالها
بالأصالة فان الحق الذي لا ينبغي الارتياب فيه ان القبلة التي يجب على كل أحد التوجه إليها ليس الا الكعبة اما بخصوصها أو مع ما حواها من المسجد والحرم ولكن يكفي
استقبال جهتها عند عدم مشاهدة العين لكون استقبال الجهة استقبالا للكعبة بنحو من الاعتبار كما سنوضحه إن شاء الله وكيف كان فعن المعتبر انه فسر الجهة التي أوجب
مقابلتها لمن لم يشاهد العين بالسمت الذي فيه الكعبة ثم قال وهذا متسع يوازي جهة كل مصل وبه عرفها في كشف اللثام ثم قال ومحصله السمت الذي يحتمل
كل جزء منه اشتماله عليها ويقطع بعدم خروجها عن جميع اجزائه وعن جملة من الأصحاب تعريفها بما يقرب من ذلك أو يتحد معه على اختلاف تعبيراتهم وستعرف
ان هذا هو الذي ينبغي البناء عليه وقال في المدارك اعلم أن للأصحاب اختلافا كثيرا في تعريف الجهة ولا يكاد يسلم تعريف منها من الخلل وهذا الاختلاف
قليل الجدوى لاتفاقهم على أن فرض البعيد استعمال العلامات المقررة والتوجه إلى السمت الذي يكون المصلي متوجها إليه حال استعمالها فكان الأولى
تعريفها بذلك ثم إن المستفاد من الأدلة الشرعية سهولة الخطب في امر القبلة والاكتفاء بالتوجه إلى ما يصدق عرفا انه جهة المسجد وناحيته كما يدل عليه قوله تعالى
فولوا وجوهكم شطره وقولهم عليهم السلام فما بين المشرق والمغرب قبلة وضع الجدى في قفاك وصل وخلوا الاخبار مما زاد على ذلك مع شدة الحاجة إلى معرفة هذه
العلامات لو كانت واجبة واحالتها على علم الهيئة مستبعد جدا لأنه علم دقيق كثير المقدمات والتكليف به لعامة الناس بعيد من قوانين الشرع وتقليد أهله غير
جائز لأنه لا يعلم اسلامهم فضلا عن عدالتهم وبالجملة فالتكليف بذلك مما علم انتفائه ضرورة انتهى وقد تبع فيما زعمه من التوسعة في امر القبلة وابتنائه على
المسامحة شيخه المحقق الأردبيلي قدس سره على ما حكى عنه من ذهابه إلى عدم اعتبار التدقيق في امر القبلة وانه أوسع من ذلك وما حاله الا كامر السيد عبده باستقبال
بلد من البلدان النائية الذي لا ريب في تحقق امتثاله العبد بمجرد التوجه إلى جهة تلك البلد من غير حاجة إلى رصد وعلامات وغيرها مما يختص بمعرفته أهل الهيئة
المستبعد بل الممتنع تكليف عامة الناس من النساء والرجال خصوصا السواد منهم بما عند أهل الهيئة الذي لا يعرفه الا الأوحدي منهم وفي اختلاف هذه العلامات
التي نصبوها وخلو النصوص عن التصريح بشئ من ذلك سؤالا وجوابا عدى ما ستعرفه مما ورد في الجدي من الامر تارة بجعله بين الكتفين وأخرى بجعله على اليمين مما
هو مع اختلافه وضعف سنده وارساله خاص بالعراقي مع شدة الحاجة لمعرفة القبلة في أمور كثيرة خصوصا في مثل الصلاة التي هي عمود الاعمال وتركها كفر
ولعل فسادها ولو بترك الاستقبال أيضا كذلك وتوجه أهل مسجد قبا في أثناء الصلاة لما بلغهم انحراف النبي صلى الله عليه وآله وغير ذلك مما لا يخفى على العارف باحكام هذه
الملة السهلة السمحة أكبر شاهد على شدة التوسعة في امر القبلة وعدم وجوب شئ مما ذكره هؤلاء المدققون وربما يستشعر من العبارة المتقدمة عن صاحب المدارك
بل يظهر منها خصوصا بضميمة ما ذكره قبل هذه العبارة من المناقشة في وجوب استقبال عين الكعبة للمشاهد ان لم يكن اجماعيا لمخالفته لاطلاق الآية والرواية
جواز استقبال السمت الواقع فيه الكعبة مطلقا حتى مع العلم بعدم مقابلة العين كما هو ظاهر غير واحد بل صريحهم وهو في غاية الاشكال واشكل من ذلك ما يلوح
من استشهاده لاثبات التوسعة بقوله عليه السلام ما بين المشرق والمغرب قبلة كما في صحيحتي زرارة ومعاوية بن عمار المتقدمتين في صدر المبحث من الميل أو القول بظاهر
ما تضمنته الصحيحتان من كون ما بين المشرق والمغرب قبلة على الاطلاق فإنه بظاهره مما لا يمكن الالتزام به وان بالغ في تشييده صاحب المناهل على ما حكى عنه
واستظهره من عبارتي المعتبر والمنتهى حيث عرفا الجهة بالسمت الذي فيه الكعبة فقال على ما حكى عنه إذا كان الكعبة في جهة الجنوب أو الشمال كان جميع ما بين الجنوب
والشمال قبلة بالنسبة إلى النائي ثم قال ولا فرق حينئذ بين علمه بعدم استقبال الكعبة أو ظنه أو لا ثم نسب ذلك إلى مجمع الفائدة والمدارك والذخيرة وحكى عن
بعض الأجلة نسبته إلى أكثر المتأخرين واستدل له باطلاق الآية والروايتين المتقدمات وقوله تعالى أينما تولوا فثم وجه الله خرج منه ما خرج بالاجماع و
أيده بالسيرة المستمرة بين المسلمين من المسامحة في امر القبلة فيما يعتبر فيه القبلة من أمور المهمة كالصلاة والذبح ونحو ذلك انتهى وفيه ان كون مجموع ما بين
المشرق والمغرب قبلة حتى مع العلم أو الظن بكون الكعبة في جزء معين مع مخالفته لظاهر الآية والأخبار الدالة على أن الكعبة هي القبلة وان الله تعالى لا يقبل
من أحد التوجه إلى غيرها خلاف ظاهر الفقهاء بل صرح بعض بمخالفته للاجماع وعن اخر التصريح بان صلاة العالم المعتمد على هذا الوجه خلاف طريقة
المسلمين بل ربما يرونها منافية لضروري الدين نعم عن الشهيدين في الذكرى والمقاصد العلية حكاية القول بان المشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس
والجنوب لأهل الشمال وبالعكس عن بعض العامة وظاهرهما انحصار الخلاف فيهم ومما يشهد بعدم الخلاف في عدم جواز التعمد بالانحراف والاجتزاء باستقبال
ما بين المشرق والمغرب ما ادعى عليه الاجماع من وجوب الرجوع إلى الامارات المعنية لجهة الكعبة مع الامكان ووجوب الميل إليها إذا تبين في أثناء الصلاة
انحرافه عنها كما يدل على ذلك مضافا إلى ذلك موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل ان يفرغ من صلاته قال إن كان
متوجها إلى ما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم وان كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة
وغيرها مما ستعرفه في محله فيجب صرف الصحيحتين جمعا بينهما وبين ما عرفت إلى إرادة كون ما بين المشرق والمغرب قبلة لمن غفل عن تشخيص جهتها أو اشتبه عليه الجهة
بحيث لم يميزها في أقل مما بين المشرق والمغرب لو لم نقل بانصرافهما في حد ذاتهما إلى ذلك بواسطة ما هو المغروس في الأذهان من كون القبلة هي الكعبة وان اعتبار
88

السمت لأجلها لامر من حيث هو وقد ظهر بما ذكر ان التمسك بقوله تعالى أينما تولوا فثم وجه الله في غاية الضعف ضرورة عدم كون مضمونه حكما اختياريا في
الفرائض اليومية وسيأتي الإشارة إلى بعض الأخبار الواردة في تفسيره عند البحث عن قبلة المتحير والمتنفل إن شاء الله واضعف من ذلك التمسك بالسيرة إذ
لم يعهد من أحد من المتشرعة التساهل في امر القبلة إلى هذا الحد نعم لا باس بالاستشهاد بها في رد من زعم اعتبار محاذاة العين كما ستعرفه وكيف كان فالقول
باتساع الجهة إلى هذا الحد حتى مع القطع أو الظن بكون الكعبة في طرف منها في غاية الضعف وما ابعد ما بينه وبين ما قواه في الجواهر وفاقا لبعض من تقدم
عليه من متأخري المتأخرين من اعتبار المحاذاة الحسية التي قد عرفت في صدر المبحث انها أعم بالنسبة إلى البعيد من المحاذاة الحقيقية على تأمل عرفت وجهه انفا للقريب
والبعيد والمشاهد وغير المشاهد مطلقا ولكن حيث تعذر تحصيل العلم بذلك عادة للبعيد الغير المشاهد للعين قام الظن مقامه وعند انسداد باب الظن بالمحاذاة
الحسية يجتزي بالمحاذاة الاحتمالية في السمت الذي يقطع أو يظن بكون الكعبة فيه والأقوى ما هو المشهور من وجوب استقبال عينها لدى المشاهدة حقيقة
أو حكما كما في العارف بجهتها الخاصة ولو من بعيد ووجوب استقبال السمت الذي يحتمل كل جزء منه اشتماله عليها ويقطع بعدم خروجها عن جميع اجزائه لدى
الجهل بجهتها الخاصة فان هذا هو المتبادر من الامر باستقبال الكعبة والتوجه إليها من البلاد النائية التي يتعذر فيها عادة تحصيل العلم بمحاذاة عينها ضرورة
ان الامر باستقبال الكعبة في الصلاة ليس الا كالأمر بالتوجه إلى قبر الحسين عليه السلام من البلاد النائية في بعض الزيارات المأثورة أو إلى قبر النبي صلى الله عليه و
اله في بعض الزيارات والاعمال ومن الواضح انه لا ينسبق إلى الذهن من ذلك الا إرادة الجهة التي علم اجمالا باشتمالها على القبر الشريف فمتى أحرز اجمالا ان
المدينة في ناحية القبلة يتوجه إليها ويأتي بذلك العمل الذي ورد فيها الامر باستقبال قبر النبي صلى الله عليه وآله كما أنه يزور الحسين عليه السلام من بغداد متوجها
إلى القبلة ومن النجف عكسه لا لكونه قاصدا بفعله مطلق الزيارة المعلوم رجحانها ولو من غير توجه صوري فإنه ربما لا يعلم بذلك أصلا وانما يقصد
بفعله امتثال الامر الخاص البالغ إليه من غير أن يخطر بذهنه احتمال التشريح مع أنه لا يظن بمحاذاته للقبر الشريف فضلا عن أن يقطع بذلك وهل
هذا الا لأجل انه لا يفهم من الامر الا ما ينطبق على عمله ولا يخفى عليه ان استفادة إرادة استقبال السمت المشتمل على الشئ المأمور باستقباله كقبر
الحسين عليه السلام في المثال المتقدم من الامر بالتوجه إليه ليس لكونه في حد ذاته مقصودا بالتوجه بل لان التوجه إلى السمت توجه إلى ذلك الشئ بنحو من
الاعتبار العرفي عند في لعلم بجهته المخصوصة فلم يقصد من الامر بالتوجه إليه الا الميل إلى جانبه فمتى كان
جانبه المخصوص ممتازا لدى المكلف عن ساير الجوانب
لا يكون استقباله لساير الجوانب استقبالا لجانب ذلك الشئ وما لم يميزه بالخصوص يكون استقبال الجانب الذي علم اجمالا باشتماله على ذلك الشئ لتقبالا؟
لجانبه الا ترى في المثال المتقدم انه لو شاهد القبر الشريف من البعيد أو علم بخصوص الخط المسامت له لا يفهم من ذلك الامر الا ارادته بالخصوص بخلاف ما لو لم نعلم
بذلك كما عرفت ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى إذ لم يرد من امر البعيد باستقبال (الشئ الا استقبال) الطرف الواقع فيه ذلك الشئ إذ لم يعقل الامر باستقبال
عينه مع بعده واستتاره عن الحسن فالمقصود ليس الا استقبال طرفه الواقع فيه كما هو المنساق من قوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام وطرف
الشئ يصدق على الطرف المخصوص به والطر المشتمل عليه والمتبادر منه للمشاهد ونحوه الأول ولغيره مطلق سمته الذي يضاف إليه ويحتمل فيه المقابلة
للعين نظير ما عرفت في مبحث التيمم من أن المتبادر من الامر بضرب الكف إرادة الضرب بالباطن للمتمكن والظاهر للعاجز بالتقريب الذي تقدم تحقيقه في
محله والحاصل ان التوجه إلى شئ أو شخص من البلاد النائية ربما يتعلق به غرض عقلائي مع قطع النظر عن حكم شرعي كما قد يصدر ذلك من العقلاء
في مقام الاستغاثة والندبة وغير ذلك وكيفيته لديهم ليست الا بالتوجه إلى السمت الواقع فيه ذلك الشئ نعم لو فرض علمهم بجهته الخاصة
المحاذية له لا يعدلون عنها إلى مطلق سمته بل لا يعدلون عن الأقرب إلى الابعد عند تميزه فلا يتبادر من الامر بالتوجه إلى الكعبة الا هذا المعنى الذي
كان يصدر منهم في مقام الاستغاثة لو كانوا يزعمون أن في ذلك المكان رجالا يسمع ندائهم ويجب دعائهم ويغشيهم متى استغشوا به وهو التوجه
إلى سمته ومن هنا ادعى المحقق الأردبيلي قدس سره في عبارته المتقدمة ان المتبادر من امر السيد عبده باستقبال بلد من البلدان النائية ليس الا
ما يتحقق امتثاله بمجرد التوجه إلى جهة تلك البلد لكن لا يخفى عليك ان السمت الذي ندعي انسباقه إلى الذهن من الامر بالتوجه إلى شئ هو السمت الذي
يضاف إلى ذلك الشئ عرفا فيقال سمته وجانبه وطرفه لا مطلق ما بين المشرق والمغرب مثلا فإنه لا يضاف مطلق هذا السمت إلى ذلك الشئ بل يقال
ذلك الشئ واقع فيه لا انه سمته فسمت الشئ عبارة عن الجانب المشتمل عليه الذي لا يعد أجنبيا عنه بنظر العرف دون ما يرونه أجنبيا عنه ولكن مع ذلك لا يبعد
صدق الاستقبال والتوجه إلى الشئ عرفا عند التوجه إلى مطلق السمت الواقع فيه ذلك الشئ عند تعذر تشخيص السمت الذي يضاف إليه عرفا كما يؤيد
ذلك قوله عليه السلام في الصحيحتين المتقدمتين ما بين المشرق والمغرب قبلة المحمولة صرفا أو انصرافا على صورة الجهل بجهة أخص من ذلك أو الغفلة عن رعايتها كما
تقدمت الإشارة إليه ومما يؤيد المطلوب بل يبينه ان الشارع لم يقصد بقوله أينما كنت فولوا وجوهكم شطره اي شطر المسجد تكليفا يتوقف
احراز موضوعه على استعمال القواعد المبينة في علم الهيئة ونحوها ضرورة عدم ابتناء امر القبلة على علم الهيئة بل ولا على العلائم المذكورة في كتب
الأصحاب فان أغلبها علائم تقريبية استنبطها الأصحاب بحسب ما أدى إليه نظرهم ولم يكن يتوقف تشخيص القبلة في عصر النبي والأئمة عليهم السلام على معرفة
هذه العلائم فالمقصود بهذا التكليف ليس الا التوجه إلى جانبه على الوجه الذي يتمكن كل مكلف من تشخيصه عادة من غير حرج ومشقة بالرق المعهودة
89

لدى العقلاء في تشخيص جانب سائر البلاد وأوضح سبيل يسلكه العقلاء في تشخيص سمت البلاد النائبة انما هو السؤال عن المترددين إليها كالمكاري ونحوه
ومن الواضح الذي لا مجال للارتياب فيه ان اخبار المترددين بجهتها كغيرها من البلاد النائية خصوصا إذا كانت المسافة بينهما شهرا أو شهرين فما زاد
كأقصى بلاد الهند ونحوها لا تقيد عادة الا معرفة جهتها على سبيل الاجمال على وجه ربما يشتبه جهتها الخاصة المحاذية لها في سمت عظيم ربما يبلغ
ربع الدائرة بل ربما يتعذر بالنسبة إلى نفس المترددين فضلا عمن يعتمد على خبرهم تشخيصها في أقل من ذلك لما في طريقهم من الموانع الموجبة للخروج
عن سمتها الحقيقي وحفظ نسبته فيمتنع ان يكلفهم الله تعالى بالتوجه إليها في أخص من هذا السمت فضلا عن أن يأمرهم بالمحاذاة الحقيقية ولو أغمضت
النظر عن العلائم التي بينها الأصحاب واردت تشخيص جهتها كجهة غيرها من البلاد النائية لأذعنت بصدق ما ادعيناه ومما يؤيده أيضا بل يشهد له ان العلائم
الآتية التي بينها الأصحاب وعولوا عليها في فتاويهم من غير نكير لا يشخص بها الا سمتها على سبيل الاجمال فان أوضحها وأضبطها التي تطابق عليها النص و
الفتوى هو الجدى الذي ورد الامر بوضعه على قفاك في خبر محمد بن مسلم وفي مرسلة الصدوق عن أبي عبد الله في جواب من سئله عن أنه يكون في السفر ولا
يهتدي إلى القبلة في الليل اجعله على يمينك وإذا كنت في طريق الحج على قفاك ومن الواضح انه لا يميز بذلك الا جهتها على سبيل الاجمال فان غاية ما يمكن
ادعائه انما هو تنزيل الروايتين على البلاد المناسبة لهما وهذا مع ما فيه من البعد بالنسبة إلى الخبر الأول الذي لا يناسب بلد المتكلم والمخاطب لولا البناء
على التوسعة وإرادة السمت لا يجدي في احراز المحاذاة الحسية فان الجدي تدور حول المركز بحيث يختلف ما يحاذيه اختلافا بينا ولذا جعل بعض المدققين
العبرة بحال ارتفاعه أو انخفاضه كي يكون على دائرة نصف النهار وفيه مالا يخفى من مخالفته لاطلاق النصوص والفتاوي وبعد ارادته من مورد الروايتين
فهذا كاشف عن أن العبرة بتشخيص جهتها في الجملة ومما يؤكد المدعى أيضا ترك النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام التعرض لبيان ضابط لبلادهم
فضلا عن غيرها من البلاد النائية مع كونه من أهم المهمات وترك أصحابهم التعرض لأمرها بالسؤال عنها مع أنهم لم يزالوا كانوا يسئلون كثيرا مما لا
يحتاجونه الا على سبيل الفرض فيكشف ذلك عن انهم كانوا يجتزون في معرفة القبلة بالطرق المقررة عندهم لتشخيص جهات سائر البلاد عند إرادة السير
إليها في البر والبحر من غير ابتنائه على التدقيقات كما يؤيده أيضا ما في أوضاع المساجد والمقابر حتى المساجد القديمة كمسجد الكوفة والسهلة وغيرهما من
المساجد القديمة التي صلى فيها الأئمة عليهم السلام من الاختلاف الفاحش مع أن مثلها من العلائم التي يعول عليها في تشخيص القبلة إلى غير ذلك من الامارات
الدالة على عدم ابتناء امر القبلة على المضايقة وكون المدار على استقبال الجهة التي يطلق عليها سمت الكعبة لكن عرفت ان هذا فيما إذا لم يعلم بجهتها
الخاصة أو ما يقرب منها والا فيشكل الانحراف عنها عمدا كما انك عرفت اجمالا وسيتضح لك تفصيله انه لو اشتبه هذا السمت في السمت المطلق الواقع فيه
الكعبة كطرف الجنوب والشمال والمشرق والمغرب لا يجب الا استقبال ذلك الطرف كما يدل عليه في الجملة الصحيحتان المتقدمتان الدالتان على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة
ولكن الفرق بين هذا السمت المطلق الذي هو أيضا قبلة في الجملة وبين السمت الخاص المضاف إلى الشئ ان هذا السمت قبلة اضطرارية لا يجوز الاجتزاء به
الا في مقام الضرورة متحريا فيه الأقرب فالأقرب وهذا بخلاف السمت المضاف إلى الكعبة فإنه قبلة اختيارية لا يجب عند احرازه التحري إلى الأقرب نعم
قد أشرنا مرارا إلى أنه مع العلم بسمت أخص من ذلك أيضا أو بجهتها الخاصة المحاذية للكعبة يشكل الانحراف عنه عمدا بل لا يجوز كما أوضحناه انفا فمن هنا
صح ان نقول في تفسير الجهة التي يجب استقبالها للبعيد أهي السمت الذي يحتمل وجود الكعبة في كل جزء منه ويقطع بعدم خروجه عنه فالنسبة بينها
بهذا المعنى وبين السمت المضاف إلى الشئ عرفا الذي له نحو وجود اعتباري لدى العقلاء لا مدخلية للقطع والاحتمال في تحققه العموم من وجه فربما
تكون أخص منها كما لو علم بكون الكعبة في طرف خاص منها وقد تكون أعم كما لو اشتبهت الجهة العرفية في السمت المطلق لكن جواز الاجتزاء بمقابلتها
حينئذ مشروط بعدم التمكن من تشخيص سمتها العرفي والله العالم وجهه الكعبة لا بالمعني المتقدم بل بمعنى الفضاء الذي وقعت الكعبة فيه من تخوم الأرض
إلى عنان السماء هي القبلة لا البينية كما فقدمت الإشارة إليه في صدر المبحث فلو زالت البنية والعياذ بالله صلى إلى جهتها كما يصلي من هو أعلى موقفا منها
كجبل أبي قبيل أو أسفل كالمصلي في سرداب اخفض من الكعبة وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء كما صرح به في المدارك وغيره ويدل عليه مضافا
إلى ذلك موثقة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئله رجل قال صليت فوق أبي قبيس العصر فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي قال نعم انها
قبلة من موضعها إلى السماء وخبر خالد أبي إسماعيل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يصلي على أبي قبيس مستقبل القبلة فقال لا باس ولو صلى في جوفها
استقبل اي جدرانها شاء على كراهية في الفريضة لدى المشهور عن الشيخ في الخلاف والقاضي في المهذب المنع عنها اختيارا واستدل عليه في محكى
الخلاف باجماع الفرقة وبان القبلة هي الكعبة لمن شاهدها فتكون القبلة جملتها والمصلي في وسطها غير مستقبل الجملة وبما رواه في الصحيح عن معاوية
بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تصلي المكتوبة في جوف الكعبة فان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يدخلها في حج ولا عمرة ولكن دخلها في فتح مكة فصلي فيها ركعتين بين
العمودين ومعه أسامة بن زيد وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال لا تصلي المكتوبة في الكعبة وعن الكليني في الكافي نحوه ثم قال وقد روى
في حديث اخر يصلي إلى اربع جوانبها إذا اضطر إلى ذلك وفي بعض النسخ في اربع جوانبها بدل إلى قال الشهيد رحمه الله في محكي الذكرى هذا إشارة إلى أن القبلة
انما هي جميع الكعبة فإذا صلي في الأربع عند الضرورة فكأنه استقبل الجميع أقول ويحتمل بعيدا ان يكون المراد بقوله يصلي الخ بيان الرخصة في فعل الصلاة
90

إلى اي جانب من جوانبها الأربع لا الامر بفعل الصلاة إلى الأربع جوانب أو فيها على اختلاف النسخ وعن الشيخ في موضع اخر روى الصحيحة المتقدمة في الموثق عن
محمد بن مسلم عن أحدهما قال لا تصلح الصلاة المكتوبة جوف الكعبة وعن موضع ثالث في الصحيح أيضا مثله وزاد واما إذا خاف فوت الصلاة فلا باس ان يصليها في
جوف الكعبة وأجيب اما عن حكاية الاجماع فبوهنه بمخالفة المشهور حتى الحاكي في بعض كتبه الاخر بل لم ينقل الخلاف في المسألة الا عمن سمعت واما عن أن القبلة
هي الكعبة بجملتها فبان القبلة ليست مجموع البنية بل نفس العرصة وكل جزء من اجزائها إذ لا يمكن محاذاة المصلي بإزائها منه الا قدر بدنه والباقي خارج عن
مقابلته وهذا المعنى يتحقق مع الصلاة فيها كما يتحقق مع الصلاة في خارجها ونوقش في ذلك بأنه يجوز ان يكون المعتبر التوجه إلى جهة القبلة بان تكون
الكعبة في جهة مقابلة المصلي وان لم يحصل المحاذاة لكل جزء منها فلابد لنفي ذلك من دليل أقول كفى دليلا لنفي هذا الاحتمال اي عدم الاعتناء به اصالة
براءة الذمة عن التكليف بأزيد من مسمى الاستقبال الحاصل في الفرض بناء على ما هو التحقيق من أنها
هي المرجع عن الشك في الشرائط واجزاء العبادات لا قاعدة
الاشتغال ولكن لقائل ان يقول إن المنساق من الامر بالتوجه إلى الكعبة واستقبالها في الصلاة ليس الا ذلك فلا مسرح للتمسك بالأصل بعد ما ورد في الكتاب
والسنة من الأوامر المطلقة المتعلقة باستقبالها والتوجه نحوها الظاهرة في ارادته من الخارج ودعوى ان المتبادر منها ليس الا استقبال شئ منها بحيث
عم مثل الفرض مخالفة للوجدان اللهم الا ان يدعى شمولها لمثل الفرض بتنقيح المناط لا بالأدلة اللفظية وفيه أيضا نظر لامكان ان يكون المقصود باستقبال
الكعبة تعظيمهما ولا يعد ان يكون جعلها امامه في الصلاة أبلغ في التعظيم من أن يصلي فيها ناويا به استقبال جزء منها مع كونه مستدبرا الجزء اخر وربما جعل بعض
ذلك اي لزوم الاستدبار من مؤيدات مذهب الشيخ بل من أدلته ضرورة كون استدبار القبلة من منافيات الصلاة وفيه ان الاستدبار انما يكون منافيا إذا
كان موجبا لفوات الاستقبال الذي هو شرط للصلاة لا في مثل الفرض واحتمال كونه في حد ذاته من المنافيات مدفوع بالأصل ولكن المستدل بذلك ممن يرى
وجوب الاحتياط في الشرائط المحتملة فلعله مبني على مذهبه وكيف كان فقد تلخص مما ذكر انه يمكن ان يستدل للشيخ باطلاق الامر بالاستقبال الظاهر في ارادته
من الخارج وانكار ظهوره في ذلك مكابرة ولكن يتوجه على الاستدلال ان الاطلاق جار مجرى الغالب فلا ينسبق ارادته الا ممن كان خارجا من الكعبة واما من كان
فيها فيتصرف عنه هذا الخطاب وانما نلتزم بوجوب استقبال جزء منها ولو من فضائها بان لم يصل مثللا عند الباب مستقبلا خارج الكعبة على وجه لم يكن بين
يديه ولو في حال الركوع أو السجود شئ من فضائها لما ثبت باجماع ونحوه من وجوب استقبال شئ منها في الصلاة مطلقا حتى في مثل الفرض والا فالأدلة
اللفظية التي ورد الامر فيها باستقبال الكعبة قاصرة عن إفادة الاشتراط لمن يصلي في جوفها فليتأمل واما الجواب عن الصحيحتين فبمعارضتهما بموثقة
يونس بن يعقوب التي هي نص في الجواز قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا حضرت الصلاة المكتوبة وانا في الكعبة أفأصلي فيها قال صل وما عن الشيخ من حملها
على الضرورة في غاية البعد لا لمجرد كونه تنزيلا للاطلاق على الفرد النادر بل لظهور استفهام السائل في
إرادة اختيار ايقاع الصلاة فيها في مقابل
الصلاة في خارجها فكأنه قال أفأصلي فيها أو اخرج للصلاة فكيف يصح حينئذ حمل اطلاق الجواب على الضرورة هذا مع أن تنزيل الحكم المطلق على ارادته في
حال الضرورة ابعد من حمل النهي على الكراهة فمقتضى القاعدة حمل الصحيحتين على الكراهة جمعا بينهما وبين هذه الموثقة التي كادت تكون صريحة في جوازها
اختيارا كما يؤيده فهم المشهور وفتواهم هذا مع أنه ربما يستشعر من التعليل الواقع في الصحيحة الأولى بل يستظهر منه الكراهة لعدم مناسبته للحرمة كما لا يخفى
واما الصحيحة الثانية فالظاهر اتحادها مع ما رواه ثانيا وثالثا بلفظ لا يصلح الظاهر في الكراهة ودعوى ظهور هذه الكلمة أيضا في الحرمة نظرا إلى أن
الصلاح ضد الفساد مدفوعة بان المتبادر منها في الاخبار ليس الا الكراهة كلفظة لا ينبغي ونظائرها فالروايات الثلاث المروية عن محمد اما متحدة
وقد حصل الاختلاف في نقلها من الرواة بلحاظ النقل باللفظ أو بالمعنى أو من النساخ اما سهوا أو لالتباس يصلي بيصلح في الكتابة أو غير ذلك من أسباب
الاختلاف وكيف كان فهي على تقدير الاتحاد مجملة مردد امرها بين أن تكون بلفظ لا يصلي الظاهر في الحرمة أو لا يصلح الظاهر في الكراهة فلا تنهض جهة
لاثبات أزيد من الكراهة وعلى تقدير تعدد الروايات فلا تقصر الأخيرتان الظاهرتان في الكراهة عن مكافئة الأولى خصوصا مع أنه رواها في الوسائل
عن الشيخ باسناده عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال تصلح صلاة المكتوبة جوف الكعبة ثم قال لفظه لا هنا غير موجودة في النسخة التي قوبلت بخط الشيخ وهي
موجودة في بعض النسخ أقول فعلى هذا هي نص في الجواز لكن لفظة المكتوبة في النسخة الموجودة عندي ساقطة والظاهر أنه من سهو القلم وكيف كان
فالأقوى ما هو المشهور من جوازها على كراهية لكن ربما يؤيد المنع لا لضرورة خبر محمد بن عبد الله بن مروان قال رأيت يونس بمنى يسأل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل
إذا حضرته صلاة الفريضة وهو في الكعبة فلم يمكنه الخروج من الكعبة قال استلقى على قفاه ويصلي ايماء وذكر قول الله عز وجل فأينما تولوا فثم وجه الله
لكنه مع ضعف سنده مما لم ينقل القول بمضمونه عن أحد فيجب رد علمه إلى أهله وان كان ربما يؤيد مضمونه الرواية الآتية الواردة فيمن صلى على سطح الكعبة
وان كان العمل بتلك الرواية أيضا لا يخلو من اشكال كما ستعرف هذا كله في الصلاة الفريضة اختيارا واما اضطرارا فلا شبهة في جوازها فان الصلاة
لا تسقط بحال نصا واجماعا كما يشهد له أيضا مضافا إلى ذلك بعض الأخبار المتقدمة كما أنه لا شبهة في جواز التطوع بل لا خلاف فيه بل عن غير واحد دعوى
الاجماع على استحباب النافلة فيها لكن في كشف اللثام اني لم اظفر بنص على استحباب كل نافلة وانما الاخبار باستحباب التنفل لمن دخلها في الأركان وبين
الأسطوانتين أقول فكأنه أراد بذلك عدم دليل على استحبابها بالخصوص كما هو ظاهر الفتاوي والا فيكفي في ذلك اطلاق ما دل على استحباب النوافل وان الصلاة
91

خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر كما أنه يكفي في اثبات استحباب مطلق النافلة فيها بالخصوص ما سمعته من نقل الاجماع بناء على قاعدة التسامح اللهم
الا ان يكون غرض المجمعين من استحباب النافلة فيها الاستحباب الثابت لطبيعة النافلة من حيث هي دفعا لتوهم الكراهة الناشئ من ثبوتها للفريضة فليتأمل
ولو صلى على سطحها ابرز بين يديه شيئا منها ما يصلي إليه في جميع أحوال الصلاة فان الاستقبال شرط في كل جزء منها فيجب رعايته على كل حال وقيل
كما عن الصدوق في الفقيه والشيخ في الخلاف والنهاية والقاضي في المهذب والجواهر يستلقي على ظهره ويصلي إلى البيت المعمور لكن عن الأخير تقييده
بما إذا لم يتمكن من النزول احتج الشيخ على ذلك في محكى الخلاف بالاجماع وبما رواه عن علي بن محمد عن عيسى بن محمد بن عبد السلام عن الرضا عليه السلام قال في الذي تدركه
الصلاة وهو فوق الكعبة فقال إن قام لم يكن له قبلة ولكن يستلقي على قفاه ويفتح عينيه إلى السماء ويعقد بقلبه القبلة التي في السماء البيت المعمور ويقرء فإذا
أراد ان يركع غمض عينيه فإذا أراد ان يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه والسجود على نحو ذلك وهذه الرواية أخص مطلقا مما دل على وجوب القيام والركوع
والسجود وغيرها من الافعال النافية لهذه الكيفية فلا يصلح شئ منها لمعارضة هذه الرواية وتنزيلها على العاجز الذي فرضه الصلاة مستلقيا كما في اخر
مراتب الضرورة مع كونه في حد ذاته في غاية البعد ينافيه قوله عليه السلام ان قام لم يكن له قبلة فمقتضى القاعدة تخصيص ساير الأدلة بها اللهم الا ان يناقش فيها بضعف
السند وقصورها عن مرتبة الحجية خصوصا مع اعراض المشهور عنها وما سمعته عن الشيخ من نقل الاجماع على مضمونها لا يصلح جابر الضعف سندها بعد
وهنه بمخالفة المشهور حتى الشيخ في مبسوطه على ما حكى عنه فيشكل الاعتماد عليه في رفع اليد عن تلك العمومات فالأحوط تكرير الصلاة والاتيان بها قائما تامة
الاجزاء والشرائط وبالكيفية المذكورة في الرواية ان اضطر إلى فعلها فوق السطح والا فالأولى والأحوط ترك فعل الفريضة فوق السطح بل مطلق الصلاة
للنهي عنه في حديث المناهي عن الصادق عن ابائه عليهم السلام قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الصلاة على ظهر الكعبة وان كان القول الأول أصح بالنظر إلى ما يقتضيه
الصناعة لما أشرنا إليه من عدم صلاحية الخبر المزبور مع ما فيه من الضعف لتخصيص سائر الأدلة كقصور حديث المناهي عن اثبات الحرمة فيجوز الاجتزاء بصلاة
واحدة عن قيام لا لضرورة ولا يحتاج ان ينصب بين يديه شيئا حال الصلاة لما عرفت انفا من أن القبلة هي الفضاء إلى السماء والفرض انه ابرز
بين يديه شيئا منه خلافا للشافعي على ما حكى عنه فأوجبه ولا ريب في ضعفه وكذا لو صلى إلى بابها وهو مفتوح وقد حكى عن الشافعي في هذه الصورة أيضا
المخالفة وعن شاذان بن جبرئيل من أصحابنا موافقته ولكن قال في الجواهر ولا يخفى على المتأمل في كلام شاذان في رسالته المحكية بتمامها في البحار انه ليس
خلافا فيما نحن فيه بل الظاهر ارادته الكراهة من في لجواز كما في غير الكعبة من الأبواب المفتوحة لأنه قد صرح بجواز الصلاة في العرصة مع فرض زوال
البنيان وصرح بجوازها على السطح سواء كان بين يديه سترة من نفس البناء أولا وغير ذلك مما هو كالصريح فيما ذكرنا فلاحظ وتأمل انتهى ولو استطال
صنف المأمومين في المسجد الحرام حتى خرج بعضهم عن سمت الكعبة بطلت صلاة ذلك البعض لما عرفت فيما سبق من اعتبار مقابلة عين الكعبة عند مشاهدتها
حقيقة أو حكما ولو استدار واصحت كما يأتي شرح ذلك إن شاء الله في بحث الجماعة وأهل كل إقليم يتوجهون إلى سمت الركن الذي على جهتهم فأهل العراق إلى
العراقي وهو الذي فيه الحجر وأهل الشام إلى الشامي والمغرب إلى المغربي واليمن إلى اليماني إذ لا يتحقق المقابلة بينهم وبين الكعبة الا بما يسامتهم منها
فهذا في الحقيقة بيان لما هم عليه في الواقع ولا يترتب على تحقيقه ثمرة فرعية ضرورة انه يكفي لمن شاهد الكعبة حقيقة أو حكما استقبال جزء منها اي جزء يكون
ومن لم يشاهدها يستقبل جهتها بالرجوع إلى الامارات المؤدية لاستقبال عينها أو جهتها أو استقبال الحرم أو المسجد أو جهتهما على الخلاف الذي عرفته
فيما سبق من غير إناطة الحكم يكون الامارات مؤدية إلى استقبال طرف منها دون الاخر لكن الامر في الواقع كما ذكر فان المقابل للعراق ليس الا الطرف
المشتمل على الركن العراقي وهكذا أهل سائر الأقاليم وأهل العراق ومن والاهم وسامتهم إذا أرادوا معرفة القبلة فلهم على ما ذكره المصنف وغيره
بل ربما نسبه بعض إلى الأصحاب وعلائم ثلاث الأولى انهم يجعلون الفجر اي المشرق على المنكب الأيسر وهو مجمع العضد والكنف والمغرب على الأيمن و
الثانية يجعلون الجدي وهو مكبر وربما يصغر ليتميز عن البرج المسمى بهذا الاسم محاذي خلف المنكب الأيمن لاطرفه المقابل للمغرب والثالثة يجعلون
عين الشمس عند زوالها وميلها عن دائرة نصف النهار على الحاجب الأيمن واعترض غير واحد على الأصحاب الذين ذكروا هذه العلائم الثلاث لأهل
العراق بعدم المناسبة بينها فان مقتضى الأولى والثالثة استقبال نقطة الجنوب ومقتضى الثانية الانحراف عن نقطة الجنوب إلى طرف المغرب بمقدار
معتد به وتنزيل كلماتهم على إرادة كون مجموع العلائم علامة لمجموع أهل العراق على سبيل الاجماع فتكون الأولى والثالثة علامة لبعضهم والثانية
للباقين في غاية البعد والتزامهم باعتفاء هذا المقدار من الاختلاف وعدم كونه قادحا في تشخيص السمت الذي يرونه قبلة للبعيد أيضا بعيد خصوصا مع
تصريحهم بوضع الجدي خلف المنكب وعدم اشعار في كلامهم بالرخصة في وضعه بين الكتفين كما هو مقتضى الامارتين (الأخيرتين) بل بعضهم قيده بحال ارتفاعه أو انخفاضه
كي يكون على دائرة نصف النهار مع أن الاختلاف الناشي من اختلاف أحوال الجدي يسير أقول ولكنك خبير بان غفلتهم عن هذا الاختلاف الفاحش بعد فالظاهر أن
جمعهم بين العلائم الثلاث ليس منشأه الا بنائهم على كفاية استقبال الجهة وعدم كون هذا المقدار من الاختلاف قادحا في تحقق الاستقبال المعتبر في الصلاة
ونحوها فكأنهم ذكروا العلائم الثلاث لان يتمكن المكلف في جميع أوقات الصلوات لدى الحاجة إلى معرفة القبلة من تشخيص جهتها فإذا أراد تشخيصها لصلاة الصبح يجعل
المشرق الذي يميزه ببياضه أو حرمته على يساره والمغرب على يمينه ولعل عدول المصنف رحمه الله عن التعبير بالمشرق إلى الفجر للايماء إلى ذلك وإذا أراد تشخيصها للظهرين فبالعلامة
92

الأخيرة ومتى أراد تشخيصها للعشائين أو لصلاة الليل فبالثانية وحيث إن الجدي كوكب محسوس ووضعه محاذيا لخلف المنكب الذي فيه مظنة الأقربية
إلى مقابلة العين امر ميسور فلا ينبغي العدول عنه فلذا اعتبروا فيه كونه كذلك لا انه لا يجري الا ذلك واما العلامتان الاخريان فتشخيص موضوعهما لدى الحاجة
اليهما لا يكون غالبا الا على سبيل الحدس والتقريب فلا يتميز بهما غالبا الا مطلق الجهة التي لا يعتبر لغير المتمكن من مشاهدة العين حقيقة أو حكما الا مقابلتها فلم
يعتبروا فيها هذا النحو من التدقيقات كبعض العلائم الاخر التي سنشير إليها وبما ذكرنا ظهر ان ما ذكره بعض من جمل المشرق والمغرب في كلماتهم على الاعتداليين
لا يخلو من نظر لما أشرنا إليه من أن غرضهم بحسب الظاهر لم يتعلق بذكر هذه العلائم الا لاستعمالها في موارد الحاجة في البراري والصحارى ونحوها من الموارد
التي يتعذر فيها غالبا تشخيص الاعتداليين وكيف كان فالأقوى انه لا يعتبر للبعيد الغير المتمكن من العلم باستقبال العين أزيد من تشخيص القبلة بمثل هذه
العلائم المورثة للعلم بجهتها بالمعنى الذي عرفته فيما سبق وقد ذكر غير واحد لأهل العراق أيضا علائم اخر كجعل القمر على الحاجب الأيمن ليلة السابع عند
الغروب واحدى وعشرين عند الفجر وسهيل عند طلوعه مقابل المنكب الأيسر وذكروا الأهالي ساير الأقاليم علائم اخر مستخرجة من هذه العلائم بعد ملاحظة
أوضاع بلادهم ومن غيرها من القواعد المبتنية على علم الهيئة من أرادها فليطلب من أهل خبرته ولم يصل الينا نص في هذا الباب لتشخيص قبلة شئ من البلدان عدى
بعض الأخبار الواردة في الجدي كموثقة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن القبلة قال ضع الجدي في قفاك وصل ومرسلة الصدوق قال قال رجل للصادق عليه السلام
اني أكون في السفر ولا اهتدي إلى القبلة بالليل فقال أتعرف الكوكب الذي يقال له الجدي قلت نعم قال اجعله على يمينك وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين
كتفيك وخبر إسماعيل بن زياد المروي عن تفسير العياشي عن جعفر بن محمد عن ابائه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وبالنجم هم يهتدون قال هو الجدي لأنه لا يزول وعليه
بناء القبلة وبه يهتدي أهل البر والبحر وعنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى وعلامات وبالنجم هم يهتدون وقال ظاهر وباطن الجدي عليه بنى القبلة وبه
يهتدي أهل البر والبحر لأنه نجم لا يزول نعم في صحيحتي زرارة ومعاوية بن عمار المتقدمتين في صدر المبحث تحديد القبلة بما بين المشرق والمغرب ولكنك عرفت
انه لابد من ارتكاب التأويل فيهمنا بالحمل على ما إذا لم يمكن تشخيصها في سمت أقرب من ذلك واما الأخبار الواردة في الجدي فما عدى الأولين منها مسوق في
مقام الارشاد والتنبيه على أن الجدي كوكب لا يزول اي ثابت في موضعه الخاص ولا يتغير مكانه تغيرا فاحشا فيه يهتدي كل من يقصد التوجه إلى سمت في بر أو
بحر وهذا لا يجدي فيما نحن بصدده واما الخبران الأولان فهما وان كانا مسوقين لبيان علامة القبلة وكيفية الاهتداء إليها بالجدي لكنهما أيضا لا يخلوان من
اجمال ضرورة ان وضع الجدي في القفار أو على اليمين ليس علامة لمعرفة القبلة على الاطلاق فالروايتان واردتان بحسب ما يقتضيه حال السائل فلا يصح الاستشهاد
بهما ما لم يحرز الموضع الذي هو محط نظر السائل نعم يستكشف من اطلاق الامر بالاعتماد على علامة واحدة في جواب من قال إني رجل مسافر ابتناء الامر
على التوسعة وربما ينزل موثقة محمد بن مسلم على إرادة قبلة العراق بقرينة كون السائل اي محمد بن مسلم كوفيا فعلى هذا تنطبق هذه الرواية على سائر العلامات
التي ذكروها لأهل العراق مما كان مقتضاها استقبال نقطة الجنوب ان كان المراد بوضعه في القفا جعله بين الكتفين دون ما ذكروه في الجدي من وضعه
خلف المنكب الأيمن وان كان المراد به الاطلاق بحيث عم مثل ذلك لكان مقتضاه جواز جعله خلف المنكب الأيسر أيضا فيقتضي كون جهة القبلة في غاية السعة
بحيث يقرب من ربع الدائرة ولا يظن بأحد الالتزام به عدى من زعم أن ما بين المشرق والمغرب قبلة مطلقا وقد
عرفت ضعفه فالأولى اما الحكم باجمال
الرواية أو حملها على إرادة ما بين الكتفين كما لعله المتبادر منه فتنطبق على سائر العلائم واما ما ذكروه في الجدي من وضعه خلف المنكب الأيمن فلعله
مبني على ما يقتضيه قواعد الهيئة بالنسبة إلى بعض نواحي العراق فاطلقوا القول بذلك في العراق كله نظرا إلى كفايته في احراز الجهة في جميع
نواحيها واستدل بعض لذلك ببناء مسجد الكوفة الذي هو من المشاعر العظام المعلوم وجوده في عصر الأئمة عليهم السلام وصلاة أمير المؤمنين عليهم السلام
فيه وهو يوافق هذه العلامة ولكن قد يشكل ذلك بعدم ثبوت كونه بهذا الوضع في السابق مع أن الظاهر كونه مبنيا يأمر خلفاء الجور ولم يثبت
ان أمير المؤمنين عليه السلام صلى فيه من غير تياسر بل الظاهر أنه كان بتياسر حتى اشتهر عند شيعته استحباب التياسر كما يفصح عن ذلك بعض الأخبار الأشبه
وربما جعل بعض بناء هذه المساجد على غير جهة القبلة قرينة لتوجيه الأخبار الواردة بحسب الظاهر في أهل العراق الدالة فظاهرها على أنه يستحب
لهم التياسر إلى يسار المصلي منهم قليلا كخبر المفضل بن عمر قال سئلت أبا عبد الله عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه فقال إن
الحجر الأسود لما انزل من الجنة ووضع في موضعه جعل انصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر فهي عن يمين الكعبة فهي أربعة أميال وعن يسارها ثمانية
أميال كلها اثني عشر ميلا فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن القبلة لقلة انصاب الحرم وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا من حد القبلة و
مرفوع علي بن محمد قال قيل لأبي عبد الله عليه السلام لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار فقال لان الكعبة ستة حدود أربعة منها على يسارك واثنان على
يمينك فمن اجل ذلك وقع التحريف على اليسار وعن نهاية الشيخ قال من توجه إلى القبلة من أهل العراق
والمشرق قاطبة فعليه ان تياسر قليلا
ليكون متوجها إلى الحرم بذلك جاء الأثر عنهم عليهم السلام انتهى وعن الفقه الرضوي إذا أردت توجه القبلة فتياسر مثل ما تيامن فان الحرم عن يمين الكعبة
أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال وربما استظهر من العبارة المتقدمة عن نهاية الشيخ كخلافه والجمل والوسيلة الوجوب كما استظهر ذلك أيضا
من المبسوط حيث قال ويلزم أهل العراق الخ ولكن الظاهر أن مرادهم الاستحباب كما هو صريح المتن وغيره بل لعله المشهور كما ادعاه في الجواهر نقلا وتحصيلا
93

وكيف كان فالقول بالوجوب على تقدير تحققه ضعيف لقصور الاخبار عن افادته بل ربما منع غير واحد من المتأخرين استحبابه أيضا أو تردد فيه اما لضعف سند
الروايات كما في المدارك فإنه بعد نقل الخبرين الأولين قال والروايتان ضعيفتا السند جدا والعمل بهما لا يؤمن معه الانحراف الفاحش عن حده القبلة وان كان في
ابتدائه يسيرا انتهى أو لأجل الاشكال الذي أورده سلطان المحققين نصير الملة والدين قدس سره على ما حكى عنه على المصنف رحمه الله لما حضر مجلس درسه يوما واتفق
الكلام في هذه المسألة من أن التياسر امر إضافي لا يتحقق الا بالإضافة إلى صاحب يسار متوجه إلى جهة فان كانت تلك الجهة محصلة لزم التياسر عما وجب التوجه
إليه وهو حرام لأنه خلاف مدلول الآية وان لم يكن محصلة لزم في مكان التياسر إذ تحققه موقوف على تحقق الجهة التي يتياسر عنها فكيف يتصور الاستحباب
بل المتجه حينئذ وجوب التياسر المحصل لها فاجابه المصنف رحمه الله في المجلس على ما قيل بجواب اقناعي ثم كتب في المسألة رسالة في تحقيق الجواب فاستحسنه المحقق المزبور
وذكر في الحدائق ان ابن فهد نقل الرسالة المزبورة بعينها إلى كتابة المهذب من أحب الوقوف على ذلك فليراجع الكتاب المزبور وذكر بعض ان المصنف رحمه الله بنى في
تلك الرسالة هذا الحكم على القول بان القبلة للبعيد الحرم فيشكل الالتزام حينئذ بذلك ان لم نقل بكون الحرم قبلة بل قد يشكل على هذا القول أيضا نظرا إلى أن
الامارات المنصوبة لتشخيص القبلة ان كانت مؤدية إلى محاذاة عين الكعبة فالانحراف اليسير في العراق يوجب البعد الكثير عنها بحيث يخرج عن محاذاة الحرم
أيضا والا فلا يجدي ولذا قيل جواب المصنف رحمه الله غير حاسم لمادة الاشكال ويمكن التفصي عن ذلك بان الامارات المنصوبة للبعيد لا يحرز بها محاذاة الغير
حتى يشكل الانحراف اليسير وانما يحرز بها السمت الذي يكون استقباله استقبالا للكعبة عند عدم مشاهدة العين بنحو من الاعتبار العرفي وقد أشرنا مرارا إلى أن
الانحراف اليسير غير قادح في صدق استقبال الجهة فلا مانع عن أن يكون أوسعية الحرم في يسار الكعبة حكمة لاستحباب التياسر عما كان عليه وضع أهل العراق في
استقبال القبلة في مساجدهم ونحوها تعويلا على العلائم التي يحرز بها جهة الكعبة مع ما في التياسر من أقربية احتمال المحاذاة الحقيقية بلحاظ ان القبلة
في يسار الكعبة التي هي ملحوظة في تلك العلائم أوسع فالقول بالاستحباب كما هو المشهور قوي لكن لا يخفي عليك ان التياسر امر إضافي فلا يستفاد من الاخبار
الا استحباب التياسر إلى يسار المصلين من العراق على حسب ما كان متعارفا عندهم في تلك الاعصار فلعلهم كانوا يصلون على الوضع الذي بنى عليه بعض
المساجد القديمة كمسجد الكوفة ونحوها فلا يصح الحكم باستحباب التياسر إلى يسار المصلين على الوضع الذي بنى عليه المساجد الحادثة التي هي بالذات مبنية
على التياسر بالإضافة إلى تلك المساجد كما لا يخفى وربما وجه بعض من أشكل عليه المسألة الأخبار المتقدمة بما تقدمت الإشارة إليه في صدر العنوان قال المحدث
المجلسي رحمه الله في مجلد الصلاة من كتاب بحار الأنوار على ما حكى عنه بعد ذكر الاشكال المتقدم ونقل حاصل جواب المحقق رحمه الله في رسالته والإشارة إلى أنه غير حاسم لمادة
الاشكال ما صورته والذي يخطب في ذلك بالبال انه يمكن ان يكون الامر بالانحراف لان محاريب الكوفة وسائر بلاد العراق أكثرها كانت منحرفة عن خط نصف النهار
كثيرا مع أن الانحراف في أكثرها يسير بحسب القواعد الرياضية كمسجد الكوفة فان انحراف قبلة إلى اليمين أزيد مما تقتضيه القواعد بعشرين درجة تقريبا وكذا
مسجد سهله ومسجد يونس لوما كان أكثر تلك المساجد مبنية في زمان خلفاء الجور لم يمكنهم القدح فيها تقية فامروا بالتياسر وعللوه بتلك الوجوه الخطابية
لاسكاتهم وعدم التصريح بخطاء خلفاء الجور وأمرائهم وما ذكره أصحابنا من أن محراب المعصوم لا يجوز الانحراف عنه انما يثبت إذا علم أن الامام عليهم السلام بناه
ومعلوم انه عليه السلام لم يبنه أو صلى فيه من غير انحراف وهو أيضا غير ثابت بل ظهر من بعض ناسخ لنا من الآثار القديمة عند تعمير المسجد في زماننا ما يدل على خلافه
كما سيأتي ذكره مع أن الظاهر من بعض الأخبار ان هذا البناء غير البناء الذي كان في زمن أمير المؤمنين عليه السلام انتهى الثاني احكام المستقبل وهي كثيرة منها انه
يجب الاستقبال في الصلاة الواجبة وغيرها مما نعرفه إن شاء الله في محالها مع العلم بجهة القبلة ويحصل العلم بجهتها بالمعاينة والشياع والخبر المحفوف
بالقرائن وباخبار المعصوم أو صلاته أو محرابه أو قبر بناه ما لم يتطرق فيها احتمال تقية ونحوها وربما جعل بعض محراب المعصوم وما جرى مجراه بمنزلة اخباره
بالجهة الخاصة المحاذية للعين في كونه كالمشاهدة محصلا للعلم بالجهة المحاذية لها حقيقة وفيه نظر إذ لم يثبت إناطة اعمالهم الظاهرية بالعلم المخصوص بهم الغير
الحاصل من أسباب عادية فيحتمل قويا علوم كونهم مكلفين الا بالتوجه شطر المسجد على حسب ما يؤديه الأسباب العادية الموجبة للعم بجهتها فلا يعلم حينئذ انهم راعوا
في صلاتهم أو محرابهم مثلا علمهم الذي خصهم الله به وكيف كان فالبحث عن ذلك قليل الجدوى إذ لم يثبت عندنا في هذه الاعصار محراب أو قبر بناه المعصوم أو شخص
جهته باقيا على هيئته الأصلية ومن جملة الامارات الموجبة للعلم بجهة القبلة بل أوضحها وأعمها نفعا هي العلائم التي ذكرها الأصحاب لتشخيص قبلة البلاد
كوضع الجدي على المنكب الأيمن ونحوه المستنبطة من قواعد الهيئة ونحوها فإنها وان لم تكن موجبة للعلم بمقابلة العين بلا ولا الظن بها ولكنها طريق عادي
للعلم بجهتها بحيث لا يكاد يتطرق فيها غالبا احتمال التخطي وناديتها إلى سمت اخر أجنبي عن جهة الكعبة فان جهلها اي جهة القبلة ولم يتمكن من تشخيصها بشئ من
العلائم الموجبة للقطع بها عول في تشخيصها على العلامات المفيدة للظن بها كالضوء الكثير اخر النهار في يوم الغير المفيد للظن بان ذلك الجانب هو المغرب
وفي أول النهار فيظن بأنه المشرق أو في جانب من السماء فيظن بأنه موضع الشمس أو القمر فيميز بذلك جهة القبلة بالمقايسة وكالرياح الأربع لمن عرف طبايعها
واستنبط من الريح ان مهبه المشرق أو المغرب أو الجنوب أو الشمال فيستدل بذلك على سمت القبلة إلى غير ذلك من الامارات الحدسية الموجبة للظن بجهتها
وربما مثل بعض لذلك بالقمر فإنه يكون ليلة السابع من الشهر في قبلة العراقي أو قريبا منها عند المغرب وليلة الرابع عشر عند نصف الليل وليلة الحادي و
العشرين عند الفجر الا ان ذلك كله تقريبي لا يستمر على وجه واحد كما هو واضح فتشخيص جهة القبلة به ظني وفيه نظر فان القمر في الليالي المزبورة من العلائم
94

الموجبة للعم بجهتها ولذا عده غير واحد من تلك العلائم كما تقدمت الإشارة إليه وعدم استمراره على وجه واحد لا يقدح في ذلك فان الاختلاف الناشي من ذلك
ليس بأزيد من الاختلاف الناشي من العلائم المختلفة التي ذكروها لأهل العراق بل ولا من الاختلاف بين البلاد المتقاربة التي حكموا برجوعها إلى علامة واحدة
وقد عرفت ان هذا المقدار من الاختلاف غير مخل بتشخيص الجهة التي يجب استقبالها للبعيد هذا مع أنك عرفت عند تفسير الجهة انها تختلف بالنسبة إلى المتمكن
من تشخيصها في السمت المضاف إلى الشئ عرفا وبالنسبة إلى من لم يتمكن من تشخيصها الا في جانب من جوانبه الأربع فقد يكون مطلق السمت الواقع فيه الكعبة
بالنسبة إليه قبلة فيحتمل قويا ان يكون المراد بمن جهلها في المقام من لم يتمكن من العلم بجهتها رأسا بحيث لم يشخصها في جانب من جوانبه الأربع كما يؤيد ذلك
خلافهم في أنه هل يجب عليه الاحتياط والصلاة أربعا إلى جوانبه الأربع مع الامكان وعند الضرورة يعول على ظنه كما حكى أقول بذلك عن ظاهر
الشيخ في التهذيب والخلاف وصريح ابن حمزة حيث قال على ما نسب إليه ان فاقد الامارات يصلي أربعا مع الاختيار ومع الضرورة يصلي إلى جهة تغلب على
ظنه أو لا يجب عليه ذلك بل يعول ابتداء على ظنه كما في المتن وغيره بل لعله المشهور بل لم ينقل الخلاف فيه ممن عداهما وكيف كان فما هو المشهور اي جواز
تشخيص القبلة بالأمارات الظنية وعدم وجوب الاحتياط بتكرير الصلاة إلى الجهات الأربع هو الأقوى كما يدل عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال يجزي التحري
ابدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة وموثقة سماعة قال سئلته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس ولا القمر ولا النجوم قال اجتهد رأيك وتعمد
القبلة جهدك وقد عرفت في مبحث المواقيت امكان الخدشة في دلالة هذه الرواية على المدعى فليتأمل وعن تفسير النعماني باسناده عن الصادق عليه السلام عن
ابائه عليهم السلام في قول الله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام قال معنى شطره نحوه ان كان مرئيا وبالدلائل والاعلام ان كان محجوبا فلو علمت القبلة لوجب
استقبالها والتولي والتوجه إليها ولو لم يكن الدليل عليها موجودا حتى يستوي الجهات كلها فله ان يصلي باجتهاده حيث أحب واختار حتى يكون على
يقين من الدلالات المنصوبة والعلامات المبثوثة فان مال عن هذا التوجه مع ما ذكرناه حتى يجعل الشرق غربا والغرب شرقا زال معنى اجتهاده وفسد حال
اعتقاده ويؤيده بل يشهد له بعض الأخبار التي تسمعها إن شاء الله فيمن صلى بظن القبلة فانكشف له الخطاء وغير ذلك مما لا يخفى على المتتبع ولا يعارضها
مرسلة خراش عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت جعلت فداك ان هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت السماء علينا أو اظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء
في الاجتهاد فقال ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه لقصورها عن الحجية بعد ضعف سندها ومخالفة ظاهرها للمشهور فضلا عن مكافئتها
لما عرفت وهي على تقدير حجيتها لا تصلح مقيدة للأخبار المتقدمة بحملها على صورة الضرورة كما توهمه بعض فان تنزيل الأخبار المطلقة على خصوص الفرض
الذي لم يتمكن المكلف الامر الاتيان بصلاة واحدة في غاية البعد خصوصا مع اباء صحيحة زرارة التي هي العمد في المقام عن التخصيص فالمتعين طرح المرسلة و
رد علمها إلى أهله ويحتمل قويا ان يكون المقصود بالاجتهاد فيها الفتوى بالرأي المؤدي إلى سقوط شرطية القبلة في مثل الفرض والاكتفاء بصلاة
واحدة لا الاجتهاد في تشخيص جهة القبلة حتى تعارض الأخبار المتقدمة كما يؤيد ذلك ظهور قوله أطبقت السماء أو اظلمت في إرادة انتفاء امارة على
القبلة والله العالم وهل يجوز ترك الاجتهاد وتكرار الصلاة أربعا إلى الجهات الأربع احتياطا أم يجب بدل جهده في تشخيص جهة القبلة بالعلم ان أمكن
والا فبالظن ظاهر كلماتهم التسالم على الأخير خصوصا مع التمكن من تحصيل العلم بل ربما يظهر من بعض دعوى اجماع المسلمين عليه ولكن قد يقوى في النظر الأول
نظرا إلى أن مستنده على الظاهر ليس الا ما هو المشهور من اعتبار الجزم في النية مع الامكان وعدم كفاية الامتثال الاجمالي بتكرار العبارة مع التمكن من المعرفة
التفصيلية وقد عرفت في نية الوضوء ان الأقوى خلافه الا انه قد يشكل ذلك في المقام بعدم كون تكرار الصلاة إلى الجهات الأربع موجبا للقطع بمقابلة
بعضها لجهة القبلة حتى يجتزي به مع التمكن من تحصيل العلم بجهة القبلة أو الظن القائم مقامه وانما اكتفى
الشارع بأربع صلوات لمن لم يتمكن من
معرفة القبلة رأسا اما توسعة عليه أو لكون جهة القبلة بالنسبة إلى الجاهل العاجز عن تشخيص سمتها أوسع كما تقدمت الإشارة إليه نعم لو كرر الصلاة
في كل جهة من الجهات بحيث علم بوقوع بعضها إلى جهة القبلة أمكن الالتزام بكفايته على المختار من عدم اعتبار الجزم في النية حين العمل كما أنه يمكن الالتزام
بذلك على تقدير الاكتفاء بالأربع صلوات أيضا إذا علم بان الامارات التي يتمكن من الرجوع إليها لا تعينها في أقل من ربع الدائرة ولكنه أيضا لا يخلو
من اشكال بعد تسالم الأصحاب على المنع عنه وظهور قوله عليه السلام في الموثقة المتقدمة وتعمد القبلة جهدك في الوجوب فليتأمل فإذا اجتهد فأخبره غيره
بخلاف اجتهاده قيل يعمل على اجتهاده ولا يعمل بقول الغير لأنه تقليد للغير فلا يسوغ لمن وظيفته الاجتهاد ويقوى عندي ما في المتن من أنه إذا كان ذلك
الخبر أوثق في نفسه عول عليه لأنه أيضا ضرب من الاجتهاد حاكم على الاجتهاد الأول وموجب لصيرورة الظن الحاصل منه بالإضافة إلى ما افاده الخبر وهما
ودعوى ان أدلة الاجتهاد منصرفة عن مثله غير مسموعة هذا إذا كان اخبار ذلك الغير أيضا ناشيا عن حدس واجتهاد كما لو اخبر شخص نعمده على حدسه وشدة حذاقته
بمعرفة الرياح مثلا بان الريح الذي كنا نظنه شماليا شرقي وان جهة القبلة عكس ما كانا نظنه لولا اخباره فحينئذ يجب التعويل على الظن الفعلي الحاصل من خبره لا الظن
التقديري الناشي اجتهادنا المرجوح بالإضافة إليه واما ان كان خبره مستندا إلى امارة حسية موجبة للقطع بالجهة كاخباره الناشي من العلم بمكان الجدي
أو المشرق والمغرب علما حسيا لا حدسيا فالأقوى تقديم قوله على الاجتهاد مطلقا ان كان عدلا فضلا عن العدلين لما عرفت في مبحث المواقيت من حجية خبر
العادل في الموضوعات الخارجية كالأحكام الشرعية في غير ما يتعلق بالخصومات ونحوها مما يعتبر فيه الشهادة فيكون اخبار العادل بمكان الجدي أو بملزومه اي جهة القبلة
95

بمنزلة العلم بذلك فلا يسوغ معه الاجتهاد لكونه بمنزلة الاجتهاد في مقابلة النص فما زعمه بعض من أن
النسبة بين ما دل على وجوب الاجتهاد وبين ما دل على حجية
البينة التي هي أوضح حالا من خبر العدل العموم من وجه فلابد في مورد الاجتماع من ملاحظة المرجح ليس على ما ينبغي بل قد يقوى في النظر عدم اشتراط العدالة أيضا وكفاية
كون المخبر ثقة مأمونا عن الكذب ان لم ينعقد الاجماع على خلافه كما تقدمت الإشارة إليه في ذلك المبحث فلا ينبغي ترك الاحتياط في مثل الفرض بالجمع بين العمل تقول
المخبر وبظنه الناشي من اجتهاده هذا إذا لم يحصل من خبره ظن أقوى من ظنه الحاصل باجتهاده والا فقد عرفت ان قوله هو المتبع على هذا التقدير وان كان حدسيا فضلا
عما لو كان حسيا فتلخص مما ذكر ان اخبار المخبران قلنا بكونه حجة في مثل المقام من حيث هو كما هو الأقوى فيما إذا كان الاخبار حسيا وكان المخبر عدلا بل ثقة في وجه
قوي فهو المرجع والا فهو احدى الامارات المفيدة للظن يدور التكليف مدار افادته الظن الفعلي من غير فرق بين مصاديقه وبهذا ظهر لك انه لو لم يكن له طريق
إلى الاجتهاد فأخبره كافر بجهة القبلة أو اجتهد فأخبره الكافر بخلاف اجتهاده وان قيل لا يعمل بخبره مطلقا لقوله تعالى ان جاؤكم فاسق بنبأ فتبينوا ولكن الذي
يقوي عندي ما قواه المصنف رحمه الله من أنه ان أفاد الظن الفعلي عمل به كما هو الغالب فيما إذا كان خبيرا لقواعد الهيئة بل قد يقال في مثل الفرض بكون قوله حجة بالخصوص
وان كان حدسيا وفيه نظر بل منع والأقوى ما عرفت ويعول على قبلة البلد إذا لم يعلم أنها بنيت على الغلط اجماعا كما عن التذكرة وكشف الالتباس نقله لأنها
من أقوى الامارات الموجبة عادة للقطع بجهة القبلة مع أنها لو لم تفد القطع بذلك لجاز أيضا الاعتماد عليها لما أشرنا إليه سابقا من قضاء الضرورة بعدم
ابتناء امر القبلة على القواعد الرياضية وان المعول عليه في تشخيصها هي الطرف المتعارف عند العرف والعقلاء في تشخيص سمت ساير البلاد ومن الواضح ان استمرار
عمل أهل البلد من أوضح الطرق التي يعول عليها العرف في تشخيص القبلة ولذا استمر سيرة المسلمين في جميع الأعصار والأمصار على التعويل عليها وقررهم العلماء
على ذلك وصرحوا بجوازه من غير نقل خلاف فيه بل دعوى الاجماع عليه فلا ينبغي الارتياب في أن
قبلة البلد امارة معتبرة لتشخيص القبلة ولذا صرح غير
واحد من الأصحاب على ما في الجواهر ل لم يعرف خلافا بينهم بأنه لا يجوز العمل على الاجتهاد فيها جهة وعن الذكرى وجامع المقاصد القطع بذلك فلو
اد فظنه الاجتهادي الحاصل من القواعد الرياضية وشبهها إلى خلافها لا يعتني به في مقابل هذه الامارة التي هي بمنزلة العلم نعم لو حصل له القطع
بذلك من تلك القواعد عمل بموجبه إذ لا عبرة بامارة علم مخالفتها للواقع كما هو واضح فما عن المبسوط من أنه إذا دخل غريب إلى بلد جاز ان يصلي إلى قبلة البلد
إذا غلب في ظنه صحتها فإذا غلب على ظنه انها غير صحيحة وجب ان يجتهد ويرجع إلى الامارات الدالة على القبلة انتهى وعن المهذب نحوه لا يخلو من نظر اللهم
الا ان يريدا بغلبة الظن اعتقاد الخطاء أو يقولا بوجوب مقابلة نفس الكعبة أو الحرم عينا لا جهة فيتجه حينئذ القول باعتبار عدم ظن الخطاء بل ظن الصحة بل
الأوجه على هذا التقدير القول بعدم اعتبار قبله البلد رأسا ضرورة عدم انضباطها بذلك الحد فان قبلة البلد عبارة عن الجهة التي بنى عليه مساجدهم
ومحاريبهم ومقابرهم ويستقبلها أهله في الصلاة ونحوها ومن الواضح اختلاف بعضها مع بعض بمقدار يمتنع مقابلة جميعها في البلاد النائية لعين
الحرم فضلا عن الكعبة وعن دعوى ان هذا المقدار من الاختلاف انما يخل المحاذاة الحقيقية دون الحسية التي يراها العرف استقبالا حقيقيا بواسطة البعد
غيره مسموحة بعد انا نرى في الحس خلافها عند المقايسة بالأنجم التي نقابلها حسا التي هي بعد من الكعبة اضعافا مضاعفة فهذا من أوضح المفاسد التي يرد
على القائلين باعتبار مقابلة العين حيث إنه قولهم بهذا يناقض التزامهم بجواز الاعتماد على مثل هذه الامارات التي لا يمكنهم انكارها فتلخص مما ذكر انه جواز
التأويل على قبله أهل البلد المستكشفة بمحاريبهم ومقابرهم ونحوها مما لا مجال لانكاره ولا يجوز مخالفتها بالظنون الاجتهادية المؤدية لخلافها اللهم الا
ان يكون مؤدي الاجتهاد الاختلاف اليسير الغير الموجب للخروج عن الجهة العرفية التي قد بينا مرارا ان هذا النحو من العلائم لا تفيد الا معرفتها الا على سبيل
الاجمال فلا ينافيها تشخيص كون الكعبة في يمين محراب البلد مثلا أو يساره بظنه الاجتهادي فله التعويل عليه حينئذ كما عن جماعة من الأصحاب التصريح به ومن ليس متمكنا
من الاجتهاد فضلا عن العلم وما يقوم مقامه كالأعمى يعول على غيره ان أفاد خبره الظن لكونه أيضا ضربا من الاجتهاد المأمور به في تشخيص القبلة كما
تقدمت الإشارة إليه أو كان المخبر عدلا وكان خبره حسيا لما أشرنا إليه انفا من حجية خبر العدل في مثل الفرض على الأقوى بل قد نفينا البعد عن كفاية مجرد الوثاقة
من غير اشتراط العدالة وان كان الالتزام به ما لم يفد وثوقا فصليا في غاية الاشكال وكيف كان فالأظهر انه لا فرق بين الأعمى وغيره في أنه متى تمكن من تشخيص جهة
القبلة بامارة معتبرة كالجدي أو المشرق والمغرب أو قبلة بلد المسلمين ونحوها مباشرة أو بالاستعلام من الغير على وجه يفيد قوله الجزم بذلك أو كان حجة شرعية
كالبنية وخبر العدل ان قلنا به وجب عليه ذلك والا وجب عليه معرفتها بالأمارات الظنية التي منها اخبار الغير فيجوز الاعتماد عليه حينئذ إذا أفاد الظن والا
فلا فما يظهر من المتن وغيره من اختصاص الأعمى ومن بحكمه بهذا الحكم اي الرجوع إلى الغير الذي أريد به تقليده لا يخلو من نظر لأنه ان أفاد قول الغير الوثوق
والاطمينان بجهة القبلة التي يصلي إليها عامة الناس في موضع السؤال كما هو الغالب أو كان قوله من حيث هو حجة شرعية فلا فرق بين الأعمى وغيره والا فقال
يجوز التعويل عليه عند التمكن من العلم أو ما قام مقامه من الامارات المعتبرة وعند تعذره يجوز لكل أحد ان أفاد الظن والا فلا يجوز مطلقا دعوى ان الأعمى و
من قام مقامه كالجاهل بالاحكام الذي وظيفته التقليد فلا عبرة بظنه من حيث هو غير مسموعة إذ لا شاهد عليها فان جواز التقليد موقوف على الدليل وهو مفقود
وتنظيره على الجاهل بالاحكام قياس مع وجود الفارق حيث إن الأعمى غالبا متمكن من تحصيل القطع بجهة القبلة بتشخيص قبلة البلد بحضور المساجد والجماعات
وبالاستخبار ممن يعتقد صدقه وعدم خطائه في تشخيص القبلة فضلا عن تمكنه من تحصيل الظن بها غاية الأمر انه لا يتمكن من الرجوع إلى بعض الامارات المتوقفة
96

على حس البصر وهذا لا يقتضي شرع التقليد في حقه فكيف يقاس بالجاهل بالاحكام الذي ثبت مشروعية التقليد في حقه وبما أشرنا إليه من أن الغالب
حصول الوثوق بجهة القبلة من اخبار المخبرين ظهر ضعف الاستدلال لشرعية التقليد في حق الأعمى ببعض الأخبار الدالة على اعتماده على الغير كاخبار الاتمام به
إذ وجهه غيره إلى القبلة كقوله عليه السلام في صحيحة الحلبي لا باس ان يؤم الأعمى القوم ان كانوا هم الذين يوجهونه وفي خبر السكوني قال أمير المؤمنين عليه السلام في
حديث لا يؤم الأعمى في الصحراء الا ان يوجه إلى القبلة إلى غير ذلك من الروايات هذا مع ما في التمسك بمثل هذه المطلقات الواردة لبيان حكم اخر
ما لا يخفى ثم إن الأصحاب رضوان الله عليهم قد تعرضوا في المقام لايراد فروع كثيرة مبنية على أن
وظيفة الأعمى تقليد الغير كاشتراط عدالة المخبر واسلامه
أو بلوغه أو ذكوريته أو عدم اشتراط شئ منها أو بعضها دون بعض وكجواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل أو عدمه وانه عند معارضة قول مخير مع
اخر هل الحكم التساقط والتخيير إلى غير ذلك من الفروع التي لا يهمنا التعرض لها بعد البناء على عدم الفرق بين الأعمى وغيره وان اعتماده على قول الغير
انما هو فيما إذا أفاد قوله الجزم والاطمئنان بالجهة أو قلنا بكونه في حد ذاته حجة معتبرة والا فيدون مدار افادته الظن فيعول عليه السلام حينئذ عند تعذر العلم
كما يعول عليه غيره أيضا في مثل الفرض على ما عرفته فيما سبق لا من باب الاخذ بقول الغير تعبدا بل لكونه من الأمارات الظنية التي يصدق عند التعويل عليها
اسم التحري الذي دلت صحيحة زرارة المتقدمة على أنه ابدا يجزي إذا لم يعلم أين وجه القبلة ولكن لا يخفى عليك انه يشترط في جواز التعويل على قول الغير
من باب الظن بل على كل امارة ظنية استفراغ الوسع والفحص عن المعاضدات والمنافيات بمقدار لم يصل إلى حد العسر حتى يصدق عليه اسم التحري والاجتهاد
في الرأي الواردين في الاخبار فلو تعارض أمارتان كما لو اخبر شخص بجهة أواخر بجهة أخرى وكان قول كل منهما في حد ذاته مفيدا للظن فإن كان أحدهما أوثق
بحيث أفاد ظنا فعليا عول عليه والا تساقطا بالنسبة إلى مؤديهما ولكن يحصل من مجموعهما الظن بعدم كون القبلة في ساير جهات القبلة فيكون بمنزلة من علم بانحصار
القبلة في جهتين وستعرف حكمه إن شاء الله تنبيه قد تعرض غير واحد لبيان انه هل يجب على كل مكلف عينا معرفة علائم القبلة أم لا يجب الا كفاية فالعامي
لدى التباس الامر عليه يعول على قول غيره ان افاده الظن والا يصلي إلى اربع جهات كما هو وظيفة المتحير على ما ستعرف أقول والذي ينبغي ان يقال إنه يجب
على أهل كل إقليم كفاية ان يشخصوا جهة القبلة في بلدهم بشئ من العلائم ولو باستعمال القواعد الرياضية كي يتوجهوا إليها في صلاتهم وذبحهم ويوجهوا إليها
موتاهم حال الاحتضار والدفن إلى غير ذلك من الاحكام التي يتوقف امتثالها على معرفة قبلة البلد واما بعد معروفية قبلة البلد التي هي احدى العلائم
المعتبرة كما في ساير بلاد المسلمين فلا يجب على أحد من العوام ولا العلماء معرفة ساير العلائم الا إذا علم بأنه لو لم يعلمها يفوته الاستقبال أحيانا فيما يشترط
فيه الاستقبال كالصلاة ونحوها فيجب معرفتها حينئذ كسائر الأحكام الشرعية التي يجب تعلمها على كل من علم بأنه لو لم يعلمها يقع أحيانا في محذور مخالفة الواقع
من غير فرق بين ان يكون ذلك قبل حضور زمان أداء التكليف أو بعده كما عرفت تحقيق ذلك في صدر كتاب الطهارة عند البحث عن وجوب غسل الجنابة في الليل لصوم
الغد ولا يجدي في رفع الوجوب سقوط شرطية الاستقبال لدى الضرورة إذ لا يجوز ايقاع المكلف نفسه في مواقع الضرورة اختيارا كما أشرنا إلى ذلك استند البحث
عن جواز إراقة الماء في مبحث التيمم فراجع ومع فقد العلم والظن فإن كان الوقت واسعا صلى الصلاة الواحدة إلى اربع جهات لكل جهة مرة على المشهور
شهرة عظيمة بين القدماء والمتأخرين على ما في الجواهر بل عن صريح الغنية وظاهر غير واحد دعوى الاجماع عليه وفي الحدائق نقل عن ابن أبي عقيل أنه قال لو خفيت
عليه القبلة لغيم أو ريح أو ظلمة فلم يقدر على القبلة صلى حيث شاء مستقبل القبلة وغير مستقبلها ولا إعادة عليه إذا علم بعد ذهاب وقتها انه صلى لغير
القبلة ثم قال وهو الظاهر من ابن بابويه ونفي عنه البعد في المختلف وما إليه في الذكرى واختاره جملة من محققي متأخري المتأخرين وهو المختار لما ستعرف
من الاخبار انتهى واستدل للمشهور مضافا إلى الاجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة برواية خراش عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت جعلت فداك ان هؤلاء المخالفين
علينا يقولون إذا أطبقت السماء علينا أو اظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد فقال ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه وعن
الخلاف أنه قال وروى المتحير يصلي إلى اربع جوانب وعن الفقيه وقد روى فيمن لا يهتدي إلى القبلة في مفازة ان يصلي إلى اربع جوانب ويحتمل ان يكون المراد
بالمرسلتين رواية خراش وان لا يخلو هذا الاحتمال بالنسبة إلى الأخيرة منهما من بعد وكيف كان فعمدة المستند
للمشهور هي رواية خراش ونوقش فيها
بأنها ضعيفة السند ومتروكة الظاهر حيث إنها بظاهرها تدل على عدم اعتبار الاجتهاد في القبلة وهو مخالف للنص والفتوى كما عرفت فيما سبق وفيه ان ضعف
سندها مجبور بما سمعت واما مهجورية ظاهرها فهي غير قادحة في الاستشهاد بها لوجوب الصلاة إلى اربع جهات في الجملة عند اشتباه القبلة وعدم كفاية
صلاة واحدة هذا مع انا قد أشرنا فيما تقدم إلى أن المراد بالاجتهاد على ما يشهد به بعض القرائن الداخلية والخارجية هو الاجتهاد المصطلح اي الفتوى
بالرأي لا الاجتهاد في تشخيص جهة القبلة واستدل له أيضا بقاعدة الاشتغال فإنه لا يحصل القطع بالخروج عن عهدة التكليف بالصلاة لشروطه بالاستقبال
الا بالصلاة إلى اربع جهات فتجب ودعوى ان هذه لا توجب القطع بحصول استقبال جهة القبلة في شئ منها حتى توجب القطع بالخروج عن عهدة التكليف
لامكان انحراف كل منها عن الجهة المحاذية لعين الكعبة بمقدار ثمن الدائرة ومن الواضح ان الجهة العرفية التي التزمنا بكافية استقبالها للبعيد لا تتسع إلى
هذا الحد فالقول بالصلاة إلى اربع جهات يجب ان يكون مستندا إلى دليل اخر غير قاعدة الاشتغال مدفوعة أولا بانا وان سلمنا في تساع الجهة العرفية
التي يجب على البعيد احرازها ويعد لدى العرف استقبالها استقبالا للكعبة إلى هذا الحد ولكنك عرفت عند تفسير الجهة انه لا يجب على من لم يشاهد الكعبة
97

حقيقة أو حكما الا استقبال السمت الذي يحتمل وجود الكعبة فيه ويقطع بعدم خروجها منه متجريا في تشخيصه الأقرب فالأقرب وهذا مما يتسع بحسب الأحوال والاشخاص
بحيث قد يكون ما بين المشرق والمغرب قبلة كما يشهد له الصحيحتان الاتيان ويؤيد ما يستفاد من النصوص والفتاوي من جواز التعويل على الأمارات الظنية التي
من أوضحها الرياح الأربع كما مثلوا بها فان من الواضح انه قل ما تتشخص جهة القبلة بمثل هذه الامارات في أقل من ربع الدائرة ولا يخفى عليك انه متى أحرز
جهة القبلة بشئ من العلائم المعتبرة يعامل مع تلك الجهة معاملة عين الكعبة عند مشاهدتها فلا يلاحظ حينئذ مقدار الانحراف عن العين كي يقال إن الانحراف
عن الكعبة بمقدار ثمن الدائرة مضر أو غير مضر لا لكون الجهة من حيث هي قبلة للبعيد بل لكونها عند اجمال خصوص الجهة المحاذية لها بمنزلتها من باب التوسعة
والتسهيل بشهادة العرف والشرع وثانيا انه لا خلاف في أنه لا يجب على من لم يتمكن من معرفة القبلة أزيد من أن يصلي الفريضة الواحدة إلى الجهات الأربع
لكل جهة مرة فلنا ان نقول لا يجوز الاجتزاء بأقل من ذلك لقاعدة الاشتغال ولا يجب أزيد من ذلك إذ لا خلاف في كفاية هذا المقدار من الاحتياط فهو شئ يقيني
لما اشتغلت به ذمة المكلف وما يقال من أن الاجماع في مثل المقام لا يكشف عن رضاء المعصوم عليه السلام حتى يكون موجبا للقطع بفراغ الذمة فإنه مركب
من قول المشهور ومن قول من اكتفى بصلاة واحدة زاعما اختصاص شرطية الاستقبال بصورة العلم فلا يجدي اجماعهم على عدم وجوب الزايد في مثل الفرض مدفوع
بما تقدمت الإشارة إليه من أنه لو انحصرت جهة القبلة في احدى الجهات لا يقول أحد بسقوط شرطية الاستقبال ولا بوجوب أزيد من صلاة واحدة إلى تلك الجهة
فهذا دليل على اتساع جهة القبلة لغير المتمكن من تشخيص جهتها الخاصة بحيث يجزيه صلاة واحدة إلى السمت الواقع فيه الكعبة واحتملها في كل جزء منه وان انحرف عن
محاذاتها بمقدار لو علم به أو أمكنه تشخيص جهتها في أقل من ذلك لم يكن يجزيه ذلك لا يقال إن هذا لا يكشف عن اتساع الجهة لغير المتمكن لجواز ان يكون الاكتفاء
بصلاة واحدة إلى الجهة التي علم إجمالا بوجود الكعبة فيها لاكتفاء الشارع في مثل الفرض بالموافقة الاحتمالية وحيث يحصل احتمال الموافقة
بصلاة واحدة إلى اي جهة تكون عند اشتباه القبلة في الجهات كلها فلا مقتضى لوجوب الأزيد فإن الإطاعة مرتبتين الأولى وجوب الموافقة
القطعية والثانية حرمة المخالفة القطعية فمتى تعذر القطع بالموافقة أو دل الدليل على عدم وجوبه لم يجب الا التحرز عن المخالفة القطعية وهو
حاصل في الفرض لأنا نقول بعد الغض عن ظهور فتاوي الأصحاب بل صريح كثير منها في أن الصلاة إلى الجهة التي احتمل وجود الكعبة في كل جزء منها
ليست من باب العمل بالاحتياط بل لكونها صلاة إلى القبلة انه يكفي في اثبات المدعى انعقاد الاجماع المعتضد بأدلة نفي الحرج وغيرها مما ستسمعه
على عدم وجوب أزيد من صلاة واحدة إلى كل جهة سواء كان منشأه اتساع الجهة أو عدم وجوب مراعاة الاحتياط بأزيد من ذلك وما قيل من أنه متى تعذر
القطع بالموافقة لم يجب الا التحرز عن المخالفة القطعية ففيه ما ستعرفه في الفرع الآتي من أنه لا يجوز رفع اليد عما يقتضيه الاحتياط في الواجب
الا بقدر ما تقتضيه الضرورة أو يدل عليه دليل خاص فلا يجوز عند تعذر تحصيل العلم الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية بل يجب رعاية الواجب بقدر
الامكان كما سنوضحه حجة القول بكفاية صلاة واحدة صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المروية عن الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال يجزي
المتحير ابدا أين ما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة ومرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن قبلة المتحير فقال يصلي
حيث يشاء وصحيحة معاوية بن عمار المروية عن الفقيه قال قلت الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا فقال
قد مضت صلاته فما بين المشرق والمغرب قبلة ونزلت هذه الآية في المتحير ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ونوقش فيها اما في صحيح
زرارة ومحمد بن مسلم فبانه ليس الا في الفقيه دون الكافي والتهذيب في الاستبصار التي علم من عادتها التعرض لما في الفقيه سيما الأخير الذي دأبه ذكر
النصوص المتعارضة فعدم ذكره ذلك معارضا لمرسل خواش مما يؤيد عدم كونه كذلك فيما عندهم من نسخ الفقيه وانه محرف بقلم النساخ عن الصحيح الاخر
يجزي التحري ابدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة المعروف في كتب الأصحاب وقد حكى عن المحدث المجلسي رحمه الله الجزم بذلك مؤيدا له بتأييدات كثيرة وقد يناقش
في دلالتها أيضا باحتمال إرادة الاجتهاد منها على معنى أينما توجه مما قوي في ظنه فتتحد مع الصحيحة السابقة كما أنه قد يناقش في دلالة مرسلة ابن أبي
عمير بابداء مثل هذا الاحتمال وفيه مالا يخفى واما في الصحيحة الأخيرة فبان الظاهر أن ما في ذيلها أعني قوله ونزلت هذه الآية الخ من عبارة الصدوق
مع معارضته بما في كثير من النصوص بان الآية نزلت في النوافل مثل ما عن الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في قوله تعالى فأينما
تولوا فثم وجه الله انها ليست منسوخة وانها مخصوصة بالنوافل في حال السفر وعن الشيخ في النهاية عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى فأينما تولوا فثم
وجه الله قال هذا في النوافل في حال السفر خاصة واما الفرائض فلابد فيها من استقبال القبلة وعن علي بن إبراهيم رحمه الله في تفسير في قوله تعالى ولله
المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله قال قال العالم عليه السلام فإنها نزلت في صلاة النافلة فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر فاما الفرائض فقوله
تعالى وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره يعني الفرائض لا يصليها الا ان القبلة إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه فهذه الأخبار بظاهرها تناقض ما في
ذيل الصحيحة المتقدمة من أنها نزلت في المتحير سواء جعلناه من تتمة الرواية أو من كلام الصدوق والحمل على الثاني أوفق بظواهر هذه الأخبار كما يؤيده سوق
التعبير وعدم المناسبة بينه وبين ما قبله من تحديد القبلة بما بين المشرق والمغرب ولكن مع ذلك لا يظن بالصدوق ان يتكلم بمثل هذا الكلام لا عن ماخذ صحيح
كما يؤيده ما روى مرسلا من أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله لم يهتدوا إلى القبلة في بعض الاسفار فصلى كل منهم إلى جهة وخط فلما أصبحوا ظهر ان صلاة الجميع وقعت
98

على غير القبلة فنزلت هذه الآية فالانصاف ان هذا الاحتمال وان كان قويا كاحتمال اتحاد الصحيح السابق مع الصحيحة الأخرى التي تقدمت الإشارة إليها الا ان الاعتماد بمثل هذه الاحتمالات في رفع اليد عن الاخبار مشكل هذا مع أن مرسل ابن أبي عمير الذي هو عند الأصحاب كالصحيح غني وكفاية لولا وهنها
بمخالفة المشهور ومعارضتها بمرسلة خراش وغيرها المنجبر ضعفها بما عرفت فالأولى رد علم مرسلة ابن أبي عمير ونظائرها بعد اعراض المشهور عن ظاهرها ومخالفتها
للأصول والقواعد خصوصا مع معارضتها بما سمعت إلى أهله ويحتمل قويا جريها مجرى الغالب من اشتباه القبلة في سمت واحد كما هو مورد الصحيحة الثالثة
الدالة على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة ولكن لا يخفى عليك ان مقتضى ما في هذه الصحيحة من تحديد القبلة بما بين المشرق والمغرب كصحيحة زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام أنه قال لا صلاة الا ان القبلة قال قلت أين حد القبلة قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله حصول الفراغ اليقيني عن الصلاة إلى القبلة بثلاث
صلوات إلى ثلاث جهات متباعدة على وجه قطع بوقوع بعضها فيما بين المشرق والمغرب الذي هو قبلة لمن لم يتمكن من تخصيص جهتها من أقل من ذلك بشهادة الصحيحتين
المتقدمتين المحمولتين صرفا أو انصرافا على ذلك كما تقدمت الإشارة إليه عند التكلم في تفسير الجهة فهذا اي الاكتفاء بثلاث صلوات أحد المحتملات في المسألة
بل ربما يظهر من بعض الميل أو القول بذلك نظرا إلى ما عرفت وهو لا يخلو من قوة وان كان الأحوط بل الأقوى اعتبار الأربع فان رفع اليد عن النص
الخاص اي خبر خراش المعتضد بالشهرة والاجماعات المنقولة بواسطة اطلاق الصحيحتين اللتين لم يقصد بهما الا بيان الجهة التي يجتزي باستقبالها في الجملة من باب
التوسعة والتسهيل لا القبلة الواقعية التي يجب استقبالها من حيث هي مشكل لامكان ان يكون حجمه اكتفاء الشارع بصلاة واحدة إلى مطلق السمت
الواقع فيه الكعبة اي ما بين المشرق والمغرب لكون التوجه إلى ذلك السمت عند تميزه مفصلا توجها إلى الكعبة بنحو من الاعتبار العرفي بخلاف ما لو اشتبه
عليه الجهات فان التوجه إلى سمتها الذي هو بمنزلة التوجه إليها لدى الضرورة لا يتحقق بنظر العرف الا بالتوجه إلى الجهات الأربع وعن ابن طاوس
الاجتزاء بالقرعة وفيه ان مورد استعمال القرعة انما هو الموضوعات الخارجية التي لا يمكن معرفة حكمها باستعمال شئ من الأصول والقواعد المقررة
في الشريعة التي منها قاعدة الاشتغال عند الشك في المكلف به والبراءة لدى الشك في المكلف وسره ان الشارع جعل القرعة لكل امر مشكل اي ملتبس امره
في مرحلة الظاهر بحث يتحير فيه المكلف في مقام عمله لا مطلق ما كان مشتبها في الواقع والا فجعل الموضوعات الخارجية والأحكام الشرعية كذلك فيلزمه
تخصيص الأكثر المستهجن فهي لا تجري في مثل المقام خصوصا بعد ورود نص خاص فيه وهل يشترط في الصلاة إلى الجهات الأربع تقابل الجهات وانقسامها
إلى خط مستقيم بحيث يحدث منها زوايا قوائم أم لا يشترط الا تباعد بعضها عن بعض بحيث لا يكون بين الجهة الثانية والأولى ما يعد قبلة واحدة
وجهان بل قولان من أن المنساق إلى الذهن من النص والفتوى هو الأول ومن أن المقصود بالتكرار احراز وقوع الصلاة إلى جهة القبلة وهو يحصل
بمطلق الصلاة إلى الجهات الأربع ولولا على جهة المقابلة المزبورة والأول أحوط بل أقوى إذ لو جاز تباعد بعضها عن البعض بأزيد من ربع الدائرة لاتجه
الاجتزاء بثلاث صلوات اللهم الا ان يراد نفي المقابلة الحقيقية على سبيل التدقيق لا جواز التباعد بمقدار الثلاث كي يتوجه عليه ما ذكر فعلى هذا لا
يخلو قوله من وجه ولو صلى الظهر إلى الجهات الأربع لم يجب عليه ايقاع العصر موافقة لها في الجهات لان كل صلاة في حد ذاتها تكليف مستقل يراعي فيما
ما يقتضيه تكليفه ولو صلى الظهر إلى جهة هل له فعل العصر إلى تلك الجهة قبل الاتيان بباقي محتملات الظهر امر يجب تأخير العصر حتى يفرع عن جميع
محتملات الأولى قولان مبنيان على أنه هل يجب مراعاة الجزم في النية مهما أمكن وانه إذا تعذر من جهة لا يعذر في اهماله من سائر الجهات فالعاجز عن تشخيص
القبلة أو معرفة كون الصلاة قصرا أو تماما يجب عليه تحصيل العلم التفصيلي حال الاتيان بكل من محتملات العصر بوقوعه مرتبا على الظهر ولا يكفي علمه اجمالا
بترتبه على الظهر على تقدير صحته ومطابقته للواقع أم لا يجب عليه الا العلم بترتبه على الظهر على تقدير مطابقته للواقع اي كون هذه الجهة قبلة و
هذا هو الأقوى فانا لو سلمنا اعتبار الجزم في النية في صحة العبادة مع الامكان وانه إذا تعذر من جهة لا يعذر من سائر الجهات فإنما هو فيما إذا كان اهماله موجبا
الترديد في التكليف بان يأتي بما يحتلم وجوبه احتياطا كالدعاء عند روية الهلال مع تمكنه مع معرفة حكمه تفصيلا أو في المكلف به بان يأتي بما هو واجب عليه
في ضمن أمرين أو أمور مع تمكنه من تمييز الواجب عن غيره أو تقليل محتملاته لا في مثل المقام الذي لا نرى لجزمه ربطا بصحة عبادته عقلا أو عرفا أو شرعا لان
الترتب ليس معتبرا الا بين الواجبين في الواقع وهو يعلم من أول الأمر ان العصر التي قصد امتثالها في ضمن محتملاتها تقع مرتبة على الظهر الواقعية فترديده
ليس الا في تشخيص العصر الصحيحة عن غيرها لا في ترتبها على الظهر وبهذا اظهر لك ضعف الاستدلال لعدم مشروعية الاتيان بمحتملات العصر قبل القطع
بفراغ ذمته من الظهر باستصحاب شغل ذمته بالظهر وعدم تحقق الفراغ الذي هو شرط في صحة العصر فان اثر هذا الاستصحاب ليس الا عدم جواز الاتيان بالعصر
الواقعية بان يصليها إلى جميع الجهات أو في مكان يعلم بالقبلة تفصيلا لا في لاتيان بهذا المحتمل الذي يأتي به من باب الاحتياط ولا يحتمل كونه عصرا
الا على تقدير يعلم بكونها واجدة لشرطها على ذلك التقدير فالمصحح لشرعية هذا الفعل ليس الا الاحتمال المقرون بالعلم بكونه واجد الشرط الصحة فلا
يعارضه الاستصحاب وربما يتخيل انه عند اشتباه القبلة أو الثوب الظاهر بالنجس أو غير ذلك يختص أول الوقت بالفريضة الأولى إلى أن يمضي بمقدار الاتيان
بجميع محتملاتها اي بمقدار اربع صلوات عند اشتباه القبلة الا ان تبرء ذمته عنها قبل مضي هذا المقدار بان اتى ببعض محتملاتها في أول الوقت وصادف
الواقع فحينئذ يدخل وقت العصر ويتنجز التكليف بفعلها فمن هنا قد يفصل فيما نحن فيه بين الوقت المختص والمشترك فيصح في الثاني لأنه اتى بمحتمل العصر في وقت علم
99

بكونه مكلفا بفعلها بخلاف الأول فإنه لا يعلم حين الاتيان بالمحتمل بدخول وقت العصر الذي هو شرط في تنجز التكليف بها فيكون بمنزلة ما لو اتى
ببعض محتملات الظهر قبل ان يتحقق عنده الزوال وفيه بعد الغض عما حققناه في محله من مشاركة الصلاتين في الوقت وان الاختصاص منشأ من الترتيب
بين الصلاتين فالمكلف من أول الوقت مأمور بايقعهما مرتبتين مع أنه على تقدير القول بالاختصاص فإنما هو بمقدار أداء الفريضة من حيث هي
أو مع مقدماتها الوجودية لا ما يتوقف عليه العلم بأدائها فالجهل بجهة القبلة المانعة عن تأدية الفريضة الواقعية في أول وقتها كغيره من الاعذار المانعة
عن ذلك لا يوجب امتداد وقتها المختص المقدر في النص والفتوى بمقدار أربع ركعات أو بمقدار أدائها انه يرد عليه ما عرفت من أن المصحح لشرعية هذا الفعل
ليس الا الاحتمال المقرون بالعلم بتنجز التكليف بذلك الفعل على تقدير مصادفته للواقع فهو يعلم بأنه ان كان ما يأتي به مصداقا للعصر الواجبة في الشريعة
التي يجب عليه الخروج عن عهدتها في ضمن محتملاتها فقد تنجز الامر بها والا فلا يجديه هذا الفعل ولا يعتبر فيما يأتي به من باب الاحتياط أزيد من ذلك جزما فمن علم
بأنه يجب عليه كفارة مرددة بين الصوم والعتق لا يجب عليه تأخير العتق إلى اليوم كي يعلم بتنجز التكليف بالخروج عن عهدة ذلك التكليف المعلوم بالاجمال بل عليه
ان يأتي بكل من طرفي الشبهة في وقته الذي يعلم بكونه وقتا له على تقدير كونه هو المكلف به ودعوى انه يجب ان يكون حين الاتيان بكل من أطراف الشبهة عالما
بتنجز التكليف بذلك الواجب المعلوم بالاجمال على كل تقدير عرية عن الشاهد بل الشواهد قاضية بخلافه ولو نوى من أول الأمر الاقتصار على بعض الجهات
صرح غير واحد ببطلان صلاته وان انكشف بعد الصلاة مطابقته للواقع بل ظاهرهم كونه من المسلمات لانتفاء الجزم في النية المعتبر في صحة العبادة وفيه
تأمل يظهر وجهه مما أسلفناه في نية الوضوء عند البحث عن اعتبار الجزم في النية الوضوء عند البحث عن اعتبار الجزم في النية فراجع ولو قصد الاتيان بالكل وانكشف بعد الاتيان ببعض المحتملات مصادفته
للواقع أجزاه ذلك ولا يجب اعادته كما لا يجب الاتيان بباقي المحتملات بل لا يشرع وعن بعض انه لا يجزي مستدلا عليه بان امتثال الامر بالصلاة إلى القبلة اما
يحصل بالصلاة إلى اربع جهات أو إلى جهة يعلم تفصيلا انها قبلة وفيه ما لا يخفى تنبيه المتردد بين جهتين أو ثلاث يجب عليه ان يكرر الصلاة لكل جهة من تلك
الجهات مرة وقيل لا تجب الا صلاة واحدة تمسكا باطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على أن المتحير يصلي حيث يشاء مقتصرا في تخصيصها على من اشتبه عليه
الجهات مطلقا للنص والأول أظهر كما يظهر وجهه مما مر ولو فرض حصول الظن له مرددا بين جهتين مثلا فهل هو بمنزلة العلم بذلك في الاكتفاء
بالصلاة إلى هاتين الجهتين فيه تردد من أن الظن بالقلة عند تعذر العلم معتبر نصا وفتوى ومن أن المتبادر منهما اعتبار الظن المتعلق بكون القبلة في جهة
معينة لا في مثل الفرض الذي مرجعه إلى الظن بعدم كونها في بعض الجهات فهذا الظن مما لا دليل على اعتباره ومقتضى الأصل عدم حجيته وهذا مع أنه أحوط
لا يخلو عن قوة وهل يجب على الجاهل بالقبلة تأخير الصلاة مع رجاء زوال الجهل امر بجواز المبادرة إلى الصلاة إلى الجهات الأربع وجهان أوجههما الأخير بناء
على المختار من كون الصلوات الأربع محصلة للاستقبال المعتبر في الصلاة وعدم لزوم رعاية الجزم في النية مع عدم التمكن منه حال الفعل بل مطلقا في وجه قوي
واما ان قلنا بلزوم رعاية الجزم مهما أمكن وعدم سقوط شرطيته الا على تقدير في لقدرة على الامتثال التفصيلي أو قلنا بان الصلاة إلى كل جهة مرة ليست
محصلة للقبلة ولكنها تكليف عذري سوغته الضرورة فالمتجه وجوب التأخير كما هو الشان في كل تكليف اضطراري اللهم الا ان يدل الدليل الدال عليه على
كفاية الضرورة حال الفعل في شرعيته كما في العبادات الصادرة تقية ونظائرها على حسب ما عرفته في باب الوضوء ولكن استفادة ذلك فيما نحن فيه من الأدلة الدالة
عليه لا تخلو من تأمل والله العالم فان ضاق الوقت عن ذلك اي الصلاة إلى الجهات الأربع صلى من الجهات ما يحتمله الوقت وكذا لو منعه مانع عن الصلاة
إلى بعض الجهات عينا أو تخييرا وان ضاق الا عن صلاة واحدة صلاها إلى اي جهة شاء واكتفى بها بلا شبهة ما لم يكن عن تقصير بل في الجواهر بلا خلاف صريح أجده
في شئ من ذلك مع عدم تقصيره في التأخير انتهى لان الصلاة لا تسقط بحال والاستقبال شرط في حال التمكن فتنتفي شرطيته عند في لقدرة عليه ولو بواسطة
الجهل بجهة القبلة وعدم التمكن من الاحتياط كما في الفرض واما مع التقصير ففي الاكتفاء بها نوع تردد بظهر وجهه مما أسلفناه في باب التيمم في مسألة
من قصر في طلب الماء حتى ضاق الوقت فراجع وهل يلغي شرطية الاستقبال رأسا عند في لتمكن الامر صلاة واحدة أو انها مرعية على جهة الاحتمال كما أنه كذلك
عند التمكن من أزيد من صلاة واحدة وجهان أوجههما الأخير كما يظهر وجهه مما سيأتي ويتفرع عليه انه لو ظن بعدم كون القبلة في جهة ليس له اختيارها وان لم
نقل بان الظن بذلك كالظن بجهة القبلة حجة في حد ذاته لان الحاكم بكون المكلف مخيرا في أن يصلي اي جهة شاء في الصورة المفروضة اما العقل أو الأخبار المتقدمة
الدالة على أن المنجبر يصلي حيث يشاء اما العقل فلا يحكم بالتخيير بين المحتملات المختلفة في قوة الاحتمال وضعفه بل يحكم بوجوب اختبار البعض الذي يتمكن منه
مما لا يكون أضعف احتمالا من غيره واما الاخبار فبعد تسليم دلالتها على المدعى والغض عن الخدشات المتقدمة فيما سبق فهي منصرفة عن الجهة التي يظن بعدم كونها قبلة
اللهم الا ان يدعى دلالتها على سقوط شرطية الاستقبال للمتحير فيتجه حينئذ جواز استقبال تلك الجهة التي ظن بأنها ليست بقبلة بل وان علم بذلك فان هذا اي العلم بعدم
كونها في خصوص جهة لا ينافي كونها متحيرا في القبلة كما هو المفروض موضوعا في تلك الأخبار
فيجوز له استقبال اي جهة أحب فليتأمل ثم انا قد أشرنا إلى أن القول بأنه
يصلي من الجهات ما يحتمله الوقت مبني على عدم سقوط التكليف عند تردد المكلف به بين أمور لا يتمكن المكلف من الاتيان بجميعها ووجوب مراعاته في ضمن محتملاته مهما أمكن
كما هو الأقوى من غير فرق بين كون الواجب غيريا كما فيما نحن فيه أو نفسيا ولكن في كلتا المقدمتين اي عدم سقوط التكليف ووجوب رعايته مهما أمكن كلام فإنه ربما
يقال بسقوط التكليف في الفرض لان القدرة على الامتثال شرط في حسن الطلب وهي منتفية وكونه قادرا على الاتيان ببعض المحتملات غير مجد في جواز التكليف بالواقع الذي
100

قد يتخطى عن ذلك المحتمل وفيه ان شرط صحة التكليف انما هو القدرة على نفس الفعل وهي حاصلة في الفرض إذ الواجب ليس في الواقع الا أحد المحتملات
الذي هو في حد ذاته مقدور بحيث لو تمكن من تشخيصه لا يعذر في مخالفته ولا يصلح ان يكون عجزه عن تشخيص الواجب مانعا الا عن وجوب الموافقة القطعية
عند تعذر الاحتياط بفعل جميع المحتملات حيث إن مقتضاه ليس الا كون المكلف معذورا في ترك الواجب على تقدير مصادفته للمحتمل الذي عجز عن الاتيان به
وبهذا ظهر لك ضعف الخدشة في المقدمة الثانية بأنه متى لم يجب القطع بالموافقة لا يجب رعاية الواجب مهما أمكن بدعوى ان للإطاعة من تبيين إحديهما
وجوب الموافقة القطعية (والأخرى حرمة المخالفة القطعية) فإذا تعذرت الأولى يندفع محذور المخالفة بفعل البعض اي الصلاة إلى جهة من الجهات المحتمل كونها قبلة فلا مقتضي لوجوب
أزيد من ذلك وقد يقرب المناقشة ببيان اخر وهو ان الاتيان بجميع المحتملات ليس الا مقدمة للقطع بحصول الواجب فمتى لم يجب تحصيل القطع لا يعقل بقاء مقدمته
بصفة الوجوب توضيح الضعف ان المقتضى لوجوب ايجاد كل من المحتملات انما هو احتمال مصادفته للواجب الذي تعلق التكليف به فان قضية تعلق التكليف
بشئ عدم معذورية المكلف في مخالفته على تقدير تمكنه من الخروج عن عهدته ومقتضاه وجوب الاتيان بكل ما يحتمل كونه ذلك الواجب فكل واحد من المحتملات
بنفسه موضوع مستقل بنظر العقل للحكم بوجوب ايجاده لما في تركه من احتمال استحقاق العقاب المرتب على ترك الواجب فالزام العقل بوجوب ايجاده جميع المحتملات
انما هو للأمن من العقاب الذي يحتمله في ترك كل واحد منها فالموافقة الاحتمالية الحاصلة بفعل كل واحد من المحتملات هي المقتضية لوجوب ايجاد ذلك المحتمل وعجزه
عن بعض منها لا يصلح مانعا الا عن وجوب ذلك البعض والحاصل انه متى علم تعلق التكليف بشئ مردد بين أمور بجب القطع بالخروج عن عهدته اما
بايجاد تلك الأمور لدى التمكن من ذلك أو بايجاد ما يتمكن منها فأن هذا أيضا كفعل الجميع موجب للقطع ببراءة الذمة عن الواجب فإنه وان لم يوجب القطع بحصول
نفس الواجب لكنه موجب للقطع بسقوط التكليف اما بالعجز أو بالامتثال وربما يفصل في المسألة بين ما لو تعلق العجز ببعض غير معين من محتملات الواجب
فحكمه ما عرفت أو ببعض معين فينتفي التكليف رأسا من غير فرق بين كون الواجب غيريا كما فيما نحن فيه فينتفي حينئذ وجوب الصلاة إلى القبلة واما نفس الصلاة فهي
لا تسقط بحال أو نفسيا كما لو ترددت الصلاة الواجبة بين كونها ظهرا أو جمعة نظرا إلى أن القدرة على الفعل شرط في صحة التكليف وهي غير محرزة
في الفرض لجواز كون القبلة في تلك الجهة التي تعذر استقبالها فيشك حينئذ في أصل التكليف فيرجع إلى البراءة وهذا بخلاف ما لو تعلق العجز ببعض غير
معين فإنه قادر على الفعل من حيث هو ولكن بواسطة عروض الاشتباه وعدم التمكن من الاتيان بمجموع المحتملات تعذر تحصيل القطع بالموافقة فينتفي وجوب ذلك
لا أصل التكليف واستوجه بعض هذا التفصيل فيما إذا تحقق العجز عن البعض المعين قبل تنجز التكليف بالفعل لابعده تنظيرا على الشبهة المحصورة
التي اضطر المكلف إلى ارتكاب بعض أطرافها حيث إن مقتضى التحقيق فيها التفصيل بين ما لو تحقق الاضطرار وقيل تنجز التكليف فلا يجب الاجتناب عن
ساير الأطراف أو بعده فيجب والأقوى ما عرفت من عدم سقوط التكليف رأسا ووجوب الاتيان بسائر المحتملات التي تمكن من فعلها من غير تفصيل بين تعلق
العجز ببعض غير معين أو معين قبل تنجز التكليف أو بعده كما نسب ذلك إلى المشهور لان معذورية المكلف في ترك امتثال الواجب على تقدير مصادفته
للبعض الممنوع عنه عقلي وقد أشرنا في صدر كتاب الطهارة وفي مبحث المائين المشتبه طاهرهما بنجسهما بل في غير مورد من الكتاب المزبور إلى أن
العقل لا يحكم الا بكون العجز الواقعي عذرا مقبولا في مخالفة التكاليف لا احتماله وهذا وان كان مرجعه إلى شرطية القدرة في التكاليف واختصاص
أدلتها بغير العاجز الا ان المخصص إذا كان عقليا يخرج ذوات المصاديق عن تحت اطلاقات الأدلة لا بعناوينها الخاصة فلو شك المكلف بعد دخول الوقت
في أنه متمكن من فعل الصلاة تامة الاجزاء والشرائط يجب عليه الاشتغال بفعل الصلاة حتى ينكشف الحال اما بحصول الامتثال أو ظهور العجز وليس له ترك
الصلاة معتذرا بعدم علمه تنجز التكليف بالصلاة بواسطة الشك في القدرة التي هي شرط في ذلك لا لما توهم من قاعدة ظن السلامة أو استصحاب القدرة
أو نحو ذلك بل لما أشرنا إليه من أن عجزه عن الامتثال في الواقع هو العذر بنظر العقل في رفع اليد عن الخطاب المتوجه إليه فمن كان عاجزا في الواقع
معذور في مخالفة التكليف دون من لم يكن كذلك فان من الواضح انه لا يجوز رفع اليد عن الخطاب المتوجه إلى المكلف بمجرد احتمال كونه معذورا في مخالفته
بل يجب عقلا السعي في الخروج عن عهدته ما لم ينكشف العجز رعاية لاحتمال القدرة الموجبة لجواز المؤاخذة على مخالفته تفصيا عن العقاب المحتمل وان
شئت قلت إن من كان عاجزا في الواقع عن أداء الواجب يراه العقل معذورا في مخالفته فهو خارج عن زمرة المكلفين بهذا العقل وان شمله اطلاق دليله أو
عمومه فالاطلاق أو العموم مخصص بالنسبة إليه لكن لا على وجه يكون للمخصص عنوان عام حتى يقال عند الشك في كون شخص قادرا أو عاجزا ان دخوله في
عنوان العام ليس بأولى من اندراجه تحت المخصص بالنظر إلى ظاهر الدليل فان العقل لا يحكم بخروج من عجز عن الامتثال بلحاظ اندراجه تحت مفهوم
العاجز بل بلحاظ كونه بذاته غير قابل لان يتوجه عليه التكليف بواسطة عجزه فالخارج عن تحت أدلة التكاليف انما هو مصداق العاجز لا مفهومه
فكل فرد فرد من مصاديق العاجز تخصيص مستقل فمتى شك في عجز شخص يشك في تخصيص الحكم بالنسبة إليه فيجب التمسك حينئذ بأصالة العموم أو الاطلاق
إلى أن يعلم بالتخصيص أعني لخبره والحاصل ان تعذر بعض الأطراف لا يوجب بنظر العقل الا معذوريته في مخالفة الواجب على تقدير مصادفته
لما تعذر لا معذوريته في ترك امتثاله على تقدير حصوله بما تيسر فعله ولا يقال الواجب الذي تعذر بعض محتملاته بالحرام الذي اضطر إلى ارتكاب
بعض محتملاته حيث التزمنا في تلك المسألة بان الاضطرار إذا تعلق ببعض معين قبل أو يعلم اجمالا بحرمة شئ مردد بين ما اضطره إليه وغيره جاز له ارتكاب
101

ذلك الغير أيضا للفرق بين المقامين فان احراز الموضوع في المحرمات الشرعية شرط في تنجز التكليف بالاجتناب عنها فلا يجب على المكلف الاجتناب عن الخمر مثلا في مرحلة
الظاهر الا بعد ان علم بخمريته فوجوب الاجتناب عن الخمر في مرحلة الظاهر من اثار هذا العلم لا العلم بان الخمر محرمة في الشريعة فلابد ان يكون هذا العلم صالحا للتأثير
بان يكون على تقدير كونه اجماليا كل واحد من أطراف الشبهة على وجه لو علم بكونه هو ذلك الحرام لتنجز في حقه الامر بالاجتناب عنه بان يعلم يكون ذلك الشئ
بالفعل في حقه حراما بحيث لو علمه بالتفصيل لوجب عليه التجنب عنه فمتى اضطر إلى واحد معين قبل ان يعلم اجمالا بحرمة بعضها لا يؤثر علمه الاجمالي واحراز تكليف
منجز لتردد المعلوم بالاجمال بين هذا الشئ المعلوم اباحته بالفعل تفصيلا بواسطة الاضطرار سواء كان خمرا في الواقع أم لم يكن وبين الطرف الآخر الذي يشك في
خمريته وهذا بخلاف ما نحن فيه فان تنجز التكليف بالصلاة إلى القبلة أو مع الوضوء أو في ثوب ظاهر ليس من اثار العلم بجهة القبلة اجمالا أو تفصيلا أو يكون أحد
المايعين ماء مطلقا أو أحد الثوبين طاهرا بل من اثار العلم بأصل التكليف اي بوجوب صلاة مقيدة بهذه القيود في الشريعة فإنه متى علم المكلف بذلك ألزمه عقله بالخروج
عن عهدته مع الامكان وعدم معذوريته في مخالفته الا على تقدير عجزه عنه في الواقع فتشخيص موضوع الواجب وما يتعلق به من الاجزاء والشرايط كلها من المقدمات
الوجودية التي يجب الفحص عنها وتحصيلها مهما أمكن ولو بالاحتياط ولا يعذر المكلف بعد احراز أصل التكليف في مخالفة شئ من ذلك الا على تقدير عجزه عنه واقعا ولا
يكفي في ذلك مجرد احتمال العجز سواء كان منشأه العجز عن بعض محتملات الواجب عينا أو تخييرا أو احتمال عجزه عن بعض المحتملات أو عن أصل الواجب كيف ولو جاز الرجوع إلى
أصل البراءة في نفي وجوب سائر المحتملات عند العجز عن بعض معين أو مطلقا لجاز الرجوع إليه عند احتماله أيضا أو احتمال تعذر أصل الواجب من غير فحص إذ لا يجب الفحص
في الشبهات الموضوعية وهو واضح الفساد نعم حال الواجبات المشروطة بالنسبة إلى شرائطها الوجوبية؟؟ المحرمات في أن تنجز التكليف بها من اثار العلم بتحقق
شرائطها لا بأصل التكليف فلابد فيها أيضا من أن يكون العلم المتعلق بحصول الشرائط صالحا للتأثير كما في المحرمات ومن هذا القبيل ما لو قال الشارع مثلا يجب اكرام
كل عالم من أهل البلد أو يجب الصلاة على كل ميت مسلم أو نحو ذلك فان هذا النحو من التكاليف كلها واجبات مشروطة بتحقق موضوعاتها فلو لم يعلم المكلف بوجود
عالم في البلد لا يتنجز في حقه التكليف ولا يجب الفحص عنه ما لم يعلم بوجوده اجمالا ويرجع في موارد الشك إلى أصل البراءة ومع العلم الاجمالي بوجود عالم مردد
بين اشخاص محصورة إلى قاعدة الاحتياط بشرط ان يكون العلم علم الاجمالي صالحا للتأثير لا مطلقا وهذا بخلاف ما لو تعلق طلب مطلقا باكرام عالم مثلا فإنه يجب حينئذ
الفحص عن مصداق العالم والخروج عن عهدة التكليف بالموافقة القطعية مع الامكان والا فما هو الأقرب إليه فالأقرب حتى أنه لو لم يوجد عالم وتمكن من تعليم اخذ البحث
الاكرام لا اكرامه من حيث هو متعلقا للطلب كي يكون تحصيل العالم من المقدمات الوجودية للواجب المطلق كما في الفرض الثاني فليتأمل تنبيه حكى عن الشهيد
في الروض القول بأنه إذا بقي من اخر وقت الظهرين أو العشائين بمقدار اربع صلوات يختص الوقت بالأخيرة عند تردد القبلة في الجهات الأربع لأنها بمنزلة صلاة
واحدة في عدم حصول البراءة اليقينية الا بها فعلى هذا لو بقي من اخر الوقت بمقدار خمس صلوات أو ست أو سبع عليه ان يصلي الظهر إلى جهة أو جهتين أو ثلاث إلى أن
يبقي مقدار اربع صلوات فيتضيق حينئذ وقت العصر ويأتي بمحتملاتها إلى الجهات الأربع كما أنه ان لم يبق الا بمقدار صلاتين أو ثلاث لا يأتي في ذلك الوقت الا
بما يسعه الوقت من محتملات العصر وفيه ما تقدمت الإشارة إليه في المسألة السابقة من أن الوقت المختص بكل من الفرائض الأربع ليس الا بمقدار أداء الفريضة
من حيث هي أو مع مقدماتها الوجودية على احتمال دون المقدمات العلمية التي هي أجنبية عن المأمور به وانما يوتى بها لتحصيل القطع بأداء الواجب نعم لو لم يكن
الاستقبال شرطا اختياريا بل كانت شرطيته مطلقة بحيث يكون تعذره موجبا لسقوط التكليف بالصلاة ولم يكن يكتفي الشارع فيه بالموافقة الاحتمالية عند
تعذر تحصيل القطع لكان القول باختصاص مقدار الأربع من اخر الوقت بالأخيرة ومن أوله بالأولى قويا كما يظهر وجهه مما أسلفناه وجها لاختصاص الفريضتين
من أول الوقت واخره بمقدار أدائهما فراجع ولكن الفرض خلاف الواقع فالأظهر وجوب الاتيان بالفريضتين الظهر والعصر جميعا عند بقاء مقدار صلاتين
ولو اضطرارا بادراك ركعة من الوقت وعند بقاء مقدار ثلاث فما زاد يراعي الاستقبال مهما أمكن أولا في جانب الظهر ثم في العصر فإذا بقي مقدار اربع صلى
الظهر ثلاثا إلى ثلاث جهات والعصر إلى جهة واحدة اي جهة شاء كما حكى القول بذلك عن الموجز الحاوي وكشف الالتباس وإذا بقي مقدار خمس فما زاد يأتي الظهر
أربعا ثم بالعصر بقدر ما يسعه الوقت وذلك لان الظهر متقدمة في الرتبة على العصر فإذا كان المكلف قادرا على الاتيان بها مستقبلا للقبلة من غير أن
يترتب عليه محذور شرعي وجب عليه ذلك وكونه موجبا لعدم رعاية الاحتياط في العصر لا يصلح عذرا في اهماله بالنسبة إلى الظهر المتقدمة عليها في الرتبة بعد
كون وجوب الاستقبال في العصر مشروطا بالتمكن وعدم كون رعايته بالنسبة إليها أولى منها بالنسبة إلى الظهر كما هو الشان في جميع الشرائط الاختيارية التي
دار الامر بين اهمالها بالنسبة إلى الظهر أو العصر كالطهارة المائية والستر والاستقرار وغير ذلك فيجب في مثل الفرض الاتيان بظهر اختيارية حتى يتحقق عجزه
بالنسبة إلى العصر فيأتي بها بعد تحقق العجز على حسب ما يقتضيه تكليفه نعم لو دار الامر بين الاخلال بشرط اختياري في الظهر واخر أهم منه في العصر أمكن
الالتزام حينئذ بالتخيير أو أولوية رعاية الأهم بل لزومها إذ لا يبعد ان يقال إن رعاية الأهم كرعاية أصل فريضة العصر عذر شرعي في الاخلال بغير الأهم من الظهر
وهذا بخلاف مثل المقام ونظائره مما لا أهمية في البين فلا وجه حينئذ للاخلال بشرائط الظهر رعاية لامر العصر المتأخر عنها في الرتبة ولذا لا يتوهم أحد في
المستحاضة التي وظيفتها الوضوء لكل صلاة إذا لم تجد الماء الا لوضوء واحد انه يجوز لها حفظ الماء للعصر والدخول في الظهر يتيمم والمسافر كالحاضر يجب
102

عليه استقبال القبلة في الصلوات الواجبة ولا يجوز له ان يصلي شيئا من الفرائض اليومية وغيرها على الراحلة
الا عند الضورة إذا كان ذلك مفوتا للاستقبال
أو غيره من الأمور المعتبرة فيها كالطمأنينة والقيام والركوع والسجود بلا خلاف بين المسلمين على ما صرح به في الجواهر ويشهد له مضافا إلى اطلاقات أدلة تلك الأمور
أو عمومها والاخبار الخاصة الواردة في المسافر الدالة عليها مما يقف عليه المتتبع خصوص رواية عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أيصلي الرجل شيئا من
المفروض راكبا قال لا الا من ضرورة وقد وصف هذه الرواية في المدارك بالموثقة واعترضه في الحدائق بان في سندها أحمد بن هلال وهو ضعيف غال وروايته
الأخرى موثقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تصل شيئا من المفروض راكبا قال النضر في حديثه الا ان يكون مريضا وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام
قال لا يصلي على الدابة الفريضة الا مريض يستقبل القبلة ويجزيه فاتحة الكتاب ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شئ ويؤدي في النافلة ايماء وتخصيص
المريض بالاستثناء بلحاظ انه هو الذي يضطر إلى الصلاة على الدابة غالبا والمتبادر منه بواسطة المناسبة إرادة العاجز منه لا مطلق من كان مريضا فتخصيصه
بالذكر من باب التمثيل أريد به غير المتمكن به كما يشهد لذلك مضافا إلى انسباقه إلى الذهن من مناسبة المقام الرواية المتقدمة وغيرها مما ستعرف واستظهر
بعض من اطلاق النص وكلام الأصحاب في لفرق بين ما وجب بالأصل أو بالعارض بل ربما يظهر من العبارة المحكية عن التذكرة والذكرى في لخلاف في ذلك
قال في محكى التذكرة لا تصلي المنذورة على الراحلة لأنها فرض عندنا ثم نقل عن أبي حنيفة انه لو نذرها وهو راكب يؤديها على الراحلة ثم قال وليس
بشئ وعن الذكرى لا تصح الفريضة على الراحلة اختيارا اجماعا لاختلال الاستقبال وان كانت منذورة سواء نذرها راكبا أو مستقرا على الأرض لأنها
بالنذر أعطيت حكم الواجب انتهى وفي المدارك بعد ان حكى عن الذكرى التصريح بما سمعت قال ويمكن القول بالفرق واختصاص الحكم بما وجب بالأصل خصوصا
وقوع النذر على تلك الكيفية عملا بمقتضى الأصل وعموم ما دل على وجوب الوفاء بالنذر ويؤيده رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن رجل
جعل لله عليه ان يصلي كذا وكذا هل يجزيه ان يصلي ذلك على دابته وهو مسافر قال نعم وفي الطريق محمد بن أحمد العلوي ولم يثبت توثيقه وسيأتي
تمام البحث في ذلك إن شاء الله انتهى وقد حكى عن الفاضل في غير موضع من المنتهى والمختلف تصحيح الرواية وعن شرح المفاتيح انه ربما يظهر من ترجمة العمركي
ان محمد بن أحمد العلوي انه من شيوخ أصحابنا ويروي عنه الاجلاء هذا مع أن الخبر على ما صرح به في الجواهر روى بطريقين أحدهما ما ذكر والاخر رواه
الشيخ عن علي بن جعفر وطريقه إليه صحيح فالقدح في سند الرواية ضعيف واضعف منه الخدشة في دلالتها بعدم صراحتها في المدعى بل ولا ظهورها الا من
حيث العموم لحالتي الاختيار والضرورة فيمكن تخصيصها بالأخيرة جمعا بينها وبين الخبرين المتقدمين الدالين على المنع وفيه ما لا يخفى فان هذه الرواية
لو لم نقل بكونها صريحة في المدعى بلحاظ ان المنساق من السؤال ارادته في حال السعة والاختيار فلا أقل من قوة ظهورها في الاطلاق فكيف يعارضها
اطلاق الخبرين المنصرف في حد ذاته عن مثل المقام قطعا فضلا عن أن يترجح عليها بل المتبادر منهما ليس الا إرادة الفرائض اليومية وانما نلتزم بعدم جواز
سائر الصلوات الواجبة بالأصالة اختيارا في المحمل لعموم ما دل على شرطية الاستقبال ونحوه لا للخبرين وهذا بخلاف النافلة التي عرضها الوجوب بنذر
وشبهه مما لا يقتضي الا وجوبها على حسب مشروعيتها وملحوظيتها للجاعل فلا يجب عليه الا فعلها كذلك بحيث يصدق عليه اسم الوفاء اللهم الا ان ينعقد الاجماع
على أنه متى عرضها الوجوب اعطى حكم الواجبات بالأصالة ولا يكفي في اثبات ذلك ما ادعاه الشهيد رحمه الله من الاجماع على أنه لا تصح الفريضة على الراحلة اختيارا
لانصراف كلمات المجمعين عن مثل افرض ولا أقل من في لجزم بإرادتهم له وعلى تقدير ثبوته فالمتجه بطلان النذر المتعلق بفعلها على الراحلة لو نذرها
بالخصوص أو نذرها مطلقة بحيث قصد شمولها له على حسب مشروعيتها قبل النذر لا بطلان الصلاة عليها حيث إن أدلة وجوب الوفاء بالنذر لا تقتضي
الا ايجاب ما التزم به الناذر والمفروض عدم صلاحية ما تعلق به قصده للوجوب وكما يصلح له لم يقصده الناذر فالقول بصحة النذر في مثل الفرض و
اعطاء المنذور حكم الواجب لا يخلو عن اشكال ولو عرض للفريضة وصف النقل كالمعادة والماتى بها احتياطا انسحب حكمها على الأشبه فلا يجوز فعلها على
المحمل اختيارا فان المنساق من أدلتها خصوصا الماتى بها احتياطا انما هو شرعية الاتيان بتلك الطبيعة الواجبة على ما هي عليه من الاجزاء والشرائط استحبابا
فلا يختلف بذلك حكمها ومن هنا يتجه جريان احكام الخلل والشكوك فيها مع اختصاصها بالفرايض ثم إن المنع عن الفريضة على الراحلة انما هو مع
الاختيار واما لدى الضرورة فيجوز قطعا كما يشهد له مضافا إلى عموم أدلة نفي الحرج بضميمة ما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال خصوص الأخبار المتقدمة
وما رواه الشيخ عن محمد بن عذافر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يكون في وقت الفريضة لا يمكنه الأرض من القيام عليها ولا السجود عليها من كثرة الثلج و
الماء والمطر والوحل أيجوز له ان يصلي الفريضة في المحمل قال نعم هو بمنزلة السفينة ان أمكنه قائما والا قاعدا وكل ما كان من ذلك فالله أولى بالعذر
يقول الله عز وجل بل الانسان على نفسه بصيرة وعن جميل بن دراج في الصحيح قال سمعت أبا عبد
الله عليه السلام يقول صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الفريضة في المحمل في يوم
وحل مطر وعن الحميري يعني عبد الله بن جعفر قال كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام روى جعلني الله فداك مواليك عن ابائك ان رسول الله صلى الله عليه وآله صلى الفريضة على
راحلته في يوم مطير ويصيبنا المطر ونحن في محاملنا والأرض مبتلة والمطر يؤذي فهل يجوز لنا يا سيدي ان نصلي في هذه الحال في محاملنا أو على دوابنا الفريضة
إن شاء الله فوقع عليه السلام يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة وعن مندل بن علي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول صلى رسول الله صلى الله عليه وآله على راحلته الفريضة في يوم
مطير ومرسلة الفقيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي على راحلته الفريضة في يوم مطر وعن الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله جعفر الحميري عن صاحب
103

الزمان عجل الله فرجه انه كتب إليه يسئله عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل فيتخوف ان نزل الغوص فيه وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال ولا
يستوي له ان يلبد شيئا منه لكثرته وتهافته هل يجوز ان يصلي في المحمل الفريضة فقد فعلنا ذلك أياما فهل علينا فيه إعادة أم لا فأجاب عليه السلام لا باس به عند الضرورة
والشدة والمراد بالضرورة على ما ينسبق إلى الذهن من النصوص والفتاوي انما هو الضرورة العرفية الصادقة عند استلزام النزول عن الراحلة والاتيان
بصلاة اختيارية مشقة شديدة لا تتحمل عادة أو خوفا على نفس أو ما يعتد به أو نحو ذلك مما يعد بنظر العرف تكليفا حرجيا وكان هذا هو المراد بالضرورة
الشديدة الواردة في بعض الأخبار المتقدمة لا ما هو أخص من ذلك كما قد يتوهم بشهادة عمومات أدلة نفي الحرج وغيرها مما عرفت مع أنه انسب باطلاق استثناء المرض
الجاري مجرى الغالب كما لا يخفى ولا ينافي ذلك خبر منصور بن حازم قال سئله أحمد بن النعمان فقال أصلي في محملي وانا مريض قال فقال اما النافلة فنعم واما الفريضة
فلا قال وذكر احمد شدة وجعه فقال انا كنت مريضا شديد المرض فكنت امرهم إذا حضرت الصلاة فينحوني فاحتمل بفراشي فأوضع واصلي ثم احتمل بفراشي
فأوضع في محملي فإنه محمول على ما إذا لم يستلزم مشقة شديدة لعدم صلاحية هذه الرواية مع اضمارها لمعارضة ما عرفت ويمكن حمله على الاستحباب كما حكى
ذلك عن الشيخ بل هذا أولى ان لم يكن قوله انا كنت مريضا الخ من كلام احمد بل من كلام الإمام عليه السلام
فان ذكره عليه السلام لهذا الكلام حكاية لفعله بعد ان ذكر احمد
شدة وجعه يجعله كالنص في أن مراده بالمنع من الفريضة في المحمل ما يعم مثل الفرض الذي هو بحسب الظاهر من موارد الضرورة التي يعمها أدلة نفي الحرج
وغيرها مما سمعت بل الظاهر أن ذكر احمد شدة وجعه لبيان انه يشق عليه الاتيان بصلاة المختار فاقتصر الإمام عليه السلام في جوابه على حكاية فعله كي يعلم أنه
ينبغي تحمل مثل هذه المشاق في مقام أداء الفرائض وعدم المسامحة في امرها فيتعين حمله على الاستحباب كما أنه قد نلتزم بذلك مع قطع النظر عن هذه
الرواية أيضا لما أوضحناه في مبحث التيمم من أنه متى كانت الاعذار المسوغة للتكاليف الاضطرارية من قبيل المشقة ونحوها من الأمور التي يجوز ارتكابها شرعا
فهي رخصة لا عزيمة فيجوز تركها والاتيان بوظيفة المختار فهي أفضل وأوفق بغرض الشارع فليتأمل ومتى اضطر إلى أن يصلي شيئا من الفرائض على الراحلة
صلاها كذلك مراعيا فيها ساير ما يعتبر في الفريضة من الشرائط والاجزاء كالاستقبال والاستقرار والركوع السجود ونحوها بحسب الامكان لاطلاق أدلتها
فلا يجوز الاخلال بشئ منها الا بمقدار الضرورة فعليه ان يستقبل القبلة مع التمكن فإن لم يتمكن من الاستقبال بالجميع استقبل القبلة بما أمكنه من صلاته
لأنه شرط في جميع اجزائها فيجب رعايته في الجميع وينحرف إلى القبلة كلما انحرفت الدابة وان لم يتمكن الا من مجرد الانحراف إلى القبلة والتوجه إليها لحظة من غير
ثبات واستقرار بحيث يعد عرفا من افراد المتمكن من الاستقبال الذي ينسبق إلى الذهن من أدلته كخائف اللص والسبع الذي لا يامن من ضررهما توجه إلى القبلة بمقدار يعتد به
استقبل القبلة بتكبيرة الاحرام التي هي افتتاح الصلاة وركنها ولها نوع استقلال ملحوظية شرعا وعرفا ولا يتوقف أدائها على زمان يعتد به فيجب رعاية الاستقبال
فيها حتى في مثل الفرض بخلاف غيرها من الاجزاء فإنها اما غير ملحوظة على سبيل الاستقلال أو انها مستقلة بالملاحظة كالقراءة والركوع ونحوهما ولكن يتعذر أو يتعسر
رعاية الاستقبال فيها في مثل الفرض ولو لم يتمكن من ذلك أيضا اجزئه الصلاة وان لم يكن مستقبلا بلا خلاف يعتد به في شئ مما ذكر على ما صرح به في الجواهر و
يشهد له جملة من الاخبار الآتية في الصلاة في السفينة وغيرها ويدل على وجوب رعاية الاستقبال في التكبيرة بالخصوص مضافا إلى ما ذكر صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
أنه قال الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة الموافقة ايماء على دابته قال قلت أرأيت ان لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول قال ليتيمم من لبد
سرجه أو عرف دابته فان فيها غبار أو يصلي ويجعل السجود اخفض من الركوع ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت به دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه
وفيها تنبيه على شدة الاهتمام بالاستقبال حال التكبير ولزوم رعايته بالخصوص بل ربما استظهر بعض من قوله عليه السلام ولا يدور إلى القبلة الخ سقوط شرطية الاستقبال في
مثل الفرض بالنسبة إلى ما عدى التكبيرة وليس بشئ فإنه بحسب الظاهر جاري مجرى الغالب من كون الالزام بالتوجه إلى جهة خاصة فيما عدى مقدار أداء التكبيرة في مثل الفرض
تكليفا حرجيا فلا يجب لذلك لا انه لا يجب أصلا حتى مع التيسر ولو تمكن من أن يستقبل ما بين المشرق والمغرب لا خصوص جهة الكعبة وجب عليه ذلك على الأظهر لقوله عليه السلام
في الصحيح ما بين المشرق والمغرب قبله كله المحمول على صورة في لتمكن من تشخيصها في سمت أخص من ذلك أو في لتمكن من استقبال جهته الخاصة جمعا بينه وبين غيره من الأدلة التي
لا تقتضي الا تقييده بصورة الضرورة الغير القاصرة عن شمول مثل الفرض ثم إن الكلام في سائر الشرائط والاجزاء كالكلام في الاستقبال من أنه يجب تحصيلها لدى
التمكن وما في الصحيحة المتقدمة من اطلاق الامر بالايماء للركوع والسجود جار مجرى الغالب وكذا الحكم في المضطر إلى الصلاة ماشيا بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن بعض
دعوى اجماع علمائنا عليه كما يشهد له مضافا إلى ذلك كون الاحكام المتقدمة جارية على حسب ما تقتضيه القواعد الشرعية مع اشعار قوله تعالى وان خفتم فرجالا أو ركبانا
وكذا الأخبار الكثيرة الواردة في صلاة الخوف بمساواتها ماشيا أو راكبا في الاحكام ولو دار الامر بين ان يصلي راكبا أو ماشيا فقد يقال بترجيح الثاني رعاية
للقيام الذي هو من أهم افعال الصلاة وعورض باحتمال ترجيح الركوب رعاية لشرطية الاستقرار حيث إن الراكب مستقر بالذات وان تحرك بالعرض بخلاف الماشي خصوصا
إذا كان راكبا في محمل أو سرير يشبه سيره سير السفينة في الاستقرار فترجيح هذا النحو من القيام المقارن للمشي على الاستقرار الحاصل حال الركوب لا يخلو عن اشكال فالحكم
موقع تردد ومقتضى القاعدة الاحتياط بالجمع بين الصلاتين لكن لا يبعد دعوى القطع من طريقة الشارع والمتشرعة عملا وفتوى بعدم الاعتناء باحتمال الأهمية
وان المرجع في مثل الفرض ونظائره هو التخيير بل قد يقوى في النظر ان هذا هو مقتضى الأصل لا الاحتياط حيث إن الامر دائر بين ان يكون الواجب أحد الامرين عينا
أو تخييرا إذ لم يثبت أهمية أحد الامرين فمن الجايز مساواتهما في الواقع وقد تقرر في محله ان مقتضى الأصل التخيير عند دوران الامر بينه وبين التعيين اللهم الا ان يقال
104

هذا انما هو في التكاليف الابتدائية لا في مثل المقام الذي تعلق الوجوب بكل منهما عينا ثم علم اجمالا بواسطة الضرورة ارتفاع التكليف عن أحدهما المردد
بين المعين والمخير فان مقتضى الأصل في مثل الفرض بقاء أحدهما على ما كان من الوجوب العيني ومقتضاه وجوب الاحتياط عند تردده بين الامرين وكون جريان الأصل
في كل واحد منهما معارضا بجريانه في الاخر غير مانع عن جريانه بالنسبة إلى أحدهما على سبيل الاجمال الذي اثره على تقدير بقاء وجوبه وجوب الاحتياط ولا يعارضه حينئذ
الأصل بقاء الاخر على ما كان للقطع بانتفاض الحالة السابقة في أحدهما اما بارتفاع وجوبه رأسا أو صيرورته
واجبا تخييريا بعد ان كان عينيا فليتأمل وربما
استشهد للقول بالتخيير أيضا باطلاق لوله تعالى وان خفتم فرجالا أو ركبانا وفيه نظر فان اطلاقه وارد مورد حكم اخر والله العالم وهل يجوز المبادرة إلى
إلى الصلاة راكبا أو ماشيا مع سعة الوقت أم لا يجوز الا مع الضيق وجهان لا يخلو اخيرهما عن قوة لكن مع رجاء زوال العذر لا مطلقا اللهم الا ان يدعى ظهور
الأخبار المتقدمة الدالة على جواز الصلاة على الراحلة لدى الضرورة) في أوسعية الامر من ذلك ودوران الحكم مدار الضرورة حين الفعل لا مطلقا كما في التقية على ما عرفته في محله من مبحث الوضوء وفيه تأمل وعلى
تقدير التسليم فيتجه الفرق بين الصلاة راكبا أو ماشيا في اعتبار الضيق في الأخيرة دون الأولى كما يستشعر ذلك بل يستظهر من المتن حيث إنه لم يرد في الأخيرة نص
خاص يفهم منه التوسعة وابتناء الترخيص على الضرورة حين الفعل بخلاف الأولى اللهم الا ان يدعى القطع بمساواتهما في الحكم كما يستشعر ذلك من الآية
الشريفة وغيرها وربما يستشهد لكفاية الضرورة حال الفعل في كلتا الصورتين بإناطة الرخصة في الآية ونظائرها بعنوان الخوف الصادق عند تحققه
حال الفعل وفيه نظر إذ الآية على الظاهر مسوقة في مقام بيان أصل التشريع من غير التفات إلى شرائطه فليتأمل ولو كان الراكب بحيث يتمكن من الركوع
والسجود فرائض الصلاة هل يجوز له الفريضة على الراحلة اختيارا قيل نعم كما عن جماعة من المتأخرين وقيل لا وهو الأشهر بل قيل إنه المشهور بل عن مجمع
البرهان يكاد لا يكون فيه خلاف ولكن الأول هو الأشبه فان الأخبار الناهية عن الصلاة على المحمل منصرفة عن مثل الفرض فان فرض التمكن من الصلاة قائما تامة
الاجزاء والشرائط على ظهر الدابة حيث لم يكن سير الدابة موجبا للخروج عن حد الاستقرار العرفي فرض نادر ينصرف عنه اطلاقات الاخبار قطعا كما يشهد لذلك مضافا إلى
ذلك جملة من الأحكام المذكورة في تلك الأخبار كالايماء للركوع والسجود والاستقبال بالتكبيرة فقط أو نحو ذلك من الاحكام المخصوصة بحال الضرورة فيكشف الامر
بايقاع الصلاة بهذه الكيفية عن أن المفروض موضوعا في تلك الأخبار ليس الا غير المتمكن من الاتيان بها تامة الاجزاء والشرائط ودعوى العموم اللغوي فيها
بالنسبة إلى الأحوال عموما لا يتفاوت فيه النادر وغيره لا ينبغي الالتفات إليه إذ لو سلم إفادة نفي الطبيعة العموم بالوضع فهو بالنسبة إلى مصاديق تلك الطبيعة
لا أحوالها فمثل قوله عليه السلام لا تصل شيئا من المفروض راكبا لو سلمنا عمومه الوضعي فهو بالنسبة إلى كل صلاة صلاة واما دلالته على المنع عن كل منها
على كل تقدير سواء كانت تامة أو ناقصة فإنما هي بالاطلاق المنصرف عما لو كانت تامة لندرتها واستثناء المريض أو حال الضرورة في بعض تلك الأخبار لا
يدل الا على إرادة العموم بالنسبة إلى أحوال المصلي دون الصلاة وكونه متمكنا من صلاة تامة أو غير متمكن منها من أحواله أيضا غير مجد بعد ان كانت هذه الحالة سارية
في كل من المستثنى والمستثنى منه فهي من أحوال الفرد لا من افراد العام هذا مع أن إفادة لاء النافية أو الناهية العموم بالوضع من أصلها ممنوعة بل هي بالاطلاق
كما تقرر في محله وعن فخر المحققين الاستدلال على الفساد بقوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى بتقريب ان المراد بالمحافظة المداومة وحفظها من المنسدات؟
والمبطلات وانما يتحقق ذلك في مكان اتخذ القرار عادة فان غيره كظهر الدابة في معرض الزوال وبقوله صلى الله عليه وآله جعلت لي الأرض مسجدا اي مصلى
فلا يصلح الا فيما في معناها وانما عدينا إليه بالاجماع ولم يثبت هنا وفيه ان المحافظة على الصلاة عبارة عن عدم تضييعها والمواظبة على فعلها تامة الاجزاء
والشرائط والمفروض امكان تحققها كذلك نعم بناء على اعتبار الجزم في النية اي الوثوق من أول العمل بسلامته من طرو المنافي ربما لا يحصل الاطمينان بذلك
فيخرج عن محل الفرض حيث إن محل الكلام فيما إذا كان متمكنا من استيفاء الاجزاء والشرائط التي منها الجزم في النية كما إذا كانت الدابة منقادة على وجه مطمئن
بذلك هذا مع ما عرفت في نية الوضوء من منع اشتراط الجزم في صحة العبادة واما النبوي فلم يقصد به الاحتراز عما عدى الأرض إذ لا خلاف في عدم اعتبار كون المصلي
أرضا فالمقصود به اما اظهار الامتنان بتوسعة مكان الصلاة وعدم اختصاصه بمكان خاص كبيت المقدس أو مسجد الحرام أو غير ذلك من المساجد والأماكن الخاصة
فيكون التعبير بالأرض جاريا مجرى العادة في مقام اظهار التوسعة أريد بها مطلق المكان الذي يصلح ان يقع الصلاة فيه لا خصوص الأرض أو ان المراد بها
مسجد الجبهة وان لا يخلو من بعد كما تقدمت الإشارة إليه في مبحث التيمم ونظير ذلك في الضعف الاستدلال عليه بانصراف أدلة الصلاة إلى القرار المعهودة وظهر
الدابة ليس منه لان تصور القرار عند الامر بطبيعة الصلاة ليس الا تصورا اجماليا تابعا لتصور مهينة الصلاة كالمعاني الحرفية الغير الملحوظة الا تبعا لمتعلقاتها لا تصورا
تفصيليا استقلاليا كي يكون معهودية قسم منه موجبة لصرف الذهن إليه وتقييد الطبيعة به هذا مع أنه لا شبهة في عدم اشتراط صحة الصلاة بوقوعها في قرار متعارف
بل لو صلى في مكان مخترع لم يعهد الاستقرار فيه كرف معلق بين نخلتين صحت صلاته كما يشهد لذلك صحيحة علي بن جعفر انه سئل أخاه عن الرجل هل يصلح له ان يصلي على
الرف المعلق بين نخلتين فقال عليه السلام ان كان مستويا يقدر على الصلاة عليه فلا باس ولعل هذا هو المراد بالأرجوحة التي وقع الكلام في صحة الفريضة عليها والا
فربما فسرت الأرجوحة بما لا يصلح ان يقع فيه صلاة ذات ركوع وسجود فلا يجوز على هذا التقدير الصلاة عليها اختيارا بلا شبهة ولكن الظاهر أن مرادهم بها
هو الشئ المعلق بالحبال بين نخلتين وشبههما مما يمكن ايقاع الصلاة عليه تامة كما أن المراد بالرف المعلق بين نخلتين الذي نفى الباس عن الصلاة عليه في الصحيحة المتقدمة
بحسب الظاهر ليس الا ذلك لا الشئ المسمر بالمسامير أو المشدود بالحبال كما قوى احتماله بعض فإنه خلاف المتبادر من توصيفه بالمعلق مع أن اطلاق الجواب من استفصال
105

يقيد العموم فالصحيحة تدل على جواز الصلاة على الأرجوحة على تقدير امكان استيفاء اجزائها وشرائطها ولكن حكى عن غير واحد من الأصحاب الاستشكال أو المنع عن ذلك
فعن العلامة في القواعد أنه قال وفي صحة الفريضة على بعير معقول أو مرجوحة معلقة بالجبال نظر وعن المنتهى والايضاح والموجز والجعفرية وشرحها و
حاشية المسمى الجزم بالبطلان فيهما وعن الشهيدين القول بالبطلان في المعقول وعن الأول منهما في الأرجوحة أيضا ولكنه احتمل الجواز فيها لصحيحة علي بن جعفر عليه السلام
المتقدمة وقد عرفت ان الأقوى فيها بل في الصلاة على الدابة السائرة فضلا عن الواقفة أو البعير المعقول الجواز على تقدير التمكن من استيفاء الاجزاء والشرائط
وهذا الفرض وان كان بعيد أقل ما يتفق حصوله في الخارج خصوصا بالنسبة إلى الدابة السائرة ولكن كثيرا ما
يكون المكلف في حد ذاته عاجزا بحيث لا يجب عليه الا
الصلاة عن جلوس مؤميا للركوع والسجود ولكنه متمكن من ايقاعها على الأرض فيظهر ثمرة الخلاف غالبا في مثل الفرض حيث يجوز الاتيان بها حينئذ على المحمل اختيارا
ما لم يكن مفوتا للاستقبال والاستقرار عرفا على المختار بخلاف ما لو قلنا بالمنع مطلقا الا لدى الضرورة ودعوى ان الحركة التبعية اللاحقة للمصلي بواسطة
سير الدابة منافية لصدق الاستقرار المعتبر في الصلاة لدى التمكن منه مدفوعة بان غاية ما يمكن استفادته من الأدلة الشرعية كما يأتي تحقيقه في محله إن شاء الله انما
هو كون المصلي بنفسه مستقرا لامكانه وأوضح من ذلك كله جواز الصلاة في السفينة اختيارا لدى التمكن من استيفاء فرائضها من القيام والاستقبال والركوع
والسجود وغير ذلك سواء كانت واقفة أو سائرة كما يشهد له جملة من الاخبار منها صحيحة جميل بن دراج أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام تكون السفينة قريبة من الجد فأخرج
واصلي قال صل فيها اما ترضي بصلاة نوح وعنه أيضا أنه قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام الصلاة في السفينة فقال إن رجلا اتى أبي فسئله فقال إني أكون في السفينة
والجدد مني قريب فأخرج فاصلي عليه فقال له أبو جعفر عليه السلام اما ترضى أتصلي بصلاة نوح وصحيحة المفضل بن صالح قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الفرات
وما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة فقال إن صليت فحسن وان خرجت فحسن ونحوها رواية يونس بن يعقوب الا ان فيها عن الصلاة في الفرات و
ما هو أصغر منه الخ وخبر علي بن جعفر عليه السلام المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في السفينة الفريضة وهو يقدر
على الجد قال نعم لا باس وهذه الأخبار صريحة الدلالة في ارادتها حال الاختيار والقدرة على الخروج وظاهرها في لفرق بين ما لو كانت سائرة أو
واقفة بل قد يدعى ان المتبادر من السؤال عن الصلاة في السفينة انما هو ارادتها حال السير الذي فيه مظنة المنع كما يؤيده التشبيه بصلاة نوح عليه السلام ويدل عليه أيضا
اطلاق الجواب من غير استفصال في خبر صالح بن الحكم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في السفينة فقال إن رجلا سئل أبي عن الصلاة في السفينة فقال
أترغب عن صلاة نوح بل ظاهر السؤال ارادتها في حال الاختيار إذ لا موقع لتوهم المنع عنها لدى الضرورة وكون صلاة نوح عليه السلام صادرة في حال الضرورة
لا يوهن ظهور الرواية في ارادتها حال الاختيار لان صدورها في مقام الضرورة لا يقتضي كونها صلاة اضطرارية واستدل له أيضا بصحيحة عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن صلاة الفريضة في السفينة وهو يجد الأرض يخرج إليها غير أنه يخاف السبع أو اللصوص ويكون معه قوم من لا يجتمع رأيهم
على الخروج ولا يطيعونه وهل يضع وجهه إذا صلى وأومأ ايماءا قاعدا أو قائما فقال إن استطاع ان يصلي قائما فهو أفضل وان لم يستطع صلى جالسا وقال لا
عليه ان لا يخرج فان أبي سئله عن مثل هذه المسألة رجل فقال أترغب عن صلاة نوح ونوقش فيها بان موردها صورة الضرورة وهي غير ما نحن فيه
اللهم الا ان يراد الاستدلال بقوله عليه السلام في الجواب لا عليه ان لا يخرج الحديث وفيه انه باعتبار الضمير لا اطلاق فيه بل قد يستفاد من التعليل فيه ارادتها
في حال الضرورة ضرورة ظهوره في اضطرار نوح عليه السلام لتلك الصلاة فمن ساواه في ذلك ليس له ان يرغب عن صلاة فلا يشمل المتمكن من الصلاة على الجدد
بلا مشقة انتهى ويمكن رفع المناقشة بأن قوله عليه السلام لا عليه ان لا يخرج بحسب الظاهر كلام مستأنف سيق لبيان في لحاجة إلى الخروج وكون الصلاة في السفينة
من حيث إنها صلاة تامة كاملة مستشهدا لذلك بقول أبيه عليه السلام أترغب عن صلاة نوح فان ظاهرة كون صلاة نوح من حيث هي صلاة تامة كاملة لا ينبغي الرغبة
عنها لا انها صلاة ناقصة سوغته الضرورة كما يؤيد ذلك الأخبار المتقدمة التي استشهد فيها بها في جواب من سئله عن الصلاة في السفينة مع قدرته
على الخروج فما قيل من ظهوره في اضطرار نوح عليه لتلك الصلاة ففيه انه ليس فيه اشعار بذلك فضلا عن الظهور وانما علم من الخارج صدورها في
حال الضرورة وقد أشرنا انفا إلى أن هذا لا يقتضي كون صلاته اضطرارية بل ظاهر هذه الأخبار كونها من حيث هي صلاة كاملة وكيف كان ففيما عدى
هذه الصحيحة غنى وكفاية ولكن ربما يظهر من بعض الأخبار اختصاص الجواز بحال الضرورة مثل ما رواه الشيخ في الحسن أو الصحيح عن حماد بن عيسى قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يسئل عن الصلاة في السفينة فيقول ان استطعتم ان تخرجوا إلى الجدد فأخرجوا فإن لم تقدروا فصلوا قياما فاما لم تستطيعوا فصلوا قعودا وتحروا القبلة وعن
قرب الإسناد باسناده عن حماد بن عيسى نحوها الا أنه قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول كان أهل العراق يسئلون أبي رضي الله عنه عن الصلاة في السفينة فيقول ان استطعتم
ان تخرجوا إلى الجد فافعلوا فإن لم تقدروا فصلوا قياما فإن لم تقدروا فصلوا قعودا وتحروا القبلة فالظاهر اتحاد الروايتين لاتحاد مضمونهما وتقارب
ألفاظهما فما رواه الشيخ رحمه الله لا يبعد كونه مشتملا على السقط وضمرة علي بن إبراهيم قال سئلته عن الصلاة في السفينة قال يصلي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام
في السفينة ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على الشط وقال يصلي في السفينة يحول وجهه إلى القبلة ثم يصلي كيف ما دارت ويؤيده ما يستشعر من جملة عن الأسئلة
الواقعة في الروايات بل ومن بعض أجوبتها أيضا من مغروسية اختصاص الجواز بحال الضرورة في أذهانهم ومعروفيته لديهم مثل السؤال الواقع في صحيحة بن سنان
المتقدمة وسؤال علي بن جعفر أخاه عليه السلام فيما روى من كتابه قال سئلته عن قوم لا يقدرون ان يخرجوا الا لطين وماء هل يصلح لهم ان يصلوا الفريضة في السفينة قال نعم
106

وصحيح ابن أبي عمير عن الخزاز قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام انا ابتلينا وكنا في السفينة فأمسينا ولم نقدر على مكان نخرج فيه فقال أصحاب السفينة ليس نصلي يومنا ما دمنا ما نطمع في
الخروج فقال إن أبي كان يقول تلك صلاة نوح أو ما ترضى ان تصلي صلاة نوح فقلت بلى جعلت فداك فقال لا يضيقن صدرك فان نوحا قد صلى في السفينة قال
قلت قائما أو قاعدا قال بل قائما قال قلت فاني ربما استقبلت فدارت السفينة قال تحر القبلة جهدك وخبر ابن عذافر قال لأبي عبد الله عليه السلام رجل يكون في وقت الفريضة
ولا يمكنه الأرض من القيام عليها من كثرة الثلج والماء والمطر والوحل أيجوز ان يصلي الفريضة في المحمل فقال نعم هو بمنزلة السفينة ان أمكنه قائما والا قاعدا وكل ما كان من ذلك
فالله أولى بالعذر ولكنك خبير بأنه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الاستشعارات أصلا فضلا عن معارضتها بما عرفت ودعوى ان اطلاق تنزيل الصلاة في
المحمل منزلة الصلاة في السفينة في خبر ابن عذافر يقتضي عمومه من الطرفين على تقدير التسليم غير مجدية بعد ان قوينا في المحمل أيضا الجواز اختيارا على تقدير التمكن من
استيفاء الافعال والشرائط واما خبر حماد ومضمرة علي فمحمولان على ما إذا كانت الصلاة في السفينة في معرض الاختلال بشئ من اجزائها وشرائطها كما يشهد بذلك
مضمونهما هذا مع امكان حمل الأمر والنهي الواردين فيهما على الاستحباب والكراهة فلا تصلحان لمعارضة الأخبار المتقدمة التي كادت تكون صريحة في جوازها اختيارا
ولذا ذهب غير واحد من المتأخرين إلى جوازها اختيارا حتى مع استلزامها الاخلال بالقياس أو الاستقبال وغيرهما من الشرائط والاجزاء الاختبارية وفاقا لظاهر
المحكى عن بعض القدماء استنادا إلى اطلاق الأخبار المتقدمة السالمة عما يصلح لتقييدها أو معارضتها بعد ضعف الخبرين الأخيرين سندا وامكان حملهما على الكرامة
والاستحباب بل يستشعر من بعضهم نسبته إلى الأصحاب حيث جعل فهمهم الاطلاق من تلك الروايات من مؤيدات مذهبة ولكنه لا يظن بأحد منهم ممن اطلق
القول بالجواز من غير تصريح لعمومه للفرض ارادته لهذه الصورة فان المتبادر من القول بجوازها اختيارا أو المنع عنها كذلك انما ارادتها من حيث
كونها صلاة في السفينة بلحاظ استلزامها حركة تبعية ناشئة من سير السفين أو عدم استقرارها على الأرض دون العوارض الموجبة لعدم تمكنه من فرائض الصلاة
من القيام والركوع والسجود ونحوها وكيف كان فالأقوى اختصاص الجواز بصورة المتمكن من استيفاء الاجزاء والشرائط والأخبار المتقدمة بحسب الظاهر ليست مسوقة
الا لبيان أصل الجواز فلا اطلاق لها من هذه الجهة مع أن مغروسية اعتبار هذه الأمور في الأذهان وعدم جواز الاخلال بها مهما أمكن يوجب صرف الاطلاق
على تقدير تسليمه إلى ما إذا لم يستلزم خللا في الفعل اللهم الا ان يدعى ان اختلال شئ منها من اللوازم العادية للصلاة في السفينة فلا يجوز على هذا التقدير صرف
الاطلاق إلى إرادة حكمها من حيث هي كما عرفت ذلك عند التكلم في دلالة الرواية النافية للباس عن سؤر اكل الجيف ما لم تر في منقاره دما على طهارة بدن
الحيوانات بزوال العين لكن الدعوى غير مسموعة بل الغالب التمكن من فعلها تامة الاجزاء والشرائط نعم بناء على اعتبار الجزم في النية في صحة العبادة
اي الوثوق بسلامة العمل عن طرو المنافي مع الامكان أمكن القول بسقوط شرطيته في المقام بدعوى ان الغالب عدم الوثوق بذلك في السفينة السائرة خصوصا
بالنسبة إلى الاستقبال لو لم نقل باتساع الجهة للبعيد ولكنك عرفت مرارا ضعف المبني وربما يشهد للقول بجوازها مطلقا ما عن الصدوق في الهداية
مرسلا قال سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يكون في السفينة وتحضر الصلاة أيخرج إلى الشط فقال لا ايرغب عن صلاة نوح فقال صل في السفينة قائما فإن لم تهيأ
لك من قيام فعلها قاعدا فان دارت السفينة فدره معها وتحر القبلة جهدك فان عصفت الريح ولم تهيأ لك ان تدور إلى القبلة فصل إلى صدر السفينة
ولا تجامع مستقبل القبلة ولا مستدبرها وعن الفقه الرضوي إذا كنت في السفينة وحضرة الصلاة فاستقبل القبلة وصل ان أمكنك قائما والا فاقعد
إذا لم تهيأ لك فصل قاعدا وان دارت السفينة فدر معها وتحر القبلة وان عصفت الريح فلم تهيا لك ان تدور إلى القبلة فصل إلى صدر السفينة ولا
تخرج منها إلى الشط لأجل الصلاة وروى انك تخرج إذا أمكنك الخروج ولست تخاف عليها انها تذهب ان قدرت ان توجه نحو القبلة وان لم تقدر تلبث مكانك
هذا في الفرض ويجزيك في النافلة ان تفتح الصلاة تجاه القبلة ثم لا يضرك كيف دارت السفينة القول الله تبارك وتعالى فأين ما تولوا فثم وجه الله
والعمل ان تتوجه إلى القبلة وتصلي على أشد ما يمكنك في القيام والقعود ثم إن يكون الانسان ثابتا في مكان أشد لتمكنه في الصلاة من أن يدور لطلب
القبلة انتهى ولكنك خبير بأنه لا يمكن اثبات مثل هذا الحكم المخالف للأصل واطلاقات أدلة التكاليف بمثل هذه الأخبار الضعيفة مع معارضتها بحسنة
حماد ومضمرة علي بن إبراهيم المتقدمتين بل وبالمرسل المروي في الرضوي الذي هو أوثق من نفسه فالأقوى ما عرفت من اختصاص الجواز على تقدير التمكن من الخروج بما
إذا لم يستلزم الصلاة في السفينة الاخلال بشئ من الشرائط والاجزاء الاخبارية والا فلا يجوز كما صرح به غير واحد بل لعله هو المشهور ولو دخل في
الصلاة عند تمكنه من الخروج بزعم القدرة على استيفاء فرائضها فطرء العجز عن ذلك رفع اليد عنها وصلي في الخارج خلافا لبعض فأوجب المضي عليها
نظرا إلى حرمة قطع الصلاة وفيه ان مقتضي اطلاق أدلة الشرائط والاجزاء انقطاع الصلاة عند الاخلال بها فلا يعمها حينئذ أدلة حرمة القطع
مع أنك تعرف إن شاء الله في احكام القواطع ان الاستدلال بدليل حرمة القطع في مثل هذه الموارد في حد ذاته لا يخلو عن مناقشة نعم لو طرء
العجز عن استيفاء الافعال بعد صيرورته عاجزا عن الخروج مضي في صلاته لتبدل الموضوع حينئذ اللهم الا ان يكون في سعة الوقت ولم نقل بجوازها في السعة
ولكنه خلاف التحقيق الثالث فيما يستقبل له ويجب الاستقبال في فرائض الصلاة اي الصلوات المفروضة مطلقا حتى حال في لتشاغل بشئ من اجزائها
أو الاشتغال باجزائها المسنونة مع الامكان كما يدل عليه إليه الكتاب والسنة بل لعله من ضروريات الدين فضلا عما ادعى عليه من اجماع المسلمين
ولا فرق فيهما بين اليومية وغيرها حتى صلاة الجنازة ولا بين الأدائية والقضائية والسفرية والحضرية ويلحق بها ركعات الاحتياط والأجزاء المنسية
107

اما الثانية فلان الاتيان بها بعد الصلاة انما شرع تداركا لما فات فلا ينسبق من دليلها الا إرادة الاتيان بها على حسب ما كانت مشروعة في محلها واما الأولى
فمع قطع النظر عن انها في حد ذاتها صلاة واجبة فيعمها اطلاق معاقد الاجماعات المحكية في المسألة وغير مما يدل على شرطية الاستقبال في الصلاة مما سنشير إليه
ان المستفاد من أدلتها ان الشارع قد راعي فيها جهة الجزئية للصلاة التي احتمل نقصها بل قد يظهر من بعض تلك الأدلة انه قد لحظها جزء من الفريضة على
حسب ما يقتضيه الأصل ولكن الشاعر جعلها مستقلة من باب الاحتياط صوتا للفريضة عن الاختلال بالزيادة على تقدير تماميتها وان كان التقدير مخالفا
للأصل والحاصل ان جهة الجزئية مرعية فيها كما يشعر بذلك تسميتها صلاة الاحتياط وهي مقتضية لالحاقها بالفريضة من حيث الشرائط كما لا
يخفي ويلحق بها أيضا الفريضة التي يعيدها احتياطا لاحتمال خلل فيها أو يأتي بها بعد خروج الوقت لاحتمال فوتها في الوقت أو نحو ذلك وكذا ما يعيدها
نقلا لادراك فضيلة الجماعة أو خصوصية أخرى نحوها مما ورد الامر بإعادة الصلاة المحكوم بصحتها شرعا بملاحظتها كما هو غير عزيز في اخبار أهل البيت اما
ما يأتي به احتياطا فوجهه واضح إذ لا احتياط الا على تقدير الاتيان بها على حسب ما كنت مشروعة بالذات واما
ما يعيدها نقلا فهو أيضا كذلك إذ لا
ينسبق إلى الذهن من الامر الاستحبابي المتعلق بإعادة الفريضة الا إرادة استيناف تلك الطبيعة الخاصة التي كانت متعلقة للامر الوجوبي على النحو الذي كانت
واجبة عليه والظاهر أن الفريضة التي يتطوع بها الصبي أيضا ملحق بالفريضة وان قلنا بشرعية عبادته وكونها نافلة كما يوضح ذلك ما أسلفناه
في مبحث المواقيت عند البحث عن صحة صلاته لو بلغ في الأثناء فراجع واما صلاة العبد المحكوم باستحبابها عند اختلال شرط الوجوب ففي الحاقها بالفريضة
تردد من أنها على هذا التقدير نافلة بالأصالة كالحج من غير المستطيع فيعمها اطلاق الاخبار الآتية الدالة على جواز النافلة ماشيا أو راكبا من غير استقرار و
استقبال لا ضرورة ومن أن الظاهر أنها بعينها هي الطبيعة المحكومة بالوجوب المشروطة بالاستقرار والاستقبال عند اجتماع شرطه فلا يبعد
دعوى انصراف اطلاق الاخبار عنها بهذه الملاحظة كانصرافها عن الفريضة التي يتطوع بها الصبي فليتأمل والصلاة الواجبة بنذر وشبهة غير ملحقة بالفريضة
على الأشبه بل هي تابعة في ذلك لقصد الناذر كما يظهر وجهه مما بيناه فيما تقدم عند التكلم في جواز الاتيان بالنافلة المنذورة على الراحلة فراجع ويجب الاستقبال
أيضا عند الذبح والنحر كما تسمعه في محله إن شاء الله وبالميت عند احتضاره ودفنه كما تقدم الكلام فيه وفي كيفيته في احكام الأموات وعند الصلاة عليه
كما تقدمت الإشارة إليه انفا ويأتي تفصيله إن شاء الله واما النوافل فلا يشترط فيها الاستقبال كما لا يشترط فيها الاستقرار فيجوز فعلها لغير القبلة اختيارا
ماشيا وراكبا في السفر بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن المعتبر دعوى الوفاق عليه وفي الحضر أيضا على المشهور خلافا للمحكى عن ابن أبي عقيل بل مطلقا ولو في غير حال
المشي والركوب على ما يظهر من المتن وفاقا للمحكى عن جملة من قدماء الأصحاب ومتأخريهم بل عن الذكرى نسبة إلى كثير منهم ومستند الحكم اخبار كثيرة منها صحيحة الحلبي
المروية عن الكافي والتهذيب انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة النافلة على البعير والدابة فقال نعم حيث كان متوجها قال فقلت استقبل القبلة إذا أردت التكبير قال
لا ولكن تكبر حيثما كنت متوجها وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وفي الحدائق بعد نقل الصحيحة قال وقوله قال قلت إلى قوله متوجها في رواية الكافي دون التهذيب
وأكثر الأصحاب في الكتب الاستدلالية ومنه صاحب المدارك ربما نقلوا الرواية من طريق الشيخ وعبارته خالية من هذه الزيادة انتهى وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج
عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يصلي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيث توجهت به فقال نعم لا باس ورواه الصدوق باسناده عنه عن أبي عبد الله عليه السلام وصحيحة حماد بن عثمان
عن أبي الحسن الأول في الرجل يصلي النافلة على دابته في الأمصار قال لا باس ورواية صفوان الجمال قال كان أبو عبد الله عليه السلام يصلي صلاة الليل بالنهار على راحلته
أينما توجهت وخبر إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له اني أقدر على أن أتوجه إلى القبلة في المحمل قال هذا الضيق اما لك برسول الله صلى الله عليه وآله أسوة وصحيحة حماد
بن عيسى المروية عن قرب الإسناد قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى تبوك فكان يصلي صلاة الليل على راحته حيث توجهت به ويومي ايماء وعن
كشف الغمة نقلا من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري عن فيض بن مطر قال دخلت على أبي جعفر عليه السلام وانا أريد ان أسئله عن صلاة الليل في المحمل قال فابتدأني فقال
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي على راحته حيث توجهت به وحسنة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس ان يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي ولا
باس ان فاتته صلاة الليل ان يقضيها بالنهار وهو يمشي يتوجه إلى القبلة ثم يمشي ويقرء فإذا أراد ان يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم مشى و
وصحيحة يعقوب بن شعيب قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي على راحلته قال يومي ايماء يجعل السجود اخفض من الركوع قلت يصلي وهو يمشي قال نعم يومي ايماء
وليجعل السجود اخفض من الركوع قلت يصلي وهو يمشي قال نعم يؤمي ايماء ويجعل السجود اخفض من الركوع قلت يصلي وهو يمشي قال نعم يؤمي ايماء وليجعل السجود
اخفض من الركوع إلى هنا وعن امالي ولد الشيخ باسناده عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي على راحلته حيث توجهت به وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
في الرجل يصلي النوافل في السفينة قال يصلي نحو رأسها وخبره الاخر المروي عن تفسير العياشي قال قبلت لأبي عبد الله عليه السلام الصلاة في السفر في السفينة والمحمل سواء
قال النافلة كلها سواء تؤمي ايماء أينما توجهت دابتك وسفينتك إلى أن قال قلت فأتوجه نحوها اي نحو القبلة في كل تكبيرة قال اما في النافلة فلا انما تكبر على غير
القبلة الله أكبر ثم قال كل ذلك قبلة للمتنفل أينما تولوا فثم وجه الله وعن تفسير العياشي أيضا عن حريز قال قال أبو جعفر عليه السلام انزل الله هذه الآية في التطوع خاصة
فأينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع عليم وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله ايماء على راحلته أينما توجهت به حيث خرج إلى خيبر وحين رجع من مكة وجعل الكعبة خلف ظهره
وعن امين الاسلام الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله انها ليس بمنسوخة وانها مخصوصة بالنوافل في حال
108

السفر وعن الشيخ في النهاية عن الصادق في قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله قال هذا في النوافل خاصة في حال السفر فاما الفرائض فلابد فيها من استقبال القلة إلى غير ذلك
من الاخبار الكثرة الدالة على جواز النافلة راكبا أو ماشيا فإنه وان لم يقع في أكثرها التصريح بنفي شرطية الاستقبال كبعض الأخبار المتقدمة الا ان المتبادر منها
خصوصا مما ورد في الماشي إرادة فعلها متوجها نحو المقصد ومقتضي اطلاق الجواب من غير استفصال في كثير من الروايات الواردة في الراكب أو الماشي كصحاح الحلبي
وعبد الرحمن بن الحجاج وحماد بن عثمان المتقدمات وغيرها مثل ما عن المعتبر نقلا عن كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حماد بن عثمان عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليه السلام قال
مسألة عن الرجل يصلي وهو يمشي تطوعا قال نعم قال أحمد بن محمد بن أبي نصر وسمعته انا من الحسين بن مختار ونظائرها مما يقف عليه المتتبع في لفرق بين كونه حاضرا
أو مسافرا أو تقييد اطلاق مثل هذه الروايات بالمسافر مع عدم وقوع الاستفصال في شئ منها كتنزيل الاطلاق في رواية احمد ونظائرها مما لم يقع فيها التصريح بنفي
شرطية الاستقبال على إرادة ما لو كان متوجها نحو القبلة أو الاهمال من هذه الجهة مع كون الصلاة ماشيا أو راكبا ملزوما غالبا للانحراف عن القبلة وعدم الانسباق
إلى الذهن من سؤال السائل عن حكمها الا إرادة الاتيان بها متوجها نحو المقصد في غاية البعد ولا ينافيه ورود كثير من الاخبار في المسافر أو في الصلاة في المحمل التي
لا ينسبق إلى الذهن ارادتها الا في حال السفر فان خصوصية مورد هذه الأخبار لا تقتضي اختصاص الحكم به واما ما يستشعر أو يستظهر من بعضها من الاختصاص كقوله عليه السلام
في حسنة معاوية بن عمار المتقدمة لا باس ان يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي والخبر من الذين رواهما الشيخ والطبرسي في تفسير الآية من اختصاصها بالنوافل خاصة
في حال السفر لأي ينبغي الالتفات إليه اما باقي الحسنة فواضح لان غايته الاشعار بذلك بواسطة التقييد وهو ليس بشئ فلعله لأجل ان الحاجة إلى الصلاة ماشيا
في الليل لا تتحقق غالبا الا في السفر فالتقييد جار مجرى الغالب كما يؤيد ذلك تركه في الفقرة الثانية وهو قوله عليه السلام ولا باس ان فاتته صلاة الليل ان يقضيها بالنهار
وهو يمشي فاطلاق هذه الفقرة بنفسه شاهد للمطلوب والتقييد الواقع في الفقرة الأولى لا يقتضي صرفه عن ذلك بعد ما أشرنا إليه من جريه مجرى الغالب اما
الخبران فمع ضعفهما سندا لا تصلحان لصرف الأخبار المطلقة عن اطلاقاتها بل قد يناقش فيهما بقصور الدلالة فإنهما لا تدلان الا على اختصاص الآية بالنوافل في السفر فلعل
وجه الاختصاص ورودها فيها لا اختصاص الحكم بها وفيه نظر فان ظهرهما اختصاص حكمها بها بالإضافة إلى غيرها لا نزولها في خصوصها كي ينافيهما بعض الأخبار
الدالة على أنها نزلت في قبلة المتحير نعم يحتمل قويا كون حال السفر في الخبرين جاريا مجرى التمثيل أريد به حال الحاجة إلى السير في الأرض كما هو الغالب
في السفر لا حال السفر من حيث هو ولذا لا ينسبق إلى الذهن منه الا إرادة حال الضرب لا الاستقرار في المنزل مع أن حال السفر أعم منهما فليتأمل ومما يدل على المدعى
أيضا مضافا إلى اطلاقات الأدلة خصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من
ابيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة فقال إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول وتخوفت فوت ذلك ان تركت وأنت راكب فنعم والا فان صلاتك على الأرض
أحب إلى فان ظاهرها جواز فعلها على ظهر الدابة ولكن الأفضل ايقاعها على الأرض بالنزول عند في لاستعجال أو التأخير عند عدم خوف الفوت وقد أشرنا
انفا إلى أن عدم التصريح بنفي شرطية الاستقبال في مثل هذه الروايات غير قادح في الاستدلال حيث إن المنساق إلى الذهن منها إرادة الاتيان بها راكبا على حسب
ما يقتضيه العادة من التوجه نحو المقصد فلا ينبغي الاستشكال في جواز النافلة ماشيا وراكبا مطلقا في السفر والحضر كما هو المشهور فما عن ابن أبي عقيل من اختصاص ذلك
بالمسافر ضعيف ولا فرق بين التكبير وغيره فلا يشترط الاستقبال في شئ منهما كما يدل عليه اطلاق جل الأخبار الدالة على جواز النافلة ماشيا أو راكبا أينما توجهت به الدابة
وخصوص قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي على رواية الكافي بعد ان سئل عن الاستقبال عند التكبير لا ولكن تكبر حيثما كنت متوجها وقوله عليه السلام في خبر زرارة المروي عن تفسير العياشي
بعد السؤال عن التوجه في كل تكبيرة اما في النافلة فلا انما تكبر على غير القبلة الله أكبر الخ فما في بعض الأخبار من الامر بالاستقبال حال التكبير كصحيحة عبد الرحمن بن
أبي نجران قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل فقال إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر وصل حيث ذهب بك بعيرك قلت جعلت فداك
في أول الليل فقال إذا خفت الفوت في اخره وحسنة معاوية بن عمار المتقدمة التي قال عليه السلام فيها يتوجه إلى القبلة ثم يمشي الحديث محمول على الاستحباب جمعا بينه وبين
ما عرفت فما عن بعض من القول بوجوبه ضعيف بل قد يتخيل ضعف هذا القول ولو مع قطع النظر عن الخبرين الصريحين في خلافه بدعوى عدم صلاحية الروايتين
الأخيرتين الظاهرتين في اشتراط الاستقبال حال التكبير لتقييد مطلقات الباب لا لابائها عن التقييد كما لا يبعد دعواه في بعضها كخبر إبراهيم المتقدم بل لما حققناه
مرادا من أنه لا مقتضى لحمل المطلق على المقيد في المستحبات ولكن يرد عليه ان هذا فيما إذا كان الكلام المطلق مسوقا لبيان الحكم التكليفي لا لبيان كيفية العمل الذي
لم يثبت مشروعية مطلقة كما فيما نحن فيه والا فحاله حال الواجبات كما لا يخفى وجهه على المتأمل وهل يجوز صلاة النافلة مستقرا بلا استقبال اختيارا كما هو
ظاهر المتن أم لا يجوز كما نسب إلى المشهور فيه تردد من عدم معهودية الصلاة مستقرا إلى غير القبلة لدى المتشرعة بل لعلهم يرونها من المنكرات خصوصا إذا كانت
ذات ركوع وسجوده فيكشف ذلك عن عدم ثبوت الرخصة فيها شرعا والا لعرفها المتشرعة بل شاع فعلها كذلك عند عروض الأشياء المقتضية لترك الاستقبال
ومن انه لا عبرة بسيرة المتشرعة في العدميات ومغروسية كيفية خاصة في أذهانهم لا يكشف عن عدم مشروعية ما عداها وعدم معهوديته لديهم يمكن ان يكون
ناشئا من أفضلية الاستقبال وسهولته وندرة الحاجة إلى التخطي عنه لدى الاستقرار ككثير من المستحبات السهلة التي جرت السيرة على المواظبة عليها وربما
يستدل للاشتراط بالتأسي وتوقيفية العبادة وان الأصل فيها الفساد واطلاق قوله صلى الله عليه وآله صلوا كما رأيتموني أصلي وقوله عليه السلام في صحيحة زرارة لا صلاة الا إلى القبلة
وفي صحيحته الآخرى لا تعاد الصلاة الا من خمسة الظهور والوقت والقبلة والركوع والسجود وفيما عدى الصحيحتين الأخيرتين ما لا يخفى بعد ما حققناه في محله من أن
109

المرجع عند الشك في الشرطية والجزئية أصل البراءة وأصالة العدم وان شيئا من المذكورات لا يصلح مانعا عن ذلك والصحيحتان أيضا كذلك اما ثانيتهما فمع ظهورها
في الفريضة التي من شانها وجوب الإعادة عند الاخلال بشئ من اجزائها أو شرائطها كما يجيد ذلك عد الوقت من الخمس (ان اطلاقها وارد مرد حكم اخر فلا يستفاد منها ان مطلق الصلاة تعادل لكل من هذه الخمس) واما الصحيحة الأولى فهي أيضا بحسب الظاهر
واردة في الفريضة كما يشهد لذلك قول الراوي في ذيلها بعد ان سئله عن حد القبلة وحدده الإمام عليه السلام
بما بين المشرق والمغرب قلت فمن صلى لغير
القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت قال بعيد هذا مع أنه لا يستقيم تعميمها بالنسبة إلى النافلة لما عرفت من جواز النافلة اختيارا بلا استقبال في الجملة و
ايقاع الصلاة مستقرا أو ماشيا أو راكبا كفعلها اختيار أو اضطرارا جالسا أو قائما أو نحو ذلك انما هو من أحوال كل صلاة التي هي النكرة في سياق النفي
اي من أحوال افراد العام لا من افراده حتى يقال خرجت النافلة حال المشي والركوب عن تحت العام وبقي الباقي بحكمه فخروج بعض الافراد في الجملة اي بعض
أحواله كاشف عن عدم اندراج هذا الفرد في موضوع حكم العام أو كون الموضوع مقيدا بغير هذه الحالة فيستكشف من جواز النافلة بغير القبلة ماشيا
كون المراد بلا صلاة اما الصلاة الواجبة أو الصلاة المقيدة بحال الاستقرار كما أن صحة الصلاة بلا استقبال لدى الضرورة كاشفة عن أن المراد بها في
حال التمكن من الاستقبال لا مطلقا وليس تقييدها بحال الاستقرار أولى من تقييدها بالفريضة بل الثاني هو الأولى ان لم نقل بأنه المتعين بمقتضى القرائن
الداخلية والخارجية علا يقال إن خروج الفرد في بعض أحواله عن حكم العام لا يقتضي الا رفع اليد عن الحكم بالنسبة إلى ذلك الفرد في تلك الحالة لا مطلقا كما لو ورد الامر
باكرام كل عالم وعلم من الخارج ان زيدا العالم لا يجب اكرامه في يوم الجمعة فان هذا لا يقتضي اهمال الحكم بالنسبة إليه رأسا أو تقييد موضوع وجوب الاكرام بالنسبة إلى
كل عالم بغير يوم الجمعة لأنا نقول هذا انما هو في المثال ونظائره مما يستتبع العموم اطلاق أحوالي بقاعدة الحكمة ونحوها لا في مثل المقام فان اكرام كل عالم بمقتضى عمومه
لا يدل الا على وجوب اكرام كل عالم في الجملة وهذا لا ينافي عدم وجوب اكرام بعضه أو جميعه في بعض الأحيان إذ لا مناقضة بين الايجاب والسلب الجزئيين وانما ينافي اطلاق
وجوبه المستفاد من دليل الحكمة على تقدير جريان مقدماته فيكون إكرام كل عالم بضميمة قاعدة الحكم بمنزلة ما لو قال أكرم كلهم مطلقا فخروج البعض في بعض أحواله
تخصيص لعمومه الأحوالي المستفاد من قاعدة الحكمة لا عمومه الأصلي الوضعي وهذا بخلاف ما نحن فيه فان عمومه الأحوالي نشأ من تسليط النفي على طبيعة كل فرد فرد على
الاطلاق فلا يمكن التفكيك لان صحة بعض الافراد في الجملة يناقض كون النفي مسلطا على مهيته من حيث هي كما هو واضح هذا مع أنه قد يقال في المثال أيضا ان عدم وجوب اكرام زيد
في يوم الجمعة موجب لخروجه عن موضوع حكم العام مطلقا اي مانع عن ظهوره في شموله لهذا الفرد رأسا لان مقتضى دليل الحكمة ليس الا وجوب اكرام كل عالم على الاطلاق بحيث
يكون الاطلاق قيدا للاكرام لا صفة للوجوب فيكون معناه بضميمة دليل الحكمة ان كل عالم يجب ان يكرم على الاطلاق دائما غير مشروط بحال أو زمان فخروج زيد في الجملة
كاشف عن انه ليس منهم حيث لا يجب اكرامه على الاطلاق نعم لو كان مفاد دليل الحكم انه يجب دائما ان يكرم بحيث يكون الاكرام في كل حال وزمان موضوعا للوجوب على وجه
انحل إلى وجوبات عديدة كما هو معنى العموم الأحوالي لاتجه ما ذكر لكن دليله الحكمة قاصرا لا عن اثبات اطلاق متعلق الطلب اي الاكرام لا اطلاق الطلب اي وجوبه كي يفيد عموما
احواليا نعم ربما يستفاد من المناسبة بين الموضوع وحكمه كون العام من قبيل المقتضى وعدم ثبوت حكمه في بعض الأحوال أو الأوقات لعارض أوانه قد يكون خروج الفرد
في بعض الأحوال بلفظ الاستثناء ونحوه مما يظهر منه إرادة العموم من العام بحسب الأحوال أو الأزمنة فيتجه حينئذ الاقتصار على خصوص تلك الحالة والرجوع فيما عداها إلى حكم العام
وهذا خارج عن محل الكلام ولكن الذي يقتضيه التحقيق في همال العام في المثال ونظائره بالنسبة إلى الفرد الا في خصوص تلك الحالة فان انكار ظهور الكلام في شموله
لغير تلك الحالة كاد يكون مصادما للوجدان غاية الأمر انا لم لم نقل بظهوره في العموم الأحوالي ارتكب التقييد بالنسبة إلى هذا الفرد فان قاعدة الحكمة القاضية بإرادة الاطلاق
في كل فرد لا تقتضي الا بإرادته في كل مورد على تقدير ان لم يدل دليل على خلافه فلا منافاة بين إرادة الحكم مطلقا في بعض الافراد ذو مقيدا في البعض الا ترى ان ثبوت الخيار لأكثر
افراد البيع بل جميعها لا يمنع عن ظهور قوله تعالى أوفوا بالعقود في شموله له فيجب في سائر العقود الوفاء بها مطلقا وفي البيع بعد انقضاء خيار المجلس أو خيار الحيوان وفي غير زمان
ظهور العيب مثلا وكيف كان فما نحن فيه ليس من هذا القبيل ولكن لقائل ان يقول لا نسلم ان معنى الا صلاة الا إلى القبلة انه لا تتحقق شئ منها بلا استقبال بل معناه انه لا يتحقق
طبيعة الصلاة من حيث هي بلا استقبال فالكلام مسوق لنفي الجنس المستلزم للعموم السرياني لا لنفي الافراد كي يفيد عموما اصطلاحيا حتى يقال إن المتبادر من افراد هذا العام هي أنواع
الصلاة الواقعة في خير الأوامر الشرعية كصلاة الظهر والعصر ونحوهما وان الاتيان بها مستقرا أو غير مستقر من أحوال الفرد فخصوصية الافراد غير ملحوظة فيها وانما الملحوظ
جنسها فلا صلاة الا إلى القبلة يدل بظاهره على انتفاء نهية الصلاة مطلقا عند انتفاء الاستقبال فلا يرفع اليد عن اطلاقه الا بمقدار دلالة الدليل وهو النافلة في
حال المشي والمفروض انه ليس له عموم افرادي حتى يقال إن هذا الفرد خرج عن تحت العام بل عمومه سريا في منشأ من تعليق الحكم على الطبيعة ومعه لا مجال لهذا القول ولكن يتوجه
عليه ان المتبادر من مثل هذا التركيب كون الواقع في خير كلمة لا نكرة لا اسم الجنس الذي أريد به الطبيعة المطلقة فالمتبادر من لا رجل في الدار انه لا شئ من افراد الرجل
في الدار لا ان طبيعة الرجل غير موجودة فيها كي يكون عمومه عموما سريانيا فليتأمل واضعف من الأدلة المتقدمة الاستدلال له بعموم قوله تعالى أينما كنتم فولوا وجوهكم شطره
ضرورة اجمال الآية في حد ذاتها وكون المراد بها الاستقبال فيما كان معهودا عندهم وهو حال مطلق الصلاة أو خصوص الفريضة كما يؤيد الأخير مورد نزول الآية
ويشهد بإرادتها بالخصوص الصحيحة الآتية واستدل للقول بعدم الاشتراط بالأصل وهو وجيه بعد ما عرفت من أنه لا دليل يعتد به على الاشتراط بناء على ما هو التحقيق
من أن المرجع عند الشك في الشرطية والجزئية هو البراءة وما جرى مجريها من الأصول النافية للشرطية لا الاشتغال الا انك عرفت عند البحث عن كيفية صلاة الاعرابي
ان مقتضى القاعدة مشاركة الفريضة والنافلة في جميع الأجزاء والشرائط عدى ما دل دليل خاص على اختصاصه بشئ منهما ولذا لو لم يكن الأخبار الدالة على جواز النافلة
110

اختيارا بلا استقبال لا يكاد يشك أحد في شرطيته في النافلة أيضا كالطهارة وان كان دليله واردا في خصوص الفريضة ولكن الاعتماد على هذه القاعدة بعد
ثبوت الفرق بينهما في الجملة مشكل فلا مانع عن الرجوع إلى الأصل الأولى المقرر لشاك اي البراءة ويدل عليه أيضا جملة من الاخبار منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك فان الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وآله في الفريضة فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم
فولوا وجوهكم شطره الحديث فان ظاهرها اختصاص الحكم بالفريضة حيث إن دليله على ما صرح به الإمام عليه السلام مخصوص بها وعن قرب الإسناد باسناده عن علي
بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام انه سئله عن الرجل ملتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته فقال إذا كانت الفريضة التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته وان كانت
نافلة لم يقطع ذلك ولكن لا يعود ونحوه ما عن مستطرقات السرائر نقلا من كتاب الجامع للبزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال سئلته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع
ذلك صلاته قال إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد به وان كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود فان ظهرهما
عدم انقطاع النافلة بالاستدبار ولو عمدا بل ظاهرهما إرادة حال العمد كما يشهد له تعلق النهي به وهو محمول على الكراهة إذ لا حرمة فيه على تقدير عدم انقطاع الصلاة
به كما هو مفاد الروايتين بلا شبهة وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام إذا التفتت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وظاهرها
كالخبرين المتقدمين اختصاص الحكم بالفريضة فلا يكون الالتفات الفاحش المنافي للاستقبال قادحا في النافلة وهذا ينافي شرطيته لها فليتأمل وخبر زرارة
المروي عن تفسير العياشي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الصلاة في السفر في السفينة وللحمل سواء قلنا النافلة كلها سواء تؤمي ايماء أينما توجهت دابتك وسفينتك و
والفريضة تنزل لها عن المحمل إلى الأرض الا من خوف فان خفت أومأت واما السفينة فصل فيها قائما وتوخ
القبلة بجهدك فان نوحا عليه السلام قد صلى الفريضة فيها قائما
متوجها إلى القبلة وهي مطبقة عليهم قال قلت وما علمه بالقبلة فيتوجها وهي مطبقة عليهم قال عليه السلام كان جبرئيل عليه السلام يقومه نحوها قال قلت فأتوجه نحوها في كل
تكبيرة قال اما النافلة فلا انما تكبر على غير القبلة الله أكبر ثم قال كل ذلك قبلة للمتنفل أينما تولوا فثم وجه الله وهذه الرواية وان وردت في صلاة المسافر
لكن ذيلها كادت تكون صريحة في أن جواز النافلة في السفينة والمحمل أينما توجهت الدابة والسفينة نشأ من أن ذلك كله قبلة للمتنفل فلا مدخلية لخصوصية المورد في
ذلك ويؤيده الأخبار الخاصة المتقدمة فالقول بالجواز ولو في حال الاستقرار على الأرض لا يخلو من قوة الا ان عدم معهودية الصلاة مستقرا إلى غير القبلة
اختيار لدى المتشرعة ومخالفته للمشهور كما ادعاه غير واحد أوجب التردد فيه فالأحوط ان لم يكن أقوى تركه وعلى تقدير الجواز فالأفضل استقبال القبلة بها
بلا شبهة قال في المدارك اما أفضلية الاستقبال بالنوافل فموضوع وفاق ويدل عليه التأسي وعموم قولهم عليهم السلام أفضل المجالس ما استقبل القبلة انتهى أقول
بل لو كان راكبا يستحب له النزول والصلاة على الأرض مستقرا مستقبلا للقبلة لدى التمكن منه كما يشهد لذلك قوله عليه السلام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة التي
وقع فيها السؤال عن صلاة النافلة على ظهر الدابة في الحضر ان كنت مستعجلا لا تقدر على النزول وتخوفت فوت ذلك ان تركت وأنت راكب فنعم والا فان صلاتك
على الأرض أحب إلى أن الظاهر إرادة الصلاة على الأرض بالكيفية المتعارفة اي مع الاستقرار والاستقبال ولو صلى على الراحلة يستحب الاستقبال بتكبيرة الاحرام
خاصة لقوله عليه السلام في صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران المتقدمة الواردة في صلاة الليل في المحمل إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر وصل حيث ذهب بك بعيرك و
كذا لو صلى ماشيا يستحب له ذلك بل يستحب له أيضا الركوع والسجود مستقبلا كما يدل عليهما قوله عليه السلام في حسنة معاوية بن عمار أو صحيحته يتوجه إلى القبلة ثم يمشي و
يقرء فإذا أراد ان يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد بل عن الحلي القول بوجوب الاستقبال حال التكبير ونقله عن جماعة من الأصحاب الا من شذ ولكنك
عرفت فيما تقدم ضعفه وكون الأخبار الدالة عليه محمولة على الاستحباب بشهادة غيرها مما هو نص في الجواز ولذا لا ينبغي الارتياب في أنه يجوز ان يصلي
النافلة على الراحلة أينما توجهت به دابته وكذا ماشيا نحو المقصد من غير فرق بين حال التكبير وغيره سفرا وحضرا وما عن بعض من تخصيصه بالسفر قد عرفت
أيضا فيما تقدم ضعفه فلا ينبغي الاستشكال في شئ من ذلك وانما الاشكال في جوازها مع الأرض إلى غير القبلة اختيارا كما تقدمت الإشارة إليه
وان كان قد يقوى في النظر بالنظر إلى ما تقدم جوازها مطلقا ولكن على كراهية متأكدة حال الاستقرار بل مطلقا في الحضر لدى التمكن من الاستقرار كما يدل على الأخير
صحيحة عبد الرحمن المتقدمة فإنه وان كان قد يتراءى من قوله فان صلاتك على الأرض أحب إلى أن
هذا هو الأفضل لكن يظهر مما تقدم ان منشأ كون هذا الفرد أحب كراهة
الصلاة على الراحلة للحاضر المتمكن من الاتيان بها مستقرا مستقبلا للقبلة فليتأمل ويدل على الأول قوله عليه السلام في خبري علي بن جعفر والبزنطي المتقدمين وان كانت نافلة
لم يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود ويسقط فرض الاستقبال في كل موضع لا يتمكن منه كصلاة المطاردة وعند ذبح الدابة الصائلة والمتردية بحيث لا يمكن صرفها
إلى القبلة في المدارك هذا الحكم ثابت باجماع العلماء والاخبار مستفيضة ويأتي تحقيقه في محاله إن شاء الله
الرابع في احكام الخلل وفيه مسائل الأولى
الأعمى يرجع إلى الغير لقصوره عن الاجتهاد فان عول على رأيه مع وجود المبصر لامارة وجدها مما جز له التعويل عليه مع وجود المتبصر على التفصيل الذي عرفته سابقا
بان عمل على حسب ما يقتضيه تكليفه صحت صلاته سواء صادفت جهة القبلة أم لا بشرط ان لم تخرج عما بين المشرق والمغرب وربما يوهم اطلاق المتن صحة صلاته مطلقا
حتى مع تبين خطائه وخروجه عما بين المشرق والمغرب فيختلف حينئذ حكمه مع غيره كما ستعرف ولكنه ليس بشئ إذ لا فرق بين الأعمى وغيره في وجوب الإعادة عند
استبانة الخطأ الفاحش المفضى إلى الاستدبار كما يشهد له مضافا إلى اطلاق الأدلة الآتية خصوص صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعمى
صلى على غير القبلة فقال إن كان في وقت فليعد وان كان قد مضى الوقت فلا يعد وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام الأعمى إذا صار لغير القبلة فإن كان في وقت فليعد وان كان
111

قد مضى الوقت فلا يعيد ولا يمكن تنزيل الخبرين على ما إذا أصلي مسامحة من غير أن يجد من نفسه الوثوق بالقبلة أو يعول في تشخيصها على امارة ظنية على حسب ما يقتضيه تكليفه
فإنه مع بعده في حد ذاته ينافيه في لإعادة بعد خروج الوقت والا اي وان لم يكن تعويله على رأيه بمقتضى تكليفه بل ناشئا من المسامحة فعليه الإعادة ان
الخطأ سواء خرج عما بين المشرق والمغرب أم لا لأنه لم يخرج عن عهدة تكليفه فلا يعذر في مخالفة القبلة التي هي شرط في الصلاة والأخبار الدالة على أن ما بين المشرق
والمغرب قبلة انما هو في غير ما إذا تمكن من تشخيص جهتها الخاصة حال الشروع في الصلاة كما عرفته في محله ويشهد له مضافا إلى ذلك صحيح الحلبي أو حسنة عن أبي عبد الله عليه السلام
في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة قال يعيد ولا يعيدون فإنهم قد تحروا وهذه الرواية يتعين حملها على ما إذا وقعت صلاتهم فيما بين المشرق و
المغرب بقرينة غيرها من الاخبار الآتية فيكون حينئذ كالنص في المدعى ولا فرق في وجوب الإعادة بين ما لو انكشف خطأه في الوقت أو في خارجه فانا وان قلنا
بان القضاء ما مر جديد لكن الامر الجديد بقضاء ما فات محقق ولا اثر للصلاة الفاسدة في المنع عن صدق الفوت وقد يقال كما هو ظاهر المتن بأنه يجب عليه الإعادة
مطلقا سواء أخطأ أم لم يخطأ لأنه دخل في الصلاة دخولا غير مشروع وفيه ما تقرر في محله من صحة عبادة الجاهل التارك للاجتهاد والتقليد على تقدير
مطابقته للواقع فالمتجه ما عرفت من اختصاص البطلان بصورة الخطأ نعم لو صلى مترددا في شرعية عمله اتجه البطلان على الاطلاق بناء على
اعتبار الجزم في النية وبطلان عبادة المتردد مع التمكن من ازالته لكن لنافية تأمل كما عرفته مفصلا في نية الوضوء المسألة الثانية
إذا صلى إلى جهة بحسب ما يقتضيه تكليفه اما لغلبة الظن أو لضيق الوقت أو لغير ذلك ثم تبين خطائه بعد الفراغ الصلاة فإن كان منحرفا يسيرا بحيث
لم يخرج عما بين المشرق والمغرب فالصلاة ماضية قال في الجواهر بلا خلاف معتد به بين المتأخرين من أصحابنا ومتأخريهم بل في التذكرة والتنقيح والمحكى
عن الروض والمقاصد العلية الاجماع عليه انتهى ويشهد له مضافا إلى ما عرفته عند البحث عن جهة القبلة من أنه قد يكون ما بين المشرق والمغرب قبلة كله والقدر
المتيقن منه انما هو في مثل الفرض خصوص صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة
يمينا وشمالا فقال قد مضت صلاته (وما بين المشرق والمغرب قبله) وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل صلى لغير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل ان يفرغ من صلاته قال إن كان
متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم وان كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح
الصلاة والاستدلال بهذه الرواية بلحاظ عدم الفرق بين ابعاض الصلاة وجملتها في شرطية الاستقبال ورواية القسم بن الوليد قال سئلته عن
رجل تبين له وهو في الصلاة انه على غير القبلة قال يستقبلها إذا ثبت ذلك وان كان قد فرغ منها فلا يعيدها وهي محمولة على ما إذا كان الانحراف بين اليمين
واليسار بشهادة الموثقة المتقدمة وغيرها فالضمير في يستقبلها راجع إلى القبلة لا إلى الصلاة بقرينة ما عرفت وخبر الحسن بن طريف المروي عن قرب الإسناد
عن الحسين بن علوان عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام ان عليا عليه السلام كان يقول من صلى على غير القبلة وهو يرى أنه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق
والمغرب وخبر موسى بن إسماعيل المروي عن نوادر الراوندي من صلى على غير القبلة فكان إلى غير المشرق والمغرب فلا يعيد الصلاة وعن جملة من الأصحاب
اطلاق القول بوجوب الإعادة في الوقت على من صلى لغير القبلة من غير تفصيل بين الانحراف اليسير والكثير الموجب للخروج عما بين المشرق والمغرب بل عن بعضهم
دعوى الاجماع عليه ولكن لا يخفى عليك خصوصا بعد التأمل فيما أسلفناه عند تشخيص سمت القبلة واستظهرناه من المشهور انه ليس لاطلاق قولهم بالإعادة
ظهور في المخالفة كما يؤيد ذلك دعوى غير واحد في لخلاف في في لإعادة عند تبين الانحراف اليسير الغير البالغ حد المشرق والمغرب ويؤيده أيضا ان من المستبعد
عدم اعتنائهم بهذه الأخبار المستفيضة المصرحة بالمطلوب السالمة عن المعارض عدم بعض اطلاقات قابلة للتقييد أو التأويل فمرادهم بالقبلة في المقام بحسب الظاهر
ما يعم ما بين المشرق والمغرب معولين في ذلك على صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الواردة في خصوص المسألة المصرحة بان ما بين المشرق والمغرب قبلة واصرح
منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال لا صلاة الا إلى القبلة قال قلت أين حد القبلة قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله قال قلت فمن صلى لغير القبلة أو ليوم غيم
في غير الوقت قال يعيد وكيف كان فهاتان الصحيحتان حاكمتان على الأخبار المطلقة الآتية الدالة على أن من صلى لغير القبلة أعادها في الوقت لا في خارجه فإنهما بمدلولهما
اللفظي تدلان على اختصاص موضوع تلك الأخبار بما لو صلى خارجا عما بين المشرق والمغرب وقد أشرنا في محله إلى أن في مكان الاخذ بظاهر الصحيحتين على الاطلاق
لا يقتضي طرحهما رأسا كما أن مقتضى تخصيص الإعادة في تلك الأخبار بما إذا تبين الخطأ في الوقت لا في خارجه تقييد ما يستفاد من أغلب الأخبار المتقدمة مفهوما ومن ذيل
صحيحة زرارة منطوقا من الإعادة عند الخروج من المشرق والمغرب بما إذا كان انكشاف الخطأ قبل خروج الوقت فما زعمه صاحب الحدائق من قوة القول بوجوب الإعادة في
الوقت لا في خارجه على الاطلاق كما حكى القول بذلك عن ظاهر القدماء في غاية الضعف وان بالغ في تشييده حيث زعم أن الاخبار متعارضة والنسبة بينها العموم
من وجه حيث إن الأخبار المتقدمة الدالة على أن مصلى فيما بين المشرق والمغرب لا يعيد خاصة من حيث القبلة وعامة من حيث تبين الخطأ في الوقت أو في خارجه والأخبار الآتية
بعكس ذلك فترجيح الأول اي تخصيص الاخبار الآتية بهذه الاخبار وحملها على ما إذا كان الانحراف بالغاء حد المشرق والمغرب يحتاج إلى دليل وهو مفقود ثم
نقل عن العلامة انه ذكر لذلك وجهين أحدهما موافقة في لإعادة ما لم يكن الانحراف كثيرا لأصالة البراءة وثانيهما ما نبهنا عليه من حكومة صحيحة معاوية على تلك الأخبار
وتخصيص موضوعها بغير ما لو صلى فيما بين المشرق والمغرب فلا معارضة بينهما لكن العلامة رحمه الله عبر عن هذا بما لفظه على ما حكاه في الحدائق الثاني انا نمنع تخصيص ما
ذكرتم من الأحاديث أصلا لان قوله عليه السلام ما بين المشرق والمغرب قبله ليس مخصصا للحديث الدال على وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه لمن صلى إلى غير القبلة إذا قضى ما يدل
112

عليه ان ما بين المشرق والمغرب قبلة بل لقائل ان يقول إن قوله إذا صليت وأنت على غير القبلة يتناول لفظ القبلة ما بين المشرق والمغرب انتهى فكان صاحب الحدائق
لم يصل إلى كنه مرامه حتى أنه احتمل كون ما عنده من النسخة غلطا فقال بعد نقل كلامه معترضا عليه ما هذا لفظه ولا يخفى ما فيه اما الاستناد إلى الأصل كما ذكره فمعارض
بان الأصل شغل الذمة بالعبادة وهذا أصل متقن لا مناص عنه فلا يحكم ببراءة الذمة الا بيقين مثله والاخبار هنا متعارضة كما عرفت والوقت باق والخطاب متوجه
فلا يتيقن ببراءة الذمة الا بالإعادة في الوقت وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه ولا يتطرق عليه الايراد من خلفه ولا من بين يديه واما منع التخصيص فلا يخفى
ما فيه فاني لا اعرف لكلامه هنا وجه استقامة ولعل النسخة التي عندي لا تخلو من غلط ثم جدد المقال في تشييد الاستدلال زيادة على ما قدمه مما نقلنا ملخصه
بما صورته ان صحيحة معاوية المشار إليها قد دلت على أن من صلى بظن البلة ثم تبين انحرافه إلى ما بين اليمين والشمال فقد صحت لان ما بين المشرق والمغرب قبلة وتبين
الانحراف عن القبلة أعم من أن يكون في الوقت أو في خارجه فيمكن تقييد هذا العموم بما فصلته تلك الأخبار من أن من صلى إلى غير القبلة ثم تبين ذلك فإن كان في الوقت
أعاد وان كان خارج الوقت فلا إعادة عليه بان يحمل على تبين الانحراف بعد خروج الوقت وحينئذ فيجب الإعادة في الوقت وان كان فيما بين اليمين واليسار وهذا بحمد الله
سبحانه أيضا ظاهر لامرية انتهى وليت شعري بعد ان أعراف بدلالة الصحيحة على أن علة صحة الصلاة كون ما بين المشرق والمغرب قبلة فما معنى تقييد هذه الرواية بتلك الأخبار
القائلة بان من صلى إلى غير القبلة أعادها مع مباينة موضوعيهما وكيف يمكن التقييد مع أن مقتضى هذه العلة في لمقتضى لإعادة الصلاة وكونها صحيحة
في الوقت بحيث لو كانت الصحيحة واردة في خصوص ما بعد الوقت لكنا نقول بعدم الإعادة في الوقت أيضا بمقتضى العلة المنصوصة بل كيف تحمل على تبين الانحراف بعد خروج
الوقت مع أن مقتضى عموم تلك الأخبار النافية للإعادة بعد الوقت التي خصص بها هذه الصحيحة في لفرق بين ما لو كانت الصلاة فيما بين المشرق والمغرب أو مستديرا
للقبلة فكيف يتوجه التعليل حينئذ مع أن في لإعادة لا ينوط به ولولا وضوح فساد هذا الجمع واستلزامه طرح المعتبرة المستفيضة المتقدمة منطوقا أو مفهوما بلا مقتضى
لبسطنا الكلام في بيان ما فيه من المفاسد بالنظر إلى كل واحد من الاخبار ولكن وضوح الحال اغنانا عن ذلك فظهر بما ذكرنا انه لا مجال للارتياب في أن لو تبين بعد الصلاة
الخطأ وكان الانحراف يسيرا غير بالغ حد المشرق والمغرب لم يجب الإعادة لا في الوقت ولا في خارجه بل
صحت صلاته والا اي وان لم يكن الانحراف يسيرا بل كثيرا بالغا
حد المشرق والمغرب والمراد بالمشرق والمغرب في النصوص والفتاوي بحسب الظاهر كما صرح به غير واحد يمين القبلة وشمالها لا خصوص المشرق والمغرب أعاد في الوقت
لا في خارجه يعني ان تبين الخطأ قبل خروج الوقت بحيث تمكن من إعادة الصلاة في الوقت ولو بادراك ركعة أعادها فان أهمل والحال هذه قضاها كغيره ممن أهمل
الفريضة في وقتها بعد تنجز التكليف بها عمدا والا فقد مضت صلاته وقيل كما عن جملة من القدماء والمتأخرين بل عن بعض نسبته إلى المشهور ان بان انه
استدبر أعاد وان خرج الوقت والأول أظهر حيث يشهد له جملة من الأخبار المعتبرة التي تقدمت الإشارة إليها منها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام
قال إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك انك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وان فاتك الوقت فلا تعد وصحيحة سليمان بن خالد
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثم يضحي فيعلم انه صلى لغير القبلة كيف يصنع قال إن كان في الوقت فليعد صلاته
وان كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده أقول فيه ايماء إلى اشتراط عدم كونه مبنيا على المسامحة وصحيحة يعقوب بن يقطين قال سئلت عبدا صالحا عن رجل صلى في يوم
سحاب على غير القبلة ثم طلعت الشمس وهو في وقت أيعيد الصلاة إذا كان قد صلى على غير القبلة وان كان قد تحرى القبلة بجهة أتجزيه صلاته فقال يعيد
ما كان في وقت فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عليه السلام انه سال الصادق عليه السلام عن رجل أعمى صلى على غير القبلة فقال إن كان في وقت
فليعد وان كان قد مضى الوقت فلا يعد قال وسألته عن رجل صلى وهي مقيمة ثم تجلت فعلم أنه صلى على غير القبلة فقال إن كان في وقت فليعد وان كان الوقت
قد مضى فلا يعيد وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا صليت على غير القبلة فاستبان لك قبل ان تصبح انك صليت على غير القبلة فأعد صلاتك وهذه
الرواية من مؤيدات القول بامتداد الوقت الاضطراري للعشائين إلى الصبح ورواية محمد بن الصين قال كتبت إلى عبد صالح الرجل يصلي في يوم غيم في
فلاة من الأرض ولا يعرف القبلة فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس فإذا هو قد صلى لغير القبلة أيعتد بصلاته أم يعيدها فكتب يعيدها ما لم يفته الوقت
أو لم يعلم أن الله يقول وقوله الحق فأينما تولوا فثم وجه الله وما في ذيل الرواية مما يشهد بسقوط شرطية الاستقبال عند اشتباه القبلة وكفاية صلاة
واحدة لكن يشرط العلم بالحكم كما في القصر والتمام وقد عرفت في محله عدم سلامتها عن المعارض وكيف كان فهذا غير قادح بمحل الاستشهاد وخبر أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام قال الأعمى إذا صار لغير القبلة فإن كان في وقت فليعد وان كان قد مضى الوقت فلا يعيد وقد عرفت ان مقتضى الجمع بين هذه الأخبار المتقدمة
انفا انما هو حمل هذه الأخبار على ما إذا كان الانحراف كثيرا واصلا حد المشرق والمغرب وتقييد الإعادة المستفادة من تلك الأخبار مفهوما أو منطوقا عند الخروج
عما بين المشرق والمغرب بالوقت بهذه الاخبار المصرحة بالتفصيل فتحصل من مجموع الاخبار بعد رد بعضها إلى بعض انه إذا كان الانحراف فيما بين المشرق والمغرب فقد
مضت صلاته والا أعادها في الوقت لا في خارجه من غير فرق بين الاستدبار أو التشريق والتغريب فما حكى عن المشهور من الإعادة في خارج الوقت أيضا في صورة
الاستدبار مما لم يتضح وجهه وربما ذكروا له بعض التوجيهات التي لا ينبغي الالتفات إليها في مقابل ما سمعت أقواها الاستشهاد له برواية معمر بن يحيى قال
سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبين له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى قال يصليها قبل ان يصلي التي قد دخل وقتها الا ان يخاف فوت
التي دخل وقتها وقوله عليه السلام في موثقة عمار المتقدمة وان كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتح الصلاة وعن النهاية
113

انه وردت رواية بأنه إذا صلى إلى استدبار القبلة ثم علم بعد خروج الوقت وجب إعادة الصلاة وفي الجميع ما لا يخفى اما رواية معمر فهي مع ضعف سندها لا تختص
بصورة الاستدبار كي تصلح شاهدة لتقييد الأخبار المتقدمة بغير هذه الصورة فهي معارضة لتلك الأخبار
ولا تصلح للمكافئة مع امكان ارتكاب التأويل فيها بإرادة وقت
العصر والعشاء من الصلاة الأخرى لا مطلقها أو الاستحباب كما يؤيدهما عدم وجوب ترتب الحاضرة على الفائتة على الأظهر وما قد يتوهم من أن قيام الاجماع ونحوه على عدم
وجوب الإعادة بعد خروج الوقت في غير الاستدبار يجعلها بحكم الخاص المطلق فيخصص بها الأخبار المطلقة مدفوع بعد الغض عما أشرنا إليه من عدم انحصار تأويلها في إرادة
الاستدبار بالخصوص حتى يكون الاجماع كاشفا عن ارادته بالخصوص ان ورود تخصيص على أحد العامين بدليل منفصل كاجماع ونحوه لا يعله بحكم الخاص المطلق
في تخصيص الاخر به كي يرتفع بذلك التعارض بل العبرة في مقام التعارض بظاهر كل من الدليلين من حيث هو مع قطع النظر من المخصصات المنفصلة كما تقرر في محله
فرواية معمر على تقدير صحة سندها وعدم قبولها للتأويل يتعين طرحها لأجل المعارضة ولكنك عرفت انها لا تأبى عن التأويل الغير المنافي للأخبار المتقدمة واما
موثقة عمار فمع الغض عن أن المتبادر منها إرادة ما هو المتعارف من اتيان الصلاة في سعة الوقت أو في خارجه وفرض وقوعها في اخر الوقت بحيث لم يبق من الوقت
بعد قطعها مقدار اعادتها ولو بأداء ركعة فرض نادر ينصرف عنه الاطلاق وعلى تقدير عدم الانصراف يتعين صرفه بقرينة ما عرفت ان المنساق إلى الذهن
من الشرطيتين المتتابعتين كون الثانية تعبيرا عما يفهم من الأولى فموضوعها نقيض ما هو المذكور في الأولى فالمراد بدبر القبلة بقرينة المقابلة ما كان خارجا عما بين
المشرق والمغرب وتخصيص الاستدبار بالذكر للجري مجرى العادة في مقام التعبير لا لإرادته بالخصوص واما المرسلة فهي غاية الضعف فإنها من أضعف انحاء
الارسال لكونها نقلا لمضمون رواية مجهولة العين فيحتمل قويا كونها نقل مضمون موثقة عمار بحسب ما أدى إليه نظر الناقل بقي في المقام اشكال وهو انه ان كانت الصلاة
الواقعة بلا استقبال صحيحة في الرواية فلا مقتضى لإعادتها في الوقت والا وجب الخروج عن عهدتها في خارج الوقت أيضا وربما يتفصى عن ذلك بان شرط الصلاة
انما هو استقبال ما يراه قبلة بحسب ظنه سواء طابق الواقع أم لا لكن بشرط عدم انكشاف الخلاف قبل خروج الوقت وفيه نظر إذا الظاهر أن اعتبار الظن في المقام
من باب الطريقة إلى الواقع لا الموضوعية كي يتوجه به ما ذكر كما لا يخفى على من لاحظ دليله فالأولى ان يقال في حل الاشكال بعد الغض عن أن هذه احكام توقيفية لا
إحاطة لنا بالخصوصيات المقتضية لها حتى يتطرق فيها مثل هذا الاشكال خصوصا بعد الالتفات إلى أن
نظير المقام في الشرعيات غير عزيز ان مطلوبية الصلاة
ووجوبها على ما يستفاد من الأدلة الشرعية انما هو من قبيل تعدد المطلوب فمتى اتى بها في أول الوقت فاقدة لبعض شرائطها الاختيارية وتمكن من اعادتها بحيث
لا يختل شئ من شرائطها جاز بقاء الامر المتعلق بأكمل الافراد الذي تعلق به التكليف مع الامكان واما تعذر عليه ذلك بان لم يتمكن من اعادتها الا فاقدة
لهذا الشرط أو لمثله أو لما هو أهم منه في نظر الشارع فلا مقتضى لإعادتها فالصلاة الواقعة في خارج الوقت وان صادفت القبلة ولكنها انقص مما اتى به في الوقت لان
خصوصية الوقت أهم لدى الشارع من رعاية الاستقبال كما يظهر ذلك في مقام دوران الامر بين ترك أحد الامرين فالصلاة الناقصة الماتى بها في الوقت فاسدة على
تقدير تمكن المكلف من ايجادها في ضمن فرد كامل والا فهي في حد ذاتها أكمل مما يأتي به في خارج الوقت فلا مقتضى للامر بإعادتها وان شئت قلت شرطية
الاستقبال مخصوصة بحال التمكن فالمعتقد للخلاق أو الظان به الذي تكليفه العمل بظنه غير متمكن من ذلك لكن يعتبر في سقوط الشرطية استيعاب العذر وعدم زوال
جهله ما دام الوقت باقيا كما هو لأصل في كل تكليف اضطراري لم يدل دليل خاص على خلافه فان تبين الخلل وهو في الصلاة فإنه يستأنف مع سعة الوقت
على كل حال الا ان يكون منحرفا يسيرا اي فيما بين المشرق والمغرب فإنه يستقيم ويمضي في صلاته ولا إعادة عليه كما يشهد لذلك مضافا إلى امكان استفادته من
اطلاق الأدلة التي قد أشرنا إلى أنه يستفاد من مجموعها بعد رد بعضها إلى بعض والجمع بينها وبين غيرها من الأدلة المتقدمة عند البحث عن جهة القبلة ان ما بين
المشرق والمغرب قبلة لمن لم يتمكن من تشخيصها في جهة أضيق من ذلك ولو لغفلته حال الصلاة أو اعتقاده للخلاف ولو ظنا يصح له التعويل عليه لا مطلقا وان الصلاة إلى
غير القبلة باطلة فيستفاد من ذلك هذا التفصيل حيث إن ما صدر منه خطأ صادف القبلة الاضطرارية وبعد الالتفات واستبانته الخطأ يتبدل تكليفه فيستقيم ويمضي
في صلاته على اشكال بالنظر إلى أن التذكر لولا الأدلة الخاصة كما يأتي التكلم فيه في نظائر المقام في احكام الخلل إن شاء الله خصوص موثقة عمار التي هي نص في المدعى
ورواية القاسم بن الوليد المتقدمتين في صدر المبحث ولو ضاق الوقت عن الاستيناف ولو بأداء ركعة استقام ومضى في صلاته حتى مع الاستدبار لكن يشترط
ان يكون المضي في الصلاة موجبا لادراك الوقت ولو بركعة حيث يدور الامر حينئذ بين الاخلال بالوقت أو القبلة وقد أشرنا انفا إلى اختصاص شرطية الاستقبال
بصورة التمكن منه مع رعاية الوقت فهي في غير مثل الفرض فما صدر منه قبل استبانة الخطأ وقع صحيحا لأنه كان معذورا حال الفعل من الاستقبال وقد استوعب
عذره الوقت حيث لا يتمكن من اعادته أداء فعليه المضي في صلاته وان استلزم ذلك فوات الاستقبال فيما بقي منها أيضا فضلا عن رعايته بالنسبة إلى زمان
التذكر والانحراف إلى القبلة وما في موثقة عمار من اطلاق الامر بقطع الصلاة في صورة الاستدبار منصرف أو مصروف إلى غير مثل الفرض جمعا بين الأدلة و
لكن الاحتياط بالاتمام والإعادة في خارج الوقت مما لا ينبغي تركه والله العالم واعلم أنه قد يرائى من تخصيص الأصحاب عنوان الموضوع في الفروع المتقدمة بمن
صلى بظن القبلة اختصاص الاحكام المتقدمة لديهم بالظان دون الغافل عن رعاية القبلة أو المعتقد للخلاف ولكن الظاهر عدم ارادتهم الاختصاص وتعيرهم
بالظان اما للجري مجرى الغالب من في لخطأ الا مع الظن أو لغلته وقوع التعبير عن مطلق الاعتقاد المخالف للواقع بالظن وكيف كان فالأظهر عدم اختصاص شئ
من الفروع بخصوص الظان بل تعم مطلق من صلى لغير القبلة لا عن عمد وما بحكمه كالتسامح في تشخيصها بحسب ما تقضيه تكليفه أو الجاهل بالحكم اي بشرطية الاستقبال للصلاة
114

فلا فرق بين ما لو ظن جاز له التعويل عليه أو غفل عن مراعاتها أو اعتقد اعتقادا جزميا بان الجهة التي يصلي إليها قبلة
سبيل الجهل المركب أو على سبيل الغفلة والاشتباه كما أنه ربما يعلم بجهة القبلة واقعا ولكن حيث الصلاة يشتبه عليه الامر فيتوهم كون جهة هي القبلة بواسطة
بعض المناسبات المغروسة في ذهنه فيصلي في المسجد مثلا إلى عكس المحراب لا لخطائه في التشخيص بل لخطور كون هذه الجهة قبلة في ذهنه واشتغال قبله بالعوائق
المانعة عن الالتفات إلى مخالفته للواقع ففي جميع هذه الفروض لو تبين خطائه بعد الفراغ من الصلاة وكان الانحراف يسيرا اي فيما بين المشرق والمغرب لم يعد الصلاة
ولو كان كثير أعادها في الوقت لا في خارجه ولو تبين في الأثناء استقام ومضى في صلاته على التقدير الأول واستأنفها على الثاني كما عرفت اما ما عدى
الصورة الثانية اي الانحراف الكثير المتبين بعد الصلاة فواضح فان مقتضى اطلاق الأخبار الدالة على صحة الصلاة الواقعة فيما بين المشرق والمغرب خصوصا الصحيحتين
الدالتين على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة في لفرق بين ما لو صلى غفلة أو خطأ بزعم كون تصلي إليه قبلة جاز ما بذلك أو ظانا إذ غاية ما ثبت بالأدلة الخارجية
تخصيص ما في الصحيحتين بالنسبة إلى من تمكن حال الصلاة من تشخيص سمت الكعبة في أقل من ذلك ولم يكن معذورا في تركه كما في جميع هذه الصور واما الصورة الثانية اي الانحراف
الكثير فالحكم أيضا ما عرفت من الإعادة في الوقت لا في خارجه لاطلاق بعض الأخبار المتقدمة الدالة عليه نعم ربما ينسبق إلى الذهن من أغلب تلك الأخبار إرادة
الملتفت الذي اشتبه عليه القبلة حال الصلاة بواسطة الغيم أو العمي فصلى بحسب ما تقتضيه تكليفه فانكشف بعد الصلاة في الوقت أو في خارجه خطائه ولكن هذا لا
يقتضي اختصاص الحكم به وقوله في بعض تلك الأخبار المفصلة بين الوقت وخارجه بعد ان نفى الإعادة في خارج الوقت فحسبه اجتهاده لا يدل على ثبوتها مطلقا
عند ترك الاجتهاد حتى مع الغفلة أو الخطأ في الاعتقاد وانما يستشعر منه عدم معذوريته على تقدير المسامحة وترك الاجتهاد مع الالتفات كما هو المنساق
من مورده لا مطلقا فما حكى عن بعض من الاستشكال في حكم الناسي اي الغافل عن مراعاة القبلة أو القول بوجوب الإعادة في خارج الوقت أيضا معللا ذلك بان
النسيان مستند إلى التقصير بخلاف الظان لا يخلو من نظر اللهم الا ان يريد بذلك ناسي الحكم لا الغافل عن الموضوع فان المتجه الحاق ناسي الحكم بجاهله في بطلان
صلاته مطلقا ولو مع الانحراف اليسير حتى مع القصور فضلا عن التقصير فان القصور يجعله معذورا من حيث المؤاخذة لا من حيث الإعادة بعد العلم والالتفات
وربما يظهر من بعض الحاق جاهل الحكم بجاهل الموضوع فيما لو كان الانحراف يسيرا نظرا إلى اطلاق قوله عليه السلام ما بين المشرق والمغرب قبلة المقتصر في تخصيصه على العالم
العامد وفيه ما عرفت في محله من أن هذا لمن لم يعلم بجهة الكعبة بل ولم يتمكن من تشخيصها لا لمن علم بها أو تمكن من تشخيصها ولكن لم يستقبلها لجهله بالحكم الشرعي و
أضعف من ذلك ما عن بعض من الحاق جاهل الحكم مطلقا حتى في صورة الانحراف الكثير بالظان لاطلاق
الأدلة وفيه بعد الغض عن في مكان اختصاص الحكم بالعالمين
به ان المتبادر من الأدلة انما هو إرادة جاهل الموضوع لا الجاهل بالحكم نعم لو اقترن جهله بالحكم بالجهل بالموضوع بحيث جاز استناد صلاته إلى غير القبلة
إلى جهله بالقبلة أمكن الالتزام بجريان التفاصيل المتقدمة في حقه على تقدير عدم كونه في الواقع متمكنا من تشخيصها كما يأتي تمام الكلام في مثل هذا الفرع
في احكام الخلل إن شاء الله وربما عكس بعض فالحق ما عدى الظان عند تبين الانحراف الكثير بالعالم العامد في وجوب الإعادة في الوقت وفي خارجه بدعوى ان
المتبادر من الأدلة المفصلة بين الوقت وخارجه ليس الا إرادة الحكم فيما لو صلى بظنه الاجتهادي الذي كان مأمورا بالتعويل عليه دون الغافل أو المعتقد للخلاف
الذي توهم كونه مأمورا بالصلاة إلى الجهة التي اعتقد كونها قبلة وفيه ما أشرنا إليه من أن دعوى الانصراف بالنسبة إلى أغلب تلك الأخبار وان لا تخلو عن وجه
لكن بالنسبة إلى بعضها كصحيحة عبد الرحمن وما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام غير مسموعة وعن الشيخ الاستدلال لالحاق ناسي الاستقبال بالظان بحديث رفع الخطأ
والسهو والنسيان وفيه بعد الغض عن بعض المناقشات الواردة على الاستشهاد بهذا الحديث لنفي شرطية المنسي المذكورة في محلها ان قوله عليه السلام في صحيحة زرارة
لا تعاد الصلاة الا من خمسة الوقت والظهور والقبلة والركوع والسجود حاكم على هذا الحديث فان مورده السهو ضرورة عدم اختصاص الاخلال العمدي بهذه الخمسة
فلا يعارضه عموم حديث رفع الخطا كما لا يخفى المسألة الثالثة إذا اجتهد لصلاة فميز جهة القبلة بامارة ظنية وقد دخل وقت صلاة أخرى فان تجدد
عنده شك بان ظهر ضعف مستنده أو فساده وعدم صلاحيته لإفادة الظن أو وجد ما يعارضه أو ذهل عن مستنده فعرضه الشك استأنف الاجتهاد لأنه عند
انسداد باب العلم بجهة القبلة حقيقة أو حكما مأمور بالتحري وبذل الجهد في معرفتها كما عرفته ومقتضاه وجوب تحديد النظر في الصور المفروضة بل لو اجتهد لصلاة
وتجدد الشك قبل التلبس بها أو وجد امارة أخرى ولو احتمالا تفحص عنها مجددا إذ لا يتحقق التحري والاجتهاد الا بذلك ودعوى ان مقتضى اطلاق قوله عليه السلام
اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك ويجري التحري ابدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة وغير ذلك من أدلة الاجتهاد كفاية مطلقه لمطلق الصلاة مدفوعة بان
قضية شرطية الاستقبال لكل صلاة لزوم احرازه عند كل صلاة اما بالعلم أو ما قام مقامه اي الظن الحاصل بالتحري والاجتهاد فليس معنى قوله عليه السلام يجزي
التحري ابدا انه يجري حصوله في وقت لمطلق الصلاة ابدا حتى مع زوال ظنه بل معناه ان تحصيل ما هو الأخرى وتشخيص القبلة بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده
يكون كالعلم بالقبلة مجزيا واضعف من ذلك التمسك باستصحاب حكم ظنه السابق ضرورة ان حكم الظن لا يتعدى عن موضوعه وليس جواز الصلاة إلى الجهة
التي ظن بكونها قبلة من اثار نفس تلك الجهة من حيث هي حتى يستصحب في زمان الشك بل من اثارها كونها هي القبلة التي يجب احرازها بالظن الاجتهادي
عند تعذر العلم فلا يعقل بقاء اثر الظن الذي اعتبر طريقا لاحراز متعلقه بعد زوال عينه ولو تجدد الشك في أثناء الصلاة فعن العلامة في جملة من كتبه انه لا
يلتفت إلى شكه ويمضي في صلاته ولعله مبني على أن وقت احراز القبلة قبل الدخول في الصلاة فالشك فيها بعد الدخول في الصلاة شك في الشئ بعد تجاوز
115

محله وفيه ان القبلة شرط في جميع اجزاء الصلاة فلابد من كونها محرزة حال الصلاة من أولها إلى اخرها فمعرفتها قبل الصلاة مقدمة لكونها محرزة حال
التلبس باجزائها فوقت احرازها بالنسبة إلى كل جزء جزء من حيث هو ليس الا عند إرادة الاتيان بذلك الجزء فما لم يتحقق الفراغ من اجزاء الصلاة لا يتجاوز وقت احراز
القبلة بالنسبة إلى الجزء الباقي هذا مع أن العبرة بتجاوز محل الشئ لا محل احرازه نعم قد يقوي في النظر في لالتفات إلى الشك في الشرط بعد التلبس بالصلاة
إذا كان الشرط من قبيل الطهارة المنتزعة من فعل الوضوء المتقدم بالرتبة على الصلاة ولكن الأقوى فيه أيضا ما عرفت فالأظهر وجوب تجديد الاجتهاد في الأثناء
فان وافق الاجتهاد الأول استمر وان خالفه يسيرا استقام وأتم وان كان كثيرا استأنف وقال في الجواهر وان خالفه كثيرا كان كظهور الخطأ بالاجتهاد بعد
الفراغ الذي ستسمع الكلام فيه وانه عندنا لا ينقض السابق فيتمها حينئذ على الأخير ولا إعادة انتهى أقول وستعرف انا لو قلنا بعدم انتقاض الاجتهاد السابق
باللاحق فإنما هو فيما لو ظهر الخطاء بالاجتهاد بعد الفراغ واما في الأثناء فينتقض لا محالة حيث يتولد بالعمل بمقتضى الاجتهادين العلم التفصيلي بوقوع بعض هذه
الصلاة إلى غير القبلة فتفسد إذ لا صلاة الا إلى القبلة الا ان يكون مخطأ في تشخيصها ولم ينكشف خطائه الا بعد خروج الوقت كما عرفت فيما سبق لا في مثل
المقام الذي علم بوقوعها فاقدة للشرط قبل خروج وقتها ولو توقف الاجتهاد بعد عروض الشك على قطع الصلاة قطعها تحصيلا للقبلة التي هي شرط فيها
وقد يقال في مثل الفرض بوجوب المضي للنهي عن ابطال العمل واستصحاب حرمة القطع ووجوب المضي وغير ذلك مما يأتي الكلام فيه مفصلا مع بيان ضعفه في
احكام القواطع إن شاء الله ويجوز اتمامها بانيا على الفحص فان صادفت ما يقتضيه تكليفه فهو والا أعادها بل هذا هو الأحوط وأحوط منه الاتمام ثم الإعادة
مطلقا ولكن هذا ان لم نقل باعتبار الجزم حال الفعل كما هو المختار والا تعين القطع كي يكون جازما حين الإعادة بصحة العمل ومطلوبيته شرعا كما هو واضح
وان لم يتجدد عند شك ولكن عثر على امارة أوثق مما عول عليه أو احتمل حدوث امارة كذلك احتمالا يعتد به فهو أيضا كم لو عرضه الشك وجب عليه الفحص عن
حالها إذ لا يصدق اسم التحري والاجتهاد الذي ورد به في النصوص الا بذلك نعم لو كان ذلك في أثناء الصلاة وتوقف الفحص والتحري على قطعها أمكن
الالتزام بعد الالتفات إليه ما لم يكن مؤثرا في زوال ظنه إذ لا ينسبق إلى الذهن من الأدلة ابتناء امر الاجتهاد على هذه المرتبة من التضيق بل امره أوسع من ذلك
على ما يتبادر من أدلته والله العالم ولو كان تجدد الشك بعد الصلاة فاجتهد لصلاة أخرى فخالف اجتهاده اللاحق الاجتهاد السابق كثيرا فإن كان ذلك
بعثوره على امارة معتبرة في حد ذاتها كالبينة وخبر الثقة بناء على اعتباره في الموضوعات كما نفينا البعد عنه عند التكلم في اعتباره فهو كما لو تبين خطاء
الاجتهاد السابق بالامارات المفيدة للعم بجهة القبلة وقد عرفت فيما سبق انه يجب عليه في مثل الفرض إعادة الصلاة في الوقت لا في خارجه واما ان كان بشئ
من الظنون الاجتهادية التي جاز له التعويل عليها عند تعذر العلم حقيقة أو حكما كما لو رأى مثلا قبرا فظن أولا كون أحد طرفيه رأسه ثم ظنه ثانيا بأنه رجليه
لم ينتقض بذلك اثر الاجتهاد الأول فلا يعيد صلاته السابقة على الأشبه فان غاية ما يمكن استفادته من الأدلة انما هو اعتبار الظن بالقبلة في احرازها
لما يجب الاستقبال له عند تعذر العلم بمعنى اكتفاء الشارع في مقام امتثال الامر بالاستقبال بالامتثال الظني عند تعذر العلم مشروطا بعدم انكشاف خلافه
في الوقت وهذا لا يقتضي كون الظن طريقا تعبديا لاثبات متعلقه على الاطلاق بحيث يرفع به اليد عن مقتضيات الأدلة والأصول المعتبرة المنافية له كالبينة
ونحوها مما جعلها الشارع كالعلم في اثبات متعلقاتها بل حال الظن بالقبلة حال الظن بالأحكام الشرعية
على القول بحجيته بحكم العقل عند انسداد باب
العلم بالاحكام في أنه يجب الاقتصار في التعويل على الظن على مورد انسد فيه باب العلم ولم يكن هناك أصل أو دليل معتبر والا فالمرجع هو ذلك الأصل أو الدليل
دون الظن فالصلاة الواقعة حال الاجتهاد الأول صلاة فرغ منها فهي محكوم بصحتها ما لم يعلم بفسادها حقيقة أو حكما اي بدليل معتبر لقاعدة الصحة وكون الظن
بالقبلة حجة في تشخيص القبلة لا يستلزم كونه حجة في اثبات كون الصلاة الواقعة فيما سبق مستدبر القبلة لجواز التفكيك بين الظنون فالأول ظن معتبر والثاني
لا دليل على اعتباره فلا يلتفت إليه في مقابل اصالة الصحة ان قلت سلمنا ذلك ولكن بعد ان صلى العصر مثلا بالاجتهاد الثاني إلى عكس الحقه التي صلى
الظهر إليها يعلم اجمالا قبل خروج وقت الصلاتين بوقوع إحديهما إلى دبر القبلة فهي باطلة يجب عليه اعادتها ولا يجري اصالة الصحة بعد العلم الاجمالي
باشتمال احدى الصلاتين على خلل كما لا يخفى قلت لا اثر لمثل هذا العلم الاجمالي الذي أحد طرفيه مورد تكليف منجز لأنه بالفعل مكلف بالصلاة إلى الجهة التي
أدى إليها اجتهاده الثاني سواء كانت قبلة في الواقع أم لم تكن فلو وجب عليه الاحتياط بإعادة الصلاتين بواسطة العلم الاجمالي لوجب اعادتها إلى هذه الجهة
فلا مقتضى لإعادة ثانيتهما حيث إن معادتها ليست الا كالمبتدأة فهي بالفعل في حقه بحسب تكليفه هي الصلاة إلى القبلة الواجبة عليه وقد علم قبل الشروع
فيها بأنه لو صلاها لكانت هي أو سابقتها إلى خلاف القبلة ولم يكن علمه بذلك مانعا عن كونه بالفعل مكلفا بالصلاة إلى هذه الجهة فكيف يكون بعد الخروج
مقتضيا لإعادتها والحاصل انه لا اثر للعم الاجمالي بالنسبة إلى الصلاة الثانية لأنها صلاة وقعت موافقة لتكليفه الفعلي فهي محكومة بالصحة
لذلك لا لقاعدة الصحة أو الشك بعد الفراغ فهاتان القاعدتان بالنسبة إلى الصلاة الأولى سليمتان عن المعارض وبهذا يندفع ما قد يتوهم من أنه
يتولد من علمه الاجمالي بوقوع احدى الصلاتين إلى غير القبلة العلم بوقوع خلل في الثانية إذا كانتا مترتبتين كالمؤداتين أو المقضيتين اما من حيث الاستقبال
أو الترتب على سابقة صحيحة توضيح الاندفاع انه لا عبرة بهذا العلم بعد جريان اصالة الصحة في السابقة الموجبة لشرعية الدخول في اللاحقة والاتيان بها
إلى الجهة التي امره الشارع بالبناء على كونها قبلة نعم لولا جريان اصالة الصحة في السابقة لم يكن يشرع له الدخول في اللاحقة لا لكونه من اثار العلم
116

باختلال أحد شرطيها بل للشك في الخروج عن عهدة السابقة المأمور بالخروج عن عهدتها قبل اللاحقة ان قلت ما الفرق بين المقام وبين الفرض السابق أعني
ما لو تجدد الشك في الأثناء وادى الاجتهاد الثاني إلى خلاف الأول حيث التزمت هناك بوجوب الاستيناف دون المقام قلت الفارق بين المقامين هو
كون الصلاة الواحدة مجموعها عملا واحدا مرتبطا بعض اجزائه ببعض مشروطا صحة كل جزء منها بانضمامه إلى ما سبقه ولحفه من الاجزاء جامعة للشرائط
المعتبرة فيها فلو توجه في أثناء الصلاة إلى الجهة التي أدى اجتهاده الثاني إلى كونها قبلة حصل له علم تفصيلي ببطلان الأجزاء السابقة اما لوقوعها في
حد ذاتها إلى دبر القبلة أو لطرو البطلان عليها على تقدير انعقادها صحيحة بواسطة الاستدبار كما أنه
لو اتي ببقية الأجزاء إلى الجهة التي أدى إليها
اجتهاده الثاني بعلم تفصيلا بفسادها وعدم صلاحيتها لان تصير جزء من صلاة صحيحة لدوران امرها بين وقوعها إلى دبر القبلة أو مسبوقة باجزاء كذلك فهي
فاسدة على كل تقدير حيث إن صحتها مشروطه بكون المصلي مستقبلا للقبلة ولو فيما بين المشرق والمغرب من أول صلاته وهو يعلم بأنه لم يكن كذلك ولا
يجدي اجراء اصالة الصحة في الأجزاء السابقة على تقدير تسليم جريانها في مثل المقام الذي طرء الشك في الأثناء في الغاء هذا العلم الذي اثره بطلان اللاحقة
كما هو واضح هذا مع ما أشرنا إليه من أنه لا يبقي شك في بطلان الأجزاء السابقة كي يرجع فيها إلى القاعدة بعد ان توجه إلى عكس ما كان متوجها إليه حال الاتيان
بتلك الاجزاء فلا يقاس ابعاض صلاة بالصلاتين المستقلتين وان كانتا مترتبتين كالظهرين فإنه وان كان يعلم حين الاتيان بالعصر انه اما تقع العصر إلى
خلاف القبلة أو سابقتها لكن لا يعلم بذلك بطلان العصر فإنها ليست مشروطة بكونها مسبوقة بظهر واقعة إلى القبلة صحيحة في الواقع بل مشروطة بتفريغ
ذمته عن الظهر بحسب ما يقتضيه تكليفه في مرحلة الظاهر فمتى اجرى اصالة الصحة في الظهر جاز له فعل العصر وتقع صحيحة في الواقع وان كانت الظهر باطلة
في الواقع فلا يتولد من العلم الاجمالي بوقوع احدى الصلاتين إلى دبر القبلة العلم ببطلان العصر ولا العلم ببطلان الظهر وليس لنفس هذا العلم أيضا اثر عملي لما أشرنا إليه
انفا من أن أحد طرفيه مورد تكليف منجز فيرجع في الطرف الآخر إلى الأصل الجاري فيه كما تقرر في محله وهذا بخلاف ما لو كان أطراف العلم ابعاض صلاة واحدة
فان صحة كل بعض منها مشروطة بصحة ما عداها في الواقع فإذا علم اجمالا بتحقق استدبار في صلاته قبل خروج وقتها فضلا عما لو علم بذلك في أثنائها كما هو المفروض
فقد علم تفصيلا ببطلان جميع اجزائها وعدم انضمام بعضها إلى بعض فليتأمل وحكى عن نهاية الاحكام انه احتمل فيما لو صلى اربع صلوات بأربع اجتهادات وجوب
إعادة الجميع تشبيها له بما لو علم اجمالا بفساد واحدة من الأربع واحتمل أيضا قضاء ما سوى الأخيرة لكون الاجتهاد الأخير ناسخا لما قبله أقول ما احتمله أخيرا لا يخلو عن قوة
إذ لا مقتضى لإعادة الأخيرة بعد وقوعها على حسب ما يقتضيه تكليفه الفعلي كما سبقت الإشارة إليه اللهم الا أن تكون مرتبة على سابقتها فيجب عليه حينئذ اعادتها أيضا
لذلك اي من حيث الاخلال بالترتيب لا من حيث كونها من أطراف الشبهة اي من الصلوات التي يعلم اجمالا بوقوع بعضها إلى خلاف القبلة لما أشرنا إليه من أنه لا اثر لهذا
العلم بالنسبة إلى هذه الصلاة التي وقعت على وفق ما يراه تكليفه بالفعل واما الصلوات السابقة فحيث علم اجمالا بوقوع بعضها إلى خلاف القبلة وجب إعادة
الجميع احتياط ولا يجرى بالنسبة إليها اصالة الصحة لان اجرائها في كل منها معارض بالمثل وفي الجميع
مستلزم لطرح العلم الاجمالي وفي بعضها دون بعض ترجيح
بلا مرجح وبهذا ممتاز هذه الصورة عن الفرض السابق الذي فرض فيه اجتهادان ثانيهما مورد تكليفه الفعلي فلا اثر لعلمه الاجمالي بالنسبة إليه وما اتى به من الاعمال
على وفق الاجتهاد السابق عليه لم يعلم بطلانها واقعا فيجرى بالنسبة إليها اصالة الصحة واما ما في هذا الفرض فيعلم بان بعض ما صدر منه في السابق وقع على
خلاف القبلة والأصول بالنسبة إليها متعارضة فيجب إعادة الجميع وايقاعها إلى الجهة التي أدى إليها اجتهاده الفعلي لكن لا يخفى عليك ان هذا فيما إذا كان حصول
العلم بوقوع بعض تلك الصلوات إلى غير القبلة قبل فوات وقتها كما لو صلى كلا من الظهرين وغيرهما من الآيات ونحوها أو شيئا مما عليه من الفوائت فيما بين الزوال إلى الغروب
أو كانت الجميع مقضية أو مودات غير موقتة والا فلو صلى صلوات متعددة باجتهادات متعددة في أوقات متباينة بحيث لم يعلم بحصول الاستدبار في شئ منها
الا بعد خروج وقته لم تجب اعادتها كما عرفته فيما سبق وحيث جعل في الجواهر مبني عدم نقض الاجتهاد السابق باللاحق الأصل وقاعدة الاجزاء وان نقض الاجتهاد
السابق باللاحق ليس بأولى من عكسه لم ير فرقا بين الفروض المتقدمة فأوجب اتمام الصلاة بحسب اجتهاده اللاحق فيما إذا كان في الأثناء مما سمعته في عبارته المتقدمة ولم
يوجب إعادة شئ من الصلوات الواقعة بالاجتهادات في الفرض الأخير وأنت خبير بما في هذه المباني فإنه ان أريد بالأصل قاعدة الصحة والشك بعد الفراغ فهي لا تجري
في الأخير لابتلائها بالمعارض وان أريد بها اصالة البراءة ونحوها كما هو الظاهر ففيه ما لا يخفى بعد ثبوت أصل التكليف وكون الشك في الخروج عن عهدته واما
قاعدة الاجزاء فقد تقدم غير مرة ان امتثال الامر الظاهري انما يقتضي الاجتزاء به عن الواقع في مرحلة الظاهر ما لم ينكشف مخالفته للواقع والمفروض انكشاف المخالفة
في المقام واضعف من ذلك كله ما قيل من أن نقض الاجتهاد الأول بالثاني ليس بأولى من عكسه كما لا يخفى هذا مع أن الحكم باستيناف الصلاة أو إعادة الصلاتين أو الصلوات
المتعددة بواسطة العلم الاجمالي الحاصل من العمل بمقتضى الاجتهادين ليس نقضا للاجتهاد بالاجتهاد بل بالعلم فالحق ان المدار في هذه الفروع على كون العلم الحاصل في
المقام صالحا لتنجيز التكليف بالواقع وعدمه لا غير ثم إنه حكى عن الذكرى انه احتمل قويا مع تغير الاجتهاد ان يؤمر بالصلاة إلى اربع لان الاجتهاد عارضة الاجتهاد
فيتساقطان فيتحير ولا يجب إعادة ما صلاه أولا لامكان صحته ودخوله مشروعا انتهى أقول ولعله أراد بتعارض الاجتهاد ما إذا اثر الاجتهاد الثاني في ارتفاع الظن
الحاصل بالاجتهاد الأول وصيرورة القبلة مشكوكة والا فلا يعقل ان يعارض الاجتهاد السابق الذي أزيل اثره الاجتهاد اللاحق المورث للظن الفعلي بعد دوران
الحكم بمقتضى ظاهر النصوص والفتاوي ومدار تشخيص القبلة بحسب ما يؤدي إليه نظره بالفعل عند إرادة الصلاة كما هو واضح ولو اختلف المجتهدان في تشخيص القبلة فهل لأحدهما
117

الاقتداء بالاخر فيه خلاف فربما نسب إلى الأكثر المنع مع الاختلاف الكثير لان المأموم يعلم تفصيلا ببطلان صلاته اما لفساد صلاته من حيث هي أو فساد صلاة امامه بل عن التذكرة
ونهاية الاحكام احتمال المنع مطلقا حتى مع الاختلاف اليسر وسنشير إلى ما يمكن ان يكون منشا لهذا الاحتمال وقيل بالجواز مطلقا كما صرح به في الجواهر حيث قال لا باس
باتمام المجتهدين بعضهم ببعض وان تضادوا في الاجتهاد أو اختلفوا بالكثير فضلا عن الاختلاف اليسير لصحة صلاة كل منهم واقعا بقاعدة الاجزاء وغيرها مما عرفته سابقا
وفاقا لكشف اللثام ولم يستبعده في التذكرة والمدارك انتهى وقد عرفت انفا ان ما بنى عليه هذه الفروع من قاعدة الاجزاء وغيرها مما تقدم نقله سابقا مما لا ينبغي
الركون إليه وان اعتبار الظن بالقبلة من باب الطريقية لا الموضوعية لتنزيل القبلة المظنونة منزلة القبلة الواقعية وحيث علم اجمالا بمخالفة أحد الظنين للواقع
لا يجوز التعويل على شئ منهما إذا كان كل من أطراف الشبهة مورد ابتلاء المكلف ولم يكن الأصل الجاري في بعض الأطراف سليما عن المعارض كما في بعض الفروع المتقدمة
فالعبرة في المقام كما في تلك الفروع بما أشرنا إليه في ما سبق من كون العلم الاجمالي صالحا لتنجيز التكليف بالواقع وعدمه فحينئذ نقول مقتضى التحقيق تبعية الحكم في المقام جوازا
أو منعا لحكم ما لو علم تفصيلا بخطاء الامام وانحرافه عن القبلة فان قلنا بجواز الاقتداء به مع العلم بخطائه وانحرافه عن القبلة ولو كثيرا بدعوى ان جواز الاقتداء من اثار
صحة صلاته بنظره بحسب ما يقتضيه تكليفه في الظاهر أو بدعوى انه يكفي في حمل صلاته على الصحيح وجواز الاقتداء به مكان صحتها في الواقع ولو على بعض التقادير كما فيما
نحن فيه حيث إن فسادها موقوف على انكشاف خطائه لديه قبل ان يفوته الوقت كما عرفته فيما سبق فالمتجه جوازه إذ لا اثر للعلم الاجمالي بان صلاته أو صلاة
امامه إلى غير القبلة على هذا التقدير إذ المفروض ان كون صلاة الامام إلى غير القبلة غير قادح في جواز الاقتداء به فعلم المأموم بخطاء أحدهما ليس الا كعلم الإمام بذلك
في عدمه كونه مانعا عن الاخذ بما يقتضيه تكليفه من حيث هو من اتباع ظنه ما لم ينكشف خطائه بالخصوص لكن الدعوى الأولى فاسده جدا ضرورة في لاعتداد بصلاة معلومة
البطلان واما الثانية فهي لا تخلو عن وجه وان كان الأوجه عدم سماعها أيضا فان حمل فعل الغير على الصحيح مع العلم بكون صحتها في الواقع متزلزلة لا يخلو عن اشكال
وان قلنا بعدم جواز الاقتداء به مع العلم التفصيلي بخطائه كما هو الأظهر فيما لو كان الانحراف كثيرا فلا يجوز الايتمام في المقام حيث إنه يتولد للمأموم بسبب
علمه الاجمالي بانحراف أحدهما عن القبلة علم تفصيلي ببطلان صلاته كما أن الامر كذلك مع الانحراف اليسير الغير الخارج عما بين المشرق والمغرب لو قلنا بأنه موجب
لبطلان الصلاة واعادتها في الوقت كما مالي إليه أو قال به بعض المتأخرين الذي عرفته في محله أو قلنا بان الصلاة وان كانت صحيحة ولكنها صلاة اضطرارية لا يجوز
الاقتداء بها اختيارا أو ان كان في كل من المباني نظر بل منع ولكن على تقدير الالتزام بها يعلم المأموم اجمالا بأنه اما منحرف عن القبلة أو مقتد بمن لا تصح صلاته أولا يجوز
الاقتداء به فيعلم تفصيلا ببطلان صلاته اللهم الا ان يقال هذا انما هو فيما لو قلنا بان الانحراف اليسر كالكثير موجب لبطلان الصلاة واما على تقدير الالتزام
بصحة الصلاة وكونه مانعا عن جواز الايتمام فلا اثر لعله الاجمالي بانحرافه أو انحراف امامه على القبلة لان انحرافه بنفسه غير قادح في صحة صلاته بعد كونه عاملا
باجتهاده وانحراف امامه غير معلوم فهو بمنزلة ما لو شك ابتداء في كون امامه منحرفا عن القبلة فلا يلتفت إليه وعمله اجمالا بان احدى الصلاتين اضطرارية فان كانت
صلاة الامام لا يجوز الاقتداء به وان كانت صلاته بنفسه لا يجوز فعلها اختيارا مما لا اثر له بعد كونه (بالفعل) مكلفا بالصلاة إلى الجهة التي
يراها بحسب اجتهاده قبلة كما تقدم نظيره في بعض الفروع السابقة قد فرغ من البحث عن احكام
القبلة مصنفه أقل الطلبة محمد رضا بن المرحوم الآقا محمد هادي الهمداني
في اليوم الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة من سنة 1303
ثلاث وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة
النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين المقدمة الرابعة من مقدمات
الصلاة في البحث عن لباس المصلي وفيه مسائل الأولى لا يجوز الصلاة في جلد الميتة وغيره من اجزائها التي حل فيها الحياة وتخصيص الجلد بالذكر لعله لمتابعة النص
أو لمناسبة المقام لأنه هو الذي من شانه ان يلبس أو لكونه مورد توهم الجواز بناء على طهارته بالدبغ كما حكى القول به عن العامة وابن الجنيد من الخاصة وكيف كان فلا يجوز
الصلاة فيه مطلقا ولو كان مما يؤكل لحمه سواء دبغ أو لم يدبغ للنصوص المستفيضة بل المتواترة الدالة عليه التي وقع في جملة منها التصريح بالمنع ولو دبغ سبعين مرة
ومن هنا يتجه الالتزام بالمنع مطلقا وان قيل بطهارته بالدبغ ولذا لم يخالف في ذلك ابن الجنيد القائل بطهارته بالدباغ بل صرح في عبارته المحكية عنه بالمنع عن الصلاة
فيه مطلقا من باب التعبد لامر حيث النجاسة ففي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن الجلد للميتة أيلبس في الصلاة إذا دبغ فقال لا ولو دبغ سبعين مرة
وخبر الأعمش المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال لا تصل في جلود الميتة وان دبغت سبعين مرة ولا في جلود السباع وعن دعائم الاسلام مرسلا
عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال لا تصل بجلد الميتة ولو دبغ سبعين مرة انا أهل بيت لا نصلي بجلود الميتة وان دبغت إلى غير ذلك من الاخبار التي سيأتي بعضها
إن شاء الله ومقتضى اطلاق المتن وغيره بل في الجواهر بلا خلاف صريح أجده فيه في لفرق بين كون جلد الميتة مما تتم الصلاة فيه وبين ما لا تتم كالخف ونحوه
ويشهد له مضافا إلى اطلاق الأخبار الناهية عن الصلاة في الميتة خصوص مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام في الميتة قال لا تصل في شئ منه ولا في شسع و
118

رواية الحلبي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميت بعينه وخبر علي بن حمزة سال أبا عبد الله عليه السلام وانا
عنده عن الرجل يتقلد السيف ويصلي فيه قال نعم فقال الرجل ان فيه الكيمخت قال وما الكيمخت فقال جلود دواب منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة فقال
ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه وموثقة سماعة بن مهران انه سئل أبا عبد الله عليه السلام في تقليد السيف في الصلاة وفيه الفرا والكيمخت فقال لا باس ما لم تعلم أنه
ميتة ولكنك عرفت في باب النجاسات عند التكلم في جواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه وحده انه يظهر من بعض بل ربما يستظهر من المشهور في لفرق
في ذلك بين المتنجس ونجس العين ميتة كان أم غيرها وان هذه الأخبار غير سليمة عن المعارض ولذا ترددنا في المسألة ولكن الانصاف ان القول بالمنع
عن الصلاة في اللباس المتخذ من نجس العين مطلقا وان لم يكن ساترا كالقلنسوة المنسوجة من شعر الكلب والخنزير فضلا عن الميتة التي وردت في خصوص ما لا تتم
الصلاة فيه منها النصوص المتقدمة هو الأقوى كما لا يخفى وجهه على من تدبر فيما أسلفناه في المبحث المزبور حيث يظهر للمتأمل قصور ما يعارض الأخبار المانعة
عن المكافئة من وجوه والله العالم تنبيهان الأول المشكوك ذكاته ملحق بغير المذكي لأصالة في لتذكية والأخبار المتقدمة ونظائرها مما دل
على جواز الصلاة فيه حتى تعلم أنه ميتة مصروفة بل منصرفة في حد ذاتها إلى ما إذا اقترن بشئ من الامارات المعتبرة شرعا كما تقدم الكلام في تحقيق ذلك وشرح
الامارات المعتبرة مفصلا في اخر كتاب الطهارة عند التكلف في عدم جواز استعمال جلد الميتة فراجع الثاني صرح في الجواهر باختصاص المنع بميتة ذي النفس
لأنه المنساق إلى الذهن خصوصا مع ملاحظة ما في النصوص من الدبغ ونحوه مما لا يعتاد الا في ذي النفس بل هو ظاهر في مقابلة العامة وخصوصا مع مقابلة الميتة
بالمذكي المنصرف إلى المذبوح انتهى أقول لا ينبغي التأمل في انصرافه الأخبار المانعة عن الصلاة في جلد الميتة عن ميتة غير ذلك النفس لا لمجرد عدم تعارف استعمال
جلد غير ذي النفس بل لان معهودية نجاسة الميتة ووضوح المناسبة بين النجاسة والمنع عن الصلاة موجبة لصرف الاخبار إلى إرادة الميتة النجسة ولولا ذلك
لاشكل استفادة حكم أغلب أنواع ذي النفس أيضا مما لا يعتاد استعمال جلده من تلك الأخبار وما لا يؤكل لحمه وهو طاهر في حال حياته وكان مما تقع عليه الذكاة
إذا ذكى كان ظاهرا كما تقدم الكلام فيه مع الإشارة إلى بعض الحيوانات القابلة للتذكية ويأتي تفصيله وتحقيق ما يقتضيه الأصل عند الشك في قبول الحيوان
للتذكية في الصيد والذباحة إن شاء الله ولكن لا يستعمل جلده في الصلاة وان دبغ بلا خلاف فيه على الظاهر في الجملة بل اجماعا كما ادعاه غير واحد فيما عدى
ما استثنى مما يأتي ذكره إن شاء الله ويشهد له جملة من الاخبار منها موثقة ابن بكير قال سئل زرارة أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب
وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه املا رسول الله صلى الله عليه وآله ان الصلاة في وبر كل شئ حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكل شئ منه
فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله اكله ثم قال يا زرارة هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فاحفظ ذلك يا زرارة وان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في
وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شئ منه جائزة إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح وان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله وحرم عليك اكله فالصلاة في كل شئ منه
فاسدة ذكاه الذبح أو لم لم يذكه وخبر انس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن ابائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام يا علي لا تصل في جلد مالا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه
وصحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص قال سئلت الرضا عليه السلام عن الصلاة في جلود السباع فقال لا تصل فيها وموثقة سماعة قال سئلته عن لحوم السباع وجلودها
قال اما لحوم السباع من الطير والدواب فانا نكرهه واما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه وهاتان الروايتان لا يستفاد منهما الا بالمنع
عن جلود السباع فلا يتم الاستدلال بهما لعموم المدعى الا بضميمة في لقول بالفصل وهو ان تم ففي غير الموارد التي وقع الخلاف فيها ورواية علي بن أبي حمزة قال
سئلت أبا عبد الله وأبا الحسن عليهما السلام عن لباس الفر أو الصلاة فيها قال لا تصل فيها الا فيما كان منه ذكيا قال قلت له أوليس الذكي ما ذكى بالحديد فقال بلى إذا
كان مما يؤكل لحمه قلت وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم قال لا باس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم وليس مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله إذا نهى عن كل ذي ناب ومخلب أقول
في بعض النسخ وما يؤكل لحمه من غير الغنم الخ باسقاط كلمة لا ولعله من سهو القلم وكيف كان فظاهر صدر
هذه الرواية هو المنع عن الصلاة في جلد غير
المأكول مطلقا كما هو المدعى لكن يظهر من ذيلها ان المراد بغير المأكول الذي نهى عن الصلاة في جلده هو خصوص السباع لا غير فهي بالنسبة إلى ما عدى السباع على
خلاف المطلوب أدل ونحوها ورواية مقاتل بن مقاتل قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعلب فقال لا خير في ذلك كله ما خلا السنجاب
فإنه دابة لا تأكل اللحم فان مقتضى التعليل الواقع في ذيلها جواز الصلاة في كل ما لا تأكل اللحم وهو ما عدى السباع مطلقا وسيأتي التكلف فيه عند البحث عما استثنى
إن شاء الله ويمكن استفادة المطلوب أيضا من الاخبار الآتية الدالة على المنع عن الصلاة في شعر غير المأكول ووبره وصوفه بتنقيح المناط كما يرشدك إليه
صحيحة سعد بن سعد الواردة في جلود الخز قال سئلت الرضا عليه السلام عن جلود الخز فقال هو ذا نلبس فقلت ذلك الوبر جعلت فداك فقال إذا حل وبره حل جلده فإنها
مشعرة بل ظاهرة في أنه لا فرق بين الوبر والجلد في جواز الصلاة وعدمه وعن المصنف رحمه الله في المعتبر انه بعد الاستدلال للمدعى بموثقة ابن بكير المتقدمة قال
وابن بكير وان كان ضعيفا الا ان الحكم بذلك مشهور عن أهل البيت عليهم السلام ثم استدل عليه في السباع أيضا بان خروج الروح من الحي سبب الحكم بموته الذي هو سبب
المنع من الانتفاع بالجلد ولا تنهض الذباحة مبيحة ما لم يكن المحل قابلا بلا والا لكانت ذباحة الادمي مطهرة جلده لا يقال إن الذباحة هنا منهي عنها فيختلف الحكم لذلك
لأنا نقول ينتقض بذباحة الشاة المغصوبة فإنها منهى عن ذباحتها ثم الذباحة تفيد الحل والطهارة وكذا بالآلة المغصوبة فبان ان الذباحة مجردة لا تقتضي زوال
حكم الموت ما لم يكن للمذبوح استعداد قبول احكام الذباحة ضرورة ذلك لا نسلم ان الاستعداد التام موجود في السباع لا يقال فيلزم المنع من الانتفاع بها في غير الصلاة
119

لأنا نقول علم جواز استعمالها في غير الصلاة بما ليس موجودا في الصلاة فثبت لها هذا الاستعداد لأنا ما تصح معه الصلاة فلا يلزم من الجواز هناك لوجود دلالة الجواز
هنا مع عدمها انتهى وفي المدارك بعد ان حكى عن المعتبر الاستدلال المزبور قال وهو غير جيد اما أولا فلان الذكاة ان صدقت فيه أخرجته عن الميتة والا لم يجز الانتفاع به
مطلقا واما ثانية فلان الذكاة عبارة عن قطع العروق المعينة على الوجه المعتبر شرعا واطلاق الروايات يقتضي خروج الحيوان عن كونه ميتة بذلك الا فيما دل الدليل
على خلافه كما سيجئ تحقيقه إن شاء الله تعالى وبالجملة فهذا الاعتبار قاصر والروايات اي اخبار الباب لا تخلو من ضعف ندا وقصور دلالة والمسألة محل اشكال انتهى أقول
لم يورد في المدارك من اخبار الباب عدى موثقة ابن بكير وصحيحة إسماعيل فغرضه بما ذكره أخيرا الخدشة في الموثقة بضعف السند وفي الصحيحة بقصور الدلالة حيث إنها لا تدل
الا على المنع عن جلود السباع والمدعى أعم من ذلك فاستشكاله في المسألة بحسب الظاهر انما هو في عموم الحكم واطراده بالنسبة إلى غير السباع واما الوجه الاعتباري الذي
استدل به في محكى المعتبر على المنع عن السباع فهو ان تم ففي غير السباع أيضا يتجه الاستشهاد به ولذا عده في المدارك من الأدلة التي يستدل بها للمدعى على عمومه ولكنه غير تام
فإنه مع ابتنائه على قاعدة المقتضي التي قد تحقق في محله ضعفها يتوجه عليه ما أشار إليه في المدارك ووافقه جل من تأخر عنه تبعا للمحكى عن الذكرى من أنه لا واسطة بين المذكي
والميتة عرفا وشرعا فان صدقت الذكاة عند ذبحه على الوجه المعهود في الشريعة لا يصدق عليه اسم الميتة والا فهو ميتة يجري عليه جميع احكامها وتعرف إن شاء الله في محله ان
ما اعترضه في المدارك عليه ثانيا من أن الذكاة عبارة عن الذبح على الوجه المعهود فالمذبوح على ذلك الوجه مذكي يجري عليه احكامه الا ان يدل دليل على خلافه أيضا لا يخلو
عن وجه بمعنى ان الأصل في الحيوان قبوله للتذكية الا ان يدل دليل على خلافه وقد ظهر بما ذكر ضعف ما قد يقال في تشييد الدليل المزبور من اعتضاده بأصالة عدم التذكية
وبانحصار التذكية في مأكول اللحم في ظاهر خبر علي بن أبي حمزة المتقدم سابقا وبحصر المحرمات في الآية الشريفة في الميتة والدم ولحم الخنزير فان مقتضاه كون غير مأكول اللحم
مطلقا ولو مع التذكية مندرجا في موضوع الميتة والا لم يكن الحصر حاصرا توضيح الضعف انه لا مسرح للتشبث بأصالة عدم التذكية بعد العلم بذبح الحيوان على الوجه المعتبر
شرعا وتأثيره في طهارته وحل جملة من الانتفاعات التي يتوقف حلها نصا واجماعا على عدم كونه ميتة فهو قابل للتذكية بلا شبهة والا لما اثرت فيه الطهارة وحل الانتفاع
كما ذي ذباحة الادمي وفي ذيل الموثقة المزبورة إشارة إلى قبول غير المأكول للتذكية في الجملة كما لا يخفى ودعوى ان القدر المتيقن انما هو قبوله للتذكية بالنسبة
إلى بعض الأحكام لا مطلقا مدفوعة بان قبول الحيوان للذكية امر بسيط لا تركب فيه فالحيوان المفروض اما قابل للتذكية أم لا فإن كان الذبح المعهود المسمى في عرف الشارع والمتشرعة
بالتذكية مؤثرا في طهارته وجواز الانتفاع به ولو في الجملة فهو قابل للتذكية فمتى تعلقت الذكية به صدق عليه انه مذكي فلا يلحقه شئ من احكام الميتة لأنها في
اطلاقات الشارع والمتشرعة قيمة المذكي هذا مع أن المنع عن الصلاة في غير المأكول ليس من اثار صيرورته بالموت ميتة حتى يتشبث لاثباته بأصالة عدم التذكية والا
لاختص المنع بما تحله الحياة منه دون الشعر والصوف ونحوهما مع أنك ستعرف في لقول بالفصل بين الجلد والشعر ونحوه وان المنع متعلق به من حيث هو كالمنع عن اكله
سواء ذكاه الذبح أم لم يذكه فما ذكره المصنف رحمه الله في عبارته المتقدمة من أن خروج الروح من الحي سبب الحكم بموته الذي هو سبب المنع من الانتفاع بالجلد لا يخلو عن
نظر إذ لولا ذاته من حيث هو مقتضيا للمنع فلا يقتضي خروج روحه بالذبح على الوجه المقرر في الشريعة ذلك وانما يقتضيه لو كان خروج الروح بغير ذلك بالوجه
هذا كله في جريان اصالة في لتذكية فيما إذا كان الشك ناشئا من كون الحيوان قابلا للتذكية بحيث تحقيقه موكول إلى محله واما خبر علي بن أبي حمزة فالظاهر أن
المقصود به بيان ما أريد بالذكي في خصوص المورد فكان الإمام عليه السلام حيث سئله السائل عن لباس الفراء نزل سؤاله على ما هو الغالب من اتخاذها من جلد مأكول اللحم
فرخص في الصلاة فيها مشروطة بالتذكية من غير تقييدها بكونها من مأكول اللحم اعتمادا على الغلبة فتوهم السائل من ذلك اطلاق سببية الذكاة لحل الصلاة في الفراء
من غير اشتراطها بشئ فاستفهم عما أريد منها وقال أوليس الذكي ما ذكى بالحديد فقرره الإمام عليه السلام
على ذلك وبين اختصاصه بمأكول اللحم ويشهد لإرادة ما ذكرناه من
الرواية ما أشرنا إليه انفا من أنه يظهر من تتمة الرواية ان المراد بالتخصيص بالمأكول في صدرها الاحتراز عن خصوص السباع لا غير وان ما عداها كالمأكول فهذا
بنفسه دليل على أن ما وقع في الرواية تفسيرا للذكي لم يرد منه الا شرح ما أريد منه في صدر الكلام لا تفسيرا لمفهومه من حيث هو مضافا إلى الأخبار الدالة على
قبول سائر الحيوانات التي لا يؤكل لحمها من السباع وغيرها في الجملة للتذكية واما الآية فليس الحصر فيها حقيقيا كما هو واضح وانما أريد بها بيان حرمة المذكورات
وقصر الحرمة عليها بالإضافة إلى بعض الأشياء التي كانت محل توهم الحرمة لا مطلقا وقد ظهر بما ذكر أيضا ضعف ما قد يقال في توجيه الدليل المزبور من أن الميتة
كالميت اسم لمطلق ما زهق روحه سواء كان بالتذكية أو بغيرها وقد جعل الشارع حكمها حرمة الانتفاع مطلقا في الصلاة وفي غيرها وما دل على جواز الانتفاع
بالمذكي مطلقا أو في الجملة أخص مطلقا من دليل حرمة الانتفاع فيخصص به عموم ذلك الدليل ولم يثبت بالنسبة إلى غير المأكول تخصيصه الا فيما عدى الصلاة توضيح الضعف
ان المتبادر من الميتة في عرف المتشرعة واطلاقات الشارع ليس الا ما يقابل المذكي فما ورد في كلمات الشارع من أن الميتة لا ينتفع بشئ منها لا اهاب ولا عصب
أو انه لا تجوز الصلاة في جلد الميتة أو يحرم اكلها لا يفهم منه الا إرادة ما يقابل المذكي لا الأعم كي يدعى انها مخصصة بما دل على جواز الانتفاع بالمذكي
ولعل هذا من الضروريات التي لا مجال للارتياب فيه ولذا أومأنا إلى ابتناء كلام المصنف رحمه الله على أن الموت مقتضى للمنع عن الانتفاع والتذكية مانعة عن تأثيره فيترتب
اثر المقتضى عليه ما لم يحرز وجود المانع أو مانعية لا على ادعاء استفادة عموم المنع من الأدلة اللفظية والا ففساده واضح وكيف كان فالذي ينبغي ان يقال
في تحقيق المقام ان غير مأكول اللحم ان كان من السباع فلا اشكال بل لا خلاف على الظاهر في عدم جواز الصلاة في جلده وقد استفيض نقل الاجماع عليه و
يشهد له مضافا إلى ذلك جميع الأخبار المتقدمة عموما وخصوصا ويدل عليه أيضا بالخصوص رواية قاسم الخياط أنه قال سمعت موسى بن جعفر عليه السلام يقول
120

ما اكل الورق والشجر فلا باس بان يصلي فيه وما اكل الميتة فلا تصل فيه وخبر الفضل بن شاذان المروي عن كتاب العيون عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال ولا يصلي
في جلود الميتة ولا في جلود السباع وخبر الأعمش المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث شرايع الدين قال ولا يصلي في جلود الميتة وان دبغت سبعين مرة
وكذا في جلود السباع ومضمرة سماعة قال سئلته عن لحوم السباع وجلودها فقال اما لحوم السباع فمن الطير والدواب فانا
نكرهه واما الجلود فاركبوا عليها والا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه ورواها في الكافي عنه مستندة قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن جلود السباع فقال اركبوها ولا
تلبسوا شيئا منها تصلون فيه وعن الشيخ نحوها الا انه اسقط لفظ تصلون فيه ولعله من سهو القلم ولا يعارضها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن
الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه قال لا باس بالصلاة فيه إذ لو جاز العمل بها لتعين صرفها عن السباع جمعا بينها وبين الأخبار الخاصة الواردة فيها مع أنك
ستعرف انه لا بد من حمل هذه الصحيحة على التقية وكذا لا يعارضها صحيحة علي بن يقطين قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود قال
لا باس بذلك وصحيحة الريان بن الصلت قال سئلت أبا الحسن الرضا عن لبس الفراء والسمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها والمناطق والكيمخت والمحشو بالقز و
الخفاف من أصناف الجلود فقال لا باس بهذا كله الا بالثعالب للزوم تقييد الخبرين بغير حال الصلاة ولعل النكتة في طلاقهما مراعاة التقية ولكن ربما يبعد التقييد في الأخيرة
ما فيها من استثناء الثعالب فإنه لا باس بجلود الثعالب في غير حال الصلاة اللهم الا ان يراد به الكراهة هذا مع أن الخبرين أعم مطلقا من الأخبار الواردة في خصوص السباع
فارتكاب التخصيص فيهما بالحمل على ما عدى السباع أيضا ممكن لولا مخالفته للاجماع وبعض الأخبار
الآتية كما أنه يمكن حمل نفي الباس عن أصناف الجلود في الخبر الأخير على ما لو
كانت خفا ونحوه بما لا تتم الصلاة فيه وحده يجعلها بيانا لخصوص الخفاف بناء على اختصاص المنع بما عداه كان بما يظهر من بعض فيكون استثناء الثعالب بالنظر إلى
ما عداه ولكنك ستعرف ضعف المبني وكيف كان فحيث لم يقع في الخبرين التصريح بالرخصة حال الصلاة الا من حيث الاطلاق لا تصلحان لمعارضة شئ من اخبار
الباب فضلا عن معارضة الأخبار الواردة في خصوص السباع نعم ربما يظهر من خبر سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام ان السمور من السباع قال سئلته عن جلود السمور
قال اي شئ هو ذاك الادبس فقلت هو الأسود فقال يصيد قلت نعم يأخذ الدجاج والحمام فقال لا والمراد به بحسب الظاهر المنع عن لبسه حال الصلاة بشهادة غير من الاخبار
وظاهره بمقتضى الاستفصال كظاهر بعض الأخبار المقدمة إناطة المنع بكونه من السباع وحيث شهد السائل بكونه من السباع منع الإمام عليه السلام عن لبسه ولو كان الامر كما
شهد به السائل اي لو كان السمور من السباع لاشكل ما ادعيناه من الاجماع المستفيض نقله عن عدم جواز الصلاة في جلد السباع مطلقا لما ستعرف من وقوع الخلاف في
المعتضد بالعمومات المتقدمة كما ستعرف ولكن وقوع الخلاف فيه على تقدير كونه من السباع قادح لدعوى الاجماع على المنع عنها كلية وكذلك الكلام في الحواصل فإنه
ربما يظهر من بعض كونها من السباع مع أن كثيرا من الأصحاب على ما حكى عنهم قائلون بجواز الصلاة في جلدها كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله وكيف كان فالأخبار المتقدمة بأسرها
تدل على المنع عن الصلاة في (جلود) السباع مطلقا فهذا هو الأصل في الباب ولا يعدل عنه الا بدليل أخص وسيأتي الكلام في الموارد الخاصة التي أمكن استثنائها من هذه
القاعدة على تقدير اندراجها في موضوعها فلو وجد في الاخبار ما يظهر منه جواز الصلاة في جلد السباع أو مطلق غير المأكول كبعض الأخبار المتقدمة فمأول أو محمول
على التقية واما غير السباع من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها فالظاهر في لخلاف بين الأصحاب في كونها كالسباع في أن مقتضى القاعدة المتلقات من الشرع المنع
عن الصلاة في جلدها الا ان يدل دليل خاص على جوازها وقد حكى عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويشهد بصدق هذه الدعوى ان كل من قال بجواز الصلاة في
جلد شئ مما لا يؤكل لحمه استند في مقالته إلى الأدلة الخاصة الواردة فيه بحيث لولا تلك الأدلة لم يقل بجوازه كما يظهر ذلك من تتبع أقوالهم فينكشف
من ذلك معروفية المنع عن الصلاة في جلد غير المأكول لدى الشيعة من الصدر الأول وكون الاخبار النافية له بظاهرها صادرة عن علة كما يؤيده بعض الأخبار
الآتية التي وقع فيها السؤال عن الشعر ونحوه مما يستشعر بل يستظهر منه كون المنع عن الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه على سبيل الاجمال معروفا في عصر
الأئمة عليهم السلام لدى السائلين بحيث كانوا ربما يسئلون عن الشعر الملقى على الثوب أو عن شعر الانسان وسائر اجزائه ويدل عليه أيضا موثقة ابن بكير ورواية
انس بن محمد المتقدمتين في صدر المبحث والأخبار الدالة على المنع عن الصلاة في شعر غير المأكول ووبره وصوفه بالتقريب الذي تقدمت الإشارة إليه كخبر أبي تمامة
قال قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام ان بلادنا بلاد باردة فما تقول في لبس هذا الوبر فقال البس منها ما اكل وضمن ويحتمل قويا ان يكون المراد بالوبر في هذه الرواية
ما كان مع الجلد بقرينة اعتبار الضمان الذي أريد به بحسب الظاهر التعهد بذاته وخبر الوشا قال كان أبو عبد الله
عليه السلام يكره الصلاة في وبر كل شئ لا يؤكل لحمه
ومرفوعة محمد بن إسماعيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يجوز الصلاة في شعر ووبر مالا يؤكل لحمه لان أكثرها مسوخ ومكاتبة محمد الهمداني قال كتبت إليه
يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة فكتب عليه السلام لا تجوز الصلاة فيه إلى غير ذلك من الاخبار الآتية فإنها تدل على المنع عن الجلد
بالأولوية مع أنه لا قائل بالفصل على الظاهر وفي صحيحة سعد المتقدمة انفا ايماء إلى في لفرق بين الوبر والجلد كما تقدمت الإشارة إليه ويؤيد المطلوب
أيضا رواية علي بن شعبة المروية عن تحف العقول عن الصادق عليه السلام في حديث قال وكل ما انبت الأرض فلا باس بلبسه والصلاة فيه وكل شئ يحل لحمه فلا باس
بلبس جلده الذكي منه وصوفه وشعره وان كان الصوف والشعر والوبر من الميتة وغير الميتة ذكيا فلا باس بلبس ذلك والصلاة فيه فإنها مشعرة بإناطة الجواز
بحلية الاكل وما في هذه الأخبار من ضعف السند كقصور بعضها من حيث الدلالة فهو مجبور باستفاضتها واعتضاد بعضها ببعض وبالاخبار الخاصة الآتية
121

الموافقة لها واشتهارها بين الأصحاب وعملهم بمضمونها إلى غير ذلك من المؤيدات ولكن قد يعارضها طوائف من الاخبار منها الأخبار الخاصة الدالة على جوار
الصلاة في جملة من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها كالخز والسنجاب والفنك والثعالب والأرانب وغير ذلك الا ان عد مثل هذه الأخبار معارضة لما ذكر مسامحة فإنه ان صحت
هذه الروايات الخاصة وسلمت عن معارض مكافؤ لخصص بها العمومات الدالة على المنع اللهم إلا أن
يدعي كون تلك العمومات نصا في إرادة مورد الخاص كما ستسمع هذه
الدعوى في كثير من تلك الموارد الخاصة ومنها جملة من الأخبار المتقدمة في السباع التي يظهر منها اختصاص المنع بالسباع وانها هي التي نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عنه دون غيرها
ولا يمكن الجمع بينها وبين عمومات المنع بتخصيصها بالسباع لا بأنها عن ذلك نعم لا يأبى أغلب تلك العمومات عن الحمل على مطلق المنع الشامل للكراهة فيمكن الجمع بينها
وبين الأخبار الدالة على الجواز في غير السباع بحمل المنع بالنسبة إلى ما عدى السباع على الكراهة ولكن يشكل ذلك في موثقة ابن بكير فإنها كادت تكون صريحة في البطلان
كما انها بقرينة موردها صريحة في إرادة الأعم من السباع في الجملة فلا يمكن الجمع بينها وبين تلك الأخبار
فلابد من الرجوع إلى المرجحات وهي مع الموثقة لموافقتها للمشهور
ومخالفتها للجمهور فهي ابعد عن التقية لان مذهب العامة على ما نسب إليهم القول بالجواز في غير المأكول مطلقا فتلك الأخبار أيضا وان كانت مخالفة لهم في الجملة لكنها أقرب إليهم
من الموثقة وكفى بمثل ذلك في مقام الترجيح كما تقرر في محله هذا مع ضعف تلك الأخبار في حد ذاتها من حيث السند لولا ادعاء انجبارها باستفاضتها واعتضاد بعضها
ببعض المورث للوثوق بصدورها في الجملة فليتأمل ومنها صحيحة الحلبي المتقدمة النافية للباس عن الصلاة فيما سئله السائل وهو الفراء والسمور والسنجاب والثعالب
وأشباهه وصحيحتا علي بن يقطين والريان بن الصلت المتقدمتان النافيتان للباس عن لبس جميع الجلود باستثناء الثعالب في الأخيرة ولكنك عرفت فيما سبق ان الأخيرتين
لعدم صراحتهما في إرادة اللبس حال الصلاة وامكان ارادته من حيث هو لا في حال الصلاة لا تصلحان لمعارضة اخبار المنع واما الصحيحة الأولى فهي صريحة في الجواز حال
الصلاة ومقتضى الجمع بينهما وبين الأخبار المانعة حمل تلك الأخبار على الكراهة ولا ينافي ذلك ما تقدم سابقا من أن مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة وبين الأخبار المانعة
عن السباع تخصيص الصحيحة بغير السباع لان شمول الصحيحة للسباع ليس بالنصوصية بل بواسطة عموم أشباهها القابل للصرف لو لم نقل بانصرافه في حد ذاته عن السباع
فارتكاب التخصيص فيما أهون من حمل النواهي الكثيرة المتعلقة بالسباع على الكراهة وهذا بخلاف المقام فان المعارضة بينها وبين اخبار المنع من قبيل معارضة النص و
الظاهر فيحمل اخبار المنع على الكراهة لكن قد أشرنا انفا إلى أن موثقة ابن بكير أبيه عن هذا الحمل فهي معارضة لهذه الصحيحة أيضا كغيرها من المذكورات والترجيح للموثقة كما
ظهر وجهه فيما سبق وربما جعل بعض الاخذ بالصحيحة أرجح اما لزعمه عدم حجية الموثق فتسميته ترجيحا على هذا التقدير مسامحة أو لبنائه على أن الترجيح بصفات الراوي
مقدم على الترجيح بالمرجحات الخارجة من تقييد ونحوها وفيه ما تقرر في محله من حجية الموثق خصوصا مثل هذا الخبر المعتضد بمعاضدات كثيرة تقدمت الإشارة إليها اجمالا
واما الصحيحة فقد عرفت فيما سبق انه لابد من رفع اليد عن ظاهرها بالنسبة إلى السباع فهي بظاهرها غير معمول بها وارتكاب التأويل فيها بالحمل على إرادة ما عدى السباع و
جعل مأولها دليلا لطرح الموثقة ليس بأولى من جعل الموثقة وغيرها من الأخبار العامة والخاصة الواردة في السباع وغيرها شاهدة لحمل الصحيحة على التقية بل هذا هو
الأولى مع أن اعراض الأصحاب عن ظاهرها لو لم يسقطها عن الحجية فلا أقل من اخراجها عن صلاحية المكافئة للموثقة ولكن قد يشكل ذلك بكثرة ابتلاء الموثقة بالمعارضات
فإنها مع معارضتها بما عرفت قد يعارضها كثير من الأخبار الخاصة الآتية وتلك الأخبار الخاصة وان كانت في خصوص مواردها معارضة بما يكافؤها أو يترجح عليها ولكن كثرة
المعارضات تورث الوهن في الموثقة حيث يعلم اجمالا بصدور جل هذه الأخبار المتعارضة لولا كلها فينحصر محملها اما بتنزيل الأخبار الدالة على المنع على الكراهة وتنزيل
ما فيها من الاختلاف على اختلاف مراتبها نظير الأخبار الواردة في البئر على عرفته في محله أو حمل الأخبار الدالة على الجواز عامها وخاصها بأسرها على التقية والأول
وان كان في غاية البعد بالنظر إلى ظاهر الموثقة ولكن ارتكاب التأويل البعيد فيها بل طرحها بواسطة المعارضات أهون من حمل هذه الأخبار الكثيرة على التقية مع ما في أغلب
تلك الأخبار من التفاصيل المنافية للتقية كما ستعرف فالجمع بين شتات الاخبار بالحمل على الكراهة من حيث هو لا يبعد ان يكون أقرب ولكن اعراض المشهور عن ظاهر اخبار الجواز
بل اتفاق كلمتهم على المنع فيما عدى ما ستعرف على ما حكى عنهم بوجب أرجحية الحمل على التقية فالاخذ بظاهر الموثقة وغيرها من الأخبار الدالة على المنع عن الصلاة في
جلد ما لا يؤكل لحمه في غير ما ورد فيه نص خاص على جوازه بلا معارض مكافؤ مما ستعرف مع أنه أحوط لا يخلو عن قوة وهل يفتقر استعماله في غيرها اي الصلاة إلى الدباغ
قيل نعم وربما نسب هذا القول إلى الأكثر بل المشهور وقيل لا وهذا هو الأشبه ولكن على كراهية كما عرفت في أواخر كتاب الطهارة المسألة الثانية
الصوف والشعر والوبر والريض مما يؤل لحمه طاهر سواء جزء من حي أو مذكى أو ميت وتجوز الصلاة فيه ولكن لو قلع من الميت غسل منه موضع الاتصال لو لم يستصحب
شيئا من الاجزاء التي حل فيها الحياة والا أزيل منه ذلك الجزء ثم غسل موضعه لإزالة النجاسة العرضية التي اكتسبها بملاقات النجس برطوبة مسرية نعم لو فرض انفكاكه
عن ذلك لم يجب الغسل واطلاق بعض الأخبار الدالة عليه كحسنة حريز المتقدمة في كتاب الطهارة جار مجرى الغالب وكذا ما لا تحله الحياة من الميت مما لم يكن هو في حد
ذاته نجسا كالدم المنجمد تحت الجلد ونحوه فإنه ظاهر إذا كان حيوانه ظاهرا في حال الحياة وتجويز الصلاة فيه أيضا إذا كان مما يؤكل لحمه بعد غسله وإزالة ما عليه من
النجاسة العرضية المكتسبة بملاقات الميتة أو استصحاب اجزائها كما يدل عليه اخبار كثيرة منها صحيحة حريز قال قال أبو عبد الله عليه السلام لزرارة ومحمد بن مسلم اللبن واللباء و
البيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شئ ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكي وان اخذته منه بعد ان يموت فاغسله وصل فيه وما كان نجسا في
حياته كالكلب والخنزير فجميع ذلك منه نجس على الأظهر وما حكى عن السيد رحمه الله من القول بطهارة ما لا تحله الحياة من نجس العين ضعيف وقد تقدم تحقيق ذلك كله في
كتاب الطهارة ولا تصح الصلاة في شئ من ذلك ولا في غير ذلك مما حل فيه الحياة لو جعل لباسا أو جزء لباس إذا كان مما لا يؤكل لحمه ولو اخذه من مذكي عدى
122

ما استثنى بلا خلاف فيه على الظاهر في الجملة بل في الجواهر اجماعا محصلا ومحكيا مستفيضا وفي المدارك هذا مذهب الأصحاب لا يعلم فيه مخالف منهم أقول ولكن الظاهر أن
كثيرا من الأصحاب لم يصرحوا بعموم المنع عن كل شئ مما لا يؤكل لحمه كما هو المدعى بل خصوا بعض الاجزاء بالذكر كالشعر والوبر والصوف فيشكل نسبة الكلية إليهم بل في يستظهر
منهم خلاف ذلك فإنه قد يقال بل قيل إن اقتصار أساطين الأصحاب قديما وحديثا إلى زمن بعض متأخري المتأخرين على الجلد والشعر والوبر والصوف والعظم ظاهر في
في لباس بغير ذلك من فضلاته ولكن يحتمل قويا كون التخصيص جاريا مجرى التمثيل المناسب للباس كما هو محل كلامهم ولكن الجزم بذلك ونسبة المنع إليهم على سبيل العموم
لا يخلو عن اشكال وكيف كان فعمدة الحكم على سبيل الكلية موثقة ابن بكير المتقدمة الدالة على فساد الصلاة في كل شئ مما حرم اكله من شعره ووبره وروثه وألبانه
وكل شئ منه ووجوب اعادتها ويدل عليه أيضا في خصوص الشعر والوبر اخبار مستفيضة تقدم جملة منها في مسألة الصلاة في جلد غير المأكول والظاهر أن المراد
بالشعر والوبر فيها ما يعم الصوف مع أنه لا قائل بالفصل بينها هذا مع أن عموم الموثقة اغنانا عن مثل هذه الدعاوي وقد تقدم فيما سبق التنبيه على أن شيئا من
الاخبار التي يستشعر أو يستظهر منها الجواز لا يصلح لمعارضة الموثقة وغيرها من اخبار المنع اللهم الا ان يكون أخص منها مطلقا وحيث إن مفاد الموثقة عدم جواز
الصلاة في شئ من اجزاء ما لا يؤكل لحمه فهذا هو الأصل في الباب لا يعدل عنه الا بنص خاص وسيأتي الكلام في الأدلة الخاصة وينبغي التنبيه على أمور
الأول حكى عن الشهيدين وجماعة منهم صاحب المدارك القطع باختصاص المنع بالملابس فلو لم يكن كذلك كالشعرات الملقاة على الثوب لم يمنع الصلاة فيه وعن ظاهر
الأكثر عموم المنع بل عن صاحبي الذخيرة والبحار نسبه إلى المشهور وعن المحقق الثاني التصريح بالمنع وان كانت شعره واحدة حجة القول بالمنع خبر إبراهيم
بن محمد الهمداني قال كتبت إليه يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة فكتب لا يجوز الصلاة فيه وموثقة ابن بكير وغيرها من
الاخبار التي ورد فيها النهي عن الصلاة في الشعر والوبر وتوهم اختصاصه بالملابس بملاحظة لفظه في الظاهرة في الظرفية مدفوع بعدم جريانه في الموثقة
لدخولها على الشعر والوبر وغيرها مما لا يستقيم إرادة الظرفية بالنسبة إليه كالبول والروث ونحوهما فهذا كاشف عن أن المراد بها مطلق الملابسة والمصاحبة
قال المحقق البهبهاني على ما حكى عنه ورواية ابن بكير أيضا ظاهرة فيه فان الصلاة في الروث مثلا ظاهرة في المعية وتقدير الكلام بإرادة الثوب الذي يتلوث
به غلط لان الأصل في لتقدير سيما مثله وقد قرر في الأصول انه إذا دار الامر بين المجاز والاضمار فالمجاز متقدم متعين انتهى ونوقش فيه بأنه لا ريب في
ظهور لفظه في في الظرفية ولكن لما تعذرت الحقيقة بالنسبة إلى الروث ونحوه حمل على أقرب المجازاة وهو ظرفية المتلطخ به بخلاف الشعر فان الحقيقة ممكنة فيه
فلا حاجة إلى صرفه بل ولا قرينة ضرورة عدم صلاحية التجوز في الروث لمكان تعذر الحقيقة للصرف كما هو واضح وفيه ان ارتكاب التجوز في الروث بحمله على ارتفاع المتلطخ
به هو الاضمار الذي صرح المحقق المزبور بان المجاز خير منه لا يقال انا لا نلتزم في المقام بالاضمار كي يكون مخالفا للأصل بل نقول إنه اطلق الروث وأريد منه
الشئ المتلطخ به بعلاقة الحال والمحل أو غيرها من أنواع العلائق فلا اضمار لأنا نقول الاضمار في شئ من موارده لا يخلو عن نوع من العلائق المصححة لإرادة المقدر
من المذكور وهذا لا يخرجه عن كونه اضمارا بل قد يقال إنه لايراد في شئ من موارد الاضمار الا هذا النوع من التصرف وان أبيت الا عن انه قسم اخر من اقسام المجاز وهو
أقرب من التجوز في كلمة في قلنا لا شبهة في أن التوسع في الظرفية بحيث تعمم مطلق الملابسة والمصاحبة أقرب من اطلاق الروث وإرادة ما يتلوث به بل لا شبهة في أنه
لا ينسبق إلى الذهن من الروث في الرواية الا إرادة نفسه فلا تجوز فيه أصلا وانما التجوز في لفظة في الداخلة عليه وعلى الشعر والوبر فبالنسبة إليه لا يمكن ابقائها
على حقيقتها الا بارتكاب التقدير فيدور الامر بينه وبين التوسع في الظرفية بإرادة مطلق الملابسة الشاملة بمصاحبة والثاني أولى بلا شبهة وحيث إن كلمة في غير
متكررة في الرواية فلا يمكن التفكيك بالحمل على الحقيقة بالنسبة إلى الشعر والوبر والمجاز في الروث وأشباهه لاستلزامه استعمال اللفظ في المعنيين ولكن لقائل ان يقول
عند تعذر إرادة الظرفية الحقيقية بالنسبة إلى الروث لا يتعين إرادة مطلق المصاحبة منها بالنسبة إلى الجميع لجواز ان يكون المراد بها مطلق الظرفية الشاملة للحقيقة
والمجازية التي يكفي في تحققها أدنى ملابسة بان يكون المقصود بها الظرفية في كل شئ بحسب ما يناسبه في صدق الصلاة فيه في العرف وهذا مما يختلف حاله بحسب الموارد ففي بعضها
يعتبر الصدق الحقيقي كما في الشعر والوبر والجلد ونحوها وفي بعضها المسامحي كما في الروث والبول ولا يكفي في شئ منها مطلق المصاحبة بحيث يعم المحمول كعروة السكين ونحوه
وعلى تقدير تسليم ظهورها بعد تعذر الحقيقة بالنسبة إلى الروث في مطلق التلبس بحيث يعم مثل الشعرات الملقاة فهو أيضا أخص من مطلق المصاحبة ولذا اعترف بعض لشمول
الرواية لمثل الشعرات الملقاة فلم يجوز الصلاة فيها ونفي الباس عن عروة السكين ونحوها بدعوى خروجها عن منصرف الرواية وربما يؤيد المنع عن الشعرات بل يستدل به أيضا
الاخبار الآتية التي ورد فيها النهي عن الصلاة في الثوب الذي يلي جلود الثعالب إذا الظاهر أنه لا جعل ما يقع عليه من شعره ونوقش في ذلك بأنه علة مستنبطة فلا عبرة
به وفي الرواية الأولى أيضا بضعف السند بالاضمار وجهالة بعض رواتها فعمدة المستند هي الموثقة وهي أيضا قد عرفت انها لا تسلم عن الخدشة هذا كله مع معارضة
هذه الأخبار بصحيحة محمد بن عبد الجبار قال كتبت إلى أبي محمد عليه السلام هل يصلي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب فكتب لا تحل الصلاة في الحرير
المحض وان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه ولكن يحتمل قويا جرى هذه الصحيحة مجرى التقية كما ستعرف
هذا مع امكان الالتزام بمفادها بناء على استثناء ما لا تتم فيه الصلاة
من عموم المنع كما سيأتي فيه ولكن لا يخفى عليك ان الالتزام بجواز مثل القلنسوة المتخذة من اجزاء ما لا يؤكل لحمه وما عليها من الشعر والوبر والمنع عن الشعرات
الملقاة على الثوب في غاية البعد فالتفصيل في غاية الاشكال بل المتعين اما القول بالجواز مطلقا أو المنع كذلك وقد ظهر بما ذكر من امكان الخدشة في أدلة المانعين ان
الأول لا يخلو عن قوة ولكن الثاني أحوط بل لعله أقوى فان دعوى ظهور الموثقة في مطلق التلبس الصادق على مثل الشعرات الملقاة قوية جدا مع اعتضادها بغيرها
123

مما عرفت نعم لا يبعد دعوى انصرافها عن المحمول وان لا يخلو هذا أيضا عن تأمل اللهم الا ان يكون المحمول في كيس ونحوه فإنه لا ينبغي حينئذ التأمل في خروجه عن منصرف الرواية
والله العالم الثاني صرح غير واحد بخروج الانسان عن موضوع هذا الحكم فلا باس بالصلاة في فضلاته الطاهرة وهذا مما لا ينبغي الارتياب فيه من غير فرق بين فضلات
نفسه وغيره لاستقرار السيرة على في لتحرز منها مع أن المنساق من الشئ الذي جعل مقسما في الموثقة ونحوها للمأكول وغير المأكول هو الحيوان الذي ينصرف اطلاقه عن
الانسان (فإنه وان صدق على الانسان) لغة انه حيوان غير مأكول اللحم ولكن لا يطلق عليه ذلك عرفا مضافا إلى شهادة بعض الأخبار عليه ففي الصحيح عن ابن الريان قال كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام هل يجوز الصلاة في
في ثبوت يكون فيه شعر من شعر الانسان وأظفاره من قبل ان ينفضه ويلقيه عنه فوقع يجوز وصححه الاخر قال سئلت أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره
ثم يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه من ثوبه فقال لا باس وخبر الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه عليهما السلام المروي عن قرب الإسناد قال سئل عن البزاق يصيب الثوب
قال لا باس به ومقتضى ترك الاستفصال في الرواية الأولى والأخيرة عدم الفرق بين كونه منه أو من غيره ويشهد له أيضا بعض الأخبار الدالة على جواز حمل المرضعة
ولدها وارضاعها في الصلاة كخبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد انه سئل أخاه موسى عليه السلام عن المرأة تكون في صلاة الفريضة وولدها إلى جنبها يبكي هل يصلح
لها ان تتناوله فتقعده في حجرها وتسكنه وترضعه قال لا باس وخبر عمار عن الصادق عليه السلام لا باس ان تحمل المرأة صبيها وهي تصلي وترضعه فان حمل الصبي وارضاعه
واسكانه لا ينفك عادة عن إصابة لعابه إلى ثدي المرضعة ودمعه إلى ثيابها عند بكائه ويؤيده أيضا خبر الإسكافي قال إن أبا جعفر عليه السلام سئل عن القرامل التي تضعها
النساء في رؤسهن يصلنه بشعورهن قال لا باس بالمرأة ما تزينت به لزوجها وعن مكارم الأخلاق عن زرارة عن الصادق عليه السلام قال سئله أبي وانا حاضر عن الرجل يسقط
سنة فيأخذ سن انسان ميت فيجعله مكانه قال لا باس فان اطلاق الروايتين واردا مورد حكم اخر الا ان اطلاق نفي الباس مع غلبة وقوع الصلاة في السن والشعر
المفروضين في الروايتين لو لم يدل على المطلوب فلا أقل من كونه من المؤيدات كما أن الخدشة في الأخير بان غاية الأمر دلالته على جواز الصلاة إذا كان في الباطن وهذا
مما لا كلام فيه غير قادحة في مقام التأييد وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في خروج الانسان عن منصرف اخبار المنع فلا ينبغي الاستشكال فيه حتى في مثل الثوب المنسوج
من شعره فضلا عن شعرائه الملقاة على الثوب ونحوها قضت السيرة بعدم التجنب عنه الثالث مقتضى عموم الموثقة المعتضدة باطلاق كلمات الأصحاب في فتاويهم
ومعاقد اجماعاتهم المحكية في لفرق في غير المأكول الذي نهى عن الصلاة فيه بين ذي النفس وغيره ودعوى اطلاق انصراف كلمات الأصحاب إلى ذي النفس وان هذا هو المراد
من العموم في الموثقة بقرينة قوله عليه السلام في ذيلها ذكاة الذبح أولم يذكه المشعر بكون ما هو المفروض موضوعا للحكم ما كان قابلا للتذكية وغير ذي النفس ليس كذلك
مدفوعة بمنع انصراف الاطلاق خصوصا بالنسبة إلى بعض اقسام غير ذي النفس مما كانت جثته عظيمة ولحمه كثير كالجري والحية وأشباههما فان دعوى انصراف الاطلاق عن
مثل ذلك وشموله لمطلق ذي النفس مجازفة وانما ادعينا مثل هذه الدعوى في الأخبار المانعة عن الصلاة في جلد الميتة لبعض القرائن المقتضية لصرفها إلى إرادة ذي
النفس مما تقدمت الإشارة إليه وهذا بخلاف المقام فإنه لا قرينة مقتضية لذلك بل الامر بالعكس كما لا يخفى على المتأمل واما الموثقة فهي كما تراها قوية الدلالة على
العموم لوقوعها في مقام اعطاء الضابط وبيان مناط الحكم مع ما فيها من التعبير بالعموم مكررا بعبائر المختلفة فيشكل ارتكاب التخصيص فيها الا بنص صريح وما في ذيلها لا
يصلح شاهدا لذلك لان غايته الاشعار بان ما فرض موضوعا للقضية ليس الا ما قابل التذكية وهذه مما لا يلتفت إليه في مقابل ما عرفت بل لمانع ان يمنع اشعاره
بذلك فان قوله عليه السلام ذكاه الذبح أو لم يذكه كلام ذكر استطراد البيان عدم مدخلية التذكية في ذلك وإناطة المنع بكون الحيوان في حد ذاته محرم الاكل فالفقرة
المذكورة على خلاف المطلوب أدل حيث يفهم منه إناطة الحكم بعنوان كونه غير المأكول لا غير مذكى نعم لا يبعد ان يقال إنه لا ينسبق إلى الذهن من قوله عليه السلام
الصلاة في وبر كل شئ حرام اكله الخ الا إرادة هذا الصنف من الحيوان الذي له وبر وشعر وروث والبان الا مطلقة وهو أخص من ذي النفس أيضا ولكن يتوجه عليه
ما أشرنا إليه من أن المتأمل في الرواية لا يكاد يشك في كونها مسوقة لبيان إناطة الحكم بكونه مأكول اللحم وغير مأكول اللحم فالأشياء المذكورة فيها جارية مجرى التمثيل
هذا ولكن الانصاف ان استفادة المنع عن مثل الحشرات والطيور من هذه الموثقة لا تخلو عن تأمل الا بضميمة في لقول بالفصل وتمامية في غير ذي النفس محل نظر فالقول
بالجواز كما يظهر من بعض المتأخرين قوي ولكن المنع مطلقا ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط هذا كله فيما له لحم يعتد به بنظر العرف كالجري وأشباهه واما ما لا لحم
له عرفا كالبق والبرغوث والقمل والزنبور والخنافس وأشباهها فلا ينبغي التأمل في انصراف الأدلة عنه ولذا لا يتوهم أحد من العوام المنع عن الصلاة في الثوب
المخيط بالإبريسم بل ولا في الحرير المخص بلحاظ كونه من فضلات غير المأكول ولا فيما اصابه شئ من العسل أو شمعه مع معهودية اتخاذ هذه الأشياء من غير المأكول و
مغروسية المنع عن الصلاة في غير مأكول اللحم في أذهانهم فما عن بعض من الاستشكال في الشمع ونحوه مما ليس فيه سيرة قطعية نظرا إلى عموم أدلة المنع ضعيف لا يقال
من الموثقة المزبورة التي هي العمدة في الباب خالية عن ذكر اللحم وانما وقع فيها تعليق المنع على كون الشئ محرم الاكل وهو يصدق عرفا على كل حيوان لا يجوز
اكله ولو مثل البق والبرغوث وان لم يطلق عليه اسم غير مأكول اللحم لأنا نقول أولا ان المتبادر من الموثقة أيضا بعد الغض عن المناقشة المتقدمة ليس الا إرادة
الحيوانات التي لا يؤكل لحمها كما يفصح عن ذلك مقابلة غير المأكول في الموثقة بقوله عليه السلام وان كان مما يؤكل لحمه الخ منع وقوع التعبير عنه فيما قبل هذه الفقرة
بما حل الله اكله وثانيا ان الالتزام بعموم الموثقة لكل حيوان وخروج مثل البق والبرغوث والقمل مثلا لأجل
السيرة أو دليل نفي الحرج أو؟
كما في الحرير مثلا ليس بأولى من جعلها كاشفة عن أن المراد بالشئ الذي جعل مقسما هو الحيوان القابل للاتصاف بحلية اللحم وحرمته فليتأمل وكيف كان فلا ينبغي
الارتياب في أنه لا يستفاد من الموثقة فضلا عن غيرها شمول المنع لمثل هذه الحيوانات فمقتضى الأصول جواز التلبس بها هذا مع استقرار السيرة على في لتحرز عن فضلات
124

هذا النحو من الحيوانات واجرائها ولو في اقسامها المستحدثة الغير المتعارفة فليتأمل الرابع مقتضى اطلاق الموثقة وغيرها من الأخبار الخاصة والعامة الناهية
عن الصلاة في غير المأكول كمعاقد الاجماعات المحكية في لفرق بين كون ما يصلي فيه مما يتم الصلاة فيه وحده وبين غيره كالتكة والقلنسوة والجورب ونحوها وقد نسب
القول بذلك إلى الأكثر بل المشهور خلافا للمحكى عن المبسوط والمنتهى والاصباح فالكراهة ولكن عن الأخير تقييدها بما إذا لم يكن هو اي وبر ما لا يؤكل لحمه المعمول تكة
ونحوها أو المصلي رطبا فكأنه يلتزم بالمنع على تقدير الرطوبة فلا يبعد ان يكون ذلك مبنيا على القول بنجاسة الأرانب والثعالب التي هي عمدة ما يتعلق به النظر
في هذا الباب وعن أبي حمزة انه قسم ما لا يتم فيه الصلاة منفراد إلى ما تكره فيه وعد منها التكة والجورب والقلنسوة المتخذات من شعر الأرنب والثعلب وما لا تكره
فيه وعد منها الثلاثة من غير ما ذكر ربما يظهر من المدارك اختيار الجواز حيث قال اختلف الأصحاب في التكة والقلنسوة المعمولتين من وبر غير المأكول فذهب الأكثر
ومنهم الشيخ في النهاية إلى المنع منهما لما سبق في الجلود وقال في المبسوط بالكراهة ومال إليه في المعتبر تعويلا على الأصل ورواية محمد بن عبد الجبار السابقة
واستضعافا للاخبار المانعة وهو غير بعيد الا ان المنع أحوط انتهى ونقل في محكى المختلف عن الشيخ الاستدلال على الجواز كما ذهب إليه في المبسوط بأنه قد ثبت
للتكة والقلنسوة حكم مغائر لحكم الثوب من جواز الصلاة فيهما وان كانا نجسين أو من حرير محض فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب وغيرها انتهى ونوقش فيه بأنه قياس
لا نقول به كما نوقش في الاستدلال بالأصل بانقطاعه بالدليل ويدفعه ان الشيخ رحمه الله على ما يظهر من سبل الاستدلال جعل جواز الصلاة في التكة و
القلنسوة إذا كانا نجسين أو من حرير محض كاشفا عن أن مراد الشارع بكل شئ نهى عن الصلاة فيه على الاطلاق في محاوراته انما هو إرادة ذلك الشئ إذا كان
ثوبا يتم فيه الصلاة وحده لا مثل التكة والقلنسوة فلا ربط لهذا الاستدلال بالقياس بل مرجعه إلى ادعاء استكشاف مراد الشارع في خصوص المورد من استقراء
النواهي الشرعية المطلقة الواردة في الحرير وفي أبواب النجاسات على كثرتها حيث علم في تلك الموارد بقرينة منفصلة ان مراده بما يصلي فيه ما عدى مثل التكة
وأشباهها فيكشف ذلك عن أن هذا المعنى متعارف في محاوراته مضافا إلى شهادة بعض الأخبار النافية للباس عما لا تجوز الصلاة فيه وحده بصدق هذه
الدعوى مثل ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كلما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا باس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون
في السراويل ويصلي فيه فان مقتضى عموم قوله عليه السلام كلما لا تجوز الصلاة فيه الخ انما هو جواز الصلاة في كل شئ من شانه عدم جوازها فيه لو كان مما يتم فيه الصلاة
ويؤكد عمومه الجمع في مقام التمثيل للقاعدة بين الخف وغيره حيث إن احتمال مانعية الخف عن الصلاة بحسب الظاهر انما هو بلحاظ كونه من جلد الميتة أو متنجسا
أو من غير المأكول فذكره في عداد الأمثلة ينفي احتمال كونه مسوقا لبيان ضابطه في خصوص الحرير ويجعله كالنص في العموم فهو بظاهره مسوق لبيان اختصاص
الشرائط المعتبرة في لباس المصلي من عدم كونه متنجسا أو حريرا أو متخذا من جلد الميتة أو من غير مأكول اللحم بما إذا كان مما يتم فيه الصلاة وحده فهذا الخبر بمدلوله
اللفظي ناظر إلى الأدلة المانعة عن الصلاة في الأشياء المزبورة فلا يصلح لمعارضتها شئ من الأخبار الدالة على المنع عن تلك الأشياء على الاطلاق وان كانت
النسبة بينه وبين كل واحدة من تلك الأخبار كموثقة ابن بكير المتقدمة ونحوها العموم من وجه لان الحاكم مقدم على المحكوم عليه على كل حال فلا يلاحظ بينهما النسبة
كما تقرر في محله فهذه الرواية من أقوى ما يمكن ان يستدل به للقول بالجواز ويدل عليه أيضا صحيحة محمد بن عبد الجبار كما أشرنا إليه في المدارك في عبارته المتقدمة
قال كتبت إلى أبي محمد عليه السلام هل يصلي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب فكتب لا تحل الصلاة في الحرير المحض وان كان الوبر ذكيا
حلت الصلاة فيه ولكن الاستدلال بهذه الصحيحة بمني على ما هو المشهور من في لفرق بين وبر الأرانب وغيرها مما لا يؤكل لحمه والا فلا تدل بالنسبة إلى وبر
غير الأرانب الا على نفى الباس عن المحمول وهو خارج عن محل الكلام ولكنك ستعرف في لفرق بين الأرانب وغيرها فلا قصور في دلالتها على المدعى ويؤيدها ما في
كشف اللثام عن بعض الكتب مرسلا عن الرضا عليه السلام وقد تجوز الصلاة فيما لم تنبته الأرض ولم يحل اكله مثل السنجاب والفنك والسمور والحواصل إذا كان فيما لا يجوز
في مثله وحده الصلاة ولكن يعارضها خبر علي بن مهزيار قال كتب إليه إبراهيم بن عقبة عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب
من غير ضرورة ولا تقية فكتب لا تجوز الصلاة فيها ونحوه رواية أحمد بن إسحاق الأبهري وخبر إبراهيم بن محمد الهمداني قال كتبت إليه يسقط على ثوبي الوبر والشعر
مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة فكتب لا تجوز الصلاة فيه وهذه الأخبار وان كانت مضمرة لكنها معتضدة بموافقة المشهور ومخالفة الجمهور مع أن احتمال كون
المكتوب إليه غير المعصوم في غاية البعد خصوصا في خبر علي بن مهزيار فيشكل رفع اليد عنها بعد الاعتضاد بما عرفت وربما يؤيدها أيضا ما يستشعر من بعض الأخبار
المتقدمة الواردة في شعر الانسان وغيره من معروفية المنع عن استصحاب اجزاء غير المأكول لدى الشيعة من صدر الشريعة فلا يكافؤها الصحيحة المتقدمة فإنها وان كانت
أقوى من حيث السند ولكنها موهونة بمخالفة المشهور وموافقة الجمهور مع ما فيها من القرائن الداخلية والخارجية المورثة لغلبة الظن بصدورها نفية فان
ما تضمنها من المنع عن الحرير المحض مطلقا حتى في مثل التكة التي وقع عنها السؤال كما يقتنيه اطلاق الجواب والرخصة في الصلاة في الوبر مشروطا بالذكاة موافق
للمحكي عن أحمد بن حنبل الذي شاعت التقية منه في زمان العسكري عليه السلام على ما قيل وفي الأخبار المتقدمة وغيرها أيضا شهادة بكون المورد مظنة للتقية فيشكل
الاعتماد على مثل هذه الصحيحة على تقدير سلامتها عن المعارض حيث إنها شبيهه بقول الناس وقد أمرنا في بعض الأخبار بطرح ما يشبه قولهم فهي لا تصلح لتخصيص
العمومات فضلا عن مكافئة الأخبار الخاصة وكذا لا يعارض تلك الأخبار رواية الحلبي المتقدمة لكونها أخص مطلقا من تلك الرواية ولو نوقش في هذه الأخبار
بالاضمار لاتجه الالتزام بجواز الصلاة فيما لا يتم فيه الصلاة منفردا اخذ باطلاق تلك الرواية ولكن لا يستفاد من تلك الرواية الا نفي الباس عن مثل التكة وأشباهها
125

إذا كان ملبوسة لان هذا هو المتبادر من نفي الباس عن الصلاة فيها فلو قلنا بان المتبادر من موثقة ابن بكير أو غيرها هو المنع عن مصاحبة غير المأكول مطلقا للزم التفصيل
في مثل هذه الأشياء بن ما إذا كانت ملبوسة أو محمولة اللهم الا ان يدعى استفادة نفي الباس عن حمل ما لا يتم فيه الصلاة من الرخصة في لبسه بالفحوى وفيه تأمل
وقد تلخص مما ذكر ان القول بالمنع مطلقا مع أنه أحوط لا يخلو عن قوة الخامس قال العلامة في محكي المنتهى انه لو شك في كون التصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول اللحم
لم تجز الصلاة فيه لأنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه والشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط أقول قوله لأنها مشروطة بستر العورة الخ مبني على المسامحة
من جهتين الأولى انه جعل كونه من مأكول اللحم شرطا مع أن الشرط كونه مما عدى ما لا يؤكل لحمه لا كونه من مأكول اللحم فكأنه أراد بما يؤكل لحمه ما يقابل ما لا يؤكل لحمه
بحيث يعم الثوب المعمول من القطن والكتان ونحوهما أو أراد كونه كذلك إذا كان من حيوان لا مطلقا الثانية انه خصه بما يستر به العورة مع أنه شرط في مطلق ما
يصلي فيه كما يدل عليه أدلته لا في خصوص الساتر ولولا ابتناء العبارة على المسامحة لكان الدليل أخص من المدعى حيث إنه لا يقتضي الا عدم جواز الاجتزاء به ساترا
للعورة لا عدم جواز الصلاة فيه على الاطلاق كما هو المطلوب فمحصل هذا الدليل ان الصلاة مشروطة بعدم كون ما يصلي فيه مما لا يحل اكله فلابد في مقال الامتثال
من الجزم بحصولها كذلك ولا يكفي الاحتمال وناقش فيه صاحب المدارك فإنه بعد ان نقل عبارة المنتهى المتقدمة قال ويمكن ان يقال إن الشرط ستر العورة
والنهي انما تعلق بالصلاة في غير المأكول فلا يثبت الا مع العلم بكون الساتر كذلك ويؤيده صحيحة عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام كل شئ يكون منه حرام
وحلال فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام بعينه انتهى وقال أيضا في مبحث الخلل في شرح قول المصنف رحمه الله في الفرع الثالث إذا لم يعلم أنه من جنس ما يصلي فيه وصلى
أعاد هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب وحكى استدلال العلامة عليه أيضا ثم قال ويمكن المناقشة فيه بالمنع من ذلك لاحتمال ان يكون الشرط ستر العورة بما لا يعلم
تعلق النهي به انتهى أقول كأنه قدس سره زعم أن ما هو المعتبر في مهية الصلاة من حيث هي هو مطلق الستر واشتراط كونه بما يؤكل لحمه نشأ من تعلق النهي بالصلاة في غير
المأكول فيختص اعتباره بما إذا تنجز الخطاب بالاجتناب عنه وهو لا يكون الا مع العلم كما هو الشان في سائر الشرائط المنتزعة من الأحكام التكليفية كإباحة اللباس ونحوه
الناشي اعتبارها في صحة الصلاة من النهي عن الغصب فتخيل ان النهي المتعلق بالصلاة في غير المأكول نهى نفسي سبق لبيان الحكم التكليفي واستفادة الاشتراط نشأت من امتناع
كون العبادة محرمة فتختص بصورة تنجز التكليف ويحتمل ان يكون ملتزما بان المتبادر من ذلك النهي ليس الا إرادة الحكم الوضعي أعني بطلان الصلاة الواقعة في غير المأكول
ولكن يدعى انصرافه إلى صورة العلم بالموضوع لا لدعوى ان الألفاظ أسامي للمعاني المعلومة بل بدعوى ان المتبادر عرفا من النهي عن شئ إرادة المنع عن افراده المعلومة أو ان محط
نظره فيما ادعاه من عدم ثبوته الا مع العلم ما شاع في السنة بعض المتأخرين من التفصيل بين ما لو وقع التعبير عن جزئية شئ أو شرطيته بصيغة الأمر والنهي أو بصيغة الاخبار
فعلى الثاني بثبت اعتباره في مهية المشروط على الاطلاق وعلى الأول يختص اعتباره بغير صورة الجهل والنسيان ونظائرهما ولكن تدينا في هذا الاحتمال استشهاده
بالصحيحة التي لا ينساق منها الا إرادة الحكم التكليفي فليتأمل ويحتمل أيضا ان يكون نظره إلى التفصيل بين الشرط والمانع فيجب في الأول احرازه في مقام الامتثال ويكفي
في الثاني في لعلم بتحققه فرأى طبيعة الستر من حيث هي شرطا ووقوع الصلاة في غير المأكول من الموانع فلا يثبت مانعيته الا مع العلم ولكن يبعد هذا الاحتمال
أيضا كسابقه استشهاده بالصحيحة بل قد ينافيه ما ذكره في مبحث الخلل حيث عبر عنه بلفظ الشرط فليتأمل وكيف كان فان أراد الأول كما هو الظاهر ففيه أولا ان
دليل المنع غير منحصر في النواهي المتعلقة بالصلاة في غير المأكول بل عمدته موثقة ابن بكير التي وقع فيها التصريح بفساد الصلاة الواقعة فيه على الاطلاق ولكن صاحب المدارك
حيث لا يعتمد على الموثقة لا يتوجه عليه هذا الاعتراض وثانيا ان المتبادر من النواهي أيضا ليس الا ما افاده الموثقة من كونها مسوقا لبيان الحكم الوضعي فان هذا هو
المنساق إلى الذهن من الأوامر والنواهي المتعلقة بكيفيات العمل وثالثا سلمنا ان المتبادر منها إرادة الحكم التكليفي أعني الحرمة النفسية ولكن نقول اختصاص
الشرطية المستفادة منها بصورة العلم انما هو فيما إذا كانت المسألة من باب اجتماع الأمر والنهي كالصلاة في الدار المغصوبة التي لا مانع عن تعلق التكليف بها الا
مزاحمة جهة الغصب بحيث لولا المزاحمة لكانت مأمورا بها بالفعل واما ما نحن فيه فهو من قبيل النهي في العبادات وقد تفرد في محله ان تعلق النهي ببعض افراد العبادة
كاشف عن خروج ذلك الفرد عما تعلق به حكم تلك العبادة فلو قال الشارع صل ثم قال لا تصل في الحرير يكون كلامه الثاني مخصصا لاطلاق كلامه الأول وكاشفا
عن أن مراده بالامر بالصلاة هو الصلاة في غير الحرير فلو صلى في الحرير غافلا أو ناسيا لم تصح فإنه وان لم يتنجز في حقه النهي ولكن عمله في غير مأمور به وهذا بخلاف
مسألة الاجتماع التي ينشأ البطلان من قبيل المزاحمة وتمام التحقيق موكول إلى محله وان أراد ما احتملناه في عبارته من دعوى الانصراف ففيه ان هذه الدعوى
وان صدرت من بعض في مطلق النواهي الشرعية لكنها عارية عن الشاهد بل الشواهد بخلافها فان المتبادر من تحريم الخمر مثلا سواء كان بصيغة النهي أو بلفظ الحرمة
انما هو إرادة ما هو خمر في الواقع واحراز الموضوع كالعلم بالحكم شرط عقلي لتنجز التكليف لا لتحققه واما التفصيل بين ما ثبت اعتباره بصيغة الاخبار والانشاء
فبعد الغض عن فساده في حد ذاته كما تقرر في محله وان الموثقة التي هي الأصل في هذا الباب هي بصيغة الاخبار ان هذا التفصيل انما يجدي في حق الغافل والناسي
ونحوهما لا في حق الملتفت كما فيما نحن فيه واما التفصيل بين الشرط والمانع فقد يقال إنه أيضا مما لا يرجع إلى محصل لان في لمانع أيضا شرط لابد (من احرازه) في مقام
الإطاعة ضرورة ان الشك في اقتران الصلاة بما ينافيها شك في صحتها وموافقتها للامر فلا يحصل الجزم بفراغ الذمة عما اشتغلت به يقينا الا على تقدير احراز
انتفاء الموانع نعم كثيرا ما يكون في لمانع موافقا للأصل بخلاف الشرائط الوجودية المأخوذة من اجزاء المقتضى وهذا غير مجد في المقام فإنه ان أمكن
احراز عدم كون ما يصلي فيه مما لا يؤكل بالأصل اجتزى به سواء سمي ذلك العدم شرطا أو وجود غير المأكول مانعا والا فالإطاعة مشكوكة لا محالة سواء قلنا
126

بان وجود غير المأكول مانع أو عدمه شرط ومن الواضع انه لا يمكن احراز عدم وقوع الصلاة في غير المأكول
بالأصل إذ ليس له حالة سابقة معلومة نعم
لو استفيد من اخبار المنع ان المعتبر في الصلاة هو ان لا يستصحب المصلي وقت ما يصلي شيئا مما لا يؤكل لحمه بحيث يكون عدم الاستصحاب صفة معتبرة في المصلي أمكن احرازه
بالأصل فان المصلي قبل تلبسه بالمشكوك لم يكن مستصحبا لغير المأكول فيستصحب حالته السابقة التي اثرها جواز الدخول في الصلاة كما أنه لو استفيد من الأدلة اعتباره
صفة في لباس المصلي بان يكون مفادها انه يشترط فيما يلبسه المصلي ان لا يكون من غير المأكول لا مصاحبا لغير المأكول جرى الأصل بالنسبة إلى ما على الثوب من الشعرات
الملقاة أو الرطوبات المشتبهة لا بالنسبة إلى أصله لو كان من حيث هو مشتبه الحال ولكنك خبير بان المتبادر من الأدلة انما هو اعتباره في الصلاة فان المتبادر
من المنع عن الصلاة في غير المأكول هو المنع عن ايقاع الصلاة فيه لا عن استصحابه حال الصلاة أو عن مصاحبته للباس فهي بمقتضى ظواهر الأدلة من قيود نفس الصلاة
لا المصلي أو لباسه كي يمكن احرازه بالأصل في صورة الشك ولا أقل من اجمال الأدلة وعدم ظهورها في كونه قيدا للمصلي أو لباسه حتى يدعى امكان احرازه بالأصل
ومجرد احتماله غير مجد في مقام الإطاعة كما هو واضح هذا ولكن يتوجه على ما ذكر انه مبني على اعتبار عدم استصحاب غير المأكول قيدا اما للصلاة أو للمصلي أو لما
يصلي فيه وهو عبارة أخرى عن الاشتراط فهذا التفصيل انما يتجه على تقدير استفادة الشرطية من الأخبار الناهية عن الصلاة في غير المأكول واما ان قلنا بان مفادها
ليس الا مانعية لبس غير المأكول أو مطلق التلبس به عن صحة الصلاة فلا مجال لهذا الكلام فان عدم استصحاب غير المأكول على هذا التقدير لم يؤخذ قيدا في شئ من
المذكورات إذ لا اثر لعدم المانع من حيث هو فان المانع ما كان وجوده مؤثرا في البطلان لا عدمه دخيلا في الصحة فتسميته في لمانع شرطا مسامحة كيف وقد
جعلوه قسيما للشرط نعم هو شرط عقلي بمعنى ان العقل ينتزع من مانعية الوجود شرطية العدم فيراه من اجزاء العلة بنحو من الاعتبار لا على سبيل
الحقيقة إذ لا يعقل ان يكون العدم جزء من شئ حقيقة فصحة الصلاة وسقوط الامر المتعلق بها من اثار الاتيان باجزائها جامعة للشرائط المعتبرة في قوام ذاتها
عن انتفاء ما يؤثر في فسادها فالمعتبر في صحة الصلاة هو ان لا يوجد المانع عنها حين فعلها فعدم وجود المانع حال فعل الصلاة هو الشرط في صحتها وهو
موافق للأصل لا اتصافها بوجودها بلا مانع كي يقال إن هذا مما ليس له حالة سابقة حتى يستصحب واستصحاب عدم وجود ما يمنع عن فعل الصلاة أو عدم
استصحاب المصلى لما لا يؤكل لحمه غير مجد في اثباته لعدم الاعتداد بالأصول المثبتة ولو أمعنت النظر فيما بيناه وجها لحجية الاستصحاب عند التكلم في الشك
في وجود الحاجب في باب الوضوء في مسألة من توضأ وكان بيده سير أو خاتم وكذا لو تأملت فيما حققنا في اخر كتاب الطهارة عند البحث عن جريان اصالة عدم التذكية
في الجلد المشكوك كونه من الميتة لحصل لك مزيد اذعان وزيادة بصيرة في تنقيح مجاري الأصول فالمهم في المقام على ما ذكرناه هو البحث عن انه هل يستفاد من الاخبار
اعتبار في لتلبس بغير المأكول قيدا في شئ من المذكورات كي يجري على منواله أم لا يستفاد منها الا ان وجود غير المأكول مع المصلي وتلبسه به مخل بصلاته و
مانع عن صحتها فأقول قد أشرنا انفا إلى أن المتبادر من الأوامر والنواهي المتعلقة بكيفيات العبادات إرادة الحكم الوضعي من الجزئية والشرطية والمانعية
والصحة والفساد ولكن كثيرا ما يعبر عما يعتبر فيها من الاجزاء والشرائط ان كان بصيغة الانشاء بلفظ الامر وعن الموانع بلفظ النهي فالمنساق إلى الذهن من النهي عن التكليف
في الصلاة أو لبس غير المأكول أو التكلم والقهقهة واشتباه ذلك ليس الا إرادة ان ايجاد هذه الأشياء من حيث هي في الصلاة يخل بها ويفسدها لا ان عدمها من حيث
هو اعتبر قيدا في مهيتها وهذا مما لا ينبغي التأمل فيه ولكن هذا فيما إذا تعلق النهي بايقاع فعل اخر في الصلاة كما في الأمثلة المزبورة حيث إن ظاهره كون ذلك
الفعل الذي تعلق النهي به مفسدا واما إذا تعلق النهي بالصلاة المقيدة بقيد كما فيما نحن فيه حيث إنه ورد في جل الاخبار النهي عن الصلاة في غير المأكول لا عن لبسه حال
الصلاة فرما يتأمل في دلالته على مانعية القيد الذي بملاحظته تعلق النهي بها حيث إن المتبادر من النهي عن الصلاة في غير المأكول ونظائره ليس الا إرادة فساد تلك
الصلاة وهو أعم من أن يكون منشائه وجود ذلك القيد أو فقد شرط ملزوم له فلو قال لا تصل مستدبر القبلة أو مكشوف العورة لا يستفاد منه الا فساد الصلاة مع
الاستدبار وكشف العورة واما انه لذاتهما أو لما هو ملزوم لهما وهو فوات الاستقبال والستر فلا دلالة عليه اللهم الا ان يقال إن المتبادر من هذا التركيب
أيضا ليس الا مانعية ذلك القيد وان الفساد ينشأ منه بنفسه لا مما هو ملزوم له نعم معهودية شرطية الاستقبال وستر العورة قد يمنع في مثل المثالين
عن هذا الظهور فلولا هذه المعهودية لم يكن مجال للتأمل في ظهور المثالين أيضا في ذلك بل مع هذه المعهودية أيضا قد يدعى دلالتهما عليه وربما يؤيد إرادة
المانعية من اخبار الباب مضافا إلى ما ذكره في بعض الأخبار من تعليل المنع عن الصلاة في غير المأكول بان أكثره مسوخ فان ظاهره ان كونه كذلك منقصة فيه مقتضية
لعدم لبسه في الصلاة فوجوده محل بها لا ان عدمه من حيث هو اعتبر قيدا في صحتها وكيف كان فلا ينبغي التأمل في أن مفاد اخبار الباب بأسرها ليس الا مانعية التلبس لغير المأكول
حال الصلاة عن صحتها لا شرطية عدمه وان كان قد يدعى ظهور قوله عليه السلام في موثقة ابن بكير المتقدمة لا يقبل الله تلك الصلاة ابدا حتى يصلي في غيره مما أحل الله تعالى اكله
في الشرطية لكن يدفعه ان وقوع الصلاة فيما أحل الله تعالى اكله ليس بشرط فيها بلا شبهة ضرورة جواز الصلاة في القطن والكتان فالمراد بقوله عليه السلام حتى يصلي في غيره
الخ بحسب الظاهر بيان وجوب إعادة الصلاة التي صلاها في وبر غير المأكول وشعره وجلده وروثه وألبانه وتقييد الصلاة بكونها في غيره مما أحل الله اكله مبني على فرض
تلبسه باجزاء الحيوان فأريد بذلك بيان وجوب كون ما يصلي فيه على تقدير كونه من الحيوان مما يحل اكله فوجوب كونه من حلال الاكل مشروط بتلبسه حال الصلاة ولكن
تلبسه في حد ذاته ليس بشرط في الصلاة فمحصل هذا الاشتراط الترخيص في لبس ما يحل اكله في الصلاة دون غيره لا شرطية لها فهذا مما يؤكد مانعية غير المأكول ولا يثبت
شرطية عدمه من حيث هو حيث إن مقتضاه ان التلبس بغير المأكول مضر دون التلبس بالمأكول نعم ربما يحتمل ان يكون المراد بما أحل الله تعالى اكله ما عدى مالا يؤكل لحمه
127

مطلقا بحيث يعم مثل القطن والكتان فيكون التعبير بما أحل الله اكله للجري مجرى العادة في مقام التعبير بلحاظ المقابلة ومناسبة المقام فعلى هذا التقدير يمكن ابقاء
حتى يصلي في غيره على ظاهره من الشرطية بالنظر إلى ما يعتبر وجوده في الصلاة من الساتر ولكن هذا الاحتمال مع مخالفته للظاهر لا يناسب جعل هذه الفقرة غاية
لعدم قبول الصلاة الواقعة في الأشياء المعدودة من اجزاء مالا يحل اكله من روثه وألبانه وبوله كما لا يخفى ولا أقل من عدم ظهور الرواية في هذا المعنى كي
يصح الاستدلال بها لاثبات اعتبار امر زائد على ما استفدناه من الأخبار الناهية وربما يستدل للقول بالجواز في المشكوك إذا كان مأخوذا من يد المسلمين
وسوقهم بالاخبار الدالة على جواز الصلاة فيما يشتري من السوق المتقدمة في اخر كتاب الطهارة عند البحث عن حكم جلود الميتة وفيه ان تلك الأخبار مسوقة
لبيان في لاعتناء باحتمال كون ما يشتري من السوق غير مذكي لا مطلق الاحتمالات المنافية لجواز الصلاة فيه خصوصا إذ لم يكن المحتمل على تقدير تحققه منافيا لاسلام البايع
ككون الثوب المتخذ منه منسوجا من وبر الأرانب أو حريرا محضا أو غير ذلك ما يجوز بيعه واستعماله في الجملة كما لا يخفى على من راجعها وقد تعرضنا في الأزمنة السابقة
لبيان ما يرد على الاستدلال بتلك الأخبار مفصلا في رسالة مستقلة مشتملة على ما استفدناه في هذه المسألة من سيد مشايخنا دام ظله العالي وفيها فوائد جليلة
لكنها مبتنية على عدم الفرق بين استفادة الشرطية أو المانعية في عدم جواز الصلاة في المشكوك على التفصيل المتقدم وقد يستدل له أيضا بقوله عليه السلام الناس
في سعة ما لا يعلمون وهو لا يخلو عن وجه بناء على ما قويناه من استفادة المانعية من اخبار الباب إذ الظاهر شمول الرواية للتكاليف الغيرية أيضا كالنفسية
من غير فرق بين الشبهات الحكمية والموضوعية كما تقرر في محله فمقتضى اطلاقها عدم لزوم التحرز عما يشك في مانعيته سواء كان من حيث الحكم أو الموضوع و
اما على تقدير استفادة الشرطية فلا مجال لتوهم الاستدلال بهذه الرواية وأشباهها ضرورة انه بعد فرض مساعدة الدليل على أن وقوع الصلاة في غير
ما لا يؤكل لحمه اعتبره الشارع قيدا في مهيتها على سبيل الاشتراط وجب احراز تحققها كذلك لأن الشك
فيه مرجعه إلى الشك في اتيان المأمور به الذي علم بوجوبه
عليه فليس المكلف في سعة منه وهذا بخلاف ما لو كان وجود غير المأكول مانعا فان الشك فيه حينئذ شك في طرو المنافي لا في الاتيان بما تعلق به التكليف فليتأمل و
قد تلخص مما ذكر ان الأظهر جواز الصلاة في المشكوك ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالتجنب عنه الا مع غلبة الظن بكونه من المأكول فإنه لا ينبغي التردد حينئذ في
جواز الصلاة فيه لاستقرار السيرة خلفا عن سلف على لبس الثياب المعمولة من الصوف والوبر المحمولة إليهم من البلاد النائية مع قضاء العادة بان عامة الناس
لا يعرفون كونها مما يحل اكله الا على سبيل الظن الناشي من الحدس والتخمين لا العلم الغير القابل للتشكيك ولذا صرح بعض القائلين بالمنع بكفاية مطلق الظن تشبثا
بالسيرة القطعية وهو لا يخلو عن قوة وان كان الأحوط بل الأقوى على القول بالمنع اعتبار غلبة الظن وبلوغه إلى حد تقريب الوثوق وسكون النفس كما هو الغالب في
الثياب الماتى بها من البلاد النائية التي يتعارف لبسها بلا فحص وكذا لا ينبغي الارتياب في جواز الصلاة في الثوب الذي يشك في اقترانه بشئ من فضلات غير المأكول
من لعابه أو شعره الملقى على الثوب أو نحو ذلك خصوصا إذا كان الشك في أصل وجوده لا في صفة الموجود لاستقرار السيرة على الصلاة فيما لبسه المصلي من الثياب
من غير فحص مع أن العادة قاضية بأنه قل ما يحصل الوثوق بخلوها عن مثل ذلك وكون التكليف بتحصيل الجزم بذلك حرجا شديد ولذا جزم غير واحد من القائلين
بالمنع عن المشكوك بنفي الباس عما على الثوب والبدن من الأشياء المشتبهة من الرطوبات والشعرات ونحوها ولكن ينبغي بل يتعين على القول بالمنع الاقتصار على الأشياء
المزبورة مما قضت به السيرة القطعية ويشق التحرز عنه دون ما لا سيرة في نوعه ولا تعسر في التجنب عنه كقراب السيف وأشباهه والله العالم بقي الكلام
فيما استثنى من عموم ما دل على المنع عن الصلاة في غير المأكول وقد أشرنا فيما سبق إلى أن الأخبار الخاصة الواردة في الباب كثيرة لكنها قل ما تسلم عن المعارض في مواردها
بل ربما كان كثير منها مخالفا للمشهور أو المجمع عليه بيننا بل لا يكاد يوجد ما تطابقت النصوص والفتاوي على جواز الصلاة فيه مما لا يؤكل لحمه الا وبر الخز الخالص
من وبر الأرانب والثعالب ونحوه فإنه قد ورد فيه اخبار كثيرة دالة على جواز الصلاة فيه سليمة عن المعارض ولم ينقل عن أحد من الأصحاب التصريح بالمنع عنه بل عن
جملة من الأصحاب دعوى الاجماع على الجواز وقد ادعى في الجواهر ان عليه الاجماع بقسميه وان المحكى منه كالنصوص متواتر واما جلده فقد وقع الخلاف فيه وربما نسب إلى
المشهور فيه أيضا القول بالجواز وفي الحدائق ادعى انه مشهور في كلام المتأخرين وحكى عن ابن إدريس
القول بالمنع ونفي عنه الخلاف وعن العلامة في المنتهى
متابعته ومما يدل عليه في الوبر صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري قال رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام يصلي في جبة خز وصحيحة علي بن مهزيار قال رأيت أبا جعفر عليه السلام يصلي الفريضة وغيرها
في جبة خز طاروني وكساني جبة خز وذكر انه لبسها على بدنه وصلى فيها وأمرني بالصلاة فيها وصحيحة زرارة أو حسنته قال خرج أبو جعفر عليه السلام يصلي على بعض أطفالهم
وعليه جبة خز صفراء ومطرف خز اصفر وخبر إسماعيل المروي عن امالي ولد الشيخ عن الرضا عليه السلام انه خلع على دعبل قميصا من خز وقال له احتفظ بهذا القميص
فقد صليت فيه الف ليلة كل ليلة الف ركعة وختمت فيه القرآن الف ختمة وصحيحة الحلبي قال سئلته عن لبس الخز فقال لا باس به ان علي بن الحسين عليه السلام كان يلبس
الكساء الخز في الشتاء فإذا جائه الصيف باعه وتصدق بثمنه وكان يقول اني لأستحي من ربي ان اكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه وموثقة معمر بن خلاد قال سئلت
أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الصلاة في الخز فقال صل فيه ومقتضى ترك الاستفصال في الخبرين الأخيرين في لفرق بين جلده ووبره ودعوى انصراف الاطلاق إلى خصوص
الوبر لتعارفه غير مسموعه ونحوها خبر يحيى بن عمران أنه قال كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام في السنجاب والفنك والخز وقلت جعلت فداك أحب ان لا تجيبني بالتقية في
ذلك فكتب إلى بخطه صل فيها وأوضح منهما دلالة عليه رواية ابن أبي يعفور قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له جعلت فداك
ما تقول في الصلاة في الخز فقال لا باس بالصلاة فيه فقال له الرجل جعلت فداك انه ميت وهو علاجي وانا اعرفه فقال له أبو عبد الله عليه السلام انا اعرف به منك
128

فقال الرجل انه علاجي وليس أحد اعرف به مني فتبسم أبو عبد الله عليه السلام ثم قال له أتقول انه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقدت الماء ماتت فقال الرجل
صدقت جعلت فداك هكذا هو فقال له أبو عبد الله عليه السلام فإنك تقول انه دابة تمشي على اربع وليس هو على حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء فقال له الرجل اي والله
هكذا أقول فقال له أبو عبد الله عليه السلام فان الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها واصرح من ذلك في الدلالة على في لفرق بين الوبر
والجلد صحيحة سعد بن سعد قال سئلت الرضا عليه السلام عن جلود الخز فقال هو ذا نحن نلبس فقلت ذاك
الوبر جعلت فداك فقال إذا حل وبره حل جلده وهذه الصحيحة وان كانت
صريحة في نفي الباس عن الجلد وعدم الفرق بينه وبين الوبر ولكنها غير صريحة في ارادته حال الصلاة فمن هنا قد يناقش في دلالتها على المدعى بدعوى انها لا تدل
الا على جواز لبسه وهو لا يستلزم جواز الصلاة فيه وقد يجاب عن ذلك بان مقتضى اطلاق قوله عليه السلام إذا حل وبره حل جلده جواز الصلاة في جلده أيضا لان
لبس وبره في الصلاة حلال نصا واجماعا فكذا جلده بمقتضى الاطلاق وفيه نظر إذ الظاهر أن الكلام مسوق لبيان الملازمة بين حلية الوبر والجلد من
حيث الذات لا بحسب الأحوال اللهم الا ان يقال إن معروفية المنع عن الصلاة في غير المأكول ومعهوديته في الشريعة يوجب صرف السؤال عن الجلود
إلى إرادة لبسها حال الصلاة ولا أقل من كون لبسها في هذه الحالة ملحوظة في مقام السؤال والجواب ولا ينافيه الاقتصار في الجواب على قوله عليه السلام هو ذا
نحن نلبس فان ما اتخذه الإمام عليه السلام لباسا كان يصلي فيه بحسب العادة هذا مع امكان ان يقال إن
الباعث على السؤال عن الجلود بحسب الظاهر على
ما هو المنساق إلى الذهن عند السؤال عنها اما احتمال نجاستها بلحاظ كونها متخذة من الميتة وكونها من اجزاء كلاب الماء المحتمل نجاستها عينا بلحاظ اندراجها
في مسمى الكلب أو احتمال المنع عنها تعبدا بلحاظ كونها من اجزاء غير المأكول اما الجهة الأولى فغير ملحوظة في هذه الرواية والا لم يكن يعلق حل الجلد على حمل
الوبر إذ لا ملازمة بينهما فان جلد الميتة نجسة لا يحل استعماله دون وبرها بل وكذا الاحتمال الثاني اي كونها نجس العين كسائر الكلاب إذ لا يبقى محال لهذا الاحتمال
بعد تعارف لبسها بين المسلمين والعلم بطهارة وبرها ومشاهدة كونه ملبوس الإمام عليه السلام فالملحوظ فيها بحسب الظاهر لم يكن الا الجهة الثالثة والمتبادر من السؤال
عن الجلود من هذه الجهة إرادة لبسها في الصلاة لما أشرنا إليه من أن معهودية المنع عن الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه في الجملة توجب صرف السؤال عن شئ منها
إلى الجهة التي فيها مظنة المنع لا مطلق لبسه الذي لا منشأ لتوهم المنع عنه من غير جهة نجاسة فليتأمل واستدل له أيضا بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئل
أبا عبد الله عليه السلام رجل وانا عنده عن جلود الخز فقال ليس بها باس فقال الرجل جعلت فداك انها في بلادي وانما هي كلاب تخرج من الماء فقال أبو عبد الله عليه السلام إذا خرجت
من الماء تعيض خارجه من الماء فقال الرجل لا قال لا باس ونوقش في هذه الصحيحة أيضا بأنه ليس فيها تصريح بالصلاة ويمكن دفعه بان المتبادر من نفي الباس
عن جلود الخز إرادة نفي الباس عن الاستعمالات المتعارفة في نوعه فكما يفهم من ذلك نفي الباس عن لبسه مع عدم وقوع التصريح باللبس أيضا فكذلك يفهم
منه جواز اتخاذه ثوبا شتويا على حد ساير ثيابه التي يصلي فيها كما هو المتعارف في نوعها فلو كان جوازه مخصوصا بغير حال الصلاة لم يكن يحسن اطلاق نفي الباس
في مقام الجواب نعم لو كان السؤال متعلقا بخصوص لبسه لأمكن دعوى ان اطلاق الجواب منزل عليه من حيث هو ولكنه ليس كذلك بل السؤال تعلق بنفس الجلود
بلحاظ استعمالاتها المتعارفة ومن الواضح ان اتخاذها ثوبا شتويا يصلي فيه من أوضح مصاديقها المتعارفة وان أبيت الا عن الخدشة في دلالة هذه الصحيحة
وسابقتها فلا أقل من كونهما مؤيدتين لغيرهما من الأخبار المتقدمة مع اعتضاد الجميع بالاخبار الدالة على جواز الصلاة في وبره فان ثبوت الرخصة في الوبر
مما يقرب نفي الباس عن جلده أيضا لاشتراكهما فيما يقتضي المنع اي كونه من اجزاء مالا يؤكل لحمه فالأقوى ما نسب إلى المشهور من جواز الصلاة في جلده أيضا
كوبره بل قد يستفاد من خبر ابن أبي يعفور الجواز في باقي اجزائه ولعل عدم ذكر الأصحاب ذلك لعدم تعارف استعمال ما عداهما فالقول به لا يخلو عن قوة بل
ربما يظهر من الخبر المزبور كونه مما يحل اكله ولكنه يشكل الاعتماد على هذا الظاهر لمخالفته للمشهور بل المجمع عليه فإنه لم ينقل الالتزام به عن أحد نعم
ذهب صاحب الحدائق إلى حلية صنف منه ونزل الرواية عليه مستشهدا لذلك ببعض الاخبار التي تحقيقها موكول إلى محله وقد ذكر جماعة من علمائنا على
ما في الوسائل انه ليس المراد هنا حل لحمه بل حل استعمال جلده ووبره والصلاة فيهما أقول إرادة هذا المعنى غير بعيد عن سوق الرواية وكيف كان
فلا يعارض هذه الأخبار ما عن الاحتجاج مما كتبه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدسة روى عن صاحب العسكر انه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش
بوبر الأرانب فوقع يجوز وروى عنه أيضا انه لا يجوز فأي الامرين نعمل به فأجاب عله السلام انما حرم في هذه الأوبار والجلود فاما الأوبار وحدها فحلال و
عن نسخة حلال كلها لقصورها عن المكافئة من وجوه مع معارضتها بغيرها من الأخبار الناهية عن الصلاة في وبر الأرانب عموما وفيما وقع فيه السؤال بالخصوص
فيجب رد علمها إلى أهله واضعف من ذلك ما عن كتاب البحار نقلا عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم أنه قال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تصلي في ثوب مما لا
يؤكل لحمه ولا يشرب لبنه فهذه جملة كافية من قول رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يصلي في الخز والعلة في أن لا يصلي في الخز ان الخز من كلاب الماء وهي مسوخ الا ان
يصفي وينقى إلى أن قال وعلة ان لا يصلي في السنجاب والسمور الفنك قول رسول الله صلى الله عليه وآله المتقدم وعن الحلبي رحمه الله انه بعد نقل الخبر المزبور قال
لعل مراده عدم جواز الصلاة في جلد الخز بقرينة الاستثناء وقد تقدم القول في الجميع انتهى أقول مضافا إلى عدم وضوح حال هذا الكتاب لدينا انه لم يظهر منه
كون ما تضمنه من حكم الخز والسنجاب نقلا للرواية بل ظاهره كونه مما استنبطه مصنف هذا الكتاب باجتهاده مما نقله من قول رسول الله صلى الله عليه وآله و
من غيره مما دل على المنع عن الصلاة في المسوخ فكأنه زعم اختصاص المنع بالجلد دون الوبر وبالشعر بعد تصفيته وتنقيته مما عليه من الأجزاء الصغار الملتصقة بأصولهما
129

والله العالم ثم إن الظاهر كما صرح به في الجواهر تبعا لما حكاه عن أستاذه في كشفه جريان الحكم فيما في أيدي التجار مما يسمى في زماننا خزا
لأصالة في لنقل ويكفي في احراز كونه ذلك الموضوع اخبار التجار وغيرهم من المتصدين لبيعه ممن يوثق بهم وبمعرفتهم لاستقرار السيرة على التعويل على قول الثقات من
رباب الصنايع والبضايع في ما بأيديهم فمن أراد ان يشتري شيئا من الأدوية يرجع إلى العطار الذي يثق به ويأخذ منه ذلك الدواء مع أنه بنفسه لا يعرفه وكذا الوارد شيئا
من الأقمشة يرجع إلى التجار كما يشهد على ذلك مضافا إلى ذلك اخبار الباب فإنه لم يقصد بها بحسب الظاهر لا الرخصة في الصلاة في وبر الخز وجلده المتلقي من أيدي التجار
ونظرائهم ومن الواضح انه لا طريق تشخيص موضوعه لأغلب الناس في بلد وردت فيه الروايات الا هذا وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في جواز الاعتماد على قول الموثقين
بهم من التجار في تشخيص موضوع الخز ولا الاستشكال في جريان الحكم فيما يسمى بالخز فيما يسمى بالخز في هذا الزمان ولكن عن المحدث المجلسي في البحار بعد كلام في المقام أنه قال إذا عرفت
هذا فاعلم أن في جواز الصلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخز وشعره ووبره اشكالا للشك في أنه هل هو الخز المحكوم عليه بالجواز في عصر الأئمة عليهم السلام أم لا
بل الظاهر أنه غيره لأنه يظهر من الاخبار انه مثل السمك يموت بخروجه من الماء وذكاته اخراجه والمعروف من التجار ان الخز المعروف الان دابة تعيش في البر ولا تموت
بالخروج من الماء الا ان يقال انهما صنفان بري وبحري وكلاهما تجوز الصلاة فيه وهو بعيد ويشكل التمسك بعدم النقل واتصال العرف من زمانهم عليهم السلام والقدح
في الاخبار بالضعف إذ اتصال العرف غير معلوم إذ وقع الخلاف في حقيته في اعصار علمائنا السالفين أيضا رضوان الله عليهم وكون الأصل في لنقل في ذلك
حجة في محل المنع والاحتياط في في لصلاة فيه انتهى أقول اما الاحتياط بترك الصلاة فيه ففي محله ولكن منع حجية اصالة في لنقل في غير محله إذ ليس حاله
الا حال سائر الموضوعات الذي يحتمل كونها في عرف السابقين موضوعة لغير المعاني المعروفة عندنا وهذا الاحتمال مما لا يلتفت إليه واختلاف العلماء في حقيقته
نشأ من عدم اطلاعهم على حقيقة ذلك الحيوان الذي يعرفه أهل خبرته ويتخذون الثياب من جلده ووبره فبعضهم زعم أنه القندس مستشهدا لذلك بشهادة بعض
التجار بذلك وبعضهم زعم أنه كلب الماء كما يشهد له بعض الأخبار المتقدمة وغيرها وبعض تخيل انه ما يسمى في عرفهم بوبر السمك إلى غير ذلك قال
الشيخ فخر الدين ابن طريح النجفي طاب ثراه في كتاب مجمع البحرين الخز بتشديد الزاء دابة من دواب الماء تمشي على اربع تشبه الثعلب ترعى من البر وتنزل
البحر لها وبر يعمل منه الثياب تعيش بالماء ولا تعيش خارجه وليس على حد الحيتان وذكاتها اخراجها من الماء حية قيل وقد كانت في أول الاسلام إلى وسطه
كثيرة جدا انتهى وعن السرائر أنه قال بعض أصحابنا المصنفين ان الخز دابة صغيرة تطلع من البحر تشبه الثعالب ترعى في البر وتنزل البحر لها وبر يعمل منه ثياب ثم
قال فيها وكثير من أصحابنا المسافرين يقول إنه القندس ولا يبعد هذا القول من الصواب لقوله عليه السلام لا باس بالصلاة في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب و
الثعالب والقندس أشد شبها بالوبرين المذكورين انتهى وقال المصنف رحمه الله في محكى المعتبر والخز دابة بحرية ذات اربع تصاد من الماء وتموت بفقده قال أبو عبد الله عليه السلام
ان الله أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها كذا روى محمد بن سليمان الديلمي من فريث عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام
وعندي في هذه الرواية توقف لضعف محمد بن سليمان ومخالفتها لما اتفقوا عليه من أنه لا يوكل من حيوان البحر الا السمك ولا من السمك الا ماله فلس وحدثني جماعة
من التجار انها القندس ولم اتحققه انتهى وعن الشهيد في الذكرى أنه قال بعد نقل ما ذكره المحقق من التوقف قلت مضمونها مشهور بين الأصحاب فلا يضر ضعف الطريق
والحكم محله جاز ان يسند إلى حل استعماله في الصلاة وان لم يدك كما أحل الحيتان بخروجها من الماء حية فهو تشبيه للحل بالحل لا في جنس الحلال ثم قال قلت لحله
ما يسمى في زماننا بمصر وبر السمك وهو مشهور هناك ومن الناس من يزعم أنه كلب الماء وعلى هذا يشكل ذكاته بدون الذبح لأن الظاهر أنه ذو نفس سائلة والله أعلم
انتهى وعنه في حواشي القواعد قال سمعت بعض مدمني السفر يقول إن الخز هو القندس وقال وهو قسمان ذو الية وذو ذنب فذو الالية الخز وذو الذنب الكلب انتهى
أقول لم يتضح لدينا المخالفة بين جل هذه الكلمات من حيث المفاد لامكان ان يكون ما سموه بالقندس هو الذي سماه آخرون بكلب الماء وشبهه ثالث بالثعلب
وعن بعضهم التصريح بان القندس هو كلب الماء وكيف كان فلا يقدح هذا النحو من الاختلاف في حجية اصالة في لنقل ولا في جواز التعويل في تشخيصه على اخبار
أهل خبرته أو شهادتهم بذلك واما ما حكاه المجلسي عن التجار عن انها دابة تعيش في البحر ولا تموت بالخروج من الماء فربما يؤيده خبر حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام
من أنه سبع يرعى في البر ويأوى الماء ولكن قد ينافيه خبر ابن أبي يعفور المتقدم الدال على أنه دابة إذا فقدت الماء ماتت وان ذكاته خروجه من الماء كالحيتان وصحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة التي وقع فيها تعليق نفي الباس عنها على تقدير كونها كلابا تخرج من الماء كما زعمه السائل بعدم تعيشها خارجه من الماء فلعله
أريد بعدم تعيشها خارج الماء مدة طويلة بحيث لا ينافي خروجها من الماء للرعي ويحتمل ان يكون هذا من خواص صنف منه كان متعارفا في بلد السائل ولم يظهر
من الروايتين كونه من الخواص اللازمة لنوعه على الاطلاق فليتأمل والحاصل ان ما شهد به التجار على تقدير ثبوته لا يكشف عن أن الدابة التي كانت معروفة بالخز
في عصرهم مغائرة بالنوع لما كان مسمى بالخز في عصر الأئمة عليهم السلام بل هو منطبق على ما اخبر به أبو جعفر عليه السلام في الخبر المتقدم نعم بناء على أنه يعيش
في البر يشكل الالتزام بكونه ذكاته خروجه من الماء لان مستند هذا الحكم خبر ابن أبي يعفور الظاهر في سببيته خروجه من الماء لموته وعدم تعيشه عند فقد الماء
فعلى تقدير كونه كذلك مطلقا أو خصوص صنف منه أمكن الالتزام به فيه والا فلا يخلو عن اشكال اللهم الا ان يكون ذا نفس ولا ينافيه كونه بصورة الكلب والله العالم
ثم لا يخفى عليك انه لو قلنا بان الخز من كلاب الماء كما ربما يشهد به غير واحد من الاخبار لا يلزم من ذلك القول بجواز الصلاة في مطلق كلب الماء إذ لم يدل دليل على أن
مطلقه خز فلعله صنف منه كما ليس بالبعيد والله العالم وفي المغشوش منه يوم الأرانب والثعالب روايتان أصحهما المنع اما رواية المنع فهي مرفوعة أحمد بن محمد
130

عن أبي عبد الله عليه السلام في الخز الخالص انه لا باس فاما الذي يختلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه ومرفوعة أيوب بن نوح المروية عن
العلل قال قال أبو عبد الله عليه السلام في الخز الخالص ليس به باس واما الذي يخلط فيه الأرانب أو غيرها مما يشبه هذا فلا تصل فيه ويؤيدهما الأخبار العامة الدالة
على المنع عن الصلاة في غير المأكول مطلقا والاخبار الخاصة الآتية الدالة على المنع في الأرانب والثعالب ويؤيدهما أيضا ما عن الفقه الرضوي وصل في الخز إذا
لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب واما ما دل على الجواز فهو رواية داود الصرمي عن بشر بن بشار على ما عن موضع من التهذيب قال سئلته عن الصلاة في الخز يغش
بوبر الأرانب فكتب يجوز ذلك وعن موضع اخر من التهذيب وكذلك الفقيه عن داود الصرمي قال سال رجل أبا الحسن الثالث عليه السلام الحديث وقد نسبه الشيخ
على ما حكى عنه في التهذيبين إلى الشذوذ واختلاف اللفظ في السائل والسؤال ثم حمله على التقية أقول ويدل عليه التوقيع المتقدم المروي على الاحتجاج
الذي وقع فيه السؤال عن الخز المغشوش بوبر الأرانب حيث ورد فيه روايتان متعارضتان فأجاب عليه السلام
انما حرم في هذه الأوبار والجلود فاما الأوبار وحدها
فحلال كلها ويؤيدهما بعض الأخبار الآتية النافية للباس عن الصلاة في وبر الأرانب والثعالب ولكن الأشبه حمل المؤيد والمؤيد بأسرها على التقية
لمخالفتها للمشهور وموافقتها للجمهور بل عن جملة من أصحابنا دعوى الاجماع على المنع ولم ينقل القول بالجواز عن أحد عدى الصدوق في الفقيه حيث قال في توجيه
رواية الجواز هذه رخصة الاخذ بها مأجور ورادها مأثوم والأصل ما ذكره أبي في رسالته إلى وصل في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب انتهى
ويحكم المغشوش بوبر الأرانب المغشوش بصوف أو وبر غير الأرانب مما لا يؤكل لحمه كما يدل عليه مضافا إلى عموم ما دل على المنع عن الصلاة في شعر ووبر مالا يؤكل الشامل
لمثل المقام خصوص قوله عليه السلام في المرفوعتين المتقدمتين وغير ذلك أو غيرها مما يشبه هذا المسألة الثالثة تجوز الصلاة في فرو السنجاب كما عن
الشيخ في المبسوط وكتاب الصلاة من النهاية وأكثر المتأخرين بل المشهور فيما بينهم بل عن المبسوط نفي الخلاف عنه وعن الحواصل فإنه قد تكاثرت الروايات الدالة عليه
وقد علل ذلك في بعض تلك الروايات بأنه لا يأكل اللحم كما في ذيل خبر علي بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم قال لا باس بالسنجاب فإنه دابة
لا تأكل اللحم وليس هو مما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب في أغلب النسخ قال قلت وما يؤكل لحمه من غير الغنم باسقاط كلمة لا ولعله من سهو القلم و
خبر مقاتل بن مقاتل قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب فقال لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم وقضية العلة
المنصوصة جواز الصلاة في كلما لا يأكل اللحم اي ما عدى السباع ولكنك عرفت في صدر المبحث انه يشكل الالتزام به فلابد من حملها على التعبد بها في خصوص
موردها ومما يدل أيضا على الجواز صحيحة أبي علي ابن راشد قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ما تقول في الفراء اي شئ يصلي فيه قال اي الفراء قلت الفنك والسنجاب و
السمور قال فصل في الفنك والسنجاب واما السمور فلا تصل فيه قلت الثعالب يصلي فيها قال لا ولكن تلبس بعد الصلاة قلت أيصلي في الثوب الذي يليه قال لا و
صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه قال لا باس بالصلاة فيه وخبر الوليد بن ابان قال قلت للرضا عليه السلام أصلي
في الفنك والسنجاب قال نعم قلت يصلي في الثعالب إذا كانت ذكية قال لا تصل فيها ورواية بشر بن بشار قال سئلته عن الصلاة في الفنك والفراء أو السنجاب
والسمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الاسلام ان أصلي فيه لغير تقية قال فقال صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية ولا تصل في الثعالب ولا
السمور ورواية يحيى بن أبي عمران قال كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام في السنجاب والفنك والخز قلت جعلت فداك أحب ان لا تجيبني بالتقية في ذلك فكتب بخطه إلى
صل فيه وخبر علي بن جعفر عليهما السلام المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن لبس السمور والسنجاب والفنك فقال لا تلبس ولا تصل الا ان يكون ذكيا
فإنه يدل على الجواز على تقدير كونه مذكي والمروي عن مكارم الأخلاق مرسلا قال سئل الرضا عليه السلام عن جلود الثعالب والسنجاب والسمور فقال قد
رأيت السنجاب على أبي ونهاني عن الثعالب والسمور ولعله أريد بهذه الرواية مجرد اللبس فيكون النهي عن الأخيرين تنزيهيا فعلى هذا تخرج الرواية عن حد
الدلالة وان لا تخلو أيضا عن تأييد كما يؤيده أيضا اطلاق سائر الأخبار الدالة على جواز لبسه بل يمكن الاستشهاد بها للملازمة العادية بين لبسها والصلاة
فيها ولا يعارض هذه الروايات الأخبار الدالة بعمومها عن المنع عن ما يؤكل لحمه لأن هذه الروايات أخص مطلقا من الأخبار المانعة نعم قد يعارضها
موثقة ابن بكير المتقدمة فإنها وان كانت أيضا عامة لكنها وقعت جوابا عن السؤال عن الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر وحيث جرى ذكر السنجاب
بالخصوص في السؤال صار الجواب كالنص في ارادته فلا يمكن تخصيصه بغيره كما أشار إلى ذلك في المدارك حيث قال إن رواية ابن بكير وان كانت عامة الا ان ابتنائها
على السبب الخاص وهو السنجاب وما ذكر معه يجعلها كالنص في المسؤول عنه وحينئذ يتحقق التعارض ويصار إلى الترجيح انتهى واعترضه في الجواهر بان مثله
لا يقدح في التخصيص بالمتصل قطعا فكذا المنفصل خصوصا مع اندراج بعض افراد السؤال في عموم الجواب وفيه انه فرق واضح بين التخصيص بالمتصل والمنفصل
ضرورة انه لو سئل عن اكرام زيد العالم فأجيب بأنه يجب اكرام كل عالم ما عدى زيد لاحرازه فيه أصلا وهذا بخلاف ما لو أجيب بوجوب اكرام كل عالم ثم دل دليل
منفصل على أن زيدا العالم لا يجوز اكرامه فإنه يتحقق التنافي بين الدليلين في هذا الفرض ولا يجوز الجمع بينهما بتخصيص المورد حيث إن العام بمنزلة النص
بالنسبة إلى ما وقع عنه السؤال فكيف يقاس الدليل المنفصل بالمخصص المتصل الذي هو مع ما اتصل به ككلمة واحدة نعم لقائل ان يقول إن سوق السؤال
يشهد بان السائل لم يقصد الخصوصية مما جرى ذكريه في كلامه وانما أورده على سبيل التمثيل فأراد بذلك السؤال عن الصلاة في وبر غير المأكول على سبيل العموم
فأجيب بجواب عام من غير التفات إلى خصوصيات الأمثلة فليس خروج السنجاب على هذا التقدير الا كخروج الخز ونحوه مما لا ضير في الالتزام به على تقدير
131

مساعدة الدليل هذا مع امكان ان يقال فرق بين ما لو وقع السؤال عن أشياء عديدة فأجيب عن جملتها بجواب عام كما في المقام وبين ما لو سئل عن شئ أو شيئين
بالخصوص ففي الثاني لا يجوز تخصيص المورد واما الأول فلا مانع عنه بالنسبة إلى بعضه إذا بقي أغلب ما وقع عنه السؤال مندرجا تحت عموم الجواب خصوصا مع مناسبته
ذلك البعض الخارج للباقي في جنس الحكم كما لو كان السنجاب مثلا في الواقع حكمه مخالفا لحكم ما عداه مما لا يؤكل لحمه في حرمة الصلاة ولكن كانت الصلاة فيه أيضا مرجوحة
ولكن على سبيل الكراهة فحينئذ لا يبعد الاكتفاء في جوابه بما يدل بظاهره على حرمة الجميع والحاصل ان الموثقة وان كان قوية الدلالة بالنسبة إلى السنجاب
وغيره مما جرى ذكره في كلام السائل ولكنها غير أبية عن التخصيص بالاخبار المتقدمة ومما يؤيد المنع بل يستدل به عليه ما عن الفقه الرضوي ولا يجوز الصلاة في سنجاب
وسمور وفنك فإذا أردت الصلاة فانزع عنك ويرده مضافا إلى عدم الاعتماد على الرضوي ما عنه بعد قوله فانزع عنك أنه قال وروى فيه رخصة فإنه مع
اشعاره بالرضا بالعمل بهذه الرواية وكون النهي تنزيهيا ان كان من الإمام عليه السلام الذي لا يبتني احكامه على الترجيحات الاجتهادية يتوجه عليه ما مر غير مرة
من أن الروايات التي تضمنها الرضوي أوثق من نفسه فهو على خلاف المطلوب أدل واضعف من ذلك الاستشهاد بالعبارة المتقدمة انفا من كتاب العلل
لمحمد بن علي بن إبراهيم من قوله والعلة في أن لا يصلي في السنجاب والسمور والفنك قول رسول الله صلى الله عليه وآله المتقدم اي قوله صلى الله عليه وآله لا تصل في ثوب مما
لا يؤكل لحمه ولا يشرب لبنه لما عرفت من أنه لم يثبت كون هذه العبارة متن الرواية بل الظاهر كونها مما استنبطه صاحب الكتاب من عموم النبوي ويتلوهما في الضعف
الاستشهاد برواية أبي حمزة الثمالي قال سئل أبو خالد الكابلي علي بن الحسين عليهما السلام عن اكل لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما قال أبو خالد ان السنجاب يأوى
الأشجار قال فقال له ان كان له سبلة كسبلة السنور والفار فلا يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه ثم قال اما انا فلا آكله ولا أحرمه فإنها ضعيفة السند وقاصرة الدلالة
إذ لم يعلم مخالفتها للأخبار المتقدمة الدالة على الجواز حيث إن المنع معلق على امر غير متحقق بل ربما يستشعر من قوله عليه السلام اما انا فلا اكله الخ ان الواقع خلافه و
في الحدائق بعد نقل هذه الرواية قال وفي اللغة السبلة بالتحريك الشارب ومفهوم هذا الخبر ان ما ليس له سبلة فهو حلال اكله ويجوز الصلاة فيه ويؤيده
قوله عليه السلام اما انا فلا آكله ولا أحرمه بحمل كلامه على ما ليس له سبلة بمعنى انه حلال على كراهية ويجوز الصلاة فيه والحديث غريب والحكم به مشكل إذ لا اعرف قائلا به بل
الظاهر الاتفاق على تحريمه مطلقا وان استثنى جواز الصلاة فيه في جلده ووبره على القول بذلك انتهى أقول يمكن توجيه الرواية على وجه يندفع عنها
هذه الغرابة ولكن يحتمل قويا كونها مشوبة بالتقية فأريد بها الاجمال وعدم التصريح بالحكم الواقعي على سبيل الجزم كما هو شان الإمام عليه السلام فالأولى رد
علمها إلى أهله فظهر بما ذكر ان عمدة ما يصح الاستدلال به للمنع هي الموثقة المتقدمة وهي أيضا لا تصلح لمعارضة الأخبار الخاصة الا ان تلك الأخبار بنفسها من
موقع ريبة فإنها على كثرتها قل ما يوجد فيها خبر يمكن الالتزام بظاهره فإنها في غاية الاختلاف بحيث يعارض بعضها بعضا فضلا عن معارضتها لغيرها من
الاخبار التي ستسمعها في المباحث الآتية ومخالفة التفاصيل المذكورة فيها للمشهور أو المجمع عليه فإنه يظهر من بعضها نفي الباس عن الصلاة في غير المأكول
مطلقا كصحيحة الحلبي ومن بعضها التفصيل بين السباع وغيرها كالخبرين الأولين الذين وقع فيهما التصريح بنفي الباس عن خصوص السنجاب معللا بأنه دابة لا تأكل
اللحم وفي بعضها تخصيص الجواز بالفنك والسنجاب وفي بعض بالسنجاب والحواصل الخوارزمية فيغلب على الظن ان جل هذه الأخبار لولا كلها لا يخلو عن نوع
من التقية كما يؤيد ذلك ما يظهر من بعض الأخبار المتقدمة من كون المسألة مما يشتد فيه التقى ولا ينافي ذلك مخالفة التفاصيل التي تضمنتها الروايات
للعامة حيث حكى عنهم القول بالجواز مطلقا إذ قد لا تقتضي المصلحة الا التقية عنهم في بعض الموارد دون بعض وهذا مما يختلف بحسب ما يقتضيه مصلحة الوقت من
حيث ميل حكامهم وقضاتهم وغير ذلك من المناسبات فيشكل على هذا رفع اليد بمثل هذه الروايات عن ظاهر موثقة ابن بكير التي كادت تكون صريحة في العموم ولا يتطرق
فيها شائبة تقية ولذا قد يقوى في النظر ما قيل كما عن الشيخ في الخلاف وكتاب الأطعمة من النهاية وابن البراج والحلي وغيرهم من أنه لا تجوز ولكن مع ذلك الأول
اي القول بالجواز اظهر فان حمل هذه الأخبار بأسرها على التقية مع اشتمال كثير منها على التفاصيل المنافية للتقية في غاية البعد خصوصا في رواية بشر التي
وقع فيها السؤال عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل في غير حال التقية فاجابه الإمام عليه السلام بقوله صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية
ولا تصل في الثعالب ولا السمور فالانصاف ان حمل مثل هذه الأخبار التي خصص فيها الرخصة ببعض دون بعض على التقية كرواية بشر ومكاتب يحيى وصحيحة أبي علي
ونحوها ابعد من تخصيص الموثقة أو ارتكاب التأويل فيها بالحمل على ما لا ينافي إرادة الكراهة في بعض مصاديقها فهذا هو الأولى ولا ينافي ذلك في لالتزام بظواهر
هذه الأخبار في بعض مضامينها كالفنك ونحوه كما سيأتي الكلام فيه لأجل الابتلاء بمعارض مكافؤ فان هذا لا يقدح في حجية الخبر بالنسبة إلى سائر فقراتها ولا يعين
وجه صدوره في التقية بل ربما يكون الخبر المرجوح مطابقا للواقع ولكن لا نقول به في مرحل الظاهر لأرجحية المعارض لا للعمل بخلافه فليتأمل وحكى عن ابن حمزة
القول بالكراهة وربما يظهر من ذلك من الصدوق في المجالس حيث قال على ما حكى عنه ولا باس بالصلاة في شعر ووبر كل ما اكل لحمه وما لا يؤكل لحمه فلا يجوز الصلاة في
شعره ووبره الا ما خصه الرخصة وهي الصلاة في السنجاب والسمور والفنك والخز والأولى ان لا يصلي فيها ومن صلى فيها جارت صلاته وربما استظهر منه أيضا
في الفقيه حيث قال وقال أبي في رسالته إلى لا باس بالصلاة في شعر ووبر ما اكلت لحمه وان كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك واردت الصلاة فانزعه و
قد روى فيه رخص واستظهر أيضا من عبارة الشيخ في الخلاف وسلار حيث إنهما على ما حكى عنهما بعد ان ذكر المنع مما لا يؤكل لحمه قالا ورويت رخصة في الصلاة
في السنجاب والسمور والفنك وفي الاستظهار خصوصا من عبارة الأخيرين تأمل وكيف كان فمستند الحكم بحسب الظاهر هو الجمع بين الاخبار ولكن قد يشكل ذلك في السنجاب
132

حيث إن عمد ما يدل على المنع عنه هي موثقة ابن بكير وحملها على الكراهة في السنجاب والحرمة في غيره يستلزم استعمال اللفظ الدال على المنع في معنيين وحمله على إرادة
مطلق المنع الغير المنافي لإرادة الكراهة في بعض والحرمة في غيره في غاية البعد ولذا لا يتوقف أحد في استفادة الحرمة من هذه الموثقة بالنسبة إلى ما عدى الموارد
التي ورد فيها نص على الجواز فارتكاب التخصيص فيها بالنسبة إلى السنجاب ونظائره أهون من هذا التصرف الذي مقتضاه اجمال الرواية وعدم استفادة الحرمة منها في شئ من
مواردها الا لقرينة منفصلة كالكراهة ويمكن التفصي عن ذلك بالالتزام بان قضية النهي عن شئ أو الامر بشئ لو خليا وأنفسهما هي لزوم ترك المنهى عنه و
فعل المأمور به والرخصة في ارتكاب المنهي عنه أو ترك المأمور به التي بها يتحقق مفهوم الكراهة والاستحباب امر خارج عن مهية طلب الفعل والترك ربما لا يلتفت
الامر إليها حين انشاء الطلب فطلب الفعل أو الترك الذي هو مدلول صيغة الامر أو النهي لو بقي محضا غير مقرون بالرخصة في المخالفة لم يجز مخالفته ولو خلطه
الرخصة في المخالفة جازت فجواز المخالفة ينشأ من الرخصة فيها لا من اختلاف كيفية الطلب فان أرادها الطالب بدليل منفصل من غير أن يكون طلبه مستعملا الا في صرف
الامر بالفعل أو المنع عنه لم يرتكب تجوزا في طلبه بل رخصة في مخالفة ما امره به أو نهاه عنه وان أرادها من نفس الطلب بان قصد يأمره بالفعل اظهار محبوبيته
لديه وانه يريده لا على وجه اللزوم فقد تجوز في الأمر والنهي فالطلب الايجابي أو التحريمي هو الطلب المحض الغير المقرون بالرضا بالمخالفة والاستحبابي والكراهي هو
الطلب المقرون بذلك فما دام الطلب محضا يوصف بالأولين وعند اختلاطه بالرطباء بالمخالفة يوصف بالأخيرين
فهذه الأوصاف من العوارض اللاحقة لطبيعة
الطلب بلحاظ تجردها أو اقترانها بالاذن في المخالفة فليست الرخصة في مخالفة الأوامر أو النهي التي بها يتحقق موضوع الاستحباب والكراهة الا بمنزلة القيود المتعلقة بالمطلقات
التي يقتصر في تقيدها على مقدار دلالة الدليل فلو امر المولى عبده بعمل في مدة ولم يرض بمخالفته فالح عليه العبد في أن يعذره في المخالفة حتى رضى المولى بذلك في بعض تلك
المدة يصير امره بالمقايسة إلى الوقت الذي رخصه في المخالفة فيه استحبابيا وبالنسبة إلى ما عداه وجوبيا فالمنع المتعلق في الموثقة بالصلاة في غير المأكول ينزل بالنسبة إلى
السنجاب وغيره مما ثبتت الرخصة فيه على الكراهة وفيما عداه يحمل على ظاهره من الحرمة والى ما ذكرنا في تفسير الوجوب والحرمة ومقابليهما يؤل كلام كل من فسر الوجوب بطلب الفعل
مع المنع عن الترك والحرمة بالعكس ومقابليهما بالطلب الجامع للاذن في النقيض لان اخذ المنع من النقيض قيدا في مفهوم الأولين مما لا يرجع إلى محصل لان المنع عن النقيض
عبارة أخرى عن مطلوبية نقيض النقيض وهو عين ما تعلق به الطلب فمحصله ان الواجب والحرام ما كان فعله أو تركه مطلوبا محضا مجردا عن الاذن في المخالفة فليتأمل و
دعوى ان الطلب الالزامي مغايرا بالذات للطلب الغير الالزامي فللطلب مرتبتان مرتبة ضعيفة لا تبلغ حد اللزوم ومرتبة شديدة بالغة ذلك الحد فلا يمكن تصادفهما على
مورد قابلة للمنع وكيف لا والا لم يجز ان يتعلق امر واحد بشيئين أحدهما واجب والاخر مستحب مع أنه في الشرعيات والعرفيات فوق حد الاحصاء ودعوى ان الامر في مثل
هذه الموارد مستعمل في القدر المشترك بين الواجب والمستحب اي مطلق الطلب الصالح للوجوب والاستحباب مدفوعة أولا بان المتبادر من الامر في مثل هذه الموارد بالنسبة إلى
ما عدى ما ثبت استحبابه ليس الا الوجوب الا ترى انه لو امر المولى عبده باحضار أشياء كأنواع من الأطعمة وعلم من الخارج ان بعض تلك الأشياء غير لازم لديه لم يجز رفع اليد
عن ظاهر امره بالنسبة إلى ما لم يعلم فيه ذلك بالضرورة وثانيا ان القدر المشترك بين النوعين وان أمكن تصوره والتلفظ به لكن لا يمكن انشائه بلفظ إذ الجنس لا يتحقق بلا
فصل فهذا الامر الشخصي المتعلق بتلك الأشياء على سبيل الاجمال فرد من الطلب يجب اندراجه تحت نوع فهو اما من القسم البالغ حد الالزام أم لا ولا يعقل ان يتردد بين الامرين
نعم لا نتحاشى عن انه قد يصدر من المولى مرتبة من الطلب لا تبلغ في حد ذاته مرتبة اللزوم كما فيما يطلبه منه على سبيل الترجي أو التمني أو الالتماس ونحوه ولكن هذا النحو من الطلب
خارج عن محل الكلام إذ الكلام في القسم الذي يراد به صيغة الفعل أو لا تفعل على سبيل التنجيز فنقول هذا القسم من الطلب هو في حد ذاته الزامي ولكن لا دلالة فيه
على كون المطلوب لازما لدى المولى فان هذا شئ خارج عن مدلول الصيغة وانما مدلوله الزام العبد به اي طلبه منه على سبيل التنجيز فيجب على العبد بحكم العقل الاتيان
به الا ان يدل دليل عقلي أو نقلي على عدم لزومه لدى المولى وانه لا يؤاخذه على مخالفته والحاصل ان الأوامر التي يستفاد منها وجوب الفعل أو استحبابه على
قسمين ارشادي ومولوي اما الارشادي فهو ما كان مسوقا لبيان لزوم الفعل أو ندبه لا بلحاظ كونه مطلوبا بهذا الطلب بل من حيث هو بلحاظ المصلحة الكامنة
فيه دنيوية كانت أم أخروية وهذا هو المنساق إلى الذهن من الأوامر المعللة بما يترتب على متعلقاتها من المصلحة كما في قولك اسلم حتى تدخل الجنة والأوامر الصادرة
على سبيل الوعظ والارشاد والحث عن الخروج عن عهدة التكاليف والأوامر المسوقة لبيان كيفية الاعمار من العبادات والمعاملات والأوامر الواردة في المستحبات
لا يبعد ان يكون أغلبها من هذا القسم ولا تأمل في أن إرادة هذا المعنى من صيغة افعل خلاف ما يقتضيه وضعه واما المولوي فهو ما كان الغرض منه بعث المأمور على
الفعل كما في قول الوالد لولده أو السيد لعبده ناولني الماء عند إرادة شربه وهذا القسم هو محل كلامنا كما أنه هو المتبادر من صيغة افعل فنقول إذا كان مقصود
المولى من قوله لعبده اشتر الخبز والجبن والبصل مثلا بعثه على شرا هذه الأشياء واحضارها لديه فلا يعقل فرقا فيما يريده من لفظه بين ان يكون بعض هذه الأشياء
أو جميعها غير مهم لديه بحيث لا يؤاخذه على مخالفته أو كون جميعها مهما لديه سواء طلب الجميع بأمر واحد أو بأوامر متعددة فان مراده بلفظه على جميع التقادير ليس
الا بعثه على الفعل الذي تعلق به طلبه وصدق هذا المعنى اي إرادة ايجاد المتعلق في الجميع على سبيل التواطؤ والتشكيك انما هو فيما بعثه على الطلب اي المصلحة
التي أحرزها في الفعل ودعته إلى امر بايجاده وبعد ان دعته المصلحة إلى الامر بالايجاد فلا نرى حينئذ تفاوتا فيما يريده بقوله اشتر الا ان تلك المصلحة الباعثة له على الطلب
قد لا تكون لديه لازمة التحصيل فيبين ذلك لعبده بقرينة منفصلة فيقول مثلا البصل الذي أمرتك به ليس بواجب فيعلم من ذلك ان امره المتعلق به كان على جهة
الاستحباب الا ان مراده بتلك العبارة كان معنى غير ما فهمه من كلامه اللهم الا ان يستكشف من ذلك أنه
لم يكن مقصوده بذلك بعثه على الفعل على سبيل التنجيز بل بيان كونه
133

محبوبا لديه وانه مما ينبغي ان يوجد فيندرج حينئذ في القسم الأول ويخرج عن محل الفرض ففي محل الفرض اي ما كان غرضه من الامر بعثه على الفعل على سبيل التنجيز يحسب على
العبد والخروج عن عهدة ما تعلق به غرضه من امره الا ان يعلم من الخارج ان مقصوده ليس مهما لديه بحيث لا يرضى بمخالفته فدلالة الامر على كونه مولويا دلالة وضعية
حيث إنه ظاهر في الطلب واما دلالته على لزوم الفعل على تقدير في لاذن في المخالفة وندبه على تقدير الاذن فعقلية ولذا لا يتفاوت الحال في ذلك بين
ما لو استفيد طلبه من اللفظ أو من الإشارة ونحوها فلو أشار بيده إلى جماعة فعلم العبد من إشارته انه يريد احضارهم وطردهم يجب عليه الخروج عن عهده ما تعلق به
غرضه من إشارته الا ان يعلم بعدم لزومه فيقتصر في رفع اليد عما يقتضيه طلبه على مقدار دلالة الدليل وهكذا الكلام في النهي حرفا بحرف فلا نطيل بالإعادة
ثم لو سلمنا ان الطلب الالزامي مغاير بالذات لغير الالزامي وانه عند تعلقه بواجب ومستحب مستعمل في القدر المشترك فنقول أيضا يمكن الاستشهاد بالموثقة
لاثبات الكراهة مع ابقائها على ظاهرها من الحرمة بالنسبة إلى غيرها بدعوى ان الرواية كما انها كادت تكون صريحة في الحرمة بحيث يشكل حملها بقرينة الأخبار الخاصة
على الاستحباب أو القدر المشترك كذلك كادت تكون صريحة في شمولها للسنجاب فيشكل تخصيصها بالأدلة المتقدمة الدالة على الجواز فمقتضى الجمع بينها وبين الموثقة
ابقاء الموثقة على ظاهرها من الحرمة والعموم وارتكاب التأويل في فردية السنجاب للعام بالحمل على أن جعله في عرض المحرمات من حيث تعلق النهي التحريمي به من باب
المبالغة وتنزيله منزلة المحرم من حيث المرجوحية وبهذا يندفع ما قد يتوهم من أن ما ذكرنا أولا في التفصي عن الاشكال لا يجدي في خصوص المورد لان غايته ان كون
ما تعلق به النهي مكروها لا يصلح قرينة لصرف النهي عن ما يقتضيه ظاهره بالنسبة إلى ما عداه بل يبقى على ظاهره من الحرمة وهذا انما يتمشى فيما إذا كان المنع المتعلق
بالجميع بصيغة النهي وشبهها لا في مثل الموثقة التي نشأت دلالتها على المنع من اثبات لوازم الحرمة وهي فساد الصلاة الواقعة في غير المأكول وعدم قبولها
ووجوب اعادتها فلا يمكن ان يكون السنجاب مندرجا في موضوعها بعد فرض جواز الصلاة فيه توضيح الاندفاع ان هذه اللوازم لبيان كون الصلاة في غير
المأكول منهيا عنها في الشريعة وحيث إن السنجاب مشارك لغيره في تعلق الغرض بالمنع عنه لا داعي لا خراجه عن موضوع الرواية واثبات هذه الآثار لمطلق غير
المأكول الذي قصد بيان المنع عنه مبني على التغليب فليتأمل وقد يستدل أيضا للكراهة بمكاتبة محمد بن علي بن عيسى المروية عن مستطرفات السرائر من كتاب مسائل
الرجال قال كتبت إلى الشيخ يعني الهادي عليه أعزه الله وأيده أسئله عن الصلاة في الوبر اي إضافة اصلح فأجاب لا أحب الصلاة في شئ منه قال فرددت إليه الجواب انا
مع قوم في تقية وبلادنا بلاد لا يمكن أحدا ان يسافر منها بلا وبر ولا يامن على نفسه ان هو نزع وبره وليس يمكن الناس كلهم ما يمكن الأئمة عليهم السلام فما الذي ترى نعمل في هذا
الباب قال فرجع الجواب إلى تلبس الفنك والسمور أقول ولعل الخز والسنجاب كوبر المأكول لم يكن من الأصناف المعهودة لديهم التي أرادها السائل والا لكان
أولى بالرخصة في حال الضرورة من الفنك والسمور على القول بالمنع عنهما اختيارا كما هو المشهور والله العالم واما السنجاب ففي مجمع البحرين هو على ما فسر حيوان
على حد اليربوع أكبر من الفارة شعره في غاية النعومة يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون وهو شديد الختل ان أبصر الانسان صعد الشجرة العالية وهو
كثير في بلاد الصقالبة والترك وأحسن جلوده الأزرق الأملس وفي الثعالب والأرانب روايتان أصحهما وأشهرهما المنع بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه
وعن التنقيح انه لم يعمل برواية الجواز أحد ولكن ستسمع عن المصنف في محكى المعتبر تجويز العمل باخبار الجواز وعن المدارك تقويته اما اخبار المنع عن الثعالب فمنها
موثقة ابن بكير المتقدمة التي وقع فيها السؤال عن الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر وفي صحيحة علي بن راشد المتقدمة قلت لأبي جعفر عليه السلام الثعالب يصلي
فيها قال لا ولكن تلبس بعد الصلاة قلت أيصلي في الثوب الذي يليه قال لا ورواية مقاتل بن مقاتل المتقدمة وفيها فقال لا خير في ذلك كله ما خلا السنجاب
وفي رواية الوليد بن ابان قلت للرضا عليه السلام يصلي في الثعالب إذا كانت ذكية قال لا تصل فيها وفي رواية بشر بن بشار ولا تصل في الثعالب ولا السمور و
صحيحة الريان بن الصلت عن الرضا عليه السلام عن لبس السمور والسنجاب والحواصل وأشباهها والمحشو بالقز والخفاف من أصناف الجلود قال لا باس بهذه كله الا
الثعالب وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن جلود الثعالب أيصلي فيها فقال ما أحب ان أصلي فيها ورواية جعفر بن محمد بن أبي زيد قال سئل
الرضا عليه السلام عن جلود الثعالب الذكية قال لا تصل فيها وصحيحة علي بن مهزيار عن رجل سئل الماضي عليه السلام عن الصلاة في جلود الثعالب فنهى عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي
يليه فلم أدر اي الثوبين الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد فوقع بخطه الثوب الذي يلصق بالجلد وذكر أبو الحسن اي علي بن مهزيار انه سئله عن هذه المسألة
فقال لا تصل في الذي فوقه ولا في الذي تحته وفي الخبر المتقدم عن مكارم الأخلاق قد رأيت السنجاب على أبي ونهاني عن الثعالب والسمور وما دل على المنع في الأرانب
فمنها صحيحة علي بن مهزيار قال كتب إليه إبراهيم بن عقبة عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية
فكتب لا تجوز الصلاة فيها من رواية أحمد بن إسحاق الأبهري قال كتبت إليه جعلت فداك عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر
الأرانب من غير ضرورة ولا تقية فكتب لا تجوز الصلاة فيها ورواية سفيان بن السمط قال وقرات في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن عليه السلام يسئله عن الفنك يصلي
فيه فكتب لا باس به وكتب يسئله عن جلود الأرانب فكتب مكروهة ورواية محمد بن إبراهيم قال كتبت إليه أسئله عن الصلاة في جلود الأرانب فكتب مكروه و
مرفوعة أيوب بن نوح قال قال أبو عبد الله عليه السلام الصلاة في الخز الخالص لا باس به فاما الذي يخلط فيه وبر الأرانب وغير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه ويعضدها
العمومات الدالة على المنع عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه واما اخبار الجواز فمنها صحيحة الحلبي المتقدمة مرارا الدالة على نفي الباس عن الصلاة في الفراء والسمور
والسنجاب والثعالب وأشباهه وصحيحة علي بن يقطين قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود لا باس بذلك أقول
134

ليس في هذه الصحيحة تصريح بنفي الباس عن الصلاة فيها فلعله أريد بها لبسها كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في صدر المبحث وصحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته
عن جلود الثعالب إذا كانت ذكية يصلي فيها قال نعم وعن ابن أبي نجران عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الصلاة في جلود الثعالب فقال إذا كانت ذكية فلا باس
وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلته عن اللحاف من الثعالب أو الجرز منه أيصلي فيها أم لا قال إذا كان ذكيا فلا باس به قال في محكي الوافي هكذا نسخ التهذيب التي
رأيناها قيل الجرز بكسر الجيم وتقديم المهملة عن المعجمة لباس النساء وفي الاستبصار أو الخوارزمية وكأنها الصحيح فيكون المراد بها الحواصل انتهى وربما
يظهر من بعض الأخبار التفصيل بين الجلد والوبر مثل ما روى عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن صاحب الزمان عجل الله فرجه انه كتب إليه قد سئل عن بعض
العلماء عن معنى قول الصادق عليه السلام لا تصل في الثعلب ولا في الأرنب ولا في الثوب الذي يليه فقال عليه السلام انما عني الجلود دون غيرها وعنه أيضا عن صاحب الزمان عجل الله فرجه
انه كتب إليه روى لنا عن صاحب العسكر انه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقع يجوز وروى عنه أيضا انه لا يجوز فبأي الخبرين نعمل فأجاب عليه السلام
انما حرم في هذه الأوبار والجلود فاما الأوبار وحدها فكل حلال وخبر بشر بن بشار قال سئلته عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب فكتب يجوز ذلك
والأشبه بالقواعد حمل هذه الأخبار الأخيرة بأسرها على التقية أورد علمها إلى أهله لمخالفتها للمشهور وموافقتها للجمهور وفي جملة من الاخبار الإشارة إلى أن
المورد من الموارد التي يشتد فيها التقية وقد تقدم مرارا التنبيه على أنه لولا أن الامر كذلك لكان المتجه الجمع بين الاخبار بحمل اخبار المنع على الكراهة وتنزيل ما
في الاخبار من الاختلاف على اختلاف مراتب الكراهة وربما يصلح شاهدة لهذا الجمع جملة من الأخبار المتقدمة التي وقع فيها التعبير بما أحب ان أصلي فيها أولا
خير في ذلك كله أو انه مكروه أو غير ذلك من العبائر المشعرة أو الظاهرة في الكراهة ولكن ثبطنا عن ذلك ما عرفت والعجب من صاحب المدارك انه لم يذكر من اخبار
المنع في هذا المقام الا صحيحة علي بن مهزيار الواردة في وبر الأرانب وصحيحة محمد بن مسلم التي لا
يستفاد منها أزيد من رجحان الترك ثم قال وبزاء هاتين الروايتين
اخبار كثيرة دالة على الجواز ثم ذكر صحيحة الحلبي وصحيحة علي بن يقطين وصحيحة جميل المتقدمات ثم قال قال المصنف رحمه الله في المعتبر واعلم أن المشهور بين الأصحاب المنع
مما عدى السنجاب ووبر الخز والعمل به احتياط في الدين ثم (ان المصنف) قال بعد ان أورد روايتي الحلبي وعلي بن يقطين وطريق هذين الخبرين أقوى من تلك الطرق ولو عمل
بهما عامل جاز وعلى الأول عمل الطاهرين من الأصحاب منظما إلى الاحتياط للعبادة قلت ومن هنا يظهر ان قول المصنف رحمه الله أصحهما المنع غير جيد ولو قال أشهرهما
المنع كما ذكره في النافع كان أولى والمسألة قوية الاشكال من حيث صحة اخبار الجواز واستفاضتها واشتهار القول بالمنع بين الأصحاب بل اجماعهم عليه بحسب
الظاهر وان كان ما ذكره في المعتبر لا يخلو من قرب انتهى كلام صاحب المدارك ولا يخفى ما فيه بعد ما عرفت من شذوذ اخبار الجواز وموافقتها للعامة فلا تصلح
لمعارضة الأخبار المستفيضة الدالة على المنع بقي الكلام في الفنك والسمور والحواصل التي وقع التعرض لحكمها بالخصوص في الاخبار واما الفنك فهو كما عن
المصباح المنير نوع من الثعلب الرومي وعن الصحاح الذي يتخذ منه الفراء وعن القاموس دابة فروتها أطيب أنواع الفراء وعن التحفة ان جلده يكون أبيض وأشقر
وأبلق وحيوانه أكبر من السنجاب ويؤخذ من بلاد الروس والترك وكيف كان ففي جملة من الأخبار المتقدمة
نفي الباس عنه ففي صحيحة أبي علي بن راشد فصل في الفنك و
السنجاب واما السمور فلا تصل فيه وفي مكاتبة يحيى بن أبي عمران التي وقع فيها السؤال عن السنجاب والفنك والخز صل فيه وفي خبر علي بن جعفر الذي وقع فيه السؤال
عن لبس السمور والسنجاب والفنك لا تلبس ولا تصل فيه الا ان يكون ذكيا وفي رواية سفيان بن السمط التي وقع فيها السؤال عن الفنك يصلي فيه فكتب لا باس به و
في خبر الوليد بن ابان أصلي في الفنك والسنجاب قال نعم وفي صحيحة الحلبي لا باس بالصلاة فيه ولكن هذه الصحيحة موهونة بما تقدمت الإشارة إليه مرارا من غلبة الظن
بكونها جارية مجرى التقية واما ما عداها من الاخبار فاحتمال كونها تقية في غاية البعد لاشتمال كثير منها على المنع عن الثعالب وغيرها مما ينافي التقية وبإزاء
هذه الأخبار جملة من الروايات المتقدمة في المباحث السابقة التي يستظهر أو يستشعر منها المنع كموثقة ابن بكير التي كادت تكون صريحة في المنع عنه بلحاظ كونه مذكورا
في السؤال ورواية بشر بن بشار التي وقع فيها السؤال عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل فأجيب بقوله عليه السلام صل في السنجاب و
الحواصل الخوارزمية ولا تصل في الثعالب والسمور فان في الاقتصار على الرخصة في السنجاب والحواصل دلالة على إرادة المنع عن ما عداهما مما وقع في السؤال وان
لم يصرح بالمنع عنه كما في السمور والثعالب وخبر محمد بن علي بن عيسى المروي عن مستطرفات السرائر الذي وقع فيه السؤال عن الصلاة في الوبر اي أصنافه اصلح فأجاب عليه السلام
لا أحب الصلاة في شئ منه إلى أن قال بعد ان بين السائل كونه مضطرا إلى لبس الوبر تلبس الفنك والسمور فإنه كالصريح في عدم جواز الصلاة فيه لغير الضرورة من
التقية ونحوها بناء على إرادة المنع من نفي الحب فيه ووقوع التعبير بذلك لأجل التقية ولكنك خبير بان دعوى استفادة الحرمة مما عدى الموثقة في غير محلها فضلا عن عد
مثل هذه الروايا معارضته للاخبار المصرحة بنفي الباس عنه فعمدة ما يستفاد منه المنع هي موثقة ابن بكير وقد عرفت عند التكلم في السنجاب ان هذه الموثقة أيضا
قابلة للتخصيص أو التأويل بالنسبة إلى بعض ما جرى ذكره في السؤال كما في السنجاب فهي أيضا لا تصلح لمعارضة الأخبار الخاصة ولذا قال كاشف اللثام على ما حكى عنه
لم اظفر بخبر معارض للجواز في خصوص الفنك ومن هنا قد يقوى في النظر القول بالجواز كما عن الصدوق في المقنع والأمالي ان من دين الإمامية الرخصة في السنجاب
والفنك والسمور ولكن الأحوط بل الأقوى المنع لوهن اخبار الجواز باعراض المشهور فان التعويل عليها بعد اعراض الأصحاب عنها في غاية الاشكال خصوصا مع استفاضتها
وصحته غير واحد منها وصراحتها في المدعى وسلامتها عن معارض مكافؤ فان ما اعرضوا عنه كلما ازداد قوة من حيث السند والدلالة ازداد هنا بهذا ولكن الانصاف ان
الاغماض عن مثل هذه الأخبار بمجرد ذلك أشكل فان اعراضهم لا يوجب الوهن فيها من حيث السند بع استفاضتها واشتهارها بين الأصحاب من حيث الصدور فغاية ما يمكن
135

ادعائه كونه كاشفا ظنيا عن في رادة ظاهرها أو صدورها تقية والتعويل على مثل هذا الظن في رفع اليد عن ظواهر الاخبار مشكل فليتأمل ولكن الذي يهون
الخطب موافقة المنع للاحتياط والله العالم بحقائق احكامه واما السمور فهو بفتح السين ثم الميم المشددة وهو كما عن الشهيد الثاني في حاشية المسالك حيوان يشبه
السنور وعن المصباح المنير حيوان ببلاد الروس يشبه النمر ومنه اسود لامع واشقر وعن التحفة انه حيوان يشبه الدلق واسود منه وكيف كان فقد وردت الرخصة فيه
في بعض الأخبار المتقدمة ولكنه معارض بما هو أرجح منه مما وقع فيه التصريح بالمنع عنه بالخصوص فلا باس تنزيل ما دل على الرخصة على ارادتها في مقام الضرورة
عند دوران الامر بينه وبين الثعالب وأشباهها والله العالم واما الحواصل فهي كما عن حياة الحيوان طيور كبار لها حواصل عظيمة وعن ابن البيطار وهذا الطائر
يكون بمصر كثيرا ويعرف بالنجع وهو حمل الماء فعن الشيخ في النهاية القول بجواز الصلاة فيها ودعوى الاجماع عليه وعن المنتهى بعد نقل ذلك عن الشيخ قال
وهذا يدل على جواز ذلك عند أكثر الأصحاب انتهى وعن بعض متأخري المتأخرين اختياره لما في بعض الأخبار المتقدمة من التصريح به مع سلامته عن المعارض
عدى عمومات قابلة للتخصيص ولكن في رواية بشر قيدها بالخوارزمية ولعله للاحتراز عما تصاد في بلاد الشرك المحكوم بكونها غير مذكاة بمقتضى الأصل والله العالم
المسألة الرابعة لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال ولا الصلاة فيه قال في محكى المعتبر اما تحريم لبسه للرجال فعليه علماء الاسلام واما بطلان الصلاة
فهو مذهب علمائنا ووافقنا بعض الحنابلة انتهى ويدل على تحريم لبسه في الجملة مضافا إلى في لخلاف فيه بل استفاضة نقل اجماع المسلمين عليه اخبار مستفيضة
من طرق الخاصة والعامة كما ادعاه في المدارك وغيره والظاهر أن النبوي المرسل في بعض كتب الفتاوي انه صلى اله عليه وآله قال مشيرا إلى الذهب والحرير هذان
محرمان على ذكور أمتي دون إناثهم من الروايات المروية من طرقهم كما يشعر بذلك عبارة كاشف اللثام والذي يغلب على الظن ان الأصل في هذا الحكم بل وكذا
فيما ستسمعه في الذهب هي الاخبار النبوية الموجبة لمعروفية المنع لدى الخاصة والعامة من الصدر الأول وكيف كان فمن طرقنا ما رواه الصدوق في الفقه عن
أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام اني أحب لك ما أحب لنفسي واكره لك ما اكره لنفسي فلا تتختم بخاتم ذهب فإنه زينتك في الآخرة ولا
تلبس القرمز فإنه من أردية إبليس ولا تركب بمثيرة حمراء فإنها من مراكب إبليس ولا تلبس الحرير فيحرق الله جلدك يوم تلقاه واستفادة حرمة لبس الحرير من
هذه الرواية بلحاظ ما فرعه عليه من العقوبة والا فسوقها يشهد بكونها في مقام الارشاد وبيان مطلق المرجوحية الغير المنافية للكراهة والقرمز بكسر القاف
والميم صبغ ارمني يكون من عصارة دود يكون في اجامهم قاله في مجمع البحرين بعد نقل الحديث حاكيا عن (ق؟) والمثيرة بتقديم المثناة التحتانية على المثلثة على
ما في المجمع شئ يحشى بقطن أو صوف ويجعله الراكب تحته واصله الواو والميم زائدة والجمع مياثر ومواثر انتهى ومرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال لا تلبس الحرير والديباج الا في الحرب ومفهوم موثقة سماعة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن لباس الحرير والديباج فقال اما في الحرب فلا باس به وان كان فيه
تماثيل وفي المجمع بعد ان ذكر ان الديباج ثوب سداه ولحمته إبريسم وفي الخبر لا تلبس الحرير والديباج يريد به الإستبرق وهو الديباج الغليظ انتهى وعن
الوافي تفسيره بالحرير المنقوش وعن الصدوق مرسلا أنه قال لم يطلق النبي صلى الله عليه وآله لبس الحرير لاحد من الرجال الا لعبد الرحمان بن عوف وذلك أنه كان رجلا قملا
وخبر الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن ابائه عليهم السلام في حديث المناهي قال رسول الله صلى الله عليه وآله عن لبس الحرير والديباج والقز للرجال واما النساء فلا باس
وخبر جابر الجعفي المروى عن الخصال قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول ليس على النساء اذان إلى أن قال ويجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة واحرام و
وحرم ذلك على الرجال الا في الجهاد ويجوز ان تتختم بالذهب وتصلي فيه وحرم ذلك على الرجال الا في الجهاد ورواية أبي داود بن يوسف بن إبراهيم و
قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعلى قباء خز وبطانته خز وطيلسان خز مرتفع فقلت ان علي ثوبا اكره لبسه فقال وما هو قلت طيلساني هذا قال وما بال
الطيلسان قلت هو خز قال وما بال الخز قلت سداه إبريسم قال وما بال الإبريسم قال لا يكره ان يكون سدي الثوب إبريسم ولازره ولا علمه وانما يكره
المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء ورواية يوسف بن محمد بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس بالثوب يكون سداه وزره وعلمه حريرا وانما يكره
المبهم للرجال وعن ليث المرادي قال أبو عبد الله عليه السلام ان رسول الله كسى أسامة بن زيد حلة حرير فخرج فيها فقال مهلا يا اسامة انما يلبسها من لا خلاق له فاقسمها
بين نسائك وموثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال لا يصلح لبس الحرير والديباج واما بيعها فلا باس والظاهر المراد بهذه الموثقة مطلق
المرجوحية الشاملة للكراهة فهي غير مخصوصة بالرجال واما ما عداها من الاخبار فالمنع المستفاد منها مخصوص بالرجال بقرينة موردها وما في جملة منها من
التفصيل ولا يخفى عليك ان هذه الروايات لو لوحظت بنفسها لامكن الخدشة في جلها بل كلها بقصورها من حيث السند أو الدلالة بل ربما يستشعر من بعضها
الكراهة الا ان الحكم في حد ذاته من الواضحات الغير القابلة للتشكيك فلا يلتفت حينئذ إلى المناقشة بضعف الأسانيد أو القصور من حيث الدلالة الا ترى ان
صاحب المدارك مع أن من عادته عدم الاعتناء بمثل هذه الأخبار في اثبات حكم شرعي أجمل الكلام في المقام واكتفى في الاستدلال بما ادعاه من استفاضة الأخبار الدالة
على الحرمة من طرق العامة والخاصة على سبيل الاجمال فمنشأه ليس الا كون الحكم في حد ذاته من القطعيات فعمدة مستنده ما تقدمت الإشارة إليه من شهادة
الآثار بمعروفية المنع لدى المسلمين ومغروسيته في أذهانهم من الصدر الأولى كما ربما يستشعر ذلك بل يستظهر من الأسؤلة والأجوبة الواردة في ما يتعلق بالمقام
كما لا يخفى على المتأمل ومما يدل على عدم جواز الصلاة فيه صحيحة محمد بن عبد الجبار قال كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسئله هل يصلي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة
حرير محض من وبر أو تكة من وبر الأرانب فكتب لا تحل الصلاة في الحرير المحض وان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه إن شاء الله وصحيحته الأخرى قال كتبت إلى أبي محمد عليه السلام هل يصلي
136

في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض وخبر إسماعيل بن سعد الأحوص قال سئلت أبا الحسن الرضا عليه السلام هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم فقال
لا وخبر أبي الحارث قال سئلت الرضا عليه السلام هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم قال لا وعن احتجاج الطبرسي عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عجل الله
فرجه انه كتبت إليه يتخذ بأصفهان ثياب فيها عتابية على عمل الوشي من قز وإبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا فأجاب عليه السلام لا تجوز الصلاة الا في ثوب سداه أو لحمته
قطن أو كتا وعن الفقه الرضوي لا تصلي في ديباج ولا في حرير ولا في شئ ولا في ثوب إبريسم محض ولا في تكة إبريسم وان كان الثوب سداه إبريسم ولحمته قطن أو
كتان أو صوف فلا باس بالصلاة فيه ولا يعارضها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في ثوب ديباج فقال ما لم يكن فيه التماثيل فلا
باس لقصورها عن المكافئة بعد اعراض الأصحاب عن ظاهرها وموافقتها للعامة على ما قيل وعن الشيخ حملها على حال الحرب لما روى من جواز لبسه حينئذ أو على ما إذا كان
سداه أو لحمته غزلا أو كتانا ويحتمل صدورها تقية كما قربه في الحدائق والله العالم ثم إن مقتضى اطلاق النصوص والفتاوي بل صريح كلمات الأصحاب
بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن بعض دعوى الاجماع عليه هو في لفرق في بطلان الصلاة في الحرب المحض بين ما إذا كان ساترا للعورة بالفعل أو لم يكن كما عن المعتبر
والمنتهى نسبته إلى الشيخين والمرتضى واتباعهم نعم فيما لا تتم الصلاة فيه وحده خلاف كما ستعرف وربما يستدل على البطلان مطلقا بان الصلاة فيه
منهى عنها والنهي في العبادة يستلزم الفساد لاستحالة كون الفعل الواحد مأمورا به ومنهيا عنه فمتى كان منهيا عنه لا يكون مأمورا به وفي الحدائق بعد
ان نقل هذا الاستدلال قال الأظهر في تعليل الفساد في هذا المقام انما هو من حيث استلزام مخالفة النهي في لامتثال لأوامر الشارع ولا ريب ان مبني
الصحة والبطلان على الامتثال وعدمه انتهى أقول لو جاز اجتماع الأمر والنهي لا يسمع دعوى استلزام مخالفة النهي في لامتثال لأوامر الشارع
كما هو واضح فالأصح هو الأول الا في حال الحرب وعند الضرورة كالبرد المانع من نزعه فيجوز لبسه حينئذ بلا اشكال في شئ منهما اما الثاني فواضح إذ لبس
شئ مما حرم الله الا وقد أحله لمن اضطر إليه وكلما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر كما نطق بذلك اخبار أهل البيت عليهم السلام واما الأول فيدل
عليه مرسلة ابن بكير وموثقة سماعة المتقدمات ففي الأولى قال لا تلبس الحرير والديباج الا في الحرب وفي ثانيتهما اما في الحرب فلا باس به وان كان فيه تماثيل
ورواية إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تصلح للرجال ان تلبس الحرير الا في الحرب
وخبر الحسين بن علوان المروي عن قرب الإسناد عن جعفر بن محمد
عن أبيه عليهما السلام ان عليا عليه السلام كان لا يرى بلبس الحرير والديباج في الحرب إذا لم يكن فيه التماثيل باسا وقضية اشتراط نفي الباس في هذا الخبر بما إذا لم يكن فيه
التماثيل اختصاص الرخصة بهذا الفرض فيعارضه موثقة سماعة المتقدمة المصرحة بنفي الباس به وان كان فيه تماثيل لكن هذه الموثقة واردة في مقام دفع
توهم الحرمة فلا يتبادر من نفي الباس المذكور فيها الا إرادة نفي الحرمة واما هذا الخبر فلا يستفاد منه الا مرجوحية لبس ما فيه التماثيل ولو على سبيل الكراهة
فيمكن الجمع بينهما بالحمل على الكراهة ثم إن مقتضى ظاهر النصوص وفتاوي الأصحاب بل صريح بعض نافيا عنه الخلاف عدم اشتراط الضرورة في جواز
لبسه حال الحرب ولعل حكمته اظهار الشوكة عند العدو والله العالم وهل يجوز الصلاة فيه في الحرب اختيارا كما كما هو ظاهر المتن وغيره بل ربما يظهر من
الحدائق في لخلاف فيه فلا يجب نزعه أو تبديله ان كان ساترا أو تأخير الصلاة مع سعة الوقت ورجاء انقضاء الحرب أم لا يجوز الا مع الضرورة (وجهان من اطلاق الأخبار الناهية عن الصلاة فيه وعدم التنافي بينها وبين ما دل على جواز لبسه في الحرب) ومن أن
حرمة لبس الحرير ذاتا مانعة من أن يفهم من الأخبار الناهية عن الصلاة في الحرير منع تعبدي مغاير للمنع الناشي من نفس اللبس من حيث هو فلا يكاد يفهم من تلك الأخبار
تحريم الصلاة فيه على الاطلاق حق على تقدير حلية لبسه من حيث هو كما في الحرب ولعل هذا هو الأقوى كما يؤيده ظواهر كلمات الأصحاب ويؤيده أيضا
ما ستسمعه في حكم النساء وربما يستدل له باطلاق نفي الباس عنه في الحرب فإنه شامل لحال الصلاة وفيه ان اطلاق نفي الباس عنه لا يقتضي الا جوازه من
حيث كونه لبسا للحرير ولا ينافي ذلك عروض الحرمة له من حيث اخلاله بالصلاة أو كونه موجبا لحصول عنوان اخر محرم نعم لو كان للدليل النافي للباس
اطلاق أحوالي بحيث فهم منه الإباحة المطلقة وانه لا باس به من جهة من الجهات لا من حيث كونه لبسا للحرير ولا من حيثيات اخر اتجه الاستدلال بإطلاقه حينئذ
لعدم قادحيته في الصلاة ولكن ليس لشئ من الأخبار المتقدمة بل ولا يكاد يوجد في سائر الأخبار الواردة في الرخص هذا النحو من الاطلاق فليتأمل ثم إن
الكلام في أنه متى اضطر إلى لبس الحرير لمرض أو برودة ونحوهما هل تصح صلاته فيه مطلقا ولو مع تمكنه من تأخير الصلاة أو نزعة بمقدار فعلها بحيث
لا ينافي صدق الضرورة إلى أصل اللبس كما لو كان مريضا يتداوى بلبس الحرير ولم يكن نزعه أو تبديله بمقدار أداء الصلاة منافيا للتداوي أم لا تصح الصلاة
الا إذا اضطر إلى ايقاعها فيه فلا يكفي في جواز الصلاة مجرد الضرورة إلى أصل اللبس كالكلام فيما سبق عدى انه ليس ههنا دليل لفظي مصرح بنفي الباس
عن لبسه كي يتوهم جواز الاستدلال باطلاقه لصحة الصلاة الواقعة فيه لا لضرورة ولكنك عرفت انه لا اثر لمثل هذه المطلقات في مثل المقام تنبيهان
الأول قال في الحدائق استثنى بعض الأصحاب لبسه للقمل ثم حكى عن المصنف رحمه الله في المعتبر أنه قال ويجوز لبسه للقمل لما روى أن عبد الرحمن بن عوف والزبير
شكيا إلى رسول الله عليه وآله القمل فرخص لهما في قميص الحرير وقال الراوندي في الشرايع لم يرخص لبس الحرير لاحد الا لعبد الرحمن فإنه كان قملا
والمشهور ان الترخيص لعبد الرحمن والزبير ويعلم من الترخيص لهما بطريق العلة جوازه لغيرهما لفحوى اللفظ ويقوى عندي في لتعدية انتهى ثم حكى
عن الصدوق في الفقيه أنه قال ولم يطلق النبي صلى الله عليه وآله لبس الحرير لاحد من الرجال الا لعبد الرحمن بن عوف وذلك أنه كان رجلا قملا انتهى إلى أن قال أقول الظاهر أن
هذه الرواية المشار إليها وان اشتهر نقلها حتى في كلام الصدوق رضوان الله عليه انما وردت من طرق العامة لعدم وجودها في اخبارنا كما لا يخفى على من تتبعها
137

من مظانها ولا سيما كتاب البحار الجامع لشوارد الاخبار وحينئذ فيضعف الاعتماد عليه انتهى أقول وعلى تقدير ثبوت الرواية من طرقنا أيضا لا يجوز التخطي
عن موردها الا إذا بلغ اذى القمل إلى حد لا يتحمل عادة وأمكن دفعه بلبس الحرير لامكان كون موردها كذلك وعلى هذا التقدير يكفي في اثبات الجواز العمومات
المتقدمة كما في غيره من موارد الضرورة من غير حاجة إلى هذه الرواية فكان غرض المصنف رحمه الله من منع التخطي عن مورد العلة المنصوصة فيما عدى مثل الفرض وقد عرفت
انه في محله والله العالم الثاني ليس من الضرورة عدم ساتر غيره كما صرح به في الجواهر بل قال بلا خلاف أجده فيه بل في الذكرى وغيرها ما قد يشعر بالاجماع
عليه انتهى ووجهه ان وجوب الستر مشروط بالتمكن من الستر بما يسوغ له التستر به فلا يعقل ان يكون وجوبه علة لإباحة التستر به لا يقال إن لنا
قلب الدليل فان حرمة لبس الحرير أيضا مشروطة بعدم اضطراره إليه وهو موقوف على أن لا يجب عليه الستر للصلاة فلا تصلح حرمته مانعة عن وجوبه إذ
لا حرمة للبسه على تقدير الوجوب فالحكم الشرعي في مثل الفرض يتبع ما هو الأهم من الامرين والجزم بان رعاية جانب الحرمة في المقام أهم لدى الشارع من مراعاة جانب
الواجب مشكل لأنا نقول أولا ان عدم الاضطرار ليس شرطا في حرمة اللبس بل الاضطرار إليه رافع أو دافع لحرمته وهو لا يتحقق إلا على تقدير كون ستر العورة واجبا
بالفعل ولا يجب الستر الا على تقدير القدرة عليه عقلا وشرعا بان لا يكون ممتنعا ولا محرما فلا يعقل ان يؤثر وجوبه في حصول القدرة التي هي شرط الوجوب و
ثانيا ان رعاية جانب الحكمين من حيث الأهمية مبنية على شمول دليلهما من حيث هو للمورد وحصول المعارضة بينهما وليس الامر كذلك في المقام فان النهي عن لبس الحرير مانع
عن أن يشمله ما دل على وجوب الستر في الصلاة فان اطلاقه منصرف إلى الافراد المباحة لا لمجرد دعوى ان المتبادر من الامر بايجاد الطبيعة ارادتها في ضمن فرد مباح بالذات
بل لان دلالة المطلق على إرادة اي فرد يكون موقوفة على جريان دليل الحكمة وهو غير جار بالنسبة إلى ما تعلق به النهي لان تعلق النهي به قرينة على عدم ارادته من المطلق
ولا أقل من صلاحيته لذلك ومعه لا يجري قاعدة الحكمة هذا مع أنه ليس لأدلة وجوب الستر عموم أو اطلاق لفظي معتد به صالح لان يتوهم معارضته لاخبار الحرمة
كما لا يخفى على المتأمل ويجوز لبسه للنساء اما في غير الصلاة فما خلاف فيه بل في الجواهر اجماعا أو ضرورة من المذهب بل الدين واما في الصلاة فهو أيضا كذلك على
المشهور بل عن الشيخ نجيب الدين في شرحه والمحقق البهبهاني في حاشية المدار ان عليه عمل الناس في الأعصار والأمصار أقول ويشهد بصدق هذه الدعوى بالنسبة إلى
عصر الأئمة عليهم السلام الذي هو العمدة في استكشاف امضائهم لما جرت السيرة فيه خبر إسماعيل وأبي الحارث الذان وقع فيهما السؤال عن انه هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم
فان تخصيص الرجل بالسؤال عن صلاته فيه مشعر بل ظاهر في أن جوازه للنساء لدى السائل كان مفروغا عنه
بحيث لم يكن يحتمل المنع عنه في حقهن والا لأطلق سؤاله
خصوصا مع أعمية ابتلاء النساء بذلك وعن الذكرى وغيره ان عليه فتوى الأصحاب خلافا للمحكى عن الصدوق فقال في الفقيه على ما حكى عنه وقد وردت الاخبار بالنهي
عن الديباج والحرير والإبريسم المحض والصلاة فيه للرجال ووردت الرخصة في لبس ذلك للنساء ولم ترد بجواز صلاتهن فيه فالنهي عن الصلاة في الإبريسم المحض
على العموم للرجال والنساء حتى يخصهن خبر بالاطلاق لهن الصلاة فيه كما خصهن بلبسه انتهى وعن بعض متأخري المتأخرين الميل إليه وفي الحدائق تفويته
مستشهدا له بالأخبار الآتية ولكنه ناقش فيما ذكره الصدوق بعد ان حكاه عنه من وجهين أحدها فيما يظهر من كلامه من اختصاص الرخصة لهن باللبس دون الصلاة
بأنه يكفي في الرخصة في صلاتهن فيه العمومات الامرة باللباس وستر العورة مطلقا فيجوز لهن الصلاة فيه حتى يقوم دليل على المنع وثانيهما فيما يؤذن به كلامه من شمول
الأخبار الناهية عن الصلاة في الحرير للنساء بمنع شمول تلك الأخبار للنساء فان أكثر الاخبار انما اشتملت على السؤال عن الرجل فموردها الرجال خاصة وصحيحتا
محمد بن عبد الجبار المتقدمتان وان دلتا باطلاقهما على المنع من الصلاة في الحرير المحض الا انهما مبنيتان على سبب خاص وهو القلنسوة التي هي من لباس الرجال خاصة
فيضعف الاستناد إليها في ذلك بحمل اطلاقهما على ما يشمل النساء انتهى كلامه ملخصا ويتوجه على الوجه الأول بعد تسليم كون عمومات الستر ناظرة إلى هذه الجهة
كي يصح التمسك باطلاقها ان التمسك باطلاقها للمدعى موقوف على منع شمول النواهي للنساء كما ظهر وجهه انفا فلا وجه لجعله وجها مستقلا واما منع شمول
النواهي للنساء فيما عدى الصحيحتين ففي محله واما بالنسبة إلى الصحيحتين فلا يخلو عن اشكال إذ بعد تسليم ان القلنسوة من مختصات الرجال والغض عن أن السؤال في
الصحيحة الأولى عن تكة حرير التي التي هي غير مخصوصة بالرجال ان اختصاص ما وقع عنه السؤال بإحدى الطائفتين لا يقدح في ظهور الجواب في العموم خصوصا بملاحظة ما ستعرف
من أن الأظهر عدم كون خصوص ما وقع عنه السؤال في الصحيحتين ملحوظا فيما أريد به من عموم الجواب اللهم الا ان يقال إن سؤاله عن الصلاة في القلنسوة التي هي من
مختصات الرجال يشعر بان مراده السؤال عن أن الرجل هي يصلي في الحرير والا لسئل عن الصلاة في الحرير على الاطلاق فعلى هذا يكون عموم الجواب منزلا عليه وان لا
يخلو أيضا عن تأمل نعم قد يتجه دعوى قصور الصحيحتين عن إفادة المنع للنساء بالنظر إلى ما أشرنا إليه انفا من أن المناسبة بين حرمة اللبس وبين المنع عن الصلاة فيه
مانعة عن أن يستفاد من الأخبار الناهية عن الصلاة فيه حرمة مستقلة تعبدية مباينة للحرمة المتعلقة بلبسه فلا يفهم منها الا مانعية لبسه عن الصلاة عند كونه محرما فيختص
ذلك بالرجال كما يؤيد ذلك ما تقدمت الإشارة إليهن انه يفهم من السؤال الواقع في خبري إسماعيل وأبي الحارث ان السائل لم يكن يحتمل المنع عنه للنساء
فكأنه لم يكن يخطر بذهنه التفكيك بين إباحة اللبس وجواز الصلاة فيه كي يحتمل المنع عن صلاتهن فيه تعبدا وملخص الكلام انه لا يبعد ان يدعى ان وقوع
التفصيل في حرمة لبس الحرير المحض بين الرجال والنساء في النصوص والفتاوى مانع عن استفادة المنع للنساء من اطلاق مثل قوله عليه السلام لا يحل الصلاة
في حرير محض كما يشهد بذلك ان جل الأصحاب لم يفهموا منه ذلك فيبقى حكم النساء على وفق الأصل وهو الجواز على ما هو التحقيق كما تقرب في محله ومما يؤيد ذلك
بل يدل عليه الأخبار الدالة على جواز لبسهن له من غير اشعار فيها بالمنع عنه حال الصلاة كقوله عليه السلام في رواية أبي داود يوسف بن إبراهيم وانما يكره المصمت
138

من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء وقوله صلى الله عليه وآله لأسامة في خبر ليث المتقدم فاقسمها بين نسائك إذ لو لم تجز صلاتهن فيه لكان التنبيه عليه لان ما في مثل
هذه الأخبار بعد قضاء العادة بان من يلبسه لم يزل يصلي فيه عند حضور وقت الصلاة ما لم يكن له رادع شرعي عن ذلك من النبي صلى الله عليه وآله بتقسيمه بين نسائه وعدم
بيان بطلان صلاتهن فيه مع كونه في صدر الشريعة بحيث لا يحتمل في حقهن الاستغناء عن البيان بمعروفيته لديهن من أقوى الشواهد على الجواز ويدل عليه أيضا موثقة
ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال النساء تلبس الحرير والديباج (الا في الاحرام) فان قضية الاستثناء جواز لبسهن له (في الصلاة وربما يستدل بهذه الرواية ونظائرها من المعتبرة المستفيضة الدالة على عدم جواز لبسهن) في الاحرام للقول بعدم الجواز نظرا إلى تصريح
الأصحاب والاخبار بأنه لا يجوز الاحرام الا فيما تجوز الصلاة فيه وفيه أولا ان تصريح الأصحاب والاخبار بأنه لا يجوز الاحرام الا فيما تجوز الصلاة فيه لا يجدي في
اثبات عكسه وهو عدم جواز الصلاة الا فيما يجوز الاحرام فيه فالأولى للمستدل ان يتشبث للاثبات مدعاه بقول الصادق عليه السلام في حسن حريز وصحيحة كل ثوب يصلي
فيه فلا باس بالاحرام فيه حيث إن مقتضاه اما جواز لبس الحرير في الاحرام وهو مخالف لظاهر الأخبار المستفيضة أو عدم جواز لبسه في الصلاة وهو المطلوب و
لكن يتوجه عليه ان الموثقة المتقدمة الدالة على التفصيل بين حال الاحرام وحال الصلاة في جواز لبس الحرير أخص مطلقا من هذا الصحيح فلا يعارضها عمومه
هذا مع أن جعل الصحيحة كاشفة عن الحاق حال الصلاة بالاحرام في المنع ليس بأولى من عكسه اي جعلها كاشفة عن الحاق الاحرام بالصلاة في جواز لبسه وكون
المنع المتعلق به على سبيل الكراهة بل هذا هو الأولى فان الموثقة كالنص في دخول حال الصلاة في المستثنى منه إذ لو كانت الصلاة مشاركة للاحرام في
المنع الذي أريد بالرواية لكانت أولى بالتعرض من الاحرام خصوصا لو كان المنع تحريميا لابتلاء كل امرأة بها في كل يوم وليلة فلو كان لبسه في الصلاة محرما لم يكن
الإمام عليه السلام يهمل ذلك ويقتصر على استثناء حال الاحرام الذي لا يبتلي به الا آحاد من النساء في طول عمرها مرة أو أزيد فلابد اما من الالتزام بالتفصيل
وجعل الموثقة مخصصة لعموم الصحيح أو حمل المنع المتعلق بلبس الحرير للنساء في الاحرام على الكراهة وربما يشهد للأخير جملة من الأخبار الواردة في الاحرام التي
وقع فيها التعبير بلفظ الكراهة أولا يصلح أولا ينبغي الظاهر في الكراهة كموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا ينبغي للمرأة ان تلبس الحرير المحض وهي محرمة فان
ظهور هذه الرواية ونظايرها في الكراهة أقوى من ظهور الموثقة المتقدمة وغيرها من الأخبار الناهية
عن لبسه حال الاحرام في الحرمة خصوصا بعد اعتضاده بفهم
المشهور وفتواهم فالأظهر جواز لبسهن له في الاحرام أيضا على كراهية كما يأتي توضيحه إن شاء الله
في محله فهذه حجة أخرى مؤكدة لجواز لبسه في الصلاة على ما اعترف
به المستدل من تصريح الأصحاب والاخبار بأنه لا يجوز الاحرام الا فيما تجوز الصلاة فيه ولا يعارض شيئا مما ذكر خبر جابر الجعفي المروي عن الخصال قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول ليس على النساء اذان إلى أن قال ويجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة واحرام وحرم ذلك
على الرجال الا في الجهاد الخبر فإنه مع ضعف سنده
لا يأبى عن الحمل على الكراهة فيجمع بينها وبين الموثقة المتقدمة المفصلة بين الصلاة والاحرام بالحمل على اختلاف مراتبها بل لا يبعد ان يقال إن هذه الرواية
بنفسها غير ظاهرة في الحرمة لامكان ان يكون المراد بالجواز معناه الأخص بل لعل هذا هو الظاهر منه لا ما يقابل الحرمة وان اشعر بذلك مقابلته بقوله وحرم
ذلك على الرجال فليتأمل وكذا لا يعارضها رواية زرارة قال سمعته ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء الا ما كان من حرير مخلوط بجز لحمته أو سداه خز
أو قطن أو كتان وانما يكره الحرير المحض للرجال والنساء إذ لا شاهد لتخصيصها بحال الصلاة كي يتحقق التنافي بينها وبين ما عرفت بل ظاهرها النهي عن لبسه مطلقا
فيحمل في حق النساء على الكراهة إذ لا خلاف نصا وفتوى في عدم حرمة لبسه عليهن ودعوى ان هذا كاشف عن أن متعلق النهي هو لبسه حال الصلاة مما لا ينبغي
الاصغاء إليها فما في الحدائق من اختيار القول بالمنع استنادا إلى الأمور المزبورة ضعيف والخنثى المشكل ملحق بالنساء في جواز اللبس بل وفي الصلاة أيضا لأصالة
براءة ذمته عن التكليف بالاجتناب عنه في حال الصلاة وغيره وربما فصل بعض فالحقه بالرجال في الصلاة لأصالة الشغل في العبادات أو لعموم النهي عن الصلاة
في حرير محض في صحيحة محمد بن عبد الجبار وغيرها المقتصر في تخصيصه على النساء ويتوجه على قاعدة الشغل ما تقرر في محله من أن الأقوى ان المرجع عند الشك في الشرطية و
الجزئية هو البراءة دون الاحتياط من غير فرق بين ان يكون الشك ماشيا من اشتباه حال المكلف كما في الخنثى أو من اجمال الحكم الشرعي كما في ساير موارد الشك
في الشرطية والمانعية ويرد على التمسك بعموم النهي بعد الغض عن امكان دعوى انصرافه إلى اللبس المحرم كما تقدمت الإشارة إليه ان الخنثى ليس طبيعة ثالثة بل هو
اما رجل أو أنثى فالشك فيه شك في كونه من افراد المخصص المعلوم ولا يجوز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية على الأظهر كما تقدم التنبيه عليه غير مرة وقد
يقال إنه يجب على الخنثى الاجتناب عن مختصات كل من الطائفتين فلا يجوز له لبس الحرير الذي هو من مختصات النساء فضلا عن الصلاة فيه ولا لبس العمامة التي هي من
مختصات الرجال لأنه يعلم اجمالا بأنه مكلف بإحدى الوظيفتين فعليه الاحتياط وفيه انه لا اثر لمثل هذا العلم الاجمالي الا عند الجمع بين الوظيفتين ولو حكما
بان كان كلا منهما مورد ابتلائه والا فلا يتنجز في حقه التكليف الا بما يعلم بتوجه خطابه إليه على اي تقدير كما لا يخفى وجهه على من تأمل فيما أسلفناه في كتاب
الطهارة عند التكلم في حكم المائية المشتبه طاهرهما بنجسهما فراجع هذا مع أنه يمكن الخدشة في عموم دليل سائر المختصات التي ليس لها اطلاق دليل لفظي عن
شمول الخنثى المشكل الذي هو في حد ذاته امر ملتبس فليتأمل ولا يجب على ولي الطفل والمجنون فضلا عن غيره منعهما منه للأصل وهل يجوز تمكينهما منه
اما بالنسبة إلى الصبي الذي لا يطلق عليه اسم الرجل عرفا فالوجه الجواز لقصور أدلة الحرمة عن شمولها للأطفال حيث إنها لم تدل الا على حرمته للرجال فالأطفال
الذي لا يطلق عليهم اسم الرجل خارجه عن موضوع الحكم اللهم الا ان يستدل للحرمة باطلاق النبوي المشهور في كتب الفتاوي هذا اي الذهب والحرير محرما على
ذكور أمتي لكن يتوجه عليه يعد الغض عن امكان دعوى انصرافه عن الأطفال قصوره من حيث هو عن صلاحية الاستدلال به لاثبات حكم شرعي فمقتضى الأصل عدم
139

حرمته بالنسبة إليهم وجواز تمكينهم منه واما بالنسبة إلى من يصدق عليه اسم الرجل من المجانين والأطفال المراهقين للبلوغ ممن تعمهم أدلة الحرمة بظاهرها
لولا حديث رفع القلم واشتراط صحة التكليف بالبلوغ والعقل فقد يقوى في النظر أيضا جواز تمكينهم منه لانتفاء الحرمة في حق الصبي والمجنون بانتفاء شرط التكليف
فلا يوصف لبس الحرير الذي حصل بفعلهما بالحرمة بالنسبة اليهما وحيث لا يجرم عليهما اللبس فلا مانع من جواز تمكينهما منه فان حرمة تمكين الغير من لبس الحرير انما
هي لكونه إعانة على الاثم ولا اثم في الفرض كي يكون تمكينهما منه إعانة عليه ولكن الأقوى في لجواز إذ لو صح ما ذكر لاقتضى جواز ذلك بعث المجانين والأطفال
على ارتكاب سائر المحارم من شرب الخمر واكل مال الغير وغيره من النجاسات والمحرمات وهو واضح الفساد ودعوى ان وضوح فساده انما هو فيما إذا كان الحرم مما
علم من حال الشارع إرادة عدم حصوله في الخارج من اي شخص كان بحيث لو قصد شخص ايجاده جهلا أو غفلة لوجب فيه تنبه الغافل واعلام الجاهل وردع غير
المكلف ومنعهم عن الفعل واما في مثل هذه الموارد التي لا يجب فيها الردع ما لم يكن الفاعل منجزا في حقه التكليف بالاجتناب كي يندرج في موضوع النهي عن
المنكر فلا نسلم حرمة التمكين مدفوعة بان من الواضح انه لا يجوز تقديم الخمر أو لحم الخنزير أو غيرهما من أنواع المحرمات إلى الصبي الصبي والمجنون أو الغافل والجاهل
الذي لا يتنجز في حقه التكليف بالاجتناب عنه مع أنه لو تناوله بنفسه جهلا أو غفلة لم يجب منعه بلا اشكال لا لكونه إعانة على الاثم إذ لا اثم في شئ من
الفروض بل لان بعث الغير على ارتكاب ما حرمه الله عليه كارتكابه بنفسه للمحرم قبيح عقلا وان لم يتصف فعل المباشر من حيث صدوره منه بالقبح لكونه مكرها
أو لغفلته وعدم كونه بعنوانه المحرم اختيارا له اما حقيقة كما في الجاهل والغافل ان حكما كما في المجنون أو الصبي الذي عمدهما خطأ الا ترى انه لو حرم المولى
على بعض عبيده فعلا فحمله بعض اخر على ايجاد ذلك الفعل كرها أو من غير التفاوت وشعور استندت المخالفة إلى ذلك الاخر بحيث يحسن مؤاخذته على المخالفة
والحاصل انه يستفاد من مثل قوله صلى الله عليه وآله هذان محرمان على ذكور أمتي وقوله عليه السلام وحرم ذلك على الرجال وغير ذلك ان لبس الرجال
للحرير مبغوض للشارع فمتى لبسه رجل عن عزم وإرادة فقد اتى بما هو مبغوض للشارع اختيارا واستحق بذلك العقوبة ولو اتى بها مكرها أو جهلا أو نحو
ذلك فقد اتى بما هو المبغوض للشارع لكن على وجه لا يوصف من حيث صدوره منه بالقبح لعدم كونه بعنوانه المقبح له اختيارا له ولو وجد هذا الفعل شخص اخر
بان مكن ذلك الشخص هذا الرجل من ايجاد هذا الفعل بحيث صدر منه لا عن اختيار فقد صدر القبيح من ذلك الشخص حيث أوجد بالتسبيب ما هو المبغوض للشارع
عن عزم واختيار لا يقال إنه لو تم ما ذكر فهو بالنسبة إلى الغافل والجاهل ونحوهما ممن تكون المحرمات محرمة عليهم في الواقع ولكن لا يتنجز عليهم التكاليف
الواقعية لجهلهم فمن ألجأهم إلى مخالفة تلك الأحكام الواقعية يكون بمنزلة عبد ألجأ العبد الاخر في مخالفة سيده لا بالنسبة إلى المجنون وغير البالغ الذي
لا تكليف عليه في الواقع لأنا نقول عدم كون غير البالغين والمجانين مكلفين باجتناب المحرمات وفعل الواجبات لنقص فيهم لا لقصور في أدلة التكاليف فالتكاليف
تكاليف شانيته في حقهم بحيث لو جاز تنجزها في حقهم ومؤاخذتهم على مخالفتها لتنجزت ولكنه لا يجوز شرعا وعقلا فمن حلمهم على مخالفتها ليس الا كمن أوقع الجاهل
والغافل في مخالفته التكاليف الواقعية اللهم الا ان يدعى انه يستفاد من مثل قوله عليه السلام رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق مع عدم ملحوظية الصبي والمجنون
رأسا في مقام شرع التكاليف فلا اثر للتكاليف بالنسبة إليهم أصلا لا انها تكاليف شانية بحيث يتفرع عليها حسن مؤاخذة المكلف الذي صار سببا لمخالفتها و
لكن يتوجه على ذلك ما تقرر في محله من أن المراد بالحديث على ما يتبادر منه رفع قلم المؤاخذة دنيوية كانت أم أخروية فلا يؤاخذ الصبي والمجنون بشئ من مخالفة التكاليف
والالتزامات الصادرة منه من العقود والايقاعات وغيرها لا انهما غير ملحوظين رأسا في مقام شرع التكاليف ولذا قوينا صحة عبادات الصبي واستحقاقه
الأجر والثواب بإطاعة الفرائض والسنن والاجتناب عن المحرمات والمكروهات بل وكذلك المجنون إذا كان له من العقل بقدر ان يتأتى منه قصد الامتثال
ولكن لا يخفى عليك ان ما ادعيناه من حرمة تمكين الغير وبعثه على ارتكاب ما حرمه الله على عبادة وان كان ذلك الغير صبيا أو مجنونا أو غافلا انما هو فيما إذا
لم يكن عنوان البلوغ أو العقل أو العمد والاختيار مأخوذا في الأدلة السمعية قيد المتعلق التكليف ولو من حيث الانصراف الناشي من المناسبة بين الحكم وموضوعه
أو غير ذلك من الأمور المقتضية للصرف والا فلا تأمل في أنه لو كان مفاد الدليل السمعي الدال على حرمته انه يحرم على العاقل أو على البالغ أو الملتفت أو يجوز ذلك
لا يحرم تمكين من لم يندرج في موضوع متعلق الحكم وبعثه على ذلك الفعل اللهم الا ان يعلم من الخارج ان اخذه قيدا في الموضوع لكونه شرطا في صحة التكليف من
غير أنه يكون له مدخلية في أصل الحكم فحاله حينئذ حال ما عرفت ويلخصه انه إذا دل الدليل على أن
الله تعالى حرم على عباده مثلا شرب الخمر أو اكل لحم الخنزير أو حرم على
الرجال لبس الحرير أو النظر إلى الأجنبية أو نحو ذلك فهم من ذلك الدليل ان صدور ذلك الفعل من كل من صدق عليه ذلك العنوان الذي تعلق به الحرمة وهو مطلق
العباد في المثالين الأولين ومطلق الرجال في الأخيرين مبغوض لدى الشارع وقبيح من حيث الذات فمتى استند إلى بالغ عاقل مختار صحت مؤاخذته عليه من غير فرق بين ان
يكون سببا أم مباشر أو لكن هذا انما هو بحكم العقل والا فالمنساق إلى الذهن من الأدلة السمعية الدالة على الحرمة ارادتها بالنسبة إلى المباشر لا غير وبالنسبة إليه أيضا
مخصصة عقلا وشرعا بما إذا كان بالغا عاقلا مختارا فهي بالنسبة إلى فعل السبب قاصرة على إفادة الحرمة وبالنسبة إلى فعل غير البالغ والمجنون مخصصة ولكن منشأ التخصيص
لدى العقل والشرع نقص الفاعل وقصوره عن حد التكليف كالغافل والناسي ومتى كان الامر كذلك استقل العقل بقبح فعل من بعثهم على ذلك الفعل كما في المثال المزبور
فليتأمل وفيما لا تتم فيه الصلاة منفردا كالتكة والقلنسوة ونحوهما تردد واختلاف بين الأصحاب فعن الشيخ المفيد والصدوق وابن الجنيد المنع وعن العلامة في المختلف
140

تقويته وجعله في محكى المنتهى الأقرب بعد الاستشكال في المسألة وعن جملة من متأخري المتأخرين الميل إليه وعن الصدوق في الفقيه المبالغة في المنع حتى أنه قال لا يجوز الصلاة
في تكة رأسها من إبريسم وعن غير واحد من الأصحاب بل الأشهر فيما بينهم بل ربما نسب إلى المشهور القول بالجواز حجة القائلين بالمنع عموم الأخبار المانعة عن الصلاة
في الحرير وخصوص صحيحتي محمد بن عبد الجبار المتقدمتين اللتين كادتا ان تكونا صريحتين في في لجواز في التكة والقلنسوة حيث وقع فيهما السؤال عنهما فيكون الجواب كالنص
في ارادتهما احتج القائلون بالجواز برواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كلما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا باس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة
والخف والزنا وتكون في السراويل ويصلي فيه وهذه الرواية كما تراها حاكمة على عمومات المنع عن الصلاة في الحرير مع انا لم نعثر على عموم يدل على ذلك عدى بعض الأخبار
المتقدمة المشتمل على لفظ الثوب الغير الصادق على مثل هذه الأشياء وضعا وانصرافا واما العمومات الناهية عن لبس الحرير المحض الشاملة باطلاقها
لحال الصلاة فسيأتي عند التكلم في حرمة لبس الذهن التنبيه على قصورها عن إفادة المنع عن الصلاة فيه من حيث هي حيث إن النهي متعلق بأمر خارج عن مهية الصلاة
كما سنوضحه إن شاء الله ولكن مع ذلك الرواية المتقدمة مخصصة لتلك العمومات أيضا فإنها كما تدل على نفي الباس عن الصلاة في التكة الإبريسم ونحوها من حيث هي
كذلك تدل على نفي الباس عن لبسها من حيث هو فان المتبادر من التمثيل بالتكة الإبريسم انه لا حرج في لبسها حال الصلاة لا من حيث كونها لبسا للحرير ولا من حيث مانعيتها
عن الصلاة هذا مع امكان دعوى انصراف تلك العمومات أيضا عن مثل التكة والقلنسوة فان المنساق من النهي عن لبس الحرير إرادة الثوب لا مطلق الملابسة الصادقة
على مثل هذه الأشياء وكيف كان فلا يصلح شئ من هذه العمومات لمعارضة الرواية المتقدمة والخدشة في سندها بأحمد بن هلال يدفعها بعد الغض عما قيل من أن
ابن الغضائري لم يتوقف في حديثه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب انه لا ينبغي الالتفات إلى ضعف السند في مثل هذه الرواية المشهورة المقبولة عند الأصحاب التي
عملوا بها قديما وحديثا في باب النجاسات وغيره بحيث لا يكاد يوجد من يطرحها رأسا من حيث القدح في السند وان رفع اليد عنها كثير من الأصحاب في بعض مواردها كما في
المقام وفي اجزاء مالا يؤكل لحمه لأجل ابتلائها بالمعارض فهذا لا يوهن الرواية خصوصا بعد الالتفات إلى انها هي عمدة مستند التفصيل المعروف بين الأصحاب قديما
وحديثا في جميع هذه المسائل فلا اشكال فيها من هذه الجهة ولكن قد يعارضها صحيحتا محمد بن عبد الجبار المتقدمتان وهما وان كانتا أعم مطلقا من هذه الرواية ولكن
لابتنائهما على السبب الخاص وهو التكة والقلنسوة كالنص في ارادتهما كما تقدمت الإشارة إليه فيتحقق المعارضة بينهما وبين هذه الرواية والترجيح لهما من حيث
السند والبعد عن التقية لصراحتهما في نفي الصحة المخالفة للعامة واما رواية الحلبي فيحتمل صدورها تقية فان ما تضمنته من صحة الصلاة في الأمور المزبورة
ينطبق على مذهبهم ودلالتها على نفي الصحة في غيرها انما هي بالمفهوم الضعيف هذا غاية ما يمكن ان يقال بل قيل في تشييد هذا القول وترجيح مستنده ولكن يتوجه
عليه أولا ان الصحيحتين أيضا كسائر العمومات قابلتان للتخصيص غاية الأمر انه يلزم منه تخصيص المورد ولا محذور فيه بعد قيام احتمال في رادة بيان حكم خصوص
المورد لبعض دواعي الاختفاء من تقية ونحوها خصوصا مع مشاركته لسائر الموارد في جنس التكليف وهو مرجوحية الفعل بل قابلتان للتأويل أيضا بحمل نفي الحل
على إرادة نفي الإباحة الغير المنافية لإرادة الكراهة في بعض مصاديقهما أو غير ذلك مما تقدمت الإشارة إليه في مبحث الصلاة في جلد السنجاب عند التكلم في جواز
ارتكاب التخصيص أو التأويل في موثقة ابن بكير بواسطة الأخبار الخاصة الواردة في السنجاب فراجع هذا مع
أن الصحيحتين بمقتضى اطلاقهما تعمان النساء وقد عرفت انفا ان
النهي بالنسبة إليهن محمول على الكراهة فتأمل وثانيا ان الصحيحتين وان كانتا أقوى سندا من حيث الاتصاف بالصحة المصطلحة ولكن رواية الحلبي أوثق منهما من حيث الشهرة
بين الأصحاب فتوى ورواية فهي من الروايات المشهورة التي لا ريب فيها هذا مع أن الترجيح فرع في مكان الجمع من حيث الدلالة وستعرف امكانه واما ما قيل من أقر بيته
هذه الرواية إلى التقية وان دلالتها على نفي الصحة في غيرها انما هي بالمفهوم الضعيف فهو من غرائب الأوهام كيف وهذه الرواية كالنص في أن الحرير مما لا تجوز
الصلاة فيه وان المنع عنه وعن غيره مما لا تجوز الصلاة فيه انما هو فيما إذا لم يكن مما لا تتم فيه الصلاة وحده كالتكة من الإبريسم والقلنسوة ونحوها واما
الصحيحتان فالغالب على الظن كونها رواية واحدة وقد وقع الاختلاف في نقلها من حيث التعبير باللفظ أو المضمون وكيف كان فهما من الاخبار التي يلوح منها اثار التقية
فإنهما مع كونهما من المكاتبة التي قد يقوى فيها احتمال التقية يشتمل أوليهما على نفي الباس عن الصلاة في وبر الأرانب مشروطا بالتذكية ومعلقا على المشية وهذه
جميعا من امارات التقية وقد اعرض الأصحاب عنها بالنسبة إلى هذه الفقرة وحملوها على التقية فكيف يدعى مع ذلك ابائها عن التقية وترجيحها على رواية الحلبي التي ليس فيها
شائبة التقية أصلا بل ربما يستشعر التقية أيضا مما وقع فيهما من التعبير بأنه لا يحل الصلاة في الحرير المحض أو في حرير محض حيث إنهم على ما حكى عنهم يقولون بحرمة لبسه
وصحة الصلاة الواقعة فيه فالعدول عن التصريح بالمنع عن الصلاة فيه إلى التعبير بنفي الحلية القابل للحمل على إرادة حرمة لبسها حال الصلاة لا بطلان الصلاة الواقعة
فيه يشعر بصدوره تقية وكيف كان فالأقوى ما عن المشهور من القول بالجواز ولكن الأظهر انه على سبيل الكراهية كما في المتن وغيره تنزيلا للصحيحتين بالنسبة إلى ما
لا يتم فيه الصلاة كما هو موردهما عليها اما بادراجه فيما لا يحل من باب التغليب أو على سبيل عموم المجاز واما احتمال التخصيص وعدم كون المورد ملحوظا رأسا في اطلاق الجواب
لنكتة مقتضية لاهماله فهو في غاية البعد خصوصا على تقدير تعدد الروايتين كما هو مقتضى ظاهرهما وكذا احتمال إرادة التقية بقوله لا يحل الصلاة في حرير محض مع مخالفته
بظاهره لفتوى العامة أيضا لا يخلو عن بعد وان قوينا هذا الاحتمال بالنسبة إلى ساير فقرات الصحيحة؟ بالنسبة إلى هذه الفقرة أيضا من حيث التعبير بعدم الحلية لكن الظاهر
إرادة بيان الحكم الواقعي بهذه العبارة المناسبة للتقية لا التقية في أصل الحكم مع أنه لا يعني باحتمال التقية ولو في بعض فقرات الرواية مع امكان العمل بها والجمع بينها وبين ما
ينافيها بتخصيص أو تأويل كما في ما نحن فيه والله العالم ثم إن المدار في كون الثوب مما تتم فيه الصلاة وحده على الثانية والاستعداد لا على الفعلية فلا تجوز الصلاة في العمامة
141

ونحوها من الثياب الصغيرة المركبة من طيات عديدة مما يمكن ستر العورة به على تقدير تغيير وضعه ويعتبر فيما لا تتم فيه الصلاة وحده كونه كذلك من حيث الصغر كالتكة
والقلنسوة لا من حيث الرقة ونحوها كما يظهر وجه ذلك كله مما أسلفناه في مبحث النجاسات ويجوز الركوب عليه اي على الحرير المحض وافتراشه على الأصح وفاقا للمشهور
كما ادعاه غير واحد بل في المدارك انه المعروف من مذهب الأصحاب وحكى عن المصنف رحمه الله في المعتبر التردد فيه منشأه الصحيحة الآتية الدالة على الجواز وعموم التحريم
على الرجال واعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بان المحرم لبسه كما هو المنساق من أدلته حتى من مثل قوله صلى الله عليه وآله هذان محرمان على ذكور أمتي فان المتبادر منه إرادة
لبسهما وهو غير الافتراش مع أن الصحيحة أخص مطلقا منه فلا مقتضى للتردد فيه وحكى عن المختلف انه نسب القول بالمنع إلى بعض المتأخرين قال في محكى المختلف بعد
الحكم المذكور ومنع بعض المتأخرين من ذلك لعموم المنع عن لبس الحرير وليس بمعتمد لان منع اللبس لا يقتضي منع الافتراش لافتراقهما في المعنى انتهى ووفي الحدائق
بعد نقل ما سمعته عن المختلف قال لا يبعد ان يكون كلام المختلف إشارة إلى منع صاحب المعتبر وان كان على جهة التردد حيث لم ينقل فيما وصل الينا عن غيره انتهى و
في المدارك بعد ان حكى عن المختلف نسبة القول بالمنع إلى بعض المتأخرين قال وهو مجهول القائل والدليل واعترضه في الجواهر بأنه حكى عن ابن حمزة في اخر كتاب المناجاة التصريح
بالمنع فقال وما يحرم عليه لبسه يحرم فرشه والتدثر به والاتكاء عليه واسباله سترا بل عن المبسوط مثل ذلك أيضا انتهى وكيف كان فالقول بالمنع على تقدير تحققه
ضعيف إذ لا دليل عليه عدى ما أشار إليه في محكى المعتبر من عموم التحريم على الرجال وفيه ما تقدمت الإشارة إليه من اختصاصه باللبس فمقتضى الأصل جواز ما عداه مما لا يصدق
عليه اسم اللبس من الافتراش والركوب عليه وغير ذلك ومما يدل على المشهور مضافا إلى الأصل صحيحة علي بن جعفر عليه السلام قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الفراش الحرير ومثله من الديباج
والمصلي الحرير هل يصلح للرجال النوم عليه واتكائه والصلاة عليه قال يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه وربما يؤيد المنع ما عن الفقه الرضوي أنه قال ولا
تصل على شي من هذه الأشياء الا مما يصلح لبسه وكأنه أراد بهذه الأشياء الميتة والحرير والذهب ولكنك عرفت مرارا ان الرضوي لا ينهض حجة فضلا عن صلاحيته لمعارضة
ما عرفت تنبيه في المدارك بعد ان صرح باختصاص النهي باللبس دون الافتراش قال وفي حكم الافتراش التوسد عليه والالتحاق به اما التدثر به فالأظهر تحريمه
لصدق اسم اللبس عليه انتهى واعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بمنع صدق اسم اللبس على التدثر فهو أيضا كالالتحاف والتوسد بحكم الافتراش أقول ربما يظهر
من كتاب مجمع البحرين صدق اسم اللبس على التدثر قال في قوله تعالى يا أيها المدثر اي المتدثر بثيابه وهو اللابس الدثار الذي هو فوق الشعار والشعار الثوب الذي يلي الجسد
ومنه تدثر اي لبس الدثار وتلفف به انتهى وعن بعض تفسير التدثر بالتغطي فعلى هذا لا يصدق عليه اسم اللبس وكيف كان فالمدار في الحرمة على صدق اطلاق اللبس
حقيقة والمرجع لدى الشك في الصدق اصالة البراءة والله العالم وتجوز الصلاة في ثوب مكفوف به كما لعله المشهور بل عن بعض دعوى الاجماع عليه ولكن حكى عن
القاضي والسيد في بعض مسائله وعن ظاهر الكاتب المنع عنه وعن جماعة من المتأخرين الميل إليه لعموم منع الرجال عن لبس الحرير المحض الصلاة فيه وفيه ان
ما دل على المنع عن الصلاة في ثوب إبريسم محض وحرمة لبسه لا تعم الثوب المركب من الحرير وان كان التركيب بانضمام قطع الحرير إلى غيره وجعل المجموع ثوبا واحدا
فان الثوب لا يصدق على ابعاضه ولا بصدق على المجموع انه ثوب إبريسم محض خصوصا إذا كان معظم اجزائه من غير الحرير كما فيما نحن فيه نعم يصح الاستشهاد للمنع
باطلاق مثل قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن عبد الجبار لا يحل الصلاة في حرير محض بدعوى صدقه على ما إذا كان جزء من اللباس ولكن يتوجه على هذا أيضا بعد الغض
عن امكان دعوى انصرافه عن ذلك أنه يتعين صرفه عنه جمعا بينه وبين رواية يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس بالثوب ان يكون سداه وزره وعلمه حريرا و
انما يكره الحرير المبهم للرجال ورواه الصدوق باسناده عن يوسف بن محمد بن إبراهيم وخبر أبي داود يوسف بن إبراهيم قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعلى قباء خز
وبطانته خز وطيلسان خز مرتفع فقلت ان على ثوبا اكره لبسه فقال وما هو قلت طيلساني هذا قال وما بال الطيلسان قلت هو خز قال وما بال الخز قلت سداه
إبريسم قال وما بال الإبريسم لا يكره ان يكون سدي الثوب إبريسم ولازره ولا علمه وانما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء وظاهر الخبرين اختصاص
الحرمة بما إذا صدق على الثوب انه حرير محض فلا يلاحظ اجزائها من حيث هي على سبيل الاستقلال وتوهم امكان تخصيص الخبرين بغير حال الصلاة مدفوع أولا
بان من الواضح انه لو كان الثوب الذي أريد في الرواية نفي الباس عنه محرما لبسه في الصلاة لم يكن الإمام عليه السلام ينفي الكراهة عنه على الاطلاق وثانيا ان الخبرين
بمنزلة المفسر للحرير المحض الذي عق عليه حرمة اللبس والصلاة فيه في سائر الأخبار واستدل له أيضا بخبر جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام انه كان يكره ان لبس
القميص المكفوف بالديباج ويكره لباس الحرير ولباس الوشمي ويكره المثيرة الحمراء فإنها مثيرة إبليس ونوقش فيه بان الكراهة أعم في عرفهم من الكراهة المصطلحة
كما يؤيد ذلك تتمة الرواية حيث تعلقت الكراهة فيها بالأشياء التي بعضها محرم وبعضها مكروه وبالخبر العامي عن أسماء انه كان للنبي صلى الله عليه وآله جبة كسروانية
لها لنبة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج وخبر عمر ان النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الحرير الا موضع إصبعين أو ثلاث أو اربع ولا باس بذكرها في مقام التأييد والا فلا
يعول على مثل هذه الأخبار في اثبات حكم شرعي مع أن تمامية الاستدلال بأولهما مبني على أن يكون الديباج اسما للحرير المحض وهو لا يخلو عن تأمل واما ثانيهما
فمقتضاه اختصاص الجواز بموضع الأربع أصابع فما دون والمنع عما زاد على ذلك وقد شاع التحديد بذلك فيما بين الأصحاب بحيث نسبه بعض إلى المشهور واخر
إلى الأصحاب فمن هنا قد يترجح في النظر صحة هذا التحديد وجواز التعويل على ذلك الخبر إذ الظاهر أن مستند هذا التحديد الذي اشتهر بين الأصحاب ليس الا هذه الرواية
فهي لدى الأصحاب ملاقاة بالقبول وهذا من أبين انحاء التبين الذي يجوز معه العمل بكل رواية ولكن الأقوى خلافه فان رفع اليد عن مقتضيات الأصول والقواعد
وارتكاب التأويل في ظواهر الأدلة المعتبرة بمثل هذه المراسيل مشكل واعتماد من حدد الكف ونحوه بالأربع أصابع على خصوص هذا الخبر غير معلوم كي يدعى انجبار ضعفه
142

بالعمل فالأصل في المقام انما هو ظواهر الأدلة المتقدمة التي قد عرفت ان مفادها انما هو حرمة لبس الحرير المحض ولا يتحقق هذا المفهوم عرفا الا إذا صدق على الملبوس من
حيث هو انه حرير محض دون ما إذا كان الحرير المحض جزء منه خصوصا إذا كان مثل الكف ونحوه مما بعد عرفا من توابع اللباس لا من مقومات موضوعه بل قد أشرنا إلى أن
المتبادر من لا يحل الصلاة في حرير محض من حيث هو مع قطع النظر عن القرائن الخارجية أيضا ليس الا ذلك حيث إن ظاهر إرادة الظرفية الحقيقية بان يكون الحرير المحض لباسا
للمصلي لا متعلقا به أو بلباسه بنوع من أنواع العلائق كالكف والعلم ونحوه نعم لا يبعد دعوى صدق لبس الحرير المحض والصلاة فيه على ما إذا كان جزء مستقلا من
اللباس بحيث لو انفصل عن الجزء الآخر لعد بنفسه لباسا مستقلا فالأظهر في مثل الفرض عدم جواز الصلاة فيه وحرمة لبسه ولا ينافيه الخبران المتقدمان فإنه وان لا يصدق
على المجموع المركب الذي هو ثوب واحد بالفعل انه المصمت من الإبريسم أو انه الحرير المبهم ولكن لا يبعد دعوى انصراف الخبرين عن مثل هذا الثوب الذي يكون جزئه الحرير بمنزلة
لباس مستقل ومما يؤيد أيضا نفي الباس عن الكف والعلم ونحوهما رواية الحلبي المتقدمة الدالة على نفي الباس عن كل ما لا تتم فيه الصلاة وحده فإنها باطلاقها شاملة
لمثل الكف وأشباهه الا ان المتبادر منها إرادة الا لبسه المستقلة كالقلنسوة والتكة ونحوهما ولذا جعلناها من المؤيدات لا الأدلة مع أنه لا يبعد ان يدعى ان انصرافها
عن مثل العلم والكف ونحوهما من توابع الثوب واجزائه ببدوي منشأه خفاء صدق وقوع الصلاة فيه من حيث عدم ملاحظته على سبيل الاستقلال لاحقا ارادته من
الرواية على تقدير الصدقة فليتأمل واستدل للقول بالمنع مضافا إلى العمومات التي عرفت حالها بموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الثوب بكون علمه
ديباجا قال لا تصل فيه وفيه ان الخبرين المتقدمين المعتضدين بغيرهما مما عرفت نصان في نفي الباس عن العلم فيجمع بينهما وبين الموثقة بحمل النهي على الكراهة كما صرح به في محكى
الذكرى وغيره ولكن قد يقال بان الموثقة انما دلت على النهي عن الصلاة في الثوب الذي يكون علمه ديباجا فيمكن الجمع بينها وبين الخبرين بتخصيص الجواز بغير حال الصلاة و
يدفعه ما تقدمت الإشارة إليه انفا من بعد ارتكاب التخصيص في الخبرين بالحمل على إرادة اللبس في غير حال الصلاة مضافا إلى ما ربما يظهر من بعض من دعوى كون التفصيل خزفا
للاجماع المركب وكيف كان فلا ريب في أن حمل النهي على الكراهة أولى من هذا التخصيص المخالف للمشهور أو المجمع عليه والله العالم وإذا مزج الحرير بشئ مما تجوز الصلاة
فيه حتى خرج عن كونه محضا حاز لبسه والصلاة فيه سواء كان ذلك الشئ أكثر من الحرير أو أقل منه بلا خلاف فيه على الظاهر ويشهد له اخبار كثيرة منها خبر عبيد بن زرارة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس بلباس القز إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتان وخبر أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سئل الحسن بن قياما أبا الحسن عليه السلام عن الثوب الملحم بالقز و
القطن والقز أكثر من النصف أيصلي فيه قال لا بأس قد كان لأبي الحسن عليه السلام منه جبات وخبر إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام في الثوب يكون فيه الحرير فقال إن كان فيه خلط
فلا بأس وخبر أبي الحسن الأحمسي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سأله أبو سعيد عن الخميصة وانا عنده سداة إبريسم ايلبسها وكان وجد البرد فأمره ان يلبسها في المجمع خميصة ثوب خز أو صوف
مربع معلم قيل ولا تسمى خميصة الا أن تكون سوداء معلمه انتهى في الجواهر والخميصة كساء اسود مربع له علمان انتهى وخبر زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال
والنساء الا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن وانما يكره الحرير المحض للرجال والنساء وعن كتاب الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري
عن صاحب الزمان عجل الله فرجه انه كتب إليه يتخذ بأصفهان ثياب فيها عتابية على عمل أو الوشى من قز وإبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا فأجاب عليه السلام لا تجوز الصلاة الا في ثوب
سداه أو لحمته قطن أو كتان إلى غير ذلك من النصوص التي تقدم بعضها كخبري يوسف بن إبراهيم وصحيحتي محمد بن عبد الجبار وغيرهما وما في بعض الأخبار المتقدمة من تخصيص
الجواز بما إذا امتزج بقطن أو كتان أو خز فهو بحسب الظاهر جاري مجرى التمثيل كما أن ما فيها من تعليق الجواز على خصوص ما إذا كان سداه أو لحمته من غير الحرير أيضا مبني على
ذلك أريد به بيان إناطة الحرمة بالخلوص وكونه حريرا محضا فتخصيص هذا القسم من الخلط بالتمثيل لعله لغلبة حصول الامتزاج به لا لإرادته بالخصوص فلا ينافيه ما تقدم
سابقا من أنه لا بأس بالثوب المكفوف أو المنسوج طرائق بعضها من الحرير خارج عما هو المفروض موضوعا
في تلك الأخبار التي وقع فيها تعليق الجواز على ما إذا كان
سداه أو لحمته قطن أو كتان لان تلك الأخبار وردت فيما يطلق عليه من حيث هو اسم ثوب الحرير فالمكفوف ونحوه مما لا يطلق عليه هذا الاسم خارج عن موضوعها نعم
قد يترائى من خبر إسماعيل بن الفضل المتقدم انه إذا كان الحرير جزء من الثوب أيضا يعتبر فيه الخلط فلا يكفي عدم محوضة الثوب من حيث هو ولكنه لابد من حلمه على ما لا ينافي غيره
من الأدلة المتقدمة ويحتمل ان يكون الضمير في قوله عليه السلام ان كان فيه خلط راجعا إلى الثوب لا إلى الحرير بل الظاهر أن المراد بالحرير في كلام السائل كعبارة المتن هو الإبريسم
الذي يتخذ منه لثوب لا المنسوج فعلى هذا تعيين ارجاع الضمير إلى الثوب فلا ينافي غيره حينئذ كما لا يخفى تنبيه لا يجوز لبس الذهب للرجال ولا الصلاة فيه اما الأول
فاجماعا كما ادعاه غير واحد بل قيل إنه ضروري الدين ويدل عليه مضافا إلى ذلك المستفيضة الآتية واما الثاني فربما يظهر من غير واحد أيضا في لخلاف فيه فيما تتم
به الصلاة واما فيما لا تتم به الصلاة كالخاتم ونحوه ففيه خلاف وربما نسب إلى الأكثر البطلان وعن ظاهر المصنف في المعتبر العدم حيث قال على ما حكى عنه ولو صلى
وفي يده خاتم من ذهب ففي فساد الصلاة تردد أقربه انها لا تبطل لما قلناه في الخاتم المغصوب ومنشأ التردد رواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله عليه السلام قال جعل الله
الذهب حلية أهل الجنة فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه انتهى وفي الحدائق بعد ان حكى ما سمعته عن المعتبر قال وأشار بقوله لما قلناه في الخاتم المغصوب (إلى ما قدمه في مسألة الصلاة في الخاتم المغصوب؟) من أن النهي
عنه ليس عن فعل من افعال الصلاة ولا عن شرط من شروطها انتهى أقول بين الرواية المزبورة على ما رواها في الوسائل هكذا عن أبي عبد الله في الحديث انه حلية أهل
النار والذهب انه حلية أهل الجنة وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه ويدل على المنع عن الصلاة فيه مضافا إلى ذلك موثقة
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد قال لا ولا يتختم به الرجل لأنه من لباس أهل النار وقال لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه لأنه من لباس أهل الجنة
143

ويمكن الخدشة في دلالتها على الحرمة حيث إن ما فيها من التعليل ربما يوهن ظهورها في ذلك كما في الفقرة الأولى وخبر جابر الجعفي المروي عن الخصال قال سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول ليس على النساء اذان إلى أن قال ويجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة واحرام وحرم ذلك على الرجال الا في الجهاد ويجوز ان تتختم بالذهب وتصلي
فيه وحرم ذلك على الرجال وعن الفقه الرضوي لا تصلي في ديباج ولا في حرير إلى أن قال ولا تصل في جلد الميتة على كل حال ولا في خاتم ذهب ولا تشرب في آنية
الذهب والفضة ولا تصل على شئ من هذه الأشياء والخدشة في سند الروايات في مثل هذا الفرع الذي لم يوجد مصرح بالخلاف مما لا ينبغي الالتفات إليها و
استدل له أيضا بان الصلاة فيه استعمال له فلا تصح لان النهي في العبادة يدل على الفساد وفيه ما أشير إليه في ما حكى عن المعتبر من أن المنهى عنه نصا وفتوى انما
هو لبسه لا مطلق استعماله ومن الواضح ان اللبس امر مغاير لافعال الصلاة فلا يصدق على القيام والقعود والركوع وغيرها من اجزاء الصلاة عنوان اللبس بل هي
مما يتحقق بها التصرف في الملبوس لا انها بعينها لبس له كي لا تصح عبادة نعم قد يقال إن مقتضى حرمة لبس الذهب بطلان الصلاة المواقعة إذا حصل به
الستر الواجب لان ستر العورة المأمور به في الصلاة عبارة أخرى عن لبس الساتر فلا يجوز ان يجتمع مع الحرام وربما يناقش في ذلك أيضا بان الستر المعتبر في الصلاة
عبارة عن جعل العورة مستورة بساتر وهو فعل يتولد من لبس الساتر لا عينه فاللبس من مقدمات حصول الستر لا عينه وكيف كان فالأخبار المتقدمة أغنتنا عن مثل هذه
الأدلة وهل يلحق بالذهب المذهب تمويها أو غيره فيه تردد بل خلاف فربما يظهر من غير واحد من قدماء الأصحاب ومتأخريهم العدم فعن الغنية تكره الصلاة في المذاهب
والملحم بالذهب بدليل الاجماع المشار إليه وعن الإشارة وكما يستحب صلاة المصلي في ثياب البياض القطن والكتان كذلك تكره في المصبوغ منها وتتأكد في السود
والحرم وفي الملحم بذهب أو حرير وعن الوسيلة المموه من الخاتم والمجري فيه الذهب والمصوغ من النقدين على وجه لا يتميز والمدروس من الطراز مع بقاء اثره حل للرجال
وعن الحلبي وتركه الصلاة في الثوب المصبوغ وأشده كراهية الأسود ثم الأحمر المشبع والمذهب والموشح والملحم بالحرير والذهب وعن العلامة الطباطبائي رحمه الله في المنظومة
اختياره خلافا للمحكى عن الفاضل والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم فذهبوا إلى حرمة لبسه والصلاة فيه وربما يظهر من غير واحد التردد فيه ففي المستند بعد ان حكم
بحرمة لبس الذهب والصلاة فيه قال وهل يشترط محوضة الذهب في حرمة لبسه فلا يحرم الا لباس كان سداه ولحمته ذهبا أو لا بل يحرم ولو لم يكن محضا فيه اشكال حيث إن
ما لبسه ليس ذهبا وما هو ذهب لم يلبس بل لبس ما يشمل عليه وحكم في الغنية بكراهة الملحم بالذهب وكيف كان فالظاهر عدم تحريم لباس بخلطه قليل الذهب للشك
في صدق لبس الذهب سيما إذا كان مثل الازرار وأطراف الثوب نعم يحرم التختم به ولو شك في صدق اللبس عليه على الأظهر الأشهر بل في الخلاف الاجماع عليه لما مر انتهى
أقول لا ريب في أن لبس الذهب لا يصدق حقيقة الا إذا كان الملبوس من حيث هو مصداقا للذهب كما في الحرير ولكن قد يقال إن عدم تعارف اتخاذ اللباس من الذهب مخصا
قرينة على أن المراد من النهي عن لبسه استعماله في الملبوس بجعله جزء منه فيعم مثل الازرار ونحوها فضلا عن مثل اللحمة المحيطة بسدى الثوب التي لا يشك معها في صدق
لبس الذهب عرفا ومن هنا جزم كاشف الغطاء بالمنع عن الجميع فقال في كشفه على ما حكى عنه الشرط الثالث ان لا يكون هو أو جزئه ولو جزئيا أو طلبه مما يعد لباسا
أو فيما يعد لباسا أو لبسا ولو مجازا بالنسبة إلى الذهب من الذهب إذ لبسه ليس على نحو لبس الثياب إذ لا يعرف ثوب مصوغ منه فلبسه اما بالمزج أو التذهب أو التحلي
أو التزين بخاتم ونحوه انتهى ويمكن المناقشة فيه بان عدم تعارف نسج الثوب من الذهب لا يصلح قرينة لصرف النهي عن لبس الذهب والصلاة فيه إلى إرادة ما يعم الممتزج
والمموه لامكان إرادة مثل السوار والدعج والخلخال والخاتم ونحوها مما يتحقق معه اسم اللبس عرفا نعم لا يبعد ان يقال إن المنساق إلى الذهن من تفريع حرمة لبسه
على الرجال في خبر النميري على أن الله جعله في الدنيا زينة النساء إرادة مطلق التخلي والتزين به وان لم يتحقق معه صدق اسم اللبس حقيقة ولكن لا يخلو عن تأمل و
كيف كان فالقول بالمنع مطلقا ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط نعم لا ينبغي التأمل في قصور النواهي المتعلقة بلبس الذهب عن شمول حلية السيف و
نحوها مما لا يعد من حيث هو لباسا ولا حلية للشخص أولا وبالذات بل ثانيا وبالعرض فلا ينبغي الاستشكال فيه كما يؤيده بل يشهد له في خصوص حلية السيف
خبر داود عن أبي عبد الله عليه السلام ليس بتحلية المصاحف والسيوف بالذهب والفضة باس وخبر عبد الله بن
سنان ليس بتحلية السيف باس بالذهب والفضة كما أنه
لا باس بشد الأسنان به كما يشهد له مضافا إلى الأصل بعد وضوح عدم صدق اسم اللبس عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ان أسنانه استرخت فشدها بالذهب
وفي خبر عبد الله بن سنان المروي عن مكارم الأخلاق للطبرسي عن أبي عبد الله عليه السلام سئلته عن الرجل ينفصم سنه أيصلح له ان يشدها بالذهب وان سقطت أيصلح ان يجعل
مكانها سن شاه قال نعم ان شاء ليشدها بعد أن تكون ذكية وخبر الحلبي المروي عنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن التنبيه تنفصم أيصلح ان تشبك بالذهب
وان سقطت يجعل مكانها ثنية شاة قال نعم ان شاء ليشدها بعد أن تكون ذكية أقول ولعل اشتراط الذكاة فيها بلحاظ ما يصاحبها بحسب العادة من اللحم والله
العالم المسألة الخامسة الثوب المغضوب لا تجوز الصلاة فيه بل ولا تصح أيضا ساترا كان أم غيره على المشهور بل جمع من الأصحاب دعوى الاجماع عليه
وعن كثير منهم التصريح بعدم الفرق بين الساتر وغيره وحكى عن الفضل بن شاذان من قدماء أصحابنا رضوان الله عليهم القول بصحة الصلاة في المغضوب لباسا
كان أم مكانا والأصل في النسبة ما نقله عنه الكليني قدس سره في الكافي في كتاب الطلاق قال في مقام الرد على المخالفين في جواب من قاس صحة الطلاق في الحيض
بصحة العدة مع خروج المعتدة أو اخراجها من بيت زوجها ما هذا لفظه وانما قياس الخروج والاخراج كرجل دخل دار قوم بغير اذنهم فصلى فيها فهو عاص في
دخوله الدار وصلاته جايزة لان ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنه منهى عن ذلك صلى أو لم يصل وكذلك لو أن رجلا غصب ثوبا أو اخذه فلبسه بغير اذنه
فصلى فيه لكانت صلاته جايزة وكان عاصيا في لبسه ذلك الثوب لان ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنه منهى عن ذلك صلى أو لم يصل وكذلك لو أنه لبس ثوبا
144

غير ظاهر أو لم يظهر نفسه أو لم يتوجه نحو القبلة لكانت صلاته فاسدة غير جايزة لان ذلك من شرائط الصلاة وحدودها لا تجب الا للصلاة وكذلك لو كذب في
شهر رمضان وهو صائم بعد ان لا يخرجه كذبه من الايمان لكان عاصيا في كذبه وكان صومه جائزا لأنه منهى عن الكذب صام أو افطر ولو ترك العزم على الصوم أو جامع
لكان صومه فاسدا باطلا لان ذلك من شرائط الصوم وحدوده لا تجب إلا مع الصوم وكذلك لو حج وهو عاق لوالديه ولم يخرج لغرمائه من حقوقهم لكان عاصيا
في ذلك وكانت حجته جابرة لأنه منهى عن ذلك حج أو لم يحج ولو ترك الاحرام أو جامع في احرامه قبل الوقوف لكانت حجته فاسدة غير جايزة لان ذلك من شرايط الحج
وحدوده لا تجب الا مع الحج ومن اجل الحج فلما كان واجبا قبل الفرض وبعده فليس ذلك من شرائط الفرض لان ذلك اتى على حده والفرض جائز معه فكل ما لم يجب الا مع الفرض
ومن اجل ذلك الفرض فان ذلك من شرائطه لا يجوز الفرض الا بذلك على ما بيناه ولكن القوم لا يعرفون ولا يميزون ويريدون ان يلبسوا الحق بالباطل انتهى وفي الحدائق رجح
هذا القول وبالغ في تشييده وحكى عن المحدث الكاشاني الميل إليه ونقل عن المجلسي رحمه الله ما يظهر منه ميله إليه وعن المصنف رحمه الله في المعتبر التفصيل بين الساتر وغيره قال
في محكى المعتبر ثم اعلم اني لم أقف على نص عن أهل البيت عليهم السلام بابطال الصلاة وانما هو شئ ذهب إليه المشايخ الثلاثة منا واتباعهم والأقرب انه ان كان ستر به العورة
أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة لان جزء الصلاة يكون منهيا عنه وتبطل الصلاة بفواته واما لو لم يكن كذلك لم تبطل وكان كلبس خاتم مغصوب انتهى
ونوقش فيه بان ستر العورة ليس جزء من الصلاة وانما هو من شروط صحتها ولعله لذا عدل صاحب المدارك مع موافقته للمصنف رحمه الله فيما اختاره عن التعبير بالجزئية
إلى التعبير بالشرطية فقال بعد نقل كلام الأصحاب وحكمهم بالبطلان مطلقا واحتجاجهم عليه ومناقشته في احتجاجهم بما سمعه ما هذا لفظه والمعتمد ما اختاره المصنف رحمه الله
في المعتبر من بطلان الصلاة ان كان الثوب ساترا للعورة لتوجه النهي إلى شرط العبادة فيفسد ويبطل المشروط لفواته وكذا ان قام فوقه أو سجد عليه لان جزء الصلاة
يكون منهيا عنه وهو القيام والقعود حيث إن نفس الكون منهى عنه اما لو لم يكن كذلك لم يبطل التوجه النهي إلى امر خارج عن العبادة انتهى أقول والذي يقتضيه التدبر
ان العدول عما ذكره المصنف في مقام الاستدلال نشأ من الغفلة والخلط بين احكام الجزء والشرط بيان ذلك ان ستر العورة الذي هو بعراة أخرى عن لبس الساتر
هو في حد ذاته فعل من افعال المكلف حدوثا وبقاء موجب لاستحقاق العقاب عليه على تقدير كون الساتر مغصوبا حيث إن لبس المغصوب من أوضح افراد التصرف فيه
المعلوم حرمته بالضرورة فإن كان هذا الفعل اي الستر من حيث هو معتبرا في مهية الصلاة لكان حاله حال الركوع والسجود والقيام ونحوها في كونه معدودا من اجزاء
الصلاة لا من الشرائط المعتبرة في صحتها لان الشرط هو الجزء العقلي الذي يتقيد به المهية ولا يزيد بزيادته اجزائها كالطهارة والاسلام ونحو ذلك فالستر على تقدير
كونه بنفسه معتبرا في الصلاة لكانت الصلاة مركبة من عدة اجزاء منها الستر فمتى كان الستر منهيا عنه يكون ذلك موجبا لبطلان الصلاة لما ستعرف من أن جزء العبادة
لا يعقل ان يكون محرما بالفعل واما ان كان اعتباره في الصلاة لا من حيث كونه في حد ذاته فعلا صادرا من المكلف بل من حيث اشتراط الصلاة بصدورها من المكلف حال
كونه مستورا عورته فيكون حينئذ من الشرائط لكن الشرط في الحقيقة هو كونه مستور العورة لا فعل الستر من حيث هو ففعل الستر من حيث هو خارج عن حقيقة الصلاة فلا
يؤثر حرمته في بطلانها لان النهي متعلق بأمر خارج اللهم الا ان يقال إن شرطية التستر حال الصلاة مستفادة من الأدلة الدالة على وجوب الستر في الصلاة وهي منصرفة
إلى الافراد المباحث إذ لا يتعلق التكليف بالمحرم ومقتضاه اشتراط الصلاة بوقوعها حال كون المصلي مستورا عورته بساتر مباح ولكن توجه عليه منع الانصراف فان المنساق
من التكاليف بالغيرية ليس الا إرادة بيان الاشتراط لا الحكم التكليفي كي ينصرف إلى الافراد المباحة فليس الامر بالستر الا كالأمر بغسل الثوب والبدن في كون المقصود به بيان توقف صحة
الصلاة على مهية الستر من حيث هي من غير التفات إلى خصوصيات الافراد فظهر بما ذكرنا ان ما ذكره صاحب المدارك في تقريب الاستدلال لبطلان الصلاة في الساتر المغضوب لا يخلو
عن مناقشة وانما يتم هذا الدليل على تقدير كون فعل الستر من حيث هو مأخوذا في قوام مهية الصلاة فهو حينئذ من اجزائها لا من الشرائط فكأن المصنف رحمه الله نظرا إلى ذلك
في عبارته المتقدمة عن المعتبر حيث ساقه في سلك الاجزاء ولم يعده من الشرائط فما ذكره المصنف رحمه الله في تقريب الاستدلال متين ولكن يتوجه عليه المناقشة المتقدمة
من منع كون الستر من الاجزاء بل هو من الشرائط إذ لم يعتبره الشارع في مهية الصلاة من حيث كونه فعلا صادرا من المكلف بل من حيث حصوله حالها ولذا لا يعتبر فيه القصد
والمباشرة ونحوها مما هو معتبر في اجزاء العبادة فليتأمل وكيف كان فالأقوى في لفرق بين الساتر وغيره والحق بطلان الصلاة الواقعة في المغصوب مطلقا ولو
في مثل خيط كما صرح به بعض فضلا عن الثياب التي لبسها المصلي لان الحركات الواقعية فيه الحاصلة بفعل الصلاة منهى عنها لأنها تصرف في المغصوب والنهي عن
الحركات نهى عن القيام والقعود والركوع والسجود وهو جزء الصلاة فيفسد لان النهي في العبادة يقتضي الفساد كما سنوضحه فتكون الصلاة فاسدة لفساد جزمها
وفي المدارك بعد ان نقل عن الأصحاب احتجاجهم للحكم بالبطلان بالدليل المزبور اعترض عليه بقوله ان النهي انما يتوجه إلى التصرف في المغصوب الذي هو لبسه ابتداء
واستدامة وهو امر خارج عن الحركات من حيث هي حركات أعني القيام والقعود والسجود فلا يكون النهي متنا ولا لجزء الصلاة ولا لشرطها ومنع ارتفاع النهي ينتفي البطلان
انتهى وفيه ان التصرف في المغصوب ليس منحصرا في لبسه كي يصح ان يقال إن الحركات من حيث هي امر وراء لبس الثوب فلا يتسرى النهي عنه إليها حتى يقتضي بطلان الصلاة بل
مطلق التقلبات الواردة عليه تصرف فيه فنقله من مكان إلى مكان وتحريكه ولو بالعرض كلبسه محرم فالحركة الركوعية مثلا كما أنه يصدق عليها عنوان الركوع كذلك
يصدق عليها انها نقل المغصوب من مكان إلى مكان فيتصادق على الفعل الشخصي الخارجي عنوان الغصب والركوع وحيث إن الغصب محرم على الاطلاق يمتنع ان يصير مصداقه
عبادة فتفسد الركوع والمناقشة في تسمية الحركة ركوعا أو سجودا أو قياما حيث إن هذه الأفعال بحسب الظاهر اسام للكون الحاصل عقيب تلك الحركات غير مجدية
الا على القول بعدم اعتبارها رأسا في مهية الصلاة وانما هي من مقدمات الافعال وهو باطلاقه ضعيف كما ستعرفه إن شاء الله فيتم ما ذكر وان لم يصدق على الحركات اسم الركوع
145

أو السجود ونحوه حقيقة كما هو واضح ان قلت لا نسلم ان الحركات بعينها هي مصداق العصب بل هي مقدمة لحصوله فلو لبس خاتما مغصوبا فركع وسجد وان حصل ركوعه
وسجوده تصرف في ذلك الخاتم حيث يتغير وضعه وينتقل من موضع إلى موضع ولكن النقل الوارد عليه حال الركوع فعل اخر ملزوم للحركة الركوعية يحصل من استصحابه
للخاتم حال الحركة لا انه عين تلك الحركة وليست الحركة علية تامة له كي يقال بان سبب الحرام أيضا حرام بل هو من اجزاء علته كما هو واضح قلت مغايرة الفعلين انما
هي في التعقل لا في الوجود الخارجي فان من نقل الخاتم من موضع إلى موضع لا يصدر منه فعل اختياري قابل لان يتعلق به الحرمة الشرعية الا أمران أحدهما اخذ الخاتم بيده
والثاني حركة يده المشتملة على الخاتم من هذا الموضع إلى ذلك الموضع ومن الواضح ان اشتمال يده على الخاتم من حيث هو ليس نقلا له ضرورة ان نقله عبارة عن تحريكه من هذا
المكان إلى ذلك المكان وهو يحصل بحركة اليد المشتملة عليه فالحركة الخاصة التي هي فعل واحد شخصي كما انها حركة لليد كذلك تحريك للخاتم فوضع اليد على الأرض للسجود
وضع للخاتم أيضا عليها حال السجود فكما يصدق عليه انه جزء من الصلاة كذلك يصدق عليه انه تصرف في المغصوب ان قلت نقل الخاتم عبارة عن جعله متحركا بالحركة
التوسطية بين المبدء والمنتهى وهو في حد ذاته فعل مستقل يحصل بأسباب منها تحريك اليد كما في الفرض فتحريك اليد من أسباب النقل لا عينه فهو بمنزلة ما لو اثرت حركة
يده في حركة الخاتم بالخاصية كما لو فرض الخاتم أجنبيا عنه متحركا بحركته على وجه لا يكون حركته سببا تاما له كي يعرضها الحرمة من هذه الجهة بل بشرط أن تكون الحركة مقرونة
بامساك شئ في يده مثلا فجعل الخاتم متحركا بنفسه حرام مستقل لا دخل له بحركة اليد من حيث هي قلت هذا ان تم فإنما هو في الحركة المستقلة العارضة للمغصوب
بواسطة الحركات التي هي اجزاء الصلاة واما الحركة التبعية العارضة له من حركات الصلاة فلا فان هذه الحركة ليست قائمة بنفس المغصوب من حيث هي كي يقال إنها
مسببة من حركات المصلي بل هي حركة واحدة قائمة بالمصلي أولا وبالذات وبما تلبس به ثانيا وبالعرض كحركة ما في السفينة تبعا لحركة السفينة فلو كان ما في السفينة
مغصوبا لا يجوز نقلها وان كانت هي بنفسها مباحة لان نقلها بعينه نقل للمغصوب لا انه سبب لنقله نعم قد يكون نقل السفينة مؤثرا في حدوث حركة مستقلة في
المغصوب فهي تصرف اخر غير التصرف التبعي ناش من التصرف في السفينة لا عينه ولا كلام لنا في الحركات المستقلة العارضة للمغصوب بواسطة افعال الصلاة فإنها قد لا تؤثر
في بطلانها وانما الكلام في الحركات اللاحقة لها تبعا للأفعال كوضع الخاتم على الأرض في المثال المقدم تبعا لوضع يده عليها للسجود فإنه متحد مع وضع اليد في الوجود
الخارجي فالفعل الخارجي الشخصي من حيث كونه تحويلا لمال الغير من مكان إلى مكان ووضعا له على الأرض محرم فلا يعقل ان يتصف بالوجوب ويصير جزء من العبادة
وما يقال من أن الممتنع انما هو صيرورة الشئ عبادة فيما إذا تحدت جهتا الحرمة والوجوب بخلاف مثل المقام فكلام ظاهري قد تقرر بطلانه في الأصول وقد يستدل
أيضا لبطلان الصلاة في المغصوب بأنه مأمور بإبانة المغصوب ورده إلى مالكه فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادا للصلاة والامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده أو
في لامر بضده فيفسد وفيه ما تقرر في محله من أن الامر بالشئ لا يقتضي حرمة ضده ولا فساده هذا مع أنه ان تم هذا الدليل فالنسبة بينه وبين المدعى عموم مزوجه
كما هو واضح واستدل له أيضا بما رواه في الوسائل عن كتاب تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة مرسلا عن كتاب بشارة المصطفى للطبرسي مسندا عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته
لكميل قال يا كميل انظر فيما تصلي وعلى ما تصلي ان لم يكن من وجهه وحله فلا قبول وعن الصدوق مرسلا قال قال الصادق عليه السلام لو أن الناس اخذوا ما امرهم الله
فانفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم ولو اخذوا ما نهاهم الله عنه فانفقوه فيما امرهم الله به ما قبله منهم حتى يأخذوه من حق وينفقوه في حق وعن الكليني
مسندا نحوه وقد يناقش في الخبرين بضعف السند مع ما في ثانيهما من قصور الدلالة واشتهار مضمونهما بين الأصحاب لا يصلح جائزا لضعفهما مع عدم اعتمادهم
عليهما في الفتوى نعم لولا قصور ثانيهما من حيث الدلالة لأمكن الالتزام باعتباره من حيث السند ولكنه قاصر الدلالة فان انفاق المنهى عنه في المأمور به لا يتناول
مثل لبس المغصوب في الصلاة فإنه لا يطلق عليه اسم الانفاق مع أنه لو سلم اطلاق اسم الانفاق على لبس الثوب للصلاة بناء على صحة اطلاقه على صرف المنفعة فمقتضاه
ليس الا عدم جواز التقرب بنفس اللبس وعدم وقوعه من حيث هو عبادة وهو لا يقتضي فساد الصلاة كما ظهر وجهه انفا اللهم الا ان يقال في تقريب الاستدلال
ان الرواية وان لا تدل بمنطوقها الا على أن الانفاق في المحرم أو بالمحرم بان يصرف ماله الحلال في المعاصي أو المال الحرام في طاعة الله من تعمير المشاهد والمساجد
وصلة الرحم ونحوها لا تقع عبادة فلا تعم مثل ما نحن فيه ولكن يستفاد منها من سوق التعبير ولو بضميمة المناسبات المغروسة في الذهن ان المراد بها انه
لا يطاع الله من حيث يعصي فيستفاد منها بهذا التقريب بطلان الصلاة المتحدة مع الغصب فليتأمل تنبيه لو جهل غصبية الثوب أو نسيها فصلى فيه
مضت صلاته وكذا لو اضطر إلى التصرف في المغصوب أو أكره عليه ولم تكن صلاته موجبة لزيادة تصرف
عما سوغته الضرورة وهكذا الكلام في كل شرط
نشئت شرطيته من تكليف اخر ككون الفعل الماتى به عبادة غير مضر بحاله ضررا لا يجوز تحمله أو غير مناف للتقية أو نحو ذلك فان مرجع هذا النحو من الشرائط إلى
مانعية الجهات العارضة للفعل عن صحته ووقوعه عبادة لكونها موجبة لاندراج الفرد الخارجي في الموضوع المحرم فيقبح طلبه بحكم العقل فمن هنا ينشأ الاشتراط
فهو يدور مدار قبح الطلب وذلك متفرع على صلاحية الجهات العارضة للتأثير في قبح الفعل والمزاحمة لما فيه من المصلحة المقتضية لحسن طلبه وهي لا تصلح لذلك
الا مع العمد والالتفات لأنه متى لم يلتفت إلى جهاته المقبحة له أو لم تكن اختيارية له لا يتصف فعله من حيث صدوره منه الا بالحسن لان الأفعال الاختيارية الصادرة
من المكلف انما يعرضها الحسن والقبح بلحاظ جهاتها المقصودة عناوينها الاختيارية فالصلاة الصادرة ممن لا يعلم بغصبية ثوبه ويزعم اباحته لا تكون الا حسنة
فيحسن طلبها ويجتزي بها في مقام الامتثال لا يقال إن المصاديق التي يتحقق بها العناوين المحرمة مشتملة على مفسدة قاهرة والا لجاز فعلها مع العمد والالتفات
أيضا والمفروض انه لا يجوز فالصلاة الواقعة في المغصوب مفسدتها فائقة على مصلحتها فكيف يأمر بها الشارع الحكيم مع أن احكامه لدينا منوطة بالمصالح
146

والمفاسد النفس الامرية لأنا نقول انما يقبح ان يأمر الحكيم بما فيه مفسدة قاهرة إذا كان امره موجبا للوقوع في تلك المفسدة واما إذا كان وقوعه فيها مسببا عن
سبب اخر يعذر فيه المكلف ولا يتصف فعله من حيث صدوره منه بالقبح فلا مانع من الامر بايقاعه على بعض الوجوه المحسة له كما لو شرب الخمر بزعم انه ماء فإنه لا يقبح على
الشارع ان يأمره بان يراعي في فعله الآداب الموظفة في الشرب بل قد يجب ذلك بناء على قاعدة اللطف فكذلك لا مانع من أن يكلف بفعل الصلاة من ارتكب الغصب
بسبب خارج عن اختياره فكما ان ما في فعله من المفسدة الذاتية لا يؤثر لدى الغفلة عنه في رفع ما في فعله من الحسن فكذلك لا يصلح مانعا عن الامر به بلحاظ ما فيه من
المصحلة لا يقال إن مقتضى الجمع بين اطلاقات الامر بالصلاة والنهي عن الغصب تقييد الصلاة المأمور بها بكونها في غير المغصوب وليس العلم والجهل مأخوذين في
موضوع شئ من الأدلة فالصلاة التي يتحقق بها الغصب غير مراد من اطلاقات الأوامر سواء على المكلف بالغصبية أم جهلها فلا تصح لأنا نقول الحاكم بالتقييد
العقل وهو لا يحكم بتقييد متعلق الأمر اي الصلاة بوقوعها في غير المغصوب الا على تقدير صلاحية الغصبية للتأثير في قبح الصلاة والا فهي في حد ذاتها
محبوبة عند الشارع ومقصودة بأمره بحسب ما يقتضيه اطلاق طلبه ولتمام الكلام فيما يتعلق بالمقام من النقض والابرام مقام اخر وقد تقدم شطر من الكلام فيه في
مبحث غسل الأموات عند التكلم في تغسيل الخنثى وكذا في باب التيمم عند التكلم في صحة الوضوء في الموارد التي يحرم عليه فعله فراجع وقد ظهر بما ذكرناه
ان المعيار في صحة الصلاة الواقعة في المغصوب وفسادها كون الغصبية موثرة في اتصاف الفعل الخارجي الذي قصد به الصلاة من حيث صدوره من المكلف
بالقبح بحيث يصح المؤاخذة عليه وهذا انما هو مع العمد ويلحق به جاهل الحكم وناسيه لما تقرر في محله من أنهما بمنزلة العامد في انصاف فعلهما بالقبح
وصحة المؤاخذة عليه فلا يقع عبادة ولكن هذا فيما إذا كان الجهل أو النسيان عن تقصير والا فهو كجاهل الموضوع الذي قد عرفت انه معذور وربما
الحق بعض ناسي الموضوع أيضا بالعامد نظرا إلى أن المصلي في ثوب مغصوب بمنزلة ما لو صلى عاريا لان هذا الستر وجوده كعدمه وانه مفرط بالنسيان
لأنه قادر على التكرار الموجب للتذكار وانه لما علم كان حكمه المنع من الصلاة والأصل بقائه ولم يعلم زواله بالنسيان أقول مقتضى الوجه الأول و
الثالث بطلان صلاة ناسي الغصبية مطلقا من غير فرق بين ان يكون هو الغاصب الذي تنجز عليه التكليف برد المغصوب إلى مالكه حال تذكره وبين غيره و
اما الوجه الثاني فهو ان تم ففي حق الغاصب الذي تنجز في حقه الامر بالرد كما لا يخفى وكيف كان فيرد على الأول مع اختصاصه بالساتر وانتقاضه
بصورة الجهل والغض عما بيناه سابقا من أن الشرط في الصلاة هو التستر لا الستر فتنظيره على العادي قياس مع الفارق ما عرفته في صدر المبحث من الفرق
بين الشرائط المتأصلة المعتبرة في قوام مهية الصلاة من حيث هي والشرائط المنتزعة من تكاليف مستقلة كما فيما نحن فيه فتختص الشرطية في هذا القسم بصورة
تنجز ذلك التكليف وحيث لا تكليف مع الجهل والنسيان فلا شرطية فالتستر بالمغصوب لدى الجهل بغصبيته أو نسيانها ليس الا كالتستر بالمباح في كونه محصلا
لشرط الصلاة فلا يكون بمنزلة العدم هذا مع أن في إعادة الصلاة مع الاخلال بالستر نسيانا نظرا بل منعا كما ستعرفه في محله إن شاء الله وعلى
الثاني أولا ان النسيان قد يصدر مع الغفلة عن أن ترك التكرار يوجبه فلا يكون تركه مقدورا له بل ربما يصدر مع شدة الاهتمام بالحفظ كما نشاهده
بالوجدان في كثير من الأشياء التي نهتم بحفظه فلا يتحقق التفريط وثانيا ان قدرته على التكرار الموجب للحفظ انما يجعله بمنزلة العامد إذا وجب عليه ذلك
ولم يكن معذورا في تركه وليس الامر كذلك كما يشهد له حديث رفع القلم وغيره فليس حال الناسي المقتصر الا كحال الجاهل المقصر الذي لم يقل أحد بكونه كالعامد
في الشبهات الموضوعية نعم لو علم من حاله بأنه لو لم يتحفظ يقع لا محالة في ارتكاب المغصوب نسيانا أمكن الالتزام بكونه كالعامد كما أنه يمكن الالتزام بذلك
في الجاهل أيضا إذا علم من حاله انه ان لم يفحص يرتكب الغصب أحيانا فليتأمل وعلى الثالث ما عرفت من أن المنع عن الصلاة في المغصوب كان لعلة غير مقتضية له
الا مع العلم والالتفات فتعديته إلى حال النسيان قياس مع الفارق هذا مع أن الحاكم بالمنع مع العلم هو العقل وقد تقرر في محله ان الاستصحاب لا
يجري في الاحكام المسندة إلى العقل فليتأمل ثم إنه قد حكى عن بعض التفصيل بين الوقت وخارجه فأوجب على الناسي الإعادة في الوقت لا في خارجه اما
الأول فلما عرفت في تقرير مستند القول المتقدم واما الثاني فلان القضاء بأمر جديد وهو مفقود وفيه ما تقرر غير مرة من أن القضاء وان كان بأمر
جديد ولكنه قد صدر الامر به من الشارع لمن لم يأت بالفرائض في وقتها فالماتي به في الوقت ان كان صلاة صحيحة فلا مقتضى لإعادتها والا وجب تداركها وقتا
وخارجا كما في سائر الموارد المحكوم فيها ببطلان الصلاة لأجل الاخلال بشئ من اجزائها وشرائطها فهذا القول أضعف من القول بالإعادة مطلقا الله العالم
ولو اذن صاحبه لغير الغاصب أوله في الصلاة فيه جازت الصلاة فيه وان لم يكن المالك راضيا بأصل استيلاء الغير على ماله ولو في حال الصلاة فتصح
الصلاة حينئذ لكونها بإذن المالك مع تحقق الغصبية حيث إن المفروض عدم رضاء المالك بأصل الامساك واستيلاء الغير على ماله ولا منافاة بين الامرين إذ
ربما يكون الانسان كارها لاستقلال الغير على ماله وراضيا بتصرف خاص على تقدير حصول هذا المكروه على سبيل الترتب ولو اذن في الصلاة مطلقا جاز
فعلها لغير الغاصب واما الغاصب فلا يجوز له ذلك لأن اطلاق الاذن منصرف عنه على الظاهر إذ لا يتبادر عرفا من الاذن المطلق بل العام أيضا شموله
للغاصب المسألة السادسة لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم مما لا ساق له كالشمشك بضم الأولين وسكون الثالث وقيل بضم الأول
وكسر الثاني على ما صرح به جملة من المتقدمين كالشيخين في المقنعة والنهاية وابن البراج وسلار والفاضلين على ما حكى عنه وعن بعض نسبته إلى أكثر
القدماء وعن اخر إلى كبراء الأصحاب وعن المسالك والروضة إلى المشهور ولكن قد يناقش في النسبة بان المحكي عن جليهم انهم قالوا لا يجوز الصلاة في الشمشك
147

والنعل السندي لعله لخصوصية فيهما كعدم التمكن معهما من وضع الأصابع على الأرض أو لورود النص فيهما أو غير ذلك لا لكونهما من مصاديق الحكم الكلي المزبور
في المتن كما ظنه الفاضلان وغيرهما ممن نسب إليهم التعميم وكيف ان فتحقيق النسبة يحتاج إلى مزيد تتبع وحكى عن أكثر المتأخرين القول بالكراهة مع
تخصيص بعضهم إياها بالشمشك والنعل السندي فلم يقل بالكراهة أيضا فيما عداهما وعن غير واحد التصريح بالجواز من غير تعرض للكراهة احتج في محكى
المعتبر للقول بالحرمة بفعل النبي صلى الله عليه وآله وعمل الصحابة والتابعين فإنهم لم يصلوا في هذا النوع ونوقش فيه بأنه شهادة على نفي غير محصور فلا يسمع ولو سلم
فلعله لعدم تعارفه عندهم مع أنه لو تم هذا الاستدلال للزم حرمة الصلاة في كل ما لم يصل فيه النبي صلى الله عليه وآله وهي كما ترى وربما يستدل له بما نقل
عن ابن حمزة وغيره من أنه قال وروى أن الصلاة محظورة في النعل السندي والشمشك بدعوى انجبار ضعفه بفتوى القدماء وفيه ان فتوى القدماء بمثل
هذا الحكم التعبدي وان كانت قد تورث الظن بل الوثوق بوصول رواية إليهم دالة على المنع عن الصلاة فيهما ولكن يحتمل ان يكون ذلك لخصوصية فيهما مقتضية
للمنع عنهما بالخصوص وكيف كان فالاعتماد على مثل هذه المراسيل التي لم يتحقق موضوعها في غاية الاشكال خصوصا مع امكان الخدشة في دلالتها بما ذكر و
أضعف من ذلك الاستدلال له بخبر سيف بن عميرة لا يصلي على جنازة بحذاء فان صلاتها أوسع من غيرها وفيه ان الأوسعية تجدي (لو قلنا) بمفاد الخبر في مورده وستعرف
في محله إن شاء الله خلافه هذا مع أن الحذاء بحسب الظاهر أعم مما يستر ظهر القدم بل في مجمع البحرين تفسيره بالفعل الذي دل على جواز الصلاة فيه اخبار مستفيضة
بل يظهر من جملة منها استحباب كما سيأتي فالأظهر هو القول بالجواز للأصل وربما يستدل له أيضا بالتوقيع المروي عن الاحتجاج وغيره ان محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري
كتب إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه يسئله هل يجوز للرجل ان يصلي وفي رجليه بطيط لا يغطى الكعبين أم لا يجوز فكتب في الجواب جائز وسئله عن لبس النعل المعطوف
فان بعض أصحابنا يذكر ان لبسه كريه فكتب في الجواب جائز لا باس به بناء على إرادة العظمين من الكعبين فيه بل وعلى إرادة قبة القدم من أن قلنا بان موضوع البحث
ما يعم مثل الفرض كما فهمه بعض وان كان خلاف ظاهر كلماتهم والبطيط على ما فسره غير واحد هو رأس الخف بلا ساق وربما يستشعر من كلام السائل ان هذا الفرع بعنوانه
العام اي الصلاة فيما لا ساق له مما يستر ظهر القدم كان محلا للكلام من الصدر الأول وان غرض السائل من سؤاله معرفة حكم هذا الفرع فعلى هذا يكون الجواب نصا في
المدعى ولعل النعل المعطوف الذي وقع عنه السؤال ثانيا هو أيضا كان من مصاديق ما هو موضوع البحث والله العالم حجة القائلين بالكراهة الخروج عن شبهة
الخلاف والمرسلة المتقدمة بعد البناء على المسامحة أقول اما الخروج عن شبهة الخلاف فلا يثبت الكراهة بل هو امر راجح من باب حسن الاحتياط واما المرسلة فلا
باس بالاستشهاد بها للكراهة من باب المسامحة ولكن في موردها اي الشمشك والنعل السندي ويمكن الاستناد في التعميم إلى فتوى القدماء بناء على المسامحة لو قلنا بشمول
دليلها لمثل ذلك كما ليس بالبعيد والله العالم ويجوز بلا كراهية فيما له ساق كالخف والجورب بلا خلاف فيه ولا اشكال بل في الجواهر اجماعا بقسميه ونصوصا والمراد
بذي الساق على ما في المدارك وغيره الساتر الشئ منه وان قل كالخف ونحوه ويكفي في ذلك ان يغطي الكعبين اي العظمين الواقعين في طرف الساق كما يشير إليه التوقيع المتقدم
الذي يغلب على الظن وروده فيما هو موضوع البحث فالعبرة بحسب الظاهر على حصول التغطية بالفعل لا مجرد وضعه على أن يكون له ساقا مع احتماله فيكفي بناء على هذا
الاحتمال كونه من حيث هو ذا ساق وان لبسه من لا يغطي به بعض ساقه وأولى بالجواز ما إذا كان في لتغطية لعارض من كف ونحوه كما أن مقتضى الاحتمال المزبور المنع
أو الكراهة فيما لا يكون له ساقا بحسب وضعه لمن يغطي بعض ساقه لصغر قدمه وهو لا يخلو عن بعد والله العالم ويستحب في النعل العربية كما يشهد له اخبار مستفيضة
مثل ما عن الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة فان ذلك من السنة
لكن في التهذيب فإنه يقال ذلك من السنة وصحيحة معاوية بن عمار قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام يصلي في نعليه غير مرة ولم أره ينزعهما قط وصحيحة علي بن مهزيار قال رأيت
أبا جعفر عليه السلام صلى حين زالت الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام وعليه نعلاه لم ينزعهما وخبر عبد الله بن المغيرة قال إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت
طاهرة فان ذلك من السنة ورواية محمد بن الحسين عن بعض الطالبيين يلقب برأس الدري قال سمعت الرضا عليه السلام يقول أفضل موضع القدمين للصلاة النعلان و
عن كتاب العلل في الصحيح أو الحسن قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قيمت الصلاة لبس نعليه وصلى فيهما هذه الروايات كما تراها مطلقة ولكن الأصحاب حملوها على
النعل العربية فلعله لكونها الفرد المتعارف الذي ينصرف إليه الاطلاق وعن المدارك وغيره التعميم وهو أوفق بظاهر اللفظ وانسب ما يقتضيه التسامح في
أدلة السنن والله العالم المسألة السابعة كل ما عدى ما ذكرناه من الذهب والحرير واجزاء ما لا يؤكل لحمه والمغصوب تصح الصلاة فيه
بشرط ان يكون مملوكا عينا ومنفعة أو منفعة غير ممنوع من التصرف برهن ونحوه أو مأذونا فيه فلا تصح الصلاة في المقبوض بالسوم الفاسد ونحوه مما لا يندرج
عرفا في موضوع الغصب ولكنه بحكمه شرعا ما لم يلحقه اذن المالك اي طيب نفسه بالتصرف وان لم يكن ثمة اذن إذ العبرة نصا وفتوى برضا المالك لا اللفظ وانما
يعول على اللفظ الدال عليه من الاذن ونحوه من باب الكاشفية لا من حيث هو تعبدا بل يكفي في ذلك رضائه
تقديرا بمعنى انه لو علم بذلك لرضي به بلا اشكال
فيه ولا تأمل كما يشهد لذلك السيرة القطعية وسيأتي لذلك مزيد وتوضيح وتحقيق في المكان إن شاء الله
وأن يكون طاهرا وقد بينا تبعا للمصنف رحمه الله حكم الصلاة
في الثوب النجس مشروحا مفصلا في كتاب الطهارة فلا نطيل بالإعادة ويجوز للرجل ان يصلي في ثوب واحد ساتر للعورة بلا خلاف فيه بل اجماعا كما ادعاه البعض
ويدل عليه مضافا إلى ذلك الأخبار المستفيضة كصحيحة عبيد بن زرارة عن أبيه قال صلى بنا أو جعفر عليه السلام في ثوب واحد وصحيحة زياد بن سوقه عن أبي جعفر قال لا باس
ان يصلي أحدكم في الثوب الواحد وازراره محلولة ان دين محمد صلى الله عليه وآله حنيف وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يصلي في قميص واحد وقباء طاق
148

أو قباء محشو ليس عليه ازار فقال إذا كان عليه قميص صفق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا باس والثوب الواحد يتوشح به والسراويل كل ذلك لا باس به وقال إذا لبس السراويل
فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا وصحيحته الأخرى قال رأيت أبا جعفر عليه السلام صلى في ازار واحد ليس بواسع قد عقده على عنقه فقلت له ما ترى في الرجل يصلي في قميص واحد فقال
إذا كان كثيفا فلا بأس به والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا يعني إذا كان ستيرا قلت رحمك الأمة تغطي رأسها إذا صلت فقال ليس على الأمة قناع إلى
غير ذلك من الأخبار الدالة عليه وما في بعضها من الامر بوضع شئ على عاتقه إذا لبس السراويل كصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وغيرها محمول على الاستحباب كما ستعرفه عند التكلم
فيما يجب ستره إن شاء الله ويشترط في الثوب الذي يصلي فيه إذا كان واحدا ان يكون ساترا للعورة كما دلت عليه صحيحتا محمد بن مسلم المتقدمات وغيرهما مما دل على وجوب
الستر في الصلاة واما إذا تعددت الثياب فلا يشترط ذلك في شئ منها بل يكفي حصول الستر بمجموعها وان كان كل واحد منها بانفراده غير ساتر بلا خلاف في ذلك على الظاهر
وان كان قد يوهمه ما حكى عن عليه السلام من أنه قال لا تجوز الصلاة في قميص شف لرقته حتى يكون تحته غيره كالمئزر والسراويل وقميص سواه غير شفاف ولكن الغالب على الظن انه لم يقصد
الاشتراط بحيث لا يجوز على تقدير حصول الستر بهما معا والا فضعيف محجوج بأنه لا يساعد عليه شئ من الأدلة وهل يكفي في حصول الستر المعتبر في الصلاة كونه مانعا
عن الاطلاع على لون البشرة وما هي عليه من بياض أو سواد أو حمرة ونحوها أم لا يكفي ذلك بل يعتبر استتار حجمها أيضا قولان حكى أولهما عن الفاضلين وأكثر المتأخرين
للأصل وحصول الستر عرفا واستدل له أيضا بقول أبي جعفر عليه السلام في خبر عبيد الله الواقفي كلا ان النورة ستره جوابا لمن قال حين طلي النورة رأيت الذي تكره و
نوقش اما في الأصل فبأنه انما يجري إذا كان الصلاة اسما لمطلق الأركان لا خصوص الصحيحة منها كما قال به بعض الفقهاء إذا على هذا القول يشكل جريان الأصل وثبوت
كونها اسما لمجرد الأركان ربما لا يخلو عن الاشكال واما في دعوى (حصول) الستر فبان الحاصل هو ستر اللون دون ستر الحجم حيث إن حس البصر يقع على نفس البشرة من خلال
الثوب والا لامتنع رؤية حجمها فهي ليست مستورة على الاطلاق والذي يجب نصا وفتوى انما هو الستر مطلقا لا الستر في الجملة وعند ظهور الحجم لا يقال في العرف
ان ستر عورته بعنوان الاطلاق واما في خبر النورة فبأنه خارج عن محل الكلام إذ حكاية الحجم هي ان يرى الحجم بنفسه خلف ثوب رقيق أو مثل الثوب الرقيق لا
ان يرى النورة المطلية على الحجم وشكل مجموع النورة والحجم ولذا تكون المرأة اللابسة للثوب مستورة قطعا أقول اما المناقشة في الأصل بعدم جريانه الا على القول بكون
الصلاة اسما للأعم فقد تقرر في محله ضعفها ان أريد به اصالة البراءة في لتكليف وان أريد به اصالة الاطلاق (فهي في محلها) ولكن المقصود في المقام هو الأول واما منع حصول
الستر بأنه لا يقال في العرف انه ستر عورته بعنوان الاطلاق ففيه انه على اطلاقه مجازفة فان من لبس قميصا كثيفا ووقف في الشمس أو في الأمكنة المضية ربما يبدو
للناظرين حجم عورته في الجملة ولا يعد ذلك من المنكرات مع أن من الواضحات لدى كل أحد وجوب حفظ الفرج وغض البصر فلو كان ذلك منافيا لتحقق الستر
في انظار العرف لعد لديهم من المنكرات مع أنه ليس كذلك بلا شبهة وهذا بخلاف ما لو كان الثوب رقيقا بحيث لا يكون حاجبا عما ورائه من حيث اللون والشكل
فيقال عرفا حينئذ ان عورته ظاهرة وهي مرئية من وراء الثوب وليست بمستورة واما مع كثافة الثوب المانعة عن تمييز لون البشرة فلا يقال بمثل هذا القول بل يقال
يرى حجمها أو شكلها أو نحو ذلك فلا ينسب حينئذ الظهور أو الروية الا إلى أوصافها لا إلى نفسها أو بشرتها وكيف كان فالمدار على الصدق العرفي لا على التدقيقات
الحكمية وقد يقال في تقريب الاستدلال لكفاية استتار اللون بعد تسليم عدم حصول الستر المطلق عند في استتار الحجم بان ستر اللون مجمع عليه بخلاف ستر الحجم و
الأصل عدم زيادة التكليف وبرائة الذمة وفيه ان الاجماع منعقد على وجوب ستر العورة على الاطلاق وانما الخلاف في أن الستر المطلق هل يحصل عرفا باستتار
اللون أم لا فالنزاع في تشخيص الموضوع في أصل الحكم كي يتجه ما قيل من الاقتصار على القدر المتيقن الذي انعقد عليه الاجماع هذا مع عدم انحصار مستند الحكم في الاجماع
لامكان استفادة وجوب الستر من جملة من الاخبار وان لم تكن مسوقة لبيان هذا الحكم من حيث هو مثل ما ورد في العاري الذي لم يجد ثوبا من الامر بستر عورته بما يجده من
حشيش ونحوه وغير ذلك مما يقف عليه المتتبع ولكن لقائل ان يقول إنه لا يكاد يستفاد من مثل هذه الأخبار
أزيد من وجوب الستر في الجملة وهو مما لا كلام فيه
واما الستر مطلقا اي لونا وحجما فلا يفهم اعتباره من مثل هذه الأدلة بل لو كان لنا دليل مطلق مسوق لبيان هذا الحكم لامكن الخدشة في دلالته على وجوب ستر الحجم بان
المتبادر عرفا من الامر بستر شئ ليس الا إرادة ستر ذلك الشئ على وجه لا يدرك بحس البصر مع قطع النظر عن القرائن الخارجية المشخصة له انه ذلك الشئ بان
يختفي ذلك الشئ عن أعين الناظرين بحيث لا يميزونه بعنوانه المخصوص به لا اخفائه رأسا على وجه ينافيه رؤية شكله من وراء الستر من غير أن يتميز بها حقيقة الموقوف
معرفتها على ادراك أوصافه الخاصة لا عوارضه العامة والحاصل ان المتبادر من الامر بستر شئ ستره بعنوانه المخصوص به فمجرد رؤية المرأة من بعيد من خلف
الستر من غير أن يتميز بواسطة الروية من حيث هي كونها جمادا أو انسانا مثلا لولا القرائن الخارجية المعنية لها من الحركة والتكلم والهيئة ونحوها ليست منافية
لاطلاق اية غض البصر وحفظ الفرج فتلخص مما ذكر ان رؤية حجم الشئ من وراء الستر على وجه لا يتميز بها ذلك الشئ عما يشابهه في الحجم بحيث يعرف مثلا ان
المرئي لحم أو عظم أو خشبة مثلا ليست منافية لما ينسبق إلى الذهن من الامر بستر ذلك الشئ فمن هنا يظهر ان ما تقدم انفا في الرد على من استدل على عدم وجوب ستر الحجم
بأنه خارج عن معقد الاجماع من أن الخلاف انما هو في تشخيص الموضوع لا في أصل الحكم لا يخلو عن نظر فان القائل بكفاية ستر اللون لا يقول الا بوجوب ستر العورة
من حيث هي لا من حيث كونها جسما ذا هيئة خاصة ووضع كذائي فمراده بقوله ان الستر حاصل حصوله بهذا المعنى والا فمن الواضح عدم حصوله بعناوينه العامة
فالنزاع لدى التحقيق يؤل إلى الحكم الشرعي وان كان في بادي الرأي في تشخيص الموضوع فعلى هذا يتجه الاستدلال المزبور والله العالم ومما يؤيد القول المزبور
بل يستدل به الأخبار الدالة على جواز الصلاة في قميص واحد إذا كان كثيفا فان الكثافة قد لا تقيد ستر الحجم كما تقدمت الإشارة إليه حجة القائلين
149

باعتبار استتار الحجم منع حصول الستر على اطلاقه عرفا ولا أقل من الشك فيه فيجب الاحتياط تحصيلا للجزم بحصول الستر الذي هو شرط في الصلاة وقد ظهر ما فيه مما
تقدم واضعف منه الاستدلال بمرفوعة أحمد بن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تصل فيما شف أو صف بناء على كونه أو وصف بواوين قال في محكى الذكرى معنى
شف لاحت منه البشرة ومعنى وصف حكى الحجم قال وفي خط الشيخ أبي جعفر في التهذيب أو صف بواو واحدة والمعروف بواوين من الوصف انتهى وفي الحدائق
بعد نقل كلام الذكرى قال إن الرواية التي وصلت البناء في كتب المحدثين نقلا عن التهذيب وفي كتاب التهذيب الذي بأيدينا انما هي بواو واحدة أقول
فلا وثوق حينئذ بمعروفية كونه بواوين كما ادعاه الشهيد حيث لم يعرف مأخذها بل الذي يغلب على الظن كونه بواو واحدة لموافقته لما حكى عن الكافي من روايته
بواو واحدة الا انه بالسين ورواها عن محمد بن يحيى رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال لا تصل فيما شف أو سف يعني الثوب الصقيل وعن التهذيب أيضا تفسيره
بالثوب الصقيل ووقوع هذا التفسير في الكافي يبعد ما احتمله بعض في التهذيب من كونه من الشيخ فالظاهر أنه من كلام الراوي بحسب ما فهمه من الرواية و
وكيف كان فيتوجه على الاستدلال بالرواية انها ضعيفة السند مضطربة المتن غير متضحة المفاد ولعل المراد بحكاية الحجم على ما فسره في الذكرى حكايته من حيث
لصوق الثوب بالجسم فيخرج عن محل الكلام ويحمل النهي على تقدير ثبوت هذا التفسير على الكراهة حيث لم ينقل عن أحد حرمته والله العالم ولا يجوز للمرأة الحرة
ان تصلي الا في ثوبين درع وخمار ساترة جميع جسدها بهما الدرع هو القميص والخمار ما يغطى رأسها وذكرهما بالخصوص في النصوص والفتاوي جار مجرى التمثيل
يراد بهما ثوبان يحصل بهما ستر جميع جسدها عدى ما ستعرف استثنائه بل لا خصوصية للثوبين أيضا فيكفي ثوب واحد ساتر لجميع جسدها بلا خلاف فيه على الظاهر
بل ولا اشكال وقصر الجواز على الثوبين في العبارة كما في جملة من المعتبرة المستفيضة الآتية منزل على ما هو المتعارف من مغايرة الثوب الذي تستر المرأة به
رأسها لما تستر به سائر جسدها فالعبرة انما هي بستر ما يجب ستره من غير فرق بين ان يكون بثوب واحد أو بثياب متعددة فالمهم في المقام انما هو تشخيص ما يجب
ستره فقد اختلفت كلمات الاعلام في ذلك فعن الأكثر منهم الشيخ في النهاية والمبسوط ان الواجب ستر جسدها كله عدى الوجه والكفين وظاهر القدمين و
عن الاقتصاد أنه قال واما المرأة الحرة فان جميعها عورة يجب عليها ستره في الصلاة ولا تكشف غير الوجه فقط وهذا يقتضي منع كشف اليدين والقدمين
وعن ابن الجنيد أنه قال الذي يجب ستره من البدن العورتان وهما القبل والدبر من الرجل والمرأة ثم قال ولا باس ان تصلي المرأة الحرة وغيرها وهي مكشوفة الرأس
حيث لا يراها غير ذي محرم لها انتهى أقول الظاهر أن كلامه الأول مسوق لبيان ما يجب ستره عن الناظر المحترم فخلافه في المقام انما هو في جواز كشف الرأس
ومستنده بحسب الظاهر بعض الأخبار الآتية احتج الشيخ في محكى الاقتصاد على وجوب ستر الجميع بان بدن المرأة كلمة عورة ونوقش فيه بأنه ان أراد
بكونه عورة وجوب ستره عن الناظر المحترم يعني الرجال الأجانب فمسلم وان أراد وجوب ستره في الصلاة فهو مطالب بدليله وقد يقال في تشييد الاحتجاج
المزبور بصحة اطلاق العورة عليها حقيقة لغة وعرفا وشرعا وقد ثبت نصا واجماعا وجوب ستر العورة في الصلاة فيتم المطلوب وفي مقدميته ما لا يخفى
فان اطلاق العورة عليها عرفا أو شرعا ببعض الاعتبارات لا يصح كونها مصداقا حقيقيا لاسمها على الاطلاق وعلى تقدير التسليم فلا شبهة في أن النص (والاجماع)
الدالان على وجوب ستر العور منصرفان إلى العورة (بالمعنى الأخص) وكيف كان فعمدة ما يصح الاستناد إليه لوجوب ستر جميع جسدها بعد الغض عن امكان دعوى
الاجماع عليه فيما عدى ما سيأتي الكلام فيه هي الأخبار الكثيرة المتضمنة للامر يلبس ثوبين وما زاد حيث يفهم منها انه لابد للمرأة الحرة من ستر رأسها وسائر
جسدها حال الصلاة فمنها صحيحة زرارة قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن أدنى ما تصلي فيه المرأة قال درع وملحفة فتنشرها على رأسها وتجلل بها وصحيحة
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال في حديث والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا يعني إذا كان ستيرا وعن الفقيه نحوه الا أنه قال إذا كان
كثيفا باسقاط لفظ الدرع وموثقة ابن أبي يعفور قال قال أبو عبد الله عليه السلام تصلي المرأة في ثلاثة أثواب ازار ودرع وخمار ولا يضرها ان تقنع بالخمار فإن لم
تجد فثوبين تتزر بأحدهما وتقنع بالاخر قلت فإن كان درع وملحفة ليس عليها مقنعة فقال لا باس إذا التفت بها وان لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا
وعن الفقيه مرسلا قال قال النبي صلى اله عليه وآله ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة منهم المرأة المدركة تصلي بغير خمار وعن محاسن البرقي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام مثله
وصحيحة علي بن جعفر عليهما السلام انه سئل أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام عن المرأة ليس لها الا ملحفة واحدة كيف تصلي قال تلتف فيها وتغطي رأسها وتصلي فان خرجت
رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا باس وصحيحة جميل بن دراج قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تصلي في درع وخمار فقال يكون عليها ملحفة تضمها
عليها أقول هذا محمول على الاستحباب أو شدة الاستظهار أو على ما إذا لم يحصل بالدرع والخمار ستر جميع ما يجب ستره كما هو الغالب بالنسبة إلى صدرها
لو لم تضرب بخمارها على جيبها بل وكذا ساعدها لو لم تتحفظ على سترها عند القنوت ونحوه فيحتمل قويا ان يكون المقصود بالامر بان يكون عليها ملحفة تضمها
عليها رعاية لاستتار مثل هذه المواضع وكذا يحمل على الفضل أو غيره من المحامل ما في الموثقة المتقدمة وغيرها من الاخبار الآتية من الامر بثلاثة أثواب جمعا
بينها وبين غيرها من الأدلة هذا مع أن ما في ذيل الموثقة يشهد ببعض هذه المحامل ونحوها ما عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال وسئلته عن المرأة
هل يصلح لها ان تصلي في ازار وملحفة ومقنعة ولها درع قال إذا وجدت فلا يصلح لها الا الصلاة وعليها درع قال وسئلته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي
في ازار وملحفة تقنع بها ولها درع قال لا يصلح ان تصلي حتى تلبس درعها وعن قرب الإسناد باسناده عن علي
بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته
150

عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في درع ومقنعة قال لا يصلح لها الا في ملحفة الا ان لا تجديدا وعن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام قال إذا
حاضت الجارية فلا تصلي بغير خمار وخبر الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال صلت فاطمة عليها السلام في درع وخمار وليس عليها أكثر مما وارت به شعرها واذنيها وظاهر جل
هذه الروايات ان لم يكن كلها انه يجب على المرأة ستر رأسها وسائر جسدها في الجملة ولا يعارضها ما رواه عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس بالمرأة
المسلمة الحرة ان تصلي وهي مكشوفة الرأس لقصورها عن المكافئة ولولا اعراض المشهور عن ظاهر هذه الرواية لأمكن الجمع بينها وبين أكثر الأخبار المتقدمة بالحمل على الاستحباب
واما بالنسبة إلى بعضها مما ورد فيه النهي عن أن تصلي بغير خمار ونحوه مما ظاهره التنافي في بادي الرأي فيشكل ارتكاب مثل هذا التأويل فيه بحمل النهي على الكراهة
وتنزيل الباس المنفي في هذه الرواية على الحرمة من غير شاهد خارجي لان فتح باب هذا النحو من التأويل في الاخبار المتنافية في الظاهر موجب لسد باب الترجيح الذي
ورد الامر به في غير واحد من الاخبار وقد حكى عن الشيخ حمل رواية ابن بكير على الصغيرة أو على صورة الضرورة وهو بعيد وابعد منه ما استقر به في الحدائق من حملها
على أن المراد بكونه مكشوفة الرأس يعني عن القناع زيادة على ستر الرأس الواجب نعم لا يبعد هذا التوجيه في روايته الأخرى قال لا باس ان تصلي المرأة المسلمة و
ليس على رأسها قناع لولا احتمال اتخاذها مع الأولى التي هي كالنص في إرادة كونها مكشوفة الرأس فالأولى رد علمها إلى أهله ثم انا قد أشرنا في صدر المبحث
إلى أن الذي يشترط في صحة صلاة المرأة انما هو ستر ما يجب ستره من جسدها من غير فرق بين ان يكون ذلك بثوب واحد أو بثوبين فما زاد وما في الأخبار المتقدمة من
الامر يلبس ثوبين والتصريح بان أدنى ما تصلي المرأة فيه درع وملحفة جار مجرى العادة فلا يفهم منها اشتراط التعدد ولذا لم يفهم الأصحاب منها ذلك نعم
الظاهر مما ورد فيه الامر بلبس ما زاد عن الثوبين الذين يتحقق بهما الستر المعتبر في الصلاة ارادته من باب التعبد فيحمل على الفضل بقرينة غيره من الاخبار مع احتمال ان
لم يكن المقصود بذلك أيضا الا الاستظهار وحصول الستر الواجب كما تقدم التنبيه عليه فيما سبق بقي الكلام في تمييز ما يجب عليها ستره مفصلا فنقول
اما رأسها فقد عرفت دلالة جل الأخبار المتقدمة على وجوب ستره واما سائر جسدها فالظاهر في لخلاف في وجوب ستره فيما عدى الوجه والكفين والقدمين و
كفى بذلك كاشفا عما أريد من الاخبار لو كان فيها اجمال مع امكان دعوى عدم قصورها في حد ذاتها عن افادته لا لما فيها من التصريح بان أدنى ما تصلي المرأة فيه درع وملحفة
وهما تستران غالبا ما عدى المواضع المزبورة فان استفادة وجوب ستر كل ما يتحقق ستره بهما بالأصالة من مثل هذه الرواية لا يخلو عن تأمل بل لما في بعضها من الإشارة
إلى وجوب ستر ذلك كله كصحيحة جميل التي ورد فيها الامر بان يكون عليها زائدا على درع وخمار ملحفة تضمها عليها فان فيها ايماء إلى أن المقصود بالثياب استتارها وعدم
استبانة شئ من جسدها وأوضح منها دلالة عليه قوله عليه السلام في ذيل صحيحة علي بن جعفر عليه السلام فان خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا باس ان ظاهرها عدم جواز ذلك
على تقدير القدرة على غير ذلك ومن الواضح انه لا خصوصية للرجل في هذا الحكم بحسب ما هو المغروس في أذهان المتشرعة فليس رعاية الستر فيا شرعا أولى من رعايته
بالنسبة إلى الصدر والبطن ونحوهما فيفهم من ذلك أنه يجب عليها ستر سائر جسدها والحاصل ان من تأمل في النصوص والفتاوي لا يكاد يرتاب في أنه يجب عليها
ستر جميع جسدها مما عدى المواضع المزبورة اي عدى الوجه والكفين وظاهر القدمين وباطنهما واما هذه المواضع فاما الوجه فمما لا شبهة في عدم وجوب
ستره بل لا خلاف فيه يعتد به وقد استفيض نقل الاجماع عليه بل عن بعض دعوى اجماع علماء الاسلام عليه ويدل عليه مضافا إلى ذلك جملة من الأخبار المتقدمة الدالة
على جواز الصلاة في درع وخمار ضرورة خروج الوجه عما يتحقق عادة ستره بلبس درع وخمار ويشهد له أيضا مضمرة سماعة قال سئلته عن المرأة تصلي متنقبة
قال إذا كشفت عن موضع السجود فلا باس وان أسفرت فهو أفضل فما عن ابن حمزة في وسيلته من أنه
يجب عليها ستر جميع بدنها الا موضع السجود بظاهره في غاية الضعف
وهل المدار في معرفة حدود الوجه على ما دارت عليه الابهام والوسطى كما في باب الوضوء أو أعم من ذلك فيدخل فيه الصدعان ونحوهما فيه وجهان بل قولا من أن
المتبادر من كلمات الأصحاب في فتاويهم ومقاعد اجماعاتهم وكذا المضمرة السابقة إرادة الوجه العرفي وهو أعم من وجه الوضوء ومن انه بعد ان ورد تحديد شرعي
للوجه ينزل الأحكام الشرعية الثابتة له على ارادته مع أن المنساق من الخبر الوارد لتحديد الوجه كونه كاشفا عن معناه العرفي ومبينا لما في حدوده من الاجمال لدى
العرف فدعوى كونه عرفا أعم من ذلك قابلة للمنع وهذا الوجه مع أنه أحوط لا يخلو من قوة نعم لو ثبت خروج الصدغين ونحوهما عما هو المتعارف ستره بالخمار
اتجه القول الأول نظرا إلى ظهور الأخبار الدالة على كفاية الدرع والخمار في إرادة التستر بهما على حسب ما هو المتعارف في لبسهما وحكى عن بعض انه احتمل دخول
الاذنين أيضا في الوجه وهو كما ترى واما الكفان والقدمان فالمشهور عدم وجوب سترهما أيضا كالوجه وحكى عن بعض القول بالوجوب وبالغ في الحدائق في
تشييده وربما يظهر من قول المصنف على تردد في القدمين وجود القول بالتفصيل بين القدمين والكفين وهو مما لم تعرف قائله بل في الجواهر يمكن ان يقال إن القول
بالوجوب فيهما مع القول بعدمه في الكفين خرق للاجماع المركب وكيف كان فقد استدل للمشهور بما دل على أن المرأة تصلي في درع وخمار حيث إن الدرع لا يسترهما عادة
واستشكله في الحدائق بان من الجائز كون دروعهن في تلك الأزمنة واسعة الأكمام طويلة الذيل كما هو المشاهد الان في نساء أهل الحجاز بل أكثر بلدان العرب فإنهم
يجعلون القميص واسعة الأكمام مع طول زائد بحيث يجر على الأرض ففي مثله يحصل ستر الكفين والقدمين وفيه نظر فان دروعهن وان كانت واسعة الأكمام طويلة
الذيل لكن طول ذيلها غالبا من خلفها لا من قدامها امام الساق فلا يستر بها ظاهر القدم غالبا وكذا سعة الكم ليست بحيث يوجب ستر الكفين على الاطلاق ولا
أقل من عدم كون ما لم يصل إلى هذا الحد خلاف المتعارف كي ينصرف عنه الاطلاق مع أن الشك يكفي في الالتزام بعدم لزومه بناء على ما هو التحقيق من أن المرجع لدى الشك
اصالة البراءة لا قاعدة الاشتغال فالقول بعدم الوجوب هو الأقوى ولا ينافي ذلك مفهوم قوله عليه السلام في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة فان خرجت رجلها وليس تقدر
151

على غير ذلك فلا باس فإنه منصرف عما لو خرج خصوص القدمين ولا أقل من عدم ظهوره في ارادته من الاطلاق وربما يظهر ممن قيد القدمين في مقام الاستثناء بظاهرهما
التفصيل بين الظاهر والباطن فكأنهم زعموا ان المرأة كلها عورة يجب ستر جميع جسدها في الصلاة ولكن ثبتت الرخصة في ظاهر القدمين بما دل على جواز الصلاة في قميص
ولم يثبت ذلك بالنسبة إلى باطنهما لاستتاره حال القيام بالوقف عليهما وعدم ظهورهما وفي حال التشهد ونحوه بالدرع وفيه ما تقدمت الإشارة إليه فيما سبق من الخدشة
في صغرى هذا الدليل وكبريه فلا نعقل من كون المرأة عورة الا وجوب ستر جسدها في الصلاة عن الناظر المحترم الذي ليس بمماثل ولا محرم والقدر المتيقن الذي ثبت وجوب
ستره في الصلاة ما عدا محل الكلام ففي المقام ونظائره يرجع إلى قاعدة البراءة نعم لو قلنا بقاعدة الاشتغال عند الشك في الشرطية اتجه الالتزام بوجوبه لو لم نقل بدلالة
ما دل على جواز الصلاة في درع وخمار على عدم وجوب ستر ما دون الساق حيث إن الدرع قد لا يتعداه فليتأمل وربما يقال في ابطال هذا التفصيل بأنه لو وجب
ستر باطن القدمين لوجب كونه بثوب لما ستعرف من أنه لا عبرة بساترية الأرض ونحوها ولا يجب ستره بثوب بالضرورة فلا يجب ستره رأسا وفيه نظر إذ لا عبرة بساترية الأرض
وشبهها على سبيل الاستقلال لا في مثل افرض الا ترى ان مباشرة بعض جسد المرأة للأرض حال جلوسها عليها للتشهد لا تنافي صدق كونها بجملتها مستورة بالثوب ولا يقدح
ذلك في صحة صلاتها بل وكذا لو استلقت على الأرض وتغطت بثوب وصلت مؤمية فقد حصل ستر جسدها وصحت صلاتها لو كان فرضها الصلاة مستلقية وهذا بخلاف
ما لو استقلت الأرض بالساترية كما لو دارت تحت الأرض أو وقفت في بئر محيطة بجسدها فإنه لا اعتداد بسترها حينئذ وكيف كان فالعمدة ما عرفت بقي الكلام في الشعر وهو
خارج عن مسمى الجسد فلا يعمه قولهم انه يجب على المرأة ستر جميع جسدها عدى ما استثنى ولذا صرح بعض بخلو كلام أكثر الأصحاب عن التعرض له بل في الحدائق قل من تعرض للكلام
فيه من أصحابنا وفي المدارك قال في هذا المقام واعلم أنه ليس في العبارة كغيرها من عبارات أكثر الأصحاب تعرض لوجوب ستر الشعر بل ربما ظهر منها انه غير واجب
لعدم دخوله في مسمى الجسد ويدل عليه اطلاق الامر بالصلاة فلا يتقيد الا بدليل ولم يثبت إذ الاخبار لا تعطي ذلك واستقرب الشهيد في الذكرى الوجوب
لما رواه ابن بابويه عن الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال صلت فاطمة في درع وخمار وليس عليها أكثر مما وارت به شعرها واذنيها وهي مع تسليم السند لا تدل
على الوجوب نعم يمكن الاستدلال بها على عدم وجوب ستر العنق وفي رواية زرارة المتقدمة اشعار به أيضا انتهى أقول و ربما يغلب على الظن ان من لم يتعرض
لوجوب ستر الشعر زعم أنه من توابع الجسد فالحقه به حكما والا لنبه على عدم وجوب ستره دفعا لتوهم التبعية وكيف كان فما أورده على الاستدلال بالرواية من
عدم دلالتها على الوجوب يمكن دفعه بان المنساق من الرواية كونها مسوقة لبيان أدنى ما تصلي المرأة فيه لحكاية فعل فاطمة صلوات الله عليها فالمراد بها بحسب الظاهر
بيان انه لا يعتبر في صلاة المرأة أزيد من ذلك وظاهرها حصول موارات الشعر والاذنين عن عمد فيكشف ذلك عن اعتباره في الصلاة اللهم الا ان يناقش فيه بامكان
كونه على سبيل الاستحباب فليتأمل واما ما ذكره من دلالتها على عدم وجوب ستر العنق ففيه منع ظاهر فكأنه قدس سره زعم أن المقصود بقوله عليه السلام وليس عليها
أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها انها صلوات الله عليها جمعت شعرها على رأسها ولفت الخمار عليه بحيث لم يتجاوز عن اذنيها فبقي عنقها مكشوفا وفيه ما لا يخفى فان
من الجائز ان يكون قوله عليه السلام وليس عليها الخ تأكيدا لما بينه أولا من أنها صلت في درع وخمار قصد به التصريح بالانحصار فمعناه انه لم يكن عليها أكثر من الخمار الذي
سترت به شعرها وأذنيها من مقنعة أو ازار أو غير ذلك ويحتمل ان يكون المقصود به بيان صغر الخمار وعدم كونه كالخمر المتعارفة مشتملا على طول زائد على ما يحصل به
مواراة الشعر المسترسل مع ما هو عليه من استرساله والحاصل انه لا ظهور في الرواية في عدم مستورية عنقها ولا سيما بالنسبة إلى مؤخره والعجب من
صاحب الحدائق حيث أذعن بإرادة المعنى الأول ولكن ادعى صراحة الخبر في كونه من باب الاضطرار وأنت خبير بأنه ليس في الخبر اشعار بكونه في مقام الضرورة مفضلا
عن صراحته فيه مع أن الغالب امكان ستر العنق خصوصا مؤخره بالخمار الذي يحصل به مواراة الشعر فليتأمل ويجوز ان يصلي الرجل عريانا إذا ستر قبله ودبره بخلاف
ما إذا لم يسترهما مختارا فإنها لا تجوز بل لا تصح بلا خلاف فيه على الظاهر بل في الجواهر اجماعا بقسميه منا ومن أكثر العامة وربما يستدل له بقوله تعالى خذوا زينتكم
عند كل مسجد بناء على ما قيل من اتفاق المفسرين من أن الزينة هنا ما يواري به العورة للصلاة والطواف لأنهما المعبر عنهما بالمسجد ولا يخفى عليك انه انما يعول
على اتفاق الفسرين لو ثبت وصول التفسير إليهم من أهل بيت الوحي والا فلا عبرة لقولهم وكيف كان فيدل عليه مضافا إلى الاجماع ومفهوم قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة
في الرجل يصلي في قميص واحد إذا كان كثيفا لا بأس النصوص الآتية في العاري فإنها تدل على وجوب ستر العورة في الصلاة واعتباره في صحتها من وجوه كما لا يخفى على المتأمل و
يؤيده أيضا بل يدل عليه المستفيضة المتقدمة الدالة على جواز الصلاة في ثوب واحد حيث يظهر مما وقع فيها سؤالا وجوابا كون اعتبار لبس الثوب في الجملة لديهم من
الأمور المسلمة المفروغ عنها وان الثوب الواحد هو أدنى ما يجري في الصلاة وكيف كان فهذا اجمالا مما لا شبية فيه بل كاد ان يكون من الضروريات ومقتضى اطلاق
كلمات الأصحاب انه لا فرق في ذلك بل وكذا في المسألة السابقة اي وجوب ستر المرأة جسدها في الصلاة بين النافلة والفرضية تعم ربما يظهر من بعضهم حيث جوز حمل ما في
خبر ابن بكير عن نفي الباس عن صلاة الحرة مكشوفة الرأس على النافلة التفصيل وهو ضعيف لما أشرنا إليه مرارا وأوضحناه عند التكلم في كيفية صلاة الاعرابي واعتبار
التشهد فيها عقيب الركعة الثانية من أن مقتضى القاعدة مشاركة النافلة مع الفريضة فيما يعتبر فيها من الاجزاء والشرائط الا ان يدل دليل على خلافها نعم لا تتمشى هذه
القاعدة في صلاة الأموات التي هي مبائنة لغيرها بالذات ولا تشاركها الا في مجرد التسمية فمقتضى الأصل فيها عدم اعتبار الستر والله العالم وهي تختص شرطية
الستر بصورة العمد والالتفات أم تعم صورة النسيان والغفلة ونحوها فلو صلى مكشوف العورة ناسيا أو معتقدا سترها أعادها في الوقت وخارجه أو خارجه أو في الوقت دون
خارجه أو يفصل بين ما لو تذكر في الأثناء أو لم يتذكر الا بعد الفراغ أو بعد حصول الستر فيعيد في الأول دون غيره وجوه أقواها الأول لقصور ما دل على شرطية الستر
152

عن إفادتها في غير صورة التذكر والالتفات فان عمدتها الاجماع والضرورة القاصران عن إفادة الحكم في مورد الخلاف وكذلك الأخبار الدالة عليه التي تقدمت الإشارة
إليها فإنها بأسرها وإرادة مورد حكم اخر لا يحسن التمسك باطلاقها في المقام وما يقال من أن الأصل فيما ثبتت شرطيته في الجملة عموم شرطيته لحال السهو والنسيان لتعذر توجيه
الخطاب إلى الناسي والساهي بالصلاة بلا ستر فقد أوضحنا ضعفه في بعض المقامات بالمناسبة مما سبق وأشبعنا
الكلام فيه في الأصول ولو سلمنا هذا الأصل أو قلنا بظهور
بعض الأخبار الدالة عليه في الاطلاق لوجب رفع اليد عن ذلك بعموم قوله عليه السلام في الصحيح لا تعاد الصلاة الا من خمسة الحديث الحاكم على الأصول والاطلاقات وخصوص
صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يصلي وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله قال لا إعادة عليه وقد تمت صلاته نعم
المتجه على تقدير تسليم اطلاق أدلة الاشتراط الاقتصار في رفع اليد عن الاطلاق على ما لو لم يتذكر الا بعد الفراغ أو بعد حصول الستر فان عموم لا تعاد لا تقتضي الا
نفي الإعادة بالنسبة إلى ما أخل به من الاجزاء والشرائط سهوا الا ما صدر منه في حال الالتفات فلو تذكر في الأثناء وهو مكشوف العورة فما مضى من صلاته في
حال النسيان فقد مضى ولا إعادة عليه من قبله واما ما بقي فلا يعمه لا تعاد فعليه تحصيل الشرط بالنسبة إليه حتى بالنسبة إلى أن تذكره وعدم امكان ايجاب
الستر عليه بالنسبة إلى هذا الان لعدم قدوته عليه لا ينفي شرطية المقتضية لاستيناف الصلاة في مثل الفرض لو لم يمنعه مانع كضيق الوقت ونحوه وهو خارج عن
محل الكلام فيكون التذكر في الأثناء لدى التمكن من الاستيناف بمنزلة القواطع القهرية الموجبة للإعادة ويأتي انشاء الله في مباحث الخلل ما يتضح به ما أجملناه في
المقام مما يتعلق به من النقض والابرام والله هو الموفق والمعين هذا كله بالنظر إلى ما يستفاد من عموم لا تعاد واما النص الخاص فقد يدعى ان اطلاقه يقتضي
في لفرق بين انكشاف جميع العورة أو بعضها وبين الخروج في تمام الصلاة أو بعضها واستمر إلى الفراغ أو تذكر في الأثناء وفيه تأمل وعلى تقدير تسليم شموله
باطلاقه لما لو تذكر في الأثناء وهو مكشوف العورة بمعنى دلالته بمقتضى اطلاقه على كون هذا الفرد مع ما عليه من الخصوصية مرادا من الجواب فهو حينئذ دليل على
المعذورية بالنسبة إلى أن التذكر وكونه ملحقا بحال الجهل في الحكم كما لا يخفى ثم إن قضية ما ذكره المصنف من جواز ان يصلي الرجل عريانا إذا ستر قبله و
دبره ان القبل والدبر هما تمام عورة الرجل إذ لا خلاف في وجوب ستر تمام العورة في الصلاة كما يجب ستره عن الناظر المحترم فالعورة على ما ذكره المصنف منحصرة
في القبل والدبر كما هو المشهور بل عن الخلاف والسرائر الاجماع عليه وعن المعتبر والمنتهى الاجماع على أن الركبة ليست من العورة وعن التحرير وجامع المقاصد و
ظاهر التذكرة الاجماع على خروجها والسرة من العورة خلافا لملا حكى عن القاض من أنها من السرة إلى الركبة وعن أبي الصلاح انه جعلها من السرة إلى نصف
الساق والأول هو الأظهر كما يشهد له مضافا إلى أن المتبادر عرفا من عورة الرجل سوأتاه مرسل أبي يحيى الواسطي عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال العورة عورتان
القبل والدبر والدبر مستور بالأليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة ورواية الميثمي عن محمد بن حكيم قال لا اعمله لا قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام
أو من رآه متجردا وعلى عورته ثوب وقال إن الفخذ ليس من العورة وخبر علي بن جعفر عليه السلام المروي عن قرب الإسناد انه سئل أخاه عن الرجل بفخذه أو أليته الجرح هل
يصلح للمرأة ان تنظر أو تداويه قال إذا لم يكن عورة فلا باس ولا ينافيه رواية بشر النبال قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن الحمام قال تريد الحمام قلت نعم فأمر باسخان
الحمام ثم دخل فأتزر بازار وغطى ركبتيه وسرته ثم امر صاحب الحمام فطلي ما كان خارجا من الإزار ثم قال اخرج عني ثم طلى هو ما تحته بيده ثم قال هكذا
فافعل لجواز كونه على سبيل الفضل لا الوجوب كما يؤيد ذلك ما عن الصدوق في الفقيه انه روى في مثل هذه القضية انه عليه السلام كان يطلي عانته وحليلها ثم لف
ازاره على طرف إحليله ويدعو قيم الحمام فيطلي سائر جسده نعم ربما ينافي ما ذكر ما عن كتاب قرب الإسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهم السلام أنه قال
إذا زوج الرجل أمته فلا ينظرن إلى عورتها والعورة ما بين السرة والركبة وخبر الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام ليس للرجل ان يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس
بين قوم ولكن الخبر الأخير مشعر بإرادة الكراهة واما ما تقدمه فهو بظاهره ظاهر الانطباق على القول المحكى عن القاضي ولكنه لا يصلح دليلا لاثباته بعد
اعراض المشهور عن ظاهره مع ما فيه من ضعف السند والمعارض بما عرفت ويحتمل قويا جرية مجرى التقية فإنه نسب القول بذلك في محكى المنتهى إلى مالك والشافعي و
احمد في احدى الروايتين وأصحاب الرأي وأكثر الفقهاء ويؤيدها أيضا كون رواية وهو الحسين بن علوان على ما قيل عاميا والمراد بالقبل كما صرح به في الحدائق وغيره
الذكر والبيضتان وبالدبر حلقة الدبر التي هي نفس المخرج ويشهد لذلك مضافا إلى أنه هو المتبادر منهما عرفا مرسلة أبي يحيى المتقدمة ثم إن ظاهر الأصحاب
رضوان الله عليهم التسالم على أنه لا يجب على الرجل ان يستر في الصلاة أزيد مما يجب عليه ستره عن الناظر المحترم اي عورته بل ربما يظهر من كلماتهم في فتاويهم ومعاقد
اجماعاتهم المحكية كونه من المسلمات التي يكاد يلحق بالضروريات فالخلاف في المقام بحسب الظاهر انما هو في تحديد العورة فمن زعم أنه يجب عليه ستر ما بين السرة والركبة
ذهب إلى أن مجموعه عورة استنادا إلى بعض الأخبار التي عرفتها مع ما فيها واحتمال التزامه بذلك في باب الصلاة من باب التعبد لا لأجل كون المجموع عورة مع
مخالفته لما حكوه عنه مدفوع بأنه لا دليل عليه بالخصوص في باب الصلاة كما أنه لا دليل على ما حكى عن أبي الصلاح من وجوب ستر ما بين السرة إلى نصف الساق سواء
أراد به الوجوب التعبدي أو من باب كون مجموع هذه المسافة عورة ولهذا احتمل في الجواهر رجوع هذا القول إلى القول السابق بالالتزام بوجوب الستر إلى نصف
الساق من باب المقدمة لا بالأصالة وكيف كان فيتوجه عليه مضافا إلى ضعفه في حد ذاته على كل تقدير منافاته لما رواه الصدوق في الفقيه عن أبي بصير أنه قال
لأبي عبد الله عليه السلام ما يجزي الرجل من الثياب ان يصلي فيه فقال صلى الحسين بن علي عليهما السلام في ثوب قد قلص عن نصف ساقه وقارب ركبتيه ليس على منكبيه منه؟ الا على قدر جناحي
الخطاف وكان إذا ركع سقط عن منكبيه وكلما سجد يناله عنقه فيرده على منكبيه بيده فلم يزل ذلك دأبه ودابه مشتغلا به حتى انصرف فإنه نص في عدم اعتبار كون الثوب
153

الذي يصلي فيه الرجل واصلا إلى نصف الساق كما أنه يدل على عدم وجوب ستر المنكبين والا لم يكن يصلي الحسين عليه السلام في مثل هذا الثوب الذي كان يسقط عن منكبيه حال
الركوع فما في غير واحد من الاخبار من الامر يجعل شئ على عاتقه لو صلى في سراويل ونحوه مما لا يستر المنكبين كقوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في صدر المبحث
إذا ليس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا ومرفوعة علي بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل صلى في سراويل ليس معه غيره قال يجعل التكة على عاتقه وصحيحة
عبد الله بن سنان قال سئل أبو عبد الله عليه السلام (عن الرجل) ليس معه الا سراويل قال يحل التكة منه فيطرحها على عاتقه ويصلي قال وان كان معه سيف وليس معه ثوب فيتقلد
السيف ويصلي قائما وخبر جميل قال سئل مرازم أبا عبد الله عليه السلام وانا معه حاضر عن الرجل الحاضر يصلي في ازار مؤتزرا به قال يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يتردى به
محمول على الاستحباب وكذا ما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال أدنى ما يجزي من الثياب ان تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيه مثل جناحي الخطاف محمول على الفضل
بشهادة ما عرفت وغيره من الأخبار الدالة على عدم وجوب ستر المنكبين أصلا مثل خبر رفاعة عمن سمع أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي في ثوب واحد يأتزر به قال لا باس
به إذ رفعه إلى الثديين وفي الحدائق بعد نقل الخبر كما ذكر قال هكذا في التهذيب وفي الكافي إلى الثندوتين بدل الثديين والثندوة بالمثلثة لحم الثديين
أو أصله وفي رواية سفيان بن السمط عن أبي عبد الله عليه السلام قال الرجل إذا ائتز بثوب واحد إلى ثندويته صلى فيه وما يفهم من هاتين الروايتين من
المنع عن الصلاة في الثوب الواحد الذي يأتزر به إذا لم يرفعه إلى الثديين يحمل على الكراهة إذ لا قائل بحرمته بحسب الظاهر ويشهد له مضافا إلى ذلك صحيحة محمد بن مسلم
وغيرها من الأخبار الدالة على جواز الصلاة في سراويل واحد ولو مع الاختيار كما هو ظاهر بعضها ان لم يكن صريحة إذ المتبادر منها إرادة لبسه على حسب ما هو
المتعارف فيه وهو من السرة أو ما دونه فهذه الأخبار كادت تكون صريحة في عدم وجوب ستر ما فوق السرة عدى انه وقع الامر بجعل شئ على عاتقه وقد عرفت انفا
انه محمول على الاستحباب وليس في تلك الأخبار اشعار بوجوب ستر ما يستره السراويل كي يتوهم امكان الاستشهاد بها للقول بوجوب ستر ما بين السرة إلى الركبة أو
إلى نصف الساق فإنها ليست مسوقة لبيان هذا الحكم فقضية الأصل عدم وجوب ستر ما عدى القبل والدبر فيجوز ان يصلي الرجل عريانا إذا ستر قبله ودبره ولكن على
كراهيته كما يدل عليه خبرا رفاعة وسفيان المتقدمان ويؤيد أيضا اطلاق اسم العورة على ما بين السرة والركبة في خبر الحسين بن علوان المتقدم وربما يستدل له بالخروج
عن شبهة الخلاف وهو لا يخلو عن وجه بعد البناء على المسامحة ويستحب له ستر سائر البدن الذي يعتاد ستره في المتعارف وهو الرأس وما تحت الرقبة إلى القدمين
على حسب المتعارف لقوله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد والنبوي إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فان الله أحق ان يتزين له وخبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد
انه سئل أخاه موسى عليه السلام عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في سراويل وهو يصيب ثوبا قال لا يصلح ولو صلى في ثوب واحد فالأفضل ان يعقده على عنقه كما يشهد
له قوله عليه السلام في الخبر المروي عن الخصال يجزي الصلاة للرجل في ثوب واحد يعقد طرفيه على عنقه وفي القميص الضيق يزره وقوله عليه السلام في صحيحة يزره وقوله عليه السلام في صحيحة زرارة أدنى ما يجزيك
ان تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف ولو اتزر به مما دون ذلك أو صلى في سراويل فالأولى ان يجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا يرتدي به كما دلت
عليه المستفيضة المتقدمة وإذا لم يجد ثوبا يستر به القبل والدبر سترهما بما وجده ولو بورق الشجر أو الحشيش ونحوه كما يدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
قال سئلته عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي قال إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بركوعه وسجوده وان لم يصب شيئا
يستر به عورته اومي وهو قائم ولا يخفى عليك ان تخصيص الحشيش بالذكر جار مجرى التمثيل بلحاظ انه هو الغالب فيما يوجد في مفروض السائل والا فلا خصوصية له
قطعا كما يفصح عن ذلك قوله عليه السلام عند بيان حكم نقيضه فإن لم يصيب شيئا الخ فهذا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال في أن جواز الستر بالحشيش ونحوه مخصوص بحال الضرورة
أم يعم حال الاختيار فقد اختلفت كلماتهم في ذلك فذهب غير واحد إلى جواز التستر بكل شئ يتحقق به الستر حتى الطلي بالطين ونحوه اختيارا من غير فرق بين الثوب و
والحشيش والورق والطين وغيره بل ربما نسب هذا القول إلى المشهور والتزم بعض بالترتيب بين الثوب وغيره فلم يجوز الستر بما عدى الثوب لدى التمكن منه وعند تعذره
أجاز الستر بكل شئ حتى الطين وعن بعضهم انه جعل الطين متأخرا عن غيره في الرتبة مع التزامه بتقدم الثوب على ما عداه من الحشيش ونحوه وفي الجواهر قوى في لفرق
بين الثوب وغيره في جواز الستر به اختيارا كما نسب إلى المشهور ولكن لم ير الطلي بالطين ونحوه من مصاديق الستر المعتبر في الصلاة وان تحقق به الاستتار عن الناظر المحترم
كالاختفاء في مكان مظلم أو ارتماس في ماء وشبهه مما لا يخرج به الانسان عرفا عن مصداق كونه عاريا ولكنه مختف عن أعين الناظرين نعم لو حصل الستر بالطين
على حسب ما يحصل الستر بغيره من الأشياء المنفصلة عن الجسد لا على سبيل الطلي اتجه الاجتزاء به اختيارا كغيره ثم إنه قد جعل غير واحد منهم من مصاديق الستر النزول
في الوحل والرمس في الماء والدخول في حب أو تابوت أو حفيرة ونحوها وطال التشاجر فيما بينهم في تشخيص مراتب هذه الأشياء وكونها في عرض الطلي بالطين أو متأخرة
عنه في الرتبة أو متقدمة عليه والتحقيق ما حققه في الجواهر من أنه لا خصوصية للثوب لا في حق الرجل ولا في حق المرأة وذكره في النصوص والفتاوي جار مجرى العادة فالمدار
على لبس ما يستر به جسد المرأة وعورة الرجل مما تجوز الصلاة فيه من غير فرق بين كونه ثوبا أو ورقا أو حشيشا أو جلدا أو قرطاسا (أو قطنا) أو صوفا منسوجا أو غير منسوج و
لكن لا يكفي الطلي بالطين (وأشباهه) قلنا في المقام دعويان الأولى انه لا فرق فيما يتحقق به الستر بين مصاديقها التي لا يكون التلبس بها من حيث هي ممنوعا عنه في الصلاة كالمتنجس
واجزاء ما لا يؤكل لحمه الثانية انه لا عبرة بالتلطخ بالطين ونحوه أو الغور في الماء أو النزول في الوحل أو الدخول في الحفيرة والحب وأشباهه في حصول الستر المعتبر في
الصلاة لنا على الأولى الأصل بعد منع ما يدل على اعتبار خصوص الثوب لدى التمكن منه إذ لا شاهد عليه من نقل أو عقل ودعوى ان المتبادر من اطلاق ما دل على اشتراط
الستر في الصلاة إرادة الفرد الشايع المتعارف وهو الستر بالثوب ولا ينافيها وجوب الستر بغيره لدى التعذر اما لاستفادته من الأدلة الخاصة الدالة عليه أو لدعوى
154

ان الستر بما عدى الثوب من حشيش ونحوه أيضا متعارف ولكنه عند تعذر الثوب ونحوه فالترتب بين المصاديق عرفي يتنزل عليه اطلاقات الأدلة هذا مع ما ورد في المرأة من الأخبار الدالة
عليه كصحيحة زرارة الدالة على أن أدنى ما تصلي المرأة فيه درع وملحفة وغيرها من الأخبار الدالة
بظاهرها على اعتبار تسترها بالثوب لدى الامكان فيتم في غيرها
بعدم القول بالفضل مدفوعة بأنه ليس فيما بأيدينا من الأدلة اطلاق لفظي مسوق لبيان هذا الحكم كي يدعى انصرافه إلى المتعارف المعهود كما لا يخفي على المتتبع وعلى تقدير التسليم
فلا نسلم انصرافه إلى نوع معهود فان المتبادر من الامر بستر العورة ليس الا إرادة مهية الستر من حيث هو ولو سلم الانصراف فهو بدوي منشأه انس الذهن بالمتعارف ولذا
لا يشك أحد في جواز التستر بالألبسة المستحدثة التي لا تندرج في مسمى الثوب واما الأخبار الواردة
في المرأة كصحيحة زرارة وغيرها فلم يقصد بها الخصوصية لما تضمنتها من الدرع
والملحفة والخمار وغير ذلك مما اشتمله تلك الأخبار كما عرفته في محله فتخصيص ما تضمنته تلك الأخبار
بالذكر جار مجرى العادة وعلى تقدير ارادته بالخصوص كما هو ظاهر بعضها
فمحمول على الاستحباب والحاصل ان غاية ما يمكن استفادته من الأدلة انما هو اعتبار مهية الستر من حيث هي في الصلاة واما اعتبار كونه بشئ خاص اي بالثوب لدى
التمكن منه أو بكيفية خاصة فلا يكاد يفهم من شئ منها أصلا نعم قد يوهمه عبائر الأصحاب في فتاويهم وبعض معاقد اجماعاتهم المحكية كما في المتن وغيره حيث علقوا
الستر بورق الشجر والحشيش على ما إذا لم يجد ثوبا فيستشعر منه الاشتراط ولكنك خبير بجري الشرطية مجرى العادة فلا يفهم منها التعليق بل المتأمل في كلماتهم لا يكاد يشك في
عدم ارادتهم الاشتراط كما أوضحه في الجواهر وكيف كان فلا دليل عليه والأصل بنفيه بناء على ما هو التحقيق من جريان اصالة البراءة في مثل المقام لا قاعدة الشغل كما زعمه غير واحد
ولنا على الدعوى الثانية ان المنساق من الأخبار الواردة في المرأة وكذا من صحيحة علي بن جعفر الواردة في العاري وغيرها من الأدلة انه يعتبر في صحة الصلاة اختيارا
ان لا يكون المصلي عاريا بل لابسا لما يستر رأسه وجسده من درع وملحفة أو ما هو بمنزلتهما في الساترية ان كان امرأة أو لما يستر عورته من ثوب أو حشيش أو غير ذلك ان كان
رجلا ومن الواضح انه لا يخرج الشخص بطلي الطين أو الحناء ونحوه عن مصداق اسم العاري فكما يفهم من قوله عليه السلام أدنى ما تصلي المرأة فيه درع وملحفة بطلان
صلاتها حال كونها مكشوفة الجسد كذلك يفهم منه بطلان صلاتها عند عرائها عن اللباس وان لطخت الطين أو الحناء على ساير جسدها ووقف في ماء كدر ولا ينافي
ذلك ما ادعيناه من أن ذكر الدرع والملحفة أو الخمار وغير ذلك في النصوص من باب المثال ضرورة ان الطين والماء ونحوه ليس شبه المذكورات في صيرورة الشخص
بواسطته خارجا عن مصادق اسم العاري وكذا لا يكاد يخطر في الذهن إرادة مثل الطين والوحل والماء من عمو الشئ في قوله عليه السلام في صحيحة علي بن جعفر فإن لم
يجد شيئا يستر به عورته كيف ولو كان الطلي بالطين فضلا عن الغور في الماء ونحوه من مصاديق الستر المعتبر في الصلاة للزم تنزيل الأخبار المستفيضة الواردة
في كيفية صلاة العاري جماعة وفرادى على الفرق النادر إذ الغالب تمكنه من تحصيل ما يطلي على عورته من طين ونحوه ولو يمزج شئ من التراب في فضالة ظهوره
بل في الماء الذي يتوضأ به عند في لكفاية لهما فان رعاية الستر أهم من الطهارة المائية كما لا يخفى وجهه (وكيف كان) فلا ينبغي الارتياب في عدم حصول الستر المعتبر في الصلاة
يطلي الطين ونحوه نعم لا يبعد الاكتفاء بذلك في الستر الذي قصد به حفظ الفرج عن النظر حيث إن المقصود بالستر في ذلك الباب مجرد المنع عن تعلق الرؤية
بالعورة سواء خرج بذلك عن مصداق العاري أم لا وهذا المعنى يحصل بالطلي بالطين كما يحصل بالستر باليدين وبالأليتين وبالبعد المفرط والاستتار في مكان
مظلم وهذا بخلاف هذا المقام الذي يكون ليس الساتر من حيث هو مطلوبا بالذات ولا يفي فيه مجرد الستر بمعنى الاختفاء عن النظر كما في ذلك الباب فالاستشهاد
للاجتزاء به في المقام باخبار النورة لا يخلو عن نظر هذا مع أن الالتزام بكفاية طلي الطين أو النورة وأشباهه في ذلك الباب أيضا على اطلاقه لا يخلو عن اشكال
لامكان مع مساعدة العرف على اطلاق حفظ الفرج بمجرد طلي الطين عليه (الا ان يكون ما عليه) من الطين من الكثرة بحيث يكون بمنزلة جسم مستقل مانع عن ظهور العورة لونا وحجما فيكون
العورة حينئذ كالمدفونة فلا يبعد الالتزام بكفايته حينئذ في باب الصلاة أيضا ولعل اخبار النورة أيضا صدرت في مثل هذا الفرض فلا يستفاد منها كفاية مطلق الطلي
لكونها حكاية فعل مجمل والله العالم ومع عدم ما يستر به يصلي عريانا بلا خلاف في ذلك نصا وفتوى انما الخلاف في أنه هل يصلي قائما مطلقا أو جالسا مطلقا أو قائما
ان كان يامن ان يراه أحد وان لم يامن صلى جالسا فعن السيد المرتضى وغيره انه يصلي جالسا مؤميا وان امن المطلع وعن ابن إدريس انه يصلي قائما مؤميا في
الحالين ونسب التفصيل إلى المشهور بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا وعن الغنية الاجماع عليه والأصل في الخلاف اختلاف الاختبار ففي بعضها يصلي قائما على الاطلاق
وفي بعضها يصلي جالسا كذلك وفي بعضها التفصيل فما يدل على أنه يصلي قائما قوله عليه السلام في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة وان لم يصب شيئا يستر به عورته اومي و
هو قائم وفي ذيل صحيحة ابن سنان المتقدمة في المسألة السابقة وان كان معه سيف وليس معه ثوب فيتقلد السيف ويصلي قائما وموثقة سماعة على ما عن التهذيب
في رجل يكون في فلاة من الأرض ليس عليه الا ثوب واحد واجنب فيه وليس عنده ماء قال يتيمم ويصلي عريانا قائما أو يومي ايماء ولكن عن الكافي عوض قائما قاعدا
فهذه الرواية مضطربة المتن لا تنهض حجة لاحد القولين لو لم نقل بان ما في الكافي أوثق ومما يدل على أنه يصلي جالسا صحيحة زرارة أو حسنته قال قلت
لأبي جعفر عليه السلام رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه فقال يصلي ايماء وان كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وان كان رجلا وضع يده على
سوئة ثم يجلسان فيوميان ايماء ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما تكون صلاتهما ايماء برؤسهما قال وان كانا في ماء أو بحر لجي لم يسجد عليه أو موضوع عنهما التوجه
فيه يوميان في ذلك ايماء ورفعهما توجه ووضعهما بوجهه وخبر أبي البختري المروي عن قرب الإسناد
عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام أنه قال من غرقت ثيابه فلا ينبغي له
ان يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثيابا فإن لم يجد صلي عريانا جالسا يؤمي ايماء يجعل سجوده اخفض من ركوعه فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا
كذلك فرادى وخبر محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اصابته جنابة وهو بالفلاة وليس عليه الا ثوب واحد وأصاب ثوبه مني قال يتيمم ويطرح ثوبه
155

فيجلس مجتمعا فيصلى فيومى ايماء ويدل عليه أيضا الاخبار الآتية الواردة في كيفية صلاتهم جماعة ومما يشهد للتفصيل ما رواه ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع)
في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة قال يصلى عريانا قائما ان لم يره أحد فان رآه أحد صلى جالسا ولعل هذه الرواية هي المرادة بما ارسله في الفقيه قال وروى في
الرجل يخرج عريانا فيدركه الصلاة انه يصلى عريانا قائما ان لم يره أحد فان رآه أحد صلى جالسا وصحيحة عبد الله بن مسكان المروية عن محاسن البرقي عن أبي جعفر عليه السلام
في رجل عريان ليس معه ثوب قال إذا كان حيث لا يراه أحد فليصل قائما وعن نوادر الراوندي انه روى باسناده عن موسى بن جعفر عن ابائه عليهم السلام قال قال علي عليه السلام
في العريان ان رآه الناس صلى قاعدا وان لم يره الناس صلى قائما ومقتضى الجمع بين الاخبار تنزيل الاطلاقات على ما في هذه الأخبار المفصلة كما ربما يؤيد ذلك
ورود جل الاخبار التي ورد فيها الامر بالصلاة جالسا في الموارد التي من شانها في لامن من المطلع فما عن المشهور هو الأقوى ولكن قد يشكل ذلك بان الذي
يظهر من الاخبار هو التفصيل بين ما لو رآه أحد أو لم يره فلا يكفي في جواز الجلوس مجرد احتمال وجود من
يراه أو احتمال مجيئه في أثناء الصلاة وهذا بظاهر مخالف
فظاهر ما هو المعروف من المشهور من التفصيل بين امن المطلع وعدمه لأنه يصدق في لامن في الصورتين المزبورتين ويمكن تنزيل النصوص على إرادة الشانية أي
كونه في مكان صالح لا يراه الناس أي غير مأمون من اطلاعهم كما يؤيد ذلك فهم الأصحاب وفتواهم بل لعله هو المنساق إلى الذهن من قوله عليه السلام في صحيحة ابن مسكان
إذا كان حيث لا يراه أحد ويحتمل بعيدا ارجاع كلمات المشهور إلى ما لا ينافي ظاهر الاخبار وكيف كان فلا ينبغي ترك الاحتياط في الصورتين المزبورتين بالجمع
بين الصلاة قائما وقاعدا وان كان الأول لا يخلو عن قوة والله العالم ثم إن المنساق من النصوص والفتاوى إرادة من لا يجوز له النظر إلى عورته من المطلع فلا يعم الزوجين
وشبههما على تأمل والله العالم وفى الحالين يومى للركوع والسجود وربما يستشعر من اطلاق المتن في لفرق بين ما لو صلى منفردا أو جماعة وستعرف ان الأقوى
اختصاص هذا الحكم بل قد يقال باختصاص رعاية القيام حال الامن أيضا بالمنفرد دون المصلى جماعة اماما كان أو مأموما فإنه يصلى عن جلوس مطلقا امن من المطلع أم لا لاطلاق
ما يدل عليه ولكنه لا يخلو عن تأمل كما سنشير إليه عند التكلم في كيفية صلاة العراة جماعة وكيف كان فالظاهر في لخلاف بين الأصحاب رضوان الله عليهم في وجوب
الايماء بالركوع والسجود لغير المأموم في حالة الجلوس كما يدل عليه جملة من الأخبار المتقدمة واما في حالة القيام فقد نسب إلى الأكثر أيضا القول بوجوب الايماء و
عن صريح بعض وظاهر آخرين القول بالركوع والسجود والأول أظهر كما يدل عليه صحيحة علي بن
جعفر المتقدمة التي كادت يكون صريحة في ذلك خصوص بعد الالتفات
إلى مقابلة قوله عليه السلام وان لم يصب شيئا يستر به عورته اومى وهو قائم بما هو مذكور قبل هذه الفقرة من أنه ان أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته
بركوعه وسجوده كما لا يخفى واستدل للقول بوجوب الركوع بالأصل وبان القيام لا يكون الا في حال الامن ومعه لا وجه لتركهما وفى الأول ما لا يخفى
سواء أريد بالأصل الاستصحاب أو عمومات أدلة الركوع والسجود إذا لا مجال للتشبث بشئ منهما في مقابل النص الخاص الذي هو بمنزلة الحاكم على العمومات واما الثاني
فهو بظاهره أوضح فسادا من الأول لكونه اجتهادا في مقابلة النص ولكنه قد بالغ في تأييده وتشييده في الجواهر بايراد شواهد ومؤيدات لاثبات الغاء شرطية الستر في الصلاة
من حيث هي في حق العادي وانه لا يجب رعايته الامر حيث الحفظ عن النظر وهو مخصوص بصورة في لامن فالشارع أوجب الجلوس والايماء للركوع والسجود في حال عدم
الامر لذلك لا لحصول شرط الصلاة فمع الامن لا مقتضى لترك الركوع والسجود وفيه بعد الغض عن بعض الخدشات المتوجهة على ما ذكره من الشواهد والمؤيدات
ان مقتضاها طرح الصحيحة المزبورة من غير معارض مكافؤ كما لا يخفى على المتأمل فتأمل وليكن لايماء برأسه فإنه هو المتبادر من الامر به بدلا عن الركوع و
السجود مضافا إلى وقوع التصريح به في حسنة زرارة المتقدمة فلا يكفي الايماء بالعينين غمضا وفتحا لدى التمكن من الايماء بالرأس نعم يكتفى به لدى التعذر لكونه
من مراتب الايماء التي لا يسقط ميسورها بمعسورها بمقتضى قاعدة الميسورة مضافا إلى امكان استفادته بتنقيح المناط من مرسلة محمد بن إبراهيم الواردة في المريض
التي رواها المشايخ الثلاثة عن أبي عبد الله عليه السلام قال يصلى المريض قائما فإن لم يقدر على ذلك صلى قاعدا فإن لم يقدر صلى مستلقيا يكبر ثم يقرء فإذا أراد
الركوع غمض عينيه ثم سبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع فإذا أراد السجود غمض عينيه ثم سبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه
من السجود ثم يتشهد ونصرف وما فيها من اطلاق الامر بالتغميض منزل على صورة العجز عن الايماء بالرأس كما يأتي تحقيقه في محله انشاء الله بل يمكن استفادته أيضا من الأدلة
المطلقة الامرة بالايماء فان انصرافها إلى كونه بالرأس انما هو مع التمكن كما أن صحيحة زرارة أيضا منزلة على هذا التقدير فهذا مما لا ينبغي التأمل فيه كما أنه لا ينبغي الاستشكال
في الاكتفاء بمسمى الايماء بالرأس بدلا عن الركوع والسجود في الحالين ولكن الأحوط بل الأقوى ان يجعل سجوده اخفض من ركوعه كما حكى عن الأصحاب التصريح به وشهد به
خبر أبي البختري المتقدم وغيره مما ستسمعه في مبحث القيام عند التكلم في تكليف العاجز ولا يجب على من صلى قائما ان يجلس حال الايماء للسجود بل يومى للسجود وهو قائم
كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر ان لم يكن صريحه فما عن السيد عميد الدين من أنه كان يقوى جلوس القائم ليومئ للسجود جالسا نظرا إلى كونه (ح) أقرب إلى هيئة الساجد فيدخل
تحت قوله صلى الله عليه وآله إذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم ضعيف محجوج بما عرفت مضافا إلى ما اعترضه عليه جملة من المتأخرين على حكى عنهم من أن الوجوب (ح) انتقل إلى
الايماء فلا معنى للتكليف بالممكن من السجود وسيأتي لذلك مزيد توضيح انشاء الله نعم لو قال بذلك في الركوع أيضا لأمكن ان تستشهد له بما قد يترائى من قوله عليه السلام
في حسنة زرارة المتقدمة ثم يجلسان فيوميان (الخ) فليتأمل ونظيره في الضعف ما عن الشهيد في الذكرى من أنه أوجب الانحناء فيهما بحسب الممكن بحيث لا تبدو معه العورة
وان يجعل السجود اخفض محافظة على الفرق بينه وبين الركوع واحتمل وجوب وضع اليدين والركبتين وابهامي الرجلين في السجود على الكيفية المعتبرة في السجود مستنده
إلى ذلك كله بحسب الظاهر قاعدة الميسور ولا يخفى عليك انه لا يرفع اليد بمثل هذه القواعد عما يقتضيه اطلاقات الأدلة مضافا إلى ما تقدمت الإشارة إليه
156

من أن الوجوب قد انتقل إلى الايماء فلا معنى للتكليف بالممكن من السجود اللهم الا ان يقال إن ايجاب الايماء انما هو لكونه من المراتب الميسورة للركوع والسجود التي
لا تسقط بمعسورها لا انه من حيث هو مهية أخرى أجنبية عنهما قد جعله الشارع بدلا منهما تعبدا (فح) يجب رعاية ما هو الأقرب اليهما فالأقرب رعاية للقاعدة لولا
حكومة الاطلاقات عليها ولكن يتوجه عليه انه يعتبر في جريان قاعدة الميسورة كون الماتى به بنظر العرف من مصاديق المأمور به بنحو من المسامحة العرفية بحيث لو قلنا
بكون الألفاظ أسامي للأعم من الصحيحة لا ندرج الماتى به في مسامه حقيقة ومن الواضح انه وان أمكن دعوى تحقق هذا المعنى في الركوع في الجملة لكنه لا يتحقق
بالنسبة إلى السجود ضرورة ان وضع الجبهة على الأرض من مقومات مفهومه عرفا فالانحناء الغير الموجب لوصول الجبهة إلى الأرض أجنبي عن مهية السجود فضلا عن مطلق الايماء
نعم بينهما مناسبة عرفية مقتضية لجعله بدلا فليس أجنبيا صرفا كي يكون بدلية عنه تعبدا محضا وكيف كان فلا مسرح للقاعدة بالنسبة إليه نعم لو قلنا
بان الانحاء في حد ذاته من اجزاء الصلاة أمكن التشبث لاثبات ما تيسر منه بقاعدة ما لا يدرك كله لا يترك كله لولا ظهور الاخبار الامرة بالايماء في خلافه فليتأمل
وينبغي التنبيه على أمور الأول انه لو وجد الساتر في أثناء الصلاة ففي محكى التذكرة وغيره أمكنه الستر من غير فعل المنافى استتر وأتم صلاته وان توقف
على فعل المنافى بطلت صلاته ان كان الوقت متسعا ولو بمقدار تحصيل الستر وأداء ركعة في الوقت الا استمر واحتمل بعض الاستمرار مطلقا للأصل والنهى عن ابطال
العمل قول هذا الاحتمال في غاية الضعف إذ لا مسرح للأصل بعد شهادة النصوص والفتاوى باشتراط الستر في الصلاة لدى القدرة عليه وهى حاصلة بالنسبة إلى
الأجزاء الباقية ولو باستيناف الصلاة واما النهى عن ابطال العمل فقد عرفت مرارا انه لا يصح الاستدلال به في مثل المقام واما ما ذكروه من وجوب الستر والمضي
ما لم يتوقف على فعل المنافى والاستيناف عند توقفه عليه ما لم يتضيق الوقت فهو لا يخلو عن قوة اما وجوب الاستيناف عند توقفه على فعل المنافى فلما أشرنا إليه من أنه
من مقتضيات شرطية الستر في الصلاة لدى القدرة عليه وهى مما لا مجال للارتياب فيه واما المضي فيها بعد الستر ما لم يتوقف على فعل المنافى فربما يعلل بان الأجزاء السابقة
الواقعة بلا ستر وقعت صحيحة لكونها موافقة لما هو تكليفه في ذلك الوقت والأجزاء الباقية يأتيها مع الستر وما بينهما وهو زمان التشاغل بفعل الستر عفو إذا لا يعقل
ان يكون الستر في هذا الحين شرطا في الصلاة لكونه تكليفا بما لا يطاق وفيه ان الستر في هذا الحين وان لا يعقل جعله شرطا في الصلاة لكن الجزء الواقع في هذا الحين يعقل
ان يكون مشروطا بالستر فيجب عليه على هذا التقدير إعادة الصلاة مقدمة لوقوع هذا الجزء مع الشرط ولكن الشأن في اثبات شرطية الستر على الاطلاق حتى يقتضى اطلاق
شرطيته الاستيناف في مثل الفرض فان غاية ما يمكن استفادته من الأدلة انما هو شرطية في حال العمد والاختيار فلا يعم مثل الفرض كما تقدمت الإشارة إليه في مسألة
ما لو انكشفت العورة في الأثناء فالأولى الاستدلال له بقصور الأدلة عن إفادة شرطيته بالنسبة إلى ما يقع منها في هذا الحين فليتأمل هذا كله في سعة الوقت واما
مع الضيق فلا مجال للارتياب في أنه يمضى في صلاته فان مراعاة الوقت أهم من مراعاة الستر بلا شبهة هذا إذا ضاق الوقت عن تحصيل الستر واستيناف الصلاة في
الوقت ولو بمقدار أداء ركعة واما إذا تمكن من ادراك ركعة فهل بمضي في صلاته رعاية للوقت الاختياري ويستأنف رعاية للستر كما في محكى التذكرة وغيره فيه
تردد منشأه ما تقدمت الإشارة إليه من القدر المتيقن الذي يمكن استفادته من الأدلة انما هو شرطية الستر مع العمد والاختيار فكما ان الوقت الاختياري
لأجل تقييده بالاختيار لا يصلح ان يزاحم تكليفا فكذلك الستر فهما بنفسهما يتزاحمان في مثل الفرض نظير ما لو أراد الامر بين ادراك جميع الصلاة في الوقت مع
الطهارة الترابية أو ركعة منها مع الماتية فلابد في مثل هذه الموارد من مراعاة الأهمية وهى مما لم تثبت في شئ منهما اللهم الا ان يدعى استفادتها بالنسبة إلى
الستر مما ورد في كيفية العاري من الايماء للركوع والسجود حيث يفهم أهمية الستر من الركوع والسجود الذين لا يصلح مزاحمتها رعاية الوقت الاضطراري
فليتأمل وحكى عن بعض الأساطين القول بوجوب الاستيناف في سعة الوقت (مط) سواء توقف على فعل المنافى أم لا فكأنه نظر إلى أن الصلاة بلا ستر كلا أو
بعضا تكليف عذرى يتوقف صحته على استيعاب العذر للوقت كما هو الشان في جميع التكاليف العذرية التي لم يرد فيها نص خاص على كفاية الضرورة حال الفعل
في شرعيته ولا ينافيه الالتزام بجواز البدار في سعة الوقت مع الياس عن زوال العذر أو مطلقا إذ غاية ما يلزمه وقوع صحة الفعل الاضطراري عند الاتيان
به في سعة الوقت مراعاتا بعدم انكشاف الخلاف ولا محذور فيه عدى انه مع رجاء زوال العذر والتمكن من الفعل الاختياري قد لا يتأتى منه الجزم في النية حال الفعل
لكن القائل بجواز البدار في مثل الفرض قد لا يعتبر الجزم في النية في المقام وكيف كان فلا يتوجه على القائل بوجوب الاستيناف لو استند في قوله إلى الوجه المزبور
الاعتراض بان الامر الظاهري يقتضى الاجزاء إذ في كلتا مقدميته نظر بل منع حيث تقرر في محله ان امتثال الامر الظاهري غير مجز عن الواقع عن انكشاف المخالفة
مع أنه ليس في المقام امر ظاهري فان من صلى في سعة الوقت بظن الضيق أو لزعمه عدم زوال العذر ثم تجدد القدرة لم يمتثل الا امرا وهميا لا واقعية له
بناء على أن استيعاب العذر وعدم التمكن من الخروج عن عهدة التكليف الاختياري في مجموع الوقت المضروب له شرط في صحة الاضطراري ثم إن مقتضى هذا النباء
وجوب الإعادة فيما لو تجدد القدرة بعد الصلاة أيضا ولعل البعض المتقدم إليه الإشارة يلتزم بالإعادة في هذه الصورة أيضا ولا يلزمه الالتزام بكون الستر
كالطهارة الخبثية من الشرائط المخصوصة بحال الذكر كما يشهد له مضافا إلى الأصل الخبر الذي سمعته في تلك المسألة فيكون حال جاهل الانكشاف حال جاهل النجاسة
الذي لا يجب عليه الإعادة لا في الوقت ولا في خارجه كما عرفته في احكام النجاسات واما غير المتمكن من الستر فكغير المتمكن من إزالة النجاسة حاله حال غيره من أولي الأعذار
التي قد يتجه فيها الكلام المتقدم نعم لو كان مستند هذا القول الخدشة في العفو ما يقع من الصلاة في حال التشاغل بالستر بما تقدم التنبيه عليه عند التكلم
157

فيما لو علم بانكشاف عورته في الأثناء اتجه التفصيل بين زوال العذر في الأثناء أو بعد الفراغ من الصلاة فليتأمل وكيف كان فيتوجه على هذا القول إن كان مستنده
الوجه الأخير اي الخدشة في العفو عما يقع في حال التشاغل ما عرفته فيما تقدم من قصور الأدلة عن إفادة الشرطية على الاطلاق بحيث يقتضي اطلاقه بالنسبة إلى حال
التشاغل بالستر استيناف الصلاة مقدمة لعدم تخلل تلك الحالة التي يمتنع فيها الستر بين ما عداها من أكوان الصلاة كما لا يخفي على المتأمل وان كان مستنده الوجه
الأول فيتوجه عليه ان مقتضى ظاهر صحيحة علي بن جعفر ومرسلة ابن مسكان الواردتين في كيفية صلاة العاري جواز الاتيان بها في سعة الوقت عند حضور وقتها فإنهما
وان كانتا مسوقتين لبيان الكيفية لكن ظاهرهما المفروغية عن جواز فعلها بعد حضور وقتها فيفهم من ذلك ان العبرة بالضرورة حال الفعل لا مطلقا والا لنبه عليه الإمام عليه السلام
في مثل هذه الأخبار نعم لما كان التكليف عذريا لا ينسبق من مثل هذه الأخبار ارادته مع العلم بزوال العذر بل وكذا مع غلبة الظن وهذا
بخلاف مجرد الاحتمال الذي يتحقق كثيرا ما في موارد الضرورة ومما يؤيد المدعي بل يمكن ان يدعي استفادته أيضا منه سائر الأخبار الواردة في كيفية صلاة العاري
جماعة وفرادى فإنه لو كان الامر فيها مبنيا على المضايقة ووجوب التأخير إلى اخر الوقت أو الإعادة على تقدير تجدد القدرة عند الاتيان به في سعة الوقت لتبينه الإمام عليه السلام
في مثل هذه الأخبار والانصاف ان ما ذكرناه وان لا يخلو عن قوة ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط باتمام الصلاة بعد الستر ثم اعادتها كما أن الأحوط اعادتها فيما
لو تجددت القدرة بعد الصلاة والله العالم الثاني لا شبهة بل لا خلاف في أنه لا يجب الستر للصلاة والطواف من جهة التحت كما يشهد له الأخبار الدالة على
جواز الصلاة في القميص ونحوه ولكن هذا في غير الواقف على طرف سطح بحيث ترى عورته لو نظر إليها
واما فيه فقد جزم غير واحد بالوجوب وبطلان الصلاة
بدونه وعن بعضهم ذلك مع وجود الناظر وعن الشهيد في الذكرى التردد فيه من أن الستر انما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها ومن انه من تحت انما لا ترى
إذا كان على وجه الأرض لعسر التطلع حينئذ لا مطلقا وقال لو قام على محرم لا يتوقع ناظر تحته فالأقرب انه كالأرض لعدم ابتدار الأعين انتهى وفي الجواهر بعد ان
نقل ذلك منه قال قد يشكل عليه الفرق بين السطح والمخرم كالشباك ونحوه ولا مدخلية لعدم توقع الناظر إذ المدار في عروة الصلاة على الستر على تقديره
انتهى أقول تقدير الناظر لا يجعله بمنزلة ناظر محقق في كونه منافيا لحصول الستر عرفا الا ترى انه يجوز تقدير وجود ناظر تحت درع المصلي ولا ينافي ذلك
حصول الستر المعتبر في الصلاة به وهذا بخلاف ما لو كان المقدر محققا فإنه قد ينافيه حيث لا يصدق معه كونه مستورا لعورة على الاطلاق فلو وقف المصلي على شباك
موضوع على بئر ونحوها مما لا يتوقع مع الناظر ولو شانا فليس حاله لدى العرف في صدق كونه مستور العورة الاكحال من صلى على الأرض الا ان يكون في البئر من يتوقع
نظره فيكون وجوده بالفعل مانعا عن حصول الصدق في العرف كما في المثال نعم لو كان الشباك ونحوه في مكان من شأنه التطلع على عورته من جهة التحت اتجه
الالتزام بوجوب الستر من جهة التحت أيضا فإنه لا يصدق بدونه حينئذ ستر العورة على الاطلاق في العرف وكذلك الكلام فيما لو صلى على سرير مخرم معمول من جرائد
النخل ونحوها فان الصلاة عليه ليس الا كالصلاة على الأرض في أنه لا يفهم أحد من وجوب ستر العورة في الصلاة الستر من جهة التحت عند صلاته عليه الا ان يكون
تحت السرير من يتوقع نظره أو يكون في حد ذاته صالحا لذلك بان كان مثلا معبرا للناس أو محلا لجلوسهم ونومهم أو غير ذلك بحيث بكون جهة التحت أيضا لدى العرف
كسائر الجهات التي جرت العادة بالنظر منها فليتأمل الثالث لو كان في ثوبه خرق فإن لم يحاذ العورة فلا اشكال وان حاذاها بطلت صلاته للاخلال بشرطها ولو
جمعه بيده بحيث تحقق الستر بالثوب بإعانة اليد فلا اشكال أيضا واما لو وضع يده عليه بحيث حصل ستر العورة كلا أو بعضا بواسطة اليد ففيه اشكال منشأه ما عرفت
فيما سبق من أنه لا اعتداد بالستر باليد وأشباهها في حصول الستر المعتبر في الصلاة ومن أن هذا فيما إذا استقلت اليد وشبهها بالساترية لا في مثل المقام الذي يكون
وضع اليد بمنزلة الشرط المصحح لساترية الثوب حيث إن اللابس للثوب المشتمل على الخرق قد ستر عورته بذلك الثوب من سائر الجهات عدى الجهة المحاذية للخرق وهي
من هذه الجهة عند وضع يده على الخرق لا تحتاج إلى الستر كما لا يحتاج ذكره في الستر عند جلوسه وضم فخذيه إلى أزيد مما يلقي على ظاهره وبه يحصل الستر المعتبر في
الصلاة مع أن ستره من سائر الجهات قد حصل بضم الفخذين الذي لا اعتداد به عند استقلاله بالساترية في باب الصلاة فهذا الوجه لعله أقوى ولكنه لا اطراد له
كما لا يخفى وقد ظهر بما ذكر حال الصلاة في قميص واسع الجيب الغير المانع عن ظهور العورة حال الركوع والسجود لمن كان له لحية طويلة مانعة عن ظهورها فان
اندراجه بلبس هذا القميص وموضوع الساتر عورته بما لبسه لدى العرف أوضح منه في الصورة المزبورة فالأظهر صحة صلاته فيه وسببية طول لحيته لكفاية مثل
هذا القميص ساترا لعورته والله العالم الرابع المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم استحباب الجماعة للعراة كغيرهم بل عن بعض دعوى الاجماع عليه
لعموم أدلة الجماعة وخصوص صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة قال يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس و
موثقة إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام قوم قطع عليهم الطريق واخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون قال يتقدمهم امامهم فيجلس و
يجلسون خلفه فيؤمي ايماء للركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم فما في خبر أبي البختري المتقدم في صدر المبحث المروي عن قرب الإسناد
عن الصادق عليه السلام فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى محمول على في رادة الجماعة أو التقية أو غيرهما من المحامل وقد حكى عن ظاهر الصدوق
في المقنع والشيخ في اخر باب صلاة الخوف والمطاردة العمل بظاهره وهذا لا يخرجه عن الشذوذ فضلا عن صلاحية معارضة لما عرفت فهذا اجمالا مما لا اشكال فيه
وانما الاشكال والخلاف في كيفية صلاتهم جماعة وقضية اطلاق الخبرين السابقين كظواهر الفتاوي اطلاق الجلوس فيها ولو مع امن المطلع ولكن لا يبعد دعوى
جرى الاطلاق مجرى الغالب من عدم حصول الامن في مفروض كلماتهم الا على بعض الفروض التي ينصرف عنها الاطلاق ولعله لذا جزم في محكى البيان بمراعاة الامن
158

وعدمه وكيف كان فقد حكى عن المفيد والسيد في كيفية صلاة العراة جماعة التصريح بأنهم يجلسون جميعا صفا واحدا ويتقدمهم الامام بركبتيه ويصلون جميعا
بالايماء وربما نسب هذا القول إلى الأكثر بل المشهور بل عن الحلي دعوى الاجماع عليه واستدل له بصحيحة ابن سنان المتقدمة وسائر الأخبار المطلقة المصرحة بالايماء
للركوع والسجود وبعموم التعليل في حسنة زرارة المتقدمة لقوله عليه السلام فيبدو ما خلفهما وعن الشيخ في النهاية وجملة ممن تأخر عنه ان الامام يؤمي ومن خلفه يركعون
ويسجدون ومستندهم موثقة إسحاق بن عمار المتقدة التي هي نص في ذلك وما عن بعض من احتمال ان يكون المراد بقوله وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم الايماء
بوجوههم مما لا ينبغي الالتفات إليه خصوصا بعد الالتفات إلى ما في الرواية من التفصيل بين الإمام والمأموم
وعن المصنف رحمه الله في المعتبر الميل إلى العمل بهذه الرواية
حيث قال بعد نقل الخلاف في المسألة والاستدلال للشيخ بالرواية المذكورة ان هذه الرواية حسنة ولا يلتفت إلى من يدعى الاجماع على خلافها وكيف كان
فهذا هو الأقوى لعدم صلاحية شئ مما ذكر دليلا للخصم لمعارضة الموثقة التي هي أخص من المطلقات الامرة بالايماء فلا يعارضها تلك المطلقات وكذا عموم
التعليل الواقع في الحسنة ضرورة عدم كونه علة عقلية غير قابلة للتخصيص كي يعارض النص الخاص فمن الجائز ان يكون ستر العورة الحاصل بالجلوس وعدم كشفها
وحصول الهيئة المستنكرة لدى الشارع أهم رعايته من حفظ صورة الصلاة التي من مقوماتها الركوع والسجود وأن يكون الامر في الجماعة التي هي من الشعائر بعكس ذلك
هذا مع امكان ان يكون المقصود بقوله عليه السلام فيبدو ما خلفهما ظهوره للناظر الذي لا يؤمن من اطلاعه عليه الذي لأجله وجب عليه الصلاة جالسا كما هو محمل
هذا الحسنة على ما عرفته انفا فان هذا اي الحفظ عن الناظر أيضا في حد ذاته علة أخرى لانتقال الفرض إلى الايماء كما سنشير إليه والحاصل ان عموم التعليل
لا يصلح معارضا للنص الخاص كما هو واضح واما صيحة ابن سنان فلا اشعار فيه بالايماء لا للامام ولا للمأموم وانما مفادها نفي شرطية القيام وكون صلاتهم
عن جلوس لا انه يجب عليهم الاتيان بجميع اجزاء الصلاة عن جلوس بحيث ينافيه الركوع والسجود فوجوب الايماء على الامام أو مطلقا قلنا به انما يستفاد من سائر الأخبار
لا من هذه الرواية فتلخص مما ذكر انه لا يصلح شئ من المذكورات لمعارضة الموثقة فيجب الاخذ بمفادها بناء على حجية الخبر الموثقي كما هو التحقيق ولا
يشكل ذلك بظهور الموثقة بواسطة ما فيها من التفصيل بين الإمام والمأموم في الايماء ودوران شرعية الايماء مدار الامن فحيث ان الامام بواسطة تقدمه
في المكان والافعال لا يامن من اطلاع المأمومين على عورته وجب عليه الايماء والمأمومون بواسطة اعتدال صفهم والتصاق بعضهم ببعض ومقارنتهم في
الافعال مأمونون من ذلك فوجب عليهم الركوع والسجود مع مخالفته لظواهر اخبار الباب التي هي متفقة الدلالة كما عرفة سابقا على أن العاري فرضه الايماء
سواء امن من المطلع أم لا لما أشرنا إليه من أن دوران الحكم مدار الامن وعدمه مخصوص بالجماعة لاختصاص دليله به ولا يعد فيه هذا مع أنه لا ظهور للموثقة في
ذلك بل هو شئ مستنبط منها بواسطة المناسبات المغروسة في الأذهان الناشئة من وجوب حفظ الفرج عن النظر وكذا لا يشكل بما قد يقال من أن المأموم
امن من المطلع وجب عليه القيام والا لم يجز له الركوع والسجود لأنه اجتهاد في مقابلة النص مع امكان ان يقال إن للجلوس دخل فحصول الامن ولا أقل
من مدخليته في كماله فلعل الشارع اعتبره لذلك ثم لا يخفى عليك ان ما قويناه من وجوب الركوع والسجود على المأموم انما هو فيما إذا لم يكن هناك ناظر
محترم والا فرعاية حفظ الفرج أهم لدى الشارع من الركوع والسجود كما لا يخفى على المتأمل في نصوص الباب وفتاوي الأصحاب ومن هنا يتجه التفصيل
فيما إذا تعددت الصفوف بين الصف الأخير وغيره فيختص الركوع والسجود باهل الصف الأخير دون أهل سائر الصفوف الذين حالهم بالنسبة إلى الصف
المتأخر عنهم حال الامام بالنسبة إلى المأمومين ولكن مقتضى اطلاق الامر بالركوع والسجود في الموثقة ووضوح كون الايماء بدلا اضطراريا عنهما عدم جواز
الوقوف في الصف المتقدم اختيارا ومقتضاه ان يقف المأمومون جميعا في صف واحد كما هو ظاهر كثير من الفتاوي بل مع امامهم وان لا يتقدمهم الامام
الا بركبتيه كما ربما يستشعر ذلك بل يستظهر من صحيحة ابن سنان المتقدمة والأمة والصبية تصليان بغير خمار بلا خلاف فيهما على الظاهر بل عن الفاضلين والشهيد
دعوى الاجماع عليه من علماء الاسلام الا ان الحسن البصري فإنه أوجب على الأمة الخمار إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه ويدل عليه في الأمة مضافا إلى ذلك
جملة من الاخبار منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام قال ليس على الإماء ان يتقنعن في الصلاة ولا ينبغي للمرأة ان تصلي الا في ثوبين وخبر علي بن جعفر
المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الأمة هل يصلح لها ان تصلي في قميص واحد قال لا باس وصحيحة محمد بن مسلم المروية عن الكافي والفقيه قال
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول ليس على الأمة قناع في الصلاة ولا المدبرة ولا على المكاتبة إذا اشترطت عليها قناع في الصلاة وهي مملوكة حتى تؤدي جميع مكاتبها
ويجري عليها ما يجري على المملوك في الحدود كلها وزاد في الفقيه قال وسئلته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار قال لو كان عليها لكان عليها إذا هي حاضت وليس عليها
التقنع في الصلاة ويدل عليه أيضا بعض الأخبار الآتية واستدل له أيضا بخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال على الصبي إذا احتلم الصيام وعلى الجارية إذا حاضت
الصيام والخمار الا أن تكون مملوكة فإنه ليس عليها خمار الا ان تحب ان تختمر وعليها الصيام وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الأمة تغطي رأسها
فقال لا ولا على أم الولد ان تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد وفيه انه ليس في هذه الخبرين تصريح بإرادته حال الصلاة فلعله أريد بهما عدم وجوب الستر عن الناظر
فمن هنا يتوجه النظر على ما في المدارك حيث قال واطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي انه لا فرق في الأمة بين القن والمدبرة وأم الولد والمكاتبة المشروطة أو المطلقة
التي لم تؤد شيئا ويحتمل الحاق أم الولد مع حياة ولدها بالحرة لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الأمة تغطي رأسها فقال لا ولا
على أم الولد ان تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد وهو يدل بمفهومه على وجوب تغطية الرأس مع الولد ومفهوم الشرط حجة كما حقق في محله ويمكن حمله على الاستحباب
159

الا انه يتوقف على وجود المعارض انتهى ويتوجه عليه أيضا معارضة هذا المفهوم بمنطوق صحيحة الأولى على رواية الفقيه فان ظهور قوله عليه السلام وليس عليها التقنع
في الصلاة بعد وقوعه جوابا عن السؤال عن أن الأمة إذا ولدت هل عليها الخمار في الاطلاق أقوى من ظهور المفهوم في الوجوب قال في الحدائق في تفسير الرواية الظاهر أن
المعنى فيها هو ان السائل ظن أن وجوب الخمار على المرأة انه كانت أم حرة دائر مدار الولادة المؤذنة بالبلوغ فأجاب عليه السلام بأنه لو كان كذلك فإنه لا اختصاص له بالولادة
بل يجري في الحيض الذي هو أحد أسباب البلوغ أيضا مع أنه ليس على الأمة التقنع في الصلاة مطلقا ثم نقل عن الوافي أنه قال في ذيل هذا الخبر كان الراوي ظن أن أحد وجوب
التقنع على النساء إذا ولدن فنبهه عليه السلام ان حده إذا حضن وانه ساقط عن الإماء في جميع الأحوال انتهى أقول يحتلم قويا ان يكون المراد بقوله الأمة إذا ولدت
انها إذا صارت أم ولد لا مطلق الولادة ولو من غير مولاها فكان السائل حيث سمع الإمام عليه السلام
يقول ليس على الأمة قناع احتمل اختصاص هذا الحكم بما عدى أم الولد اما
لما فيها من التشبه بالحرمة أو لوقوع الخلاف (فيها عن بعض أهل الخلاف) كما هو محكى عن ابن سيرين واحمد في احدى الروايتين فسئل عنها بالخصوص فاجابه الإمام عليه السلام بأنه لو كان عليها الخمار لكان عليها إذا
هي حاضت يعني لا مدخلية للولادة في هذا الحكم فإنها لا تخرجها عن الرقية فلو كان عليها لكان من حين حيضها يعني من أول بلوغها وحيث لا يجب عليها إذا هي حاضت فلا
يجب عليها بعد ان ولدت فقوله وليس عليها التقنع في الصلاة بمنزلة التأكيد لما كان يفهم من التعليق ويحتمل كونه تأسيا بان يكون المقصود بالسؤال وجوب الخمار
يجب عليها بعد ان ولدت فقوله وليس عليها التقنع في الصلاة بمنزلة التأكيد لما كان يفهم من التعليق ويحتمل كونه تأسيسا بان يكون المقصود بالسؤال وجوب الخمار
عليها للحفظ عن النظر فاجابه بما اجابه ثم قال وليس عليها الخ وكيف كان فعلى تقدير ان يكون السؤال عن خصوص أم الولد تكون الرواية كالنص في المدعى وعلى التقدير
الأول أيضا أقوى دلالة عليه من سائر المطلقات حيث وقع فيها السؤال عن الجارية إذا ولدت سواء كان من المولى أم من غيره فاطلاق الجواب في مثل الفرض خصوصا
مع شيوع كونه من المولى يؤكد ظهوره في العموم فيشكل رفع اليد عنه بمجرد ظهور المفهوم في الوجوب اللهم الا ان يقال إن اطلاق الولادة غير مقصود بالسؤال على
هذا التقدير لان قوله إذا ولدت اما كفاية عن كبرها وبلوغها حدا يطلق عليه اسم المرأة أو أريد به علامة البلوغ كما احتمله في الحدائق فلا يكون الجواب حينئذ الا
كسائر المطلقات بل أضعف منها دلالة على الاطلاق لامكان الخدشة فيه بعدم كونه مسوقا الا لدفع ما توهمه السائل وبيان حكمها على سبيل الاجمال فليتأمل ثم إن
المنساق إلى الذهن من النص والفتوى كما صرح به غير واحد الحاق الرقبة بالرأس في عدم وجوب سترها حيث إن سترها كالرأس غالبا ليس الا بالخمار فما دل على جواز
ان تصلي بغير خمار كما يدل على عدم وجوب ستر رأسها يدل على عدم وجوب ستر رقبتها أيضا مضافا إلى أن شهادة خبر علي بن جعفر الدال على جواز ان تصلي في قميص واحد بذلك
فما عن الروض من احتمال الوجوب في غاية الضعف نعم يجب عليها ستر ما عدى ذلك مما سمعته في الحرة بلا خلاف فيه على الظاهر لاطلاق الأدلة المقتصر في تخصيصها بالنسبة
إلى الأمة بما عرفت وربما استظهر من عبارة الشيخ حيث قال على ما حكى عنه واما ما عدى الرأس فإنه يجب عليها تغطيته من جميع جسدها لان الاخبار وردت بأنه لا يجب
عليها ستر الرأس ولم ترد بجواز كشف ما عداه انتهى انه يوجب ستر ما عدى الرأس مطلقا حتى الكفين والقدمين وعن بعض نسبة هذا القول إلى ظاهر غيره أيضا بل إلى صريح بعض
وهو بعيد الا على تقدير الالتزام به في الحرة أيضا ضرورة انه ليس في خصوص الأمة نص يقتضيه فهي أولى من الحرة بعدم وجوب ستر الكفين والقدمين والذي يغلب على الظن ان
مراد الشيخ ومن عبر كعبارته ليس الا بيان مساواتها فيما عدى الرأس مع الحرة في ستر سائر جسدها لا ان لها مزية في ذلك وكيف كان فان أريد بها ما ذكر فهو والا فواضح
الضعف تنبيه الظاهر من عبارة المصنف رحمه الله وغيره ممن عبر كعبارته من أن الأمة والصبية تصليان بغير خمار إرادة بيان الجواز دفعا لتوهم الخطر الناشي
من اطلاق الامر بوجوب ستر المرأة رأسها وسائر جسدها لا الوجوب الشرطي أو الشرعي كما هو واضح فهل الراجح شرعا في حقهما التستر أو التكشف أم هما بالخيار
لم أجد من تعرض لذلك بالنسبة إلى الصبية واما الأمة فقد اختلفت الكلمات فيها قال في محكى المعتبر وهل يستحب لهما القناع قال به عطا ولم يستحب الباقون
لما رووه ان عمر كان ينهى الإماء عن التقنع وقال انما القناع للحرائر وضرب أمة لآل انس رآها متقنعة وقال اكشفي ولا تشبهي بالحرائر وما قاله عطا أحسن
لان الستر انسب بالعفة والحياء وهو مراد من الحرة والأمة وما ذكر ومن فعل عمر جاز ان يكون رأيا رآه انتهى واختار في الحدائق الكراهة ونسبه إلى المشهور لما رواه الصدوق
في العلل باسناده عن حماد بن الحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الخادم تقنع رأسها في الصلاة قال اضربوها حتى تعرف الحرة من المملوكة وعن حماد اللحام قال
سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن المملوكة تقنع رأسها إذا صلت قال لا قد كان أبي إذا رأى الخادم تصلي وهي مقنعة ضربها لتعرف الحرة عن المملوكة وعن محاسن البرقي
نحوه وظاهر هاتين الروايتين الحرمة إذ لولاها لما استحقت الضرب وحكى عن ظاهر الصدوق في العلل التعويل على هذا الظاهر حيث قال على ما حكى عنه باب العلة
التي من اجلها لا يجوز للأمة ان تقنع رأسها ثم ذكر الخبرين وقد حملهما في الحدائق على الكراهة بشهادة قوله عليه السلام في خبر أبي بصير المتقدم الا ان تحب ان تختمر و
رواية أبي خالد القماط التي رواها الشهيد في الذكرى قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الأمة تقنع رأسها فقال إن شائت فعلت وان شائت لم تفعل سمعت أبي
يقول كن يضربن فيقال لهن لا تشبهن بالحرائر مضافا إلى ظهور قوله عليه السلام في المعتبرة المستفيضة المتقدمة ليس عليها القناع في نفي الوجوب أقول ربما
يشهد الخبر المحكى عن الذكرى بصدق ما رووه عن عمر وان ضرب الإماء والنهي عن تشبههن بالحرائر كان من فعله فيغلب على الظن جرى الخبرين الأولين مجرى التقية
كما يؤيدهما بعض الامارات الداخلية والخارجية المشعرة بكون النهي عن التشبه بالحرائر كلمه دائرة على ألسنتهم ولا يبعد صدور الامر بالضرب في الرواية الأولى
من باب التحكم والاستهزاء قصد به ظاهره تقية ولولا قوة احتمال التقية في هذه الأخبار لأمكن حملها على الكراهة وان لا يخلو توجيه جواز الضرب على
ارتكاب المكروه عن تكلف فالأولى رد علمها إلى أهله بعض اعراض الأصحاب عن ظاهرها ومعارضتها بما عرفت والالتزام برجحان التستر لما في بعض الأخبار
من الامر بمخالفتهم ما أستطيع وان الرشد في خلافهم فليتأمل ثم لا يخفى عليك ان مراد الأصحاب بأنه لا يجب على الأمة والصبية ستر رأسها في الصلاة هو الوجوب
160

الشرطي لا الشرعي فما توهمه بعض من أن استثنائهم للصبية في المقام عمن يجب عليها ستر الرأس في غير محله حيث إنها غير مكلفة بشئ ليس بشئ ونظيره توهم ان المشهور
فيما بينهم كون عباداتها تمرينية لا شرعية فتسر رأسها حينئذ ليس الا كسائر الشرائط فلا يتجه التخصيص ويدفعه ان التخصيص مبني على شرعيتها فهو في كلام
القائلين بالتمرينية على تقدير تعرضهم له فرضي ولذا صح دعوى الاجماع عليه كما ادعاه غير واحد ومستنده اختصاص ما دل على شرطية ستر الرأس بالبالغة لا لمجرد
دعوى انصراف لفظ المرأة المأخوذة موضوعا في الأدلة الدالة عليها عن الصبية وضعا أو انصرافا بل لظهور جملة من الاخبار في الاختصاص كقوله عليه السلام في
صحيحة يونس بن يعقوب المتقدمة في صدر المبحث ولا يصلح للحرة إذا حاضت الا الخمار ومرسلة الصدوق قال قال النبي صلى الله عليه وآله ثمانية لا يقبل لهم صلاة منهم المرأة المدركة
تصلي بغير خمار وعنه مسندا عن جعفر بن محمد عن ابائه عن النبي صلى الله عليه وآله في وصيته لعلي عليه السلام مثل الا أنه قال الجارية المدركة وخبر أبي البختري المروي عن قرب الإسناد
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه السلام قال إذا حاضت الجارية فلا تصلي الا بخمار وفي خبر أبي بصير المتقدم وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار فرع المبعضة
كالحرة في وجوب الخمار عليها لانصراف النص والفتوى القائلة بعدم وجوب الستر على الأمة عنها فتندرج في اطلاق أدلة الستر للنساء وتوهم اختصاص ما دل
على الستر بالحرة المنصرفة عنها أيضا فبقي على حكم الأصل مدفوع بان اخبار الستر مطلقة والاختصاص نشأ من الأخبار الواردة في الأمة فيختص بها المطلقات و
يقتصر في تخصيصها على ما ينصرف إليه الاخبار المخصصة نعم ورد التقييد بالحرة في بعض اخبار الستر كصحيحة يونس المتقدمة ولكن هذا لا يجدى في صرف سائر
الروايات إليها الا بلحاظ مفهوم الصفة لو اعتبرناه إذ لا تنافي بينه وبين المطلقات بحسب المنطوق واما مفهومه مع ضعفه في حد ذاته وعدم كونه الا مجرد
اشعار خصوصا في مثل الصحيحة المتقدمة مما ليس الوصف فيه معتمدا على موصوف مذكور فهو على تقدير الحجية لا يصلح لتقييد المطلقات الا بالنسبة إلى الأمة المنصرفة
عن المبعضة لأنها هي المقابلة للحرة التي ينسبق إلى الذهن ارادته من المفهوم على تقدير تسليمه فليتأمل ويدل عليه أيضا خبر حمزة بن حمران عن أحدهما قال سئلته
عن الرجل أعتق نصف جاريته إلى أن قال قلت فتغطي رأسها منه حيث أعتق نصفها قال نعم وتصلي هي مخمرة
الرأس وربما يستشعر أيضا من قوله عليه السلام في
صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ولا على المكاتبة إذا اشترطت عليها اقناع في الصلاة وهي مملوكة حتى تؤدي جميع مكاتبها فإنه مشعر بان المكاتبة المطلقة التي
تحرر منها بعضها عند تأدية البعض ليس كذلك وان أعتقت الأمة في أثناء الصلاة وعلمت به وجب عليها ستر رأسها والمضي في صلاتها ان لم تفتقر
في الستر إلى فعل المنافي وان افتقرت إلى فعل كثير أو غيره من المنافيات استأنفت الصلاة كما ظهر وجه ذلك كله في مسألة ما لو صلى عاريا ووجد الساتر
في الأثناء إذ الملاك في المسئلتين واحد والاحتمالات المتطرقة هناك جارية ههنا وقد عرفت في تلك المسألة ان القول بوجوب استينافها مطلقا
لا يخلو عن وجه فلا ينبغي ترك الاحتياط فيه فكذلك الكلام في المقام الا انا قد ذكرنا لهذا القول هناك وجهين أحدهما كونه من مقتضيات رعاية من الشرط
بالنسبة إلى جميع اجزاء الصلاة واكوانها بحسب الامكان والثاني توقف صحة الاجزاء الواقعة بلا ستر حين في لتمكن منه على استيعاب العذر فتجدد القدم
كاشف عن بطلانها ولا يخفى ان الوجه الأخير لو قبلناه في تلك المسألة فهو مخصوص بها ولا يتوجه في المقام لكونه من قبيل تبدل الموضوع لا من قبيل التكاليف
العذرية ولذا لا ينبغي الارتياب في الصحة ههنا لو فرض حصول الستر من أول انات حصول العتق من غير أن يتخلل بينهما فصل بالزمان بخلافه في تلك المسألة
وكيف كان فقد عرفت هناك ضعف كلا الوجهين خصوصا الأول منهما لعدم مساعدة العرف على استفادة الشرطية المطلقة بالنسبة إلى سائر أكوان الصلاة
على وجه ينافيه التشاغل بتحصيل الشرط عند تنجز التكليف به في أثناء الصلاة من اطلاقات أدلة الشرائط بمعنى ان أهل العرف لا يفهمون من اطلاق نفي الصحة
في قولنا لا تصح صلاة الحرة الا بخمار شرطية مطلقة لصلاتها على وجه يلزمها البطلان واستيناف الصلاة فيما لو تجددت الحرية في أثنائها بل غاية ما يفهمون
من الاطلاق بالنسبة إلى هذه الصلاة التي تنجز التكليف بالشرط في أثنائها انما هو شرطية بالنسبة إلى ما بقي من الاجزاء مما يمكن ان يأتي بها مع الشرط بعد
تحصيله لا بالنسبة إلى حال تشاغلها بفعل الستر ولذا ترى ان الأصحاب لا زال يحكمون بوجوب المضي في الصلاة بعد تحصيل الشرط في نظائر المقام ويلتزمون
بصحتها وربما يستدلون عليه بان الأجزاء السابقة وقعت صحيحة لكونها مطابقة لأمرها والأجزاء الباقية
بوجدها بعد تحصيل الشرط وما بينهما من الزمان اي
حال التشاغل بتحصيل الشرط عفو إذ لولاه للزم التكليف بما لا يطاق يعني ان اعتباره شرطا بالنسبة إلى الجزء الواقع في هذا الحين من هذه الصلاة الخاصة
غير معقول لكونه تكليفا بغير المقدور فلا يعقل ان يكلفها الشارع بان تأتي بهذا الجزء مستورة الرأس نعم يفعل ان يجعله الشارع شرطا لمطلق
صلاتها بان يأمرها في مثل الفرض باستيناف صلاتها مقدمة لتحصيل الشرط ولكن قد أشرنا إلى أن العرف لا يفهمون من اطلاقات أدلة الشرائط هذه
المرتبة من الاطلاق فكأنها منصرفة عن الصلاة الصادرة من المكلف في حال اندراجه في الموضوع الذي ثبت في حقه لاشتراط الاشتراط بالنسبة إلى الجزء الصادر منه
حال تلبسه بتحصيل الشرط مما يتعذر منه ايقاعه مع الشرط فليتأمل ولو علمت قبل حصول العتق بأنها ستعتق في أثناء الصلاة وجب عليها الستر قبله مقدمة
لحصوله حيث حدوث العتق ولا يجزي التستر بعده حينئذ لما أشرنا إليه من أن منشأ الالتزام بالعفو بالنسبة إلى أن التلبس بتحصيل الشرط تعذر كونه شرطا بالنسبة
إلى ما يصدر منه في هذا الحين الا على تقدير الامر باستيناف الصلاة وايقاعها في غير ذلك الزمان وهو مما لا يفهم من اطلاقات الأدلة وهذا بخلاف مثل الفرض
مما يتمكن من تلبسه بالشرط من حين اندراجه في الموضوع المكلف بالشرط ودعوى ان التكليف بالشرط لا يتنجز الا بعد تحقق موضوعه فلا يجب عليها ستر الرأس الا بعد
انعتاقها فحالها مع العلم أيضا ليس الا كحالها فيما لو لم تعلم بذلك الا بعد حدوث العتق إذ لا يتنجز التكليف بمقدمة الواجبات المشروطة الا بعد تحقق شرائطها
161

قد عرفت اندفاعها في أول كتاب الطهارة عند التكلم في وجوب الغسل لصوم اليوم فراجع ولو لم تعلم بالعتق الا بعد الفراغ من الصلاة تمت صلاتها على الأشبه لعموم
قوله عليه السلام في صحيحة زرارة لا تعاد الصلاة الا من خمسة الحديث ولو علمت في الأثناء بسبق العتق فكما لو أعتقت في الأثناء في أنها تتستر وتمضي في صلاتها فان ما صدر
منها قبل حصول العلم بمنزلة ما صدر منها قبل حصول العتق كما يدل عليه الصحيحة المتقدمة والله العالم وكذلك البحث بتمامه في الصبية إذا بلغت وعلمت لسبق بلوغها
في أثناء الصلاة بما لا يبطلها اي بما عدى الجنابة والحيض وشبهه بناء على ما قويناه في المواقيت من أن الصبي المتطوع بوظيفة الوقت لو بلغ في أثناء الصلاة أتمها فرضا نعم
ما اخترناه في الأمة من أنها إذا علمت بأنها ستعتق في الأثناء وجب عليها الستر قبل حصول العتق لا يجري في الصبية إذ لا يجب عليها شئ قبل البلوغ لا نفيا ولا مقدمة
كما تقدم التنبيه عليه في المبحث المقدم إليه الإشارة فراجع واما على ما اختاره المصنف في باب المواقيت من أن الصبي المتطوع بوظيفة الوقت لو بلغ في الأثناء
يستأنف ان أدرك من الوقت بمقدار ركعة فينبغي حمل العبارة على إرادة ما عداها من النوافل أو على ما لو أدركت من الوقت أقل من الركعة حيث حكم في الصبي المتطوع
في مثل الفرض بالمضي في صلاته والبناء على نافلته فالمراد بوجوب ستر الرأس عليها بعد البلوغ على هذا التقدير هو الوجوب الشرطي لو جوزنا قطع النافلة والا
فالشرعي وعلى القول بان الصبي المتطوع بوظيفة الوقت عليه اتمامها نافلة استحبابا ما لم تزاحم الفريضة في وقتها اتجه ابقاء العبارة على ظاهرها من
الاطلاق لكنه مخالف وظاهر ما اختار المصنف رحمه الله في تلك المسألة فان المتبادر من قوله يستأنف إرادة رفع اليد عما بيده وابطاله وكيف كان فهذا كله انما هو على
القول بشرعية عبادة الصبي واما على القرينية فلا وقع لهذا الفرع اللهم الا على الاحتمال الذي احتمله بعض من وجوب المضي في صلاته التمرينية بعد ان بلغ
حفظا لصورتها وفيه ما لا يخفى المسألة الثامنة تكره الصلاة في الثياب السود ما عدى العمامة والخف والكساء وهو ثوب من صوف ومنه العباء كذا نقل
عن الجوهري ويدل عليه المرسل المروي عن الكافي قال وروى لا تصل في ثوب اسود فاما الكساء والخف والعمامة فلا باس ويؤيده مرفوعة أحمد بن محمد المروية عن الكافي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال يكره السواد الا في ثلاث الخف والعمامة والكساء وخبر أحمد بن أبي عبد الله عن بعض أصحابه رفعه قال كان رسول الله صلى اله عليه وآله يكره السواد الا في
ثلاث الخف والعمامة والكساء بل ربما يستدل بهاتين الروايتين وبغيرهما أيضا من الأخبار الدالة على كراهة لبس السواد التي سيأتي بعضها بدعوى ان كراهة لبسها مطلقا
يستلزم كراهته حال الصلاة وفيه ان المدعى كراهة الصلاة فيه من حيث هي لا من حيث كونه لابسا حال الصلاة لما هو مكروه من حيث هو نعم يمكن الاستدلال
لكراهة الصلاة في الثياب السود بمفهوم التعليل الوارد في القلنسوة فيما رواه في الكافي عن الحسن بن أحمد عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له أصلي في القلنسوة السوداء
فقال لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار فإنه يدل على كراهة كلما هو من لباس أهل النار ومن جملته الثياب السود كما يشهد له رواية حذيفة بن منصور قال كنت عند
أبي عبد الله عليه السلام بالحيرة فاتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه فدعى بممطر أحد وجهيه اسود والاخر ابيض فلبسه فقال أبو عبد الله عليه السلام اما اني ألبسه وانا اعلم أنه لباس
أهل النار إذ الظاهر أن ذلك من حيث السواد لا خصوصية الممطر كما يؤيد ذلك سائر الأخبار خصوصا الخبرين الآتيين وسوق التعبير يشهد بكون لبسه من باب الضرورة
والممطر على ما في المجمع كمنبر ما يلبس في المطر يتوقى به منه ويؤيده بل يدل عليه لو أريد بلباس أهل النار ما يلبسونه ولو في الدنيا ما عن الفقيه مرسلا عن أمير المؤمنين
عليه السلام انه فيما علم أصحابه لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون وعنه أيضا مرسلا قال روى أن جبرئيل عليه السلام هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله في قباء اسود من منطقة فيها خنجر
فقال يا جبرئيل ما هذا فقال زي ولد عمك العباس يا محمد ويل لولدك من ولد عمك العباس وكيف كان فلا تأمل في الحكم خصوصا بعد ما حكى عن بعض من دعوى
الاجماع عليه كما أنه لا تأمل في اختصاص كراهة اللبس ولو في غير الصلاة أيضا بما عدى المذكورات كما يدل عليه الأخبار المتقدمة ويدل عليه أيضا في خصوص العمامة خبر
عبد الله بن سليمان المروي عن مكارم الأخلاق ان علي بن الحسين عليه السلام دخل المسجد وعليه عمامة سوداء قد ارسل طرفيها بين كتفيه وخبر معاوية بن عمار المروي عنه أيضا
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول دخل رسول الله صلى الله عليه وآله الحرم يوم دخل مكة وعليه عمامة سوداء وعليه السلاح وحكى عن غير واحد تخصيص الكراهة بالرجال ولعله
لدعوى انصراف أدلتها إليهم وفيه تأمل وفي الحدائق لم يستبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام من هذه الأخبار لما استفاضت به الاخبار من الامر
باظهار شعائر الأحزان وفيه نظر ويدل على كراهة الصلاة في بعض الألوان غير السواد موثقة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام يكره الصلاة في الثوب
المصبوغ المشبع المقدم أقول في الحدائق المقدم لغة الشديد الحمرة أو اللون وعلى الثاني فيكون تأكيدا للمشبع فيكون فيه دلالة على كراهة كل لون مشبع من
حمرة أو صفرة أو خضرة أو نحو ذلك ومن هنا نقل عن الشيخ وابن الجنيد وابن إدريس كراهة الصلاة في الثياب المقدمة بلون من الألوان انتهى وخبر زيد
بن خليفة عن أبي عبد الله عليه السلام انه كره الصلاة في المشبع بالعصفر والمضرج بالزعفران على الوافي المضرج بالضاد المعجمة والجيم المصبوغ بالحمرة دون المقدم و
وفوق المورد وكذا تكره الصلاة في ثوب واحد رقيق للرجال كما حي عن كثير من الأصحاب لقوله عليه السلام في مرفوعة أحمد بن حماد لا تصل فيما شف أو صف ومفهوم قوله عليه السلام
في صحيحة محمد بن مسلم التي وقع فيها السؤال عن الصلاة في ثوب واحد إذا كان كثيفا فلا باس ويحتمل قويا ان يكون المراد باعتبار وصف الكثافة الاحتراز عما ليس
بسائر كما أنه يحتمل في الرواية الأولى ان يكون المراد بالشاف ما يحكى البشرة على ما هي عليه من اللون والحجم فيكون النهي على حقيقته من التحريم لكن ابقاء لفظ الكثيف
وكذا الشاف على ظاهره وحمل الباس المفهوم من الصحيحة وكذا النهي في الرواية الأولى على ما يعلم الكراهة لعله أوفق بظاهرهما وأوضح منها دلالة عليه قول أمير
المؤمنين عليه السلام في حديث الأربعمائة المروي عن الخصال عليكم بالصفيق من الثياب فان من رق ثوبه رق دينه لا يقومن أحدكم بين يدي الرب جل جلاله وعليه
ثوب يشف فان سوق الرواية يشعر بإرادة الكراهة وكيف كان فهذا انما هو فيما إذا لم يحك البشرة حكاية فادحة لتحقق ستر العورة عرفا كما عرفت تحقيقه في محله
162

فان حكى ما تحته لم يجز كما عرفته فيما سبق وكذا يكره ان يأتزر فوق القميص كما عن الشيخين واتباعهما بل في الحدائق نسبته إلى المشهور ويدل عليه خبر أبي بصير المروي عن الكافي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا ينبغي ان التوشح بازار فوق القميص وأنت تصلي ولا تتزر بازار فوق القميص إذا أنت صليت فإنه من زي الجاهلية ولكن نقل في المدارك
هذه الرواية عن التهذيب هكذا ولا ينبغي ان تتوشح بازار فوق القميص إذا أنت صليت باسقاط وأنت تصلي والا تتزر بازار فوق القميص ثم ناقش في استدلال الشيخ
بها على المدعى بان التوشح غير الاتزار فلا تدل الرواية على كراهة الاتزار وفيه ان ما وقع من التهذيب بحسب الظاهر من سهو القلم فلا يقدح في حجية ما في الكافي
في الذي هو أوثق واضبط خصوصا في مثل المقام الذي يقع فيه كثير اما الخطأ من النساخ باعتبار تكرار لفظ فوق القميص كما لا يخفى والحاصل ان عدم
اشتمال ما في التهذيب على الاتزار لا يخل باعتبار ما في الكافي فهو حجة معتمدة ولا يعارضه ما رواه الشيخ في الصحيح عن موسى بن القاسم البجلي قال رأيت أبا جعفر
الثاني عليه السلام يصلي في قميص وقد اتزر فوقه منديل وهو يصلي وفي الصحيح عن موسى بن عمر بن بزيع قال قلت للرضا عليه السلام أشد الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة
قال لا باس به لجواز ان يكون المقصود بنفي الباس في الرواية الأخيرة نفي الحرمة واما الصحيحة الأولى فهي حكاية فعل لا تصلح لمعارضة القول فيمكن ان يكون
صدوره لضرورة مقتضية له أو لبيان جوازه أو غير ذلك من المحامل فما في المدارك من نفي الكراهة ضعيف ويكره أيضا التوشح فوق القميص بل وكذا تحته
وتحت الرداء كما يدل عليه اخبار متكاثرة منها خبر أبي بصير المتقدم ومنها ما رواه الشيخ عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أحدهم عليهم السلام قال الارتداء
فوق التوشح في الصلاة مكروه والتوشح فوق القميص مكروه وخبر زياد بن المنذر عن أبي جعفر عليه السلام انه سئله رجل وهو حاضر عن الرجل يخرج
من الحمام أو يغتسل فيتوشح ويلبس قميصه فوق ازاره فيصلي وهو كذلك قال هذا من عموم قوم لوط فقلت له انه يتوشح فوق القميص قال هذا من التنجيز و
خبر الهيثم المروي عن كتاب العلل عن أبي عبد الله عليه السلام قال انما كره التوشح فوق القميص لأنه من فعل الجبابرة وخبر يونس عن جماعة من أصحابه عن أبي جعفر عليه السلام وأبي
عبد الله عليه السلام انه سئل ما العلة التي من اجلها لا يصلي الرجل وهو متوشح فقال لعلة التكبر في موضع الاستكانة والذل وعن كتاب الخصال عن أبي بصير ومحمد بن
مسلم عن أبي عبد الله عن ابائه عليهم السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام لا يصلي الرجل في قميص متوشحا به فإنه من افعال قوم لوط ويتأكد ذلك في الامام كما يدل عليه
موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام سئل عن رجل يؤم بقوم يجوز له ان يتوشح فوق القميص قال لا لا يصلي الرجل بقوم وهو متوشح فوق ثيابه وان كان عليه ثياب كثيرة
لان الامام لا يجوز له الصلاة وهو متوشح ولا ينافي ذلك ما في حسنة حماد بن عيسى قال كتب الحسن بن علي
بن يقطين إلى العبد الصالح عليه السلام هل يصلي الرجل وعليه ازار
متوشح به فوق القميص فكتب نعم وخبر علي بن جعفر المروي عن كتاب المسائل وقرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يتوشح بالثوب فيقع على
الأرض أو يجاوز عاتقه أيصلح ذلك قال لا باس لامكان حملهما على إرادة الجواز الغير المنافي للكراهة كما اومي إليه الصدوق في الفقيه حيث قال على ما حكى عنه بعد
ان روى ما يدل على الكراهة وقد رويت رخصة في التوشح بالإزار عن العبد الصالح وعن أبي الحسن الثالث وعن أبي جعفر الثاني عليهم السلام وبها اخذوا فمتى وفي الحدائق بعد
نقل هذه العبارة عن الفقيه قال وما ذكره من الرواية عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسن عليهما السلام فلم يصل الينا فيما وصل من المنقول ولكنه الصدوق فيما يقول بقي الكلام
في معنى التوشح فعن الجوهري يقال توشح الرجل ثوبه وسيفه إذا تقلد بهما وعن القاموس توشح الرجل بثوبه تقلد به وعن الفيومي في المصباح المنير
توشح به هو ان يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم أقول والظاهر في لتنافي بين هذين المعنيين كما يشير إلى ذلك ما عن كتاب
المقرب حيث قال على ما حكى عنه توشح الرجل وهو ان يدخل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم وكذلك الرجل يتوشح بحمائل سيفه فيقع
الحمائل على عاتقه الأيسر تكون اليمنى مكشوفة بل لم يظهر التنافي بينهما وبين ما عن النهاية الأثيرية فيه انه كان يتوشح به اي يتغشى به والأصل فيه من الوشاح إذ لم
يعلم أنه أراد بذلك ما ينافي التفسير المتقدم فان عبارته لا تخلو عن اجمال خصوصا ما نبه عليه من أنه
ما خوذ من الوشاح فلا يبعد ان يكون مراده بالتغشي النوع الخاص
منه الحاصل بالكيفية المزبورة فيكون قوله تفسيرا بالأعم كقولهم سعدانة بنت أو انه أراد بذلك تفسيره في خصوص مورد ولقد أومى إلى ذلك كله في مجمع البحرين حيث
قال في الحديث التوشح في القميص من التجبر وفيه الارتداء فوق التوشح في الصلاة مكروه وفيه انه كان يتوشح بثوبه اي تغشى به والأصل في ذلك كله من الوشاح
لكتاب وهو شئ ينسج من أديم عريضا ويرصع بالجواهر ويوضع شبه قلادة تلبسه النساء يقال وشح الرجل بثوبه أو بإزاره وهو ان يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على
منكبه الأيسر كما يفعله المحرم وكما يتوشح الرجل بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى وتكون اليمنى مكشوفة انتهى إذ الظاهر أن قوله يقال وشح الرجل الخ بيان لما
أجمله أولا وعن النودي في شرح صحيح مسلم ان التوشح ان يأخذ طرف ثوب ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده
اليمنى ثم يعقدهما على صدره بالمخالفة بين طرفيه والاشتمال بالثوب بمعنى التوشح انتهى وهذا التفسير بظاهره مبائن للتفاسير المتقدمة فلو أريد به قصر مورد استعماله
على ذلك فلا اعتماد عليه في مقابل ما سمعت ولو أريد به كونه هو معناه الأصلي الذي استعمل فيما عداه لعلاقة أو على سبيل الاشتراك أو لكونه موضوعا للقدر المشترك
فيمكن تصديقه في ذلك بعد كونه من أهل الخبرة خصوصا مع كونه انسب بما حكى عن القاموس في تفسير الوشاح الذي هو بحسب الظاهر مأخذ هذه الاستعمالات و
لكن الظاهر أن هذا المعنى غير مراد باخبار الباب فان هذا الوضع مما لا يناسب التجبر والتكبر الذي علل به المنع في الاخبار فإنه ربما يستعمله الشيوخ ومن به وجع الصدر ونحوه
صونا عن البرد هذا مع أن الذي يظهر من كلمات معظم اللغويين ان المتبادر من اطلاق توشيح بثوبه أو بإزاره إرادة التقلد به اما مطلقا أو بالكيفية التي سمعته عن المصباح وغيره
فكان هذه الكيفية هو القدر المتيقن الذي يراد باطلاق التوشح بالثوب فلا ينبغي الاستشكال في كراهته بهذا الكيفية واما ما عداها من مطلق التقلد أو التغشي فمحل تأمل
163

بل لا ينبغي التأمل في في رادة مطلق التغشي من الاخبار لوضوح عدم كراهته على الاطلاق والله العالم وكذا يكره ان يشتمل الصماء في الصلاة بلا خلاف فيه على الظاهر
بل اجماعا كما ادعاه غير واحد واستدل له صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إياك والتحاف الصماء قلت وما التحاف الصماء قال إن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله
على منكب واحد وعن الصدوق وفي معاني الأخبار عن القاسم بن سلام رفعه عن النبي صلى الله عليه وآله انه نهى عن لبستين اشتمال الصماء وان يلتحف الرجل بثوب ليس بين
فرجه وبين السماء شئ قال وقال الصادق عليه السلام التحاف الصماء هو ان يدخل الرجل ردائه تحت إبطه ثم يجعل طرفيه على منكب واحد ولولا اعتضادها بفتوى الأصحاب ونقل إجماعهم
كما عرفت لأمكن الخدشة في دلالتها على كراهته في الصلاة من حيث هي لكنه لا ينبغي الالتفات إليها بعد ما سمعت خصوصا في مثل المقام الذي يكفي فيه فتوى المشهور بناء
على قاعدة التسامح كما أنه لا ينبغي الالتفات بعد ورود تفسيره في الصحيحة المزبورة التي هي عمدة مستند الكراهة إلى ما حكى عن كثير من اللغويين وفقهاء العامة من أنه ذكروا في تفسيره
ما لا ينطبق على ما في الصحيحة كما أشار إليه الصدوق في معاني الأخبار حيث قال على ما حكى عنه قال الأصمعي اشتمال الصماء عند العرب ان يشتمل الرجل بثوبه فيجلل به
جسده كله ولا يرفع منه جانبا فيخرج منه يده واما الفقهاء فإنهم يقولون هو ان يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه
فيبدو منه فرجه ثم قال الصادق عليه السلام التحاف الصماء إلى اخر ما قدمناه ثم قال وهذا هو التأويل الصحيح انتهى أقول وقد حكى في الحدائق بعد نقل العبارة
المزبورة عن معاني الأخبار جملة من كلمات بعض اللغويين وفقهاء العامة تشبه ما نقله عنهم الصدوق في عبارته المتقدمة ثم قال واما ما ذكره أصحابنا فقال الشيخ
في المبسوط والنهاية هو ان يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه تحت يده ويجمعهما على منكب واحد كفعل اليهود وهو المشهور والمراد بالالتحاف ستر المنكبين
وقال ابن إدريس في السرائر ويكره السدل في الصلاة كما يفعل اليهود وهو ان يتلفف بالإزار ولا يرفعه على كتفين وهذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء
وهو اختيار السيد المرتضى رحمه الله فاما تفسير الفقهاء لاشتمال الصماء الذي هو السدل قالوا هو ان يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه من تحت يده ويجعلهما جميعا على
منكبا قول ظاهر كلامه اتحاد السدل واشتمال الصماء وهو خلاف ما عليه الأصحاب كما سيأتي انشاء الله تعالى قريبا وكيف كان فالعمل على ما دلت عليه صحيحة
زرارة المتقدمة وهو قول الشيخ المتقدم وبه قال في المعتبر الا انه بقي هنا شئ وهو انه هل المراد من قوله عليه السلام في الخبر تدخل الثوب من تحت جناحك هو
ادخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد الجناحين والطرف الآخر من تحت الجناح الاخر ثم جعلهما على منكب واحد بان يراد بالجناح الجنس أو ان المراد ادخال
طرفي الثوب معا من تحت جناح واحد سواء كان الأيمن أو الأيسر ثم وضعه على منكب واحد كل محتمل الا أن الأظهر الثاني حملا للفظ على ظاهره والا لكان
الأظهر ان يقول جناحيك انتهى كلام صاحب الحدائق أقول ولكن نقل عن بعض فسخ التهذيب جناحيك بلفظ التثنية فعلى هذا يصير المعنى الثاني اظهر وعلى
تقدير افراده كما عن الكافي وأكثر نسخ التهذيب فلا يبعد ان يدعى ان المتبادر منه إرادة الجنس الشامل لكلتا الصورتين فالاجتناب عنهما ان لم يكن أقوى فلا ريب
في أنه أحوط ولكن بقي في المقام شئ وهو انه هل المراد بادخال الثوب من تحت الجناح ادخاله من المقدم إلى الخلف وجعل طرفيه على المنكب من ورائه أو من المقدم
برده إليه ثانيا أو بالعكس أو المدار على حصول هذا المعنى أي ادخال طرفي الثوب تحت الإبط وجعلهما على المنكب باي صورة كانت لم أجد التعرض لتفصيله في
كلماتهم الا انه حكى عن المحقق الثاني ما يظهر منه إرادة المعنى الأول حيث قال في محكى جامع المقاصد بعد نقل الخبر المذكور وهو يحتمل أمرين الأول ان يأخذ الإزار
على المنكبين جميعا ثم يأخذ من طرفيه قدامه ويدخلهما تحت يده ويجمعهما على منكب واحد وهو المتبادر من قوله عليه السلام التحالف والثاني ان يجعله على أحد الكفين مع
المنكب بحيث يلتحق به من أحد الجانبين ويدخل كلا من الطرفين تحت اليد الأخرى ويجمعهما على أحد المنكبين انتهى فالانصاف وان موضوع الحكم لا يخلو عن اجماع و
الاحتياط حسن في كل حال بل لا يبعد ان يقال إن العبرة بحصول مفهوم ادخال الثوب تحت الجناح وجعله على المنكب وهو حاصل في جميع الصور المتصورة في المقام
فهي بأسرها مكروهة والله العالم ويكره أيضا ان يصلى في عمامة لا حنك لها على المشهور كما في الحدائق وعن المعتبر اسناده إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه
وعن الصدوق في كتابه أنه قال وسمعت مشائخنا رضوان الله عليهم يقولون لا يجوز الصلاة في الطابقية ولا يجوز المعتم ان يصلى الا وهو متحنك وعن جملة
من الأصحاب منهم صاحب المدارك وغيره التصريح بان المستفاد من الاخبار كراهية ترك التحنك في حال الصلاة وغيرها ولا خصوصية الصلاة بذلك وانما يكون
دخولها من حيث العموم أقول اما الاخبار التي وصلت الينا في هذا الباب فهي كما ذكروه من أن مفادها كراهة ترك التحنك من حيث هو لا للصلاة فعمدة ما يصح
الاستناد إليه لكراهة الصلاة في عمامة لا حنك لها هي ما سمعته من الشهرة ونقل الاجماع وكفى به مستندا لذلك بعد البناء على المسامحة واما الأخبار الدالة
على كراهة ترك التحنك من حيث هو فهي مستفيضة منها مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام قال من تعمم ولم يتحنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن الا نفسه
وخبر عيسى بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال من اعتم ولم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن الا نفسه ومرفوعة علي بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال من خرج من منزله معتما تحت حنكه يريد سفرا لم يصبه في سفره سرق ولا حرق ولا مكروه وموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال من خرج في سفر ولم يدر العمامة تحت
حنكه فأصابه به ألم لا دواء له فلا يلومن الا نفسه وعن الصدوق في الفقيه مرسلا عنه عليه السلام أو لا عجب ممن يأخذ في حاجته وهو متعمم تحت حنكه كيف لا تقضى
حاجته وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال الفرق بين المسلمين والمشركين التلحي بالعمائم قال الصدوق في محكى الفقيه وذلك في أول الاسلام وابتدائه ثم قال و
قد نقل عنه عليه السلام أهل الخلاف أيضا انه امر بالتلحي ونهى عن الامتعاط وعن الكليني مرسلا قال وروى أن الطابقية عمة إبليس وظاهر جملة من هذه الأخبار كراهة ترك
التحنك مطلقا فمن هناك قد يشكل الجمع بينها وبين المستفيضة الدالة على استحباب الاسدال منها ما عن الكليني في الصحيح عن الرضا عليه السلام في قول الله عز وجل مسومين
164

قال العمائم اعتم رسول الله فسدلها بين يديه ومن خلفه واعتم جبرئيل فسدلها من بين يديه ومن خلفه وعن أبي جعفر عليه السلام قال كانت على الملائكة العمائم البيض
المرسلة يوم بدر وعن أبي عبد الله عليه السلام قال عمم رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بيده فسدلها بين يديه وقصرها من خلفه قدر اربع أصابع ثم قال أدبر فأدبر ثم قال أقبل فأقبل
ثم قال هكذا تيجان الملائكة وعن ياسر الخادم قال لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا عليه السلام يسئله ان يركب ويحضر العيد ويصلى ويخطب فبعث الرضا عليه السلام إليه
يستعفيه فالح عليه فقال إن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام فقال المأمون اخرج كيف شئت وساق الحديث إلى أن قال فلما طلعت الشمس
قام فاغتسل واعتم بعمامة بيضاء من قطن القى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه وتشمر ثم قال لجميع مواليه افعلوا مثل ما فعلت الخبر وعن السيد ابن طاوس
في كتاب الأمان عن أبي العباس في كتابه الذي سماه كتاب الولاية باسناده قال بعث رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم إلى علي عليه السلام فعممه وأسدل العمامة بين كتفيه وقال هكذا أيدني
ربى يوم حنين بالملائكة معممين قد أسدلوا العمائم وذلك حجر بين المسلمين والمشركين الحديث وقال في حديث اخر عمم رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام يوم غدير خم عمامة فأسدلها
بين كتفيه وقال هكذا أيدني ربى بالملائكة الحديث وقد ذكر الأصحاب رضوان الله وجوها للجمع بين الاخبار منها ما عن المحدث المجلسي رحمه الله من ارجاع التحنك
والتلحي المأمور به في الطائفة الأولى من الاخبار إلى السدل قال في محكى البحار بعد نقل اخبار التحنك ما صورته ولنرجع إلى معنى التحنك والظاهر من كلام بعض
المتأخرين هو ان يدير جزء من العمامة تحت حنكه ويغرزه في الطرف الآخر كما يفعله أهل البحرين في زماننا ويوهمه كلام بعض اللغويين أيضا والذي نفهمه من
الاخبار هو ارسال طرف العمامة من تحت الحنك واسداله كما مر في تحنيك الميت وكما هو المضبوط عند سادات بنى حسين اخذوه عن أجدادهم خلفا عن سلف ولم
يذكر في تعمم رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة صلى الله عليه وآله الا هذا ولنذكر بعض عبارات اللغويين وبعض الأخبار ليتضح لك الامر في ذلك قال الجوهري التحنك التلحي وهو ان
تدير العمامة من تحت الحنك وقال الاقتعاط شد العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك وفي الحديث انه نهى عن الاقتعاط وامر بالتلحي وقال التلحي تطويق
العمامة تحت الحنك ثم ذكر الخبر وقال الفيروزآبادي اقتعط تعمم ولم يدر تحت الحنك وقال العمة الطابقية هي الاقتعاط قال تحنك أدار العمامة تحت
حنكه وقال الجزري فهي انه نهى الاقتعاط هو ان يعتم بالعمامة ولا يحبس منها شيئا تحت ذقنه وقال فيه انه نهى من الاقتعاط وامر بالتحلي هو جعل بعض العمامة
تحت حنكه والاقتعاط ان لا يجعل تحت حنكه منها شيئا وقال الزمخشري في الأساس اقتعط العمامة إذا لم يجعلها تحت حنكه ثم ذكر الحديث وقال الخليل
في العين يقال اقتعط العمامة إذا اعتم بها ولم يدرها تحت الحنك ثم ذكر جملة من الأخبار المتقدمة الدالة على الاسدال إلى أن قال لم يتعرض في شئ من تلك
الروايات لإدارة العمامة تحت الحنك على الوجه الذي فهمه أهل عصرنا مع التعرض لتفصيل أحوال العمائم وكيفيتها وأكثر كلمات اللغويين لا تأبى عما ذكرنا
إذ إدارة رأس العمامة من خلف إلى الصدر إدارة أيضا بل كلام الجزري والزمخشري ظاهر في ذلك حيث قالا إن لا يجعل شيئا منها تحت حنكه انتهى وفيه ما لا
يخفى من التكلف ومخالفته لظاهر الأخبار المتقدمة وكلمات اللغويين بل صريحها فالتحنك والتلحي ليس الا إدارة
شئ من العمامة تحت الحنك على حسب ما
هو المتعارف في الأعصار والأمصار والاسدال الوارد في الأخبار المتقدمة مخالف لهذه الكيفية بلا شبهة خصوصا باق بعضها من أنه أسدلها بين كتفيه
فأين هذا من إدارة شئ تحت حنكه ولقد أطنب في الحدائق في التعريض عليه ببيان ما يرد عليه من وجوه الضعف ثم اختار في مقام الجمع ما يقرب
من ذلك في الضعف حيث زعم أن اخبار السدل تدل على أن السنة في لبس العمامة هي هذه الكيفية إلى الاسدال مطلقا ولكنها مخصصة باخبار التحنيك فإنها
أخص من هذه الأخبار فان منها ما يدل على كراهة ترك التحنك في السفر ومنها ما يدل على كراهة تركه عند السعي في قضاء الحوائج وقسم منها ما دل على كراهة
ان يتعمم ولم يتحنك وظاهر هذا القسم ارادته حال فعل العمامة أي بعد الفراغ منه لا مطلقا ما دام متلبسا بها أو انه يحمل عليه جمعا وفيه ان بعض القسم
الثالث من الاخبار وان أمكن حمله على ارادته حال الفعل على بعد ولكن بعضه الاخر الذي دل على كون التلحي هو الفارق بين المسلمين والكفار يأبى عن ذلك
كما هو واضح هذا مع أن بعض اخبار السدل مورده السفر وحكى عن بعض تخصيص اخبار السدل بالنبي والأئمة عليهم السلام وفيه مع مخالفته لقاعدة الاشتراك
وما يستشعر من تلك الأخبار من كون تلك الكيفية في حد ذاتها مرعونة في الشريعة ينافيه قول الرضا عليه السلام في خبر ياسر لجميع مواليه افعلوا مثل ما فعلت والتزم
غير واحد بالتخيير بين التلحي والاسدال وخصص الكراهة بعمامة لا حنك لها ولا سدل ولعلها هي المرادة بالطايفية لا مطلق ما لا يكون شئ منها تحت حنكه
ولو مع سدل طرفها وهذا الجمع لا يخلو عن وجه ولكن الأوجه منه ان يقال إنه يستفاد من نفس اخبار الاسدال بمقتضى سياقها ان هذه الكيفية صدرت
من النبي والأئمة عليهم السلام أحيانا في موارد خاصة فهي اخبار خاصة حاكية لفعل الحجج في مواد غير معلومة جهاتها فيحتمل اختصاص استحباب هذه الكيفية بما إذا كان
المعتم ساعيا في مطلب مهم كما هو مورد هذه الأخبار فلا تصلح هذه الروايات معارضة لاخبار الكراهة الا بالنسبة إلى ما هو مثل الموارد فيخصص تلك الأخبار
بهذه الروايات في مثل تلك الموارد هذا مع أنه لم يعلم خلو تلك العمائم إلى المسدلة عن التحنك حتى يتحقق الشافي بينها وبين اخبار التحنك لجواز ان يكون جزء
منها ولو من وسطها عند لفها موضوعا تحت الحنك فما عن المشهور من كراهة ترك التحنك مطلقا بل استحباب فعله كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة لا يخلو عن وجه
والله العالم وكذا يكره اللثام للرجل كما عن المشهور بل عن المختلف انه مذهب جل علمائنا وعن الخلاف الاجماع عليه ويشهد له صحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي
جعفر (ع) أيصلي الرجل وهو متلثم فقال اما على الأرض فلا وأما على الدابة فلا باس وظاهرها نفى الكراهة في حال الركوب وهو مخالف لاطلاق الفتاوى و
معقد اجماعهم المحكى اللهم الا ان يدعى انصراف اطلاق كلماتهم إلى ما لو صلى على الأرض أو يحمل نفى الباس في الصحيحة على الكراهة وكيف كان فظاهر الصحيحة
165

في بادي الرأي في لجواز كما حكى القول به عن ظاهر المفيد وغيره ولكنه يجب حملها على الكراهة كما يؤيد ذلك نفي الباس عنه حال الركوب الذي هو مظنة الحاجة إليه
حيث يستشعر من ذلك كون النهي عنه في غير حال الركوب تنزيهيا بحيث يسوغ مخالفته لأدنى ضرورة مضافا إلى أنه هو الذي يقتضيه الجمع بين الصحيحة وبين غيرها مما يدل على
الجواز كموثقة سماعة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي ويقرء القرآن وهو متلثم فقال لا باس وصحيحة الحلبي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام هل يقرء الرجل في صلاته
وثوبه على فيه فقال لا باس بذلك إذا سمع الهمهمة واحتمال كون اللثام غير وضع الثوب مدفوع بان المنساق من السؤال إرادة ما يشمله ولا أقل من احتماله فاطلاق
الجواب في مثل المقام من غير استفصال مفيد للعموم ونحوها صحيحة عبد الله بن سنان انه سئل أبا عبد
الله عليه السلام هل يقرء الرجل في صلاته وثوبه على فيه قال لا باس بذلك
ومرسلة الحسن بن علي عن أحدهما أنه قال لا باس ان يقرء الرجل في الصلاة وثوبه على فيه ومما يشهد أيضا للجمع المزبور مضافا إلى كونه في حد ذاته من الجمع المقبول
مضمرة سماعة قال سئلته عن الرجل يصلي فيتلو القرآن وهو متلثم فقال لا باس به وان كشف عن فيه فهو أفضل وسئلته عن المرأة تصلي وهي متنقبة قال إذا كشفت عن
موضع السجود فلا باس به وان أسفرت لهو أفضل وهذه الرواية في حد ذاتها تدل على كراهة اللثام فان المتبادر من قوله عليه السلام وان كشف عن فيه فهو أفضل إرادة انه
ان لم يتلثم فهو أفضل من أن يتلثم وهذه عبارة أخرى عن كراهة فعله إذ لا نعني بكراهة الفعل الا رجحان تركها شرعا لا على سبيل اللزوم كما هو مفاد الرواية و
قد ظهر بهذا التقريب ان الرواية كما تدل على كراهة اللثام للرجل كذلك تدل على كراهة النقاب للمرأة كما عن المشهور بل عن محكى المختلف نسبته إلى جل علمائنا وكفى
به دليلا عليه بعد البناء على المسامحة فضلا عن شهادة المضمرة عليه كما عرفت فأن منع كل من اللثام أو النقاب القراءة الواجبة حرم كما هو واضح وفي صحيحة الحلبي
المتقدمة إشارة إلى ذلك حيث قيد فيها نفي الباس عن وضع الثوب على فيه بما إذا سمع الهمهمة إذ المقصود بسماع الهمهمة بحسب الظاهر الكناية عن عدم ممانعته عن القراءة
والا فربما تكون الصلاة اخفاتية لا همهمة فيها وتكره الصلاة في قباء مشدود الا حال الحرب كما في المتن وغيره بل ربما يظهر من بعض نسبته إلى المشهور وعن الشيخ المفيد
في المقنعة أنه قال ولا يجوز لاحد ان يصلي وعليه قباء مشدود الا ان يكون في الحرب فلا يتمكن ان يحله فيجوز ذلك للاضطرار وظاهره التحريم وقد حكى القول به أيضا
عن ظاهر الوسيلة أو صريحة وعن جملة من المتأخرين التردد في الكراهة أيضا فضلا عن الحرمة كما ربما يستشعر ذلك من الشيخ في التهذيب على ما حكى عنه حيث قال بعد نقل
قول المفيد ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ولم اعرف به خيرا مسندا وكيف كان فلم يعرف مستنده بل لم يتضح المراد منه فان أريد منه شد الإزار
فالمستفاد من بعض الأخبار خلافه كرواية الأحمري عن رجل يصلي وأزراره محللة قال لا ينبغي ذلك وفي خبر غياث لا يصلي الرجل محلول الإزار إذا لم يكن عليه ازار
اللهم الا ان يحمل ما في هذين الخبرين على ما لو صلى في قميص واسع الجيب ونحوه مما لا يحصل معه كمال الستر بلا شد الإزار كما لعله هو ظاهر الخبر الأخير ويؤيده
ما في بعض الأخبار نفي الباس عن الصلاة محمولة الإزار وان أريد منه شد الوسط كما يؤمي إليه استدلال الشهيد له في محكى الذكرى بالنبوي العامي لا يصلي
أحدكم وهو متخرم أمكن الالتزام به من باب المسامحة كما يؤيده ما عن الشيخ في الخلاف من دعوى الاجماع عليه حيث قال على ما حكى عنه يكره ان يصلي وهو مشدود الوسط
ولم يكره ذلك أحد من الفقهاء دليلنا اجماع الفرقة وطريقة الاحتياط انتهى ولكن قد يشكل ذلك أيضا بمنافاته لما استقر عليه السيرة من الصلاة مشدود الوسط
هذا مع معارضة النبوي بمثله من خبرين عاميين مرويين في محكى النهاية الأثيرية مصرحين بالنهي عن الصلاة بغير حزام فتأمل ويحتمل ان يكون المراد بالقباء المشدود
(ما كان مشدودا) ذيوله على الوسط شبه الحزام والله العالم وكذا يكره ان يؤم بغير رداء على المشهور كما ادعاه غير واحد بل عن بعض دعوى الاجماع عليه واستدل له بصحيحة سليمان
بن خالد قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء أو عمامة يرتدي بها ونوقش فيه بأنها انما تدل على
الكراهية مطلقا إذا كان محط نظر السائل السؤال عن إمامته بلا رداء ويجوز ان يكون غرضه السؤال عن إمامته إذا لم يكن عليه الا قميص ولم يلبس فوق القميص شيئا
فلا تدل حينئذ الا على الكراهة في مثل الفرض لا مطلقا وربما يشهد لإرادة هذا المعنى من الصحيحة مضافا إلى امكان دعوى ظهور الصحيحة فيه خصوصا على ما في بعض النسخ من
توصيف القميص بواحد صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في قميص واحد أو قباء وحده قال ليطرح على ظهره شيئا
قال وسئلته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل ورداء قال لا باس به وسئلته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في ملحفة ومقنعة ولها درع فقال لا يصلح
الا ان تلبس درعها وسئلته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في ازار وملحفة ومقنعة ولها درع قال إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة الا وعليها درع وسئلته
عن السراويل هل يجزي مكان الإزار قال نعم وسئلته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في ازار وقلنسوة وهو يجد رداء قال لا يصلح وسئلته عن الرجل هل يؤم في سراويل
وقلنسوة قال لا يصلح وسئلته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في ممطر وحده أو جبه وحدها فقال إذا كان تحتها قميص فلا بأس وسئلته عن الرجل يؤم في قباء وقميص قال
إذا كان ثوبين فلا باس ولا يخفى عليك ان مفاد هذه الصحيحة على ما يظهر منها بعد التدبر في جملة من فقراتها اختصاص الكراهة بما لو صلى في ثوب واحد من قميص
أو قباء ونحوه فلو صلى في ثوبين فلا باس سواء صدق على شئ منهما اسم الرداء أم لا وربما يدعى صدق اسم الرداء على مثل القباء ونحوه مما يجعل على المنكبين نظرا إلى
ما عن الفاضلين من تفسير الرداء بأنه ثوب يجعل على المنكبين فلا يكون حينئذ ما يستفاد من الصحيحة منافيا لاطلاق القول بكراهة الإمامة بغير رداء وفيه نظر إذ الظاهر أن
مراد الفاضلين الإشارة إلى ما يسمى في العرف رداء كقولهم سعدانة بنت لا ان كل ما يجعل على المنكبين يطلق عليه اسم الرداء وكيف كان فالذي يستفاد من الصحيحة انما هو كراهة
الاكتفاء بثوب واحد وعدم لبس ثوب اخر فوقه من رداء ونحوه ويظهر من صدرها عدم اختصاص هذا الحكم بالامام بل لا يصلح الرجل ان يصلي في قميص أو قباء واحد مطلقا
اما ما كان أو غيره بل عليه ان يجعل عند انحصار الثوب فيه على ظهره شيئا وربما يستدل لكراهة ترك الرداء للامام مطلقا بفتوى جم غفير من الأصحاب بل المطلق المصلي لفتوى
166

جماعة منهم وهو لا يخلو عن وجه بناء على المسامحة ولو على تقدير تسليم ظهور الصحيحة في نفي الباس عن أن يؤم الرجل بغير رداء إذا كان عليه ثوبان على اشكال تنبيه
نقل في المدارك عن جده قدس سره أنه قال وكان يستحب الرداء للامام يستحب لغيره من المصلين وان كان للامام اكد واحتج عليه بتعليق الحكم على مطلق المصلي في عدة اخبار
كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال أدنى ما يجزيك ان تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف وصحيحة عبد الله بن سنان قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل
ليس معه الا سراويل يحل التكة فيضعها على عاتقه ويصلي وان كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائما وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه قال
إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا ثم قال ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الضعف لاختصاص الروايتين الأخيرتين بالعاري وعدم ذكر
الرداء في الرواية الأولى بل أقصى ما يدل عليه استحبابا ستر المنكبين سواء كان بالرداء أم بغيره وبالجملة فالأصل في هذا الباب رواية سليمان بن خالد وهي انما
تدل على كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده فاثبات ما زاد على ذلك يحتاج إلى دليل وينبغي الرجوع في الرداء إلى ما يصدق عليه الاسم عرفا وانما تقوم
التكة ونحوها مقامه مع الضرورة كما تدل عليه رواية ابن سنان اما ما اشتهر في زماننا من إقامة مقامه مطلقا فلا يبعد ان يكون تشريعا انتهى وهو جيد ولكنك
عرفت ان عمدة المستند لاثبات الكراهة أو استحباب الفعل انما هو فتوى الأصحاب بعد البناء على المسامحة والا فلا يفي باثبات شئ منهما على عمومه شئ من الاخبار
وكذا يكره ان يصحب شيئا من الحديد بارزا على المشهور بل عن الشيخ في النهاية قال لا يجوز الصلاة إذا كان مع الانسان شئ من حديد مشهر مثل السكين والسيف
فإن كان في غمدا وقراب فلا باس بذلك وعن ابن البراج انه عد في جملة مالا تصح الصلاة فيه ثوب الانسان إذا كان فيه سلاح مشهر مثل سكين أو سيف
قال وكذلك إذا كان في كمه مفتاح حديد الا ان يلفه بشئ والأصل في ذلك اخبار مستفيضة منها خبر سكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يصلي
الرجل وفي يده خاتم حديد ورواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله عليه السلام في الحديد انه حلية أهل النار قال وجعل الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين
فيحرم على الرجل المسلم ان يلبسه في الصلاة الا ان يكون قبال عدو فلا باس به قال قلت فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفه لا يستغنى عنه أو في
سراويله مشدود أو مفتاح يخشى ان وضعه ضاع أو يكون في وسطه المنطقة من حديد قال لا باس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة وكذلك
المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان ولا باس بالسيف وكل آلة السلاح في الحرب وفي غير ذلك لا تجوز الصلاة في شئ من الحديد لأنه نجس ممسوخ وموثقة
عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد قال لا ولا يتختم به الرجل لأنه من لباس أهل النار ورواية أبي الفضل المدايني عمن
حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام لا يصلي الرجل وفي تكته مفتاح حديد قال الكليني وروى إذا كان المفتاح في غلاف فلا باس وعن التهذيب قد قدمنا رواية عمار
ان الحديد إذا كان في غلاف فلا بأس بالصلاة فيه وظاهر هذه الأخبار خصوصا خبر موسى الحرمة كما حكى القول بها عن ظاهر الكليني والصدوق ويظهر أيضا
من عبارة الشيخ وابن البراج المتقدمتين ويظهر من المستند اختباره وما في خبر موسى من تعليل المنع بالنجاسة التي لم يقصد بها حقيقتها بمعناها المصطلح لدى المتشرعة
التي اثرها المنع عن الصلاة كما عرفته في كتاب الطهارة لا يصلح قرينة لإرادة الكراهة من لفظ الحرمة وعدم الجواز والنواهي الواردة في الاخبار لجواز ان يكون
المراد بالنجاسة خباثة معنوية مقتضية للمنع عن الصلاة فيه كالنجاسة المصطلحة دون سائر اثارها ولكن ربما يؤيد الكراهة بل يشهد بان الخباثة المعنوية
الكامنة في الحديد المصححة لاطلاق اسم النجس عليه غير مقتضيه الا لاستحباب التجنب عنه وكراهة لبسه في
الصلاة بعض الأخبار الدالة بظاهرها على نجاسته المتقدمة
في كتاب الطهارة كموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل إذا قص أظفاره بالحديد أو جزء من شعره أو حلق قفاه فان عليه ان يمسحه بالماء قبل ان يصلي سئل فان صلى ولم يمسح
بالماء قال يعيد الصلاة لان الحديد نجس وقال لان الحديد لباس أهل النار والذهب لباس أهل الجنة حيث علم بالقرائن الخارجية التي بيناها فيما سبق عند البحث
عن طهارته ان الامر بالمسح وإعادة الصلاة الواقعة بدونه ليس الا على سبيل الاستحباب فيستكشف من ذلك ان نجاسته التي علل بها المنع عن الصلاة بلا مسح غير مقتضية الا
لاستحباب التجنب عنه في الصلاة وكراهة تركه فليتأمل ومما يؤيد أيضا حمل اخبار المنع على الكراهة شهرة القول بها بين الأصحاب بل لم ينقل عن أحد التصريح
بخلافه وانما استظهر ذلك من بعض عبائر من تقدمت الإشارة إليه مما لا تأبى عن إرادة الكراهة بحسب ما جرت عليه محاوراتهم ويؤيده أيضا بل يدل عليه جملة من الأخبار الدالة
على جواز الصلاة في الحديد في الجملة كمكاتبة الحميري المروية عن الاحتجاج إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه يسئله عن الفص الخماهن هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في
إصبعه فكتب الجواب فيه كراهية ان يصلي فيه وفيه أيضا اطلاق والعمل على الكراهية وسئله عن الرجل يصلي وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز
ذلك فكتب في الجواب جائز والخماهن على ما قيل الحديد الصيني وظاهرها إرادة الكراهة بمعناها المصطلحة كما يشير إليه قوله عليه السلام وفيه أيضا اطلاق ولكن في الوسائل
وفي نسخة الفص الجوهر بدل الخماهن وكيف كان فهذا التوقيع نص في جواز الصلاة فيما إذا كان في كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد وخبر وهب بن وهب عن
جعفر عن أبيه ان عليا عليه السلام قال السيف بمنزلة الرداء تصلي فيه ما لم تر فيه دما وفي صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام وان كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف
ويصلي قائما وخبر علي بن أبي حمزة ان رجلا سئل أبا عبد الله عليه السلام وانا عنده عن الرجل يتقلد السيف ويصلي فيه قال نعم ولا يمكن الجمع بين هذه الأخبار واخبار المنع بحمل
الأخبار المانعة على ما إذا كان الحديد بارزا وهذه الأخبار على ما إذا كان مستورا وان شهد بهذا الجمع مرسلة الكليني والتهذيب المتقدمتان بناء على أن يكون المراد
بقوله إذا كان في غلاف فلا باس الكناية عن كونه مستورا لاباء خبر موسى بن أكيل الذي هو عمدة المستند في هذا الباب عن هذا الحمل فإنه بمقتضى ما فيه من قصر الرخصة على موقع
الضرورة وتعليل المنع بان الحديد نجس كالنص في إرادة العموم خصوصا مع أن الغالب في السكين والمفتاح ونحوه كونه مستورا ولا أقل من سهولة ستره فلو كان الستر رافعا لما فيه
167

من المحذور لكان الأولى ارشاده إليه لا المنع عن مصاحبة في غير مقام الضرورة هذا مع أن ارتكاب التأويل في اخبار الجواز بالحمل على ما إذا كان مستورا أيضا في غاية
البعد اما رواية الاحتجاج فواضح لمنافاته لترك الاستفصال مع اطلاق السؤال واما خبر وهب فإنه وان أمكن حمله على إرادة ما لو كان السيف في غمده كالخبرين الأخيرين
ولكن هذا لا يجدي في حصول ستر ما عليه من الحديد إذ الغالب اشتمال قائمة السيف على الحديد وهو مما لا يغطيه الغمد بل الغالب كون الغمد بنفسه كقائمة السيف مشتملا
على شئ من الحديد البارز فالانصاف اباء اخبار الطرفين عن هذا الجمع فالأولى جعل هذه الأخبار شاهدة لإرادة الكراهة من النهي المتعلق بالصلاة في الجديد وتنزيل المرسلتين
الدالتين علي نفي الباس عنه إذا كان في غلاف على خفة الكراهة وسببيته الستر لانتفاء المرتبة الشديدة الحاصلة ببروزه هذا كله مع شذوذ اخبار المنع لو أبقيت
على ظاهرها بل مخالفتها باطلاقها للجمع عليه فهي بنفسها قاصرة الا عن اثبات الكراهة فتلخص مما ذكر ان الأظهر كراهة الصلاة في الحديد مطلقا لكنها تخف
بستره بغلاف ونحوه بل مطلقا ولو بجعله تحت ثيابه على تأمل والله العالم وكذا يكره الصلاة في ثوب يتهم صاحبه بعدم توقية النجاسات سواء كان ذلك لعدم
مبالاته بالنجاسة أو لعدم تدينه بها كما يدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري ويشرب الخمر فيرده أيصلي فيه قبل ان
يغسله قال لا يصلي فيه حتى يغسله ويشهد له أيضا بالنسبة إلى الأول صحيحة العيص بن القاسم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي في ثوب المرأة وفي ازارها و
يعتم بخمارها قال نعم إذا كانت مأمونة وقد أشرنا في كتاب الطهارة إلى أن المراد بالمأمونة بحسب الظاهر غير المتهمة وبالنسبة إلى الثاني خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليه السلام انه سئله عن رجل اشترى ثوبا من السوق ليس يدري لمن كان قال إن اشتراه من مسلم فليصل فيه وان اشتراه من نصراني فلا يصل فيه حتى يغسله والنهي محمول
على الكراهة جمعا بينه وبين ما دل على عدم وجوب الغسل ما لم تثبت النجاسة بالعلم كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل أبي أبا عبد الله عليه السلام وانا حاضر اني
أعير الذمي ثوبي وانا اعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده علي فاغسله قبل ان أصلي فيه فقال أبو عبد الله عليه السلام صل فيه ولا تغسله من اجل ذلك فإنك اعترته إياه
وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه فلا باس ان تصلي فيه حتى تستيقن انه نجسه إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه المتقدمة في كتاب الطهارة عند البحث عن احكام
النجاسات وان النجاسة لا تثبت الا بالعلم ومما يشهد لهذا الجمع مضافا إلى أنه بنفسه من الجمع المقبول رواية أبي علي البزاز عن أبيه قال سئلت جعفر بن محمد عن الثوب
يعمله أهل الكتاب أصلي فيه قبل ان اغسله قال لا باس وان يغسل أحب إلى وكذا يكره ان تصلي المرأة في خلخال له صوت كما عن المشهور بل يظهر من بعض دعوى الاجماع عليه
وكفى به دليلا للكراهة واستدل له أيضا بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الخلخال هل يصلح للنساء والصبيان لبسها فقال إن كان صما فلا باس
وان كان له صوت فلا وفيه انه ليس فيها تصريح بإرادته حال الصلاة ولكنه قد يقال بظهورها في ارادته لوقوع هذا السؤال في طي أسئلة كثيرة كلها متعلقة
بالصلاة بل المتأخر عنه بلا فصل وسئلته عن فارة المسك تكون مع الرجل في جيبه أو ثيابه قال لا باس بذلك ولا شك في أن المراد حال الصلاة مع أنه اطلق
كالاطلاق السابق وعن القاضي ابن البراج أنه قال لا تصح الصلاة في خلاخل النساء إذا كان لها صوت وعن النهاية لا تصلي المرأة فيها وظاهرهما الحرمة ولا ريب في ضعفه و
كذا يكره الصلاة في ثوب فيه تماثيل أو خاتم فيه صورة على المشهور بل عن المختلف نسبة إلى الأصحاب وعن الشيخ في المبسوط أنه قال الثوب إذا كان فيه تماثيل وصور
لا تجوز الصلاة فيه وقال فيه أيضا لا يصلي في ثوب فيه تماثيل ولا ختم كذلك وعنه في النهاية أيضا نحوه وعن ابن البراج انه حرم الصلاة في الخاتم الذي فيه صورة
ولم يذكر الثوب ومستند الحكم اخبار مستفيضة منها صحيحة ابن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (انه سئل عن الصلاة في الثوب المعلم فكره ما فيه التماثيل وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام) انه كره ان يصلي وعليه ثوب فيه تماثيل وخبر علي بن جعفر
المروي عن المحاسن عن أخيه موسى عليه السلام قال وسئلته عن الثوب يكون فيه التماثيل أو في علمه أيصلي
فيه قال لا يصلي فيه وموثقة عمار انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن
الصلاة في ثوب في علمه مثال طير أو غير ذلك أيصلي فيه قال لا وعن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك قال لا تجوز الصلاة فيه وظاهر هذه
الرواية بل وكذا سابقتها الحرمة ولا يصلح ما في الروايتين الأوليين من التعبير بلفظ الكراهة قرينة لصرفهما عن هذا الظاهر فإنه كثيرا ما يستعمل الكراهة في
كلمات الأئمة عليهم السلام في معناها العرفي الغير المنافي للحرمة نعم فيه اشعار بذلك خصوصا إذا اسنده الإمام عليه السلام إلى نفسه بان قال إني اكره ذلك أو بين
الحكم الذي وقع عنه السؤال على وجه ظهر منه كراهته له كما هو الشان في الروايتين من غير أن ينهى عنه على الاطلاق بل الانصاف ظهور هذا النحو من التعبير
كالتعبير بلفظ لا أحب ولا أشتهي وغير ذلك في كراهته الناشئة من مرجوحيته شرعا لا على سبيل لزوم الترك بحيث يكون من المحرمات الإلهية التي لا يجوز لاحد ارتكابها
والا فلا يقع التعبير بمثل هذه الألفاظ في بيان المحرمات الا لبعض الجهات المانعة عن التصريح بالمنع من تقية ونحوها فلا فرق على الظاهر بين التعبير بلفظ اني اكره ذلك أو لا أحبه
في ظهوره في إرادة الكراهة المصطلحة وكيف كان فإذا اعتضد ما في الخبرين من الاشعار والدلالة على الكراهة بفهم المشهور وفتواهم أمكن جعلهما قرينة صارفة
للخبرين الأخيرين عن ظاهرهما خصوصا مع وهن موثقة عمار التي هي أظهرها دلالة على الحرمة باشتمالهما على المنع عن الحديد الذي عرفت انفا انه على سبيل الكراهة وربما
يشهد لإرادة الكراهة منها خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام المروي عن قرب الإسناد النافي للباس عن الخاتم الذي فيه تماثيل قال وسئلته عن الخاتم يكون فيه نقش
تماثيل سبع أو طير أيصلي فيه قال لا باس والظاهر في لقول بالفصل بينه وبين الثوب فيحمل النهي بالنسبة إلى الثوب أيضا على الكراهة ولكن وقع التفصيل
بينهما في خبر علي بن جعفر حيث ورد فيه المنع عن الصلاة في الثوب الذي فيه التماثيل قال وسئلته عن الثوب يكون فيه التماثيل أو في علمه أيصلي فيه قال لا يصلي فيه
فينزل التفصيل على اختلاف مرتبتهما في الكراهة ومما يؤيد أيضا حمل النهي عن الصلاة في الثوب أو الخاتم الذي فيه التماثيل في الخبرين ونظائرهما على الكراهة
الأخبار الكثيرة التي وقع فيها النهي عن أن يصلي وفي ثوبه دراهم فيها تماثيل أو على فراش فيه التماثيل أو في بيت فيه التماثيل إذا كانت تجاه القبلة مع أن النهي
168

مستعمل في الجميع للكراهة كما يشهد له جملة من القرائن الداخلية والخارجية فتلخص مما ذكر ان القول بالحرمة كما حكى عن ظاهر من تقدمت الإشارة إليه ضعيف فإنه
لا يبقى للنهي أو لكلمة لا تجوز الواردة في رواية عمار ظهور في ارادتها بعد الالتفات إلى المذكورات تنبيه صرح غير واحد بعدم الفرق في الكراهة بين
مثال الحيوان وغيره لاطلاق كثير من النصوص بل ربما نسبوه إلى الأكثر أو المشهور اخذا باطلاق كلماتهم وربما استظهر ممن عبر في الخاتم بالصلاة وفي الثوب بالتمثال
كما في المتن التفصيل نظرا إلى ما قد يدعى من اختصاص الصورة عرفا بذي الروح بخلاف التمثال وربما يشهد باختصاص الكراهة بصورة الحيوان في الخاتم صحيحة
البزنطي عن الرضا عليه السلام انه أراه خاتم أبي الحسن عليه السلام وفيه ورده وهلال في أعلاه وربما يستشعر ذلك أيضا من حديث المناهي المروي عن الفقيه حيث قال فيه
نهى رسول الله صلى الله عليه وآله ان ينقش شئ من الحيوان على الخاتم هذا مع أنه لا دليل على كراهة مطلق التمثال في الخاتم فان عمدة دليله موثقة عمار المتقدمة والمتبادر منها إرادة صورة
الطير ونظائرها من صور الحيوانات كما لا يخفى فالقول بالكراهة مطلقا بالنسبة إلى الخاتم في غاية الضعف واما بالنسبة إلى الثوب فيمكن الاستشهاد له باطلاق كثير من النصوص
الدالة عليه الا ان اطلاقات النصوص بل وكذا الفتاوي بحسب الظاهر منصرفة إلى صورة الحيوان سواء وقع فيها التعبير بالصورة أو التمثال فما وقع في المتن ونحوه من اختلاف
التعبير لا يبعد ان يكون من باب التفنن في العبارة كما يؤيد ذلك ما عن بعض اللغويين من تفسير التمثال أيضا بصورة الحيوان وربما يشهد لذلك جملة من النصوص
حيث يستفاد منها ان المراد بالتمثال أو الصورة التي ورد النهي عنها ليس الا صورة ذي الروح ففي خبر علي بن جعفر ومسئلته عن الدار والحجرة فيها التماثيل أيصلي فيها
قال لا تصلي وشئ منها مستقبلك الا ان لا تجد بدا فتقطع رؤوسها والا فلا تصل فان في ذيل الرواية شهادة بان المراد بالتماثيل عند اطلاقها ليس الا ما كان
لها رؤس وفي خبر الحلبي المروي عن كتاب المكارم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قد اهتديت إلى طنفسه من الشام فيها تماثيل طائر فأمرت به فميز رأسه فجعل كهيئة الشجر ومن الواضح
ان المقصود بهذا التغيير اخراجه عن موضوع التماثيل التي تعلقت الكراهة بها وكان هذا النوع من التغيير وأشباهه هو المراد بتغيير الصورة فيما رواه محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال لا باس ان يكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه وهذه الرواية بنفسها شاهدة على أن المراد بالتماثيل المكروهة ليس مطلق
المثال الشامل لغير الحيوان إذ ليس المراد بالتغيير التصرف الكلي الموجب لمحو الصورة بالمرة والا للزم ان يكون الحكم الذي تضمنته الرواية من قبيل البديهيات بل المقصود
تغيير المثال في الجملة بقطع رأسه أو جعله نصفين أو نحو ذلك مما يخرجه عن الهيئة الخاصة فلو كان المراد بالمثال مطلق النقش الحاكي للجسم لم يكن تغيير الصورة مجديا ما لم ينتف
موضوعها رأسا لان كل جزء من اجزاء المثال مثال لجزء من الممثل فساد أم شئ منه باقيا على حالته الأولى لا يخرج عن كونه مصداقا للتمثال بناء على إرادة العموم منه
وهو خلاف ما ينسبق إلى الذهن من الرواية إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيدات التي لا يهمنا الإطالة فيها بعد ما نرى بالوجدان ان المتبادر من النهي عن استصحاب
درهم أو خاتم أو ثوب عليه صورة أو تمثال ليس الا إرادة مثلا ذي الروح فالأظهر اختصاص الكراهة به وينتفي الكراهة بتغييره على وجه خرج عن كونه شالا
للحيوان كما يشهد به الأخبار المتقدمة بل ربما يظهر من بعض الأخبار الاكتفاء في التغيير الموجب لارتفاع الكراهة باذهاب احدى عينيه مثل ما رواه ابن أبي عمير عن بعض
أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في التمثال يكون في البساط فتقع عينك عليه وأنت تصلي فقال إن
كان بعين واحدة فلا باس وان كان له عينان فلا ولعله جار مجرى التمثيل
والمقصود به نفي الباس عما لو لم تكن الصلاة تامة والله العالم المقدمة الخامسة في مكان المصلي وهو عرفا موضعه اي محله
الذي يستقر عليه حال تشاغله بافعال الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود وغيرها ولكن المراد به في المقام ما يعم الفضاء الذي يشغله المصلي كما لعله هو
معناه لغة بمقتضى وضعه الأصلي وربما فسر في عرف الفقهاء بتفاسير لا تسلم عن الخدشة والأولى تفسير ما أرادوه بالمكان في المقام بما أشرنا إليه من معناه
اللغوي اي محل وجوده قرار فضاء وكيف كان فلا يترتب على شرح مفهومه عرفا أو لغة أو اصطلاحا فائدة مهمة لان الاحكام اللاحقة له التي يقع البحث
عنها في هذا المبحث بأسرها معلقة بحسب أدلتها على موضوعات لا تتوقف معرفة شئ منها على صدق مفهوم المكان فمن جملة تلك الأحكام ما أشار إليه المصنف رحمه الله
بقوله الصلاة في الأماكن كلها جائزة وهذا مما لا شبهة بل لا خلاف فيه على ما ادعاه بعض بل الاجماع عليه على ما في المدارك وغيره ويدل عليه مضافا
إلى الأصل والاجماع الأخبار المستفيضة الواردة في مقام الامتنان الدالة على عموم مسجدية الأرض كمرسلة الصدوق قال قال النبي صلى الله عليه وآله أعطيت خمسا لم يعطها أحد
قبلي جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا الحديث وخبر أبان بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله اعطى محمدا صلى الله عليه وآله شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى إلى أن
قال وجعل له الأرض مسجدا وطهورا وعن المحقق في المعتبر مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا أينما أدركتني الصلاة
صليت وعن محاسن البرقي عن النوفلي باسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الأرض كلها مسجد الا الحمام والمقبرة وخبر عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول الأرض كلها مسجد الا بئر غائط أو مقبرة أو حمام وما في هذين الخبرين من الاستثناء فهو على سبيل الكراهة كما يأتي تحقيقه المشهور ولكن بشرط ان يكون المكان
مملوكا للمصلي أو مأذونا في التصرف فيه ولو في خصوص الصلاة من مالكه أو من قام مقامه وكالة أو ولاية واما الأماكن التي ليست بالفعل ملكا لاحد كالأراضي
الغامرة أو العامرة التي انجلى عنها أهلها فهي ملك للإمام عليه السلام وقد رخص شيعته في التصرف فيها بانحاء التصرفات فضلا عن الصلاة التي لا شبهة في رضائه
بل رضاء كل مسلم في ايقاعها فيما يدخل تحت ولايته ما لم يكن مضرا بحاله من جهة من الجهات وملخص الكلام ان ما يتعلق بالامام عليه السلام من الأنفال وما جرى مجريها
مما يكون ملكا له أو امره راجعا إليه فلا شبهة في جواز الصلاة فيه ورضاء الامام بذلك واما ما كان ملكا لغيره فيعتبر اذنه اي رضائه أو رضاء من قام مقامه
وكالة أو ولاية لأنه لا يحل مال امرء الا عن طيب نفسه نصا واجماعا ففي خبر سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه
169

عليها فإنه لا يحل دم امرأ مسلم ولا ماله الا بطيبة نفس منه وفي خبر علي بن شعبة المروي عن تحف العقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال في خطبة الوداع أيها الناس انما
المؤمنون اخوة ولا يحل لمؤمن مال أخيه الا عن طيب نفس منه ولا فرق بين المسلم وغيره ممن هو محقون المال بلا خلاف فيه ولا اشكال فتخصيص المؤمن أو المسلم بالذكر
في الخبرين لعلة للجري مجرى الغالب في مقام الابتلاء أو لكونه الأصل في الاحترام وكون احترام مال غيره بالتبع وكيف كان فلا اشكال في الحكم وما يقال من أن متعلق عدم
الحل فيما دل على أنه لا يحل مال امرء الا عن طيب نفسه غير معلوم لاحتمال ان يكون المقصود به خصوص التصرفات المتلفة فما لا ينبغي الالتفات إليه بعد اعتضاد اطلاقه
بالعقل والاجماع وربما روى عن صاحب الزمان عجل الله فرجه اننا لا يحل لاحد ان تصرف في مال غيره بغير اذنه ولا شبهة ان الصلاة في ملك الغير تصرف في مال الغير فلا
تجوز الا باذنه ولا ينافيه اطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على عموم مسجدية الأرض لان اطلاقها وارد مورد حكم اخر أعني جواز الصلاة في الأماكن كلها من حيث هي ولا ينافي
ذلك اعتبار رضاء مالكها إذا كانت مملوكة لغير وما قد يقال من أن لكل أحد حق في أن يصلي في ملك الغير هو مما لم يثبت واطلاقات أوامر الصلاة ونحوها غير مجدية في
اثباته وسيأتي لذلك مزيد من التوضيح إن شاء الله والاذن قد يكون بعوض كأجرة وشبهها وقد يناقش في جعل ما يستحقه بالأجرة من انحاء ما يستباح بالاذن بان منافع
العين المستأجرة ملك للمستأجر فلا ينوط استيفائها بإذن المالك بعد حصول الإجارة عن طيب نفسه فطيب نفسه بالإجارة التي هي المعاوضة بين المنافع والعوض
اثر في صيرورة المنافع ملكا للمستأجر لا في إباحة استيفائها فلو أريد بالمملوك ما يعم ملاك المنفعة لكان أولى فليتأمل وقد يكون الاذن بالإباحة فهي اما صريحة
كقوله صل فيه أو بالفحوى كأذنه بالكون فيه ونوقش في تسمية هذا النحو من الاذن بالفحوى بان الفحوى في مصطلحهم مفهوم الموافقة كاستفادة حرمة الضرب من قوله
تعالى ولا تقل لهما أف إذا قصد الكناية عن أدنى مراتب الأذية واما في المقام فليس استفادة جواز الصلاة منه من هذا القبيل بل من باب ان الاذن في الشئ اذن فيما يلزمه
عرفا وعادة أو بشاهد الحال كما إذا كان هناك امارة تشهد ان المالك لا يكره بل يرضى بفعله وهذا اي رضائه بالتصرف هو الملاك في حله كما تقدمت الإشارة إليه والاذن
انما يعول عليه لكونه كاشفا عن الرضا لا لكونه بنفسه مسببا مستقلا فمتى استكشف رضائه بتصرف من امارة أخرى حالية أو مقالية جاز ذلك التصرف وان لم يقترن بانشاء
الاذن وتسمية رضائه المستكشف بشهادة الحال ونحوه اذنا مبنية على التوسع ويكفي في تحقق الرضاء المبيح للتصرف وجوده شانا بان يكون المالك بالقوة راضيا بذلك
التصرف وان صدر من غير اطلاعه أو في حال نومه أو نحو ذلك مما يمتنع ان يتحقق معه الرضاء الفعلي كما يشهد لذلك استقرار سيرة العقلاء قاطبة على الاكتفاء بهذا النوع
من الرضاء في استباحة التصرف في مال الغير فهو لدى العرف والعقلاء بحكم الرضاء الفعلي بحيث لا يفهم عرفا مما دل على أنه لا يحل مال امرء الا عن طيب نفسه اعتبار أزيد
من ذلك بل لو قلنا بظهوره في إرادة الرضاء الفعلي فلابد من تعميمه على وجه يعم مثل الفرض لقضاء السيرة عليه وربما كان في خبر سعيد بن الحسن ايماء إليه قال قال أبو جعفر عليه السلام
يجيئ أحدكم إلى كيس أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه قلت ما اعرف ذلك فينا فقال أبو جعفر عليه السلام فلا شئ إذا قلت فالهلاك إذا فقال إن القوم لم
يعطوا أحلامهم ونحوه الخبر المروي عن كتاب الإختصاص للمفيد عن أبان بن تغلب عن ربعي عن يزيد العجلي قال قيل لأبي جعفر عليه السلام ان أصحابنا بالكوفة لجماعة كثيرة فلو امرتهم لأطاعوك
واتبعوك قال يجيئ أحدكم إلى كيس أخيه فيأخذه منه حاجته فقال لا قال هم بدمائهم أبخل ان الناس في هدنة تناكحهم وتوارثهم حتى إذا قام القائم عليه السلام جاءت المزائلة
واتى الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته فلا يمنعه وتنزيلهما على ارادته في خصوص ما لو علم به المالك حين اخذ الفلوس من كيسه مما لا داعي إليه بل المقصود بالاستفهام
بحسب الظاهر هو الاستعلام عن وصولهم في مقام الاخوة والصداقة إلى حد طابت نفوسهم بان يتصرف كل منهم في ملك صاحبه بما يحتاجه من غير احتياج إلى الاستيدان
منه وكيف كان هذا اي كفاية الرضاء الثاني بالمعنى المتقدم مما لا اشكال فيه وانما الاشكال فيما لو قارنه كراهة فعليه كما لو علم من حاله ان يجب اكرام الفقراء و
يرضى بتصرفهم في ملكه ولكنه زعم أن زيدا غنى فمنه عن ذلك فقد يتخيل في مثل المقام انه يجوز لزيد ان يتصرف في ملكه إذا علم باندراجه في الموضوع الذي علم من حاله
الرضاء لمن اندرج فيه ولكنه في غاية الاشكال خصوصا في بعض الفروض الذي يكون فرض رضائه مجرد الفرض كما لو نهى شخصا عن اكل ماله وكان في ذلك الشخص بعض
الفضائل التي لو علم بها تطيب نفسه بأكله أو بلغت حاجته إلى حد كذلك بل الأظهر في لجواز في مثل هذه
الفروض والا لانفتح باب واسع لجواز اكل أموال الناس
فالأقوى في لاعتداد بمثل هذا الرضا التقديري الذي ماله في الحقيقة بعض الجهات المقتضية له على تقدير الاطلاع عليها كما أن الامر بالعكس في عكسه نعم الظاهر
كفاية الرضاء التقديري وعدم العبرة بالكراهة الفعلية فيما إذا كانت الكراهة ناشئة من الجهل بخصوص الشخص كما لو رأى شيخا من البعيد فنهاه عن الدخول في داره وكان ذلك
الشخص ممن لا يقصده بالنهي على تقدير معرفته بشخصه كما لو كان ابنه أو صديقه الذي يرضى بدخوله فالاشكال انما هو فيما إذا كان الشخص بخصوصه مقصودا بالنهي ولكن كان ذلك
لشبهة لولاها لم ينهه عن التصرف كما لو اعتقد ان زيدا عدو له فكره دخوله إلى داره ولم يكن زيد في الواقع كذلك فالفرق بين هذه الصورة وسابقته ان جهله اثر في
هذه الصورة في أن لم يرض بان يدخل زيد لشخصه في داله واما ان الصورة السابقة فلم يقصد؟؟؟ بل قصد غيره فلا يؤثر نهى في حرمة دخول زيد المعلوم رضائه
به وكيف كان فهل المعتبر في احراز رضاء المالك الذي يباح به التصرف في أمواله مطلقا مكانا كان أو غيره العلم به حقيقة أو حكما كما إذا كان مستندا إلى امارة معتبرة
كظواهر الألفاظ أو البينة ونحوها أم يكفي الظن مطلقا أو في الجملة فيه وجوه بل أقوال فربما يظهر من بعض اعتبار العلم مطلقا تعويلا على اصالة عدم حجية ما عداه بل هو
صريح عبارة المدارك في شرح عبارة المصنف رحمه الله فإنه بعد ان بين انحاء الاذن قال وبالجملة فالمعتبرة في غير المباح والمملوك للمصلي العلم برضاء المالك سواء كان
الدال على الرضا لفظا أو غيره ثم نظر في عبارة المصنف من وجوه ثالثها ان اكتفائه رحمه الله تعالى في شاهد الحال بان يكون هناك امارة تشهد ان المالك لا يكره غير
مستقيم لان الامارة تصدق على ما يفيد الظن أو منحصرة فيه وهو غير كاف هنا بل لابد من إفادتها العلم كما بيناه انتهى وعن الشهيد الثاني التفصيل فاكتفى بشاهد الحال
170

في المكان دون اللباس قال اقتصارا فيما خالف الأصل وهو التصرف في مال الغير بغير اذنه على محل الوفاق انتهى فكأنه أراد بشاهد الحال الامارات المورثة للظن بالرضا
والا فلا شبهة في جواز الاعتماد على الامارات المفيدة للقطع مطلقا ضرورة ان العلم في حد ذاته واجب الاتباع من اي سبب حصل فليس الاعتماد عليه مخالفا للأصل كي يقتصر
على محل الوفاق فكلامه كالصريح في إرادة الاكتفاء بالأمارات الظنية في المكان دون غيره وربما يفصل في الأمارات الظنية بين ما جرت العادة بالتعويل عليها اي
ما كان له ظهور عرفي بحسب وضعه كالمضائف ونحوها مما كان بمقتضى وضعه النوعي دالا على الرضا ببعض التصرفات التي يتعارف وقوعها فيها من الجلوس والنوم والصلاة
وأشباهها وبين غيرها مما لم يكن له دلالة وضعية فيعول على القسم الأول وان لم يكن بالفعل مفيدا للظن أيضا لكونها كظواهر الألفاظ حجة بشهادة العرف دون
القسم الثاني اللهم الا ان يدل عليه دليل بالخصوص كما قد يدعى ذلك بالنسبة إلى الأراضي المتسعة كما ستعرفه وهذا لا يخلو عن قوة كما لا يخفى ذلك على من تأمل في وجهه
وربما ذهب بعض إلى كفاية الظن بالرضا في جواز التصرف في ملك الغير مطلقا وقد قواه في المستند وزعم أنه هو الموافق للأصل وان ما دل على حرمة التصرف في مال الغير من
دون رضاه لا يدل الا على حرمته مع العلم بعدم الرضا أو مع احتمال الرضا لا مع الظن به بل ادعى في ذيل عبارته ان الأدلة قاصرة عن شمول مثل الصلاة ونحوها لولا
الاجماع عليه في بعض صوره مع أنه صرح في صدر كلامه بما يناقض ذلك والأولى نقل جملة من عبائره وبيان ما فيها كي يتضح حقيقة الحال ويتميز صحيحها عن سقيمها قال
يشترط في مكان المصلي الإباحة بان يكون مباح الأصل أو مملوكا له عينا أو منفعة أو مأذونا فيه خصوصا أو عموما ولو بالفحوى أو شاهد الحال فيحرم الصلاة في ملك الغير
بغير اذنه بأحد الطرق الثلاثة بالاجماع المقطوع به لأنها تصرف وهو في ملك الغير بغير اذنه غير جائز باتفاق جميع الأديان والملل ويدل عليه عموم الروايتين المتقدمتين
في مسألة اللباس الغصبي أقول كونه اتفاقيا جميع الأديان والملل يكشف عن كونه من المستقلات العقلية التي يلتزم به كافة العقلاء بل هو في حد ذاته من ضروريات
العقل وكونه كذلك لعله هو الذي دعاه إلى ادعاء اتفاق جميع أرباب الملل والا فلا طريق بحسب الظاهر لاستكشاف آراء الجميع بغير هذا الوجه ومراده بالروايتين المتقدمتين
الخبر المروي عن صاحب الزمان عجل الله فرجه أنه قال لا يحل لاحد ان يتصرف في مال غيره بغير اذنه ورواية محمد بن زيد الطبري لا يحل مال الا من وجه أحله الله ثم قال
بعد أسطر واما ما توهمه بعض من قاربنا عصره من عدم توقف هذا النوع من التصرفات على الاذن من المالك لثبوت الاذن من الشارع للاجماع عليه حيث انا نرى المسلمين
في الأعصار والأمصار بل الأئمة وأصحابهم يصلون ويمرون في صحاري الغير وبساتينهم وجماعاتهم وحماماتهم وخاناتهم وفي املاك من لا يتصور في حقه الاذن كالصغير و
المجنون وفي املاك من يكون الظاهر في اذنهم لمخالفتهم في العقايد ففيه انه يمكن ان يكون هذه التصرفات منهم للعلم بالرضا أو الظن بشاهد حال أو نحوه ولم
يثبت عندنا تصرفهم في الزايد على ما ظن فيه ذلك بحيث يبلغ حد الاجماع بل الاشتهار كما لا يخفى واما نحو املاك الصغير والمجنون فهما وان لم يصلحا للاذن الا انه لا
يخلو أحدهما عن ولي ولو كان الولي العام واذنه قائم مقام اذنه قطعا فالعلم به أو الظن كاف في الجواز إلى أن قال وهل يكفي في شاهد الحال بل مطلق الاذن المزيل
للتحريم الموجب لصحة الصلاة حصول الظن بالرضا أم يتوقف على العلم به الأظهر الأشهر كما صرح به في الحدائق الأول لأصالة جواز التصرف في كل شئ السالمة عما يصلح
للمعارضة إذ ليس الا الاجماع المنتفي في المقام قطعا واستصحاب حرمة التصرف المعارض باستصحاب جوازه لو كانت الحالة السابقة العلم بالرضا والمردود بان المعلوم ليس
الا حرمة التصرف ما دام عدم الظن بالرضا دون الزايد والروايتان المتقدمتان في مسألة اللباس المردودتان بالضعف الخالي عن الجابر في المقام مع ضعف
دلالة ثانيتهما لعدم العلم بمتعلق في لحلية بأنه هل يعم جميع التصرفات حتى غير المتلفة أيضا أم لا وجعل المال في المقام هو الانتفاع في المكان بالاستقرار
بقدر الصلاة فيتلف بالصلاة مردود بعدم معلوميته صدق المال عرفا على هذا القدر من الانتفاع ومنه يظهر ما في رواية تحف العقول يعني ما رواها عنه في
صدر المسألة من قوله عليه السلام انظر فيما يصلي وعلى ما يصلي فإن لم يكن على وجهه وحله فلا قبول وضعف الاستدلال بقوله عليه السلام لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفسه إلى أن قال
بل لولا خروج صورة احتمال الرضا بالاجماع ولا أقل من الشهرة الجابرة لأولى الروايتين الناهية عن التصرف بغير الاذن المستدعى لحصول الاذن الواقعي الغير المعلوم
في صورة العلم بالاذن لقلنا بالجواز فيها أيضا ولكنها بما ذكر خارجه إلى أن قال في ذيل كلامه في مقام الاستدلال لجواز الصلاة في الوقف من غير توقفه على
اذن المتولي أو الواقف أو الموقوف عليهم ان الأصل جواز هذا النوع من التصرف لكل أحد في كل مال وعدم تأثير منع المالك فيه إذ لا يمنع العقل من جواز الاستناد
أو وضع اليد أو الرجل في ملك الغير بدون اذنه إذا لم يتضرر به بل ولو مع منعه كما في الاستظلال بظل جداره والاستضائة بضوء سراجه وانما المانع الدليل
الشرعي وليس الا الاخبار والاجماع اما الاخبار فمع عدم صراحتها بل ولا ظهورها في أمثال هذه التصرفات وعدم معلومية شمولها للموقوفات ولا للموقوف عليهم
ضعيفة ولا تصلح للحجية في غير مورده الانجبار والاشتهار وهو غير صورة العلم بعدم اذن المالك في المملوك الطلق ومع احتمال في لاذن غير معلوم واما الاجماع
فظاهر كيف ويدعى بعضهم الاجماع على جواز هذه التصرفات وانها كالاستظلال بظل الحائط ما لم يتضرر المالك مطلقا انتهى وفي كلماته مواقع للنظر لا يهمنا الإطالة
في ايضاحها بعد شهادة جميع الملل الذين ادعى اتفاقهم على عدم جواز التصرف في ملك الغير بغير اذنه بان اعتبار العلم بالاذن أو الظن في إباحة التصرف على جهة
الطريقية وان رضاء المالك بنفسه هو السبب لحل التصرف والعلم به أو الظن المعتبر كاشف عن تحققه كما في ساير الأسباب المبيحة أو المملكة لان العلم بعدم الاذن
أو الظن به من حيث هو سبب للحرمة كي يكون عدمه مناطا للحل كما زعمه قده وصرح به في طي بعض كلماته التي طوينا ذكرها ويشهد لذلك مضافا إلى ذلك النصوص والفتاوي
المعتضدة بصريح العقل وقاعدة سلطنة الناس على أموالهم القاضية بحرمة الاستيلاء على ملك الغير من غير رضائه والخدشة في دلالة ما دل على أنه لا يحل مال امرء مسلم
الا عن طيب نفسه لقصوره عن إفادة اعتبار الطيب بالنسبة إلى التصرفات الغير المتلفة مما لا ينبغي الالتفات إليها بعد اعتضاده بما عرفت وظهوره عرفا في إرادة المنع
171

عن الاستيلاء على مال الغير من غير رضاه كما تقدمت الإشارة إليه في صدر المبحث وكيف كان فاشتراط حل التصرف في مال الغير برضاه من الوضوح بمكان لا يحوم حوله شائبة
ارتياب فلابد من احرازه بالعلم أو ما قام مقامه كالبينة وظواهر الألفاظ وخبر الثقة ان اعتبرناه في الموضوعات كما هو الأظهر على ما بيناه في المواقيت وغيرها من المباحث
السابقة واما الأمارات الظنية المعبر عنها بشاهد الحال فهي أيضا حجة معتمدة ان كانت مما جرت العادة على التعويل عليها بان كان لها ظهور عرفي معتد به لدى العقلاء
في رضاء المالك والا فلا عبرة بها نعم قد يدعى استقرار السيرة على التصرف في الأراضي المتسعة والأنهار العظيمة ونحوها بما لا يتضرر به المالك ولو مع العلم بكراهة
أو كونه غير أهل للاذن لصغر أو جنون فان ثبت ذلك على وجه لم يحتمل ابتنائه على المسامحة والمساهلة ممن لا يبالي بارتكاب المحارم كما ليس بالبعيد كان ذلك حجة على
جواز هذا النوع من التصرفات في هذا النحو من الاملاك واستثنائها عما يقتضيه قاعدة الملك كما في حق المارة ونحوها وربما يؤيد ذلك ان ملكية هذا النوع
من الاملاك انما تنشأ في الأصل من الحيازة والاحيا ونحوهما مما لا يبعد ان يدعى ان ما دل على سببيته للملكية وارد في مقام الامتنان وهو لا يقتضي السلطنة التامة
للمالك في مثل هذه الاملاك التي يترتب على منع الغير عن الانتفاع بها بالمرة حتى بمثل المرور والصلاة ونحوها من التصرفات الغير المضرة بحال المالك حرج وضيق
على سائر الناس بل يقتضي عدم بلوغ سلطنته إلى هذا الحد ولكنك خبير بأنه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه المؤيدات في رفع اليد عما يقتضيه القواعد المتقنة
ما لم يتحقق السيرة القطعية الكاشفة عن رضاء المعصوم واثباتها بالنسبة إلى ما علم فيه كراهة المالك في غاية الاشكال نعم الظاهر تحققها فيما لم يعلم فيه كراهة
المالك فيمكن ان يكون منشأه كون سعة الملك امارة نوعية مورثة للظن غالبا بل الوثوق والاطمينان برضاء المالك بهذا النحو من التصرفات الغير المضرة بحاله
فيشكل التعدي إلى صورة العلم بكراهته بل قد يشكل التعدي إلى صورة العلم بكونه ملكا لصغير أو مجنون ليس له ولي اجباري لو لم يثبت السيرة في خصوصه بناء على أنه
ليس للولي الاختياري الاذن في التصرفات التي لا يترتب عليها فائدة للمولى عليه نعم احتمال كونه كذلك غير قادح بلا شبهة إذ الغالب قيام هذا الاحتمال
في موارد تحقق السيرة فيمكن ان يكون منشأ في لاعتناء بهذا الاحتمال الغلبة حيث إن الغالب في الاملاك كونها في ولاية من له هذا النوع من التصرفات
فمن الجائز أن تكون الغلبة في المقام حجة فلا يكشف ذلك عن الغاء رضاه رأسا أو كفاية رضاء وليه وعدم اناطته في مثل المقام الا بعدم المفسدة كما في الولي الاجباري
لا بوجود المصلحة والله العالم وهل يعتبر اذن المتولي في الأوقاف العامة والخاصة بهذا النوع من التصرفات الغير المنافية لغرض الواقف الظاهر عدمه في الأوقاف
العامة التي هي من قبيل المساجد والمشاهد والمقابر ونحوها فان الأظهر انها من قبيل التحريرات التي ليس بالفعل ملكا لاحد فلا يعتبر فيها رضاء أحد بالتصرفات الغير المنافية لما تعلق
به غرض الوقوف كالجلوس والاكل والنوم وشبهها ما لم تكن منافية للجهة التي تعلق الغرض بها من الواقف ولو بينا على كونها ملكا للمسلمين أو بقائها على ملك الواقف
فالظاهر أيضا جواز هذا النوع من التصرفات لقيام السيرة عليه وهكذا الكلام فيما هو وقف على النوع على جهة خاصة كالمدارس الموقوفة مسكنا للطلاب والتكايا
الموقوفة منزلا للدراويش واما الأوقاف الخاصة فما كان منها موقوفا على أن يكون جميع منافعها للموقوف عليهم كما لو وقف داره على أولاده نسلا بعد نسل على أن يكون
جميع ما يتعلق بها من المنافع حقا لهم فحالها حال الملك الطلق في أنه لا يجوز لاحد ان يتصرف فيها من غير رضائهم لان كل ما يقع من التصرفات من مثل الصلاة والجلوس والمرور ونحوها
فهو نوع منافعها التي يستحقها الغير فلا يجوز الا برضائه كما في العين المستأجرة التي لا يجوز لاحد ان يتصرف فيها بمثل هذه التصرفات الا برضاء المستأجر وكذلك الكلام في
الوقف العام الذي قصد به استيفاء جميع منافعها بأجرة ونحوها وصرفها في مصالح المسلمين أو سائر وجوه البر كما لا يخفى واما ما كان منها وقفا لهم على عمل خاص كما لو
وقف داره على أن يكون مدرسا لأولاده أو على أن يدفنوا فيها موتاهم فهل يجوز لغيرهم سائر انحاء التصرفات الغير المنافية تعلق به غرض الواقف مما لا يترتب بواسطته
ضرر على الوقف والموقوف عليهم بل وكذلك الكلام في تصرف بعضهم فيها بمثل هذه التصرفات من غير رضاء الباقين أو من جعل له النظر في الوقف ان لم نقل بدخولها في
ما اراده الواقف بشهادة الحال أو الفحوى وجهان من أن الوقف الخاص على ما صرح به الأصحاب ملك للموقوف عليهم فيعتبر فيه رضائهم أو رضاء من له الولاية عليه يجعل الواقف و
من أن هذا النوع من الوقف في الحقيقة ليس وقفا خاصا بل وقف عام على جهة خاصة لنوع مخصوص والله العالم وقد تلخص مما ذكر انه يشترط في إباحة الصلاة في ملك الغير
كغيرها من التصرفات الواقعة فيه احراز رضاء مالكه حقيقة أو حكما فالمكان المغصوب لا تجوز بل لا تصح الصلاة فيه لا للغاصب ولا لغيره ممن علم بالغصب وكان مختارا
فان صلى عالما عامدا كانت صلاته باطلة بلا خلاف يعتد به فيه على الظاهر بل في الجواهر ادعى الاجماع عليه محصله ومحكية صريحا وظاهرا مستفيضا ان لم يكن متواترا وعن الشهيد في الذكرى أنه قال اما المغصوب
فتحريم الصلاة فيه مجمع عليه واما بطلانها فقول الأصحاب وعليه بعض العامة وفي المدارك وغيره أيضا نسبة
القول بالبطلان إلى علمائنا وحكى عن أكثر العامة القول
بالصحة وحكى الكليني رحمه الله في الكافي عن الفضل بن شاذان من قدماء أصحابنا ما يظهر منه اختياره لهذا القول وقد تقدم نقل عبارته التي حكاها عنه في الكافي في اللباس
المغصوب فراجع وربما قواه جملة من متأخري المتأخرين لزعمهم جواز اجتماع الأمر والنهي في واحد شخصي إذا اختلفت جهتاهما وقد تقرر في محله بطلانه وتبين في ذلك
المحل انه لو كان لفعل واحد شخصي جهات مختلفة وعناوين متعددة يتبع الحكم الفعلي جهته القاهرة المؤثرة في حسن الفعل وقبحه من حيث صدوره من المكلف فإنه بهذه
الملاحظة ليس له الا جهة واحدة فان كانت مفسدته قاهرة فقبيح أو مصلحته فحسن وان تكافئتا فمباح نعم لو لم يكن للجهة القاهرة تأثير في قبح الفعل من حيث صدوره
من فاعله بان لم يكن اختياريا له من تلك الجهة لحقه الحكم من سائر الجهات كما تقدم التنبيه عليه عند تصحيح صلاة ناسي الغصبية وجاهله في باب اللباس وتقدم شطرا
وافيا من الكلام فيما يرتبط بالمقام في مبحث التيمم عند التكلم فيما إذا تحقق بوضوئه أو غسله عنوان محرم فراجع فعمدة مستند المشهور القائلين ببطلان الصلاة في
المكان المغصوب ان الحركات الصلاتية وأكوانها بأسرها تصرف في ملك الغير بغير اذنه وهو مبغوض عند الله ومحرم شرعا فالفعل الخاص الخارجي الذي هو مصداق
172

لهذا المفهوم المحرم الذي لا يتخلف عنه حكمه بمقتضى عموم أدلته بعد فرض كونه اختياريا للمكلف بهذا العنوان المقبح له موصوف بالفعل بالقبح وموجب لاستحقاق العقاب عليه
فلا يحبه الله بل يبغضه فلا يكون مقربا إليه تعالى كي يصح وقوعه عبادة وما يقال من أن الامر متعلق بطبيعة الصلاة وهي من حيث هي محبوبة لله والفرد الخارجي متقدمة
لايجاد الطبيعة ووجوب المتقدمة على القول به توصلي بجواز اجتماعه مع الحرام فكلام حال عن التحصيل إذ بعد تسليم جميع المقدمات والغض عما يرد عليها من المناقشات
انه ليس لطبيعة الصلاة التي زعم أن الفرد مقدمة لحصولها وجود مغاير لوجود الفرد كي يختلف حكمهما من حيث الوجوب والحرمة ضرورة ان الفرد مصداق للطبيعة
فيحمل الطبيعة عليه بالمعاطاة وقضيته الاتحاد في الوجود فالحركات الخاصة كما انها ايجاد للفرد كذلك بعينها ايجاد للطبيعة وهي بعينها محرمة لكونها مصداقا
لمهية الغصب فلا يعقل أن تكون عبادة وربما يستدل للبطلان أيضا بالمراسل المروي عن غوالي اللئالي عن الصادق عليه السلام قال سئله بعض أصحابه فقال يا بن
رسول الله صلى الله عليه وآله ما حال شيعتكم فيما خصكم الله به إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم فقال عليه السلام ما أنصفناهم ان وأخذناهم ولا أحببناهم ان عاقبناهم بل نبيح لهم المساكن
لتصبح عباداتهم الحديث والمروي عن تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة وبشارة المصطفى لمحمد بن القاسم الطبري عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لكميل يا كميل انظر فيما تصلي
به وعلى ما تصلي ان لم يكن من وجهه وحله فلا قبول ولا يخفى ما فيهما من ضعف السند بل في ثانيهما قصور الدلالة أيضا ولكنه قد يدعى انجبار ضعفهما بالعمل وفيه نظر
فتلخص مما ذكر ان عمدة المستند انما هي استحالة التعبد بما يوجب استحقاق العقاب عليه ويتحقق به المعصية وحيث انه يعتبر في الصلاة وقوعها بنية التقرب فلابد من أن
لا يتحد شئ من افعاله مع ماهية الغصب والا فيفسد ذلك الجزء ويبطل لأجله الصلاة ولا بتفاوت الحال في ذلك بين ان يكون المغصوب موقف المصلي ولو
بوسائط أو الفضاء الذي يصلي فيه ولا بين كونه مغصوبا عينا أو منفعة بل ومن الغصب التصرف في الأعيان الذي تعلق بها حق مالي للغير كحق التحجير المانع من تصرف
الغير بالحجر وان لم يدخل به في ملكه اللهم الا ان يمنع اقتضاء حق التحجير أزيد من حرمة الاستيلاء عليه ومعارضته المحجر في رفع يد ه عنه وربما لا يحصل هذا المعنى بافعال
الصلاة إذا لم تكن بعنوان المزاحمة واما بطلان الصلاة فهو من اثار استحقاقه للمنافع اما مستقلا كما في العين المستأجرة أو تبعا للعين المملوكة حتى تكون
التصرفات الخاصة الحاصلة بفعل الصلاة منافية لحقه وهذا المعنى مساوق للملكية فلو كان التحجير مفيد لهذه المرتبة من الاستحقاق لكان تسميته حقا لا ملكا
مجرد اصطلاح فليتأمل واشكل من ذلك الالتزام بالبطلان فيما لو صلى فيما يستحقه الغير بالسبق في المشتركات كالمسجد ونحوه من غير رضاء السابق خصوصا
إذا لم يكن المصلي مانعا له عن استيفاء حقه بل دفعه مثلا شخص عن مكانه فصلى ثالث في ذلك المكان فان الأقوى الصحة في هذا الفرض واما لو صلى فيه
نفس الدافع ففيه تردد ولا فرق فيما ذكر من اشتراط صحة الصلاة بإباحة المكان بين اليومية وغيرها فريضة كانت أم نافلة وحكى عن بعض العامة أنه قال
يصلي الجمعة والعيد والجنازة في الموضع المغصوب لان الامام إذا صلى في موضع مغصوب فامتنع الناس فاتتهم ولهذا أبيحت الجمعة خلف الخوارج
والمبتدعة أقول كلام هذا البعض بحسب الظاهر مبني على عدم اشتراط الصلاة بإباحة المكان كما حكى عن أكثرهم فنزاعه بحسب الظاهر في الحكم التكليفي
وكيف كان فنقول اما الصلاة خلف الخوارج والمبتدعة وكذا خلف من صلى في مكان مغصوب لو لم يكن معذورا في ذلك الجهل أو نسيان وشبهه فلا تجوز
عندنا لاشتراط جواز الايتمام بعدالة الامام المنتفية في هذه الفروض واما ان كان الامام ممن يجوز الاقتداء به فصلى الجمعة بعدد ينعقد بها الجمعة في
مكان مغصوب جاهلين بغصبية المكان أو صلوها في مكان مباح لا يسع غيرهم فربما يشكل الامر حينئذ بالنسبة إلى سائر المكلفين على القول بوجوب الجمعة
عليهم عينا حيث يدور امرهم بين المحذورين فلا يبعد الالتزام حينئذ بالتخيير وان كان الأظهر تغليب جانب الحرمة لا لما قيل من أنه الأصل في دوران الامر
بين المحذورين فإنه لم يثبت هذا الأصل بل لان وجوب الجمعة عينا على القول به مشروط بالاختيار لان الظهر بدل اضطراري عنها وكل ما كان له بدل
اضطراري لا يصلح ان يزاحم تكليفا اخر كما تقدمت الإشارة إليه مرارا وكذلك الكلام في صلاة العيدين فان وجوب الاتيان بها جماعة مشروط بان لم
يكن له عذر عقلي أو شرعي في تركه فلا يزاحم شيئا من التكاليف المطلقة واما صلاة الجنازة فوجوبها كفائي يسقط بفعل الامام فلا يبقي موقع لتوهم صلاحيتها
في حق من عداه لتخصيص ما دل على حرمة الغصب كما هو واضح وحكى في كشف اللثام عن المحقق صحة النافلة في المغصوب معللا بان الكون ليس جزء منها ولا
شرطا فيها ثم قال كاشف اللثام يعني انها تصح ماشيا مؤميا للركوع والسجود فيجوز فعلها في ضمن الخروج المأمور به والحق انها تصح ان فعلها كذلك لا ان قام وركع
وسجد فان هذه الأفعال وان لم يتعين عليه فيها لكنها أحد الافراد الواجب فيها انتهى أقول وكان المحقق قدس سره يرى أن التصرف في المكان المغصوب
الحاصل حال الصلاة الذي قضت الأدلة بحرمته انما هو تحيزه وكونه في المكان اي شغله له وقراره عليه وهذا المعنى مما لا دخل له في حقيقة افعال النافلة
من حيث هي بل هو من لوازم حصولها في هذا المكان فلا ينافي حرمة كونه فيه لصحة تلك الأفعال ما لم تكن المقدمة منحصرة وهذا بخلاف الفريضة فإنه اعتبر فيها الاستقرار
الذي هو عبارة عن ثبوته في مكانه وهو منهى عنه فتبطل الفريضة لأجله ولولا اعتبار هذا الشرط فيها لأمكن القول بصحتها إذ لا مدخلية للكون في سائر
افعالها كما هو واضح بالنسبة إلى النية والقراءة وأشباههما واما ما عداهما من الاستقبال والقيام والقعود والركوع والسجود فكذلك فإنه وان كان
قد يعبر عن مثل هذه الأمور بالأكوان الصلاتية لكنها لدى التحليل خارجة عن حقيقة الكون الذي يحصل به التصرف في الغصب فان الاستقبال عبارة عن
التوجه إلى القبلة وهو نسبة حاصلة بين المصلي وبين القبلة أجنبية عن حقيقة الكون واما ما عداه من المذكورات فهي أوضاع خاصة حاصلة من نسبة
بعض أعضاء المصلي إلى بعض ونسبة المجموع إلى الخارج فهي حالة قائمة بالمصلي حاصلة من حركات مخصوصة هي مقدمات هذه الأفعال وليست مأخوذة في مهية الصلاة
173

كي يقال إن الحركة عبارة عن الانتقال من مكان إلى مكان وهي تغيير وتصرف في الكون المحرم ولو سلم كونها جزء فهو بالنسبة إلى الفريضة دون النافلة المعلوم
عدم توقفها على القيام والركوع ونحوهما فضلا عن الحركات التي هي مقدمة لها نعم نفس الركوع والسجود معتبرة فيها على سبيل التخيير بينهما وبين الايماء الذي لا يتوقف على
هذه الحركات وان شئت قلت في توضيح المقام التصرف في المغصوب الحاصل بالصلاة ليس الا الحركات والسكنات الواقعة فيها وليس شئ منهما معتبرا في مهية النافلة
حتى حركات الفم التي تتحقق بها القراءة الا على سبيل المقدمية وهذا بخلاف الفريضة فإنهما معتبران فيها في الجملة حيث اعتبر فيها الاستقرار ودعوى ان هذه الأفعال
بنفسها تصرفات خاصة في فضاء الغير مغائرة للتصرف الحاصل بكونه في ذلك المكان فهي أيضا بنفسها محرمة قابلة للمنع إذ بعد تسليم كون هذه الأفعال بنفسها
تصرفات مستقلة أمكن الخدشة في حرمتها إذ لا يستقل العقل بحرمة مثل هذه التصرفات من حيث هي والأدلة التعبدية أيضا قاصرة عن اثباتها إذ لا استقلال
لها بالملاحظة لدى العرف كي يفهم حرمتها من الأدلة التعبدية الدالة على حرمة التصرف في مال الغير من نص أو اجماع نعم لا يبعد ان يدعى انه يعتبر في مفهوم القيام
عرفا الاعتماد على المحل وكذا في مفهوم السجود عرفا وشرعا وضع المساجد على الأرض وهما من اظهر أنواع التصرف ولكن هذه الدعوى غير مجدية بالنسبة إلى النافلة التي لا يعتبر
شئ منهما في صحتها بل هما من شرائط كمالها فعند فساد القيام ينتفي الفرد الأكمل الا انه يبطل أصل الفعل وفساد السجود أيضا لا يبطل أصل الفعل حيث إنه يكفي في صحته الايماء
الحاصل بهذا السجود فإنه الفرد الكامل من الايماء ولا يتوقف صحته على قصد البدلية بل يكفي فيه قصد التقرب في امتثال الامر المتوجه إليه المتعلق بأحد الفعلين على
سبيل التخيير بفعله الخاص هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه هذا القول ولكن الالتزام به في غاية الاشكال فان انكار حصول التصرف في ملك الغير بصلاة
ذات ركوع وسجود كما هو قضية هذا التوجيه لا يخلو عن مكابرة فإنها لدى العرف من اظهر انحاء الانتفاع بمال الغير والتصرف فيه كما أن ادعاء حصول امتثال
الامر بالايماء بحصول هذا الفعل الذي لم يقصد به الا السجود المبائن ذاتا ووجودا لا يخلو عن مجازفة نعم لو أريد صحتها عند الاتيان بها مؤميا للركوع و
السجود لا مطلقا فهو لا يخلو عن وجه فإنها وان لا تخلو لدى التحليل عن التصرف وكيف لا مع أن الحركة من مقومات مفهوم الايماء ولا شبهة في كونها تصرفا
ولكن لا يبعد دعوى قصور الأدلة عن اثبات حرمة مثل هذه التصرفات بل يمكن ان يدعى استقرار السيرة على عدم رعاية رضاء المالك في مثله؟ بكية؟ لا يخلو عن نظر
فإنه وان أمكن دعوى استقرار السيرة على عدم رعاية رضاء المالك في مثل هذه التصرفات وقصور الأدلة عن شمولها ولكن هذا فيما إذا لوحظت بنفسها لا
مع غيرها من التصرفات فالأحوط بل الأقوى المنع مطلقا ولا يتفاوت الحال في ذلك بين ما لو اتى بها في حال الدخول أو الخروج لان خروجه أيضا كدخوله مبغوض
ومعاقب عليه لان عمله من أوله إلى اخره قبيح منهى عنه فلا يصح ان يقع عبادة وانقطاع النهي بعد ان دخل وصيرورة خروجه مأمورا به لا يجدي في صحة صلاته
بعد ان قبح فعله المتحد معها وجودا وصح العقاب عليه وليس الامر بخروجه الا لكونه أقل مفسدة من البقاء نعم لو ندم عن عمله وتاب ثم خرج بقصد التخلص
من الغصب لا يبعد القول بالصحة ان لم يكن موجبا لتصرف زائد عما يتوقف عليه الخروج وسيأتي مزيد وتوضيح للمقام عند تعرض المصنف لهذا الفرع والله العالم
وقد ظهر مما تقدم ان البطلان الناشي عن القاعدة المزبورة لا يختص بالصلاة بل هو ثابت في كل عبادة اتحد شئ من اجزائها مع الغصب المحرم وهذا مما لا
تأمل فيه ولكن الاشكال في تخصيص مصاديق هذه القاعدة الكلية في كثير من الموارد كالتطوع في المكان المغصوب الذي تقدم الكلام فيه وعرفت فيما تقدم ان القول
ببطلانه لا يخلو عن قوة ومن جملة الموارد التي وقع الاشكال بل الخلاف فيها الوضوء في المكان المغصوب فقد حكى عن الفاضلين في المعتبر والمنتهى وصاحب المدارك
وشيخنا البهائي القول بصحته معللا بان الكون ليس جزء ولا شرطا فيه خلافا لما حكى عن غير واحد من الجزم بالبطلان بدعوى اتحاد افعاله مع الغصب وهو لا
يخلو عن اشكال واشكل منه الأغسال الواجبة والمندوبة حيث إنه يعتبر في الوضوء المسح الذي هو عبارة عن امرار الماسح على الممسوح الذي هو عين الحركة التي
لا تأمل في كونها تصرفا في المغصوب وان كان قد يتأمل في حرمة مثل هذا التصرف نظرا إلى قصور الأدلة عن إفادتها الحرمة لمثل هذه التصرفات الغير المعتد بها في
العرف كما تقدم الإشارة إليه انفا ولكنك عرفت فيما تقدم ان الأقوى خلافه وان قصور الأدلة لو سلم فإنما هو عند استقلال هذا النحو من التصرفات
بالملاحظة لا عند ملاحظتها منضمة إلى ما عداها من التصرفات الحاصلة في الغصب فلا ينبغي التأمل في فساد الوضوء من هذه الجهة ولكن لو غسل وجهه ويديه
في المكان المغصوب ثم مسح رأسه ورجليه في خارجه فيكون حاله حال الغسل الذي قد يقوى في النظر صحته نظرا إلى أن المعتبر في ماهيته ليس الا غسل الأعضاء
وامرار اليد على العضو وغيرها من الآلات التي يستعان بها على اجراء الماء على العضو كاخذ الماء من أبنية مغصوبة أمور خارجة عن ماهية الغسل ليست معتبرة
في الغسل الا من باب المقدمة فلا يؤثر حرمتها في فساد الغسل عند في لانحصار كما تقرر في محله وما يقال من أنه يعتبر في حصول مفهوم الغسل جريان الماء على
العضو المغسول وهو عبارة عن انتقاله من عضو إلى اخر فهو حركة توليدية من فعل المكلف وقد تعلق التكليف به بهذه الملاحظة فيمتنع اجتماعه مع الحرام إذا
كان عبادة كما في الفرض وتوهم قصور الأدلة عن إفادة حرمة مثل هذا التصرف قد عرفت اندفاعه انفا مدفوع
بما حققناه في محله من أن العبرة في باب الوضوء
والغسل انما هو بوصول الماء إلى العضو لا بجريانه عليه كما شهد بذلك الصحيح الناطق بأنه إذا مس جلدك الماء فحسبك ولكن الأقوى هو البطلان فان كون وصول
الماء أو جريانه مناطا للصحة لا يقتضي خروج هذه الأفعال التي يتحقق بها الوصول والجريان عن مهية الغسل المأمور به فغسل الرجل وجهه بالماء عند استعمال يده فيه
عبارة عن العمل الخارجي المشاهد المحسوس الذي به يحصل انغسال العضو وذهاب وسخه كما أن غسل الثوب في الإجانة مثلا عبارة عن العمل الخاص المشتمل على الفرك
والدلك وغيرهما مما هو في الحقيقة من العوارض المشخصة لاستعمال الماء المؤثر في إزالة الوسخ الذي هو حقيقة الغسل فغسل الوجه المأمور به في الوضوء مثلا ليس
174

مجرد وصول الماء إليه الذي هو اثر فعل المكلف بل ايصاله إليه وهو إذا كان باستعمال اليد ليس الا عبارة عن هذا الفعل الخارجي الذي يتحقق به ايصال الماء إلى الوجه
ولذا ينوي المكلف عند إرادة الوضوء بهذا الفعل الذي يحصل به التصرف في الفضاء التقرب لا بما يتولد من عمله من وصول الماء إلى العضو فيفسد إذا كان الفضاء
مغصوبا وربما يؤيد ما ذكرنا ما قيل من أن أهل العرف لا يتوفقون في صدق التصرف عرفا في المكان المغصوب بنفس الوضوء والغسل والانتفاع بل لو كان مسقط
الماء مغصوبا كان كافيا في الصدق المزبور فضلا عن نفس الوضوء فيه مثلا والمدار في الحرمة على هذا الصدق لا تلك التدقيقات الحكمية انتهى وقد عرفت ان التدقيقات
الحكمية أيضا غير منافية لهذا الصدق لكن في تحقق الصدق العرفي بالنسبة إلى المسقط فضلا عن الاتحاد الحقيقي تأمل بل الظاهر أنه من قبيل التسبيب فيتجه الالتزام ببطلان
الوضوء فيما إذا كان سببا تاما لحصول التصرف فيما يسقط فيه مائه لا مطلقا والله العالم ولو صلى تحت سقف مغصوب أو خيمة مغصوبة مع إباحة مكانه كما لو نصب في داره
خيمة الغير من غير رضاه فالظاهر صحة صلاته كما حكى التصريح به عن غير واحد فإنه وان كان منتفعا به بل متصرفا فيه حال الصلاة ولكنه لا دخل له باعمال الصلاة
نعم بناء على أن الامر بشئ يقتضي النهي عن ضده قد يتجه القول بالبطلان فيما إذا كان مكلفا برده إلى صاحبه ولم يجتمع ذلك مع فعل الصلاة ولكن المبني ضعيف
كما تقرر في محله وحكى عن بعض علماء البحرين القول بالبطلان حتى فيما إذا كان حجر واحد في حائط الدار مغصوبا بل ربما نسب إلى أهل البحرين القول بالبطلان فيما
إذا كان شئ من جدران سور البلد مغصوبا وهو من الغرائب وان كان ناسيا وجاهلا بالغصبية صحت صلاته ولو كان جاهلا بتحريم المغصوب أو بفساد الصلاة فيه
لم يعذر ما لم يكن عن قصور كما ظهر وجه ذلك كله مما قدمناه في اللباس المغصوب فلا نطيل بالإعادة وإذا ضاق الوقت وهو اخذ في الخروج صحت صلاته إذا لم تكن صلاته
موجبة لتصرف زائد على ما يتوقف عليه الخروج كما لو اتى بها في هذا الحال مؤميا للركوع والسجود على المشهور بل ربما يظهر من يعلن في لخلاف فيه بيننا واستدلوا
عليه بأنه مأمور بالخروج فلا معصية قال صاحب المدارك في شرح قول المصنف رحمه الله ما هذا لفظه ولا يخفى ان الخروج من المكان المغصوب واجب مضيق ولا معصية فيه
إذا خرج بما هو شرط في الخروج من السرعة وسلوك أقرب الطرق وأقلها ضررا إذ لا معصية بايقاع المأمور به الذي لا نهي عنه وذهب شاذ من الأصوليين إلى استصحاب
حكم المعصية عليه وهو غلط إذ لو كان كذلك لم يكن الامتثال فيلزم التكليف بالمحال انتهى أقول ولعل مراده ببعض الأصوليين أبو هاشم فإنه حكى عنه أنه قال إن
الخروج أيضا تصرف في المغصوب فيكون معصية فلا تصح الصلاة حينئذ وهو خارج سواء تضيق الوقت أم لا وعن المنتهى ان هذا القول عندنا باطل و
عن التحريم أنه قال اجمع الفضلاء كافة على تخطئة أبي هاشم في هذا المقام أقول ولكنك عرفت انفا عند البحث عن جواز النافلة في المغصوب انه بعد البناء على
حرمة مثل هذه التصرفات كما هو الأقوى لا يتفاوت والحال بين ما لو صلى وهو داخل أو خارج في كون عمله قبيحا وموجبا لاستحقاق العقاب عليه ما لم يكن خروجه عن ندم
قاصدا به التخلص من الغصب فلا يصح وقوعه عبادة وصيرورة المكلف مضطرا إلى الغصب بمقدار ما يتحقق به التخلص منه لا يجدي في رفع قبح هذا المقدار واباحته
بعد ان كان اضطراره إليه مسببا عن مقدمة اختيارية وهي دخوله في المغصوب عن عزم واردة فإنه يكفي في اتصاف الفعل أو الترك الصادر من المكلف بالحسن والقبح
وكونه موجبا لاستحقاق الثواب والعقاب استناده إلى مقدمة اختيارية ضرورة كفاية هذا المقدار من الاخبار في مذمة الفاعل على فعله أو مدحه عليه ولا
يشترط في ذلك بقائه بصفة الاختيارية إلى حين حصوله وهذا معنى ما يقال إن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار اي يكفي في اتصاف الفعل بكونه اختياريا
استناده إلى مقدمة اختيارية وان عرضه ضرورة الفعل أو الترك بعد ترتيب تلك المقدمة أو تركها فالضرورة اللاحقة له غير قادحة في اتصافه بكونه فعلا
اختياريا موصوفا بالحرمة أو الوجوب نعم بعد عروض الاضطرار ينقطع التكليف بمعنى انه لا يبقى بعد ان اضطر إلى ارتكاب المغصوب مثلا النهي المتعلق به
بصفة التنجز اي يخرج عن صلاحية الباعثية على الترك بعد ان صارت مخالفته واجبة الحصول بتهيئة مقدماتها فيكون ايجاد سبب المخالفة كنفس المخالفة موجبا لسقوط
التكليف ولكن لا يجدي ذلك في جوازها بعد ان كانت مستندة إلى مقدمة اختيارية كما هو واضح واما ما ذكروه من أنه مأمور بالخروج فلا معصية ففيه ما تقدمت
الإشارة إليه فيما سبق من أن امره بذلك ليس الا لكون خروجه أقل مفسدة من البقاء نظير ما لو جعل المكلف نفسه بترتيب بعض المقدمات الاختيارية مضطرا
اما إلى ارتكاب فعل الزنا أو شرب الخمر مثلا فيستقل العقل حينئذ بأنه يجب عليه بعد عروض الاضطرار اختيارا قبل القبيحين وأهون المعصيتين بل الشرع أيضا قد يوجب عليه
ذلك ولكن وجوبه ارشادي محض على حسب ما يستقل به العقل فلا يترتب على موافقته سوى الخاصية المترتبة على ذات المأمور به اي أقلية المعصية فلا يؤثر ذلك في
انقلاب المعصية طاعة كما هو واضح فتلخص مما ذكر انه لا فرق في بطلان الصلاة بين ما لو اتى بها في حال الخروج أو الدخول وما سمعته من دعوى اجماع العقلاء على
تخطئة أبي هاشم القائل بهذا القول فمما لا ينبغي الالتفات إليه بعد كون المسألة من العقليات التي لا عبرة فيها بالاجماع المحصل فضلا عن منقوله مع امكان تنزيل
كلمات الأصحاب القائلين بصحة الصلاة حال الخروج على ما لو كان ناويا بخروجه التخلص من الغصب بعد التوبة وان لا يخلو عن بعد ولاجل ما ذكر لم يلتفت صاحب الجواهر
إلى مثل هذه الدعاوي وجزم بصحة كلام أبي هاشم فقال بعد ان نقل قول أبي هاشم وما سمعته من عبارتي المنتهى والتحرير ما هذه صورته قلت لا ريب في صحة كلامه يعني
كلام أبي هاشم إذا كان الخروج لا عن ندم على الغصب ولا اعراض ضرورة كونه على هذا الفرض كالدخول تصرفا فيه اما إذا كان مع التوبة والندم وإرادة التخلص
من الغصب فقد يقال أيضا ان محل التوبة بعد التخلص والتخلص بلا اثم هنا غير ممكن بعد قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فلا قبح حينئذ في تكليفه بالخروج
مع تحريمه عليه كما حقق في الأصول انتهى وربما يستشعر من ذيل عبارته التزامه بجواز اجتماع الأمر والنهي وكونه بالفعل مكلفا بالخروج وبتركه وهو بظاهره
فاسد اللهم الا ان يريد من تكليفه بالخروج الوجوب الارشادي الغير المنافي لحرمة متعلقه ومن تحريمه عليه كونه حراما عليه بواسطة النهي المتعلق به حال قدرته
175

على الترك لا كونه بالفعل متعلقا للنهي فليتأمل وكيف كان فلو اخذ في الخروج مع التوبة وإرادة التخلص من الغصب أمكن الالتزام بصحة صلاته نظرا إلى أن التائب
عن الذنب كمن لا ذنب له فهو بعد التوبة بمنزلة من وجد نفسه في ارض مغصوبة وجب عليه الخروج منها من غير أن يستحق على تصرفه في مال الغير حال خروجه عقوبة فلا مانع
حينئذ من أن يأتي في هذا الحين بما هو واجب عليه من فعل الصلاة ولكن قد يشكل ذلك بان التوبة انما تؤثر في العفو عن المعصية وصيرورتها كالعدم في عدم ترتب العقوبة
عليها لا في تبدل موضوعها كي يصح تعلق التكليف بفعلها كما أشار إلى ذلك صاحب الجواهر في عبارته المتقدمة وان لا يخلو عبارته عن مسامحة فليتأمل ثم لو سلم ان
التوبة تؤثر في انقلاب الموضوع وصيرورة الخروج بقصد التخلص واجبا شرعيا مولويا فقد يشكل أيضا الحكم بصحة الصلاة المأتي بها في هذا الحين الفاقدة
للاستقرار والركوع والسجود ونحوها من الاجزاء والشرائط الاختيارية نظرا إلى أنه في سعة الوقت لدى تمكنه من ترك الغصب كان مكلفا بصلاة تامة الاجزاء
والشرائط الاختيارية وقد صيرها في حقه ممتنعة باختياره وهذا وان كان موجبا لارتفاع التكليف الاختياري لكنه بواسطة العصيان الذي قد يتأمل في سببيته
لانقلاب التكليف واندراج المكلف في موضوع العاجز المأمور بالصلاة الاضطرارية فإنه لا يبعد دعوى انصراف ما دل على شرعيتها للعاجز عن العاجز الذي
نشا عجزه من اختياره لمخالفة تكليفه الاختياري وليس معنى ان الصلاة لا تسقط بحال بقاء التكليف بها بعد ان عصى المكلف وصير ايجادها على النحو المعتبر
شرعا ممتنعا فمن الجائز ان يكون تأخير الصلاة إلى أن يتضيق الوقت من التخلص عن الغصب والاتيان بصلاة تامة الاجزاء والشرائط بمنزلة ما لو اخرها إلى أن خرج الوقت
في كونه موجبا للقضاء والحاصل ان الجزم بصحة الفعل الاضطراري الصادر ممن أخل عمدا بما هو تكليفه في حال الاختيار كالتيمم الصادر ممن ترك
الغسل أو الوضوء عمدا إلى أن يتضيق الوقت في غاية الاشكال كما تقدم التنبيه عليه في مبحث التيمم نعم لو غفل عن الصلاة في سعة الوقت ولم يلتفت إليها
الا في ضيق الوقت عند تنجز التكليف بالخروج لم يتوجه الاشكال من هذه الجهة وعلى كل تقدير فالأحوط ان لم يكن أقوى الجمع بين الصلاة في حال الخروج على وجه
لا يحصل بها زيادة تصرف في المغصوب وقضائها بعده والله العالم ولو صلى في المغصوب عند ضيق الوقت ولم يتشاغل بالخروج لم تصح صلاته كما لو صلى فيه في
السعة بلا تأمل ولا اشكال نعم بناء على قصور ما دل على حرمة التصرف في مال الغير عن شمول مثل القراءة والايماء أمكن الالتزام بالصحة لو صلى صلاة
اضطرارية حالته عن الركوع والسجود على اشكال تبين وجه فيما سبق مضافا إلى ضعف المبني كما تقدمت الإشارة إليه غير مرة ولو حصل في ملك غيره باذنه ثم
امره بالخروج قبل التلبس بالصلاة وجب عليه ذلك فان صلى مستقرا والحال هذه كانت صلاته باطلة ولكنه يصلي وهو خارج ان كان الوقت ضيقا لا يسع الخروج
وأداء الصلاة بعده لان الصلاة لا تسقط بحال فلا يسقط الميسور بالمعسور فيؤمي للركوع والسجود ويراعي باقي الشرائط من الاستقبال ونحوه بمقدار المكنة على
وجه لم يستلزم مكثا زائدا على ما يتوقف عليه الخروج على حسب المعتاد وفي الجواهر بعد ان بين كيفية صلاته لدى الضيق على حسب ما سمعت قال ولكن عن ابن سعيد انه
نسب صحة هذه الصلاة إلى القيل مشعرا بنوع توقف فيها ومثله العلامة الطباطبائي في منظومته ولعله لعدم ما يدل على صحتها بل قد يدعى وجود الدليل على العدم
باعتبار معلومية اعتبار الاستقرار والركوع والسجود ونحو ذلك ولم يعلم سقوطه هنا والامر بالخروج بعد الاذن في الكون وضيق الوقت وتحقق الخطاب بالصلاة
غير مجد فهو كما لو اذن له في الصلاة وقد شرع فيها وكان الوقت ضيقا مما ستعرف في لاشكال في اتمام الصلاة فالمتجه حينئذ في لالتفات إلى امره بعد فرض وكونه عند
ضيق الوقت الذي هو محل الامر بصلاة المختار المرجح على امر المالك بسبق التعلق فلا جهة للجمع بينهما بما سمعت يعني الجمع بين حق الله تعالى وحق الادمي بالصلاة
حال الخروج بل يصلي صلاة المختار مقتصرا فيها على الواجب مبادرا في أدائها على حسب التمكن لكن لم أجد قائلا بذلك بل ولا أحد احتمله ممن تعرض
للمسألة انتهى أقول وقد اختار هذا القول صريحا في المستند زعما منه انه لا دليل على حرمة هذا النحو من التصرفات في ملك الغير من غير رضاء صاحبه عدى الاجماع
وبعض الأخبار القاصرة من حيث السند المحتاجة إلى الجابر وشى ء منهما لا ينهض لاثبات الحرمة في المقام لان الاجماع بالنسبة إليه غير محقق وضعف الاخبار غير مجبور
وفيه ما لا يخفى بعد وضوح منافاة لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم التي هي من القواعد القطعية الغير القابلة لتخصيص الا بنص صحيح صريح واما ما ذكره في
الجواهر وجها لهذا القول من سبق تعلق الامر بصلاة المختار على امر المالك ففيه ان الامر بصلاة المختار انما يتنجز في حقه على تقدير تمكنه من الخروج عن عهدته وهو
مشروط بإباحة المكان وهي منتفية عند كراهة المالك وأمره بالخروج فلا يصلح اطلاق الامر بصلاة المختار خصوصا بعد اخذ الاختيار قيدا في متعلقه دليلا لتخصيص
قاعدة السلطنة وغيرها من الأدلة الدالة على حرمة التصرف في مال الغير من غير ضائر ولذا لم يلتفت أحد إلى هذا الاحتمال مع أنه أسبق الاحتمالات المتطرقة إلى
الذهن في بادي الرأي وتنظيره على ما لو امره بالخروج بعد دخوله في الصلاة قياس مع الفارق مع أنك
ستعرف ان الالتزام به في المقيس عليه أيضا في غاية الاشكال
نعم قد يقوى في النظر التفصيل بين ما لو كان مأذونا في الصلاة في اخر الوقت أو في البقاء إلى اخر الوقت المستلزم للرخصة في ايقاع صلاته في ملكه بحيث
يكون امره بالخروج رجوعا عن اذنه السابق وبين ما إذا لم يكن كذلك فيحرم البقاء بعد امره بالخروج في الثاني دون الأول لا لما قد يتخيل من أن الاذن في امر لازم التزام
بلزومه فان هذا التخيل له وقع فيما إذا تعلق الاذن بتصرف موجب لحدوث حق لازم للغير في ملكه كما لو اذن له في رهنة أو دفن ميت فيه أو نحو ذلك لا في مثل ما نحن
فيه مما تعلق الاذن فيه بايقاع فعل لازم عليه في ملكه من صلاة أو وضوء ونحوه ضرورة ان الاذن في مثل هذه الأفعال ليس الا رضاء بها ورخصة في ايقاعها لا
التزاما بلزومها مع أنه لا يجب عليه الوفاء بهذا الالتزام ما لم يكن في ضمن عقد لازم بل له نقضه والرجوع عن
اذنه قبل ان يفوت محله بحصول متعلق الاذن نعم
لهذا التوهم مجال بعد دخوله في الصلاة لوجوب المضي فيها والنهي عن ابطالها فيكون لها بعد الشروع بمنزلة ما لو دفن الميت في ملكه باذنه ولكنك ستعرف
176

انه أيضا لا يخلو عن مناقشات بل لان رجوعه عن اذنه عند ضيق الوقت ضرر على المأذون حيث يفوته مصلحة الصلاة الاختيارية فينفيه أدلة نفي الضرر والحرج الحاكمتان
على قاعدة سلطنة الناس على أموالهم في مثل المقام الذي نشأ الضرر من فعل المالك واذنه بالبقاء ولكن الأقوى خلافه لعدم صدق اسم الضرر عليه عرفا فضلا عن أن يستفاد
حكمه من اطلاقات الأدلة ويرجح على ما يقتضيه قاعدة السلطنة فليتأمل ولو امره بالخروج بعد التلبس بالصلاة ففي الاتمام مستقرا مطلقا أو الخروج مصليا كذلك
أو القطع لدى الاتساع والخروج مصليا مع الضيق أو التفصيل بين الاذن صريحا في الصلاة ثم الرجوع عن اذنه بعد التلبس بها وبين الاذن في الكون والدخول
بشاهد الحال والفحوى فلا يلتفت إلى امره بالخروج في الأول بل يمضي في صلاته مستقرا سواء كان الوقت واسعا أم ضيقا وفي غيره يقطع في السعة ويخرج مصليا لدى
الضيق وجوه بل أقوال استدل للقول الأول اي الاتمام مستقرا بحرمة قطع الصلاة بعد ان دخل فيها بأمر شرعي وهي مانعة عن نفوذ امر المالك بالخروج لكونه امره بالمنكر
مع اعتضاده بالاستصحاب وان الصلاة على ما افتتحت وان المانع الشرعي عن امتثال المالك بالخروج وهو وجوب المضي في الصلاة كالمانع العقلي وان المالك باذنه
في الكون واللبث مثلا قادم على احتمال اشتغاله بما لا يمكنه قطعه فلا يكون التصرف في ملكه من غير رضاه بعد التلبس منافيا لسلطنته بل هو من اثار سلطنته السابقة
وقد يقال في توجيه الاستدلال بان ما دل على حرمة التصرف في مال الغير معارض بما دل على حرمة قطع الصلاة ووجوب الاستقرار فيها والركوع والسجود فيرجع
على تقدير المكافئة إلى اصالة الجواز في الجميع ما لا يخفى لابتناء الجميع على أن لا يكون رضاء المالك بعد الدخول في الصلاة معتبرا في إباحة هذا التصرف في ملكه
وهو مناف لاطلاق ما دل على أنه لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفسه وان الناس مسلطون على أموالهم فلا يصلح شئ من المذكورات معارضا لهذا الاطلاق
لحكومته عليها فان وجوب المضي في الصلاة مشروط عقلا بتمكنه من ذلك وهو موقوف على أن لا يكون بقائه في هذا المكان بعد رجوع المالك عن اذنه حراما وقد دل
الدليل على حرمته فاطلاق هذا الدليل حاكم على اطلاق ما دل على حرمة قطع الصلاة ووجوب المعنى فيها لان هذا الاطلاق مقيد بإباحة مكان المصلي وقد دل ذلك
الدليل باطلاقه على انتفاء الإباحة عند عدم رضاء المالك بتصرفه فلا معارضة بينهما فليس امر المالك بالخروج بعد ان دل الدليل الشرعي باطلاقه أو عمومه على حرمة
بقاء المصلي في ملكه بعد رجوعه عن اذنه امرا بالمنكر بل بالمعروف والاستصحاب لا يعارض الدليل والصلاة على ما افتتحت مما لم يعلم ربطه بالمقام والمانع الشرعي انما
هو عن اتمام الصلاة مستقرا لا عن ترك الصلاة في مال الغير فان حرمة التصرف في مال الغير من غير رضاء مانعة عن اتمامها بل عدمها من اجزاء المقتضى لما عرفت في محله
من أن إباحة المكان شرط في صحة الصلاة وهي لا تحصل الا بكونه مملوكا عينا أو منفعة أو مأذونا فيه بأحد الوجوه المتقدمة في محله هذا مع أنه لا منافاة بين حرمة
القطع وحرمة التصرف في مال الغير بعد رجوعه عن اذنه لامكان الجمع بينهما بالخروج مصليا كما هو مستند القول الثاني اي الخروج مصليا مطلقا ولكن يضعف
هذا القول اطلاق ما دل على اعتبار الاستقرار والركوع والسجود فان اعتبار هذه الأمور في الصلاة وان كان مشروطا بالقدرة عليها ولكن الشرط حاصل مع سعة الوقت
للخروج وفعل الصلاة في الخارج وحرمة قطع الصلاة لا تصلح مانعة عن ذلك لحكومة أدلة الاشتراط على دليل حرمة القطع إذ على تقدير ان يكون هذه الأمور لدى التمكن
منه ولو بتأخير الصلاة شرطا في صحتها كما هو مقتضى اطلاق أدلتها تبطل الصلاة لدى الاخلال بها قهرا فلا يبقى حينئذ موضوع لحرمة القطع ووجوب المضي وقد ظهر لك من أن
دليل حرمة القطع لا يصلح ان يزاحم شيئا من اطلاقات أدلة الاجزاء والشرائط المعتبرة في الصلاة مع أنك ستعرف في محله انه لا دليل يعتد به على حرمة قطع الصلاة
عدى الاجماع المخصوص بغير مورد الخلاف فالأقوى وجوب القطع لدى الاتساع واما مع الضيق فالخروج مصليا لأنه هو الذي يقتضيه الجمع بين ما دل على حرمة التصرف
في مال الغير من غير رضاه وبين ما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال وانه لا يسقط الميسور بالمعسور واطلاقات ما دل على وجوب الاستقرار والركوع والسجود
لا تصلح معارضة لما دل على حرمة التصرف في مال الغير لأنها مشروطة بالاختيار وقد جعل الشارع لها بدلا اضطراريا وكل ما كان كذلك لا يصلح ان يزاحم
تكليفا ليس كذلك كما تقدمت الإشارة إليه مرارا ولا يتفاوت الحال فيما ذكر بين كون امره بالخروج رجوعا عن اذنه السابق ولو كان الاذن صريحا في خصوص
الصلاة وبين عدمه إذ لا يبقى للاذن السابق اثر بعد رجوعه عنه وما يقال من أن الاذن في امر لازم التزام بلزومه كما في الاذن في الغرس والدفن والرهن قد عرفت
انفا لخدشة في صغراه وكبراه وانه لا يصح مقايسة ما نحن فيه على الأمثلة المزبورة ونظائرها مما يحدث بواسطة التصرف المأذون فيه بعد تحققه حق للغير مانع
عن سلطنته على الرجوع هذا مع انا لو سملنا ان الاذن في ايقاع امر لازم على الغير في ملكه التزام بلزوم ذلك الامر عليه وانه لا يجوز له نقض هذا الالتزام فنقول
لزوم المضي في الصلاة الواقعة في ملك الغير مشروط بإباحة مكان المصلي الموقوفة على طيب نفس المالك فلزومه في حد ذاته مشروط بعدم رجوع المالك عن اذنه
فليس اذنه الا الالتزام بايقاع امر لازم على تقدير عدم رجوعه عن الاذن فلا يصلح لزومه مانعا عن تأثير الرجوع فليتأمل تنبيه لو أكره على السكون في مكان
مغصوب أو اضطر إليه جاز له القيام والقعود والنوم والمشي وغير ذلك من الحركات والسكونات الاختيارية التي ليس لبعضها مزية على بعض من حيث المفسدة وتضرر
المالك به أو شدة كراهته له فان كلا من هذه الأفعال نحو من وجودات مطلق الكون الذي اضطر إليه وليس لخصوصية شئ منها خصوصية مقتضية لتعينه مع أنه ينافيه
أدلة نفي الحرج فان في الزام المحبوس في مكان مغصوب ببقائه على هيئة خاصة عن قيام أو قعود ونحوه مشقة شديدة كاد ان يكون تكليفا بغير المقدور فعليه ان
يصلي حينئذ صلاة المختار كما هو ظاهر غير واحد ولقد أجاد في الجواهر حيث قال بعد ان حقق ما بيناه من أنه يصلي صلاة المختار وانه لا فرق بين سائر أكوانه ما لفظه
ومن الغريب ما صدر من بعض متفقهة العصر بل سمعته من بعض مشايخنا المعاصرين من أنه يجب على المحبوس فيه الصلاة على الكيفية التي كان عليها أول الدخول
إلى المكان المحبوس فيه ان قائما فقائم وان جالسا فجالس بل لا يجوز له الانتقال إلى حالة أخرى في غير الصلاة أيضا لما فيه من الحركة التي هي تصرف في مال الغير بغير اذنه
177

ولم يتفطن ان البقاء على السكون الأول تصرف أيضا لا دليل على ترجيحه على ذلك التصرف كما أنه
لم يتفطن انه عامل هذا المظلوم المحبوس قهرا باشد ما عامله الظالم
بل حبسه حبسا ما حبسه أحد لاحد اللهم الا ان يكون في يوم القيامة مثله خصوصا وقد صرح بعض هؤلاء انه ليس له حركة أجفان عيونه زائدا على ما يحتاج إليه ولا حركة يده أو بعض
أعضائه كذلك انتهى ولا يجوز ان يصلي الرجل والى جانبه امرأة محاذية له تصلي أو امامه الا مع الحائل أو البعد بمقدار عشرة اذرع عند الشيخين والحلبي وابن حمزة على ما حكى عنهم
بل في الحدائق والظاهر أنه المشهورين القدماء وهو المختار انتهى بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه سواء صلت بصلاته أو كانت منفردة خلافا لأبي حنيفة في الثاني على
ما حكى عنه ولعل منعه في الأول من حيث الاقتداء فتفسد صلاتها لا صلاته وسواء كانت محرما أو أجنبية لاطلاق الفتاوي وأكثر النصوص الدالة عليه وقيل
ذلك مكروه وقد حكى هذا القول عن السيد والحلي وأكثر المتأخرين بل عامتهم عدى النادر كالفاضل في بعض كتبه على ما حكى عنه وصاحب الحدائق وهذا هو الأشبه
بالقواعد وعن الجعفي المنع الا مع الفصل بقدر عظم الذراع وعن غير واحد التردد في الحكم حجة القائلين بالمنع روايات كثيرة منها صحيحة محمد بن مسلم
عن أحدهما قال سئلته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا قال لا ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن
الرجل والمرأة يصليان جميعا في المحمل قال لا ولكن يصلي الرجل وتصلي المرأة بعده وصحيحة إدريس بن عبد الله القمي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي وبحياله امرأة
قائمة على فراشها أجنبية فقال إن كانت قاعدة فلا يضرك وان كانت تصلي فلا وصحيحة ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أصلي والمرأة إلى جنبي وهي تصلي فقال لا
الا ان تتقدم هي أو أنت ولا باس ان تصلي وهي بحذاك جالسة وقائمة بناء على أن يكون المراد بالتقدم من أحدهما ان تصلي أولا ثم يصلي الاخر بشهادة غيرها
من الروايات لا التقدم في المكان كما لعله المنساق إلى الذهن والا فهي على خلاف المطلوب أدل فليتأمل وموثقة عمار عن الصادق عليه السلام انه سئل عن الرجل
يستقيم له ان يصلي وبين يديه امرأة تصلي قال لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة اذرع وان كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك وان كانت
تصلي خلفه فلا باس وان كانت تصيب ثوبه وان كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا باس حيث كانت أقول وربما يناقش هذه الرواية بأنها
غير معمول بها بظاهرها لما فيها من اعتبار الأكثر من عشرة اذرع وهو مخالف لفتاوي الأصحاب وفيه ان المتبادر منها حيث لم يعتبر فيها للأكثرية حد معين ان المدار
على العشرة والتعبير بالأكثر جار مجرى العادة في مقام التعبير بلحاظ ان الفصل بهذا المقدار بحيث يعلم بحصوله يمتنع عادة الا على تقدير كونه أكثر كما يؤيد ذلك بعض الأخبار
الآتية الدالة على كفاية العشرة وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن امام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلي وهي تحسب انها العصر هل يفسد
ذلك على القوم وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر قال لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها أقول هذه الصحيحة لا تخلو عن اجمال إذ لا
ينحصر وجه الإعادة فيما زعم وقد استشهد بها بعض لما حكى عن والد الصدوق من عدم جواز الاقتداء في العصر بالظهر فيحتمل ان يكون الامر بالإعادة لذلك
كما أنه يحتمل ان يكون ذلك لفساد الاقتداء عند قيامها بحيال الامام اما لاشتراط التأخر في الجملة في صحة الاقتداء اما مطلقا أو في حق النساء عند اقتدائهن
بالرجال كما لا يخلو القول بوجوبه بل وجوب تأخرهن عن صفوف الرجال فضلا عن الامام عن وجه إلى غير ذلك من الاحتمالات المتطرقة في المقام والحاصل
انه لا يكاد يفهم من هذه الصحيحة سبب الإعادة الا على سبيل الحدس والتخمين وهو مما لا يعتد به فالاستدلال بها للمدعى في غاية الضعف وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام في المرأة تصلي عند الرجل قال إذا كان بينهما حاجز فلا باس أقول ليس في هذه الصحيحة تصريح بكون الرجل مصليا فلعله أريد بها الاطلاق وكان النهي تنزيهها
وصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال سئلته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وابنته أو امرأته تصلي بحذائه في الزاوية الأخرى قال لا ينبغي ذلك الا ان يكون بينهما ستر
فإن كان بينهما ستر اجزئه وفي الرسائل بعد نقل هذه الصحيحة قال واعلم أن الموجود في النسخ هنا بالتاء المثناة فوق بعد المهملة وتقدم بالمعجمة ثم بالباء الموحدة
يعني شبر ويمكن صحتهما أقول فعلى التقدير الثاني تكون هذه الصحيحة حالها حال بعض الأخبار الآتية الدالة على كفاية الفصل بينهما بمقدار شبر أو عظم الذراع ونحوها صحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما قال سئلته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته وابنته تصلي بحذاه في الزاوية الأخرى قال لا ينبغي ذلك فإن كان بينهما شبر اجزئه أقول
وقد حمل بعض المانعين هذه الصحيحة وأشباهها مما هو بظاهره يدل على كفاية الفصل بمقدار الشبر على ما إذا تأخرت عنه بمقدار الشبر لا مطلقا وهو لا يخلو عن بعد كما
سيأتي الكلام فيه وكيف كان فظاهر لفظ لا ينبغي الكراهة اللهم الا ان يرفع اليد عنه بقرينة الأخبار المتقدمة
التي لا يبعد دعوى أظهريتها من ذلك في الحرمة لو اغمض
عن معارضتها بالأخبار الآتية التي هي صريحة في الجواز وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا
فلا باس بناء على أن يكون المقصود بالصحيحة تقدمه عليها بهذا المقدار ونحوها خبره الاخر قال قلت له المرأة تصلي بحيال زوجها قال إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطى
أو قدر عظم الذراع فلا باس وصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله بأنه سئل عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد فقال إن كان بينهما قدر شبر صلت
بحذاه وحدها وهو وحده ولا باس وربما يستأنس لإرادة تقدمه عليها بمقدار الشبر أو عظم الذراع من الصحيحتين ونظائرهما بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال سئلته عن المرأة تصلي عند الرجل قال لا تصلي المرأة بحيال الرجل الا ان يكون قدامها ولو بصدره إذ المقصود بها بحسب الظاهر تقدمه عليها بمقدار أقل ان يكون
مسجدها محاذيا لصدره حال السجود وهذا المقدار مما يقرب اشبر وعظم الذراع فمقتضى الجمع بين هذه الصحيحة والصحيحتين المتقدمتين حمل الصحيحتين على ما لو كان بينهما شبر
أو ذراع بهذه الكيفية لا مطلقا ولكنك خبير بما في هذا التقييد من البعد عن ظاهر الصحيحتين بل صحيحة معاوية كادت تكون صريحة في إرادة نفي الباس عن المحاذاة الحقيقية
إذا كان بينهما شبر إذا صليا منفردين ولو حمل قدر ما لا يتخطى أو عظم الذراع أو الشبر على إرادة ما لو كان بينهما حاجب بهذا المقدار لكان أولى من ذلك الحمل البعيد بل
178

ربما يؤمي إلى إرادة هذا المعنى من هذه الروايات خبر أبي بصير قال سئلته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال لا الا ان يكون بينهما
شبر أو ذراع ثم قال كان طول رحل رسول الله صلى الله عليه وآله ذراعا وكان يضعه بين يديه إذا صلى يستره
ممن يمر بين يديه إذ الظاهر أن قوله عليه السلام كان طول رحل رسول الله صلى الله عليه وآله الخ بمنزلة
الاستشهاد لكفاية شبر أو ذراع فهذا يكشف عن أن المراد بالشبر والذراع ما كان طوله كذلك والا فلا مناسبة بين الكلامين فيستفاد من ذلك أنه يكفي في الحاجز المعتبر في هذا الباب مثل ما يكفي حاجزا عمن يمر
بين يديه وهو ما كان طوله اي ارتفاعه شبرا أو ذراعا بل لعل هذا المعنى الذي ينسبق إلى الذهن من اطلاق قوله ما لا يتخطى كما أنه هو المناسب ارادته من الصحيحتين
المتقدمتين اللتين وقع فيهما التعبير بلفظ لا ينبغي إذ لو لم يحمل قوله عليه السلام في الصحيحتين فإن كان بينهما شبر اجزئه على هذا المعنى لحصلت المنافرة بينه وبين قوله عليه السلام لا ينبغي
ذلك بعد وقوعه جوابا عن السؤال عن أن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذاه في الزاوية الأخرى إذ لا يكاد يوجد عادة زاويتا حجرة لا يتحقق
بين من يصلي فيهما الفصل بينهما بمقدار شبر كي يحسن بملاحظته اطلاق قوله لا ينبغي ذلك وحمله على إرادة ما لو كان الرجل متقدما على المرأة بمقدار الشبر وان كان موجبا
لاندفاع هذا التدافع ولكن إرادة هذا المعنى من تلك العبارة في غاية البعد وربما يؤيد المعنى المزبور أيضا رواية علي بن جعفر المروية عن قرب الإسناد عن أخيه موسى
عليه السلام قال سئلته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلي بحياله وهو يراها وتراه قال إذا كان بينهما حائط قصير أو طويل فلا باس و
خبره الاخر المروي عن كتاب مسائله عن أخيه قال سئلته عن الرجل هل يصلح ان يصلي في مسجد وحيطانه كوى كله قبلته وجانباه وامرأته تصلي بحياله يراها ولا تراه قال لا باس
وكيف كان فاحتمال إرادة هذا المعنى من الروايات ان لم يكن بأقوى من سائر الاحتمالات فليس بأضعف منها فليتأمل ثم لا يخفى عليك ان ابداء الاحتمال المزبور في
تفسير الشبر والذراع الواردين في الاخبار غير قادح في الاستدلال بها للقول بالمنع بل يؤكد دلالتها عليه إذ لو أريد بها ظاهرها من اعتبار هذا المقدار من الفصل لتوجه
عليه ما قد يقال من أن اختلاف التحديدات الواردة في الباب من امارات الكراهة القابلة للشدة والضعف كما في منزوحات البئر ولا يتمشى هذا الكلام على تقدير ان يكون
المراد بالشبر والذراع ما كان طوله اي ارتفاعه بهذا المقدار لامكان الجمع حينئذ بين مجموع الاخبار بتقييد بعضها ببعض على وجه يساعد عليه الصرف كما هو واضح فيكون
المحصل من مجموع الأخبار المتقدمة بناء على إرادة هذا المعنى انه لا يجوز ان يصليا معا الا ان يتقدم الرجل عليها ولو بصدره كما يدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة أو يكون الفصل
بينهما بمقدار عشرة اذرع كما يشهد له موثقة عمار أو يكون فاصل بينهما بطول شبر فما زاد ولكن الالتزام بكفاية هذا المقدار من الحاجز في رفع المنع مشكل لمخالفته
لظاهر كلمات الأصحاب ان لم يكن صريحها الا ان هذا لا ينفي احتمال ارادته من الاخبار مع أنه حكى القول به عن بعض وربما يستدل للقول بالمنع أيضا بمرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يصلي والمرأة بحذائه أو إلى جانبه فقال إذا كان سجودها مع ركوعه فلا باس ومرسلة ابن فضال عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي والمرأة بحذائه أو إلى
جنبه قال إذا كان سجودها مع ركوعه فلا باس بدعوى ان المراد بكون سجودها مع ركوعه محاذاة موضع سجودها لموضع ركوعه وفيه ان ما ذكر في تفسيره تأويل لا شاهد
عليه مع أنه لا يخلو عن تشابه حجة القائلين بالجواز صحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا باس ان تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فان النبي صلى الله عليه وآله كان يصلى وعايشة
مضطجعة بين يديه وهي حائض وكان إذا أراد ان يسجد غمز رجلها فرفعت رجلها حتى يسجد وخبر ابن فضال عمن اخبره عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل
يصلي والمرأة تصلي بحذاه فقال لا باس ونوقش في الصحيحة باشتمالها على علة غير مناسبة إذ لا كلام في جواز ان يصلى الرجل وبين يديه امرأة قائمة أو نائمة كما دل
عليه سائر الأخبار فيغلب على الظن وقوع التصحيف في الرواية بان كانت هكذا لا باس ان تضطجع المرأة بحذاء الرجل الخ وفيه ما لا يخفى ضرورة ان ثبوت نفي الباس عن أن يصلي
الرجل والمرأة قائمة أو نائمة بين يديه عندنا بواسطة الاخبار الواصلة الينا عن الأئمة عليهم السلام لا يستلزم وضوحه لدى المخاطبين بهذا الكلام فلعلهم لم يكونوا يتوهمون
المنع عن أن يصلي الرجل وتصلي المرأة بحذائه الا من حيث كونها شاغلة لقلبه أو غير ذلك من الجهات التي لو كانت مقتضية للمنع لكان اقتضائها له حين اضطجاعها بين
يديه وغمزه لها أشد والحاصل انه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الخدشات في طرح الروايات فهذه الصحيحة بملاحظة ما وقع فيها من التعليل كادت تكون صريحة في
نفي الباس عن المحاذاة مطلقا بل وكذا التقدم أيضا وان لم يكن فيها تصريح به واما الخبر الثاني فيحتمل قويا اتحاده مع الأولى فيؤكدها وينفي عنها احتمال وجود خال
في متنها وان كان هذا الاحتمال في حد ذاته غير معتني به وعلى تقدير كونه رواية مستقلة فهي أيضا كالنص في المدعى فإنه وان أمكن تقييده بما إذا كان الفصل بينهما بأكثر
من عشرة اذرع جمعا بينه وبين موثقة عمار لكن ارتكاب هذا النحو من التقييد الذي هو في غاية البعد بل لا يبعد دعوى القطع بعدم ارادته من الرواية ابعد من حمل الباس
المفهوم من الأخبار المانعة على الكراهة فهذا هو المتعين في مقام الجمع خصوصا مع وجود الشاهد له وهو الصحيحتان المتقدمتان اللتان وقع فيهما التعبير بلفظ لا ينبغي
الظاهر في الكراهة وصحيحة الفضيل المروية عن العلل عن أبي جعفر عليه السلام قال انما سميت مكة بكة لأنه تبك فيها الرجال والنساء والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك
وعن يسارك ومعك ولا باس بذلك وانما يكره في سائر البلدان إذ المراد بالكراهة في هذه الرواية على الظاهر معناها المصطلح لا لوقوع التعبير بلفظ يكره
الذي قد لا يأبى عن إرادة الحرمة بل لعدم القول بالفصل بين مكة وغيرها بناء على الحرمة واستبعاد كون الزحام الحاصل في مكة موجبا لرفع المنع على تقدير كونه تحريميا
ومما يدل على الجواز أيضا خبر عيسى بن عبد الله القمي سئل الصادق عليه السلام عن امرأة صلت مع الرجال وخلفها صفوف وقد أمها صفوف قال مضت صلاتها ولم تفسد
على أحد ولا تبعد وربما يستدل له أيضا بالأخبار المستفيضة المتقدمة النافية للباس إذا كان بينه وبينها ذراع أو شبر أو قدر ما لا يتخطى إذ لا يلتزم القائلون
بالمنع بكفاية هذا المقدار من الفصل فلابد اما من طرح هذه الأخبار الكثيرة أو الالتزام بكون الحكم على سبيل الكراهة التي لا تنافيها اختلاف التحديدات الواقعة
في الاخبار ولكنك عرفت امكان حمل تلك الأخبار على معنى لا يلزمه اختلاف التحديد في مقدار ما يعبر من الفصل بحمل اخبار الشبر على ما كان ارتفاعه بمقدار الشبر وان لم
179

يخل ذلك أيضا عن اشكال لا يلتزم به القائلون بالمنع مع أنه قد يأبى عن هذا الحمل بعض الأخبار كصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام في المرأة تصلي إلى جنب الرجل قريبا منه
فقال إذا كان بينهما موضع رحل فلا باس وصحيحة زرارة المروية عن مستطرفات السرائر من كتاب حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له المرأة والرجل يصلي كل واحد
منهما قبالة صاحبه قال نعم إذا كان بينهما قدر موضع رحل بل الاتصاف ان حمل أغلب الاخبار النافية للباس عنه إذا كان بينهما شبر أو ذراع على المعنى المزبور كحملها
على تأخرها عنه بهذا المقدار لا يخلو عن بعد فلا يبعد ان يدعى ان هذا النحو من الاختلاف الواقع في هذه الأخبار على كثرتها وتظافرها مع كونها بأسرها واردة
في مسألة خاصة وهي ما لو صلى الرجل بحذاء المرأة من أقوى الشواهد على الكراهة وان أبيت عن هذا الحمل فالمتعين هو الالتزام بمقالة الجعفي بعد حمل
ما وقع في كلامه من التحديد بعظم الذراع على إرادة التحديد التقريبي بحيث لا ينافيه الاكتفاء بالشبر الذي هو أقل من عظم الذراع بمقدار غير معتد به لاستفاضة
الاخبار النافية للبأس إذا كان الفصل بينهما بمقدار شبر أو عظم الذراع أو ما لا يتخطى وقدر موضوع رحل ولا منافاة بين هذه الأخبار لقرب مضامينها و
شهادة بعضها بكون التحديد بما زاد على الشبر تقريبيا حيث وقع في بعضها التحديد بشبر أو ذراع على سبيل الترديد وفي بعضها الاخر بقدر ما لا يتخطى أو قدر عظم
الذراع فصاعدا والحاصل ان هذا النحو من الاختلاف الذي هو في هذا الصنف من الاخبار ليس على وجه يجعلها من الاخبار المتعارضة ولا يصلح موثقة
عمار الدالة على المنع الا ان يجعل بينها وبينه أكثر من عشرة اذرع لمعارضة هذه الطائفة من الاخبار لقصورها عن المكافئة سندا ودلالة فلابد من حملها على الكراهة
وكذا صحيحة زرارة الناهية عن أن تصلي المرأة بحيال الرجل الا ان يكون قدامها ولو بصدره فان حمل النهي في هذه الصحيحة على الكراهة أولى من ارتكاب التأويل
في هذه الأخبار المستفيضة التي قد يأبى بعضها عن التأويل كما تقدمت الإشارة إليه مع اعتضادها بالاخبار الدالة على الجواز مطلقا التي قد عرفت كون بعضها
كالصريح في نفي الباس عن المحاذاة الحقيقية واما تلك الأخبار اي الأخبار المطلقة النافية للباس فهي أيضا لا تصلح لمعارضة هذه الروايات فان تقييدها
بما إذا كان بينهما شبر أو ذراع من أهون التصرفات حيث إن الغالب وجود هذا المقدار من الفصل بين الرجل والمرأة التي تصلي بحياله فلا يبعد كون الاطلاقات
جارية مجرى الغالب فالانصاف عدم صلاحية شئ من الاخبار لمعارضة هذه الروايات فمن هنا قد يقوى في النظر القول المحكى عن الجعفي الا ان الأقوى خلافه
لضعف ظهور هذه الأخبار في حد ذاتها في الحرمة بل عدم دلالتها عليها الا بملاحظة ما قد يدعى من أن المنساق إلى الذهن من الباس المفهوم منها عند انتفاء الفصل
بمقدار الشبر هو العذاب الذي هو ملزوم وللحمرة وهو في حد ذاته لا يخلو عن تأمل وعلى تقدير التسليم فليس ظهوره في ذلك بأقوى من ظهور المطلقات النافية للباس في
الجواز على الاطلاق مع اعتضادها بالاخبار المتقدمة التي ظاهرها الكراهة هذا مضافا إلى شذوذ القول بالمنع فيما دون الشبر فقط بل مخالفته للاجماع
ظاهرا والله العالم وينبغي التنبيه على أمور الأول ان المتبادر من الأوامر والنواهي المتعلقة بكيفيات الاعمال المركبة من العبادات وغيرها كونها مسوقة
لبيان التكليف الغيري الناشي من الشرطية والجزئية أو المانعية كما تقدمت الإشارة إليه مرارا فالنهي عن أن يصلي الرجل بحذاء المرأة لايراد منه بحسب الظاهر الا
بيان مانعية المحاذاة عن صحة صلاته بناء على إرادة الحرمة منه وعن كمالها على تقدير الكراهة فمن هنا قد يقوى في النظر في لفرق في بطلان صلاته على القول
بالمنع بين كونه مع العمد والالتفات أو الغفلة والنسيان أو الجهل بالموضوع أو بحكمه وكونه معذورا في بعض هذه الأحوال من حيث الحكم التكليفي لا يجدي في
تخصيص المانعية المستفادة من النواهي المطلقة بغير تلك الحالة لان هذا انما يجدي فيما إذا كانت الشرطية أو المانعية مسببة عن تكليف نفسي مستقل فيختص
الشرطية حينئذ بصوره تنجز ذلك التكليف كشرطية إباحة المكان للصلاة الناشئة من حرمة التصرف في مال الغير بخلاف ما إذا كان الامر بالعكس كما فيما نحن فيه فإنه لا مقتضى
حينئذ للتخصيص إذ لا فرق فيما يتفاهم عرفا بين ما إذا قال الشارع القبلة شرط للصلاة أو قال يجب الاستقبال في الصلاة أو قال أينما كنتم فولوا وجوهكم شطر
المسجد الحرام في أنه يستفاد من كل من هذه التعبيرات شرطية الاستقبال للصلاة على الاطلاق ومقتضاه بطلانها بالاخلال به مطلقا من غير فرق بين العمد والسهو
لولا دليل حاكم عليه غاية الأمر انه في حال السهو معذور لمخالفة التكليف بالمشروط لا ان الشرطية مخصوصة بحال العمد وتمام الكلام في ايضاح المقام موكول
إلى محله فتلخص مما ذكر ان مقتضى اطلاقات الأدلة على القول بالمنع بطلان الصلاة مع المحاذاة مطلقا وان لم يعلم بها الا بعد الفراغ كما صرح به غير واحد
ولكن الأقوى اختصاصه بصورة العمد والالتفات لحكومة قوله عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة الخ على مثل هذه الاطلاقات كما هو واضح الثاني
لو شك في وجود من يصلي بحذائه بنى على عدمه للأصل الثالث ظاهر كلمات الأصحاب بل صريح جملة منها في لفرق في هذا الحكم كراهة أو تحريما بين الرجل و
المرأة وربما يستأنس له بقاعدة الاشتراك وان كانت أجنبية عن المورد ويمكن الاستشهاد له ببعض الأخبار المتقدمة كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال
سئلته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل تصليان جميعا قال لا ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل
والمرأة يصليان جميعا في المحمل قال لا ولكن يصلي الرجل وتصلي المرأة بعده وصحيحة ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أصلي والمرأة إلى جنبي وهي تصلي
فقال لا الا ان تتقدم هي أو أنت فان هذه الروايات بحسب الظاهر مسوقة لبيان حكم كل منهما لا خصوص الرجل وقد ورد في صحيحة علي بن جعفر الواردة في امرأة
قامت بحيال امام قوم الامر بإعادة المرأة لصلاتها التي صلت معهم ولكنك عرفت فيما سبق امكان الخدشة في دلالة هذه الصحيحة على ما نحن فيه والله العالم
الرابع على القول بالمنع لو اقترن الصلاتان بطلتا جميعا ولو تعاقبتا اختص البطلان باللاحقة كما صرح به غير واحد خلافا لآخرين بل المشهور على ما ادعاه بعضهم لان اللاحقة ليست بصلاة كي
تصلح مانعة عن صحة السابقة فإذا دخل الرجل في صلاته ليس لامرئة ان تصلي بحذائه ما لم يفرغ من صلاته والحال هذه لم تصح صلاتها فهي كصلاة المحدث
180

صورة صلاة لا صلاة حقيقة فلا يتنجز بواسطتها النهي في حق الرجل عن أن يصلي وبحذائه امرأة تصلي لأنه فرع تحقق موضوعه لا يقال إن الفساد
الناشي من قبل هذا الحكم لا يصلح ان يكون مانعا عن تحقق موضوعه فالمراد بالصلاة في الرواية الناهية عن أن يصلي الرجل وبحياله امرأة تصلي هو العمل الذي يكون صلاة لولا
الشرطية المستفادة من هذا النهي نظير نهي الحائض عن الصلاة فإنه مراد به النهي عن العمل الذي هو صلاة لولا الحيض وكيف لا والا لانتقض بصورة الاقتران فان شيئا
منهما ليس بصلاة مع أن كلا منهما مانع عن صحة الأخرى لأنا نقول انما يصار إلى التأويل المزبور بالنسبة إلى الصلاة الواقعة في حيز النهي بقرينة عقلية من شدة إليه كما
في صلاة الحائض واما بالنسبة إلى الطرف الآخر الذي جعلت صلاته شرطا لتعلق النهي بهذا الطرف فلا داعي
لارتكاب هذا التكليف فيه إذ لا مانع عقلا من أن يراد
من الصلاة في قوله وامرأة تصلي بحذائه الصلاة الصحيحة المبرئة لذمتها فان من الجائز ان يصرح الشارع بأنه يشترط في صحة صلاة الرجل ان لا يصلى وبحياله امرأة
تصلي صلاة صحيحة مبرئة لذمتها ويشترط في صحة صلاة المرأة عكسه وقضية ذلك اختصاص البطلان باللاحقة في صورة التعاقب وعدم صلاحيتها للتأثير في فساد
السابقة لعدم كونها صلاة صحيحة ولا يتوجه عليه النقض بصورة الاقتران لان قضية اعتبار هذا الشرط شرطا في صحة صلاة كل من الطرفين حصول التمانع في صورة
الاقتران فتبطلان جميعا بحكم العقل وان قصر عن شمول هذه الصورة اطلاق دليل الاشتراط إذ لا يمكن ان يتصف إحديهما بوصف الصحة كي تختص بالمانعية
عن صحة الأخرى لعدم المرجح فيهما اما صحيحتان أو فاسدتان لا سبيل إلى الأول لمنافاته للشرط المزبور فيتعين الثاني وقد تلخص مما ذكر ان الأقوى صحة السابقة
وفساد اللاحقة في صورة التعاقب ولكن قد يشكل ذلك فيما إذا حصلت اللاحقة لا عن عمد بناء على اختصاص شرطية في لمحاذاة بحال العمد كما قويناه فيما
سبق فان اللاحقة تصح على هذا التقدير فيشكل الامر حينئذ بالنسبة إلى السابقة حيث إنها تندرج في موضوع الأخبار الناهية من أن يصلي وبحذائه امرأة تصلي
ولكن لا يبعد دعوى انصراف تلك الأخبار عن مثل الفرض بل الانصاف ان هذه الدعوى قريبة جدا فان من المستبعد ان يكون لفعل صادر من شخص اخر أجنبي
عن المكلف تأثير في فساد العمل الذي تلبس به المكلف أو في صحته فلا ينسبق إلى الذهن ارادته من اطلاقات الأدلة فلا يتبادر من النهي من أن يصلي الرجل وبحذائه امرأة
تصلي الا المنع عن المحاذاة التي يصح استنادها إلى الرجل ولا ينافي ذلك ما تقدمت الإشارة إليه من أن
المتبادر من مثل هذه النواهي إرادة الحكم الوضعي لا
التكليفي الذي يكون للاختيار مدخلية في تنجزها فان المتبادر من مثل قولنا يشترط في صحة صلاة الرجل ان لا يقف في مكان يحاذيه امرأة تصلي أيضا ليس الا
ما ذكر والنهي المزبور ليس الا بمنزلة هذا القول فليتأمل ومما يدل أيضا على أصل الحكم المزبور اي اختصاص البطلان باللاحقة دون السابقة صحيحة علي بن جعفر
التقدمة الواردة في امرأة قامت بحيال امام قوم وصلت معهم لا يفسد ذلك على القول وتعيد المرأة صلاتها فإنها صريحة في صحة صلاة القوم الذين منهم
الامام الذي لا شبهة في سبق صلاته على صلاة المرأة ولكن يتم الاستشهاد بهذه الصحيحة للمدعى بناء على أنه يكفي في البطلان مسمى الصلاة عرفا وان كانت فاسدة ولو
مع قطع النظر عن المحاذاة كما حكى القول به عن بعض والا فيمكن الخدشة في الاستدلال بان من الجائز ان يكون الوجه في صحة صلاة القوم بطلان صلاة المرأة في حد ذاتها
مع قطع النظر عن المحاذاة لما تقدمت الإشارة إليه انفا عند تضعيف استدلال القائلين بالمنع بهذه الصحيحة من عدم انحصار وجه الإعادة في ذلك فعلى هذا التقدير
لا يتم الاستشهاد بها لما نحن فيه أيضا كما لا يخفى ولو دخل في الصلاة غفلة ثم رأى امرأة تصلي بحياله فان علم بدخولها بعده في الصلاة مضى في صلاته بناء
على ما قويناه من صحيحة السابقة مطلقا وان علم بتأخره عنها أو احتمله نقض صلاته ان لم يتمكن من أن يتقدم عليها أو يتباعد عنها من غير ايجاد المنافي فان صلاتها محكومة
بالصحة ما لم يعلم بتأخرها عنه فليس له ان يصلي وبحياله المرأة تصلي فعليه في مثل الفرض قطع هذه الصلاة التي شرع فيها غفلة ولو تمكن من التقدم أو التباعد
بلا منافي تقدم أو تباعد ومضى في صلاته فان ما صدر منه غفلة لا يجب اعادته بمقتضى عموم لا تعاد الخ إذ الظاهر شموله لبعض الصلاة أيضا كجملتها وان لا
يخلو عن تأمل واما الاجزاء اللاحقة فيأتي بها جامعة لشرطها وما بينهما من الزمان الذي يشتغل فيه بتحصيل الشرط عفو كما يظهر وجهه مما ذكرناه فيما لو أخل غفلة بستر
عورته ثم ذكر في الأثناء على اشكال تقدم التنبيه عليه فيما سبق ولكن الأحوط ان لم يكن أقوى اعادتها فيما بعد فان للتأمل في المقدمات المزبورة مجال بل لا ينبغي ترك
الاحتياط في الفرض الأول أيضا باتمام الصلاة ثم الإعادة هذا كله بناء على حرمة المحاذاة واما على الكراهة كما هو المختار فيمضي في صلاته مطلقا ولكن الأولى والأحوط
عند تمكنه من التقدم أو التباعد بلا فعل المنافي اختباره والله العالم ويزول التحريم أو الكراهة إذا كان بينهما حائل بلا خلاف في علي الظاهر بل عن المعتبر والمنتهى دعوى
الاجماع عليه ويشهد له مضافا إلى انصراف اخبار المنع عما لو كان بينهما حائل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة تصلي عند الرجل قال إذا كان بينهما حاجز فلا بأس ويدل عليه أيضا قوله عليه السلام في
صحيحة الحلبي ان كان بينهما ستر أجزأه بناء على قراءة الستر بالسين المهملة والتاء المثناة فوق كما حكى عن بعض النسخ ثم إن من المتبادر من اطلاق الحاجز والستر هو الحائل المانع عن
الرؤية كما أن هذا هو المنساق إلى الذهن من اطلاق الحائل في فتاوي الأصحاب بل ربما وقع التصريح به في كلام غير واحد منهم ولكن قد ينافيه صحيحة علي بن جعفر المروية عن
كتاب مسائله عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل هل يصلح ان يصلي في مسجد حيطانه كوى كله قبلة وجانباه وامرأته تصلي بحياله يراها ولا تراه قال لا بأس و
خبره الاخر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلي بحياله وهو يراها و
تراه قال إذا كان بينهما حائط قصير أو طويل فلا بأس فان هذين الخبرين صريحان في أنه لا يشترط في صحة صلاتهما وجود حائل مانع عن المشاهدة ومقتضى الجمع بينهما
وبين الصحيحتين تعميم الحاجز والستر بحيث عم ما تضمنته الخبران الأخيران كما ربما يؤيد ذلك بعض الأخبار النافرة للبأس عما إذا كان بينهما شبر أو ذراع بناء على أن
يكون المراد بها ما كان ارتفاعه عن الأرض بمقدار شبر أو ذراع اي الحاجز الذي يكون بهذا المقدار نعم على القول بالكراهة يمكن الجمع بينها بحمل الاخبار
181

الأخيرة على خفة الكراهة وحمل صحيحة محمد بن مسلم ونحوها على نفيها رأسا تنبيه حكى عن العلامة في النهاية أنه قال وليس المقتضى للتحريم أو الكراهة النظر لجواز الصلاة
وان كانت قدامه عارية ولمنع الأعمى ومن غمض عينه انتهى وظاهره المفروغية من في لاكتفاء بالعمي وغمض البصر ولكن حكى عنه في التحرير أنه قال لو كان الرجل
أعمى فالوجه الصحة ولو غمض الصحيح عينه فاشكال وعن الشهيد في البيان أنه قال وفي تنزيل الظلام أو فقد البصر منزلة الحائل نظر أقربه المنع وأولى بالمنع منع الصحيح نفسه
عن الابصار وعن الشهيد الثاني في الروض أنه قال والمراد بالحائل الحاجز بينهما بحيث يمنع الرؤية من جدار وستر وغيرهما والظاهر أن الظلمة وفقد البصر كافيان
فيه وهو اختيار المصنف في التحرير لا تغميض الصحيح عينيه مع احتماله انتهى أقول لا ريب في انصراف لفظ الحاجز والستر والحائل ونحوها عن الظلمة والعمي ونحوهما
فضلا عن تغميض الصحيح عينه بل عدم صدقها عليها عرفا فالحاق مثل هذه الأمور بالحاجز بحسب الظاهر قيام
كما أشار إليه في الجواهر فإنه بعد ان نقل عبارة التحرير المتقدمة
قال ولعله لتحيل ان المراد بالستر المنع عن النظر ولذا ارتفعت الكراهة مع صلاتها خلف وهو كما ترى من العلة المستنبطة انتهى ولكن لا يبعد ان يدعى ان مغروسية
هذه العلة في الذهن مانعة عن ظهور الأخبار الناهية من أن يصلي الرجل وبحياله امرأة تصلي في الاطلاق فهي بنفسها منصرفة عما إذا تعذرت مشاهدتها الظلمة أو عمى
ونحوهما فليتأمل أو كان بينهما مقدار عشرة اذرع بلا خلاف يعتد به فيه على الظاهر بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويشهد له خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد
عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل يصلي الضحى وامامه امرأة تصلي بينهما عشرة اذرع قال لا بأس ليمض في صلاته ولا ينافيه التحديد بأكثر من عشرة
اذرع في موثقة عمار حيث قال أبو عبد الله عليه السلام في جواب سؤاله عن انه هل يستقيم للرجل ان يصلي وبين يديه امرأة تصلي لا حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة اذرع
وان كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك وان كانت تصلي خلفه فلا بأس لما تقدمت الإشارة إليه عند الاستدلال بهذه الموثقة للمنع من أن المتبادر
منها إرادة العشرة فما زاد والتعبير بالأكثر جار مجرى العادة في مقام التعبير بلحاظ ان الفصل بهذا المقدار بحث علم بحصوله يمتنع عادة الا على تقدير كونه أكثر فهذه الموثقة
هي بنفسها حجة كافية واما الرواية الأولى فيحتمل قويا جريها مجرى التقية لما فيها من الامر بالمضي في صلاته التي يظهر من غير واحد من الاخبار عدم شرعيتها وفي بعضها التصريح
بأنها بدعة وكل بدعة ضلالة فيشكل حينئذ الغاء خصوصية مورد السؤال حتى يتم به الاستدلال فان من الجائز ان يكون المقصود بنفي البأس نفيه في خصوص هذه الصلاة
التي أمضاها على سبيل التقية لا من حيث كونها صلاة فتأمل وكيف كان فلا اشكال في أصل الحكم بعد عدم معروفية الخلاف فيه ودلالة الموثقة عليه بالتقريب المتقدم
مع اعتضاده بظاهر الخبر المزبور وهل المدار على الفصل بالمقدار المزبور في صورة التقدم كصورة التحاذي بين موقفيهما أو بين مسجده وموقفها وجهان أوجههما اعتبار
هذا المقدار من الفصل بين جسديهما في جميع الأحوال ففي حال القيام يراعي بين الموقفين وعند السجود بين مسجده وموقفها فلو لم يكن حال القيام بينهما الا بمقدار
العشرة فتباعد حال السجود بحيث حصل الفصل بينهما في هذه الحالة أيضا بذلك المقدار اجزائهما ولو كان أحدهما على مرتفع من بناء ونحوه مما يزيد ارتفاعه عن
طول قامة الاخر فهو خارج عن منصرف النصوص والفتاوي فيرجع في حكمهما إلى الأصل المقرر عند الشك في الشرطية والمانعية (وهو؟) على ما حققناه في محله ودعوى
ان المسامتة من جهة الفوق أو التحت أولى من المحاذاة والتقدم بالمنع غير مسموعة بل وادعى مدع ان كونها على المرتفع الذي لا يراها الرجل أولى بالجواز من
تأخرها لكان ذلك أولى بالاذعان والحاصل ان المدار في مثل هذه الأحكام التعبدية على ظواهر الأدلة السمعية فلا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الدعاوي و
ادعاه تناول الأدلة السمعية الدالة على المنع لذلك والارتفاع والهبوط مما لا مدخلية فيه قطعا قطع في غير محله كيف مع أن المنساق من النصوص والفتاوي
انما هو إرادة المنع مع التحاذي أو كونها بين يديه وبحيال وجهه أو بحياله أو إلى جنبه أو عنده وصدق هذه العناوين على مثل الفرض حقيقة ممنوعة فضلا عن انصراف
الأدلة إليه نعم لا يبعد صحة اطلاق كونها عن يمينه أو عن يساره وامامه عرفا الا انه خلاف ما ينسبق إلى الذهن من اطلاقها في بعض اخبار الباب كرواية علي بن
جعفر وموثقة عمار المتقدمتين مع أن أوليهما ليست من الأخبار المانعة بل هي دالة على نفي البأس عن أن يصلي الرجل صلاة الضحى وامامه امرأة تصلي بينها وبين عشرة
اذرع فهي لا تدل على ثبوت البأس فيما لو كان الفصل بينهما أقل من ذلك فضلا عما لو صلت المرأة على سطح عال والرجل على الأرض مع أنه لا يتبادر من تحديد ما
بينهما بعشرة اذرع الا إرادة كونهما في سطح واحد كما أنه كذلك في موثقة عمار ثم لو سلمنا شمول أدلة المنع لذلك يشكل الامر في اعتبار العشرة اذرع فهل هو من
موقفه إلى موقفها بعد فرض اعتداله ومساواته لموقف الرجل أو من موقفه إلى أساس الحائط ومن أساس الحائط إلى أعلاه ثم إلى موقفها أو العبرة يكون ما بينهما الذي
هو ضلع المثلث عشرة اذرع وجوه أوجههما الأخير إذ التحديد تحديد لما بينهما وهو البعد الفاصل بين الجسمين الذي بملاحظته يندرج في موضوع الاخبار على تقدير
تسليمه والله العالم ولو كان الرجل قدامها ولو بصدره فضلا عما لو كانت ورائه بقدر ما يكون موضع سجودها محاذيا لقدمه سقط المنع بناء على كونه تحريميا على
الأشبه لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة لا تصلي المرأة بحيال الرجل الا ان يكون قدامه أو لو بصدره وربما يستدل له أيضا بالخبرين النافيين للبأس عما إذا
كان سجودها مع ركوعه بحملهما على إرادة موضع ركوعه فيقرب مفادهما من مفاد الصحيحة المتقدمة وفيه ما عرفت من أنه مع اجماله تأويل لا يخلو عن تكلف واستدل
له أيضا باخبار الشبر والذراع وما لا يتخطى بحملها على إرادة التأخر بهذا المقدار وفيه ما عرفت فيما سبق من بعد إرادة هذا المعنى من تلك الأخبار ولكن لقائل
ان يقول إن المراد بتلك الأخبار اما تأخرها عنه بهذا المقدار أو الفصل بينهما بمثل ذلك أو ان يكون بينهما فاصل كذلك فعلى الأول هي بنفسها شاهدة للمدعى و
على الثاني فإن لم تعمه بلفظها فتدل عليه بالفحوى ولكن فيما إذا لم يتصل به بل تأخرت عنه بمقدار شبر منفصلة عنه أيضا بهذا المقدار ويتم القول في صورة تأخرها
بلا فصل بينهما بعدم قوله يعتد به بالفصل على تقدير تحققه واما الاحتمال الثالث فهو في حد ذاته بعيد خصوصا بالنسبة إلى بعضها وعلى تقديره أيضا
182

فلا يخلو عن تأييد فتأمل وكيف كان فالصحيحة المتقدمة كافية في اثبات المدعى وما قيل في تضعيفه من شذوذ القائل به فما لا ينبغي الالتفات إليه بعد ان حكى القول
به عن بعض القدماء وجماعة من المتأخرين وصرح غير واحد بعدم ارتفاع المنع الا إذا تأخرت عنه بجميع جسدها بل ربما نسب هذا القول إلى ظاهر المشهور و
استدل له بقوله عليه السلام في موثقة عمار وان كانت تصلي خلفه فلا بأس وان كانت تصيب ثوبه وفيه ان حمل الموثقة على الكراهة أولى من طرح الصحيحة أو تأويلها بجعلها
كناية عن تأخرها تماما كما أن مقتضى الجمع بينهما على القول بالكراهة حمل الصحيحة على خفة الكراهة والموثقة على نفيها رأسا ثم إن ظاهر المصنف وغيره ممن عبر
كعبارته في المتن الاكتفاء في سقوط المنع بمحاذاة موضع سجودها لقدمه وعدم كفاية ما دونه وهو بظاهره مخالف لظواهر النصوص والفتاوي فان ظاهر الصحيحة
المتقدمة ما عرفت وظاهر غيره كموثقة عمار وأكثر الفتاوي اعتبار تأخرها مطلقا بحيث لم يحاذ جزء منها لجزء منه ولو في حال السجود خصوصا مع ما في الموثقة من التنبيه
على الفرد الخفي بقوله وان كانت تصيب ثوبه اللهم الا ان يقال بصدق التأخر المنصرف إليه اطلاق النصوص والفتاوي عرفا على الفرض وما في موثقة عمار من قوله
وان كانت تصيب ثوبه للمبالغة في عدم اعتبار البعد بينهما في صورة التأخر لا للتنبيه على الفرد الخفي من التأخر والله العالم ولو حصلا في موضع لا يتمكنان من
التباعد ولا من تقدمه عليها كما لو كانا في المحمل وتعذر عليهما النزول للصلاة صلى الرجل أولا فإذا فرغ صلت المرأة كما وقع التصريح بذلك في صحيحة محمد بن مسلم
ورواية أبي بصير المتقدمتين في صدر المبحث اللتين وقع فيهما السؤال عن أن الرجل والمرأة هل يصليان في المحمل جميعا ففي أوليهما قال عليه السلام لا ولكن يصلي الرجل
فإذا فرغ صلت المرأة وفي ثانيتهما لا ولكن يصلي الرجل وتصلي المرأة بعده والظاهر أن هذا الحكم على سبيل الأولوية والفضل من باب تقديم صاحب الفضل لا الوجوب
اما على القول بكراهة المحاذاة كما هو المختار فواضح واما على القول بالحرمة أيضا فكذلك لان من المستبعد ان يكون تأخيرها للصلاة واجبا شرطيا أو شرعيا تعبديا
فلا ينسبق إلى الذهن من الخبرين الا ارادته على جهة الاستحباب كما يشهد لذلك مضافا إلى ذلك قوله عليه السلام في صحيحة ابن أبي يعفور الا ان تتقدم هي أو أنت إذا الظاهر أن
المراد به التقدم في الصلاة لا المكان والا لزم مخالفته لغيره من الفتاوي والنصوص ويؤيده أيضا ما عن العلامة في المنتهى من دعوى الاجماع على الصحة
حيث بعد ذكر الرواية المتقدمة فلو خالف وصلت المرأة أولا صحت صلاتها اجماعا انتهى فما عن الشيخ من القول بالوجوب كما ربما يستشعر من المتن وغيره
ضعيف ولو ضاق الوقت يصليان معا سواء قلنا بالحرمة أو الكراهة لان الصلاة لا تسقط بحال وشرطية في لمحاذاة لو سلمناها فإنما هي في غير حال الضرورة
كغيرها من الشرائط والاجزاء المعتبرة في الصلاة التي لا تسقط بتعذر شئ منها عدى الطهور على اشكال فما عن المحقق الثاني من الاستشكال فيه بما محصله ان التحاذي
ان كان مانعا من الصحة منع مطلقا لعدم الدليل على الابطال بموضع دون موضع إذ النص والفتوى عامان وحينئذ فعلى الحرمة ان كان المكان لأحدهما اختص به ولا يجوز
ايثار الاخر به وان كان لهما أو استويا فيه أمكن القول بالقرعة فيصلي من خرج اسمه ويقضي الاخر انتهى ضعيف وهل يختص الحكم في أصل المسألة بالمكلفين فلا
يعم الصبي والصبية أم يعمهما أو يفصل بين ما لو حاذا الصبي امرأة أو الصبية رجلا وبين عكسهما أو محاذاة كل منهما للاخر فلا منع في الأخيرين بخلاف الأول وجوه
أقواها الأول بل عن الروض نسبته إلى المشهور لان الأخبار الدالة على المنع قد اشتملت على لفظ الرجل والمرأة وهما لا يعمان الصبي والصبية ودعوى انهما لغة على
ما يظهر من بعض اللغويين أعم لو سلمت فهي غير مجدية ضرورة انصرافهما عرفا إلى البالغين فتسرية الحكم إلى غير البالغين قياس نعم ورد لفظ البنت في بعض
الاسئولة الواقعة في الاخبار كصحيحتي الحلبي ومحمد بن مسلم اللتين وقع فيهما السؤال عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذاه في الرواية الأخرى و
لكنه أيضا في مثل المقام منصرف إلى البالغة بحكم الغلبة مع أنه ليس المقصود بالسؤال على ما يتبادر منه الاطلاق من هذه الجهة كي يكون اطلاق الجواب من غير
استفصال دليلا على العموم وما يقال من أن المراد بعبادة الصبي التي وقع الكلام في شرعيتها انما هو العبادة المشروعة للبالغ فكل شرط لصلاة الرجل شرط
لصلاة الصبي وكل شرط لصلاة المرأة شرط لصلاة الصبية كما أومى لذلك الشهيد في المحكى عن حواشيه حيث قال إن الصبي والصبية يقرب حكمهما من الرجل والمرأة
فيتجه حينئذ الوجه الثالث مدفوع بان المراد بشرعيتها هي شرعية تلك العبادة من حيث هي لا من حيث صدورها من البالغ فكل ما شك في اعتباره في نفس تلك
الماهية مطلقا وان للبلوغ دخلا في شرطية ولم يكن لدليله اطلاق يصح التمسك به يرجع فيه بالنسبة إلى مواقع الشك إلى حكم الأصل فمن الجائز ان يكون المنع عن
المحاذاة أو التقدم كوجوب ستر الرأس على المرأة من الاحكام المختصة بالبالغين فتعدية الحكم إلى غيرهم موقوف على قيام دليل عليه وهو مفقود والله العالم
واما الخنثى المشكل فالأقوى وجوب الاحتياط عليه بالاجتناب عن محاذاة كلتا الطائفتين وعن الصلاة امام الرجل وخلف المرأة لعلمه اجمالا بكونه مكلفا
بالاجتناب عن أحد الامرين ومحاذاة احدى الطائفتين فعليه الاحتياط هو الشأن في كل مورد اشتبه فيه الحرام بغيره من أمور محصورة اللهم الا ان يدعى انصراف
اطلاقات الأدلة عنه وفيه تأمل إذ الظاهر أنه على تقدير تسليمه بدوي نشأه عدم وضوح حاله بحيث لو علم باندراجه في أحد الطائفتين لا يشك في ارادته
من الاطلاق فليتأمل واما كل من الرجل والمرأة فله ان يصلي بحذائه لان محاذاة غير المماثل مانعة عن صحة صلاته وهي مشكوكة التحقق والأصل عدمه وان أردت
مزيد توضيح لذلك فعليك بالتأمل فيما ذكرناه عند البحث عن جواز الصلاة فيما يشك في كونه من مأكول اللحم ولا بأس ان يصلي في الموضع النجس إذا كانت
نجاسته لا تتعدى إلى ثوبه ولا إلى بدنه وكان موضع الجبهة طاهرا على المشهور كما ادعاه غير واحد فههنا مقامان لابد من التكلم فيهما الأول انه لا يشترط
الطهارة فيما عدى موضع الجبهة مما يصلي عليه وقد حكى عن أبي الصلاح انه اعتبر طهارة موضع المساجد السبعة وعن السيد المرتضى رحمه الله انه اشترط طهارة مكان
المصلي مطلقا اما القول المحكى عن أبي الصلاح فلم نقف له على دليل يعتد به وربما يستدل له بالنبوي جنبوا مساجدكم النجاسة وفيه انه يحتمل قويا ان يكون المراد بالمساجد
183

الأماكن المعدة للصلاة المسماة بالمسجد لا مواضع السجود وعلى تقدير إرادة هذا المعنى فالمتبادر منه مواضع الجباه دون سائر المواضع واضعف منه الاستدلال له
بصحيحة ابن محبوب عن الرضا عليه السلام انه كتب إليه يسئله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى يجصص به المسجد أيسجد عليه فكتب إليه ان الماء والنار قد طهراه فان
مفادها انه لولا أن الماء والنار قد طهراه لم يجز السجود عليه وفيه بعد تسليم الدلالة انه يكفي في في لجواز كون الطهارة شرطا لجواز السجود في الجملة ولو في
خصوص موضع الجبهة كما لا يخفى واما القول المحكى عن السيد فاستدل له بالنهي عن الصلاة في المجزرة وهي المواضع التي تذبح فيها الانعام والمزبلة والحمامات وهي
مواطن النجاسة فيكون الطهارة معتبرة وأجيب عن ذلك بأنه يجوز ان يكون النهي عن هذه المواضع من جهة الاستقلال والاستخباث الدالة على مهانة نفس من يستقر بها
فلا يلزم التعدية إلى غيرها وبالجملة النهي عن ذلك نهى تنزيه فلا يلزم التحريم كما يؤيده انه قد لا يحصل العلم بنجاسة جميع تلك المواطن ولو سلم دلالتها على اعتبار الطهارة فلا تدل
الا على اعتبارها في الجملة فلعله بلحاظ كونها شرطا بالنسبة إلى موضع الجهة لا مطلقا والأولى الاستدلال له بموثقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام في الشاذ كونه يصيبها
الاحتلام أيصلي عليه قال لا قال في محكى الوافي الشاذ كونه بالفارسية الفراش الذي ينام عليه انتهى وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الموضع القذر
يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر قال لا يصلي عليه واعلم موضعه حتى
تغسله وعن الشمس هل تطهر الأرض قال إذا كان الموضع
قذرا من البول أو غير ذلك فاصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة وان اصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا فلا يجوز الصلاة
حتى ييبس وان كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى ييبس وان كان غير الشمس
اصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك وفيه انه لابد من حمل الموثقتين ونحوهما مما ظاهره المنع عن الصلاة في النجس على الكراهة أو ارادته بالنظر إلى موضع الجبهة
كما ليس بالبعيد بالنسبة إلى الرواية الثانية أو غير ذلك من المحامل جمعا بينه وبين المعتبرة المستفيضة التي هي صريحة الدلالة على الجواز منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام انه سأله عن البيت والدار لا يصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة أيصلي فيهما إذا جفا قال نعم وصحيحته الأخرى عنه أيضا
قال سئلته عن البواري يبل قصبها بماء قذرا يصلي عليها قال إذا يبست فلا باس وصحيحته الثالثة عن البواري يصيبها البول هل يصلح الصلاة عليها إذا جفت من
غير أن تغسل قال نعم لا باس وموثقة عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل يجوز الصلاة عليها فقال إذا جفت فلا باس بالصلاة
عليها وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن الشاذ كونه عليها الجنابة أيصلي عليها في المحمل قال لا باس وخبر ابن أبي عمير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أصلي
على الشاذكونة وقد اصابتها الجنابة قال لا باس فما حكى عن المشهور من عدم اشتراط طهارة ما عدى موضع الجبهة هو الأقوى ولكن لا يخفى عليك ان هذا فيما
إذا لم تكن النجاسة متعدية إلى ثوبه وبدنه والا فهي ما لم تكن النجاسة معفوا عنها كالدم الأقل من الدرهم أو كان الثوب الذي يصل إليه النجاسة مما لا تتم
فيه الصلاة وحده قادحة من هذه الجهة بلا اشكال فيه بل ولا خلاف كما يدل عليه مضافا إلى اطلاقات الأدلة الدالة على اشتراط طهارة الثوب والبدن
خصوص موثقة عمار وصحيحة علي بن جعفر الثانية المتقدمتين وليس في هذين الخبرين وما جرى مجريهما مما يدل على اشتراط خلو المكان عن النجاسة المسرية دلالة
على أن اعتبار هذا الشرط في المكان من حيث هو لا من حيث سراية النجاسة إلى الثوب والبدن كي يكون مقتضاه الالتزام باطراد الحكم في النجاسة التي عفى عنها في الثوب و
البدن كالدم الأقل من الدرهم وكذا في المتعدية إلى ما لا تتم الصلاة فيه وحده فان مانعية النجاسة المسرية من حيث السراية غالبا مانعة من أن يستفاد من النصوص
والفتاوي مانعيتها من حيث هي أيضا مع قطع النظر عن تلك الجهة بل المناسبة المغروسة في الذهن موجبة لصرف اطلاق ما دل على المنع كموثقة عمار ونحوها إلى ارادته
من تلك الجهة فيما عن ظاهر فخر المحققين عن جعله من شرائط المكان من حيث هو ضعيف وان حكى عن ايضاحه انه حكى عن والده دعوى الاجماع على عدم صحة الصلاة في ذي المتعدية
وان كانت معفوا عنها إذا الظاهر أن دعوى الاجماع نشأت من اطلاقات كلماتهم المنصرفة إلى ما عرفت وكيف لا مع أنهم ربما استدلوا عليه باستلزامه تفويت شرط
الثوب والبدن هذا مع أنه حكى عن غير واحد التصريح بخلافه فالحق قصور الأدلة عن اثبات شرطيته للمكان من حيث هو فعلى تقدير الشك فيه يرجع إلى الأصل المقرر في
محله من البراءة وعدم الاشتراط ولو سلمنا الاشتراط أو قلنا بان المرجع لدى الشك فيه قاعدة الشغل فالأقوى ما أشرنا إليه من عدم جريان حكم العفو عما دون الدرهم
من الدم بالنسبة إلى المكان لاختصاص دليله بالثوب والبدن فالحاق المكان بهما قياس ودعوى الأولوية أو تنقيح المناط غير مسموعة في مثل هذه الأحكام التعبدية والله
العالم واما المقام الثاني وهو اشتراط طهارة موضع الجبهة فقد ادعى جملة من الأصحاب الاجماع عليه ولا ينافيه ما حكى عن المصنف في المعتبر من أنه نقل عن الراوندي
وصاحب الوسيلة القول بان الأرض والبواري والحصر إذا أصابها البول وجففتها الشمس لا تظهر بذلك لكن يجوز السجود عليها واستجوده فان هذا مرجعه إلى الخلاف
في كيفية تأثير الشمس من أنها هل يؤثر الطهارة أو العفو عن السجود عليها فهو مؤكد للاجماع على عدم جواز السجود على النجس الذي لم يثبت العفو عنه فما عن بعض
متأخري المتأخرين من الميل إلى عدم اشتراط طهارة المكان مطلقا حتى بالنسبة إلى محل السجود لزعمه عدم انعقاد الاجماع عليه مستشهدا لذلك بمخالفة هؤلاء الاعلام
في غير محله فان مخالفتهم في تلك المسألة على تقدير تحققها غير قادحة في انعقاد الاجماع على ما نحن فيه فالظاهر أن المسألة اجماعية كما يؤيد ظهور السؤال الواقع في
الصحيحة المتقدمة الواردة في الجص الذي يوقد عليه العذرة وعظام الموتى في كون المنع عن السجود على النجس من الأمور المسلمة المفروغ عنها لديهم كما أنه يدل على أصل المدعى
قوله عليه السلام في الجواب ان الماء والنار قد طهراه حيث يفهم منه انه لولا أن الماء والنار قد طهراه لم يجز السجود عليه فتصلح هذه الصحيحة المعتضدة ظهورها فيما ذكر
بما سمعت من استفاضة نقل الاجماع عليه وعدم معروفية الخلاف فيه من أحد شاهدة للجمع بين موثقة عمار وغيرها مما دل على المنع عن الصلاة على النجس وبين المستفيضة
184

المصرحة بنفي الباس عنه كما يؤيده أيضا النبوي المتقدم بناء على أن يكون المراد بالمساجد مواضع السجود كما ليس بالبعيد فتلخص مما ذكر ان الأقوى ما هو المشهور من
اعتبار طهارة موضع الجبهة مع أنه أحوط وهل المعتبر طهارة مقدار يجب السجود عليه فلو طهر هذا المقدار ونجس الباقي مما يقع عليه الجبهة بنجاسة غير متعدية أو معفو عنها
لم يضر أو ان المعتبر طهارة مجموع موضع الجبهة وجهان من أن غاية ما يمكن ادعاء الاجماع عليه واستفادته من الأخبار المتقدمة ببعض التقريبات المتقدمة انما هو اعتباره
في الجملة والقدر المتيقن منه هو المقدار المعتبر في السجود ومن أن الذي ينسبق إلى الذهن من اطلاق كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاد اجماعاتهم المحكية التي هي عمدة مستند
الحكم انه يشترط ان يكون ما يقع عليه السجود طاهرا لا نجسا ولا يتحقق هذا المعنى عرفا الا إذا كان مجموع المسجد طاهرا إذ لو كان بعضه نجسا لا يقال إنه سجد على ارض
نظيفة بل يقال إنه سجد على ارض نجسة إذ لا يعتبر استيعاب النجاسة في صدق السجدة على النجس ويعتبر استيعاب الطهارة في صدق السجود على موضع طاهر والشاهد
على ذلك العرف وقياس المقام على ما لو وضع الجبهة على ما يصح السجود وما لا يصح حيث لا اشكال في الصحة مع فرض تحقق مقدار الواجب منها قياس مع الفارق ولان
الثاني اعتبر شرطا في السجود والأول في المسجد وهما مختلفان في الحكم لدى العرف فلو قيل يشترط في السجود وقوعه على الأرض أو على جسم نظيف صدق ذلك عند كون بعض
ما يقع عليه السجود كذلك حيث يصدق على بعضه انه ارض أو انه نظيف وقد وقع عليه وعلى غيره السجود واقتران الغير معه غير قادح في صدق اسم السجود عليه
وهذا بخلاف ما لو قيل إنه يشترط ان يكون ما يقع عليه السجود أرضا أو نظيفا فان المتبادر منه كونه شرطا في مجموع ما يقع عليه السجود لا في خصوص المقدار الذي يتوقف
عليه ماهية السجود وهذا المعنى هو المتبادر من اطلاق كلماتهم في هذا المقام فهذا هو الأظهر اللهم الا ان يقال إنه لا اعتداد بظواهر كلمات المجمعين في استكشاف رأي
المعصوم ما لم يعلم قصدهم لذلك خصوصا مع تصريح جملة منهم بخلافه ولكنه لا يخلو عن تأمل حيث إن المستفاد من كلماتهم في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية ان اجماعهم
في المقام ليس الا كاجماعهم على بعض القواعد التي يعامل معه معاملة متون الروايات ولا يلتفت إلى اختلافهم في بعض مصاديقها فليتأمل وكيف كان
فاشتراط طهارة مجموع الموضع ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط والله العالم ولو اشتبه النجس بغيره في مواضع محصورة وجب الاجتناب عن الجميع كما
تقرر في محله ولو تعذرت طهارة المسجد انتفت شرطيتها كسائر الشرائط المعتبرة في الصلاة واجزائها لا وجوب أصل السجود كي ينتقل الفرض إلى الايماء كما أن
الامر كذلك فيما إذا تعذر تحصيل ما يصح السجود عليه من الأرض وبناتها فإنه لا يسقط بذلك نفس السجود كما يشهد له قاعدة الميسور المقررة في محلها مؤيد بما
قد يقال في نظائر المقام من أن فوات الوصف أولى من ترك الموصوف رأسا هذا كله على تقدير تسليم اطلاق لما دل على اشتراط طهارة المسجد كي نحتاج في تقييده
بحال التمكن إلى التمسك بقاعدة الميسور ونحوها وهو لا يخلو عن تأمل فان عمدة مستند الحكم الاجماع الغير الشامل لمحل الكلام اللهم الا ان يجعل ذلك شاهدا
لحمل الأخبار الناهية عن الصلاة على النجس عليه كما تقدمت الإشارة إليه فيدعى حينئذ ان مقتضى اطلاق تلك الأخبار شرطيتها على الاطلاق من غير اختصاصها بحال التمكن
حيث إن المتبادر منها ليس الا إرادة الحكم الوضعي الذي لا يتفاوت الحال فيه بالنسبة إلى المتمكن وغير المتمكن لولا دليل حاكم عليه كقاعدة الميسور ونحوها ولكن بعد تسليم
أصل الدعوى أمكن الخدشة أيضا في اطلاق دليل الاشتراط ولو مع قطع النظر عن حكومة القاعدة عليه حيث إن مقتضى اطلاق شرطية الطهارة للسجود سقوط التكليف
بالسجود عند تعذر شرطه فيتحقق المعارضة حينئذ بين هذا الاطلاق وبين اطلاق ما دل على أن السجود جزء للصلاة إذ كما أن مقتضى اطلاق ذلك الدليل سقوط السجود
عند تعذر شرطه كذلك مقتضى اطلاق هذا الدليل سقوط الصلاة عند تعذر جزئها وهو السجود على المحل الطاهر وقد دل الدليل على أن الصلاة لا تسقط بحال
فيدور الامر حينئذ بين تقييد ما دل على جزئية السجود للصلاة بصورة التمكن من ايقاعه على موضع طاهر أو تقييد شرطية الطهارة للسجود بحال التمكن وأحدهما ليس
بأولى من الاخر فيعرضهما الاجمال ويرجع حينئذ إلى ما يقتضيه الأصول العملية وهو استصحاب بقاء التكليف بالسجود وعدم سقوطه يتعذر شرطه الا ان يقال إنه عند
تعذر السجود ينتقل الفرض إلى الايماء فلا يلزمه سقوط الصلاة كي يتحقق المعارضة لأجله بين الاطلاقين فعمدة المستند بعد تسليم اطلاق لدليل الاشتراط انما هي
حكومة القاعدة التي لعلها هي منشأ بدلية الايماء عن السجود عليه لا المعارضة بين الاطلاقين فليتأمل وقد ظهر بما ذكر ان ما حكى عن كاشف الغطاء من أنه
ينحني إذا كان موضع السجود نجسا بمقدار ما يقارب محل السجود ولا يلزمه الإصابة ولا يكفيه مجرد الايماء على الأحوط لا يخلو عن نظر وتكن الصلاة في الحمام كما عن
المشهور بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه ويشهد له مرسلة عبد الله بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال عشرة مواضع لا يصلي فيها الطين والماء والحمام
والقبور ومسان الطرق وقرى النمل ومعاطن الإبل ومجرى الماء والسبخ والثلج وعن الصدوق في الخصال انه رواه مسندا نحوه الا انه اسقط لفظ القبور وزاد وادى
ضجنان وخبر النوفلي المروي عن محاسن البرقي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الأرض كلها مسجد الا الحمام والقبر وخبر عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
الأرض كلها مسجد الا بئر غائط أو مقبرة أو حمام ونقل عن ابن الصلاح انه منع من الصلاة فيه وتردد في الفساد وهو ضعيف إذ لو لم نقل بظهور هذه الروايات
في حد ذاتها بواسطة اشتمالها على تعداد المكروهات في الكراهة كما يؤيده فهم المشهور لتعين صرفها إليها أو تقييدها بما إذا كان الحمام نجسا كما هو الغالب جمعا بينها
وبين موثقة عمار الساباطي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في بيت الحمام قال إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس وصحيحة علي بن جعفر سئل أخاه عليه السلام عن
الصلاة في بيت الحمام فقال إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس فيدور الامر بين تقييد تلك الروايات بهذين الخبرين أو حملها على الكراهة وجعلها شاهدة على أن
المراد بنفي الباس في الخبرين مطلق الجواز الغير المنافي للكراهة ولولا شهادة وحدة السياق في تلك الروايات بإرادة الكراهة في جميع فقراتها لمكان الأول
أولى تنزيلا للنهي على الافراد الغالبة الا ان وحدة السياق مع بعد إرادة الحرمة من النهي في مثل هذه الموارد التي يناسبها الكراهة توجب أولوية الثاني مع أنه
185

انسب بما يقتضيه قاعدة التسامح مع أنه يكفي في اثبات الكراهة فتوى المشهور المعتضدة بالاجماعين المحكيين وهل تختص الكراهة بما عدى المسلخ أم تعمه
فيه قولان صرح غير واحد بالتعميم وحكى عن الصدوق في الخصال أنه قال واما الحمام فإنه لا يصلي فيه على كل حال واما مسلخ الحمام فلا بأس بالصلاة فيه فإنه ليس بحمام
وعنه في الفقيه قال لا بأس بالصلاة في مسلخ الحمام وانما يكره في الحمام لأنه مأوى الشياطين وعن الشيخ انه بعد ان ذكر موثقة عمار حملها على المسلخ و
عن الشهيدين أيضا التصريح بنفي الكراهة في المسلخ ومستندهم بحسب الظاهر ادعاء خروجه عن مسمى الحمام أو عن منصرفه وفيه تأمل بل منع ولكن ربما يؤيد مدعاهم ما
عن الفقيه من أنه بعد ان روى صحيحة علي بن جعفر المتقدمة قال يعني المسلخ فيحتمل كون التفسير من علي بن جعفر فيكون شاهدا على أن المراد من بيت الحمام الذي نفي البأس عن
الصلاة فيه هو المسلخ والقدح في تفسيره باستناده إلى اجتهاده فلا يكون حجة على غيره مما لا ينبغي الالتفات إليه بعد كونه اعرف بمراده من بيت الحمام الذي سئل عن حكمه
وبالقرائن المرشدة إليه ولكن يحتمل قويا كونه من كلام الصدوق لزعمه انه ليس بحمام كما صرح في عبارته المحكية عن الخصال فالأوفق بظواهر الأخبار وأنسب بما يقتضيه
المسامحة هو التعميم كما هو مقتضاها اطراد الحكم ولو مع العلم بطهارة المكان الذي يصلى فيه إذ لم يعلم أن علة الكراهة هي مظنة النجاسة كي يكون الحكم دائرا
مدارها فلعله لكون الحمام مأوى للشياطين كما أشار إليه في العبارة المتقدمة عن الفقيه أو كون مظنة النجاسة حكمة للحكم لا علة أو غير ذلك فما عن ظاهر بعض
متأخري المتأخرين من دورانها مدارها ضعيف ولعل مستنده في ذلك دعوى استفادته من قوله عليه السلام في موثقة عمار وصحيحة على إذا كان الموضع نظيفا
فلا بأس بحمل المنطوق على إرادة ما إذا لم يكن فيه مظنة النجاسة والمفهوم على مظنتها والله العالم وكذا تكره الصلاة في بيوت الغائط كما عن المشهور ولعل
مستندهم قوله عليه السلام في خبر عبيد بن زرارة الأرض كلها مسجد الا بئر غائط أو مقبرة إذ الظاهر أن
المراد ببئر غائط هو البيت المشتمل على حفرة معدة للتغوط
اي بيت الخلا والا فنفس البئر بنفسها غير صالحة للصلاة كي يتوهم دخولها في العموم حتى يقصدها بالاستثناء وربما يؤيده النهي عن الصلاة في المزبلة والمجزرة
وغيرهما من مظان النجاسة وعن الأرض المتخذة مبالا وعن الصلاة إلى حائط ينز من بالوعة أو إلى عذرة مضافا إلى كفاية فتوى المشهور في الكراهة بناء على المسامحة
وفي مبارك الإبل وعن بعض الأصحاب بل المشهور التعبير بمعاطن الإبل كما في اخبار الباب وهو لغة على ما حكى عن جملة من اللغويين أخص من المبارك حيث فسروا المعاطن
بمبارك الإبل حول الماء ولكن صرح غير واحد بأنه في عرف الفقهاء وأهل الشرع مطلق المبارك قال ابن إدريس رحمه الله في السرائر عند تعداد المكروهات ومعاطن
الإبل وهي مباركها حول الماء للشرب هذا حقيقة المعطن عند أهل اللغة الا ان أهل الشرع لم يخصصوا ذلك بمبرك دون مبرك انتهى وعن المحقق الثاني
في جامع المقاصد عن (هي؟) ان الفقهاء جعلوا المعاطن هي المبارك التي تأوي إليها الإبل انتهى والأصل في هذا الحكم اخبار مستفيضة منها مرسلة
عبد الله بن الفضل المتقدمة وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في أعطان الإبل فقال إن تخوفت الضيعة على متاعك فاكنسه وانضحه
وصل ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم وصحيحة علي بن جعفر المروية في كتابه عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الصلاة في معاطن الإبل قال لا تصلح الا ان
تخاف على متاعك ضيعة فاكنسه ثم انضح بالماء ثم صل وسئلته عن مرابض الغنم تصلح الصلاة فيها قال نعم لا بأس وموثقة سماعة قال سئلته عن الصلاة
في أعطان الإبل وفي مرابض الغنم والبقر فقال إذا نضحته بالماء وقد كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها فاما مرابض الخيل والبغال فلا وصحيحة الحلبي انه سئل
أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في مرابض الغنم فقال صل فيها ولا تصل في أعطان الإبل الا ان تخاف على متاعك الضيعة فاكنسه ورشه بالماء وصل فيه وخبر المعلى
بن خنيس المروي عن محاسن البرقي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في معاطن الإبل فكرهه ثم قال إن خفت على متاعك شيئا فرش بقليل ماء وصل و
ربما يستشعر من الاخبار المقيدة لها بعدم تخوف الضياع ان المراد بالمعاطن مطلق المبارك كما فهمه الأصحاب على ما حكى عنهم وربما يؤيده أيضا المروي عن الفقيه
في جملة المناهي انه نهى ان يصلي الرجل في المقابر والطرق والأرحية والأودية ومرابط الإبل فان المرابط بحسب الظاهر تعم المبارك مطلقا ويؤيده أيضا التعليل
الواقع في الخبر المروي عن دعائم الاسلام عن النبي صلى الله عليه وآله انه نهى عن الصلاة في أعطان الإبل لأنها خلقت من الشياطين والنبوي العامي قال إذا أدركتكم الصلاة
وأنتم في أعطان الإبل فأخرجوا منها وصلوا فإنها هي جن من جن خلقت الا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها هذا كله مع أنه حكى عن بعض اللغويين تفسير المعاطن
بالمعنى الأعم فلا ينبغي الاستشكال في الكراهة في مطلق مواطنها مع أنه يكفي في ذلك فتوى الأصحاب على ما نسب إليهم من باب التسامح وكيف كان فما حكى عن المفيد
والحلبي من القول بالمنع ضعيف الا ان يكون مقصودهما به الكراهة لأن في الاخبار قرائن كثيرة تشهد بإرادتها كالتعبير بلفظ لا تصلح والكراهة والرخصة
فيه عند الخوف على المتاع من غير أن يأمره بنقل متاعه إلى مكان اخر مع الامكان كما هو الغالب وتعليل المنع في النبويين بما يناسب الكراهة ونفي البأس عنه وعن مرابض
الغنم والبقر في موثقة سماعة مطلقا إذا نضحه بالماء وكان يابسا بخلاف مرابض الخيل والبغال التي ستسمع ان النهي عنها أيضا على سبيل الكراهة لدى المشهور فتكون
حينئذ نصا في المدعى هذا مع أن تقييد هذه الموثقة ما إذا كان له هناك متاع وخاف عليه التلف جمعا بينها وبين الأخبار المتقدمة مع عدم اعتبار هذا القيد في مرابض
الغنم والبقر التي شاركت المعاطن في الحكم بمقتضى ظاهر الموثقة ليس بأولى من حمل النهي في تلك الأخبار على الكراهة كما لا يخفى وكذا تكره في مساكن النمل
المعبر عنها في مرسلة عبد الله بن الفضل المتقدمة بقرى النمل وهو جمع قرية وهي مجمع ترابها كما عن القاموس وغيره وعن غير واحد من اللغويين تفسير قرى النمل
بمأواها ولعل الاختلاف في التعبير ويدل عليه أيضا خبر عبد الله بن عطا المروي عن الكافي وعن كتاب المحاسن قال ركبت مع أبي جعفر عليه السلام وسار وسرت حتى إذا
بلغنا موضعا قلت الصلاة جعلني الله فداك قال هذه ارض وادى النمل لا يصلي فيها حتى إذا بلغنا موضعا اخر قلت له مثل ذلك فقال هذه ارض مالحة لا يصلي
186

فيها وعن المجلسي في البحار ان في بعض النسخ فصلى في الموضعين بالنون وفي بعضها يصلي بالياء وعن العياشي في تفسيره انه رواه هكذا فسرنا حتى ذلك الشمس
وبلغنا مكانا قلت هذا المكان الأحمر فقال ليس يصلي ههنا هذه أودية النمل وليس يصلي فيها قال ومضينا إلى ارض بيضاء قال هذه سبخة وليس يصلي فيها
الحديث أقول مقتضى هذه الرواية في عدم اختصاص الكراهة بخصوص مجمع ترابها بل كفاية كون الأرض وادى النمل فلعل هذا هو المراد بمساكنها في المتن كما أنه يحتمل
ان يكون مراد من فسر قرى النمل بمأواها هو هذا المعنى لا خصوص مجمع ترابها حول حجرتها والله العالم وفي مجرى الماء كما يدل عليه مرسلة عبد الله بن الفضل
المتقدمة وفي حديث المناهي قال ونهى ان يصلي الرجل في المقابر والطرق والأرحية والأودية الحديث والأودية جمع واد وهو على ما في مجمع البحرين الموضع الذي
يسيل منه الماء بكثرة وربما يظهر من خبر أبي هاشم الجعفري صدق الصلاة في الوادي مع كونه في سفينة ونحوها فيعمه الكراهة المستفادة من اطلاق خبر المناهي
وان كان ظاهر خبر أبي هاشم اختصاصها بالصلاة جماعة لكن مقتضى الجمع بينهما حمل خبر أبي هاشم على شدة الكراهة قال أبو هاشم كنت مع أبي الحسن عليه السلام في السفينة
في دجلة فحضرت الصلاة فقلت جعلت فداك نصلي في جماعة فقال لا يصلي في بطن واد جماعة ويحتمل قويا أن تكون الصلاة في الأودية في حد ذاتها مكروها
مستقلا لا من حيث كونها مجرى الماء الكثير اي المسيل فإنهما على ما يظهر من بعض مفهومان متباينان قد يتصادفان في بعض الموارد نعم من شان الوادي صيرورته
مسيلا عند كثرة الأمطار لا انه يعتبر في قوام مفهومه صدق اسم المسيل عليه بالفعل وربما يؤيد ما ذكرنا ما عن الصدوق في الخصال من تعليل المنع عن الصلاة في
الوادي بأنها مأوى الحيات والشياطين وعن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم أنه قال والعلة في بطون الأودية انها مأوى الحيات والجن والسباع انتهى والله
العالم وفي ارض السبخة بفتح الباء وإذا كانت نعتا للأرض كقولك الأرض السبخة فهي بكسر الباء كذا نقل عن الخليل في كتاب العين وعن الروض في تفسير السبخة
ما صورته بفتح الباء واحدة السباخ وهو الشئ الذي يعلو الأرض كالملح ويجوز كون السبخة بكسر الباء وهي الأرض ذات السباخ فيكون إضافة الأرض إليها
من باب إضافة الموصوف إلى صنعته انتهى والأصل في هذا الحكم اخبار مستفيضة منها مرسلة عبد الله بن الفضل المتقدمة في اخبار الحمام وروايتا المحاسن والعياشي
المتقدمتان وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الصلاة في السبخة لم تكرهه قال لأن الجبهة لا تقع مستوية فقلت ان كان فيها ارض مستوية
فقال لا بأس وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كره الصلاة في السبخة الا ان يكون مكانا لينا يقع الجبهة مستوية وصحيحته الأخرى المروية عن العلل عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئلته عن الصلاة في السبخة فكرهه لأن الجبهة لا تقع مستوية عليها فقلنا فان كانت أرضا مستوية فقال لا بأس بها وخبر داود بن الحصين بن السري قال قلت لأبي
عبد الله عليه السلام لم حرم الله الصلاة في السبخة قال لأن الجبهة لا تتمكن عليها وخبر سدير الصيرفي انه سار مع أبي عبد الله إلى ينبع فحانت الصلاة فقال يا سدير انزل بنا
تصلي ثم قال إنها ارض سبخة لا تجوز الصلاة فيها فسرنا حتى صرنا إلى ارض حمراء فنزلنا وصلينا وفي خبر معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام قال لا تسجد في السبخة و
خبر معلى بن خنيس قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن السبخة أيصلي الرجل فيها قال انما تكره الصلاة فيها من اجل انها لا يتمكن الرجل يضع وجهه كما يريد قلت أرأيت ان وضع وجهه
متمكنا فقال حسن وخبر علي بن جعفر المروي عن كتابه عن أخيه قال سئلته عن الصلاة في الأرض السبخة أيصلي فيها قال لا الا ان يكون فيها نبت الا ان يخاف فوت الصلاة
فيصلي ثم إن مقتضى ظاهر أغلب هذه الأخبار اختصاص المنع بما إذا لم يتمكن من وضع الجبهة على الأرض فيمكن حينئذ ابقاء النهي الوارد فيها على ظاهرها من الجزء بحملها
على ما إذا لم يتمكن من وضعها على الأرض مستقرة بحيث يتحقق به أقل ما يجزي في السجود كما يؤيد ذلك ما في بعضها من التعبير بلفظ الحرمة ولكنه في غاية البعد بل ينبغي الجزم
بخلافه إذ لا تكاد توجد ارض لا يتمكن المصلي من أن يضع جبهته عليها على وجه يحصل به مسمى الوضع المعتبر في السجود ولو بتعديل موضع سجوده قبل ان يسجد عليها
فكيف يجوز حينئذ اطلاق المنع عنها في بعض تلك الأخبار وتعليلها في الاخبار بهذه العلة الغير المطردة بل نادرة التحقق ان أريد بها ما ذكر من في لتمكن من وضعها على وجه
يتحقق معه صدق مسمى الوضع بل كيف يكون هذا منشأ لتأخير الإمام عليه السلام صلاته من أول الوقت حتى يخرج من تلك الأرض لأجل هذه العلة التي علاجها من أسهل الأمور
فالمقصود بالتعليل الواقع في الاخبار بحسب الظاهر بيان حكمة الحكم الموجبة رفعها لخفة الكراهة أو رفعها وهي عدم استواء الأرض وخشونتها المانعة عن التمكن التام
من وضع جبهته على حسب ارادته على الوجه الكامل لا من مطلقة الذي يتوقف عليه اسم السجود والذي يقتضيه التدبر في الاخبار ويعضده اطلاق كلمات علمائنا الأبرار
ان الصلاة في ارض السبخة مكروهة مطلقا ولكن تخف كراهتها عند اعتدالها أو تسويتها على وجه يتمكن من وضع الجبهة عليها مستوية لا انه ترتفع كراهتها رأسا
ولذا لم يكن يصلي عليها نبي أو وصي نبي كما شهد به بعض الأخبار مثل الخبر المروي عن العلل مسندا عن أم المقدام الثقفية عن جويرية بن مسهر قال قطعنا مع أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب جسر الفرات في وقت العصر فقال إن هذه ارض معذبة لا ينبغي لنبي ولا وصي نبي ان يصلي فيها فمن أراد منكم ان يصلي فليصل وعن بصائر الدرجات
نحوه وعن الفقيه باسناده عن جويرية بن مسهر قال أقبلنا مع أمير المؤمنين علي عليه السلام من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في ارض بابل وحضرت صلاة العصر فنزل أمير المؤمنين عليه السلام
ونزل الناس فقال أمير المؤمنين عليه السلام أيها الناس ان هذه ارض ملعونة قد عذبت في الدهر ثلاث مرات وفي خبر اخر مرتين وهي تتوقع الثالثة وهي احدى المؤتفكات
وهي أول ارض عبد فيها وثن وانه لا يحل لنبي ولا لوصي نبي ان يصلي فيها فمن أراد ان يصلي فليصل ثم ذكر حديث رد الشمس وان جويرية لم يصل في ارض بابل حتى ردت الشمس
فصلى مع علي عليه السلام مع ورود الاخبار على ما ذكره في الجواهر بان الأرض كانت سبخة ولعله لهذا الخبر قال الصدوق في الخصال على ما حكى عنه انه لا يصلي في السبخة نبي ولا وصي
نبي واما غيرهما فإنه متى دق مكان سجوده حتى تتمكن الجبهة فيه مستواه في سجوده فلا بأس وربما يؤيده ذلك بعض الأخبار المتقدمة الدالة على أن الباقر والصادق
عليهما السلام لم يصليا عند حضور وقت الصلاة حتى خرجا من ارض السبخة وربما يشهد بان علة كراهة الصلاة في أرض بابل كونها سبخة وانه لهذه الجهة لم يصل فيها
187

علي عليه السلام خبر يحيى بن أبي العلا المروي عن امالي الشيخ قال سمعته يقول لما خرج إلى نهروان وظعنوا في ارض بابل حين دخل وقت العصر فلم يقطعوها حتى غابت
الشمس فنزل الناس يمينا وشمالا يصلون الا الأشتر وحده قال لا أصلي حتى أرى أمير المؤمنين عليه السلام قد نزل فما نزل فقال يا مالك هذه ارض سبخة ولا تحل الصلاة
فيها فمن كان صلي فيها فليعد الصلاة وهذه الرواية ظاهرها الحرمة وبطلان الصلاة الواقعة فيها لكنها قاصرة عن اثبات هذا الحكم فإنها مع ضعف سندها
لو لم تحمل على الكراهة واستحباب إعادة الصلاة الواقعة فيها لعارضها الأخبار المستفيضة المتقدمة المصرحة بنفي الباس مع التمكن من السجود كما هو الغالب
في موردها فلا يصح حينئذ اطلاق قوله عليه السلام لا تحل الصلاة فيها فمن كان صلى فليعد صلاته كما هو واضح ومما يؤيد أيضا بل يشهد بان المراد من هذه الرواية
وغيرها من الأخبار الناهية عن الصلاة في الأرض السبخة ليس الا الكراهة مضمرة سماعة النافية للباس عنه قال سئلته عن الصلاة في السباخ قال لا بأس
فان مقتضى الجمع بينها وبين غيرها حمل نفي الباس في المضمرة على بيان الجواز الغير المنافي للكراهة ويؤيده أيضا عموم قوله عليه السلام في خبر النوفلي الأرض كلها مسجد الا
الحمام والقبر وقوله عليه السلام في خبر عبيد بن زرارة الأرض كلها مسجد الا بئر غائط أو مقبرة أو حمام فان ما فيهما من الاستثناء يجعلهما قوية الدلالة على إرادة العموم بالنسبة
إلى كل ارض كما يعضد المستفيضة الواردة في مقام الامتنان الدالة على طهورية الأرض ومسجديتها على الاطلاق وكيف كان فالأقوى كراهة الصلاة في سبخة
مطلقا لاطلاق جملة من الأخبار المتقدمة بل ظهورها في ذلك مضافا إلى اطلاق فتاوي الأصحاب ومعاقد اجماعاتهم للحكمية ولا ينافيه المضمرة المتقدمة النافية للباس
فإنها محمولة على بيان الرخصة الغير المنافية للكراهة كما أنه لا ينافيه رواية الأمالي الظاهرة في الحرمة لما أشرنا إليه من قصورها عن الحجية فضلا عن صلاحيتها المعارضة
غيرها من الأدلة واما ما عداها من الأخبار الناهية لو سلمنا ظهورها في الحرمة وعدم صلاحية القرائن التي تقدمت الإشارة إليها من صرفها عن هذا الظاهر
فلابد من حملها على إذا لم يتمكن من السجود عليها كما وقع التصريح به في جملة من تلك الأخبار وما ذكرنا من أن المتعين حمل هذه الأخبار على إرادة في لتمكن من السجود
على الوجه الكامل لا في لتمكن من مسمى السجدة فلو سلم فهو مانع عن ابقائها على هذا الظاهر إذ لا يمكن الالتزام بأنه يشترط في صحة السجود على ارض السبخة مالا
يشترط في غيرها كما لا يخفى ويكره الصلاة أيضا في مواضع بين الحرمين البيداء وهي ذات الجيش على ما
وقع التصريح في الاخبار وفي كلمات علمائنا الأبرار رضوان
الله عليهم وذات الصلاصل وضجنان ووادي الشقرة كما يشهد له في الجميع ما عن الصدوق مرسلا قال وروى أنه لا يصلي في البيداء ولا ذات الصلاصل ولا وادي الشقرة
ولا وادي ضجنان ويدل عليه أيضا فيما عدى وادي الشقرة صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال الصلاة تكره في ثلاثة مواطن من الطريق البيداء وهي
ذات الجيش وذات الصلاصل وضجنان الحديث وخبره الاخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال اعلم أنه تكره الصلاة في ثلاثة أمكنه من الطريق البيداء وهي ذات الجيش وذات
الصلاصل وضجنان وقال لا بأس بان يصلي بين الظواهر وهي الجواد جواد الطرق ويكره ان يصلي في الجواد ورواية حماد بن عمرو وأنس بن محمد جميعا عن جعفر
بن محمد عن ابائه في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام قال ولا تصل في ذات الجيش ولا في ذات الصلاصل ولا في ضجنان وعن المفيد مرسلا قال قال تكره
الصلاة في طريق مكة في ثلاثة مواضع أحدها البيداء والثاني ذات الصلاصل والثالث الضجنان وعن محاسن البرقي باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يصلي
في ذات الجيش ولا في ذات الصلاصل ولا البيداء ولا ضجنان ويدل عليه أيضا في خصوص الأول صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال قلت لأبي الحسن عليه السلام انا كنا
في البيداء في اخر الليل فتوضأت واستكت وانا أهم الصلاة ثم كأنه دخل قلبي شئ فهل يصلي في البيداء في المحمل فقال لا تصل في البيداء فقلت وأين
حد البيداء فقال كان جعفر عليه السلام إذا بلغ ذات الجيش حد في السير ثم لا يصلي حتى يأتي مغرس النبي صلى الله عليه وآله فقلت وأين ذات الجيش فقال دون الحفيرة بثلاثة أميال
ويدل عليه في خصوص وادي الشقرة مرسلة ابن فضال المروية عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تصل في واد الشقرة وعن الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد
مثله وخبر عمار الساباطي قال قال أبو عبد الله عليه السلام لا تصل في وادي الشقرة فان فيه منازل الجن وما في بعض هذه الأخبار من النهي يتعين حمله على الكراهة كما يشهد
له مضافا إلى ظهور جملة منها مما وقع فيها التعبير بلفظ الكراهة في ذلك مع اعتضاده بعموم الأخبار الدالة على مسجدية الأرض كلها صحيحة أيوب بن نوح عن
أبي الحسن الأخير عليه السلام قال قلت له تحضر الصلاة والرجل في البيداء قال يتنحى عن الجواد يمنة ويسرة ويصلي فان مقتضى الجمع بينها وبين الاخبار التي وقع فيها النهي
عن الصلاة في البيداء حمل النهي على الكراهة ومعه لا يبقى له ظهور في الحرمة بالنسبة إلى ما عداها خصوصا في مثل هذه الموارد التي لا يناسبها الا الكراهة و
نحوها صحيحة علي بن مهزيار انه سئل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الرجل يصير في البيداء فتدركه صلاة فريضة فلا يخرج من البيداء حتى يخرج وقتها كيف يصنع بالصلاة
وقد نهى ان يصلي في البيداء قال يصلي فيها ويتجنب قارعة الطريق ولكن هذه الصحيحة حيث إن موردها الضرورة يشكل جعلها شاهدة لاثبات الجواز بلا ضرورة
ومما يشهد لإرادة الكراهة في الأخير التعليل الواقع في رواية عمار بان فيه منازل الجن فان يجعلها ظاهرة في إرادة الكراهة كما لا يخفى على المتتبع في اخبار
الأئمة عليهم السلام المشتملة على هذا النحو من التعليلات كما أنه يؤيد الكراهة بالنسبة إلى ما عداه أيضا ما وقع في كلمات الأصحاب من تعليل كراهة الصلاة في تلك
الأماكن كونها معذبة وارض خسف حيث يفهم منها استفادته من اخبار أهل البيت عليهم السلام وكونها كذلك مما يناسب الكراهة وقد ورد في وادي ضجنان انه
من أودية جهنم ففي رواية علي بن المغيرة المروية عن كتاب بصائر الدرجات قال قال أبو جعفر عليه السلام في ضجنان وذكر حديثا يقول في اخره وانه ليقال انه واد من أودية
جهنم وعن كتاب الخرائج والجرائح عن علي بن المغيرة قال نزل أبو جعفر عليه السلام وادي ضجنان فسمعناه يقول ثلاث مرات لا غفر الله لك فقال أبي لمن تقول جعلت فداك
قال مر بي الشامي لعنه الله يجر سلسلته التي في عنقه وقد دلع لسانه يسئلني ان استغفر له فقلت لا غفر الله لك وعن عبد الملك القمي عن أخيه قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
188

يقول بينا انا وأبي متوجهين إلى مكة فتقدم أبي في موضع يقال له ضجنان إذ جائني رجل في عنقه سلسلة يجرها فاقبل علي فقال اسقني فسمعه أبي فصاح بي فقال
لا تسقه لا سقاه الله فإذا رجل يتبعه حتى جذب سلسلته وطرحه على وجهه في أسفل درك من النار فقال أبي هذا الشامي لعنه الله وفي الحدائق المراد بالشامي في الخبرين
المذكورين هو معاوية صاحب السلسلة التي ذكرها الله عز وجل في صورة الحاقة انتهى وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في أصل الحكم وانه على سبيل الكراهة
واما موضوعه فاما البيداء فهي على ما صرح به غير واحد على ميل من ذي الحليفة مما يلي مكة قال ابن إدريس في السرائر في تعداد ما يكره فيه الصلاة والبيداء لأنها
ارض خسف على ما روى في الاخبار ان جيش السفياني يأتي إليها قاصدا مدينة الرسول صلى الله عليه وآله فيخسف الله تعالى به تلك الأرض وبينها وبين ميقات أهل المدينة
الذي هو ذو الحليفة ميل واحد وهو ثلث فرسخ فحسب قال وكذلك يكره الصلاة في كل ارض خسف ولهذا كره أمير المؤمنين عليه السلام الصلاة في ارض بابل
انتهى واما ذات الصلاصل ففي السرائر الصلاصل جمع صلصال وهي الأرض التي لها صوت ودوي وعن المنتهى أيضا تفسيرها بذلك وقيل إنه الطين الحر
المخلوط بالرمل فصار يتصلصل وبه فسره الشهيد على ما حكى عنه وعن الجوهري نقله عن أبي عبيدة وكذا عن القاموس أقول فكأن غرض الأصحاب بذكر هذه التفسيرات
بيان وجه المناسبة والا فظاهر كلماتهم كظواهر النصوص انها اسم لموضع مخصوص فيما بين الحرمين وفي الحدائق بعد ان أشار إلى ما ذكر قال الا اني لم أقف على تعيينه
في الاخبار ولا في كلام أحد من أصحابنا الأبرار انتهى أقول فالأحوط ترك الصلاة في كل موضع اتصف بشئ من الوصفين الذين عرف بهما ذات الصلاصل مما
هو واقع فيما بين الحرمين والله العالم واما وادي ضجنان ففي الحدائق ضبطه بعضهم بالضاد المعجمة المفتوحة والجيم الساكنة اسم جبل بناحية مكة انتهى وفي
السرائر هو جبل بتهامة واما وادي الشقرة ففي السرائر بفتح الشين وكسر القاف وهي واحدة الشقر وهو شقايق النعمان قال الشاعر وعلى الجبل وما كالشقر
يريد كشقائق النعمان والأولى عندي ان وادي الشقر موضع بعينه مخصوص سواء كان فيه شقائق النعمان أو لم يكن وليس كل واد يكون فيه شقائق النعمان يكره الصلاة
فيه بل الموضع المخصوص فحسب وهو بطريق مكة لأن أصحابنا قالوا يكره الصلاة في طريق مكة بأربعة مواضع من جملتها وادي الشقرة ثم استشهد لمختاره بما ذكره
ابن الكلبي النسابة حيث جعل ذا الشقرة اسما لموضع انتهى وعن العلامة في المنتهى الشقرة بفتح الشين وكسر القاف واحدة الشقر وهو شقائق النعمان وكل موضع
فيه ذلك تركه الصلاة فيه وقيل وادي الشقرة موضع مخصوص بطريق مكة ذكره ابن إدريس والأول أقرب لما فيه من اشتغال القلب بالنظر إليها وقيل هذه موضع
خسف فنكره الصلاة فيها لذلك انتهى أقول قد تقدم في خبر عمار تعليل النهي بان فيه منازل الجن فهو المعول عليه وظاهره إرادة موضع مخصوص وان أمكن
حمله على إرادة الجنس ولكنه خلاف المتبادر الا انه ليس في الاخبار اشعار بكونه في طريق مكة ولكنك سمعت من الحلبي التصريح بذلك وفي كتاب مجمع البحرين أيضا
التصريح به قال في الحديث نهى عن الصلاة في وادي الشقرة هو بضم الشين وسكون القاف وقيل بفتح الشين وكسر القاف موضع معروف في طريق مكة قيل إنه
والبيداء ضجنان وذات الصلاصل مواضع خسف وانها من المواضع المغضوب عليها انتهى وكذا نكره الصلاة في الثلج كما يشهد له مرسلة عبد الله بن
الفضل المتقدمة في صدر المبحث وموثقة عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي على الثلج قال لا فإن لم يقدر على الأرض بسط ثوبه وصلى عليه و
خبر أبي العلا عن أبي عبد الله عليه السلام ان رجلا اتى أبي جعفر عليه السلام فقال أصلحك الله انا نتجر إلى هذه الجبال فنأتي أمكنة لا نقدر ان نصلي الا على الثلج فقال عليه السلام أفلا
ترضى أن تكون مثل فلان يرضى بالدون ثم قال لا تطلب التجارة في ارض لا تستطيع ان تصلي الا على الثلج وقد يقال إن الظاهر أن النهي عن الصلاة على الثلج وقد يقال إن الظاهر أن النهي عن الصلاة على الثلج في الاخبار
محمول على التحريم أريد بها النهي عن صلاة ذات سجود عليه فيستفاد حينئذ من موثقة عمار ان السجود على الثوب عند تعذر الأرض مقدم على السجود على الثلج كما لا يبعد الالتزام
به خصوصا إذا كان قطنا أو كتانا وربما يؤيد الحمل المزبور بعض الأخبار الناهية عن السجود على الثلج كرواية داود الصرمي المروية عن الكافي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اني
اخرج في هذا الوجه وربما لم يكن موضع أصلي فيه من الثلج قال إن أمكنك ان لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه وان لم يمكنك فسوه واسجد عليه وعن الصدوق انه روى باسناده
عن داود الصرمي عن أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام وعن الشيخ رحمه الله باسناده عن أحمد بن محمد عن داود الصرمي قال قلت لأبي الحسن وذكر الحديث ورواية منصور بن حازم عن
غير واحد من أصحابنا قال قلت لأبي جعفر عليه السلام انا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج فنسجد عليه فقال لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا وخبر معمر بن خلاد
قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن السجود على الثلج فقال لا تسجد في السبخة ولا على الثلج ولكن يتوجه عليه ان المتبادر من الأخبار الناهية عن الصلاة على الثلج انما هو المنع عنها
من حيث هي وهي صادقة عند وضع شئ مما يصح السجود عليه موضع جبهته كيف ولو كان المانع منحصرا في أن الثلج مما لا يصح السجود عليه لم يكن ذلك مقتضيا للنهي
عن طلب التجارة في تلك الأراضي بل كان مقتضيا لأن يأمره بان يتخذ معه شيئا مما يصح السجود عليه من تربة أو حجارة أو عود ونحوها فلعل حكمه الحكم في لتمكن من
كمال الاستقرار أو عدم حصول التوجه والاقبال لما يجده من ألم البرد ما لم يكن على الثلج حائل من ثوب ونحوه إلى غير ذلك من المناسبات المقتضية للكراهة واما الأخبار الناهية
عن السجود على الثلج فلا تنهض شاهدة لصرف تلك الأخبار عن ظاهرها إذ لا تنافي بين مفاديهما بل قد يدعى ان المراد بهذه الاخبار أيضا النهي عن الصلاة على الثلج
فيكون اطلاق السجود عليها من قبيل اطلاق الرقبة على الانسان كما هو شايع في الاخبار وكفاك شاهدا على ذلك قوله صلى الله عليه وآله جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا
وهذا الاستعمال وان كان مجازا ولكن ربما يشهد له بعض القرائن الداخلية ولكنه لا يخلو عن تأمل نعم لو كان لتلك الأخبار قوة ظهور في الحرمة لأمكن ان يجعل
ذلك قرينة على إرادة الصلاة المشتملة على السجود على الثلج حيث لا يمكن الالتزام بحرمتها على الاطلاق بعد ان لم يعرف القول به عن أحد وكونه في حد ذاته امرا مستبعدا
لا ينسبق إلى الذهن ارادته من الأخبار المطلقة ولكنك خبير بأنه ليس لها قوة ظهور في ذلك بل سوقها يشهد بإرادة الكراهة وكيف كان فابقاء الأخبار الناهية
189

عن الصلاة على الثلج على اطلاقها أوفق بظواهرها وأنسب بما تقتضيه المسامحة في دليل الكراهة والله العالم وكذا تكره الصلاة بين المقابر وعلى القبر واليه
على المشهور في الجميع كما صرح به في الحدائق وغيره بل صريح الغنية وظاهر المنهى الاجماع عليه اما الأول فلموثقة عمار عن أبي عبد الله في حديث قال سئلته عن
الرجل يصلي بين القبور قال لا يجوز ذلك الا ان يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة اذرع من بين يديه وعشرة اذرع من خلفه وعشرة اذرع عن يمينه وعشرة
اذرع عن يساره ثم يصلي ان شاء ويدل عليه أيضا مرسلة عبد الله بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال عشرة مواضع لا يصلي فيها الطين والماء والحمام والقبور
الحديث وخبر الحسين بن زيد عن الصادق عن ابائه عليهم السلام في حديث المناهي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله ان يخصص المقابر ويصلي فيها ونهى ان يصلي الرجل في
المقابر والطرق والأرحية والأودية ومرابط الإبل وعلى ظهر الكعبة وخبر عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله يقول الأرض كلها مسجدا الا بئر غائط أو مقبرة
وظاهر هذه الأخبار خصوصا موثقة عمار الحرمة كما حكى القول به عن الديلمي ولكنه يتعين حملها على الكراهة جمعا بينها وبين الاخبار النافية للبأس عنه كصحيحة
علي بن جعفر سأل أخاه موسى عليه السلام عن الصلاة بين القبور فقال لا بأس به وصحيحة علي بن يقطين قال سئلت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن الصلاة بين القبور هل تصلح
قال لا بأس وصحيحة معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام قال لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبله وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له الصلاة
بين القبور قال بين خللها ولا تتخذ شيئا منها قبله فان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك وقال لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا فان الله عز وجل لعن الذين اتخذوا قبور
أنبيائهم مساجد وتقييد هذه الأخبار ربما إذا كان بينه وبين القبور من كل ناحية بمقدار عشرة اذرع جمعا بينها وبين موثقة عمار ابعد من حمل الموثقة على الكراهة
بل كاد ان يكون طرحا لهذه الاخبار لكونه تنزيلا لها على ما ينصرف عنه اطلاقها فان المتبادر من نفي البأس عن الصلاة بين المقابر انما هو إرادة الصلاة في المواضع
المتخذة مقبرة للموتى كوادي السلام ونظائرها فأريد بهذه الاخبار نفي البأس عن الصلاة في المقابر اما مطلقا كما هو ظاهر الصحيحتين الأوليتين أو في الجملة كما هو ظاهر
الأخيرتين لا نفي البأس عن الصلاة في ما بين مقابر متعددة بحيث يعد بعضها أجنبيا عن بعض فهي منصرفة عما لو صلى في مكان يكون المقابر بعيدة عنه من كل ناحية
بمقدار عشرة اذرع فما في موثقة عمار بمنزلة الاستثناء المقطع حيث وقع فيها السؤال عن الصلاة بين القبور فأجيب بالمنع عنه الا ان يتباعد عن القبور بقدر
عشرة اذرع ومعه لا يطلق عليه اسم الصلاة في ما بين القبور فليتأمل وكيف كان فتقييد هذه الأخبار بالموثقة في غاية البعد خصوصا صحيحة زرارة فإنها بواسطة
ما فيها من التعليل والتعبير بما بين خللها مع النهي من أن يتخذ شيئا منها قبلة كالنص في إرادة الاطلاق بالنسبة إلى ما عدى مورد العلة اي فيما إذا لم يصل على القبر
ولم يتخذ شيئا منها قبلة مع أن تخصيص نفي البأس في الصحيحتين الأخيرتين بما إذا لم يتخذ شيئا من القبور قبلة مانع عن تقييدهما بالموثقة لأن الموثقة صريحة في جواز
الصلاة إلى القبور إذا كان الفصل بينه وبينها عشرة اذرع فان أريد بالصحيحتين المنع عنه مطلقا لتحققت المناقضة بينهما وبين الموثقة وان أريد بهما المنع فيما
دون هذا المقدار لدلتا على الجواز بالنسبة إلى سائر الأطراف لما فيها من التفصيل القاطع للشركة فلا يمكن الجمع بينهما وبين الموثقة الا بحمل الموثقة على الكراهة
اللهم الا ان يحمل قوله عليه السلام ما لم يتخذ القبر قبلة على إرادة التوجه إلى القبر والمعاملة معه معاملة القبلة كما قد يصدر ذلك من بعض الجهال بالنسبة إلى قبور
الأئمة عليهم السلام فيكون حال الصحيحتين الأخيرتين حينئذ حال الأوليتين في الدلالة على نفي الباس عن الصلاة بين القبور مطلقا بل أقوى منهما دلالة على الاطلاق
لما فيها من الاستثناء الذي هو امارة العموم فتقييدهما بالموثقة ابعد من الأوليتين فتلخص مما ذكر انه لا يمكن ارتكاب التأويل في هذه الأخبار الصحيحة وتقييدها بالموثقة
بل المتعين صرف الموثقة عن ظاهرها وحملها على الكراهة خصوصا مع مخالفة ظاهرها للمشهور بل المجمع عليه حيث لم ينقل القول بحرمة الصلاة فيما بين القبور
عن أحد الا عن الديلمي كما تقدمت الإشارة إليه فهو ضعيف محجوج بما عرفت ويدل على كراهة الصلاة على القبر قوله صلى الله عليه وآله في حديث النوفلي الأرض
كلها مسجد الا الحمام والقبر ورواية يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى ان يصلي على قبر أو يعقد عليه أو يبني عليه ويدل عليه أيضا مرسلة
عبد الله بن الفضل المتقدمة إذ الظاهر أن المراد بالقبور الواقعة فيها الجنس فتعمم الواحد والاثنين لا الجمع كي يشكل الاستدلال به للمدعى ويدل عليه أيضا صحيحة
زرارة المتقدمة إذ الظاهر أن تخصيص نفي الباس بما بين خللها للاحتراز عن الصلاة على القبر واتخاذه مسجدا كما يشهد لذلك التعليل بقول رسول الله
صلى الله عليه وآله فليتأمل واما الصلاة في القبر فيدل على كراهتها صحيحتا معمر وزرارة المتقدمتان بل عن المفيد والصدوق والحلبي القول بحرمته وعن بعض
المتأخرين تقويته لما في الصحيحتين من النهي عن اتخاذ القبر قبلة فيقيد بهما اطلاق الصحيحتين الأوليتين النافيتين للباس عنه مطلقا وفيه أولا ان تقييد اطلاق نفي
الباس عن الصلاة بين القبور بما إذا لم يكن شئ منها مقابلا له مستلزم لتخصيص الأكثر إذ قل ما يتفق ذلك عند الصلاة فيما بين القبور الا إذا صلى في ناحيتها
من طرف القبلة كما لا يخفى وثانيا ان صحيحة معمر قاصرة عن إفادة الحرمة لأن غاية مفادها ثبوت باس عند اتخاذ القبر قبلة وهو أعم من الكراهة ولا ينافيها فوت
الكراهة مطلقا ولو مع في لاتخاذ قبلة لامكان كون ذلك نزلا على اختلاف مراتب الكراهة وكون الكراهة الثابتة فيما عدى صورة الاتخاذ قبلة فنزلة فنزلة
العدم لخفتها كما ليس هذا بعزيز في الاخبار وكفاك شاهدا على ذلك الأخبار الواردة في منزوحات البئر فعمدة ما يصح الاستناد إليه للقول بالحرمة هي صحيحة
زرارة التي وقع فيها النهي عن اتخاذ شئ من القبور قبلة وهي صريحة في مشاركة قبر النبي صلى الله عليه وآله مع سائر القبور وان علة النهي عن اتخاذ شئ من القبور
قبلة هي نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن اتخاذ قبره قبلة فحينئذ يتحقق المعارضة بين هذه الصحيحة بناء على إرادة الحرمة منها وبين الأخبار المستفيضة الدالة على جواز الصلاة
خلف قبور الأئمة عليهم السلام مثل مكاتبة محمد بن عبد الله الحميري قال كتبت إلى الفقيه عليه السلام أسئله عن الرجل يزور قبور الأئمة هل يجوز ان يسجد على القبر أم لا وهل يجوز
190

لمن صلى عند قبورهم ان يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه وهل يجوز ان يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه فأجاب وقرأت التوقيع
ومنه نسخت اما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيادة بل يضع خده الأيمن على القبر واما الصلاة فإنها خلفه ويجعله الإمام ولا يجوز ان يصلي
بين يديه لأن الإمام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله وعن الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله الحميري عن صاحب الزمان عليه السلام مثله الا أنه قال ولا يجوز ان
يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن شماله لأن الإمام لا يتقدم ولا يساوي أقول ولعل المنع عن السجود عليه لارتفاعه عن الأرض بأكثر من قدر لبنة أو لعدم كونه
مما يصح السجود عليه وفي خبر محمد بن البصري روى عن مزار ابن قولويه عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث زيارة الحسين عليه السلام قال من صلى خلفه صلاة واحدة يريد بها
الله تعالى لقى الله تعالى يوم يلقاه وعليه من النور ما يغشى له كل شئ يراه الحديث وعنه أيضا باسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل قال اتاه
رجل فقال له يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله هل يزار والدك قال نعم ويصلي عنده وقال ويصلي خلفه ولا يتقدم عليه وفي خبر أبي حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام ثم تدور من خلفه إلى
عند رأس الحسين عليه السلام وصل عند رأسه ركعتين تقرأ في الأولى إلى أن قال وان شئت صل خلف القبر وعند رأسه أفضل وما في الحدائق من الجمع بينها بتخصيص الصحيحتين
بهذه الاخبار والالتزام بان الجواز من خصائص قبور المعصومين عليهم السلام لما فيها من زيادة الشرف مدفوع بان العمدة هي صحيحة زرارة وهي
نص في ثبوت الحكم لقبر النبي صلى الله عليه وآله وكونه الأصل فيه واحتمال اختصاصه بقبور الأئمة عليهم السلام دون قبر النبي صلى الله عليه وآله مما لا ينبغي الالتفات
إليه خصوصا مع شذوذ أصل القول بحرمة الصلاة إلى القبر ومخالفة هذا التفصيل للاجماع على ما يظهر من بعض حيث إن المفيد وغيره ممن حكم بالحرمة لم يفصل
بين قبر المعصوم وغيره وقد يجاب أيضا عن الاستدلال بالصحيحتين بان معنى اتخاذ القبر قبلة المعاملة معه معاملة القبلة بالتوجه إليه من اي جهة تكون كما تقدمت
الإشارة إليه وهذا مما لا شبهة في حرمته وفيه ان هذا المعنى وان كان قريبا إلى الذهن بالنظر إلى ما يتراءى من التعبير بلفظ الاتخاذ ولكنه مما ينبغي القطع
بعدم ارادته من الصحيحتين إذ ليس اطلاق نفي الباس عن الصلاة بين المقابر منشأ لتوهم جواز المعاملة مع القبور معاملة القبلة كي يحسن تقييده بقوله ما لم يتخذ
القبر قبلة اللهم الا ان يكون الكلام مسوقا على سبيل التورية لضرب من التقية كما يؤيد ذلك ما قيل من موافقته لروايات العامة وفتوى بعضهم بالحرمة وظهور
الأخبار الخاصة الوارد في باب زيارات الأئمة عليهم السلام التي تقدم بعضها في في لكراهة بالنسبة إلى قبور المعصومين بل استحبابه لما في بعضها من بيان ما يترتب
عليه من الأجر والثواب وفي بعضها الامر بجعل القبر بين يديه وفي اخر امامه فيشكل مع ذلك الالتزام بالكراهة فيها أيضا كما نسب إلى المشهور فضلا عن الحرمة كما هو ظاهر
الصحيحة التي هي صريحة في كون قبر رسول الله صلى الله عليه وآله أصلا في هذا الحكم اللهم ان ينزل الأخبار الخاصة الواردة في باب الزيارات على إرادة الثواب على
أصل الفعل وان المراد بالخلف أو جعل القبر بين يديه أو امامه ما يقابل التقدم عليه أو مع التساوي أيضا لا
خصوص ما يحاذي القبر الشريف فلا ينافي ذلك كراهة اتخاذه
قبلة بمعنى مرجوحيته بالإضافة إلى ما لو صلى في ناحية منه من عند رأسه أو رجليه كما يؤيد ذلك بل يشهد له رواية أبي اليسع المنقولة عن الأمالي قال سئل رجل أبا عبد الله عليه السلام
وانا اسمع قال إذا اتيت قبر الحسين عليه السلام اجعله قبلة إذا صليت قال تنح هكذا ناحية وربما يؤيده أيضا رواية أبي حمزة المتقدمة هذا ولكن الانصاف ان الالتزام بالكراهة
في قبور المعصومين التي ورد فيها اخبار مستفيضة لا يخلو عن اشكال وكون الصلاة عند الرأس أفضل منه لا يصحح اطلاق اسم المكروه عليه ولذا قد يشكل التعويل
على ظاهر صحيحة زرارة ولو على تقدير حملها على الكراهة فعمدة مستند الكراهة هي صحيحة معمر الدالة على ثبوت الباس فيه في الجملة المعتضدة بفتوى المشهور المنصرفتين
عن قبور المعصومين عليهم السلام والله العالم ثم إنه قد وقع في مكاتبة الحميري ورواية هشام بن سالم المتقدمتين المنع عن الصلاة قدام قبر الإمام عليه السلام فهل
هو على سبيل الكراهة والتحريم وقد نسب إلى المشهور الأول بل في الحدائق اني لم أقف على من قال بالتحريم عملا بظاهر الصحيحة المذكورة يعني مكاتبة الحميري سوى شيخنا
البهائي طاب ثراه ثم اقتفاه جمع ممن تأخر عنه منهم شيخنا المجلسي وهو الأقرب عندي إذ لا معارض للخبر المذكور بل في الاخبار ما يؤيده مثل حديث هشام بن سالم المتقدم نقله من
كتاب كامل الزيارات انتهى أقول ويمكن الخدشة في الاستدلال المزبور بأنه قد علل المنع في الخبر المذكور بان الإمام لا يتقدم فلو كان المنع تحريميا لوجب ان يكون
التقدم على القبر الشريف في حد ذاته حراما مطلقا حتى يستقيم البرهان وهو ليس كذلك في سائر الأحوال ما لم يكن عن استخفاف وانما هو مناف للآداب التي ينبغي رعايتها
في حال الصلاة وغيرها فهذه العلة لا تصلح علة الا للكراهة نعم لو أريد بالإمام امام الجماعة بان يكون المقصود بقوله عليه السلام يجعله الإمام انه ينزله منزلة الإمام الذي يأتم به في الصلاة كي يكون قوله عليه السلام ولا يجوز ان يصلي بين يديه بمنزلة
التفريع عليه اتجه ابقاء النهي على ظاهره من الحرمة ولكن إرادة هذا المعنى من قوله عليه السلام يجعله الإمام خلاف ما يتبادر منه بل غير مستقيم لأنه ان أريد بتنزيله منزلة الإمام
ان يفرض نفسه مؤتما به في صلاته فهذا المعنى على تقدير شرعيته غير معتبر في صحة صلاة من صلى خلف القبر بلا شبهة وان أريد به مجرد وجوب التأخر عنه ولو
من غير قصد التبعية والايتمام الفرضي فهو حينئذ بمنزلة التأكيد لقوله الصلاة خلفه ولا يناسبه دليل المنع عن التقدم بان المأموم لا يتقدم على من يأتم به وقد يناقش
أيضا في الاستدلال بالخبر المزبور بأنه ضعيف شاذ مضطرب اللفظ قيل في بيان وجه ضعف الخبر ولعله لأن الشيخ رواه عن محمد بن داود عن الحميري ولم يبين طريقه إليه
ورواه في الاحتجاج مرسلا عن الحميري واما الاضطراب فلانه في التهذيب ظاهر في الامر بالصلاة عن يمينه وشماله وفي الاحتجاج نهى عن ذلك ولأنه في التهذيب
كتابة إلى الفقيه وفي الاحتجاج إلى صاحب الامر عجل الله فرجه وأجيب بان الظاهر من الشيخ في الفهرست كون الواسطة بينه وبين الراوي جماعة ثقات فيكون الخبر صحيحا
كما وصفه به غير واحد كما أن الظاهر تعدد الخبرين لا انه خبر واحد مضطرب اللفظ أقصاهما المخالفة بالاطلاق والتقييد فلا يوجب ذلك وهنأ في شئ من الخبرين أقول
اما احتمال تعذر الخبرين فهو في غاية البعد بل ينبغي القطع بعدمه ولا يهمنا الإطالة في ايضاحه بعد قصور ما في الاحتجاج عن مرتبة الحجية فاختلافه مع ما في التهذيب لا يؤثر
191

في سقوط ما في التهذيب عن الاعتبار الا ان ما في التهذيب بنفسه لا يخلو عن اضطراب أو ارسال لأن الفقيه في عرف الرواة انما يطلق على أبي الحسن موسى عليه السلام والحميري
ليس من أصحابه فقوله كتبت إلى الفقيه اما مقول قول شخص اخر فحذفت الواسطة فيكون الرواية مرسلة أو انه قوله ولكنه أراد بالفقيه غير ما جرى عليه اصطلاحهم فيشكل
على هذا الجزم بإرادته أحد الأئمة المعصومين الذين أدرك صحيحتهم إذ لا شاهد عليه الا بعض قرائن الأحوال التي يشكل الاعتماد عليها ما لم تكن مفيدة للقطع وادعاء
حصول القطع به من شهادة حاله بأنه لا يكتب أو لا يروي الا عن الإمام عهدته على مدعيه فليتأمل فتلخص مما ذكر ان القول بالكراهة كما نسب إلى المشهور ولا يخلو عن قوة
واما الصلاة عن يمين القبر وشماله محاذيا للقبر فلا ينبغي الاستشكال في جوازه كما يدل عليه المكاتبة المزبورة على ما رواها في التهذيب مضافا إلى الأخبار الكثيرة
الدالة على استحباب الصلاة عند الرأس التي اظهر مصاديقها صورة المحاذاة فلا يلتفت معها إلى ما في المكاتبة المزبورة على ما في الاحتجاج من المنع عن الصلاة عن يمين
القبر وشماله أيضا لقصورها عن الحجية فضلا عن صلاحيتها لمعارضة غيرها من الأدلة فما عن بعض من الالتزام بحرمة المساواة أيضا للخبر المزبور في غاية الضعف تنبيه
لا يرتفع حكم التقدم على قبور المعصومين عليهم السلام حرمة أو كراهة وكذا حكم المساواة لو قلنا به بحيلولة الشبابيك وشبهها مما هي موضوعة على قبورهم من صندوق
ونحوه إذ المتبادر من النهي عن التقدم على قبورهم أو محاذاتها أو الامر بالصلاة خلفها أو عن يمينها أو شمالها انما هو ارادتها ولو مع اشتمالها على مثل هذه الأمور
كما هو الغالب في قبورهم خصوصا بعد الالتفات إلى المناسبة المقتضية لهذا الحكم من مراعاة احترام الإمام وانه لا يتقدم ولا يساوى فإنها مقتضية للتعميم كما لا يخفى
واما سائر القبور فالظاهر ارتفاع كراهة الصلاة إليها أو فيما بينها بمثل ذلك بل بما دون ذلك مما يعد في العرف حائلا كما نبه عليه المصنف رحمه الله بقوله الا ان
يكون حائل الانصراف الأخبار الناهية عن الصلاة إلى القبر أو فيما بين القبور إلى ما إذا لم يكن بينه وبينها حائل ودعوى عدم صدق الحائل عرفا على مثل الشباك
والصندوق المبنيين على القبر مما يعد من توابعه بل ربما يعامل معها معاملة القبر في بعض اثاره كما في قبور المعصومين غير مجدية بعد خروجه عن مصرف الأدلة
وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في انتفاء الكراهة مع حائل معتد به عرفا وانما الاشكال في اطلاق الاكتفاء باي حائل يكون ولو عنزة كما في المتن وغيره وعن
الروض أو قدر لبنة أو ثوب موضوع وما أشبهها فان دعوى انصراف النصوص عما إذا كان بينه وبين القبور شئ من مثل هذه الأمور التي يكون اطلاق الحائل
عليها على نوع من التوسعة مجازفة ولعل مستند القول بكفايته كما لعله المشهور دعوى استفادته من اكتفاء الشارع به في رفع الكراهة في نظائر المقام كالصلاة
إلى الانسان ونحوه مما ستعرف وفيه تأمل أو يكون بينه وبينها عشرة اذرع فتنفى الكراهة بهذا أيضا كما شهد به موثقة عمار المتقدمة ولكن ربما يستشكل
في ظاهر الموثقة بدلالتها على اعتبار البعد المذكور مطلقا حتى فيما إذا كانت القبور خلفه وهو خلاف ما يظهر من فتاوي الأصحاب ويمكن دفعه بان الموثقة انما
وردت فيما لو صلى بين القبور فأريد بها التباعد عن القبور بالمقدار المذكور من اي ناحية فيما لو أحيط به القبور من جميع الجوانب ولا مانع عن الالتزام به في
مثل الفرض الذي لولا البعد المذكور ربما يصدق عليه اسم الصلاة في المقابر أو على القبور وهذا بخلاف ما لو
كانت القبور جميعها خلفه أو عن يمنه أو شماله فلا
يصدق عليه حينئذ انه صلى على القبر أو في المقابر أو فيما بين القبور كما هو واضح وتكره الصلاة أيضا في بيوت النيران على المشهور بين الأصحاب بل عن الذكرى وجامع
المقاصد نسبته إليهم وعن الغنية الاجماع عليه وهذه هي عمدة مستند الكراهة وكفى بها دليلا بعد البناء على المسامحة فما عن جملة من القدماء من التعبير بلا يجوز
ضعيف جدا اللهم الا ان يراد به الكراهة والمراد ببيوت النيران على ما صرح به غير واحد ما أعدت لاضرام النار كالمطابخ ونحوها وعن العلامة في جملة من كتبه
تعليل الكراهة بان في الصلاة فيها تشبها بعبادتها وفي المدارك بعد ان حكى عن العلامة التعليل المزبور قال وهو ضعيف جدا والأصح اختصاص الكراهة
بمواضع عبادة النيران لأنها ليست موضع رحمة الله فلا يصلح لعبادة الله تعالى أقول ولو بنى على الاعتناء بمثل هذه المناسبات في الاحكام التعبدية لأمكن
الالتزام باستحبابها في مثل هذه المواضع مراغمة لانف الشيطان وأوليائه فالعمدة ما عرفت والله العالم وكذا في بيوت الخمور إذا لم تتعد نجاستها إليه
أو إلى ثوبه الذي يشترط طهارته فيها على المشهور ويدل عليه موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تصل في بيت فيه خمر أو مسكر لأن الملائكة لا تدخله وسوقها
بواسطة ما فيها من التعليل يشعر بإرادة الكراهة كما ربما يؤيد ذلك ما رواه الصدوق في المقنع مرسلا حيث قال على ما حكى عنه بعد ان قال لا يجوز ان يصلي في بيت
فيه خمر (محصور في انية وروى أنه يجوز وكذبها الفقيه أيضا القول بالمنع قال في المدارك ومنع الصدوق رضوان الله عليه فيمن لا يحضره الفقيه من الصلاة في بيت فيه
خمر) مخزون في انية مع أنه حكم بطهارة الخمر واستبعده المتأخرون لذلك ولا بعد فيه بعد ورود النص به انتهى أقول إن كان مستنده في المنع المزبور
الموثقة المذكورة فالاستبعاد في محله فان الموثقة كما تدل على المنع عن الصلاة في بيت فيه خمر كذلك تدل على نجاسة الخمر حيث إنه عليه السلام بعد الفقرة المذكورة
قال ولا تصل في ثوب قد اصابه خمرا ومسكر حتى تغسله فالتفكيك بين مفاديها لا يخلو عن بعد اللهم الا ان يقال بابتلائها في الفقرة الأخيرة بمعارضة بعض الأخبار
التي هي صريحة في الطهارة كما عرفتها في محله بخلاف الفقرة الأولى فإنها سليمة عن المعارض فلا مانع عن الاخذ بظاهرها وكيف كان فالأقوى ما عرفت
ثم إن مقتضى ظاهر الموثقة كراهة الصلاة في بيت فيه خمر مطلقا سواء صدق عليه عرفا بين الخمر أم لا كما أن بيت الخمر قد يصدق على ما ليس فيه خمر بالفعل فتبين المدعى
والدليل عموم من وجه فالذي ينبغي ان يقال هو كراهة الصلاة في بيت فيه خمر مطلقا ولو من باب الاتفاق واما ما يسمى عرفا بيت الخمر وليس فيه خمر بالفعل
فيمكن الالتزام بكراهته أيضا اخذا بظاهر كلمات الأصحاب من باب المسامحة والله العالم وكذا تكره الصلاة في جواد الطرق وهي الطرق العظمى التي يكثر سلوكها
كما صرح به غير واحد على المشهور بل عن الغنية والمنتهى وظاهر التذكرة الاجماع عليه ويدل عليه جملة من الاخبار منها صحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام
عن الصلاة في السفر فقال لا تصل على الجادة واعتزل على جانبيها وخبره الاخر قال سألته عن الصلاة على ظهر الطريق فقال لا تصل على الجادة وصلى على جانبيها وخبر الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال لا تصل على الجواد وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
192

في حديث قال سئلته عن الصلاة في ظهر الطريق فقال لا بأس ان تصلي في الظواهر التي بين الجواد فاما على الجواد فلا تصل فيها أقول المراد بالظواهر التي نفي الباس
عن الصلاة فيها في الصحيحة وغيرها كما صرح في الجواهر وغيره هي الأراضي المرتفعة عن الطريق حسا أو جهة التي لا تندرج تحت اسم الطريق وان كانت بينه ولكن يصح
اطلاقها على نفس الجواد أيضا باعتبار ظهورها ووضوحها كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال لا بأس ان تصلي بين الظواهر وهي الجواد
جواد الطريق ويكره ان يصلي في الجواد كما أنه يصح اطلاق ظهر الطريق على ما ليس بخارج عنه كما في خبر معلى بن خنيس قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة على ظهر
الطريق فقال لا اجتنبوا الطريق ويظهر من هذه الرواية كراهة الصلاة في الطريق مطلقا وأوضح منها دلالة على ذلك موثقة الحسن بن الجهم عن أبي الحسن الرضا
عليه السلام قال كل طريق يوطأ فلا تصل عليه قال قلت له ان قد روى عن جدك ان الصلاة على الظواهر لا بأس بها قال ذاك ربما سايرني عليه الرجل قال قلت فان خاف
الرجل على متاعه قال فان خاف فليصل أقول المراد بالظواهر في هذه الرواية أيضا بحسب الظاهر كسابقتها ما ليس بخارج عن الطريق فكان الإمام عليه السلام أراد
بيان اطلاق الكراهة وان المراد بنفي الباس فيما روى عن ابائه عليهم السلام انما هو فيما لو سايره الرجل فأريد بذلك مصاحبة ذلك الرجل وعدم التخلف عنه أو تكليفه
بالعدول عن الطريق يعني في مواقع الضرورات العرفية والله العالم وخبر محمد بن الفضيل قال قال الرضا عليه السلام كل طريق يوطأ ويتطرق كانت فيه جادة أم لم تكن لا
ينبغي الصلاة فيه قلت فأين أصلي قال يمنة ويسرة وفي خبر الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام في حديث المناهي ونهى ان يصلي الرجل في المقابر والطرق والأرحية الحديث
وفي مرسلة عبد الله بن الفضل المتقدمة مرارا عد من جملة المواضع العشرة التي نهى عن الصلاة فيها مسان الطرق فكأنها أخص من مطلق الطرق ولعل المراد بها أجودها
وتخصيصها بالذكر لشدة الكراهة كما أنه يحتمل إرادة ذلك من قارعة الطريق في خبر محمد بن الحسين المروي عن الخصال باسناده رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال ثلاثة لا
يتقبل الله لهم بالحفظ رجل نزل في بيت خرب ورجل صلى على قارعة الطريق ورجل ارسل راحلته ولم يستوثق منها ثم إن أغلب هذه الأخبار وان وقع فيها التعبير
بلفظ النهي ولكن التعين حملها على الكراهة لما في كثير منها من القرائن المرشدة إليه كذكره في عداد المكروهات في بعضها والاكتفاء بأدنى عذر في رفع المنع في بعض
اخر وتعميم الحكم في جملة منها لمطلق الطريق وتخصيصه في بعضها بمسانه مع ظهور جملة منها مما وقع فيها التعبير بلفظ لا ينبغي ويكره وغير ذلك خصوصا الرواية الأخيرة في الكراهة
مع شدة المناسبة بينها وبين المورد بخلاف الحرمة كما يؤيده فهم المشهور وفتواهم فما عن الفقيه من أنه لا تجوز في مسان الطرق وجواده والمقنعة والنهاية لا تجوز في جواد الطرق
واما الظواهر فلا بأس ضعيف لم يريدوا بذلك أيضا الكراهة وكذا تركه الصلاة في بيوت المجوس على المشهور بين الأصحاب كما في الجواهر بل عن جامع المقاصد نسبته
إليهم وربما عللوه بأنها لا تنفك عن النجاسة ونوقش فيه بان مقتضاه في لاختصاص بالمجوس بل وعدمها على فراش المصلي ونحوه وهو مخالف لظاهر العبارات
ومن هنا ربما توقف بعضهم فيها كما لعله ظاهر كاشف اللثام حيث قال انما ظفرت باخبار سئل فيها الصادق عليه السلام عن الصلاة فيها فقال رش وصل وهي لا تقضي بالكراهة بل
باستحباب الرش أقول اما الاخبار التي ورد فيها الامر بالرش فمنها رواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله عليه
السلام عن الصلاة في بيوت المجوس فقال رش وصل
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس فقال رش وصل ولا يخفى عليك ان المتبادر من الامر بالصلاة
في مثل هذه الموارد التي سبق الامر فيها لدفع توهم الحظر انما هو الرخصة ونفي الباس عنها لا الوجوب أو الاستحباب والمنساق إلى الذهن من الامر بالرش هو الوجوب
المقدمي الذي هو عبارة أخرى عن التعبير بالشرطية فيكون قوله عليه السلام رش وصل بمنزلة ما لو قيل في جوابه ان رششت فلا بأس بصلاتك نظير ما لو وقع السؤال
عن الصلاة في ثوب اصابه شئ من أبوال الدواب أو الدم أو غير ذلك فقيل في الجواب اغسله وصل أو سئل عن الصلاة في سيف أو سكين أو نحو ذلك فقيل اجعله في غمده
أو تحت ثيابك وصل إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا تتبادر منها الإرادة الشرطية لا الطلب الشرعي المولوي الوجوبي أو الاستحبابي ومقتضاه بطلان الصلاة عند (ئر؟)
الرش وحيث علم من الخارج ان الصلاة لا تبطل بدونه لزم حمله على إرادة شرط الكمال اي كونها تامة غير مشتملة على منقصة أصلا كما هو الشان في أغلب الأمثلة المزبورة التي
هي من نظائر المقام فترك الرش موجب لاختلال الصلاة في الجملة وصيرورتها مما فيه بأس ما اي خلل غير بالغ إلى حد يؤثر في فسادها وهذا هو المقصود بكراهتها فما قيل
من أن الامر بالرش لا يقتضي بالكراهة بل باستحباب الرش كلام ظاهري لما أشرنا إليه من أن ظاهر هذه الأخبار إرادة نفي البأس عن الصلاة مع الرش لا استحبابها معه
كي يكون الرش مستحبا غيريا أو استحبابه من حيث هو فيكون نفسيا وربما يستدل للكراهة أيضا بخبر أبي اسامة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تصل في بيت فيه مجوسي ولا بأس
بان تصلي وفيه يهودي أو نصراني فإنه يدل على كراهة الصلاة في بيوتهم بالفحوى وفيه تأمل ولا بأس بالبيع والكنائس فلا تكره الصلاة فيها على الأشهر بل المشهور على ما نسب إليهم وقيل بالكراهة فيهما كبيوت المجوس
للصحيحة المتقدمة التي ورد فيها الامر بالرش في الجميع ولكن قد ينافيها ظهور جملة من الاخبار في نفي الباس بالصلاة فيهما على الاطلاق كخبر حكم بن حكيم قال سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول وسئل عن الصلاة في البيع والكنايس فقال صل فيها قد رأيتها ما أنظفها قلت أيصلي فيها وان كانوا يصلون فيها فقال اما تقرأ القرآن قل كل يعمل على
شاكلته فربكم اعلم بمن هو اهدى سبيلا صل إلى القبلة وغر بهم وعن الصدوق وباسناده مثل الا انه ترك قوله عليه السلام قد رأيتها ما أنظفها وقال في اخره وصل إلى القبلة
ودعهم وصحيحة العيص قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن البيع والكنايس يصلي فيها قال نعم وسألته هل يصلح نقضها مسجدا فقال نعم وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث قال سألته عن الصلاة في البيعة فقال إذا استقبلت القبلة فلا بأس بها وخبر أبي البختري المروي عن قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال
لا بأس بالصلاة في البيعة والكنيسة الفريضة والتطوع والمسجد أفضل فالمتجه حمل الامر بالرش في الصحيحة بالنسبة اليهما على إرادة شرط الفضيلة ولا ينافي ذلك ابقائهما
على ظاهرها من الكراهة بالنسبة إلى بيوت المجوس كما يعرف ذلك بالتدبر في ما أسلفناه في مسألة جواز الصلاة في فرو السنجاب عند التكلم في توجيه الموثقة الدالة
على المنع عنه فراجع ولكن قد يمنع صلاحية هذا الاخبار لصرف الصحيحة عن ظاهرها من الكراهة لورودها في مقام توهم الخطر فليس لها قوة ظهور في إرادة ما ينافي
193

الكراهة فليتأمل ويكره ان يكون في حال صلاته بين يديه نار مضرمة بل مطلقا على الأظهر كما يدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يصلي
والسراج موضوع بين يديه في القبلة قال لا يصلح له ان يستقبل النار وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يصلي الرجل وفي قبلته نار أو حديد قلت اله ان
يصلي وبين يديه مجمرة شبه قال نعم فإن كان فيها نار فلا يصلي حتى ينحيها عن قبلته وعن الرجل يصلي وفي قبلته قنديل معلق وفيه نار الا انه بحياله قال إذا ارتفع
كان أشر لا يصلي بحياله و وما في المتن وغيره بل ربما نسب إلى المشهور من تخصيص الكراهة بما إذا كانت النار مضرمة مما لم يتضح وجهه ونقل عن أبي الصلاح القول
بالحرمة اخذ بظاهر النهي في الخبرين وفيه ان الخبر الأول ان لم نقل بأنه ظاهر في الكراهة فلا أقل من عدم ظهوره في الحرمة واما الموثقة فهي وان كانت ظاهرة
في ذلك في بادي الرأي ولكن ربما يوهن هذا الظاهر مضافا إلى مخالفته للمشهور عطف الحديد عليه في صدر الرواية مع أنه لم يفت أحد بحرمته على ما صرح به بعض و
قوله في ذيلها إذا ارتفع كان أشر الدال على اختلافه في الشرية من حيث المرتبة وغير ذلك مما يناسب الكراهة كما انها هي الذي تقتضيه الجمع بينها وبين مرفوعة عمرو بن إبراهيم
الهمداني قال قال أبو عبد الله عليه السلام لا بأس ان يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه ان الذي يصلي له أقرب إليه من الذي بين يديه فكأن هذه الرواية هي التي
قصدها الكليني والشيخ حيث قالا بعد نقل موثقة عمار على ما حكى عنهما وروى أيضا انه لا بأس به لأن الذي يصلي له أقرب إليه من ذلك والتوقيع المروي عن كتاب
اكمال الدين عن محمد بن جعفر الأسدي فيما ورد عليه من محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه عن صاحب الزمان في جواب مسائله واما ما سئلت عنه من امر المصلي والنار والصورة
والسراج بين يديه هل تجوز صلاته فان الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران وعن اجتماع الطبرسي نحوه وزاد
في اخره ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنيران وما في التوقيع من التفصيل بين أولاد عبدة الأوثان وغيرهم فمحمول على شدة الكراهة والا فلم نقل
القول بهذا التفصيل عن أحد أو بين يديه تصاوير وربما وقع التعبير عنها في عبائرهم بالتماثيل أو بالصورة والمراد من الجميع بحسب الظاهر واحد كما أوضحناه في اللباس
ويدل عليه جملة من الاخبار منها صحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أحدهما عليهما السلام عن التماثيل في البيت فقال لا بأس إذا كانت عن يمينك وشمالك ومن خلفك أو تحت
رجلك وان كانت في القبلة فالق عليها ثوبا وصحيحته الأخرى قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أصلي والتماثيل قدامي وانا انظر إليها قال لا اطرح عليها ثوبا ولا بأس بها
إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك وان كانت في القبلة فالق عليها ثوبا وصل أقول لظاهر اتحاد هذه الروايات الثلاث
وما فيها من الاختلاف فمنشأه الاختلاف في مقام التعبير ونقل المضمون وصحيحته الثالثة المروية عن المحاسن عن أبي جعفر عليه السلام قال لا بأس بالتماثيل أن تكون عن يمينك
وعن شمالك وخلفك وتحت رجليك وان كانت في القبلة فالق عليها ثوبا إذا صليت وصحيحة الحلبي قال أبو عبد الله عليه السلام ربما قمت فاصلي وبين يدي
الوسادة وفيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوبا وخبر ليث قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الوسائد تكون في البيت فيها التماثيل عن يمين أو شمال فقال لا بأس ما لم
تكن تجاه القبلة فإن كان شئ منها بين يديك مما يلي القبلة فغطه وصل وإذا كان معك دراهم فيها تماثيل فلا تجعلها بين يديك واجعلها من خلفك
وصحيحة علي بن جعفر عن أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن الدار والحجرة فيها التماثيل أيصلي فيها فقال لا تصل فيها وفيها شئ يستقبلك الا ان لا تجد بدا فتقطع
رؤسها والا فلا تصل فيها إلى غير ذلك من الاخبار التي سيأتي بعضها وما في هذه الأخبار ممن النهي محمول على الكراهة كما يشهد له مرفوعة عمرو بن إبراهيم الهمداني
والتوقيع المتقدمتان في المسألة السابقة وخبر علي بن جعفر المروي عن محاسن البرقي وكتاب قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن البيت فيه صورة
سمكة أو طير أو شبههما يعبث به أهل البيت هل تصلح الصلاة فيه قال لا حتى يقطع رأسه منه ويفسده وان كان قد صلى فليست عليه إعادة وفي بعض النسخ قد صوروا
فيه طير أو سمكة الخ إذ الظاهر أن قوله وان كان قد صلى الخ مسوق لبيان ان النهي عنه على سبيل التنزيه الذي لا يترتب على مخالفته الإعادة وحمله على خصوص
صورة الغفلة والنسيان مما لا داعي عليه مع اعتضاده بالشرهة ونقل الاجماع بل لم ينقل القول بالحرمة فيما عثرنا عليه عن أحد نعم حكى عن أبي الصلاح القول
بعدم حل الصلاة على البسط والبيوت المصورة وان له في فسادها نظرا وهو باطلاقه مخالف لصريح هذه الأخبار فلا يصح استناده إليها هذا كله مع ما في إرادة الحرمة
من النواهي الواردة في أمثال هذه الموارد من البعد ولعله هو العمدة في عدم فهم المشهور منها الا الكراهة وكيف كان فقد أغنتنا عن كلفة مثل هذه الدعاوي
الأخبار المتقدمة المنجبر ضعفها لو كان بغيرها مما عرفت مع اعتضادها بما عرفته في اللباس إذ الظاهر أن النواهي الواردة في هذا الباب المتعلقة بالصلاة في ثوب
فيه تماثيل أو خاتم فيه صورة أو درهم كذلك أو بيت فيه تصاوير كلها من واد واحد فما يصلح قرينة لإرادة الكراهة من بعضها أمكن الاستشهاد به فيما عداه أيضا
فليتأمل ثم إن ظاهر خبر علي بن جعفر المتقدم كراهة الصلاة في بيت فيها صورة سمكة وشبهها مطلقا سواء كانت بين يدي المصلي أم لم يكن ونحوه خبره الاخر المروي
عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن مسجد يكون فيه تصاوير وتماثيل يصلي فيه فقال تكسر رؤس التماثيل وتلطخ رؤس التصاوير وتصلي فيه ولا بأس وخبر
سعد بن إسماعيل عن أبيه قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المصلي والبساط يكون عليه التماثيل أيقوم عليه فيصلي أم لا فقال لا والله اني لأكره فمقتضى الجمع بينها وبين الأخبار المتقدمة
اما حمل نفي البأس عما إذا لم يكن بين يديه في الأخبار المتقدمة على خفة الكراهة أو تقييد هذه الأخبار بما إذا كانت الصورة بين يديه وهو لا يخلو عن بعد بالنسبة
إلى خبري علي بن جعفر واعلم أن المراد بالتصاوير والتماثيل انما هو صور ذوات الأرواح لا غير كما أوضحناه في اللباس وفي جملة من الاخبار إشارة إلى ذلك كما تقدمت الإشارة
إليه في ذلك المبحث وترتفع الكراهة بتغيير الصورة كما يدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال لا بأس ان يكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه إذ لا
خصوصية للثوب في ذلك كما هو واضح ويشهد له أيضا الخبر المروي عن مكارم الأخلاق عن أبي عبد الله عليه السلام قال قد أهديت إلى طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر
194

فأمرت به فغيرت رأسه فجعل كهيئة الشجرة ولا يبعد ان يكون المراد بالتغيير في الصحيحة ما يصدق بنقص عضو منه من عين ويد أو رجل أو نحو ذلك كما ربما يؤيد ذلك مرسلة ابن أبي
عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في التمثال يكون في البساط فتقع عينك عليه وأنت تصلي قال إن كان بعين واحدة فلا بأس وان كان له عينان فلا وأوضح من ذلك ما إذا كان
التغيير بقطع رأسه أو قده نصفين أو نحو ذلك وقد صرح بنفي البأس عنه في مثل الفرض روايتا علي بن جعفر المتقدمتان المرويتان عن كتاب المحاسن وقرب الإسناد ولكن قد يستظهر
من قوله عليه السلام في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة الا ان لا تجد بدا فتقطع رؤسها خفة الكراهة بقطع الرؤوس لا ارتفاعها بالمرة والا لم يكن وجه لقصر الرخصة معه على صورة الضرورة
اللهم الا ان يقال بجريه مجرى العادة من عدم تحمل مثل هذه الكلفة الا لدى الضرورة لا ان الضرورة أباحت الصلاة معه وتكره الفريضة في جوف الكعبة كما عرفته في مبحث القبلة
وقد عرفت في ذلك المبحث انه كما تركه الفريضة في جوف الكعبة كذلك تكره على سطحها بل الأحوط والأولى ترك الصلاة على ظهر الكعبة مطلقا لا لضرورة لقوله عليه السلام في خبر المناهي نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الصلاة على ظهر الكعبة وكذا تركه في مرابط الخيل والحمير والبغال
على المشهور بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه ويشهد له مضمرة سماعة قال سئلته عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم فقال إن نضحته بالماء وقد كان يابسا
فلا بأس بالصلاة فيها فاما مرابض الخيل والبغال فلا ومقطوعته قال لا تصل في مرابط الخيل والبغال والحمير وقد أشرنا مرارا إلى أنه لا يكاد يفهم من النواهي الواردة في
مثل هذه الموارد الا الكراهة كما يشهد لذلك فهم الأصحاب وفتواهم هذا مع ضعف الروايتين بالاضمار وعدم صلاحيتهما الا لاثبات الكراهة خصوصا الثانية منهما التي
هي أوضح دلالة على النهي لما فيها من القطع بل لم يعلم كونها رواية فعلها مما استنبطها سماعة باجتهاده من روايته الأولى فيشكل مع هذا الاحتمال الالتزام بكراهة الصلاة في
مرابط الحمير لعدم ورودها الا في هذه العبارة التي لم يثبت كونها رواية اللهم الا ان يعول في ذلك على الشهرة ونقل الاجماع من باب المسامحة فما عن الحلبي من الالتزام بعدم
حل الصلاة في هذه المواضع ولا في مرابض البقر والغنم والتردد في فسادها ضعيف خصوصا بالنسبة إلى الأخير الذي ورد فيه التصريح بخلافه في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سئلته عن الصلاة في مرابض الغنم قال صل فيها ولا تصل في أعطان الإبل الا ان تخاف على متاعك الضيعة فاكنسه ورشه بالماء وصل فيه وصحيحة علي بن
جعفر المروية عن كتابه عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الصلاة في معاطن الإبل قال لا تصلح الا ان تخاف على متاعك ضيعة فاكنسه ثم انضح بالماء ثم صل
وسئلت عن مرابض الغنم تصلح الصلاة فيها قال نعم لا بأس وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في أعطان الإبل فقال إن تخوفت الضيعة على متاعك
فاكنسه وانضحه وصل ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم وظاهر هذه الأخبار خصوصا بملاحظة ما فيها من التفصيل بين المرابض والمعاطن كظاهر المتن وغيره بل عن المنتهى نسبة
إلى أكثر علمائنا انه لا بأس ولا كراهة بمرابض الغنم ولكن من المختلف ان المشهور الكراهة بل عن الغنية الاجماع على ذلك وعلى الكراهة في مرابط البقر أيضا ولعل مستنده
مضمرة سماعة المتقدمة والله العالم وتكره أيضا في بيت فيه مجوسي ولا بأس باليهودي والنصراني كما يدل عليه خبر أبي اسامة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يصلي في بيت
فيه مجوسي ولا بأس ان يصلي وفيه يهودي أو نصراني وتكره الصلاة أيضا وبين يديه مصحف مفتوح على المشهور لرواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي وبين يديه
مصحف مفتوح في قبلته قال لا قلت إن كان في غلاف قال نعم المحمولة على الكراهة كما يشهد له مضافا إلى عدم انسباق الحرمة إلى الذهن من النواهي الواردة في مثل هذه الموارد
الغير المناسبة الا للكراهة ما عن الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل هل له ان ينظر في نقش
خاتمة وهو في الصلاة كأنه يريد قرائته أو في المصحف أو كتاب في القبلة فقال ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها ولا نعني بكراهة الصلاة الا اشتمالها على ما يوجب
نقصها فهذه الرواية تدل على عدم اختصاص الحكم بالمصحف وكراهة النظر إلى ما عداه أيضا من كتاب أو نقش خاتم ونحوه ولعله لذا قال في محكى البيان عاطفا على
مصحف مفتوح أو كتاب مفتوح وعن المبسوط أو شئ مكتوب بل عن الفاضل وثاني المحققين والشهيدين وغيرهم التعدي إلى كل منقوش ولعله لقوله نقش خاتمة إذ لا
مدخلية لخصوصية المورد في الحكم وهو لا يخلو عن تأمل إذ الظاهر أن النقش الذي وقع عنه السؤال كان كتابة كما يشير إلى ذلك قوله كأنه يريد قرائته وكيف كان فالذي
يستفاد من هذه الرواية انما هو كراهة النظر إلى المكتوب والمنقوش نظرا كأنه يريد قرائته واما مجرد وجوده بين يديه فلا يكاد يفهم كراهته من هذه الرواية واما
خبر عمار فمقتضى اطلاقه كاطلاق الفتاوي هو كراهة كون مصحف مفتوحا في قبلته سواء نظر إليه أم لا بل ولو تعذر في حقه النظر لظلمة أو عمى ونحوه فيتجه حينئذ الفرق
بين المصحف وغيره بذلك اللهم الا ان يدعى انصراف خبر عمار أيضا إلى الأول فليتأمل أو بين يديه حائط ينز من بالوعة يبال فيها كما يدل عليه ما رواه البزنطي
عمن سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المسجد ينز حائط قبلته من بالوعة يبال فيها فقال إن كان نزه من البالوعة فلا تصل فيه وان كان نزه من غير ذلك فلا بأس وخبر محمد بن
أبي حمزة عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال إذا ظهر النز من خلف الكنيف وهو في القبلة ستره بشئ وعن البحار عن كتاب الحسين بن عثمان أنه قال روى عن أبي الحسن
عليه السلام قال إذا ظهر النز إليك من خلف الحائط من كنيف في القبلة سترته بشئ وكذا تكره ان يصلي وبين يديه عذرة لخبر الفضيل بن يسار قال قلت لأبي عبد الله
عليه السلام أقوم في الصلاة فأرى قدامي في القبلة العذرة فقال شح عنها ما استطعت ويكره أيضا ان يصلي وبين يديه سيف لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله
عن ابائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم ولا يصلي أحدكم وبين يديه سيف فان القبلة امن بل مطلق الحديد لرواية عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال لا يصلي الرجل وفي قبلته نار أو حديد وقيل تركه أيضا إلى انسان مواجه أو باب مفتوح وقد حكى هذا القول عن أبي الصلاح الحلبي ولكنه لم يعرف
مأخذه وعن المصنف في المعتبر انه لما نسبه إلى الحلبي قال وهو أحد الأعيان فلا بأس باتباعه يعني العمل بقوله من باب المسامحة نعم ربما يستظهر من بعض الأخبار
انه يكره للمصلي ان يمر بين يديه انسان بل وكذا ساير الحيوانات كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل هل يقطع صلاته شئ مما يمر بين يديه
195

فقال لا يقطع صلاة المسلم شئ ولكن ادرأ ما استطعت وموثقة ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل هل يقطع صلاته شئ مما يمر بين يديه قال لا
يقطع صلاة المؤمن شئ ولكن ادرأ ما استطعتم وخبر الحسين بن علوان المروي عن قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه ان عليا عليه السلام سئل عن الرجل يصلي فيمر بين يديه الرجل و
المرأة أو الكلب والحمار فقال إن الصلاة لا يقطعه شئ ولكن ادرأ وما استطعتم هي أعظم من ذلك إذ لولا أن المرور بين يدي المصلي موجبا لنقص في صلاته لم يكن
يكلف بمنعه خصوصا مع ما يترتب عليه من ايذاء المؤمن أحيانا وقد أشرنا انفا إلى أن المراد بكراهة الصلاة ليس الا ذلك ومن هنا قد يدعى دلالة هذه الأخبار على كراهة
ان يكون بين يديه انسان مواجه أيضا بالأولوية القطعية وفيه نظر بل في دلالتها على كراهة الصلاة مع المرور تأمل لجواز ان يكون الامر بالدرء رعاية لحرمة الصلاة و
تعظيمها لا لدفع منقصة عنها فيكون مستحبا لا الصلاة بدونه مكروهة كما أن في ذيل الخبر الأخير إشارة إلى ذلك بناء على كونه علة للدرء لا لعدم الانقطاع وأوضح
منه دلالة عليه ما رواه أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يقطع الصلاة شئ لا كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشئ وان كان بين يديك قدر ذراع رافع
من الأرض فقد استترت والفضل في هذا ان تستتر بشئ وتضع بين يديك ما تتقي به من المار فإن لم تفعل فليس به بأس لأن الذي يصلي له المصلي أقرب إليه ممن
يمر بين يديه ولكن ذلك أدب الصلاة وتوقيرها ولعل في مبالغة الإمام عليه السلام وتعبيره في جملة من الاخبار بان الصلاة لا يقطعها شئ من مرور انسان وكلب
أو غير ذلك ايماء إلى أن مرور شخص أجنبي عن المكلف لا يصلح ان يكون موجبا لقدح فيها ولكن ينبغي ان يدرء رعاية لحرمة الصلاة فلو كان ذلك مكروها لكانت
كراهته على المار ان كان مكلفا كما يدل عليه بعض الأخبار الآتية لا على المصلي فالذي يقوى في النظر انما هو استحباب الدفع ولو بوضع السترة التي هي دفع
حكمي كما ستعرفه لا كراهة تركه وكيف كان فلا يعارض هذه الأخبار خبر ابن أبي عمير المروي عن كتاب التوحيد قال رأى سفيان الثوري أبا الحسن موسى بن جعفر
عليهما السلام وهو غلام يصلي والناس يمرون بين يديه فقال له ان الناس يمرون بين يديك وهم في الطواف فقال له الذي أصلي له أقرب من هؤلاء ومرفوعة علي بن
إبراهيم عن محمد بن مسلم قال دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه السلام فقال له رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم وفيه ما فيه فقال أبو عبد الله ادعو
لي موسى فدعى فقال له يا بني ان أبا حنيفة يذكر انك صليت والناس يمرون بين يديك فلم تنههم فقال نعم يا أبه ان الذي كنت أصلي له كان أقرب إلي منهم يقول الله
عز وجل ونحن أقرب إليه من حبل الوريد قال فضمه أبو عبد الله عليه السلام إلى نفسه ثم قال يا بني بأبي أنت وأمي يا مستودع الاسرار وخبر سفيان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام انه كان
يصلي ذات يوم إذ مر رجل قدامه وابنه موسى عليه السلام جالس فلما انصرف قال له ابنه يا أبه ما رأيت الرجل مر قدامك فقال يا بني ان الذي أصلي له أقرب إلى من الذي مر قدامي و
خبر ضعيف عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال كان الحسين بن علي عليهما السلام يصلي فمر بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه فلما انصرف قال له لم نهيت الرجل فقال يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله
خطر فيما بينك وبين المحراب فقال ويحك ان الله عز وجل أقرب من أن يخطر فيما بيني وبينه أحد فان هذه الأخبار مع أنه لا دلالة فيها على أنه لم يكن في موردها بحيال وجه
الإمام عليه السلام سترة من خط ونحوه مما ستعرف انه بمنزلة الدفع واحتمال ورود جميعها كالخبر الأول في مكة المشرفة التي اغتفر فبها هذا الحكم لمكان الضرورة كما شهد بذلك صحيحة معاوية بن
عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أقوم أصلي بمكة والمرأة بين يدي جالسة أو مارة قال لا بأس انما سميت بكة لأنه يبك فيه الرجال والنساء انها حكاية فعل لا تصلح معارضة للقول
وما فيها من التعليل أريد منه بحسب الظاهر دفع توهم كون المرور قاطعا للصلاة فكأنهم كانوا يتوهمون ان الصلاة تذهب بحيال صاحبها إلى القبلة فيكون المرور موجبا
لانقطاع بعضها عن بعض فأبطل الإمام عليه السلام هذا الوهم بقوله ان الذي أصلي له أقرب إلى من هؤلاء وقد أشير إلى هذا الوهم وفساده في خبر أبي سليمان مولى أبي الحسن
العسكري عليه السلام قال سأله بعض مواليه وانا حاضر عن الصلاة يقطعها شئ مما يمر بين يدي المصلين فقال
لا ليس الصلاة تذهب هكذا بحيال صاحبها انما تذهب مساوية لوجه صاحبها فكأنه أريد
بقوله عليه السلام انما تذهب الخ انها لا تتعدى عن وجه صاحبها فان من يصلي له أقرب إليه من حبل الوريد ويحتمل ان يكون إشارة إلى انها عمل صالح يرفعه الله فهي تصعد مساوية لوجه
صاحبها ولا تذهب بحياله كي يقطعها المرور والله العالم فائدة يستحب للمصلي ان يجعل بين يديه شيئا من جدار أو غيره أو حجر أو سهم أو قلنسوة أو كومة تراب أو خط أو
نحو ذلك ويسمى ذلك في عرفهم بالستر وحكى عن غير واحد دعوى الاجماع على استحبابها قال صاحب الحدائق الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في استحباب السترة بضم السين
للمصلي في قبلته ونقل عليه في المنتهى الاجماع عن كافة أهل العلم انتهى ويدل عليه جملة من الاخبار منها صحيحة محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام في الرجل يصلي قال يكون
بين يديه كومه من تراب أو يخط بين يديه بخط وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن ابائه عليهم السلام قال قال رسول الله إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل
مؤخرة الرجل فإن لم يجد فحجرا فإن لم يجد فسهما فإن لم يجد فليخط في الأرض بين يديه قال في محكى الوافي مثل مؤخرة الرجل يعني بتلك المماثلة ارتفاعه من الأرض و
صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجعل العنزة بين يديه إذا صلى وفي الحدائق والعنزة بفتح العين المهملة وتحريك النون وبعدها زاي عصاة
في أسفلها ذوبه وفي الصحاح انها أطول من العصا واقصر من الرمح وخبر غياث عن أبي عبد الله عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله وضع قلنسوته وصلى إليها وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال كان طول رحل رسول الله صلى الله عليه وآله ذراعا وكان إذا صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمر بين يديه ويستفاد من هذه الرواية انه إذا وضع المصلي بين يديه
شئ يستغنى بذلك عن دفع المار الذي عرفت استحبابه انفا فهو دفع حكمي ولكنه بالنسبة إلى من يمر من وراء السترة لا مما بينهما إذا المتبادر من قوله عليه السلام يستتر به انه
يجعله حائلا فيما بينهما ونحوه في الدلالة على ذلك خبر علي بن جعفر المروي عن كتاب قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي وأمامه حمار
واقف قال يضع بينه وبينه عودا أو قصبة أو شيئا يقيمه بينهما ويصلي ولا بأس قلت فإن لم يفعل وصلى أيعيد صلاته أو ما عليه قال لا يعيد صلاته أو ما عليه قال لا يعيد
صلاته وليس عليه شئ ولا يرد على الاستشهاد به للمدعى بخروجه عن محل الكلام حيث إن المفروض فيه كون الحمار واقفا لأن الحمار الواقف قد يمشي ويمر بين يديه وهو في الصلاة
196

فالمقصود بالرواية ليس الا بيان كفاية وضع شئ فيما بينهما حائلا سواء بقي الحمار على حالته أم اخذ في المشي كما لا يخفى وأوضح منهما دلالة على قيامه مقام الدفع ما رواه أبو بصير
أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام لا تقطع الصلاة شئ كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشئ فإن كان بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت الحديث قوله فإن كان
الخ سوق لبيان ان المراد بالاستتار ليس حقيقته بل ما يعم وضع حائل فيما بينهما ولو بقدر ذراع ثم إن مقتضى ظاهر هذه الرواية بل وكذا سابقتها اعتبار كون
السترة بقدر ذراع رافع من الأرض فما زاد هو ينافي بظاهره ظاهر كلمات الأصحاب بل صريحا من الاكتفاء بخطا وسهم أو رمح ونحوه ومستنده في ذلك بحسب الظاهر
هي الأخبار المتقدمة الدالة على استحباب ان يجعل المصلي بين يديه شيئا من حجر أو عنزة أو كومة تراب أو يخط بين يديه خطا وفي دلالتها عليه تأمل لامكان كون ذلك اي جعل
شئ بين يديه في حد ذاته مستحبا مستقلا وان لم يكن هناك من يمر بين يديه بل ولا مظنته اللهم الا ان يجعل فهم الأصحاب كاشفا عن أن المراد بها هي السترة ولا ينافي
ذلك ظهورها في استحباب وضع شئ مطلقا وان لم يكن مار إذ الظاهر أن الاستتار بالسترة حكمة لشرعيتها فلا يعتبر فيه الفعلية بل ولا الاطراد والله العالم ثم لا يخفى
عليك ان المقصود بالدفع الذي حكمنا باستحبابه انما هو ما لا يترتب عليه مفسدة من ظلم أو ايذاء مؤمن ونحوه ضرورة ان المستحب لا يعارض الحرام وما في بعض الروايات من
جوازه ولو بقتال فهو من الروايات العامية أو الروايات المشابهة لروايتهم وقد أمرنا بان نذرها في سنبلها والله العالم المقدمة السادسة فيما يسجد
عليه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا بنائها عدى ما ستعرف كالجلود والصوف والشعر والوبر والريش ونحوها ولا على ما هو من الأرض بنحو من الاعتبار مما هو خارج
عن مسماها حقيقة كما إذا كان معدنا يصح سلب اسم الأرض عنه كالملح والعقيق والذهب والفضة والقبر الا عند الضرورة والتقييد بصحة سلب اسم الأرض عنه للتنبيه
على إناطة المنع بهذا لا بصدق اسم المعدن عليه فلا يهمنا البحث عن تحقيق معنى المعدن وانه هل يصدق على حجر الرحى وطين الغسل وارض الجص والنورة ونحوها مما لا تأمل
في صحة اطلاق الأرض عليه إذ بعد تسليم صدق اسم المعدن على مثل هذه الأمور وعدم انصراف اطلاقه عنها فهو غير قادح في جواز السجود عليها بعد اندراجها في
الموضوع الذي أنيط به الحكم في النصوص والفتاوي وهو مسمى الأرض ولا على ما ينبت من الأرض إذا كان مأكولا بالعادة كالخبز والفواكه ويدل على المنع
عن جميع ما ذكر صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال له أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز قال السجود لا يجوز الا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض الا ما اكل
أوليس وعن الصدوق في العلل نحوه وزاد عليه فقلت له جعلت فداك ما العلة في ذلك قال لأن السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل و
يلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا
بغرورها والسجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ من التواضع والخضوع لله عز وجل وخبر الأعمش المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث شرائع الدين قال لا
يسجد الا على الأرض أو ما أنبتت الأرض الا المأكول والقطن والكتان وبهذين وغيرهما يقيد اطلاق ما أنبتت الأرض في خبر أبي العباس الفضل بن عبد الملك قال قال
أبو عبد الله عليه السلام لا يسجد الا على الأرض أو ما أنبتت الأرض الا القطن والكتان ويدل عليه أيضا في الجملة صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال السجود على
ما أنبتت الأرض الا ما اكل أو لبس إلى غير ذلك من الاخبار الآتية فهذه الروايات كما تدل على أنه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا نباتها ولا على المأكول أو الملبوس
الذي وقع التصريح به أيضا فيها كذلك تدل على جواز السجود على الأرض ونباتها عدى ما اكل ولبس مطلقا كما يدل على ذلك أيضا مضافا إلى ذلك ما رواه الفضيل بن
يسار ويزيد بن معاوية جميعا عن أحدهما عليهما السلام قال لا بأس بالقيام على المصلي من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض وان كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام
عليه والسجود عليه والعبرة بكونه أرضا كونه بعضا من تلك الطبيعة المعهودة المسماة بالأرض فتعم اجزائها المنفصلة مع بقائها على حقيتها وان خرجت بواسطة الانفصال
عن مسماها عرفا كما يشهد لذلك مضافا إلى في لخلاف فيه بل قضاء الضرورة به ما رواه حمران عن أحدهما عليهما السلام قال كان أبي يصلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة ويسجد
عليها فإذا لم يكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد وما رواه الحلبي قال قال أبو عبد الله عليه السلام دعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه فاخذ كفا من حصى فجعله على البساط ثم سجد
عليه ويؤيده أيضا بل يدل عليه المستفيضة الدالة على جواز السجود على طين قبر الحسين عليه السلام بل استحبابه مثل خبر معاوية بن عمار المروي عن مصباح الشيخ قال كان لأبي
عبد الله عليه السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله عليه السلام فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه ثم قال إن السجود على تربة أبي عبد الله عليه السلام يخرق
الحجب السبع وعن ارشاد الديلمي قال كان الصادق عليه السلام لا يسجد الا على تربة الحسين عليه السلام تذللا لله واستكانة إليه وعن الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن جعفر الحميري
عن صاحب الزمان عجل الله فرجه ان كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح من طين القبر هل فيه فضل فأجاب عليه السلام يجوز ذلك وفيه الفضل وعن الصدوق مرسلا
قال قال الصادق عليه السلام السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينور إلى الأرضين السبعة ومن كانت معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السلام كتب مسبحا وان لم يسبح بها ولا يكفي في الأجزاء المنفصلة
كالمتصلة مجرد كونه من الأرض بل يعتبر بقائها على حقيقتها وعدم استحالتها إلى طبيعة أخرى بنظر العرف ولذا وقع الكلام في جواز السجود على الجص والنورة
والخزف والاجر وأشباههما وقد تقدم في باب التيمم تفصيل الكلام في جميع ما ذكر وعرفت فيما تقدم ان الأقوى جواز التيمم بالجص والنورة بل وكذا في الخزف وشبههما
فإنهما بنظر العرف ليسا الا مشوي ما كانا قبل ان يوقد عليهما النار ولا أقل من الشك في ذلك فيستصحب أرضيتهما فكذلك الكلام في المقام إذ المقامين من واد واحد
بل ربما يظهر من غير واحد في لخلاف فيه في باب السجود بل ربما يظهر من المصنف رحمه الله في محكى المعتبر كونه من المسلمات التي لا مجال لانكارها فإنه بعد ان منع عن التيمم بالخزف
بدعوى خروجه بالطبخ عن كونه أرضا قال ولا يعارض بجواز السجود عليه لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ انتهى فمستند جواز السجود لديه بحسب الظاهر
هو الاجماع فجعله مخصصا للأخبار الناهية عن السجود على ما ليس بأرض ويرد عليه ان المجمعين جلهم ان لم يكن كلهم لا يلتزمون باستحالته ولذا يجوزون السجود عليه فلا
197

ينهض اجماعهم حجة لمن يرى استحالته وكيف كان فالأقوى هو الجواز لما عرفت وربما يؤيده بل يشهد له في خصوص الجص صحيحة الحسن بن محبوب قال سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه فكتب إلي بخطه ان الماء والنار قد طهراه فان ظاهرها كون جواز السجود عليه على تقدير طهارته
مفروغا عنه لديهم فتدل على جواز السجود عليه من وجهين أحدهما من حيث التقرير حيث إن السائل زعم أنه ليس فيه جهة منع الا جهة النجاسة فأقره الإمام عليه السلام على ذلك
والثاني الاقتصار في الجواب عن سؤاله عن جواز السجود عليه بان الماء والنار قد طهراه وقد تقدم في مبحث التطهير بالماء القليل شرح قوله عليه السلام ان الماء والنار قد طهراه فراجع وما في خبر عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام من منع السجود على
الساروج قال لا يسجد على القفر ولا على القير ولا على الساروج لا ينافي جوازه على النورة إذ الساروج ليس نورة محضة بل ربما يكون معظم اجزائه الرماد الذي لا يصح السجود عليه
فإنه ليس بأرض كما وقع التصريح بذلك ويجوز التيمم على الجص والنورة المستلزم لجواز السجود عليهما أيضا في خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام انه سئل عن التيمم بالجص
فقال نعم فقيل بالنورة فقال نعم فقيل بالرماد فقال لا انه ليس يخرج من الأرض انما يخرج من الشجر والمروي عن الراوندي بسنده عن علي عليه السلام قال يجوز التيمم بالجص والنورة
ولا يجوز بالرماد لأنه لم يخرج من الأرض فقيل له التيمم بالصفا العالية على وجه الأرض قال نعم واما الزجاج فلا ينبغي التأمل في انقلابه عما كان عرفا فلا يجوز السجود عليه
سواء كان في الأصل من اجزاء الأرض محضة من حجارة أو حصى ونحوه أو ممتزجة مع غيرها مما ليس بأرض من ملح ونحوه ويشهد له أيضا مضافا إلى عدم صدق اسم الأرض عليه
صحيحة محمد بن الحسين قال بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج قال فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت هو مما أنبتت الأرض وما كان بي
ان اسأل عنه قال فكتب إلي لا تصل على الزجاج وان حدثتك نفسك انه مما أنبتت الأرض ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان أقول ولعل المراد بقوله عليه السلام
انهما ممسوخان حال صيرورتهما زجاجا اي غير باقين على حقيقتهما لا انهما من حيث هما ممسوخان كما يوهمه ظاهر العبارة وربما التزم بعض بكراهة السجود على الرمل
اخذ بهذا الظاهر وهذا وان كان مقتضاه الحرمة خصوصا بعد وقوعه تعليلا للنهي عن السجود على الزجاج ولكنه لا بد من حمله على الكراهة بعد العلم بدخوله في مسمى الأرض
وشهادة النص والاجماع على جواز السجود عليه بالخصوص مضافا إلى العمومات الدالة عليه ولا ينافيه ابقاء النهي عن السجود على الزجاج على ظاهره من الحرمة بعد كونه
مركبا منه ومن الجزء الآخر الذي لا يجوز السجود عليه بلا شبهة وهو الملح مع أن المقصود بهذا الكلام دفع ما توهمه السائل من كونه من الأرض لا ان سبب المنع عن السجود
على الزجاج منحصر في ذلك فلا ينافيه كون استحالته في حد ذاته أيضا سببا للمنع فلا يصلح حينئذ أن تكون كراهة السجود على الرمل قرينة صارفة للنهي عن ظاهره من الحرمة
فتأمل واما القير فهو كغيره من الملح والعقيق والذهب والفضة ونحوها مما لا شبهة في خروجه عن مسمى الأرض ولكنه ربما يظهر من بعض الأخبار جواز السجود عليه مثل ما عن
الصدوق في الفقيه في الصحيح قال سأل معاوية بن عمار أبا عبد الله عليه السلام عن السجود على القار قال لا بأس به وعنه في الصحيح عن منصور بن حازم أنه قال القير من نبات الأرض
وعن كتاب المسائل لعلي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل هل يجزيه ان يسجد في السفينة على القير قال لا بأس وخبر معاوية بن عمار عن المعلى بن خنيس
انه سئل رجل أبا عبد الله عليه السلام وانا عنده عن السجود على القفر وعلى القير فقال لا بأس وعن معاوية بن عمار أيضا في الصحيح قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في السفينة إلى أن
قال وتصل على القير والقفر وتسجد عليه ولكن هذه الأخبار معارضة لصحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام اسجد على الزفت يعني القير فقال لا ولا على الثوب الكرسف
ولا على الصوف ولا على شئ من الحيوان ولا على طعام ولا على شئ من ثمار الأرض ولا على شئ من الرياش وقوله عليه السلام في خبر عمرو بن سعيد المتقدم لا تسجد على القير ولا
القفر ولا الساروج وقد حكى عن الشيخ رحمه الله حمل اخبار الجواز على الضرورة أو التقية وهو جيد بعد اعراض المشهور عن ظاهرها ومعارضتها بالخبرين الأخيرين المعتضدين
بالشهرة والعمومات الدالة على المنع عما ليس بأرض أو نباتها وما في صحيحة منصور من أنه من نبات الأرض فهو لا يدل على جواز السجود عليه بعد انصراف اطلاق الأخبار الدالة
على جواز السجود على ما أنبتت الأرض عنه فما عن الوافي من أنه يجوز حمل النهي على الكراهة وفي المدارك لو قيل بالجواز وحمل النهي على الكراهة أمكن ان لم ينعقد
الاجماع على خلافه ضعيف ثم إن المتبادر مما يؤكل الذي وقع النهي عن السجود عليه في النصوص والفتاوي ما كان في العرف والعادة كذلك كالخبز والفواكه
ونحوه لا ما قد يتفق اكله من غير أن يكون معدا للاكل كبعض النباتات التي قد توكل في بعض أوقاتها نعم لو صار شئ مأكولا عاديا لشخص أو صنف من غير أن يصدق
عليه في العرف اسم المأكول أمكن ان يقال بالمنع عنه في خصوص من صار مأكولا له إذ لا يبعد ان يدعى ان المنساق إلى الذهن من النهي عن السجود على ما اكل أعم مما
كان كذلك في العرف أو بالنظر إلى حال المصلي كما ربما يناسبه التعليل الوارد في صحيحة هشام المتقدمة بل قد يؤيده المرسل المروي عن كتاب تحف العقول قال قال
الصادق عليه السلام كل شئ يكون غذاء الانسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود الا ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل ان يصير
مغزولا فإذا صار مغزولا فلا تجوز الصلاة عليه الا في حال الضرورة فليتأمل ثم لا يخفى عليك المراد بالمأكول ليس خصوص ما كان صالحا بالفعل للاكل كالخبز
ونحوه بل أعم منه ومما أعد للاكل من الحنطة والشعير والحمص وأشباهها مما ليس بالفعل مأكولا بحسب العادة بل لابد فيه من علاج فهو مأكول شأنا لا بالفعل ولكن
المتبادر من اطلاقه في مثل هذه الموارد ما يعمه بل يعم السجود على الحنطة المكسية بقشرها الاعلى ونحوها مما ليس بمأكول فضلا عن القشر الملاصق لها فإنه يصدق
عليه عرفا انه سجود على المأكول بل وكذلك لو سجد على اللوز والجوز مما لا يصلح للاكل الا لبه مع أنه لا يقع السجدة الا على قشرة فان القشر عند اشتماله
على اللب لا يلاحظ عند العرف بحياله فيكون السجود عليه بنظر العرف سجدة على المأكول نعم لو انفصل القشر جاز السجود عليه على الظاهر فإنه من نبات الأرض و
ليس بمأكول ودعوى ان المراد بالمأكول ما يعم اجزائه وتوابعه مما لا يؤكل حتى مع استقلالها غير مسموعة لا يقال قد ثبت المنع عنه في حال الاتصال
فليستصحب مع الانفصال لأنا نقول انما منعنا عن السجود عليها حال اشتمالها على المأكول بدعوى عدم ملحوظيتها على سبيل الاستقلال وكون السجود عليها
198

وانظار العرف سجودا على المأكول فيزول هذا الحكم عند الانفصال بزوال علته وحكى عن العلامة في التذكرة والمنتهى انه جوز السجود على الحنطة والشعير قبل الطحن و
علله في المنتهى بكونهما غير مأكولين وفي التذكرة بان القشر حائل بين المأكول والجبهة وفيهما ما عرفت بل الظاهر صدق المأكول على الثمرة قبل استكمالها وتعارف اكلها
كما ربما يؤيده تعليق الحكم على الثمرة في المرسل المتقدم في خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكل نبات الا الثمرة وفي صحيحة زرارة
المتقدمة ولا على شئ من ثمار الأرض ولكن لا يبعد دعوى انصرافها إلى ما كان صالحا للاكل ولو بالقوة القريبة كما انها منصرفة عما ليس بمأكول أصلا كثمرة الشوك
ونحوه من النباتات جزما ولو لم نقل بانصرافها في حد ذاتها لتعين صرفها إلى ذلك جمعا بينهما وبين المستفيضة المتقدمة الدالة على جواز السجود على ما أنبتت الأرض
مطلقا عدى ما اكل وما يقال من أنه لا تنافي بين ما استثنى فيه المأكول من النصوص وما استثنى فيه الثمرة الا بالعموم والخصوص المطلق فلو لا انسباق المأكول من الثمرة
لكان المتجه استثنائها لا خصوص المأكول منها ففيه ان التنافي في مثل هذه الموارد ينشأ من قبل الحصر المستفاد من الاستثناء لا من نفس الاستثنائين توضيح ذلك بان
لنا في المقام طائفتان من الاخبار الأولى ما وقع فيها استثناء ما اكل ولبس مما أنبتت الأرض والثانية ما اشتملت على استثناء مطلق الثمرة وكل
منها بواسطة ما فيها من الاستثناء ينحل إلى عقدين ايجابي وسلبي اما العقد الايجابي وهو عمدة ما سبق له الكلام فمن الأولى انه يجوز السجود على ما عدى المأكول والملبوس
مما انبتته الأرض مطلقا ثمرة كانت أم غير ثمرة ومن الثانية انه يجوز على ما عدى الثمرة منه مطلقا والعقد السلبي من الأولى انه لا يجوز السجود على المأكول والملبوس مما
انبتته الأرض ومن الثانية انه لا يجوز على الثمرة ومن الواضح انه لا مناقضة بين الايجابيين ولا بين السلبيين وانما التنافي بين العقد الايجابي من الأولى والسلبي
من الثانية بناء على كون الثمرة أعم مطلقا من المأكول كما هو المفروض فلابد في رفع التنافي اما من رفع اليد عن ظاهر الحصر وارتكاب تخصيص اخر في المستثنى منه
زايدا على التخصيص الذي تضمنه الكلام أو تقييد الثمرة بما إذا كانت مأكولة ولا شبهة ان الثاني أولى كما انا ان قلنا بان المأكول أيضا أعم من وجه من الثمرة
لصدقة على الخس وأشباهه مما لا يعد في العرف ثمرة لتحقق التنافي بين العقد الاثباتي من الثانية حيث تدل على جواز السجود على ما عدى الثمرة مطلقا والعقد السلبي
من الأولى فلابد في مقام الجمع اما من تقييد المأكول الذي نهى عن السجود عليه بما إذا كان ثمرة أو التصرف في ظاهر ما دل على انحصار ما هو الخارج عن عموم ما
انبتته الأرض بالثمرة اما بارتكاب التخصيص في المستثنى منه بالنسبة إلى ما عدى الثمرة من المأكول أو التوسع في الثمرة بحملها على إرادة مطلق المأكول وتخصيصها
بالذكر للجري مجرى الغالب ولكن يبعد الأول اي تقييد المأكول بكونه ثمرة اطلاق فتاوي الأصحاب المعتضدة بظاهر صحيحة هشام المشتملة على التعليل القاضي
بإناطة المنع بالمأكولية لا بكونه ثمرة كما لا يخفى وهل المراد بما انبتته الأرض ما كان من جنسه فيعم المخلوق معجزة أو النابت على وجه الماء فيه تردد فقد يغلب
على الظن التعميم ولكن المنع أشبه والله العالم وفي القطن والكتان روايتان اي صنفان من الروايات أشهرهما رواية وفتوى المنع بل لعله هو المشهور
بين الأصحاب بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه اما اخبار المنع فمنها الاخبار الحاصرة لما يجوز السجود عليه مما أنبتت الأرض فيما عدى المأكول والملبوس كصحيحتي هشام وحماد
المتقدمتين فان القدر المتيقن مما أريد استثنائه من النبات بما لبس انما هو القطن والكتان ولو في الجملة اي بعد نسجهما بل قد يدعى انصرافه اليهما بالخصوص كما سيأتي التكلم فيه
ومنها خبر الأعمش وأبي العباس المتقدمان المصرحان باستثناء القطن والكتان مما أنبتت الأرض وقوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة ولا على الثوب الكرسف
واما اخبار الجواز فمنها رواية داود الصرمي قال سئلت أبا الحسن الثالث عليه السلام هل يجوز السجود على القطن والكتان من غير تقية فقال جائز وخبر الحسين بن علي
كسيان الصنعاني قال كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسئله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة فكتب إلي ذلك جائز وعن الشيخ حملهما على الضرورة وحمل
الضرورة في كلام السائل على ضرورة المهلكة وخبر منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال قلت لأبي جعفر عليه السلام انا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد
عليه قال لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا وليس في قوله انا نكون بأرض باردة شهادة بإرادته في مقام الضرورة إذ لا ملازمة عقلا ولا عادة بين كونه
في تلك الأراضي وعدم تمكنه حال الصلاة من تحصيل ما يصح السجود عليه كي ينزل عليه اطلاق الجواب وخبر ياسر الخادم قال مر بي أبو الحسن عليه السلام وانا أصلي على الطبري و
قد ألقيت عليه شيئا اسجد عليه فقال لي مالك الا تسجد عليه أليس هو من نبات الأرض أقول هذه الرواية في حد
ذاتها لا تدل على المدعى فإنه يصح اطلاق
الطبري على كل شئ منسوب إلى طبرستان ولكن مقتضى ذكر العلماء هذه الرواية في هذا الباب وارتكاب التأويل فيها بالحمل على التقية ونحوها كما عن الشيخ وغيره كونه
اسما لجنس معهود متخذ من القطن أو الكتان كما ربما يؤيده ما في كتاب مجمع البحرين حيث قال في تفسيره لعله كتان منسوب إلى طبرستان انتهى ولكن حكى عن مولى مردان الطبري و
غيره انه هو الحصير الذي يضعه أهل طبرستان فعلى هذا يكون الخبر أجنبيا عما نحن فيه وكيف كان فقد حكى عن غير واحد حمل اخبار المنع على الكراهة جمعا بينها وبين اخبار
الجواز وهو لا يخلو عن وجه ولكن الأوجه حمل اخبار الجواز على التقية فان الاخبار بظاهرها من الاخبار التي تعد لدى العرف من الاخبار المتعارضة التي أمرنا فيها بالرجوع
إلى المرجحات فان أهل العرف يرون المناقضة بين نفي الباس عن السجود على القطن والكتان وذكرهما في سلك مالا يجوز السجود عليه في الروايات المسوقة لبيان ما يجوز السجود
عليه وما لا يجوز والترجيح لاخبار المنع من وجوه فليحمل اخبار الجواز على التقية ولا ينافيها ما في الخبرين الأولين من السؤال عن جوازه في غير مقام التقية والضرورة فان هذا
ان لم يكن مؤيدا لاحتمال التقية في الجواب فهو غير موهن له لأن كل من سئل الإمام عن حكم شئ انما يريد حكمه الواقعي الثابت له لا لضرورة أو تقية فعلى الإمام عليه السلام
بيان حكمه الواقعي ان لم يكن هناك مانع عن اظهاره والا فبحسب ما يقتضيه المصلحة من التقية في الحكم أو في المحكوم به كما لا يخفى وربما يجمع بينها بحمل اخبار الجواز على الضرورة
وهو في غاية البعد بالنسبة إلى الخبرين الأولين فان تنزيل اطلاق نفي الباس على ارادته لدى الضرورة كما ترى خصوصا مع وقوع السؤال في ثانيهما عن جوازه بلا ضرورة
199

اللهم ان يحمل الاطلاق على التقية ويصرف الكلام إلى ارادته في مقام الضرورة على سبيل التورية كما هو اللائق بحال الإمام عليه السلام في مواضع التقية كما يؤيده بل ربما
يشهد له خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يؤذيه حر الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له ان يضع ثوبه
إذا كان قطنا أو كتانا قال إذا كان مضطرا فليفعل ويؤيده أيضا الأخبار المستفيضة الآتية في محلها الدالة على جواز السجود على الثياب في موارد الضرورة وقد يتوهم
امكان الجمع بين الاخبار بحمل اخبار الجواز على ما قبل النسج واخبار المنع على ما بعده كما ربما يشهد له المرسل المروي عن كتاب تحف العقول عن الصادق عليه السلام أنه قال كل شئ يكون
غذاء الانسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود الا ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قيل إن يصير مغزولا فإذا صار مغزولا فلا تجوز
الصلاة عليه الا في حال ضرورة ويدفعه تعذر ارتكاب هذا التأويل بالنسبة إلى اخبار الجواز فان حمل اطلاق نفي الباس عن السجود على الكتان على إرادة ما قبل النسج
مع خفاء صدق اسم الكتان عليه حينئذ على سبيل الحقيقة كما ترى واما اخبار المنع فقد يتخيل قصورها في حد ذاتها عن شمولها لما قبل النسج نظرا إلى إناطة المنع عنهما
بكونهما مما لبس كما شهد بذلك صحيحة هشام وغيرها مع ما في الصحيحة من التصريح بما هو مناط المنع واندراجها تحت هذا الموضوع الذي أنيط به المنع عرفا قبل نسجهما
فضلا عما قبل الغزل لا يخلو عن خفاء ولذا استشكل فيه العلامة بعد ان قرب المنع عنه أولا حيث قال في التذكرة على ما حكى عنه الكتاب قبل غزله ونسجه الأقرب عدم جواز السجود
عليه وعلى الغزل على اشكال ينشأ من أنه عين الملبوس والزيادة في الصفة ومن كونه حينئذ غير ملبوس انتهى ويدفعه انه لو لم نقل بان المنساق إلى الذهن من استثناء
ما اكل ولبس مما أنبتت الأرض انما هو إرادة النباتات التي تعارف استعمالها في المأكول والملبوس من غير اشتراطها بالمأكولية بالفعل فلا أقل من عدم صلاحيته لصرف
الأخبار الناهية عن السجود على القطن والكتان عن اطلاقها نعم لو لم نقل بصدق اسم الكتان عليه قبل النسج ومنعنا انسباق إرادة ما يعمه إلى الذهن من الملبوس لاتجه القول
بجواز السجود عليه فليتأمل ثم إن المتبادر من الملبوس الذي نهى عن السجود عليه في النصوص والفتاوي كالمأكول هو ما تعارف لبسه اي جرت العادة باستعماله في
اللبس لا ما يندر فيه ذلك كالقنب والخوص والليف ونحوها ولعله لذا أخص المنع في بعض الأخبار المتقدمة بالقطن والكتان إذ ليس شئ مما عداهما معدا للبس في
العادة نعم لو صار شئ منها لباسا بالفعل أمكن القول بالمنع عنه ما دام كونه كذلك بدعوى ان المتبادر من دليله ما من شانه استعماله في اللبس أعم من أن يكون ذلك
بالنظر إلى جنسه كما في القطن والكتان أو في خصوص الشخص كقميص مصنوع من بعض النباتات إذا صار بالعلاج كالمنسوج من القطن والكتان والله العالم ولا يجوز السجود على
الوحل لم يكن بحيث يستقر عليه الجبهة عند وضعها عليه كما لعله هو المتبادر من اطلاق اسم الوحل واما ان لم يكن كذلك بل كان متمسكا بحيث تستقر عليه الجبهة جاز
السجود عليه بلا اشكال لأنه من اجزاء الأرض وما فيه من الاجزاء المائية مع أنها لا تمنع من مباشرة الجبهة للاجزاء الأرضية منه قد استهلكت فيه في مثل الفرض نعم
لو تلطخت الجبهة به عند وضعها عليه إزالة عنها للسجدة الثانية كي لا يقع فاصلا بين الجبهة وما يسجد عليه على تأمل باقي تحقيقه في محله إن شاء الله ويدل أيضا على عدم
جواز السجود على الوحل عند عدم استمساكه مضافا إلى عدم الخلاف فيه على الظاهر وتعذر حصوله على الوجه المعتبر شرعا في مثل الفرض موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئلته عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو فقال إذا عرفت الجبهة ولم تثبت على الأرض ويؤيده أيضا موثقته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصيبه المطر
وهو في موضع لا يقدر ان يسجد فيه من الطين ولا يجد موضعا جافا قال يفتتح الصلاة فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلى فإذا رفع رأسه من الركوع فليؤم بالسجود ايماء
وهو قائم يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة ويتشهد وهو قائم ثم يسلم وعن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أحمد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم
عن أبي عبد الله عليه السلام مثله وزاد وسئلته عن الرجل يصلي على الثلج قال لا فإن لم يقدر على الأرض بسط ثوبه وصلى عليه فان اضطر أومى للسجود وهو قائم كما صرح به في الخبرين
المتقدمين مضافا إلى معلومية بدلية الابراء عنه في كل مقام يتعذر فيه ويشهد له أيضا خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال من كان في مكان لا يقدر على الأرض فليؤم
ايماء وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل يؤمى في المكتوبة والنوافل إذا لم يجد ما يسجد عليه ولم يكن له موضع يسجد فيه فقال إذا كان هكذا فليؤم
في الصلاة كلها فما عن غير واحد من أنه لابد من الانحناء إلى أن تصل الجبهة إلى الوحل لعدم سقوط الميسور بالمعسور ضعيف إذ لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه القواعد
العامة في مقابلة الأخبار الخاصة مع اعتضادها بقاعدة نفي الحرج التي لا يبعد الالتزام بكفايتها دليلا للاكتفاء بالايماء بدلا عن السجود عند تلطخ أعضاء المصلي
أو ثيابه بالطين ولو مع التمكن من استقرار الجبهة عليها فضلا عما لو يتمكن من ذلك كما هو المفروض واضعف من ذلك احتمال وجوب الجلوس للسجود فإنه مع مخالفته لصريح الخبرين
الأولين وظاهر غيرهما مما يشكل اثباته بقاعدة الميسور كما تقدم توضيحه عند التكلم في كيفية صلاة العاري نعم الظاهر كون الحكم رخصة لا عزيمة وما في الخبرين
من الامر بالايماء وهو قائم وارد في مقام توهم الحظر فلا تدل الا على الجواز فلو اتى بما هو أقرب إلى السجود من الجلوس وزيادة الانحناء أو ايصال الجبهة إلى الوحل
جاز فإنه ليس بخارج عن حقيقة الايماء المأمور به بدلا عن السجود بل من أكمل مصاديقه وانصراف اطلاقه عن مثل ذلك بدوي يرفعه الالتفات إلى أن الهوى بجميع الجسد
أبلغ في الايماء للسجود من الايماء إليه بخصوص الرأس ولو سلم الانصراف فهو غير قادح بعد وضوح مناط الحكم وأقربيته إلى السجود من الايماء الذي اكتفى به الشارع بدلا من
السجود من باب التوسعة والتسهيل فليتأمل فان مثل هذه الدعاوي في الاحكام التعبدية بعد تسليم الانصراف وخروجه عن مسمى الايماء عرفا لا يخلو عن اشكال نعم
لا ينبغي الاستشكال في صحة السجود على الأرض لدى التمكن منه مع التلطخ لو جوزنا الايماء له اما بدعوى استفادته من بعض الأخبار المتقدمة أو من عمومات أدلة نفي الحرج
كما ليس بالبعيد فان مقتضاها على تقدير تسليم الدلالة هو الرخصة في الايماء بدلا عن السجود من باب التوسعة والتسهيل لا تعيينه وقد تقدم في مبحث التيمم ما يزيل بعض
الشبهات المتوهمة في نظائر المقام مما يوهم كون الحكم في مثل هذه الموارد عزيمة لا رخصة فراجع ويجوز السجود على القرطاس بلا خلاف فيه في الجملة بل عن غير واحد دعوى
200

الاتفاق عليه ويدل عليه صحيحة علي بن مهزيار قال سئل داود بن فرقد أبا الحسن عليه السلام عن القراطيس والكواغذ المكتوبة هل يجوز السجود عليها أم لا فكتب يجوز وصحيحة صفوان
الجمال قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام في المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يؤمي ايماء وصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام انه كره ان يسجد على قرطاس عليه كتابه وظاهرها
انتفاء الكراهة عند انتفاء الكتابة والمراد بالكراهة فيها بحسب الظاهر معناها المصطلح كما يشهد بذلك مضافا إلى امكان دعوى ظهورها في صحيحة علي بن مهزيار
المتقدمة المصرحة بجواز السجود على القراطيس والكواغذ المكتوبة فهي ولو بشهادة هذه الصحيحة تدل على أنه يكره السجود عليه إذا كان فيه كتابة كما صرح به في المتن
وغيره بل لم ينقل الخلاف فيه من أحد نعم اختلفوا في أن الكراهة هل هي مطلقة كما حكى عن كثير من الأصحاب أو انها مخصوصة بالمبصر كما حكى عن المحقق والشهيد
الثانيين أو بمن أبصره وأحسن القراءة كما عن المبسوط والوسيلة والسرائر لانتفاء الحكمة المقتضية لها واعترض عليهم بان التقييد مناف لاطلاق النص ويمكن التقصي
عن ذلك بابتناء الاطلاق على أن يكون يسجد بالبناء للمفعول وهو غير ثابت فيحتمل ان يكون يسجد مبنيا للفاعل ويكون ضميره عائدا إلى أبي عبد الله عليه السلام وهو كان يبصره و
بحسن القراءة فلا يستفاد منه حينئذ الكراهة لمن لم يكن كذلك فليتأمل تنبيهان الأول مقتضى ترك الاستفصال في صحيحة علي بن مهزيار مع اطلاق الجواب عدم
الفرق في الكاغذ بين ما إذا كان متخذا من جبس ما يصح السجود عليه أو من غيره كما أن هذا هو الذي يقتضيه اطلاق أكثر الفتاوى بل عن بعض نسبته إلى اطلاق الأصحاب ولكن حكى
عن غير واحد تخصيصه بما إذا كان من النبات لزعمهم ان اطلاق النصوص والفتاوي لا يصلح مقيدا لما اجمعوا عليه من أنه لا يجوز السجود الا على الأرض أو نباتها وحكى
عن جامع المقاصد انه بعد ان اعترف بان اطلاق النبات في عبارة القواعد يقتضي جواز السجود على المتخذ من القطن والكتان كاطلاق الاخبار أجاب بان المطلق
يحمل على المقيد والا لجاز السجود على المتخذ من الإبريسم مع أن الظاهر عدم جوازه وفيه مضافا إلى أن حمل اطلاق النصوص والفتاوي على خصوص ما كان متخذا من نبات
يصح السجود عليه تقييد بفرد نادر غير ممكن الاطلاق عليه غالبا انه غير مجد بعد قضاء العرف باستحالته عما هو عليه وانه ليس بالفعل من جنس الخشب أو الحشيش أو غيرهما
من النباتات التي يفرض اتخاذه منها كما أن اشتماله على شئ من النورة لا يصح اندراجه بالفعل في موضوع الأرض فهو بالفعل لا يعد في العرف من اجزاء الأرض ولا
من نباتها ولكنه ثبت جواز السجود عليه بالاخبار الخاصة التي هي أخص مطلقا من الأدلة الدالة على أنه لا يجوز السجود الا على الأرض وما انبتته فيخصص بها عمومات
تلك الأدلة من غير فرق بين كون الكاغذ في الأصل من النبات أو من غيره نعم بناء على جواز السجود على القطن والكتان لو منع استحالتهما عند صيرورتهما كاغذا
اتجه القول بالاختصاص إذ الغالب اتخاذه منهما فيشكل حينئذ رفع اليد عن ظاهر ما دل على المنع عما ليس بأرض أو نباتها باطلاق دليل الجواز لامكان ورودها مورد
الغالب ولكنك خبير بما في مقدماته من المنع فالوجه هو الجواز مطلقا والله العالم الثاني يشترط في الكاغذ المكتوب الذي حكمنا بكراهة السجود عليه عدم ممانعة
الكتابة عن وصول الجبهة إلى الكاغذ بان كان الفاصل بين خطوطها بقدر ما يصلح به مسمى السجود على الكاغذ على ما ستعرفه إن شاء الله أو يكون الخطوط كالصبغ الغير
المانع عن مباشرة الجبهة للكاغذ بان لم يكن لها جرمية صالحة للحيلولة وما يقال من أن هذا اي اشتمال الكتابة على الجرم المانع عن المباشرة مما لابد منه كما أن الامر
كذلك في الكاغذ المصبوغ والا للزم انتقال العرض فهو مما لا ينبغي الالتفات إليه فإنه بعد تسليم مقدماته يتوجه عليه عدم ابتناء الأحكام الشرعية على مثل هذه
التدقيقات كما هو واضح ولا يسجد على شئ من بدنه فان منعه الحر مثلا عن السجود على الأرض ولم يتمكن من تبريد شئ منها بقدر ما يسجد عليه ولا من تحصيل غيرها مما يصح
السجود عليه من نبات أو كاغذ سجد على ثوبه فإن لم يكن معه ثوب فعلى ظهر كفه ولا يسقط عنه أصل السجود بتعذر شرطه بلا خلاف فيه على الظاهر فان الميسور ولا
يسقط بالمعسور كما يشهد له مضافا إلى ذلك الاخبار الآتية وغيرها مما يفهم منه ان عدم سقوط السجود في مثل الفرض من الأمور المسلمة المفروغ عنها ويدل على أنه
عند الضرورة يسجد على ثوبه وعند تعذره على ظهر كفه خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف
اصنع قال تسجد على بعض ثوبك قلت ليس على ثوب يمكن ان يسجد على طرفه ولا ذيله قال عليه السلام اسجد على ظهر كفك فإنها احدى المساجد ويشهد أيضا للحكم الأخير خبره
الآخر المروي عن العلل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عريانا في سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف ان يسجد
على الرمضاء أحرقت وجهه قال يسجد على ظهر كفه فإنها احدى المساجد ويدل على الأول أيضا روايته الثالثة انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي في حر شديد
يخاف على جبهته الأرض قال قال يضع ثوبه تحت جبهته وصحيحة القاسم بن الفضيل قال قلت للرضا عليه السلام جعلت فداك الرجل يسجد على كمه من اذى الحر والبرد قال لا بأس به
وخبر عيينة بياع القصب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ادخل المسجد في اليوم الشديد الحر فأكره ان أصلي على الحصى فابسط ثوبي فاسجد عليه قال نعم ليس به بأس
أقول ولعل اطلاق نفي الباس عنه في هذه الرواية مع أن الغالب في مثل ما هو مفروض السائل تمكنه من الصلاة
تحت سقف أو تحصيل ما يصح السجود عليه
ووضعه على ثوبه والسجود عليه بلا مشقة لوروده مورد الغالب في مساجدهم من كونها مواقع التقية فلم يكن يسعهم السجود عند بسط ثوبه على الأرض الا عليه فله حينئذ
السجود عليه ولو مع التمكن من أن يسجد في مكان اخر على ما يصح السجود عليه إذ المعتبر في باب التقية هو الضرورة حال الفعل من غير اشتراطها بعدم المندوحة كما أوضحناه
في الوضوء فتأمل وخبر أحمد بن عمر قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يسجد على كم قميصه من اذى الحر والبرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما لا يسجد عليه فقال
لا بأس وخبر محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال كتب رجل إلى أبي الحسن عليه السلام هل يسجد الرجل على الثوب يتقي به وجهه من الحر والبرد ومن الشئ يكره السجود عليه فقال
نعم لا بأس وخبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يؤذيه حر الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له ان يضع
ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا قال إذا كان مضطرا فليفعل وهذه الأخبار بأسرها تدل على جواز السجود على الثوب اما مطلقا أو إذا كان قطنا أو كتانا لدى الضرورة واما انه هو المتعين
201

لذلك كي يكون بدلا اضطراريا من الأرض لا يعدل عنه إلى غيره من ظاهر الكف وغيره كما هو ظاهر المتن وغيره فلا يكاد يفهم من شئ منها مما عدى الرواية الأولى إذ ليس في شئ
منها اشعار بتعينه بل غاية مفادها نفي الباس عنه فيحتمل ان يكون ذلك لالغاء شرطية ما يصح السجود عليه رأسا وكون الثوب وغيره على حد سواء في ذلك واما
الرواية الأولى وهي خبر أبي بصير فظاهرها وجوب السجود على الثوب لدى التمكن منه وحملها على كونها مسوقة لبيان أصل السجود وانه لا يسقط بسقوط شرطه وتخصيص الثوب بالذكر للارشاد
إلى ما يتمكن معه من السجود غالبا لا لكونه بالخصوص ملحوظا في الحكم تأويل بلا مقتضى وربما يؤيد ظاهرها من إرادة الخصوصية ما في ذيلها من تعليل السجود على ظهر الكف
بأنها احدى المساجد فان هذا التعليل وان لا يخلو عن تشابه الا ان ظاهره كونه علة الجواز وقوع السجود على الكف ومقتضاه كون الخصوصية مرعية لا ملغاة فليتأمل
والأحوط بل الأقوى تقديم ما كان من قطن أو كتان على غيره لصحيحة منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال قلت لأبي جعفر عليه السلام انا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج
أفنسجد عليه قال لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتان فان مقتضى الجمع بينها وبين الاخبار النافية للبأس عن السجود على الثوب تقييد تلك الأخبار بهذه
الصحيحة ولكن المراد بالصحيحة ليس الا شرطيته مع التمكن لا مطلقا فهي لا تقتضي الا تقييد المطلقات في هذا الفرض فالثوب مطلقا مقدم على ظهر الكف بمقتضى ظاهر
خبر أبي بصير ولكن لدى التمكن من قطن أو كتان يشترط كونه منهما بمقتضى الصحيحة المزبورة ولكن قد يشكل التعويل على الصحيحة بما تقدم في محله بان ظاهرها جواز السجود
على القطن والكتان مطلقا وكون السائل في الأراضي الباردة التي يكثر فيها الثلج لا يصلح قرينة لإرادته مع الضرورة التي هي فرض نادر فهي حينئذ كغيرها من
الروايات الدالة على جواز السجود على القطن والكتان التي حملناها على التقية فلا تصلح حينئذ مقيدة لاطلاق الاخبار النافية للناس عن السجود على الثوب لدى
الضرورة اللهم الا ان يجعل خبر علي بن جعفر المتقدم شاهدا لصرف الصحيحة إلى إرادة الضرورة لا التقية كما ربما يناسبها السؤال الواقع فيها والله العالم تنبيه
ربما يظهر من غير واحد من الاخبار جواز السجود على القير والقفر وظاهرها جواز اختيارا وقد تقدم الكلام فيه فيما سبق وعرفت فيما تقدم ان المتجه حمل تلك الأخبار
على التقية ويحتمل ان يراد بها الضرورة فعلى هذا يكون مقدما في الرتبة على الثوب إذ الغالب في مواردهما تمكن المكلف من أن يصلي على شئ من قطن أو كتان
فضلا عن مطلق الثوب ولكن لا شاهد لتعيين هذا الاحتمال كي يصح الالتزام بمقتضاه من تقديم القير على الثوب خصوصا مع مخالفته لظاهر الفتاوي بل صريح بعضها
ولكن الأحوط لدى التمكن منه الجمع بينه وبين الثوب في المسجد بحيث يحصل مسمى السجود على كل منهما أو تكرار الصلاة بل قد يشكل ترك هذا الاحتياط لو قلنا بقاعدة
الشغل لدى الشك في الشرطية فان اطلاق ما دل على جواز السجود على الثوب قاصر عن شمول فرض التمكن من القير وأشباهه فليتأمل وكيف كان فالذي ذكرناه شرطا
فيما يسجد عليه انما يعتبر في موضع الجبهة لا بقية المساجد بلا خلاف فيه على الظاهر بل في الجواهر اجماعا ونصوصا مستفيضة أو متواترة بل ضرورة من المذهب
أو الدين أقول وربما يشهد له بعض الأخبار المتقدمة الدالة على أنه عليه السلام كان قد يأخذ كفا من الحصى ويضعه على فراشه ويسجد عليه فان ظاهره إرادة
وضعه على موضع الجبهة وفي صحيحة زرارة الطويلة وان كان تحتهما اي اليدين حال السجود ثوب فلا يضرك فان أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل وفي رواية
أبي حمزة لا بأس ان تسجد وبين كفيك وبين الأرض ثوبك وعن الرضوي ولا بأس بالسجود ووضع الكفين والركبتين والابهامين على غير الأرض إلى غير ذلك من
الروايات التي لا يهمنا استقصائها بعد وضوح الحكم وموافقته للأصل ويراعى فيه كغيره مما يقع فيه الصلاة ان يكون مملوكا أو مأذونا فيه على حسب ما سمعته
في مكان المصلي الذي منه موضع السجود وأن يكون خاليا من نجاسة وان لم تكن متعدية كما تقدم البحث فيه مفصلا في أوائل المبحث عند التكلم في أنه لا بأس بان
يصلي الرجل في الموضع إذا كان موضع الجبهة ظاهرا فراجع وإذا كانت النجاسة في موضع محصور وجهل موضع النجاسة لم يسجد على شئ منه ولكن بشرط ان يكون
علمه الاجمالي بوجود النجس صالحا لتنجيز التكليف بالاجتناب عنه على كل تقدير بان لم يكن بعض أطراف الشبهة معلوم النجاسة بالتفصيل أو خارجا عن مورد ابتلاء المكلف
أو غير ذلك من الفرض التي تقدمت الإشارة إليها في صدر الكتاب عند البحث عن حكم الإنائين المشتبه طاهرهما بنجسهما وقد تبين فيما تقدم مستند أصل الحكم فلا نطيل
بالإعادة نعم يجوز السجود في المواضع المتسعة وغيرها مما ليس بمحصور لما عرفت في المبحث المتقدم إليه الإشارة من أن العلم الاجمالي بوجود نجس أو حرام مردد
بين أمور انما يؤثر في وجوب الاجتناب عنه إذا كان أطراف الشبهة محصورة واما إذا كانت غير محصورة فلا يجب الاجتناب عنه اجماعا كما عن جماعة نقله بل عن بعض دعوى
الضرورة عليه ولكنهم اختلفوا في ضابط غير المحصور وقد بينا في محله ان الأشبه بالقواعد تحديد المحصور بما إذا كان أطراف الشبهة أمورا معنية مضبوطة
بان يكون الحرام المشتبه مرددا بين ان يكون هذا أو هذا أو هذا وهكذا بحيث يكون اجراء أصالة الحل والطهارة في كل منها معارضا بجريانها فيما عداه وغير المحصور
مالا إحاطة باطلاق الشبهة على وجه يجعل الحرام مرددا بين هذا وهذا وهذا كما لو علم اجمالا بحرمة أموال بعض التجار الذي في بلده ولم يعلم بانحصارهم فيمن
يعلمهم ويبتلي بمعاملتهم فيكون حكم الشبهة الغير المحصورة وهو جواز الارتكاب في أطرافها التي أحاط بها وإرادتنا ولها بناء على هذا التفسير على وفق الأصل
السليم عن المعارض ولكن جعل المواضع المتسعة التي علم اجمالا بنجاسة جزء منها من هذا الباب لا يخلو عن خفاء الا انه لا خفاء في عدم كون جميع اجزاء مثل هذه
الأراضي على حد سواء في كونه صالحا لتنجيز التكليف بالاجتناب عنه على تقدير العلم بنجاسته تفصيلا لخروج سائر اجزائه التي لا يقع عليها عبوره أولا يناسبها
السجود عن مورد ابتلائه فعدم وجوب الاجتناب عن مثل هذه الأراضي منشأه هذا لا كون الشبهة غير محصورة ولكن حدد غير المحصورة بعضهم بما كان كثرة المحتملات
إلى حد يعسر الاجتناب عنه واخر مما كان في اجتناب نوعه حرج وبعض مما يعسر عده أو يمتنع عده في زمان قليل وبعض مما كان كثرة المحتملات إلى حد يوهن احتمال
مصادفة كل منها لذلك الحرام المعلوم بالاجمال بحيث لا يعتني به لدى العقلاء وربما أوكل بعض تشخيصه إلى العرف وعن كاشف اللثام تحديده في هذا الباب ما يؤدي
202

اجتنابه إلى ترك الصلاة غالبا ولا يخفى عليك ان اثبات الرخصة في ارتكاب الشبهة على أغلب هذه التفاسير لا يخلو عن اشكال نعم بناء على تفسيره بما لزم
من اجتنابه الحرج اتجه الالتزام بعدم وجوبه دفعا للمشقة اخذا بعمومات أدلة نفي الحرج ولكنك خبير بأنه لا مشقة في الاجتناب عن كثير من موارد الشبهة
الغير المحصورة التي أمكن تحصيل الاجماع على عدم وجوب الاجتناب عنه وتمام التحقيق فيه موكول إلى محله ولو انحصر الحال في السجود إلى النجس ففي سقوط حكم النجاسة
كما إذا كانت في البدن أو الانتقال إلى الايماء أو الاتيان بما يتمكن من السجود عدا مباشره الجهة وجوه أقواها الأول لأن الميسور لا يسقط بالمعسور مع أن عمدة
مستند اشتراط طهارة المسجد الاجماع القاصر عن اثباته في مثل هذه الفروض ومن هنا يظهر انه لو دار الامر بين ارض نجسة بنجاسة غير متعدية وبين غيرها مما لا
يصح السجود عليه بالذات كالثوب أو ظهر الكف أو غير ذلك سجد على الأرض لقصور دليل الاشتراط عن شمول مثل الفرض فلا مخصص حينئذ لعمومات الأخبار الناهية عن السجود الا
على الأرض أو نباتها فليتأمل ولو سجد على النجس جهلا أو نسيانا مضت صلاته لا لعموم قوله عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة الحديث لامكان الخدشة فيه
باجمال لفظ الطهور الذي هو أحد الخمسة واحتمال ان يكون المراد به ما يعم الطهارة الخبيثة ولا لفحوى ما دل على في لإعادة من نفس السجود لأن الفحوى لو
سلمناها فإنما يتجه الاستشهاد بها لو كان في سجدة لا في السجدتين الا ان تيمم ذلك بعدم القول بالفصل بل لما تقدمت الإشارة إليه من أن غاية ما يمكن
اثباته انما هو شرطية الطهارة في حال العمد والالتفات لا مطلقا نعم لو سجد نسيانا أو جهلا على ما لا يصح السجود عليه صح الاستدلال لصحة صلاته
بعموم الخبر المزبور وبالفحوى المزبورة أيضا لو سلمناها والله العالم المقدمة السابعة في الأذان والإقامة الأذان لغة الاعلام و
يطلق في عرف الشارع والمتشرعة على الأذكار الخاصة التي شرعت امام الفرائض اليومية وللاعلام بدخول الوقت والإقامة في الأصل الإدامة وفي عرف
أهل الشرع الأذكار التي قبل الفرائض وقد تواترت النصوص في فضل المؤذنين وما يستحقونه من الاجر وقد روى عن علي عليه السلام أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله للمؤذن
فيما بين الأذان والإقامة مثل اجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله انهم يجتلدون على الأذان قال كلا انه ليأتي على الناس زمان يطرحون
الأذان على ضعفائهم وتلك لحوم حرمها الله على النار إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتضمن بعضها لبيان ما يستحقه المؤذن من الاجر مما يبهر منه العقول
والنظر فيهما يقع في أربعة أشياء الأول فيما يؤذن له ويقام وهما مستحبان في الصلوات الخمس المفروضة اي عند فعلها أداء وقضاء للمنفرد والجامع للرجل
والمرأة لدى غير واحد من القدماء وأكثر المتأخرين بل كافتهم على ما قيل بل عن طائفة دعوى الشهرة المطلقة عليه ولكن يشترط ان تسر المرأة على ما صرح به غير واحد وقيل هما شرطان
في الجماعة وقد حكى هذا القول عن الشيخين وابن البراج وابن حمزة الا ان ما حكى عنهم هو القول بوجوبهما في صلاة الجماعة فليس فيه تصريح بالشرطية فلعلهم يقولون
بوجوبهما تعبدا نعم حكى عن أبي الصلاح القول بأنهما شرطان في الجماعة وعن السيد في الجمل القول بأنه يجب الإقامة على الرجال في كل فريضة والأذان والإقامة على الرجال
والنساء في الصبح والمغرب والجمعة وعلى الرجال خاصة في الجماعة وعن ابن أبي عقيل أنه قال يجب الأذان في الصبح والمغرب والإقامة في جميع الخمس وعن ابن الجنيد أنه قال
يجبان على الرجال جماعة وفرادى حضرا وسفرا في الصبح والمغرب والجمعة ويجب الإقامة في باقي المكتوبات وقال وعلى النساء التكبير والشهادتان فقط والأولى
اظهر كما يشهد له مضافا إلى استصحاب عدم وجوبهما شرعا وشرطا الثابت قبل نزول جبرئيل عليه السلام بهما على النبي صلى الله عليه وآله المستفيضة الدالة على أن
من صلى بأذان وإقامة صلى خلفه صفا من الملائكة ومن صلى بإقامة صلى خلفه صف واحد كصحيحة محمد بن مسلم قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام إذا أنت اذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة وان أقمت إقامة بغير أذان صلى
خلفك صف واحد إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة عليه التي وقع في بعضها نوع اختلاف في تحديد من يصلي معه من الملك عند اقتصاره على إقامة واحدة
فقد ورد في جملة منها مثل ما في الصحيحة المزبورة مع ما في بعضها من تحديد الصف ما بين المشرق والمغرب وفي بعضها الاخر أقله بذلك وأكثره بما بين السماء والأرض
وفي بعضها بما لا يرى طرفاه وفي خبر ابن أبي ليلى عن علي عليه السلام ومن صلى بإقامة صلى خلفه ملك ولعله أريد به الجنس كما في خبر المفضل بن عمر المروي عن ثواب الأعمال من
صلى بإقامة صلى خلفه ملك صفا واحدا فلا ينافي التحديد الواقع في غيرهما من الروايات ولكن قد ينافيه ما في خبر العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
وان أقام بغير أذان صلى عن يمينه وعن شماله واحد ثم قال اغتنم الصفين وفي خبر أبي ذر المروي عن المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله من أقام ولم يؤذن
لم يصل معه الا ملكاه اللذان معه وهذا النحو من الاختلاف في الاخبار غير عزيز فيحمل على بعض جهات التأويل والامر فيه سهل بعد انه لا تعلق له بكيفية العمل
وكيف كان فدلالة هذه الأخبار على استحباب الأذان وجواز تركه أبلغ من التصريح به بل وكذا في الإقامة فان المتبادر منها ليس الا ان فعل الإقامة موجب لكمال
الصلاة وصيرورة المصلي مقتدي لصف من الملائكة وانه بفواتها تفوت هذه الفائدة العظمى من غير أن تبطل به الصلاة أو يستحق المصلي بواسطته العقاب
ويدل عليه أيضا خبر زرارة قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة قال فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة فان المتبادر من
اطلاق السنة إرادة الندب خصوصا في مثل المقام الذي يناسبه التعليل والمراد بالأذان في الجواب ما يعم الإقامة بقرينة السؤال كما هو واضح والخدشة في دلالته بان
السنة قد تطلق في الاخبار على ما ثبت مشروعيته بغير الكاتب سواء كان واجبا أم ندبا فيمكن ان يكون المراد بها في المقام هو هذا المعنى ولا ينافيه جعلها علة لنفي
الإعادة حيث إن السنة بهذا المعنى أيضا لا توجب الاخلال بها سهوا نقض الصلاة كما دل عليه غير واحد من الاخبار التي منها صحيحة زرارة التي وقع فيها التصريح
بان الصلاة لا تعاد الا من خمس وان التشهد سنة والقراءة سنة والسنة لا تنقض الفريضة مدفوعة بان مقتضاه حمل التعليل على التعبد وهو خلاف ظاهر التعليل
كما أن حمل السنة على المعنى المزبور وخلاف ما يتبادر من اطلاقها ويشهد له أيضا في الجملة الخبر المروي عن الدعائم عن علي عليه السلام قال لا بأس بان يصلي الرجل بنفسه بلا أذان
203

وإقامة ويدل أيضا في الأذان للمنفرد صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
عن أبيه عليه السلام انه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذن وصحيحته الأخرى قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل هل يجزيه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان قال
نعم لا بأس به ويمكن الاستشهاد باطلاق هذه الصحيحة للجامع أيضا كما أنه يشهد له صريحا خبر الحسن بن زياد قال قال أبو عبد الله عليه السلام إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا
بإقامة واحدة وصحيحة علي بن رئاب المروي عن قرب الإسناد قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام قلت تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا إقامة بغير أذان قال نعم و
يدل عليه للمسافر صحيحة محمد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما قال يجزيك إقامة في السفر وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام أنه قال يجزي في السفر إقامة
بغير أذان وخبره الاخر عنه أيضا قال سمعته يقول يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة يجزي إقامة واحدة وما في هذه الأخبار من التعبير بلفظ الاجزاء المشعر بعدم
جواز الاجتزاء بإقامة واحدة في الحضر انما يراد به الاجتزاء بها في مقام الخروج عن عهدة التكليف المتعلق بهما في الشريعة على حسب مشروعيتهما وجوبيا كان أم ندبيا فلا دلالة
في مثل هذه الروايات على وجوب الأذان في الموارد التي دلت على عدم الاجتزاء فيها بإقامة واحدة ولو سلمت دلالتها عليه فلابد من صرفها عنه بشهادة صحيحة الحلبي المصرحة
بنفي البأس بالاكتفاء بإقامة ليس معها أذان في السفر والحضر كما أنه يتعين حمل بعض الأخبار التي يستشعر أو يستظهر منها وجوبه في الغداة والمغرب على شدة الاهتمام به
فيهما وتأكد مطلوبيته مثل ما رواه الصدوق باسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال أدنى ما يجري من الأذان ان تفتتح الليل بأذان وإقامة وتفتح النهار بأذان وإقامة ويجزيك
في سائر الصلوات إقامة بغير أذان وعن صفوان بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى ولابد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر
لأنه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر ويجزيك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل وما رواه الشيخ باسناده عن الصباح
بن سبابة قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام لا تدع الأذان في الصلوات كلها فان تركته فلا تتركه في المغرب والفجر فإنه ليس فيهما تقصير وعن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال يجزيك
في الصلوات إقامة واحدة لأنه الغداة والمغرب وعن سماعة قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام لا تصل الغداة والمغرب الا بأذان وإقامة ورخص في سائر الصلوات الإقامة والأذان
أفضل فان رفع اليد عن ظاهر هذه الأخبار في الوجوب أهون من صرف المطلقات الكثيرة الدالة على جواز الاكتفاء بإقامة واحدة إلى
ما عدى الفجر والمغرب مع ما في ظهور ما عدى الأخيرة من هذه الروايات في الوجوب من نظر بل منع بل ربما يستشعر أو يستظهر من بعضها إرادة تأكد الاستحباب مثل خبر المصباح
فهو بنفسه صالح لأن يكون شاهدا للجمع بين الروايات كما أنه ربما يشهد له أيضا صحيحة عمر بن زيد قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن إقامة بغير أذان في المغرب فقال ليس به باس
وما أحب ان يعتاد ورواية أبي بصير عن أحدهما في حديث قال إن كنت وحدك تبادر امرا تخاف ان يفوتك تجزيك إقامة واحدة الا الفجر والمغرب فإنه ينبغي ان تؤذن
فيهما وتقيم من اجل انه لا يقصر فيما كما يقصر في سائر الصلوات فان ظاهر هذه الرواية كصريح سابقتها الاستحباب وكون الاهتمام به في صلاة الفجر والمغرب أشد فلابد حينئذ
من حمل النهي في خبر سماعة والتعبير بالأبدية في رواية صفوان على تأكد الاستحباب أو مع كراهة الترك ويدل على جواز تركهما للنساء صحيحة جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المرأة هل عليها أذان وإقامة فقال لا ومرسلة الصدوق قال قال الصادق عليه السلام ليس على النساء أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة وتكفيها الشهادتان ولكن ان اذنت
وأقامت فهو أفضل قال وقال الصادق ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا جماعة وخبر انس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن ابائه في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام
قال ليس على المرأة أذان ولا إقامة وخبر زرارة بن أعين المروي عن العلل عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له المرأة عليها أذان وإقامة فقال إن كانت سمعت أذان القبيلة
فليس عليها أكثر من الشهادتين وخبر أبي مريم الأنصاري قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إقامة المرأة ان تكبر وتشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله وفي
الأذان خاصة صحيحة عبد الله بن سنان قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تؤذن للصلاة فقال حسن ان فعلت وان لم تفعل أجزئها ان تكبر وتشهد ان لا إله إلا الله
وان محمدا رسول الله وصحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام النساء عليهن أذان فقال إذا شهدت الشهادتان فحسبها بل ربما يستشعر من بعض هذه الأخبار عدم مشروعيتهما
لهن ولكنه لابد من حمل ذلك على عدم تأكد استحبابهما لهن كما يشهد له بعض الأخبار المتقدمة الدالة على أنها ان اذنت وأقامت فهو أفضل فما عن السيد في الجمل من
القول بوجوبهما على الرجال والنساء في الصبح والمغرب والجمعة ضعيف واضعف منه ما حكى عن ابن أبي عقيل من أنه قال من ترك الأذان والإقامة متعمدا بطلت صلاته
الا الأذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة فان الإقامة مجزية عنه ولا إعادة عليه في تركه واما الإقامة فإنه ان تركها متعمدا بطلت صلاته وعليه الإعادة ان أريد
به شموله للنساء فان فيه الغاء للمستفيضة المتقدمة رأسا بلا مقتضى نعم أو إرادة في حق الرجال أمكن الاستشهاد له باطلاق بعض الأخبار المتقدمة وان كان فيه
أيضا ما لا يخفى بعد الإحاطة بما أسلفناه كان ان ما تقدمت حكايته عن ابن الجنيد من القول بأنهما يجبان على الرجال جماعة وفرادى سفرا وحضرا في الصبح والمغرب
والجمعة ويجب الإقامة في باقي المكتوبات وان على النساء التكبير والشهادتين ربما ينطبق عليه ظواهر كثير من اخبار الباب ولكنك عرفت ان مقتضى الجمع بينها وبين
غيرها حمل ما كان ظاهره وجوب الأذان في الفجر والمغرب على الاستحباب المتأكد فهذا القول أيضا ضعيف واضعف منه القول بوجوبهما في الجماعة اما مطلقا أو
للرجال خاصة كما حكى التصريح بالاختصاص عن بعض القائلين به إذ لا شاهد لهذا القول عدى رواية أبي بصير عن أحدهما قال سألته أيجزي أذان واحد قال إن صليت
جماعة لم يجزء الا أذان وإقامة وان كنت وحدك تبادر امرا تخاف ان يفوتك يجزيك إقامة الا الفجر والمغرب
فإنه ينبغي ان تؤذن فيها وتقيم من اجل انه لا يقصر فيهما
كما صرح في سائر الصلوات لما تقدمت الإشارة إليه انفا من أن التعبير بعدم الاجزاء لا يدل على الوجوب فان مفاده ليس الا في لاجزاء في الخروج عن عهدة
التكليف المتعلق به على حسب مشروعيته وجوبيا كان أم ندبيا فليس في هذا التعبير دلالة على كون ذلك التكليف وجوبيا خصوصا مع ظهور لفظ ينبغي الوارد في
204

ذيل الرواية في الاستحباب فيصلح شاهدا على أن منشأ عدم كفاية الإقامة وحدها فيما حكم به في الرواية تأكد الاستحباب لا الوجوب هذا مع معارضتها على تقدير تسليم
الدلالة بما هو اظهر في جواز تركه في الجماعة ان لم نقل بكونه نصا فيه وهو صحيحة علي بن رئاب وخبر الحسن بن زياد المتقدمتان الناطقتان بكفاية إقامة واحدة عند اجتماع
القوم وعدم انتظارهم لاحد فإنه ان لم يكن المقصود خصوص صلاتهم جماعة فلا أقل من كونه القدر المتيقن مما أريد بهما كما لا يخفى ولا يصح الاستشهاد للقول المزبور بموثقة
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصل وحده فيجئ رجل اخر فيقول له نصلي جماعة هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان والإقامة قال لا
ولكن يؤذن ويقيم فان مقتضى ترك الاستفصال في لفرق بين ما لو أراد الرجل الآخر الايتمام أو الإمامة مع أنه لا يظن بأحد الالتزام به في الفرض الأول كما
لعله هو المتبادر من مورد الرواية فان مقتضاه عدم جواز الايتمام بمن دخل في الصلاة لا بنية الإمامة الا بأذان وإقامة بقصد الجماعة ولا يظن بهم الالتزام
بهذا الظاهر وعلى تقديره ففيه ما عرفت من معارضة هذا الظاهر بغيره مما سمعت فلابد من حمله على الاستحباب وقد يستدل لهذا القول أيضا بان الجماعة عبادة
توقيفية ولم يثبت جوازها بلا أذان وإقامة وفيه ما لا يخفى خصوصا على المختار من أن المرجع عند الشك في شرطية شئ للعبادة البراءة فالأقوى عدم وجوب الأذان
في شئ من الفرائض الخمس وجواز تركه في الجميع سفرا وحضرا جماعة وفرادى للرجل والمرأة بل وكذا الإقامة كما عرفته في صدر المبحث من شهادة بعض الأدلة على استحبابها
وموافقتها للأصل السالم عن حكومة دليل عليه ولكن زعم جملة من المتأخرين ظهور كثير من الاخبار في وجوب الإقامة وعدم صلاحية شئ من المذكورات لصرفها عن هذا
الظاهر اما الأصل فواضح فإنه لا يعارض الدليل واما ما عداه مما ذكر فاما لقصور في سنده كالمرسل المروي عن الدعائم أو القدح في دلالته اما بالمنع أو بعدم المكافئة
لظهور ما عداه في الوجوب ولكن مع ذلك لم يلتزم بعضهم بهذا الظاهر بل صرفه إلى الاستحباب تعويلا على الاجماع المركب وعدم القول بالفصل فجعل النصوص الدالة
على جواز ترك الأذان مطلقا في الجماعة وغيرها دليلا عليه في الإقامة أيضا بضميمة في لقول بالفصل بدعوى ان كل من قال بوجوب الإقامة قال بوجوب الأذان أيضا
في الجملة ومن قال باستحباب الأذان مطلقا قال به فيهما فالتفصيل خرق للاجماع ولكنك خبير بان التعويل على مثل هذا الاجماع على تقدير تحققه لا يخلو عن اشكال
إذ الغالب على الظن ان اختلاف أقوال العلماء في وجوبهما منشأه اختلاف آرائهم فيما يقتضيه الجمع بين الاخبار فيشكل الجزم في مثل المقام بموافقة شئ منها لرأي
المعصوم ولذا تردد فيه بعضهم بل قوى في الحدائق التفصيل فيهما فالتزم باستحباب الأذان مطلقا ووجوب الإقامة على الرجال كذلك وكيف كان فالاخبار التي
يدعى ظهورها في وجوب الإقامة على انحاء منها المستفيضة الدالة على أن الإقامة هي أقل المجزي وقد تقدمت الإشارة انفا إلى ضعف الاستشهاد بمثل الاخبار
للوجوب وانه ليس في التعبير يجزي إقامة واحدة أو هي أقل المجزى أو نحو ذلك دلالة على وجوبها بل مفاده في لاكتفاء بما دونها في الخروج عن عهدة التكليف
المشروع عند التهيأ للصلاة من فعل الأذان والإقامة على حسب مشروعيته وجوبيا كان أم ندبيا من غير اشعار في هذه الكلمة بنوع ذلك التكليف كما يفصح عن ذلك
مضافا إلى وضعه اللغوي التتبع في موارد استعماله في الاخبار فإنه في المستحبات نفسية كانت أم غيرية فوق حد الاحصار ليس استعماله في تلك الموارد مبنيا على ارتكاب
تجوز أو تأويل نعم لو كان مفاد الاخبار ان الصلاة بدونها غير مجزية في اسقاط التكليف المتعلق بالصلاة لا انها هي أقل ما يجزي به في الخروج عن عهدة التكليف
المتعلق بها بنفسها لكان ظاهرها اعتبارها جزء من الصلاة الواجبة ولكن هذا المعنى مع كونه في حد ذاته خلاف ما يتبادر من تلك الأخبار يجب حمله على تقدير
ارادته على إرادة الجزء المستحبي كما ستعرف ومنها ما دل بظاهره على وجوبها مع الأذان اما مطلقا موثقة عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لابد للمريض ان
يؤذن ويقيم إذا أراد الصلاة ولو في نفسه ان لم يقدر على أن يتكلم سئل فإن كان شديد الوجع قال لابد من أن يؤذن ويقيم لأنه لا صلاة الا بأذان وإقامة أو في الجملة كقوله عليه السلام في خبر سماعة المتقدم لا تصل الغداة والمغرب الا بأذان وإقامة ورخص
في سائر الصلوات بالإقامة والأذان أفضل ولا يخفى عليك ان هذا النوع من الاخبار بعد مرها عن ظاهرها في الأذان لا يبقى لها ظهور في الوجوب بالنسبة إلى الإقامة
بل ربما يستشعر منها اتحادهما في الحكم خصوصا مثل الموثقة التي لا يبعد ان يدعى ظهورها في ذلك فإنها ظاهرة في كون كل من الأذان والإقامة مما لابد منه لعله يشركه
بينهما وهي انه لا صلاة الا بأذان وإقامة وهذه العلة لابد من حملها على نفي الكمال لعدم استقامة إرادة نفي الصحة منها بالنسبة إلى الأذان فلو أريد منها ذلك
بالنسبة إلى الإقامة لزمه استعمالها في معنيين وإرادة الأعم منهما بان يراد بها نفي الكمال على وجه لا ينافيه انتفاء موضوع السالبة خلاف ما يتبادر منه ولذا
ترى بشاعة الجمع بين شئ من واجبات الصلاة مع شئ من مستحباتها في مثل هذه العبارة بان قيل مثلا لا صلاة الا بقنوت وفاتحة الكتاب فالانصاف ان هذه
الموثقة ان لم تكن دليلا على الاستحباب فلا أقل من كونها مؤيدة له ومنها ما سمعته من نصوص نفي كون الأذان والإقامة على النساء المحمولة على إرادة نفي لزومهما
عليها لا نفي مشروعيتهما لها فيفهم منها لزومهما على الرجال وهذه الروايات بعد تسليم دلالتها على الوجوب حالها حال سابقتها في أنه لابد من صرفها عن
ذلك بالنسبة إلى الأذان وحملها على تأكد الاستحباب ولا يبقى مع ذلك لها ظهور في الوجوب في خصوص الإقامة بل ربما يستشعر منها اتحادهما في الحكم ومنها
النصوص الدالة على وجوب مراعاة الشرائط المعتبرة في الصلاة من الطهارة والوقوف على الأرض وحرمة التكلم وغير ذلك حال الإقامة مع ما في بعضها من التصريح
بأنها من الصلاة وفيه ان هذه الأخبار ظاهرها الوجوب الشرطي لا الشرعي كما ستسمعها وستسمع أيضا بعض الأخبار المنافية لها في محالها إن شاء الله واما
ما في بعضها من التصريح بان الإقامة من الصلاة فظاهره كونها من اجزاء الصلاة فعلى تقدير ارادته لابد من حمله على الجزء المستحبي جمعا بينه وبين ما دل على أن افتتاح
الصلاة التكبير الذي لم يقصد به الا تكبيرة الاحرام مع أنه لا خلاف فيه بحسب الظاهر كما يفصح عن ذلك
تصريحهم بوجوب النية عنده فهذه الأخبار أيضا على خلاف
المطلوب أدل ومنها النصوص المستفيضة الامرة بقطع الصلاة لتدارك الإقامة أو مع الأذان عند نسيانهما كما ستسمعها مفصلا في محله إن شاء الله و
205

تقريب الاستشهاد بهذه الاخبار لوجوب الإقامة من وجهين أحدهما اشتمالها على لفظ الامر الظاهر في الوجوب وثانيهما انها لو لم تكن واجبة لما استبيح بها حرمة
قطع الصلاة ويدفعهما انه قد يجوز قطع الصلاة لفائدة دنيوية فلا مانع من أن يجوز ذلك لتحصيل فضيلة الإقامة والأوامر الواردة في مثل هذه الأخبار
لورودها في مقام توهم الخطر لا تدل الا على الجواز هذا مع ما ستعرف في محله من في مكان حمل الامر الوارد فيها على الوجوب لما فيها من المعارضة والاختلاف
على وجه لا يكاد يلتئم شتاتها الا بالحمل على الاستحباب والحاصل ان من تدبر في اخبار الباب وجمع بينها يرد متشابهها إلى محكمها الرأي قصورها عن إفادة الوجوب
خصوصا بعد الالتفات إلى أنه لو كان شئ منهما واجبا في الشريعة لضاد وجوبه كوجوب الفرائض الخمس من ضروريات الدين فضلا عن أن ينعقد الشهرة التي كادت تكون
اجماعا على خلافه فاشتهار القول بالاستحباب بين الأصحاب في مثل هذه المسألة العامة الابتلاء بنفسه قرينة كاشفة عن المراد عما كان ظاهره الوجوب كما أنه جابر لما في أدلة
الاستحباب من الضعف في سند أو دلالة فليتأمل بقي الكلام فيما صرح به المصنف وغيره بل في محكى المنتهى والتذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الاجماع عليه
من أنه يشترط على النساء في الأذان والإقامة الاسرار ومرادهم به على ما فسره بعض بل ربما يلوح من كلماتهم خفاء صوتها عن الأجانب لا مطلقا ومستندهم في
ذلك على الظاهر كما يشير إليه بعض كلماتهم الآتية هو البناء على أن صوتها عورة والا فليس في شئ من الاخبار الواصلة الينا في هذا الباب ما يشعر باعتبار هذا الشرط
وحيث لم يتحقق لدينا ما بنوا عليه من كون صوتها عورة بل تحقق خلافه اتجه القول بعدم اعتباره كما ذهب إليه غير واحد من متأخري المتأخرين وربما يظهر ذلك
مما حكى عن الشيخ في المبسوط حيث قال على ما حكى عنه إذا اذنت المرأة للرجال جاز لهم ان يعتدوا به ولا يقيموا لأنه لا مانع منه إذ الظاهر أن مراده الاعتداد بأذانها فيما إذا
اذنت لهم بحيث سمعوا أذانها فان هذا هو المتبادر من كلامه ومن المستبعد ان يلتزم ببطلان أذانها في حد ذاته واعتداد الغير به أو الالتزام بحرمته
دون البطلان وكيف كان فقد حكى عن العلامة في المنتهى أنه قال يجوز ان تؤذن المرأة للنساء ويعتدون به ذهب إليه علمائنا إلى أن قال وقال علمائنا
إذا اذنت المرأة أسرت بصوتها لئلا تسمعه الرجال وهو عورة وقال الشيخ يعتد بأذانهن وهو ضعيف لأنها ان أجهرت ارتكبت معصية والنهي يدل على الفساد
والا فلا اجتزاء به لعدم السماع انتهى وعن المصنف في المعتبر أنه قال ويجوز ان يؤذن النساء للنساء ويعتددن به وعليه اجماع علمائنا لما روى من جواز امامتها
لهن وإذا جاز ان تأمهن جاز ان تؤذن لهن لأن منصب الإمامة أتم وتسر أذانها ولا تؤذن للرجال لأن صوتها عورة ولا يجتزي به قال في المبسوط يعتد به ويقيمون لأنه
لا مانع منه لنا انها ان أجهرت فهو منهى عنه والنهي يدل على الفساد وان أخفت لم يجتزأ به لعدم السماع انتهى أقول وفي كلامهما شهادة بما أشرنا إليه في صدر
المبحث من أن مستند القول باشتراط الاسرار انما هو دعوى ان صوتها عورة وهي في غير المنع وبه يندفع اعتراضهما على الشيخ ولكن مع ذلك قد يشكل الالتزام بمقالة الشيخ
من اعتداد الرجال بأذانها وان جوزنا لهم سماع صوتها نظرا إلى ما قد يدعى من قصور ما دل على جواز الاكتفاء بأذان الغير عن شموله لوروده في أذان الرجل أو انصرافه إليه
ولذا تردد فيه غير واحد ممن لا يرى الاسرار شرطا في أذانها ولكن أجاب عنه في الحدائق بان ما دل على الاعتداد بسماع الأذان وان كان ظاهره كون المؤذن رجلا الا انه لم
يعلم هنا خصوصية للرجل في ذلك فيتعدى الحكم بطريق المناط القطعي إلى كل مؤذن من رجل أو امرأة كما في سائر جزئيات الاحكام وان صرح بالرجل فإنهم لا يختلفون في تعدية
الحكم إلى النساء ما لم تعلم الخصوصية ولا يخفى على المتتبع ان أكثر الأحكام الشرعية المتفق على عمومها للرجال والنساء انما وردت في الرجال لكونه هو المسؤول عنه أو
ان يقع ذلك ابتداء من الإمام عليه السلام ولو خصت الاحكام بموارد الاخبار وان لم تعلم الخصوصية لضاقت الشريعة ولزم القول بجملة من الاحكام بغير دليل انتهى أقول
ادعاء القطع بالمناط عهدته على مدعيه والانصاف انه لا يخلو عن اشكال وكيف لا وهو مبني على القطع بصحة أذان المرأة جهرا لدى الأجانب وعدم اشتراطه بالاسرار
وكونه كذلك في الواقع غير معلوم وانما قلنا به بعد البناء على أن صوتها ليس بعورة تعويلا على ما يقتضيه الأصول والقواعد الظاهرية وهي غير موجبة للقطع
بالواقع فتأمل ويمكن الاستدلال له باطلاق بعض الأخبار الآتية في محلها كرواية عمر بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام قال كنا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة
فقال قوموا فقمنا وصلينا معه بغير أذان ولا إقامة وقال يجزيكم أذان جاركم إذ المراد به بحسب الظاهر بيان نوع الحكم لا في خصوص المورد والمتبادر من الجار إرادة
الجنس الشامل للرجل والامرأة ودعوى انصرافه إلى الأول حيث إن الغالب كون من أذن واقام جهرا بحيث سمعه الجار رجلا قابلة للمنع وعلى تقدير التسليم فهو بدوي
منشأه ندرة الوجود وهي غير موجبة لصرف الاطلاق فليتأمل ويتأكد ان اي الأذان والإقامة استحبابا فيما يجهر فيه من الفرائض على ما صرح به المصنف وغيره بل
عن الغنية دعوى الاجماع عليه ولعله كاف في اثباته بعد البناء على المسامحة والا فلم نقف في النصوص على ما يشهد له في الإقامة بل ولا في أذان العشاء واما الغداة
والمغرب فقد شهد بتأكد مطلوبية الأذان فيهما كالإقامة في سائر الفرائض جملة من الاخبار ولذا لا ينبغي الارتياب في أن أشدها اي أشد الفرائض الجهرية وغيرها
الغداة والمغرب بل قد عرفت فيما سبق ان ظاهر بعض اخبارهما الوجوب المحمول على تأكد الاستحباب ولا يؤذن ولا يقام لشئ من النوافل ولا لشئ من الفرائض عدى
الخمس بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن المعتبر انه مذهب علماء الاسلام إذ لم يثبت شرعيتهما في سائر الصلوات ما عدى الفرائض الخمس فيكون فعلهما لشئ منه تشريعا
ويدل عليه أيضا في الجملة الخبر الآتي بل يقول المؤذن عوض الأذان المعهود فيما يراد فيه الاجتماع من الصلوات ولو نافلة كصلاة الاستسقاء الصلاة ثلثا
لخبر إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة قال ليس فيهما أذان ولا إقامة ولكنه ينادي الصلاة ثلاث مرات
ولكن النص كما تراه مخصوص بالعيدين فالحاق غيرهما بهما كما هو ظاهر المتن وغيره لعله لتنقيح المناط والأحوط الاتيان بها لا يقصد التوظيف بل بقصد التنبيه و
الاعلام المعلوم رجحانه شرعا أو من باب الاحتياط والله العالم ثم انا قد أشرنا فيما سبق إلى أنه لا فرق في مشروعية الأذان والإقامة للفرائض اليومية بين كونها أداء
206

أو قضاء وهذا فيما لو اتى بكل صلاة وحدها فمما لا شبهة فيه واما مع الجمع فيسقط أذان الثانية في الأداء كما لو جمع بين الظهرين أو العشائين وهل هو رخصة أم عزيمة
فسيأتي الكلام فيه عند تعرض المصنف له واما في القضاء فقد صرح الأصحاب رضوان الله عليهم على ما نسب إليهم في الحدائق وغيره بان قاضي الصلوات الخمس يستحب له ان
يؤذن لكل واحدة منها ويقيم ورخص له في الاقتصار على أذان واحد في أول وروده وظاهرهم كصريح المتن ان الأذان والإقامة لكل صلاة أفضل وانه لو اذن للأولى
من ورده ثم أقام للبواقي كان دونه في الفضل ولكن حكى عن جملة منهم التعبير بسقوطه عما عدى الأولى وهو يشعر بإرادة عدم شرعيته كما مال إليه أو قال به بعض
فيحتمل ان يكون مراد من عبر بالسقوط من حكمه بأنه يستحب لكل واحدة منها فيما لو اتى بها متفرقة وكيف كان فقد حكى عن العلامة انه استدل للمشهور بقوله عليه السلام
من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته وقد كان من حكم الفائتة استحباب تقديم الأذان والإقامة عليها فكذا قضائها وبرواية عمار الساباطي قال سئل أبو عبد الله عليه السلام
عنا الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة قال نعم ومقتضى اطلاقهما في لفرق بين ما لو اتى بالفائتة والمعادة وحدها أو مع غيرها من الفوائت
وربما يستدل له أيضا باطلاقات ما دل على شرعية الأذان للفرائض من مثل قوله عليه السلام في موثقة عمار الواردة في ناسي الأذان والإقامة لا صلاة الا بأذان
وإقامة وغيره من النصوص والفتاوي ومعاقد الاجماعات المحكية الدالة عليه ولا يعارضها قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة أو حسنته إذا نسيت صلاة
أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدء بأولهن واذن لها وأقم ثم صلها وصل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة وصحيحة محمد بن مسلم قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك قال يتطهر ويؤذن ويقيم في أولهن ثم يصلى ويقيم بعد ذلك في كل صلاة
فيصلي بغير أذان حتى يقضي صلاته وصحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يغمى عليه ثم يفيق قال يقضي ما فاته يؤذن في الأولى ويقيم في البقية لورودها
في مقام يناسبه التخفيف ورفع الكلفة فلا يفهم منها الا الرخصة في الترك لا لزومه وعدم مشروعية الفعل وكذا لا ينافيها ما روى مرسلا من أن النبي
صلى الله عليه وآله شغل يوم الخندق عن الظهرين والعشائين حتى ذهب من الليل ما شاء الله فامر بلالا فاذن للأولى واقام للبواقي فإنه بعد ارتكاب التكلف
في توجيهه بما لا ينافي العصمة والغض عن سنده وعدم ثبوته من طرقنا حكاية فعل أمكن ان يكون وجهه بيان الرخصة في الترك هذا ولكن الانصاف قصور الأدلة
المزبورة عن اثبات المدعى والذي يقوى في النظر تبعية القضاء للأداء في الحكم فان قلنا بان سقوط الأذان عمن جمع في الأداء عزيمة لا رخصة ففي القضاء أيضا
كذلك وان قلنا بأنه رخصة ففي القضاء أيضا رخصة كما أشار إلى ذلك الشهيد في دروسه حيث قال ويجتزي القاضي بالأذان لأول ورده والإقامة
للباقي وان كان الجمع بينهما أفضل وهو ينافي سقوطه عمن جمع في الأداء الا ان نقول إن السقوط فيه تخفيف أو ان الساقط أذان الاعلام لحصول العلم بأذان
الأولى الا الأذان الذكرى ويكون الثابت في القضاء الأذان الذكرى وهذا متجه انتهى إذ غاية ما يمكن استفادته من قوله عليه السلام من فاتته فريضة فليقضها
كما فاتته بعد الغض عن بعض المناقشات الموردة عليه وتسليم ظهوره في إرادة المماثلة حتى في مثل الأذان والإقامة الخارجيتين عن حقيقة الصلاة انما هو
تبعية القضاء للأداء فيما يعتبر فيه من الاجزاء والشرائط فلنا حينئذ قلب الدليل الذي ذكره العلامة في تقريب الاستشهاد بالرواية بان نقول قد كان من حكم
الفائتة سقوط أذانها عند جمعها مع الأولى فكذا قضائها فليتأمل واما ما عداه من الأدلة المزبورة فليس لشئ منها عموم أو اطلاق أحوالي بحيث يعم ما نحن
فيه اما رواية عمار الساباطي فهي بحسب الظاهر أجنبية عما نحن فيه لوقوعها جوابا عن السؤال عن انه إذا أعاد الرجل صلاته لبعض العوارض المقتضية له هل
عليه إعادة الأذان والإقامة أيضا أم له الاكتفاء بما فعله أو لا فهي واردة مورد حكم اخر وليس لها اطلاق أحوالي بحث يصح التمسك به لما نحن فيه واما
موثقة عمار فليس المراد بها نفي مهية الصلاة على الاطلاق والا لزمه تخصيص الأكثر بل المراد بها نفي القسم الخاص الذي كان معهودا لديهم مشروعية الأذان والإقامة
له مما وقع السؤال في الموثقة عن حكمه عند الاخلال بهما سهوا فهي بعد توجيهها بالحمل على إرادة نفي الكمال من نفي الطبيعة لابد من تنزيلها على الموارد
التي علم من الخارج مشروعيتهما فيها على اشكال في شمولها للقضاء وان علمنا بمشروعيتهما فيه حيث إن مطلوبية الأذان فيه غير متأكدة كما يشهد له خبر
موسى بن عيسى قال كتبت إليه رجل يجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان وإقامة فكتب يعيدها بإقامة المحمول على الرخصة في الترك وعدم تأكد الاستحباب
فعلى هذا لا يناسبه التعبير الواقع في الموثقة كما لا يخفى فيحتمل قويا ان يكون المراد بها خصوص الفريضة الأدائية وكيف كان فلا يصح الاستشهاد بمثل هذه الموثقة
لاثبات شرعية الأذان في مواقع الشك كما لا يخفى واما ما عدى هذه الموثقة فلم نعثر على عموم أو اطلاق وارد في هذا الباب قابل لتوهم امكان الاستشهاد
به للمدعى عدى اطلاقات بعض الأخبار المنصرفة إلى الأداء ومعاقد الاجماعات المحكية المسوقة لبيان أصل المشروعية لا اطلاقها والحاصل انا لو بنينا على حرمة
الأذان على من جمع في الأداء أشكل اثبات شرعيته لمن جمع في القضاء بمثل الأدلة المزبورة بل يشكل حينئذ تنزيل الصحاح المتقدمة النافية للأذان لما عدى الأولى
على إرادة الرخصة في الترك لأن المناسبة بين الأداء والقضاء يؤكد ظهورها في في لمشروعية فلا معدل عن الالتزام به حينئذ وهذا بخلاف ما لو قلنا بان سقوطه في
الأداء من باب التخفيف فإنه حينئذ مما يؤيد إرادة الرخصة من هذه الصحاح لا التحريم كما لا يخفى ثم انا ان بنينا على أن السقوط في الأداء رخصة فلا حاجة لنا
في اثبات شرعيته للقضاء إلى دليل وراء ما دل عليه في الأداء لما أشرنا إليه في المواقيت من تبعية القضاء للأداء فيما يعتبر فيه من الشرائط والاجزاء الا ان يدل دليل على
خلافه الله العالم ويصلي يوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة والعصر بإقامة وهذا في الجملة مما لا شبهة فيه ولكن الاشكال في أن هذا اي الاكتفاء بالإقامة وحدها العصر
هل هو رخصة كما ذهب إليه غير واحد أم عزيمة كما صرح به آخرون وانه هل هو مخصوص بمن صلى الجمعة دون الظهر كما عن الحلي بحث قال بسقوط الأذان عمن صلى الجمعة دون الظهر أم مطلقا كما عن الشيخ وغيره وانه هل هو فيما لو جمع بين الفرضين
207

كما صرح به غير واحد بل ربما نزل عليه اطلاق غيره أو أعم كما ربما يستظهر ذلك من اطلاق كلماتهم وعلى تقدير الاختصاص بصورة الجمع فهل هو مخصوص صوم الجمعة كما
يستشعر من تخصيصهم بالذكر أو ان الحكم كذلك في مطلق الجمع بين الظهرين بل بين فريضتين في الأداء مطلقا كمالا بالمشهور بل في القضاء أيضا كما تقدمت الإشارة إليه انفا ولا يخفى عليك ان مقتضى عمومات
الأدلة واطلاقها مشروعية الأذان لكل من الفرائض الخمس مطلقا كقوله عليه السلام في خبر صفوان لابد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة إلى أن قال ويجزيك إقامة
بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل وفي خبر الصباح بن سبابة لا تدع الأذان في الصلوات كلها فان تركه
فلا تتركه في المغرب والفجر وفي خبر سماعة لا تصل الغداة والمغرب الا بأذان وإقامة ورخص في سائر الصلوات بالإقامة والأذان أفضل إلى غير ذلك من الأخبار الدالة
عليه المتقدمة في صدر المبحث وهي باطلاقها تدل على استحباب الأذان في كل صلاة سواء اتى بها وحدها أم مع سابقتها فهذا هو الأصل في هذا الباب
لا يعدل عنه الا بدليل إذا عرفت ذلك فنقول نقل في المدارك عن الشيخ انه استدل على ما اختاره من سقوط أذان العصر يوم الجمعة مطلقا بما رواه في الصحيح عن
ابن أذينة عن رهط منهم الفضيل وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد و
إقامتين وعن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة ثم اعترض عليه بقوله ويتوجه عليه ان الرواية الأولى انما يدل على جواز
ترك الأذان للعصر والعشاء مع الجمع بين الفرضين في يوم الجمعة وغيره وهو خلاف المدعى واما الرواية الثانية فضعيفة السند قاصرة المتن فلا تصلح لمعارضة
الأخبار الصحيحة المتضمنة لمشروعية الأذان في الصلوات الخمس وقد حملها المصنف وغيره على أن المراد بالأذان الثالث الأذان الثاني للجمعة لأن النبي صلى الله
عليه وآله شرع للصلاة أذانا وإقامة فالزيادة ثالث وهو تكلف مستغنى عنه انتهى أقول اما المناقشة في الرواية الثانية ففي محلها فإنها بعد الغض
عن سندها رواية مجملة يتطرق في توجيهها وجوه أقربها ان يكون المراد بها أذانا خاصا أبدعها العامة في عصر معاوية أو عثمان على ما قيل واما الصحيحة فإنما يتوجه
عليه الاعتراض المزبور لو أريد بها الاستدلال لسقوط أذان العصر في خصوص يوم الجمعة لا غير ولكن استشهاده بهذه الصحيحة يشهد بان غرضه اثبات سقوطه يوم الجمعة
لدى الاتيان بما هو وظيفته من الجمع بين الصلاتين في أول الوقت من حيث الجمع لا من حيث كونه في يوم الجمعة فالنكتة في تخصيص عصر يوم الجمعة بالذكر استحباب
المبادرة إلى فعلها عقيب الظهر بلا فصل بخلاف سائر الأيام كما أنه يفهم من استشهاده بهذه الصحيحة ان غرضه السقوط في صورة الجمع لا مطلقا كما يؤيد ذلك كله
ما عن المعتبر من أنه قال يجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان وإقامتين قاله الثلاثة واتباعهم لأن الجمعة مجمع فيها بين الصلاتين انتهى فإنه يدل على أن غرضهم
السقوط في صورة الجمع لا مطلقا كما يوهمه اطلاق كلامهم وان علته الجمع من حيث هو لا من حيث كونه في يوم الجمعة وكيف كان فهذه الصحيحة تدل على سقوط الأذان
للعصر والعشاء مع الجمع بين الفرضين بمعنى الرخصة في تركه وجواز الاكتفاء بأذان واحد للصلاتين فلا ينافي ذلك جواز فعله بل أفضليته من تركه من حيث هو ضرورة
انه ربما كان يصدر عن النبي والأئمة عليهم السلام ترك بعض المستحبات لغرض أهم كترك التطوع في تلك الموارد التي جمعوا بين الصلاتين ونحو هذه الصحيحة في الدلالة
على ما ذكر رواية صفوان الجمال قال صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام الظهر والعصر عندما زالت الشمس بأذان وإقامتين ثم قال إني على حاجة فتنفلوا أو صحيحة عبد الله
بن سنان عن الصادق عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع في المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان وقامتين وبما
أشرنا إليه من في لتنافي بين هذه الأخبار وبين ما دل على استحبابه مطلقا ظهر ما في كلام غير واحد ممن التزم بحرمته مع الجمع لأصالة في لمشروعية زاعما
ان هذه الأخبار مقيدة لاطلاقات تلك الأدلة فهي مخصوصة بصورة التفريق ففعله مع الجمع تشريع محرم وربما أيد بعضهم ذلك باستقرار سيرة النبي والأئمة عليهم السلام
على ترك الأذان في الموارد التي صدر منهم الجمع أو امر وفيها بالجمع وفيه مع انتقاضه بترك التطوع في تلك الموارد المعلوم استحبابه ما لا يخفى فإنهم لم يكونوا
يأمرون بالجمع الا في الموارد التي يناسبها التوسعة والتسهيل وكذا لم يكن يصدر منهم الجمع الا أحيانا لبعض الأمور المقتضية له من الاستعجال أو بيان الرخصة
أو غير ذلك مما يناسبه الاكتفاء بأذان واحد للفرضين نعم قد يقال بان مواظبتهم على ترك أذان العصر يوم الجمعة مع استقرار السيرة على جمعها مع
الجمعة أو الظهر يكشف عن مرجوحيته في يوم الجمعة والا لما استقر سيرتهم عليهم السلام على الترك ويمكن دفعه بعد تسليم الصغرى بان من الجائز ان يكون ذلك الأفضلية
المبادرة إلى الخروج عن عهدة الواجب والاستعجال فيه رعاية لحال ضعفاء المأمومين أو غير ذلك من العناوين الراجحة الحاصلة بالترك من فعل الأذان المسبوق
بأذان يجوز الاكتفاء به فيكون فعله مرجوحا بالإضافة إلى ترك المجامع مع فعل الصلاة لا مطلقا كي ينافي مشروعيته ووقوعه عبادة نظير التطوع في وقت الفريضة
بناء على ما قويناه في محله من جوازه ووقوعه عبادة مع مرجوحيته بالإضافة إلى المبادرة إلى فعل الفريضة فهو في حد ذاته راجح ولكن تركه المجامع للمبادرة
في جميع مواقع الجمع سواء كان الجمع في حد ذاته راجحا أم مرجوحا أرجح كما نبه عليه الشهيد وغيره فعلى هذا يشكل الترخيص في الأذان للثانية في شئ من موارده
لو سملنا تمامية الاستدلال بشئ مما ذكر لعدم مشروعيته في شئ من موارده وعلى تقدير الخدشة في كل واحد واحد من الأدلة المزبورة بقصوره الا عن إفادة الرخصة
في الترك الغير المنافية لاستحباب فعله كما يقتضيه اطلاقات الأدلة أمكن ان يقال إن هذا بالنظر إلى كل واحد واحد منها واما بملاحظة المجموع فربما يحصل منها
خصوصا بعد الالتفات إلى شهرة القول بالمنع ونقل الاجماع أو السيرة عليه في بعض الموارد كعصر يوم الجمعة الظن القوي بكون السقوط مع الجمع مطلقا عزيمة لا
رخصة فالأحوط ان لم يكن أقوى تركه مطلقا حتى في القضاء لما أشرنا إليه في محله من أن الأقوى مساواته مع الأداء في هذا الحكم ولكن حيث نسب إلى المشهور في القضاء
ان الأذان لغير الأولى تركه مع الجمع رخصة وفعله لكل صلاة أفضل فينبغي ان يؤتى به كذلك برجاء المطلوبية على سبيل الاحتياط لا بقصد التوظيف كما أن الأحوط
208

ان يوتى به بهذا القصد اي قصد الاحتياط لدى الجمع بين الفائتة والحاضرتين في وقتين متبائنين كالعصر والمغرب وان كان الأقوى في لسقوط في شئ من الفرضين
لخروجهما عن موضوع الأدلة ومنصرف الفتاوي نعم قضية المرسل المتقدم في المسألة السابقة الحاكي لعل رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم الخندق الاكتفاء
بأذان واحد لدى الجمع بين الفائتة والحاضرة أيضا ولكنك عرفت ان هذا مما لا يجوز التعويل عليه والله العالم
تنبيه الجمع الموجب لسقوط أذان الثانية
هو ان يؤتى بالثانية عقيب الأولى من غير فصل يعتد به فمع حصول الفصل المعتد به لا جمع كما صرح به بعض خصوصا مع تخلل بعض العوارض الخارجية الغير المرتبطة بالصلاة
كما ربما يؤيد ذلك بعض الأخبار الدالة على حصول التفريق بين الصلاتين بفعل النافلة كموثقة محمد بن حكيم قال سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول الجمع بين الصلاتين إذا
لم يكن بينهما تطوع فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع وموثقته الأخرى قال سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع بينهما وخبر رزيق المروي عن مجالس
الشيخ عن أبي عبد الله عليه السلام قال وربما كان يصلي يوم الجمعة ست ركعات إذا ارتفع النهار وبعد ذلك ست ركعات اخر وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال اذن
وصلى ركعتين فما يفرغ الا مع الزوال ثم يقيم للصلاة فيصلي الظهر ويصلي بعد الظهر أربع ركعات ثم يؤذن ويصلي ركعتين ثم يقيم فيصلي العصر ويحتمل ان
يكون المراد بالموثقة الثانية الحكم التكليفي اي النهي عن التطوع بين الصلاتين عند في لتفريق فيكون محمولا على الكراهة وان لا يخلو عن بعد حيث إنه يظهر من كثير من
الاخبار ان هذا مما لا بأس به فالأقرب حمل هذه الموثقة أيضا على ما يظهر من موثقته الأولى وكيف كان فالموثقة الأولى بظاهرها تدل على أن الفصل بين الفريضتين
بالتطوع مانع عن حصول الجمع بينهما والظاهر أنه أريد به مانعيته حقيقة لامر باب التعبد الشرعي فتدل بالفحوى على ممانعة سائر المشاغل التي لا تعلق لها بالصلاة مما هو أوضح
حالا من التطوع في المانعية عن حصول الجمع هذا مع أنه لا حاجة لنا إلى اثبات حصول التفريق الفصل المعتد به ونحوه مما يفوت به المتابعة العرفية بل نقول إن القدر المتيقن
الذي يمكن استفادته من النصوص والفتاوي انما هو جواز الاكتفاء بأذان الأولى وسقوطه عن الثانية فيما إذا اتى بالثانية عقيب الأولى بلا فصل يعتد به أو حصول فاصل
أجنبي من تطوع ونحوه نعم الظاهر أن الاشتغال بالتعقيب ونحوه فضلا عن مثل سجدتي السهو وركعات الاحتياط ونحوها من الأمور المربوطة بالصلاة ما لم يكن موجبا
للفصل الطويل غير مناف لحصول الجمع الموجب للاكتفاء بأذان الأولى وسقوطه عن الثانية فيما إذا اتى بالثانية عقيب الأولى بلا فصل يعتد به أو حصول فاصل أجنبي
من تطوع ونحوه نعم الظاهر أن الاشتغال بالتعقيب ونحوه فضلا عن مثل سجدتي السهو وركعات الاحتياط ونحوها من الأمور المربوطة بالصلاة ما لم يكن موجبا
للفصل الطويل غير مناف لحصول الجمع الموجب للاكتفاء بأذان الأولى إلى أن لا لمجرد دعوى في لتنافي بين الفصل بمثل هذه الأمور وبين صدق اسم الجمع بين الصلاتين عرفا
كي يتطرق الخدشة بأنه ليس للأخبار الدالة على سقوط الأذان مع الجمع اطلاق من هذه الجهة حتى يتمسك باطلاقه لاثبات السقوط في جميع الموارد التي تحقق فيها
صدق اسم الجمع عرفا بل لغلبة حصول الفصل بمثل هذه الأمور وتعارفها في الموارد التي فهم من الأدلة جواز الاكتفاء فيها بأذان واحد هذا مع أن سقوطه مع الفصل
بمثل هذه الأمور الغير المنافية لحصول الجمع عرفا بحسب الظاهر مما لا خلاف فيه بل لا يبعد ان يقال إن المتبادر من مثل قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا فصل
بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين الخ وان كان ارادتهما مع الجمع ولكن لا بحيث ينافيه الفصل بمثل هذه الأمور فليتأمل ولا ينافي ما ذكرناه من حصول
التفريق بفعل النافلة ما ربما يستشعر من بعض الأخبار الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله انه من ترك الأذان مع النافلة مثل صحيحة أبي عبيدة قال سمعت أبا جعفر
عليه السلام يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلى المغرب ثم مكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء الآخرة ثم انصرفوا
وخبر عبد الله بن سنان قال شهدت صلاة المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فحين كان قريبا من الشفق ثاروا وأقاموا الصلاة فصلوا المغرب ثم أمهلوا الناس
حتى صلوا ركعتين ثم قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء ثم انصرف الناس إلى منازلهم فسئلت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال نعم قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله
عمل بهذا إذ بعد تسليم ظهور الخبرين في ترك الأذان الذكرى الذي يمكن إرادة ما يعمه من الإقامة ليس في الترك دلالة على أن منشأه الجمع فلعله لأجل الاستعجال ورعاية
حال المأمومين ونحوه مع أن في الخبرين اشعار بان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يتطوع ومن الواضح ان العبرة في الاكتفاء بأذان الأولى بجمعه بين الصلاتين
لا بجمع من يأتم به ففي الخبرين على هذا التقدير شهادة على ما قدمناه من أن الفصل الغير المعتد به ما لم يتحقق معه عمل أجنبي مستقل من نافلة ونحوها غير قادح
في الجمع فليتأمل وربما يظهر من كلمات بعضهم ان الجمع الموجب للسقوط هو ان يوتى بالفريضتين في وقت إحديهما كما لو اتى بالظهرين قبل صيرورة الظل مثلا
أو أربعة اقدام على الخلاف المقرر في محله أو اتى بهما بعد صيرورة الظل مثلا أو أربعة اقدام وقضية ذلك سقوط أذان الثانية فيما لو اتى بالأولى في أول
وقتها والثانية في اخره حتى مع الاشتغال في خلالهما بالأمور المبائنة للصورة من نوم ونحوه وعدم السقوط فيما لو جمع بينهما بتأخير الأولى إلى اخر وقتها
وتقديم الأخيرة في أول وقتها وهذا مما لا يساعد عليه دليل بل المتبادر من نصوص الجمع إرادة فعلهما بلا فصل يعتد به كما ربما يشهد له أيضا الموثقة المتقدمة
المصرحة بأنه إذا كان بينهما تطوع فلا جمع فإنها تدل على أن العبرة بعدم الفصل لا بوقوعهما في وقت احدى الصلاتين واشكل مما ذكر ما ربما يظهر من غير واحد من
وقوع الأذان الذي يأتي به قبل الفريضتين إصابة الوقت فلو اتى بالظهرين في وقت العصر يكون الأذان للعصر فلو نواه للظهر يكون تشريعا قال في محكي الذكرى
ولو جمع الحاضر أو المسافر بين الصلاتين فالمشهور ان الأذان يسقط في الثانية قاله ابن أبي عقيل والشيخ وجماعة سواء جمع بينهما في وقت الأولى أو الثانية
لأن الأذان اعلام بدخول الوقت وقد حصل بالأذان الأول وليكن الأذان للأولى ان جمع بينهما في وقت الأولى وان جمع بينهما في وقت الثانية اذن للثانية
ثم أقام وصلى الأولى لمكان الترتيب ثم أقام للثانية انتهى وأنت خبير بأنه ليس في شئ من الأدلة اشعار بهذا التفصيل بل ظاهرها اما وقوع الأذان لخصوص
209

الأولى وسقوطه عن الثانية أو للمجموع كما لعله هو المتبادر من قوله عليه السلام في صحيحة عبد الله بن سنان جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين (وجمع بين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين وفي صحيحة الحلبي فصل بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين) وغير ذلك من الاخبار
المشعرة أو الظاهرة في وقوع الأذان لهما فكان الشهيد قدس سره يرى أن الأذان المسنون قبل الصلاة بعينه هو الذي شرع للاعلام بدخول الوقت فخصه بصاحبه
الوقت وهو كما ترى فان الذي يظهر من النصوص والفتاوي انما هو مشروعية الأذان كالإقامة للصلاة من حيث هي لا من حيث الاعلام بدخول الوقت فهو مغاير للأذان الاعلامي
بلا شبهة نعم لا يبعد ان يكون حكمته في الأصل الاعلام ولكن لم يلاحظ عند شرعه مقدمة للصلاة والاطراد ولذا
شرع في القضاء الذي لا معنى لإرادة الاعلام بدخول
الوقت بالنسبة إليه ويحتمل ان يكون محط نظره في الحكم بالسقوط هو الأذان الاعلامي كما ربما يؤيد هذا الاحتمال ما تقدمت حكايته عنه في المسألة المتقدمة عند تعرضه لرفع
المنافاة بين سقوطه عمن جمع في الأداء وعدم سقوطه عمن جمع في القضاء من قوله رحمه الله أو يقال إن الساقط يعني في الأداء أذان الاعلام لحصول العلم بأذان الأولى لا
الأذان الذكرى ويكون الثابت في القضاء الأذان الذكرى وهذا متجه انتهى ولكن لا يخفى عليك ان تنزيل كلمات المشهور القائلين بالسقوط على إرادة الأذان الاعلامي
في غاية الاشكال وكيف كان فظاهر الاخبار كما تقدمت الإشارة إليه والاجتزاء للثانية بأذان الأولى فيكون الجمع بين الصلاتين مؤثرا في صيرورة الأذان
لهما والله العالم ولو صلى الإمام جماعة وجاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيمون على كراهية ما دامت الأولى لم تتفرق فان تفرقت صفوفهم اذن الآخرون
وأقاموا قد اختلفت آراء الأصحاب رضوان الله عليهم في هذه المسألة فإنهم بعد اتفاقهم ظاهرا على سقوط الأذان والإقامة في الجملة عدى ما ستعرف من بعضهم
من التردد فيه اختلفوا في أنه هل هو رخصة أم عزيمة وانه هل هو مخصوص بالجماعة كما ربما يستشعر من المتن وغيره أم يعم الفرادى وانه هل هو مخصوص بمريد الجماعة أم لا
وانه هل هو في خصوص المسجد الذي له امام راتب أو مطلقا أم أعم من المسجد وغيره وفي ان الجماعة الثانية أو الثالثة كالأولى في سقوط الأذان عمن ورد عليهم أم لا وفي
انه هل يعتبر وحدة صلاتهم أم لا وفي انه هل يعتبر تفرق جميع الصفوف أم يكفي في الجملة وكيف كان فمستند الحكم اخبار مستفيضة منها خبر أبي علي قال كنا عند أبي
عبد الله عليه السلام فاتاه رجل فقال جعلت فداك صلينا في المسجد الخبر وانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فاذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك
فقال أبو عبد الله عليه السلام أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع فقلت فان دخلوا فأرادوا ان يصلوا فيه جماعة قال يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم امام
ورواية السكوني عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن علي عليه السلام انه كان يقول إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى أهله فلا يؤذن ولا يقيمن ولا يتطوع حتى يبدء بصلاة الفريضة ولا
يخرج منه إلى غيره حتى يصلي فيه وخبر أبي بصير قال سئلته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلم فقال ليس عليه ان يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فان
وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان وخبره الاخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذن ويقيم قال إن كان دخل ولم يتفرق الصف صلى
بأذانهم وإقامتهم وان كان تفرق الصف اذن واقام وخبر عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن ابائه عليهم السلام قال دخل رجلان المسجد وقد صلى علي عليه السلام بالناس فقال عليه السلام لهما ان
شئتما فليؤم أحدهما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم وعن كتاب زيد الترسي عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم ووجدت
الإمام مكانه وأهل المسجد قبل ان يتفرقوا أجزأك أذانهم وإقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك وإذا وافيتهم وقد انصرفوا عن صلاتهم وهم جلوس أجزء إقامة بغير
أذان وان وجدتهم قد تفرقوا وخرج بعضهم من المسجد فاذن وأقم لنفسك واستشكل في المدارك في الحكم المزبور من أصله فإنه بعد ان نسب ما ذكره المصنف في المتن
إلى الشيخ وجمع من الأصحاب واستدلالهم عليه برواية أبي بصير الثانية قال ما لفظه والحكم بسقوط الأذان عن المصلي الثاني وقع في الرواية معلقا على عدم تفرق الصف
وهو انما يتحقق ببقاء جميع المصلين وقبل يكفي في سقوط الأذان عن المصلي الثاني معقب واحد من المصلين لما روى الشيخ عن الحسين بن سعيد عن أبي علي قال كنا عند أبي عبد الله عليه السلام
وساق الحديث إلى اخر ما نقلناه ثم قال وعندي في هذا الحكم من أصله توقف لضعف سنده باشتراك راوي الأولى بين الثقة والضعيف وجهالة راوي الثانية فلا
يسوغ التعلق بهما ثم لو سلمنا العمل بهما لوجب اختصاص الحكم بالصلاة الواقعة بالمسجد كما ذكره في النافع والمعتبر لأنه مدلول الروايتين ويجوز ان يكون الحكمة
في السقوط مراعاة جانب امام المسجد الراتب بترك ما يوجب الحث على الاجتماع ثانيا انتهى أقول اما ضعف سند الروايتين كغيرهما من الأخبار المتقدمة فعلى تقدير
تسليمه مجبور بعمل الطائفة بها قديما وحديثا إذ لا راد لهذا الحكم ولا مخالف فيه على ما ادعاه في الحدائق فلا ينبغي التوقف في أصل الحكم واما دعوى اختصاصه بالصلاة
في المسجد لورود الروايات فيها فقد يقال في دفعها بان خصوصية المورد لا توجب قصر الحكم وفيه ان هذا لا يكفي في التعميم ما لم يدل عليه دليل أو يعلم بعدم مدخلية
الخصوصية في ذلك بتنقيح المناط ونحوه وهو لا يخلو عن اشكال ولذا خصه غير واحد بالمسجد
اقتصارا في الحكم المخالف للعمومات على مورد النص واما ابداه من
الاحتمال لمدخلية الخصوصية من جواز كون حكمه الحكم رعاية جانب الإمام بترك ما يوجب الحث على الاجتماع ثانيا فهو يناسب القول المحكى عن المبسوط من استحباب الأذان مطلقا
ولكن لا يرفع به الصوت كما حكى عن أبي حنيفة معللا بخوف الالتباس بل يناسب ترك الجماعة ثانيا في ذلك المسجد ولو بعد تفرق الصفوف لا ترك خصوص الأذان والإقامة ما
دامت الصفوف باقية ولو مع الاسرار بهما كما يتقضيه اطلاق أغلب الأخبار المتقدمة والحاصل أغلب الأخبار المتقدمة والحاصل ان هذا الوجه لا يناسب هذا الحكم والذي يغلب على الظن ان
حكمة الحكم كون الاجتزاء بأذان الجماعة والمبادرة إلى فعل الفريضة قبل تفرقهم موجبا لحصول مرتبة من التبعية والايتمام الموجب لادراك فضيلة الجماعة في الجملة كما
يؤمى إليه ذلك ما في خبر السكوني الامر بالبدئة بصلاة الفريضة من غير أن يتطوع والنهي عن الخروج عن ذلك المسجد إلى غيره حتى يصلي فيه فإنه مشعر ببقاء اثر الايتمام
وفضله في ذلك المسجد الذي صلى فيه جماعة ولكن يجيب صرفه لو لم نقل بانصرافه في حد ذاته إلى ما إذا لم تتفرق الصفوف جمعا بينه وبين غيره من الروايات ويحتمل
بعيدا ان كون المقصود بقوله في خبر السكوني وقد صلى أهل دخولهم في الصلاة لا فراغهم عنها فليتأمل ثم إن قضية ما ذكر من الحكمة كون الحكم من توابع الجماعة من حيث
210

هي من غير فرق بين المسجد وغيره ولكن الجزم به مشكل اللهم الا ان يستدل له باطلاق رواية أبي بصير الأولى وهو لا يخلو عن تأمل لجواز كونه جاريا مجرى الغالب من كون
ذلك في المسجد فالقول بالاختصاص لا يخلو عن قوة وكيف كان فظاهر أغلب الأخبار المتقدمة سقوط الأذان والإقامة وعدم شرعيتهما خصوصا مع ما في الخبرين الأولين
منها من المبالغة والتأكيد في المنع المنافي لكونهما عبادة وما في بعضها من التعبير بلفظ الاجزاء المشعر أو الظاهر في كون الترك رخصة لا يصلح صارفا لتلك الأخبار عن ظاهرها
ولكن قد يعارضها موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الرجل أدرك الإمام حين سلم قال عليه ان يؤذن ويقيم ويفتتح الصلاة وخبر معاوية بن شريح عن أبي
عبد الله عليه السلام أنه قال إذا جاء الرجل مبادرا والإمام راكع أجزأه تكبيره واحدة إلى أن قال من ادركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد
أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا إقامة ومن ادركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة وربما حملها بعض على صورة التفرق جمعا بينهما وبين غيرهما من الأخبار المتقدمة
وفيه مالا يخفى فان صورة في لتفرق من أوضح المصاديق التي ينسبق إلى الذهن من السؤال الواقع في الموثقة حيث إنها موقع توهم التبعية للجماعة وبقاء حكمها من
جواز الايتمام هذا مع امكان ان يقال إن المتبادر من التعبير بقوله أدرك الإمام حين سلم إرادة ادراك حال تشاغله بالسلام ولا أقل من عدم وقوع هذا التعبير
غالبا الا عند إرادة فراغه من السلام بلا فصل والغالب عدم حصول التفرق بمجرد الفراغ فكيف يصح تنزيل الجواب على ارادته بالخصوص والحاصل ان الرواية ان
لم تكن نصا فهي في غاية الظهور في مشروعية الأذان والإقامة لمن لم يدرك الصلاة جماعة وأوضح من ذلك دلالة عليه الرواية الثانية فإنها كادت تكون صريحة في
ذلك فمقتضي الجمع بينهما وبين الأخبار المتقدمة حمل تلك الأخبار على الكراهة ولكن بالمعنى الذي التزمنا به في مبحث المواقيت للتطوع في وقت الفريضة مما لا ينافي
استحبابه في حد ذاته ووقوعه عبادة وقد أوضحنا في ذلك المبحث ان مرجع النهي عن التطوع إلى الامر بالبدئة بالفريضة في وقتها فيكون التطوع في ذلك الوقت
مرجوحا بالإضافة إلى تركه المجامع لفعل الفريضة لا مطلقا كي ينافي كونه عبادة ففي المقام أيضا كذلك كما يشير إلى ذلك خبر السكوني الذي وقع فيه النهي عن الأذان والإقامة
والتطوع حتى يبتدء بصلاة الفريضة فكان المقصود بهذا حصول مرتبة من الاستتباع موجبة لادراك فضيلة الجماعة في الجملة كما تقدمت الإشارة إليه
انفا ومما يؤيد هذا الحمل ما في بعض الأخبار المتقدمة من التعبير بلفظ الاجتزاء المشعر أو الظاهر في كون الترك رخصة لا عزيمة وربما يحتمل ان يكون المقصود بالأذان
في خبر أبي علي الذي ورد فيه الامر بمنعه أشد المنع هو خصوص الأذان لا الأعم منه ومن الإقامة بان يكون المراد المنع عن الاتيان به على حسب ما يتعارف في الجماعات من الاعلان
بالصوت ورفعه مخافة الالتباس والله العالم ثم إن أغلب اخبار الباب باجمعيها ما عدى خبر زيد ورد في المنفرد فلو لا التصريح بالسقوط عن الجامع في خبر زيد وكون
القول بسقوطه عن المتفرد دون الجامع احداث قول ثالث لكان للتوقف في سقوطها عن الجامع مجال فالقول باختصاص السقوط بالجامع كما قواه المحقق البهبهاني في حاشية
المدارك بل ربما استظهر من المشهور ضعيف اللهم الا ان يستدل له في الجامع بخبر زيد وبطرح سائر الروايات التي وردت في المنفرد مما دل على السقوط لابتلائها
بمعارضة الخبرين الأخيرين المصرحين بالثبوت المعتضدتين بموافقة العمومات ولكنك عرفت ان الجمع بينهما بالحمل على الكراهة ممكن فهو أولى من الطرح فالقول بسقوطهما مطلقا
من الجامع والمنفرد على كراهيته هو الأقوى وهل الجماعة الثانية التي اجتزت بأذان الأولى كالأول في سقوط الأذان عمن ورد عليهم أم لا وجهان من خروجها
عن مورد الاخبار ومن انها لدى الاجتزاء بأذان الأولى كالأولى في كون صلاتهم بأذان وإقامة ولعل هذا هو الأقوى كما أن الامر كذلك بالنسبة إلى الجماعة
الأولى لو اجتزوا باستماع أذان الغير فإنها وان كانت منصرفة عن مورد النصوص ولكن لا ينبغي التردد في اطراد الحكم بالنسبة إليها فإنه بعد ان جاز لهم
الاجتزاء بأذان الغير يصير أذان الغير عند اجتزائهم به أذانهم فليس على من أدركهم حال الصلاة أو بعدها قبل تفرقهم ان يعيد الأذان بل يدخل معهم في
أذانهم فليتأمل وهل السقوط مخصوص بمريد الجماعة فيه تردد من اطلاقات أدلته ومن امكان دعوى جريها مجرى الغالب المتعارف في تلك الأزمنة من الايتمام عند
ادراك الجماعة كما ربما يستشعر ذلك من التعبيرات الواقعة في الاخبار فعلى الثاني لا يسقط عمن لم يقصد الجماعة وان وجدهم يصلون واما على الأول فيسقط
عنه في هذا الفرض أيضا فإنه أولى بالسقوط فيستفاد حكمه من الأخبار المتقدمة بالفحوى فليتأمل وهل المدار في السقوط على تفرق الجميع بحيث يبقى السقوط
مع بقاء الواحد أو على بقاء الجميع بحيث إذا مضى واحد يسقط السقوط أو على الأكثر تفرقا وبقاء أو على العرف في صدق التفرق وعدمه من غير ملاحظة شئ من ذلك
أقوال صرح جماعة على ما حكاه عنهم في الجواهر بالأول لترك الاستفصال في خبر أبي علي وقول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير فان وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان
الخ كقوله في خبره الاخر وان كان تفرق الصف أذان واقام إذ المراد بالصف المصطفين فاعتبار تفرقهم يقتضي الاستغراق كضمير الجمع بمعنى انه لابد من افتراق كل واحد
عن الاخر ومع بقاء الواحد مثلا معقبا لا يتحقق ذلك وفيه ما لا يخفى فان المتبادر عرفا من عدم تفرق الصف بقائه على هيئة في ضمن اشخاص المصلين ولذا زعم صاحب المدارك
في عبارته المتقدمة التنافي بين خبر أبي علي وخبر أبي بصير حيث وقع السقوط في الأول معلقا على بقاء البعض وفي الثاني على عدم تفرق الصف المتوقف على بقاء جميع أهله ولكنك
عرفت ان المتبادر من عدم تفرق الصف انما هو بقاء صورته عرفا وهو لا يتوقف على بقاء جميع أهل الصف بل يكفي فيه عدم وقوع الخلل المنافي لصورته كما أن المتبادر
من تفرقهم الذي وقع في لسقوط معلقا عليه في خبره الاخر زوال ما هم عليه حال الصلاة من هيئة الجماعة عرفا ولا أقل من عدم ظهوره فيما ينافي خبره الأول واما
خبر أبي علي فهو أيضا لا يأبى عن الحمل على ذلك بتقييده بما لا ينافي صدق بقاء الصف عرفا مع ما فيه من الضعف واحتمال إرادة المعنى الذي تقدمت الإشارة إليه انفا
فالقول بان المدار على صدق عدم تفرق الصف عرفا هو الأظهر نعم ربما يستشعر من ذيل الخبر المروي عن كتاب زيد تعليق في لسقوط بخروج البعض عن المسجد ولكن
الظاهر أن المراد بالبعض ليس مطلقه بل البعض الذي يكون خروجه ملزوما لحصول التفرق هذا مع ما فيه من الضعف والتشويش والله العالم ثم إن في المقام فروعا
211

كثيرة لا يهمنا استقصائها بعد البناء على الكراهة وإذا اذن المنفرد ليصلي وحده ثم أراد الجماعة أعاد الأذان والإقامة على المشهور كما ادعاه غير واحد لموثقة عمار عن
أبي عبد الله عليه السلام قال وسئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجيئ رجل اخر فيقول له نصلي جماعة هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان والإقامة قال لا ولكن يؤذن ويقيم
وطعن فيها في المدارك وفاقا لما حكاه عن المعتبر بضعف السند لما فيه من الفطحية ولكن حكى عن المعتبر انه بعد الخدشة في سند الرواية قال إن مضمونها استحباب
تكرار الأذان والإقامة وهو ذكر الله وذكر الله حسن ثم استقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة الواقعتين بنية الانفراد وأيد ذلك بما رواه صالح بن عقبة عن أبي
مريم الأنصاري قال صلى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا ازار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فلما انصرف قلت له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا ازار ولا رداء
ولا أذان ولا إقامة فقال إن قميصي كثيف فهو يجزى ان لا يكون علي ازار ولا رداء واني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فاجزاني ذلك قال وإذا اجتزانا
بأذان غيره فبأذانه أولى ولقد أجاد في محكى الذكرى حيث اعترض على ما في المعتبر بعد نقله بما صورته قلت
ضعف السند لا يضر مع الشهرة في العمل والتلقي بالقبول
والاجتزاء بأذان الغير لكونه صادف نية السامع للجماعة فكأنه اذن للجماعة بخلاف الناوي بأذانه للانفراد انتهى واعترضه في المدارك بان ظاهر الخبر ترتب الاجزاء
على سماع الأذان من غير مدخلية لما عداه وفيه ما لا يخفى إذ لا منشأ لهذا الظهور ولكن يمكن الخدشة في دلالة الموثقة على المدعى بامكان ان يكون الملحوظ في
المنع عن أن يصليا بذلك الأذان هو ذلك الاخر الذي لم يكن مقصودا بذلك الأذان ويكون المأمور بان يؤذن ويقيم هو ذلك الرجل بملاحظة صلاته لا صلاة
الجميع فلا يتم به المدعى ويدفعه ان المتبادر منه انه يؤذن ويقيم لأن يصليا جماعة كما أن المتبادر من السؤال هو المسألة عن أن الأذان الماتى به لصلاة المنفرد
هل يجزي للجماعة فيفهم من الرواية عدم كفايته وبقاء الأذان للجماعة بصفة المطلوبية ما لم يتحقق بهذا العنوان وحيث إن الطلب المتعلق به بهذا العنوان كفائي
بمعنى انه يحصل امتثاله بفعل كل منهما لا يتفاوت الحال في تمامية الاستدلال بين ان يكون ضمير الفاعل عائدا إلى الرجل الاخر أو الرجل الذي اذن واقام ولعله لهذا
أجمله في الرواية مع كون كل منهما قابلا لعود الضمير إليه فالانصاف انه لا قصور في دلالة الرواية كسنده عن اثبات المدعى ولذا لم يلتفت أحد ممن عثرت على كلامه إلى
المناقشة المزبورة فالأقوى ما هو المشهور من عدم كفاية الأذان والإقامة الماتى بهما بنية الانفراد لصلاة الجماعة واستحباب اعادتهما وما يترائى من الموثقة من عدم
جواز الاجتزاء ووجوب الإعادة محمول على ما ذكر جمعا بينها وبين غيرها مما دل على في لوجوب كما عرفته في محله ولو اذن بنية الجماعة فأراد ان يصلي وحده بنى على
أذانه إذ لم يثبت الأذان المنفرد خصوصية معتبرة في ذاته زائدة على طبيعة الأذان الماتى به بقصد القربة متوقفة على قصد عنوانه كما ثبت ذلك في أذان الجماعة ومجرد احتماله
لا يجدي في اثبات بقاء التكليف به لو بالاستصحاب لما حققناه في نية الوضوء من أن المرجع عند الشك في اعتبار شئ من مثل هذه الأمور في متعلق التكاليف البراءة
وان مقتضى الأصل في التكاليف كونها توصلية لا يرفع اليد عنه الا بالدليل وغاية ما ثبت في المقام انما هو ان يأتي بالأذان والإقامة لصلاته بقصد التقرب وقد
حصلا بهذا القصد واما اعتبار امر وراء ذلك اي كونه أذان المنفرد فمنفي بالأصل والله العالم الثاني في المؤذن والمراد به هنا الذي يتخذ للأذان في
بلدة أو محلة أو مسجدا وجماعة ليعتد بأذانه المسلمون ويكتفون به ويعتبر فيه العقل والاسلام في المدارك هذا مذهب العلماء كافة وفي الجواهر بلا خلاف
أجده بل الاجماع بقسميه عليه بل المنقول منه مستفيض أو متواتر ويشهد له مضافا إلى ذلك موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الأذان هل يجوز ان يكون
عن غير عارف قال لا يستقيم الأذان ولا يجوز ان يؤذن به الا رجل مسلم عارف فان علم الأذان واذن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا اقامته ولا يقتدي به وعن بعض
النسخ ولا يعتد به والظاهر أن المراد بغير العارف من لم يعرف امام زمانه كما لا يخفى على من له انس بمحاوراتهم فالرواية تدل على اعتبار الايمان أيضا ولكن المراد بها
بحسب الظاهر أذان الصلاة فعمدة المستند لاثبات شرطية الاسلام بالنسبة إلى مطلق المؤذن ولو للاعلام كما هو مقتضى اطلاق كلمات الأصحاب في فتاويهم
ومعاقد اجماعاتهم المحكية بل صريح بعضها هو ما عرفت من في لخلاف فيه على الظاهر مضافا إلى انصراف أدلة الأذان عمن لم يؤمن به فليتأمل ثم إن مقتضى ظاهر
الموثقة كما تقدمت الإشارة إليه اعتبار الايمان في مؤذن الصلاة وعدم كفاية مجرد الاسلام في الاعتداد بأذانه للصلاة كما ذهب إليه غير واحد من المتأخرين
وربما يؤيده أيضا خبر محمد بن عذافر عن أبي عبد الله عليه السلام قال اذن خلف من قرأت خلفه وخبر معاذ بن كثير عن أبي عبد اله عليه السلام قال إذا دخل الرجل المسجد
وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام اية أو ايتان فخشي ان هو اذن واقام ان يركع فليقل قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولا ينافيها صحيحة
ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا نقض المؤذن الأذان وأنت تريد ان تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو فإنه وان كان المخالفون الذين يتعارف عندهم
نقص الأذان من أوضح المصاديق التي أريد بهذا الكلام ولكن لا منافاة بين بطلان أذان المخالف في حد ذاته فضلا عن عدم كفايته للغير وبين كفاية سماعة
لمريد الاكتفاء حيث إن سماعة المقرون بإرادة الاكتفاء يجعله بمنزلة أذان السامع وستعرف عند تعرض المصنف له ان الأظهر جواز الاكتفاء بسماع
أذان المخالف وان لم نقل بكفايته من حيث هو فالقول باشتراط الايمان لا يخلو عن قوة والله العالم وكذا يعتبر فيه الذكورة اما في الأذان الاعلامي فلوضوح
عدم كون النساء المطلوب منها العفة والستر مقصودا باطلاق أدلته أو عمومها واما في أذان الصلاة فللأصل لأن سقوط التكليف بالأذان والإقامة عن
ساير المكلفين بفعل بعضهم مخالف للأصل محتاج إلى الدليل وما دل على كفاية أذان أو إقامة واحدة من الإمام أو غيره للجماعة قاصرة الشمول عن أذان المرأة
واقامتهما إذ ليس في شئ مما عثرنا عليه من أدلته عموم أو اطلاق مسوق لبيان هذا الحكم بحيث يصح التمسك به لاثبات كفاية أذان النساء كما لا يخفى على المتتبع وربما
يستدل أيضا بقوله عليه السلام في الموثقة المتقدمة ولا يجوز ان يؤذن به الا رجل مسلم عارف وفيه نظر لجري ذكر الرجل مجرى الغالب فلا يفهم منه ارادته الخصوص
212

وقد يستدل أيضا بأنها ان أسرت الأذان لم يسمعوه ولا اعتداد بما لا يسمع وان أجهرت عصت فلا يقع فعلها عبادة وفي مقدميته نظر بل منع وفصل
بعض بين المحارم (وغيرهم) فاجتزى بأذانها للمحارم دون غيرها وفيه ما عرفت من أنه لا دليل على الكفاية للمحارم أيضا كغيرهم فالقول بعدم الكفاية مطلقا كما يقتضيه اطلاق
كلماتهم هو الأشبه نعم لا ينبغي الارتياب في كفاية أذانها لجماعة النساء لا لما ادعى عليه من الاجماع فان الاعتماد على الاجماع فضلا عن نقله في مثل المقام
الذي هو فرضي حيث إن المسألة من أصلها ليست باجماعية لا يخلو عن اشكال بل لاستفادته مما دل على جواز امامتها لهن حيث إن المراد به على ما ينسبق إلى الذهن
انما هو مشروعية الجماعة لهن على حسب ما هو المتعارف المعهود بين الرجال فيلحقها احكامها من سقوط الأذان عن المأموم كالقراءة بفعل الإمام أو غيره على
حسب ما هو المعروف في الجماعة ولذا لا حاجة في تسرية كل حكم من احكام الجماعة إلى جماعتهن كسقوط القراءة ونحوه إلى مطالبته دليل خاص كما هو واضح ولا يشترط
فيه البلوغ بل يكفي كونه مميزا حتى في أذان الصلاة بلا خلاف فيه على الظاهر بل اجماعا كما ادعاه غير واحد ويدل عليه مضافا إلى ذلك صحيحة عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس ان يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام ان عليا عليه السلام كان يقول لا بأس ان يؤذن الغلام
قبل ان يحتلم ولا يؤم فان أم جازت صلاته وفسد صلاة من خلفه وعن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال لا بأس ان يؤذن العبد والغلام الذي
لم يحتلم وخبر طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال لا بأس ان يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وان يؤم وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال
لا بأس بالغلام الذي لا يبلغ الحلم ان يؤم القوم وان يؤذن ويستحب ان يكون عدلا لما رواه الصدوق مرسلا قال قال علي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله يؤمكم أقربكم
ويؤذن لكم خياركم وعن ابن الجنيد رحمه الله اشترطاه في صحة الأذان وهو ضعيف ثم إن مرجع هذا الندب بحسب الظاهر إلى المكلفين بمعنى انه يستحب لهم عند
اختيارهم مؤذنا لجماعتهم أو للاعلام في بلدهم ان يختاروا العدل قال الشهيد في محكى الروض واعلم أن استحباب كون المؤذن عدلا لا يتعلق بالمؤذن لصحة أذان
الفاسق مع كونه مأمورا بالأذان بل الاستحباب راجع إلى الحاكم بان ينصبه مؤذنا لتعمم فائدته انتهى ولعل تخصيصه للحاكم بالحكم لرجوع اختيار هذه الأمور
عادة إليه لا لكونه بالخصوص موردا للاستحباب وكذا يستحب ان يكون صيتا اي رفيع الصوت كما فسره به في الحدائق وغيره وعن جملة من اللغويين تفسيره بتشديد الصوت
والاختلاف بين التفسيرين على الظاهر في مجرد التعبير واستدل له بفتوى الأصحاب وقول النبي صلى الله عليه وآله القه على بلال فإنه أندى منك صوتا وقد
يستدل له أيضا بالاخبار الدالة على استحباب رفع الصوت بالأذان وفيه انه أجنبي عن المقام فليتأمل ويستحب أيضا ان يكون مبصرا وعلله غير واحد بتمكنه من معرفة
الأوقات والأولى التعليل له بفتوى الأصحاب وما عن بعضهم من نقل الاجماع عليه بعد البناء على المسامحة وأن يكون بصيرا بالأوقات التي يؤذن لها وعلله
بعض بالأمن من الغلط وفي كفاية هذا النحو من المرجحات لاثبات الاستحباب تأمل والأولى الاستدلال له بفتوى الأصحاب من باب المسامحة فليتأمل متطهرا
اجماعا كما عن جماعة نقله وكفى به دليلا لمثله مضافا إلى المرسل المروي عن كتب الفروع لا تؤذن الا وأنت متطهر وفي اخر حق وسنة ان لا يؤذن أحد الا وهو
طاهر ويشهد له أيضا الخبر الآتي المروي عن كتاب دعائم الاسلام وليس بشرط بلا خلاف فيه على الظاهر ويشهد له صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال
تؤذن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا وأينما توجهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة وصحيحة الحلبي أو حسنة عن أبي عبد الله عليه السلام قال
لا بأس ان يؤذن الرجل من غير وضوء ولا يقيم الا وهو على وضوء وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس ان تؤذن وأنت على غير طهور ولا تقيم الا وأنت على
وضوء وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سئلته عن الرجل يؤذن على غير طهور قال نعم وموثقة أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام في حديث لا بأس ان تؤذن
على غير وضوء وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام ان عليا عليه السلام كان يقول في حديث لا بأس ان يؤذن وهو جنب ولا يقيم حتى يغتسل وخبر
علي بن جعفر المروي عن كتاب قرب الإسناد عن أخيه عليه السلام قال سئلته عن المؤذن يحدث في أذانه أو قامته قال إن كان الحدث في الأذان فلا بأس وان كان في
الإقامة فليتوضأ وليقم إقامة وخبر علي بن جعفر المروي عن كتابه عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يؤذن أو يقيم وهو على غير وضوء أيجزيه ذلك قال
اما الأذان فلا بأس واما الإقامة فلا يقيم الا على وضوء قلت فان أقام وهو على غير وضوء أيصلي بإقامته قال لا وعن كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام
قال لا بأس ان يؤذن الرجل على غير طهر وعلى طهر أفضل ولا يقيم الا على طهر فلا ريب في عدم شرطية الطهارة للأذان بل يجوز مع الحدث الأكبر أيضا كما وقع
التصريح به في بعض الأخبار المتقدمة واما الإقامة فظاهر جميع الأخبار المزبورة مما وقع فيها التعرض للإقامة اعتبار الطهارة فيها كما ذهب إليه جماعة
من القدماء (والمتأخرين) خلافا لما حكى عن المشهور من الاستحباب ولم نقف لهم على دليل يعتد به صالح لصرف هذه الأخبار الكثيرة عن ظاهرها زيادة على الأصل المعلوم
عدم معارضته للدليل فكان المشهور لم يفهموا من الاخبار المزبورة الا إرادة الحكم التكليفي لا الوضعي اي شرطية الطهارة أو مانعية الحدث وحيث إن كون
الإقامة بلا طهارة حراما ذاتيا مستبعد في الغاية حملوا اخبارها على كراهة ترك الطهارة أو استحباب فعلها وفيه ان المنساق إلى الذهن من نحو هذه
التكاليف الغيرية المتعلقة بكيفية العمل إرادة الوضع لا التكليف كما هو الشان في جميع الأوامر والنواهي الواردة في باب الصلاة ونظائرها ولا أقل
من أن حملها على الوجوب الشرطي أولى من الحمل على الاستحباب أو كراهة الترك ولكن لقائل ان يقول إن دعوى انسباق الشرطية إلى الذهن من الاخبار في مقابل المشهور
غير مسموعة لأن تخطئة المشهور فيما يتبادر من النص خطأ فعدم فهم المشهور منها الشرطية كاشف اما عن فساد الدعوى من أصلها أو في خصوص المورد لخصوصية
مانعة عن ظهورها في الطلب الشرطي مع أنه يكفي في ذلك الشك في الخصوصية المانعة حيث إن مقتضى الأصل كون الأوامر والنواهي شرعية لا شرطية
213

فلا تصلح الاخبار حينئذ مانعة عن الرجوع إلى الأصل بعد قيام احتمال كونها مسوقة لإرادة الحكم التكليفي كما هو واتضح ويحتمل ان يكون وجه عدم استفادة المشهور
من هذه الأخبار الشرطية بالنسبة إلى أصل الطبيعة ما سنشير إليه عند نفي شرطية القيام وكيف كان فالانصاف ان انكار ظهور الاخبار المزبورة في الشرطية
خصوصا بعضها كخبري علي بن جعفر الذين ورد في أولهما الامر بالوضوء وإعادة الإقامة وفي ثانيهما النهي عن أن يصلي بإقامته الواقعة بلا وضوء مجازفة اللهم الا
ان يناقش في مثل هذه الروايات الغير القابلة للخدشة في ظهورها بضعف السند وكيف كان فالقول بالاعتبار أوفق بظواهر النصوص فمن هنا قد يحتمل
ان يكون حكم المشهور بالاستحباب ناشئا من بنائهم على استحباب الإقامة في حد ذاتها فأرادوا به الاستحباب الشرعي الغير المنافي للشرطية فيكون حكمهم بالاستحباب
في المقام كحكمهم عند تعداد الوضوءات المستحبة بندب الوضوء لغاياته المندوبة من صلاة ونحوها ولكنه لابد في تحقيق هذا الاحتمال من مراجعة كلماتهم
فراجع وكذا يستحب ان يكون قائما على المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويدل عليه خبر حمران قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان جالسا قال لا يؤذن
جالسا الا راكب أو مريض والمرسل المروي عن كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام قالا يؤذن الرجل وهو جالس الا مريض أو راكب ولا يقيم الا
قائما على الأرض الا من علة لا يستطيع منها القيام ويؤيده صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام لا بأس للمسافر ان يؤذن وهو راكب ويقيم وهو على الأرض
قائم فان تخصيص نفي الباس من المسافر مشعر برجحان القيام على الأرض بلا عذر بل مرجوحية تركه وكيف
كان فهو ليس بشرط في الأذان بلا شبهة كما يدل عليه قوله عليه السلام
في صحيحة زرارة المتقدمة تؤذن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا أو أينما توجهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة وصحيحة محمد بن مسلم قال
قلت لأبي عبد الله عليه السلام أيؤذن الرجل وهو قاعد قال نعم ولا يقيم الا وهو قائم وخبر أحمد بن محمد عن عبد صالح قال يؤذن الرجل وهو جالس ولا يقيم الا وهو قائم
وقال تؤذن وأنت راكب ولا تقيم الا وأنت على الأرض وموثقة أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام لا بأس ان يؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ولا تقيم وأنت
راكب أو جالس الا من عذر أو تكون في ارض ملصة وخبر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال تؤذن وأنت جالس ولا تقيم الا وأنت على الأرض وأنت
قائم وخبره الآخر عن الرضا عليه السلام أيضا قال يؤذن الرجل وهو جالس ويؤذن وهو راكب إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه فهذا مما لا ريب فيه وانما
الاشكال في الإقامة حيث إن ظاهر جل الأخبار المتقدمة اعتباره فيها وربما يشهد له أيضا غير ذلك من الاخبار كخبر يونس الشيباني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت
له أؤذن وانا راكب قال نعم قلت فأقيم وانا راكب قال لا قلت فأقيم ورجلي في الركاب قال لا قلت فأقيم وانا قاعد قال لا قلت فأقيم وانا ماش قال نعم ماش إلى
الصلاة قال ثم قال إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة قال قلت له قد سئلتك أقيم وانا ماش قلت لي نعم فيجوز ان امشي إلى الصلاة قال نعم إذا دخلت
من باب المسجد فكبرت وأنت مع امام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزاك ذلك وإذا الإمام كبر للركوع كنت معه في الركعة لأنه ان أدركته وهو راكع لم تدرك
التكبير لم تكن معه في الركوع وخبر سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع الا ان يكون مريضا وليتمكن
في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنه إذا اخذ في الإقامة فهو في صلاة وخبر علي بن جعفر المروي عن كتابه (عن أخيه) موسى عليه السلام قال سألته عن الأذان والإقامة أيصلح على
الدابة قال اما الأذان فلا بأس واما الإقامة فلا حتى ينزل على الأرض و وحكى عن المفيد الالتزام بظاهر هذه الأخبار من اعتبار القيام في الإقامة لدى التمكن بل
ربما يظهر من العبارة التي حكى عنه التزامه به في الأذان أيضا في الجملة قال في محكى المقنعة لا بأس ان يؤذن الانسان جالسا إذا كان ضعيفا في جسمه وطول القيام
؟؟ يضره أو كان راكبا جادا في مسيره ولمثل ذلك من الأسباب ولا يجوز له الإقامة الا وهو قائم متوجه إلى القبلة مع الاخبار انتهى والظاهر أن مراده بالبأس
المفهوم من كلامه بالنسبة إلى الأذان الكراهة والا فهو شاذ محجوج بما عرفت واما بالنسبة إلى الإقامة فربما يساعده على ما ذهب إليه بظاهر كلامه ظواهر الأخبار المتقدمة
ولكن المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم على ما نسب إليهم عدم اعتبار القيام فيها وكونه مستحبا اي شرطا لكمالها لا للصحة وهذا لا يخلو عن وجه فان استفادة
التقييد بالنسبة إلى أصل الطبيعة في المستحبات التي لا منافاة فيها بين كون قسم خاص منها مطلوبا بخصوصه مع بقاء جنسه على صفة المطلوبية من مثل هذه الأخبار التي
ورد فيها الامر بقسم خاص أعني الإقامة قائما أو النهي عما عداه اي الفاقد للخصوصية لا يخلو عن اشكال اما إذا كان المقيد بصيغة الامر ونحوه كقوله إذا قمت فعلى وضوء
متهيأ للصلاة وقوله يقيم وهو على الأرض قائم فواضح لما أشرنا إليه من أن الطلب المتعلق بهذا القسم إذا لم يكن الزاميا لا يكشف عن أن الإقامة التي امر بها الشارع
عند كل صلاة لم يقصد بها الا خصوص ما كان بهذه الصفة بخلاف ما لو كان الزاميا فان ايجابه بالخصوص ينافي إرادة الاطلاق من مطلقة مع وحدة السبب ولذا
يجب حمل المطلق على المقيد في الواجبات دون المستحبات واما إذا كان بصيغة النهي ونحوه كقوله عليه السلام لا يقيم الا وهو قائم فلان المتبادر منه في مثل هذه الموارد ليس
الا إرادة الحكم الوضعي اي الارشاد إلى أن الإقامة المطلوبة شرعا لا تحصل الا بهذا (فكما يمكن لن يكون المقصود به الارشاد إلى أن ذاتها لا تحصل الا بهذا) بان يكون القيد معتبرا في ذاتها كذلك يمكن ان يكون المراد الارشاد إلى عدم
حصول الفرد الذي ينبغي اختياره في مقام الامتثال اي الفرد الكامل الخالي عن المنقصة ودعوى ان المتبادر منه هو الأول ولذا نلتزم به في الواجبات والا فلا نعقل
الفرق بين قوله لا تقم الا وأنت قائم مستقبل القبلة وقوله لا تصل الا وأنت قائم مستقبل القبلة حيث إن المتبادر من النهي في كل منهما الارشاد وكون متعلق أحدهما
تكليفا وجوبيا والاخر استحبابيا مما لا مدخلية له بما يتبادر من هذه الصيغة بعد فرض كونه مستعملا في الارشاد وبيان شرطية القيام والاستقبال فلو جاز حمله
على إرادة شرط الكمال ولم يكن ذلك مخالفا لظاهر اللفظ لجاز في كليهما مع انا لا نلتزم به في الواجبات مدفوعة أولا بالفرق بين الواجبات والمستحبات فان الأوامر
والنواهي الشرعية الارشادية ليست معراة عن الطلب وكيف لا مع أنه لو صدر من الشارع كلام صريح في الارشاد كما لو قال استعمال الماء المسخن يورث البرص لكان ذلك
214

مشوبا بالطلب ولذا يفهم منه الكراهة فضلا عما لو صدر منه الامر بشئ أو النهي عنه فقولنا ان الأوامر والنواهي المتعلقة بكيفية العمل ظاهره الارشاد وبيان
الحكم الوضعي لا نعني بذلك ادعاء كونها بمنزلة الاخبار معراة عن الطلب بل المقصود بذلك ادعاء ان المتبادر من مثل هذه التكاليف كون متعلقاتها معتبرة في
ذلك العمل وكون التكليف المتعلق بها مسببا عن ذلك لاعن كونها من حيث هي مقصودة بالطلب فان كانت تلك التكاليف الغيرية بصيغة الامر أو النهي أو نحوهما
مما كان ظاهره وجوب الفعل أو الترك تدل بظاهرها على كون متعلقاتها معتبرة في قوام ذات المأمور به إذ لولا كونها كذلك لقبح الالزام بها وان عبر
عنها بلفظ ينبغي أو لا ينبغي أو لا يصلح أو نحو ذلك فان بنينا على ظهور مثل هذه الألفاظ في الاستحباب فيفهم منه كون متعلقه شرط الكمال وان قلنا باجمال
مثل هذه الألفاظ وعدم دلالتها الا على رجحان متعلقها فعلا أو تركا يتردد الامر بين كون المتعلق شرطا للصحة أو الكمال فيرجع في تشخيص حكمه إلى ما يقتضيه
الأصول العملية هذا إذا كان المكلف به في حد ذاته واجبا كي يمكن ابقاء الطلب المتعلق بكيفية على ظاهره من الوجوب واما ان كان مستحبا فلا يعقل ان يكون
الطلب المتعلق بكيفيته الزاميا اللهم الا ان يقصد به تكليفا نفسيا وهو خلاف الظاهر فيشكل حينئذ استكشاف كون متعلقه معتبرا في قوام ذات الشئ أو
شرطا لكماله من مجرد التعبير بلفظ الامر أو النهي مثلا لو امر المولى عبده بطبخ طعام أو تركيب معجوم لم يعرف العبد اجزائه وشرائطه فسئل مولاه عن ذلك فقال
له المولى عند إرادة شرح ذلك التكليف اذهب إلى السوق واشتر كذا وكذا وهكذا إلى أن عدد له عدة أشياء وأمره بتركيبها وضم شئ من الزعفران إليها
ونهاه ان يضع فيها الملح أو الماء أو غير ذلك فشك العبد في شئ منها انه هل هو شرط للكمال فيجوز الاخلال
به أم لا وجب عليه التعبد بظاهر كلامه والالتزام
بلزوم الجميع وكونها معتبرة في قوام ذات المطلوب واما إذا علم العبد بان التكليف من أصله ندبي وانه يجوز له مخالفة كل من هذه الأوامر والنواهي سواء كان
شرطا للصحة أو للكمال فشك في أن ضم الزعفران إليه هل هو من مقومات نهية أو موجب لكماله أو ان وضع الملح هل هو مفسد له بالمرة فيجعله كالعدم أو انه يؤثر فيه
منقصة غير قادحة في حصول أصل المقصود أشكل استفادة كونه معتبرا في أصل الماهية من ظاهر الأمر والنهي بعد ان علم بعدم كونه واجب الامتثال وثانيا لو سلمنا
ظهور النهي في كون متعلقه منافيا لأصل الطبيعة من حيث هي من غير فرق بين الواجب والمستحب كما ليس بالبعيد خصوصا فيما إذا كان مسبوقا بالسؤال عن المهية المشعر
بإرادة ما يعتبر في قوامها لا في كمالها كما في جملة من اخبار الباب فهو في غير مثل القيام الذي علم صحة الإقامة بدنه وفي الجملة اي في حال الضرورة إذ الظاهر أن جوازه
بلا قيام لدى الضرورة من باب قاعدة الميسور لا من قبيل تعدد الموضوع كالمسافر والحاضر فيشكل في مثل المقام استفادة المساواة بين اهمال الوصف وترك
الموصوف رأسا كما هو قضية اعتباره في أصل الماهية من مثل هذه الأخبار ولذا لم يفهم المشهور منها الا الاستحباب فهذا هو الأقوى والله العالم ويستحب أيضا ان
يكون (المؤذن) قائما على مرتفع كما يدل عليه رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان طول حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قامة فكان يقول لبلال إذا دخل الوقت
يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان فان الله عز وجل قد وكل بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء وان الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض
قالوا هذه أصوات أمة محمد صلى الله عليه وآله بتوحيد الله عز وجل ويستغفرون لامة محمد صلى الله عليه وآله حتى يفرغوا من تلك الصلاة وليس للمنارة خصوصية مقتضية لاختيارها على
سائر افراد المرتفع فإنها ليست من السنة كما يدل عليه خبر علي بن جعفر قال سئلت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الأذان في المنارة أسنة هو فقال انما كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وآله
في الأرض ولم يكن يومئذ منارة وربما يستشعر من هذه الرواية كراهة الصعود على المنارة للأذان ولعله لما فيه من الاشراف على بيوت الناس كما لا يبعد ان
يكون هذا هو الوجه لما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابائه عن علي عليهم السلام انه مر على منارة طويلة فامر بهدمها ثم قال لا ترفعوا المنارة الا مع
أسطح المسجد ويستحب ان يرفع صوته بالأذان كما يدل عليه رواية ابن سنان المتقدمة وفي رواية محمد بن مروان عن الصادق عليه السلام المؤذن يغفر له مد صوته
ويشهد له كل شئ سمعه وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وكل ما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر وكان اجرك في ذلك أعظم وان
يضع إصبعيه حال الأذان في اذنيه كما يدل عليه خبر الحسن بن السري عن أبي عبد الله عليه السلام قال السنة ان تضع إصبعيك في اذنيك في الأذان ولو اذنت المرأة للنساء جاز
كما عرفته عند المبحث عن اشتراط الذكورة في مؤذن الرجال ولو صلى منفردا ولم يؤذن ولم يقم ساهيا رجع مع سعة الوقت إلى الأذان والإقامة مستقبلا صلاته
ما لم يركع على المشهور كما نسب إليه لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا افتتحت الصلاة فنسيت ان تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل ان تركع فانصرف واذن
وأقم واستفتح الصلاة وان كنت قد ركعت فأتم على صلاتك وفيه رواية أخرى بل روايات فربما يظهر من بعضها انه إذا ذكرهما بعد ان دخل في الصلاة مضى
في صلاته كصحيحة زرارة قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة قال فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة وخبره الاخر عن
أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له رجل نسي الأذان والإقامة حتى كبر قال يمضي على صلاته ولا يعيد وصحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي الأذان والإقامة
حتى دخل في الصلاة قال ليس عليه شئ وربما يستشعر من قوله عليه السلام في صحيحة داود ليس عليه شئ ومن التعليل الواقع في صحيحة زرارة بان الأذان
سنة كون هذه الروايات مسوقة لدفع توهم الوجوب فمن هنا قد يتوهم انها لا تدل الا على جواز المعنى لا وجوبه كي يتحقق التنافي بينها وبين صحيحة الحلبي المتقدمة
وغيرها من الاخبار ويدفعه ان ورودها في مقام توهم الوجوب لا يصلح مانعا عن ظهور قوله عليه السلام فليمض في الرواية الأولى في الوجوب ولا يعيد في الثانية في
الحرمة بل التعليل بان الأذان سنة ربما يؤكد هذا الظاهر بعد الالتفات إلى أن الصلاة في حد ذاتها مما يحرم قطعها وان السنة لا تنقض الفريضة فالخبر ان الأولان
اي خبر زرارة ظاهرهما وجوب المضي وحرمة الاستيناف ولكن يتعين صرفهما عن هذا الظاهر بالحمل على إرادة الجواز الغير المنافي لاستحباب الإعادة جمعا بينهما وبين
215

صحيحة الحلبي وغيرها مما هو صريح في الجواز وتقييدهما بما إذا دخل في الركوع جمعا بينهما وبين صحيحة الحلبي في غاية البعد بل لا ينبغي الارتياب في عدم ارادته منهما
وربما يظهر من بعض الأخبار انه لو تذكر (قبل ان يقرء) رجع والا مضى في صلاته كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة
قال إن كان ذكر قبل ان يقرء فليصل على النبي صلى الله عليه وآله وليقم وان كان قد قرء فليتم صلاته وخبر زيد الشحام انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة
حتى دخل في الصلاة فقال إن كان ذكر قبل ان يقرء فليصل على النبي صلى الله عليه وآله وليقم وان كان قد قرء فليتم صلاته وخبر الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئلته عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثم يذكر انه لم يقم قال فان ذكر انه لم يقم قبل ان يقرء فليسلم على النبي صلى الله عليه وآله ثم يقيم ويصلي وان ذكر بعد ما قرء بعض
السورة فليتم على صلاته ويظهر من بعض الروايات جواز الرجوع مطلقا ما لم يفرغ من صلاته كصحيحة علي بن يقطين قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل ينسى ان يقيم الصلاة
وقد افتتح الصلاة قال إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته وان لم يكن قد فرغ من صلاته فليعد وتقييدها بما قبل الركوع كما ذكره بعض كما ترى فان هذا
النحو من التقييد أسوء من طرح الخبر ورد علمه إلى أهله كما هو واضح وقد حكى عن الشيخ انه ذكر في توجيه اخبار الباب ان هذه الأخبار كلها محمولة على الاستحباب أقول
هذا من أجمل وجوه المع ومقتضاه كون الاختلافات الواقعة فيها منزلة على اختلاف مراتب الاستحباب ولكن قد يشكل الالتزام به بالنسبة إلى الصحيحة الأخيرة الدالة على جواز
الرجوع مطلقا بعد اعراض المشهور عن ظاهرها ومخالفته لظواهر مجموع الأخبار المتقدمة وغيرها كما أشار إليه المصنف رحمه الله في محكى المعتبر حيث قال تعريضا على ما
ذكره الشيخ من حمل الصحيحة على الاستحباب ما لفظه وما ذكره محتمل لكن فيه تهجم على ابطال الفريضة بالخبر النادر انتهى وكيف كان فالأولى رد علم هذه الصحيحة إلى
أهله بعد وضوح عدم كون ما تضمنته من الامر بالإعادة الزاميا ومخالفته للاحتياط فيتعين بعد رفع اليد عن هذه الصحيحة الاخذ بظاهر صحيحة الحلبي الامرة بالانصراف
ما لم يركع والمضي في الصلاة بعد ان ركع كما ذهب إليه المشهور ولا يعارضها الاخبار المفصلة بين ما قبل القراءة وما بعدها لما أشرنا إليه من أن مقتضى القاعدة
الجمع بينها بحمل الامر بالمضي بعد القراءة على الرخصة الناشئة من عدم كون الاهتمام في تدارك ما فات بعد القراءة كالاهتمام به قبلها والحاصل انه لا
يصلح شئ من الاخبار المزبورة لمعارضة صحيحة الحلبي من حيث الدلالة فضلا عن سندها المعتضد بالشهرة عدى الصحيحة الأخيرة التي دلالتها على الجواز مطلقا أقوى
من دلالة صحيحة الحلبي على المنع بعد الركوع ولكن التعويل عليها تهجم على ابطال الفريضة بالخبر النادر لامر غير لازم كما أنه لا يصلح لمعارضتها خبر نعمان الرازي قال
سمعت أبا عبد الله عليه السلام وسئله أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي ان يؤذن ويقيم حتى كبر ودخل الصلاة قال إن كان دخل المسجد ومن نيته ان يؤذن ويقيم فليمض
في صلاته ولا ينصرف لعدم صلاحية هذا الخبر لتقييد الصحيحة وغيرها مما دل على جواز الرجوع مطلقا بما إذا لم يسبقه العزم على الفعل فإنه تقييد بفرد ربما ينصرف
عنه اطلاق الترك نسيانا فما في هذا الخبر من التفصيل منزل على اختلاف مرتبة الفضل وانه مع سبق العزم وعروض النسيان يكون بحكم الآتي بالفعل فلا يتأكد في
حقه استحباب الرجوع والله العالم ولا منافاة بين شئ من الاخبار المزبورة وبين خبر زكريا بن ادم قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام جعلت فداك كنت في صلاتي
فذكرت في الركعة الثانية وانا في القراءة اني لم أقم فكيف اصنع فقال اسكت موضع قرائتك وقل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ثم امض في قرائتك
وصلاتك قد تمت صلاتك اما بالنسبة إلى ما عدى الصحيحة الأخيرة الدالة على جواز الإعادة مطلقا فواضح فإنما تضمنه هذا الخبر من قول قد قامت الصلاة
مرتين في أثناء القراءة في الركعة الثانية تداركا للإقامة المنسية والمضي في قرائته وصلاته حكم خاص تعبدي أجنبي عما تضمنته تلك الأخبار ولا يستفاد منه مشروعية
وحصول التدارك به في الموضع الذي يجوز له قطع الصلاة واستينافها لتدارك الإقامة أعني ما قبل القراءة أو الركوع من الركعة الأولى فما زعمه صاحب
الحدائق من كون هذا الخبر مبنيا للاجمال الذي زعمه في الاخبار التي ورد فيها الامر بخصوص الإقامة مما ورد فيها الامر بالصلاة أو السلام على النبي
صلى الله عليه وآله أعني صحيحة محمد بن مسلم ورواية الشحام وخبر الحسين بن أبي العلاء لا يخلو عن غرابة بعد وضوح تباينهما موضوعا وحكما وكون الامر
بالإقامة في تلك الأخبار مشروط بتذكره بعد الدخول في الصلاة قبل ان يقرء ولو بعض السورة وورود هذا الخبر فيمن ذكر في الركعة الثانية وهو في القراءة
واما بالنسبة إلى الصحيحة الأخيرة فربما يترائى التنافي بينهما لما في هذا الخبر من الامر بالمضي بعد قول قد قامت الصلاة مقتصرا عليه ويدفعه ان المقصود
بهذا الخبر كفاية هذا القول تداركا للإقامة المنسية وعدم انتقاض الصلاة به ولا ينافيه جواز الاتيان بها تامة واستيناف الصلاة كما لا يخفى والحاصل
انه لا معارض لهذا الخبر أصلا الا انه في حد ذاته قاصر عن اثبات هذا الحكم اي جواز التكلم (في الصلاة في خلال القراءة بما ليس بذكر ولا قراءة أو دعاء ثم إن ما في بعض هذه الأخبار من الامر) بالصلاة والسلام عن النبي صلى الله عليه وآله فلعله هو بنفسه
مستحب عند الالتفات إلى النسيان وفي المدارك قال والظاهر أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله والسلام عليه إشارة إلى قطع الصلاة ويمكن ان يكون ذلك نفسه
قاطعا ويكون ذلك من خصوصيات هذا الموضع لأن ذلك لا يقطع الصلاة في غير هذا المحمل انتهى وفي كلا الاحتمالين ما لا يخفى من البعد وقال أيضا واعلم أن
هذه الروايات انما تعطي استحباب الرجوع لاستدراك الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها وليس فيها ما يدل على جواز القطع لاستدراك الأذان مع
الاتيان بالإقامة ولم أقف على مصرح به سوى المصنف رحمه الله في هذا الكتاب وابن أبي عقيل على ما نقل عنه وحكى فخر المحققين رحمهم الله في الشرح الاجماع على عدم
الرجوع إليه مع الاتيان بالإقامة وعكس الشارح قدس سره فحكم بجواز الرجوع لاستدراك الأذان وحده دون الإقامة وهو غير واضح انتهى أقول اما
ابن أبي عقيل فهو على ما نقل عنه قائل بجواز القطع لاستدراك خصوص الأذان في الصبح والمغرب لا مطلقا وللإقامة مطلقا قال فيما حكى عنه ما لفظه من
نسي الأذان في صلاة الصبح أو المغرب حتى أقام رجع واذن واقام ثم افتتح الصلاة وان ذكر بعد ما دخل في الصلاة انه قد نسي الأذان قطع الصلاة واذن
216

واقام ما لم يركع فإن كان قد ركع دخل في صلاته ولا إعادة عليه وكذلك ان سهى عن الإقامة من الصلوات كلها حتى يدخل في الصلاة رجع في الإقامة ما لم يركع فإن كان
قد ركع مضى في صلاته ولا إعادة عليه الا ان يكون تركه متعمدا استخفافا فعليه الإعادة انتهى فكأنه بعد ان بنى على وجوب الأذان للصلاتين والإقامة الجميع
جعل وجوبهما قرينة لصرف الأخبار الدالة على جواز نقض الفريضة لتداركهما إلى الواجب منهما ولو ير وصف الاجتماع (دخيلا) في هذا الحكم بل جعل مناطه فوات الواجب
أذانا كان أم إقامة وذكرهما في الاخبار جار مجرى الغالب وكيف كان فلا يخفى ما فيه بعد ضعف المبني واما المصنف رحمه الله فظاهر كلامه يعطي التزامه بجواز القطع
لاستدراك الأذان مطلقا وربما يستشعر من تخصيصه الأذان بالذكر عدمه لخصوص الإقامة فمن هنا قد يشكل توجيه كلامه حيث لم نجد دليلا بل ولا وجها اعتباريا
يساعد عليه نعم لو التزم به في كل من الأذان والإقامة لأمكن توجيهه بدعوى استفادته من صحيحة الحلبي وغيرها مما دل على جواز القطع لتدارك الأذان والإقامة
بان يقال إنه يفهم منها عدم فوات محلهما ما لم يركع فله تدارك المنسي منهما سواء كان المجموع أو أحدهما وان لا يخلو عن تأمل بل منع ولكنه على الظاهر لا يلتزم بهذا
الاطلاق فلا نرى حينئذ لكلامه وجها ولذا قد يظن بان مقصوده بالأذان ما يعم الإقامة أو حصول السقط في عبارته من سهو القلم وكيف كان فان أراد خصوص
الأذان فضعفه ظاهر إذ لا دليل على جواز القطع له بالخصوص خصوصا لو لم يلتزم به لخصوص الإقامة المعلوم أهميتها لدى الشارع من الأذان كما هو واضح وان اراده
مع الإقامة فهو حق والعجب من صاحب المسالك حيث إنه حمل كلام المصنف رحمه الله على ظاهره من خصوص الأذان وقرره على ذلك وصرح بعدم الجواز لخصوص الإقامة فقال
في شرحه وكما يرجع ناسي الأذان يرجع ناسيهما بطريق أولى دون ناسي الإقامة لا غير على المشهور اقتصارا في ابطال الصلاة على موضع الوفاق انتهى فكأنه قدس
سره زعم أن الرجوع لتدارك خصوص الأذان موضع الوفاق والحق به ناسيهما بالأولية والحاصل انه لا يجوز قطع الصلاة لاستدراك خصوص الأذان
سواء نسبه بالخصوص أو نسيهما ولكن لم يكن قاصدا بقطعه الا تداركه دون الإقامة اما الأول فواضح لخروجه عن مورد النصوص والفتاوي واما الثاني فلعدم دلالة
الأخبار الواردة فيه الا على جواز القطع لاستدراكهما لا الأذان خاصة وهل يجوز القطع لاستدراك الإقامة خاصة اما لكونه اتيا بالأذان ونسي الإقامة فدخل
في الصلاة أو المرجوحية الأذان في حقه أو عدم مشروعيته له كما في صورة الجمع بين الفريضتين أو لعدم اهتمامه وإرادة استدراك خصوص الإقامة وجهان بل قولان
ربما نسب العدم إلى المشهور كما أومى إليه العبارة المتقدمة عن المسالك حيث نسب في لرجوع فيمن نسي الإقامة خاصة إلى المشهور بل عن الشيخ نجيب الدين دعوى
الاجماع عليه وحكى عن غير واحد القول بالجواز بل قيل قد يظهر من النفلية انه المشهور ولكن المفروض موضوعا في كلامهم بحسب الظاهر هو ناسي الإقامة خاصة
الا ان الظاهر في لفرق بين الصور وكيف كان فهذا هو الأقوى كما يدل عليه اطلاق خبر الحسين بن أبي العلاء المتقدم الذي وقع فيه السؤال عمن استفتح صلاته
ثم ذكر انه لم يقم وكذا صحيحتا محمد بن مسلم وزيد الشحام فإنه وان وقع فيهما السؤال عمن نسيهما ولكن الامر بإقامة خاصة في الجواب يدل على جواز رجوعه إليها
بالخصوص واحتمال المراد بها ما يعم الأذان بقرينة السؤال ليس بأقوى من احتمال تخصيص الإقامة بالذكر لاهتمام الشارع بها وكونها المقصودة بالأصالة
من الرخصة في ابطال الفريضة بل هكذا الاحتمال أوفق بظاهر اللفظ الا ان هذه الأخبار مفادها جواز الرجوع كما لم يقرأ ولكن التحديد الواقع فيها انما هو لمحل تدارك
المنسي وهو مجموع الأذان والإقامة فيما هو المفروض موضوعا في الخبرين الأخيرين وقد ثبت بمقتضى الجمع بينها وبين صحيحة الحلبي ان هذا الحد حد لتأكد الاستحباب فلا
يقتضي ذلك قصر الحكم المستفاد منهما وهو الاكتفاء بالإقامة وحدها لدى الرجوع بخصوص هذا الحد فليتأمل ويؤيده أيضا صحيحة علي بن يقطين الدالة على جواز الرجوع
إلى الإقامة ما لم يفرغ من صلاته بل يمكن الاستشهاد بها له فان الاستشكال في الاخذ بظاهرها فيما بعد الركوع لأجل مخالفته للمشهور لا يقتضي اهمالها بالمرة حتى
فيما لا مخالفة لهم فليتأمل تنبيهان الأول اطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي في لفرق في المصلي بين الإمام والمنفرد فتقييده بالمنفرد كما فعله المصنف رحمه الله
يحتاج إلى دليل الثاني ان هذا الحكم وهو جواز قطع الفريضة لاستدراك الأذان والإقامة أو الإقامة خاصة مخصوص بصورة النسيان فلو تركهما عمدا ليس له ذلك
كما صرح به غير واحد بل حكى عن الأكثر منهم الشيخ في الخلاف والسيد في الانتصار لحرمة قطع الفريضة واختصاص ما دل على الجواز بصورة النسيان ولكن حكى عن الشيخ في النهاية
وابن إدريس عكس ذلك فقالا ان تركهما متعمدا رجع ما لم يركع وان نسيهما حتى دخل في الصلاة مضى في صلاته ولم يعرف مستندهما ويعطي الأجرة على الأذان
من بيت المال إذا لم يوجد من يتطوع به لأنه من أهم المصالح التي أعد بيت المال لها ولكن هذا يتجه على القول بجواز اخذ الأجرة على الأذان وهو بحسب الظاهر
خلاف المشهور بل عن بعض دعوى الاجماع على في لجواز ولذا قد يحمل عبارة المتن ونحوه على إرادة الارتزاق كما يؤيده تخصيص بيت المال بالذكر ويشهد له
تصريحه به فيما يأتي في آداب التجارة حيث قال اخذ الأجرة على الأذان حرام ولا بأس بالرزق من بيت المال انتهى واستدل للسمع بما رواه الشيخ مسندا عن السكوني
عن جعفر عن أبيه عن ابائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال اخر ما فارقت عليه حبيب قلبي ان قال يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك ولا تتخذن مؤذنا
يأخذ على أذانه اجرا وعن الصدوق مرسلا نحوه وعنه أيضا في الفقيه مرسلا قال اتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين والله اني لأحبك فقال له ولكني
أبغضك قال ولم قال لأنك تبغي في الأذان كسبا وتأخذ على تعليم القرآن اجرا وفيه ان سوق الخبرين خصوصا ثانيهما يشهد بإرادة الكراهة مع أنه لا دلالة
فيهما على بطلان الإجارة وعدم استحقاقه للأجرة واستدل له أيضا بما روى عن كتاب دعائم الاسلام عن علي عليه السلام أنه قال من السحت اجر المؤذن وهذه المرسلة
لا قصور في دلالتها ولكنها قاصرة السند اللهم الا ان يجعل الشهرة جابرة له وفيه تأمل فما حكى عن السيد رحمه الله وظاهر المصنف في المعتبر والشهيد في الذكرى وقواه غير
واحد من المتأخرين من القول بالكراهة هو الأشبه ولكن خصه غير واحد ممن قال بالجواز بالأذان الاعلامي الذي لا توقف الفائدة المقصودة منه بالإجارة على وقوعه
217

طاعة الله تعالى دون أذان الصلاة أو الإقامة ونحوها مما يتوقف فائدته للغير على وقوع طاعة لله تعالى فإنه ينافي ايقاعه للغير عوضا عما يأخذه منه من الأجرة
ولا يقاس بالعبادات المستأجر عليها نيابة عن الغير فان قصد وقوع هذه العبادات عوضا عما يستحقه ليس في مرتبة قصد القربة المعتبر في صحتها كي يمتنع تصادقهما
على مورد نعم لو ثبت جواز الاستنابة فيهما واستأجره على أن يؤذن ويقيم نيابة عنه لصار حالهما حال العبادات المستأجر عليها في الصحة وعدم التنافي
بين القصدين ولكنه لم يثبت بل ظاهر الأدلة اعتبار المباشرة مع أنه على تقدير ثبوته خارج عن محل الكلام فان النزاع انما هو في جواز الاستيجار على أن يؤذن
ويقيم اصالة لصلاة الجماعة أو لصلاته منفردا ليجتزي المستأجر بسماعهما في صلاته فهذا مما يتوقف صحته على وقوعه طاعة لله تعالى وهو ينافي استحقاق
عوضه من الغير وفي المدارك بعد ان نفي البأس عن الاستيجار للأذان قال والظاهر أن الإقامة كالأذان وحكم العلامة في النهاية بعدم جواز الاستيجار عليها
وان قلنا بجواز الاستيجار على الأذان فارقا بينهما بان الإقامة لا كلفة فيها بخلاف الأذان فان فيه كلفة بمراعاة الوقت وهو غير جيد إذ لا يعتبر في العمل المستأجر عليه
اشتماله على الكلفة انتهى أقول لا يبعد ان يكون مراد العلامة بالكلفة المقدمات الخارجة عن مهية العبادة مما لا محذور في استحقاق اجرته من الغير كمراعاة الوقت
في الأذان فكان عدم جواز الأجرة على نفس العبادة لديه مفروغ عنه فيرى جوازه في الأذان على تقدير التسليم على مراعاة الوقت لاعلى نفس الأذان ففي كلامه
ايماء إلى الوجه الأول من أن ما يوقعه طاعة لله تعالى يمتنع ان يستحق عوضه من غيره فهذا الوجه هو عمدة الدليل للمنع ولكنه لا يخلو عن نظر فإنه على تقدير تسليمه
انما يتجه فيما إذا كانت الفائدة العائدة إلى الغير التي بلحاظها تصح الإجارة على الفعل مترتبة على مهية العبادة من حيث هي كما لو استأجره على أن
يعيد صلاته جماعة ليقتدي به أو استأجر امامه على أن يؤذن ويقيم لصلاته كي يحصل باقتدائه به فضيلة الايتمام بمن صلى بأذان وإقامة دون ما إذا كانت
الفائدة المصححة للإجارة مترتبة على بعض مصاديقها ككونه جهرا أو في المسجد أو لهذه الجماعة إلى غير ذلك من العوارض المشخصة الموجبة لحصول نفع للغير قابل لأن
يقابل بالمال فان قصد استحقاق العوض باختياره لهذا الفرد لا ينافي قصد التقريب بأصل العبادة من حيث هي فلا مانع من أن يلتزم به بالخصوص بعقد
الإجارة اللهم الا ان يدل دليل تعبدي من نص أو اجماع على خلافه وقد استقرب شيخ مشايخنا المرتضى قدس
سره جواز الإجارة على أحد فردي الواجب المخير فهذا
أولى منه كما لا يخفى هذا مع امكان منع التنافي بين قصد القربة واستحقاق العوض في الفرض الأول أيضا اي فيما إذا كانت الإجارة متعلقة بنفس العبادة من
حيث هي كما لو استجاره على أن يصلي على ميته صلاة ليلة الدفن التي هي مطلوبة من المباشر ولا تصح الا إذا قصد بفعله امتثال الامر المتعلق به بنفسه ولكن
مع ذلك يمكن الالتزام بصحة الإجارة عليها لما فيها من نفع عائد إلى الميت قابل لأن يقابل بالمال وعدم كون المأمور اي الأجير ملتزما بهذا الفعل شرعا اي
واجبا عليه كي لا يجوز له تركه ويكون اخذه للمال في مقابله اكلا للمال بالباطل حيث إن الامر المتعلق به ندبي يجوز مخالفته ومتى جاز له مخالفته هذا الامر صح
استيجاره على موافقته لما فيها من النفع العائد إلى الميت فمتعلق الإجارة ليس نفس هذا الفعل من حيث هو كي يكون ايقاعه لله منافيا لاستحقاق عوضه من الغير
بل امتثال امر الله بهذا الفعل فهو قاصد بفعله امتثال امر الله ليستحق بامتثال امر الله تعالى اجرته ممن التزم بهذا الامتثال له كما لو امر المولى عبده بشئ لا على
سبيل الحتم واللزوم بل على سبيل الندب وكان في اطاعته لمولاه بهذا الفعل فائدة تعود إلى الغير فللعبد ان لا يطيع مولاه حتى يأخذ عوضه ممن يعود النفع
إليه وليس قصده للعوض من الغير منافيا لقصد الإطاعة بل متوقف عليه حيث إنه جعله عوضا عنها لا عن نفس الفعل من حيث هو فالإطاعة مقصودة بهذا الفعل
ولكن لا من حيث هي بل مقدمة لاستحقاق العوض ولا دليل على اعتبار أزيد من ذلك في صحة العبادة اللهم الا ان يقال بمنافاة قصد العوض من غير الله تعالى للاخلاص
الذي دلت الأدلة الشرعية على اعتباره في العبادات وفيه تأمل والله العالم الثالث في كيفية الأذان وبعض ما يعتبر فيه شرطا لصحته أو كماله
ومنه قصد التقرب فإنه معتبر في صحة أذان الصلاة وإقامتها بلا شبهة إذ لا ينبغي الارتياب في أن المقصود بهما التعبد كنفس الصلاة كما أنه هو المتسالم عليه بين الأصحاب
على ما يظهر من كلماتهم واما الأذان الاعلامي ففي كون النية شرطا لصحته تردد وقضية الأصل عدمه نعم لا يبعد توقفه على قصد عنوانه وعدم صدق اسم الأذان عليه
بلا قصد أو بقصد غير هذا العنوان فليتأمل ولا يجوز ان يؤذن في غير الصبح الا بعد دخول الوقت باجماع المسلمين كما ادعاه في الجواهر وغيره إذ لا يتنجز التكليف
به الا بعد حصول سببه فقبله تشريع محرم اللهم الا ان يقصد به مجرد الذكر لا العبادة الموظفة المسنونة وقد رخص في تقديمه على الصبح كما ذهب إليه الشيخ وأكثر
أصحابنا بل المعظم على ما نسب إليهم بل عن المعتبر عندنا وعن المنتهى عند علمائنا وعن ابن أبي عقيل أنه قال الأذان عند آل الرسول عليهم السلام للصلوات
الخمس بعد دخول وقتها الا الصبح فإنه جائز ان يؤذن لها قبل دخول وقتها بذلك تواترت الاخبار عنهم قالوا وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله مؤذنان
أحدهما بلال والاخر ابن أم مكتوم وكان أعمى وكان يؤذن قبل الفجر وبلال إذا طلع الفجر وكان عليه السلام يقول إذا سمعتم أذان بلال فكفوا عن الطعام والشراب
انتهى وعن السيد في المسائل المصرية والحلي وابن الجنيد وابن الصلاح والجعفي رحمهم الله المنع من تقديمه في الصبح أيضا واستدل للقول المشهور زيادة
على ما ذكره ابن أبي عقيل بما عن الكافي والتهذيب في الصحيح عن عمران بن علي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان قبل الفجر قال إذا كان في جماعة فلا وإذا كان
وحده فلا بأس وعن الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له ان لنا مؤذنا يؤذن بليل فقال اما ان ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة
واما السنة فإنه ينادي مع طلوع الفجر ولا يكون بين الأذان والإقامة الا الركعتان وعن ابن سنان أيضا في الصحيح قال سألته عن النداء قبل طلوع الفجر فقال
لا بأس واما السنة مع الفجر وان ذلك لينفع الجيران يعني قبل الفجر وعن الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تنتظر بأذانك
218

وإقامتك الا دخول وقت الصلاة واحد وإقامتك واحدر وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله مؤذنان أحدهما بلال والاخر ابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم أعمى وكان يؤذن
قبل الصبح وكان بلال يؤذن بعد الصبح فقال النبي صلى الله عليه وآله ان ابن أم مكتوم يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال فغيرت العامة هذا الحديث
عن جهته وقالوا انه عليه السلام قال إن بلالا يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم أقول استقرب في الحدائق كون قوله فغيرت
العامة إلى اخره من كلام الصدوق ولا من تتمة الرواية وحكى عن ظاهر الشهيد في الذكرى أيضا نسبته إلى الصدوق وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان بلال
يؤذن للنبي صلى الله عليه وآله وابن أم مكتوم وكان أعمى يؤذن بليل ويؤذن بلال حين يطلع الفجر وخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال هذا ابن أم مكتوم وهو يؤذن بليل فإذا
اذن بلال فعند ذلك فامسك يعني في الصوم واحتج السيد في المسائل المصرية للمنع على ما حكى عنه بان الأذان دعاء إلى الصلاة وعلم على حضورها ففعله قبل وقتها
وضع للشئ في غيره موضعه وبانه روى أن بلالا اذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وآله ان يعيد الأذان وروى عن عيص بن عامر عن بلال ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال له لا تؤذن
حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا وأجيب عن الأول بمنع حصر فائدة الأذان في الاعلام فان له فوائد اخر كالتأهب للصلاة واغتسال الجنب وامتناع الصائم
من الاكل والجماع ونحو ذلك وعن الرواية الأولى بالقول بالموجب إذ لا خلاف في استحباب إعادة الأذان وعن الثانية بأنه عليه السلام امره بذلك لأن ابن أم
مكتوم كان يؤذن قبل الفجر فجعل أذان بلال علامة على دخولها أقول إن أراد السيد منع تقديم الأذان على الفجر مطلقا وان لم يقصد به الأذان المسنون الموظف في الشريعة
فالأخبار المتقدمة حجة عليه وان أراد المنع عنه مع قصد التوظيف فهو غير بعيد عن ظاهر الروايات خصوصا بملاحظة ما في بعضها من التصريح بان السنة مع الفجر
وان ذلك ينفع الجيران فإنه مشعر بان المأتى به قبل الفجر ليس بمسنون بل هو عمل سابغ فيه منفعة الجيران وربما يؤيد ذلك مضافا إلى الخبرين المتقدمين في كلام السيد
ما عن للمحدث المجلسي في البحار من كتاب زيد الترسي عن أبي الحسن موسى عليه السلام انه سمع الأذان قبل طلوع الفجر فقال شيطان ثم سمعه عند طلوع الفجر فقال الأذان حقا ومنه
أيضا عن أبي الحسن عليه السلام سئلته عن الأذان قبل طلوع الفجر فقال لا انما الأذان عند طلوع الفجر أول ما يطلع قلت فإن كان يريد ان يؤذن الناس بالصلاة وينبههم
قال فلا يؤذن ولكن ليقل وينادي بالصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم يقولها مرارا وإذا طلع الفجر اذن فلم يكن بينه وبين ان يقيم الا جلسة خفيفة بقدر الشهادتين
واخف من ذك ثم لو قلنا بجواز التقديم فهو رخصة من الشارع من باب التوسعة في وقته لكن يستحب اعادته بعد طلوعه اي الصبح كما يدل عليه امر النبي صلى الله عليه
وآله بلالا ان يعيد الأذان في الخبر المتقدم والأذان على الأشهر رواية والمشهور عملا وفتوى بل عن بعض دعوى الاجماع وعن اخر نسبة إلى علمائنا وعن الذكرى إلى عمل
الأصحاب ثمانية عشر فصلا التكبير أربعا والشهادة بالتوحيد ثم بالرسالة ثم يقول حي على الصلاة ثم حي على الفلاح ثم حي على خير العمل والتكبير بعده ثم التهليل كل
فصل مرتان والإقامة فصولها على المشهور بل عن التذكرة عندنا وعن المنتهى نسبة إلى علمائنا وعن الذكرى إلى عمل الأصحاب مثنى مثنى ويزاد فيها بين حي على خير العمل
وبين التكبير قد قامت الصلاة مرتين ويسقط من التهليل في اخرها مرة واحدة فتكون سبعة عشر فصلا ومجموعهما خمسة وثلاثون فصلا وكفى دليلا لهما على التفصيل
المزبور ومعروفية كونهما كذلك لدى الشيعة القضاء العادة في مثل الأذان والإقامة بضبط فصولهما من الصدر الأول خصوصا بعد وقوع الخلاف بينهم وبين
المخالفين الموجب لمزيد الالتفات وشدة الاهتمام بالضبط مضافا إلى الاجماعات المنقولة عن الأصحاب قولا وعملا المعتضدة بالشهرة وعدم نقل الخلاف فيهما عدى
ما عن الشيخ في الخلاف حاكيا عن بعض الأصحاب من أنه جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان وزاد فيها قد قامت الصلاة مرتين وعن ابن الجنيد أنه قال التهليل في
اخر الإقامة مرة واحدة إذا كان المقيم قد اتى بها بعد الأذان وان كان قد اتى بها بغير أذان ثنى لا إله إلا الله في اخرها ويشهد له أيضا خبر إسماعيل الجعفي المروي عن الكافي
قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا فعد ذلك بيده واحدا واحدا الأذان ثمانية عشر حرفا والإقامة سبعة عشر حرفا وما فيه من
الاجمال في الحروف فغير قادح بعد معروفيتها في الشريعة ودلالة سائر الأخبار عليه والحاجة إلى الاستشهاد لمثل هذا الخبر لاثبات ان التكبير في أول الأذان اربع
لا مرتان وفي الإقامة بالعكس وان التهليل في اخر الإقامة مرة لا مرتان لوقوع الاختلاف في النصوص والفتاوي في خصوص هذين الموردين دون سائر فصولهما
فبالتدبر في سائر النصوص والفتاوي يستكشف المراد بالخبر المزبور وانطباقه على المذهب المشهور ويدل أيضا على فصول الأذان مفصلا على النحو المذكور في المتن
خبر المعلى بن خنيس قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يؤذن فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله
اشهد ان محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله
وخبر أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام انه حكى لهما الأذان فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على
خير العمل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله والإقامة كذلك وما في ذيل هذه الرواية من قوله والإقامة كذلك لا يخلو عن تشابه فان من مقومات
مهيتها نصا وفتوى قول قد قامت الصلاة لذا قد يحتمل ان يكون هذه الفقرة من كلام الراوي معطوفا على الأذان فمعناه انه عليه السلام حكى الإقامة أيضا كالأذان
مفصلا ولكن الراوي لم يتعرض لتفصيلها لوضوحه عندهم ولكن سوق التعبير يشهد بأنه من كلام الإمام عليه السلام ولكنه لم يتعرض لقول قد قامت الصلاة تعويلا
على وضوحه فعلى هذا يكون فصول الإقامة عشرين ويصير شاهدا للقول الذي حكاه الشيخ عن بعض الأصحاب كبعض الاخبار الآتية ويدل عليه أيضا في الأذان
صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال يا زرارة تفتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه تكبيرتين وتهليلتين ولكن ربما ينافي هذه الأخبار صحيحة عبد الله بن سنان قال
219

سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان قال تقول الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله حي
على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله وما رواه الشيخ في التهذيب
عن زرارة والفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة فاذن جبرئيل واقام فتقدم رسول الله صلى الله وعليه وآله وصف الملائكة
والنبيون خلف رسول الله صلى الله عليه وآله قال فقلنا له كيف اذن فقال الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله إلى اخر ما في الخبر السابق ثم قال والإقامة مثلها الا ان فيها قد قامت
الصلاة قد قامت الصلاة بين حي على خير العمل وبين الله أكبر فامر رسول الله صلى الله عليه وآله بلالا فلم يزل يؤذن بها حتى قبض الله رسوله وصحيحة صفوان الجمال قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى وعن المعبر نقلا من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال الأذان الله أكبر الله
أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله وقال في اخره لا إله إلا الله مرة أقول ربما يحمل هذه الرواية على أن المراد بالأذان فيها ما يعم الإقامة فما اخره
من قول لا إله إلا الله مرة ليس مخالفا للمشهور وكيف كان فهذه الأخبار بظاهرها تدل على أن التكبير في أول الأذان كالإقامة مرتان وهو مناف للأخبار المتقدمة
الدالة على اعتبار الأربع وفي الوسائل بعد ان روى عن الشيخ صحيحة ابن سنان المتقدمة قال ما لفظه أقول حمله الشيخ رحمه الله على أنه قصدا فهام السائل كيفية التلفظ بالتكبير
وكان معلوما عنده ان التكبير في أول الأذان اربع مرات وحمله غيره على الاجزاء وبقية الأحاديث على الأفضلية وكذلك استقر عليه عمل الشيعة انتهى أقول الأوفق
بظواهر النصوص ما نقله عن غير الشيخ من حمل هذه الأخبار على الاجزاء وبقية الأحاديث على الأفضلية وربما يؤمي إلى ذلك ما عن الصدوق باسناده عن الفضل بن شاذان فمما
ذكره من العلل عن الرضا عليه السلام قال انما امر الناس بالأذان لعلل كثيرة منها ان يكون تذكيرا للساهي وتنبيها للغافل وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عنه ويكون
المؤذن بذلك داعيا إلى عبادة الخالق ومرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهدا بالايماء معلنا بالاسلام مؤذنا لمن ينساها وانما يقال له مؤذن لأنه بالأذان يؤذن
بالصلاة وانما بدأ فيه بالتكبير وختم بالتهليل لأن الله عز وجل أراد ان يكون الابتداء بذكره واسعة واسم الله في التبكير في أول الحرف وفي التهليل في اخره وانما
جعل مثنى مثنى ليكون مكررا في أذان المستمعين مؤكدا عليهم ان سهى أحد عن الأول لم يسه عن الثاني ولان الصلاة ركعتان ركعتان فكذلك جعل الأذان مثنى مثنى
وجعل التكبير في أول الأذان أربعا لأن الأذان انما يبدو غفلة وليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل الأولان تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان وجعل بعد التكبير
الشهادتان لأن أول الايمان التوحيد والاقرار لله بالوحدانية والثاني الاقرار للرسول بالرسالة وان طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ولان أصل الايمان انما هو
الشهادتان فعل شهادتين شهادتين كما جعل في سائر الحقوق شهادتان فإذا أقر العبد لله عز وجل بالوحدانية وأقر
للرسول بالرسالة فقد أقر بجملة الايمان لأن أصل
الايمان اقرار بالله وبرسوله وانما جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة لأن الأذان انما وضع لموضع الصلاة وانما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان
ودعاء إلى الفلاح والى خير العمل وجعل ختم الكلام باسمه كما فتح باسمه واما الإقامة فظاهر بعض الأخبار المتقدمة كرواية أبي بكر الحضرمي وخبر زرارة والفضيل بن
يسار وصحيحة صفوان كونها كالأذان بزيادة قد قامت الصلاة مرتين كما في بعضها التصريح بهذه الزيادة المعلوم ارادتها من غيره أيضا مما لم يصرح بها كما تقدمت
الإشارة إليه في ذيل خبر الحضرمي فعلى هذا يكون فصول الإقامة اما عشرين كما هو مقتضى رواية الحضرمي أو ثمانية عشر كما هو ظاهر الأخيرين وكيف كان فهو مخالف
لصريح خبر إسماعيل الجعفي الناطق ينقصان فصول الإقامة عن الأذان بواحدة وانها سبعة عشر حرفا والأذان ثمانية عشر حرفا وقضية ذلك ان يكون التكبير في أولها مرتان
والتهليل في اخرها مرة ولا يصلح تلك الروايات المعارضة هذا الخبر لوجوب تقديم النص على الظاهر فيحتمل ان يكون المقصود بقوله عليه السلام والإقامة كذلك كما في
الخبر الأول أو مثلها كما في الثاني أو مثنى مثنى كما في الثالث كونها كذلك في جل فقراتها اي فيما عدى التهليل في اخرها والتكبير أربعا في أولها لا مطلقا ولكن لم يقع فيها التصريح
به اما المعهودية عندهم أو لعدم الداعي إلى التصريح بعدم إرادة الاطلاق في مثل المقام حيث إنه لا يترتب على توهم الاطلاق الا زيادة التكبير أو التهليل التي ليست
بقادحة في الإقامة بل هي زيادة حسنة يترتب عليها الاجر وقد وقع التصريح بالتخصيص في الخبر المروي عن كتاب دعائم الاسلام عن أبي عبد الله عليه السلام قال الأذان والإقامة
مثنى مثنى وتفرد الشهادة في اخر الإقامة بقول لا إله إلا الله وحده ويمكن ابقاء الاخبار المزبورة على ظاهرها من الاطلاق وحملها على الأفضلية ولعل هذا
أولى خصوصا مع كون المقام قابلا للمسامحة ولا سيما مع اعتضادها ببعض الاخبار المرسلة الكافية لاثبات مضمونها من باب التسامح ففي الوسائل حكى عن نهاية الشيخ
أنه قال قد روى أن الأذان والإقامة سبعة وثلاثون فصلا يضيف إلى ما ذكرناه التكبير مرتين في أول الإقامة قال وقد روى ثمانية وثلاثون فصلا يضيف إلى ذلك أيضا
لا إله إلا الله مرة أخرى في اخر الإقامة قال وقد روى اثنان وأربعون فصلا يضيف إلى ذلك التكبير في اخر الأذان مرتين وفي اخر الإقامة مرتين قال الشيخ فمن عمل على
احدى هذه الروايات لم يكن مأثوما انتهى وفي المصباح قال وروى اثنان وأربعون فصلا يجعل التكبير في أول الأذان وفي اخره اربع مرات وأول الإقامة واخرها كذلك
وكذلك مرتين فيهما قال وروى سبعة وثلاثون فضلا يجعل في أول الإقامة الله أكبر اربع مرات انتهى ما في الوسائل فائدتان الأولى حكى عن الصدوق في
الفقيه انه بعد ما ذكر حديث أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي قال هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا اخبارا وزادوا
بها في الأذان محمد وآل محمد خير البرية مرتين وفي بعض رواياتهم بع اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان عليا ولي الله مرتين ومنهم من روى بدل ذلك اشهد ان عليا
أمير المؤمنين حقا مرتين ولا شك ان عليا عليه السلام ولي الله وانه أمير المؤمنين حقا وان محمدا وآله خير البرية ولكن ذلك ليس في أصل الأذان وانما ذكرت ذلك ليعرف بهذه
الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا انتهى وعن الشيخ في المبسوط أنه قال فاما ما روى من شواذ الاخبار من قول ان عليا ولي الله وان محمدا وآله
220

خير البرية فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة فمن عمل به كان خطئا وعن المنتهى أنه قال ما روى من الشاذ من قول ان عليا عليه السلام ولي الله وآل محمد خير البرية فمما لا يعول عليه
انتهى أقول ولولا رمي الشيخ والعلامة لهذه الاخبار بالشذوذ وادعاء الصدوق وضعها لأمكن الالتزام بكون ما تضمنته هذه المراسيل من الشهادة بالولاية والامارة
وان محمدا وآله خير البرية من الأجزاء المستحبة للأذان والإقامة لقاعدة التسامح كما نفى عنه العبد المحدث المجلسي في محكى البحار تعويلا على هذه المراسيل وأيده بما في خبر القاسم
بن معاوية المروي عن احتجاج الطبرسي عن أبي عبد الله عليه السلام إذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول الله فليقل على أمير المؤمنين وغيره من العمومات الدالة عليه ولكن
التعويل على قاعدة التسامح في مثل المقام الذي اخبر من نقل الينا الخبر الضعيف بوضعه أو شذوذه مشكل فالأولى ان يشهد لعلى عليه السلام بالولاية وإمرة المؤمنين بعد الشهادتين
قاصدا به امتثال العمومات الدالة على استحبابه كالخبر المتقدم لا الجزئية من الأذان والإقامة كما أن الأولى والأحوط الصلاة على محمد وآله بعد الشهادة له بالرسالة فهذا
القصد والله العالم الثانية حكى عن جملة من الأصحاب التصريح بان الأذان والإقامة يقصران مع العذر وفي السفر اي يجوز الاقتصار فيهما على كل فصل مرة
ويشهد له صحيحة أبي عبيدة الحذاء قال رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبر واحدة واحدة في الأذان فقلت له لم تكبر واحدة واحدة لا بأس به إذا كنت مستعجلا وخبر يزيد بن معاوية
عن أبي جعفر عليه السلام قال الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة الأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة واحدة وخبر نعمان الرازي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول يجزيك
من الإقامة طاق طاق في السفر وما في بعض الأخبار من اطلاق ان الإقامة مرة مرة اما مطلقا كصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال الأذان مثنى مثنى والإقامة واحدة
واحدة أو فيما عدى التكبير كصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال الإقامة مرة مرة الا قول الله أكبر فإنه مرتان فيحتمل صدوره تقية ويحتمل كونه منزلا على صورة الاستعجال وكيف كان
فلابد من رد علمه إلى أهله لعدم صلاحية مثل هذه الأخبار المعارضة غيرها من الأخبار الدالة على أنهما مثنى مثنى والله العالم والترتيب بنى الفصول شرط في صحة الأذان والإقامة
بلا خلاف فيه على الظاهر لأن الآتي بهما على خلاف الترتيب لم يكن اتيا بهما على النحو الذي تعلق بهما التكليف فلا تصحان ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة عن أبي
عبد الله عليه السلام قال من سهى في الأذان فقدم أو اخر أعاد على الأول الذي اخره حتى يمضي على اخره وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا قال قال أبو جعفر عليه السلام تابع بين
الوضوء إلى أن قال وكذلك الأذان والإقامة فابدأ بالأول فالأول فان قلت حي على الصلاة قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت حي على الصلاة وكما يفسدان بمخالفة الترتيب
كذلك يفسد ان يترك شئ من فصولهما من غير فرق بين العمد والسهو فان المركب ينتفي بانتفاء جزئه أو شرطه سواء كان عمدا أو سهوا اللهم الا ان يدل دليل تعبدي على
في لاخلال به سهوا نظير ما عدى الأركان من اجزاء الصلاة كما ربما يظهر ذلك من موثقة عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام أو سمعته يقول إن نسي الرجل حرفا من الأذان
حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة وليس عليه شئ فان نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه ثم يقول من ذلك الموضع إلى اخر الإقامة الحديث فان ظاهرها
الاجتزاء بذلك الأذان وعدم الحاجة إلى تدارك المنسي فضلا عن الاتيان به مع ما بعده على وجه يحصل معه الترتيب ولكن قد يعارضها موثقة الأخرى قال سئل أبو عبد الله
عن الرجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة قال يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف إلى اخره ولا يعيد الأذان كله ولا
الإقامة ومقتضى الجمع بينهما اما حمل الخبر الأول على كونه مسوقا لدفع توهم لزوم التدارك فأريد به بيان عدم كون الاهتمام به إلى حد يلزم رعايته بعد الاخذ في الإقامة
لا ان ما صدر منه أذان صحيح ممضا شرعا أو حمل الخبر الثاني على الاستحباب والأول أوفق بالقواعد وكيف كان فالموثقة الثانية بظاهرها بل صريحها تدل على أنه
ان نسي حرفا من الأذان يأتي بذلك الحرف مع ما بعد إلى اخر الأذان ولا يعيد الإقامة وهذا هو الذي يقتضيه الأصل لأن الإقامة وقعت صحيحة لأنها ليست
مشروطة بان يبقها أذان ولذا يجوز الاكتفاء بها بلا أذان وتأثير الأذان اللاحق في بطلانها كي يكون صحتها مراعاة بان لا يلحقها أذان خلاف الأصل ولكن ادعى
في الجواهر الاجماع بقسميه على اشتراط الترتيب بين الأذان والإقامة وانه لو نسي حرفا من الأذان يعيد من ذلك الحرف إلى الاخر واستدل عليه مضافا إلى
ذلك بالأصل والتأسي وامكان دعوى القطع باستفادته من تصفح النصوص ثم قال فما في خبر الساباطي من الاقتصار على إعادة الأذان وحده دون الإقامة لابد
من طرحه إلى أن قال فمن أقام عازما على الاقتصار عليها ثم بدا له بعد فراغها الاتيان بالأذان وجب عليه إعادة الإقامة أيضا ان كان أراد حوز الفضيلتين
والا اقتصر على الأذان وكان كالمصلي به ابتداء بلا إقامة كما هو واضح انتهى أقول من الواضح انه كان حين الاتيان بالإقامة مكلفا بها ولم يكن فعلها مشروطا بان
يسبقه الأذان قد اتى بها بداعي الامتثال فسقط التكليف بها القاعدة الاجزاء واشتراط الترتيب بينهما لو سلم حتى مع السهو أو العزم على ترك الأذان فهو لا
يقتضي تخصيص القاعدة العقلية وانقلاب الإقامة عما وقعت عليه عن الصحة بل مقتضاه عدم مشروعية الأذان بعدها بفوات محله فلو دل دليل شرعي من نص أو اجماع أو
أصل كاستصحاب بقاء التكليف بالأذان على جواز تداركه ما لم يدخل في الصلاة فمقتضاه اما انتفاء شرطية الترتيب في مثل الفرض وصحة وقوع الأذان بعد الإقامة أو
استحباب إعادة الإقامة بعده مقدمة لتحصيل ادراك فضيلة الأذان ووقوعه في محله اي ما قبل الإقامة وتحصيل صفة كمال في الإقامة وهي ترتبها على الأذان
فيكون اعادتها بعد الأذان كإعادة المنفرد صلاته جماعة لادراك فضيلة الجماعة وعلى اي تقدير فلا يعقل ان يؤثر الأذان اللاحق في بطلان الإقامة السابقة
وانقلابها عما هي عليه من الصحة وجواز الاكتفاء بها اللهم الا ان يدل دليل شرعي تعبدي على اشتراط الإقامة بان لا يقع بعدها الأذان وهذا ما لا يفي باثباته
الأدلة التي استظهروا منها شرطية الترتيب كما لا يخفى على المتأمل فكأنه قدس سره جعل ما نحن فيه كسائر المقامات التي يعتبر فيها الترتيب كاجزاء الأذان والإقامة
والوضوء ونحوها أو كالظهرين ونحوهما مما لا يتنجز التكليف بالمتأخر الا بعد الفراغ من المتقدم فلو عكس الترتيب يقع المتأخر الذي قدمه باطلا دون المتقدم
الذي اخره كما لا يخفى وجهه ومن الواضح ان ما هو مناط بطلان الذي قدمه في سائر المقامات وهو عدم تنجز التكليف به حين فعله منتف في المقام فالترتيب بين الأذان
221

والإقامة ليس الا كالترتيب بين الفرائض اليومية ونوافلها أو الترتيبي بين نافلة الليل وركعات الوتر ونافلة الفجر وغير ذلك من التكاليف المرتبة التي يجوز
للمكلف الاتيان بالمتأخر ابتداء عند إرادة ترك المتقدم فالاشكال في مثل هذه الموارد انما هو في جواز تدارك المتروك بعد الاتيان بما تأخر عنه في الرتبة حيث إن
قضية الترتيب فيما بينهما تعذره بفوات محله ولكن مقتضى استصحاب بقاء التكليف به جوازه وحصول الاجزاء بفعله المستلزم لسقوط شرطية الترتيب فيما بينهما
ولكن لو أراد احراز فضيلة بحصولهما على الوجه الموظف فعليه إعادة المتقدم بعده لادراك هذه الفضيلة لو قلنا بجواز الإعادة للإجادة كما ليس بالبعيد والا
فمقتضى الأصل عدم مشروعيتها والله العالم ويستحب فيهما سبعة أشياء الأولى ان يكون مستقبل القبلة حالهما على المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع
عليه في الأذان وعن بعض دعواه في الإقامة أيضا ولعل مراده الاجماع على رجحانه لا على خصوص الاستحباب فلا ينافيه ما سيأتي من حكاية القول بوجوبه في الإقامة
عن غير واحد وكيف كان فعمدة مستنده في الأذان هو ما عرفت وكفى به دليلا بعد البناء على المسامحة ويمكن الاستدلال له فيهما أيضا بالمرسل المروي عن دعائم الاسلام
عن علي عليه السلام قال يستقبل المؤذن القبلة في الأذان والإقامة فإذا قال حي على الصلاة حي على الفلاح حول وجهه يمينا وشمالا وما فيه من الامر يتحول الوجه يمينا
وشمالا يحتمل كونه جاريا مجرى التقية مع أنه لا ينافي الاستقبال وربما يستدل له أيضا باطلاق قوله عليه السلام في خبر المجالس ما استقبل فيه القبلة وفيه انه لا
يدل على استحبابه حالهما من حيث هو كما هو ظاهر كلماتهم ويدل عليه أيضا في الإقامة قول الصادق عليه السلام في خبر سليمان بن صالح المتقدم عند التكلم في اشتراط
القيام في الإقامة وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنه إذا اخذ في الإقامة فهو في صلاة وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال تؤذن وأنت على غير وضوء
في ثوب واحد قائما أو قاعدا وأينما توجهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة وفي خبر الشيباني عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا
فإنك في الصلاة وقد حكى عن السيد وجماعة القول بوجوبه واختاره في الحدائق تمسكا بظواهر هذه الأخبار وفيه مع امكان الخدشة في ظهور هذه الأخبار في
إرادة الاستقبال بدعوى ان غايتها الاشعار بذلك حيث يستشعر من تنزيل الإقامة منزلة الصلاة في خبري سليمان والشيباني ومن سبق قوله عليه السلام أينما توجهت في صحيحة زرارة
ارادتها من التشبيه ومن قوله متهيأ للصلاة واما الظهور فلا والغض عما حققناه عند التكلم في اعتبار القيام من قصور مثل هذه الأخبار عن إفادة الوجوب الشرطي انه
يتعين صرفها إلى الاستصحاب جمعا بينها وبين خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام انه سئله عن الرجل يفتح الأذان والإقامة وهو على غير القبلة
ثم استقبل القبلة قال لا بأس وخبره الاخر عنه أيضا نحوه الا أنه قال إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس ولا يمكن تقييد تلك الأخبار بهذه الرواية بحملها على ارادته
حال التشهد ضرورة انه لم يقصد بقوله عليه السلام إذا اخذ في الإقامة فهو في الصلاة كما في خبر سليمان أو إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة كما في الصحيحة أو إذا أقمت فأقم مترسلا
الخ كما في خبر الشيباني خصوص حال التشهد فالمراد ما كونه كالمصلي من حيث القيام والاستقرار ونحوه دون الاستقبال أو الأعم ولكن على سبيل الاستحباب الذي لا
ينافيه نفي البأس عنه في غير حال التشهد واما حال التشهد فهذه الرواية تدل بمفهومها على ثبوت باس بترك الاستقبال فيه سواء كان في الأذان أو في الإقامة
أو يدل عليه أيضا في الأذان صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سئلته عن الرجل يؤذن وهو يمشي أو على
ظهر دابته وعلى غير طهور قال نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة
فلا بأس وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له يؤذن الرجل وهو على غير القبلة قال إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس فلعله أريد بالبأس المفهوم منها الكراهة
كما نفى عنه البعد في الجواهر ويحتمل قويا ان يكون التفصيل بين حال التشهد وغيره منشأه تأكد استحبابه حال التشهد لا كراهة الترك والله العالم والثاني ان
يقف على أواخر الفصول في كل من الأذان والإقامة اجماعا كما ادعاه في المدارك وغيره ويدل عليه ما عن الصدوق ومرسلا عن خالد بن نجيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال
الأذان والإقامة مجزومان وقال وفي خبر اخر موقوفان ولكن قد ينافيه في الإقامة ما عن الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة قال قال أبو جعفر الأذان جزم بافصاح
الألف والهاء والإقامة حدر فان مقابلة الحدر الذي هو الاسراع بالجزم الذي هو القطع الحاصل بترك الاعراب مشعرة بإرادة الوصل الموجب لظهور الاعراب
من الحدر في الإقامة ولكن لا ينبغي الالتفات إليه في مقابل ما عرفت فيحتمل قويا ان يكون المراد بالجزم في هذه الرواية السكون والطمأنينة اي التأني الذي يقابله الحدر
ثم إن المراد بالألف والهاء المأمور بافصاحهما في هذه الرواية وفي خبره الاخر أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا اذنت فافصح بالألف والهاء وفي خبره الثالث عنه
أيضا قال لا يجزيك من الأذان الا ما أسمعت نفسك أو فهمته وافصح بالألف والهاء الحديث يحتمل ان يكون مطلق الألف والهاء الواقعين في الأذان وتخصيص
الحرفين بذلك لوقوع اللبس والادغام فيهما غالبا لدى الاسراع وعدم التأني فإنه كثيرا ما يلتبس اشهد ممن يسرع في التكلم به باشد وكذلك الله أكبر بالكبر ويحتمل ان
يكون المراد بهما الألف والهاء الواقعتين في أواخر الفصول من الشهادتين والحيعلات والتهليل ويحتمل أيضا ان يكون المراد بهما ما في لفظ الجلالة من التكبير كما يؤيد هذا
الاحتمال خبر ابن نجيح عن الصادق عليه السلام أنه قال التكبير جزم في الأذان مع الافصاح بالهاء والألف والله العالم والثالث والرابع ان يتأتى في الأذان و
يحدر في الإقامة كما يدل عليهما الصحيحة المتقدمة بالتقريب المتقدم وحسنة ابن السري عن أبي عبد الله عليه السلام قال الأذان ترتيل والإقامة حدر وصحيحة معاوية بن وهب أنه
سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان فقال اجهر وارفع به صوتك فإذا أقمت فدون ذلك ولا تنتظر بأذانك ولا إقامتك الا دخول وقت الصلاة واحدر إقامتك
حدرا والمراد بالحدر هو الاسراع الغير المنافي لحفظ الوقوف في أواخر الفصول فالمراد به ترك التأني والتطويل المطلوب في الأذان لا السرعة والاستعجال الخارج عن المتعارف
ولعل هذا اي الاتيان على النحو المتعارف الموجب لحفظ الوقوف هو المراد بالترتل المأمور به في خبر الشيباني حيث قال إذا أقمت فأقم مترسلا فإنك في الصلاة فلا ينافيه
الاخبار الامرة بالحدر في الإقامة والله العالم ولو اسرع في الإقامة بان اتى بها درجا لا يسقط بذلك فضيلة الجزم كما نبه عليه شيخنا الشهيد الثاني في محكى الروض
222

حيث قال ولو فرض ترك الوقف أصلا سكن أواخر الفصول أيضا وان كان ذلك في أثناء الكلام ترجيحا لفضيلة ترك الاعراب على المشهور من حال الدرج ولو أعرب أواخر
الفصول ترك الأفضل ولم تبطل الإقامة لأن ذلك لا يعد لحنا وانما هو ترك وظيفة انتهى وما يقال من أن الوصل بالسكون مخالف لقواعد العربية فهو لحن فهو مما لم يثبت
فلا يلتفت إليه خصوصا في الكلمات المستقلة التي لا ارتباط بينها لا لفظا ولا معنا فإنها لا تصير بمنزلة كلام واحد كي يقع السكون في أثنائه الا برابط خارجي من عاطف لو
ظهور اعراب ونحوه والا فهي في حد ذاتها كلمات مقطوعة بعضها عن بعض ولا يعد عرفا جزمها سكونا في الأثناء بل في الاخر هذا مع أن مثل هذا اللحن الغير المغير للمعنى
غير قادح في صحة الإقامة كما صرح به غير واحد بل نسبه إلى المشهور إذ لم يثبت كون الهيئات الخاصة معتبرة في قوام مهيتها فليتأمل والخامس ان لا يتكلم في خلالهما
اي خلال كل منهما على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة على ما ادعاه في الجواهر وهذا هو عمدة المستند في الأذان ويعضده ما عن الغنية من دعوى الاجماع على جواز التكلم في
الأذان وان تركه أفضل وربما يستدل له بان في التكلم فوات الاقبال المطلوب في العبادة وبمفهوم مضمرة سماعة قال سألته عن المؤذن أيتكلم وهو يؤذن قال لا
بأس حين يفرغ من أذانه ولكن في الوسائل الموجودة عندي كتب فوق كلمة حين حتى إشارة إلى اختلاف النسخ فعلى تقدير كونه حتى على عكس المطلوب أول وكيف كان فعمدة
الدليل هي الشهرة من باب المسامحة ولا ينافيه نفي البأس عنه في بعض الأخبار الآتية إذ لا منافاة بينه وبين أفضلية الترك بل ولا بين كراهة الفعل كما نسبه في الجواهر
إلى المشهور بحمل نفي البأس على إرادة الجواز الغير المنافي للكراهة وان كان قد ينافي هذا الحمل ما في بعضها كصحيحة عمرو من التفصيل بين الأذان والإقامة القاطع للشركة
اللهم الا لن يحمل التفصيل على اختلاف المراتب كما ليس بالبعيد واما الإقامة فلا شبهة في استحباب ترك الكلام بل كراهة فعله في خلافها وبعد الفراغ منها حتى يصلي
كما يدل عليه خبر أبي هارون المكفوف قال قال أبو عبد الله عليه السلام يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تؤم بيدك وصحيحة عمرو بن أبي نصر قال قلت
لأبي عبد الله أيتكلم الرجل في الأذان قال لا بأس قلت في الإقامة قال لا وصحيحة محمد بن مسلم قال قال أبو عبد الله عليه السلام لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك ان تكلمت أعدت
الإقامة وهذه الأخبار خصوصا والأخير منها ظاهرها المنع وبطلان الإقامة بالكلام وربما يؤيدها خبر سليمان بن صالح ويونس الشيباني الدالان على أن الإقامة من
الصلاة وقد حكى عن غير واحد من القدماء القول بعدم جواز الكلام في خلال الإقامة ولعل مرادهم المنع عنه من حيث الحكم الوضعي كما هو ظاهر صحيحة محمد بن مسلم
لا الحرمة ويحتمل ان يكون مرادهم الأعم كالكلام في أثناء الصلاة كما ربما يؤيد هذا الاحتمال ظهور بعض الأخبار في الحرمة من حيث التكليف كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد الا في تقديم امام وموثقة سماعة قال قال أبو عبد الله عليه السلام إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام
الا ان يكون القوم ليس يعرف لهم امام وغير ذلك من الاخبار الآتية الظاهرة في حرمة الكلام بعد قول قد قامت الصلاة وكيف كان فلابد من حمل هذه الأخبار على
الكراهة وحمل صحيحة محمد بن مسلم على استحباب الإعادة جمعا بينهما وبين صحيحة حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة قال نعم
ورواية الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم في أذانه وفي اقامته فقال لا بأس وخبر الحسن بن شهاب قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا بأس ان
يتكلم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما يقيم ان شاء وخبر عبيد بن زرارة المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
أيتكلم الرجل بعد ما أقام الصلاة قال لا بأس وعنه أيضا من الكتاب المزبور قال سألت أبا عبد الله عليه السلام قلت أيتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة قال لا بأس وهذه الأخبار
لورودها في مقام توهم الخطر لا تدل الا على الجواز الغير المنافي للكراهية فيجمع بينها وبين اخبار المنع بحمل تلك الأخبار على الكراهة (ذهب إليه المشهور ويؤيده ما في بعض قلت الاخبار من امارات الكراهة) كعطف معلوم الكراهة
عليه في خبر أبي هارون والرخصة في التكلم بما يتعلق بالصلاة في صحيحة زرارة وموثقة سماعة وغيرها مما ستعرف وتخصيص الكلام الذي دلت هذه الأخبار على
؟؟ بخصوص ما يتعلق بالصلاة جمعا بينها وبين اخبار المنع بشهادة الصحيحة وغيرها في غاية البعد كيف وهذه الأخبار سؤالا وجوابا ظاهرة في إرادة المنفرد
و؟؟ له الكلام بما شاء مطلقا وابعد من هذا حمل اخبار الجواز على ما قبل قول المقيم قد قامت الصلاة واخبار المنع على ما بعده بشهادة صحيحة ابن أبي عمير قال
سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم في الإقامة قال نعم فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد الا ان يكونوا قد اجتمعوا من شئ وليس لهم
امام فلا بأس ان يقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان فان اخبار المنع وان كان بعضها كصحيحة زرارة وموثقة سماعة لا يأبى عن هذا الحمل بل لعله ظاهر في ذلك واما بعضها
الاخر كخبر أبي هارون وغيره مما فرع المنع على كون الإقامة من الصلاة ربما يأبى عن ذلك كما أن اخبار الجواز أغلبها ان لم يكن كلها أبية عن ذلك بل بعضها نص في التعميم
حتى بعد الإقامة ونظيره في البعد حمل اخبار المنع على الجماعة والجواز على المنفرد فان بعض اخبار المنع أيضا كأخبار الجواز كاد ان يكون نصا في المنفرد خصوصا ما
فرعه على كونه من الصلاة ويتلوه في البعد حمل اخبار الجواز على إرادة الحكم التكليفي والمنع على الوضعي بشهادة صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وفيه مع قوة ظهور
أغلب اخبار المنع في إرادة الحكم التكليفي ان حمل اخبار الجواز على إرادة الإباحة للمجامعة للبطلان ابعد من حمل الامر بالإعادة على الاستحباب كما هو واضح هذا مع مخالفته
هذه المحامل بأسرها للمشهور أو المجمع عليه وكيف كان فالأقوى ما عرفت من حمل اخبار المنع على الكراهة وتنزيل ما في بعضها من التفصيل بين ما قبل قول قد قامت
الصلاة وما بعده كما في صحيحة ابن أبي عمير بل وصحيحة زرارة وموثقة سماعة بناء على ارادته من إقامة الصلاة كما لعله الظاهر منه على اختلاف مرتبتها فهي بعد قول
قد قامت الصلاة أشد ولا يختص كراهته حينئذ بالمقيم بل لكل من يصلي بإقامته كما دل عليه تلك الأخبار تنبيه ويكره أيضا الكلام فيما بين الأذان والإقامة
في صلاة الغداة كما صرح به بعض لما عن الصدوق في كتاب المجالس بسنده عن عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله؟
ان الله كره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة حتى يقضي الصلاة ونهى عنه والسادس ان يفصل بينهما بركعتين أو سجدة أو خطوة الا في
223

المغرب فان الأولى ان يفصل بخطوة أو سكتة على المشهور كما ادعاه في المدارك وعن المعتبر أنه قال ويستحب الفصل بينهما بركعتين أو بجلسة أو بسجدة أو خطوة خلا
المغرب فإنه لا يفصل بين أذانها الا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة وعليه علمائنا وعن المنتهى نحوه أقول وهذا هو عمدة المستند لهذا التفصيل والا فاستفادته من
اخبار الباب لا يخلو عن اشكال والأولى نقل الاخبار أولا ثم التكلم فيما يقتضيه المقام فمنها صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام قال العقود بين
الأذان والإقامة في الصلوات إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصليها وخبر الحسن بن شهاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال لابد من قعود بين الأذان والإقامة وصحيحة
سليمان بن جعفر الجعفري قال سمعته يقول أفرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إذا قمت إلى صلاة فريضة
فاذن وأقم وافصل بين الأذان والإقامة بقعود أو كلام أو تسبيح ومقتضى عموم هذه الأخبار في لفرق بين صلاة المغرب وغيرها في استحباب الجلوس بينهما و
يدل عليه في المغرب بالخصوص خبر إسحاق الحريري عن أبي عبد الله عليه السلام قال من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله وخبر زريق المروي
عن المجالس والاخبار عن أبي عبد الله عليه السلام قال من السنة الجلسة بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة وصلاة المغرب وصلاة العشاء ليس بين الأذان والإقامة
سبحة ومن السنة ان يتنفل بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر وخبر الحسن بن معاوية بن وهب المروي عن كتاب فلاح السائل للسيد ابن طاووس عن أبيه
قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وقت المغرب فإذا هو قد اذن وجلس وهو يدعو بدعاء ما سمعت بمثله فسكت حتى فرغ من صلاته ثم قلت يا سيدي لقد سمعت
منك دعاء ما سمعت بمثله قط قال هذا دعاء أمير المؤمنين عليه السلام ليلة بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يامن ليس معه رب يدعى يامن ليس فوقه خالق يخشى يامن
ليس دونه اله يتقى يامن ليس له وزير يرشى يامن ليس له بواب ينادى يامن لا يزداد على كثرة العطاء الا كرما وجودا يامن لا يزداد على عظم الجرم الا رحمة
وعفوا صل على محمد وآل محمد وافعل بي ما أنت أهله فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة وأهل الجود والخير والكرم ولا يعارضها مرسلة سيف بن عميرة عن بعض أصحابنا
عن ابن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما بين كل أذانين قعدة الا المغرب فان بينهما نفسا لقصورها عن المكافئة مع امكان ان يكون قوله عليه السلام فان بينهما نفسا كناية
عن فصل ما سواء حصل بقعدة خفيفة أو غيرها مما ستعرف وربما يشهد بهذا الجمع خبر الدعائم الآتي فلا منافاة حينئذ بينها وبين سائر الأخبار كما أنه لا ينافيها صحيحة
ابن مسكان قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام اذن واقام من غير أن يفصل بينهما بجلوس لجواز اختياره بتسبيحة أو كلاما ونحوه مما هو مخير بينها كما ستعرف مع أن الفعل لا يعارض
القول ومنها ما عن السيد ابن طاوس في كتاب فلاح السائل بسنده عن بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول لأصحابه
من سجد بين الاذن والإقامة فقال في سجوده سجدت خاضعا خاشعا ذليلا يقول الله تعالى ملائكتي وعزتي وجلالي لأجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين
وهيبته في قلوب المنافقين وعنه أيضا فيه بسنده عن ابن أبي عمير عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال رأيته اذن ثم اهوى للسجود ثم سجد سجدة بين الأذان والإقامة
فلما رفع رأسه قال يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر الله له ذنوبه وعن الفقه الرضوي أنه قال وان أحببت ان تجلس بين الأذان والإقامة فافعل فان فيه فضلا كثيرا
وانما ذلك عن الإمام واما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى ثم يقول بالله استفتح وأتوجه اللهم صلى على محمد وآل محمد واجعلني وجيها في الدنيا و
الآخرة ومن المقربين وان لم تفصل أيضا أجزاك ومرفوعة محمد بن يقطين إليهم عليهم السلام قال يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس اللهم اجعل قلبي بارا
ورزقي دارا واجعل لي عند قبر نبيك صلى الله عليه وآله قرارا ومستقرا وعن كتاب دعائم الاسلام روى عن جعفر بن محمد عليهما السلام ولابد من فصل بين الأذان والإقامة بصلاة
أو غير ذلك ما قل ما يجزي في صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها ان يجلس بعد الأذان جلسه يمس فيها الأرض بيده ويظهر من هذه الرواية ان الفصل بين الأذان والإقامة
في حد ذاته مستحب فما جرى ذكره في الاخبار مما يتحقق به الفصل من صلاة أو جلوس أو كلام أو سجدة أو غير ذلك فهو اما من باب التمثيل أو لكونه أفضل أو
لبيان أقل المجزي فربما يرتفع بهذا التدافع الذي قد يترائى فيما بين الاخبار كما لا يخفى على المتأمل وربما يؤيده أيضا قوله عليه السلام في موثقة عمار المتقدمة وافصل بين
الأذان والإقامة بقعود أو كلام أو تسبيح فإنه مشعر بإرادة التمثيل وان المقصود بالأصالة هو حصول الفصل فيما بينهما كما يؤيده أيضا بل يدل عليه موثقته الأخرى قال
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرج ينسى ان يفصل بين الأذان والإقامة بشئ حتى اخذ في الصلاة واقام الصلاة قال ليس عليه شئ وليس له ان يدع ذلك عمدا
سئل ما الذي يجزي من التسبيح بين الأذان والإقامة قال يقول الحمد لله وما في هذه الموثقة من أنه ليس له ان يدع ذلك عمدا فهو محمول على تأكد الاستحباب أو كراهة الترك
وكذا ما في بعض الأخبار المتقدمة من التعبير بلفظ الامر أو اللا بدية أو نحو ذلك إذ لم ينقل القول بوجوبه عن أحد بل يظهر من غير واحد دعوى الاجماع عليه مع أن التدبر
في الاخبار يعطي ظهورها في الاستحباب كما لا يخفى على المتأمل ثم إن مقتضى ظاهر رواية زريق المتقدمة اختصاص استحباب الفصل بالنافلة بالظهرين وان السنة في سائر
الصلاة الجلسة لا التطوع والمراد بها بحسب الظاهر استحباب الاتيان بشئ من نافلتها بعد الأذان كما يشهد له صحيحة ابن أبي عمير عن أبي علي صاحب الأنماط عن أبي عبد الله
أو أبي الحسن عليهما السلام قال قال يؤذن للظهر على ست ركعات ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر وهذا من خواص الظهرين إذ ليس للعشائين صلاة قبلهما
اما المغرب فواضح واما العشاء فقبلها ليس الا الأربع ركعات التي هي نافلة المغرب ووقتها قبل دخول وقت العشاء فلا يستحب تأخيرها عن أذان العشاء بلا شبهة
واما الصبح وان كان قبلها الركعتان ويجوز الاتيان بهما فصلا بين الأذان والإقامة ولكن الاتيان بهما كذلك ليس بمستحب بل الأفضل تقديمهما في الفجر الأول كما
عرفته في المواقيت ولا ينافيه قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان في حديث أذان الصبح السنة ان تنادي مع طلوع الفجر ولا يكون بين الأذان والإقامة الا الركعتان فان
المقصود بالصحيحة بحسب الظاهر ليس الا بيان وقت أذان الفجر والمبادرة إلى فعل الفريضة في أول وقتها وعدم تأخيرها عن الأذان الذي نودي مع طلوع الفجر الا بمقدار
224

أداء النافلة لمن لم يفعلها في الفجر الأول لا استحباب الفصل بها بين الأذان والإقامة من حيث هو نعم ربما يظهر ذلك بالنسبة إلى الإمام من خبر عمران الحلبي ولكن لا من
حيث هو بل من حيث انتظار للجماعة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما فقال إذا كنت اما ما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما وان كنت وحدك فلا
يغيرك قبلهما أو بعدهما والحاصل انه لا منافاة بين هذه الأخبار وبين خبر زريق على التفسير المزبور ولكن قد ينافيه اطلاق قوله عليه السلام في صحية سليمان المتقدمة أفرق
بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين ويمكن دفعه اما بحمل الصحيحة على إرادة الجلوس فيما عدى الظهرين والركعتين على الظهرين أو بحملها على أن ذكر الركعتين فيها لكونهما من
أفضل الأشياء التي يتحقق بها الفصل المستحب من حيث إن الصلاة خير موضوع واختيارها أولى فلا ينافيه عدم كون الفصل بهما من حيث هو مستحبا كما هو مفاد خبر زريق بناء
على التفسير المتقدم أو حمل قوله عليه السلام في خبر زريق ليس بين الأذان والإقامة سبحة على إرادة شئ من النوافل المرتبة بعنوان التوظيف أو حمله على عدم تأكد الاستحباب
ولكن الحمل الأول مخالف للمشهور فالأولى الجمع بينهما بسائر الوجوه أورد علم خبر زريق إلى أهله والاخذ باطلاق الصحيحة ولكن الأولى في المغرب الاقتصار على جلسه خفيفة
أو خطوة ونحوها كما هو المشهور ويدل عليه بعض الأخبار المتقدمة وهذا لا يوجب ارتكاب التخصيص بالنسبة إلى المغرب لجواز كونها من قبيل المستحبات المتزاحمة التي بعضها
أفضل ولكن بناء على حرمة التطوع في وقت الفريضة الأحوط ترك الفصل بركعتين في المغرب الا إذا كانتا قضاء فريضة كما أن الأحوط في غيرها أيضا اما الفصل بشئ
من النوافل المرتبة أو من قضاء الفرائض ولكنك عرفت في محله ضعف هذا الينا والله العالم والسابع ان يرفع الصوت به إذا كان ذكرا كما يدل عليه جملة من الأخبار المتقدمة
في مطاوي المباحث السابقة منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لا يجزيك من الأذان الا ما أسمعت نفسك أو فهمته وافصح بالألف والهاء وصل
على النبي صلى الله عليه وآله كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان وغيره وكلما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر وكان اجرك في ذلك أعظم و
صحيحة معاوية بن وهب أنه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان فقال اجهر به وارفع به صوتك وإذا أقمت فدون ذلك الحديث إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه و
هو إذا كان في منزلة يفيد كثرة الولد وذهاب السقم كما يدل عليه خبر هشام بن إبراهيم انه شكى إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام سقمه وانه لا يولد له فأمره ان يرفع صوته بالأذان
في منزله قال ففعلت فاذهب الله عن سقمي وكثر ولدي وعن محمد بن راشد أنه قال وكنت دائم العلة ما انفك عنها في نفسي وجماعة خدمي فلما سمعت ذلك من هشام عملا
به فاذهب الله عني ومن عيالي العلل وكل ذلك يتأكد في الإقامة بلا اشكال في بعضها كالاستقبال وترك الكلام في خلالها كما أنه لا شبهة في مشاركة الإقامة
للأذان في بعض الأمور المذكورة قبل هذه السبعة وكون استحبابه فيها اكد كالطهارة والقيام كما لا يخفى ذلك على من راجع الأخبار المتقدمة الواردة فيها واما بعضها
الاخر كالوقف في أواخر الفصول ورفع الصوت بها وكونها حدرا بعكس الأذان فتأكد استحبابها فيها لا يخلو عن تأمل بل في المدارك ففي استحباب رفع الصوت في الإقامة حيث
قال في شرح عبارة المتن ويستثنى من ذلك رفع الصوت فإنه ليس بمسنون في الإقامة أقول ويمكن دعوى استفادة استحبابه في الجملة من قوله عليه السلام في الصحيحة المتقدمة
وإذا أقمت فدون ذلك وان لا تخلو عن تأمل وكيف كان فلا دليل على تأكده فيها كغيره مما ذكره وكون استحباب الإقامة في حد ذاتها متأكدا لا يقتضي تأكد استحباب آدابها
المسنونة والله العالم ويكره الترجيع في الأذان الا ان يريد الاشعار كما حكى عن غير واحد بل عن التذكرة والمنتهى نسبة إلى علمائنا ولكنهم اختلفوا في تفسيره قال صاحب
المدارك اختلف العلماء في حقيقة الترجيع فقال الشيخ في المبسوط انه تكرار التكبير والشهادتين من أول الأذان وقال الشهيد في الذكرى انه تكرار الفصل زيادة على الموظف
وذكر جماعة من أهل اللغة انه تكرار الشهادتين جهرا بعد اخفاتهما وهو قول الشافعي فإنه استحب الترجيع بهذا المعنى تعويلا على النبي صلى الله عليه وآله امر أبا
مجذورة بذلك ورد بما رواه العامة أيضا ان النبي صلى الله عليه وآله انما خص أبا مجذورة بالشهادتين سترا ثم بالترجيع جهرا لأنه لم يكن مقرا بهما واختلف الأصحاب
أيضا في حكم الترجيع فقال الشيخ في المبسوط والخلاف انه غير مسنون وقال ابن إدريس وابن حمزة انه محرم
وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية وذهب آخرون إلى كراهته
والمعتمد التحريم لأن الأذان سنة متلقاة من الشارع كسائر العبادات فيكون الزيادة فيه تشريعا محرما انتهى أقول تكرار الشهادتين أو التكبير أو مطلق شئ من الفصول
زيادة فإن كان بعنوان التوظيف والجزئية فهو تشريع محرم والنبوي الذي عول عليه الشافعي في الحكم باستحبابه لا يصلح دليلا عليه وان قلنا بقاعدة التسامح لما أشار
إليه في المدارك من امكان اختصاصه بمورده حيث حكى ان أبا مجذورة كان مستهزئا بالنبي صلى الله عليه وآله غير مقر بالشهادتين فأمره النبي صلى الله عليه وآله بالترجيع
فهو ليس بمستحب فلا يجوز اتيانه بقصد التوظيف ومراد القائلين بكراهته على الظاهر ما لو اتى به لا بهذا القصد بل بزعم كونه زيادة خير أو بنية الإجادة والتطويل
أو التأكيد والمبالغة أو غير ذلك من الدواعي الموجبة له لا بعنوان التشريع كما يفصح عن ارادتهم لمثل هذه الفروض استثنائهم صورة قصد الاشعار وكيف
كان فمقتضى الأصل جوازه فيما إذا لم يكن بعنوان التشريع ولكن حيث حكم الأصحاب بكراهته فلا يبعد الالتزام به من باب المسامحة ولكن هذا فيما إذا لم يقصد به
الاشعار والا فلا شبهة في جوازه بل رجحانه كما يدل عليه رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة أو في حي على الصلاة أو حي على الفلاح
مرتين والثلاث أو أكثر من ذلك إذا كان اماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس وفي المدارك بعد نقل هذه الرواية قال وهي ضعيفة الاسناد ولكن ظاهر العلامة في المختصر
الاتفاق على العمل بمضمونها فان تم فهو الحجة والا ثبت المنع بما ذكرناه انتهى وفيه بعد الغض عن انجبار ضعف الخبر بالعمل وكفاية الخبر الضعيف لاثبات الحكم في مثل
المقام ان ما ذكره وجها للمنع من كون الزيادة تشريعا محرما انما هو فيما لو قصد به التوظيف والجزئية لا الاشعار أو انتظار الجماعة ونحوه كما هو واضح وكذا يكره
قول الصلاة خير من النوم وفي المدارك قال هذا هو المعبر عنه بالتثويب على ما نص عليه الشيخ في المبسوط وأكثر الأصحاب وصح به جماعة من أهل اللغة منهم ابن
الأثير في النهاية وقال انما سمي تثويبا لأنه من ثاب ثوب إذا رجع فان المؤذن إذا قال حي على الصلاة فقد دعاهم إليها فإذا قال بعدها الصلاة خير من النوم فقد
225

رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها وقال الشيخ في النهاية التثويب تكرير الشهادتين والتكبير وقال ابن إدريس التثويب تكرير الشهادتين دفعتين لأنه مأخوذ من ثاب
إذا رجع وفسره بعضهم بما يقال بين الأذان والإقامة من الحيعلتين مثنى في أذان الصبح واختلف الأصحاب في حكم التثويب في الأذان الذي هو عبارة عن قول الصلاة
خير من النوم بعد اتفاقهم على اباحته للتقية فقال ابن إدريس وابن حمزة بالتحريم وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية سواء في ذلك أذان الصبح وغيره وقال الشيخ في المبسوط
والمرتضى في الانتصار بكراهيته وقال ابن الجنيد انه لا بأس به في أذان الفجر خاصة وقال الجعفي رحمه الله تقول في أذان الصبح بعد قولك حي على خير العمل الصلاة خير من النوم
مرتين وليستا من أصل الأذان والمعتمد التحريم لنا في الأذان والمعتمد التحريم لنا ان الأذان عبادة متلقاة من صاحب الشرع فيقتصر في كيفيتها على المنقول انتهى أقول وربما يشهد للجعفي ما
عن المحقق في المعتبر نقلا من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال الأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن لا إله إلا الله وقال في اخره لا إله إلا الله مرة ثم قال إذا كنت في أذان الفجر فقل الصلاة خير من النوم بعد حي على خير العمل وقل بعد الله أكبر
لا إله إلا الله ولا تقل في الإقامة الصلاة خير من النوم انما هو في الأذان وربما يؤيده ما رواه الشيخ بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال كان أبي
ينادي في بيته الصلاة خير من النوم ورواية أبي عبد الله عليه السلام قال النداء والتثويب في الإقامة من السنة ولكن يحتمل ان يكون المراد بالتثويب في
هذه الرواية تكرار الفصول زيادة على الموظف بقصد الاشعار كما يؤيد هذا الاحتمال روايته المتقدمة في الترجيع وكذا صحيحة زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام يا زرارة
تفتتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتهليلتين وتكبيرتين وان شئت زدت على التثويب حي على الفلاح مكان الصلاة خير من النوم إذا الظاهر أن المراد بها ان شئت
الزيادة على التكرار الموظف في الأذان فكرر حي على الفلاح مكان التثويب المبتدع كما أنه يحتمل ان يكون ما حكاه أبو جعفر عن أبيه عليهما السلام في خبر محمد بن مسلم من أنه
كان ينادي في بيته الصلاة خير من النوم هو قبل طلوع الفجر لأجل التنبيه لا في أثناء الأذان أو الإقامة كما يؤيد هذا الاحتمال خبر زيد الترسي المروي عن كتابه عن
أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر فقال لا انما الأذان عند طلوع الفجر أول ما يطلع قلت فان ان يريد ان يؤذن الناس بالصلاة وينبههم قال
فلا يؤذن ولكن ليقل وينادي بالصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم يقولها مرارا واما خبر ابن سنان فهو صريح فيما قال به الجعفي وقد حكى عن الشيخ انه حمل هذه الأخبار
بأسرها على التقية لاجماع الطائفة على ترك العمل بها ولقد أجاد في ذلك ولكن حكى عن المصنف في المعتبر الاعتراض عليه فإنه بعد ان روى خبر ابن سنان المتقدم ونقل
عن الشيخ في الاستبصار حمله على التقية قال ولست أرى في هذا التأويل شيئا فان في جملة الأذان حي على خير العمل وهو انفراد الأصحاب فلو كان للتقية لما ذكره لكن الأوجه
ان يقول فيه روايتان عن أهل البيت عليهم السلام أشهرهما تركه انتهى وأجاب عنه غير واحد ممن تأخر عنه بأنه ليس في الرواية تصريح بأنه يقول حي على خير العمل جهرا فيحتمل قويا معهودية
الاتيان بقول حي على خير العمل لدى الشيعة سرا من باب التقية فأمره الإمام بان يقول بعده جهرا الصلاة خير من النوم لأجل التقية كما يؤيده اشتمالها على التهليل
في اخر الأذان مرة واحدة فان العامة اجمعوا على الوحدة كما أن الشيعة أجمعت على التثنية على ما ادعاه في محكى البحار كما أن ما في أولها من التكبير مرتين أيضا لا يخلو عن
تأييد مضافا إلى شهادة بعض الأخبار بكونه من مبتدعات العامة للتقية كخبر زيد الترسي المروي عن كتابه عن أبي الحسن عليه السلام قال الصلاة خير من النوم بدعة
بني أمية وليس ذلك من أصل الأذان فلا بأس إذا أراد ان ينبه الناس للصلاة ان ينادي بذلك ولا يجعله من أصل الأذان فانا لا نراه أذانا وعن الفقه الرضوي
ليس في الأذان الصلاة خير من النوم وصحيحة معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة فقال لا نعرفه وكيف كان
فلا شبهة في أنه ليس من أصل الأذان فاتيانه بعنوان الجزئية تشريع محرم واما بقصد التنبيه ونحوه فمقتضى الأصل جوازه ولكن ربما يستشعر من صحيحة معاوية ومن
خبر زيد كراهته ويؤيده فتوى الأصحاب بذلك فهو لا يخلو عن وجه واما خبر ابن سنان وغيره مما يظهر منه استحبابه فان أمكن تأويله فهو والا فالمتعين رد علمه إلى أهله
بعد استقرار المذهب على خلافه والله العالم الرابع من الأمور التي يقع النظر فيها في هذا المبحث في احكام الأذان وفيه مسائل الأولى
من نام في خلال الأذان أو الإقامة ثم استيقظ بني على أذانه وإقامته إذ لا دليل على بطلانهما بالنوم والمرجع لدى الشك في اشتراطهما بان لا يتخلل بينهما
النوم اصالة البراءة كما تقرر في محله نعم بناء على اشتراط الطهارة في الإقامة كما ذهب إليه غير واحد أمكن دعوى استفادة مانعية الحدث الواقع في خلالها
من نوم وغيره من بعض أدلته التي (نزلها منزلة الصلاة التي) يبطلها الحدث في أثنائها ولو في غير حال التشاغل باجزائها ولكنك عرفت في محله ضعف المبني فالأقوى عدم اختلالهما
بالنوم الواقع في خلالهما ولكن هذا إذا لم يكن مخلا بالتوالي بان لم يتحقق به فصل معتد به مانع عن ارتباط بعض الاجزاء ببعض بحيث بعد المجموع بنظر العرف
عملا واحدا والا بطل من حيث فوات الموالاة كما صرح به غير واحد وعلله في المدارك بأنه لم ينقل عنهم عليهم السلام الفصل بين فصولهما والعبادة سنة متلقاة من
الشارع فيجب الاقتصار فيها على ما ورد به النقل وفيه ان الذي يتوقف على النقل والتلقي من الشارع انما هي الاجزاء والشرائط المعتبرة في العبادة فلا يجوز
اقحام شئ فيها بعنوان الجزئية أو الشرطية ما لم يرد به النقل واما ما يحتمل اعتباره فيه فينفي بالأصل كما تقدمت الإشارة إليه وربما يستدل له بمرسلة الفقيه
عن أبي جعفر عليه السلام تابع بين الوضوء إلى أن قال وكذلك الأذان والإقامة فابدأ بالأول فالأول فان قلت حي على الصلاة قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت
حي على الصلاة وفيه ان الرواية كالنص في إرادة الترتيب من المتابعة وما يقال من أن ذكر الترتيب فيها لا يقضي بكونه المراد من المتابعة خاصة سيما بعد
إفادة الفاء له وللتعقيب أيضا ففيه ان سوق الرواية يشهد بان ما ذكر فيها من الترتيب أريد به تفسير المتابعة التي امر بها في صدر الكلام ولفظه الفاء
في قوله الأول فالأول جارية مجرى العادة في مقام التعبير فلا تدل على إرادة التعقيب بلا مهلة كما أن ما وقع في ذيل الرواية وكذا في صدرها في الوضوء
226

من التعبير بلفظ ثم في جل الفقرات التي هي بمنزلة التفسير لهذا المجمل لا تدل على عكسه اي إرادة التعقيب مع المهلة فالأولى الاستدلال له بظهور الامر المتعلق
بمثل هذه العبادات المركبة في إرادة الاتيان باجزائها متوالية كما تقدم توضيحه في مبحث التيمم ولكنه لا يخلو عن تأمل كما أن تنزيل اطلاق المتن ونحوه على النوم بالغير
المنافي للموالاة لا يخلو عن اشكال لكونه تقييدا بالفرد الخفي الذي قد ينصرف عنه الاطلاق مع امكان ان يدعى ان النوم المستولي على القلب الموجب لتعليل الحواس الذي
هو نوم حقيقي هو في حد ذاته كالفصل الطويل مانع عرفا عن حصول التوالي وان لا يخلو عن نظر بل منع وكيف كان فالأحوط ان لم يكن أقوى هو الاستيناف ان
أخل بالمتابعة العرفية وان لم يخل أيضا استحب له استينافه رعاية للاحتياط الذي تقدمت الإشارة إليه بناء على استحباب الاحتياط شرعا كما ليس بالبعيد ولكن
يجوز البناء كما عرفت وكذا لو أغمي عليه في خلال الأذان أو الإقامة فحاله حال ما لو نام في أثنائهما الثانية إذا اذن ثم ارتد جاز للامام أو غيره ان يعتد
به ويقيم غيره ولو رجع هو بنفسه اجتزى به ولم يعده لسقوط التكليف به حين فعله فلا مقتضى لإعادته ولو ارتد في أثناء الأذان ثم رجع استأنف على قول
نسبه في المدارك إلى الشيخ في المبسوط وهو ضعيف فان الارتداد في الأثناء كالارتداد بعد العمل لا يؤثر في انقلاب وما وقع عما هو عليه من الصحة فالأقوى جواز
البناء ما لم يفت الموالاة ومع فواته الاستيناف بناء على شرطية الموالاة كما لا يخلو عن قوة والله العالم الثالثة يستحب لمن سمع الأذان ان يحكيه مع
نفسه بمعنى انه لا يقصد بفعله ان شاء الأذان الذي حكمه مشروعيته الاعلام بل يقصد به الحكاية التي هي بمنزلة المخاطبة مع نفسه فالمراد بالحكاية مع نفسه الكلام
معها قاصدا بالحكاية وربما يستشعر به يستظهر من العبارة إرادة الاسرار به وهو مما لا دليل عليه بل ينافيه اطلاق النصوص والفتاوي كما ستعرف ولذا حمله
المحقق الكركي فيما حكى عن فوائده على الكتاب على أن المراد بحكايته مع نفسه ان لا يرفع صوته كالمؤذن وهذا أيضا لا يخلو عن نظر فالأولى تفسيره بما عرفت وكيف
كان فيدل على استحباب حكاية الأذان كما هو مذهب العلماء كافة على ما ادعاه في محكى المنتهى جملة من الاخبار كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا سمع المؤذن يؤذن قال مثل ما يقول في كل شئ وصحيحته الأخرى عن أبي جعفر أيضا قال له يا محمد بن مسلم لا تدعن ذكر الله عز وجل على كل حال ولو سمعت المنادي
ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عز وجل وقل كما يقول المؤذن وعن الصدق ومرسلا قال وروى أن من سمع الأذان فقال كما يقول المؤذن زيد
في رزقه وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله عز وجل في تلك الحال
لأن ذكر الله حسن على كل حال وخبر سليمان بن مقاتل قال قلت لموسى بن جعفر عليهما السلام لأي علة يستحب للانسان إذا سمع الأذان ان يقول كما يقول المؤذن
وان كان على البول والغائط قال إن ذلك يزيد في الرزق وصحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ما أقول إذا سمعت الأذان قال اذكر الله مع كل ذاكر ولكن في استفادة
استحباب حكاية جميع الفصول حتى الحيعلات من هذه الصحيحة لا يخلو عن تأمل لانصراف اسم الذكر عنها بل قد يتأمل في دلالتها على استحباب حكاية شئ منها من حيث هي حتى الأذكار
فإنه يصدق ذكر الله مع كل ذاكر على التعبير بالمرادف ونحوه ولا يتوقف على حكاية ألفاظه بعينها اللهم الا ان يجعل بعضه الأخبار المتقدمة كصحيحة محمد بن مسلم ورواية
أبي بصير المتقدمتين مبينا لما أريد من الذكر في هذه الصحيحة وهو ان يقول كما يقول المؤذن لظهورهما في أن المراد بالذكر المأمور به عند سماع الأذان هو
هذا فيشمل الحيعلات أيضا وان انصرف عنها اطلاق الذكر فان ظاهر الخبرين كغيرهما مما دل على استحباب حكاية الأذان إرادة جميع فصوله فعد الحيعلات من الذكر اما
من باب التغليب أو بواسطة اقترانها بقصد التقرب المصحح لاطلاق الذكر عليها ببعض الملاحظات كاطلاقه على الدعاء ونحوه وكيف كان فظاهر الأخبار المتقدمة
خصوصا بعضها استحباب حكاية جميع الفصول ولا ينافيها ما عن الشيخ في المبسوط أنه قال روى عن النبي صلى الله عليه وآله انه كان يقول إذا قال المؤذن حي على الصلاة لا حول ولا
قوة الا بالله ورواه في المدارك حاكيا عن المبسوط هكذا أنه قال يقول إذا قال الحديث بابدال لفظ كان يقال لا لضعف سنده لكفاية مثل لهذا الخبر في اثبات
الاستحباب ويحتمل ان يكون مراد الشيخ بالرواية التي أرسلها هي ما حكى عن كتاب دعائم الاسلام مرسلا أنه قال روينا عن علي بن الحسين عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا
سمع المؤذن قال كما يقول فإذا قال حي على الصلاة حي على الفلاح حي على خير العمل قال لا حول ولا قوة الا بالله أو الخبر العامي الذي رواه مسلم في صحيحة وغيره في غيره
على ما حكى عنهم بأسانيد عن عمرو بن معاوية ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال إذا قال المؤذن الله أكبر
الله أكبر قال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله
قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال اشهد ان محمدا (صلى الله عليه وآله؟) رسول الله قال اشهد ان محمدا (صلى الله عليه وآله؟) رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله
ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة الا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله عن قلبه دخل
الجنة وهذه الرواية وان كانت عامية ومنا تضمنته من كيفية الأذان مخالف للمذهب ولكن مع ذلك أمكن الالتزام بمضمونها من ابدال الحيعلات بالحوقلة كما أنه
يمكن الالتزام به تعويلا على مرسلتي المبسوط والدعائم من باب المسامحة ولكن لا يصلح مثل هذه الأخبار قريبة لصرف الأخبار المتقدمة عن ظاهرها كما لا يخفى مع انا قد
أشرنا انفا إلى أن مثل هذه الروايات على تقدير صحتها أيضا لا تكون معارضة للأخبار المتقدمة الدالة على استحباب ان يقول مثل ما يقول المؤذن في كل شئ لعدم
التنافي في المستحبات فمن الجائر استحباب كل منهما وكون الحوقلة أفضل أو كونه أحد فردي المستحب التخييري أو ان النبي صلى الله عليه وآله كان يجمع بين الحوقلة وحكاية
الحيعلة والله العالم وهاهنا فوائد الأولى حكى عن الشيخ في المبسوط أنه قال من كان خارج الصلاة قطع كلامه وحكى قول المؤذن وكذا لو كان يقرأ
القرآن قطع وقال كقوله لأن الخبر على عمومه انتهى وفي المدارك بعد ان حكى كلام الشيخ قال ومقتضى كلامه انه لا يتسحب حكايته في الصلاة وبه قطع العلامة
في التذكرة وكأنه لفقد العموم المتناول لحال الصلاة ولو حكاه لم تبطل صلاته الا ان يحيل انتهى أقول وتبعه بعض من تأخر عنه في دعوى عدم تناول
227

العموم لحال الصلاة وعلله بان الاقبال على الصلاة أهم من حكاية الأذان وفيه بعد الغض عن في لتنافي وامكان الجمع ان الأهمية لا تصلح مانعة عن أصل
الاستحباب ولا موجبة لانصراف دليله كما في سائر المستحبات المتزاحمة التي بعضها أهم فالحق ان حال الصلاة كغيره من الأحوال التي لا يقصر عن تناولها العموم لو لم
يكن نقل الحيعلات موجبا لقطعها أو لم يكن قطعها محرما ولكن دلت الأدلة المعتبرة على أن الكلام عمدا مطلقا حتى الأنين كما هو صريح بعضها موجب لبطلان
الصلاة ولم يستثن من ذلك الا الكلام الذي يناجي به الرب جل ذكره من ذكر أو دعاء أو قراءة ومن الواضح ان قول حي على الصلاة أو حي على الفلاح أو نحو ذلك
ليس من شئ من ذلك ولذ لا يجوز التكلم به في غير مقام الحكاية بلا خلاف وصحة اطلاق الذكر على حكايته ببعض الملاحظات كما تقدمت الإشارة إليه في
مقام توجيه خبري محمد بن مسلم وأبي بصير المتقدمين لا يصحح ارادته من اطلاق الذكر المستثني من الكلام العمدي المبطل للصلاة كما هو واضح فما قد يتوهم من حكومة
الخبرين على العمومات الدالة على أن من تكلم في صلاته متعمدا فعليه الإعادة حيث يعمم بهما موضوع الذكر الذي خصص به هذه العمومات في غير محله واضعف من ذلك
توهم تخصيص هذه العمومات بعموم ما دل على استحباب حكاية الأذان على كل حال كما يخصص به عموم ما دل على كراهة الكلام في الخلاء إذ لا تنافي بين هذه العمومات
من حيث هي وبين عموم ما دل على استحباب الحكاية على كل حال ضرورة ان شمول استحبابها لحال الصلاة لا يقتضي ارتفاع اثرها الوضعي اي البطلان الحاصل
بنقل الحيعلات الموجب للإعادة كما أنه قد يجب الكلام في أثناء الصلاة من باب الأمر بالمعروف لعموم أدلته ولا يرتفع به اثره الوضعي ولا يقاس ذلك بما لو
دل عليه دليل بالخصوص كما لا يخفى وجهه فالتنافي أولا وبالذات يقع بين عموم دليل استحباب الحكاية وبين الحكم التكليفي الثابت للكلام العمدي وهو الحرمة
الناشئة من سببيتها للقطع ومن الواضح عدم صلاحية عموم أدلة المستحبات لصرف أدلة العزائم ولذا لم ينازع أحد في حرمتها على تقدير سببيتها للقطع ومن
قال بجوازها زعم أنها ليست بقاطعة فحرمة ابطال الصلاة غير مخصصة بأدلة الحكاية بلا خلاف في ذلك ولا اشكال فمن هنا قد يتخيل ان المعارضة حينئذ تقع
بين عموم استحباب الحكاية وعموم من تكلم في الصلاة متعمدا فعليه الإعادة حيث يعلم اجمالا ان هذا الكلام ان كان مستحبا لا يقطع الصلاة وان كان قاطعا لا يجوز
فلابد في ترجيح أحد العامين على الاخر من مرجح ويدفعه ان عموم أدلة المستحبات كالمباحات حالا يصلح مانعا عن عروض جهات خارجية موجبة لرفعه كما لا يخفى
ولعل ما صدر من الشيخ رحمه الله في العبارة المتقدمة من التعبير بقطع الكلام والقراءة للإشارة إلى وجه اختصاصه بما عدى الصلاة حيث إن قطعها مما لا يجوز فلا يتناوله
العموم وقد ظهر بما ذكرنا ان تنظير المقام بالتكلم حال التخلي حيث خصص ما دل على كراهته بأدلة استحباب الحكاية في غير محله مع أن النص وارد فيه بالخصوص
فلا يعارضه اصالة العموم وكون شمول النص الخاص لحكاية الحيعلات بأصالة العموم غير ضائر لحكومة الأصل الجاري في الخاص على اصالة العموم بل لو فرض كون
النسبة بينهما العموم من وجه بدعوى انصراف أدلة الكراهة إلى ما عدى الذكر لكان ظهور اخبار الحكاية في شمول مورد الاجتماع أقوى فليتأمل وكيف كان
فالأقوى ان حكاية الحيعلات قاطعة للصلاة فلا تجوز على تأمل في النافلة ينشأ من قوة القول بجواز قطعها اختيارا فحالها مع الحكاية حال المستحبات
المتزاحمة واما لو حكى ما عدى الحيعلات مقتصرا عليه أو مع ابدال الحيعلات بالحوقلة فلا شبهة في جوازه بل استحبابه من باب الذكر المطلق بل بالخصوص كما يدل على الأخير
عموم المراسل المتقدمة لحال الصلاة التي لا بأس بالعمل بها من باب المسامحة وعلى الأول اي الاقتصار على ما عدى الحيعلات قوله عليه السلام في صحيحة زرارة اذكر
الله مع كل ذاكر الشامل بعمومه واطلاقه لحكاية كل فصل فصل من حيث هو في حال الصلاة وغيره مضافا إلى امكان استفادته من سائر الأخبار الدالة على
استحباب حكاية الأذان في كل حال بضميمة قاعدة الميسور خصوصا بعد الالتفات إلى حكمة الحكم التي أشير إليها في بعض تلك الأخبار المقتضية لكونه من قبيل تعدد المطلوب
فالأظهر جواز الاقتصار على حكاية بعض الفصول مطلقا حتى في غير حال الصلاة والله العالم الثانية ان القدر المتيقن الذي ينصرف إليه اطلاق النصوص
والفتاوي انما هو استحباب الحكاية مع كل فصل اي بلا فصل يعتد به وهل يستحب بعد تمام الفصول لو لم يحكها معها صرح جملة من الأصحاب على ما حكى عنهم بالعدم
لفوات المحل وعن آخرين الاستحباب وهو لا يخلو عن تأمل لما تقدمت الإشارة إليه من أنه خلاف ما يتبادر من النصوص والفتاوي الثالثة هل يختص
الحكم بالأذان أم يعم الإقامة مقتضى الأصل واختصاص النصوص بالأذان الأول كما هو صريح غير واحد وظاهر آخرين بل لعله للمشهور وذهب بعض إلى الثاني
وربما يوجه ذلك بعموم قوله عليه السلام في صحيحة زرارة اذكر الله مع كل ذاكر ومفهوم ما هو بمنزلة التعليل في بعض الأخبار المتقدمة بان ذكر الله حسن على كل حال
وفيه نظر إذ غاية ما يمكن ادعائه انما هو دلالة مثل هذه العمومات على استحباب حكاية الأذكار منها لا مطلقا الإقامة ويمكن الاستشهاد له بالمرسل المروي عن كتاب
دعائم الاسلام عن الصادق عليه السلام قال إذا قال المؤذن الله أكبر فقل الله أكبر فإذا قال أشهد أن لا إله إلا الله فقل أشهد أن لا إله إلا الله إلى أن قال فإذا قال
قد قامت الصلاة فقل اللهم اقمها وادمها واجعلنا من خير صالحي أهلها فالقول باستحباب حكايتها على النحو المذكور في المرسل من اشتمالها على دعاء الإدامة لا
يخلو عن قوة بعد الثناء على التسامح والله العالم الرابعة صرح غير واحد باختصاص الأذان الذي يستحب حكايته بالأذان المشروع اما مطلقا أو المتعارف
المعهود الذي يقصد به الاعلام أو الصلاة دون الأذان في اذن المولود وبنحوه بل قد يقال باختصاص ما لاعلامي بدعوى انه هو المتبادر من أدلته ولكن صرح
بعض بالتعميم حتى في غير المشروع فان اطلاق الأذان وان كان منصرفا عنه ولكن قضية تفريع الحكم في بعض أدلته على أن ذكر الله حسن على كل حال إرادة مطلقه وهذا لا يخلو
عن قوة والله العالم الخامسة يستحب أيضا ان يقول عند سماع الشهادتين من المؤذن ما في صحيحة الحارث بن المغيرة النضري عن أبي عبد الله عليه السلام
قال من سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال مصدقا محتسبا اي حال كونه كذلك وانا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا
228

رسول الله اكتفى بهما عمن أبى وجحدوا عين بهما من أقر وشهد كان له من الاجر عدد من انكر وجحد وعدد من أقر وشهد ويستحب أيضا السامع أذان الصبح والمغرب
ان يقول ما في المروي عن المجالس وثواب الاعمال عن الصادق عليه السلام قال من قال حين يسمع أذان الصبح اللهم إني أسئلك باقبال نهارك وادبار ليلك وحضور
صلواتك وأصوات دعائك وتسبيح ملائكتك ان تتوب على انك أنت التواب الرحيم وقال مثل ذلك حتى يسمع أذان المغرب ثم مات عن يومه أو ليلته تلك مات
تائبا المسألة الرابعة إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة كره الكلام كراهية مغلظة الا ما يتعلق بتدبير المصلين من تسوية الصف أو تقديم امام
أو نحوه ذلك وقد حكى عن الشيخين في النهاية والمقنعة والسيد المرتضى في المصباح القول بالحرمة للمستفيضة التي وقع فيها التصريح بأنه إذا قال المؤذن قد قامت
الصلاة حرم الكلام على أهل المسجد وقد تقدم الكلام فيه فيما سبق وعرفت فيما تقدم ان القول بالكراهة هو الأظهر المسألة الخامسة يكره للمؤذن
ان يلتفت يمينا وشمالا كما صرح به غير واحد بل عن التذكرة نسبة إلى علمائنا خلافا للمحكى عن الشافعي فيستحب ان يلتفت يمينا إذا قال حي على الصلاة ويسارا إذا
قال حي على الفلاح ولأبي حنيفة فيدور بالأذان في المأذنة ويلوى عنقه إذا كان في الأرض وربما يشهد للقول المحكى عن الشافعي ما عن كتاب دعائم الاسلام
مرسلا عن علي عليه السلام قال يستقبل المؤذن القبلة في الأذان والإقامة فإذا قال حي على الصلاة حي على الفلاح حول وجهه يمينا وشمالا ولولا مخالفته لفتوى
الأصحاب وموافقته للشافعي لكان العمل به من باب التسامح وجيها ولكن الاخذ بخلافه بعد ما سمعت أوجه ولكن يلزم سممت القبلة في أذانه استحبابا خصوصا عند
الشهادتين كما عرفته فيما سبق السادسة إذا تشاح في الأذان قدم الأعلم والمراد به بحسب الظاهر من كان اعرف بالوقت وما يتعلق بالأذان وربما
يفسر بتفاسير غير ذلك ولا يهمنا التعرض لشرحها والظاهر أن محط نظرهم هو المؤذن المنصوب الذي يستحق الأجرة أو الارتزاق من بيت المال كما صرح به غير واحد
والا فلا موقع للتشاح لجواز ان يؤذن الجميع للاعلام وللجماعة أيضا على الأظهر كما ستعرف فالمكلف بالترجيح لدى التشاح هو الحاكم أو نائبه ممن وظيفته
التصدي لمثل هذه الأمور واللازم عليه ان يراعي مطلق الجهات المقتضية للترجيح مما يكون فائدة الأذان بلحاظها أتم وأصلح بحال المسلمين لا خصوص الأعلمية كما
هو ظاهر المتن أو مع الأعدلية بل مطلق ما فيه مصلحة المسلمين كما صرح به بعض ولا يبعد ان يكون مراد غيره أيضا ممن خص بعض المرجحات بالذكر والا فلا وجه
للتخصيص ان أراد المؤذن المنصوب كما هو الظاهر وان أراد غيره فلا مانع عن الجمع كي يحتاج إلى الترجيح نعم في الموارد التي جرت العادة بان لا يؤذن الا بعضهم
كما في الجماعات الأولى ان يختاروا خيارهم كما يدل عليه النبوي المرسل يؤذن لكم خياركم أو الا رفع صوتا الا في بعض الأخبار من امر النبي صلى الله عليه وآله بالقاء
الأذان على بلال لأنه أندى صوتا وكيف كان فالأظهر لزوم مراعاة جهات الترجيح مطلقا فيمن يعطي من بيت المال ومن التساوي ينبغي ان يقرع بينهم فإنه
أقرب للخلوص وابعد عن الشحناء السابعة إذا كانوا جماعة جاز ان يؤذنوا جميعا اما في الأذان الاعلامي فواضح لاستحبابه لكل أحد بمقتضى ظواهر
أدلته وأوضح من ذلك أذان الصلاة فيما لو أراد كل منهم ان يصلي وحده نعم يجوز لكل منهم ان يجتزي بسماع أذان غيره رخصة لا عزيمة كما ستعرف واما لو أرادوا
الصلاة جماعة فالظاهر أنه يجوز أيضا ان يؤذن كل منهم لصلاته جماعة فان مقتضى اطلاق الأدلة الواردة في الحث على الأذان والإقامة لكل صلاة استحبابه
لكل واحد منهم من غير فرق بين الإمام والمأموم غاية الأمر انه ثبت نصا واجماعا انه يجوز للجميع الاكتفاء بأذان أحدهم وان من دخل فيهم ما لم يتفرق صفوفهم
كان بحكمهم وانه يجوز لهم الاكتفاء بسماع امامهم أذان الغير كما ستعرف ولا ينافي شئ من ذلك استحبابه عينا لكل منهم كما يقتضيه ظواهر أدلته لامكان كون الاكتفاء
بفعل البعض من باب التوسعة والترخيص لا تنزيل صلاتهم جماعة شرعا منزلة صلاة واحدة في كفاية أذان واحد وجريان السيرة بأذان واحد للجماعة لا يقتضي
بأنه لا يشرع لهم الا كذلك فالأظهر جواز تعدد المؤذنين لجماعة واحدة دفعة أو مرتبين وما في المتن وغيره من أن الأفضل إذا كان الوقت واسعا ان يؤذن
واحد بعد واحد فلم نعرف مستنده الثامنة إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز ان يجتزي به في الجماعة وان كان ذلك المؤذن منفردا بأذانه وصلاته
بل وان كان قاصدا بأذانه الاعلام دون الصلاة كما ستعرف وفي المسالك فسره بما إذا كان منفردا بصلاته لا بأذانه قال والمراد به المنفرد بصلاته لا بأذانه
بمعنى انه مؤذن للجماعة أو للبلد ولو اذن لنفسه لا غير لا يعتد به وكذا القول في الإقامة انتهى وهو بعيد جدا وكيف كان فهذا الحكم في الجملة مما لا خلاف فيه
وربما يستشعر من تخصيص الإمام بالذكر في المتن واختصاص الحكم به ولكن الظاهر عدم ارادتهم لذلك كما نبه عليه في المدارك حيث قال الظاهر أنه لا فرق في
هذا الحكم بين الإمام والمنفرد وان كان المفروض في عبارات الأصحاب اجتزاء (الإمام الا انه إذا ثبت اجتزاء) الإمام بسماع الأذان فالمنفرد أولى انتهى أقول ويمكن تقريب الأولوية بان يقال
إذا ثبت الاجتزاء به في الجماعة فلصلاته وحده أولى هذا مع ما ستعرف من عدم قصور الأدلة عن اثباته وكيف
كان فمستند الحكم خبر أبي مريم الأنصاري قال صلى
بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا ازار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فلما انصرف قلت له عافاك الله صليت بنا بلا ازار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فقال إن قميصي
كثيف فهو يجزي ان لا يكون على رداء واني مررت بجعفر عليه السلام وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزاني ذلك وخبر عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام قال كنا معه فسمع
إقامة جاز له بالصلاة فقال قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة وقال يجزيكم أذان جاركم أقول ذيل هذا الخبر يشهد بان المراد بالإقامة في صدره أعم
من الأذان وصدره يشهد بان المراد بالأذان في الذيل أعم من الإقامة وكيف كان فربما يناقش في الاستدلال بالخبرين بأن في طريقهما ضعفا وفيه انه غير قادح
في مثل هذه الروايات المقبولة المعمول بها لدى الأصحاب وربما يستدل له أيضا بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا اذن مؤذن فنقص
الأذان وأنت تريد ان تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه وربما يستدل باطلاق هذه الصحيحة لكفاية سماع أذان المنفرد لمن يريد ان يصلي بأذانه مطلقا
229

سواء أراد الاجتزاء به في الجماعة أو لصلاته منفردا وفيه ان اطلاقها وارد مورد حكم اخر فمن هنا قد يتطرق الخدشة في دلالة هذه الصحيحة على المدعى بامكان ورودها
في مؤذن الجماعة التي يكون هذا الشخص امامها وستعرف ان هذا الفرض خارج عن محل الكلام نعم ربما يستشعر من قوله عليه السلام فأتم ما نقص من أذانه غير هذا الفرض
اي ما لو كان قاصد بأذانه نفسه كما أنه قد يستشعر من قوله عليه السلام وأنت تريد ان تصلي بأذانه إرادة صورة الانفراد ولكن لا يخفى ما في كلا الاشعارين من الضعف فالأولى
الاستدلال لاطلاق الحكم بحيث يعم كلا الفرضين بخبر عمرو بن خالد فان قوله عليه السلام يجزيكم أذان جاركم بحسب الظاهر مسوق لبيان الاطلاق وتقييده بأذان الجار جار مجرى
العادة بلحاظ خصوصية المورد كما يؤيده التعبير بالمضارع ونسبة الاجزاء وإضافة الجار إليهم فلو كان المقصود بيان الكفاية في خصوص المورد لكان المناسب ان يقول
أجزاني أو اجزئنا أذان جاري كما يؤيده أيضا قوله عليه السلام في خبر أبي مريم واني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم الخ فإنه مشعر بان مناط الكفاية هو مجرد سماع الأذان الصادر
من جعفر عليه السلام من حيث هو لا لخصوصية فيه ككونه أذان جماعة أو فرادى أو غير ذلك من الخصوصيات كما أنه يستشعر من قوله عليه السلام فأجزاني ذلك بل يستظهر منه كفايته له أولا
وبالذات ولن يصلي بصلاته ثانيا وبالتبع فمن هنا صح ان يدعى دلالة الرواية على كفايته له لو صلى وحده بالفحوى من غير حاجة لاثباته إلى دعوى الأولوية الخارجية حتى يتطرق
إليها بعض التشكيكات الواهية كما صدر من بعض فليتأمل وقد ظهر بما ذكرنا ان الأظهر جواز الاجتزاء للامام والمنفرد بسماع أذان مؤذن وان كان ذلك المؤذن
منفردا بأذانه وصلاته نعم لا يجتزي في الجماعة بسماع المأموم أذان مؤذن دون الإمام إذ لا دليل عليه واما لو اذن بعض المأمومين أو شخص اخر للجماعة
وقلنا بكفايته وان لم يسمعه الإمام فهو خارج عن محل الكلام إذ العبرة حينئذ بأذان ذلك البعض لا بسماع من عداه ثم إن الإقامة كالأذان فيما ذكر لأن الخبرين
الذين هما عمدتا مستند الحكم صريحان في ذلك فما ربما يستشعر من المتن وغيره من اختصاصه بالأذان فعله غير مراد لهم بل يحتمل قويا ان يكون مرادهم بالأذان ما يعم
الإقامة والله العالم ثم إن المتبادر من النصوص كفتاوي الأصحاب كون الاجتزاء بالأذان المسموع من باب التوسعة والترخيص لا العزيمة فلا يبعد ان يكون
اعادته أفضل وربما يظهر من خبر أبي مريم اعتبار في لتكلم بعد سماع الأذان والإقامة حتى يصلي والأولى حمله على كراهة الكلام بعد سماع الإقامة كنفسها
الا فيما يتعلق بتدبير المصلين كما يشهد لذلك قوله عليه السلام بعد سماع الإقامة في خبر عمرو بن خالد قوموا وهل يعتبر سماع جميع فصول الأذان والإقامة أم يكفي سماعها في الجملة
وجهان بل قولان أشبههما وأحوطهما الأول اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على القدر المتيقن ولان سماع الأذان ليس بأعظم من نفسه وحيث لا يجوز الاجتزاء ببعض
فصوله فكيف يجتزي بسماع بعضه وأيضا لو كان سماع البعض كافيا لم يكن يجب عليه اتمام ما نقص المؤذن الذي يريد ان يصلي بأذانه إذ لا فرق لدى التحقيق بين
عدم سماع جزء وبين عدم صدور ذلك الجزء من المؤذن إذ العبرة من يريد الاكتفاء بأذان مؤذن بسماعه لأذانه لا بدور الأذان منه من حيث هو ويتوجه على هذا الوجه
وسابقه ان الأذان الناقص فاسد في حد ذاته فلا يجوز الاكتفاء بسماعه الا إذا أتم ما نقص منه المؤذن والا فليس سماعه بأكمل من نفسه المفروض كونه ناقصا وهذا
بخلاف ما لو كان هو في حد ذاته تاما فلا استبعاد حينئذ في أن يكون مجزيا لكل من سمعه ولو في الجملة فقياس سماع بعض الأذان الصحيح على نفس ذلك ابعض الذي هو في حد ذاته
ليس بأذان صحيح قياس مع الفارق فعمدة المستند لهذا القول هو الوجه الأول وهو الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على المتيقن ويمكن الخدشة فيه أيضا بان مقتضى
اطلاق قوله عليه السلام في خبر عمرو بن خالد يجزيكم أذان جاركم كفايته مطلقا غاية الأمر انه علم بقرينة مورده وغيره من المشاهد الخارجية ان ليس المقصود به كفاية مجرد صدور
الإقامة من الجار بل كفايته على تقدير سماعة والغالب المتعارف في السماع خصوصا في الإقامة التي ليس المتعارف فيها رفع الصوت انما هو سماعة في الجملة لا سماع جميع
الفصول مفصلا كما أن من المستبعد جدا ان يكون أبا جعفر عليه السلام سمع جميع فصول الأذان والإقامة من جعفر عليه السلام عند مروره به كما في خبر أبي مريم فان هذا لا يجتمع
مع المرور بحسب العادة فالعادة تقضي بأنه لم يسمعهما منه حال مروره الا في الجملة فمن هنا قد يترجح في النظر قوة القول الثاني ولكن الأقوى ما عرفت فان اطلاق خبر عمرو
غير مراد جزما بل المقصود به كفايته على تقدير السماع كما تقدمت الإشارة إليه وما ادعيناه من أن الغالب المتعارف في سماع إقامة الجار ليس الا سماعها في الجملة لو سلم
فليس بحيث يعين ارادته من الرواية واما ما في خبر أبي مريم من سماع أبي جعفر عليه السلام أذان جعفر عليه السلام وإقامته فهو نقل قضية في واقعة واستبعاد سماع مجموعهما حال مروره
به استبعاد بعيد إذ لا يبعد ان يكون مروره في تلك الواقعة مع الثاني على خلاف المتعارف أو مع توقف ما في أثناء المرور بحيث لا ينافيه صدق المرور به أو اسراع جعفر
عليه السلام في أذانه وإقامته مع رفع صوته بالأذان بحيث سمعه من بعيد قبل ان يقرب منه ثم سمع الإقامة إلى أن تباعد منه والحاصل انه لا ينبغي الاعتناء
بمثل هذا الاستبعادات في رفع اليد عن مقتضيات الأصول فمقتضى الأصل عدم سقوط التكليف بالأذان أو الإقامة بسماع بعضهما نعم لو سمع البعض واتى
بالباقي أمكن القول بكفايته بدعوى القطع بالمناط وان الاتيان بالباقي قولا ليس بأدون من سماعة مع أن الملفق من السماع والقول في مثل الفرض أولى بالصحة
مما دلت على صحته صحيحة ابن سنان المتقدمة فليتأمل ثم إن ظاهر الأصحاب بل غير واحد منهم في لفرق ما بين أذان الصلاة وأذان الاعلام في جواز الاكتفاء
بسماعه الصلاة ولعله لفهم المناط واستفادته من اطلاق قوله عليه السلام يجزيكم أذان جاركم فان وروده في أذان الصلاة لا يقتضي اختصاص المراد به فلا ينبغي
الاستشكال فيه خصوصا بعد اعتضاده بما عرفت ولا يشترط في اجزاء السماع حكاية السامع لاطلاق النص والفتوى بل ظهورهما في العدم فما عن الشهيد في النفلية
من اشتراطه محل نظر تنبيه لو اذن الإمام واقام لصلاته جماعة سقط التكليف بهما عن المأمومين وان لم يسمعهما أحد منهم بل كان قبل حضورهم كما
يشهد له خبر أبي مريم المتقدم الدال على كفاية سماعة للأذان في الجماعة فان أذانه بنفسه أولى من السماع بلا شبهة بل قد أشرنا انفا إلى أنه يفهم من قوله عليه السلام فأجزاني
ذلك جوابا لقولهم صليت بنا بلا أذان ولا إقامة تبعية صلاتهم لصلاته وان العبرة بوقوع صلاته بأذان وإقامة فلا مدخلية حينئذ لحضورهم أو سماعهم في ذلك
230

ولا ينافي ذلك كون إرادة الجماعة حين الأذان أو سماعة معتبرة في سقوط التكليف بأذان الجماعة الذي هو أشد استحبابا من أذان المنفرد حيث إن طلبه اكد
فيغائر الطلب المتعلق بالأذان للمنفرد فيمكن بقائه مع حصول الأذان لا بهذا القصد فمن هنا يتطرق الخدشة في الاستدلال بهذه الرواية الكفاية أذان المنفرد
فيما لو بدا له بعد ان أذن بنية الانفراد ان يصلي جماعة كما تقدمت الإشارة إليه في محله ولو اذن أو أقام بعض المأمومين للجماعة أجزء بلا شبهة لاستقرار السيرة
عليه من صدر الشريعة فضلا عن شهادة النصوص والفتاوي بذلك وهل يعتبر في ذلك سماع الإمام كما يظهر من الجواهر وربما يؤمي إليه بعض عبائر الحدائق وجهان
أقواهما العدم لاستقرار السيرة على مغائرة المؤذن والمقيم للامام وعدم تقيد الإمام كغيره من المأمومين بسماعة فربما يشتغل حالهما بالنافلة وغيرها من
الاشغال الموجبة لغفلته عن الأذان بل قد يكون أطرش بل ربما يؤذن المؤذن قبل حضوره والحاصل ان السيرة مستقرة على الاكتفاء في الجماعة بأذان من
يؤذن لها من غير اشتراطه بحضور الإمام أو سماعة واحتمال كونها ناشئة من عدم المبالاة يدفعه التدبر في الآثار حيث يظهر منها ان الامر كان كذلك من
صدر الشريعة وكفاك شاهدا على ذلك ما رواه الصدق وباسناده عن حفص بن سالم انه سأل أبا عبد الله عليه السلام إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة أيقوم الناس
على أرجلهم أو يجلسون حتى يجيئ امامهم قال لا بل يقومون على أرجلهم فان جاء امامهم والا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم وخبر معاوية بن شريح عن أبي عبد الله
عليه السلام في حديث قال إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد ان يقوموا على أرجلهم ويقدموا بعضهم ولا ينتظروا الإمام قال قلت وان كان
الإمام هو المؤذن قال وان كان فلا ينتظرونه ويقدموا بعضهم ويؤيده أيضا قوله عليه السلام في خبر السكوني ان النبي صلى الله عليه وآله كان إذا دخل المسجد وبلال يقيم الصلاة
جلس فإنه مشعر بل ظاهر في أن بلالا كان يشتغل بالأذان والإقامة قبل مجيئ النبي صلى الله عليه وآله وانه صلى الله عليه وآله تقدير مجيئه قبل الفراغ من الإقامة كان يجلس حتى يفرغ
إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيدات فلا ينبغي الاستشكال فيه ثم إنه لو قيل باعتبار سماع الإمام فينبغي ان يجعل ذلك من قبيل شرائط صحة أذان المؤذن
وكفايته في الجماعة لا من باب الاجتزاء بسماع الإمام أذان مؤذن فان هذا الخلاف ما هو المغروس في أذهان المتشرعة بل خلاف ما يتبادر من الفتاوي والنصوص
الدالة على جواز مغائرة المؤذن والمقيم للامام كما لا يخفى ولو اذن أو أقام للجماعة من لم يكن بنفسه عازما على الصلاة ففي الاجتزاء به أو بسماعة تردد إذ لم يثبت
شرعيته والله العالم التاسعة من احدث في أثناء الأذان والإقامة تطهر استحباب بل وجوبا في الإقامة على قول وبنى ولو على القول باشتراط الطهارة
فيها على الأشبه إذ لو سملنا شرطية الطهارة اخذا بما يترائى من بعض أدلتها فلا نسلم مانعية الحدث الواقع في الأثناء عند في لتشاغل باجزائها والأفضل ان
يعيد الإقامة كما يشهد له خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن المؤذن يحدث في أذانه أو في اقامته قال إن كان
الحدث في الأذان فلا بأس وان كان في الإقامة فليتوضأ وليقم إقامة ويؤيده ما في خبر أبي هارون وغيره من انما من الصلاة العاشرة من احدث في أثناء الصلاة تطهر وأعادها
كما تسمع البحث فيه في محله إن شاء الله ولا يعيد الإقامة فان الحدث الواقع في أثناء الصلاة لا يوجب الا بطلان الصلاة فلا مقتضى لإعادة الإقامة الا ان يتكلم فيستحب
حينئذ اعادتها لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تتكلم إذا أقمت فإنك إذا تكلفت أعدت الإقامة الحادية عشر من صلى خلف امام لا يقتدي به اذن
لنفسه واقام كما يدل عليه خبر محمد بن عذافر عن أبي عبد الله عليه السلام قال اذن خلف من قرأت خلفه هذا مع أن قضية كون الاقتداء صوريا ان يجتزي إلى ما هو وظيفته من
الأذان والإقامة والقراءة وغيرها مهما أمكن وان خشي فوات الصلاة ان اذن واقام اقتصر على تكبيرتين وعلى قوله قد قامت الصلاة مقدما له على التكبيرتين مضيفا
اليهما التهليلة كما يدل عليه خبر معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام اية أو ايتان فخشي
ان هو اذن واقام ان يركع الإمام فيقل قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وليدخل في الصلاة بل ظاهره ذلك إذا خاف فوات الركعة فضلا
عن الصلاة ولعله المراد من خوف فوات الصلاة في المتن وغيره وفي المدارك بعد ان استدل للحكم المذكور بالخبر المزبور قال وينبغي العمل على صورة الرواية
وعبارة الأصحاب قاصرة عن إفادة ما تضمنه فصولا وترتيبا مع أنها ضعيفة السند ومقتضاها تقديم الذكر المستحب على القراءة الواجبة وهو مشكل جدا انتهى
وأجيب عنه بانجاز الضعف بالعمل وبأن الاستشكال في تقديم الذكر المستحب على القراءة الواجبة من قبيل الاجتهاد في مقابلة النص مع أن القراءة انما تجب
بعد دخوله في الصلاة على تقدير التمكن من فعلها فله قبل افتتاح الصلاة ان يشتغل بالمباحات فضلا عن الذكر المستحب ثم يراعى عند دخوله في الصلاة ما يقتضيه
تكليفه من القراءة وعدمها نعم ينبغي العمل على صورة الرواية وعبارة المتن ونحوه قاصرة عن افادته بل موهمة لخلافه ثم إن النسخ التي عثرت عليها مختلفة في
نقل الرواية ففي الوسائل الموجودة عندي قد قامت الصلاة بلا تكرر وفي سائر النسخ مكررا والظاهر أن هذا هو الصحيح وما في الوسائل من سهو النساخ والله العالم
وإذا أخل المؤذن بشئ من فصول الأذان استحب للمأموم التلفظ به وظاهر السياق كونه من تتمة المسألة السابقة واشكله في المدارك اما أولا فبأنه خلاف
مدلول النص وهو صحيح ابن سنان إذ اذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد ان تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه واما ثانيا فلما صرح به الأصحاب ودلت
عليه الاخبار من في لاعتداد بأذان المخالف فلا فائدة في اتيان المأموم بما تركه الإمام من الفصول اللهم الا ان
يقال إن ذلك مستحب برأسه وان كان الأذان
غير معتد به وهو حسن لو ثبت دليله واحتمل الشارح قدس سره جعل هذه المسألة منفصلة عن الكلام السابق وانها محمولة على غير المخالف كناسي بعض فصول
الأذان أو تاركه أو تارك الجهر به تقية وهو جيد من حيث المعنى لكنه بعيد من حيث اللفظ انتهى أقول ولعله أراد بمخالفته للنص عده مستحبا مع ظهور
النص في الوجوب الشرطي ويكن رفعه بان الحكم باستحبابه بملاحظة ان الأذان في حد ذاته مستحب لا انه لو اكتفى بما سمعه منه من الأذان الناقص يجزيه ولكن
231

يستحب له اتمامه حتى يتحقق التنافي عليه وبين النص وكيف كان فمستند هذا الحكم بحسب الظاهر هو الصحيح المزبور ومورده على ما هو المتبادر إلى الذهن انما
هو ما لو سمع الأذان الناقص وارد الاكتفاء به في صلاته وهو باطلاقه يعم ما لو أراد ان يصلي بأذانه منفردا أو في الجماعة اما ما كان أو مأموما كما أن اطلاقه يشمل
ما لو كان النقص سهوا أو عمدا كما في أذان المخالف الذي يترك بعض فصوله عمدا أو جهلا ولا ينافي ذلك في لاعتداد باذن المخالف إذ الاعتداد حينئذ بسماعة
لا بأذان المخالف نعم لولا ظهور النص في شمول أذان المخالف لاتجه الالتزام بعدم كفاية سماع أذانه بناء على اشتراط الايمان في المؤذن بدعوى انصراف ما دل على
كفاية الأذان إلى الأذان المشروع ولكن لا مجال لهذه الدعوى بالنسبة إلى الصحيح المزبور حيث إن المخالف المعهود منه نقص الأذان من اظهر المصاديق التي يتبادر إلى
الذهن من اطلاق النص هذا مع أن دعوى انصراف قوله عليه السلام في خبر عمرو بن خالد يجزيكم أذان جاركم عن أذان المخالف مع غلبة كون جارهم مخالفا غير مسموعة
فالأظهر جواز الاكتفاء بأذان المخالف عند سماعه واتمام ما فيه من النقص وان كان الأقوى في لاعتداد به من حيث هو والله العالم تذنيب
قد ورد استحباب الأذان أو مع الإقامة في مواضع لم يتعرض لها المصنف منها عند تولع القول كما عبر به بعض أو في الفلوات الموحشة كما في عبارة بعض
لما رواه الصدوق مرسلا عن الصادق عليه السلام أنه قال إذا تولعت بكم الغول فاذنوا وعن محاسن البرقي باسناده عن جابر الجعفي عن محمد بن علي عليهما السلام قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله إذا تغولت بكم الغيلان فاذنوا بأذان الصلاة وعن الذكرى حاكيا عن الجعفريات مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله نحوه وعن دعائم الاسلام عن علي
عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا تغولت بكم الغيلان فاذنوا بالصلاة وعن الذكرى انه بعد ان روى مرسلة الصدوق وعن الجعفريات مرسلا
عن النبي نحو خبر جابر قال ورواه العامة وفسره الهروي بان العرب تقول ان الغيلان في الفلوات ترائى للناس تغول تغولا اي تلون تلونا تضلهم عن الطريق وتهلكهم وروى في
الحديث لا غول وفيه ابطال الكلام العرب فيمكن ان يكون الأذان لدفع الخيال الذي يحصل في الفلوات وان لم يكن له حقيقة انتهى كلام الذكرى وعن النهاية
الأثيرية انه بعد ان ذكر في تفسير لا غول الوارد في الحديث بعض الكلام الذي يشبه ما تقدمت حكايته عن الهروي قال ما لفظه وقيل قوله لا غول ليس نفيا
لعين الغول ووجوده وانما فيه ابطال زعم العرب في تلونه بالصور المختلفة واغتياله فيكون المضي بقوله لا غول انه لا يستطيع ان يضل أحد أو يشهد له الحديث الاخر
لا غول ولكن السعالي سحرة الجن اي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل ومنه الحديث إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان اي ادفعوا شرها بذكر الله تعالى
انتهى وكيف كان فلا اشكال في استحباب الأذان في الحال المزبور ومنها الأذان في اذن المولود اليمنى والإقامة في اليسرى كما يدل عليه مرسلة الصدوق عن
الصادق عليه السلام قال المولود إذا ولد يؤذن في أذنه اليمنى ويقام في اليسرى ومنها الأذان في اذن من ساء خلقه كما يشهد له صحيحة هشام بن سالم أو حسنته عن أبي عبد الله
عليه السلام قال اللحم ينبت اللحم ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه ومن ساء خلقه فاذنوا في اذنه وخبر ابان الواسطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لكل شئ قرما وان
قرم الرجل اللحم ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه ومن ساء خلقه فليؤذن في أذنه اليمنى أقول في المجمع القرم بالتحريك شدة سهوة اللحم حتى لا يصبر عنه
انتهى وما في هذه الرواية من التقييد باليمنى يحمل على الأفضلية إذ لا مقتضى لتقييد الاطلاق بالمقيدات في المستحبات كما عرفته مرارا وخبر حفص عن أبي عبد الله عليه السلام
عن ابائه عن علي عليهم السلام قال كلوا اللحم فان اللحم من اللحم واللحم ينبت اللحم وقال من لم يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه فإذا ساء خلق أحدكم من انسان أو دابة فاذنوا
في اذنه الأذان كله قيل وكذا يستحب في البيت لخبر سليمان الجعفري قال سمعته يقول اذن في بيتك فإنه يطرد الشيطان ويستحب من اجل الصبيان أقول الظاهرة
انه أريد به الأذان المعهود وعن الذكرى انه عد منها الأذان المتقدم على الصبح قلت قد تقدم تحقيق المبحث فيه وقد وقع في بعض الأخبار التصريح بأنه ليس بمسنون
ولكنه ينفع الجيران فلا بأس به وفي الجواهر قال قد شاع في زماننا الأذان والإقامة خلف المسافر حتى استعمله علماء العصر فعلا وتقريرا
الا انى لم أجد به خبرا ولا من ذكره من الأصحاب انتهى أقول اما الأذان فهو متعارف عند الناس واما الإقامة فلم
أعهده عنهم وكيف كان فمستنده غير معلوم ولعله نشا من استحباب الأذان في الفلوات فتخطوا عن مورده
من باب المسامحة المعرفية والله العالم وقد فرغ من تسويد الجزء الثاني من كتاب الصلاة من
الكتاب المسمى بمصباح الفقيه مصنفه محمد رضا الهمداني في يوم الأربعاء من شهر
جمادى الثانية من سنة الف وثلاثمائة وست من الهجرة النبوية سنة 1306
232

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين الركن الثاني في افعال
الصلاة وهي واجبة ومسنونة فالواجبات ثمانية الأول النية واعتبارها في الصلاة على الظاهر من الضروريات فضلا عن انعقاد الاجماع عليه
ولكن وقع الخلاف بين الاعلام في أنها هل هي شرط للصلاة كما صرح به غير واحد أو جزء منها كما قواه آخرون وربما يظهر من المتن اختياره حيث عده من افعال
الصلاة وقد أطال البحث عنه جماعة وقواه آخرون لقلة فائدته خصوصا على القول بكفاية الداعي الذي لابد من استدامته حال الصلاة نعم على القول
بان النية المعتبرة في العبادات عبارة عن الإرادة التفصيلية المتوقفة على استحضار صورة الفعل في النفس ربما يظهر ثمرة القولين خصوصا لو قيل بجواز
تقديمها عن أول الفعل من حين الاخذ في مقدماته حيث إنه على القول بالجزئية لابد ان يراعي حين فعلها شرائط الصلاة من الطهارة والقيام والاستقبال
ونحوها بخلاف الشرطية كما لا يخفى وكيف كان فلم نعثر فيما ذكروه من أدلة الطرفين على ما يعتمد عليه ولكن
الحق انها شرط للصلاة كغيرها من التكاليف التعبدية
التي يتوقف صحتها على حصولها بقصد الإطاعة ضرورة اشترطا افعال الصلاة بصدورها عن قصد الإطاعة وعدم كونها تكاليف توصلية فلو صدر شئ
منها بلا قصد أو بقصد شئ اخر غير إطاعة الامر بالصلاة لم تصح فالنية شرط في صحة سائر الأجزاء جزما واما كونها بنفسها ملحوظة في المهية على حد سائر الأجزاء
مع قطع النظر عن اشتراط الاجزاء بحصولها عن قصد فلا دليل عليه والحاصل انه لا شبهة بل لا خلاف في أنه يشترط في صحة افعال الصلاة
انبعاثها عن إرادة الإطاعة واما كون إرادة الإطاعة بهذه الافعال من حيث هي مأخوذة في مهية الصلاة على سبيل الجزئية بحيث تكون هي في حد ذاتها مع
قطع النظر عن متعلقاتها مقصودة بالطلب فلا دليل عليه وكفاك شاهدا على ما ادعيناه من تسالمهم على اشتراط وقوع الافعال بعنوان الإطاعة المتوقفة
على القصد التدبر في كلماتهم عند البحث عن انه هل يعتبر في صحة الصلاة وغيرها من العبادات استحضار صورة العبادة ووجهها من الوجوب والندب وغيرهما من التفاصيل
فإنهم بنوا اعتبار التفاصيل وعدمها على كفاية ايجاد المأمور به بداعي الامر في صدق الإطاعة المعتبرة في صحة العبادة وعدمها فلو كان القصد في حد ذاته جزءا
خارجيا معتبرا في مهية العبادة لم يكن دعوى صدق الإطاعة على ايجاد المأمور به بداعي امره مجدية في نفي شئ من هذه التفاصيل ولا انكاره مجديا في اثباتها كما لا
يخفى على المتأمل هذا مع أنه لو لم تكن النية شرطا لسائر الافعال للزم صحة تلك الأفعال من حيث هي عند عرائها عن القصد ومع قصد الخلاف مع أنه باطل بلا شبهة
ان قلت بطلان الجزء العاري عن القصد أو المقرون بقصد الخلاف ليس مسببا عن عرائه عن قصد إطاعة امره كي يكون هذا القصد شرطا لصحة ذلك الجزء من حيث هو
بل مسبب عن عدم ترتبه على القصد الذي هو جزء اخر للصلاة متقدم عليه في الرتبة قلت انا نفرض كونه عازما على فعل الصلاة من أول الأمر وباقيا على عزمه إلى حين
صدور هذا الفعل منه كما لو قصد فعل الصلاة ودخل فيها ثم عرض له عند إرادة السجود مثلا داع للسجود كاستماع العزائم ونحوه فسجد له من غير أن يعدل عن قصده
للصلاة أو المضي فيها فالإرادة الاجمالية التي نعبر عنها بالداعي ونعتبرها في صحة العبادة محققة في الفرض كما أن الإرادة التفصيلية التي يعتبرها القائلون بالاخطار
متحققة واستدامة حكمها التي يعتبرون بقائها إلى تمام العلم أيضا تائبة فالمانع عن صحته في الفرض ليس الا عدم انبعاث هذا الفعل الخاص عن تلك الإرادة وذلك
الداعي فليتأمل وعلى كل حال فهي ركن في الصلاة ولكن لا بمعناه المصطلح وهو ما كان تركه وزيادته عمدا وسهوا موجبا للبطلان فان زيادة النية اما غير
معقولة خصوصا على القول بشرطيتها حيث إن الزيادة لا تكون الا في الأجزاء الخارجية أو انها غير قادحة بلا شبهة بل بمعنى انه لو أخل بها وتركها عامدا أو ناسيا
لم تنعقد صلاته وقد عرفت في باب الوضوء انه ليس للنية حقيقة شرعية أو متشرعة بل هي لغة وعرفا وشرعا لإرادة والقصد كما فسرها بها المصنف رحمه الله في
الوضوء حيث قال هي إرادة تفعل بالقلب ولكن ربما وقع في عبائر القائلين بوجوب الاخطار حين الفعل تفسيرها بالصورة المخطرة التي يتوقف عليها الإرادة التفصيلية
مسامحة فنية الصلاة التي يتوقف عليها صحتها حقيقتها القصد إلى فعلها طاعة لله وتقربا إليه تعالى وهو يتوقف على استحضار مهية الصلاة وصفة الصلاة
الخاصة الواقعة في خير الطلب الذي أراد امتثاله المميزة لها عما يشاركها في المهية في الذهن اي تصورها بالخصوص كما أنه ما يتوقف على تصور غايتها التي هي الإطاعة
والتقرب فتفسيرها باستحضار صفة الصلاة في الذهن مسامحة فإنه من مقدمات النية وليس بداخل في حقيتها وانما حقيقتها القصد بها إلى فعلها
طاعة لله تعالى ولا يعتبر فيها أزيد من ذلك كما عرفت تحقيقه في باب الوضوء ولكن المشور بين الأصحاب رضوان الله عليهم اعتبار أمور أخر كالمصنف في الكتاب
حيث اعتبر القصد بها إلى أمور أربعة الوجوب أو الندب والقربة والتعيين وكونها أداء أو قضاء وقد عرفت في المبحث المشار إليه ان الوجوب والندب ونظائرهما
مما هو من لو أحق الطلب لا يعتبر قصده في مقام الامتثال وانما المعتبر تشخيص متعلق الطلب واتيانه بداعي طلبه لا تشخيص مراتب الطلب فضلا عن قصدها نعم
ربما يستغنى بقصد الوجوب والندب عن تعيين المهية المأمور بها كما لو انحصر ما هو واجب عليه في قسم خاص كصلاة العصر مثلا فقصد بفعله الصلاة الواجبة
عليه بالفعل فإنه حينئذ قاصد للمهية المأمور بها بعينها وقد تقدم تفصيل الكلام فيما يتعلق بالمقام من النقض والابرام في نية الوضوء فلا نطيل بالإعادة وملخصه انه
لا يعتبر في صدق الإطاعة التي يوقف عليه صحة العبادات الا اختيار الفعل الذي تعلق به التكليف قاصدا به الخروج عن عهدة ذلك التكليف وهذا لا يتوقف الا على
تخصيص ذلك الفعل بالقصد بتوصيفه بشئ من خواصه التي تجعله موافقا للمأمور به كي يصح اتصاف ذلك الفعل الموافق للمأمور به من حيث كونه كذلك بكونه صادرا
عن قصد واردة فالذي يعتبر في المقام انما هو تعيين القسم الخاص من الصلاة كالظهر والعصر أو نافلتهما أو الآيات أو صلاة جعفر أو الاستسقاء أو الصيد أو
233

غير ذلك وايقاعه امتثالا لامره فان هذه الصلوات حقائق مختلفة وان اتحد بعضها مع بعض صورة كما يكشف عن ذلك اختلاف اثارها بل ظهور أدلتها في
كون كل منها نوعا من الصلاة فلابد من تعيينه بالقصد ولا يكفي في متحدي الصورة الاتيان بصورتهما المشتركة وتخصيصها بأحديهما بعد الوقوع كفعل ركعتين
صالحتين لأن ينوي بهما فريضة الصبح أو نافلتها إذ لابد في إطاعة امر من القصد إلى ايجاد متعلقة حين صدوره والنية اللاحقة لا تجدي في صيرورته كذلك
كما هو واضح وليست الصلاة جماعة وفرادى نوعان مختلفان كي يعتبر تعيينهما بالقصد بل الصلاة جماعة خصوصية موجبة الأفضلية الطبيعة فصلاة الظهر مثلا طبيعة
واحدة ولكن اتيانها جماعة أفضل فهما من قبيل ما لو تعلق امر الزامي بطبيعة على الاطلاق وامر ندبي بايجادها على كيفية مخصوصة فلو أراد امتثال هذا الامر
الندبي وجب عليه القصد إلى خصوص متعلقه بان ينوي الاتيان بها جماعة والا فيقع امتثالا للامر بالطبيعة وربما يؤيد اتحادهما نوعا مضافا إلى ظهور
أدلتهما في ذلك جواز العدول عن المأمومية إلى الإمامة والانفراد وعدم جواز عكسه لو سلم فغير قادح في المدعى لما أشرنا إليه من أن كونها جماعة خصوصية زائدة
عما يتقوم به أصل الطبيعة فلا مانع من أن يكون القصد إليها من أول الصلاة شرطا في تحققها وكذلك الكلام في القصر والاتمام فان مقتضى ظواهر
أدلتهما كونهما مهية واحدة أوجب الشارع الاتيان بها مقصورة في السفر فلا يجب تعيينها بالقصد بل له في مواضع التخيير الدخول في الصلاة من غير تعيين لأحدهما بل
بانيا على اختبار أيهما أحب ولكن التعيين أحوط اما كونها أداء أو قضاء فلابد من تعيينه بالقصد اما الأداء فواضح لأن ايقاع الصلوات المؤقتة في أوقاتها من
القيود المعتبرة فيها ولا يتحقق إطاعة أوامرها الا بالقصد إلى ايجاد متعلقاتها على حسب ما تعلقت بها أوامرها واما القضاء فقد يتخيل عدم احتياجه إلى التعيين
بل يكفي عدم تعيين الأداء في صحتها قضاء نظرا إلى ما قويناه في المواقيت من أن القضاء ليس مهية مبائنة للأداء وقد جعلها الشارع تداركا لما فات من باب التعبد
بل هي بعينها تلك الصلاة الواجبة في الوقت وقد امر الشارع بايقاعها في خارجه عند فوات الوقت فايقاعها في الوقت خصوصية معتبرة فيها ولكن لا تنتفي
مطلوبتها بفوات تلك الخصوصية فهما من قبيل المطلق والمقيد فلو اشتغلت ذمته بحاضرة وفوائت من نوعها يعتبر في الحاضرة تعيينها وعند عدم تخصيصها
بالقصد تقع قضاء فلا يعتبر في القضاء قصده بل يكفي الاتيان بصلاة مطلقة من نوع ما اشتغلت به ذمته قربة إلى الله لا بقصد وقوعها أداء ولكن يدفعه
ان هذا ليس من قبيل ما لو تعلق امر بطبيعة مقيدة وامر اخر بمطلقها كي يقع الفرد المأتى به عند عدم قصد القيد امتثالا للمطلق بل من قبيل تعدد المطلوب فالمطلوب
عند التمكن من القيد هو المقيد بخصوصه وعند تعذره الفرد العاري عن القيد فهما لدى التحليل مطلوبان بطلبين مترتبين والطبيعة المطلقة التي هي القدر المشترك
بينهما ليست من حيث هي متعلقة لطلب والا لحصل امتثاله في ضمن المقيد أيضا كما في صلاة الجماعة والفرادى وبما ذكرنا من اختلاف متعلق الامرين من حيث التقييد
وتجرده عن القيد ظهر اندفاع ما قد يتوهم من أن قضية اتحاد الطبيعتين نوعا انه لو اتى بها بقصد كونها أداء بزعم دخولها الوقت فانكشف خطائه أو انكشف
براءة ذمته عنها لكونه اتيا بها قبل ذلك ان تقع قضاء عما عليه من الفوائت بناء على كفاية قصد حصول الفعل قربة إلى الله في وقوعه عبادة وسقوط الامر المتعلق
بها وان لم يكن بقصد امتثال هذا الامر بل بقصد امر وهي غير منجز عليه في الواقع كما نفينا البعد عنه في نية الوضوح نعم مقتضى هذا البناء انه لو اتى بفرد من القضاء
قاصدا به امتثال الامر المسبب عن سبب خاص كما لو زعم فوات صبح هذا اليوم فاتى بصبح قضاء قاصدا بها امتثال هذا الامر الذي زعم تنجزه عليه فانكشف عدم
كون ذمته مشغولة بها وكونها مشغولة بقضاء صبح اخر ان تقع صلاته صحيحة قضاء عن الصبح الاخر الذي كانت ذمته مشغولة بها ولكن الاعتماد على هذا البناء لا
يخلو عن اشكال وان كان أوفق بالقواعد التي أسسناها في مبحث النية فليتأمل ثم لا يخفى عليك ان ثمرة اعتبار قصد التعيين انما تظهر فيما إذا تنجز في حقه التكليف بالأمور
المختلفة وكان قاصدا لامتثالها والا فيكفي في التعيين قصد امتثال الامر المنجز عليه إذا كان متحدا أو قصد امتثال امر خاص من تلك الأوامر كالأمر الوجوبي
أو الامر المسبب عن السبب الكذائي أو نحو ذلك فان قصد امتثال الامر الخاص بالفعل المأتى به يلزمه القصد إلى ايقاع ذلك الفعل بحيث يقع إطاعة
لهذا الامر فيكون صدوره بهذا الوجه مقصودا للفاعل وهذا هو المقصود بالأصالة من اعتبار التعيين كما هو واضح تنبيه لو شك في كون صلاتين
تعلق بهما التكليف متحدتين بالنوع كصلاة الحاجة أو الاستخارة مثلا بان شك في أن المطلوب بهما ايقاع طلب الحاجة والاستخارة عقيب التطوع بركعتين
مطلقا من دون ملاحظة خصوصية في صلاتهما أو ان كلا منهما نوع خاص من الصلاة وجب تعيينهما بالقصد فان احتمال كون ما تعلق به القصد اي القدر المشترك
بينهما موافقا للمأمور به لا يجدي في مقام الإطاعة بل لابد من القطع بصدور ما تعلق به الامر بخصوصه عن قصد وإرادة حتى يقطع بحصول الإطاعة المعلوم
اعتبارها في صحة العبادة وسقوط التكليف المتعلق بها ولا يصح نفي اعتبار الخصوصية بالأصل كي يكون الأصل الجاري فيه حاكما على قاعدة الشغل مثلا لو
دل الدليل على وجوب غسل الحيض عند حدوث سببه وغسل المس كذلك فحصل سبباهما وتنجز التكليف بهما وشك في أن إضافة الغسل إلى سببيهما تقييدية
كي يعتبر قصدهما في مقام الامتثال أو تعليليه كي لا يعتبر ذلك فإن لم نقل بظهور اللفظ في أحد الامرين لا يمكن احرازه بالأصل إذ لا يترتب على اعتبار الخصوصية
قيدا كلفه زائدة في مقام العمل على ما يقتضيه الالزام بفردين من طبيعة الغسل كي ينفيها الأصل عدى وجوب قصدها في مقام الإطاعة المعلوم اعتبارها في
سقوط التكليف فما لم يحصل كل من الغسلين بقصده بالخصوص لا يعلم بإطاعة امره وسقوط التكليف المتعلق به فلا يقاس ما نحن فيه مسألة الشك في الشرطية
والجزئية أو التعيين والتخيير ولا بمسألة الشك في اعتبار قصد الوجه أو الجزم في النية ونحوه حيث قوينا الرجوع إلى البراءة في تلك المسائل لرجوعها إلى
الشك في أصل التكليف كما حققناه في محله بخلاف المقام فليتأمل ولا عبرة باللفظ في النية فإنها من فعل القلب لا مدخلية للألفاظ فيها فلو جرى على لسانه
234

خلاف ما عقد عليه قلبه لا يعتني بلفظه ووقتها على المشهور بين المتقدمين عند أول جزء التكبير ولكنك عرفت في مبحث الوضوء وكذا التيمم انه ان بنينا
على أن النية اسم عرفا وشرعا لخصوص الإرادة التفصيلية المتوقفة على الاخطار كما عليه المشهور فليس لها وقت محدود إذ المدار في صحة العبارة كما حققناه في
نية الوضوء صدورها عن قصد وإرادة بحيث يصح اتصافها للمكلف وهذا لا يتوقف على عزم تفصيلي مقارن الأول جزء من العمل كما نراه بالوجدان في
سائر أفعالنا الاختيارية الموجبة لاستحقاق المدح والذم بل يكفي في اتصاف الفعل بكونه كذلك انبعاثه عن عزم وإرادة متقدمة عليه سواء كانت الإرادة التفصيلية
الباعثة عليه مقارنة لأول جزء منه أو مفصولة عنه ولو قبل اياد مقدماته ولكن لا يتحقق الانبعاث عن تلك الإرادة السابقة المنبعثة عن قصور الفعل
وغايته الا إذا بقيت تلك الإرادة في النفس بنحو من الاجمال بان لم يرتدع ولم يذهل عنها بالمرة حتى يعقل تأثيرها في ايجاد الفعل واتصافه بكونه منويا فالمعتبر
حين الفعل انما هو وجود الداعي إليه الذي هو أعم من الإرادة التفصيلية والاجمالية ولذا شاع في السنة المتأخرين تفسير النية المعتبرة في العبادة بالداعي
ولكن قد يقال بان هذا خلاف ما يتبادر منها وانما هي في العرف اسم لخصوص الإرادة التفصيلية ولكن لا يشترط في اتصاف الفعل بكونه منويا اقترانه بها وانما
المعتبر بقاء اثرها إلى حين صدور الفعل فلا يشترط في نية الصلاة المقارنة وانما يجب استمرار حكمها إلى اخر الصلاة كي يصح اتصافها بكون مجموعها اختيارية
وهو الجري على حسب ما يقتضيه تلك النية فحكمها عبارة عن باعثيتها على الفعل كما تقدمت الإشارة إليه وتفسيره بان لا ينقض النية الأولى لا يخلو عن
مسامحة ضرورة ان الامر العدمي لا يصلح ان يكون تفسيرا لاستمرار حكمها (فهو من باب تفسير الشئ يلازمه
هذا مع أنه قد يتخلف ذلك عن استمرار حكمها) فإنه قد لا ينقض النية الأولى ولكن يذهل عنها بالمرة أو يصدر منه بعض الاجزاء
اضطرارا من غير أن يكون من اثار تلك الإرادة فالأولى تفسيره بما ذكرنا واما ان قلنا بان النية اسم للأعم من الإرادة التفصيلية ومن الامر الاجمالي الباقي في
النفس المؤثر في صدور الفعل شيئا فشيئا فلا يختص اعتبارها بأول جزء من الصلاة بل يعتبر استدامتها إلى اخر العمل ولا ينافي ذلك ما في جملة من الاخبار من أنه
لو زعم في أثناء صلاة انه في غيرها فاتى بباقي اجزائها بنية ذلك الغير وقعت من الأولى كخبر عبد الله بن المغيرة المروي عن الكافي قال في كتاب حريز أنه قال إني
نسيت اني في صلاة فريضة حتى ركعت وانا أنويها تطوعا قال فقال عليه السلام هي التي قمت فيها إذا كنت قمت وأنت تنوي فريضة ثم دخلك الشك فأنت
في الفريضة وان كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة وان كنت دخلت في فريضة ثم ذكرت نافلة كانت عليك فامض في الفريضة وخبر يونس
عن معاوية قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسهى فظن أنها نافلة أو في النافلة فظن أنها مكتوبة قال عليه السلام هي على ما افتتح الصلاة عليه
وخبر عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة وهو ينوي انها نافلة فقال هي التي قمت فيها ولها وقال إذا
قمت وأنت تنوي الفريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة على الذي قمت له وان كنت دخلت فيها وأنت تنوي نافلة ثم انك تنويها بعد فريضة فأنت في
النافلة وانما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدء في أول صلاته فان مورد هذه الروايات كما هو صريح بعضها وظاهر بعض انما هو ما لو نوى خلاف نية الأولى خطأ
فهو لدى التحليل عازم على اتمام ما دخل فيه ولكنه أخطأ في تشخيصه فلا عبرة بخطائه وانما العبرة بما هو عليه في الواقع فيقع ما اتى به بنية الخلاف جزء له لكونه بهذا
العنوان مقصودا له فلا ينافي ذلك اعتبار استدامتها حقيقة أو حكما نعم قد يقال بان مقتضى عموم الجواب في بعض هذه الأخبار وظهورها في مقام اعطاء
الضابط كقوله عليه السلام في خبر ابن المغيرة هي التي قمت فيها وفي خبر يونس هي على ما افتتح الصلاة عليه وفي خبر ابن أبي يعفور انما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول
صلاته شموله لصورة العمد أيضا كما لو نواها عمدا نافلة وقضاء بزعم جواز العدول وهذا ينافي اعتبار استدامتها حقيقة أو حكما ويدفعه ان المتبادر منها ارادته
في صورة الخطاء كما هي موردها وعلى تقدير تسليم شمولها لصورة العمد ونحوها مما لا يبقى معه استدامتها حقيقة أو حكما فهو حكم خاص تعبدي يقتصر على مورده
وهو ما لو اتى بجميع الاجزاء بقصد الصلاة ولكن قصد ببعضها صلاة غير ما نواها ابتداء فلا يتعدى عنه إلى صورة خلوة عن القصد بالمرة أو قصد امر اخر غير
الصلاة ولو على سبيل التشريك بالجمع بين قصد الغير وقصد جزئيته من الصلاة فان هذا أيضا كقصد الغير ينافي في اعتبار انبعاث الجميع عن تلك الإرادة الباعثة له
على الفعل في الابتداء كما هو معنى الاستدامة التي ادعى على اعتبارها الاجماع وقضى به الأدلة الدالة على اعتبار القصد فيها القاضية باعتباره في مجموعها
ولكن قوى في الجواهر الصحة مع قصد الجميع فإنه بعد ان قوى البطلان فيما لو نوى بالجزء انه قضاء عن فعل اخر مثلا بعد رفع اليد عن كونه جزء للكل الذي نواه
قال ما لفظه اما لو جمع بأن نوى به القضاء مثلا مع كونه جزء مما في يده من الصلاة الأدائية تخيلا منه جواز ذلك أو كان لغوا فقد يقوى الصحة للأصل وتبعية
نية الجزء لنية الكل فلا يؤثر فيه مثل هذه النية وقول أبي جعفر عليه السلام في خبر وزرارة المروي عن المستطرفات لا قران بين صومين ولا قران بين صلاتين ولا قران
بين فريضة ونافلة لو سلم إرادة الجمع بالنية بين الفرضين مع القرآن فيه محمول على ابتداء الفعل لا ما إذا وقع ذلك في بعض الاجزاء انتهى وفيه ما عرفت من منافاته
لاعتبار انبعاث الجميع عن قصد الإطاعة ان أراد الجمع الموجب التشريك في الداعي كما هو الساهر من كلامه والا فغير قادح في الابتداء أيضا ومعنى تبعية نية الجزء
لنية الكل انه لا يحتاج الجزء إلى نية مستقلة لا ان قصد الخلاف أو التشريك في الداعي المنافي للاخلاص غير قادح كما هو واضح وقد ظهر لك بالتدبر فيما أسلفناه
ان المقصود باشتراط استمرار الداعي الذي هو لدى التحقيق إرادة اجمالية انما هو اعتبار وقوع جميع اجزاء العبادة بداعي امتثال الامر الذي قصد اطاعته وعدم
خلو شئ منها عن ذلك ولا شبهة في اعتبار الاستمرار بهذا المعنى فإنه يدل عليه جمع ما دل على اعتبار النية في الصلاة وقد حكى عن الايضاح دعوى اجماع المسلمين
عليه واما الاستمرار بمعنى ان لا يحدث في أن من انات العمل وان لم يكن مشتغلا بجزء منه ما ينافي النية الأولى فلا دليل على اعتباره فلو نوى في الأثناء الخروج
235

من الصلاة ثم رفض ذلك قبل ان يقع منه شئ من افعال الصلاة وعاد إليه النية الأولى لم تبطل على الأظهر كما ذهب إليه المصنف وغيره وحكى عن جماعة من القدماء
والمتأخرين بل ربما نسب إلى المشهور القول بالبطلان واستدل له بان النية الأولى إذا زالت فان جددت اختل شرطها وهي المقارنة لأول العمل والا
فقد أصلها في باقي الاجزاء وانه بعد رفع اليد عن النية الأولى خرجت الأجزاء السابقة عن قابلية انضمام الباقي إليها وان استمرار حكم النية شرط اجماعا
وقد زال وان ظاهر قوله عليه السلام لا صلاة إلى بظهور والا إلى القبلة عدم جواز خلوان من انات العمل عن النية كالظهور والقبلة وانه حين
نوى الخروج خرج من الصلاة إذ لا يشترط في الخروج فعل مخل بها بل العمدة هي نية الخروج فلابد من دخول مجدد فيها بنية وتكبيرة مجددتين ولان نية الخروج
موجب لوقوع باقي الافعال بلا نية وأجيب عن الجميع اما عن الأول فبأن المسلم وجوب مقارنة نية تمام العمل للتكبير لا النية المجددة للأبعاض الباقية
بل اللازم مقارنتها لأولها واما عن الثاني فبانها مصادرة واما عن الثالث فيمنع تحقق الاجماع على الاستمرار بهذا المعنى واما عن الرابع فبأن الظاهر
منه وجوب تلبس كل جزء بنية لا تلبسه في كل ان بنية الكل نظير التلبس بالطهور لأنه غير متصور هنا واما دعوى كون كل ان من الانات المتخللة بين الاجزاء
معدودا من اجزاء الصلاة فهي ممنوعة كما لا يخفى عن من لاحظ تحديد افعال الصلاة في كلام الشارع والمتشرعة واما عن الخامس فيمنع تحقق الخروج شرعا
بمعنى الانقطاع بمجرد نيته لأن القواطع محصورة وصدق الخروج عرفا لا يقتضي الانقطاع لحكمهم بعد العود إلى الباقي بتحقق الصلاة الذي هو المدار في الامتثال
إذ لم يرد من الشرع اعتبار امر اخر وجودا أو عدما واما عن السادس فبانه ان أريد وقوع باقي الاجزاء بلا نية مستمرة من الابتداء فبطلانه ممنوع وان أريد
وقوعها بلا نية أصلا فليس الكلام الا فيما جدد النية لها أقول ويتوجه على الأدلة المزبورة مضافا إلى ما ذكر
النقض بسائر العبادات كما لو وضوء
وغيره فان مقتضى جل تلك الأدلة ان لم يكن كلها اطراد الحكم في الجميع مع أنهم بحسب الظاهر لا يلتزمون به فعمده ما يوقع الوسوسة في النفس في خصوص الصلاة
هي ان للصلاة هيئة اتصالية اعتبرها الشارع فيها وعبر عما فيها بالقواطع فمتى دخل المصلي في صلاته وجب ان يبقي فيها ولا يخرج منها الا بما جعله الله
تعالى مخرجا اي التسليم فهو ما لم يخرج يكون مصليا سواء اشتغل بشئ من اجزائها أم لا ولذا يجب عليه عند عدم اشتغاله بالاجزاء أيضا رعاية سائر
الشرائط المعتبرة فيها كالطهارة والاستقبال فمتى نوى الخروج في الأثناء فاما ان يتحقق به الخروج فينقطع به صلاته والا فتفسد من حيث الاخلال بالقصد
لأنه يكون حينئذ مصليا بلا قصد وهو غير صحيح ويمكن ارجاع بعض الأدلة المزبورة إلى ذلك وكيف كان فيظهر اندفاع هذا الكلام بالتدبر في كلام المجيب
لأنا نختار انه لا يخرج بنية الخروج عن الصلاة لا بمعنى انه بالفصل متشاغل بها بل بمعنى ان قصده للخروج غير موجب لانقطاع صلاته وخروجه عنها فحاله
حينئذ ليس الا كحاله عند سكوته في الأثناء أو تشاغله ببعض الافعال الغير الموجبة شرعا أو عرفا لقطع الصلاة ممالا يخل بالموالاة المعتبرة في صدق كونه متلبسا
بالصلاة فهذه الأكوان المتخللة بين اجزاء الصلاة مما يشتغل فيها بسائر الاعمال كقتل العقرب أو تناول العصار أو المشي والجلوس ونحوه خارجه في الحقيقة عن
حقيقة الصلاة قطعا ولذا جاز تركها لا إلى بدل ولم يقع في شئ من الأدلة المبينة لاجزاء الصلاة التعرض لها ولكنها غير مانعة عن صدق اسم المصلي كصدق
اسم المتكلم والقاري على المتلبس بالكلام في الإناث المتخللة بين اجزائها الغير المانعة عن اتصال بعضها ببعض في العرف فمختار في المقام انه عند قصده للخروج
ما لم يأت بمخرج ولو الفصل الطويل باق على ما كان من كونه متلبسا بالصلاة ولا دليل على اعتبار النية في الصلاة ما دام كونه مصليا اي متلبسا بها غير
خارج منها كما في سائر الشرائط التي علم ذلك بالنسبة إليها من أدلتها أو من الخارج وانما الدليل دل على أنه يعتبر في الصلاة صدورها عن نية لا انه يعتبر فيها
كونه ناويا لفعلها ما دام تلبسه بها كي يصح ان يقال إن حال التبس بها أعم عرفا من حال التشاغل بنفس الاجزاء كما في مثال التكلم والقراءة فما هو داخل في
حقيقة الصلاة يجب صدوره عن نية وقد أشرنا إلى أن الأكوان المتخللة خارجه عن حقيقتها ولذا لا يجوز الاتيان بها بعنوان الجزئية لكونه تشريعا بلا شبهة و
بهذا ظهر لك جواب اخر عن الاستدلال للمشهور بان الأكوان غير خارجه عن الصلاة فهي من اجزائها فيجب اقترانها بالقصد إذ لو كانت من اجزائها لجاز
الاتيان بها على هذا الوجه مع أنه لا يظن بأحد الالتزام به والمشهور استدامة النية حالها لا الاتيان بها بقصد الجزئية كما لا يخفى وقد يستدل أيضا للمشهور
بقاعدة الشغل وفيه ما تقرره في محله من أن المرجع عند الشك في الشرطية البراءة لا الاحتياط فالحق عدم اشتراط استمرار النية بالمعنى المزبور لعدم الدليل
عليه وقد يستدل له أيضا باستصحاب الصحة وبعموم قوله تعالى لا تبطلوا اعمالكم وقوله عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة وبقوله عليه السلام تحريمها التكبير
وتحليلها التسليم فإنه ظاهر في حصول الجنس بتكبيرة الاحرام وانه لا يفكه منه الا ما جعله الشارع سببا للفك ودعوى كون ذلك من ابطال العمل كالحدث
ونحوه فيرتفع الجنس الذي مداره العمل الصحيح محتاجة إلى الدليل على كون ذلك مبطلا بل قد يومى حصر التحليل بالتسليم باعتبار كونه منافيا للصلاة إلى عدم
الخروج بنية الخروج التي قيل بوجوبها مقارنة إذ لو كان قصد الخروج مخرجا امتنع الخروج بالتسليم لكونه مسبوقا بنية ونوقش في الجميع اما في
الأول فلان المستصحب ان كان صحة الأجزاء السابقة فلا يجدي القطع مع الشك في امكان انضمام الباقي إليها مستجمعة للشروط لأجل الشك في
شرطية الاستمرار بالمعنى المبحوث عنه الذي لا يقبل التدارك بعد نية الخروج فضلا عن استصحابها وان كان صحة الكل فلم يتحقق بعد هذا ولكنك ستعرف
في مبحث الخلل انشاء الله امكان توجيه هذا الأصل ببعض التقريبات التي ربما يؤل إليها استصحاب وجوب الاتمام الذي قد يتمسك به في نظائر المقام
وان كان قد يناقش في هذا الأصل أيضا بالشك في كون الباقي اتماما لامكان كون الاستمرار من جملته انه على تقدير تسليمه لا يجدي في اثبات الصحة وعدم
236

وجوب الإعادة الا على القول بالأصل المثبت الذي هو خلاف التحقيق ولكنك ستعرف اندفاعهما بما لا يهمنا الإطالة في ايضاحه في المقام الذي لا حاجة
لنا إلى مثل هذه الأصول واما في الثاني بعد الغض عن بعض المناقشات في دلالة الآية على أصل الحكم فبأن العموم انما يصح التمسك به بعد احراز كون
رفع اليد عن هذه الصلاة ابطالا فلعله بطلان وانقطاع لا قطع وابطال وبهذا ظهر عدم صحة التمسك باستصحاب حرمة قطع الصلاة وابطالها للشك في
تحقق موضوعها بعد نية الخروج مع أنه لو سلم لا يجدي في اثبات صحتها الا على القول بالأصل المثبت كما لا يخفى واما لا تعاد الصلاة فهي مسوقة لبيان
عدم اختلال الصلاة بالاخلال بشئ مما اعتبر في الصلاة مما عدى الخمسة سهوا كما بين في محله فهو أجنبي عما نحن فيه واما قوله تحليلها التسليم فهو مسوق
لبيان الصلاة المستجمعة لشرائط الصحة بتحقق الخروج عنها بالتسليم لا حصر مبطلات الصلاة وقواطعها بالتسليم واما ما ذكر ثانيا في تقريب الاستدلال
من أن التسليم مسبوق قصد الخروج فيجب ان لا يكون قصده موجبا للخروج ففيه ان التسليم مسبوق بنية الخروج به لا مطلقا وكيف كان فعمدة المستند هي
في لدليل على اعتبار استمرار النية بالمعنى المزبور والرجوع على تقدير الشك فيه أو في مانعية نية الخروج إلى البراءة ان قلنا برجوع الشك في المانعية
أيضا إلى الشك في شرطية العدم والا ففيه إلى اصالة في لمانع كما تقرر في محله وتقدم في مسألة الصلاة فيما يشك في كونه مما لا يؤكل لحمه مزيد توضيح
وتحقيق لذلك فراجع ومما ذكرنا يظهر الحال فيما لو تردد في القطع وعدمه فإنه أولى بالصحة مما لو نوى الخروج نعم بناء على اعتبار استمرار النية بالمعنى المبحوث
عنه اتجه البطلان فان المتردد في الشئ ليس بعازم عليه اللهم الا ان يفسر الاستدامة الحكمية التي اعتبرها المشهور بعدم قصد ما ينافي النية الأولى فعلى
هذا ليس التردد في القطع منافيا لها إذ لا يتحقق معه قصد غير الصلاة كما هو واضح هذا كله فيما لو لم يأت بشئ من افعال الصلاة ما دام ناويا للخروج أو
مترددا في القطع واما لو اتى بشئ منها والحال هذه فلا يقع ذلك جزء من صلاته اما على الأول فواضح لما عرفت من اشتراط انبعاث اجزاء الصلاة بأسرها
عن قصد إطاعة امرها وهذا ممتنع في حق من ليس بعازم على الصلاة فضلا عما إذا كان عازما على العدم فيجب ان يكون صدوره عنه اما لا عن اختيار
أو بداع اخر غير إرادة امتثال الامر بالكل فلو اقتصر عليه بعد ان رجع إلى نيته الأولى فسدت صلاته من حيث النقيصة ولو اتى به ثانيا فقد يقال أيضا
ببطلانها لاستلزامه الزيادة العمدية وفيه نظر بل منع لما ستعرف في محله من اعتبار قصد الجزئية في تحقق عنوان الزيادة وهو منتف في الفرض وتمام الكلام فيه وفي دفع
بعض النقوض الواردة عليه موكول إلى محله واما على الثاني وهو ما لو اتى بشئ من افعالها مع التردد في القطع فكذلك على المشهور من اشتراط الجزم في
النية في صحة العبادة ولكنك عرفت في نية الوضوء انه لا يخلو عن تأمل فان بنينا على عدم اعتبار الجزم في النية ولم نعتبر استدامتها بالمعنى المتقدم اتجه القول
بكفاية ما اتى به حال التردد في القطع إذ لا يصدر منه الجزء في هذا الحال الا بقصد جزئيته للصلاة المأتى بها بنية التقرب على تقدير عدم قطعها فلا قصور
في عزمه الا من حيث الجزم فليتأمل ولو نوى في الركعة الأولى مثلا الخروج في الثانية فعن القواعد ان الوجه في لبطلان ان رفض هذا القصد قبل البلوغ إلى
الثانية وهو بظاهره بل صريحه يشمل صورة الاشتغال وهو ضعيف كما ذكره شيخنا المرتضى رحمه الله لمنافاته لاستمرار النية بالمعنى الذي لا خلاف في اعتباره في صدق
الإطاعة من اشتراط انبعاث اجزاء الصلاة بأسرها عن قصد إطاعة الامر بالكل بان يكون داعية على الاتيان بالاجزاء التوصل بها إلى حصول الكل الذي
قصد امتثال امره فالعازم على قطع الصلاة في الثانية يكون كالعازم على الاكتفاء ببعض الصلاة عن أول الأمر في عدم كون ما يصدر منه منبعثا عن قصد
امتثال الامر بالكل فلا يصح وبحكمه ما لو علقه على امر معلوم الوقوع كما أنه بحكم التردد في القطع ما لو علقه على امر محتمل الوقوع وقد أشرنا انفا إلى امكان
الالتزام بصحة الاجزاء الصادرة منه في حال التردد بناء على عدم اعتبار الجزم في النية ففي المقام أولى بذلك حيث إنه بالفعل قاصد للصلاة هيهنا وقصده
للقطع تقديري بخلاف ما لو كان بالفعل مترددا في القطع فإنه بالفعل ليس بقاصد لها إذ المفروض انه متردد في القطع وعدمه ولكن يأتي بالجزء بقصده جزئيته
لها على تقدير في لقطع فقصده للصلاة حينئذ تقديري لا تحقيقي ولذا لا يخلو الجزم بصحته ولو على تقدير عدم اعتبار الجزم في النية عن اشكال ثم انا لو قلنا ببطلان
ما صدر منه حال تعليق القطع على امر محتمل الوقوع فليس منه تعليقه على ما يمتنع الامتثال معه عقلا أو شرعا كتعليقه على الموت أو الحيض فان مثل هذا التعليق
مما لا بد منه مع الالتفات وهو لا ينافي حصول الإطاعة على تقدير عدمه ولو علقه على ما لا يحتمل وقوعه فهو بحكم العدم لأنه لا ينافي الجزم في الإطاعة فضلا
عن قصدها والله العالم وكذلك أ لو نوى ان يفعل ما ينافيها كالتكلم والحدث ونحوه مما تعرفه إن شاء الله ولم يفعله لم تبطل صلاته كما عن الشيخ وغيره
بل ربما نسب إلى أكثر الأصحاب وعن القواعد اختياره على اشكال ولعل استشكاله فيما إذا كان متذكرا للمنافاة واما مع الجهل بها أو الذهول عنها فلا
ينبغي الاستشكال فيه اللهم الا ان يدعى أو خلو العبادة عن الموانع من الشرائط المعتبرة في مهيتها فيعتبر قصده ولو على سبيل الاجمال وهو ينافي العزم
على ايقاع المنافي ولكن لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الدعاوي المبتنية على مقدمات غير مسلمه بل ممنوعة فلا ينبغي الارتياب في الصحة مع الذهول واما مع الالتقاء
وتذكره للمنافاة فالأقرب انه يرجع إلى قصد الخروج كما اعترف به شيخنا المرتضى قدس سره ولذا قيد غير واحد الصحة بما إذا لم يكن متذكرا للمنافاة بل يحتمل قويا
ان يكون هذا هو مراد غيرهم أيضا ممن اطلق القول بعدم البطلان كالمتن وغيره ولكن ربما يستشعر من المدارك انه نزل كلماتهم على صورة تذكره للمنافاة فإنه بعد
ان نسب إلى الشيخ وأكثر الأصحاب القول بعدم بطلان الصلاة بنية فعل المنافي إذ لم يفعله قال وقيل بالبطلان هنا أيضا لتنافي بين إرادة الضدين وهو
ضعيف لأن تنافي الإرادتين بعد تسليمه انما يلزم منه بطلان الأولى بعروض الثانية لا بطلان الصلاة مع تجديد النية الذي هو موضع النزاع انتهى
237

فان تخصيص موضع النزاع بما لو أوقعها مع تجديد النية مشعر بالتسالم على البطلان مع في لتجديد وهذا انما يتجه مع التذكر الذي قلنا برجوعه إلى نية الخروج
واما مع الغفلة فليس قصده مانعا عن استمرار نيته الأولى كي يتوقف صحة الاجزاء المأتى بها بعد إرادة المنافي إلى تجديد النية الأولى وأنت خبير بان
كلماتهم كالنص في عدم بطلان الصلاة بنية المنافي ما لم يفعله ولو مع تشاغله بالاجزاء فالأولى حملها على إرادة صورة الغفلة وكيف كان فالأظهر امتناع
اجتماع قصد المنافي والعزم على فعل الصلاة مع التذكر والالتفات وما يقال من أن المضادة انما هي بين الفعلين لا بين إرادتيهما غاية الأمر ان ارادتهما
معا إرادة امر محال وهي غير محالة مدفوع بان العلم باستحالة المراد مانع عن العزم على ايقاعه فلا يعقل بقاء العزم على الصلاة مع القصد إلى التكلم الذي
يعلم بكونه مبطلاتها بل قصده قصد للمبطل ولذا يصدق عليه الابطال العمدي ومرجعه لدى التحليل إلى العزم على الخروج عن الصلاة بفعل المخرج كما لا يخفى على المتأمل
واما مع الجهل أو الغفلة فلا منافاة بين قصديهما فيدور البطلان حينئذ مدار فعل المنافي فان فعله بطلت والا فلا وكذا لو نوى بشئ من افعال الصلاة مما كان
معتبرا في مهيتها اي من اجزائها الواجبة الرياء أو غير الصلاة بطلت الصلاة ان مضى عليه بلا خلاف ولا اشكال وكذا ان تداركه بناء على أن تداركه يستلزم
الزيادة المبطلة إذ المفروض ان الجزء المذكور قد اتى به بعنوان الجزئية ولكنه قصد به الرياء أو غير الصلاة فهو جزء باطل من حيث اختلال شرطه وهو القربة و
الاخلاص فتبطل الصلاة لذلك ان اقتصر عليه والا فمن حيث الزيادة ولكن في صدق الزيادة بتدارك الجزء الذي وقع باطلا بعد رفع اليد عنه وكذا في ابطال
مطلق الزيادة خصوصا في مثل المقام الذي يكون الفعل الثاني الذي يقع مطابقا لامره مؤثرا في حصول عنوان الزيادة نظر بل منع كما يأتي تحقيقه في محله إن شاء الله
وربما يستدل للبطلان أيضا بمنافاة نية الرياء أو غير الصلاة بشئ من افعالها لاستمرار النية المعتبرة في الصلاة وفيه ما عرفت عند التكلم في نية الخروج من أن
المسلم انما هو انبعاث اجزاء الصلاة عن نية لا الاستمرار بمعنى اتصالها من أول الصلاة إلى اخرها فلا يقدح قصدهما بعد الرجوع إلى النية الأولى وتدارك
ما وقع بقصدهما ان لم نقل باستلزامه زيادة مبطلة وأيضا بظهور كلماتهم في الاجماع على البطلان بقصدهما وفيه ان كثيرا منهم صرحوا بعدم البطلان في الأجزاء المندوبة
ما لم يترتب عليه محذور اخر من فعل كثير أو كلام مبطل ولكنهم ربما التزموا به في الواجبات تعويلا على
الدليل المزبور من أنه لو اقتصر على المأتى به بطلت
الصلاة بفساد جزئها وان تداركه فمن حيث الزيادة فلا يكون اجماعهم في مثل الفرض على تقدير تحققه حجة على من لا يرى ذلك من الزيادة المبطلة خصوصا
مع اختلافهم في مستند الحكم كما هو واضح وأيضا بظهور الأخبار الواردة في الرياء في بطلان العمل الذي دخله الرياء مطلقا إلى غير ذلك من الأدلة التي لو تمت نعمت
الافعال المستحبة أيضا وستعرف عدم خلو شئ منها عن التأمل فالعمدة ما عرفت من أن قصدهما يوجب فساد الجزء وهو يستلزم فساد الكل لو اقتصر عليه
لو تداركه يوجب زيادة مبطلة لو سلمناها ولا فرق في بطلان الجزء المأتى به رياء بين ان يكون قصد الرياء تمام السبب الباعث عليه أو جزء السبب ولا بين
تعلقه بأصل الفعل أو بكيفياته وخصوصياته التي منها اختيار أحد فردي الواجب المخير رياء كقرائة سورة الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة أو اختيار التسبيحات
على القراءة في الأخيرتين لما عرفت في نية الوضوء وستعرف أيضا فساد العبادة التي دخلها الرياء مطلقا بل حرمتها نعم ليس من الرياء سروره برؤية
الناس فعله وجه لأن يمدح به ما لم يكن له دخل في أصل صدوره أو كيفياته كما عرفت تحقيق ذلك كله في مبحث الوضوء واما قصد غير الصلاة فإن كان
ذلك الغير من المقاصد المحرمة التي تتحد وجودا مع المأمور به كايذاء الغير برفع صوته مثلا فحاله حال الرياء في كون اتحاده مع العبادة موجبا لبطلانها مطلقا
واما ذلك كان سائغا فإنما يقدح قصده فيما إذا كان مؤثرا في صدور أصل الفعل (بان كان سببا تاما بحيث يكون قصد الجزئية للصلاة التي نوى بالتقرب تابعا له أو جزء) من السبب بحيث استند الأثر اليهما على تأمل فيما إذا كان داعي التقرب قويا
بحيث لولا الاخر لكان كافيا في البعث فإنه قد يقوى في النظر الصحة في مثل الفرض وفاقا للمحكى عن كاشف الغطاء خصوصا مع تعذر تضعيف قصد الغير وتخليص
العبادة عن الاشراك ولا سيما فيما إذا كان ذلك الغير أيضا من الأمور الراجحة شرعا فإنه لا ينبغي الارتياب فيه في هذه الصورة واما إذا كان الباعث على أصل الفعل
التقرب ولكن كان اختيار خصوصياته ككونه جهرا أو اخفاتا أو في مكان حار أو بارد أو في وقت خاص لغيره من الدواعي النفسانية ولو كانت مرجوحة ما لم تكن
محرمة فغير قادح في الصحة وكذلك لو كان ما نواه بالخصوصيات محرما ولكن لم يتحد وجودا مع المأمور به بل كان ترتبه عليه على سبيل الغائية ان لم نقل بحرمة الفعل
الذي يقصد به التوصل إلى الحرام والا فحاله حال الرياء كما تقدم شرح ذلك كله في الوضوء فلا نطيل بالإعادة ولو نوى الرياء أو غير الصلاة بشئ من مقدمات
الاجزاء كالنهوض للقيام لم تبطل على اشكال في الأول كما سيظهر وجهه وكذا لو اتى بشئ من الافعال المستحبة كرفع اليدين بالتكبير أو حال القنوت رياء لغير الصلاة
لأن بطلان الجزء المستحب لا يوجب الاخلال بالاجزاء الواجبة التي هي المناط في سقوط الطلب المتعلق بأصل الطبيعة ولو على تقدير تعلق قصده من أول الصلاة
بايقاعها في ضمن الفرد المشتمل على الجزء المستحبي فان هذا لا يجوب تعينه عليه ولذا لو تركه سهوا أو عمدا لا يقدح ذلك في حصول امتثال الامر الوجوبي المتعلق بما
عداه من الاجزاء فقصد الرياء بهذا الجزء مع قصد التقرب بجميع الأفعال الواجبة لا يزيد على ذلك وما يقال من أنه يحصل به حينئذ زيادة تشريعية ففيه منع صدق
الزيادة على الجزء المأتى به في محله فاسدا فان من أفسد قنوته برياء ونحوه لا يقال إنه زاد في صلاته قنوتا بل يقال إنه أفسد قنوت صلاته بالرياء ويتلوه في
الضعف ما قد يقال بظهور بعض الأخبار الدالة على اعتبار الاخلاص في العبادة باشتراط الخلوص فيها بحيث لا يمازجها قصد الغير خصوصا الرياء ولو بشئ
من افعالها المستحبة بل ولو بمقدماتها كقوله عليه السلام في خبر زرارة لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة فادخل فيه رضاء أحد من الناس
كان مشركا وفي رواية علي بن سالم قال الله سبحانه انا خير شريك من اشرك معي غيري في عمل لم اقبله الا ما كان خالصا لي فإنه يصدق على الصلاة التي قصد بقنوتها مثلا
238

الرياء انها عمل ادخل فيه رضاء أحد من الناس وانه اشرك مع الله تعالى غيره فيه توضيح الضعف ان المراد بادخال رضاء الغير في عمله جعله كرضاء الله غاية له لا
ادخاله فيه حقيقة ضرورة ان المرائي لا يجعل رضاء الغير داخلا في عمله بل يجعله دخيلا في السبب الباعث عليه فكما يصح ان يقال في الفرض انه اشرك مع الله تعالى
غيره في صلاته كذلك يصح ان يقال إنه اشرك في قنوته وادخل فيه رضاء أحد لأن الاجزاء العمل أيضا عمل عند العرف والعقل ومن المعلوم ان الصلاة والقنوت ليسا
مصداقين للعام على سبيل التواطؤ لاستحالة كون رياء واحد فردان من العام فصدقه عليهما على سبيل التشكيك بمعنى ان صدقه على القنوت لذاته وعلى الصلاة بواسطته
اللازمة كون كل واحد من الاجزاء بحياله موضوعا مستقلا للرواية وان لا يكون مطلوبيته لذاته أو للغير ملحوظة في صدها وحينئذ نقول كما يصدق على القنوت انه وقع لغير
الله وأشرك فيه رضاء أحد كذلك يصدق على ما عدى القنوت من التكبيرة والفاتحة والركوع والسجود وغيرها من الاجزاء انها وقعت خالصة لله فيترتب عليها امرها
وهو سقوط الامر الغيري المتعلق بكل منها بايجاده والتيام الكل بانضمامها وسقوط الامر المتعلق بمهية الكل من حيث هي نعم اثر وقوع القنوت رياء عدم انضمامه
إلى سائر الأجزاء وعدم سقوط الامر المتعلق به بفعله وعدم حصول الامتثال للامر الاستحبابي المتعلق بالفرد المشتمل عليه الذي هو من أفضل الافراد الا ان
امتثال هذا الامر كامتثال امره الغيري غير لازم والا لما جاز تركه اختيارا وهو خلاف الفرض ودعوى ان المراد من العمل في الروايات الاعمال المستقلة التي
تعلق بها امر نفسي من أنها بلا بينة يكذبها شهادة العرف بصدقها على اجزاء العمل خصوصا لو كان للاجزاء عناوين مستقلة ملحوظة بنظر العرف ولذا لا يتوهم
أحد بطلان الحج بوقوع شئ منه رياء مع امكان تداركه وعدم فوات وقته بل ولا بطلان مثل الوضوء والغسل بالرياء في جزء منه كمسح الرأس أو الرجلين عند
تداركه قبل فوات محله والى ما ذكرنا يرجع ما افاده شيخنا المرتضى رحمه الله في كتاب الطهارة في رد تخيل البطلان بالتقرب المتقدم بقوله ويدعه انه يصدق أيضا
انه اتى بأقل الواجب تقربا إلى الله تعالى ومقتضى القاعدة اعطاء كل مصداق حكمه فالمركب من حيث إن الجزء المستحب داخل في حقيقته متروك فاسد ليس له ثواب ويستحق
عليه العقاب باعتبار جزئه وما عدى ذلك الجزء من حيث إنه مصدق للكلي اتى به تقربا صحيح على أحسن الأحوال انتهى وفي كتاب الصلاة بانا لا نمنع بطلان هذه
العبادة بمعنى مخالفته للامر الخاص المستحبي المتعلق بهذا الفرد الخاص ولا يلزم منه عدم مطابقته للامر بمطلق المهية الموجودة فيه الذي هو مناط التقرب بالعمل
من حيث كونه واجبا انتهى كلامه رفع مقامه سلمنا ان المراد بالعمل هو العلم المستقل وان اجزاء العمل ليست
ملحوظة في هذه الرواية وانها بمنزلة التصريح بان من عمل
عملا وادخل في شئ من اجزائه ولو كان مستحبا رضاء أحد من الناس كان مشركا ولكن نمنع دلالتها على أن الاشراك من حيث هو كالحدث والتكلم مبطل للصلاة فان
غاية ما يمكن ادعائه انما هو اشعار الرواية أو ظهورها في أن العمل الذي خالطه الرياء يمقته الله تعالى ولا يقبله فيفسد لو كان مثل الصلاة ونحوها من العبادات
المشروطة بوقوعها لله تعالى لا من حيث كون الرياء من حيث هو مبطلا لها بل من حيث منافاته للقربة المعتبرة في صحتها أو من حيث حرمته المانعة عن وقوع
متعلقها عبادة وشئ من الحيثيتين لا يقتضيه فيما لو كان الجزء الماتى به رياء من الأجزاء المستحبة أو الواجبة ولكن لم يكتف به بل رفع اليد عنه وتداركه قبل وفوات محله
اما من حيث الحرمة فواضح حيث إن حرمة الشئ انما تمنع عن وقوع عبادة فيما لو اتحد مع المأمور به في الوجود فالقنوت المأتى به رياء يمتنع ان يقع عبادة أو جزء
عبادة دون سائر الأجزاء التي وجدت قربة إلى الله واما من حيث شرطية الاخلاق فهي أيضا كذلك حيث إن مقتضاها ليس الا اعتبار صدور مجموع الاجزاء المعتبرة في
قوام المركب خالصا لله تعالى وهذا مما لا كلام فيه ولكنه لا يقتضى بطلان العبادة من أصلها فيما هو محل الكلام كما هو واضح ومما ذكرنا يظهر حكم ما لو نوى الرياء
بالزائد على الواجب من الافعال كطول الركوع والسجود وربما استثنى من ذلك ما إذا كثر بحيث الحق بالفعل الكثير ونوقش فيه بان هذا في الحقيقة ليس
استثناء عما نحن بصدده من في بطال الرياء من حيث هو إذا تعلق بجزء من العمل مع أن مناط ابطال الفعل الكثير هو محو صورة الصلاة وهو لا يتحقق عرفا فيما
إذا كان الزائد من افعال الصلاة كيف ولو تحقق المحو بطول مثل الركوع والسجود لم يجز مطلقا وان قصد به التقرب كما لا يخفى وان كان المنوي به الرياء أو غير الصلاة
قولا مستحبا قد حكى عن ظاهر جماعة القول فيه بالبطلان بناء على أنه يصير كلاما خارجا عن الصلاة فيكون مبطلا ونوقش في مقدميته بامكان منع صيرورته بإحدى
النيتين كلاما خارجا بعد كونه في حد ذاته دعاء أو قرانا وامكان دعوى حصر الكلام المبطل بما يعد من كلام الآدميين واحتمال البطلان مع الكثرة من جهتها مضعف
بما ذكر انفا فالأقوى في لفرق بينه وبين الفعل المستحب الذي قصد به الرياء (غير الصلاة) ولكن شيخنا المرتضى رحمه الله بعد ان نفي البعد عن القول بعدم البطلان بالقرب؟
المزبور قال ومع ذلك فالبطلان لا يخلو عن قوة فيما إذ نوى الرياء لأن الظاهر من كلماتهم في لخلاف في كون الكلام المحرم مبطلا بل حكى عن نهاية المصنف
في مسألة قول امين في الصلاة الاجماع على أن الكلام الغير السائغ مبطل وحكى شارح الروضة الاجماع على بطلان الصلاة بالدعاء المحرم مضافا إلى عمومات
ابطال الكلام وخروج الدعاء والقرآن اما بأوامرهما واما بالاجماع وكلاهما مفقودا وفي مرسلة الصدوق كلما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام إشارة
لطيفة إلى أن حكم الكلام مطلقا الابطال والتحريم لكن المناجاة نزلت منزلة غير الكلام واظهر منه قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي كلما ذكرت الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وآله فهو من
الصلاة دل على أن ذكر الله والنبي صلى الله عليه وآله انما لا يفسد لكونه من الصلاة وغير خارج عنها في نظر الشارع والا فعموم المنع عن الكلام الخارج بحاله فافهم انتهى أقول
وفي ما قواه نظر فان شمول معاقد الاجماعات المحكية على تقدير حجيتها للأقوال التي اعتبرها الشارع جزء وجوبيا أو استحبابيا من الصلاة عند عروض وصف
الحرمة لها غير معلوم بل المتبادر منها إرادة سائر الأقوال المحرمة واما عمومات ابطال الكلام لو سلمنا شمولها للقرائة والذكر والدعاء وعدم انصرافها إلى
كلام الآدميين فهي غير شاملة للأقوال المعتبرة في الصلاة بلا شبهة ضرورة ان قراءة الفاتحة والسورة وسائر الأذكار والأدعية الواجبة أو المسنونة
239

في الصلاة غير مرادة بالكلام المبطل وايقاعها لا بقصد القربة أو بقصد الرياء لا يجعلها من مصاديق العام بل هو من أحوال الفرد المأمور بايقاعه في الصلاة
الذي يقصر عن أن يعمه العموم كما هو واضح واما الأخبار الدالة على أن كلما ناجيت به ربك فهو من الصلاة فهي مسوقة لبيان ان مطلق المناجاة والذكر الغير المعتبر
في الصلاة متى وقع في الصلاة يقع جزء مها ولا يعد كلاما أجنبيا (مبطلا) لا ان اجزائها إذا لم تقع بقصد الذكر والمناجاة تندرج في الكلام المبطل وبعبارة أخرى
المقصود بها تنزيل الكلام الخارجي الذي قصد به المناجاة منزلة اجزائها لا تنزيل اجزائها التي لم يقصد بها المناجاة منزلة الكلام (المبطل) كما لا يخفى تنبيه
قال في الجواهر ينبغي ان نعرف ان هذه المسألة غير مسألة الضميمة ولذا لم يشر أحد من معتمد الأصحاب إلى اتحاد البحث فيهما بل من حكم هناك بالصحة مع الضم التبعي
أو كان كل منهما علة مستقلة اطلق البطلان في المقام كما أنهم لم يفرقوا هنا بين الضميمة الراجحة وغيرها والظاهر أن وجهه الفرق بين المسئلتين بالفرق بين موضوعهما
فان موضوع الضميمة الفعل الواحد الذي له غايات وأراد المكلف ضمها بنية واحدة فالتحقيق فيها البطلان مع منافاة الاخلاص والصحة مع العدم لتبعية
الضم أو لرجحان الضميمة أو غير ذلك وموضوع ما نحن فيه قصد المكلف كون الفعل الواحد المشخص مصداقا لكليين متغائرين لا يمكن اجتماعهما في مصداق
واحد عقلا أو شرعا فلو نواه حينئذ لكل منهما لم يقع لشئ منهما شرعا كما في كل فعل كذلك لأصالة في لتداخل في الافعال عقلا وشرعا فلو قوى بالركعتين الفرض
والنفل لم يقع لأحدهما انتهى أقول لا يخفى عليك ان موضوع ما نحن فيه هو قصد الرياء أو غير الصلاة بشئ من افعال الصلاة والمراد به كما تقدمت
الإشارة إليه ويظهر من كلماتهم انه لو ضم حال اتيانه بشئ منها إلى قصد جزئيته للصلاة المتقرب بها المنحل إلى قصد امتثال امره الغيري قصد حصول عنوان اخر
أعم من أن يكون ذلك العنوان ترتبه على هذا الفعل على سبيل الغائية كحفظ متاعه الحاصل بالنظر إليه حال قيامه الذي قصد جزئيته للصلاة أو يكون متحدا
معه في الوجود كما لو قصد بقيامه للقرائة تمدد أعصابه مثلا أو بجلوسه للتشهد احداث ثقل على ما جلس عليه أو التصرف فيه أو استمساكه ومنعه عن النهب وبركوعه وضع
شئ على الأرض أو اخذه منها إلى غير ذلك من المهيات المتخالفة التي لا تحصى المتصادقة على افعال الصلاة والموضوع في مسألة الضميمة أيضا على ما عرفت
في باب الوضوء ليس الا ذلك فهما من واد واحد ولا يهمنا الإطالة في توجيه تفصيل بعضهم بين القصد التبعي وغيره (هناك) واطلاقه ههنا بعد وضوح مناط الحكم
وعدم اشتراط افعال الصلاة الا بحصول مسماها بداعي امرها مع الاخلاص كما هو الشأن في سائر العبادات فقصد الغير إذا كان منافيا للقربة أو الاخلاص
يكون مخلا في الجميع والا فلا يخل في اجزاء الصلاة أيضا فما ذكره قدس سره من أن موضوع ما نحن فيه قصد المكلف كون الفعل المشخص مصداقا لكليين الخ
مع مخالفته لظاهر كلماتهم مما لا يكاد يرجع إلى محصل ضرورة انه لم يقصد بالفعل المشخص امرا أجنبيا عن افعال الصلاة مما لا يندرج تحت مسمياتها إذ لا
يعقل تنزيل كلمات الأصحاب على إرادة ذلك وانما غرضه من الفعل المشخص ما كان بالذات من نوع تلك الأفعال بان اتى بشئ منها قاصدا وقوعه جزء لصلاته
وحصول عنوان اخر به فزعم أنه لا يحصل في الفرض شئ مما قصده لزعمه ان الفعل الواحد يمتنع ان يتحقق به فعلان كما ادعاه في مبحث تداخل الأغسال و
قد تقدم في محله ضعفه بما لا مزيد عليه فحينئذ نقول إن عدم وقوعه جزء من صلاته مسلم ولكن منشأه اعتبار الاخلاص المنافي لقصد الغير كما في مسألة الضميمة
والا لكان صيرورته جزء كحصول سائر المفاهيم المتحققة به سواء كانت مقصودة أم غير مقصودة له امرا قهريا كما هو واضح ولا معنى للتمسك بأصالة عدم
التداخل في مثل المقام نعم لو نوى بالفرد الذي يتحقق به عناوين متكثرة امتثال أو امر متعددة متعلقة بتلك العناوين قد يقال بأنه لا يقع امتثالا
لشئ منها لأصالة في لتداخل وتخصيص أحدها به ترجيح بلا مرجح ولكنك عرفت في باب الوضوء عند شرح اقسام التداخل واحكامها ضعف هذا القول
وان مقتضى الأصل في مثل الفرض التداخل فراجع ولا يجوز نقل النية من صلاة إلى صلاة أخرى فلو عدل بنية عن صلاة إلى أخرى لا تصح شئ منهما اما التي
نواها أولا فلاشتراطها باستدامة قصدها إلى اخر الفعل حقيقة أو حكما وهو ينافي العدول وقصد الغير كما عرفته فيما سبق واما المعدول إليها فلأنها
لم تكن مقصودة في الابتداء ولا اثر للنقل في انقلاب ما وقع من الاجزاء لا بهذا القصد عما وقع عليه ووقوعه امتثالا للامر الذي لم يقصد اطاعته في الابتداء
الا في موارد مخصوصة لأدلة تعبدية دالة عليها كنقل الظهر يوم الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة الجمعة وقرء غيرها ونقل المنفرد الفريضة إلى النافلة لادراك
الجماعة كما يأتي تفصيلهما وتحقيقهما في محله إن شاء الله ونقل الفريضة الحاضرة إلى حاضرة سابقة عليها مع سعة الوقت أو فائتة كذلك أو الفائتة اللاحقة
إلى الفائتة السابقة كما تقدم الكلام فيه مفصلا في المواقيت ونقل مفردة الوتر إلى غيرها في بعض الفروض الذي عرفته في محله ونقل صلاة الاحتياط لدى
ظهور الاستغناء عنها إلى النافلة واما الصبي المتطوع الآتي بوظيفة الوقت إذا بلغ في الأثناء وقلنا بأنه يتمها بنية الفرض فهو ليس من هذا الباب بل لا
عدول فيه في الحقيقة كما حققناه في محله وكذا العدول من الجماعة إلى الفرادى أو عكسه لو جوزناه وكذا من القصر إلى التمام أو عكسه كما يظهر وجههما بالتدبر
فيما أسلفناه في صدر المبحث وضابطه ان كل خصوصية من الخصوصيات التي أشرنا إليه في صدر المبحث مما يعتبر قصده في صحة الصلاة عند الاخذ فيها يجب
استدامة نيتها إلى اخر العمل ولا يجوز العدول عنها الا ان يدل عليه دليل تعبدي كما في الموارد التي تقدمت الإشارة إليها دون سائر الخصوصيات التي ليس قصدها
من مقومات الفعل وقد عرفت فيما سبق ان الجماعة والفرادى وكذا القصر والاتمام من القسم الثاني لا الأول الثاني من افعال الصلاة تكبيرة الاحرام
التي تفتح بها الصلاة ولذا سميت بالافتتاح أيضا كما انها سميت بتكبيرة الاحرام لكونها كالتلبية بالاحرام في الحج سببا لحرمة ما كان محللا قبلها من الاكل
الشرب وغيرهما من منافيات الصلاة ولا يتحقق الحرمة الا بعد اكمالها لأن المسبب لا يتحقق الا بعد تمام سببه واما الدخول في الصلاة فيحصل بمجرد الشروع فيها
240

فإنها من الصلاة نصا واجماعا عدى ما حكى عن شاذ من المخالفين من القول بخروجها من الصلاة وقضية ذلك تحقق الدخول في الصلاة فان الدخول في الصلاة عبارة
عن التلبس بها الحاصل بمجرد الاشتغال بأول جزء منها من غير توقف على اتمامه فلا حاجة لنا إلى ادعاء ان جزء الجزء جزء ولكن حرمة المنافيات لا تتحقق الا
بعد اتمام التكبيرة التي جعلها الشارع تحريمها ولا منافاة بينهما وما عن السيد في عبارته الآتية من دعوى الاجماع على أن ما لم يتم التكبير لا يدخل في الصلاة
محمول على الدخول الذي يحرم معه فعل المنافي والا فينافيه فرض الجزئية التي لا خلاف فيها بيننا كما عرفت ولكن قد يشكل ذلك باطلاق ما دل على حرمة المنافيات
في الصلاة وقد تفصى شيخنا المرتضى رحمه الله عن ذلك بجعل الفراغ من التكبير كاشفا عن الدخول في الصلاة من أوله تبعا لما حكى عن السيد في الناصريات حيث قال في
بعض كلام له ما لفظه لا يقال الاجماع على أنه ما لم يتم التكبير لا يدخل في الصلاة فيكون ابتدائه وقع خارج الصلاة فكيف يصير بعد ذلك منها لأنا نقول إذا
فرغ من التكبير تبين ان جميع التكبير من الصلاة انتهى وقال شيخنا المرتضى بعد نقل العبارة المحكية عن السيد ورفع بعض الخدشات الموردة عليه ما لفظه ثم الظاهر أن
وجه الحكم بالكشف المذكور هو الجمع بين المقدمات الثلاث أعني حصول التحريم بمجموع التكبير فان توقف تحريم المنافيات في الصلاة وكون جزء الجزء جزء فما في المدارك
من أن الحكم بالكشف تكلف مستغنى عنه وان الحق تحقق الدخول بمجرد الشروع في التكبير فان توقف تحريم المنافيات على انتهاء التكبير حكم اخر محل نظر لأن الجمع بما ذكروه
أولى من تخصيص أدلة تحريم المنافي في الصلاة بما بعد التكبير انتهى أقول لقائل ان يقول إن أدلة تحريم الكلام ونحوه من المنافيات كما لا تعم الكلام الواقع
في أثناء التكبير بناء على التوجيه المذكور فكذلك الأخبار الناهية عن الكلام في الصلاة المسوقة لبيان الحكم الوضعي قاصرة الشمول عن ذلك فإنه يلزم من
فرض شمولها له عدم فرديته للقيام وكل فرد يكون كذلك يمتنع ان يعمه حكم العام مع أنها تعمه بلا شبهة والا لم يكن الكلام الغير المفوت للموالاة في أثناء التكبير
منافيا للصلاة كما أنه ليس بمحرم اللهم الا ان يقال إن استفادة منافاته للصلاة من تلك الأخبار انما هي بالفحوى وأولوية الدفع من الرفع لا بالدلالة اللفظية
كما أنه لو دل دليل على قاطعية القهقهة للصلاة وحرمتها فهو لا يعم بمدلوله اللفظي القهقهة المقارنة الأول الصلاة عند الشروع فيها فلا يعمها الحرمة ولكن يفهم
مانعيتها عن انعقاد الصلاة بتنقيح المناط والأولوية المزبورة وكيف كان فالصواب في الجواب عن الاشكال بعد تسليم عموم أو اطلاق الأدلة تحريم المنافيات
والغض عن أن جل مطلقاتها ان لم يكن كلها مسوقة لبيان الحكم الوضعي الثابت حال التكبير أيضا هو ان ظهور قوله عليه السلام تحريمها التكبير في سببية التكبير
للحرمة المقتضية لعدم مسببه الا بعد تمام سببه حاكم على اطلاقات أدلة تحريم المنافيات فإنه بمدلوله اللفظي متعرف لحالها ومقيد لاطلاقها فلا منافاة
وهي ركن بمعنى ان تركها عمدا وسهوا مخل كالنية وفي كون زيارتها أيضا كذلك كما ربما يفسر به الركن تأمل ان لم يكن اجماعيا كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله فالقدر
المسلم كونه ركنا انما هو بالمعنى المزبور وهو انه لا تصح الصلاة من دونها ولو أخل بها نسيانا وهذا مما لا
خلاف فيه على الظاهر بل ادعى غير واحد عليه الاجماع
ويدل عليه مضافا إلى ذلك جملة من الاخبار منها صحيحة زرارة قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح قال يعيد ورواية ابن أبي
يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرجل يصلي فلم يفتتح بالتكبير هل يجزيه تكبيرة الركوع قال لا بل يعيد صلاته إذا حفظ انه لم يكبر وموثقة عبيد بن
زرارة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أقام الصلاة ونسي ان يكبر حين افتتح الصلاة قال يعيد الصلاة وخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في
الذي يذكر انه لم يكبر في أول صلاته فقال إذا استيقن انه لم يكبر فليعد ولكن كيف يستيقن وحسنة ذريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل ينسى
ان يكبر حتى قرء قال يكبر وصحيحة علي بن يقطين قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل ينسى ان يفتتح الصلاة حتى يركع قال يعيد الصلاة وموثقة عمار
قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل سهى خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة قال يعيد الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح وربما يظهر من بعض الروايات ما ينافي
هذه الأخبار كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن رجل نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة فقال ليس كان من نيته أن يكبر قلت نعم قال فليمض في
صلاته وهذه الصحيحة وان كانت أخص مطلقا من الأخبار المتقدمة ولكن لا يمكن ارتكاب التخصيص في تلك الأخبار مثل هذه الصحية لاستلزامه تنزيل تلك الأخبار
المستفيضة على فرض نادر التحقق فالأولى حمل الصحيحة على التقية حيث حكى القول بمضمونها اي الاكتفاء بالنية عن بعض العامة ويحتمل قويا ان يكون الامر
بالمضي مع سبق النية التي هي امارة الفعل لعدم حصول الجزم بالترك في مثل الفرض أو كونه جزما في غير محله حيث إن نسيان التكبيرة التي هي افتتاح
الصلاة كاد ان يكون ممتنعا في العادة بالنسبة إلى المنفرد المستقل بصلاته كما أشار إليه الصادق عليه السلام في مرسلة الصدوق حيث قال عليه السلام لا ينسى تكبيرة
الافتتاح وعلى تقدير تحققه فلا يكاد يحصل الجزم به بعد دخوله في الصلاة خصوصا مع تذكرة لنية السابقة المقتضية لجريها على لسانه بحسب العادة من
غير التفات تفصيلي وفي قوله عليه السلام في بعض الأخبار المتقدمة ولكن كيف يستيقن إشارة إلى ذلك والحاصل انه لا يبعد حمل الرواية على الشاك دون
من حصل له العلم بالترك كما أنه لا يبعد ارتكاب هذا التوجيه أيضا في بعض الأخبار الآتية فقوله عليه السلام أليس كان من نيته الخ للتنبيه على بعض الامارات
المورثة لإزالة الوسوسة التي يجدها الشاك والله العالم وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال قلت له رجل نسي ان يكبر
تكبيرة الافتتاح حكى كبر للركوع فقال اجزئه وخبر أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قام في الصلاة ونسي ان يكبر فبدء بالقراءة قال إن
ذكرها وهو قائم قبل ان يركع فليكبر وان ركع فليمض في صلاته وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح
فقال إن ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرء ثم ركع وان ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبيرة قبل القراءة أو بعد القراءة قلت فان ذكرها
241

بعد ما صلى قال فليقضها ولا شئ عليه وعن الشيخ انه أجاب عن هذه الأخبار اما عما عدى الأخيرة فبالحمل على من لا يتيقن الترك ولا بأس به في مقام التوجيه كما تقدمت
الإشارة إليه فما في خبر أبي بصير من الامر بالتكبير ان ذكرها وهو قائم يحمل على الاستحباب الا ان ضعف الخبر وتشابهه مانع عن اثباته واما عن الأخيرة فبان قوله
عليه السلام فليقضها يعني الصلاة فكأنه رحمه الله حمل قوله عليه السلام كبرها في قيامه في موضع التكبيرة الخ على إرادة استيناف الصلاة والاتيان بالتكبيرة قائما في
موضعها وكيف كان فهذا التوجيه لا يخلو عن بعد وابعد منه ما في الوسائل وغيره من حمله على غير تكبيرة الافتتاح والقضاء على الاستحباب وقد حمل
صاحب الحدائق جميع هذه الأخبار على التقية بناء على ما أصله في مقدمات كتابه من أنه لا يشترط في ذلك موافقة العامة مع أنه حكى عن بعضهم بعض
الأقوال الموافقة لبعض هذه الروايات فهذا الحمل أيضا لا يخلو عن وجه وان كان الأوجه رد علمها إلى أهله بعد وضوح عدم صلاحيتها بعد اعراض
الأصحاب عن ظاهرها لمعارضة الروايات المتقدمة المعتضدة بعمل الطائفة الموافقة للأصول والقواعد وأجاب كاشف اللثام عن صحيحة أحمد بن محمد بن
أبي نصر البزنطي المتقدمة بأنه يحتمل احتمالا ظاهرا انه اي الرجل الذي نسي تكبيرة الافتتاح حتى كبر للركوع إذا كان متذكرا الفعل الصلاة عنده اجزئه
يعني تكبير الركوع عن تكبيرة الافتتاح فليقرء بعده ان لم يكن مأموما ثم ليكبر مرة أخرى للركوع وليركع إذ ليس عليه ان ينوي بالتكبير انه تكبير الافتتاح
كما في التذكرة والذكرى ونهاية الاحكام للأصل انتهى وفيه انه مع بعده في حد ذاته في غاية الاشكال إذ الظاهر أن التكبيرات الواردة في الصلاة من قبيل التكاليف
المسببة عن الأسباب المختلفة التي يعتبر تعيينها بالقصد في مقام الإطاعة ولو على سبيل الاجمال الذي لا ينافيه الالتزام بكفاية الداعي أو الاستدامة
الحكمية الحاصلة عند فعل الصلاة ولا أقل من الاحتمال خصوصا في تكبيرة الافتتاح التي هي بحسب الظاهر على ما هو المغروس في أذهان المتشرعة كما هو
ظاهر الفتاوي مغايرتها بالنوع لسائر التكبيرات وقد عرفت فيما سبق ان مقتضى القاعدة في مثل الفرض وجوب قصد التعيين المقتضى لعدم جواز نقل النية
من بعضها إلى بعض لا البراءة فالأظهر عدم كفاية التكبير المأتى به للركوع أو لغيره عما عداه مطلقا فضلا عن تكبيرة الافتتاح المبائنة لما عداها في الآثار
والله العالم وصورتها ان يقول الله أكبر عند علمائنا كما عن المعتبر والمنتهى فإنه هو المتعارف من التكبير المنقول من صاحب الشرع واتباعه فعن الصدوق
مرسلا قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله أتم الناس صلاة وأوجزهم كان إذا دخل في صلاته قال الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم فيجب متابعته في ذلك الا ان يدل دليل على عدم
وجوبه عينا لا لعمومات التأسي إذ لا يتعين بها وجه الفعل بل لخصوص قوله صلى الله عليه وآله صلوا كما رأيتموني أصلي ولا يتطرق الخدشة في الاستدلال
به في مثل هذه الأفعال المعلوم عدم جريها مجرى العادة وكونها من افعال الصلاة والا لم يمكن التمسكن به في شئ من موارده نعم لا يصلح مثل هذا الدليل
مقيدا لاطلاق الامر بالتكبير لو قلنا بظهوره في الأعم كما لا يخفى وجهه على المتأمل ولكن المطلقات الواردة في التكبير غير مسوقة لبيان الاطلاق من هذه الجهة
بل هي واردة مورد حكم اخر كما لا يخفى على من تأمل فيها هذا مع أن اطلاق التكبير في كلمات الشارع والمتشرعة ينصرف إلى المتعارف المعهود ويؤيده أيضا ما
عن المنتهى والغنية وغيرهما من الاجماع على أن الله تعالى لا يقبل صلاة امرء حتى يضع الظهور مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر وربما يستدل
له أيضا بتوقيفية العبادة ولم يثبت جوازها بغير هذه الصورة وفيه نظر يظهر وجهه مما حققناه في الأصول وأشرنا إليه مرارا في مطاوي كلماتنا السابقة
من أن المرجع لدى الشك في شرطية شئ للعبادة أو جزئيته هي البراءة لا الاشتغال وان كان قد يتأمل فيه في مثل المقام الذي يدور الامر فيه بين التعيين
والتخيير فليتأمل وكيف كان فلا مجال للارتياب بعد وضوح معروفية هذه الصورة بالخصوص في تكبيرة الاحرام بل وكذا في سائر التكبيرات بحيث كاد
ان يكون انحصارها فيها من الضروريات واستفاضة نقل الاجماع عليه في أنه لا تنعقد الصلاة بمعناها سواء أدى بلغة عربية غيرها وان رادفتها أو فارسية
أو غيرهما ولو أخل بحرف منها لم تنعقد صلاته إذا كان لحنا بلا شبهة واما نحو همزة الوصل في لفظ الجلالة عند الوصل بلفظ النية مثلا أو بالأدعية الموظفة
أو بالتكبيرات المندوبة أو نحو ذلك فكذلك على ما صرح به غير واحد بل عن بعض نفي الخلاف فيه فيجب الوقف على الكلام السابق مقدمة للافتتاح بالتكبير
على النحو المعهود في الشريعة اي باثبات الهمزة على وجه لا يخالف قانون اللغة كما صرح به في المدارك حيث قال بعد ان ادعى ان المنقول من صاحب الشرع
قطعها حيث إنها في ابتداء الكلام فان النية امر قلبي ما لفظه ومن هنا ينقدح تحريم التلفظ بها اي بالنية مع الدرح لاستلزامه اما مخالفة أهل اللغة أو
مخالفة الشارع ولكن قد يقال بجواز ترك الوقف على الكلام السابق وهو لا ينافي وجوب قطع الهمزة لأن التلفظ بها كلام لغو معترض لا يعد معه الكلمة
المتأخرة وسطا حتى يسقط همزتها قال الشهيد على ما حكى عنه ان التكبير الوارد من صاحب الشرع انما كان بقطع الهمزة ولا يلزم من كونها همزة وصل
سقوطها إذ سقوط همزة الوصل من خواص الدرج بكلام متصل ولا كلام قبل تكبيرة الاحرام فلو تكلفه فقد تكلف ما لا يحتاج إليه يعني ما ليس من اجزاء
عمله فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعا انتهى أقول قد تقدم توجيه هذا الكلام في مبحث الإقامة عند التكلم في جواز قطع الهمزة مع الدرج ولكن
غاية ما أمكننا ادعائه انما هو جواز اثبات الهمزة في مثل المقام وعدم كونه لحنا الا عدم جواز اسقاطها فلا شبهة ان اسقاطها مع الدرج ولو بكلام لغو
مهمل لا يجعله لحنا فالشأن في المقام انما هو في اثبات وجوب قطع الهمزة من لفظ الجلالة وعدم كفاية الاتيان به على الوجه الصحيح المعتبر عند أهل اللسان
ومن الواضح ان الأدلة المزبورة قاصرة عن اثبات ذلك ولذا لم يدع أحد وجوب الوقف أو الوصل في سائر المواضع من القراءة أو الأذكار لأجل التأسي
وتوفيقية العبادة ومن هنا ذهب بعض متأخري الأصحاب على ما حكى عنه إلى القول باسقاط الهمزة إذا اقترن بلفظ النية ولكنه مع مخالفته لظاهر
242

فتاوي الأصحاب أو صريحها لا يخلو عن اشكال فإنه يعتبر في الصلاة نصا وفتوى ان يبتدء فيها بالتكبير ويفتتح به والدرج الموجب لاسقاط الهمزة ينافي
جعله ابتداء لعمله الخارجي الذي نوى به الصلاة تأثير مجرد القصد إلى حصول الابتداء به مع مخالفته لصورته الخارجية لا يخلو عن تأمل بل منع فالظاهر أن
جعله وسطا كما هو معنى الدرج المؤثر في اسقاط الهمزة ينافي صدق الافتتاحية المعتبرة في تكبيرة الاحرام والله العالم وقد ظهر بما أشرنا إليه من أن غاية
ما يمكن اثباته بالأدلة المزبورة انما هو وجوب الاتيان بالصورة المذكورة على الوجه الصحيح المعتبر عند أهل اللسان بحيث لا يعد لحنا ويصدق عليها عنوان الافتتاح
بالتكبير ان المتجه عدم وجوب الوقف على اخر التكبير وجواز اعرابه بلا وقف كما قواه في الجواهر للأصل نعم لا يبعد الالتزام باستحباب ترك الاعراب
كما حكى القول به عن المفاتيح لحديث التكبير جزم المتقدم في مبحث الأذان والإقامة مع أنه أحوط ولكن مع الوقف واما مع الوصل فالأحوط هو الاعراب
فان الوصل بالكون لو لم نقل بكونه لحنا كما هو المشهور فلا أقل من مخالفته للاحتياط والخبر المزبور لا يصلح لاثباته بعد فرض مخالفته للقانون العربي
وكونه لحنا لا لمجرد ضعف سند الخبر واحتمال كونه عاميا أو قصور دلالته لقوة احتمال وروده في خصوص الأذان والإقامة بل لوجوب تنزيل اطلاقه على
إرادة الجزم الجاري على حسب المتعارف في المحاورات لا ما يخرجه عن العربية ويجعله لحنا كما لا يخفى تنبيه حكى عن الإسكافي القول بكراهة تعريف الأكبر
كالمحكى عن الشافعي ولعله أراد بها الحرمة والا فهو ضعيف لأن التعريف تغيير للصورة المعهودة المتلقاة من الشارع التي بينا وجوب حفظها في الصلاة
وانصرافها من اطلاقات الامر بالتكبير فالأقوى هو البطلان بل الأشبه ذلك فيما لو زاد عليها كلمه وان لم يكن مغيرة لمعناها بل مراده منها كما لو
قال الله أكبر كبيرا أو من كل شئ أو من أن يوصف أو غير ذلك لما فيها من تغيير الصورة المتلقاة من الشرع وان لا يخلو اطلاقه عن تأمل والله العالم
وان لم يتمكن من التلفظ بها كالأعجمي لزمه التعلم مع الامكان كغيره من التكاليف الشرعية التي لا يعذر فيها المكلف مع التقصير ولا يتشاغل بالصلاة مع
سعة الوقت ورجا التعلم كما لا يتشاغل بالصلاة مع التيمم أو بلا ستر مع رجاء وجدان الماء أو الساتر في رحله أو قريبا منه وليس هو حينئذ مع رجاء التمكن
من تحصيل الشرط بالفعل من أولي الأعذار الذين قد يقال فيهم بان لهم البدار نعم لو عجز في الحال عن الاشتغال بالتعلم اندرج في موضوع مسألة
أولي الأعذار وقد تقدم مرارا ان مقتضى القاعدة في تلك المسألة أيضا عدم جواز البدار في سعة الوقت مع رجاء زوال العذر قبل فواته الا في
الموارد التي دل دليل خارجي أو داخلي على كون العبرة بالضرورة حال الفعل كما في باب التقية ونحوها على ما عرفته في الوضوء وما نحن فيه ليس من هذا القبيل
فليس لمن لم يتمكن من التلفظ بها الاشتغال بالصلاة مع سعة الوقت ورجاء التعلم سواء كان بالفعل عاجزا عنه أم لا فان ضاق الوقت أو لم يطاوعه
لسانه بحيث تحقق عجزه والياس من تعلمه قبل فوات الوقت فان قدر على الاتيان بالملحون من التكبيرة في احدى كلمتيها أو فيهما مع اطلاق التكبيرة
عليه عرفا فالظاهر وجوبه مقدما على الترجمة لاشتماله على معنى التكبير والقدر الميسور من لفظه فلا يسقط بالمعسور كما ذكره شيخنا المرتضى رحمه الله والا أحرم
بترجمتها اي ما يرادفها من لغة أخرى قال في المدارك هذا مذهب علمائنا وأكثر العامة وقال بعضهم يسقط التكبير عما من شانه هذا كالأخرس وهو محتمل
انتهى أقول ما احتمله من القول بالسقوط الذي حكاه عن بعض العامة ضعيف محجوج بقوله عليه السلام في خبر
عمار المتقدم في صدر المبحث لا صلاة بغير افتتاح
المعتضد بما ادعاه من الاتفاق وعدم نقل الخلاف في المسألة الا من بعض المخالفين كما اعترف به بل وبقوله عليه السلام تحريمها التكبير بناء على ظهوره في مطلق
الثناء على الله تعالى بصفة الكبرياء كما يقتضيه وضعه اللغوي وكون تقييده بالصيغة الخاصة ناشيا من الأدلة الخارجية المتقدمة القاصرة عن افادته
الا للقادر فيبقى على اطلاقه بالنسبة إلى العاجز نعم لو ادعينا انصرافه إلى القول المعهود كما ليس بالبعيد أو قلنا بأنه كالحوقلة والهيعلة من المصادر
الجعلية التي يراد به التلفظ بالعبارة المخصوصة سقط الاستدلال المذكور ولكن كلتا الدعويين على خلاف الأصل كما نبه على ذلك كله شيخنا المرتضى
قدس سره ثم قام ولعل ما ذكرنا هو مرجع استدلال الجماعة على الحكم المذكور بان التكبير ذكر والمقصود منه المعنى فإذا تعذر اللفظ الخاص عدل
إلى معناه والا فهذا الوجه بمجرده اعتبار لا يصلح وجها الوجوب الترجمة فضلا عن تقديمها على ذكر عربي اخر انتهى أقول مرادهم بحسب الظاهر
الاستدلال بقاعدة الميسور وهو لا يخلو عن وجه ضرورة ان مطلوبية التكبير أو التشهد ونحوهما من الأذكار الواجبة أو المستحبة ليست بلحاظ ألفاظها
من حيث هي بل بلحاظ ما تضمنته من المعاني لا بمعنى انه يجب على المكلف قصد معانيها بل بمعنى ان مطلوبية هذه الألفاظ انما هي بلحاظ معانيها المنشأة
بها من الثناء على الله بصفة الكبرياء والشهادة بالرسالة وغير ذلك وان لم يشعر المكلف بمعانيها من حيث هي نظير ما لو امر المولى عبده بان يتكلم عند
ملاقاة زيد بكلام خاص يحصل به مدح زيد بصفة كمال لم يجب عليه عند ملاقاة زيد الا الاتيان بذلك الكلام وان لم يلتفت إلى معناه وإذا تعذر عليه
ذلك اللفظ قام مرادفه مقامه بعد ان علم أن الميسور لا يسقط بالمعسور بشهادة العرف بعد ان علموا بان مطلوبية هذا الكلام ليست من حيث مجرد اللفظ
بل بلحاظ المعنى الحاصل به كما فيما نحن فيه وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أصل الحكم بعد اتفاق كلمة الأصحاب عليه واعتضاده بما سمعت بل الانصاف عدم
قصور للقاعدة عن شموله وهي بحسب الظاهر عمدة مستند الأصحاب فيما اتفقوا عليه والله العالم وقد ظهر مما ذكر انه لا فرق في الترجمة بين اللغات
ويقيد بعضهم انه يحرم بلغته بحسب الظاهر جاري مجرى العادة والا فلا وجه له وقيل بالترتيب بين العربي والسرياني والفارسي وغيرها لنزول كثير
من الكتب بالأولين ونزول كتاب المجوس بالثالث مع ما قيل من أنه لغة حملة العرش وفيه مالا يخفى والأخرس ينطق بها على قدر الامكان على حسب
243

سائر الكلمات التي ينطق بها لاظهار مقاصده لا لمجرد انه ميسور المتعذر الذي لا يسقط بمعسوره بل لأن الذي يتبادر من ايجاب كلام من تكبير أو تسليم
أو غير ذلك على عامة المكلفين انما هو وجوب اتيان كل منهم بذلك الكلام على حسب ما يقدر عليه وان كان ما يأتي به العاجز على تقدير صدوره من
غيره لا يعد عرفا مصداقا لذلك الكلام وهذا بخلاف ما لو كان صادرا من العاجز كما أشير إلى ذلك في موثقة مسعدة بن صدقة المروية عن قرب الإسناد
قال سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول انك قد ترى من المحرم من العجم لايراد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة
والتشهد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح الخ ويؤيده أيضا خبر السكوني عن الصادق عليه السلام
قال قال النبي صلى الله عليه وآله ان الرجل من الأعجمي من أمتي ليقرء القرآن بعجمته فترفعه الملائكة على عربيته فان عجز عن النطق أصلا لم يسقط عنه الفرض
بلا خلاف فيه على الظاهر بين أصحابنا كما يظهر من كلماتهم عدى انه احتمله في المدارك بعد ان حكاه قولا عن بعض العامة وليس بشئ بل عقد قلبه
بمعناها مع الإشارة بالإصبع أو مطلقا كما هو ظاهر المتن أو مع تحريك لسانه على حسب ما جرت به عادته في ابراز سائر مقاصده كما صرح به غير واحد
ويشهد له خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال تلبية الأخرس وتشهده وقراءة القرآن في الصلاة تحريك لسانه واشارته بإصبعه إذ الظاهر أنه
لم يقصد به الحكم في خصوص مورده تعبدا بل قصد به بيان بدلية ذلك عن كل ذكر واجب كما ربما يؤيده الاعتبار الذي تقدمت الإشارة إليه من
جريان عادة الأخرس في الغالب بابراز مقاصده بهذه الكيفية فيقوم مقام لفظه فالأظهر اعتبارهما معا للخبر المزبور المنجز بما سمعت بل لا يبعد ان
يدعى انه هو الذي يقتضيه قاعدة الميسور بملاحظة ما أشرنا إليه من قيامهما مقام لفظه في العادة وكون المجموع أوفى بتأدية المقاصد وكيف كان ففي
المدارك في تفسير المعنى الذي حكموا بوجوب ان يعقد قلبه بها قال ليس المراد المعنى المطابقي فان تصور ذلك غير واحد على الأخرس بل يكفي قصد كونه
(تكبيرا) لله وثناء عليه انتهى أقول الأولى تفسيره بالصورة الذهنية التي يقصدها اللافظ بلفظه فان العبرة في مقام امتثال الامر المتعلق بالتكبير
الخاصة بعقد القلب بها لا بمعناها الخارج عن حقيقة المأمور به كما نبه عليه كاشف اللثام حيث قال المراد عقد القلب بإرادته الصيغة في قصدها لا
المعنى الذي لها إذ لا يجب اخطاره بالبال توضيح المقام ان إشارة الأخرس تقوم مقام لفظه وقد ثبت بالأدلة المتقدمة ان مهية تكبيرة الافتتاح
التي اعتبرها الشارع في الصلاة هي صيغة الله أكبر فحالها حال فاتحة الكتاب التي لصورتها دخل في مطلوبيتها وجزئيتها للصلاة ومن الواضح ان
عقد القلب بمعاني فاتحة الكتاب من غير التفات إلى صورتها التي هي عبارة عن الصورة الخاصة المعهودة غير مجد وان توهمه بعض كما ستعرفه وانما المعتبر
هو القصد إلى تلك الصورة المعهودة بتحريك لسانه واشارته سواء عقل معناها أم لا كما في العجمي الذي لا يعقل مداليل ألفاظها أصلا فلا فرق بين
الأخرس وغيره في أنه يجب عليه استحضار مهية التكبير والقراءة وغيرها من الأذكار الواجبة والمسنونة في ذهنه والقصد إليها بداعي القربة عدى
ان الأخرس يقصدها بالإشارة وغيره بألفاظها نعم لو كان المأمور به معانيها المؤداة بألفاظها كان الواجب على الأخرس في مقام إطاعة
أوامرها عقد قلبه بالمعاني اي استحضارها في الذهن وتأديتها بالإشارة كما أن الواجب على غيره أيضا تصور تلك المعاني وتأديتها بألفاظها و
لكنه ليس كذلك ولا ينافي ذلك ما تقدم انفا من أن الامر تعلق بها بلحاظ معانيها فانا لم نقصد بذلك كون معانيها متعلقة للطلب كما نبهنا عليه
فيما سبق وانما أردنا بذلك بيان كونها ملحوظة للامر في قلبه كي يتمشى معه قاعدة الميسور عند تعذر لفظه والا فمتعلق الطلب انما هو صيغتها الخاصة
من حيث هي كما في المثال الذي تقدمت الإشارة إليها فيجب على الأخرس كغيره ان يتصور ما تعلق به الطلب وهي الصيغة الخاصة ويقصده بالإشارة
كما أنه يجب على غيره ان يتصوره ويقصده باللفظ فان أمكنه تصوره تفصيلا فهو والا فيقصده على سبيل الاجمال بوجه من الوجوه الاجمالية
المتصادقة عليه بتحريك لسانه والإشارة بإصبعه ولا يجزيه تصور معناه من حيث هو كما هو ظاهر المتن وصريح غيره على الأشبه الا ان يجعله
وجها من وجوه المهية المأمور بها فيميزها بهذا الوجه والله العالم والترتيب فيها واجب وكذا الموالاة فلو عكس بان قدم لفظ أكبر على لفظ
الجلالة أو فصل بينهما بلفظ أو زمان يغير الصورة لم تنعقد الصلاة لما عرفت من اعتبار حفظ صورتها المذكورة بلا خلاف فيه كما صرح به في
الجواهر واعلم أنه يستحب ان يضيف إلى تكبيرة الاحرام ستا فيفتتح الصلاة بسبع تكبيرات بلا خلاف فيه نصا وفتوى ففي خبر الحسن بن
راشد قال سئلت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن تكبيرة الافتتاح فقال سبع قلت روى أن النبي صلى الله عليه وآله كان يكبر واحدة يجهر بها فقال إن النبي صلى الله عليه وآله كان يكبر واحدة
يجهر فيها ويسر ستا وخبر زرارة قال رأيت أبا جعفر عليه السلام أو قال سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء إلى غير ذلك من الاخبار الآتية
والمصلي بالخيار في التكبيرات السبع أيها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح اي تكبيرة الاحرام على المشهور شهرة عظيمة كما ادعا في الجواهر بل عن ظاهر
بعض دعوى الاجماع عليه وعن اخر نفي الخلاف عنه ولكن عن جماعة منهم التصريح بان الأفضل ان يجعلها الأخيرة بل عن ظاهر جماعة من القدماء كالسيد
أبي المكارم وأبي الصلاح وسلار القول بتعينها وعن غير واحد من المتأخرين كشيخنا البهائي والمحدث الكاشاني والسيد نعمة الله الجزائري القول بتعين
الأولى واختاره في الحدائق وبالغ في تشييده كمبالغته في تضعيف ما حكى عن والد المجلسي رحمه الله من القول بوقوع الافتتاح بمجموع ما يختاره المكلف من
السبع أو الخمس أو الثلاث التي يأتي بها لا خصوص أحدها عينا أو تخييرا كما هو ظاهر جملة من الاخبار منها خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا افتتحت فكبر
244

ان شئت واحدة وان شئت ثلاثا وان شئت خمسا وان شئت سبعا وكل ذلك مجز عنك غير انك إذا كنت اما ما لم تجهر الا بواحدة وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال أدنى ما يجزي من التكبير في التوجه إلى الصلاة تكبيره واحدة وثلاث تكبيرات وخمس وسبع أفضل وما رواه الشيخ باسناده عن زيد الشحام قال قلت لأبي
عبد الله عليه السلام الافتتاح فقال تكبيرة تجزيك قلت فالسبع قال ذلك الفضل وعن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال الإمام يجزيه تكبيرة واحدة ويجزيك ثلاثا
مترسلا إذا كنت وحدك وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزي والثلاث أفضل والسبع أفضل كله إلى غير ذلك
من الروايات الآتية التي يظهر منها ان الافتتاح يحصل بمجموع ما يختاره وان الواحدة هي أقل المجزي والفضل في اختيار ما زاد عليها من الثلاث أو الخمس أو
السبع فيكون اختيار السبع أو الخمس أو الثلاث من باب أفضل افراد الواجب وانكار ظهور جميع هذه الروايات فيما ذكر كما في الحدائق مكابرة صرفة بل بعضها كاد ان
يكون نصا في ذلك ولا يصلح لمعارضتها شئ من اخبار الباب مما سنوضحه ولكن قد يستشكل فيه باقتضائه التخيير بين الأقل والأكثر في امتثال الواجب وهو في
التدريجات غير معقول فان فعل الأقل سبب تام لسقوط الامر المتعلق به فلا يعقل بقائه بعد فعل الأقل حتى يقع الأكثر امتثالا له وفيه ان هذه شبهة في
مقابلة الضرورة ضرورة ان المواقع التي تعلق فيها الطلب بطبيعة يكون الاتيان بمسماها أو بمقدار من افرادها أقل المجزي وكون الأكثر منه أفضل في الشرعيات
والعرفيات فوق حد الاحصاء بل جميع الأفعال الواجبة المشتملة على اجزاء مستحبة خصوصا إذا كانت الأجزاء المستحبة في اخرها كالتسليمة الأخيرة في الصلاة
من هذا القبيل وحله انه قد يكون الطبيعة التي تعلق بها الطلب مسماها أو مقدارا من مصاديقها كفرد أو فردين أو ثلاث مثلا كافيا في رفع الالزام المتعلق
بها ولكن الأكثر من ذلك أوفى وأتم في تحصيل ما تعلق به غرض الامر فالمكلف في مثل هذه الموارد ما دام تشاغله بتحصيل تلك الطبيعة بداعي الطلب المتعلق
بها يعد ممتثلا ولا يلاحظ جزئيات تلك الطبيعة من حيث هي مناطا للإطاعة بل يلاحظ مجموع ما حصله في الخارج بذلك الداعي ما لم يتخلل بين ابعاضه
المتصادق عليها الطبيعة فصل مخل بصدق كونه متشاغلا بتحصيلها فإن لم يوجدها بذلك الداعي الا في ضمن فرد حصل الامتثال بذلك الفرد وان حصلها
في ضمن الأكثر تحققت الإطاعة بفعل المجموع وان لم يقصد الإطاعة الا بجزء من بعض افراد تلك الطبيعة مما يتحقق به مسماها كشبر من الخط الذي تعلق
الامر بطبيعة حصلت الإطاعة بذلك الشبر دون ما زاد عليه وان كان جزء من ذلك الخط بخلاف ما لو اتى بمجموعه بذلك الداعي فان الامتثال حينئذ يحصل
بمجموعه فالطلب المتعلق بطبيعة مطلقة امتثاله مراعى بفراغه من ايجاد ما دعاه ذلك الطلب إلى فعله من مصاديقها ولا يلاحظ كل جزئي جزئي من مصاديقها
المتحققة بذلك الداعي في حد ذات فضلا مستقلا إذ المجموع من حيث المجموع أيضا مصداق لها وقد وجد بداعي امرها فيجب ان يقع امتثالا له فلو دل الدليل مثلا
على أنه يجب على من دخل المسجد ان يتصدق بشئ من ماله ولو بشق تمر وان يقرء القرآن ولو اية منه وان يلي تحية للمسجد ولو بركعتين يفهم من ذلك
ان المأمور به بهذه الأوامر هو مطلق الاشتغال والتلبس بايجاد هذه الطبايع قلت أو كثرت وان الأشياء المصرح بها هي أقل المجزي في مقام امتثال
الأوامر المتعلقة بها فيجوز له اختيار الأكثر بل أفضل فلو دخل المسجد جاز له ان يشتغل بقراءة القرآن من أوله إلى اخره ولو مكررا أو يتصدق بكثير من ماله
ويسلمه إلى الفقير ولو شيئا فشيئا على سبيل التعاقب أو يصلي صلوات كثيرة قاصدا بها امتثال تلك الأوامر ولا تتوهم ان ما عدى الفرد الأول في مثل
الصلاة والتصدق بدراهم على سبيل التعاقب وكذا الزائد على المسمى في مثل قراءة القرآن والخط ونحوه لا يتصف بالوجوب بل بالاستحباب لجواز تركه
لا إلى يدل إذ المفروض انه لم يصدر من الامر الا امر واحد وقد علم من تصريحه أو من الخارج ان الاتيان بالأكثر أتم وأكمل في تحصيل مطلوبه لا ان ما زاد على المسمى
مطلوب بطلب اخر وقد أشرنا انفا إلى أن الزائد ليس في حد ذاته ملحوظا على سبيل الاستقلال كي يقال إنه
يجوز تركه لا إلى بدل وانما الملحوظ هو مجموع عمله
الذي أوجده بداعي الامتثال الذي هو عبارة عن الاشتغال بجنس الصلاة والصدقة الذي هو كالاشتغال بالتجارة عمل واحد قابل للزيادة والنقصان فما
يقع منه في الخارج بداعي الامر يقع مجموعه امتثالا لا ابعاضه وان كانت ابعاضه أيضا قابلة لذلك على تقدير الاستقلال ان قلت هل الامر الوجوبي المتعلق
بالطبيعة يبقى بعد حصول الجزء الأول الذي تحقق به المسمى أم لا فان بقي وجب ان يستحق العقاب بمخالفته فيما زاد وان لم يبق لا يعقل وقوع الزايد
امتثالا له قلت إذا اتى بالقدر الذي يجوز له الاقتصار عليه ارتفع وجوبه ولكن لو لم يقصر عليه لم يتحقق الفراغ من الفعل الواجب فالزائد يقع جزء
من الواجب لا امتثالا لامره الوجوبي حتى يتوقف على بقائه كما هو الشان في جميع الأجزاء اللاحقة للواجبات التي هي من محسناتها لا من مقومات مهيتها
كالتسليمة الأخيرة في الصلاة ولا يجب ان يكون اجزاء الواجب بأسرها مأمورا بها بأوامر غير مسببة عن الامر بالكل كي يسئل عن حال الامر الغيري المتعلق
بما زاد عن المسمى فان اجزاء الواجب قد تكون من مقومات مهيته فيجب بوجوبها وقد تكون من محسناته الموجبة لكونه أكمل وأبلغ في تحصيل ما تعلق به
غرض الامر كما في مثل قراءة القرآن والصدقة ونحوهما بالنسبة إلى ما زاد عن المسى فيكون ذلك الجزء من حيث هو مستحبا غيريا والفعل المشتمل عليه
أفضل افراد الواجب وقد تكون من مشخصاته الخارجية التي لا مدخلية له في مطلوبيته كما في مثال الخط لو فرض في لفرق بين طويله وقصيره فيما
تعلق به غرض الامر من امره بل قد يكون مرجوحا كما لو فرض ان طول الخط يؤثر منقصة فيه فيكون حينئذ ايجاد الخط الطويل في مقام امتثال امره
من قبيل العبادات المكروهة وكيف كان فلا ينبغي الالتفات إلى الشبهة المزبورة في صرف الأخبار المذكورة عن ظواهرها بعد ما أشرنا إليه من أن
هذا النحو من التكاليف في الشرعيات والعرفيات فوق حد الاحصاء ثم إن ظاهر هذه الأخبار ان لم يكن صريحها كصريح الفتاوى ان التكبير الذي
245

جعله الشارع تحريما للصلاة وبه يتحقق حرمة منافيتها ليس بخارج عن التكبيرات الافتتاحية بل هو بعينه التكبير الذي يفتح به الصلاة ولذا جعل الأصحاب
رضوان الله عليهم تكبيرة الاحرام مراد فالتكبيرة الافتتاح كما هو مقتضى الأصل واطلاق دليل التكبير فان مقتضاهما ان لايراد بمثل قوله عليه السلام تحريمها
التكبير تكبير وراء التكبير الذي ورد في الأخبار المتقدمة وغيرها الامر باتيانه في افتتاح الصلاة فالتكبير الذي يترتب عليه حرمة المنافيات هو بعينه التكبير الذي
يفتتح به الصلاة وقد دلت الأخبار المتقدمة على أن ذلك التكبير لا يشترط فيه الوحدة بل يتحقق في ضمن تكبيرة واحدة والثلاث والخمس والسبع فالتكبير
الذي هو أول اجزاء الصلاة أريد به ما يعم الواحد والمتعدد ومتى اختار المكلف المتعدد لا يزيد به عدد اجزاء الصلاة حيث إن اعتبار المتعدد في الصلاة
انما هو بلحاظ القدر المشترك الحاصل به الذي هو امر واحد لا تكرر فيه فلا يتوجه عليه الاشكال بان افتتاح الصلاة عبارة عن الدخول فيها بالاتيان بالجزء
الأول الذي يبتدء به الصلاة فلا يعقل حصوله بأكثر من تكبيرة إذ لو اتى بتكبيرات ثلاث أو خمس أو سبع فاما ان يحصل الافتتاح والدخول في الصلاة باوليها
أولا فان حصل بالأولى فقد حرم بها فعل منافيات الصلاة وصار ما بعدها حالها حال القراءة في وقوعها في أثناء الصلاة واما ان يحصل بما عداها فما يقع
من التكبيرات قبل التكبيرة التي يتحقق بها الافتتاح والدخول في الصلاة حاله حال الإقامة الواقعة قبل الصلاة فعلى اي تقدير تسمية الجميع بالتكبيرات الافتتاحية
مبنية على التجوز توضيح الاندفاع ان الجزء الأول الذي يبتدء به الصلاة هو جنس التكبير الصادق على الواحد والمتعدد فالمتعدد انما يكون
جزء من حيث كونه مصداقا للتكبير الذي هو أول اجزاء الصلاة لا من حيث تعدده فالجميع جزء واحد يتحقق به الاحرام والافتتاح فحال التكبيرات السبع عند
قصد الافتتاح والاحرام بجميعها حال التكبيرة الواحدة في أنه يتوقف حرمة المنافيات على الفراغ منها وتحصيل الدخول في الصلاة بمجرد الشروع فيها ان فسره
الدخول في الصلاة بالاشتغال والتلبس بها كما عرفته في محله وان أريد به معنى لا يتحقق الا بعد الاتيان بالجزء الأول فلا يتحقق الا بعد الفراغ من المجموع
الذي هو جزء واحد من الصلاة وكيف كان فلا يعارض هذه الأخبار شئ من الروايات الدالة على حصول الافتتاح بتكبيرة واحدة كالرواية الحاكية لفعل
النبي صلى الله عليه وآله من أنه صلى الله عليه وآله كان يقول الله أكبر بسم الله الخ والحاكية لفعل الصادق عليه السلام في مقام بيان مهية الصلاة من أنه بعد ان قام
مستقبل القبلة منتصبا قال الله أكبر ثم قرء الحمد وغير ذلك من الروايات الدالة عليه إذ لا تنافي بين مثل هذه الروايات وبين تلك الأخبار كما هو واضح وكذا
لا يعارضها بعض الروايات الآتية التي وردت لبيان حكمة استحباب الافتتاح بالسبع مما يستظهر منها حصول الافتتاح باوليها لا غير كما سنشير إليه وكذا
لا ينافيها الاخبار التي ورد فيها استحباب اجهار الإمام بواحدة من التكبيرات كقوله عليه السلام في ذيل رواية أبي بصير المتقدمة غير انك إذا كنت اماما لم تجهر الا بواحدة
وفي صحيحة الحلبي فإذا كنت اماما يجزيك ان تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا وفي خبر الحسن بن راشد المتقدم ان النبي صلى الله عليه وآله كان يكبر واحدة يجهر بها ويستر ستا فان
غاية ما يمكن ادعائه انما هو اشعار مثل هذه الروايات أو ظهورها في أن ما يجهر بها هي بالخصوص تكبيرة الافتتاح دون ما عداها ولا ينبغي الالتفات إلى
مثل هذا الظهور في مقابل تلك الأخبار التي كادت تكون صريحة في خلافه فالأقوى بالنظر إلى ظواهر الاخبار هو القول المحكى عن والد المجلسي رحمه الله ولكن
هذا القول بحسب الظاهر مخالف لاجماع الأصحاب حيث لم ينقل القول به عن أحد سواه بل استفيض نقل الاجماع على خلافه وان تكبيرة الاحرام التي يجب
ان تفتتح الصلاة بها هي احدى التكبيرات السبع الافتتاحية اما عينا وهي الأولى كما ذهب إليه غير واحد من المتأخرين أو الأخيرة كما حكى عن ظاهر بعض القدماء
أو ان المكلف مخير في تعيينها كما هو المشهور بل ادعى عليه بعض الاجماع وجعل النزاع في تعيين الأولى أو الأخيرة من حيث الأفضلية لا في أصل التخيير فلابد
حينئذ من صرف الاخبار المزبورة عن ظاهرها بقرينة الاجماع فيحمل الاخبار التي ورد فيها الامر بثلاث أو خمس أو سبع على كونها مسوقة لبيان بقاء التكبير بصفة
المطلوبية بعد الاتيان بفرد منه وانه من قبيل تعدد المطلوب بمعنى ان فرد منه مطلوب بطلب الزامي وما زاد عليه بطلب ندبي لا ان المجموع لوحظ عملا
واحدا تعلق به طلب الزامي بلحاظ القدر المشترك بينه وبين الأقل منه بالتقريب المتقدم كما انا لو بنينا على أن التكبيرات المتعددة اعمال مستقلة بنظر العرف
بحيث لا يمكن ملاحظتها عملا واحدا ونحوا من انحاء وجود الطبيعة لتعين جمل اخبارها على ذلك نظير ما لو قال حج ولو في العمر مرة أو قال أدنى ما يجزي
من الحج للمستطيع مرة والثلاث أو الخمس مثلا أفضل فان في مكان تعلق طلب واجد بالجميع قرينة على أن طلبه ينحل إلى طلبات عديدة ولكن مقتضى اتصاف
الفرد المأتى به أولا بصفة الوجوب ما زاد عليه بصفة الاستحباب لما عرفت في مبحث النية في الوضوء من أنه لو تعلق طلب وجوبي واستحبابي بطبيعة واحدة
بلحاظ افراده المتعددة وجب ان يتصف ما يوجد منها في الخارج أولا بصفة الوجوب وما زاد عليه بصفة الاستحباب إذ لا مقتضى للالزام بالزائد على المقدار
الذي لا يرضى الامر بتركه بخلاف ذلك المقدار فإنه واجب فالامر الاستحبابي والوجوبي لا يتخير ان عليه دفعة لأنه ما لم يأت بشئ منها يجب عليه ايجاد
مسماها ومتى أوجد مسماها ارتفع وجوبها وبقيت بعد مطلوبه بطلب ندبي ولذا صرحوا بان من اشتغلت ذمته بوضوء واجب لا يجوز ان يأتي به
بنية الندب والحاصل ان مقتضى التوجيه المزبور هو الالتزام بان التكبير الواجب هو التكبيرة الأولى سواء قصد بها الوجوب أم اتى بها بنية الاستحباب
غاية الأمر انه يقع الكلام حينئذ في أن مثل هذا القصد اي نية الخلاف قادح في صحة العبادة أم لغو وقد بينا ما هو الحق لدينا في المبحث المشار إليه واما
انه يقع مستحبا فلا إذ لا يعقل ان يتوارد على موضوع واحد حكمان من جهة واحدة فلا يعقل ان يقع هذا الفرد من التكبير بصفة الوجوب من حيث كونه واحدا
من التكبيرات السبع الافتتاحية وبصفة الاستحباب أيضا من هذه الحيثية ضرورة اشتراط المغائرة بين متعلقي الوجوب والاستحباب اما ذاتا أو وجودا فوقوعه
246

مستحبا موقوف على امكان ان يتعلق به امر استحبابي من حيث كونه مصداقا لطبيعة التكبير وهو من هذه الحيثية معروض للوجوب والا لامتنع وقوعه امتثالا
للتكبير الواجب فيمتنع ان يعرضه صفة الاستحباب من هذه الحيثية وكيف كان فالحمل المزبور بمجرده لا يجدي في تطبيق الاخبار على مذهب المشهور الا ان يقال إن قضية
تسالمهم على لزوم تميز تكبيرة الاحرام بالقصد حتى من القائلين تعين الأولى مغائرتها بالنوع لغيرها من التكبيرات الافتتاحية بان كانت لها خصوصية زائدة
على ما عداها كعنوان الاحرامية ونحوها مما يجعلها أخص مطلق التكبير والا لم يجب تمييزه بالقصد بل كان الاتيان بجنس التكبير بداعي امره المنجز عليه كافيا في
اطاعته وكان الامر المنجز عليه قبل ايجاد مسما وجوبيا وبعده ندبيا كما تقدمت الإشارة إليه وحيث يجب تعيينه بالقصد اجماعا كما يظهر من كلماتهم كشف ذلك
عن أن لها خصوصية زائدة كما يؤيد ذلك اختلاف اثرها فيجب تقييد اطلاق الامر بالثلث أو الخمس أو السبع الوارد في الأخبار المتقدمة بوقوع واحدة منها
بقصد تكبيرة الاحرام أو ما هو ملزوم له كالتكبيرة الواجبة ونحوه وحيث إن متعلق الأمر الالزامي على هذا التقدير هو الفرد المشتمل على الخصوصية الزائدة المؤثرة
في المنع عن المنافيات لا مانع من اجتماع طلبه مع الطلب الندبي المتعلق بما عداه فله حينئذ ان يختار امتثال الامر الندبي قبل الالزامي وقضية الأصل بل اطلاق
الامر بالتكبيرات المقتصر في تقييده على القدر المتيقن الثابت بالاجماع وغيره كونه مخيرا في أن يجعل أيها شاء تكبيرة الافتتاح كما هو المشهور ان لم يكن مجمعا عليه
ويؤيده أيضا بل يدل عليه اطلاق المستفيضة المتقدمة التي ورد فيها الامر باجهار الإمام بواحدة إذا الظاهر أن المراد بالواحدة هي تكبيرة الاحرام ولا ينافي ذلك
ما أنكرناه فيما سبق من عدم صلاحية هذه الأخبار ومعارضة الأخبار المتقدمة الظاهرة في حصول الافتتاح والاحرام بالمجموع إذ فرق بين دلالتها على
اشتراط الوحدة في تكبير الافتتاح كي يعارض تلك الأخبار وبين دلالتها بواسطة المناسبات المغروسة في الأذهان على أن ما يجهر بها هي تلك التكبيرة المعتبرة
في قوام مهية الصلاة التي علم من الخارج اشتراطها بكونها واحدة كما لا يخفى واستدل في الحدائق للقول بتعين الأولى بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام إذا
افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم قل إلى أن قال ثم تكبير تكبيرتين ثم قل لبيك وسعديك إلى أن قال ثم تكبر تكبيرتين ثم تقول
وجهت وجهي الحديث وتقريب الاستدلال انه بناء على ما زعموه من التخيير أو تعيين الأخيرة ليس هذا من الافتتاح في شئ فان تسمية ما عدى تكبيرة الاحرام
بتكبيرات الافتتاح انما يصدق بتأخيرها عن تكبيرة الاحرام التي يقع بها الافتتاح حقيقته والدخول في الصلاة والا كان من قبيل الإقامة ونحوها مما تقدم
على الصلاة أقول إن كان محط النظر في هذا الاستدلال ورود الامر بالتكبيرات عقيب لفظة ثم بعد قوله إذا افتتحت حيث إن ظاهره كون (التكبيرات واقعة بعد تحقق الافتتاح ففيه ان الافتتاح لا يتحقق الا بالتكبير فوجب أن تكون) التكبيرات السبع
المأمور بها في هذه الرواية جميعها بعد تكبيرة الافتتاح وهو خلاف النص والاجماع فالمراد بقوله عليه السلام إذا افتتحت اما إذا أردت الافتتاح نظير قوله تعالى
إذا قمتم إلى الصلاة فلا اشعار حينئذ بمراده فضلا عن الدلالة أو ان المراد به حقيقته ولكن ما ذكره بعده بيان له فظاهره حينئذ حصول الافتتاح بجميع التكبيرات
بل مع غيرها مما ذكر في الرواية من الآداب وكون الجميع أفضل افراد الواجب فحالها حينئذ حال سائر الروايات المنطبقة بظاهرها على القول المحكى عن والد المجلسي
رحمه الله الذي زعم صاحب الحدائق بداهة بطلانه ومخالفته لظاهر الاخبار وان كان استدلاله بملاحظة اطلاق الافتتاح على الجميع كما يلوح ذلك
مما ذكر في تقريبه ففيه انه بعد الالتزام بان الافتتاح لا يكون الا بواحدة فكما ان ما قبلها من قبيل الإقامة فكذلك ما بعدها من قبيل الفاتحة لا يطلق على
شئ منهما الافتتاح حقيقة وعلاقة المجاز في كليهما موجودة مع انا سنشير إلى أن جعل التكبيرات الافتتاحية الواقعة قبل تكبيرة الاحرام كالإقامة خارجة
من الصلاة لا يخلو عن نظر بل منع واستدل أيضا بقول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة الواردة فيمن يخاف اللصوص ولكن يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين
يتوجه وفيه ان ظاهره أول تكبيرة من تكبيرات الصلاة التي يأتي بها حين يتوجه لا أول تكبيرة من التكبيرات الافتتاحية واستدل أيضا بصحيحة الأخرى
عنه أيضا قال قلت له الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح فقال إن ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرء ثم ركع وان ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع
التكبير قبل القراءة وبعد القراءة قلت فان ذكرها بعد الصلاة قال فليقضها ولا شئ عليه وفيه ان الظاهر كون من الافتتاح بيانا لما أريد من أول تكبيرة
ولذا أشكل توجيه هذه الرواية حيث يظهر منها عدم بطلان الصلاة بنسيان تكبيرة الافتتاح ان ذكرها بعد الركوع فلو أريد بها التكبيرة الأولى من التكبيرات
الافتتاحية كما هو مبنى الاستدلال لكانت الرواية على خلاف مطلوبه أدل حيث إن مقتضاها حصول الافتتاح بالمجموع وعدم كون خصوص الأولى من
مقومات مهية الافتتاح الذي لا صلاة الا به ودعوى ان توصيف التكبيرة المنسية بالأولى قرينة على إرادة تكبيرة الاحرام لأن اتصافه بهذه الصفة
موقوف على أن يكون لها خصوصية تميزها عما عداها ولا خصوصية اجماعا لما عدى تكبيرة الاحرام فتسميته بعضها من الافتتاح مبنية على ضرب من التوسع
ليست بأولى من حمل الافتتاح على حقيقته وجعله بيانا لأول تكبيرة كما لا يخفى واستدل أيضا بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال خرج رسول الله
صلى الله عليه وآله إلى الصلاة وقد كان الحسين عليه السلام أبطأ عن الكلام حتى تخوفوا انه لا يتكلم وانه به خرس فخرج به عليه السلام حامله على عاتقه وصف الناس خلفه فأقامه
على يمينه فافتتح رسول الله صلى الله عليه وآله الصلاة فكبر الحسين عليه السلام فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله تكبيرة عاد فكبر الحسين عليه السلام حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وآله سبع تكبيرات وكبر الحسين فجرت
بذلك السنة ورواها الشيخ في التهذيب عن حفص عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في الصلاة والى جانبه الحسين بن علي فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله فلم
يحر الحسين عليه السلام بالتكبير ثم كبر رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يحر الحسين التكبير فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله يكبر ويعالج الحسين فلم يحر حتى أكمل سبع تكبيرات فاحار الحسين عليه السلام التكبير في
السابعة فقال أبو عبد الله عليه السلام فصارت سنة وتقريب الاستدلال ان التكبير الذي كبره صلى الله عليه وآله أولا هو تكبيرة الاحرام التي وقع الدخول بها
247

في الصلاة لاطلاق الافتتاح عليه والعود إلى التكبير ثانيا وثالثا انما وقع لتمرين الحسين عليه السلام على النطق كما هو ظاهر السياق وعن السيد بن طاووس
في فلاح السائل انه روى هذه القصة عن الحسين عليه السلام قال في الحديث الذي نقله فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله حامله على عاتقه وصف الناس خلفه واقامه
عن يمينه فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وافتتح الصلاة فكبر الحسن عليه السلام فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته تكبير الحسن عليه السلام عاد فكبر الحسن عليه السلام حتى كبر سبعا
فجرت بذلك سنة في افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات أقول لا شبهة في أنه قبل جريان السنة بالسبع كما يؤتى بتكبيرة واحدة للافتتاح كما أن النبي صلى
الله عليه وآله في تلك القضية على ما هو ظاهر السياق اتى بالتكبيرة الأولى بهذا القصد ووقع العود ثانيا وثالثا إلى السبع لتمرين الحسين أو الحسن عليهما السلام
ووقوعه بهذا الوجه اثر في شرع العود إلى السبع فالكلام يقع في وجهه الذي شرع عليه من أنه هل هو مستحب نفسي أو جزء مستحب للافتتاح فيكون الافتتاح
بالمجموع أفضل كما هو الظاهر من التعبير بجريان السنة في الافتتاح أو ان السنة جرت في الاتيان بالسبع في ابتداء الصلاة مخيرا في أن يجعل أيها شاء تكبيرة
الاحرام كما هو مقتضى الأصل وكون الأولى بالخصوص مقصودة بالافتتاح في تلك القضية التي صارت سببا لمشروعية التكرير لا يصلح معينا للوجه الذي
شرع عليه التكرير وربما يظهر من بعض الأخبار ثبوت مقتضيات اخر أيضا لشرع السبع مثل خبر هشام بن الحكم المروي عن العلل عن أبي الحسن موسى عليه السلام
قال قلت له لأي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات أفضل فقال يا هشام ان الله خلق السماوات سبعا والأرضين سبعا والحجب سبعا فلما اسرى
بالنبي صلى الله عليه وآله فكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب من حجبه فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل يقول الكلمات التي يقال في الافتتاح فلما رفع له الثاني كبر
فلم يزل كذلك حتى بلغ سبع حجب فكبر سبع تكبيرات فلذلك العلة يكبر للافتتاح في الصلاة سبع تكبيرات ورواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام
قال انما صارت التكبيرات في أول الصلاة سبعا لأن أصل الصلاة ركعتان واستفتاحهما بسبع تكبيرات تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وتكبرتي السجدتين
وتكبيرة الركوع في الثانية وتكبيرتي السجدتين فإذا كبر الانسان في أول الصلاة سبع تكبيرات ثم نسي شيئا من تكبيرات الاستفتاح من بعد أو سهى مما لم
يدخل عليه نقص في صلاته ولو استدل صاحب الحدائق بهذه الرواية لمذهبه لكان أولى من تلك الروايات حيث إن فيها اشعار بل دلالة على أن
التكبيرات الافتتاحية بالذات هي تلك التكبيرات ولكن شرع تقديمها في أول الصلاة للعلة المنصوصة عليها في الرواية وقضية المناسبة كون مشروعيتها
على حسب نظمها الطبيعي ولكنك خبير بأنه لا يجوز رفع اليد عن مقتضيات الأصول والقواعد بمقتضيات مثل هذه العلل الغير المنحصرة التي هي في الحقيقة
من قبيل بيان بعض المناسبات المقتضية لتشريع أصل الحكم على سبيل الاجمال والا فلم يقصد بالرواية كون هذه التكبيرات هي بعينها تلك التكبيرات بحيث
يجوز للمكلف ايقاعها على تلك الوجوه كما هو واضح ويمكن الاستدلال له بما تقدمت الإشارة إليه من ظهور جل الاخبار في حصول الافتتاح بالجميع
ولكن ثبت باجماع أو غيره ان المجموع من حيث المجموع ليس فردا للافتتاح الواجب وانما الواجب احدى التكبيرات السبع وقضية الأصل واطلاقات
الأدلة عدم اعتبار خصوصية زائدة عن طبيعة التكبيرات المأتى بها للافتتاح فيجب حصولها بالتكبيرة الأولى المأتى بها بهذا القصد وما ذكرناه
انفا من أن اجماعهم على تمييزها بالقصد كاشف عن أن لها خصوصية زائدة عن صرف الطبيعة كعنوان الاحرامية ونحوه فيمكن منعه بان القدر المسلم
انما هو اعتبار الاتيان بها بسد الدخول والتلبس في الصلاة وهذا القصد مما لابد منه في أول ما يؤتى به من التكبيرات الافتتاحية بناء على
كونها من الصلاة كما هو الظاهر من أدلتها ولعل المشهور أيضا لا يعتبرون أزيد من ذلك (في تكبيرة الاحرام) الا انهم لا يرون التكبيرات الافتتاحية مطلقا من الصلاة كي
يعتبرون في صحتها العزم على التلبس بالصلاة من حين الشروع فيها فيكون اخبار الباب بظاهرها حجة عليهم والحاصل ان مقتضى الأصل واطلاقات
الأدلة انه لا يعتبر في تكبيرة الاحرام أزيد من حصولها بقصد ان الشرع بها في الصلاة فتنطبق قهرا على التكبيرة الأولى بعد البناء على كونها من الصلاة
فالانصاف ان القول به بالنظر إلى الوجه المزبور لا يخلو عن قوة الا ان يقال بان ظهور المستفيضة المتقدمة الواردة في أن الإمام يجهر بواحدة في الاطلاق
بضميمة ما تقدم ادعائه من أن الظاهر إرادة الاجهار بتكبيرة الاحرام كما يؤيده ما ادعى عليه الاجماع من
استحباب الاجهار بها مع اعتضاده بما تقدم
نقله من دعوى الاجماع على التخيير يجعل خلافه أقوى ولا سيما مع اعتضاده ببعض الاخبار الآتية واستدل للقول برجحان اختيار الأخيرة أو تعينها
بما عن الفقه الرضوي واعلم أن السابعة هي الفريضة وهي تكبيرة الافتتاح وبها تحريم الصلاة وعن كاشف اللثام في شرح الروضة الاستدلال
عليه أيضا برواية أبي بصير وفيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله اللهم أنت الملك الحق المبين الخ والدعاء عقيب الاثنين بقوله لبيك
وسعديك وعقيب السادسة بقوله يا محسن قد اتاك المسئ قال عليه السلام ثم تكبر للاحرام ولا يخفى ما فيهما من الضعف فهما لا ينهضان حجة الا لاثبات
الأفضلية من باب المسامحة بعد البناء على التخيير واستدل له أيضا بخبر الصباح المرني المروي عن التهذيب قال قال أمير المؤمنين عليه السلام خمس وتسعون
تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات منها تكبير القنوت وصحيحة معاوية بن عمار المروية عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال التكبير في الصلوات الفرض الخمس
الصلوات خمس وتسعون تكبيرة منها تكبيرات القنوت خمسة في الوسائل قال الكليني ورواه أيضا عن أبيه وعن عبد الله بن المغيرة مثله وفسرهن في
الظهر احدى وعشرين تكبيرة وفي العصر احدى وعشرين تكبيرة وفي المغرب ست عشرة تكبيرة وفي العشاء الآخرة احدى وعشرين تكبيرة وفي الفجر احدى
عشر تكبيرة وخمس تكبيرات القنوت في خمس صلوات تقريب الاستدلال الظاهر أن المراد بإحدى وعشرين في الصلوات الرباعية اربع للهويات
248

الركوعية وأربع للهويات السجودية ومثلها للرفع من السجودات الأولى وكذا الحال للهوى إلى السجودات الثانية وكذا للرفع منها فتلك عشرون تكبيرة و
واحدة تكبيرة الاحرام فلو كانت التكبيرات الست بعد تكبيرة الاحرام يزيد عدد التكبيرات بكثير وفيه ان المتأمل في اخبار الباب لا يكاد يرتاب في أن التكبيرات
الافتتاحية ليست كالإقامة خارجة عن الصلاة بل هي كتكبيرة الاحرام من الصلاة سواء قدمها على تكبيرة الاحرام أم اخرها فان جاز دعوى خروج
تكبيرة الاحرام عن الصلاة جاز دعواه فيما عداها فان سوق الاخبار يشهد بان التكبيرات السبع على نهج سواء من هذه الحيثية وقد تعلق بالجميع امر واحد بعنوان
الافتتاح مع ما في بعضها من التصريح بان واحدة منها أدنى ما يجري والسبع أفضل وفي بعضها التعبير بان الإمام يجزيه تكبيرة واحدة ويجزيك ثلاثا مترسلات
إذا كنت وحدك إلى غير ذلك من الاخبار التي هي كالنص في أنها من اجزاء الافتتاح الذي لا صلاة الا به غاية الأمر ان تكبيرة الاحرام بالخصوص ركنه
الذي لا يتقوم الافتتاح الا به وما عداه من اجزائه المستحبة التي يجوز تركها لا إلى بدل فلا ينبغي الارتياب في أن جميعها من الصلاة ولذا حمل بعض الأخبار المتقدمة
المشتملة على عدد تكبيرات الصلاة على التكبيرات المتأكد مطلوبيتها جمعا بينها وبين اخبار الباب والأولى ان يدفع التنافي بينها بما أوضحنا فيما سبق و
تقدمت الإشارة إليه انفا من أن الامر لم يتعلق بأحد التكبيرات السبع من حيث هي كي يتعدد بها عدد اجزاء الصلاة بل تعلق بها بلحاظ القدر المشترك الحاصل
في ضمنها اي طبيعة التكبير التي جعلها الشارع افتتاحا للصلاة ونية بالاخبار المزبورة وغيرها على أن تكبيرة واحدة وهي تكبيرة الاحرام التي يحرم بها منافاة
الصلاة مجزية في تحصيل تلك الطبيعة التي جعلها افتتاحا واضم ما عداها من التكبيرات الست أفضل في تحصيل ما تعلق به الغرض من الامر بالافتتاح
بالتكبير فيكون سائر التكبيرات جزء لما جعله الشارع افتتاحا للصلاة أولا وبالذات ولنفس الصلاة ثانيا وبالعرض وبهذا يحصل التوفيق بين الاخذ بظواهر
النصوص وعدم التخطي عما اتفقت عليه كلمة الأصحاب من وجوب احدى التكبيرات ولزوم تعينه بالقصد فعلى هذا يكون المراد بالدخول والافتتاح الذي
يعتبر ان يقصده بتكبيرة الاحرام هو الدخول المعتد به الذي يحصل بالتلبس بأركان الصلاة وواجباته وترتب عليه حرمة المنافيات كما أن المراد بالخروج الذي يقصده بالتسليمة
الأولى من التسليمتين الأخيرتين انما هو الخروج بهذا المعنى الذي لا ينافيه بقاء نحو من التلبس المصحح لاتيان الأخيرة بعده بعنوان الجزئية على سبيل الاستحباب
والله العالم ثم انا لو قلنا بتعين الأولى للاحرامية فاتى بالجميع قاصدا للاحرامية بالأخيرة صحت الأخيرة وتحقق بها الدخول في الصلاة وبطل ما قبلها لمخالفته
للمأمور به نعم بناء على أن تعين الأولى من باب انها أول ما يتحقق المسمى والا فليس لتكبيرة الاحرام خصوصية زائدة عن طبيعة التكبير المأتى به للافتتاح
قد يتجه صحة الجميع فيما إذا لم يؤثر قصده تقييدا في الفعل أو في طلبه بحيث يخرجه عن حقيقته بان قصد بالأولى التكبيرة التي لا يتحقق بها الاحرام أو قصد امتثال الامر
الاستحبابي المتعلق بغير تكبيرة الاحرام لا الوجوبي بل اتى بجميعها بقصد وقوعها امتثالا لأوامرها الواقعية على ما هي عليه ولكن قصد بالأخيرة تكبيرة الاحرام
لزعمه ان لها خصوصية يعتبر قصدها في مقام الإطاعة فهو من باب غلطه في اعتقاده وهو غير قادح في صحة عمله ووقوعه امتثالا لامره الواقعي الذي قصد اطاعته
بهذا الفعل وكذا لو قلنا بان الجميع هو أفضل افراد الواجب فاتى بالجميع وقصد بخصوص الأخيرة امتثال الواجب وبما قبلها الاستحباب إذ لا امر استحبابي
على هذا القول كما هو واضح ولو قلنا بتعين الأخيرة فقصدها بالأولى فان اتى بما بعدها على أنه مستحب خارجي لم يقدح ذلك في صحة صلاته وان اتى به على أنه من الصلاة
فقد زاد في صلاته وهل تبطل الصلاة بمثل هذه الزيادة فيه تأمل يأتي تحقيقه في محله إن شاء الله تنبيه مقتضى اطلاق كثير من النصوص والفتاوي كصريح
بعض عدم اختصاص استحباب الاستفتاح بسبع تكبيرات بالفرائض بل يعم النوافل أيضا والله العالم ولو كبر ونوى الافتتاح ثم كبر ثانيا ونوى الافتتاح
أيضا بطلت صلاته على المشهور بل في الجواهر بلا خلاف أجده فيه بين القدماء والمتأخرين وظاهرهم كصريح غير واحد في لفرق بين العامد والناسي وربما
يلوح من كلماتهم ابتناء الحكم المزبور على ما اجمعوا عليه من ركنيته وقد فسر الركن في كلماتهم بما كان نقصه وزيادته عمدا وسهوا موجبا للبطلان ولكن قد أشرنا
في صدر المبحث إلى اختلافهم في تفسير الركن وان غير واحد منهم فسره بما كان نقصه عمدا وسهوا مبطلا من دون تعرض لزيادته فلا يصح الاستدلال للمدعى
بالاجماع على أنه ركن إذ لم يعلم كونه بهذا المعنى مرادا للمجمعين وانما القدر المسلم الذي يمكن دعوى الاجماع عليه انما هو كونه ركنا بمعنى كون نقصه مطلقا
مخلا واما كون زيادته أيضا كذلك فلم يدل عليه دليل بل الأصل يقتضي خلافه وربما يستدل له بعموم ما دل على أن من زاد في صلاته فعليه الإعادة
وفيه أولا ان حاله حينئذ حال غيره من الأقوال والافعال المعتبرة في الصلاة من القراءة والأذكار ونحوها فلا مقتضى لتخصيص تكبيرة الافتتاح بالذكر مع أن
الالتزام بان إعادة مطلقها موجبة للبطلان كما هو ظاهر كلامهم ان لم يكن صريحه في خصوص المقام كما ترى إذ ربما يكون اعادتها لاحتمال خلل في الأولى أو
برجاء ادراك فضيلة ونحوها ولا يظن بأحد ان يلتزم ببطلان الصلاة بإعادة سائر الأذكار في مثل هذه الموارد بل ربما يتأمل في صحة اطلاق الزيادة عرفا بعد
رفع اليد عن الأولى واعادتها ثانيا كما هو لازم قصد الافتتاحية بها فضلا عن انصراف الاطلاقات إليه وعلى تقدير تسليمه فإنما يتجه الالتزام بالبطلان مع
العمد لا مطلقا كما ستعرفه في محله إن شاء الله وبما أشرنا إليه من التأمل في صدق اسم الزيادة في كثير من الفروض خصوصا فيما لو كانت الثانية مأتيا بها من باب
الاحتياط لاحتمال خلل في الأولى أو برجاء ادراك فضيلة كالجهرية ونحوها ظهر لك ضعف الاستدلال عليه في صورة العمد بما في كلام شيخنا المرتضى
قدس سره من أنها زيادة واقعة على جهة التشريع (مبطل الصلاة بها مع العمد اتفاقا أو بعد تسليم الكبرى يتوجه عليه انه قد لا يتحقق معه عنوان التشريع) كما لو كان بقصد الاحتياط أو لرجاء تدارك الفضيلة وتوهم ان قصد الاحتياط أو رجاء تدارك
الفضيلة بالإعادة انما يخرج الفعل عن كونه تشريعا إذا أمكن فيه الاحتياط لا في مثل تكبيرة الافتتاح التي يتوقف اعادته على الابطال المنهى عنه مدفوع
249

بان تعذر الاحتياط لا ينافي قصده المنافي لصدق عنوان التشريع مع انا نفرضه في النافلة التي لا نقول فيها بحرمة ابطالها كما لو تلبس بنافلة ونسي بعض وظائفها
فبدا له ان يرفع اليد عما تلبس به ويستأنفها اما لتدارك الوظيفة أو لزعمه فسادها فجدد النية واستأنفها برجاء المشروعية لا على سبيل الجزم كي يتحقق معه
عنوان التشريع والحاصل انه لا يصح تفريع هذا الفرع المعنون في كلامهم على مثل هذه المباني الغير المنطبقة عليه فمن هنا قد يغلب على الظن ان
مبناه تسالمهم على أن كل ما كان نقصه عمدا وسهوا مخلا بالصلاة فزيادته أيضا كذلك فكأنه هذا اجماعي لديهم ولكن لا عبرة بمثل هذا الظن ما لم يتحقق
الاجماع عليه ويمكن الاستدلال له بان التكبيرة الثانية هي في حد ذاتها لا يصح وقوعها افتتاحا لصلاته لا لحرمتها من حيث التشريع فيمتنع وقوعها عبادة
كي يتوجه عليه بعض ما عرفت بل لأن صحتها موقوفة على وقوعها امتثالا لأمرها ولا امر بها حين فعلها لأن امرها سقط بفعل الأولى فيمتنع وقوع الثانية
أيضا صحيحة ما دامت الأولى باقية بصفة الصحة إذ لا امتثال عقيب الامتثال فالثانية تقع باطلة جزما سواء صدرت عمدا أو غفلة عن الأولى وهي تبطل سابقتها
أيضا فإنها لا تقع بقصد الافتتاح الا بعد رفع اليد عن الأولى والعزم على استيناف الصلاة وهذا العزم وان لم نقل بكونه من حيث هو موجبا لبطلان
الأجزاء السابقة والا لاتجه صحة الثانية كما سنشير إليه ولكن اقترانه بما يقتضيه هذا العزم من استيناف الصلاة مانع عن بقاء الهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة
بين التكبيرة الأولى وبين ما بعدها بنظر العرف كما هو الشان في جميع الأفعال العادية التي يعتبر في صدق كونه عرفا فعلا واحدا بقاء الهيئة (الاتصالية فان العزم على رفع اليد عنها والتلبس بما يقتضيه هذا العزم مانع عن بقاء الهيئة) الاتصالية الموجبة
لصدق الوحدة العرفية بينها وبين ما بعدها بخلاف ما لو كان ما تلبس به صادرا لا مع هذا العزم فإنه قد لا يؤثر في رفع الهيئة الاتصالية كما لا يخفى على
المتأمل وقد جعل الأصحاب نظر العرف مناطا في الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة ومن الواضح ان إعادة تكبيرة الاحرام التي هي عبارة عن استيناف
الصلاة أشد تأثيرا لدى العرف في محو الصورة القائمة بالأولى مع ما بعدها من تأثير مثل الطفرة ونحوها مما مثلوا بها لمحو الصورة فليتأمل وكيف كان
فما ذكره المشهور من بطلان الصلاة بإعادة تكبيرة الاحرام ان لم يكن أقوى فلا ريب في أن أحوط ولكن قضية الاحتياط خصوصا لو وقعت الثانية غفلة عن الأولى
انما هو اتمام الفريضة ثم الإعادة ثم إنه صرح غير واحد بأنه لا يعتبر في البطلان بالافتتاح ثانيا نية الصلاة معه لأنه بقصده الافتتاح يصير ركنا
ولا يقدح فيه عدم مقارنة النية التي هي شرط في صحة الصلاة لا لكونه للافتتاح أقول فكأنهم أرادوا بنية الصلاة معه النية التي اعتبروها
في أول الصلاة مقارنة لأول جزء من التكبير والا فقصد الصلاة معه من مقومات مهية الافتتاح إذ لا معنى لقصد الافتتاح بالتكبير الا قصد الشروع
به في الصلاة فلا يتأتى هذا القصد ممن لم يكن قاصدا للصلاة معه نعم يعقل ان يأتي تكبيرة قاصدا كونها هي مهية تكبيرة الافتتاح لكنه مجرد قصد لا
حقيقة له لأن قصد الافتتاحية مأخوذ في مهيتها فما لم يكن قاصدا بها الافتتاح حقيقة فهي ليست في الحقيقة بتكبيرة الافتتاح والحاصل ان محل
الكلام انما هو فيما لو كبر ثانيا ونوى به الافتتاح حقيقة لا مجرد الاتيان بصورته ولا ينافي ذلك عدم صحته في الواقع كما هو واضح ثم لا يخفى عليك ان
بطلان التكبيرتين في الفرض مبني على عدم بطلان الصلاة بنية الخروج كما قويناه فيما سبق والا فقصد الافتتاح ثانيا لا يكون الا بعد رفع اليد عن
الأولى والعزم على استيناف صلاته مع العمد ومع السهو لا يكون الا بعد ان يرى الانسان نفسه خارجا فلا يبقى معه اثر للعزم السابق اي يرتفع الاستدامة
الحكمية الذي هو مناط القول بالبطلان بنية الخروج فيتجه حينئذ صحة الصلاة بالتكبير الثاني وان كبر ثالثه ونوى أيضا الافتتاح انعقدت الصلاة أخيرا على
المشهور من بطلان الثانية وكونها مبطلة للأولى وكذا على القول بانقعادها بالثانية من حيث سبقها بنية الخروج ولكن بناء على عدم كون زيادتها سهوا مبطلة
كما مال اليد أو قال به غير واحد من المتأخرين قد يشكل انعقادها بالثالثة فيما لو وقعت الثانية سهوا فان الثالثة حينئذ حالها حال الثانية التي اتى بها عمدا في كونها
باطلة ومبطلة كما هو واضح ويجب ان يكبر للاحرام قائما فلو كبر قاعدا مع القدرة على القيام أو هو اخذ في القيام لم تنعقد صلاته عامدا كان أو ساهيا بلا
خلاف فيه على الظاهر بل اجماعا كما ادعاه بعض ويدل عليه مضافا إلى اطلاقات الأدلة الدالة على اعتبار القيام في الصلوات المفروضة الظاهرة في
ارادته حال التكبير أيضا كالقراءة بل بعضها كاد ان يكون صريحا في ذلك مثل قول الباقر عليه في صحيحة زرارة ثم استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب وجهك عن
القبلة فتفسد صلاتك فان الله عز وجل يقول لنبيه في الفريضة فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وقم منتصبا فان رسول الله صلى الله عليه وآله
قال من لم يقم صلبه فلا صلاة له الحديث خصوص موثقة عمار في حديث قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل وجب عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام وافتتح الصلاة وهو
قائم ثم ذكر قال يعقد ويفتتح الصلاة وهو قاعد ولا يعتد بافتتاحه الصلاة وهو قائم وكذلك ان وجب عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة وهو قاعد فعليه ان
يقطع صلاته ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم ولا يقتدي بافتتاحه وهو قاعد وصحيحة سليمان بن خالد قال قال أبو عبد الله عليه السلام في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع
فكبر وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل ان يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة فظاهر النصوص والفتاوي ان لم يكن صريحها انما هو اعتبار القيام بل وكذا إقامة
الصلب في حال التكبير مطلقا من أوله إلى اخره من غير فرق بين المنفرد والإمام والمأموم فما عن الشيخ في المبسوط والخلاف والمصنف في المعتبر من أن المأموم ان كبر
تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع واتى ببعض التكبير منحنيا صحت صلاته ضعيف كيف والخبر الأخير نص في المأموم ويدل على ضعفه مضافا إلى ذلك صحيحة زيد
الشحام انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل انتهى الإمام وهو راكع قال إذا كبر واقام صلبه ثم ركع فقد أدرك وحكى عن الشيخ انه استدل على ما ذهب إليه بان
الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير وانعقاد الصلاة به ولم يفصلوا بين ان يكبر قائما أو يأتي به منحنيا فمن ادعى البطلان احتاج إلى الدليل انتهى وفيه ما عرفت
250

ثم إن الكلام في أن القيام حال التكبير هل هو في حد ذاته ركن في الصلاة كما يظهر من بعض كلماتهم أو ان ركنيته بلحاظ شرطيته للتكبير مما لا يترتب على تحقيقه ثمرة
مهمة وسيأتي بعض الكلام فيه في محله إن شاء الله والمسنون فيها اربع اي هي من المسنون فيها لا ان المسنون فيها منحصر بالأربع أحدها ان يأتي بلفظ الجلالة من غير
مد بين حروفها اشباع فتح الهمزة أو مد الألف زائدا على القدر الذي يتوقف عليه افصاح الألف اما استحباب ترك اشباع الهمزة فلانه أحوط حيث إنها تشبه
بالاستفهام وان لم يكن مقصودا بل قد يقال فيه بالبطلان لو تولد من اشباعها الألف لتغيير صورتها مضافا إلى صيرورتها كالاستفهام وهو لا يخلو عن وجه وان
أمكن دعوى عدم خروج الكلمة بهذا النحو من التغيير في المحاورات عن حقيقتها بحيث يعد لحنا كما يظهر من بعض واما استحباب ترك مد الألف فلم يظهر وجهه
وان حكى عن بعض التصريح بالمنع عنه اقتصارا على القدر المتيقن من الصورة وهو ضعيف وما ذكر وجها له أمكن جعله منشاء لرجحان تركه من باب الاحتياط وان
لا يخلو عن تأمل والثاني ان يأتي بلفظ أكبر على وزن افعل اي من غير اشباع الهمزة أو الباء فإنه أحوط وفي المدارك قال في شرح العبارة مفهومه
جواز الخروج عن الوزن ولابد من تقييده بما إذا لم يبلغ الزيادة حرفا والا بطل ولو لم يقصد معناه على الأظهر لخروجه بذلك عن المنقول انتهى أقول
قد أشرنا إلى امكان دعوى عدم خروج الكلمة عن حقيقتها بهذا النحو من التغييرات الكثيرة الدوران في المحاورات الناشئة من تغليظ القول وتفخيمه أو اشباع حركته
بحيث يعد لحنا لدى العرف والله العالم والثالث ان يسمع الإمام من خلفه تلفظه بها على المشهور بل عن المنتهى لا نعرف فيه خلافا وكفى به دليلا على
المدعى بعد البناء على المسامحة مضافا إلى ما دل على استحباب ان يسمع الإمام من خلفه كلما يقول كصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال ينبغي للامام ان يسمع
من خلفه كلما يقول الخ وربما يستدل له أيضا بالمستفيضة المتقدمة في مسألة استحباب الافتتاح بسبع كقوله عليه السلام في صحيحة الحلبي وان كنت اماما يجزيك
ان تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا وفي خبر أبي بصير غير انك إذا كنت اماما لم تجهر الا بواحدة وفي خبر الحسن بن راشد ان النبي صلى الله عليه وآله يكبر واحدة يجهر فيها و
يسر ستا والمناقشة فيها بعدم دلالتها على رجحان الاجهار بواحدة لكون الأخير منها حكاية فعل وما عداه لا ظهور له في الاستحباب مما لا ينبغي الالتفات إليها
فان المتبادر منها ليس الا إرادة بيان ما هو وظيفة الإمام فهي ظاهرة في أن وظيفته الاجهار بواحدة واسرار ما عداها من التكبيرات الافتتاحية فهذه الأخبار
يخصص عموم صحيحة أبي بصير المتقدمة الدالة على استحباب ان يسمع الإمام من خلفه كلما يقول بالنسبة إلى ما عدى تكبيرة الاحرام من التكبيرات الست الافتتاحية و
يتلوها في الضعف الخدشة فيها بعدم دلالتها على إرادة تكبيرة الاحرام لجواز إرادة واحدة من التكبيرات السبع على الاطلاق لما أشرنا إليه فيما سبق من أنه بعد
البناء على أن لتكبيرة الاحرام خصوصية موجبة لتمييزها بالقصد لا ينبغي الارتياب في انسباق ارادته إلى الذهن من الواحدة التي يجهر بها لأجل المناسبة الظاهرة
ومناسبة ما عداها للمشاركة في الحكم بالاسرار خصوصا مع اعتضاده بما عرفت وربما يناقش فيها أيضا بأنها لا تدل الا على استحباب الجهر والنسبة بين الجهر واسماع
جميع من خلفه العموم من وجه فلا تنهض هذه الروايات شاهدة على المدعى ويمكن الجواب عنه بان المناسبة بين الحكم وموضوعه تجعلها ظاهرة في إرادة اسماع من
خلفه هذا مع أن فيما عدا هذه الأخبار مما ذكر غنى وكفاية والرابع ان يرفع المصلي يديه بها على المشهور بل عن المعتبر نفي الخلاف فيه بين العلماء وعن المنتهى
بين أهل العلم وعن جامع المقاصد بين علماء الاسلام وعن الصدق وانه من دين الإمامية ويشهد له اخبار كثيرة منها صحيحة معاوية بن عمار قال رأيت أبا عبد
الله عليه السلام حين افتتح الصلاة رفع يديه أسفل من وجهه قليلا وصحيحته الأخرى قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام في الصلاة رفع يديه حتى كاد تبلغ اذنيه وفي صحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام إذا أقمت الصلاة فكبرت فارفع يديك ولا تجاوز بكفيك اذنيك اي حيال خديك وصحيحته الأخرى عن أحدهما قال ترفع يديك في افتتاح الصلاة
قبالة وجهك ولا ترفعهما كل ذلك وفي صحيحة صفوان قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام إذا كبر في الصلاة رفع يديه حتى كاد تبلغ اذنيه وفي صحيحة عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل فصل لربك وانحر قال هو رفع يديك حذاء وجهك وعن الطبرسي رحمه الله في كتاب مجمع البيان في تفسير الآية المذكورة عن
عمر بن يزيد قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قوله فصل لربك وانحر هو رفع يديك حذاء وجهك وعن جميل بن دراج قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام فصل لربك
وانحر فقال بيده هكذا يعني استقبل بيديه حذاء وجهه القبلة في افتتاح الصلاة وعن الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين عليه السلام لما نزلت هذه السورة قال النبي صلى الله عليه وآله
لجبرئيل ما هذه النحيرة التي امرني ربي قال ليست بنحيرة ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة ان ترفع يديك وإذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا
سجدت فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع فان لكل شئ زينة وان زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة وعن علي عليه السلام في قوله تعالى فصل لربك
وانحر ان معناه ارفع يديك إلى النحر في الصلاة وخبر الفضل بن شاذان المروي عن العل والعيون عن مولانا الرضا عليه السلام قال انما يرفع اليدان بالتكبير لأن
رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع فأحب الله عز وجل ان يكون في وقت ذكره متبتلا متضرعا مبتهلا ولان في رفع اليدين احضار النية
واقبال القلب على ما قال وقصد ولان الفرض من الذكر الاستفتاح وكل سنة فإنما تؤدي على جهة الفرض فلما ان كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع
اليدين أحب ان يؤدوا السنة على جهة ما يؤدي الفرض وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام قال وعليك برفع يديك في الصلاة
وتقليبهما وخبر إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في رسالة طويلة كتبها إلى أصحابه إلى أن قال دعوا رفع أيديكم في الصلاة الا مرة واحدة حين يفتح الصلاة فان
الناس قد شهروكم بذلك والله المستعان ولا حول ولا قوة الا بالله وحكى عن السيد الرضي قدس الله روحه القول بوجوبه في جميع تكبيرات الصلاة
مدعيا عليه الاجماع قال في محكى الانتصار ومما انفردت به الإمامية القول بوجوب رفع اليدين في كل تكبيرات الصلاة لأن أبا حنيفة وأصحابه والثوري لا يرون
251

رفع اليدين بالتكبير الا في الافتتاح لصلاة إلى أن قال والحجة فيما ذهبنا إليه طريقة الاجماع وبرائة الذمة انتهى وقد تعجب غير واحد من دعواه الاجماع
على ما ذهب إليه مع أنه لم ينقل القول به من أحد منهم عدى الإسكافي في خصوص تكبيرة الاحرام وربما جعل بعض دعواه الاجماع شاهدة على أن مراده بالوجوب
تأكد الاستحباب وحكى عن بعض متأخري المتأخرين الميل إلى ما ذهب إليه السيد من القول بوجوبه في جميع التكبيرات اخذا بظاهر الامر الوارد في بعض الأخبار المتقدمة
وفيه بعد الغض عن جملة من القرائن الداخلية والخارجية المرشدة إلى إرادة الاستحباب كالعلل المذكورة في الروايات المناسبة للاستحباب وكونه
مما أوصى به النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام مع معروفية الاستحباب بين الأصحاب قديما وحديثا وبعد إرادة الوجوب الشرعي عند كل تكبيرة مع عدم وجوب أصل التكبير اي مخالفته
لظاهر الامر الوارد في مثل هذه الموارد ولذا لم يحتمله أحد في نظائر المقام مما ورد الامر بفعل عند الاتيان بمستحب كالقيام أو الطهارة أو استقبال القبلة حال
الأذان والإقامة ونظائرها وعدم أولوية حمله على الوجوب الشرطي من الحمل على الاستحباب خصوصا في مثل المقام الذي يظهر من الأخبار الواردة فيه ان المصلحة المقتضية
لطلبه انما هي في نفس الرفع الواقع حال التكبير لا في التكبير الواقعي حاله انه وان ورد الامر برفع اليدين عند تكبيرة الافتتاح أو في الصلاة على سبيل الاجمال
في جملة من الروايات ولكنه لم يرد في خبر الامر به عند كل تكبيرة على وجه يمكن دعوى ظهوره في الوجوب الا في خبر الأصبغ وهو أيضا وان وقع فيه التعبير بلفظ
الامر ولكن التعليلين الواقعين فيه يجعلانه ظاهرا في الاستحباب كما لا يخفى فهذه الرواية بعد تسليم سندها بنفسها صالحة لصرف سائر الروايات التي ورد
فيها الامر برفع اليد عند تكبيرة الافتتاح أو في الصلاة على سبيل الاجمال نعم لو قال قائل بوجوبه عند تكبيرة الافتتاح بالخصوص كما حكى القول به عن الإسكافي
جمودا على ظاهر الامر الوارد في غير واحد من الأخبار المتقدمة لم يكن بعيد لامكان منع صلاحية القرائن الداخلية والخارجية التي تقدمت الإشارة إليها
لصرف الأخبار الخاصة عن ظاهرها ولكن يضعفه معارضتها بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال على الإمام ان يرفع يده في الصلاة ليس على غيره ان يرفع يده
في الصلاة فإنه نص في عدم وجوب رفع اليد في الصلاة على من عدى الإمام وظاهره ارادته حال التكبير الذي من شانه ان يرفع فيه اليد واظهر مصاديقه حال تكبيرة
الافتتاح وما احتمله في الحدائق من ارادته حال القنوت مع بعده في حد ذاته يدفعه ما في الوسائل من رواية الحديث عن قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده
علي بن جعفر أنه قال في اخره ان يرفع يديه في التكبير وكيف كان فظهور الامر الوارد في تلك الأخبار في الوجوب ليس بأقوى من ظهور هذه الصحيحة في إرادة الرفع
حال تكبيرة الافتتاح التي يكون الرفع حالها معروفا لدى الخاصة والعامة بحيث يكون أول ما يتبادر إلى الذهن من اطلاق الامر به أو الرخصة في تركه بل الامر
بالعكس ولا يمكن الجمع بينها بتخصيص تلك الأخبار بالإمام جمعا بينها وبين هذه الصحيحة لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن مع أنه لا قائل بهذا التفصيل ولذا حمل
التفصيل الوارد في الصحيحة على تأكد الاستحباب قال الشيخ في محكى التهذيب بعد ان أورد الصحيحة المزبورة المعنى في هذا الخبر ان فعل الإمام أكثر فضلا وأشد
تأكيدا من فعل المأموم وان كان فعل المأموم أيضا فيه فضل وليكن الرفع ليديه إلى حذاء اذنيه في الجواهر قال في شرح العبارة اي شحمتيهما لأنهما أول الغاية
كما هو معقد المحكى من اجماع الخلاف وعبارة كثير من الأصحاب بل هو نص المحكى من عبارة فقه الرضا عليه السلام
والمنسوب إلى رواية في المحكى عن المعتبر وغيره بل لعله المستفاد من النهي في النصوص المعتبرة عن مجاوزة الاذنين انتهى أقول إرادة الرفع إلى أول
الغاية من اطلاق الامر برفع اليد إلى حذاء الاذن أو الوجه ونحوهما لا يخلو عن بعد فان المتبادر من الامر يرفع اليد إلى حذاء الوجه أو الحذاء والاذن
إرادة المحاذاة بينهما لا بين رؤس الأصابع وأول جزء من الوجه ونحوه ولا ينهض لاثبات إرادة هذا المعنى شئ من المذكورات ولعله قدس سره أيضا لم
يقصد بها الا الاستدلال لأصل المدعى لا لهذا التفسير والا فمعقد اجماع الخلاف كالرواية المحكية عن المعتبر على ما حكى نقله في بعض الكتب انما هو كعبارة
المتن واما النهي عن مجاوزة الاذنين الوارد في النصوص ان لم يكن المتبادر منه مجاوزة معظم الكف عن مجموع الاذنين فلا أقل من مجاوزة شئ منها ولو
رؤس الأصابع عن الاذن التي هي اسم لمجموع العضو لا لخصوص شحمتها واما عبارة فقه الرضا على ما حكاه في الحدائق فهي أيضا كعبارة المتن ظاهرة في إرادة محاذاة
مجموع العضو بل ربما يظهر منها ان المراد بالمحاذاة المأمور بها مالا ينافيه تجاوز بعض اليد ولو من أصول الأصابع ما عدى الابهام فان ما في كتاب الفقه الرضوي
على ما حكاه في الحدائق صورته هكذا فإذا افتتحت الصلاة فكبر وارفع يديك بحذاء اذنيك ولا تجاوز بابهاميك حذاء اذنيك ولا ترفع يديك بالدعاء
في المكتوبة حتى تجاوز بهما رأسك ولا بأس بذلك في النافلة والوتر فالأولى ابقاء المتن على ظاهره والاستشهاد له بالرضوي والرواية المحكية
عن المعتبر من باب المسامحة والا فليس في شئ من الأخبار المعتبرة ما يدل على استحباب الرفع إلى هذا الحد نعم ورد في جملة منها النهي عن التجاوز عنه
فهذا الحد غاية للرفع المستحب بشهادة جملة من الاخبار الآتية واما استحباب انهائه إلى هذا الحد فلم يثبت لولا البناء على المسامحة واما الاخبار
المتضمنة لبيان حد الرفع فقد تقدم جملة منها كصحيحة معاوية بن عمار وفيها رفع يديه أسفل من وجهه قليلا وفي
صحيحته الثانية رفع يديه حتى كاد يبلغ اذنيه
وفي صحيحة زرارة فارفع يديك ولا تجاوز بكفيك اذنيك اي حيال خديك وفي صحيحته الثانية ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك ولا
ترفعهما كل ذلك وفي صحيحة صفوان رفع يديه حتى كاد تبلغ اذنيه وفي صحيحة ابن سنان هو رفع يديك حذاء وجهك وفي خبر الاحتجاج هو رفع
يديك حذاء وجهك وفي خبر جميل استقبل بيديه حذاء وجهه وفي المرسل المروي عن علي عليه السلام ارفع يديك إلى النحر في الصلاة وفي صحيحة حماد الواردة
في تعليم الصادق عليه السلام ورفع يديه حيال وجهه وفي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام فإذا افتتحت الصلاة فكبرت فلا تجاوز اذنيك ولا ترفع يديك
252

بالدعاء في المكتوبة تجاوز بها رأسك وعن منصور بن حازم قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه واستقبل القبلة ببطن كفيه وفي الصحيح
عن ابن سنان قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام رفع يديه حيال وجهه حين استفتح وهذه الأخبار كما تريها قد وقع في أغلبها التحديد بحيال الوجه ولا ينافيه الخبران الحاكيان لفعله
عليه السلام من أنه رفع يديه حتى كاد يبلغ اذنيه لأن هذا يتحقق برفع اليدين إلى حيال الوجه ويحتمل قويا كون التحديد تقريبا قصد به بيان استحباب الرفع إليه تقريبا
لا على سبيل التحقيق فلا ينافيه فعله عليه السلام فيما حكاه عنه معاوية بن عمار في صحيحته الأولى من أنه رفع يديه أسفل من وجهه قليلا كما أنه لا ينافيه أيضا الامر يرفعهما إلى النحر
في المرسل المروى عن علي عليه السلام نعم لو أريد بكونهما أسفل من وجهه أسفلية جميعهما عن جميع الوجه لكان الاختلاف بينهما بينا فإنهما حينئذ تكونان حيال المنكبين فيتجه على
على هذا التقدير ما حكى عن ابن أبي عقيل من أنه قال يرفعهما حذو منكبيه أو حيال خديه ولا يجاوز بهما اذنيه ولكن إرادة هذا المعنى من الصحيحة لا يخلو عن بعد إذ لا يعبر في
العرف عن هذا المعنى بذلك التعبير ولكن مع ذلك لا يبعد الالتزام باستحباب الرفع إلى حذاء المنكبين أيضا من باب المسامحة لنسبة إلى رواية فيما حكاه في الحدائق عن
الفاضلين في المعتبر والمنتهى من أنهما قالا في بحث الركوع في تكبير الركوع يرفع يديه حذاء وجهه وفي رواية إلى اذنيه وبها قال الشيخ وقال الشافعي إلى منكبيه وبه
رواية عن أهل البيت عليهم السلام انتهى ولولا أنهم جعلوا الرفع إلى حذاء اذنيه قسيما للرفع إلى حيال الوجه لكنا نحتمل قويا ان يكون مقصودهم بالرفع إلى حذاء
اذنيه محاذاتهما من ناحية الوجه لا المحاذاة من جانبيهما كما ينطبق عليه الأخبار المعتبرة وكيف كان فالذي يظهر من الأخبار المعتبرة انما هو استحباب رفع اليدين إلى
حيال الوجه أو أسفل منه قليلا حتى ينتهى إلى الاذنين واما أزيد من ذلك فقد ورد النهي عنه في غير واحد من الأخبار المتقدمة وهل هو مكروه أو حرام وجهان بل
قولان أوجههما الأول إذ لا ينسبق إلى الذهن من النهي الوارد في مثل هذه الموارد الحرمة الشرعية بل المتبادر منه اما الكراهة أو المنع الغيري الناشي من مانعية
المنهى عنه عن الصحة أو الكمال كما أن المتبادر من الامر في مثل هذه الموارد اما الاستحباب أو الوجوب الشرطي لا الشرعي لعدم المناسبة كما تقدمت الإشارة إليه
انفا وحمله على الكراهة النفسية أو الغيرية الناشئة من مانعية عن الكمال لا الصحة أوفق بظواهر اطلاقات الامر برفع اليدين وانسب بقاعدة الاجزاء فهو الأشبه كما أن
الأشبه حمل التحديد الواقع في الاخبار من كون الرفع إلى حيال الوجه أو أسفل منه قليلا على الاستحباب والأفضلية جمعا بينهما وبين الاخبار التي ورد فيها الامر
بالرفع مطلقا لما عرفت مرارا من أنه لا مقتضى لحمل المطلق على المقيد في المستحبات إذ الداعي للحمل كون المقيد بظاهره بيانا لما أريد من الاطلاق بعد فرض وحده
التكليف كما هو شرط الحمل وهذا انما هو فيما إذا كان التكليف الزاميا كما لو ورد مثلا انه يجب على من افطر عتق رقبه وورد أيضا من أفطرت فأعتق رقبة مؤمنة فإنه
متى تعين الاتيان بالمقيد في مقالم الخروج عن عهدة هذا التكليف أعني كفارة الافطار كما هو مقتضى ظاهر الامر بالمقيد امتنع الاجتزاء باي فرد يكون باي فرد من
افراد المطلق كما يقتضيه اصالة الاطلاق في المطلق فيكشف ذلك عن أن مراده بالمطلق لم يكن الا بيان أصل الحكم على سبيل الاهمال وقد تبين تمام مراده بذكر
المقيد فيكون المقيد قرينة كاشفة عما أريد من المطلق واحتمال كون الامر المتعلق بالمقيد ندبيا بلحاظ كونه أفضل الافراد أو وجوبا تخييريا فلا ينافي اصالة الاطلاق
غيره معتنا به لمخالفته لظاهر المقيد ولا يصح ارتكاب التأويل في المقيد بواسطة اصالة الاطلاق حيث إن ظهور المطلق في الاطلاق موقوف على عدم بيان إرادة المقيد
حتى يتمشى فيه دليل الحكمة القاضي بحمل المطلق على الاطلاق والمقيد بظاهره بيان لما أريد من المطلق فيكون ظهور المقيد في الوجوب التعييني حاكما على ظهور
المطلق في الاطلاق هذا إذا كان التكليف الزاميا واما إذا كان ندبيا فالطلب المتعلق بالمقيد لا يقتضي بظاهره الا كون هذا الفرد بالخصوص مستحبا و
هو لا ينافي إرادة الاطلاق من المطلق لجواز ان يكون للطبيعة بلحاظ تحققها في ضمن اي فرد يكون حرمة من المحبوبية مقتضيه للامر بها امرا ندبيا أو الزاميا
وأن يكون لبعض مصاديقها مزية مقتضية للامر بايجاده في مقام الخروج عن عهدة ذلك التكليف امرا ندبيا فيكون هذا الفرد أفضل الافراد فلا يستكشف
من الامر الندبي المتعلق بالمقيد ان مراد الامر بأمره المطلق هو هذا المقيد بالخصوص فلا يصلح ان يكون هذا الامر الندبي بيانا لما أريد من الاطلاق كي
يكون ظهوره حاكما على اصالة الاطلاق كما لا يخفى على المتأمل وهيهنا فوائد ينبغي التنبيه عليها الأولى قد ورد في رواية أبي بصير وعبارة
الرضوي المتقدمتين النهي أيضا عن رفع اليدين بالدعاء في المكتوبة حتى يجاوز بهما الرأس ولعل هذا هو المراد بالخبر الذي رواية ابن أبي عقيل على ما في
محكى الذكرى من أنه قال جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله مر برجل يصلي وقد رفع يديه فوق رأسه فقال مالي أرى أقواما يرفعون أيديهم فوق رؤسهم
كأنها أذان خيل شمس وعن المعتبر والمنتهى أيضا روايته عن علي عليه السلام قال المجلسي في محكى البحار روى المخالفون هذه الرواية في كتبهم فبعضهم روى
أذان خيل قال في النهاية مالي أراكم رافعي أيديكم في الصلاة كأنها أذان خيل شمس هي جمع شموس وهي النفور من الدواب الذي لا يستقر لمنعته وحدته انتهى
والعامة حملوها على رفع الأيدي في التكبير لعدم قولهم بشرعية القنوت في أكثر الصلوات وبعهم الأصحاب فاستدلوا بها على كراهة تجاوز اليد عن
الرأس في التكبير ولعل الرفع للقنوت منها اظهر ويحتلم التعميم أيضا والأحوط الترك فيهما معا انتهى كلام المجلسي أقول ما استظهره من إرادة حال القنوت
في محله حيث إن سوق التعبير يقضي بإرادة رفع له نوع استمرار كما في المشبه به لا الرفع الحاصل حال التكبير الذي لا استقرار له ولكن ما ذكره من أن الأحوط
الترك فيهما كان وجيها لو كان مستند الترك فيهما منحصرا في احتمال إرادة التعميم من هذه المرسلة وقد عرفت وقوع التصريح بالمنع عن الرفع بهما حتى يجاوز
بهما الاذنين في التكبير فضلا عن الرأس في الأخبار المعتبرة وعن الرفع بهما بالدعاء التأمل لحال القنوت وغيره حتى يجاوز بهما الرأس في خبر أبي بصير
والرضوي المتقدمين ولكن في المكتوبة لا مطلقا فهو الأقوى سواء قلنا بدلالة هذه الرواية عليه أم لا ولكن المتبادر من مثل هذه النواهي الكراهة لا الحرمة الشرعية
253

كما تقدمت الإشارة إليه مرارا والله العالم الثانية مقتضى الجمود على ظواهر الأدلة التعبدية انما هو استحباب رفع اليدين معا فلو رفع إحديهما أو رفعهما
على سبيل التعاقب لا يجزي نعم لدى الضرورة أمكن القول باستحباب ما تيسر منه لقاعدة الميسور ونحوها والله العالم الثالثة المشهور بين أصحابنا
رضوان الله عليهم في كيفية الرفع كما ادعاه غير واحد انه يبتدء في التكبير بابتداء رفع يديه وينتهى بانتهائه ويرسلهما بعد ذلك بل في محكى المعتبر والمنتهى هو قول
علمائنا وعللوه بأنه هو رفع اليدين بالتكبير وناقش فيه في الحدائق بان الرفع بالتكبير وان كان لا يتحقق الا بهذا الا ان هذه العبارة غير موجودة في شئ
من اخبار المسألة وانما هي في كلام الأصحاب ولا حجة فيه وارد عليه في الجواهر بان النص موجود ولكن دعوى ان هذا هو معناه لا يخلو من نظر أقول اما
النص فهي رواية العلل المتقدمة حيث وقع فيها التعبير بلفظ رفع اليدين بالتكبير ولكن في بعض الكتب المصنفة وحدتها بنفسه في بدل الباء ولعله سهو
من الناسخ وكيف كان فالمتبادر من الامر برفع اليد في التكبير أو بالتكبير أو عند كل تكبيرة أو إذا كبرت كما ورد جميع ذلك في النصوص المتقدمة انما هو إرادة المقارنة
العرفية كما صرح به في الجواهر وغيره لا المطالبة الحقيقية ابتداء ووسطا وانتهاء ولعل المشهور أيضا لم يقصد والا هذا وحكى عن بعض القول بان التكبير بعد تمام
الرفع وقبل الارسال لظاهر قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي أو حسنته إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات الحديث وفيه انه لم يقصد
بلفظه ثم في هذه الرواية الترتيب كما لا يخفى على من تدبر فيها كما أنه لم يقصد الترتيب بالعكس من لفظه الفاء في صحيحة زرارة إذا أقمت الصلاة فكبرت فارفع يديك
الحديث بل المراد به بحسب الظاهر هو الرفع حال التشاغل بالتكبير وكيف كان فظاهره عدم ارادته قبل التكبير فلو سلم ظهور الخبر المزبور في المعنى المذكور فليجمع بينه و
بين سائر الأخبار بالتخيير والله العالم وحكى عن ثالث القول بأنه حال الارسال ولم يعلم مستنده قيل لعله لدعوى ان المراد من البسط في الرواية هو الارسال
وفيه ما لا يخفى الرابعة يستحب أن تكون اليدان حال الرفع مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا ببطنهما القبلة اما البسط والاستقبال فلصحيحة منصور
بن حازم قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه واستقبل القبلة ببطن كفيه فإنها كما تدل على الاستقبال تدل على البسط أيضا بالالتزام
ويدل عليه أيضا قوله عليه السلام في خبر الحلبي المتقدم ثم ابسطهما بسطا الخ وقد أشرنا انفا إلى أن لفظة ثم في هذه الرواية بحسب الظاهر لم يقصد بها الا الترتيب الذكرى
واما ضم الأصابع فربما استظهر من كلمات الأصحاب اتفاقهم على استحبابه فيما عدى الابهام واما الابهام فقد اختلفوا فيه قال في محكى الذكرى ولتكن الأصابع
مضمومة وفي الابهام قولان وفرقة أولى واختاره ابن إدريس تبعا للمفيد وابن براء وكل ذلك منصوص انتهى أقول وكفى بما ذكره من أن كل ذلك منصوص
في جواز الالتزام والاخذ بكل منه من باب التسليم بعد البناء على المسامحة وربما يستدل أيضا لاستحباب الضم بخبر حماد المشتمل على تعليم الصلاة حيث
قال فيها فقام أبو عبد الله عليه السلام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه إلى أن قال وقال بخشوع الله أكبر فإنه وان لم يذكر في الخبر
رفع اليدين حال تكبيرة الاحرام ولذا ناقش صاحب الحدائق في الاستدلال به للمدعى الا ان ما تضمنه من أنه عليه السلام ارسل يديه جميعا على فخديه قد ضم
أصابعه بحسب الظاهر لم يكن الا مقدمة للرفع الذي ينبغي الجزم بعدم تركه في هذه الصلاة التي أريد بها تعليم الصلاة التامة الحدود خصوصا بعد الالتفات
إلى أنه رفع يديه حيال وجهه إذا كبر للركوع وإذا كبر للسجود فمن المستبعد جدا تركه للرفع في الافتتاح مع أنه أهم فلا يبعد سقطه من الرواية أو ان حماد لم
يتعرض لنقله اما غفلة أو لعدم تعلق غرضه الا بنقل الخصوصيات الخارجة عما كان متعارفا لديهم في صلاتهم ورفع اليدين حال تكبيرة الاحرام كان معروفا
لدى الخاصة والعامة فلم يكن له داع إلى نقله هذا ولكن الانصاف عدم ثبوت الأحكام الشرعية بمثل هذه الدعاوي المبنية على الحدس والتخمين هذا مع أن
من الممكن كونه عليه السلام تاركا لرفع اليدين في الافتتاح في تلك الصلاة التي كان المقصود بها تعليم آدابها على الوجه الأكمل دفعا لتوهم وجوبه الناشي
من معروفيته لدى الخاصة والعامة مع عدم احتياج أصل مشروعيته إلى البيان وكون ما صدر منه من الرفع في تكبير الركوع والسجود وافيا ببيان
كيفية فليتأمل وربما يستدل له أيضا بما عن المحدث المجلسي في البحار عن زيد الترسي عن أبي الحسن عليه السلام انه رآه يصلي فكان إذا كبر في الصلاة الزق
أصابع يديه الابهام والسبابة والوسطى والتي يليها وفرج بينهما وبين الخنصر ثم يرفع يديه بالتكبير قبال وجهه ثم يرسل يديه ويلصق بالفخذين
ولا يفرج بين أصابع يديه فإذا ركع كبر ورفع يديه بالتكبير قبال وجهه ثم يلقم بركبتيه كفيه ويفرج بين الأصابع فإذا اعتدل لم يرفع يديه وضم
والأصابع بعضها إلى بعض كما كانت ويلصق يديه مع الفخذين ثم يكبر ويرفعهما قبالة وجهه كما هي ملتصقة الأصابع بعضها إلى بعض فيسجد الحديث و
لكن هذا الخبر تضمن تفريق الخنصر وهو خلاف المشهور ولذا رمى هذه الفقرة بالشذوذ وقيل لا منافاة بينه وبين الاستشهاد بسائر فقراته للمدعى وفيه اشكال
ولكن اشكال في الاخذ بظاهره من باب التسامح وان كان مخالفا للمشهور فان عمومات أدلة التسامح لا يقصر عن شموله والله العالم الواجب
الثالث من افعال الصلاة كتابا وسنة واجماعا القيام اما الأول فقوله تعالى الذين يذكرون الله قياما وقعودا المفسر في اخبار أهل البيت بان
الصحيح يصلي قائما والمريض جالسا وعلى جنوبهم واما السنة ففي صحيحة زرارة المتقدمة في المسألة السابقة وقم منتصبا فان رسول الله صلى الله عليه وآله من لم يقم صلبه
فلا صلاة له إلى غير ذلك من الاخبار التي ستمر بك إن شاء الله وهو في الجملة ركن في كل ركعة من ركعات الصلاة من القدرة فمن أخل به وتركه عمدا أو سهوا
بطلت صلاته بلا خلاف فيه بل باجماع العلماء كما عن جماعة نقله منهم المصنف في المعتبر بل علماء الاسلام
كما عن المنتهى وظاهر النصوص والفتاوي
بل صريح بعضا انه من حيث هو معتبر في الصلاة ومن جملة افعالها ولا ينافيه شرطيته لسائر الافعال الواقعة حاله من التكبير والقراءة والركوع الذي
254

ستعرف اشتراط كونه عن قيام إذ لا تنافي بين الجهتين بل ظاهر معاقد اجماعاتهم المحكية كصريح بعض كلماتهم ان ركنيته التي انعقدت اجماعهم عليها انما هي بهذه الملاحظة
اي بلحاظ نفسه من حيث هو لا من حيث شرطيته لركن اخر من تكبيرة الاحرام أو الركوع ولكن إقامة الدليل عليه مشكل خصوصا لو فسر الركن بما كانت زيادته كنقصه عمدا و
سهوا مبطلة كما في جملة من كلماتهم بل عن غير واحد نسبته إلى الأصحاب فجعلوا اتفاق كلمتهم على أنه ركن دليلا عليه بالمعنى المزبور فاحتاجوا في الموارد الكثيرة التي علم عدم
اختلال الصلاة بزيادة القيام فيها إلى التشبث بادلتها الخاصة الدالة عليه وجعلوها مخصصة لما اقتضاه قاعدة الركنية كما في زيادة الركوع في بعض الموارد و
كيف كان فقد استشكل جماعة من المتأخرين منهم المحقق الثاني على ما حكى عنهم اطلاق القول بركنية القيام بان ناسي القراءة وابعاضها صلاته صحيحة مع فوات بعض
القيام المستلزم لفوات المجموع فعدلوا على القول بالاطلاق إلى ما حكى عن الشهيد في بعض تحقيقاته من أنه قال إن القيام بالنسبة إلى الصلاة على انحاء فالقيام
في النية شرط كالنية والقيام في التكبير تابع له في الركنية والقيام في القراءة واجب غير ركن والقيام المتصل بالركوع ركن فلو ركع جالسا بطلت صلاته
وان كان ناسيا والقيام من الركوع واجب غير ركن إذ لو هوى من غير قيام وسجد ناسيا لم تبطل صلاته والقيام في القنوت تابع له في الاستحباب انتهى وعن المحقق الثاني
الاستشكال في استحباب القيام حال القنوت بأنه متصل بقيام القراءة فهو في الحقيقة قيام واحد فكيف يتصف بعضه بالوجوب وبعضه بالاستحباب ورد بان
مجردا الاتصال ليس بمانع عن ذلك بعد وجود خواص الندب فيه وربما أجيب عن أصل الاشكال بما محصله ان الركن إذا كان مركبا فالاجزاء كالقيام والسجدتين
فنقصه عبارة عن تركه رأسا اي ترك جميع اجزائه وزيادته عبارة عن زيادة الجميع فنقص القيام الركني معناه هو ان لم يأت بشئ منه وزيادته عبارة عن زيادة
جميعه المستلزم لزيادة التكبير والركوع ولا ينافيه اقتضاء زيادتهما أيضا للبطلان واستناد البطلان اليهما إذ علل الشرع معرفات وفيه ان مقتضاه في لبطلان
من حيث الاخلال بالقيام الركني فيما لو اتى بشئ من القيام في حال القراءة وتركه قبل الركوع وحال التكبير مع أنهم بحسب الظاهر لا يلتزمون به فلا مدخلية لقيامه
في هذا الحال وجودا وعدما في ركنيته وانما العبرة بما اتصل منه بالركوع وما وقع في حال التكبير واما ما عداهما فلا شبهة في عدم مدخلية زيادته ونقصه سهوا
في البطلان وكيف كان فقد استدلوا الركنية بالاجماع المستفيض نقله بل تواتره وبظواهر النصوص الدالة على اعتبار القيام في الصلاة مطلقا الشاملة
باطلاقها الحال السهو أيضا خصوصا مثل قوله عليه السلام لا صلاة لمن لم يقم صلبه الدال بظاهره على انتفاء حقيقتها عند انتفائه وبأصالة الركنية في كل ما ثبتت شرطيته
أو جزئيته في الجملة وانما يستدل بالأخيرين لاثبات ركنيته بمعنى كون نقصه عمدا أو سهوا مبطلا دون زيادته فعمدة المستند لاثبات كون زيادته أيضا كذلك
هو الأول اي الاجماع بعد دعوى ظهور كلمات المجمعين في إرادة الركن بهذا المعنى وربما يستدل له أيضا بعموم ما دل على أن من زاد في صلاته فعليه الإعادة ومع
العمد بكونه زيادة تشريعية وهي مبطلة وقد تبين ضعف جميع هذه الوجوه التي تشبثوا بها لاثبات البطلان بزيادته حتى الاجماع في مبحث التكبير فلا نطيل
بالإعادة بل نقول في المقام انه ينبغي الجزم بعدم بطلان الصلاة بزيادة القيام أصلا حتى المتصل منه بالركوع ما لم يستلزم الاخلال من جهة أخرى كفوات
الموالاة بين الاجزاء أو حصول الفعل الكثير الماحي للصورة أو زيادة الركوع ونحوه وكفاك شاهدا لذلك وجوب تدارك القراءة والسجدة المنسيتين ما لم يركع
فإنه يجب عليه ذلك وان هوى إلى الركوع ولم يبلغ حده مع أنه لم يدع في الفرض شيئا من القيام المعتبر في الركعة والا قد اتى به وعند تدارك السجدة المنسية تتحقق زيادة
جميعه حتى القيام المتصل بالركوع فان عدم اتصافه بالاتصال بالركوع نشاء من رجوعه قبل الحاق الركوع به لا من تركه للقيام ودعوى ان الركن هو القيام
المتصل بالركوع فلا يعقل زيادته بلا ركوع فرجوعه قبل الركوع في مثل الفرض مانع عن حصول صفة الاتصال بالركوع التي هي من مقومات ركنيته مدفوعه بأنه لا
دليل على اعتبار هذا الوصف قيدا في القيام الواجب في الصلاة كي يعقل ان يكون دخيلا في ركنيته بل الواجب نصا وفتوى هو القيام الواقع قبل الركوع حال القراءة
والتكبير واتصاله بالركوع ليس شرطا في صحة القيام إذ لا دليل عليه بل هو شرط في صحة الركوع حيث اعتبر فيه كونه عن قيام فليتأمل وربما يستدل له أيضا بقاعدة الشغل
وبتنظير الصلاة بالمركبات الخارجية التي يخلها الاخلال بشئ من اجزائها زيادة ونقصا وفيهما مالا يخفى فان تنظيرها بالمركبات الخارجية مما لا ينبغي الالتفات إليه
والمرجع لدى الشك في شرطية شئ أو جزئيته أو مانعية هي البراءة واصل العدم ونحوهما من الأصول النافية للتكليف لا الاشتغال كما تقرر في محله هذا مع أنه لا موقع
لاجراء اصالة الاشتغال أو البراءة ونحوها في مثل المقام إذ لا يترتب على جزئيته أو مانعية زيادته في حال السهو ثمرة عملية فان زيادته وتركه سهوا فيما عدى ما كان
منه حال التكبير وما اتصل بالركوع غير مبطل جزما لزيادته أو نقصه في الحالين مبطل جزما وانما الاشكال في أن منشأ البطلان هل هو ركنيته القيام من حيث هو أو
شرطيته لركن اخر فليتأمل وقد تلخص مما ذكر انه لا دليل على أن زيادة القيام من حيث هي مبطلة بل قضية الأصل في لبطلان حتى مع العمد لو لم يكن اجماعيا
فضلا عن السهو واما نقصه سهوا فهو أيضا كذلك على الأظهر لأن عمدة ما ذكروه دليلا له هي ظهور الأدلة في اعتباره على الاطلاق وفيه ان قوله عليه السلام
في صحيحة زرارة لا تعاد الصلاة الا من خمسة الحديث وكذا قوله في مرسلة سفيان تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة حاكم على مثل هذه المطلقات فيقيدها بصورة
العمد وكون النسبة بينهما العموم من وجه غير مجد فان الحاكم مقدم على كل حال كما تقدمت الإشارة إليه مرارا ويأتي توضيحه وتقريب وجه حكومة الخبرين على مثل هذه
المطلقات في محله إن شاء الله هذا مع أن تقييد تلك المطلقات بحال العمد بالنسبة إلى كثير من الموارد التي تقدمت الإشارة إليها في عبارة الشهيد وغيره مما لابد منه
ومعه لا يبقى لها قوة ظهور في الشمول لحال السهو فيما عدى تلك الموارد بحيث يصلح لمعارضة الخبرين فضلا عن أن يترجح عليهما واما الاستدلال بأصالة الركنية
ففيه بعد الغض عن انه لا مجال للتمسك بهذا الأصل كسائر الأصول بعد ورود النص بخلافه اي الصحيحة المتقدمة ان هذا الأصل غير أصيل لأن مبناه دعوى استحالة
255

اختصاص جزئية شئ أو شرطيته بحال الذكر لاستلزامه التكليف بما عداه على تقدير السهو الذي هو عنوان غير اختياري فاكتفاء الشارع بما صدر من ناسي الاجزاء والشرايط
التي ليست بأركان حكم ثانوي تعبدي مخالف للأصل والا فلا يعقل ان يكون ناسي السورة مكلفا بالصلاة بلا سورة كي يكون عمله مجزيا في الواقع لولا مسألة البدلية لجعلية
التعبدية وفيه انه لا مانع عنه لا عقلا ولا شرعا بل هو في الشرعيات فوق حد الاحصاء وليس تفهيم الناس بكونه مكلفا بما عدى الجزء المنسي طريقه منحصرا في أن يأمره
بالصلاة بلا سورة لدى النسيان بل يكلف عامة المكلفين بالصلاة ويبين لهم اجزائها المقومة ويأمرهم بضم ما عداها إليها لدى التذكر أو يكلفهم بجميع الاجزاء
والشرائط المقومة وغير المقومة ثم يبين لهم بمثل قوله لا تعاد الصلاة الا من خمسة ان مطلوبية ما عدى الخمسة انما هي على تقدير التذكر والالتفات لا مطلقا إلى غير ذلك
من انحاء الإفادة كما تقدمت الإشارة إليها غير مرة فمقتضى الأصل العملي عند الشك في كون شئ جزءا وشرطا مطلقا أو في خصوص حال العمد عدم ركنيته واختصاص
اعتباره بحال العمد كما أوضحناه في مباحث أصل البراءة ولكن قد أشرنا انفا إلى أن هذا الأصل في خصوص المقام لا فائدة فيه واما الاجماع فالقدر المتيقن منه انما هو
الاجماع على أن من أخل به عمدا وسهوا بطلت صلاته وهذا لا يدل على اعتباره من حيث هو في الصلاة فضلا عن ركنيته في حد ذاته لجواز كونه من حيث شرطيته
لركن اخر وهو التكبير والركوع نعم ظاهر فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية كونه بذاته ركنا ولكن لا حجية في هذا الظاهر ما لم يعلم بذلك من قصدهم إذ ليس
الامر مبنيا على المتعبد بظواهر ألفاظهم بل على الجزم بالإصابة واستكشاف رأي المعصوم من اتفاق آرائهم على سبيل الحدس وهذا لا يحصل مع في لجزم بمرادهم
كيف مع أن الغالب على الظن عدم ارادتهم ركنية بالأصالة فالذي يقوى في النظر بالنظر إلى عموم قول أبي جعفر عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة الحديث
عدم كون ترك القيام سهوا كزيادته كذلك من حي هو موجبا للبطلان ولكن ترك القيام المتصل بالركوع يوجب بطلانها من حيث اشتراط الركوع الذي هو أحد
الخمسة التي تعاد الصلاة منها بكون القيامي منه عن قيام والجلوسي منه عن جلوس كما تعرفه في محله إن شاء الله وكذا تركه حال التكبير موجب للبطلان من حيث اشتراط
التكبير به وكون التكبير مما عدى الخمسة التي دلت الصحيحة على حصر مستند البطلان فيها غير ضائر فان دليله أخص مطلقا من الصحيحة كما عرفته في محله هذا مع امكان دعوى
قصور الصحيحة في حد ذاتها عن شمول ما لو أخل بالتكبير أو بشرائطها فان نفي الإعادة فرع تحقق الدخول وهو لا يتحقق لدى الاخلال بالنية أو بالجزء الأول الذي
يتحقق به الدخول اي تكبيرة الافتتاح ولو بلحاظ شرائطها فليتأمل واعلم أنه يعتبر في القيام أمور منها الانتصاب لدى التمكن لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة وقم
منتصبا فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من لم يقم صلبه فلا صلاة له وصحيحة أبي بصير المروية عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام من لم يقم صلبه
في الصلاة فلا صلاة له والصلب كما في الحدائق هو عظم من الكاهل إلى العجز وهو أصل الذنب وإقامته يستلزم الانتصاب بل قد يقال بان الانتصاب الذي يراد
به نصب فقار الظهر مأخوذ في مفهوم القيام عرفا إذ ليس القيام عرفا ولغة الا الاعتدال المقابل للانحناء ولعل منه الاستقامة المقابل للاعوجاج واطلاق
القائم على بعض افراد المنحني في استعمالات سواد أهل العرف منشأه اختفاء العرف الصحيح عليهم فعلى هذا يدل عليه مضافا إلى ما عرفت جميع الأخبار الدالة
على اعتبار القيام في الصلاة وفيه تأمل بل منع فان القيام كالقعود والجلوس والاضطجاع من المفاهيم المبنية لدى العرف وصدقه على بعض المصاديق الغير
البالغة حد الانتصاب غير قابل للتشكيك وكونه في الأصل مأخوذا من الاعتدال الذي هو ضد الانحناء مما لا ينبغي الالتفات إليه في اطلاقاته الواردة في
المحاورات العرفية ولذا لا حاجة إلى الاستدلال لوجوب هذه المراتب الفاقدة لإقامة الصلب عند تعذر الانتصاب أو تعسره الرافع للتكليف بالاجماع أو بقاعدة
الميسور فان مقتضى القاعدة هو الاقتصار في تقييد اطلاقات أدلته بما دل على وجوب إقامة الصلب المعلوم عدم ارادته الا للقادر هذا مع انا لو قلنا بكونه مأخوذا
في مفهومه فإنما هو في حق القادر بمعنى ان نقول إن معناه الاعتدال والاستقامة ولكن في كل شئ بحسبه فالشخص العاجز المنحني بالذات اعتداله واستقامته انما
هو بحسب حاله من الاتيان بما يمكنه من القيام فهو بالنسبة إليه مصداق حقيقي للقيام وان لم يكن ذلك كذلك لو كان صادرا من غيره ممن كان قادرا على إقامة
صلبه وكيف كان فلا يخل بالانتصاب المعتبر في القيام اطراق الرأس بلا خلاف فيه على الظاهر بل من بعض دعوى الاجماع عليه بل عن التقي استحباب
ارسال الذقن إلى الصدر ولكن وقع تفسير اعتدال القيام المعتبر في الصلاة بإقامة الصلب والنحر في مرسلة حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت فصل لربك وانحر
قال النحر الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه ونحره وهو بظاهره ينافي اطراق الرأس فإنه وان فسر النحر في اللغة بأعلى الصدر ولكن المراد بإقامته في الروايات
بحسب الظاهر نصب العتق المنافي لاطراق الرأس والا لاكتفى بذكر إقامة الصلب التي يتحقق معها إقامة أعلى الصدر اللهم الا ان يقال إن ذكره في الرواية
من قبيل ذكر الخاص بعد العام دفعا لتوهم إرادة المسامحة والتجوز بإقامة الصلب مع ما في ذكره من التنبيه على المناسبة بينه وبين الآية التي وقعت الرواية
تفسيرا لها فالانصاف انه بعد التفات إلى تفسير النحر في اللغة بأعلى الصدر كما في المجمع وغيره لا يبقى للرواية ظهور في اعتبار أزيد من إقامة الصلب الغير المنافية
لاطراق الرأس ولو سلم ظهورها في ذلك فلابد من حملها على الاستحباب لعدم صلاحيتها لتقييد الأخبار المطلقة بعد اعراض الأصحاب عن ظاهرها مع مخالفة
التفسير الوارد في هذه الرواية لما في المستفيضة المتقدمة الواردة في تفسير الآية من أن النحر هو رفع اليدين حيال الوجه أو إلى النحر الا ان يقال بعدم التنافي
بين التفسيرين لامكان إرادة امر جامع بين المعنيين كما يؤيد ذلك ما دل على أن للقرآن بطونا لا يعرفها الا أهله فعلى هذا يكون تلك الأخبار أيضا من مؤيدات
الحمل على الاستحباب والله العالم ومنها الاستقرار بان لا يكون ماشيا أو مضطربا بل يكون واقفا ساكنا بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير واحد دعوى
الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى ذلك خبر سليمان بن صالح المتقدم في باب الإقامة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا
256

مضطجع الا ان يكون مريضا وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنه إذا اخذ في الإقامة فهو في صلاة فإنه يفهم منه عرفا ان التمكن الذي يراد منه على الظاهر
الاستقرار والاطمينان كان اعتباره في الصلاة لديهم مفروغا عنه فأراد الإمام عليه السلام ان يبين اعتباره في
الإقامة أيضا ببيان انه إذا اخذ في الإقامة
فهو في الصلاة وحيث انا علمنا أنه عليه السلام لم يقصد بهذا حقيقته حملناه في الإقامة على الاستحباب بشهادة غيره من الأدلة فلا ينافي ذلك دلالة الخبر على
لزومه في الصلاة ويدل عليه أيضا في الجملة خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد ان يتقدم قال يكف عن القراءة في
مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرء واستدل له أيضا برواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن الصلاة في السفينة فقال إن كانت محملة ثقيلة إذا قمت
فيها لم تتحرك فصل قائما وان كانت خفيفة تكفأ فصل قاعدا ونوقش فيه بان المراد بالتحرك ما تكفأ معه السفينة اي تنقلب بقرينة المقابلة فلا تدل الرواية على
المطلوب وربما يدعى ان الاستقرار مأخوذ في مفهوم القيام وفيه تأمل بل منع اللهم الا ان يراد منه الاستقرار بمعنى الوقوف المقابل للمشي فإنه غير بعيد ولا
أقل من كونه مأخوذا فيما ينصرف اطلاقه إليه واما بمعنى السكوني والاطمينان المقابل للحركة والاضطراب لا بل انصراف أيضا حتى مما ورد فيه الامر بالقيام منتصبا
مقيما صلبه لصدقه عرفا على الواقف المتحرك ثم لا يخفى عليك ان عمدة مستند اعتبار هذا الشرط هو الاجماع ونحوه من الأدلة التي ليس لها عموم أو اطلاق أحوالي
فمقتضى الأصل هو الاقتصار في شرطيته على القدر المتيقن وهو في حال العمد فلو أخل (سهوا أو) به اضطرارا ولو في حال التكبير فضلا عن غيره لم تبطل صلاته على الأشبه
ومنها الاستقلال مع القدرة على المشهور بل عن المختلف وغيره دعوى الاجماع عليه فان أمكنه القيام مستقلا وجب والا وجب ان يعتمد على ما يتمكن معه من القيام
وروى جواز الاعتماد على الحائط مع القدرة ولذا ذهب جماعة من المتأخرين وفاقا لبعض القدماء كأبي الصلاح على ما حكى عنهم إلى القول بجوازه اختيارا على كراهية
والمراد بالاستقلال كما عن جماعة من الأصحاب التصريح به عدم الاستناد والاعتماد على شئ بحيث لو زال ذلك الشئ وهو غافل لسقط واستدل للمشهور بانصراف أدلة
القيام إليه بل عن بعضهم دعوى ان الاستقلال بالمعنى المزبور مأخوذ في مفهوم القيام فان القائم بلا استقلال في صورة القائم لا قائم حقيقة وبانه هو المعهود
الواقع من فعل النبي والأئمة عليهم السلام الذين أمرنا بالتأسي بهم خصوصا في الصلاة التي ورد فيها صلوا كما رأيتموني أصلي وبانه هو الذي يحصل معه القطع بفراغ الذمة
عما اشتغلت به يقينا وفي الجميع نظر عدى ان دعوى الانصراف غير بعيدة خصوصا من مثل قوله عليه السلام في صحيحة زرارة وقم منتصبا فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من لم يقم صلبه فلا
صلاة له واستدل له أيضا بصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تستند بخمرك وأنت تصلي ولا تستند إلى جدار الا أن تكون مريضا والخمر بالخاء المعجمة
والميم المفتوحتين على ما في الحدائق وغيره ما واراك من شجر أو بناء ونحوه وخبر عبد الله بن بكير المروي عن قرب الإسناد قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة قاعدا
أو متوكئا على عصا أو حائط قال لا ما شان أبيك وهذا ما بلغ أبوك هذا بعد ولكن يعارضهما صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام انه سئله عن الرجل هل يصلح
له ان يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة فقال لا بأس وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين
الأولتين هل يصلح له ان يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة فقال لا بأس به وموثقة ابن بكير المروية عن التهذيب عن أبي
عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل يصلي متوكئا على عصى أو على حائط قال لا بأس بالتوكي على عصا والاتكاء على الحائط وخبر سعيد بن يسار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام
عن التكاءة في الصلاة على الحائط يمينا وشمالا فقال لا بأس وقد نسب إلى المشهور حمل هذه الأخبار على الاستناد الغير التام الغير الموجب لخروج قيامه عن الاستقلال
والأولين على ما كان موجبا لخروجه عن الاستقلال وفيه ان هذا النحو من الجمع يحتاج إلى شاهد خارجي ولا شاهد فالأوفق بقواعد الجمع حمل الخبرين الأولين على
الكراهة بل لعل هذا هو المنساق من ثانيهما فمن هنا قد يترجح في النظر قوة ما حكى عن أبي الصلاة وغيره من القول بجوازه على كراهية الا ان التعويل على ظاهر هذه الأخبار
بعد اعراض المشهور عن ظاهرها ورمى بعضهم إياها إلى الشذوذ مع ما فيها من احتمال التقية مشكل فما هو المشهور ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط خصوصا مع
قوة احتمال كون هذه الأخبار بأسرها جارية مجرى الغالب من عدم حصول الاتمام التام المانع عن الاستقلال حال القيام وكون المقصود بالاستناد إلى الشئ
الاستعانة به على قيامه لا تقومه به فالنهي عنه حينئذ محمول على الكراهة فلا ينافي حينئذ شئ منها لاشتراط الاستقلال الذي ادعى انصرافه من أدلة القيام فليتأمل و
ينبغي التنبيه على أمور الأول انا ان بنينا على استفادة شرطية الاستقلال من اطلاقات أدلة القيام اما بدعوى كون استناده إلى الشخص بلا واسطة مأخوذا في
مفهومه كما تقدم ادعائه من بعض أو بدعوى كونه مأخوذا فيما ينصرف إليه اخبار الباب كما نفينا البعد عنه فيتبعه في الركنية وعدمها بمعنى ان الاخلال به سهوا حال
تكبيرة الافتتاح مخل بالصلاة وكذا في القيام المتصل بالركوع لو سلمنا ركنيته من حيث هو واما ان قلنا بان المسلم انما هو اشتراط الركوع بكونه عن قيام لا جزئية
قيام متصلا بالركوع كما قويناه فلا إذ غاية ما نلتزم بشرطيته للركوع هو مطلق القيام الغير المشروط بالشرائط المزبورة كما يتضح لك وجهه في محله إن شاء الله واما
لو بنينا على استفادة شرطيته من الشهرة ونقل الاجماع ونحوهما من الأدلة المجملة فالقدر المتيقن هو اعتباره في حال العمد لا مطلقا وكذا لو قلنا باستفادته من صحيحة
ابن سنان ورواية عبد الله بن بكير المتقدمتين لا لما قد يقال في نظائر المقام من قصور صيغة النهي عن إفادة مانعية متعلقها أو شرطية عدمها الا مع العمد فانا
قد أشرنا مرارا إلى أن هذا القول بالنسبة إلى مثل هذه التكاليف الغيرية التي لا ينسبق إلى الذهن منها الا الارشاد وبيان الشرطية والمانعية لا يخلو عن تأمل
أو منع بل لحكومة لا تعاد الصلاة الا من خمسة الحديث على مثل هذه المطلقات فيقيدها بصورة العمد كما تقدمت الإشارة إليه فيما سبق اللهم الا ان يدعى
انصرافه عما هو معتبر حال التكبيرة التي يتحقق بها الدخول كما تقدم تقريبه في القيام وفيه تأمل بل قد يتأمل في بطلان الصلاة بالاخلال به سهوا حال التكبير حتى
257

على القول بانصراف أدلة القيام (إلى القيام) الاستقلالي إلى نظر إلى الانصراف ان سلم فهو بالنسبة إلى بعض الأخبار المطلقة التي وقع فيها القيام في حيز الطلب وقوله عليه السلام لا تعاد
الصلاة الا من خمسة حاكم على مثل هذه المطلقات ولذا تقيدها في سائر أحوال الصلاة بالعمد فيشكل حينئذ استفادة اعتباره حال السهو بالنسبة إلى خصوص
حال التكبير من تلك المطلقات فعمدة مستند الحكم باعتباره حال السهو في الحقيقة هو الاجماع وبعض الأخبار الخاصة كموثق عمار الذي يشكل دعوى الانصراف فيه
فتأمل الثاني حكى عن ظاهر المحقق الثاني في جامع المقاصد عدم جواز الاستناد في النهوض أيضا ولعله لدعوى تبادر ايجاد القيام من غير استعانة من أوامره
وفيه بعد تسليم الصغرى ان النهوض من المقدمات الصرفة كما في الركعة الأولى فيكفي تحققه ولو من غير قصد فضلا عما لو أوجده مستعينا بشئ هذا مع أن
ذيل صحيحة علي بن جعفر المتقدمة نص في جوازه فلا ينبغي الاستشكال فيه الثالث انه بناء على شرطية الاستقلال كما هو المشهور هل يعتبر الاعتماد على
الرجلين معا قولان أشهرهما على ما في الجواهر الأول للأصل والتأسي ولأنه المتبادر المعهود ولعدم الاستقرار وفي الجميع ما لا يخفى اللهم الا ان يريدوا بالاعتماد
عليهما الوقوف عليهما لا على واحدة فإنه لا ينبغي التأمل في عدم جوازه بل عن بعض نفي الخلاف فيه بل دعوى الوفاق عليه لمخالفته لما هو المتبادر من أدلة القيام
وما في خبر عبد الله بن بكير عن الصادق عليه السلام المروي عن قرب الإسناد ان رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما عظم أو ثقل كان يصلي وهو قائم ويرفع احدى رجليه حتى انزل الله
سبحانه طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى فوضعها فهو غير مناف لما ذكر إذ الآية لا تدل على مشروعيته بعد نزولها بل ربما يستشعر منها كونها ناسخة
لذلك الحكم لا مرخصة في تركه هذا مع ما فيه من ضعف السند بل قد يقوى في النظر عدم كفاية مجرد مماسة أحدهما للأرض بل عن البحار انه المشهور لكونه خلاف
المتبادر من الأدلة هذا ولكن الانصاف ان انصراف أدلة القيام عن مثل هذا ان سلم فبدوي ولا عبرة به كما ربما يؤيده خبر أبي حمزة عن أبيه قال رأيت علي بن الحسين عليه السلام
في فناء الكعبة في الليل وهو يصلي فأطال القيام حتى جعل مرة يتوكأ على رجله اليمنى ومرة على رجله اليسرى وظهوره في النافلة غير قادح بذكره في مقام التأييد
وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في عدم اعتبار التساوي في الاعتماد فإنه مع مخالفته للأصل خلاف ما يقتضيه اطلاقات الأدلة ولعل القائلين باعتبار الاعتماد
على الرجلين أيضا لا يريدونه بل غرضهم بيان عدم كفاية مجرد المماسة كما هو صريح غير واحد ولكنك عرفت ان هذا أيضا لا يخلو عن تأمل كما أن ما صرح به
بعض من وجوب الوقوف على أصل القدمين لا على الأصابع للتبادر المزبور مع اخلاله بالاستقرار غالبا لا يخلو أيضا عن تأمل لما أشرنا إليه من أن مثل هذه
الانصرافات انصرافات بدوية منشأها غلبة الوجود والا فالقيام على رؤس الأصابع من أوضح مصاديق القيام بعد التفات الذهن إليه أو وجوده في
الخارج وفي خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام انه كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقوم على أصابع رجليه حتى نزل طه وعن علي بن إبراهيم في تفسيره باسناده
عن أبي بصير مثله الا أنه قال كان يقوم على أصابع رجليه حتى تورم وربما يستدل بهذه الرواية لعدم جوازه بالتقريب الذي تقدمت الإشارة إليه دعوى
ظهور الرواية في نسخ ذلك الحكم وفيه انه لو سلم ظهورها في ذلك فهذا لا يقتضي الا عدم مشروعية هذه الكيفية من حيث هي لا حرمتها ما لم يكن بقصد
التشريع فلا ينافي ذلك جوازه من حيث كونه من جزئيات القيام التي يكون اختيارها موكولا إلى إرادة المكلف فليتأمل الرابع قد أشرنا انفا إلى أن اعتبار
الاستقلال في القيام انما هو مع القدرة عليه لا مطلقا كي يسقط التكليف به لدى انتفائها فمع العجز يجب عليه ان يعتمد على ما يتمكن معه من القيام بلا خلاف فيه
ولا اشكال إذ لو سملنا انصراف الأدلة إلى القيام الاستقلالي فإنما هو في حق القادر لا مطلقا مع أنه يكفي لاثباته في الفرض قاعدة الميسور مضافا إلى
شهادة الخبرين المتقدمين الذين هما العمدة لاثبات هذا الشرط بذلك وربما يستدل له ولنظائره أيضا بعموم قوله عليه السلام كلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر
وقوله عليه السلام في رواية سماعة ما من شئ حرم الله تعالى الا وقد أحله لمن اضطر إليه وفيه ان هذا النحو من الأدلة انما تنفي التكليف بالشرط لدى العجز لا وجوب
الاتيان بالمشروط بدونه فليتأمل ولو قدر على القيام في بعض الصلاة وجب ان يقوم بقدر مكنته من غير خلاف يعرف كما اعترف به بعض ويشهد له النبوي
المرسل إذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم والعلويان المرسلان الميسور لا يسقط بالمعسور وما لا يدرك كله لا يترك كله مضافا إلى امكان استفادته من
نفس أدلة القيام حيث إن المتبادر من أدلته ان طبيعة القيام كالاستقبال والستر معتبرة في الصلاة من أولها إلى اخرها عدى المواضع التي لا يجب فيها
القيام بمعنى ان المعتبر في الصلاة على ما هو المنساق من دليله هو ان يأتي المصلي بصلاته عن قيام مهية القيام من حيث هي هي المعتبرة في جميع الصلاة عدى ما استثنى
لا القيام المقيد بكونه في الجميع لوحظ جزء واحدا كي يتوقف اثبات وجوب ما تيسر منه عند تعذر بعضه على القواعد المزبورة بل قضية تعليق الوجوب على
طبيعة القيام من حيث هي ما دام كونه مصليا هي وجوب الاتيان بما تيسر منه بعد العلم بان الصلاة لا يسقط بحال حيث إن مقتضاه كون القيام عند كل جزء
من حيث هو مع قطع النظر عن سابقه ولاحقه معتبرا في الصلاة فابعاض القيام حالها حال سائر اجزاء الصلاة وشرائطها التي يفهم عدم سقوطها لسقوط
جزاء أو شرط اخر مما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال ومما يؤيد المدعى بل يشهد له من استقلال ابعاض القيام بالحكم الأدلة الخاصة الواردة في ابعاضه
مثل ما دل على وجوبه حال التكبير واشتراط التكبير به وكذا القراءة وكذا قبل الركوع وبعده فان لكل منهما دليل خاص يدل على اعتباره من حيث هو اما جزء
من الصلاة أو شرط للجزء الواقع حاله كالتكبير والقراءة من غير مدخلية سائر الأجزاء فيه فليتأمل واستدل أيضا للمطلوب بظهور قوله عليه السلام في صحيحة جميل
إذا قوى فليقم في وجوب القيام عليه وقت قوته عليه وهو عين ما في المتن وفيه تأمل فان الصحيحة بظاهرها مسوقة لبيان الحد الذي يجب معه الصلاة قائما قال جميل سئلت
أبا عبد الله عليه السلام ما حد المرض الذي يصلي صاحبه قاعدا فقال إن الرجل ليوعك ويحرج ولكنه اعلم بنفسه إذا قوى فليقم فيشكل التمسك باطلاقهما لما نحن فيه
258

لورودها مورد حكم اخر فليتأمل وكيف كان فلو قدر على القيام زمانا لا يسع القراءة والركوع قدم القراءة وجلس للركوع كما صرح به في الجواهر وغيره
فان العجز الذي هو شرط جواز القعود لم يتحقق بعد فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزا واندرج في الموضوع الذي شرع له الصلاة قاعدا خلافا للمحكى عن المبسوط والنهاية والسرائر
والمهذب والوسيلة والجامع فقدموا الركوع على القراءة في ذلك بل نسبه في الأول إلى رواية أصحابنا وأورد عليه في الجواهر بأنه مخالف لمقتضى الترتيب و
الرواية لم تصل الينا والتعليل بأنه أهم لأنه ركن مع أنه اعتبار لا يصلح لأن يكون مدركا لحكم شرعي كالاستدلال عليه أيضا بما ورد في النصوص من أن الجالس إذا
قام في اخر السورة فركع عن قيام يحسب له صلاة القائم ضرورة ظهورها في الجالس اختيارا في النوافل انتهى
أقول يحتمل قويا ان يكون مراد الشيخ برواية
أصحابنا هي النصوص التي أشير إليها في ذيل عبارة الجواهر وكيف كان فقد يجاب عما أورده في الجواهر من مخالفته لمقتضى الترتيب بان الترتيب بين الاجزاء
انما هو في وجودها لا وجوبها إذ لا ترتيب في وجوبها بل هو في ضمن وجوب الكل يتحقق قبل الشروع فعند كل جزء يكون هو وما بعده سواء في صفة الوجوب
والمفروض ثبوت العجز عن أحدهما لا بعينه فيتصف المقدور وهو الواحد على البدل بصفة الوجوب ومقتضاه التخيير ان لم يكن ترجيح والا يتعين الراجح والترجيح
هنا في جانب القيام للركوع لادراك الركوع القيامي والقيام المتصل بالركوع كما ربما يؤيده ما ورد في المجالس من أنه إذا قام في اخر السورة فركع عنه احتسب صلاة
القائم ونوقش فيه أولا بان الجزء الثاني انما يجب اتيانه قائما بعد اتيان الواجبات المتقدمة عليه التي منها القيام والفرض ان اتيانه قائما كذلك غير ممكن فلا
يقع التكليف به فيتعلق الوجوب وان لم يكن فيه ترتب كنفس الاجزاء الا انه انما تتعلق بكل شئ مقدور في محله وهذه قاعدة مطردة في كل فعلين لوحظ بينهما الترتيب
شرعا ثم تعلق العجز بأحدهما على البدل كما فيمن نذر الحج ماشيا فعجز عن بعض الطريق وكما فيمن عجز عن تغسيل الميت بالأغسال الثلاثة فإنه يجب في الموضعين وأمثالهما الاتيان
بالمعذور على حسب الترتيب الملحوظ فيهما عند القدرة على المجموع وثانيا ان المستفاد من قوله عليه السلام في صحيحة جميل المتقدمة إذا قوى فليقم ونحوه ان وجوب القيام في
كل جزء وعدمه يتبع قدرة المكلف عليه وعجزه عنه في زمان ذلك الجزء وما ذكر في وجه التخيير أو الترجيح انما يستقيم إذا كان تقييد الواجبين المترتبين في الوجود دون
الوجوب بمجرد اقتضاء العقل له الحاكم بكفاية مطلق القدرة في تنجز التكليف بايجاد الواجب الثاني في وقته كما في الحج ونظائره لا في مثل المقام مما ورد فيه دليل
لفظي دال على اشتراط وجوبه بالقدرة عليه عند حضور زمانه المستلزم لانتفاء شرط الوجوب فيمن عجز عنه حينئذ وان كان قادرا قبله على ما يتمكن معه من الفعل في زمانه
أقول ولكن قد أشرنا انفا إلى أن استفادة وجوب ابعاض القيام وقت قوته عليه من اطلاق الصحيحة لا يخلو عن تأمل واما القاعدة المذكورة أولا فهي ان سلمت
ففيما إذا كان تقدم المتقدم من حيث هو شرط في صحة المتأخر بان يكون الواجب الاتيان بالثاني مقيدا بكونه بعد الأول فيمتنع تعلق الامر به كذلك في مثل الفرض حيث إنه
لدى التحليل امر بهما معا واما إذا كان لكل واحد منهما في حد ذاته استقلال بالوجود والوجوب كما لو امر بفعلين أحدهما في اليوم والاخر في عدة أو اعتبر جزءان
في مركب مقيدا جزئيتهما بالقدرة كالقراءة والركوع أو القيام حال الافتتاح وحال القراءة من غير أن يكون لأحدهما دخل بالاخر فيما تعلق الفرض به من
جزئيته للمركب عدى انه يجب الاتيان بثانيهما بعد فعل الأول على تقدير تنجز التكليف به وعدم معذوريته في تركه لا مطلقا فلا نسلم القاعدة المزبورة بل حالهما حينئذ حال
الواجبين المتزاحمين الذين يجب فيهما رعاية الترجيح ان كان والا فالتخيير اللهم الا ان يقال إنه يكفي في ترجيح الأول في مثل الفرض عدم ثبوت أهمية الثاني في نظر الامر
إذ لا استقلال للعقل بجواز تركه مقدمة لامتثال الامر بالثاني ما لم يثبت أهمية لدى الامر والفرق بين الواجبين المتزاحمين الذين اتحد زمانهما حيث يستقل
العقل بالتخيير بينهما ما لم يثبت أهمية أحدهما هو ان كلا منهما في حد ذاته مقدور يجب الاتيان به إطاعة لامره ما لم يشتغل بضده الاخر الذي يمتنع معه إطاعة
هذا الامر ومتى اشتغل بكل منهما قاصدا به إطاعة امره يصير عاجزا عن فعل الاخر فيقبح مؤاخذته على تركه كما أنه مؤاخذته على ترجيح المأتى به على المتروك
بعد ان لم يثبت لديه أهمية شرعا ولتمام التحقيق في ذلك وبيان ان مجرد احتمال الأهمية غير مانع عن حكم العقل بالتخيير في مثل المقام الذي نشأ الحكم بالتخيير
من قبل مزاحمة الواجبين المنجزين بظاهر دليلهما مقام اخر واما مع الترتيب في الوجود فليس فعل الثاني بنفسه مؤثرا في صيرورة الأول غير مقدور لتأخره عنه
في الرتبة فالمانع عن فعل الأول في وقته ليس الا إرادة فعل الثاني الذي يمتنع حصوله مع الأول فليس له عند تركه للأول مقدمة لامتثال الامر بالثاني
ان يعلله بعدم قدرته عليه في وقته فإنه حال مطلوبيته لم يعجز عن فعله أصلا ولكنه تركه مع قدرته عليه مقدمة للواجب الاخر الذي لا يقدر عليه الا على
تقدير ترك الأول فله الاعتذار بهذا لا بالعجز فيتوجه عليه حينئذ سؤال الترجيح الموجب لمخالفة الامر المنجز مقدمة لإطاعة الامر المعلق والعقل لا يجزم بجوازه
ما لم يثبت لديه مرجح شرعي فالأقوى في المقام هو ما عرفت من تقديم القيام حال القراءة إذ لم يتعلق العجز به ولم يثبت أهمية غيره اي القيام للركوع
كي يستقل العقل بجواز تركه مقدمة نعم ما ورد في قيام الجالس في اخر السورة ربما يؤيد تقديم حال الركوع ولكنه لا ينهض لاثباته والله العالم
وبما أشرنا إليه من استقلال العقل بوجوب تقديم الأهم من الواجبين المتزاحمين ولو مع تأخره في الوجود ظهر حكم ما لو دار الامر بين القيام و
الايماء للركوع والسجود وبين الجلوس والاتيان بهما معه إذ لا مجال للارتياب في أهمية الركوع والسجود من القيام خصوصا بعد الالتفات إلى ما ورد
من أن الصلاة ثلاث ظهور وثلاث ركوع وثلاث سجود وان أول الصلاة الركوع وغير ذلك مما يشهد بان الاهتمام بهما أشد من الاهتمام بالقيام
مضافا إلى ظهور المستفيضة التي ورد فيها الامر بالصلاة جالسا لمن لا يتسطيع ان يصلي قائما في الرخصة في الصلاة جالسا لمن لا يستطيع الاتيان
بالصلاة المتعارفة المشتملة على الركوع والسجود عن قيام كما نبه عليه شيخنا المرتضى رحمه الله فما عن غير واحد من التردد فيه كأنه في غير محله فضلا عما حكى عن
259

بعضهم من التصريح بتقديم القيام بل عن اخر انه المشهور بل المتفق عليه بل عن الرياض انه نسب إلى جماعة دعوى الاجماع عليه ولقد أجاد في الجواهر حيث قال بعد ان قوى
احتمال تقديم الجلوس ومن العجب دعوى الاجماعات في المقام مع قلة المتعرض وخفاء المدرك انتهى وقال شيخنا المرتضى رحمه الله وقد توهم بعض من عبارة
المنتهى دعوى اتفاق علمائنا على وجوب القيام في هذه المسألة حيث قال لو أمكنه القيام وعجز عن الركوع قائما وبالسجود لم يسقط عنه فرض القيام بل يصلي قائما
ويومي للركوع ثم يجلس ويومي للسجود وعليه علمائنا وبه قال الشافعي واحمد وقال أبو حنيفة يسقط عنه القيام إلى أن قال احتج أبو حنيفة بأنها صلاة لا ركوع
ولا سجود فيسقط القيام كالنافلة على الراحلة انتهى ولا يخفى ان فرض مسألة المنتهى فمن عجز عن الركوع والسجود على كل حال كما لا يخفى انتهى كلام شيخنا المرتضى
رحمه الله بل الأظهر تقديم كل من الركوع والسجود على القيام فضلا عن كليهما لعين ما مر والا اي وان لم يتمكن من القيام ولو في بعض الصلاة أصلا حتى ببعض
مراتبه الميسورة التي تقدمت الإشارة إلى انها لا تسقط بمعسورها كفاقد الانتصاب أو الاستقلال أو الاستقرار المقابل للاضطراب لا المشي فإنه فيه اشكالا
كما ستعرفه صلى قاعدا لا مضطجعا أو مستلقيا كما يدل عليه اخباره كثيرة منها حسنة أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل الذين يذكرون الله قياما وقعودا
وعلى جنوبهم قال الصحيح يصلي قائما وقعودا المريض يصلي جالسا وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا وخبر محمد بن إبراهيم عمن حدثه عن
أبي عبد الله عليه السلام قال يصلي المريض قائما فإن لم يستطع صلى جالسا وعن الصدوق مرسلا نحوه إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه وقد ظهر مما تقدم ان العجز
المسوغ للقعود حده العجز عن القيام أصلا ولو في بعض صلاته كما هو المشهور على ما ادعاه في الحدائق وغيره وليس لتشخيصه طريق تعبدي بل معرفته موكولة إلى نفس المكلف
فإنه اعلم بنفسه كما يشهد له خبر عمر بن اذنية المروي عن الكافي قال كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسئله ما حد المرض الذي يفطر فيه صاحبه والمرض الذي يدع صاحبه
الصلاة قائما قال بل الانسان على نفسه بصيرة وقال ذاك إليه هو اعلم بنفسه ورواه الشيخ باسناده عن ابن أبي أذينة (عمن اخبره) عن أبي جعفر عليه السلام مثله و
صحيحة جميل قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام ما حد المرض الذي يصلي صاحبه قاعدا فقال إن الرجل ليوعك ويحرج ولكنه اعلم بنفسه إذا قوى فليقم وموثقة زرارة
قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن حد المرض الذي يفطر فيه الصائم ويدع الصلاة من قيام قال بل الانسان على نفسه بصيرة هو اعلم بما يطيقه والمراد بتمكنه من القيام
في كلمات الأصحاب وكذا النصوص الدالة عليه بحسب الظاهر هي الاستطاعة العرفية بان كان متمكنا من الاتيان به في العادة من غير أن يتحمل مشقة شديدة بحسب حاله
أو يترتب عليه ضرر من زيادة مرض أو طوله أو يكون مضطرا إلى تركه ضرورة عرفية ناشئة من الحاجة إلى استعمال بعض المعالجات المنافية للقيام لدفع
بعض ما عليه من الأمراض كما يشهد له مضافا إلى العمومات النافية للحرج خصوص صحيح محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل والمرأة يذهب بصره
فتأتيه الأطباء فيقولون نداويك شهرا أو أربعين ليلة مستلقيا كذلك يصلي فرخص في ذلك وقال فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ومضمرة
سماعة قال سئلته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينزع الماء منه فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أو أقل أو أكثر فيمتنع من الصلاة الأيام
وهو على حاله فقال لا بأس بذلك وليس شئ مما حرم الله الا وقد أحله لمن اضطر إليه وخبر بزيع المؤذن المروي عن طب الأئمة عليهم السلام قال قلت لأبي
عبد الله عليه السلام اني أريد ان اقدح عيني فقال لي استخر الله وافعل قلت هم يزعمون أنه ينبغي للرجل ان ينام على ظهره كذا وكذا لا يصلي قاعدا قال افعل وخبر
الوليد بن صبيح قال حممت بالمدينة يوما في شهر رمضان فبعث إلى أبو عبد الله عليه السلام بقصعة فيها خل وزيت وقال افطر وصل وأنت قاعد فتلخص لك مما ذكر
ان المعيار في سقوط القيام عدم تمكنه منه أصلا ولو في بعض صلاته ولكن المراد بعدم تمكنه منه عدم كونه ميسورا له ولو لضرورة مقتضية لتركه كما في
مقام التداوي ومعالجة الأمراض لا تعذره عقلا كما ربما يؤيد ذلك مضافا إلى ما عرفت اطلاق جملة من الاخبار التي ورد فيها الامر بالصلاة جالسا لمن لم
يتمكن من أن يصلي قائما مثل المرسل المروي عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال يصلي المريض قائما فإن لم يقدر على ذلك صلى قاعدا حيث إن المنساق من مثل هذا
المرسل ونظائره الرخصة في الصلاة جالسا لمن لا يقدر على أن يأتي بصلاته عن قيام سواء لم يقدر على القيام أصلا أو قدر عليه في بعض صلاته لا في مجموعه
فاطلاق مثل هذا الخبر قد يكون منافيا لما حققناه فيما سبق تبعا للمشهور من وجوب الاتيان بما يمكن من القيام ولو في بعض صلاته الا ان الاطلاق جار مجرى
الغالب من صعوبة أصل القيام وكونه تكليفا (حرجا فيمن) بلغ حاله إلى هذه المرتبة من الضعف فلا ينهض مثل هذه المطلقات مخصصة للأدلة المتقدمة الدالة على عدم
سقوط ميسوره بمعسوره خصوصا بعد الالتفات إلى سعة دائرة الحرج وكيفية أدنى مشقة في رفع التكاليف عن المريض والعاجز الذي يناسبه الارفاق
والتوسعة في تكاليفه كما لا يخفى على من لاحظ احكامه وقد ظهر بما ذكر توجيه التحديد الوارد في المرسل المروي عن كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عن أبيه
عن ابائه عن علي عليه السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن صلاة العليل فقال يصلي قائما فإن لم يستطع صلى جالسا قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله فمتى يصلي
جالسا قال إذا لم يستطع ان يقرء بفاتحة الكتاب وثلاث آيات قائما فإن لم يستطع ان يسجد يؤمي ايماء برأسه يجعل سجوده اخفض من ركوعه وان لم
يستطع ان يصلي جالسا صلى مضطجعا لجنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة فإن لم يستطع ان يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة ويومي
ايماء حيث إن هذه الرواية أيضا كسائر المطلقات جارية مجرى الغالب فلا يظهر منها ما ينافي المشهور فليتأمل وقيل كما عن المفيد ومحتمل النهاية حد ذلك
اي العجز المسوغ للصلاة جالسا ان لا يتمكن من المشي بقدر زمان صلاته قائما فحينئذ يسوغ له القعود وان كان متمكنا من الوقوف في جميع الصلاة أو بعضه على
ما فسره في الجواهر ولكن من المستبعد التزام هذا القائل بهذا النحو من الاطلاق بل ينبغي الجزم بعد ارادته الرخصة في الصلاة جالسا مع التمكن من أن يأتي
260

بجميع صلاته عن قيام بلا مشقة بل الظاهر أن هذا الفرض خارج عن موضوع كلامه إذ الكلام مسوق لبيان حد العجز المتعلق بالصلاة قائما المسوغ للاتيان بها
عن جلوس فحصول العجز عنه في الجملة مما لابد منه ولكن قد أشرنا انفا إلى أن المقصود به ليس العجز العقلي بل الضرورة العرفية التي يكون التكليف معها تكليفا حرجيا في
العادة ولكن المفيد قدس سره على ما حكى عنه اعتبر صيرورته إلى حد لا يقدر على المشي بقدر صلاته فمن صار إلى هذا الحد يشق عليه الصلاة قائما لا محالة ولكن قد لا ينتهي
المشقة إلى حد يعد معها التكليف حرجيا في العادة فحينئذ يظهر ثمرة الخلاف ويحتمل ان يكون مقصوده بهذا التحديد المنع عن الجلوس مع القدرة على المشي وان
تعذر عليه القرار لزعمه تقديم صلاة الماشي على الجالس كما حكى عنه ذلك فكأنه قال حد العجز ان لا يتمكن من القيام أصلا ولو ماشيا وكيف كان فمستند هذا القول
خبر سليمان بن حفص المروزي قال قال الفقيه عليه السلام (المريض) انما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها ان يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما وأجيب عنه بقصور
الخبر المزبور سندا ودلالة عن معارضة المستفيضة المتقدمة الناطقة بأنه لا حد له وان الانسان على نفسه بصيرة اما سندا فواضح واما دلالة فلقوه احتمال كون
المقصود بالرواية بيان عدم تحقق العجز عادة ما لم يبلغ ضعف المريض إلى هذا الحد حيث إن الغالب كون
الصلاة قائما ولو معتمدا على عصى أو حائط ونحوه
ميسورة لمن قدر على المشي بقدرها دون من لم يقدر على ذلك فهي منزلة على الغالب (لأنه قصد بها) فلم يقصد بها ضابطه تعبدية يدور مدارها الحكم نفيا واثباتا كي
تنافى الأدلة المتقدمة وقد ظهر بما أشرنا إليه من الغالب كون القادر على المشي بمقدار صلاته متمكنا من أن يصلي واقفا ولو مستندا إلى شئ ضعف الاستدلال
بهذه الرواية لترجيح صلاة الماشي على القاعد كما حكى عن جماعة اختياره منهم المفيد والفاضل والشهيد نظرا إلى أن مفادها المنع عن الصلاة جالسا لدى التمكن (من المشي)
بقدرها سواء تمكن من الصلاة قائما مستقرا أم لا إذ الغلبة المزبورة مانعة عن ظهورها في هذا النحو من الاطلاق بل المتبادر منه ليس الا ان المريض ما لم يبلغ ضعفه
إلى هذا الحد فعليه ان يصلي قائما على حسب ما هو معهود في الشريعة فاطلاقها جار مجرى الغالب من قدرته على ذلك واستدل للقول المزبور أيضا بان
مع المشي يتحقق القيام وينتفي الاستقرار وينعكس الامر في الجلوس ودرك الأصل أولى من درك الوصف وفيه انه بعد فرض امكان تدارك الوصف قائما بموصوف
اخر اي بعد تسليم استقلال الوصف بالوجوب سواء تقوم بالقيام أم بالجلوس تكون دعوى الأولوية عارية عن الشاهد إذ لا امتناع في أن يكون الجلوس
مستقرا أهم وأولى لدى الشارع من القيام بلا استقرار وقد يستل له أيضا باطلاقات أدلة القيام مقتصرا في تقييدها بالاستقرار على القدر المتيقن
الذي أمكن استفادته من دليله وهو في حال التمكن كنظائره من الانتصاب والاستقلال والاستقرار المقابل للاضطراب وبقاعدة الميسور كما تقدم الاستشهاد
بها في نظائره وفيه ان المتبادر من اطلاقات القيام ولو بواسطة مناسبة المقام أو المعهودية انما هو إرادة الوقوف لا مطلقة الشامل لحال المشي بل قد يقال
بأنه حقيقة في خصوص الأول وهو وان لا يخلو عن تأمل بل منع الا انه لا ينبغي التأمل في انصراف اطلاقه إليه خصوصا في الصلاة ونحوها مما يناسبه الوقوف و
الاستقرار ولذا استدل غير واحد للمشهور بظاهر المعتبرة المستفيضة الدالة على الانتقال إلى الجلوس بتعذر القيام حيث إن المنساق منها ليس الا إرادة الوقوف
من القيام واما القاعدة فجريانها فرع كون المأتى به لدى العرف ميسور المتعذر اي مرتبة ناقصة من مراتبه كما هو الشأن في الموارد التي التزمنا بجريانها فيها ومن
الواضح ان القيام المتحقق في ضمن المشي بنظر العرف امر أجنبي عن القيام المعتبر في الصلاة بل الجلوس مستقرا مستقبل القبلة أقرب إلى هيئة المصلي لديهم من القيام ماشيا إلى
جهتها هذا مع أن القاعدة انما يصح التمسك بها لو كان القرار شرطا في القيام لا مطلقا مع أنه يظهر من كلماتهم التسالم على اعتباره في الصلاة مطلقا ولو جالسا
ولذا قد يورد على أصحاب هذا القول بأنه وان كان مع المشي انتصاب ليس في القعود ولكن في القعود استقرار ليس في المشي فلا يتمشى حينئذ قاعدة الميسور كما هو
واضح ولا يتوجه مثل هذا الايراد على الاستدلال بها لفاقد الاستقرار المقابل للاضطراب إذ لم يثبت اعتبار هذا الشرط في الصلاة الا في الجملة وهو لدى التمكن
منه على تقدير الاتيان بما هو وظيفته من القيام وغيره مع أنه يكفي لتقديم القيام مضطربا أو منحنيا على الجلوس أو معتمدا على شئ أو على رجل واحدة اطلاقات
أدلة القيام المقتصر في تقييدها على القدر المتيقن وهذا بخلاف المقام الذي قلنا بانصراف الأدلة عنه نعم لو لم يكن له حالة استقرار أصلا بان دار
الامر بين الصلاة ماشيا أو الجلوس متحركا كما في الراكب لا المضطرب الذي لا يعتد بحركته الاضطرارية أمكن القول بتقديم الأول وربما احتمل التساوي
بل ترجيح العكس ان كان الركوب أقر خصوصا إذا كان في محمل ونحوه (والله العالم) وكيف كان فقد تلخص مما ذكر ان القول الأول أظهر والقاعد العاجز عن القيام للقرائة
إذا تمكن من مسمى القيام المجزي للركوع من غير حرج اي إذا كان تمكنه من القيام مقصورا على مسماه المجزي للركوع وجب عليه ذلك عند الركوع كي يكون
ركوعه عن قيام لما أشرنا إليه في صدر المبحث من وجوب القيام المتصل بالركوع بل ركنيته امنا من حيث هو أو من حيث كونه شرطا في الركوع فلا يسقط بسقوط
غيره مما هو معتبر حال القراءة أو التكبير كما عرفت تحقيقه فيما سبق ويحتمل ان يكون المقصود بالعبارة صورة ما لو تجددت القدرة من القيام حال الركوع فهي
على هذا التقدير من جزئيات المسألة الآتية الباحثة عما لو تجددت القدرة في الأثناء فلا مقتضى حينئذ لتخصيصه بالذكر والله العالم والا بان تعذر أو تعسر
عليه أصل القيام حتى مسماه المصحح لصدق الركوع عن قيام ركع جالسا بلا اشكال ولا خلاف كما يدل عليه جميع الأدلة المتقدمة الدالة على أن من لم يقدر
ان يصلي قائما صلى جالسا فإنه وان لم يقع فيها التصريح بالركوع كغيره من الأفعال الواجبة في الصلاة ولكن المفهوم من اطلاق الامر بان يصلي قاعدا لمن
عجز عن القيام ان يأتي بتلك الطبيعة المعهودة التي كانت واجبة عليه عن قيام جالسا فلا يسقط عنه شئ مما اعتبر فيها من واجباتها ومستحباتها ما عدى
نفس القيام وما يتبعه من الوظائف الشرعية مثل بحول الله وقوته عند النهوض ونحوه والهيئات التكوينية مثل نصب الساقين ورفع الفخذين وتجافى
261

أسفل البطن ونحوه مما هو من لوازم ركوع القائم وبهذا يظهر ضعف ما حكى عن الذكرى وجامع المقاصد من القول من القول بوجوب رفع الفخذين في
ركوع الجالس لأصالة بقاء وجوبه الثابت حال القيام فان رفعهما حال القيام لم يكن واجبا من حيث هو بل تبعا للهيئة الواجبة في تلك الحالة كغيره مما هو من
لوازم تلك الهيئة مما أشرنا إليه من نصب الساقين وتجافى أسفل البطن نعم قد يقال بأنه يجب عليه ان قدر على الارتفاع زيادة عن حال الجلوس ودون
ما يحصل ركوع القائم مراعاة الأقرب فالأقرب لقاعدة الميسور فعليه قد يتجه ما ذكراه الا ان هذا القول في حد ذاته محل نظر وكون القاعدة مقتضية له لا يخلو
عن تأمل ثم إن المعروف في كيفية ركوع الجالس على ما صرح به غير واحد وجهان أحدهما ان ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع بالإضافة إلى القائم
المنتصب والآخر ان ينحني بحيث يكون نسبة ركوعه إلى سجوده كنسبة ركوع القائم إلى سجوده باعتبار أكمل الركوع وأدناه فان أكمل ركوع القائم انحنائه إلى أن يستوي
ظهره مع مد عنقه فتحاذي جبهته موضع سجوده وأدناه انحنائه إلى أن تصل كفاه إلى ركبتيه فيحاذي وجهه أو بعضه ما قدام ركبتيه من الأرض ولا يبلغ محاذاة
موضع السجود فإذا وعيت هذه النسبة كان أكمل ركوع القاعد ان ينحني بحيث تحاذي جبهته مسجده وأدناه وجهه ما قدام ركبتيه وفي الجواهر بعد نقل الكيفيتين
من غير واحد من الأصحاب تبعا لبعض العامة قال والوجهان متقاربان والأصل في ذلك من الانحناء في الركوع لابد منه ولما لم يمكن تقديره ببلوغ الكفين
الركبتين لبلوغهما من دون الانحناء تعين الرجوع إلى امر اخر به يتحقق المشابهة للركوع من قيام وفيه انه متجه لو لم يكن له هيئة عرفية ينصرف إليها الذهن
عند اطلاق الامر به من جلوس فالأولى حينئذ إناطة بذلك كما عن الأردبيلي اللهم الا ان يراد تحديد العرف بذلك والامر حينئذ سهل انتهى أقول الرجوع
إلى العرف انما يتجه لو قلنا بأنه ليس للركوع المعتبر في الصلاة حقيقة شرعية ولا حد شرعي تعبدي وما يثبت في القائم اما لبيان مفهومه العرفي أو تقييد شرعي
يختص بمورده فمقتضى القاعدة حينئذ في ركوع القاعد الرجوع إلى ما يقتضيه اطلاق دليله وهو لا يخلو عن اشكال إذ الظاهر بعد الغض عن انه ليس في المقام
اثر لفظي صالح للرجوع إلى منصرفه ان الهيئة العرفية التي ينصرف الذهن إليها عند اطلاق الامر به من جلوس انما هي بمقايسته إلى ركوع القائم حيث إن
انس الذهن بركوع القائم يورث تصوير ما يشابهه في الجالس على حسب ما يناسب حاله لا لأجل ان هذا هو معناه عرفا بل لأجل ان هذا هو المناسب ارادته في
خصوص المقام ولذا يتصوره من لا يفهم للركوع معنا عدى ما يعرفه في الصلاة كالعجمي ونحوه فكان من حدده بالوجه الأول زعم أن هذا هو الذي ينسبق إلى
الذهن من الامر به بمقتضى المناسبة الناشئة من المقايسة إلى ركوع القائم ومن حدده بالوجه الثاني نظرا إلى أن الانحناء الركوعي يتقوم بالنصف الاعلى من
الجسد الذي لا يختلف حاله في القيام والقعود فعليه ان ينحني ظهره حال كونه جالسا بمقدار ما كان ينحني ظهره حال كونه قائما فأدناه ان ينحني بمقدار ما لو كان
قائما لوصل كفاه إلى ركبتيه وهذا المقدار من الانحناء يلزمه محاذاة الوجهة أو بعضه ما قدام ركبتيه عند الجلوس وأعلاه ان يعتدل ظهره فتحاذي جبهته
موضع سجوده لو سجد وهو على تلك الهيئة من غير أن يغير وضعه بتقديم جثته بل بتأخير رجليه تحقيقا لوقوع السجدة عليهما وعلى عين ركبتيهما وكيف كان
فالتحديد بهذا الوجه ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط واما الوجه الأول فمقتضاه كفاية نصف هذا المقدار تقريبا فإنه إذا انحنى الجالس نصف المقدار
الذي كان ينحني في ركوعه قائما يصير بالنسبة إلى الجالس المنتصب كالراكع بالإضافة إلى القائم وهو لا يخلو عن اشكال ويحتمل ان يكون المراد بهذا التحديد
أيضا ما يرجع إلى الأول بان يكون الملحوظ في النسبة هو خصوص ظهره الذي يتقوم به الانحناء والانتصاب الذي لا يختلف الحال فيه لدى القيام والقعود
فمعناه حينئذ انه يعتبر في ركوعه ان ينحني بحيث يصير ظهره منحنيا بالإضافة إليه منتصبا وهو قاعد كانحنائه راكعا بالإضافة إليه وهو قائم فيتحد الكيفيتان على هذا
التفسير والاختلاف انما هو في التعبير وهل يعتبر في القعود الشرائط المعتبرة في القيام من الانتصاب والاستقرار والاستقلال مع الامكان كما هو صريح
بعض وظاهر غيره فيه تردد خصوصا في الأخير منها واما الأولان فاعتبارهما فيه مع القدرة لا يخلو عن قوة لاطلاق النص الوارد في الأول ومعاقد الاجماعات
المحكية على الثاني ودعوى انصرافها إلى حال القيام قابلة للمنع وإذا عجز عن القعود بجميع أنحائه صلى مضطجعا بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير واحد دعوى
الاجماع عليه ويدل عليه اخبار مستفيضة منها حسنة أبي حمزة الواردة في تفسير قوله تعالى الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم المتقدمة في صدر
المبحث وفيها وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا وعن تفسير النعماني بسنده عن علي عليه السلام في حديث ومثله قوله عز وجل فإذا قضيتم
الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ومعنى الآية ان الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي قاعدا ومن لم يقدر ان يصلي قاعدا صلى مضطجعا
ويؤمي ايماء فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة ومضمرة سماعة قال سئلته عن المريض لا يستطيع الجلوس قال فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته
شيئا إذا سجد فإنه يجزي وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال المريض إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا كيف قدر صلى اما ان يوجه فيومي ايماء وقال
يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جانبه الأيمن ثم يؤمي بالصلاة قال فإن لم يقدر على أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز ويستقبل بوجهه
القبلة ثم يومي بالصلاة ايماء وعن المصنف في المعتبر أنه قال روى أصحابنا عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال المريض إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا يوجه كما يوجه
الرجل في لحده وينام على جانبه الأيمن ثم يومي بالصلاة فإن لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه جائز ويستقبل بوجهه القبلة ثم يؤمي بالصلاة
ايماء وعن الشهيدين في الذكر والروض أيضا نقل هذه الرواية عن حماد ولكن ربما ادعى بعض ان هذه هي رواية عمار المتقدمة وقد وقع الاشتباه في
النسبة فعن المحقق السبزواري في الذخيرة انه بعد نقل موثقة عمار المذكورة قال وفي متن هذه الرواية اضطراب ونقلها في المعتبر بوجه آخر وتبعه الشهيدان
262

وهو هذا المريض إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا يوجه كما يوجه الرحل في لحده وهو على هذا الوجه ليسلم من الاضطراب واسندها إلى حماد وهي كذلك في بعض نسخ
التهذيب انتهى وفي المرسل المتقدم المروي عن دعائم الاسلام وان لم يستطع ان يصلي جالسا صلى مضطجعا لجنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة فإن لم يستطع
ان يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا الحديث ومرسلة الفقيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله المريض يصلي قائما فإن لم يستطع صلى جالسا فإن لم يستطع صلى على جنبه
الأيمن فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيسر فإن لم يستطع استلقى وأومى ايماء وجعل وجهه نحو القبلة وجعل سجوده اخفض من ركوعه هذه هي اخبار
الباب الدالة على وجوب الاضطجاع عند تعذر الجلوس وما يظهر من بعض الأخبار الآتية من أنه إذا عجز عن الجلوس صلى مستلقيا يجب تقييده بما ذكر و
يحتمل صدورها تقية وكيف كان فالاخبار المزبورة بأسرها متفقة الدلالة على وجوب الاضطجاع عند تعذر الجلوس ولكن مضامينها مختلفة من حيث
الاطلاق والتقييد ولذا اختلف الأصحاب بعد اتفاقهم على أصل الاضطجاع في أنه هل هو مخير بين الجانبين وعند تعذره مطلقا يستلقي أو يتعين الاضطجاع
على الجانب الأيمن وإذا عجز عنه استلقى أو إذا عجز عنه اضطجع على الجانب الأيسر وإذا عجز عن هذا أيضا استلقى على أقوال فعن ظاهر المقنعة والجمل و
الوسيلة والنافع والارشاد والألفية وموضع من المبسوط وصريح موضع اخر منه والتذكرة ونهاية الاحكام كظاهر المتن وهو الأول اي
التخيير بين الجانبين ولكن حكى عن بعضهم التصريح بأفضلية تقديم الأيمن وحكى عن المعظم القول بتعين الأيمن بل عن ظاهر المعتبر والمنتهى حيث نسباه
إلى علمائنا في عبارتهما الآتية وصريح الغنية والخلاف دعوى الاجماع عليه وصرح غير واحد منهم بأنه إذا
عجز عن ذلك اضطجع على الجانب الأيسر بل
ربما نسب هذا القول اي الترتيب بين الجانبين إلى المشهور وادعى شيخنا المرتضى رحمه الله انه المعروف بين المتأخرين فكأنه قيده بما بين المتأخرين نظرا إلى
خلو كلمات أغلب القدماء في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية عن التصريح بالأيسر ولذا ربما يستظهر من كلماتهم الانتقال إلى الاستلقاء عند تعذر
الأيمن حيث إنهم اقتصروا في بيان المراتب على الاضطجاع على الجانب الأيمن ثم الاستلقاء قال في محكى المعتبر من عجز عن العقود صلى مضطجعا على جانبه
الأيمن مؤميا وهو مذهب علمائنا إلى أن قال وإذا عجز عن الاضطجاع وجب ان يصلي مستلقيا مؤميا أيضا برأسه وقال في محكى المنتهى لو عجز
عن العقود صلى مضطجعا على جانبه الأيمن بالايماء مستقبلا للقبلة بوجهه ذهب إليه علمائنا إلى أن قال إذا عجز عن الاضطجاع صلى مستلقيا وعن الغنية
والخلاف نقل هذا المضمون اجمالا مدعيين عليه الاجماع وربما تأمل بعض في الاستظهار المزبور من عبائرهم في فتاويهم ومعقد اجماعهم المحكى عنهم وهو بالنسبة
إلى العبارة المزبورة لا يخلو عن وجه لقوة احتمال إرادة العجز عن مطلق الاضطجاع واما عبارة الأخيرين فلم نقف على نقلها مفصلا وكيف كان فمستند
القول بالتخيير اطلاق الآية وبعض الأخبار المتقدمة وعدم صلاحية الاخبار المقيدة لتقييدها لقصورها من حيث السند مع ما في خبر عمار من اضطراب
المتن وفيه ان ضعف سندها مجبور بالشهرة مع أن رواية عمار موثقة وهي حجة كافية وما فيها من التشويش من حيث التعبير فغير قادح بعد وضوح
المراد فيما هو محل الاستشهاد كما هو واضح واما المطلقات فعمدتها مضمرة سماعة التي أمكن الخدشة فيها بالاضمار واما ما عداها فاطلاقها وارد مورد
حكم اخر كما لا يخفى ولكن الأصل كاف دليلا لاثبات هذا القول لو سلمت المناقشة في المقيدات ولكنك عرفت انها في غير محلها فالأقوى وجوب
الاضطجاع على الأيمن كما يشهد له موثقة عمار وغيرها من الاخبار المقيدة المعتضدة بالشهرة والاجماعات المحكية المستفيضة وإذا تعذر فعلى الأيسر
كما وقع التصريح به في مرسلة الفقيه المتقدمة وضعفها مجبور بالشهرة فيرفع اليد بواسطتها عما يظهر من قوله عليه السلام في موثقة عمار فكيف ما قدر من
التخيير بين الاستلقاء وبين الاضطجاع على الأيسر بل قد يمنع ظهور هذه الفقرة في حد ذاتها في التخيير لشيوع استعمال مثل هذه العبارة في وجوب الاتيان
بالشئ بمقدار وسعه وعدم سقوطه منه كما في صدر هذه الرواية نظير قول القائل إذا دخل الوقت وجب عليه ان يصلي كيف ما قدر فلا تدل على التخيير
بين الحالات المقدور عليها وفيه ان شيوع استعماله في هذا المعنى لا ينفي ظهوره من حيث هو في التخيير خصوصا في مثل المقام المسوق لبيان حكم مراتب
العجز مع ما وقع فيه من التفريع عليه من قوله فإنه له جائز الظاهر في إرادة التوسعة فيما قدر عليه لا التضييق ولكن مع ذلك كله يتعين صرفه عن هذا
الظاهر جمعا بينه وبين المرسلة التي هي كالنص في الترتيب هذا مع أنه لم ينقل القول بالتخيير بين الاستلقاء والاضطجاع عن أحد ولذا استدل
بعض لتقديم الأيسر بظاهر هذه الموثقة حيث إنها تدل بظاهرها على جواز الاضطجاع على الأيسر عند تعذر الأيمن وهو مما إذا جاز وجب إذ لا قائل
بالتخيير ونوقش فيه بامكان قلب الدليل فان لنا ان نقول إنها تدل على جواز الاستلقاء عند تعذر الاضطجاع على الأيمن وهو مما إذا جاز وجب
إذ لا قائل بالتخيير بينه وبين الأيسر ونظيره في الضعف الاستدلال له أيضا بقوله عليه السلام في الموثقة يستقبل بوجهه القبلة بدعوى ان استقبال الوجه إليها
لا يتحقق حقيقة الا مع الاضطجاع وفيه بعد الغض عن كثرة استعمال التوجه إلى القبلة في المستلقي أيضا فيراد بمقابلة الوجه التوجه إلى جهتها في مقابل
التوجه إلى اليمين واليسار ان استقبال الوجه قد يتحقق من المستلقى فيما بين المشرق والمغرب أيضا بتحويل وجهه إلى القبلة كما أنه ق يتحقق من المستلقى إلى القبلة
أيضا يوضع شئ تحت رأسه فليس اعتبار الاستقبال سببا لرفع اليد عن ظاهر قوله كيف ما بدر في الاطلاق بل ربما يؤيده كما سنشير إليه عند توجيه الرواية
هذا مع أن حمل مثل هذا التعبير على إرادة فرض خاص كما ترى فالانصاف انه لا يصح الاستشهاد بهذه الموثقة للقول بتقديم الاضطجاع على الجانب
الأيسر على الاستلقاء كما أنه لا يصح الاستشهاد بها لعكسه أيضا بل هي من حيث هي امنا ظاهرة في التخيير بينهما كما هو مقتضى الانصاف أو محله من هذه الجهة وأريد
263

بها بيان عدم سقوط الميسور بالمعسور لا التخيير بين الحالات المقدورة نعم ربما يشهد للعكس اي تقديم الاستلقاء قوله عليه السلام في ذيل خبر الدعائم
فإن لم يستطع ان يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا ولكنه ضعيف السند خال عن الجابر فلا يصح الاعتماد عليه مع معارضته بمرسلة الفقيه التي هي أوثق منه
بل قد يعامل معها معاملة الأخبار الصحيحة بضمان الصدوق بصحة ما في كتابه ولولاه لاشكل دعوى انجبار ضعفها بشهرة العمل بها بين المتأخرين اللهم الا ان يجعل
فتوى بعض القدماء أيضا بمضمونها خصوصا مثل الحلى الذي لا يعلم الا بالقطعيات من اؤيداتها والله العالم تنبيهان الأولى ذكر بعض في توجيه
قوله في موثقة عمار المريض إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا كيف قدر صلى اما ان يوجه فيؤمى ايماء وجوها أحدها ان يكون هذه الفقرة من كلام عمار وظاهرها
على هذا التقدير هو الاستفهام عن كيفية صلاته من أنه هل هو يصلي كيف ما قد رأى عليه جهة يكون أو يوجه إلى القبلة ويؤمى ايماء فاجابه عليه السلام بقوله يوجه
كما يوجه الميت الحديث فكلمه اما على هذا التقدير بمعنى أو والضمير في قال المذكور أو لا راجع إلى عمار وهو مقول للراوي عنه وهو مصدق بن صدقة فنقل كلام عمار
أولا ثم عطف عليه جواب الإمام عليه السلام ثانيها ان يكون من الإمام عليه السلام ويكون كلمة اما بفتح الهمزة شرطية وجزاؤه محذوفا وقد سبق دفعا لتوهم سقوط شرطية
الاستقبال الناشي من اطلاق قوله كيف قدر صلى والتقدير اما توجهه إلى القبلة فلازم ولا يخفى ما فيه من البعد وثالثها وهو أقوى الاحتمالات ما يرجع
إلى ما لخصه في محكى المعتبر مسندا إلى حماد بناء على اتحاده مع هذه الرواية وهو ان يكون من الإمام وكون اما بالكسر أريد به التفصيل بين المراتب المقدورة و
يكون قوله عليه السلام يوجه كما يوجه الرجل بدلا أو بيانا لما أجمله وقوله فإن لم يقدر على أن ينام على جنبه الخ بيانا للشق الاخر من التفصيل فكأنه عليه السلام قال اما ان يوجه إلى
القبلة بجميع مقاديم بدنه مضطجعا على جنبه الأيمن كما يوجه الميت في لحده ويؤمى ايماء أو ينام كيف ما قدر ولكن يستقبل بوجهه القبلة وهذا في المستلقي إلى
القبلة يحصل بعدم تحويل وجهه إلى الجانبين وفي المستلقي إلى الجانبين بتحويل وجهه إلى القبلة فيتقيد اطلاقه بمرسلة الفقيه كما تقدمت الإشارة إليه انفا الثاني
هل يجب اعتدال القامة عند الاضطجاع والاستلقاء مع الامكان فيه تردد والأشبه انه لا يجب اللهم الا يدعى استفادته في المضطجع من التشبيه بالرجل
في لحده في موثقة عمار وفيه تأمل إذ الملحوظ في التشبيه كيفية توجهه إلى القبلة لا امتداد قامته فليتأمل اما الاستقرار فالظاهر اعتباره نظرا إلى اطلاق كلمات
الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية التي هي عمدة مستند اعتبار هذا الشرط في الصلاة واما الاستقلال فلا ينبغي التأمل في عدم اعتباره والله
العالم فان عجز عن الاضطجاع مطلقا أو عن الأيمن خاصة على القولين صلى مستلقيا بلا خلاف فيه على الظاهر ويدل عليه جملة من الاخبار منها قوله عليه السلام في
مرسلة الفقيه المتقدمة فإن لم يستطع استلقى وأومى ايماء وجعل وجهه نحو القبلة وجعل سجوده اخفض من ركوعه وفي مرسلة الدعائم المتقدمة فإن لم يستطع
ان يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا ورواية محمد بن إبراهيم المروية عن الكافي والتهذيب عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام قال يصلي المريض قائما فإن لم يقدر
على ذلك صلى قاعدا فإن لم يقدر صلى مستلقيا يكبر ثم يقرء فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم سبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع فإذا
أراد السجود غمض عينيه ثم سبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم يتشهد وينصرف وعن الصدوق مرسلا نحوه بأدنى اختلاف في العبارة
وخبر عبد السلام بن صالح الهروي المروي عن العيون عن الرضا عليه السلام عن ابائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا لم يستطع الرجل ان يصلي قائما فليصل جالسا فإن لم
يستطع جالسا فليصل مستلقيا ناصبا رجليه بحيال القبلة يؤمي ايماء وظاهر هذه الرواية وسابقتها وجوب الصلاة مستلقيا لدى العجز عن الجلوس مطلقا
ولكنك عرفت فيما سبق انه لابد من تقييده بما إذا عجز عن الاضطجاع جمعا بينه وبين الأخبار المتقدمة وحمله على محامل اخر مما لا ينافي تلك الأخبار والأخيران
اي المضطجع والمستلقي حيث لا يقدر ان على الركوع والسجود يؤميان لركوعهما وسجودهما كما هو فرض كل من عجز عنهما وان صلى جالسا أو قائما ولو لمانع شرعي
كما في العاري فتخصيصهما به من حيث اطلاق هذا الحكم بالنسبة اليهما بملاحظة حالهما حيث إن عجزه عن القيام والقعود المبيح له الصلاة مضطجعا أو مستلقيا
ينافي عادة قدرته على الركوع والسجود فاطلاق هذا الحكم في الفتاوي والنصوص الوارد فيهما جار مجرى العادة والا فلو فرض قدرته عليهما أو على أحدهما
من غير مشقة عرفية ولو ببعض مراتبه الميسورة وجب بلا شبهة نعم ربما يتمكن المضطجع من تحويل رأسه ووضع جبهته على الأرض من غير مشقة ولكن لا إلى القبلة
فيدور الامر حينئذ بين فوات الاستقبال وهذه المرتبة من السجود ورعاية الأول في مقام الدوران أولى لا لمجرد ان الثاني له بدل اضطراري فلا يزاحم ما لا بدل
له بل لاطلاق النصوص الدالة عليه الغير القاصرة عن شمول مثل الفرض وكيف كان مما يدل على بدلية الايماء لهما عن الركوع والسجود مضافا إلى جملة من
الأخبار المتقدمة كموثقة عمار ومرسلتي الفقيه والدعائم وخبر عبد السلام ما عن الفقيه مرسلا قال قال أمير المؤمنين عليه السلام دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على رجل من الأنصار وقد
شبكته الريح فقال يا رسول الله كيف أصلي فقال إن استطعتم ان تجلسوه فأجلسوه والا فوجهوه إلى القبلة ومروة فليؤم برأسه ايماء ويجعل السجود اخفض
من الركوع وان كان لا يستطيع ان يقرء فاقرأوا عنده واسمعوه وخبر إبراهيم بن زياد الكرخي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل شيخ كبير لا يستطيع القيام
إلى الخلاء لضعفه ولا يمكنه الركوع والسجود فقال ليوم برأسه ايماء وان كان له من يرفع الخمرة فليسجد فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه وصحيحة الحلبي أو
حسنة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن المريض الذي لا يتسطيع القيام والسجود قال يؤمى برأسه ايماء وان يوضع جبهته على الأرض أحب إلى وربما يستشعر
من ذيل هذه الرواية بل وكذا من ذيل الرواية السابقة ان موردهما المصلي عن جلوس وعلى هذا التقدير أيضا يمكن استفادة المدعى منهما بل وكذا من غيرهما من الروايات
التي ورد فيها الامر بالايماء بدلا عن الركوع والسجود في سائر مواقع الضرورة بتنقيح المناط ثم إن المتبادر من اطلاق الايماء في النصوص والفتاوي
264

انما هو كونه بالرأس كما وقع التصريح به في جملة من الأخبار المتقدمة واما تغميض العينين فلا يصدق عليه اسم الايماء ولا أقل من انصراف اطلاقه عنه ولكن عند
تعذر الايماء يقوم التغميض مقامه فيجب بدلا عن الركوع والسجود لدى العجز عنهما وعن الايماء كما هو المشهور على ما نسب إليهم ويشهد له مضافا إلى امكان
دعوى كونه ايماء اضطراريا فهو من العاجز عن الايماء بالرأس ايماء عرفي يفهم وجوبه من اطلاق كذلك الامر بالايماء الوارد في الأخبار المتقدمة أو كونه من
مراتبه الميسورة لدى العرف التي لا يسقط بمعسوره رواية محمد بن إبراهيم المتقدمة الواردة في المستلقي واختصاص موردها بالمستلقي غير ضائر بعد وضوح
المناط وعدم مدخلية الخصوصية في بدلية عنهما وما فيها من اطلاق الامر بالتغميض منزل على الغالب من كون الايماء بالرأس مشقة عليه كما أومى إليه في
الحدائق بعد ان مال إلى العمل باطلاقه في مورده وتنزيل الاخبار المصرحة بالايماء بالرأس على المضطجع فإنه بعد ان نقل عن المشهور القول بوجوب الايماء
بالرأس في حالتي الاضطجاع والاستلقاء ان أمكن الا فبالعينين ثم نقل بعض الأخبار المتقدمة الدالة على الايماء بالرأس قال ما هذا لفظه واما انه مع
العجز عن الايماء بالرأس فبالعينين وهو عبارة عن تغميضهما حال الركوع والسجود كما تقدم في مرسلة محمد بن إبراهيم برواية المشايخ الثلاثة الا ان موردها
الاستلقاء ومورد الايماء بالرأس في ا لروايات المتقدمة الاضطجاع على أحد الجنبين والأصحاب قد رتبوا بينهما في كل من الموضعين والوقوف على ظاهر
الاخبار أولى الا مع في مكان الايماء بالرأس من المضطجع فإنه لا مندوحة عن الانتقال إلى الايماء بالعينين ولعل الاخبار انما خرجت مخرج الغالب من أن
النائم على أحد جنبيه لا يصعب عليه الايماء برأسه والمستلقي لمزيد الضعف لا يمكنه الايماء بالرأس انتهى أقول صعوبة الايماء بالرأس من المستلقي
ليس لمجرد زيادة ضعفه بل لأن صدوره منه في حد ذاته أشق من صدوره من المضطجع كما لا يخفى وكيف كان فما ذكره من أن الوقوف على ظاهر الاخبار
أولى يتوجه عليه انه ليس في شئ من الاخبار التي وقع فيها التصريح بالايماء بالرأس اشعار بوروده في خصوص المضطجع بل قد أشرنا انفا إلى أنه ربما يستشعر
من خبرين منها وهما خبر إبراهيم والحلبي ورودهما في الجالس ولكنه لا يقدح في إفادة عموم المدعى مع امكان
ابقائهما على ظاهرهما من الاطلاق واما
مرسلة الفقيه الواردة فيمن شبكته الريح التي وقع فيها أيضا التصريح به فإن لم نقل بانصراف ما فيها من الامر بتوجيهه إلى القبلة إلى النوم مستلقيا إلى القبلة
فلا أقل في عدم ظهوره في إرادة خصوص النوم على أحد جنبيه هذا مع انا قد أشرنا إلى أن المتبادر من اطلاق الايماء الوارد في سائر الأخبار الواردة
في المستلقي وغيره انما هو الايماء بالرأس بل بعضها كقوله عليه السلام في مرسلة الفقيه الأولى استلقى وأومى ايماء وجعل وجهه نحو القبلة وجعل سجوده اخفض
من ركوعه كالنص في ذلك إذ لا معنى للأخفضية في تغميض العينين فمقتضى الجمع بينهما وبين مرسلة إبراهيم صرف هذه المرسلة إلى صورة العجز عن الايماء بالرأس
ان لم نقل بانصرافها في حد ذاتها إليه بواسطة المناسبات المغروسة في الأذهان القاضية بعدم التخطي عن الايماء بالرأس لدى التمكن منه إلى التغميض ويحتمل قويا
ابتناء ما في هذه المرسلة من الاطلاق على التوسعة والتسهيل ارفاقا بحال المستلقي فيجمع بينها وبين غيرها مما ظاهره الايماء بالرأس مع الامكان بالحمل على
التخيير وكفاية كل من الامرين لدى التمكن منهما توسعة على المستلقي ولكن الأول مع أنه أحوط أوفق بالقواعد فان صرف كل من الدليلين عن ظاهرهما من الوجوب
العيني ابعد في مقام الجمع من ارتكاب هذا النحو من التقييد في المرسلة الا انه ربما يقرب احتمال التخيير اطلاق الامر بالايماء وجعل سجوده اخفض من ركوعه
في المرسلة الأولى فان اطلاقه وان كان مقيدا عقلا بالقدرة عليه الا انه كاشف عن أن القدرة عليه غير عزيزة بل شايعة والا لم يكن يحسن اطلاق الامر به و
السكوت عما هو واجب عليه غالبا في مقام تكليفه الفعلي فيشكل حينئذ اطلاق الامر بالتغميض في المرسلة لولا ابتنائه على التوسعة والتسهيل والله العالم
تنبيه صرح غير واحد بأنه متى أومى للركوع والسجود فليجعل سجوده اخفض من ركوعه بل عن الذكرى نسبه إلى الأصحاب وهو مشعر بالاتفاق ويدل
عليه جملة من الأخبار المتقدمة التي وقع فيها التصريح به ويشهد له أيضا بعض الروايات الواردة في سائر مواقع الضرورة التي يصلي فيها مؤميا كخبر يعقوب بن
شعيب قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في السفر وانا امشي قال اوم ايماء واجعل السجود اخفض من الركوع وفي خبره الآخر عنه في الرجل يصلي على
راحلته قال يؤمي ايماء يجعل السجود اخفض من الركوع وفي خبر أبي البختري المروي عن قرب الإسناد عن أبي عبد الله عليه السلام فيمن غرقت ثيابه يبتغي ثيابا فإن لم
يجد صلى عريانا جالسا يؤمي ايماء يجعل سجوده اخفض من ركوعه وفي مضمرة سماعة الواردة فيمن يتطوع في السفر وان كان راكبا فليصل على دابته وهو
راكب ولتكن صلاته ايماء وليكن رأسه حيث يريد السجود اخفض من ركوعه فلا ينبغي التأمل فيه بعد وقوع التصريح به في الأخبار المستفيضة الواردة في الأمور
المتفرقة من الفرائض والنوافل والمناقشة فيه بان ايجاب الايماء لهما انما هو لعدم سقوط الميسور بالمعسور فيجب عليه فعل تمام ما يتمكن منه من الايماء لكل
منهما ويجتزي في الفرق بينهما بالنية مدفوعة بان الاخذ بمقتضيات القواعد العامة في مقابل الأخبار الخاصة يشبه ان يكون اجتهادا في مقابل النص هذا
مع أن الايماء مهية أخرى مبائنة بالذات لمهية الركوع والسجود فلا نفي بأثباته قاعدة الميسور لأنها لا تجري الا فيما إذا كان المأتى به من انحاء وجودات
المأمور به ببعض مراتبه الناقصة التي لم تكن مجزية عند التمكن من الاتيان به بشرائطه المعتبرة في صحته كالركوع أو السجود بلا استقرار أو بلا وضع باقي المساجد
على الأرض مما لا ينافي صدق مفهومه عرفا لا مثل الايماء الذي هو مباين بالذات لهما ولا يندرج في مسماهما عرفا فوجوبه بدلا عنهما انما هو لأدلته الخاصة
لا من باب القاعدة نعم ربما يظهر من امر الشارع بجعل الايماء للسجود اخفض منه للركوع ومن جعله غمض العينين في المستلقي بدلا عنهما وفتحهما بدلا عن
الرفع عنهما انه راعى المناسبة بين الايماء والتغميض وبين مبدلهما في مقام جعل البدلية لا انه أوجبهما لكونهما ميسور المتعذر نعم لو كان الهوى
265

إلى الركوع والسجود في حد ذاته جزء مستقلا للصلاة كان للتوهم المزبور اي وجوب الاتيان بما تيسر منه مطلقا وجه وان لم يسلم أيضا عن الخدشة ولكنه ليس
كذلك مع أن الاخبار ناطقة بان الشارع انما اعتبره عوضا عن الركوع والسجود لا من حيث كونه بعضا من الهوى الذي كان واجبا عليه فالأظهر عدم وجوب فعل تمام
ما يتمكن من الايماء من زيادة الانحناء بل كفاية مسماه لكل منهما مع رعاية الأخفضية للسجود فيما إذا كان فرضه الايماء لهما وهو على حالة واحدة من قيام أو قعود
أو اضطجاع ونحوه كما هو مورد الاخبار وحكى عن جملة من الأصحاب وجوب التفرقة بين الايمائين في التغميض أيضا فأوجبوا كونه للسجود أكثر منه للركوع فكأنهم
زعموا ان المراد بالايماء المأمور به في الروايات ما يعم التغميض وقضية اطلاق الامر بكونه للسجود اخفض وجوبه في التغميض أيضا وهو في التغميض عبارة عن أكثرية
الغمض إذ لا معنى له بالنسبة إليه الا هذا وفيه ان هذا ليس من معنى الأخفضية بشئ فاعتبار الأخفضية فيه قرينة لصرف اطلاق الايماء إلى الايماء بالرأس
كما هو المصرح به في بعض اخباره ان لم نقل بانصرافه في حد ذاته إليه وعلى تقدير تسليم كون المراد بالايماء أعم من التغميض فهو لا يصلح شاهد الحمل الأخفضية
على ما يعم أكثرية الغمض فان قضية الأصل حمل قوله فليجعل سجوده اخفض من ركوعه حمله على حقيقته وتقييده بالقدرة كما هو الشان في سائر التكاليف فيختص
اعتباره فيما أمكن فيه ذلك بان يكون الايماء بالرأس فالأشبه عدم اعتبار التفرقة بين الايمائين في التغميض الا بالقصد كما هو مقتضى ظاهر خبر إبراهيم المتقدم
الذي هو عمدة مستند بدلية التغميض والله العالم ولو لم يتمكن من الايماء بالعينين اومأ بواحدة لقاعدة الميسور ولو عجز عن ذلك أيضا فعن كاشف الغطاء انه
يؤمي ببعض أعضائه كيده مثلا ولعله لمطلقات الايماء واختصاص تقييدها بالرأس أو العين بحال التمكن أو لقاعدة الميسور وفيهما نظر الا ان مراعاته أحوط
وهل يجب ان يقصد بهذه الابدال بدليتها عن مبدلها من الركوع والسجود والرفع عنهما أم لا يجب الالتفات إلى هذه الأفعال وقصدها بل يكفي الاتيان بالابدال
في مواضعها بقصد جزئيتها لصلاته التي نوى بها الخروج عن عهدة ما هو تكليفه بالفعل وجهان بل قولان استدل للأول بأصالة الاشتغال ولأنه لا يعد الايماء
أو التغميض ركوعا والفتح قياما الا بالنية إذ لا ينفك المكلف عنهما غالبا فلا يتمحضان للبدلية الا بالقصد ولأن هذه الأمور كما لا يخل زيادتها ونقصانها في
الصلاة التامة فكذا لا يخل في الناقصة استصحابا لحكمها أو لا شك ان ما هو بدل عن الركوع والسجود يخل زيادته ونقيصته قضية للبدلية فلابد ان يكون ما هو ركن
مغائر لما ليس كذلك وليست المغائرة الا بالنية ولان مفهوم الايماء لا يتحقق الا بالنية وناقش في الجميع شيخنا المرتضى رحمه الله فإنه بعد ان استدل لهم بالأدلة المزبورة
قال وفي الكل نظر لورود الاطلاقات على اصالة الاشتغال وعدم اشتراط القصد في البدلية لصيرورتها أفعالا في تلك الحالة فيكفي فيها نية أصل الصلاة بل لو
طرء الانتقال إليها في الأثناء كفى معرفة بدليتها والاستمرار على نية الصلاة السابقة وان تغيرت افعالها لعدم اختلاف حقيقة الفردين والفرق بين الابدال والافعال
الأصلية عبادة انما هي لأجل التعبد بها في الصلاة المنوية عبادة والا فهي في حد ذاتها أيضا حركات عادية فإذا قصد التعبد بالابدال في ضمن الصلاة خرجت
كالمبدلات من العادة إلى العبادة واما حديث اخلال نقصها ضرورة بالصلاة فلا دخل له بالمطلوب واما زيداتها فلو سلمنا اخلالها مطلقا على حسب
اخلال مبدلاتها اغماضا عن القدح في عموم البدلية والتفاتا إلى اطلاق الايماء والتغميض على الركوع والسجود وبالعكس فلا تلزم بين اعتبار القصد في الاخلال
نظرا إلى عدم صدق الزيادة اي زيادة الركن الا مع قصد البدلية وبين عدم اعتباره في الامتثال اكتفاء بنية أصل الصلاة بل حيث عرفت سابقا ان الايماء للركوع
والايماء للسجود متحدان مصداقا فيما عدى أقل مراتبه المختص بالركوع واخرها المختص بالسجود فلا يترتب على المزيد حكم زيادة الركوع أو السجود الا بقصد أحدهما نعم
لو قصد كون المزيد جزء غير الركوع والسجود بطل العمل من جهة الزيادة على الاجزاء لا من جهة زيادتهما وقد ظهر مما ذكرنا ان ما ذكره في شرح الروضة من أن الخلاف
في اعتبار القصد في الاخلال بالزيادة مبني على الخلاف في اعتباره في تحقق البدلية محل نظر واما دعوى اخذ النية في مفهوم الايماء فلو سلم فإنما هو في تحقيق معناه
المصدري والقدر المطلوب في افعال الصلاة المشتملة على معان لا توجد الا بالقصد والالتفات كالتكبير والتشهد والقنوت والتسليم ليس الا أشباح تلك الأفعال
دون انشاء مفاهيمها انتهى كلامه رفع مقامه ولقد نقلناه بطوله لمزيد فوائده وجوده محصلة الا ان ما افاده قدس سره كان وجيها لو كان الايماء كالتكبير والتشهد
والتسليم أو كالقيام أو القعود مما يمكن ان يتحقق مهية في الخارج في ضمن فعل أو قول بلا قصد ولم يكن اعتباره عوضا عن تلك الأفعال بل كان واجبا من حيث
هو لدى العجز عنها كالكفارات المرئية والا فقصد العنوان شرط في وقوع الفعل بهذا الوجه حيث إن عنوان البدلية كعنوان الوكالة عن الغير والنيابة والولاية
من العناوين التي للقصد دخل في وقوع الفعل بذلك العنوان فقياس الايماء على التشهد والتسليم ونظائرهما قياس مع الفارق فان عدم تصور معنى الشهادة
ونحوها لا يخرج لفظها عن كونه تلفظا بالشهادة كما هو الواجب عليه في مقام اسقاط التكليف واما العاجز الذي فرضه الايماء بعد فراغه من القراءة ما لم
يضمر في نفسه شيئا يقصده بالإشارة امتثالا لامره فلا يصدر منه الا مجرد تحريك رأسه بقصد جزئية من صلاته وهو بهذا العنوان لم يتعلق به التكليف
بل بعنوان الايماء فايماء العاجز عن الركوع والسجود ليس الا كايماء الأخرس وتحريك لسانه القائمين مقام قرائته وتشهد وسائر أذكاره ومن الواضح انه
لا يجديه مجرد تحريك اللسان بقصد الجزئية ما لم يميز المشار إليه في ضميره ولو على سبيل الاجمال نعم غمض العين لا يتوقف حصوله على امر خارج عن ذاته لو
لم يعتبر فيه قصد الإشارة ولكنه معتبر فيه على الظاهر إذا الظاهر أنه لم يتعلق الامر به الا بلحاظ كونه نحوا من الايماء مع أن عنوان البدلية مأخوذ فيه بمقتضى
ظاهر دليله إذا المتبادر من قوله عليه السلام في خبر محمد بن إبراهيم فإذا أراد الركوع غمض عينيه إلى اخره بل وكذا من سائر اخبار الباب الواردة في الايماء ان الشارع
266

جعل الايماء برأسه أو تغميض عينيه قائما مقام الركوع في اسقاط امره بمبنى ان الشارع تصرف بالنسبة إليه في متعلق التكليف بان جعل غمض عينيه ركوعا وفتحهما رفعا
لا انه أوجب عليه عوضا عن الركوع الايماء أو التغميض كالتيمم بدلا عن الوضوء لفاقد الماء بل أوجب عليه الايماء أو التغميض عوض ركوعه وسجوده كما
أوجب في مقام شدة الخوف تسبيحة عوض كل ركعة من ركعات الفرائض ففي مثل هذه الموارد ما لم يكن عنوان العوضية مقصودا بالفعل لا يقع امتثالا للامر
المتعلق به حيث إنه لم يتعلق به من حيث هو بل من حيث وقوعه عوضا عما تعلق به الطلب اللهم الا ان يقال إن القصد الاجمالي إلى وقوعه على وجهه الذي تعلق
به الطلب كاف في إطاعة امره ووقوعه على الوجه الذي تعلق به الطلب وهو لا يخلو عن اشكال مع أنه لا يجدى في خصوص المقام الذي تعلق فيه الطلب بمفهوم
الايماء الذي قد أشرنا إلى توقفه على تعقل المهية المؤمى إليه وقصد بالايماء كما في تكبير الأخرس وقرائته وتشهده والا فلا يكون الايماء ايماء فالقول
بوجوب قصد البدلية بل جريان الافعال على القلب كما عن العلامة في القواعد اي تصورها وقصدها بالايماء مع أنه أحوط لا يخلو عن قوة والله العالم ولو
تعذر عليه الايماء والتغميض أيضا فلا بدل غيرهما ينتقل إليه الا على احتمال سنشير إليه بل يكتفي بجريان الافعال على قلبه والأذكار على لسانه كما حكى عن ظاهر
الأصحاب ولكن حكى عن كاشف الغطاء انه أوجب عليه الايماء بسائر أعضائه ولعله لاطلاق أوامر الايماء في جملة من اخباره مقتصرا في تقييده بالرأس أو
العينين بحال التمكن أو لقاعدة الميسور فيهما تأمل حيث إن الاطلاقات ان لم تكن منصرفة في حد ذاتها فهي مصروفة إلى الايماء بالرأس والعينين بشهادة
غيرها من الاخبار المقيدة واما قاعدة الميسور فهي غير وافية باثبات المدعى كما تقدمت الإشارة إليه انفا فمقتضى الأصل براءة الذمة عنه ولكنه أحوط
والله العالم وهل يجب على المؤمى للسجود وضع شئ مما يصح السجود عليه على جبهته حال الايماء أم لا وانه مخير بين الايماء والوضع وجوه بل أقوال بل ربما
يظهر من بعض من تصدى لنقل الأقوال وجود القول بوجوبه فقط عينا بدلا عن السجود حجة القول بوجوبه عينا موثقة سماعة قال سئلته عن المريض
لا يستطيع الجلوس قال فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزي عنه ولن يكلف الله مالا طاقة له به ومرسلة الصدوق قال سئل
عن المريض لا يستطيع الجلوس أيصلي وهو مضطجع ويضع على جبهته شيئا قال نعم لن يكلفه الله الا طاقته واستدل له أيضا بخبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد
عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن المريض الذي لا يستطيع القعود ولا الايماء كيف يصلي وهو مضطجع قال يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جنبيه
ويكبر هو وفيه ان هذه الرواية وردت في العاجز عن الايماء فهي أجنبية عن المدعى نعم يظهر منها بدلية الوضع لدى العجز عن الايماء ان كان المراد به الوضع
على الجبينين في حال السجود وهو غير واضح فلعله اراده حال الافتتاح كما ربما يستشعر ذلك من قوله ويكبر
هو فالانصاف ان الرواية غير متضحة المفاد واما
المرسلة فقد يتأمل في دلالتها على وجوب الوضع حيث إن مفاد الجواب الواقع فيها ليس الا صحة هذه الصلاة التي وقع السؤال عنها وعدم كونه مكلفا بأزيد
من ذلك فمن الجائز عدم وجوب جميع ما وقع ذكره في السؤال وكون بعضه وهو وضع شئ على جبهته مستحبا أو واجبا تخييريا بينه وبين الايماء وكونه كذلك
كاف في حسن تقرير السائل وان كان يزعم وجوبه عينا كما ربما يستشعر من سؤاله فعمدة ما يصح الاستناد إليه لوجوب الوضع عينا هي الموثقة الأولى ولكن
الالتزام بتعينه وقيامه مقام السجود بلا ايماء كما هو ظاهر القول المنسوب إلى بعض مستلزم لطرح الاخبار التي ورد فيها الامر بالايماء أو تأويلها بالحمل على صورة
العجز عن وضع شئ على الجهة مع أنها أصح سندا وأكثر عددا وأوضح دلالة على بدلية الايماء مطلقا من هذه الموثقة فان من المحتمل بل الظاهر على ما ادعاه بعض
ان المراد بقوله إذا سجد إذا أومى للسجود فيكون الموثقة حينئذ بنفسها شاهدة للقول الأول وهو وجوب الجمع بين الوضع والايماء ولو سلم ظهور الموثقة أو المرسلة
المزبورة في بدلية الوضع عن السجود من غير حاجة إلى الايماء فهو ليس الا من باب السكوت في مقام البيان واشعار قوله وليضع الخ ببدليته عن نفس السجود لا الملاصقة
للأرض المعتبرة حاله وشئ منهما لا يصلح معارضا للأخبار المستفيضة المبنية التي وقع فيها التصريح بان العاجز يؤمي برأسه للسجود أو يغمض عينيه مع أن المناسب
لتعليل كفاية الوضع في الخبرين بان الله تعالى لن يكلفه ما لا طاقة له به ارادته مع ما يتمكن منه من الايماء والانحناء وكيف كان فمقتضى القاعدة ابقاء كل من
النصوص على ظاهره من وجوب ما تضمنه مطلقا ورفع اليد عما يستشعر أو يستظهر من كل منها من كفاية ما تضمنه بدلا عن السجود من غير حاجة إلى غيره فالقول بوجوب الوضع
بلا ايماء على تقدير تحققه في غاية الضعف واما القول بوجوبه مع الايماء فلا يخلو عن قوة نظر إلى ما مر ولكن الاوقى خلافه فان الناظر في الاخبار التي
ورد فيها الامر بالايماء للسجود على كثرتها وتظافرها وورودها في الأبواب المتفرقة من النافلة والفريضة للقائم والقاعد والماشي والراكب والمضطجع و
المستلقي والعاري من الموارد التي لا تحصى من غير اشعار في شئ منها بإرادته مع وضع شئ على جبهته لا يكاد يرتاب في أن المقصود بتلك الأخبار لم يكن الا خصوص
الايماء مجردا عن وضع شئ على جبهته وتوهم ان دلالة تلك الأخبار على عدم وجوب الوضع ليس الامر من باب السكوت في مقام البيان فلا تعارض النص
الدال على الوجوب مدفوع بان دلالة تلك الأخبار على كفاية مجرد الايماء لو لم تكن الا من باب الاشعار الضعيف الناشي من السكوت في مقام يناسبه البيان لكفت
في طرح الموثقة أو تأويلها بالحمل على الاستحباب أو غيره من المحامل التي سنشير إليها إذ الاشعارات الضعيفة عند تعاضد بعضها ببعض ربما تورث القطع بان
المقصود بتلك الأخبار لم يكن الا خصوص الايماء المجرد عن الوضع كيف مع أن المتبادر من كل منها ليس الا ذلك نعم ليس لتلك الأخبار قوة دلالة على وجوبه
عينا فمن الجائز كون الامر بالايماء لكونه أحد فردي الواجب المخير وأسهلهما المناسب لحال العاجز فلا ينافيه كفاية الوضع أيضا بل أفضليته فيمكن الجمع حينئذ بين الاخبار
بالحمل على التخيير كما هو أحد الأقوال في المسألة وقضية هذا الجمع رفع اليد عن ظاهر كل من المتعارضين في الوجوب العيني ولا محذور فيه فإنه من أهون التصرفات
267

التي لا تحتاج إلى شاهد خارجي مع أنه ربما يستشهد له ببعض الاخبار الآتية كما ستعرفه بل لا يبعد ان يقال إن وضع شئ مما يصح السجود عليه على الجهة
كخفض الرأس وغمض العين من انحاء الايماء للسجود عرفا إذا المراد بالايماء في مثل هذه الموارد هو الاتيان بفعل مشعر بإرادة تلك الطبيعة المشار إليها
منه كما في مباحث الألفاظ فانا إذا قلنا إن في هذه العبارة ايماء أو إشارة إلى كذا معناه ان فيه اشعار بإرادة كذا فعلى هذا لا منافاة بين الأخبار الدالة
على كفاية الوضع وبين الاخبار الامرة بالايماء مطلقا وانما ينحصر التنافي بينها وبين الاخبار المقيدة له بالرأس فيجمع بينهما بالحمل على التخيير ويقيد
المطلقات بهما كذلك ولكن قد أشرنا انفا إلى أن اخبار الوضع لا تصلح قرينة لصرف الاخبار الظاهرة في وجوب الايماء بالرأس أو العينين عن ظاهرها
من الوجوب العيني فالأقرب حمله على الاستحباب ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع لدى الامكان والاتيان به لدى تعذر الايماء والتغميض بل لا
يبعد الالتزام بوجوبه حينئذ كما حكى قولا في المسألة بل ربما استظهر ذلك من رواية علي بن جعفر المتقدمة كما تقدمت الإشارة إليه والله العالم واستدل
للتخيير أيضا مع أفضلية الوضع بخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود قال يؤمي برأسه ايماء وان يضع
جبهته على الأرض أحب إلي وصحيحة زرارة المروية عن التهذيب عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن المريض فقال يسجد على الأرض أو على المروحة أو على سواك
يرفعه إليه وهو أفضل من الايماء انما كره السجود على المروحة من اجل الأوثان التي كانت تعبد من دون الله وانا لم نعبد غير الله قط فاسجدوا على المروحة
وعلى السواك وعلى عود وعن الفقيه نحوها الا أنه قال سئلته عن المريض كيف يسجد فقال على خمرة أو على مروحة أو على سواك وذكر بقية الحديث نحوها
وفيه ان الكلام انما هو في الاكتفاء بوضع شئ على الجبهة بدلا عن السجود من غير انحناء ولا ايماء وهذا أجنبي عن مفاد الخبرين فان مفادهما أفضليته وضع
الجبهة على الأرض من الايماء وهذا مما لا كلام فيه بل لا خلاف على الظاهر في وجوبه مطلقا ولو برفع ما يصح السجود عليه حتى بآله كيدة أو يد غيره فإنه
ميسور السجود الذي لا يسقط بمعسوره كما يدل عليه مضافا إلى ذلك خبر إبراهيم بن زياد الكرخي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل شيخ كبير لا يستطيع القيام
إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع والسجود فقال يؤمي برأسه ايماء وان كان له من يرفع الخمرة فليسجد فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة ايماء وخبر أبي
بصير سئلته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد عليه فقال لا الا ان يكون مضطرا ليس عنده غيرها وليس شئ مما حرم الله الا وقد أحله لمن
اضطر إليه فإنه كسابقه يدل على عدم سقوط السجود ما دام متمكنا من وضع الجبهة على الشئ الذي يسجد عليه ولو برفعه بيد الغير وما فيه من النهي عن امساك
المرأة له مع وجود غيرها يمكن ان يكون على جهة الكراهة ونزله بعض على ما لو كانت المرأة أجنبية وكيف كان فما ربما يتراءى من الخبرين المتقدمين من حيث
وقوع التعبير فيهما بالأحبية والأفضلية من جواز الايماء لدى التمكن من أن يضع جبهته على الأرض كما في الخبر الأول أو يسجد كما في الخبر الثاني يجب حمله على
ما لا ينافي غيره مما ذكر وربما جعله بعض من قبيل قول القائل السيف امضى من العصا والأولى ابقائهما على ظاهرهما من الأفضلية وتنزيلها على المريض الذي
يشق عليه السجود عادة كما لعله هو الذي ينسبق إلى الذهن ارادته من كلام السائل حيث سئله عن المريض الذي لا يستطيع القيام والسجود إذ المتبادر منه
إرادة عدم استطاعته عادة لا عقلا فأريد بقوله عليه السلام في جوابه وان يضع جبهته على الأرض أحب إلى بيان انه لو تحمل المشقة وسجد على الأرض لكان
أفضل من الايماء كما هو الشان في سائر الموارد التي انتفى فيه التكليف أو تبدل بغيره بواسطة الأدلة النافية للحرج على ما حققناه في مبحث التيمم والله العالم
فتلخص لك ان الأقوى عدم جواز الاجتزاء بمجرد وضع شئ على الجبهة من غير انحناء ولا ايماء واما مع التمكن من الانحناء بقدرة ما يضع جبهته على شئ ولو
برفعه وجب عليه ذلك ولا يشرع له الايماء حينئذ بل يجب عليه حينئذ رعاية سائر ما يعتبر في السجود من وضع باقي المساجد على الأرض مع الامكان
وهذا بخلاف ما لو كان تكليفه الايماء وان كان أحوط لاطلاق الاخبار الامرة بالايماء بل ظهورها في ارادته من حيث هو بدلا عن السجود من غير تقييده
بهذه القيود كما لا يخفى واما لو تمكن من الاعتماد عليه عند رفعه من غير انحناء بحيث صدق عليه ميسور السجود وسمى وضع الجبهة على الأرض ففي وجوبه
وتقدمه على الايماء تأمل ولكن ربما يظهر من بعض في لخلاف فيه فان تحقق الاجماع فهو والا فلا يخلو عن اشكال والأحوط الاتيان به من غير أن
يقصد البدلية عن السجود بخصوص الوضع أو بالايماء الذي يتحقق به الوضع والاعتماد بل يقصد الخروج عما هو تكليفه في الواقع بمجموع هذا الفعل
على سبيل الاحتياط والله العالم ومن عجز في أثناء الصلاة عن حالة من قيام أو جلوس أو اضطجاع انتقل إلى ما دونها مستمرا على صلاته كالقائم يعجز
فيقعد أو القاعد يعجز فيضطجع أو المضطجع يعجز فيستلقي ويمضي في صلاته ولا يستأنفها وكذا فيما لو كان الامر بالعكس بان وجد العاجز خفة في الأثناء
فينتقل إلى الحالة العليا المستطاعة من غير استيناف بلا نقل خلاف صريح في شئ منهما عن أحد منا نعم حكى عن بعض العامة القول بأنه يستأنف ولا
يجتزي بصلاة ملفقة من الأحوال فيأتي بها على حالة واحدة الا إذا فرض التعذر أو التعسر فيجوز حينئذ التلفيق وهو بالنسبة إلى ما لو تجدد العجز في الأثناء
وعلم باستمرار عجزه إلى اخر الوقت واضح الضعف ضرورة ان تجدد العجز في الأثناء ليس من قواطع الصلاة بل يوجب اندراجه في موضوع المضطر الذي أحل
الله له ما كان حراما عليه من ترك القيام ونحوه بقدر الضرورة فلا مقتضى لإعادة ما صدر منه واجدا لشرط بل يجب المضي فيه لا لمجرد النهي عن ابطال العمل
بل لوجوب مراعاة القيام وما قام مقامه من الشرائط والاجزاء الاختيارية مع الامكان ولذا لو تمكن بابتداء من أن يأتي ببعض صلاته قائما من غير حرج ولا مشقة
وجب عليه الاتيان بذلك البعض كذلك دون ما عداه كما عرفته في صدر المبحث فما ذكره الأصحاب من المضي في صلاته بالنسبة إلى هذه الصورة مما لا اشكال
268

واما بالنسبة إلى ما لو علم بزوال العجز قبل فوات الوقت أو احتمله فلا يخلو عن اشكال كما نبه عليه شيخنا المرتضى رحمه الله حيث قال بعد ان نقل الاستدلال عليه عن جماعة
تبعا للذكرى بأصالة الصحة والامتثال المقتضى للاجزاء ما هذا لفظه ويشكل بان ارتفاع العجز وثبوت القدرة على الصلاة قائما في جزء من الوقت موجب لاختصاص
الوجوب بذلك الجزء ولذا لو علم في أول صلاته بطرو العجز له في الأثناء (وارتفاعه) قبل خروج وقت الصلاة لم يجز له الدخول بناء على ما تحقق من وجوب تأخير أولي الأعذار في
صورة العلم بارتفاعها قبل خروج الوقت وكذلك الكلام في القدرة المتجددة في الأثناء فإنها كاشفة عن عدم تعلق الامر بالفعل عند الدخول فيه فما اتى به من
الاجزاء قاعدا انما كان باعتقاد الامر وتخيله كالمأتي به منها قائما في الصورة الأولى كما يوضح ذلك كله فرض العلم بتجدد الوصفين قبل الدخول في الفعل ولا ريب ان
اتيان الشئ بتخيل الامر ليس مجزيا عن المأمور به الواقعي لكن الظاهر في لخلاف الصريح في عدم وجوب الاستيناف الا عن بعض العامة وان احتمل الوجوب في النهاية
على ما قيل ولعل وجه اتفاقهم على الحكم دعوى ان المستفاد من الأدلة مثل قوله إذا قوى فليقم وقوله عليه السلام فإن لم تستطع قائما فصل جالسا عموم وجوب القيام
الرخصة في القعود إذا طرء موجبهما في الأثناء فالاستمرار في الصلاة مستفاد من هذه الأدلة لا من قاعدة الاجزاء والنهي عن الابطال الممنوعين بأنهما انما يثبتان
مع تحقق الامر لا مع تخليه واعتقاده انتهى وملخص الكلام في دفع هذا الاشكال هو ان المنساق من اخبار الباب بل وكذا من أغلب الأدلة اللفظية
المثبتة لتكاليف اضطرارية في سائر الموارد كمواقع التقية وأشباهها انما هو إناطة هذه التكاليف بالعجز حال الفعل لا مطلقا فيجوز له البدار إلى الصلاة
في سعة الوقت وان احتمل زوال العجز في الأثناء أو بعدها ويصح صلاته كما يؤيده اطلاق فتوى الأصحاب بالمضي في صلاته عند تجدد القدرة أو العجز في
الأثناء من غير نقل خلاف فيه عن أحد منا ولا ينافيه الالتزام بعدم جواز الدخول في الصلاة لو علم بزوال عجزه قبل فوات الوقت لامكان دعوى انصراف
أدلتها من مثل الفرض الا ترى انه لو امر المولى عبده باطعام شخص مثلا في الغد بخبر الحنطة مع الامكان وبالشعير لدى العجز فلم يجد العبد في البلد الا الشعير فاطعمه
بذلك يعد ممتثلا وان احتمل حال الاطعام تجدد القاعدة من تحصيل الحنطة فيما بعد بخلاف ما لو علم بأنه سيتمكن من تحصيله في زمان يقع امتثالا للواجب و
الحاصل انه فرق في المعذورية بالنسبة إلى التكاليف العذرية بين ما إذا علم قبل التلبس بالعمل بتجدد القدرة له وبين ما إذا لم يعلم بذلك وان احتمله فلا
ينسبق إلى الذهن إرادة العاجز الذي يعلم بزوال عجزه قبل فوات الوقت من اطلاق أدلتها كما ينهانا عن ذلك في مبحث التيمم عند التكلم في جوازه في سعة الوقت
وكذا في مبحث التقية في باب الوضوء فراجع فتلخص ان المتجه هو ما ذكره الأصحاب من المضي في صلاته على حسب ما يقتضيه حاله من الانتقال إلى الحالة الدنيا أو
العليا ولكن الأحوط فيما لو عجز في الأثناء وعلم بزوال عجزه قبل فوات الوقت هو الاتمام ثم الإعادة بعد تجدد القدرة والله العالم ثم إنهم اختلفوا فيمن عجز قبل
القراءة أو في أثنائها في أنه هل يجب عليه ان ينتقل إلى الحالة الدنيا من القعود أو الاضطجاع أو الاستلقاء قارئا وكذا لو كان قبل الذكر الواجب في الركوع
أو في أثنائه عليه ان ينتقل إلى الحالة الدنيا اتيا بما تيسر له من الذكر في حال هوية أم لا يجب بل لا يجزي الا بعد انتقاله واستقراره صرح بعض بالأول بل عن
الروض نسبة إلى الأكثر بل عن الشهيد في الذكرى نسبة إلى الأصحاب وهو مشعر بالاتفاق ولكنه بحسب
الظاهر غير مراد له والا لم يكن يرجح خلافه كما ستسمع
حكايته عنه بل في دروسه نسبه إلى القيل فإنه بعد ان ذكر انه ينتقل القادر والعاجز إلى الاعلى والأدنى ولا يستأنفان قال ما صورته قيل ويقرء في الانتقال
إلى الأدنى لا الاعلى انتهى وهذا مشعر بشذوذ هذا القول وضعفه لديه بل قيل بخلو كلام المتقدمين عن التعرض له وربما نزل عبارة المتن على هذا القول بحمل
كلمة مستمرا على الاستمرار على ما كان متلبسا به من القراءة ونحوها وهو لا يخلو عن بعد فإنه مع قصورة حينئذ عن إفادة الحكم فيما إذا طرء العجز قبل التلبس بالقراءة أو
الذكر لا يستقيم ارادته بهذا المعنى في صورة العكس حيث إن ما ذكروه وجها له في صورة الأصل من كونه أقرب إلى القيام وغيره مما ستسمعه يقتضي خلافه في
صورة العكس ولذا لم ينقل القول باستمراره على القراءة في العكس عن أحد وكيف كان فقد حكى عن الذكرى وجملة ممن تأخر عنه كالمحقق الثاني وصاحب المدارك
وشيخه المحقق الأردبيلي وغيره اختيار القول الثاني نظرا إلى اعتبار الطمأنينة والاستقرار حال القراءة مع الامكان كما يدل عليه قوله عليه السلام وليتمكن في
الإقامة كما يتمكن في الصلاة بالتقريب الذي عرفته في محله ويؤيده أيضا رواية السكوني المتقدمة في محلها الدالة على وجوب الكف حال القراءة فان حال الهوى
ليس الا كحال المشي في في لاستقرار كما نبه عليه كاشف اللثام حيث قال في شرح قول العلامة يقرأ في حال هوية ما لقطه ولكن يشكل كما في الذكرى بأن
الاستقرار شرط مع القدرة ولم يحصل في الهوى فالقراءة فيه كتقديم المشي على القعود أقول بل أسوء حالا من ذلك لما في المشي من الانتصاب الذي ليس
في الهوى ومن هنا قد يقوى في النظر فيما لو دار الامر بين ان يصلي ماشيا أو هاويا وناهضا من غير استقرار ترجيح الأول إذ الظاهر أنه أقرب إلى الهيئة المعتبرة
في الصلاة حال القراءة بنظر العرف وقد ظهر بما ذكرنا ضعف الاستدلال للقول الأول بان الهوى أقرب إلى القيام فيجب المبادرة حاله إلى الاتيان بما تيسر
من القراءة تحصيلا لشرطه بقدر الامكان فان مجرد الأقربية إلى القيام غير مجد في ذلك ما لم يكن هذه الحالة بنظر العرف من المراتب الميسورة للمهية المعتبرة
حالها وقد أشرنا إلى أن الهوى ليس كذلك بل هو ابعد من تلك الهيئة عن المشي الذي يتحقق معه القيام حقيقة ولا يتمشى بالنسبة إليه قاعدة الميسور كما تقدمت
الإشارة في محله ونظير ذلك في الضعف الاستدلال له بان كل مرتبة من الانحناءات الغير القادرة المندرجة إلى القعود هيئة خاصة مستقلة من القيام مقدمة
في الرتبة على القعود وان لم يكن معها استقرار كما عرفته في محله فيجب ان يوقع فيها ما تسعه من القراءة فان الانحناءات الغير القارة المندرجة في الوجود حال
الهوى أو النهوض ليست لدى العرف من مصاديق القيام بل ولا من مراتبه الميسورة التي لا تسقط بمعسوره حتى في أوائل الاخذ في الهوى أو أواخر
269

النهوض مما لو كان له نوع استقرار لعد عرفا من مصاديقه لعدم ملحوظية شئ منها لدى العرف من حيث هو على سبيل الاستقلال كي يطلق عليه اسم القيام بل
الهوى وكذا النهوض مجموعه لدى العرف بل العقل أيضا فعل واحد مبائن بالنوع للقيام والقعود ولو سلم اندراجه في مسمى القيام فلا شبهة في انصراف
أدلته عنه كانصرافها عن القيام الحاصل في ضمن المشي فما في كلمات شيخنا المرتضى رحمه الله من اختيار هذا القول والاستدلال عليه بعموم أدلة القيام وعدم الدليل
على اعتبار الاستقرار بمعنى في لحركة في المقام لأن التعويل في وجوبه على الاجماع المعقود هنا ولو سلم جريان الدليل رجع الامر إلى تعارض الاستقرار
بالمعنى المزبور مع القيام وقد تقدم قوة ترجيح الثاني انتهى محل نظر فان الهوى مبائن للقيام عرفا فلا يعمه أدلة القيام ولا أقل من انصرافها عنه كانصرافها
عن المشي فالأقوى عدم وجوب القراءة حاله بل بعد الانتقال إلى الحالة التي ينتقل إليها ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالاتيان بما تيسر حاله ثم اعادته بنية
القربة المطلقة مراعيا فيه الاحتياط والله العالم ثم لو أوجبنا المبادرة إلى الاتيان بما تيسر من القراءة حال الهوى لو عصى وتركها حتى جلس هل تبطل صلاته
للاخلال عمدا بما وجب فيها أم لا إذ لا يلزم من ذلك الاخلال بالجزء إذ الجزء وان كان هو القراءة قائما ولكن تركها حتى انتفى شرطية القيام فيها قبل فوات الموالاة
أو حصول ناقض فيأتي بها عن جلوس غاية الأمر عصيانه بتركه القراءة قائما كمن علم من أول الوقت بأنه يعجز في اخره فترك الصلاة قائما إلى أن وجب عليه
الصلاة مع القراءة قاعدا وهذا هو الأقوى كما صرح به شيخنا المرتضى رحمه الله ولكن الأحوط اعادتها لو زال العجز قبل فوات الوقت بل بعده أيضا كما هو
الشان في كل تكليف اضطراري نشأ الاضطرار إليه من سوء اختيار المكلف بل القول بوجوبها لا يخلو عن وجه (كما نبهنا عليه في مبحث التيمم وغير من نظائر المقام) فروع لو خف بعد القراءة وتمكن من القيام
للركوع وجب لما تقدمت الإشارة إليه في صدر المبحث من وجوب القيام المتصل بالركوع بل ركنيته وهل يجب الطمأنينة فيه قولان أقواهما وأشهرهما العدم
لما أشرنا إليه فيما سبق من أن القدر المتيقن انما هو اعتبار حصول الركوع عن قيام مع الامكان واما اشتراط هذا القيام بالاستقرار فلم يدل عليه دليل و
استدل للقول بالاشتراط بقاعدة الشغل وفيه ما مر مرارا من أن المرجع في مثل هذه الموارد اصالة البراءة لا الاشتغال وعن الذكرى الاستدلال عليه
بان الحركتين المتضادتين في الصعود والهبوط لابد ان يكون بينهما سكون فينبغي مراعاته ليتحقق الفصل بينهما وفيه ما لا يخفى بعد ما أشرنا إليه من أنه لا يعتبر
الا حصول الانحناء الركوعي عن الاستقامة ضرورة عدم توقف حصول هذا المعنى على انفصال الحركة الهبوطية عن الصعودية كي يدعى توقف على سكون بينهما هذا
مع ما في أصل الدعوى من المنع ولو خف في الركوع قبل الطمأنينة بل وبعدها أيضا ما لم يأت بالذكر الواجب ارتفع منحنيا إلى حد الراكع ولم يخير له الانتصاب
لاستلزامه زيادة ركن بل ركنين بناء على كون القيام المتصل بالركوع من حيث هو أيضا ركنا مستقلا ويسكت عن الذكر حال الارتفاع فلو كان في
أثناء كلمة وما بحكمها مما يكون السكوت مخلا بالموالاة المعتبرة فيه استأنفه والأولى اتمامه حال الارتفاع أو مع بقائه بحاله بنية القربة ثم الاستيناف
بعد الارتفاع ولو خف بعد الفراغ من الذكر قام للاعتدال ولو خف بعد الذكر الواجب جاز له ان يرتفع منحنيا للاتيان بالمستحب فإنه لا يوجب
زيادة ركوع بل إدامة ذلك الركوع المأتى به عن جلوس كما أن له أيضا البقاء على حاله حتى يأتي بالمستحب ولكن لا بقصد التوظيف إذ لم يثبت ذلك
بل بعنوان الاحتياط ورجاء المطلوبية ولو خف بعد الاعتدال قبل الطمأنينة قام للطمأنينة كما صرح به غير واحد ولكن قد يتأمل في وجوبه نظرا
إلى أن الطمأنينة بحسب الظاهر شرط في الاعتدال لا جزء مستقل كي يجب تداركه في الفرض وان شئت قلت إن الطمأنينة المعتبرة في الاعتدال انما تحصل
بالقرار المتحقق في ضمن الاعتدال لا القيام الحاصل عقيبة فمقتضى القاعدة اما سقوط شرطية الطمأنينة في الفرض أو اعتبارها فيما صدر منه من الاعتدال
الجلوسي فالأحوط الجمع بين الاستقرار ثم القيام للطمأنينة من باب الاحتياط والله العالم ولو قدر على القيام للاعتدال دون الطمأنينة قام والأولى
بل الأحوط حينئذ ما قيل من الجلوس للطمأنينة وان كان الأقوى عدم وجوبه لما عرفت ولو خف بعد الطمأنينة ففي محكى الذكرى الأقرب وجوب القيام ليسجد عن قيام
ونوقش بمنع اعتبار الهوى عن قيام في مهية السجود بل من لوازم هدم الاعتدال الواجب بعد الركوع كيف ولو كان هذا القيام من حيث هو واجبا لوجب
تداركه فيما إذا حصل الخف بعد الهوى إلى السجود أيضا ما لم يبلغ حده مع أنه لم ينقل القول به عن أحد ولو دار الامر بين الاتيان بمسمى الركوع عن قيام
بلا طمأنينة ومعها ولكن لا بمقدار أداء الذكر الواجب وبين الركوع جالسا مطمئنا قدم الأول واتى بالذكر مهما أمكن ولو من غير استقرار بل ولو حال الرفع
أو قبل الوصول إلى حد الركوع ويحتمل تقديم الثاني ولكن الأول أشبه كما يظهر وجهه مما بيناه عند التكلم في تقديم القيام حال القراءة على القيام عند الركوع
لدى الدوران فراجع نعم لو فرض ذلك في المريض الذي يصلي جالسا لعدم قدرته على أن يصلي قائما أمكن الالتزام بتقديم الركوع جالسا مطمئنا على
الركوع القيامي الفاقد للاستقرار والذكر نظرا إلى أن قدرته على مثل هذا الركوع لا يخرجه عن منصرف الأخبار الدالة على أن من لم يستطع على أن يصلي قائما
يصلي جالسا والله العالم ولو ثقل بعد القراءة وتمكن حال هوية إلى الجلوس من الاتيان بصورة الركوع بمقدار ما يتحقق به مسماه ولو من غير طمأنينة تسع
الذكر ركع كذلك واتى بما تيسر (من الذكر) حاله متمما له حين هوية بناء على ما قويناه من تقديم مثل هذا الركوع على الركوع جالسا مطمئنا وان لم يتمكن من مسمى الركوع
حال الهوى فهل يجب عليه ان يجلس فيركع كي يكون ركوعه عن اعتدال جلوسي بدلا عن القيام المتصل بالركوع أو يجوز له الركوع جالسا عن اعتداله القيامي
أم يتعين عليه ذلك مع الامكان لتمكنه من هذا القيام فلا يعدل عنه إلى بدله وجوه أوجهها أوسطها حيث لم يثبت أزيد من اشتراط حصول ركوع الجالس
عن اعتدال أعم من تحقق مع الجلوس أو القيام ولو ثقل الركوع قبل الطمأنينة والذكر أو في أثنائه جلس وهو راكع مسبحا حال هويه أو يسبح بعد ان اطمئن على
270

الخلاف المتقدم ولو ثقل بعد تمام الركوع جلس مطمئنا يدل القيام عن الركوع ان لم يقدر على مسمى رفع الرأس عن الركوع وان لم يبلغ حد الانتصاب والا
فلا يسقط ميسوره بمعسوره فيرفع عنه بما تيسر ولو من غير انتصاب واستقرار ويسجد عنه كما صرح به بعض والأولى بل الأحوط جلوسه بعد الرفع حينئذ للطمأنينة
وان كان الأقوى انه لا يجب كما تقدمت الإشارة إليه انفا والله العالم ومن لا يقدر على السجود يرفع ما يسجد عليه ويضع جبهته عليه فإن لم يقدر أو بالسجود
وكذلك للركوع ان لم يقدر عليه كما عرفت تفصيل الحال فيه عند بيان حال المضطجع والمستلقي فلا نطيل بالإعادة وهل يجب على القائم العاجز عن السجود
ان يجلس ويؤمى للسجود أم لا وجهان بل قولان أظهرهما العدم فان عمدة ما يصح الاستناد إليه لوجوبه قاعدة الميسور واستصحاب وجوبه الثابت حال القدرة
على السجود ويرد على الاستصحاب ان وجوبه السابق كان من حيث توقف السجود عليه لا لذاته وقد ارتفع ذلك الوجوب جزما ولم يكن له وجوب اخر كي يصح استصحابه
وبهذا يظهر لك عدم صحة الاستدلال له بمثل النبوي المرسل إذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم والعلوي ما لا يدرك كله لا يترك كله واما قاعدة
الميسور فربما يتوهم جريانها نظرا إلى أن الايماء جالسا أقرب إلى السجود من الايماء قائما ويدفعه ما أشرنا إليه عند البحث عن عدم وجوب زيادة الانحناء
في الايماء من قصور القاعدة عن إفادة مثل هذه الأمور فمقتضى الأصل عدم اعتباره هذا مع امكان الاستدلال له أيضا باطلاق بعض الأدلة الدالة
عليه فليتأمل واما الجالس لو قدر على القيام للايماء للركوع فقد يقوى في النظر وجوبه بناء على وجوب القيام المتصل بالركوع من حيث هو لا من حيث
شرطيته للركوع القيامي واما بناء على الشرطية ففيه تردد والأشبه انه لا يجب والمسنون في هذا الفصل للقائم أمور تعرف من صحيح حماد وزرارة
وغيرهما من الروايات والأولى نقل الصحيحتين بطولهما لاشتمالهما على كثير من الآداب التي ينبغي رعايتها في الصلاة (وروى) في الوسائل عن الصدوق باسناده عن
حماد بن عيسى أنه قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام يوما أتحسن ان تصلي يا حماد قال قلت يا سيدي انا احفظ كتاب حريز في الصلاة قال فقال عليه السلام لا عليك قم صل
قال فقمت بين يدي متوجها إلى القبلة فاستفتحت الصلاة وركعت وسجدت قال فقال عليه السلام يا حماد لا تحسن ان تصلي ما أقبح بالرجل منكم ان يأتي عليه ستون سنة أو سبعون
سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة قال حماد فأصابني في نفسي الذل فقلت جعلت فداك فعلمني الصلاة فقام أبو عبد الله عليه السلام مستقبل القبلة منتصبا
فأرسل يديه جميعا على فخديه قد ضم أصابعه وفرق بين قدميه حتى كان بينهما ثلاث أصابع متفرجات واستقبل بأصابع رجليه جميعا لم يحرفهما عن القبلة
بخشوع واستكانة فقال الله أكبر ثم قرء الحمد بترتيل وقل هل الله أحد ثم صبر هنيئة بقدر ما يتنفس وهو قائم ثم قال الله أكبر وهو قائم ثم ركع وملا كفيه
من ركبتيه متفرجات ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صبت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره وتردد ركبتيه إلى خلفه ونصب عنقه
وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل وقال سبحان ربي العظيم وبحمده ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال سمع الله لمن حمده ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال
وجهه وسجد ووضع يديه إلى الأرض قبل ركبتيه وقال سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات ولم يضع شيئا من بدنه على شئ منه وسجد على ثمانية أعظم الجهة
والكفين وعيني الركبتين وأنامل ابهامي الرجلين والانف فهذه السبع فرض ووضع الانف على الأرض سنة وهو الارغام ثم رفع رأسه من السجود فلما
استوى جالسا قال الله أكبر ثم قعد على جانبه الأيسر ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى وقال استغفر الله ربي وأتوب إليه ثم كبر وهو جالس وسجد
الثانية وقال كما قال في الأولى ولم يستعن بشئ من بدنه على شئ منه في ركوع ولا سجود وكان مجنحا ولم يضع ذراعيه على الأرض فصلى ركعتين على هذا ثم
قال يا حماد هكذا صل ولا تلتفت ولا تعبث بيديك وأصابعك ولا تبزق عن يمينك ولا عن يسارك ولا بين يديك
وعن محمد بن يعقوب رحمه الله بأسناده
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى ودع بينهما فصلا إصبعا أقل ذلك إلى شبر أكثره واسدل منكبيك وارسل
يديك ولا تشبك أصابعك وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك وليكن نظرك إلى موضع سجودك فإذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر
وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى وبلغ أطراف أصابعك عن الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك
فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزئك ذلك وأحب إلى أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج
بينهما وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك إلى ما بين قدميك فإذا أردت ان تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا وابدأ بيديك فضعهما على الأرض
قبل ركبتيك فضعهما معا ولا تفترش ذراعيك فتراش الأسد ذراعيه ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ولكن تجنح بمرفقيك ولا تلزق كفيك
بركبتيك ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا وابسطهما على الأرض بسطا واقضهما
إليك قبضا وان كان تحتهما ثوب فلا يضرك وان أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك ولكن ضمهن جميعا قال وإذا قعدت
في تشهدك فالصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى
وأليتاك على الأرض وأطراف ابهامك اليمنى على الأرض وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكن قاعدا على الأرض فيكون انما قعد
بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء وعن الفقه الرضوي أنه قال وإذا أردت ان تقوم إلى الصلاة فلا تقم متكاسلا إلى أن قال وتقف بين يديه
كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه وصف قدميك وانصب نفسك ولا تلتفت يمينا وشمالا وتحسب كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ولا تعبث
بلحيتك إلى أن قال أيضا ويكون بصرك في موضع سجودك ما دمت قائما ثم قال ولا تتك مرة على رجلك ومرة على الأخرى وربما يظهر من صحيحة زرارة
271

الأخرى المروية أيضا عن أبي جعفر عليه السلام اختصاص جملة من الآداب التي تضمنتها الاخبار المزبورة بالرجال دون النساء قال إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها
ولا تفرج بينهما وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها فإذا ركعت وضعت يديها (فوق ركبتيها) على فخذيها لئلا تتطأطأ كثيرا فترتفع عجزتها فإذا جلست فعلى أليتيها ليس
كما يعقد الرجل وإذا سقطت للسجود بدئت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض
وإذا نهضت انسلت انسلالا لا يرفع عجيزتها أولا وللقاعد شيئان أحدهما ان يتربع المصلي قاعدا في حال قرائته وثانيهما ان يثني رجليه في حال
ركوعه في المدارك هذا قول علمائنا وأكثر العامة ويدل عليه صحيحة حمران بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال كان أبي عليه السلام إذا صلى جالسا يربع وإذا ركع ثنى رجليه قال
في المنتهى وليس هذا على الوجوب بالاجماع ولما رواه ابن بابويه عن معاوية بن ميسره انه سئل أبا عبد الله عليه السلام يصلي الرجل وهو جالس متربع ومبسوط الرجلين فقال
لا بأس بذلك وروى أيضا عن الصادق عليه السلام أنه قال في الصادق عليه السلام أنه قال في الصلاة في المحمل صل متربعا وممدود الرجلين وكيف ما أمكنك انتهى وروى مرسلا ان النبي صلى
الله عليه وآله لما صلى جالسا تربع والمراد بالتربع في هذا المقام على ما فسره بعض بل في الجواهر لا اعرف خلافا فيه هو ان يجلس على إليه وينصب ساقيه وفخذيه
ولكن قد يشكل ذلك بأنه مما لا يتباعد عليه كلام حامل اللغة فإنهم فسروا الجلوس متربعا بغير هذه الكيفية ففي مجمع البحرين تربع في جلوسه وجلس متربعا هو ان
يقعد على وركيه ويمد ركبته اليمنى إلى جانب يمينه وقدمه إلى جانب يساره واليسرى بالعكس قاله في المجمع انتهى فكان الأصحاب فهموا إرادة المعنى الأول منه
في المقام من قرائن خارجية كما يؤيده انه بهذا يحصل التوفيق بالجمع بين المرسل المزبور وبين ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يجلس ثلاثا القرفصاء
وعلى ركبتيه وكان يثني رجلا واحدة ويبسط عليها الأخرى ولم ير صلى الله عليه وآله متربعا قط والمراد بثني الرجلين على ما في الجواهر وغيره فرشهما واضعا للفخذ على الساق
وقيل يتورك في حال تشهده في المدارك القول للشيخ رحمه الله تعالى في المبسوط وجماعة وربما ظهر من حكاية المصنف رحمه الله له بلفظ قيل التوقف في
هذا الحكم ولا وجه له لثبوت استحباب التورك في مطلق التشهد انتهى وما ذكره جيد وكذلك الحال بالنسبة إلى ما بين السجدتين والخبر المزبور لا يصلح
مقيدا لاطلاق ما دل على استحباب التورك في الحالين إذ لا ظهور له الا في إرادة التربع في الجلوس الذي اتى به في صلاته بدلا عن القيام والله العالم
الرابع من افعال الصلاة القراءة وهي واجبة في الصلاة بلا شبهة بل ولا خلاف فيه في الجملة ويتعين بالحمد في كل ثنائية وأحادية كركعة الاحتياط
والوتر وفي الأوليين من كل رباعية وثلاثية كما هو المعروف لدى المتشرعة على حسب ما عرفوه من صاحب الشرع قولا وفعلا عند بيان مهية الصلاة
التي هي عبادة توقيفية في ضمن الاخبار البيانية وغيرها وربما يشهد له أيضا بعض الأخبار المتضمنة لبيان حكمه افعال الصلاة ووجه اعتبار الفاتحة
فيها مثل ما رواه الصدوق باسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام أنه قال انما امر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا
وليكون محفوظا مدروسا فلا يضمحل ولا يجهل وانما أمروا بالحمد في كل قراءة دون سائر السور لأنه ليس شئ من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع
الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد وذلك أن قوله عز وجل الحمد لله انما هو أداء لما أوجب الله عز وجل على خلقه من الشكر الحديث قال وقال الرضا عليه السلام
انما جعل القراءة في الركعتين الأولتين والتسبيع في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه الله من عنده وبين ما فرضه رسول الله صلى الله عليه وآله فيفهم من الخبر الأخير اعتبار القراءة
في الأوليين ومن الأول تعين الفاتحة في كل قراءة فيتم بهما المطلوب ويدل عليه أيضا بعض الأخبار الآتية الدالة على عدم جواز الاخلال بها عمدا وانه
يجب تداركها مع الاخلال لدى الامكان إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي سيمر عليك في طي المباحث الآتية مما يظهر منها كون اعتبار الفاتحة في الصلاة
من الأمور المسلمة المفروغ عنها واجمال بعض الأدلة من حيث تعيين موضع الفاتحة كما في النبوي المرسل لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وصحيحة
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته قال لا صلاة له الا ان يقرء بها في جهر أو اخفات غير قادح في الاستدلال
لكونها منزلة على إرادة قرائتها في موضعها المعهود في الشريعة على حسب معهوديتها فيه من الصدر الأول لا كيفما اتفقت فليتأمل وكيف كان فقضية اطلاق
الخبرين اختلال الصلاة بتركها مطلقا حتى مع النسيان ولكن يجب تقييدهما بالعمد بشهادة ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عمن ترك
قراءة القرآن ما حاله قال إن كان متعمدا فلا صلاة له وان كان نسي فلا بأس وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لا تعاد الصلاة الا من خمسة الطهور
(والوقت) والقبلة والركوع والسجود ثم قال القراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال إن الله عز وجل
فرض الركوع والسجود والقراءة سنة فمن ترك متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة الآتية في محلها
الدالة على عدم بطلان الصلاة بنسيان القراءة فالقول بركنيتها كما حكاه الشيخ في محكى مبسوطه عن بعض أصحابنا وعن التنقيح نسبة إلى أبي حمزة ضعيف في
الغاية ولا فرق فيما ذكر من وجوب الفاتحة عينا في كل كل صلاة وبطلانها بتركها بين الفريضة والنافلة كما هو المشهور لاطلاق أكثر ما تقدم مضافا إلى ما قررناه
مرارا من أن مقتضى القاعدة مشاركة النافلة للفريضة فيما يعتبر فيها شرطا أو شطرا الا ان يدل دليل على خلافه ويشعر به أيضا خبر إسماعيل بن جابر أو عبد الله بن
سنان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اني أقوم اخر الليل وأخاف الصبح قال اقرأ الحمد واعجل (واعجل) فإنه مشعر بعدم شرعية النافلة بلا فاتحة والا لكان المناسب للاستعجال
الرخصة في تركها ويؤيده أيضا ما روى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان
دار الكرامة قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وما ساعة الغفلة قال ما بين المغرب والعشاء وقيل يا رسول الله وما معنى خفيفتين قال يقرء فيهما الحمد وحدها فما عن العلامة
272

في التذكرة والتحريم وابن أبي عقيل من عدم اشتراطها به ضعيف نعم ربما يظهر من خبر أبي حمزة جواز الاكتفاء بثلاث تسبيحات بدلا عن القراءة في مقام
الاستعجال قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المستعجل ما الذي يجزيه في النافلة قال ثلاث تسبيحات في القراءة وتسبيحة في الركوع والسجود ولكن لم ينقل القول
به عن أحد والا لاتجه الالتزام به في خصوص مورده فان شيئا مما ذكر لا يصلح لمعارضة النص الخاص ويجب قرائتها اجمع كما يشهد له الأدلة المتقدمة وقضية
ذلك أنه لا تصح الصلاة مع الاخلال بشئ ولو بحرف واحد منها عمدا حتى التشديد ولا فرق في الاخلال بالحرف بين نقصه أو ابداله بحرف اخر ممنوع في
المحاورات دون ما ليس كذلك مما هو سايغ عرفا ولغة كقلب الام راء في مثل قل ربي أو النون ميما مع الباء أو ادغامها في حروف يرملون أو غير ذلك
مما هو مذكور في محله وكذا لا فرق في الاخلال بالتشديد باتيان الكلمة المشتملة على الادغام مخففة أو بفك الادغام مع تحريك المدغم أو بدونه فإنها
تختل بذلك في جميع الصور ولو صورة فتبطل ولكن هذا فيما إذا كان التشديد معتبرا في قوام ذات الكلمة بمقتضى وضعه الافرادي كتشديد كلمة الباء من
الرب أو التركيبي كادغام لام التعريف في الراء أو السين ونحوهما واما ما عدى ذلك مما أوجبه علماء التجويد عند وصل بعض الكلمات ببعض من الادغام
الصغير أو الكبير ومع الغنة أو بدونها فلم يدل دليل على اعتباره ودعوى الاجماع عليه كما عن بعض غير ثابتة مع أن في استكشاف رأي المعصوم من الاجماع في
مثل هذه الموارد التي منشأه اتفاق القراء تأمل ودعوى ان للكلام هيئة تركيبية عند وصل كلماته بعضها ببعض يكون الاخلال بها موجبا لصيرورة
الكلام لحنا كاثبات همزة الوصل في الدرج أو واو الجمع والف التنبيه لدى ملاقاة لام التعريف مثلا مدفوعة بمنع اعتبار هيئة تركيبية في صحة الكلام عرفا
زائدا عما ثبت في علم العربية كما في الأمثلة المتقدمة ولا أقل من الشك في ذلك والقدر المتيقن انما هو وجوب قراءة الحمد والسورة اي التلفظ بكلماتها
المضبوطة مادة وصورة واما انه يجب عند ضم بعض فقراتها إلى بعض الاتيان بها بصورة أخرى مغائرة لصورتها الأصلية فلم يثبت في غير ما تقدمت الإشارة
إليه ومقتضى الأصل براءة الذمة عنه بناء على ما هو الحق لدينا من الرجوع إلى البراءة في نظائر المقام لا قاعدة الاشتغال وهكذا الكلام في المد المتصل فضلا
عن المد المنفصل أو الإمالة والترقيق والتفخيم وغير ذلك من التكليفات التي التزمها القراء مما لا شاهد من عرف أو لغة على اعتباره في صحة الكلام نعم
هي من محسنات القراءة التي ينبغي رعايتها مع الامكان على تأمل في بعضها الموجب لتغيير مادة الكلمة أو هيئته تغييرا خارجا عن المتعارف في المحاورات كالادغام
الكبير الذي هو ادراج المتحرك بعد الامكان في المتحرك متماثلين أو متقاربين اما في كلمة كسلككم وخلقكم أو في كلمتين كيعلم ما بين أيديهم ومن زحزح
عن النار فان الالتزام بجواز الادغام في مثل هذه الموارد تبعا لمن قال به من القراء لا يخلو عن اشكال وكذا لا تصح الصلاة مع الاخلال عمدا بشئ من
اعرابها على المشهور بل عن المعتبر دعوى الاجماع عليه وعن المنتهى نفي الخلاف فيه والمراد بالاعراب بحسب الظاهر ليس خصوص ما هو المصطلح عند النجاة اي
الأمور التي يختلف اخر المعرب بها من الرفع والنصب والجر والجزم بل أعم منه ومن الحركة والسكون الواقعتين في اخر المبني بل في مطلق حروف الكلمة ولو
أوائلها وحكى عن السيد قدس سره القول بصحة الصلاة بالاخلال بالاعراب ما لم يكن موجبا لتغيير المعنى كضم تاء أنعمت تمسكا باطلاق الامر بقراءة
الحمد الصادقة عرفا مع اللحن الغير الموجب لتغيير المعنى كصدق قراءة شعر امرء القيس على الملحون وفيه ان الصدق العرفي مبني على نحو من التوسع والا فالكلمة
الملحونة غير الكلمة التي هي من اجزاء المقر وخصوصا إذا كان اللحن في حركاتها الأصلية فان للهيئة التي هي بمنزلة الجزء الصوري للكلمة كالمادة دخلا في قوام
مهية الكلمة بحسب وضعه ولذا صح توصيفه باللحن وهكذا الكلام في الحركات العارضية الحاصلة للكلام بواسطة الوضع التركيبي من رفع الفاعل و
نصب المفعول فصدق قراءة الحمد أو الشعر الفلاني مع اللحن الغير المغير للمعنى ليس الا كصدقه مع اللحن المغير للمعنى أو مع تحريف بعض كلماته فإنه يصدق عليه اسم
القراءة ولكن مع اتصافها بعدم الصحة اي بعدم الاتيان بجميع اجزائها على ما هي عليها بمقتضى وضعها الافرادي أو التركيبي والا لم تكن توصف بعدم
الصحة والحاصل انه يعتبر في كون المقر وقرانا حقيقة كونه بعينه هي المهية المنزلة من الله تعالى على النبي
صلى الله عليه وآله مادة وصورة وقد
أنزله الله تعالى بلسان عربي فالاخلال بصورته التي هي عبارة عن الهيئات المعتبرة في العربية بحسب وضع الواضع كالاخلال بمادته مانع عن صدق كونه
هي تلك المهية وصدق اسم قراءة القرآن على المجموع المشتمل على الجزء الملحون اما من باب التجوز أو التغليب والا فيصح ان يقال إن هذه الكلمة بهذه الكيفية
ليست بقرآن كما هو واضح وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أنه لا يجوز الاخلال عمدا بشئ من الأعراف المعتبر في صحتها من حيث العربية وانما الاشكال
والكلام في أنه هل يكفي الاتيان بها صحيحة بمقتضى العربية مطلقا أم يجب متابعة أحد القراء السبع الذين ادعى جماعة الاجماع على تواتر قراءاتهم
وهم عاصم ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر وابن كثير أو العشر وهم السبعة المذكورة وخلف ويعقوب وأبو جعفر الذين حكى عن بعض
الأصحاب كالشهيد ادعاء تواتر قراءاتهم فربما يظهر من بعض القول أو الميل إلى كفاية القراءة الصحيحة مطلقا لصدق القراءة وانتفاء اللحن والغلط وعن
جماعة من الأصحاب التصريح بعدم الكفاية وان المراد بالاعراب الواجب مراعاته هيهنا هوما تواتر نقله لاما وافق العربية لأن القراءة سنة متبعة
وفى المدارك قال صرح المصنف بأنه لا فرق في بطلان الصلاة بالاخلال بالاعراب بين كونه مغيرا للمعنى ككسر كاف إياك وضم تاء أنعمت أو غير مغير
كضم هاء الله لأن الاعراب كيفية للقرائة فكما وجب الاتيان بحروفها وجب الاتيان بالاعراب المتلقى عن صاحب الشرع وقال إن ذلك قول علمائنا أجمع
وحكى عن بعض الجمهور انه لا يقدح في الصحة الاخلال بالاعراب الذي لا يغير المعنى لصدق القراءة معه وهو منسوب إلى المرتضى رضى الله تعالى عنه
273

في بعض مسائله ولا ريب في ضعفه ثم قال ولا يخفى ان المراد بالاعراب هنا ما تواتر نقله في القرآن لاما وافق العربية لأن القراءة سنة متبعة انتهى أقول
لا ريب ان القرآن وكذا سائر أسامي السور كالفاتحة ونحوها اسم لخصوص الكلام المنزل على النبي صلى الله عليه وآله كما أن كتاب الشرايع مثلا اسم لخصوص
الكتاب الذي صنفه المصنف رحمه الله وكلام زيد أو شعره اسم لخصوص ما تلفظه به ونظمه ففي مثل هذه الموارد ان بنينا على أن الحركات المختلفة الجارية على حسب القواعد
العربية بمنزلة الحركة والسكون الناشئين من الوقف والوصل من العوارض المشخصة للكلام مما لا يوجب اختلافها زوال الاسم ولا انتفاء المسمى كما في عوارض
الشخص فمقتضى الأصل بل اطلاقات الأدلة كفاية ما وافق العربية مطلقا وان قلنا بان لصورته الشخصية وحركاته الخاصة الثابتة له حال نزوله دخلا في قوام
المسمى ولكن لا على وجه ينافيه الاختلاف الناشي من الوقف والوصل المعلوم عدم كونه قادحا في تحقق مفهوم المسمى وجب الاقتصار على حكايته بتلك الصورة
لدى الامكان وهي صورة شخصية غير قابلة للاختلاف فيشكل حينئذ توجيه صحة القراءة بكل من القراءات واشكل منه توجيه ما يظهر منهم من التسالم وادعاء الاجماع
عليه من تواتر كلها عن النبي صلى الله عليه وآله إذ كيف يصح ذلك من النبي صلى الله عليه وآله بعد فرض انه لا يتحقق حكاية القرآن الا مع حفظ صورته الشخصية
بل لو صدق هذه الدعوى لكان من أقوى الشواهد على أن مثل هذه التغييرات غير مناف لتحقق مفهوم القرآنية كما أنه ربما يؤيد ذلك أيضا خلو المصاحف القديمة
كالمصاحف المنسوبة إلى خط مولانا أمير المؤمنين وبعض أولاده المعصومين على ما ذكره بعض من شاهد عدة منها في مشهد مولانا الرضا عليه السلام عن الاعراب
وكذا المصاحف العثمانية على ما ذكروه فإنه يفص عن أن المقصود بكتابة القرآن لم يكن الا ضبطه كضبط سائر الكتب لأن يقرأ على حسب ما جرت العادة في
قراءة هذا المكتوب بلسان العرب وان اختلفت ألسنتهم في كيفيتها ومقتضاه ان لا تكون الخصوصيات الشخصية معتبرة في قوام مهيتها كما في سائر الكتب ولكن
مع هذا أيضا قد يشكل توجيه تواتر مجموع القراءات عن النبي صلى الله عليه وآله فإنه ربما يكون الاختلافات الواقعة بين القراء راجعة إلى المادة أو الهيئات المغيرة للمعنى
والحق انه لم يتحقق ان النبي صلى الله عليه وآله قرء شيئا من القرآن بكيفيات مختلفة بل ثبت خلافه فيما كان الاختلاف في المادة أو الصورة النوعية التي يؤثر تغييرها
في انقلاب مهية الكلام عرفا كما في ضم التاء من أنعمت ضرورة ان القرآن واحد نزل من عند الواحد كما نطق به الأخبار المعتبرة المروية عن أهل بيت الوحي والتنزيل
مثل ما رواه ثقة الاسلام الكليني باسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال إن القرآن واحد من عند الواحد ولكن الاختلاف يجيئ من قبل الرواة وعن الفضيل بن يسار
في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان الناس يقولون نزل القرآن على سبعة أحرف فقال كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد ولعل المراد
بتكذيبهم تكذيبهم بالنظر إلى ما أرادوه من هذا القول مما يوجب تعدد القرآن والا فالظاهر كون هذه العبارة صادرة عن النبي صلى الله عليه وآله بل قد يدعى تواتره
ولكن أعداء الله حرفوها عن موضعها وفسروها بآرائهم مع أن في بعض رواياتهم إشارة إلى أن المراد بالأحرف اقسامه ومقاصده فإنهم على ما حكى عنهم رووا عنه
صلى الله عليه وآله أنه قال نزل القرآن على سبعة أحرف امر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل ويؤيده ما روى من طرقنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال إن
الله تبارك وتعالى انزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف وهي امر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص وربما يظهر من بعض
اخبارنا ان الأحرف إشارة إلى بطون القرآن وتأويلاته مثل ما عن الصدوق في الخصال بأسناده عن حماد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان الأحاديث تختلف منكم
فقال إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للامام ان يفتي على سبعة وجوه ثم قال وهذا عطائنا فامنن أو امسك بغير حساب فظهر مما ذكرنا ان الاستشهاد
بالخبر المزبور لصحة القراءات السبع وتواترها عن النبي صلى الله عليه وآله في غير محله وكفاك شاهدا لذلك ما قيل من أنه نقل اختلافهم في معناه ما يقرب من أربعين
قولا والحاصل ان دعوى تواتر جميع القراءات السبعة أو العشرة بجميع خصوصياتها عن النبي صلى الله عليه وآله تتضمن مفاسد ومناقضات لا يمكن توجيهها وقد
تصدى جملة من القدماء والمتأخرين لايضاح ما فيها من المفاسد بما لا يهمنا الإطالة في ايرادها ولاجل ما ذكر ارتكب بعض التأويل في هذا الدعوى بحملها على
إرادة تواترها عن القراء السبع واخر على إرادة انحصار المتواتر فيها لا كون كل منها متواترا وثالث على تواتر جواز القراءة بها بل وجوبها عن الأئمة عليهم السلام وكيف
كان فما عن الشهيد الثاني رحمه الله في شرح الألفية مشيرا إلى القراءات السبع فان الكل من عند الله نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين تخفيفا على الأئمة وتهوينا
على أهل هذه الملة انتهى محل نظر إذ كيف يعقل ذلك بعد فرض كون القرآن واحدا بالشخص ومباينة بعض القراءات مع بعض في الذات فالذي يغلب على الظن ان
عمدة الاختلاف بين القراء نشأ من الاجتهاد والرأي والاختلاف في قراءة المصاحف العثمانية العارية عن الاعراب والنقط مع ما فيها من التباس بعض الكلمات
ببعض بحسب رسم خطه كملك ولذا اشتهر عنهم ان كلا منهم كان يخطأ الآخر ولا يجوز الرجوع إلى الآخر نعم لا ننكر ان القراء يسندون قرائتهم إلى النبي
صلى الله عليه وآله وان الاختلاف قد ينشأ من ذلك فإنه نقل ان عاصم الكوفي قرء القراءة على جماعة منهم أبو عبد الرحمن وهو اخذها من مولانا أمير المؤمنين عليه السلام
وهو من النبي صلى الله عليه وآله وان نافع المدني اخذ القراءة من خمسة منهم أبو جعفر يزيد القعقاع القاري وهم اخذوها من أبي هريرة وهو من ابن عباس وهو
من النبي صلى اله عليه وآله وان حمزة الكوفي اخذها من جماعة منهم مولانا الصادق عليه السلام وهم يوصلون سندها إلى النبي صلى الله عليه وآله وهكذا سائر القراء ولكن لا تعويل على هذه الأسانيد
فضلا عن صيرورة القراءات بها متواترة خصوصا بعد ان ترى انهم كثيرا ما يعدون القراءات قسيما لقراءة علي وأهل البيت عليهم السلام قال بعض الأفاضل انه يظهر
من جماعة ان أصحاب الأداء في القراءة كانوا كثيرة وكان دأب الناس انه إذا جاء قار جديد اخذوا بقوله وتركوا قراءة من تقدمه نظرا إلى أن كل قار لاحق كان
ينكر سابقه ثم بعد مدة رجعوا عن هذه الطريقة بعضهم يأخذ قول بعض المتقدمين وبعضهم يأخذ قول الاخر فحصل بينهم اختلاف شديد ثم عادوا واتفقوا
274

على الاخذ بقول السبعة انتهى ولقد بالغ شيخنا المرتضى رحمه الله في ابطال دعوى تواتر جميع الخصوصيات إلى أن قال قال الجزري في كتابه على ما حكى عنه كل قراءة وافقت
العربية ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها فهي القراءة الصحيحة سواء كانت من السبعة أم غيرهم إلى أن قال هذا هو الصحيح عند
أئمة التحقيق من السلف والخلف لا اعرف من أحد منهم خلافه وما عداها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت من السبعة أو غيرهم انتهى ثم صرح في اخر كلامه
بان السند لا يجب ان يتواتر وان ما قيل من أن القرآن لا يثبت الا بالتواتر لا يخفى ما فيه وأنت خبير بان السند الصحيح بل المتواتر باعتقادهم من أضعف الاسناد عندنا
لأنهم يعتمدون في السند على من لا نشك نحن في كذبه واما موافقة أحد المصاحف العثمانية فهي أيضا من الموهنات عندنا سيما مع تمسكهم على اعتبارها
باجماع الصحابة عليها الذين جعل الله الرشد في خلافهم حيث إنه غير من القرآن ما شاء ولذا اعرضوا عن مصحف أمير المؤمنين عليه السلام لما عرضه عليهم فأخفاه
لولده القائم عليهم السلام وعجل الله فرجه وطبخوا المصاحب الاخر لكتاب الوحي فلم يبق من الثلاثة المذكورة في كلام الجرزي التي هي المناط في صحة القراءة ما نشاركهم
في الاعتماد عليه الا موافقة العربية التي لا تدل الا على عدم كون القراءة باطلة لا كونها مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله مع أن حكاية طبخ عثمان ما عدى مصحفه
من مصاحف كتاب الوحي وأمره كما في شرح الشاطبية كتاب المصحف عند اختلافهم في بعض الموارد بترجيح لغة قريش معللا بأن أغلب القرآن نزل عليها الدال
على أن كتابة القرآن وتعين قرائتها وقعت أحيانا بالحدس الظني بحكم الغلبة وجه مستقل لعدم التواتر انتهى كلام شيخنا المرتضى رحمه الله هذا كله مع أن دعوى التواتر
انما تجدي لمدعيها دون من لم يتحقق ذلك عنده والتعويل على قول ناقليه ما لم يحصل القطع من أقوالهم به رجوع عن اعتبار التواتر في القراءة والذي يقتضيه
التحقيق هو ان القرآن اسم للكلام الخاص الشخصي الغير القابل للتعدد والاختلاف بمعنى ان صورته الشخصية مأخوذة في قوام مفهوم المسمى بشهادة التبادر
إذا المتبادر من القرآن أو فاتحة الكتاب مثلا هو خصوص ذلك الكلام المنزل على النبي صلى الله عليه وآله بخصوصه والمنساق إلى الذهن من الامر بقرائته هو
وجوب التلفظ بتلك المهية المشخصة بخصوصها على النهج المتعارف في المحاورات فلا ينافيه الاختلافات الناشئة من آداب المحاورة كاسكان أواخر كلماته
لدى الوقف وتحريكها مع الوصل واخفاء بعض حروفه أو ابداله أو ادغامه أو مده أو غير ذلك من الاختلافات الناشئة من كيفية قراءة ذلك الكلام الشخصي مما لا
ينافي صدق حكايته بعينه عرفا بخلاف الاختلافات العائدة إلى كيفية المقرر فإنها مانعة عن صدق اسم حكاية ذلك الكلام بعينه كما لو كان ذلك الكلام بخصوصياته
اي باعرابه مكتوبا في لوح مأمور بقرائته فان حاله بعد فرض تعلق التكليف بحكاية ألفاظه بعينها حال ذلك المكتوب في كون الاخلال بإعرابه مخلا بصحة قرائته
نعم لو تعذر عليه معرفة الخصوصيات اتى بذلك الكلام الشخصي في مقام امتثال التكليف بصورته النوعية اي بحسب ما يقتضيه القواعد العربية كما هو الشان
في الكلام المكتوب أيضا بعد فرض عجزه وضعف بصره عن تمييز اعرابه فان هذا أيضا مرتبة ناقصة من حكاية ذلك الكلام يفي بإثباتها قاعدة الميسور مع امكان
ان يدعى ان المتبادر عرفا من الامر بقراءة القرآن ونحوه انما هو حكاية ألفاظه بعينها على حسب الامكان وهذا مما يختلف في الصدق لدى العرف بالنسبة إلى
العارف بالخصوصيات وغير العارف كما أنه يختلف بالنسبة إلى المتكلم الفصيح وغير الفصيح والأخرس وغير الأخرس ولكن هذا إذا تعلق الجهل بكثير من الخصوصيات
بحيث لا يمكنه الاحتياط وتحصيل الجزم بالموافقة واما إذا أمكنه ذلك بان انحصر في مورد أو موردين بحيث لم يلزم من تكرير الكلمة أو الكلام المشتمل عليها إلى أن
يحصل له الجزم بالموافقة حرج أو فواة موالاة معتبرة في نظم الكلام فمقتضى القاعدة وجوب الاحتياط كما حكى عن جار الله الزمخشري التصريح به بعد انكاره
تواتر القراءات السبع حيث قال على ما حكى عنه ان القراءة الصحيحة التي قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وآله انما هي في صفتها وانما هي صفة واحدة والمصلي
لا تبرء ذمته من الصلاة الا إذا قرأ بما وقع الاختلاف على كل الوجوه كمالك وملك وصراط وسراط وغير ذلك ذلك انتهى هذا كله مع الغض عن الاجماع
والنصوص الدالة على جواز كل من القراءات السبع أو العشر أو غيرها من القراءات المعروفة فيما بين الناس في اعصار الأئمة عليهم السلام والا فلا شبهة في كفاية
كل من القراءات السبع لاستفاضة نقل الاجماع عليه بل تواتره مضافا إلى شهادة جملة من الاخبار بذلك كخبر سالم بن أبي سلمة قال قرء رجل على أبي عبد الله عليه السلام
وانا استمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرئها للناس فقال أبو عبد الله عليه السلام كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم عليه السلام فإذا قام القائم قرء كتاب
الله على حده واخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام ومرسلة محمد بن سليمان عن أبي الحسن عليه السلام قال قلت له جعلت فداك انا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا
كما نسمعها ولا نحسن ان نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم فقال لا اقرأوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم وخبر
سفيان بن السمط قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن ترتيل
القرآن فقال اقرأوا كما علمتم وعن امين الاسلام الطبرسي في مجمع البيان نقلا عن الشيخ الطوسي قال روى عنهم عليهم السلام جواز القراءة بما اختلف القراء فيه
وربما يظهر من بعض الأخبار ترجيح بعض القراءات على بعض مثل ما رواه في الوسائل عن الكليني باسناده عن داود بن فرقد والمعلى بن خنيس قالا كنا عند
أبي عبد الله عليه السلام فقال إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قرائتنا فهو ضال ثم قال اما نحن فنقرأه على قراءة أبي عن كتاب الوافي أنه قال ويستفاد من هذا الحديث
ان القراءة الصحيحة هي قراءة أبي وانها الموافقة لمذهب أهل البيت عليهم السلام الا انها غير مضبوطة عندنا إذ لم يصل الينا قرائته في جميع ألفاظ
القرآن انتهى وفي الصافي رواه عن عبد الله بن فرقد والمعلى بن خنيس قالا كنا عند أبي عبد الله عليه السلام ومعنا ربيعة الرأي فذكر القرآن فقال أبو عبد الله عليه السلام
ان كان ابن مسعود لا يقرء على قرائتنا الحديث ثم قال ولعل اخر الحديث ورد على المسامحة مع ربيعة مراعاة لحرمة الصحابة وتداركا لما قاله في ابن مسعود
وذلك لأنهم لم يكونوا يتبعون أحدا سوى ابائهم لأن معظمهم من الله وفي هذا الحديث اشعار بان قراءة أبي كانت موافقة لقرائتهم أو كانت أوفق لها من قراءة
275

غيره من الصحابة انتهى أقول ويحتمل كون أبي بياء المتكلم كما يؤيد هذا الاحتمال كون قراءة علي وأهل بيته عليهم السلام أيضا بحسب الظاهر كقرائة أبي بن
كعب وابن مسعود ونظرائهم من القراءات المعروفة بين الناس كما يشهد له نقلها في كتبهم وانها سند غير واحد من القراء السبع كالحمزة والكسائي وعاصم الكوفي
إلى علي وأهل بيته عليهم السلام كما تقدمت حكايته عنهم وكيف كان فلا شبهة في صحة كل من القراءات السبع في مقام تفريع الذمة عن التكليف بقراءة القرآن وان
لم يعلم بموافقة المقرو للقرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وآله بل وان علم عدمه كما هو مقتضى بعض الأخبار المتقدمة وغيرها من الروايات الدالة على وقوع
بعض التحريفات في القرآن كما في قوله تعالى كنتم خير أمة الذي ورد في بعض الأخبار انه في الأصل خير أئمة وفي قوله واجعلنا للمتقين اماما انه في الأصل واجعل
لنا من المتقين اماما إلى غير ذلك مما ورد في الاخبار فالتخطي عن هذه القراءات التي ثبت الاكتفاء بها إلى غيرها من الشواذ فضلا عن الاكتفاء بمطلق العربية
بعد الالتزام بكون الهيئات الشخصية كالمواد معتبرة في مفهوم القرآنية في غاية الاشكال هذا ولكن الانصاف امكان الالتزام بأن اختلاف الحركات أو السكنات
التي لا يوجب اختلافها تغييرا في المعنى ولا في نظم الكلام وترتيبه ولا خلالا بالعربية كضم المثلثة من حيث وفتحها مرجعه إلى الاختلاف في كيفية التعبير بذلك
الكلام الخاص بحسب اختلاف الألسن واللغات فهو كالإمالة والترقيق والتفخيم والمد والادغام وأشباهها من كيفيات القراءة لا المقرو كما هو الشأن بالنسبة
إلى المرتبة الخاصة من الحركة التي تشخصت الكلمة بها مع أن المبائنة بينها وبين مرتبة أخرى من جنسها ربما يكون أشد من المبائنة بينها وبين حركة أخرى من
غير جنسها الا ترى ان أدنى مرتبة الفتحة ربما تشتبه لدى النطق بالكسرة ولا تشبه بأقصاها التي قد يتولد منها الألف فكيف لا يكون هذا الاختلاف مضرا
بصدق حكاية ذلك الكلام بعينه دون الأول فليتأمل والبسملة جزء منها يجب قرائتها معها بلا خلاف فيه بيننا على الظاهر بل اجماعا كما عن جماعة نقله بل الامر
كذلك بالإضافة إلى سائر السور عدى براءة على المشهور بل لم ينقل عن أحد منا الخلاف فيه عدى ما ستسمعه من ابن الجنيد بل عن التذكرة وغيره دعوى اجماعنا
عليه وعن المنتهى نسبة إلى فقهاء أهل البيت ويشهد له في خصوص الفاتحة جملة من الاخبار منها صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة قال نعم قلت بسم الله الرحمن الرحيم من السبع قال نعم هي أفضلهن ومرفوعة يونس بن عبد الرحمن المروية عن تفسير العياشي
قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم قال هي سورة الحمد وهي سبع آيات منها بسم الله الرحمن الرحيم وانما سميت المثاني لأنها
تثني في الركعتين وعنه عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم فقال فاتحة الكتاب
يثني فيها القول وقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله تعالى من على بفاتحة الكتاب من كنز الجنة منها بسم الله الرحمن الرحيم الآية التي يقول الله تعالى فيها وإذا ذكرت
ربك في القرآن وحده ولو على ادبارهم نفورا والحمد لله رب العالمين دعوى أهل الجنة حين شكروا الله حسن الثواب مالك يوم الدين قال جبرئيل عليه السلام ما
قالها مسلم قط الا صدقه الله وأهل سماواته إياك نعبد اخلاص العباد وإياك نستعين أفضل ما طلب به العباد حوائجهم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين
أنعمت عليهم صراط الأنبياء وهم الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم اليهود ولا الضالين النصارى ويدل عليه في سائر السور صحيحة معاوية بن عمار
المروية عن التهذيب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا قمت إلى الصلاة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قال نعم قلت إذا قرأت فاتحة الكتاب اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
مع السورة قال نعم وعن الكافي نحوه بأدنى اختلاف في التعبير ورواية يحيى بن أبي عمير الهذلي المروية عن الكافي قال كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام جعلت فداك
ما تقول في رجل ابتدء ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها فقال العياشي ليس بذلك بأس فكتب
بخطه يعيدها مرتين علم رغم انفه يعني العياشي قوله مرتين يحتمل ان يكون من كلام السائل متعلقا بقوله كتب فيكون ضمير يعيدها عائدا إلى الصلاة ويحتمل ان
يكون من كلام الإمام عليه السلام متعلقا بيعيدها اي يعيد السورة أو البسملة مرتين مرة في الركعة الأولى وأخرى في الثانية وعن العياشي في تفسيره عن صفوان
الجمال قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام ما انزل الله من السماء كتابا الا وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم وانما كان يعرف انقضاء السورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم
ابتداء للأخرى وعنه عن خالد بن المختار قال سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول ما لهم قاتلهم الله عهدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها
وهي بسم الله الرحمن الرحيم وعنه أيضا عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال احرفوا أكرم آية في كتاب الله بسم الله الرحمن الرحيم وما في بعض هذه الروايات
من ضعف الدلالة أو قصور السند مجبور بالشهرة وعدم معروفية الخلاف الا من أهل الخلاف الذين صدرت جملة من الاخبار تعريضا عليهم فما حكى عن
ابن الجنيد من أنها في الفاتحة بعضها وفي غيرها افتتاح لها ضعيف وان كان قد يشهد له بعض الأخبار النافية لوجوبها مع السورة مثل ما عن الشيخ في
الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي ومحمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انهما سئلاه عمن يقرء بسم الله الرحمن حين يريد يقرء فاتحة الكتاب قال نعم ان شاء سرا
وان شاء جهرا فقالا فيقرأها مع السورة الأخرى قال لا وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة يقرأ بسم الله
الرحمن الرحيم قال نعم إذا افتتح الصلاة فليقلها في أول ما يفتتح ثم يكفيه ما بعد ذلك ورواية مسمع قال صليت مع أبي عبد الله عليه السلام فقرء بسم الله الرحمن
الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم قرء السورة التي بعد الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قام في الثانية فقرء الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرء بسورة أخرى
والمتجه حمل هذه الأخبار بأسرها على التقية كما يؤيد ذلك ما في الخبر الأخير من تركها مع الحمد أيضا في الركعة الثانية وظهور صحيحة محمد بن مسلم أيضا في عدم وجوبها
الا في افتتاح القراءة من الركعة الأولى وهذا بحسب الظاهر مما لا محمل له عدى التقية كصحيحة الأخرى الظاهرة في عدم وجوبها مع الفاتحة في الأولى أيضا قال سئلت
276

أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون اماما فيستفتح بالحمد ولا يقرء بسم الله الرحمن الرحيم فقال لا بأس ولا يضره إذ النصوص الدالة على وجوبها مع الفاتحة كالاجماعات
المنقولة عليه لعلها متواترة وفي الأخبار المتقدمة أيضا شهادة يكون المقام مقام التقية والله العالم ولا يجزي المصلي عن الفاتحة ترجمتها ولو بالعربية فضلا
عن الفارسية اختيارا بلا شبهة فان ترجمتها ليست عين فاتحة الكتاب المأمور بقرائتها كي تكون مجزية ويجب عليه ترتيب كلماتها وايها على الوجه المنقول بلا
خلاف فيه على الظاهر لأنه هو المنساق إلى الذهن من اطلاق أدلتها فلو خالف عمدا أعاد الصلاة إذا فرض خروجه بذلك عن القرآنية ودخوله في كلام
الآدميين والا فالمتجه في لإعادة ان تداركه قبل فوات محله كما سيأتي تحقيقه في مباحث الخلل إن شاء الله وان كان ناسيا استأنف القراءة ما لم يركع إذا فرض
فوات الموالاة المعتبرة بين اجزاء الكلام والإعادة على ما يحصل معه تدارك ما أخل به فلو قدم مثلا مالك يوم الدين على الرحمن الرحيم اجزاه إعادة مالك يوم
الدين دون الرحمن الرحيم وان كان هذا اي إعادة ما اخره أيضا أحوط بل لا يخلو وجوبه عن وجه فان ركع مضى في صلاته ولو ذكر اجماعا كما ادعاه في الجواهر لعموم
قوله عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة الحديث مضافا إلى فحوى ما دل على عدم بطلان الصلاة بترك الفاتحة سهوا ولا بزيادة الكلام كذلك ومن لا يحسنها يجب عليه
التعلم ولو قبل دخول الوقت لدى العلم بعدم التمكن منه بعده كما يظهر وجهه مما حققناه في أول كتاب الطهارة عند التكلم في وجوب الغسل في الليل لصوم غده
وربما استظهر من اطلاق المتن وغيره كون التعلم واجبا عينيا لا تخييريا بينه وبين الايتمام أو متابعة الغير في القراءة وقد قواه في الجواهر بعد ان حكى
عن كاشف الغطاء التصريح به وفرع عليه انه لو تركه في السعة وائتم اثم وصحت صلاته ولا يخفى عليك ان هذا انما يتجه لو قيل بكون التعلم واجبا نفسيا وهو
ليس كذلك إذ لا دليل عليه وانما أوجبناه مقدمة للقرائة الواجبة في الصلاة فمتى فرض قدرته على الاتيان بصلاة صحيحة مبرئة لذمته بدون تعلم القراءة بان
يأتم غيره لا يتعين عليه تعلمها وما يقال من أن الايتمام لأجل توقفه على فعل الغير الخارج عن قدرته ليس فعلا اختياريا له كي يتخير بينه وبين التعلم مدفوع
أولا بأنه لو لم يكن فعلا اختياريا له لامتنع تعلق التكليف به مع أنه أفضل فردي الصلاة الواجبة عليه وثانيا بأنه يكفي في عدم تنجز التكليف بالمقدمة علمه
بحصول ذيها ولو بفعل الغير من غير توقفه على هذه المقدمة نعم تعلقه بفعل الغير قد يكون مانعا عن الجزم ببقاء القدرة على اتمام الصلاة مأموما كما أن احتمال
طر وبعض موانع الايتمام في الأثناء أيضا كالحيلولة أو الفصل الكثير كذلك فعند تركه للتعلم قد لا يحصل له الاطمينان بعدم احتياجه إلى القراءة فلا يتأتى
منه قصد القربة على سبيل الجزم فعلى القول باعتبار الجزم في النية كما هو المشهور اتجه حينئذ بطلان صلاته لا صحتها وكونه اثما بترك التعلم كما ذكره في الجواهر نعم
لو لم نعتبر الجزم في النية وقلنا بصحة صلاته وان احتمل حال التلبس بها عدم سلامتها عن الطواري أمكن توجيه الاثم في مثل الفرض من باب التجري لاستلزام تلبسه
بالصلاة مع جهله بالقراءة واحتمال عروض موانع الاقتداء العزم على قطع صلاته على خلاف ما يقتضيه تكليفه وكيف كان فمقتضى الأصل عدم وجوب التعلم
عينا الا إذا امتنع الخروج عن عهدة التكليف بالصلاة بدونه والا فالواجب هو القدر المشترك بينه وبين غيره مما يتمكن معه من الخروج عن عهدة الواجب لا
خصوص شئ منها بعينه واطلاق حكم الأصحاب بوجوبه انما هو بالنظر إلى ما هو تكليفه من حيث هو فهو مصروف عن فرض القدرة على الايتمام اي غير ملحوظ من هذه
الجهة كما أن اطلاق حكمهم بوجوب الاتيان بما تيسر أو بغيره مما ستسمعه لدى العجز عن التعلم انما هو بهذه الملاحظة وهل يجوز القراءة من المصحف اما لدى
الضرورة وعدم القدرة على الحفظ فمما لا شبهة فيه بل ربما يظهر من غير واحد دعوى الاجماع عليه واما مع التمكن من الحفظ فعن المصنف والعلامة وجماعة من
المتأخرين الجواز لاطلاق أدلة القراءة وخصوص رواية الحسن بن زياد الصيقل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرء فيه يضع
السراج قريبا منه فقال لا بأس بذلك وحكى عن جماعة منهم العلامة في التحرير والشهيد في الذكرى والدروس والمحقق الثاني القول بالمنع الا على تقدير
في لتمكن من الحفظ بدعوى انه هو المتبادر من الامر بالقراءة في الصلاة واستدل له أيضا بقاعدة الاشتغال وبالخبر العامي ان رجلا سئل النبي صلى الله عليه
وآله فقال إني لا أستطيع ان احفظ شيئا من القرآن فماذا اصنع فقال له قل سبحان الله والحمد لله إذ لو جاز القراءة من القرآن لامره به وخبر علي بن جعفر المروي
عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل والمرأة يضع المصحف امامه ينظر فيه ويقرء ويصلي قال لا يعتد بتلك الصلاة ولان القراءة
من المصحف مكروهة اجماعا كما عن الايضاح ولا شئ من المكروه بواجب اجماعا وفي الجميع نظر اما دعوى الانصراف فيتوجه عليها أولا المنع خصوصا في الأوامر
المتعلقة بقراءة بعض السور الطوال التي لا يحفظها غالب الناس أو لا يحصل لهم الوثوق غالبا بصحتها عند القراءة عن ظهر القلب ولو سلم فهو بدوي منشأه
غلبة الوجود ولا أقل من عدم كونه بحيث يجعل اللفظ ظاهرا في ارادته بالخصوص فمع الشك في اعتبار الخصوصية (يرجع) إلى ما يقتضيه الأصول العملية وهي البراءة كما
حققناه في محله وبهذا ظهر لك ما في الاستدلال له بقاعدة الاشتغال فان اطلاقات الأدلة واردة على القاعدة وعلى تقدير تسليم قصور الاطلاقات
عن الدلالة على كفاية القراءة عن المصحف فالمرجع قاعدة القراءة لا الاشتغال واما النبوي فبعد الغض عن سنده
وعدم وضوح وروده في الصلاة فمورده
على الظاهر هو العامي المحض كما هو الغالب فيمن لا يستطيع ان يحفظ شيئا من القرآن والا لامره النبي صلى الله عليه وآله بالقراءة من المصحف لتقدمها على التسبيح
والتحميد لدى الضرورة اجماعا كما ادعاه غير واحد واما خبر علي بن جعفر فمقتضى الجمع بينه وبين رواية الصيقل المتحدة معه موردا بمقتضى ظاهر السؤال الحمل
على الكراهة ولا يصح تنزيل اطلاق نفي الباس الوارد في خبر الصيقل على من لا يستطيع ان يقرء شيئا من القرآن حتى الفاتحة عن ظهر القلب فإنه تنزيل على فرد نادر
بل غير واقع بحسب العادة إذا العادة قاضية بحفظ فاتحة الكتاب وشئ من القرآن ما يقرء الرجل في صلاته الخمس قبل ان يصير عارفا بقراءة المصحف ويتلوه
277

في الضعف حمل خبر الجواز على النافلة وخبر المنع على الفريضة فإنه وان أمكن ولكنه بلا شاهد واما ما ادعى من الاجماع على كراهة القراءة من المصحف
فهو على خلاف المطلوب أدل إذ المراد بها اما كراهة الاتيان بالقراءة الواجبة في الصلاة بهذه الكيفية فلا معنى لها الا الكراهة العبادي الغير
المنافية لصحتها كالصلاة في الحمام أو كراهتها باعتبار اشتمالها على النظر إلى المصحف المفتوح بين يديه الذي هو في حد ذاته مما يكره في الصلاة فمتعلق
الكراهة في الحقيقة هو النظر إلى المصحف الذي هو مقدمة للقرائة التي هي عبادة لا نفسها فلا محذور فيه أصلا أو كراهة القراءة من المصحف في الصلاة
من حيث هي كراهة حقيقة فحينئذ نقول يكفي عدم حرمة الفرد في جواز اختياره في مقام امتثال الامر المتعلق بالطبيعة من حيث هي فان قضية تعلق الامر
بالطبيعة كون المكلف مخيرا في الاتيان باي فرد من افرادها السائغة وتوهم استلزامه اجتماع الأمر والنهي في واحد شخصي عند اختيار الفرد المكروه
كالمحرم مدفوع أولا بكونه شبهة في مقابلة الضرورة وثانيا بما حققناه في كتاب الطهارة عند توجيه كراهة الوضوء بالماء المسخن بالشمس فتلخص مما ذكرنا
ان القول بالجواز هو الأقوى فعلى هذا يكفي في حصول التعلم الواجب تحصيل القدرة على القراءة من المصحف والله العالم وان ضاق الوقت عن التعلم قرء ما
تيسر منها وصحت صلاته بلا خلاف فيه ولا اشكال فيما إذا لم يكن عن تقصير لأن هذا هو الذي يقتضيه الأصول المقررة في الشريعة من عدم سقوط الصلاة بحال
وانتفاء التكليف بغير المقدور وعدم سقوط الميسور بالمعسور واما إذا كان عن تقصير فلا يخلو صحتها عن اشكال إذ القدرة المعتبرة في صحة التكليف هي
مطلق القدرة الحاصلة في الفرض لا القدرة المطلقة اي المستمرة إلى زمان الفعل وليس معنى ان الصلاة لا تسقط بحال بقاء الامر بها بعد ان عصى المكلف
وصير ايجادها على النحو المعتبر شرعا في حقه ممتنعا بل معناه انه لا يعرض للمكلف حال ولا مرتبة من العجز الا وهو مكلف بالصلاة معها بحسب وسعه ومن الواضح
ان القادر على تعلم الفاتحة مكلف بالصلاة معها ويستحق المؤاخذة على تركها فمن الجائز ان لم تكن الصلاة المشروعة في حقه الا هذه الصلاة التي فرط
فيها فيكون تركه للتعلم بمنزلة تأخيره للصلاة إلى أن يتضيق الوقت عن أدائها في عدم كونه منافيا لعموم الصلاة لا تسقط بحال فالأحوط ان لم يكن أقوى هو
الجمع بين الصلاة الاضطرارية في الوقت وقضائها تامة في خارجه كما حكى القول به عن الموجز وشرحه وكيف كان فهل يعتبر في مشروعية الاتيان بما تيسر
عند ضيق الوقت عن التعلم العجز عن الايتمام الذي هو فرد اختياري للمأمور به أم هو مخير بينهما كما هو الأظهر فيمن عداه من افراد العاجز عن القراءة ممن لم
ينشأ عجزه عن ضيق الوقت عن التعلم كالأخرس ونظائره على ما ستعرفه وجهان أشبههما الأول فان مقتضى القاعدة في لانتقال إلى الفرد الاضطراري
الذي ثبتت مشروعيته بقاعدة الميسور ونظائره الا بعد العجز عن الخروج عن عهدة المأمور به في ضمن فرد اختياري ولكن مع ذلك لا يبعد الالتزام بالتخيير كما في
حق القادر نظرا إلى امكان ان يدعى ان الذي يظهر بالتدبر في الصلاة والفتاوي هو ان العبرة في تنجز التكليف بالافعال الاختيارية المعتبرة في الصلاة أو ببدلها
انما هو بقدرة المكلف وعجزه عنها بالنظر إلى ذاته من حيث هو وكونه قادرا على الاتيان بفرد اختياري من الصلاة بادراج نفسه في موضوع يسقط عنه القراءة
لا يجعله قادرا على قراءة الفاتحة المعتبرة في الصلاة من حيث هي وان شئت قلت إن سقوط القراءة عن المأموم من الاحكام الثانوية اللاحقة للصلاة عند
اختيار الايتمام فالواجب على المكلف أولا وبالذات انما هو فعل الصلاة التي اعتبر فيها فاتحة الكتاب لدى الامكان ومع العجز عنها بدلها ولكنه لو اختار الايتمام
يسقط عنه التكليف بقراءة الفاتحة وعلى هذا يتجه ما عن فخر الدين في الايضاح من بناء المسألة في نظائرها المقام على أن قراءة الإمام هل هو بدل عن قراءة المأموم
أو مسقطه عنهم فعلى الأول يتعين الايتمام لدى العجز عن القراءة مباشرة بخلاف الثاني حيث إن العجز أيضا كالايتمام مسقط فتعين أحد المسقطين يحتاج إلى دليل
وهو مفقود بل قضية الأصل وعموم ندبته الجماعة عدمه هذا كله مع امكان دعوى استفادته بالنسبة إلى الموارد التي يأتي بها ملحونة لا ناقصة من اطلاق بعض الأخبار
الآتية بالتقريب الآتي في حكم ألفا فاء والتمتام ونحوهما فليتأمل ثم إن من لم يحسن قراءة الفاتحة اما متمكن من الاتيان بمسماها عرفا بمعنى انه قادر على
قرائتها ولكن مع اللحن في اعرابها وحروفها كما هو الغالب في السواد وعوام العجم أو لا يقدر الا على بعضها اما الأول فهو بمنزلة ألفا فاء والتمام ونحوهما في أنه
يأتي بما تيسر له من قرائتها ويجتزي به بلا خلاف فيه على الظاهر ولا اشكال فإنه هو الذي يقتضيه قاعدة الميسور مضافا إلى امكان استفادته من بعض الأخبار
الواردة في العاجز (ما لم يكن عن تقصير كما نبهنا عليه انفا) مثل رواية مسعدة بن صدقة المروية عن قرب الإسناد قال سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول انك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم
الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة والصلاة والتشهد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم المحرم لايراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح وفي خبر السكوني عن
الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله ان الرجل الأعجمي في أمتي ليقرء القرآن بعجميته فترفعه الملائكة على عربيته وفي الخبر ان سين بلال شين عند الله
وانصرافها عن العاجز الذي منعه عن التعلم ضيق الوقت لا في لقدرة غير قادح بعد وضوح المناط هذا مع امكان منع الانصراف خصوصا في رواية مسعدة بن صدقة
بل هي كالنص في الشمول من حيث كونها في مقام اعطاء الضابط واما الثاني وهو ما إذا لم يقدر الا على بعضها مما يسمى بعضها من فاتحة الكتاب مثل آية أو
أكثر من الآيات المختصة بها لا مثل البسملة ونحوها مما ستعرفه فالحكم في هذه الصورة أيضا انه يجب عليه
الاتيان بما يعلمه منها وهذا أيضا مما لا شبهة بل
لا خلاف فيه بيننا على الظاهر بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويشهد له مضافا إلى ذلك عموم قوله صلى الله عليه وآله إذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم و
قوله عليه السلام ما لا يدرك كله لا يترك كله ويمكن الاستشهاد له أيضا باطلاق النبوي الآتي وربما يستدل له أيضا بقاعدة الميسور وفيه نظر إذ الآية أو
الاتيان والثلث ليست ميسور الفاتحة فان ثبت ان ابعاض الفاتحة من حيث هي كجملتها معتبرة في الصلاة التي لا تسقط بحال فهي عين المأمور به لا ميسورة والا فلا يفي
278

باثباتها القاعدة نعم بعد ان علم بوجوب الاتيان بالبعض المتمكن منه بقاعدة ما لا يدرك وغيرها مما تقدمت الإشارة إليه يحكم بعدم سقوط ميسور هذا البعض
كملحونة الغير الخارج عن مسماه عرفا بسقوط معسورة للقاعدة وكيف كان فلا شبهة في أصل الحكم اي وجوب الاتيان بالبعض الذي يتمكن منها مما يسمى في العرف بعضا
من الفاتحة وانما الاشكال والخلاف في أنه هل يجتزي بهذا البعض من غير تعويض عن الجزء المجهول كما هو ظاهر المتن وغيره بل صريح بعض أم يجب عليه التعويض
بقدره كما عن العلامة في بعض كتبه والشهيد في الدروس والمحقق الثاني وغيره بل عن بعض نسبته إلى المشهور بين المتأخرين واستدل للأول بأصالة البراءة
واقتضاء الامر بالقدر المستطاع أو الممكن من الشئ في الخبرين المتقدمين كقاعدة الميسور لو سلمنا جريانها في المقام اجزائه وللقول الثاني بأصالة الاحتياط
في العبادة وان كلما دل على البدلية عند تعذر جميع الفاتحة دل على اعتبارها عن كل جزء منها وبعموم فاقرؤا ما تيسر من القرآن وعموم قوله لا صلاة الا بفاتحة الكتاب
خرج منه الصلاة المجردة عنها المشتملة على بدلها ولقوله في الخبر المروي عن علل الفضل المتقدم في صدر المبحث وانما امر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا
يكون القرآن مهجورا مضيعا إلى أن قال وانما بدء بالحمد دون غيرها من السور لأنه جمع فيه من جوامع الخير والكلام ما لم يجمع في غيرها فإنه بظاهره يدل على أن مهية القراءة
مطلوبة في نفسها الحكمة عدم هجر القرآن وخصوصية الفاتحة لحكمة أخرى فقد الخصوصية لا يوجب سقوط المهية ولان النبي صلى الله عليه وآله امر الاعرابي في الخبر
الآتي بالتحميد والتهليل والتكبير مع بعد ان يكون جاهلا بالتسمية بل وبضم كلمتي رب العالمين إلى التحميد الذي هو من اجزاء التسبيحات فيحصل له ثلاث آيات
فلو لا وجوب التعويض ولو بالذكر لاستغنى بالآيات الثلاث عن الذكر وفي جميع هذه الأدلة نظر اما اصالة الاحتياط ففيه ان المرجع في مثل المقام هو البراءة
لا قاعدة الاشتغال كما تقرر في محله واما ما دل على التعويض عند الجهل بقراءة القرآن فلا اشعار فيه باعتبارها بدلا عن كل جزء فضلا عن الدلالة واما عموم
قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن ففيه بعد تسليم ارادته في الصلاة ان ليس المقصود به وجوب قراءة جميع ما تيسر منه بالضرورة وبعضه صادق على بعض الفاتحة
واما عموم قوله عليه السلام لا صلاة الا بفاتحة الكتاب فهو في حق القادر على قرائتها لا مطلقا والا لزم سقوط الصلاة عمن لا يقدر عليها مع أنها لا تسقط بحال فيلزمه ان
لا يكون الفاتحة معتبرة فيها الا مع القدرة على قرائتها فالالتزام بوجوب شئ اخر بدلا عنها يحتاج إلى دليل تعبدي والا فمقتضى الأصل عدم وجوب ذلك الشئ و
براءة الذمة عنه واما خبر العلل فبعد تسليم سنده ودلالته والغض عن أن مثل هذه الأخبار مسوقة لبيان الحكم والمناسبات المقتضية لشرع الحكم من غير أن يقصد
إناطة الحكم بها ان غاية مفادها مطلوبية مهية القراءة في نفسها لحكمة عدم هجر القرآن وهي تحقق في ضمن بعض الفاتحة فمن الجائز ان لا تكون مطلوبية مجموع
الفاتحة الا لخصوصيتها الداعية إلى تخصيصها بالامر لا لكون كل جزء منها مما يقتضيه تلك الحكمة كي يجب الاتيان بعوضه عند تعذره فلا يفهم من الرواية أزيد
من مطلوبية مسمى قراءة القرآن عند تعذر مجموع الفاتحة وهو يحصل بقراءة بعضها مما يتحقق به مسمى قراءة القرآن واما امر النبي صلى الله عليه وآله
للاعرابي بالتحميد والتهليل والتكبير حيث قال فيما روى عنه صلى الله عليه وآله وإذا قمت إلى الصلاة فإذا كان معك قرآن فاقرء به والا فاحمد الله وهلله وكبره ففيه مع أنه
بحسب الظاهر عامي لا ينبغي الركوع إليه ان ظاهره كون التحميد والتهليل والتكبير عوضا عن جميع القراءة الواجبة في الصلاة لا عن بعضها وحمله على إرادة الجمع بين
الأذكار والآيات الثلاث المفروض تمكنه من قرائتها بمقتضى الاستبعاد المزبور الذي يبتني عليه الاستدلال تأويل لا يكاد يحتمل ارادته من هذه الرواية فالأولى
في توجيه هذه الرواية بعد تسليم الاستبعاد المزبور الالتزام بعدم صدق قراءة القرآن عرفا على قراءة هذه الآيات لشيوع الاتيان بالتسمية والتحميد ولو
مترتبا بإضافة رب العالمين لا بقصد قراءة القرآن وان كان الانصاف ان ذكر الرحمن الرحيم بعدهما يمحضها عرفا في القرآنية الا ان دعوى انصراف الامر بقراته بشئ
من القرآن عنها غير بعيدة ومقتضاها الالتزام بوجوب الأذكار حينئذ بدلا عن مجموع القراءة الواجبة في الصلاة وعدم العبرة بمعرفة مثل هذه الآيات (التي ينصرف) عن قرائتها
اطلاق الامر بقراءة القران وستعرف ان الالتزام به ليس بالبعيد وكيف كان فقد اتضح بما ذكرنا ان الأدلة المزبورة قاصرة عن اثبات وجوب التعويض
عن المجهول فالقول بعدمه هو الأقوى وان كان الالتزام به فيما إذا كان ما يحسنه منها بمقدار آية أو آيتين مما يمكن ادعاء انصراف الامر بقراءة القران عن قرائته
وحدها في غاية الاشكال فان ظاهر جملة من النصوص كالنبوي ورواية العلل المتقدمتين والصحيحة الآتية وغيرها كصريح الفتاوي انه يجب قراءة شئ من القران
في الصلاة والمتبادر منها إرادة مقدار معتد به منه لا مثل قوله تعالى مالك يوم الدين ونحوه فضلا عن التسمية والتحميد من الآيات الغير الممحضة في القرانية
لمعرفة آية أو آيتين من مثل هذه الآيات بحسب الظاهر لا تخرجه عن مصداق قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان لو أن رجلا دخل في الاسلام ولا يحسن ان يقرء القران
اجزئه ان يكبر ويسبح فإنه لا يطلق على من قدر على النطق بالتسمية أو التحميد أو مثل مالك يوم الدين ونحوه انه يحسن ان يقرء القران بل هو عرفا ممن لا يحسنه فعليه
التكبير والتسبيح بمقتضى ظاهر هذه الصحيحة لاغير ولكن قد يشكل ذلك بظهور اطلاق كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية في أنه يجب عليه الاتيان
بما يحسنه من الفاتحة مطلقا ولو آية بل ولو بعضها إذا كان مختصا بها فان تحقق الاجماع عليه فهو والا فمقتضى ظاهر الصحيحة وكذا النبوي المتقدم بالتقريب
الذي عرفته انفا حصول الاجزاء بالتكبير والتسبيح في مثل الفرض ولا يعارضه قاعدة ما لا يدرك ونحوها فان هذه القواعد العامة لا تصلح معارضة للنص الخاص
مع أن جريان هذه القواعد بالنسبة إلى فاقد معظم الاجزاء محل نظر بل منع فليتأمل وكيف كان فالأحوط في مثل هذه الموارد بل مطلقا هو الجمع بين ما
يحسنه من الفاتحة والتعويض بما يتحقق معه صدق قراءة القرآن عرفا لدى التمكن ومع العجز الذكر بل وجوبه فيما لو كان ما يحسنه منها مقدارا غير معتد به لا
يخلو عن وجه ثم إن المشهور بين القائلين بوجوب التعويض انه يعتبر ان يكون بغيره من القران مع القدرة وحكى عن بعض القول يتعين تكرار ما يعلم من الفاتحة
279

نظرا إلى أقر بيته إلى الجزء الفائت وفيه ما لا يخفى فان مجرد المشاركة في الجزئية للفاتحة لا يوجب أقر بيته إلى الفائت على الاطلاق كي يقتضي ذلك تعينه للمبدلية
خصوصا بعد الالتفات إلى ما يظهر من رواية العلل من أن تقديم الحمد لحكم متفرقة في اياتها لا توجد ما في بعضها في البعض الآخر هذا مع أن مجرد الأقربية لا ينهض
دليلا لتعينه مضافا إلى ما في كون شئ واحد أصلا وبدلا من الاستبعاد فالقول بتعين التكرير ضعيف واستدل لتعين التعويض بغيره من القران بوجوه
أقواها استبعاد كون شئ واحد أصلا وبدلا وهو أيضا ليس بشئ فإنه مجرد استبعاد لا ينهض ان يكون مستندا لحكم شرعي نعم لو قلنا بتمامية الاستدلال
للتعويض بالنوي المتقدم بالتقريب المزبور لدل ذلك على التعويض بغيره من القرآن حيث إن المراد بقوله ان كان معك قرآن فاقرأ به ما عدا بعض الآيات
التي يحسنها من الفاتحة على ما هو مبني الاستدلال كما انا لو قلنا بدلالة أدلة البدلية عند تعذر الجميع على اعتبارها عن كل جزء جزء وكون ابعاض البدل بدلا
عن ابعاض المبدل لكان مقتضاه أيضا ذلك بل مقتضاهما التعويض بالذكر ان لم يكن معه شئ اخر من القران خلافا لما حكى عن بعض بل نسب إلى جماعة من أنه
لدى العجز عن قراءة غيره من القران أوجب تكرير ما يحسنه من الفاتحة بدعوى أقر بيته إلى الفائت من الذكر وفيه ما عرفت فالقول بالتعويض بغيره مطلقا بعد البناء
على تمامية أدلتهم لا يخلو عن قوة ويجب ان يكون العوض بقدر المعوض عنه كما هو صريح كلماتهم ويقتضيه بعض أدلتهم المتقدمة وهل يراعي في ذلك عدد
الحروف أو الآيات أو هما معا احتمالات لا يخلو أولها عن قوة كما ستعرف وان تعذر بان لم يتعلم شيئا من الفاتحة حتى ضاق الوقت قرأ ما تيسر من غيرها من
القران أو سبح الله وهلله وكبره بقدر القراءة ثم يجب عليه التعلم والذي يظهر من المتن التخيير بين القراءة والتسبيحات وهو خلاف المشهور فان المشهور بين
الأصحاب على ما نسب إليه القول بتقديم القراءة على التسبيحات مع الامكان بل لم ينقل القول بالتخيير الا عن ظاهر عبارة المصنف رحمه الله في الكتاب والشيخ في موضع
من المبسوط وهو مع شذوذه مما لا يساعد عليه دليل فالأقوى ما هو المشهور من تعين القراءة لدى التمكن منها كما يشهد له مضافا إلى عدم نقل خلاف
محقق فيه النبوي المتقدم إذا قمت إلى الصلاة فإن كان معك قران فاقرء به والا فاحمد الله وهلله وكبره وضعفه مجبور بذكر الخاصة له في كتبهم على وجه
الاستناد ورواية العلل المتقدمة بالتقريب المتقدم في المسألة المتقدمة وصحيحة ابن سنان المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إن الله فرض من الصلاة
الركوع والسجود الا ترى لو أن رجلا دخل في الاسلام لا يحسن ان يقرء القرآن أجزئه ان يكبر ويسبح ويصلي فإنها تدل على أن الاجتزاء بالتكبير و
التسبيح انما هو عند في لتمكن من قراءة القرآن وحمل القران على خصوص الفاتحة خلاف الظاهر فليتأمل واستدل له أيضا بعموم قوله تعالى فاقرؤا
ما تيسر من القران وفيه ما تقدم في صدر المبحث من عدم نهوض الآية لاثبات وجوب القراءة في الصلاة واضعف منه الاستدلال له بان القراءة
أقرب إلى الفاتحة من الذكر لما في صغراه وكبراه من النظر كما أوضحناه في المسألة السابقة وهل يجب ان يراعي في القراءة قدر الفاتحة بمعنى ان لا يجتزي
بالأقل منها كما صرح به غير واحد أم لا يعتبر ذلك بل يكفي قراءة شئ مما معه من القران مما يطلق عليه اسم قراءة القرآن عرفا وان لم يكن بقدر الفاتحة كما يظهر
من بعض وجهان من عدم دليل يعتد به صالح لاثبات اعتبار المساواة فمقتضى الأصل براءة الذمة عن التكليف بأزيد من مسمى قراءة القرآن ومن أن
المنساق إلى الذهن من الامر بقراءة شئ من القران مكان فاتحة الكتاب لدى الجهل بها انما هو إرادة مقدار معتد به مما لا ينقص عن مقدار الفاتحة
كما ربما يؤيد ذلك فهم الأصحاب وتصريح جلهم به ويشهد له مراجعة العرف اللهم الا ان يناقش في فهم البدلية عن الفاتحة من أدلة القراءة وكيف
كان فهذا الوجه ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط وهل العبرة بقدرها في عدد الآيات أو في الحروف أو فيهما معا ان تيسر والا ففي الحروف
أقوال أوجهها وأشهرها بل المشهور على ما نسب إليهم أوسطها إذ غاية ما يمكن ادعائه انما هو انسباق مقدار كم نفس الفاتحة من حيث هي لامن حيث اياتها
إلى الذهن من الامر بقراءة شئ من القران عوض الفاتحة اللهم ان يدعى ان عدد آياتها من حيث هي من الخصوصيات الملحوظة المقصودة بالطلب شرعا وفيه منع
ظاهر والأحوط اعتبار التوالي وعدم الاجتزاء بآيات متفرقة الا مع العجز عن الاتيان بهما متوالية بل لا يخلو القول بوجوبه كما لعله المشهور وعن وجه والله
العالم ولو لم يحسن الا أقل من قدر الفاتحة مما يتحقق به مسمى قراءة القرآن عرفا ففي الاكتفاء به أو تكريره بقدر الفاتحة أو التعويض عن الناقص بالذكر وجوه
أوجههما الأول كما يظهر وجهه مما من فيمن لم يحسن الا بعض الفاتحة مضافا إلى أنه هو الذي يقتضيه اطلاق قوله صلى الله عليه وكله في النبوي المتقدم فإن كان معك
قران فاقرء به والا فاحمد الله وهلله وكبره ولو لم يحسن شيئا من القران أصلا سبح الله وكبره كما في المتن وغيره بل في الحدائق نسبته إلى المشهور وعن
الذكرى والنهاية زيادة التحميد وعن مجمع البرهان نقص التهليل وعن بعض الذكر مطلقا ولا يبعد ان يكون اختلافهم في التعبير وأن يكون غرض الجميع هو مطلق
الذكر وما ذكروه من التسبيح والتهليل وغيره من باب التمثيل بإرادة التنويع من الواو لا الجمع كما ربما يؤيد ذلك ما عن موضع من الخلاف أنه قال ذكر الله
وكبره وعن موضع اخر منه أنه قال وجب ان يحمد الله مكان القراءة اجماعا نعم حكى عن غير واحد الالتزام بتعين التسبيحات الأربع التي قد ثبتت
بدليتها عن الفاتحة في الأخيرتين واستوجهه في محكى الذكرى فقال ولو قيل بتعين ما يجزي في الأخيرتين من التسبيح كان وجها لأنه قد ثبت بدليته عن الحمد
في الأخيرتين فلا يقصر بدل الحمد في الأولتين عنهما انتهى وجعله في المدارك وغيره أحوط وربما يشهد له الخبر العامي الذي أورده في محكى التذكرة أنه قال
له صلى الله عليه وآله رجل اني لا أستطيع ان اخذ شيئا من القران فعلمني ما يجزيني في الصلاة فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا
حول ولا قوة الا بالله قال هذا لله فمالي قال قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني وعن الذكرى
وغيره نحوه باسقاط لفظ في الصلاة
280

ولكن يؤيد القول بكفاية مطلق الذكر اختلاف عبائر النصوص كالفتاوي ففي النبوي المتقدم قال والا فاحمد الله وهلله وكبره وفي نبوي اخر أورده في
محكى المنتهى ان رجلا سئل النبي صلى الله عليه وآله فقال إني لا أستطيع ان احفظ شيئا من القران فماذا اصنع فقال له قل سبحان الله والحمد لله ولا يبعد
كونه هو النبوي الأول ووقوع الاختلاف بينهما باعتبار نقل المضمون لا الألفاظ بعينها وفي صحيحة ابن سنان المتقدمة الا ترى لو أن رجلا دخل في الاسلام
لا يحسن ان يقرء القران أجزئه ان يكبر ويسبح ويصلي وظاهرها جواز الاجتزاء (بالتكبير والتسبيح) بل خصوص التسبيح بدل الفاتحة لقوة احتمال ان يكون المراد بالتكبير فيها
تكبيرة الافتتاح ولكن على هذا التقدير لا ظهور له في الاطلاق فلا يبعد ان يكون المقصود به التسبيح المعهود في الأخيرتين وكيف كان فاعتبار التسبيحات
الأربع التي يؤتى بها في الأخيرتين ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط وهل يجب ان يكون التسبيح بقدر القراءة كما هو ظاهر المتن وغيره أم لا يجب
كما عن صريح المعتبر وغيره وجهان أقربهما العدم للأصل مضافا إلى ظهور النبويين في الاجتزاء بمطلق التحميد والتهليل والتكبير أو التسبيحات الأربع بإضافة
الحوقلة بل وكذا صحيحة ابن سنان ولو على تقدير كونها إشارة إلى الذكر المعهود في الأخيرتين لما ستعرف من أن الأقوى في الأخيرتين كفاية التسبيحات
مرة واحدة نعم بناء على عدم كونها إشارة إلى التسبيح المعهود يمكن الخدشة في اطلاقها بوروده مورد حكم اخر فليتأمل ثم إن مقتضى ظاهر
المتن وغيره كصريح غير واحد في لفرق في وجوب التعويض عن الفاتحة بغيرها من القران أو الذكر بين ان يعرف سورة كاملة من القران عدى الحمد أم لا
فيجب عليه بناء على وجوب السورة قراءة السورة الكاملة من حيث هي امتثالا لأمرها بعد ان قرء شيئا منهما أو من غيرها عوض الفاتحة خلافا للمحكى
عن المنتهى فلم يوجب التعويض لدى العلم بسورة كاملة بل اكتفى بقراءة السورة فكان مستنده الأصل بعد البناء على سقوط امر الفاتحة بالتعذر
وعدم ثبوت الامر ببدلها بالخصوص بل الثابت عند الجهل بالفاتحة هو قراءة شئ من القران لعموم فاقرؤا ما تيسر من القران ونظائره مما عرفت مما يحصل
امتثاله بقراءة السورة مضافا إلى ما فيه من شبهة القران كما عن كشف اللثام وأجيب عنه اما من شبهة القران بعدم تنالوا ما دل على النهي عنه لمثل
الفرض بديهة واما الأصل فهو مقطوع بما دل على وجوب التعويض عن الفاتحة لدى الجهل بها وهو غير مخصوص بصورة الجهل بالسورة كما أن ما دل على
وجوب السورة غير مخصوص بما إذا لم يكن اتيا بشئ من القران عوض الفاتحة كيف ولو كان قراءة السورة من حيث هي مجزية للزم ان لا يجب التعويض عن
الفاتحة بالقران أصلا فان ما يعلمه من السورة أو بعضها انما يتمثل به الامر بالسورة التي هي أيضا كالفاتحة مما لا يسقط ميسوره بمعسوره واعترضه
في الجواهر أيضا بعدم حصول الامتثال الا إذا أريد الطبيعة وهو مناف لكثير مما تقدم أقول ولا يخفى عليك ان غاية ما يمكن استفادته من الأدلة
المتقدمة لوجوب التعويض انه يجب لمن لم يحسن الفاتحة ان يقرء غيرها من القران بقدرها واما كونه بعنوان البدلية عن الفاتحة كي ينافيه الاجتزاء
بقراءة سورة لا بهذا العنوان فلا نعم ربما يظهر ذلك من كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية وان لا يخلو ذلك أيضا عن تأمل
إذ غاية ما يظهر من كلماتهم انه يجب على من لم يحسن الفاتحة ان يعوضها بغيرها من القران واما كون عنوان العوضية قيدا في متعلق التكليف كي يكون مانعا عن
حصول الامتثال بايجاد الطبيعة معراة عن قصد العوضية فلا فالأولى ان يقال في رد الاستدلال المزبور بأنه يفهم من الأدلة المتقدمة كخبر العلل وغيره ان
مهية القراءة التي تتحقق في ضمن الفاتحة لا يسقط الامر بها بتعذر الخصوصية وقضية ذلك كون تعذر الخصوصية موجبا لتنجز التكليف بمطلق القراءة وبعد
الالتزام بوجوب السورة في الصلاة يجب عقلا تقييد طبيعة القراءة التي يتنجز التكليف بها بواسطة تعذر الخصوصية بحصولها في ضمن فرد مغاير للفرد الذي
يتحقق به امتثال الامر بالسورة كما يظهر وجهه مما حققناه في مبحث منزوحات البئر وفي مسألة تداخل الأغسال في باب الوضوء فيجب ان لا يتحد القراءة التي
يتنجز التكليف بها بواسطة تعذر الفاتحة وجودا مع القراءة التي أوجبها الامر بقراءة السورة نعم لو كان الحمد والسورة مجموعهما كابعاض الحمد
مطلوبا بطلب واحد لأمكن الخدشة فيه ببعض ما أسلفناه عند المناقشة في الاستدلال بنظير ما ذكر لاثبات وجوب التعويض عن بعض الفاتحة ولكنه
ليس كذلك فان كلا من الحمد والسورة مأمور بأمر مستقل فلا يتطرق إليه تلك المناقشات كما لا يخفى على المتأمل واعلم أن حال السورة بناء على وجوبها
حال الحمد في أنه يجب على من لم يحسنها ان يتعلمها ما لم يتضيق الوقت وإذا تضيق الوقت اتى بما يحسنه منها كالفاتحة لعين ما عرفته في الفاتحة من قاعدة
الميسور وغيرها مما عرفت ولو لم يحسن شئ منها أصلا سقط التكليف بها ولم يجب التعويض بالذكر لعدم الدليل عليه فان ما دل على التعويض بالذكر
من النص والاجماع انما يدل عليه في جاهل الفاتحة اما الأخير فواضح ضرورة انه لا اجماع عليه في جاهل السورة بل عن غير واحد دعوى الاجماع على الاقتصار
على الفاتحة وعدم التعويض عن السورة بالذكر لدى الجهل بها وضيق الوقت عن التعلم واما النص فإنما يدل عليه فيمن ليس عنده شئ من القران وهو
لا يصدق على من يعرف الفاتحة نعم المنساق إلى الذهن من النصوص ككثير من الفتاوي وبدلية الذكر عند الجهل بقراءة شئ من القران عن القراءة الواجبة
في الصلاة لا عن خصوص الفاتحة فالمتجه على القول باعتبار المساواة بين البدل والمبدل في عدد الحروف كونه بقدر القراءة الواجبة لا خصوص الفاتحة كما
ربما يستظهر ذلك من كلمات كثير منهم في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية ولكنك عرفت ضعف المبني وكفاية التسبيحات الأربع مرة واحدة فالأحوط
عدم قصد بدايتها عن خصوص الفاتحة بل عن القراءة الواجبة عليه أو أمثال امره الواقعي من غير تعيين سببه والله العالم ثم إن ظاهر المتن وغيره
ممن عبر كعبارته عدم اجتزاء الترجمة أصلا هنا كما حكى عن صريح جماعة وظاهر آخرين خلافا لما حكى عن بعض من الاجتزاء بها لدى العجز عن القراءة وبدلها
281

لما دل عليه في التكبير بل عن بعض احتمال تقديمها على الذكر لقربها إلى القران وليس بشئ بل الأقوى في لاعتبار بترجمة القراءة من حيث هي أصلا
ضرورة عدم كونها قرانا ولا ميسورة بعد وضوح ان لألفاظ القران دخلا في قوام قرآنيتها فقياس القراءة على التكبير الذي قد يقال بان المقصود به أولا
وبالذات انما هي مهية التكبير الغير المتوقفة على خصوصية لفظها المعروف قياس مع الفارق نعم بناء على الاجتزاء بمطلق الذكر لدى العجز عن قراءة شئ من
القران اما مطلقا أو لدى العجز عن التسبيح والتحميد والتهليل اتجه الاجتزاء بترجمة الفاتحة ونظائرها لا من حيث كونها ترجمة للقران بل من حيث كونها من مصاديق
الذكر وهذا بخلاف سائر الآيات القرآنية التي من قبيل القصص والحكايات فلا يجتزي بترجمتها أصلا بل لا يجوز التلفظ بها لكونها من الكلام المبطل
ولو عجز عن القراءة وبدلها مطلقا قام بقدر القراءة على ما صرح به غير واحد وهو لا يخلو عن وجه ولكنك خبير بأنه مجرد فرض يمتنع وجود مصداق له بحسب العادة
كما نبه عليه المحقق الثاني على ما حكى عنه والأخرس يحرك لسانه بالقراءة بلا خلاف فيه على الظاهر والأظهر اعتبار الإشارة بإصبعه أيضا معه كما يدل عليهما
خبر السكوني عن الصادق عليه السلام قال تلبية الأخرس وتشهده وقراءة القرآن في الصلاة تحريك لسانه واشارته بإصبعه ويعقد بها قلبه اي يتعقلها
تفصيلا ان أمكنه والا فاجمالا حتى يتأتى منه قصد امتثال الامر المتعلق بها بإشارته وتحريك لسانه كما عرفت تفصيل الكلام فيه في تكبيرة الافتتاح وربما
زعم بعض انه يعتبر في حق الأخرس ان يعقد قلبه بمعناها اي تعقل معنى الفاتحة والسورة ويؤديها بالإشارة على حسب ما يؤدي سائر مقاصده بالإشارة كما يجب
على غيره ان يؤدي تلك المعاني بألفاظها في ضمن القراءة وهو خطأ كما أوضحناه في تكبيرة الافتتاح فلا نطيل بالإعادة بل لو التزمنا به هناك كما هو ظاهر المتن
فلا نلتزم به هيهنا ضرورة كون معاني القراءة من حيث هي خارجة عن مهية المأمور به وانما المقصود بالطلب حكاية كلام الله تعالى ولو بالإشارة لدى العجز عن
النطق بها لا حكاية معاينها من حيث هي فلو عرف قصة يوسف عليه السلام على الترتيب الذي حكاها الله تعالى في سورة يوسف وحكاها في صلاته بالإشارة على حسب
ما يحكيها للغير عند إرادة نقلها له ليس له ان يقصد بهذا امتثال الامر بحكاية سورة يوسف لكونه أجنبيا عن مهية المأمور به بل عليه لدى الامكان ان يتعقلها
تفصيلا بان يتصورها في ذهنه كما ربما يتصور بعض الاشعار والكلمات المنظومة ويقصدها بالإشارة ولكن هذا متعذر عادة فيما لو كان خرسه أصليا
فعليه عند تعذر القصد إليها تفصيلا ان يعقد بها قلبه على سبيل الاجمال بان يميزها في ذهنه بوجه من الوجوه المميزة لها المصححة للقصد إلى الخروج عن
عهدة امتثال امرها فيقصدها بإشارته وحركة لسانه والحاصل ان عقد القلب بمعاني القراءة ما لم يكن عبارتها التي هي بها تتقوم قرآنيتها مقصودا بالإشارة
لا تفصيلا ولا اجمالا غير مجد في حصول إطاعة امرها كما هو واضح والمصلي في كل ثالثة ورابعة بالخيار ان شاء قرأ الحمد وان شاء سبح بلا خلاف فيه في الجملة على
الظاهر بل عن كثير من الأصحاب دعوى اجماع علمائنا عليه ومقتضى اطلاق كلماتهم في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم بل صريحها في لفرق في ذلك بين المنفرد و
والجامع اماما كان أو مأموما ولكن صرح شيخنا المرتضى رحمه الله بأن معقد هذه الاجماعات هو المفرد واما غيره فسيأتي الخلاف فيه في باب الجماعة وكيف كان فيشهد للمدعى
جملة من الاخبار منها خبر علي بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الركعتين الأخيرتين ما اصنع فيهما فقال إن شئت فاقرء فاتحة الكتاب و
ان شئت فاذكر الله فهو فيه سواء قال قلت فأي ذلك أفضل فقال هما والله سواء ان شئت سبحت وان شئت قرأت وغير ذلك من الاخبار الآتية وما في بعض الأخبار
مما ينافي ذلك كخبر الحميري المروي عن الاحتجاج وكتاب الغيبة للشيخ انه كتب إلى القائم عجل الله فرجه يسئله عن الركعتين الأخيرتين وقد كثرت فيهما الروايات
فبعض يروى (في بعض النسخ يرى بدل يروي في الموضعين) ان قراءة الحمد وحدها أفضل وبعض يروي ان التسبيح فيهما أفضل فالفضل لأيهما لنستعمله فأجاب عليه السلام قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين
التسبيح والذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج الا للعليل ومن يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه فلابد من رد علمه إلى أهله
خصوصا مع ما فيه من احتمال التقية لما حكى من الشافعي والأوزاعي واحمد القول تبيعن التفاحة في كل ركعتين من الأوائل والأواخر ويحتمل ان يكون
المراد به الفضل كما سيأتي تقريبه وتحقيق ما تقتضيه الجمع بينه وبين غيره من الاخبار المنافية له إن شاء الله وربما يظهر من بعض الأخبار تعين القراءة على من نسبها
في الأوليين كرواية الحسين بن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له أسهو عن القراءة في الركعة الأولى قال اقرأ في الثانية قلت أسهو في الثانية قال اقرأ
في الثالثة قلت أسهو في صلاتي كلها قال إذا حفظت الركوع والسجود تمت صلاتك وقد حكى عن الشيخ في الخلاف القول به وعن بعض المحدثين من المتأخرين
نفي البعد عنه وعن اخر انه أحوط واستدل له أيضا بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته قال لا صلاة
له الا ان يقرأ بها في جهر أو اخفات وبقوله صلى الله عليه وآله بفاتحة الكتاب وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له رجل نسي القراءة في الأوليتين فذكرها في
الأخيرتين فقال يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأوليتين في الأخيرتين ولا شئ عليه ولكن في الوسائل رواها بإسقاط قوله في الأخيرتين ووجهها
بالحمل على استحباب القضاء بعد التسليم فعلى هذا يخرج عن محل الاستشهاد واما بناء على ما رواها المستدل من التصريح فيها بأنه يقضي ما فاته في الأوليين
في الأخيرتين فظاهرها وجوب تدارك جميع ما فاته من الأوليين القراءة والتكبير والتسبيح من غير اخلال بما هو وظيفة الأخيرتين من حيث هي وهذا مع أنه أجنبي
عما نحن فيه لم ينقل القول به عن أحد منا بل قيل بموافقته لأبي حنيفة فيحتمل صدورها تقية والا لعارضه بعض الأخبار الآتية الدالة على خلافه وكيف كان
فالاستدلال بهذه الرواية للقول المزبور في غاية الضعف ونظيره الاستدلال له بصحيحة محمد بن مسلم لظهورها في العامد ويتلوهما في الظهرين الاستشهاد
بالنبوي لا لما قيل من قصوره من حيث السند وعدم الجابر له بالنسبة إلى ما نحن فيه لامكان ان يدعى ان اشتهاره بين الأصحاب واستدلالهم به في سائر المقامات
282

كاف في جبرة بل لعدم وفائه بتعيين موضع الفاتحة إذا لم يقصد به وجوب الاتيان بها في موضع من الصلاة اي موضع يكون حتى يفهم منه انه لو تركها في الأوليين
يتعين عليه الاتيان بها في الأخيرتين بل المقصود بها نفي الصلاة عند الاخلال بها في موضعها المقرر لها شرعا وقد دلت الأدلة الشرعية على أن القراءة انما
جعلت في الأوليين واما الأخيرتان فقد جعل فيهما التسبيح كما في جملة من الاخبار الآتية وفي بعضها التصريح
بكون المكلف مخيرا فيهما بين القراءة والتسبيح كالخبر
المتقدم فلا يفهم من قوله صلى الله عليه وآله لا صلاة لمن لم يقرء فيها بفاتحة الكتاب الا نفيها عند الاخلال بها في محلها الذي أوجبها الشارع فيه عينا دون سائر المواضع التي
لم يشرعها فيها أصلا أو شرعها ولكن لا على سبيل التعيين فكما لا يفهم من هذا الخبر انه لو نسيها في الأوليين يجب عليه الاتيان بها عند تذكره في أثناء التشهد
كذلك لا يفهم منه انه يجب الاتيان بها عينا لو ذكرها في الأخيرتين بل مقتضاه بطلان صلاته عند تركها في ذلك المحل الذي وجب عليه الاتيان بها فيه ولكن
دلت الأدلة المتقدمة في محلها على اختصاص اعتبارها في الصلاة بحال العمد وكيف كان فعمدة ما يصح الاستناد إليه لهذا القول هي رواية الحسين المتقدمة
ونوقش فيها أيضا بضعفها من حيث السند واعراض الأصحاب عن ظاهرها إذ لم ينقل القول به صريحا عن أحد عدى ما سمعت حكايته عن الشيخ في الخلاف وهو أيضا
غير ثابت بل ربما نسب إليه انه جعله أحوط وعلى تقدير ثبوته لا يخرجها عن الشذوذ خصوصا مع عدم التفاته إليها في المبسوط وتصريحه بعدم بطلان تخييره حيث قال على
ما حكى عنه انه ان نسي القراءة في الأوليين لم يبطل تخييره وانما الأولى له القراءة لئلا يخلو الصلاة عن القراءة انتهى هذا مع معارضتها بعموم الروايات
الدالة على التخيير وخصوص صحيحة معاوية بن عمار المروية عن التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوليين فيذكر
في الركعتين الأخيرتين انه لم يقرء قال أتم الركوع والسجود قلت نعم قال إني اكره ان اجعل اخر صلاتي أولها أقول لو اغمض عن شذوذها ومخالفة
ظاهرها لظاهر كلمات الأصحاب أو صريحها في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية لأمكن الجواب عن معارضتها بعمومات التخيير بعدم صلاحيتها لمعارضة النص الخاص
فان تخصيصها بما عدى هذا الفرد النادر التحقق من أهون التصرفات واما صحيحة معاوية بن عمار فقد أجيب عنها بان ظاهرها نسيان مجموع القراءة المعتبرة في
الأوليين وهي الحمد والسورة المراد بقوله اني اكره ان اجعل اخر صلاتي أولها كراهة ان يأتي بتلك القراءة اي مجموع الحمد والسورة ونسبة إلى الكراهة إلى
نفسه المشعرة بجواز مخالفته جارية مجرى التقية كما يقرب هذا التوجيه والحمل ما رواه الشيخ باسناده إلى أحمد بن النضر عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال قال لي
اي شئ يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الإمام ركعتان قال يقولون يقرء في الركعتين بالحمد والسورة فقال هذا يقلب صلاته فيجعل أولها اخرها فقلت
فكيف صنع قال يقرء بفاتحة الكتاب في كل ركعة أقول في شهادة هذه الرواية للتوجيه المزبور تأمل إذ ليس المقصود بفاتحة الكتاب التي امر بقرائتها في كل
ركعة خصوصا المقابل للأعم منها ومن السورة وانه عند الاقتصار عليها في الأخيرتين لا يتحقق قلب الصلاة بل المقصود بالرواية (المنع) عن قلب صلاته بالذكر في الأوليين
وترك القراءة فيهما والاتيان بها في الأخيرتين كما كان معروفا عن العامة في مثل الفرض على ما نقل عنهم وشهد به جملة من الروايات فالمقصود بقوله يقرء بفاتحة
الكتاب في كل ركعة النهي عن تركها في الأوليين اي الامر باعطاء كل من الركعات ما هو وظيفتها لا الامر بقرائتها مجردة عن السورة في خصوص الأخيرتين كما
لا يخفى على المتأمل واما أصل التوجيه فيتوجه عليه بعد تسليمه وان المراد بقوله عليه السلام اني اكره ان اجعل اخر صلاتي أولها كراهة ان يأتي بمجموع ما هو وظيفة
الأوليين من الحمد والسورة لا مطلق القراءة كي يفهم منهم أفضلية التسبيح في الفرض ان هذا لا ينفي دلتها على أن نسيان القراءة في الأوليين لا يؤثر في انقلاب
تكليفه بالنسبة إلى الأخيرتين عما كان عليه لولا النسيان إذ لو كان ذلك موجبا لتعين القراءة عليه لكان على الإمام عليه السلام حين سئله عن حكم بيانه فيفهم
من جواب الإمام عليه السلام ولو من باب السكوت في مقام البيان ان نسيان القراءة في الأوليين ليس موجبا لتعين شئ عليه في الأخيرتين وليس رفع اليد عن هذه الدلالة
المعتضدة بالشهرة واطلاقات أوامر التخيير بأهون من حمل خبر الحسين بن حماد على الاستحباب بل هذا هو الأولى فالقول بأفضلية القراءة لمن نسيها في الأوليين اخذا
بظاهر هذا الخبر كما حكى عن صريح المبسوط ومحتمل الخلاف لا يخلو عن وجه وكيف كان فقد اختلفوا بعد اتفاقهم على جواز الاجتزاء باي منهما كان في أن الأفضل هل
هو التسبيح أو القراءة على أقوال حكى عن ظاهر الصدوقين والحسن وابن إدريس أفضلية التسبيح مطلقا وتبعهم غير واحد من المتأخرين وحكى عن أبي الصلاح والشهيد
في اللمعة أفضلية القراءة وقيل الأفضل للامام القراءة كما في المتن وغيره بل ربما نسب هذا القول إلى المشهور واما من عداه من المأموم والمنفرد فبالخيار
ان شاء قرء وان شاء سبح من غير ترجيح كما ربما يستظهر من المنن وغيره ممن عبر كعبارته وحكى عن بعضهم التصريح بأفضلية التسبيح للمنفرد من غير تعرض لحكم
المأموم كالشهيد في الدروس وحكى عن العلامة في عدة من كتبه عكسه مع تصريحه في منتهاه بالتساوي للمنفرد وربما نسب إلى ظاهر كثير من الأصحاب المعتبرين
بان المصلي بالخيار في الأخيرتين بين القراءة والتسبيح القول بالتساوي وفيه تأمل وحكى عن ابن الجنيد استحباب التسبيح للامام إذا تيقن انه ليس معه مسبوق
واما ان علم دخول المسبوق أو احتمله قرء ليكون ابتداء الصلاة للداخل بقراءة والمنفرد يجزيه أيهما فعل ومنشأ هذا الخلاف اختلاف الاخبار واستدل للقول
بأفضلية التسبيح مطلقا باخبار كثيرة منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لا تقرن في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا
اما ما كنت أو غير امام قال قلت فما أقول فيهما قال إن كنت اماما أو وحدك فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات تكلمه تسع تسبيحات ثم تكبر
وتركع ومنها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف امام يحتسب بالصلاة خلفه جعل ما أدرك أول صلاته
ان أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة ركعتين وفاته ركعتان قرء في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب فإذا سلم الإمام قام فصلى
283

الأخيرتين لا يقرء فيهما انهما هو تسبيح وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة وان أدرك ركعة قرء فيهما خلف الإمام فإذا سلم الإمام قام فقرء أم الكتاب ثم قعد فتشهد
ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة هكذا عن الفقيه وعن التهذيب نحوه الا أنه قال فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرء فيهما لأن الصلاة انما يقرء فيها في
الأوليين في كل ركعة بأم الكتاب وسورة وفي الأخيرتين لا يقرء فيهما انما هو تسبيح وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة وصحيحة زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السلام
أنه قال عشر ركعات ركعتان من الظهر وركعتان من العصر إلى أن قال فزاد النبي صلى الله عليه وآله سبع ركعات هي سنة ليس فيهن قراءة انما هو
تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء الحديث وصحيحة زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات وفيهن القراءة وليس فيهن
وهم يعني سهو فزاد رسول الله صلى الله عليه وآله سبعا وفيهن الوهم وليس فيهن قراءة ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا قمت في الركعتين الأخيرتين
لا تقرء فيهما فقل الحمد لله وسبحان الله والله أكبر ومنها المرسل المروي عن الفقيه والعلل عن الرضا عليه السلام انما جعل القراءة في الركعتين الأوليين والتسبيح
في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه الله من عنده وبين ما فرضه الله من عند رسوله وخبر محمد بن عمران انه سئل أبا عبد الله عليه السلام فقال لأي علة صار التسبيح
في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة قال انما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأن النبي صلى الله عليه وآله لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله
عز وجل فدهش فقال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة وعن المحقق في المعتبر عن علي عليه السلام أنه قال اقرأ
في الأولتين وسبح في الأخيرتين هذه هي جملة من الاخبار التي استدل بها لأفضلية التسبيح ولكن قد يشكل ذلك بان ظاهر جل هذه الأخبار بل كاد
ان يكون صريح جملة منها عدم مشروعية القراءة في الأخيرتين وانه يتعين فيهما التحميد والتسبيح كما أنه يتعين في الأوليين القراءة فحملها على إرادة
الأفضلية في غاية الاشكال فان أغلبها أبية عن هذا الحمل كما لا يخفى على من له انس بالمحاورات العرفية إذ العرف لا يساعد على إرادة ذلك المعنى من مثل
هذه العبائر واشكل من ذلك الجمع بينها وبين خبر علي بن حنظلة المتقدمة في صدر المبحث الذي صرح فيه الإمام عليه السلام بالتسوية بين قراءة الحمد والتسبيح و
أكده بالحلف بعد ان سئل عن أن أيهما أفضل فان هذا يناقض التفضيل فضلا عن نفي شرعية القراءة رأسا كما هو ظاهر جل هذه الأخبار ان لم يكن صريحها
والذي يقوى في النظر ان المقصود بالقراءة التي دلت هذه الأخبار على اختصاص مشروعيتها بالأولتين دون الأخيرتين هي قراءة القرآن من حيث هي
التي أوجبها الله تعالى في الصلاة لئلا يكون القران مهجورا مضيعا واما الأخيرتان فلم يشرع فيهما الا التسبيح والتهليل والتكبير والدعاء فوظيفة الأوليين
ليست الا القراءة من حيث هي ووظيفة الأخيرتين ليست الا الذكر ولكن فاتحة الكتاب لها اعتباران فمن حيث إنها قران وان فيها من جوامع الخير ما ليس في غيرها
وجبت قرائتها عينا في كل من الأوليين اللتين وجب فيهما القراءة كما أوضح ذلك خبر علل الفضل المتقدم عند البحث عن تعين الفاتحة في الأوليين ومن
حيث إنها ذكر ودعاء رخص الشارع في الاتيان بها في الأخيرتين اللتين ليست وظيفتها الا الذكر والدعاء كما يشهد لذلك صحيحة عبيد بن زرارة قال
سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك وان شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء فان هذه الصحيحة
حاكمة على جميع الأخبار المتقدمة إذ المنساق من تلك الأخبار سواء كانت بصيغة الاخبار كما في جملة منها أو بلفظ الامر بالتسبيح أو النهي عن القراءة ليس الا
إرادة الحكم الوضعي أعني اعتبار التسبيح والتحميد بالخصوص في الركعتين الأخيرتين دون القراءة وهذه الصحيحة مقررة لتلك الأخبار على هذا الظاهر ورافعة
للتنافي بينه وبين الرخصة في قراءة ألفا بالتنبيه على أن وظيفة الأخيرتين التي هي الذكر والدعاء تتأدى بقراءة الفاتحة فاذن لا منافاة بين رواية علي بن
حنظلة التي وقع فيها الحلف على أنهما والله سواء بعد ان سئله عن أيهما أفضل وبين الأخبار المتقدمة الدالة على أن وظيفة الأخيرتين ليست الا
الذكر دون القراءة نعم صحيحة عبيد لا تنهض بنفسها رافعة للتنافي بين رواية ابن حنظلة التي هي نص في التسوية وبين خبر محمد بن عمران الذي وقع
فيه التصريح بأفضلية التسبيح لاشعار هذا الخبر بالمفروغية عن مشروعية القراءة في الجملة وكون الجواب مسوقا لبيان وجه أفضلية التسبيح من القراءة
المعلوم لديهم مشروعيتها اي قراءة الفاتحة وهذا ينافي التسوية المصرح بها في رواية ابن حنظلة والصحيحة المزبورة لا تصلح رافعة لهذا التنافي
ولكن خبر محمد بن عمران ليس نصا فيما ذكر فيمكن الجمع بينه وبين رواية ابن حنظلة بحمله على إرادة الأفضلية الموجبة لاختياره في مقام التشريع لا في مقام
الإطاعة كما يؤيده مناسبة العلة ويقرب احتماله المستفيضة المتقدمة النافية لشرعية القراءة من حيث هي في الأخيرتين والحاصل ان ارتكاب
التأويل في هذا الخبر أهون من ارتكابه في رواية ابن حنظلة فهو المتعين في مقام الجمع وربما يستدل أيضا الأفضلية التسبيح مطلقا بصحيحة أبي خديجة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كنت امام قوم فعليك ان تقرء في الركعتين الأولتين وعلى الذين خلفك ان يقولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر وهم قيام فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك ان يقرؤا فاتحة الكتاب وعلى الإمام ان يسبح مثل منا يسبح القوم في الركعتين
الأخيرتين إذ المراد بقوله عليه السلام فإذا كان الخ على الظاهر أنه إذا حصلت الإمامة في الأخيرتين يجب على المأمومين القراءة لأنه أول صلاتهم وعلى الإمام
ان يسبح مثل ما يسبحون في الركعتين الأخيرتين اللتين ينفردون عن الإمام فيظهر من الخبر كون وظيفة القوم التسبيح في الأخيرتين مسلمة لديهم فأريد بالرواية
بيان ان على الإمام أيضا ان يسبح مثل ما ان عليهم التسبيح وفيه ان المقصود بالرواية بحسب الظاهر بيان عدم تحمل الإمام القراءة عن المأموم المسبوق
وانه يجب على المأموم المسبوق القراءة وعلى الإمام الاتيان بما هو وظيفة الأخيرتين من التسبيح دون القراءة كما عن المأموم أيضا الاتيان في الأخيرتين بما
284

هو وظيفتهما فالمراد بالتسبيح ليس خصوصيه بل ما هو وظيفة الأخيرتين في مقابل القراءة التي وظيفة الأولتين التي يتحملها الإمام عن المأموم ولو سلم ظهورها فيما ذكر
لتعين صرفها إلى ذلك جمعا بينها وبين الاخبار الآتية التي هي كالنص في أفضلية قراءة الفاتحة للامام والله العالم وقد يستدل أيضا بالخبرين الآتيين الدالين على أن
أمير المؤمنين ومولانا الرضا عليهما السلام كانا يسبحان في الأخيرتين وسيأتي الكلام فيهما إن شاء الله واستدل للقول بأفضلية الحمد مطلقا برواية محمد بن حكيم قال سئلت أبا الحسن
عليه السلام أيهما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح فقال القراءة أفضل والتوقيع المتقدم المروي عن الاحتجاج وكتاب الغيبة للشيخ انه كتب إلى القائم
عجل الله فرجه يسئله عن الركعتين الأخيرتين وقد كثرت فيهما الروايات فبعض يرى أن قراءة الحمد وحدها أفضل وبعض يرى أن التسبيح فيهما أفضل فالفضل لأيهما
لنستعمله فأجاب عليه السلام قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح والذي نسخ التسبيح قول العالم
كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج الحديث وتقريب
الاستدلال ان السؤال وقع عن الأفضلية بعد المفروغية عن أصل الجواز والجواب أيضا بحسب الظاهر ليس الا مسوقا لبيان ذلك والمراد بالنسخ على الطاهر هو النسخ
المجازي لا الحقيقي المعلوم عدم وقوعه بعد زمان النبي صلى الله عليه وآله فهو بمنزلة قولنا كتاب الجواهر مثلا نسخ سائر الكتب الفقهية والاستدلال عليه بقول العالم
لدلالته على شدة المناسبة وكثرة الاهتمام بها بحيث لا تصح الصلاة بدونها فرعايتها مهما أمكن أولى وهذه الرواية من حيث ورودها فيما اختلفت الروايات فيه
حاكمة بظاهرها على سائر الاعتبار المختلفة هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه الرواية وتقريب الاستدلال بها للمدعى وهو لا يخلو عن وجه الا ان ما ادعيناه من
حكومة هذه الرواية على سائر الأخبار المختلفة في غير محله إذ الحكومة انما تتحقق لو أريد بالجواب بيان حكم هذا الموضوع من حيث كونه كذلك كما لو امره بالاحتياط
أو الاخذ بإحدى الروايتين عينا أو تخييرا أو نحو ذلك واما قصد به بيان حكمه الواقعي من حيث هو كما في المقام خصوصا بعد الاستشهاد له بقول العالم فليس الا كغيره
من الروايات المسوقة بظاهرها لبيان حكمه الواقعي في وجوب الجمع بينها مع الامكان والرجوع إلى المرجحات مع عدمه والحاصل انه ليس لهذا التوقيع حكومة
على سائر الأدلة فغاية ما يمكن ادعائه كونه كرواية محمد بن حكيم دليلا على أفضلية القراءة مطلقا ويدل عليه أيضا صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن كنت خلف
الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القران فلا تقرء خلفه في الأولتين وقال يجزيك التسبيح في الأخيرتين قلت اي شئ تقول
أنت قال اقرأ فاتحة الكتاب ويعارض هذه الأخبار خبر علي بن حنظلة المصرح بالمساواة وسائر الأخبار المتقدمة التي استدل بها على أفضلية التسبيح مطلقا لو سلمنا
دلالتها عليه ولكن الاخبار المفصلة الآتية تنهض شاهدة للجمع بينهما وبين جل الأخبار المتقدمة كما سنوضحه إن شاء الله واستدل للقول بأفضلية القراءة
للامام مضافا إلى عموم الخبرين المتقدمين بخصوص صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كنت اماما فاقرء في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب وان كنت
وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل وصحيحة معاوية بن عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين فقال الإمام يقرء فاتحة الكتاب
ومن خلفه يسبح فإذا كنت وحدك فاقرء فيهما وان شئت فسبح ورواية جميل بن دراج قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عما يقرء الإمام في الركعتين في اخر الصلاة
فقال بفاتحة الكتاب ولا يقرء الذين خلفه ويقرء الرجل فيهما إذا صلى بفاتحة الكتاب ولا يظهر من قوله عليه السلام ويقرء الرجل الخ استحباب القراءة للمنفرد أيضا فان وقوعه
عقيب النهي مانع عن ظهوره في الطلب وعلى تقدير ظهوره في ذلك يجب صرفه عنه وحمله على إرادة الرخصة جمعا بينه وبين غيره من الروايات ولا يعارضها
موثق محمد بن قيس أو صحيحة عن أبي جعفر عليه السلام قال كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا صلى يقرء في الأولتين من صلاته الظهر سرا ويسبح في الأخيرتين من صلاته الظهر على نحو
من صلاته العشاء (وكان يقرء من صلاته العصر سرا ويسبح في الأخيرتين على نحو من صلاة العشاء) وخبر رجاء بن أبي ضحاك انه صحب الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو فكان يسبح في الأخراوين يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
ثلاث مرات لم يكن الاجمال وجه الفعل فلا يصلح ان يكون معارضا للقول مع امكان ان يكون المقصود بخبر محمد بن قيس حكاية فعل علي عليه السلام وقت ما كان يصلي وحده أو مقتديا
بمن كان يقرء خلفه لا حال إمامته بالناس كي ينافي الأخبار المتقدمة واما خبر رجاء فلا اعتماد عليه لقصور سنده بل قيل إن رجاء بن أبي ضحاك ممن سعى في قتل الإمام عليه السلام
فلا يعول على روايته وعلى تقدير صحة الخبر فهو من الامارات المورثة للظن بان اختيار التسبيح كان أوفق بالتقية فإنه يستشعر من هذا الخبر انه عليه السلام كان يتم
في السفر ويأتي بالذكر في الأخيرتين جهرا بحيث كما يسمعه رجاء في جميع صلاته فلو كان ذلك كذلك لم يكن الا لأجل التقية وكيف كان فقد تلخص مما ذكر
ان شيئا من الروايات المزبورة لا تصلح لمعارضة الاخبار المفصلة بين الإمام وغيره بل هذه الأخبار شاهدة للجمع بين ما دل على أفضلية القراءة مطلقا وما دل على أنهما
سواء فيخصص الأول والثاني بمن عداه بل بالمنفرد لما في بعض هذه الأخبار من الدلالة على أن التسبيح للمأموم أفضل فيخصص به عمومات الأدلة
المنافية له فالذي يظهر من مجموع اخبار الباب بعد تقييد بعضها ببعض ورد متشابهها إلى محكمها هو ان الأفضل للامام القراءة وللمأموم التسبيح وهما المنفرد
سواء فهذا هو الأقوى ويظهر بما ذكرنا ضعف سائر الأقوال المنقولة في المسألة حيث إن مستندها اما الاخذ بظاهر بعض الأخبار وطرح ما ينافيه واما
بعض الاعتبارات التي لا ينبغي الالتفات إليها والله العالم وقراءة سورة كاملة بعد الحمد في الثنائية والأولتين من غيرها واجب في الفرائض مع سعة
الوقت وامكان التعلم للمختار على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا كما ادعا في الجواهر بل عن ظاهر غير واحد من الأصحاب وصريح آخرين دعوى الاجماع عليه
وعن الشيخ في المبسوط أنه قال الظاهر من روايات أصحابنا ومذهبهم ان قراءة سورة أخرى مع الحمد واجب في الفرائض ولا يجزي الاقتصار على الأقل وقيل
لا يجب وقد حكى هذا القول عن الديلمي وظاهر جملة من القدماء وقواه في المدارك وتبعه غير واحد ممن تأخر عنه وربما نسب أيضا إلى ابن الجنيد وناقشه
بعض بان ابن الجنيد يظهر من كلامه انما يرى جواز الاكتفاء ببعض السورة لا تركها رأسا وكيف كان فلا ريب ان الأول أحوط بل أقوى كما يدل عليه مضافا
285

إلى الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة ومواظبة الشيعة عليه تبعا لأئمتهم من صدر الشريعة كما يظهر ذلك بتصفح اثارهم خبر يحيى بن عمران الهمداني قال كتبت
إلى أبي جعفر عليه السلام جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدء ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها فقال
العياشي ليس بذلك باس فكتب بخطه يعيدها مرتين على رغم انفه يعني العياشي واستدل له أيضا بصحيحة منصور بن حازم قال قال أبو عبد الله عليه السلام لا تقرء في المكتوبة
بأقل من سورة ولا بأكثر منها ونوقش فيه بان النهي عن الأكثر على سبيل الكراهة كما ستعرف فكذلك الأقل والا للزم استعمال النهي في المعنيين وفيه
ما عرفته عند توجيه موثقة ابن بكير المتقدمة في مبحث لباس المصلي من أن رفع اليد عن ظاهر الامر أو النهي بالحمل على الاستحباب أو الكراهة بالنسبة إلى بعض مصاديقه
بقرينة منفصلة لا يوجب صرفهما على ظاهرهما فيما عداه ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في معنيين نعم قد يتأمل في دلالتها على المدعى نظرا إلى أن محط
النظر في الرواية هو المنع عن التبعيض والقران وهو لا ينافي الرخصة في تركها رأسا ولكن سوق التعبير
يشعر بالمفروغية عن أصل القراءة فليتأمل وحسنة
عبد الله بن سنان بابن هاشم عن أبي عبد الله عليه السلام للمريض ان يقرء فاتحة الكتاب وحدها ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار ومفهوم
صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بان يقرء الرجل بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا وربما يستدل
بهذه الصحيحة ونظائرها للاستحباب إذ المراد بها بحسب الظاهر الحاجة العرفية فالرخصة بالترك لدى الاستعجال تنافي الوجوب ولا أقل من كونها من امارات
الاستحباب وفيه منع التنافي كما سنوضحه نعم هي موهنة بظهورها في إرادة الحرمة ولكن لا على وجه يسقطه عن الاعتبار خصوصا مع اعتضاده بغيره من الشواهد
والمؤيدات وصحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب قال نعم قلت فإذا قرأت الفاتحة اقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم مع السورة قال نعم فان السؤال في المقام انما هو عن وجوب قراءة البسملة والا فجوازها بل استحبابها غير قابل للسؤال هكذا قيل في توجيه
الاستدلال وفيه ان من الجائز وقوع السؤال بلحاظ وجوبها الشرطي اي جزئيتها من السورة لا الشرعي نعم في الخبر اشعار بمغروسية اعتبار السورة
في الصلاة كالفاتحة فهو لا يخلو عن تأييد ونحوه وقوله عليه السلام في رواية الفضل بن شاذان المتقدمة في صدر المبحث عن الرضا عليه السلام وانما امر الناس بالقراءة
في الصلاة لئلا يكون القران مهجورا مضيعا وليكن محفوظا مدروسا ولا يضمحل ولا يجهل وانما بدء بالحمد في كل قراءة الخ فإنه يدل على وجوب قراءة الأزيد
من الحمد في الجملة واستدل أيضا بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الواردة في المأموم المسبوق قرء في كل ركعة فما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب
وسورة فإن لم يدرك سورة تامة أجزأته أم الكتاب الحديث وفي صحيحة معاوية بن عمار من غلط في سورة فليقرء قل هو الله أحد ثم ليركع وصحيح العلا عن محمد عن أحدهما
قال سئلته عن الرجل يقرؤ السورتين في الركعة فقال لا لكل ركعة سورة والفقه الروضي يقر سورة بعد الحمد في الركعتين الأوليين ولا يقرء في المكتوبة سورة
ناقصة وخبر محمد بن إسماعيل قال سئلته قلت أكون في طريق مكة فتنزل للصلاة في مواضع فيها الاعراب أيصلي المكتوبة على الأرض فيقرء أم الكتاب
وحدها أم يصلي على الراحلة فيقرء فاتحة الكتاب والسورة قال إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة وغيرها وإذا قرأت الحمد وسورة أحب إلي ولا أرى بالذي
فعلت باسا في الوسائل بعد نقل الخبر قال في تقريب الاستدلال به للمدعى حاكيا عن بعض المحققين ما لفظه لولا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك
الواجب من القيام وغيره ونوقش فيه بان امر الإمام عليه السلام بالصلاة على الراحلة من جهة ثبوت أصل الخوف هناك المستفاد من قوله فتنزل للصلاة في
مواضع فيها الاعراب لا لرعاية السورة ضرورة ان الاتيان بالسورة في مثل الفرض ليس موجبا لأصل الخوف بل لزيادته فالإمام عليه السلام بين له جواز الصلاة
على الراحلة فموارد الخوف وقال إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة وغيرها فقوله عليه السلام وإذا قرأت الحمد والسورة أحب إلي على عكس المطلوب أدل
حيث إن ظاهره ارادته وقت ما يصلي على راحلته وربما يستدل له بتقريب اخر وهو انه يظهر من كلام السائل انه كان يرى وجوب السورة وقد قرره الإمام على
ذلك فلو لم يكن السورة واجبة لردعه عن ذلك ونحوه في الدلالة عليه من هذه الجهة بعض الأخبار الآتية واستدل له أيضا غير واحد بان قراءة
السورة هي المعروفة من فعل النبي والأئمة عليهم السلام فيجب التأسي بهم والتلقي منهم فان العبادات توفيقية يجب الاقتصار فيها على الكيفية الصادرة من صاحب
الشرع قال في محكى المنتهى وقد تواتر النقل عنه صلى الله عليه وآله انه صلى بالسورة بعد الحمد وداوم عليها وذلك يدل على الوجوب أقول وقد يناقش
في هذا الدليل بابتناءه على وجوب التأسي وهو ممنوع بل التأسي فيما لم يعلم وجهه مستحب ويمكن دفعه بان هذا ليس من باب التأسي بل من باب تشخيص المهية
التي اخترعها الشارع وسماها صلاة بفعله الماتى به بقصد ايجاد تلك المهية فان حال من شاهد صلاة النبي صلى الله عليه وآله أو اطلع تفصيلا بكمها
وكيفها ليس الا كحال من رأي طبيبا اخترع معجونا انه صنع ذلك المعجون وركبه من عدة اجزاء علم بها تفصيلا فلو امره سيده بايجاد ذلك المعجون
يجب ايجاده على حسب ما رآه من ذلك الطبيب فان لعله الماتى به يقصد تركيب ذلك المعجون بنظر العرف والعقلاء طريق إلى معرفة اجزائه وليس له الاخلال
بشئ مما رأى أن ذلك الطبيب جعله جزء منه وان احتمل عدم لزومه فلا يقبل الاعتذار بالجهل بلزومه بخلاف ما لو لم يعلم أنه جعل هذا الشئ حال
التركيب اجزائه فإنه لا يجب الالتزام به وان علم بأنه غير مضر بل محسن له الامر باب حسن الاحتياط نعم لو علم من حال ذلك الطبيب ان غرضه عند
ايجاد ذلك المعجون لم يتعلق بصرف حصول مسماه بل بالفرد المشتمل على خصوصيات زائدة كالصلاة الصادرة من الصادق عليه السلام لتعليم حماد لا ينعقد حينئذ لفعله
ظهور في كون المشكوك فيه معتبرا في مسمى ذلك الشئ فيرجع بالنسبة إليه إلى ما يقتضيه الأصول العملية من البراءة والاشتغال وملخص الكلام انه لا يبعد ان يقال
286

ان الفعل الصادر من العارف تحقيقه له ظهور عرفي يعتد به لدى العقلاء ناشئ من شهادة الحال في أن الاجزاء دخلا في تحقق العنوان المقصود بذلك الفعل
ولكن الشان في اثباته وجواز التعويل عليه الا ان ما ادعى تواتره من مدلولته النبي صلى الله عليه وآله على قراءة السورة فهو مما يتحقق هذا الظهور كما أن ما اشتهر
عنه صلى الله عليه وآله في الكتب الاستدلالية من قوله صلى الله عليه وآله صلوا كما رأيتموني أصلي يصحح التعويل عليه فليتأمل وربما يستدل له أيضا بالاخبار الدالة على تحريم
العدول من سورة التوحيد والجحد إلى ما عدى سورة الجمعة والمنافقين كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا فتحت صلاتك بقل هو الله أحد
وأنت تريد ان تقرء غيرها فامض فيها ولا ترجع الا ان يكون في يوم الجمعة الحديث إلى غير ذلك من الاخبار الآتية في محلها إن شاء الله وتقريب الاستدلال
انه لولا وجوب السورة لما وجب المضي فيها بمجرد الشروع ولم يكن العدول حراما وفيه تأمل وكيف كان فعمدة المستند لاثبات المدعى وصحة التعويل على مثل
هذه الأدلة وان أمكن الخدشة في كثير منها لو لوحظ كل واحد واحد من حيث هو اما بقصور في دلالته أو سنده انما هو اشتهار القول به بين الخاصة قديما
وحديثا واستفاضة نقل اجماعهم عليه المعتضد بعدم معروفية خلاف يعتد به فيما بين القدماء بل معروفية وجوب السورة في الصلاة اجمالا بين أصحاب
الأئمة الذين هم الأصل في استكشاف رأي المعصوم من اجماعهم كما يستشعر ذلك أو يستظهر من كثير من رواياتهم التي وقع فيها السؤال عن الاجتزاء بفاتحة
الكتاب وحدها في مقام الضرورة والاستعجال كخبر علي بن جعفر المروي وعن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يكون مستعجلا أيجزيه ان يقرء
في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها قال لا بأس ورواية الحسن الصيقل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أيجزي عني ان أقول في الفريضة فاتحة الكتاب إذا كنت
مستعجلا أو اعجلني شئ قال لا بأس وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن الذي لا يقرء بفاتحة الكتاب في صلاته قال لا صلاة له الا ان يقرئها
في جهر أو اخفات قلت أيما أحب إليك إذا كان خائفا أو مستعجلا يقرء سورة أو فاتحة الكتاب قال فاتحة الكتاب إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيدات التي
يستكشف منها معروفية اعتبار السورة في الصلاة في الجملة لدى الخاصة من الصدر الأول فلا ينبغي الارتياب فيه خصوصا بعد اعتضاده بما تقدمت حكايته
عن المنتهى من دعوى تواتر النقل عن النبي صلى الله عليه وآله انه صلى بالسورة بعد الحمد وداوم عليها وبغيره من الأدلة المتقدمة والله العالم واستدل
للقول بعدم الوجوب اي استحباب السورة بصحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول بان فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة وصحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة وفيه ان مقتضى الجمع بينهما وبين صحيحة الحلبي المتقدمة الدالة على اختصاص الجواز بما
أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا انما هو تقييد اطلاق الخبرين بحملهما على صورة الاستعجال والضرورات العرفية كما ليس بالبعيد حيث إن الغالب ان المصلي لا
يقتصر على الأقل عما تعود عليه بلا ضرورة مقتضية له واستدل له أيضا بالمستفيضة الدالة على جواز التبعيض بضميمة الاجماع المركب المدعى في كلام بعض
على ما ذكره شيخنا المرتضى رحمه الله صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سألته عن رجل قرء في ركعة الحمد ونصف سورة هل يجزء في الثانية ان لا يقرء
الحمد ويقرء ما بقي من السورة قال يقرء الحمد ثم يقرأ ما بقي من السورة وصحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل قرء سورة في ركعة فغلط يدع المكان الذي غلط
فيه ويمضي في قرائته أو يدع تلك السورة ويتحول عنها إلى غيرها قال كل ذلك لا بأس به وان قرء آية واحدة فشاء ان يركع بها ركع وخبر أبان بن عثمان عمن اخبره
عن أحدهما عليهما السلام قال سألته هل يقسم السورة في الركعتين فقال نعم اقسمها كيف شئت وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن السورة أيصلي
الرجل بها في ركعتين من الفريضة قال نعم إذا كانت ست آيات قرء بالنصف منها في الركعة الأولى والنصف الأخير في الركعة الثانية وصحيحة عمر بن يزيد قال
قلت لأبي جعفر عليه السلام ايقرء الرجل السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة فقال لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات وهذه الرواية وان احتملت الحمل على تكرار السورة
في الركعتين الا ان التقييد بأكثر من ثلاث آيات لا يظهر له وجه على هذا التقدير والله العالم وصحيحة علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن بعض السورة فقال
اكره ذلك ولا بأس به في النافلة بناء على أن يكون المراد بالكراهة ما يقابل الحرمة ولكن إرادة هذا المعنى منها في الاخبار غير ظاهرة وصحيحة إسماعيل بن الفضل
قال صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام فقرء بفاتحة الكتاب واخر سورة المائدة فلما سلم التفت الينا فقال اما اني أردت ان أعلمكم وخبر سليمان بن أبي عبد الله قال صليت
خلف أبي جعفر عليه السلام فقرء بفاتحة الكتاب ولبى من البقرة فجاء أبي فسئل فقال يا بني انما صنع ذا ليفقهكم ويعلمكم وفيه بعد تسليم الاجماع المركب والغض عما حكى
عن ظاهر الإسكافي من القول بجواز التبعيض ان هذه الأخبار لا تصلح لمعارضة الأخبار المتقدمة الدالة بظاهرها ولو باعتضاد بعضها ببعض على وجوب قراءة
سورة كاملة فان تلك الأخبار حتى مكاتبة يحيى التي هي أقواها دلالة على المدعى وان كانت قابلة للحمل على الاستحباب الا ان احتمال إرادة الاستحباب من تلك الأخبار
ليس بأقوى من احتمال جرى الاخبار النافية للبأس عن ترك السورة أو تبعيضها مجرى التقية فان هذا الاحتمال وان كان في حد ذاته من الاحتمالات
المرجوحة التي لا يعتني بها مهما أمكن الجمع بين الاخبار بارتكاب تقييد أو تخصيص أو تأويل في أحدها ولكن في خصوص المقام ونظائره الامر بالعكس حيث إن
اتفاق كلمة أصحابنا عدى من شذ على وجوب قراءة سورة كاملة بعد الحمد وخلاف جمهور أهل الخلاف على ما نقل عنهم من اتفاقهم على استحباب السورة وجواز
تبعيضها جعل احتمال التقية في هذه الأخبار أقوى من احتمال إرادة خلاف الظاهر في تلك فلا وجه حينئذ لرفع اليد عن اصالة الظهور الجارية في تلك
الروايات بإجراء اصالة عدم التقية في هذه بل العكس أولى الا ان نقول بحكومة هذا الأصل على تلك وفيه تأمل هذا مع امكان ان يقال إن اعراض الأصحاب
عن ظواهر الأخبار الدالة على جواز الترك أو التبعيض أسقطها عن درجة الاعتبار فضلا عن صلاحيتها للمعارضة بل قد يقال بان قوله عليه السلام في صحيحة
287

إسماعيل اما اني أردت ان أعلمكم وفي خبر سليمان انما صنع ذا ليفقهكم ويعلمكم قرينة على صدور هذه الأخبار تقية إذ المراد بهما بحسب الظاهر تعليمهم جواز
التبعيض للتقية وهو لا يخلو عن اشكال إذ المجوز للتبعيض على تقدير وجوب سورة كاملة هو نفس التقية لا تعليمها مع أن ظاهر الخبرين انه لم يكن الا للتعليم فهو
لا يناسب الوجوب اللهم الا ان يقال إن التقية (واسعة) فمهما تحقق موردها اي المحل الذي لا يأمن المكلف من مخالفتهم جاز له اختيار كل ما يرونه جائزا في مقام
امتثال تكاليفه من غير فرق بين اختيار ما هو صحيح في الواقع وبين غيره فكما ان له الافتاء بجواز قراءة البعض تقية كذلك له اختيارها في الصلاة وان كان
قراءة مجموع السورة أيضا غير منافية للتقية فإنهم يرون جوازه فعلى هذا يجوز في مقام التقية ترجيح قراءة البعض التي هي في حد ذاتها غير جائزة لولا التقية لأجل
ان يفقههم ويعلمهم وكيف كان فالانصاف ان في اعتذاره عليه السلام عن فعله وفعل أبيه عليهما السلام في الخبرين المزبورين اشعارا بكونه تقية وان غرضه
من التعليل في الخبر الأول ردع شيعته عن التأسي بفعله الذي هو كالنص في الجواز ولعل في اجمال ما اراده بالنفقة وعدم شرحه لهم أيضا ايماء إليه والحاصل
ان هذه الأخبار بعد اعراض الأصحاب عنها وقوة احتمال جريها مجرى التقية لا تصلح معارضة لما عرفت فالقول بوجوب سورة كاملة مع أنه أحوط لا يخلو عن
قوة ولكن هذا انما هو في الفرائض مع سعة الوقت والاختيار دون النوافل أو الفرائض لدى الضرورة أو العجز عن قرائتها ولو لضيق الوقت عنها أو عن تعلمها إذ
غاية ما يمكن استفادته من الأدلة المتقدمة انما هو وجوبها في الفرائض في الجملة والقدر المتيقن منه انما هو في
حال السعة والاختيار وليس في شئ من الأدلة
عموم أو اطلاق يمكن استفادة شرطيتها منه على الاطلاق كما لا يخفى على المتأمل هذا مضافا إلى ما عن المعتبر والمنتهى وغيره التصريح بعدم الخلاف في نفي وجوبها
في ما عدى الفرائض مع الاختيار وسعة الوقت وامكان التعلم ويشهد له في النوافل مضافا إلى الأصل والاجماعات المحكية المستفيضة المعتضدة بعدم نقل
الخلاف فيه عن أحد رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال يجوز للمريض ان يقرء في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها ويجوز الصحيح في قضاء صلاة
التطوع بالليل والنهار والمراد بقضاء صلاة التطوع بحسب الظاهر مطلق فعلها لا خصوص القضاء المصطلح وخبر إسماعيل بن جابر أو عبد الله بن سنان
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اني أقوم اخر الليل وأخاف الصبح قال اقرأ الحمد واعجل واعجل ويمكن الخدشة في دلالة هذا الخبر بامكان كون الاكتفاء بالحمد وحدها
كما هو المتبادر من الرواية لرعاية الوقت لا لجوازه من حيث هو فليتأمل وقوله عليه السلام في صحيحة منصور بن حازم المتقدمة لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة
ولا بأكثر منها فإنه مشعر بل ظاهر في اختصاص المنع عن الأقل والأكثر بالفريضة الا ان مفادها جواز الاكتفاء بالأقل لا تركها رأسا واصرح منه في الدلالة
على ذلك صحيحة علي بن يقطين المتقدمة المصرحة بنفي البأس عن بعض السورة في النافلة ويدل على المدعى أيضا خبر السكوني المتقدم في مبحث المواقيت عن جعفر
عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله تنفلوا ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين الخ على ما رواه السيد ابن طاوس في كتاب فلاح السائل من زيادة قوله عليه السلام
قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وما معنى خفيفتين قال يقرء فيها الحمد وحدها الحديث ثم إن المراد بالنوافل التي قلنا بجواز الاقتصار فيها على قراءة الحمد هي النوافل المطلقة التي
لم يعتبر الشارع فيها كيفية خاصة مأخوذا فيها السورة المطلقة أو سورة خاصة بعدد مخصوص كصلاة الاعرابي ونحوها والا فلا يشرع الاتيان بها معراة عن
كيفيتها المخصوصة الا إذا قصد بها امتثال مطلق الامر بالنافلة لا النافلة الخاصة كما هو واضح وكذا لا يجب السورة في الفرائض أيضا مع الاضطرار حتى الضرورة
العرفية كما يشهد له مضافا إلى الأصل وعدم الخلاف فيه بل الاجماع عليه كما عن بعض دعواه المستفيضة المتقدمة الدالة عليه في المستعجل بل قضية اطلاق تلك
النصوص ككلام بعض ممن حكى عنه دعوى الاجماع على جواز تركها للمستعجل كفاية مطلق الاستعجال لغرض ديني ولو لم يبلغ حد الوجوب أو دنيوي ولو لم يبلغ حد
الاضطرار بل مطلق الحاجة التي تجعله أضر به فوتها دينا أو اخرة أم لا ولا مانع عن الالتزام به بعد مساعدة الدليل عليه لجواز ان لا يكون المصلحة المقتضية للالزام
بشئ مقتضية له الا على تقدير تمكن المكلف من تحصيله بسهولة من دون ان يترتب عليه فوت شئ من مقاصده العقلائية فيرتفع بهذا استبعاد كون مطلق الحاجة
عذرا في ترك الواجب ويدل عليه أيضا في الجملة بحسنة ابن سنان المتقدمة التي وقع فيها التصريح بأنه يجوز للمريض ان يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها بل
قد يقال إن مقتضى اطلاق هذا الخبر أيضا جواز تركه للمريض مطلقا وان لم يشق عليه أصلا وفيه نظرا إذ المنساق إلى الذهن من المريض في مثل هذه الموارد بواسطة
المناسبات المغروسة فيه ليس الا المريض الذي يشق عليه إطالة الصلاة ويطلب تخفيفها واما سقوطها مع ضيق الوقت عن أداء الصلاة تماما في وقتها مع السورة
أو لدى (العي) عن تعلمها فعمدة مستنده ما تقدمت الإشارة إليه من قصور ما دل على اعتبار السورة في الصلاة عن شمول مثل هذه الفروض مع ما عن غير واحد من
دعوى الاجماع عليه فما عن جملة من المتأخرين من التردد أو الميل أو القول بعدم السقوط ضعيف إذ لا مستند له ولو على القول بأصالة الاحتياط في الشك
في الجزئية إذ الاحتياط في المقام غير ممكن لمعارضته بالاحتياط برعاية الوقت بل قد يقتضي الاحتياط تركها من غير معارض كما لو ضاق الوقت الا عن أداء ركعة
بلا سورة فان مقتضى الاحتياط حينئذ هو الاتيان بركعة منها كذلك في الوقت واتمامها في خارجه ثم اعادتها ان لم يكن التأخير إلى أن تضيق الوقت لمانع شرعي
من حيض ونحوه والا فلا إعادة كما لا يخفى وربما يستدل أيضا لسقوطها مع الضيق بفحوى ما دل عليه في المستعجل فان ادراك الصلاة في وقتها غرض
مطلوب للعقلاء والمتدينين وناقش فيه شيخنا المرتضى رحمه الله بقوله واما الوجه المزبور فيشكل بان مرجع ادراك مجموع الصلاة في وقتها ان كان إلى
الغرض الدنيوي أو الديني المندوب فهو على فرض تسليمه لا يوجب أزيد من الرخصة والمقصود العيزمة وان كان إلى الغرض الديني الحتمي فهو فرع الامر بادراك
الصلاة في الوقت وهو بعد فرض السورة جزء منها ممنوع ضرورة عدم جواز الامر بفعل في وقت يقصر عنه وسقوط السورة حينئذ عين محل الكلام وأهمية الوقت
288

انما هي بالنسبة إلى الشرائط الاختيارية دون الاجزاء الا ان يتمسك بفحوى تقديم الوقت على كثير من الشرائط التي علم أنها أهم في نظر الشارع من السورة انتهى ولا
يخفى عليك ان قضية ما ادعيناه من قصور ما دل على الوجوب عن شمول صورة الضيق ونحوه كون تركها لدى الضيق عزيمة كما أشار إليه شيخنا المرتضى رحمه الله في عبارته
المتقدمة إذ لا يعقل الرخصة في فعلها المستلزم لفوات الواجب المضاد لها وهو الاتيان بسائر الاجزاء قبل خروج وقتها ولكن لو قرئها لم تبطل صلاته على اشكال في
بعض فروضه كما ستعرفه في مسألة ما لو قرأ سورة طويلة يفوت بها الوقت وكيف كان فمحل السورة سواء قلنا بوجوبها أو استحبابها انما هو بعد الفاتحة نصا
واجماعا بل ضرورة ولو خالف الترتيب وقدم السورة على الحمد أعادها أو غيرها بعد الحمد عامدا كان أم ساهيا وحكى عن الفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم
القول ببطلان صلاته مع العمد بل في الجواهر لم أجد أحدا صرح بالصحة قبل الأردبيلي فيما حكى عن مجمعه وبعض اتباعه ويحتمل كون اطلاق المتن منزلا على غير صورة العمد
كما يؤيد هذا الاحتمال تصريحه باستيناف الصلاة فيما لو خالف الترتيب المعتبر بين كلمات الحمد وآياتها عمدا مع أن المسئلتين بحسب الظاهر من واد واحد فلا يعقل
فرقا بينهما اللهم الا لن ينزل اطلاق حكمه باستيناف الصلاة في تلك المسألة على ما لو كان الاخلال بالترتيب موجبا لخروج الكلام عن القرآنية ودخوله في
كلام الآدميين وكيف كان فعمدة مستند القول بالبطن انه ان أعادها بعد الحمد فقد زاد في صلاته عمدا فيعمه ما دل على أن من زاد في صلاته فعليه الإعادة
والا فقد نقص في صلاته وقد يستدل له أيضا بان تقديم السورة على الحمد تشريع فتندرج بذلك في الكلام المحرم الذي ادعى الاجماع على كونه مبطلا للصلاة
وبانه لا خلاف في حرمة تقديم السورة على الفاتحة والنهي في العبادة يستدعي فسادها من غير فرق بين ان يكون النهي متعلقا بنفسها أو بجزئها لأن مال الأخير أيضا
إلى النهي عن العبادة المشتملة على هذا الجزء وان شئت قلت إن الصلاة المشتملة على مخالفة الترتيب منهى عنها فلا تصح وفي الجميع نظر كما يظهر وجهه بمراجعة
ما أسلفناه في مسألة ما لو اتى بشئ من افعال الصلاة رياء ثم تداركه قبل فوات محله فلا نطيل بالإعادة وقد يستدل له أيضا بحصول القران وفيه بعد تسليم
حرمة القران ومبطليته للصلاة فهو غير صادق على مثل المقام خصوصا على تقدير إعادة تلك السورة التي قدمها على الفاتحة بعينها كما ستعرف تحقيقه إن شاء الله
فالأقوى عدم بطلان الصلاة بتقديم السورة مع العمد أيضا فضلا عن السهو واما مع السهو فلا شبهة بل لا خلاف فيه ويشهد له أيضا مضافا إلى الاجماع
وفحوى ما عرفته في العمد عموم قوله عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة الخ وخصوص خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد انه سأل أخا عن رجل افتتح
الصلاة فقرء سورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة قال يمضي في صلاته ويقرء فاتحة الكتاب فيما يستقبل وما في ذيل الخبر من الامر بقراءة الفاتحة فيما
يستقبل بحسب الظاهر مسوق لبيان كيفية المضي في صلاته دفعا لتوهم الاكتفاء بما مضى بانيا على مضي محل الفاتحة فكأنه قال يمضي في صلاته مبتدئا من الفاتحة واحتمال
ان يكون المراد به انه يقرء الفاتحة فيما يستقبل من الركعات ويكتفي بما قرأه في هذه الركعة مع كونه تأويلا بلا شاهد ومخالفته بحسب الظاهر للاجماع منفي بالأدلة
الدالة على وجوب تدارك الحمد ما لم يركع كموثقة سماعة الآتية وغيرها من الأدلة الدالة عليه ونظيره في الضعف احتمال إرادة الاكتفاء بالفاتحة وحدها في هذه
الركعة من غير إعادة السورة إذ ليس في الخبر اشعار بهذا فضلا عن الدلالة عليه فيبقى استصحاب بقاء التكليف بقراءة السورة سليما عن المعارض نعم قد يتوهم
ان مرجع تقديم السورة نسيانا إلى نسيان الحمد قبلها فهو حين قراءة السورة غير مكلف بقراءة الحمد لا تكليفا ولا وضعا اما الأول فواضح واما الثاني فلاختصاص
جزئية الحمد بحال التذكر فالسورة عند قرائتها وقعت مطابقة لأمرها وتذكره للحمد فيما بعد لا يوجب انقلاب السورة مما وقعت عليه وفيه ان المفروض
تذكره للحمد قبل فوات محله فلم ينتف جزئيته لهذه الصلاة كي تقع السورة في محلها فوقوعها موافقة لأمرها عند نسيان الفاتحة مراعى بعدم تذكره لها قبل فوات
محلها والا لوقعت السورة قبلها لا في محلها وهي يكتفي في الصورتين اي في حال العمد والسهو بإعادتها أو غيرها بعد الحمد كما هو ظاهر المتن وصريح المدارك
أم عليه استيناف القراءة لو كان رجوعه عن قصد التشريع أو تذكره لمخالفة الترتيب بعد تلبسه بقراءة الفاتحة أو فراغه منها وجهان بل قولان من أن الاخلال
بالترتيب كما يوجب تقديم المتأخر كذلك يوجب تأخير المتقدم فلا يتحقق معه عرفا صدق البدأة بفاتحة الكتاب في قرائته لو لم يستأنفها مع أنه يعتبر في
صحة الصلاة صدق هذا العنوان كما شهد له صحيحة محمد بن مسلم قال سألته عن الذي لا يقرء فاتحة الكتاب في صلاته قال لا صلاة له الا ان يبدء بها في جهر أو اخفات
وموثقة سماعة قال سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب قال فليقل أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ان الله هو السميع العليم ثم
ليقرأها ما دام لم يركع فإنه لا قراءة حتى يبدء بها في جهر أو اخفات ومن أن المراد بالبدأه بفاتحة الكتاب على ما ينسبق إلى الذهن انما هو تقديمها على غيرها
من القران الواجب قرائته في الصلاة اي الاتيان بها قبل السورة من غير أن يكون عنوان الابتدائية أو القبلية قيدا في مهية المأمور به كي يجب قصده و
هذا المعنى يتحقق بإعادة السورة بعد الحمد بعد الغاء ما قرأه أولا هذا مع أن المقصود بالروايتين بيان بطلان الصلاة أو القراءة العارية عن الفاتحة التي
محلها الموظف شرعا في ابتداء القراءة المعتبرة في الصلاة لا بيان اعتبار وصف الابتدائية من حيث هي للفاتحة كي ينافيه تأخرها عن قراءة غير معتد بها
وكيف كان فهذا هو الوجه الأقوى ولكن قد يقال بوجوب الاستيناف في العامد نظرا إلى في لاعتداد بما اتى به من الفاتحة وغيرها من افعال الصلاة ما لم
يرتدع عما قصده من مخالفة الترتيب فها قصد المخالفة ينافي العزم على الصلاة الصحيحة المبرئة للذمة فلا يتحقق معه استدامة النية المعتبرة في الصلاة وحيث انا
قد حققنا في محله ان استدامة النية انما تعتبر حال التلبس بافعال الصلاة لا مطلقا فلو اكتفى بالفاتحة التي قرأها قبل ان يرتدع عن قصده بطلت صلاته لاختلال
شرطها وان تداركها قبل فوات محلها صحت إذ لا يلزم منه الا شبهة الزيادة العمدية وغيرها مما عرفت عدم قادحيتها للصحة ويمكن دفعه يمنع التنافي
289

بين مخالفة الترتيب عمدا والعزم على فعل الصلاة المبرئة لذمته والا لم يتحقق التشريع بتقديمه للسورة لأن حصول التشريع بذلك موقوف على قرائتها بقصد
جزئيتها للصلاة المأتى بها امتثالا لامر الله إذ لولا ايقاعها بهذا الوجه لا يندرج في موضوع التشريع ضرورة ان الاتيان بها لا بقصد الجزئية أو بقصد
جزئيتها لصلاة غير تامة الاجزاء والشرائط اي الصلاة الفاسدة الغير المأمور بها في الشريعة ليس بتشريع فالتشريع انما يتحقق فيما لو كان عازما على أداء
الصلاة وقدم السورة على الفاتحة بقصد كونه جزء منها وهذا النحو من القصد انما يعقل تحققه من العامد العالم بمخالفة عمله لما هو المشروع في حقه بعد بنائه
على المسامحة والمساهلة في الأحكام الشرعية وتنظيرها على المقاصد العرفية التي يتسامح فيها بمثل هذه التغييرات لا مع الالتفات التفصيلي إلى مخالفة عمله
للمشروع (وبطلانه) فان للتصورات التفصيلية آثارا ليس لها تلك الآثار لدى اجمالها فقد ترى المكلف المتسامح في عمله يقدم الصلاة على وقتها عند مزاحمتها لما
يقصده بعد الوقت من سفر ونحوه وقد يمسك من الاكل مقدارا من أول الليل عوضا عن الافطار الصادر ومنه في أول يومه الذي يجب فيه الصوم أو ينوي
التقريب بصلاته التي يعلم اجمالا باختلال كثير من اجزائها وشرائطها إلى غير ذلك من الأمور التي كثيرا ما يصدر من المتسامحين في الدين قاصدين بها الخروج
عن عهدة تكاليفهم مع عملهم بعدم موافقتها لها الا بالمسامحة وملخص الكلام ان من خالف الترتيب وقدم السورة على الحمد بانيا على الاقتصار عليها وعدم
قرائتها بعد الحمد فان نوى بذلك ابطال صلاته وعدم الاتيان بها على النحو المقرر في الشريعة فلا يكون عمله تشريعا بل يندرج في موضوع المسألة الباحثة
عن أن نية الاخلال بالصلاة وابطالها هل هي مبطلة أم لا وقد تقدم تحقيقه في محله وعرفت فيما تقدم انها بنفسها غير مبطلة ولكنه لا اعتداد بالافعال الماتى
بها مع هذه النية بل عليه تداركها مع الامكان كما تقدم الإشارة إليه انفا وان نوى به الاتيان بذلك الجزء الذي محلها بعد الفاتحة من باب المسامحة
وعدم الاعتناء بالاختلاف الناشي من هذا النحو من التغيير فيندرج في موضوع مسئلتنا ويتحقق به عنوان التشريع
ولا يكون فعله منافيا لبقاء عزمه على أداء الصلاة
فلا مقتضى حينئذ لاستيناف القراءة فليتأمل تنبيه حكى عن الذكرى انه بعد ان حكم بالبطلان في صورة العمد قال لو لم تجب السورة لم يضر التقديم على الأقرب
لأنه اتى بالواجب وما سيق قران لا يبطل الصلاة نعم لا يحصل له ثواب قراءة السورة بعد الحمد ولا يكون مؤديا للمستحب انتهى واعترض عليه بعدم الفرق بين
القول بوجوب السورة أو استحبابها في حصول الزيادة (العمدية) التشريعية لو قدمها بنية الجزئية كما هو مناط البطلان لدى القائلين به ويمكن دفعه بمنع حصول
الزيادة على تقدير الاستحباب لما أشرنا إليه من أن العامد العالم بمخالفة تقديم السورة على الحمد للمشروع لا يتأتى منه قصد كون السورة التي قدمها على الحمد
جزء من صلاته التي قصد بها التقرب الا بعد بنائه مسامحة على جواز تقديمها ببعض القياسات والمناسبات التي لا يلتفت إليها شرعا وعرفا لولا المسامحة فلو بنينا
على استحباب السورة يكون حالها في الواقع كذلك فان مطلوبيتها بعد الحمد ليس الا بعنوان كونها شيئا من القران وهي بهذا العنوان مطلوبة في الصلاة مطلقا لاستفاضة
النصوص على مشروعية مطلق القراءة والذكر والدعاء في الصلاة وظهور بعض أدلتها في صيرورتها من اجزائها المستحبة لا مستحبا خارجيا واقعا في أثنائها
فيكون مطلوبية مقدار خاص منها ان قراءة سورة كاملة بعد الحمد من باب الأولوية والفضل فلو قدمها ولو بقصد الجزئية لا يتحقق به زيادة ولا تشريع ولكن
لا يحصل به ثواب قراءة السورة بعد الحمد ولا يكون مؤديا لهذا المستحب ولو سلمنا حصول الزيادة المبطلة فإنما هي لو أعادها أو غيرها بعد الحمد إذ لو اكتفى بما قرأه
قبل الحمد لا يتحقق عنوان الزيادة عرفا وحيث لا يتعين عليه القراءة بعد الحمد على القول بالاستحباب لا يلزم من تقديمه للسورة بطلان صلاته حيث يجوز له تركها بعد
الحمد بل يجب بناء على حصول الزيادة المبطلة بإعادتها وكلام الشهيد منزل على صورة الاكتفاء بما قرأه أولا كما يشهد له حكمه بعدم استحقاقه اجر قراءة السورة
بعد الحمد واما على القول بالوجوب حيث يدور امره بين الاخلال بترك جزء أو الزيادة العمدية لا يعقل بقائها بصفة المطلوبية كي يوصف بالصحة فليتأمل
ولا يجوز ان يقرء في الفرائض شيئا من سور العزائم على المشهور بين أصحابنا بل عن جملة من الأصحاب دعوى اجماعنا عليه ولم ينقل الخلاف فيه من أحد من القدماء الا
من الإسكافي وتبعه بعض متأخري المتأخرين مع أن عبارة الإسكافي المحكية عنه غير صريحة في ذلك فإنه قال لو قرء سورة من العزائم في النافلة سجد وان كان
في فريضة أو ماء فإذا فرغ قرئها وسجد فيحتمل الحمل على صورة السهو أو التقية الداعية لقرائتها أحيانا مضافا إلى ما عن الروض من احتمال ان يريد بالايماء ترك
قراءة آية السجدة بقرينة قوله فإذا فرغ قرئها وسجد كما يناسب مذهب الإسكافي من جواز تبعيض السورة هذا ولكن لا يخفى ما في هذا الاحتمال من البعد
وكيف كان فيدل على المشهور ومضافا إلى الاجماعات المستفيضة المعتضدة بالشهرة خبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال لا تقرأ في المكتوبة بشئ من العزائم
فان السجود زيادة في المكتوبة وموثقة سماعة قال من قرء اقرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد فإذا قام فليقرء فاتحة الكتاب وليركع وقال إذا ابتليت بها مع
امام لا يسجد فيجزيك الايماء والركوع ولا تقرأ في الفريضة واقرء في التطوع وموثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يقرء في المكتوبة سورة
فيها سجدة من العزائم فقال إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها فان أحب ان يرجع فيقرء سورة غيرها ويدع التي فيها السجدة فيرجع إلى غيرها وعن الرجل
يصلي مع قوم لا يقتدي بهم فيصلي لنفسه وربما قرأوا آية من العزيمة فلا يسجدون فيها فكيف يصنع قال لا يسجد وظاهرها جواز التبعيض ولكن يشكل
الالتزام به لشذوذه ومعارضته بغيره مما عرفته في صدر المبحث وخبر علي بن جعفر المروي عن كتابه وعن قرب الإسناد انه سئل أخاه موسى عليه السلام عن
الرجل يقرء في الفريضة سورة والنجم أيركع بها أو يسجد ثم يقول فيقرء بغيرها قال يسجد ثم يقوم فيقرء فاتحة الكتاب ويركع وذلك زيادة في الفريضة ولا يعود
يقرء في الفريضة بسجدة أقول سوق السؤال في هذه الرواية يقتضي بكون جواز قراءة العزائم في الصلاة لدى السائل من الأمور المسلمة المفروغ عنها
290

بحيث لم يكن يتوهم المنع عن أصل القراءة في الفريضة فسئل عن انه عند قرائتها سورة النجم التي يكون آية السجدة في اخرها وليس بعدها قراءة هل يترك سجدة العزيمة ويركع
عن هذه القراءة أم يسجد للعزيمة ثم يقوم فيقرء غيرها ويركع فاجابه الإمام عليه السلام أولا عما كان محط نظره في السؤال من بيان ما هو وظيفته عند قراءة العزيمة في الصلاة
التي يجوز قرائتها فيها ثم نبه على أن خصوص المورد ليس مما يجوز فيه ذلك لأن ذلك زيادة في الفريضة فلا يعود يقرء فيها بسجدة وربما يستدل بهذه الرواية
للكراهة حيث يظهر من صدرها جوازه فيحمل ما في ذيلها من النهي عنه في الفريضة على الكراهة كما ربما يؤيده النهي عن العود من غير أن يأمره بإعادة ما مضى وفيه
انه لا يبقى للصدر ظهور في الجواز بعد ان صرح في الذيل بان ذلك زيادة في الفريضة ونهاه عن أن يعود وعدم امره بإعادة ما مضى لعله لكون السؤال مبنيا على
الفرض أو للاكتفاء بما بينوه على سبيل الكلية وضرب القاعدة من أن من زاد في صلاته فعليه الإعادة أو لكون الجاهل معذورا أو غير ذلك من الوجوه المقتضية للاهمال
واستدلوا أيضا للمدعى بان ذلك اي قراءة العزيمة في الفريضة مستلزم للمحرم ومستلزم المحرم محرم اما الصغرى فلانه لا يخلو اما ان يسجد في أثناء الصلاة
فيلزم زيادة السجدة في أثنائها عمدا أم لا بل يؤخرها إلى أن يفرغ من الصلاة فيلزم الاخلال بالواجب الفوري واما الكبرى فظاهر واعترض عليه بابتنائه على
حرمة زيادة السجدة في الصلاة مطلقا وان لم يكن لأجل الصلاة وعلى كون الوجوب للسجدة فوريا بحيث ينافيه التأخير إلى أن يفرغ من الصلاة وهما ممنوعان وأجيب
عن ذلك بفساد المنع المزبور فان تعليله عليه السلام المنع من القراءة بقوله عليه السلام السجود زيادة في المكتوبة يكفي لاثبات المقدمتين الممنوعتين إذ لو لم يكن زيادة السجدة
مطلقا محرمة لما استقام التعليل وكذلك الحال بالنسبة إلى الفورية وفيه ان هذا خروج عن الاستدلال بهذا الدليل إذ الاستدلال بكل دليل مبني على الاغماض عما
عداه من الأدلة التي قد لا يلتزم بمفادها الخصم أو يلتزم به لمحض التعبد أو على ضرب من التأويل كما هو الشأن في باب المناظرة ويتوجه على الدليل المزبور أيضا
منع كون قراءة العزيمة مستلزمة للمحرم لأن السجدة اما تجب فورا بقرائتها مطلقا حتى في أثناء الصلاة أم لا فعلى الأول لا حرمة في زيادتها بل تجب وعلى الثاني يجوز
تأخيرها فهي غير مستلزمة للمحرم نعم هي سبب لامر الشارع اما بزيادة السجدة التي لولا هذا السبب لكانت محرمة أو بتأخير السجدة التي لولا أنها في الصلاة لوجبت
فورا وليس للعقل استقلال بقبح مثل هذا السبب أو حرمته وما يقال من أن التسبيب إلى مزاحمة المضيقين الموجب لسقوط أحدهما ولو كان بأمر الشارع بمنزلة ترك
الساقط اختيارا لا يخلو عن تأمل نعم قضية التعبد بظواهر الأخبار الناهية عنه المعللة بان السجود زيادة في المكتوبة هي الالتزام بحرمته ان لم نقل بظهور
مثل هذه النواهي في كونها مسوقة لبيان مجرد الحكم الوضعي أعني بطلان الصلاة بزيادة السجدة التي تجب بقراءة العزائم كما لا يخلو عن وجه وان كان الأوجه دلالتها
على الحكم التكليفي أيضا وأوضح منها دلالة على ذلك ما لم يشتمل منها على التعليل المزبور كموثقتي سماعة وعمار المتقدمتين كما لا يخفى فالأظهر ما هو المشهور من حرمة
قراءة العزائم في الصلاة خلافا لما يظهر من المدارك من الميل بل القول بالجواز فإنه بعد ان نقل استدلال المشهور بالدليل العقلي المزبور وناقش فيه ببعض المناقشات
المزبورة واستدل لهم برواية زرارة المتقدمة وناقش فيها بضعف السند قال وبإزائها اخبار كثيرة دالة على الجواز ثم ذكر جملة من الاخبار الآتية التي يظهر منها الجواز
إلى أن قال ويمكن الجمع بينها وبين رواية زرارة المتقدمة بحملها على الكراهة كما يشهد به رواية علي بن جعفر انه سئل أخاه موسى عليهما السلام عن الرجل يقرء في الفريضة
سورة والنجم وساق الحديث كما قدمنا نقله ثم قال والحق ان الرواية الواردة بالمنع ضعيفة جدا فلا يمكن التعلق بها فان ثبت بطلان الصلاة بوقوع هذه السجدة في
أثنائها وجب القول بالمنع من قراءة ما يوجبه من هذه السور يلزم منه المنع من قراءة السورة كلها ان أوجبنا قراءة سورة بعد الحمد وحرمنا الزيادة اي على سورة
وان أجزنا أحدهما اختص المنع بقراءة ما يوجب السجود خاصة وان لم يثبت بطلان الصلاة بذلك كما هو الظاهر اتجه القول بالجواز مطلقا وتخرج الأخبار الواردة
بذلك شاهدة انتهى أقول اما الاستشهاد بخبر علي بن جعفر للجمع بين الاخبار بحمل النهي على الكراهة ففيه ما عرفته انفا من ظهور هذه الرواية بنفسها في الحرمة واما
المناقشة في الرواية الواردة في المنع بضعف السند فهي وان كانت وجيهة لديه حيث لا يجوز العمل الا بالروايات الصحيحة المصطلحة ولكن لدينا ضعيفة جدا لانجبار
ضعفه لو كان بالاجماعات المستفيضة التي كادت تكون متواترة المعتضدة بالشهرة وشذوذ المخالف هذا مع استفاضة اخبار المنع واعتضاد بعضها ببعض مع كون
بعضها بنفسها موثقة واما الاخبار المعارضة لها التي يستظهر منها الجواز فمنها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الرجل يقرء السجدة في اخر السورة قال
يسجد ثم يقول فيقرء فاتحة الكتاب ثم يركع ويسجد وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن الرجل يقرء السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال يسجد
إذا ذكر إذا كانت من العزائم وخبر وهب بن وهب عن أبي عبد الله عن علي عليهم السلام قال إذا كان اخر السورة السجدة أجزاك ان تركع بها أقول قضية الجمع
بين هذه الروايات وبين الأخبار المتقدمة التي ورد فيها النهي عن قرائتها في الفريضة دون النافلة حمل هذه الأخبار على النافلة هذا مع أن هذه الروايات
ليست مسوقة لبيان أصل الجواز كي يفهم منها ذلك في جميع الصلوات على الاطلاق بل هي مسوقة لبيان حكم اخر فلا يصح التعلق بها لاثبات الجواز في الفرائض الا ان
يدعى ان المتبادر إلى الذهن من الروايات الواردة فيما يتعلق بالصلاة إرادة الفرائض فليتأمل ومنها خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن صليت مع
قوم فقرء الإمام اقرأ باسم ربك الذي خلق أو شيئا من العزائم وفرغ من قرائته ولم يسجد فاوم ايماء والحائض تسجد إذا سمعت السجدة أقول المراد بالإمام
في هذه الرواية امام المخالف فلا تدل على جوازه كي يعارض الأخبار المتقدمة بل في بعض تلك الأخبار التنبيه على الحكم المذكور في هذه الرواية وصحيحة علي بن جعفر
المروية عن التهذيب عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن امام قوم قرء السجدة فأحدث قبل ان يسجد كيف يصنع قال يقدم غيره فيتشهد ويسجد وينصرف هو
وقد تمت صلاته وعن قرب الإسناد نحوه الا أنه قال يقدم غيره فيسجد ويسجدون وينصرف وقد تمت صلاته وهذه الصحيحة ظاهرة في الفريضة وحملها على النافلة
291

بعيد في الغاية لعدم جواز الجماعة فيها الا في مواضع نادرة وقد يجاب عنها بالحمل على النسيان وفيه ما لا يخفى من البعد والأولى حملها على التقية كما أن المتجه حمل سائر الأخبار
أيضا عليها لو انحصر المحمل بها إذا لجواز مذهب جمهور أهل الخلاف على ما نقل عنهم فلا يصلح الأخبار الدالة عليه معارضة للروايات الدالة على المنع وتقديم
الجمع على الطرح بحمل اخبار المنع على الكراهة لا يخلو عن اشكال فان ما فيها من التعليل بان السجود زيادة في المكتوبة قد يأبى عن هذا الحمل خصوصا مع مخالفته للمشهور
أو المجمع عليه والله العالم ثم انا قد أشرنا انفا إلى أن المتبادر من الأخبار الناهية عن قراءة العزائم كغيرها من النواهي المتعلقة بكيفيات العبادة إرادة الحكم الوضعي
اي مانعية ما تعلق به النهي أو شرطية عدمه لا محض الحكم التكليفي ولكن مفادها بمقتضى ما فيها من التعليل بان السجود زيادة في المكتوبة ان مانعيتها عن صحة
الصلاة بلحاظ ما توجبه من فعل السجدة في أثناء الفريضة لا من حيث هي فالمنافي لفعل الصلاة هي السجدة التي تجب بقرائتها ولكن النهي تعلق بقرائتها من حيث كونها
موجبة للسجدة فالمقصود بالنهي على حسب ما يقتضيه ظاهر التعليل أولا وبالذات هو اية السجدة كما هو صريح موثقة عمار المتقدمة لا مجموع السورة ولكن بناء
على وجوب قراءة سورة كاملة وحرمة القران وحصوله بقراءة سورة وبعض من أخرى حرم قراءة المجموع كما نبه عليه في المدارك وحيث لم نقل بحرمة القران ولا بحصوله
بما ذكر فالمتجه عدم حرمة ما عدى اية السجدة كما يؤيده بل يشهد له الموثقة المزبورة ولا ينافيه ظهورها في جواز التبعيض فان رفع اليد عن ظاهر فقرة من الرواية لابتلائها
بمعارض ونحوه لا يسقطها عن الاعتبار بالنسبة إلى سائر فقراتها فما عن بعض من القول بحرمة الجميع وبطلان الصلاة بمجرد الشروع ضعيف اللهم الا ان ينزل كلامه
على صورة العزم على قراءة المجموع بعنوان الجزئية وامتثال الامر بقراءة سورة كاملة فيحرم جميعها حيث التشريع وتبطل الصلاة بمجرد الشروع بناء على بطلان
الصلاة بمطلق الكلام المحرم أو الزيادة التشريعية الحاصلة في مثل الفرض ولكنك عرفت مرارا ضعف كل من البنائين فالأقوى اختصاص المنع بقراءة اية السجدة لا
غير وهل تبطل الصلاة بقرائتها من حيث هي أم لا تبطل الا بفعل السجدة فلو تركها عصيانا وقرء سورة أخرى ومضى في صلاته صحت صلاته وجهان من ظهور الرواية
المعللة في أن المنافي لفعل الصلاة انما هي زيادة السجدة المتوقفة على فعلها لا القرابة من حيث هي ومن أن الامر بايجاد السجدة المنافية لفعل الصلاة مرجعة
إلى الامر بابطال الصلاة بفعل المنافي لا يعقل معه بقاء الامر بالمضي في صلاته كما هو لازم في لبطلان لرجوعه إلى المناقضة ومن هنا حكموا ببطلان صلاة من
وجب عليه اخراج ما يدافعه من الاحداث عند تضرره بإمساكها فلا يتوقف ما ذكر على ادعاء ان الامر بالسجدة
يستلزم النهي عن ضدها كي يناقش بالمنع ولا على أن
الامر بشئ مانع عن طلب ضده كي يقال بان هذا فيما إذا كان الطلب المتعلق بكل منهما مطلقا واما إذا كان أحدهما مشروطا بعدم الخروج عن عهدة التكليف
بالاخر فلا كما تقدم توضيحه في مبحث التيمم لما أشرنا إليه من أن الامر بايجاد المنافي في الحقيقة امر بالابطال وهو يناقض الامر بالمضي هذا ولكن الحق ان ارجاع الامر
بالسجدة بل وكذا التكلم والحدث وغيرها من الافعال المنافية للصلاة إذا كان الامر متعلقا بها من حيث هي لا من حيث مبطليتها للصلاة إلى الامر بابطالها الذي
يناقضه الامر بالمضي مغالطة ولكن ما أشرنا إليه من امكان مطلوبية المضي في الصلاة على سبيل الترتب اي مشروطا بكونه تاركا للسجدة الواجبة عليه منجزا لا يجدي
في الحكم بصحة صلاته على تقدير ترك السجدة والمضي فيها إذ المتبادر عرفا من الامر بايجاد المبطل كما هو ظاهر اخبار الباب بحسب مدلولها الالتزامي ان الشارع
لم يرد المضي في هذه الصلاة بل أوجب نقضها بهذا الشئ فيخصص بهذه الاخبار عموم ما دل على وجوب المضي أو جوازه ولا يبقى معه طلب تقدير مصحح لصلاته على
تقدير المضي نعم ما ذكر انما يجدي فيما لو كان الحاكم بالتخصيص العقل من باب مزاحمته لواجب أهم حيث إن العقل لا يستقل بعدم مطلوبية غير الأهم الا على تقدير
في لقدرة عليه من حيث اشتغاله بضده الأهم لا مطلقا بخلاف ما لو كان التخصيص مستفادا من دليل لفظي كما في المقام فليتأمل ولو تعذر عليه السجدة لمرض أو
تقية ونحوها وقلنا بأنه يجوز له في مثل الفرض قراءة العزيمة اختيارا في غير حال الصلاة وفي النوافل هل له ان يقرأها في الفريضة فيه تردد من اطلاق النهي عن
قرائتها في النصوص والفتاوي ومعاقد الاجماعات المحكية على الحرمة ومن اقتضاء التعليل الوارد في الاخبار من أن السجود زيادة في المكتوبة قصر الحكم على
مورد العلة وهو ما إذا كانت قرائتها موجبة للسجدة التي تتحقق بها الزيادة في المكتوبة لا مطلقا وهذا الوجه هو الأقوى الا ان المبني أعني جواز قرائتها اختيارا مع
العلم بعدم التمكن من سجدتها لا يخلو عن اشكال فليتأمل ودعوى انه عند تعذر السجود يجب الايماء بدلا عنه فهو بحكم مبدله في كونه زيادة في المكتوبة قابلة للمنع
إذ لو سلم صغراه أعني وجوب الايماء بدلا عنه كما ربما يشهد له في الجملة بعض الأخبار الآتية فلا نسلم كبراه أعني كونه زيادة في المكتوبة وانما اعترفنا بذلك في مبدله
من باب التعبد والالتزام بالاخبار الدالة عليه الكاشفة عن أن العبرة في زيادة السجدة في الصلاة لدى الشارع بحصول هذه المهية التي جعلها الشارع جزء
منها زائدا عما اعتبره فيها وان لم يكن مأتيا بها بقصد جزئيتها للصلاة فلا يقاس عليها غيرها مما لم يدل عليه دليل شرعي خصوصا في مثل الايماء الغير المجانس لها
اجزاء صلاته إذ مع المجانسة كما في السجدة وأشباهها قد لا يأبى العرف عن اطلاق اسم الزيادة نظرا إلى مجرد الصورة والاغماض عن أن القصد من مقومات مهيتها
وهذا بخلاف غير المجانس كما ربما يشهد له مضافا إلى ذلك بعض الأخبار الآتية التي وقع فيها الامر بالايماء بدلا عن السجدة في أثناء الفريضة والله العالم
وكيف كان فلو جوز قرائتها في الفريضة في مثل الفرض ففي الاجتزاء بها عن السورة الواجبة في الصلاة اشكال فان ما دل على وجوب قراءة سورة كاملة قد
تخصص بالاخبار الناهية عن قراءة العزيمة واختصاص حرمتها بصورة التمكن من السجدة غير مجد في صحتها في غير تلك الحالة فان كونها محرمة أو غير محرمة من
أحوال الفرد المخرج ولا يتعدد به افراد العام فلا يبغى للأدلة الدالة على قراءة سورة كاملة بعد ورود التخصيص عليها بالاخبار الناهية عن قراءة العزيمة دلالة
على ارادتها من تلك الأدلة في غير حال حرمتها اللهم الا ان يدعى استفادة الاجتزاء بها في غير الصورة التي تعلق بها النهي من نفس الأخبار الناهية إذ المبادر
292

منها إرادة النهي عن قراءة العزيمة في الصلاة على حسب ما يقرء غيرها من السور القرآنية امتثالا للامر بقراءة السورة وقضية قصر الحكم على مورد العلة جواز
ايقاعها بهذا الوجه لو لم يستلزم زيادة في المكتوبة فتصح ان قلت فالاخبار الناهية على هذا منصرفة عما لو قرأها لا بقصد جزئيتها من الصلاة قلت
نعم ولكن يفهم حرمتها من العلة المنصوصة كما يفهم منها حرمة استماعها مع أنه خارج عن مورد النص هذا مع امكان ان يقال إن مفاد الأخبار الناهية بواسطة
ما فيها من التعليل انما هو تقييد السورة التي تجب قرائتها في الفريضة بعدم كونها موجبة لزيادة السجدة كتقييدها بعدم كونها من حيث الطول مفوتة للوقت لا اخراج
ذوات هذه السورة من حيث هي من عموم ما يجب قراءة في الصلاة كي يتوجه عليه الاشكال المزبور فافهم وكيف كان فلا فرق على الظاهر بين قراءة اية السجدة
واستماعها كما عن جماعة التصريح به فان استماعها أيضا كقرائتها موجب لزيادة السجدة في المكتوبة فلا يجوز كما لا يجوز قرائتها لعموم العلة المنصوصة
وهل تبطل الصلاة بمجرد الاستماع أم لا تبطل الا بفعل ما يوجبه من السجدة الوجهان المزبوران في قرائتها وحكى عن التذكرة أنه قال لو سمع في الفريضة فان
أوجبناه اي السجود أو استمع أومى وقضى انتهى وربما يستشعر من كلامه عدم حرمة الاستماع كالسماع ويحتمل رجوعه إلى ما حكى عن غير واحد من الفرق
بين القراءة والاستماع في المبطلية دون الحرمة فحكموا بحرمة القراءة وابطالها للصلاة وحرمة الاستماع ولكنه لا يسجد لها بل يمضي في صلاته فكان محط
نظرهم في الفرق المزبور ما يظهر من بعضهم من التسالم على أن الكلام المحرم مبطل للصلاة قرانا كان أم غيره فمتى قرء العزيمة بطلت صلاته وتنجز التكليف بسجدتها
فورا من غير أن يعارضه تكليف اخر وهذا بخلاف ما لو استمعها فإنه وان ارتكب الحرام ولكن لم تبطل صلاته إذ ليس كل محرم مبطلا ما لم يكن كلاما فيدور امره
بعد الاستماع بين محذورين اما ابطال الصلاة أو الاخلال بالواجب الفوري اي السجدة ورعاية الأول أولى لدى الشارع كما ينبأ عن ذلك بعض الأخبار
الامرة بالايماء في أثناء الصلاة في بعض الفروع الآتية مضافا إلى أن المرجع بعد تزاحم الواجبين وتعارض دليلهما إلى استصحاب حرمة القطع ووجوب
المضي وعلى تقدير الخدشة فيها فالتخيير فلا يتعين عليه ابطال الصلاة وقطعها بسجدة العزيمة ولا ينافيه ظاهر الخبر الذي وقع فيه تعليل الحرمة بان السجود
زيادة في المكتوبة الذي هو عمدة مستند الحكم بحرمة الاستماع إذ لا يكاد يفهم من ذلك الا ان السجود في أثناء الفريضة مبطل لها فلا يجوز فعل موجبة واما
انه عند فعل ما يوجبه يتعين عليه السجود فلا يفهم من الخبر لامكان ان يكون النهي عن موجبة لاستلزامه اما الاخلال بما يقتضيه الموجب أو ابطال الصلاة بفعل
السجود فورود المجذور فعلا وتركا هو السبب للنهي لا ان السجود الزائد المبطل لما كان لازما بمجرد تحقق الموجب كان فعل الموجب حراما لكونه سببا لابطال
الصلاة كي يكون المحذور والموجب للنهي هو خصوص وجوب فعل السجود في الصلاة المستلزم لبطلانها بمقتضى التعليل هذا ولكن الانصاف ظهور الاخبار
بل صراحة بعضها كخبر علي بن جعفر الذي وقع فيه السؤال عمن قرء سورة والنجم في الفريضة في وجوب الاتيان بالسجود في الأثناء وان ذلك زيادة في الفريضة
فلا يقرء العزيمة فيها كي يضطر إلى أن يزيد في الفريضة بالتسبيب بل هذا هو الذي ينسبق إلى الذهن من التعليل بان السجود زيادة في المكتوبة حيث إن ظاهره
ان زيادة السجدة التي تجب بقراءة العزيمة هي العلة بذاتها للحرمة لا بما يلزمها من محذور اخر أعم اي لزوم مخالفة أحد التكليفين فالأقوى وجوب السجدة فورا
عند ايجاد سببها من غير فرق بين القراءة والاستماع فتبطل الفريضة بها ان لم نقل بحصول البطلان بمجرد التكليف بايجاد المبطل كما لا يخلو عن وجه ولا يقاس
ذلك بما لو تحقق سببها من غير اختار كما لو قرأها غفلة عن كونها عزيمة أو سمعها بلا قصد حيث لم ينقل القول ببطلان الصلاة به عن أحد وان احتمله بعض
إذ غاية ما يمكن استفادته من التعليل بالتقريب المزبور انما هو لزوم الاتيان بالسجدة التي تتحقق بها الزيادة في المكتوبة عند الاتيان بموجبها اختيارا واما
انه متى تحقق موجبه ولو من غير اختيار وجب العمل بما يقتضيه من فعل السجدة فورا ولو في أثناء الفريضة فلا يكاد يفهم من ذلك فإنه انما استفدنا كون ما دل
على فورية السجود مقدما على حرمة القطع عند اختيار سببه بدلالة تبعية غير مقصودة بالخطاب ناشئة من جعل زيادتها من حيث هي علة لتحريم موجبه لا المحذور
المترتب عليه فعلا وتركا فالموارد التي لا يصلح أن تكون زيادته موجبة لتحريم سببه لكونها خارجة عن اختيار المكلف خارج عن مورد العلة منطوقا و
مفهوما فلا يمكن استفادة فورية السجدة فيها من ذلك الا بتنقيح المناط وهو غير منقح ولو سلم دلالته عليه فيرفع اليد عنه بالنسبة إلى ما لم يكن السبب اختياريا
بالنصوص الآتية الدالة عليه في الجملة المتمم بعدم القول بالفصل مضافا إلى عدم خلاف يعتد به فيه على الظاهر وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف بين
الأصحاب في أنه لو قرء العزيمة سهوا أو سمعها لم تبطل صلاته ولكنهم اختلفوا بين قائل بتأخير السجود وقائل بأنه يؤمي في الأثناء بدلا عنه وقائل بأنه يجمع
بين الايماء في الصلاة والسجود بعدها وعن كاشف الغطاء انه يسجد في الأثناء بناء منه على عدم بطلان الصلاة بسجدة العزيمة لمنع صدق الزيادة في الصلاة
بالاتيان بفعل خارج مثابة للفعل الصلواتي من حيث الصورة بل مخالف له بناء على أنه لا يعتبر في سجدة التلاوة تساوي موضع الجبهة والموقف وغيره مما اعتم
في سجدة الصلاة ولعموم بعض الرويات الدالة على وجوب السجدة في أثناء الصلاة وفيه مالا يخفي فإنه اجتهاد في مقابلة النص المصرح بان السجود زيادة
في المكتوبة وقد أشرنا في مقام توجيه الرواية إلى أنه إذا تعذر حملها على إرادة ظاهرها من كونه زيادة في الصلاة حقيقة بحسب ما يتفاهم عرفا من لفظ
الزيادة وجب حملها على إرادة الزيادة الحكمية أو إرادة كونه فعلا زائدا واقعا في أثناء الصلاة مخلا بها وكيف كان فالتعبير الواقع في النصوص بان السجود
زيادة في الفريضة كالنص على كونه مخلا خصوصا مع اعتضاده بفهم الأصحاب وفتواهم بل عن غير واحد دعوى الاجماع على بطلان الفريضة بسجدة العزيمة كما
ربما يؤيده أيضا بل يشهد له بعض الأخبار الآتية التي وقع فيها الامر بالايماء بدلا عن السجود إذا كان في الفريضة واما بعض الروايات التي زعم دلالتها
293

على وجوب السجدة في الأثناء فالمراد بها بحسب الظاهر مثل صحيحة محمد بن مسلم وغيرها مما عرفت في صدر المبحث من تعين حملها على النافلة أو التقية فالقول بوجود السجدة في
الأثناء وعدم انتقاض الصلاة بها مع شذوذه في غاية الضعف مع أنه محجوج بخبر علي بن جعفر الآتي نعم ربما يستأنس له بما في مضمرة سماعة المتقدمة من قوله
عليه السلام إذا ابتليت بها مع امام لا يسجد فيجزيك الايماء والركوع وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن صليت مع قوم فقرء الإمام اقرأ باسم ربك الذي
خلق أو شيئا من العزائم وفرغ من قرائته ولم يسجد فاوم ايماء والحائض تسجد إذا سمعت السجدة لاشعارها بان لو سجد الإمام عليه ان يسجد ولا ينتقض به صلاته و
لكنك خبير بان المراد بهما بيان الحكم عند ابتلائه بالصلاة مع من يأتم به تقية فلا مانع عن الالتزام بما استشعر منهما في موردهما من وجوب السجود لو سجد الإمام من
باب المماشاة وعدم انتقاض صلاته به لأن التقية أوسع من ذلك فلا يفهم من ذلك جوازه اختيارا كي يستأنس بهما للقول المزبور نعم يفهم منهما عدم سقوط
فورية السجود وبدلية الايماء عنه وعدم كون الايماء في أثناء الفريضة منافيا لها فهما شاهدان للقول الثاني وأوضح منهما شهادة له خبر علي بن جعفر المروي عن كتابه
عن أخيه عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرء انسان السجدة كيف يصنع قال يؤمي برأسه قال وسئلته عن الرجل يكون في صلاته فيقرء اخر
السجدة فقال يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع ثم يقوم فيتم صلاته الا ان يكون في فريضة فيؤمي برأسه ايماء فهذا القول هو الأقوى واستدل للقول بوجوب
التأخير بالأصل اي استصحاب وجوب المضي في الصلاة وحرمة قطعها أو اصالة براءة الذمة عن التكاليف بالسجدة في الأثناء بعد دعوى انصراف دليل فوريتها عن
صورة التشاغل بالفريضة أو معارضة بما دل على النهي عن ابطال الفريضة وهو لا يخلو عن قوة لولا الأخبار المتقدمة الدالة على عدم سقوط فورية السجود
وقيام الايماء مقامه واما معها فلا وجه لهذا القول كما أنه لا وقع لما استشكله العلامة الطباطبائي بعد ان أفتى ببدلية الايماء عملا بالنص من مساواة البدل
للمبدل في كونه زيادة في الفريضة فقال في منظومته ويسجد الداخل في نفل وفي فريضة يؤمي له ويكتفي للنص والقول به قد يشكل إذ كان في حكم السجود البدل
والأصل بالتأخير فيه يقضي إذ منع البدار حق الفرض إذ بعد تسليم النص لا يبقى موقع لهذا الاشكال فإنه نص في أنه ليس بحكم مبدله في الاخلال بالفريضة
كيف وقد امر بالبدل فرادا عن حكم مبدله هذا مضافا إلى ما حققناه فيما سبق من اختصاص هذا الحكم بالمبدل تعبدا وعدم تسريته إلى بدله ولو لم يرد به نص
بل جاء به من باب الاحتياط أو قياسا على سجدة الصلاة التي يؤمي بدلا عنها عند تعذرها فراجع حجة القول بوجوب الجمع بين الايماء والسجدة بعد
الصلاة قاعدة الاشتغال إذ التكليف مردود بين الامرين فلا يحصل القطع بتفريغ الذمة عما اشتغلت به يقينا الا بهما وفيه انه ان اعتبرنا النص الدال على
بدلية الايماء كما هو الحق فهو وارد على قاعدة الشغل والا فمقتضى الأصل عدم تنجز التكليف بالسجود ما دام تشاغله بالصلاة وبرائة الذمة عن التكليف بالايماء
بدلا عنه وعدم شرعيته فهذا القول أضعف من سابقه فالأقوى وجوب خصوص الايماء ولكن الأحوط السجود
أيضا بعد الصلاة خروجا عن شبهة الخلاف هذا
حكمه إذا تجاوز اية السجدة سواء أكمل السورة أم لا وهل يكتفي بما أكمله أو باكمال ما بقي أم لا وجهان بل قولان أوجههما الأول ووجه العدم عدم اعتناء الشارع
بها في مقام الجزئية ويضعف بان المستفاد من الأدلة والفتاوي ان في لاعتناء من حيث حرمته الناشئة من سببيته للسجدة وحيث لو يصلح هذه الجهة للتأثير
في قبح فعله من حيث صدوره عنه لعدم كونه بهذا العنوان اختياريا له لا مانع عن صحته كصلاة جاهل الغصبية وناسيها على ما عرفته في محله ولو شرع في
في قبح فعله من حيث صدوره عنه لعدم كونه بهذا العنوان اختياريا له لا مانع عن صحته كصلاة جاهل الغصبية وناسيها على ما عرفته في محله ولو شرع في
السورة ثم ذكر قبل بلوغ اية السجدة عدل إلى سورة أخرى وان تجاوز النصف للنهي عن قراءة هذه السورة وبقائه في عهدة التكليف بقراءة سورة كاملة ولو
بحكم الأصل وما دل على تحديد العدول بما إذا لم يتجاوز النصف على تقدير تسليمه والغض عن سنده ومعارضاته كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله لا يشمل ما نحن فيه
لظهوره في العدول اقتراحا ولا يقدح أيضا في المقام حرمة القران لو قلنا بها لاختصاصها بصورة التعمد في الزائد والمزيد عليه فاحتمال بطلان الصلاة الدور انها
بين محذوري القران وتبعيض السورة ضعيف واضعف منه ما عن الذكري من احتمال وجوب الاتمام ثم الايماء للسجود وقضائه قال على ما حكى عنه لو قرء
أيضا وجهان من تعارض عمومين أحدهما المنع من الرجوع هنا مطلقا والثاني المنع من زيادة السجدة وهو أقرب وان منعناه أومى بالسجود ثم يقضيها ويحتمل وجوب
الرجوع ما لم يتجاوز السجدة وهو قريب أيضا مع قوة العدول مطلقا ما دام قائما انتهى وفي كلماته مواقع للنظر يظهر وجهه مما مر ومما يضعف أيضا الاحتمال
المزبور مضافا إلى ما عرفت من أنه لا مقتضى لا تمامها بعد تعلق النهي بقرائتها ما في موثقة عمار المتقدمة من التصريح بأنه إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها ثم إن
المعروف بين الفقهاء على ما حكى عنهم اختصاص المنع بالفريضة فيجوز قرائتها في النوافل وفي الحدائق الظاهر أنه لا خلاف فيه وعن الخلاف الاجماع عليه
ويدل عليه مضافا إلى الأصل واستشعار اختصاص النهي عنها بالفريضة من أدلته خصوص مضمرة سماعة ورواية علي بن جعفر المتقدمتين وغيرهما من الأخبار الدالة
على الجواز المصروفة إلى النافلة بشهادة غيرها مما عرفت وعليه ان يسجد في الأثناء متى قرء أو استمع اية السجدة وكذا لو سمعها ان أوجبناها باسماع
كما يدل عليه جملة من اخبار الباب مضافا إلى عموم أدلته بل له ان يسجد في الأثناء لو سمعها وان لم نقل بوجوبها بالسماع بل بالاستحباب كما يشهد له بعض الأخبار
المتقدمة ويستحب له إذا كانت السجدة في اخر السورة ان يسجد ثم يقوم فيقرء فاتحة الكتاب ثم يركع كما صرح به في رواية علي بن جعفر وحسنة الحلبي
أو صحيحته ومضمرة سماعة المتقدمتان في صدر المبحث ولا يجب عليه ذلك بل له ان يركع بها كما يشهد له خبر وهب بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام عن علي عليهم السلام
قال إذا كان اخر السورة السجدة أجزأك ان تركع بها وكذا لا يجوز ان يقرء ما يفوت الوقت بقرائته على المشهور بل عن بعض دعوى في لخلاف فيه وعن اخر
294

نسبته إلى الأصحاب ويدل عليه رواية سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تقرء في الفجر شيئا من ال حم إذ الظاهر كون النهي لفوت
الوقت كما افصح عن ذلك ما رواه أيضا سيف بن عميرة عن عامر بن عبد الله قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من قرء شيئا من ال حم في صلاة الفجر فاته الوقت وقد
يناقش في الاستدلال بان المراد بالوقت في هذا الخبر بحسب الظاهر هو وقت الفضيلة ضرورة ان وقت الاجزاء أوسع من ذلك فلابد من حمل النهي على الكراهة
ويمكن دفعه بعد تسليم ان المراد بالوقت في الرواية هو الوقت الأول كما هو الظاهر بان هذا لا ينفي دلالة النهي على الحرمة فيما هو محل الكلام توضيح ذلك أنه
يفهم من مجموع الخبرين ان قراءة ما يفوت الوقت بقرائته منهى عنه وان علته كونه موجبا لفوات الوقت وهذه العلة يقتضي صرف النهي عن ظاهره بالحمل على ما
يناسبه علته في كل مورد بحسبه فلو بنينا مثلا على أن تفويت الوقت الأول اختيارا حرام للحاضر ومكروه للمسافر لكنا نلتزم بان قراءة ما يوجبه أيضا بحكمه
اخذا بظاهر ما يفهم من الخبرين من تعدية المنع المتعلق بالتفويت إلى القراءة الموجبة له وحيث إن تفويت وقت الاجزاء حرام يكون النهي المسبب عنه المتعلق
بسببه أيضا كذلك وكون مورد النص خصوص الوقت الأول الذي يجوز تقوية غير قادح إذ العبرة بعموم ما يفهم من الخبر لا بخصوص المورد وكان هذا هو
السر في أنه لم يناقش أحد ممن عثرنا على كلماتهم في الاستدلال بالخبر المزبور من هذه الجهة ولا يلزم مما ذكرناه من اختلاف ما يقتضيه النهي حرمة وكراهة بحسب
الموارد على حسب ما يقتضيه علته كونه مستعملا في معنيين كما يظهر وجهه مما حققناه في مبحث لباس المصلي في توجيه موثقة ابن بكير فليتأمل ويمكن الاستدلال
له أيضا بان الواجب عليه مع ضيق الوقت الصلاة مع سورة يسعها الوقت لامتناع كونه مكلما بما يقصر عن أدائه الوقت فاتيان غيرها بقصد الجزئية تشريع
محرم واما لو لم يقصد بها الجزئية فلا تحرم القراءة من حيث هي وان استلزمت محرما لأن مستلزم المحرم ليس بمحرم نعم لو قلنا بان الامر بالشئ يستلزم النهي
عن ضده اتجه القول بحرمتها مطلقا ولكن الحق خلافه كما تحقق في محله اللهم الا ان يستدل عليه باطلاق الخبر المزبور فإنه وان كان منصرفا إلى ما لو قرأها بقصد الجزئية
كاطلاق فتاوي الأصحاب ولكن قضية ما يفهم من مجموع الخبرين من كون النهي لفوات الوقت التعميم فهو لا يخلو عن قوة وهل تبطل الصلاة أيضا بقرائتها
قولان ربما يستشعر من كلماتهم ان أولهما اشهر بل المشهور بل عن الحدائق نسبة التحريم والبطلان إلى الأصحاب بل عن بعض القول بالبطلان بمجرد الشروع
وعمدة المستند للبطلان ما سبق في نظائر المسألة من استلزامه الزيادة التشريعية وان النهي المتعلق بجزء العبادة يستلزم فساد كلها لصيرورة الكل بواسطة
جزئه منهيا عنه وان القراءة المحرمة كلام أجنبي مبطل للصلاة وقد تبين فيما سبق ضعف الجميع ولذا تردد فيه بل قوى في لبطلان غير واحد من المتأخرين
إذ لا يترتب عليه الا ترك السورة القصيرة التي كان مكلفا بقرائتها في صلاته وهي مما يسقط اعتباره لدى الضيق ولو بسبب الاشتغال بالقراءة المحرمة
إذ الظاهر في لفرق في الضيق المسقط للسورة بين كونه لعذر أو بسوء اختيار المكلف هذا ولكنك عرفت مرارا ان الالتزام بصحة العبادات الاضطرارية
التي نشأ الاضطرار إلى فعلها من سوء اختيار المكلف لا يخلو عن اشكال فالأحوط ان لم يكن أقوى في مثل هذه الموارد هو الجمع بين فعلها في الوقت وقضائها
في خارجه عملا بما يقتضيه قاعدة الشغل ثم إن ما ذكر من سقوط اعتبار السورة لدى الضيق فإنما يتجه فيما إذا تلبس في الضيق بسائر الاجزاء قبل خروج وقتها
واما لو خرج الوقت حال تلبسه بقراءة هذه السورة الطويلة أو بعد الفراغ منها قبل ان يتلبس بالركوع فلا لأن ضيق الوقت لا يؤثر في سقوط السورة عما يأتي به
بعد الوقت ففي مثل هذا الفرض يمكن ان يقال إنه لو اكتفى بالسورة التي قرأها بطلت صلاته من حيث النقيصة إذ لا اعتداد بما قرأها لوقوعها على وجه غير مشروع وان
أعادها أو قرء غيرها فمن حيث الزيادة أو القران ولكنك عرفت مرارا انا لم نسلم مبطلية مثل هذه الزيادة كما أن لا نسلم حرمة القران ولا مبطلية وعلى فرض التسليم
فهو في غير مثل المقام كما سيأتي تحقيقه فعليه في مثل الفرض قراءة السورة بعد خروج الوقت ولا محذور فيه ويمكن الالتزام بكفاية ما قرء بدعوى كونه
حال قرائته مأمورا به على سبيل الترتب ولكن هذا ينافي الالتزام بحرمته كما هو ظاهر النص وفتاوي الأصحاب بل صريح كثير منهم بل عن بعضهم دعوى عدم
الخلاف فيه كما تقدمت الإشارة إليه وربما يفصل في المسألة بين ما لو كانت السورة الطويلة موجبة لفوات الوقت قبل ادراك ركعة من الصلاة أو بعده
فتبطل على الأول لأنه حال الشروع كان مأمورا بصلاة أدائية وقد فرط فيها ولم يأت بها في وقتها كي تقع أداء ولم يكن الامر بقضائها حال الشروع منجزا عليه كي
تصح قضاء وهذا بخلاف ما لو وقع ركعة منها في الوقت فإنها تصح حينئذ أداء كما عرفته في المواقيت وفيه ما تقدمت الإشارة إليه مرارا من أن القضاء وان كان
بأمر جديد الا ان الامر الجديد كاشف عن أن مطلوبية الصلوات الموقتة مستمرة وان تقيدها بأوقاتها من قبيل تعدد المطلوب فلا يسقط طلبها بفوات وقتها فيستفاد
من هذا صحة التلفيق وجواز التلبس بالصلاة التي يقع بعضها في الوقت وبعضها في خارجه مع خروجه عن موضوع كل من الامرين اي الامر بفعلها في الوقت
وفي خارجه وان لم نقل بقاعدة من أدرك أو منعنا عمومها بالنسبة إلى ما عدى صلاة الفجر التي ورد فيها بعض النصوص المعتبرة أو فرضنا الكلام فيما لو أدرك في الوقت
أقل من ركعة فالأظهر في لفرق بين الصورتين كما أن الأقوى في لفرق بين الاشتغال بقراءة سورة موجبة لفوات الوقت أو السكوت الموجب له الغير المخل
بالتوالي فلا تبطل الصلاة بشئ منهما على تردد فالأحوط اعادتها في خارج الوقت كما تقدمت الإشارة إليه والله العالم وقد يستدل للبطلان أيضا بالخبر
المزبور وفي دلالته عملية نظر بل منع كما نبه عليه شيخنا المرتضى رحمه الله فأجاب عن الاستدلال بهذا الخبر بأنه لا يدل على أزيد من التحريم المقدمي الناشي من افضائه إلى
ترك الفعل الواجب في وقته المضروب له ومجرد هذا التحريم بل التحريم التشريعي الحاصل من استلزام الامر بالشئ أعني السورة القصيرة في لامر بضده بل التحريم
الاستقلالي بناء على استلزام الامر بالشئ النهي عن ضده لا يثبت الا فساد الجزء وهو لا يستلزم فساد الكل ما لم يوجب نقص جزء أو شرط والسورة القصيرة
295

وان انتفت هنا لكنها ساقطة لضيق الوقت الذي ثبت كونه عددا ولو بسوء اختيار المكلف انتهى ولو شرع في السورة الطويلة بظن السعة أو غفلة عن طولها ثم
تنبه رجع ولو بعد تجاوز النصف إلى سورة أخرى ان وسع الوقت لها والا فيركع عن بعض تلك السورة والعدول بعد تجاوز النصف في الفرض الأول وكذا
القران بناء على تحققه في مثل الفرض كتبعيض السورة في الفرض الثاني كلها غير قادح كما لا يخفى على من تدبر فيما مضى وسيأتي ولو لم يلتفت حتى خرج الوقت مضى في
صلاته ولا شئ عليه وليس عليه مع بقاء المحل إعادة السورة أو استينافها لو كان في الأثناء إذ لا مانع عن صحة ما قرأه في مثل الفرض فان شرطية كون ما يقرأه في
الصلاة غير هذه السورة كانت ناشئة من وجوب مراعاة الوقت والاتيان بما يسعها فتختص بصورة تنجز التكليف بذلك الواجب كما هو الشأن في كل شرط يكون كذلك
والله العالم وكذا لا يجوز ان يقرن بين سورتين في قراءة ركعة واحدة عند كثير من القدماء بل المشهور فيما بينهم كما ادعاه غير واحد بل عن السيد في الانتصار
انه مما انفردت به الإمامية ثم استدل عليه بالاجماع وانه طريقة اليقين ببراءة الذمة وقواه غير واحد من المتأخرين ومتأخريهم واستدلوا عليه يحمله من النصوص
منها صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تقرء في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن الرجل
يقرء السورتين في الركعة قال لا لكل سورة ركعة وموثقة زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة فقال إن لكل سورة حقا فاعطها
حقها من الركوع والسجود قلت فيقطع السورة فقال لا بأس وخبر عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اقرأ سورتين في ركعة قال نعم قلت يقال اعط كل سورة حقها
من الركوع والسجود فقال ذلك في الفريضة واما في النافلة فلا بأس وعن الخصال مرسلا عن علي عليه السلام في حديث الأربعمأة قال أعطوا كل سورة حقها من الركوع
والسجود إذا كنتم في الصلاة وعن المعتبر والمنتهى نقلا عن جامع البزنطي عن المفضل قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام لا تجمع بين السورتين في ركعة الا الضحى والم
نشرح والفيل ولايلاف وعن الصدوق في الهداية مرسلا قال قال الصادق لا تقرن بين السورتين في الفريضة واما في النافلة فلا بأس وما رواه ابن إدريس
في مستطرقات السرائر من كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال لا قران بين سورتين في ركعة ولا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة ولا قران بين
صومين ولا قران بين صلاتين ولا قران بين فريضة ونافلة ولكن في نسخة السرائر الموجودة عندي لفظ ركعتين بدل ركعة فهي على هذا أجنبية عن المقام ولكن
الظاهر أنه من سهو قلم الناسخ إذ الرواية منقولة عن السرائر في الوسائل وغيره بلفظ ركعة وعلى هذا أيضا قد يوهن ظهورها في الحرمة سائر فقراتها كما لا يخفى و
عن الفقه الرضوي وقال العالم عليه السلام لا تجمع بين السورتين في الفريضة وقيل مكروه وقد نسب هذا القول إلى جمهور المتأخرين وهو الأشبه إذ المتجه صرف الأخبار المتقدمة
لو لم نقل بانصراف بعضها في حد ذاته إلى أفضلية رعاية حق السور القرآنية واستقطاعها وعد كل منها بحيالها جزء مستقلا من كل ركعة ولا بعضا من القراءة المعتبرة
فيها جمعا بينها وبين صحيحة علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن القران بين السورتين في النافلة والمكتوبة قال لا بأس كما يشهد له مضافا إلى أنه من الجمع المقبول
ما رواه ابن إدريس رحمه الله في مستطرفات السرائر من كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام لا تفرقن بين السورتين في الفريضة فان ذلك أفضل ويؤيده أيضا ما
رواه الشيخ في الموثق عن زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام انما يكره ان يجمع بين السورتين في الفريضة واما في النافلة فلا بأس وخبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد
عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن رجل قرء سورتين في ركعة قال إن كان في نافلة فلا بأس واما
الفريضة فلا تصلح إذ التعبير بالكراهة ونفي الصلاح ان لم
يكن ظاهرا في الكراهة فلا أقل من اشعاره بذلك ويؤيده أيضا ما في الأخبار المتقدمة من تعليل المنع ان لكل سورة حقا من الركوع والسجود فان هذا النحو من التعليل
يناسب الأولوية والفضل بل الانصاف ان هذا التعليل بنفسه كاف في صرف النهي عن ظاهره من الحرمة فضلا عن غيره مما تقدمت الإشارة إليه من الشواهد و
المؤيدات فما في الحدائق وغيره من ارتكاب التأويل في خبر زرارة وغيره مما كان ظاهرا أو مشعرا بأفضلية الترك لا الحرمة وحمل صحيحة علي بن يقطين التي هي نص
في الجواز على التقية ضعيف وكيف كان فهل يتحقق القران المنهى عنه بقراءة الأكثر من سورة ولو اية أو آيتين مثلا أم لا يتحقق الا بقراءة سورتين كاملتين قولان
ويشهد للأول قوله عليه السلام في خبر منصور بن حازم لا تقرء في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر فان مقابلة الأكثر بالأقل تجعله كالنص في التعميم وربما يؤيده
ما في بعض الأخبار المتقدمة من تعليل المنع بان لكل سورة حقا فان تشريك الغير معها ولو بعضها من سورة أخرى ينافي ما تستحقه من الاستقلال فليتأمل وقد أجاب
في الحدائق عن خبر منصور بأن الواجب حمل اطلاقه على ما صرحت به الأخبار العديدة من أن القران هو الجمع بين السورتين وفيه انه ليس في شئ من تلك الأخبار
اشعار بانحصار القران المنهى عنه في ذلك فلا منافاة بينها وبين ما في الصحيحة كي يقيد اطلاقها واضعف من ذلك ما توهمه بعض من معارضته بالأخبار الآتية في
محلها الدالة على جواز العدول من سورة إلى أخرى ما لم يتجاوز النصف وكذا الأخبار الدالة على جواز تكرير الآية من القران لما سنشير إليه من أن مسألة العدول
وأشباهه خارجه عن منصرف هذه الرواية ونظائرها مع أنها أخص مطلقا منها فالقول بالتعميم اخذا بظاهر الخبر المزبور وهو الأظهر خصوصا على ما قويناه من الكراهة
القابلة للمسامحة نعم هذه الرواية كغيرها من اخبار الباب منصرفة بل قاصرة عن أن تعم تكرار السورة الواحدة أو بعضها وكذا تكرار الحمد فما في المسالك من تحقق
القران بتكرار السورة الواحدة أو بعضها وكذا بتكرار الحمد ضعيف تنبيهات الأول اختلف القائلون بحرمة القران في بطلان الصلاة بذلك
نسب إلى أكثرهم منهم الشيخ في النهاية والعلامة في القواعد والمختلف وظاهر الارشاد القول بالبطلان وحكى عن الشيخ في المبسوط أنه قال الظاهر من المذهب
ان قراءة سورة كاملة في الفرائض واجبة وان بعض السورة أو أكثرها لا تجوز مع الاختيار غير أنه ان قرء بعض السورة أو قرن بين السورتين لا يحكم ببطلان الصلاة
ويجوز كل ذلك في حال الضرورة واستدل العلامة في محكى المختلف على البطلان بان القارن بين السورتين غير آت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف
296

وضعفه في المدارك بان الامتثال حصل بقراءة السورة الواحدة والمنهى عن الزيادة لو سلمنا انه للتحريم فهو امر خارج عن العبادة فلا يترتب عليه الفساد انتهى
واعترض على ما في المدارك غير واحد ممن تأخر عنه منهم الشيخ محمد سبط الشهيد الثاني في حاشية الكتاب على ما نقله عنه في الحدائق بما صورته لا يخلو كلام شيخنا يعني صاحب
المدارك من نظر لأن الظاهر من القران قصد الجمع بين السورتين وهذا يقتضي في لاتيان بالمأمور به إذا المأمور به السورة وحدها وقول شيخنا ان النهي عن الزيادة نهى
عن امر خارج انما يتم لو تجدد فعل الزيادة بعد فعل الأولى قصد للسورة الأولى منفردة وأين هذا من القران انتهى وفيه انه ان كانت الوحدة قيدا في صحة السورة و
جزئيتها للصلاة بان اعتبرها الشارع بشرط ان لا ينضم إليها غيرها فضم الغير إليها مانع عن صحتها مطلقا سواء تجدد قصده بعد فعل الأولى أم حصل قبله وان لم تكن الوحدة
مأخوذة قيدا ولكن الشارع لم يعتبر في الصلاة ولم يأمر الا بسورة واحدة فضم الغير إليها قاصدا به حصول الامتثال بالمجموع غير قادح في حصول المأمور به في ضمن المجموع
بداعي طلبه وقد عرفت في مبحث النية من الوضوء انه لا يعتبر في صحة العبادة أزيد من ذلك واعتقاده جهلا أو تشريعا بأن المأمور به أعم من خصوص سورة لا يوجب
خروج السورة المأتى بها في في ضمن المجموع عن كونها مصداقا للمأمور به ولا يمنعها عن كونها مأتيا بها بقصد اسقاط امرها غاية الأمر انه زعم جهلا أو تشريعا
ان امرها لا يسقط الا بفعل المجموع وهذا خطأ منه في تمييز مهية المأمور به عما عداه وهو غير مضر بعد فرض حصول المأمور به بعينه وانبعاثه عن قصد إطاعة امره في
ضمن المجموع نعم لو جعل المجموع وجها لتشخيص امره بان قصد امتثال الامر المتعلق بالمجموع على سبيل التوصيف اتجه البطلان إذ لا امر كذلك ولكن ليس كلا منا
في هذا الفرض والكلام في مسألة القران انما هو فيما لو نوى الخروج عن عهدة التكليف الواقعي المتعلق بالقراءة في الصلاة بقراءة المجموع لا الامر المقيد بكونه
متعلقا بالمجموع كي يشكل صدق الإطاعة بكونه قاصدا لامتثال امر لا تحقق له وبما ذكرنا ينقضي تعجب بعض متأخر المتأخرين من صاحب المدارك حيث قال معترضا
عليه ومن العجب ان السيد الشارح قدس الله روحه صرح بان موضوع الخلاف قراءة الزائد على أنه من القراءة المعتبرة في الصلاة وليت شعري كيف يحصل الامتثال
مع اتيان الركعة بسورتين على أنهما من اجزاء الصلاة مع أن المفروض ان الجزء في نفس الامر ليس الا واحدة فكيف يكون المأتى به الغير المأمور به مسقطا للمأمور
به انتهى فلنا ان نقول تعريضا عليه وليت شعري من لم يجب عليه الا قراءة سورة إذا قرء سورتين أو أكثر بقصد اسقاط ما وجب عليه من قراءة سورة كيف يعقل
ان يبقى بعد في عهدة التكليف مع كون كل منهما مصداقا للمهية المأمور بها والامر يقتضي الاجزاء اللهم الا ان يدعى انه يستفاد من الأخبار الناهية عن القران بناء
على استفادة الحرمة منها اما شرطية الاتحاد في السورة أو مانعية القران من حيث هو عن الصلاة كالتكلم ونحوه ولكنه لا يخلو عن تأمل إذ الاخبار وارده في مقام توهم
المشروعية بعنوان الجزئية كما سيأتي توضيحه فلا يفهم منها الا حرمة الاتيان بالزائد الذي يتحقق به القران من حيث عدم مشروعيته لا مشروعية عدمه اي اعتباره شرطا
كما أنه لا يفهم من النهي عن قراءة شئ من القران في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات كما في بعض الأخبار أو غير ذلك مما تعلق فيه النهي بما فيه
مظنة المشروعية الا ذلك فليتأمل وقد يستدل للبطلان أيضا في نظائر المقام بالاجماع المحكى على أن الكلام المحرم مبطل للصلاة وبحصول الزيادة التشريعية مع
قصد الجزئية كما هو محل الكلام وهي مبطلة اجماعا وقد تقدم الكلام فيهما مرارا فالقول بعدم البطلان على تقدير الالتزام بالحرمة أيضا لا يخلو عن قوة الا ان يدعى
استفادة شرطية الاتحاد وعدم الزيادة من الاخبار كما ليس بالبعيد والله العالم الثاني صرح غير واحد بان موضوع القران الذي وقع الخلاف في حكمه هو ما
لو قرء الأكثر من سورة بقصد جزئيته من القراءة المعتبرة في الصلاة بان يكون غرضه من قراءة المجموع الخروج عن عهدة التكليف بقراءة القران في الصلاة واما لو لم
يقصد به قراءة الصلاة بل قراءة القرآن من حيث هو أو بقصد الدعاء أو في القنوت فهو خارج عن محل الخلاف أقول تخصيص موضع الخلاف بما ذكر لا يخلو عن
تأمل بل ربما نسب إلى بعض انه خص موضع النزاع بما إذا لم يقصد به الجزئية فكأنه زعم أنه مع هذا القصد تشريع إذ لم يدل دليل على اعتباره فلا ينبغي الارتياب
في حرمته وهذا اشتباه إذ الصورة التي فرضوها موضعا للخلاف لو لم يكن الخلاف منحصرا فيها فلا أقل من كونه القدر المتيقن الذي ينسبق إلى الذهن ارادته من
كلمات الأصحاب في فتاويهم وكيف كان فهذه الصورة التي صرحوا بكونها موضعا للخلاف أعني ما لو قصد بالمجموع حصول امتثال الامر بالقراءة في الصلاة سواء
كان هذا غرضه من أول الشروع فيهما أو بدا له عند إرادة الزيادة هي التي ينسبق إلى الذهن ارادتها من الروايات الواردة في هذا الباب كما لا يخفى على من لاحظها
وأمعن النظر فيما تضمنته من الفقرات المشعرة بذلك مثل قوله عليه السلام في أكثرها اعط كل سورة حقها من الركوع والسجود وما فيها من مقابلة الفريضة بالنافلة
التي لا ريب في كون الزيادة فيها بقصد الجزئية لا القراءة الخارجة من الصلاة واستثناء والضحى والم نشرح من الجمع بين السورتين وقوله عليه السلام لا تقرء بأقل من
سورة ولا بأكثر فيستفاد مشروعية الزيادة بقصد الجزئية من نفس هذه الروايات بل وكذا من غيرها مما ورد فيها النهي من نفس هذه عن القران بعد حملها على
الكراهة فلا يبقى معه مجال للاستدلال على الحرمة بأصالة عدم المشروعية كما قد يتوهم مضافا إلى امكان استفادته من بعض الأخبار المتقدمة في صدر المبحث التي
يظهر منها ان وجوب السورة انما باعتبار كونها قراءة القرآن لا من حيث هي كقوله عليه السلام في رواية العلل وانما امر الناس بالقراءة لئلا يكون القران مهجورا الحديث
كما ربما يؤيد ذلك استدلال كثير من الاعلام لوجوب السورة بقوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القران فعنوان المأمور به هي قراءة القرآن الصادقة على القليل والكثير
فليتأمل وكيف كان فمثل تكرار الآية أو إعادة السورة احتياطا أو العدول عنها إلى سورة أخرى لفرض ديني أو دنيوي أو نحو ذلك بأسرها خارجة عن منصرف
النصوص فما عن بعض من الاستشكال أو القول بعدم الجواز في بعض هذه الفروض من حيث تحقق القران كما سمعته عن بعض في كثير من الفروع السابقة في غير محله
الثالث ان محل الخلاف بحسب الظاهر مختص بالفريضة واما النافلة فلا خلاف على الظاهر في نفي البأس عن القرآن فيها كما وقع التصريح به في جملة من الاخبار
297

المتقدمة ويزيد ذلك تأكيدا خبر عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس ان تجمع في النافلة من السور ما شئت وخبر محمد بن القاسم قال سألت
عبدا صالحا هل يجوز ان يقرء في صلاة الليل بالسورتين والثلاث فقال ما كان من صلاة الليل فاقرء بالسورتين والثلاث وما كان من صلاة النهار فلا تقرء الا بسورة
سورة وفيه دلالة على ترجيح ترك القرآن في النافلة النهارية ويحتمل ان يكون المراد به مطلق الصلاة أو خصوص الفريضة والله العالم ويجب الجهر بالحمد والسورة
في الصبح وفي أولتي المغرب والعشاء والاخفات بهما في الظهرين الا في أوليهما يوم الجمعة كما ستعرف وثالثة المغرب والأخيرتين من العشاء على المشهور بل
عن الخلاف والغنية دعوى الاجماع عليه فعن الأول أنه قال من جهر في صلاة الاخفات أو خافت في صلاة الجهر متعمدا بطلت صلاته وخالف جميع الفقهاء في ذلك
دليلنا اجماع الفرقة وعن الثاني أنه قال ويجب الجهر بجميع القراءة في أولى المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة بدليل الاجماع المشار إليه إلى أن قال و
يجب الاخفات فيما عدى ما ذكر بدليل الاجماع المشار إليه وفي السرائر ادعى الاجماع على بطلان صلاة من جهر فيها يخفت فيه متعمدا ولم يصرح به في عكسه بل قال
الجهر فيما يجب الجهر فيه واجب على الصحيح من المذهب ثم نقل الخلاف فيه عن السيد رحمه الله وكيف كان فقد حكى الخلاف في المسألة عن ابن الجنيد والسيد المرتضى فعن الأول
أنه قال لو جهر بالقراءة فيما يخافت بها أو خافت فيما يجهر بها جاز ذلك والاستحباب ان لا يفعله وعن السيد في المصباح ان ذلك من السنن المؤكدة وعن
جماعة من المتأخرين الميل إليه والقول به لولا مخافة مخالفة الاجماع واستدل للمشهور مضافا إلى الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة بجملة من الاخبار
منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه واخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال اي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه
الإعادة وان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته أقول في الوسائل روى هذه الصحيحة هكذا ثم ذكر ان الشيخ رواها بأسناده
نحوه وفي المدارك (رواها) عن الشيخ نحوه الا أنه قال قلت له رجل جهر بالقراءة فيما ينبغي ان يجهر فيه أو اخفى الحديث وصحيحة الأخرى عنه أيضا قال قلت له رجل
جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه أو اخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه أو قرء فيما لا ينبغي القراءة فيه فقال اي ذلك فعل ناسيا
أو ساهيا فلا شئ عليه ووقوع التعبير بلفظ ينبغي في السؤال لا يوهن ظهور الرواية في الوجوب لا لمجرد وقوعه في السؤال بل لظهور السؤال في جهله بالحال
وكون التعبير جاريا على حسب ما ينبغي صدوره من الجاهل بحكمه من حيث الوجوب والاستحباب في مقال السؤال وكذا التعبير بالنقص في الجواب في الصحيحة الأولى
بناء على كونه بالصاد المهملة فإنه وان كان معشرا بالكراهة ولكنه لا يلتفت إليه بعد الامر بالإعادة كما لا يخفى وما رواه الصدوق وباسناده عن الفضل بن شاذان
عن الرضا عليه السلام في حديث انه ذكر العلة التي من اجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض ان الصلوات التي يجهر فيها انما هي في أوقات مظلمة فوجب
ان يجهر فيها ليعلم المار ان هناك جماعة فان أراد ان يصلي صلى لأنه ان لم ير جماعة علم ذلك من جهة السماع والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما انما هما بالنهار في أوقات
مضيئة فهي من جهة الرؤية لا تحتاج فيها إلى السماع وما رواه أيضا بأسناده عن محمد بن عمران انه سئل أبا عبد الله عليه السلام فقال لأي علة يجهر في صلاة الجمعة
وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة وسائر الصلوات الظهر والعصر لا يجهر فيهما إلى أن قال فقال لأن النبي صلى الله عليه وآله لما أسري به إلى السماء كان أول
صلاة فرض الله عليه الظهر يوم الجمعة فأضاف الله عز وجل إليه الملائكة تصلي خلفه وامر نبيه صلى الله عليه وآله ان يجهر بالقراءة ليتبين لهم فضله ثم فرض عليه العصر ولم يضف
إليه أحدا من الملائكة وأمره ان يخفي القراءة لأنه لم يكن ورائه أحد ثم فرض عليه المغرب وأضاف إليه الملائكة فأمره بالاجهار وكذلك العشاء الآخرة فلما
كان قرب الفجر نزل ففرض الله عليه الفجر فأمره بالاجهار ليبين للناس فضله كما بين للملائكة فلهذه العلة يجهر فيها الحديث وعنه في العلل بأسناده عن محمد بن حمزة
مثله الا انه ذكر صلاة الفجر موضع صلاة الجمعة وترك ذكر الغداة ومما يؤيد المطلوب معهودية الجهر في
بعض الصلوات والاخفات في بعض على سبيل التوظيف
كما يظهر ذلك من تتبع الاخبار مثل ما رواه في الفقيه باسناده عن يحيى بن أكثم القاضي انه سئل أبا الحسن الأول عليه السلام عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهو
من صلاة النهار وانما يجهر في صلاة الليل فقال لأن النبي صلى الله عليه وآله كان يغلس بها فقربها من الليل إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الوارد في باب الجماعة في بيان
وظيفة المأمور من السكوت أو الذكر أو القراءة في الصلوات الجهرية والاخفاتية ففي بعضها مما وقع فيه السؤال عن القراءة خلفه اما الصلاة التي لا يجهر فيها
بالقراءة فان ذلك جعل إليه فلا تقرء خلفه واما الصلاة التي يجهر فيها فإنما امر بالجهر لينصت من خلفه فان سمعت فانصت وان لم تسمع فاقرأ وربما يستظهر من
هذه الرواية وجوب الجهر في الجهرية والاخفات في الاخفاتية على الإمام فيتم فيما عداه بعدم أطول بالفصل إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في سائر الأبواب
مما يقف عليه المتتبع واستدل له أيضا بمداومة النبي صلى الله عليه وآله وجميع الصحابة والأئمة عليهم السلام فيجب التأسي بهم ونوقش فيه بمنع وجوب التأسي
فيما لم يعلم وجهه بل هو مستحب وفيه ان هذا في غير الصلاة التي روى فيها عنه صلى الله عليه وآله أنه قال صلوا كما رأيتموني أصلي فان مقتضاه وجوب التأسي به الا
ان يدل دليل خارجي على عدمه ومداومتهم على الجهر في البعض والاخفات في بعض تنفي احتمال جريهما مجرى العادة أو من باب الاتفاق كي يمكن الخدشة في
دلالة الخبر على الوجوب في مثله فليتأمل واستدل للقول بالاستحباب بالأصل وقوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا فإنه
شامل للصلوات كلها وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل يصلي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه ان لا يجهر قال إن شاء
جهر وان شاء لم يجهر والجواب اما عن الأصل فبانقطاعه بالدليل واما الآية فهي لا تخلو عن تشابه وقد ورد في تفسيرها اخبار كثيرة غير منافية لوجوب الجهر أو
الاخفات ما لم يبلغ حد الافراط من أرادها فليطلب من مظانها وكفى في تضعيف الاستدلال بالآية ما حكى من فعل النبي صلى الله عليه وآله من الاجهار
298

في الصلوات الليلية والاخفات في النهارية واما الصحيحة فهي بعد اعراض المشهور عنها وموافقتها للعامة لا تنهض حجة لرفع اليد عن ظواهر النصوص المعتبرة
المشهورة بين الأصحاب قديما وحديثا ومجرد عمل السيد والإسكافي بمضمونها أو الاخذ بها لا يخرجها عن الشذوذ فاحتمال كونها مسوقة لبيان الحكم الواقعي ابعد
من احتمال إرادة خلاف الظاهر من صحيحة زرارة وغيرها مما عرفت فالأقوى ما ذهب إليه المشهور ولكن استفادة التفصيل المزبور في المتن الذي ذهب إليه
المشهور من الاخبار من حيث هي مشكلة فان غاية ما يمكن استفادته منها هي ان صلاة الصبح والعشائين جهرية والظهرين اخفاتية وانه يجب الاجهار في الجهرية
والاخفات في الاخفاتية على حسب معهوديتهما في الشريعة واما ان ما يجب ان يراعي فيه الوصفان هو مجموع الأقوال المعتبرة في الصلاة أو خصوص القراءة مطلقا
ولو في الأخيرتين أو في خصوص الأوليين فلا يكاد يستفاد من الاخبار المزبورة نعم ربما يستشعر من مثل قوله عليه السلام في خبر محمد بن عمران امر نبيه صلى الله عليه وآله ان
يجهر بالقراءة وكذا من سؤال يحيى بن أكثم القاضي عن انه لم يجهر في صلاة الفجر بالقراءة ان القراءة بخصوصها هي التي يراعي فيها الوصفان واما انه في خصوص الركعتين
الأوليين فلا بل مقتضى المناسبة المذكورة في خبر محمد بن عمران بل وكذا في رواية علل الفضل المتقدمة اعتبار الجهر بالقراءة بل وغيرها أيضا من الأذكار والتسبيحات
المعتبرة في الصلوات الجهرية ولكن علم من سيرة المسلمين واجماع العلماء انه لا يجب ذلك فيما عدى القراءة في الأوليين بل المكلف مخير بين الجهر والاخفات
في الأذكار المعتبرة في الركوع والسجود والتشهد والقنوت وكذا التسليم والتكبيرات ويشهد له في الجملة مضافا إلى ذلك وموافقته للأصل خبر علي بن جعفر
المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل هل يصلح له ان يجهر بالتشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت قال إن شاء جهر و
ان شاء لم يجهر بل استظهر في الحدائق من الرواية جريها مجرى التمثيل وانه يفهم منها التخيير بين الجهر والاخفات في سائر أقوال الصلاة الا ان يدل دليل على
خلافه قال ما لفظه والظاهر أن ذكر هذه الأشياء في الرواية انما هو على وجه التمثيل فيكون الحكم شاملا لجميع أذكار الصلاة الا ما خرج بالدليل ومنه القراءة
والتسبيح في الأخيرتين فان الحكم فيها ذلك الا ان ظاهر الأصحاب الاخفات فيه وفي هذه الأزمان اشتهر بين جملة من أبناء هذا الزمان القول بوجوب الجهر فيه
والكل بمعزل عن الصواب انتهى أقول لو سلمنا ظهور الخبر في كون ذكر هذه الأشياء على وجه التمثيل كما ليس بالبعيد فلا يفهم من ذلك الا حكم ما هو مماثل
للمذكورات مثل التسليم والتكبيرات وأشباهها لا القراءة وما قام مقامها من التسبيح إذ لو كانت القراءة مقصودة بالسؤال لما عدل عنها إلى غيرها في مقام
التمثيل خصوصا بعد ان علم اعتبار الوصفين فيها في الجملة وكيف كان فالقدر المتيقن مما يمكن استفادته من النص والاجماع وسيرة المسلمين انما هو عدم وجوب
رعاية الوصفين في سائر الأقوال مما عدى ما هو وظيفة الأخيرتين من القراءة أو التسبيح واما فيها فلا ينبغي التأمل في جريان السنة على الاخفات واستقرار
السيرة عليه من صدر الاسلام من غير فرق بين القراءة والتسبيح فيفهم وجوبه حينئذ من صحيحة زرارة المتقدمة ويفصح عن جريان السنة به ما حكى عن المحقق في المعتبر
من أنه قال يجهر من الخمس واجبا في الصبح وأولى المغرب والعشاء ويسر في الباقي إلى أن قال لنا ان النبي صلى الله عليه وآله كان يجهر في هذه المواضع ويسر
فيما عداها وفعله وقع امتثالا في مقابلة الامر المطلق فيكون بيانا ولقوله صلى الله عليه وآله صلوا كما رأيتموني أصلي انتهى ويؤيده أيضا شهرة القول بوجوب الاخفات
في الأخيرين بين الأصحاب قديما وحديثا إذ لو لم يكن المتعارف بين المسلمين الاخفات فيهما لم يكن يتوهم أحد وجوبه فضلا عن أن يصير مشهورا بل عن غير واحد
دعوى الاجماع عليه ولكن في خصوص القراءة بل ربما يظهر من العلامة في التذكرة في لخلاف في رجحانه بين المسلمين ومعروفيته من النبي صلى الله عليه وآله
والأئمة وجميع الصحابة ولكنهم اختلفوا في أنه هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب قال ما لفظه يجب الجهر بالقراءة خاصة دون غيرها من الأذكار في
صلاة الصبح وأولتي المغرب وأولتي العشاء والاخفات في الظهر وثالثة المغرب واخرتي العشاء عند أكثر علمائنا وبه قال ابن أبي ليلى لأن النبي صلى الله عليه
وآله كان يفعل ذلك وقال صلوا كما رأيتموني أصلي ولقول الباقر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه وساق الحديث كما قدمنا نقله ثم قال وقال المرتضى
وباقي الجمهور كافة بالاستحباب عملا بالأصل وهو غلط للاجماع على مداومة النبي صلى الله عليه وآله وجميع الصحابة والأئمة عليهم السلام فلو كان مسنونا لا خلوا به
في بعض الأحيان انتهى وقد نسب غير واحد القول بوجوب الاخفات في التسبيح أيضا إلى الشهرة بل عن بعض دعوى الاجماع عليه وقد سمعت عن صاحب
الحدائق نسبة وجوب الاخفات في القراءة والتسبيح في الأخيرتين إلى ظاهر الأصحاب فكان عمدة مستندهم في ذلك أيضا ما ثبت عندهم من مداومة النبي والأئمة عليهم
السلام على الاسرار في الأخيرتين فان من المستبعد ثبوت ذلك في خصوص القراءة مع أنه لدى الاسرار لا يعلم أنه قرء أو سبح بل ربما يستشعر من بعض الأخبار الواردة
لبيان أفضلية التسبيح ان النبي صلى الله عليه وآله كان يسبح في الأخيرتين فلو كان مداومة النبي والأئمة على الاسرار مخصوصا بحال اختيارهم للقرائة لكان اجهارهم
أحيانا دليلا قطعيا على بطلان مذهب القائل بوجوب الاخفات فما ادعاه العلامة من الاجماع على مداومتهم على الاسرار معقدة بحسب الظاهر حكاية فعلهم
عليهم السلام فيما هو وظيفة الأخيرتين أعم من القراءة أو التسبيح كما هو ظاهر العبارة المتقدمة المحكية عن المعتبر فيجب التأسي بهم في الصلاة لقوله صلى الله عليه وآله
صلوا كما رأيتموني أصلي كما تقدم تقريبه فيما سبق مضافا إلى اندراجه حينئذ فيما يفهم وجوب الاخفات فيه من الصحيحة المزبورة مع امكان ان يقال إن ثبوت جريان
السنة به في القراءة كاف في اثبات وجوبه في التسبيح أيضا من باب التأسي نظرا إلى ما عرفت في صدر المبحث من أن وظيفة الركعات الأخيرة من الصلاة المفروضة من
حيث هي هي التسبيح لا القراءة ولكن شرع فيها قراءة فاتحة الكتاب لأنها ذكر ودعاء كما صرح به في صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة في محلها فاختيار النبي صلى الله
عليه وآله إياها في صلاته لكونها من أفضل مصاديق الذكر فلو وجب علينا التأسي به في صلاته لم يجز التخطي الا إلى سائر الأذكار المشروعة والاتيان بها بتلك
299

الكيفية التي علمنا من مداومته ملحوظيتها لديه كما لو قرء في جميع صلاته مثلا سورة التوحيد جهرا بحيث علم من مداومته صلى الله عليه وآله كون جهريتها ملحوظة لديه ثم علم بدليل خارجي
ان خصوصية السورة ليست معتبرة في الصلاة وانما وجهها كونها سورة من القران فليتأمل ويشهد أيضا بمعهودية الاخفات في الأخيرتين من الصدر الأول
صحيحة علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرء فيهما بالحمد وهو امام يقتدي به فقال إن قرأت فلا بأس
وان سكت فلا بأس إذ الظاهر أن مراد السائل بالركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام هما الأخيرتان فالتعبير بالصمت بلحاظ عدم كونه معلنا بالقول فكأنه صامت
فيفهم من هذا السؤال كون الاخفات في الأخيرتين لديهم من الأمور المسلمة المفروغ عنها واحتمال إرادة الأوليين من الصلوات الاخفاتية بعيد عن سوق
التعبير والذي يغلب على الظن وقوع السؤال في هذه الصحيحة بعد صحيحة الأخرى قال سألت أبا الحسن الأول عن الرجل يصلي خلف امام يقتدي به في صلاة يجهر
فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة قال لا بأس ان صمت وان قرء فيكون أوضح في إفادة المدعى ان في تعين إرادة الأخيرتين واحتمل بعض التقية في الرواية
لموافقتها لما حكى عن أبي حنيفة من أنه ذهب إلى الصمت في الأخيرتين وفيه انه ان كانت التقية ففي الجواب لا في السؤال كيف وقد فرض السائل كون الإمام
الذي يصمت في الركعتين ممن يقتدي به فهو لا يصمت بل يخفت هذا مع أن أبا حنيفة لم يذهب إلى لزوم الصمت كي يصير صفة موضحة للركعتين عندهم بل لم يوجب
القراءة أو الذكر واجتزى بالسكوت وهذا لا يقتضي صيرورته عادة لهم كي يناسبه التعبير الواقع في السؤال نعم هو مناسب للجواب فلا يبعد كونه
جاريا مجرى التقية وهو غير ضائر في المدعى كما لا يخفى ويمكن استفادة كون المعهود في اعصار الأئمة عليهم السلام الاخفات بالقراءة في الأخيرتين من
بعض الروايات المتقدمة عند البحث في أفضلية التسبيح من القراءة مثل قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار التي وقع فيها السؤال عن القراءة خلف الإمام
في الأخيرتين الإمام يقرء بفاتحة الكتاب ومن خلقه تسبح فإذا كنت وحدك فاقرء فيهما وان شئت فسبح بضميمة المستفيضة التي ورد فيها الامر بالانصات فيما
يجهر به الإمام بالقراءة مع ما في جملة منها من التعليل بقوله تعالى فإذا قرء القرآن فاستمعوا له وانصتوا هو يأبى عن التخصيص مع أنه ليس في شئ من تلك الأخبار
اشعار باختصاص هذا الحكم بالأوليين فهذا يكشف عن أن المتعارف في الأخيرتين لم يكن الا الاخفات والا لامرهم بالانصات عند اجهاره وكيف
كان فعمدة مستند القول بوجوب الاخفات في الأخيرتين استكشاف معهودية في الشريعة من صدر الاسلام بواسطة السيرة والاجماعات المحكية المعتضدة
بالشهرة ونقل فعل النبي والأئمة عليه وعليهم السلام وغيرها من الشواهد والمؤيدات منضما إلى ما دل على وجوب التأسي بصاحب الشرع في صلاته من مثل
قوله صلى الله عليه وآله صلوا كما رأيتموني أصلي كما هو عمدة مستندا الاعلام على ما يظهر من كلماتهم ولولا هذا لأمكن الخدشة في دلالة الصحيحة عليه إذ الظاهر أن السائل لم يقصد
بقوله فيما لا ينبغي الاجهار فيه العموم بل قصد السؤال عمن أخل بالجهر والاخفات في موضعهما على حسب ما كان معهودا لديهم فمراده بكلمة ما اما الصلاة
التي ينبغي الاجهار أو الاخفات فيها على سبيل الاجمال أو الشئ الذي كان معهودا لديهم الالتزام برعاية الوصفين فيه من اجزاء الصلاة فالانصاف ان
الصحيحة من حيث المتعلق لا تخلو عن اجمال هذا ما سمعت من المدارك حكايتها عن التهذيب من وقوع السؤال فيها عن الجهر بالقراءة فيما لا ينبغي الاجهار فيه
فلا يبقى حينئذ مجال لدلالتها على حكم التسبيح وكيف كان فالعمدة ما عرفت ثم إن ما ذكرناه من وجوب الاخفات في الظهرين فإنما هو في غير يوم الجمعة واما
يوم الجمعة فيستحب الاجهار في الأوليين من ظهره على الأظهر الأشهر (كما يدل عليه) اخبار مستفيضة منها صحيحة الحلبي قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي الجمعة أربع ركعات
أيجهر فيهما بالقراءة قال نعم والقنوت في الثانية وصحيحته الأخرى أو حسنته قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا اجهر
بالقراءة فقال نعم وقال اقرأ سورة الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال لنا صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير
خطبة واجهروا بالقراءة فقلت انه ينكر علينا الجهر بها في السفر فقال اجهروا وخبر محمد بن مروان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف
نصليها في السفر فقال تصليها في السفر ركعتين والقراءة فيها جهر وظاهر هذه الأخبار خصوصا الأخيرين منها الوجوب ولكنه يتعين حملها على الاستحباب لعدم
معروفية القول بالوجوب عن أحد بل قد يظهر من خبر محمد بن مسلم المتقدم مخالفة الاجهار في غير الجمعة
المشتملة على الخطبتين اي صلاة الجمعة التي يشترط فيها
الحضور والخطبتان لسيرة المسلمين بحيث كان بعد فعله لديهم من المنكرات مع قضاء العادة بأنه لو كان الاجهار في ظهر يوم الجمعة واجبا لصار من حيث
عموم الابتلاء به من ضروريات الدين فضلا عن أن يكون خلافه معروفا بين المسلمين نعم هذه المعروفية لا ينافي استحبابه إذ رب مستحب يصير مهجورا في
العادة لعلة مقتضية لاختيار خلافه الا ترى اشتهار الفتوى باستحبابه قديما وحديثا استقرار السيرة بخلافه بحيث بعد الاجهار في انظار العرف من المنكرات
والحاصل ان معروفية الاخفات بين المسلمين واشتهار القول بعدم (وجوب) الجهر بين العلماء من غير نقل خلاف فيه بل نقل الاجماع عليه دليل قطعي على عدم وجوبه
فلابد حينئذ من حمل الامر الوارد في الاخبار المزبورة على الاستحباب وربما يشهد له أيضا مضافا إلى ذلك خبر جميل قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجماعة
يوم الجمعة في السفر فقال يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة انما يجهر إذا كانت خطبة وخبر محمد بن مسلم قال
سألته عن صلاة الجمعة في السفر فقال تصنعون كما تصنعون في الظهر ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة انما يجهر إذا كانت خطبة إذ النهي الواردة في هذين الخبرين
لأجل وروده مورد توهم الوجوب لا يدل الا على الجواز وقضية الجمع بينه وبين الأخبار السابقة حمل الامر الوارد في تلك الأخبار على الاستحباب
وفي الوسائل نقل عن الشيخ حمل هذين الخبرين على حال التقية والخوف (ثم قال ويحتمل ان يكون المراد نفي تأكد الاستحباب في الظهر واثباته في الجمعة أقول فقد ظهر مما مر ان هذا هو الأشبه) وأقل الجهر ان يسمعه القريب الصحيح إذا استمع ولاخفات ان يسمع نفسه ان كان يسمع
300

وفي المدارك قال في شرح العبارة هذا الضابط ربما أوهم بظاهره تصادق الجهر والاخفات في بعض الافراد وهو معلوم البطلان لاختصاص الجهر ببعض الصلوات
والاخفات ببعض وجوبا أو استحبابا والحق ان الجهر والاخفات حقيقتان متضادتان يمتنع تصادقهما في شئ من الافراد ولا يحتاج في كشف مدلولهما إلى شئ زائد
على الحوالة على العرف انتهى أقول مبني ما ذكره من الاعتراض على الضابط المزبور وهو انه جعل الاخفات في عبارة المتن معطوفا على المضاف إليه كما لعله هو
الذي ينسبق إلى الذهن من سوق التعبير ويؤيده قوله في عبارة النافع وأدنى الاخفات ان يسمع وهو كالنص في أن للاخفات فردا اخر أعلى من ذلك
يتحقق باسماع الغير مع أنه يصدق عليه أيضا حد الجهر فيلزم ان لا يكون الجهر والاخفات متضادين وهو خلاف الحق ولكن يحتمل ان يكون الاخفات في عبارة المتن
معطوفا على المضاف فلا يتوجه عليه حينئذ الاعتراض المزبور وربما يؤيد هذا الاحتمال ما يظهر من غير واحد من أنه ليس للاخفات مراتب بل حده ان يسمع نفسه
تحقيقا أو تقديرا بل عن العلامة في التذكرة دعوى الاجماع عليه فقال ما لفظه أقل الجهر ان يسمع غيره القريب تحقيقا أو تقديرا وحد الاخفات ان يسمع نفسه
لو كان سميعا باجماع العلماء ولان مالا يسمع لا يعد كلاما ولا قراءة انتهى وعنه في القواعد أنه قال أقل الجهر اسماع القريب تحقيقا أو تقريبا وحد الاخفات
اسماع نفسه وعن الشهيد في الذكرى أقل الجهر ان يسمع من قرب منه إذا كان يسمع وحد الاخفات اسماع نفسه ان كان يسمع والا تقديرا وعن دروسه
نحوه مع اختلاف في التعبير واصرح من ذلك ما عن السرائر والمنتهى ففي الأول وأدنى حد الجهر ان يسمع من عن يمينك أو شمالك ولو على صوته فوق ذلك لم تبطل
صلاته وحد الاخفات أعلاه ان لم تسمع أذناك القراءة وليس له حد أدنى بل إن تسمع أذناه القراءة فلا صلاة له وان سمع من عن يمينه أو شماله صار جهرا إذا فعله
عامدا بطلت صلاته وعن الثاني أقل الجهر الواجب ان يسمع غيره القريب أو يكون بحيث يسمع لو كان سامعا بلا خلاف بين العلماء والاخفات ان يسمع نفسه أو
بحيث يسمع لو كان سامعا وهو وفاق ولان الجهر هو الاعلان والاظهار وهو يتحقق بسماع الغير القريب فيكتفي به والاخفات السر وانما حددنا بما قلناه لأن
ما دونه لا يسمى كلاما ولا قرآنا وما زاد عليه يسمى جهرا انتهى ولكنه ارتكب بعض التأويل في كلمات الأصحاب الذين جددوهما بالحدين المزبورين كالمحقق
الثاني فإنه قال في شرح القواعد على ما حكى عنه الجهر والاخفات حقيقتان متضادتان كما صرح به المصنف رحمه الله في النهاية عرفيان يمتنع تصادقهما في شئ من الافراد
ولا يحتاج في كشف مدلولهما إلى شئ زائد على الحوالة على العرف إلى أن قال بعد تعريف المصنف له بان أقل الجهر اسماع التريب تحقيقا أو تقديرا ما صورته وينبغي
ان يزاد فيه قيد اخر وهو تسميته جهرا عرفا وذلك بأن يتضمن اظهار الصوت وهمسه والا لصدق هذا ألح على ما لوجه المعهود ثم قال بعد قوله وحد الاخفات اه
بان يتضمن اخفاء الصوت وهمسه والا لصدق هذا الحد على الجهر وليس المراد اسماع نفسه خاصة لأن بعض الاخفات قد يسمعه القريب ولا يخرج بذلك
عن كونه اخفاتا انتهى وعن الشهيد الثاني في الروض أنه قال واعلم أن الجهر والاخفات حقيقتان متضادتان لا يجتمعان في مادة كما نبه عليه في النهاية
فأقل السر ان يسمع نفسه لا غير تحقيقا أو تقديرا وأكثره ان لا يبلغ أقل الجهر وأقل الجهر ان يسمع من قرب منه إذا كان صحيح السمع مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب
لتسميته جهرا عرفا وأكثر بان لا يبلغ العلو المفرط وربما فهم بعضهم ان بين أكثر السر وأقل الجهر تصادقا وهو فاسد لأدائه إلى عدم تعين أحدهما الصلاة لامكان
استعمال الفرد المشترك حينئذ في جميع الصلوات وهو خلاف الواقع لأن التفصيل قاطع للشركة انتهى وسوق تعبيرهما يشعر بأنهما حملا كلمات الأصحاب على ما ذكراه
في تفسير الجهر والاخفات من دوران صدقهما مدار اشتمال الكلام على الصوت الذي به يمتاز الجهر عن الاخفات عرفا وعدمه لا على سماع الغير وعدمه ولكنك خبير
بان بعض كلماتهم أبية عن هذا الحمل كالعبارتين المتقدمتين المحكيتين عن السرائر والمنتهى وكيف كان فالحق الذي لا مجال للارتياب فيه هو ان المدار على تسميته
جهرا أو اخفاتا في العرف وهي لا تدور مدار سماع الغير وعدمه بل العبرة فيهما باظهار جوهر الصوت واخفائه في المدار في هذا الباب كما حكى عن المحقق الأردبيلي
أيضا التصريح بذلك بل في الحدائق الظاهر أنه قول كافة من تأخر عن المحقق والشهيدين الثانيين إذ المرجع في مثل هذه المفاهيم التي لم يرد فيها حد تعبدي شرعي هو
العرف فلا يرفع اليد عن المحكمات العرفية بالكلمات المتشابهة الصادرة من الاعلام في تحديد مثل هذه المفاهيم ولا عبرة بما ادعوه في العبائر المتقدمة من الاجماع
على ما ذكروه في حدهما لا لمجرد عدم حجية الاجماع المنقول خصوصا مع مصير جل المتأخرين على خلافه بل لأنا نرى ان المدعين للاجماع فضلا عن غيرهم متشبثين في
اثبات مقالتهم بتسمية ما يسمعه الغير جهرا وهو عندنا محل نظر بل منع بل لو سلمنا ظهور لفظ الجهر والاخفات
عرفا فيما ذكروه لجعلنا السيرة العملية كاشفة عما اراده
الشارع منهما في هذا الباب فإنها هي عمدة المستند لانقسام الفرائض الخمس إلى جهرية واخفاتية وقد استقرت السيرة حتى ممن حدد الجهر والاخفات بما ذكر على اظهار
جوهر الصوت في الصبح وأولتي العشائين واخفاتهما في البواقي بحيث لو خالف أحد في ذلك بان صلى المغرب مثلا بلا صوت جرسي أو الظهر معه لعد عند المتشرعة
من المنكرات من غير التفات إلى سماع الغير وعدمه بل كيف يعقل ان يكلف الشارع أحدا بان يتكلم اخفاتا بالمعنى الذي ذكروه بان يكون على وجه يظهر صوته
بحيث تسمعه أذناه ولا يسمعه من بعد عنه بمقدار ذراع أو ذراعين فهل هذا الا بمنزلة ما لو كلفه بان يرفع صوته إلى أن يبلغ مسافة اربع أصابع لا أقل ولا أكثر
فإنه تكليف بغير مقدور بل لا يقدر واحد بمقتضى العادة ان يتكلم مع شخص يكون بعده عنه بمقدار الفصل بين فمه واذنه على وجه يسمع ذلك الشخص جميع ما يقول
ولا يسمعه من كان ابعد منه بمقدار ذراع أو ذراعين أو ثلاث وان كنت في شك من ذلك فعليك بالاختيار وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أن مجرد سماع
الغير وان كان بعيدا بمقدار معتد به ليس منافيا لصدق الاخفات نعم قد يكون تأدية الكلام بشدة على وجه يكون المتكلم كالمبحوح من غير أن يظهر جوهر
صوته وهذا مما يشكل صدق اسم الاخفاء عليه عرفا كما أن صدق اسم الجهر عليه أيضا كذلك فلا يجوز اختياره امتثالا لشئ من التكليفين إذ لا يحصل معه
301

الجزم بالخروج عن عهدة شئ منهما الا مع العجز عن اظهار جوهر الصوت كما في المبحوح فإنه حينئذ في حقه جهر بشهادة العرف ولو من باب قاعدة الميسور والله العالم
واما أدنى الاخفات فلا خلاف فيه على الظاهر في أنه هو ان يسمع نفسه إذا كان سميعا ولم يكن هناك مانع ولو مثل كثافة الهواء وهبوب الرياح إذ
لا يكاد يتحقق التلفظ وقطع الحوف على مخارجها بأدنى من ذلك ولا أقل من عدم حصول الجزم به عادة ولذا استدل عليه في محكى المنتهى بان ما دونه
لا يسمى كلاما ولا قرانا ولو فرض تحققه والجزم بحصوله فيشكل الاكتفاء به لما يظهر من جملة من الاخبار ككلمات الأصحاب من في لاعتداد بقراءة لا يسمعها
أذناك كبعض الروايات الواردة في تفسير الآية الشريفة كموثقة سماعة المروية عن الكافي والتهذيب مضمرة قال سألته عن قول الله عز وجل ولا تجهر بصلاتك
ولا تخافت بها قال المخافتة ما دون سمعك والجهر ان ترفع صوتك شديدا وفي الحدائق روى نحوها عن العياشي عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله
عليه السلام وخبر إسحاق بن عمار المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل ولا تجهر بصوتك ولا تخافت بها قال الجهر بها رفع
الصوت والتخافت ما لم تسمع نفسك واقرء ما بين ذلك وفي الحدائق بعد نقل هذا الخبر قال وبهذا الاسناد عنه أيضا قال الاجهار رفع الصوت عاليا
والمخافتة ما لم تسمع نفسك ويؤيده أيضا صحيحة زرارة أو حسنته عن أبي جعفر عليه السلام قال لا يكتب من القران والدعاء الا ما اسمع نفسه وصحيحة الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته هل يقرء الرجل في صلاته وثوبه على فيه قال لا بأس بذلك إذا اسمع اذنيه الهمهمة والهمهمة على ما في القاموس الصوت الخفي
ولا يعارضها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل هل يصلح له ان يقرء في صلاته ويحرك لسانه في لهواته من غير أن يسمع نفسه
قال لا بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم توهما فان ظاهرها جواز الاكتفاء بمجرد التوهم وهو مما لا قائل به وينافيه جميع الأدلة الدالة على اعتبار القراءة و
الذكر ولذا حملها الشيخ على من صلى مع المخالف واستشهد له بما رواه عن أبي حمزة عمن ذكره قال قال أبو عبد الله عليه السلام يجزيك من القراءة معهم مثل حديث
النفس ويشهد له أيضا خبر علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدي بصلاته والإمام يجهر بالقراءة قال اقرأ لنفسك وان لم
تسمع نفسك فلا بأس وكما يعتبر في الاخفات في لتفريط فكذا يعتبر في الجهر في لافراط كما صرح به شيخنا المرتضى رحمه الله وحكاه عن العلامة الطباطبائي و
غيره بل عن آيات الاحكام للفاضل الجواد نسبته إلى فقهائنا المشعرة بالاجماع ويدل عليه مضافا إلى امكان دعوى كونه ماحيا لصورة الصلاة صحيحة
عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام على الإمام ان يسمع من خلفه وان كثروا فقال ليقرء قراءة وسطا يقول الله تبارك وتعالى ولا تجهر بصلاتك
ولا تخافت بها وموثقة سماعة ورواية إسحاق بن عمار المتقدمان والمراد بالقراءة الوسط المصرح بها في الصحيحة ان لا يرفع صوته شديدا كما يشهد به موثقة
سماعة المتقدمة لا مطلق ما تجاوز عن العادة كما قد ينصرف إليه اطلاق الوسط والله العالم وليس على النساء جهر بلا خلاف فيه على الظاهر بل اجماعا
كما ادعاه جماعة ويشهد له مضافا إلى الأصل والاجماع المعتضد بالسيرة العملية التي هي أوضح دلالة على نفي الوجوب في مثل هذه الموارد التي تقضي العادة
ببقاء الصورة محفوظة لدى المتشرعة خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة في
الفريضة قال لا الا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قرائتها وكلمة تسمع بحسب الظاهر اما من باب الافعال أو مبنى للمفعول أريد بها سماع الغير
لا نفسها كما هو من لوازم الجهر عادة ويناسبه الاستثناء في حال الإمامة التي ورد فيها انه ينبغي للامام ان يسمع من خلفه كما يقول فيرتفع بهذه الرواية
التشابه عن كلمة تسمع الواردة في صحيحته المحكية عن التهذيب عن أخيه عليه السلام قال سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة أو التكبير قال
قدر ما تسمع وصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال سئلته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير فقال بقدر ما
تسمع بل قد يدعى ان المتبادر من نفس هذين الخبرين بواسطة المناسبة ووقوع السؤال عن حد رفع الصوت الذي هو عبارة أخرى عن الاجهار الذي يلزمه
عادة سماع الغير القريب إذا استمع المشعر بمفروغية أصله في الجملة وعدم ردع الإمام له ليس الا إرادة ذلك وكون كلمة تسمع من باب الافعال أو مبنيا
للمفعول ويدفعه ان هذه الكلمة متشابهة خطأ لا لفظا فلو كان ما سمعه عن الإمام عليه السلام بالبناء للمعلوم من المجرد لفهم من الجواب بأبلغ وجه ان
حده ان لا ترفع صوتها بحيث يتعدى سمعها اي تخفت في القراءة وفي الحدائق حمل جميع الأخبار على إرادة سماع نفسها وعدم التعدي عنها وزعم أنه لا منافاة
بينه وبين ان يكون عليها الجهر حال الإمامة إذ العبرة في الجهر على ما حققه باشتمال صوتها على الجرسية التي بها يمتاز الجهر عن الاخفات عرفا فقد تكون الجرسية
لا على حد يسمعها الغير وفيه ما لا يخفى فان الرواية الأولى كالنص في إرادة الجهر بالقراءة بقدر ما يسمعها الغير ولكن ظاهرها كون ذلك على سبيل الوجوب
كما اعترف به شيخنا المرتضى رحمه الله ولكنه قال ولم نظفر بقائل به كما في كشف اللثام وغيره فيمكن حمله على الاستحباب انتهى أقول بل يمكن منع ظهورها في
الوجوب فإنه يستشعر من تحديد جهرها بقدر ما تسمع قرائتها ان وظيفة النساء من حيث هي الاسرار وان ما عليها من الجهر حال الإمامة لمكان الضرورة
الناشئة من أن على الإمام ان يسمع من خلفه كلما يقول من القراءة والتكبير ونحوه مما لا يجب عليه الاسرار به وستعرف إن شاء الله ان هذا على الإمام ليس
على سبيل الوجوب بل الاستحباب فلا يفهم من الرواية الا مشروعية الجهر للمرأة حين تؤم النساء على حسب مشروعية لغيرها ممن يؤم من الرجال لا من
حيث كونه رجلا يجب عليه الجهر بالقراءة بل من حيث كونه اماما ينبغي ان يسمع من خلفه ما يقول كما لا يخفى ثم انا قد أشرنا إلى أنه يستشعر من التحديد الواقع في
الروايات من أن الراجح في حقها من حيث هي الاخفات ولو مع عدم سماع الأجنبي ولكنه ليس بواجب إذ لا دليل عليه فلو أجهرت في مواضع الجهر كما هو محل
302

الكلام لم تبطل صلاتها وان سمع صوتها الأجنبي كما صرح به غير واحد للأصل وقيل تبطل مع سماع الأجنبي بل ربما نسب هذا القول إلى المشهور بناء على أن صوتها
عورة يحرم اسماعه واستماعه فتكون القراءة التي يتحقق بها الاسماع منهيا عنها فيمتنع وقوعها عبادة وفيه منع الصغرى كما يأتي تحقيقه إن شاء الله في محله
وقد أجيب أيضا بعد تسليم الصغرى بمنع صيرورة القراءة من حيث هي منهيا عنها بدعوى ان النهي متعلق بأمر خارج عن مهية القراءة وفيه ما لا يخفى ضرورة
ان الجهر والاخفات من كيفيات الصوت الذي به يتحقق القراءة لا امرا خارجيا مغائرا له في الوجود حتى لا ينافي صيرورة القراءة مصداقا للمأمور به ونظيره
في الضعف ما قد يقال من أن النسبة بين ما دل على حرمة الاسماع ووجوب الاجهار في الصلاة ولو بضميمة قاعدة الاشتراك العموم من وجه فتحكيم دليل المنع
على دليل الوجوب من غير مرجح تحكم فان ما دل على وجوب الجهر بعد تسليم شموله للنساء وعدم مدخلية خصوصية الرجل الذي ورد فيه النص في الحكم فان ما يدل
على وجوبه مطلقا وقضية تعلق الامر بايجاد طبيعة مطلقة كون المكلف مخيرا في ايجادها في ضمن اي فرد يكون من افراده السائغة دون المحرمة فإذا حرم على
النساء اظهار صوتها لدى الأجنبي فعليها ان تصلي في مكان لا يسمع صوتها الأجنبي فلا معارضة بين دليلهما كما لا معارضة بين اطلاق الامر بالصلاة
وعموم النهي عن التصرف في المغصوب على ما عرفته في محله نعم لدى الانحصار وعدم المندوحة يتحقق المعارضة ولكن يقدم جانب الحرمة لما علم من الخارج
من أن شرائط الصلاة (اعتبارها فيها مقيدة) بان لا يترتب عليها مفسدة شرعية فلا يصلح ان يكون شرطيتها واقعة للمنع الشرعي المتعلق بذات الشرط من حيث هي وكيف كان فهل
على النساء الاخفات في المواضع التي يجب الاخفات فيها وجهان بل قولان أظهرهما وأشهرهما بل المشهور على ما يظهر من كلماتهم حيث اقتصروا على نفي الجهر على
النساء من دون تعرض للاخفات الأول خلافا لما حكى عن جماعة من القول بالتخيير لهن مطلقا سواء كان في مواضع الجهر أو الاخفات للأصل بعد اختصاص دليل
اعتبارهما بالرجل وفيه ان اختصاص النص الوارد فيهما بالرجل لا يمنع استفادة حكم النساء منه بقاعدة المشاركة الثابتة بالاجماع وغيره فهل هذا الا كقرائة
العزيمة أو القرآن ونحوه مما ورد النص الدال عليه في الرجل نعم في استفادة وجوب الجهر عليها لولا الدليل على خلافه من النص الدال عليه في الرجل بقاعدة
المشاركة لا تخلو عن نظر ولذا جعلنا الأصل أيضا في المقام دليلا على تقدير الاغماض عن سائر الأدلة إذ لو كان لقاعدة المشاركة دليل لفظي فضلا عن أن
عمدة دليلها الاجماع ونحوه من الأدلة اللبية التي يدعى كونها بمنزلة عموم لفظي لأمكن دعوى انصرافه عن مثل الجهر بالنسبة إلى المرأة التي لها خصوصية مقتضية
لعدم مطلوبية الجهر منها حتى أن المشهور ذهبوا إلى أن صوتها عورة فيشكل استفادة حكمها بعد احراز مثل هذه الخصوصية مما دل على وجوب الجهر أو استحبابه
في حق الرجل ولذا الا يفهم أحد مما دل على استحباب رفع الصوت في الأذان مهما أمكن ثبوته للنساء مع مغروسية قاعدة المشاركة في أذهان جميع المتشرعة
وهذا بخلاف الاخفات في مواضعه فان خصوصيتها مقتضية لتأكد مطلوبية فهي مؤكدة لعموم القاعدة في مورده ولذا لا يتوهم أحد من المستشرعة (الاختصاص) فيما لو
ورد في رجل صلى صلاة الاحتياط جهرا الامر بإعادتها أو ورد الامر بقراءة ذكر أو دعاء أو صلاة سرا وهذا بعكس مثل الأذان ونحوه مما ورد فيه الامر
برفع الصوت فإنه لو كان في مثل هذه الموارد لدليله اطلاق أو عموم كما في كثير من الأخبار الواردة في الحث على رفع الصوت في الأذان لانصرف إلى الرجال
فضلا عما لو كان واردا فيهم بالخصوص فليتأمل والخنثى المشكل ان أوجبنا الاحتياط عليه في مثل هذه الموارد تخفت في محل الاخفات وتجهر في محل الجهر إذا
لم يكن أجنبي بل مطلقا بناء على ما قويناه من عدم كون صوت المرأة عورة وعلى القول بكونه عورة قد يمنع ذلك في الخنثى لكونها من قبيل الشبهات الموضوعية
التي لا يجب الاحتياط فيها اتفاقا ولكنه لا يخلو عن بحث ولو قلنا بحرمة اسماعه أيضا فعليه ان يصلي في موضع لا يسمع صوته الرجال ومع الانحصار الاخفات
كما يظهر وجهه مما قدمناه انفا وفي الجواهر بعد ان نسب الاخفات إلى القيل على تقدير سماع الأجنبي قال والمتجه التكرير مع انحصار الطريق فيه تحصيلا
للاحتياط وفيه انه ان جاز له اظهار صوته لدى الأجنبي فلا مقتضى للتكرير لأن شرطية الاخفات على النساء مع سماع الأجنبي لدى القائلين به على ما يظهر
من تعليلهم بان صوتها عورة نشأت من حرمة الاسماع فتنتفي بانتفائها والا فلا موقع للاحتياط فليتأمل والله العالم والمسنون في هذا القسم الجهر بالبسملة
في مواضع الاخفات في أول الحمد وأول السورة وقد اختلفت كلمات الأصحاب في هذه المسألة على ما حكى عنهم بعد اتفاقهم على وجوب الجهر بها في مواضع
يجب الجهر فيها بالقراءة كسائر اجزائها على خمسة أقوال الأول استحبابه مطلقا سواء كان في حق الإمام أو غيره في الأوليين وغيرهما ومنه ثالثة المغرب و
أخيرتا العشاء وهذا القول هو المشهور على ما ادعاه غير واحد الثاني اختصاصه بالأوليين واما الأخيرتان فلا يستحب الجهر فيهما في شئ من الصلوات
بل لا يجوز اختاره في السرائر الثالث اختصاص استحباب الجهر بها للامام خاصة دون من عداه حكى ذلك عن ابن الجنيد الرابع وجوبه مطلقا نسب هذا
القول إلى القاضي بن البراج في المهذب حيث عد من واجبات الصلوات الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فيما
يجهر أو يخافت وكذا إلى ظاهر الصدوق في الخصال
حيث قال والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب وفي ظهور كلامهما المحكى عنهما في الاطلاق بحيث يعم الأخيرتين تأمل بل لا يبعد ارادتهما الأوليين
فيتحد حينئذ هذا القول مع القول الذي عدوها خامس الأقوال وهو ما حكى عن أبي الصلاح في الكافي من وجوبه في ابتداء الحمد والسورة في الأوليين من
جميع الصلوات ومستند الحكم اخبار كثيرة منها صحيحة صفوان المروية عن التهذيب قال صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام أياما فكان يقرء في فاتحة الكتاب ببسم
الله الرحمن الرحيم فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله الرحمن الرحيم واخفى ما سوى ذلك وفي الوسائل رواها عن الكليني أيضا بأسناده عن صفوان
الجمال قال صليت خلف أبي عبد الله أياما فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وكان يجهر في السورتين جميعا وخبر الأعمش المروي
303

عن الخصال في حديث شرائع الدين قال والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب وخبر فضل بن شاذان المروي عن العيون عن الرضا عليه السلام
في كتابه إلى المأمون قال والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنة وفي خبر رجاء بن أبي الضحاك الذي صحب الرضا في طريقه إلي مرو انه
كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلاته بالليل والنهار ورواية سليم بن قيس المروية عن روضة الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة
طويلة يذكر فيها احداث الولاة الذين كانوا قبله إلى أن قال وأمرت الناس بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بناء
على أن المراد بها الجهر في الصلوات كما يشهد له سائر الروايات وخبر أبي حمزة المروي عن التهذيب قال قال علي بن الحسين يا ثمالي ان الصلاة إذا أقيمت
جاء الشيطان إلى قرين الإمام فيقول له ذكر ربه فان قال نعم ذهب وان قال لا ركب على كتفيه وكان امام القوم حتى ينصرفوا قال قلت جعلت فداك
أليس يقرأون القران قال بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي انما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويشهد له أيضا المستفيضة الدالة على أنه من علائم المؤمن مثل ما
عن مصباح الشيخ مرسلا عن أبي محمد العسكري عليه السلام قال علائم المؤمن خمس صلاة الإحدى والخمسين وزيارة الأربعين والتختم باليمين (وتعفير الجبين) والجهر ببسم الله الرحمن
الرحيم وعن كتاب اعلام الدين للديلمي عن كتاب الحسين بن سعيد عن صفوان بأسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة يقبل قوم على نجائب
من نور ينادون بأعلى أصواتهم الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا ارضه نتبوء من الجنة حيث نشاء قال فيقول الخلائق هذه زمرة الأنبياء عليهم السلام فإذا النداء
من قبل الله عز وجل هؤلاء شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام فهم صفوتي من عبادي خيرتي من بريتي فيقول الخلائق الهنا وسيدنا بم نالوا هذه الدرجة فإذا النداء
من الله تعالى بتختمهم باليمين وصلاتهم احدى وخمسين واطعامهم المسكين وتعفيرهم الجبين وجهرهم في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم إلى غير ذلك من النصوص
الدالة عليه ومقتضى اطلاق كثير من الاخبار المزبورة في لفرق بين الإمام والمنفرد فتخصيص الحكم بالإمام كما حكى عن ابن الجنيد ضعيف وليس في الأخبار الواردة
في الإمام اشعار باختصاصه به كي يقيد بها سائر الروايات مع أن جملة منها كالمستفيضة الواردة في علائم المؤمن أبية عن التخصيص فإنها كادت تكون
صريحة في التعميم كما انها كادت تكون صريحة في الاستحباب وكذا خبر أبي حمزة بل خبر الفضل أيضا ظاهر في ذلك فيستكشف من ذلك ان المراد بالواجب الذي
وقع التعبير به في خبر الأعمش هو معناه العرفي الذي اطلق عليه كثيرا ما في الاخبار وفي عبائر القدماء لا معناه المصطلح وان الزام الأمير عليه السلام الناس بالجهر
ببسم الله الرحمن الرحيم كما في خبر سليم لم يكن للزومه من حيث هو بحيث لم يجز لهم تركه بالذات بل لأجل احياء السنة وأمانة البدعة التي ابتدعها من كان قبله
وكيف كان فلا يصلح مثل هذين الخبرين لمعارضة ما عرفت بل هما بنفسهما بعد اعراض المشهور عن ظاهرهما لا ينهضان دليلا الا للاستحباب فالقول بوجوبه
مطلقا كما عن القاضي وظاهر الصدق وأوفى الأولتين كما حكى عن أبي الصلاح أيضا ضعيف وربما يستشهد أيضا لحمل ما كان ظاهره الوجوب على الاستحباب
بصحيحة عبد الله بن علي الحلبي ومحمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انهما سألاه عمن يقرء بسم اله الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب قال نعم
ان شاء سرا وان شاء جهرا قلت أفيقرأها مع السورة الأخرى فقال لا ولا يخفى عليك ان هذه الصحيحة وان كانت صريحة في نفي الوجوب وقضية الجمع بينهما وبين
ما يظهر منه الوجوب صرفه إلى الاستحباب الا ان ما في ذيلها من نفي وجوب البسملة مع السورة الأخرى ربما يوهن التعويل عليها حيث يغلب على الظن جريها
مجرى التقية فليتأمل واستدل الحلي لما ذهب إليه من اختصاص الاستحباب بالأولتين من الصلاة الاخفاتية بما صورته لا خلاف بيننا في أن الصلاة
الاخفاتية لا يجوز فيها الجهر بالقراءة والبسملة من جملة القراءة وانما ورد استحباب الجهر في الصلاة الاخفاتية التي يتعين فيها القراءة ولا يتعين القراءة
الا في الركعتين الأوليين فحسب وأيضا فطريق الاحتياط يوجب ترك الجهر بالبسملة في الاخرتين لأنه لا خلاف بين أصحابنا بل بين المسلمين في صحة صلاة
من لا يجهر بالبسملة في الأخيرتين وفي صحة صلاة من جهر فيهما خلاف وأيضا فلا خلاف بين أصحابنا في وجوب الاخفات في الركعتين الأخيرتين فمن ادعى
استحباب الجهر في بعضها وهو البسملة فعليه الدليل فان قيل عموم الندب والاستحباب بالجهر في البسملة قلنا ذلك فيما يتعين ويتحتم القراءة فيه لأنهم
عليهم السلام قالوا يستحب الجهر بالبسملة فيما يجب فيه القراءة بالاخفات والركعتان الأخرتان خارجتان من ذلك انتهى وأجيب عنه بمنع ورود دليل في خصوص
ما يتعين فيه القراءة وما ادعاه من أنهم عليهم السلام قالوا يستحب الجهر بالبسملة فيما يجب فيه القراءة بالاخفات ففيه انا لم نجد له عينا ولا اثرا بل ولا نقله ناقل
نعم يستفاد من نصوصهم المستفيضة رجحان الجهر بها في قراءة الصلاة مطلقا سواء كانت واجبة عينا أو تخييرا واما عن قاعدة الاحتياط فبان اطلاق
الروايات الواردة عنهم عليهم السلام وأورد على القاعدة مضافا إلى أن المرجع في مثل المقام البراءة على ما تقرر في محله واما الاجماع على وجوب الاخفات في الأخيرتين
فهو فيما عدى البسملة واما فيها فعدمه مظنة الاجماع والذي يقتضيه الانصاف انه ليس في شئ من الاخبار اطلاق يفي باثبات المدعى اما الاخبار الحاكية
لفعلهم عليهم السلام فواضح إذ لم يعلم أنهم عليهم السلام قرؤا الفاتحة في الأخيرتين في تلك الموارد بل في خبر رجاء بن أبي الضحاك التصريح بأنه عليه السلام كان يسبح في الأخيرتين
واما سائر الروايات فلا يستفاد منها الا استحباب الجهر بالبسملة في الصلاة على سبيل الاجمال وغاية ما يمكن ادعائه انه ينسبق إلى الذهن ارادته في المواضع التي
كانت التسمية فيها معروفة لديهم فان ثبت تعارف القراءة في الأخيرتين في عصرهم أمكن دعوى استفادته من النصوص والا فلا يخلو عن اشكال ولكن الذي يهون
الخطب ان ما دل على وجوب الاخفات في الأخيرتين لا يعم البسملة فان عمدته الاجماع والسيرة بالتقريب الذي عرفته فيما سبق وهما لا ينهضان لاثباته في البسملة
التي ذهب المشهور ان استحباب الجهر بها فلا يبعد حينئذ الالتزام باستحبابه لما يستشعر بل يستظهر من خبر هارون عن أبي عبد الله عليه السلام الوارد تعريضا على
304

المخالفين الذين تركوا البسملة في القراءة أو أخفوها رجحان الجهر بها من حيث هي في كل موضع شرعت ولو في غير الصلاة قال عليه السلام كتموا بسم الله الرحمن الرحيم فنعم
والله الأسماء كتموها كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها صوته فتولى قريش فرارا فانزل الله وإذا ذكرت
ربك في القران وحده ولوا على ادبارهم نفورا وربما يستشعر من هذه الرواية ان المقصود بالأخبار المستفيضة الواردة في الحث على الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
وانه من علائم المؤمنين الذين هم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام هو الجهر به في كل موضع كتمه من عداهم وهو في أول كل سورة من الفاتحة وغيرها من السور القرآنية
من غير فرق بين كونه في الركعتين الأوليين أو غيرهما كما يؤيد ذلك فهم الأصحاب وفتواهم مع أن فتواهم بالاستحباب كاف لاثباته من باب المسامحة بعد كون المحل قابلا
لها كما هو المفروض فالقول باستحبابه مطلقا كما هو المشهور اظهر ولكن الأحوط ترك الجهر في الأخيرتين وأحوط منه اختيار التسبيح والله العالم ثم إن مقتضى اطلاق
ما نسب إلى المشهور عدم الفرق بين المأموم وغيره ولكن لا يبعد دعوى انصراف كلماتهم عنه إذ المقصود في هذا المقام بيان ما هو وظيفة المصلي من حيث هو مع قطع النظر
عما يقتضيه تكليفه حال الايتمام المؤثر في اختلاف تكليفه في أصل القراءة وكيفيتها كبحثهم عن أصل الجهر والاخفات قال شيخنا المرتضى رحمه الله في ذيل هذه المسألة بعد موافقته
للمشهور في استحباب الجهر بالبسملة مطلقا ما لفظه وهل يعم الحكم ما لو وجب الاخفات لعارض الجماعة أم لا الظاهر الثاني لانصراف هذه الأخبار إلى غيرها فيبقى اطلاق
ما دل على الاخفات بالقراءة خلف الإمام مثل قوله عليه السلام في تلك الأخبار قرء في نفسه بأم الكتاب وعموم قوله عليه السلام لا ينبغي للمأموم ان يسمع الإمام ما يقوله سليما عن المقيد
مع أنه لو منع الانصراف فغاية الامر تعارض المطلقين بالعموم من وجه ولا دليل على الاستحباب مع أنه إذا سقط الجهر في موارد وجوبه لمراعاة جانب الإمام اللائق
بالاحترام فسقوطه في موارد ندبه أولى انتهى وهو جيد ولكن صدر كلامه يوهن ارادته في خصوص الأولتين من الجهرية ولكن ما ذكره وجهاله يقتضي التعميم حتى في الأخيرتين
وما ذكره من تعارض المطلقين بالعموم من وجه انما ذكره من باب المماشاة والا فلا ريب في أن شمول قوله عليه السلام في صحيحة زرارة الواردة في المأموم المسبوق ان أدرك من
الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرء في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة الحديث للبسملة أوضح من شمول الأخبار الدالة
على استحباب الجهر بها للمأموم فان جملة من تلك الأخبار وردت حكاية للفعل فلا اطلاق لها بحيث يفهم منه حكم المأموم وكثير منها كالمستفيضة الواردة في علائم
المؤمن قضايا طبيعة نظير قول القائل الغنم حلال فليس لها اطلاق أحوالي بحيث يفهم منه استحبابه حال المأمومية التي عرضها جهة مقتضية لرجحان الاسرار فلم يبق
في المقام ما يمكن ان يتمسك باطلاقه للمأموم عدى قوله عليه السلام في خبر الأعمش والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب وفي خبر الفضل والاجهار ببسم الله الرحمن
الرحيم في جميع الصلوات سنة وهما لو لم نقل بانصرافهما في حد ذاتهما عن المأموم فلا أقل من عدم كون ظهورهما في الاطلاق كظهور الصحيحة في إرادة مطلق القراءة حتى
البسملة كما يؤيده عموم المناسبة المقتضية للاسرار بل لا شبهة في أن المقصود بالصحيحة الامر بقراءة أم الكتاب والسورة مع بسملتهما فحمل قوله عليه السلام في نفسه على ارادته في
البعض تكلف بعيد فالصحيحة كادت تكون صريحة بالنسبة إلى قوله في نفسه أيضا في إرادة الأعم ويستفاد منها رجحان الاسرار في الأخيرتين لغير المسبوق أيضا بالأولوية
مع أنه لا دليل يعتد به لاستحباب الجهر بها في الأخيرتين لغير المأموم أيضا لولا قاعدة المسامحة واستشعاره من بعض الأخبار التي هي بمنزلة القضايا الطبيعية كما تقدمت
الإشارة إليه انفا وشئ منهما لا ينهض لاثباته في المأموم الذي عرضه جهة مقتضية لرجحان الاسرار وقد ورد فيه النص بأنه لا ينبغي له ان يسمع الإمام ما يقوله
فليتأمل ومنه الترتيب في القراءة اجماعا كما ادعاه جماعة ففي المدارك قال في شرح العبارة اجمع العلماء كافة على استحباب ترتيل القراءة في الصلاة وغيرها
إلى أن قال والترتيل لغة الترسل والتبيين وحسن التأليف وفسره في الذكرى بأنه حفظ الوقوف وأداء الحروف وعرفه في المعتبر بأنه تبين الحروف من غير مبالغة
انتهى والأصل في هذا الحكم قوله تعالى ورتل القرآن ترتيلا وما رواه في التهذيب عن عبد الله بن البرقي وأبي احمد جميعا عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال ينبغي للعبد إذا صلى ان يترتل في قرائته فإذا مر باية فيها ذكر الجنة وذكر النار سئل الله الجنة وتعوذ بالله من النار وإذا امر يا أيها الناس ويا أيها الذين امنوا
يقول لبيك ربنا وفي المرسل المروي عن الكافي عن علي بن أبي حمزة قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال أبو بصير جعلت فداك اقرأ القران في شهر رمضان في
ليلة فقال لا قال ففي ليلتين فقال لا فقال ففي ثلاث قالها وأشار بيده ثم قال يا أبا محمد ان لرمضان حقا وحرمة لا يشبهه شئ من الشهور وكان أصحاب محمد صلى
الله عليه وآله يقرء أحدهما القران في شهر أو أقل من أن القران لا يقرء هذرمة ولكن يرتل ترتيلا في مجمع البحرين الهذرمة السرعة في القراءة وفي الخبرين إشارة إلى أن
المراد بالترتيل التأني في القراءة وأوضح منهما دلالة عليه خبر عبد الله بن سليمان المروي عن الكافي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل ورتل القرآن
ترتيلا قال قال أمير المؤمنين عليه السلام بينه تبيينا ولا تهذه هذاء الشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية ولا يكن هم أحدكم اخر السورة وخبر أبي بصير
المروي عن المجمع في تفسير الآية عن الصادق عليه السلام هو ان تتمكث فيه وتحسن به صوتك ويظهر من هذا الخبر ان تحسين الصوت أيضا مأخوذ في مفهومه وربما
يظهر من بعض حمل الامر في الآية الشريفة على الوجوب وتفسيره بإخراج الحروف من مخارجها قال في محكى المعتبر نعني بالترتيل في القراءة تبيينها من غير مبالغة
وبه قال الشيخ وربما كان واجبا إذا أريد به النطق بالحروف من مخارجها بحيث لا يدمج بعضها في بعض قال ويدل على الثاني قوله تعالى ورتل القرآن ترتيلا
والامر للوجوب انتهى وعن المنتهى قال يستحب للمصلي ان يرتل قرائته بان يبينها من غير مبالغة ويجب عليه
النطق بالحروف من مخارجها بحيث لا يخفى بعضها في بعض
لقوله تعالى ورتل القرآن ترتيلا انتهى ولا يخفى عليك ان حمل الآية على إرادة خصوص هذا المعنى خلاف ما يظهر من الاخبار المزبورة المنطبق على ما حكى
عن كثير من العلماء واللغويين في تفسيره فالمتجه حمل الآية على المعنى المستفاد من الاخبار المزبورة وصرف الامر إلى الاستحباب كما يشهد له مضافا إلى الاجماع
305

وظهور الرواية الأولى فيه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في الرجل يقرء في الفريضة فاتحة الكتاب وسورة أخرى في النفس الواحد فقال إن شاء قرء
في نفس وان شاء في غيره واما ما حكى عن الذكرى من تفسير الترتيل بأنها حفظ الوقوف وأداء الحروف فلعله لكونه لازما عاديا للترتيل بالمعنى المزبور وان
لا يخلو عن تأمل ويحتمل ان يكون مستنده ما حكى عن بعض مؤلفي التجويد من نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال سئل النبي صلى الله عليه وآله عن معنى الترتيل قال حفظ الوقوف
وأداء الحروف وعن المحدث الكاشاني في الوافي روايته مرسلا عن أمير المؤمنين فقال الترتيب حفظ الوقوف وبيان الحروف كذا عن أمير المؤمنين عليه السلام
وقد طعن صاحب الحدائق في هذه الرواية بعدم ثبوته من طرقنا فلعلها من روايات العامة فيشكل حينئذ التعويل عليها في تفسير الآية (نعم قد يتجه العمل بها والالتزام) بأنه يستحب الوقوف على
مواضعه من باب المسامحة ولكن المواضع التي يمكن الالتزام باستحباب الوقف عليها ليست ما عينها القراء بآرائهم ضرورة انه لم يقصد بالرواية الصادرة
عن النبي أو الوصي عليهما السلام الإشارة إلى المواضع المعروفة عند القراء اللهم الا ان يقال إن المراد بالرواية ان صح صدورها عن النبي أو الوصي عليهما السلام
بحسب الظاهر هو الوقوف على المحل الذي يحسن الوقف فيه بحسب نظم الكلام وقد عين القراء مواضعه بآرائهم فيرجع إليهم لكونهم من أهل الخبرة في ذلك
الا في المواضع التي علم خطائهم لجهلهم بالتفسير كما في بعض المواضع الذي كشف عنه اخبار أهل البيت عليهم السلام كوقفهم على اخر الجلالة في قوله تعالى
وما يعلم تأويله الا الله لزعمهم ان الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل القران مع أنه مفسر في الاخبار بالأئمة عليهم السلام ويحتمل ان يكون المراد بها الوقوف
في أواخر الآي التي هي من مواضعه المعروفة عند عامة الناس كما يؤيده ما عن مجمع البيان مرسلا عن أم سلمة قالت كان النبي صلى اله عليه وآله يقطع قرائته آية آية
ومنه أيضا قراءة سورة بعد الحمد في النوافل التي عرفت في صدر المبحث انه يجوز فيها الاكتفاء بفاتحة الكتاب وحدها اي النوافل المطلقة لا النوافل الخاصة
التي لها كيفية مخصوصة اعتبرت السورة أو تكرارها أو تعددها في كيفيتها الموظفة كصلاة جعفر وعلي وفاطمة عليهم السلام وصلاة الاعرابي وغير ذلك
فإنها خارجة عن محل الكلام وانما الكلام في سائر النوافل التي يجوز فيها الاكتفاء بفاتحة الكتاب وحدها من النوافل المبتدئة والمرتبة ونظائرها
فإنه يستحب فيها قراءة السورة بعد الحمد بلا خلاف فيه على الظاهر بل اجماعا كما عن غير واحد نقله بل هذا مما لا مجال للارتياب فيه بعد نفي احتمال وجوبه
فكان من تشبث في المقام بالاجماع أراد بذلك نفي احتمال الوجوب والا فمشروعية قرائتها في النوافل كالفرائض على سبيل الاجمال التي يلزمها الاستحباب
على تقدير في لوجوب لا يبعد أن تكون من ضروريات الدين فضلا عن ظهور كثير من النصوص في كونها من الأمور المسلمة المفروغ عنها لدى الأئمة و
السائلين كما لا يخفى وهل يجوز الاكتفاء بأقل من سورة بعنوان المشروعة على سبيل التوظيف كما ربما يلوح ذلك من بعض كلماتهم في مقام توجيه بعض الأخبار
الواردة في التبعيض من حمله على النافلة ويؤمي إليه قوله عليه السلام في خبر منصور بن حازم لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر فيه تردد والأحوط
عند إرادة التبعيض عدم قصد التوظيف واما قراءة الأكثر من سورة فقد عرفت في مبحث القران نفي البأس عنه وقضية ذلك كونه أفضل من الاكتفاء
بسورة لا لأن مقتضى شرعية الزيادة رجحانها والا لم يعقل وقوعها عبادة لما عرفت في مبحث التكبيرات السبع الافتتاحية من امكان الخدشة في ذلك بالنسبة
إلى اجزاء العبادة التي لم يتعلق بها من حيث هي امر شرعي بل لأن القراءة من حيث هي راجحة شرعا فإذا نفى الباس عنها في مورد بان لم يكن في خصوص هذا المورد
مشتملة على جهة مقتضية للمنع عنها كالقران بين سورتين في الفريضة اقتضى ذلك في كل موضع شرعت ان يكون أكثرها أكثر فضلا من أقلها نعم قد يتجه
التفصيل بين النوافل الليلية والنهارية لوقوع النهي عن القران في النهارية في رواية محمد بن القاسم قال سئلت عبدا صالحا هل يجوز ان يقرء في صلاة الليل
بالسورتين والثلاث فقال ما كان من صلاة الليل فاقرء بالسورتين والثلاث وما كان من صلاة النهار فلا تقرء الا بسورة سورة ومنه ان يقرء في الظهرين والمغرب
بالسور القصار كالقدر والجحد وفي العشاء بالأعلى والطارق وما شاكلها وفي الصبح بالمزمل والمدثر وما ماثلهما قال صاحب المدارك المشهور بين الأصحاب انه
يستحب القراءة في الصلاة بسور المفصل وهو من سورة محمد صلى الله عليه وآله إلى اخر القران فيقرء مطولاته في الصبح وهو من سورة محمد صلى الله عليه وآله إلى عم ومتوسطاته في العشاء وهي
من سورة عم إلى الضحى وقصاره في الظهرين والمغرب وهي من الضحى إلى اخر القران وليس في اخبارنا تصريح بهذا الاسم ولا تحديده وانما رواه الجمهور عن عمر بن الخطاب
والذي ينبغي عليه العمل ما رواه محمد بن مسلم في الصبح قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام القراءة في الصلاة شئ موقت قال لا الا الجمعة تقرء بالجمعة والمنافقين فقلت له فأي
السور تقرء في الصلاة قال اما الظهر والعشاء لآخرة تقرء فيهما سواء والعصر والمغرب سواء واما الغداة فأطول فاما الظهر وعشاء الآخرة فسبح اسم ربك الاعلى
والشمس وضحها ونحوهما واما العصر والمغرب فإذا جاء نصر الله والهيكم التكاثر ونحوهما اما الغداة فعم يتسائلون وهل اتيك حديث الغاشية ولا اقسم بيوم
القيمة وهل اتى على الانسان حين من الدهر انتهى وهو جيد إذ لا ريب في أن العمل بالصحيحة أولى من متابعة المشهور من باب المسامحة إذ لم تجد دليلا يعتد به على
التفصيل المزبور لولا المسامحة واما ما رواه الجمهور عن عمر فهو انه روى عن أبي حفص انه روى باسناده قال كتب عمر إلى أبي موسى ان اقرأ في الصبح بطوال المفصل
واقرء في الظهر بأوساط المفصل واقرء في المغرب قصار المفصل ولكن هذا التفصيل لا ينطبق على ما نسبه إلى المشهور فكان مراده انه ليس في اخبارنا التصريح باسم
المفصل ولا تحديد المفصل ولذا أورد عليه بما رواه ثقة الاسلام في كتاب فضل القران من أصوله عن سعد الإسكاف قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أعطيت
السور الطوال مكان التورية وأعطيت المئين مكان الإنجيل وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت بالمفصل ثمان وستون سورة وهو مهيمن على سائر الكتب
اي شاهد عليها ودليل على أنها كتب سماوية على ما فسره بعض والمراد بالسور الطوال على ما قيل بل حكى عن جمع من العلماء سبع سور من البقرة إلى يونس على أن يكون
306

الأنفال والتوبة سورة واحدة والمتين بكسر الميم والهمزة جمع مأة على غير القياس فقيل في تفسيرها انها سبع سور من سورة بني إسرائيل فاخرها المؤمنون لأنها اما
مأة آية أو أكثر بقليل أو أقل كذلك واما المفصل فكما تقدم من سورة محمد صلى الله عليه وآله إلى اخر القرآن كما يؤيده انطباقه على العدد المذكور في الرواية بناء على أن يكون كل من الضحى
والم نشرح وكذا الفيل ولايلاف سورة مستقلة واما المثاني فهي من سورة يونس إلى بني إسرائيل ومن سورة الفرقان إلى سورة محمد صلى الله عليه وآله وسميت
بالمثاني لأنها ثنيت الطوال وتلتها والمتين جعلت مبادي أخرى والتي تلتها مثاني لها واما تسميتها بالمفصل اما لكثرة فواصلها بالبسملة أو قصور فواصلها
أو باعتبار اشتمالها على الحكم المفصل اي الغير منسوخ وما ذكر في تحديد المفصل منسوب إلى أكثر أهل العلم وعن القاموس انه نقل في تحديده أقوالا شتى منها ما ذكر و
لكنه عبر عن سورة محمد صلى الله عليه وآله بسورة القتال ومنها انه من سورة الحجرات إلى اخر القرآن ومنها انه من الجاثية ومنها انه من القاف ومنها انه من الصافات
ومنها انه من الصف ومنها انه من تبارك ومنها من انا فتحنا ومنها من سبح اسم ربك ومنها من الضحى والظاهر أن هذه التحديدات بأسرها من اجتهادات
العامة ولكن الأول من حيث انطباقه على الحد المنصوص عليه في الرواية قد يقوى في النظر صحته وكيف كان فقد عرفت ان الأولى في هذا الباب هو اتباع الصحيح
المزبور ونحوه الموثق المروي عن عيسى بن عبد الله القمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الغداة بعم يتسائلون وهل اتيك
حديث الغاشية ولا اقسم بيوم القيامة وشبهها وكان يصلي الظهر بسبح والشمس وضحيها وهل اتيك حديث الغاشية وشبهها وكان يصلي المغرب بقل هو الله أحد
وإذا جاء نصر الله والفتح وإذا زلزلت وكان يصلي العشاء الآخرة بنحو ما يصلي الظهر والعصر بنحو من المغرب فروع منها انه ينبغي للمصلي ان يقرء في الركعة
الثانية من الفريضة سورة غير السورة التي قرأها في الأول الصحيحة علي بن جعفر المروية عن التهذيب عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يقرء سورة واحدة
في الركعتين من الفريضة وهو يحسن غيرها فان فعل فما عليه قال إذا أحسن غيرها فلا يفعل وان لم يحسن غيرها فلا بأس واحتمال إرادة التبعيض مدفوع بأنه لو كان مراد
السائل التبعيض لأجابه عليه السلام بقراءة السورة التي يحسنها في كلتا الركعتين فإنه أولى من التبعيض جزما ولو قلنا بجوازه وظاهرها النهي وهو محمول على الكراهة
بشهادة الاجماع وغيره وينبغي استثناء سورة التوحيد عن ذلك فإنه لا بأس بقرائتها في الركعتين بل يستحب كما يشهد له ما رواه الشيخ باسناده عن زرارة قال قلت
لأبي جعفر عليه السلام أصلي بقل هو الله أحد فقال نعم قد صلى رسول الله صلى الله عليه وآله في كلتا الركعتين بقل هو الله أحد لم يصل قبلها ولا بعدها بقل هو الله أحد أتم منها وما في ذيله
من الاجمال لا ينفي دلالته على المدعى وعن صفوان الجمال قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول قل هو الله أحد تجزي في خمسين صلاة إذ الظاهر أن المقصود بالرواية بيان
فضل قل هو الله أحد وكونها مجزية في الصلوات بأسرها من حيث الكمال لا مجرد الصحة التي يشاركها فيها سائر السور وأوضح منه دلالة عليه ما رواه الكليني باسناده
عن صفوان الجمال قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول صلاة الأوابين الخمسون كلها بقل هو الله أحد وعن الصدوق في كتاب التوحيد باسناده عن عمران بن الحصين
ان النبي صلى الله عليه وآله بعث سرية واستعمل عليها عليا عليه السلام فلما رجعوا سألهم فقالوا كل خير غير أنه قرء بنا في كل الصلوات بقل هو الله أحد فقال يا علي لم فعلت هذا
قال لحبي بقل هو الله أحد فقال النبي صلى الله عليه وآله ما أحببتها حتى أحبك الله ويكره ترك قراءة قل هو الله أحد في جميع الفرائض لما رواه الكليني باسناده عن منصور بن حازم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال من مضى به يوم واحد فصلى فيه خمس صلوات ولم يقرء فيها بقل هو الله أحد قيل له يا عبد الله لست من المصلين ويظهر من جملة من الاخبار استحباب
القراءة في الفرائض مطلقا بالقدر والتوحيد حتى الفجر واختيارهما على غيرهما كخبر علي بن راشد قال قلت لأبي الحسن عليه السلام جعلت فداك انك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلمه
ان أفضل ما يقرء في الفرائض انا أنزلناه وقل هو الله أحد وان صدري يضيق بقرائتهما في الفجر فقال عليه السلام لا يضيقن صدرك فان الفضل والله فيهما وعن الصدوق
مرسلا قال حكى من صحب الرضا عليه السلام إلى خراسان انه كان يقرء في الصلوات في اليوم والليلة في الركعة الأولى الحمد وانا أنزلناه وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد
وعنه في العيون باسناده عن رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا عليه السلام نحوه وفي خبر عمر بن أذينة الوارد في كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج انه تعالى
امره في الركعة الأولى بعد الحمد بقراءة التوحيد فقال اقرأ قل هو الله أحد فإنها نسبتي ونعتي وفي الثانية بعد ما قرء الحمد قال اقرأ انا أنزلناه فإنها نسبتك
ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة ولا معارضة بين الاخبار المزبور فان لكل من السور التي ورد فيها نص خاص جهة مقتضية لاستجابها ولا مناة بين ان يكون في سورة أخرى
أيضا جهة كذلك فيكون موارد الاخبار من قبيل المستحبات المتزاحمة التي قد يكون بعضها أفضل من بعض كما يؤمي إلى ذلك والى أفضلية سورة القدر والتوحيد مطلقا
خبر الحميري المروي عن الاحتجاج انه كتب إلى الناحية المقدسة انه روى في ثواب القران في الفرائض وغيرها ان العالم عليه السلام قال عجبا لمن لم يقرء في صلاته انا أنزلناه في ليلة
القدر كيف تقبل صلاته وروى ما زكت صلاة لم يقرء فيها قل هو الله أحد وروى أن من قرء في فرائضه الهمزة اعطى من الثواب قدر الدنيا فهل يجوز ان يقرء الهمزة ويدع
هذه السورة التي ذكرناها مع ما قد روى أنه لا يقبل صلاته ولا تزكوا الا بهما فوقع عليه السلام الثواب على السورة على ما قد روى وإذا ترك سورة مما فيها الثواب
وقرء قل هو الله أحد وانا أنزلناه لفضلهما اعطى ثواب ما قرء وثواب السورة التي ترك ويجوز ان يقرء غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة ولكنه يكون قد ترك
الأفضل ومنه أيضا ان يقرء في غداة الخميس والاثنين في الركعة الأولى بهل اتى على الانسان وفي الثانية بهل اتيك حديث الغاشية لما عن الصدوق في الفقيه
أنه قال حكى من صحب الرضا عليه السلام إلى خراسان انه عليه السلام كان يقرء في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الركعة الأولى الحمد وهل اتى على الانسان وفي الثانية
الحمد وهل اتيك حديث الغاشية وقال فان من قراهما في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس وقاه الله شر اليومين وعنه في العيون بسنده عن رجاء بن ضحاك نحوه
وعن مجالس ولد الشيخ في الصحيح إلى علي بن عمر العطار قال دخلت على أبي الحسن العسكري عليه السلام يوم الثلاثاء فقال لم ارك أمس قال كرهت الحركة يوم الاثنين قال ما على من أحب
307

ان يقيه الله شر يوم الاثنين فليقرأ في أول ركعة من صلاة الغداة هل اتى على الانسان ثم قرء أبو الحسن عليه
السلام فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وفي
المغرب والعشاء ليلة الجمعة بالجمعة والأعلى كما عن المشهور بل عن الانتصار نسبة إلى بين الإمامية واجماعهم ويشهد له خبر أبي بصير قال قال أبو عبد الله
اقرأ في ليلة الجمعة الجمعة وسبح اسم ربك الاعلى وفي الفجر سورة الجمعة (وقل هو الله أحد وفي الجمعة سورة الجمعة) والمنافقين إذ الظاهر أن المراد بقرائتهما ليلة الجمعة في صلاتها المفروضة كما يشهد
بذلك تتمة الرواية وخبر منصور بن حازم المروي عن ثواب الأعمال عن الصادق عليه السلام قال الواجب على كل مؤمن إذا كان لنا شيعة ان يقرء ليلة الجمعة
بالجمعة وسبح اسم ربك الاعلى وفي صلاة الظهر بالجمعة والمنافقين فإذا فعل ذلك فكأنما يعمل بعمل رسول الله وكان جزاؤه وثوابه على الله الجنة وفي خبر
البزنطي المروي عن قرب الإسناد عن الرضا عليه السلام قال تقرء في ليلة الجمعة الجمعة وسبح اسم ربك الاعلى وفي الغداة الجمعة وقل هو الله أحد وفي الجمعة الجمعة
والمنافقين والمراد بهذه الاخبار ككلمات الأصحاب على الظاهر انما هو الجمع بين السورتين في الصلاة بقراءة أوليهما في الركعة الأولى والثانية في الثانية ويدل
عليه أيضا في خصوص العشاء ما عن الصدوق في الفقيه أنه قال حكى من صحب الرضا عليه السلام انه كان يقرء في العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى منها الحمد وسورة
الجمعة وفي الثانية الحمد وسبح اسم وفي صلاة الغداة والظهر والعصر يوم الجمعة في الأولى الحمد وسورة الجمعة وفي الثانية الحمد وسورة المنافقين ولعله أشار بهذا
إلى ما رواه في كتاب العيون بسنده عن رجاء بن أبي الضحاك انه يقول بعثني المأمون في اشخاص علي بن موسى الرضا عليه السلام من المدينة إلى أن قال وكانت قرائته في جميع
المفروضات في الأولى الحمد وانا أنزلناه وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد الا في صلاة الغداة والظهر والعصر يوم الجمعة فإنه كان يقرء بالحمد وسورة الجمعة والمنافقين
وكان يقرء في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى الحمد وسورة الجمعة وفي الثانية الحمد وسبح وكان يقرء في صلاة الغداة يوم الاثنين والخميس في الأولى الحمد
وهل اتى على الانسان وفي الثانية الحمد وهل اتيك حديث الغاشية الحديث وخبر أبي الصباح الكناني قال قال أبو عبد الله عليه السلام إذا كان ليلة الجمعة فاقرء في المغرب
سورة الجمعة وقل هو الله أحد وإذا كان في العشاء الآخرة فاقرء سورة الجمعة وسبح اسم ربك الاعلى فإذا كان صلاة الغداة يوم الجمعة فاقرء سورة الجمعة وقل
هو الله أحد فإذا كان صلاة الجمعة فاقرء سورة الجمعة والمنافقين وإذا كان صلاة العصر يوم الجمعة فاقرء سورة الجمعة وقل هو الله أحد وهذه الرواية تدل
على استحباب قل هو الله أحد في ثانية المغرب كما يدل عليه أيضا خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام أنه قال رأيت أبي يصلي ليلة الجمعة
بسورة الجمعة وقل هو الله أحد وفي الفجر بسورة سبح اسم ربك الاعلى وربما يظهر من بعض الروايات استحباب سورة المنافقين في ثانية العشاء كمرفوعة حريز
وربعي عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا كان ليلة الجمعة يستحب ان يقرء في العتمة سورة الجمعة وإذا جائك المنافقون وفي صلاة الصبح مثل ذلك وفي صلاة الجمعة مثل ذلك
وفي صلاة العصر مثل ذلك وقد أشرنا انفا إلى أنه لا معارضة بين مثل هذه الروايات في مقام الاستحباب فان مواردها من قبيل المستحبات المتزاحمة التي يكون
لكل منها جهة فضل وليس المكلف ملتزما بشئ منها كي ينافيه البعث والتحريص على اختيار ما ينافيه كما لا يخفى وفي صبيحتها بها وبقل هو الله أحد كما يشهد له خبر أبي
بصير والبزنطي وأبي الصباح المتقدمات وخبر الحسين بن أبي حمزة قال قلت بما اقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة فقال اقرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي الثانية بقل هو
الله أحد ثم اقنت حتى يكونا سواء ويظهر من جملة من الاخبار استحباب قراءة سورة المنافقين في الركعة الثانية كالمرفوعة المتقدمة والخبر المتقدم الحاكي لفعل الرضا
في طريق خراسان وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل يقول اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين فان قرائتهما سنة يوم الجمعة في الغداة والظهر والعصر لا ينبغي
لك ان تقرء بغيرهما في صلاة الظهر يعني يوم الجمعة اما ما كنت أو غير امام ويظهر من خبر علي بن جعفر المتقدم استحباب قراءة سبح اسم ربك الاعلى في الثانية فالكل حسن
وفي الظهرين يوم الجمعة سواء كان أوليهما ظهرا أو جمعة بها وبالمنافقين على المشهور بل عن الانتصار دعوى الاجماع عليه ونسب المصنف رحمه الله في محكى المعتبر
إلى بعض أرباب الحديث وفي الكتاب أيضا ذكر ان بعضا منهم من يرى وجوب السورتين في الظهرين ولكن لم يعرف قائله في العصر وفي المدارك قال في شرح العبارة
والقائل بذلك ابن بابويه في كتابه الكبير على ما نقله في المعتبر وهذه عبارته واقرء في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة سورة الجمعة وسبح وفي صلاة الغداة
والظهر والعصر سورة الجمعة والمنافقين فان نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر وقرأت غيرهما ثم ذكرت فارجع إلى سورة الجمعة والمنافقين ما لم تقرء بضعف
السورة فان قرأت نصف السورة تمم السورة واجعلها ركعتين نافلة وسلم فيها واعد صلاتك بسورة الجمعة (والمنافقين ولا بأس ان تصلي العشاء والغداة والعصر بغير سورة الجمعة) والمنافقين الا ان الفضل ان تصليها بالجمعة والمنافقين
لهذا كلامه رحمه الله تعالى وهو صريح في اختصاص الوجوب بالظهر وكان المصنف رحمه الله تعالى راعي أول الكلام وغفل عن اخره انتهى كلامه رفع مقامه
واعترض عليه بعض بالقلب بان المصنف رحمه الله نسب هذا القول في المعتبر إلى بعض أرباب الحديث ثم نقل قول ابن بابويه ونقل عبارته بعينها وظاهره انه قول اخر
غير قول الصدوق وقد عثر عليه المصنف رحمه الله وخفى علينا فكأنه قدس سره راعى اخر الكلام وغفل عن أوله وكيف كان فالقول بوجوبهما في العصر لو كان فليس
بمعتمد بل غاية السقوط واما القول بوجوبهما في الجمعة والظهر أو في خصوص الجمعة فمستنده جملة من الروايات منها ما عن الكليني والشيخ في الصحيح أو
الحسن عن الحلبي عن عمر بن يزيد قال قال أبو عبد الله عليه السلام من صلى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة في سفر أو حضر والمراد بها بحسب الظاهر أعم من
الظهر بقرينة قوله عليه السلام في سفر وعن الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا اجهر بالقراءة
فقال نعم وقال اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة وعنه أيضا في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال إن الله تعالى أكرم بالجمعة المؤمنين
فمنها رسول الله بشارة لهم والمنافقين توبيخا للمنافقين فلا ينبغي تركهما فمن تركهما متعمدا فلا صلاة له وعن الحسين بن عبد الملك الأحول عن أبيه
308

عن أبي عبد الله عليه السلام قال من لم يقرء في الجمعة الجمعة والمنافقين فلا جمعة له وعن الشيخ في الصحيح عن صباح بن صبيح قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل أراد ان يصلي الجمعة
فقرء بقل هو الله أحد قال يتمها ركعتين ثم يستأنف وعن الكليني مرسلا نحوه وصحيحة منصور بن حازم عن أبي
عبد الله عليه السلام قال ليس في القراءة شئ موقت الا الجمعة
يقرء بالجمعة والمنافقين وصحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام القراءة (في الصلاة) فيها شئ موقت قال لا الا الجمعة يقرء بالجمعة والمنافقين وعن سليمان بن خالد في الصحيح في حديث
انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الجمعة فقال القراءة في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين وفي الخبر المتقدم في المسألة السابقة المروي عن ثواب الأعمال من
الواجب على كل مؤمن إذا كان لنا بسبعة ان يقرء ليلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربك الاعلى وفي صلاة الظهر بالجمعة والمنافقين إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي
تقدم جملة منها انفا وهذه الروايات بظاهرها تدل على وجوب قراءة السورتين في الظهر والجمعة ولكن جملة منها طاهرة في خصوص الجمعة وبعضها كالخبر الأخير وقع
فيه التعبير بصلاة الظهر ولكن الظاهر أن المراد بها الأعم (من الجمعة) وبإزاء هذه الأخبار اخبار اخر صريحة الدلالة على عدم الوجوب كصحيحة علي بن يقطين قال سئلت أبا الحسن عليه السلام
عن الرجل يقرء في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا قال لا بأس بذلك وخبره الآخر قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الجمعة في السفر ما اقرأ فيهما قال اقرئهما بقل هو الله
أحد وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول في صلاة الجمعة لا بأس بان تقرء فيهما بغير الجمعة والمنافقين إذا كنت مستعجلا فان نفي الباس عنه في
صورة الاستعجال من شواهد الاستحباب وخبر محمد بن سهل عن أبيه قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يقرء في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا قال لا بأس وعن
يحيى الأزرق قال سئلت أبا الحسن عليه السلام قلت رجل صلى الجمعة فقرء سبح اسم ربك الاعلى وقل هو الله أحد قال اجزئه ثم إن أغلب هذه الأخبار وان كان ظاهرها إرادة
خصوص الجمعة ولكن إذا ثبت نفي الباس فيها ثبت في الظهر أيضا إذ لا قائل بعدم وجوبهما (في الجمعة ووجوبهما) في الظهر بخلاف عكسه هذا مع أن الخبر الثاني ظاهر في خصوص الظهر كما لا يخفى بل يظهر
ذلك بالنسبة إلى الظهر من قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم ومنصور بن حازم المتقدمتين فمقتضى القاعدة الجمع بين الاخبار بحمل ما كان ظاهرة الوجوب على الاستحباب ولا
ينافيه ما في بعضها من الامر بالإعادة أو العدول إلى النافلة لامكان كونه على سبيل الأولوية والفضل كما ثبت نظيره في غير مورد وربما يؤيد هذا الحمل جملة من
القرائن الداخلية والخارجية التي لا تخفى على المتأمل ويشهد له قوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين فان قرائتهما سنة يوم الجمعة في الغداة
والظهر والعصر لا ينبغي لك ان تقرء بغيرهما في صلاة الظهر اما ما كنت أو غير امام فان ظاهرها الاستحباب في جميع هذه الصلوات وانه في الظهر اكد وأوضح منه دلالة عليه
قوله عليه السلام في مرفوعة حريز وربعي المتقدمة إذا كان ليلة الجمعة يستحب ان يقرء في العتمة سورة الجمعة وإذا جائك المنافقون وفي صلاة الصبح مثل ذلك وفي صلاة
الجمعة مثل ذلك وفي صلاة العصر مثل ذلك فما ذهب إليه المشهور من الاستحباب هو الأظهر واما استحباب قراءة السورتين في العصر فيدل عليه مضافا إلى المرفوعة
والصحيحة المتقدمتين خبر رجاء بن أبي الضحاك المتقدم وفي خبر أبي الصباح المتقدم الامر بقراءة قل هو الله أحد في الثانية بدل المنافقين فهو أيضا حسن و
منه أيضا القراءة في نوافل النهار بالسور القصار ويسر بها وفي الليل بالطوال ويجهر بها كما حكى عن جمع من الأصحاب ولعله كاف في اثبات الاستحباب من باب المسامحة
والا فلم نعثر على دليل يعتد به لاثبات استحباب قراءة القصار في النوافل النهارية والطوال في الليلية نعم ربما يستأنس له بالنسبة إلى نافلة الزوال بما ورد
من الامر بتحقيقها في خبر أبي بصير قال ذكر أبو عبد الله عليه السلام أول الوقت وفضله فقلت فكيف اصنع بالثمان ركعات قال خففت ما استطعت كما أنه ربما يستأنس لهما
بقوله عليه السلام في رواية محمد بن القاسم ما كان من صلاة الليل فاقرء بالسورتين والثلاث وما كان من صلاة النهار فلا تقرء الا بسورة سورة كما أنه ربما يؤيد استحباب قراءة الطوال
في نوافل الليل ما ورد في فضل قراءة القرآن في الصلوات واكثارها واستحباب التهجد بها وما ورد من الامر بقراءة بعض السورة الطوال في نوافل الليل وغير ذلك من المؤيدات
مع وضوح رجحان القراءة في حد ذاتها وانها كلما كثرت كانت الصلاة المشتملة عليها أفضل واما استحباب الاسرار بالقراءة في النوافل النهارية والاجهار
في الليلية فيدل عليه ما رواه الشيخ عن الحسن بن علي بن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال السنة في صلاة النهار وبالاخفات والسنة في صلاة الليل
بالاجهار مع ضيق الوقت يخفف بحسب ما يقتضيه الوقت كما يدل عليه خبر إسماعيل بن جابر أو عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اني أقوم اخر الليل و
أخاف الصبح قال اقرأ الحمد واعجل واعجل ومنه ان يقرء قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد في المواضع السبعة وهي الركعتان الأوليان من نافلة الزوال و
نافلة المغرب والليل وركعتا الفجر وفريضته وركعتا الطواف والاحرام بلا خلاف فيه على الظاهر كما ادعاه في الجواهر وغيره ويدل عليه رواية معاذ بن مسلم المروي عن
الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لا تدع ان تقرء بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون في سبع مواطن في الركعتين قبل الفجر وركعتي الزوال وركعتين بعد المغرب
وركعتين في أول صلاة الليل وركعتي الاحرام والفجر إذا أصبحت بها وركعتي الطواف والمراد بقوله على السلام والفجر إذا أصبحت بهما على ما فسره جملة من الأصحاب ما لو اتى بها بعد انتشار
الضوء وخوف انقضاء وقت الفضيلة وعن كشف اللثام أصبح بها اي اخرها إلى وقت الفضيلة ثم إنهم اختلفوا في أن المستحب هل هو قراءة الجحد في الأولى والتوحيد
في الثانية أو العكس فعن جملة من الأصحاب التصريح بالأول ونسبة عكسه إلى رواية مع نفيهم للباس عن العمل بها كما هو مختار المصنف على ما يظهر من قوله ولو بداء فيها
بسورة التوحيد جاز بل عن المحقق الثاني انه المشهور ولعل مستنده مع كونه خلاف ما يستشعر أو يستظهر من الخبر المزبور الأخبار الخاصة الواردة في بعض تلك الموارد
المصرحة بقراءة الجحد في الركعة الأولى والتوحيد في الثانية مثل قول أبي عبد الله عليه السلام في خبر سليمان بن خالد بعد تعداد النوافل ثم الركعتان اللتان قبل الفجر تقرء
في الأولى منهما قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد وما عن الشيخ في المصباح أنه قال وروى أنه يقرء في الركعة الأولى من نافلة المغرب سورة الجحد وفي الثانية سورة
الاخلاص وفي خبر رجاء بن أبي الضحاك الحاكي لفعل الرضا عليه السلام في نافلة المغرب كان يقرء في الأولى من هذه الأربع ركعات الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية
309

الحمد والتوحيد وقال في نافلة الزوال إذا زالت الشمس قام فصلى ست ركعات يقرء في الركعة الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية (الحمد وقل هو الله أحد قال في ركعتي الفجر في الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون في الثانية) الحمد والتوحيد وحكى عن ظاهر
الصدوقين وابن سعيد عكسه بل عن العلامة الطباطبائي نسبته إلى الأكثر لما عن الكليني من نسبته إلى الرواية فإنه بعد ان أورد الرواية المزبورة قال وفي رواية أخرى انه
يبدء في هذا كله بقل هو الله أحد وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون فيكون هذه الرواية مبنية لما في الأولى
من الاجمال بل قد يدعى كون تلك الرواية بنفسها ظاهرة
في ذلك وهذا وان لا يخلو في حد ذاته عن نظر أو منع حيث إن الواو لا تدل على الترتيب بل على مطلق الجمع الا انه ورد نصوص عديدة في بعض هذه الموارد مشتملا جميعها
على تقديم التوحيد في الذكر وقد ورد في بعض تلك الروايات التصريح بقراءة التوحيد في الركعة الأولى والجحد في الثانية مثل صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته الواردة
في ركعتي الطواف عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا فرغت من نوافلك فاتيت مقام إبراهيم عليه السلام فصل ركعتين واجعله اماما واقرء في الأولى منهما سورة التوحيد وفي الثانية
قل يا أيها الكافرون وخبر الميثمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال تقرء في صلاة الزوال في الركعة الأولى الحمد وقل هو الله أحد وفي الركعة الثانية الحمد وقل يا أيها الكافرون
فالأشبه هو العمل بهذه الرواية المرسلة المعينة مكان كل من السورتين الا في الموارد التي ورد فيها نص خاص بخلافه لو لم يكن معارضا بمثله والا فالتخيير والله العالم ومنه
ان يقرء في أولتي صلاة الليل قل هو الله أحد في كل ركعة منهما ثلاثين مرة لخبر زيد الشحام المروي عن الأمالي عن أبي عبد الله عليه السلام قال من قرء في الركعتين الأوليين من صلاة
الليل ستين مرة قل هو الله أحد في كل ركعة ثلاثين مرة انفتل وليس بينه وبين الله ذنب الا غفر له وعن الفقيه والتهذيب مرسلا نحوه الا انهما قالا من قرء في الركعتين
الأوليين من صلاة الليل في كل ركعة منها ثلاثين مرة الحديث وفي خبر رجاء بن أبي الضحاك الحاكي لفعل الرضا عليه السلام كان يقرء في الركعتين الأوليين منها في كل ركعة
الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاثين مرة ولا ينافي هذا كون أولتي صلاة الليل احدى المواطن السبعة التي عرفت استحباب قراءة الجحد والتوحيد فيها لما أشرنا إليه مرارا من أنه
لا معارضة بين المستحبات فان الكل حسن ويحتمل ان يكون المراد بالركعتين في أول صلاة الليل في خبر معاذ الوارد في تعداد المواطن للركعتين المسنونتين قبل نافلة
الليل والله العالم وفي البواقي من الثمان ركعات من صلاة الليل بسور الطوال كما حكى عن غير واحد من الأصحاب التصريح به وهو كاف في اثبات مثله من باب المسامحة
والا فلم نقف على نص خاص يدل عليه نعم في بعض الأخبار الحث على الاكثار في قراءة القرآن في صلاة الليل كما أن في بعضها الحث على قراءة جملة من السور
الطوال في الفرائض فيناسبهما استحباب اختيار شئ من تلك السور المنصوص عليها أو غيرها من السور الطوال في هذه الركعات الست التي لم نقف فيها على النص بخصوص
سورة كما ورد في الأولتين منها نعم في خبر رجاء بن أبي الضحاك الحاكي لفعل الرضا عليه السلام انه عليه السلام كان إذا صار الثلاث الأخير من الليل قام من فراشه وعمل بالتسبيح و
التحميد والتكبير والتهليل والاستغفار فاستاك ثم توضأ ثم قام إلى صلاة الليل فصلى ثمان يسلم في كل ركعتين يقرء في الأولتين منها في كل ركعة الحمد مرة و
قل هو الله أحد ثلاثين مرة ثم يصلي صلاة جعفر بن أبي طالب أربع ركعات إلى أن قال ثم يقوم فيصلي الركعتين الباقيتين يقرء في الأولى الحمد وسورة الملك وفي الثانية
الحمد وهل اتى الحديث واما ركعات الوتر فيظهر من جملة من الاخبار استحباب قراءة التوحيد في جميعها منها ما عن الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن القراءة في الوتر قال كان بني وبين أبي باب فكان إذا صلى يقرء بقل هو الله أحد في ثلثهن وكان يقرء قل هو الله أحد فإذا فرغ منها قال كذلك الله
أو كذلك الله ربي أقول الترديد اما من الرواي أو من الإمام عليه السلام باعتبار الموارد وعنه أيضا في الصحيح عن الحرث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان
أبي عليه السلام يقول قل هو الله أحد تعدل ثلاث القران وكان يحبه ان يجمعها في الوتر ليكمل القران كله وعن سليمان خالد في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال الوتر ثلاث ركعات
يفصل بينهن ويقرء فيهن جميعا بقل هو الله أحد وعنه أيضا في الصحيح عن معاوية بن عمار قال قال لي اقرأ في الوتر في ثلاثهن بقل هو الله أحد وسلم في الركعتين و
عنه أيضا في الصحيح عن ابن سنان قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الوتر ما يقرء فيهن جميعا قال بقل هو الله أحد قلت في ثلاثهن قال نعم ويظهر من صحيحة يعقوب بن يقطين
استحباب قراءة المعوذتين في الأوليين منها اي ركعتي الشفع بل أفضليتها من قراءة التوحيد قال سئلت العبد الصالح عن القراءة في الوتر وقلت إن بعضا روى
قل هو الله أحد في الثلاث وبعض روى المعوذتين وفي الثالثة قل هو الله أحد قال اعمل بالمعوذتين وقل هو الله أحد
وهذه الرواية حاكمة على سائر الروايات الدالة على استحباب التوحيد وظاهرها أفضلية قراءة المعوذتين في الأوليين من الركعات الثلاث ولكن الانصاف ان
تحكيمها على جميع تلك النصوص مع استفاضتها وظهور بعضها في مداومة أبي جعفر عليه السلام على قراءة قل هو الله أحد المنافية لأفضلية المعوذتين لا يخلو عن اشكال
فالأولى بل الأحوط عند إرادة ادراك مزية ما هو الأفضل الجمع بينهما وبين التوحيد بل قد يحتمل ان يكون المقصود بقوله عليه السلام اعمل بالمعوذتين والتوحيد
الجمع بينهما وان لا يخلو عن بعد فالأحوط الجمع بينهما حتى في مفردة الوتر فان إرادة هذه الركعة أيضا على تقدير كون المراد بالجواب الجمع بينهما غير بعيدة ثم إن المراد
بقراءة المعوذتين في الأولتين هل هي قرائتهما في كل من الركعتين أو قراءة كل منهما في كل ركعة احتمالان أولهما أحوط ولكن ثانيهما أقرب إلى الذهن والله
العالم ويسمع الإمام من خلفه القراءة الجهرية ما لم يبلغ العلو المفرط وكذا الشهادتين وسائر الأذكار استحبابا بلا خلاف فيه على الظاهر بل في المدار هذا
الحكم موضع وفاق بين العلماء لما رواه الشيخ باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال ينبغي للامام ان يسمع من خلفه كلما يقول ولا ينبغي لمن خلفه ان يسمعه
شيئا مما يقول ويدل عليه أيضا في خصوص الشهادتين رواية حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال ينبغي للامام ان يسمع من خلفه التشهد ولا
يسمعونه شيئا وانما قيد استحباب الجهر في لعلو لصحيحة ابن سنان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام على الإمام ان يسمع من خلفه وان كثروا فقال ليقرء قراءة وسطا يقول
الله تبارك وتعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وإذا مر المصلي بآية رحمة سألها أو بآية نقمة استعاذ منها كما يشهد له مضافا إلى عمومات استحباب
310

الدعاء خصوص مرسل البرقي عن أبي عبد الله عليه السلام قال ينبغي للعبد إذا صلى ان يرتل في قرائته فإذا مر باية فيها ذكر الجنة وذكر النار سئل الله الجنة وتعوذ بالله من النار
وإذا قرء يا أيها الناس ويا أيها الذين امنوا يقول لبيك ربنا وموثقة سماعة قال قال أبو عبد الله عليه السلام ينبغي لمن يقرء القرآن إذا مر بآية من القرآن فيها مسألة أو تخويف
ان يسئل عند ذلك خير ما يرجو ويسأله العافية من النار ومن العذاب وهو باطلاقه يعم حال الصلاة وكذا يستحب ان يقول بعد قراءة التوحيد كذلك الله ربي
مرة كما هو ظاهر بعض الأخبار أو مرتين كما في بعض أو ثلاثا كما في رواية أخرى وفي خبر رجاء بن أبي الضحاك الحاكي لفعل الرضا عليه السلام انه إذا قرء قل هو الله أحد قال
هو الله أحد فإذا فرغ منها قال كذلك الله ربنا ثلاثا وكان إذا قرء سورة الجحد قال في نفسه سرا يا أيها الكافرون فإذا فرغ منها قال ربي الله وديني الاسلام ثلاثا
وكان إذا قرء والتين والزيتون قال عند الفراغ منها وانا على ذلك من الشاهدين وكان إذا قرء لا اقسم بيوم القيمة قال عند الفراغ منها سبحانك اللهم بلى وكان
يقرء في سورة الجمعة قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة للذين اتقوا والله خير الرازقين وكان إذا فرغ من الفاتحة قال الحمد لله رب العالمين وإذا قرء سبح اسم
ربك الاعلى قال سرا سبحان ربي الأعلى وإذا قرء يا أيها الذين امنوا قال لبيك اللهم لبيك إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على استحباب الأدعية والأذكار المناسبة في
خلال القراءة في الصلاة وغيرها وينبغي تقييدها بغير الطويل المخل بالتوالي المعتبر في القراءة والتيام بعضها ببعض في العرف ويستحب أيضا الاستعاذة امام القراءة
في الركعة الأولى اجماعا كما عن جماعة نقله وعن امين الاسلام الطبرسي أنه قال في مجمع البيان والاستعاذة عند التلاوة مستحبة غير واجبة بلا خلاف في الصلاة (وخارج الصلاة) و
عن الذكرى انه نقل عن الشيخ أبي علي ولد الشيخ القول بالوجوب واستغربه فقال في محكى الذكرى وللشيخ أبي علي ابن الشيخ الأعظم أبي جعفر الطوسي قول بوجوب التعوذ
للامر به وهو غريب لأن الامر هنا للندب بالاتفاق وقد نقل فيه والده في الخلاف الاجماع وقد روى الكليني رحمه الله عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم
فلا تبالي ان لا نستعيذ انتهى ويدل على استحبابه مضافا إلى الاجماع وورود الامر به عند قراءة القرآن الشامل لحال الصلاة وغيره المصروف إلى الاستحباب
بقرينة ما عرفت وستعرف جملة من الاخبار منها ما عن الكليني في الحسن أو الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه ذكر دعاء التوجه بعد تكبيرة الاحرام ثم قال
ثم تعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب وعن الشيخ باسناده عن حنان بن سدير قال صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام فتعوذ باجهار ثم جهر ببسم الله
الرحمن الرحيم وعن قرب الإسناد انه رواه عن حنان بن سدير قال صليت خلف أبي عبد الله المغرب فتعوذ باجهار أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله
ان يحضرون أي غير ذلك من الأخبار الدالة عليه التي سيأتي بعضها إن شاء الله ومما يشهد أيضا لعدم وجوبه وكون الامر به في الكتاب وغيره على جهة الاستحباب
مضافا إلى ما نبه عليه الشهيد في عبارته المتقدمة مرسلة الصدوق قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله أتم الناس صلاة وأوجزهم كان إذا دخل في صلاته قال الله أكبر بسم الله
الرحمن الرحيم ثم إن مفاد النصوص الدالة على شرعيتها في الصلاة كظواهر الفتاوي انما هو استحبابها امام القراءة في الركعة الأولى واما في سائر الركعات فلا دليل
عليه بل ربما يستشعر أو يستظهر من كلماتهم الاجماع على عدم مشروعيته فلا يجوز الاتيان بها على سبيل التوظيف ولكن لو اتى بها من حيث إن ما يقرأها في الصلاة من
جزئيات قراءة القرآن المأمور بالاستعاذة عندها في الكتاب والسنة الشاملين باطلاقهما لحال الصلاة وغيرها فلا بأس به وكلمات الأصحاب المصرحين باختصاص
مشروعيتها بالركعة الأولى منصرفة عن مثل الفرض كما لا يخفى واما صيغتها فالمشهور بين الأصحاب فهي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بل عن الشهيد الثاني في شرح النفلية أنه قال
وهذه الصيغة محل وفاق رواها أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله أقول هذه الرواية نقلها الشهيد في الذكرى على ما حكى عنه قال روى أبو سعيد الخدري
ان النبي صلى الله عليه وآله كان يقول قبل القراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وحكى عن الشيخ المفيد ان صيغتها أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وعن ابن البراج انها
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ان الله هو السميع العليم أقول لا ريب في حصول امتثال الامر بالاستعاذة والتعوذ الواردين في الكتاب والصحيح
المتقدم بجميع هذه الصيغ بل وبغيرها أيضا مما يتحقق به الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ولكن الأولى والأفضل اختيار صيغة من الصيغ المأثورة عن النبي و
الأئمة عليه وعليهم السلام وكفى دليلا لاختيار الصيغة التي نسب إلى المشهور ما سمعته من دعوى الاجماع عليه ونقلها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وكون الرواية
عامية كما استظهره في الحدائق غير قادح في مثل المقام فإنه من اظهر الموارد التي يعمها اخبار التسامح وقد وردت الاستعاذة في الاخبار بكيفيات مختلفة فبايها
اخذت من باب التسليم وسعك منها ما في موثقة سماعة قال سئلته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب قال فليقل أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
ان الله هو السميع العليم ثم يقرءها ما دام لم يركع وخبر معاوية بن عمار المحكى عن الذكرى عن الصادق عليه السلام في الاستعاذة قال أعوذ بالله السميع العليم
من الشيطان الرجيم وفي خبر حنان بن سدير المتقدم المروي عن قرب الإسناد أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بك ربي ان يحضرون كما في نسخة الحدائق
وأعوذ بالله ان يحضرون كما في نسخة الوسائل وعن الشهيد الثاني في شرح النفلية روى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام أستعيذ بالله السميع العليم من
الشيطان الرجيم أعوذ بالله ان يحضرون ان الله هو السميع العليم وعن تفسير الإمام العسكري عليه السلام اما قولك الذي ندبك الله إليه وأمرك به عند قراءة القرآن
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وعن الفقيه الرضوي أيضا أنه قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فالأولى اختيار هذه الصيغة لورودها
في جملة من الاخبار والله العالم تنبيه المشهور بين الأصحاب على ما نسب إليهم استحباب الاخفات بالاستعاذة بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه قال
الشهيد في محكى الذكرى يستحب الاسرار بها ولو في الجهرية قاله الأكثر ونقل الشيخ فيه الاجماع عليه ثم قال وروى حنان بن سدير ثم ساق الرواية كما قدمنا
نقلها ثم قال ويحمل على الجواز انتهى أقول ما ادعوه من الاجماع والشهرة لا يبعد ان يكون كافيا لاثبات الاستحباب من باب المسامحة وان لا يخلو عن اشكال
311

والأولى الاستدلال له بما عن التذكرة وارشاد الجعفرية من أنه على ذلك عمل الأئمة عليهم السلام فان شمول اخبار التسامح لمثل هذا النقل أوضح من شمولها لفتوى الاستحباب
وربما يستدل له أيضا بصحيحة صفوان قال صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام أياما فكان يقرء في فاتحة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم فإذا كان صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله
الرحمن الرحيم واخفى ما سوى ذلك فإنه يدل على استحباب الاخفات في الاستعاذة لأن قوله ما سوى ذلك يشملها وفيه ان من الجائز انه عليه السلام كان تاركا للاستعاذة
في تلك الصلوات مع أن المراد بقوله ما سوى ذلك بحسب الظاهر ما عدى البسملة من الفاتحة أو القراءة دون سائر الأدعية والأذكار التي منها الاستعاذة و
يحتمل ان يكون هذه الصيغة ونظائرها مستند من ادعى ان على ذلك عمل الأئمة عليهم السلام ولكن لا يقدح مثل هذا الاحتمال في جواز التعويل على خبرهم من باب المسامحة
فإنه لا يخرجه عن موضوع اخبار التسامح كما لا يخفى ولكنه لو اجهر بها الإمام في صلاة المغرب تأسيا بابي
عبد الله عليه السلام فيما رواه عنه حنان بن سدير لكان
حسنا بل لو اجهر بها الإمام مطلقا في سائر صلاته اخذا بعموم قوله عليه السلام في خبر أبي بصير المتقدم أيضا ينبغي للامام ان يسمع من خلفه كما يقول لكان وجيها
إذ لا يصح تخصيص العموم بالأمور المبتنية على المسامحة فليتأمل مسائل سبع الأولى لا يجوز قول امين في اخر الحمد على المشهور بين الأصحاب قديما
وحديثا بل بلا خلاف يعتد به فيه على الظاهر بل عن جماعة من أكابر الأصحاب دعوى الاجماع عليه بل وعلى كونه مبطلا للصلاة أيضا كما هو صريح جملة منهم
فعن الخلاف أنه قال قول امين يقطع الصلاة سواء كان ذلك سرا أو جهرا في اخر الحمد أو قبلها للامام والمأموم وعلى كل حال إلى أن قال دليلنا اجماع الفرقة
فإنهم لا يختلفون في أن ذلك يبطل الصلاة وعن الانتصار أنه قال ومما انفردت به الإمامية ايثار ترك لفظه امين بعد قراءة الفاتحة لأن باقي الفقهاء
يذهبون إلى انها سنة دليلنا على ما ذهبنا إليه اجماع الطائفة على أن هذه اللفظية بدعة وقاطعة للصلاة وكذا عن نهاية الاحكام والمنتهى والتحرير دعوى
الاجماع على الحرمة والابطال وقيل هو مكروه ولكن لم يتحقق قائله عدى انه حكى ذلك عن أبي الصلاح وابن الجنيد وربما نسب اليهما أيضا القول بالجواز ولكن العبارة
المحكية عنهما غير ظاهرة في ذلك وكيف كان فيدل على المشهور جملة من الاخبار منها حسنة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كنت خلف امام فقرء الحمد وفرغ من قرائتها
فقل أنت الحمد لله رب العالمين ولا تقل امين وخبر محمد بن سنان عن محمد الحلبي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب امين قال لا وعن المصنف في المعتبر
انه رواه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي في جامعه عن عبد الكريم عن محمد الحلبي عنه عليه السلام نحوه وفي خبر زرارة المروي عن العلل عن أبي جعفر عليه السلام ولا تقولن إذا فرغت
من قرائتك امين فان شئت قلت الحمد لله رب العالمين وصحيحة معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أقول امين إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الظالين قال
هم اليهود والنصارى ولم يجب في هذا أقول عدوله عن الجواب إلى تفسير الآية وعدم اذنه بالفعل مع وقوع السؤال عنه كاشف عن عدم كونه ممضي لديه ولكنه عليه السلام
لم يصرح بالمنع لأجل التقية وربما يغلب على الظن ان المراد بقوله عليه السلام هم اليهود والنصارى والايماء إلى الجواب على سبيل الكناية من باب التقية بالقاء كلام ظاهره التفسير و
باطنة الإشارة إلى القائلين بهذا القول كما أنه يحتمل ان يكون غرضه ان اليهود والنصارى هم الذين يقولون بهذه الكلمة عند تلاوة امامهم لما كان مشروعا في صلاتهم
تعريضا على العامة المتقين لاثرهم كما يؤيد هذا المعنى ما روى عن دعائم الاسلام مرسلا انهم عليهم السلام حرموا ان يقال بعد قراءة فاتحة امين كما يقول العامة قال
جعفر بن محمد عليهما السلام ان كانت النصارى تقولها ويؤيده أيضا ما عن الصدوق في الفقيه أنه قال إذا فرغ الإمام من قراءة الفاتحة فليقل الذي خلفه الحمد لله رب العالمين ولا يجوز
ان يقال بعد فاتحة الكتاب امين لأن ذلك كانت تقوله النصارى إذ الظاهر أن هذا التعبير ليس الا تبعا للنص وكيف كان فلا يعارض الاخبار المزبورة صحيحة جميل قال سئلت
أبا عبد الله عليه السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرء فاتحة الكتاب امين قال ما أحسنها واخفض الصوت بها فإنها متشابهة خطأ إذ لا يتعين كون ما أحسنها بصيغة
التعجب كي يتحقق التنافي بينها وبين الأخبار المتقدمة فمن الجائز ان يكون بصيغة المتكلم وكلمة ما نافيه اي ما اعلمها حسنا أو بصيغة الماضي وكلمة ما للاستفهام الانكاري
فكأنه عليه السلام قال اي شئ جعلها حسنا كما أنه يحتمل ان يكون واخفض الصوت بما بصيغة الماضي من كلام السائل يعني انه عليه السلام تكلم بهذه الكلمة سرا وتوهم ان مثل هذه الاحتمالات
مخالفة للظاهر فلا ينبغي الالتفات إليها مدفوع بما أشرنا إليه من أن التشابه انما هو في الخط ولا ظهور للكتابة في شئ من هذه الأمور واما في مقام التعبير فلا يشتبه شئ منها
بالاخر هذا مع أنه لو كان بصيغة التعجب ينبغي ان لا يشك في صدورها تقية ضرورة ان الإمام عليه السلام لم يكن يبالغ في تحسين قول الناس الذي كان من مبتدعاتهم ومخترعاتهم
في العبادة الامر باب التقية كما لا يخفى على من تتبع اخبار الأئمة عليهم السلام وتدبر فيها بل لا يكاد يوجد هذا النحو من التعبير في سائر كلماتهم المسوقة لبيان جواز شئ من ذكر أو
دعاء ونحوه مع أنه على هذا التقدير يكون مخالفا للاجماع ومناقضا لسائر النصوص فان أقل مراتب الاستحسان الاستحباب وهذا مما لم يقل به أحد من الأصحاب
وينفيه سائر الأخبار ولذا اعترض في المدارك على المصنف رحمه الله بعد ان حكى عنه في المعتبر أنه قال ويمكن ان يقال بالكراهة ويحتج بما رواه الحسين بن سعيد عن
ابن أبي عمير عن جميل إلى أن قال ويتوجه عليه ان هذه الرواية لا تعطي ما ذكره من الكراهة بل هي دالة على نقيضه لأن أقل مراتب الاستحسان الاستحباب انتهى واعتذر
غير واحد عن المصنف رحمه الله بأنه لعله قراه بصيغة نفي التحسين الدالة على المرجوحية ولكنه فهم الجواز من الامر بخفض الصوت بها ولكنك عرفت انه يحتمل ان يكون هذا
من كلام السائل وكيف كان فهذه الصحيحة لا تصلح قرينة لصرف سائر النصوص عن ظاهرها بعد موافقتها للجمهور ومخالفتها للمشهور أو المجمع عليه والله العالم
ثم انا قد أشرنا مرارا إلى أن المنساق من مثل هذه النواهي ليس مجرد الحكم التكليفي أعني حرمة ما تعلق به النهي من حيث هو بل الوضعي أيضا فإن المتبادر منها انما هو إرادة
خلو الصلاة عن المنهى عنه فيكون وجوده منافيا لصحتها كما يؤيد ذلك فهم الأصحاب وفتواهم فما في المدارك من اختيار الحرمة دون الابطال لكون النهي متعلقا
بأمر خارج عن العبادة ضعيف اللهم الا ان يقال إن هذه النواهي لورودها في مقام توهم المشروعية لا يتبادر منها أزيد من الحرمة التشريعية اي الحكم التكليفي
312

فليتأمل واستدل أيضا لحرمته وبطلان الصلاة به بوجوه أشار المصنف رحمه الله إلى أغلبها فيما حكى عن معتبره حيث قال ما لفظه لنا قوله صلى الله عليه وآله ان هذه
الصلاة لا يصلح فيها بشئ من كلام الآدميين والتأمين من كلامهم وقوله عليه السلام انما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن وانما للحصر وليس التأمين أحدها ولان معناها اللهم
استجب ولو نطق بذلك أبطل صلاته فكذا ما قام مقامه ولان النبي صلى الله عليه وآله علم الصلاة جماعة ولم يذكر التأمين من ذلك ما رواه أبو حميد الساعدي في
جماعة من الصحابة منهم أبو قتادة قال قال أبو حميد انا أعلمكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا اعرض علينا قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قام إلى الصلاة
يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقر كل عضو في موضعه معتدلا ثم يقرء ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع والزيادة على فعل النبي صلى الله
عليه وآله غير مشروع ولان التأمين يستدعى سبق دعاء ولا يتحقق الدعاء الا مع قصده فعلى تقدير عدم قصده يخرج التأمين عن حقيقته فيكون لغوا ولأنه
لو نطق بها تأمينا لم يجز الا لمن قصد الدعاء لكن ليس ذلك شرطا بالاجماع اما عندنا فللمنع مطلقا واما عند الجمهور فللاستحباب مطلقا انتهى وعن غير واحد
دعوى اجماع الفقهاء وأهل العربية أيضا كما عن بعض على عدم كونه قرانا ودعاء وعن المحقق البهبهاني في حاشية أنه قال إن امين عند فقهائنا من كلام الآدميين
انتهى ويتوجه على جميع هذه الوجوه اجمالا بعد الغض عما يتوجه على كل واحد منهما من المناقشات انه لو قرء شخص الفاتحة أو سمعها من اخر والتفت إلى ما
تضمنته من طلب الهداية ونحوها فتكلم بكلمة امين قاصدا بها سؤال إجابة ذلك الدعاء من الله تعالى وان لم يكن الدعائية مقصودة لمن قرأها فقد استعمل
هذه الكلمة في محلها وصدق عليه اسم الدعاء عرفا سلمنا عدم صدق اسم الدعاء عليها بل كون استعمالها في مثل هذا المكان لحنا ولكنها لا تخرج بذلك عن
كونها مناجاة مع الرب ولو بكلمة ملحونة فتندرج في موضوع قوله عليه السلام كلما ناجيت به ربك فهو من الصلاة لولا الأخبار المتقدمة الناهية عنها المخصصة
لمثل هذه العمومات هذا مع أن ما قيل من أنه اسم للدعاء وليس هو بنفسه دعاء وادعوا عليه اجماع أهل العربية ففيه انه كلام صوري واجماع أهل العربية مرجعه
إلى امر صناعي كما نبه عليه المحقق الرضي في شرحه على الكفاية حيث قال على ما حكى عنه ما لفظه وليس ما قال بعضهم ان صه مثلا اسم للفظ اسكت الذي هو دال على معنى
الفعل فهو علم للفظ الفعل لا لمعناه بشئ إذ العربي القح ربما يقول صه مع أنه لا يخطر بباله لفظ اسكت وربما لم يسمعه أصلا ولو قلت إنه اسم لاسكت أو امتنع
أو كف عن الكلام أو غير ذلك مما يؤدي هذا المعنى لصح فعلمنا ان المقصود منه المعنى لا اللفظ وقال والذي حملهم على أن قالوا إن هذه الكلمات وأمثالها ليست
بافعال مع تأديتها معاني الافعال امر لفظي وهو ان صيغها مخالفة لصيغ الافعال وانها لا تتصرف تصرفها وتدخل اللام على بعضها والتنوين في بعض انتهى
ثم إن قضية اطلاق خبر زرارة وكذا اطلاق الجواب في رواية ابن سنان من غير استفصال كاطلاق كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية عدم
الفرق بين الفريضة والنافلة في الحكم المزبور حرمة وابطالا ولكن مورد النصوص وكثير من الفتاوي وبعض معاقد الاجماعات انما هو بعد الفاتحة كما هو المتعارف عند
العامة فلا يستفاد منها حرمة قول أمي ومبطلتها للصلاة مطلقا ولو في سائر الأحوال فمقتضى ما قويناه من عدم اندراجه من حيث هو في الكلام المبطل اختصاص
المنع بمورد دلالة الدليل وهو في اخر الحمد كما قواه غير واحد فما حكى عن ظاهر بعض وصريح آخرين من عموم المنع عنه في سائر أحوال الصلاة كما يقتضيه استدلال المشهور
للمنع بكونه من كلام الآدميين ضعيف والاستدلال عليه باطلاق كثير من معاقد الاجماعات المحكية وصريح بعضها كعبارة الخلاف المتقدمة ضعيف لعدم حجية نقل
الاجماع خصوصا مع استناد جملة من المجمعين ان لم يكن جميعهم في فتواهم إلى ما ادعوه من أنه من كلام الآدميين فلا اعتماد على اجماعهم بعد البناء على ضعف المبني كما
هو واضح وربما يؤيد الجواز بعض الأدعية المشتملة على لفظة امين المأثورة عن الأئمة عليهم السلام في القنوت وغيره فيما حكى عن كتاب المهج والبلد الأمين وغيره واضعف
من ذلك ما في العبارة المتقدمة عن المعتبر وغيرها من الحكم ببطلان الصلاة يقول اللهم استجب في اخر الحمد فإنه لم يعرف له وجه عدى تخيل انه يوجب صرف القراءة
عن حقيقتها أو انه يستدعي سبق دعاء ولا دعاء قبله فان ما تحقق من الدعاء في ضمن القراءة فقد صدر بعنوان الحكاية لا يقصد الدعاتية وشئ منهما ليس بشئ فان قول
اللهم استجب كقول اللهم اغفر في حد ذاته دعاء لا يتوقف صحته على أن يكون مسبوقا بدعاء أو مذكورا متعلقه بل يكفي تقديره بان يقدر دعاء المؤمنين أو المخلوقين
أو ما يدعوه فيما بعد أو نحو ذلك وكونه كذلك يصحح ايقاعه في الصلاة ولو ممن لا يعرف معناه كسائر الأدعية والأذكار التي يقرئها العجمي ونحوه ممن لا يعرف معانيها كما
يخفى ثم إن حرمة قول امين انما هو في حال التقية واما مع التقية فلا شبهة في جوازه بل وجوبه عند وجوبها إذا توقف الاتقاء عليه ولا تبطل به الصلاة
حينئذ كما صرح به غير واحد بل قال شيخنا المرتضى رحمه الله والظاهر الاجماع على في لبطلان حينئذ حتى ممن جعله من كلام الآدميين الذي لا يوجب الاكراه عليه رفع حكمه انتهى
ووجهه دلالة الأدلة الدالة على جواز الصلاة معهم تقية وصحتها مع استلزامها اختلال جملة من اجزائها وشرائطها التي هي من قبيل ترك التكتف والتامين
والجهر بالقراءة ونحوه على اغتفار مثل هذه الأمور حال التقية كما هو واضح ولو تركها والحال هذه عصى ولكن لا تبطل صلاته فان متعلق الحرمة امر خارج عن حقيقة
الصلاة المسألة الثانية الموالاة في القراءة شرط في صحتها كما صرح به غير واحد من القدماء والمتأخرين بل في الجواهر لا أجد فيه خلافا بين أساطين
المتأخرين والمراد بالموالاة على ما يظهر من كلماتهم كما صرح به بعض ان لا يتخلل بين ابعاضها سكوت معتد به أو كلام مغائر عدى ما ورد النص بجوازه كسؤال الرحمة والتعوذ
من النار عند قراءة اتيتهما ونحوه واستدل له بان النبي صلى الله عليه وآله كان يوالي في قرائته فيجب التأسي به لعمومات التأسي وخصوص قوله صلى الله عليه وآله صلوا
كما رأيتموني أصلي وفيه ان استفادة وجوب مثل هذه الأمور الجارية مجرى العادة من مثل قوله صلى الله عليه وآله صلوا كما رأيتموني أصلي فضلا عن عمومات التأسي محل نظر بل منع
فالوجه ان يقال تبعا لما حققه غير واحد من متأخري المتأخرين ان المتبادر من أوامر القراءة في الصلاة ولو بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن الناشئة من خصوصيات
313

المورد هو الاتيان بمجموع القراءة المعتبرة في كل ركعة من الصلاة اي الحمد والسورة في ضمن فرد من القراءة بان يعد في العرف مجموعها قراءة واحدة مبتدئا فيها بفاتحة
الكتاب كما يؤمي إلى ذلك بعض الأخبار المتقدمة في أوائل المبحث المشعرة بان مجموعها جزء واحد من اجزاء الصلاة مع حفظ صورتها التي بها يتقوم مهية القرائية
التي هي قوام المأمور به فالفصل الطويل المنافي لصدق وحدة القراءة عرفا أو مرج كلمات خارجية منافية لحفظ الصورة كما لو قال مثلا الحمد والشكر لله الواجب
الوجود المنان رب العالمين الرحمن الغفار الرحيم وسكت بين كلمات مرتبطة بعضها ببعض أو بين حروف الكلمات بمقدار ينقطع العلامة بينها لدى العرف في محاوراتهم
مخل بصحتها واما سؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة ورد السلام وتسميت العاطس أو الحمد عند العطسة وأشباهها فغير قادحة بالمالاة المعتبرة في القراءة
فإنه كثيرا ما يوجد نظيرها في العرف عند اشتغالهم بقراءة شئ ولا يرونه مخلا بانضمام بعضها إلى بعض أو منافيا لحفظ صورتها فالالتزام بكون ما ورد في النصوص
جوازه كسؤال الرحمة ونحوه من حيث هو منافيا للتوالي ولكن ثبت جوازه تعبدا بدليله ليس بأولى من منع اعتبار التوالي على وجه ينافيه مثل هذه الأمور بما
يستدل أيضا لعدم اعتبار الموالاة بالمعنى الذي ذكروه باطلاقات أو امر القراءة وفيه ان الاطلاقات غير ناظرة إلى كيفية القراءة فالعمد ما عرفت ولو قرء مثلا خلالها
من سورة أخرى غيرها أو اتى بذكر أو دعاء على سبيل المزج والتأليف بحيث منع عن انضمام لاحقه بسابقة بان
عد المأتى به أيضا من اجزاء القراءة في العرف أو كان
موجبا للفصل الطويل المنافي للانضمام استأنف القراءة لا الصلاة عمدا كان أو سهوا ما لم يكن مخلا بالموالاة المعتبرة في الصلاة من حيث هي إذ لا ملازمة بين الامرين
لأنه قد يحصل في خلال القراءة ما ينفصم به نظمها وتختل صورتها ولكن لا ينافي صورة الصلاة وبقاء هيئتها كما أنه قد يكون الامر بالعكس فإنه قد يكون بعض
الأشياء منافيا لصورة الصلاة كما لو جلس في أثنائها واشتغل بشرب التتن والتنباك ونحوه مثلا فان حصول مثل هذه الأشياء في أثناء القراءة عند طولها
بقصد الاستراحة وتجديد النفس ليس قادحا في صدق وحدتها وانضمام بعضها إلى بعض في العرف ولكنها منافية للهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة كما سيأتي
تحقيقه في محله إن شاء الله ثم إن ينبغي تقييد اطلاق المتن وغيره ممن اطلق الحكم باستيناف القراءة بما إذا كان ما اتى به في خلال القراءة موجبا لانفصام نظمها
بحيث لم يكن العود إلى ما انتهى إليه أو مع شئ ممال تقدمه مما له شدة ارتباط به مجديا في تداركه والا عاد ما يحصل معه الارتباط من غير حاجة إلى استينافها كما أنه
ينبغي تنزيل قول من اطلق الحكم بالقراءة من حيث انتهى إليه على هذه الصورة وحكى غير واحد القول ببطلان الصلاة مع العمد وربما عللوه بأن الاخلال به مخالفة
لامر الشارع بترك الموالاة الواجبة في الصلاة وهي منهى عنها وانه موجب لبطلان الجزء الذي اعتبر فيه الموالاة وفساده يوجب فساد الكل فلا يتحقق به موافقة امره
وفيه انه بعد تداركه يتحقق الموافقة فلا مقتضى للبطلان واما ما قيل من أن المخالفة منهى عنها فكأنه أريد به ان الجزء الماتى به فاسدا حرام فيسري حرمته إلى الكل
بواسطة جزئه فيمتنع وقوعه عبادة وفيه بعد الغض عن أن وجوب الموالاة شرطي لا شرعي فلا يكون تركها حراما شرعيا ان حرمة ترك الموالاة لا يؤثر في حرمة القراءة
السابقة التي اتى بها بقصد الجزئية حتى يمكن ان يدعى ان حرمتها تستدعي حرمة الصلاة المشتملة عليها أو يقال إن الكلام الحرم مبطل للصلاة ولذا بنى بعض هذا
الدليل على ادعاء ان الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده فيكون المراد بكون المخالفة محرمة حرمة السكوت الطويل أو القراءة الواقعة في الأثناء الموجبة لفوات
الموالاة وفيه (أيضا) انه لا مقتضى على هذا التقدير أيضا للالتزام بكون السكوت المحرم مبطلا للصلاة واما القراءة الواقعة في الأثناء فربما يقال فيها بذلك بعد
تسليم حرمتها كما تقدمت الإشارة إلى وجهه مع ما فيه من الضعف في مسألة ما لو اتى بشئ من افعال الصلاة رياء أو لغير الصلاة وقد ظهر بما تقدم في المبحث المشار
إليه ضعف الاستدلال للمقام بأنه لدى الاخلال بالموالاة ان اقتصر على المأتى به ومضى في صلاته بطلت من حيث النقيصة والا فمن حيث الزيادة فلا نطيل بالإعادة
فالأظهر عدم بطلان الصلاة بالاخلال بالموالاة المعتبرة في القراءة بل عليه تداركها باستيناف القراءة على تقدير انقطاع الهيئة الاتصالية المعتبرة في القراءة
بين ابعاض القراءة الواحدة عرفا وخروج الأجزاء السابقة عن قابلية وصل اللاحقة بها أو خصوص الكلمة التي انتهى إليها أو مع شئ مما تقدمها مما له شدة ارتباط
بها عند بقاء سابقتها في الجملة على صفة القابلية للانضمام واختصاص الفوات بالموالاة المعتبرة بين بعض الكلمات مع بعض أو بعض الآيات مع بعض لا مطلقا و
كيف كان فلا فرق فيما يفوت به التوالي بين ان يكون قراءة غيرها أو السكوت المنافي للتوالي فكما يستأنف القراءة خاصة دون الصلاة في الأول فكذا في الثاني ما لم يكن
موجبا لفوات الهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة من حيث هي كما في الأول على حسب ما تقدمت الإشارة إليه انفا ولكن قد يتخيل الفرق بين افراد السكوت بل
وكذا بين افراد قراءة الغير أيضا فان لكل منهما عند اقترانه مع العزم على قطع القراءة والاعراض عنها تأثيرا في رفع الهيئة المعتبرة عرفا بين ابعاض الكلام ليس له
هذا الأثر لدى استدامة عزمه على القراءة الا ترى فرقا واضحا لدى العرف في صدق وحدة القراءة بين ما لو سكت القاري الاستراحة وتحديد النفس أو تشاغل بشرب
التتن ونحوه مع بقاء عزمه على اتمام القراءة وبين ما لو صدر منه ذلك بينه القطع والاعراض وكذا لو تكلم بمبتدء مثلا ثم قطع كلامه ووضع يده على فيه للإشارة
إلى ذلك ثم ذكر ما يصلح ان يكون خبرا له فان يحتاج رحمه الله في ربطه بذلك المبتدأ إلى رابطة من إشارة ونحوها بخلاف ما لو سكت بينهما بأكثر من ذلك لضيق نفس أو
سعال أو نسيان ونحوه فلا يبعد ان يقال إنه لو نوى قطع القراءة وسكت ولو قليلا كما يقتضيه اطلاق المتن فضلا عما لو اشتغل مع نية القطع بما يضادها من
قراءة غيرها ونحوها أخل بالموالاة (فعليه ان يستأنف القراءة خاصة على المختار وعلى القول ببطلان الصلاة لدى الاخلال بالموالاة) عمدا إعادة الصلاة إذ المفروض حصوله عن قصد وفي قول لو نوى قطع القراءة وسكت بعيد الصلاة وهذا القول منسوب إلى الشيخ
في المبسوط مع تصريحه على ما نسب إليه باستيناف القراءة خاصة فيما لو قرء خلالها من غيرها عمدا فلعل نظره في الحكم بالإعادة في المقام ان نية قطع القراءة
الواجبة في الصلاة ما لم يكن من عزمه العود إليها أو استينافها قبل فوات محلها كما هو المتبادر من اطلاقه يلزمها العزم على قطع الصلاة أو ايقاعها فاسدة
314

وهذا العزم وان لم يكن لديه من حيث هو موجبا للبطلان كما حكى عنه التصريح به في مبحث النية ويشهد له حكمه هيهنا على ما حكى عنه بأنه لو نوى القطع ولم يقطع
مضى في صلاته ولكنه قد يلتزم بمبطليته لدى الجري على حسب ما يتقضيه من التشاغل بغير افعال الصلاة التي منها السكوت عن القراءة فان صدور مثل هذه الأفعال
عن قصد قطع الصلاة وابطالها لا يبعد ان يدعى كونه مخلا بالموالاة المعتبرة فيها كما نفينا البعد عنه في مسألة ما لو كبر للاحرام ثم نوى وكبر ثانيا وثالثا فراجع هذا
ولكن يتوجه عليه بعد تسليم ما ذكر عدم الملازمة بين نية قطع القراءة وبين العزم على قدع الصلاة أو ابطالها لامكان ان يعقد جواز التبعيض فنوى قطع القراءة
وسكت ثم بدأ له ان يعوذ اما لو سكت في خلال القراءة لا بنية القطع التي هي أعم من قصد قطعها بالمرة أو مع العزم على العود إليها بعد مدة يفوت بها التوالي
المعتبر عرفا في صدق وحدة القراءة بل لعذر من سعال أو ضيق نفس أو لتذكر المنسي ونحوه أو نوى القطع ولكن لم يقطع اي لم يتلبس بسكون ونحوه مما يتحقق
به عرفا قطع ذلك الكلام مضى في صلاته وينبغي تقييد السكوت بما إذا لم يكن طويلا في العادة اللهم الا ان يقال إن السكوت الطويل الناشي عن معذورية
المتكلم في اتمام كلامه مع بقاء عزمه على الاتمام وكذا ما قام مقامه من الاعذار المانعة عن التكلم من السعال ونحوه لا يكون طوله موجبا لرفع الهيئة الاتصالية
والمعتبرة لدى العرف في وحدة الكلام بل قد لا يكون مخلا في أثناء كلمة واحدة أيضا نعم إذا تفاحش قد يكون موجبا لمحو صورة الصلاة الا لرفع
الهيئة الاتصالية المعتبرة بين ابعاض القراءة والله العالم المسألة الثالثة روى أصحابنا ان الضحى والم نشرح
سورة واحدة وكذا الفيل
ولايلاف فلا يجوز افراد إحديهما عن صاحبتها في كل ركعة كما هو المشهور بين الأصحاب وعن كثير منهم نسبة القول بان المجموع سورتان لا اربع إلى أصحابنا كما أنه
نسب كثير منهم المنع عن افراد كل منها عن صاحبتها أيضا إليهم وعن الانتصار انه جعلهما مما انفردت به الإمامية وعن الأمالي نسبة المنع عن افراد إحديهما
عن صاحبتها إلى دين الإمامية معللا بان كلا منها مع صاحبتها سورة واحدة والحاصل انه يظهر من كثير منهم دعوى الاجماع على كلا الامرين وكفى بذلك
دليلا لاثباتهما بعد وضوح ان مستندهم في ذلك ليس الا ما رووه عن أهل البيت عليهم السلام فمن جملة النصوص المروية في هذا الباب ما عن امين الاسلام
الطبرسي في كتاب مجمع البيان قال روى أصحابنا ان الضحى والم نشرح سورة واحدة وكذا سورة ألم تر ولايلاف قريش وقال وروى العياشي عن أبي العباس
عن أحدهما عليهما السلام قال ألم تر كيف فعل ربك ولايلاف قريش سورة واحدة قال روى أن أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه انتهى ومنها ما عن
كتاب القراءة لأحمد بن محمد بن سيار عن البرقي عن القاسم بن عروة عن أبي العباس عن الصادق عليه السلام قال الضحى والم نشرح سورة واحدة وعن البرقي عن
القاسم بن عروة عن شجرة أخي بشر النبال عن الصادق عليه السلام ألم تر كيف ولايلاف سورة واحدة وعن محمد بن علي بن محبوب عن أبي جميلة مثله وعن الصدوق
في الهداية مرسلا عن الصادق عليه السلام في حديث قال فيه وموسع عليك اي سورة في فرائضك الا اربع وهي والضحى والم نشرح في ركعة لأنهما جميعا
سورة واحدة ولايلاف والم تر كيف في ركعة لأنهما جميعا سورة واحدة ولا ينفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة ويؤيده فتواه به أيضا في
المحكى عن فقيهه الذي يفتي فيه غالبا بمضامين الأخبار المعتبرة وعن الفقه الرضوي قال لا تقرأ في الفريضة والضحى والم نشرح (والم تر كيف ولايلاف إلى أن قال لأنه روى أن الضحى والم نشرح) سورة واحدة وكذلك ألم
تر كيف ولايلاف سورة واحدة إلى أن قال فإذا أردت قراءة بعض هذه فاقرأ والضحى والم نشرح ولا تفصل بينهما وكذلك ألم تر كيف ولايلاف انتهى
وعن الشيخ في الاستبصار ان هاتين السورتين سورة واحدة عند آل محمد فهذه الأخبار بمنزلة الشرح لما رواه المصنف وغيره على سبيل الاجمال واشتهار مضمونها
بين الأصحاب كاشف عن صحتها وصدورها عن أهل البيت عليهم السلام فلا ينبغي الالتفات إلى ما فيها من ضعف السند فإنه مجبور بما عرفت ويعضدها أيضا
صحيحة زيد الشحام قال صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام فقرء الضحى والم نشرح في ركعة وخبر المفضل المروي عن جامع البزنطي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا تجمع
بين السورتين في ركعة واحدة الا الضحى والم نشرح وسورة الفيل ولايلاف فان اختصاصهما بهذا الحكم مع ما ورد في جملة من الاخبار النهي عن القران بين
سورتين في الفريضة على الاطلاق مع ما في أغلبها من التعليل بان لكل سورة حقا من الركوع والسجود من أقوى الشواهد على صحة ما اشتهر بين الأصحاب و
نطقت به تلك الأخبار من أنهما سورة واحدة وما يقال من دلالة خبر المفضل على عكس المدعى اي تعددها وعدم اتحاد كل منهما مع صاحبتها لأن الأفضل
في الاستثناء الاتصال مدفوع بأنه يكفي في حسن الاستثناء بل واتصاله تعددها صورة ولو سلم ظهوره في التعدد في الواقع ونفس الامر فرفع اليد
عن هذا الظاهر بتنزيله على الجري على ما هو المعهود في انظار أهل العرف بمقتضى ما دون في مصاحفهم أولى من ارتكاب التخصيص في الأخبار الكثيرة الناهية
عن القرآن المعتضد عمومها بعموم العلة المنصوصة المقتضية للتعميم كما لا يخفى وكيف كان فلا يعارض الاخبار المزبورة الصحيح الآخر عن الشحام أيضا قال
صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام فقرء في الأولى الضحى وفي الثانية ألم نشرح وله أيضا صحيحة ثالثة صالحة لأن تنطبق على ما في هذه الصحيحة وكذا على سابقتها قال
صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام فقرء بنا الضحى والم نشرح فإنه يمكن ارادتهما في ركعة فتنطبق على صحيحته الأولى أو كلا منهما في ركعة فتنطبق على الثانية وخبر داود
البرقي المنقول عن الخرائج والجرائح قال فلما طلع الفجر قام يعني الصادق عليه السلام فاذن واقام أقامني يمنيه وقرء في أول ركعة الحمد والضحى والثانية بالحمد
وقل هو الله أحد ثم قنت ثم سلم ثم جلس اما هذه الرواية فليس لها ظهور يعتد به في أنه عليه السلام اقتصر في الركعة الأولى على خصوص والضحى ولم يقرء معها ألم
نشرح التي هي معها سورة واحدة فعلله لكونهما كذلك لم يسمهما الراوي الا بأسم أوليهما وعلى تقدير ظهورها في ذلك بل صراحتها فيه فحالها حال الصحيح
الأول وهو لا ينفي كونهما سورة واحدة كي يتحقق المعارضة بينها وبين تلك الأخبار لامكان ان يكون اكتفاء الإمام عليه السلام بقراءة أوليهما في الركعة الأولى
315

والثانية في الثانية من باب التبعيض الذي كان يصدر منه أحيانا لبعض الدواعي المقتضية له كما عرفته في محله فحال هذه الرواية أيضا حال الرواية الدالة
على جواز التبعيض وقد تقدم الكلام في توجيهها ان الأقرب حملها على كون التبعيض صادرا منه لأجل التقية فما عن المصنف في المعتبر من التشكيك
في كونهما سورة واحدة وان لزم قرائتهما في ركعة كأنه في غير محله فضلا عما في المدارك من الجزم بتعددهما تمسكا بوجودهما كذلك في المصاحف
وفيه ان الفصل بالبسملة في المصاحف وتخصيص كل منهما باسم بعد تسليم اعتبار هذا الجمع الواقع من غير المعصوم لا ينافي اتحادهما في الواقع وارتباط
بعضهما ببعض كما أومى إليه العلامة الطباطبائي في منظومته حيث قال (أو والضحى والانشراح واحدة) (بالاتفاق والمعاني شاهدة) كذلك الفيل مع
الايلاف) (وفضل بسم الله لا ينافي) مع أنه روى أن ابن أبي كعب لم يفصل بين الضحى والم نشرح في مصحفه ومن هنا قد يقوى في النظر ما رجحه في المتن حيث قال
ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر وفاقا لغير واحد من الأصحاب بل عن البحار نسبته إلى الأكثر بل عن التهذيب عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة وعن التبيان ومجمع
البيان ان الأصحاب لا يفصلون بينهما بها كما ربما يؤيده عبارة الفقه الرضوي المتقدمة وما روى عن أبي بن كعب انه لم يفصل بينهما في مصحفه مع أن
قراءة أبي علي ما يظهر من قوله عليه السلام في خبر داود بن فرقد والمعلى بن خنيس المتقدم في صدر المبحث عند التكلم في جواز القراءة بكل من القرائات اما
نحن فنقرئه على قراءة أبي انها أصح القرائات وأوفقها بقراءة أهل البيت عليهم السلام ولكن مع ذلك كله الأحوط بل الأقوى الافتقار إليها كما حكى عن جماعة
بل عن المقتصر نسبته إلى الأكثر لثبوتها في المصاحف المعروفة بين المسلمين من صدر الاسلام وعدم التنافي
بينه وبين كون المجموع سورة واحدة بل قد
يغلب على الظن ان وقوع البسملة في أثناءها عند نزولها هو الذي أوقع الناس في شبهة التعدد فكان أبي بن كعب عرف انهما سورة واحدة وزعم التنافي
بينه وبين الفصل ببسم الله فلم يفصل يزعم عدم جزئتها منها هذا مع أن الشك في جزئيتها يكفي في لزوم الاتيان بها تحصيلا للجزم بقراءة السورة الواجبة
في الصلاة والله العالم المسألة الرابعة ان خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلا أو ناسيا أو ساهيا لم يعد بلا خلاف فيه في الجملة على
الظاهر بل عن التذكرة والرياض دعوى الاجماع عليه ويشهد له صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه وأخفى فيما لا ينبغي الاخفاء
فيه فقال اي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة فان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته ويدل عليه أيضا في الناسي
والساهي صحيحته الآخرى أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه أو اخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه وترك القراءة فيما ينبغي
القراءة فيه أو قرء فيما لا ينبغي القراءة فيه فقال اي ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شئ عليه ومقتضى اطلاق النص وفتاوي الأصحاب في لفرق فيما ذكر بين الركعتين الأوليين
والأخيرتين ولا بين الجاهل بأصلهما أو محلهما كمن زعم أن الاخفات في العشائين والجره في الظهرين مثلا بل ولا بين الجاهل بحكمهما أو موضوعهما كما لو زعم أن
بعض اقسام الاخفات جهر فاكتفى به في صلاة المغرب مثلا فإنه لم يتعمد الاخفات في صلاة المغرب وان تعمد في فعل ما هو اخفات في الواقع وانصراف قوله
عليه السلام أولا يدري عن جاهل الموضوع غير ضائر إذ المدار على ما يظهر من صدر الخبر على في لجهر في موضع الاخفات أو عكسه عمدا وقوله عليه السلام فان فعل ذلك
ناسيا أو ساهيا الحديث بحسب الظاهر تعبير عن مفهوم القيد الواقع في الصدر فهو بمنزلة ان يقال فإن لم يفعل ذلك متعمدا فلا شئ عليه وكذا لا فرق على
الظاهر بين ناسي الموضوع أو الحكم وانصراف قوله عليه السلام ناسيا أو ساهيا عن ناسي الحكم غير ضائر لما عرفت هذا مع امكان ادراجه في عموم لا يدري كما لا يخفى
وكذا لا فرق على الظاهر بين الاخلال بما وجب فيه الاخفات بالأصالة أو العارض المأمومية كما في المأموم المسبوق لاطلاق النص ودعوى انصرافه إلى الأول مع
كون القسم الثاني أيضا من الافراد الشايعة الواضحة الفردية لما وقع عنه السؤال في الصحيحتين غير مسموعة خصوصا بعد الالتفات إلى أن الجهة العارضة الموجبة للاخفات
ليست بخارجه عن مهية الصلاة بل هي من كيفياتها المقسمة لها وقد اعتبر الشارع الاخفات في هذا القسم وجعل الجهر في بعض القسم الآخر وهي الصلاة المأتي
بها لا بهذه الكيفية فما صدر من غير واحد من التردد فيه في غير محله نعم لو أخل بالآفات الواجب عليه لعارض خارجي حاصل من باب الاتفاق كالخوف
من العدو ونحوه لكان هذا خارجا عن منصرف النص فلا يكون جاهل الحكم معذورا فيه كسائر مواقع اجتماع الأمر والنهي مثل الصلاة في الدار المغصوبة ونحوها
بخلاف جاهل الموضوع أو ناسيه على حسب ما حققناه في المبحث المشار إليه وهكذا الكلام فيما لو جهرت المرأة بالقراءة فسمعها الأجنبي وقلنا بان صوتها عورة لخروجها عن
مورد النص فضلا عن منصرفه واما في سائر الموارد التي يكون الرجل معذورا فيها فالمرئة أيضا بحكمه لقاعدة المشاركة المعتضدة باطلاق فتاوي الأصحاب
ومعاقد اجماعاتهم المحكية ثم إن المراد بالجاهل الذي حكمنا بمعذوريته في المقام هو الجاهل الغافل أو المعتقد للخلاف ولو من باب التقليد أو الاجتهاد دون
الملتفت المتردد فيه المقصر في الفحص والسؤال فإنه خارج عن منصرف النص كما صرح به غير واحد وهكذا الكلام فيما لو كان جهله بالحكم ناشئا من الجهل
بحكم اخر كما لو صلى نيابة عن الغير فزعم أن عليه رعاية حال المنوب عنه في الجهر والاخفات فاخفت في الجهرية التي تحملها عن المرأة فإنه أيضا خارج عن منصرف
النص والله العالم بقي في المقام شئ وهو انا قد أشرنا إلى معذورية الجاهل بالحكم في هذه المسألة نصا واجماعا فهذا اجمالا مما لا شبهة فيه ولكن قد
يشكل تعقله من حيث اقتضائه اشتراط وجوب الجهر والاخفات بالعلم به وهو محال لأنه دور صريح ويدفعه ان وجوبهما ليس مشروطا بالعلم ولذا صرح بعض
بل نسبه إلى ظاهر الأصحاب بعدم معذوريته من حيث استحقاق المؤاخذة التي هي اثر الوجوب وانما هو معذور بمعنى ان صلاته مجزية ولا يجب عليه اعادتها ولا
استحالة في ذلك بيانه ان من الجائر ان يكون لطبيعة الصلاة من حيث هي مصلحة ملزمة مقتضية لايجابها وكونها في ضمن الفرد المشتمل على خصوصية
316

الجهر أو الاخفات فيه مصلحة أخرى ملزمة أيضا فاجتماع كلتا المصلحتين في هذا الفرد أوجب تأكد طلبه واختصاصه بالوجوب فإذا اتى المكلف بالطبيعة في
ضمن فرد اخر فقد احرز المصلحة المقتضية لتعلق الطلب بصرف الطبيعة فلا يعقل بقائها بعد بصفة الوجوب وعند ارتفاع الوجوب المعلق بالطبيعة يتعذر
عليه احراز مصلحة الخصوصية سواء خرج وقت الفعل أم بقي زمانه إذ المفروض ان المصلحة المقتضية لخصوص الفرد تعلقت بايجاده امتثالا للامر بالطبيعة
وقد فرضنا سقوط الامر المتعلق بالطبيعة بحصولها في الخارج مثلا لو اقتضى الافطار في شهر رمضان وجوب عتق رقبة من حيث هي ولكن كان في عتق المؤمنة
مزية مقتضية لأرجحية عتقها كفارة عن الافطار فهذه المزية قد لا تنتهي إلى مرتبة الالزام (قد تنتهي إلى هذه المرتبة) فإذا أعتق المكلف رقبة غير مؤمنة فقد اتى بما اقتضته
كفارة الافطار ولكن فوت على نفسه المزية التي وجب عليه رعايتهما مهما أمكن فيستحق المؤاخذة عليه ولا يمكنه تداركها بعد ارتفاع الطلب المتعلق بنفس
الطبيعة ولو مع بقاء وقتها ان قلت إذا وجب عليه الاجهار في صلاته فقد حصل بفعله مخالفة ذلك التكليف فيكون منهيا عنه فكيف يصح وقوعه عبادة قلت
مخالفة ذلك التكليف يحصل بترك اختيار الجهر في القراءة الذي هو نقيض المأمور به فهو الحرام لا باختيار فعل القراءة اخفاتا نعم لو قلنا بان الامر
بشئ يقتضي النهي عن ضده الخاص وجب الالتزام بحرمته من حيث المضادة ولكنا لم نقل بذلك لا يقال مقتضى ما ذكر عدم وجوب إعادة الصلاة بالاخلال
بهما مع العمد أيضا وهو خلاف الفرض لأنا نقول لا ندعي ان مهية الصلاة من حيث هي معراة عن هذه الخصوصية مطلوبة مطلقا كيفما اتفقت وانما المقصود
بيان امكان ذلك دفعا لتوهم الاستحالة وغيرها من المحاذير المتوهمة في المقام والا فمن الجائز تقييد مطلوبية صرف الطبيعة بخلوصها عن شائبة التجري
كي ينافيها التعمد أو التردد كما لا يخفى ولو تذكر أو علم في الأثناء لم يعد ما سبق من القراءة ولو كان بعض كلمة بل ولا ما سبق لسانه إليه بعد الذكر كما
صرح به شيخنا المرتضى رحمه الله لما أشرنا إليه انفا من أن المدار في البطلان على أن يكون متعمدا في ذلك وهو ليس كذلك في الفرض فان المخالفة فيه مستندة إلى
السهو أو الجهل السابق فلاحظ والله العالم المسألة الخامسة يجزيه عوضا عن الحمد اثنتي عشرة تسبيحة صورتها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر ثلاثا بلا خلاف فيه ولا اشكال وانما الكلام في تعيين هذا المقدار فإنهم اختلفوا فيما يجب من الذكر في الأخيرتين عند اختياره على أقوال
فعن صريح النهاية والاقتصاد ومختصر المصباح والتلخيص والبيان وظاهر ابن أبي عقيل القول بوجوب التسبيحات الاثنتي عشرة المزبورة واستدل له بالصحيح
المروي في كتاب الصلاة من السرائر ناقلا عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لا تقرء في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات
شيئا اماما كنت أو غير امام قلت فما أقول فيهما قال إن كنت اماما فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاث مرات ثم تبكر وتركع الحديث
وفي خبر رجاء بن أبي الضحاك الحاكي لفعل الرضا عليه السلام في طريق خراسان فكان في الأخراوين يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاث
مرات ثم يركع وعن الفقه الرضوي أنه قال وفي الركعتين الأخراوين الحمد مرة والا فسبح فيهما ثلاثا تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
تقولها في كل ركعة ثلاث مرات ويتوجه على الاستدلال بالصحيحة انه نقل الحلي هذه الصحيحة عن أصل حريز في مستطرفات السرائر باسقاط لفظ والله أكبر
وكذا رواها في الوسائل عن الصدوق باسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام بأدنى اختلاف في اللفظ قال لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين من الأربع
الركعات المفروضات شيئا اماما كنت أو غير امام قال قلت فما أقول فيهما قال إذا كنت اماما أو وحدك فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث
مرات تكملة تسع تسبيحات ثم تكبر وتركع فالظاهر أن زيادة التكبير في باب الصلاة من سهو قلم الناسخ لانس ذهنه به كما يشهد لذلك ما عن الفقيه وغيره
من التصريح في ذيل الرواية لقوله تكمله تسعا وما احتمله في الوسائل وغيره من أن زرارة سمع هذا الحديث من الإمام عليه السلام مرتين وأثبته حريز
في مقامين من كتابه كما نقله في السرائر بعيد في الغاية بل مما ينبغي القطع بعدمه وقد تصدى غير واحد من الاعلام لذكر شواهد ومؤيدات لاثبات الاتحاد
لا حاجة إلى ايرادها وكفاك شاهدا لذلك استفهام زرارة عما يقول بعد ان نهاه عن القراءة فإنه يكشف عن عدم كونه مسبوقا بمثله والا لم يكن يجهله
حتى يحتاج إلى الاستفهام عنه ثانيا إذ العادة قاضية بعدم طرو النسيان على مثل هذا التكليف المبتلي به دائما مع أنه على تقدير التعدد وجب حمل الرواية
المشتملة على اثنتي عشرة على الاستحباب جمعا بينها وبين الرواية الأخرى التي هي صريحة في كفاية التسع وبهذا يظهر لك الجواب عن خبر رجاء والفقه الرضوي
مع عدم ثبوت اعتبار الرضوي لدينا وضعف خبر رجاء سندا وقصوره من حيث الدلالة فان فعله عليه السلام لا يدل على الوجوب مضافا إلى ما حكى
عن البحار من أنه قال إن الموجود في النسخ القديمة المصححة من العيون بدون التكبير والظاهر أن الزيادة من النساخ انتهى وربما يستدل أيضا لهذا
القول باستصحاب التكليف وقاعدة الشغل وفيهما مالا يخفى خصوصا مع وجود الأدلة الوافية بإفادة حكم المورد وقيل يجزيه عشر باثبات التكبيرة في
الأخيرة واسقاطها في الأولين وقد نسب هذا القول إلى جماعة من القدماء منهم الشيخ في جملة من كتبه ولكن لم يعرف له مستند يعتد به وربما يستدل
له بصحيحة زرارة المتقدمة على ما رواها في الفقيه وفي اخر السرائر بحمل قوله ثم تكبر وتركع على إرادة تكبير غير تكبيرة الركوع كما يؤيد ذلك ابقاء الكلام على
ظاهره من الوجوب وفيه ما لا يخفى فان ظاهره إرادة تكبير الركوع ولا أقل من عدم ظهوره في إرادة تكبير اخر غيره فمقتضى الأصل براءة الذمة عنه بناء
على ما هو الحق لدينا من جريان قاعدة البراءة في مثل المقام لا الاشتغال هذا مع وفاء الأدلة بأثبات كفاية الأقل كما ستعرف وربما يظهر من الروضة
ورود نص صحيح به فإنه بعد نقل قول الشهيد بالتخيير بين الحمد والتسبيح أربعا أو تسعا أو عشرا أو اثنتي عشرة قال ووجه الاجتزاء بالجميع ورود النص الصحيح بها
317

وهذا وان كان بظاهره شهادة على ورود نص صحيح بذلك ولكنه بالنسبة الينا مرسل مجهول الأصل فلا اعتداد به الا في جواز الالتزام باستحبابه من باب
المسامحة وفي رواية وهي صحيحة زرارة التقدمة على ما رواها الصدوق في الفقيه والحلي في مستطرفات السرائر تسع تسبيحات باسقاط التكبير من اخرها كما
عرفت وقد نسب القول بمضمونها إلى حريز والصدوقين وابن أبي عقيل وأبي الصلاح والظاهر أن منشأ نسبة إلى حريز انه أثبت الرواية المزبورة في أصله
مقتصرا عليها وكيف كان فقد جوز غير واحد العلم بما في هذه الصحيحة ولكن لاعلى سبيل التعيين كما يقتضيه ظاهر الامر الوارد فيها بل تخييرا بينه وبين غيره مما
تضمنه سائر الأخبار الآتية مطلقا أو في الجملة كما ستعرف وفي رواية أخرى يجزي اربع تسبيحات وهي صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ما يجزي
من القول في الركعتين الأخيرتين قال إن تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتكبر وتركع وقد حكى القول بمضمونها عن جماعة من القدماء
وكثير من المتأخرين بل الظاهر أن القول بكفاية الأربع هو اشهر الأقوال بل المشهور فيما بين المتأخرين ومتأخريهم كما عن بعض التصريح به وربما يستدل له أيضا
بصحيحة أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كنت امام قوم فعليك ان تقرء في الركعتين الأولتين وعلى الذين خلفك ان يقولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر وهم قيام فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك ان يقرؤا فاتحة الكتاب وعلى الإمام ان يسبح مثل ما يسبح القوم في الركعتين
الأخيرتين وفيه انه ليس في الرواية تعرض لبيان ما هو وظيفة الأخيرتين تفصيلا لا للامام ولا للمأموم فضلا عن مقداره وانما ينسبق إلى الذهن التسبيحات الأربع
المذكورة في الرواية لانس الذهن بها ومعهوديتها من الخارج والا فلرواية لم تدل الا على أن المأموم يأتي بهذه التسبيحات الأربع في الأوليين وليس فيها بالنسبة
إلى هذا أيضا ظهور في كون الاتيان بها مرة مجزية فان اطلاقها وارد مورد حكم اخر كما لا يخفى وقد سبق توجيه الرواية عند التكلم في أفضلية التسبيح من القراءة
فراجع وعن العلامة في المنتهى انه نسب إلى الحلبي القول بثلاث تسبيحات صورتها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ويحتمل ان يكون مراده الاتيان
بهذه الصورة ثلاثا فهو حينئذ من القائلين بالتسع كما نسب إليه هذا القول أيضا فمستنده على هذا التقدير هي
صحيحة حريز المتقدمة والا فلم يعلم له مستند إذ
ليس في شئ من الاخبار ما يدل على الثلاث بهذه الصورة نعم يظهر من بعض الأخبار الاجتزاء بثلاث تسبيحات ولكن لا بهذه الصورة كرواية أبي بصير
المروية عن الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ان تقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله وصحيحة الحلبي
المروية عن التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل الحمد لله وسبحان الله والله أكبر وقد حكى عن الإسكافي
القول بمضمون هذه الصحيحة وحكى عن البحار الاجتزاء بمطلق الذكر لرواية علي بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الركعتين الأخيرتين ما اصنع
فيهما فقال إن شئت فاقرء فاتحة الكتاب وان شئت فاذكر الله فهو سواء قال قلت فأي ذلك أفضل فقال هما والله سواء ان شئت سبحت وان شئت قرأت
وفيه ان مقتضى القاعدة تقييد اطلاق الذكر بالأذكار الخاصة الواردة في النصوص المقيدة كما ربما يومي إلى ذلك ما في ذيل الخبر من قوله عليه السلام ان شئت سبحت
وان شئت قرأت فإنه مشعر بأن الاطلاق غير مقصود من الذكر المأمور به في الصدر بل الذكر المعهود الذي هو التسبيح فالأولى الاستشهاد لهذا القول
بصحيحة عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك فان شئت فاتحة الكتاب
فإنها تحميد ودعاء فان قضية العلة المنصوصة كفاية مطلق التحميد والدعاء وعدم اعتبار لفظ خاص ولا خصوصية التسبيح أو الاستغفار ومقتضاه
كون الواو في قوله عليه السلام في صدر الخبر تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك وكذا في صحيحة زرارة الواردة في المأموم المسبوق فإذا اسم الإمام قدم فصلى الأخيرتين
لا يقرء فيهما انما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء وفي صحيحته الأخرى انما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء للتنويع لا للجمع والخدشة في دلالة الصحيحة بعدم وفائها
باثبات الاجتزاء بمطلق الذكر إذ رب ذكر لا يصدق عليه عرفا اسم التسبيح والتحميد والدعاء مدفوعة بعد الغض عن أن كلما ناجيت به ربك مما يسمى ذكرا لا
يخرج عن كونه دعاء أو تسبيحا أو تحميدا بان الصحيحة وان لم تكن بنفسها وافية باثبات ذلك ولكنه كاشفة عن عدم اعتبار خصوصية الأذكار الواردة في الاخبار
المقيدة قيدا في مهية المأمور به فيبقى اطلاق قوله عليه السلام في خبر ابن حنظلة وان شئت فاذكر الله سليما عن المقيد فالقول بكفاية مطلق الذكر اخذا بظاهر
هذه الصحيحة لا يخلو عن وجه الا ان الاعتماد على هذا الظاهر مع مخالفته للمشهور في مقابل الأخبار الكثيرة الدالة بظاهرها على اعتبار خصوص التسبيح اجمالا
فيما هو وظيفة الأخيرتين عند ترك القراءة لا يخلو عن اشكال وحكى عن جماعة من الأصحاب القول بان المصلي مخير بين الاتيان بكل ما ذكر حتى مطلق الذكر
كما نسب إلى بعضهم ومرجعه إلى القول السابق أو بين جميع ما ورد في الروايات ولو ثلاث تسبيحات بان يقول سبحان الله ثلاثا كما في خبر أبي بصير أو جميع ما
ورد في خصوص الأخبار الصحيحة أو بين التسبيحات الأربع والتسع الواردتين في صحيحتي زرارة إلى غير ذلك من التفاصيل الناشئة من الاختلاف في فهم ما يقتضيه
الجمع بين الاخبار أو ترجيح بعضها على بعض وقد أشرنا إلى ما هو الحق لدينا من أن مقتضى الجمع بين صحيحة عبيد وغيرها من الروايات هو القول بكفاية مطلق
الذكر الا ان الالتزام به لا يخلو عن اشكال وربما استظهر هذا القول من عبارة المصنف رحمه الله في المعتبر فإنه على ما حكى عنه نقل القول بالأربع والتسع
والعشر والاثنتي عشرة وأورد صحيحتي زرارة في الأولين وصحيحة الحلبي في التسبيحات الثلاث وروايتي علي بن حنظلة وعبيد ثم قال والوجه عندي هو القول
بالجواز في الكل إذ لا ترجيح وان كانت رواية الأربع أولى انتهى فان قضية تجويزه العمل بروايتي علي وعبيد المتقدمتين هو الالتزام بالقول المزبور كما عرفت
اللهم ان يمنع دلالتهما عليه وكيف كان فظاهره ان التزامه بجواز العمل بالكل من باب التخيير الناشي من معارضة الأدلة وهو لا يخلو عن بعد بل الحق هو القول
318

به من باب الجمع وجعل الاختلاف الواقع في الاخبار كاشفا عن عدم اعتبار الخصوصيات الموجبة للتنافي بينها في قوام مهية المأمور به وان المدار على حصول جنس التسبيح
أو الذكر المتحقق في ضمن الجميع كما يشهد له مضافا إلى ذلك صحيحة عبيد بالتقريب المتقدم ولكن يجب تقييد اطلاق الذكر أو التسبيح الواردين في بعض الأخبار
المطلقة من حيث المقدار بعدم كونه أقل من ثلاث تسبيحات لما في خبر أبي بصير من التصريح بأنه أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين هذا مع أن الأخبار المطلقة
بحسب الظاهر ليست مسوقة الا لبيان تخصيص المهية التي هي وظيفة الأخيرتين فليس لها اطلاق من حيث المقدار بل قد يدعى انصرافها بواسطة المناسبة
المغروسة في الذهن إلى إرادة ما يساوي القراءة التي هي أحد فردي الواجب المخير حتى أنه جعل بعض ذلك دليلا للقول باعتبار الاثنتي عشرة تسبيحة لمساواتها
للقرائة تقريبا وفيه ما لا يخفى خصوصا في مقابلة الأدلة المعتبرة الدالة على الاجتزاء بالأقل الا انه ربما يؤيده بل يمكن استفادته من قوله عليه السلام في صحيحة عبيد و
ان شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء إذ لو كان مسماه مجزيا لحصل ذلك بقراءة بعض الفاتحة مع أن بعضها لا يجزي فيكشف ذلك عن عدم كفاية صرف
حصول المسمى بل لابد ان يكون بمقدار معتد به يقرب من المقدار الذي يتحقق بقراءة الفاتحة فالأحوط ان لم يكن أقوى في لاكتفاء بأقل من ذلك
الا على تقدير اختيار شئ من الأذكار الخاصة التي دلت النصوص المعتبرة على كفايتها كالتسبيحات الأربع التي دلت صحيحة زرارة بظاهرها على كونها
مجزية أو غير ذلك مما دلت الأخبار المعتبرة على الاجتزاء به هذا مع ما أشرنا إليه من أن التخطي عن الأذكار الخاصة الواردة في النصوص المعتبرة فضلا عن الاجتزاء
بصرف حصول المسمى لا يخلو عن اشكال فالأولى بل الأحوط اختيار التسبيحات الأربع الواردة في صحيحة زرارة وأحوط من ذلك تكريرها ثلاثا مع أنه أفضل كما
يدل عليه خبر رجاء المتقدم والله العالم فوائد الأولى ينبغي ضم الاستغفار أو شئ من الأدعية مثل اللهم اغفر لي واللهم ارزقني خير الدنيا والآخرة
ونحوه إلى التسبيحات لقوله عليه السلام في صحيحتي زرارة المتقدمتين انفا انما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء وفي صحيحة عبيد المتقدمة تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك
ويظهر من ذيل الصحيحة ان ذكر الاستغفار من باب كونه دعاء لا لاعتباره بخصوصه كما تقدمت الإشارة إليه انفا فتخصيصه بالذكر على الظاهر لأجل كونه
أفضل من غيره فلا يبعد الالتزام باستحبابه بالخصوص كما صرح به غير واحد بل ربما يوهم عبارة العلامة في محكى المنتهى وجود قائل بوجوبه حيث قال الأقرب
عدم وجوب الاستغفار ولكن الظاهر أنه غير مراد له كما أوضح ذلك صاحب مطالع الأنوار قدس سره ونفى وجود قائل بالوجوب وقال إني بعد التصفح التام
في كتب الأصحاب ما عثرت به ولا نقله ناقل ثم ذكر جملة من الشواهد والامارات المرشدة إلى أن غرض العلامة بهذا التعبير ليس في مقابل قول بل في مقابلة الصحيحة
الامرة به كما يلوح ذلك من عبارته المحكية عن منتهاه فإنه قال وقد روى الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الركعتين الأخيرتين قال
تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك ثم قال فما تضمنته هذه الرواية من الاستغفار الأقرب انه ليس بواجب لرواية زرارة انتهى وعلى تقدير تحقق القول به فهو
في غاية الضعف لما أشرنا إليه من أنه يفهم عدم وجوبه من نفس هذه الصحيحة فضلا عن غيرها من الروايات التي هي كالنص في كفاية ما عداه من التسبيحات
الثانية انا ان بنينا على كفاية مطلق الذكر أو التسبيح أو التسبيحات الثلاث الواردة في خبر أبي بصير أو مسمى التسبيح والتحميد والتهليل أو مع التكبير أيضا من
غير اشتراط الترتيب أو مع الترتيب أيضا على حسب ما ورد في صحيحة زرارة فان اكتفى بما يتحقق به مقدار الواجب فهو أدنى ما يجزي وان زاد عليه حتى أكمل
تسع تسبيحات أو العشر أو الاثنتي عشرة تسبيحة فقد اتى بأفضل افراد الواجب وليس الزائد عن القدر الواجب جزء مستحبا مستقلا إذ لم يتعلق به بخصوصه
امر مستقل كي يحمل على الاستحباب وشبهة عدم معقولية لاستلزامه التخيير بين الأقل والأكثر قد دفعناها عند التكلم في امكان مشروعية القران بين
السورتين مع كونه مكروها وبسطنا الكلام أيضا في حلها في التكبيرات الافتتاحية فراجع الثالثة لو كان من عادته التسبيح في الأخيرتين فقام
إلى الثالثة وقرء الحمد يزعم أنها الثانية فذكر في الأثناء أو بعد الفراغ انها الثالثة فهل يجتزي بما قرء أم عليه استيناف القراءة أو
التسبيح وجهان من أنه بعنوان كونه وظيفة الأخيرتين غير اختياري له فلا يقع إطاعة للامر التخييري المتعلق به خصوصا بعد فرض كونه على تقدير الالتفات لم يكن يختار
هذا الفرد ومن أن العبرة في صحة اجزاء الصلاة انبعاثها عن الإرادة الاجمالية المغروسة في النفس المسببة عن قصد إطاعة الامر بالصلاة حين الشروع فيها
على تقدير مصادفتها لمحلها ولا يعتبر فيها كون مصادفتها للمحل أيضا اختياريا ولهذا لو تشهد بزعم كونه عقيب الرابعة فانكشف وقوعه عقيب الثانية أو بالعكس
اجزئه وان فرض انه لم يكن يختار مع الالتفات عقيب الثانية الا التشهد الخفيف وعقيب الرابعة التشهد الطويل أو بالعكس وكذا لو كان من عادته قراءة سورة
القدر في الركعة الأولى والتوحيد في الثانية فعكس ذلك سهوا أو قرء القدر في الثانية باعتقاد انها الأولى أو بالعكس اجزئه وكون وجوب الفاتحة في الأوليين
عينيا وفي الأخيرتين تخييريا لا يصلح فارقا بين المقامين بعد ما أشرنا إليه من أن العبرة في صحة اجزاء الصلاة حصولها في محالها بقصد الجزئية للصلاة المنوي
بها التقرب لا بحصول إطاعة الامر الخاص المتعلق به كي ينافيه الاشتباه ولكن هذا فيما إذا كان حصوله بهذا الوجه كافيا في وقوعه على الوجه الذي اعتبره الشارع
جزء من الصلاة وكونه كذلك في المقام محل تأمل خصوصا بعد الالتفات إلى ما يستفاد من الأخبار المتقدمة في صدر المبحث من أن وظيفة الأوليين من حيث هي القراءة
ووظيفة الأخيرتين التسبيح والذكر وانما يجتزي بالفاتحة في الأخيرتين لأنها تحميد ودعاء فيختلف وجه وجوبها في المقامين فما لم يقصد بقرائتها وجه وجوبها
ولا إطاعة الامر التخييري المتعلق بها في الأخيرتين بل إطاعة امر اخر غير منجبر في حقه لا يحصل الجزم بوقوعه على الوجه الذي اراده الشارع فيشكل الاكتفاء به
في مقام الإطاعة بل يجب في مثله الاحتياط كما عرفته في مبحث النية فالقول بالاستيناف مع أنه أحوط لا يخلو عن قوة وكذا فيما لو كان عازما على اختيار التسبيح
319

ولو بمقتضى عادته فجرى على لسانه الحمد سهوا بل مرجع هذا الفرض لدى التحليل إلى الأول فان جريانه على اللسان بعد فرض عدم اعتياده القراءة في الأخيرتين
لا يكون لا لأجل الغفلة عن كون ما بيده الثالثة والجري على حسب ما يقتضيه عادته في الأوليين نعم لو نشأ ذلك عن الغفلة عن عزمه على اختيار التسبيح
والجري على حسب الداعي المغروس في نفسه الباعث له على ايجاد اجزاء الصلاة في محلها من غير التفات إليها اجزئه بلا اشكال كما لو عزم على قراءة سورة القدر
عقيب الفاتحة فغفل عن هذا العزم وقرء التوحيد فإنه يجزيه بلا تأمل كما سيأتي التنبيه عليه عند التكلم في وجوب تعيين السورة عند بسملتها الرابعة
إذا شرع في التسبيح أو الفاتحة ففي محكي الذكرى الأقرب انه ليس له العدول إلى الاخر محتجا عليه بأنه ابطال للعمل وربما يستدل له أيضا باستلزامه الزيادة
العمدية وفيهما ما لا يخفى ضرورة عدم كون المراد بالنهي عن ابطال العمل ما يعم مثل المقام والا يلزمه تخصيص الأكثر المستهجن وسيأتي مزيد توضيح لذلك في
بعض المقامات المناسبة له من احكام الخلل انشاء الله واما حصول الزيادة العمدية المبطلة في مثل الفرض فقد مرت المناقشة في صغراه وكبراه من وجوه مرارا
في طي المباحث السابقة ويأتي مزيد توضيح له إن شاء الله في محله ويمكن الاستدلال له بقاعدة الاشتغال بناء على جريانها عند دوران الامر بين التعيين و
التخيير خصوصا في اجزاء الصلاة ونحوها مما قد يلتزم بوجوب الاحتياط فيها من لا يلتزم به في غيرها ولا يرد عليه اطلاقات أدلة التخيير ولا استصحابه لامكان
الخدشة في الاطلاقات بان المتبادر منها ارادته في الابتداء وفي الاستصحاب بتبدل الموضوع إذ المتيقن ثبوته في حال اليقين به لمن لم يختر شيئا منهما ومع اختيار
أحدهما يتغير الموضوع ولا أقل من كون الشك فيه ناشئا من الشك في بقاء المقتضى وفيه يعد تسليم الخدشة في الاطلاقات والاستصحاب ان الحق هو الرجوع إلى
البراءة في مثل المقام لا الاشتغال هذا مع أن دعوى انصراف اطلاقات الأدلة إلى التخيير الابتدائي لو سلمت فإنها هي في مثل قوله عليه السلام ان شئت قرئت
وان شئت سبحت مما كان مفاده التخيير فيتجه حينئذ دعوى انصرافه إلى ارادته في الابتداء ولكنك خبير بان جل اخبار الباب ليس كذلك بل في كثير منها الامر بخصوص
التسبيح على الاطلاق وفي جملة الامر بفاتحة الكتاب كذلك فلا يجوز رفع اليد عن اطلاق هذه الأوامر سواء أريد بها الاستحباب أو الوجوب الا بمقدار ما
يقتضيه الجمع بين الأدلة بعد العلم بوحدة التكليف وجواز كل منهما (من تقييد اطلاق الامر المتعلق بكل منهما) بما إذا لم يخرج من عهدة تكليفه بالاتيان بالاخر والحاصل انه لا معنى لدعوى
الانصراف المزبور في مثل قوله اقرأ في الأوليين وسبح في الأخيرتين ومثل قوله في صحيحة زرارة بعد النهي عن القراءة في الأخيرتين وقل سبحان الله والحمد لله
الحديث ومثل قوله عليه السلام إذا كنت اماما فاقرء في الركعتين الأخيرتين فاتحة الكتاب الحديث إلى غير ذلك
من الأخبار الكثيرة التي ليس في شئ منها اشعار بالتخيير كي يدعى
انصرافه إلى التخيير البدوي غاية الأمر انه فهم من الخارج ان الطلب الوارد فيها ليس للوجوب العيني وانه يجوز الخروج عن عهدة تكليفه بفعل الآخر فيقيد اطلاق
الامر المتعلق بكل منهما بما إذا لم يأت بالآخر لا بما إذا لم يشرع فيه كما هو مقتضى القول بعدم جواز العدول وكما لا يخفى المسألة السادسة من قرء
سورة من العزائم في النوافل يجب ان يسجد في موضع السجود وكذا ان قرء غيره وهو يستمع لم ينهض ويقرء ما تخلف منها ويركع وان كان السجود في اخرها يستحب له
قراءة الحمد ليركع عن قراءة وقد تقدم شرح هذا كله عند البحث عن جواز قرائتها في النوافل فراجع السابعة المعوذتان بكسر الواو من القرآن
ويجوز ان يقرأهما في الصلوات فرضها ونفلها بلا خلاف فيه بين أصحابنا كما صرح به غير واحد ويشهد له مضافا إلى ذلك جملة من الاخبار منها صحيحة صفوان
قال صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام المغرب فقرء بالمعوذتين في الركعتين وخبر منصور بن حازم قال امرني أبو عبد الله عليه السلام ان اقرأ المعوذتين في المكتوبة وخبر صابر
مولى بسطام قال امنا أبو عبد الله عليه السلام في صلاة المغرب فقرء المعوذتين ثم قال هما من القرآن ونسب إلى بعض العامة القول بأنهما ليستا من القرآن قال
في محكى الذكرى ونقل عن ابن مسعود انهما ليستا من القرآن وانما أنزلتا لتعويذ الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام وخلافه انقرض واستقر الاجماع الا ان من العامة
والخاصة على ذلك انتهى وقد ورد في بعض الأخبار التصريح بخطاء ابن مسعود في ذلك مثل ما عن الحسين بن بسطام في طب الأئمة عن أبي عبد الله عليه السلام
انه سئل عن المعوذتين أهما من القرآن فقال الصادق عليه السلام هما من القرآن فقال الرجل انهما ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه فقال أبو
عبد الله عليه السلام أخطأ ابن مسعود أو قال كذب ابن مسعود من القرآن فقال الرجل فاقرء بهما في المكتوبة فقال نعم وعن علي بن إبراهيم في تفسيره باسناده عن
أبي بكر الحضرمي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ان ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف فقال كان أبي يقول انما فعل ذلك ابن مسعود برأيه وهما من القرآن
ولكن عن الفقه الرضوي التصريح بما ذهب إليه ابن مسعود فإنه قال على ما حكى عنه وان المعوذتين من الرقية ليستا من القرآن ادخلوهما في القرآن وقيل إن
جبرئيل عليه السلام علمهما رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن قال واما المعوذتين فلا تقرأهما في الفرائض ولا بأس في النوافل انتهى ولكنك خبير بان هذه العبارة ان كانت
صادرة عن الإمام عليه السلام فلا تكون الا عن علة وان كانت من غيره كما هو المظنون فلا يلتفت إلى قوله بعد مخالفته للنص والاجماع فرعان الأول
صرح غير واحد بل نسب إلى الأكثر بل المشهور انه يجب تعيين السورة بعد الحمد قبل الشروع في البسملة المشتركة بين السور وقواه شيخنا المرتضى رحمه الله و
استدل له بوجهين وأطال الكلام في ايضاحهما بما ملخصه ان كل سورة من السور القرآنية في حد ذاتها قطعة من كلام الله المنزل على النبي صلى الله عليه
وآله والبسملة جزء من كل منها فكل منها مع بسملتها موجود مغائر لما عداه ومعنى قراءة كل سورة هو التكلم بألفاظها النوعية بقصد حكاية ذلك الكلام
الشخصي فقراءة بسملة كل سورة هو التلفظ بها بقصد حكاية خصوص البسملة النازلة معها فلو قرء البسملة التي قصد بها حكاية بسملة الاخلاص لا
يصدق عليها قراءة جزء سورة الجحد أو العزيمة فلو بدا له ان يقرء سورة الجحد لا يجديه ضم بقية السورة في صيرورة البسملة التي قرأها بقصد الاخلاص
320

مصداقا لقرائة بسملة الجحد الا ترى انه لو قال في أثناء الصلاة وجاء رجل من أقصى المدينة قاصدا به حكاية كلام الله النازل في سورة يس صدق عليه قراءة
القرآن واما لو قصد به الاخبار أو حكاية كلام شخص اخر اندرج في كلام الآدميين المبطل لصلاته ولا يجديه ضم ما يمحضه للقرآنية في انقلاب هذا الجزء وصيرورته
حكاية كلام الله بعد ان لم يكن كذلك حين صدوره وكذا لو قلنا بان قراءة العزيمة مطلقا حتى بسملتها مبطلة للفريضة فلو بسمل بقصد العزيمة تبطل صلاته وان
بدأ له بعد قراءة البسملة ان يجعلها جزء من سورة أخرى بخلاف عكسه فلا يقاس ذلك بأجزاء المركبات الخارجية المشتركة بينها وبين غيرها مما لا مدخلية للقصد
في قوام ذاتها الصالحة من حيث هي للجزئية كالخل الذي يتركب منه السكنجبين والاطريفل أو القائمة المشتركة بين قائمة السرير والباب إذ الجزء في المثال هو
ذات الخل أو القائمة من حيث هي بخلاف مثل المقام الذي لا يصلح الجزء للجزئية الا مع اقترانه بالقصد اي قصد حكاية خصوص البسملة الشخصية التي هي جزء
هذه السورة لا قصد جعلها جزء منها في مقام الحكاية كي يقال إن قصد الغاية لا يعقل ان يكون من مشخصات الشئ ومقوماته فان صدق قراءة بسملة هذه السورة
لا يتوقف على هذا القصد بل على الأول والحاصل انه لا يعتبر في صلاحية البسملة للجزئية من سورة أو خطبة ونحوها ايجادها بقصد جعلها جزء من تلك السورة أو
الخطبة لا في مقام الانشاء ولا في مقام الكتابة ولا في مقام الحكاية ولكن يعتبر في صدق قراءة بسملتها ان يكون خصوص البسملة التي أنزلها الله تعالى جزء
منها مقصودا بالحكاية كما أنه يعتبر في صدق قراءة البسملة المكتوبة في اللوح المنقوش فيه احدى السور مثلا ان يكون خصوصها مقصودا بالقراءة هذا محصل ما افاده
قدس سره في تقريب الوجه الأول مع مزيد توضيح وتقريب إلى الذهن ثم قال في تقريب الوجه الثاني ما ملخصه انه لو سلمنا عدم مدخلية قصد حكاية الشخص في صيرورة
البسملة جزء من السورة على حد سائر المركبات الخارجية فنقول إذا قرء البسملة بقصد كونها جزء من سورة التوحيد يصدق عليه انه اتى بجزء من سورة التوحيد
ولم يأت بجزء من سورة الجحد فإذا ضم إليها باقي سورة الجحد وان أوجب ذلك صدق سورة الجحد على المجموع المجتمع في الذهن من الاجزاء الموجودة تدريجا ولكنه لا
يوجب ان يصدق على الفعل المتقدم انه قراءة جزء من سورة الجحد اي لا يوجب صدق كونه مشغولا بقراءة سورة الجحد حين اشتغاله بهذا الجزء كي يجتزي به في
مقام الإطاعة كما لو امر المولى عبده بالاشتغال بنحت السرير في قطعة من الزمان فإذا اشتغل في بعض ذلك الزمان بنحت قائمة بقصد قائمة الباب لا يجديه الاتيان
ببقية الأجزاء بنية السرير في حصول الإطاعة ويرد على هذا الوجه انه ان أريد انه بعد الضم أيضا لا يصدق عليه انه قرء سورة كذا وان صدق عليه انه
تلفظ بجميع اجزائها بدعوى ان قراءة الشئ عرفا أخص من مطلق التلفظ به كما يظهر ذلك من جملة من كلماته التي طوينا ذكرها ففيه ان مرجعه إلى الوجه الأول
من أن للقصد دخلا في قوام جزئيتها لوجودها الحائي وسيأتي الكلام فيه وان أريد انه لما لم يكن حال حصولها عنوان جزئيتها بسورة الجحد مقصودا
للمتكلم لا يصح وقوعها جزء لسورة الجحد في مقام امتثال الامر بقراءة هذه السورة كما يظهر ذلك من تمثيله بقائمة السرير ففيه ان هذا انما يقدح في حصول إطاعة
الامر بقراءة سورة الجحد لو كانت هذه السورة بهذا العنوان واقعة في حيز الطلب كما في فاتحة الكتاب واما إذا كان المأمور به قراءة سورة أعم من هذا أو ذاك
فلا يعتبر في صحة اجزاء المأمور به في مقام الإطاعة الا وقوعها بقصد جزئيتها لهذا العنوان الأعم واتيان الجزء المشترك بقصد ان يجعله جزء لاحد الفردين
لا يتعين عليه فعله ولا يوجب بطلان هذا الجزء عند اختياره الفرد الآخر كما لو كان مخيرا في ذكر الركوع أو السجود بين ان يقول سبحان ربي العظيم وبحمده أو ربي
الاعلى فاختار أحدهما وبدأ له في الأثناء العدول إلى الآخر أو كان مأمورا بان يصنع اما الباب أو السرير فنحت قائمة بقصد الباب ثم بدأ له اختيار السرير
فلا مقتضى لإعادته بعد فرض اتحاد مهية الجزء وتحققه بداعي الخروج عن عهدة هذا التكليف المنجز عليه ولو سلم لزوم اعادته في مثل الغرض فلا نسلمه فيما لو
اتى بالقدر المشترك بقصد ان يجعله جزء لما يختاره عند الامتياز كما لو كان مكلفا بالمشي اما إلى دار زيد أو عمرو واشتركا في نصف الطريق فمشى هذا النصف
عازما على اختيار أحد الفردين لدى الامتياز ودعوى انه لابد في أمثال الامر التخييري من اختيار أحد الفردين من حين الاخذ في الامتثال عرية عن
الشاهد بل الشواهد على خلافها واما الوجه الأول فيرد عليه ما اعترضه قدس سره على نفسه ودفعه بما لا يسلم عن الخدشة حيث قال بعد ان فرع على
الوجهين المزبورين ان مجرد قصد سورة غير معينة بالبسملة لا يوجب قابليتها لأن تضم إلى سورة معينة فتصير جزء منها ما لفظه بأدنى اختلاف في التعبير فان قلت
هذه البسملة التي قرأها بقصد سورة لا بعينها لا شك في أنه يصدق عليها القرآن فإذا صدق عليها القرآن فاما ان يصدق عليها انها بعض من سورة دون سورة
واما ان يصدق عليها انها بعض من كل سورة بمعنى انها قابلة لها إذ لو لم يصدق عليها انها بعض سورة أصلا لم يصدق عليها القرآن مع أنه صادق عليه قطعا
ولا يجوز ان يصدق عليها بعض من سورة دون أخرى فتعين كونها بعضا من كل سورة بمعنى قابليتها لذلك قلت كونه قرانا مسلم ويصدق عليها انها جزء
من كل سورة بمعنى انها قابلة لأن يقصد بها حين القراءة كل سورة لا ان هذه التي لم يقصد بها سورة قابلة لأن تصير بعد الضم جزء من كل سورة ولا تنافي بين
ان يصدق كلي على شئ كالقران على البسملة التي لم يقصد لسورة وان لا يصدق عليه انه جزء من هذه السورة ولا من ذاك ولا من تلك نظيره ما إذا طلب
المخاطب الاتيان برجل؟؟ شايع فإنه يصدق عليه انه طلب رجلا لكن لا يصدق عليه انه طلب زيدا ولا انه طلب عمروا ولا انه طلب بكرا وان كان كل من اتى
به حصل الامتثال لكن الكلام في تمثيل القراءة وتشبيهها بالطلب وانه لا يجب على ما يعرض للواحد المبهم ان يعرض لشئ من الآحاد الخاصة فانا نرى بالعصيان
ان من قصد بالبسملة مجرد القرآن لا يصدق عليه انه قرء بعض سورة التوحيد ولا بعض سورة كذ ولا بعض سورة العزيمة فكل حكم يترتب على سورة خاصة
وجزئها لا يترتب على قراءة هذه البسملة فإذا امر الشارع تخييرا بقراءة سورة من بين السور فلابد من أن يصدق حين القراءة انه مشغول بالسورة الفلانية
321

وهذا مسلوب عن هذا الشخص انتهى أقول بعد فرض صدق قراءة القرآن على هذه البسملة كما هو الحق وجب ان يكون المقرو من اجزاء القرآن ضرورة
عدم صدق قراءة القرآن على قراءة ما ليس من اجزائه فصحة سلب القراءة عن كل جزء جزء يناقض ثبوتها في الجملة فالذي يصح سلبه هو نفيه عن كل واحدة منها
بعنوانها المخصوص بها من جزئيتها لهذه السورة أم من ذيك واما بعنوان كونها بسملة من حيث هي فكل منها مصداق لها كما في مثال الطلب فان معنى انه
لم يطلب زيدا أو عمروا أو بكرا هو ان واحدا منها بخصوصه لم يتعلق به الطلب لا انه مغائر لما تعلق به الطلب وهو فرد ما من الرجل والا امتنع تحقق
الامتثال به بل كل منها مصداق للمطلوب ولكن خصوص شخصه غير مقصود بالطلب فهذا معنى انه لم يطلب زيدا والا فما يأتي به من المصاديق عين ما تعلق
به الطلب فان الكلي الطبيعي الذي هو متعلق الطلب عين مصاديقه الخارجية ففيما نحن فيه نقول إذا التفت اجمالا إلى وجود البسملة في القرآن أو قوله
تعالى فبأي آلاء ربكما تكذبان في سورة الرحمن فقرأها في صلاته بقصد تلك الآية التي تصورها على سبيل الاجمال صدق عليه انه قرء آية من القرآن أو من
سورة الرحمن ولكن المقرو هو طبيعة تلك الآية الصادقة على كل من مصاديقها فيصدق على كل منها انها هي الآية التي قرأها ولكن لا على وجه يميزها عما يشاركها
في المهية فيصح ان يجعلها جزء من اي سورة شاء بانضمام الباقي إليها لأنه بعد الانضمام يصدق انه قرء مجموع هذه الآيات التي هي تمام السورة اما جزئها الأول
الذي هو البسملة فقد قرأها على سبيل الابهام والاجمال وما عداها تفصيلا نعم لا يقع مثل هذه القراءة إطاعة للامر بقراءة هذه السورة لو كانت هي
بعينها متعلقة للطلب كما في فاتحة الكتاب لعدم وقوع جزئها الأول على الوجه الذي تعلق به الطلب اي بعنوان جزئيتها لهذه السورة واما إذا كان المأمور
به قراءة سورة على الاطلاق كما فيما نحن فيه فلا مانع عن صحتها بعد فرض كون هذا العنوان مقصودا له حال الامتيان ببسملتها فالأظهر عدم اعتبار قصد سورة
معينة ولكن لو عينها خرجت البسملة عن صلاحية الجزئية لما عداها فلو بدأ له العدول حينئذ فعليه إعادة البسملة بخلاف ما لو قرأها على جهة الابهام والاجمال
كما يظهر وجهه مما مر ثم انا لو اعتبرنا لتعيين يكفي في حصوله القصد الاجمالي الموجب لاختيار سورة خاصة في صلاته بمقتضى عادته فلا مناقضة بين ما حكى
عن الشهيد والمحقق الثاني وغيرهما من الفتوى بصحة الصلاة فيما لو جرى على لسانه بسملة مع سورة مستدلين بتحقق الامتثال وبين ما حكى عنهم من اعتبار التعيين
فان جرى المجموع على لسانه لا يكون الابداع واحد فلا يعقل ان يكون البسملة الجارية على لسانه غير بسملة تلك السورة حتى لو فرض كون منشائه مجرد تعويد
اللسان وحصول النطق بها لا عن قصد كما في النائم فان التعويد يؤثر في النطق بما تعود به وهو المجموع دون غيره فلا يشكل صحة صلاته في مثل هذا الفرض
أيضا من هذه الجهة بل من حيث اعتبار قصد الإطاعة في اجزاء الصلاة فلو لم يكن ذهوله منافيا لانبعاث ما جرى على لسانه عن عزم إطاعة الامر بالصلاة
كما هو المعتبر في سائر اجزائها لا يكون منافيا لصحتها كما ربما يؤمي إليه بعض الأخبار الآتية في مسألة العدول الثاني لا خلاف على الظاهر في أنه يجوز العدول
من سورة إلى أخرى في الجملة وفي الحدائق قال المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم جواز العدول من
سورة إلى أخرى ما لم يبلغ نصفها أو يتجاوز نصفها
على الخلاف في ذلك وانه يحرم بعد بلوغ الحد المذكور الا في سورتين التوحيد والجحد فإنه يحرم العدول عنهما بمجرد الشروع فيهما أو يكره على الخلاف الا
إلى الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة فإنه يعدل منهما إلى السورتين المذكورتين ما لم يبلغ النصف أو يتجاوزه على الأشهر انتهى والأصل في هذا الحكم اخبار
كثيرة منها صحيحة عمرو بن أبي نصر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يقوم في الصلاة يريد ان يقرء سورة فيقرء قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون فقال يرجع
من كل سورة الا قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون وصحيحة الحلبي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل قرء في الغداة سورة قل هو الله أحد قال لا بأس و
ممن افتتح بسورة ثم بدأ له ان يرجع في سورة غيرها فلا بأس الا قل هو الله أحد لا يرجع منها إلى غيرها وكذلك قل يا أيها الكافرون وموثقة عبيد بن زرارة
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أراد ان يقرأ في سورة فاخذ في أخرى قال فليرجع إلى السورة الأولى الا ان يقرء بقل هو الله أحد وقلت رجل صلى الجمعة فأراد
ان يقرأ سورة الجمعة فقرء قل هو الله أحد قال يعود إلى سورة الجمعة وموثقته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا في الرجل يريد ان يقرء السورة فيقرأ غيرها
فقال له ان يرجع ما بينه وبين ان يقرء ثلثيها وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما في الرجل يريد ان يقرء سورة الجمعة في الجمعة فيقرء قل هو الله أحد قال
يرجع إلى سورة الجمعة وعن أحمد بن محمد في الصحيح نحوها وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد ان
تقرء غيرها فامض فيها ولا ترجع الا ان يكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى الجمعة والمنافقين وخبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى
عليه السلام قال سألته عن رجل أراد سورة فقرء غيرها هل يصلح له ان يقرء نصفها ثم يرجع إلى السورة التي أراد قال نعم ما لم يكن قل هو الله أحد وقل يا أيها
الكافرون وسألته عن القراءة في الجمعة بما يقرء قال بسورة الجمعة وإذا جائك المنافقون وان اخذت في غيرهما وان كان قل هو الله أحد فاقطعها من
أولها وارجع اليهما وعن علي بن جعفر في كتاب المسائل نحوه الا أنه قال فيما سئله أولا هل يصلح له بعد ان يقرء نصفها ان يرجع الحديث وعن الشهيد في
الذكرى نقلا من كتاب نوادر البزنطي عن أبي العباس في الرجل يريد ان يقرء السورة فيقرء في أخرى قال يرجع إلى التي يريد وان بلغ النصف هكذا نقله في
الحدائق عن الذكرى ولكن نقل عن البحار انه نقل عن الذكرى ان فيها عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل إلى اخره وعن كتاب دعائم السلام قال
وروينا عن جعفر بن محمد أنه قال من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثم رأى أن يتركها ويأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأخرى الا ان
يكون بدء بقل هو الله أحد فان لا يقطعها وكذلك سورة الجمعة أو سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما وان بدء بقل هو الله أحد قطعها ورجع
322

إلى سورة الجمعة أو سورة المنافقين في صلاة الجمعة تجزيه خاصة وعن الفقه الرضوي قال وقال العالم لا تجمع بين السورتين في الفريضة وسئل عن
رجل يقرء في المكتوبة (نصف السورة) ثم ينسى فيأخذ في الأخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل ان يركع قال لا بأس به وتقرء في صلواتك كلها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة
الجمعة والمنافقين وسبح اسم ربك الاعلى وان نسيتها أو واحدة منها فلا إعادة عليك فان ذكرتها من قبل ان تقرء نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة
وان لم تذكرها الا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك أقول ظاهر قوله ثم ينسى فيأخذ في الأخرى ان الاخذ في الأخرى وقع نسيانا
ولم يتفطن حتى فرغ منها الا انه نسي ما قرأه أولا فشرع في الأخرى عمدا لغفلة عما قرء والغالب في الاخذ نسيانا هو الاخذ من الأثناء عند تشابه كلماتهما فعلى
تقدير إرادة مثل هذا الفرض كما هو الظاهر يكون أجنبيا عما نحن فيه ويكون مؤيدات الروايات الواردة في جواز التبعيض ونحوه صحيحة عبيد الله بن علي
الحلبي وأبي الصباح الكناني وأبى بصير كلهم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يقرء في المكتوبة نصف سورة ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر
قبل ان يرجع قال يركع ولا يضره واظهر منهما دلالة على إرادة هذا المعنى خبر علي بن جعفر المروي عن كتاب المسائل عن أخيه عليه السلام قال سألته عن الرجل
يفتتح السورة فيقرء بعضها ثم يخطي فيأخذ في غيرها حتى يختمها ثم يعلم أنه قد أخطأ هل له ان يرجع في الذي فتح وان كان قد ركع وسجد قال إن كان لم يركع فليرجع
ان أحب وان ركع فليمض فالاستشهاد بمثل هذه الروايات لما نحن فيه كما في الحدائق وغيره حيث عدوها من اخبار والباب لا يخلو عن نظر وكيف كان فقضية الجمع
بين اخبار الباب تقييد اطلاق الأخبار الدالة بظاهرها على جواز العدول مطلقا بقوله عليه السلام في موثقة عبيد بن زرارة له ان يرجع ما بينه وبين ان يقرء
ثلثيها فان ظاهرها انه ليس له العدول بعد قراءة الثلثين كما أن صريحها ان له العدول قبل بلوغ الثلثين وان تجاوز النصف وليس في شئ من الاخبار المزبورة
ما ينافي ذلك عدى قوله عليه السلام فيما رواه في الذكرى عن نوادر البزنطي يرجع إلى التي يريد وان بلغ النصف فان التعبير بان الوصلية مشعر بكون بلوغ النصف
هو الفرد الخفي الذي ينتهي عنده جواز الرجوع ومفهوم قوله عليه السلام في الخبر المروي عن كتاب دعائم الاسلام فله ذلك ما لم يؤخذ في نصف السورة الأخرى
وقوله في الرضوي وان لم تذكرها الا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك وشئ مما ذكر لا يصلح لمعارضة الموثقة فإنها بعد الغض عن أسانيدها
يقصر عن مكافئة الموثقة من حيث الدلالة أيضا اما الأول فواضح فان غاية الاشعار لا الدلالة فيحتمل أن تكون النكتة في هذا التعبير عدم حصول الداعي
للعدول ورفع اليد عما قرء غالبا الا قبل بلوغ النصف واما الرضوي فغاية الظهور في وجوب المضي بعد قراءة النصف فهو لا يعارض النص مع امكان
منع الظهور أيضا لورود الامر بالمضي عقيب الامر بالرجوع الذي هو بمعنى النهي عن المضي فلا يظهر منه أزيد من الرخصة كما لا يخفى واما خبر الدعائم فلا
يخلو لفظه عن تشويش فان عبارته المحكية في نسخة الحدائق والجواهر الموجودتين عندي في نصف السورة الأخرى بالتأنيث فعلى هذا ليس نصا بل ولا ظاهرا
في إرادة النصف الآخر من السورة التي بدء بقرائتها بل ظاهره إرادة السورة التي يريد العدول إليها فكان المراد به ان له ذلك ما لم يأخذ من وسط السورة
التي يعدل إليها بل من ابتدائها حتى يقرء سورة كاملة نعم في نسخة المستند روى بلفظ الاخر بدل الأخرى ولكن لا وثوق بصحتها وكيف كان فلا ينهض
شئ مما ذكر دليلا لطرح الموثقة فمن هنا قد يقوي في النظر صحة ما حكى عن كاشف الغطاء من القول ببقاء التخيير إلى الثلثين تمسكا بهذه الموثقة مع موافقته
لأصالة بقاء التخيير التي قررناها في مسألة التخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين الا انه قد يشكل ذلك بما ادعاه غير واحد من الاجماع على عدم جواز العدول
بعد تجاوز النصف كما ربما يؤيده عدم نقل الخلاف فيه عن أحد سواه نعم في الحدائق قوى جواز العدول مطلقا اخذا باطلاق أغلب الاخبار وأصالة
بقاء التخيير ولكنه ليس بشئ لوجوب رفع اليد عن الأصل والاطلاقات بالخبر المقيد وهو الموثقة المزبورة لو لم تكن مخالفة للاجماع والا فبالاجماع فالقول
بعدم جواز الرجوع بعد تجاوز النصف كما هو مظنة الاجماع ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط وما عن غير واحد من تحديده بما إذا لم يبلغ النصف كما
عن الحلي وغيره ضعيف فإنه مع مخالفته للأصل واطلاقات الأدلة السليمة عن المقيد فيما لم يتجاوز النصف مخالف لصريح بعض الأخبار المتقدمة كقول
عليه السلام في خبر البزنطي وان بلغ النصف والخدشة في دلالته على جواز العدول عند بلوغ النصف فيما هو محل الكلام بدعوى ان موردها ما لو كان قاصدا
لقرائة سورة فقرء غيرها لا عن قصد فلا اعتداد بهذه القراءة أصلا بل عليه بعد الالتفات والتنبيه ولو بعد الفراغ منها اما اعادتها أو قراءة سورة غيرها فهي
أجنبية عما نحن فيه مدفوعة بان جل الأخبار الواردة في الباب لولا كلها انما وردت في مثل ما وقع عنه السؤال في هذه الرواية مع أن صريح جملة منها عدم
العدول والمضي في صلاته ان كان ما جرى أولا على لسانه سورة الجحد والتوحيد بل وكذا هذه الرواية ظاهرها في لرجوع بعد بلوغ النصف فهذا كله
ينافي الكلام المزبور فليس المراد بقوله فقرء غيرها انه جرى ألفاظ تلك السورة على لسانه بلا شعور أصلا على وجه عد ككلام النائم والغافل بحيث ينافي
صحته وجزئيته للعبادة بل المقصود بقوله أراد ان يقرء السورة فيقرء غيرها أو غير ذلك من العبائر الواردة بهذا المضمون في سائر الأخبار انه كان مريدا قبل الوصول
إلى محل السورة ان يقرء في هذه الركعة مثلا السورة الفلانية فعند وصوله إلى محلها غفل عن ذلك فاخذ في سورة أخرى بمقتضى قصده الاجمالي المغروس في نفسه
الباعث له عن الاتيان باجزاء الصلاة تدريجا على حسب مغروسيتها في نفسه على سبيل الاجمال الا انه يصدر منه قرائتها بلا شعور أصلا على وجه ينافي جزئيتها
للعبادة نعم وقع في ذيل عبارة الرضوي التحديد بأقل من النصف ولكن لا حجية فيه كما تقدمت الإشارة إليه مع امكان ارجاعه إلى الأول جمعا بين الأدلة
كما لا يخفى وهل يعتبر في جواز العدول عن الجحد والتوحيد إلى الجمعة والمنافقين أيضا التحديد بعدم تجاوز النصف كما حكى عن بعض بل ربما نسب إلى المشهور بل ربما
323

يقتضيه فحوى اطلاق حكمهم في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية بعدم جواز العدول عما عداها بعد تجاوز النصف إلى سورة أخرى الشامل باطلاقه
العدول إلى الجمعة والمنافقين أم لا يعتبر فيهما ذلك بل يجوز العدول عنهما إلى السورتين مطلقا كما هو صريح آخرين وجهان أوجههما الثاني لاطلاقات
أدلته السليمة عما يصلح لتقييدها والفحوى غير قطعية فلا اعتداد بها في الاحكام التعبدية مع ما في أصلها من النظر إذ لم يعلم إرادة المجمعين من اطلاق كلماتهم
عموم المنع حتى بالنسبة إلى الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة ودعوى ظهور كلماتهم في ذلك بمقتضى الاطلاق وهو حجة بعد الغض عن امكان دعوى انصرافها
عن مثل الفرض لدى الالتفات إلى ما فيه من الخصوصية غير مجدية إذ المدار في حجية الاجماع على استكشاف رأي المعصوم من آراء المجمعين وهو موقوف على العلم
برأيهم لا التعبد بظواهر ألفاظهم نعم لو قلنا بحجية الاجماع المنقول وكونه كمتون الاخبار اتجه التمسك باطلاقه ولكن المبني فاسد فالأشبه جواز العدول
من سائر السور أيضا إلى الجمعة والمنافقين مطلقا ما دام بقاء محله اي قبل الفراغ من السورة التي ابتدء بها ولكنه لا يخلو عن تردد خصوصا بعد الالتفات إلى وقوع
التصريح بالمنع عنه في الرضوي ثم إن المراد بجواز العدول اليهما من الجحد والتوحيد وكذا من غيرهما أيضا بعد تجاوز النصف ان جوزناه انما هو العدول اليهما
على حسب معهوديتهما في الشريعة بان اتى بأوليهما في الركعة الأولى وبالثانية في الثانية لأن هذا هو الذي ينسبق إلى الذهن من اطلاق النصوص والفتاوي وهل يختص
الحكم بالجمعة أم يعم الظهر من يومها أو مع العصر أيضا أم مطلق صلاة يوم الجمعة حتى الصبح وجوه بل ما عدى الأخير منها أقوال واما الأخير فهو احتمال ابداه في
الجواهر معترفا بعدم وجدان قائل به اما الأول فقد قواه في الحدائق لزعمه ان الجمعة هو مورد أغلب النصوص الواردة في جواز العدول وما في بعضها من
الاطلاق كقوله عليه السلام في صحيحة الحلبي الا ان يكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى الجمعة والمنافقين يجب حمله على صلاة الجمعة كما صرحت به بقية اخبار المسألة
حملا للمطلق على المقيد ثم قال ويعضد ذلك الروايات الدالة على تحريم العدول عن هاتين السورتين اي التوحيد والجحد مطلاقا فيجب الاقتصار في التخصيص على
القدر المتيقن من مورد النص وهو صلاة الجمعة خاصة انتهى وفيه انه لا داعي لهذا التقييد إذ لا تنافي بين المطلق والمقيد اللهم الا ان يقال إن الامر
دائر بين تقييد المطلق أو تخصيص العام زائدا على القدر التي وقع التصريح به في سائر الأخبار اي الجمعة ويدفعه ان اطلاق الخاص مقدم على اصالة
العموم فلا دوران نعم لا يبعد دعوى انصرافها إلى الجمعة ولكن لا إلى خصوصها بل أعم منها ومن الظهر في مقابل صلاة الصبح والعصر بل لا يبعد ان يدعى
ان الظهر هي القدر المتيقن من موردها إذ الظاهر أنه لم يكن الحلبي ولا غيره من أصحاب (الأئمة بل ولا) الأئمة عليهم السلام كانوا يؤمون الناس في صلاة الجمعة كي يحسن ان يوجه إليه
الخطاب بقوله إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله الحديث بل الظاهر أن هذا هو المراد بالجمعة الواردة في سائر اخبار الباب لما أشرنا إليه من عدم ابتلاء أصحاب
الأئمة عليهم السلام بامامة الجمعة التي وظيفته قراءة السورتين نعم كان الغالب ابتلائهم بالايتمام فيها بالفاسق فكان عليهم حينئذ القراءة ولو مثل حديث
النفس ولكن لم يكن صلاتهم حينئذ جمعة بل عليهم اتمامها ظهرا هذا مع أن الشايع في الاخبار وكلمات أصحابهم انما هو اطلاق الجمعة على صلاة الظهر من يومها
أعم من كونه جمعة أو ظهرا على وجه يشكل دعوى انصرافها إلى خصوص الأول الا بالقرائن كما لا يخفى على من لاحظ الاخبار والاسئولة الواقعة فيها بل قد يظهر
منها انه لا مغائرة بينهما ذاتا وانما هي باختلاف أحوال المصلي فان صلاها جماعة مع اجتماع شرائطها من الحضور والجماعة وسبق الخطبتين وغير ذلك مما ذكر في محله
يصليها ركعتين والا فأربعا ومن هنا يظهر انه لا يصح الاستشهاد للقول المزبور بما في خبر الدعائم منت
تخصيصه بالجمعة لقوة احتمال ان يكون المراد بالجمعة المعنى
الأعم الشامل للظهر فلا يصلح قرينة لصرف الصحيحة المتقدمة عن ظاهرها بالنسبة إلى صلاة الظهر مع ما فيه من ضعف السند فالأقوى جواز العدول عنهما إلى الجمعة
والمنافقين في الظهر أيضا كما هو المشهور لاطلاق الصحيحة مع امكان دعوى استفادته من سائر الأخبار أيضا بالتقريب المزبور واما في العصر كما حكى القول به عن
جامع المقاصد وغيره فلا يخلو عن تأمل لما أشرنا إليه من امكان دعوى انصراف الصحيحة عما كما هو الشان بالنسبة إلى صلاة الصبح أيضا فيشكل تحكيم اطلاقها بالنسبة إلى
هاتين الصلاتين اللتين يمكن دعوى انصرافه عنهما خصوصا بالنسبة إلى الصبح على عموم الروايات الدالة على تحريم العدول عن السورتين فليتأمل وحكى عن الجعفي انه
جعل محل العدول وعلى استحباب السورتين إلى عن السورتين الجمعة وصبح يومها وعشاء ليلتها فكأنه جعل المدار في جواز العدول على استحباب السورتين وهو يرى استحبابهما
في هذه الصلوات على ما نقل عنه وكيف كان فهو ضعيف إذ ليس المدار على محض استحبابهما بالخصوص والا لجاز العدول إلى سائر السور التي ثبت استحبابها
بالخصوص في صلوات سائر الأيام وهو كما ترى ثم إن ظاهر النصوص والفتاوي الناهية عن العدول عن سورة الجحد والتوحيد فيما عدى ما استثنى الحرمة
ووجوب المضي فيهما بمجرد الشروع فما عن المصنف رحمه الله في المعتبر من القول بكراهته ضعيف وهل يحرم العدول عن الجمعة والمنافقين إلى غيرهما في الصلاة التي
يجوز العدول فيها اليهما عن التوحيد والجحد فيه تردد من كونهما أولى بهذا الحكم من السورتين اللتين جاز العدول عنهما اليهما ووقوع التصريح بالمنع عن
العدول عنهما في خبر الدعائم ومن عدم كون الأولوية قطعية والخبر جامعا لشرائط الحجية والله العالم ثم إن حكى عن المحقق الثاني وبعض من تأخر عنه القول
باختصاص جواز العدول عن الجحد والتوحيد بالناسي فكأنه أراد بالناسي من كان مريدا لقرائة الجمعة والمنافقين فينسهما واخذ في التوحيد أو الجحد و
يحتمل ان يكون مراده مطلق غير الملتفت في مقابل العامد ومستنده الاقتصار في رفع اليد عن عموم الأخبار الناهية عن العدول من السورتين على مورد النصوص
المخصصة له وهو الناسي وفيه ان النواهي قد خصصت بهذا الفرد اي العدول عنهما إلى الجمعة والمنافقين في صلاة يوم الجمعة وكونه ملتفتا حال الشروع
فيهما أو غير ملتفت ككونه مسبوقا بإرادة قراءة الجمعة والمنافقين كما هو مورد أغلب النصوص وعدمه من أحوال الفرد فلا يعمه حكم العام بعد ورود التخصيص عليه
324

فيرجع في حكم العامد إلى ما يقتضيه الأصل وهو الجواز كما تقدمت الإشارة إليه غير مرة لا يقال إن مفاد الأخبار الناهية هو المنع عن العدول مطلقا فثبوت الرخصة
في صلاة الجمعة مع النسيان لا يوجب الا تقييد اطلاقه بالنسبة إلى هذا الفرد لا اخراجه بنفسه عن مورد الحكم لأنا نقول اما ما عدى صحيحة الحلبي فحالها حال الاخبار
المخصصة التي ادعى انصرافها إلى الناسي لورودها فيمن أراد ان يقرء سورة فبدء بقل هو الله أحد فاستفادة المنع عنه في العامد من مثل هذه الأخبار انما هو بالفحوى
فيمتنع دلالتها عليه فيما ثبت جوازه مع النسيان ضرورة عدم بقاء الدلالة التبعية بعد انتفاء أصلها واما صحيحة الحلبي فليس للجملة المستثناة الواقعة فيها ظهور
في الاطلاق الأحوالي لورود اطلاقها مورد حكم اخر ولو سلم ظهورها في شمول حالتي العمد والسهو فليس ذلك مسببا عن أن لها عموم أو اطلاق أحوالي
مغائر لعموم النهي عنه في كل صلاة كي يمكن ارتكاب التصرف في الأول بتقييد أو تخصيص مع ابقاء هذا العموم بحاله بل من حيث ظهورها في تعلق النهي بمهية
العدول من السورتين من حيث هي في مطلق صلاته فإذا ثبت جوازه في صلاة الجمعة في الجملة علم أن هذه الصلاة غير مرادة من الصلاة التي نهى عن العدول فيها
على الاطلاق فهي خارجة عن الموضوع الذي حكمه حرمة مطلق العدول فيه نعم لو كان للكلام ظهور في الاطلاق الا من هذه الجهة اي تعليق الحكم على
الطبيعة المرسلة بل من جهة نفس الحكم اي الحرمة من حيث هي لاتجه ما ذكر والحاصل انه فرق بين ما لو قال يحرم مطلق التكلم اي طبيعة الكلام مع كل من هذه الجماعة
أو قال يحرم التكلم مع كل منهم مطلقا فان ثبوت الرخصة في بعض منه يوجب خروجه عن العموم في الأول دون الثاني وما نحن فيه من قبيل الأول كما لا يخفى
هذا مع أن الانصراف المزبور انما هو في الأخبار الواردة فيمن أراد ان يقرء الجمعة فقرء قل هو الله أحد حيث إن المنساق إلى الذهن إرادة انه قرأها ناسيا عما اراده
أولا دون خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد وكتاب المسائل فإنه باطلاقه يعم لحالتي السهو والعمد نعم لا يبعد ان يدعى انسباق الناسي إلى الذهن
من هذه الرواية أيضا ولكن انسباقه بدوي يدفعه ظهور الخبر في كون مناط الحكم اي الامر بقطع السورة التي اخذ فيها والرجوع إلى الجمعة والمنافقين هو ما ذكر
في صدر الخبر من أنه يقرء في الجمعة بالجمعة والمنافقين بل لو كان في العبارة التصريح بالاخذ في غيرهما نسيانا لقضت المناسبة المزبورة بان القيد جار مجرى
العادة لا مدخلية له في سببية للحكم كما لا يخفى وخبر الدعائم أيضا بظاهره يعم الحالتين فالقول باختصاصه بالناسي ضعيف تنبيه متى عدل عن سورة
وجب عليه إعادة البسملة أيضا لما عرفت فيما سبق من أن البسملة التي قصد بها سورة لا تصح وقوعها جزء من أخرى والله العالم
الخامس من افعال
الصلاة الركوع وهو لغة الانحناء فعن القاموس ركع الشيخ انحنى كبرا أو كب على وجهه وافتقر بعد غنى وانحطت حاله وكل شئ يخفض رأسه فهو راكع و
في مجمع البحرين ركع الشيخ اي انحنى وفي الشرع انحناء مخصوص والراكع فاعل الركوع أقول استعماله في الشرع في المعنى المخصوص بحسب الظاهر من باب
اطلاق الكلي على الفرد بمعنى ان الشارع لم يستعمل الركوع الا في مفهومه العرفي وهو الانحناء ولكنه اعتبر في حق القادر بلوغه إلى حد خاص وفي حق المرأة
أقل من ذلك على قول وفي حق العاجز الأقرب إليه فالأقرب كما ستعرف لا انه جعله اسما لمرتبة خاصة كي يلزمه الاشتراك على تقدير اختلافه في الأصناف
وكيف كان فالمراد بالانحناء المأخوذ في مفهومه عرفا وشرعا هو الانحناء على النحو المتعارف فلو انحنى لا بهذا النحو بل بأن قوس بطنه وصدره على ظهره أو على
أحد جانبيه مثلا لا يسمى ركوعا كما أن المراد به هو الانحناء الحاصل عن اعتدال قيامي أو جلوسي كما هو منصرف لفظ الانحناء أو مناط صدقه فلو نهض الساجد
أو الجالس بهيئة الركوع إلى أن بلغ حده لا يقال إنه ركع لأنه اعتبر في مفهومه الانحطاط والخفض كما لا يخفى على من لاحظ موارد استعمالاته الحقيقية والمجازية
في العرف والشرع ويتفرع على هذا جملة من الاحكام التي سيأتي التعرض لها في محلها إن شاء الله وهو
واجب بالضرورة من الدين في كل ركعة بل هو
من مقومات صدق الركعة فلا تكون الركعة ركعة الا به أو ببدله مرة واحدة الا في صلاة الكسوف والآيات فإنه يجب في كل ركعة منها خمس ركوعات
كما ستعرف تفصيلها إن شاء الله وهو ركن في الصلاة تبطل بالانحلال به عمدا وسهوا على تفصيل سيأتي ذكره في احكام الخلل إن شاء الله والواجب فيه اما
شرعا أو لتوقف مفهومه عليه خمسة أشياء الأول ان ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه اما أصل الانحناء فهو من مقومات مفهوم الركوع عرفا
وشرعا كما عرفت واما تحديده بهذا الحد فهو اجمالا مما لا خلاف فيه على الظاهر بل عن جملة من الأصحاب دعوى الاجماع عليه الا ان كلماتهم في فتاويهم
ومعاقد اجماعاتهم المحكية لا تخلو عن نوع اختلاف فعن جملة منهم التعبير بنحو ما وقع في عبارة المتن من اعتبار الانحناء بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه
منهم الشهيد في الذكرى مدعيا عليه الاجماع والعلامة في القواعد والتحرير والمنتهى ناسيا هذا القول إلى أهل العلم كافة الا أبا حنيفة فإنه أوجب مطلق
الانحناء وحكى عن غير واحد منهم المصنف في المعتبر انهم قالوا الواجب فيه الانحناء قدرا تصل معه كفاه ركبتيه وعن المعتبر انه بعد التحديد المزبور
قال اما التحديد المذكور فهو قول العلماء كافة الا أبا حنيفة وعن العلامة في عدة من كتبه أنه قال يجب فيه الانحناء إلى أن تبلغ راحتاه ركبتيه مدعيا
في بعضها الاجماع عليه الا من أبي حنيفة واستظهر غير واحد من التحديد الذي وقع في المتن القول بكفاية مسمى وضع اليد ولو برؤس الأصابع
وفيه نظر إذ لا يبعد ان يدعى انصرافه إلى الراحلة ولا أقل من إرادة مقدار معتد به من اليد لا جزء منها من رؤس الأصابع بل المتبادر من التحديد الثاني
أيضا ليس الا ذلك فالذي يغلب على الظن ان الاختلاف انما هو في مجرد التعبير كما يفصح عن ذلك ما ادعوه من الاجماع على كل منها وجعلوا الخلاف
منحصرا في أبي حنيفة فان من المستبعد ادعائه على تقدير اختلاف ما أرادوه من العبائر المختلفة خصوصا مع صدورها من شخص واحد فالظاهر أن مراد
الجميع هو بلوغ الراحتين إلى الركبتين وقد تصدى بعض متأخري المتأخرين لايراد جملة من الشواهد من كلماتهم لاثبات ما ذكر ولا يهمنا الإطالة
325

في ايضاحها فان غاية ما يمكن ادعائه حصول الظن باتحاد المراد من معاقد الاجماعات المحكية وان معقدها بلوغ الراحتين وهو لا يجدي في تحصيل الاجماع
والتعويل عليه خصوصا بعد الالتفات إلى تصريح بعض المتأخرين بكفاية وصول رؤس الأصابع بل عن المحدث المجلسي في البحار انه مذهب الأكثر ولكن لا
يبعد ان يكون منشأ هذه النسبة استظهاره من عبائر من عبر بوضع اليدين على الركبتين وهو لا يخلو عن تأمل كما تقدمت الإشارة إليه وكيف كان فقد استدل
بعض من صرح باعتبار وبلوغ الراحتين وعدم كفاية ما دونه بالاجماعات المنقولة المستفيضة بعد ارجاع بعضها إلى بعض بشهادة بعض القرائن التي
تقدمت الإشارة إليها وفيه ما عرفت واستدل له أيضا بعض الأخبار الآتية بدعوى ظهورها في ذلك وستعرف ما فيه واستدل القائلون بوجوب
ان ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه أو كفيه أو بلوغ راحتيه إلى ركبتيه على اختلاف تعابيرهم التي قد أشرنا إلى أن الغالب على الظن إرادة الجميع التحديد ببلوغ الراحتين
كما جزم بذلك بعض من تقدمت الإشارة إليه بما رواه الجمهور عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك وبما روى أنه كان يمسك
راحتيه على ركبتيه كالقابض عليهما وبقاعة الاشتغال وتوقيفية العبادة وان النبي صلى الله عليه وآله يركع كذلك فيجب التأسي به بما في الصحيح الحاكي
لفعل الصادق عليه السلام تعليما لحماد ثم ركع وملا كفيه من ركبتيه إلى أن قال عليه السلام يا حماد كذا صل وبصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال إذا أردت
ان تركع فقل وأنت منتصب الله أكبر ثم اركع وقل اللهم لك ركعت إلى أن قال وتصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر وتمكن راحتيك من
ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى وبلغ بأطراف أصابعك عين الركبة الحديث وبصحيحته الأخرى أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال
إذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى وبلغ بأطراف
أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك اجزءك ذلك وأحب إلي ان تمكن
كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينهما والخبر المروي عن المعتبر والمنتهى عن معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم والحلبي قالوا بلغ بأطراف
أصابعك عين الركبة فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك اجزءك ذلك وأحب إلي ان تمكن كفيك من ركبتيك وفي الجميع نظر اما النبوي فبعد
الغض عن سنده ان ظاهره وجوب وضع الكفين على الركبتين فعلا لا تقديرا فان أمكن الالتزام بهذا الظاهر صح الاستدلال عليه بوجوب هذا المقدار من
الانحناء في الركوع من حيث دلالته عليه بالالتزام ولكنك ستسمع عن غير واحد دعوى الاجماع على عدم اعتبار وضع الكفين على الركبتين في الركوع
وانه مستحب فحينئذ ليس حمل قوله صلى الله عليه وآله ضع كفيك على ركبتيك على إرادة الانحناء بمقدار يمكنه ذلك أولى من حمله على الاستحباب بل هذا أولى ومن هنا يظهر
أيضا ضعف الاستشهاد له بالمرسل الآخر وبصحيحة حماد الحاكية لفعله عليه السلام فإنه وان أمكن ان يقال بصحة الاستدلال بمثل هذه الأخبار الحاكية لفعلهم
عليهم السلام للوجوب بضميمة ما دل على وجوب التأسي بهم في الصلاة وخصوص قوله عليهم السلام في ذيل الصحيحة هكذا صل وان لا يخلو عن تأمل ولكنه بعد ثبوت استحباب هذه
الكيفية لا يبقى للفعل دلالة على أن الانحناء البالغ إلى هذا الحد من حيث هو لا من حيث توقف هذا الفعل المستحب عليه كان متعلقا للغرض حتى يمكن استفادة
وجوبه من حيث هو من هذا الخبر وهكذا الكلام في سائر الروايات فان تمكين الراحتين الذي تعلق به الامر في تلك الروايات ليس الا على سبيل الاستحباب كما يشهد
به سوق تلك الأخبار ويدل عليه صريحا ما في ذيل الخبرين الأخيرين فلا يمكن استفادة وجوب الانحناء البالغ إلى الحد الذي يتمكن معه من فعل هذا المستحب من تلك
الروايات كما هو واضح واضعف منها الاستدلال بقاعدة الشغل وتوقيفية العبادة لما أشرنا إليه مرارا من أن المرجع في موارد الشك البراءة لا الاحتياط
واستدل للقول بوصول أطراف الأصابع بقوله عليه السلام في ذيل الخبرين الأخيرين فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك
وأجيب عنه بمخالفة ظاهره للاجماع فلا يعول عليه وفيه ما عرفت وأجيب أيضا بان ظاهر الخبر وصول أطراف مجموع الأصابع حتى الابهام
ويلزمه عادة الانحناء الذي يتمكن معه من ايصال الجزء الأول من الراحتين المتصل بأصول الأصابع إلى الركبتين وان لم يتمكن من وضع المجموع عليهما فهذا
الخبر لا ينافي الا القول بوجوب وصوله إلى حد يمكنه تمكين الراحتين منهما وهو ضعيف محجوج بالنص دون القول ببلوغهما الصادق بوصول أول جزء منهما
إلى أول جزء من الركبتين كما لعله المشهور وفيه ان إرادة مجموع الأصابع حتى الابهام خلاف ما ينصرف إلى الذهن من هذا التعبير نعم يمكن ان يناقش في
أصل الاستدلال بامكان ان يكون المراد بقوله فان وصلت أطراف أصابعك الخ كون وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين مجزيا عن تمكين الكفين ووضعهما
على الركبتين حال الركوع الذي وقع التصريح باستحبابه في الروايتين فلا دخل له بتحديد مقدار الانحناء ولا منافاة بينه وبين ان يكون الانحناء المعتبر
في الركوع أزيد مما يتمكن معه من ايصال أطراف الأصابع الا ان يدعى ان المنساق إلى الذهن إرادة ان ذلك يجزيك في ركوعك لا في الخروج عن عهدة
التكليف بوضع اليدين حاله فالمتبادر منه إرادة تحديد مقدار الانحناء المعتبر في الركوع لا كيفية وضع اليدين المطلوب حاله وهو لا يخلو عن تأمل فالانصاف
ان استفادة حد الركوع من الاخبار المزبورة محل تأمل نعم يمكن استفادة حد الركوع وان العبرة بان ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه من موثقة
عمار الواردة في ناسي القنوت عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر قال ليس عليه شئ وقال وان ذكره وقد اهوى إلى الركوع قبل ان
يضع يديه على الركبتين فيرجع قائما وليقنت ثم يركع وان وضع يده على الركبتين فليمض في صلاته إذ المقصود بهذه الرواية بيان انه يرجع ما لم يدخل في الركوع
ومتى دخل في الركوع يمضي ولا يرجع فهذه الموثقة بمنزلة الشرح لموثقته الأخرى أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إن نسي الرجل القنوت في شئ من الصلاة
326

حتى يركع فقد جازت صلاته وليس عليه شئ وليس له ان يدعه متعمدا والمتبادر من قوله عليه السلام قبل ان يضع يده الخ إرادة وضع اليدين على الركبتين على النحو المتعارف
المعهود في الصلاة وهو لا ينفك غالبا عن بلوغ الراحتين فتدل الرواية بالالتزام على عدم تحقق الركوع ما لم ينحن بهذا المقدار فالقول باعتباره كما لعله المشهور أقوى
ثم إن مقتضى قاعدة المشاركة المعتضدة باطلاق كلمات كثير من الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية بل قضية جعلهم الحد الذي ذكروه حد المهية الركوع
من حيث هي في لفرق بين ركوع الرجل والمرأة في توقفه على الانحناء بالقدر المذكور كما عن بعضهم التصريح بذلك خلافا لصريح غير واحد من المتأخرين من أنه لا يعتبر
في ركوعها هذا المقدار من الانحناء بل أقل من ذلك لصحيحة زرارة المروية عن الكافي قال إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرج بينهما وتضم يديها
إلى صدرها لمكان ثدييها فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها فإذا جلست فعلى إليها ليس كما يقعد الرجل وإذا سقطت
للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض وإذا نهضت انسلت انسلالا لا
ترفع عجيزتها أولا والمناقشة فها بأنها مقطوعة فيحتمل كونها من كلام زرارة مما لا ينبغي الالتفات إليها فان صدور مثل هذه الأحكام لا يكون من مثل زرارة الا
حكاية عنهم عليهم السلام مع أنه قد يستظهر من الكافي انه مروري عن أبي جعفر عليه السلام فإنه على ما حكى عنه روى قبل ذلك حديثا مشتملا على افعال الصلاة الواجبة والمستحبة
بأسانيد متعددة عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ثم قال وبهذه الأسانيد عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال إذا قامت المرأة الخ
فان ضمير قال بحسب الظاهر يرجع إلى أبي جعفر مع أنه رواها في الوسائل عن العلل مسندة إلى أبي جعفر عليه السلام فلا شبهة في جواز التعويل عليها ولكن قد يناقش في دلالتها
على المدعى بأنه لا منافاة بين استحباب وضع اليدين فوق الركبتين وكون الانحناء فيها مساويا لانحناء الرجل لا انها لا تطأطأ كثيرا بان تضع يديها على ركبتيها وتردهما
إلى خلف كما أنه يستحب للرجل لئلا يرتفع عجيزتها وفيه ان ظاهر قوله عليه السلام وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطأ كثيرا انها انما أمرت بوضع يديها
على فخذيها دون ركبتيها لأن يكون تطاطؤها أقل من التطاطؤ الذي يتوقف عليه وضع يديها على ركبتيها فيستفاد منها ان الراجح في حقها الاقتصار في تطأطؤها
على القدر الذي يتوقف عليه هذا الفعل لا أزيد من ذلك فالقول بان الانحناء المعتبر في حقها أقل مما هو معتبر في حق الرجال أوفق بظاهر النص الا ان الاحتياط
مما لا ينبغي تركه والله العالم تنبيه حكى عن غير واحد دعوى الاجماع على عدم وجوب وضع اليدين على الركبتين حال الركوع فان تحقق الاجماع عليه فهو والا
فربما يستشكل في ذلك نظرا إلى تعلق الامر به في جملة من الروايات المتقدمة وظاهره الوجوب اللهم الا ان يقال إن عمدة ما يظهر منه الوجوب قوله صلى الله عليه وآله في النبوي المرسل
ضع كفيك على ركبتيك وهذا مما لا تعويل عليه من حيث سنده واما ما عداه من الروايات فهي قاصرة عن إفادة الوجوب اما الاخبار الحاكية لفعلهم فواضح واما
غيرها مما ورد فيه الامر بتمكين الكفين أو الراحتين من الركبتين فسوقه يشهد بإرادة الاستحباب نعم ربما يستشعر من قوله عليه السلام في ذيل خبري زرارة فان
وصلت أطراف أصابعك في ركوعك الخ ان وضع اليدين في الجملة مما لابد منه وكون الامر بتمكين الكفين أو الراحتين من باب انه أفضل افراد الواجب ولكنك
عرفت فيما سبق قوه احتمال كون هذه الفقرة مسوقة لبيان حد الركوع لا بيان كون وصول أطراف الأصابع أقل ما يجزي من تمكين الكفين المأمور به في صدر الحديث
بل لا يبعد دعوى ظهورها في ذلك فتكون حينئذ أجنبية عن المدعى فليتأمل فان كانت يداه في الطول بحيث تبلغ ركبتيه من غير انحناء أو في القصر بحيث لا تبلغهما الا
بغاية الانحناء أو مقطوعتين أو كانت ركبتاه مرتفعتين أو منخفضتين أو نحو ذلك انحنى كما ينحني مستوى الخلقة على حسب النسبة بمعنى انه ينحني بمقدار لو كانت أعضائه
متناسبة لتمكن من وضع يديه على ركبتيه إذ التحديدات الشرعية الواردة في نظائر المقام منزلة على الافراد المتعارفة فيفهم حكم الافراد الغير المتعارفة منها بتنقيح
المناط كما في تحديد الوجه في باب الوضوء ونظائره وإذا لم يتمكن من تمام الانحناء لعارض اتى بما تمكن منه بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن المعتبر دعوى الاجماع
عليه لعموم قوله عليه السلام الميسور لا يسقط بالمعسور وما يقال من أن الاستدلال بهذه القاعدة لا يتم الا على تقدير كون الركوع مجموع الانحناء أو كون الانحناء واجبا في
الصلاة ووصوله إلى حد الركوع واجبا اخر والكل يمكن منعه إذ الذي يقوى في النظر انه مقدمة لتحصيل
الركوع كهوى السجود مدفوع بما بيناه مرارا من أن كونه كذلك
شرط في جواز التمسك بقوله عليه السلام إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم بناء على كون كلمة من للتبعيض كما هو الظاهر وكذا بقوله ما لا يدرك كله لا يترك كله واما
قاعدة الميسور فالمدار في جريانها على كون الشئ ذا مراتب بنظر العرف بحيث يعد المأتى به لدى العرف نحوا من انحاء وجودات تلك الطبيعة التي تعلق بها الطلب
ولو بنحو من المسامحة العرفية فما نحن فيه من اظهر مجاريها بل الظاهر كون الانحناء الغير البالغ إلى الحد المعتبر شرعا مصداقا حقيقيا للركوع العرفي من غير مسامحة
خصوصا بالنسبة إلى غير القادر من زيادة الانحناء فيمكن ان يستدل له أيضا باطلاقات أدلة الركوع مقتصرا في تقييدها بمرتبة خاصة من زيادة الانحناء
إلى أن يبلغ يداه ركبتيه بالنسبة إلى القادر لا مطلقا ودعوى ان الركوع شرعا اسم للانحناء المخصوص فلا يعم اطلاقه مثل الفرض محل نظر بل منع كما تقدمت
الإشارة إليه انفا ولكن مقتضى هذا الدليل الاكتفاء بمسماه عند تعذر المرتبة الحاصة الا ان يتمسك لتقييد اطلاقه بقاعدة الميسور فليتأمل هذا مع أن دعوى
كون هوى الركوع كهوى السجود مقدمة لتحصيله عرية عن الشاهد بل قضية تفسير الركوع بفعل الانحناء الظاهر في ارادته بمعناه الحدثي لا الهيئة الحاصلة منه
القائمة بالشخص أو المرتبة الخاصة من الانحناء اتي ينتهي عندها الهوى كونه من حين التلبس بفعل الانحناء اخذا في الركوع إلى أن يتحقق الفراغ منه الا ان صدق
عنوانه عليه مراعى عرفا بحصول مقدار معتد به من الانحناء وشرعا بلوغه إلى حد خاص وقياسه على هوى السجود الذي حقيقته وضع الجبهة على الأرض قياس
مع الفارق ودعوى ان المتبادر من الامر بالركوع هو الامر بايجاد هذه الهيئة من حيث هي ممنوعة بل المتبادر منه الامر بان ينحني إلى الحد المعتبر شرعا واما
327

ان المقصود بالأصالة هو خصوص الانحناء الحاصل عند انتهاء الهوى أو الهيئة الحاصلة به فلا يكاد يفهم من ذلك فما جزم به غير واحد من كون هوى الركوع
كهوى السجود من المقدمات منهم العلامة الطباطبائي في منظومته مفرعا على ذلك صحة الركوع فيما لو هوى لغير الركوع ثم نوى الركوع حيث قال ولو هوى
لغيره ثم نوى صح كذا السجود بعد ما هوى إذ الهوى فيهما مقدمة خارجة لغيرها ملتزمة كأنه جزم في غير محله مع أن ما فرعه عليه لا يخلو عن
مناقشة ولذا اعترض عليه شيخنا المرتضى رحمه الله مع تسليمه كون الهوى من المقدمات بأن الظاهر من الركوع هو الانحناء الخاص الحدوثي الذي لا يخاطب به الا
من لم يكن كذلك فلا يقال للمنحني انحن نعم لو كان المراد من الركوع مجرد الكون على تلك الهيئة بالمعنى الأعم من الحادث والباقي صح لكن الظاهر خلافه
فالهوى وان كان مقدمة الا ان ايجاد مجموعة لا بنية الركوع يوجب عدم تحقق الركوع المأمور به لأجل الصلاة انتهى فان عجز عن الانحناء أصلا اقتصر
على الايماء بالرأس ان تمكن والا فبالعينين تغميضا للركوع وفتحا للرفع منه كما تقدم شرح ذلك مفصلا في مبحث القيام فلا نطيل بالإعادة ولو كان
كالراكع خلقة أو لعارض من كبر أو مرض ونحوه وجب ان يزداد ركوعه يسير انحناء كما عن العلامة في جملة من كتبه والشهيدين والعليين وجملة ممن تأخر عنهم
ليكون فارقا بين قيامه وركوعه وقد أشرنا في مبحث القيام إلى أن قيام من كان بهيئة الراكع ليس الا استقامته بحسب حاله فيجب عليه حال القراءة وكذا قبل
الركوع وقوفه بهذه الهيئة ان لم يتمكن من الاتيان بمرتبة فوقها والا فيأتي بما هو الأقرب إلى الاعتدال فالأقرب مما يسعه اما لكونه قياما حقيقيا بالإضافة
إليه أو ميسوره الذي لا يسقط بمعسوره ولا يتحقق الركوع عرفا ممن كان قيامه بهذه الهيئة الا ان يريد انحنائة ولو يسيرا فإنه ما دام بقائه على هذه الهيئة لا
يقال عليه انه ركع وان نواه بخلاف ما لو انحنى بقصد الركوع كما لا يخفى على من لاحظ حال مثل هذه الاشخاص في صلاتهم وكذا حال العرف والاشخاص الذين
جرت عادتهم بالركوع والسجود تواضعا للجبابرة والملوك فلو امر المولى عبيده بقيامهم عند حضوره وركوعهم له عند توجهه إليهم بوجهه كما جرت عليه
سيرة أهل الفرس بالنسبة إلى أمرائهم لعرف كل منهم ما هو تكليفه بحسب حاله والحاصل انه لا يصدق اسم الركوع عرفا بالنسبة إلى مثل هذا الشخص ما لم
يزد في انحنائه وتحديد الركوع شرعا أو عرفا بان ينحني إلى أن بلغت يداه ركبتيه انما هو في الافراد الشائعة دون من وصلت يداه ركبتيه بلا انحناء اما لطول يديه
أو لانحناء ظهره فإنه خارج عن مورد حكم العرف ومنصرف النصوص والفتاوي فيفهم حكمه اما بالمناسبة وتنقيح المناط كما في طويل اليدين أو بالرجوع إلى العرف في
صدق مسمى الركوع اخذا باطلاق أدلته بالنسبة إلى من لم يثبت له حد شرعي ومن هنا يتجه ما حكى عن المحقق الثاني من التردد في حكم من كان انحناه على أقصى مراتب
الركوع حيث قال ففي ترجيح الفرق أو هيئة الركوع تردد انتهى فان الفرق مع الخروج عن الهيئة وان لم يكن مجديا ولكن يمكن ان يدعى ان الهيئة معتبرة لدى العرف
في غير مثل هذا الشخص واما بالنسبة إليه فمناط الصدق لديهم هو الفرق بين حاليته وان كان الأظهر إناطة الصدق بكلا الامرين فمن كان بهذه الهيئة فان
أمكنه من غير حرج ومشقة تغيير هيئته والانتقال إلى حالة أقرب إلى القيام ولو بالاعتماد على عصى ونحوه وجب عليه ذلك حين قرائته وقبل ركوعه وان لم يكن
تلك الحالة أيضا خارجة عن هيئة الركوع كما عرفته في مبحث القراءة فيزيد انحنائه للركوع بحيث لا يخرج عن هيئته وان لم يتيسر له ذلك فهو كمن لا يتمكن من تغيير
هيئته بزيادة انحنائه أو نقصه والمتجه فيه انه يؤمي لركوعه لتعذر تنجز التكليف بالركوع في حقه بعد فراغه من القراءة لا لكون امرا بتحصيل الحاصل بل بفعل الممتنع
لما أشرنا إليه في صدر المبحث من أن الركوع ليس أسماء لمطلق هذه الهيئة بل لفعل الانحناء الحاصل عن اعتدال حقيقي أو حكمي وهو متعذر في حقه فان منعنا صدق
اسم الركوع أو ميسوره عرفا على زيادة الانحناء وجب الالتزام بسقوط هذا التكليف وثبوت بدله لما عرفت الا ان المنع في غير محله ويكف كان فقد حكى عن
الشيخ في المبسوط والمصنف في المعتبر والعلامة في بعض كتبه الاخر وكشف اللثام والمدارك ومنظومة العلامة الطباطبائي انه لا يجب على من كان بهيئة الراكع زيادة
الانحناء بل يكتفي بمجرد القصد وقواه في الجواهر مستدلا عليه بالأصل وبانه قد تحقق فيه حقيقة الركوع وانما المنتفي هيئة القيام ثم قال وما في جامع المقاصد
من أنه لا يلزم من كونه على حد الركوع ان يكون ركوعا لأن الركوع من فعل الانحناء الخاص ولم يتحقق ولان المعهود من صاحب الشرع الفرق بينهما ولا
دليل على السقوط ولظاهر قوله عليه السلام فاتوا منه ما استطعتم وما دل على وجوب كون الايماء للسجود اخفض بينه على ذلك يدعه ان المراد بالركوع هنا هيئة
الركوع لا فعله إذ هو على كل حال لم يتحقق وان زاد الانحناء اليسير ضرورة عدم كونه ركوعا فيوجه التكليف حينئذ إلى خطابه على هذا الحال بعد القراءة مثلا
بمعنى لا يجلس أو ينام أو يسجد أو نحو ذلك مما ينافيها فلا تحصيل للحاصل حينئذ والفرق بينهما واقعي لا شرعي والنبوي لا دلالة فيه على ما نحن فيه والقياس على
ايماء السجود مع أنه مع الفارق لا يجوز الاخذ به انتهى وفيه ما عرفت من أن الركوع ليس اسما لمطلق هذه الهيئة كي يقال إن حقيقته متحققة بل لفعل الانحناء
دخل في تحققه شرطا أو شطرا والا للزم ان يصدق على المخلوق منحنيا حين وقوفه على قدميه بل على كل من أوجد هذه الهيئة باي كيفية يكون ولو برفع رأسه عن
الأرض ونهوضه بهيئة الراكع انه ركع وهو ليس كذلك بديهة ومت لم يصدق فعل الركوع على ايجاد هذه الهيئة حين حدوثها كيف يقع ابقائها امتثالا
فلامر بالركوع بل نقول زيادة على ما سبق انه لو علم المنحني البالغ يداه ركبتيه كونه مشمولا للخطاب باركعوا الذي معناه الامر بالانحناء لا يفهم من ذلك بالنسبة
إلى نفسه الإرادة زيادة الانحناء لا الوقوف على قدميه حافظا لهيئته كما لا يخفى واما ما في كلام جامع المقاصد من الاستدلال بالنبوي فهو في محله بناء على
كون الركوع اسما لمجموع الانحناء الحاصل تدريجا لا خصوص جزئه الأخير ولعله ملتزم بذلك كما يستشعر من كلامه واما استشهاده بما دل على أخفضيته ايماء
السجود فهو لأجل الاستيناس والتقريب إلى الذهن لا الاستدلال كي يتوجه عليه ما ذكر فليتأمل الثاني مما يجب في الركوع الطمأنينة فيه بقدر ما يؤدي
328

واجب الذكر بلا خلاف فيه كما في الحدائق بل اجماعا كما عن الفاضلين وغيرهما وقال في محكى المنتهى يجب الطمأنينة فيه اي في الركوع بقدر الذكر الواجب
والطمأنينة هي السكون حتى يرجع كل عضو إلى مستقره وهو قول علمائنا أجمع انتهى واستدل له بأنه المنقول من فعل النبي والأئمة عليه وعليهم السلام
وبما رواه في الذكرى مرسلا من أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وآله جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال عليه السلام وعليك السلام ارجع فصل فإنك
لم تصل فرجع فصلى فقال له مثل ذلك فقال الرجل في الثالثة علمني يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم إقرأ
ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع رأسك حتى تعدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم افعل ذلك في صلاتك
كلها وخبر بكير بن محمد الأزدي المروي عن قرب الإسناد للحميري عن الصادق عليه السلام إذا ركع فليتمكن ومصححة زرارة قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس
في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال صلى الله عليه وآله نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني ورواية عبد الله بن
ميمون القداح المروي عن محاسن البرقي عن أبي عبد الله عليه السلام قال ابصر علي بن أبي طالب عليه السلام رجلا ينقر صلاته فقال منذ كم صليت بهذه الصلاة قال له الرجل منذ
كذا وكذا فقال مثلك عند الله كمثل الغراب إذ ما نقر لو مت مت على غير ملة أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله ثم قال اسرق الناس من سرق من صلاته والنبوي المروي
عن الذكرى لا تجزي صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود وفيه ان غاية ما يمكن استفادته من هذه الأدلة بعد الغض عما في بعضها من قصور
السند انما هو اعتبار الطمأنينة في الركوع في الجملة وعدم جواز الاتيان به بحيث يكون كنقر الغراب واما كونها بقدر ما يؤدي الذكر الواجب فلا
اللهم الا ان يدعى ظهور قوله عليه السلام إذا ركع فليتمكن في شرطية الاستقرار للركوع ما دام كونه راكعا نظير ما لو قال إذا قام إلى القراءة فليقم صلبه فيجب حينئذ
بقائه مستقرا إلى أن يتحقق الفراغ من الذكر الواجب في الركوع من باب المقدمة ولكنه لا يخلو عن نظر فعمدة المستند لاثبات وجوب الطمأنينة بقدر أداء
الذكر الواجب هو الاجماع فيختص اعتبارها بحال العمد إذ لا اجماع عليه مع السهو بل المشهور لو لم يكن مجمعا عليه عدم اختلال الصلاة بالاخلال
بها سهوا وما يقال من أن مقتضى الأصل فيما ثبت جزئية أو شرطية في الجملة الركنية فلم يثبت بل الأصل يقتضي خلافه كما تقدم التنبيه عليه مرارا وأوضحناه
في الأصول فما حكى عن الإسكافي والشيخ في الخلاف من القول بركنيتها ضعيف الا ان يراد مسماها الذي قد يدعى توقف صدق الركوع عليه عرفا و
انه به يمتاز عن الهوى للسجود ونحوه دون الزيادة التي توازي الذكر الواجب فيتجه حينئذ دعوى ركنيته وان كان لا يخلو أيضا عن نظر إذ لا نسلم توقف صدق
اسم الركوع على الطمأنينة والاستقرار والفرق بينه وبين الهوى للسجود ونحوه يحصل برفع الرأس عند انتهائه إلى حد الركوع أو مكثه في الجملة ولو متزلزلا نعم
لو قلنا بظهور الأخبار المتقدمة في كونها شرطا للركوع لا واجبا مستقلا كالذكر فيه فقضيه ما في بعضها من الاطلاق شموله لحال السهو كسائر المطلقات المسوقة
لبيان الحكم الوضعي وان لا يخلو عن تأمل فيتجه حينئذ الالتزام ببطلان الصلاة بتركه سهوا أو ما دل على أن الصلاة لا تعاد الا من خمسة وان ملاك صحة الصلاة حفظ
الركوع والسجود قاصر عن أن يعم الاخلال بشرائط الركوع الذي هو أحد الخمسة التي تعاد الصلاة من الاخلال بها ولكنه يدل على عدم بطلان الصلاة بترك
الطمأنينة سهوا فيما زاد عن مسمى الركوع مما لا يجب الا مقدمة للذكر بالفحوى بل بالدلالة الأصلية لأن مرجع الاخلال به إلى الاخلال بشرط الذكر الذي يجب
الاتيان به راكعا لا الاخلال بشرط الذكر الذي يجب الاتيان به راكعا لا الاخلال بشرط الركوع المعتبر في الصلاة من حيث هو فكما يفهم من عمومه قوله عليه
السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة انه لو ترك أصل الذكر نسيانا ورفع رأسه عن الركوع بعد حصول مسماه لا تبطل صلاته كذلك يفهم منه عدم اختلال الصلاة
بالاخلال بشرائطه نسيانا كبقائه راكعا إلى أن يتحقق الفراغ من الذكر أو مطمئنا كذلك فلو شرع في الذكر الواجب قبل البلوغ إلى حد الركوع أو أتمه ناهضا فإن كان
ناسيا مضى في صلاته ولا شئ عليه عدى اعادته في الأول بعد وصوله إلى حد الركوع واستقراره كما لو اتى بشئ منه بلا اطمينان ويحتمل الاجتزاء به في مثل
الفرض نظرا إلى كون الطمأنينة شرطا اختياريا للذكر وقد سقط اعتباره بالنسيان فلا مقتضى لإعادته فليتأمل وان كان عامدا بطلت صلاته في الثاني لحصول
الاخلال العمدي وعم امكان تداركه واعاده في الأول كما صرح به غير واحد لأن فساد الجزء لا يستلزم فساد الكل إذا أمكن تداركه قبل فوات محله خلافا لجماعة
منهم المحقق والشهيد الثانيان على ما حكى عنهما فحكموا ببطلان الصلاة لما مر منهم غير مرة في طي مباحث القراءة وغيرها من الحكم ببطلان الصلاة يتعمد ابطال
جزء لوجوه تقدمت مع ما فيها من الضعف ولو كان مريضا لا يتمكن منها سقطت عنه كما لو كان العذر في
أصل الركوع فعليه ان يركع بلا طمأنينة لأن الميسور
لا يسقط بالمعسور مضافا إلى قصور ما دل على شرطيتها عن إفادة اعتبارها في غير حال التمكن ومن هنا يظهر انه لو دار الامر بين الركوع قائما بلا طمأنينة أو
جالسا معها قدم الأول كما يقتضيه اطلاق كلماتهم من غير نقل خلاف فيه فلو كان لدليلها اطلاق لوقعت المعارضة حينئذ بينه وبين اطلاق دليل القيام فقد يشكل
الترجيح وان لا يخلو أيضا تقديم الأول عن وجه فان مقتضى قاعدة الميسور وأدلة نفي الحرج ونحوها نفي اعتبار ما تعلق العجز به أولا وبالذات لا ثانيا وبالعرض
فليتأمل ويجب عليه الاتيان بتمام الذكر حال الركوع وان كان غير مطمئن فلا يجوز له الخروج عن حد الراكع قبل اكمال الذكر خلافا لظاهر الشهيد في محكى الذكرى
فجوز ان يتم الذكر رافعا رأسه فإنه على ما حكى عنه في الحد بعد ان ذكر الطمأنينة وانه يجب كونها بقدر الذكر الواجب ولا جزي عنها مجاوزة الانحناء عن
القدر الواجب ثم العود إلى الرفع مع اتصال الحركات قال نعم لو تعذرت أجزء زيادة الهوى ويبتدي بالذكر عند الانتهاء إلى حد الراكع وينتهي
بانتهاء الهوى وهل يجب هذا الهوى لتحصيل الذكر في حد الراكع الأقرب لا للأصل فحينئذ يتم الذكر رافعا رأسه انتهى وفيه ان ما دل على وجوب الذكر انما
329

أوجبه في الركوع لا حال الرفع غاية الأمر انه ثبت اشتراطه بالطمأنينة لدى التمكن فسقوط شرطية الطمأنينة لأجل الضرورة لا يقتضي ارتفاع شرطية
كونه في الركوع الذي هو ميسور له كما لا يخفى الواجب الثالث رفع الرأس منه بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه
ويشهد له جملة من الاخبار منها المستفيضة الواردة في كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وآله في المعراج التي هي الأصل في شرع الصلاة وكيفتها ففيها ان
الله تعالى أوحى إليه بعد ان ركع ان ارفع رأسك من الركوع وفي صحيحة حماد بعد ذكر الركوع ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال سمع الله لمن حمده
الحديث وفي النبوي المتقدم المروي عن الذكرى ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما وفي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام وإذا رفعت رأسك من الركوع
فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك وفي خبره الاخر عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا قال إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه فلا
يجوز ان يهوى للسجود قبل انتصابه منه الا لعذر واما مع العذر فيسقط اعتباره لانتفاء التكليف بغير المقدور وعدم سقوط الصلاة بحال وكذا مع
النسيان وحكى عن الشيخ في الخلاف القول بركنيته ولعله لعموم نفي الصلاة بدونه في الخبر المزبور وفيه انه لابد من تخصيص هذا العموم بالعامد ونحوه
لحكومة قوله عليه السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة وغيره من المستفيضة الدالة على إناطة صحة الصلاة بمحافظة الركوع والسجود عن النسيان على سائر العمومات
المثبتة للشرائط والاجزاء وكون ظاهر الدليل في خصوص المقام إرادة نفي الحقيقة من حيث هي المقتضى لعمومه لحال النسيان لا يقدح في الحكومة المزبورة
كما لا يخفى على المتأمل وقد تقدم التنبيه عليه في نظيره لا صلاة الا بفاتحة الكتاب فلاحظ فلو هوى للسجود من قبل انتصابه لعذر أو نسيانا فارتفع العذر أو ذكر
قبل وضع الجبهة على الأرض فعن غير واحد من الأصحاب منهم العلامة في التذكرة انه يجب عليه تداركه وربما يستشعر من الجواهر الميل إليه واختاره صريحا شيخنا
المرتضى رحمه الله معللا له ببقاء الامر والمحل وفيه ان هذا انما يتجه لو ثبت مطلوبية مطلق القيام عقيب فعل الركوع كي يمكن تداركه بعد هويه إلى السجود وخروجه
عن حد الراكع وهو مما لم يثبت بل الثابت نصا وفتوى هو وجوب رفع الرأس من الركوع حتى يعتدل قائما وليس وجوبه مقدميا للقيام الحاصل عقيبه
والا لجاز الاخلال به عمدا على وجه لا ينافيه حصول القيام بعد الركوع كما لو جلس من الركوع أو هوى للسجود عمدا ثم قام وهو خلاف ظاهر النص والفتوى
واحتمال كون نفس القيام معتدلا من حيث هو أيضا واجبا اخر كما ربما يؤمي إليه قوله عليه السلام إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك مدفوع بالأصل وليس
في الخبر المزبور دلالة على مطلوبية إقامة الصلب من حيث هي بل مطلوبيتها في القيام الحاصل من رفع الرأس من الركوع فما قواه شيخنا الشهيد في محكى الذكرى
حاكيا عن المبسوط من في لوجوب معللا بسقوط التكليف به حال العذر وخروج محله عند زواله لا يخلو عن وجه فوجوب العود يحتاج إلى دليل وهو
مفقود فمقتضى الأصل براءة الذمة عنه ولا يدفعه استصحاب بقاء التكليف بالرفع والاشتغال بالصلاة كما ذكره شيخنا المرتضى رحمه الله لما عرفت من تغير الموضوع
المانع عن جريان الاستصحاب واما استصحاب الاشتغال بالصلاة وقادته فالحق عدم جريانه في مثل المقام كما حققناه في محله تبعا له وكذلك الكلام
في مسألة ما لو أتم الركوع فسقط التي حكى عن الشيخ فيها أيضا الحكم بعدم العود لأصالة البراءة وان كان قد يقوى في النظر وجوب تداركه في هذا الفرض نظرا
إلى عدم كون السقوط القهري لدى العرف معدودا من افعاله المنافية لصدق حصول الرفع من الركوع عند تداركه فالقول بوجوبه حينئذ ان لم يكن أقوى
فلا ريب في أنه أحوط بل لا ينبغي ترك الاحتياط بتداركه في الفرض الأول أيضا إذ لا يترتب على ايجاده من باب الاحتياط مفسدة كما لا يخفى نعم قد يشكل
الامر فيما لو سقط قبل اكمال الذكر فإنه قد يقال بان عوده على ما كان لأجل اكمال الركوع والرفع عنه يستلزم زيادة الركن ولكنه لا يخلو عن نظر إذ الظاهر
عدم صدق زيادة الركوع إذا كان عوده على ما كان ببقائه بهيئة الراكع ولكن الأحوط إعادة الصلاة بعد اتمامها كما أن الأحوط بل الأقوى ذلك لو مضى
في صلاته من غير أن يتدارك ما فاته من الاكمال والرفع والله العالم ولو افتقر في انتصابه إلى ما يعتمده وجب تحصيله ولو بأجره لا تضر بحاله للمقدمية كما في سائر أحوال
الصلاة ولا فرق في جميع ذلك بين الفريضة والنافلة لاطلاق النص والفتوى وحكى عن العلامة في النهاية أنه قال لو ترك الاعتدال في الرفع من الركوع أو السجود
في صلاة النفل عمدا لم تبطل صلاته لأنه ليس ركناه في الفرض فكذا في النفل انتهى ولا يخفى ما في هذا الدليل فإنه بظاهره ظاهر الفرد كما اعترضه بذلك جل من تأخر
عنه فان عدم كونه ركنا لا يقتضي جواز الاخلال به عمدا كما في المقيس عليه فكأنه يرى أن من لوازم في لركنية صحة النافلة بدونه حيث إنه يستكشف من صحة الفريضة
عند نسيان جزء أو تركه لعذر ان للصلاة الفاقدة له مرتبة من المصلحة مقتضية لطلبها إذ الظاهر أن تعذر الجزء أو نسيانه لا يحدث مصلحة في فاقدته بل ينفي التكليف
عن واجدته فيتعلق الامر حينئذ بفاقدته لكونها من الميسور الذي لا يسقط بالمعسور لا تكليفا جديدا فصحة الفاقدة لدى الضرورة والنسيان كاشفة عن أن لها من
حيث هي مرتبة من المصلحة مقتضية للامر بها ولكن منعها عن التأثير في الفريضة لزوم الاتيان بالواجدة فإنه يمتنع معه الامر بالفاقدة أيضا وحيث لا لزوم في النافلة
فلا مانع عن مطلوبية كل منهما على سبيل الشدة والضعف كما في كثير من المطلقات والمقيدات الواردة في المستحبات فلاحظ وتدبر فإنه لا يخلو عن جودة وان كان
الالتزام به في الاحكام التعبدية خصوصا مع مخالفته لظاهر النص (والفتوى لا يخلو عن اشكال والله العالم) الواجب الرابع الطمأنينة في الانتصاب بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير واحد
دعوى الاجماع عليه وهو ان يعتدل قائما ويسكن ولو يسير ويمكن الاستدلال له مضافا إلى الاجماع بقوله عليه السلام في خبر أبي بصير المتقدم إذا رفعت رأسك
من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك وفي خبره الآخر فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه وفي النبوي المتقدم ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما بدعوى
ان المتبادر من هذه العبائر إرادة استقراره على حالة الاعتدال وإقامة الصلب لا مجرد انهاء الرفع إليه ولعله إلى هذا يرجع ما في المدارك من الاستدلال
330

عليه بظاهر الامر ولكنه لا يخلو عن التأمل ويظهر من قول المصنف رحمه الله ولو يسيرا جواز تطويله وهو كذلك ما لم يكن ذلك بالسكوت الماحي لصورة الصلاة
أو نحوه وعن الذكرى انه حكى عن بعض متأخري أصحابنا القول بأنه لو طولها تبطل صلاته لأنه واجب قصير وفيه انه لم يثبت تقييده بالقصر ومقتضى الأصل براءة
الذمة عن التكليف بتقصيره وجواز إطالة قيامه وان لم يتشاغل حاله بقراءة ذكر أو دعاء ما لم يكن منافيا لصورة الصلاة كما تقدمت الإشارة إليه وحكى عن الشيخ القول
بركنية هذه الطمأنينة أيضا ويظهر ضعفه مما مر الواجب الخامس الذكر بلا خلاف فيه اجمالا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ولكنهم اختلفوا في
تعيينه على أقوال فقيل بين التسبيح كما نسب إلى الأكثر بل المشهور فيما بين القدماء دعوى الاجماع عليه وقيل يكفي مطلق الذكر ولو كان
تكبيرا أو تهليلا أو غير ذلك مما يتضمن الثناء على الله تعالى كما عن المبسوط بل النهاية والجامع على خلاف في حكاية مطلق الذكر عنهما أو خصوص التهليل
والتكبير وعن الحلي نافيا عنه الخلاف وقواه غير واحد من المتأخرين بل هو المشهور بينهم على ما نسب إليهم ثم إن القائلين بتعين التسبيح منهم من اجتزى بمطلقه اي
أعم من الصغرى والكبرى مطلقا كما عن ظاهر الغنية والانتصار وعن الشيخ في النهاية انه أوجب تسبيحة كبرى وعن ظاهر ابن بابويه والتهذيب والتخيير بينها وبين
ثلاث صغريات بل عن المنتهى ان الموجبين للتسبيح اتفقوا عليه وفي الجواهر نسب هذا القول إلى أبي الصلاح أيضا مع زيادته التصريح باجزاء واحدة للمضطر ولكن
في الحدائق نقل عن أبي الصلاح انه أوجب على المختار ثلاث مرات وواحدة على المضطر ثم حكى عن المختلف انه نقل عنه أنه قال أفضله سبحان ربي العظيم وبحمده ويجوز
سبحان الله وظاهره تخيير المختار بين ثلاث صغريات أو كبريات وعن العلامة في المختلف انه نسب إلى بعض علمائنا القول بثلاث كبريات عينا وكذا القائلون بكفاية مطلق
الذكر اختلفت كلماتهم فربما يستظهر من اطلاق كثير منهم كصريح بعضهم الاكتفاء بمسماه خلافا لظاهر بعض أو صريحه من اعتبار كونه بقدر تسبيحة كبرى أو ثلاث صغريات
كما قواه في الجواهر وغيره وستعرف انه هو الأقوى حجة القول بتعين التسبيح جملة من الاخبار منها رواية عقبة بن عامر الجهني أنه قال لما ترك فسبح بأسم ربك
العظيم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الاعلى قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله اجعلوها في سجودكم وعن الهداية ارساله عن الصادق
عليه السلام مع زيادة فان قلت سبحان الله سبحان الله سبحان الله أجزاك وتسبيحة واحدة تجزي للمعتل والمريض والمستعجل وخبر هشام بن الحكم المروي عن العلل عن أبي الحسن موسى
عليه السلام قال قلت له لأي علة يقال في الركوع سبحان ربي العظيم وبحمده ويقال في السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده قال يا هشام ان الله تبارك وتعالى لما أسري
بالنبي صلى الله عليه وآله وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب من حجبه فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله سبعا حتى رفع له سبع حجب فلما ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه فابترك
على ركبتيه وجعل يقول سبحان ربي العظيم وبحمده فلما اعتدل من ركوعه قائما نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خر على وجهه وهو يقول سبحان ربي الأعلى
وبحمده فلما قالها سبع مرات سكن ذلك الرعب فلذلك جرت به السنة في نسخة الحدائق الموجودة عندي نقله هكذا الا أنه قال فلما قال سبحان ربي الأعلى وبحمده سكن
ذلك الرعب بدل قالها سبع مرات ورواية أبي بكر الحضرمي قال قال أبو جعفر عليه السلام أتدري اي شئ حد الركوع والسجود فقلت لا قال سبح في الركوع ثلاث مرات سبحان ربي
العظيم وبحمده وفي السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ومن نقص ثلثين نقص ثلثي صلاته ومن لم يسبح فلا صلاة له
وعن إبراهيم محمد الثقفي في كتاب الغارات عن عباية قال كتب أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر انظر ركوعك وسجودك فان النبي صلى الله عليه وآله كان أتم الناس صلاة وأخفضهم
لها وكان إذا ركع قال سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات وإذا رفع صلبه قال سمع الله لمن حمده اللهم لك الحمد ملا سمواتك وملا أرضك وملا ما شئته من شئ
فإذا سجد قال سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات وظاهر هذه الروايات عدى مرسلة الهداية تعيين التسبيحة الكبرى وأوضح منها دلالة على ذلك خبر هشام بن سالم
قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن التسبيح في الركوع والسجود فقال تقول في الركوع سبحان ربي العظيم وفي السجود سبحان ربي الأعلى الفريضة من ذلك تسبيحة
والسنة ثلاث والفضل في سبع ولكن يتعين صرفها عن هذا الظاهر جمعا بينها وبين كثير من الاخبار الآتية التي هي نقص في خلافه فالقول بتعينها ضعيف واضعف منه
ما نسبه العلامة في محكى المختلف إلى بعض علمائنا من ايجابها عينا ثلاث مرات كما لا يخفى ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له ما يجزي من القول
في الركوع والسجود قال ثلاث تسبيحات في ترسل وواحدة تامة تجزي وصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول قال سئلته عن الركوع والسجود كم يجزي فيه من التسبيح فقال ثلاثة
وتجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض قال في محكى الوافي الظاهر أن المراد بالتسبيح سبحان الله ويحتمل التام ولعل السر في اشتراط امكان الجبهة من
الأرض في الواحدة بتعجيل أكثر الناس في ركوعهم وسجودهم وعدم صبرهم على اللبث والمكث فمن اتى منهم بواحدة فربما يصدر منه بعضها في الهوى أو الرفع فلا
بد لمن هذه صفته ان يأتي بالثلاث لتحقق لبثه بمقدار واحدة انتهى أقول ما احتمله في الرواية هو الذي ينبغي حملها على جمعا بينها وبين غيرها كما ستعرف
وصحيحة علي بن يقطين أيضا عن أبي الحسن الأول قال سألته عن الرجل يسجد كم يجزيه من التسبيح في ركوعه وسجوده فقال ثلاث وتجزيه واحدة وصحيحة معاوية
بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة قال ثلاث تسبيحات مترسلا
تقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله ومضمرة سماعة قال
سألته عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن قال نعم قول الله تعالى يا أيها الذين امنوا اركعوا واسجدوا قلت كيف حد الركوع والسجود فقال اما ما يجزيك
من الركوع فثلاث تسبيحات تقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله ثلاثا وخبر داود الايرازي الوارد في السجود عن أبي عبد الله عليه السلام قال أدنى التسبيح
ثلاث مرات وأنت ساجد لا تعجل بهن وخبر أبي بصير قال سألته عن أدنى ما يجزي من التسبيح في الركوع والسجود قال ثلاث تسبيحات وهذه الأخبار وان لا يخلو
دلالة كثير منها على وجوب التسبيح عينا عن تأمل الا انه ربما يستشعر منها كون اعتبار التسبيح في الركوع والسجود لديهم مفروغا عنه هذا مع أن ظهور بعضها في
331

ذلك غير قابل للانكار وكن يجب رفع اليد عن هذا الظاهر جمعا بينها وبين صحيحة هشام بن سالم المروية عن الكافي والتهذيب سئل أبا عبد الله عليه السلام يجزي عني
ان أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر قال نعم كل هذا ذكر الله ولفظ الحمد لله ليس في رواية الكافي وانما هو في التهذيب
وصحيحة هشام بن الحكم المروية عن التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له أيجزي ان أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود لا إله إلا الله والحمد لله
والله أكبر قال نعم كل هذا ذكر وعن الكافي في الصحيح أو الحسن نحوه الا أنه قال قال أبو عبد الله عليه السلام ما من كلمة أخف على اللسان منها ولا أبلغ من سبحان الله قال
قلت يجزي في الركوع ان أقول مكان التسبيح الحديث وهذان الخبران مع صراحتهما في المدعى قد يلوح منهما وجه تعلق الامر بخصوص التسبيح في تلك الأخبار المشعرة
والظاهرة في وجوبه عينا لما فيهما من الإشارة إلى أن التسبيح هو الذي جرت السنة على الاتيان به وثبت في أصل الشرع فتلك الأخبار منزلة على وفق ما هو
جرت السنة به وتعارف استعماله في الشريعة وقد دلت الصحيحتان على أن خصوصيته ليست من مقومات شرعية فيجوز ابداله بذكر اخر فلا منافاة بين الروايات
وكيف كان فالأخبار الواردة في التسبيح غايتها الظهور في تعينه وهو لا يصلح لمعارضة النص الصحيح كما لا يخفى وقضية ما في الخبرين من التعليل بان كل هذا ذكر انما
هو كفاية كل ذكر فالقول به كما هو المشهور بين المتأخرين أقوى من حيث المستند ولكن مع ذلك فيه تردد فان عدم التزام أكثر القدماء به واشتهار القول بتعين
التسبيح فيما بينهم حتى أنه جعله في محكى الانتصار من متفردات الإمامية وعن الغنية وغيره نسبة إلى اجماعهم مع صحة مستند القول بالكفاية وصراحته وسلامته
عن المعارض تورث الوسوسة في النفس بحيث يمنعها عن التعويل على الخبر خصوصا مع موافقته للعامة ولا يجدي اشتهار العمل به بين المتأخرين في رفع هذه الوسوسة
لاختفاء القرائن المقتضية لطرح الخبر عليهم غالبا ولكن قد سمعت حكاية القول بالكفاية عن الشيخ وغيره بل عن الحلي دعوى الاجماع عليه فيحتمل ان يكون مراد
القائلين بتعين التسبيح في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية تعينه من حيث التوظيف في أصل الشرع في مقابل أبي حنيفة والشافعي واحمد المنكرين لاستحباب
هذا التسبيح المعروف بين الإمامية على ما قيل كما ربما يؤيد ذلك ما حكى عن الأمالي انه جعل من دين الإمامية الاقرار بان الذكر في الركوع والسجود ثلاث
تسبيحات وان من لم يسبح فلا صلاة له الا ان يهلل أو يكبر أو يصلي على النبي صلى الله عليه وآله بعدد التسبيح فان ظاهره كون الاستثناء أيضا من دين الإمامية فالانصاف انه
لم يتحقق اعراض القدماء عن الخبرين بحيث يسقطهما عن الاعتبار فالالتزام بمفادهما وهو كفاية كل ذكر أشبه بالقواعد ثم لا يخفى عليك ان مفاد الخبرين ليس
الا ان كل ذكر يجزي مكان التسبيح واما انه يجتزي به مطلقا ولو بمسماه فلا يفهم منهما إذ ليس لهما اطلاق من هذه الجهة لورودهما مورد حكم اخر فما توهمه غير
واحد من كفاية مسمى الذكر اخذا باطلاق التعليل ضعيف مع أنه على تقدير تسليم ظهوره في الاطلاق وجب تقييده بكون الذكر بقدر ثلاث تسبيحات جمعا
بينه وبين رواية مسمع بن أبي سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال يجزيك عن القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات مترسلا أو قدرهن وليس له ولا كرامة ان
يقول سبح سبح سبح فإنه ظاهر في كونه أقل المجزي وأوضح منه دلالة عليه روايته الأخرى أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يجزي الرجل في صلاته أقل من
ثلاث تسبيحات أو قدرهن وربما يستدل بهذين الخبرين أيضا لكفاية مطلق الذكر وفيه تأمل لاجمال لفظ قدرهن واحتمال ان يكون المراد به التسبيحة الكبرى
ثم إن ظاهر هذين الخبرين كجملة من الأخبار المتقدمة بل كاد ان يكون صريح بعضها انه لا يجزي في الركوع أقل من ثلاث تسبيحات وهو ينافي ما في بعض الأخبار المتقدمة
كصحيحتي علي بن يقطين من الصريح بكفاية تسبيحة واحدة ويرتفع التنافي بينها بأحد وجهين اما بحمل هذه الأخبار على الاستحباب وإرادة عدم كون الأقل
من الثلاث مجزية في تأدية السنة وتحصيل الصلاة الكاملة كما ربما يؤيده ما في بعض الأخبار المتقدمة من أن من نقص واحدة نقص ثلث صلاته ومن نقص ثلثين
نقص ثلثي صلاته ومن لم يسبح فلا صلاة له وقد حكى الالتزام به عن بعض أو بحمل الواحدة على التسبيحة الكبرى وهذا هو الأولى بل هو المتعين فان ارتكاب
التأويل في مثل الاخبار التي ورد فيها انه لا يجزي أقل من الثلث أو انه أدنى ما يجزي أو انه أخف ما يكون بالحمل على الاستحباب بعيد بخلاف حمل التسبيح
على إرادة التسبيحة الكبرى التي لعلها كانت أشيع استعمالا وأوفق بما جرى به السنة هذا مع وجود الشاهد له في الاخبار فان الأخبار الواردة في التسبيح
على انحاء منها ما ورد في التسبيحة الكبرى وهي عدة اخبار بعضها صريح وبعضها ظاهر في أن الفريضة منها واحدة والسنة في الثلاث وفي بعضها الامر بالثلاث
ولكنه يحمل على الاستحباب بشهادة النص ومنها ما ورد في التسبيحة الصغرى كصحيحة معاوية وموثقة سماعة وظاهرها بل كاد ان يكون صريح أوليهما انه لا
يجزي سبحان الله أقل من ثلاث مرات ومنها ما ورد في التسبيح على اجماله وهي أيضا عدة اخبار يظهر من أغلبها انه لا يجزي أقل من ثلاث تسبيحات ومن بعضها ان
تسبيحة واحدة مجزية والثلاث سنة فمقتضى قاعدة الجمع ان يجعل الطائفتان الأوليتان الواردتان في الصغرى والكبرى مبينتين لما في هذه الروايات من الاجمال
مضافا إلى ظهور قوله عليه السلام في صحيحة زرارة ثلاث تسبيحات في ترسل وواحدة تامة تجزي في ذلك إذ الظاهر من التامة خصوصا بعد الالتفات إلى تعارف
كلتا الصيغتين وورودهما في الروايات هي الكبرى كما يؤيده أيضا جعل الثلاث والواحدة في قالب الاجزاء فإنه يقتضي عدم ادراج الواحدة في الثلاث ثم إن
الظاهر جزئية كلمة وبحمده للتسبيحة الكبرى فلا يجتزي بالاتيان بها بدونها الا ان يأتي ببدلها حتى يعادل ثلاث تسبيحات فيجتزي بها حينئذ من باب مطلق الذكر
لا التسبيح الموظف فان هذه الكلمة وقعت جزء منها في أكثر الاخبار المتضمنة لهذا الذكر الخاص مما وقع نبه حكاية الفعل أو القول فعن حاشية المدارك للمحقق
البهبهاني انها مذكورة في تسعة اخبار وهي صحيحة زرارة وصحيحة حماد وصحيحة عمر بن أذينة المروية في الكافي في علل الأذان وهي طويلة ورواها الصدوق
في العلل بطرق متعددة ورواية إسحاق بن عمار المروية في العلل عن الكاظم في باب علة كون الصلاة ركعتين ورواية هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام في ذلك
332

الباب ورواية هشام عن الكاظم عليه السلام في باب علة كون تكبيرات الافتتاحية سبعة ورواية أبي بكر الحضرمي المروية في التهذيب وغيره وصحيحة زرارة أو حسنة عن
الباقر عليه السلام ورواية حمزة بن حمران والحسن بن زياد وفي الجواهر أنهاها إلى اثني عشر خبرا بزيادة رواية إبراهيم بن محمد الثقفي المروية عن كتاب الغارات التي حكى
فيها أمير المؤمنين عليه السلام صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله ورواية محمد بن علي بن أبي إبراهيم بن هاشم المروية عن العلل أيضا قال سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قوله سبحان ربي
العظيم وبحمه وفي الفقه الرضوي عند من يقول بحجيته ثم قال بل روته العامة أيضا في اخبارهم فضلا عن الخاصة فعن ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وآله قال إذا ركع أحدكم
فليقل ثلاث مرات سبحان ربي العظيم وبحمده ومثله عن حذيفة انتهى فالظاهر أن ترك هذه الكلمة في بعض الروايات مبنى على المسامحة والتخفيف في مقام التعبير
انكالا على معروفيتها كما ربما يؤيد ذلك ما في الحدائق عن حمزة بن حمران والحسن بن زياد قالا دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام وعنده قوم يصلي بهم العصر وقد
كنا صلينا فعددنا له في ركوعه سبحان ربي العظيم أربعا أو ثلث أو ثلثين وقال أحدهما في حديثه وبحمده في الركوع والسجود فان ترك الاخر له لم يكن الا من
باب المسامحة والتعويل على المعروفية كما لا يخفى وربما يؤيده أيضا قوله عليه السلام في رواية مسمع لا يجزي أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن فان لو لم ينضم
كلمة وبحمده إليها لا تكون بقدر ثلاث تسبيحات واما بعد الضم فهي وان لم تكن أيضا بقدرها في عدد الحروف ولكن يعادلها في المعنى لانحلالها حينئذ إلى
ثلاثة أذكار كما لا يخفى وقد ظهر بما ذكرنا ضعف ما في المدارك حيث قال واعلم أن كثيرا من الاخبار ليس فيها لفظ وبحمده في تسبيحي الركوع والسجود كحسنة
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إذا سجدت فكبر وقل اللهم لك سجدت إلى قوله ثم قل سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات ورواية هشام بن سالم عنه عليه السلام قال يقول
في الركوع سبحان (ربي العظيم وفي السجود سبحان) ربي الاعلى وقد تضمنته صحيحة زرارة وحماد عن الباقر والصادق عليهما السلام فالقول باستحبابه أولى وذهب الشهيد رحمه الله والمحقق الشيخ
على إلى الوجوب مع اجتزائهما بمطلق الذكر وهو عجيب انتهى أقول ولعل مرادهما بمطلق الذكر الذي يجتزيان به اي ذكر يكون في مقابل القول بتعين
التسبيح لا كفايته مطلقا ولو مسماه حتى يتحقق التنافي بينه وبين ايجاب هذه اللفظة عند اختيار التسبيحة الكبرى وعلى تقدير التزامهما بكفاية مسمى الذكر فمرادهما
بالوجوب جزئية هذا اللفظ من هذه الصيغة المعروفة ووجوب الاتيان به لدى قصد التوظيف دون ما لو اتى بها بعنوان كونها من مصاديق مطلق
الذكر كما لا يخفى فائدة في المدارك معنى سبحان ربي تنزيها له عن النقائص وصفات المخلوقين وقال في القاموس سبحان الله تنزيها له عن الصاحبة
والولد معرفة ونصب على المصدر اي ابرء الله من السورة براءة وقال سيبويه التسبيح هو المصدر وسبحان واقع موقعه يقال سبحت الله تسبيحا وسبحانا
فهو علم المصدر ولا يستعمل غالبا الا مضافا كقولنا سبحان الله وهو مضاف إلى المفعول به اي سبحت الله لأنه المسبح المنزه وجوز أبو البقاء ان يكون
مضافا إلى الفاعل لأن المعنى سبحان الله تنزه الله وعامله محذوف كما في نظائره والواو في وبحمده قيل زائدة والباء للمصاحبة والحمد مضاف إلى المفعول
ومتعلق الجار عامل المصدر اي سبحت الله حامدا والمعنى نزهته عما لا يليق به وأثبتت له ما يليق به ويحتمل كونها للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل اي
سبحته بما حمد به نفسه إذ ليس كل تنزيه محمودا وقيل إن الواو عاطفة ومتعلق الجار محذوف اي وبحمده سبحته لا بحولي وقوتي فيكون مما أقيم فيه المسبب مقام السبب
ويحتمل تعلق الجار بعامل المصدر على هذا التقدير أيضا ويكون المعطوف عليه محذوفا يشعر به العظيم وحاصله انزه تنزيها ربي العظيم بصفات عظمته وبحمده و
العظيم في صفته تعالى من يقصر عنه كل شئ سواه ومن اجتمعت له جميع صفات الكمال أو من انتفت عنه صفات النقص انتهى كلامه رفع مقامه وقد تلخص
مما ذكر ان أقل ما يجزي للمختار تسبيحة تامة وهي سبحان ربي العظيم وبحمده أو يقول سبحان الله ثلاثا أو بقدر ذلك من سائر الأذكار على الأشبه واما في
الضرورة فقد حكى عن غير واحد التصريح بأنه تجزي واحدة صغرى بل عن المعتبر والمنتهى ما يظهر منه نسبة إلى الأصحاب ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال قلت له أدنى ما يجزي المريض من التسبيح قال تسبيحة واحدة فان ظاهرها إرادة الصغرى كما يناسبها المرض ولا أقل من صدق التسبيحة الواحدة عليها
ولا مقتضى لصرفها عنها فان ما دل على أن لا يجزي أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن وان أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة ان تقول سبحان الله ثلاث مرات لو لم يكن
بنفسه منصرفا إلى ارادته في حال الاختيار فهو لا يصلح صارفا لهذه الصحيحة الواردة في خصوص المريض عن ظاهرها من الاطلاق واظهر منها في إرادة الاطلاق
قوله عليه السلام في ذيل المرسل المحكى عن الهداية المتقدم في صدر المبحث بعد ان قال فان قلت سبحان الله سبحان الله سبحان الله أجزأك وتسبيحة واحدة تجزي للمعتل والمريض
والمستعجل ولعل المراد بالمستعجل ما بلغ حد الضرورة العرفية والا فيشكل الالتزام به مع ما في الخبر من الضعف وعدم نقل القول به بالخصوص عن أحد والله العالم
ثم إنه ربما تشعر عبارة المتن كبعض النصوص حيث جعل فيها التسبيحة أقل المجزي انه لو اتى بأكثر يقع المجموع مصداقا للمأمور به فيكون الأكثر أفضل فردي الواجب
فربما يستشكل في ذلك باستلزامه التخيير بين الأقل والأكثر في الافعال التدريجية الحصول وهو ممتنع وقد تقدم في مبحث التكبيرات الافتتاحية وكذا في القراءة
توجيهه على وجه يندفع به الاشكال وأشرنا في المبحث المشار إليه إلى أن نظير ذلك في الشرعيات والعرفيات فوق حد الاحصاء فلا مانع عن الالتزام به الا أنه
ربما يظهر من بعض اخبار الباب انه ليس كذلك بل الفريضة منها واحدة وما زاد عليها سنة وفضل وقد عرفت في ذلك المبحث ان قضية ذلك وقوع ما يوجده
أولا بصفة الوجوب وما بعده بصفة الاستحباب فلو نوى عكسه فقد اتى به لا على وجهه فيفسد لو اعتبرنا نية الوجه أو قلنا بقادحية نية الخلاف ولكنك عرفت
في مبحث نية الوضوء ان الحق عدم اعتبار نية الوجه وعدم قادحية نية الخلاف ما لم تكن مرجعها إلى في رادة
الخروج عن عهدة تكليفه الواقعي بل امتثال خصوص
الامر المقيد بكونه استحبابيا الذي لا يعقل تنجزه في حقه ما دامت الطبيعة واجبة عليه وقد تقدم في المبحثين المشار اليهما توضيح ما يتعلق بنظائر المقام فلا نطيل
333

بالإعادة وهل يجب التكبير للركوع كما عن العماني والديلمي وظاهر المرتضى رضوان الله عليهم أم لا يجب كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا كما
ادعاه في الجواهر بل عن الكرى وظاهر التذكرة دعوى الاجماع عليه فيه تردد ينشأ من تعلق الامر به في عدة اخبار كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال
إذا أردت ان تركع فقل وأنت منتصب الله أكبر ثم اركع وقل اللهم لك ركعت الحديث وفي صحيحته الأخرى المروية عن الكافي إذا أردت ان تركع وتسجد
فارفع يديك وكبر ثم اركع واسجد وعن الشيخ نحوه الا انه ترك قوله وكبر وفي صحيحته الأخرى الواردة فيما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين وتكبر و
تركع ومن اشتمال ما ورد فيه الامر كالصحيحة الأولى على كثير من المسبحات كما ستعرفه بل شهادة سوقه بكونه مسوقا لبيان الفرد الكامل من الصلاة المشتمل
على الآداب والوظائف المستحبة نظير صحيحة حماد ونحوها فيشكل التعويل على ما يتراءى من الامر الوارد في مثل هذه الرواية من الوجوب خصوصا مع مخالفته
للمشهور أو المجمع عليه مضافا إلى ما في بعض الأخبار من الاشعار أو الدلالة على استحبابه كصحيحة زرارة المروية عن الفقيه قال قال أبو جعفر عليه السلام إذا كنت كبرت في
أول صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير كله أو لم تكبر أجزأك التكبير الأول عن تكبير الصلاة كلها فان الرخصة في تقديمها وتركها
في مواضعها عمدا كما هو قضية ظاهر العطف بكلمة أو تشعر بعدم كونها من حيث هي مما يخل تركها بالصلاة كما يؤيد ذلك عدم لزوم بعض تلك التكبيرات جزما
كتكبيره القنوت التي هي أحدها هذا مع أن القائل بالوجوب لا يلتزم على الظاهر بجواز تقديمها فتخرج الصحيحة على هذا شاهدة عليه الا انها مروية عن التهذيب
بالعطف بالواو فيشكل الاعتماد عليها وان كان على هذا التقدير أيضا لا تخلو عن اشعار بالاستحباب وأوضح منها دلالة عليه خبر الفضل بن شاذان المروي
عن العلل وعيون الأخبار عن الرضا عليه السلام قال انما ترفع اليدان بالتكبير لأن رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع فأحب الله عز وجل ان
يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعا مبتهلا ولان رفع اليدين احضار النية واقبال القلب على ما قال وقصد ولان الفرض من الذكر الاستفتاح
وكل سنة تؤدي على جهة الفرض فلما ان كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب ان يؤدوا السنة على جهة ما يؤدي الفرض وقصوره مجبور
بما عرفت واستدل له أيضا موثقة أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أدنى ما يجزي من التكبير في الصلاة قال تكبيرة واحدة وفيه تأمل إذ لا يقع التعبير
عند إرادة الاستفهام عن حال التكبيرات المستقلة المشروعة في الصلاة في مواضع مختلفة من أنها هل هي بأسرها واجبة أو انه يجوز ترك بعضها بمثل هذا
السؤال مع أنه لا يجديه حينئذ الجواب بأنها واحدة أو اثنتان أو ثلاثة في تمييز واجبها عن غيره حتى يترتب عليه ثمرة عملية فالظاهر أن المسؤول عنه هو أدنى ما
يجزي من التكبير في افتتاح الصلاة لا في مجموعها كي يعم مثل تكبير الركوع والسجود وكيف كان فالعمدة ما عرفت من وهن دلالة الأخبار المشتملة على الامر به
في حد ذاتها على الوجوب مع مخالفته للمشهور أو المجمع عليه وشهادة خبر العلل باستحبابه فالقول بوجوبه كما مال إليه في الحدائق وتردد فيه في المدارك
وان لا يخلو عن وجه ولكن الأظهر الندب وانه هو المراد من الامر المتعلق به في صحيحة زرارة وغيرها كغيره من الأوامر المتعلقة بالتفاصيل الواردة في تلك الأخبار
والمسنون في هذا القسم ان يكبر للركوع قائما منتصبا كما يدل عليه قوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة إذا أردت ان تركع فقل وأنت منتصب الله
أكبر ثم اركع بل يدل عليه قوله عليه السلام في صحيحته الأخرى فارفع يديك وكبر ثم اركع فان ظاهره بمقتضى وقوع العطف بلفظه ثم إرادة الاخذ في الركوع بعد
الفراغ من التكبير وفي صحيحة احمد الواردة في صفة صلاة الصادق عليه السلام انه وضع يديه حيال وجهه وقال الله أكبر وهو قائم ثم ركع وربما يستشعر من
المتن حيث جعله من المسنون بعد ان صرح بمشروعية أصل التكبير وان الأظهر فيه الندب انه يجوز الاتيان به في حال الهوى كما حكى عن الشيخ التصريح به بل في المدارك
ومحكى الذكرى انه بعد حكاية ذلك عن الشيخ قال لا ريب في الجواز الا ان ذلك أفضل وهو لا يخلو عن قوة بناء على ما حققناه مرارا من عدم حمل المطلق على المقيد
في المستحبات الا انه قد يتأمل في وجود اطلاق صالح الاستناد إليه لاثبات المدعى فان جل الاخبار التي يستفاد منها مشروعية هذا التكبير ليست مسوقة لبيان
الاطلاق من هذه الجهة كما لا يخفى على المتأمل فيشكل الالتزام بجوازه بعنوان المشروعية الا من باب مطلق الذكر الذي يجوز الاتيان به في جميع أحوال الصلاة
وهو خارج عن محل الكلام فما عن تعليق الارشاد وجامع المقاصد من أنه لو كبر هاويا وقصد استحبابه باعتبار الكيفية اثم وبطلت صلاته لا يخلو بالنسبة
إلى ما ذكره من الاثم عن وجه واما بطلان الصلاة بالتشريع بمثله فقد أشرنا إلى ضعفه في مطاوي مباحث القراءة وغيرها مرارا فالأحوط ان لم يكن أقوى
عدم قصد التوظيف لو اتى به في حال الهوى ويستحب أيضا ان يكون وقت ما يكبر رافعا يديه بالتكبير محاذيا اذنيه ويرسلهما ثم يركع كما عرفته عند البحث
في تكبيرة الاحرام وعلمت في ذلك المبحث عدم اختصاص رفع اليدين حال التكبير بتكبيرة الاحرام بل هو زينة للصلاة عند كل تكبير كما في بعض الأخبار ويدل
عليه أيضا الخبر المتقدم انفا المروي عن العلل وفي خصوص المقام صحيحتا زرارة وحماد المتقدمتان وان يضع يديه على ركبتيه كما عرفته في صدر المبحث بل
قد أشرنا فيما سبق إلى أن الأحوط عدم تكره وان كان الأظهر جوازه مفرجات الأصابع كما يشهد له أيضا الصحيحتان المتقدمتان وسيأتي أيضا نقلهما وما
في خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن تفريج الأصابع في الركوع اسنة هو قال من شاء فعل ومن شاء ترك محمول
على إرادة عدم كونه من السنة التي يجب اتباعها جمعا بينه وبين غيره مما ستعرف بل لعل سوق الجواب يشعر بإرادته ذلك وكيف كان فهو ليس بشرط في مشروعية
وضع اليدين بل هو بحسب الظاهر مستحب في مستحب فيجوز وضع اليدين بقصد المشروعية بلا تفريج الأصابع إذ لا مقتضى لتقييد ما ورد في الاخبار من
الامر بوضع الكفين أو تمكين الراحتين من الركبتين بما ورد فيها من الامر بتفريج الأصابع خصوصا مع خلو بعضها عن ذلك كالنبوي المرسل المتقدم
334

في صدر المبحث ولو كان بإحديهما عذر يمنع من الوضع وضع الأخرى لقاعدة الميسور ويستحب أيضا ان يرد ركبتيه إلى خلفه ويسوي ظهره ويمد عنقه موازيا
لظهره كما يدل على جميع ما ذكر بل وعلى غيره أيضا من بعض الوظائف التي لم تذكر جملة من الاخبار منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا أردت ان تركع
فقل وأنت منتصب الله أكبر ثم اركع وقل الله لك ركعت ولك أسلمت وبك امنت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري و
بشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي غير مستنكف ولا مستحسر سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات في ترتيل وتصف في ركوعك بين قدميك
تجعل بينهما قدر شبر وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمني قبل اليسرى وبلغ بأطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا
وضعتها على ركبتيك وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك بين قدميك ثم قل سمع الله من حمده وأنت منتصب قائم الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت
والكبرياء والعظمة لله رب العالمين تجهر بها صوتك ثم ترفع يديك بالتكبير وتخر ساجدا وفي بعض النسخ بعد قوله والعظمة الحمد لله رب العالمين وفي
صحيحته الأخرى أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال فإذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى
على ركبتك اليمنى قبل اليسرى وبلغ أطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك
إلى ركبتيك أجزأك ذلك وأحب إلي ان تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينهما وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك إلى
ما بين قدميك الحديث وفي صحيحة حماد الواردة في صفة صلاة الصادق عليه السلام لتعليم حماد ثم قال الله أكبر وهو قائم ثم ركع وملا كفيه من ركبتيه
تبين مفرجات ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صبت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ورد ركبتيه إلى خلفه ونصب عنقه
وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل وقال سبحان ربي العظيم وبحمده ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال سمع الله لمن حمده ثم كبر وهو قائم ورفع يديه
حيال وجهه وسجد الحديث إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الآداب ولعل ما في الصحيحة الأخيرة من أنه عليه السلام غمض بصره أريد منه تغميضا لا ينافي
النظر إلى ما بين القدمين ويحتمل ان يكون كلاهما اي النظر إلى ما بين القدمين والتغميض الحقيقي المنافي للرؤية مستحبا على سبيل التخيير ولا ينافيه ما في خبر
مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله ان يغمض الرجل عينيه في الصلاة لأن الصحيحة أخص مطلقا من هذا الخبر وقد حكى عن نهاية الشيخ أنه قال وغمض
عينيك وان لم تفعل فليكن نظرك إلى ما بين رجليك وظاهره كون التغميض أفضل وهو مما لا يساعد عليه الصحيحة المزبورة فان غاية ما يمكن ادعائه دلالة
الصحيحة الحاكية للفعل على أن التغميض مستحب وان النظر بين القدمين ليس أفضل منه والا لاختاره الإمام عليه السلام في مثل المقام الذي قصد بفعله
الارشاد إلى الصلاة الكاملة واما انه أفضل فلا لامكان التساوي وكون اختياره لكونه أحد الامرين المخير فيهما والله العالم ثم إنه ربما يظهر من بعض الأخبار
استحباب رفع اليدين لرفع الرأس من الركوع كصحيحة معاوية بن عمار قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع
وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود وإذا أراد ان يسجد الثانية وصحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرجل يرفع يده كلما اهوى للركوع
والسجود وكلما رفع رأسه من ركوع أو سجود قال هي العبودية وقد حكى عن الذكرى انه حكى القول به عن ابني بابويه وصاحب الفاخر وقربه هو وقواه
صريحا غير واحد من متأخري المتأخرين لصحة الخبرين وسلامتهما عن المعارض ففي منظومة العلامة الطباطبائي أوليس للرفع هنا تكبير ولا به رفع
يد مشهور والرفع في نص الصحيحين ذكر فندبه أولى وان لم يشتهر خلافا لما حكى عن ابن أبي عقيل والإسكافي والفاضلين فنفوه بل عن ظاهر المعتبر
دعوى الاجماع عليه ونوقش في دعواه الاجماع بخلو أكثر كتب الأصحاب عن التعرض له نفيا واثباتا أقول عدم تعرض الأكثر له مع كون الفرع معنونا
في كلماتهم من الصدر الأول كتصريح النافين له قد يورث الظن بعدم تعويلهم على الخبرين وكونهما لديهم صادرين عن علة والا لم يكن داع لطرحهما في
مثل المقام الذي قد يكتفون فيه برواية ضعيفة من باب المسامحة خصوصا بعد الالتفات إلى ما حكى عن المحدث المجلسي رحمه الله من دعوى اشتهار هذا الحكم بين
العامة ولكن مع ذلك التعبد بظاهرهما ما لم يعلم بصدورهما عن علة أشبه بالقواعد الا ان ترك الرفع الذي ليس بلازم جزما تعويلا على عموم قوله
عليه السلام في بعض الأخبار ما سمعت مني يشبه قول الناس ففيه التقية المعتضد بالاجماع المحكى عن ظاهر المعتبر لا يبعد ان يكون أولى ثم إنه لا يفهم من الخبرين الا
استحباب رفع اليدين واما التكبير معه فلا يؤتى به بلا تكبير خلافا لما حكى عن تحفة السيد الجزائري وبعض مشائخ البحرين فاعتبروا معه التكبير بل ربما
نسب ذلك أيضا إلى ظاهر ما حكى عن ابن الجنيد فكان مستندهم معهودية وقوع الرفع حال التكبير في سائر أحوال الصلاة وذا لا ينسبق إلى الذهن بالنسبة
إلى ما قبل الركوع والسجود والرفع عن السجود الا ارادته حال التكبير ولذا ربما يستدلون بالخبرين لاثبات استحباب رفع اليدين عند تكبير الركوع والسجود
مع أنه ليس فيهما تصريح بالتكبير ولا الإشارة إلى أن ما صدر من الإمام عليه السلام كان قبل التكبير أو بعده أو معه ومع ذلك لا يلتفت الذهن حين استماع
ان الإمام عليه السلام رفع يديه إذا ركع الا إلى أنه اتى به وقت ما كبر للركوع كما ربما يؤيد ذلك بل يشهد له ما عن مجمع البيان في تفسير قوله تعالى فصل لربك
وانحر عن مقاتل بن حسان عن الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين عليه السلام انه لما نزلت هذه السورة قال النبي صلى الله عليه وآله لجبرئيل عليه السلام ما هذه النحيرة التي امرني بها ربي قال ليست
بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة ان ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت فإنه صلاتنا وصلاة
الملائكة في السماوات السبع فان لكل شئ زينة وان زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة وهذه الرواية كما تشهد لأصل المدعى كذلك يشهد بصدق
335

ما ادعى من أن المنساق إلى الذهن من الامر برفع اليدين بواسطة المعهودية ارادته مع التكبير لا مجردا حيث إنه لم يذكر في صدر الخبر الا الامر برفع اليدين
في هذه الأحوال ثم ذكر في ذيله على سبيل الاستطراد ما كشف عن أن المراد به الرفع مع التكبير ومما يشهد
أيضا لمشروعية التكبير لرفع الرأس من الركوع عموم
الخبر المروي عن الاحتجاج وقرب الإسناد عن القائم عجل الله فرجه في حديث سيأتي نقله تماما في السجود انه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير
في ذيل الحديث إشارة إلى اباء هذا العموم عن التخصيص كما ستعرف ولكن يحتمل ان يكون المراد بالحالة التي ينتقل من الركوع إليها هي السجود إذ الظاهر أن
الاعتدال قائما عقيب الركوع اعتبر غاية لرفع الرأس منه الذي هو من توابع الركوع وكيف كان ففي الخبر المتقدم غنى وكفاية لاثبات اعتبار التكبير
مع الرفع بعد البناء على المسامحة ولا يعارضه ما في بعض الأخبار المتقدمة في مبحث تكبيرة الاحرام من حصر التكبيرات المشروعة في الصلاة في عدد يلزمه
عدم مشروعية التكبير للرفع من الركوع لامكان ان يكون المراد بتلك الأخبار التكبيرات التي يتأكد مطلوبيتها كما تقدمت الإشارة إليه في التكبيرات الافتتاحية فلا
تصلح معارضه للنص الخاص بعد الاغضاء عن سنده كما تقتضيه قاعدة المسامحة فالانصاف ان الالتزام باعتبار التكبير معه لا يخلو عن وجه والله العالم
ويستحب أيضا ان يدعو امام التسبيح بالدعاء الذي تعلق الامر به في صحيحة زرارة المتقدمة وان يسبح ثلاثا بالتسبيحة الكبرى كما يدل عليه صحيحتا زرارة وحماد
المتقدمتان مضافا إلى النصوص المستفيضة التي تقدم نقلها عند بيان الذكر الواجب أو خمسا أو سبعا فما زاد اما خصوص الخمس فلم نعثر على نص يدل عليه
عدى ما عن الفقه الرضوي من أنه قال بعد الامر بقوله سبحان ربي العظيم ثلاث مرات وان شئت خمس مرات وان شئت سبع مرات وان شئت التسع فهو أفضل
واما السبع فقد ورد في خبر هشام المتقدم في صدر المبحث ففيه الفريضة من ذلك تسبيحة والسنة ثلاث والفضل في السبع واما استحباب ما زاد فربما يستشعر
من الاخبار التي ورد فيها التعبير بكون ثلاث تسبيحات أو التسبيحة الواحدة أدنى ما يجزي كما أنه قد يشهد له بعض الأخبار الواردة في الحث على تطويل الركوع
والسجود كموثقة سماعة قال قلت له كيف حد الركوع والسجود فقال اما ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله ومن كان
يقوى على أن يطول الركوع والسجود فليطول ما استطاع يكون ذلك في تسبيح الله وتحميده وتمجيده والدعاء والتضرع فان أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو
ساجد فاما الإمام فإنه إذا قام بالناس فلا ينبغي ان يطول بهم فان في الناس الضعيف ومن له الحاجة فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا صلى بالناس خف بهم
وخبر أبي اسامة المروي عن محاسن البرقي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول عليكم بتقوى الله إلى أن قال وعليكم بطول الركوع والسجود فان أحدكم إذا أطال الركوع
والسجود هتف إبليس من خلفه وقال يا ويلتا أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت وخبر زرارة قال ثلاث ان تعلمهن المؤمن كانت له زيادة في عمره وبقاء
النعمة عليه فقلت وما هن فقال تطويله في ركوعه وسجوده في صلاته وتطويله لجلوسه على طعامه إذا أطعم على مائدته واصطناعه المعروف إلى أهله
وصحيحة أبان بن تغلب قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو يصلي فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة وخبر حمزة بن حمران والحسن بن زياد قالا دخلنا على
أبي عبد الله عليه السلام وعنده قوم يصلي بهم العصر وقد كنا صلينا فعددنا له في ركوعه سبحان ربي العظيم أربعا أو ثلاثا وثلاثين مرة وقال أحدهما في حديثه وبحمده في
الركوع والسجود فالمتجه ما حكى عن المصنف في المعتبر من أنه قال الوجه استحباب ما يتسع له العزم ولا يحصل به السأم الا ان يكون اماما فان التخفيف له
أليق لئلا يلحق السأم وقد روى أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا صلى بالناس خفف بهم الا ان يعلم فهيم الانشراح لذلك انتهى وتقييده بعدم السأم
لعله لما يظهر من بعض الأخبار كراهة الاتيان بالعبادة مع الكراهة وعدم الاقبال وما في خبر هشام من جعل الفضل في السبع لعله لم يقصد بالإضافة
إلى ما زاد منها بل إلى ما دونها فلا منافاة بينه وبين كون الأزيد منه أفضل كالتسع الذي ورد التصريح بأنه أفضل في الفقه الرضوي ويحتمل ان يكون لخصوصه
خصوصية مقتضية لاستحباب بالخصوص كموافقته لها صدر من النبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج أو غير ذلك من الخصوصيات المقتضية لحسن مرتبة خاصة
من العدد واما سائر المراتب فليس لها من حيث هي خصوصية به من حيث كونها إطالة للركوع واشتغالا بذكر الله جلت عظمته كما أن استحباب الاتيان بالتسبيحة الصغرى
أكثر من ثلاث بحسب الظاهر من هذا الباب والله العالم وان يرفع الإمام صوته بالذكر فيه بل وفى غيره أيضا عدى ما استثنى مما عرفته في مبحث القراءة
والتكبيرات الافتتاحية لما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال ينبغي للامام ان يسمع من خلفه كلما يقول ولا ينبغي لمن خلف الإمام ان يسمعه شيئا مما يقول
وان يقول بعد انتصابه سمع الله لمن حمده كما يدل عليه قوله عليه السلام في صحيحة زرارة ثم قل سمع الله لمن حمده وأنت منتصب قائم الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت
والكبرياء والعظمة الحمد لله رب العالمين تجهر بها صوتك ثم ترفع يديك بالتكبير وتخر ساجدا ويدل عليه أيضا بعض الأخبار الآتية ومقتضى اطلاق المتن
وغيره في لفرق بين كونه اماما أو مأموما أو منفردا كما عن المعتبر التصريح به واسناده إلى علمائنا وعن البحار التصريح بالاجماع عليه ولكن في المدارك قال
ولو قيل باستحباب التحميد خاصة للمأموم كان حسنا لما رواه الكليني رضي الله تعالى عنه في الصحيح عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام قلت ما يقول
الرجل خلف الإمام إذا قال سمع الله لمن حمده قال يقول يقول الحمد لله رب العالمين ويخفض من الصوت وأجيب عنه بأنه يمكن عود ضمير الفعل الواقع
بعد إذا إلى الرجل لا إلى الإمام فلا تنافي الاخبار الاخر الظاهرة في في لفرق بين المأموم وغيره أقول ولكن الذي ينسبق إلى الذهن من الخبر انما هو
عود الضمير إلى الإمام كما ربما يؤيده ويشهد لاستحباب التحميد للمأموم مكان سمع الله لمن حمده ولكن لا بصيغة الحمد لله رب العالمين بل بصيغة ربنا لك الحمد
ما عن الشهيد في الذكرى باسناده الذي شهد بصحته إلى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده قال من خلفه ربما لك الحمد
336

وان كان وحده اماما أو غيره قال سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين وقضية الجمع بين هذين الخبرين هو الالتزام باستحباب التحميد للمأموم مخيرا بين الصيغتين
وما يظهر من الشيخ من انكار كون الصيغة الثانية منقولة عن أهل البيت عليهم السلام حيث حكى عنه أنه قال ولو قال ربنا لك الحمد لم يفسد صلاته لأنه نوع تحميد
لكن المنقول عن أهل البيت عليهم السلام أولى انتهى غير قادح في صحة التعويل على الخبر المزبور بل وكذا عدم معروفية لدى الأصحاب أو اعراضهم عنه بعد كون
المورد محلا للمسامحة فالالتزام باستحباب التحميد للمأموم بإحدى الصيغتين مكان سمع الله من حمده أشبه ولا منافاة بينه وبين الالتزام باستحباب سمع الله
لمن حمده له أيضا مخيرا بينه وبين التحميد تعويلا على ما عن البحار وغيره من دعوى الاجماع عليه لجواز كون الكل حسنا كما نص عليه في المدارك فتكون من قبيل المستحبات
المتزاحمة ويكون الامر بالتحميد في الخبرين اما لكونه أولى أو انسب بحالهم من حيث المماشاة مع العامة أو غير ذلك من الجهات المقتضية لتخصيص بعض المستحبات
المخير فيها بالطلب ويمكن الاستدلال لاستحباب سمع الله لمن حمده لكل من يصلي مطلقا اماما كان أو مأموما أو منفردا مضافا إلى الاجماعات المحكية بما عن الكليني رحمه الله
باسناده عن الفضل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي احمد الله فإنه لا يبقى أحد يصلي الا دعا لك يقول سمع الله لمن حمده
فإنه وان لم يكن مسبوقا لبيان الاطلاق من هذه الجهة الا انه يفهم منه مشروعية هذا الدعاء في مطلق الصلاة الصادرة من كل من يصلي فان سوق التعبير يشعر بان
المراد منه انه لا يصلي أحد الا وهو يدعو لك لا انه لا يبقى أحد الا ويصدر منه الدعاء لك ولو في بعض صلاته وربما يستدل له أيضا باطلاق صحيحة زرارة المتقدمة
وفيه ان ما في ذيلها من الامر باجهار الصوت يصرفه عن حال الايتمام إذ لا ينبغي للمأموم ان يسمع الإمام شيئا مما يقوله كما في خبر أبي بصير المتقدم بل الراجح
في حقه ان يخفض صوته كما دل عليه صحيحة جميل المتقدم فلا يبقى معه ظهور للاطلاق في ارادته نعم لو سلمنا ظهوره في الشمول لا يصلح الخبران المتقدمان
الدالان على استحباب التحميد لتقييده بغير حال الايتمام لا لقصورهما عن الحجية بواسطة الاعراض فلا يجديهما المسامحة في الصلاحية لصرف الأدلة المعتبرة
عن ظواهرها فإنه بالنسبة إلى أوليها لا يخلو عن تأمل بل لما أشرنا إليه من عدم التنافي بين المستحبات ثم إنه حكى عن أبي الصلاح وابن زهرة وغيرهما
القول بأنه يقول سمع الله لمن حمده في حال ارتفاعه فان أرادوه بعد حصول الاعتدال والانتصاب فهو والا فالصحيحة حجة عليهم والمراد بالسمعلة على ما كشف
عنه رواية الفضل المتقدمة هو الدعاء لا الثناء وتعديته بالام لتضمنه معنى الاستجابة كما صرح به غير واحد والله العالم ويستحب ان يدعو بعده اي بعد
قول سمع الله لمن حمده لما ورد في صحيحة زرارة المتقدمة ويجوز الاكتفاء بعد السمعلة بخصوص الحمد لله رب العالمين كما يدل عليه خبر محمد بن مسلم المتقدم كما أنه
لا بأس بالعمل بغير ذلك مما ورد في الاخبار ففي خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام انه كان يقول بعد رفع رأسه سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين
بحول الله وقوته أقوم واقعد أهل الكبرياء والعظمة والجبروت وعن كتاب الغارات كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر إلى أن قال وكان اي رسول
الله صلى الله عليه وآله إذا رفع صلبه قال سمع الله لمن حمده اللهم لك الحمد ملؤ سمواتك وملؤ أرضيك وملؤ ما شئت من شئ ومما يستحب أيضا في الركوع
والسجود الصلاة على محمد وآله كما يدل خبر أبي حمزة المروي عن الكافي عن أبيه قال قال أبو جعفر عليه السلام من قال في ركوعه وسجوده وقيامه صلى الله على محمد
وآله كتب له بمثل الركوع والسجود والقيام وعن الصدوق في ثواب الأعمال عن محمد بن يحيى مثله الا أنه قال اللهم صل على محمد وآل محمد كتب الله له ذلك
بمثل اه وعن الشيخ بأسناده عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يذكر النبي صلى الله عليه وآله وهو في الصلاة المكتوبة اما راكعا واما ساجدا فيصلي
عليه وهو على ذلك الحال فقال نعم ان الصلاة على نبي الله كهيئة التكبير والتسبيح الحديث وعن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أصلي على النبي صلى الله عليه وآله وانا
ساجد فقال نعم هو مثل سبحان الله ويظهر من تشبيهه بالتسبيح استحبابه فيهما بالخصوص لا من باب عموم استحبابه في كل حال ويستحب أيضا ان يحتج بيديه لما
رواه الكليني رحمه الله باسناده عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال رأيت أبا الحسن عليه السلام يركع ركوعا اخفض من كل من رأيته يركع وكان إذا ركع جنح بيديه ويكره ان
يركع ويداه تحت ثيابه في المسالك قال في شرح العبارة بل تكونان بارزتين أو في كمية قاله الأصحاب وأكثر عباراتهم مطلقة وليس فيهما تقييد الكراهة بما
إذا لم يكن تحتها ثواب اخر انتهى أقول وقد يدعى ان ظاهر قولهم تحت ثيابه إرادة الجميع كما هو صريح جملة منهم وكيف كان فربما يستشعر مما في المسالك
وغيره من نسبته إلى الأصحاب دعوى الاجماع عليه كما حكى ادعائه عن ظاهر الغنية ولعله كاف في اثباته من باب المسامحة وربما يستدل له أيضا بما رواه
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يصلي فيدخل يده في ثوبه قال إن كان عليه ثواب اخر ازر أو سراويل فلا بأس وان لم يكن فلا يجوز له ذلك فان ادخل
يدا واحدة ولم يدخل الأخرى فلا بأس وما فيه من نفي الجواز محمول على الكراهة بشهادة الاجماع ونفي الباس عنه في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال سألته عن الرجل يصلي ولا يخرج يديه من ثوبه قال إن اخرج يديه فحسن وان لم يخرج فلا بأس هكذا قيل ولكن لا يخفى عليك انه لو اغمض عن مخالفة الاجماع
لكان تقييد نفي البأس في الصحيحة بما إذا كان عليه ثواب اخر من ازر ونحوه جمعا بينها وبين خبر عمار أولى من عكسه خصوصا مع ظهور الصحيحة في استحباب الاخراج
لا كراهة تركه فالأولى الاستشهاد لحمل نفي الجواز على الكراهة بعد الاجماع بما رواه الشيخ بأسناده عن الحسن بن علي بن فضال عن رجل قال قلت لأبي عبد الله
عليه السلام ان الناس يقولون إن الرجل إذا صلى واردانه محلولة ويداه داخلتان في القميص انما يصلي عريانا قال لا بأس فإنه نص في الجواز ربما يشعر بكون
الحكم بعدم الجواز في خبر عمار من باب التقية ولكن لا يلتفت إليه مع امكان العمل بالرواية وحملها على الكراهة الا ان مفادها كراهة ادخال اليدين تحت
ثيابه في سائر أحوال الصلاة لا في خصوص حال الركوع مع أن ظاهر المتن وغير ما زادتها في خصوص حال الركوع اما لاختصاصها به أو لكونها فيه أشد
337

وهذا مما لا يفي باثباته الخبر المزبور فالاستدلال به لما ذكروه لا يخلو عن نظير فليتأمل ويكره أيضا ان يطأطأ رأسه وان يرفعه حتى يكون أعلى من جسده لما رواه
الصدوق في معاني الأخبار قال ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله ان يدبج الرجل كما يدبج الحمار قال ومعناه ان يطأطأ الرجل رأسه في الركوع حتى يكون اخفض من ظهره
وكان عليه السلام إذا ركع لم يصوب رأسه ولم يقنعه قال معناه انه لم يرفعه حتى يكون أعلى من جسده ولكن بين ذلك وقال الاقناع رفع الرأس واشخاصه قال الله تعالى
مهطعين مقنعي رؤسهم ويشهد للأول أيضا خبر إسحاق بن عمار المروي عن الذكرى ان عليا عليه السلام كان يعتدل في الركوع مستويا حتى يقال لو صب الماء على ظهره
لاستمسك وكان يكره ان يحدر رأسه ومنكبيه في الركوع وخبر علي بن عقبة المروي عن الكافي قال رآني أبو
الحسن عليه السلام بالمدينة وانا أصلي وأنكس برأسي وأتمدد في
ركوعي فأرسل إلي لا تفعل ويكره أيضا التطبيق وهو جعل احدى الكفين على الأخرى وادخالهما بين ركبتيه وقد حكى القول بكراهته عن أبي الصلاح
وغيره وعن ظاهر غير واحد من الأصحاب القول بحرمته وحكى عن بعض العامة القول باستحبابه أو وجوبه ولا دليل يعتد به على كراهته فضلا عن حرمته عدى ما
يظهر من بعض من دعوى الاجماع على مرجوحيته فلعله يكفي لاثبات الكراهة من باب المسامحة والله العالم الواجب السادس السجود (في مجمع البحرين قد تكرر في الحديث ذكر السجود) وهو في اللغة الميل
والخضوع والتطامن والاذلال وكل شئ ذل فقد سجد ومنه سجد البعير إذا خفض رأسه عند ركوبه وسجد الرجل وضع جبهته على الأرض لأي ان قال
وهو في الشرع عبارة عن هيئة مخصوصة أقول الظاهر أن استعماله في الشرع أيضا ليس الا في معناه العرفي الذي هو وضع الجبهة على الأرض بقصد التواضع
ولو بوسائط ولكن الشارع اعتبر فيه شرائط وكيف كان فلا يجوز لغير الله تعالى كما يظهر من جملة من الروايات منها خبر عبد الرحمن بن كثير المروي عن
بصائر الدرجات عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله يوما قاعدا في أصحابه إذ مر به بعير فجاء حتى ضرب بجبرانه الأرض ورغا فقال رجل يا رسول الله
اسجد لك هذا البعير فنحن أحق ان نفعل فقال لا بل اسجدوا لله ثم قال لو أمرت أحدا ان يسجد لاحد لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها الحديث وعن احتجاج
الطبرسي بأسناده عن العسكري عليه السلام في احتجاج النبي صلى الله عليه وآله على مشركي العرب أنه قال لم عبدتم الأصنام من دون الله قالوا نتقرب بذلك إلى الله قال بعضهم ان
الله لما خلق ادم وامر الملائكة بالسجود له كنا نحن أحق بالسجود لآدم من الملائكة ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا له تقربا كما تقربت الملائكة بالسجود
لآدم وكما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ففعلتم ثم نصبتم بأيديكم محاريب فسجدتم إليها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أخطأتم الطريق وضللتم إلى أن قال أخبروني
عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم له وصليتم ورضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الذي يقيم لرب العالمين اما علمتم ان من حق من
يلزم تعظيمه وعبادته ان لا يساوي عبيده أرأيتم ملكا عظيما إذا استويتموه بعيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع من الكبير
كما يكون زيادة في تعظيم الصغير قالوا نعم قال أفلا تعملون انكم من حيث تعظمون الله تعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب العالمين إلى أن قال والله
عز وجل حيث امر بالسجود لآدم عليه السلام لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره فليس لكم ان تقيسوا ذلك عليه انكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به ثم قال
أرأيتم لو اذن لكم رجل بدخول داره يوما بعينه كان لكم ان تدخلوها بعد ذلك بغير امره أو لكم ان تدخلوا دارا أخرى له مثلها بغير امره قالوا لا قال فالله أولى
ان لا يتصرف في ملكه بغير اذنه فلم فعلتم ومتى امركم ان تسجدوا لهذه الصور وعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل ان زنديقا قال له أيصلح السجود لغير الله قال لا قال
فكيف امر الله الملائكة بالسجود لآدم فقال إن من سجد بأمر الله فقد سجد لله فكان سجوده لله إذا كان من امر الله وعن مجمع البيان أيضا في قوله تعالى وخروا
له سجدا قال قيل إن السجود كان لله شكرا له كما يفعل الصالحون عند تجدد النعم والهاء في قوله له عائدة إلى الله فيكونون سجدوا لله وتوجهوا في السجود إليه
كما يقال صلى للقبلة وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام وعن علي بن إبراهيم في تفسيره عن محمد بن عيسى عن يحيى بن أكثم ان موسى بن محمد سأل عن مسائل فعرضت على
أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام فكان أحدها ان قال له أخبرني عن يعقوب وولده اسجدوا ليوسف وهم أنبياء فأجاب أبو الحسن عليه السلام اما سجود يعقوب وولده فإنه
لم يكن ليوسف انما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية ليوسف كما أن السجود من الله لآدم كان طاعة لله وتحية لآدم عليه السلام فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكرا لله لاجتماع
شملهم الا ترى انه يقول في شكره في ذلك الوقت رب قد اتيتني من الملك الآية وعن العسكري عليه السلام في تفسيره عن ابائه عن النبي صلى الله عليه وآله قال
لم يكن له سجودهم يعني الملائكة لآدم انما كان ادم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عز وجل وكان بذلك معظما تبجلا ولا ينبغي لاحد ان يسجد لاحد من دون الله
يضع له كخضوعه لله ويعظمه بالسجود كتعظيمه لله ولو أمرت أحدا ان يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا ان يسجد لمن توسط
في علوم علي وصي رسول الله صلى الله عليه وآله ومحض وداد خير خلق الله على بعد محمد رسول الله صلى الله عليه وآله الحديث وهو واجب في الصلاة في كل ركعة سجدتا اجماعا بل ضرورة
وهما كلتاهما لا كل واحدة منهما ركن في الصلاة تبطل بالاخلال بهما في كل ركعة سواء كانت من الأوليين والأخيرتين عمدا وسهوا وكذا بزيادتهما كذلك ولا
تبطل بالاخلال بواحدة منهما سهوا ولا بزيادتها كذلك كما سيأتي تحقيق ذلك كله في مباحث احكام الخلل إن شاء الله ثم إن هيهنا اشكالا مشهورا يرد على
تفسير الركن بما صرح به غير واحد بل ربما نسبه بعضهم إلى الأصحاب من أن الركن هوما كان نقصه وزيادته عمدا وسهوا مبطلا فإنه ان جعل الركن مجموع السجدتين
فتركه يتحقق بترك واحدة منهما مع أنه سهوا غير مخل لدى المشهور كما يدل عليه جملة من الاخبار وان جعل الركن مهية السجود التي يتحقق في ضمن الواحدة فيلزم ان
يكون زيادة سجدة واحدة سهوا مبطلة مع أن المشهور لا يقولون به وربما أجيب عن الاشكال بوجوه لا تسلم شئ منها عن مناقشة ولا يترتب على حمله ثمرة عملية
لأن وجوب السجدتين في كل ركعة وما يترتب على نقصهما وزيادتهما عمدا وسهوا يعلم بمراجعة الأدلة الشرعية من غير توقفه على معرفة مفهوم الركن أو صحة اطلاقه
338

على السجدتين بل لم يطلق عليهما هذا الاسم في الأدلة السمعية وانما اطلق عليهما ذلك في فتاوي الأصحاب ومعاقد اجماعاتهم المحكية فنشأ من ذلك الاشكال
المزبور من أنه كيف يصح اطلاق الركن عليهما مع تفسيره بالمعنى المزبور كما هو المشهور فالمقصود بحل الاشكال انما هو توجيه كلمات الأصحاب ورفع التنافي
عنها فنقول في حل الاشكال ان الركن هو مجموع السجدتين وهما معا جزء واحد من اجزاء الصلاة فهو جزء مركب ولكن تركيبه اعتباري كتركيب العشرة من اجادها
فلا يكون انتفاء جزء منه موجبا لانتفائه رأسا كما في المركب الحقيقي بل موجب لانتفاء بعضه المستلزم لفوات وصف التركيب القائم بالمجموع كعنوان العشرة في
المثال والاثنينية في المقام المفروض كونه اعتباريا غير مأخوذ في قوام ذات المركب فلو امر باعطاء عشرة دراهم على زيد فأعطاه خمسة صدق عليه انه أعطاه
بعض ما امره به وترك بعضا فلو قيل إنه لم يأت بالمأمور به فمعناه انه لم يأت بجميعه لا انه تركه رأسا ولا يتفاوت الحال في ذلك بين كون المركب ارتباطيا كاجزاء
الصلاة أو غير ارتباطي كما في المثال على تقدير ان لا يكون المجموع من حيث المجموع مرادا له والا فهو أيضا كالصلاة لأن كونه ارتباطيا يوجب فساد الجزء
المأتي به ولغويته على تقدير عدم ضم الباقي إليه لا خروجه عن كونه مصداقا لبعض ذلك الشئ الذي تعلق الامر به حتى يصح ان يقال إنه لم يأت بشئ منه
والمراد بالنقص في قولهم في تفسير الركن ما كان نقصه وزيادته عمدا وسهوا كما يظهر من مراجعة كلماتهم هو الترك لا النقص المقابل للكمال فيحمل الترك على
إرادة الترك المطلق الذي لا يتحقق فيما كان له اجزاء الا بتركه رأسا كما لعله هو المتبادر من اطلاقه لا تركه مطلقا ولو بترك بعض اجزائه كما أن المراد بزيادته
هو زيادته على الاطلاق لا مطلق زيادته ولو بزيادة جزء منه فلو قيل مثلا ان فاتحة الكتاب ركن لا يراد منه في مصطلحهم الا ان هذا الجزء الذي هو عبارة
عن مجموع هذه السورة له على اجماله دخل في قوام مهية الصلاة وجودا وعدما فتبطل بتركه وزيادته ولو سهوا واما ان له بجميع اجزائه دخل في قوام
المهية وجودا وعدما كي يلزمه البطلان لدى تبعيضه زيادة أو نقصا فلا يكاد يفهم من اطلاق اسم الركن عليه فإذا لا منافاة بين كون السجدتين ركنا
ولا تبطل الصلاة بنقص واحدة ولا بزيادة واحدة وواجبات السجود ستة الأول السجود على سبعة أعظم الجبهة والكفين والركبتين وابهامي الرجلين
في المدارك قال في شرح العبارة هذا مذهب الأصحاب بل قال في التذكرة انه قول علمائنا أجمع الا المرتضى رحمه الله فإنه جعل عوض الكفين المفصل عند
الزندين أقول وفي السرائر أيضا التصريح بذلك فقال ويكون السجود على سبعة أعظم الجبهة ومفصل الكفين عند الزندين وعظمي الركبتين وطرف
ابهامي الرجلين والارغام بطرف الانف مما يلي الحاجبين من السنن الأكيدة انتهى وربما نسب هذا القول إلى الإسكافي أيضا وحكى عن بعض انه ذكر
بدل الابهامين أطراف الأصابع كما ستعرف ولعله لم يقصد به الخلاف وكيف كان فيدل على جميع ما ذكر مضافا إلى عدم خلاف يعتد به في شئ منها جملة
من الاخبار منها صحيحة زرارة المروية عن التهذيب قال قال أبو جعفر عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله السجود على سبعة أعظم الجبهة واليدين
والركبتين والابهامين وترغم بانفك ارغاما اما الفرض بهذه السبعة واما الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى الله عليه وآله وعن الصدوق باسناده عن زرارة نحوه
الا أنه قال والكفين وفي صحيحة حماد الواردة في كيفية صلاة الصادق عليه السلام لتعليم حماد وسجد على ثمانية أعظم الكفين والركبتين وأنامل ابهامي
الرجلين والجبهة والانف وقال سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله في كتابه فقال وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا وهي الجبهة (والكفان)
والركبتان والابهامان ووضع الانف على الأرض سنة وخبر عبد الله بن ميمون القداح المروي عن قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عليه السلام قال يسجد
ابن ادم على سبعة أعظم يديه ورجليه وركبتيه وجبهته وعن العياشي في تفسيره عن أبي جعفر عليه السلام انه سئله المعتصم عن السارق من اي موضع يجب
ان يقطع فقال إن القطع يجب ان يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف قال وما الحجة في ذلك قال قول رسول الله صلى الله عليه وآله السجود على سبعة أعضاء
الوجه واليدين والركبتين والرجلين فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرافق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالى وان المساجد لله يعني
بها الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فلا تدعوا مع الله أحدا وما كان لله لا يقطع وعن كتاب الفقيه في وصية أمير المؤمنين عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية قال
الله وان المساجد لله يعني بالمساجد الوجه واليدين والركبتين والابهامين وما في بعض الأخبار من اطلاق اليدين لو لم نقل بانصرافه في حد ذاته عند
الامر بوضعهما على الأرض إلى إرادة الكفين فلابد من صرفه إليه جمعا بين الاخبار واما القول المحكى عن السيد والحلي والإسكافي من اعتبار السجود على مفصل
الزندين فلم يعرف مستنده كما صرح به بعض فمن هنا يستبعد ارادتهم ظاهره وقد حكى عن الذكرى انه حمله على إرادة الاجتزاء بهما عن الكفين لأنه مبدئهما
ويتحقق بوضعهما على الأرض مسمى وضع الكفين وحمله بعض على تحديد ابتداء اليد التي يسجد عليها والذي يغلب على الظن انهم يوجبون الاستيعاب في وضع
اليدين أو الراحتين إلى الزندين ويزعمون ان مقتضاه وقوع السجود على مفصل الزندين إذ ليس مجرد ملاصقة العضو حال السجود للأرض مصححا لاطلاق اسم
السجود على بل يعتبر فيه كون الشخص واقعا عليه فإذا وضع كفيه على الأرض حال سجوده يكون مفصل زنده هو الذي يقع السجود عليه لا ما عداها من اجزاء الكف
ولعل في صدر عبارة الحلى ايماء إلى إرادة ما ذكرناه في توجيه كلماتهم فإنه بعد ان بين كيفية الركوع ذكر في بيان كيفية السجود ما لفظه واهوى إلى السجود
ويتلقى الأرض بيديه جميعا قبل ركبتيه ويكون سجوده على سبعة أعظم الجبهة ومفصل الكفين من الزندين الخ إذ الظاهر أنه لم يقصد الا السجود على النحو
المتعارف من بسط يديه على الأرض بل يحتمل ان يكون المراد بقوله جميعا مجموع يديه فيكون على هذا أوضح في إرادة ما ذكر وكيف كان فان أرادوا اعتبار خصوص
المفصل فهو مع أنه مما لم نجد له دليل ينفيه ظواهر النصوص وفتاوي الأصحاب وان أرادوا الاجتزاء به بالتقريب المتقدم أو بيان حد اليد التي يسجد عليها فنعم الوفاق
339

وان أرادوا الاستيعاب فسيأتي التكلم فيه ونظيره في الضعف ما حكى عن بعض بل عن كثير من القدماء كالشيخين والسيد أبي المكارم ابن زهرة وأبي الصلاح
وغيرهم من الخلاف في الابهامين فجعلوا في ظاهر كلامهم العبرة بأطراف أصابع الرجلين لا خصوص الابهامين بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه وحمل كلماتهم
على إرادة خصوص الابهامين من أطراف الأصابع أو المجموع ولكن باعتبار تضمنها للابهام لا يخلو عن بعد ويمكن الاستشهاد لهم بما عن الجمهور انهم رووا عن
رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال أمرت بالسجود على سبعة أعظم اليدين والركبتين وأطراف القدمين والجبهة وعن ابن أبي جمهور في غوالي اللئالي
عنه صلى الله عليه وآله اسجدوا على سبعة اليدين والركبتين وأطراف أصابع الرجلين والجبهة ويؤيده اطلاق الرجلين في بعض الأخبار المتقدمة ونحوه ما عن الغوالي أيضا
عنه صلى الله عليه وآله قال أمرت ان اسجد على سبعة أطراف الجبهة واليدين والركبتين والقدمين وفيه بعد الغض عن سند هذه الأخبار ان ما وقع في بعضها من التعبير
بالرجلين أو القدمين فلم يقصد به الاطلاق بل الاجمال وعلى تقدير ظهوره في الاطلاق يجب تقييده بالاخبار المقيدة فلا معارضة بينه وبين شئ منها
واما ما ورد فيه التقيدى برؤس الأصابع أو بأطراف القدمين فحمله على إرادة خصوص الابهامين على تقدير ان
يكون المراد به مسمى السجود عليها ولو بشئ منها
فهو وان لا يخلو عن بعد فحمل الصحيحتين الأوليين المقيدتين بالابهامين على الاستحباب أهون من ذلك الا ان ظاهره إرادة مجموع الأطراف فيحتمل ان يكون ذلك
باعتبار اشتمالها على الابهامين وكون التعبير جاريا مجرى العادة أو لكونه أفضل فلا يصلح لمعارضة الصحيحتين اللتين هما كالنص في كفاية الابهامين كما لا يخفى
بقي الكلام في تحديد هذه المواضع وبيان المقدار الذي يعتبر السجود عليه منها اما الجبهة فهي على ما صرح به غير واحد ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف
طولا وبين الجبينين عرضا والجبين على ما في المصباح ناحية الجبهة من محاذاة النزغة إلى الصدغ وهما جبينان عن يمين الجبهة وشمالها وفي مجمع البحرين الجبين
فوق الصدغ وهو جبينان عن يمين الجبهة وشمالها يتصاعدان من طرف الحاجبين إلى قصاص الشعر فيكون الجبهة بين الجبينين وفيه أيضا في الجبهة نقلا عن
الخليل انها هي مستوى ما بين الحاجبين وعن الأصمعي هي موضع السجود ورجل أجبه عظيم الجبهة انتهى وعن الروض ان حدها قصاص الشعر من مستوى
الخلقة والحاجب وفي كشف الغطاء انها السطح المحاط من الجانبين بالجبينين ومن الأعلى بقصاص الشعر من المنبت المعتاد ومن الأسفل بطرف الانف
الاعلى والحاجبين ولا استقامة للخطوط فيما عدى الجانبين وفي القاموس الجبهة موضع السجود من الوجه أو مستوى ما بين الحاجبين إلى الناصية
وفيه أيضا في الجبين الجبينان حرفان مكتنفا الجبهة من جانبها فيما بين الحاجبين مصعدا إلى قصاص الشعر أو حروف الجبهة ما بين الصدغين متصلا عند الناصية كلها
جبين وهذه العبائر وان لا يخلو بعضها عن اجمال الا ان مراد الجميع بحسب الظاهر هو مجموع العضو المستوى الواقع بين الحاجبين لا خصوص جزئه الواقع فيما
بينهما إلى الناصية كما ربما يوهمه كلمات بعضهم في بادي الرأي كالخليل وصاحب القاموس فإنه غير مراد بها على الظاهر والا لكان ذكر كلمة مستوى في كلامهما
مستدركا فمرادهما بحسب الظاهر ليس الا العضو المسطح الواقع بين الحاجبين والقصاص والتعبير بالي في مثل هذه المواضع بدلا عن الواو شائع نظير ما
ذكره في مجمع البحرين في تفسير الصدغ الذي صرح بان الجبين فوقه انه ما بين لحظ العين اي مؤخرها إلى أصل الاذن هذا مع شهادة العرف بأوسعية الجبهة
من ذلك وان حدها قصاص الشعر والحاجب كما نص عليه في الروض ويدل عليه جملة من الأخبار الواردة في تحديد الجبهة مثل ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال سألته عن حد السجود قال ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه اجزاك وعنه أيضا في الصحيح عن أحدهما قال قلت له الرجل يسجد وعليه
قلنسوة أو عمامة فقال إذا من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزء عنه وعنه أيضا في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال الجبهة كلها ما بين
قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود فأيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة وهذه الروايات ظاهرها
كعبارة الروض ومجمع البحرين وكشف الغطاء ان مجموع ما بين القصاص والحاجب جبهة الا ان المنساق إلى الذهن من مثل هذه العبائر بواسطة معروفية
الجبهة اجمالا ليس الا إرادة المستوى الواقع بينهما لا طرفاه المائلان إلى الصدغ الواقعان بين منتهى الحاجبين والقصاص فإنهما بحسب الظاهر خارجان
عن حد الجبهة بل هما الحرفان اللذان فسر بهما الجبينان في عبارة القاموس وغيره وكيف كان فلا ينافي التحديد المزبور ما في بعض الأخبار من تحديدها بما بين
القصاص إلى طرف الأنف كخبر عمار الساباطي عن الصادق عليه السلام قال ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد فما أصاب الأرض منه أجزأك وخبر
يزيد عن أبي جعفر عليه السلام قال الجبهة إلى الانف اي ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك والسجود عليه كله أفضل إذ المقصود بهذين الخبرين تحديدها
في الطول فلا ينافي كونها من حيث العرض إلى منتهى الحاجبين وفي الجواهر بعد ان أورد جملة من كلمات العلماء وبعض اللغويين مما قدمنا نقلها مما يدل
على أن الجبهة بين الجبينين وان الجبينين خارجان عنها ثم ذكر الاخبار المزبورة قال ما لفظه لكن هذه النصوص كما ترى لا صراحة فيها باخراج الجبينين
وبالاقتصار على الخط المتوهم من طرف كل من الحاجبين المتصل بطرف الانف الاعلى مصعدا إلى الناصية بحيث لا يجزي السجود على غيره وقد اعترف بعضهم في
مسألة الدمل بدلالة بعضها على ما يشمل الجبينين فحينئذ لولا الاجماع أمكن التوسعة في محل السجود بدعوى شمول اسم الجبهة عرفا لما هو أعم من ذلك إلى أن
قال فالاجماع هو العمدة في التقييد المزبور انتهى أقول كأنه قدس سره فهم من كلمات العلماء واللغويين ان ما فوق الحاجبين جبين وان الجبهة منحصرة
فيما بينهما مما يحاذي طرف الأنف إلى القصاص وهذا وان كان قد يوهمه بعض العبائر الصادرة منهم في تحديد الجبهة في المقام وفي باب التيمم حيث
قالوا إنها من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الاعلى كما في عبارة جملة منهم أو انها مستوى ما بين الحاجبين كما في عبارة الخليل وصاحب القاموس ولكنه
340

لا يظن بأحد منهم إرادة انحصارها في خصوص هذا الجزء بل بيان طرفيها من الأعلى والأسفل أو الإشارة إلى العضو المعروف كما في عبارة اللغويين والا
فهو محجوج بكلمات غيرهم من العلماء واللغويين ممن أوكلها إلى العرف ضرورة انها في العرف أوسع من ذلك والحاصل انه لا يظن بأحد من العلماء تخصيص
بالجبهة بخصوص الجزء المسامت لطرف الانف فضلا عن أن يكون اجماعيا كي يجعل ذلك دليلا على تخطئه العرف والتصرف في ظواهر الأدلة فالحق ما عرفت
ويكفي في السجود على الجبهة حصول مسماه ولو بوضع شئ منه مما يتحقق به عرفا اسم السجود على الجبهة ولا يعتبر فيه الاستيعاب على المشهور بل في الحدائق
وغيره دعوى الاتفاق عليه ويشهد له مضافا إلى الاجماع قوله عليه السلام في صحيحة زرارة الواردة في أن المريض كيف يسجد فاسجدوا على المروحة والسواك
وعلى عود مضافا إلى المستفيضة المتقدمة انفا التي هي صريحة في المدعى مع ما في بعضها كخبر يزيد بعد ان قال الجبهة إلى الانف اي ذلك أصبت به الأرض في
السجود أجزاك صرح بان السجود عليه كله أفضل فينهض مثل هذا الخبر شاهدا لمجمع بين تلك الأخبار وبين صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال
سألته عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض (وبعض يغطيه الشعر هل يجوز ذلك قال لا حتى تضع جبهتها على الأرض) فيحمل هذه الرواية على في لاجزاء في الفضل ويحتمل ان يكون محط النظر في الوجوب
ان من كانت هذه صفته ربما تحول قصته عن وصول جبهتها إلى الأرض فالمراد بقوله لا حتى يضع جبهتها
على الأرض انه لا يجزيها حتى ترفع الحاجب بحيث
يحصل لها الوثوق بوضع جبهتها على الأرض ولو مسماه مفروضا في السؤال بعد ان الغالب عدم حصول الوثوق به حال
السجود ما لم تتعمد في ازالته وكيف كان فلا يصلح هذه الصحيحة بعد قبولها للتأويل ومخالفة ظاهرها للمشهور أو المجمع عليه لمعارضة ما عرفت فما عن الإسكافي
والحلي من كفاية مقدار الدرهم لمن بجبهته علة المشعر أو الظاهر في لزوم الاستيعاب للصحيح ضعيف جدا ويتلوه في الضعف ما عن الفقيه والدروس والذكرى
من اعتبار مقدار الدرهم ناسبا له في الثالث إلى كثير من الأصحاب محتجا عليه بتصريح الخبر به فيحمل المطلق من الاخبار وكلام الأصحاب على المقيد وأشار الخبر
على ما ذكره في الجواهر إلى صحيحة زرارة المتقدمة التي هي على خلافه أدل فان قوله عليه السلام أيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزاك مقدار الدرهم أو مقدار
طرف الأنملة ظاهر في إرادة كفاية مسماه وان قوله أجزأك مقدار الدرهم وطرف الأنملة للتنصيص على التعميم المذكور فيه أولا لا التخصيص كما يفصح عن
ذلك الجمع بين المقدارين إذ لو كان المقصود به بيان اعتبار مقدار الدرهم لكان الاكتفاء بمقدار طرف الأنملة الذي هو أقل منه منافيا له فتخصيص مقدار
الدرهم أو مقدار طرف الأنملة بلحاظ انه أقل ما يتفق حصوله عادة عند وضع الجبهة على الأرض لا انه لو اتفق حصوله بأقل من ذلك لا يجزي اللهم الا ان
يتأمل في كفاية من حيث صدق السجود على الأرض فان صدقه على الأقل من طرف الأنملة بل على هذا المقدار أيضا لولا التصريح به في الرواية لا يخلو عن
خفاء والحاصل ان هذه الرواية بنفسها مؤكدة لاطلاق غيرها من الاخبار بل صريحة في كفاية طرف الأنملة الذي هو أقل من مقدار الدرهم فلا تنهض دليلا
للقول المزبور نعم ربما يظهر اعتبار مقدار الدرهم وان الأقل منه لا يجزي من الخبر المروي عن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال أقل
ما يجزي ان يصيب الأرض من جبهتك قدر درهم وعن الفقه الرضوي أنه قال ويجزيك في موضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم
ولكن الخبرين لقصورهما سندا لا ينهضان دليلا الا للاستحباب من باب المسامحة مع أنه هو الذي يقتضيه الجمع بينهما وبين الصحيحة المتقدمة المصرحة بكفاية طرف
الأنملة الذي هو أقل من الدرهم كما لا يخفى واما الكفان فهما من الزندين إلى رؤس الأصابع لأنه هو المتبادر من اطلاقهما ودعوى ظهور الكف عرفا
في ما فوق الأشاجع ممنوعة بل هو كذلك عند أهل الفرس الذين يستعملون لفظ الكف في الراحة لا في كلمات العرب ولو سلم شيوع اطلاقه في عرف العرب أيضا
على ذلك فليس على وجه يصلح لتقييد اطلاق اليد الواردة في أغلب الاخبار بذلك لأن احتمال إرادة مجموع ما دون الزند من لفظ الكف أقوى من احتمال
إرادة خصوص الراحة من اطلاق اليد فلا يصلح ما وقع فيه التعبير بالكفين الا لتقييد اليد الواردة في سائر الروايات بما دون الزند لا بخصوص الراحتين
بل قد أشرنا إلى أن المتبادر من اطلاق الكف أيضا ليس الا المجموع نعم ربما يظهر من قوله عليه السلام في الخبر المتقدم المروي عن تفسير العياشي ان القطع يجب
ان يكون من أصول الأصابع فيترك الكف ان الكف اسم لما فوق الأشاجع كما أنه يستشعر من التعليل الذي وقع فيه بان ما كان لله لا يقطع ان خصوص ما يبقى
بعد القطع هو المراد باليد التي يسجد عليها إذ المتبادر منه إرادة ان ما كان لله لا يقع عليه القطع أصلا لا انه لا يقطع من أصله الا ان الانصاف عدم بلوغه
إلى حد الدلالة بل غايته الاشعار فلا يصلح دليلا لصرف اطلاق اليد الواردة في سائر الروايات إلى ارادته بالخصوص مع ما فيه من ضعف السند ومخالفته
للمشهور إذ لم ينقل القول باختصاص موضع السجود بما فوق الأصابع عدى ما حكى عن العلامة في بعض كتبه من التعبير عما يجب السجود عليه من اليد ببطن
الراحة ولعل مراده بهذا التعبير وجوب كونه بباطن اليد لا بظاهرها كما يؤيد ذلك ما سيأتي حكايته عنه من نسبة وجوب تلقي الأرض ببطون راحته إلى
ظاهر الأصحاب وعلى تقدير ارادته بالخصوص فهو ضعيف محجوج بما عرفت وهل يتعين وضع باطن الكفين أم يجوز وضع ظاهرهما وجهان من اطلاق
النصوص وأكثر الفتاوي ومن أن المنساق إلى الذهن والمتعارف في الوضع عند السجود هو الباطن بل لا يبعد ان يدعى انه هو المتبادر من الامر
بوضع اليدين على الأرض الوارد في كثير من اخبار السجود في حد ذاته مع قطع النظر عن معهوديته لدى المتشرعة كما في باب التيمم فهذا الوجه مع أنه
أحوط لا يخلو عن قوة وربما يؤيده أيضا ما حكى عن الذكرى من الاستدلال عليه بعد ان نسبه إلى أكثر الأصحاب بالتأسي بالنبي وأهل بيته عليه وعليهم السلام
بل عن نهاية الاحكام والذكرى ان ظاهر علمائنا وجوب تلقي الأرض ببطون راحته وكيف كان فان تعذر الباطن سجد على الظاهر كما صرح به بعض إذ لو سلمنا
341

انصرافه إلى الباطن انما هو مع الامكان لا مطلقا كما في باب التيمم على حسب ما عرفته في محله ويكفي في السجود على الكفين أيضا كالجبهة حصول مسماه فلا يعتبر
فيهما أيضا الاستيعاب على المشهور بل عن الفوائد الملية والمقاصد العلية دعوى الاجماع على كفاية الاسم وعدم اعتبار الاستيعاب وفي الحدائق
قال الظاهر من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف انه يكفي فيما عدى الجبهة من هذه الأشياء المعدودة ما يصدق به الاسم ولا يجب الاستيعاب ثم نقل عن
المدارك والذخيرة الاعتراف بأنهما لم يجدا قائلا بخلاف ذلك إلى أن قال والعجب أن العلامة مع تصريحه في أكثر كتبه بهذا الحكم تردد في المنتهى في الكفين فقال
هل يجب استيعاب جميع الكف بالسجود عندي فيه تردد والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل لورود النص في خصوص الجبهة فالتعدي بالاجتزاء بالبعض يحتاج إلى دليل
انتهى أقول مرجع استدلال العلامة إلى دعوى ظهور الأدلة في الاستيعاب فيرفع اليد عنه بالنسبة إلى الجبهة بواسطة النص كما أنه يرفع اليد عنه بالنسبة
إلى الركبتين والابهامين بواسطة التعذر وما دل على جواز السجود على طرف الابهامين ويمكن الاستشهاد له أيضا بخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث قال إذا سجدت فابسط كفيك على الأرض ويتوجه عليه منع ظهور الأدلة في الاستيعاب بل في الاطلاق كما يؤيد ذلك فهم الأصحاب وفتواهم
ويؤيده أيضا الأخبار الواردة في الجبهة فان سوقها يشهد بأنه لم يقصد بها بيان الاجتزاء بوقوع شئ منها على الأرض تعبدا بل تفريعا على توسعة الجبهة فيستفاد
من التفريع الواقع في مثل قوله عليه السلام الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع لسجود فأيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزاك وقوله عليه السلام
ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد فما أصاب الأرض منه أجزأك وقوله عليه السلام الجبهة إلى الانف اي ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك
ان اليد التي هي موضع السجود أيضا كذلك فهذا مما لا ينبغي الاستشكال فيه خصوصا بعد عدم معروفية الخلاف فيه من أحد وخبر أبي بصير لا يصلح لتقييد
المطلقات بعد مخالفة ظاهره للمشهور أو المجمع عليه فهو محمول على الاستحباب ولكن قد يشكل الاكتفاء بوضع شئ من اليد على الاطلاق كبعض من إصبع أو
إصبعين فان ما ذكرناه وجها لاعتبار كونه بباطن اليدين لا بظاهرهما من أنه هو المنسبق إلى الذهن والمتعارف يقتضي في لاجتزاء بجزء يسير من باطنهما
خصوصا من باطن أصابعهما بل مقدارا معتد به منهما لدى الامكان وبهذا يتجه جملة من الفروع التي ذكروها في المقام مثل ما ذكره في الجواهر بعد
ان حكى عن جماعة التصريح بكفاية وضع الأصابع وانها من الكف ما لفظه نعم لو سجد على رؤس الأصابع لم يجزيه كما في المسالك لأنها حد الباطن
كما أنه لا يبعد في لاجزاء لو ضم أصابعه إلى كفه وسجد عليها كما في المحكى عن التذكرة والموجز وشرحه لعدم صدق السجود على باطن الكف وجعل الأصابع
بمنزلة البساط لا مدخل له في المصاديق العرفية فما عن نهاية الاحكام من التوقف فيه لا يخلو من نظر ولو جاء في وسط كفه ولا في الأرض بأطراف أصابعه
وزنده لم يجز أيضا لما عرفت والمدار على الصدق العرفي فلا يحتاج إلى الإطالة في التفريع انتهى إذ الغالب في مثل هذه الفروض خصوصا في الفرض
الثاني وقوع شئ من الباطن أيضا على الأرض ولكنها خلاف الكيفية المتعارفة التي ينسبق إلى الذهن من اطلاقات أدلته والله العالم واما الركبتان
ففي مجمع البحرين الركبة بالضم موصل ما بين أطراف الفخذ والساق وفي القاموس موصل ما بين أسافل الفخذ وأعالي الساق وفي الجواهر قال
والظاهر أنهما بالنسبة إلى الرجلين كالمرفقين لليدين فينبغي حال السجود وضع عينيهما ولو بالتمدد في الجملة في السجود كما فعله الصادق عليه السلام في
تعليم حماد كي يعلم حصول الامتثال انتهى أقول وربما يستشعر من كلامه قدس سره انه خص الركبة بموضع العظم المستدير الواقع على الموصل
وسمى هذا العظم عين الركبة مع أن عين الركبة على ما في القاموس فقرة الركبة وقد ورد في الأخبار المتقدمة في الركوع الحث على تمكين الراحتين من
الركبتين وتبليغ أطراف الأصابع عين الركبة ففي صحيحة زرارة وتمكن راحتيك من ركبتيك وبلغ أطراف أصابعك عين الركبة إلى أن قال وأحب
إلى أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة فالظاهر أن عين الركبة أسفل من هذا المرتفع الذي هو بمنزلة المرفق من اليد فلا يحتاج
وضعها على الأرض إلى التمدد بل الظاهر أن طرفي عظمي الساق والفخذ الذين يتواصلان حال القيام والركوع وينفصلان من طرف المقدم عند ثني
الرجلين والجلوس عليهما من الركبة فتتسع الركبة حال الجلوس وتقع جزئها الواقع في طرف الساق على الأرض وجزئها الآخر فوقه كما يشير إلى ذلك
قوله عليه السلام في ذيل الصحيحة المزبورة وإذا قعدت في تشهدك فالصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا وفي صحيحته الأخرى الواردة في آداب
المرأة وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود وبالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة للأرض فلو كانت الركبة اسما لخصوص هذا الجزء الذي يقع حال الجلوس
في الطرف ويتوقف ايصاله إلى الأرض على رفع الفخذين لم يكن سجود المرأة لاطئة للأرض مجزية بل كان عليها رفع عجيزتها وهو مما ينفيه الصحيحة والحاصل
ان ايصال الركبة إلى الأرض لا يتوقف بحسب الظاهر على التمدد ورفع الفخذين وان كان هو الأحوط وكيف كان فلا يعتبر في وضع الركبتين الاستيعاب
بل هو متعذر فيكفي مسماه بلا شبهة واما الابهامان فلا اجمال في مفهومهما ويكفي في وضعهما أيضا مسماة من غير فرق بين ظاهرهما وباطنهما أو رؤسهما
كما صرح به غير واحد لاطلاق صحيحة زرارة المتقدمة التي وقع فيها بيان مواقع السجود مع موافقته لأصالة البراءة عن تعين موضع خاص منهما وما
في صحيحة حماد من أنه عليه السلام سجد على أنامل ابهامي الرجلين لا يدل على تعينها خصوصا مع ما فيها عند بيان الواجب من التعبير بالابهامين فما عن السيد
والحلي والتذكرة من ايجاب السجود على أناملهما ضعيف واضعف منه ما حكى عن الموجز من تعين ظاهرهما وعدم جواز وضع الرؤس مع أنه حكى
عن الروض انه جعل وضع الرؤس أحوط وهو كذلك لأنه هو الذي ينسبق إلى الذهن من حكاية فعل الإمام عليه السلام في الصحيحة المزبورة كما لا يخفى
342

ولو قطع أنملة الابهامين وجب السجود على ما بقي منهما لكونه مصداقا للمأمور به دون سائر الأصابع ولو قطعتا من الأصل وأمكن الجمع بين وضع محلهما وسائر
الأصابع وضع الجميع احتياطا ولو دار الامر بين أحدهما قال شيخنا المرتضى رحمه الله الظاهر تعين الثاني اي وضع الأصابع كما عن غير واحد التصريح به أقول
قد يشكل اثباته بالدليل فإنه ان كان مستندة قاعدة الميسور فهي على تقدير تسليم جريانها في المقام ببعض التقريبات كما ليس بالبعيد فلا تفي باثبات
أرجحية السجود على الأصابع من السجود على موضع الابهامين حيث إن لكل منهما جهة مناسبة تقتضي قيامه مقام المتعذر ولا يعلم الترجيح وان كان دعوى
انصراف ما دل على السجود على الرجلين إلى إرادة طرفها مقتصرا في تقييده بالابهامين في حق القادر فهي قابلة للمنع اللهم الا ان يستدل له باطلاق النبوي
والخبر المروي عن غوالي اللئالي المتقدمين الذين ورد في أولهما الامر بالسجود على أطراف القدمين وفي ثانيهما أطراف أصابع الرجلين مقتصرا في تقييدهما
بالابهامين بحال القدرة فالقول به ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط ثم إن المنساق إلى الذهن من السجود على هذه الأعضاء الاعتماد عليها لا
مجرد المماسة متحاملا عنها كما عن الذكرى وغيرها التصريح به قيل لعدم تمام المراد من الخشوع ولان الطمأنينة لا تحصل الا بذلك وفيهما ما لا يخفى
واستدل له أيضا بما في خبر علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام يجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض يعني تسبيحة وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في
الرجل يسجد على الحصي ولا يمكن جبهته من الأرض قال يحرك جبهته حتى يتمكن فينحى الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه ولا يخفى عليك ان دلالة الأخبار الواردة
في أنه يسجد على سبعة أعظم على المدعى أوضح من دلالة هذين الخبرين الذين غايتهما الدلالة عليه في خصوص الجبهة ولا يجزي طرحه على بعضها والاكتفاء
بالمماسة في الاخر فإنه خلاف ما يتبادر من الامر بالسجود على السبعة نعم لا يجب المبالغة في الاعتماد بحيث
يزيد على قدر ثقل الأعضاء كما لا يجب تسويتها
في المقدار بل بحيث يتحقق معه صدق اسم وضع كل منها على الأرض وهل يجب استقلالها بوضع ثقة عليها بحيث لو شاركها غيرها كبطنه مثلا معها وجهان
من دعوى ظهور النصوص في كونه حال السجود واضعا ثقله على هذه السبعة ومن امكان منع هذا الظهور وادعاء ان المتبادر منها ليس الا اعتبار وقوعه
على هذه الأعضاء لا انحصار ما وقع عليه فيها ولعل هذا أوجه ولو وضع الأعضاء السبعة على الأرض منبطحا لم يجز وان جافى بطنه بحيث استقل المواضع
السبعة بحمل ثقله فإنه خلاف ما هو المتعارف المعهود في الشريعة الذي ينسبق إلى الذهن من الامر بالسجود على سبعة أعظم وربما علل ذلك بعدم صدق
اسم السجود بل يسمى ذلك انبطاحا ونوما على الوجه وفيه نظر إذ الظاهر صدق السجود عرفا على الوقوع على الأرض بقصد الخضوع واما لا مع هذا القصد
فلا يسمى سجودا وان كان بالكيفية المعهودة وكيف كان فهو غير مجز في غير حال الضرورة جزما لما عرفت واما لو لصق بطنه بالأرض مع كونه على هيئة
الساجد ووضع باقي المساجد على كيفيتها الواجبة فيها فالظاهر صحته بناء على عدم وجوب استقلال المساجد في الاعتماد كما تقدمت الإشارة إليه أو كانت
الملاصقة مجرد المماسة التي لا ينافيها استقلال المساجد بل لا ينبغي الاستشكال فيه في هذه الصورة وان كان خلاف الأفضل في حق الرجال كما ستعرف ان الله
في ادابه الثاني وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض ونباتها مما مر البحث فيه مفصلا في المكان فلو سجد على كور العمامة يفتح الكاف واسكان
الواو اي دورها لم يجز فإنها من الملبوس فلا يصح السجود عليه ويحتمل كونه تفريعا على اعتبار وضع الجبهة فلا يصح وان فرض كونها من حيث هي مما يصح السجود
عليه أو فرض كون شئ مما يصح السجود عليه من خشية أو تربة موضوعا بين كور العمامة وجبهته بدعوى انه لا يتحقق معه اسم وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه
بل وضعها مع ما يصح السجود عليه على شئ اخر ولكنه لا يخلو عن تأمل بل منع إذ لا يعتبر في صدق اسم الوضع انفصال الموضوع عليه عن العضو الموضوع
قبل ان يتحقق وضعه عليه ولذا صرح غير واحد بنفي البأس عنه فعن البيان أنه قال لو كانت العمامة مما يصح السجود عليه أو ادخل بين الجبهة والعمامة مسجدا
صح وعن المتهى لو وضع بين جبهة وكور العمامة ما يصح السجود عليه كقطعة من خشبة يستصحبها في قيامه وركوعه فإذا سجد كانت جبهته موضوعة عليها
صحت صلاته بل قال شيخنا المرتضى رحمه الله ويظهر من اقتصار نسبة الخلاف إلى المبسوط في البيان والذكرى في لخلاف عن غيره بل ستعرف ان الشيخ أيضا لم يخالف
في ذلك وكيف كان فقد حكى عن الشيخ أنه قال ولا يجوز السجود على شئ وهو حامل له ككور العمامة وطرف الرداء واكمام القميص فقد يلوح من هذه العبارة
ان المانع عنه كونه حاملا له لا ملبوسا أو منافيا لتحقق مفهوم الوضع ولذا ضعفه جل من تأخر عنه على ما نسب إليهم بعدم كون الحمل منافيا للصحة وعن الذكرى
أنه قال إن قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق وان جعل المانع نفس الحمل كمذهب العامة طولب بدليل المنع انتهى ولكن حكى عن الشيخ انه
استدل على ما أفتى به من المنع بأنه قد ثبت عدم جواز السجود على الملبوس وجميع ذلك ملبوس فلا يصح السجود عليه فعلى هذا لا مخالفة في البين وان أوهمها
صدر عبارته وربما يوجه المنع في المقام بعدم صدق اسم تعدد وضع الجبهة المتوقف عليه صدق السجدتين فكان مبنى هذا التوجيه تسليم صدق أصل الوضع
ولكن تعدده يتوقف على انفصال الجبهة على الموضع والا فمجموعه وضع واحد فيمتنع ان يحصل معه سجدتا وفيه انه لا يكفي في صدق اسم الوضع مجرد اتصالها
بالموضع كي يكون استدامته مانعة عن صدق اسم تعدد الوضع بل يعتبر فيه الاعتماد فإذا رفع رأسه من السجود والتصق مسجده بجبهته لا يكون في هذا الحين
جبهته موضوعة عليه بل حاملة له فإذا عاد السجود السجود واعتمد عليه صدق عليه ثانيا اسم الوضع فهو وضع اخر مغائر للوضع الأول مع أن التصاق شئ بجبهته
من تربة أو نحوها ان لم يكن منافيا لأصل السجود شرعا فليس مانعا عن صدق تعدده عند تكرر هيئته كما لا يخفى فالأشبه عدم اعتبار انفصال ما يصح السجود
عليه عن الجبهة قبل وضعتها عليه اللهم ان يدعى ان المتبادر من الامر بالسجود على الأرض أو نباتها وضع جبهته المنفصلة عنها عليها فله وجه الا ان يقال
343

ان انصرافه إليه بدوي منشأه ندرة الوجود فليتأمل فالانصاف ان الحكم لا يخلو عن تردد فلا ينبغي ترك الاحتياط فيه ولكن هذا بالنسبة إلى موضع الجبهة واما
موضع باقي المساجد فلا ينبغي الارتياب في عدم لزوم انفصاله عن المساجد اما بالنسبة إلى موضع الابهامين والركبتين فواضح وبالنسبة إلى موضع اليدين فيدل
عليه مضاف إلى الأصل ما عن مستطرفات السرائر من كتاب جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال سئلته عن الرجل يسجد ثم لا يرفع يديه من الأرض بل يسجد الثانية
هل يصلح ذلك قال ذلك نقص في صلاته وعن الحميري في قرب الإسناد باسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام نحوه وظاهر التعبير بالنقص الكراهة كما لا يخفى
وقد جزم كاشف الغطاء بلزوم انفصاله الجبهة فقال ويلزم انفصاله محل مباشرة الجبهة عمنا يسجد عليه فلو استمر متصلا إلى وقت السجود مع الاخبار لم يصح
ولا يلزم فصله فورا لو اتصل حال الرفع بل انما يلزم لسجود اخر على الأقوى بخلاف الستة الباقية وفي دلالة الاطلاق وكراهة مسح التراب ونحوه عن الجبهة ضعيف
فلا يقوى على اصالة الشغل مع أن ما دل على رفع الحصى عنها أقوى انتهى ولقد أشار بقوله وما دل على رفع الحصى إلى ما عن الشيخ باسناده عن علي بن جميل أنه قال
رأيت جعفر بن محمد عليهما السلام كلما سجد فرفع رأسه اخذ الحصى من جبهته فوضعه على الأرض ولا يخفى ما في دلالته على المدعى من القصور واما اصالة الشغل فيتوجه عليها
ما قررناه في محله من أن المرجع في المقام البراءة واما كراهة مسح التراب على الجبهة التي أشار إليها في أثناء كلامه فلم أجد في الوسائل ما يدل عليه بل عقد فيها فاما
لاستحباب مسح الجهة من التراب بعد السجود وأورد فيه بعض الأخبار الذي يظهر منه الاستحباب مثل ما عن الشيخ باسناده عن عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال
سئلته أيمسح الرجل جبهته في الصلاة إذ الصق بها تراب فقال نعم قد كان أبو جعفر عليه السلام يمسح جبهته في الصلاة إذ الصق بها التراب ولكنه قدس سره اعرف بما قال فلعله
عثر على ما لم نعثر عليه والله العالم الثلث ان ينحني للسجود حتى يساوي موضع جبهته موقفه الا ان يكون علوا يسيرا فلا يصح السجود على موضع أعلى من موقفه
علوا يعتد به بلا خلاف فيه على الظاهر وقدر الشيخ وكثير ممن تأخر عنه بل المعروف فيما بينهم بل عن بعض نسبته إلى جميعهم حد الجواز بمقدار لبنة بكسر اللام وسكون
الباء وبفتح اللام وكسر الباء والمراد بها ما كانت معتادة في زمن الأئمة عليهم السلام وقد قدرها الأصحاب بأربع أصابع منضمات تقريبا ويؤيده اللبن
الموجودة في أبنية بني العباس ونظائرها من الابنية القديمة لا أزيد لما عن الشيخ بأسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن السجود
على الأرض المرتفعة فقال إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس إذ الظاهر أن السؤال وقع عن الجواز فيفهم من التحديد الواقع
في الجواب المنع عما إذا كان أكثر واما الشرطية فهي مسوقة لبيان تحقق الموضوع وليس لها مفهوم كما لا يخفى وعن الكليني مرسلا قال في حديث اخر في السجود
على الأرض المرتفعة قال إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس ولعل مراده بالحديث الاخر هو الخبر الأول فيضعف به ما احتمله بعض
في الرواية الأولى بل حكى عن بعض النسخ مواضع يديك بالبائين بدل بدنك مع أن هذا الاحتمال في حد ذاته ضعيف كما نبه عليه في الجواهر وغيره ففي الجواهر
بعد ان قال انا لم نتحقق وجوده كذلك في بعض النسخ قال ما لفظه بل ظاهر استدلال الأصحاب به والفتوى بمضمونه على اختلاف طبقاتهم ونسخهم وفيهم المثبت
غاية التثبت ككشف اللثام وغيره يشرف الفقيه على القطع بعدم هذه النسخة وانه ان وجد في بعض الكتب فهو من النساخ قطعا مع أنه على تقديرها يمكن الاستدلال
بالفحوى ضرورة أولوية الموقف من اليدين بذلك قطعا انتهى مع أن الجواب على هذا التقدير لا يناسب السؤال الا ان يراد باليدين الكفاية عن سائر
المواضع وكيف كان فيكفي شاهدا لاثبات المدعى ما ارسله في الكافي بعد اعتضاده بمعروفية هذا التحديد بين الأصحاب بل عدم خلاف يعتد به فيه فإنه يصلح
جابرا لضعف سنده كما أنه يصلح مرجحا للنسخ التي أورد فيها الخبر الأول بلفظ بدنك بالنون فلا ينبغي الاستشكال في هذا التحديد فيرفع اليد بظاهر هذين
الخبرين عن ظاهر ما رواه أيضا عبد الله بن سنان في الصحيح قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن موضع الجبهة أيكون ارفع من مقامه قال لا ولكن مستويا وفي بعض النسخ
وليكن مستويا فيحمل الصحيحة اما على الاستحباب أو الاستواء العرفي المقابل للارتفاع المعتد به الذي هو أزيد من لبنة بل لا يبعد ان يدعى ان المتبادر من الامر بالاستواء
ليس الا الاستواء العرفي الذي لا ينافيه الارتفاع اليسير الذي هو بمقدار لبنة فما دون لتعسر احراز الاستواء الحقيقي أو تعسره غالبا ولكن هذا ان سلم ففي التدريجي
لا الدفعي وقد حكى عن العلامة في تذكرته ونهايته الاستدلال على المطلوب بأنه لا يتمكن من الاحتراز عنه غالبا وانه لا يعد علوا عرفا ويتوجه عليه
ما أشرنا إليه من أنه ان تم ففي التدريجي لا مطلقا وكيف كان فعمدة ما يصح الاستناد إليه لاثبات المدعى (خصوصا) بالنسبة إلى تحديد مقدار الجواز باللبنة هو الخبر المزبور
وهو كما يدل على جواز الارتفاع بقدر لبنة كذلك يدل على المنع عما زاد عليها كما تقدمت الإشارة إليه انفا ويدل أيضا على المنع عما زاد الصحيحة المزبورة
إذ لا مقتضى لرفع اليد عن ظاهرها بالنسبة إلى الأزيد من اللبنة اللهم الا ان يقال إن ظاهرها الاستواء الحقيقي وهو ليس بواجب اجماعا فيحمل على الاستحباب
ويدفعه ان حمله على الاستواء العرفي الذي لا ينافيه الاختلاف اليسير الذي دل عليه الرواية الأولى أولى من حملها على الاستحباب هذا مع أنه لم يعرف
الخلاف فيه من أحد فإنه وان عبر بعضهم بالعلو المعتد به ولكنه لم يعلم ارادته ما ينافي التحديد باللبنة فليتأمل واستدل المصنف رحمه الله في محكى المعتبر الاستدلال
على المنع عن العلو بما يعتد به بعد ان ادعى ان عليه علمائنا بأنه يخرج بذلك عن الهيئة المنقولة عن صاحب الشرع وفيه انه انما يتجه على القول بأصالة الاحتياط
لدى الشك في الشرطية وهو خلاف التحقيق واضعف منه الاستدلال عليه بمنع اسم السجود عرفا على السجود على المرتفع بأكثر من لبنة فإنه مكابرة محضة خصوصا
في التدريجي كما لا يخفى ثم إنه صرح غير واحد باعتبار عدم كون موضع جبهته اخفض من موقفه بأكثر من لبنة كما يدل عليه موثقة عمار عن الصادق عليه السلام
في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض فقال إذا كان الفراش غليظا قدر اجزه أو أقل استقام له ان يقوم عليه ويسجد على الأرض وإذا كان أكثر
344

من ذلك فلا وما عن المحقق السبزواري من الخدشة فهيا بأنها غير ناهضة بالتحريم كأنه في غير محله فان ظاهره إرادة الجواز والمنع من الاستقامة وعدمها
كما لا يخفى ويشهد له أيضا قوله عليه السلام في الصحيحة المتقدمة وليكن مستويا إذ لا مقتضى لصرفه عن ظاهره فيما زاد على اللبنة ويمكن الخدشة فيه بان المتبادر
منه بقرينة السؤال ليس الا إرادة ما يقابل الارتفاع لا الاستواء حقيقة ولكنه لا يخلو عن تأمل بل منع مع أن في الموثقة المزبورة غنى وكفاية ولا
يعارضها خبر محمد بن عبد الله عن الرضا عليه السلام في حديث انه سأله عمن يصلي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه فقال إذا كان وحده فلا بأس
فإنه لا يأبى عن التقييد بالموثقة مع أن ما فيه من التفصيل بين المنفرد وغيره مما لم ينقل القول به عن أحد فالأولى رد علمه إلى أهله أو حمل ما فيه من التفصيل
بعد تقييده بالموثقة على الاستحباب وحكى عن غير واحد من المتأخرين بل ربما استظهر من الأكثر حيث اقتصروا على المنع عن ارتفاع موضع الجبهة بما يعتد
به جواز انخفاضه مطلقا بل عن التذكرة دعوى الاجماع عليه وهو لا ينهض حجة لاثباته إذ لا اعتداد بنقل الاجماع خصوصا مع معروفية الخلاف
ومعارضته بالموثق فالقول الأول هو الأقوى وحكى عن ابن الجنيد انه خصص جواز مقدار اللبنة في العلو والهبوط بصورة الاضطرار ويضعفه اطلاق ما
دل عليه ولافرق على الظاهر في الارتفاع والانخفاض بين الانحداري والتدريجي لاطلاق ما دل على المنع عنهما فيما عدى ما استثنى والله العالم ثم إن
المعتبر عدم ارتفاع موضع الجبهة أو انخفاضه عن الموقف دون بقية المساجد فلا يقدح ارتفاعه عن شئ منها بأزيد من اللبنة أو انخفاضه كذلك مع عدم
التفاوت بينه وبين موقفه بهذا المقدار كما نسب إلى المعظم بل المشهور بل الأصحاب مشعرا بعدم الخلاف فيه خلافا لما حكى عن ظاهر العلامة في بعض كتبه
والشهيد وبعض من تأخر عنهما فاعتبروا في ظاهر كلامهم على ما نسب إليهم وان لم نتحققه عدم ارتفاعه عن شئ منها بالمقدار المعتد به ولعل مستندهم استظهاره
من خبر عبد الله بن سنان الذي هو الأصل في التحديد باللبنة نظرا إلى أن موضع البدن حال السجود انما هو مواضع المساجد فيعتبر بمقتضى ظاهر الخبران لا يكون
الجبهة ارفع من شئ منها بأكثر من اللبنة وفيه بعد الغض عن أن المتبادر منه إرادة مجلسه حال الرفع عنه فلا يتناول موضع اليدين ان غاية ما يفهم من الخبر
اعتبار عدم ارتفاع موضع الجبهة عن موضع بدنه الذي هو حال السجود مجموع ما يقع عليه مساجده فارتفاعه
عن موضع بدنه على الاطلاق لا يكون الا بارتفاعه
عن مجموع المواضع التي يستقر عليها بدنه لا عن كل موضع منها فان كلا منها بعض من موضع البدن فالمرتفع عن بعض دون بعض خارج عن مفهوم الخبر حتى بالنسبة
إلى المرتفع عن محل الرجلين خاصة فلا يفهم منه المنع عما لو ساوى موضع جبهته ركبتيه وكان موقفه اخفض منه بأكثر من لبنة وانما يستفاد ذلك من غيره كصحيحة
عبد الله بن سنان المشتملة على لفظ المقام ومرسلة الكافي التي وقع فيها التصريح بالرجلين مع أنه بالنسبة إلى موضع القدم مما لا كلام فيه وانما الكلام
فيما عداه والخبر المزبور قاصر عن إفادة اعتبار هذا الشرط بالنسبة إلى مواضع البدن الا على سبيل الاجمال فلا يفيد مدعى الخصم فيما هو محل الكلام فالقول باعتباره
بالنسبة إلى بقية المساجد ضعيف ثم إن المتبادر من النص وفتاوي الأصحاب انما هو إرادة المساواة بين موضع جبهته وموقفه حال السجود فلو كان موقفه
حال القيام أسفل أو أعلى ثم انتقل حين السجود إلى موضع يساوي موضع جبهته صح ولا عبرة على الظاهر بالابهامين بل بان ينحني إلى أن يحاذي جبهته موقفه فلو ادخل
حال السجود مشط قدمه في مكان منخفض بأزيد من لبنة عن الجهة ووضع ابهامه على ذلك المكان لم يقدح لأن مناط حكمهم بالمنع عن السجود على المرتفع على ما ينسبق
إلى الذهن من النصوص والفتاوي انما هو وجوب زيادة الانحناء بحيث يساوي موضع جبهته موقفه ولا يتفاوت انحنائه بذلك كما صرح به غير واحد ولكن الانصاف
انه لا يخلو عن تأمل فان مأله إلى اعتبار المساواة بين موضع الجبهة والركبتين واصل القدمين لا موضعهما الذي حال السجود ليس الا موضع الابهامين
وكون ما عداه مما هو محل للقدم حال القيام أو الجلوس مرتفعا أو منخفضا أو مساويا مع عدم استقرار أعضاء المصلي عليه حال سجوده مما لا دخل له بسجوده
وما في النص وكلمات الأصحاب من التعبير بالمقام أو الموقف بحسب الظاهر جاري مجرى الغالب من وضع الابهامين حال السجود على موقفه في سائر أحوال الصلاة فالمراد
به على الظاهر موضع رجليه حال سجوده وهو محل الابهامين ولكن مع ذلك استفادة المنع عن مثل الفرض من النصوص والفتاوي محل نظر لامكان دعوى
انصرافها عنه بل يصدق عليه عرفا بعد فرض استواء ما عدى موضع ابهاميه ومساواته لموضع جبهته (ان موضع جبهته) مساو لموضع بدنه وليس بأخفض منه فالقول بنفي الباس عنه
أشبه بالقواعد الا ان الاحتياط مما لا ينبغي تركه والله العالم فرع لو وضع جبهته على موضع مرتفع بأكثر من لبنة له ان يرفع رأسه ويسجد على موضع مساو
ولا يتحقق به زيادة السجدة المبطلة كما قد يتوهم فإنه وان لم يشترط في صدق اسم السجود عرفا المساواة بين موضع الجبهة والموقف كما تقدمت الإشارة إليه
ولكن الشارع اعتبر في سجود الصلاة انحنائه إلى هذا الحد بمعنى انه أوجب الوضع الحاصل من الانحناء البالغ إلى هذا الحد فما لم يصل إلى هذا الحد لا يتحقق
السجدة التي جعلها الشارع جزء من الصلاة فرفع الرأس عنه حينئذ ليس الا كالرفع عن الركوع قبل بلوغه إلى حد يتمكن معه من أن يضع يديه على ركبتيه مع أنه
يصدق عليه الركوع عرفا ولكنه ليس بركوع اعتبره الشارع جزء من الصلاة وجعل زيادته عمدا وسهوا مبطلة هذا مع أن الفعل الأول حال وقوعه لا يتصف
بالزيادة ولكنه ليس بمسقط لطلبه لعدم موافقته له فهو باق في عهدة التكليف به فإذا اتى به ثانيا بقصد امتثال امره صح الثاني وصدق على الأول وقوعه زائدا
وما دل على مبطلية الزيادة لا يتناول مثل هذه الزيادة كما ستعرف إن شاء الله في محله ويدل عليه أيضا مضافا إلى الأصل خبر الحسين بن حماد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
اسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع فقال ارفع رأسك ثم ضعه والامر بالرفع لوروده في مقام توهم المنع لا يفهم منه الا الرخصة ولا يعارضه صحيحة معاوية بن
عمار قال قال أبو عبد الله عليه السلام إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ولكن جرها والنبكة كما في المدارك وغيره بالنون والباء الموحدة المفتوحتين واحدة النبك
345

وهي اكمة محددة الرأس وقيل النباك التلال الصغار ورواية أخرى للحسين بن حماد أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له أضع وجهي على حجر أو
على موضع مرتفع أحول وجهي إلى مكان مستو فقال نعم جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه لامكان حملهما على الاستحباب أو حملهما على مرتفع يصح معه
السجود فلا يجوز الرفع حينئذ لاستلزامه الزيادة المبطلة بل يجر جبهته ان أراد مكانا مستويا لتحصيل الفضيلة فما في المدارك من المنع عن الرفع فيما هو محل
الكلام مستدلا عليه بالصحيحة المزبورة بعد المناقشة في الرواية الأولى بضعف السند ضعيف لانجبار ضعف سنده بالشهرة بل عدم معروفية الخلاف في
المسألة عمن عداه وبعض من تأخر عنه واما لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه لنجاسته أو كونه من غير الأرض ونباتها فقد صرح غير واحد من مشائخنا
رضوان الله عليهم بوجوب جر الجبهة وعدم جواز رفعها ووضعها ثانيا على ما يصح السجود عليه لاستلزامه الزيادة المبطلة خلافا لصاحب الحدائق فجوز
الرفع في هذه الصورة أيضا بل نسبه إلى الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه الا من صاحبي المدارك والذخيرة واعترضه في الجواهر بعد ان أوجب الجر في هذه الصورة
بخلاف ما لو سجد على مرتفع بان ما نسبه إلى الأصحاب غير ثابت بل صرح الفاضلان وغيرهما بوجوب الجر ههنا وفرق بين الصورتين بان السجود على المرتفع ليس بسجود عرفا
فالرفع لا يستلزم زيادة السجود بخلاف السجود على النجس ونحوه وقد أشرنا انفا إلى أن التفرقة بينهما بهذا الوجيه غير وجيه فان انكار صدق اسم السجود عرفا على السجود
على المرتفع مكابرة ولذا اعترف شيخنا المرتضى بان السجود عرفا أعم ولكن الذي اعتبره الشارع في الصلاة أخص والبطلان يترتب على زيادة الأخص الذي اعتبره الشارع في
الصلاة لا الأعم كما في الركوع وفرق بين السجود على المرتفع والسجود على النجس ونحوه بما لفظه واما وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه لطهارته وكونه من الأرض فهو امر خارج
عن حقيقة السجود بل هو من شروط المسجد كطهارة مكان المصلي على القول به وليس واجبا من واجبات الصلاة أيضا لعدم كونه فعلا خارجيا من افعال الصلاة وانما هو
شرط من شروط المكان الخاص أعني مكان الجبهة ولذا ذكر ذلك الفقهاء في مقدمات الصلاة فإذا وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه فقد اتى بحقيقة السجدة ووجوب
وضعه على ما يصح انما هو لتحصيل (شرط) المسجد فهذا الوضع الثاني ليس محصلا لمفهوم السجود وانما هو محصل لخصوصية الوضع الحاصل أولا الذي هو السجود والفرق
بين الوضع الثاني المحصل لتساوي المسجد والموقف والوضع الثاني المحصل لكون السجود على ما يصح السجود عليه في كون الأول محصلا للسجود الصلواتي بعد
ان لم يحصل وكون الثاني محصلا لشرطه بعد حصوله هو ان الوضع الثاني في الأول موجد لهيئة أخرى لأصل الانحناء السجودي فهو صورة أخرى من
صورة الانحناء غير الحاصلة أولا والتي لم يكن هي الفعل المأمور به في الصلاة بخلاف الوضع الثاني في الثاني فإنه ليس موجد الهيئة أخرى بل
هو نفس ذلك الفعل الأول وانما يتفاوت بصفة المسجد فنسبة الوضع الثاني في الأول إلى السجود كنسبة الانحناء الزائد على مسمى الانحناء إلى الركوع حيث إنه
يحصل لأجل فعل الركوع ونسبة الوضع الثاني (في الثاني) إليه كنسبة الاستقرار والطمأنينة في الانحناء الركوعي فافهم ذلك انتهى كلامه رفع مقامه أقول
بعد تسليم صدق السجود عرفا على الوضع على المرتفع يشكل التفرقة بين الصورتين فإنه يعتبر في السجود وقوع الجبهة على الأرض بالانحناء فكما ان الشارع اعتبر
في سجود الصلاة حصول الوضع عن انحناء خاص كذلك اعتبر وقوعه على موضع خاص وليس التكليف بتحصيل شرط المسجد عند تحقق أصل السجود
تكليفا مغائرا للتكليف بأصل السجود حتى يسقط الثاني ويبقى الأول كما في الطمأنينة والاستقرار والأذكار الواجبة في الركوع والسجود التي هي افعال
خارجية خارجة عن حقيقتهما بل هو منتزع من الامر بالسجود على الموضع الطاهر فما لم يتحقق هذا المفهوم لم يتحقق السجود الصلاتي (فلا يسقط طلبه بوضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه فلو رفع الرأس عنه وسجد الثانية لا يلزم منه زيادة السجود الصلاتي) كما في الصورة الأولى
وعلى تقدير تسليم الصدق فالذي يتصف بوقوعه زائدا هو الأول الذي لم يكن حين وقوعه موصوفا بهذه الصفة وقد أشرنا إلى أن مبطلية مثل هذه
الزيادة التي نشأت من تدارك المأتى به صحيحا لا يخلو عن نظر فالقول بجواز الرفع في هذه الصورة أيضا لا يخلو عن قوة كما أشار إليه العلامة الطباطبائي
في منظومته بقوله * وواضح الجبهة فيما يمتنع * يجرها جرا ومن رفع منع * فإنه يستلزم الزيادة * وانها تخل بالعبادة * وقيل جاز الرفع إذ لم تسجد
وليس الا صورة التعدد وهو قوي وعلى الفضل حمل أو طلب الأفضل منع قد نقل بناء على ارادته بما يمتنع ما يعم هذه الصوة كما هو الظاهر
لا خصوص السجود على المرتفع وربما يستشهد للجواز أيضا بالخبر المروي عن كتاب الغيبة للشيخ والاحتجاج للطبرسي عن محمد بن أحمد بن داود القمي قال
كتب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدسة يسئل عن المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو
نطع فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها فوقع عليه السلام ما لم يستو جالسا فلا شئ عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة
وفي دلالته على المدعى بعد الغض عن سنده تأمل بل لعله على خلاف المطلوب أدل كما يتضح ذلك بشرح الحديث فأقول يستشعر من الجواب ان الشبهة التي
أوقعته في السؤال استلزام رفع الرأس لطلب الخمرة محذور تعدد السجدة على تقدير صحة الأول فكان السؤال وقع عن انه بعد ان وضع جبهته على ما لا
يصح السجود عليه اشتباها فهل يصح سجوده ويمضي فيه وليس له رفع رأسه لطلب الخمرة لاستلزامه تعدد السجدة أم لا يعتد به فيعيده فقوله إذا رفع رأسه
وجد السجادة شرطية بمعنى ان فاجابه الإمام عليه السلام بان رفع الرأس المنوي به طلب الخمرة ما لم ينته إلى حد الاستواء جالسا غير قادح فيستشعر من
التقييد ان وجه في لقادحية عدم كون الرفع المنوي به تحصيل شرط السجود عند عدم تجاوزه عن قدر الحاجة وانتهائه إلى حد الاستواء جالسا موجبا
لتكرر السجود بل الثاني تكملة للأول لا انه سجدة مستقلة مغائرة للأولى كما لا يبعد مساعدة العرف عليه فعلى هذا تكون الرواية منافية للمدعى وان اقتضت
جواز الرفع في الجملة كما لا يخفى فالانصاف ان الالتزام بجواز الرفع مع عدم كون ما يصح السجود من مقومات اسمه شرعا وعرفا بل هو من الشرائط الاختيارية له
346

لا يخلو عن اشكال فالمنع ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط ثم انا ان منعنا ارفع فهل يختص ذلك بصورة التمكن من الجر كما صرح به في المدارك
وغيره فيه اشكال كما نبه عليه شيخنا المرتضى رحمه الله حيث قال ما لفظه لو تعذر الحجر لاحراز شرط المسجد ففي كلام بعض سادة مشائخنا انه لا كلام في جواز الرفع
حينئذ وفيه اشكال لعدم الدليل على وجوب تدارك الشرط مع لزوم زيادة السجدة ولو فرض كونه شرطا مطلقا فاللازم الحكم بابطال الصلاة لأنه أخل بشرط
مطلق هو كالركن ويلزم من تداركه زيادة سجدة فهو كناسي الركوع إلى أن يسجد انتهى فليتأمل ولو وضع جبهته على حصى ونحوه مما لا يحصل لها كمال
الاستقرار ففي رواية الحسين بن حماد الثالثة انه يرفع رأسه قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسجد على الحصى قال يرفع رأسه حتى يستمكن ولعل المراد
بها ما إذا لم يحصل معه الاعتماد الذي يتوقف عليه حصول مسمى السجود والا فيشكل الاعتماد عليها إذ لم ينقل القول بمضمونها عن أحد هذا مع معارضتها
بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته من الأرض فقال يحرك جبهته فينحى الحصى عن جبهته ولا
يرفع رأسه مضافا إلى عمومات المنع عن الزيادة ولو كانت الرواية المزبورة ناهضة للحجية لاتجه الجمع بينها بتخصيص العمومات وحمل الصحيحة على
الاستحباب فإنه أولى من حمل الرواية على ما تقدمت الإشارة إليه ولكنها غير ناهضة لذلك فالأولى رد علمها إلى أهله هذا كله في خصوص رفع
الجبهة واما بقية المساجد فلا ينبغي الارتياب في نفي البأس عن رفعها عمدا فضلا عما لو كان سهوا أو لضرورة كما لو وقعت على المرتفع وقلنا بعدم
جوازه إذ لا مقتضى للمنع عنه إذ لا يتأتي فيه شبهة زيادة السجدة ضرورة عدم تعدد السجود عرفا وشرعا بتكرر وضع سائر المساجد مع اتحاد الوضع
في الجبهة نعم قد يتوهم كون رفعها ووضعها ثانيا زيادة في الصلاة وان لم يصدق عليه زيادة السجود فلا يجوز مع العمد ويدفعه ان الرفع
ليس بعنوان الجزئية للصلاة كي يصدق عليه اسم الزيادة واما وضعها ثانيا فلتحصيل شرط السجود فهو واجب في القدر الواجب من السجود ومستحب في مستحبه
فلا يعد مثله زيادة وليس فعل الرفع من حيث هو فعلا كثيرا كي يتوهم البطلان من هذه الجهة وصيرورة جزء السجود الواقع حاله لغوا أيضا غير قادح
بعد امكان تداركه ويشهد له مضافا إلى ما ذكر ما عن قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته
عن الرجل يكون راكعا أو ساجدا فيحكه بعض جسده هل يصلح له ان يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحكه مما حكه قال لا بأس إذا شق عليه ان يحكه والصبر
إلى أن يفرغ أفضل فما نقله في الجواهر عن بعض مشائخ عصره من التوقف في ذلك أو الجزم بالبطلان في غير محله وليعلم ان ما ذكر من أنه يعتبر
في السجود ان ينحني حتى يساوي موضع جبهته موفقه الا ان يكون علوا يسيرا انما هو مع الامكان لا مطلقا فان عرض ما يمنع عن ذلك اقتصر على
ما يتمكن منه وان افتقر إلى رفع ما يسجد على وجب وان عجز عن ذلك كله اومأ ايماء كما عرفت ذلك كله في مبحث القيام والركوع الواجب
الرابع الذكر فيه وقيل يختص بالتسبيح كما قلناه في الركوع يعني كما اخترناه في الركوع فإنه أوجب في الركوع التسبيح ونسب كفاية مطلق الذكر
إلى القيل ثم قال وفيه تردد وقضية ذلك التردد فيه في السجود أيضا لاتحاد البحث فيهما خلافا واستدلالا ومختارا كما صرح به في المدارك
وغيره مع أن سوق التعبير يعطي التزامه بكفايته في المقام حيث نسب الاختصاص إلى القيل مشعرا بعدم كونه مرضيا لديه فيحتمل ان لا يكون غرضه من التشبيه
التنظير بل بيان اختياره له في بحث الركوع ويحتمل ان يكون معنى العبارة كما نقلناه اي الخلاف الواقع فيه في مبحث الركوع وكيف كان فيظهر تحقيق
المقام مما أسلفناه في الركوع كما أنه يظهر مما مر الاختلاف بين صورة التسبيحة الكبرى الواردة في السجود وبينها في الركوع بابدال لفظ العظيم بالأعلى
فراجع الواجب الخامس الطمأنينة فيه بقدر الذكر الواجب الا مع الضرورة المانعة بلا خلاف فيه على الظاهر بل ادعى غير واحد
الاجماع عليه كصاحبي المدارك والذخيرة ففي المدارك قال اما وجوب الطمأنينة فيه بقدر الذكر الواجب فهو قول علمائنا أجمع ويدل عليه
مضافا إلى التأسي روايتا حريز وزرارة المتقدمتان انتهى واعترضه بعض من تأخر عنه بان التأسي لا يصلح دليلا على الوجوب كما اعترف به
في غير مقام واما ما ذكره من الروايتين المشار اليهما فلم تتقدما في كلامه انتهى وفي الذخيرة أيضا صرح بأنه قول علمائنا أجمع وكيف كان فهو بحسب
الظاهر مما لا خلاف فيه ويدل عليه في الجملة مضافا إلى الاجماع جملة من الأخبار المتقدمة في الركوع ويؤيده أيضا خبر الهذلي المروي عن أربعين
الشهيد عن علي بن الحسين عليهما السلام قال فإذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر كنقر الديك وفي صحيح علي بن يقطين المتقدم في ذكر الركوع
ويجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض والخدشة في دلالتهما بعدم الملازمة بين استقرار الجبهة والطمأنينة المفسرة بسكون سائر
الأعضاء لا خصوص الجبهة يمكن دفعها بان المتبادر من الخبرين ارادته مع الطمأنينة على حسب ما هو المتعارف في السجود هذا مع أنه لا ينبغي الالتفات
إلى قصور الاخبار سند أو دلالة بعد وضوح الحكم وعدم الخلاف فيه وقد حكى عن الشيخ في الخلاف القول بركنيتها كما حكى عنه القول بركنية الطمأنينة
في الركوع والاعتدال منه مدعيا عليه الاجماع وقد أشرنا إلى ضعفه فيما مرو ما ادعاه من الاجماع موهون بمصير المشهور إلى خلافه بل خلافه
هو مظنة الاجماع ومن هنا احتمل في محكى الذكرى ان يكون مراده بالركن خلاف معناه المصطلح فإنه على ما حكى عنه بعد ان نقل ذلك عن الشيخ
في السجدتين والاعتدال من الأولى منهما قال ولعله في هذه المواضع بريد بالركن مطلق الواجب لأنه حصر الأركان بالمعنى المصطلح عليه في
الخمسة المشهورة وكيف كان فوجوبها بقدر الذكر الواجب مما لا تأمل فيه بعد انعقاد الاجماع عليه وهل يجب الطمأنينة بهذا المقدار من حيث هي
347

أو مقدمة للذكر الواجب فتسقط الزائد عن مسماها المعتبر في أصل السجود بسقوط الذكر وجهان ظاهر المحكى عن الروض الأول حيث قال ولو لم يعلم
الذكر وجبت بقدره وربما تبعه في ذلك بعض من تأخر عنه ولا ريب في أنه أحوط ولكن الأقوى خلافه إذ لا دليل على وجوب بقائه ساجدا بقدر
الذكر عند سقوطه فضلا عن الطمأنينة فيه فمقتضى الأصل براءة الذمة عنه نعم ان قلنا بوجوب عقد القلب بالذكر عند تعذر لفظه كما ليس
بالبعيد يجب عليه ان يتصوره وهو ساجد على حسب ما كان يتلفظ به على تقدير التمكن منه واما مع الضرورة فيسقط اعتبارها في السجود جزما ولا يسقط
بسقوطها لذكر الواجب فيه لاطلاق أدلته المقتصر تقييدها بالطمأنينة على القدر المتيقن الذي انعقد الاجماع عليه وهو صورة التمكن مضا إلى قاعدة الميسور
ونحوه وما عن جامع المقاصد من التردد فيه في غير محله اللهم الا ان يكون مراده بالطمأنينة البقاء ساجدا لا سكون أعضائه كما يلوح ذلك من عبارته المحكية عنه
حيث قال ولو تعذرت فهل يسقط وجوب الذكر أم يأتي به على حسب مقدوره فيه تردد فان التعبير بالاتيان على حسب مقدوره يفصح عن أن مراده ما لو لم يتمكن
من البقاء ساجدا بقدر الذكر فعلى هذا يكون تردده في محله إذ الذكر لم يجب الا في السجود وقد فرض الاتيان به فيه متعذرا ولكن الأظهر فيه أيضا في لسقوط
لأن الاتيان بالذكر حال تلبسه بالسجود وان كان شروعه فيه قبل استقرار جبهته على الأرض أو اتمامه حين الرفع منه يعد عرفا ميسوره الذي لا يسقط بمعسوره و
الأحوط الاخذ فيه عند وصول جبهته إلى الأرض واتمامه حال الرفع لا العكس الا إذا تعذر عليه ذلك ولم يتمكن من التلبس بالذكر حال سجوده الا بالاخذ فيه
من حين هويه فيأتي به على حسب مقدوره على وجه لا يعد لدى العرف أجنبيا عن الذكر فيه بل ميسوره والله العالم الواجب السادس رفع الرأس
من السجدة الأولى حتى يعتدل مطمئنا وهو مذهب علمائنا كافة كما اعترف به في الحدائق وغيره بل عن جملة من الأصحاب دعوى الاجماع عليه وحكى عن بعض المخالفين
انكاره قال في محكى الخلاف رفع الرأس من السجود ركن والاعتدال جالسا مثل ذلك لا تتم الصلاة الا بهما وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة القدر الذي يجب ان يرفع
ما يقع عليه اسم الرفع ولو رفع بمقدار ما يدخل السيف بين وجهه وبين الأرض اجزئه وربما قالوا الرفع لا يجب أصلا فلو سجد ولم يرفع حتى حفر تحت جبهته حفرة
فحط جبهته إليها اجزئه دليلنا اجماع الفرقة انتهى فكان المدار عندهم على صدق اسم تعدد السجود فلا عبرة برفع الرأس منه من حيث هو وهذا خلاف ظاهر علمائنا فإنه
يظهر منهم ان رفع الرأس منه حيت يستوي جالسا معتبر في الصلاة لا لتوقف تعدد السجود عليه به من حيث هو أو لوجوب الجلوس بين السجدتين المتوقف عليه وكيف كان
فيدل على ما ذهب إليه علمائنا مضافا إلى اجماعهم عليه قوله صلى الله عليه وآله في النبوي المتقدم في الركوع ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما
وفي صحيحة حماد ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال الله أكبر وفي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام وإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع
مفاصلك وإذا سجدت فاقعد مثل ذلك وإذا كنت في الركعة الأولى والثانية فرفعت رأسك من السجود فاستتم جالسا
حتى ترجع مفاصلك وفي خبر إسحاق بن عمار
الحاكي للأول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله عن أبي الحسن موسى عليه السلام ثم قال له يا محمد اسجد لربك فخر رسول الله صلى الله عليه وآله ساجدا فقال له قل سبحان ربي الأعلى
وبحمده ففعل ذلك ثلاثا فقال استو جالسا يا محمد ففعل الحديث ثم إن تقييد وجوب رفع الرأس بكونه من السجدة الأولى انما هو لكونه محلا للكلام بين الخاصة
والعامة كما سمعت واما الرفع من الثانية فلم ينازع فيه منازع ولا يتوهم أحد جواز الاخلال به كي يحتاج إلى البيان فإنه مما لابد منه ضرورة امتناع ايجاد سائر افعال
الصلاة بدونه فهو أيضا واجب مقدمة لسائر الافعال فلم يقصد بالتقييد الاحتراز بل بيان الموضوع الذي وقع الكلام في حكمه والله العالم وفي وجوب
التكبير للاخذ فيه والرفع منه تردد كما في التكبير للركوع لاتحاد البحث في الجميع دعوى ودليلا وان كان الأظهر في الجميع الاستحباب كما يظهر مما مر في الركوع
فلاحظ ويستحب فيه ان يكبر للسجود قائما كما هو المشهور بل عن المعتبر نسبة إلى فتوى الأصحاب وعن المنتهى إلى علمائنا المشعرين باجماعهم عليه ويشهد له صحيحة
حماد الحاكية لفعل الصادق عليه السلام قال ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه ثم سجد وصحيحة زرارة أو حسنة أبي جعفر عليه السلام قال إذا أردت
ان تركع وتسجد فارفع يديك وكبر ثم اركع واسجد إذ المتبادر منه ارادته قبل الاخذ في هويهما اللهم ان يقال إنه مسوق لبيان مشروعية التكبير قبلهما فلا
ينافيه وقوعه حال الهوى فليتأمل وكيف كان فالعمدة لاثبات المدعي هي الصحيحة الأولى المعتضدة بما عرفت ولكن قد يعارضها خبر المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سمعته يقول كان علي بن الحسين إذا هوى ساجدا انكب وهو يكبر وحمله على ارادته في غير سجود الصلاة أو صدوره منه أحيانا لبيان
الجواز الغير المنافي لمرجوحيته بالإضافة خلاف سوق التعبير بل ظاهره استقرار عادته عليه فيكشف ذلك عن رجحانه ويؤيده قوله عليه السلام في صحيحة
زرارة ثم ترفع يديك بالتكبير وتخر ساجدا وفي صحيحته الأخرى فإذا أردت ان تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا فإنه مشعر بإرادة الهوى حين
تلبسه بالتكبير لا بعد الفراغ منه واستجود في الحدائق الجمع بين الاخبار بالحمل على التخيير وأيده بما حكاه عن الشيخ في الخلاف من أنه خير في هذا التكبير بين
الاتيان به قائما أو في حال الهوى ويشكل ذلك بان مداومة الإمام عليه السلام على الاتيان به في حال الهوى كما انها تنفي المرجوحية كذلك تنافي المساواة
بل مقتضى المواظبة عليه كما يستشعر من سوق التعبير كونه أرجح من الاتيان به قائما وهو خلاف ظاهر الصحيحتين الأولتين المعتضدتين بما عرفت فالأولى
رد علم هذا الخبر إلى أهله والاخذ بما اشتهر بين الأصحاب لقصوره عن المكافئة مع عدم وضوح دلالته على المدعى إذ لا يظهر منه ان التكبير الذي كان
يأتي به حال الهوى هو التكبير المعهود الموظف الذي فهم من الصحيحتين استحبابه فمن الجائز انه عليه السلام كان يكبر عند إرادة السجود وحين هويه أيضا كان يكبر اما من باب
ان ذكر الله حسن على كل حال أو لخصوصية أخرى مقتضيه له كما لا يخفى واما الصحيحتان الأخيرتان فغايتهما الاشعار على تأمل فيه أيضا فضلا عن الدلالة فلا
348

تنهضان لمعارضة ما عرفت فالأظهر ما هو المشهور من استحباب الاتيان به قائما فلو كبر هاويا فقد ترك الأفضل ولكنه جائز كما صرح به في محكى الذكرى
وغيره لاطلاق بعض ما دل عليه كالصحيحتين الأخيرتين وعدم المقتضى لتقييده بما قبل الهوى كما أوضحناه مرارا في نظائر المقام من المستحبات فلاحظ وحكى عن
العماني القول بأنه يبدء بالتكبير قائما ويكون انتهائه بالتكبير مع مستقره ساجدا ولعل مستنده الخبر المزبور وفيه مع ما عرفت انه لا ينطبق على هذا القول إذ
لا شهادة فيه على الامتداد المزبور ويستحب التكبير للسجدة الثانية أيضا قبل الاخذ في هويها وللرفع من الأولى بل وكذا من الثانية بعد ان يستوي جالسا
كما يدل عليه فيما عدى الأخير صحيحة حماد ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال الله أكبر ثم قعد على جانبه الأيسر ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن
قدمه اليسرى وقال استغفر الله ربي وأتوب إليه ثم كبر وهو جالس وسجد الثانية وقال كما قال في الأولى الحديث واما الأخير فقد صرح به جملة من
الأصحاب ولعله كاف في اثباته من باب المسامحة ويمكن الاستشهاد له بما ارسله السيد في محكى المصباح من أنه قال روى أنه إذا كبر للدخول في فعل من افعال
الصلاة ابتدء بالتكبير حال ابتدائه وللخروج بعد الانفصال عنه إذ الظاهر أن المراد بابتدائه حين الاخذ في الهوى وبالانفصال عنه بعد ان استوى جالسا
وكفى به دليلا في مثل المقام من باب المسامحة ولا ينافيه في لالتزام بما تضمنه صدره لأجل معارضته بالاخبار المعتبرة التي تقدمت الإشارة إليها لأجل
معارضته بما عرفت مما دل على أنه يستحب ان يكبر قائما ثم يهوى للسجود كما لا يخفى ويستحب أيضا ان يكون سابقا بيديه إلى الأرض كما يشهد له ما عن
الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال رأيت أبا عبد الله عليه السلام يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد وإذا أراد ان يقوم رفع ركبتيه قبل يديه وعن محمد بن مسلم قال
سئل عن الرجل يضع يديه على الأرض قبل ركبتيه قال نعم يعني في الصلاة وعن الحسين بن أبي العلاء قال سألت عن الرجل يضع يديه قبل ركبتيه في الصلاة
قال نعم وعن الصدوق بأسناده عن طلحة السلمي انه سئل أبا عبد الله عليه السلام لأي علة توضع اليدان على الأرض في السجود قبل الركبتين فقال لأن اليدين هما
مفتاح الصلاة وفي صحيحة زرارة الطويلة إذا أردت ان تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا وابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك
تضعهما معا ولا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعيه ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ولكن تجنح بمرفقيك ولا تلزق كفيك بركبتيك ولا
تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا وابسطهما على الأرض بسطا واقبضهما إليك
قبضا وان كان تحتهما ثوب فلا يضرك وان أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك ولكن ضمهن جميعا ورواية حفص
الأعور عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان علي عليه السلام إذا سجد يتخوى كما يتخوى البعير الضامر يعني بروكه فان المنساق إلى الذهن من تفسيره بروكه إرادة وضع اليدين على الأرض
قبل الركبتين ولعله لذا عبر عن هذا المستحب في الذكرى على ما حكى عنه بالتخوية والا فالتخوية على ما يظهر من كلمات اللغويين هو التجافي والتجنح فعن ابن الأثير
في نهايته قال فيه اي في الحديث انه كان إذا سجد خوى اي جافى بطنه عن الأرض ورفعه وجافى عضديه عن جنبيه حتى يخوى ما بين ذلك ومنه حديث
علي عليه السلام إذا سجد الرجل فليتخو وإذا سجدت المرأة فلتحتفز وفي القاموس خوى في سجوده تخوية تجافى وفرج بين عضديه وجنبيه انتهى ويحتمل ان يكون
المراد بالرواية المزبورة أيضا هذا المعنى إذ البعير الضامر يتجافى في بروكه هذا مع أن التفسير بحسب الظاهر من الراوي فلا وثوق بفهمه كما أنه قد يؤيد
إرادة هذا المعنى منه ما رواه في الوسائل عن صاحب الصحاح قال وفي الحديث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إذا صلت المرأة فلتحتفز اي تتضام
إذا جلست وإذا سجدت ولا تتخوى كما يتخوى الرجل إذ الظاهر أن المراد به بقرينة المقابلة انما هو إرادة التجنح والتجافي وكيف كان فالامر سهل بعد
شهادة اخبار معتبرة باستحباب كل منها للرجل بخلاف المرأة فإنها إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود وبالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة للأرض
كما في صحيحة زرارة الأخرى مضافا إلى شهادة الخبر المتقدم أيضا عليه ويفهم من الصحيحة الطويلة جملة من الأمور المسنونة في السجود فلاحظ وحكى عن ظاهر الصدوق في الأمالي
القول بوجوب وضع اليدين قبل الركبتين وعدم جواز العكس ولعله لظاهر الامر بوضع اليدين قبل الركبتين في الصحيحة المتقدمة وفيه بعد تسليم ظهور
الامر المتعلق به في الوجوب انه يتعين صرفه عن هذا الظاهر جمعا بينه وبين موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس إذا صلى الرجل ان يضع ركبتيه
على الأرض قبل يديه وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل إذا ركع ثم رفع رأسه يبدء فيضع يديه على الأرض أم ركبتيه
قال لا يضره باي ذلك بدء هو مقبول منه وأن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه لقوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان أو حسنته المتقدمة سابقا
وليكن مستويا أو اخفض كما صرح به غير واحد وعلل بأنه ادخل في الخضوع وفيه ما لا يخفى فيشكل الالتزام به مع مخالفته لظاهر الامر بالاستواء
فليتأمل وان يرغم انفه حال سجوده بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن جملة من الأصحاب دعوى الاجماع عليه ويدل عليه جملة من الاخبار منها قوله عليه السلام
في صحيحة حماد ووضع الانف على الأرض سنة وهو الادغام وفي صحيحة زرارة وترغم بأنفك ارغاما إلى أن قال واما الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى الله عليه وآله
وموثقة عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال قال علي عليه السلام لا يجزي صلاة من لا يصيب انفه ما يصيب جبينه ومرسلة ابن المغيرة قال أخبرني من سمع أبا عبد
الله عليه السلام يقول لا صلاة لمن لم يصب انفه ما يصيب جبينه وظاهر الخبرين الأخيرين الوجوب ولكنه يتعين صرفهما عن ذلك جمعا بينهما وبين غيرهما من
النصوص الظاهرة أو الصريحة في نفيه كخبر محمد بن مصادف قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول انما السجود على الجبهة وليس على الانف سجود و
الصحيحتين المتقدمتين اللتين وقع فيهما التصريح بأنه سنة فان ظاهرهما إرادة الندب والأخبار الدالة على أن ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف
349

مسجد فما أصاب الأرض منه فقد أجزأك فإنها مشعرة في انحصار ما يعتبر السجود عليه من الوجه بالجبهة إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيدات مضافا إلى
ما عن غير واحد من دعوى الاجماع عليه فما عن ظاهر الصدوق وفي الفقيه والهداية من القول بوجوبه ضعيف وهل يتوقف تأدية السنة على وضع
طرف الأنف الاعلى وهو مما يلي الحاجبين أو الأسفل أو يتأتي بوضع شئ من الانف على الأرض مطلقا احتمالات بل أقوال فعن السيد في جمل العلم والعمل
والحلي في السرائر الأول وعن ابن الجنيد الثاني ونسب إلى الأكثر الثالث ومستند الأخير اطلاق النصوص الدالة عليه ولا يبعد ان يدعى ان المتبادر
من المطلقات إرادة وضع طرف الأنف الأسفل الذي من شانه الوصول إلى الأرض حين السجود فالقول بتعينه كما حكى عن ابن الجنيد غير بعيد الا ان يدعى
ان انصرافها بدوي منشأه غلبة الوجود وكيف كان فمراعاته أحوط واما القول بتعين الطرف الأعلى فلم يتضح مستنده ولعله لخبر عبد الله بن الفضل عن أبيه المروي
عن العيون في حديث طويل انه دخل على أبي الحسن موسى عليه السلام قال فإذا انا بغلام اسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين انفه من كثرة السجود
والعرنين على ما قيل طرف الأنف الاعلى وفيه بعد تسليم سنده انه لا يدل على تعينه ثم إن معنى ارغام الانف لغة كما صرح به غير واحد الصاقه
ووضعه على الرغام بالفتح وهو التراب ولكن حكى عن جملة من الأصحاب التصريح بان السنة تتأدى بوضع الانف على مطلق ما يصح السجود عليه بل
ربما يستشعر من بعضهم كونه مفروغا عنه مثل ما عن الروض قال الارغام بالأنف هو الصاقه بالرغام وهو التراب والمراد هنا السجود عليه
ووضعه على ما يصح السجود عليه وفي المسالك الارغام بالأنف هو السجود عليه مأخوذ من الرغام بفتح الراء وهو التراب وتتأدى السنة بوضعه
على ما يصح السجود عليه وان كان التراب أفضل انتهى وربما يؤيد ذلك وقوع التعبير عنه في صحيحة حماد بوضع الانف على الأرض التي هي أعم من
التراب ويؤيده أيضا بل يشهد له قوله عليه السلام في المرسل المتقدم لا صلاة لمن لم يصب انفه ما يصيب جبينه وفي الموثق المتقدم لا يجزي صلاة لا
يصيب الانف ما يصيب الجبين وحملهما على إرادة خصوص التراب بعيد وربما يشهد له أيضا معهودية الخمرة في عصر النبي والأئمة عليه وعليهم السلام
وتعارفه لديهم كما يظهر ذلك من الاخبار المروية من طرق الخاصة والعامة ففي بعض الأخبار انها سنة وفي خبر حمران عن أحدهما قال كان أبي يصلي على
الخمرة يجعلها على الطنفسة والخمرة على ما ذكروه في تفسيرها هي سجادة صغيرة معمولة من السعف فيكشف ذلك عن أن السنة كانت تأدي به والا يلزمه مواظبتهم
على ترك هذه السنة وهو بعيد فما ذكروه من تأدية السنة بوضع الانف على مطلق ما يصح السجود عليه هو الأظهر بل في الحدائق حكى عن بعض مشائخه
المتأخرين انه احتمل الاكتفاء بما يقع عليه سائر المساجد وهو غير بعيد ولكنه خلاف ما يقتضيه الجمود على ظواهر النصوص والفتاوي فيشكل التعبد
به والله العالم ويظهر من بعض الأصحاب ان الارغام بالأنف غير السجود على الانف وانهما سنتان فعن شيخنا البهائي في تفسير حديث حماد من كتاب
الأربعين أنه قال وما تضمنه الحديث من سجوده على الانف الظاهر أنه سنة مغايرة للارغام المستحب في السجود فإنه وضع الأنف على الرغام بفتح الراء وهو
التراب والسجود على الانف كما روى عن علي عليه السلام لا يجزي صلاة لا يصيب الانف ما يصيب الجبين يتحقق بوضعه على ما يصح السجود عليه وان لم يكن ترابا وفيه ان سوق
التعبير الصادر عن الإمام عليه السلام الذي نقله عنه حماد في هذه الصحيحة على ما رواه في الكافي وهو قوله
عليه السلام سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله تعالى
في كتابه فقال وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا وهي الجبهة والكفان والركبتان والابهامان ووضع الانف على الأرض سنة مشعر بأنه ليس على الانف
سجود كما وقع التصريح به في خبر ابن مصادف المتقدم وان المقصود بهذه العبارة ليس الا ما اراده أبو جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة بقوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله السجود
على سبعة عظم الجبهة واليدين والركبتين والابهامين من الرجلين وترغم بانفك ارغاما اما الفرض فهذه السبعة واما الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى الله عليه وآله واما
اطلاق اسم السجود عليه في كلام حماد حيث قال فسجد على ثمانية أعظم فلا عبرة به كي يستكشف منه استحبابه بعنوان كونه سجودا لا ارغاما للأنف كما لا يخفى نعم
لو قيل بان اصابه الانف لما يصيبه الجبين مستحب مستقل جمودا على ما يتراءى من الخبرين المتقدمين لا يخلو عن وجه وان كان الأوجه جعل الجميع عبائر مختلفة عن
حكم واحد فيستكشف من اختلافها عدم مدخلية بعض الخصوصيات في الحكم وان السنة تتأدى بوضع الانف على جنس ما يقع عليه الجبهة لا شخصه فليتأمل و
يستحب ان يدعو في السجود امام التسبيح باجماع العلماء كما عن المعتبر والمنتهى وكفى به دليلا لمثله وينبغي ان يكون بما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام
قال إذا سجدت فكبر وقل اللهم لك سجدت وبك امنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره الحمد لله رب العالمين
تبارك الله أحسن الخالقين ثم قل سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات بل الظاهر عدم اختصاص استحبابه بما ذكر بل يستحب الدعاء في السجود مطلقا للدين والدنيا كما يقتضيه
اطلاق المتن ويشهد له جملة من الاخبار الحاكية للقول أو الفعل ففي الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وهو ساجد أسئلك بحق حبيبك محمد الا بدلت
سيئاتي حسنات وحاسبني حسابا يسيرا ثم قال في الثانية أسئلك بحق حبيبك محمد الا كفيتني مؤنة الدنيا وكل هول دون الجنة وقال في الثالثة أسئلك بحق
حبيبك محمد صلى الله عليه وآله لما غفرت لي الكثير من الذنوب والقليل وقبلت من عملي اليسر وقال في الرابعة أسئلك بحق حبيبك محمد صلى الله عليه وآله لما أدخلتني الجنة وجعلتني من سكانها
ولما نجيتني من سعفات النار أقول عن الجوهري سعفته النار والسموم إذ الفحته لفحا يسيرا فغيرت لون البشرة وعن زيد الشحام عن أبي جعفر عليه السلام قال ادع
في طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد يا خير المسؤولين ويا خير المعطين ارزقني وارزق عيالي من فضلك فإنك ذو الفضل العظيم وعن بعض النسخ من فضلك الواسع
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه وربما يظهر من بعضها ان استحبابه فيه لا لكونه من الأجزاء المستحبة بل لكونه أقرب ما يكون العبد إلى الله ففي خبر عبد الله المروي
350

عن الكافي قال شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام تفرق أموالنا وما دخل علينا فقال عليك بالدعاء وأنت ساجد فان أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد قال قلت
فادعو في الفريضة واسمى حاجتي فقال نعم قد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء ابائهم وفعله علي عليه السلام بعده وان يزيد على التسبيحة الواحدة
المجزية بما تيسر على حسب ما عرفته في الركوع وان يدعو بين السجدتين ففي صحيحة الحلبي المتقدمة وإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين اللهم اغفر لي و
ارحمني واجرني وادفع عني إني لما أنزلت إلى من خير فقير تبارك الله رب العالمين وعن الفقه الرضوي وقل بين سجدتيك اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني
فانى لما أنزلت إلى من خير فقير وفي صحيحة حماد ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال الله أكبر وقال استغفر الله ربي وأتوب إليه ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة
الثانية الحديث ولا يخفى عليك ان استفادة استحباب مطلق الدعاء من مثل هذه الأخبار المتضمنة لأدعية مخصوصة كما هو ظاهر المتن وغيره لا يخلو عن اشكال
ولكن نسبه في في المعتبر إلى فتوى الأصحاب وعن التذكرة دعوى الاجماع عليه ولعله كاف في اثباته من باب المسامحة والله العالم وان يقعد متوركا بينهما كما صرح به
المصنف وغيره بل عن التذكرة دعوى الاجماع عليه وهو على ما فسره الشيخ ومن تأخر عنه على ما حكى عنهم ان يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا من
تحته وجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمني على باطن قدمه اليسرى ويفضي بمقعدته إلى الأرض وعن السيد في المصباح أنه قال يجلس
مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى للأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر وينصب طرف ابهام رجله اليمنى على الأرض ويستقبل بركبتيه
القبلة وحكى عن غيره أيضا في تفسير كلمات يشبه بعضها بعضا ولم يظهر من شئ منها مخالفته لما حكى عن الشيخ في تفسيره نعم حكى عن ابن الجنيد أنه قال
في الجلوس بين السجدتين انه يضع ألييه على بطن قدميه ولا يقعد على مقدم رجليه وأصابعهما ولا يقعى اقعاء الكلب ولكنه بحسب الظاهر مخالف في أصل
الحكم لا في تفسير التورك والا فقد حكى عنه في تورك التشهد أنه قال يلزق ألييه جميعا ووركه الأيسر وظاهر فخذه الأيسر بالأرض فلا يجزيه غير ذلك
ولو كان في طين ويجعل باطن ساقه الأيمن على رجله اليسرى وباطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر ويلصق طرف ابهام رجله اليمنى مما يلي طرفها
الأيسر بالأرض وباقي أصابعها عاليا عليها ولا يستقبل بركبتيه جميعا القبلة انتهى وهذه العبارة بل وكذا عبارة السيد وان اشتملت على خصوصيات لم
يعتبرها الشيخ واتباعه في تفسيره لكنها خصوصيات فلما تتخلف عما ذكروه كما أن بعض الخصوصيات التي ذكروه ككون الجلوس على وركه الأيسر ونحوه بحسب
الظاهر من قبيل بيان المراد لا كشف مدلول اللفظ من حيث هو والا فمفهوم التورك بحسب الظاهر أعم من ذلك وكيف كان فالعبرة بالكيفية الواردة
في الأخبار الدالة عليه لا بصدق اسم التورك لعدم وقوع هذه اللفظة في أدلته ففي صحيحة حماد قال ثم قعد على فخذه الأيسر قد وضع قدمه الأيمن على
باطن قدمه الأيسر وقال استغفر الله ربي وأتوب إليه ثم كبر وهو جالس وفي صحيحة زرارة الطويلة في صفة الجلوس في التشهد فإذا قعدت في تشهدك
فالصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى واليتك على الأرض
وطرف ابهامك اليمنى على الأرض وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكون قاعدا على الأرض فتكون انما قعد بعضك على بعض فلا تصبر
للتشهد والدعاء فكان ما ذكروه في تفسير التورك تعبير عن الكيفية المستفادة من هذين الخبرين بالتنبيه على بعض لوازمه وان لا يخلو بعضها عن مناقشة
فليتأمل تنبيه صرح في الحدائق باستحباب التورك في جلسة الاستراحة أيضا بل ربما يستشعر منه انه مفروغ عنه لديهم وربما يؤيده ما عن ظاهر غيره من استحبابه
في ساير جلوس الصلاة من غير فرق بين التشهد وغيره كما أن ظاهرهم انه على هيئة واحدة في الجمع كما يؤمي إلى ذلك ما عن بعضهم من الاستدلال لأصل
التورك وكيفيته في المقام بصحيح التشهد وربما يؤيد استحبابه في سائر جلوس خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال إذا جلست في الصلاة فلا
تجلس على يمينك واجلس على يسارك مع كون المقام مقام المسامحة واما ما في خبر أبي بصير المروي عن زيادات التهذيب عن الصادق عليه السلام قال و
لا تنقضن أصابعك ولا تورك فان قوما قد عذبوا بنقض الأصابع والتورك في الصلاة فلعله أريد به معنى غير المعنى المزبور وكيف كان فلا بد من
رد علمه إلى أهله بعد عدم وضوح المراد منه ومخالفة ظاهره لفتوى الأصحاب ومعارضته في جلوس التشهد وما بين السجدتين الذين هما العمدة في جلوس
الصلاة بالصحيحتين المتقدمتين كما لا يخفى ثم إن استحباب التورك في جلوس الصلاة انما هو للرجل كما صرح به في الجواهر وغيره واما المرأة فتجلس
على أليتيها رافعة لركبتيها من الأرض كما ورد في صحيحة زرارة المروية عن الكافي قال إذا قامت المرأة في الصلاة إلى أن قال فإذا جلست فعلى أليتيها
ليس كما يقعد الرجل وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود وبالركبتين قبل اليدين ثم تجسد لاطئة بالأرض فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها
ورفعت ركبتيها من الأرض الحديث وعن التهذيب نحوها الا انه اسقط لفظ ليس من قوله ليس كما يقعد الرجل ولعله من سهو القلم كما نبه عليه
في محكى الذكرى حيث قال ولفظ ليس موجود في الكافي وفي التهذيب فعلى أليتيها كما يقعد الرجل وهو سهو من الناسخين وسرى هذا السهو في
التصانيف كالنهاية للشيخ وغيرها ثم قال وهو كما لا يطابق المنقول في الكافي لا يطابق المعنى إذ جلوس المرأة ليس كجلوس الرجل لأنها في جلوسها
تضم فخذيها وترفع ركبتيها من الأرض بخلاف الرجل فإنه يتورك وكذا يستحب لأن يجلس عقيب السجدة الثانية مطمئنا ويسمى ذلك بجلسة الاستراحة
واستحبابها مشهور بين الأصحاب بل عن بعض دعوى الاجماع عليه وحكى عن السيد القول بوجوبها محتجا عليه بالاجماع والاحتياط و
ربما استظهر هذا القول من غير واحد من القدماء كالصدوق والإسكافي وابن أبي عقيل وعن كاشف اللثام الميل إليه وفي الحدائق تقويته لظاهر الامر
351

الوارد في موثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا رفعت رأسك في السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريد ان تقوم فاستو جالسا ثم قم
وفي المدارك بعد ان نقل عن العلامة في المختلف الاحتجاج له بالخبر المزبور قال وهو معارض بما رواه الشيخ عن زرارة قال رأيت أبا جعفر (ع) وأبا عبد
الله (ع) إذا رفعا رؤسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا والسندان متقاربان ثم قال ويدل على الاستحباب مضافا إلى ما سبق صحيحة عبد الحميد بن
عواض انه رأى أبا عبد الله عليه السلام إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئن ثم يقوم انتهى وقد تعجب صاحب الحدائق من
قوله ويدل على الاستحباب مضافا إلى ما سبق الخ فان فعله عليه السلام أعم من الوجوب والاستحباب (فكأنه غفل عن أن الاستدلال عليه بهذا الخبر كالاستدلال عليه بالخبر الأول انما هو) بعد ان نفي احتمال وجوبه بخبر زرارة مع مخالفته
للأصل فتعجبه في غير محله وعورض أيضا دليل الوجوب بما رواه الشيخ في التهذيب عن رحيم قال قلت لأبي الحسن الرضا (ع) جعلت فداك أراك إذا
صليت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الأولى والثانية فتستوي جالسا ثم تقوم فتصنع كما تصنع قال لا تنظروا إلى ما اصنع انا اصنعوا ما
تؤمرون وفي بعض النسخة والثانية بدل الثالثة ولعله من سهو قلم الناسخ ويحتمل ذكر من باب الاستطراد والا فالجلوس عقيب الثانية لأجل
التشهد مما لا بد منه وكيف كان فالخبر نص في جواز الترك وقد أجيب عنه وكذا عن خبر زرارة بالحمل على التقية كما يؤيد ذلك بل يشهد له قوله
عليه السلام في ذيل هذه الرواية اصنعوا ما تؤمرون إذ لا شبهة في مرجوحية ترك الجلوس فلم يكن امرهم به والزامهم في هذا الخبر بموافقة ذلك
الامر الا لأجل التقية وربما يؤيده أيضا بعض الأخبار الآتية والانصاف ان هذا الحمل قريب جدا بل ينبغي الجزم بعدم تعلق الامر به الا لمراعاة
التقية بل ولا صدوره عن الإمام الا عن عله من تقية ونحوها فيشكل صرف ما كان ظاهره الوجوب عن ظاهره لذلك ولكن اطلاق الامر به رعاية
للتقية مع عدم مسيس الحاجة إليها الا أحيانا وكذا عدم تعارفه واشتهاره في عصر الرضا عليه السلام بين من يأتمر بأوامره من أقوى الشواهد على أنه
ليس من المهمات التي لا يجوز الاخلال بها بلا ضرورة ملجئة إليه بل هو من الآداب التي ينبغي رعايتها مهما أمكن كما يؤمي إلى ذلك الخبر المروي
عن زيد الترسي في كتابه قال سمعت أبا الحسن (ع) يقول إذا رفعت رأسك من اخر سجدتك في الصلاة قبل ان تقوم فاجلس جلسة ثم بادر بركبتيك
إلى الأرض قبل يديك فابسط يديك بسطا واتك عليهما ثم قم فان ذلك وقار المؤمن الخاشع لربه ولا تطش من سجودك مبادرا إلى القيام كما
يطيش هؤلاء الاقشاب في صلاتهم وعن الصدوق وفي الخصال مسندا عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عن ابائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام
قال اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوارحكم ثم قوموا فان ذلك من فعلنا وما في هذا الخبر من التعليل وان لم يكن من حيث هو منافيا للوجوب
الا ان هذا النحو من التعبير والتعليل من علائم الاستحباب كما لا يخفى على من له انس بلسان الاخبار وأوضح منهما دلالة عليه ما عن الشيخ في التهذيب
بسنده عن الأصبغ بن نباته قال كان أمير المؤمنين (ع) إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن ثم يقوم فقيل له يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر وعمر
إذا رفعوا رؤسهم من السجود نهضوا على صدور اقدامهم كما ينهض الإبل فقال أمير المؤمنين (ع) انما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس ان هذا
من توقير الصلاة ويشهد له أيضا بعض الأخبار الآتية وكذا يستحب ان يدعو بالمأثور عند القيام اي النهوض للقيام من الركعة سواء
كان من الأولى أو الثانية أو الثالثة ففي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا رفعت رأسك من السجود فاستتم جالسا حتى ترجع مفاصلك
فإذا نهضت فقل بحول الله وقوته أقوم واقعد فان عليا كان يفعل ذلك وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا قام الرجل من
السجود قال بحول الله وقوته أقوم واقعد وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (ع) أيضا قال إذا جلست في الركعتين الأولتين فتشهدت ثم قمت فقل بحول
الله وقوته أقوم واقعد وصحيحته رفاعة بن موسى قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول كان علي إذا نهض من الركعتين الأولتين قال بحولك وقوتك أقوم واقعد و
صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا قمت من السجود قلت اللهم ربي بحولك وقوتك أقوم واقعد وان شئت قلت واركع واسجد وصحيحة أبي بكر الحضرمي
المروية عن التهذيب قال قال أبو عبد الله (ع) إذا قمت من الركعتين الأولتين فاعتمد على كفيك وقل بحول الله وقوته أقوم واقعد فان عليا كان يفعل ذلك وعن الكافي
نحوه الا أنه قال إذا قمت من الركعة وعن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب بسنده عن سعد الجلاب عن أبي عبد الله (ع) قال كان أمير المؤمنين (ع) يبرء
من القدرية في كل ركعة ويقول بحول الله وقوته أقوم واقعد وعنه أيضا من الكتاب المذكور عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله قال إذا قمت من السجود قلت
اللهم بحولك وقوتك أقوم واقعد واركع واسجد وما في بعض هذه الأخبار من الاجمال أو ايهام شرعية هذا الدعاء بعد تحقق القيام لا حال النهوض أو اختصاص
مشروعيته بالقيام من السجود الا من التشهد أو جلسته الاستراحة أو بالركعتين الأولتين مما لا ينبغي الالتفات إليه بعد وقوع التصريح بخلافه في غيرها تنبيهان
الأول قال في محكي الذكرى في تعداد مستحبات السجود ومنها الدعاء في جلسته الاستراحة بقوله بحول الله وقوته أقوم واقعد واركع واسجد قاله في المعتبر والذي
ذكره علي ابن بابويه وولده والجعفي وابن الجنيد والمفيد وسلار وأبو الصلاح وابن حمزة وهو ظاهر الشيخ ان هذا القول يقوله عند الاخذ في القيام وهو الأصح ثم
استدل عليه بجملة من الروايات المتقدمة وهو جيد ولكن قد يتأمل في دلالة كلام المعتبر على ما نقله عنه حيث أنه قال فيما حكى عنه ويستحب الدعاء عقيب الجلوس من الثانية
وعلله بحسن الدعاء في كل حال ثم قال ويؤيد ذلك ما رواه جماعة من الأصحاب منهم عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا قمت من السجود قلت اللهم ربي بحولك وقوتك
أقوم واقعد فيحتمل ان يكون مراده بعقيب الجلوس بعده حين الاخذ بالقيام كما يؤيد ذلك استشهاده بخير عبد الله بن سنان واحتمال حمله القيام على إرادة رفع الرأس من السجود
352

بعيد وكيف كان فالحق ان محل القول المذكور هو حال النهوض كما هو صريح جملة من الاخبار المزبورة الثاني في المدارك بعد ان أورد صحيحتي عبد الله بن
سنان ومحمد بن مسلم المتقدمتين قال ويستفاد من هذه الرواية وغيرها عدم مشروعية التكبير عند القيام من التشهد وهو اختيار الشيخ وأكثر الأصحاب وقال
المفيد ره انه يقوم بالتكبير وهو ضعيف انتهى أقول وربما يستفاد مشروعية التكبير أيضا من الخبر المروى عن احتجاج الطبرسي وعن كتاب الغيبة للشيخ
بسنده عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري انه كتب إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه يسألني بعض الفقهاء عن المصلى إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة
الثالثة هل يجب عليه ان يكبر فان بعض أصحابنا قال لا يجب عليه التكبير ويجزيه ان يقول بحول الله وقوته أقوم واقعد فكتب عليه السلام في الجواب ان فيه حديثين
اما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير واما الاخر فإنه روى إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد
القعود تكبير وكذلك التشهد الأول يجرى هذا المجرى وبأيهما اخذت من باب التسليم كان صوابا وكذا يستحب ان يعتمد على يديه سائقا برفع ركبتيه بلا خلاف
فيه على الظاهر بل عن صريح التذكرة وظاهر المعتبر الاجماع عليه ويدل على استحباب الاعتماد على اليدين قوله عليه السلام في صحية أبي بكر الحضرمي المتقدمة
إذا قمت من الركعة فاعتمد على كفيك وعلى كونه سابقا برفع الركبتين صحيحة محمد بن مسلم قال رأيت أبا عبد الله (ع) يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد وإذا أراد
ان يقوم رفع ركبتيه قبل يديه ويستحب أن تكون الأصابع مبسوطة لا مقبوضة كما يدل عليه صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله (ع) قال إذا سجد الرجل
ثم أراد ان ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض ولكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض قال في محكي الوافي لعل المراد بقوله (ع) من غير أن يضع مقعدته على
الأرض ترك الاقعاء ويكره الاقعاء بين السجدتين كما عن الأكثر بل المشهور بل عن الغنية دعوى الاجماع على أنه يستحب ان لا يقعي بين السجدتين و
يدل عليه موثقة أبي بصير المروية عن التهذيب عن أبي عيد الله عليه السلام قال لا تقع بين السجدتين اقعاء وعن الشيخ في التهذيب وفي الجواهر عنه في الاستبصار
بأسانيده عن معاوية بن عمار وابن مسلم والحلبي انهم قالوا لا تقع في الصلاة بين السجدتين كأقعاء الكلب من غير اسناد إلى المعصوم ولكن حكى عنه في الخلاف
أنه قال روي معاوية بن عمار وابن مسلم والحلبي عنه (ع) أنه قال لا تقع بين السجدتين كاقعاء الكلب وفي الجواهر حكى عنه في التهذيب انهم قالوا قال الحديث فعلى
هذا يكون رواية مضمرة ويؤيده أيضا الخبر العامي المروي عن علي عليه السلام أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي أحب لك ما أحب لنفسي إلى أن قال صلى الله عليه وآله لا تقع بين السجدتين
والمروي عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب والنهي في النصوص محمول على الكراهة جميعا بينها وبين المستفيضة
النافية للبأس عنه كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بالاقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين وصحيحة زرارة المروية عن مستطرفات السرائر عن أبي
جعفر عليه السلام أنه قال لا بأس بالاقعاء فيما بين السجدتين ولا ينبغي الاقعاء في التشهدين انما التشهد في الجلوس وليس المقعي بجالس والخبر المروي عن معاني الأخبار
بسنده عن عمرو بن جميع قال قال أبو عبد الله (ع) لا بأس بالاقعاء في الصلاة بين السجدتين وبين الركعة الأولى والثانية وبين الركعة الثالثة و
الرابعة وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه فتجافي ولا يجوز الاقعاء في موضع التشهد لأن المقعي ليس بجالس انما جلس بعضه على بعض والاقعاء
ان يضع الرجل أليتيه على عقبيه في تشهديه فاما الاكل مقعيا فلا بأس لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قد اكل مقعيا ولعل الجميع من الخبر ويحتمل انتهائه عند قوله فتجافى
وعند تفسير الاقعاء وكيف كان فقضية الجمع بين الاخبار هو حمل النهي على الكراهة الا انه قد يشكل ذلك بما في الخبرين الأخيرين من التفصيل بين الجلوس بين
السجدتين وبين الجلوس للتشهد مع أن الثاني أيضا مكروه كما ستعرف والتفصيل قاطع للشركة ويمكن التفصي عن الاشكال بحمل التفصيل على اختلاف مرتبة
الكراهة وكونها فيما بين السجدتين أخف كما صرح بذلك غير واحد منهم ويمكن الجمع بينها أيضا بحمل الاقعاء المنهي عنه فيما بين السجدتين على معناه المعروف
فيما بين اللغويين الذي يعبر عنه باقعاء الكلب كما يؤيد ذلك وقوع التصريح به في بعض اخباره والاقعاء الذي
نفي البأس عنه وهو بالمعنى المعروف فيما
بين الفقهاء الذي وقع التصريح به في ذيل الخبر المتقدم المروي عن معاني الأخبار فلا منافاة بينها على هذا التقدير الا ان التوجيه الأول أوفق بظواهر كلمات
الأصحاب المعتضدة باطلاق النهي عن الاقعاء على القدمين في الصلاة مطلقا في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا قمت إلى الصلاة فعليك
بالاقبال على صلاتك فإنما يحسب لك ما أقبلت ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك إلى أن قال ولا تقع على قدمين ولا تفترش ولا تفرقع
أصابعك فان ذلك كله نقصان من الصلاة الحديث إذ المراد بالاقعاء على القدمين بحسب الظاهر ليس الا بمعناه المعروف لدى الفقهاء وربما يستدل
باطلاق النهي عنه في هذه الرواية على كراهته في جلسة الاستراحة أيضا ولكن يحتمل بعيدا ان يكون لفظ الرواية ولا تقع على قدميك بفتح التاء من الوقوع
لا الاقعاء فلا تكون ح شاهدة للمدعي وكيف كان فيكفي في الحكم بكراهة الاقعاء فيما بين السجدتين بمعناه المعروف بين الفقهاء نقل اجماعهم عليه بعد
البناء على المسامحة مع أن حمل موثقة أبي بصير الناهية عنه على خصوص القسم الذي يعبر عنه باقعاء الكلب مع معروفية قسمه الاخر أيضا لدى العامة والتزامهم
باستحبابه كما سنشير إليه لا يخلو عن بعد فما حكى عن ظاهر السيد والشيخ في بعض كتبه والفقيه من نفي كراهته فيما بين السجدتين ضعيف ونظره في الضعف
ما حكي عن ظاهر غير واحد من القدماء من القول بعدم جوازه في التشهد فان عمدة مستند المنع في التشهد هي صحيحة زرارة المتقدمة المروية عن مستطرفات
السرائر التي وقع فيها التعبير بلا ينبغي الظاهر في الكراهة وما فيها من التعليل بان المقعي ليس بجالس يراد به بحسب الظاهر عدم كونه متمكنا من الجلوس كما
يناسبه الكراهة ونفى الباس عنه فيما بين السجدتين ولكن في الحدائق حمل هذا الكلام على حقيقته وادعى ان الاقعاء بهذا المعنى المعروف عند الفقهاء ليس
353

من مصاديق الجلوس عرفا وشرعا ولذا لو لم يجوزه فيما بين السجدتين أيضا وحمل نفي الباس عنه في الصحيحة وغيرها من الأخبار المتقدمة على التقية وفيه منع ظاهره فالأظهر ما عرفت
وما في خبر عمر وبن جميع المتقدم من التعبير بعدم الجواز يحمل على شدة الكراهة بقرينة ما عرفت مع قوة احتمال كونه من عبارة الصدوق لا من تتمة الرواية كما لا يخفى ثم إن المراد
بالاقعاء المبحوث عنه عند فقهاء الخاصة والعامة كما صرح به غير واحد وضع الآلتين على العقبين معتمدا على صدور القدمين فعن الصنف ره في المعتبر أنه قال ما
لفظه والاقعاء ان يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه وقال بعض أهل اللغة هو ان يجلس على أليتيه ناصبا فخذيه مثل اقعاء الكلب والمعتمد الأول
لأنه تفسير الفقهاء وبحثهم على تقديره انتهى وعن العلامة في المنتهى نحوه وعن الشهيد وغيره أيضا التصريح به ونسبته إلى الفقهاء بل عن ظاهر غير واحد منهم
أو صريحه دعوى اجماعهم عليه بل عن بعض أهل اللغة نسبته بهذا المعنى إلى الفقهاء وقد تصدى في الحدائق لنقل جملة من كلمات اللغويين فقال ما لفظه
قال في الصحاح اقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا رجليه وناصبا يديه وقد جاء النهي عن الاقعاء في الصلاة هو ان يضع أليته على عقبيه بين السجدتين
وهذا تفسير الفقهاء واما أهل اللغة فالاقعاء عندهم ان يلصق الرجل أليته بالأرض وينصب ساقيه ويتساند إلى ظهره وقال ابن الأثير في النهاية فيه
انه نهى عن الاقعاء في الصلاة الاقعاء ان يلصق الرجل أليته بالأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض كما يقعى الكلب وقيل هو ان يضع
أليته على عقيبه بين السجدتين والقول الأول ومنه الحديث انه صلى الله عليه وآله اكل مقعيا أراد انه كان يجلس عند الاكل على وركيه مستوفرا غير متمكن وقال في
القاموس أقعى في جلوسه تساند إلى ما ورائه والكلب جلس على استه وقال المطرزي في المغرب الاقعاء ان يلصق أليتيه (بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب وتفسير الفقهاء أن يضع أليتيه) على عقبيه بين السجدتين وقال في
كتاب المصباح المنير أقعى اقعاء الصق أليتيه بالأرض ونصب ساقيه ووضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب وقال الجوهري الاقعاء عند أهل اللغة
وأورد نحو ما تقدم وجعل مكان وضع يديه ويتساند على ظهره وقال ابن القطاع أقعى الكلب جلس على أليته ونصب فخذيه واقعي الرجل جلس
تلك الجلسة انتهى فهذه جملة من كلام اللغة متفقة على تفسيره باقعاء الكلب على النحو المذكور في كلامهم انتهى كلام صاحب الحدائق وظاهر كلمات
أغلب اللغويين ممن تقدم نقل كلامهم اعتبار وضع اليدين على الأرض في صدق الاقعاء بمعنا المعروف في عرفهم فلعل ترك التعرض له في كلام بعضهم
كصاحب القاموس من باب كون ما ذكره في تفسيره من قبيل التفسير بالأعم كما هو الشايع في كلمات أهل اللغة بل ربما يظهر من بعض كون وضع اليدين
على الأرض معتبرا في عرف الفقهاء أيضا ولكنه محل تأمل كيف والا لتعرضوا له عند تفسيره وكيف كان فالظاهر كراهة الاقعاء بين السجدتين بكلا معنييه
اما بمعناه المعروف عند الفقهاء فلما عرفته انفا واما بهذا المعنى المتعارف عند اللغويين فلأنه هو اقعاء الكلب الذي نهى عنه في بعض الأخبار المتقدمة
بل قضية اطلاق موثقة أبي بصير كراهته بكلا قسميه إذا الظاهر أن صدقة عليهما من باب عموم الاشتراك فلا يلزم من ارادتهما استعمال اللفظ في معنيين
وقد حكى عن جملة من أهل الخلاف الالتزام بكراهته بالمعنى الثاني واستحبابه بمعناه الأول ولذا رجح في الحدائق حمل الاخبار النافية للبأس عنه فيما بين
السجدتين بعد ان فسره بالجلوس على العقبين على التقية وأيد ذلك بما نقله عن بعض شراح صحيح مسلم في باب الاقعاء بعد نقل حديث ابن عباس انه
سنة قال اعلم أن الاقعاء ورد فيه حديثان ففي هذا الحديث انه سنة وفي حديث اخر النهى عنه رواه الترمذي وغيره من رواية علي (ع) وابن ماجة
من رواية يونس وأحمد بن حنبل من رواية سمرة وأبي هريرة والبيهقي (البيهقي) من رواية سمرة وانس وأسانيدها كلها ضعيفة وقد اختلف العلماء في حكم
الاقعاء وفي تفسيره اختلافا كثيرا لهذه الأحاديث والصواب الذي لا معدل عنه ان الاقعاء نوعان أحدهما ان يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه
ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب هذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام واخرون من أهل اللغة وهذا النوع
هو المكروه الذي ورد فيه النهي والنوع الثاني ان يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين وهذا هو مراد ابن عباس انه سنة وقد نص الشافعي على استحبابه
في الجلوس بين السجدتين وحمل الحديث ابن عباس عليه جماعات من المحققين منهم البيهقي والقاضي عياض
واخرون قال القاضي وقد ورد عن جماعة
من الصحابة والسلف انهم كانوا يفعلونه قال وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس من السنة ان تمس عقبيك أليتيك فهذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس
وقد ذكرنا ان الشافعي نص على استحبابه في الجلوس بين السجدتين انتهى واما الاقعاء الذي يكره في التشهد فهو بمعناه المعروف عند الفقهاء لأنه
هو الذي ينطبق عليه النصوص الدالة عليه وهي الصحيحة الناهية عن الاقعاء على القدمين في الصلاة والصحيحة المروية عن مستطرفات السرائر و
الخبر المروي عن معاني الأخبار وشئ منها لا يناسب ارادته بمعناه المعروف عند اللغويين اما الأول فواضح واما الأخيران فلما فيهما من التعليل بان
المقعي ليس بجالس وهو لا يناسب المعنى اللغوي لأن الاقعاء بهذا ا لمعنى من اظهر مصاديق الجلوس فلا يناسبه هذا التعليل مع ما في الأخير منهما
من التصريح بتفسيره بناء على كونه من تتمة الخبر وكيف كان فالظاهر أن المراد بالاقعاء في هذه الأخبار ليس الا بهذا المعنى المبحوث عنه عند الفقهاء فلا
دليل عليه كراهته بالمعنى الاخر في التشهد وان كان تركه أيضا أحوط بل لا يبعد ان يدعى ان مقتضي اطلاق النهي عن الاقعاء مثل اقعاء الكلب
عند رفع الرأس من السجود الوارد في النبوي المرسل المروي عن انس شموله لحال التشهد فيتم الاستدلال له به من باب المسامحة والله العالم
مسائل ثلث الأولى من به ما يمنع من وضع الجبهة على الأرض كالدمل إذا لم يستغرق الجبهة يحتفر حفيرة مثلا ليقع السليم من جبهته على الأرض
فان ما لا يتم الواجب الا به واجب ويشهد له أيضا مضافا إلى ذلك خبر مصادف المروي عن الكافي والتهذيب قال خرج بي دمل فكنت اسجد على
354

جانب فرأى أبو عبد الله (ع) اثره فقال لي ما هذا فقلت لا أستطيع ان اسجد من اجل الدمل فإنما اسجد منحرفا فقال لا تفعل ذلك احتفر حفيرة واجعل الدمل
في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض ويؤيده أيضا الرضوي فان تعذر وضع الجبهة ولو بهذا النحو لاستيعاب الدمل ونحوه سجد على أحد الجبينين فإن كان
هناك مانع سجد على ذقنه على المشهور بل لم ينقل التصريح بخلافه عن أحد عدى ما في كشف اللثام من الاستشكال في بدلية الجبينين كما ستعرف بل عن
غير واحد (صريحا أو ظاهرا) دعوى الاجماع عليه نعم قد يستشعر أو يستظهر من بعض العبائر المحكية عن جملة من القدماء كالشيخ في مبسوطه ونهايته وخلافه وابن
حمزة والصدوقين الخلاف فيه في الجملة فعن الشيخ في المبسوط أنه قال وموضع السجود من قصاص شعر الرأس إلى الجبهة اي شئ وقع منه على الأرض أجزاه
ان كان هناك دمل أو جراحه ولم يتمكن من السجود عليه صلى على أحد جانبيه فإن لم يتمكن سجد على ذقنه وان جعل لموضع الدمل حفيرة يجعلها فيه كان جائزا
وعنه في النهاية نحوه وظاهره بل صريحه عدم وجوب الحفيرة أولا وحكى عن الجامع أيضا نحوه عن ابن حمزة أنه قال يسجد على أحد جانبيها فإن لم يتمكن فالحفيرة
فإن لم يتمكن فعلى ذقنه فقدم السجود على أحد الجانبين على الحفيرة وعن علي بن بابويه ره أنه قال يحفر الحفيرة ذو الدمل وان كان بجبهته علة تمنعه عن السجود
سجد على قرنه الأيمن من جبهته فان عجز فعلى قرنه الأيسر من جهته (فان عجز فعلى ظهر كفه) فان عجز فعلى ذقنه وعن ابنه الصدوق ونحوه فيحتمل ان يكون مرادهما بالقرن الأيمن و
الأيسر من جبهته الجبينين فلم يظهر مخالفتهما للمشهور كما أن ما ذكراه
من السجود على ظهر الكف عند تعذر الجانبين مقدما على السجود على الذقن مما لم يعرف وجود قائل به سواهما كما أنه لم يعرف له مستند الا انه حكى
عن الفقه الرضوي ما يقرب من عبارتهما فعن الرضوي ما لفظه فإن كان في جبهتك علة لا تقدر على السجود أو دمل فاحفر حفيرة فإذا سجدت جعلت
الدمل فيها وان كان على جبهتك علة لا تقدر على السجود من اجلها فاسجد على قرنك الأيمن فان تعذر عليه فعلى قرنك الأيسر فان تعذر عليه فاسجد على ظهر
كفك فإن لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك يقول الله تعالى ان الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا إلى قوله تعالى ويزيدهم خشوعا وعن
الخلاف أنه قال إذا لم يقدر على السجود على جبهته وقدر على السجود على أحد قرينه أو على ذقنه سجد عليه وقال الشافعي لا يسجد عليه ولكن يقرب وجهه من الأرض قدر ما
يمكنه انتهى ويحتمل ان يكون مراده بالقرنين الجبينين وأن يكون لفظه أو في عبارته للتنويع لا الترديد فلا يكون مخافا للمشهور وفي كشف اللثام بعد ان نقل
استدلال المحقق على وجوب السجود على الجبينين عند تعذر الجبهة بأنهما مع الجبهة كالعضو الواحد فقام كل واحد منهما ولأن السجود على أحد الجبينين
أشبه بالسجود على الجبهة من الايماء والايماء سجود مع تعذر الجبهة فالجبينين أولى قال ما لفظه قلت ضعف الوجهين ظاهر مع انحراف الوجه بوصفهما عن القبلة
وخلوهما عن نص واجماع ثم نقل كلام الشيخ في النهاية والمبسوط ونسبه إلى الجامع أيضا واستظهر منهما الخلف في الجبينين فقال ما لفظه وهو كما في
الذكرى صريح في عدم وجوب الحفرة والامر كذلك إذا أمكن السجود بدونه على بعض الجبهة كما فرضاه لا نهما انما امرا بالسجود على جانبيه اي جانبي الدمل
من الجبهة (فكأنهما قالا لا تسجد على جانبي الدمل من الجبهة) ان أمكن بالحفيرة أو بغيره وإلا سجد على الذقن من غير تجويز للجبينين وفي الذكرى عن ابن حمزة يسجد على أحد جانبيها فإن لم يتمكن فعلى ذقنه والظاهر
منه جانبي الجبهة ولما قدم السجود عليها على الحفرة لم يكن بد من أن يزيد الجانبين منها لا الجبينين وفي بعض القيود ان الانف مقدم على الذقن فإن لم يتمكن
من الجبينين سجد على الانف ان أمكن والا فعلى الذقن انتهى كلام كاشف اللثام أقول وقد يوجه كلام ابن حمزة بحيث يوافق المشهور بتنزيله على إرادة
ما إذا استوعب الجبهة بالدمل بحيث لم يتمكن من السجود على شئ منها ولو مع الحفيرة فمراده بالحفرة التوصل بها إلى السجود على الجبينين لا الجهة وجعلها متأخرة
عنه في الرتبة للجرى مجرى العادة لا لتأخرها شرعا وهو لا يخلو عن بعد إذ الظاهر أن كل من ذكر الحفيرة في المقام أراد بها العلاج لأن يقع السليم من جبهته
على الأرض كما ورد التعامل به في النص لا من الجبينين اللتين لا يكاد يتحقق فرض بمنعهما القرحة من وضع شئ منهما على الأرض ولا تمنعهما من الاعتماد عليهما
حول الحفيرة فالانصاف ان ما استظهره منه كاشف اللثام في محله واما كلام الشيخ في النهاية والمبسوط فلا يخلو عن تشابه لامكان ان يكون مراده بجانبيه
جانبي موضع السجود المذكور في كلامه كالضمير المجرور والعائد عليه أو جانبي المصلى من ناحية الجبهة الا جبينيه لا جانبي الدمل وصراحة كلامه في عدم وجوب (الحفيرة لا بعين إرادة المعنى الذي ذكره كاشف اللثام
لجواز ان يرى الشيخ حفر)
الحفيرة من قبيل المعالجات الخارجة عن المتعارف مما يكون الزام أولي الأعذار بنحوها منافيا لسهولة الملة وسماحتها مع مخالفته لاطلاق بعض الروايات الواردة في
الباب فالقول بعدم وجوب الحفيرة كما يظهر من كلام الشيخ ليس بعيدا عن مذاقه وان كان خلافه أشبه وكيف كان فعمدة ما يصح الاستناد إليه للسجود على الجبين
وتقدمه على السجود على الذقن الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة وعدم معروفية مصرح بخلافه وربما يستدل له أيضا بموثقة إسحاق بن عمار المروية عن كتاب
علي بن إبراهيم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل بين عينية قرحه لا يستطيع ان يسجد عليها قال يسجد ما بين طرف شعره فإن لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن فأم لم يقدر
فعلى الأيسر فإن لم يقدر فعلى ذقنه قلت على ذقنه قال نعم تقرء كتاب الله عز وجل يخرون للأذقان سجدا بدعوى ان المراد بالحاجبين الجبينان لعلاقة المجاورة لقيام
الاجماع على عدم بدلية الحاجبين وفيه ان حمل الرواية على اراده السجود عليهما على طرف شعره بملاحظة كونهما من حدود الجبهة واستلزام السجود عليهما
السجود على شئ من الجبهة أولى من حملها على إرادة الجبينين من الحاجبين وقد يستدل له أيضا بالرضوي المتقدم بدعوى ان المراد بالقرنين الجبينان
وفيه بعد الغض عن سنده انه لم يعلم خروج ما يطلق عليه اسم القرن عن حدود الجبهة نعم على ما يظهر من الجواهر من كون الجبينين ما فوق الحاجبين
إلى القصاص يتجه الاستدلال به بعد تسليم سنده بل وكذا الاستدلال بالموثقة المتقدمة بل والمستفيضة الواردة في تجديد موضع السجود بأنه
355

من قصاص الشعر إلى موضع الحاجب لظهورها بل صراحتها في جواز السجود على كل جزء منه ولكنه لدى التمكن بالاجماع فيبقى الاطلاقات في حال
الضرورة بحالها ولكنك عرفت في محله ان الأظهر خلافة وان المراد بتلك الروايات تحديد الجبهة التي يجوز السجود على كل جزء منها وان الجبينين طرفاها
من مؤخر الحاجبين إلى القصاص فيستلزم السجود عليه انحراف الوجه عن القبلة كما أشار إليه كاشف اللثام في عبارته المتقدمة ولكن لا يصلح ذلك مانعا
عن السجود عليهما لدى الضرورة فان انحراف الوجه عن القبلة مكروه في سائر أحوال الصلاة وهو لا يزاحم الجهة العارضة المقتضية لوجوبه في المقام
فتلخص لك ان عمدة مستند السجود على الجبينين وتقدمه على السجود على الذقن الاجماع فالانصاف ان الجزم به بعد كون عمدة مستند الاجماعات المنقولة لا يخلو عن
اشكال الا انه غير بعيد ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين السجود على شئ من الجبينين والذقن ان أمكن والا فتكوير الصلاة كما أن الأحوط تقديم الأيمن
على الأيسر والله العالم واما السجود على الذقن عند تعذر الجبينين فمما لا خلاف فيه على الظاهر عدى ما سمعت حكايته عن الصدوقين من تقدم السجود
على ظهر الكف عليه وفي كشف اللثام عن بعض القيود من تقديم السجود على الانف على السجود على الذقن وشئ منهما ليس بشئ بعد عدم مساعده دليل
يعتد به عليه ومخالفته للمشهور بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه ويشهد له مضافا إلى ذلك الموثقة المتقدمة ويدل عليه أيضا خبر علي بن محمد باسناده
قال سئل أبو عبد الله عمن بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها قال يضع ذقنه على الأرض ان الله تعالى يقول ويخرون للأذقان سجدا والمراد بالذقن
مجمع اللحيين وهو بحسب الظاهر اسم للبشرة ولذا أو جب كشفه ليصيب شئ منه المسجد مع التمكن ثاني الشهيدين على فاحكى عنه ولكن الأظهر عدم وجوبه كما
صرح به بعض إذ المتبادر من الامر بالسجود على الذقن ليس الا إرادة وضعه مع ما هو عليه من الشعر على الأرض وهذا بخلاف غيره من الحواجب والله
العالم تكملة صرح غير واحد بأنه لو تعذر السجود على الذقن أيضا ينتقل تكليفه إلى الايماء بل ربما يستشعر من كلماتهم كونه من المسلمات وهو لدى التمكن
من السجود على الانف والحاجبين أو جزء اخر من وجهه مشكل فان مقتضى القاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور وما هو المفروض في المقام من اظهر
مجاريها فالأقوى انه لدى تعذر هذه المراتب لا يسقط أصل السجود مع الامكان اللهم الا ان ينعقد الاجماع على خلافه ولم يتحقق بل الظاهر عدمه
ولو وجد مانع عن وضع ما عدى الجبهة من بقيه المساجد على الأرض انتقل إلى ما هو الأقرب إليه فالأقرب بحكم القاعدة المزبورة ولدى تعذره رأسا
سقط اعتباره في السجود كما يشهد له مضافا إلى القاعدة المزبورة اطلاقات أو امر السجود المقتصر في تقيدها بهذه القيود في حال الاختيار فليتأمل بل
لا يظن بأحد الخلاف في ذلك والله العالم المسألة الثانية سجدات القرآن خمس عشرة اربع منها واجب وهي سجدة ألم تنزيل المتصلة بسورة لقمان
ومن هنا اشتهر التعبير عنها في كلماتهم بسجدة لقمان كما في بعض نسخ المتن وحم تنزيل والنجم واقرء باسم واحدى عشرة مسنونة وهي في الأعراف والرعد و
النحل وبني إسرائيل ومريم والحج في موضعين والفرقان والنمل وص وإذا السماء انشقت على المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه فعن الذكرى
أنه قال اجمع الأصحاب على أن سجدات القران خمس عشرة ثلاثة في المفصل وهي في النجم وانشقت واقرء واثنتا عشرة في باقي القران وعدا الموارد المتقدمة
ويؤيده ما عن الخلاف والمنتهى ونهاية الاحكام والذكرى وغيرها من روايته عن طرق العامة عن عمر وبن العاص قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وآله خمس
عشرة سجدة منها ثلث في المفصل وسجدتان في الحج ويؤيده أيضا ما عن كتاب دعائم الاسلام أنه قال مواضع السجود في القران خمسة عشر موضعا أولها
اخر الأعراف وفي سورة الرعد وظلالهم بالغدو والآصال وفي النحل ويفعلون ما يؤمرون وفي بني إسرائيل ويزيدهم خشوعا وفي كهيعص خروا سجدا
وبكيا وفي الحج ان الله يفعل ما يشاء وفيها وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وفي الفرقان وزادهم نفورا وفي النمل رب العرش العظيم وفي تنزيل السجدة وهم لا
يستكبرون وفي ص وخر راكعا وأناب وفي حم السجدة ان كنتم إياه تعبدون وفي اخر النجم وفي إذا السماء انشقت وإذا قرء عليهم القران لا يسجدون واخر
اقرأ باسم وروينا عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليهما أنه قال العزائم من سجود القران اربع في ألم تنزيل السجدة وحم السجدة والنجم واقرء باسم ربك
فهذه العزائم لا بد من السجدة فيها وأنت في غيرها بالخيار ان شئت سجدت وان شئت فلا تسجد قال وكان علي بن الحسين (ع) يعجبه ان يسجد فيهن كلهن انتهى و
قد سلك في الحدائق وغيره عبارة الدعائم في سلك الاخبار مع أن سوق ما حكى عنه يقضي بكون قوله مواضع السجود إلى قوله وروينا عن أبي جعفر عليه السلام
من كلام مصنفه فلعلهم فهموا كونها رواية مما قبلها مما لم ينقل الينا وكيف كان فنقول اما وجوب الأربع وكذا انحصار الواجب فيها فمما لا شبهة
بل لا خلاف فيه على الظاهر بيننا كما يدل عليهما اخبار مستفيضة كصحيحة عبد الله بن سنان المروية عن الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا
قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك والعزائم اربع حم السجدة وتنزيل والنجم واقرأ باسم ربك
وخبر أبي بصير قال قال إذا قرء شئ من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وان كنت على غير وضوء وان كنت جنبا وان كانت امرأة لا تصلي وسائر القران
أنت فيه بالخيار ان شئت سجدت وان شئت لم تسجد وعن كتاب مجمع البيان قال روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال العزائم ألم تنزيل وحم
السجدة والنجم إذا هوى واقرء بأسم ربك وما عداها في جميع القران مسنون وليس بمفروض وعن كتاب الخصال في الصحيح من داود بن سرحان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال إن العزائم اربع اقرأ باسم ربك الذي خلق والنجم وتنزيل السجدة وحم السجدة وعن مستطرفات السرائر نقلا عن نوادر أحمد بن
محمد بن أبي نصر عن العلا عن محمد بن مسلم قال سألته عن الرجل يقرء بالسورة فيها السجدة فنسي فيركع ويسجد سجدتين ثم يذكر بعد قال يسجد إذا كان
356

من العزائم والعزائم اربع ألم تنزيل وحم السجدة والنجم واقرء باسم ربك وكان علي بن الحسين (ع) يعجبه ان يسجد في كل سورة فيها سجدة وفي خبر علي بن جعفر
المروي عن كتابه قال وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرء اخر السجدة فقال يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع ثم يقوم فيتم صلاته الا ان يكون في
فريضة فيؤمي برأسه ايماء ويدل أيضا عن وجوب سجدة العزيمة جملة من الاخبار التي سيأتي التعريض لها انشاء الله واما مسنونية الإحدى عشرة
فهي أيضا بحسب الظاهر موضع وفاق وكفى دليلا لاثبات استحباب سجدتها النبوي المرسل المعتضد بفتاوى الأصحاب واجماعاتهم المنقولة المبينة لما في
النبوي من الاجمال فان المقام من أوضح ما يتمشى فيه قاعدة المسامحة مضافا إلى ما أشرنا إليه من في لخلاف فيه بيننا على الظاهر وانما الكلام فيما يظهر من كلماتهم
في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية من انحصار المستحب فيها فقد حكى عن الصدوقين القول بأنه يستحب ان يسجد في كل سورة فيها سجده وربما قال إليه قال به
غير واحد من متأخري المتأخرين لقوله عليه السلام في ذيل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المروية عن مستطرفات السرائر وكان علي بن الحسين (ع) يعجبه ان يسجد في كل سورة فيها
سجدة والمروي عن العلل بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال إن أبي علي بن الحسين (ع) ما ذكر نعمة الله عليه الا سجد ولا قرء اية من كتاب الله عز وجل فيها سجدة
الا سجد إلى أن قال فسمى السجاد لذلك وقد تصدى بعضهم لنقل جملة من الآيات التي فيها السجدة مما عدى تلك المواضع المتقدمة المعروفة ولا يهمنا التعرض لنقلها
ولا يبعد الالتزام باستحباب السجود عند قرائتها لما عرفت بل لم يظهر من الأصحاب الذي حصروا مواضع السجدة المسنونة في الإحدى عشرة إرادة ما ينافيه
إذا لظاهر ان مرادهم بالمواضع المعدودة هي المواضع التي ثبت استحباب السجدة فيها بالخصوص فكما لا ينافي ذلك الالتزام باستحبابها من حيث هي الاطلاق فكذلك
لا ينافيه الالتزام باستحبابها في مثل هذه الموارد المناسبة لها لا علي سبيل التوظيف وما صدر عن علي بن الحسين عليهما السلام لم يعلم وقوعه بهذا الوجه بل سوق الخبر
يشعر بخلافه وانه عليه السلام كان يسجد في هذه الموارد لا من باب التوظيف بل لمناسبتها للسجدة التي هي ذاتا عبادة وكيف كان فالامر سهل ثم إن محل السجود بحسب الظاهر
كما صرح به جملة من الأصحاب انما هو بعد الفراغ من اية السجدة بل ربما يظهر من غير واحد منهم في لخلاف فيه في شئ من آياتها عدى ما عن المصنف في المعتبر من أن موضعها
في حم السجدة عند قوله تعالى واسجد والله حاكيا له عن الشيخ أيضا في خلافه وناقشه غير واحد ممن تأخر عنه في نسبته إلى الشيخ في الخلاف بأنه يظهر من الخلاف خلافه
قال الشهيد في محكى الذكرى موضع السجود عند التلفظ به في جميع الآيات والفراغ من الآيات فعلى هذا يسجد في فصلت عند يعبدون وهو الذي ذكره في الخلاف و
المبسوط واحتج عليه بالاجماع وقال قضية الامر الفور ونقل في المعتبر عن الخلاف انه عند قوله تعالى واسجدوا لله واختاره مذهبا وليس كلام الشيخ صريحا فيه ولا ظاهرا
بل ظاهره ما قلناه لأنه ذكر في المبسوط في أول المسألة ان موضع السجود في حم عند قوله واسجدوا لله الذي خلقهن ان كنتم إياه تعبدون ثم قال وأيضا فاسجدوا
لله الذي خلقهن امر والامر يقتضي الفور عندنا وذلك يقتضي السجود عقيب الآية من المعلوم ان اخر الآية تعبدون ولان تخلل السجود في أثناء الآية يؤدي إلى الوقوف
على المشروط ودون الشرط والى ابتداء القاري بقوله ان كنتم إياه تعبدون وهو مستهجن عند القراء ولأنه لا خلاف فيه بين المسلمين وانما الخلاف في تأخير السجود إلى يسامون
فان ابن عباس والثوري وأهل الكوفة والشافعي يذهبون إليه والأول هو المشهور عند الباقين فاذن ما اختاره في المعتبر لا قابل به فان احتج بالفور قلنا هذا القدر لا
يخل بالفور والا لزم وجوب السجود في باقي الآي العزائم عند صيغة الامر وحذف ما بعده من اللفظ ولم ينقل به أحد انتهى وفي الحدائق بعد ان نقل هذه العبارة من الذكرى
قال وهو جيد ويؤيده الخبر الرابع عشر يعني ما رواه عن مجمع البيان مرسلا عن أئمتنا عليهم السلام ان السجود في سورة فصلت عند قوله ان كنتم إياه تعبدون وما ذكره
صاحب دعائم الاسلام من السجود بعد تمام الآيات المشتملة على لفظ السجدة ومنها سورة حم فصلت ثم قال لا يخفى ان ظواهر الاخبار التي قدمناها هو السجود
عند ذكر السجدة لتعليق السجود في جملة منها على سماع السجدة أو قرائتها أو استماعها والمتبادر منها هو لفظ السجدة والحمل على تمام الآية يحتاج إلى تقدير في تلك
العبارات بان يراد سماع اية السجدة إلى اخرها الا ان ظاهر الأصحاب الاتفاق على أن محل السجود بعد تمام الآية كما عرفت واليه يشير قول شيخنا الشهيد
في اخر عبارته والا لزم وجوب السجود إلى قوله ولم يقل به أحد وبالجملة فاني لا اعرف لا طلاق الأخبار المذكورة مخصصا سوى ما يدعى من الاتفاق في
المقام ثم نقل عن المحدث المجلسي في البحار أنه قال رأيت في بعض تعليقات شيخنا البهائي قدس سره قول بعض الأصحاب بوجوب السجود عند التلفظ يلفظ السجدة
في جميع السجدات الأربع ولم أر هذا القول في كلام غيره وقد صرح في الذكرى بعدم القول به فلعله اشتباه ثم قال ما لفظه أقول لا ريب قوة هذا القول
بالنظر إلى ما ذكرناه من التقريب الا ان الخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل سيما مع في خلال ذلك بالفورية الواجبة في المقام انتهى أقول
بل لا ريب في ضعفه بل سخافته فلو استدل له بما ذكره في المعتبر من أن ظاهر الامر الفور كما يغلب على
الظن انه هو مستند هذا القائل لكان مع ما فيه من الضعف
أوجه (من التقريب الذي ذكره وهو ما ادعاه من أن ظواهر الاخبار التي قدمها هو السجود) عند ذكره السجدة إذ ليس في شئ من الاخبار التي قدمها وهي الاخبار التي تقدم جملة منها انفا وسيأتي نقل الباقي منها في المسألة الآتية اشعار بذلك فضلا
عن ظهورها فيه إذ ليس المقصود بقراءة السجدة أو سماعها الواردتين لفي تلك الأخبار التلفظ بلفظ السجدة أو بالامر بالسجود بل الإشارة إلى الآيات المعهودة
التي قد يعبر عنها بالعزائم وأخرى بالسجدة كما يفصح عن ذلك قوله عليه السلام في بعض تلك الأخبار التي قدمها إذا قرء المصلي سجدة الخط فسجد ثم قام فابتداء
من حيث وقف فان كانت في اخر السورة فليسجد ثم يقوم فيقرء بفاتحة الكتاب يركع ويسجد ضرورة لفظ السجدة ليس في شئ من العزائم في اخرها فان اخر سورة النجم
واعبدوا وفي اخر اقرأ أو اقترب فالمراد بقراءة السجدة قراءة آياتها المعهودة التي هي سيها لا غير هذا مع أن تلك الأخبار مسوقة لبيان حكم اخر ليست هذه
الجهة ملحوظة فيها كي يتمسك باطلاقها لاثبات وجوب السجدة بمجرد الفراغ من لفظ السجود فالأشبه انه لا يجب السجود الا بقراءة مجموع آياتها لا ابعاضها
357

وان اشتمل البعض على الامر بالسجود إذ لم يثبت سببية ابعاضها للسجود فمقتضى الأصل عدمه وبرائة الذمة عن التكليف به وليس سبب الحكم بوجوب السجدة كون
آياتهما مشتملة على الامر بها كي يحكم بوجوبها عند حصول مسببه كما توهم إذ ليس مدلول الامر بالسجود الا وجوب ذات السجود من حيث هي في الجملة وان لم يكن هناك قراءة
الا سببية لفظه له كغيره من الواجبات التي تعلق الامر بها في الكتاب والسنة والسجود واجب في العزائم الأربع على القارئ والمستمع المنصت للقرائة بلا خلاف
فيما بيننا على الظاهر بل ادعى غير واحد عليهما الاجماع والأخبار الدالة على وجوبه على القاري كادت تكون متواترة بل يظهر من كثير منها كونه من الواضحات في الشريعة
وقد تقدم جملة منها في صدر المبحث وسيأتي أيضا جملة منها ويدل على وجوبه على المستمع أيضا جملة من الاخبار التي سيأتي نقلها انشاء الله وما في موثقة عمار عن
أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال وعن الرجل يصلي مع قوم لا يقتدى بهم فيصلي لنفسه وربما قرأوا اية من العزائم فلا يسجدون وفيها كيف اصنع قال لا تسجد فلعله
أريد به انه يؤمي كما في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال إن صليت مع قوم فقرء الإمام اقرأ باسم ربك الذي خلق أو شيئا من العزائم فلا يسجدون فيها كيف اصنع قال لا تسجد فلعله
أريد به انه يؤمي كما في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال إن صليت مع قوم فقرء الإمام اقرأ باسم ربك الذي خلق أو شيئا من العزائم وفرغ من قرائته ولم يسجد
فأوم ايماء والحائض تسجد إذا سمعت السجدة وفي موثقة سماعة قال من قرء اقرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد فإذا قام فليقرء فاتحة الكتاب ويركع وإذا ابتليت مع
امام الا يسجد فيجزيك الايماء والركوع ويحتمل التقية أو إرادة صورة السماع دون الاستماع وكذا يتعين ارتكاب التأويل أورد علمه إلى أهله ما في موثقة
عمار أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يسمع السجدة في الساعة التي لا يستقيم الصلاة فيها قبل غروب الشمس وبعد صلاة الفجر فقال لا يسجد إذ لم ينقل القول
بمضمونه عن أحد من أصحابنا بل عن ظاهر المنتهى انه لا عامل بهذه الرواية عندنا ولو في المندوب فلا تنهض حجة لتخصيص الأخبار الدالة على وجوبها مط هذا مع
معارضتها بالمرسل المروي عن الدعائم عن الباقر عليه السلام أو الصادق (ع) كما يظهر من الحدايق قال من قرء السجدة أو سمعها من قال يقرئها سجد اي وقت كان ذلك مما
تجوز الصلاة فيه أو لا تجوز عند طلوع الشمس وعند غروبها المنجبر ضعفه بظهور كلمة الأصحاب في الاتفاق على القول بمضمونها فيحتمل ان يكون المراد بالموثقة
نفيها مع السماع المقابل للاستماع ويحتمل أيضا التقية لحكاية القول بمضمونها عن العامة وكيف كان فالأظهر ان السجدة تتعدد بتعدد السبب تخلل
بينهما السجود أم لا كما عن الذكرى وغيره التصريح به ويشهد له صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن الرجل يعلم السورة من العزائم فتعاد عليه
مرارا في المقعد الواحد قال عليه ان يسجد كلما سمعها وعلى الذي يعلمه ان يسجد وربما تسدل له أيضا بظهور مثل قوله عليه السلام في موثقة سماعة إذا قرأت السجدة
فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك ونظائره في السببية المطلقة وقضية ذلك تكرر المسبب بتكرر سببة لأصالة في لتداخل في المسببات كما أوضحناه في كتاب الطهارة
في مبحث احكام البئر وتداخل الأغسال وكذا في كفارة وطى الحائض ولكن قد أشرنا في تلك المباحث إلى أن استفادة السببية المطلقة اي كون طبيعة الشرط
بجميع وجوداتها مؤثرة في ايجاب الجزاء من مثل هذه الأدلة بحيث تعم صورة عدم تخلل الجزء الا تخلو عن خفاء فراجع وكيف كان ففي الحدائق بعد ان نقل عن الذكرى
الاستدلال له بقيام السبب وأصالة عدم التداخل وبالصحيحة المزبورة قال ما لفظه أقول لا اشكال في التعدد مع عدمه فهو مبنى على
ما اشتهر بينهم من اصالة عدم تداخل الأسباب أو عرفت في مسألة تداخل الأغسال من كتاب الطهارة ما يبطل هذا الأصل للاخبار الكثيرة الدالة على أنه إذا اجتمعت
لله عليك حقوق اجزاك منها حق واحد واما خبر محمد بن مسلم الذي استند إليه فلا دلالة فيه على ما ادعا إذا غاية ما يدل عليه انه متى قرء السجدة وجب السجود تحقيقا
للفورية التي لا خلاف فيها واما إنه لو قرء مرارا متعددة من غير تخلل السجود فهل الواجب عليه سجده واحدة أو سجدات متعددة بعد القراءة فلا دلالة في
الخبر انتهى أقول قد عرفت في المبحث المشار إليه انه بعد تسليم ظهور أدلة الأسباب في السببية المطلقة لا معدل عن هذا الأصل الا انه يدل دليل شرعي تعبدي
على اكتفاء الشارع بفعل واحد وقيامه مقام المتعدد كما في الأغسال والتعدي عنها إلى غيرها قياس لا نقول به والأخبار المستفيضة التي أشار إليها انما وردت
في الأغسال فلا يتخلى عن موردها نعم ربما يستشعر المعنى الذي ادعى استفادة من الأخبار الكثيرة من التعبير عن الأغسال بالحقوق في صحيحة زرارة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزاك غسلك ذلك للجنابة والحجامة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزاها عنك غسل
واحد الحديث كما أنه قد يستدل له بمفهوم العلة المنصوصة الواقعة في صحيحته الأخرى الواردة في أن غسلا واحدا يجزي للجنابة ولغسل الميت معللا بأنهما حرمتان اجتمعتا
في حرمة واحدة ولا يخفى عليك انه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الاشعارات واما العلة المنصوصة فلم يتضح المراد بها ولا يجوز تعميمها بحيث يتناول مثل
المورد والا يلزمه تخصيص الأكثر كما لا يخفى واما الخدشة في خبر محمد بن مسلم بما ذكره ففيه ان الخبر بظاهره مسوق لبيان سببية كل قراءة للسجدة لا فوريتها وقضية
عموم سببيتها ما أشرنا إليه من تكرير السجود بتكرر أسبابها وعدم الاكتفاء بسجدة واحده مطلقا فالوجه ما عرفت
ويستحب للسامع على ما صرح به في المتن
وغيره وفاقا لما حكى عن الشيخ وحملة ممن تأخر عنه بل عن الفوائد الملية انه مذهب الأكثر وعن كشف اللثام انه المشهور بل عن الخلاف وظاهر التذكرة الاجماع
عليه وحكى عن الحلي وغير واحد من القدماء وجملة من المتأخرين القول بوجوبه على السامع أيضا بل عن الحلي دعوى الاجماع عليه وفي الحدائق نسبه إلى أكثر الأصحاب واستقر به احتج القائلون بالوجوب مضافا إلى الاجماع الذي ادعاء الحلي وظاهر الامر بالسجود في آيات العزائم بقوله عليه السلام
في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة عليه ان يسجد كلما سمعها وعلى الذي يعلمه ان يسجد وفي خبر أبي بصير المتقدم إذا قرء شئ من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وان كنت
على غير وضوء الحديث وعنه أيضا في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام قال والحائض تسجد إذا سمعت السجدة وصحيحة أبي عبيدة الحذاء قال سألت أبا جعفر (ع)
عن الطامث تسمع السجدة فقال إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها وخبر علي بن جعفر المروي عن كتابه عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون
358

في صلاة في جماعة فيقرء انسان السجدة كيف يصنع قال يؤمي برأسه قال وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرء اخر السجدة فقال يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع
لم يقوم فيتم صلاته الا ان يكون في فريضة فيؤمي برأسه ايماء وخبر الوليد بن صبيح المروي عن مستطرفات السرائر من نوادر البزنطي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال فيمن قرء السجدة وعنده رجل على غير وضوء قال يسجد وعن كتاب الدعائم مرسلا عن أبي عبد الله (ع) أنه قال من قرء السجدة أو سمعها سجد أي وقت كان
الحديث والخدشة في دلالة بعض هذه الأخبار على الوجوب كموثقة أبي بصير الواردة في مقام توجه الخطر أو في بعضها الاخر يكون المراد به بشهادة مورده
صورة الاستماع كما في الصحيحة الأولى غير قادحة بعد استفاضة الاخبار وعدم تطرق مثل هذه الخدشات في أغلبها واستدل للقول المحكي عن الشيخ بعد الأصل
وما ادعاه من الاجماع بصحيحة عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل سمع السجدة تقرء قال لا يسجد الا ان يكون منصتا لقرائته مستمعا لها أو تصلي
بصلاته فاما ان يكون يصلي في ناحية (وأنت تصلي في ناحية) أخرى فلا تسجد لما سمعت ويؤيده أيضا ما عن دعائم الاسلام مرسلا عن جعفر بن محمد أنه قال من قرء السجدة أو سمعها
من قارئ يقرئها وكان يستمع قرائته فليسجد فان سمعها وهو في صلاة فريضة من غير الإمام اومي برأسه وان قرأها وهو في الصلاة سجد وسجد معه من خلفه ان كان
اماما ولا ينبغي للامام ان يتعمد قراءة سورة فيها سجدة في صلاة فريضة وعن الشهيد في الذكرى انه بعد ان ذكر استدلال الشيخ لما اختاره بالاجماع وصحيحة
عبد الله بن سنان المتقدمة واستدل الحلي بالاجماع الذي ادعاه وبعموم الامر وخبر أبي بصير المتقدم قال وطريق الرواية التي ذكرها الشيخ فيه محمد بن
عيسى عن يونس مع أنها تتضمن وجوب السجود إذا صلى بصلاة التالي بها وهو غير مستقيم عندنا إذ لا يقرء في الفريضة عزيمة على الأصح ولا يجوز القدرة في
النافلة غالبا وقد نقل ابن بابويه رحمه الله عن ابن الوليد ره انه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس وروى العامة عدم سجود السامع عن ابن
عباس وعثمان ولا شك عندنا في استحبابه على تقدير عدم الوجوب انتهى أقول اما الخدشة في سند مثل هذه الرواية المصححة المعمول بها بين
الأصحاب فيما لا ينبغي الالتفات إليها وكذا الاستشكال فيما تضمنته من وجوب السجود بصلاة التالي بها فان غاية الأمر كون هذه الصحيحة هذه الجهة كغيرها من الاخبار
التي استدل بها لجواز قراءة العزيمة في الصلاة مع امكان ان يكون المراد الصلاة خلف المخالف كما هو غالب مورد ابتلائهم بنظير المقام على ما يظهر من غير واحد
من الأخبار المتقدمة في مبحث قراءة العزيمة في الصلاة فتكليفه ح السجود معهم تقية لو سجد الإمام وان قرء هو في نفسه ولم ينصت لقرائه الإمام كما يؤمي إلى ذلك
جعله في الرواية قسيما للانصات وكيف كان فالرواية نص في عدم وجوب السجدة ما لم ينصت وحيث انها وردت في مقام توهم الوجوب لا يفهم منها أزيد من جواز
الترك الغير المنافي للاستحباب فيجمع بينها وبين الأخبار المتقدمة التي ظاهرها الوجوب مع السماع مطلقا اما تخصيص تلك الأخبار بصورة الاستماع وهو ان لم
يكن بعيدا بالنسبة إلى بعض تلك الأخبار الا ان بعضها الاخر قد يأبى عن ذلك أو بحمل ما كان ظاهره الوجوب بالنسبة إلى السماع المجرد عن الانصات على الاستحباب
جمعا بينها وبين الصحيحة التي هي صريحة في جواز الترك وقد بينا في مبحث لباس المصلي عند المتكلم في مفاد موثقة ابن بكير الناهية عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ان
رفع اليد عن ظاهر الامر أو النهي في بعض موارده بالحمل على الاستحباب أو الكراهة بقرينة منفصله كما في المقام لا يوجب تجوزا في اللفظ ولا استعماله في تعيين
فالجمع بين الاخبار بهذا النحو كما ذهب إليه الشيخ ومن تبعه هو الأظهر وما استقر به في الحدائق من حمل الصحيحة على التقية كما أومي إليه الشهيد في ذيل عبارته المتقدمة ففيه
ان الجمع بين الاخبار مهما أمكن أولى من الحمل على التقية الذي هو بمنزلة الطرح مع أن حمل الصحيحة على التقية ليس بأولى من عكسه لحكاية القول بوجوبه مع السماع عن أبي
حنيفة وجماعة فلعل المقتضي للتقية بالنسبة إليه في زمانهم كان أشد والله العالم وفي البواقي اي في ما عدى العزائم مستحب على كل حال فان ما كان أو سامعا أو مستمعا
اما استحبابه على القارئ فواضح لأنه القدر المتيقن مما يستفاد مما دل على ندبيته واما على السامع والمستمع فيشهد له مضافا إلى امكان ان يقال إن فتوى الأصحاب
بعموم استحبابه لهما كافيه في اثباته من باب المسامحة قوله عليهم السلام في ذيل خبر أبي بصير المتقدم وساير القران أنت بالخيار ان شئت سجدت وان شئت لم تسجد فإنه كالنص في شريعته
السجود إذا سمعت قراءة شئ من ساير سجدات القران مما عدى العزايم لا على سبيل اللزوم فيجب ان يكون مندوبا والا امتنع وقوعها عبادة هذا مع امكان ان يدعى
شمول الأخبار الواردة في قراءة السجدة وسماعها مما لم يخصصها بالعزائم للسجدة المندوبة فيطرد على هذا احكامها كما ليس بالبعيد فيتجه ح ما عن الذكرى من أنه يتأكد
استحبابها في حق التالي والمستمع فليتأمل ثم إن السجود بحسب الظاهر اسم لوضع الجبهة على الأرض مع قصده لا بمعنى احداث الوضع بل مطلق ايجاده فما دامت الجبهة
موضوعه على الأرض بقصد التواضع والسجود هو ساجد والهوى بحسب الظاهر على ما ينسبق إلى الذهن منه من مقدمات وجوده فلا دخل له في قوام هيئته لا شرطا ولا شطرا
فلو وضع جبهته على الأرض لغرض من الاغراض ثم التفت إلى عظمة الله ونعمه فبدا له ان يسجد شكر لله أو قرء اية السجدة أو سمعها من قار فبقى على هذا الوضع ناويا
به السجود صح اللهم الا ان يدعى ان المتبادر من أوامر السجود احداث الوضع لا ادامته وهو لا يخلو عن تأمل إذ لا يبعد ان يقال إن الانسباق المزبور على تقدير تسليمه
بدوي منشأه غلبة الوجود فليتأمل وليس في شئ من السجدات المزبورة واجبها ومسنونها تكبير لا للافتتاح ولا
للهوى إلى السجود ولا تشهد ولا تسليم بلا خلاف في شئ منها
على الظاهر عندنا كما ادعاه صريحا غير واحد خلافا لما حكى عن أكثر الجمهور من أنه يكبر للسجود وعن الشافعي انه يكبر اثنتين للافتتاح واحدة وللسجود أخرى وعن مالك
موافقة أصحابنا في غير الصلاة اما إذا كان فيها يكبر وحكى عن بعضهم القول بوجوب التشهد والتسليم وعن بعضهم التسليم فقط لنا الأصل مع امكان ان يدعى دلالة جملة
من النصوص ولو من باب السكوت في مقام البيان على أنه ليس فيها شئ مما ذكر كما هو صريح مرسلة الدعائم الآتية ويدل عليه أيضا بالنسبة إلى التكبير جملة من النصوص منها
قوله عليه السلام صحيحة ابن سنان المتقدمة في صدر المبحث إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك وموثقة سماعة قال قال
359

أبو عبد الله (ع) إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك وما عن المعتبر في الصحيح عن جامع البزنطي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام فيمن يقرء السجدة
من العزائم لا يكبر حتى يسجد ولكن يكبر إذا رفع رأسه وفي ذيل المرسل المروي عن دعائم الاسلام المتقدم في المسألة السابقة قال ويسجد وان كان على غير طهارة
وإذا سجد فلا يكبر ولا يسلم إذا رفع وليس في ذلك غير السجود ويدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء وموثقة عمار المروية عن مستطرفات السرائر قال سئل
أبو عبد الله (ع) عن الرجل إذا قرء العزائم كيف يصنع قال ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت ولكن إذا سجدت قل ما تقول في السجود ويظهر من هذه
الرواية وكذا من سابقتها ان التكبير الوارد في الأخبار المتقدمة بعد رفع الرأس من السجود ليس بلازم فيحمل الطلب المتعلق به في سائر الأخبار على الاستحباب
مع أن تلك الأخبار لأجل كونها مسوقة لدفع توهم مشروعية التكبير قبل السجدة وكون الطلب الوارد فيها واقعا عقيب النهي عنه قبل السجدة لا يكاد يظهر
منها أزيد من مشروعية التكبير بعدها فهي في حد ذاتها مع قطع النظر عن معارضتها بما عرفت قاصرة عن إفادة الوجوب في مقابل الأصول المعتبرة
المعتضدة بما تقدمت الإشارة إليه فما عن ظاهر غير واحد من القدماء والمتأخرين من وجوب التكبير للرفع اخذا بما يترك من الاخبار المزبورة ضعيف
ولا يشترط فيها الطهارة من الخبث والحدث الأصغر والأكبر بلا تأمل في شئ منها للأصل السليم عن حكومة دليل عليه ويدل عليه في الحديث مطلقا مضافا
إلى ذلك خبر أبي بصير المروي عن الكافي والتهذيب قال قال إذا قرء شئ من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وان كنت على غير وضوء وان كنت جنبا وان كانت
المرأة لا تصلي وسائر القران أنت فيه بالخيار ان شئت سجدت وان شئت لم تسجد وعن مستطرفات السرائر عن أبي بصير نحوه الا أنه قال قال أبو عبد الله
إذا قرء الحديث ويمكن الاستدلال بهذه الرواية للخبث أيضا لكونه لازما عاديا للحائض فتدل الرواية على عدم اعتبار الطهارة منه أيضا بالالتزام
وخبر الوليد بن صبيح المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن أبي نصير عن أبي عبد الله قال فيمن قرء السجدة وعنده رجل على
غير وضوء قال يسجد وعنه أيضا من الكتاب المزبور في الصحيح عن الحلبي قال قلت لأبي عبد الله (ع) يقرء الرجل السجدة وهو على غير وضوء قال يسجد إذا كانت
من العزائم وفي مرسلة الدعائم المتقدمة انفا ويسجد وان كانت على غير طهارة وفي صحيحة أبي عبيده الحذاء المتقدمة التي وقع فيها السؤال عن الطامث
تسمع السجدة قال (ع) ان كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها وفي بعض النسخ تسجد بدل فلتسجد وفي موثقة أبي بصير المتقدمة والحائض تسجد إذا سمعت
السجدة وظاهر الخبرين الآخرين وكذا الرواية الأولى وجوب سجدة العزيمة على الحائض وقد أفتى به جماعة بل قيل إنه المشهور ولكن قد بشكل التعويل
على هذه الظاهر نظرا إلى أن موردها صورة السماع وقد عرفت انفا انه لا يجب السجود على السامع ما لم ينصت وان لم يكن محدثا فضلا عن ما لو كان
حايضا فيجب اما تقييد السماع بالانصات وهو مشكل فان إرادة خصوص المستمع من مثل هذه المطلقات لا يخلو عن بعد أو رفع اليد عن ظاهرها في
غير المنصت بحمل الطلب بالنسبة إليه على الاستحباب مع ابقائها على ظاهرها فيما عداه اي مستمع بالتقريب الذي تقدمت الإشارة إليه من غير أن يستلزم
استعمال اللفظ في معنيين كما قويناه في غير الحائض وهو أيضا لا يخلو عن اشكال لامكان ان يدعي ان إرادة الاستحباب بالنسبة إلى السامع الذي هو
غالب موارده مانعه عن ظهورها في الوجوب فيما عداه وان لا يخلو عن منع خصوصا مع امكان ان يقال إن المتبادر من هذه النصوص ليس الإرادة
عدم مانعية الحيض عن مطلوبية سجدة العزيمة وكون حال الحائض حال غيرها في مطلوبية السجدة منها عند حدوث سببها على حسب ما يقتضيه السبب من الوجوب
أو الندب فالذي يقوم في النظر بالنظر إلى هذه الأخبار في لفرق بين الحائض وغيرها في المقام ولكن قد يعارضها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الحائض هل تقرء القران وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة قال تقرء ولا تسجد وخبر غياث المروي عن مستطرفات
السرائر نقلا عن كتاب محمد بن علي بن محبوب عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال لا تقضي الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة وفي الحدايق حكى عن
الشيخ في الاستبصار انه حمل صحيحة عبد الرحمن على جواز الترك ثم قال وحمله على الاستفهام الانكاري غير بعيد بمعنى انه يجوز لها قراءة القرآن الذي من جملته العزيمة
ولا يجب عليها السجود بل تسجد كما انها تقرء انتهى أقول حمله على الاستفهام الانكاري في غاية البعد بل مستهجن إذ لا استبعاد في أن يكون لها قراءة القرآن على
اجماله كما وقع عنه السؤال ولا يجوز لها السجدة التي قد يظن كونها مثل الصلاة حتى يحسن معه الانكار مع أن الانكار انما يحسن على تقدير مفروغيته جواز القراءة
عندهم مع أن السؤال وقع عنه أولا فكيف يصح الانكار قبل ان يعرف حكم القراءة مع أنه لا يعرف ح ان الانكار راجع إلى الفقرة الأولى أو الثانية واما ما
ذكره الشيخ من حمله على جواز الترك أيضا بعيد فان النهي عن السجود وان ورد في مقام توهم الوجوب ولكن المتبادر من قول السائل هل تقرء القرآن وتسجد إذا سمعت
السجدة السؤال عن جواز الفعلين الذي لازمه الوجوب في الثاني عند اقتضاء سببه له فالمتبادر من الجواب ليس الا إرادة انه يجز القراءة دون السجود فحمل هذه العبارة
على نفي الوجوب الغير المنافي لاستحبابه كي يصح الجمع بينه وبين الأخبار المتقدمة بحمل تلك الأخبار على الاستحباب بعيد عن سوق هذه الرواية وكذا الكلام في خبر
غياث وابعد من ذلك حمل هذين الخبرين على السماع وتلك الرواية على الاستماع أو تخصيص هاتين الروايتين بالسجدات المندوبة كما لا يخفى فالظاهر كون هذه الأخبار
من قبيل المتعارضات التي يجب الرجوع فيها إلى المرجحات والترجيح مع الأخبار المتقدمة المعتضدة بالشهرة ومخالفته العامة حيث حكى القول باشتراط الطهارة من
الحدثين على أكثر الجمهور فما حكى عن بعض من القول بالاستحباب مطلقا نظرا إلى أنه هو الذي يقتضيه الجمع بين الاخبار ضعيف واضعف منه القول بالحرمة كما حكي
عن ظاهر المفيد خصوصا إذا استند في ذلك إلى ما يظهر من عبارته المحكية عنه من اشتراط السجود بالطهارة من النجاسات إذ لم يعلم مستند لهذا الشرط عدى ما في عبارته المحكية
360

عنه من نفي الخلاف عنه وفيه مالا يخفى بعد ان لم نعرف له موافقا فضلا عن أن يكون اجماعيا والله العالم وكذا لا يشترط فيها استقبال القبلة على الأظهر كما هو المشهور
بل عن جماعة من الفحول استظهار في لخلاف فيه بين أصحابنا ان أوهم عبارة المتن وغيره كونه خلافيا كما هو صريح بعض ولكنه لا يبعد ارادته من أهل الخلاف حيث حكى
عنهم القول باشتراط الطهارة والاستقبال قياسا على سجود الصلاة وهو باطل عندنا وكيف كان فلم يعلم منا وجود مصرح بالاشتراط نعم حكى عن شيخنا المفيد ره
في كتاب احكام النساء أنه قال من سمع موضع السجود ولم يكن طاهرا أو مي بالسجود إلى القبلة فكأنه أراد الطهارة من الحيض وظاهره اعتبار الطهارة والاستقبال
وانه لدى تعذر الطهارة يؤمي ولا يشرع له السجود ولم نقف على ما يدل على شئ من ذلك نعم ربما يشهد لوجوب الاستقبال في الجملة ما عن كتاب دعائم الاسلام مرسلا
عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال إذا قرأت السجدة وأنت جالس فاسجد متوجها إلى القبلة إذا قرأتها وأنت راكب فاسجد حيث توجهت فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي على راحلته وهو
متوجه إلى المدينة بعد انصرافه من مكة يعني النافلة قال وفي ذلك قول الله عز وجل فأينما تولوا فثم وجه الله ويؤيده أيضا صحيحة الحلبي المروية عن العلل عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئلته عن الرجل يقرء السجدة وهو على ظهر دابته قال يسجد حيث توجهت به فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي على ناقته وهو مستقبل المدينة بقول الله عز وجل أينما تولوا
فثم وجه الله فإنه يستشعر من الجواب كون محطا لنظر في السؤال الاستقبال وكون اعتباره في السجود في الجملة لديهم مفروغا عنه فنفي الإمام عليه السلام اعتباره حال
الركوب مستشهدا لذلك بفعل النبي صلى الله عليه وآله في الصلاة التي هي أوضح حالا بالنسبة إلى هذا الشرط من خصوص السجود الذي هو أحد اجزائها ولكنك خبير بان غاية ما يمكن
ادعائه انما هو اشعار الصحية بذلك لا الدلالة مع امكان ان يكون المقصود بالاستشهاد بالآية نفي اعتباره مطلقا لا في خصوص حال الركوب واما خبر الدعائم فهو مع ضعفه
وشذوذه وموافقته للتقية لا ينهض دليلا الا للاستحباب من باب المسامحة فالقول بوجوبه على تقدير وجود قائل به في غاية الضعف واضعف منه القول بشرطية
الستر على تقدير حققه إذ لم نجد ما يمكن ان يستند إليه عدى القياس المحرم في الشريعة ودعوى استفادته من تعليل النهي الوارد عن سجود العاري في الصلاة بان لا
يبدو عورته مدفوعة بعدم اقتضاء هذه العلة المنع عنه في غير حال الصلاة مما لم يعلم بمطلوبية الستر فيه كما فيما نحن فيه فما حكى عن الجعفرية وشارحها من التردد فيه
وفي نظائره حيث ذكر ان في اشتراط الستر والاستقبال والخلو من النجاسة وجهين كان في غير محله نعم للتردد مجال بالنسبة إلى بعض القيود التي اعتبرها الشارع
في سجود الصلاة من حيث هو كعدم ارتفاع المسجد عن الموقف بمقدار يعتد به ووضع بقيته المساجد ونحوه إذ لا يبعد ان يدعي ان المنساق إلى الذهن من الامر بالسجود ارادته
على النحو المتعارف المعهود في الصلاة وان لا يخلو عن تأمل فالقول بعد اعتبار شئ من هذه الشرائط أيضا هو الأشبه ولكن قد يقال باعتبار وضع الجبهة على ما
يصح السجود عليه لا لدعوى انصراف اطلاق الامر بالسجود إليه بل بدعوى استفادته من عموم أدلته كصحيحة هشام بن الحكم قال قلت لأبي عبد الله (ع) أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما
لا يجوز قال السجود لا يجوز الا على الأرض أو على ما نبتت الأرض الا ما اكل أو لبس فقلت جعلت فداك ما العلة في ذلك قال لأن السجود خضوع لله عز وجل
فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل ويلبس لأن أبناء الدنيا عبيدنا يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز جل فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود
أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة الواردة فيما يصح السجود عليه ما يمتنع عنه من غير اشعار في شئ منها بادارته في خصوص
الصلاة ويدفعها ان معهودية السجود في الصلاة وملحوظية خصوصية المسجد فيها في الشريعة على ما هو المعروف من المذهب صارفة للمطلقات إلى ارادته في سجود
الصلاة ولذا لا يفهم أهل العرف من هذه المطلقات ارادته في سجود الشكر ونظائره والتعليل الوارد في الخبر الأولى من قبيل بيان المناسبات والحكم المقتضية
لشرع الحكم لا العلة الحقيقة كي يؤخذ بعمومها كما لا يخفي على المتأمل فالأظهر عدم اعتبار هذا الشرط أيضا ولكن الاحتياط فيه بل وكذا في سابقة مما لا ينبغي
تركه والله العالم وهل يجب فيه الذكر كما يقتضيه ظاهر الامر الوارد في بعض الأخبار أم لا كما العلة المشهور بل الجمع عليه إذ لم ينقل القول بالوجوب الا عن بعض
أهل الخلاف واما أصحابنا المتعرضون بسجود التلاوة فهم على ما ذكره بعض المتتبعين على ثلث فرق منهم من لم يتعرض للدعاء والذكر فيه أصلا كالمقنعة و
النهاية والتهذيب والاستبصار والمبسوط والخلاف والسرائر والنزهة والمعتبر والكتاب والقواعد وغيرها وهذا كاشف عن عدم وجوبه عندهم كما هو واضح
ومنهم من تعرض له مصرحا باستحبابه على وجه يظهر منه كونه من المسلمات كما في عبائر كثير من المتأخرين ومنهم من وقع في كلامه الامر بذكر أو دعاء خلص كعبارة
الفقيه حيث قال على ما حكى عنه ومن قرء شيئا من العزائم الأربع فليسجد وليقل الهي امنا بما كفروا وعرفنا منك ما أنكروا وأجبناك إلى ما دعوا الهي فالعفو العفو ثم
يرفع رأسه ويكبر وهذا وان كان ظاهر الوجوب ولكن من المستبعد التزامه بوجوب هذا الدعاء بخصوصه مع استفاضة النصوص المعتبرة بخلافه فالمراد من مثل هذه
العبائر أيضا بحسب الظاهر ليس الا الاستحباب واما الاخبار فقد ورد في جملة منها الامر بالذكر أو الدعاء ففي صحيحة أبي عبد الله عليه السلام قال
إذا قرء أحدكم السورة من العزائم فليقل في سجوده سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستكبرا عن عبادتك ولا مستنكفا بل انا عبد ذليل خائف مستجير وعن الفقيه مرسلا
قال وروى أنه يقول في سجدة العزائم لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله ايمانا وتصديقا لا إله إلا الله عبودية ورقا سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستنكفا
ولا مستكبرا بل انا عبد ذليل خائف مستجير ثم يرفع رأسه ثم يكبر وعن كتاب عوالي اللئالي مرسلا قال وروي في الحديث انه لما نزلت قوله تعالى واسجد واقترب سجد النبي صلى الله عليه وآله
وقال في سجوده أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك وعن الذكر انه نسب الدعاء الذي
تقدم ذكره في عبارة الفقيه إلى الرواية ولكن في خصوص سجدة اقرأ قال وروى أنه يقول في سجدة اقرأ الهي
امنا بما كفروا الدعاء وعن مستطرفات السرائر بسنده
عن عمار الساباطي قال سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل إذا قرء العزائم كيف يصنع قال ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت ولكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود وظاهره
361

وظاهره إرادة الذكر الذي كان متعارفا في سجود الصلاة وقوله عليه السلام في المرسل المتقدم نقله غير مرة المروي عن دعائم الاسلام وليس في ذلك غير السجود ويدعوا في سجوده
بما تيسر من الدعاء ويستكشف من هذه الرواية بل وكذا من سابقتها لو لم يكن المقصود بها الذكر المعهود الذي هو خصوص التسبيح ان الأذكار والأدعية الخاصة التي
تعلق الامر بها في سائر الأخبار لم يقصد بها الوجوب عينا بل الفضل والاستحباب كما أن اختلاف الأذكار والأدعية الواردة في تلك الأخبار بنفسه مما يشهد لذلك ولكن
لا يستكشف من شئ منها جواز ترك الجمع رأسا لا إلى بدل كما هو معنى الاستحباب لجواز كون ما تضمنتها الاخبار من قبيل أفضل افراد الواجب الا ان اثبات إرادة هذا المعنى
أيضا يحتاج إلى دليل يدل على وجوب القدر المشترك بين الجمع وراء هذه الأخبار إذ الطلب الوارد في هذه الأخبار لم يتعلق الا بخصوص ما تضمنته وهو بخصوصه ليس
بواجب بل مستحب اما ذاتا أو لكونه أفضل افراد الواجب كالصلاة في المسجد وحيث لا دليل على وجوب القدر المشترك عدى هذه الأخبار القاصرة عن افادته فالقول بجواز
الترك رأسا كما هو المشهور أشبه بالقواعد بل ربما يستشعر ذلك من قوله (ع) في المرسل المتقدم ويدعو في سجوده بما تيسر ولكن مع ذلك كله الأحوط عدم ترك الذكر رأسا
بل لا يخلو القول بعدم جوازه لم يم لكن مخالفا للاجماع عن وجه والله العالم ولو نسيها اي السجدة أو تركها عمدا عصيانا أو تعذر من تقية أو نحوها اتى بها فيما بعد فان مقتضي
الأصل بل وكذا اطلاقات أدلتها عدم سقوط التكليف بالتأخير ووجوب المسارعة إلى فعلها أو بدلها فورا عند حصول سببها ولو في أثناء الفريضة لا يوجب تقييد وجوبها
بأول زمان الامكان بحيث تكون كالواجب الموقت الذي يفوت بفوات وقته كما حكى القول به عن الشافعي فان غاية ما ثبت بالاجماع وغيره من النصوص الدالة على وجوب
المبادرة إليها انما هي مطلوبية الفورية فيها مع الأماكن كأداء الدين ونحوه الا اختصاص مطلوبيتها بالفور كما لا يخفى على من لاحظ دليل الفور فمقتضى الأصل فضلا عن اطلاقات
أدلتها عدم ارتفاع وجوبها وسقوط التكليف بها بالتأخير ومن هنا يظهر ان الاتيان بها فيما بعد ليس من القضاء المصطلح بل هو من قبيل ادعاء الدين في الان الثاني
أو الحج في غير عام الاستطاعة ونحوه فما عن بعض من تسميته قضاء مبني على التوسع أو اشتباه ويشهد أيضا لوجوب الاتيان بها فيما بعد لو نسيها صحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن الرجل يقرء السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم وتخصيصه بالعزائم لعله لعدم وجوب السجود من أصله في غيرها
أو لعدم تأكد مطلوبيته فيما عدى العزائم على الاطلاق مهما ذكر حتى في أثناء الصلاة ونحوها والا فمقتضى الأصل بقاء التكليف به في غير العزائم أيضا وعدم سقوطه بالتأخير
والله العالم المسألة الثالثة سجدتا الشكر مستحبتان في العبارة إشارة إلى عدم كون مجموعهما عبارة مركبة بحيث يتوقف صحة أوليهما على الاتيان بالثانية بل
هما من قبيل تعدد المطلوب فالأولى منهما في حد ذاتها مستحبة والعود إليها بعد التعفير مستحب اخر يوجب أكمليته السجود في مقام الشكر وبهذه الملاحظة يصح جعل المجموع
عملا واحدا هو أكمل فراد المستحب فيحمل عليها الاستحباب بصيغة الافراد ولعل العبارة أيضا لا تأتي عن ذلك لجواز ان يكون تثنية الاستحباب بلحاظ تعددهما الصوري لا
المعنوي وكيف كان فسجدة الشكر مستحبة مط وان لم تتعدد عند تجدد النعم ودفع النقم وعقيب الصلوات وعند تذكر النعمة ويدل على استحبابها عند تجد النعمة مضافا
إلى في لخلاف فيه الا عن بعض أهل الخلاف على ما حكى عنهم من انكار شرعيتها أو القول بكراهتها اخبار كثيرة مروية من طرق العامة والخاصة فمن طرق العامة ما عن نهاية الاحكام
وغيرها عن أبي بكر ان النبي صلى الله عليه وآله إذا اتاه امر يسره خر ساجدا أو عن عبد الرحمن بن عوف قال سجد رسول الله صلى الله عليه وآله فأطال فسئلناه قال اتاني جبرئيل (ع) فقال من صلى عليك مرة صلى الله
عليه عشرا فخررت شكرا لله ومن طرق الخاصة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المروية عن الفقيه عن أبي عبد الله (ع) أنه قال من سجد سجدة الشكر لنعمة وهو متوضي كتب الله له بها
عشر صلوات ومحى عنه عشر خطايا عظام وعن بعض النسخ من سجد سجدة الشكر وهو متوضي باسقاط لفظ النعمة وخبر ذريح المحاربي المروي عن كتاب ثواب الأعمال وقال قال
أبو عبد الله (ع) أيما مؤمن سجد لله سجدة شكر نعمة في غير صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وفي الجنان وموثقة عبد الله بن مسكان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في سفر يسير على ناقة له إذ نزل فسجد خمس سجدات فلما ركب قالوا يا رسول الله انا رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه فقال نعم
استقلني جبرئيل (ع) ببشارات من الله عز وجل فسجدت شكرا لله لكل بشرى سجده وخبر أبي بصير المروي عن الأمالي عن أبي عبد الله عليه السلام قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله يسير مع
أصحابه في بعض طرق المدينة إذ ثنى رجله عن دابته ثم خر ساجدا فأطال في سجوده ثم رفع رأسه فعاد ثم ركب فقال له أصحابه يا رسول الله صلى الله عليه وآله رأيناك تثني رجلك عن
دابتك ثم سجدت فأطلت السجود فقال إن جبرئيل (ع) اتاني فاقرأني السلام من ربي وبشرني انه لم يحزنني في أمتي فلم يكن لي مال فأتصدق به ولا مملوك فاعتقه فأحببت
ان اشكر ربي عز وجل إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه التي سيأتي نقل بعضها انشاء الله ويستفاد من بعض منها استحباب سجدة الشكر للنعمة مط ولو لاستدامتها
كما أنه يستفاد منها استحبابها لدفع النقم فإنه من تجدد النعم ويدل عليه أيضا صريحا خبر جابر المروي عن كتاب العلل قال قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (ع) ان أبي علي بن الحسين (ع)
ما ذكر الله عز وجل نعمة عليه الا سجد ولا قرء آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود الا سجد ولا دفع الله عنه سوء يخشاه أو كيد كائد الا سجد ولا فرغ من صلاة مفروضة
الا سجد ولا وفق لاصلاح بين اثنين الا سجد وكان اثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمى السجاد لذلك ويستفاد من هذه الرواية محبوبية سجدة الشكر كالشكر
اللساني في كل مورد يصلح له حتى على النعم السابقة التي يذكرها فيستحب السجدة شكرا لها عند تذكرها ويدل أيضا على استحباب سجدة الشكر عند تذكر النعمة مضافا إلى
ذلك اخبار كثيرة منها خبر إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا ذكرت نعمة الله عليك وكنت في موضع لا يراك أحد فالصق خدك بالأرض وإذا كنت
في ملاء من الناس فضع يديك في أسفل بطنك واخر ظهرك وليكن تواضعا لله عز وجل فان ذلك أحب ويرى ان ذلك غمز وجدته في أسفل بطنك أقول ولعل كون
ذلك أحب إذا كان في ملاء من الناس لكون أوفق بالتقية حيث إن العامة على ما قيل يرونه بدعة أو لكونه بعد من الرياء أو من أن يشهر وخبر معاوية بن وهب المروي عن
كتاب البصائر قال كنت مع أبي عبد الله (ع) وهو راكب حماره فنزل وقد كنا صرنا إلى السوق أو قريبا من السوق قال فنزل وسجد فأطال السجود وانا انظره ثم رفع رأسه إلي قال فقلت
362

جعلت فداك رأيتك نزلت فسجدت قال إني ذكرت نعمة الله عز وجل على قال قلت قريبا من السوق والناس يجيئون ويذهبون فقال إنه لن يراني أحد ورواية يونس
بن عمار المروية عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا ذكر أحدكم نعمة الله عز وجل فليضع خده على التراب شكر الله وان كان راكبا فلينزل وليضع خذه على التراب
وان لم يكن يقدر على النزول للشهرة فليضع خده على قربوسه وان لم يقدر فليضع خده على كفه ثم ليحمد الله على ما أنعم عليه وعنه أيضا بسنده عن هشام بن احمر قال
كنت أسير مع أبي الحسن (ع) في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخر ساجدا فأطال وأطال ثم رفع رأسه وركب دابته فقلت جعلت فداك قد أطلت السجود فقال
انني ذكرت نعمة أنعم الله تعالى بها على فأجبت ان اشكر ربي وخبر إسحاق بن عمار المروي عن المكارم قال خرجت مع أبي عبد الله (ع) وهو يحدث نفسه ثم استقبل القبلة
فسجد طويلا ثم الزق خده الأيمن بالتراب طويلا قال ثم مسح وجهه ثم ركب فقلت له بأبي أنت وأمي لقد صنعت شيئا ما رايته قط قال يا اسحق اني ذكرت نعمة من نعم الله
عز وجل علي فأحببت ان أذلل نفسي يا اسحق ما أنعم الله على عبد نعمة فعرفها بقلبه وجهر بحمد الله عليها ففرغ عنها حتى يؤمر بالمزيد من الدارين وخبر أبي عبيدة الحذاء
المروي عن المحاسن قال كنت مع أبي جعفر (ع) في طريق المدينة فوقع ساجدا لله فقال لي واستتم قائما يا زياد أنكرت علي حين رأيتني ساجدا فقلت بلي جعلت فداك قال
ذكرت نعمة أنعمها الله علي فكرهت ان أجوز حتى أؤدي شكرها ويدل على استحبابها عقيب الصلوات أيضا خصوصا الفرائض اخبار كثيرة ربما تبلغ حد الواتر
منها ما عن الصدوق والشيخ في الصحيح عن مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك وترضى بها ربك وتعجب الملائكة منك
وان العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة فيقول يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى قرضي كما عن الفقيه وقربتي كما عن التهذيب
وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه ملائكتي ما ذا له عندي قال فتقول الملائكة يا ربنا رحمتك ثم يقول الرب تبارك وتعالى ثم ما ذا له فتقول الملائكة
يا ربنا جنتك فيقول الرب تبارك وتعالى ثم ما ذا له فتقول يا ربنا كفاية مهمه فيقول الرب تبارك وتعالى ثم ماذا له فلا يبقى شئ من الخير الا قالته الملائكة فيقول الله
تبارك تعالى يا ملائكتي ثم ما ذا له فيقول الملائكة ربنا لا علم لنا قال فيقول الله تبارك وتعالى لأشكرنه كما شكرني واقبل عليه بفضلي واريه وجهي كما عن الفقيه
ورحمتي كما عن التهذيب إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي لا يهمنا نقلها وما في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سئلته عن سجدة الشكر
فقال واي شئ سجدة الشكر فقلت له ان أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة ويقولون هي سجدة الشكر (فقال إن الشكر) إذا أنعم الله على عبد والنعمة ان يقول سبحان الذي
سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين فمما يجب رد علمه إلى أهله والذي يغلب على الظن جرية مجرى التقية كما يؤيد ذلك التوقيع المروي عن كتاب الاحتجاج فيما كتبه الحميري
إلى القائم عجل الله فرجه يسئله عن سجدة الشكر بعد الفريضة فان بعض أصحابنا ذكر انها بدعة فهل يجوز ان يسجدها الرجل بعد الفريضة وان جاز ففي صلاة المغرب
هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة فأجاب عليه السلام سجدة الشكر من الزم السنن وأوجبها ولم يقل ان هذه السجدة بدعة الا من أراد ان يحدث في دين الله
بدعة ومما يدل على استحبابها عقيب النوافل خبر المفضل المروي عن الصادق عليه السلام قال العبد إذا قام بعد نصف الليل بين يدي ربه فصلى له أربع ركعات في جوف
الليل المظلم ثم سجد سجدة الشكر بعد فراغه فقال ما شاء الله مأة مرة ناداه الله جل جلاله من فوق عرشه عبدي إلى كم تقول ما شاء الله انا ربك والى المشيئة وقد
شئت قضاء حاجتك فسلني ما شئت وموثقة علي بن فضال المروي عن العيون في حديث قال رأيت أبا الحسن (ع) صلى ست ركعات أو ثمان ركعات قال وكان مقدار ركوعه و
سجوده ثلث تسبيحات أو أكثر فلما فرغ سجد سجدة أطال فيها حتى بل عرقه الحصى قال وذكر بعض أصحابنا انه الصق خديه بأرض المسجد مضافا إلى عموم معاقد الاجماعات
المحكية على استحبابها مع كون المقام مقام المسامحة خصوصا مع عموم استحبابها الكل نعمة فإنها نعم أداء الفرائض والنوافل فان التوفيق لذلك من أفضل النعم ثم إن
النصوص الواردة في الباب على انحاء منها ما يظهر منه إرادة سجدة واحدة حاصلة بوضع الجبهة على الأرض كما هو المتبادر من اطلاق اسمها وهذه الطائفة
هي أغلب اخبار الباب وقد تقدم جملة منها وما اشتمل على مجرد وضع الخدين مثل خبر إسحاق بن عمار المروي عن الفقيه والتهذيب قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول
كان موسى بن عمران (ع) إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض وخده الأيسر بالأرض وعن الفقيه مرسلا قال قال أبو جعفر (ع) أوحى الله تعالى إلى موسى
بن عمران (ع) أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي قال موسى لا يا رب قال يا موسى اني قلبت عبادي ظهرا وبطنا فلم أجد فيهم أحد أذل نفسا لي منك يا موسى انك
إذا صليت وضعت خديك على التراب وفي بعض الأخبار الاجتزاء بوضع الخد مطلقا كخبر يونس بن عمار بن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا ذكر أحدكم نعمة الله عز وجل
فليضع خده على التراب شكرا لله وان كان راكبا فلينزل وليضع خده على التراب الحديث وفي خبر إسحاق بن عمار المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام إذا ذكرت
نعمة الله عليك وكنت في موضع لا يراك أحد فالصق خدك بالأرض الحديث وفي كثير من الاخبار الجمع بين السجدة وتعفير الخدين بعدها ثم الرفع مثل خبر
محمد بن سليمان عن أبيه قال خرجت مع أبي الحسن موسى عليه السلام إلى بعض أمواله فقام إلى صلاة الظهر فلما فرغ خر ساجدا فسمعته يقول بصوت حزين وتغرغر
دموعه رب عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك لأخرستني وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكممتني وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني
وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لعقمتني وعصيتك بجميع جوارحي
التي أنعمت بها علي وليس هذا جزاؤك مني قال ثم أحصيت له الف مرة وهو يقول العفو العفو قال ثم الصق خده الأيمن بالأرض وسمعته يقول بصوت حزين
بؤت إليك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي ثلث مرات ثم الصق خده الأيسر بالأرض فسمعته يقول ارحم من أساء و
اقترف واستكان واعترف ثلث مرات ثم رفع رأسه وورد في بعض الأخبار العود إلى السجدة بعد التعفير مثل خبر عبد الله بن جندب المروي عن الكافي والفقيه
363

قال سألت أبا الحسن الماضي (ع) عما أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه فقال (ع) قل وأنت ساجد اللهم إني أشهدك واشهد ملائكتك وأنبيائك
وجميع خلقك انك أنت الله ربي والاسلام ديني ومحمد نبيي وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن
علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى
ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة بن الحسن بن علي أئمتي بهم أتولى ومن عدوهم أتبرء اللهم إني أنشدك دم المظلوم ثلثا اللهم إني أنشدك بايوئك
على نفسك لأعدائك لتهلكهم بأيدينا وأيدي المؤمنين اللهم إني أنشدك بايوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم بعدوك وعدوهم ان تصلي على محمد
وعلى المستحفظين من آل محمد ثلثا وتقول اللهم إني أسئلك اليسر بعد العسر ثلثا ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وتقول يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق علي
الأرض بما رحبت ويا بارئ خلقي رحمة بي وكنت عن خلقي غنيا صل على محمد وعلى المستحفظين من ال محمد ثلثا ثم تضع خذك الأيسر على الأرض وتقول يا مذل كل
جبار ويا معز كل ذليل قد وعزتك بلغ مجهودي ثلثا ثم تقول يا حنان يا منان يا كاشف الكرب العظام ثم تعود للسجود وتقول مأة مرة شكرا شكرا ثم تسئل
حاجتك انشاء الله تعالى ومعنى قوله عليه السلام أنشدك دم المظلوم على ما فسره في الحدائق وغيره أسألك بحقك ان تأخذ بدم المظلوم يعني الحسين عليه السلام
فتنتقم من قاتليه والايواء بالمثناة التحتانية والمد العهد والمستحفظين بصيغة الفاعل أو المفعول فعلى الأول بمعنى انهم استحفظوا الأمانة والإمامة وعلى
الثاني استحفظهم الله تعالى يا كهفي حين تعييني المذاهب اي ما ملجئي حين يعجزني مسالكي إلى الخلق وتردداتي إليهم في تحصيل بغيتي وتدبير أمري والاتيان بسجدة
الشكر بهذه الكيفية اي العود أيها بعد التعفير هو المراد بسجدتي الشكر في عبارة المصنف ره وغيره ممن عبر كعبارته تبعا لما في بعض النصوص كصيحة سعد بن سعد
المتقدمة لا سجدتين مستقلتين ولكن ربما يستشعر من قوله ويستحب بينهما التعفير انه يجوز الاتيان بهما بقصد التوظيف مع الفصل بينهما بغير التعفير وهو
لا يخلو عن تأمل وكيف كان فالوقوف على الكيفية الواردة في النصوص أولى وأحوط ثم إن التعفير الذي دلت الأدلة المتقدمة على استحبابه عقيب سجدة الشكر أو
بينهما هو وضع الخدين على الأرض ولكن عممه غير واحد من الأصحاب فخير بين تعفير الخدين والجبينين (بل في المدارك فسر التعفير المذكور في المتن بتعفير الجبينين) وجعل تعفير الخدين مستحبا اخر فقال في شرح العبارة ما هذا
لفظه اي تعفير الجبينين وهو وضعهما على العفر بالفتح وهو التراب وبه يتحقق تعدد السجود وهو مستحب باتفاقنا لما رواه الشيخ عن أبي الحسن الثالث عليه السلام ان
علامات المؤمن خمس وعد منها تعفير الجبينين وكذا يستحب تعفير الخدين لما رواه الشيخ عن محمد بن سنان عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول كان موسى بن
عمران إذا صلى لم ينتقل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض وخده الأيسر بالأرض أقول في استفادة استحباب الفصل بين السجدتين بتعفير الجبينين من الخبر المزبور
تأمل إذ لا اشعار في الخبر المزبور بإرادته فيما بين السجدتين ولذا عرضه في الحدائق بان من المحتمل بل الظاهر أن المراد بالجبين هنا هو الجبهة كما مر نظيره في باب التيمم
من كثرة هذا الاطلاق في الاخبار ويؤيده التعبير في الخبر بالجبين مفردا والمراد ح انما هو استحباب السجود على الأرض وجعل ذلك من علامات المؤمن من
حيث إن المخالفين لا يرون استحباب سجدة الشكر انتهى بل وكذا الخبر الذي ذكره دليلا لاستحباب تعفير الخدين لا يدل على استحبابه بين السجدتين إذ لا دلالة في وقوع
ذلك من موسى عليه السلام بعد وضع جبهته على الأرض أو بين السجدتين فلعله عليه السلام كان يقتصر على وضع خديه على الأرض تواضعا لله تعالى كما يؤيده قوله
عليه السلام في خبر إسحاق بن عمار المتقدم إذا ذكرت نعمة الله عليك وكنت في موضع لا يراك أحد فالصق خدك بالأرض فان ظاهره إرادة خصوصه لا مسبوقا بوضع
الجبهة وكيف كان فالأولى الاستشهاد له بخبر عبد الله بن جندب المتقدم المعتضد بعمل الفرقة المحققة وبالاخبار المتقدمة الدالة على استحبابه تعفير الخدين عقيب السجدة
فالأحوط الاقتصار على تعفير الخدين والأولى بل الأحوط الجمع بين تعفير الخدين والجبينين كما يحصل غالبا بوضع الخدين على الأرض ثم إن التعفير وان كان حقيقة
الوضع على التراب الا ان المراد به بحسب الظاهر كما يقتضيه المناسبة ويشهد له اطلاقات أغلب أدلته هو الوضع على مطلق الأرض بل قد يقوى في النظر المراد
بوضع الخدين على الأرض أعم من وضعهما عليها بلا واسطة أو معها خصوصا إذا كانت الواسطة مما يصح السجود عليه كالحصير ونحوه بل المستبق إلى الذهن من الامر
بوضع خده الأيمن والأيسر على الأرض في خبر عبد الله بن جندب انما هو إرادة وضعهما على الموضع الذي سجد عليه سجدة الشكر لا خصوص الأرض كما ربما يؤيده
السيرة ولكن الأحوط عند وضعهما على غير الأرض الاتيان برجاء المطلوب لا بقصد التوظيف خصوصا إذا لم يكن الموضع مما يصح السجود عليه والله العالم ويستحب
فيها الذكر والدعاء والمبالغة فيهما وأفضلهما الأذكار والأدعية المأثورة وهي كثيرة فلتطلب من مظانها وقد تقدم جملة منها في ضمن الاخبار المزبورة وأدنى
ما يجزي من القول فيها في تحصيل الفضيلة والكمال ان يقول ثلث مرات شكرا لله كما في رواية محمد بن جعفر المكنى بابي الحسين الأسدي عن أبي عبد الله عليه السلام قال انما يسجد
المصلى سجدة بعد الفريضة ليشكر الله تعالى ذكره فيها على ما من به عليه من أداء فرضه وأدنى ما يجزي فيها شكر الله ثلث مرات وموثقة علي بن فضال عن أبيه عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال السجدة بعد الفريضة شكر الله عز وجل على ما وفق له العبد من أداء فرائضه وأدنى ما يجزي فيها من القول إن يقال شكرا لله شكرا لله
شكرا لله ثلث مرات قلت فما معنى قوله شكرا لله قال يقول هذا السجدة مني شكرا لله على ما وفقني له من خدمته وأداء فرضه والشكر موجب للزيادة فإن كان في الصلاة
تقصير لم يتم بالنوافل تم بهذه السجدة ويستحب أيضا إطالة السجود كما يدل عليه اخبار مستفيضة منها ما عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال إن العبد
إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس يا ويله أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت وعن الصدوق مرسلا قال كان أبو الحسن موسى بن جعفر (ع) يسجد بعد ما يصلي فلا يرفع
رأسه حتى تعالى النهار إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة عليه ويستحب أيضا بسط الذراعين والصاق الصدر والبطن كما يدل عليه خبر عبد الرحمن بن خاقان
قال رأيت أبا الحسن الثالث (ع) سجد سجدتي الشكر فافترش ذراعيه والصق جؤجؤه وصدره وبطنه في الأرض فسألته عن ذلك فقال كذا يجب عن الكافي وكذا نحب
364

بالنون والحاء وعن التهذيب بالياء المثناة التحتانية والجيم وعن ابن أبي عمير في الصحيح عن جعفر بن علي قال رأيت أبا الحسن الثالث (ع) وقد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعيه
على الأرض والسق جؤجؤه بالأرض في دعائه والجؤجؤ كهدهد على ما في القاموس وغيره الصدر ويستحب ان يضع يده على موضع السجود ويمسح بها وجهه وما نالته من بدنه
كما يدل عليه خبر جميل المروي عن كتاب مجالس الشيخ أبي علي بن الشيخ عن أبي عبد الله عليه السلام قال
أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران (ع) أتدري لم انتجبتك عن خلقي واصطفيتك
بكلامي فقال لا يا رب فأوحى الله اني اطلعت إلى الأرض فلم أجد عليها أشد تواضعا لي منك فخر موسى (ع) ساجدا وعفر خديه في التراب تذللا منه لربه عز وجل فأوحى
الله إليه ارفع رأسك وامر يدك على موضع سجودك وامسح بها وجهك وما نالته من بدنك فإنه أمان من كل سقم وداء وآفة وعاهة وعن شيخنا المفيد في المقنعة أنه قال
ويضع باطن كفه الأيمن موضع سجوده ثم يرفعها فيمسح بها وجهه من قصاص شعر رأسه إلى صدغيه ثم يمرها على باقي وجهه ويمرها على باقي وجهه ويمرها على صدره فان ذلك سنة وفيه شفاء
انشاء الله تعالى وقد روي عن الصادقين (ع) انهم قالوا إن العبد إذا سجد امتد من عنان السماء عمود من نور إلى موضع سجوده فإذا رفع أحدكم رأسه من السجود فليمسح بيده
موضع سجوده ثم يمسح بها وجهه وصدره فإنها لا تمر بداء الا نقته انشاء الله تعالى ويتأكد استحبابه والدعاء بالمأثور لمن اصابه هم أو حزن أو كان به افته كما يدل عليه
ما عن الصدوق باسناده عن إبراهيم بن عبد الحميد ان الصادق عليه السلام قال لرجل إذا أصابك هم فامسح على موضع سجودك ثم امسح يدك على وجهك من جانب خدك
الأيسر وعلى وجهك إلى جانب خدك الأيمن وقل بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اذهب عني الهم والحزن ثلثا تنبيهان الأول
مقتضى اطلاق النصوص والفتاوي كما هو صريح بعض انه ليس في سجود الشكر تكبيرا ولا تشهدا ولا تسليم وما عن الذكرى من استحباب التكبير لرفع لم يعرف مستنده وكذا لا
يشترط فيه الطهارة والستر ونحوه إذ لا دليل على اعتبار شئ من ذلك فينفيه الأصل فضلا عن الاطلاقات نعم مع الطهارة أفضل كما يدل عليه صحيحة عبد الرحمن المتقدمة
في صدر المبحث وفي اشتراط وضع بقية المساجد ووقوع السجود على ما يصح السجود عليه وجهان أوجههما العدم كما يظهر وجهه مما أسلفنا في سجدة العزيمة الثاني
ربما يوهم اقتصار الأصحاب في باب السجود على ذكر سجدات الصلاة وسجود القران وسجدة الشكر عدم مشروعيته بلا سبب وهو ليس كذلك بل السجود خضوعا لله تعالى
من أفضل الطاعات واهم العبادات ففي الصحيح عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد وعن عبد الله بن هلال قال شكوت
إلى أبي عبد الله (ع) تفرق أموالنا وما دخل علينا فقال عليك بالدعاء وأنت ساجد فان أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد وخبر كليب الصيداوي للروي عن ثواب الأعمال
عن أبي عبد الله عن ابائه قال قال رسول الله (ص) من سجد سجدة حط عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي يقف عليها المتتبع
مما يظهر منها ان السجود في حد ذاته من أفضل الطاعات وكفاك شاهد لذلك مضافا إلى ما ذكر جملة من الاخبار التي تقدم نقلها في سجدة الشكر فإنه يظهر من كثير منها
مطلوبية السجود من حيث كونه خضوعا وتذللا لله تعالى بل يظهر من بعضها ان وقوعه شكرا مسبب عن محبوبيته من حيث هو فلاحظ السابع من واجبات الصلاة
التشهد وهو تفعل من الشهادة وهي لغة كما في القاموس وغيره خبر قاطع وفي عرف المتشرعة ككثير من النصوص يطلق على الأذكار المعهودة المتضمنة للشهادتين المأتي بها
عقيب الركعة الثانية من كل صلاة وثالثة المغرب ورابعة كل رباعية وربما فسر في كلماتهم بخصوص الشهادتين وعن كثير منهم التصريح بأنه لدى الفقهاء اسم للأعم من
الشهادتين ومن الصلاة على محمد واله عليه وعلى اله السلام وهو واجب في كل ثنائية مرة وفي الثلاثية والرباعية مرتين بلا خلاف فيهما بيننا على الظاهر بل صرح غير واحد
بأنه قول علمائنا أجمع خلافا لما حكى عن كثير من العامة كالشافعي وأهل العراق من القول بعدم وجوب التشهد الأول وعن بعضهم كأبي حنفية ومالك والثوري
والأوزاعي عدم وجوب الثاني أيضا ويدل عليه مضافا إلى الاجماعات المستفيضة المعتضدة بعدم نقل الخلاف فيه عن أحد منا عدى ما ستسمعه عن الصدوق مما ليس
في الحقيقة خلافا في هذه المسألة جملة من الاخبار الآتية وما يوهمه بعض الروايات التي وقع فيها التصريح بأنه سنة من كونه مستحبا كموثقة زرارة قال قلت لأبي
عبد الله الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال قد تمت صلاته وانما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد وخبر
ابن مسكان المروي عن كتاب المجالس عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن رجل صلى الفريضة فلما رفع رأسه من السجدة الثانية من الرابعة احدث فقال اما صلاته فقد
مضت واما التشهد فسنة في الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلس أو مكان نظيف فليتشهد وصحيحه محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى
ينصرف فقال إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد فيه وقال انما التشهد سنة في الصلاة وجب حمله على ما لا ينافي اما عرفت اما بحمل السنة على
إرادة ثبوت شرعيته ووجه به بها لا بالكتاب والالتزام بعدم ناقضية الحدث المتخلل في الأثناء بمقتضى الخبرين الأولين كما حكى القول به عن الصدوق ومال إليه أو قال به
بعض المتأخرين تعويلا على الخبرين أو بحملها على التقية كما لعله الأقرب بل المتعين في الأولين فان حمل السنة على إرادة ما لا ينافي الوجوب والالتزام بعدم ناقضية الحدث
المتخلل مع شذوذ والقول به وضعفه كما ستعرفه في محله انشاء الله غير مجد في توجبه الخبرين بعد وقوع التصريح فيهما بمضي صلاته وتماميتها قيل التشهد فان قوله عليه السلام
التشهد سنة بمنزلة التعليل لذلك ومعه يصير كالنص في إرادة عدم كونه من واجبات الصلاة بل من الأمور المسنونة التي لا يوجب الاخلال بها نقص الصلاة فيحب اما
ان يكون جزء مستحبا للصلاة أو فعل خارجا عنها كالتعقيب وكلاهما مخالفان لاجماع أصحابنا وظواهرا اخبارهم فيتعين حمل الخبرين اما على التقية أورد علمهما
إلى أهله وقد ظهر بما أشرنا إليه من ظهور النصوص والفتاوي بل صراحتهما في مطلوبية التشهد ووجوبه للصلاة لا مستقلا انه لو أخل بهما أو بأحدهما سواء
كان التشهد الأول أو الثاني عامدا بطلت صلاته كغيرهما من واجبات الصلاة والله العالم والواجب في كل واحد منهما اي من التشهدين خمسة أشياء الأول الجلوس
بلا خلاف فيه بل اجماعا كما ادعاه غير واحد بل لا يبعد ان يكون اختصاص شرعيته بحال الجلوس لدى التمكن منه من الضروريات ويدل عليه مضافا إلى ذلك جملة من النصوص
365

الواردة في بيان كيفية الصلاة قولا وفعلا أو في خصوص التشهد أو في بيان كيفية تداركه لدى نسيانه ففي الصحيح عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله (ع) التشهد
في الصلاة قال مرتين قال فقلت وكيف مرتين قال إذا استويت جالسا فقل أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك في الحديث وصحيحة زرارة المروية عن
مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب حزيز عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لا بأس بالاقعاء فيما بين السجدتين ولا ينبغي الاقعاء في موضع التشهد انما التشهد في الجلوس
وليس المقعي بجالس إلى غير ذلك من النصوص الدالة عليه مما يقف عليه المتتبع في الأبواب التي تقدمت الإشارة إليها ولا ينافيها خبر عبد الله بن حبيب بن جندب
قال قلت لأبي عبد الله (ع) اني أصلي المغرب مع هؤلاء فأعيدها فأخاف ان يتفقدوني قال إذا صليت الثالثة فمكن في الأرض أليتيك ثم انهض وتشهد وأنت
قائم ثم اركع واسجد فإنهم يحسبون انها نافلة فان مورده التقية التي تباح بها المحظورات ولا فرق على الظاهر بين انحاء الجلوس الاطلاق أدلته من النصوص
والفتاوى مع موافقته للأصل فما في الحدائق من عدم جواز الاقعاء في التشهد لعدم صدق اسم الجلوس عليه شرعا وعرفا مستشهدا لذلك بالصحيحة المتقدمة
وغيرها مما وقع فيه التصريح بان المقعي ليس بجالس وقد تقدم الكلام فيه في مبحث الجلوس بين السجدتين وعرفت فيما تقدم ان المتجه حمل ما دل على المنع عن
الاقعاء في الصلاة مط أو في خصوص التشهد على الكراهة وسيأتي الإشارة إليه أيضا عند التكلم في استحباب التورك انشاء الله ثم إنه ربما يستشعر بل
يستظهر من عبارة المصنف وغيره ممن عبر كعبارته حيث إنه جعل الجلوس من واجبات التشهد عدم وجوبه لنفسه قدر التشهد بحيث لو فرض سقوط التشهد بقي
وجوبه وهو موافق للأصل ولكنه ربما يستفاد من صحيح جميل وغيره الوارد فيمن صلى خمسا سهوا وجوبه كذلك للاكتفاء في صحة الصلاة وعدم الإعادة بأنه
ان كان قد جلس بعد الرابعة قدر التشهد صحت والا فلا اللهم الا ان يجهل ذلك على إرادة فعل التشهد حيث إن التعبير عنه بالجلوس بقدره شايع في النصوص و
الفتاوي كما تعرفه انشاء الله في محله فليتأمل والثاني والثالث الشهادتان في الموضعين بلا خلاف يعتد به فيه بيننا بل عن جمع من الأصحاب دعوى
الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى ذلك خبر سورة بن كليب الرومي عن الكافي قال سألت أبا جعفر (ع) عن أدنى ما يجزي من التشهد فقال الشهادتان وصحيحة
محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله (ع) التشهد في الصلاة قال مرتين قال فقلت وكيف مرتين قال إذا استويت جالسا فقل اشهد ان الا اله الا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف قال قلت قول العبد التحيات لله والصلوات الطيبات لله فقال هذا اللطف من الدعاء بلطف العبد ربه وخبر
يعقوب بن شعيب المروي عن التهذيب عن أبي عبد الله (ع) قال التشهد في كتاب علي شفع إذا الظاهر أن المراد بالشفع هو المرتان اللتان وقع التصريح بهما في الصحيحة
المتقدمة وما عن الشيخ في الموثق عن عبد الملك بن عمر والأحول عن أبي عبد الله (ع) قال التشهد في الركعتين الأوليتين الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وال محمد وتقبل شفاعته وارفع درجته فيتم بالنسبة إلى التشهد الثاني بعدم القول بالفصل و
رفع اليد عن ظاهره بالنسبة إلى التحميد والدعاء الواقع في اخره بالحمل على الندب لا يوجب الغائه بالنسبة إلى ما عداه كما تقدم التنبيه عليه مرارا في نظائر المقام
خصوصا بالنسبة إلى الشهادتين اللتين هما الأصل في اطلاق اسم التشهد على المجموع ولا يعارضها ما عن الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) ما يجرى
من القول في التشهد في الركعتين الأوليتين قال إن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قلت فما يجزي في الركعتين الأخيرتين فقال الشهادتان
لشذوذ هذه الرواية وعدم نقل القول بمضمونها الا عن الجعفي في الفاخر حيث حكى عنه انه ذهب إلى اجتزاء شهادة واحدة في الأول بناء على ارادته خصوص
الشهادة بالوحدانية من الشهادة الواحدة لا الأعم منها ومن الشهادة بالرسالة والا فالخبر غير معمول به أصلا وكيف كان فهو من الاخبار الشاذة التي يجب
رد عملها إلى أهله فضلا عن صلاحية المعارضة لما عرفت هذا مع أنه حكى عن الذكرى انه حمله على التقية فيكشف ذلك عن موافقتها للعامة فهي أيضا مما
يوهنها ولكن الذي يغلب على الظن ان المقصود بهذه الرواية بيان كفاية نفس الشهادة مجرده عن التحميد والتحيات وغيرها من الأذكار والأدعية التي كانت
متعارفة في تلك الاعصار لا في مقابل الشهادة الرسالة فكان اعتبار الشهادة بالرسالة أيضا كالشهادة بالوحدانية في مهبة التشهد اجمالا كان معهودا
لديهم فأريد بهذا الخبر نفي اعتبار سائر التوابع واللواحق كما أنه أريد بفقرتها الأخيرة بيان انه لا يعتبر في التشهد الأخير أيضا عدى محض الشهادتين كما أنه ربما
يشهد لهذا التوجيه خبر أحمد بن محمد بن أبي نصير البزنطي قال قلت لأبي الحسن (ع) جعلت فداك الذي في الثانية يجزي ان أقول في الرابعة قال نعم إذ لو كان التشهد الذي
في الثانية خصوص الشهادة بالتوحيد لم يكن ذلك مجزيا في الرابعة بنص الصحيحة اللهم الا ان يقال إن غرضه من التشهد الذي في الثانية هو التشهد الذي كان
متعارفا عندهم وهو بحسب الظاهر كان مشتملا على الشهادة بالرسالة وان لم يكن صحته متوقفة عليها فليتأمل وكذا لا يعارض الاخبار المزبورة خبر بكر بن حبيب
المروي عن الكافي قال سألت أبا جعفر (ع) عن التشهد فقال لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا انما كان يقولون أيسر ما يعلمون إذا حمدت الله أجزء عنك
وخبره الاخر المروي عن الكافي والتهذيب قال قلت لأبي جعفر (ع) اي شئ أقول في التشهد أقول في التشهد والقنوت فقال با حسن ما عملت فإنه لو كان موقتا لهلك الناس و
خبر حبيب الخثعمي عن أبي جعفر عليه السلام يقول إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه إذا الظاهر أن المراد بهذه الاخبار نفي اعتبار خصوصية التحيات والأذكار والأدعية
الطويلة التي يشق على عامة العباد حفظها لا الشهادة بالوحدانية أو الرسالة التي يعرفها كل مسلم ويتوقف عليها صدق اسم التشهد ولو سلم ظهورها في نفي اعتبار
الشهادة أيضا التعين صرفها إلى ما ذكر جميعا بين الأدلة أو حملها على التحية كما في المدارك وغيره لموافقتها لأكثر العامة على ما ذكره الشهيد ره في محكي الذكرى وعدم
نقل القول بمضمونها عن أحد منا فضلا عن صلاحيتها المعارضة ما عرفت وحكى عن الصدوق في المقنع أنه قال إن أدنى ما يجزي في التشهد ان تقول الشهادتين أو تقول
366

بسم الله وبالله ثم تسلم وضعفه في محكي الذكرى بمخالفته لاجماع الامامية وربما استدل له بموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن نسي الرجل التشهد في الصلاة
فذكر أنه قال بسم الله فقط فقد جازت صلاته وان لم يذكر أعاد الصلاة وخبر علي بن جعفر المروي عن كتاب قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن رجل ترك
التشهد حتى سلم قال إن ذكرها قبل ان يسلم فليتشهد وعليه سجدتا السهو وان ذكر أنه قال اشهد ان الا اله الا الله بسم الله اجزئه في صلاته وان لم يتكلم بقليل ولا
كثير حتى سلم اعاده الصلاة وفيه ان الخبرين واردان في ناسي التشهد الذي لا تعاد الصلاة منه كما تعرفه في محله انشاء الله فصحة صلاته لدى تذكره التلفظ ببسم الله فقط
لا يدل على جواز الاكتفاء به عمدا كما هو واضح وانما الاشكال فيما تضمنه الخبران من إعادة الصلاة عند في لتكلم بقليل ولا كثير ولعله أريد به الاستحباب والا لتعين
طرحه ورد علمه إلى أهله كما ستعرفه انشاء الله في محله كما أن الامر كذلك فيما في الخبر الأخير من ايجاب
سجدتي السهو لدى التذكر قبل التسليم ولعله أريد به قبل اكمال السلام
لا قبل التلبس به والله العالم والرابع والخامس الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله في التشهدين بلا خلاف محقق فيهما كما اعترف به في الجواهر وغيره بل عن
الناصريات والمبسوط والخلاف والغنية والمعتبر والمنتهي والتذكرة والذكرى وكنز العرفان والجمل للقاضي والحبل المتين وغيرها دعوى الاجماع عليه أو نفي
الخلاف عنه ويدل عليه مضافا الاجماعات المستفيضة المعتضدة بالشهرة جملة من الاخبار المروية من طرق العامة والخاصة فمن طرق العامة ما روى عن عائشة قالت
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لاتقبل صلاة الا بطهور وبالصلاة علي وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله إذا تشهد أحدكم في صلاة فليقل اللهم صل على محمد
وال محمد وعن جابر الجعفي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صلى صلاة ولم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه ومن طرق الخاصة ما رواه في الوسائل عن
الصدوق باسناده عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبي بصير وزرارة جميعا قالا قال أبو عبد الله (ع) ان الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله من تمام الصلاة ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على
النبي صلى الله عليه وآله وعن الشيخ باسناده عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبي بصير وزرارة جميعا عن أبي عبد الله (ع) أنه قال من تمام الصوم اعطاء الزكاة كما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله من تمام
الصلاة ومن صام ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا ومن صلى ولم يصل على النبي وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له ان الله تعالى بدء بها قبل الصلاة فقال
قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى والظاهر كونهما رواية واحدة ولكن الصدوق اقتصر على نقل بعض مضمونها وعدم بطلان الصوم بترك الزكاة غير قادح في الاستدلال
فان قضية التشبيه كون الحكم في المشبه به مفروغا عنه فيحمل الحكم في المشتبه بعد ان علم في رادة ظاهره اما على المبالغة أو غير ذلك من المعاني المصححة للتشبيه فلا يوهن ذلك
دلالتها على المدعى والمرسل المروي عن كتاب اعلام الدين للديلمي عن النبي صلى الله عليه وآله قال من صلى ولم يذكر الصلاة علي وعلى آلى سلك به غير طريق الجنة و
قصور جل هذه الأخبار بل كلها اما سندا أو دلالة من حيث عدم تعيين موضع الصلاة أو عدم ذكر الآل معه صلى الله عليه وآله غير قادح بعد الانجبار بما عرفت
ومعهودية موضعها في الشريعة وعدم القول بالفصل بينه وبين الال ومعهودية لا وصل بينهما في الشريعة وما حكى عن ظاهر إشارة السبق من الاجتزاء بالصلاة
على النبي بدون الآل مما لا ينبغي الالتفات إليه وقد اعترض عليه في الجواهر بأنه معلوم بالبطلان في مذهب الشيعة وانما ينسب هو إلى بعض العامة وكفاك شاهدا
لذلك المستفيضة المروية من طرق الخاصة والعامة المصرحة بنقص الصلاة على النبي بدون ضم الآل إليه كما سيأتي التنبيه عليه واستدل أيضا على وجوب الصلاة على
النبي صلى الله عليه وآله في محكى المعتبر والمنتهى بقوله تعالى يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فان ظاهر وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وآله ولا وجوب في غير الصلاة اجماعا فيتعين
ارادتها في الصلاة ونوقش بمنع الاجماع على عدم وجوبها في غير الصلاة لحكاية الأول بوجوبها في العمر مرة عن بعض العامة وذهاب كثير من الخاصة إلى وجوبها عند
ذكره صلى الله عليه وآله كما سيأتي التنبيه عليه أقول ولكنك ستعرف ضعف القول بوجوبها في غير الصلاة فالمناقشة فيما ادعوه من الاجماع غير قادحة في أصل الاستدلال
ولكن يتوجه عليه ان قيام دليل خارجي على عدم وجوبها في غير الصلاة لا يعين ارادتها في الصلاة من الآية لامكان إرادة الندب من الآية أو غير ذلك من المعاني المخالفة
للظاهر والأصول القاضية بحمل اللفظ على ظاهره كاصالة الحقيقة وعدم القرينة ونحوه غير مقتضية لاثبات لوازمها كما لا يخفى على من لاحظ العرف والشرع في باب
الاقادير ونظائرها وقد تقدم ما يوضح ذلك في باب الوضوء من كتاب الطهارة في مسألة ما لو توضأ وبيده خاتم أو سير فراجع واستدل له أيضا بموثقة عبد الملك
بن عمر والأحول عن أبي عبد الله عليه السلام قال التشهد في الركعتين الأوليتين الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل
على محمد وال محمد وتقبل شفاعته وارفع درجته واشتمالها على ما ليس بواجب لا يخل بالاستدلال فان رفع اليد عن ظاهر ما كان ظاهر الوجوب في بعض مدلوله
بقرينة منفصلة لا يوجوب الغائه رأسا كما تقدم تحقيقه مرادا وبهذا التقريب ربما يستدل أيضا بالاخبار المتضمنة للتشهدات الطويلة المشتملة على الصلاة كخبر أبي بصير
الآتي ونظائره وفيه انه لا يبقى لمثل هذه الأخبار دلالة على الوجوب بعد ان علم أنه لم يقصد بها في جل الفقرات التي تضمنتها الا الندب كما لا يخفى واستدل له
أيضا بالصحيح أو الحسن عن ابن أذينة والأحول وسدير الصيرفي المروي عن العلل المحكي فيه فعل النبي صلى الله عليه وآله في حديث المعراج قال فيه وذهبت ان أقوم
فقال يا محمد اذكر ما أنعمت عليك وسم باسمي فألهمني الله ان قلت بسم الله وبالله لا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله فقال لي يا محمد صلى عليك وعلى أهل
بيتك فقلت صلى الله علي وعلى أهل بيتي وقد فعل ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة والنبيين والمرسلين فقال لي يا محمد سلم فقلت السلام عليك ورحمة
الله وبركاته الحديث وخبر إسحاق بن عمار المتضمن أيضا لكيفية صلوه النبي صلى الله عليه وآله عن أبي الحسن موسى وفيه ثم قال وارفع رأسك ثبتك الله واشهد
ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور اللهم صل على محمد وال محمد وارحم محمد وال محمد كما صليت وباركت
وترحمت على إبراهيم وال إبراهيم انك حميد مجيد اللهم تقبل شفاعته وارفع درجته ففعل الحديث أقول الأولى ايراد مثل هذه الأخبار في مقام التأييد والا
367

فهي قاصرة عن إفادة الوجوب كما لا يخفى وحكى عن الصدوق وفي الفقيه ما يظهر منه القول بعدم وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله في التشهد فإنه قال على
ما حكى عنه إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية تشهد وقل بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله ارسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ثم انهض إلى الثانية إلى أن قال فإذا صليت الركعة الرابعة فتشهد وقل في تشهدك إلى اخر ما ذكره
ولم يذكر فيه الصلاة أيضا بل قال بعد ان فرغ من ذلك ويجزيك في التشهد الشهادتان تنبيها على عدم وجوب سائر الفقرات التي تضمنتها عبارته وعن موضع اخر منه
بعد ان ورد الحديث الدال على فساد الصلاة بقول تبارك اسمك وتعالى جدك قال هذا في التشهد الأول واما في التشهد الثاني بعد الشهادتين فلا بأس به لان
المصلى إذا تشهد الشهادتين في التشهد الأخير فقد فرغ من الصلاة وحكى عن الذكرى انه نقل عن الصدوق في المقنع أيضا انه لم يذكر الصلاة في التشهد بل قال أدنى
ما يجزي من التشهد ان يقول الشهادتين أو يقول بسم الله وبالله ثم يسلم ونقل عن والده أيضا في الرسالة انه لم يذكر الصلاة على النبي في التشهد الأولى ثم
ثم قال والقولان شاذان لا يعدان يعارضهما اجماع الامامية على الوجوب انتهى ونسب إلى ابن الجنيد القول بالاجتزاء بها في أحد التشهدين وفي الجواهر
بعد ان ادعى انحصار نقل الخلاف في المسألة فيما حكى عن الصدوق ووالده وابن الجنيد قال مع أن المحكى عن امالي الأول من دين الإمامية الاقرار بأنه يجزى في التشهد
الشهادتان والصلاة على النبي وآله فيقوى في الظن ان تركها في مثل الفقيه لمعروفية فعل الصلاة عقيب اسم الرسول ولا ينافيه قوله بعد ذلك فيه ويجزيك
في التشهد الشهادتان على أن المحكى عن الذكر ولو في غير التشهد فلعل الترك ح لذلك انتهى أقول ارتكاب هذا التأويل في العبارة المحكية
عن الفقيه التي وقع فيها التعرض لبيان ما يقوله مفصلا في غاية البعد وليس لعبارته المحكية عن الأمالي ظهور يعتد به فيما ينافيه فلعل ضم الصلاة إلى الشهادتين
هيهنا بلحاظ ان الاجتزاء بالشهادتين لم يكن مسلما لدى الجميع حتى يجعل الاقرار به من دين الإمامية فلا ينافي ذلك جوازه لديه هذا مع أن حكى في مطالع الأنوار
عنه في الأمالي أنه قال ويجزي في التشهد الشهادتان وجعله مما ثبت في دين الإمامية وربما يؤيد هذا الحكاية ما في المستند وغيره من نسبة القول بكفاية
الشهادتين إلى الصدوق في جميع كتبه وتحقيق حال النسبتين يتوقف على مراجعة أصل الكتاب وكيف كان فالظاهر أن الصدوق بل وكذا والده يقول بكفاية
الشهادتين وربما يشهد لهذا القول جملة من النصوص التي قدم كثير منها كقوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة إذا استويت جالسا فقل أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف وقوله عليه السلام في خبر سورة بن كليب في جواب السؤال عن أدنى ما يجزى من التشهد
الشهادتان وفي صحيحة زرارة المتقدمة في جواب السؤال عما يجزي من القول في التشهد الأول قال إن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وفي
الجواب عما يجزي في الأخيرتين قال الشهادتان وصحيحة الأخرى عن أبي جعفر عليه السلام أيضا في الرجل يحدث بعد ان يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل ان يتشهد قال
ينصرف فيتوضأ فان شاء رجع إلى المسجد وان شاء ففي بيته وان شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم وان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته وفي
الصحيح عن الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته فإن كان مستعجلا في امر يخاف ان يفوته فسلم وانصرف
اجزئه وقد يجاب عن هذه الأخبار بخروج الصلاة عن النبي صلى الله عليه وآله عن التشهد الذي يعتبر في مفهومه الشهادة فاجزاء الشهادتين في التشهد لا ينافي
وجوبها وما في صحيحة محمد بن مسلم من قوله (ع) ثم تنصرف يحمل على الانصراف عن التشهد كما يؤيد ذلك عدم اختصاصه بالتشهد الأخير وقوله عليه السلام مضت صلاته في
صحيحة زرارة الواردة في الرجل يحدث يحمل على الناسي أو يقيد بما بعد الصلاة بناء على استحباب التسلم وكذا في الصحيحة الأخيرة يقيد بما بعد الصلاة هذا مع
احتمال التقية في بعضها أو جميعها ولا يخفي عليك ما في هذه المحامل من البعد خصوصا في حمل الانصراف الوارد في صحيحة محمد بن مسلم على الانصراف من التشهد فالانصاف
ان تلك الصحيحة كادت تكون صريحة في نفي الوجوب فلا يصلح لمعارضتها شئ من الروايات المتقدمة التي غايتها الظهور في الوجوب فارتكاب التأويل فيها بالحمل
على الاستحباب أهون من ارتكاب مثل هذه المحامل ولكن الأصحاب حيث راو شذوذ هذه الروايات ومخالفة ظهورها لما اشتهر بين الامامية وانعقد عليه
اجماعهم كما ادعاه غير واحد التجأوا إلى ارتكاب مثل هذه التوجيهات قرارا عن طرحها وكيف كان فهذه الروايات وان كانت أوضح دلالة وأصح سندا من الروايات
الدالة على الوجوب ولكنه يشكل الاعتماد عليها في صرف تلك الروايات عن ظواهر ها بعد ما عرفت فلاخذ بظواهر ما دل على الوجوب ان لم نقل بكونه أقوى
فلا ريب في أنه أحوط والله العالم واما القول المحكي عن ابن الجنيد فاستدل له لصحيحة زرارة وغيرها من الأخبار المتقدمة الدالة بظاهرها على بطلان الصلاة
التي لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه وآله وتقريبه ان أقصى ما يدل عليه هذه الأخبار انما هو وجوبها في كل صلاة في الجملة فلا يثبت بذلك وجوبها
في كل تشهد وفيه انه لا دلالة لمثل هذه الأخبار من حيث هي على وجوبها في أحد التشهدين أيضا لاجمالها من هذه الجهة وانما قصد بها بيان كون الصلاة
على النبي صلى الله عليه وآله من الاجزاء المهمة التي لا يجوز الاخلال بها بل يجب الاتيان بها في موضعها المقرر في الشريعة نظير قوله لا صلاة الا بفاتحة الكتاب
فوجوب كونها في التشهد يفهم من هذه الأخبار بواسطة معروفية مشروعيتها عقيب الشهادة بالرسالة وان هذا هو محلها الموظف شرعا من غير فرق بين التشهد
الأول والثاني كما يفصح عن ذلك مضافا إلى وضوح كونه كذلك في الشريعة جملة من الروايات المتقدمة الواردة في كيفية التشهد المشتملة على ذكر الصلاة على
النبي صلى الله عليه وآله فإنها وان قصر جلها أو كلها عن إفادة الوجوب لكنها لا تقصر عن تعيين موضع الصلاة وانها من اجزاء التشهد هذا مع ما في النبوي
المتقدم من التصريح بأنه إذا تشهد أحدكم في صلاة فليقل اللهم صل على محمد وال محمد المنجبر ضعفه بما عرفت تنبيه المشهود استحباب الصلاة على النبي
368

صلى الله عليه وآله كلما جرى ذكره للمتكلم والسامع لا الوجوب بل عن المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى دعوى الاجماع عليه قالا في الكتابين المذكورين لا يقال ذهب
الكرخي إلى وجوبها في غير الصلاة في العمر مرة واحدة وقال الطحاوي كلما ذكر قلنا للاجماع سبق الكرخي والطحاوي فلا عبرة بتخريجهما انتهى وفي الذخيرة بعد ان نقل
عن المعتبر والمنتهى هذه العبارة قال ما لفظه ولم اطلع على مصرح بالوجوب من الأصحاب الا ان صاحب كنز العرفان ذهب إلى ذلك ونقله عن ابن بابويه واليه ذهب
الشيخ البهائي في مفتاح الفلاح وللعلامة ههنا أقوال مختلفة قال في الكشاف الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله واجبة وقد اختلفوا فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره وفي
الحديث من ذكرت عنده ولم يصل على فدخل النار فابعده الله ويروي انه قيل يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى ان الله وملائكته يصلون على النبي فقال (ع) هذا من العلم
المكنون ولولا انكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به ان الله وكل بي ملكين فلا اذكر عند عبد مسلم فيصلي على الا قال ذلك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته
جوابا لذينك الملكين امين ومنهم من قال يجب في كل مجلس مرة وان تكرر ذكره كما قيل في ايه السجدة وتسميت العاطس وكذلك في كل دعاء في أوله واخره ومنهم من
أوحيها في العمرة مرة وكذا قال في اظهار الشهادتين والذي يقتضيه الاحتياط كالصلاة عند كل ذكر لما ورد في الاخبار انتهى والأقرب عدم الوجوب للأصل
المضاف إلى الاجماع المنقول سابقا وعدم تعليمها للمؤذنين وعدم وردها في الاخبار الاذان وعدم وجودها في
كثير من الأدعية المضبوطة المنقولة عن
الأئمة الطاهرين مع ذكره صلى الله عليه وآله فيها وكذلك في الأخبار الكثيرة انتهى كلام صاحب الذخيرة وقد أكثر بعض متأخري المتأخرين في ايراد الشواهد عليه من نقل
كثير من الأدعية والاخبار والخطب وغيرها مما هو مشتمل على ذكر اسمه صلى الله عليه وآله بدون الصلاة عليه وهي أكثر من أن تحصى كما لا يخفى على المتتبع ولو
اغمض عن جميع ذلك فنقول في شاهدا لنفي الوجوب عدم اشتهاره بين المسلمين لقضاء العادة بان مثل هذا التكليف الذي يعم به الابتلاء ولو كان ثابتا في الشرع
لصار من ضروريات الدين مع أن المشهور بين الخاصة والعامة لو لم يكن مجمعا عليه عندهم عدمه فلا ينبغي التأمل فيه وان الروايات الواردة في الحث عليها انما قصد
بها تأكد الاستحباب خلافا لصاحبي الوسائل والحدائق فذهبا إلى وجوبها كلما ذكر اسمه صلى الله عليه وآله بل في الحدائق نسبة أيضا زيادة على ما ذكره في
الذخيرة إلى المحدث الكاشاني والفاضل المحقق المولى محمد صالح المازندراني في شرحه على أصول الكافي والشيخ عبد الله بن صالح البحراني وزعم أن القول به
مما لا يعتبر به غشاوة الابهام وان انكاره مكابرة صرفة في مقابلة اخبار صحيحة صريحة جمودا على متابعة المشهور وغفل عن أن مثل هذا الحكم الذي ينافيه الامارات
التي تقدمت الإشارة إليها لا يمكن اثباته بمثل هذه الروايات التي أشار إليها على تقدير صراحتها فضلا عما ستعرفه من منع ظهور جلها لولا كلها في الوجوب بل هي
ظاهرة في الاستحباب وكيف كان فعمدة مستند القول بالوجوب صحيحة زرارة الواردة في الاذان المروية عن الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام قال لا يجزيك من الاذان
الا ما أسمعت نفسك أو فهمته وافصح بالألف والهاء وصل على النبي صلى الله عليه وآله كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في الاذان أو غيره وعن الكافي في الصحيح عن زرارة
قال قال أبو جعفر (ع) إذا اذنت فافصح بالألف والهاء وصل على النبي كلما ذكرته أو ذكره ذاكر في الاذان وغيره واستدل له أيضا بما رواه الكليني ره بسنده عن
محمد بن هارون عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي صلى الله عليه وآله في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة قال وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من ذكرت عنده ولم فلم؟
يصلي علي فدخل النار فأبعده الله وقال صلى الله عليه وآله من ذكرت عنده فنسي ان يصلي علي خطأ به طريق الجنة وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله
من ذكرت عنده فنسي ان يصلي علي خطأ الله به طريق الجنة واستدل له أيضا في الحدائق بما رواه في الكافي في أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا ذكر النبي صلى الله عليه وآله
فأكثروا من الصلاة عليه فإنه من صلى على النبي صلى الله عليه وآله صلاة واحدة صلى الله عليه الف صلاة في الف صف من الملائكة ولم يبق شئ مما خلق الله الا صلي على ذلك العبد
لصلاة الله عليه وصلاة ملائكته فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برء الله منه ورسوله وأهل بيته ثم قال والامر بالاكثار محمول على الاستحباب وقرينيه
من سياق الخبر ظاهر أقول وأنت خبير بأنه لا امر في هذا الخبر وراء هذا الامر الذي اعترف بكونه محمول على الاستحباب بشهادة السياق حتى يجعله دليلا على
الوجوب فلعل استدلاله به مبني علي دعوى استفادة من قوله عليه السلام فمن لم يرغب في هذا إلى اخره وفيه ما لا يخفى فان هذا النوع من التعبيرات في الاخبار من
قرائن الاستحباب فهذه الرواية على خلاف مطلوبهم أدل وكذا رواية أبي بصير المتقدمة والمرسلة التي قبلها فإنهما أيضا مشعرتان بل ظاهرتان في الاستحباب وأوضح
منها دلالة على ذلك ما عن معاني الأخبار بسنده عن عبد الله بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله البخيل حقا من ذكرت عنده فلم يصل على
وعن الارشاد عن عمارة بن عزيز عن عبد الله بن علي بن الحسين عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله البخيل كل البخيل الذي إذا ذكرت عنده لم يصل على وعن
المفيد ره في المقنعة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في حديث ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال قال لي جبرئيل من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قلت امين فقال ومن
أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قلت امين (قال ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يغفر له فأبعده الله قلت امين) عن عدة الداعي في حديث قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله اجفا الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصل على ومن
له انس بفهم الاخبار يرى مثل هذه الروايات كالنص في الاستحباب فعمدة مستند القول بالوجوب هي صحيحة زرارة المتقدمة وهي أيضا ليس لها ظهور يعتد به إذا الظاهر أن
المقصود بها بيان ما ينبغي رعايتها حال الاذان وان لم يكن واجبا كالافصاح بالألف والهاء وكيف كان فلا بد من صرفها إلى الاستحباب بقرينة غيره مما عرفت
فوائد الأولى مقتضي اطلاق النصوص استحباب الصلاة عليه أو وجوبها على القول به عند ذكره صلى الله عليه وآله باي عبارة يكون سواء كان باسمه أو
لقبه أو كنيته أو الضمير الراجع إليه كما حكى التصريح به عن المحدث الكاشاني في خلاصة الأذكار حيث قال لافرق بين الاسم واللقب والكنية بل الضمير على الأظهر
انتهى ولكن حكى عن شيخنا البهائي ما يظهر منه تردده في الضمير قال وفي كتابه مفتاح الفلاح على ما حكي عنه بعد نقل صحيحة زرارة المتقدمة ما لفظه ولا يخفى ان قول
369

الباقر (ع) في الحديث الأول كلما ذكرته أو ذكره ذاكر يقتضي وجوب الصلاة سواء ذكر صلى الله عليه وآله باسمه أو لقبه أو كنيته ويمكن ان يكون ذكره بضميره الراجع
إليه صلوات الله عليه وآله كذلك ولم اظفر في كلمات علمائنا قدس الله أرواحهم في ذلك بشئ والاحتياط يقتضي ما قلناه من العموم إنتهى وفي الحدائق بعد
نقل كلاميهما قال ما صورته والذي يقرب في الخاطر العليل والفكر الكليل هو التفصيل بأنه إن ذكره باسمه العلمي فلا ريب في الوجوب وان ذكره بغيره من الألقاب والكنى
فإن كان من الألفاظ التي استمرت تسميته بها واشتهر بها وجرت في الاطلاقات مثل رسول الله صلى الله عليه وآله والرسول والنبي وأبي القاسم ونحو ذلك فهي ملحقة بالاسم العلمي
وان كان غير ذلك من الألفاظ التي يراد منها وليست كذلك مثل خير الخلق وخير البرية والمختار ونحو ذلك فالظاهر العدم والظاهر أن الضمير من قبيل الثاني والاحتياط
لا يخفى انتهى وفيه ان الحكم ليس دائرا مدار اسمه العلمي وما الحق به حتى يتجه هذا التفصيل بل دائر مدار جريان ذكره صلى الله عليه وآله في البيان وهو صادق مهما
جرى ذكره باي عبارة يكون كما هو واضح الثانية مقتضى اطلاق سببيته ذكره صلى الله عليه وآله للصلاة عليه تكرر المسبب بتكرر سببه واما مع التخلل
فواضح ومع في لتخلل أيضا كذلك لو قلنا بظهور النص في سببيته كل فرد فرد من الذكر لتخير التكليف بجزائه وهو لا يخلو عن تأمل إذ لا يبعد ان يدعي ان المتبادر
من النصوص ليس الا إدارة الصلاة عليه عقيب ذكره من حيث هو اي طبيعة الذكر وهي لا تقضي التعدد في مثل الفرض كما أوضحناه في احكام منزوحات البئر من
كتاب الطهارة فراجع وكيف كان فذكره المتحقق في ضمن الصلاة عليه ليس موجبا لصلاة أخرى بالنسبة إلى
نفس المصلى اما في الصلاة التي يؤتى بها لأجل ذكره
فواضح لان ما كان من توابع الحكم يمتنع ان يقع موضوعا للقضية المثبتة له مع أنه يلزمه التسلسل واما في الصلاة التي يوتى بها ابتداء فإنه وان أمكن ان يتناولها
الأدلة ولكنها خارجه عن منصرفها واما بالنسبة إلى من عداه ممن يسعها منه فسبب كما لا يفي الثالثة لا تتم الصلاة عليه صلى الله عليه وآله الا بضم
اله إليه كما يدل عليه اخبار مستفيضة منه طرق العامة والخاصة فمن طريق العامة ما ورد عن كعب الأحبار أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله عند نزول الآية
قد عرفنا السلام عليك يا رسول الله فكيف الصلاة قال اللهم صل على محمد وال محمد وفي المروى عن العيون عن الرضا عليه السلام في مجلس له مع المأمون في اثبات الصلاة
على الال قال وقد علم المعاندون منهم انه لما نزلت الآية قيل يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك قال تقولون اللهم صل على محمد وال محمد كما صليت
على إبراهيم وال إبراهيم انك حميد مجيد فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف قالوا لا قال المأمون هذا لا خلاف فيه أصلا وعليه اجماع الأمة الحديث وعن ابن
حجر صاحب كتاب الصواعق المحرقة انه روى عنه النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا تصلوا على الصلاة البتراء فقالوا وما الصلاة البتراء فقال تقولون اللهم صل
على محمد وتمسكون بل قولوا اللهم صلى على محمد وال محمد ومن طرق الخاصة مثل ما في الوسائل عن الصدوق وفي المجالس باسناده عن عبد الله بن الحسن بن علي عن أبيه عن جده
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من قال صلى الله على محمد واله قال الله جل جلاله صلى الله عليك فليكثر من ذلك ومن قال صلى الله على محمد ولم يصل على اله
لم يجد ريح الجنة وريحها يوجد من مسيرة خمسمأة عام وعن أبان بن تغلب عن ابن أبي جعفر عن ابائه (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صلى علي ولم يصل إلى لم يجد ريح الجنة
وان ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام وعنه في ثواب الأعمال بسنده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين الا أبشرك
إلى أن قال وإذا صلى علي ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السماوات سبعون حجابا ويقول الله تبارك وتعالى لا لبيك ولا سعديك يا ملائكتي
لا تصعدوا دعائه الا ان يلحق بالنبي صلى الله عليه وآله عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بي أهل بيتي وعن رسالة المحكم والمتشابه نقلا من تفسير النعماني باسناده عن علي (ع) عن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا تصلوا على صلاة مبتورة بل صلوا إلى أهل بيتي ولا تقطعوهم فان كل نسب وسبب منقطع يوم القيمة الا نسبي وخبر ابن القداح المروي
عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول اللهم صل على محمد فقال له أبي (ع) لا تبترها لا تظلمنا حقنا قل اللهم صل على
محمد وأهل بيته فالظاهر أن المراد بالصلاة على النبي في كل مورد تعلق الامر به الصلاة عليه وعلى اله والله العالم واعلم أنهم اختلفوا
فيما يعتبر من القول في الشهادتين المعتبرتين في التشهد على أقوال فقيل بل ربما نسب إلى ظاهر الأكثر أو المشهور ان صورتهما التي يجوز الاجتزاء بها فيها ان تقول
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وان كان الاتيان بهما بغير هذه الصورة مما تضمنته النصوص المعتبرة المشتملة على بعض التعبيرات و
الزيادات كخبر أبي بصير الآتي وغيره من النصوص الكثيرة الواردة في كيفية التشهد أفضل وقيل لا يجزى ذلك بل يجب زيادة وحده لا شريك له في الشهادة
الأولى والتعبير عن الثانية باشهد ان محمدا عبده ورسوله كما هو صريح بعض وظاهر آخرين بل لا يبعد ان يكون هذا القول اشهر إذا الظاهر أن نسبة القول
الأول إلى الأكثر أو المشهور نشئت من اطلاق كثير منهم القول بكفاية الشهادتين من غير تعرض البيان صورتهما فلا يبعد ان يكون اطلاقهم منزلا على المتعارف
المعهود من صورتهما لدى المتشرعة ولذا لا يظن بهم الالتزام بكفاية مطلقهما باي عبارة تكون وعن التشهد في البيان أنه قال يجب فيه أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وال محمد ولا يجزي المعنى بالعربية وغيرها ولا حذف عبده ولم يجز انتهى ومحصله التخيير في الشهادة بالتوحيد
بين أشهد أن لا إله إلا الله بلا زيادة وبينه مع زيادة وحدة لا شريك له وكذا في الشهادة بالرسالة بين الصورتين وقد يشكل أولهما بكونه تخييرا بين
الأقل والأكثر وهو غير معقول الا ببعض التوجيهات التي تقدمت الإشارة إليه في مبحث التكبيرات الافتتاحية وفي مسألة القران بين السورتين و
نظائرها فراجع وعن شيخنا المفيد في المقنعة الاكتفاء في الشهادة بالتوحيد بما ذكر أو لا بخلاف الشهادة بالرسالة فقال ما لفظه أدنى ما يجزى في التشهد
370

ان يقول المصلي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ويحتمل عدم ارادته الوجوب العيني في الشهادة بالرسالة فلا يعلم مخالفته للقول الأول
بل يمكن ارجاع القول المحكي عن البيان أيضا إلى القول الأول الا ان مقتضي اطلاق كثير منهم كصريح بعضهم تجويز إضافة الرسول إلى المضمر عند حذف عبده بل وكذا
اسقاط حرف العطف وكيف كان فقد استدل للقول الأول مضافا إلى الأصل باطلاق بعض الأخبار المتقدمة الدالة على كفاية الشهادتين كخبر سورة قال سئلت أبا جعفر
(ع) عن أدنى ما يجزى من التشهد قال الشهادتان وفي صحية زرارة قال قلت فما يجزى من التشهد في الركعتين الأخيرتين قال الشهادتان وفي صحيحة الفضلاء إذا فرغ الرجل من الشهادتين
فقد مضت صلاته وخبر الحسين بن الجهم قال سئلت أبا الحسن (ع) عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة قال إن كان قال أشهد أن لا إله إلا الله
وان محمدا رسول الله فلا يعتد وان كان لم يتشهد قيل إن يحدث فليعد وخبر إسحاق بن عمار الحاكي لصلاة النبي صلى الله عليه وآله في المعراج وفيه ثم قال له يا محمد (ص)
ارفع رأسك ثبتك الله واشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وان الساعة آتية لا ريب فيها الحديث وللقول الثاني أيضا بجملة من الاخبار التي تقدم
أغلبها منها صحية محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله التشهد في الصلاة قال مرتين قال إذا استويت جالسا فقل أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف وموثقة عبد الملك بن عمر والأحول عن أبي عبد الله (ع) قال التشهد في الركعتين الأولتين
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صلى على محمد وال محمد وتقبل شفاعته وارفع درجته واشتماله على
المستحب الذي ثبت استحبابه بدليل خارجي غير قادح في الاستدلال كما تقدمت الإشارة إليه غير مرة ومضمرة سماعة المروية عن الكافي والتهذيب الواردة فيمن
دخل في الصلاة قبل حضور الامام فحضر الامام في أثناء صلاته وفيها قال وان لم يكن امام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى معه يجلس قدر ما يقول
اشهد ان الا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع فان التقية واسعة وليس شئ من التقية الا وصاحبها
ما جور انشاء الله هكذا في نسخة الوسائل الموجودة عندي وفي جملة من الكتب المصنفة رويت بزيادة قوله صلى الله عليه عقيب الشهادة بالرسالة فيحتمل كونه من متن الرواية
كما أنه يحتمل كونه من النساخ من باب استحباب الصلاة عليه عقيب ذكره وفي صحيحة زرارة التي استدل بذيلها للقول الأول قال قلت لأبي جعفر (ع) ما يجزي من
القول في التشهد في الركعتين الأولتين قال إن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعدم وقوع التعرض فيها للشهادة الثانية غير قادح في الاستدلال
فان من أوجب الزيادة في الشهادة الأولى اعتبر الصيغة في الشهادة الثانية فيتم الاستدلال به بعدم القول بالفصل وبهذا يظهر ضعف الاستشهاد بإطلاق
الشهادتين ففي ذيلها للقول الأول إذ لم يقصد بهذا الاطلاق وراء الشهادتين المجزيتين في التشهد الأول الذي صرح في صدر الصحيحة بصورة ما يقول فيه في الجملة اي
الشهادة بالوحدانية فكأنه أهمل في التشهد الأول ذكر الشهادة بالرسالة لمعهودية اعتبارها لديهم في مهية التشهد كالشهادة بالوحدانية ومعروفية صيغتها عندهم
وعدم كون المقصود بالصدر والذيل الا بيان عدم اعتبار الزوائد التي كانت معروفة لديهم مثل التحيات والتحميد والبسملة وغيرها مما هي من الآداب والسنن الغير
المعتبرة في قوام التشهد واضعف من ذلك الاستشهاد له باطلاق صحيحة الفضلاء لوضوح انه لا اطلاق لها من هذه الجهة واما خبر سورة فيكمن الخدشة في
اطلاقه أيضا بان سوق السؤل مشعر بمعروفية التشهد لدى السائل ولكنه كان يعلم بان جميع ما كان معروفا لديهم غير لازم فسئل عن أدنى ما يجزي منه فلا يفهم من
الجواب الا إرادة الشهادتين المعروف لديهم كونهما منه فلعله لم يكن المعروف عندهم الا بهذه الصورة الواردة في سائر النصوص التي وقع فيها التعرض لكيفية التشهد
تفصيلا مع أن الكلام مسوق لنفي اعتبار ما زاد على الشهادتين فلا يصح التمسك باطلاقه لنفي اعتبار الصورة الخاصة الواردة في الاخبار المقيدة ولو سلم ظهوره في الاطلاق
من هذه الجبهة أيضا لوجوب تقييده بالاخبار المتقدمة وكيف كان فلا ينهض مثل هذه الرواية صارفة لتلك الأخبار عن ظواهرها واما خبر ابن الجهم فيشكل الاعتماد عليه
في صرف الاخبار المقيدة عن ظواهرها بعد ان علم بعدم تعين هذه الصيغة وجواز الشهادة بالرسالة بصيغة اشهد ان محمدا عبده ورسوله فيحتمل ان يكون المقصود
بقوله (ع) ان كان قال أشهد أن لا إله إلا الله الحديث التلفظ بمضمون هذا الكلام اي الشهادة بالوحدانية والرسالة بعبارتهما المتعارفة لديهم في التشهد
لا نفس هذه العبارة فلعله لم يكن المتعارف لديهم (الا بالعبارة الواقعة في الاخبار المقيدة) كما في هذه الاعصار فلا منافي بينه ح وبين الاخبار المقيدة واحتمال إرادة نفس اللفظ ولكنه على سبيل التمثيل
الذي لا ينافيه جواز الاتيان بمثله وان كان أقرب وأنسب بظاهر القول الا ان مقتضاه كفاية شهادة واحدة بهما وعدم لزومه تكرير الشهادة في اللفظ و
هذا مما يشكل الالتزام به إذ لم ينقل القول بجواز حذف لفظ الشهادة من الثانية والاكتفاء بالعطف الا عن العلامة في القواعد وان كان قد يؤيده سقوطها
في رواية أبي بصير الآتية في التشهد الأولى ولكنه مخالف بظواهر جل اخبار الباب لولا كلها كفتاوي الأصحاب حتى ما ورد فيه اطلاق لفظ الشهادتين إذ
المتبادر منه إرادة فردين مستقلين من الشهادة ومع اسقاط لفظ اشهد من الثانية لدى التحقيق شهادة واحدة بأمرين وما يقال من صدق الشهادتين
عليه حقيقة ففيه ان هذا انما هو بلحاظ المعنى والا فهو في الحقيقة شهادة واحدة بحكم المتعدد وكيف كان فهذا خلاف ما يتبادر من الأدلة ولا ينهض باثباته
مثل هذه الرواية التي تحتاج في العمل بهذا إلى المعاضد ولكن في نسخة الجواهر الموجودة عندي نقل الرواية في هذا المقام بتكرير لفظ الشهادة كما أن في نسخة الوسائل
الموجودة عندي أيضا كذلك ولكن أثبت لفظ الشهادة في الثانية فيما بين الأسطر بحيث يستشعر منه كونه من الملحقات وكيف كان فالظاهر أن زيادتها من سهو
قلم النساخ والا ففي عدة من الكتب المعتبرة التي شاهدناها منها الحدائق والوافي والاستبصار الذي هو الأصل في نقلها بلا تكرير الشهادة وفي الجواهر أيضا
رواها في باب القواطع كذلك فلا عبرة بنقله ههنا واضعف من ذلك الاستشهاد للقول المزبور بخبر اسحق كما لا يخفى فقال قول يتعين الصورة الواردة في الاخبار
371

المقيدة لا يخلو عن قوة فيأتي بالشهادتين بصورة أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يأتي بالصلاة على النبي وآله
مؤخرا لها عن الشهادتين وهل يتعين كونها بصيغة اللهم صل على محمد واله محمد كما صرح به بعض بل ربما نسب إلى الأكثر أو الأشهر كما عن الذكرى أو المشهور
كما عن المفاتيح أم لا كما هو صريح بعض وظاهر آخرين منهم المفيد ففي المقنعة فإنه ذكر كيفية التشهد في نافلة الزوال واتى فيه الصلاة على النبي زواله بصورة صلى الله عليه وآله
فقال ما لفظه ويتشهد فيقول بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله اشهد ان لا الله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله ارسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة صلى الله عليه وآله الطاهرين ويسلم تجاه القبلة تسلميه واحدة يقول السلام عليك ورحمة الله و
بركاته ثم قال في التشهد في الركعة الثانية من الظهر جلس للتشهد على ما بيناه وتشهد بما وصفناه مشيرا إلى ما ذكره في تشهد النافلة ثم ذكر في التشهد في الركعة
الرابعة من الظهر والعصر والعشاء وفي الثالثة من المغرب والثانية من الغداة تشهدا طويلا يقرب مما تضمنه رواية أبي بصير الآتية واتى فيه بصيغة اللهم
صل على محمد وال محمد وعن تلميذه الفاضل سلار في المراسم نحوه فالظاهر أنهما يجتزيان بكل من الصورتين إذ لا يظن بهما التفصيل بين التشهدين بايجاب
الصورة الأولى في الأول والثانية في الثانية في الثاني كما يوهمه العبارة المحكية عنهما وعن العلامة في نهاية الاحكام انه يعدان حكم بوجوب اللهم صلى على محمد وال
محمد قال ولو قال صلى الله على محمد واله أو قال صلى الله عليه وآله صلى الله عليه وآله أو صلى الله على رسوله واله فالأقرب الاجزاء انتهى واستدل للأول بالخبر المروي من طرق العامة عن ابن مسعود
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إذا تشهد أحدكم في صلاة فليقل اللهم صلى على محمد وال محمد المجبور ضعفه باستدلال أصحابنا به لاثبات وجوب الصلاة
وصيغتها فليتأمل ويشهد له أيضا موثقة عبد الملك بن عمر والأحول المتقدمة وقد أشرنا فيما تقدم إلى أن اشتمالها على بعض المستحبات كالتحميد في أول
التشهد والعداء بقبول الشفاعة في اخره غير قادح وربما يؤيده أيضا خبر إسحاق بن عمار المتقدم الحاكي لصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله في المعراج المشتمل على الصلاة
عليه بهذا الصورة وخبر أبي بصير الآتي ولكن وقع في هذا الخبر على ما عن بعض النسخ الحاكية له الفصل
بين محمد واله بعلى وهو مع عدم ثبوته لما في النسخ
من الاختلاف كما سنشير إليه يمكن ان يقال بأنه غير قادح لأنه تغيير بالزيادة التي لا يبعد التزام القائلون بتعين الصيغة الخاصة بنفي الباس عنه كما لو قال
اللهم صلى وسلم وبارك على محمد وال محمد أفضل ما صليت على إبراهيم وال إبراهيم فليتأمل ويؤيده أيضا استقرار السيرة على حفظ هذه الصورة من الصدر الأول
لدى المتشرعة في التشهد بخلاف سائر الموارد التي ورد فيها الامر بالصلاة عليه عند ذكره أوفى أول الدعاء واخره وغير ذلك مع موافقته للاحتياط الذي
قد يقال بوجوبه في مثل هذه الموارد واستدل الاجزاء الاتيان بصيغة صلى الله عليه وآله أو مطلق الصلاة ولو بغير هذه الصيغة أيضا باطلاقات أدلة وجوب
الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله وبالصحيح أو الحسن المروي عن العلل المتضمن لحكاية فعل النبي صلى الله عليه وآله في حديث المعراج وفيه وذهبت ان
أقول فقال يا محمد صلى الله عليه وآله اذكر ما أنعمت عليك وسم باسمي فألهمني الله ان قلت بسم الله وبالله لا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله فقال لي يا محمد صل عليك وعلى
أهل بيتك فقلت صلى الله علي وعلى أهل بيتي وقد فعل الحديث وبمضمرة سماعة وخبر الحسن بن الجهم المتقدمتين بناء على اشتمالهما على لفظ صلى الله عليه وآله بعد
الشهادتين بالرسالة كما قي كثير من النسخ ولكن في كثير من النسخ أيضا رويا بدونه فيحتمل قويا كون ثبوته في كتابتهم كما في نظائره لا من متن الحديث
كما أنه يحتمل كون حذفه في النسخ الخالية عنه ناشئا من اشتباه النساخ وتوهمهم عدم كونه من الحديث وكيف كان فلم يثبت كون هذه الفقرة من متن الخبرين فيشكل
الاستدلال بهما مع ما فيهما من الاضمار والضعف واضعف من ذلك استدلال له برواية العلل الخالية عن ذكر الشهادتين اللتين لا يجب الصلاة على النبي
الا عقيبهما فعله لم يكن هذه الصلاة التي امرها في هذه الرواية هي الصلاة المعتبرة عقب الشهادتين فيمكن ان يكون شرع التشهد الذي من مقوماته الشهادتين بعد
حصول هذه الصلاة كما أنه يحتمل كون هذه الصلاة أيضا مشتملة على الشهادتين والصلوات على النبي بصيغة اللهم صل على محمد وال محمد ولكنه لم يقع التعرض لنقله
في هذه الرواية كما يؤيده خبر إسحاق بن عمار المتقدم الحاكي صلاة النبي (ص) في المعراج حيث وقع فيه التصرح بذلك فهذا أيضا موهن اخر للاستشهاد به إذ
الظاهر أنها حكايتان عن قضية واحدة ويتوجه على الاستدلال بالاطلاقات عدم كون هذه الجهة ملحوظة فيها بل هي واردة مورد حكم اخر كما لا يخفى فالقول
باعتبار الصيغة الخاصة مع أنه أحوط لا يخلو عن قوة ومن لم يحسن التشهد وجب عليه الاتيان بما يحسن منه مع ضيق الوقت ثم يجب عليه تعلم ما لم يحسن منه
بلا اشكال في شئ منهما لوضوح ان ما لا يدرك كله لا يترك كله وانه يجب عليه تعلم كلما لا يحسنه من واجبات الصلاة وغيرها ولكن قد يظهر من المتن
الاجتزاء بما يحسنه وان استطاع الترجمة عن غيره أو ابداله بالتحميد أو غيره من الأذكار كما حكى عن ظاهر المبسوط والقواعد والتحرير والمنتهى وهو لا يخلو عن
اشكال خصوصا لو أريد بما لا يحسن منه ما يعم الملحون بل لا ينبغي الاستشكال في وجوب الاتيان به مع اللحن ولعل المصنف (ره) أيضا لم يقصده وان صدق
عليه انه لا يحسنه ويجب عليه تعلمه مع الامكان وكيف كان فيدل على وجوبه على حسب استطاعته مضافا إلى قاعدة الميسور وامكان دعوى كونه ممن لا يقدر
على الاتيان به صحيحا لدى العرف بمنزلة الصحيح الذي يتناوله عمومات أدلة التشهد كما نبهنا عليه في مبحث القراءة وتكبيرة الاحرام خصوص رواية مسعدة
بن صدقة المروية عن قرب الإسناد قال سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول انك قد ترى من المحرم من العجم لا يرد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في
القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح الحديث واما ان لم يستطع على ملحونه أيضا
فلا يخلو القول بسقوطه كما هو ظاهر المتن وغيره عن وجه ولكن الأوجه قيام الترجمة مقامه لوضوح ان مطلوبية الشهادتين بل وكذا الصلاة على النبي وآله
372

ليست بلحاظ ألفاظها من حيث هي بل بملاحظة معانيها المنشأة بها كما يفصح عن ذلك التدبر في النصوص الواردة فيها وفي بيان وجه مطلوبيتها وشدة المناسبة
بينها وبين مطلوبيتها من يحث هي لا لخصوصية ألفاظها وقضية ذلك قضاء قاعدة الميسور بعدم سقوط التكليف بافشائها بسائر الألفاظ عند تعذر اللفظ الخاص
الواقع في خبر الطلب كما أشرنا إليه في مبحث تكبيرة الاحرام فوجب الاتيان بترجمتها كما صرح به غير واحد بل ارسله بعض ارسال المسلمات لا يخلو عن قوة مع أنه أحوط
ولا نعنى بالترجمة خصوص ما يقع تفسير المدلول الصيغ الخاصة بل مطلق الشهادتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله باي عبارة تأدت مراعيا فيها الأقرب فالأقرب إلى مدلول
تلك الصيغ على حسب ما يقتضيه قاعدة الميسور وربما يستدل له أيضا بصدق الشهادتين والصلاة على النبي وآله على الترجمة فيعمها اطلاقات أدلتها المقتصر في
تقييدها بالصيغ الخاصة العربية الصحيحة على القدر المتيقن وهو اعتبار كل من هذه القيود مع التمكن لا مطلقا وفيه ما أشرنا إليه في المسألة السابقة من ورود
الاطلاقات مورد حكم اخر فلا يصح الاستناد إليها في مثل هذه الموارد فالعمدة ما عرفت وقضية ما ذكر في لفرق بين تعذر الجميع أو البعض في وجوب الاتيان
بترجمته كما هو واضح ولو تعذرت الترجمة أيضا ففي محكى الذكرى الأقرب وجوب التحميد للروايتين السابقتين وعن الدروس أنه قال ومع التعذر تجزى الترجمة
ويجب التعلم ومع ضيق الوقت يجزى الحمد الله بقدره لفحوى رواية بكر بن حبيب عن الباقر عليه السلام انتهى أقول قد تقدمت هذه الرواية في صدر المبحث وكذا
الخثعمي التي هي أيضا نحوها ففي الأولى بعد ان سئله عن التشهد قال لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا انما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون إذا حمدت الله أجزء
عنك وفي الثانية قال إذا جلس الرجل لتشهد فحمد الله أجزء وتقدم أيضا رواية أخرى لبكر بن حبيب وقع فيها السؤال عما يقول في التشهد والقنوت فقال عليه السلام
بأحسن ما علمت فإنه لو كان موقت لهلك الناس ولكنك عرفت فيما سبق انه لا بد من حمل هذه الروايات على إرادة الاجزاء بالنسبة إلى الاجزاء المسنونة أو حملها على التقية
على ابعد الاحتمالين فيشكل حينئذ الاستدلال بها للمدعى ولا يصح حملها على إرادة خصوص مثل الفرض كما هو واضح ويمكن الاستشهاد له بصحيحة عبد الله بن سنان
قال قال أبو عبد الله عليه السلام ان الله فرض من الصلاة الركوع والسجود الا ترى لو أن رجلا دخل في الاسلام لا يحسن ان يقرء القران أجزأه ان يكبر ويسبح ويصلى فان سوقها
مشعر بإرادة التمثيل من قراءة القرآن وان هذا الحكم مطرد في ساير أذكار الصلاة ولكن يتوجه عليه ان غاية الاشعار بذلك لا الدلالة بحيث يفهم منه عدم سقوط
أصل التكليف بنفسي العجز وكون التسبيح ونحوه مسقطا له كما في القراءة فما عن كاشف اللثام من أنه لا بدل ببعد الترجمة أشبه بالقواعد الا ان مقتضاه جواز القيام
عقيب الثانية من غير جلوس لان احتمال كون الجلوس بمقدار التشهد من حيث هو واجبا أصليا كما احتمله بعض بل ربما يوهمه بعض الأخبار الآتية في مباحث الخلل
منفى بالأصل وهذا مما يشكل الالتزام به لمخالفته للهيئة المعروفة المتعارفة في الصلاة واستلزامه كون صلاة العاجز عن النطق الخاص أخف من صلاته على تقدير
ان يعرضه العجز عن النطق رأسا بصيرورته اخرس فإنه لا يسقط عنه التشهد حينئذ بل عليه ان يأتي به مع الإشارة كما يدل عليه خبر السكوني المتقدم في مبحث التكبير و
القراءة وهو يبعد هذا مع امكان ان يقال إنه يفهم من الروايات المتقدمة ان حال التشهد المعتبر في الصلاة حال القنوت لم يعتبر فيه لفظ خاص موقت ولكنه
ثبت بالأدلة الخارجية انه لا بد من اشتماله على الشهادتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وانه يجوز الاجتزاء بهما في التشهد فإذا تعذر الاتيان بهذا الجزء الذي يجوز
الاجتزاء به وحده لا يسقط التكليف بأصل التشهد المعتبرة في الصلاة الذي دلت الأخبار المتقدمة على أنه لا يعتبر فيه لفظ خاص بمقتضى قاعدة الميسور فليتأمل
وكيف كان فالقول بالابدال كما هو صريح بعض ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط كما أن الأحوط ان لم يكن أقوى عدم نقصان البدل عن المبدل منه ثم إنه قد يتوهم كون
البحث عن هذه المسألة قليل الجدوى إذ لا يكاد يوجد من لا يقدر على تأدية الشهادتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ولو ملحونا أو بسائر اللغات مع قدرته على التحميد أو غيره من الأذكار
ويدفعه ان العجز عن التأدية لفظا وترجمة ربما يكون ناشئا عن عدم حفظ صورة التشهد أو نسيانه مع جهله بمعناه فالعجمي الذي لم يحفظ من الصلاة الا صورتها من غير أن
يتعقل مداليل ألفاظها لو نسي صورة التشهد في زمان لا يتمكن فيه من الفحص والسؤال يندرج في موضوع هذه المسألة كما لا يخفى ثم انك قد عرفت في غير موضع مما
مر ان الاكتفاء بالصلاة الاضطرارية التي نشأ الاضطرار إلى فعلها من سوء اختيار المكلف بأن اخرها عمدا مثلا أو ترك التعلم إلى أن ضاق الوقت وعجز عن الاتيان
بها الا فاقدة لبعض اجزائها أو شرائطها في غاية الاشكال فالأحوط ان لم يكن أقوى فيما لو كان عجزه عن الاتيان بالتشهد الصحيح في الوقت ناشئا من التقصير الجمع بين
الصلاة الاضطرارية في الوقت وتداركها بعد التعلم في خارجه والله العالم ومسنون هذا القسم ان يجلس متوركا وصفته ان يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه
جميعا فيجعل ظاهر قدمه الأيسر إلى الأرض وظاهر قدمه الأيمن إلى باطن الأيسر وقد تقدم تحقيق هذا الحكم وموضوعه في مبحث استحباب التورك في الجلوس بين السجدتين
وظهر أيضا فيما تقدم كراهة الجلوس مقعيا وصفته وضعف ما عن ظاهر بعض من القول بحرمته فلا نطيل بالإعادة وان يقول ما زاد على الواجب من تحميد ودعاء
وتحيات وبسملة وثناء وغير ذلك من الأذكار والأدعية التي يحسنها وان لم يكن منصوصا عليها بالخصوص كما يدل عليه روايتا بكر بن حبيب المتقدمتان الدالتان
على عدم كون التشهد موقتا بل يقول فيه أحسن ما يعلم وأيسره كالقنوت بل ربما يؤمى إليه ما في صحيحة محمد بن مسلم بعد ذكر الشهادتين فالجواب عن التشهد قال قلت
فقول العبد التحيات لله والصلوات الطيبات لله قال هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربه ولكن الأولى بل الأفضل الاتيان بما ورد في النصوص ففي موثقة
عبد الملك بن عمرو والأحوط قال عليه السلام التشهد في الركعتين الأولتين الحمد الله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على
محمد وآل محمد وتقبل شفاعته وارفع درجته والظاهر عدم اختصاص استحباب الدعاء بقبول الشفاعة ورفع الدرجة كالتحميد بالتشهد الأول فتخصيص هذه الصورة
به يحسب الظاهر لكونه أخف من التشهد المتعارف لديهم في اخر الصلاة كما يؤيد خبر إسحاق بن عمار الحاكي لصلاة النبي صلى الله عليه وآله في المعراج فإنه ورد فيه
373

هذا الدعاء في التشهد الواقع في اخر الصلاة ففيها قال ثم قال له وارفع رأسك ثبتك الله واشهد ان لا إله إلا الله وان محمد رسول الله وان الساعة آتية لا ريب
فيها وان الله يبعث من في القبور اللهم صل على محمد وال محمد وارحم محمد وال محمد به كما صليت وباركت وترحمت ومننت على إبراهيم وال إبراهيم انك حميد مجيد اللهم
تقبل شفاعته وارفع درجته الحديث وكون هذه الصلاة ثنائية غير مشتملة الا على التشهد عقيب الركعتين غير قادح في الاستدلال إذا الظاهر في لفرق بين
الصلوات في التشهد الواقع في اخرها مع أن المقام مقام المسامحة وثبوت مشروعية الدعاء فيه على الاطلاق بمقتضى الأخبار المتقدمة وكيف كان
فيظهر من الخبر المزبور ومن غيره أيضا استحباب الصلاة بالكيفية المزبورة والشهادة بان الساعة اتيه وان الله يبعث من في القبور على النهج المذكور وعن
أكثر الأصحاب انهم افتتحوه بقول بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلها لله كما أنه حكى كذلك عن الفقه الرضوي ولكن مع إضافة التحميد قبل الأسماء وفي حديث
المعراج المروي عن العلل بسم الله وبالله لا إله إلا الله الأسماء الحسنى كلها لله والكل حسن لأنها من أحسن القول بل لا باس باتيان كل منها على سبيل التوظيف
ولو من باب المسامحة في بعضها الذي لم يرد فيه دليل معتبر كما أنه لا بأس بالاجتزاء بقول الحمد لله كما يدل عليه خبر الخثعمي وغيره ولكن الأكمل والأفضل من الكل
هو الاتيان بما في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا جلست في الركعة الثانية فقل بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ارسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة اشهد انك نعم الرب وان محمدا نعم الرسول اللهم صل على محمد وال
محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجة ثم تحمد الله مرتين أو ثلثا ثم تقوم فإذا جلست في الرابعة قلت بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ارسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة اشهد انك نعم الرب وان محمدا صلى الله عليه وآله نعم الرسول
التحيات لله والصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات لله ما طاب وزكى وطهر وخلص وصفى فلله واشهد ان
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ارسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة اشهد ان ربي نعم الرب وان محمدا صلى الله عليه وآله نعم الرسول
واشهد ان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله الحمد لله رب العالمين اللهم
صل على محمد وال محمد وبارك على محمد وال محمد وسلم على محمد وال محمد وترحم على محمد وال محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وال إبراهيم انك حميد
مجيد اللهم صل على محمد وال محمد واغفر لنا ولاخواننا الذي سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين
امنوا ربنا انك رؤوف رحيم اللهم صل على محمد و
ال محمد وامنن على بالجنة وعافني من النار اللهم صل على محمد وال محمد واغفر للمؤمنين والمؤمنات ولمن دخل بيتي مؤمنا ولا تزد الظالمين الا تبارا ثم قال السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على أنبياء الله ورسله السلام على جبرائيل وميكائيل والملائكة المقربين السلام على محمد بن عبد الله خاتم
النبيين لا نبي بعده والسلام علينا وعلى عبادة الله الصالحين ثم تسلم الثامن من افعال الصلاة التسليم وهو واجب على الأصح وفاقا لكثير من القدماء
والمتأخرين بل في الجواهر بعد ان عدد جملة منهم قال لعله هو الذي استقر عليه المذهب في عصرنا وما راهقه كما أنه في المحكي عن الروض نسبته إلى أكثر المتأخرين
بل عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية انتهى أقول بل حكى عن السيد في الناصريات دعوى الاجماع عليه من كل من قال بجزئية التكبير ولكن الظاهر أن مراده من
العامة لأنه قال في صدر المسألة على ما حكى عنه بعد قول الناصر تكبيرة الافتتاح من الصلاة والتسليم ليس منها لم أجد لأصحابنا إلى هذه الغاية نصا فلا يتوجه
عليه ح ما قيل من أن هذه الدعوى وموهونة بما حكى عن كثير من القدماء والمتأخرين من القول بندبية التسلم مع أنه لم ينقل عن أحد منهم انكار جزئية التكبير و
كيف كان فقد حكى عن كثير من القدماء والمتأخرين كما تقدمت الإشارة إليه القول بالاستحباب بل ربما نسب هذا القول أيضا إلى الأكثر بل المشهور ولكن لا يبعد
ان يكون مراد كثير من القدماء الذين نسب إليهم القول بالاستحباب خصوص الصيغة الأخيرة اي السلام عليكم لدى الجمع بينه وبين الصيغة الأولى لا مطلق التسليم
كما يستشعر ذلك من بعض كلماتهم ويؤيده تعارف اطلاق التسليم على خصوص هذه الصيغة في الصدر الأول لدى الخاصة والعامة كما يظهر ذلك من رواية أبي
بصير المتقدمة ونظائرها ومن كون قول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لدى العامة من اجزاء التشهد قبل الشهادتين وكونه بمنزلة الدعاء وطلب
الرحمة بحيث لو لم يرد النص بحصول الانصراف به وعدم جواز الاتيان به في أثناء الصلاة لاشكل استفادته من اطلاق اما ورد في التسليم وقد أشار العلامة الطباطبائي
في منظومه إلى ما ذكرنا بعد ان ذكر صيغتي السلام بقوله والجمع أولى وعليه العمل فالأولى الواجب والمحلل وقد يريد النادبون الثاني لجامع فاتحد القولان وكم
بدأ من قولهم شواهد قضت بان المعنيين واحد وقد ذكر في الجواهر وغيره جملة من الشواهد القاضية بإرادة هذا المعنى ولكن لا يترتب على تحقيقه ثمرة مهمة فان غاية
ما يمكن ادعائه كون المعنى المزبور مرادا لبعض من نسب إليه القول بالاستحباب لا الجميع بحيث يحصل الوثوق بكون الوجوب في الجملة اجماعيا بل المظنون لو لم يكن مقطوعا
به خلافه فالمهم في المقام انما هو البحث عن مستند القولين فنقول احتج القائلون بالوجوب يحمله من الاخبار منها نصوص التحيلى مثل ما عن الكافي مسندا إلى القداح عن
أبي عد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم وعن الفقيه مرسلا قال قال أمير المؤمنين افتتاح الصلاة
الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم وعن الهداية والتهذيب مرسلا نحوه وعن العلل والعيون باسناده ان الحسن كالصحيح عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام
انما جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدلها تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا اخر لأنه لما كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق كان
تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وابتداء المخلوقين في الكلام أولا بالتسليم وعن العلل بسنده عن الفضل بن عمر قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن العلة التي
374

من اجلها وجب التسليم في الصلاة قال لأنه تحليل الصلاة إلى أن قال قلت فلم صار تحليل الصلاة قال لأنه تحية الملكين وفي إقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها
وتسليمها سلامة العبد من النار وعن العيون بأسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون ولا يجوز ان تقول في التشهد الأول السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين لان تحليل الصلاة التسليم فإذا قلت هذا فقد سلمت وعن الخصال في حديث شرايع الدين عن الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام
قال لا يقال في التشهد الأول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لان تحليل الصلاة هو التسليم وإذا قلت هذا فقد سلمت وعن معاني الأخبار بسنده إلى عبد الله
بن الفضل الهاشمي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن معنى التسليم في الصلاة فقال التسليم علامة الامن وتحليل الصلاة قلت وكيف ذلك جعلت فداك قال كان الناس فيما مضي
إذا سلم عليهم وارد امنوا اشره وكانوا إذا ردوا عليه امن شرهم وان لم يسلم لم يأمنوه وان لم يردوا على المسلم لم يأمنهم وذلك خلق في العرب فجعل التسليم علامة للخروج
من الصلاة وتحليلا للكلام وما منا من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها والسلام اسم من أسماء الله عز وجل وهو واقع من المصلى على ملكي الله الموكلين وعن كتاب المناقب لابن
شهرآشوب عن أبي حازم قال سئل علي بن الحسن ما افتتاح الصلاة قال التكبير قال ما تحليلها قال التسليم واستفاضة هذه الأخبار مغنية عن البحث عن سندها إذا لا مجال
للتشكيك في صدور مضمونها بل ربما يستشعر من ارسال الشيخ والصدوق وغيرهما من أعاظم الأصحاب كالسيد ونظرائه في كتبهم الاستدلالية الخبر الأول إلى المعصوم
ارسال المسلمات كونه لديهم قطعي الصدور بل ربما يظهر من استدلال السيد بهذا الخبر لوجوب التسليم في رد العامة المنكرين لوجوب التسليم كونه مرويا بطرقهم
أيضا حتى أنه ظن بعض أصحابنا انه من الاخبار العامية وانه انما ثبته أصحابنا في كتبهم ردا على العامة فناقشه بذلك وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما عرفته
والحاصل ان الخبر المزبور من الروايات المشهورة التي كادت تكون ملحقة بالمتواترات فما في المدارك وغيره تبعا لشيخه المحقق الأردبيلي من القدح في سنده مما لا
ينبغي الالتفات إليه واضعف من ذلك المناقشة في دلالته ببعض المناقشات الناشئة من التدقيقات الصناعية الموجبة لالتباس المفاهيم العرفية فان من
لم يكن ذهنه مشوبا بالشبهات يرى هذه الأخبار كالنص في أن المهية الصلاة تحريما وتحليلا وان تحريمها هو التكبير الذي يتحقق به الدخول في الصلاة لا غير وتحليلها
هو التسليم الذي يتحقق به الخروج عنها لا غير بل بعض الأخبار المتقدمة كخبر الفضل بن شاذان ورواية المفضل بن عمر نص في إرادة انحصار المحلل بالتسليم فيستفاد
وجوب التسليم من مثل هذه الأخبار من وجهين أحدهما من حيث دلالتها على أن للصلاة تحريما وهو التكبير وتحليلا وهو التسليم فإنه يظهر من ذلك انهما جزءان
معتبران في مهية الصلاة كما لو قيل ركوع الصلاة الانحاء الكذائي وسجوده وضع الجبهة على الأرض فإنه يفهم من هذا التعبير اعتبار هذين الامرين في مفهوم
الصلاة هذا مع قطع النظر عن مفهوم التحليل وثانيهما بالنظر إلى مفهوم التحليل وحصره في التسليم فان قضية الانحصار عدم جواز الاتيان بشئ من المنافيات
التي حرمها التكبير حتى يسلم ومن المعلوم ان حرمة المنافيات لم يكن الا لمنافاتها للصلاة وحيث يتوقف رفع منعها الغيري الناشي من قادحيتها للصلاة على التسليم
يجب الاتيان به صونا للصلاة عن الفساد كما يدل على هذا المعنى أعني كونه حافظا للصلاة عن طروا الفساد عليه بعض الأخبار المتقدمة واما استفادة الحصر من هذه الأخبار
فهي أوضح لدى العرف من أن يحتاج إلى الاستدلال وكيف لامع ان بعض تلك الأخبار نص في ارادته كما تقدمت الإشارة إليه وما عداه أيضا
يدل عليه من جهات ككونها مسوقة لبيان ان التحليل باي شئ يقع ووقوع التسليم جوابا في الخبر الأخير عن السؤال عن عما هو تحليل الصلاة وكون المصدر
المضاف ظاهرا في ارادته الطبيعية المرسلة كما لو قيل ضرب الأمير شديدا واكلي في الليل ونومي في النهار ونحوه فيكون المبتدأ ح ظاهرا في الاطلاق فيمتنع
ان يكون خبره أخص منه إذا لحكم لازم لموضوعه واللازم يجب ان يكون مساويا لملزومه أو أعم والى هذا يؤل ما ذكره بعض في تقريب دلالته على الحصر بان التسليم
وقع خبرا عن التحليل فيجب كونه مساويا للمبتدأ أو أعم فلو وقع التحليل بغيره كان المبتدأ أعم وما اعترضه عليه بعض المحققين من أن الخبر كما أنه يصح ان يكون مساويا
في الصدق أو أعم كذلك يصح ان يكون أعم من وجه أو أخص كما في زيد قائم فان زيدا قد لا يكون قائما فمغالطة ضرورة فرض الاهمال في مثل هذه القضايا
واثبات المحمول للموضوع في بعض افراده أو أحواله والا يمتنع التخلف كما لا يخفى ثم انا لو لم نقل بدلالة هذا الاخبار على انحصار التحليل في التسليم فلا يقدح
ذلك في الاستدلال بها في مقابل من يقول بحصول الفراغ عن الصلاة بالتشهد وعدم وجوب التسليم رأسا مستشهدا بالأخبار الآتية كصاحب المدارك و
غيره إذ لا مجال لانكار دلالتها على كون التسليم تحليلا في الجملة وهو ينافي القول بجواز الاتيان بالمنافيات بمجرد الفراغ من التشهد لان كون السلام ح محلا غير معقول
لحصول الحلية قبل ان يسلم اللهم الا ان يراد بالتحليل كونه موجبا لرفع المنع التنزيهي الذي يلتزم القائلون بندبية التسليم ببقائه حتى يسلم فمعنى كونه محللا
انه يؤثر في جواز الاتيان بالمنافيات بحيث لا يترتب على وجودها اثر أصلا لا التحليل الذي يقابله التحريم ولكن على هذا الا حاجة في تضعيف الاستدلال بالخبر
إلى منع اداته الحصر بل إلى ادعاء ان التحليل لم يقصد به ظاهره المقبل للتحريم كما لا يخفى ومنها الاخبار التي وقع فيها التصريح بان اخر الصلاة التسليم
مثل ما عن الكليني ره بسنده عن علي بن أسباط عنهم عليهم السلام قال فيها وعظ الله به عيسى عليه السلام إلى أن قال في صفة صلاة سيد المرسلين يبدء بالتكبير و
يختم بالتسليم وعنه أيضا بسنده عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله يقول في رجل صلى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل ان يتشهد رعف قال فليخرج ويغتسل
انفه ثم ليرجع فليتم صلاته فان اخر الصلاة التسليم والخدشة فيه بعدم كونه بظاهره معمولا به مدفوعة أو لا ورود مثله في غير واحد من الاخبار وقد حمل
على ما إذا لم يستلزم فعلا كثيرا وثانيا ان عد جواز الاخذ بظاهر الرواية في بعض فقراتها لمانع لا يوجب الغائها رأسا لا يقال كون اخر الصلاة التسليم
عند من يقول باستحبابه أيضا فهذا لا يدل على وجوبه لأنا نقول ظاهر القضية كونها اخر المهية الصلاة من حيث هي لا لفردها الكامل كما أن هذا هو الشأن في؟ كل
375

ما دل على جزئية شئ للصلاة فان ظاهره كونه معتبرا في مهيتها التي تجب عند تعلق التكليف بها فلا يرفع اليد عنه بحمله على الجزء الاستحبابي الا ان يدل دليل عليه
هذا مع أن الامر بالرجوع والاتمام في الخبر الأخير للوجوب جزما إذ المفروض حصول الرعاف قبل ان يتشهد فلو لم يجب السلام لا يصح ان يعلل ذلك بان اخر
الصلاة التسليم لأنه لو لم يجب الاتيان بهذا الاخر لا يصلح ان يقع علة لوجوب الرجوع لعدم المناسبة اللهم الا ان يجعل ذلك كتابة عن وجوب انها الصلاة
إليه وان لم يجب نفسه فيكون هذه العبارة بمنزلة ما لو قال فإنه يجب التشهد وهو كما تراه في غاية البعد بل الرواية كالنص في إرادة ان عليه الرجوع والمضي
في صلاته إلى أن يأتي بجزئها الأخير الذي هو التسليم ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد قال عليه السلام
يسلم من خلفه ويمضي في حاجته ونحوها اخبار كثيرة مشتملة على الامر بالسلام اما بصيغة الامر أو بجملة خبرية واردة في باب الخلل والشكوك وفي صلاة الاحتياط
والنوافل وغير ذلك من أبواب الفقه مما لا حاجة إلى استقصائها وهي بظاهرها تدل على الوجوب وحملها على الاستحباب يحتاج إلى الدليل وهو مقصود
كما ستعرف واستدل له أيضا بأنه لو لم يجب التسليم لما بطلت صلاة المسافر بالاتمام والتالي باطل فالمقدم مثله والملازمة ظاهرة وأجيب عنه بالمنع من
الملازمة فان فعل الركعتين بقصد الاتمام يقتضي الزيادة في الصلاة والبطلان لذلك لا لترك التسليم وفي المدارك بعد نقل الجواب قال وفيه نظر إذا الظاهر
من مذهب القائل بالاستحباب ان اخر افعال الصلاة التشهد فلا يضر فعل المنافي بعده كما صرح الشيخ في الاستبصار وابن إدريس في مسألة من زاد في صلاته ركعة
بعد التشهد حيث اعترفا بعدم بطلان الصلاة بذلك بناء على استحباب التسلم و ح يقوى الاشكال في الفرق بين هذه المسألة ومسألة الاتمام ويمكن ان يقال إن
صلاة المسافر انما تبطل بالاتمام إذا أوقعها المكلف أو شيئا من افعالها الواجبة على ذلك الوجه لا مع تجدده بعد الفراغ من الافعال انتهى وفيه أولا ان
القائل بالاستحباب أيضا لا ينفي جزئيته التسليم بل يراه جزء مستحبا وكونه كذلك كاف في صدق حصول الزيادة في الصلاة لا بعد تحقق الفراغ منه إذا الفراغ لا يتحقق الفراغ منه إذا الفراغ لا يتحقق
لدى القائلين بندب التسليم أيضا الا بالتسليم أو بنية الخروج والبناء على ترك التسليم أو الاتيان بالمنافي المانع عن ضم التسليم الموجب لتعين امتثال الامر
بالصلاة في ضمن الفرد الفاقد للتسليم فاتمام الصلاة مع عدم قصد الخروج أو الاتيان بالمنافي الموجب للخروج قهرا موجب لحصول الزيادة في الصلاة قبل
تحقق الفراغ عنها نعم لو قصد الخروج ثم نسي أو توهم وجوب الاتمام فاتى بالزائد لم تحقق الزيادة ح في الصلاة بل بعد الفراغ عنها ولم يعلم من القائلين
بندب التسليم التزامهم بالبطلان في هذا الفرض ولا يرد عليها عموم الأخبار الدالة عليه لامكان دعوى انصافها عن مثل الفرض وان لا يخلو عن تأمل وثانيا
انه لا يعتبر في مبطلية الزيادة صدق وقوعها في أثناء الصلاة إذ ليس معنى قوله عليه السلام لأنه قد زاد في فرض الله عز وجل الواقع تعليلا لبطلان صلاة من
لم يقصر في السفر في بعض اخباره انه اتى بالزيادة في أثناء صلاته بل المقصود بالزيادة في الصلاة كالزيادة في الطواف هو ان يأتي بأكثر مما فرضه الله عليه بان
يصلي الصبح مثلا ثلثا أو أربعا والظهر خمسا وهكذا فمن أتم في السفر يصدق عليه انه صلى الظهر أربع
ركعات سواء قلنا بان التسليم واجب أو مسنون بل وان
قلنا بخروجه من الصلاة فان صدق عنوان الزيادة عن الاتيان بالزائد قبل الفراغ من الصلاة فان صدق عنوان الزيادة عرفا لا يتوقف على الاتيان بالزيادة قبل الفراغ من الصلاة بل يكفي فيه بقائها على صلاحية لحوق الزيادة بها بان
اتى بها بقصد الجزئية من صلاته من غير يتخلى بينهما فصل طويل أو غيره من الأمور المانعة شرعا أو عرفا عن انضمام اللاحق بسابقة فلو زعم مثل ان صلاة
الصبح كالمغرب ثلث ركعات فاتى بها كذلك صدق عليه انه زاد في فريضة الصبح ركعة وصلاها ثلثا فتبطل صلاته سواء قلنا بجزئية التسليم أو لم نقل فضلا عما
لو قلنا باستحبابه ولا بتفاوت الحال في ذلك بين ما لو كان الاتيان بالثالثة مقصودا له من أول الأمر أو قصده بعد الفراغ من الركعتين قبل حصول ما ينافي الانضمام
كما لو اعتقد أولا ان صلاة الصبح ركعتان ولكن بعد ان تشهد زعم جهل انها كالمغرب فأضاف إليها ركعة بينة لاكمال ولذا لو فرض مطابقة زعمه للواقع
اجزئه الاكمال ولو فرض تردده بعد التشهد في كون صلاة الصبح ثنائية أو ثلاثية بدور امره في الاتيان بالثالثة بين المحذورين من كونها جزء واجبا وزيادة
مبطلة وهذا بخلاف ما لو حصل له هذا الجزم أو التردد بعد التسليم أو حصول شئ من القواطع فإنه لا يجديه ح الاتيان بالثالثة على تقدير الحاجة إليها ولا يضره
على تقدير الغناء عنها لمكان الحاجز عن الانضمام المعتبر في تحقق مفهوم الجزئية وفي صدق اسم الزيادة لا يقال إن الامر بالصلاة قد سقط بحصول متعلقة وهو
فعل الركعتين المقصود بهما الامتثال فلا يفعل تأثر الزيادة في ابطالها لأنا نقول ليس الامر متعلقا بفعل الركعتين لا بشرط على يسقط في مثل الفرض بل بشرط
ان لا يزيد عليهما ركعة فسقوط التكليف بفعلهما مراعاة بان الا يلحقهما الزيادة نطير العجب اللاحق على القول بمطلوبيته للعمل السابق ومن هنا يظهر الفرق بين
الزيادة وبين سائر المنافيات فان ساير المنافيات لو حصل بعد التشهد لا توجب بطلان الصلاة على القول بندبية التسليم إذ لا تأثير لها فيما سبق واما
الزيادة فعدم لحوقها اعتبر قيدا في صحة ما سبق وقد ظهر بما ذكرنا ان المتجه في مسألة من زاد في صلاته ركعة أيضا البطلان ولو على القول بندبية التسليم
الا ان يستند في تلك المسألة إلى الأخبار الخاصة الواردة فيما كما سيأتي تحقيقها في محله انشاء الله فليتأمل واما ما ذكره في المدارك في ذيل عبارته المتقدمة
بقوله ويمكن ان يقال الخ ففيه ان التفصيل المزبور انما يتجه لو قلنا باختلاف القصر والاتمام في المهية وان العدول من أحدهما إلى الاخر في موارد جوازه
على خلاف الأصل قد ثبت بالأدلة الخاصة الدالة عليه وهو خلاف التحقيق كما نبهنا عليه في مبحث النية وبينا عليه عدم اعتبار تعيينهما في القصد في ابتداء الصلاة فعلى هذا
ان نوى الاتمام ولو من أول الصلاة ولكنه لم يتم ولو بعروض مانع عنه قهرا بعد فراغه من التشهد تمت صلاته بناء على ندبية التسليم فان أتمها وقلنا بالبطلان
وجب ان يكون ذلك مسببا عن نفس الاتمام اي إضافة الركعتين اللتين يتحقق بهما الزيادة بالصلاة لاعن نية السابقة كما لا يخفى واما على اختلاف المحقيين
376

وان اتجه ما ذكره من التفصيل ولكن البطلان ينشأ ح من مخالفة المأتي به للمأمور به لا من فعل الزيادة وهو خلاف ظاهر النص وكلماته التي وقع فيها التعليل
بالزيادة وقد يستدل أيضا لوجوب التسليم بقاعدة الشغل واستصحابه واستصحاب معنى الاحرامية والحبس الحاصل من تكبيرة الاحرام واستصحاب حكم الصلاة ومنافياتها
واستصحاب في يجاد المخرج وغير ذلك وفي الجميع ما لا يخفى إذا المرجع في مثل المقام بعد فرض في لدليل هو البراءة وأصالة عدم وجوب التسليم وعدم وجوب
ايجاد المخرج وهي حاكمة على الأصول المزبورة كما تقرر في محله نعم الظاهر أن مراد المستدل من معنى الاحرامية والحبس ليس مجرد حرمة منافيات الصلاة
ما دام متشاغلا بها كي يكون الشك في بقائه مسببا عن الشك في بقاء موضع المستصحب والا لم يجعله قسيما للاستصحابات المزبورة فكأنه يرى أنه يحدث
للمصلى بسبب التكبير حالة حضور وتوجه يضادها ايقاع المنافيات كاحرام الحج فما دام المصلي على هذه الحالة ولم يخرج عنها يحرم عليه ايجاد المنافيات سواء فرغ
عن اجزاء الصلاة أم لا وذلك نظير ما لو كان الوقوف بحضرة السلطان وعرض الحاجات وقضائها مشروطا عنده بعدم الضحك عنده ما دام في مجلسه فكما ان الضحك
بحضرته ولو بعد عرض حاجاته يفسد مكالماته السابقة فكذلك ما نحن فيه ولكنك خبير بأنه بعد تسليم الدعوى يتوجه عليه ان الشك في مقدار اقتضائه فلعل التكبير
لا يقتضي هذه الحالة الا بمقدار أداء الصلاة ومعه لا مسرح للاستصحاب لما تقرر في محله من عدم اعتباره فيما عدى الشك في الرافع واستدل القائلون بالندب
بعد الأصل المحجوج بما عرفت بجملة من الاخبار منها المستفيضة الدالة بظاهرها على جواز الانصراف بعد التشهد مثل صحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله (ع) التشهد
في الصلاة قال مرتين قال قلت كيف مرتين قال إذا استويت جالسا فقل اشهد ان لا اله الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف و
صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يصلي خلف الامام فيطول الامام بالتشهد فيأخذ الرجل البول أو يتخوف على شئ يفوت أو يعرض له وجع
كيف يصنع قال يتشهد هو وينصرف ويدع الامام وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته فإن كان مستعجلا
في امر يخاف ان يفوته فسلم وانصرف اجزئه قال في المدارك في تقريب الاستدلال بهذه الصحيحة والمراد بالاجزاء الاجزاء في حصول الفضيلة والكمال كما يقتضيه أول
الخبر انتهى وفيه ما لا يخفى فان هذه الصحيحة من أقوى الأدلة على وجوب التسليم فان قوله عليه السلام فإن كان مستعجلا إلى اخره ظاهر في وجوب التسليم حتى في مقام الضرورة
والاستعجال وتفريعه على ما سبق بمنزلة التفسير لما اراده من مضى صلاته فإنه كأنه كاشف عن أن المراد به انه لم يبق عليه من صلاته عدى السلام الذي يؤتى به في اخر الصلاة
فاطلاق المضي بلحاظ مضى معظمها جميعا حقيقة مع امكان ان يقال إن السلام وان كان جزء من الصلاة الا انه ليس في عرض ساير الاجزاء بل هو منزلة التوديع
والتسليم الذي يؤتى به في اخر المحاورات والمكاتبات علامة لانقضاء مطالبها فيتضح بهذه الملاحظة في نفي جزئيته عن الصلاة معنى انه ليس من الاجزاء المعتبرة في الصلاة
من حيث هي صلاة ومناجاة مع الخالق فمعنى قد مضت صلاته انقضت المناجاة مع الرب فعليها الانصراف بالتسليم الذي هو بمنزلة التوديع والحاصل ان صدر
هذا الخبر لا يصلح ان يصرف ذيله عن ظاهره وهو وجوب التسليم بل يمكن ان يجعل هذا الرواية شاهدة على أن المراد بالانصراف المأمور به في الصحيحين الأولين هو التسليم
إذ الظاهر أن عطف الانصراف على السلام في هذا الخبر من باب عطف التفسير فإنه لم يقصد بحسب الظاهر
من قوله فسلم وانصرف اجزاء إرادة فعل اخر من الانصراف
وراء التسليم فيظهر من ذلك ان الانصراف هو التسليم كما يشهد لذلك مضافا إلى ذلك ظهور بعض الأخبار في معروفية اطلاق الانصراف على التسليم كاطلاق الافتتاح
على التكبير كخبر كهمس عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الركعتين الأوليتين إذا جلست للتشهد فقلت وانا جالس السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته انصراف
هو قال لا ولكن إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف وفي صحيحة الحلبي قال قال أبو عبد الله عليه السلام كلما ذكرت الله عز وجل به والنبي صلى الله عليه وآله
فهو من الصلاة وان قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فلقد انصرفت فلا تنافي ح بين الصحيحتين وبين ما دل على وجوب التسليم بل قد يقال بظهور الصحيحتين
في حد ذاتهما في وجوب الانصراف وحيث لا واجب بعد التشهد فليحمل على إرادة التسليم ويمكن الخدشة فيه بكون الامر بالانصراف جاريا مجرى العادة فلا دلالة
فيه على الوجوب مع وروده في مقام توهم الخطر فلا يفهم منه أزيد من الجواز ولكن الانصاف ان الصحيحة الأولى التي وقع فيها العطف بلفظه ثم لا تخلو عن ظهور في
ذلك واما الصحيحة الثانية وان لم تكن كذلك الا انها مروية عن الفقيه الذي هو أضبط من التهذيب بل وعن موضع اخر من التهذيب أيضا أنه قال يسلم وينصرف كما
وقع الجواب بهذا النحو عن مثل هذا السؤال في بعض الأخبار اخر فهذه الصحيحة أيضا على خلاف مطلوبهم أدل فضلا عن صلاحيتها للمعارضة لما عرفت هذا كله مع أن الخصم
لا يقول بجواز الانصراف بعد الشهادتين كما هو مضمون الصحيحة الأولى والثالثة فكما يصح تقييده يقال صلاة على محمد واله كذلك يصح تقييده بالتسليم واضعف من
الاستدلال بالاخبار المزبورة للقول بعدم الوجوب الاستدلال له بموثقة يونس بن يعقوب قال قلت لأبي الحسن (ع) صليت بقوم صلاة فقعدت للتشهد ثم قمت فنسيت
ان اسلم عليهم فقالوا ما سلمت علينا فقال (ع) ألم تسلم وأنت جالس قلت بلي قال فلا بأس عليك ولو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك وقلت السلام عليكم
إذ الظاهر أن كلمة بلى تصديق لما بعد النفي نظير قوله تعالى الست بربكم قالوا بلى فالسلام المنسى هو السلام على الجماعة لا مطلق السلام الذي يجب الاتيان به حال جلوسه
واحتمال كونها تصديقا للنفي مع مخالفته لظاهر كلمة بلى كما صرحوا به في محله يدفعه عدم ملائمته للمقام إذ لا يناسبه ح نفي البأس عنه والا لم يكن وقع للاستفصال فظاهر
هذه الرواية بمقتضى الاستفصال ثبوت الباس بترك التسليم ولو مع النسيان فهذه الرواية أيضا على خلاف مطلوبهم أدل ثم إن لفظ الموثق المذكور نقل عن نسخ التهذيب
على المنهج المزبور ولكن الظاهر كما نبه عليه غير واحد ان قوله ولو نسيت من تصرف النساخ وانه في الأصل ولو شئت كما يشهد لذلك كونه مذكورا في قرب الإسناد على ما نقل
عنه بلفظ ولو شئت بدل ولو نسيت واستدلوا أيضا بالمستفيضة الدالة على عدم بطلان الصلاة ايجاد المنافي قبل التسليم كرواية الحسن بن الجهم قال سألت
377

أبا الحسن (ع) عن رجل صلى الظهر والعصر فأحدث حين جلس في الرابعة فقال إن كان قال أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله فلا يعيد وان كان لم يتشهد قبل
ان يحدث فليعد وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل ان يسلم قال تمت صلاته وان كان مع امام فوجد في بطنه اذى
فسلم في نفسه وقام فقد تمت صلاته وحسنته الحلبي إذا التفت في صلاته مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحتسبا وان كنت قد تشهدت
فلا تعد وموثقة غالب بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل يصلى المكتوبة فيقضى صلاته ويتشهد ثم ينام قبل ان يسلم قال قد تمت صلاته و
ان كان رعافا غسله ثم رجع فسلم وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يحدث بعد ان يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل ان يتشهد قال ينصرف فيتوضأ فان شاء
رجع إلى المسجد وان شاء ففي بيته وان شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم وان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته ويتوجه على الاستدلال بهذه الروايات
بعد الاغماض عن موافقتها للعامة على ما حكى عنهم ان الخبر الأول والصحيحة الأخيرة ظاهرهما عدم وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله أيضا فلابد اما من حملهما على التقية
أو ارتكاب التأويل فيهما بالحمل على إرادة مطلق التشهد المعتبرة في الصلاة من لفظ الشهادتين لا خصوص الصيغتين وستعرف ان هذا لا يأبى عن إرادة ما يعم
السلام الأول اي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين هذا مع اشتمال الصحية على ما لا نقول به وهو عدم قادحية الحدث الواقع قبل التشهد فهذا أيضا
يقرب احتمال صدورها تقية كما أن في سائر الأخبار أيضا مما يقرب هذا الاحتمال ولا يهمنا الإطالة في ايضاحه واما سائر الأخبار فيحتمل قويا ان يكون المراد
بالسلام فيها خصوص الصيغة الأخيرة وبالتشهد ما يعم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لشيوع هذا الاطلاق في النصوص والفتاوي كما نبه عليه غير واحد
ففي الجواهر قال حاكيا عن الذكرى ان الشيخ في جميع كتبه جعل التسليم الذي هو خبر التسليم الذي هو خبر التحليل السلام عليكم وان السلام علينا قاطع للصلاة وليس تسليما ثم قال و
قال في الذكرى والمدارك ما حاصله المعروف بين الخاصة والعامة إرادة الصيغة الثانية من التسليم يعلم ذلك من تتبع الأحاديث والتصانيف حيث يذكر
فيها ألفاظ السلام المستحبة ثم يقال ويسلم قلت ويؤيده تصفح النصوص وكتب الأساطين من قدماء الأصحاب المشرف للفقيه على القطع باندراج الصيغة
الأولى في التشهد واختصاص اسم التسليم بالصيغة الثانية فينصرف ح اطلاق هذه النصوص إلى ما تعارف فعله في التشهد الذي يطال فيه عادة انتهى ما
في الجواهر فلا تصلح هذه الروايات مع قيام هذا لاحتمال للمعارضة لأدلة الوجوب خصوصا مع ما فيها من امارات التقية هذا مع أن هذه الأخبار لا تدل
الا على صحة الصلاة على تقدير عروض الحدث قبل التسليم اضطرارا أو سهوا فهي أخص مطلقا من أدلة الوجوب وقضية الجمع بينهما تخصيص ما دل على اعتبار
التسليم بما إذا لم يصدر منه حدث قبله لا عن عمد ودعوى في لقول بالفرق بين العامد وغيره غير ثابته بل يمكن ارجاع القول بعدم بطلان
الصلاة بنسيان التسليم إلى هذا فليتأمل ثم لو سلمنا تمامية الاستدلال بهذا الاخبار فهي ان من تنفي كونه جزء واجبا واما وجوبه مستقلا خارج الصلاة كما ذهب
إليه غير واحد من متأخري المتأخرين فلا تلخص مما ذكرنا ان القول بالوجوب هو الأظهر كما أن الأصح جزئيته للصلاة الا به لا الوجوب
مستقلا إذا المتبادر ومن أدلته انما هو مطلوبيته للصلاة لا لذاته بل هو صريح بعينها كقوله عليه السلام في موثقة أبي بصير الواردة فيمن رعف في الصلاة قبل
ان يتشهد فليخرج وليغسل انفه ثم ليرجع فليتم صلاته فان اخر الصلاة التسليم وقوله (ع) في خبر علي بن أسباط الواردة في كيفية صلاة سيد المرسلين يبدء بالتكبير
ويختم بالتسليم فما ذهب إليه غير واحد من متأخري المتأخرين من القول بكونه واجبا نفسيا خارج الصلاة ضعيف وعمدة مستنده الروايات المتقدمة
الدالة على عدم بطلان الصلاة بوقوع الحدث قبل التسلم ورواية ابن أبي يعفور الواردة فيمن صلى الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى يركع قال
يتم صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وخبر سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل نسي ان يجلس في الركعتين الأوليين فقال إن ذكر قبل
ان يركع فليجلس وان لم يذكر حتى يركع فتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم وليسجد سجدتي السهو وغير ذلك من الروايات التي وقع فيها التصريح بمضي الصلاة
أو تمامها بعد الفراغ من الشهادتين ويظهر الجواب عن مثل هذه الروايات مما عرفت من شيوع اطلاق اسم السلام على خصوص الصيغة الأخيرة التي نلتزم
باستحبابها وعدم كون الحديث قبلها مبطلا للصلاة على تقدير وقوعه بعد التشهد التام المشتمل على الصيغة الأولى فيمكن تنزيل مثل هذا الاخبار على مثل الفرض ولن
جزئية السلام ليست على وجه ينافيها اطلاق اسم التمام على ما عداه كالتسليم المأتي به في اخر المحاورات والمكاتبات علامة لانقضائها هذا مع ما في جملة
من تلك الأخبار التي وقع فيها التصريح بمضي الصلاة أو تمامها بعد الفراغ من الشهادتين كصحيحة الفضلاء وغيرها من الروايات المتقدمة بنفسها شواهد
على الجزئية (كما لا يخفى على المتأمل والحاصل انه لا مجال؟ للاثبات في عدم صلاحية مثل هذه الروايات المشتملة على هذا النحو من التغير القابل للتوجه القريب المانوس
في المحظورات صارفة لغيرها من الروايات؟؟ الواردة في باب التسليم؟؟؟ احراز المطلوبية) فضلا عن معارضتها لما هو صريح في ذلك مما عرفت وله اي
التسليم الذي يتحقق به الانصراف عن الصلاة عبارتان إحديهما ان يقول السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين والأخرى ان يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واما السلام على النبي صلى الله عليه وآله فهو ليس بمخرج بل ولا واجب
ولكنه مستحب وقد عده الأصحاب من اجزاء التشهد ولواحقه المندوبة خلافا للمحكي عن الجعفي وصاحب كنز العرفان فذهبا إلى وجوبه بل عن الأخير نسبته إلى
بعض شيوخه أيضا قال في كنز العرفان على ما حكى عنه بعد ان نقل استدلال بعض شيوخنا على وجوب التسليم المخرج في الصلاة بقوله تعالى يا أيها الذين امنوا
صلوا عليه وسلموا تسليما بتقريب ان الآية تدل على وجوب التسليم ولا شئ منه بواجب في غير الصلاة اجماعا فيجب ان يكون في الصلاة ثم نافته؟ بجواز
كونه بمعنى الانقياد لا التسليم ولو سلم فالمراد به السلام كذلك على النبي صلى الله عليه وآله لسياق الكلام وأنتم لا تقولون انه المخرج من الصلاة ما لفظه واستدل بعض شيوخنا
المعاصرين على أنه يجب إضافة السلام عليك أيها النبي صلى الله عليه وآله ورحمة الله وبركاته إلى التشهد الأخير بالتقريب المتقدم قيل عليه انه خرق للاجماع لنقل العلامة الاجماع على استحبابه
378

ويمكن الجواب بمنع الاجماع على عدم وجوبه والاجماع منقول على مشروعيته وأرجحيته وهو أعم من الوجوب والندب ثم قال وبالجملة الذي يغلب على ظني الوجوب
واستدل عليه ببعض الاخبار انتهى وعن الذكرى انه نقل عن الجعفي في الفاخر أنه قال أقل المجزي من عمل الصلاة في الفريضة تكبيرة الاحرام وقراءة الفاتحة
في الركعتين أو ثلث تسبيحات والركوع والسجود وتكبيرة واحدة بين السجدتين والشهادة في الجلسة الأولى وفي الأخيرة الشهادتين والصلاة على النبي والتسليم
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه وهذا يشتمل على أشياء لا تعد من المذهب منها التكبيرة الواحدة بين السجدتين
ومنها القصر على الشهادة في الجلسة الأولى ومنها وجوب التسليم عن النبي صلى الله عليه وآله واما البدل عن القراءة فيريد به الاضطرار صرح بذلك في غير هذا الموضع
انتهى وظاهرهما وجوب السلام على النبي صلى الله عليه وآله كالصلاة عليه من حيث هو لا لكونه من السلام المخرج ونقل في الجواهر عن الراوندي في الرابعة انه جعله من السلام
المخرج وقال إذا قال السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ونحو ذلك فالتسليم الذي يخرج به من الصلاة ح مسنون وقام هذا التسليم المندوب مقام
قول المصلى إذا خرج من صلاته السلام عليك ورحمة الله بركاته وان لم يكن ذكر ذلك في التشهد الأولى يكون التسليم فرضا انتهى فكأنه يرى مطلق السلام
الذي يجوز الاتيان به عقيب الشهادتين ولو مثل السلام على الأنبياء والملائكة ونحوه مما ورد في خبر أبي بصير المتقدم في اخر مبحث التشهد مخرجا كما يشعر بذلك
عطف قوله ونحو ذلك على السلام على النبي صلى الله عليه وآله ويمكن ان يستدل له باطلاق أدلة التسليم المعتضد بكون التعميم من مقتضيات الحكمة المنصوص
عليها لجعل التسليم تحليلا من كونه كلاما مع المخلوقين والتعليل الوارد في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون ولا يجوز ان تقول
في التشهد السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لان تحليل الصلاة التسليم فإذا قلت هذا فقد سلمت ويؤيده أيضا جعله من التسليم في موثقة أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كنت اماما فإنما التسليم ان تسلم على النبي صلى الله عليه وآله وتقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة
الحديث ولكن يرد عليه بعد الغض عن انصراف الاطلاقات إلى إرادة الصيغة المعهودة المتعارفة وهي السلام عليكم كما اعترف به كثير من الأصحاب ومخالفته
للاجماع على الظاهر المصرح به في كلام غير واحد انه لا يصلح شئ مما ذكر معارضا للنص الخاص المصرح بعدم حصول الانصراف به وانه من الصلاة كقوله عليه السلام في خبر
أبي كهمس المتقدم بعد ان سئله عن أن السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته انصراف هو قال لا ولكن إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو
الانصراف وخبر الحلي المصححة قال قال أبو عبد الله كلما ذكرت الله عز وجل به والنبي صلى الله عليه وآله فهو من الصلاة وان قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت
فالقول بحصول الانصراف به مع شذوذه في غاية الضعف وكذا القول بوجوبه كالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وان لم يحصل به الانصراف فإنه مع مخالفته للاجماع كما صرح
به غير واحد محجوج بما تقدم من النصوص والفتاوى ومعاقد الاجماعات على عدم وجوب غير الشهادتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله والتسليم الذي يتوقف عليه الخروج من
الصلاة المعلوم نصا وفتوى تحققه بدون التسليم على النبي صلى الله عليه وآله والآية بعد تسليم إرادة غير الانقياد من التسليم فيها بل خصوص التسليم على النبي صلى الله عليه وآله قد عرفت
الخدشة في الاستدلال بها للمدعى بالتقريب المزبور عند تضعيف الاستدلال بها لاثبات وجوب الصلاة على النبي في التشهد بهذا التقريب وما في بعض الأخبار
من الامر به كما في مثقة أبي بصير المشتملة على التشهد الطويل التي تقدم نقلها في اخر مبحث التشهد حيث قال فيها بعد ان ذكر تشهدا طويلا مشتملا على التحيات وكثير من
المسنونات ثم قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على أنبياء الله ورسله السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقربين السلام على محمد بن
عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده السلام علينا وعلى عباده الله الصالحين ثم نسلم وفي رواية أبي بكر الحضرمي عن عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له اني أصلي بقوم
فقال تسلم واحدة ولا تلتفت قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليكم الحديث فهو محمول على الاستحباب بشهادة ما عرفت مع ضعف دلالة الامر
في الخبرين في حد ذاته على الوجوب بل قصوره اما الخبر الأول فواضح بعد كونه مسبوقا وملحوقا بأشياء كثيرة كلها مسنونة واما الخبر الأخير فالمقصود بالامر فيه في الحقيقة هو
السلام عليكم وذكر السلام عليك أيها النبي بحسب الظاهر توطئة البيان المراد من التسليم الواحد من غير التفات فكأنه قال قل السلام عليك عقيب السلام عليك من غير أن
تلتفت عن القبلة إلى جانب وما في رواية أبي بصير من جعله من جملة التسليم المأمور به في الصلاة انما أريد به التسليم الكامل إذا الواجب من التسليم ليس الا
ما به يتحقق الانصراف من الصلاة كما لا يخفى على من لاحظ أدلته المتقدمة وهو منحصر في العبارتين المذكورتين في المتن وبكل منهما يخرج من الصلاة فيجوز الاجتزاء
بكل منهما فكل منهما واجب على سبيل التخيير كما ذهب إليه المصنف ره في كتبه الثلاثة وتبعه العلامة ره وكثير ممن تأخر عنه بل لعله هو المشهورين المتأخرين ولكن أنكره
الشهيد في محكي الذكرى وقال إنه قول محدث في زمان المحقق أو قبله بزمان يسير وقال في موضع اخر منه انه قوي متين الا انه لا قائل به من القدماء وكيف يخفى عليهم مثله
لو كان حقا مع أنه حكى عنه اختياره في الرسالة الألفية واللمعة الدمشقية التي هي اخر مصنفاته على ما قيل وحكى عن صاحب الجامع يحيى بن سعيد القول بوجوب
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وتعيينها للخروج وعن الذكرى الاعتراض عليه بأنه خروج عن الاجماع من حيث لا يشعر به قائله ونسب إلى أكثر القائلين بوجوب
التسليم القول بتعين الخروج بالسلام عليك وعن بعضهم القول بأنه يخرج من الصلاة بالسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وان وجب الاتيان بالسلام عليكم
بعد ذلك وهو منسوب إلى صاحب البشرى قال في محكي الذكرى وقال صاحب البشرى جمال الدين ابن طاوس وهو مطلع بعلم الحديث وطرقه ورجاله لا مانع
ان يكون الخروج بالسلام علينا وان كان يجب السلام عليك ورحمة الله بركاته بعده للحديث الذي رواه ابن أذينة عن الصادق عليه السلام في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وآله
في السما انه لما صلى امر ان يقول للملائكة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الا ان يقال هذا في الامام دون غيره قال ومما يؤكد وجوبه ورواية زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر
379

عليه السلام قال إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته وان كان مستعجلا في امر يخاف ان يفوته فسلم وانصرف اجزئه انتهى ويتوجه على هذا القول انه ان أريد وجوبه جزء
من الصلاة فلا يعقل ذلك بعد تحقق الفراغ والخروج من الصلاة بالصيغة الأولى وقياسه على القول بجزئيته ندبا كما سيأتي نفي العبد عنه باطل كما ستعرف وان
أريد وجوبه مستقلا من غير أن يكون جزء للصلاة ولا تحليلا للمنافيات بل تعقيب اوجبة الشارع ففيه ان المتدبر في النصوص والفتاوي لا يكاد يرتاب في أن
الشارع لم يوجب تسليما وراء ما جعله تحليلا للصلاة وان التزم بان السلام المحلل انما هو السلام عليك ولا ينافيه تحقق الخروج عن الصلاة قبله بالسلام علينا
كما جزم به صاحب الحدايق بناء منه على أنه هو الذي يقتضيه الجمع بين الاخبار الامرة بالتسليم المختص اسمه لدى الخاصة والعامة بالسلام عليكم كما صرح به في محكي الذكرى
وغيره وبين المستفيضة المصرحة بحصول الانصراف والخروج من الصلاة بالسلام علينا التزم بأنه يخرج من الصلاة بالسلام علينا ولكنه لا يجوز له الاتيان بالمنافيات
حتى يأتي بالسلام عليكم أو يصدر منه شئ منها قهرا أو سهوا ففيه مضافا إلى ظهور الأخبار المستفيضة الدالة على تحقق الانصراف والخروج من الصلاة بالسلام
علينا في أنه لا شئ عليه بعده وله ان يمض في حاجته ان قول الرضا عليه السلام فيما كتبه إلى المأمون تعليلا للمنع عن قول السلام علينا في التشهد الأول من أن تحليل
الصلاة التسليم فإذا قلت هذا فقد سلمت صريح في أن تحقق الخروج من الصلاة بهذه الصيغة انما هو لاندراجها في موضوع التسليم المحلل ونحوه ما عن الصدوق
في الخصال بسنده عن الأعمش عن أبي عبد الله عليه السلام قال في التشهد الأول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لان تحليل الصلاة هو التسليم فإذا قلت
؟ بد قد سلمت فهو بمنزلة ما لو قال السلام علينا تسليم وكل تسليم تحليل فهو تحليل فالقول بتحقق الخروج بالسلام علينا ووجوب السلام عليكم بعده ضعيف على
كل تقدير ويتلوه في الضعف القول بعدم تحقق الخروج بالسلام علينا وانحصار المخرج في السلام عليك كما نسب إلى أكثر القائلين الوجوب لاستلزامه طرح النصوص
المعتبرة المستفيضة المصرحة بحصول الانصراف به كالخبرين المتقدمين انفا وفي خبر أبي كهمس المتقدم ولكن إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف
وفي صحيحة الحلبي المتقدمة وان قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت وفي موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله قال إذا كنت اماما فإنما التسليم ان تسلم
على النبي صلى الله عليه وآله وتقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإذا قلت قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن القوم وتقول وأنت مستقبل القبلة السلام عليكم و
كذلك إذا كنت وحدك تقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين مثل ما سلمت وأنت امام وإذا كنت وأنت في جماعة فقل مثل ما قلت وسلم على من علي يمينك
وشمالك الحديث ويؤيده أيضا رواية ثعلبة بن ميسر عن أبي جعفر عليه السلام قال شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم قول الرجل تبارك اسمك وتعالى جدك و
انه هو شئ قالته الجن فحكى الله عنهم وقول الرجل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وعن الفقيه مرسلا عن الصادق عليه السلام قال افسد ابن مسعود على الناس
صلاتهم بشيئين إلى أن قال ويقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يعني التشهد الأولى وقد حكى عن الشيخ في التهذيب أنه قال في مسألة صلاته الوتر ان يعني في التشهد الأولى وقد حكى عن الشيخ في التهذيب أنه قال في مسألة صلاة الوتر ان
عندنا ان من قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انقطعت صلاته وظاهره دعوى الاجماع عليه وعن الشهيد في الذكرى الاعتراف بان اخبار الخروج
بالسلام علينا مما لم ينكرها أحد من الامامية وعن موضع اخر منه أنه قال إن انقطاع الصلاة بالسلام علينا دل عليه الاخبار وكلام الأصحاب ولعل نسبته إليهم
من جهة عدم انكارهم لتلك الأخبار والالتزام بمدلولها من تحقق الخروج وانقطاع الصلاة به لو اتى به في التشهد الأولى ونحوه لا تصريحهم به في خصوص المقام والا
فينافيه ما حكى عنه في البيان من أنه ذكر ان السلام علينا لم يوجبه أحد من القدماء بل القائل بوجوب التسليم يجعلها مستحبة كالسلام على الأنبياء والملائكة غير مخرجة
والقائل بندب التسليم يجعلها مخرجة وكيف كان فالروايات المزبورة مما لا مجال لطرحها وهي صريحة الدلالة على حصول الخروج والانصراف بصيغة السلام علينا
مع ما في بعضها من التنبيه على أن كونها كذلك لا لخصوصية فيها بل باعتبار اندراجها تحت طبيعة التسليم الذي جعل الصلاة فكما يستفاد منها ضعف القول تعدم
تحقق الخروج بهذه الصيغة كذلك يفهم منها ضعف القول بانحصار المخرج فيها كما حكى عن جامع ابن سعيد فان من الواضح ان صدق التسليم على الصيغة الثانية التي
قضت ضرورة الشرع بمشروعية الاتيان بها في اخر الصلاة أوضح لدى الخاصة والعامة من صدقة على هذه الصياغة فلا ينبغي الارتباب في حصول الانصراف
والخروج من الصلاة بصيغة السلام عليك أيضا كما يدل عليه مضافا إلى ذلك الاقتصار عليه في بعض الأخبار الواردة في التسليم كقوله عليه السلام في خبر أبي بكر الحضرمي
المتقدم قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليكم وكون هذه الصيغة هي القدر المتيقن ارادته من النصوص المتظافرة الواردة في التسليم
إذا التسليم لو لم نقل بكونه لدى الخاصة والعامة اسما لخصوص هذه الصيغة كما ادعاه غير واحد فلا أقل من عدم كون هذه الصيغة خارجة من منصرفها هذا كله مع عدم
الخلاف فيه على الظاهر بل كونه اجماعيا كما ادعاه غير واحد إذ لم ينقل الخلاف فيه عن أحد سوى ما سمعت حكايته عن جامع بن سعيد من القول بتعين السلام علينا للخروج
والذي يغلب على الظن وان لم يحضرني كتابه حتى أتحقق حال النسبة انه أيضا لم يقصد الخلاف بل قصد ذلك في صورة الجمع بين الصيغتين على المنهج المتعارف المعهود
في الشريعة من تقديم هذه الصيغة فقوله ح موافقة للمختار فانا وان قلنا بالتخيير وان له الخروج بكل من الصيغتين ولكن على تقدير الجمع بينهما بأيهما بدء فقد اتى بالمخرج
وسقط التكليف الالزامي المتعلق بايجاد المحلل وكان الثاني على تقدير مشروعيته مستحبا ومن هنا نفينا البعد في صدر المبحث عن كون الخلاف بين كثير من القدماء
المصرحين بندب التسليم وبين القائلين بوجوبه لفظيا بإرادة الموجبين مطلقة الذي يتحقق الخروج عن عهدته بالصيغة الأولى النادبين خصوص الصيغة الثانية
لدى الاتيان بها عقيب الأولى كما هو المتعارف لدى المتشرعة وربما حمل كلام القائلين بوجوب السلام عليك علينا على إرادة الوجوب بأصل الشرع الغير المنافي
للالتزام بحصول الفراغ والانصراف بالسلام علينا وعدم وجوب السلام عليكم بعده بل استحبابه كما يؤيد ذلك ما سمعته عن الشهيد من أن أحدا لم ينكر الأخبار الدالة عليه
380

فكان مستندهم على تقدير صحة هذا التأويل دعوى ان المعهود المتعارف من التسليم الذي دلت الأدلة على وجوبه انما هو السلام عليكم فهدا هو السلام الذي أوجه
الشارع ولكن لما كان الغرض الباعث على ايجابه حصول الانصراف به ويتأتى هذا الغرض بصيغة السلام علينا التي هي من مستحبات التشهد الأخير وليس بواجب
اجماعا كما ادعاه بعض كالسلام على الأنبياء والملائكة منع ذلك عن أن يتخير التكليف بالسلام الأخير الذي لم يجب الا لأجل الانصراف بعد فراغه من التشهد
فحال الصيغة الأولى التي هي من اجزاء التشهد حال الوضوء المندوب لمأتي به قبل الوقت المانع عن وجوبه بعده ولكنه لا يوجب ذلك سقوط طلبه
رأسا بل يبقى بصفة المطلوبية ندبا كالوضوء التجديدي وفيه ما أشرنا إليه فيما سبق من دلالة بعض الأخبار المتقدمة على أن حصول الانصراف بالسلام علينا
انما هو الاجل اندراجه في موضوع التسليم الذي جعل تحليلا للصلاة فلو سلم انصراف ما دل على وجوب التسليم إلى خصوص السلام عليك بل لو كانت هذه الصيغة
بخصوصها مورد الاخبار الوجوب لتعين الغاء خصوصيتها وحمل الأدلة على الوجوب التخييري بشهادة تلك الأخبار فالقول بوجوبه عينا ولو بهذا المعنى أيضا
لا يسلم عن الخدشة الا ان النزاع ح قليل الجدوى إذ لا يترتب عليه ثمرة عملية مع أن تصوير كونه مستحبا يسقط به الفرض بحيث لا يؤل إلى كونه أحد فردي الواجب
المخير بل أفضلهما لا يخلو عن اشكال فليتأمل بقي في المقام الكلام فيما أشار إليه المصنف ره بقوله بأيهما بدء كان الثاني مستحبا وهذا مما لا شبهة فيه فيما لو بدء بالسلام
علينا ولورود الجمع بين الصيغتين بهذه الكيفية في غير واحد من الاخبار منها موثقة أبي بصير المشتملة على التشهد الطويل المتقدمة في اخر مبحث التشهد مع أن مشروعية
الجمع بين الصيغتين بهذه الكيفية لعله من الضروريات بل لعله من ضروريات الدين وقضية جواز الاقتصار على أوليهما كما دلت عليه المستفيضة المتقدمة كون الاتيان
بالثانية من باب الفضل والاستحباب فهل هي من الأجزاء المستحبة أو من المستحبات المستقلة عقيب الصلاة وجهان من ظهور أغلب أدلة استحبابها كرواية أبي بصير
ونحوها في الجزئية ومن ظهور الروايات الدالة على تحقق الخروج والانصراف والفراغ من الصلاة بالسلام علينا في حصولها بعد تحقق الفراغ فيجب ان يكون
مستحبا خارجيا اللهم الا ان يقال إن السلام عليكم المأتي به عقيب السلام علينا وعلى تقدير الالتزام بجزئيته للصلاة فهو ليس جزء مباينا للتسليم الذي هو اخر اجزاء
الصلاة وتحليلها بل هو مكمل له كزيادة ورحمة الله وبركاته على السلام عليك بناء على استحباب هذه الزيادة كما ستعرف فالتسليم الذي يتحقق به الخروج والانصراف
أدنى ما يجزي منه احدى الصيغتين وأكمله المجموع بل قد يقوى في النظر كون السلام على النبي صلى الله عليه وآله وكذا على سائر الأنبياء والملائكة من مستحبات التسليم ولكنه بنفسه لا
يتحقق به الانصراف كما ربما يؤمى إلى ذلك قوله عليه السلام في موثقة أبي بصير إذا كنت اماما فإنما التسليم ان تسلم على النبي صلى الله عليه وآله تقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
الخ وفي رواية أبي بكر الحضرمي المتقدمة قال سلم واحدة ولا نلتفت قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليكم الحديث والاخبار المزبورة بظاهرها
غير منافية لهذا النحو من الجزئية كما لا يخفى على من تدبر فيها نعم ربما يظهر من قوله عليه السلام في ذيل خبر أبي بصير المتقدم فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة
ثم تؤذن القوم وتقول وأنت مستقبل القبلة السلام عليكم الخ خروجه وكون المقصود به اعلام القوم يتحقق الانصراف ويحتمل ان يكون السلام الوراد في هذا
الخبر مستحبا خارجيا مخصوصا بالامام كسلام شخص خارجي منصوب لحكاية افعال الامام لاعلام المأمومين فلا ينافي ذلك جزئية السلام الوارد في خبر أبي وبصير و
غيره الذي لا يختص استحبابه بالامام وكيف كان فالأحوط ان لا يقصد به الجزئية ولا عدمها بل مطلق القرية هذا فيما لو بدء بالأولى واما لو بدء بالثانية ففي
استحباب الاتيان بالصيغة الأولى عقيبها كما هو ظاهر المصنف والشهيد في اللمعة نظر إذ لم يدل عليه دليل كما اعترف به غير واحد اللهم ان يستدله بفتوى الفقيه من
باب المسامحة على اشكال والله العالم ولو اقتصر على الصيغة الثانية فهل يجب إضافة ورحمة الله أم يجوز الاكتفاء بالسلام عليكم فيه خلاف نسب إلى الأكثر عدم
اعتبار هذه الزيادة في صحة هذا الصيغة ونقل عن أبي الصلح أنه قال يجب السلام عليك ورحمة الله وعن ابن
حمزة القول بزيادة وبركاته أيضا كما ربما يلوح
من عبارة الكتاب ولكن نقل عن العلامة في المنتهى أنه قال ولو قال السلام عليكم ورحمة الله جاز وان لم يقل وبركاته بغير خلاف انتهى ومستند القول بالكفاية مضافا
إلى الأصل وعموم أدلة التسليم الشامل لمثل هذا الفرد الذي هو أوضح افراده خصوص رواية الحضرمي عن الصادق عليه السلام قال قلت له اني أصلي بقوم فقال تسلم واحده
ولا نلتفت قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليك وفي خبر عبد الله بن أبي يعفور المروي عن جامع البزنطي قال سألت أبا عبد الله عن تسليم
الامام وهو مستقبل القبلة قال يقول السلام عليكم وفي ذيل خبر أبي بصير المتقدم قال ثم تؤذن القوم وتقول وأنت مستقبل القبلة السلام عليكم وفي موثقة يونس
بن يعقوب الواردة فيمن نسي ان يسلم على من خلفه قال (ع) وان نسيت استقبلتهم بوجهك فقلت السلام عليكم وكون السلام عليكم في الخبرين الأخيرين بل وكذا في
ما تقدمهما مسبوقا بالصيغة الأولى التي يجوز الاجتزاء بها في الخروج عن الصلاة غير قادح في الاستشهاد بها للمدعي فإنها كاشفة عن عمد اعتبرا الزيادة التي
هي محل الكلام في قوام هذه الصيغة التي ينسبق إلى الذهن ارادتها من اطلاقات أدلة التسليم فكونها جائرة الترك في مورد هذه الأخبار غير قادح في دلالتها على
ذلك اللهم ان يارد بها سلام اخر غير السلام الذي يوتى به في اخر الصلاة كما أبدينا احتماله انفا في بعض هذه الأخبار ولكنه فيما عداه لا يخلو عن بعد نعم
لا يبعد ان يكون المقصود بالسلام عليكم في جميع هذه الأخبار الإشارة إلى السلام المعهود المتعارف عندهم بإسقاط جزئه الأخير تعويلا على معهوديته ولكن لا يكفي
هذا الاحتمال في رفع اليد على ظاهر الاخبار من كون ما هو المذكور فيها تماما تعلق به الغرض لاجزئه وانما يعتني بمثل هذا الاحتمال في مقام الجمع بين الاخبار
أو وجد دليل على وجوب الزيادة وهو مفقود إذ لم يرد هذه الزيادة الا في بعض الأخبار الحاكية للفعل القاصرة عن إفادة الوجوب كصحيحة علي بن جعفر وقال رأيت
اخوتي موسى واسحق ومحمد بن جعفر يسلمون في الصلاة عن اليمين وعن الشمال السلام عليكم ورحمة الله السلام (عليكم ورحمة الله) وفي خبر ابن أذينة الحاكي لصلاة النبي صلى الله عليه وآله في المعراج
381

انه لما امره الله عز وجل (بالسلام على الملائكة والنبيين قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وعن دعائم الاسلام مرسلا عن جعفر بن محمد قال إذا قضيت التشهد فسلم عن يمينك وعن شمالك تقول السلام عليكم ورحمة الله السلام
عليكم ورحمة وهذه الرواية مع ضعفها في حد ذاتها وعدم صلاحيتها الا لاثبات الاستحباب لا يفهم من متنها أيضا أزيد من ذلك حيث إن الطلب المتعلق به في هذه
الرواية لم يقصد به الا الاستحباب وكيف كان فالقول بوجوب زيادة ورحمة الله كما حكى عن ظاهر غير واحد ضعيف واضعف منه القول المنسوب إلى ابن حمزة من
اعتبار زيادة وبركاته كما يظهر وجهه مما مر مضافا إلى ما سمعت فيما حكى عن العلامة من نفي الخلاف في عدم وجوبه واما الصيغة الأولى فالظاهر وجوب اكمالها في تحقق الانصراف
بها فان حصول الانصراف بهذه الصيغة انما ثبت بالأدلة المتقدمة والا فهي خارجة عن منصرف التسلم كما تقدمت الإشارة إليه فما سبق وهي لم تدل الا على تحقق الانصراف
بالمجموع نعم قضية عموم العلة المنصوصة في بعض تلك الأخبار تحقق الانصراف بجزئها الأول الذي تحقق به مسمى السلام ولكن الاخذ بهذا العموم مشكل (إذ لو لم نقل بالنص انه) في
حد ذاته إلى إرادة التسليم المتعارف الذي شرع الاتيان به في اخر الصلاة وهو هاتان الصيغتان لا مطلق ما يصدق عليه في العرف اسم التسليم ولو مثل السلام على زيد
وجب صرفه إلى ذلك جمعا بينه وبين الاخبار الحاصرة للتسليم المشروع في اخر الصلاة بهما كقوله عليه السلام في موثقة أبي بصير المتقدمة انما التسليم ان تسلم على النبي صلى الله عليه وآله
وتقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وهذه الموثقة وان كانت ظاهرة في انحصاره في خصوص هذه الصيغة ولكن يرفع اليد عنه جمعا بينهما وبين ما دل على
حصول الانصراف بالصيغة الثانية أيضا مثل قوله عليه السلام في رواية أبي بكر الحضرمي تسلم واحدة ولا تلتفت وقل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
السلام عليك كما أنه يرفع اليد عن ظاهر هذه الرواية في وجوب هذه الصيغة عينا كغيرها من الاخبار المنصرفة إليها بالخصوص بالحمل على الوجوب التخييري بشهادة الموثقة
وغيرها مما مر فيتحصل من مجموع الاخبار انحصار السلام المحلل في هاتين الصيغتين فما حكى عن المعتبر من أنه قال الأشبه انه يجزى سلام عليك واستقر به في محكى الذكرى
لوقوع اسم التسليم عليها ولأنها كلمة وردت في القران بصورتها فتكون مجزية لا يخلو من نظر فان عمدة ما يصح التمسك باطلاقه لجواز مثل سلام عليكم انما مفهوم
العلة المنصوصة المتعين صرفه إلى المعهود بشهادة ما عرفت واما سائر الروايات التي ورد فيها الامر بالتسليم مطلقا فليس لها اطلاق هذه الجهة لكونها اما واردة
في مقام بيان حكم اخر أو لبيان أصل المشروعية أو أريد بها الإشارة إلى المعهود وعلى تقدير ظهورها في الاطلاق وجب تقيدها بما عرفت ولا ينافي ذلك الالتزام
ببطلان الصلاة بايقاع سائر الصيغ في أثنائها لأنها تندرج في الكلام المبطل كما لا يخفى وهل يعتبر قصد الخروج بالسلام المخرج أم يتحقق به الخروج قهرا
وان لم يقصده قولان أقواهما العدم كما يدل عليه روايتا العيون والخصال المصرحتان ببطلان الصلاة باتيان السلام علينا في التشهد كما يصنعه العامة معللا بان تحليل
الصلاة التسليم قادا قلت هذا فقد سلمت مع أن العامة لا يقصدون به الخروج فيكشف ذلك عن أن حصول التحليل بالسلام من احكامه الشرعية المترتبة عليه الغير
المتوقفة على القصد ثم لو قلنا باعتباره فيكفي في وقوعه بهذا الوجه الاستدامة الحكمية المغروسة في النفس الباعثة له على ايجاد الاجزاء شيئا فشيئا في مواقعها على
وجوهها فلا وجه لما نسب إلى موجبي نية الخروج من اعتبار مقارنتها للتسلم إذ ليس حاله ح الا حال الركوع والسجود ونحوهما مما للقصد مدخلية في تحقق عناوينها ولكن
النية الاجمالية المغروسة في النفس كافيه في وقوعها عليه وجهها ودعوى ان نظم السلام مناقض للصلاة ولهذا يبطلها لوقوع في أثنائها حيث إنه خطاب ادمي
فإن لم يقترن به ما يصرفه إلى التحليل لكان مناقضا للصلاة مبطلا لها ضعيفة لان نظام السلام يناقض الصلاة إذا وقع في أثنائها لا في موقعه الذي شرع فيه مع أن
دعوى احتياج حصول التحليل إلى ما يصرفه إليه مدفوعة إليه مدفوعه بما عرفت من أنه محلل بنفسه بحكم التنازع واضعف من هذا الوجه ما حكى عن غاية المراد من أن التسليم
عمل يخرج به من الصلاة فتجب له النية لعموم انما الأعمال بالنيات وفيه بعد تسليم الدليل والغض عن بعض المناقشات المتوجهة إليه وان التسليم جزء عمل فيكفي الاستدامة
الحكمية كما في غيره من الاجزاء ان العمل انما هو نفس التسليم لا كون مخرجا فهذا الدليل لا ينتج اعتبار نية الخروج كما هو المدعى الا انه يوجه بان التسليم فعل ذا وجوه فهو
بعنوان مخرجيته من الصلاة عمل يتوقف على القصد فيه ما عرفت من أن عنوان المخرجية من إثارة الشرعية
اللاحقة له الغير المتوقفة على القصد بل لو نوى عدم الخروج
أيضا كما لو اتى بالصيغة الأولى بزعم انها كالسلام على النبي صلى الله عليه وآله لا يتحقق بها الخروج أو بزعم ان له الخيار في تعيين المخرج فنوى عدم الخروج بالأولى لا يقدح ذلك في
صحة صلاته وتحقق الخروج منها أو من واجباتها بالصيغة الأولى فإنه حكم شرعي لا اثر للقصد فيه كما عرفت اللهم الا ان يرجع قصده إلى قصد الاتيان بسلام غير السلام
الذي جعل محللا فبعد ويفسد الصلاة كما لو اتى بسلام أو كلام مناف للصلاة قبل التسليم الصحيح الذي يخرج به من الصلاة تنبيه قال شيخنا المرتضى رحمه الله
ولو ذكر احدى الصيغتين في أثناء الصلاة فان قصد الدعاء فالظاهر في لابطال واما ما دل على النهي عن قول السلام علينا في التشهد وانه مبطل للصلاة فمحمول على
ما إذا قصد التحية كما يفعله العامة مع احتمال الابطال مطلقا لا طلاق الروايات وان قصد به التحية فالظاهر البطلان لعموم ابطال الكلام وخصوص رواية العلل
الدالة على أن التسليم من كلام الآدميين الذي حرم بالتحريم وان قصد به الخروج عن الصلاة فإن كان سهوا ففي ابطاله وكون ما يتدارك من تتمة الصلاة فرضا مستأنفا
أو عدمه ولوقوعه في غير محله وجهان ظاهر الأخبار الواردة في تلك المسألة الثاني وان كان عمدا فالظاهر أنه مبطل لا لنية الخروج بل لعدم قصد الدعاء فيدخل في الكلام
المبطل مضافا إلى النهي عنه فيدخل في الكلام المحرم ولو قصد بتسليم الصلاة التحية لم يقدح بل ورد انه موضوع للتحية على المسلم عليهم ومشروع الاجل ذلك ولو قصد
به الدعاء أيضا لم يقدح لعدم وجوب قصد ما شرعه مع أن الدعاء أيضا تحية ولو لم يقصد مشيا ولا قصد مخاطبا أيضا جاز تحته ولو لم يقصد شيئا ولا قصد مخاطبا أيضا جاز انتهى كلامه رفع مقامه أقول
قضية ما ذكره في ذيل كلامه من عدم قادحية قصد دعائه في صحة السلام المحلل عدم كون هذا القصد مجديا في جواز الاتيان به في أثناء الوصية إذا المفروض انه لا
يؤثر هذا القصد في خروجه عن كونه مصداقا للسلام الذي جعل تحليلا للصلاة فلا يجدي في جواز ايقاعه في أثناء الصلاة حيث علل المنع عن الاتيان به في الأثناء في
382

روايتي العيون والخصال بكونه تحليلا لا بكونه من كلام الآدميين كي يختص مانعيته بما إذا قصد به المكالمة مع المخلوقين لا المناجاة مع الخالق بل وقد يبعد حصول قصد التحية المحضة
من المصلى بتوجه المخاطبة إلى المسلم عليهم بحيث يندرج في الكلام مع المخلوقين بالنسبة إلى السلام علينا بل الغالب ان المصلي لا يأتي بهذا الصيغة الا كما يأتي بالشهادتين
في كونه متوجها إلى الخالق لا متكلما مع المخلوق والظاهر أنه لا يصدر من العامة أيضا غالبا الا بهذا النحو خصوصا مع بنائهم على أنه من اجزاء التشهد فهو في الغالب المتعارف
مندرج في موضوع الدعاء والمناجاة مع الرب لا الكلام المبطل ولكن اندراجه تحت هذا الموضوع لا يجدى في جواز الاتيان به في الأثناء بعد ان جعل الشارع تحليلا
وانصرافا فما ذكره قدس سره من كون النهي عنه في التشهد محمولا على ما إذا قصد به التحية التي أراد بها التحية المحضة المحقة له بكلام الآدميين مع كونه تنزيلا على ما هو
خلاف المتعارف ينافيه تعليل النهي في الخبر الدال عليه بان التسليم تجليل بعد ان اعترف في ذيل كلمه بان قصد الدعائية لا يقدح في تحليليته وكيف كان فالأظهر
عدم جواز الاتيان بهما في أثناء الصلاة مطلقا الا ان يأتي بهما على وجه يخرجهما عن الحقيقة التي يتحقق بهما الانصراف بحيث لو اتى بهما كذلك في اخر صلاته أيضا لم يتحقق
بهما الخروج كما لو جعلهما جزء من دعاء على سبيل الحكاية (ونحوه) كما أن الأظهر عدم اعتبار قصد شي من صحته السلام الذي تجعل تحليلا للصلاة الا ايجاد لفظه الذي هو احدى الصيغتين
بداعي الخروج عن عهدة التكليف المتعلق به كما في ساير أذكار الصلاة من القراءة والتشهد وغيره فلا يعتبر فيه لا قصد الخروج كما عرفته فيما سبق ولا قصد الدعائية
ولا التحية ضرورة صحة صلاة من الا يتعقل مفهومه أصلا من أنه دعاء أو تحته حيت يقصده واما لو قصد بهما التحية أو الدعائية أو كليهما فإن كان ذلك في الصيغة الأولى
فلا يقدح ذلك في صحتها بلا اشكال لان مفهومها حقيقة هو التحية على المسلم عليهم ودعاء لهم بالسلامة فقصد كل منهما أو كليهما لو لم يكن أولى من تعريتها عن
هذا القصد وصرف التعبد بلفظه فليس موجبا لمغايرة المأتي به للمأمور به كي يؤثر في بطلانه وان كان في الصيغة الثانية فكذلك مع ابقائها على حقيقتها
من توجيه السلام إلى المقصودين بالضمير على سبيل الخطاب كما هو مدلول هذه الصيغة واما لو استعملها في الدعاء المحض وادرجها في ضمن المناجاة
مع الرب بان جردها عن المخاطبة مع المقصودين بالضمير ونزول الضمير منزلة التعبير بأسمائهم نظير قولك عند إرادة الدعاء لشخص غائب في طي كلامك مع زيد
ذكرك الله بالخير يا فلان لقد كان كذا ففي صحتها أو تحقق الخروج بها تأمل فان السلام عليكم المستعمل بمعنى سلمهم الله في الحقيقة مهية أخرى غير المهية التي تنسبق
إلى الذهن من أدلة التسليم كما أن الامر كذلك فيما لو أراد به التحية على الجماعة الحاضرة عنده المغايرة لمن اراده الشارع من الامر بالتسليم عليهم أو أراد به رد
سلامهم فان قصد التحية على الغير أورد سلامهم يصرف لفظ السلام عليكم عن أن يقع على وجهه الذي اراده الشارع فتكون مهية أخرى غير ما اراده الشارع
وان شاركتها في اللفظ إذا المعنى وان لم يجب قصده في مقام إطاعة الامر بالتسليم ولكنه ملحوظ لدى الامر في طلبه كما في الشهادتين وغيرهما من الأذكار المعتبرة
في الصلاة كما لا يخفى ثم إن المبحث عما أشار إليه شيخنا المرتضى رحمه الله في أثناء كلامه المتقدم من أنه لو اتى بالسلام بينه الخروج في أثناء الصلاة سهوا فهل يتحقق به
الخروج وما يأتي بعده من تتمة الصلاة فرض مستأنف يتدارك به النقص الواقع في الصلاة كقضاء السجدة أو التشهد المنسيتين بعد التسلم أو ان التسليم
يقع لغوا وبعبارة أخرى متعلق السهو في مثل الفرض هل هو التتمة التي تركها قبل التسليم وقد جعل الشارع لها بدلا وهو قضائها بعد التسليم أو نفس التسليم
لوقوعه في غير محله فألغاه الشارع أو يختلف ذلك في الموارد يأتي تحقيقه في محله انشاء الله وستعرف انشاء الله
383