الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ١٠
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٣٦٧ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء العاشر
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
نام كتاب: جواهر الكلام
تأليف: الشيخ محمد حسن النجفي
ناشر: دار الكتب الاسلامية
تيراژ: 1500 جلد
نوبت چاپ: دوم
تاريخ انتشار: بهار 1365
چاپ از: چاپخانه خورشيد
آدرس ناشر: تهران، بازار سلطاني، دار الكتب الاسلامية
تلفن 520410 - 527449
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(مسائل سبع)
بل تسع كما ستعرف، الأولى (لا يجوز قول آمين في آخر الحمد) عند المشهور
بين الأصحاب القدماء والمتأخرين شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا كما اعترف به في
جامع المقاصد، بل في المنتهى وعن كشف الالتباس نسبته إلى علمائنا مشعرين بدعوى
الاجماع عليه، بل في الغنية والتحرير والمحكي عن الانتصار والخلاف ونهاية الاحكام
والتذكرة الاجماع عليه، بل في المعتبر عن المفيد دعواه أيضا، بل عن الأمالي أن من
دين الإمامية الاقرار به، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، إذ لم نجد فيه مخالفا، ولا حكي
إلا عن الإسكافي وأبي الصلاح، وهما مع كونهما غير قادحين فيه قد حكى عن ثانيهما
في الذكرى أنه لم يتعرض لذلك بنفي ولا إثبات كابن أبي عقيل والجعفي وصاحب الفاخر
ولا صراحة في كلام أولهما، بل ظاهر بعض كلامه المحكي عنه الموافقة، قال: ولا يصل
الإمام ولا غيره قراءته " ولا الضالين " بآمين، لأن ذلك يجري مجرى الزيادة في القرآن
مما ليس منه، وربما سمعها الجاهل فرآها من التنزيل، وقد روى سمرة وأبي بن كعب
السكتتين ولم يذكروا فيها آمين، نعم قال بعد ذلك: ولو قال المأموم في نفسه: " اللهم
اهدنا إلى صراطك " كان أحب إلي، لأن ذلك ابتداء دعاء منه، وإذا قال: " آمين "
تأمينا على ما تلاه الإمام صرف القراءة إلى الدعاء الذي يؤمن عليه سامعه، ويمكن
2

أن لا يريد المحبة المقتضية لجواز قول آمين ليخالف نهيه الأول، وأما قوله في حدود
الصلاة: ويستحب أن يجهر به الإمام يعني القنوت في جميع الصلوات ليؤمن من خلفه
على دعائه فلعله أراد فيه الدعاء بالإجابة بغير لفظ آمين، أو ذلك والاجتماع في الدعاء
لشئ واحد لا يجابه الإجابة، بل ينبغي القطع بذلك أو نحوه، وإلا كان قائلا بالندب
المعلوم خلافه بين الشيعة، على أنه إنما يتم بناء على تعميم المنع لسائر أحوال الصلاة
لا خصوص الآخر كما هو ظاهر الكتاب، بل هو الأقوى كما ستعرف البحث فيه،
ويؤيد ذلك كله أنه لم يحكه عنه في المعتبر مع شدة حاجته إليه، لميله فيه إلى عدم الحرمة
فتعجب الشهيد في الذكرى من عدم استشهاده به يمكن رفعه بما سمعت.
ومن ذك تعرف ما في قول المصنف هنا: (وقيل: إنه مكروه) إذ لا قائل
محقق معلوم وإن كان تلميذه الآبي فيما حكي عنه بعد أن نسب الأول إلى الثلاثة
وأتباعهم قال: " ولا أعرف فيه مخالفا إلا ما حكى شيخنا دام ظله في الدرس عن
أبي الصلاح " إلى آخره. لكن قد عرفت أنه لم يثبت أيضا، نعم هو ذلك في
المعتبر احتمالا، وصار سببا لجرأة بعض متأخري المتأخرين على الخلاف، فمنهم من
جزم به، ومنهم من فصل بين الحرمة والابطال، وبذلك كانت المسألة ثلاثية الأقوال
كما أن دغدغته في بعض مسائل الأصول والفروع من غير المقام صار سببا لجرأتهم على
هدمها حتى حصل به خلل في الطريقة المعروفة المألوفة كما لا يخفى على الخبير الممارس.
وكيف كان فلا ريب أن التحقيق الأول حرمة وإبطالا، بل لا أعرف أحدا
من معتمدي الأصحاب فصل بينهما هنا وإن عبر بعضهم بلا يجوز ونحوه، إلا أن من
المعلوم إرادة البطلان من مثل ذلك مما يتعلق بالصلاة مثلا، بل الحرمة فيه من جهة
التشريع وتسبيبه لقطع العمل لا الذاتية، وإلا فالذي هو الملحوظ في النظر ويراد بيانه
فيها ما يتعلق بالصحة والبطلان، ولذا عبر ابن زهرة وغيره بما يقتضي الحرمة، واستدل
3

بما يقتضي البطلان، على أن جملة من معاقد الاجماعات السابقة كالانتصار والخلاف
ونهاية الاحكام والمفيد وغيرها البطلان.
بل هو المراد من الحرمة في الغنية وعن التذكرة بعد التدبر، بل هو مقتضى
النهي أيضا في حسن جميل (1) بإبراهيم، قال الصادق (عليه السلام): " إذا كنت
خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد لله رب العالمين ولا تقل
آمين " وخبر محمد بن سنان عن محمد الحلبي (2) سأله (عليه السلام) أيضا " أقول إذا
فرغت من فاتحة الكتاب: آمين قال: لا " قال المصنف في المعتبر: ورواه أحمد بن محمد
ابن أبي نصر البزنطي في جامعه عن عبد الكريم عن محمد الحلبي، وفي حسن زرارة (3)
أيضا بإبراهيم أيضا المروي عن العلل عن أبي جعفر (عليه السلام): ولا تقولن إذا
فرغت من قراءتك آمين، فإن شئت قلت: الحمد لله رب العالمين ".
بل ومن التحريم في المروي (4) عن دعائم الاسلام مرسلا عنهم (عليهم السلام)
" أنهم حرموا أن يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب آمين كما يقول العامة، قال جعفر بن
محمد (عليه السلام) " إنما كانت النصارى تقولها " بل مما أرسله أخيرا وما حكي عن
الفقيه من نسبته ذلك إلى اليهود والنصارى يظهر وجه دلالة صحيح معاوية بن وهب (5)
سأل الصادق (عليه السلام) " أقول آمين إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا
الضالين فقال: هم اليهود والنصارى " وأن المراد به التشنيع على المخالفين بأن القائلين
ذلك هم اليهود والنصارى، بل لعل المراد المخالفون من اليهود والنصارى كما يومي إليه
عدم القراءة عند اليهود والنصارى، وفهم السائل بقرينة ما زاده في الوسائل في الخبر

(1) الوسائل - الباب 17 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث - 1 - 3 - 2
(2) الوسائل - الباب 17 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث - 1 - 3 - 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 6
(4) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(5) الوسائل - الباب 17 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث - 1 - 3 - 2
4

" ولم يجب عن هذا " أن هذا جواب للمراد بالضالين لا لسؤاله ليس حجة، فلا حاجة
حينئذ لحمله على ترك الجواب للتقية، بل يمكن إرادة الإمام في الجواب الجمع بين التقية
وسؤال السائل بالايهام في العبارة المزبورة، لكن السائل لم يفهمه، على أنه لو سلم أمكن
استفادة المطلوب منه أيضا، إذ لو كان الحكم مكروها لتخلص حينئذ عنها بالجواب بالجواز
لا بترك الجواب الموهم ما ينافيها كما هو واضح.
والمناقشة في ذلك كله بأن النهي إنما يقتضي الحرمة دون البطلان المنحصر في
المتعلق بها أو جزئها أو شرطها بخلاف الأمر الخارج كما في المقام يدفعها منع حصر
اقتضاء الفساد في ذلك، بل العرف أكمل شاهد على اقتضائه مع تعلقه ولو بالأمر الخارج
خصوصا من مثل الشارع المعد لبيان الصحة والفساد الذين هما المقصد الأهم في العبادة،
وخصوصا مع ملاحظة حاله في الاتكال على بيانهما في مثل هذه المركبات بالأمر والنهي
بل لعله المتعارف في بيان كل مركب حسي وعقلي كما لا يخفى على من اختبر العرف،
وأنه متى قال: لا تفعل هذا في هذا عند إرادة البيان انتقل منه إلى إرادة الفساد،
ولذا أسلفنا في غير المقام أنه يمكن دعوى ظهور الأوامر والنواهي في بيان المركبات في
التحتم الشرطي خاصة دون الشرعي.
فظهر حينئذ أن هذه النواهي تنحل إلى النهي عن الصلاة أو جزئها مثلا مقارنة
لهذا المنهي عنه ومن خالطه شك في ذلك رفعه باختبار الوجدان بعد فرض استقامة
ذهنه ومساواته لغالب الأذهان، على أنه لو سلمنا إرادة الحرمة خاصة من النهي هنا
أمكن القول بالبطلان أيضا من حيث اندراجه بسببها في كلام الآدميين لو قلنا إنها من
الدعاء، ضرورة ظهور أدلة رخصته المستفادة من الأمر به في المحلل منه، مع إمكان
إنكار أصل الدعائية فيها، قال في كشف اللثام - بعد أن حكى عن الخلاف تعليل
البطلان بأنها من كلام الآدميين الذي لا يصلح في الصلاة -: " وهو مبني على أنه ليس
5

دعاء كما هو المشهور المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) ومرفوعا في معاني الأخبار
عن الصادق (عليه السلام) (1) وإنما هو كلمة تقال أو تكتب للختم كما روي أنها خاتم
رب العالمين، وقيل: إنها تختم بها براءة أهل الجنة وبراءة أهل النار وإن كان من
أسماء الله تعالى كما أرسل في معاني الأخبار (2) عن الصادق (عليه السلام) " إلى آخره.
بل لعل ذلك هو الظاهر من أخبار المنع، إذ من المستبعد جدا استفاضة النهي عنها مع
أنها دعاء، والفرض أن جوازه في الصلاة إجماعي، والنصوص (3) مستفيضة فيه.
وفي التحرير وجامع المقاصد وعن نهاية الإحكام وكشف الرموز والمهذب البارع
والروض " أنه ليس قرآنا ولا دعاء بل اسم للدعاء، والاسم غير المسمى " بل في
التنقيح " اتفق الكل على أنها ليست قرآنا وإنما هي اسم للدعاء، والاسم غير المسمى "
وعن الغنية " أن العامة متفقون على أنها ليست قرآنا ولا دعاء ولا تسبيحا " وإن كان
لم أجده فيها، وعن الانتصار " لا خلاف في أنها ليست قرآنا ولا دعاء مستقلا "
وعن الكشاف " أنها صوت سمي به الفعل الذي هو " استجب " كما أن رويد وحيهل
وهلم أصوات سميت بها الأفعال التي هي أمهل وأسرع وأقبل " وعن حاشية الأستاذ
تارة " أن " آمين " عند فقهائنا من كلام الآدميين " وأخرى " أنها اسم للفظ الفعل
باجماع أهل العربية، بل هو بديهي عندهم " وفي كشف اللثام " وبناه أي البطلان
ابن شهرآشوب على أنه ليس قرآنا ولا دعاء أو تسبيحا مستقلا " قال: " ولو ادعوا
أنه من أسماء الله تعالى لوجدناه في أسمائه، ولقلنا يا آمين " وكأنه أراد بذلك الرد
على ما يحكى عن الواحدي في البسيط والحسن البصري من أنه اسم من أسماء الله تعالى
على أنه لو سلم كونه اسما من أسمائه تعالى فاتيانه مفردا غير مركب مع شئ آخر لم يعلم

(1) معاني الأخبار - باب تفسير آمين - ص 349 المطبوعة بطهران عام 1379
(2) معاني الأخبار - باب تفسير آمين - ص 349 المطبوعة بطهران عام 1379
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القنوت والباب 13 من أبواب قواطع الصلاة
6

جوازه في الصلاة أيضا، بل الظاهر خلافه، ودعوى أنه من الذكر يمكن منعها بظهور
غير ذلك منه عرفا، كما أنه لو سلم أن معناه معنى استجب أو اللهم أستجب لا لفظه
- كما في سائر أسماء الأفعال على ما ادعاه بعض المحققين من أهل العربية، لعدم
استحضار المتكلم بها الألفاظ في بعض الأحيان، فيكون أسماء الأفعال مرادفة لها،
والإضافة بأدنى ملابسة - فقد يقال بالبطلان أيضا من حيث اعتبار ورودها عرفا بعد
الدعاء لا بعد القرآن، فلا تكون حينئذ دعاء، وإليه لمح من استدل على البطلان بأنه لو
قال " اللهم استجب لم يجز، فكذا ما بمعناه كما حكي عن الفاضلين وأبي العباس، أما لو
قيل: إن معناها كذلك مثله أو كذلك فافعل على ما يستفاد من مجموع ما عن القاموس
والنهاية من الأقوال فلا محيص عن اعتبار تعقبها حينئذ للدعاء، وعدم صحتها منفردة
بل تكون لغوا.
ودعوى الاكتفاء بتعقبها لما يصلح للدعاء وإن لم يكن قصد به المتكلم ذلك،
أو منع اعتبار وقوعها بعده فيها على التفسير الأول لها، وهو المعنى المعروف، إذ لا مانع
من إرادة طلب الاستجابة لكل ما دعي به في الزمن السابق ويدعى به في الزمن اللاحق
أو يلتزم قصد الدعائية مع القرآنية، ولا تنافي بينهما وإن حكي عن تبيان الشيخ المنع
من جمعهما بالقصد، للزوم استعمال المشترك في معنييه، إذ التحقيق ضعفه لما في الذكرى
من أن المعنى هنا متجه، وهو الدعاء المنزل قرآنا، ومن المعلوم أن الله إنما كلف بهذه
الصيغة لإرادته الدعاء، فكيف يبطل الصلاة بقصده، فإذا صح وقوعها حينئذ بعد
المقصود به الدعاء من القرآن صح بعد غيره لعدم القول بالفصل.
يدفع الأول منها شهادة تتبع استعمالها، ومعلومية قبح وقوعها بعد غير المقصود
به الدعاء من اللغو والهذر وإن كان صالحا لأن يقصد به الدعاء، على أن معنى طلب
الاستجابة يستلزم فعلية السؤال بالأول قطعا، بل والثاني أيضا، وصحته مستقلا في
7

" اللهم استجب " مثلا لا يقتضي صحته في " آمين " والعرف أعدل شاهد على ذلك
وقد سمعت نفي الخلاف في الانتصار على عدم كونها دعاء مستقلا، والثالث منع جواز
القصد بهما أولا بناء على ما عندهم من وجوب تعيين المشترك بالقصد والنية كما ذكروه
في البسملة وإن كنا قد ناقشناهم فيه، فلاحظ وتأمل. اللهم إلا أن يفرق بينهما بأنه
لا ينافي القرآن بقصد الدعاء بالمنزل منه، ولا يوجب الاشتراك، لاتحاد المعنى بخلاف
غيره من المشترك بين القرآن وغيره، فتأمل. وثانيا القلب على معنى عدم الصحة إذا
لم يقصد كما هو الغالب في القارين من عرب وعجم، ولا قائل بالفصل، إلى غير ذلك
مما يمكن استفادة المطلوب منه مما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا.
ومن العجيب مع ذلك كله ما في المعتبر، فإنه بعد أن اقتصر على خبر الحلبي (1)
الذي رواه البزنطي من بين أخبار المنع قال: " ويمكن أن يقال بالكراهة، ويحتج
بما رواه الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن جميل (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " سألته عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: آمين قال:
ما أحسنها واخفض الصوت بها " ويطعن في الروايتين بأن إحداهما رواية محمد بن
سنان، وهو مطعون فيه، وليس عبد الكريم في النقل والثقة كابن أبي عمير، فيكون
رواية الإذن أولى لسلامة سندها من الطعن ورجحانها، ثم لو تساوت الروايتان في
الصحة جمع بينهما بالإذن والكراهة توفيقا، ولأن رواية المنع تحتمل منع المنفرد،
والمبيحة تتضمن الجماعة، فلا يكون المنع في إحداهما منعا في الأخرى، والمشايخ الثلاثة
منا يدعون الاجماع على تحريمها وإبطال الصلاة بها، ولست أتحقق ما ادعوه، والأولى

(1) المعتبر ص 177
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
8

أن يقال لم يثبت شرعيتها، فالأولى الامتناع من النطق بها ".
ويخفى عليك ما فيه من وجوه، خصوصا بالنسبة إلى اقتصاره على الخبر المذكور
من بين أخبار المنع، وخصوصا بالنسبة إلى ترجيحه هذا الخبر الذي إذا قرئ بالتعجب
كان مخالفا لاجماع الإمامية إن لم يكن ضروريهم، وموافقا للعامة الذين جعل الله الرشد
في خلافهم، إذ لم يقل أحد من الأصحاب بالاستحباب، ولذا حملوه على التقية،
خصوصا وقد أمر بخفض الصوت بها، وقد حكي استحبابه عندهم أيضا، ولعل المصنف
قرأه بصيغة نفي التحسين، واستفاد التجويز من الأمر بخفض الصوت بها، على أن
المتبادر من الاقتصار على نفي الحسن انتفاء القبح أيضا، لكنه - مع اقتضاء الثاني نفي
الكراهة أيضا واحتمال قراءته واخفض بالماضي وإن كان لحنا بناء على عدم وروده منه
كذلك لكنه من الراوي، فيكون حينئذ مشعرا بالتقية، ولا دلالة فيه على الجواز -
كما ترى خلاف الظاهر، لا أقل من تعارض الاحتمالين فيه، بل يمكن قراءته " ما
أحسنها " من الاحسان بمعنى العلم على صيغة التكلم، كقوله (عليه السلام) (1) في
التثويب: " ما نعرفه " فلا تنافي حينئذ بين خبري جميل (2) وأظرف شئ قوله:
إني لم أتحققه، إذ هو إن لم ينكر عليه ذلك مع ظهوره أنكر عليه اعتبار التحقق في حجية
مثله، وكذا قوله أيضا بالتفصيل بين المنفرد والمأموم، مع أن صحيح جميل السابق الذي
هو راوي الخبر المذكور صريح في المأموم: بل لعله هو المراد من إطلاق غيره، ضرورة
ظهور إرادة التعريض به لما في أيدي الناس على ما أومأت إليه باقي النصوص، بل في
المرسل (3) عن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 و 5
(3) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
9

(صلى الله عليه وآله) " لا تزال أمتي بخير وعلى شريعة من دينها حسنة جميلة ما لم يتخطوا القبلة بأقدامهم، ولم ينصرفوا قياما كأهل الكتاب ولم تكن ضجة آمين " ولا ريب أن المراد التعريض بهم كباقي النصوص.
ومن هنا أمكن اختصاص المنع بناء على أنها دعاء يجوز فعله في الصلاة لولا
الدليل بقولها كقولهم آخر الحمد كما يومي إليه المتن وما شابهه في التقييد المزبور، قال
العلامة الطباطبائي في مبطلات الصلاة:
ويبطل الكتف بها عن عمد * وهكذا التأمين بعد الحمد
بل لعل ذلك هو مراد من أطلق، ضرورة انصرافه كاطلاق النصوص إلى
ذلك، لكن في المحكي عن الخلاف بعد دعوى الاجماع قال: " سواء كان ذلك سرا
أو جهرا في آخر الحمد أو قبلها للإمام والمأموم وعلى كل حال " ونحوه المبسوط، وفي
التحرير " قول " آمين " حرام يبطل به الصلاة سواء جهر بها أو أسر في آخر الحمد أو
قبلها إماما كان أو مأموما وعلى كل حال، وإجماع الإمامية عليه للنقل عن أهل البيت
(عليهم السلام) " إلى آخره إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة والصريحة في التعميم
المزبور، وللنظر فيه وفي دعوى الاجماع عليه مجال واسع، بل يمكن قصر المنع على
الاتيان بها كما يأتون بعنوان الاستحباب بدعوى انصراف الاطلاقات إلى ذلك وإن
كان الأقوى خلافه، لعدم صلاحية مثله مقيدا، ضرورة عدم تقييد السبب والمورد
المسبب والوارد، نعم ينبغي تقييد ذلك بغير التقية، أما معها فلا بأس بها، واحتمال
عدم مشروعيتها هنا باعتبار أولوية الخفاء عندهم فلا ينكر حينئذ على الساكت لاحتمال
الفعل يدفعه أنه قد تقتضي التقية الاجهار بها لدفع تهمة ونحوها، أو كانوا قريبين منه
مصغين إليه بحيث لا يسعه السكوت، على أن في هذا الزمان صار الاجهار بها عندهم هو
الشعار، فلا مخلص بالسكوت كما في كثير من الأمور، اللهم إلا أن يدعى عدم تناول
10

أدلة التقية لأمثال ذلك، إذا المراد بها الفعل على مذهبهم، واتفاق صيرورة بعض
الأفراد شعارا وإن لم يكن مذهبهم ذلك خصوصا إذا كان شعار الجاهلين منهم لا يكفي
في التقية المنزلة منزلة الدين وإن كان يجب الفعل مع فرض التضرر كالتقية من الموافق
في الدين، نعم لا تجزي في الفراغ من التكليف، وفيه بحث لا يخفى.
ثم على تقدير وجوب الفعل للتقية لو تركها أثم بلا إشكال، والأقوى صحة
صلاته لعدم كون ذلك من الكيفية اللازمة في صحة الصلاة عندهم، وتخيل الجهلاء منهم
اعتبارها فيها لا يترتب عليه الحكم، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي (رحمه الله) في قوله
بعد البيت السابق مشيرا إلى بعض ما ذكرنا:
ويلزمان حالة التقية * ولا يعدان من الكيفية
فلو أخل بهما لم تفسد * وإن عصى بالترك عن تعمد
والله أعلم بحقيقة الحال.
المسألة (الثانية الموالاة) والمتابعة (في القراءة شرط في صحتها) كما صرح به
الشيخ والفاضلان والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم، بل لا أجد فيه خلافا بين أساطين
المتأخرين منهم، للتأسي بالنبي والأئمة (عليهم الصلاة والسلام)، واقتصارا في العبادة
التوقيفية التي اشتغلت بها الذمة بيقين على المتيقن المستعمل بين المتشرعة من الصحابة
والتابعين وتابعي التابعين المتلقى يدا عن يد وخلفا عن سلف، ولانصراف إطلاق
الأمر بالقراءة إلى الفرد الشائع المعهود المتعارف لو سلم صدق القراءة على غيره، ولخروج
القرآن عن كونه قرآنا أو القراءة كذلك ببعض صور فوات الموالاة كالفصل بين المضاف
والمضاف إليه والشرط وجزائه ونحوهما مما يفوت بفوات الموالاة بينها نظم القرآن
وأسلوبه الذي به إعجازه، لكن تبعا في المدارك للمحكي عن جده أن ذلك لا يتم على
إطلاقه، إذ القدر اليسير في خلال القراءة لا تفوت به الموالاة قطعا، والأصح الرجوع
11

إلى العرف، وفيه أنه لم نعثر على نص اشتمل على اللفظ المزبور كي يرجع في مسماه
إلى العرف، بل العمدة في الحكم المذكور التأسي، ولم يحك أنه فصل باليسير، فهو
حينئذ والكثير على حد سواء، اللهم إلا أن يكون مراده الرجوع إلى العرف في صدق
القراءة الذي يقدح فيه الكثير دون اليسير، وفيه منع، أو يكون المستند له في استثناء
اليسير ما نص عليه غير واحد من الأصحاب ونطقت ببعضه النصوص من أنه لا بأس
بالدعاء بالمباح (1) وسؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة عند آيتهما (2) ورد السلام (3)
والحمد عند العطسة (4) وتسميت العاطس (5) ونحو ذلك وإن كان قد يناقش فيما لم
يكن مورد دليله منها القراءة كالدعاء بالمباح وتسميت العاطس بأن المراد من نفي البأس
عنها في الصلاة رفع الحرج عنها من حيث نفسها لا من حيث اتفاق تفويت بعض أفرادها
الموالاة كنفي البأس عن قراءة القرآن في الصلاة أيضا، والتمسك باطلاق تلك الأدلة
مع أن المنساق منه ما ذكرنا قطعا يوجب عدم الفرق بين اليسير والكثير منه، والتزامه
كما يومي إليه ذكر بعضهم هذه الأشياء بعنوان الاستثناء من حرمة ما يقدح في الموالاة
فيه ما لا يخفى، مع أنه لا ينبغي الاستشهاد به حينئذ على استثناء اليسير الذي ادعي
عدم قدحه في الموالاة لا استثناؤه، فتأمل. وأما ما كان مورد دليله خصوص القراءة
كسؤال الرحمة والتعوذ من النقمة فالمتجه الاقتصار عليه خاصة لا التعدي منه إلى مطلق
اليسير، إذ هو مع أنه قياس ليس بأولى من التعدي حينئذ إلى مطلق الدعاء، ضرورة
اشتراكهما معا في وجود الجامع، وعلى خصوص ما لا تفوت به الموالاة منهما أومي إليه
سابقا عند البحث عنهما في المحكي عن المعتبر، فلاحظ ذلك. وليت السيد المزبور أبدل

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب قواطع الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب القراءة في الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب قواطع الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب قواطع الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب قواطع الصلاة
12

الاستثناء المذكور بالمناقشة في أصل اعتبار الموالاة إن لم يقم إجماع عليه بعدم الاطمئنان
بدعوى التأسي في مثل المقام، إذ هو - بعد الاغضاء عن ثبوت هذا النقل عنه، وعن
الرواية المذكورة تتمة للاستدلال به، وهي قوله (صلى الله عليه وآله) (1): " صلوا
كما رأيتموني أصلي " - قد يناقش بأن هذا الترك منه (صلى الله عليه وآله) لجريان
العادة بالتتابع في القراءة، خصوصا إذا كان غرضه (صلى الله عليه وآله) تعليم أصل
الصلاة وبيانها، ضرورة أن كل من تلبس في تعليم أمر من الأمور الدنيوية أو الأخروية
لا يمزج غالبا في أثنائه أمرا آخر غيره، كما هو واضح لكل من لاحظ وتأمل، فلعل
موالاته (صلى الله عليه وآله) كانت لذلك، كموالاته بين الأفعال وبين الأقوال غير
القراءة من التشهد والأذكار، بل وبين الأفعال والأقوال كأذكار الركوع والسجود
ونحوهما لا لوجوب التوالي المزبور، والاقتصار على المتيقن لا يتم على المختار من الأعمية
وعلى التمسك بالاطلاقات الكتابية والسنية، ومنع الشيوع الاطلاقي كمنع فوات النظم
بمطلق فوات الموالاة، وثبوته في البعض لا يصلح دليلا للكل، بل ينبغي جعل المدار
على الماحي لصورة الصلاة أو القراءة أو القرآن من فوات الموالاة من غير فرق بين
القراءة وغيرها من أفعال الصلاة، خصوصا مع ملاحظة إطلاق نفي البأس عن الدعاء
وقراءة القرآن في الصلاة، حتى أنه ورد في خبر علي بن جعفر (2) المروي عن قرب الإسناد أنه سأل أخاه (عليه السلام) " عن الرجل يصلي له أن يقرأ في الفريضة فتمر
الآية فيها التخويف فيبكي ويردد الآية قال: يردد القرآن ما شاء " كما أنه قد مر سابقا
عند قول المصنف: " ولو قدم السورة على الحمد " ما يشهد له في الجملة أيضا، وقد يأتي
أيضا في تضاعيف المباحث ذلك أيضا، ولعله لذلك كله تأمل في وجوب الموالاة

(1) صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125
(2) الوسائل - الباب - 68 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
13

الأردبيلي فيما حكي عنه، وربما تبعه بعض من تأخر عنه، لكن ومع ذلك فالخروج
عما عليه الأصحاب وأرسلوه إرسال المسلمات بل ربما كان عند بعضهم من الواضحات
ليس بمستحسن، والله أعلم.
وحينئذ (فلو قرأ) مثلا (خلالها) أي القراءة الواجبة (من) سورة أخرى
(غيرها) مثلا (استأنف القراءة) من رأس إن كان سهوا وفرض عدم صدق القراءة
أو القرآن على ما وقع منه ولو أوصله بما بقي له منها، لعدم صدق الامتثال، فيبقى حينئذ
في العهدة، أما إذا لم يكن كذلك فالمتجه القراءة مما انتهى إليه، للأصل، وصدق
الامتثال، ووجوب تدارك المنسي مع بقاء المحل الذي هو عدم الدخول في ركن إنما
هو إذا أمكن تداركه بنفسه من غير حاجة إلى إعادة شئ آخر غيره، أما نحو المقام
والجهر والاخفات وغيرهما من الصفات فقد يمنع وجوب تداركه بمنع شمول ما دل عليه
لمثله، وقد يفرق بينه وبين تدارك الترتيب في نفس الحمد أو السورة بتوقف صدق اسم
كل منهما عليه، بخلاف الموالاة التي هي محل البحث، نعم قد يشبه ما نحن فيه الترتيب
بين الحمد والسورة، ولعل الفارق بينهما الاجماع أو غيره، فتأمل جيدا.
فاطلاق المصنف وغيره - بل قيل: إنه المشهور، بل ربما نسب إلى ما عدا الشيخ
من الأصحاب استئناف القراءة لتحصيل الموالاة المتوقفة على الاستئناف كاطلاق المبسوط
والمحكي عن نهاية الإحكام والتذكرة والموجز وكشف الالتباس القراءة من حيث انتهى
لحصول الامتثال بما وقع - لا يخلو من نظر، لما عرفت من أن المتجه التفصيل المزبور،
وربما أومأ إلى بعضه كشف اللثام حيث أنه بعد أن حكى عن المبسوط وبعض ما بعده
ذلك قال: وهو الوجه إذا لم ينفصم نظام الكلام، ضرورة إشارته بالاشتراط المذكور
إلى بعض ما ذكرنا، والظاهر أنه مع الانفصام يستأنف خصوص ما انفصم من الكلام
لا القراءة من رأس، فلو فرض وقوع الاخلال بين " إياك " و " نعبد " مثلا استأنف
14

هذه الآية خاصة لا هي وما تقدمها، بل قد تتخيل تحصيل أصل الموالاة أيضا إذا فاتت
بالفصل بين الآيات مثلا باستئناف ما انتهى إليه موصولا بما بعده، وإن كان قد يناقش
فيه بأنه لا موالاة بين ما وقع منه من اللفظ الأول، ضرورة تعقبه بما أخل به، وأما
اللفظ الجديد فلا موالاة بينه وبين ما تقدمه، للفصل بينهما بما سبق مما فات به الموالاة
وغيره، كما هو واضح.
وإن كان قد قرأ مخلا بالموالاة عمدا استأنف الصلاة كما في الذكرى وجامع
المقاصد وفوائد الشرائع وعن نهاية الإحكام والبيان والألفية والجعفرية وشرحيها
والميسية والروض وفوائد القواعد والمقاصد العلية، لأنه نقص لجزء الصلاة الواجب،
ومخالفة للصلاة البيانية عمدا، وإليه أشار الشهيد في الذكرى بقوله: لتحقق المخالفة
المنهي عنها، وكأنه يريد المخالفة بترك الموالاة الواجب فعلها المنهي عن تركها بسبب
الأمر بها، وظني أن مرجع ذلك كله - بعد عدم النهي عنه في الصلاة في شئ من
النصوص كي يكون ظاهره مقتضيا للفساد - إلى ما ذكروه غير مرة فيما تقدم سابقا من
اقتضاء نحو ذلك الزيادة في الصلاة مع فرض التدارك والنقصان مع عدمه، ضرورة عدم
حصول الامتثال بما وقع منه، وفيه من البحث ما سمعته سابقا، ولعله له أو لغيره حكم
هنا باستئناف القراءة خاصة في ظاهر المتن والتحرير والإرشاد وصريح المبسوط والمدارك
والمحكي عن التذكرة والدروس والموجز الحاوي وكشف الالتباس، وهو لا يخلو من
قوة كما أوضحناه فيما تقدم، بل المقام أولى، بناء على المختار الذي أومأنا إليه سابقا
من أن المدار في الموالاة على محو الاسم من غير فرق بين الصلاة وجزئها قراءة وغيرها
فحينئذ لا فرق بين العمد والسهو، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله:
وكل فصل بين أجزاء العمل * إن زاد في العادة مثله أخل
ويستوي العمد هنا والسهو * إن حد بالماحي وبان المحو
15

والمحو للجزء كمحو الكل * فاعتبر القاري كالمصلي
وهكذا الذاكر والمسبحا * فيبطل الفصل بما لاسم محا
إلى آخره، وهو وإن كان مختلفا لكنه في العرف مضبوط، فالتكبير مثلا يمحوه
اليسير بخلاف الفصل بين الحمد والسورة والحمد والتكبيرة، وكذلك البحث في نحو
الكلمة والكلام، والمدار ما سمعت من محو الصورة والنظام، وأما دعوى أن البطلان
في مفروض المتن بسبب حرمة ما وقع به الاخلال من القرآن أو الذكر مثلا فيكون
ككلام الآدميين حكما لا المحو واضحة المنع من وجوه، خصوصا مع ابتنائها على
مسألة الضد، فتأمل.
(وكذلك) يستأنف القراءة خالصة فيما (لو نوى قطع القراءة وسكت) حتى
لو أخل بالموالاة، ضرورة عدم الفرق بينه وبين الاخلال بها بالقراءة، إذ احتمال
وجوب الاستئناف لنية القطع لا لفوات الموالاة - ولذا لم يقيد السكوت بما يقضي
بفواتها - في غاية الضعف، فما في المبسوط من القول بالإعادة وهو الذي أشار إليه
المصنف بقوله: (وفي قول يعيد الصلاة) مع قوله هناك بإعادة القراءة خاصة لا وجه
له، اللهم إلا أن يريد بنية القطع عدم العود إليها أصلا، فإنها تبطل حينئذ بنية المنافي
وبترك واجب في الصلاة عمدا، وبفوات الاستدامة على بعض الوجوه، مع أنه قد
قيل أيضا: إنه لا يوافق ما ذهب إليه من عدم البطلان بنية المنافي مع عدم فعله، إلا أن
يفرض حصول السكوت الطويل المخرج عن الصلاة أو دخوله في الركوع حتى يكون قد
أخل بواجب، وإلا فنية قطع القراءة غير منافية كالسكوت غير الطويل، وما في كشف
اللثام من أن نيته القطع تتضمن نية زيادة ما لا يشرع في الصلاة أو النقصان فيكون قد
عدل عن نية الصلاة إلى صلاة غير مشروعة يدفعه - مع أنه قد يخلو نية مطلق القطع
16

عن ذلك - ما في الذكرى من أن نية المنافي إما أن تبطل بدون فعله أو لا كما سبق منه
أي المبسوط النص عليه في فصل النية، فإن كان الأول بطلت الصلاة بنية القطع وإن لم
يسكت، مع أنه نص على الصحة فيه، وإن كان الثاني لم تبطل ما لم يسكت طويلا بحيث
يخرج عن مسمى الصلاة أو يركع، لكن قد يقال: إن ما نحن فيه عند التأمل من نية
قطع الصلاة وإنشائها والتلبس ببعض آثارها لا من نية فعل المنافي، فينبغي حينئذ بناء
الصحة والبطلان على ذلك لا على نية فعل المنافي كما أومأ إليه في جامع المقاصد، وكذا
لا وجه لما وقع من غير واحد من الأصحاب من الحكم في الاخلال بالموالاة بالسكوت
المخرج عنها دون الصلاة باستئناف القراءة، وفي السابق باستئناف الصلاة، مع أن في كل
منهما تفويت الموالاة عمدا، ولعله لذا حكم بإعادة الصلاة فيهما معا في المحكي عن البيان،
كما أن غيره ساوى بينهما في استئناف القراءة، اللهم إلا أن يجعل مدرك الفساد هناك
ما تخلل من القراءة أو الذكر مما حصل به فوات الموالاة من حيث اندراجه بسبب
حرمته في كلام الآدميين أو نحوه مما يخص ذلك المقام بخلافه هنا، لكنه كما ترى
لا يخفى عليك ما فيه.
وأوضح من ذلك إشكالا ما في إطلاق المتن وغيره (أما لو سكت في خلال
القراءة لا بنية القطع أو نوى القطع ولم يقطع مضى في صلاته) ضرورة اتحاد السكوت
المخرج عن الموالاة خاصة مع غيره مما تفوت به في استئناف القراءة أو الصلاة، على أن
نية القطع مع السكوت التي حكم فيها باستئناف القراءة سابقا لا أجد لها أثرا سواء
استصحبت نية العود أو لا، بناء على عدم بطلان الصلاة بنية القطع أو نية فعل المنافي
كما هو مختار المصنف في فصل النية، وإلا اتجه بطلان الصلاة لا استئناف القراءة خاصة
ففرقه حينئذ بين السكوت مصاحبا لنية القطع وغير مصاحب غير واضح، إذ نية قطع
القراءة لا ترفع قابلية ما وقع منه إذا أكمل بما بقي، لامتثال الأمر بها مع قطع النظر عن
17

اعتبار الموالاة، ومع ملاحظتها لا فرق بعد فواتها بين نية القطع وعدمها، اللهم إلا أن
يدعى اعتبار استدامة نية القراءة في صحة القراءة بدعوى عدم صدق الامتثال بالمركب
العقلي إلا باستدامة النية التي هي من مقومات الامتثال به بخلاف المركب الحسي، فيتجه
حينئذ الاستئناف مع نية القطع، لكن يبقى عليه سؤال الفرق بين فوات الموالاة بقراءة
الغير وبين فواتها بالسكوت المجرد عن نية القطع الذي قد صرح معه باستئناف القراءة
في المحكي عن التذكرة والموجز وشرحه وجامع المقاصد والجعفرية وشرحيها وغيرها.
وقد يجاب بإرادة ما لا يذهب الموالاة من السكوت، ولذا احتاج في الأمر
بالاستئناف معه إلى استصحاب نية القطع، أقصى ما هناك يكون حكم السكوت المذهب
للموالاة متروكا في كلامه، كما أن الظاهر حينئذ كون قوله: " وكذا " إلى آخره
ليس من بيان الموالاة في شئ، بل ذكره لمشاركته لها في إيجاب استئناف القراءة،
إلا أنه مع هذا كله والانصاف عدم خلو جميع ذلك عن التجشم، والتحقيق أنه لا فرق
بين فوات الموالاة بالقراءة مثلا وبين فواتها بالسكوت، مستصحبا لنية قطع القراءة
أو لا، ناويا لقراءة أخرى غيرها أو لا، بناء على عدم بطلان الصلاة بنية فعل المنافي
أو القطع، وأما ما ذكره من المضي فيما لو نوى القطع ولم يقطع وتبعه عليه غيره كالفاضل
بل وعن ابن فهد والصيمري وغيرهم فقد أشكله في جامع المقاصد بأنه إن أريد به عدم
العود إليها كان في الحقيقة كنية قطع الصلاة، وإن لم يرد ذلك بأن قصد القطع في الجملة
كان المأتي به حينئذ غير محسوب من قراءة الصلاة، فإن أفعال الصلاة وإن لم تحتج إلى
نية تخصها لكن يشترط عدم وجود نية تنافيها، فيكون كما لو قرأ بينها غيرها، وفيه
- مع احتمال إرادة نية القطع ثم العدول عنها قبل وقوع شئ من القراءة - أنه قد يقال
يكفي في صحة القراءة واحتسابها من قراءة الصلاة ما هو متلبس به من نية الاستدامة
التي لا ينافيها نية قطع القراءة مع عدم وقوع المنوي، لانحلالها في الحقيقة إلى العزم،
18

كما هو واضح بأدنى تأمل، هذا.
وقد صرح في الذكرى وغيرها " أنه لا بأس بقطع الموالاة بالسكوت مثلا
لعذر، كما لو ارتج عليه الكلام فسكت للتذكر " وفي كشف اللثام " أن قطع القراءة
لسعال ونحوه ليس من الاخلال بالموالاة الواجبة " قلت: قد يشكل في بعض الأعذار
إن لم يكن جميعها بأنه لا تزيد في العذرية على النسيان الذي قد عرفت استئناف القراءة
معه، كما أن أصل العذرية لا ينافي إيجاب استئناف القراءة بفوات الموالاة التي هي شرط
عندهم في صحة القراءة في حالي العمد والنسيان، فتأمل. وكذا صرح في الذكرى
وغيرها أن الموالاة لا تبطل بتكرير الآية، بل فيها الآيتين فصاعدا لغير الاصلاح
فضلا عنه وإن لم يأت بالآية التي قبلها، وبعض العامة قال: يأتي بالتي قبلها ثم يكررها
ولعله هو الذي أومأ إليه في التذكرة بقوله " سواء وصلها بما انتهى إليه أو ابتدأ من
المنتهى خلافا لبعض الشافعية في الأول، كما أن الظاهر كون المستند لهم في ذلك بعد
إمكان دعوى عدم قدح خصوص ذلك في الموالاة باعتبار نفس المكرر ما سمعته سابقا
مما دل على جواز قراءة القرآن في الصلاة، خصوصا ما في خبر علي بن جعفر (1) السابق
" كرر من القرآن ما شئت " وإن كان الأخذ باطلاقه لا يخلو من نظر وتأمل، ولذا
استشكل في المحكي عن التذكرة في تكرار الفاتحة عمدا، وإن قال في الذكرى: " إن
الأقوى الجواز، لأن الكل قرآن، ولأن تكرار الآية جائز فكذا السورة، ثم ولو
كرر السورة فالخطب فيه أسهل، لأن القرآن بين السورتين قيل بجوازه، وهو في قوة
القران " قلت: وقد يقال: إنه أصعب من جهة منع بعضهم للقرآن، فلو جاز للتكرار
أمكن منعه لذلك، لكن ينبغي أن يعلم أن جواز ذلك كله مشروط بما إذا لم يأت به
المكلف بعنوان الجزئية أو الاستحباب، لثبوت التشريع حينئذ، فتبطل الصلاة بناء

(1) الوسائل - الباب - 68 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
19

على بطلانها بمثله كما اعترف به في الذكرى.
ولو شك في كلمة أتى بها، وفي الذكرى والأجود إعادة ما يسمى قرآنا، وأولى
منه عدم جواز الاتيان بمجرد الحرف الذي شك فيه أو تيقن فساده، لأنه لا يعد بعض
الكلمة كلمة فضلا عن كونه قرآنا، فلا تبرأ ذمته حينئذ إلا بإعادة الكلمة، مع احتمال
الاجتزاء بإعادة الحرف، لأنه هو المتعارف في تدارك الكلمة، ولأن ما تكلم به منها
قد امتثل به، فلا يكلف به بعد، بل قد يدعى البطلان بإعادته، ومنه يعرف الاشكال
حينئذ في السابق من إعادة ما يسمى قرآنا مع الكلمة المشكوك بها، وفيه أنه لا يتصور
الاجتزاء بالمركب مع فساد بعض أجزائه التي جئ بها مقدمة، وإلا فلا خطاب بها
مستقلا ولا صالحة للاستقلال بحيث تقبل الانضمام لما يأتي، بخلاف مثل الفاتحة، ولعل
الأولى جعل المدار على صدق اسم ذلك المركب، أو على تعارف كيفية تدارك مثل هذا
المركب في النطق، وربما ظهر بالتأمل فيما ذكرنا ما في بعض إطلاق الذكرى، فتأمل
جيدا، والله أعلم.
المسألة (الثالثة) عن التبيان ومجمع البيان أنه (روى أصحابنا (1) أن الضحى وألم
نشرح سورة واحدة، وكذا الفيل ولايلاف، ولا يجوز إفراد إحداهما عن صاحبتها
في كل ركعة) بل هو المشهور عملا أيضا بين المتقدمين كما في الحدائق، وعن البحار
بل في الذكرى وجامع المقاصد نسبته إلى الأكثر من غير تقييد، بل في التحرير وعن
السرائر ونهاية الاحكام والتذكرة والمهذب البارع " أنه قول علمائنا " بل عن الانتصار
" أنه الذي تذهب إليه الإمامية " بل عن الأمالي " إنه من دين الإمامية الاقرار بذلك "
بل عن الاستبصار " أن الأولين سورة واحدة عند آل محمد (صلى الله عليه وآله)
بل في المنظومة:

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
20

والضحى والانشراح واحدة * بالاتفاق والمعاني شاهدة
كذلك الفيل مع الايلاف * وفصل بسم الله لا ينافي
وعن الانتصار " أن وجوب الجمع بين ألم تر ولايلاف في ركعة واحدة إجماعي
وأنه من منفردات الإمامية " بل عن الأمالي " أن من ديننا الاقرار بأنه لا يجوز التفرقة
بينهما في ركعة " وعن التهذيب " وعندنا لا يجوز قراءة هاتين السورتين إلا في ركعة
واحدة يقرأهما موضعا واحدا " وعن التذكرة نسبة ذلك إلى علمائنا، وفي الذكرى
نسبة الجمع إلى الأصحاب، إلى غير ذلك مما هو صريح أو ظاهر في اتفاق الأصحاب
على الاتحاد، أو على وجوب الجمع، أو على الأمرين مؤيدا بشهادة التتبع لكلام
من تقدم على المصنف.
وهو الحجة الكاشفة للمراد من صحيح الشحام (1) " صلى بنا أبو عبد الله
(عليه السلام) فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة " وخبر المفضل (2) " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تجمع بين السورتين في ركعة واحدة إلا الضحى
وألم نشرح، والفيل ولايلاف " خصوصا مع حرمة القران أو كراهته، ومع اعتضاده
بنحو المرسل في المتن، وما عن كتاب القراءة لأحمد بن محمد بن سيار روى البرقي عن
القاسم بن عروة عن أبي العباس (3) عن الصادق (عليه السلام) " الضحى وألم نشرح
سورة واحدة " والمرسل أيضا في المحكي (4) عن فقه الرضا (عليه السلام) قال: " ولا
تقرأ في الفريضة الضحى وألم نشرح ولا تفصل بينهما، لأنه روي أنهما سورة واحدة
وكذلك ألم تر ولايلاف سورة واحدة - إلى أن قال - وإذا أردت قراءة بعض هذه

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 5
(3) المستدرك - الباب - 7 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(4) فقه الرضا عليه السلام ص 9 وفيه اختلاف كثير فراجعه
21

السور فاقرأ والضحى وألم نشرح ولا تفصل بينهما، وكذلك ألم تر ولايلاف "
والمرسل (1) عن الصادق (عليه السلام) في المحكي من هداية الصدوق " وموسع عليك
أي سورة في فرائضك إلا أربع، وهي والضحى وألم نشرح في ركعة، لأنهما جميعا
سورة واحدة، ولايلاف وألم تر في ركعة، لأنهما جميعا سورة واحدة، ولا ينفرد
بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة فريضة " مؤيدا بفتواه به أيضا في المحكي من
فقيهه الذي يفتي فيه غالبا بمضامين الأخبار المعتبرة، وبما عن مجمع البيان أيضا من أنه
روى العياشي عن أبي العباس (2) عن أحدهما (عليهما السلام) " ألم تر كيف ولايلاف
سورة واحدة " قال: وروي عن أبي بن كعب " لم يفصل بينهما في مصحفه " وما عن
كتاب القراءة لأحمد بن محمد بن سيار عن البرقي عن القاسم بن عروة عن شجرة بن أخي
بشير النبال (3) عن الصادق (عليه السلام) " إن ألم تر ولايلاف سورة واحدة " وعن
محمد بن علي بن محبوب عن أبي جميلة مثله.
فلا جهة حينئذ للمناقشة باحتمال إرادة الاتحاد في حكم الصلاة من كل ما وقع فيه
الحكم باتحادهما، وفي صحيح الشحام (4) بأن التأسي بما لا يعلم وجهه غير واجب،
وبعدم الدلالة فيه على الاتحاد وباحتماله، وخبر المفضل استثناء ذلك من حرمة القران أو
كراهته، بل لعل في إطلاق السورتين عليهما في خبر المفضل وأصالة الاتصال في الاستثناء
إيماء إلى ذلك، كما أن إثباتهما كذلك في المصاحف المتواترة يشهد لذلك، مع أنه
لا دلالة في شئ من الخبرين على وجوب الجمع بينهما فضلا عن كونهما سورة واحدة،

(1) الهداية ص 31 باب 45 مع اختلاف كثير فراجعه
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 1
(3) المستدرك - الباب - 7 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 1
22

بل في صحيح الشحام الآخر (1) " أنه صلى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) فقرأ في الأولى الضحى وفي الثانية ألم نشرح " شهادة بخلافه، كخبر داود الرقي (2) المنقول
عن الخرائج والجرائح قال: " فلما طلع الفجر قام - يعني الصادق (عليه السلام) - فأذن
وأقام وأقامني عن يمينه وقرأ في أول ركعة الحمد والضحى، وفي الثانية بالحمد وقل هو الله
أحد ثم قنت " بل لعله يشهد على أن المراد بصحيحه الآخر (3) أيضا: أنه صلى بنا
أبو عبد الله (عليه السلام) فقرأ بنا الضحى وألم نشرح " قراءة كل واحدة منهما في
ركعة، بل يمكن إرادة ذلك في الصحيح (4) السابق المذكور في شواهد الاتحاد.
ومع الاغضاء عن ذلك كله فأقصاهما لزوم الجمع بينهما الذي هو أعم من الاتحاد
كما هو واضح لما عرفت مما يمنع من صحة الاحتمال المزبور، ومن عدم انحصار الدليل
فيهما، ومن وجوب حملهما بقرينة ما سمعت على لزوم الاتيان بهما معا لأنهما سورة
واحدة، وصحيحا الشحام وخبر الرقي - مع قصورها عن معارضة ذلك من وجوه -
هي كباقي أخبار التبعيض المحمولة على التقية أو غيرها، مع أن ترك الرقي " ألم نشرح "
لا يدل على تركه (عليه السلام) أيضا، والفصل بالبسملة في المصاحف لو سلم اعتبار هذا
الجمع الواقع من غير الإمام وقلنا بتواتره لا ينافي الاتحاد كما أومأ إليه في المنظومة،
وإطلاق اسم السورتين في الخبر المزبور وغيره جريا على الرسم الممنوع تواتره والشهرة
اللسانية وغيرهما غير قادح مع احتمال انقطاع الاستثناء، فما وقع من المصنف في المحكي
عن معتبره - من الميل إلى عدم الاتحاد خاصة، أو مع عدم وجوب الجمع حتى صار
سببا للجزم بالعدم من بعض من تأخر عنه - ضعيف جدا، خصوصا بالنسبة إلى الأخير
ولذا قال بوجوب الجمع بينهما بعض من تردد في اتحادهما، أو مال إلى عدمه كالمحقق

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 3 - 10 - 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 3 - 10 - 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 3 - 10 - 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 3 - 10 - 2 - 1
23

الثاني والشهيد الثاني وإن كان في بعض ما ذكره أولهما دليلا على ذلك نظر وتأمل، إلا
أنه عليه تسقط الثمرة المهمة في البحث هنا، وهي الاجتزاء بإحداهما على تقدير التعدد،
والجمع بينهما على تقدير الاتحاد، نعم تبقى بعض الثمرات في المقام وغيره.
(و) كيف كان ف‍ (لا يفتقر إلى البسملة بينهما) على تقدير الاتحاد (على
الأظهر) عند المصنف في الكتاب والنافع، والشيخ في المحكي عن تهذيبه واستبصاره،
ويحيى بن سعيد في المحكي عن جامعه، بل عن البحار " نسبته إلى الأكثر " بل عن
التهذيب " عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة " بل عن التبيان ومجمع البيان " أن الأصحاب
لا يفصلون بينهما بها " بل عن أولهما زيادة أنهم أوجبوا ذلك لما في المرسل (1) السابق
من النهي عن الفصل بينهما، كعدم الفصل بينهما في المحكي عن مصحف أبي، وللاتفاق
كما عن معتبر المصنف على أنها ليست آيتين من سورة إلا في النمل، ولذا جعل هو وغيره
مدار البحث فيها على الاتحاد والتعدد، ولايماء ارتباط المعاني فيها الذي قيل: إنه يشهد
للاتحاد إلى أولوية عدم الفصل بينهما، ولغير ذلك، وهو لا يخلو من قوة، خلافا لجماعة
بل عن المقتصر " نسبته إلى الأكثر " بل عن بعضهم " الظاهر إجماعهم على أن البسملة
جزء من كل منهما " ولعله لعدم منافاة الوحدة ما هو الثابت متواترا مما هو مكتوب
في المصاحف المجردة عن غير القرآن حتى النقط والاعراب، ولما عن السرائر من أنه
لا خلاف في عدد آياتهما، فإذا لم يبسمل بينهما نقصتا من عددهما ولم يكن قد قرأهما جميعا
ثم قال أيضا: وطريق الاحتياط يقتضي ذلك، لأنه بقراءة البسملة تصح الصلاة بغير
خلاف، وفي ترك قراءتها خلاف، لكن لا يخفى عليك أن للبحث في جميع ذلك مجالا.
المسألة (الرابعة إن خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلا أو ناسيا) أو ساهيا

(1) الهداية ص 31 المطبوعة بطهران باب 45
24

(لم يعد) إجماعا محكيا في الرياض وعن التذكرة إن لم يكن محصلا، لأنه لا خلاف فيه
كما عن المنتهى للصحيحين (1) الذين قد مرا سابقا، وظاهرهما كالفتاوى عدم الفرق
بين القراءة وبدلها من الذكر في الأولتين والأخيرتين، والمنساق إلى الذهن من الناسي
هنا كغيره من المقامات التي ذكر فيها الذاهل عن كون الصلاة جهرية فخافت، أو بالعكس
أو الصادر منه عن غفلة من غير استحضار وقصد، لكن في جامع المقاصد " أنه يحتمل
إلحاق ناسي الحكم به: أي من نسي وجوب الجهر في بعض الصلوات والاخفات في
آخر " وفيه أنه خلاف المعروف منه في سائر المواضع التي ذكر فيها معذورية الناسي
مثلا، نعم يمكن إدراج الفرض في الجاهل، ضرورة عدم منافاة العلم السابق للجهل
الفعلي، وأغرب من ذلك احتماله إلحاق معنيي الجهر والاخفات به مع فرض إمكانه،
وفيه ما لا يخفى، وإدراجه في الجاهل بنحو الاعتبار السابق ليس بتلك المكانة،
كما هو واضح.
أما الجاهل فلا ريب في تناوله للساذج الصرف الذي لم يسبق بعلم أصلا ولا تنبه
للسؤال، بل يقوى في الذهن اندراج المتنبه فيه مع فرض تصور نية القربة منه وإن
قلنا بكونه إثما بسبب تقصيره في السؤال، مع احتمال عدم الإثم لرفع القلم عنه في خصوص
ذلك، لكن من البعيد خطاب الحكيم بشئ وإرادته من المكلفين وعدم إيجاب السؤال
عليهم والعلم به لهم، وأنه إنما يجب عليهم إذا اتفق علمهم به، بل ظاهر المنظومة وجوب
الإعادة في الفرض، قال:
وليعد العاكس عمدا إن علم * بالحكم لا الناسي ومن علما عدم
وعالم بالحكم جاهل المحل * كذي تردد يعيد ما فعل
ضرورة اندراج الفرض في ذي التردد، اللهم إلا أن يريد به خصوص التردد

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب القراءة في الصلاة
25

في المحل بعد العلم بوجوب الجهر والاخفات في الجملة، وفيه أنه حينئذ عين الأول
لكن في جامع المقاصد تفسير الجاهل هنا بجاهل وجوب كل منهما في موضعه بحيث
لا يعلم التي يجب فيها الجهر من التي يجب فيها الاخفات، سواء علم أن هناك جهرية أو
إخفاتية في الجملة أو لم يعلم شيئا، وفيه أن شمول الدليل لمثل ذلك محل نظر أو منع، فيبقى
تحت القاعدة، وأغرب منه قوله بعد هذا بلا فصل: ويمكن أن يراد به مع ذلك الجهل
بمعنيي الجهر والاخفات وإن علم أن في الصلاة ما يجهر فيه وما يخافت إن أمكن هذا
الفرض، ضرورة وجوب تعرفه لذلك، كضرورة عدم سوق الدليل لبيان حكم ذلك
بل قد يتوقف في شموله لما وجب الاخفات فيه لعارض المأمومية مثلا وإن كان ظاهر
الخبر العموم، كما أن ظاهره والفتاوى عدم الفرق في هذا الحكم بين الرجل والامرأة
إلا أنه من حيث الجهر والاخفات، أما لو جهرت فسمعها الأجنبي وقلنا ببطلان صلاتها
بذلك فيقوى البطلان، وإن قال في جامع المقاصد: فيه وجهان.
ولو تذكر أو علم في الأثناء مضى ولا يتدارك كما صرح به غير واحد، لترك
الاستفصال، وللاطلاق، اللهم إلا أن يدعى سوقهما لغير ذلك، فيبقى ما دل (1) على
وجوب التدارك قبل تجاوز المحل بحاله لو قلنا بشموله لمثل هذا الوصف المستلزم تداركه
تدارك غيره معه كما أشرنا إليه سابقا، ولا يشترط في معذورية الجاهل هنا سبق التقليد
بذلك على إشكال، هذا، وقد ذكرنا بعض الكلام في المقام في أحكام الخلل،
فلاحظ، والله أعلم.
المسألة (الخامسة يجزيه) عوضا (عن) قراءة (الحمد) في الثالثة والرابعة من
الفرائض (اثنتا عشرة تسبيحة، صورتها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر ثلاث) بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه، كما أنه كاد يكون مقطوعا به من

(1) الوسائل
الباب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
26

النصوص (1) إنما البحث في تعيين ذلك، فلعل ظاهر المتن والذكرى القدر
المزبور، كما عن صريح النهاية والاقتصاد ومختصر المصباح والتلخيص والبيان ذلك أيضا
بل هو الذي استظهره في المدارك من ابن أبي عقيل، بل عن المهذب البارع نسبته إليه
قاطعا به، لكن المحكي من عبارته وإن كان فيها أن الأدنى الثلاث في كل ركعة إلا
أنه يحتمل إرادة الأدنى في الفضل بقرينة قوله سابقا: " السنة في الأواخر التسبيح سبعا
أو خمسا " نعم هو صريح المحكي عن نسخة لرسالة علي بن بابويه قديمة مصححة عليها
خطوط العلماء بقراءتها عليهم، ونسختين لكتاب المقنع في باب الجماعة، وبعض نسخ
الفقيه مؤيدا ذلك كله بما ستسمعه عن الفقه الرضوي (2) الذي من الغالب موافقة
الصدوقين له حتى أنه بذلك ظن أنه من كتب أولهما، وصريح المحكي أيضا عن بعض
نسخ المهذب مؤيدا بموافقته للنهاية غالبا.
وكيف كان فقد اعترف في المدارك بأنه لم يقف له على مستند، قلت: لعله
- بعد توقف يقين البراءة من يقين الشغل عليه، وأصالة تقارب البدل والمبدل عنه
الحاصل في الفرض دون المرة مثلا، وفتوى من عرفت به ممن علم من حالهم عدم ذكر
ذلك منهم إلا بنص، ووجوده في مثل الرسالة التي كانت إذا أعوزتهم النصوص رجعوا
إليها، والنهاية التي هي متون أخبار، والفقيه والمقنع نحوهما - ما رواه ابن إدريس (3)
فيما حكي من سرائره نقلا من أصل حريز، قال: قال زرارة: قال: " لا تقرأ في الركعتين
الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام، قلت: فما

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5 و 8 والباب
51 منها - الحديث 1 و 2 و 3
(2) المستدرك - الباب - 31 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 وفيه " إذا
كنت إماما أو وحدك "
27

أقول فيهما؟ قال: إن كنت إماما فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر ثلاث مرات، ثم تكبر وتركع " الحديث. وهو صحيح، قيل: والتكبير فيه
ثابت في جميع نسخ السرائر في هذا الموضع، لكنه أورد هذا الحديث بعينه في
المستطرفات باسقاط التكبير، قلت: في مفتاح الكرامة " أن في نسخة قديمة عتيقة من
خط علي بن محمد بن أبي الفضل الآبي أي صاحب كشف الرموز في سنة سبع وستين
وستمائة إسقاط التكبير في الموضعين، كما أن في نسخة أخرى كثيرة الغلط ذكره في
الموضعين " إلى آخره، لكن في المحكي عن البحار أن النسخ المتعددة التي رأيناها متفقة
على ذلك: أي على الاثبات في كتاب الصلاة، والاسقاط في المستطرفات، واحتمل أن
يكون زرارة رواها على الوجهين، ورواهما حريز عنه في كتابه واستظهر زيادة التكبير
من قلمه (رحمه الله) أو من النساخ، لأن سائر المحدثين رووا هذه الرواية بدون التكبير
وزاد في الفقيه وغيره بعد التسبيحات تكمله تسع تسبيحات، قال: ويؤيده أنه نسب في
المعتبر والتذكرة القول بتسع تسبيحات إلى حريز وذكر هذه الرواية.
قلت: فتخرج الرواية حينئذ عن الحجية، بل هي كذلك أيضا مع فرض اتحادها
واختلاف النسخ فيها، ضرورة عدم ثبوت كون ما يفيد المطلوب من النسختين رواية،
فلا يشمله حجية خبر الواحد، بل يمكن دعوى كونها كذلك وإن لم يفرض اختلاف
النسخ إلا أنه قامت قرائن خارجية بحيث حصل الظن بأن الراوي لم يرو ذلك، أو
تساوى الاحتمالان، لما عرفت من عدم ثبوت كونه خبرا ورواية ولو بطريق الظن
الصالح لذلك، ودعوى ثبوت جميع ما في السرائر بطريق التواتر والآحاد المعتبر بحيث
يخرج ما فيها عن قسم الوجادة، فلا مجال لهذا الاحتمال فيه أو لا يقدح يمكن منعها،
بل يمكن منع وصول هذه الأصول التي روى عنها في السرائر واستطرف منها ما استطرف
بأحد الطريقين المزبورين، بل المظنون أنها وجادة بالنسبة إليه، ولا ينافيه وصفه لها
28

بأنها أصول معتبرة، ضرورة كون المراد أنها كذلك في الجملة أو كلي أصل حريز مثلا
لا خصوص ما روى عنه من الكتاب، والنسبة بعد تعارف وقوعها من العلماء بدون
الطريقين المزبورين لا يعتد بها كما هو واضح لمن أنصف وتأمل ولم يقصد الترويج.
وقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا فائدة في ترجيح نسخة الاثبات على نسخة
السقوط بموافقتها لصحيحة هذا الراوي بعينه ولغيرها من النصوص التي أثبتت التكبير
مما ستعرفه، أو نسخة السقوط على نسخة الثبوت بما سمعته من المجلسي، ضرورة عدم
صلاحية شئ من ذلك لصيرورتها حجة شرعية، نعم لا بأس بذكره حينئذ مؤيدا
لخبر الأنثى عشر مثلا أو غيره بناء على الترجيحين، ومن العجيب اعتماده في الرياض
على هذا الترجيح حتى جعلها نفسها دليلا للاثني عشر ومال إليه، فلاحظ وتأمل.
وما رواه الصدوق في المحكي عن عيونه (1) عن رجاء بن أبي الضحاك: أنه
صحب الرضا (عليه السلام) من المدينة إلى مرو فكان يسبح في الأخراوين، يقول:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاث مرات " قال بعض المتبحرين:
هكذا وجدناه في أكثر النسخ، ونقله المحدث التقي المجلسي في روضة المتقين، لكن
عن نسخة صحيحة التسبيحات الثلاث من دون تكبير، وعن البحار أنه أوردها كذلك
ثم ذكر في البيان زيادة التكبير عن بعض النسخ، قال: والموجود في النسخ القديمة
المصححة كما نقلنا من دون تكبير، واستظهر كون الزيادة من النساخ تبعا للمشهور،
وعلى هذا فيسقط التمسك بهذه الرواية كالتي قبلها، وتزيد هذه بضعف السند بجميع
رجاله، كجهالة أحمد بن علي الأنصاري، وتضعيف العلامة كما قيل تميم بن عبد الله الذي
يروي عنه الصدوق، وأما رجاء بن أبي الضحاك فعن روضة المتقين أنه شر خلق الله
والساعي في قتل الإمام وإن كان قيل يظهر من الصدوق الاعتماد عليه بل وعلى الذين

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 8
29

قبله، لكن قد يمنع، إذ عمله ببعض خبره كالسور ونحوها لعله لتبين صحته من مقام
آخر ونحوه لا لاعتماده عليه.
وما عن الفقه الرضوي (1) في أول أبواب الصلاة قال: " تقرأ فاتحة الكتاب
وسورة في الركعتين الأوليين، وفي الركعتين الأخراوين الحمد، وإلا فسبح فيهما
ثلاثا ثلاثا، تقول " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، تقولها في كل
ركعة منهما ثلاث مرات " لكن بعد الاغضاء عن حجيته ذكر فيه أيضا ما يدل (2)
على الاجتزاء بالمرة، فيكون هذا محمولا على الندب وإن كان يحتمل أن يكون هذا قرينة
على إرادة التكرار هناك، أو سقوط الثلاث من النساخ، وعن موضع آخر (3) من هذا
الكتاب " واقرأ في الركعتين الأخيرتين إن شئت الحمد وحده، وإن شئت سبحت
ثلاث مرات " وهو محتمل أيضا إرادة سبحان الله، وتكرير التسبيحة الكبرى ثلاث
مرات بقرينة العبارة السابقة وإن كان الثاني أقرب.
فبان لك حينئذ ضعف التمسك بهذه الأخبار، اللهم إلا أن يقال: إن جميع
ذلك إن لم يصلح للاستدلال يصلح للشهادة على الجمع بين ما يستفاد منه الأربع ولو مرة
واحدة، كصحيح زرارة (4) الآتي وبين ما دل (5) على التثليث في الثلاثة، لما عرفته
وتعرفه من شواهد القول بالتسع، فيحصل حينئذ منهما مع ضم الفصل الرابع من الأول
والتكرار ثلاث مرات من الثاني الدلالة على المطلوب، لكن شهادة هذه الأمور موقوفة
على تأخر قيد التكرار ثلاثا عن الكلمة الرابعة المستفادة من الخبر الأول، وهو كما ترى

(1) المستدرك - الباب - 31 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(2) فقه الرضا عليه السلام ص 14
(3) المستدرك - الباب - 31 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
(5) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
30

أو يقال بانجبار ذلك كله بالشهرة، لأن رواية الاثني عشر بين قائل بمضمونها بعنوان
الوجوب، وقائل به بالوجوب التخييري، وقائل به بالاستحباب، وقائل بأنه أحوط
وقائل بأنه أحد أفراد الوجوب المطلق، فليس لها راد حينئذ، وهو أضعف من سابقه
نعم لا يبعد أن يكون ذلك كله مضافا إلى ما أرسله في الروضة من النص (1) الصحيح
به مستندا للاستحباب، لما ستعرفه من قوة القول بالاجتزاء بالأربع، وعدم دليل صالح
لاثبات غيرها معها ولو على جهة الوجوب التخييري، ولعله لذا اختار بعضهم منهم
الأستاذ في كشفه استحباب الزيادة عليها لا أنها من الواجب التخييري، نعم الظاهر
أن ذلك نهاية الفضل، لعدم الدليل على الزيادة إلا على بعض الوجوه في الجمع بين
الأخبار ربما تسمع بعضها فيما يأتي، لكن قد سمعت ما عن ابن أبي عقيل أن الأدنى
التكرير ثلاثا، وإلا فالأفضل سبعا أو خمسا، وفي الذكرى لا بأس باتباع هذا الشيخ
العظيم الشأن في استحباب ذكر الله، وهو مبني على تناول دليل التسامح لمثل ذلك.
وأما الأصل فهو مع أنه غير أصيل عندنا ستعرف ما يوجب الخروج عنه، ولا
يلزم من بدلية التسبيح عن القراءة تطابقهما كما ولا تقاربهما لفظا، على أن البدلية ممنوعة
بل الحق العكس، أو المبادلة والتخيير، ولا يعتبر فيهما التوافق قطعا كما في خصال
الكفارة، نعم الظاهر أن العمل به أحوط بل وأفضل كما صرح به بعضهم لما عرفت،
خلافا للمحكي عن آخر من ترجيح القراءة عليه، للخروج بها عن الاختلاف الواقع في
التسبيح رواية وفتوى، فيكون العمل بها أسلم وأحوط، وفيه - مضافا إلى ما سمعته سابقا
مما دل (2) من النصوص على أفضلية التسبيح حتى ادعي تواترها - عدم سلامتها عن
الخلاف الذي يصعب الاحتياط معه من وجوب الجهر بالبسملة وحرمته، بخلاف ما نحن
فيه، فإنه لا خلاف في إجزاء الاثني عشر، والله أعلم.

(1) الوسائل الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 0
(2) الوسائل الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 0
31

(وقيل: يجزيه عشر) باثبات التكبير في التسبيحة الأخيرة وإسقاطها في
الأولين، والقائل الشيخ في مبسوطه وعن جمله ومصباحه وعمل يوم وليلة، وأبو المكارم
في غنية، والصدوق في المحكي من هدايته، والمرتضى في المحكي من جمله ومصباحه،
وعن سلار والكيدري (والكندري خ ل) أيضا وإن كان ربما حكي عنه التخيير بين ذلك
والاثني عشر، إلا أن مقتضاه عدم الاجتزاء بالأقل، فرجع إلى هذا القول، بل نسبه
الفاضلان إلى ابني البراج وأبي عقيل، لكن ما وقفنا عليه مما حكي من عبارتيهما
لا يساعد على ذلك، بل ظاهرهما القول السابق كما عرفت، بل ينبغي عدم احتمال ذلك
فيهما، لأن التكبير إن ثبت فيهما فالاثني عشر، وإلا فالتسع، فلا وجه لنسبة ذلك
إليهما، كما أنه لا ينبغي نسبته إلى الحلي كما وقع من بعضهم على ما ستعرف.
وكيف كان فلم أقف له على مستند معتد به وإن كان ظاهر الروضة والمحكي عن
غيرها وجود النص به، بل ظاهر الأول أنه صحيح، لكن قال بعض الفضلاء المتبحرين
الورعين: إن الكتب الأربعة وغيرها من أصول الأصحاب خالية عن النص على ذلك
فضلا عن كونه صحيحا، نعم قد يعلل أصل الحكم ودعوى ورود النص به بوجهين:
أحدهما أخذه من قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة (1) الآتية: " فقل: سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات، ثم تكبر وتركع " على أن يكون المراد ضم
التكبير إلى سابقه ليكمل به العشر، ولا يخفى وهنه، فإن المراد به تكبير الركوع كما هو
ظاهر من أسلوب الكلام، ولا أقل من الاحتمال المانع من الاستدلال، وثانيهما
التخريج من روايتي الأربع والتسع جمعا بينهما بالعشرة الجامعة لهما بجعل قيد الثلاث
مرات لما عدا التكبير مع ضم التكبير من رواية الأربع، وإن أمكن الجمع بينهما بالجمع

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
32

بين العددين حتى يبلغ ثلاث عشر، لحصول الامتثال بالأول، وللاجماع على عدم
وجوب ذلك، بل ولظهور النصوص عند التأمل فيه، بل لعله مقطوع به منها، ولغير
ذلك، قيل: وهو جيد لولا تصريحهم بتأخير التكبير، وفيه أنه لعلهم أخذوه من
ظهور رجوع التكرار ثلاثا ولاء لما عدا التكبير من التسبيح، فيتعين حينئذ ذكر التكبير
أخيرا، فتأمل. ولولا أن الظاهر من حال القدماء الاستناد إلى النص الصريح لا التخريج
كما هو المعلوم من عادتهم، خصوصا الصدوق ومن ماثله، وفيه أن المهم أصل الدليل
على الدعوى لا كونه مستندا لهم، والله أعلم.
وقيل والقائل حريز والصدوقان وابن أبي عقيل وأبو الصلاح فيما حكي عنهم
تسع باسقاط التكبير، لكن المصنف قال: (وفي رواية تسع) وهو بعد نسبته سابقه
إلى القيل قد يظهر منه أنه ليس قولا لأحد كالمحكي عن ابن إدريس من اقتصاره على
نقل القول بالأربع والعشر والاثني عشر، ولعل الأمر فيه كذلك، إذ الظاهر أن
الأصل في نسبته إلى حريز روايته ذلك، وهي - مع أنها لا دلالة فيها على مذهب الراوي
ضرورة صدور الأمور المتعددة من الراوي الواحد - قد عرفت الاختلاف في متنها في
إثبات التكبير وإسقاطه، فهو متردد حينئذ بين الاثني عشر والتسع كالصدوقين، بل
المحكي عن أكثر نسخ الفقيه والمقنع ثبوته، وروايته في الفقيه للتسع مع أنه روى فيه
غيرها لا تصلح مستندا لنسبته إليه، وقد عرفت أن المحكي عن النسخة الصحيحة القديمة
من الرسالة ثبوته، ولذا لم ينقل عنه التسع قبل المختلف، بل قيل: إن أكثر كتب
الخلاف خالية عنه، وأما ابن أبي عقيل فقد تقدم أن الموجود في عبارته إثبات التكبير،
وستسمع ما وصل إلينا عن أبي الصلاح، فلم يثبت حينئذ لأحد ممن نسب إليه.
وكيف كان فمستنده مضافا إلى بعض ما تقدم قول أبي جعفر (عليه السلام)
33

في صحيحة زرارة (1): " لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات
المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام، قال: قلت: فما أقول؟ قال: إن كنت
إماما أو وحدك فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات تكمله تسع
تسبيحات ثم تكبر وتركع " وهي مع أن المحكي عن بعض نسخ الفقيه تسع مرات من
دون تكمله، وما قيل -: من أن ابن إدريس رواها في المستطرفات باختلاف في المتن
أيضا وفي باب الصلاة باثبات التكبير كما سمعته سابقا، ومع مخالفتها لباقي الروايات
المتضمنة للتكبير، بل ولما رواه هذا الراوي بعينه عن الباقر (عليه السلام) أيضا - لا
تصلح سندا لذلك، خصوصا وقد عرفت عدم القائل بذلك، فضلا عن شهرة تجبر
هذا الاضطراب، مع أن الاختلاف في متن الرواية يقتضي الأخذ بالأكثر الذي يحصل
به يقين البراءة، وهو هنا الاثنا عشر، بل ولا وجه لحملها على الندب مع فرض إسقاط
التكبير كما يحكى عن أكثر القائلين بالأربع، بل ولا للتخيير بينها وبين العشر والاثني
عشر، وعن الروض بعد نقل القول بالأربع والاثني عشر والعشر والتسع قال:
" والأول أجود، والثاني أحوط، والثالث جائز، أما الرابع فلا، لعدم التكبير "
وهو جيد لكن عن بعضهم الاقتصار على التخيير بين الأربع والتسع خاصة، لعدم
ثبوت النقل في غيرهما، ولا ريب في ضعفه، والله أعلم.
وقيل والقائل جماعة من القدماء كالكليني والصدوق والشيخين فيما حكي عنهم
وكثير من المتأخرين ومتأخريهم يجزي أربع، بل في المحكي عن المقاصد العلية أنه أشهر
الأقوال، بل عن الأنوار القمرية هو قول المفيد وأكثر المتأخرين، بل عن الجوادية
وشرح الجعفرية أنه المشهور فيما بينهم، بل في المصابيح الطباطبائية أن شهرة القول به
من عصر الفاضلين إلى زماننا ظاهرة لا تدفع، بل الظاهر الاجماع عليه في بعض

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
34

الطبقات، وهو كذلك على الظاهر بل قد صرح به فيما يقرب من خمسين كتابا على
ما حكي عن جملة منها، فمن العجيب بعد ذلك قول المصنف هنا: (وفي أخرى أربع)
مشعرا بعدم القائل به، مع أنه هو منهم في النافع، نعم خير بعض هؤلاء بينه وبين
الاثني عشر، أو مع العشر والتسع، أو غير ذلك مما ستعرفه فيما يأتي إن شاء الله،
لكن الكل اشتركوا في إجزاء الأربع، سواء قلنا باستحباب الزائد صرفا كما في كثير
من مقامات التخيير بين الأقل والأكثر، أو قلنا بأنه أحد أفراد الواجب المخير
كالقصر والاتمام ونحوهما مما لم يكن فيه القليل الذي في ضمن الكثير مجزيا كي يتحقق
الاشكال، بل كان القليل فيه مقابلا للكثير كما أوضحناه سابقا، وأومأ إليه هنا المحقق
الثاني في جامعه، بل قد يضم إليهم من يوافقهم على عدم وجوب الأكثر وإن قال
بالأنقص كالمحكي عن الإسكافي وأبي الصلاح من القول بوجوب الثلاث باسقاط التهليل
أو التكبير، بل ومن اكتفى بمطلق التسبيح والوارد منه بالخصوص كما عن ابن سعيد
وغيره، أو مطلق الذكر كما عن آخر، فتزداد الكثرة حينئذ، ومن هنا حكي عن
المعتبر القطع بجواز الأربع واحتمال الاكتفاء بما دونه.
وأغرب من ذلك تنكيره روايته مع أنه رواها الكليني مقتصرا عليها في كيفية
التسبيح، والشيخ صدر بها الأخبار التي أوردها في كتابيه، بل وصفها جماعة من
الأساطين منهم العلامة والشهيد والمحقق الثاني بالصحة، بل عن مختلف أولهم أنها هي
وصحيحة الحلبي الآتية أصح ما بلغنا في هذا الباب، والظاهر أنه كذلك، لأنه ليس
في طريقها من يتوقف فيه إلا محمد بن إسماعيل، والأصح الأشهر كما قيل عد حديثه
صحيحا، إما لأنه ثقة كما بين في محله مفصلا على وجه يرفع الاشتراك بينه وبين غيره
أو لكونه من مشايخ الإجازة للحديث المنقول من كتب الفضل، فلا يكون واسطة
في النقل، وقد يشير إليه ما عن كشف الرموز " أن الاكتفاء بالأربع في رواية الفضل
35

ابن شاذان عن حماد " إلى آخره. ولا يبعد أن يكون وجدها في كتاب الفضل، وأما
متنها (1) وهو قال أي زرارة: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما يجزي من القول
في الركعتين الأخيرتين؟ قال: أن تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر، وتكبر وتركع " فقد قيل: إنه تطابقت عليه النسخ كلها في الكتب الثلاثة
وكتب الحديث المأخوذة منها كالوافي والوسائل والبحار والمنتقى والحبل المتين، وكتب
الاستدلال كالمعتبر والمنتهى والذكرى وغيرها، وهذه مزية ظاهرة لهذه الرواية بالنسبة
إلى روايات الباب، لما عرفت، مضافا إلى ظهور دلالتها في المطلوب، بل في المنتهى
أنها نص فيه وإن كان قد يناقش فيه بأنه لا صراحة فيه بعدم إجزاء غيره مما هو أنقص
منه، ضرورة كون إجزائه لا يقتضي نفي غيره، وبأنه يحتمل إرادة إجزاء ذلك بالنظر
إلى الفصول لا العدد، فلا ينفي القول بالاثني عشر مثلا.
اللهم إلا أن يقال في دفع الأول بظهور لفظ الاجزاء خصوصا في المقام في عدم
إجزاء الأنقص منه، أو يدعى كون التقدير فيه بقرينة السؤال المجزي أن تقول ونحوه
مما يفيد الحصر، بل ربما قيل: إنه الظاهر، ولعله لأصالة مطابقة الجواب للسؤال في
الإسمية والفعلية، لكن قد يقال - بعد تسليم الأصل المزبور على وجه يحمل عليه
الخطاب، ويكون مدركا لحكم شرعي خصوصا في نحو الخطابات التي لم تذكر في مقام
الفصاحة والبلاغة -: إنه لا ملازمة بين تقديرها إسمية وبين استفادة الحصر، ضرورة
أنه لو كان التقدير مثلا قولك سبحان إلى آخره يجزي لم يكن فيه حصر مع كون
الجواب جملة إسمية، فتأمل جيدا.
وفي دفع الثاني بأن الامتثال يحصل بالمرة، وأن الرواية مسلطة على فهمها، وقوله
(عليه السلام): " أن تقول " إلى آخره في مقام البيان من غير إشعار بالتكرار بل

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
36

قال بعده: " ثم تكبر وتركع " ظاهر في عدمه، خصوصا والسائل إنما سأل عن الفصول
المجزية، فالجواب بالقول المشتمل على تلك الفصول يقتضي إجزاءه من كل وجه لا باعتبار
الفصول الخاصة، لكن ومع ذلك فالانصاف أن جميع ما قلناه لا يجعله في مرتبة النص
كما هو واضح، نعم هي ظاهرة تمام الظهور في ذلك، ويؤيدها زيادة على ما سمعت
وقوع التصريح بهذه الفصول في جملة من الأخبار من دون إشعار بالتكرار، كصحيح
أبي خديجة (1) وسالم بن مكرم الذي أفتى الصدوق بمضمونه في المحكي عن مقنعه،
وخبري محمد بن حمران أو عمران (2) ومحمد بن حمزة أو ابن أبي حمزة (3) المرويين
عن الفقيه والعلل المذكورين سابقا عند البحث في أفضلية التسبيح على القراءة على ما عن
أكثر النسخ من إثبات التكبير، والمحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (4) " فإن لم
تلحق السورة أجزأك الحمد، وسبح في الأخيرتين، تقول: سبحان الله والحمد لله ولا
إله إلا الله والله أكبر " وأوضح من ذلك تأييدا بل قيل " إنه يمكن الاستدلال به على
المطلوب الصحيح الواضح عن الحلبي (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إذا قمت في
الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما، فقل: الحمد لله وسبحان الله والله أكبر " وعن
زرارة (6) عن أبي جعفر (عليه السلام) فيمن أدرك الإمام في الأخيرتين قال: " فإذا

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 13 لكن رواه
عن سالم بن أبي خديجة وهو سهو والصحيح سالم أبي خديجة كما نقله عنه في الباب 32 من
أبواب صلاة الجماعة - الحديث 6 وفي التهذيب ج 3 ص 275 - الرقم 800 من طبعة
النجف وحرف الواو بين أبي خديجة وسالم بن مكرم زائد في الجواهر لأن سالم هو أبي خديجة
(2) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(4) فقه الرضا عليه السلام ص 14
(5) الوسائل الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 7
(6) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 4
37

سلم الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأن الصلاة إنما يقرأ فيها في الأوليين بأم
الكتاب وسورة، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء
ليس فيهما قراءة " وعن عبيد بن زرارة (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الركعتين الأخيرتين من الظهر قال: تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك، وإن شئت
فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء " وخبر علي بن حنظلة (2) المتقدم سابقا في البحث
في مسألة التخيير، وستسمعه أيضا فيما يأتي، لظهور الجميع باعتبار الأمر فيها بالطبيعة
وغيره في الاجتزاء بذلك ولو مرة، ولا ينافيه عدم اشتمالها على الفصول الأربعة،
لوجوب الجمع بينها بحمل المطلق فيها على المقيد ويثبت المطلوب، أو لأنه من الإشارة
بالبعض إلى الكل كما هو متعارف في نحو ذلك مما لا يحسن تكراره في كل خطاب
وكانت له صورة معروفة، أو لأن كل من أوجب التسبيح والتحميد مكتفيا فيهما
بالمرة فقد أوجب التهليل أو التكبير، وكل من أوجب الثلاثة مرة بضم أحدهما فقد
أوجب الأربع عدا ابن الجنيد وأبي الصلاح ونحوهما ممن خلافه شاذ منقرض، كما أنه
لا ينافيه أيضا اشتمالها على الدعاء والاستغفار، لأنه إن وجب كما ذهب إليه بعض
المتأخرين فلا إشكال، وإلا تعين حمله على الندب ولا ضير، نعم قد يناقش في صحيح
أبي خديجة وما ماثله بأنها لم تسق لبيان إجزاء ذلك كي يتمسك بالطبيعة فيه، بل وقعت
هذه الفصول فيه في مقام بيان أمر آخر غير ذلك، فلاحظ وتأمل.
وقد بان لك مما سمعته من المتن وما ذكرناه في شرحه أن الأقوال في المسألة
أربعة (و) أن (العمل بالأول) منها (أحوط) بل وأفضل.
الخامس التفصيل بين المستعجل والمضطر ونحوهما فأربع، وغيرهم فعشر، ونسب
إلى ابن إدريس، وعبارته المحكية عنه ظاهرة في ذلك ومحتملة للعشر، كما عن العلامة

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 3
38

نسبته إليه وإن كان قد ذكر أن حكم المضطر ما يتيسر من ذلك ولو دون الأربعة،
وربما كان في المحكي من عبارته في كيفية صلاة المضطرين إيماء إلى ذلك، كما أنه ربما
احتمل أن يكون فتواه بالأربع، وأن العشرة طريق احتياط للمختار، بل ربما كان
في بعض كلامه إيماء إليه أيضا، وكيف كان فلم نقف له على نص في تفصيله المتقدم بل
ولا من تقدم فيه سوى ما عساه يحتمل من مجموع ما حكي عن المقنعة في باب كيفية الصلاة
وفي باب تفصيل أحكام الصلاة، مع أن المعروف عنه وكاد يكون صريح كلامه في الباب
الأول الاجتزاء بالأربع واستحباب العشر، ولعله يريد بما ذكره في الباب الثاني عدم
تأكد الزيادة على الأربع للمستعجل والعليل، فلاحظ وتأمل.
السادس الاكتفاء بالتسبيحات الثلاثة مرة واحدة باسقاط التكبير والتكرير كما
هو ظاهر المحكي عن أبي الصلاح أو صريحه وإن اشتهر عنه القول بالتسع، ولعل مستنده
روايتا محمد بن عمران (1) ومحمد بن حمزة (2) المتقدمتان على ما عن بعض النسخ من
سقوط التكبير، وقد تقدم لك ما يظهر منه ضعفه.
السابع الاجتزاء بالثلاث أيضا لكن باسقاط التهليل كما عن ابن الجنيد، لصحيح
الحلبي (3) المتقدم سابقا الذي قد عرفت أن مقتضى الجمع بينه وبين غيره ضم التهليل إليه.
الثامن الاجتزاء بالتسع والأربع والثلاث باسقاط التهليل، وبالتسبيح والتحميد
مع الاستغفار، لصحيح عبيد بن زرارة (4) كما في المدارك وعن الأنوار القمرية
والذخيرة جمعا بين الأخبار المعتبرة بالتخيير، وفيه بعد تسليم اعتبار الجميع عدم
تعين الجمع بذلك.

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 7
(4) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
39

التاسع إجزاء التسع والأربع والثلاث باسقاط التهليل، والتسبيحات أي تقول
سبحان الله ثلاثا كما عن يحيى بن سعيد في الجامع، لقول الصادق (عليه السلام) في
خبر أبي بصير (1): " أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث
تسبيحات، تقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله " وفيه أن الخبر المزبور - مع
ضعفه وعدم الجابر له، بل ربما كان من أضعف أخبار هذا الباب بناء على أن محمد بن
علي الهمداني الذي في طريقه هو ابن سمينة الضعيف جدا - لا يعادل به الأخبار الصحيحة المشهورة نقلا وعملا.
العاشر الاجتزاء بمطلق الذكر كما عن السيد جمال الدين بن طاووس والمصنف
في المعتبر، وربما ظهر من كتابي الأخبار للشيخ، لأنه روى فيهما ما عساه يصلح
مستندا لذلك من خبر عبيد بن زرارة (2) عن الصادق (عليه السلام) المتضمن للأمر
بالتسبيح والحمد لله والاستغفار للذنب، قال: " وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد
ودعاء " وخبر علي بن حنظلة (3) عن الصادق (عليه السلام) " سألته عن الركعتين
الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن شئت فاذكر الله
فيهما، فهما سواء، قال: قلت " فأي ذلك أفضل؟ فقال: هما والله سواء إن شئت
سبحت وإن شئت قرأت " وفيه أنه لا دلالة في الخبر الأول على ذلك، وأما الخبر
الثاني فلعل المراد بالذكر فيه التسبيح بقرينة آخر كلامه، بل لعل المراد به وبالتسبيح
الإشارة إلى التسبيحات الأربع المعهود، أو إلى ما ورد في النصوص من التسبيح،
فلا يكون حينئذ فيه دلالة على الاجتزاء بمطلق الذكر حتى ينسب إلى الشيخ من جهة
ذكره لهما، بل لعل نسبته إلى المصنف وابن طاووس أيضا على غير وجهها، إذ لم يذكر

(1) الوسائل - الباب 42 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 7 - 1 - 3
(2) الوسائل - الباب 42 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 7 - 1 - 3
(3) الوسائل - الباب 42 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 7 - 1 - 3
40

فيما حكي عن معتبره سوى أنه نقل القول بالأربع والتسع والعشر والاثني عشر،
وأورد صحيحتي زرارة في الأولين وصحيحتي الحلبي في التسبيحات الثلاث، وروايتي
علي وعبيد المتقدمتين، ثم قال: " والوجه عندي هو القول بالجواز في الكل، إذ لا
ترجيح وإن كانت رواية الأربع أولى وما ذكره في النهاية من الاثني عشر أحوط
لكنه ليس بلازم " وفي الذكرى عن البشرى الميل إلى ذلك، وهو مع حكمه بأولوية
رواية الأربع ليس في كلامه تعرض لمطلق الذكر بل ولا مطلق التسبيح، على أن المنقول
عن البشرى الميل وهو غير القول، ولعله لذلك مع تخيل ظهور الخبرين في إجزاء مطلق
الذكر والتسبيح قال في المحكي عن المهذب البارع: إن هاتين الروايتين لم يقل بمضمونهما
أحد من الأصحاب، وعن عيون المسائل نحو ذلك مع زيادة احتمال إرادة التسبيحات
الأربع منهما جمعا بينهما وبين غيرهما، فلم يتحقق حينئذ قول على البت بذلك، نعم قال
المجلسي فيما حكي من بحاره: والذي يظهر لي من مجموع الأخبار جواز الاكتفاء بمطلق
الذكر، ولم يحضرني مصرح بذلك سواه وإن احتمله جماعة من المتأخرين كما اعترف به
بعض المتبحرين، هذا ما وقفنا عليه من أقوال الأصحاب، نعم لو ضم مع ذلك القول
بالتخيير بين الأربع والعشر والاثني عشر والتسع كما هو ظاهر الشهيدين في اللمعة
والروضة، أو بين الأول والثاني كما عن المفيد، أو بين الثلاثة الأول كما سمعته عن ظاهر
الروض، أو بين الأول والرابع خاصة كما سمعته عن المجمع، أو بين الأول والثاني (1)
كانت خمسة عشر، ووجه الجميع يعلم مما قدمناه.
كما أنه عرف مما تقدم من صحيح عبيد (2) الوجه في المحكي عن البهائي وصاحب

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " الثالث " لأنه ذكر التخيير بين الأول
والثاني عن المفيد فلا بد أن يكون هذا تخييرا بين الأول والثالث
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
41

المعالم وولده من ضم الاستغفار إلى التسبيحات الأربع، بل لعله هو المراد من الدعاء
في صحيحة زرارة (1) لا التحميد، لعدم كونه منه، مع احتماله لما في خبر الفضل (2)،
قلت للصادق (عليه السلام): " جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي: احمد الله
فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك " لكن الانصاف أن الأولى إرادة الاستغفار الذي
قد جاء فيه أنه أفضل الدعاء منه، فيحمل حينئذ إطلاقه في الصحيحة المزبورة على التقييد
بالاستغفار في الصحيح السابق، بل لعل تعليل إجزاء الفاتحة بأنها تحميد ودعاء مشعر
بأن الدعاء هو المطلوب، وأن الفاتحة إنما تجزي لاشتمالها عليه وإن كان فيه إشعار بعدم
تخصيص الاستغفار بذلك لكن على كل حال فالقول بالوجوب - بعد خلو الفتاوى
والنصوص الواردة في مقام البيان عنه عدا ما عرفت، بل ادعي الاجماع على إجزاء
تكرير الأربع ثلاثا، ولذا ذكر المصنف وغيره الاحتياط فيه، للقطع بالبراءة معه - لا يخلو
من إشكال بل منع، ولعل ما في المنتهى من أن الأقرب عدم وجوبه ليس لوجود قائل
بالوجوب بل للصحيح المزبور.
نعم لا بأس بالقول باستحبابه كما عن المجلسي التصريح به، بل عن الحديقة
أفضلية تكريره مع تكرير التسبيح بعد أن احتاط بضمه مرة، وعن الماجدية " لو ضم
الاستغفار كان حسنا، وتكرير الجميع ثلاثا أحسن " والظاهر إرادة ضمه مع الأربع
تسبيحات لا إذا جعل بدلا عن الساقط كما هو ظاهر الرواية (3) وسمعت عن بعض
متأخري المتأخرين الميل إلى الاجتزاء به.
وكيف كان فالظاهر إرادة الوجوب التخييري من القول به بين الأربع فما زاد
كما صرح به بعضهم، بل نسبه في الروضة إلى ظاهر النص والفتوى، لأن الواجب

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 1
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب الركوع - الحديث 2 لكن رواه عن المفضل
(3) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 1
42

الأربع والزائد مستحب كما ينسب إلى الفاضل في سائر كتبه الأصولية والفقهية وإن
كان هو صريح البعض وظاهر الآخر، بل عن كشف الرموز موافقته أيضا، للأصل
المقطوع بظاهر الأمر وغيره، ولدعوى انسياقه من مجموع خطابات المقام الممنوعة على
مدعيها، خصوصا مع التعبير في بعضها عن الواحدة بلفظ الاجزاء المشعر بأنه أقل
الافراد، وأنه هناك فرد آخر أعلى منه، بل هو صريح بعض الأخبار السابقة،
وخصوصا مع مزج الواحدة والثلاث بأمر واحد، لا أنه أمر بها مستقلة وبالزائد عليها
مستقلا كي يتجه دعوى ذلك فيه، ولعدم معقولية التخيير بين الأقل والأكثر عقلا
ولأن الواجب ما لا يجوز تركه لا إلى بدل، فيجب حمل جميع ما أوهمه على وجوب
الأقل واستحباب الأكثر كما في المنزوحات وغيرها.
إذ فيه أن الممنوع من التخيير بين الأقل والأكثر إذا فرض حصول الامتثال
بالأقل ولو في ضمن الأكثر، أما إذا لم يحصل الامتثال به إلا حال عدم كونه جزء
الأكثر فلا امتناع، ضرورة صيرورة الأقل حينئذ بوصف الأقلية مقابلا للأكثر
بل لا يتحقق في ضمنه أبدا، إذ الذي هو جزؤه ذات الأقل لا هو مع وصفه، لعدم
معقولية اجتماع الضدين والمتقابلين، فلا داعي حينئذ إلى ارتكاب التجوز بحمل الأمر
بالأكثر كالتكرار ثلاثا ونحوه على القدر المشترك بين الواجب والمستحب، وليس هو
تركا لا إلى بدل، إذ الأقل ملاحظا فيه وصف الأقلية بدل عن الأكثر الملاحظ فيه
وصف الأكثرية، فكل منهما حينئذ فرد لحصول ماهية التسبيح على التبادل ومنع الجمع
بل يقوى في النظر عدم مدخلية القصد في ذلك، لأن تشخصهما بما ذكرناه أمر خارجي
لا يحتاج معه إلى القصد، بل ولا يؤثر معه، فلو جاء بالأقل مثلا بقصد أنه جزء من
الأكثر فعدل وأراد الاقتصار عليه أجزأ، كما أنه لو جاء به بقصد الامتثال به ثم عدل
عنه إلى الأكثر وجاء به أجزأ أيضا، لصدق امتثال الأمر بالأربع مثلا، أو بالاثني
43

عشر في كل من الفرضين، وعدم تشخص المقصود بالقصد المزبور بحيث يخرج عن قابلية
الجزئية أو الاستقلال، ضرورة صدق الاثني عشر على العدد المزبور وإن كان قد قصد
بالأربعة الأول منه الاقتصار عليها فعدل عنه، كصدق الأربعة على التي قصد بها أنه
جزء الاثني عشر فعدل عنه، ولا تكون بذلك جزء له وإن لم يأت به كما هو واضح،
خصوصا لو لوحظ في المركبات الحسية من السرير والباب ونحوهما، وليس هو من
الأمرين اللذين قصد امتثال أحدهما ووقع فلا يعدل منه إلى غيره، بل هو أمر
واحد وهما فردان له، فلا يقاس على الأفعال المشتركة المأمور بكل واحد منها التي
لا تتشخص إلا بالنية، لوضوح الفرق بينهما من وجوه، كوجود المشخص الخارجي
واتحاد الأمر وغير ذلك.
بل لا فرق في النظر الدقيق فيما ذكرنا بين قصد العدول وعدمه، ولا بين
الشروع في الزيادة على الواحدة مثلا ثم عدل وعدمه، ولا بين إكمالها ستة ثم عدل وعدمه
لاشتراك الجميع في الوجه الذي ذكرناه من صدق الامتثال وحصول المشخص الخارجي
القهري، فلو فرض قصده الاثني عشر وركع على الأربع مثلا سهوا كان امتثاله بها
أو قصد الأربع فسها وجاء بالاثني عشر، وهذا القصد لا ينافي النية الاجمالية المصححة
لما وقع منه، نعم لو نوى العدم بأن قصد الذكر المطلق الخارج عن الصلاة أو نحو ذلك
اتجه عدم تحقق الامتثال به، وكذا لو عدل بعد الستة مثلا، ولا يرد خروجه عن صدق
الأربعة والاثني عشر حينئذ، لأن المراد بتخيره بين الأربع والاثني عشر أنه يمتثل
بالفرد الأدنى ما لم يندرج في الفرد العالي كما هو ظاهر المقابلة بينهما لا أن المراد أربعة
معتبر فيها نيتها لا غير كي ينافيها الفرض المزبور، والزائد حينئذ الذي جئ به بقصد
الادراج تحت الفرد الآخر ثم عدل عنه وقع لغوا بالنسبة إلى الامتثال، لعدم ثبوته في
الشرع فردا للمأمور به، بل ظاهر التخيير في الأدلة بين الفردين مثلا عدمه، وحينئذ
44

فالامتثال بالأربع ما لم يأت بالاثني عشر، ولا تقدح الزيادة المزبورة بعد فرض كونها
ذكرا ووقعت بقصد المقدمية للفرد الآخر ولم يحصل.
وقد بان من جميع ذلك أنه إذا جاء المكلف بالأربع مثلا لا يحكم عليه بالامتثال
بها وإن قصده بها إلى أن يركع ولم يأت بالاثني عشر، لاحتمال عدوله مثلا، وبالجملة
امتثاله بما يعلم الله وقوعه منه من الأربع أو الاثني عشر وإن كان هو لا ينكشف لنا
ولا له إلا بعد ركوعه، ودعوى أن المتخير بين القصر والاتمام لو قصد الاتمام فسلم
ساهيا على الركعتين وجاء بما ينافي الصلاة من حدث ونحوه لم يمتثل ووجب عليه استئناف
الصلاة يمكن منعها، إلا أن تستند إلى دليل خاص أو نحوه، إذ الظاهر اتحاد المقامين
فيما ذكرنا، كما أنه لا معنى بعد ما سمعت للاعتراض بأنه لا وجه للامتثال بالزائد بعد
حصوله منه بالأربعة الأولى، لما عرفت أن حصوله بها مطلقا غير معلوم، بل هو كذلك
إن اتفق أنه اقتصر عليها، ولقد أطنب صاحب الحدائق في المقام حتى قال: إن كلام
الأصحاب في المقام غير محرر بعد أن نقل جملة منه، وجعل التحقيق عنده دوران الأمر
مدار القصد وعدمه في تشخيص الفردين، وأنه إن أراد من تعرض للمسألة من
الأصحاب ذلك فمرحبا بالوفاق، وإلا كان خارجا عن الصواب، وظني والله أعلم أن
المراد ما سمعت، وأنه لا مدخلية للقصد فيه كما هو مقتضى إطلاق الأدلة، وليس
الخروج عن شبهة التخيير بين الأقل والأكثر موقوفا على ذلك كما أوضحناه،
فلاحظ وتأمل.
ولولا مخالفة الاطناب لذكرنا جميع ذلك، ودللنا على مواضع النظر من كلامه،
خصوصا ما ذكره في السؤال الأول بل والثالث الذي هو وجوب المضي والايقاع على
الوجه المأمور به من الطمأنينة ونحوها فيما شرع فيه من الزائد على الأربع وعدمه،
وتحقيق القول فيه بناء على المختار عدم وجوب المضي فيه عليه، إذ له الاقتصار والركوع
45

فيكون امتثاله بالفرد الأول، وأما مراعاة الطمأنينة ونحوها فلا مدخلية لها فيما نحن فيه
إذ إن كان لم يجز فللتشريع بناء على النهي عنه في الصلاة، ضرورة قصده بما يذكره
من الزائد الجزئية للصلاة، والفرض وجوب الطمأنينة مثلا فيه، فايقاعه بدون ذلك
تشريع محرم كسائر الأجزاء التي اعتبر فيها بعض الأحوال، ولو قلنا باقتضاء ذلك
فساد خصوص الجزء لا الصلاة اتجه الصحة والاجتزاء بالأربعة الأول الجامعة للشرائط
فالقول بوجوبه مطلقا أو التفصيل بين قصده الامتثال به فيجب، أو الأقل فلا يجب
مما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، مع احتمال المناقشة في الأول بأن له
العدول، ودعوى قصر جوازه فيما إذا لم يشرع بالزيادة على الفرد الأول ممنوعة على
مدعيها، لعدم الشاهد لها إلا احتمال أن الفرد الأول قد صار جزء بالقصد والنية،
فلا يصلح لإرادة الامتثال به، وهو - مع أن المتجه بناء عليه عدم الفرق بين الشروع
في الزيادة وعدمه أولا، ولا يمنع أصل العدول وإن استأنف الفرد الأدنى بقصد
الامتثال به ثانيا - في غاية الضعف، ضرورة عدم صيرورة مثله جزءا بمجرد النية مع
فرض حصول مشخص خارجي له أخرجه عن الجزئية إلى الاستقلال، وهو الاقتصار
عليه، ومجرد صلوحه للجزئية بتمام الاثني عشر لا يحقق فيه وصف الجزئية فعلا قبل
حصول مسمى الكل الذي هو جزؤه، بل هو أشبه شئ بالجزء من المركب الحسي،
كالخل بالنسبة إلى الاسكنجبين وبعض أجزاء السرير ونحوهما مما يقطع فيها بعدم
تحقق معنى الجزئية فيها بمجرد النية حتى لو عدل إلى مركب آخر، وإطلاق لفظ الجزء
عليه منفردا على ضرب من المجاز كما هو محرر في محله، ودعوى الفرق بين ما نحن فيه
وبين المركبات الحسية الخارجية بأن تلك لها صورة خارجية تميز بينها من غير حاجة إلى
القصد بل لا مدخلية للقصد فيها بخلاف الأفعال التي لا تتشخص إلا بالنية يدفعها
وضوح أن المقام من قبيلها، ضرورة حصول وصف الأربعة والاثني عشر في الخارج
46

بحيث لا يحتاج إلى القصد فيه، بل لا مدخلية للقصد فيهما، بخلاف الأفعال المشتركة
بين صنفين، ولا مخصص لما يقع منهما بأحدهما إلا النية كالأربع ركعات بالنسبة إلى
الظهر أو العصر، فتأمل جيدا.
وفي الثاني أنه مع فرض قصد الامتثال بالأقل وحصوله به كما هو مختار المفصل
قد يمنع جواز الزيادة للتشريع، إذ لا دليل على الاستحباب بالخصوص، والاتيان بها
بعنوان الذكر المطلق غير مفروض البحث، ولا أظنك بعد ذلك كله تحتاج إلى ما يفيد
المقام وضوحا حتى بالنسبة إلى الفرق بينه وبين المسح بالرأس في الوضوء الذي ذكرنا
فيه هناك أيضا البحث بنحو المقام، وإن تعرض بعضهم له هنا بأن التخيير في المقام
المزبور ينشأ من جهة تعدد أفراد المسح، وفي المقام من جهة الجمع بين الأدلة، فقد يقال
هناك حينئذ بعدمه، وأن الزائد على مسمى المسح مستحب صرف، بخلاف المقام الذي
قد عرفت أن الجمع بين الأدلة يقتضي ذلك فيه، ولعله لذا حكي عن بعضهم الاستحباب
هناك والوجوب التخييري هنا، ولا ينافيه إطلاق اسم المستحب عليه أو الأفضل أو
نحوهما، ضرورة إرادة أفضلية الأفراد منه كما في سائر الواجبات التخييرية، على أنه
قد يقال بحصول معنى الاستحباب المتعارف فيه أيضا، لجواز تركه لا إلى بدل يقوم
مقامه من حيث الفضل والاستحباب وإن كان له بدل من حيث الوجوب، أقصاه
اجتماع الوجوب والاستحباب للجهتين، ولا ضرر فيه، إنما الممنوع مع اتحاد الجهة أو ما
هو بمنزلة اتحادها.
والظاهر وجوب الترتيب في التسبيحات الأربع وفاقا للمشهور بل الجميع إلا
الشاذ، للاحتياط، ولظهور الأمر بقوله فيه، ضرورة جزئية الصورة من المركب،
والواو فيه لعطف أجزاء المقول بعضها على بعض لا للعطف على الأول بتقدير الأمر
بالقول فيه كالأول كي يقال إن الواو فيه لمطلق الجمع، فما عن الإسكافي والمصنف في
47

المعتبر من القول بعدم وجوبه للأصل في غاية الضعف، نعم قد يقال بناء على التخيير
بين ما تضمنته النصوص التي منها صحيح الحلبي (1) الظاهر في فوات الترتيب في بعض
الفصول يتجه عدمه في خصوص ذلك، وربما أراد ذلك القائل بعدم وجوب الترتيب
لا نفيه أصلا، مع أنه قد يقوى عدمه أيضا ترجيحا لغيرها عليه بالنسبة إلى ذلك،
فيحمل على بيان الإشارة في الجملة إلى التسبيح المعروف التأليف لا أن المراد منه بيان
كيفية أخرى للتسبيح، فتأمل جيدا.
وكذا الظاهر بقاء التخيير بين التسبيح والقراءة وإن شرع في أحدهما ولم يتمه
لا للاطلاق، لامكان دعوى ظهوره في الابتداء، بل للاستصحاب الذي لا يعارضه
إطلاق النهي عن الزيادة في الصلاة لخصوصه، فيحكم عليه، إذ الخاص وإن كان
استصحابا يحكم على العام وإن كان كتابا، مع أنه قد يقال بعدم شمول النهي المزبور
لمثل المقام أو يشك فيه، ضرورة ظهوره في القصد إلى الزيادة والعمد إليها حتى يكون
تشريعا محرما، أما إذا جئ به مقدمة لتحصيل مسمى الجزء المأمور به فعدل عنه قبل
تحقق الامتثال به فليس زيادة منهيا عنها ولا تشريع، لوقوعه منه بقصد المقدمية، وليس
ما أوقعه قبل الاتمام كان مأمورا به بالخصوص كي يقال: إنه تحقق الامتثال فلا معنى
للعدول عنه، لأن من الواضح عدم أمر أصلي بكل حرف من حروف الفاتحة مثلا، بل
يفعلها المكلف تحصيلا لمسمى الفاتحة، وبعد تمامها تكون جزءا من المأمور به لا قبله،
ولا ما إذا عدل عنه بحيث انتفى اسم ذلك المركب، إذ أجزاء المركب من حيث التركيب
لا تقوم بنفسها مع انتفاء التركيب، وإطلاق الأجزاء في مثل الحال المزبور على ضرب
من التجوز، وحينئذ لا يختص جواز العدول وإبطال ما شرع فيه من الجزء بالمقام،

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
الجوهر - 6
48

بل له ذلك أيضا في التشهد وفي قراءة الفاتحة في الأولتين وغيرهما، ولعله عليه بنى من
قال ببطلان القراءة خاصة إذا فوت الموالاة عمدا بقراءة شئ بينهما أو بسكوت كما
أشرنا إليه سابقا في المباحث المتقدمة.
نعم قد يقال باعتبار بطلان ما شرع فيه من الجزء وخروجه عن صلاحية المقدمية
والقابلية للامتثال بالاتمام في جواز الاستئناف، لسقوط الأمر المقدمي به، ونية استقبال
غيره لا تكفي في إبطاله، ضرورة عدم خروجه بذلك عن القابلية، ولذا لو أراد العدول
إليه بعد النية المزبورة صح، اللهم إلا أن يقال إن الصلاحية المزبورة لا تنافي استئناف
مقدمة أخرى بها تصدق أيضا قراءة الفاتحة وإن كان بحيث لو أتممت الأولى لصدق
ذلك أيضا، فحينئذ له الاستئناف وإن لم يخرج ما وقع منه عن القابلية، لكن الانصاف
أن ذلك كله لا يخلو من بحث وإن كان له شواهد كثيرة فيما سبق من المباحث، فبناء
ما نحن فيه على ما ذكرناه أولا أولى، ولا ينافيه ما في الذكرى من حرمة إبطال العمل
لامكان منع عمومها خصوصا لنحو المقام.
ولو قصد التسبيح مثلا فغلط وسبق لسانه إلى الفاتحة فالظاهر عدم الاجتزاء به
لفقد النية الاجمالية والتفصيلية، ضرورة كون الواقع منه مقصودا عدمه، نعم لو كان
قد فعل ذلك سهوا صح بالنية الاجمالية وإن كان من عادته خلاف ما وقع منه، بل وإن
كان عازما قبل على غيره، لعدم منافاة العزم المزبور لذلك، بل الظاهر الصحة حتى لو
كان قد لاحظ أحدهما في أصل نية الصلاة عند التكبيرة فسها ووقع منه غيره، إذ الظاهر
أن نية ذلك لا تشخص خطاب الصلاة به، فبمجرد نيتها على ما شرعت عليه يتوجه
إليه الأمر بأحدهما، وفيه بحث أومأنا إليه في الأبحاث السابقة، فالاحتياط لا ينبغي تركه.
وعلى كل حال فالظاهر عدم اعتبار اتفاق الركعتين فيما يختاره من الفردين
49

للاطلاق، بل لعل في بعض الأخبار (1) إشعارا به بالخصوص كما اعترف به في الذكرى
فله حينئذ القراءة في ركعة والتسبيح في أخرى، والله أعلم.
المسألة (السادسة من قرأ سورة من) سور (العزائم في النوافل) جاز بلا خلاف
بل النصوص (2) بالخصوص منطوقا ومفهوم دالة عليه كالاجماع بقسميه، نعم (يجب أن
يسجد في موضع السجود) كما صرح به بعضهم، بل لعل هو مراد من صرح به من غير
ذكر للوجوب، إذ الظاهر أنه متى جاز وجب، لاطلاق أدلة فوريته السالم عن المعارض
بعد عدم ثبوت منافاته للنافلة أو ثبوت عدمها، ومن هنا أمكن تعميم المقام لسجدة
الشكر ونحوها كما يومي إليه ما في جامع المقاصد وغيره، ولخبر علي بن جعفر (3) المروي
عن كتاب مسائله لأخيه المتقدم سابقا في قراءة العزائم، فإنه صريح في النافلة، ولصحيح
الحلبي (4) وموثق سماعة (5) المضمر المحمولين على النافلة بالقرينة، قال في أولهما:
سئل الصادق (عليه السلام) " عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة قال: يسجد
ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثم يركع ويسجد " وقال في ثانيهما، " من قرأ إقرأ باسم
ربك فإذا ختمها فليسجد، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع " خلافا للمحكي عن
الخلاف فجوز له السجود وعدمه، ولا ريب في ضعفه كضعف المحكي عنه أيضا في غيره
من الاجتزاء بالركوع عنه، لقول علي (عليه السلام) في خبر وهب بن وهب (6):
" إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها " إذ هو مع أن الراوي في غاية
الضعف ظاهر في إرادة الاجتزاء عن استئناف قراءة أخرى بعد السجدة كما ستسمع

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 37 و 39 و 40 - من أبواب القراءة في الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب 37 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2 - 3
(5) الوسائل - الباب 37 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2 - 3
(6) الوسائل - الباب 37 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2 - 3
50

استحبابه لا فيما ذكره، إذ المحكي عن جميع النسخ الباء لا اللام، لا أقل من الاحتمال
المبطل للاستدلال (وكذا) الحكم (إن قرأ غيره وهو يستمع) بل وإن سمع
بناء على وجوبها به كالاستماع، لما عرفت وللاجماع على الظاهر على عدم الفرق بينه وبين
القراءة، بل لعل ظاهر النصوص (1) ذلك وأن حكمه في غير النافلة كحكمه فيها.
وعلى كل حال إن لم تكن السجدة في آخر السورة يسجد (ثم ينهض ويقرأ
ما تخلف منها ويركع) لأصالة عدم شئ آخر غير ذلك (وإن كان السجود في
آخرها استحب له قراءة الحمد ليركع عن قراءة) وللخبرين السابقين (2) وفي المبسوط
أو سورة أخرى أو آية ولعله لعموم التعليل الوارد في النافلة التي جئ بقراءتها جالسا
والأولى الأول، ولو نسي السجدة فعلها إذا ذكر، لأن محمد بن مسلم (3) سأل أحدهما
في الصحيح " عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال: يسجد إذا
ذكر إذا كانت من العزائم ".
المسألة (السابعة المعوذتان من القرآن، ويجوز أن تقرأهما في الصلاة فرضها ونفلها)
نصا وإجماعا لا يقدح فيه خلاف ابن مسعود بعد انقراضه وتصريح الصادق (عليه
السلام) (4) بخطئه أو كذبه، وأنه فعل ذلك من رأيه الذي لا ينبغي اتباعه فيه.
المسألة الثامنة الأكثر كما عن البحار بل في الحدائق أنه المشهور بين الأصحاب
على وجوب تعيين السورة بعد الحمد قبل الشروع في البسملة المشتركة بين السور المتعددة
فلا تتعين جزء من السورة الخاصة إلا بنيتها على حسب غيرها من المشتركات بين القرآن

(1) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب القراءة في الصلاة
(2) وهما صحيح الحلبي وموثق سماعة المتقدمان ص 50
(3) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 5
51

وغيره، وبين القصيدة المخصوصة وغيرها، وإلا لزم الترجيح بلا مرجح، أو لا تكون
بعضا من سورة أصلا، وتبطل الصلاة حينئذ بناء على وجوب السورة الكاملة، وعلى
ذلك بنوا حرمة مس كتابة المشترك بين القرآن وغيره مع فرض قصد الكاتب الأول
وحرمة قراءة البسملة بقصد العزيمة في الصلاة، وعلى الجنب وغير ذلك من الفروع المبتنية
على هذا الأصل.
وناقشهم الأردبيلي فيه هنا وتبعه جماعة ممن تأخر عنه بأن نية الصلاة يكفي
لأجزائها اتفاقا ولو فعلت مع الغفلة والذهول، ويكفيه قصد فعلها في الجملة، واتباع
البسملة بالسورة تعيين كونها جزءا لها، وذلك كاف مع عدم تسليم اشتراط ذلك التعين
قبل القراءة، إلى أن قال: على أنه منقوض بالمشتركات الكثيرة مثل التخيير بين
التسبيحات والفاتحة فإنها تحتمل وجوها غير قراءة الصلاة، وكذا
السورة والتسبيحات بل جميع الأفعال، ويؤيده عدم وجوب والاتمام في
مواضع التخيير، وعدم تعيين الواجب من الذكر مع التعدد واحتمال كل واحدة الواجبة
لا الأولى فقط كما قيل.
وفيه أن من الواضح عدم مدخلية النية الاجمالية للصلاة في ذلك، ضرورة أنها
تؤثر الاستغناء عن التعرض لنية القربة والجزئية في كل جزء جزء إما للعسر والحرج
أو لأن المدار في نية المركبات على ذلك، حتى أنه نعد بسبب النية في الأول أن كل
جزء منه منوي، أو لغير ذلك مما هو مذكور في محله، وهذا لا يؤثر في المقام، لأن
المقصود تعيين السورة التي يراد البسملة لها حتى تكون بعضها وتتم السورة، ولا مدخلية
لنية الصلاة فيه قطعا، وما ذكره من النقض خارج عن البحث، للفرق الواضح بينهما
بتأثير النية الاجمالية فيه دونه، والقصر والاتمام ليسا من مقومات العمل، بل أي فرد
جاء به المكلف أجزأ، وستسمع البحث إن شاء الله في أذكار الركوع، كما أنه تقدمت
52

الإشارة إلى شئ منه في تكبيرة الاحرام، واتباع البسملة بالسورة المتعينة في نفسها
لا يقضي بتشخيص كون البسملة منها، إذ المتشخص يجدي في إثبات نفسه لا المشترك
السابق عليه، والحكم ظاهرا بكونه قاصدا بسملة هذه السورة تبعا لظاهر فعله غير
مجد، لأن البحث عن الواقع بعد العلم به، اللهم إلا أن يريد بما ذكره من الاتباع
المزبور أولا الإشارة إلى منع تشخيص نحو هذا الاشتراك بالنية، بل هي إنما تعين
المشترك في الدلالة، إذ بدونها يمتنع عقلا إرادة خصوص المعنى من اللفظ، أما مثل
هذا الاشتراك فتعيينه إنما يحصل باتباعه بما يقضي أنه منه، وإلا فبدون ذلك يصدق
عليه أنه بعض من جميع ما اشترك فيه حتى لو قصد بعضيته من خاص، ضرورة الصدق
العرفي على البسملة التي لم يقصد بها سورة خاصة، أو قصد أنها بعض وجزء من كل
سورة كالبيت المشترك بين قصائد متعددة، لأن المراد بصدق الجزء قبل حصول تمام
المركب قابلية تأليف المركب منه مع باقي أجزائه، وإلا فليس هو جزء فعلا كما في سائر
المركبات الحسية وغيرها، على أنه لا فرق بحسب الظاهر بين المقام وبين الكتابة بقصد
سورة خاصة ثم عدل عنها إلى سورة أخرى، فإنه لا ريب في صدق اسم كتابة السورة
الخاصة عليه، ومنع الصدق كمنع عدم الفرق مكابرة واضحة، بل الظاهر عدم الفرق
أيضا بينه وبين المركبات الحسية التي من المعلوم فيها صدق أسمائها على المؤلف وإن كان
قد قصد ببعض أجزائها المشتركة بينها وبين غيرها غير المركب المفروض، والصورة
الخارجية لا تصلح فارقا بعد أن كان ما نحن فيه أيضا له صورة ذهنية كما يظهر بأدنى
تأمل بعد قطع النظر عما شاع على الألسنة من أن المشترك يتعين بالنية، مع أنه لم يعلم
كون المراد بالمشترك ما يشمل نحو هذا الاشتراك، ولعله لذلك كله تردد في كشف اللثام
في المقصود بها سورة خاصة فضلا عن غيرها، بل عن ظاهر المحكي عن البحار الجزم
بعدم صيرورتها جزءا بذلك بحيث لا تصلح لصيرورتها جزء من غيرها، محتجا بالكتابة
53

وبخبر قرب الإسناد (1) الذي ستسمعه، وبأنه يلزمهم اعتبار النية في باقي الألفاظ
المشتركة غيرها، كقول: الحمد لله وغيره، مع أنهم لا يقولون به، ويؤيده أن المراد
بقصد كونها من هذه السورة مثل العزم على جعلها جزءا من سورة يشخصها بمشخصها
من بين السور، فهو من قبيل التشخيص بالغايات التي من المعلوم عدم صيرورتها به من
المشخص كما هو واضح بأدنى تأمل، وثانيا منع توقف التشخيص عليها، بل قد يحصل
بغيرها، وهو الاتباع المزبور للصدق العرفي.
ولعله بذلك ينكشف لك الفرق بين هذا الاشتراك والاشتراك الدلالي بأن
البحث في المقام يرجع إلى تنقيح موضوع سورة، وأنه لا يعتبر فيه قصد البسملة بخلافه
هناك، فإن الأمر فيه عقلي، ويزيده وضوحا أنه لو صرح الواضع بأن السورة عبارة
عن القطعة من الكلام المفتتح بالبسملة مثلا وإن لم يقصد أنها منه ما كنا لنمنعه عليه،
وليس هكذا المشترك الدلالي، وربما يومي إلى ذلك كله أو بعضه تصفح بعض
كلمات المنكرين، خصوصا ما حكي من شرح الوافية للسيد الصدر حيث جعل سند المنع
ذلك محتجا عليه بصدق اسم السورة على الواقعة ممن لا قصد له أصلا، ثم قال: ولو سلم
مدخليته أي القصد فلا مانع من قيام غيره مقامه في التشخيص، وهو الاتباع بالمتعين
ويؤيد ذلك كله خلو كتب الأساطين من قدماء الأصحاب عنه، وجهل أكثر المتشرعة
به، وغلبة عدم خطوره في البال للمتنبهين منهم مع عدم الإعادة للسورة وإن كان قبل
الركوع، مضافا إلى ظهور بعض نصوص المعراج كالمروي عن العلل منها في ذلك،
وظهور النصوص الواردة في العدول بسبب ترك الاستفصال فيها وغيره فيه أيضا كما
ستسمعها في المسألة التاسعة، بل ربما ادعي ظهور بعضها في المقصود خلافه فضلا عن غيره
كالذاهل والغافل بحيث جرى على لسانه بسملة وسورة من غير قصد، إذ هو كالمقطوع به منها.

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
54

ومن هنا صرح بعض القائلين باعتبار التعيين بالاجتزاء بذلك، قال في الذكرى:
" متى انتقل أي من سورة إلى أخرى وجب إعادة البسملة تحقيقا للجزئية، ولو بسمل
بقصد الاطلاق أو لا بقصد سورة لم يجز بل يجب البسملة عند القصد، أما لو جرى
لسانه على بسملة وسورة فالأقرب الاجزاء، لرواية أبي بصير (1) السالفة، ولصدق
الامتثال " وتبعه عليه غيره ممن تأخر عنه كالمحقق الثاني في تعليقه على الإرشاد وغيره
فإنه - بعد أن حكى الاتفاق من القائلين بوجوب السورة على وجوب إعادة البسملة لمن
قرأها بعد الحمد من غير قصد سورة بعد القصد - قال: ولو جرى على لسانه بسملة
وسورة بحيث وجد نفسه في خلال السورة أجزأ على الأقرب للرواية، وظاهر التعليل
الثاني في الذكرى يقضي بثبوت البعضية من غير احتياج إلى نية لا أنه اجتزأ به للرواية
وإن لم تحصل البعضية بحيث يحتاج حينئذ إلى تخصيص ما دل على وجوب السورة الكاملة
في الصلاة، ومن ذلك يعلم حينئذ أن المقام ليس من الاشتراك الذي يحتاج إلى النية،
وإلا لم يحصل في الفرض، كما أن الظاهر عدم المنافاة بين ما ذكراه من الاجتزاء في
الفرض المزبور وبين الأول الذي صرحا فيه بعدم الاجتزاء، وهو قراءة البسملة
لا بقصد سورة، للفرق بينهما بنية الخلاف وعدمها كما أومأ إليه في كشف اللثام،
ضرورة أن الخلاف قصد غير السورة المقروة بقصد سورة أخرى مخصوصة غيرها،
أو بقصد الاطلاق المنافي للتعيين، أو بتعمد عدم القصد إلى سورة مخصوصة من غير
التفات إلى قصد الاطلاق، وحينئذ يمكن تنزيل نحو ما وقع من الفاضل في القواعد
والإرشاد وغيره من الحكم بإعادة البسملة على من لم يقصد سورة على نية الخلاف لا عدم
النية، فتكون الصحة حينئذ في صورة جريان اللسان اتفاقية بين الجميع أو غير معروفة
الخلاف وإن كان الاستدلال بتوقف تعيين الاشتراك على النية قاضيا بشمول الجميع،

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
55

إلا أنك قد عرفت ما فيه، بل ذلك كله مماشاة، وإلا فقد عرفت قوة الاجتزاء حال
قصد الاطلاق أو عدم قصد سورة مخصوصة، بل قد سمعت احتمال الاجتزاء مع قصد
السورة المخصوصة ثم عدل فضلا عن غيره.
كما أنه يمكن القول بناء على اعتبار القصد في التعيين بأنه يكفي التعيين الاجمالي
المقتضي تعينا في الواقع وإن لم يعلمه المكلف بخصوصه، كما لو قصد بالبسملة أنها جزء
من السورة التي يوقعها الله في خلده للصلاة، وينكشف ذلك حينئذ بما يقع منه بعد
البسملة، إذ لا ريب في ارتفاع الاشتراك بذلك، وصيرورته من المتشخص في نفسه،
ولذا صرح غير واحد بعدم وجوب قصد البسملة للحمد وللسورة المتعينة بنذر وشبهه،
أو بعدم معرفته غيرها، أو بضيق الوقت إلا عنها، أو بغير ذلك من المعينات، إذ
الظاهر أن وجه السقوط في ذلك عدم الاشتراك في التكليف، فتكفي حينئذ نية الصلاة
الاجمالية الأولية في تعيين البسملة جزءا من الفاتحة أو السورة، ضرورة تشاغله
بالمكلف به منها المفروض انحصاره في ذلك، فلا يقدح ذهوله وغفلته، فينحل في الحقيقة
إلى نية التعيين، وإلا فنفس تشخص المكلف به في نفسه لا يرفع أصل الاشتراك،
وهذا بعينه يمكن تقريره في الفرض المزبور أيضا، بل يمكن دعوى عدم انفكاك المكلف
عن هذا القصد الاجمالي المتضمن لقصد كون البسملة جزءا مما يقع منه من السورة وإن
كان لا يعلم هو خصوص ما يقع منه، إلا أنه متعين في نفسه ومعلوم عند الله، فهو حينئذ
كما لو قصد جزئية البسملة من السورة الموصوفة بكذا وفرض عدم انطباق الوصف إلا
على سورة مخصوصة، وعدم استحضاره ما ينطبق عليه الوصف من السور كعدم
استحضاره أصل القصد في حال الغفلة والذهول غير قادحين، إذ الاستحضار أمر زائد
على القصد المشخص، فتأمل جيدا.
56

وقد يعلم من التأمل في ذلك الحكم فيما فرعوه هنا بناء على اعتبار التعيين من
الاكتفاء بالعادة، وبالعزم السابق على الشروع في الصلاة أو بعده قبل القراءة أو بعدها
قبل الفراغ من الفاتحة، أو يعتبر خصوص القصد المقارن، حتى أن المحقق الثاني
(رحمه الله) توقف في ذلك، وقال: إني لا أعلم شيئا يقتضي الاكتفاء أو عدمه بأن
يقال: إن كانت العادة أو العزم أورثا داعيا في النفس ينبعث عنه الفعل اتجهت الصحة
وإلا فلا، ضرورة حصول القصد في الأول وإن لم يعلم بحضوره، بخلافه في الثاني لمساواته
من لم تكن له عادة أو عزم أصلا، نعم يندرجان في صورة جريان اللسان مع فرض عدم
تجدد قصد آخر لهما، وقد عرفت الحال فيها، والله أعلم.
المسألة التاسعة لا خلاف أجده بين الأصحاب في جواز العدول من سورة إلى
أخرى في الجملة، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، كما أنه يمكن دعوى تواتر النصوص
معنى فيه أيضا، فقد قال عمرو بن أبي نصر (1) للصادق (عليه السلام) في الصحيح:
" الرجل يقوم في الصلاة يريد أن يقرأ سورة فيقرأ قل هو الله أحد وقل يا أيها
الكافرون فقال: يرجع من كل سورة إلا قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون "
وقال له (عليه السلام) الحلبي أيضا في الصحيح (2) أيضا: " رجل قرأ في الغداة سورة
قل هو الله أحد قال: لا بأس، ومن افتتح سورة ثم بدا له أن يرجع في سورة غيرها
فلا بأس إلا قل هو الله أحد لا يرجع منها إلى غيرها، وكذلك قل يا أيها الكافرون "
وسأله (ع) أيضا عبيد بن زرارة (3) في الموثق " عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ
في أخرى فقال: فليرجع إلى السورة الأولى إلا أن يقرأ بقل هو الله أحد - وقال له (ع)
أيضا - " رجل صلى الجمعة فأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو الله أحد فقال:

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 - 2
(3) التهذيب ج 3 - ص 242 من طبعة النجف
57

يعود إلى سورة الجمعة " وقال له (ع) أيضا في الموثق (1) " في الرجل يريد أن يقرأ السورة
فيقرأ غيرها فقال: له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها " وقال هو (ع) أيضا للحلبي
في الصحيح (2) من غير سبق سؤال: " إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت
تريد أن تقرأ غيرها فامض فيها ولا ترجع إلا أن تكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى
الجمعة والمنافقين " وقال محمد بن مسلم لأحدهما (عليهما السلام) في الصحيح (3) أيضا
" في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد قال: يرجع إلى
سورة الجمعة " وسأل علي بن جعفر أخاه (عليه السلام) في قرب الإسناد (4) وعن
كتاب المسائل له أيضا " عن الرجل إذا أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها هل يصلح له
أن يقرأ نصفها - وعن كتاب المسائل بعد أن يقرأ نصفها أن رجع إلى آخره - ثم يرجع
إلى السورة التي أراد قال: نعم ما لم يكن قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون "
ثم قال (5): " وسألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟ قال: سورة الجمعة وإذا جاءك
المنافقون، وإن أخذت في غيرها وإن كان قل هو الله أحد فاقطعها من أولها وارجع
إليها: وقال عبيد الله بن علي الحلبي وأبو الصباح الكناني وأبو بصير كلهم (6)
للصادق (عليه السلام) أيضا في الصحيح: " في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف سورة ثم
ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع قال: يركع ولا يضره "
وفيما حضرني من نسخة الذكرى عن نوادر البزنطي عن أبي العباس (7) " في الرجل
يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أخرى قال: يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف "
لكن عن البحار روايتها عن الذكرى مسندة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) وعن فقه

(1) الوسائل - الباب 36 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 4 - 3
(2) الوسائل - الباب 69 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 1 - 4
(3) الوسائل - الباب 69 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(5) الوسائل - الباب 69 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 1 - 4
(6) الوسائل - الباب 36 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 4 - 3
(7) الوسائل - الباب 36 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 4 - 3
58

الرضا (عليه السلام) (1) قال العالم (عليه السلام): " لا يجمع بين السورتين في الفريضة "
وسئل (2) " عن الرجل يقرأ في المكتوبة نصف السورة ثم ينسى فيأخذ
في الأخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع قال: لا بأس به " (3) " وتقرأ في
صلاتك كلها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين وسبح اسم ربك الأعلى،
وإن نسيتها أو واحدة فلا إعادة عليك، فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة
فارجع إلى سورة الجمعة، وإن لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك "
وعن كتاب دعائم الاسلام (4) روينا عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: " من
بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثم رأى أن يتركها ويأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ
في نصف السورة الأخرى ألا أن يكون بدأ بقل هو الله أحد فإنه لا يقطعها، وكذلك
سورة الجمعة أو سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما، وإن بدأ بقل هو الله
قطعها ورجع إلى سورة الجمعة أو سورة المنافقين في صلاة الجمعة تجزيه خاصة ".
كل ذلك مضافا إلى صدق اسم الصلاة مع العدول، فجميع الاطلاقات حينئذ
تقضي بالصحة، وإلى استصحاب بقاء التخيير بين السور التي قد عرفت سابقا عدم
صلاحية معارضة النهي عن الزيادة له لخصوصه، أو لقصوره عن تناول مثل ذلك مما يفعل
بعنوان امتثال الأمر، كما أوضحناه سابقا، وعليه حينئذ لا يختص جواز العدول في
المقام، بل هو في كل كلي مخير في أفراده قبل حصول تمام الامتثال، نعم ظاهر
النصوص هنا عدم اعتبار خروج ما وقع عن قابلية الامتثال مع الاتمام بفوات الموالاة

(1) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
(2) المستدرك - الباب - 28 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(3) المستدرك - الباب - 37 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 مع نقصان
(4) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 مع نقصان
59

ونحوها في الشروع بالسورة المعدول إليها، وكأنه لعدم حصول الامتثال بعد، وعدم
التنافي بين قابليته وبين وقوع الامتثال بفرد آخر للكلي، وقد يحتمل الاشتراك بدعوى
عدم الخطاب فعلا بالسورة، بل يحضر الخطاب بالاتمام أو الابطال، فيتحقق حينئذ
خطاب السورة، وبأنه وإن قلنا: إن خطاب الجزء مقدمي لكن له امتثال أيضا بحسب
حاله، فمع فرض صحته لا خطاب بآخر مثله، فهو كالوضوء إذا أراد إبطاله واستئناف
فرد آخر أكمل من الأول أو أحوط، والفرق بينهما بأن الفرض في المقام فرد آخر
وفي الوضوء تكرير الفرد يدفعه - مع إمكان تغاير الفردين في الوضوء بالكمال أو الاحتياط
أو غيرهما - أنه لا فرق بينهما عند التأمل، وبأنه لم يعرض له ما يبطله ويذهب صحته
المترتبة عليه بحسب حاله، ونية الاعراض عنه وإبطاله لا تؤثر، ولذا لو عدل وفرض
عدم فوات الموالاة أجزأه الاكمال، وبغير ذلك مما لا يخفى بعد ما ذكرنا.
وعلى كل حال فلا إشكال في جواز العدول في الجملة، إنما البحث في تحديده
ومحله، والاجماع بقسميه على جوازه قبل بلوغ النصف، مضافا إلى الأدلة السابقة، كما
أن الظاهر تحقق الاجماع أيضا على عدم جوازه بعد تجاوز النصف كما اعترف به في مجمع
البرهان، بل في الحدائق أنه حكاه جماعة منهم الشهيد الثاني في الروض أيضا، وبذلك
يخرج عن إطلاق النصوص، ومن العجيب ما في كشف الأستاذ من جوازه بعد ذلك
إلى الثلثين لموثق عبيد بن زرارة (1) السابق، إذ هو وإن كان متجها بالنظر إلى
النصوص لعدم معارض معتد به منها له، مع تأيده بالأصل وغيره مما عرفت، لكن
الاجماع الذي سمعت شاهد بخلافه، وكفى به شاهدا.
أما النصف ففي الذكرى عن الأكثر اعتبار عدم بلوغه في جواز العدول، وقد
يشهد التتبع بخلافه، وأن الأكثر على اعتبار عدم مجاوزة النصف في جواز العدول،

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
60

ومقتضاه الجواز معه، والانصاف أنهما معتبران مشهوران، وقد اعترف غير واحد
بعدم العثور لهما على نص، قلت: فالمتجه حينئذ الثاني، للأصل والاستصحاب السابقين
وإطلاق الأدلة وغير ذلك مما لا ينبغي الخروج عنه إلا في موضع الدليل، مضافا إلى
خبر (1) قرب الإسناد وكتاب المسائل وخبر الدعائم (2) وخبر الذكرى (3) في
أقوى الوجهين، بل يمكن استفادته من صحيح الثلاثة (4) والمرسل عن فقه الرضا
(عليه السلام) (5) بناء على اعتبار الشرط المزبور في حالي العمد والنسيان بمعنى تعين
الخطاب بالسورة في إتمامها مع فرض بلوغ النصف، فلا يجزي قراءة غيرها عمدا أو
نسيانا إذا ذكر قبل الركوع، لظهور النهي في المقام ونحوه في إفادة حكمين تكليفي
ووضعي غير مقيد بالتكليفي، فحينئذ نفي الضرر في الصحيح المزبور وإن ذكر قبل
الركوع دليل على جواز العدول مع بلوغ النصف، وإلا لم يجتز به وإن كان لا إثم
من جهة النسيان، واحتمال قصر الحكم عليه خاصة دون العمد كما ترى إن لم نقل إنه
خرق للاجماع المركب، ولعله إلى ذلك أومأ الشيخ في استدلاله به للمفيد الذي اعتبر
عدم مجاوزة النصف لا بلوغه، فتأمل هذا.
مع أنا لم نعثر على ما يدل على الأول سوى ما عساه يظهر من قوله: " بعد ما
قرأت نصف سورة " في الرضوي المتقدم الذي هو ليس بحجة عندنا، واحتمال أن قوله
فيه: " وتقرأ " إلى آخره من مقول العالم فتكون رواية مرسلة خلاف الظاهر بل المقطوع
به عند التأمل، وسوى إشعار " أن " الوصلية في خبر الذكرى على أحد الوجهين بمعلومية

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(2) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 4
(5) المستدرك - الباب - 28 من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
61

التحديد بالنصف في غير مفروض السؤال، وأنه هو يزيد بالرجوع وإن بلغ النصف،
لكن مقتضى ذلك التفصيل بين السورة التي أريد غيرها والتي لم يرد غيرها، ولم يعهد
من الخصم القول بذلك، نعم قال في الذكري بعد الخبر المزبور: وهذا حسن، ويحمل
كلام الأصحاب والروايات على من لم يكن مريدا غير هذه السورة، لأنه إذا قرأ غير
ما أراده لم يعتد به، ولهذا قال: يرجع، وظاهره تعين الرجوع، وفيه أنه لا وجه
حينئذ للترقي ببلوغ النصف الظاهر في عدم جواز غيره وإن لم تكن السورة مرادة، على
أن مورد غيره من النصوص كمورده، وقد اشتمل على النهي عن الرجوع عن السورتين
الجحد والاخلاص، وهو يقضي باعتبار الدخول وإن فرض سبق الإرادة، بل هو
نفسه قبل هذا بيسير قد استدل على إجزاء جريان اللسان ببسملة وسورة من غير قصد
بخبر أبي بصير (1) المشتمل على إرادة الغير، بل المستفاد من التأمل في النصوص والعمل
باطلاقها أنه لا فرق في جواز العدول بين أن يكون الدخول في السورة المعدول عنها
بقصد أو غيره، ولا بين أن يكون عدوله عنها إلى غيرها مقصودا لذاته بأن يبدو له
العدول فيعدل أو لنسيانها فتمادى به إلى أن دخل في غيرها من دون قصد، ولا بين أن يكون
السورة المعدول إليها مما سبق قصدها أم لا، ومن هنا قلنا سابقا إن هذه النصوص
ظاهرة في عدم اشتراط التعيين بالبسملة، بل ربما استظهر من إطلاق بعضها عدم اعتبار
قصد الخلاف أيضا، فلاحظ وتأمل.
وعلى كل حال فقد بان لك أن الأقوى اعتبار مجاوزة النصف في امتناع العدول
ومن الغريب أنه في الذكرى مال إلى اعتبار النصف بعد أن حكاه عن الأكثر واحتمل
إرجاع التعبير بالمجاوزة التي حكاها عن الشيخ خاصة إلى النصف، إذ فيه ما لا يخفى من
وجوه، مع أن احتمال العكس أولى كما اعترف به في كشف اللثام.

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
62

ثم الظاهر إرادة النصف بالنسبة إلى الحروف لا الآيات والكلمات، نعم لا يبعد
اعتبار التخمين في ذلك، لتعذر العلم واليقين في هذا الحال أو تعسرها مع ظهور التحديد
به في النصوص في تفسيره (تيسيره خ ل) بل لا يبعد أيضا عدم تحقق التجاوز بمثل
الحرف والحرفين ونحوهما، ولعل تعبير بعض الأصحاب بالنصف وآخر بتجاوزه مبني
على التسامح لا أنه خلاف في المسألة.
وكذا لا يخفى أيضا ظهور النصوص في حرمة الرجوع عن سورتي الجحد
والاخلاص ووجوب المضي فيهما لغير الجمعة والمنافقين في المحل الذي يأتي بمجرد الشروع
فيهما وإن كانت بسملة مع قصدها بناء على التعين بالقصد، بل إن لم يمكن تحصيل
الاجماع على الحرمة فقد حكاه المرتضى فيما حكي من انتصاره لكن بالنسبة إلى الثانية،
بل الظاهر بمقتضى إطلاق النصوص والفتاوى عدم الفرق بين الصلاة التي يستحبان فيها
وبين غيرها، وبين الركعة الأولى والثانية لكل منهما، وإن كان لولا ذلك لأمكن
المناقشة فيه في الجملة.
وعلى كل حال فخلاف المصنف حينئذ فيه وأنه مكروه لا محرم وربما تبعه بعض
متأخري المتأخرين في غاية الضعف، واستدلاله على ذلك باطلاق قوله تعالى (1):
" فاقرأوا ما تيسر " أضعف من دعواه، كاستدلال من وافقه بعدم حمل الأمر والنهي
في النصوص على الوجوب والحرمة، ونحوه خلافه أيضا في الكتاب فيما يأتي بالنسبة إلى
جواز الرجوع منهما إلى الجمعة والمنافقين الذي هو متفق عليه بحسب الظاهر وإن أطلق
المنع بعض القدماء، والنصوص صريحة فيه في الثانية التي يستفاد بسبب أولويتها الظاهرة
من (أن) الوصلية وغيرها حكمه في الأولى، مضافا إلى دعوى الاجماع المركب، بل

(1) سورة المزمل - الآية 20
63

قد يستفاد أيضا من التشبيه في قوله (عليه السلام) (1): " وكذا قل يا أيها " إلى آخره
خصوصا وقد علم أن المراد بالغير المذكور في حكم المشبه به ولو من خارج ما عدا الجمعة
والمنافقين، فيثبت حينئذ في المشبه بشهادة فهم العرف، لكن قد يمنع بل يدعى إرادة
الظاهر في المشبه، فيكون كالعام الذي خص في البعض، ولئن تنزلنا فلا أقل من
ثبوت حكم ما بقي من المشبه به في المشبه خاصة، فتختص التخصيصية بالمشبه به والخصوصية
بالمشبه، وعلى كل حال فتمسك المصنف حينئذ في المنع عن الرجوع منهما بالاطلاق كما
ترى، وإن حكي عن المرتضى وابن الجنيد ما يوافقه أيضا حيث أطلقا المنع كالنصوص
بل هو معقد إجماع أولهما، لكن الأقوى الأول لما عرفت، نعم قد يستفاد من الأمر
بقطعهما لهذين السورتين دون غيرهما حرمة العدول من السورتين إلى غيرهما، ضرورة
أولويتهما من سورتي الجحد والاخلاص اللتين حرم العدول منهما إلى ما عداهما أو
مساواتهما لهما في المصلحة، مضافا إلى التصريح به في خبر الدعائم (2) بل لعل الأمر
بالعدول منهما إليهما يعين الأول، ومقتضاه عدم العدول منهما إليهما فضلا عن غيرهما،
وإن كان هو بحيث يصل إلى حد الحرمة بالنسبة إلى خصوص سورتي الجحد والاخلاص
لا يخلو من نظر، إذ الأولوية أعم من ذلك، كما أنه لا يخلو منه أيضا بالنسبة إلى غيرهما
لامكان منع الأولوية التي لا تندرج في القياس المحرم، ولخلو النصوص والفتاوى عن
ذلك، بل ربما كان ظاهر الاقتصار في الاستثناء على السورتين خلافه، واحتمال الاتكال
في بيان ذلك على الأمر بالعدول من السورتين اللتين قد حرم العدول منهما إلى غيرهما
إليهما للأولوية أو للتشبيه يمكن المناقشة فيه، فتأمل جيدا.

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(2) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
64

وكيف كان فقد أطلق الشيخ والفاضل الرجوع من السورتين إلى السورتين من
غير تقييد ببلوغ النصف أو تجاوزه، بل هو صريح بعض متأخري المتأخرين، لاطلاق
الأمر به في النصوص السالم عن المعارض، ولذا قال في مجمع البرهان: " لا أرى دليلا
على عدم جواز الرجوع مع تجاوز النصف " قلت: وحينئذ يجوز الرجوع من غيرهما
أيضا إليهما، ضرورة أولويته منهما بذلك، مضافا إلى اطلاق بعض النصوص أيضا،
إلا أنه أطلق الأصحاب هناك حتى حكموا الاجماع على عدم جواز العدول بعد تجاوز
النصف كما عرفت، وتقييده بما إذا لم يكن إلى سورتي الجمعة والمنافقين تمسكا بثبوته
في التوحيد والجحد فيثبت في غيرهما بطريق أولى ليس بأولى من أن يبقى ذلك الاطلاق
على حاله، ويقيد جوازه في التوحيد والجحد بما إذا لم يبلغ النصف أو يتجاوزه، تمسكا
بأن ثبوت المنع في الأضعف يقتضي أولويته في الأقوى، ولعله بذلك يرجح كونه وجها
للجمع بين قول الصادق (عليه السلام) (1) حين سئل عن رجل أراد أن يصلي الجمعة
فقرأ قل هو الله أحد: " يتمها ركعتين ثم يستأنف " وبين إطلاق ما دل على جواز
العدول بحمل الأولى على ما إذا بلغ النصف أو تجاوزه، والثانية على ما ليس كذلك
على غيره من الوجوه كالتخيير ونحوه، خصوصا مع ملاحظة الرضوي بناء على اعتباره
ومع معلومية عدم جواز العدول من الفريضة إلى النافلة بغير ضرورة، فيجعل حينئذ
ذلك منها، خصوصا إذا كان قراءته للتوحيد مثلا ناسيا، فإن الفاضل في المحكي عن
مختلفه نقل عن أكثر العلماء جواز الرجوع بالنية، كما أنه نقل عن الفقيه والمقنع والاصباح
وجامع الشرائع ذلك أيضا إذا قرأ نصف سورة، فما عن العجلي من المنع للنهي عن
إبطال العمل ضعيف كدليله، بل قد يدعى أن المعلوم من جميع النصوص والفتاوى أن
التحديد بالنصف مثلا للرجوع حيث يجوز ولو في مقام خاص من غير تخصيص بسورة

(1) الوسائل - الباب - 72 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
65

وكأنه لذلك كله قيد بعضهم العدول منهما بالنصف، بل في الحدائق أنه المشهور، وآخر
بما إذا تجاوز النصف، بل عن البحار نسبة إلى الأكثر على حسب ما تقدم في الانتقال
من غيرهما، والانصاف بعد ذلك كله أن المقام مقام تأمل كما أنه كذلك بالنسبة إلى
اشتراط جواز العدول من السورتين بما إذا دخل فيهما ناسيا وعدمه، من إطلاق خبر
قرب الإسناد وكتاب المسائل (1) بل وغيره من النصوص وإن كان هو أسبق إلى
الذهن من العامد فيها، لكن ليس سبق تقييد واختصاص، مضافا إلى إطلاق الفتاوى
وأصالة جواز العدول وغيرها، ومن إطلاق دليل المنع عن العدول الذي يجب الاقتصار
فيه على المتيقن، وليس إلا الناسي الذي هو مورد النصوص، ولذا خصه به المحقق
الثاني وبعض من تأخر عنه.
كما أنه يجب الاقتصار في العدول من السورتين إلى الجمعة والمنافقين على المتيقن
وهو سورة الجمعة في أولى صلاة الجمعة، والمنافقين في ثانيتها، لاطلاق المنع عن العدول
منهما، ومن هنا اختاره في الحدائق منكرا على ما عند الأصحاب لكن لم أجد من
وافقه عليه، إذ المحكي عن الصدوق والشيخ وابن إدريس ويحيى بن سعيد والفاضل
وغيرهم أن محل ذلك ظهر يوم الجمعة، واحتمال إرادتهم صلاة الجمعة خاصة في غاية البعد
نعم يستفاد الحكم فيها بالأولوية أو يراد منه ما يشملها، فيكون المحل حينئذ الظهر وصلاة
الجمعة كما اختاره المحقق الثاني وغيره، بل عن البحار الظاهر اشتراك الحكم عندهم بين
الظهر والجمعة بلا خلاف في عدم الفرق بينهما، ثم قال: " والأخبار إنما وردت بلفظ
الجمعة، والظاهر أنها تطلق على ظهر يوم الجمعة مجازا، أو هي مشتركة بين الجمعة والظهر
اشتراكا معنويا " قلت: قد سمعت ما في صحيح الحلبي (2) من التعبير بيوم الجمعة

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 69 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
66

الشامل لهما، ومن العجيب ما في الحدائق من وجوب حمله على صلاة الجمعة تحكيما للمقيد
على المطلق، إذ ذاك يجب مع التعارض لا مع عدمه كما في المقام، بل لولا انسياق إرادة
خصوص الصلاتين من إطلاقه إلى الذهن لاتجه تعميم الحكم للعصر أيضا كما في جامع
المقاصد وعن التذكرة وظاهر الموجز والروض أو صريحهما، بل وللصبح أيضا وإن لم
أجد به قائلا، نعم عن الجعفي أنه جعل المحل فيه وفي صلاة الجمعة والعشاء ليلتها، ولم
أقف له على ما يدل على خصوص الجمع مع نفي غيره، اللهم إلا أن يجعل المدار في العدول
على استحباب هاتين السورتين، ولعله يرى استحبابهما في ذلك خاصة، لكنه كما ترى
ضرورة كون المتبع الدليل في تقييد إطلاق المنع عن العدول، وليس استحبابهما صالحا
بعد إمكان دعوى ظهوره في الابتداء، أو ما لم يحصل مانع كتجاوز نصف السورة مثلا
في غير السورتين والشروع فيهما، وإلا لجاز العدول أيضا إلى غيرهما من السور المستحبة
بالخصوص في بعض الصلوات وإن تجاوز النصف مثلا، مع أنه معلوم العدم، ولو سلم
تعارضهما فلا ريب في رجحان ذلك، ضرورة تسلطه على المنع من العدول، بخلاف
دليل الاستحباب فإنه غير مسلط على حكم العدول كما هو واضح بأدنى تأمل، فلا ريب
في أن الأحوط عدم العدول في غير الصلاتين إن لم يكن الأقوى.
وكيف كان فقد ذكر غير واحد من الأصحاب في مسألة العدول منهم العلامة
في الإرشاد أنه يعيد البسملة إذا عدل، كما أنه يعيدها إذا لم يقصد سورة بعد القصد،
وهو مبني على المسألة السابقة من عدم تعينها بغير النية سيما إذا قصد العدم، وقد تقدم
تحقيق الحال فيها، لكن قال في الروض هنا بعد أن ذكر جملة من الكلام: بقي في المسألة
إشكال، وهو أن حكمه بإعادة البسملة لو قرأ من غير قصد بعد القصد إن كان مع
قراءتها أولا عمدا لم يتجه القول بالإعادة، بل ينبغي القول ببطلان الصلاة للنهي عن
قراءتها من غير قصد، وهو يقتضي الفساد، وإن كان قرأها ناسيا فقد تقدم القول بأن
67

القراءة خلالها نسيانا موجب لإعادة القراءة من رأس، فالقول بإعادة البسملة وما بعدها
لا غير لا يتم على تقديري العمد والنسيان، والذي ينبغي القطع بفساد القراءة على تقدير
العمد، للنهي، وهو الذي اختاره الشهيد في البيان، وحمل الإعادة هنا على قراءتها
ناسيا، وقد تكلف لدفعه بأن المصلي لما كان من نيته أن ذلك من قراءة الصلاة لم يكن
من غيرها فلم يقدح في الموالاة، ويؤيده رواية البزنطي عن أبي العباس (1) لكنها
مقطوعة، ومادة الاشكال غير منحسمة، وقد أنكر عليه الأردبيلي حتى قال: إني لا
أفهم هذا الاشكال، وعلى تقديره لا أفهم رفعه، وتبعه في الحدائق وغيره حتى حملوا
كلامه في الشق الثاني من الترديد على الغفلة، لعدم المدخلية لما نحن فيه في مسألة الموالاة
قلت: لعله يعتبر الموالاة في تمام القراءة لا خصوص قراءة الحمد والسورة، فيتجه حينئذ
جميع ما ذكره، نعم ينبغي إبدال الصلاة عوضا عن القراءة في قوله: " والذي ينبغي
القطع " إلى آخره، ووجه البطلان حينئذ ما ذكروه غير مرة من التشريع في الجزء،
والمناقشة تلحقهم في كل ما كان من هذا القبيل لا خصوص ذلك، فتأمل جيدا.
ثم لا يخفى أن تحديد العدول بالنصف أو الشروع بالسورتين إنما هو إذا لم
يعرض ما يوجبه من نسيان بعض السورة أو ضيق الوقت أو نزول ضرر معتد به أو
غير ذلك، فإنه يجب العدول حينئذ وإن تجاوز النصف أو كانت السورتين، وصحيح
زرارة (2) الدال على أن له أن يدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في قراءته وأنه إن
قرأ آية وشاء أن يركع ركع لا تعلق له بما نحن فيه، لأنه في النوافل أو التقية أو غير
ذلك، ضرورة ابتناء الكلام على وجوب سورة كاملة، نعم إن تمكن من القراءة في
المصحف أو اتباع قار أو نحوهما مما هو غير جائز مع الاختيار فقد يقال بالوجوب،
مع أن الأقوى أيضا خلافه، بل الظاهر عدم الاجزاء فضلا عن الوجوب، لانسياق

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 1
68

غير الفرض من المنع عن العدول إلى الذهن، فلا ضرورة حينئذ يسوغ لأجلها ذلك
بناء على حرمته مع الاختيار، فتأمل جيدا، ويتخير في السورة المعدول إليها بين التوحيد
وغيرها، للأصل وغيره، والأمر بها في بعض النصوص (1) محمول على الندب كما صرح
به العلامة الطباطبائي في منظومته، لكن الأحوط قراءتها تخلصا من احتمال الوجوب،
والله أعلم.
(الخامس)
من أفعال الصلاة
(الركوع)
(وهو واجب) فيها في الجملة بالضرورة من الدين كما اعترف به بعض الأساطين
فضلا عن السنة المتواترة والكتاب المبين، والمراد وجوبه (في كل ركعة) منها لتوقف
صدق الركعة عليه، فوجوب الأعداد يغني حينئذ عن بيان وجوبه، نعم إنما يجب
(مرة) واحدة لحصول الامتثال (إلا في الكسوف والآيات) فإنه يجب في كل ركعة
خمس ركوعات كما ستعرفه مفصلا إن شاء الله (وهو ركن في الصلاة) بمعنى أنه (تبطل
بالاخلال به عمدا وسهوا) لكن (على تفصيل) هو الدخول في ركن وعدمه (سيأتي)
ذكره في أحكام الخلل، كما أنه يأتي أيضا خلاف الشيخ وغيره في ذلك، وقد أشبعنا
الكلام فيه هناك، لأنه كان مقدما على المقام في التصنيف (والواجب فيه) إما لتوقف
حصول مسماه عليه أو للأمر به شرعا فيه (خمسة أشياء):
(الأول أن ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه) إجماعا كما في جامع
المقاصد والمفاتيح، وفي المنتهى بحيث تبلغ يداه ركبتيه، وهو قول أهل العلم كافة إلا

(1) التهذيب ج 2 ص 295 من طبعة النجف
69

أبا حنيفة، فإنه أوجب مطلق الانحناء نحو ما عن المعتبر وإن أبدل اليد فيه بالكف،
ضرورة كونه المراد منها، بل والتذكرة وإن أبدلها بالراحة، إذ لعل المراد بها الكف
كما عن ديوان اللغة، أو المراد ما ستعرفه من وضع بعض الكف ولو الأصابع بحيث
يبلغ أول جزء من الراحة أول جزء من الركبة، وفي الذكرى لا يتحقق مسمى الركوع
شرعا إلا بانحناء الظهر إلى أن تبلغ اليدان عيني الركبتين إجماعا.
ولعل مراد الجميع عدا الذكرى عند التأمل بشهادة القرائن الكثيرة واحد هو
الانحناء بحيث تصل اليد إلى الركبة وصولا لو أراد وضع شئ منها عليها لوضعه ولو مجموع
أطراف الأصابع حتى الابهام، وكأنه هو المراد من قوله (عليه السلام) في صحيح
زرارة (1): " وبلغ بأطراف أصابعك عين الركبة، وفرج أصابعك إذا وضعتها على
ركبتيك، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، وأحب
إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة " ومن المروي في
المنتهى وعن المعتبر عن معاوية بن عمار وابن مسلم والحلبي (2) قالوا: " وبلغ بأطراف
أصابعك عين الركبة، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك
ذلك، وأحب أن تمكن كفيك من ركبتيك " ضرورة لزوم وصول أطراف مجموع
الأصابع حتى الابهام مثلا، لامكان الوضع على الركبة، نعم لا يكون الكف متمكنا
منها حينئذ، لبقاء الراحة خارجة عن الركبة، ولذا ندبه إلى التمكن بأن يضع الراحة على
الركبة، ويبلغ بأطراف أصابعه العين حتى يكون قد ملأ كفيه من ركبتيه كما عن السيد
التعبير به في جمله " وألقمهما كفيه " كما عن الشيخ التعبير به في مصباحه، وليس المراد
من وصول أطراف الأصابع مساواة الخط الأخير من رؤوسها الخط الأول من الركبة

(1) التهذيب ج 2 - ص 83 من طبعة النجف
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الركوع - الحديث 2
70

بحيث لا يتمكن من وضع شئ منها عليهما لو أراد، نعم قد ينافي ذلك عبارة الذكرى
حيث اعتبر بلوغ اليد إلى العين الذي قد عرفت ظهور الرواية في استحبابه، بل في
المنتهى أنه " يستحب وضع الكفين على عيني الركبتين مفرجات الأصابع، وهو مذهب
جميع العلماء إلا ما روي عن ابن مسعود " وقد يريد بالعين في الذكرى وسط الركبة
لا الزاوية السفلى، فيجتمع حينئذ مع غيره لا أن مراد عدم الاجتزاء بوصول الأصابع
فقط التي هي بعض الكف، ولعله إلى ذلك كله أشار في الروضة بقوله: " والمعتبر
وصول جزء من باطن الكف لا جميعه ولا رؤوس الأصابع " بل وفي المسالك أيضا
قال: والظاهر الاكتفاء ببلوغ الأصابع، وفي حديث زرارة (1) المعتبر " فإن وصلت "
إلى آخره، وكأنه فهم من الخبر المزبور ما ذكرناه بقرينة ذكره دليلا على دعواه، بل
وفي جامع المقاصد أيضا حيث قال: " وفي أكثر الأخبار اعتبار وصول الراحتين
والكفين إلى الركبتين، وفي بعضها الاكتفاء بوصول أطراف الأصابع، وإن حمل على
الأطراف التي تلي الكف لم يكن بينها اختلاف، ولم أقف في كلام لأحد يعتد به على
الاجتزاء ببلوغ رؤوس الأصابع في حصول الركوع " وهو كالصريح في الاجتزاء بوضع
بعض الكف الذي هو الأصابع، كما أنه ظاهر في أنه لم يفهم من نحو عبارة المنتهى
الاجتزاء بنحو ذلك، مع أنه ذكر بلوغ اليد، واستدل بخبر الأطراف كالمعتبر وظاهر
كشف اللثام، ولقد أجاد في إرادة الوضع من البلوغ فيهما لا الاكتفاء بالوصول، ولعل
ذلك أيضا هو مراد العلامة الطباطبائي بقوله:
والحد فيه الانحناء الموصل * لليد بالركبة أو ما ينزل
بل والأستاذ في كشفه وإن بعد حيث عرفه بتقويس الظهر على البطن والصدر
بحيث تناول أطراف أصابعه مع استواء خلقته أعلى ركبتيه، كما ينبئ عنه ظاهر العرف

(1) التهذيب ج 2 ص 83 من طبعة النجف
71

وآداب المرأة أو ما قام مقامه، والأحوط اعتبار راحتيه، إذ الظاهر بقرينة جعله الراحة
خاصة الاحتياط إرادته من التناول التمكن من الوضع لو أراده، وهو بعينه ما ذكرناه،
بل والمحكي عن البيان أيضا من أن الأقرب وجوب انحناء تبلغ معه الكفان الركبتين،
ولا يكفيه بلوغ أطراف الأصابع، وفي رواية يكفي، إذا الظاهر إرادته ولو بعض
الكف لاتمامه.
ومن ذلك كله بان لك ما في الذي أطنب به في الحدائق تبعا للمحكي عن المجلسي
من الاجتزاء ببلوغ رؤوس الأصابع وإن لم يتمكن من الوضع لو أراده ناسبين ذلك إلى
الأكثر، بل في الحدائق إلى المشهور وأن في عبارتي المعتبر والتذكرة مسامحة، كما أن
ما في الجامع والروض والروضة والبيان من التصريح بعدم الاجتزاء واضح البطلان،
كوضوح بطلان ما في الذخيرة من الميل إلى أن التجوز والتسامح في عبارتي المنتهى
والذكرى، فيجب إرجاعهما إلى عبارتي المعتبر والتذكرة، لأن الذي يقع في الخاطر
من وضع اليد وصول شئ من الراحة، قال: ويشعر بذلك الأدلة التي في الكتابين،
سيما الذكرى، فإنه قال فيه بعد نقل قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (1):
" وتمكن راحتيك " وهو دليل على الانحناء هذا القدر، لأن الاجماع على عدم وجوب
وضع الراحتين، فإذن لا معدل عما ذكره المدققان، لتوقف يقين البراءة عليه، ولا
تعويل على ظاهر الخبر إذا خالف فتاوى الفرقة، وكأنه يريد خبر الأطراف، وقد
أطال في مناقشته حتى ذكر عليه وجوها خمسة، مع أنه يمكن إرجاع كلامه إلى ما ذكرنا
بنوع من التأمل والتأويل وإن كان لم يذكر التأويل في الخبر كالشهيد في البيان على ما قيل
وتبع المحدث المزبور المولى في الرياض حيث قال بعد ذكره صحيح الأطراف: " ويستفاد

(1) التهذيب ج 2 ص 83 من طبعة النجف
72

منه ومن غيره كفاية الانحناء بمقدار إمكان بلوغ رؤوس الأصابع إلى الركبتين، وأن
الزائد مستحب، وبه صرح بعض، بل عن خالي العلامة المجلسي في البحار أنه مذهب
الأكثر، خلافا لجماعة فأوجبوا الزيادة، وهو أحوط، لظهور عبائر الأكثر فيه، ومنهم
جملة من نقلة الاجماع كالفاضلين في المعتبر والتذكرة، ولكن في تعيينه نظر، لظهور
النص المعتبر في خلافه مع سلامته عن المعارض عدا شبهة دعوى الاجماع، ويحتمل تعلقها
بالتحديد المشترك بين الحدين، وهو ملاقاة اليدين الركبتين إما بالبلوغ أو الوضع، فأما
خصوصه فلعله من اجتهاد الناقل، مع أن ظاهر جملة آخرين من نقلة الاجماع هو ما ذكرناه
وإن كان يأباه سياق عباراتهم في الاستدلال عليه، كما يأتي في سياق عباراتهم في الاستدلال
ما يستفاد من ظاهر عبارتهم، وهذا من أوضح الشواهد على ما ذكرنا من أن المقصود
من دعوى الاجماع إنما هو إثبات القدر المشترك ردا على أبي حنيفة في قوله بكفاية أقل
ما يقع عليه اسم الانحناء " ولا يخفى عليك مواضع النظر من كلامه بعد الإحاطة بما قدمناه.
فتلخص من ذلك كله أن الوجوه المحتملة بل الأقوال ثلاثة أو أربعة أحدها
الاجتزاء بوصول رؤوس الأصابع وإن لم يصل إلى إمكان الوضع، الثاني الوضع ولو
لبعض الكف، الثالث وضع تمام الكف، الرابع وضع بعض الراحة، والأول خيرة
الحدائق، والثاني صريح الشهيد الثاني، والثالث ظاهر المعتبر والذكرى والتذكرة،
والرابع ظاهر المحكي عن الخراساني، وقد عرفت الحال في الجميع وإمكان إرجاع
البعض إلى البعض.
نعم يبقى إشكال فيما ذكرناه من التحديد بأنه لا يوافق ما دل عليه مقطوع
زرارة (1) الذي قد نسبه في الذكرى وجامع المقاصد إلى عمل الأصحاب، إذ فيه
" إن المرأة إذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها ليس تتطأطأ كثيرا فترتفع

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الركوع - الحديث 2
73

عجيزتها " وقد ذكر مضمونه في المحكي عن كثير من كتب المتقدمين وأكثر كتب
المتأخرين، ومقتضاه كما اعترف به في الذكرى والجامع أن ركوعها أقل انحناء من ركوع
الرجال، وأنه يتحقق مسمى الركوع بأقل من ذلك، ويوافق التحديد برؤوس الأصابع.
وقد يدفع أول بأنه لا منافاة بين استحباب وضع اليدين فوق الركبتين وكون
الانحناء فيها مساويا لانحناء الرجل، إلا أنها لا تتطأطأ كثيرا كما يستحب للرجل، بأن
تضع يديها على ركبتيها وتردهما إلى خلف لئلا ترتفع عجيزتها، فيكون إطلاق الأصحاب
حينئذ بحاله، بل صرح في جامع المقاصد هنا أنه لا فرق في التحديد المزبور بين الرجل
والمرأة، وثانيا بأنه لا يتم بناء على الوضع الشرعي للركوع، إذ لا منافاة في وضعه
للانحناءين الخاصين بالنسبة إلى المكلفين، بل وإن لم نقل بالوضع الشرعي وقلنا بالمراد
الشرعي - إذ لا مانع من تكليف الرجال بهذا الفرد من الركوع والنساء بالفرد الآخر
منه بعد أن كان في اللغة لمطلق الانحناء - إنما يتجه الاشكال وينحصر الجواب حينئذ
بالأول إذا قلنا ببقاء الركوع على معناه اللغوي، وأن هذا التحديد كاشف عنه، وأنه
عبارة عن حالة خاصة من التقوس لا يختلف مسماها بالنسبة إلى المكلفين، ولعله هو
الأقوى في النظر، خلافا لظاهر بعض وصريح آخر من ثبوت المعنى الشرعي له،
لأصالة عدم النقل، ولسلب اسم الركوع عرفا عن غيره من أفراد الانحناء، أو عدم
الحكم بكونه ركوعا أو غير ركوع، لكن لما كان هو غير منضبط ومعرفة أول أفراده
في غاية الصعوبة على المكلفين كالاقتصار على الفرد الأعلى، بل ربما كان مثارة الوسواس
من جهة الشك والالتباس تلطف الشارع بحد له مبناه في الأصل على التقريب في حصول
أول مسمى الركوع، لا أنه صار بالآخرة على التحقيق بحيث لا يجوز النقص حتى لو
فرض انكشاف صدق الاسم عليه، فكان تحقيقا في تقريب كتقدير الكر والمسافة
والوجه ونحوها من التقديرات الشرعية، ولعل من نسبه إلى الشرع أراد ذلك لا المعنى
74

الشرعي ولا المراء الشرعي على معنى معروفية غير هذا الفرد من الركوع، إلا أن الشارع
أوجب هذا الفرد بالخصوص منه، وربما كان في عبارة الأردبيلي إشعار ببعض ما ذكرنا
في الجملة، حيث قال في شرح عبارة الإرشاد " ويجب فيه الانحناء " إلى آخره: الظاهر أنه
به يتحقق لا أنه واجب من واجباته مثل الذكر، قال المصنف في المنتهى: ويجب فيه
الانحناء بلا خلاف لأنه حقيقته، وقدر أن يكون بحيث يبلغ يداه إلى ركبتيه، وهو قول
أهل العلم كافة إلا أبا حنيفة فإنه أوجب مطلق الانحناء، وربما ظهر من مطاوي كلمات
غيره أيضا كالتذكرة وغيرها، فلاحظ وتأمل.
وكيف كان فظاهر المتن وغيره كصريح البعض بل المحكي عن الأكثر أنه لا يجب
الوضع المزبور فعلا، بل في الذكرى الاجماع كما عن غيرها نفي الخلاف فيه، بل يمكن
تحصيل الاجماع عليه، بل ربما يدعى أن التأمل في النصوص يقتضيه أيضا، فمن الغريب
ما في الحدائق وكم له من الميل إلى وجوبه تمسكا بظاهر النصوص السابقة المساقة في
بيان أكثر المندوبات.
(و) لا إشكال في أن التحديد المذكور في النص والفتوى ومعاقد الاجماعات
بالنسبة إلى مستوي الخلقة، إذ هو المنساق إلى الذهن من أمثال ذلك في سائر المقامات
ف‍ (إن كانت يداه في الطول بحيث تبلغ ركبتيه من غير انحناء) أو في القصر بحيث
لا تبلغهما إلا بغاية الانحناء أو مقطوعتين أو كانت ركبتاه مرتفعتين أو منخفضتين أو
نحو ذلك (انحنى كما ينحني مستوي الخلقة) على حسب النسبة ولو بفرضه مستوي
الخلقة بأن يقدر تناسب أعضائه بلا خلاف أجده في شئ من ذلك سوى ما في مجمع
البرهان من أنه لا دليل واضح على انحناء قصير اليدين وطويلهما كالمستوي، ولا يبعد
القول بالانحناء حتى يصل إلى الركبتين مطلقا لظاهر الخبر مع عدم المنافي وعدم التعذر،
نعم لو وصل بغير الانحناء يمكن اعتبار ذلك مع إمكان الاكتفاء بما يصدق الانحناء عليه
75

وهو من الغرائب وإن كان يوافقه المحكي عن ابن الجنيد من أنه لو كان أقطع الزند
أوصل مكان القطع إلى الركبة ووضعه عليها، ولو كانت مشدودة فعل بها كذلك،
وكذا لو كان له يد من ذراع، ضرورة استلزامه الاكتفاء بما لا يسمى ركوعا، أو
وجوب الأقصى من أفراده بحيث لا يجتزى بغيره وإن سمي ركوعا، ولا ريب في
وضوح بطلانه في كل منهما، لانصراف الاطلاق إلى الفرد الشائع المتعارف المعهود،
ولأنه هو المناسب للتحديد المقصود به الانضباط وعدم الاختلاف، ولا يقدح تفاوت
أفراد مستوي الخلقة للتسامح في مثله، لكن يقوى دوران حكم كل مكلف منهم على
يديه وركبتيه، لأنه هو المنساق إلى الذهن، والموافق لغرض التحديد، ولكاف
الخطاب في النص، فلا يجب على ذي الطول منهم انحناء ذي القصر، كما أنه لا يجتزي
ذو القصر بانحناء ذي الطول مع احتماله، واحتمال تعين أقصى الأفراد منهم لتيقنه في
البراءة، والاجتزاء بأولها لأصالة البراءة عن الزائد، وتقريب حد منتزع من الأواسط
لا يجوز مخالفته، والأقوى الأول، وعلى كل حال فالمراد وصول اليدين إلى الركبتين
بالانحناء المتعارف، وإلا فلو انخنس بأن قوس بطنه وصدره على ظهره، أو قوس أحد
جانبيه على الآخر، أو خفض كفيه، أو رفع ركبتيه فأمكن وصول كفيه إلى غير ذلك
اختيارا مما يخرجه عن الاسم لم يصح (و) لم يعد راكعا، نعم (إذا لم يتمكن من)
تمام (الانحناء لعارض أتى بما تمكن منه) بلا خلاف فيه، بل في المعتبر إجماع العلماء
عليه وهو إن تم الدليل بعد أولويته من الايماء الثابت في النصوص، وبعد فحوى
ما سمعته فيمن تعذر عليه تمام القيام، بل ربما كانت بعض أدلته شاملة للمقام، فلاحظ
وتأمل، لا عدم سقوط الميسور بالمعسور ونحوه، إذ هو لا يتم إلا على تقدير كون
الركوع مجموع الانحناء، أو أن الانحناء واجب في الصلاة ووصوله إلى حد الركوع
واجب آخر، والكل يمكن منعه، إذ الذي يقوى في النظر أنه مقدمة لتحصيل الركوع
76

كهوي السجود، لحصر واجبات الصلاة نصا وفتوى في غيرها، ولانسياق ذلك إلى
الذهن لو فرض الأمر به للركوع والسجود، فالأصل براءة الذمة من وجوبهما لأنفسهما
في الصلاة ومن وجوب القصد بهما للركوع والسجود، فليس هما إلا مقدمة خارجية،
وعليه لو هوى غافلا لا بقصد ركوع أو غيره أو بقصد غيره من قتل حية أو عقرب
ثم بدا له الركوع أو السجود صح، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله:
ولو هوى لغيره ثم نوى * صح كذا السجود بعد ما هوى
إذ الهوي فيهما مقدمة * خارجة لغيرها ملتزمة
بل لا يبعد الاجتزاء بالاستدامة بعد تجدد قصد الركوع مثلا كالقيام في الصلاة
لصدق الامتثال وعدم تشخص جميع زمان الفعل بالنية الأولى، بل لا يبعد القول
بالصحة في الفرضين الأولين وإن قلنا بوجوبه أصالة في الصلاة سيما الأول اعتمادا على
النية الأولى للصلاة، ضرورة تأثيرها في كل ما لم يقصد به الخلاف وإن كان قابلا
لأن يقع على وجوه كالقراءة وغيرها من أفعال الصلاة، فما في كشف الأستاذ - من
أنه لو انحط بقصد عدم الركوع أو خاليا عن القصد أو أتم الانحطاط بعدم القصد أو
قصد العدم وبلغ محل الركوع أو تجاوزه لم يجر عليه حكمه وإن قلنا بعدم اشتراط النية
استقلالا في الاجزاء، لأن ذلك لا يكون إلا حيث لا يقع إلا على وجه واحد،
بخلاف ما إذا كان ذا وجهين أو وجوه، فإذا وقع منه ذلك عاد إليه بعد القيام تجاوز
حد الراكع أو لا وركع، فلو هوى بالغا حد الركوع ولم يركع أعاد الاعتدال والهوي،
وإن ركع فسد وفسدت الصلاة، إلى أن قال: ومثل ذلك يجري في هوي السجود
حيث لا يبلغ وضع الجبهة على الأقوى فيهما - لا يخلو من نظر يعرف مما قدمناه، وإن
كان قد يوجه بأن نية الصلاة إنما تؤثر في الصالح لها ولغيرها من غير واسطة، لا نحو
المقام الذي لا يكون من الصلاة إلا إذا صار للركوع، فإنه لا يكون حينئذ له إلا بنية
77

أو خطور الداعي لا النية الأولى وإن عزب الداعي، وفيه أن الظاهر تأثير نية الصلاة
مطلقا، ولذا لم نجب تعيين البسملة في الفاتحة وإن قلنا به في غيرها.
وعلى كل حال فقد وافقه عليه في الجملة في الذكرى والمحكي عن نهاية الإحكام
والتذكرة والدروس والبيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس والجعفرية وشرحيها
قالوا: لا بد أن لا ينوي بالانحناء غير الركوع، فلو قرأ آية سجدة فهوى ليسجد أو أراد
قتل حية أو نحو ذلك فلما بلغ حد الراكع بدا له أن يجعله ركوعا لم يجز، بل يجب أن
ينتصب ثم يركع، لأن الركوع الانحناء ولم يقصده، وإنما يتميز الانحناء للركوع منه
عن غيره بالنية، ولقوله (1): " إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى " بل في
كشف اللثام عن نهاية الإحكام أنه لا فرق في ذلك بين العامد والساهي على إشكال،
قال في الكشف: من حصول هيئة الركوع وعدم اعتبار النية لكل جزء كما في المعتبر
والمنتهى والتذكرة وغيرها، غايته أن لا ينوي غيره عمدا، ولا يخفى عليك بعد الإحاطة
بما ذكرناه وجه النظر في جميع ذلك، وإن كان المتجه بناء على ما ذكروه عدم الفرق مع
نية الخلاف بين العمد والسهو، ضرورة عدم تأثير النية الأولى بعد العدول عنها ولو سهوا
ولعله إليه أشار في الرياض بقوله بعد نقله ذلك: وفيه نظر، لكنك خبير أن ذلك
كله مع قصد الخلاف لا مع عدم القصد، فلا دلالة فيه حينئذ على اعتبار قصد الركوع
بالانحناء بحيث لو انحنى سهوا لم يجز، فما في الرياض - من عنوان المسألة بذلك وأنه هل
يشترط القصد أو لا وحكي عن ظاهر جماعة الأول، وقال: بل قيل: إنه لا خلاف
فيه - في غير محله قطعا، بل يمكن دعوى القطع بالصحة مع عدم قصد الخلاف، قال في
المنتهى: لو أراد السجود فسقط من غير قصد أجزأته الإرادة السابقة، ولو لم تسبق له
الإرادة فالأقرب الاجزاء أيضا، بل يومي إليه ما سمعته من الحكم بالصحة مع قصد

(1) الوسائل - الباب - 5 من أبواب مقدمة العبادات - الحديث 10
78

الخلاف سهوا فضلا عن حال عدم القصد، وأغرب من ذلك الاستدلال فيه لهم بالخبر (1)
" رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يصلي قائما وإلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه
عصا له فأراد أن يتناولها فانحط (عليه السلام) وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا
ثم عاد إلى صلاته " إذ من الواضح عدم شهادته لذلك، إذ لعله قد انحط من غير تقوس
على أن البحث لو قصد الركوع بعد الهوي وإلا فبدون قصده لا يجتزى، ولا تقدح
زيادته في الصلاة، إذ المعلوم من قدحها الثابت بالاجماع غير ذلك وإن قلنا بصدق اسم
الركوعية على التقوس لقتل الحية ونحوها، ولا نص يتمسك باطلاقه بحيث يتناول نحو
ذلك، بل لا يصدق عليها أنها زيادة في الصلاة بناء على إرادة ما يفعل بعنوان الصلاة
منها، ولو أن هذه الصورة مبطلة لوجب التحفظ حال القيام وحال الهوي للسجود ونحو
ذلك عن حصولها بأن ينسل للقيام انسلالا، كما أنه ينحط للسجود انحطاطا، وكذا
البحث أيضا في استدلاله له بالخبر الآخر (2) " لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي
تصلي أو ترضعه وهي تتشهد " هذا.
وظاهر المصنف وغيره بل يمكن تحصيل الاجماع عليه الاجتزاء بهذا الممكن من
الانحناء عن الايماء للركوع، لجعلهم إياه مرتبة ثانية، مع أن المتجه بناء على وجوب
الانحناء لنفسه وأن التكليف به لم يسقط بسقوط التكليف بالركوع وجوب الايماء
للركوع، لاطلاق أدلة وجوبه بتعذر الركوع الصادق في المقام، نعم قد يتم سقوطه
بناء على مقدميته وأن وجوبه الآن بدلا عن الركوع، لأولويته من الايماء مثلا، وربما
كان هذا مؤيدا آخر للمختار، فتأمل.
وعلى كل حال (فإن عجز) عن الانحناء (أصلا) ولو باعتماد ونحوه (اقتصر

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب القيام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
79

على الايماء) بلا خلاف، بل في المعتبر أن عليه إجماع العلماء كافة، وقد قال
الكرخي (1) للصادق (عليه السلام): " رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا
يمكنه الركوع والسجود فقال له: ليؤم برأسه إيماء " الحديث. فإن لم يتمكن من الايماء
بالرأس فبالعينين تغميضا للركوع، وفتحا للرفع كما نص عليه العلامة الطباطبائي، بل
في كشف الأستاذ أن الأحوط عدم الاكتفاء بالعين الواحدة إلا مع طمس أختها،
بل قال: ومع ذلك الأحوط قصدها، وقد مر الكلام في أكثر ذلك مفصلا في
بحث القيام، فلاحظ.
وقد يظهر من العبارة وجوب الانحناء على أحد الشقين مع إمكانه مقدما على
الايماء كما عن المبسوط والتذكرة، لكن قد يشعر الاقتصار على نسبته للشيخ في الذكرى
والدروس وعن المقاصد العلية بنوع تردد فيه، ولعله لأنه ليس بعض الانحناء الواجب
الجنس غير مجد، فتأمل، بل ظاهر المتن وغيره بل هو صريح العلامة الطباطبائي تقديم
الركوع الناقص لعدم التمكن من تمام الانحناء على الركوع التام عن جلوس، للاطلاق،
ولأنه أقرب إلى الواجب، ولتحصيل القيام المتصل بالركوع، بل لعل ظاهر العبارة
وغيرها تقديم الايماء عليه أيضا لبعض ما مر، لكن في المنظومة.
وفي انحناء من جلوس مطلقا * دار مع الايماء وجه ذو ارتقا
ولعله لأولوية إبدال القيام بالجلوس من الركوع بالايماء، وقد تقدم لنا في ذلك
بعض الكلام في بحث القيام، كما أنه قد ذكرنا أيضا الكلام في كيفية ركوع الجالس،
فلاحظ وتأمل.
(ولو كان كالراكع خلقه أو لعارض) كبر أو مرض (وجب) كما في

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 11
80

بعض كتب الفاضل والشهيدين والعليين وغيرها على ما حكي عن بعضها (أن يزيد
لركوعه يسير انحناء ليكون فارقا) من القيام اللازم للركوع، بل في جامع المقاصد أنه
لو كان انحناؤه على أقصى مراتب الركوع ففي ترجيح الفرق أو هيئة الركوع تردد،
وإن كان هو في غاية الضعف، ضرورة لزوم المحافظة على هيئة الركوع، ولذا قيده
بعضهم بما إذا لم يخرج به عن مسمى الراكع، ولعله مراد من أطلق، بل قد يمنع أصل
وجوب الفرق بالأصل، وبأنه قد تحقق فيه حقيقة الركوع، وإنما المنتفي هيئة القيام،
وما في جامع المقاصد - من أنه لا يلزم من كونه على حد الركوع أن يكون ركوعا،
لأن الركوع من فعل الانحناء الخاص ولم يتحقق، ولأن المعهود من صاحب الشرع
الفرق بينهما، ولا دليل على السقوط، ولظاهر قوله (صلى الله على وآله) (1): " فأتوا
منه ما استطعتم " وما دل (2) على وجوب كون الايماء للسجود أخفض ينبه على ذلك -
يدفعه أن المراد بالركوع هنا هيئته الركوع لا فعله، إذا هو على كل حال لم يتحقق وإن
زاد الانحناء اليسير، ضرورة عدم كونه ركوعا، فيتوجه التكليف حينئذ إلى خطابه
بكونه على هذا الحال بعد القراءة مثلا بمعنى لا يجلس أو ينام أو يسجد أو نحو ذلك مما
ينافيها، فلا تحصيل للحاصل حينئذ، والفرق بينهما واقعي لا شرعي، والنبوي لا دلالة
فيه على ما نحن فيه، والقياس على إيماء السجود مع أنه مع الفارق لا يجوز الأخذ به،
ومن هنا كان خيرة المبسوط والمعتبر والفاضل في بعض آخر من كتبه وكشف اللثام
والمدارك ومنظومة الطباطبائي عدم وجوب الزيادة عليه، نعم قال في الكشف تبعا

(1) سنن البيهقي ج 1 ص 215 ولكن نصه " ما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم "
ورواه في غوالي اللئالي عن النبي (ص) بعين ما ذكر في الجواهر وفي تفسير الصافي سورة
المائدة - الآية 101
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 15 و 16
81

للشهيدين والمحقق الثاني: إنه إن أمكنه أن ينقص من انحنائه أو الانتصاب ولو بالاعتماد
ونحوه وجب، قالوا: ولا تجب الزيادة حينئذ لحصول الفرق، وهو متجه لو كان النقص
المستطاع مخرجا له عن أول حد الركوع، فيحصل الفرق حينئذ، وإلا كان من المسألة
السابقة، ولا ملازمة بين القول بوجوبه مع فرض عدم الخروج به عن حد الركوع
لقربه إلى القيام وبين القول بوجوب الزيادة عليه يسيرا للفرق بين القيام والركوع،
ومع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه، كما أنه لا ينبغي تركه مع فرض عدم التمكن
من الفرق بيسير الانحناء بأن يقتصر على نية الركوع والقيام، بل يضيف إليها الإشارة
بالرأس ثم العينين كما نص عليه الأستاذ في كشفه، وهل يسير الانحناء بناء على اعتباره
فارقا هو القائم مقام الركوع كالايماء فيجري حكم الزيادة والنقصان سهوا وعمدا؟
الظاهر ذلك، نعم يمكن عدمه في نحو الإشارة المزبورة، لكون المراد على الظاهر منها
الإشارة إلى إرادة الركوع مثلا بالتقويس المزبور لا أنها بدل عن الركوع كالايماء
حتى يجري فيه ذلك، بل قد يحتمل نحو ذلك أيضا في الانحناء اليسير كما يومي إليه جعلهم
الغرض منه الفرق، لكنه بعيد، لظهور إرادة الفرق به نفسه لا أنه إمارة على غيره.
الواجب (الثاني) في الركوع (الطمأنينة) بلا خلاف أجده (فيه) بل في
الغنية والمنتهى وجامع المقاصد وعن الناصريات والمعتبر والتذكرة الاجماع عليه، وهو
الحجة بعد الاقتصار على المتيقن وقوعه من أرباب الشرع وأتباعهم، كما يومي إليه
النصوص (1) البيانية المشتملة على كيفية الركوع بتمكن الكفين والراحتين، وأنه كان
إذا ركع أمكن استقرار الماء على ظهره، بل في كشف اللثام أنه هو معنى قول كالنبي
(صلى الله عليه وآله) في خبر بكير بن محمد الأزدي عن الصادق (عليه السلام) المروي
في قرب الإسناد للحميري: " إذا ركع فليتمكن " بل روى في الذكرى وغيرها " أن

(1) الوسائل - الباب - 1 و 18 و 28 - من أبواب الركوع
82

رجلا دخل المسجد ورسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في ناحية المسجد فصلى ثم
جاء فسلم عليه قال (صلى الله عليه وآله): وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل،
فرجع فصلى ثم جاء فقال (صلى الله عليه وآله) له: مثل ذلك فقال الرجل في الثالثة:
علمني يا رسول الله فقال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر
ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع رأسك حتى
تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي قائما، ثم افعل ذلك
في صلاتك كلها " ولعل هذا الرجل هو الذي حكى عنه الباقر (عليه السلام) في صحيح
زرارة (1) قال: " بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في المسجد إذ دخل
رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال (صلى الله عليه وآله): نقر كنقر
الغراب، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني " فيكون المراد بعدم إتمامهما
عدم الطمأنينة فيهما، ويؤيده أنه المتعارف من المتسامحين في الصلاة، بل لعل قوله
(صلى الله عليه وآله): " نقر كنقر الغراب " ظاهر في ذلك، والنبوي (2) المروي
في الذكرى " لا تجزي صلاة الرجل حتى تقيم ظهره في الركوع والسجود " وخبر
زرارة (3) عن الباقر (عليه السلام) " وأقم صلبك ومد عنقك " وعن محاسن البرقي
أن في رواية عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أبصر علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) رجلا ينقر صلاته فقال: منذ كم صليت بهذه الصلاة قال
له الرجل: منذ كذا وكذا، فقال: مثلك عند الله كمثل الغراب إذا ما نقر، لو مت

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الركوع - الحديث 1
(2) روى في الوسائل عن الصادق عليه السلام في باب 18 من أبواب الركوع
الحديث 6 " لا صلاة لمن لم يقم صلبه في ركوعه وسجوده "
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الركوع - الحديث 1
83

مت على غير ملة أبي القاسم محمد (صلى الله عليه وآله) ثم قال (عليه السلام): أسرق
الناس من سرق صلاته ".
بل يمكن دعوى عدم تحقق مسمى الركوع بدونها، إذا بها يحصل الفرق بينه وبين
الهوي للسقوط إلى الأرض مثلا، ولعله لذا ادعى الكاتب كما قيل والشيخ في المحكي
من خلافه ركنيتها فيه حاكيا الاجماع عليه، إذ الظاهر إرادته مسماها لا الممتدة (بقدر
ما يؤدي واجب الذكر مع القدرة) وربما مال إليه الشهيد في الذكرى قال: وكان الشيخ
يقصر الركن منها على استقرار الأعضاء وسكونها، والحديث دال عليه، ولأن مسمى
الركوع لا يتحقق يقينا إلا به، أما الزيادة التي توازي الذكر الواجب فلا إشكال في
عدم ركنيتها، وقال الأستاذ في كشفه: " ولا يبعد القول بركنية الاستقرار من جهة
نقصه، لفوات الركوع الشرعي بفواته وإن كان الأقوى خلافه " وكأنه إشارة إلى
أمر آخر غير الذي ذكرناه أولا، وهو أن الاستقرار الذي نوجبه في الركوع يكون
شرطا في الركوع الشرعي أو جزءا منه، والقول بركنيته بناء على الأخير واضح،
لانتفاء الركن حينئذ بانتفائه، ومن العجيب ما في المنتهى من تسليمه الجزئية وإنكاره
الركنية، قال فيه: إن عنى الشيخ بالركن ما بيناه فهو في موضع المنع على ما يأتي من عدم
إفساد الصلاة بتركه سهوا، وإن أطلق عليه اسم الركن بمعنى أنه واجب إطلاقا لاسم
الكل على الجزء فهو مسلم، وأغرب منه استحسانه في الرياض بعد حكاية ذلك عنه،
اللهم إلا أن يريد بالجزء العقلي المركب منه الركن، ضرورة أنه واجب وزيادة، وهو
كما ترى، فلاحظ وتأمل، بل وكذا الكلام بناء على الأول أي الشرطية، ضرورة
كون الركن منه الركوع الصحيح شرعا، فوجوده بدونه كعدمه، اللهم إلا أن يدعى
عدم تناول ما دل على بطلان الصلاة بنسيان الركوع لمثل ذلك، ضرورة ظهوره في
نسيانه أصلا لا جزءا أو شرطا نحو ما ذكره في عدم الالتفات إلى الشك في حصول تمام
84

مسماه مع القطع بحصول انحناء منه في الجملة، لأصالة الصحة، ولظهور الأدلة في التلافي
لما شك في أصل الركوع، لكن لا يخفى عليك أنه يمكن المناقشة في كون المقام من ذلك.
وعلى كل حال فالركنية يمكن القول بها بناء على ذلك، نعم يتجه عدم القول
بركنيته لو كان واجبا مستقلا في الصلاة لا مدخلية له في الركن، وقد يلتزم ذلك ويدعى
أن وجوبه حال الركوع كالذكر من غير مدخلية له فيه بالجزئية والشرطية وإن كان قد
ينافيه ظاهر بعض النصوص السابقة بل والمتن وغيره مما ذكر فيه كونه من واجبات
الركوع، لكن لعل الإضافة بأدنى ملابسة كالذكر، نعم لا محيص عن القول بالركنية
بناء على وجوب الاحتياط في العبادة وأن الشغل اليقيني محتاج إلى الفراغ اليقني خصوصا
لو قلنا بالوضع الشرعي في الركوع، إذ يكفي الشك في حصول مسماه حينئذ أو الصحيح
منه، لأنه يكون حينئذ كباقي ألفاظ العبادة موضوعا للصحيح أيضا، فلا يحصل يقين
البراءة حينئذ إلا بالركوع المشتمل على الطمأنينة، بل بهذا التقرير يتجه ركنيتها إلى
الفراغ من الذكر الواجب كما استظهره في الذكرى من المحكي عن الإسكافي، بل ظاهره
أن الشيخ كذلك، وهو مناف لكلامه السابق بناء على حصول الشك في مسماه أو
الصحيح منه بدون ذلك، إلا أن المشهور بين الأصحاب بل الظاهر الاتفاق عليه كما
يومي إليه ما سمعته من الذكرى عدم الركنية بالنسبة إلى ذلك، بل لولا ظهور الاتفاق
على الوجوب مقدار الذكر - بل هو من معقد إجماع المنتهى والمعتبر. وعن غيرهما، بل
ادعاه صريحا في المحكي من المفاتيح عليه، فما عن بعض الأفاضل من نسبته إلى السرائر
وكتب الماتن مشعرا باختصاص التحديد بها في غير محله قطعا - لأمكن المناقشة فيه
بعدم الدليل، إذ الاستدلال عليه بتوقف الواجب وهو الذكر راكعا عليها إنما يتم إذا
لم يزد في الانحناء على القدر الواجب، وإلا فيمكن الجمع بين مسمى الطمأنينة والذكر حين
الركوع مع عدم الطمأنينة بقدره، بل لا يتم أيضا وإن لم يزد، ضرورة عدم التلازم بين
85

بقائه راكعا والاطمئنان، فقد يصدق عليه راكعا بأول مسمى الركوع وهو مضطرب
يمينا وشمالا، إذ الطمأنينة كما عن الأكثر - بل في ظاهر المنتهى أو صريحه الاجماع عليه -
السكون حتى يرجع كل عضو إلى مستقره، وهو الذي أراده الباقر (عليه السلام) بقوله
في صحيح زرارة: " ثم اعتدل حتى يرجع كل عضو منك إلى موضعه " ولعله يرجع
إليه ما عن التذكرة من أن معناها السكون بحيث تستقر أعضاؤه في هيئة الركوع وينفصل
هو عن ارتفاعه منه عند علمائنا أجمع، هذا.
وقد أشار المصنف بقوله: " مع القدرة " إلى سقوطها عند العجز كما صرح به
بقوله: (ولو كان مريضا لا يتمكن سقطت عنه كما لو كان العذر في أصل الركوع)
إذ لا تكليف بالممتنع، ولا دليل على البدل أو الجلوس، بل هو كذلك حتى مع المشقة
التي لا تتحمل، لكن هل يجب عليه زيادة الهوي كي يبتدئ بالذكر في أول حد الراكع
وينتهي بانتهاء الهوي؟ قال في الذكرى لا للأصل، فحينئذ يتم الذكر رافعا رأسه،
وفيه نظر، ضرورة استقلال وجوب كل منهما، فلا يسقط أحدهما بتعذر الآخر،
ولعله يريد عدم وجوب الكيفية المزبورة وإن كان يجب عليه الاتمام قبل الخروج عن
مسمى الركوع برفع الرأس، ولذا عدل عن التعبير المزبور في المدارك فاعتبر الاكمال
قبل الخروج عن الركوع من غير فرق بين الاتمام حال الرفع أو الهوي.
وكيف كان فلو أتى القادر بالذكر قبل الوصول إلى حد الراكع أو أتمه حال الرفع
لم يجتزئ بالذكر قطعا، بل في جامع المقاصد وتبعه غيره بطلان صلاته مع العمد، ولعله
للتشريع الذي قد سمعت البحث فيه غير مرة، وهو المراد بالنهي الذي علل به الفساد
في الجامع وغيره، لكن أجاد في كشف اللثام حيث رده بأن المنهي عنه إما تقديم
الذكر أو النهوض، ولا يؤثر شئ منهما في فساد الصلاة، فالمتجه الصحة إذا كان التدارك
ممكنا بأن يجدد الذكر مطمئنا كالناسي الذي يجب عليه التدارك لبقاء المحل، ويحتمل هنا
86

كما في جامع المقاصد الاجتزاء لمعذوريته، وقد يفهم ذلك من الفاضل في القواعد بل
وغيره ممن قيد بالعمد، نعم يبطل في صورة العمد لو فرض خروجه عن مسمى الركوع
لعدم إمكان التدارك حينئذ، والفرض الترك عمدا، والله أعلم.
الواجب (الثالث) فيه (رفع الرأس منه) إجماعا صريحا محكيا في الغنية
والذكرى وجامع المقاصد والمدارك وكشف اللثام وعن الوسيلة والتذكرة والمفاتيح،
وظاهرا في المعتبر، ونصوصا مستفيضة (1) بل في خبر أبي بصير (2) منها " إذا رفعت
رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه " (فلا يجوز) حينئذ
(أن يهوي للسجود قبل انتصابه منه إلا لعذر) وهو المراد من الرفع في المتن وغيره،
بل عن خلاف الشيخ الاجماع على ركنيته، ولعله لنفي الصلاة بدونه كما عرفت،
ولقاعدة الركنية بناء على وجوب الاحتياط في العبادة، بل ينبغي الجزم به بناء على
اعتباره في مفهومه كما يقضي به ملاحظة كلام بعضهم في أحكام الخلل، ونفي الإعادة
إلا من خمسة في صحيح زرارة (3) مع معلومية تخصيصه بالقيام ونحوه معارض بما عرفت
إلا أنه من وجه، وقد يرجح المشهور بالشهرة العظيمة الموهنة لاجماعه، وباطلاق أدلة
السهو وبغير ذلك.
والمراد بالعذر ما يشمل المرض وغيره، ولا كلام في السقوط معه، إنما البحث
فيما لو ارتفع قبل التلبس بالسجود، فعن المبسوط والخلاف والبيان لا يتدارك، وهو
لا يخلو من إشكال كما في المنتهى وعن المعتبر، بل لعل ذلك ظاهر الاقتصار على نسبته
إلى الشيخ في التحرير والدروس، بل عن التذكرة ونهاية الاحكام والموجز الحاوي
وكشف الالتباس أنه يعود، ولعله لأنه الأصل، والفرض عدم الدخول في مسمى

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الركوع - الحديث. - 2
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الركوع - الحديث. - 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
87

الركن حينئذ ومنه يعلم الحال في النسيان وإن جعله في المحكي عن البيان مثله في عدم
التدارك أيضا، بل ويعلم الحال أيضا فيما لو سقط بعد تمام الركوع إلى الأرض لعارض
بل الظاهر أولويته بالتدارك مما سبق، ولو سقط قبل كمال الركوع رجع له لما عرفت،
ومن العجيب ما عن المعتبر من المنع لئلا يزيد ركنا إلا أن يريد بالكمال عدم الطمأنينة
مثلا كما هو الموجود فيما حضرني من المعتبر لا ما يشمل عدم الوصول إلى حد الركوع
بل صرح فيما حضرني من نسخته بوجوب التدارك إذا سقط قبل الركوع، فيتجه حينئذ
ما ذكره إلا أن يفرض إمكان التلافي بما لا يزيد ركنا كما لو قام منحنيا وقلنا بعدم عد
مثله زيادة ركوع، بل هو العود إلى حاله الأول، ولا فرق على الظاهر في هذا البحث
بين القول بركنية الطمأنينة وعدمها، فما في الذكرى - من أن ما في المعتبر متجه على
مذهبه، إذ الطمأنينة ليست ركنا عنده، ويجئ على قول الشيخ وجوب العود - لا يخلو
من تأمل، كما أن ما في المحكي عن البيان - من أن الأقرب جوازه منحنيا إلى حد الراكع
لا وجوبه - كذلك أيضا، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (لو افتقر في انتصابه إلى ما يعتمده وجب) تحصيله ولو
بالأجرة التي لا تضر بالحال للمقدمة كما في سائر أحوال الصلاة، ثم لا فرق في جميع
ذلك بين الفرض والنفل لاطلاق النص والفتوى، فما عن نهاية الإحكام - من أنه لو ترك
الاعتدال في الرفع من الركوع أو السجود في صلاة النفل لم تبطل صلاته - في غاية الضعف
كدليله من أنه ليس ركنا في الفرض فكذا في النفل.
الواجب (الرابع الطمأنينة في الانتصاب) بلا خلاف بين الأصحاب كما اعترف
به غير واحد، بل في الغنية وجامع المقاصد وكشف اللثام وعن التذكرة وغيرها الاجماع
عليه (وهو أن يعتدل قائما ويسكن ولو يسيرا) ومقتضاه جواز التطويل وهو كذلك
88

إذا لم يخرج به عن كونه مصليا، أو يحصل مانع آخر للصلاة كالسكوت الطويل ونحوه،
فما في الذكرى عن بعض متأخري الأصحاب - من أنه لو طولها عمدا بذكر أو قراءة
بطلت صلاته، لأنها واجب قصير، بل لعله يلوح من المبسوط كما اعترف به في جامع
المقاصد - في غير محله قطعا، ولقد أجاد في رده له في الذكرى بالأخبار (1) الحاثة
على الذكر والدعاء في الصلاة من دون تقييد بمحل مخصوص، نعم كان عليه تقييده بما
ذكرناه من عدم الخروج بسبب ذلك عن كونه مصليا، والقول بركنية هذه الطمأنينة
أيضا للشيخ في المحكي عن خلافه مدعيا الاجماع عليه، وربما يشهد له بعض ما قدمناه،
إلا أن الأقوى خلافه لموهونية (2) إجماعه بمصير غيره إلى خلافه، فهو أقرب مظنة
للاجماع منه، وعدم دليل صالح غيره عندنا، فأدلة السهو وإطلاقات الصلاة وغيرها
مجالها، والله أعلم.
الواجب (الخامس) الذكر في الجملة إجماعا محصلا ومحكيا في المنتهى والذكرى
وجامع المقاصد والمدارك وعن الخلاف والمعتبر، والمعظم في الذكرى، والأكثر في جامع
المقاصد، والمشهور في كشف اللثام على تعين (التسبيح فيه) بل في الغنية وعن الانتصار
والخلاف والوسيلة الاجماع عليه وإن اختلفوا، فبين مجتز بمطلقه مطلقا كما هو ظاهر
الغنية وعن الانتصار، وموجب تسبيحة كبرى كما عن نهاية الشيخ، ومخير بينها وبين
ثلاث صغريات كما عن ظاهر ابني بابويه والتهذيب بل وأبي الصلاح وإن زاد بالتصريح
في اجتزاء المضطر بواحدة، وموجب ثلاث كبريات كما عن الفاضل في التذكرة نسبته
إلى بعض علمائنا (وقيل) والقائل الشيخ في المبسوط وأكثر المتأخرين إن لم يكن
جميعهم ومتأخريهم، بل عن سرائر الحلي منهم نفي الخلاف عنه: (يكفي الذكر ولو كان

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التعقيب والباب 3 و 7 من أبواب الدعاء
(2) وفي النسخة الأصلية " لموهنية "
89

تكبيرا أو تهليلا) ونحوهما (وفيه تردد) ينشأ من تعارض الأدلة، لاقتضاء الاجماعات
السابقة وجملة من النصوص الأول فقد سأل زرارة (1) في الصحيح أبا جعفر (عليه السلام)
" عما يجزي من القول في الركوع والسجود فقال: ثلاث تسبيحات في ترسل، وواحدة
تامة تجزي " وعلي بن يقطين (2) في الصحيح أيضا أو الخبر أبا الحسن الأول (عليه
السلام) " عن الركوع والسجود كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال: ثلاث، ويجزيك
واحدة إذا أمكنت جبهتك في الأرض " والحسين بن علي بن يقطين (3) في الصحيح
أيضا كما في الحدائق - وفيما حضرني من نسخة الوسائل روايته عنه أيضا، فيكون
الصحيحان لعلي - أبا الحسن الأول (عليه السلام) " عن الرجل يسجد كم يجزيه من
التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال: ثلاث، وتجزيه واحدة " وقال معاوية بن عمار (4)
في الصحيح لأبي عبد الله (عليه السلام): " أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة قال:
ثلاث تسبيحات مترسلا يقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله " وفي خبره الآخر (5)
عنه (عليه السلام) أيضا " قلت له: أدنى ما يجزي المريض من التسبيح في الركوع
والسجود قال: تسبيحة واحدة " وسأله (ع) أيضا هشام بن سالم (6) في الخبر أو الحسن
" عن التسبيح في الركوع والسجود فقال: تقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي
السجود سبحان ربي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة، والسنة ثلاث، والفضل في
سبع " وقال الصادق (عليه السلام) في خبر داود الابزاري (7): " أدنى التسبيح
ثلاث وأنت ساجد لا تعجل فيهن " وفي موثق سماعة (8) " سألته كيف حد الركوع
والسجود؟ فقال: أما ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات، تقول: سبحان الله

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع الحديث 2 - 3 - 4 - 8 - 1
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع الحديث 2 - 3 - 4 - 8 - 1
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع الحديث 2 - 3 - 4 - 8 - 1
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الركوع الحديث - 2 - 5 - 3
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع الحديث 2 - 3 - 4 - 8 - 1
(6) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع الحديث 2 - 3 - 4 - 8 - 1
(7) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الركوع الحديث - 2 - 5 - 3
(8) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الركوع الحديث - 2 - 5 - 3
90

سبحان الله سبحان الله " وقال عقبة بن عمار الجهني (1): " نزلت فسبح باسم ربك العظيم (2)
فقال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله): اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت سبح اسم
ربك الأعلى (3) قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) " اجعلوها في سجودكم "
وعن الهداية، إرساله عن الصادق (عليه السلام) مع زيادة (4) " فإن قلت: سبحان الله
سبحان الله سبحان الله أجزأك، وتسبيحة واحدة تجزي للمعتل والمريض والمستعجل "
وقال الباقر (عليه السلام) للحضرمي في الخبر (5): " أتدري أي شئ حد الركوع
والسجود؟ قلت: لا، قال: تسبح في الركوع ثلاث مرات سبحان ربي العظيم
وبحمده، وفي السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده، فمن نقص واحدة نقص ثلث
صلاته، ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبح فلا صلاة له " وفي خبر
أبي بصير (6) " سألته عن أدنى ما يجزي من التسبيح في الركوع والسجود فقال:
ثلاث تسبيحات " وفي خبر هشام بن الحكم (7) المروي عن العلل عن أبي الحسن
(عليه السلام) " لأي علة يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم وبحمده، ويقال في
السجود: سبحان ربي الأعلى وبحمده؟ فقال: يا هشام، إن الله لما أسرى بالنبي
(صلى الله عليه وآله) وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجابا من حجبه
فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعا حتى رفع له سبع حجب، فلما ذكر ما رأى
من عظمة الله ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه وأخذ يقول: سبحان ربي العظيم

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الركوع - الحديث 1 - 2
(2) سورة الواقعة - الآية 73 و 96
(3) سورة الأعلى - الآية 1
(4) المستدرك - الباب - 4 - من أبواب الركوع - الحديث 4
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع - الحديث 7
(6) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الركوع - الحديث 6
(7) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الركوع - الحديث 1 - 2
91

وبحمده، فلما اعتدل من ركوعه قائما نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خر على
وجهه وجعل يقول: سبحان ربي الأعلى وبحمده، فلما قال سبع مرات سكن ذلك الرعب
فلذلك جرت به السنة ".
وجملة أخرى من النصوص المعتضدة بما عرفت تقتضي الثاني، كصحيح هشام
ابن سالم (1) سأل أبا عبد الله (عليه السلام) " يجزي عني أن أقول مكان التسبيح في
الركوع والسجود: لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر قال: نعم، كل هذا ذكر الله "
وعن الكافي روايته باسقاط التحميد، وهشام بن الحكم (2) قال له (عليه السلام)
أيضا: " يجزي في الركوع أن أقول مكان التسبيح: لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر
قال: نعم، كل ذا ذكر الله " وعن ابن إدريس روايته في المستطرفات من كتاب النوادر
لمحمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمر عن هشام بن الحكم، وخبر
مسمع أو حسنه (3) قال الصادق (عليه السلام): " يجزي من القول في الركوع
والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا، ولا كرامة أن يقول سبح سبح سبح "
كحسنه الآخر (4) عنه (عليه السلام) أيضا قال: " لا يجزي الرجل في صلاته أقل من
ثلاث تسبيحات أو قدرهن ".
لكن لا يخفى عليك قوة القول الثاني لصحة مستنده وصراحته وضعف المعارض
أو عدمه، ضرورة إمكان تقدير الجواب في الصحيح الأول بما لا يفيد الحصر، بل
لعله متعين بقرينة هذه النصوص، كما أن من المحتمل قويا بقرينة النصوص التي بعده
إرادة العدد من السؤال فيه، ونحن نقول به، إذ الظاهر أنا وإن قلنا بعدم تعين التسبيح
والاجتزاء بغيره من الذكر لكن المتجه في الجمع بين النصوص التزام كونه ثلاثا بقدر

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الركوع - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الركوع - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الركوع - الحديث 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الركوع - الحديث 1 - 4
92

التسبيح وفاقا لصريح الرياض وظاهر المحكي عن أمالي الصدوق، قال: " من دين الإمامية الاقرار بأن القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات - إلى أن قال -:
ومن لم يسبح فلا صلاة له إلا أن يهلل أو يكبر أو يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله)
بعدد التسبيح، فإن ذلك " إلى آخره، إذ هو الذي يقتضيه الجمع بين النصوص بحمل
مطلقها على مقيدها، مع أن حذف التحميد من بعضها لعله من النساخ، أو للإشارة
بالبعض إلى الكل، أو لأن المقصود من السؤال إجزاء غير التسبيح، وإلا فالعدد مفروغ
منه، إذ مع اعتباره في التسبيح الذي هو الأصل يعلم اعتباره في غيره بطريق أولى،
ومن هنا كان المراد بالجواب بيان أصل الاجزاء من غير التفات إلى العدد لا أن المراد
به بيان إجزاء مطلق الذكر وإن لم يكن بالعدد المزبور، خصوصا مع ملاحظة حسني
مسمع وذكر السائل التثليث على ما رواه الشيخ، بل الظاهر أن الأصل في إجزاء
التسبيحة الكبرى عن التسبيحات الثلاث انحلالها إلى الثلاث.
ومن هنا كان المتعين فيها ضم " وبحمده " وفاقا للذكرى وجامع المقاصد وغيرهما
بل عن غاية المراد حكايته عمن تقدمه، وخلافا لجماعة فجعلوها مستحبة، بل في التنقيح
نسبته إلى الأكثر، بل في كنز العرفان وعن المعتبر أنها مستحبة عندنا وإن كنت لم
أتحققه، بل في المنتهى " ويستحب أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم وبحمده،
وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده، ذهب إليه علماؤنا أجمع " وإن كان يحتمل
إرادة العدد كما في المحكي عن التذكرة " يستحب أن يقول ثلاث مرات سبحان " إلى
آخره. إلا أنه بعيد بقرينة ما بعده، نعم قد يناقش في إجماعه كما يناقش فيما ذكره
الشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم من خلو أكثر الأخبار عنه بأن المحكي عن ظاهر أعاظم
الأصحاب أو صريحهم تعينه كالمفيد والسيد والشيخ في جملة من كتبه والديلمي والقاضي
والفاضل وغيرهم، بل في كشف اللثام أنه المشهور فتوى ورواية، ومنه يظهر المناقشة
93

في الثاني، ويؤيده ما عن الأستاذ الأكبر في حاشيته على المدارك من أنه قد ذكر
" وبحمده " في تسعة أخبار، وهي صحيحة زرارة (1) وصحيحة حماد (2) وصحيحة
عمر بن أذينة (3) المروية في الكافي في علل الأذان، وهي طويلة، ورواها الصدوق
في العلل بطرق متعددة، ورواية إسحاق بن عمار (4) المروي في العلل عن الكاظم
(عليه السلام) في باب علة كون الصلاة ركعتين، ورواية هشام بن الحكم (5) عن
الصادق (عليه السلام) في ذلك الباب، ورواية هشام (6) عن الكاظم (عليه السلام)
في باب علة كون التكبيرات الافتتاحية سبعة، ورواية أبي بكر الحضرمي (7) المروية
في التهذيب وغيره، وصحيحة زرارة أو حسنته عن الباقر (عليه السلام) ورواية حمزة
ابن حمران والحسن بن زياد (8) قلت: بل ورواية إبراهيم بن محمد الثقفي (9) المروية
عن كتاب الغارات التي حكى فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة الرسول (صلى الله
عليه وآله)، ورواية محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (10) المروية عن العلل أيضا،
قال: " سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قوله: سبحان ربي العظيم وبحمده "
وما في المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (11) عند من قال بحجيته، فتكون الأخبار
حينئذ اثني عشر خبرا، بل لعل القليل التي ترك فيها مبني على المسامحة والتخفيف

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الركوع - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة الحديث - 1 - 10 - 11 - 12
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة الحديث - 1 - 10 - 11 - 12
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة الحديث - 1 - 10 - 11 - 12
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة الحديث - 1 - 10 - 11 - 12
(6) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الركوع - الحديث 2
(7) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع - الحديث 5 و 7
(8) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الركوع - الحديث 2
(9) المستدرك - الباب - 16 - من أبواب الركوع - الحديث 1
(10) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الركوع - الحديث 6 - 2
(11) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الركوع - الحديث 6 - 2
94

الاتكال على الظهور كما وقع ويقع مثله كثيرا، بل يومي إليه إطلاق التامة عليها من غير
بيان اعتمادا على معروفيتها الحاصلة بسبب القطع باستعمال النبي (صلى الله عليه وآله)
لها في ركوعه وسجوده وتابعه المسلمون (تابعية المسلمين خ ل) حتى شاع وذاع إلى أن
ادعي الاجماع عليه، وكذلك الأئمة (عليهم السلام) يأمرون به ويداومون عليه،
ولذا جرت به سيرة أتباعهم وسواد شيعتهم فضلا عن العلماء منهم، بل شدة الأمر
بقول: " سمع الله لمن حمده " عند رفع الرأس تشهد على ذكر " وبحمده " في الركوع
على سبيل التعاقب، بل روته العامة في أخبارهم فضلا عن الخاصة، فعن ابن مسعود (1)
" إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان
ربي العظيم وبحمده " ومثله عن حذيفة (2) فلا ينبغي التأمل بعد ذلك في ضمها حينئذ
إليها، وأنها هي المراد من التامة في صحيح زرارة (3) ولا ينافيه ما قلناه من الاجتزاء
بمطلق الذكر بعد أن كان المراد به عدم تعين التسبيح، لا أنه يجزي مطلقا وإن لم يبلغ
العدد، وإن كان هو ظاهر كثير ممن أفتى به، حتى أن صاحب الحدائق منهم أشكل
عليه الحال في ذلك من حيث أن مقتضاه الاجتزاء بقول: " سبحان الله " مرة واحدة
وبعض النصوص السابقة صريحة في نفيه، بل قد يظهر من المحكي عن القاضي في شرح
الجمل الاجماع على ذلك، قال: " وأما الاقتصار على " سبحان الله " فلا يجوز عندنا
مع الاختيار " وحكي عن ثاني الشهيدين أنه تنبه للاشكال ورفعه بالتزام الاجزاء مع حمل
ما ظاهره النفي على الفضل والاستحباب، واستبعده وأجاب هو بما حاصله أنه لا مانع
من إجزاء مطلق الذكر، والتزام الثلاث في خصوص التسبيح منه ولو في ضمن الكبرى

(1) سنن أبي داود ج 1 ص 136 وليس فيه لفظ " وبحمده "
(2) سنن أبي داود ج 1 ص 134 وليس فيه لفظ " وبحمده "
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع - الحديث 2
95

وهو مع منافاته لاطلاق الأمر بالعدد في حسني مسمع قول غريب لم يسبق إليه ولا أظن
أحدا يلحقه عليه، ولم أعلم ما الذي صده عما ذكرناه، مع أنه هو المتجه في الجمع بين
الأدلة كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما مر.
ولا أظنك تحتاج بعد إلى الجواب عن باقي النصوص المدعى دلالتها على التسبيح
مع أن الذي في كثير منها إنما هو السؤال عما يجزي من التسبيح، وهو إن لم يكن فيه
إشعار بعدم التعيين فلا دلالة فيه عليه قطعا، كما أن ما فيها أيضا من أنه يجزيك ثلاث
تسبيحات مثلا كذلك، نعم ربما كان في بعضها نوع دلالة إما من جهة الأمر أو غيره
لكن يجب الخروج عنه بملاحظة النصوص الأخر، بل يمكن دعوى إمكان الخروج
عنه بالتأمل فيها، كخبر الحضرمي (1) المشتمل على بيان حد الركوع، ضرورة القطع
بإرادة بيان الحد في الفضل والاستحباب، وكذا غيره من الأخبار، بل ربما قيل:
إن المراد بالتسبيح فيها المعنى المصدري الشامل لكل ما يفيد التنزيه لا خصوص
" سبحان الله " مثلا وإن كان هو خلاف المنساق من أمثال هذه المصادر كالتهليل
والتكبير والاستغفار وغيرها، لكنك خبير أنا في غنية عن ذلك كله، إذ لو فرض
اشتمال النصوص على الأمر بالتسبيح صريحا لوجب حمله على التخييري، للجمع بينه وبين
غيره، خصوصا مع ظهور الأدلة في أنه الأصل في ذكر الركوع والسجود، وأنه الأفضل
من غيره، فلا بأس بتعلق الأمر به، بل يمكن حمل فتاوى قدماء الأصحاب المقتصرة
عليه على ذلك، فتخرج المسألة عن الخلاف حينئذ حتى من قال منهم: إن من لم يسبح
فلا صلاة له، لاحتمال إرادته المعنى المصدري أو المبالغة أو غير ذلك كما يومي إليه في الجملة
ما سمعته من عبارة الأمالي

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع - الحديث 5 و 7
96

لكن الانصاف عدم ترك الاحتياط في ملازمة التسبيح خروجا عن شبهة الخلاف
في النص والفتوى، ولا يخفى عليك طريقه بعد أن ذكرنا لك الأقوال والأدلة، بل
لا يخفى عليك بعد ملاحظتها صحة كل منها وفساده (و) أن المتجه من بينها بناء على
تعين التسبيح ما اختاره جماعة من كون (أقل ما يجزي المختار تسبيحة تامة، وهي
سبحان ربي العظيم وبحمده، أو يقول: سبحان الله ثلاثا) وأن (في الضرورة)
تجزي (واحدة صغرى) بل في المنتهى اتفق الموجبون للتسبيح من علمائنا على أن
الواجب من ذلك تسبيحة واحدة كبرى، صورتها سبحان ربي العظيم أو ثلاث صغريات
مع الاختيار، ومع الضرورة تجزي الواحدة، ولعله لأنه هو الذي تجتمع عليه النصوص
السابقة بعد حمل المطلق منها على المقيد، بخلاف القول بكفاية مطلقه المستلزم لطرح جملة
منها أو تأويله، كالقول بتعيين الكبرى مرة أو ثلاثا أو غير ذلك من الأقوال، نعم
قد تشعر العبارة كبعض النصوص بحصول الاجزاء أيضا بما زاد على ذلك وأن هذا
أقله، فيكون حينئذ كالتخيير بين الواحدة والثلاث في تسبيح الأخيرتين، وقد عرفت
التحقيق في ذلك المقام، وأنه ليس من التخيير بين الأقل والأكثر، فلا بأس حينئذ
بالتزامه هنا تمسكا بالاشعار المزبور، لكن لم أجد أحدا صرح به في المقام عدا ما يحكى
عن أبي الصلاح من ظهور التزامه في خصوص تكرار الكبرى ثلاثا، وكأنه لعده جميعها
تسبيحة واحدة، والفرض وجوب الثلاث عنده، على أن المتجه بناء على ذلك عدم
الفرق بين الكبرى وغيرها، ولا بين التكرار ثلاثا وغيره من التسبيح والتخميس
وغيرهما، وهو جيد لولا ظهور اتفاق الأصحاب في خصوص المقام على عدمه كما يومي
إليه ذكرهم ذلك في قسم المسنونات في الركوع، واحتمال إرادة أفضل أفراد الواجب
التخييري بعيد جدا، خصوصا والنصوص ليس بتلك المكانة من الظهور في ذلك،
بل ربما كان التأمل فيها يرشد إلى خلافه، لكن ستسمع عند قول المصنف: " ويستحب
97

الثلاث " أن الشهيد الثاني جعل البحث في وجوبها أو الواحدة كالتسبيح في الأخيرتين
وإن كان التأمل في النصوص والفتاوى هنا يشهد بخلافه، كما أن التأمل فيها وفي الفتاوى
أيضا ينفي احتمال كون المراد للشارع طبيعة الذكر أو التسبيح، وأنه لا فرق عرفا في
تأديها بالتسبيحة الواحدة والأزيد، لعدم تعدد الطبيعة في الخارج وإن تعددت أفرادها
فالجميع وإن كان تدريجيا يعد امتثالا واحدا، وقد التزمه في كل ما كان من قبيل المقام
إلا أنه قد بينا بطلانه غير مرة في نفسه فضلا عن خصوص المقام المصرح فيه بوجوب
الواحدة واستحباب الزائد، وارتكاب التجوز فيه لا داعي له.
لكن على كل حال بناء عليه أو سابقه يتجه حينئذ عدم وجوب التعيين على
المكلف لواجب التسبيح عن غيره، كما أن المتجه ذلك أيضا إن لم نقل بهما بل قلنا بأن
الواجب التسبيح الأول وأن المستحب الثاني والثالث، ضرورة الاكتفاء حينئذ بالنية
الأولى للصلاة المستلزمة لنية أجزائها على ما شرعت عليه، لكن الانصاف بعده في
المقام كبعد القول بظهور حال المكلف في إرادة فراغ ذمته بما يفعله أولا وأن المستحب
بعد ذلك كما عساه يظهر من الذكرى، قال: " والأقوى أن الواجبة هي الأولى لأنه
مخاطب بذلك حال الركوع ولا يفتقر إلى قصد، نعم لو نوى وجوب غيرها فالأقرب
الجواز لعدم تيقن التضييق " وفيه ما لا يخفى، لعدم ما يصلح دليلا على شئ من ذلك
بل ظاهر الأدلة وجوب الواحدة من الثلاث مثلا لا الأولى، فقد يتخيل حينئذ وجوب
نية التعيين على المكلف كما في كل فعل مشترك بين الواجب والندب، لتوقف صدق
الامتثال عليها، ضرورة عدم تشخص الأفعال إلا بالنية، لكن دقيق النظر في المقام
يقتضي خلافه، كما يرشد إليه خلو النصوص والفتاوى عن وجوب التعيين، بل ظاهرهما
عدمه، وكأنه إما لتعيين الأولى للواجب باعتبار تحقق وصف الواحدية التي هي عنوان
الواجبة بها، فتتعين حينئذ لذلك قهرا، وربما يحمل تعليل الشهيد المزبور عليه لا على
98

ما سمعت، وإما لأن المفهوم من أوامر الشرع في المقام عدم إرادة الخصوصية التي
يتوقف حصولها على النية، واحتياج المشترك في الامتثال إنما هو بعد العلم بأن الشارع
أراد الخصوصية بحيث جعلهما صنفين، كصلاة الصبح ونافلته، أما إذا لم يترتب للشارع
غرض بذلك بل كان المقصود إيجاد هذا العدد في الخارج فلا يحتاج إلى التعيين كما في
مثل المقام الذي كان الطلب الحتمي فيه متوجها إلى مصداق واحد منه من غير تشخيص
لواحد بالخصوص ولا تعلق غرض له بخصوصية حتى يعلق الأمر بها، وحتمية الطلب
لا تستلزم إرادة تشخيصه قطعا، واقتضائها التنويع في الطلب لا يستلزم اقتضائها ذلك
في المطلوب، كما أن التنويع في المطلوب لا يستلزم التنويع في الطلب كما في جملة من
الواجبات وجملة من المندوبات، ضرورة اتحاد نوع الطلب في كل منهما وإن تعدد نوع
المطلوب الذي هو عبارة عن تعلق غرض مخصوص للشارع في خصوصية كل من الأفراد
حتى جعلها صنفين قبل تعلق الأمر بها، لا أنه جعلها صنفين به، وما صفة الوجوب في
المقام إلا كصفة شدة الاستحباب إذا فرض تعلقها بواحد مما تعلق به الأمر الندبي خاصة
والتزام التعيين فيه أيضا كالوجوب والندب تعسف واضح، وهو أي التنويع في المطلوب
المتوقف صدق امتثاله عرفا على النية، بخلاف نوعية الطلب كما لا يخفى على من اختبر
العرف في المقامين، فحينئذ لا بعد في الامتثال بالواحد المردد إذا لم نأخذ صفة الترديد
فيه، وإن منع ذلك في المعاملة باعتبار اشتراط عدم الغرر فيها، بخلاف الامتثالات فإن
أهل العرف لا يتوقفون في صدق امتثال العبد المأمور باحضار ثلاثة دراهم مثلا أحدها
على سبيل الوجوب والباقي على جهة الندب وإن لم يشخص درهم الوجوب عن غيره،
بل أحضر الثلاثة دفعة، وكان كلا منها صالحا لتحقق كلي الواجب فيه.
وعلى كل حال فلو جاء المكلف مثلا بالثلاث من غير تعيين ثم تبين له فساد
واحدة أو ثنتين كان له الاجتزاء عن الواجب بالصحيحة الباقية، لأنها مصداق الأمر
99

الوجوبي ولم يحصل ما يصرفها عنه وإن كان قد نوى أولا الاتيان بالواجب والمندوب،
نعم قد يقال بعدم الاكتفاء مع فرض صحة خصوص ما نوى الندب بها مثلا، لأنا
وإن قلنا: إنه لا يجب عليه نية التعيين لكن لا ريب في أن له ذلك، فمع فرض تعيينه
يشكل الاكتفاء به عن الواجب، لمعلومية عدم سقوط بالمندوب، اللهم إلا أن يقال
بعدم اعتبار هذا التعيين من المكلف، وأنه يكون لغوا لعدم طلب الشارع له وعدم
تعلق غرض مخصوص به، فهو لا يشخص أصلا، ولا يرفع صدق الأحدية التي علق
بها الوجوب، وأنه بعد أن لم يعتبر الشارع خصوصية في المطلوب تمحضت إرادته مجرد
العدد، وإن كان الأمر متعددا فهو في الحقيقة كالأمر الواحد المتعلق بمتعدد، فإنه لو
أراد المكلف تشخيص بعض الأفراد باعتبار انحلال ذلك الأمر إلى أوامر متعددة
لتعدد متعلقه لم يكن تشخيصه معتبرا، بل هو لغو صرف، وكذلك المقام بعد الفرض
المزبور، فتأمل جيدا فإن المقام لا يخلو من دقة، ولم أر من تعرض لتنقيحه على ما ينبغي.
ثم المراد من التسبيحة الكبرى على الظاهر والله أعلم أني أنزه الله ربي العظيم
بحمده تنزيها بمعنى أن تنزيهي له بالحمد الذي هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري
لا تنزيها مدحيا الذي يقع على غير الاختيار كمدح الجوهرة بالصفاء والبياض ونحوهما،
فالواو حينئذ إما زائدة أو حالية، والباء على حالها، والظاهر أن هذا المعنى هو المراد
من قوله تعالى حكاية عن الملائكة (1): " ونحن نسبح بحمدك: لا ما حكاه البهائي كما
قيل عن جماعة من المفسرين في حبله، قال: ومعنى سبحان ربي العظيم وبحمده أنزه
ربي عن كل ما لا يليق بعز جلاله تنزيها وأنا متلبس بحمده على ما وفقني له من تنزيهه
وعبادته، كأنه لما أسند التسبيح إلى نفسه خاف أن يكون هذا الاسناد نوع تبجح بأنه
مصدر لهذا الفعل تدارك ذلك بقوله: وأنا متلبس بحمدك، فسبحان مصدر بمعنى التنزيه

(1) سورة البقرة - الآية 28
100

كغفران، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بفعل مضمر كمعاذ الله، وهو هنا مضاف
إلى المفعول، وربما جوز كونه مضافا إلى الفاعل، والواو حالية، وربما جعلت عاطفة،
ولعله أشار بذلك إلى ما حكاه في المدارك عن أبي البقاء من أنه يجوز أن يكون مضافا
إلى الفاعل، لأن المعنى تنزيه الله، ثم في المدارك بعد أن ذكر أن سبحان مصدر أو اسم
مصدر وأن عامله محذوف كنظائره قال: " قال: والواو قيل: زائدة، والباء للمصاحبة
والحمد مضاف إلى المفعول، ومتعلق الجار عامل المصدر: أي سبحت الله حامدا، والمعنى
نزهت الله عما لا يليق به، وأثبت له ما يليق به، ويحتمل كونها للاستعانة والحمد
مضاف إلى الفاعل: أي سبحته بما حمد به نفسه، إذ ليس كل تنزيه محمودا، وقيل:
إن الواو عاطفة ومتعلق الجار محذوف: أي وبحمده سبحته لا بحولي وقوتي، فيكون مما
أقيم فيه السبب مقام المسبب، ويحتمل تعلق الجار بعامل المصدر على هذا التقدير أيضا
ويكون المعطوف عليه محذوفا يشعر به العظيم، وحاصله أنزه تنزيها ربي العظيم بصفات
عظمته وبحمده، والعظيم في صفته من يقصر عنه كل شئ سواه، أو من اجتمعت له
جميع صفات الكمال، أو من انتفت عنه صفات النقص " ولا يخفى عليك مع التأمل
تطرق النظر إلى جملة من ذلك، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (هل يجب التكبير للركوع) كما عن العماني والديلمي وظاهر
المرتضى، بل قيل: المفيد، أو لا يجب كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت
تكون إجماعا، بل هي كذلك في الذكرى كظاهر نسبته إلى علمائنا في المحكي عن
التذكرة (فيه تردد) ينشأ من ظاهر الأمر به في صحيح زرارة (1) وغيره، ومن
الأصل وظهور خبر أبي بصير (2) وغيره في عدم وجوب شئ من التكبير في الصلاة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الركوع - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 5
101

إلا مرة واحدة، سأل الصادق (عليه اسلام) في الموثق " أدنى ما يجزي من التكبير في
الصلاة قال: تكبيرة واحدة " كالمروي في الرياض عن علل الفضل من أن التكبير
المفروض في الصلاة ليس إلا واحدة، فضلا عن خبر محمد بن قيس (1) عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) " إن أول صلاة أحدكم الركوع " وخبر زرارة (2) سأل أبا جعفر
(عليه السلام) " عن الفرض في الصلاة فقال: الوقت والطهور والقبلة والتوجه والركوع
والسجود والدعاء، قال: وما سوى ذلك؟ فقال: سنة في فريضة " وغيرهما من الأخبار
الظاهرة في عدم وجوبها، بل ربما كان في خبر علل الفضل بن شاذان (3) عن الرضا
(عليه السلام) إشعار بذلك " إنما صارت التكبيرات في أول الصلاة سبعا لأن أصل
الصلاة ركعتان، واستفتاحهما بسبع تكبيرات: تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع
وتكبيرتي السجدتين وتكبيرة الركوع في الثانية وتكبيرتي السجدتين، فإذا كبر الانسان
في أول صلاته سبع تكبيرات ثم نسي شيئا من تكبيرات الاستفتاح من بعد أو سها عنها
لم يدخل عليه نقص في صلاته " بل صحيح زرارة (4) المروي في الفقيه أظهر منه، قال:
قال أبو جعفر (عليه السلام): " إذا كنت كبرت في أول صلاتك بعد الاستفتاح
بإحدى وعشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير كله أو لم تكبر أجزأك التكبير الأول عن
تكبير الصلاة كلها " لظهور العطف بأو فيما يشمل العمد، وهو لا يتم إلا على القول
بالندب، ضرورة عدم التزام مدعي الوجوب بذلك، بل أصرح منهما معا المروي (5)
عن العلل عن الفضل عن الرضا (عليه السلام) قال: " إنما رفع اليدان بالتكبير لأن رفع

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الركوع - الحديث 6 - 5
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الركوع - الحديث 6 - 5
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 6
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 11
102

اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع، فأحب الله عز وجل أن يكون العبد في
وقت ذكره متبتلا متضرعا مبتهلا، ولأن في رفع اليدين إحضار النية وإقبال القلب
على ما قال وقصد، ولأن الغرض من الذكر إنما هو الاستفتاح، وكل سنة فإنما تؤدى
على جهة الفرض، فلما أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب الله
أن يؤدى السنة على جهة ما يؤدى الفرض " بل قد يشعر به النصوص السابقة الدالة على
الاجتزاء بتكبيرة الركوع عن تكبيرة الاحرام إلا أن تحمل على التداخل أو على وجوب
استئناف تكبير آخر له.
(و) بالجملة لا ينبغي التأمل بعد ملاحظة فتاوى الأصحاب البالغة حد الاجماع
كما عرفته ومجموع النصوص للممارس الخبير الذي صار ببركة أهل العصمة وتتبع آثارهم
كالمشافهين لخطاباتهم العارفين بإراداتهم في أن (الأظهر الندب) وأنه هو المراد من
الأمر به في النصوص المزبورة سيما بعد شيوع استعماله فيه حتى قيل بمساواته للحقيقة،
وسيما في خصوص النصوص المزبورة التي سيقت لبيان المندوبات بهذه الأوامر، فمن
العجيب تردد المصنف فيه أولا وأعجب منه توقفه واستشكاله في الحدائق، خصوصا
وقد اعترف في الأخير باتفاق الأصحاب قديما وحديثا على استحبابه عدا الحسن،
لكنه معذور بعد الخلل في الطريقة، والله أعلم.
(و) أما (المسنون في هذا القسم) أي الركوع فمنه (أن يكبر للركوع قائما)
منتصبا على المشهور بين الأصحاب، بل في المدارك والمعتبر نسبته إليهم مشعرين بدعوى
الاجماع عليه، وهو الحجة في مثله بعد تعليم الصادق (عليه السلام) لحماد (1) وقول
الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (2): " إذا أردت أن تركع فقل وأنت

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الركوع - الحديث 1
103

منتصب: الله أكبر ثم اركع " فما عن الشيخ من أنه يجوز أن يهوي بالتكبير ضعيف
إن أراد المساواة، ومبني على مسألة حمل المطلق على المقيد في المندوبات التي ذكرنا
البحث فيها سابقا إن أراد ثبوت الاستحباب ولو مفضولا، فما في الذكرى وغيرها
بعد حكاية ذلك عن الشيخ لا ريب في الجواز إلا أن ذلك أفضل ليس إطلاقه على ما
ينبغي، كالذي وقع في المحكي من تعليق الإرشاد وجامع المقاصد من أنه لو كبر هاويا
وقصد استحبابه باعتبار الكيفية أثم وبطلت صلاته إلا أن يراد فضل الانتصاب من
قوله " استحبابه " كما هو ظاهر ما حضرني من نسخة تعليق الإرشاد، ويبقى عليه
البحث حينئذ في البطلان بالتشريع بمثله الذي قد تكرر ذكره منا، بل لعل المقام أولى
بذلك عند التأمل، كما أنه تقدم تمام الكلام في استحباب الرفع فيه الذي أشار إليه المصنف
بقوله: (رافعا يديه بالتكبير محاذيا أذنيه ويرسلهما ثم يركع) عند البحث في تكبيرة
الاحرام، ضرورة عدم اختصاصها بذلك، وقد ذكرنا هناك احتمال استحباب كل منهما
مستقلين، وأن الاجتماع مستحب في مستحب لا أنه شرط في استحباب التكبير كالعكس
بل لعل هيئة الرفع كذلك أيضا خصوصا إن لم نقل بحمل المطلق على المقيد في المندوبات
وقد ذكرنا هناك خلاف المرتضى ودعواه الاجماع على الوجوب، فلاحظ وتأمل.
(و) منه (أن يضع يديه على ركبتيه مفرجات الأصابع) باجماع العلماء كافة
إلا ابن مسعود كما في المنتهى والمعتبر، وباجماع العلماء إلا ابن مسعود وصاحبيه الأسود
ابن زيد وعبد الرحمن بن الأسود في المحكي عن التذكرة، وستسمع إن شاء الله أن
ابن مسعود وصاحبيه أوجبوا التطبيق أو استحبوه على اختلاف النفل، وقد
انقرض والحمد لله.
(ولو كان بأحدهما عذر) يمنع من الوضع أو التفريج (وضع) وفرج (الأخرى)
104

كما نص عليه الفاضل والشهيد والكركي، لعدم سقوط الميسور بالمعسور، بل يمكن
دعوى جواز ذلك اختيارا وإن كان أقل ثوابا على إشكال، ولا بدل له لو عم العذر
لهما لعدم الدليل.
(و) منه (أن يرد ركبتيه إلى خلفه ويسوي ظهره ويمد عنقه موازيا ظهره)
باجماع العلماء في المنتهى وظاهر المعتبر كما أنه في المحكي عن التذكرة الاجماع على الأول
منها، بل في جامع المقاصد الاجماع على استحباب التجافي فيه، وفي المنتهى لا خلاف
فيه، والمراد به أن لا يضع شيئا من أعضائه على شئ إلا اليدين أي لا يلصق يديه
ببدنه بل يخرجهما عنه بالتجنيح، وهو أن يخرج العضدين والمرفقين عن بدنه (1)
كالجناحين، وقد يتحقق التجافي أيضا بفتح الإبطين أو إخراج الذراعين عن الإبطين
بل ربما أطلق عليه التجنيح أيضا، وفي خبر ابن بزيع (2) قال: " رأيت أبا الحسن
(عليه السلام) يركع ركوعا أخفض من ركوع كل من رأيته، وكان إذا ركع جنح
بيديه " كما أن غيره من النصوص المعتبرة وافية بجميع ذلك، بل قد تضمنت زيادة
عليه، منها صحيحة حماد (3) المشهورة المشتملة على تعليم الصادق (عليه السلام) له،
ومنها قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (4): " إذا أردت أن تركع فقل
وأنت منتصب، الله أكبر ثم اركع، وقل: رب لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت
وعليك توكلت، وأنت ربي خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي
ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر سبحان ربي

(1) وفي النسخة الأصلية " عن يديه " ولكن الصواب ما أثبتناه
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الركوع - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الركوع - الحديث 1
105

العظيم وبحمده ثلاث مرات في ترسل وتصف في ركوعك بين قدميك، تجعل بينهما قدر
شبر وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى وتلقم
بأطراف أصابعك عين الركبة، وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك وأقم صلبك
ومد عنقك، وليكن نظرك بين قدميك ثم قل: سمع الله لمن حمده وأنت منتصب قائم
الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة الحمد لله رب العالمين تجهر بها
صوتك ثم ترفع يديك بالتكبير وتخر ساجدا " وفي صحيح حماد المشهور " ثم قال: الله
أكبر وهو قائم ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه مفرجات، ورد بركبتيه إلى خلفه حتى
استوى ظهره حتى لو صب عليه قطرة من ماء أو دهن لم تنزل لاستواء ظهره، ورد
ركبتيه إلى خلفه ومد عنقه وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل، وقال: سبحان ربي
العظيم وبحمده ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال: سمع الله لمن حمده ثم كبر
وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه وسجد " الحديث، وفي صحيح زرارة (1) الآخر
عن الباقر (عليه السلام) أيضا " فإذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما
قدر شبر، وتمكن راحتيك من ركبتيك، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل
اليسرى، وبلغ أطراف أصابعك عين الركبة، وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك
- إلى أن قال -: وأحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين
الركبة، وتفرج بينهما، وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك إلى بين قدميك،
فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير " الحديث. إلى غير ذلك من النصوص،
بل الظاهر أنها في المقام أوفى من كلمات الأصحاب وأحسن تأدية.
ولا تعارض بينهما إلا في تغميض العينين وعدمه، ولعل حماد ظن أنه قد غمض
من جهة توجيه نظره إلى ما بين قدميه، فالرائي يراه كأنه قد غمض عينيه، أو يراد هذا

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الركوع - الحديث 1
106

المعنى من التغميض في عبارة حماد، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله:
وشغل فصل القدمين بالنظر * ما بين تحديد وتغميض البصر
لكن عن نهاية الشيخ " وغمض عينيك، فإن لم تفعل فليكن نظرك إلى ما بين
رجليك " وظاهره التغميض الحقيقي مع أن مسمعا (1) روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة " وما عن
المعتبر من أن خبر حماد خاص فيقدم يمكن دفعه بما عرفت، وسوى ما عساه يفهم من
المروي (2) عن قرب الإسناد سأل علي بن جعفر أخاه (عليه السلام) " عن تفريج
الأصابع في الركوع أسنة هو؟ قال: من شاء فعل ومن شاء ترك " من عدم الاستحباب
ولعله يريد عدم الوجوب، فلا منافاة حينئذ، فظهر حينئذ أن النصوص زادت على ما
ذكره المصنف، بل في بعضها كصحيحي ابني عمار (3) ومسكان (4) الأمر برفع اليدين
لرفع الرأس من الركوع، وحكاه في الذكرى عن ابني بابويه وصاحب الفاخر وقربه
هو، كما أنه مال إليه غيره ممن تأخر عنه، وهو لا يخلو من قوة، لصحة الخبرين
واعتضادهما باطلاق الأمر به (5) في الصلاة وأنه زينة واستكانة وتبتل وابتهال وأنه
العبودية، وخلو كثير من الفتاوى عنه كالنصوص سيما صحاح حماد وزرارة غير قادح
في مثل هذا الحكم الاستحبابي ولقد أجاد الطباطبائي (رحمه الله) في قوله:
وليس للرفع هنا تكبير * ولا به رفع يد مشهور
والرفع في نص الصحيحين ذكر * فندبه أولى وإن لم يشتهر

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الركوع - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الركوع - الحديث 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الركوع - الحديث 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
107

فنفي المصنف له في معتبره كما عن ابن أبي عقيل، بل ظاهر الأول الاجماع عليه
لا يخلو من نظر كاجماعه، لخلو أكثر كتب الأصحاب كما قيل عن التعرض له نفيا
وإثباتا، واحتمال تنزيل الخبرين على التقية كما في الحدائق تبعا للمجلسي (رحمه الله)
لاشتهار الحكم عندهم لا داعي له، بل ظاهر الأصحاب في غير المقام أولوية الحمل على
الاستحباب من ذلك، كما يشهد له ذكرهم الاستحباب في نواقض الوضوء وغيرها،
على أنه روى ولد الشيخ في المحكي عن مجالسه عن أبيه عن محمد بن محمد بن مخلد عن أبي عمر
عن أحمد بن زياد السمسار عن أبي نعيم عن قيس بن سليم عن علقمة بن وائل عن
أبيه (1) قال: " صليت خلف النبي (صلى الله عليه وآله) فكبر حين افتتح الصلاة
ورفع يديه حين أراد الركوع " وفي المروي عن مجمع البيان عن مقاتل بن حنان عن
الأصبغ بن نباتة (2) عن علي (عليه السلام) " أنه لما نزلت " فصل لربك وانحر " (3)
قال: يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمر بها ربي قال: يا محمد ليست بنحيرة ولكنه
يأمرك إذا تحرمت الصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك
من الركوع وإذا سجدت، فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع " إلى آخره.
وهما مما يؤيدان عدم التقية، على أن من المستبعد أمرهم (عليهم السلام) خاصة أصحابهم
بها في مثل هذا الأمر الذي ليس بواجب عند العامة أيضا، فظهر حينئذ أن
الأقوى استحبابه. نعم الظاهر الاقتصار عليه بلا تكبير خلافا للمحكي عن تحفة السيد الجزائري
وبعض مشايخ البحرين، بل ربما كان ظاهر المحكي عن ابن الجنيد، وكأنه لمعروفية
التلازم بينهما في سائر المواضع، فذكر أحدهما يدل على الآخر، وفيه منع، بل ظاهر

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 12 - 14
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 12 - 14
(3) سورة الكوثر - الآية 2
108

هذين الصحيحين فضلا عن غيرهما نفيه، بل كاد ذلك يكون صريح الأخبار (1) المشتملة
على أعداد التكبير في الصلاة التي تقدم بعضها بما لا يدخل هو فيها، وبها يخرج عن
إطلاق المروي عن قرب الإسناد (2) عن المهدي (عليه السلام) في حديث " إذا انتقل
من حالة إلى أخرى فعليه التكبير " مع احتمال كون الحالة الأخرى بعد الركوع السجود
لا ما يشمل الرفع منه والله أعلم.
(و) كذا ظهر لك أيضا مما في صحيح زرارة السابق أن من المسنون في الركوع
أيضا (أن يدعو) بما سمعت (أمام التسبيح) الواجب ولعل الأولى ذكر ما في الصحيح
المزبور (3) لا ما حكي عن الفقيه وفلاح السائل والمصباح، فإنه وإن كان موافقا له في
الأكثر أيضا إلا أن فيه نقصانا عنه وتغييرا يسيرا، ولذا كان هو المذكور في أكثر
الكتب التي تعرض لهذا الدعاء فيها كما قيل، والأمر سهل.
(و) منه أيضا (أن يسبح ثلاثا أو خمسا أو سبعا) كما في القواعد إلا أنه لم
أجد نصا على التخميس، بل الموجود في النصوص السابقة أن السنة في ثلاث والفضل
في سبع، ولعله لذا حذفه غير واحد، وجعل المستحب الثلاث أو السبع، نعم في معقد
ما حكي من إجماع الخلاف الثلاث أفضل إلى السبع، وهو لا يخص الخمس أيضا، كما
أنه لم أجد ما يدل على خصوص مرتبة أخرى أيضا إلا ما يحكى عن الفقه الرضوي (4)
أو تسعا، ولذا كان ظاهر كثير من العبارات كالصحيح السابق أن السبع نهاية الكمال
لكن قال المصنف هنا وفي النافع تبعا للمحكي عن الوسيلة: أو سبعا (فما زاد) وتبعه

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب تكبيرة الاحرام والباب 2 من أبواب الركوع
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الركوع - الحديث 7
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الركوع - الحديث 1
(4) المستدرك - الباب - 4 - من أبواب الركوع - الحديث 2
109

عليه الفاضل والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم إلا أنه ربما ظهر من بعضهم أن منتهى
ذلك الأربع وثلاثون أو الستون، كما أن ظاهر آخر تقييد استحباب الزيادة على السبع
لغير الإمام، وفي معتبر المصنف أن الوجه استحباب ما يتسع له العزم ولا يحصل به السأم
إلا أن يكون إماما فإن التخفيف له أليق إلا أن يعلم منهم الانشراح، وتبعه عليه غيره.
والسبب في ذلك اختلاف النصوص، فمنها صحيح السبع (1) ومنها خبر أبان
ابن تغلب (2) " دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو يصلي فعددت له في
الركوع والسجود ستين تسبيحة " ومنها خبر حمزة بن حمران والحسن بن زياد (3)
قالا: " دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده قوم فصلى بهم العصر وقد كنا
صلينا فعددنا له في ركوعه سبحان ربي العظيم أربعا أو ثلاثا وثلاثين مرة، وقال أحدهما
في حديثه: " وبحمده " ومنها مضمرة سماعة (4) إلى أن قال فيه: " ومن كان يقوى
على أن يطول الركوع والسجود فليطول ما استطاع، يكون ذلك في تسبيح الله وتحميده
وتمجيده والدعاء والتضرع، فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، فأما الإمام
فإنه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطول بهم، فإن في الناس الضعيف ومن له الحاجة،
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلى بالناس خف لهم " وقال الصادق
(عليه السلام) في خبر زرارة (5): " ثلاثة إن يعملهن المؤمن كانت له زيادة في عمره
وبقاء النعمة عليه، فقلت: وما هن؟ فقال: تطويله في ركوعه وسجوده في صلاته،
وتطويله لجلوسه على طعامه إذا أطعم على مائدته، واصطناعه المعروف إلى أهله " وقال
أيضا لأبي أسامة (6) في حديث: " وعليكم بطول الركوع والسجود، فإن أحدكم

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الركوع الحديث - 1 - 2 - 4 - 5 - 7
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الركوع الحديث - 1 - 2 - 4 - 5 - 7
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الركوع الحديث - 1 - 2 - 4 - 5 - 7
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الركوع الحديث - 1 - 2 - 4 - 5 - 7
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الركوع الحديث - 1 - 2 - 4 - 5 - 7
110

إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال: يا ويلتا أطاعوا وعصيت
وسجدوا وأبيت " إلى غير ذلك، فجمع المصنف بين الجميع بما عرفت، وهو جيد
لكنه لم يتضمن وجه حصر الفضل في سبع في الصحيح الأول، ولعله لذا قال في الحدائق:
إن الجمع بين هذه النصوص مشكل، قلت: قد يقال: إن المراد من صحيح السبع بيان
نهاية الفضل لهيئة العدد لا لذاته، فيستحب الزائد حينئذ من حيث الذات لا الهيئة عملا
بالنصوص المزبورة، ومنها يستفاد عدم إذهاب الزائد ثواب الهيئة بخلاف النقص، إذ
احتمال أن اختياره (عليه السلام) للزيادة تقديما لرجحانها على رجحان الهيئة بعيد مناف
لظاهر حصر الفضل في السبع، ولا ملازمة بين ذهابها بالنقصان وذهابها بالزيادة، بل
الفرق بينهما في كمال الوضوح، فينحصر حينئذ الفضل بالنسبة إلى الهيئات في الثلاثة
والسبعة، واحتمال إثبات هيئة الأربع أو الثلاث والثلاثين أو الستين من فعله (عليه
السلام) مع احتمال خبر الأخير التوزيع على الركوع والسجود لا لكل منهما لا شاهد له
وفعله (عليه السلام) أعم من ذلك ومن إرادة تحصيل فضل ذات العدد دون الهيئة،
فلا يخرج عن الحصر في الصحيح المزبور، كما أن الظاهر بناء على ذلك حصول فضل
هيئة الثلاث مع ذات العدد لا الأربع والخمس والست، لما عرفت من عدم الدليل على
هيئة الخمس، بل يمكن دعوى حصول فضيلة ذات العدد خاصة بالاثنتين أيضا، وربما
كأنه خبر الحضرمي (1) السابق إيماء إليه، كما أن تقييد المصنف فضل الذات بما إذا
لم يحصل السأم لعله من جهة مطلوبية الاقبال في العبادة، وربما أدي فعلها مع ذلك إلى
عدم الرغبة فيها، وإلا فليس في النصوص السابقة ما يدل عليه بالخصوص، نعم قد
يستفاد من فعل الصادق (عليه السلام) في الصلاة بأصحابه، ومما ورد من التخفيف
للإمام تفصيله الآخر بالانشراح وعدمه، ولعل ذلك كله يندرج في مسألة ترجيح

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع - الحديث 5 و 7
111

المستحب على مستحب آخر مع التعارض لا تقييد أصل الاستحباب، هذا.
وليعلم أن المراد باستحباب الثلاث مثلا وصف الثلاثية لا كل واحدة منها،
ضرورة وجوب الواحدة المنافي لثبوت الاستحباب، نعم هو لا ينافي كونها جزءا من
الكل المجموع المستحب، ضرورة تغاير محل الوجوب والاستحباب، فلا يتوهم حينئذ
من قولهم يستحب الثلاث مثلا البناء على أنها أفضل أفراد الواجب التخييري، فيكون
كتسبيح الأخيرتين، إذ قد عرفت أنها تجامع القول بوجوب الواحدة، ولذا عينها في
الذكرى بالأولى وإن لم تقصد مع تعبيره هنا بالعبارة المزبورة، ومن المعلوم أنه على
تقدير الوجوب التخييري لا معنى لجعل الواجبة الأولى، بل الواجب حينئذ الثلاث،
نعم هو محتمل في نفسه لا أنه لازم للتعبير المزبور، بل ظاهر الشهيد الثاني في الروضة
أن التسبيح في المقام كالتسبيح في الأخيرتين، وأن الكلام في الوجوب التخييري وعدمه
متحد بالنسبة إليهما، بل ربما يوهمه بعض أخبار المقام أيضا لكن دقيق النظر في النصوص
هنا يعين الثاني، بل هو صريح الصحيح المزبور وحمله على إرادة بيان أن الواحدة أقل
الواجب لا داعي له، بخلاف النصوص في تسبيح الأخيرتين، فإنه يظهر من بعضها أن
الواجب الثلاث ومن آخر الواحدة، فيتجه القول بالتخيير حينئذ، فلاحظ وتأمل.
وكيف كان فالظاهر كما اعترف به في كشف اللثام أن مورد التثليث مثلا
التسبيحة الكبرى دون غيرها لعدم الدليل، لكن يمكن بمعونة معلومية إرادة القدر
من الكبرى تعميم البحث للجميع، وحينئذ يكون تثليث الصغريات بتكرارها تسعا
وهكذا، لأن الثلاث بمنزلة الكبرى الواحدة، وكذلك باقي الذكر، فتأمل
جيدا، والله أعلم.
(و) من المسنون أيضا (أن يرفع الإمام صوته بالذكر فيه) بلا خلاف أجده
112

فيه كما في المنتهى، لعموم أمره (1) بالاسماع لكل ما يقوله، ولعل ذكرهم له هنا لتأكد
استحبابه في خصوص المقام.
(و) منه (أن يقول بعد انتصابه سمع الله لمن حمده) وفاقا للأكثر، بل المشهور
بل في ظاهر المنتهى والمعتبر والمسالك الاجماع عليه، بل لعله المراد أيضا من المحكي عن
النهاية ومعقد إجماع الخلاف " فإذا رفع رأسه من الركوع قال " كالمحكي عن المراسم
" ثم يرفع رأسه ويقول " بل وما في اللمعة " في حالة رفعه منه " وما في القواعد " وقول
سمع الله لمن حمده ناهضا " ليوافق ما في باقي كتبه كما في كشف اللثام فضلا عن غيرها
من العبارات المعبر فيها بعند ونحوها، نعم في الغنية " يقول عند الرفع، فإذا استوى
قائما قال: الحمد لله " إلى آخره. بل هو المنقول عن التقي وظاهر الاقتصاد، بل حكاه
في الذكرى عن ظاهر الحسن والسرائر وإن كان الذي وصل إلينا من عبارة الثانية يمكن
إنكار ظهورها فيه، بل لعلها ظاهرة في المشهور، ولذا حكاه في كشف اللثام عنها، كما
أن فيما حضرني من الغنية عند استوائه، لكن على كل حال هو مخالف لما عرفت،
ولما في صحيح زرارة (2) " ثم قل: سمع الله لمن حمده وأنت منتصب قائم الحمد لله
رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة الحمد لله رب العالمين تجهر بها صوتك "
وغيره، ولقد أجاد في الذكرى في قوله: وهو مردود بالأخبار (3) المصرحة بأن
الجميع بعد انتصابه، ومقتضى إطلاق بعضها ككثير من الفتاوى عدم الفرق في ذلك
بين الإمام والمأموم والمنفرد، بل هو من معقد إجماع المنتهى والمعتبر والمسالك السابق

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الركوع - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الركوع - الحديث 1 والباب 17 منها
الحديث 3 والمستدرك - الباب 13 منها
113

بل عن البحار التصريح بالاجماع عليه، لكن في المدارك لو قيل باستحباب التحميد خاصة
للمأموم كان حسنا، لصحيح جميل بن دراج (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
قلت: ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال: سمع الله لمن حمده؟ وقال: يقول: الحمد
لله رب العالمين ويخفض من الصوت " وفيه - مع منافاته لما عرفت ولمتابعة المأموم الإمام -
أنه يمكن عود ضمير الفعل بعد " إذا " إلى الرجل، فلا ينافي الأخبار الأخر حينئذ،
بل يقوى في الذهن أن المراد به التعريض فيما تقوله العامة: " ربنا ولك الحمد " على
معنى أن المستحب بعد السمعلة هذا، وهو الذي أراده المصنف بقوله: " ويدعو بعده "
ودل عليه الصحيح السابق وإن كان ليس دعاء حقيقة، لا ذاك الذي يقوله المخالفون،
قال في المعتبر: يستحب الدعاء بعد السمعلة بأن يقول: الحمد لله أهل الكبرياء والعظمة
إماما كان أو مأموما ذكر ذلك الشيخ، وهو مذهب علمائنا، ثم نقل عن الشافعي أنه
يقول: " ربنا ولك الحمد " وعن أحمد روايتان: أحدهما كما يقوله الشافعي، والثانية
لا يقولها المنفرد، وفي وجوبها عنه روايتان، وعن أبي حنيفة أنه يقولها المأموم دون
الإمام، ثم رجح قولنا بأنه المروي عن أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، وأنه أفصح
لفظا وأبلغ في الحمد، فيكون أولى، ثم أيده بما رواه أحمد في مسنده، ثم قال: ومن
الجمهور من أسقط الواو لأنها زيادة لا معنى لها، وقال بعض أهل اللغة: الواو قد تزاد
في كلام العرب، وظاهره إنكار ثبوت رجحانها لعدم نص بها عندنا كالشيخ في المبسوط
وإن قال بعدم فساد الصلاة بقولها، قال: ولو قال: ربنا ولك الحمد لم تفسد صلاته،
لأنه نوع تحميد، لكن المنقول عن أهل البيت (عليهم السلام) أولى، قلت: قد
يقال بالفساد مع نية الاستحباب الخصوصي بناء على بطلانها بنحو هذا التشريع، نعم
لو تم ما رواه في الذكرى أمكن القول بثبوت استحبابه، قال فيها: روى الحسين بن

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الركوع - الحديث 1
114

سعيد باسناد إلى أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) " سمع الله لمن حمده الحمد لله
رب العالمين الرحمن الرحيم بحول الله وقوته أقوم وأقعد أهل الكبرياء والعظمة
والجبروت " وباسناده إلى محمد بن مسلم (2) عنه (عليه السلام) " إذا قال الإمام سمع الله
لمن حمده قال من خلفه: ربنا لك الحمد وإن كان وحده إماما أو غيره قال: سمع الله
لمن حمده الحمد لله رب العالمين " بل صريح الشهيد (رحمه الله) في الذكرى العمل به
حيث دفع ما في المعتبر به، قال: ويدفعه قضية الأصل، والخبر حجة عليه، وطريقه
صحيح، وإليه ذهب صاحب الفاخر، واختاره ابن الجنيد ولم يقيده بالمأموم، وفيه مع
أنه لا وجه صحيح لتمسكه بالأصل في إثبات الاستحباب الخصوصي احتمال ذكر الخبر
المزبور على مذاق العامة كما استقر به في الحدائق، ويؤيده عدم اعتناء مثل الشيخ به،
بل ظني أنه من جملة أخبار الكتاب المزبور التي تركها نقدة الآثار ولم يذكروها في
جوامع العظام، ومنه يعلم رجحان الذكر بعد السمعلة بما سمعته في النصوص السابقة لا بما
في خبر أبي بصير لأرجحيتها عليه، خصوصا مع عدم حسن التأليف فيه، ولو أن الزيادة
فيه بعد تمام الذكر في غيره لأمكن القول به للتسامح.
لكن ظاهر الشهيد العمل به، حيث قال: ويستحب أيضا في الذكر هنا " بالله
أقوم وأقعد " ولم أجده لغيره ولا في غير الخبر المزبور، كما أني لم أجد ما حكي عن
ابن أبي عقيل من أنه روي " اللهم لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء
ما شئت من شئ يعد " فيما حضرني من كتب الأصول والفروع إلا ما في الحدائق عن
كتاب الغارات (3) " كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى محمد بن أبي بكر - إلى
أن قال -: وكان أي رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رفع صلبه قال: سمع الله

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الركوع - الحديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الركوع - الحديث 3 - 4
(3) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب الركوع - الحديث 1
115

لمن حمده اللهم لك الحمد ملء سماواتك وملء أرضيك وملء ما شئت من شئ " إلى آخره
لكن لا بأس بذكره للتسامح، وكذا لا بأس بالعمل بما في الصحيح الأول من
استحباب الجهر بالسمعلة وما بعدها من الذكر السابق إلا أنه قد يشكل في المأموم إذا
فرض سماع الإمام، لبعد احتمال التخصيص خصوصا والتعارض من وجه، والمراد
بالسمعلة الدعاء لا الثناء كما كشف عن ذلك ما في خبر الفضيل (1) قلت للصادق (عليه
السلام): " جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي: احمد الله فإنه لا يبقى أحد يصلي
إلا دعا لك يقول: سمع الله لمن حمده " وتعديته باللام لتضمنه معنى الاستجابة، كما أن
قوله تعالى (2): " لا يسمعون إلى الملأ الأعلى " ضمن معنى الاصغاء، إلى غير ذلك
من المندوبات التي لا تخفى بعد التأمل في النصوص والإحاطة بها.
(و) أما (ما يكره) في الركوع فأمور: أحدها التبازخ بالزاء والخاء المعجمتين
وهو كما في الذكرى تسريح الظهر وإخراج الصدر، ولعله إليه يرجع ما في كشف الأستاذ
من أنه يحصل بجعل الظهر كالسرج وطي البطن، ولم أعثر على نص فيه تفسيرا وحكما،
لكن ذكره في الذكرى وتبعه عليه الأستاذ، ولا بأس به.
ثانيها التدبيخ بالدال المهملة والخاء المعجمة، وفي الذكرى روي بالذال المعجمة،
أيضا، والأول أعرف، وهو إن يقبب الظهر ويطأطئ الرأس، ولعل الكراهة فيه
للمرسل (3) من نهي النبي (صلى الله عليه وآله) بل لعله عامي، نعم في خبر إسحاق
ابن عمار (4) المروي في الذكرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) " أن عليا (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الركوع - الحديث 2 رواه عن المفضل
(2) سورة الصافات - الآية 8
(3) المستدرك - الباب - 14 - من أبواب الركوع - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الركوع - الحديث 3
116

كان يكره أن يحدر رأسه ومنكبيه في الركوع ولكن يعتدل " وفي كشف الأستاذ
ويكره التدبيخ بالدال المهملة والخاء المعجمة عكس التبازخ، والتدبيح بالدال والحاء
المهملتين بسط الظهر وطأطأة الرأس، والتصويب هو التدبيح، والاقناع جعل الرأس
أرفع من الجسد، وربما كان في خبر علي بن عقبة (1) شهادة على بعض ذلك، قال:
" رآني أبو الحسن (عليه السلام) بالمدينة وأنا أصلي وأنكس رأسي وأتمدد في ركوعي
فأرسل إلي لا تفعل " وإن كان غير منطبق على تمام ما سمعت، نعم يستفاد منه كراهة
تنكيس الرأس والتمدد كما نص عليهما بعد ذلك في الكشف أيضا، مع أنه يمكن إرادة
تنكيس الرأس في الخبر المزبور في القيام لا الركوع، لكن يسهل الخطب أن الحكم
مما يتسامح فيه، على أن ما حضرني من نسخة الكشف غير نقية من الغلط.
ثالثها الانخناس الذي تحصل معه الانحناء الواجب، وإلا بطل، وهو تقويس
الركبتين والرجوع إلى وراء، ولم أقف على نص فيه أيضا بالخصوص إلا أنه نص عليه
في الذكرى والكشف، ولعلهما أخذاه مما عرفت، ومن دعوى ظهور النصوص في
مرجوحية غير الصفة المأمور بها في الركوع، خصوصا مثل هذه الأحوال، بل لعل معنى
الأمر بتسوية العنق للظهر وموازاته أنه لا يكون منكسا ولا مرتفعا، فيستفاد منه
حينئذ بعض هذه الأحوال، كما أن من الأمر بغيره يستفاد آخر ولو بالقرائن لا من
جهة أن ترك المستحب مكروه، إذ هو مع أنا لا نقول به لا يقتضي كراهة الأضداد
الخاصة، ولا يخص هذه الأحوال دون غيرها، فتأمل.
ورابعها التطبيق، وهو جعل إحدى الكفين على الأخرى ثم إدخالهما بين
ركبتيه للمروي عن قرب الإسناد (2) عن علي بن الحسين (عليهما السلام) " إن وضع

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الركوع - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
117

الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل، وليس في الصلاة عمل " ويحتمل
إرادة التكفير منه، لكن قد يكفي في الكراهة تصريح نحو الشهيد والفاضل فيما حكي
من مختلفه حاكيا فيه ذلك عن أبي الصلاح ككشف اللثام، مع أن ابن مسعود وصاحبيه
الأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن الأسود قالوا باستحبابه، ولعل الرشد في خلافهم.
بل عن خلاف الشيخ عن ابن مسعود القول بوجوبه، وكأنه لم يقف على ما روي عن
سعد بن أبي وقاص قال: " كما نفعل ذلك فأمرنا بضرب الأكف على الركب " وعلى
كل حال لا يقدح خلافهم بعد انقراضهم في إجماع المسلمين على مرجوحية ذلك الآن
بل لعل هذا هو المراد من الاجماع المحكي عن الخلاف على عدم الجواز، كما أومأ إليه في
كشف اللثام لا الحرمة الذاتية، لعدم الدليل الذي يخرج به عن الأصل والاطلاقات،
وإجماع الخلاف مع حصول الظن بغيره لو فرض إرادة الفرض منه يحتمل ما سمعت مما
لا يقدح فيما قلناه، وما عن أبي علي من تعليله بالنهي عنه لم يثبت عندنا، فما عن
أبي الصلاح والفاضل وظاهر الخلاف وابن الجنيد من التحريم لا ريب في ضعفه، على
أنك قد سمعت حكاية الكراهة عن أبي الصلاح، كما أنك سمعت احتمال إرادة الخلاف
عدم الرجحان الذي هو مظنة الاجماع لا الحرمة، وأما الفاضل فهو وإن كان ظاهر
قواعده أو محتملها عدم الجواز لكن مع ما قيل من أنه لم يصرح به في باقي كتبه قد
سمعت تصريحه بالكراهة في المختلف، والمصنف لم يحضرني تصريح له بذلك، فقل
الخلاف حينئذ إن لم ينعدم باحتمال إرادة الكراهة من الجميع، ويؤيده خلو النصوص
والفتاوى عن الأمر به أو اشتراط عدمه في الصلاة، إذ قد عرفت أن التحقيق عدم
وجوب الوضع على الركبتين، نعم لا إشكال في الحرمة مع قصد المشروعية للتشريع،
كما أنه يحتمل البطلان حينئذ معه بناء على بطلانها بمطلق التشريع فيها، بل قطع به في
كشف اللثام هنا، وفيه ما عرفته غير مرة، كما أن جزمه بالحرمة من دون إبطال لو قلنا
118

بوجوب وضع الكفين على الركبتين لا يخلو من إشكال من وجهين، لابتنائه على النهي
عن الضد أولا، أو لأن المتجه حينئذ البطلان أيضا بسبب ترك الوضع لا التطبيق،
ضرورة إرادة الشرطية من وجوب الوضع على الركبتين، ولعله يريد من جهة التطبيق
نعم يتعين البطلان لو فعله عمدا بناء على أنه فعل كثير كالتكفير، بل الظاهر ذلك
أيضا بناء على ثبوت النهي عنه كما عن أبي علي، ويحتمله الخبر المزبور لظهور النهي
المفروض عرفا فيه، بل ظاهره حينئذ النهي عن الركوع بهذه الهيئة، وفي الذكرى يمكن
الصحة، لأن النهي عن وصف خارج، وهو كما ترى، والأمر سهل بعد أن عرفت
أن الأقوى عدم الحرمة.
خامسها (أن يركع ويداه تحت) جميع (ثيابه) كما صرح به جماعة، بل في
الذكرى وتعليق الإرشاد وعن المسالك نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الاجماع
عليه كظاهر المحكي عن الغنية، وكفى به حجة لمثله، مضافا إلى خبر عمار (1) سأل
الصادق (عليه السلام) " عن الرجل يصلي فيدخل يديه تحت ثوبه قال: إن كان عليه
ثوب آخر فلا بأس، وإن لم يكن فلا يجوز ذلك، وإن أدخل يدا وأخرج أخرى
فلا بأس " وهو ظاهر في المطلوب بعد إرادة الكراهة من نفي الجواز، لقصوره عن
إفادته خصوصا مع اتفاق الأصحاب ظاهرا على الجواز، ومع ما تسمعه من صحيح ابن
مسلم (1) ونفي البأس فيه أولا لا ينافي المطلوب، ضرورة عدم صدق تحت جميع الثياب
المستفاد من إضافة الجمع مع فرض وجود الثوب، ومنه يعلم عدم مخالفة الإسكافي لنا فيما
حكي عنه من أنه لو ركع ويداه تحت ثيابه جاز ذلك إذا كان عليه مئزر وسراويل،
فتأمل. كما أن نفي البأس فيه أخيرا كذلك، لظهور العبارة وغيرها في اعتبار إدخال

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 1 مع اختلاف في الألفاظ في الأول
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 1 مع اختلاف في الألفاظ في الأول
119

اليدين معا، بل لعله مراد الفاضل في الإرشاد وإن عبر باليدين على ما قيل كالمحكي عن
الوسيلة، مع أن فيما حضرني من نسخة الأول " يداه " نعم ظاهره عدم الفرق في ذلك
بين حال الركوع وغيرها من أحوال الصلاة ولذا عممه في الكشف، وكأنهم خصوه
بالركوع لأنه عنده ربما تسبب لانكشاف العورة، فيمكن جعل ذلك فيه أشد، هذا.
وقد ظهر مما عرفت أنه لا كراهة في وضع اليدين حينئذ في الكمين، ولا تحت
بعض الثياب خصوصا الرداء والعباءة في هذا الزمان، فما عن أبي الصلاح من كراهة
إدخالهما في الكمين وتحت الثياب لعموم إخراج اليدين لا يخلو من نظر، وفي المدارك
ويدفعه صريحا صحيح ابن مسلم (1) سأل أبا جعفر (عليه السلام) " عن الرجل يصلي
ولا يخرج يديه من ثوبه فقال: إن أخرج يديه فحسن، وإن لم يخرج فلا بأس " وقد
يناقش في دعوى الصراحة في رده، بل أقصاه الدلالة على الجواز الذي يجامع الكراهة
نعم هو ظاهر في استحباب الخروج، ولعله ظاهر في البروز لا ما يشمل الدخول تحت
الكمين، ولذا حكي عن النفلية أنه يستحب بروز اليدين، ودونه أن يكونا في الكمين،
ولا أن يكونا تحت ثيابه، بل في شرحها أن هذا هو المشهور، لكن الانصاف انسياق
ما لا يشمل الدخول في الكمين من الخروج، ولذا كان ظاهر المبسوط وغيره (2) المساواة
بين البروز والاكمام، بل هو من معقد ظاهر إجماع الذكرى وعن غيرها، فتأمل،
والمراد باليد المستحب بروزها الراحة والأصابع وما جاوزها إلى الزند، لأنه هو المتعارف
في البروز كما اعترف به في المحكي عن الفوائد الملية.

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) وفي المبيضة " عدم المساواة " والصواب " المساواة " طبقا للمسودة لأنه سووا
بين كون اليد في الكم وبين كونها خارجة عن الثياب
120

سادسها قراءة القرآن فيه وفي السجود كما صرح به بعضهم، بل لعله هو مراد
الفاضل في المنتهى حيث قال: لا يستحب القراءة في الركوع والسجود، وهو وفاق
لما رواه علي (عليه السلام) (1) " إن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن قراءة
القرآن في الركوع والسجود " رواه الجمهور، ضرورة ظهور دليله في الكراهة، لكن
مقتضى استدلاله بالخبر المزبور أنه لم يقف في نصوصنا على ما يفيد ذلك، بل كاد يكون
ذلك صريح الشهيد في الذكرى، ولعلهما لم يقفا على المروي عن قرب الإسناد عن
أبي البختري (2) عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: " لا قراءة في
ركوع ولا سجود، إنما فيهما المدحة لله عز وجل ثم المسألة، فابتدئوا قبل المسألة بالمدحة
لله عز وجل ثم اسألوا بعد " والمروي عن الخصال عن السكوني (3) عن الصادق عن
آبائه عن علي (عليهم السلام) " سبعة لا يقرأون القرآن " الراكع والساجد وفي الكنيف
وفي الحمام والجنب والنفساء والحائض " ومرفوع القاسم (القسم خ ل) بن سلام المروي
عن معاني الأخبار (4) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إني قد نهيت
عن القراءة في الركوع والسجود، فأما الركوع فعظموا الله فيه، وأما السجود فأكثروا
فيه الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم " وفي صحيح الحلبي المروي عن الخصال (5) عن
الصادق (عليه السلام) قال: قال علي (عليه السلام): " نهاني رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ولا أقول نهاكم عن التختم بالذهب - إلى أن قال -: وعن القراءة وأنا
راكع " وفي خبري عمار (6) عن الصادق (عليه السلام) وعلي بن جعفر (7) عن

(1) صحيح الترمذي على هامش شرحه لابن العربي ج 2 ص 65
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الركوع الحديث - 4 - 2 - 1 - 3 - 3
(3) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الركوع الحديث - 4 - 2 - 1 - 3 - 3
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الركوع الحديث - 4 - 2 - 1 - 3 - 3
(6) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الركوع الحديث - 4 - 2 - 1 - 3 - 3
(7) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الركوع الحديث - 4 - 2 - 1 - 3 - 3
121

أخيه " في الرجل ينسى حرفا من القرآن فيذكره وهو راكع هل يجوز أن يقرأه في
الركوع؟ قال: لا، ولكن إذا سجد فيقرأه " ولعل المراد به بعد السجود، على أنه
في خصوص المنسي، ويمكن حمله على إرادة أشدية الكراهة في الركوع، كخبر علي
ابن جعفر الآخر المروي عن قرب الإسناد (1) " سألته عن الرجل هل يصلح له وهو
في ركوعه أو سجوده يبقى عليه الشئ من السورة يكون يقرأها ثم يأخذ في غيرها؟
قال: أما الركوع فلا يصلح، وأما السجود فلا بأس " ونحوه خبره الثالث (2) أيضا.
وكيف كان فهي نصة في المطلوب بالنسبة إلى الركوع عليه إمارات الصحة
موافقة للعمل، وما سمعت من فتاوى الأصحاب معتضدة جملة من مضامينها بغيرها من
النصوص المعتبرة، فمن العجيب ما في الحدائق من أن الذي يقرب في الخاطر الفتر أن
أصل هذا الحكم إنما هو من العامة، وأن هذه الأخبار إنما خرجت مخرج التقية،
ويعضدها أن رواتها رجال العامة، وأن هذا الحكم إنما ذكره المتأخرون واشتهر بينهم
ولا وجود له في كلام المتقدمين فيما أظن، إذ فيه من الغرابة ما لا يخفى من وجوه،
وكأنه لم يعلم أن الشيخ (رحمه الله) هو الأصل في هذا الحكم المزبور، وكفى به ناصا
من بين المتقدمين، نعم قد يحتمل تعلق الكراهة في المقام بقراءة القرآن لا أن الكراهة
متعلقة بالركوع، وهل المراد بها حينئذ حقيقتها أو أقلية الثواب؟ يحتمل الأول لعدم
اعتبار العبادية في القراءة، والثاني لظهور الأدلة في عدم انفكاك إعطاء الثواب عن
القراءة كيفما كانت، وعلى كل حال فلا إشكال في صحة الصلاة بسبب احتمال اختصاص
الرخصة في القراءة فيها في غير المقام، لمنع التخصيص بالنسبة إلى الصحة أولا، ومنع
توقف الصحة على الرخصة ثانيا بناء على المختار من التمسك بالاطلاقات، وظهور هذه
النصوص بعد حملها على الكراهة في الصحة فضلا عن غيرها ثالثا، ثم إن ظاهر الخبر

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الركوع - الحديث 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الركوع - الحديث 5 - 6
122

الأول منها استحباب المسألة في الركوع لدنيا أو دين، والمعروف أن ذلك في السجود
ولذا لم يذكر الكثير في مستحباته إلا ما يحكى عن ابن الجنيد ولا بأس به خصوصا
بعد شهادة الخبر المزبور له.
الواجب (السادس السجود)
وهو لغة الخضوع والانحناء وتطأطؤ الرأس، ولعل من اقتصر على الأول في
تفسيره أو مع الثاني أراد التفسير بالأعم متكلا في تمام المعنى على العرف كما هو الشأن
في معظم التعاريف اللفظية من أهل اللغة، بل لعل من اعتبر تطأطؤ الرأس فيه أيضا
كذلك، إذ الظاهر عدم كفاية مطلقه، بل المراد قسم خاص منه، ومنه يعلم ما في قول
البعض، وشرعا وضع الجبهة على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس، إذ الظاهر
عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيه، بل يمكن عدم اعتبار ذلك في صحته، وإنما هو واجب
في الصلاة حاله كالذكر، وأضعف منه ما في كشف الأستاذ من أنه في الشرع فضلا
عن اصطلاح المتشرعة وضع المساجد السبعة أو أحدها أو خصوص وضع الجبهة وهو
أظهرها، أو ما قام مقامه من إشارة برأس أو عين بوجه يصح أو مطلقا على اختلاف
الوجهين، بل من الغريب جعله الإشارة منه، ضرورة عدم تسميتها بذلك في الشرع
ولا عند المتشرعة، والاجتزاء عنها في بعض الأحوال لا يستلزم الدخول في المسمى
قطعا، وحينئذ يشكل اعتبار شئ من المساجد السبعة حتى الجبهة فيما أوجبه الشارع من
السجود لتلاوة مثلا، أو ندبه لشكر ونحوه مع فرض عدم الدليل بالخصوص، نعم
قد يقال باعتبار وصول الجبهة في الانحناء والتقويس إلى حد تستقر ولو بوسائط من غير
علو مفرط لا مباشرة خصوص بشرة الجبهة للأرض، ولعله كذلك في الشرع واللغة
وربما يومي إلى ذلك في الجملة ما تسمعه إن شاء الله من بعضهم من إيجاب الجر لو وضع
123

جبهة على ما لا يصح السجود عليه تخلصا عن الزيادة لو رفع، إذا على تقدير اعتبار
مباشرة الأرض مثلا لم تتحقق زيادة، كما أنه يومي إليه أيضا ظهور البطلان لو فرض
زيادة سجدتين منه سهوا وإن لم يكن باشر الأرض فيهما، إلى غير ذلك من الأحكام
المتعلقة بالسجود في غير المقام، كالنهي عن السجود لغير الله، فإنه يكفي حينئذ فيه ذلك
وإن لم يباشر الأرض ولم يضع شيئا من مساجده، ودعوى إرادة المعنى اللغوي فيه
بخلاف نحو سجود التلاوة والشكر فالشرعي واضحة المنع، إذ الظاهر اتحادهما وإن اعتبر
في الصلاة حال السجود الأمور الآتية، ولعل قول المصنف كغيره من الأصحاب:
وواجباته من الإضافة بأدنى ملابسة، وإلا فلا ريب في عدم اعتبار وضع ما عدا الجبهة
فيه كما اعترف به المحقق الثاني والشهيد الثاني، بل وخصوص مباشرة الجبهة للأرض
مثلا فيه عند التأمل، فإن المنحني حتى يضع وجهه على الأرض أو وضع جبهته على
طنفسة ونحوها لا ريب في صدق اسم الساجد عليه في عرف المتشرعة فضلا عن غيرهم.
ويحرم فعله لغير الله للنهي عنه في النصوص، قال الصادق (عليه السلام) في
خبر عبد الرحمن بن كثير (1) المروي عن بصائر الدرجات للصفار: " كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قاعدا في أصحابه إذ مر به بعير فجاء حتى ضرب بجرانه الأرض
ورغا فقال رجل: يا رسول الله أسجد لك هذا البعير فنحن أحق أن نفعل فقال: لا
بل اسجدوا لله، ثم قال: لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد
لزوجها " وفي الوسائل أنه رواه سعد بن عبد الله (2) في بصائر الدرجات مثله إلى قوله
فقال: لا بل اسجدوا لله إن هذا الجمل يشكو أربابه، ثم ذكر قصة الجمل، ثم قال:
وذكر أبو بصير أن عمر قال: أنت تقول ذلك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
لو أمرت إلى آخر الحديث، وقال العسكري (عليه السلام) في المروي عن احتجاج

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 2
124

الطبرسي (1) في احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله) على مشركي العرب أنه قال لهم:
" لم عبدتم الأصنام من دون الله؟ قالوا: نتقرب بذلك إلى الله، وقال بعضهم: إن الله
لما خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود له فسجدوا له تقربا لله كنا نحن أحق بالسجود
لآدم من الملائكة، ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا لها تقربا إلى الله تعالى كما تقربت
الملائكة بالسجود لآدم إلى الله، وكما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ففعلتم ثم
نصبتم بأيديكم في غير ذلك البلد محاريب فسجدتم إليها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أخطأتم الطريق وضللتم - إلى أن قال -: أخبروني عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد
الله عز وجل فسجدتم إليها وصليتم ووضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما
الذي أبقيتم لرب العالمين، أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي
عبيده، أرأيتم ملكا عظيما إذا سويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون
في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير فقالوا: نعم، قال:
أفلا تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله كتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب
العالمين - إلى أن قال -: والله عز وجل حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود
لصورته التي هي غيره، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه، لأنكم لا تدرون لعله يكره
ما تفعلون، إذ لم يأمركم به - ثم قال -: أرأيتم لو أذن لكم رجل في دخول داره يوما
بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره أو لكم أن تدخلوا له دارا أخرى مثلها
بغير أمره؟ قالوا: لا، قال: فإنه أولى أن لا يتصرف في ملكه بغير إذنه، فلم فعلتم
ومتى أمركم بالسجود لهذه الصورة " الحديث. والمتأمل في هذه الرواية خصوصا بعد
ملاحظتها بتمامها يستفيد منها بعض ما لا يتعلق بالمقام أيضا.
وقال الصادق (عليه السلام) في المروي عن الاحتجاج أيضا مرسلا في حديث

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب السجود - الحديث 3
125

طويل (1): " إن زنديقا قال له: أفيصلح السجود لغير الله؟ قال: لا، قال: فكيف
أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟ فقال: إن من سجد بأمر الله فقد سجد لله، فكان
سجوده لله إذا كان عن أمر الله " وعن مجمع البيان في قوله تعالى (2): " وخروا له
سجدا " قيل: إن السجود كان لله شكرا له كما يفعل الصالحون عند تجدد النعم، والهاء
في قوله تعالى " له " عائدة إلى الله، فيكونون سجدوا لله وتوجهوا في السجود إليه
كما يقال صلى للقبلة، وهو المروي (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفي المحكي عن
تفسير علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يحيى بن أكثم (4) " إن موسى بن محمد
سئل عن مسائل فعرضت على أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) فكان منها أن
قال له: أخبرني عن يعقوب وولده اسجدوا ليوسف وهم أنبياء؟ فأجاب أبو الحسن
(عليه السلام) سجود يعقوب وولده لم يكن ليوسف، إنما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية
ليوسف، كما أن السجود من الملائكة لآدم كان طاعة لله وتحية لآدم، فسجود يعقوب
وولده شكرا لله لاجتماع شملهم، ألا ترى أنه يقول في شكر ذلك الوقت رب قد
آتيتني من الملك " الآية (5) وفي المحكي عن تفسير العسكري (6) عن آبائه عن النبي
(عليهم الصلاة والسلام) قال: " لم يكن سجودهم يعني الملائكة لآدم، إنما كان آدم قبلة
لهم يسجدون نحوه لله عز وجل، وكان بذلك معظما مبجلا، ولا ينبغي أن يسجد
لأحد من دون الله يخضع له كخضوعه لله، ويعظمه بالسجود له كتعظيم الله، ولو أمرت
أحدا أن يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا أن
يسجدوا لمن توسط في علوم علي وصي رسول الله (عليهما الصلاة والسلام) ومحض

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 5 - 6 - 7
(2) سورة يوسف - الآية 101 - 102
(3) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 5 - 6 - 7
(4) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 5 - 6 - 7
(5) سورة يوسف - الآية 101 - 102
(6) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 5 - 6 - 7
126

وداد خير خلق الله علي (عليه السلام) بعد محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) " إلى
غير ذلك من النصوص، فاللائق حينئذ لزائري أحد المعصومين (عليهم السلام) أن
يتركوا هذا الصورة التي يفعلها السواد إلا إذا قرنت بأحد الوجوه التي سمعتها في النصوص
مما ينفي كونها لغير الله، ويشبه ما يقع من الاستحسان من بعض الناس بجعل السجود
لأمير المؤمنين (عليه السلام) زيادة في تعظيم الله باعتبار أن وعوعه له من جهة مرتبته
عند الله وعظمته وعبوديته - فالسجود له حينئذ زيادة في تعظيم الله - ما وقع في أذهان
المشركين الذين حاجهم النبي (صلى الله عليه وآله) بما سمعت، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (هو واجب) في الصلاة إجماعا إن لم يكن ضرورة، بل
يجب (في كل ركعة سجدتان) كذلك أيضا (وهما معا ركن في الصلاة) إجماعا كما
عن المختلف، وحينئذ (تبطل بالاخلال بهما في كل ركعة عمدا وسهوا) إجماعا أيضا
في الغنية وعن تعليق الإرشاد ومجمع البرهان ونهاية الاحكام وإن لم أتحققه في الأولين
بل في المعتبر وعن التذكرة نسبته إلى إجماع العلماء كافة، كما أن في المحكي عن السرائر
نفي الخلاف فيه، وكأنه لضعف الخلاف، ولذا قال في المحكي عن آخر منها: " ولا يلتفت
إلى ما يوجد في بعض الكتب " بل في بحث السهو من التذكرة " أنه لا فرق في بطلانها
بالاخلال بهما عمدا أو سهوا بين أن يكون ذلك في الأولتين أو الأخيرتين عند علمائنا "
بل عن موضع ثالث من السرائر " إن على ذلك إطباق الطائفة ".
وهو كذلك إذا لم يذكر كذلك إلا بعد الفراغ من الصلاة، أما لو ذكر بعد
الركوع فالمشهور البطلان أيضا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل قد يشمله
الاجماعات السابقة خلافا للمبسوط، وما عن التهذيب والاستبصار والجمل والعقود
والوسيلة وجامع الشرائع والاقتصاد من التفصيل بين الأولتين والأخيرتين، فيلقي
الركوع ويتلافاهما في الأخيرتين ثم يقوم للركعة، بل في موضع من المبسوط " من ترك
127

سجدتين من الركعتين الأولتين حتى يركع فيما بعدهما أعاد على المذهب الأول، وعلى
الثاني يجعل السجدتين في الثانية للأولى ويبني على صلاته " وأشار بالمذهب الأول إلى
ما ذكره في الركوع من أنه " إذا ترك الركوع حتى سجد أعاد " وعلى كل حال فهذا
هو القول المعروف بالتلفيق في الركوع والسجود الذي لم نعرف له هنا دليلا بالخصوص
إلا قياس السجدتين على الركوع الذي قد ورد في بعض النصوص (1) الأمر
بالقائهما لتداركه، وقد ذكرنا ذلك كله مفصلا في أحكام الخلل، وقلنا هناك إن
مقتضى هذا القول عدم بطلان الصلاة بزيادة السجدتين مطلق أو في الأخيرتين أو فيما
عدا الأولى بالحاق الثانية بالأخيرتين كما عن علي بن بابويه، قال: " وإن نسيت الركوع
بعد ما سجدت في الركعة الأولى فأعد صلاتك، لأنه إذا لم تثبت لك الأولى لم تثبت
لك صلاتك، وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعل
الثالثة ثانية والرابعة ثالثة " وكذا أبو علي لكن بالتخيير، قال فيما حكي عنه: " لو
صحت الأولى وسها في الثانية سهوا لم يمكنه استدراكه كأن أيقن وهو ساجد أنه لم يكن
ركع، فأراد البناء على الركعة الأولى التي صحت له رجوت أن يجزيه ذلك، ولو أعاد
إذا كان في الأولتين وكان الوقت متسعا كان أحب إلي، وفي الثانيتين ذلك يجزيه ".
ولا ريب في اقتضاء الجميع عدم البطلان بالزيادة، ضرورة حصول ذلك مع
تدارك الركوع، نعم يحتمل اقتصارهم على خصوص صورة تدارك الركوع لا مطلقا مع
احتماله، فنفي الخلاف حينئذ من بعضهم عن البطلان بزيادتهما في غير محله، كدعوى
الاجماع في تعليق الإرشاد ومجمع البرهان على ذلك أيضا إن أراد به الاجماع من الجميع،
مع أني لم أتحققه فيهما وإن أوهماه.

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الركوع - الحديث 2
128

وذكرنا أيضا في ذلك البحث حكم نسيانهما لو ذكرهما قبل الركوع، وأنه
يتداركهما خلاف للبعض فتبطل، وبينا ضعفه، كضعف القول ببطلانها بالاخلال بسجدة
سهوا مع استفاضة النصوص (1) بأنه لا تعاد الصلاة من سجدة، كما أن في بعضها (2) أيضا
التصريح بعدم إعادتها من زيادة سجدة، فالقول بالبطلان به أيضا في غاية الضعف،
خصوصا على المختار من الأعمية في أسماء العبادات من غير فرق بين الأولتين والأخيرتين
في ذلك كله، فما عن ثقة الاسلام في الفتاوى السبع عشر والسيد في الجمل والحلبيات
وابن إدريس في السرائر والتقي بل والحسن بن أبي عقيل ناسبا له إلى آل الرسول
(صلى الله عليه وآله) بل والغنية مدعيا عليه الاجماع من البطلان بذلك ضعيف لا أعرف
له دليلا إلا قاعدة الشغل التي لا تتم عندنا، وإطلاق بعض النصوص (3) بناء على
تعميمها لصورتي الزيادة والنقيصة، وإطلاق (4) من زاد في صلاته، والكل يجب
الخروج عنها بما دل بالخصوص على عدم بطلان الصلاة بزيادتها، كخبر منصور بن حازم (5)
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى فذكر أنه زاد سجدة فقال: لا يعيد
صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة " وخبر عبيد بن زرارة (6) " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل شك فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة فسجد أخرى ثم استيقن
أنه قد زاد سجدة فقال: لا والله لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة، وقال: لا يعيد صلاته
من سجدة ويعيدها من ركعة " المعتضدين بالشهرة العظيمة بين الأصحاب التي كادت
تكون إجماعا، بل لعلها كذلك، ومنه يعلم حينئذ ما في إجماع أبي المكارم والنسبة إلى

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب السجود
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الركوع - الحديث 2 و 3
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الركوع - الحديث 5
(4) الوسائل - الباب - 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الركوع - الحديث 2 - 3
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الركوع - الحديث 2 - 3
129

آل الرسول (صلى الله عليه وآله) في المحكي عن الحسن، وإن شئت التفصيل في كثير
من هذه المسائل فلاحظ أحكام الخلل، وتأمل.
(و) منه مع ما هنا يظهر لك صحة قول المصنف كالمشهور: " لا تبطل " الصلاة
(بالاخلال ب‍) سجدة (واحدة سهوا) إنما الكلام في مسمى الركن هنا بعد أن كان
الحاصل البطلان بالاخلال بالسجدتين زيادة ونقيصة عمدا وسهوا بخلاف الواحدة، فإنه
لا يقدح السهو فيها نقصانا وزيادة، وظاهر المتن وغيره بل معاقد الاجماعات بل صرح به
في الذكرى وغيرها أن الركن مجموع السجدتين، وفيه أن مقتضاه حينئذ البطلان بنقص
الواحدة، ضرورة انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه، فيصدق حينئذ ترك الركن
ودفعه في الذكرى بأن انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلق وإلا لكان الاخلال بعضو من
أعضاء السجود مبطلا، وفيه - بعد الاغضاء عن دعوى انتفاء الماهية بالخلل بعضو من
الأعضاء كما عرفته سابقا، ضرورة عدم مدخلية ما عدا الجبهة في مسمى السجود كما
اعترف به هنا ثاني المحققين والشهيدين - أن المتجه على تقدير كون الركن المجموع
البطلان بالاخلال به، وإلا انتفى كونه كذلك، لمعلومية اعتبار ذلك في الركن، إذ هو
لفظ اصطلاحي لا أثر له في النصوص، وسموا به ما ثبت من الأدلة بطلان الصلاة بتركه
سهوا، فهو حينئذ ركن للركن، فالاعتذار حينئذ بأن ذلك للدليل كلام لا محصل له،
كدعوى أن الركن لما كان الأصل فيه البطلان عمدا وسهوا، إذ مقتضاها عدم اختصاص
الأمور المخصوصة بالركنية، وكذا دعوى أن الركن لما ثبت البطلان به سهوا في الجملة
إذ هي - مع أنها منافية لتفسيرهم له بالموجبة الكلية - ينافيه اكتفاؤهم عن إثبات البطلان
في موارد الأركان بأنها أركان، ولولا اعتبار الكلية في مفهومه لم يكن لذلك وجه،
كل ذلك مع أن الغرض في المقام وعليه بني الاشكال جريان مقتضى الركنية في السجدتين
من غير اعتبار تخصيص أو تقييد.
130

ومن العجيب ما وقع من بعض متأخري المتأخرين في المقام حيث قال: " انتفاء
الماهية هنا غير مؤثر، وهذا الاشكال غير مختص بهذه المسألة، بل هو آت في الاخلال
بحرف واحد من القراءة، لفوات الماهية المركبة أعني الصلاة بفواته، والجواب عن الجميع
واحد، وهو إثبات الصحة بدليل من خارج: إذ فيه أن الكلام في ماهية الركن
لا الصلاة، كالذي وقع من آخر " أنه يمكن جعل الركن مجموع السجدتين كما أطلقه
الأصحاب، ولا يبطل بنقصان الواحدة سهوا وإن استلزم فوات الماهية المركبة، أو
يلتزم كون الركن مسمى السجود، ولا يبطل بزيادة الواحدة سهوا، فيكون أحدهما
مستثنى كنظائره " إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما عرفت، بل وكذا ما وقع
للمقدس الأردبيلي من " أن الدليل على ركنيتهما بمعنى أنهما لو زيدتا أو تركتا معا بطلت
الصلاة هو الاجماع وبعض الأخبار (1) وهما ما دلا على البطلان بزيادة إحداهما أو
تركها، فالمراد بترك الركن تركه بالكلية بحيث ما يبقى منه مما يعتبر جزء ولا عبادة،
ولا شك في اعتبار السجدة الواحدة وكونها عبادة للأخبار والاجماع، وعدم ذلك في
أجزاء النية والتكبير، بل قيل لا جزء للنية، فإنه ما لم يصح الكل لم يعد ذلك الجزء
عبادة، وعلى تقدير التسليم يقال: إنما ثبت شرعا البطلان بترك هذا بالكلية بخلاف
غيره: إذ لا يخفى عليك أيضا ما في صدر كلامه وذيله، وأما وسطه ففيه أنه تقييد
لقولهم: من ترك ركنا بلا مقيد، وكون السجدة عبادة لا مدخلية له فيما نحن فيه،
وعن البهائي (رحمه الله) في الجواب: أنه لا يعد في إجزاء بعض الأجزاء عن الكل،
فلو جعل الركن كلا السجدتين أو ما أقامه الشارع مقامهما كالواحدة حال نسيان الأخرى
لم يكن بعيدا " ولعله يريد ما يحكى عن بعضهم في التخلص من أن الركن إحداهما وكلتاهما
الذي قد أورد عليه باقتضائه البطلان حينئذ لو سجد ثلاث سجدات، لزيادة الركن حينئذ

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب السجود - الحديث 1
131

اللهم إلا أن يفرق بينه وبين البهائي بتقييد البهائي ركنية الواحدة بحال نسيان الأخرى
بخلافه، فلا يرد حينئذ ذلك على ما قاله البهائي، لعدم زيادة الركن حينئذ، لعدم حصول
الشرط في الواحدة الزائدة في الفرض المزبور.
وكأن هذا هو الذي أراده المجلسي (رحمه الله) فيما حكي عن بحاره حيث حكى
عن بعض أفاضل عصره أنه حل الاشكال بأن الركن هو المفهوم المردد بين السجدة
بشرط لا أي لا يكون معها سجدة أخرى والسجدتين بشرط لا وثلاث سجدات
بشرط لا، إذ ترك الركن حينئذ إنما يكون بعدم تحقق السجدة مطلقا، وإذا سجد
أربع سجدات أو أكثر لا يتحقق الركن أيضا، ورده بأنه لا خلاف بأن بطلان الصلاة
فيما إذا أتى بأربع أو أكثر إنما هو لزيادة الركن لا لتركه كما هو مقتضى الجواب المزبور
ثم قال: ويخطر بالبال وجه آخر لدفع الاشكال على سياق هذا الوجه، لكنه أخصر
وأفيد، وهو أن يكون الركن المفهوم المردد بين سجدة واحدة بشرط وسجدتين بلا
شرط، فإذا أتى بسجدة سهوا فقد أتى بفرد من الركن، وكذا إذا أتى بهما، ولا ينتفي
الركن إلا بانتفاء الفردين بأن لا يسجد أصلا، إذا سجد ثلاث سجدات لم يأت إلا
بفرد واحد وهو الاثنان لا بشرط شئ، وأما الواحدة الزائدة فليست فردا له
لكونها مع أخرى، وما هو فرد له على هذا الوجه هو بشرط أن لا يكون معها شئ
وإذا أتى بأربع فما زاد أتى بفردين من الاثنين، قال: وهذا وجه متين لم أر أحدا
سبقني إليه، ومع هذا لا يخلو من تكلف، قلت: هو عند التأمل عين ما قاله البهائي،
ثم قال: والأظهر في الجواب أن غرض هذا المعترض إما إيراد الاشكال على الأحاديث
الواردة في الباب أو على كلام الأصحاب، والأول لا وجه له، لخلو الروايات عن
ذكر الركن ومعناه وعن هذه القواعد الكلية، بل إنما ورد حكم كل من الأركان
بخصوصه، وورد حكم السجود هكذا فلا إشكال يرد عليها، وأما الثاني فغير وارد
132

عليه أيضا، لتصريحهم بحكم السجود، فهو مخصص للقاعدة الكلية كما خصصت تلك
القاعدة بما ذكر في كلامهم وفصل في زبرهم، قلت: لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة
بما ذكرناه أولا.
وربما أجيب أيضا كما حكي عن السيد علي الصائغ وبعض المتأخرين بأن المعهود
من ترك الركن في عرف الفقهاء هو ما كان بحيث يمتنع تداركه، وذلك يتوقف
على شيئين فوات محل ذلك الفعل وعدم ورود الشرع بفعله بعد الصلاة، قال: ومن
ذلك يظهر عدم صحة لزوم البطلان بترك الواحدة سهوا على تقدير كونه مجموع السجدتين
ولعله يريد صدق مجموع السجدتين على الواقعة في الصلاة وخارجها، قلا اكتفاء بالواحدة
كي يتحقق الاشكال، وعن الشيخ نجيب الدين العاملي أن بعض المتأخرين أجاب بأن
الركن هو السجدة الأولى، قال: ووجهه بما فيه طول وبعد، قلت: لعله هو الذي
أشار إليه المجلسي (رحمه الله) في المحكي من بحاره حيث قال: وربما يتوهم اندفاع الشبهة
بما يومي إليه خبر المعراج (1) من أن الأولى كانت بأمره سبحانه وتعالى، والثانية
أتى بها الرسول (صلى الله عليه وآله) من قبل نفسه، فتكون الأولى فريضة ركنا،
والثانية سنة بالمعنى المقابل للفريضة وغير ركن، وأورد عليه بعد تسليم دلالة الخبر عليه
أنه لا ينفع في دفع الفساد بل يزيده، إذ لا يعقل حينئذ زيادة الركن، لأن السجدة
الأولى لا تتكرر إلا بأن يفرض أنه سها عن الأولى وسجد أخرى بقصد الأولى،
فيلزم زيادة الركن بسجدتين أيضا، مع أنه يلزم أنه لو سجد ألف سجدة بغير هذا
الوجه لم يكن زاد ركنا، على أنه لو اعتبرت النية في ذلك يلزم بطلان صلاة من ظن
أنه سجد الأولى ثم سجد بنية الأخيرة، فظهر له بعد الصلاة ترك الأولى، ولم يقل به
أحد، ولعل ذلك كله ينشأ من اعتبار الكليتين في الركن زيادة ونقصا، وإلا فلو قلنا

(1) الوسائل - الباب - 1 من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 11
133

باعتبار الكلية فيه بالنسبة إلى النقص خاصة - كما هو الظاهر من المصنف وغيره ممن اقتصر
في تفريع ذلك على الركنية، بل هو الذي استظهره الشهيد الثاني من الشهيد الأول كما
أوضحناه في بحث القيام - لم يأت شئ من الاشكال، ضرورة إمكان القول حينئذ بأن
الركن مسمى السجود الذي لا يتحقق تركه إلا بعدم فعل السجدتين، ولا يرد زيادة
الواحدة، لعدم اعتبارها في مفهومه، فلا يتوقف صدقه حينئذ عليها.
ولعله إليه لمح الشهيد في المحكي عن حواشيه على القواعد في الجواب بأن الركن
هو الماهية من حيث هي هي، وعدم الكل إنما يكون بعدم كل فرد لا بعدم واحد من
أفراده، ولا حاجة حينئذ إلى تكلف شئ مما سمعت، ولا صعوبة في دفع الاشكال،
حتى أن المحقق الثاني قد اعترف بالعجز عن حله، إلا أنه اكتفى بوضوح الحكم وأنه
لا مدخلية للعبارة المؤدية للركنية بحيث تسلم من الطرد أو العكس، ويمكن الجواب أيضا
على اعتبار الكليتين من غير اعتبار تقييد بأن الركن اسم لما تبطل به الصلاة عمدا وسهوا
زيادة أو نقصا، وليس مصداقه في المقام لا السجدتين معا في جانب الترك وجانب
الفعل، فلا يصدق عليه ترك الركن ولا زيادته إلا بهما معا، ضرورة عدم صدق اسم
الكل على البعض، أقصى ما هناك أنه مع فعل الواحدة خاصة يخرج عن صدق الاتيان
بالركن وصدق ترك الركن، فلم يثبت صحة صلاة ترك فيها الركن كي يحتاج إلى تقييد
أو تخصيص، ولعل هذا هو المراد بالمعية في المتن وغيره من عبارات الأصحاب على أن
تكون قيدا للترك لا أنه مسلط عليها، وكأنه هو الذي أومأ إليه الطباطبائي (رحمه الله)
في منظومته بقوله:
الفرض في الركعة سجدتان * هما جميعا أحد الأركان
فلو خلت عن السجود بطلت * صلاته ولو بسهو قد خلت
كذاك لو زيد بها اثنتان * عمدا وسهوا فهما سيان
134

وأصرح منه ما في كشف الأستاذ، قال: " ويعتبر فيه في كل ركعة سجدتان
هما جزءان لو تركت إحداهما عمدا اختيارا في فرض أو نفل بطلت الصلاة، وبقيد
الاجتماع إيجادا وتركا ركن تفسد الصلاة بهما زيادة ونقصا عمدا وسهوا، ولا
ركنية للمنفردة منهما ولا للمجموعية " إلى آخره، وفي الذكرى - بعد التعبير في الركن
بالمعية وإيراد الاشكال دليلا للقول بالبطلان بالاخلال بسجدة واحدة من حيث
اقتضائها انتفاء الركن - قال: والجواب أن انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلقا وإلا لكان
الاخلال بعضو من أعضاء السجود مبطلا، ولم يقل به أحد، بل المؤثر هو انتفاؤها
بالكلية، ولعل الركن مسمى السجود، ولا يتحقق الاخلال به إلا بترك السجدتين معا،
وذيله كما ترى مشعر بما ذكرنا، فتأمل، والله أعلم بحقيقة الحال.
وكيف كان ف‍ (واجبات السجود ستة) لا أزيد كما ستعرف.
(الأول السجود على سبعة أعظم) لا خلاف أجده فيه بيننا، بل هو مجمع
عليه نقلا مستفيضا كاد أن يكون متواترا إن لم يكن تحصيلا كالنصوص، ففي صحيح
زرارة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
" السجود على سبعة أعظم " الجبهة واليدين والركبتين وإبهامي الرجلين، ترغم بأنفك
إرغاما، أما الفرض فهذا السبعة، وأما الارغام بالأنف فسنة من النبي (صلى الله عليه وآله) "
ورواه الصدوق في المحكي " من خصاله كذلك إلا أنه أبدل اليدين بالكفين، وقد علم
الصادق (عليه السلام) حمادا في الصحيح (2) فسجد على ثمانية أعظم: الجبهة والكفين
وعيني الركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والأنف ثم قال: " سبعة منها فرض يسجد عليها

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 2
135

وهي التي ذكرها الله في كتابه (1) " فقال: " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا "
وهي الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان، ووضع الأنف على الأرض سنة " إلى غير
ذلك من النصوص الصريحة في تشخيص السبعة أيضا، وإن منها (الجبهة) بل هي في
معاقد المستفيض أو المتواتر من الاجماع المحكي، بل في المنتهى " لا خلاف في أنه لا
يجزي السجود على الرأس والخد " وقال قبل ذلك أيضا: لو سجد على أنفه دون جبهته
لم يجزيه، ذهب إليه علماؤنا أجمع " بل عن شرح الجمل للقاضي " لا خلاف في وجوب
السجود عليه " ولعله لم يعتد بخلاف الإسكافي المستفاد مما حكاه في الذكرى عنه من أنه
يكره السجود على نفس قصاص الشعر دون الجبهة، أو أنه لم يفهم الخلاف منه، إذ لعله
يريد الحرمة من الكراهة، ومن القصاص الشعر الحاجب للجبهة عن مباشرة الأرض
نحو خبر طلحة بن زيد (2) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: " إن عليا (عليه
السلام) كره تنظيم الحصى في الصلاة، وكان يكره أن يصلي على قصاص شعره حتى
يرسله إرسالا " إذ الظاهر إرادة التفريق من الارسال، وبالجملة لا إشكال في وجوب
السجود على الجبهة، بل قد سمعت سابقا دعوى توقف اسم السجود عليها، قال العلامة
الطباطبائي (رحمه الله):
وواجب السجود وضع الجبهة * وأنه الركن بغير شبهة
ووضعه للستة الأطراف * فإنه فرض بلا خلاف
وهي المراد من الوجه في بعض النصوص (3) بل ومن الجبين في آخر (4) بناء

(1) سورة الجن - الآية 18
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 3
(3) المستدرك - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 1 و 3
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 4 و 7
136

على ما ظاهرهم الاتفاق عليه في المقام كما يومي إليه مسألة الدمل الآتية من أن المراد بالجبهة
هنا ما لا تشمل الجبين، وأنها هي التي يجب السجود عليها اختيارا دونه، فيكون المراد
بها ما بين قصاص الشعر وطرف الأنف طولا وبين الجبينين عرضا كما في المحكي عن المقاصد
العلية، وإليه يرجع ما في المسالك وعن الروض من أن حدها قصاص الشعر من مستوي
الخلفة والحاجب، وعن القاموس " أن الجبهة موضع السجود ويستوي ما بين الحاجبين
إلى الناصية " وقال فيه: " الجبينان حرفان يكتنفان الجبهة من جانبيها فيما بين الحاجبين
مصعدا إلى قصاص الشعر " وأوضح من ذلك ما في كشف الأستاذ من أنها السطح
المحاط من الجانبين بالجبينين، ومن الأعلى بقصاص الشعر من المنبت المعتاد، ومن
الأسفل بطرف الأنف الأعلى والحاجبين، ولا استقامة للمخطوط فيما عدا الجانبين، وفي
صحيح زرارة (1) عن أحدهما (عليهما السلام) " إذا مس جبهته الأرض فيما بين حاجبيه
وقصاص شعره فقد أجزأ عنه " وفي خبره الآخر (2) عن أبي جعفر (عليه السلام
" سألته عن حد السجود فقال: ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت
منه أجزأك " وفي خبر بريد (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " الجبهة إلى الأنف
أي ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك، والسجود عليه كله أفضل " وفي خبر
الساباطي (4) عن الصادق (عليه السلام) " ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد
فما أصاب الأرض منه أجزأك " ونحوه صحيح زرارة (5) بل في صحيحه الآخر أو
حسنه (6) عن أبي جعفر (عليه السلام) " الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى
الحاجبين موضع السجود، فأيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو
مقدار طرف الأنملة ".

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب السجود الحديث - 1 - 2 - 3 - 4 - 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب السجود الحديث - 1 - 2 - 3 - 4 - 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب السجود الحديث - 1 - 2 - 3 - 4 - 4 - 5
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب السجود الحديث - 1 - 2 - 3 - 4 - 4 - 5
(5) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب السجود الحديث - 1 - 2 - 3 - 4 - 4 - 5
(6) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب السجود الحديث - 1 - 2 - 3 - 4 - 4 - 5
137

لكن هذه النصوص كما ترى لا صراحة فيها باخراج الجبينين، وبالاقتصار على
الخط المتوهم من طرف كل من الحاجبين المتصل بطرف الأنف الأعلى مصعدا إلى الناصية
بحيث لا يجزي السجود على غيره، وقد اعترف بعضهم في مسألة الدمل بدلالة بعضها
على ما يشمل الجبينين، فحينئذ لولا الاجماع أمكن التوسعة في محل السجود بدعوى شمول
اسم الجبهة عرفا لما هو أعم من ذلك، أو بدعوى حمل ما دل على الجبينين على التخير
بينه وبين الجبهة، بل لعل اسم الجبين يشمل جميع ذلك، ولعله هو المراد لصاحب
القاموس حيث قال بعد العبارة التي قدمناها: " وحروف الجبهة مما بين الصدغين متصلا
عند الناصية كله جبين " بل لعله لا ينافي ذلك ما تسمعه من أخبار الدمل (1) إذ قد
تحمل على الخارج عن ذلك كله، أو يحمل ما لا يقبل منها ذلك على إرادة بيان الفرد
الخفي على السائل وتنبيهه عليه، لا أنه يشترط في صحة السجود عليه تعذر ذلك، خصوصا
مع فرض التقييد في عبارة السائل، أو أنه هو إنما سأل فارضا تعذر ذلك الجزء من
الجبهة، ومثله لا يدل على الانتفاء عند التأمل، فالاجماع هو العمدة في التقييد المزبور.
(و) أما (الكفان) المعبر بهما في كثير من عبارات المتأخرين وبعض عبارات
القدماء، بل هما من معقد إجماعات متعددة كما قيل فقد عرفت ما يدل عليهما من
النصوص (2) التي يجب حمل اليد في غيرها (3) عليهما، سيما مع كونه المعهود من أهل
الشرع عند فعل السجود، كما أنه يجب إرادتهما منها في جملة من عبارات الأصحاب
كالشيخ وغيره إن كانت واقعة في معقد إجماعي الخلاف ونهاية الاحكام على ما قيل

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب السجود
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 6 والباب 1 من أبواب
أفعال الصلاة - الحديث 1 و 2
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود
138

فانحصر الخلاف حينئذ في المرتضى وابن إدريس في المحكي من الجمل والسرائر حيث
عبرا بمفصل الزندين من الكفين، وحكاه في الذكرى عن الإسكافي أيضا، لكن عن
القاضي في شرح الجمل نفي الخلاف عن ذلك، مع أنه من المستبعد إرادتهم تعيين ذلك
بحيث لا يجزي الكفان، ولذا حمله في الذكرى على إرادة الاجتزاء بهما عن الكفين،
لكن على كل حال لم نجد لهم نصا بالخصوص، بل قد عرفت أن النصوص تشهد بخلافهم
ولعلهم يريدون تحديد ابتداء الكف الذي يسجد عليه كما يومي إليه ما سمعته عن
القاضي من نفي الخلاف، إذ من المستبعد إرادته ذلك الذي هو إلى الاجماع على عدمه
أقرب منه إليه.
ثم إن المنساق إلى الذهن والمتعارف في الوضع عند السجود الموافق للاحتياط
الباطن من الكفين، بل نسب في الذكرى وجوب ذلك إلى أكثر الأصحاب تأسيا
بالنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) بل في المحكي عن نهاية الإحكام
والتذكرة أن ظاهر علمائنا وجوب تلقي الأرض ببطون راحته، لكن ومع ذلك تردد
فيه في المنتهى، ولعله لعدم دليل معتد به على التعيين كي يقيد به الاطلاق، خصوصا
على القول بأعمية أسماء العبادات.
وعلى كل حال فمع تعذر الباطن ينتقل إلى الظاهر كما صرح به بعضهم أخذا
باطلاق الكف الذي خرج عنه بالتبادر إلى خصوص الباطن مع الاختيار دون الاضطرار
ولأنه أقرب إلى المأمور به، ويومي إليه في الجملة ما ذكروه في مسح الوضوء،
فلاحظ وتأمل.
(و) أما (الركبتان) فقد اتفقت النصوص (1) والفتاوى عليهما، والظاهر
أنهما بالنسبة إلى الرجلين كالمرفقين لليدين، فينبغي حال السجود وضع عينيها ولو بالتمدد

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود
139

في الجملة في السجود كما فعله الصادق (عليه السلام) في تعليم حماد (1) كي يعلم حصول
الامتثال، ولعله هو مراد العلامة الطباطبائي بقوله:
كفيه بالبطن وركبتيه * ظهرا والابهامين من رجليه
لكن الأستاذ في كشفه بعد أن أوجب وضع سطحيهما قال: ويقوى الاكتفاء
بالحافتين، فتأمل، والله أعلم.
(و) أما (إبهاما الرجلين) فهو الواقع في تعبير المشهور، بل عن المنتهى نسبته
إلى الشيخين وأتباعهما، كالمدارك نسبته إلى الأصحاب، بل في مفتاح الكرامة في
التذكرة ونهاية الاحكام والذكرى وإرشاد الجعفرية وشرح الشيخ نجيب الدين الاجماع
على وجوب السجود عليهما، وفيه أن الظاهر إرادة الاجماع على السبعة لا خصوصها
وإن عدت في معقد الاجماع حتى ظن إرادة الاجماع عليها، لكن التدبر في كلام بعضهم
كالشهيد في الذكرى والمحقق الثاني في الجامع يعين ما ذكرنا، فإن أولهما بعد أن حكي
الاجماع على السبعة ناصا على خصوص ذكر الخلاف في الابهامين قال: والوجه تعين
الابهامين، وهو كالصريح في عدم كونه إجماعيا عنده، ونحوه المحقق الثاني، وعن نهاية
الإحكام بعد الاجماع السابق التصريح بأن العبرة في الرجلين بأطراف الأصابع، على
أن المفيد في كتاب أحكام النساء وأبا المكارم في الغنية والشيخ في المحكي من مبسوطه
بل في كشف اللثام وسائر كتبه وأبا الصلاح في المحكي من كافيه وابن فهد في المحكي من
موجزه التعبير بأطراف أصابع الرجلين، بل في الغنية الاجماع عليه، كما أن في المحكي
عن خلاف الشيخ التعبير بوضع القدمين حاكيا الاجماع عليه، وعن الوسيلة والجمل
والعقود أصابع الرجلين وإن كان فيما حضرني من نسخة الثاني الابهامين، واحتمال إرادة
الجميع الابهامين بعيد إن لم يكن مقطوعا بعدمه، خصوصا وقد صرح في المحكي من المبسوط

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1
140

والجامع بأنه لو وضع بعض أصابع رجليه أجزأ، وزاد في الأول " والكمال أن يضع العضو
بكماله " كاحتمال دعوى الاجماع مع خلاف هؤلاء الأساطين، خصوصا وعادتهم استثناء
ابن الجنيد من الاجماع فضلا عن غيره، نعم هو الأقوى وفاقا للأكثر، بل قيل سائر
الأصحاب عدا من عرفت، لتعليم حماد وصحيح زرارة (1) السابق، بل لعله المراد
أيضا من المرسل (2) عن مجمع البيان " أن المعتصم سأل أبا جعفر بن محمد بن علي بن
موسى الرضا (عليهم السلام) عن قوله تعالى (3) " وأن المساجد لله " فقال: هي
الأعضاء السبعة التي يسجد عليها " بل ومن خبر عبد الله بن ميمون القداح (4) عن
جعفر بن محمد (عليهما السلام) المروي عن قرب الإسناد " يسجد ابن آدم على سبعة
أعظم: يديه ورجليه وركبتيه وجبهته " ولو بمعونة وجوب تنزيل المطلق على المقيد،
فلا دليل حينئذ يعتد به للمخالف، وإجماع الغنية متبين خلافه إن أراده على خصوص
ذلك، والظاهر الاجتزاء بصدق السجود على الابهامين للاطلاق القولي نصا وفتوى،
بل صرح المحقق الثاني وسيد المدارك كما عن جده الشهيد الثاني بعدم وجوب وضع الرؤوس
والاجتزاء بأي جانب منهما، فما في كشف اللثام تبعا للمحكي عن التذكرة - من تخصيص
الأنملة، ولعل مراد من عبر بالطرف كالأستاذ في كشفه والسرائر وجمل السيد فيما
حكي عنهما لفعل الصادق (عليه السلام) في تعليم حماد الذي لا يصلح لأن يكون مقيدا
لاطلاق القول، خصوصا بعد الاطلاق في قوله كما سمعته سابقا - لا يخلو من نظر وإن
كان هو أحوط، بل لعله متعين بناء على وجوب الاحتياط، أو قلنا بأنه المتبادر إلى
الذهن من الأمر بالسجود عليهما.
وكذا لا فرق بين الظاهر والباطن كما في المنتهى وكشف اللثام والحدائق

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 2 - 9 - 8
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 2 - 9 - 8
(3) سورة الجن - الآية 18
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 2 - 9 - 8
141

ومنظومة الطباطبائي وكشف الأستاذ، للاطلاق حتى لو قلنا باعتبار الأنملة والطرف،
إذ يجتزى حينئذ بسطح الطرفين وخصوص طرف الظاهر وخصوص طرف الباطن كما
نص عليه في كشف الأستاذ وإن كان لا يخلو من تأمل، لامكان دعوى عدم الصدق
إلا بالأول، نعم يتجه هذا التعميم بناء على إرادة العقد الأخير من الأنملة أو الطرف
العرفي المتسع في الجملة.
وعلى كل حال فالمتجه بناء على ما ذكرنا وجوب السجود على ما بقي من مسمى
الابهام مع فرض قطعه، لصدق الامتثال، ولو لم يبق منه شئ ففي السجود على محله
أو على باقي الأصابع وجهان، يتعين ثانيهما لو تعذر السجود أصلا كما نص عليه غير
واحد منهم الشهيد والفاضل الإصبهاني، لكن في الذكرى إلحاق القصر بذلك، قال:
لو تعذر السجود عليهما لعدمهما أو قصرهما أجزأ على بقية الأصابع، وفيه نظر إلا أن
يريد القصر الذي يمتنع معه السجود عليهما، ولعله لذا علق الحكم في كشف اللثام على
التعذر، فقال: وإن تعذر عليهما أجزأ على غيرهما كما حمل عليه الشيخ على ما قيل خبر
هارون بن خارجة (1) " أنه رأى الصادق (عليه السلام) ساجدا وقد رفع قدميه من
الأرض وأحد قدميه على الأخرى " قلت: قضية الخبر السقوط حينئذ لا السجود على
باقي الأصابع، بل لعله هو الموافق للضوابط مع التعذر، لعدم الدليل على البدلية بعد
تنزيل مطلق تلك النصوص على مقيدها، وقاعدة الميسور يصعب جريانها في المقام،
اللهم إلا أن يؤيد باطلاق الرجل مع تنزيل التقييد على حالة الاختبار خصوصا مع
وجوب الاحتياط في العبادة، فتأمل جيدا.
ثم المراد من السجود على الجبهة مسماه، وما يتحقق به عرفا ذلك كما هو المشهور
نقلا وتحصيلا، ضرورة كونه من الأفعال التي تصدق بالبعض كالتقبيل ونحوه

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 5
142

لا كالغسل ونحوه، فاحتمال وجوب الاستيعاب في غاية الضعف، بل في الحدائق " اتفق
الجميع على عدمه " وعن الروض والمقاصد العلية " أنه لا خلاف في عدم وجوبه " مضافا
إلى ظهور النصوص السابقة في الجبهة في عدمه أيضا، بل فيها التصريح بأفضليته وعدم
وجوبه، لكن في كشف اللثام عن الأحمدي والسرائر أنه يجزي الدرهم من بجبهته علة
وهو قد يشعر بايجاب الاستيعاب على الصحيح، وربما يشهد له صحيح علي بن جعفر (1)
عن أخيه موسى (عليه السلام) " عن المرأة يطول قصتها فإذا سجدت وقع بعض جبهتها
على الأرض وبعض يغطيه الشعر هل يجوز ذلك؟ قال: لا حتى تضع جبهتها على
الأرض " مع دعوى أن ما نحن فيه من الأفعال المقتضية للاستيعاب، وفي الثاني منع
واضح، كما أنه يجب حمل الصحيح على إرادة عدم الاجزاء في الفضل، أو على عدم
صدق المسمى بالبعض الواقع على الأرض جمعا بينه وبين النصوص السابقة المعمول عليها
بين الأصحاب، مع أنه لا صراحة في كلاميهما بالاستيعاب، إذ قد يوجبان على الصحيح
الأكثر من الدرهم وإن لم يكن التمام، نعم يحكى عن الفقيه ناقلا له عن رسالة أبيه أيضا
أنه قال: " يجزي مقدار الدرهم " وهو ظاهر في عدم إجزاء الأقل، واختاره في
الدروس والذكرى ناقلا له في الثاني عن كثير من الأصحاب محتجا بتصريح الخبر به،
ثم قال " فيحمل المطلق من الأخبار وكلام الأصحاب على المقيد وأشار بالخبر إلى
صحيح زرارة السابق (2) لكن لا تصريح فيه بذلك، لاحتماله إرادة التنصيص على
التعميم المذكور فيه أولا كما يومي إليه ذكر طرف الأنملة الصادق بالأقل من الدرهم،
إلا أن يراد الإضافة البيانية والعقد الأخير من الأنملة، ويكون ذكره لإرادة بيان
إجزاء ذي الطول دون السعة كالمسواك ونحوه، فيكون الأول لتقدير المسطح، والثاني

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 2
143

لذي الطول، لكن على كل حال هو قاصر عن معارضة غيره من النصوص الصحيحة
الظاهرة في إجزاء المسمى المعمول بها بين الأصحاب، وما نقله عن الكثير لم نتحققه
إلا عمن عرفت، بل قيل: إنه هو فضلا عن غيره قد اكتفى في فصل المكان بالمسمى
أيضا، وقد يقال: إن مراد الشهيد تقدير المسمى بذلك، لعدم القطع بصدق السجود
عليها على ما دونه، والظن غير مجز في المصداق بناء على أن هذا منه، والشغل متيقن،
واحتمال الاجتزاء بوضع مطلق الشئ منها وإن لم يتحقق به صدق اسم السجود عليها
تمسكا بظاهر النصوص مجمع على خلافه، لاعتبار الجميع الاسم، ويؤيده تعارف التقدير
من الشرع في نحو هذه الأمور الغير المنضبطة بأمر حسي يرتفع معه الوسوسة والتسامح،
وخص الجبهة من بينها لشدة احتياجها إليه وشدة مدخليتها في السجود، وحينئذ تجتمع
النصوص، بل لعله لا تعارض في شئ منها، ضرورة إرادة الاجتزاء بأي شئ يقع
من الجبهة مما يصدق معه وضع الجبهة والسجود عليها لا مطلقا، ولا تناقض حينئذ بين
كلامي الشهيد في الذكرى، إذ ليس ما هنا قولا بعدم إجزاء المسمى، بل كلامه كالصريح
في ذلك، قال: والواجب في كل من المساجد مسماه كما سلف في باب المكان، والأقرب
أن لا ينقص في الجبهة عن درهم، بل لعل ذلك هو مراد الصدوق أيضا بقرينة أنه روى
مع ذلك بعض النصوص الظاهرة في الاسم بعد ما ذكر الدرهم بلا فصل معتد به مع أنه
ذكر أنه لا يروي إلا ما يعمل به، ولذا ينسب الأصحاب إليه في مقامات كثيرة بمجرد
روايته، ومن هنا أنكر في الحدائق على الأصحاب نسبتهم الخلاف إليه مع روايته
النصوص المزبورة.
فظهر لك حينئذ قوة القول المزبور وأنه أولى من حمل الصحيح المذكور على
الندب أو طرحه، خصوصا مع تأيده بالمروي عن فقه الرضا (عليه السلام) بعين عبارة
144

الصدوقين، وبالمروي عن دعائم الاسلام (1) عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه
قال: " أقل ما يجزي أن يصيب الأرض من جبهتك قدر درهم " وباتحاد راوي المسمى
والدرهم مع شدة معرفته وفضيلته وبوجوده في رسالة علي بن بابويه التي كانت إذا
أعوزتهم النصوص رجعوا إليها، كل ذلك مع أنك قد عرفت عدم معارضة تلك
النصوص له على التقدير المزبور، نعم قد ينافيه نصوص الحفيرة (2) بناء على أنها بينت
فردا خفيا للسائل لا أن المراد منها التقييد بصورة العذر، وقد يدفع بالتزام أنها من
الثاني ضرورة عدم إجزاء ما يقتضيه إطلاقها مع الاختيار، فلاحظ وتأمل.
وهل يكفي حينئذ في مقدار الدرهم أن يكون متفرقا كالسبحة والحصى؟ إشكال
كما عن شرح نجيب الدين، أما على تقدير عدم اعتبار الدرهم فيقوى الاجتزاء وإن لم
يكن وضع الجبهة متصلا بل كان فيه فرج، بل بعض نصوص الحصى (3) وعدم وجوب
التسوية لما يسجد عليه ربما تشهد للاجتزاء على تقدير اعتبار الدرهم أيضا، فتأمل.
أما باقي المساجد فعن الفوائد الملية والمقاصد العلية أنه لا خلاف في كفاية الاسم
فيه، لكن في المنتهى هل يجب استيعاب جميع الكف بالسجود؟ عندي فيه تردد،
والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل، لورود النص في خصوص الجبهة، فالتعدي بالاجتزاء
بالبعض يحتاج إلى دليل، قلت: بل قد يشهد للاستيعاب في الكفين أنه المتعارف من
أهل الشرع، وقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (4): " إذا سجدت
فابسط كفيك على الأرض وغيره، لكن في كشف اللثام الخمرة في عهدهم (عليهم

(1) المستدرك - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب السجود
(3) الوسائل الباب - 18 - من أبواب السجود
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب السجود - الحديث 2
145

السلام) قد تفيد الاجزاء في الكفين، قلت: قد لا يحتاج إلى الدليل بالخصوص بعد
إمكان دعوى تحقق صدق وضع الكف والسجود عليها بالبعض، وأنه ليس من الأفعال
المقتضية للاستيعاب كالغسل ونحوه، وإمكان دعوى الأولوية من الجبهة بحيث لا يرجع
إلى القياس، بل أيد ذلك كله في الرياض بالخبر المروي (1) عن تفسير العياشي عن
أبي جعفر (عليه السلام) " أنه سأل المعتصم من أي موضع يقطع؟ فقال: إن القطع
يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف، قال: وما الحجة في ذلك؟
قال: قال رسول الله (صلى الله وعليه وآله): السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين
والركبتين والرجلين، فإذا قطعت اليدين دون المرفق لم يبق له يد يسجد عليها " فإنه
صريح في عدم وجوب السجود على الأصابع، قلت: لكنه ظاهر في أن الكف اسم
لما لا يشمل الأصابع لا للاجتزاء في السجود بالبعض بل مقتضاه حينئذ أنه لو سجد على
الأصابع دون راحة الكف لم يجتز به، وربما يشهد له ظاهر إجماع الفاضل المتقدم منهم
في الكف بناء على عدم شمول الراحة للأصابع، إلا أنه قد صرح جماعة منهم هو في
نهاية الإحكام كما قيل بأنه يكفي وضع الأصابع دون الكف وبالعكس، كما أنه صرح
بعضهم بأن الأصابع من الكف، وهو الذي يساعده العرف، نعم لو سجد على رؤوس
الأصابع لم يجتز به كما في المسالك، لأنها حد الباطن، كما أنه لا يبعد عدم الاجزاء لو ضم
أصابعه إلى كفه وسجد عليها كما في المحكي عن التذكرة والموجز وشرحه، لعدم صدق
السجود على باطن الكف، وجعل الأصابع بمنزلة البساط لا مدخل له في المصاديق العرفية
فما عن نهاية الإحكام من التوقف فيه لا يخلو من نظر، ولو جاء في وسط كفه ولاقى
الأرض بأطراف أصابعه وزنده لم يجز أيضا لما عرفت، والمدار على الصدق العرفي فلا
يحتاج إلى الإطالة في التفريع.

(1) المستدرك - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 1
146

وكيف كان فالمنساق إلى الذهن من السجود على هذه الأعضاء الاعتماد عليها
لا مجرد المماسة متحاملا عنها كما صرح به في الذكرى وغيرها، بل في الحدائق قالوا مشعرا
باتفاق الجميع أو الأكثر عليه، قيل لعدم حصول تمام المراد من الخشوع، ولأن
الطمأنينة لا تحصل إلا بذلك، ولرواية علي بن يقطين (1) عن الكاظم (عليه السلام)
" يجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض يعني تسبيحة " وخبر علي بن جعفر (2)
عن أخيه (عليه السلام) " في الرجل يسجد على الحصى ولا يمكن جبهته من الأرض
قال: يحرك جبهته حتى يتمكن فينحي الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه " إلى غير ذلك
فلو سجد حينئذ على مثل القطن والصوف وجب أن يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء
ويحصل مسمى الطمأنينة إن أمكن، وإلا لم يصل عليه مع إمكان غيره، نعم لا يجب
المبالغة في الاعتماد بحيث يزيد على قدر ثقل الأعضاء، كما أنه لا يجب تسويتها في مقدار
الاعتماد لعسره أو تعذره، نعم قد يقال بوجوب اشتراكها في وضع الثقل والاعتماد،
فلا يجزي طرحه على بعضها والاكتفاء بالمماسة في الآخر.
وهل يجب استقلالها بوضع الثقل عليها بحيث لا يجزي لو شاركها غيرها؟ وجهان
ينشئان من دعوى ظهور النصوص في كونه حال السجود واضعا ثقله على هذه السبعة،
ومن صدق الاعتماد عليها ولو مع مشاركة الغير.
ولو وضع الأعضاء السبعة على الأرض منبطحا لم يجز، لعدم صدق مسمى السجود
إلا لضرورة سواء جافى بطنه أو لا، وربما جعل سبب المنع في الفرض عدم مجافاة البطن
فاعترضه في الحدائق بأن البطلان لعدم صدق مسمى السجود، وإنما يسمى انبطاحا ونوما
على الوجه، أما لو لصق بطنه بالأرض مع كونه على هيئة الساجد ووضع باقي المساجد

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 3
147

على كيفيتها الواجبة فيه فالظاهر الصحة وإن كان خلاف الأفضل، ويخفى عليك
أنه بناء على وجوب استقلال المساجد في الاعتماد قد يمنع الصحة في الفرض أيضا،
فتأمل جيدا.
الواجب (الثاني وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه) من الأرض والنبات
وغيرهما مما مر البحث فيه مفصلا (فلو سجد على كور العمامة) بفتح الكاف وإسكان
الواو أي دورها (لم يجز) إذا كانت مما لا يصح السجود عليها كما هو الغالب، بل
عن الناصريات والخلاف والمنتهى الاجماع عليه بالخصوص، لكن قد يلوح من الخلاف
أن المانع الحمل، حيث قال: " ولا يجوز السجود على شئ هو حامل له ككور العمامة
وطرف الرداء وأكمام القميص " ومن هنا قال في الذكرى: " إن قصد لكونه من
جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق، وإن جعل المانع نفس الحمل كمذهب العامة
طولب بدليل المنع: قلت: لعل دليله الاقتصار في الفراغ عن الشغل بالمتيقن المعهود
عند الشرع وأتباعه، وإمكان منع صدق اسم تعدد وضع الجبهة المتوقف عليه صدق
السجدتين، لكن كان عليه تخصيص ذلك بالمتصل بخصوص الجبهة لا نحو طرف الرداء
وأكمام القميص الذين يضعهما تحت الجبهة عند إرادة السجود، فإنه لا مانع من صحة
السجود عليهما حينئذ بالفرض المزبور وكونهما مما يسجد عليهما، وغير محمولين لا أثر
لهما في الشرع، ضرورة صحة السجود على قطعة من الأرض محمولة له يضعها تحت الجبهة
عند إرادة السجود، وندرة اللبس لا تخرجهما عن صحة السجود وتدرجهما تحت الملبوس
عادة قطعا، كما أن خبر عبد الرحمن (1) عن الصادق (عليه السلام) " في السجود على
العمامة لا يجزيه حتى تصل جبهته إلى الأرض " لا دلالة فيه على كون المانع الحمل، بل
جاز لفقد كونه مما يسجد عليه، أو لأنه متصل بالجبهة، فيأتيه المانع الذي ذكرنا من

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1
148

عدم الصدق، وخبر طلحة بن زيد (1) عن الصادق عن أبيه عن علي عليهم السلام)
" إنه كان لا يسجد على الكم ولا على العمامة " يتعين حمله على الأول، لأن الغالب
كونهما كذلك، على أنهما معارضان بما مر في غيرهما من جواز السجود على طرف الكم
أو الرداء عند شدة الحر مثلا.
فظهر حينئذ أن كلام الشيخ قد يتم في الصورة التي فرضناها دون غيرها، لكن
في المنتهى والتحرير والذكرى وجامع المقاصد وعن نهاية الإحكام والبيان التصريح
بالصحة فيها أيضا، وفي بعضها أن الأفضل الانفصال عملا بفعل النبي (صلى الله عليه وآله)
والأئمة (عليهم السلام) بعده، ولعله لكراهة مسح التراب، وصدق تعدد السجود
بتعدد الانحناء وإن اتحد الوضع والمماسة، إذ هما كاتحاد الوضع في باقي المساجد في السجدتين
الذي هو غير قادح، للأصل، وللمروي في مستطرفات السرائر من كتاب جامع
البزنطي (2) صاحب الرضا (عليه السلام) قال: " سألته عن الرجل يسجد ثم لا يرفع
يديه من الأرض بل يسجد الثانية هل يصلح ذلك؟ قال: ذلك نقص في الصلاة "
ونحوه المروي عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى (عليه السلام)
واحتمال إرادة النقص حقيقة مع فرض عدم اقتضاء ذلك نقصا في الاعتدال أو الطمأنينة
بعيد، بل المراد كما هو الظاهر نقص الفضل، لكن الانصاف أنه مع ذلك كله لا يخلو
من نظر، خصوصا بناء على وجوب الاحتياط في الصلاة تحصيلا ليقين البراءة عن يقين
الشغل، وقد يفرق بين ما نحن فيه ورفع باقي المساجد، ولعله لذا قال في كشف الأستاذ
وقد أجاد: ويلزم انفصال محل مباشرة الجبهة عما يسجد عليه، فلو استمر متصلا إلى
وقت السجود مع الاختيار لم يصح ولا يلزم فصله فورا لو اتصل حال الرفع، بل إنما

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب السجود
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب السجود
149

يلزم لسجود آخر على الأقوى، بخلاف الستة الباقية، وفي دلالة الاطلاق وكراهة مسح
التراب ونحوه عن الجبهة ضعف، فلا يقوى على أصالة الشغل، مع أن ما دل على رفع
الحصى عنها أقوى دلالة على العكس، فتأمل جيدا.
الواجب (الثالث أن ينحني للسجود حتى يساوي موضع جبهته موقفه إلا أن
يكون علوا يسيرا بقدر لبنة) موضوعة على أكبر سطوحها (لا أزيد) فلا يجوز حينئذ
كما صرح به الشيخ والمتأخرون، بل في المدارك هو المعروف من مذهب الأصحاب،
بل في الذكرى نسبته إليهم مشعرا بدعوى الاجماع عليه كالفاضل في المنتهى حيث نسبه
إلى علمائنا، بل في جامع المقاصد التصريح بنسبته إليهم جميعهم، ولعلهم حملوا العلو في
كلام من عبر به من غير تقييد عليه، خصوصا مثل ما وقع للمصنف في المعتبر حيث قال:
ولا يجوز أن يكون موضع السجود أعلى من موقف المصلي بما يعتد به مع الاختيار،
وعليه علماؤنا، لأنه يخرج بذلك عن الهيئة المنقولة عن صاحب الشرع، وقدر الشيخ
حد الجواز بلبنة ومنع ما زاد، ومثله العلامة في المحكي من تذكرته وإن كان ربما أوهم
قصرهما النسبة على الشيخ اختصاصه به، لكن الظاهر إرادتهما أن المصرح به ممن وقفا
عليه هو وإن كان قد صرح به الكيدري فيما حكي عنه أيضا، بل والكاتب وإن لم
يذكر لفظ اللبنة وقيده بالضرورة، بل ذكر أربع أصابع مقبوضة كما في كشف اللثام،
وما حضرني من نسخة الذكرى، إذ الظاهر أن المراد باللبنة بكسر اللام وسكون الموحدة
أو فتحها مع كسر الباء المعروفة في ذلك الزمان، وقد قدرها الأصحاب كما في الحدائق
بذلك تقريبا، قال: ويؤيده اللبن الموجود الآن في أبنية بني العباس في سر من رأى
فإنه بهذا المقدار تقريبا، قلت: وكفى بنقل الأصحاب مثبتا لذلك، ولعلها هي المرادة
من التقدير بالمخدة في المحكي من عبارة الوسيلة، إذ المراد أقل الأفراد منها.
وكيف كان فالظاهر أن مبنى اعتبار عدم العلو في المسجد الخروج عن مصداق
150

السجود عرفا كما أومأ إليه في المعتبر، بل كاد يكون صريح جامع المقاصد، إلا أنه لما
كان ذلك غير منضبط ومما يعسر معرفته على التحقيق ناسب الشارع كما في سائر نظائره
وضع تقدير له يتخلص به عن الوسواس والتسامح تقريبي وإن صار بعد ذلك تحقيقيا،
فهو تحقيق في تقريب، ولذا قال الصادق (عليه السلام) لعبد الله بن سنان (1) لما سأله
عن السجود على الأرض المرتفعة: " إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك
قدر لبنة فلا بأس: والمناقشة في سندها باشتراك النهدي بين جماعة منهم من لم يثبت
توثيقه يدفعها - بعد انجبارها بما سمعت مما يستغنى به عن صحة سندها - أن الظاهر
كونها الهيثم بن مسروق بقرينة رواية محمد بن محبوب عنه، وهو ممدوح في كتب الرجال
وله كتاب يرويه عنه جملة من الأجلاء منهم محمد بن علي وسعد والصفار، فحديثه إن لم
يكن صحيحا بناء على الظنون الاجتهادية وإلا فهو في مرتبة من الحسن، كالمناقشة فيها
باحتمال قراءتها " يديك " بالياءين المثناتين كما في كشف اللثام، فلا دلالة فيها حينئذ
على الموقف، إذ هو مجرد احتمال لا يجوز فتحه في النصوص، مع أنه موجب لحمل الرواية
على أمر غير معروف، مضافا إلى أن الذي عثرنا عليه الأول، بل قيل: إنه الموجود
في جميع كتب الاستدلال والأخبار، فما في الرياض من أنه ربما يوجد في بعض النسخ
كذلك حتى أنه أشكل الاستدلال به لذلك لم نتحققه، بل ظاهر استدلال الأصحاب
به والفتوى بمضمونه على اختلاف طبقاتهم ونسخهم وفيهم المتثبت غاية التثبت ككشف
اللثام وغيره يشرف الفقيه على القطع بعدم هذه النسخة، وأنه وإن وجد في بعض
الكتب فهو من النساخ قطعا، مع أنه على تقديرها يمكن الاستدلال بالفحوى، ضرورة
أولوية الموقف من اليدين بذلك قطعا، على أنه قد يشهد للباء الموحدة سؤال عبد الله

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب السجود - الحديث 1
151

نفسه عنه في الصحيح الآتي (1) والمرسل (2) في الكافي الذي أبدل فيه " بدنك "
برجليك، بل لعله أراد الخبر المزبور لكن حذف سنده، وإلى غير ذلك.
وأما المناقشة في دلالتها بأن ثبوت البأس أعم من المنع فيدفعها أنه من المعلوم
إرادة المنع منه هنا لفتوى الأصحاب، إذ من شك منهم شك في جواز هذا العلو لا الأزيد
ولأن عبد الله نفسه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) في الصحيح (3) " عن موضع جبهة
الساجد أيكون أرفع من مقامه؟ قال: لا ولكن ليكن مستويا " وقال حسين بن
حماد (4) للصادق (عليه السلام) أيضا: " أسجد فيقع جبهتي على الموضع المرتفع فقال:
أرفع رأسك ثم ضعه " وقال له (عليه السلام) أيضا في خبره الآخر (5): " أضع
وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شئ مرتفع أحول وجهي إلى مكان
مستو قال: نعم جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه " وقال الصادق (عليه السلام)
أيضا في صحيح معاوية بن عمار (6): " إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها
ولكن جرها على الأرض " والنبكة بالنون والباء الموحدة مفتوحتين واحدة النبك،
وهي أكمة محدودة الرأس، وقيل: النباك التلال الصغار، إلا أنه يجب تقييد المرتفع فيها
الذي يجب التحويل عنه بالأزيد من اللبنة جمعا بين المطلق والمقيد، كما أنه يجب تنزيل
خبر أبي بصير (7) على ما لا ينافي الخبر المزبور، وسأل أبا عبد الله (عليه السلام
" عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد فقال: إني أحب أن أضع وجهي في موضع
قدمي، وكرهه " بل في الحدائق أن هذا الخبر رواه شيخنا في البحار من كتاب عاصم

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب السجود - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 2 - 1
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 2 - 1
(6) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 2 - 1
(7) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 1 - 2
152

ابن حميد عن أبي بصير مثله إلا أنه قال (عليه السلام): " في مثل قدمي وكره أن
يضعه الرجل " إلى آخره. إما بحمل الكراهة على التحريم، أو على ما دون اللبنة، أو
إرادة أنه يرفع له موضع كما عساه يومي إليه رواية المجلسي، أو على الندب، أو غير ذلك.
وعلى كل حال فقد صار المحصل من مجموع ذلك أن المتجه هو التقدير المزبور،
خصوصا مع إمكان دعوى الشك في صدق اسم السجود على الأعلى من ذلك إن لم يظن
عدمه، كما أنه يظن صدقه على المقدار المزبور فما دون ولو من الخبر المزبور وإن لم نقل
بحجيته بناء على أنه من الظن بالموضوع لا المصداق، ضرورة رجوعه إلى دعوى وضع
السجود لما هو أعم من المستوي إلى المقدار المزبور، وتيقن بعض الأفراد له لا ينافي
حجية الظن به بهذا المعنى، على أن اعتبار عدم العلو أصلا مما يعسر، بل هو مقطوع
بعدمه من أهل الشرع قولا وعملا، وربما أومأ إلى بعض ذلك الفاضل بما في المحكي
من تذكرته ونهايته من الاستدلال على المطلوب بأنه لا يتمكن من الاحتراز عنه غالبا،
وأنه لا يعد علوا عرفا أي علوا يخرج الساجد عن مسماه لغة وعرفا، كل ذا مع إمكان
تأييد المطلوب أيضا بموثق عمار (1) عن الصادق (عليه السلام) " في المريض يقوم
على فراشه ويسجد على الأرض فقال: إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل
استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض، وإن كان أكثر من ذلك فلا " بناء على
أولوية اعتباره في العلو من الانخفاض قطعا، قد صرح فيه بالتقدير المزبور وأفتى به
الشهيدان والمحقق الثاني والعلامة الطباطبائي وغيرهم، بل لم أجد من صرح بالفرق بينه
وبين العلو بذلك قبل الأردبيلي، وتبعه بعض من تأخر عنه منهم الأستاذ في كشفه،
بل بعض من وسوس في الأول وافق في المقام كصاحب المدارك، نعم ربما يوهمه المتن
وغيره ممن اقتصر على العلو خاصة، وهم الأكثر كما في المسالك، بل في المحكي عن

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب السجود - الحديث 2
153

التذكرة لو كان أخفض جاز إجماعا، إلا أنه يمكن تنزيله على ما لا يبلغ القدر المزبور،
كما أنه يمكن إرادة المثال من العلو في عبارات الأكثر، وإلا فالمقصود التفاوت بين
الموقف ومحل السجود، واحتمال أنه كلما ازداد خفضا كمل صدق اسم السجود فيه منع،
بل يمكن دعوى عدم الصدق، أو عدم كونه الفرد المراد منه، خصوصا على وجوب
الاحتياط في العبادة، بل وعلى غيره عملا بالموثق المزبور المعتضد بالأمر بالاستواء في
صحيح ابن سنان (1) الذي لا معارض له إلا خبر محمد بن عبد الله (2) عن الرضا
(عليه السلام) في حديث سأله " عمن يصلي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من
مقامه، فقال: إذا كان وحده فلا بأس " وهو مطلق ينزل على المقيد مع عدم ظهور
فائدة يعتد بها للتقييد بالوحدة.
وما عن الذخيرة من أن الموثقة غير ناهضة بالتحريم فقد أساء الأدب في رده
في الحدائق بأنه من جملة تشكيكاته الواهية المبنية على أصوله المخترعة التي هي كبيت
العنكبوت، وأنه لأضعف البيوت مضاهية، فإني لا أعرف لمنعه ثبوت التحريم وجها
إلا ما صرح به في غير موضع من كتابه، ونقلناه عنه في غير موضع مما تقدم من دعواه
عدم دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب، وكذا النهي غير دال على التحريم، وقد
عرفت بطلان ذلك في غير مقام مما تقدم، وأنه موجب لخروج قائله عن الدين، قلت:
لعله ليس لذلك، بل لأنه جعل " لا " في المفهوم المصرح به في الخبر نافية للاستقامة
المصرح بها في المنطوق، وهي تصدق بالمندوب لا نهيا، وهو غير مفيد للتحريم، نعم قد
يمنع عليه صدق نفي الاستقامة على ذلك، بل هي ظاهرة في المنع، فتأمل جيدا.
وكيف كان فمن العجيب بعد ذلك كله وسوسة سيد المدارك في التفصيل المزبور
باعتبار صحة سند عبد الله بن سنان بخلاف خبره الآخر المشتمل على النهدي، فيقصر

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 4
154

حينئذ عن تقييده ويبقى مقتضاه من عدم جواز الرفع أصلا بلا معارض، وربما كان
ذلك منه سببا لوسوسة بعض من تأخر عنه أيضا، وأنت خبير بما فيه وإن سبقه إليه
الإسكافي، فمنع غير المساوي إلا لضرورة.
ثم لا فرق نصا وفتوى فيما أجده بين المنحدر وغيره مع فرض علو الجبهة فيه
بأزيد من لبنة، لاطلاق الأدلة، وبه صرح في المسالك والمدارك والحدائق والمنظومة
والمحكي عن الروض والمقاصد العلية والموجز والميسية، والفرق بينهما في علو الإمام
والمأموم مع مساواة مسجد كل لموقفه لا يستلزمه هنا، إذ لعل دليل المنع هناك مختص
بالعلو الذي هو كالدكان ونحوه مما لا يدخل فيه المنحدر، ودعوى انصراف أدلة المنع
في المقام إلى غير المنحدر أيضا فيبقى فيه إطلاق الأدلة سالما واضحة المنع، فما في كشف
الأستاذ من أنه لا بأس بالتسريح ما لم يتفاحش فتفوت به هيئة السجود لا يخلو
من نظر، هذا.
وظاهر المتن وغيره ممن اعتبر العلو في خصوص الجبهة عدم اعتبار ذلك في باقي
المساجد كما صرح به الأردبيلي وشيخنا في كشفه، للأصل وإطلاق الأدلة إلا إذا خرج
به عن مسمى الساجد، أو شك في الصدق معه، مع احتمال الصحة في الثاني بناء على
المختار من الأعمية، تمسكا باطلاق أدلة الصلاة الذي لا ينافيه عدم وضوح صدق إطلاق
السجود، إذ يكفي احتمال كونه سجودا واقعا، ولا ينافيه إلا مسلوب الاسم، لكن
في جامع المقاصد وغيره عن الشهيد اعتبار ذلك في باقي المساجد، بل ربما استظهره بعضهم
من نهاية الإحكام أيضا، بل اختاره في المحكي عن الجعفرية وشرحيها والميسية والمقاصد
العلية، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان للنظر فيه مجال كما اعترف به في جامع المقاصد
بل لم أتحقق نقله عن الفاضل والشهيد في سائر كتبه، نعم يحكى عن هامش بعض نسخ
البيان بعد قوله: " أو يزيد بلبنة " وكذا باقي المساجد من غير ذكر " صح " بعدها
155

وعن نهاية الإحكام أنه قال: " يجب تساوي الأعالي والأسافل أو انخفاض الأعالي "
ومنه استفاد في المحكي عن الذخيرة اعتبار ذلك، ولعل المراد بالأسافل فيها غيرها ما قال
في الذكرى في المقام: وهل يجب كون الأسافل أعلى من الأعالي؟ الظاهر لا، لقضية
الأصل، ولأن الارتفاع بقدر اللبنة يشعر بعدم وجوب هذا التنكس، نعم هو مستحب
لما فيه من زيادة الخضوع والتجافي المستحب، ضرورة إرادة الدبر ونحوه من الأسافل
فيها بقرينة ذكره التجافي الذي لا يحصل بعلو موقف الرجلين، بخلافه في النهاية فموضع
الرجلين، لأنه قال عقيبه: ولو كان موضع جبهته أعلى من موقفه بالمعتد به مع القدرة لم يصح
لكن استفادة اعتبار ذلك منها حينئذ في جميع المساجد لا يخلو من نظر، اللهم إلا أن
يراد بالأسافل سائر ما عدا الجهة من المساجد، هذا. وقد يناقش ما في الذكرى بأنه
لا يتم الاتيان بالمساجد وعدم العلو في موضع بغير المرخص به إلا بعلو الأسافل، مع
أن في خبر الأعمش المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) " ليرفع
الساجد مؤخره في الفريضة إذا سجد " فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فأقصى ما يمكن الاستدلال به لاعتبار ذلك في باقي المساجد - بعد
إمكان دعوى عدم صدق اسم السجود على بعض أفراده والشك في آخر، وبعد إشعار
خبر الشعيري (1) عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) بذلك في الجملة،
قال: " إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ضعوا اليدين حيث تضعون الوجه،
فإنهما يسجدان كما يسجد الوجه " - إن خبر عبد الله بن سنان (2) المتقدم سابقا الذي
هو الأصل في التفصيل باللبنة ظاهر في اعتبار عدم علو الجبهة بالأزيد عن محل تمام البدن
حال السجود وليس هو إلا مواضع المساجد جميعها، مضافا إلى إطلاق الأمر

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب السجود - الحديث 1
156

بالاستواء وبالجر عن المرتفع، وفيه أن مسلوب الاسم خارج عن محل النزاع، ومحل
الشك قد عرفت إمكان التمسك باطلاق أدلة الصلاة فيه بناء على المختار، وأن الخبر
المزبور على التقدير المذكور يرجع حاصله حينئذ بعد التأمل والتدبر فيه وتسليط الشرط
على القيد الزائد الذي هو المقصود في بيان الحكم أن المرتفع حال السجود عن موضوع
البدن إن كان قدر لبنة فلا بأس، ومفهومه إن لم يكن قدر لبنة ففيه البأس، فالمرتفع
عن بعض البدن دون بعض خارج عن كل من المنطوق والمفهوم حتى بالنسبة إلى المرتفع
عن محل الرجلين خاصة، وإنما يستفاد من غيره كصحيح عبد الله بن سنان الآخر (1)
المشتمل على لفظ المقام وغيره من معاقد الاجماعات، بل لعل بملاحظتهما مع مرسل
الكافي (2) الذي هو عين الخبر المزبور على الظاهر كما اعترف به الأردبيلي بحمل موضع
البدن في الخبر على المقام والموقف الذي هو محل البدن عند القيام والجلوس كاطلاق
الأدلة الأخر، فيجتمع الجميع حينئذ على ما عند الأصحاب من اعتبار ذلك بالنسبة
للجبهة والموقف، لكن من المعلوم أنه لا يراد اعتباره حال الوقوف، ضرورة صحة
الصلاة مع فرض العلو حاله، والانتقال إلى المساوي مثلا عند السجود ولو حال الجلوس
له، كضرورة البطلان في صورة العكس، لكن قد وقع للأستاذ في مكان المصلي
ما يظهر منه أنه يعتبر فيه مساواة محل الجبهة للموقف حال القيام، ثم فرع عليه الجالس
والمضطجع والمستلقي، وأطال في ذكر الفروع، ولم نعرفه لغيره عدا الشهيد في الذكرى
والدروس فإنه قد يلوح منهما ذلك أيضا، إذ لم يذكر غيرهما من الأصحاب إلا ما نحن
فيه مما هو من واجبات السجود والأمور المعتبرة فيه حال إرادته من غير مدخلية
للوقوف في ذلك، وعليه لا ينبغي التأمل في الصحة في المثال المزبور، وربما يتكلف

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب السجود الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب السجود - الحديث 3
157

لكلام الأستاذ بحيث يرجع إلى ما عند الأصحاب في المقام، أو هو واجب آخر غير
ما نحن فيه، وتمام البحث فيه في فصل المكان.
وكيف كان فالمراد بالموقف هنا الذي يكون حال السجود معتمدا عليه بوضع
إبهاميه كما هو الغالب في اتحاد محل الوقوف والسجود، وهو الذي حداهم إلى التعبير
به في المقام لا لاخراج الفرض السابق، أو يراد به الذي لو أراد الوقوف عن خصوص
ما صدر منه من السجود وقف عليه، وهو كالأول في حاصل المراد، لكن قد يتخيل
في بادئ النظر أنهما معا يرجعان حينئذ إلى اعتبار ذلك بالنسبة إلى الجبهة وخصوص
محلي الابهامين من المساجد، ويكون تعبيرهم بالموقف كناية عن ذلك حينئذ، كما يومي
إليه تعليل أساطين الأصحاب كالمصنف والفاضل والمحقق الثاني هذا الحكم بالخروج عن
هيئة الساجد مع الزيادة على التقدير، ولا يتصور ذلك إلا بالفرض المزبور، وإلا فمساواة
الجبهة للموقف في غير كيفية السجود لا مدخلية لها في ذلك قطعا، كما أنه يكون حينئذ
عنوان المسألة السابقة - من أنه هل يعتبر في باقي المساجد ما يعتبر بالجبهة أو لا؟ -
مخصوصا بغير الابهامين من الركبتين واليدين، لكن دقيق النظر يقضي بخلاف ذلك
بل ما ذكره من التعليل السابق للأصحاب يشهد بأن المراد حصول الانحناء إلى حد
يساوي مثلا ما استقر عليه بدنه في تلك الحال وغيرها من الوقوف السابق واللاحق
مع فرض عدم الانتقال، فإنه حينئذ يتحقق مسمى السجود، كما أنه ينتفي إذا لم يحصل
هذا الانحناء، ولا ريب في عدم مدخلية وضع الابهامين في ذلك، إذ لو فرض أنه
انحنى حتى ساوى ووضع جبهته على المساوي له وإبهاميه على مكان منخفض بأزيد من
لبنة عن الجبهة بأن أدخل تمام مشط قدمه في ذلك المكان المنخفض لم يخرج بذلك عن
مسمى السجود قطعا ولا قل انحناؤه كي يخرج به عن مسماه، فيبقى إطلاق الأصحاب
عنوان المسألة السابقة بحاله، إذ لا فرق حينئذ بين الابهامين وغيرهما من المساجد،
158

كما يومي إليه بعض عباراتهم خصوصا مجمع البرهان وكشف الأستاذ، فلاحظ وتأمل،
وظهر حينئذ أن الأقوى عدم اعتبار ذلك في غير الجبهة وعدم اعتبار التساوي أيضا في
المساجد بعضها مع بعض، وأن ما ذكرناه في الجبهة لا يلزمه شئ من ذلك، فتبقى
إطلاقات الأدلة سالمة.
كما أنه ظهر لك مما قدمناه سابقا - من أن بناء الخبر المزبور في التحديد باللبنة
المذكورة على الكشف التقريبي لمسمى السجود - جواز رفع الرأس له لو اتفق أنه وضعه
على مرتفع بأزيد من لبنة سهوا، ولا يجب عليه الجر وإن كان متمكنا، لعدم تحقق
السجود منه كي يقال برفعه يحصل زيادة سجدة كما صرح به في المعتبر والمنتهى وجامع
المقاصد وكشف اللثام والمحكي عن نهاية الإحكام والبيان والجعفرية وشرحيها والروض
ويشهد له مضافا إلى ما عرفت خبر حسين بن حماد (1) المتقدم سابقا، ولا ينافيه خبر
النبكة (2) أن حمل على غير الخارج عن محل السجود بالارتفاع ولكن أراد طلب
المستوي الذي هو أفضل وأكمل، أو ما يتمكن من اعتماد الجبهة فيه، والفرض أن النبكة
محدودة الرأس، على التقديرين يتعين وجوب الجر حينئذ تخلصا من زيادة سجدة أو
سجدتين إذا اتفق عروض ذلك له في السجدتين، كصحيح علي بن جعفر (3) عن أخيه
موسى (عليه السلام) " سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته من الأرض
فقال: يحرك جبهته فينحي الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه " وخبر حسين بن حماد
الآخر (4) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): " أضع وجهي للسجود فيقع وجهي
على حجر أو على شئ مرتفع أحول وجهي إلى مكان مستو قال: نعم جر وجهك على
الأرض من غير أن ترفعه " ونحو ذلك لو اتفق أنه وضع جبهته على ما لا يصح السجود
عليه لا لارتفاعه، فإنه أيضا بالرفع منه يزيد سجدة أو سجدتين بناء على ما عرفت من

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 1 - 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 1 - 3 - 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 1 - 3 - 2
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 1 - 3 - 2
159

عدم اعتبار ذلك في صدق السجود عرفا وشرعا.
فما في الحدائق من أن الأصحاب لم يوجبوا الجر فيه هنا أيضا بل جوزوا له
الرفع لعدم صدق السجود لا يخلو من نظر، بل مقتضاه عدم بطلان الصلاة بزيادة
سجدتين سهوا وقعت جبهته فيهما على ما لا يصح السجود عليه، وما نسبه إلى الأصحاب
غير ثابت، بل الذي صرح بوجوب الجر هنا أيضا أولئك الجماعة المتقدمون، نعم
حكي عن أبي العباس أنه قال: " لو وقعت على ما لا يصح السجود عليه جاز له رفعها
وإن زاد بذلك سجدة، أما لو وقعت على ما يكره السجود عليه جرها من غير رفع "
لكنه مخالف لما حكاه عنهم أيضا، ضرورة صراحة كلامه بزيادة السجدة إلا أنها
لا تقدح عنده لامكان اندراجها في الزيادة السهوية لا لعدم صدق مسمى السجود، وإن
كان يمكن المناقشة فيه أيضا أولا بعدم وجوب تدارك المنسي إذا فرض استلزامه لزيادة أمر
آخر غيره قصرا لأدلة التدارك على الممكن نفسه، ولذا لم يجب إعادة السجدة لتدارك
الطمأنينة مثلا، أو الذكر أو السجود على أحد المساجد ونحوها، وثانيا بأنه لو سلم فهو
حيث يكون مستلزما لذلك كما في تدارك الترتيب في القراءة ونحوها لا نحو المقام المتمكن
من الجر فيه، نعم لو فرض عدم تمكنه كان له وجه.
فظهر لك حينئذ أن ما ذكره المحدث المزبور - من جواز الرفع في كل ما لا يصح
السجود عليه، وعدم تعيين الجر وإن تمكن منه إلا إذا كان قد وضع على ما يصح السجود
عليه وقد طلب الأفضل ونحوه، لتحقق السجود حينئذ، ففي الرفع زيادة بخلاف
الأول - من متفرداته، لا كما ظنه أن الأصحاب كذلك، ولعله إليه أشار العلامة
الطباطبائي في المقام بالقيل في قوله:
وواضع الجبهة فيما يمتنع * يجرها جرا ومن رفع منع
160

فإنه يستلزم الزيادة * وإنها تخل بالعبادة
وقيل جاز الرفع إذ لم يسجد * وليس إلا صورة التعدد
وهو قوي وعلى الفضل حمل * أو طلب الأفضل منع قد نقل
إن أراد بما يمتنع مطلق ما لا يصح السجود عليه بالعلو وغيره، وإن أراد الأول
بقرينة ذكره له في المقام فلم نعرف أحدا قال بوجوب الجر فيه وعدم جواز الرفع منه
إلا سيد المدارك والخراساني كما اعترف به بعضهم، وإلا فقد عرفت ما حكيناه عن الفاضلين
وغيرهما، فلا يناسب التعبير عنه بلفظ القيل مع أنه هو المعروف، وما ذكره في المدارك
النادر، بل لا مستند له إلا تقديم صحيح معاوية بن عمار (1) المشتمل على النبكة على
خبر ابن حماد (2) لضعف سنده بناء على طريقته من دوران الأمر مدار الأسانيد،
ولقد أجاد في الحدائق هنا حيث قال: إنه أي السيد المزبور متى صح السند غمض
عينيه ونام عليه وأضرب عن متن الخبر سواء خالف الأصول أو وافقها، قلت: مع
أنه قد يناقش في صحة الخبر في المقام بتضمن سنده محمد بن إسماعيل عن الفضل بن
شاذان، والأول مجهول على المشهور وإن عدوا السند الذي فيه صحيحا أو قريبا منه.
لكن ومع ذلك كله قد مال إليه في الرياض بعض الميل، قال: لا لصحة الخبر
بل لتوقف ما مر من دليل الجواز في صورته على عدم صدق السجود على الانحناء المفروض
فيها، وكونه حقيقة في الانحناء إلى الوضع على ما يساوي الموقف فصاعدا إلى قدر اللبنة
وهو مشكل، وإثباته بما دل على المنع من الوضع على الزائد عنها غير ممكن، لأن غايته
المنع، ويمكن أن يكون وجهه فوات بعض واجبات السجود لا نفسه، نعم ذلك حسن
حيث لا يصدق السجود معه عرفا، وأما معه فمشكل، ولا ريب أن الأحوط عدم
الرفع حينئذ، وكذا الموضع الذي يشك في الصدق وعدمه مع احتمال جواز الرفع هنا

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 4
161

كصورة عدم الصدق قطعا، ولكن الأحوط عدم الرفع مطلقا خروجا عن شبهة
الخلاف نصا وفتوى.
وفيه أنك قد عرفت ظهور التحديد المزبور نصا وفتوى في كشف مصداق
السجود عرفا، كما يومي إليه مع ذلك ملاحظة كلمات الأصحاب كالفاضلين والمحقق الثاني
وغيرهم، فحينئذ لا ينبغي التأمل في جواز الرفع مع فرض السجود على الزائد كما أفتى به
الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه بينهم، كما أنه ينبغي التأمل في عدم جوازه بحيث
يستلزم زيادة سجدة مع فرض وقوع الجبهة على ما لا يصح السجود عليه من البساط
ونحوه وإمكان تحصيل الشرط بدونها كالجر ونحوه، أما لو تعذر الجر ونحوه مما لا
يستلزم زيادة سجدة فهل يسقط حينئذ اشتراطه، إذ هو كما لو رفع رأسه وذكر أنه سجد
على ما لا يصح السجود عليه، وكنسيان الذكر والطمأنينة وأحد المساجد عدا الجبهة،
لتوقف اسم السجود على وضعها في وجه ولو على ما لا يصح السجود عليه، لتعذر
التدارك حينئذ عليه بسبب زيادة السجدة التي ثبت بالأدلة إبطالها الصلاة مع العمد كما
أومأت إليه نصوص قراءة العزيمة (1) أو يتداركه وإن استلزم زيادة سجدة لكن
سهوا فلا تقدح كما سمعته من ابن فهد، بل وافقه عليه هنا غيره، بل لا أجد فيه خلافا
بل يشهد له أيضا المروي عن كتاب الغيبة واحتجاج الطبرسي عن محمد بن أحمد بن
داود القمي (2) قال: " كتب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدسة
يسأل عن المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على
مسح أو نطع فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ فوقع
(عليه السلام) ما لم يستو جالسا فلا شئ عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة " وإن كان

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 6
162

هو في النافلة ولم يجبه عن الاعتداد وعدمه، ولم يظهر وجه التقييد فيه بالاستواء جالسا
وغير ذلك؟ وجهان، أقواهما الأول، ضرورة عدم اندراج مثله في السجدة السهوية
لحصول القصد في كل منهما، إلا أنه سها عما يجب حالها أو يشترط في صحتها وإن لم
يدخل في اسمها، إلا لوجب التدارك مع السهو عن الطمأنينة ووضع أحد المساجد
ونحوهما مما يعتبر في صحة السجود، والتدارك في غير المقام كترتيب القراءة والجلوس
للتشهد وغير ذلك وإن كان هو مستلزما للزيادة أيضا إلا أنه قد يفرق بين السجدة
وغيرها بالاجماع المدعى في التنقيح على إبطال الأولى كما سمعته في بحث قراءة العزائم
بخلاف ما عداها مما يزاد لتدارك الواجب أو المندوب في الصلاة، بل لعله لا يندرج
في الزيادة المنهي عنها في الصلاة التي يدور البطلان مدار التشريع فيها كما أوضحناه سابقا
ولقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله:
وليس بالزائد ما به يتم * فرض ونفل في الصلاة فاستقم
والخبر المذكور قد عرفت ما فيه بعد الاغضاء عما في الطريق إلى أحمد، فظهر
لك حينئذ ضعف الاحتمال المزبور، ولعل احتمال بطلان الصلاة أولى ولو بالنسيان في
سجدة واحدة، ضرورة الدوران حينئذ في الفرض بين زيادة السجدة وبين فوات
الشرط، وهو كالركن في البطلان ما لم يدل دليل على اغتفار السهو فيه، لأصالة فوات
المشروط بفوات شرطه، واغتفار السهو في أجزاء الصلاة عدا الأركان لا يستلزم اغتفاره
في غيرها بعد حرمة القياس، ولعله بذلك يفرق بين نسيان الذكر والوضع لأحد المساجد
ونحوهما وبين نسيان الوضع على ما لا يصح السجود عليه بجعل هذه الأمور واجبات في
الصلاة حال السجود لا شرائط، بخلاف وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، فإنه
من مكان المصلي، ودعوى أنه شرط في صحة السجود لا الصلاة فليس هو بأعظم من
ترك سجدة أجمع سهوا ولا بطلان معها قد يدفعها أن مرجعها القياس، ضرورة اندراج
163

ترك السجدة أصلا فيما دل على عدم قدح نسيان السجدة بخلاف نحو الفرض، بل نسيان
السجدة ليس من ثبوت المشروط بدون شرطه، بل هو من فوات المشروط والشرط
وقد اغتفره الشارع في حال السهو، لكن لا يخفى عليك ما فيه.
هذا كله في خصوص رفع الجبهة من المساجد، أما غيرها فلا أرى به بأسا عمدا
فضلا عن السهو، لأنه من الأفعال القليلة، ولا زيادة فيه بعد أن يكون وضعها الثني
مقدمة للمأمور به، ضرورة كون المراد بالزيادة ما يفعل بعنوان الجزء من الصلاة، وهو
خارج عنها حتى يكون تشريعا محرما، بخلاف المقام الذي هو مأمور بوضع يده فيه،
فلا تشمله أدلة الزيادة قطعا، مع أن استقصاء ما ورد في القيام والجلوس وغيرهما من
أفعال الصلاة يشرف الفقيه على القطع بعدم قدح أمثال هذه الأمور، ومنها رفع الرجل
في حال القيام ثم إعادتها والجلوس ثم القيام وبالعكس وغير ذلك، مضافا إلى خصوص
المروي عن قرب الإسناد في المقام عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر (1)
عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: " سألته عن الرجل يكون راكعا أو ساجدا فيحكه
بعض جسده هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحكه مما حكه قال:
لا بأس إذا شق عليه أن يحكه، والصبر إلى أن يفرغ أفضل " فما نسمعه في هذه
الأعصار عن بعض المشايخ من التوقف في ذلك والجزم بالبطلان في غير محله، ولقد أجاد
العلامة الطباطبائي في المقام مشيرا إلى جميع ما ذكرنا، فقال:
ورفعه حال السجود لليد * أو غيرها كالرجل غير مفسد
فإنه فعل قليل مغتفر * والوضع بعد الرفع عن أمر صدر
وليس بالزائد ما به يتم * فرض ونفل في الصلاة فاستقم
فهو كرفع الرجل في القيام * ووضعها من بعد للاتمام

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الركوع - الحديث 1
164

أو كقيام جالس لمطلب * عاد إليه بعده للطلب
والعود للمطلوب من شغل اليد * من بعد رفع جاء عن تعمد
وغيره وهو كثير لا خلل * فيه ولا زيادة توهي العمل
والحميري قد روى حك الجسد * لراكع وساجد برفع يد
وترك هذا كله من الأدب * وليس مفروضا ولكن يستحب
وهو كما ترى في غاية الجودة، وقد تقدم منا في المباحث السابقة تمام الكلام
في بعضه، فلاحظ، كما أنه مضى في بحث القيام ما يعرف منه قول المصنف هنا:
ف‍ (إن عرض ما يمنع من ذلك) الانحناء (اقتصر على ما يتمكن منه) بلا خلاف أجده فيه،
لنحو ما مر في الركوع
(وإن افتقر إلى رفع ما يسجد عليه وجب) لذلك وغيره أيضا
ف‍ (إن عجز عن ذلك كله أومأ إيماء) مجتزيا به إجماعا في المحكي عن التذكرة، بل في
المدارك أن ظاهر المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى أن ذلك كله إجماعي، لكن
قد عرفت البحث في الاكتفاء برفع ما يسجد عليه عن الايماء في صورة عدم حصول
شئ من الانحناء وعدم إمكان الاعتماد على المسجد وإن قال في المنتهى هنا: " لو تعذر
عليه الانحناء لعارض رفع ما يسجد عليه ذهب إليه علماؤنا أجمع " إذ لعله يريد مع التمكن
من الاعتماد في الجملة، أما بدونه فقد عرفت أن من المحتمل وجوبهما معا، أو التخيير
بينهما، أو تعين الايماء مع استحباب الجمع بينه وبين الرفع، بل لم نذكر هناك احتمال
تعين الرفع وأنه يجزي عن الايماء لأحد من الأصحاب، وإن كان هو ظاهر المصنف
هنا وفي القيام بناء على إرادة ما يشمل الاعتماد وغيره من قوله: " يسجد " خصوصا
إذا قرئ بالبناء للمجهول، ويقتضيه بعض النصوص السابقة كخبر الكرخي (1) ويؤيده
أنه أقوى من الايماء دلالة على السجود، وفيه المحافظة على مماسة الجبهة للأرض التي

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب السجود - الحديث 1
165

لم يعلم سقوطها بتعذر الانحناء، خصوصا على تقدير وجوبها مستقلة للصلاة من غير مدخلية
للسجود في ذلك، إلا أنه قد عرفت عدم اقتضاء ذلك سقوط الايماء المدلول عليه
بالنصوص (1) مع أنه بدل عن الانحناء لا عن وضع الجبهة على الأرض كي يسقط به،
فالمتجه حينئذ الجمع بينهما في الفرض السابق الذي لم يحصل منه فيه صورة الساجد بالاعتماد
ونحوه، مع تنزيل عبارة المصنف ومعقد إجماع المنتهى وغيره وما في خبر الكرخي على
إرادة إمكان الاعتماد في الجملة، لأنه هو المنساق إلى الذهن من لفظ " يسجد عليه "
فيها، وطريق الاحتياط غير خفي، فلا ينبغي تركه، كما أنه لا ينبغي تركه بترك وضع
باقي المساجد مع فرض التمكن منها، إذ تعذر الجبهة منها لا يقتضي سقوطها، بل لا ينبغي
ترك ذلك حتى في نحو المضطجع والمستلقي والقائم ونحوها فضلا عمن يتمكن من الانحناء
في الجملة والجالس وإن لم يتمكن من انحناء أصلا وإن كان تعيينه في غير الأخيرين بل
السابق منهما خاصة لا يخلو من نظر، والله أعلم.
الواجب (الرابع الذكر فيه، وقيل يختص بالتسبيح كما قلناه في الركوع) خلافا
واستدلالا ومختارا وإن كان ظاهر المصنف هنا اختيار الذكر بخلافه في الركوع، لكنه
في غير محله، ضرورة اتحاد البحث فيهما كما لا يخفى على من أحاط خبرا بمدارك المسألة.
الواجب (الخامس الطمأنينة) بلا خلاف أجده، بل هو مجمع عليه نقلا في
الغنية وغيرها إن لم يكن تحصيلا، بل في المعتبر وجوبها بقدر الذكر ناسبا له إلى علمائنا
مشعرا بالاجماع عليه، بل في المدارك وعن المفاتيح التصريح به، كما في مجمع البرهان نفي
الخلاف فيه، بل إليه في الجملة يرجع ما في التذكرة من أنه لو شرع فيه قبل وصول الجبهة
إلى الأرض أو رفع قبل انتهائه بطل سجوده عند علمائنا أجمع، مضافا إلى أنه المعهود
من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) وأتباعهم، وفي صحيح

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب السجود
166

ابن يقطين (1) المتقدم في ذكر الركوع " ويجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من
الأرض " وما في صحيح علي بن جعفر (2) المتقدم آنفا أيضا سأل أخاه (عليه السلام)
" عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته من الأرض " الحديث. وفي خبر
الهذلي 3) المروي عن أربعين الشهيد بسند صحيح إلى الهذلي عن علي بن الحسين " فإذا
سجدت فمكن جبهتك من الأرض، ولا تنقر كنقرة الديك " وإلى ما تقدم في الركوع
مما يقتضيه أيضا من خبر الميسي (4) وغيره، بل تقدم هناك ما يعرف منه ما في القول
بركنيتها المحكي عن خلاف الشيخ الاجماع عليها، بل هي أضعف من دعوى الركنية
في الركوع كما لا يخفى على من لاحظ ما تقدم مع التأمل، بل في الذكرى بعد أن ذكر
ذلك عنه في السجدتين والاعتدال من الأولى منهما قال: ولعله في هذه المواضع يريد
بالركن مطلق الواجب، لأنه حصر الأركان بالمعنى المصطلح عليه في الخمسة المشهورة،
وهل المراد بوجوبها قدره المقدمة له فتسقط حينئذ بسقوطه؟ ظاهر المحكي عن الروض
الثاني، ولذا قال: ولو لم يعلم الذكر وجبت بقدره، ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن
أقوى، وأولى منه بقاء وجوب الذكر مع سقوطها للعجز ونحوه مما علم عدم التكليف بها
معه الذي أشار إليه المصنف وغيره بقوله: (إلا مع الضرورة المانعة) إذ احتمال سقوطه
تبعا لها أيضا في غاية الضعف وإن حكاه في المدارك عن بعضهم، فقال: وربما قيل

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الركوع - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 18
(4) في النسخة الأصلية " الميسي " ولم يسبق في الجواهر ذكره في بحث طمأنينة الركوع
ولم أعثر عليه في مظانه من كتب الأخبار ولعل الصواب " المسئ " أي من أساء الأدب
في صلاته وهو الذي نقله في الجواهر في بحث الركوع من الذكرى وهو موجود في سنن
أبي داود ص 131
167

بسقوط الذكر هنا، وكأنه أشار بذلك إلى ما في جامع المقاصد حيث قال: ولو تعذرت
فهل يسقط وجوب الذكر أم يأتي به على حسب مقدوره؟ فيه تردد، وهو غريب
خصوصا إذا التزم جريانه في القراءة وغيرها مما يعتبر فيها الطمأنينة من أقوال الصلاة.
الواجب (السادس رفع الرأس من السجدة الأولى) إجماعا محكيا في الوسيلة
والغنية والمنتهى والتذكرة وجامع المقاصد والمدارك والمفاتيح وظاهر المعتبر وكشف اللثام
لتوقف صدق السجدة الثانية غالبا عليه، ولأنه المعلوم من الشرع قولا وفعلا، خلافا
لبعض العامة فاكتفى بالانتقال إلى مكان أخفض، بل الواجب الرفع (حتى يعتدل
مطمئنا) كما هو بعض معقد إجماع المدارك وغيره، وقد استوى الصادق (عليه السلام)
جالسا لما علم حمادا (1) والنبي (صلى الله وعليه وآله) لما أمره بذلك في حديث
المعراج (2) وقد سمعت خبر الميسي (3) الذي علمه النبي (صلى الله عليه وآله) وفي
خبر أبي بصير (4) عن الصادق (عليه السلام) " وإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم
صلبك حتى ترجع مفاصلك، وإذا سجدت فاقعد مثل ذلك، وإذا كان في الركعة الأولى
والثانية فرفعت رأسك من السجود فاستقم جالسا حتى ترجع مفاصلك " بل منه يستفاد
اعتبار الطمأنينة، إذ قد عرفت تفسيرها برجوع كل عضو إلى مستقره، وأن الفاضل
ادعى الاجماع عليه، وفي المروي (5) عن الخصال باسناده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)
" اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوارحكم ثم قوموا، فإن ذلك من فعلنا " الحديث.
وهو ظاهر في الطمأنينة فيه، بل على الطمأنينة التي عليها الاجماع في الغنية والمنتهى

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة الحديث 1 - 10 - 9 - 61
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة الحديث 1 - 10 - 9 - 61
(3) رجع التعليقة 4 ص 167
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة الحديث 1 - 10 - 9 - 61
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة الحديث 1 - 10 - 9 - 61
168

والتذكرة وجامع المقاصد والحدائق والمحكي عن الغرية وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية
والمفاتيح، كما أن في ظاهر المحكي عن الخلاف الاجماع على ركنية الاعتدال فضلا عن
رفع الرأس وإن كان هو ضعيفا عندنا، ومن ذلك يعلم أن وجوب الرفع هنا أصلي ليس
مقدمة لتحقق السجدة الثانية، وإلا لم يعتبر فيه الاعتدال والطمأنينة، نعم هو محتمل
في الرفع من السجدة الثانية، بل هو الظاهر، ولذا ترك المصنف عده من الواجبات،
وذكر من المندوب الجلوس عقيب السجدة الثانية مطمئنا.
(و) تسمع الكلام فيه إن شاء الله، كما أنك عرفت تحقيق البحث (في وجوب
التكبير للأخذ فيه والرفع منه) ووجوب رفع اليدين معه، ضرورة اتحاد البحث فيه مع
البحث فيه للركوع دعوى ودليلا وإن قال المصنف هنا أيضا كالسابق: فيه (تردد
و) لكن قد سمعت هناك أن (الأظهر) إن لم يكن المقطوع به (الاستحباب) فلاحظ
وتأمل، بل في المنتهى هنا والمحكي عن التذكرة أن استحباب التكبير للسجود فتوى
علمائنا، كما عن ظاهر الغنية الاجماع عليه، نعم ربما حكي هنا عن صاحب الفاخر زيادة
على ما سبق القول بوجوب إحدى تكبيرتي الرفع من الأولى والأخذ في الثانية،
ولا ريب في ضعفه كضعف القول بوجوب الرفع فيه الذي قد مر سابقا تمام الكلام فيه.
(و) حينئذ فلا ينبغي أن يتأمل في أنه (يستحب فيه أن يكبر للسجود)
رافعا يديه لما مر مع أن النصوص (1) قولا وفعلا دالة عليه، بل هي دالة أيضا على
فعله (قائما ثم يهوي للسجود) كما فعله الصادق (عليه السلام) في تعليم حماد، وقال
الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (2) أو حسنه: " إذا أردت أن تركع وتسجد
فارفع يديك وكبر ثم اركع واسجد " اللهم إلا أن يقال: إن ذلك لا ينافي وقوع بعض
التكبير حال الهوي لعدم كونه من السجود، نعم قد ينافي لفظ " ثم " ما عن العماني من

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الركوع - الحديث 0 - 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الركوع - الحديث 0 - 1
169

أنه يبدأ بالتكبير قائما، ويكون انتهاؤه بالتكبير مع مستقره ساجدا، لخبر المعلي بن
خنيس (1) عن الصادق (عليه السلام) " كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا
أهوى ساجدا انكب وهو يكبر " الذي لا شهادة فيه على الامتداد المزبور، ولذا نفى
في الذكرى كما عن التذكرة استحبابه ليطابق الهوي معللا له في الأول بما ورد (2)
من أن التكبير جزم، بل لا دلالة فيه أيضا على فعل ذلك في سجود الصلاة فضلا عن
الفريضة منها، فالجمع حينئذ بينه وبين صحيح حماد بالتخيير كما في الحدائق ضعيف مخالف
للمعروف بين أصحابنا من التكبير قائما ثم الهوي، بل في المنتهى والتذكرة نسبته إلى
فتوى علمائنا، وأضعف منه تخيير الشيخ بين المشهور وما سمعته من العماني، نعم في
الذكرى " لو كبر في هويه جاز وترك الأفضل " مع أنك قد عرفت ما فيه أيضا في
تكبير الركوع، والظاهر أن التكبير للسجدة الثانية قبل الأخذ في هويها أيضا، كما أن
التكبير للرفع منها ومن الأولى بعد أن يستوي جالسا، كما دل عليه صحيح حماد وصحيح
زرارة (3) المتقدم، ولعله إليه يرجع ما عن الجمل " يرفع رأسه من السجود رافعا يديه
بالتكبير: والمهذب والاقتصاد " يرفع رأسه بالتكبير " والمقنعة " يرفع يديه بالتكبير مع
رفع رأسه " لما حكي عن السرائر من أنه أتى بعبارة المقنعة ونص بعد ذلك على استحباب
أن يكون التكبير بعد التمكن من الجلوس - فيراد بالمعية حينئذ ما لا ينافي ذلك.
وأما ما عن الإسكافي - من أنه إذا أراد أن يدخل في فعل من فرائض الصلاة
ابتدأ بالتكبير مع حال ابتدائه وهو منتصب القامة لافظ به رافعا يديه إلى نحو صدره
وإذا أراد أن يخرج عن ذلك الفعل كان تكبيره بعد الخروج منه، وحصوله فيما يليه

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب السجود - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الركوع - الحديث 1
170

من انتصاب ظهره في القيام وتمكنه من الجلوس - فهو نص فيما قلناه كما اعترف به في
الذكرى بل فيها أنه يقرب منه كلام المرتضى، قلت: المحكي عن مصباحه أنه قال:
قد روي أنه إذا كبر للدخول في فعل من أفعال الصلة ابتدأ بالتكبير في حال ابتدائه
وللخروج بعد الانفصال عنه، وهو قد يعطي الخلاف في الأول، ولذا قال في المحكي
عن المعتبر والتذكرة: " الوجه إكمال التكبير قبل الدخول " بل زاد في الأول أن الوجه
أيضا الابتداء به بعد الخروج، وأن على ذلك روايات الأصحاب، والأمر سهل.
(و) كيف كان ففي صحيح زرارة (1) الآخر الطويل المشتمل على تعليم الصلاة
أيضا عن الباقر (عليه السلام) الأمر بأن يكون (سابقا بيديه إلى الأرض) عند هويه
من القيام إلى السجود، قال فيه: " إذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر
ساجدا وابدأ بيديك تضعهما على الأرض قبل ركبتيك، ولا تضعهما معا " ورأي محمد
ابن مسلم (2) الصادق (عليه السلام) يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد وإذا أراد
أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه، وسأله الحسين بن أبي العلاء (3) أيضا " عن الرجل
يضع يديه قبل ركبتيه في الصلاة قال: نعم " كمحمد بن مسلم (4) سأله أيضا بمثل ذلك
بل هو المراد بالتخوية في رواية حفص (5) عن الصادق (عليه السلام) " كان علي إذا
سجد يتخوى كما يتخوى البعير الضامر يعني بروكه " على ما فسرها به في الذكرى. وعلى كل حال فلا ريب في الندب، مضافا إلى أنه نقل الاجماع عليه عن
الخلاف والمنتهى والتذكرة والبحار وظاهر المعتبر ونهاية الاحكام وجامع المقاصد والغنية
أو صريحها، ولا ينافيه قول الصادق (عليه السلام) أيضا في موثق أبي بصير (6):

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 3 مع الاختلاف
(2) الوسائل - الباب 1 - من أبواب السجود - الحديث 1.، - 2 - 5
(3) الوسائل - الباب 1 - من أبواب السجود - الحديث 1.، - 2 - 5
(4) الوسائل - الباب 1 - من أبواب السجود - الحديث 1.، - 2 - 5
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب السجود - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب 1 - من أبواب السجود - الحديث 1.، - 2 - 5
171

" لا بأس إذا صلى الرجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه " ولا صحيح عبد الرحمن (1) سأله أيضا " عن الرجل إذا ركع ثم رفع رأسه يبدأ فيضع يديه على
الأرض أم ركبتيه؟ قال: لا يضره " ضرورة إرادة الجواز منهما، بل لهما مع الأصل
والاجماعات السابقة حمل ما عساه يوهم الوجوب من النصوص السابقة على الندب، فما
عن أمالي الصدوق - من أن من دين الإمامية عدم الجواز، بل قيل: إنه ظاهر التهذيب
أيضا حيث حمل الخبرين المزبورين على الضرورة - ضعيف جدا، بل يقوى في الظن
إرادة الكراهة من عدم الجواز كالنهي عن التلقي بالركبتين في المبسوط.
وظاهر هذه النصوص استحباب التلقي باليدين معا، بل هو صريح صحيح زرارة
وبه أفتى الفاضل والشهيدان، لكن في خبر عمار (2) " يضع اليمنى قبل اليسرى "
وحكاه في الذكرى عن الجعفي، ولا بأس بكل منهما، بل لعله غير مناف للمعية، كما
أنه لا بأس في المحكي عن العماني من أنه ينبغي أن يكون أول ما يقع منه على الأرض
يداه ثم ركبتاه ثم جبهته ثم أنفه وإن لم نجد له نصا على ذلك.
ثم إن الظاهر اختصاص ذلك بالرجل، أما المرأة ففي صحيح زرارة (3) الذي
نسبه في الذكرى وجامع المقاصد إلى عمل الأصحاب " تبدأ بالقعود والركبتين قبل
اليدين " وهو المناسب لمخافة ارتفاع عجيزتها لو فعلت كما يفعل الرجل، كما هو واضح،
ولذا حكى في الغنية الاجماع على أنها تجلس من غير أن تنحني، لكن قد يقال: إن
التخلص عن ارتفاع العجيزة يحصل بانحطاطها من غير تقوس مع سبق ركبتيها وإن لم
تجلس، ومن هنا ربما حكي عن كثير من كتب المتأخرين أنها تبدأ بالركبتين قبل اليدين

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب السجود - الحديث 3
(2) في البحار ج 18 الصلاة ص 184 إشارة إليه
(3) الوسائل - الباب 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 4 مع اختلاف في الألفاظ
172

من غير ذكر للجلوس، والأولى اتباع الصحيح المزبور.
(و) كذا يستحب (أن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه أو أخفض)
كما في القواعد والتحرير وموضع من الذكرى والمحكي عن نهاية الإحكام والبيان،
واقتصر بعضهم على الأول، لأنه هو المستفاد من الأمر بالاستواء في صحيح ابن
سنان (1) أو حسنه المتقدم سابقا، بل ومن أحد خبري حسين بن حماد (2) أيضا
وخبر المرادي (3) المتقدمين سابقا، بخلاف صورة الخفض، نعم علل بأنه أدخل في
الخضوع، وهو كما ترى، كالاستدلال عليه بخبر محمد بن عبد الله (4) أنه سأل الرضا
(عليه السلام) " عمن يصلي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه فقال: إذا
كان وحده فلا بأس " إذ هو بعد الاغضاء عن نكتة الشرط فيه ليس فيه إلا نفي البأس
الذي هو أعم من الندب قطعا، وأولى منه حينئذ الاستدلال بخبر عمار (5) المتقدم
سابقا في الواجب الثالث من حيث التعبير فيه بالاستقامة ومساواته بين أفراد ما هو
أقل من الأجرة إلى أن يصل إلى حد التساوي، مع أن الاستدلال به أيضا فيه ما فيه
كالاستدلال باطلاق النهي عن المرتفع والجر إلى غيره الشامل لصورتي التساوي
والانخفاض، لكن التسامح في أدلة السنن يمنع من هذا التدقيق.
إنما الكلام في إرادة استحباب ذلك حال السجود بقرينة ذكرهم له في مستحباته
أو أنه مستحب في الصلاة ولو حال القيام، وذكرهم له هنا من حيث دخول السجود
أو من حيث اعتبار المساواة بين المسجد والموقف؟ المنساق إلى الذهن الأول، لكن
ظاهر العبارة يشهد للثاني، بل لعله ظاهر خبر ابن سنان السابق أيضا، والأولى بناء

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب السجود - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 2 - 4
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب السجود - الحديث 2
173

المسألة على ما أشرنا إليه سابقا في اعتبار التقدير باللبنة أنه في حال السجود أو ولو في حال
القيام وإن قلنا هناك إن المقطوع به الأول بقرينة ذكرهم له في واجبات السجود وفي
تقدير الانحناء وغير ذلك، إلا أنه لا يمتنع جعل ذلك مستحبا آخر غيره كما حكيناه
عن كشف الأستاذ في باب المكان، وظاهر الذكرى والدروس فيه أيضا وإن أمكن
رد عبارة الأخيرين إلى ما نحن فيه، ويظهر من بعض مشائخنا في المقام إطلاق الاستحباب
لا تخصيصه حال السجود، حيث أنه بعد أن حكى عن العلامة وسائر من تأخر عنه
استحباب المساواة قال: وقال بعضهم: يستحب مساواة موضع الجبهة لموضع الإبهامين
حال السجود لا حال القراءة، ونزل عليه عباراتهم، وهو كالصريح في التعميم حيث
جعل ذلك تنزيلا، وتمام البحث في المسألة يحتاج إلى إطناب، وفيما سمعته الكفاية،
قيل: ويستحب أيضا في باقي المساجد، ولعله لأنه أقوم للسجود، ولاحتمال عود الضمير
في قوله، " وليكن " في صحيح ابن سنان إلى مكان السجود جميعه لا خصوص المسجد
ولغير ذلك مما يمكن استفادته مما ذكرناه في الواجب الثالث.
(و) كذا يستحب (أن يرغم أنفه) في حال سجوده عند علمائنا في المعتبر
والمنتهى، بل في المدارك والمحكي عن الخلاف الاجماع صريحا أيضا عليه، كما أنه في
ظاهر جامع المقاصد والمحكي عن التذكرة الاجماع على عدم وجوبه، وبذلك كله يتعين
إرادة الاستحباب من لفظ السنة في صحيحي زرارة (1) وحماد (2) وإن قوبلت بالفرض
مضافا إلى الأصل، ومفهوم ما دل (3) على أن السجود على سبعة أعظم أو أعضاء،
بل في خبر محمد بن مصارف (4) أنه سمع الصادق (عليه السلام) يقول: " إنما السجود
على الجبهة وليس على الأنف سجود " فما في الهداية والمحكي عن الفقيه والمقنع من أن

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 2 - 0 - 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 2 - 0 - 1
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 2 - 0 - 1
174

الارغام سنة فمن تركه متعمدا فلا صلاة له ضعيف، إلا أن يريد تأكد الاستحباب،
كموثق عمار (1) عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) " لا تجزي صلاة لا يصيب
الأنف ما يصيب الجبين " وحسن عبد الله بن المغيرة أو صحيحه (2) " قال: أخبرني
من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه ".
وظاهر إطلاق الأنف في هذه النصوص وغيرها كالمتن وغيره من عبارات
الأصحاب الاجتزاء بأي جزء منه كما صرح به جماعة منهم الفاضلان في المعتبر والمنتهى
وهو المراد من المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (3) " وترغم بأنفك ومنخريك
في موضع الجبهة " إذ المنخران كما قيل ثقبا الأنف، وهما ممتدان من رأس الأنف
الأسفل إلى أعلاه، لكن عن سلار التعبير بطرف الأنف، بل عن المرتضى والحلبي
تعيين طرف الأنف مما يلي الحاجبين، وفي كشف اللثام لعلهما يريدان الاجتزاء به
لا تعيينه، وبالطرف ما يعم المتصل بهما وما بعده، قلت: أو أن ذلك أفضل مواضع
الأنف، لخبر عبد الله بن الفضل (4) عن أبيه المروي عن العيون في حديث طويل
" أنه دخل على أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال " فإذا أنا بغلام أسود وبيده مقص
يأخذ من جبينه وعرنين أنفه من كثرة السجود " والعرنين طرف الأنف الأعلى كما
قيل: لكن عن البشرى أن ما ذهب إليه السيد ضعيف، لافتقاره إلى تهيئة موضع
للسجود ذي هبوط وارتفاع، لانخفاض هذا الطرف غالبا، وهو ممنوع إجماعا، فالقول
به تحكم شديد، وقد يدفعه ما في كشف اللثام من أن السجود على الألواح من التربة
الشريفة أو غيرها يسهل الخطب، وإن كان فيه أن تعارف ذلك حادث.

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 7
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 4 - 7
(3) الفقه الرضوي ص 9
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب السجود - الحديث 4
175

وكيف كان فالارغام بالأنف وضعه على الرغام بالفتح، وهو التراب، لكن
الظاهر تؤدى السنة بوضعه على ما يصح السجود عليه مطلقا لاطلاق بعض النصوص
أو عمومها، واحتمال تنزيلها على أفضل ما يسجد عليه لا داعي له، كاحتمال تعدد
المستحب: الارغام والسجود على الأنف، فالثاني يتأدى بجميع ما يصح السجود عليه
والأول يختص بالتراب، لكن يتأدى سابقه به، أو أن الارغام مطلق المماسة والوضع
بخلاف الثاني فلا بد فيه من اعتماد في الجملة، إذ التأمل في النصوص وإن وقع في بعضها
لفظ السجود على الأنف يرشد إلى اتحادهما، وأنه هو المراد من الارغام، كما أنه هو
المراد منه، مضافا إلى أصالة عدم التعدد وعدم معروفيته بين الأصحاب، نعم حكي
عن الشهيد في النفلية أنه عددهما، وتبعه بعض من تأخر عنه كالبهائي والأستاذ الأكبر
مع أن ظاهر الشهيد في غيرها الاتحاد، وهو الأقوى، وإلا فلو أخذ بما في النصوص
من التعبير ولم يجعل المراد واحدا لكان الظاهر التثليث: الارغام والسجود والإصابة
لا التثنية، وفيه ما لا يخفى، كاحتمال اعتبار مساواة الأنف للجبهة في تحقق فضيلة
الارغام، فلا يجزي لو وضع الجبهة على نبات مثلا والأنف على أرض فضلا عن
العكس تمسكا بظاهر الخبرين السابقين المبنيين على الغالب، فلا يصلحان حجة لذلك
كاطلاق لفظ السجود في آخر، فلا يصلح حجة أيضا، لاحتمال مشروعية السجود عليه
وإن لم يكن على ما يصح السجود عليه، خصوصا بعد نفي الاجزاء في الخبرين السابقين
فتأمل جيدا،
(و) كذا يستحب أن (يدعو) أيضا في السجود قبل التسبيح باجماع العلماء
كما في المعتبر والمنتهى والتذكرة، وينبغي أن يكون بما رواه في الكافي (1) وإن كان

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب السجود
176

ظاهر المصنف وغيره ممن أطلق كاطلاقه عدم اختصاص الفضل بذلك، وهو جيد، لا الأمر بالدعاء للدنيا والآخرة بناء على عدم تنزيل المطلق على المقيد في المندوبات
وأنه مستحب في مستحب، وإلا فاستحباب الدعاء في نفسه لا يقتضي الاستحباب في
الموضع الخاص من الصلاة إلا على وجه ذكرناه سابقا من أن مقتضى التعميم لسائر
الأحوال يندرج فيه حال الصلاة، فلعل المصنف وغيره ممن أطلقوا هنا لذلك، أو أنهم
يريدون المنقول، فحينئذ ينبغي المحافظة عليه بالخصوص عند إرادة الوظيفة الخاصة،
والذي في حسن الحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام) " إذا سجدت فقل: اللهم لك
سجدت وبك أمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه
وشق سمعه وبصره، والحمد لله رب العالمين " وفي الذكرى وإن قال: " خلقه وصوره "
كان حسنا، بل عن فلاح السائل روايته عن الكليني (2) بدل " وجهي " " سجد
لك سمعي وبصري وشعري وعصبي ومخي وعظامي، سجد وجهي البالي الفاني للذي
خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين " قيل: وهو موافق لما في
المصباح والنفلية إلا أن فيهما تقديم الفاني على البالي.
(و) يستحب أيضا أن (يزيد على التسبيحة) التامة (الواحدة بما تيسر)
من التثليث أو التسبيع نحو ما مر في الركوع، وكان عليه أن يذكر كما ذكر فيه، لعدم
الفرق بينهما في ذلك كما لا يخفى.
(و) كذا يستحب أيضا أن (يدعو بين السجدتين) ونسبه في المعتبر
والمنتهى إلى فتوى الأصحاب وجماعة أهل العلم، وفي التذكرة الاجماع عليه، وفي النفلية

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب السجود - الحديث 1
(2) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب السجود - الحديث 2
177

أن أقله أستغفر الله ربي وأتوب إليه، وفي شرحها أنه رواه حماد (1) وليس في التهذيب
بخط الشيخ لفظ ربي بعد أستغفر الله، وتبعه المصنف في الذكرى والمحقق في المعتبر،
وفيها وشرحها أيضا أن فوق ذلك في الفضل (2) " اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني
وادفع عني وعافني إني لما أنزلت إلي من خير فقير، تبارك الله رب العالمين: وفي
الذكرى عن الكاتب إسقاط " تبارك " إلى آخره وزيادة " سمعت وأطعت غفرانك
ربنا وإليك المصير " قلت: وهو الذي رواه الحلبي، وفي المصباح " اللهم اغفر لي وارحمني
واجبرني واهدني إني لما أنزلت إلي من خير فقير " وفي خبر الفضيل بن يسار (3)
" اللهم أعف عني واغفر لي وارحمني واجبرني واهدني إني لما أنزلت إلي من خير فقير "
ولعل الجمع بين الاستغفار السابق وغيره لا يخلو من رجحان، لكن هذه النصوص
جميعها كما ترى لا إطلاق فيها بالدعاء ليناسب إطلاق المصنف في ذلك، ولعله بناه على
الوجه السابق، أو يريد المأثور، أو أن اختلافها يومي إلى إرادة مطلق الدعاء، أو أن
الأمر بالدعاء ولو مقيدا يقتضي مشروعية المطلق بالخصوص كما سمعناه من بعض مشائخنا
وفيه بحث واضح.
(و) كذا يستحب أن (يقعد متوركا) بينهما إجماعا في المحكي عن التذكرة
وفعله الصادق (عليه السلام) في تعليم حماد (4) فإنه قعد بينهما على فخذه الأيسر قد
وضع قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر، فما في خبر أبي بصير (5) المروي في زيادات
التهذيب عن الصادق " ولا تنقض أصابعك ولا تورك فإن قوما قد عذبوا بنقض الأصابع

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1 - 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب السجود - الحديث 1
(3) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب السجود - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1 - 1
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 9 والتهذيب ج 2
ص 325 الطبعة الثانية عام 1378
178

والتورك في الصلاة " يجب طرحه أو حمله على إرادة غير ذلك من التورك، ضرورة
معلومية استحباب التورك في الجملة في الصلاة، فالخبر حينئذ من الشواذ، وعلى كل حال
فالصفة المزبورة قد ترجع إلى ما في صحيح زرارة (1) " فإذا قعدت في تشهدك فألصق
ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض وظاهر
قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى، وأليتاك على الأرض وطرف إبهامك اليمنى
على الأرض " الحديث. قيل: وهو الذي فسره به الشيخ وسائر من تأخر عنه إلا من
ستعرف، قالوا: يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا ويفضي بمقعدته إلى
الأرض ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى
بل قد يرجع إليه ما عن المقنعة وجمل السيد والمراسم من الجلوس متمكنا على الأرض
قد خفض فخذه اليسرى عليها ورفع فخذه اليمنى عنها، وكان هذا هو حقيقة التورك،
وتلك أمور زائدة عليه يستحب فعلها حاله أو حال الجلوس، بل وما عن الوسيلة من
الجلوس على فخذه الأيسر ووضع ظاهر القدم اليمنى على باطن اليسرى، بل وما عن
مصباح المرتضى وإن عد مخالفا، قال: إنه يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه
اليسرى الأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر، وينصب طرف إبهام رجله
اليمنى على الأرض، ويستقبل بركبتيه معا القبلة، ضرورة لزوم كيفية المشهور وضع
الفخذ على عرقوبه الأيسر كما اعترف به في كشف كاللثام، وكذا ما في المحكي عن
السرائر من أنه يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى الأرض، رافعا
فخذه اليمنى عنها، جاعلا بطن ساقه الأيمن على بطن رجله اليسرى، وظاهرها مبسوطا
على الأرض، وباطن فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر إلى آخر كلام المرتضى، بل وما
في الغنية " يجلس حال التشهد متوركا على وركه الأيسر مع ضم فخذيه ووضع ظاهر

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 3
179

قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى " وزيادة بعض الأشياء في بعض هذه التفاسير لم يعلم
إرادة الدخول في نفس كيفيته منها، بل من المحتمل إرادة الاستحباب المستقل في أصل
الجلسة، إذ الظاهر أن حقيقته الجلوس على الورك ولعله لذا أطلقه المصنف ولم يخصه
بالأيسر، فيكون حينئذ ما ورد من الكيفية الخاصة مستحبا في مستحب، وهو جيد
لو كان هناك أمر مطلق به، بل في خبر أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) " إذا
جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك واجلس على يسارك " ولم أعثر على نص مطلق
في التورك، بل لم أعثر على هذه اللفظة في نصوصنا، وكان الأصحاب عبروا بما في النص
من صفة معناها.
لكن لا يخفى عليك قصور دلالتها على جميع ما في النص من وضع قدم اليمنى
في بطن اليسرى ونصب الابهام ونحوهما، ولعلهم عبروا به لكونه الأصل في الإرادة
وعدم مدخلية هذه الأمور في وظيفته وإن كان الفرد الكامل من الجلوس التورك مع
إضافة هذه الأمور، فحينئذ لا يعد ذلك خلافا منهم في كيفية التورك، نعم حكي عن
الإسكافي أنه وضع الأليتين على بطن القدمين، وعن الحسن بن عيسى أنه نصب طرف
الابهام اليمنى على الأرض، وهما مع عدم مساعدة مادة اللفظ لهما لا دليل على ما ذكراه،
مع أنه يمكن ذكر الثاني منهما بعض ما سمعته فيه لاتمامه، كتفسير أهل اللغة اللفظ بالأعم
كما أنه قيل: يمكن إرادة الأول نفس الجواز وأنه غير الكيفية المكروهة، إذ المحكي
عنه في الذكرى أنه ذكر ذلك في الجلوس بين السجدتين لا أنه تفسير للتورك، وإلا
فقد فسره في التشهد على ما حكاه عنها فيها أيضا بأن يلزق أليتيه جميعا ووركه الأيسر
وظاهر فخذه الأيسر بالأرض، فلا يجزيه غير ذلك ولو كان في طين، ويجعل بطن
ساقه الأيمن على رجله اليسرى، وباطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر، ويلزق

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب السجود - الحديث 4
180

طرف إبهام رجله اليمنى مما يلي طرفها الأيسر بالأرض، وباقي أصابعها عاليا عليها،
وأن يستقبل بركبتيه جميعا القبلة، قال في الذكرى: ويقرب منها قول المرتضى، فتأمل
جيدا، هذا، وفي الغنية في المقام " أنه يرد رجله اليمنى إلى خلفه إذا جلس " وكأنه
مخالف في استحباب التورك، والصحيح حجة عليه.
وربما يستفاد من إطلاق المتن استحبابه أيضا في جلسة الاستراحة، بل صرح به
في الحدائق، بل ظاهره فيها أنه مفروغ منه، وأنه كغيره مما يستحب فيه التورك، كما
أن ظاهر غيره استحباب التورك في سائر جلوس الصلاة من غير فرق بين جلوس التشهد
وغيره وأنه على هيئة واحدة، ولعله لذا استدل بعضهم بصحيح التشهد (1) على المقام
في أصل التورك وكيفيته، أو لاشتمال الصحيح المزبور على التعليل للنهي عن الاقعاء
وغيره في حال التشهد بما يعم سائر جلوس الصلاة كما في المنتهى، فيتعين التورك حينئذ
في جميع الجلوس، ويؤيده أنه المستفاد من خبر أبي بصير السابق الأمر بالجلوس في
الصلاة على الأيسر منضما إلى خبر سعد بن عبد الله (2) قال لجعفر بن محمد (عليه السلام):
" إني أصلي في المسجد الحرام فأقعد على رجلي اليسرى من أجل الندى فقال: اقعد
على أليتيك وإن كنت في الطين " ضرورة كون مجموعهما حقيقة التورك.
نعم ينبغي أن يستثنى من ذلك الجلوس الأول للسجود، فإنه لا تورك فيه اتفاقا
كما تسمعه من كشف اللثام، ولعله لعدم الوظيفة فيه، بل أقصاه أنه يجوز له الجلوس
قبله، مع أن المتعارف عدمه أصلا، ومن ذلك ظهر لك قوة التعميم في استحباب التورك
في كل جلوس مأمور به في الصلاة، خصوصا بعد التسامح في السنن، لكن الانصاف
أن دعوى الاجماع عليه لا تخلو من بحث، لما عرفت من الخلاف فيه بين السجدتين

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 4
181

فضلا عما بعدهما الذي قد يظهر من تقييد بعضهم له بالبينية عدمه فيها، بل لعله مراد
المصنف أيضا بقرينة تأخير جلسة الاستراحة عنه واتصاله بحكم البينية.
هذا كله في الرجل، أما المرأة فلا يستحب لها التورك كما نص عليه غير واحد
بل المعروف في الفتاوى حتى حكي في الغنية الاجماع عليه أن جلوسها على أليتيها مع
ضم فخذيها ورفع ركبتيها وساقيها عن الأرض ووضع قدميها على الأرض، والأصل
فيه صحيح زرارة (1) " فإذا جلست فعلى أليتيها ليس كما يجلس الرجل - إلى أن قال -:
فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض " قال في الذكرى:
ولفظ " ليس " موجود في الكافي وفي التهذيب " فعلى أليتيها كما يقعد الرجل "
وهو سهو من الناسخين، وسرى هذا السهو في التصانيف كالنهاية للشيخ وغيرها،
ثم قال: وهو كما لا يطابق المنقول في الكافي لا يطابق المعنى، إذ جلوس المرأة ليس
كجلوس الرجل، لأنها في جلوسها تضم فخذيها وترفع ركبتيها من الأرض، بخلاف
الرجل فإنه يتورك، وفي المحكي عن كشف اللثام " قد يراد قعود الرجل للجلوس الذي
لا تورك فيه اتفاقا " وهو كما ترى، ولعل حمله على جلوس الرجل المصلي قاعدا أولى،
وعن بعض نسخ العلل موافقة التهذيب، والخبر فيها مسند إلى أبي جعفر (عليهما السلام).
(و) كذا يستحب (أن يجلس عقيب السجدة الثانية مطمئنا) ليستريح،
ولذا سميت بجلسة الاستراحة، واستحبابها مشهور بين الأصحاب، بل في المنتهى " أنه
مذهب علمائنا إلا السيد المرتضى " وفي المعتبر نسبته إلى أكثر أهل العلم، بل عن
كشف الحق وتلخيص الخلاف الاجماع عليه، وهو الحجة في نفي الوجوب بعد الأصل
وموثق زرارة (2) " رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما السلام) إذا رفعا رؤوسهما

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب السجود - الحديث 2
182

نهضا ولم يجلسا " وخبر رحيم (1) قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): " جعلت
فداك أراك إذا رفعت رأسك من السجود في الركعة الأولى والثالثة تستوي جالسا
ثم تقوم، فنصنع كما تصنع، قال: لا تنظروا إلى ما أصنع، اصنعوا ما تؤمرون " وفي
الذكرى أنه صريح في المطلوب، وفي المنتهى لا يقال هذا يدل على المنع من الجلسة،
لأنا نقول: لو كانت مكروهة لما فعلها الإمام (عليه السلام)، وإنما أراد (عليه السلام)
لا تفعلوا كلما تشاهدون على طريق الوجوب، ويؤيده قوله (عليه السلام): " ولكن
اصنعوا ما تؤمرون " والأمر إنما هو للوجوب، بل قد يفوح الندب من خبر الأصبغ (2)
عن علي (عليه السلام) قال: " كان إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن ثم
يقوم، فقيل له: كان أبو بكر وعمر إذا رفعا رأسيهما من السجود نهضا على صدور
أقدامهما كما تنهض الإبل فقال: إنما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس، إن هذا من
توقير الصلاة " خصوصا التعليل، مضافا إلى خلو خبر حماد (3) المشتمل على دقائق
المندوبات فضلا عن الواجبات عنه.
خلافا للمرتضى (رحمه الله) فأوجبها مدعيا فيما حكي من انتصاره وناصرياته
الاجماع عليه، بل هو مقتضى إطلاق معقد إجماع أبي المكارم وجوب الطمأنينة بعد
رفع الرأس قائما وجالسا، بل قيل: يلوح الوجوب أيضا من خلال المقتنع والمراسم
والسرائر، بل والمحكي عن الإسكافي أيضا، حيث قال: " إذا رفع رأسه من السجدة
الثانية في الركعة الأولى والثالثة حتى يماس إليتاه الأرض أو اليسرى وحدها يسيرا
ثم يقوم جاز ذلك " ضرورة ظهوره في أقل أفراد المجزي، بل والعماني " إذا أراد
النهوض ألزم أليتيه الأرض ثم نهض معتمدا على يديه " بل وعلي بن بابويه " لا بأس

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب السجود - الحديث 6 - 5
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب السجود - الحديث 6 - 5
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1
183

أن لا يقعد في النافلة " واختاره صريحا في الحدائق ومال إليه في كشف اللثام، ولعله
للاجماعات السابقة، والأمر بها في موثق أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام)
" إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الأولى فاستو جالسا ثم قم " وفي
المروي عن كتاب زيد النرسي (2) عن أبي الحسن (عليه السلام) " إذا رفعت رأسك
من آخر سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم فاجلس جلسة - إلى أن قال -: ولا تطش
من سجودك كما يطيش هؤلاء الاقشاب في صلاتهم " وفي المروي (3) عن الخصال
باسناده إلى علي (عليه السلام) قال: " ليخشع الرجل في صلاته، فإن من خشع قلبه
لله عز وجل خشعت جوارحه، فلا تعبث بشئ، اجلسوا في الركعتين حتى تسكن
جوارحكم ثم قوموا، فإن ذلك من فعلنا " الحديث. وفي خبر المعراج المروي (4)
عن العلل بسند جيد - إلى أن قال -: فنظرت إلى شئ ذهب منه عقلي فاستقبلت
الأرض بوجهي ويدي فألهمت أن قلت: سبحان ربي الأعلى وبحمده لعلو ما رأيت
فقلتها سبعا، فرجعت إلى نفسي كلما قلت واحدة منها تجلى عني الغشي، فقعدت فصار
السجود فيه سبحان ربي الأعلى وبحمده، وصارت القعدة بين السجدتين استراحة من
الغشي وعلو ما رأيت، فألهمني ربي عز وجل وطالبتني نفسي أن أرفع رأسي فرفعت
فنظرت إلى ذلك العلو فغشي علي، فخررت لوجهي واستقبلت الأرض بوجهي ويدي
وقلت: سبحان ربي الأعلى وبحمده سبعا، ثم رفعت رأسي فقعدت قبل القيام لاثني
النظر في العلو، فمن أجل ذلك صارت سجدتين وركعة، ومن أجل ذلك صار القعود

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب السجود - الحديث 3
(2) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب السجود - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 16 - 10
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 16 - 10
184

قبل القيام قعدة خفيفة، ثم قمت " وفي خبر أبي بصير (1) المروي في زيادات التهذيب
" فإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك، وإذا سجدت فاقعد
مثل ذلك، وإذا كان في الركعة الأولى والثانية فرفعت رأسك من السجود فاستتم
جالسا حتى ترجع مفاصلك، فإذا نهضت فقل: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، فإن عليا
(عليه السلام) هكذا كان يفعل " مضافا إلى خبر عبد الحميد بن عواض (2) عن الصادق
(عليه السلام) قال: " رأيته إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى
جلس حتى يطمئن ثم يقوم " إلى غير ذلك.
مع إمكان المناقشة في إجماعي الندب بامكان إرادة أصل الرجحان الذي
لا إشكال فيه عندنا: على أن الثاني منهما قال بعض المتبحرين: إني لم أجده في الخلاف
وفي موثق زرارة باحتماله النفل والتقية والعذر، وفي خبر رحيم بظهور إرادة التقية منه
على معنى لا تلتفتوا إلى فعلي وتفعلون مثله فتخالفون التقية، بل اصنعوا ما تؤمرون
ولو بها، فأنا أعلم منكم بصلاحكم، ومنع ظهور خبر الأصبغ في الندب وإن علل بتوقير
الصلاة، ولعل خلو خبر حماد منها في بادئ النظر وإلا فبعد التأمل يفهم منه ذلك، أو
أن الغفلة من حماد، ومن ذلك كله كان الجلوس حينئذ أحوط وإن كان عدم الوجوب
أقوى ولو لامكان النظر في سائر ما ذكرناه له ويبقى إطلاق الصلاة بلا معارض.
(و) كذا يستحب أن (يدعو) بالمأثور فيما ستسمعه في النصوص (عندا)
لنهوض ل‍ (لقيام) من الجلوس المتعقب للسجود إن كان كما هو المعروف بين قدماء
الأصحاب ومتأخريهم، بل في كشف اللثام نسبته إلى فتاوى الأصحاب مشعرا بدعوى
الاجماع عليه، لقول الصادق (عليه السلام) لأبي بصير (3) في الخبر المتقدم آنفا:

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 9 - 9
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب السجود - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 9 - 9
185

" إذا رفعت رأسك من السجود فاستتم جالسا حتى ترجع مفاصلك، فإذا نهضت فقل:
بحول الله وقوته أقوم وأقعد، فإن عليا (عليه السلام) كان يفعل ذلك " وفي ذيله شهادة
على ما رواه رفاعة (1) في الصحيح عنه (عليه السلام) أيضا " كان علي (عليه السلام)
إذا نهض من الركعتين الأولتين قال: بحول الله وقوته أقوم وأقعد " بل وعلى إرادة
النهوض من القيام في صحيح أبي بكر الحضرمي (2) " إذا قمت من الركعتين الأولتين
فاعتمد على كفيك، وقل: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، فإن عليا (عليه السلام) كان
يفعل ذلك " بل وعلى محل القول في خبر سعد (3) الجلاب المروي عن المستطرفات
نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب مسندا " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يبرأ
من القدرية في كل ركعة ويقول " بحول الله وقوته أقوم وأقعد " بل وعلى المراد من
القيام في صحيح ابن مسلم (4) عن الصادق (عليه السلام) أيضا " إذا جلست فتشهدت
ثم قمت فقل: بحول الله وقوته أقوم وأقعد " ضرورة عدم إرادة قول ذلك بعد القيام
للقطع بعدمه نصا وفتوى، فلا بد من حمله على ما هو الأقرب إليه من الشروع في
مقدماته والنهوض له، خصوصا بعد النصوص السابقة.
ومنه حينئذ ينكشف المراد مما في صحيحه الآخر (5) عنه (عليه السلام) أيضا
" إذا قام الرجل من السجود قال: بحول الله وقوته أقوم وأقعد " لصدق القيام من
السجود على الشروع فيه والنهوض له وإن كان بعد الجلسة، لقصر زمانها، وكذا
صحيح عبد الله بن سنان (6) عنه (عليه السلام) أيضا " إذا قمت من السجود قلت:
اللهم ربي بحولك وقوتك أقوم وأقعد، وإن شئت قلت: وأركع وأسجد " وخبره
الآخر (7) المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب السجود الحديث 4 - 5 - 7 - 3 - 2 - 1 - 6
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب السجود الحديث 4 - 5 - 7 - 3 - 2 - 1 - 6
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب السجود الحديث 4 - 5 - 7 - 3 - 2 - 1 - 6
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب السجود الحديث 4 - 5 - 7 - 3 - 2 - 1 - 6
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب السجود الحديث 4 - 5 - 7 - 3 - 2 - 1 - 6
(6) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب السجود الحديث 4 - 5 - 7 - 3 - 2 - 1 - 6
(7) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب السجود الحديث 4 - 5 - 7 - 3 - 2 - 1 - 6
186

مسندا عن الصادق (عليه السلام) أيضا " إذا قمت من السجود قلت: اللهم بحولك
وقوتك أقوم وأقعد وأركع وأسجد " فما عساه يظهر من النافع والمنتهى بل في كشف
اللثام أنه قد يوهمه المعتبر أيضا من قول ذلك حال الجلوس لا النهوض ضعيف جدا،
وأضعف منه الاستدلال عليه بإرادة الجلوس من القيام من السجود في صحيحي ابني
مسلم وسنان، ضرورة بعدهما عن ذلك، بل المراد منهما ما قلناه، أو إذا لم يجلس
جلسة الاستراحة.
ومن هنا قد استدل بهما وبصحيح ابن مسلم الآخر في الذكرى على القول عند
الأخذ في القيام بعد أن حكاه عن الصدوقين والجعفي وابن الجنيد والمفيد وسلار
وأبي الصلاح وابن حمزة وظاهر الشيخ مقابلا لقول المصنف حال الجلوس، لكن في
جامع المقاصد بعد أن حكى ذلك عنها قال: وكأنه يريد بالأخذ بالقيام الأخذ في الرفع
من السجود وإن كان خلاف المتبادر من العبارة، وإلا لم تكن الرواية دليلا عليه،
والظاهر أن هذا هو مراد المصنف هنا كما في غير هذا الكتاب، وفيه أولا أنك قد
عرفت صحة الاستدلال بهما على التقدير المزبور، وثانيا أنه لا يوافق ذلك ما حكاه
في الذكرى عمن عرفت، لأن المحكي من عبارات بعضهم كالصريح في إرادة النهوض
من الجلوس، بل ولا استدلاله بعد ذلك بخبر رفاعة إلا على وجه لا يخلو من تكلف،
وثالثا أن ما ذكره ناسبا له إلى الفاضل يرجع إلى قول ثالث لا أظن أحدا يوافقه عليه
ولا هو كما حكاه عنه مختارا له في غيره من كتبه، فالأولى حمل قوله على القيام عليه من
الجلوس كما في كشف اللثام ناسبا له إلى الأخبار والفتاوى، نعم قال: قد يوهم المعتبر
قوله في الجلوس، ثم قال: ولعله غير مراد له، قلت: وكذا المنتهى خصوصا بعد قولهما
كما قيل في بحث التشهد: " إذا قام من التشهد الأول لم يقم بالتكبير، واقتصر على قوله:
بحول الله وقوته " إلى آخره. اللهم إلا أن يفرقا بين القيام منه والقيام من الجلوس
187

كما يومي إليه استدلال المنتهى على القول عقيب الجلوس بأنه حالة في الصلاة فلا يخلها
من الذكر، وبصحيح ابن سنان.
وكيف كان فظاهر هذه النصوص بل كاد يكون صريحها كالفتاوى ونصوص
عدد تكبير الصلاة (1) عدم التكبير للقيام، وبها يخرج عما دل (2) على مشروعيته لكل
حال ينتقل إليها من حالة أخرى في الصلاة، خلافا للمفيد فقال: يقوم بالتكبير من
التشهد الأول، وهو ضعيف، وفي الذكرى لا نعلم له مأخذا لكن في المروي (3)
عن احتجاج الطبرسي في جواب مكاتبة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى صاحب
الأمر (عليه السلام) " يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى
الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر فإن بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبيرة
ويجزيه أن يقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد فكتب (عليه السلام) الجواب فيه
حديثان، أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير، وأما الآخر
فإنه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام
بعد القعود تكبير، وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى، وبأيهما أخذت من
جهة التسليم كان صوابا ".
(و) كذا يستحب أن (يعتمد على يديه سابقا برفع ركبتيه) عند جميع
علمائنا في جامع المقاصد، والأصحاب في المدارك بل في المنتهى أجمع كل من يحفظ عنه
العلم على أنه هذه الكيفية مستحبة ويجوز خلافها، كما عن صريح التذكرة وظاهر المعتبر

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الركوع - الحديث 7
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب السجود - الحديث 8
188

الاجماع عليه، وهو الحجة بعد صحيح ابن مسلم (1): رأيت أبا عبد الله (عليه السلام)
يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد، وإذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه " منضما
إلى صحيح أبي بكر الحضرمي (2) المتقدم آنفا، بل الظاهر كما صرح به الفاضل وغيره
استحباب أن تكون الأصابع مبسوطة غير مضمومة كالذي يعجن لقول الصادق (عليه
السلام) في خبر الحلبي (3): " إذا سجد الرجل ثم أراد أن ينهض فلا يعجن بيديه
في الأرض، ولكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته في الأرض " ومنه يعلم
ما في المحكي عن العماني من أنه إذا أراد النهوض ألزم ألييه الأرض ثم نهض معتمدا
على يديه، ويمكن إرادته بذلك الكناية عن جلسة الاستراحة كما حكيناه عنه هناك،
فلا يكون مخالفا، وعن النفلية وشرحها أنه يستحب جعل اليدين آخر ما يرفع، ولعله
لظهور الفتاوى والنصوص في الاعتماد عليهما عند النهوض القاضي بتأخر رفعهما، نعم
قد يتوقف في المراد بسبق الركبتين هل هو لليدين خاصة كما هو ظاهر الخبر السابق،
أو لجميع البدن؟ ولعل المستفاد من مجموع خبري الحلبي وابن سنان الثاني، والأمر سهل
لكن كان ينبغي جعل العجن من المكروه للنهي عنه في الخبر السابق، ولا ينافيه
استحباب البسط، إلى غير ذلك من المندوبات التي وفت بها النصوص والفتاوى وإن
اقتصر المصنف منها على ما عرفت، كما أنه اقتصر على مكروه واحد من بين المكروهات
فقال: (ويكره الاقعاء بين السجدتين) وفاقا للأكثر كما في كشف اللثام والمدارك،
بل في الغنية الاجماع على أنه يستحب أن لا يقعي بين السجدتين، بل روى الشيخ في
الاستبصار بأسانيده عن معاوية بن عمار وابن مسلم والحلبي (4) أنهم قالوا: " لا تقع

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب السجود - الحديث
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب السجود - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب السجود - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 2
189

في الصلاة بين السجدتين إقعاء الكلب " ولعله لذا حكاه في المعتبر عن الأولين،
لكن في التهذيب " قالوا " قال: وحينئذ يكون من المضمر، وكان الأولى على التقدير
الأول حكايته عن الثالث أيضا، لأن روايته نفي البأس عن ذلك في الصحيح الآتي (1)
قرينة على إرادته الكراهة من النهي دونهما، وكيف كان فلا ريب في الكراهة لقول
الصادق (عليه السلام) في موثق أبي بصير (2) " لا تقع بين السجدتين إقعاء " المحمول
على ذلك للأصل المعتضد بالشهرة العظيمة إن لم يكن إجماعا، بل حكي الاجماع عليه،
وبقوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي (3): " لا بأس بالاقعاء في الصلاة فيما بين
السجدتين " وبقول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة (4) المروي عن مستطرفات
السرائر نقلا من كتاب حريز: " لا بأس بالاقعاء فيما بين السجدتين، ولا ينبغي
الاقعاء في التشهدين، إنما التشهد في الجلوس، وليس المعقي بجالس " وبالمروي عن
معاني الأخبار بسنده إلى عمرو بن جميع (5) عن الصادق (عليه السلام) " لا بأس
بالاقعاء في الصلاة بين السجدتين، وبين الركعة الأولى والثانية، وبين الركعة الثالثة
والرابعة، وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى، ولا يجوز الاقعاء
في موضع التشهد إلا من علة، لأن المقعي ليس بجالس، إنما جلس بعضه على بعض،
والاقعاء أن يضع الرجل أليتيه على عقبيه في تشهديه، فأما الأكل مقعيا فلا بأس به،
لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أكل مقعيا " ولعل الجميع من الخبر، وإن
حكاه في الذكرى عن الصدوق لكنه غالبا يعبر بمضمون الروايات، فقد يكون عبر
بمضمون هذا الخبر في الفقيه، وحكاه عنه حينئذ فيها، ويحتمل انتهاؤه عند قوله:

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 3 - 1 - 3 - 6
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 3 - 1 - 3 - 6
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 3 - 1 - 3 - 6
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 3 - 1 - 3 - 6
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التشهد - الحديث 1
190

" تتجافى " وعند تفسير الاقعاء، وعلى كل حال فهو شاهد لرفع الحرمة وموجب لحمل
النهي المزبور على الكراهة.
نعم لا ينبغي للمصنف قصره على ما بين السجدتين، إذا كما صدر النهي عنه
بينهما فحمل على ذلك لذلك كذلك صدر النهي عنه مطلقا في خبر أبي بصير (1) عن
الصادق (عليه السلام) " لا تقع بين السجدتين إقعاء " وفي مرسل حريز (2) عن
الباقر (عليه السلام) كما في موضع من الوسائل " ولا تقع على قدميك " وصحيح
زرارة (3) عنه (عليه السلام) " إذا قمت إلى الصلاة فعليك بالاقبال على صلاتك،
فإنما يحسب لك ما أقبلت عليه، ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك، ولا
تحدث نفسك، ولا تتثأب ولا تتمط ولا تكفر، فإنما يفعل ذلك المجوس، ولا تلثم
ولا تحتفز، وتفرج كما يفرج البعير، ولا تقع على قدميك ولا تفترش ولا تفرقع أصابعك
فإن ذلك كله نقصان من الصلاة، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا " الحديث. بناء على
إرادة الاقعاء منه لا الوقوع على القدمين، وكذا وقع النهي عنه في التشهدين في الخبر
المزبور (4) وفي صحيح زرارة (5) عن الباقر (عليه السلام) " وإذا قعدت في تشهدك
- إلى أن قال -: وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك، ولا تكون قاعدا على
الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء " بل لعل التعليل
فيه خصوصا قوله: " ولا تكون قاعدا على الأرض " جار في الجميع إن لم نقل إن المراد
مطلق القعود في الصلاة.
ودعوى الفرق فيما بين السجدتين وجلسة الاستراحة وبين التشهد بالقصر

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 5
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 5 - 3
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التشهد - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 5 - 3
191

فلا يتأذى والطول فيتأذى ممنوعة، خصوصا بعد ملاحظة التعليلين الآخرين، وقد
سمعت ما في ذيل خبر المستطرفات، ولعل منه ومن هذا التعليل المناسب للكراهة دون
الحرمة وإطلاق معقد إجماع الخلاف على الكراهة كما قيل مضافا إلى ظهور صحيح
زرارة السابق في ذلك من وجوه يجب إرادة شدة الكراهة من نفي الجواز المروي (1)
عن معاني الأخبار، خصوصا بعد قصوره عن إفادة الحرمة من وجوه، بل هو ليس
من كلام الإمام (عليه السلام) على الاحتمالين السابقين، فلم يبق حينئذ إلا النهي في
صحيح زرارة السابق المفهوم منه الكراهة بقرينة سابقه ولاحقه فضلا عن القرينة
الخارجية، فيقول بحرمته في التشهدين تبعا لظاهر الفقيه والمحكي عن النهاية من نفي الجواز
في غاية الضعف، وقد أجاد الحلي فيما حكي عنه في حمل ذلك منهما على إرادة شدة
الكراهة، كالقول بنفي كراهته بين السجدتين، كما عساه يظهر من المبسوط والفقيه
والمحكي عن النهاية وعلم الهدى، بل قد يظهر من الثاني نفيها في جلسة الاستراحة أيضا
كما عساه يوهمه أيضا الاقتصار على كراهته في التشهد وبين السجدتين في المحكي عن بني
حمزة وإدريس وسعيد، مع أن الموجود في موضع من الأول هو " يجوز الاقعاء بين
السجدتين وإن كان التورك أفضل " فقد يريد به الأعم من الكراهة، خصوصا وقد
قال في موضع آخر منه في سنن التروك: " ولا تقع بين السجدتين " والظاهر إرادته
الكراهة منه، والثاني إنما قال: " لا بأس به بين السجدتين، ولا بأس به بين الأولى
والثانية، وبين الثالثة والرابعة " وقد يريد الأعم أيضا، والاقتصار على البعض لا يدل
على نفي الغير، والثالث إنما قال: " لا بأس أن يقعد متربعا أو يقعي بين السجدتين "
وهو كالسابق في احتمال الأعمية، خصوصا وعادته فيه كالفقيه التعبير بمضمون النصوص

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 6
192

وإناطة قصدهما بالمقصود منها، وقد عرفت إرادة ذلك في النص، ولم يحضرني عبارة
الرابع، فلا قائل حينئذ صريحا بنفيها عنهما، وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه.
وأضعف منه نفيها عنه في التشهد وغيره مما عدا بين السجدتين كما عساه يوهمه
المحكي عن الأكثر من الاقتصار عليها بينهما، إذ قد عرفت مما قدمنا أن الأولى تعميم
الكراهة لسائر أفراد الجلوس في الصلاة وفاقا لصريح المحقق الثاني وغيره وظاهر الفاضل
وغيره ممن أطلق كراهته كالشيخ (رحمه الله) فيما حكي من خلافه مدعيا الاجماع عليه
وغيره، بل حكي عن صريح المختلف وظاهر المقنع أيضا، بل في مجمع البرهان العلة
المذكورة في التشهد جارية في غيره، وكأنه إجماع، إلى غير ذلك لما سمعته مما تقدم سابقا
من الاطلاق وغير الذي لا يعارضه خصوص النهي عنه بين السجدتين كي ينزل
عليه كما هو واضح.
وكيف كان فالمراد بالاقعاء المبحوث عنه عندنا وعند الجمهور وضع الأليتين على
العقبين معتمدا على صدور القدمين، كما نص عليه في المعتبر والمنتهى والتذكرة وكشف
الالتباس وحاشية المدارك ناسبين له إلى الفقهاء، بل في ظاهر الحدائق أو صريحها
كما عن البحار الاجماع عليه، بل هو أيضا ظاهر إجماع جامع المقاصد وفوائد الشرائع
وغيرهما، بل نسبه أهل اللغة إلى الفقهاء فضلا عنهم، قال في الصحاح: أقعى الكلب
إذا جلس على استه مفترشا وناصبا يديه، وقد جاء النهي عن الاقعاء في الصلاة، وهو
أن يضع أليته على عقبيه بين السجدتين، وهذا تفسير الفقهاء، وأما أهل اللغة فالاقعاء
عندهم أن يلصق أليته بالأرض وينصب ساقيه ويتساند إلى ظهره، وفي المحكي عن
المغرب الاقعاء أن يلصق أليته بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما يقعي
الكلب، وتفسير الفقهاء أو يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين، نعم لم يذكرا الاعتماد
على صدور القدمين فيما نسباه إليهم، ولعله لذا قال في المحكي عن البحار: إن الظاهر
193

من كلام أكثر العامة أن الاقعاء الجلوس على العقبين مطلقا لكن قد يقال: إنه يلزمه
الاعتماد على صدور القدمين كما اعترف به في كشف اللثام والمحكي عن البحار، قال في
الأخير: لعل مرادهم المعنى الذي اتفق عليه أصحابنا، لأن الجلوس على العقبين حقيقة
لا يتحقق إلا بهذا الوجه، فإنه إذا جعل ظهر قدمه على الأرض يقع الجلوس على بطن
الأليين لا على العقبين.
قلت: وهو المناسب لما ورد في أخبارنا الذي يحتمل أن يكون هو مستند
الأصحاب في ذلك من النهي عن الاقعاء على القدمين، ضرورة توقف الصدق حقيقة
على ذلك، وإلا كان إقعاء على بعض القدمين، ولعل الأصحاب من ذلك فهموا إرادة
هذا المعنى من الاقعاء، ضرورة عدم صدق الاقعاء على القدمين على المعنى اللغوي،
لأن القعوين الذين هما أصلا الفخذين على الأرض فيه مضافا إلى ما سمعته في صحيح
زرارة من التعليل بالتأذي وعدم الصبر للتشهد والدعاء وعدم القعود على الأرض والقعود
بعض على بعض مما لا ينطبق شئ منه على الاقعاء اللغوي الذي قد سمعت أنه وضع
الأليتين على الأرض مع نصب الفخذين والساقين، وربما زيد وضع اليدين مع ذلك
كما عن النهاية والمصباح المنير وسمعته عن المغرب، بل عن الراوندي في حل كالمعقود من
الجمل والعقود " أن الاقعاء بين السجدتين هو أن يثبت كفيه على الأرض فيما بين
السجدتين ولا يرفعهما " وهو غريب لا يوافق اللغة ولا الفقهاء وإن كان هو مكروها
أيضا لما سمعته سابقا من النص (1) الدال على أنه نقص في الصلاة، بل عن العامة روايته
عن ابن عمر أنه كان يقعي في الصلاة بمعنى أنه يضع يديه على الأرض فلا يفارقان حتى
يعيد السجود، ونحوه في الغرابة أيضا ما عن بعض علمائنا من اعتبار هذا الوضع أيضا
مع الجلوس على العقبين في المراد من الاقعاء هنا، وعبارات الأصحاب تشهد بخلافه.

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب السجود - الحديث 1
194

وعلى كل حال فالمعروف من الاقعاء في اللغة ما عرفت، وإليه يرجع ما عن
القاموس وغيره من أنه التساند إلى ما وراءه كما أومأ إليه في الصحاح وقد عرفت
أن تلك الإشارات في النصوص لا تنطبق عليه، بل قد سمعت ما في المروي عن معاني
الأخبار بناء على أن الجميع من الخبر، ويؤيده مع ذلك أن الظاهر الإشارة بهذه
النصوص إلى ما تفعله العامة، وعند جماعة منهم أنه سنة، قال في المحكي عن شرح صحيح
مسلم: إعلم أن الاقعاء ورد فيه حديثان: أحدهما أنه سنة، وفي حديث آخر النهي عنه
وقد اختلف العلماء في حكمه وتفسيره اختلافا كثيرا، والصواب الذي لا معدل عنه أن
الاقعاء نوعان: أحدهما أن يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض
كاقعاء الكلب، هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو القاسم بن سلام
وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد النهي عنه، والنوع الثاني
أن يجعل ألييه على عقبيه بين السجدتين، وهذا هو مراد ابن عباس أنه سنة، وقد
نص الشافعي على استحبابه في الجلوس بين السجدتين، وحمل حديث ابن عباس جماعة
من المحققين عليه منهم البيهقي والقاضي عياض وآخرون، قال القاضي قد ورد عن جماعة
من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه، قلت: وهو الذي يستعملونه الآن، فهو
المناسب لبيان حكمه بالنهي عنه، وإلا فذاك قل ما يفعله أحد، على أنه هو جلوس
القرفصاء التي هي أحد جلسات النبي (صلى الله عليه وآله) وأفضل الأحوال في النافلة
وغيرها مما يصلى من جلوس، وأفضل جلوس المرآة، فوجب القطع من جميع ذلك أن
المراد هنا بالاقعاء ما سمعته من الأصحاب لا اللغوي، ولا ينافيه ما في صحيح الثلاثة (1)
من التشبيه باقعاء الكلب، إذ هو مع أنه عبارة لهم لا من المعصوم (عليه السلام) في
أحد الوجهين في هذه الكيفية شبيه باقعاء الكلب أيضا، ولذا حكي عن الميسية تفسيره

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 2
195

بذلك، وقال: كما يقعي الكلب، وإلا فهما معا لا ينطبقان على إقعاء الكلب، ضرورة
افتراش ساقيه وفخذيه كما في كشف اللثام، بخلاف الرجل فإنه ينصبهما، ولعله لذا أخذ
بعضهم مع ذلك وضع اليدين في الأرض لتحصيل المشابهة له، على أن حمل خصوص
هذا الصحيح على ذلك - فيكون أيضا مكروها كالاقعاء بالمعنى المعروف - لا يقتضي حمل
الجميع على ذلك بعد ما عرفت.
كما أنه لا ينافيه أيضا عدم ذكر أهل اللغة له في تفسير الاقعاء بعد أن علم المراد
منه بالقرائن المتقدمة، إذ لا يقدح حينئذ معروفية الاقعاء لغة بخلافه، على أنه قد يمنع
ذلك، فإن أصحابنا أدرى باللغة من الذين صنفوا فيها، وظاهرهم ثبوته فيها بالمعنى
المزبور كما يومي إليه ما في المعتبر وغيره، ولعل أهل اللغة نصوا عليه بالنسبة إلى إقعاء
الكلب، هذا. مع أن ظاهر كشف اللثام " أن الاقعاء في اللغة لما يعمهما، قال فيه:
والاقعاء من القعو، وهو كما حكاه الأزهري عن أبي العياش عن ابن الأعرابي أصل
الفخذ، فهو الجلوس على القعوين إما بوضعهما على الأرض ونصب الساقين والفخذين
قريبا من إقعاء الكلب، والفرق أنه يفترش الساقين والفخذين، أو بوضعهما على العقبين
وهو المعروف عند الفقهاء المنصوص عليه في خبري زرارة (1) وخبر حريز (2) ومعاني
الأخبار (3) كما أن الأول عند اللغويين " إلى آخره.
قلت: ولعله على هذا بنى من عمم الكراهة للاقعاء بمعنييه، ضرورة كون
حينئذ للقدر المشترك بين الفردين، فالنهي حينئذ في نحو خبر أبي بصير (4) للطبيعة
الشاملة لهما، واقتصار الأصحاب على هذا الفرد لأنه هو الذي يستعمله العامة وغيرهم

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التشهد - الحديث 1 والباب 1 من أبواب
أفعال الصلاة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 5 - 6 - 1
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 5 - 6 - 1
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 5 - 6 - 1
196

من المستعجلين، بخلاف نحو إقعاء الكلب الذي هو في غاية الصعوبة ولم يستعمله أحد
فلذا ناصب التنصيص على الأول دونه، وإلا فالنهي مما يشملهما كما هو الأصل
فيما يتعقب النهي من الطبائع والنكرات، خصوصا بعد التأكيد في الخبر المزبور، نعم
قد يمنع عليه أصل ذلك بملاحظة كلام اللغويين والفقهاء، لظهورهما معا في تباين المعنيين
وعدم الجامع بينهما، وأن لفظ الاقعاء حينئذ إما من المشترك لفظا، أو من الحقيقة
والمجاز، فالطبيعة أو النكرة المتعقبة للنهي إنما تقتضي التعميم في أفراد ذلك المعنى المراد
لا المعنى الآخر كما هو واضح، ومن هنا قال في المحكي عن البحار: إن المعنى المشتهر
بين اللغويين خلاف ما هو المستحب من التورك، أما إثبات كراهته فمشكل، لأنه
لا يدل على كراهته ظاهرا إلا أخبار الاقعاء، وهي ظاهرة في معنى آخر مشتهر بين
الأصحاب ومخالفيهم، قلت: فهي مع القرائن السابقة التي أقمناها على تعيين المراد من
الاقعاء هنا في النصوص والفتاوى تعارض شهرة اللغويين، لكن ومع ذلك فالأولى تركه.
كما أن الأولى ترك الجلوس على بطون القدمين بافتراش ظاهرهما على الأرض
وإن كان إثبات كراهته مشكلا أيضا، بل قد سمعت فيما تقدم عن ابن الجنيد استحبابه
فيما بين السجدتين، والاستناد في إثباتها إلى ما يوهمه إطلاق كلام بعض اللغويين
والمخالفين بعد أن عرفت التحقيق وأنها عند الأصحاب لما لا يشمل ذلك في غاية
الضعف، كالاستناد إلى نحو قوله (1): " ولا تقع على قدميك " وقوله (2): " إياك
والقعود على قدميك " ونحو ذلك، ضرورة كون مورد الأول الاقعاء لا القعود،
فيتوقف الاستدلال به على أن الاقعاء موضوع لخصوص هذا الفرد أو لما يشمله، وقد
عرفت ما فيه، والمراد بالثاني بقرينة التعليل بالأذية وعدم الصبر ما لا يشمل ذلك وإن
كان تخصيصه بالاقعاء بالمعنى المتعارف لا يخلو من بحث، لاحتمال إرادة النهي عن أن

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 5 - 3
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 5 - 3
197

يجعل باطن قدميه على الأرض غير موصل ألييه رافعا فخذيه وركبتيه إلى قريب ذقنه
كما يتجافى المسبوق، والتعليل منطبق عليه كمال الانطباق، وهو غير الاقعاء اللغوي،
ضرورة عدم وضع الأليين فيه على الأرض، ومنه تحصل الأذية، ولعل هذا هو مراد
ابن الجنيد فيما حكي عنه من النهي عن القعود على مقدم رجليه وأصابعهما لا الاقعاء
اللغوي كما ظن، لكن ومع هذا كله فالأحوط والأولى ترك الجلوس على الوجوه
الأربعة، بل ربما احتمل إرادة النهي عن جميعها إن جاز استعمال اللفظ في معنييه الحقيقيين
أو المعنى الحقيقي والمجازي، بل وإن لم يجز، لامكان عموم المجاز أو الاشتراك حينئذ،
فالأولى ترك الجميع خصوصا الذي لم يكن الجلوس فيه على الألية منها، لظهور شدة طلب
الشارع ذلك، وعدم إرادة غيره، قال الصادق (عليه السلام) لسعيد بن عبد الله (1)
لما سأله أني أصلي في المسجد الحرام فأقعد على رجلي اليسرى من أجل الندى: " اقعد
على أليتيك وإن كنت في الطين " وكأنه عنى السائل جلوسه على أليته اليسرى مفترشا
لفخذه وساقه اليسريين، أو غير مفترش ناصبا لليمينين، أو غير ناصب، فأمره (عليه
السلام) بالقعود عليهما بالافضاء بهما إلى الأرض متوركا أو غير متورك أو لا به كما في
كشف اللثام، والله أعلم، هذا. وقد وقع في الحدائق في المقام ما لا يخفى ما فيه بعد
الإحاطة بما قدمناه، خصوصا دعواه حصر الكراهة فيما بين السجدتين بالاقعاء اللغوي
دون المتعارف، فلاحظ وتأمل.
(مسائل ثلاث الأولى من) حصل (به ما يمنع وضع) مسمى (الجبهة على
الأرض) وغيرها مما يصح السجود عليه (كالدمل) والجروح ونحوهما (إذا لم يستغرق
الجبهة) بل بقي منها ما يحصل به وضع المسمى أو مقدار الدرهم بناء على اعتباره وجب
عليه أن (يحتفر حفيرة) مثلا (ليقع السليم من جبهته على الأرض) بلا خلاف فيه

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب السجود - الحديث 4
198

بين العلماء كما في المدارك، وعليه فتوى العلماء كما في منظومة الطباطبائي، بل يمكن تحصيل
الاجماع عليه لما ستعرف من عدم خلاف من ظن خلافه في ذلك، وكيف يعقل الخلاف
فيه بعد فرض التمكن من الاتيان بالمأمور به على وجهه، فجميع ما دل حينئذ على وجوب
وضع الجبهة بحاله، مضافا إلى خصوص خبر مصادف (1) الذي رواه المشائخ الثلاثة،
قال: " خرج في دمل فكنت أسجد على جانب فرأى في أبو عبد الله (عليه السلام)
أثره فقال: ما هذا؟ فقلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل فإنما أسجد منحرفا
فقال: لا تفعل ذلك، احتفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على
الأرض " وفي المحكي (2) عن فقه الرضا (عليه السلام) " فإن كان في جبهتك علة
لا تقدر على السجود أو دمل فاحفر حفيرة، فإذا سجدت جعل الدمل فيها، وإن كان
على جبهتك علة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن، فإن تعذر
فعلى قرنك الأيسر، فإن تعذر فعلى ظهر كفك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك
يقول الله تبارك وتعالى (3): إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون
للأذقان سجدا " وفي الرياض بعد أن ذكر منه ما يخص الحفرة قال: وقريب منه
المروي (4) في تفسير علي بن إبراهيم، وفيه أنه خال عن مسألة الحفر كما ستسمعه،
ومن المعلوم أنه لا فرق في ذلك بين الدمل وغيره، ولا بين الحفيرة وغيره مما يحصل به
الواجب، وما عساه يظهر من الصدوقين من الخلاف في الأول غير مراد، أو في غاية
الضعف كما ستعرف.
(فإن تعذر) الوضع للاستيعاب ونحوه (سجد على أحد الجبينين) إجماعا

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 3
(2) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 1
(3) سورة الإسراء - الآية 108
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب السجود - الحديث 1 - 3
199

صريحا في المحكي عن حاشية المدارك، وظاهرا في جامع المقاصد ومجمع البرهان والمدارك
والمحكي عن تعليق النافع، وفي الذخيرة وشرح المفاتيح للأستاذ الأكبر الظاهر أنه
لا خلاف فيه، وفي الجامع أيضا والمحكي عن إرشاد الجعفرية والروض أنه لا خلاف في
تقديم الجبينين على الذقن، وفي مجمع البرهان أن مرسل علي بن محمد (1) الأمر بالسجود
على الذقن مقيد بتعذر الجبينين بالاجماع أو الشهرة، بل في الرياض بالنص والاجماع،
وفي المحكي عن الخلاف " الاجماع على أنه إذا لم يقدر على السجود على جبهته وقدر على
السجود على أحد قرنيه أو على ذقنه سجد عليه " ولعل مراده ما لا ينافي الترتيب،
بل هو في مقابلة من أنكر من العامة السجود عليهما أو على أحدهما بحال من الأحوال
لا التخيير بينهما، إذ لم نعرفه قولا لأحد منا فضلا عن أن يكون إجماعا، نعم قد
يتوهم من الصدوقين الخلاف في الجبينين كما ظنه في كشف اللثام من المبسوط والنهاية
وجامع الشرائع وابن حمزة، فلا بدلية للجبينين عن الجبهة أصلا، بل إن تعذرت انتقل
إلى الذقن، ومال هو إليه، للأصل وإطلاق خبر الذقن (2) كما ستعرف، وعدم
صلاحية ما يقيده من نص أو إجماع، مع أنه ليس كذلك في الجميع، قال في المبسوط:
" وموضع السجود من قصاص شعر الرأس إلى الجبهة أي شئ وقع منه على الأرض
أجزأه، فإن كان هناك دمل أو جراح ولم يتمكن من السجود عليه سجد على أحد
حاجبيه (جانبيه خ ل) فإن لم يتمكن سجد على ذقنه، وإن جعل لموضع الدمل حفيرة يجعله
فيها كان جائزا " وفي الذكرى " أنه قال في النهاية نحو ذلك " وفي المحكي عن جامع
الشرائع " فإن كان في موضع سجوده دمل سجد على أحد جانبيه، فإن تعذر فعلى ذقنه
وإن جعل حفيرة للدمل جاز " والظاهر إرادتهما الجبينين، من الجانبين، لأنهما هما

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب السجود - الحديث 2 - 2
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب السجود - الحديث 2 - 2
200

المكتنفان بموضع السجود من الجبهة كما سمعته سابقا في تفسيرها، فالضمير حينئذ راجع
إلى موضع السجود لا أن المراد أحد جانبي الدمل من الجبهة كما في الكشف حتى يكون
الجبين متروك الذكر فيها فإنه - بعد أن حكى عن الذكرى بعد عبارة المبسوط أن ذلك
تصريح بعدم وجوب الحفر - قال: " والأمر كذلك إذا أمكن السجود بدونه على
بعض الجبهة كما فرضناه، لأنهما أي الشيخ وابن سعيد إنما أمرا بالسجود على جانبيه
أي جانبي الدمل من الجبهة فكأنهما قالا: يسجد على أحد جانبي الدمل من الجبهة أن
أمكن بالحفر أو بغيره، وإلا سجد على الذقن من غير تجويز للجبين " وأنت خبير بعدم
معروفية التعبير بهذه العبارة عن مثل ذلك وقصورها عن أدائه وظهورها في امتناع
السجود على موضع السجود للدمل لا على بعضه، على أنه لا فائدة بذكره بعد أن قدم
الاجتزاء بوقوع شئ منه على الأرض، كما أنه لا فائدة بذكر جواز الحفيرة حينئذ مع
فرض التمكن من السجود على أحد جانبي الدمل.
نعم قد يتوهم خلافه في الحفيرة، ولما كان الخلاف فيها في غاية الضعف لا يناسب
وقوعه من أصاغر الطلبة فضلا عن شيخ الطائفة وجب حمل عبارته إما على إرادة
الوجوب من الجواز إذا فرض توقف وقوع السليم عليه، أو إرادة بيان جواز ذلك
اختيارا مع فرض عدم التوقف، أو إرادة بيان حكم جديد وهو التخيير في صورة تعذر
الجبهة والجبينين بالاستيعاب ونحوه بين وضع الذقن وبين حفر حفيرة يضع فيها الدمل
وإن لم يماس شيئا من الأرض تحصيلا لهيئة السجود ولتمام الانحناء ولأن أصل الوضع
واجب في السجود وقد تعذر فلا يسقط غيره، فللجمع بين ذلك وبين الخبر خير بين
وضع الذقن وبينه، بل لولا الخبر المزبور كان هو المتجه بحسب القواعد، ولعله لذا
أوجب تقديمه ابن حمزة على الذقن، قال كما في الذكرى: " يسجد على أحد جانبيها،
فإن لم يتمكن فالحفيرة، فإن لم يتمكن فعلى ذقنه " بناء على إرادة الجبينين من جانبيها
201

أي الجبهة، فما في الكشف بعد أن اعترف أن الظاهر جانبا الجبهة من أنه لما قدم
السجود عليهما على الحفيرة لم يكن بد من أن يريد الجانبين منها لا الجبينين كما ترى،
إذ لا جهة حينئذ لتقديمهما عليها ضرورة جوازها وإن تمكن من السجود عليها (1) بدونها
كما أنه لا معنى لإرادة الجانبين من الجبهة، وجانب الشئ ما خرج عنه لكنه في جنبه
كما هو واضح، فمن الغريب تجشم هذا الفاضل بمثل هذه الخرافات، والذي ألجأه إلى
ذلك وحشة التفرد فيما اختاره من عدم بدلية الجبينين أصلا التي هي من القطعيات بين
الأصحاب، ولم يذكر أحد منهم فيها شكا ولا إشكالا حتى من عادته الوسوسة في
القطعيات، وأما الصدوقان فقد قالا في الرسالة والمقنع: " إن ذا الدمل يحفر له حفيرة
وإن من بجبهته ما يمنعه سجد على قرنه الأيمن من جبهته، فإن عجز فعلى قرنه الأيسر
منها، فإن عجز فعلى ظهر كفه، فإن عجز فعلى ذقنه " ونحوهما المحكي عن فقه الرضا (عليه
السلام) (2) فالظاهر إرادتهما الجبينين من القرنين بدليل تقييدهما ذلك بالجبهة، فيكون
المراد بالقرن الطرف والناحية، كما في قوله (صلى الله عليه وآله) (3): " قرني شيطان "
وقوله (صلى الله عليه وآله) (4): " يا علي إن لك بيتا في الجنة وأنت ذو قرنيها "
ونحوهما من الاستعمالات السائغة بعد القرنية ".
نعم قد يظن منهما في بادئ النظر الفرق بين الدمل وغيره، مع أنه بعد التأمل
- خصوصا في المحكي من فقه الرضا (عليه السلام) الذي يوافقهما في التعبير غالبا، بل
الظاهر أنه لهما - ليس كذلك، وذكرهما خصوص الحفر في الدمل لذكره بالخصوص
في النصوص، وهما من أهل الجمود عليها غالبا في التعبير، فلاحظ وتأمل، فصح حينئذ

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب " عليهما " أي على الجانبين من الجبهة
بدون الحفيرة
(2) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب المواقيت
(4) سفينة البحار ج 2 ص 427
202

نفي الخلاف عن ذلك كدعوى الاجماع ممن عرفت، كما أنه صح عدم نقل الخلاف في
مسألة الحفيرة أيضا مع أن هذه العبارات بمرأى منهم، فمن العجيب ظنه في الرياض تبعا
للذكرى والأستاذ الأكبر الخلاف منهما في مسألة الحفيرة، بل صح حينئذ دعوى
إمكان تحصيل الاجماع في المقامين، خصوصا بعد عدم ظهور خبر عولوا عليه في الثاني
منهما أو إمارة ركنوا إليها، وما ذاك إلا لأن الحكم قد استغنى بمعلوميته عن حفظ ما جاء
به من الأخبار ككثير من المسائل الاجماعية التي لم يظهر لها مستند يعول عليه، وإنما
يذكر لها بعض الاعتبارات التي يعلم من حال من يذكرها عدم الاعتماد على ذلك،
كاستدلال المصنف في المقام بأن الجبينين مع الجبهة كالعضو الواحد، فقام كل منها مقامها
ولأن السجود على أحد الجبينين أشبه بالسجود على الجبهة من الايماء، والايماء سجود
مع تعذر الجبهة، فالجبين أولى، ونحوه الفاضل، فيظن من يقف على ذلك أن هذا هو
المدرك في الحكم المزبور، وكيف والمصنف قد صرح بعد ذلك بأنه محض اعتبار، بل
المدرك معلومية الحكم وبداهته، كثيرا ما يقع في الفقه من هذا القبيل، فيشدد النكير
عليهم من لا درية له، وقد خالطه حب الانكار والتشنيع على مثل هؤلاء الأساطين كي
يعد في سلكهم، وأنه ممن ينازلهم في ميدانهم، وأنه ممن يأتي بالأشياء التي قد خفيت
عليهم، أجارنا الله من ذلك كله، وإن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، ومكر
الشيطان وإن ضعف لكنه قد يدق.
على أنه قد يستدل للمطلوب بما دل على السجود على الجبهة بناء على شمولها
للجبينين كما أوضحناه في باب التيمم، وأن التقييد بموضع خاص منها للاجماع أو غيره
في حال الاختيار، فيبقى حال الاضطرار على الاطلاق، أو بما دل على الاجتزاء في
السجود بما بين قصاص الشعر إلى الحاجبين من خبر زرارة (1) وغيره من الأخبار

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب السجود - الحديث 5
203

المتقدمة سابقا في الجبهة بتقريب أن تقييدها بالموضع الخاص بالاجماع وغيره حال الاختيار
ولهذا نظائر كثيرة في الفقه مضى بعضها في الوضوء والتيمم ويأتي آخر مؤيدا ذلك كله
بصدق اسم السجود لغة وشرعا بذلك.
وقد يستدل أيضا بخبر مصادف المتقدم سابقا بتقريب أن مصادف (1) مع أنه
مولى الكاظم والصادق (عليهما السلام) ومن المستبعد استمراره مدة كما يومي إليه قوله:
وكنت على السجود منحرفا عن الجبهة أي الجبينين برأيه ومن قبل نفسه، على أنه
لما سأله الإمام (عليه السلام) عن ذلك أجابه بأني غير مستطيع للسجود بالمحل، ومعناه
أن كل غير مستطيع هكذا حكمه، ولم ينكر عليه الإمام (عليه السلام) استدلاله وإنما
دله على طريق للاستطاعة لم يكن مصادف متنبها له، فيؤول إلى تقرير الإمام (عليه السلام)
إياه مع فرض عدم الطريق كما في المقام، ويؤيده أنه (عليه السلام) لم يأمره باستقبال
مع ما مضى من صلاته، والمشهور عدم معذورية الجاهل بالحكم وإن وافق فضلا عن المخالفة
إذ على ما قلناه يكون عدم أمره (عليه السلام) بالإعادة لعدم الجهل بالحكم، وإنما كان
قد زعم حصول شرط السجود على الجبينين بعدم استطاعة الجبهة لعدم تفطنه للحفيرة
لا لعدم وجوبها عنده، ومثله قد يقال بعدم وجوب الإعادة عليه فضلا عن القضاء لقاعدة
الاجزاء، كمن زعم عجزه عن الماء فتيمم فصلى ثم بان أن الماء قريب منه، فتأمل جيدا.
وقد يستدل أيضا بالموثق المروي في تفسير علي بن إبراهيم (2) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها قال: يسجد ما بين
طرف شعره، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيمن، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر، فإن

(1) هكذا في النسخة الأصلية والصواب أن لفظ " مع أنه " زائد إذ ليس في العبارة
ما يكون قابلا لأن يقع خبرا لقوله: " أن "
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب السجود - الحديث 3
204

لم يقدر فعلى ذقنه، قلت: وعلى ذقنه قال: نعم، أما تقرأ كتاب الله ويخرون للأذقان
سجدا (1) " بل قال: وروي أيضا عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) لا لأن المراد
من الحاجب الجبين، إذ هو من المجازات التي يمكن دعوى استقباحها، بل يبعده أيضا
أنه لا قرب فيه للجبهة (2) مكانا ولا معنى ولا تعارفا فلا يحسن الانتقال منها إليه بل
لأن المراد مما بين طرف شعره الجبينان لا من الجبهة، إذ لا يناسب لإسحاق بن عمار
السؤال عن مثل ذلك، ضرورة أنه مع التمكن من السجود عليها يجب، وخروج القرحة
بنفسه غير مسقط، وبذلك حينئذ يحسن الجواب بالحاجب لفرض تعذر الجبينين أجمع
إلا أنه لما أعرض الأصحاب عن هذه المرتبة وجب طرحه بالنسبة إلى ذلك أو حمله
على ما إذا تمكن بذلك للسجود على شئ من الجبينين ولو المتصل بالحاجبين، فتأمل
جيدا، إلى غير ذلك من الرضوي (3) بناء على أنه رواية، ونحوه مما ينجبر قصوره
لو سلم بما عرفت، بل لا يحتاج إليه بناء على حجية مطلق الظنون أو وجوب الاحتياط
في العبادة، فمن العجيب ميل الفاضل الإصبهاني إلى عدم بدليتهما أصلا عنها، مع أنه
من القائلين بوجوب الاحتياط كما يومي إليه تصفح كتابه المزبور، قال بعد حكاية
ما سمعته من المعتبر: وضعف الوجهين ظاهر مع انحراف الوجه بوضعهما عن القبلة
وخلوها (4) عن نص وإجماع، ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما تقدم مما لا ينافيه

(1) سورة الإسراء - الآية 108
(2) هكذا في النسخة الأصلية ولكن حق العبارة هكذا " لا قرب فيه للجبين مكانا
ولا معنى ولا تعارفا فلا يحسن الانتقال منه إليه " لأن المدعى عدم إرادة الجبين من
الحاجب فلا ربط لعدم قرب الحاجب من الجبهة لذلك مع أن قربه منها متحقق بالوجدان
(3) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 1
(4) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " خلوهما " أي خلو الجبينين عن نص
وإجماع محصل إذ لا عبرة بمحكيه
205

ما رواه في الكافي عن علي بن محمد (1) باسناده سئل أبو عبد الله (عليه السلام) " عمن
بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها قال: يضع ذقنه على الأرض أن الله تعالى يقول:
ويخزون للأذقان سجدا " ضرورة إرادة ما يعم الجبينين من الجبهة ولو لما سمعته.
وكيف كان فلا ترتيب بين الجبينين للأصل وعدم اقتضاء شئ مما ذكرناه ذلك
خصوصا بعد عدم إرادة الجبينين من الحاجب في الموثق المزبور (2) فليس حينئذ إلا
الرضوي المعبر فيه بالقرن كالصدوقين، وهو ليس حجة عندنا، بل مقتضى إطلاق
الموثق المزبور بناء على ما ذكرناه فيه كنصوص الجبهة (3) أو تحديد محل السجود عدم
ذلك، ولعله إلى ذلك أشار في الذخيرة بالاستدلال باطلاق الخبر، فما عن الصدوقين
من الترتيب في غاية الضعف وإن مال إليه بعض متأخري المتأخرين ممن لا يبالي باعراض
الأصحاب مع قوله بحجية الرضوي وتفسيره الموثق بإرادة الجبين من الحاجب.
وعلى كل حال (فإن كان هناك مانع) عن السجود على شئ من الجبينين
(سجد على ذقنه) بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل لا يبعد كونه إجماعيا كما في مجمع
البرهان لخبر محمد بن علي السابق المنجبر بالشهرة العظيمة، بل في المعتبر أن عليه العمل
كما أن في المدارك الاجماع على مضمونه، وللموثق السابق أيضا، بل هما معا كشفا عن
دلالة الآية (4) أيضا على ذلك وإن كان لولاهما لأمكن المناقشة في استفادة هذا المعنى
منها، ضرورة إرادة الوجوه من الأذقان كما في تفسير القمي، لأنها أول ما تباشر
الأرض، أو الخر للأذقان سجدا على الوجوه، لأنه من المعلوم إرادة المدح بذلك
لمن أوتي العلم من المؤمنين، وسجودهم كان على الوجوه لعدم الاضطرار كما هو واضح،

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب السجود - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب السجود - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 8 و 9 - وغيرهما من أبواب السجود
(4) سورة الإسراء - الآية 108
206

ويمكن أن يكون صدر ذلك من الإمام تقريبا، لكن على كل حال لا ينبغي التأمل
في الحكم المزبور، وتقديم ظاهر الكف عليه كما في عبارة الصدوقين لا يبعد أن يكون
اشتباها من النساخ، ضرورة كون البحث الآن في تعذر وضع ما يسجد به لا ما يسجد
عليه، بل المراد من حيث الوضع لعلة في محل السجود لا بسبب تعذر ما يسجد عليه
من عدم الأرض أو حصول مانع فيها أو غير ذلك، إذ تلك مسألة أخرى بحث
الأصحاب عنها في غير المقام، كما أنهم بحثوا عن تعذر السجود بسبب عدم التمكن من
تمام الانحناء ونحوه، ولقد أجاد في جامع المقاصد بعد ذكره ذلك على الصدوق قال:
إنه لا يكاد يظهر له معنى محصل، وتبعه عليه غيره، وأما العبارات الأربعة السابقة
فلا خلاف فيها بناء على ما فهمه كشف اللثام، وبناء على ما ذكرناه يثبت فرد آخر
للتخيير في هذه المرتبة أو على التعيين، لكن الخبر المزبور حجة عليهم أيضا، كما أنه
حجة على ما حكاه في كشف اللثام عن بعض القيود (1) من تقديم الأنف على الذقن
وقد عرفت انجبار ضعف سنده بالاجماع والاعتضاد، والمناقشة في الحدائق في الأول
بأنه كيف يكون إجماعا وهو قد يدل على الانتقال من أول الأمر إلى السجود على
الذقن، والأصحاب قائلون بالحفيرة أولا، ثم مع تعذرها فالجبينان، ثم مع تعذرهما فالذقن
فهو مرتبة ثالثة حتى ألجأه ذلك إلى إساءة الأدب كما ترى، ضرورة دخول الحفيرة
في أصل السجود على الجبهة، وليست بدلا، وإرادة ما يشمل الجبينين من الجبهة ولو
للأدلة السابقة، وما كنا نأمل منه وقوع هذا الشتم بسبب هذه الأمور الجزئية
عفا الله عنا وعنه.
والمراد بالذقن مجمع اللحيين، والظاهر أنه اسم للبشرة، ولذا أوجب كشفه
ليصيب شئ منه المسجد مع التمكن ثاني الشهيدين وغيره ممن تأخر عنه، ورده في المدارك

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولعل الصواب " عن بعض القوم "
207

بالاطلاق، وفيه أن إطلاق الحال غير حجة، ولا إطلاق في اللفظ بعد فرض وضعه
للبشرة كالأنف والجبهة وغيرهما، اللهم إلا أن يدعى صدق اسم السجود على الذقن عرفا
ولو مع الحاجب المزبور بخلاف غيره من الحواجب الاختيارية، وفيه بحث، ولعل الأولى
الاستدلال بقوله (عليه السلام) (1): " كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن
يطلبوه ولا أن يبحثوا عنه " بناء على عدم إرادة خصوص الوضوء وإن تضمنت حكمه
بعد ذلك، بل على إبدال حرف الاستعلاء باللام كما هو إحدى النسختين أو الروايتين
يشكل الاجتزاء بالبشرة أيضا، لصيرورة الشعر بدلا شرعيا حينئذ.
وكيف كان فإن تعذر ذلك كله فقد صرح غير واحد بالاقتصار على الايماء،
ومرادهم به على الظاهر ما يشمل الانحناء الممكن كما صرح به العلامة الطباطبائي قال:
ثم إلى الجبين ثم الذقن * فلينتقل بالانحناء الممكن
ووجهه قد عرفته سابقا، بل لا يبعد حفر الحفيرة مع فرض نقصان انحنائه بما
يزيد على اللبنة لذلك أيضا، بل إن أمكنه استقرار رأسه على حواشيها وإن لم يماس
شئ من جبهته أو جبينه شيئا حافظ عليه، ثم يترتب الانحناء إلى أن يصل إلى حد
الايماء، ولذا قال العلامة الطباطبائي:
ومن وراء ذلك الايماء * وليس من ورائه وراء
لكن ينبغي عدم ترك السجود على الأنف أو الحاجب مع فرض تمكنه
لما عرفت، هذا، وفي المدارك وكشف الأستاذ هنا أنه يرفع ما يسجد عليه، وفيه أن
محل البحث تعذر الملاقاة، وليس هو من المسألة السابقة، اللهم إلا أن يوجبا التقريب
إليه ولو برفعه إليه، وفيه بحث.

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الوضوء - الحديث 3
208

هذا كله في مانع الجبهة، أما غيرها من المساجد فلا ريب في وجوب الحفيرة
ونحوها مما يفرض توقف حصول مسماها عليه، لقاعدة المقدمة، فإن لم يتمكن صرح
بعضهم كالعلامة الطباطبائي وغيره بالانتقال للأقرب فالأقرب، وكأن وجهه العمل
باطلاق اليدين والرجلين مع فرض تنزيل التقييد بالبعض الخاص منها على صورة الاختيار
كما أشرنا إليه سابقا غير مرة، بل أشرنا أيضا إلى أنه لا يسقط السجود على الستة
الباقية بمجرد تعذر وضع الجبهة مع فرض التمكن من التقوس، للأصل وإطلاق الأدلة
وعدم سقوط الميسور، ولو فرض تعذرها حتى الأقرب فالأقرب اتجه السقوط، للأصل،
لكن في المنظومة تبعا للمنتهى وجوب التقريب للمحل، قال:
والعذر إن كان بغيرها انتقل * لأقرب فأقرب مما اتصل
ثم إلى التقريب للمحل * وليس فيما بعده من نقل
وهو لا يخلو من بحث إن أراد ما ذكرنا، كما أنه لا يخلو من نظر أو منع
ما أوجبه بعضهم من المحافظة على الست وإن انتهى الأمر إلى الايماء بالرأس أو بالعين
لما سمعته سابقا من ظهور الأدلة في بدلية الايماء المزبور عن تمام السجود، ولعله إلى هذا
أشار العلامة الطباطبائي بقوله:
وتسقط الستة كلما انتهى * في الجبهة النقل بها للمنتهى
ولو تعذر الايماء بالرأس والعينين ففي قيام غيرهما من الأعضاء وجه جزم به
الأستاذ في كشفه، وظاهر الأصحاب خلاف، ولو فرض تعذر الجميع اكتفى بالاخطار
وجريان الأقوال على لسانه كما ذكرناه في بحث القيام، لعدم سقوط الصلاة بحال
والاقتصار على الميسور، لكن في كشف اللثام هنا احتمال سقوط الصلاة، وجعل
الاخطار أحوط، ولا ريب في ضعفه كما هو واضح.
ولو زال الألم بعد إكمال الذكر ففي المسالك أجزأ وقبله يستدرك، وفيه أن قاعدة
209

الاجزاء تقتضي خلاف ذلك خصوصا في بعض أفراد العذر، والمتجه عليها إتمامه بعد
الانتقال إلى ما تمكن منه، فتأمل، والله أعلم.
المسألة (الثانية سجدات القرآن) عندنا (خمس عشرة، أربع منها واجبة)
إجماعا محصلا ومنقولا ونصوصا (1) (وهي) سجدة (ألم) تنزيل المتصلة بسورة لقمان
عند قوله تعالى (2): " وهم لا يستكبرون " كما في التذكرة والدعائم (وحم السجدة)
عند قوله تعالى (3): " إن كنتم إياه تعبدون " على أصح كما ستعرف (والنجم)
عند قوله تعالى (4): " واعبدوا " كما في الكتابين المزبورين وغيرهما (واقرأ باسم ربك)
عند قوله تعالى (5): " واسجد واقترب " (وإحدى عشر مسنونة) بلا خلاف أجده
بيننا، بل في ظاهر التذكرة وعن صريح الخلاف الاجماع عليه، بل في الثاني أن عليه
إجماع الأمة إلا في موضعين " ص " والسجدة الثانية في الحج، قلت: أما " ص " فعند
الشافعي أنها سجدة شكر ليست من سجود التلاوة، وبه قال أحمد في إحدى الروايتين
وقال أبو حنيفة ومالك وأبو ثور وإسحاق أو أحمد في الرواية الأخرى: إنها من عزائم
السجود، والحق خلافهما معا، وأما السجدة الثانية في الحج فعن أبي حنيفة ومالك أنها
ليست سجدة، لأنه جمع فيها بين الركوع والسجود، فقال تعالى (6): " اركعوا
واسجدوا " كقوله تعالى لمريم (ع) (7): " واسجدي واركعي " مع أن المحكي عن علي

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1 و 7 و 9
(2) سورة السجدة - الآية 15
(3) سورة فصلت - الآية 37
(4) سورة النجم - الآية 62
(5) سورة العلق - الآية 19
(6) سورة الحج - الآية 76
(7) سورة آل عمران - الآية 38
210

(عليه السلام) وعمر وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري وابن عمر سجودها
بل عن أبي إسحاق إني أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين،
وهذا إجماع كما في التذكرة، وعلى كل حال فاجماع الفرقة الناجية معلوم على خلاف
ذلك، وأنها مسنونة في الإحدى عشر (وهي) كما في التذكرة ودعائم الاسلام
(الأعراف) عند قوله تعالى (1): " وله يسجدون " (والرعد) عند قوله تعالى (2)
" وظلالهم بالغدو والآصال " (والنحل) (3) و " يفعلون ما يؤمرون " (وبني
إسرائيل) (4) " ويزيدهم خشوعا " (ومريم) (5) " خروا سجدا وبكيا " (والحج
في موضعين) (6) " يفعل ما يشاء " (7) " وافعلوا الخير " (والفرقان) (8) " وزادهم
نفورا " (والنمل) (9) " رب العرش العظيم " " وص " (10) " وخر راكعا وأناب "
كما في الدعائم خاصة (وإذا السماء انشقت) (11) " وإذا قرئ عليهم " إلى آخره.
ولا يقدح في ذلك خلو ما وصل إلينا من النصوص عن التعرض لتفصيل عدد المندوبات
منها كما اعترف به في المدارك أيضا، قال: إني لم أقف على نص معتد به على استحباب
السجود في الإحدى عشر وإن كان مقطوعا به في كلام الأصحاب مدعى عليه الاجماع

(1) سورة الأعراف - الآية 205
(2) سورة الرعد - الآية 16
(3) سورة النحل - الآية 52
(4) سورة الإسراء - الآية 109
(5) سورة مريم - الآية 59
(6) سورة الحج - الآية 19 - 76
(7) سورة الحج - الآية 19 - 76
(8) سورة الفرقان - الآية 61
(9) سورة النمل - الآية 26
(10) سورة ص - الآية 23
(11) سورة الانشقاق - الآية 21
211

إذ الظاهر أن هذا من المواضع المستغنية بالوصول إلى مرتبة القطع والمعلومية، لتكررها
من النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) والصحابة والتابعين وتابعي
التابعين عن النصوص بالخصوص كغيرها من الأحكام التي هي كذلك، على أن أصل
الاستحباب في غير الأربع ثابت في النصوص وإن لم يذكر فيها تفصيل ذلك، ففي
خبر أبي بصير (1) منها قال: " إذا قرئ شئ من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد
وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت المرأة لا تصلي، وسائر القرآن
أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد " ضرورة عدم إرادة الإباحة
الخاصة من ذلك، وفي خبر عبد الله بن سنان (2) عن الصادق (عليه السلام) المروي عن
مجمع البيان " العزائم ألم تنزيل حم السجدة والنجم إذا هوى واقرأ باسم ربك،
وما عداها في جميع القرآن مسنون " وفي المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من
نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن العلاء عن محمد بن مسلم (3) قال: " سألته عن
الرجل يقرأ بالسورة فيها السجدة فنسي ويركع ويسجد سجدتين ثم تذكر بعد قال:
يسجد إذا كانت من العزائم الأربع: ألم تنزيل وحم السجدة والنجم واقرأ باسم
ربك، وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة "
وفي المروي عن العلل بسنده عن جابر (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) " إن أبي
(عليه السلام) ما ذكر لله نعمة عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها
سجدة إلا سجد - إلى أن قال -: فسمي السجاد لذلك " بل يدل عليه أيضا ظاهر

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2 - 9
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2 - 9
(3) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 8 والباب 44 من
أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
212

سائر النصوص (1) الحاصرة للوجوب في الأربع المقتضية ولو بالمفهوم ثبوته في غيرها
على غير جهة الوجوب كقول أمير المؤمنين (عليه السلام): " عزائم السجود أربع
وعددها " وغيره، كما أن منها لاستفاضتها أو تواترها مع الاجماع بقسميه إن لم يكن
ضرورة من المذهب يستفاد وجوبه في الأربع المذكورة، واستدل عليه زيادة على ذلك
في الذكرى تبعا لغيره كما أنه تبعه عليه غيره بأنها عدا ألم بصيغة الأمر التي هي للوجوب
وأما فيها فلأنه تعالى حصر المؤمن بآياته بمن إذا ذكرها سجد، وهو يقتضي سلب الايمان
عند عدم السجود، وسلب الايمان منهي عنه، فيجب السجود لئلا يخرج عن الايمان،
قال: فإن قلت: المراد بالمؤمنين الكمل بدليل الاجماع على أنه لا يكفر تارك هذه السجدة
متعمدا فهو كقوله تعالى (2): " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم "
قلت: يكفينا عدم كمال الايمان عند انتفاء السجود، ويلزم المطلوب، لأن تكميل الايمان
واجب، فإن قلت: لا نسلم وجوب تكميل الايمان مطلقا بل إنما يجب تكميله إذا كان
بواجب، فإن قلتم " إن ذلك مما وجب فإنه محل النزاع، وأما تكميله بالمستحب فمستحب
كما في وجل القلب، قلت: الظاهر أن فقد الكمال نقصان في حقيقة الايمان، وخروج
غير الوجل منه بدليل من خارج لا يقتضي اطراد التكميل في المندوبات، وهو كما ترى
من غرائب الكلام، ضرورة صدق امتثال الأوامر المزبورة بناء على إرادة غير الخضوع
منها ولو بسجود الصلاة، ولا يتوقف على إرادة وجوب السجود متى قرئت هذه الآية
أو سمعت التي لا تتم حتى لو قلنا بإفادة الأمر التكرار، ضرورة عدم اختصاصه حينئذ
بالحالين المزبورين، كما أن ظاهر آية ألم تنزيل (3) إرادة غير سماع القرآن من

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن
(2) سورة الأنفال - الآية 2
(3) سورة السجدة - الآية 15
213

الآيات فيها على ما اعترف به في كشف اللثام، خصوصا هذه الآية نفسها، على أن
استظهاره النقصان من فقد الكمال يجدي لو كان لفظ الكمال نفسه موجودا لا في نحو
المقام الذي اعتبر فيه التقدير لما يخص الكمال المزبور، كما هو واضح.
نعم قد يستفاد وجوب سجود التلاوة من نحو قوله تعالى (1): " وإذا قرى
عليهم القرآن لا يسجدون " باعتبار الذم على ترك السجود لقراءة القرآن، ولا مورد له
بعد الاجماع وغيره إلا الأربع المزبورة خاصة وإن كان مشتملة على لفظ الأمر كالسجدة
الثانية من الحج التي لم يقل بوجوبها أحد حتى أبي حنيفة الذي يوجب السجدات على
الاطلاق، هذا، مع أن مقتضى الاستدلال بالأوامر المزبورة على الوجوب تحقق
الوجوب بمجرد قراءتها نفسها من غير حاجة إلى باقي الآية، مع أن الأقوى اعتبار
قراءتها تماما في الوجوب كما صرح به العلامة الطباطبائي وشيخنا في كشفه، بل صرح
الثاني منهما باعتبار ذلك في الندب أيضا، ولعله للأصل السالم عن المعارض، ضرورة
عدم إناطة السجود بالسجود في شئ من النصوص، بل ربما كان فيها ما يومي إلى
اعتبار الآية كالخبر المحكي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) (2) وفي موثق عمار (3)
المتقدم في القراءة " وربما قرأوا آية من العزائم " وفي موثق سماعة (4) " من قرأ
إقرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد " وغيرهما، بل الظاهر أنه المراد من السجدة المعلق
على قراءتها السجود في كثير من النصوص (5) بل لعله المراد من العزائم التي علق عليها

(1) سورة الانشقاق - الآية 21
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 37 و 39 - من أبواب القراءة في الصلاة والباب 42 من
أبواب قراءة القرآن
214

ذلك في بعض آخر (1) أيضا، ضرورة معلومية عدم اعتبار قراءة تمام السورة في وجوب
السجود من نصوص قراءة العزيمة في الصلاة وغيرها، كضرورة عدم تحقق الوجوب
أيضا بقراءة آية ما من سور العزائم. فليس المراد حينئذ من نحو قوله (ع) (2): " إذا
قرئ شئ من العزائم فاسجد " إلا آية من آيات العزائم، لا أقل من أن يكون ذلك
هو المتيقن، والأصل براءة الذمة من غيره، ولا إطلاق معتد به صالح لقطعه، ولأنه
لو كان لفظ السجود أو الأمر به فيها هو الموجب لكان محل السجود عند الفراغ من
التلفظ به، مع أن المعروف بين الأصحاب - بل في آخر كلام الحدائق أن ظاهرهم
الاتفاق عليه - أن محل السجود بعد تمام الآية حتى أنه صرح في المحكي عن شرح
الجعفرية كظاهرها أيضا أنه لو أتى بالسجود بعد لفظ السجدة لم يقع في محله، ولا بد
من إعادته بعد تمام الآية.
بل لا أجد فيه خلافا بيننا فيما عدا سجدة حم، أما فيها فالمعروف فيها ذلك
أيضا، فيكون محل السجود فيها بعد الفراغ من قوله تعالى: " إن كنتم إياه تعبدون "
كما رواه الطبرسي (3) في المحكي من مجمعه عن أئمتنا (عليهم السلام) وصرح به في كتاب
الدعائم، خلافا للمصنف وظاهر الفاضل في المنتهى قيل: والتذكرة والمحكي عن الموجز
وشرحه، فقوله: " لله " بل حكاه في المعتبر عن الشيخ في الخلاف أيضا، ولم نتحققه
بل المحكي عنه فيه كالمبسوط أن محل السجود بعد الآية، نعم قال في أثناء كلام: قوله
تعالى: " فاسجدوا لله الذي خلقهن " أمر، والأمر يقتضي الفور عندنا، لكن قال:
وذلك يقتضي السجود عقيب الآية، ومن المعلوم أن آخر الآية " يعبدون " على أن
تخلل السجود في أثناء الآية يؤدي إلى الوقوف على المشروط دون الشرط، والابتداء

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2 - 8
(3) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2 - 8
215

للقاري بقوله: " إن كنتم إياه تعبدون " وهو مستهجن عند القراء.
وزاد في الذكرى في الاستدلال على ذلك بأنه لا خلاف فيه بين المسلمين إنما
الخلاف في تأخر السجود إلى " يسأمون " فإن ابن عباس والثوري وأهل الكوفة
والشافعي يذهبون إليه، والأول هو المشهور عند الباقين، إلى أن قال: " فإذا ما اختاره
في المعتبر لا قائل به، فإن احتج بالفور قلنا هذا القدر لا يخل بالفور، وإلا لزم وجوب
السجدة في باقي العزائم عند صيغة الأمر، وحذف ما بعده من اللفظ، ولم يقل به أحد "
وهو كما ترى صريح في أن محل السجود في غير الآية المزبورة بعد التمام، كما أنه صريح
في أن الاجماع قد سبق المحكي عن البهائي في بعض فوائده عن بعض أصحابنا من القول
بوجوبه عند التلفظ بالسجدة، مع أن المجلسي على سعة باعه قال بعد حكاية ذلك عنه
على ما قيل: ولم أر هذا القول في كلام غيره، وقد صرح في الذكرى بعدم القول به،
فلعله اشتباه، فوسوسة المحدث البحراني حينئذ في حدائقه في ذلك - حتى قال: إنه
لا ريب في قوة هذا القول لظهور الأخبار أن السجود عند ذكر السجدة، والمتبادر
لفظ السجدة، إذ الحمل على تمام الآية يحتاج إلى تقدير بأن يراد سماع آية السجدة -
في غير محلها، خصوصا بعد اعترافه بأن ظاهرهم الاتفاق عليه، ودعواه التبادر في غاية المنع.
نعم قد يقال: إن ذلك كله من الأصحاب لا يدل على ما نحن فيه من اعتبار
قراءة تمام الآية في الوجوب، وأنه متى ترك بعضها وإن قل لم يجب عليه، بل المراد
بيان محلية السجود في مقابلة من ادعى وجوبه قبل ذلك بحيث يأثم بالتأخير، ولذا رد
في جامع المقاصد والذكرى وغيرهما بأن هذا المقدار لا ينافي الفورية، وفي مقابلة من
أخره في سورة حم إلى " يسأمون " وهي مسألة أخرى لا تنافي القول بحصول سبب
وجوب السجود قبل تمام الآية وإن كان محل السجود بعد التمام، لعدم منافاة الفورية
216

وللمحافظة على نظم القراءة واتصال الجمل بعضها ببعض ولغير ذلك، بل ربما يستفاد
بالتأمل الجيد في بعض كلماتهم كالمنتهى والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد وغيرها تحقق
سبب وجوب السجود عندهم قبل إتمام الآية خصوصا مع تمسكهم بالأمر ونحوه، إلا أنه
قد عرفت اقتضاء الأصل اعتبار تمام الآية، والمسألة لا تخلو من إشكال.
ثم إن ظاهر المصنف وغيره حصر مستحب سجود التلاوة في الأحد عشر
عندنا، لكن في المنتهى عن ابن بابويه أنه يستحب أن يسجد في كل سورة فيها سجدة
ثم قال: فيدخل فيه آل عمران لقوله تعالى (1): " يا مريم اقنتي لربك واسجدي "
قلت: وغيرها خصوصا مع عدم اعتبار لفظ الأمر والاكتفاء بلفظ السجود، ووافقه
عليه الأستاذ في كشفه، فقال: والظاهر استحبابه في كل ما اشتمل على الأمر بالسجود
وربما يؤيده ما سمعته من المحكي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) إلا أنه قد يحمل
على إرادة السجدات المعلومة المعهودة سيما بعد ما رواه في الدعائم (2) عن أبي جعفر (عليه
السلام) " وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعجبه أن يسجد فيهم كلهن " مشيرا
إلى السجدات المعهودة، ولذا قال العلامة الطباطبائي:
وندبه في كل آية بها * ذكر السجود قد أتى مثبتها
ويشهد له أيضا استبعاد خفاء سجدات القرآن الذي يتكرر في كل زمان، ولذا
حصرت وعرف بين الخاص والعام واستغنت عن النصوص بالخصوص حتى أن أبا حنيفة
لما أنكر السجدة الثانية من الحج أنكر عليه من عرفت بأنه قد أدرك الناس منذ سبعين
سنة يسجدونها، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (السجود واجب في العزائم الأربع على القارئ والمستمع)

(1) سورة آل عمران - الآية 38
(2) المستدرك - الباب - 37 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
217

المصغي ليسمع بلا خلاف أجده فيه، بل هو مجمع عليه تحصيلا ونقلا مستفيضا أو متواترا
كالنصوص (1) والمدار على تحقق صدق اسم قراءتها على فعله، وفي المشترك منها بين
العزيمة وغيره مع قصد غير العزيمة أو قصد الذكر ما سمعته سابقا في البسملة، وجزم
الأستاذ في كشفه باعتبار عدم اللحن في الوجوب، وفيه بحث، نعم لا فرق بين القراءة
الحرام كالغناء والحلال وإن استشكل فيه شيخنا في كشفه، ولا بين الاستماع الحرام
كصوت الأجنبية متلذذا أو مطلقا على اختلاف الرأيين والاستماع الحلال، ولا بين
قاصد استماع خصوص العزيمة وغيره ممن لا يعلم إرادة القاري العزيمة ثم بان، ولا بين
تكليف القاري وعدمه، ولا بين عصيانه بعدم السجود وعدمه، إذ لا مدخلية لتكليف
السامع فيه، وموثق عمار (2) النافي للسجود بقراءة من لا يقتدى بهم محمول على التقية
أو الايماء أو غير ذلك.
ويتكرر السجود بتكرر القراءة والاستماع، لأصالة عدم التداخل، وظهور
النصوص في المقام أو صراحتها في ذلك من غير فرق بين الفصل بالسجود وعدمه،
وسأل محمد بن مسلم (3) أبا جعفر (عليه السلام) في الصحيح " عن الرجل يتعلم السورة
من العزائم فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد قال: عليه أن يسجد كلما سمعها، وعلى
الذي يعلمه أن يسجد " ومن العجيب ما في الحدائق من المناقشة في هذا الصحيح بأن
غاية ما يدل على أنه متى قرأ السجدة وجب السجود تحقيقا للفورية التي لا خلاف فيها،
ضرورة ظهور السؤال عن التعدد لا عن الفورية، كما أنه قد يمنع شمول ما دل (4) على

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الجنابة - الحديث 1
218

الاجتزاء عن الحقوق المتعددة بالحق الواحد لمثل المقام، لظهورها في الأغسال، بل
الذي في بالي أن النص " أجزأك عنها غسل واحد " ولعل لذا أعرض من تعرض لذلك
من الأصحاب عنه في المقام وأمثاله إلا من لا يعتد به منهم، والوجوب فيها على الفور
إجماعا بقسميه إن لم يكن ضرورة، ونصوص النهي (1) عن قراءة العزيمة في الفريضة
صريحة في ذلك، بل نصوص المقام ظاهرة فيه أيضا، إذ حملها على إرادة بيان مطلق
التسبيب في غاية البعد، خصوصا بعد ملاحظة الاجماع والنصوص الأخر، ولا ينافي
ذلك موثق الساباطي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في الرجل يسمع السجدة في
الساعة التي لا يستقيم الصلاة فيها قبل غروب الشمس وبعد صلاة الفجر فقال: لا يسجد "
إذ هو - مع ظهوره في نفي الوجوب المعلوم بالاجماع أو الضرورة فضلا عن الفورية وغير
صريح في سجدة العزيمة - أقصاه بعد العمل به تقييد ذلك بغير الوقت المزبور لا نفي
أصل الفورية، على أني لم أجد أحدا عمل به في سجدة العزائم، بل عن الفوائد الملية
أن العمل على خلافه، فالجرأة به على تقييد تلك الأدلة وإثبات الرخصة في التأخير أو
الرجحان كما ترى، بل قد يظهر من المنتهى أنه لا عامل به عندنا في مطلق السجود
فضلا عن العزائم حيث حكى الخلاف في ذلك عن العامة، بل في المحكي عن الخلاف
الاجماع على الجواز، وفي التذكرة نسبة الجواز إلى علمائنا، ومراده منه كالمنتهى الخالي
عن الكراهة على الظاهر بقرينة استدلاله عليه بأنه من ذي السبب كقضاء النوافل،
كما أن المراد منه الأعم من الواجب بقرينة آخر كلامه في المنتهى حيث ذكر الدليل
للمخالف بقوله (عليه السلام) (3): " لا صلاة بعد الفجر " إلى آخره. ثم قال "
والجواب أن السجدة ليست بصلاة ولا هي عندنا جزء صلاة، ولو سلم فالنهي تناول

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث - 0 - 3
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث - 0 - 3
(3) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
219

النفل المبتدأ به لا الواجب، أو النفل ذا السبب، وفي مرسل الدعائم (1) عن الباقر
(عليه السلام) " من قرأ السجدة أو سمعها من قار يقرأها سجد أي وقت كان ذلك
مما تجوز الصلاة فيه أو لا تجوز عند طلوع الشمس وعند غروبها ".
لكن ومع ذلك فلا يخلو الحكم بالكراهة بالنسبة إلى السجود المستحب من وجه
وإن قلنا بفوريته التي هي أيضا ظاهر النصوص (2) والفتاوى، بل هو صريح بعضها (3)
فيكره حينئذ فعله في الأوقات المكروهة كراهية عبادة للموثق المزبور، ولظهور التعليل
للنهي (4) عن الصلاة بأن الشيطان يوحي إلى أوليائه أن بني آدم سجدوا لي في ذلك
أيضا، ولعله لذا صرح في المبسوط بكراهته عند طلوع الشمس وغروبها، فما في الحدائق
من الاشكال في الحكم للموثق المزبور السالم عن المعارض (5) بما لا يمكن تقييده به إن
أراد به بالنسبة إلى الواجب فمقطوع بفساده، وإن أراد به في المندوب فله وجه، ولقد
أجاد بقوله بعد ذلك: وخبر الدعائم (6) لا يبلغ قوة في رد هذا الموثق إلا أنها باحتمال
اتفاق الأصحاب على القول بمضمونها لا تقصر عن المعارضة، مضافا إلى ما في روايات
عمار مما نبهت عليه غير مرة، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(و) على كل حال فهل (يستحب للسامع) غير المستمع السجود للعزائم أو يجب
قولان، اختار المصنف أولهما، فقال: (على الأظهر) تبعا للشيخ في الخلاف وتبعه
الفاضل وغيره، بل في الفوائد الملية أنه مذهب الأكثر، بل عن كشف الالتباس أنه
المشهور، بل في الخلاف وظاهر التذكرة الاجماع عليه للأصل، ولأن عبد الله بن سنان (7)

(1) المستدرك - الباب - 35 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 0 - 1
(3) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 0 - 1
(4) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(5) هكذا في النسخة الأصلية ولكن حق العبارة " عن المعارضة "
(6) المستدرك - الباب - 35 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2
(7) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
220

سأل الصادق (عليه السلام) " عن رجل سمع السجدة تقرأ قال: لا يسجد إلا أن يكون
منصتا لقراءته مستمعا، أو يصلي بصلاته فأما أن يكون يصلي في ناحية وأنت في ناحية
أخرى فلا تسجد لما سمعت " مؤيدا بما أرسله في الدعائم (1) عن جعفر بن محمد (عليهما
السلام) " من قرأ السجدة أو سمعها من قارئ يقرأها وكان يستمع قراءته فليسجد "
والمناقشة في سند الأول - بأن فيه محمد بن عيسى العبيدي عن يونس، وقد ضعفه الشيخ
والنجاشي، بل قال ثانيهما: إنه استثناه أبو جعفر من رجال نوادر الحكمة، وقال:
لا أروي ما يختص بروايته، وقيل " إنه يذهب مذهب الغلاة، وفي متنه بأنه قد
تضمن وجوب السجود إذا صلى بصلاة التالي وهو غير مستقيم عندنا، إذ لا يقرأ عزيمة
في الفريضة على الأصح، ولا تجوز القدوة في النافلة غالبا، على أن مقتضى " أو " فيه
وجوب السجود مع الصلاة بصلاته وإن لم يكن استماع، فلا ينهض حينئذ على تقييد
إطلاق الأمر بالسجود، ولا على إطلاق الاجتزاء في ثبوت الوجوب بالسماع، كخبر
أبي بصير (2) قال: " قال: إذا قرئ شئ من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن
كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت المرأة لا تصلي " وخبر علي بن جعفر (3)
المروي عن كتاب المسائل لأخيه موسى (عليه السلام) قال: " سألته عن الرجل يكون
في صلاته فيقرأ آخر السجدة قال: يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع ثم يقوم فيتم
صلاته إلا أن يكون في فريضة فيومي " وغيرهما، بل وإطلاق عزائم السجود ونحوها
بناء على استفادة تعميم السبب من نحو ذلك، ومن هنا كان خيرة الحلي فيما حكي عنه
والمحقق الثاني والشهيد الثاني الوجوب، وكأنه مال إليه في الذكرى، بل في الحدائق

(1) المستدرك - الباب - 36 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 4
221

أنه مذهب الأكثر، بل في المحكي عن السرائر الاستدلال عليه بالاجماع على إطلاق
القول بالوجوب على القارئ والسامع - يدفعها - بعد انجبار السند بما عرفت من الاجماع
والشهرة وإن كانت لاحقة لا سابقة كما اعترف به العلامة الطباطبائي في منظومته - أن
الأقوى قبول رواية العبيدي خصوصا بناء على الظنون الاجتهادية، على أن أبا جعفر بن
بابويه وإن ذكر عن شيخه ابن الوليد أنه قال: ذلك فيما تفرد به عن يونس لكن قال
هو: إني رأيت أصحابنا ينكرون هذا القول عليه ويقولون من مثل أبي جعفر محمد بن
عيسى، كما أن عن الفضل بن شاذان أنه كان يحب العبيدي ويثني عليه ويقول
ليس في أقرانه مثله، إلى غير ذلك مما يطول بذكره المقام، وبالنسبة إلى المتن عدم
خروج الخبر عن الحجية بطرح بعضه، على أنه قد يراد الائتمام بالمخالف أو بالمرضي
الناسي أن بنحو الاستسقاء والغدير والعيدين مما يجوز فيه الجماعة من النوافل، أو يراد
به التنبيه على إنصات مثله، ضرورة غلبة استماع المأموم الإمام للأمر به في القراءة
الجهرية أو غير ذلك، فيتقيد حينئذ به مع اعتضاده بما سمعت إطلاق النص، كما لعله
المراد أيضا من إطلاق الفتاوى التي حكاها في السرائر في معقد إجماعه.
وأما ما في المبسوط من التفصيل بين السماع في الصلاة فلا يجب وفي غيرها فيجب
فلا دليل عليه إلا ذيل الخبر السابق، وهو غير صريح في ذلك بل ولا ظاهر، فلا يصلح
حينئذ أن يكون وجه جمع بين النصوص، كما أنه لا وجه لحمل الخبر المزبور على التقية
كما في الحدائق تبعا لمحتمل المجلسي كما قيل التي لا ينبغي ارتكابها إلا عند الضرورة
لا في نحو الأخبار المعمول بها بين الأصحاب، مع أنه حكى في التذكرة الوجوب على
السامع عن أبي حنيفة وابن عمر وسعيد بن جبير ونافع وإسحاق.
ومن ذلك يظهر أنه لا ينبغي التوقف حينئذ من المدارك تبعا للمحكي عن الفاضل
في المختلف بل في المنتهى عن الشيخ أن فيه ترددا أحوطه الوجوب، ومن الغريب ما في
222

كشف اللثام أن الأولى الاستدلال للوجوب بعموم الأوامر في الآيات بالسجود،
وإلا فالأصل البراءة، وعام الخبرين يخص بالخاص، وإن قال: وفيه أن الأمر لا يفيد
التكرار، ولو أفاده لم يختص بحال قراءة أو سماع، وما في ألم تنزيل من التذكير بالآيات
ظاهره غير سماع الآية من القرآن، لكنه دعوى الأولوية كما ترى، فلا إشكال حينئذ
في الحكم بالعدم بحمد الله، نعم قد يشكل حينئذ بناء على ذلك الحكم باستحبابه للسامع
الذي قال في الذكرى: إنه لا شك فيه بعد نفي الوجوب، وظاهر التذكرة الاجماع عليه
ضرورة عدم الدليل على ذلك بعد تنزيل نصوص السماع وإطلاق الأوامر على الاستماع
بل قد سمعت النهي في الخبر السابق عن السجود حينئذ، اللهم إلا أن يقال بثبوت
الرجحان بالاتفاق، فمنه مع نفي المنع من الترك بالأصل يثبت الاستحباب، وفيه بحث
ذكرناه في الأصول، أو يقال: إن العمل بخبر الاستماع لا ينحصر في التقييد، بل
يمكن مع حمل الأمر في نصوص السماع وغيرها على المعنى الأعم من الوجوب والندب
إذ هو وإن كان مرجوحا بالنسبة إلى مجاز التقييد ومحتاج إلى قرينة لكن قد يعينه
ظهور القطع به من الشهيد وأمثاله، والنهي في مقام توهم الوجوب أو أن " لا " نفي
للوجوب لا نهي.
(و) كذا صريح الاجماع في جامع المقاصد وظاهره في التذكرة وكشف اللثام
على أن السجود (في البواقي مستحب على كل حال) للقارئ والسامع والمستمع يكشف
عن إرادة ذلك في بعض نصوص الاستحباب، وإلا لولاه لأمكن المناقشة فيه أيضا،
لكن الأمر سهل بعد التسامح في السنن، وفي الذكرى أنه يتأكد في حق التالي والمستمع
ولا بأس به، والظاهر خروج الملفق عن السببية ما لم يرجع إلى سبب، فلو قرأ حينئذ
بعض آية واستمع آخر لم يسجد، نعم لو استمع بعضا وسمع آخر سجد لحصول السماع
حينئذ حيث يكون سببا كما هو واضح، والأمر في النية بناء على أنها الداعي سهل، أما على
223

الاخطار فعند الوضع كما في جامع المقاصد وغيره لا بعده لأنه المنساق إلى الذهن من
الأمر بالسجود فهو حينئذ أول الفعل المكلف به، ولا ينافيه توقف حصول مسمى
السجود على نفس الوصول الذي يكون الوضع من مقدماته، إذ هو الجزء الأخير من
المأمور به، فحينئذ لو وضع ثم نوى لم يجز خلاف للمحكي عن بعضهم ولم نتحققه، لأن
استدامة السجود لا يعد سجودا، وإلا لصدق تعداده بتطويل الوضع، وهو باطل كما
اعترف به في جامع المقاصد، ولا دليل على إرادة كونه موضوع الجبهة حال السجود
كالقيام مثلا في الصلاة حتى يكتفى بالاستدامة فيه، نعم يمكن القول بجوازها حال الهوي
لصدق المقارنة العرفية، ولأنه أول العمل عرفا، ولذا حكي عن المجلسي التخيير بينه
وبين الوضع.
(وليس في) شئ من (السجدات) واجبها ومندوبها (تكبير) افتتاح
(ولا تشهد ولا تسليم) بلا خلاف أجده فيه بيننا، للأصل وإطلاق الأدلة، والنهي
في النصوص (1) عن الأول أو كالنهي معرضا بها للعامة العمياء التي أوجبته فيها عكس
ما عندنا من عدم المشروعية، بل في المدارك الاجماع عليه، نعم يمكن القول باستحبابه
للرفع منه، للأمر به في صحيح ابن سنان (2) والمروي (3) في معتبر المصنف عن
جامع البزنطي وغيرهما، بل في الحدائق أن ظاهر المبسوط والذكرى الوجوب، بل قيل:
إنه محتمل الأمالي والخلاف وجامع الشرائع والبيان، بل في الأول منها أنه من دين الإمامية، وظني أن مراد الجميع الندب الذي صرح به الفاضل وغيره ممن تأخر عنه وإن
عبروا عنه بصيغة الأمر كالنصوص المحمول فيها على ذلك جمعا بينها وبين الأصل

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1 و 3 و 10
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1 - 10
(3) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1 - 10
224

وإطلاق الأدلة وخبر الساباطي (1) المروي عن مستطرفات السرائر بسنده عنه قال:
" سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال:
ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت ولكن إذا سجدت قلت: ما تقول في السجود "
مؤيدا بما في الحدائق من مرسل الدعائم (2) " وإذا سجد فلا يكبر ولا يسلم إذا رفع
وليس في ذلك غير السجود ويدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء " فما في التذكرة حينئذ
من أنه مستحب أو شرط وجهان كما ترى، وما أبعد ما بينه وبين ظاهر المتن من نفي
التكبير فيه الشامل للحالين كما استظهره في الفوائد الملية من النفلية، ولعل المراد حال
الأخذ به لا الرفع، والله أعلم.
(ولا يشترط فيها الطهارة) من الخبث والحدث الأصغر والأكبر عدا الحيض
قطعا، للأصل وإطلاق النصوص وصريح بعضها (3) في الثاني والجنابة من الثالث،
أما الحيض ففي خبر أبي بصير (4) السابق أمر الامرأة به وإن كانت لا تصلي، وفي
موثقه الآخر (5) عن الصادق (عليه السلام) " الحائض تسجد إذا سمعت السجدة "
وسأل أبو عبيدة الحذاء (6) أبا جعفر (عليه السلام) " عن الطامث تسمع السجدة
فقال: إن كانت من العزائم تسجد إذا سمعتها " وفي مرسل الدعائم (7) " ويسجد
- أي من قرأ السجدة - وإن كان على غير طهارة " ومقتضاها الوجوب، وبه أفتى
جماعة، بل قيل: إنه المشهور، فما في كشف الرموز من أن الوجوب ساقط بلا خلاف

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 3
(2) المستدرك - الباب - 35 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 6 - 2
(4) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 6 - 2
(5) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الحيض - الحديث 1
(7) المستدرك - الباب - 35 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2
225

كما ترى، وأضعف منه ما في التهذيب وبعض نسخ المقنعة من أنه لا يجوز السجود إلا
لطاهر من النجاسات بلا خلاف، إذ لا نعرف له مستندا في غير الحيض يعارض
إطلاق النصوص ومعاقد الاجماعات، بل ولا فيه إلا صحيح عبد الرحمن بن
أبي عبد الله (1) عن الصادق (عليه السلام) " سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن
وتسجد السجدة إذا سمعت السجدة؟ فقال: تقرأ ولا تسجد " وخبر غياث (2) المروي
عن مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن جعفر عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) " لا تقضي الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة " وهما - مع
موافقتهما للتقية من أكثر الجمهور كما في المنتهى، وقصور سند الثاني، واحتمال الأول
الانكار، والنهي عن سبب السجود، والتخصيص بغير العزائم، وبالسماع دون الاستماع
على أن يراد بالنهي حينئذ رفع الوجوب - قاصران عن مقاومة ما ذكرنا من وجوه،
ومن العجيب نفيه الخلاف في التهذيب كما عرفت، وحمله خبر الوجوب بعد ذلك على
الاستحباب، اللهم إلا أن يريد سجودا آخر غير سجود التلاوة، أو يريد نفي الوجوب
من نفي الجواز كما حملوا كلامه في الاستبصار عليه، فيوافق حينئذ من عبر من الأصحاب
بالجواز بناء على إرادته المعنى الأخص منه كما صرح به في المبسوط في الحائض والجنب
جمعا بين النصوص، وفيه أنه لا مقاومة حتى يجمع بذلك، مع أنه لا تعارض فيما دل
على وجوبه للجنب، ولعل مراد من عبر بالجواز من الأصحاب ولم يتبعه بما يعين المعنى
الأخص ما لا ينافي الوجوب ردا على القائل بالحرمة من العامة، كقولهم: يجوز في
الأوقات المكروهة، ويومي إليه أيضا استدلالهم عليه بما يقتضي الوجوب، فيكون
القول بها حينئذ نادرا، ولذا قال في المنتهى: لا يفتقر إلى طهارة بل يجوز السجود للجنب
والمحدث والحائض، وعليه فتوى علمائنا، بل الظاهر إرادته ما يشمل الوجوب منه،

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الحيض - الحديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الحيض - الحديث 4 - 5
226

وفي التذكرة أنه متى جاز وجب أي الواجب، بل لعل التأمل الجيد في كلامهم وفي
أدلتهم وفي تعبيرهم بالجواز فيما يعلم إرادة الأعم من الواجب منه مقابلا للعامة يقتضي
ندرة القول بالجواز بالمعنى الأخص أيضا أي الذي لا يشمل الواجب فضلا عن الحرمة
وأن ذلك إنما هو للشيخ وبعض من تأخر عنه، كما أن ما في كتاب أحكام النساء للمفيد
- من أن من سمع موضع السجود ولم يكن طاهرا أومأ بالسجود إلى القبلة إيماء - في غاية
الندرة والضعف إلا أن يحمل على بعض ما ثبت فيه الايماء، وقد خبط بعض الناس
فأطنب في المسألة في كتاب الحيض من الطهارة وجعل البحث فيها أولا في الجواز
وعدمه، أو التفصيل بين السماع والاستماع، ثم على تقدير الجواز فهل هو على سبيل
الوجوب أو الاستحباب، أو يفصل بين التلاوة والاستماع فيجب، وبين السماع فيندب
وشوش نقل عبارات الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم، مع أن الظاهر عدم اختصاص
المفروض باعتبار الاستماع أو الاجتزاء به والسماع في الوجوب لما عرفته سابقا من البحث
في ذلك بالنسبة للحائض وغيرها، والتحقيق عدم الفرق بين الحائض وغيرها في وجوب
الواجب وندب المندوب وإن كان لم يتأكد لها الثاني، ولعله عليه يحمل الخبران أيضا،
وقد ذكرنا في باب الحيض ما له نفع في المقام، فلاحظ وتأمل، والله أعلم.
(و) كذا (لا) يشترط فيها (استقبال القبلة) بلا خلاف أجده فيه إلا
ما سمعته من كتاب أحكام النساء للأصل وإطلاق النصوص والفتاوى ومعاقد الاجماعات
لكن في مرسل الدعائم (1) " إذا قرأت السجدة وأنت جالس فاسجد متوجها إلى
القبلة، وإذا قرأتها وأنت راكب فاسجد أينما توجهت، فإن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) كان يصلي على راحلته وهو متوجه إلى المدينة بعد انصرافه من مكة يعني النافلة

(1) المستدرك - الباب - 42 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
227

وفي ذلك قول الله تعالى (1): فأينما تولوا فثم وجه الله " ولم أجد أحدا عمل به، بل
ظاهر المنتهى وغيره أن ذلك مذهب الجمهور، لكن لا يبعد الحكم بالاستحباب الذي
يتسامح فيه، كما أنه لا يبعد أيضا استحباب الطهارة من الخبث والحدث بمعنى عدم
فعل سبب السجود إلا بعد إحرازها لا أنه يترك الفورية في الندب أو الواجب
لاحرازها وإن كان لولا التسامح بل على بعض الوجوه صعب إثباته في الطهارة من الخبث
بل وأكثر أفراد الحدث، اللهم إلا أن يستفاد الثاني من مفهوم " أن " الوصلية، ولا
ينافيه عدم اشتراط الطهارة لها، إذ هو أعم من استحبابها فيها، ولعله لذا حكي عن
النفلية والبيان والفوائد الملية أن الأفضل الطهارة لها، بل عن التذكرة في بحث التجديد
أنه يستحب التجديد له ولسجود الشكر، لكن عن الذكرى أنه لا يستحب التجديد
لهما، ولعله لعدم الدليل.
لكن على كل حال لا ريب في ضعف ما عن الجعفرية وشرحها من أن في
اشتراط الستر والاستقبال والخلو عن النجاسة وجهين، كما أن ليس بتلك المكانة قول
المصنف (على الأظهر) إن أراد به ما يشمل الاستقبال والطهارة، إذ قد ظهر لك
ضعفه في الطهارة من الحيض فضلا عن هذه الأمور التي لم نجد لها أثرا معتدا به في
نصوصنا، وإنما هي من زخرفات العامة الناشئة من القياس على سجود الصلاة، اللهم إلا
أن يستفاد من صحيح العلل الآتي (2) حيث استدل فيه على حكم السجود بصلاة النافلة
مساواته لذلك، ولا ريب في ضعفه، وإلا لاعتبر فيه سائر ما يعتبر في الصلاة من
اللباس والمكان، ولنافاه ما ينافيها من الضحك والكلام والأكل والشرب ونحو ذلك
مع أنه لا يعتبر فيه شئ من ذلك قطعا، نعم قد يعتبر فيه إباحة المكان واللباس،

(1) سورة البقرة - الآية 109
(2) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
228

وزاد في كشف الأستاذ أن لا يكون من جلد الميتة، وفيه منع، كما أن ما فيه أيضا من
أن اشتراط عدم الحريرية والذهبية وطهارة موضع الجبهة غير خال عن القوة كذلك
أيضا، لعدم الدليل، بل في اعتبار الطمأنينة والاستقرار فيه نظر فضلا عن هذه الأمور
وأغرب من ذلك كله جزم الشهيد في المحكي عن حواشيه بوجوب الستر، ولعله أخذه
من تعليل النهي (1) عن السجود العاري في الصلاة مخافة ظهور سوأته، لكنه كما ترى.
نعم يمكن القول بوجوب مساواته لسجود الصلاة في اعتبار عدم العلو في المسجد
وفي وضع باقي المساجد المرادة من قوله تعالى (2): " إن المساجد لله " وفي السجود
على ما يصح السجود عليه، لاطلاق ما دل على اعتبارها في السجود بحيث يظهر منها عدم
اختصاص ذلك في سجود الصلاة، خصوصا الأول بناء على ما سمعته سابقا من أن
المقصود بالتحديد الكشف عن تحقق مسمى السجود، بل والثالث المشتمل على تعليل
عدم السجود على المأكول والملبوس الذين يعبدهما أهل الدنيا، ومن هنا اقتصر شيخنا
في كشفه على اعتبار عدم كونه منهما فيه لا اعتبار كونه مما يصح السجود عليه، لكن
فيه أنه وإن وافق التعليل لكنه خالف المعلل المطلق، وهو لا يجوز السجود إلا على
الأرض أو ما أنبتت، ولعله لذلك كله قال في التحرير: " الأقرب اشتراط السجود
على الأعضاء السبعة " وفي المحكي عن البيان " الأشبه اشتراط السجود على السبعة وعلى
ما يصح السجود عليه، فإن تعذر فكسجود الصلاة " وفي الذكرى " في سجود الشكر
القطع باعتبار السبعة " وفي المحكي عن الكفاية " لا يبعد الاشتراط " وفي التذكرة والمحكي
عن نهاية الإحكام " في وجوب ما عدا الجبهة إشكال " وفي المدارك " فيه وفي السجود
على ما يصح السجود عليه نظر " وفي جامع المقاصد " إن فيهما وفي اعتبار العلو وجهين "

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6
(2) سورة الجن - الآية 18
229

واحتاط به جماعة، وبالجملة لم يعض على العدم أحد بضرس قاطع إلا المصنف في المعتبر،
وتبعه بعض من تأخر لعدم اعتبار وضع غيرها في مسمى السجود، وهو حق إن لم نقل
بالحقيقة الشرعية، أو لم يكن ظاهر تلك الأدلة اعتبارها في مطلق السجود ولو واجبات
حاله أو شرائط حاله، واحتمال تنزيل تلك الاطلاقات كلها على سجود الصلاة لأنه
المعهود تحدس بلا شاهد، اللهم إلا أن يستفاد من صحيح الحلبي المروي (1) عن العلل
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " سألته عن الرجل يقرأ السجدة وهو على ظهر
دابته قال: يسجد حيث توجهت به، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلي
على ناقته وهو مستقبل المدينة، يقول الله عز وجل: أينما تولوا فثم وجه الله " قيل:
ورواه العياشي عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله بتقريب اقتضاء
وجوب وضع باقي المساجد النزول للمقدمة، وحمله على عدم التمكن خلاف ظاهره من ترك
الاستفصال وغيره، وبه أفتى الفاضل، قال فيما حكي من نهايته: " لو قرأ السجدة ماشيا
سجد، فإن لم يتمكن أومأ، وإن كان راكبا سجد على دابته إن تمكن، وإلا وجب
النزول والسجود، فإن تعذر أومأ " قيل: ونحوه ما في المنتهى والموجز، وفي التذكرة
" لو قرأ السجدة ماشيا سجد، فإن لم يتمكن أومأ - إلى أن قال -: وإن كان راكبا سجد
على راحلته، وإلا نزل وفعله علي (عليه السلام) - إلى أن قال -: ولا نعلم فيه خلافا لأن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2) قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم منهم
الراكب والساجد في الأرض حتى أن الراكب يسجد على يده " وفي موضع آخر " يجوز
أن يؤدى سجود الشكر والتلاوة على الراحلة عندنا خلافا للشافعي لحصول المسمى "
والجميع كما ترى صريح في الاجتزاء بالسجود على الراحلة الذي لا يتيسر معه وضع الأعضاء

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
(2) سنن أبي داود ج 1 ص 207
230

السبعة غالبا وإن تمكن من النزول، ولعله لذا تردد فيه في جامع المقاصد إلا أنه في غير
محله بعد ما عرفت، نعم قد يقال بمشروعية ذلك بالخصوص كالنافلة وإن كان يجب الوضع
حيث يسجد على الأرض، فالحزم حينئذ عدم ترك شئ من ذلك خصوصا بناء على
قاعدة الشغل، بل يقوى في النظر مساواته لسجود الصلاة في الايماء وما يتمكن من
الانحناء وبدلية الجبين والذقن
بل قد سمعت ما في خبر الساباطي (1) المروي عن المستطرفات المتقدم سابقا
من أن الذكر في سجود العزائم كالذكر في سجود الصلاة أيضا، لكن في صحيح
أبي عبيدة الحذاء (2) " سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستكبرا عن عبادتك ولا
مستنكفا ولا متعظما بل أنا عبد ذليل خائف مستجير " وفي مرسل الفقيه (3)
" لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله إيمانا وتصديقا، لا إله إلا الله عبودية ورقا،
سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستنكفا ولا مستكبرا بل أنا عبد ذليل خائف
مستجير " وعنه في الأمالي نسبته إلى دين الإمامية، وفي المنتهى عن الصدوق أيضا
" إلهي آمنا بما كفروا، وعرفنا ما أنكروا، وأجبناك إلى ما دعوا، إلهي فالعفو فالعفو "
قيل: وفي البيان أنه ذكره الراوندي في المعتبر، وفي المرسل المروي (4) عن غوالي
اللئالي " إن النبي (صلى الله عليه وآله) لما نزل قوله تعالى: واسجد واقترب سجد
وقال: أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي
ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " ولعل العمل بالجميع أو بأحدها أو بالذكر من
غيرها حسن كما لا يخفى على من عرف لغة الشرع ولسانه، ولذا لم نخص الحكم بسجود
العزائم، ولا قلنا بوجوبه أيضا فيه وإن كان قد أمر به في كثير من هذه النصوص،

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 3 - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 3 - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 3 - 1 - 2
(4) المستدرك - الباب - 39 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2
231

نعم في مرسل الدعائم (1) " أنه يدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء " وفيه شهادة
على ما قلنا، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان ف‍ (لو نسيها) أي السجدة (أتى بها فيما بعد) لعدم سقوطه
بذلك كالتأخير عمدا وإن عصى بترك الفور، للأصل وظهور أن القراءة مثلا من باب
الأسباب لوجوب السجود، ولصحيح ابن مسلم (2) " سألته عن الرجل يقرأ السجدة
فينساها حتى يركع ويسجد قال: يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم " فلا يبنى المقام
حينئذ على مسألة الفور، على أن التحقيق فيها عدم السقوط بالنسيان والعصيان، لظهور
الوجوب الفوري في عدم كون ذلك قيدا للواجب أو الوجوب لينتفي به الأمر أو
المأمور به، بل هو من قبيل الوجوب المستقل في أصل الوجوب كالحج في العام الأول
ولا ينافي ذلك اتحاد لفظ الأمر، إذ لا مانع من أن يؤدى ذلك كله وإن اتحد، ولا
عبرة بالتقرير الذي يبرز به هذا المعنى فيظن أن ذلك كالقيود التي ينتفي بها المأمور به
بل الظاهر أيضا عدم سقوط الفورية أيضا، لأن وضع هذا الطلب مع عدم القرينة على
بقاء إرادة الفور حتى يحصل الامتثال كما نجده بالوجدان منا، ومنه يعلم عدم كون الفعل
قضاء، ضرورة عدم كون المبادرة والمسارعة والتعجيل من التوقيت في شئ، وكأن
الوهم ينشأ من تصور المعنى بعبارة كالموقت، فالتعبير بالقضاء من بعض الأصحاب يراد
منه الفعل، وإلا كان للنظر فيه مجال، ودفعه بأنه لما وجبت الفورية كان وقتها وقت
وجود السبب فإذا فات فات وقتها مصادرة واضحة، وكان الأولى الاستدلال عليه
بلفظ " إذا " الموجود في النصوص من قوله (عليه السلام): " إذا قرئ شئ " إلى آخره

(1) المستدرك - الباب - 35 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب 39 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
232

وغيره، وقد يدفعه ظهور إرادة التسبيب والفورية منها هنا لا التوقيت ولو بقرينة ما جاء
من الأمر بالفعل بعد ذلك الوقت، إذ حمله على الأمر الجديد بعيد أو باطل، بل
التحقيق أنه لا يدخلها أداء ولا قضاء، لأنهما من توابع الوقت المضروب شرعا، وهو
منتف لما قلناه من الفورية، فحينئذ لا يفرق في وجوب الاتيان فورا أيضا بين
الترك عصيانا ونسيانا وإن اختص النص بالأول، إذ قد عرفت أن المدرك غيره أيضا،
بل قد يقرر بوجه آخر هو أن إطلاق الأوامر بالسجود لا تتقيد بما دل على الفورية،
لعدم التنافي بينها وبين مطلق طبيعة الوجوب بعد فرض عدم ظهور التقييد فيها، بل
أقصاه اعتبار شئ آخر مع أصل الوجوب، بل لعله ليس من الاطلاق والتقيد المصطلح
في شئ عند التأمل لعدم رجوعه للواجب، بل هو للوجوب، فتأمل جيدا، والظاهر
جريان جميع ذلك في السجود المستحب أيضا، واحتمال الفرق بينهما بسقوطه في حالي
النسيان والعصيان بخلافه لا يخلو من وجه، لكن الأول أقوى، لاتحاد ما ذكرناه
من المدرك، والله أعلم.
المسألة (الثالثة) إعلم أن السجود غاية الخضوع لله، وخير عمل مشروع،
ومنتهى عبادة بني آدم، وأعظم شئ تواضعا لله، بل ما عبد الله بمثل السجود، ولذا
اختص به وحرمه لغيره، وأقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد، وذلك قوله
تعالى: " واسجد واقترب " وبه تحط الخطيئة وترفع الدرجة، وما من عمل أشد على
إبليس من أن يرى ابن آدم ساجدا، لأنه أمر بالسجود فعصى وهذا أمر بالسجود
فأطاع ونجا، ولذا يقول إذا أطالوا السجود: يا ويلاه أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت
وطوله شريطة النبي (صلى الله عليه وآله) على حصول الجنة، وشعار الأنبياء والأئمة
النجباء عليهم أفضل التحية والثناء، وسنة الأوابين، فقد سجد آدم ثلاثة أيام بلياليها (1)

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب السجود - الحديث 16
233

وسجد علي بن الحسين (عليهما السلام) على حجارة خشنة حتى أحصي عليه ألف مرة
لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله إيمانا وصدقا (1) وكان جعفر بن محمد (عليهما
السلام) (2) يسجد السجدة حتى يقال له: إنه راقد، وكانت لأبي الحسن موسى
(عليه السلام) (3) في كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس أي طلوعها إلى وقت
الزوال، وقد تقدم في المواقيت نقل ما رآه منه الفضل بن الربيع (4) من طول سجوده
(عليه السلام)، كما أن باكثاره صار إبراهيم خليل الله (5) قال العلامة الطباطبائي في
حكاية مضمون ما وصل إليه من النصوص في ذلك وأطال، إلى أن قال:
إكثاره يحط بالأوزار * حط الرياح ورق الأشجار
به يباهي ربنا الجليل * ومنه نال الخلة الخليل
إلى أن قال:
أعظم به من عمل بسيط * بفضل كل طاعة محيط
إلى آخره، فلا بأس حينئذ بالقول بمشروعيته لا لسبب، وأنه كالنفل من الصلاة
أخذا باطلاق الأدلة كما صرح به في المحكي من نهاية الإحكام والموجز وشرحه، لكن
عن البيان أن فيه نظرا، ولا ريب في ضعفه، نعم ما عن النهاية أيضا من القول به أيضا
في الركوع على إشكال لا يخلو من نظر، إذ حمل السجود على إرادة مطلق الخضوع
الشامل لنحو ذلك كما ترى، ولعله لذا قيل: إنه نفاه الشهيد وغيره.
وكيف كان فمنه ما يستحب بالخصوص كسجود الشكر على تجدد النعم ودفع النقم

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب السجود - الحديث 15 - 14 وفي الثاني في الوسائل " كان أبي يسجد "
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب السجود - الحديث 15 - 14 وفي الثاني في الوسائل " كان أبي يسجد "
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 4 - 7
(4) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 4 - 7
234

وعقيب الفرائض بلا خلاف أجده بين أصحابنا كما اعترف به في كشف اللثام، بل في
المنتهى والتذكرة وظاهر المدارك وعن الخلاف وظاهر المعتبر الاجماع عليه، لكن في
جامع المقاصد لا خلاف بين أكثر علمائنا إلا من شذ في استحبابه للأولين، ولم نقف
على من استثناه، والموجود فيما حضرني من نسخته " العلماء " فيكون المراد أبا حنيفة على
الظاهر، ولعل ما رواه سعد بن سعد (1) عن الرضا (عليه السلام) محمول على التقية،
قال: " قلت له: إن أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة ويقولون هي سجدة
الشكر، فقال: إنما الشكر إذا أنعم الله على عبده النعمة أن يقول سبحان الذي سخر
لنا هذا وما كنا له مقرنين " ضرورة منافاته على تقدير دلالته للاجماع أو الضرورة
من المذهب فضلا عن المتواتر من النصوص، قال الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن
مسكان (2) وخبر أبي بصير (3) المروي عن مجالس الصدوق " أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) كان في سفر يسير على ناقة له إذ نزل فسجد خمس سجدات، فلما ركب
قالوا: يا رسول الله إنا رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه، فقال: نعم استقبلني جبرئيل
فبشرني ببشارات من الله فسجدت شكرا لله لكل بشرى سجدة " وفي خبر الربيع بن
يونس (4) المروي عن المجالس " سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن سجدة الشكر
التي سجدها أمير المؤمنين (عليه السلام) ما كان سببها فذكر حديثا طويلا، في آخره
أن جبرئيل (عليه السلام) نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد
هذا ابن عمك علي (عليه السلام) إلى أن قال: إن الله جعلك سيد الأنبياء وجعل عليا
(عليه السلام) سيد الأوصياء وخيرهم، وجعل الأئمة (عليهم السلام) من ذريتكما،
قال: فأخبر عليا (عليه السلام) بذلك فسجد علي (عليه السلام) لله عز وجل، وجعل

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 1 - 2 - 6
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 1 - 2 - 6
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 1 - 2 - 6
235

يقلب وجهه على الأرض شكرا " وقال أيضا في خبر ذريح (1) المروي عن ثواب الأعمال: " أيما مؤمن سجد
لله سجدة لشكر نعمة في غير صلاة كتب الله له بها عشر
حسنات، ومحى عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات في الجنان " وفي خبر جابر (2)
المروي عن العلل أيضا، قال الباقر (عليه السلام): " إن أبي علي بن الحسين (عليهما
السلام) ما ذكر لله عز وجل نعمة عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله فيها سجود
إلا سجد، ولا دفع الله عنه سوء يخشاه أو كيد كائد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة
مفروضة إلا سجد، ولا وفق لاصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان أثر السجود في جميع
مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك " وفي الذكرى روى " أن النبي (صلى الله
عليه وآله) رأى رواسيا وهو القصر المزري وقد سجد شكرا: وقال الصادق (عليه
السلام) (3): " إنما يسجد المصلي سجدة بعد الفريضة ليشكر الله تعالى ذكره فيها على
ما من به عليه من أداء فرضه " وفي خبر علي بن فضال (4) المروي عن العلل قال
أبو الحسن الرضا (عليه السلام): " السجدة بعد الفريضة شكرا لله عز وجل على ما وفق
له العبد من أداء فرضه، وأدنى ما يجزي فيها من القول أن يقال: شكرا لله شكرا لله
شكرا لله ثلاث مرات، قلت: فما معنى قوله شكرا لله؟ قال: يقول: هذه السجدة مني
شكرا لله على ما وفقني له من خدمته وأداء فرضه، والشكر موجب للزيادة، فإذا كان
في الصلاة تقصير لم يتم بالنوافل تم بهذه السجدة " وقال الصادق (عليه السلام) في خبر
مرازم (5): " سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك، وترضي بها ربك،
وتعجب الملائكة منك، وأن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك وتعالى
الحجاب بين العبد وبين الملائكة، فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى قربتي "

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 7 - 8
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 7 - 8
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 2 - 3 - 5
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 2 - 3 - 5
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 2 - 3 - 5
236

كما في التهذيب، وفي الفقيه " فرضي وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه
ملائكتي ماذا له؟ قال: فتقول الملائكة: يا ربنا رحمتك، ثم يقول الرب، ثم ماذا؟
فتقول الملائكة: يا ربنا جنتك، فيقول الرب تعالى: ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا
كفاية مهمه، فيقول الرب تعالى: ثم ماذا؟ فلا يبقى شئ من الخير إلا قالته الملائكة،
فيقول الله تعالى: يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا لا علم لنا، فيقول تعالى:
لأشكرنه كما شكرني، وأقبل إليه بفضلي وأريه رحمتي "
بل قد يستفاد منه استحبابها بعد كل صلاة نافلة أو فريضة كما هو مقتضى إطلاق
بعض الأصحاب، بل عن السرائر والمصباح وغيرهما التصريح بذلك، بل يمكن التسرية
إلى كل عبادة أو فعل خير يوفق لهما ولولا اندراجهما تحت النعمة، وقد ورد في جملة
من النصوص (1) فعلها بعد بعض النوافل، كما أن في بعض آخر (2) بعد الصلاة،
قال العلامة الطباطبائي:
وكلما وفقت للفرائض * وغيرها للمستفيض الناهض
وقد روي أن علي بن الحسين (عليهما السلام) سجد للتوفيق به للاصلاح بين
الاثنين على ما في خبر جابر السابق الذي منه يستفاد أيضا سجود الشكر لتذكر النعمة
التي منها دفع النقمة، قال هشام بن أحمر (3): " كنت أسير مع أبي الحسن (عليه السلام)
في بعض طرق المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخر ساجدا فأطال ثم رفع رأسه وركب
دابته، فقلت: جعلت فداك قد أطلت السجود فقال: إنني ذكرت نعمة أنعم الله
بها علي فأحببت أن أشكر ربي ".

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 4 والباب 2 منها
الحديث 3 و 5
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب سجدتي الشكر
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 4
237

بل قد يستفاد من غيرهما وضع الخدين على الأرض لذلك أيضا قال الصادق
(عليه السلام) لعمار (1): " إذا ذكر أحدكم نعمة لله عز وجل فليضع خده على التراب
شكرا لله، فإن كان راكبا فلينزل فليضع خده على التراب، وإن لم يكن يقدر على النزول
للشهرة فليضع خده على قربوسه، فإن لم يقدر فليضع خده على كفه ثم ليحمد الله على
ما أنعم عليه " وقال إسحاق بن عمار (2): " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
إذا ذكرت نعمة الله عليك وكنت في موضع لا يراك أحد فألصق خدك بالأرض،
وإذا كنت في ملأ من الناس فضع يدك على أسفل بطنك وأخر (وأحن خ ل) ظهرك
وليكن تواضعا لله عز وجل، فإن ذلك أحب، وتري أن ذلك غمز وجدته في
أسفل بطنك ".
ومنه يستفاد طرق أخر للشكر غير السجود، فمن الغريب عدم جزم الفاضل في
التذكرة والمحكي عن نهاية الإحكام باستحباب السجود لتذكر النعمة، حيث قال:
الأقرب استحباب هذا السجود عند تذكر النعمة وإن لم يكن متجددة خلافا للجمهور،
وأغرب منع ما في المحكي عن البيان من التنظير في ذلك، وفي الذكرى " هل يستحب
ذلك عند تذكر النعمة وإن لم تكن متجددة؟ الظاهر نعم إن لم يكن قد سجد لها " وهو
مشعر بتأدي المطلوب بسجود واحد بحيث لا يشرع التعدد بعد، وفيه نظر لاطلاق
ما سمعته من الأدلة، بل قد عرفت فعل علي بن الحسين (عليهما السلام) ذلك مع استبعاد
عدم سجوده لابتداء النعمة التي تذكرها، ولأنه يمكن دعوى مشروعية ما يشاؤه من
التعدد لسجود الشكر ولو لنعمة واحدة، فهو كالشكر اللساني كما هو ظاهر الأستاذ في
كشفه، ضرورة استمرار مشروعيته باستمرار رجحان الشكر الذي لو عاش الانسان

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 3 - 5 روى الأول عن يونس بن عمار
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 3 - 5 روى الأول عن يونس بن عمار
238

عمر الدنيا ما أدى تمام شكر نعمة واحدة، بل التوفيق للشكر محتاج إلى الشكر، كما أومأ
إليه سيد الساجدين (عليه السلام) (1) فتكرير السجود حينئذ لأنه أفضل ما يتأدى به
الشكر، ولا ينافي ذلك التعبير بالسجدة في أكثر النصوص والفتاوى، لعدم إرادة
الوحدة من التاء فيها أولا، ولظهور كون المراد عدم اشتراط العدد في سجود الشكر
على جهة التركيب بحيث يفوت بفواته، بل المشروع للشكر سجدة سجدة وإن تعددت.
لكن قد يشكل هذا بما في المتن والقواعد والمحكي عن الجعفرية وشرحها (سجدتا
الشكر مستحبان عند تجدد النعم ودفع النقم وعقيب الصلوات) وفي الحدائق أن كثيرا
من الأخبار (2) إنما اشتمل على سجدة واحدة، وجملة (3) منها دلت على التعدد،
وكذا كلام الأصحاب، والكل منصوص كما عرفت، والتعدد سيما مع توسط التعفير
أفضل، وفي كشف الأستاذ " والأفضل سجدتان، ودونهما الواحدة، فلو قصد
الآحاد عدد بما أراد وتعفير الخدين بينهما، وأقل منه أحدهما أو بعضهما، ويقوى
استحبابه بعدهما وبعد الواحدة " وفي كشف اللثام أن التثنية ذكرها ابنا إدريس والبراج
وابنا سعيد والحلبي والشيخان في المقنعة والنهاية والاقتصاد في الصلاة، وفي المصباح في
بعض الصلوات، ورواها مطلقا عبد الله بن جندب (4) عن الكاظم (عليه السلام)
قلت: الذي يمكن تحصيله بملاحظة النصوص الاتحاد أو التعدد بواسطة التعفير، وهو
لعدم استيفاء الرفع منه يطلق عليه سجدة واحدة، قال في الوسائل: قد وقع التعبير في

(1) الصحيفة السجادية الدعاء 37
(2) الوسائل - الباب - 1 و 2 - وغيرهما من أبواب سجدتي الشكر
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 6 والباب 7 منها
الحديث 1 والمستدرك - الباب - 5 - منها - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 1
239

بعض الأحاديث بسجدتي الشكر باعتبار التعفير، وفي بعضها بسجدة الشكر إما باعتبار
أن التعفير واقع في أثناء السجدة لعدم استيفاء الرفع، أو لجواز الاقتصار على واحدة
وترك التعفير، وقال العلامة الطباطبائي:
يجزي له واحدة، والأفضل * ثنتان بالتعفير فصل يحصل
ولعله هو مراد كشف اللثام فيما حكاه بقرينة ذكره الخبر المزبور، والموجود فيه
التعفير المذكور، وقال الكاظم (عليه السلام) في خبر عبد الله بن جندب (1) " تقول
في سجدة الشكر: " اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبيائك ورسلك وجميع خلقك
أنت الله ربي، والاسلام ديني، ومحمد (صلى الله عليه وآله) نبيي، وعلي والحسن
والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى
ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة بن الحسن بن علي (عليهم السلام)
أئمتي، بهم أتولى، ومن أعدائهم أتبرأ، اللهم إني أنشدك دم المظلوم ثلاثا، اللهم إني
أنشدك بايوائك على نفسك لأوليائك لتظفرهم بعدوك وعدوهم أن تصلي على محمد وعلى
المستحفظين من آل محمد ثلاثا، اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر ثلاثا، ثم ضع خدك
الأيمن على الأرض وتقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق علي الأرض بما
رحبت، يا بارئ خلقي رحمة بي وكنت عن خلقي غنيا صل على محمد وآل محمد وعلى
المستحفظين من آل محمد ثلاثا، ثم تضع خدك الأيسر على الأرض وتقول: يا مذل كل
جبار ويا معز كل ذليل قد وعزتك بلغ مجهودي فرج عني ثلاثا، ثم تعود للسجود
وتقول: مائة مرة شكرا شكرا، ثم تسأل حاجتك إن شاء الله ".

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 1
240

أما استحباب سجدتين مستوفى بينهما الاعتدال أولا بغير الكيفية للمزبورة كما
يقتضيه قول المصنف ومن تبعه خصوصا بعد قوله: (ويستحب التعفير بينهما) الظاهر
في كونه مستحبا آخر غير معتبر في الكيفية، للمكلف تركه والاقتصار على سجدتين
ملاحظا للتركيب فيهما لا الآحاد، فلا يخلو من توقف، اللهم إلا أن يكون منشأه التسامح
مع عدم حمل المطلق على المقيد، ولذا تسرى شيخنا في كشفه إلى ما عرفت، مع أن في
بعض النصوص إشعارا ببعضه كالاقتصار على التعفير من غير عود للسجود وغيره مما
عساه يستفاد من النصوص السابقة وغيرها، قال سليمان (1): " خرجت مع أبي الحسن
موسى (عليه السلام) إلى بعض الأماكن فقام إلى صلاة الظهر فلما فرغ خر لله ساجدا
فسمعته يقول بصوت حزين وتغرغر دموعه: رب عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك
لأخرستني، وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني، وعصيتك بسمعي ولو شئت
وعزتك لأصممتني، وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكففتني، وعصيتك برجلي
ولو شئت وعزتك لجذمتني، وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لعقمتني، وعصيتك
بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي وليس هذا جزاك مني، قال: ثم أحصيت له ألف
مرة وهو يقول: العفو العفو، قال، ثم ألصق خده الأيمن بالأرض فسمعته وهو يقول
بصوت حزين: بوأت إليك بذنبي عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب
غيرك يا مولاي ثلاث مرات، ثم ألصق خده الأيسر بالأرض فسمعته وهو يقول:
ارحم من أساء واقترف واستكان واعترف ثلاث مرات، ثم رفع رأسه " والأمر في
ذلك كله سهل، خصوصا بعد مشروعية العود بعد التعفير، إذ هو تعدد سجود.
والمراد بالتعفير الوضع على العفر، وهو التراب، ومقتضاه اعتباره في حصول
وظيفة التعفير، لكن في الذكرى الظاهر تأدي السنة بالوضع على ما اتفق وإن كان

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 5
241

التراب أفضل، وهو لا يخلو من تأمل، وظاهر أكثر النصوص (1) كون محل التعفير الخدين
كما كان يصنعه موسى بن عمران وبه نال ما نال، وهو معقد صريح إجماع المنتهى وعن
ظاهر المعتبر، كما أن أصل استحباب التعفير بين السجدتين معقد إجماع غير واحد من
الأصحاب، لكن في الذكرى وغيرها ممن تأخر عنها الجبينين مخيرا بينهما وبين الخدين
في بعض ومقتصرا عليهما في آخر، ولعله للمرسل (2) المشهور إن " من علامات المؤمن
تعفير الجبينين " وفيه كما في الحدائق أن من المحتمل بل الظاهر إرادة الجبهة من الجبين
بقرينة إفراده في الذكر، وجعله من علامات المؤمنين كالتختم باليمين من حيث أن
المخالفين لا يرون سجود الشكر، على أنه لا دلالة فيه على البينية في السجدتين، ولعله
لذلك قال في المنظومة بعد البيت السابق:
بعفر الخد أو الجبينا * مقدما من ذلك اليمينا
والخد أولى وبه النص جلا * وفي الجبين قد أتى محتملا
وقد يناقش ما في الحدائق بأن المحكي عن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور
وابن المنذر استحباب سجود الشكر في المواضع الثلاثة، وإنما أطبقوا على نفي التعفير،
وفي كشف اللثام " يستحب أن يعفر بينهما خديه أو جبينيه أو الجميع أو إحداهما فهو
كالسجود مما شهد بفضله الأخبار والاعتبار وانعقد عليه إجماعنا، ولما أنكره الجمهور
كان من علامات الايمان " وهو جيد جدا
وأما الذكر فيه فقد سمعت ما في النصوص السابقة، وقد ورد في غيرها أدعية
أخر من أرادها فليطلبها من مظانها، وقد تقدم وأدنى ما يجزي فيه شكرا ثلاثا،

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب سجدتي الشكر
(2) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب المزار - الحديث 1 من كتاب الحج
242

كما أنه ورد (1) فيه قول ما شاء الله مائة مرة حتى يناديه الله ويقول له: عبدي إلى كم
تقول ما شاء الله، أنا ربك وإلي المشية وقد شئت قضاء حاجتك فسلني ما شئت،
وورد (2) الحمد لله مائة مرة، وورد (3) أيضا شكرا شكرا مائة مرة، وورد (4)
عفوا عفوا كذلك، وورد (5) يا رب حتى ينقطع النفس حتى يقول الرب: لبيك
ما حاجتك، ولعل المراد التنبيه بذلك على سائر أفراد التضرع والابتهال، ولذا قال
الأستاذ في كشفه: والظاهر أنه لا بأس بالاتيان بالذكر وإن قل، والنداء وإن قل، وله
الأجر فيما قل وإن قل، والظاهر أنه سنة في سنة، ولو جمع بينها كانت زيادة الأجر
في ذلك، ولو نقص منها نقص أجرها، وفي التذكرة " يستحب ما روي أو بما يتخيره
من الأدعية: وفي المنتهى أن اختلاف ما ورد يدل على عدم التعيين.
ثم إنه قد تقدم في المواقيت الكلام في أن سجود الشكر للمغرب بعد الثالثة أو
بعد السابعة، وذكر بعضهم هنا أن محله في سائر الفرائض بعد التعقيب مستدلا عليه
بما روي (6) " من أن أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) كان يسجد بعد ما
يصلي لا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار " وفيه أنه لعله جمع بين التعقيب والسجدة بناء
على عدم اعتبار الجلوس في التعقيب، لكن على كل حال لا بأس به بعد فرض عدم
فورية المتعقب للصلاة منه، إذ هو ليس كسجود الشكر للأولين، لأن الظاهر كما في
كشف الأستاذ فوريته لهما مع هذا القصد لكن لا على وجه الشرطية بحيث لم يشرع
إلا أن يدخل تحت سبب آخر، والبحث في اعتبار وضع المساجد السبعة فيه وكون

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب سجدتي الشكر الحديث 4 - 2 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب سجدتي الشكر الحديث 4 - 2 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب سجدتي الشكر الحديث 4 - 2 - 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب سجدتي الشكر الحديث 4 - 2 - 2 - 3
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 1
243

المسجد مما يصح السجود عليه كالبحث في سجود التلاوة وقد عرفته، إلا أن الشهيد
(رحمه الله) في الذكرى تردد في اعتبار ذلك في سجود التلاوة من حصول مسمى السجود
ومن أنه السجود المعهود، وقال، هنا: وهل يشترط فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود
عليه في الصلاة؟ في الأخبار السابقة إيماء إليه، والظاهر أنه غير شرط لقضية الأصل،
أما وضع الأعضاء السبعة فمعتبر قطعا ليتحقق مسمى السجود، وهو كما ترى، بل لعل
عدم الاعتبار في المقام أولى بقرينة ما ذكره هو وغيره من استحباب بسط الذراعين
والصدر والبطن فيه مما لا يمكن وضعها جميعا معه، وفي خبر عبد الرحمن بن خاقان (1)
" رأيت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه وألصق
جؤجؤه وصدره وبطنه بالأرض فسألته عن ذلك فقال: كذا يجب " وفي خبر جعفر
ابن علي (2) " رأيت أبا الحسن (عليه السلام) وقد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعيه
وألصق جؤجؤه بالأرض ".
وذكر أيضا غير واحد من الأصحاب أنه يستحب إذا رفع رأسه منه أن يمسح
يده على موضع سجوده ثم يمرها على وجهه من جانب خده الأيسر وعلى جبهته إلى جانب
خده الأيمن، ويقول " بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم
اللهم أذهب عني الغم والحزن ثلاثا " قال في الذكرى رواه الصدوق عن إبراهيم بن
عبد الحميد (3) قلت: ليس فيه تخصيص ذلك بسجدة الشكر إنما فيه أنه قال الصادق
(عليه السلام) لرجل: " إذا أصابك هم فامسح يدك على موضع سجودك " إلى آخره
كغيره من النصوص، نعم قال الصادق (عليه السلام) في خبر جميل بن دراج (4):

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 2 - 3 لكن روى الأول عن يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 2 - 3 لكن روى الأول عن يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 1 - 3
244

" أوحى الله إلى موسى بن عمران (عليه السلام) أتدري يا موسى لم انتجبتك من خلقي
واصطفيتك لكلامي؟ فقال: لا يا رب، فأوحى الله إليه أني اطلعت على الأرض فلم
أجد أحدا عليها أشد تواضعا لي منك، فخر موسى ساجدا وعفر خديه في التراب تذللا
لربه عز وجل، فأوحى الله إليه ارفع رأسك يا موسى، وأمر يدك على موضع سجودك
وامسح بها وجهك وما نالته من بدنك، فإنه أمان من كل سقم وداء وآفة وعاهة "
ولا بأس بالجميع.
ثم لا يخفى عليك بمقتضى إطلاق النصوص والفتاوى عدم التكبير فيه والتشهد
والتسليم ونحو ذلك كما صرح به بعضهم، لكن عن المبسوط ثبوت التكبير للرفع، قيل
لما سمعته في سجود التلاوة، بل في كشف الأستاذ أن الأقوى استحباب التكبير قبله
وبعده لأنه مفتى به، قلت: ولاطلاق بعض النصوص (1) في التكبير للسجود بعد منع
اختصاصه بسجود الصلاة، والأمر سهل كسهولة الحكم باستحباب الطهارة من الحدث
فيه، لقول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن بن الحجاج (2): " من سجد
سجدة الشكر وهو متوض كتب الله له بها عشر صلوات ومحا عنه عشر خطايا عظام "
ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه في سجود التلاوة ما ينبغي جريانه في المقام، كما
أنه لا يخفى عليك بعد التصفح لما ورد عنهم (عليهم السلام) ما ينبغي فيه من الوظائف
والأذكار والأدعية، والله أعلم بحقيقة الحال.
الواجب (السابع التشهد)
وهو لغة تفعل من الشهادة، وهي الخبر القاطع، وشرعا كما في جامع المقاصد

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب السجود
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب سجدتي الشكر - الحديث 1
245

الشهادة بالتوحيد والرسالة والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وفي المحكي عن الروض
أنه شهادة لله بالتوحيد ولمحمد (صلى الله على وآله) بالرسالة، ويطلق على ما يشمل الصلاة
على النبي (ص) تغليبا أو بالنقل، قلت: وهو المراد في عبارات الأصحاب، بل لعله كذلك
عند الشرع بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية التي معيارها الحقيقة المتشرعة (و) كيف
كان ف‍ (هو واجب في كل ثنائية مرة، وفي الثلاثية والرباعية مرتين) بلا خلاف أجده
فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما متواترا وفي أعلى درجات الاستفاضة
كالنصوص (1) بل لعله من ضروريات مذهبنا، نعم يعرف الخلاف في ذلك للشافعي
وأبي حنيفة وغيرهما من العامة، فنفى الأول وجوب الأول والثاني وجوبهما، وعن قوم
منهم أن الثاني غير واجب، وقد ورد في أخبارنا ما يوافق التقية منهم كما تسمعها فيما
يأتي إن شاء الله، ولعله تقية منهم ومن أبي حنيفة ورد موثق زرارة (2) قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): " الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير
فقال: تمت صلاته، فإنما التشهد سنة في الصلاة فليتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا
فيتشهد " وصحيح ابن مسلم (3) عن أحدهما (عليه السلام) " في الرجل يفرغ من
صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال: إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد،
وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه، وقال: إنما التشهد سنة في الصلاة " وخبر ابن مسكان
المروي (4) عن المحاسن قال: " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) " عن رجل صلى الفريضة
فلما رفع رأسه من السجدة الثانية من الرابعة أحدث فقال: أما صلاته فقد مضت، وأما
التشهد فسنة في الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد " أو تحمل على

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 2 والباب 4 منها الحديث 1 و 3
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث 2 - 3 لكن روى الأول عن عبيد بن زرارة
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التشهد - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث 2 - 3 لكن روى الأول عن عبيد بن زرارة
246

أن المراد ثبت وجوبه من السنة في مقابلة الكتاب كما هو كثير في النصوص، ويومي
إليه الأمر بفعله الظاهر في وجوبه المنافي لإرادة الاستحباب من السنة فيه، نعم بناء على
ذلك تخرج هذه النصوص شاهدا للمحكي عن الصدوق (رحمه الله) من " أن التشهد واجب
لكنه ليس من قبيل الأركان المفروضة التي تبطل الصلاة بتركها على كل حال، وإنما
هو واجب بالسنة والاخلال به وتخلل الحدث قبله غير مبطل للصلاة فيتوضأ ويأتي به
قال: إن رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة وأحدثت فإن كنت قد
قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك، وإن لم تكن قلت فقد مضت صلاتك فتوضأ ثم عد إلى
مجلسك وتشهد " ويشهد له مضافا إلى النصوص السابقة صحيح زرارة (1) عن أبي جعفر (ع)
" في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد قال:
ينصرف فيتوضأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، وإن شاء ففي بيته، وإن شاء حيث شاء
قعد فتشهد ثم يسلم، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته " وإليه يميل
المحكي من كلام المجلسي في بحاره فإنه - بعد أن نقل خبر المحاسن وذكر احتمال الحمل
على التقية وغيره من احتمال إرادة مستحبات التشهد - قال: والأظهر حمله على أن
وجوبه يظهر من السنة لا من القرآن فيكون من الأركان، الحدث الواقع بعد الفراغ
من أركان الصلاة لا يوجب بطلانها كما يدل عليه صحيح زرارة (2) أيضا واختاره
الصدوق، ولا ينافي وجوب التشهد، وما ورد من الأمر بالإعادة في خبر قاصر السند
يمكن حمله على الاستحباب، والأحوط العمل بهذا الخبر ثم الإعادة، قلت: يمكن إرادة
الصدوق الاقتصار على خصوص هذه النصوص من غير تعدية إلى سائر المبطلات.
وكيف كان فالخلاف حينئذ ليس في وجوب التشهد، بل هو في بطلان الصلاة
بتخلل الحدث في أثنائها، وستعرف هناك من الأدلة ما يوجب تأويل هذه النصوص

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث 1
247

أو طرحها أو تعين حملها على التقية، فإنه حكي عن أبي حنيفة أيضا عدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها، فلعل الأمر بذلك لذلك لا من حيث عدم وجوب التشهد
حتى يقال: إنه ينافيه الأمر بفعله بعد الوضوء، مع أنه يمكن أن يقال: إنه لا بأس
بذلك بعد التصريح بأنه سنة، إذ هو كالقرينة على عدم إرادة الوجوب منه، فيوافق
حينئذ ذلك المحكي عن أبي حنيفة من القول باستحبابه وعدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث
فإنه يلزمه القول باستحباب فعله بعد الوضوء، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان ف‍ (لو أخل بهما) أي التشهدين (أو بأحدهما عامدا بطلت
صلاته) عندنا لما عرفت، بل الظاهر ذلك حتى من الصدوق العامل بما سمعته من
النصوص، ضرورة عدم اقتضاء شئ منها عدم وجوبه أصلا بحيث يصح الصلاة وإن
لم يفعله بعد الوضوء من الحدث، اللهم إن يقال: إن مقتضاها الوجوب السني الذي
لا ينقص الفريضة، فيبقى وجوب فعله حينئذ في ذمته لا مدخلية له في بطلان الصلاة
السابقة، لأنها قد تمت، لكن بناء على ذلك يمكن دعوى الاجماع أو الضرورة حينئذ
من المذهب على خلافه فضلا عن دعوى تواتر النصوص كما لا يخفى على من له أدنى
تدبر، خصوصا بعد ما عرفت الوجه في تلك النصوص وأنها إنما صدرت تقية، فمن
الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إلى ما سمعته من الصدوق ومنشأه الخلل في
الطريقة، والله أعلم.
(والواجب في كل واحد منهما) أي التشهدين (خمسة أشياء):
الأول (الجلوس بقدر التشهد) أي ما دام متشاغلا في الواجب من التشهد
الذي ستعرفه بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه والنصوص (1) دالة عليه،

(1) الوسائل - الباب - 1 و 9 - من أبواب التشهد
248

وخبر عبد الله بن حبيب بن جندب (1) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) " إني أصلي
المغرب مع هؤلاء فأعيدها فأخاف أن يتفقدوني قال: إذا صليت الثالثة تمكن في الأرض
أليتيك ثم انهض وتشهد وأنت قائم ثم اركع واسجد فإنهم يحسبون أنها نافلة " محمول
على الضرورة أو غيره مما لا ينافي ما ذكرنا من وجوب الجلوس فيه اختيارا بحيث
لو تشهد في حال لا يصدق عليه مسمى الجلوس لم يجز، نعم لا فرق على الظاهر بين جميع
كيفيات الجلوس من التورك والاقعاء وغيرهما، لاطلاق النصوص والفتاوى، فما في
الحدائق - من عدم الاجتزاء بالاقعاء لعدم صدق اسم الجلوس عليه شرعا ولا عرفا،
وللخبر (2) " المقعي ليس بجالس " - في غاية الغرابة، ضرورة عدم حقيقة للشارع
في الجلوس، ومنع عدم الصدق عرفا، وحمل الخبر المزبور على نوع من المبالغة في كراهته
أو غير ذلك مما عرفته في بحث كراهة الاقعاء.
ثم ظاهر المتن وغيره ممن جعله من واجبات التشهد عدم وجوبه لنفسه قدر التشهد
بحيث لو سقط التشهد يبقى وجوب الجلوس بقدره، للأصل وغيره، لكن قد يستفاد
من صحيح جميل (3) وغيره الوارد فيمن صلى خمسا سهوا وجوبه كذلك، للاكتفاء
في صحة الصلاة وعدم الإعادة بأنه إن كان قد جلس بعد الرابعة قدر التشهد صحت،
وإلا فلا، اللهم إلا أن يكون ذلك فيها كناية عن فعل التشهد الشامل للتسليم وأنه
بتذكره ذلك يتفطن لوقوع الخامسة منه بعد الاتمام، ولعل التعبير بالجلوس قدر التشهد
عن فعل التشهد جالسا معروف في النصوص والفتاوى كما لا يخفى على الخبير الممارس،
فالاجتزاء بذلك في صحة الصلاة لهذا، لا لأن الجلوس واجب لنفسه والتشهد واجب

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التشهد - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التشهد - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 6
249

آخر، نعم يمكن دعوى وجوب الجلوس في الجملة بحيث يتحقق معه مسمى الجلوس لنفسه
استظهارا من بعض النصوص على إشكال فيه أيضا فضلا عن الجلوس بقدر التشهد،
لكن الاحتياط لا ينبغي تركه بحال، والله أعلم.
الثاني (و) الثالث (الشهادتان) في الموضعين على المشهور بين الأصحاب نقلا
وتحصيلا، بل في المبسوط وجامع المقاصد لا خلاف فيه بين أصحابنا، بل في الأخير
كما عن المنتقى أن عليه عمل الأصحاب، بل عن شرح الشيخ نجيب الدين لعل الاجماع
منعقد على ذلك، بل في الغنية والتذكرة والذكرى ومجمع البرهان الاجماع عليه، وبذلك
كله ينجبر خبر سورة بن كليب (1) " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما يجزي
من التشهد فقال: الشهادتان " وفي الموثق عن عبد الملك بن عمرو الأحول (2) عن
الصادق (عليه السلام) " التشهد في الركعتين الأولتين الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد:
وتقبل شفاعته وارفع درجته " وهو تام الدلالة على اعتبار الشهادتين في التشهد الأول،
وقد قال البزنطي (3) لأبي الحسن (عليه السلام): " جعلت فداك التشهد الذي في الثانية
يجزي أن أقول في الرابعة فقال: نعم " ومنهما يتم اعتبارهما أيضا في الثاني، فيكون
التشهد في الصلاة حينئذ مرتين، كما قاله الصادق (عليه السلام) لمحمد بن مسلم في الصحيح (4)
جواب سؤاله عن ذلك، فقال له: " وكيف مرتين؟ فأجابه (عليه السلام) إذا استويت
جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
ثم تنصرف، قال: قلت: قول العبد التحيات لله والصلوات الطيبات لله فقال: هذا
اللطف من الدعاء يلطف العبد ربه " وهو دليل آخر على المطلوب، بل قد يشعر به أيضا

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث - 6 - 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث - 6 - 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث - 6 - 3 - 4
250

المروي عن العيون والعلل بسنده إلى الفضل بن شاذان (1) عن الرضا (عليه السلام)
قال: " وإنما جعل التشهد بعد الركعتين لأنه كما قدم قبل الركوع والسجود من الأذان
والدعاء والقراءة فكذلك أيضا أمر بعدها بالتشهد والتحية والدعاء " ضرورة إرادة
المساوي للأذان من التشهد قضاء للبدلية، فيعتبر فيه الشهادتان حينئذ، إلى غير ذلك
من النصوص التي لا يقدح في دلالتها اشتمالها على ما لا نقول بوجوبه من التحميد ونحوه.
نعم في صحيح زرارة (2) - قلت لأبي جعفر (عليه السلام): " ما يجزي من
القول في التشهد في الركعتين الأولتين؟ قال: أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، قلت: فما يجزي في الركعتين الأخيرتين؟ فقال: الشهادتان " - ما هو
ظاهر في عدم وجوب الثانية منهما في الأول منهما، ولعله له ذهب الجعفي في الفاخر إلى
أجزاء شهادة واحدة في الأول، لكن فيه أنه إنما يدل على إجزاء الشهادة الأولى
لا أيهما، فيكون الخبر حينئذ شاذا لم يعمل به أحد من الأصحاب، فيطرح كما أمرونا
(عليهم السلام) به، أو يحمل على إرادة السؤال عن وجوب ما زاد على الشهادتين من
التحيات ونحوها فأجاب (عليه السلام) بأول ما يجب فيه: أي تقول: أشهد أن لا إله
إلى آخر ما تعرف، أو من استعلام كيفية التشهد وأنه هل يختلف فيه حكم الأول
والأخير فاكتفى في جواب السؤال الأول بذكر كيفية الشهادة بالوحدانية اعتمادا على أن
كيفية الشهادة الأخرى التي تضم إليها منفردة معروفة، وجعل الجواب عن السؤال الثاني
بشهادتين كناية عن الاتفاق في الحكم بالنسبة إلى القدر المجزي كما صرح به في خبر
البزنطي المزبور، أو على ما في المعتبر والمنتهى وإن بعد من إرادة ما لا ينافي اعتبار الزيادة

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 1
251

أو على التقية كما في الذكرى نحو خبر الخثعمي (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) " إذا
جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه " وبكر بن حبيب (2) سأله أيضا تارة عن
التشهد فأجابه بأنه " لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا، إنما كانوا يقولون أيسر
ما يعلمون، إذا حمدت الله أجزأ عنك " وأخرى (3) " أي شئ أقول في التشهد
والقنوت؟ فقال بأحسن ما علمت، فإنه لو كان موقتا لهلك الناس " من أن الظاهر من
الأول إرادة بيان الاجزاء فيما يستحب في التشهد، ولعل سؤال بكر عن وجوب التحيات
ونحوها كما يقوله الشافعي وأحمد، وهو أقرب من الحمل على التقية كما هو واضح عند
التأمل فيها نفسها فضلا عن غيرها، خصوصا إجماع الأصحاب على عدم العمل بها،
إذ المحكي عن مقنع الصدوق الاجتزاء عنه ببسم الله وبالله لا الحمد، قال: " إن أدنى
ما يجزي في التشهد أن تقول الشهادتين أو تقول: بسم الله وبالله ثم تسلم " مع أنه ضعيف
جدا أيضا، بل في الذكرى أنه شاذ لا يعد، ويعارضه إجماع الإمامية على الوجوب،
قلت: وهو كذلك وإن استدل له بقول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار (4)
" إن نسي الرجل التشهد في الصلاة فذكر أنه قال: بسم الله فقط فقد جازت صلاته،
وإن لم يذكر شيئا أعاد الصلاة " وبقول الكاظم (عليه السلام) لما سأله أخوه (5) في
قرب الإسناد " عن رجل ترك التشهد حتى سلم كيف يصنع؟ فقال: إن ذكر قبل أن
يسلم فليتشهد وعليه سجدتا السهو، وإن ذكر أنه قال: أشهد أن لا إله إلا الله أو بسم الله
أجزأه في صلاته، وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير حتى يسلم أعاد الصلاة " إذ هما - مع
قصورهما عن معارضة غيرهما من النصوص المعتبرة المعمول بها عند جميع الأصحاب حتى
هو في غير الكتاب المزبور من وجوه متعددة - غير منطبقين على تمام ما سمعته منه مع

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التشهد - الحديث 2 - 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التشهد - الحديث 2 - 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التشهد - الحديث 2 - 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التشهد - الحديث 7 - 8
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التشهد - الحديث 7 - 8
252

اشتمالهما على ما هو مجمع على عدمه من إعادة الصلاة، ويمكن حمل الأول منهما على إرادة
الاستدلال بذكر البسملة على فعل التشهد، لأن من المستبعد نسيانه بعد التشاغل فيه،
فلا يلتفت حينئذ إلى شكه، وقوله (عليه السلام): " فقط " يراد منه أنه ذكر قول
ذلك خاصة ولم يذكر غيره، وإعادة الصلاة مع فرض عدم الذكر إذا لم يلتفت إلى الشك
وكان محل التدارك باقيا، ويمكن إرادة قبل إكمال السلام من الثاني حتى يتم حينئذ الأمر
بسجدتي السهو لزيادة السلام، ومن قوله (عليه السلام): " وإن ذكر " إلى آخر
ما سمعته، فتأمل جيدا.
ولعل الأولى الاستدلال له بما في الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة والأحول
وسدير الصيرفي المروي (1) عن العلل المحكي فيه فعل النبي (صلى الله عليه وآله) حال
عروجه على قياس فعل الصلاة، قال (صلى الله عليه وآله) فيه: " وذهبت أن أقوم
فقال: يا محمد أذكر ما أنعمت عليك وسم باسمي فألهمني الله أن قلت: بسم الله وبالله
ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله، فقال لي: يا محمد صل عليك وعلى أهل بيتك
فقلت: صلى الله علي وعلى أهل بيتي " إلى آخره لكنه كما ترى أيضا غير منطبق على
ما سمعته منه، وقاصر عن معارضة غيره من وجوه، بل لعله غير معارض عند التأمل،
وقد يراد معنى الواو من " أو " في عبارة الصدوق، فلا يكون حينئذ مخالفا بقرينة كلامه في
باقي كتبه، أو يراد بها التخيير بين الاقتصار على الشهادتين بدون البسملة أو معها،
والله أعلم.
الرابع (و) الخامس (الصلاة على النبي وآله (ع) في التشهدين بلا خلاف محقق
أجده فيه، بل في الغنية والتذكرة والمنتهى والذكرى وكنز العرفان وعن المعتبر والحبل
المتين وغيرها الاجماع عليهما صريحا، ونفي الخلاف عنه في المبسوط وغيره بل عن

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10
253

الناصريات وموضع من الخلاف الاجماع أيضا على وجوب الصلاة على النبي في التشهد
الأول وعن موضع آخر من الثاني " أن أدنى التشهد الشهادتان والصلاة على النبي (صلى الله
عليه وآله) " وفي مفتاح الكرامة عنه أيضا الاجماع على وجوب الصلاة على الآل في
التشهد، وفي كشف الحق " إجماع الإمامية على وجوب الصلاة على النبي وآله (ع) في
التشهدين " وكيف كان فيمكن تحصيل اتفاق الأصحاب على ذلك، إذ لم يحك فيه
خلاف إلا من الصدوق ووالده حيث أنه لم يذكر الأول كما في كشف اللثام في شئ
من كتبه شيئا من الصلاتين في شئ من التشهدين كأبيه في الأول وابن الجنيد فاجتزى
بها في أحدهما، مع أن المحكي عن أمالي الأول أن من دين الإمامية الاقرار بأنه يجزي
في التشهد الشهادتان والصلاة على النبي وآله (ع) فيقوى في الظن أن تركها في مثل الفقيه
لمعروفية فعل الصلاة عقيب اسم الرسول، ولا ينافيه قوله بعد ذلك فيه: ويجزيك في
التشهد الشهادتان، على أن المحكي عنه وجوبها عند الذكر ولو في غير التشهد، فلعل الترك
حينئذ لذلك، مع أن فيما حضرني من نسخة الفقيه ملحق فيها الصلاة في التشهد الأول،
ويؤيده القطع بإشارته فيما ذكره من التشهد الأول والثاني إلى ما في النصوص المشتملة
على ذلك، وهي مشتملة على الصلاة، وبنحو ذلك يقال بالنسبة إلى والده سيما بعد أن
حكى هو في الأمالي ما سمعته عن الإمامية، ووالده رئيس الإمامية باعتقاده، وكلامه
نصب عينيه، فليس إلا لأنه لم يفهم الخلاف منه في ذلك، وابن الجنيد لم يصل إلينا كلامه
وليس النقل كالعيان.
ومع الاغضاء عن ذلك كله فخلافهم غير قادح في تحصيل الاجماع، على أنهم
محجوجون مضافا إلى ما عرفت بما رواه في الوسائل عن ابن بابويه في الفقيه بسنده عن
حماد عن زرارة وأبي بصير جميعا (1) قالا في حديث، " قال أبو عبد الله (عليه السلام):

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التشهد - الحديث 1
254

إن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) من تمام الصلاة، إذا تركها متعمدا فلا صلاة له
إذا ترك الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) " وفي الحدائق ظني أني وقفت عليه في
الكتاب حين قرأه علي بعض الاخوان، ولكن لا يحضرني الآن، قلت: فحينئذ هو
غير الصحيح الذي رواه الشيخ في التهذيب عن حماد عن زرارة وأبي بصير (1) أيضا
أنه قال أبو عبد الله (عليه السلام): " من تمام الصوم إعطاء الزكاة، كما أن الصلاة على
النبي (صلى الله عليه وآله) من تمام الصلاة، ومن صام ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها
متعمدا، ومن صلى ولم يصل على النبي وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له، إن الله تعالى
بدأ بها فقال (2): قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " والمراد من الاستدلال
بالآية البدأة بالزكاة التي صدر بها الخبر المزبور، ويحتمل أن يراد الصلاة على النبي
من التزكي، لقول الصادق (عليه السلام) في خبر محمد بن مروان (3) قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): " صلاتكم علي إجابة لدعائكم وزكاة لأعمالكم " كما أنه يمكن
أن يراد بقوله: " وذكر اسم ربه فصلى " الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) في
الصلاة المعبر عنها بذكر اسم ربه، كما عبر عنها بذكر الله في غير موضع من الكتاب
العزيز ولعل ذلك هو مراد الرضا (عليه السلام) (4) حيث قال لرجل دخل عليه:
" ما معنى قوله تعالى: وذكر اسم ربه فصلى؟ قال: كلما ذكر اسم ربه قام فصلى، فقال:
لقد كلف الله هذا شططا، قال: فكيف هو؟ فقال: كلما ذكر اسم ربه فصلى على محمد
وآله: لا أن المراد الصلاة على النبي عند ذكر الاسم حقيقة، كما هو ظاهر الوسائل،

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التشهد - الحديث 2
(2) سورة الأعلى - الآية 14 و 15
(3) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الدعاء - الحديث 15
(4) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الذكر - الحديث 1
255

لأنه لم يذكر أحد استحباب ذلك ولا يعرفه أحد من فقهاء آل محمد (عليهم السلام).
وبموثق الأحول (1) في الركعتين الأولتين المتقدم سابقا منضما إلى صحيح
البزنطي (2) المتقدم سابقا أيضا بناء على إرادة أقل المجزي من الاجزاء، فيتم حينئذ
وجوبها في الشهادتين، والمناقشة فيه باشتماله على التحميد والدعاء بقبول الشفاعة وهما
مندوبان يدفعها عدم قدح مثله بعد أن اختصا بالدليل على ندبيتهما، بل يمكن أن يقال:
إن المراد الوجوب من الموثق المزبور للجميع لكن على التخيير بينه وبين غيره من
أفراد التشهد، فحينئذ كل ما لم يثبت فرديته بدلا يبقى وجوبه تعيينا، ومنه المجرد عن
الصلاتين، ولعله بذلك يتم الاستدلال أيضا بخبر أبي بصير (3) الطويل، إذ الجميع
من أفراد التشهد المأمور به في الصلاة، فيكون الجميع واجبا لكن على التخيير، ولعل
قوله في خبر سورة (4): " أدنى ما يجزى الشهادتان " مشعر بذلك، ضرورة إرادة
أعلى المجزي من غيره، وليس من التخيير بين الأقل والأكثر كما أوضحناه في التسبيح
فتأمل جيدا فإنه ربما دق، وبالحسن أو الصحيح في حديث المعراج (5) المروي عن
العلل المتقدم سابقا، وبخبر إسحاق بن عمار (6) عن أبي الحسن موسى بن جعفر
(عليهما السلام) المتضمن أيضا لكيفية صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال:
" ثم قال له: - أي الله تعالى - ارفع رأسك ثبتك الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن
ومحمدا رسول الله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، اللهم
صل على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 3 - 6
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التشهد - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 3 - 6
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10 - 11
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10 - 11
256

إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم تقبل شفاعته وارفع درجته، ففعل،
فقال له: يا محمد (ص) " إلى آخره.
وبالمروي من كتاب ثواب الأعمال بسنده (1) عن الصادق (عليه السلام)
والكافي والمحاسن قال، " إذا صلى أحدكم ولم يصل على النبي (صلى الله عليه وآله)
سلك بصلاته غير سبيل الجنة، وبما في بعض مضمرات سماعة (2) كما في الذكرى " في
المصلي خلف غير العدل يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله) " بناء على كون الجميع من مقول
القول، ضرورة ظهوره حينئذ في كون الصلاة جزء من التشهد لا التي تقال عند الذكر
فيكون الخبر حينئذ دالا على الشهادتين خاصة وإن كان قد يؤيده ظهور كون الإمام
مخالفا لا يجب عنده ذكر الصلاة على محمد وآله، فتأمل جدا، إلى غير ذلك بل قيل:
إنه تدل عليه الآية (3) أيضا بضميمة الاجماع على عدم وجوبها في غير موضع النزاع في
المنتهى والتذكرة وعن الناصريات والخلاف والمعتبر، بل هي دالة حينئذ على الموضعين،
ضرورة ظهور الآية في الأمر بالصلاة في سائر الأحوال لا الطبيعة التي تتحقق بالمرة،
وإن كان قد يخدشه بأنه مبني على القول بعدم وجوبها في غيرها، أما بناء عليه في العمر
مرة كما عن بعض العامة أو في كل مجلس مرة إن صلى آخره، وإلا فلو صلى ثم ذكر
تجب أيضا كما تتعدد الكفارة بتعدد الموجب كما مال إليه الأردبيلي، أو كلما ذكرته أو

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التشهد - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 2 والفروع ج 1
ص 106 من طبع القديم والتهذيب ج 3 ص 51 - الرقم 177 - المطبوع في النجف
ولكن لم تذكر جملة (صلى الله عليه وآله) في هذه الثلاثة. نعم هي موجودة في الوافي باب
" من صلى وحده ثم وجد الجماعة "
(3) سورة الأحزاب - الآية 56
257

ذكره ذاكر غيرك كما ذهب إليه المقداد في كنزه، والمحدث البحراني في حدائقه حاكيا
له عن الشيخ البهائي وعن الشيخ عبد الله بن صالح البحراني والكاشاني والمازندراني في
شرحه على أصول الكافي، فلا يتوجه الاستدلال حينئذ كما اعترف به المقداد، اللهم
إلا أن يدعى دلالته على الوجوب في جميع الأحوال، ولا قائل بوجوبها في غير الأحوال
المزبورة بالاجماع، لكنه كما ترى، ومبني على ترجيح مجاز التقييد خصوصا مثل هذا
التقييد على التجوز بالهيئة الذي يرجحه في خصوص المقام عطف التسليم المعلوم استحبابه
إلا على قول نادر وعدم حصول الظن بإرادة التشهدين من إطلاق الآية، خصوصا مع
الاتكال في بيانه على ما عرفت، والحمد لله الذي أغنانا بما عرفت عن هذه التكلفات
حتى بالنسبة إلى دعوى الجنيدي كما لا يخفى على من أحاط بما ذكرنا.
فلا حاجة حينئذ إلى البحث عن وجوبها في غير التشهدين وعدمه وإن كان
الأقوى فيه العدم مطلقا، للأصل والاجماعات السابقة التي يشهد لها التتبع والسيرة
القطعية وخلو الأدعية الموظفة والخطب المعروفة والقصص المنقولة عن المعصومين (عليهم
السلام) غالبا عنها، مع أن إثباتها فيها أوجب من إثبات كلماتها، وعدم تعليمها للمؤذنين
في الأخبار النبوية، ولأنه لو كان كذلك لاشتهر حتى صار أشد ضرورة من وجوب
الصلوات الخمس، لشدة تكرره وكثرة التلفظ به، خصوصا بناء على إلحاق ذكر الصفات
الخاصة أو مطلقا بالاسم وكل مفيد للمعنى من إشارة أو ضمير أو نسب أو فعل ونحوها
كما هو مقتضى إطلاق الأمر بها عند ذكره، بل ظاهر المحكي عن البهائي الميل إلى التزامه
وإن فصل في الحدائق بين ما اشتهر إطلاقه عليه كالنبي والرسول وأبي القاسم فيجب،
وغيره كخير الخلق وخير البرية والمختار فلا يجب، قال: ولعل الضمير من الثاني،
ولا يخفى عليك أن أصل الوجوب فضلا عن الفروع مما لا ينبغي الميل إليه، بل بعض
النصوص المدعى دلالتها على الوجوب هي نفسها مشعرة بالندب فضلا عن القرينة الخارجية
258

كما لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسان الشرع ورموزه التي أشار إليها بقوله (عليه
السلام) (9): " إنا لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له فيعرف اللحن " ولعل منه
قوله (صلى الله عليه وآله) ها هنا في الخبر المروي عن معاني الأخبار (1): " البخيل
حقا من ذكرت عنده فلم يصل علي " وقوله (صلى الله عليه وآله) في المروي عن
الإرشاد (2): " البخيل كل البخيل من الذي إذا ذكرت عنده لم يصل علي " وقوله
(صلى الله عليه وآله) في المروي (3) عن عدة الداعي: " أجفا الناس رجل ذكرت
بين يديه فلم يصل علي " بل وقوله (صلى الله عليه وآله) في خبرين (4): " من نسي
الصلاة علي أخطأ طريق الجنة ".
ومن الغريب أن المحدث البحراني استدل بهذا على الوجوب بعد حمل النسيان
فيه على الترك كقوله تعالى (5): " فنسي " وأغرب منه كثرة تسجيعه في المقام
وتبجحه وظنه أنه جاء بشئ حيث استدل على مطلوبه بظاهر الأمر في صحيح زرارة (6)
" صل على النبي (صلى الله عليه وآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر في الأذان أو غيره "
حتى أنه أزرى على الخراساني بما لا ينبغي منه مدعيا صراحة ذلك في الوجوب، وإنها
لمصيبة يستأهل أن يسترجع عندها، ضرورة أنه لا يليق بمن دس نفسه في فقهاء آل محمد
(عليهم السلام) الركون إلى مثل هذا الأمر المعلوم إرادة الندب منه ضرورة، كقول
الصادق (7) والرضا (عليهما السلام) (8): " الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الذكر الحديث 9 - 14 - 18 - 12 - 8
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الذكر الحديث 9 - 14 - 18 - 12 - 8
(3) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الذكر الحديث 9 - 14 - 18 - 12 - 8
(4) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الذكر - الحديث 4 و 16
(5) سورة طه - الآية 114
(6) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(7) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الذكر الحديث 9 - 14 - 18 - 12 - 8
(8) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الذكر الحديث 9 - 14 - 18 - 12 - 8
(9) المستدرك - الباب - 15 - من أبواب صفات القاضي الحديث 5 - من كتاب القضاء
259

واجبة في كل موطن وعند العطاس والذبائح " وأغرب من ذلك كله ما ذكره في كنز
العرفان من الأدلة على ذلك، فلاحظ واستعذ بالله أن يخرجك عن طريقة الأساطين
المتكفلين بما لآل محمد (عليهم السلام) من اليتامى والمساكين، وكان الإطالة في هذه المسألة
من تضييع العمر بما لا ينبغي خصوصا والخطأ وقع فيها ممن عرفت من الخلل في الطريقة.
ثم الظاهر أنه على كل من تقديري الوجوب والندب فالأصل عدم التداخل في
الأسباب بناء على أن كل ذكر لاسمه مثلا موجب للصلاة لا أن المراد بذكره تذكره
ولو بنقل قصة طويلة عنه، وعليه فالمتجه حينئذ في التشهد ذكر صلاتين للذكر وللصلاة،
بل لو نوى التداخل وقلنا بعدم جوازه في الواجب والمندوب اتجه البطلان حينئذ، نعم
لو قيل بأصالة التداخل ولو للدليل الشرعي اتجه الجواز حينئذ مع المحافظة على الفورية،
أو يقال: إن من المعلوم إرادة فعل الصلاة عند الذكر وإن كانت واجبة لنذر أو لصلاة
أو نحوهما لا صلاة منوي فيها أنها للذكر.
وعلى كل حال فقد بان لك بحمد الله ضعف ما سمعته من القول بعدم وجوب
الصلاتين في التشهدين لو كان، وكيف وقد جعله العلامة في كشف الحق من بدع العامة
ومخالفاتهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأضعف من ذلك الاستناد بالأصل المقطوع
بما عرفت، وبظهور بعض المعتبرة التي مر بعضها في الاجتزاء بالشهادتين الذي هو مع
احتمال إرادة الاجتزاء بهما من حيث الشهادتين لا من حيث أمر آخر كالصلاة، واحتمال
إرادة التعريض بذلك لما يفعله العامة من التحيات كما يومي إليه صحيح ابن مسلم (1)
السابق حيث أنه لما قال له الصادق (عليه السلام): ينصرف بعد الشهادتين سأله عن
قول العبد: التحيات إلى آخره فأجابه (عليه السلام) بأن هذا اللطف من الدعاء يلطف
العبد ربه، واحتمال عدم ذكر الصلاة لمعلومية ذلك ولو من حيث الذكر بناء على الاجتزاء

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 4
260

به وغير ذلك مما هو محتمل في كلام الصدوقين أيضا قاصر عن مقارضة ما عرفت من
وجوه لا تخفى، فلا ريب في ضعف القول المزبور لو كان، كضعف ما عساه يظهر مما
حضرني من نسخة إشارة السبق من الاجتزاء بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)
دون الآل كبعض النصوص (1) السابقة، إذ هو معلوم البطلان في مذهب الشيعة،
وإنما هو ينسب إلى بعض العامة ساقهم عليه النصب والعداوة، خصوصا بعد ما رووه
عن كعب الأحبار (2) أنه قال للنبي (صلى الله عليه وآله) عند نزول الآية (3) قد
عرفنا السلام عليك يا رسول الله فكيف الصلاة؟ قال: اللهم صل على محمد وآل محمد "
وفي مفتاح الكرامة أنه قال الأستاذ الشريف أي العلامة الطباطبائي في حلقة درسه
المبارك الميمون أنه وجد هذا الخبر بعدة طرق من طرقهم، وفي المروي عن العيون (4)
عن الرضا (عليه السلام) في مجلس له مع المأمون في إثبات الصلاة على الآل قال:
" وقد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت الآية قيل: يا رسول الله قد عرفنا التسليم
عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال: تقولون: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت
وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، فهل بينكم معاشر الناس في هذا
خلاف؟ قالوا: لا، قال المأمون: هذا لا خلاف فيه أصلا وعليه إجماع الأمة "
الحديث، ورووا عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) عن ابن مسعود قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من صلى صلاة ولم يصل علي وعلى أهل بيتي

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التشهد
(2) سنن أبي داود ج 1 ص 147 من طبعة الهند
(3) سورة الأحزاب - الآية 56
(4) عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 236 المطبوعة بقم عام 1377
261

لم تقبل صلاته " بل عن المتعصب منهم صاحب الصواعق المحرقة له أنه روي (1) عن
النبي (صلى الله عليه وآله) النهي عن الصلاة البتراء أي المتروك فيها ذكر الآل.
وأما نصوصنا فهي مستفيضة في ذلك، بل في بعضها (2) " إن من لم يتبع
الصلاة عليهم بالصلاة عليه لم يجد ريح الجنة، وكان بين صلاته وبين السماوات سبعون
حجابا ويقول الله تبارك وتعالى: لا لبيك ولا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاؤه
إلا أن يلحق بالنبي (صلى الله عليه وآله) عترته، فلا يزال محجوبا حتى يلحق به
أهل بيته (عليهم السلام) " وفي المروي عن رسالة المحكم والمتشابه (3) نقلا من تفسير
النعماني باسناده إلى علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
" لا تصلوا علي صلاة مبتورة بل صلوا إلى أهل بيتي ولا تقطعوهم، فإن كل نسب وسبب
يوم القيامة منقطع إلا نسبي " وبالجملة هو كالضروري من مذهب الشيعة، ولذا حكي
عن بعض العامة أنه نهى عن الصلاة على الآل لما فيه من الاشعار بالرفض، ونعوذ بالله
من هذه العصبية للباطل، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
إنما الكلام في أن الواجب في التشهد هذه الكيفية من الصلاة، وهي " اللهم
صل على محمد وآل محمد " كما صرح به بعضهم، بل هو الأشهر على ما في الذكرى،
بل عن المفاتيح أنه المشهور، بل ربما ظن من قول الفاضل في المنتهى: " المجزي من الصلاة
اللهم صل على محمد وآل محمد وما زاد مستحب بلا خلاف " الاجماع على ذلك، فلا يجزي
حينئذ إبدال الظاهر بالضمير ولا الفصل بعلى وإن كان هو المروي في خبر أبي بصير (4)
على ما حكاه في الفوائد الملية، قال: إني رأيت خبر أبي بصير بخط الشيخ (رحمه الله)

(1) الصواعق المحرقة ص 87 وكشف الغمة للشعراني ج 1 ص 194
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الذكر - الحديث 10 - 17
(3) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الذكر - الحديث 10 - 17
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 2
262

في كل واحدة من الصلاة والسلام والترحم إعادة العطف بعلى، وأنه زادها رابعا في
قوله كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وخامسا في قوله اللهم صل على محمد وآل
محمد، ولا غير ذلك من التغييرات التي يصدق معها اسم الصلاة عليه وعليهم حتى إبدال
الآل بأهل البيت الذي قال الصادق (عليه السلام) فيه على ما في مرسل ابن أبي عمير (1)
" وجدت في بعض الكتب من صلى على محمد وآل محمد كتب الله له مائة حسنة، ومن
قال: صلى الله على محمد وأهل بيته كتب الله له ألف حسنة " وإن كان قد ورد أيضا
ما يخالف ذلك من ترجيح ذكر الآل على الأهل لدخول الشيعة فيه دونه، لكن قد
يقوى في النظر العدم، لاطلاق الأمر بالصلاة عليه في النصوص السابقة، ولخبر
المعراج (2) ومضمر سماعة (3) السابق وخبر أبي بصير (4) الذي فصل بين النبي وآله
(صلوات الله عليهم) بعلى كما عرفت نقله عن خط الشيخ، وفي خبر ابن الجهم (5) قال:
سألته يعني أبا الحسن (عليه السلام) على الظاهر " عن رجل صلى الظهر أو العصر
فأحدث حين جلس في الرابعة قال: إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن
محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يعيد " الحديث. كل ذلك مع إطلاق الفتاوى
أيضا وبعض معاقد الاجماعات ونفي الخلاف.
ومن ذلك كله يعلم حينئذ أن ما ورد في النصوص من اللفظ المخصوص على جهة
المثال حتى خبر الكعب المزبور المسؤول فيه على الظاهر عن كيفية أصل الصلاة لا خصوص
العبارة، مع أنه سئل الصادق (عليه السلام) عن كيفية الصلاة عليه (صلى الله عليه وآله)

(1) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الذكر - الحديث 12
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10
(3) راجع التعليقة (2) على الصحيفة 257
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 6
263

في المروي (1) عن معاني الأخبار فقال: " تقولون صلوات الله وصلوات ملائكته
وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمد وآل محمد والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته "
وإن كان الظاهر عدم مدخلية الزيادات في كيفية أصل الصلاة، بل هي مستحب في
مستحب، كما أن المروي عن كعب كذلك، لأنه زاد فيه " كما صليت على إبراهيم "
إلى آخره. فما سمعته من الذكرى من أن الأشهر القول المخصوص جيد إن أراد في
الرواية، وإلا فلم نعرف أحدا قبله حكم بتعيين ذلك صريحا، ولعل مراد الفاضل بما في
المنتهى بل والتحرير عدم وجوب الزيادة على ذلك لا خصوص اللفظ، بل في المحكي عن
نهايته لو قال: صلى الله على محمد وآله أو صلى الله عليه وآله أو صلى الله على رسوله وآله
فالأقرب الاجزاء لحصول المعنى، بل هو في الذكرى احتمل إجزاء (صلى الله عليه وآله)
والاختصاص بالضرورة حملا لخبر سماعة عليها وهو كما ترى في غاية البعد، فلا ريب
في أن الأقوى إجزاء مطلق مسمى الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وإن كان
الأحوط الاقتصار على اللفظ المخصوص.
(و) أما الشهادتان فقد قال المصنف هنا كالمعتبر والقواعد والمنتهى وغيرها
أن (صورتهما أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله) والظاهر إرادة
الاجتزاء بذلك لا تعيينه بحيث يقدح فيه الزيادة، للقطع بعدمه ضرورة زيادة أكثر
النصوص (2) " وحده لا شريك له " في الأولى " وعبده " قبل الرسول مع إبدال
الظاهر بالمضمر في الثانية، وإجزائهما بهذه الصورة مجمع عليه تحصيلا ونقلا في المدارك

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الذكر - الحديث 1
2 الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 1 و 2 والباب 4 منها
الحديث - 4 -
264

وغيرها، فلا ريب في عدم إرادة تعيين الصورة المزبورة، ولذا قال في المدارك: إن
المشهور انحصار الواجب فيما ذكره المصنف، وأنه لا يجب ما زاد عنه، ولعله أخذه من
إطلاق أكثر الأصحاب الاجتزاء بالشهادتين، بل هو معقد إجماع الغنية والمحكي عن
الخلاف، والنسبة إلى دين الإمامية عن الأمالي، ولا ريب في صدقهما بالصورة المزبورة
قال في الذكرى: ظاهر الأصحاب وخلاصة الأخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقا، فعلى
هذا لا يضر ترك " وحده لا شريك له " ولا لفظ " عبده " وأشار بخلاصة الأخبار
إلى أنه وإن كان الوارد في أكثر النصوص الزيادة المزبورة إلا أنه بملاحظة ما سمعته
من إطلاق ما دل (1) على الاجتزاء بالشهادتين، مع ظهور المشتمل منها على ذلك في
عدم سوقه لبيان الواجب فقط، بل المراد منه الفرد الأكمل ولو من الشهادتين خاصة،
كصحيح ابن مسلم (2) المتقدم، خصوصا وقد سمعت خبر ابن الجهم وحديث المعراج
بل قد يشعر به أيضا خبر الفضل بن شاذان (3) الآتي، مضافا إلى معروفية صدق
الشهادتين بذلك، بل يمكن دعوى صيرورتها كالحقيقة فيما يشملهما، فيتجه حينئذ من
ذلك كله بقاء المطلق على إطلاقه، وحمل ما ورد في النصوص من الصورة المزبورة على
أفضلية الفرد وأكمليته بالنسبة إلى باقي أفراد الواجب التخييري بناء على فردية كل من
الصورتين للشهادتين كما هو ظاهر المحقق الثاني وغيره، بل في المحكي عن الذخيرة الظاهر
أنه مخير اتفاقا، ولعله لصدق الشهادتين على كل من الصورتين وإن كان لا يخلو من
إشكال التخيير بين الأقل والأكثر في الصيغة الأولى دون الثانية، لاختلاف الصورة
فيها، إلا أن الأمر فيه سهل ودفعه ممكن أيضا بل واضح.
ومن الغريب ما في كشف اللثام أن المشهور في الثانية " عبده ورسوله " وفي

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 0 - 4
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 0 - 4
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 6
265

الأولى زيادة " وحده لا شريك له " وبه الأخبار وإن قال أيضا: لكنها اشتملت
على مندوبات، ولعل العبودية منها وكذا التأكيد " بنحو وحده لا شريك له " لحصول
الشهادتين بما ذكر، وظاهره أو صريحه اختيار المختار، لكن فيما حكاه من الشهرة نظر
يشهد له تتبع كلمات الأصحاب، بل هو قد اعترف فيما بعد باطلاق الأكثر الشهادتين.
نعم لا يبعد اعتبار تكرير لفظ الشهادة وعدم الاجتزاء بالواو خلافا للفاضل في
القواعد وإن كان ظاهر ما سمعته من خبر أبي بصير ذلك في التشهد الأول، بل ويقتضيه
إطلاق خبر المعراج لصدق الشهادتين، إلا أن الذي يقوى في الذهن الإشارة باللام في
الشهادتين إلى المتعارف منهما في التشهد لا الجنسية الصادقة على الصورة المزبورة، ضرورة
ظهور خبر سورة (1) في أن المجزي من التشهد المتعارف الذي يطول فيه بالدعاء
والتحيات ونحوها الشهادتان منه كما لا يخفى على ذي الذوق السليم، بل يمكن دعوى
توقف صدق الشهادتين على المتكرر فيهما لفظ الشهادة، ضرورة مراعاة اللفظ في التسمية
كالتسبيح والتكبير والتهليل، وليس العطف بمنزلة ذكر اللفظ مطلقا، خصوصا مع إمكان
دعوى تعارف الشهادتين في المتكرر فيهما اللفظ في الأذان وغيره، ولعل عدم الذكر في
خبر أبي بصير للسهو من الرواة أو النساخ، على أنه كما في جامع المقاصد لا ينهض لمعارضة
غيره من الأخبار المشهورة في المذهب، ولعله لذا ولما عرفت منع من إسقاط اللفظ المزبور
هو فيه مع اجتزائه بمطلق الشهادتين، أما تكرار الواو فيقوى في النظر عدم اعتباره كما
في القواعد وعن صريح التذكرة وكشف الالتباس وفخر الدين، للقطع بعدم مدخليته
في صدق الشهادتين، لكن في الذكرى أما لو أضاف الرسول من غير لفظ عبده إلى
المضمر أو أسقط واو العطف فظاهر الأخبار المنع، قال: ويمكن استناد الجواز إلى

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 6
266

رواية حبيب (1) فإنها تدل بفحواها على ذلك، وهو كما ترى، والأولى الاستناد إلى
الأصل وإطلاق بعض الفتاوى وبعض النصوص (2) واشتمال أكثر الأخبار المفصلة
على المندوبات، ومن ذلك يعرف الحال في إبدال لفظ الجلالة بضميره حال حذف عبده
الموافق لمقتضى تقدم المرجع، بل من المستبعد اشتراط جواز الضمير بذكر " عبده "
وإن كان مستحبا، ولعله لذا استقرب الفاضل في القواعد الاجزاء كما عن صريح التذكرة
وكشف الالتباس وفخر الدين، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه فيه ولا في الاقتصار على
لفظ " محمد " أما إبدال لفظ الشهادة بنحو " أعلم " و " إلا الله " بواحد أو " غير الله "
فالظاهر العدم، اقتصارا على المنقول المنصرف إليه لفظ الشهادتين في التشهد.
كما أن الظاهر وجوب الترتيب أيضا بتقديم الشهادة بالتوحيد ثم الرسالة " ثم يأتي
بالصلاة على النبي وآله (ص) " لأنها هي الكيفية المأمور بها في النصوص (3) ولأنه هو المناسب
للاعتبار، لكن عن المقنعة " أن أدنى ما يجزي في التشهد أن يقول المصلي: أشهد أن لا
إله إلا الله، وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله " وظاهره لمخالفة في تأخر
الصلاة بناء على اجتزائه بذلك عنها، ولا ريب في ضعفه كضعف ما يظهر منه أيضا
من عدم اعتبار تكرر لفظ الشهادة لما عرفت، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه فيه
وفي غيره حتى بالنسبة إلى زيادة " وحده لا شريك له " التي تردد فيها في المحكي عن
التذكرة ونهاية الاحكام، بل ظاهر النافع والدروس وغيرها تعيينه وتعيين " عبده "
أيضا، بل قد عرفت نسبته إلى المشهور في الكشف، خصوصا مع ملاحظة صحيح ابن

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التشهد - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10 و 11 والباب 3
من أبواب التشهد - الحديث 1 و 2
267

مسلم (1) الذي لم يشتمل على ما نديته، بل قال في المحكي عن الروض أن خبر سورة
ابن كليب (2) الذي قال فيه الباقر (عليه السلام): " أدنى ما يجزي فيه الشهادتان "
فيه قصور عن مقاومة الآخر لضعفه برجال متعددين، وبأنه مطلق غير دال على عبارة
مخصوصة، والخبر الآخر مقيد بألفاظ معينة بيانا للشهادتين، والمطلق يجب حمله على
المقيد، وبأن العمل بالأول يستلزم جواز حذف لفظ " أشهد " الثانية مع الاتيان بواو
العطف، وحذف الواو مع الاتيان بها، بل حذفهما معا وإضافة الرسول والآل إلى
المضمر مع حذف " عبده " لصدق الشهادتين في جميع هذه التغييرات، وأصحاب
القول بالتخيير لا يقولون به وإن كان فيه نظر من وجوه لا تخفى على من أحاط خبرا
بما قدمناه، والله أعلم.
(ومن لم يحسن) عربية (التشهد وجب عليه الاتيان بما يحسن منه مع ضيق
الوقت ثم يجب عليه تعلم ما لم يحسن منه) نحو ما مر في تكبيرة الاحرام والقراءة بلا خلاف
أجده فيه، لقاعدة الميسور وغيرها، نعم ظاهر المصنف الاجتزاء بما يحسنه وإن استطاع
الترجمة عن غيره أو إبداله بالتحميد أو مطلق الذكر، بل هو ظاهر المبسوط والقواعد
والتحرير والمنتهى والمحكي عن المعتبر، بل كاد يكون صريح بعضها، ومقتضاه سقوط
القول أصلا إذا فرض أنه لم يحسن شيئا، اللهم إلا أن يفرق حينئذ بظهور الاجزاء
من قوله: " فاتوا " في الأول بخلاف الثاني، فينقل فيه إلى الترجمة، ثم إلى الذكر
كما هو ظاهر المحكي عن البيان، قال: " الجاهل يجب عليه التعلم، فإن ضاق الوقت أتى
بما علم، وإلا فالترجمة، وإلا احتمل الذكر إن علمه، والسقوط ".
والتحقيق أنه مع التعذر تقوم الترجمة كما صرح به في التذكرة والدروس والمحكي عن
المعتبر ونهاية الاحكام وجامع الشرائع والميسية إما لعموم الشهادتين والصلاتين في الأخبار

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 4 - 6
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 4 - 6
268

والفتاوى كما في كشف اللثام، وإما لما سمعته في ترجمة التكبير وإيماء حكم الأخرس بناء
على ما ذكرناه فيه من أنه هو المتعارف في إبراز الأخرس مقاصده، وقاعدة الميسور،
وصدق الذكر والدعاء على الفارسي، وبعد التعبد بالألفاظ العربية بحيث يسقط أصل
التكليف مع التعذر مع إطلاق قوله (عليه السلام) في بعض الأخبار (1) السابقة في
القراءة: " لا يراد من العجمي ما يراد من العربي الفصيح " ولأنه شئ غلب الله عليه
فهو أولى بالعذر (2) ولغير ذلك مما يفهم مما مر لنا في المباحث السابقة كترجمة التكبير
وقراءة الأخرس وغيرهما، فلاحظ وتأمل.
ولا يخفى أن ذلك كله يقتضي عدم الفرق بين الكل والبعض، فإن علم بعضه
حينئذ عربيا أتى به وترجم لغيره كما صرح به في كشف اللثام والمحكي عن الميسية،
ووجهه واضح، فإن تعذرت الترجمة ففي الذكرى " الأقرب وجوب التحميد للروايتين (3)
السابقتين " وفي الدروس " ومع التعذر تجزي الترجمة ويجب التعلم، ومع ضيق الوقت
يجزي الحمد لله بقدره، لفحوى رواية بكر بن حبيب (4) عن الباقر (عليه السلام) "
وفيه أنك قد عرفت الوجه في هذه النصوص، وأنه من المستبعد أو الممتنع إرادة ذلك
منها، اللهم إلا أن يكون المقصود منها بيان أدنى ما يجزي من التشهد في الأحوال:
أي قد ينتهي الأمر في التشهد إلى ذلك، ولعل الأستاذ في الكشف فهم منها ذلك مع
حمل التحميد فيها على المثال لمطلق الذكر فقدمه على الترجمة، وفيه أن الترجمة ذكر ودعاء
بالمرادف، بل قد سمعت ما في كشف اللثام من شمول الشهادتين والصلاتين لها، وهو

(1) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 2 مع اختلاف يسير
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التشهد - الحديث 2 و 3
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التشهد - الحديث 3
269

غير بعيد، ضرورة صدق الاقرار بالشهادتين والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)
على كلام الفارسي مثلا، وكأنه لذا في فوائد الشرائع - بعد أن ذكر الحكم في أنه إن
لم يحسن شيئا أمكن القول بالجلوس بقدره - قال: " وهذا الفرض بعيد، لأن الاسلام
إنما يتحقق بالاقرار بالشهادتين " إلى آخره. ضرورة عدم توقفه على العربي منهما،
فلا استبعاد حينئذ لو أراد خصوص العربي حينئذ، وما أبعد ما بين ما سمعته من
الأستاذ وبين ما يظهر من غيره ككشف اللثام من عدم بدل بعد الترجمة، ولا ريب
أن الأولى الاتيان به مع الفرض المزبور خصوصا الذكر القريب إلى معنى الأصل،
لفحوى التعويض عن القراءة، ولأنه خير القول، ولأن التشهد بركة وبناء على الذكر
ولأن تعسر اللفظ لا يسقط الاتيان بالمعنى الممكن، ولغير ذلك مما لا يخفى على العارف
بلسان الشرع ورموزه، بل لو عجز عنه انتقل إلى ترجمته كالمبدل على ما صرح به
الأستاذ في كشفه، والوجه فيه واضح كوضوح الوجه بعد الإحاطة بما ذكرناه هنا وهناك
فيما يتصور من الفروع في المقام حتى لزوم كون الذكر أو تكرير ما يحسنه منه مقدار التشهد
وعدمه وإن كان الظاهر الفرق بين المقام والقراءة بأنه لا شئ مقدر في الزائد على الواجب
هنا حتى يلتزم مساواة البدل له حروفا أو كلمات بخلاف القراءة، فالمتجه حينئذ الابدال
هنا بمقدار الواجب فما زاد.
ولو لم يعلم شيئا أصلا قيل وجب الجلوس بقدره كما صرح به بعضهم، وآله
لأنه أحد الواجبين كما هو مقتضى الأمر به في بعض النصوص وإن وجب الذكر
فيه كالقراءة حال القيام، بل لا مانع من اجتماع جهتي الوجوب الأصلي والغيري فيه،
وهو لا يخلو من بحث كما أومأ إليه الكركي فيما حكيناه عنه من فوائده، بل صرح به
في الحدائق بعد أن حكى الوجوب المزبور عن الذخيرة.
ثم إن ظاهر الأصحاب في المقام وغيره أن المراد بمن لا يحسن القابل للتعلم بعد
270

ذلك إلا أنه ضاق الوقت عليه وعدمه، بل يظهر من بعضهم أن المراد بمن لا يحسنه
لقصر الوقت عن أصل تعرفه لاجزائه شرعا، فهو جاهل بالحكم إلا أنه معذور، وكذا
الكلام في باقي أجزاء الصلاة حتى أنه لو بلغ مثلا في وقت لا يسع إلا إخباره بأفعال
ركعة واحدة أو أقل ولو تكبيرة الاحرام منها وجب عليه فعل ذلك، وكان صلاة
بالنسبة إليه، لاطلاق قوله (عليه السلام) (1): " لا يسقط الميسور بالمعسور " و " ما لا
يدرك كله لا يترك كله (2) " و " إذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم " (3)
ونحوها، لكنه لا يخلو من نظر، ضرورة انصراف الذهن إلى إرادة العجز عن الأداء
لا من حيث الجهل لقصر الوقت، فإن المتجه حينئذ عدم الوجوب أصلا، لأن الفرض
من انتفاء مقدمات الوجوب لا الوجود كما هو واضح، نعم قد يفرق بين الأركان
وغيرها خصوصا الأقوال من القراءة والذكر ونحوهما، ودعوى أنه لا فرق بينه وبين
العاجز عن التعلم وغيره من أفراد العاجز الذي نقلناه بقاعدة الميسور وانتفاء التكليف
بما لا يطاق إلى الميسور يدفعها أنه لو كان كذلك لكان التارك لتعرف ذلك عمدا حتى
ضاق الوقت ففعل ما كان قد علمه من التكبير مثلا مسقطا للقضاء عنه كباقي أفراد قاعدة
الميسور السابق، وهو مناف لاطلاقهم عدم معذورية الجاهل، وعدم سقوط القضاء
بفعله، وعدم ترتب الاجزاء على ذلك، وما هو إلا لعدم الأمر به، فتأمل جيدا.
ثم لا يخفى عليك جريان بعض المباحث السابقة من القراءة على حفظ القلب
والموالاة ونحوهما وما مر فيه من النظر، بل يمكن القول بعدم وجوب الأول هنا بالنسبة
إلى المندوب منه، بل وسائر الأقوال المندوبة في القنوت وغيره وإن قلنا به بالنسبة
إلى الواجب، على أنك قد عرفت البحث فيه في الواجب القراءة فضلا عنه، وأما

(1) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام
(2) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام
(3) تفسير الصافي - سورة المائدة - الآية 101
271

الترتيب بين أجزائه الواجبة من البدأة بالتوحيد ثم الرسالة ثم الصلاة فقد صرح به
بعضهم هنا كالفاضل في التذكرة وغيره، بل لعله ظاهر الجميع، ضرورة عدم إرادة
مطلق الجمع من الواو المذكورة في خلال ذكر الكيفية في كلامهم، وهو مع أنه الموافق
للاحتياط مقتضى الأمر بالكيفية المترتبة في النصوص (1) مع عدم ثبوت خلافها،
خصوصا مع موافقة هذا النظم للاعتبار أيضا، ولما هو المعلوم من طريقة الشرع،
فتأمل جيدا.
(و) أما (مسنون هذا القسم) ف‍ (أن يجلس متوركا) بلا خلاف أجده
فيه، بل في الغنية وظاهر المنتهى وعن صريح الخلاف الاجماع عليه، ويشهد له التتبع،
كما أنه يدل عليه مضافا إلى ذلك الصحيح (2) المتقدم سابقا في التورك بين السجدتين
بل ذكرنا هناك استحباب التورك في سائر جلوس الصلاة فضلا عن التشهد، وظاهر أن
مقتضى ذلك جواز سائر أفراد الجلوس بالمعنى الأعم الشامل للمكروه حتى الاقعاء على
ما سمعت الكلام فيه مفصلا، والقول بعدم جوازه فيه للنهي عنه أو لأنه ليس جلوسا
كما في صحيح المستطرفات (3) في غاية الضعف، لما عرفت من حمل النهي على الكراهة
خصوصا مع التعبير بلا ينبغي في صحيح المستطرفات، والقطع بصدق اسم الجلوس على
كل من تفسير به كما يشهد له جلوس المرأة للتشهد والعرف، فلا بد من حمل الصحيح
المزبور على ضرب من التأويل، فلاحظ ما سبق وتأمل.
(و) قد تقدم أيضا هناك تمام البحث في أن (صفته أن يجلس على وركه

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 11 والباب 3 من
أبواب التشهد - الحديث 1 و 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التشهد - الحديث 1
272

الأيسر ويخرج رجليه جميعا، فيجعل ظاهر قدمه الأيسر إلى الأرض وظاهر قدمه
الأيمن إلى باطن الأيسر) فلا ينبغي الإعادة، وفي مرسل الفقيه (1) كما عن مسند
العلل أنه قال رجل لأمير المؤمنين (عليه السلام): " يا بن عم خير خلق الله ما معنى
رفع رجلك اليمنى وطرح رجلك اليسرى في التشهد؟ قال: تأويله اللهم أمت الباطل
وأقم الحق ".
(و) من المسنون بلا خلاف أيضا (أن يقول ما زاد على الواجب من تحميد
ودعاء) وتحيات وبسملة وثناء وغير ذلك مما ورد في النصوص (2) وأفضله كما في المنتهى
والذكرى وغيرهما ما في خبر أبي بصير (3) المشهور في كتب الفروع فضلا عن الأصول
إلا أنه اشتمل على ابتداء التشهدين معا بقول: " بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء
لله " لكن في الذكرى وعن الفوائد الملية والبحار أن أكثر الأصحاب افتتحوه بقول:
بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلها لله، وهو كذلك في المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (4)
لكن مع إضافة التحميد قبل الأسماء، وفي حديث المعراج (5) المروي عن العلل
" بسم الله وبالله ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله " ولا بأس بالعمل بالجميع خصوصا
بعد ما قال بكر بن حبيب (6) لأبي جعفر (عليه السلام): " أي شئ أقول في التشهد
والقنوت؟ قال: قل بأحسن ما علمت، فإنه لو كان موقتا لهلك الناس " بل قد سمعت
الاجتزاء بالحمد عن سائر ما يقال في التشهد من المندوب فيما مضى من خبره الآخر (7)
وخبر الخثعمي (8) وبه أفتى غير واحد حتى العلامة الطباطبائي في المنظومة، قال:

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التشهد - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث - 2
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث - 2
(4) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب التشهد - الحديث 3
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10
(6) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التشهد - الحديث 1 - 3 - 2
(7) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التشهد - الحديث 1 - 3 - 2
(8) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التشهد - الحديث 1 - 3 - 2
273

والابتدا بالحمد فيهما كفى * عما يندب فيهما قد وظفا
وظاهر خبر أبي بصير كالرضوي اختصاص التحيات بالتشهد الأخير، بل في
الذكرى والمحكي من الفوائد الملية لا تحيات في التشهد الأول باجماع الأصحاب، بل قال
في الأول: " لو أتى بالتحيات في الأول معتقدا لشرعيتها مستحبا أثم واحتمل البطلان "
بل عن إرشاد الجعفرية الجزم به، ولو لم يعتقد استحبابه خلا عن إثم الاعتقاد، وفي
البطلان وجهان عندي ولم أقف للأصحاب على هذا الفرع، وفي المنظومة:
كذا تحيات أبي بصير * تندب في التشهد الأخير
قلت: لكن أطلق الفاضل في القواعد استحباب زيادة التحيات، بل عن البيان
" لو أتى بها فيه فالظاهر الجواز " وفي كشف الأستاذ استحباب إضافة التحيات لله في
أحد التشهدين، قال: " ولو أتى بها في كليهما لقضية التفويض مع قصد الخصوصية
فلا بأس " وكان مراده بقضية التفويض نفي التوقيت في التشهد، وأنه يقال فيه أحسن
ما يعلمه الانسان وأيسره، ضرورة اقتضاء ذلك جواز نية الخصوصية، إذ لا فرق بين
الأمر بخاص وبعام يندرج فيه الخاص، إذ كل فرد حينئذ مأمور به بخصوصه، نعم
قد يحصل لبعض أفراد العام خصوصية أخرى زائدة على جهة الاشتراك مع باقي الأفراد
وليس الكلام فيه، وقد يؤيده مع ذلك قول الرضا (عليه السلام) في خبر الفضل بن
شاذان (1): " إنما جعل التشهد بعد الركعتين لأنه كما قدم قبل الركوع والسجود من
الأذان والدعاء والقراءة فكذلك أمر بعدها بالتشهد والتحية والدعاء ".
ومن الغريب قوله أخيرا في الذكرى: وفي البطلان وجهان عندي، إذ لا نهي
عنه بالخصوص ولا تشريع، واحتمال أنه كلام آدميين جاز في الأخير للنص بخلاف
الأول كما ترى، إذ لا ريب في أنه من التنزيه، وقد سمعت قول الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 6
274

لابن مسلم (1): " هذا اللطف من العبد يلطف العبد ربه " وقال (عليه السلام) أيضا في
خبر عبد الرحمن (2): " إن معنى قول الرجل التحيات لله الملك لله: وبالجملة لا ريب في
أنها نوع من التنزيه، وليس التحيات كذكر السلام في التشهد الأوسط الذي ورد
الابطال به كقول: تبارك اسمك وتعالى جدك، قال الباقر (عليه السلام) في خبر
ميسر (3): " شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم: قول الرجل تبارك اسم ربك وتعالى
جدك، وهذا شئ قالته الجن بجهالة، فحكى الله منهم، وقول الرجل: السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين " وقال الصادق (عليه السلام) أيضا في مرسل الفقيه (4): " أفسد
ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين بقول: " تبارك اسم ربك وتعالى جدك " وهذا
شئ قالته الجن بجهالة، فحكى الله عنها، وبقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
يعني في التشهد الأول " لكن الأستاذ في كشفه حكم بكراهة القول الأول المنسوب
إلى الجن، ولعله لقصور الرواية عن إفادة البطلان، وكيف كان فالوجه جواز التحيات
مع نية الخصوصية فضلا عن غيره لما عرفت.
ومنه يعلم حينئذ أنه لا ينبغي التوقف من بعض المعاصرين في نية الخصوصية
بقول: " وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته " في التشهد الأخير لاختصاص الأول
بوروده فيه حتى حكم ببطلان الصلاة مع ذلك للتشريع، إذ قد عرفت أنه يكفي في
جوازها - مضافا إلى ما عرفت من التفويض المزبور، وأنه لا توقيت فيه، بل يقال
فيه بأحسن ما يعلم وأيسره - ثبوت مشروعية الدعاء فيه للدين والدنيا إجماعا كما عن
الخلاف والتذكرة، ولعل ذكرهم ذلك بخصوصه فيه وفي السجود مع أن الدعاء جائز في

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التشهد - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التشهد - الحديث 1 - 2
275

سائر أحوال الصلاة لبيان كون المراد بمشروعيته فيهما صيرورته كذكرهما المأثور بالخصوص
لا أنه خارج عن الصلاة شرع في أثنائها، بل يمكن دعوى ذلك في مطلق الدعاء الثابت
مشروعيته في الصلاة أيضا، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1):
" كلما ذكرت الله عز وجل به والنبي (صلى الله عليه وآله) فهو من الصلاة " فيكون
نصهم حينئذ على التشهد والسجود للنص عليه بالخصوص، وليس المراد قصر المشروعية
على نية ذلك بحيث لو نوى الذكر أو الدعاء لا بعنوان ذلك لم يجز، على أنه قد يستفاد
جوازه بالخصوص أيضا مما ورد في صحيح البزنطي (2) السابق من إجزاء ما يقال في
التشهد الأول في التشهد الثاني بناء على إرادة الاجزاء في الواجب والندب، ومن خبر
المعراج (3) " اللهم تقبل شفاعته وارفع درجته " وهو إنما صلى ركعتين فيكون
هو التشهد الأخير، واحتمال الفرق بسبق التشهد وعدمه يجوز في الثاني دون الأول
كما ترى، وفي المحكي عن نهاية الشيخ التي هي متون أخبار " وإن قال هذا يعني قوله:
اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته في التشهد الثاني وجميع
الصلوات لم يكن به بأس غير أنه يستحب أن يقول في التشهد الأخير: بسم الله وبالله
إلى آخر التحيات " وكان مراده أفضلية اختيار ذي التحيات على المقتصر فيه على ذلك
وقال شيخنا في كشف: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) في الرؤيا فأمرني أن أضيف
إليها قول: وقرب وسيلته، ولعل المراد بالدعاء في المتن والقواعد الإشارة إلى ما يشمل
ذلك، فالقول بالجواز حينئذ مع نية الخصوصية كغيره من أفراد الدعاء والحسن من
القول هو الوجه، نعم لا ينبغي أن ينوي خصوصيته من بين الافراد المشتركة معه في

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 11
276

الدليل المزبور بخلاف الوارد بخصوصه من الألفاظ والأدعية، ولعل هذا هو الفرق
بين الخصوصيتين، بل ربما كان هذا هو مراد من أبطل مع نية الخصوصية
لا الخصوصية السابقة.
ومن المسنون أيضا في التشهد الأول تكرير الحمد بعد ختامه مرتين أو ثلاثا كما
في خبر أبي بصير المزبور (1) بل قال الصادق (عليه السلام) في خبر عمرو بن حريث (2):
" قل في الركعتين الأولتين بعد التشهد قبل أن تنهض: سبحان الله سبع مرات " ولا
بأس به، بل ولا بالمحكي في الذكرى عن أبي الصلاح من زيادة بعد " والأسماء الحسنى
كلها لله " قول: " لله ما طاب وزكى ونمى وخلص، وما خبث فلغير الله " على النحو الذي
ذكرناه في التحيات، فلا يلاحظ فيه الخصوصية الخاصة، لأنا لم نعثر له على نص فيه،
نعم في خبر عبد الله بن الفضل الهاشمي (3) أنه سأله (عليه السلام) " ما معنى قول المصلي
في تشهده لله ما طاب وطهر، وما خبث فلغيره؟ قال: ما طاب وطهر كسب الحلال من
الرزق، وما خبث فالربا " وهو لا يخص التشهد الأول، ولا إطلاق فيه قطعا، نعم
قد يثبت بترك الاستفصال في خبر يعقوب بن شعيب (4) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
" أقرأ في التشهد ما طاب لله، وما خبث فلغيره، فقال: هكذا كان يقول علي (عليه
السلام) " والأمر سهل بعد ما عرفت مما يندرج فيه هذا وغيره، بل لو قرئ المروي (5)
عن فقه الرضا (عليه السلام) على طوله وزياداته على خبر أبي بصير بالنحو الذي ذكرناه
لم يكن به بأس، فتأمل جيدا، والله أعلم.

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 2 - 7 - 5
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التشهد - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 2 - 7 - 5
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 2 - 7 - 5
(5) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب التشهد - الحديث 3
277

(الثامن)
من أفعال الصلاة
(التسليم)
(وهو واجب على الأصح) وفاقا للصدوق والحسن والجعفي والمرتضى وابني
حمزة وزهرة وسلار والتقي ويحيى بن سعيد وأبي صالح وأبي سعيد من علمائنا الحلبيين
والقطب الراوندي وابن المتوج وابن طاووس والفاضل في المنتهى بل عن ولده أنه
الذي استقر عليه رأيه والآبي والشهيد والمقداد وابن فهد والصيمري والبهائي والحر العاملي
والكاشاني والمحدث البحراني والفاضل الإصبهاني والمحقق البهبهاني والعلامة الطباطبائي
وشيخنا المعتبر الأوحد الشيخ جعفر على ما حكي عن البعض، بل لعله هو الذي استقر
عليه المذهب في عصرنا وما راهقه، كما أنه في المحكي عن الروض نسبته إلى أكثر
المتأخرين، بل عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية، بل ربما نسب إلى الشيخ أيضا
مطلق الوجوب أو خصوص الصيغة الأولى من التسليم، ولعله لقوله في التهذيب عند
شرح قول المفيد في صلاة الوتر أن التسليم في ركعته لا يجوز تركه عندنا أن من يقول:
السلام علينا في التشهد فقد انقطعت صلاته، فإن قال بعد ذلك: السلام عليكم وإن لم يقل
جاز، وبه جمع بين ما دل على وجوب التسليم وما دل على التخيير على وجه يقطع بعدم
إرادة اختصاص ذلك في الوتر كما لا يخفى على من لاحظه، ومنه ينقدح احتمال إرادة
النادب التسليم الأخير حال الجمع لا مطلق التسليم، خصوصا مع قوله في المبسوط من
قال من أصحابنا إن التسليم سنة يقول: إذا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
فقد خرج من الصلاة، ومن قال: إنه فرض فبتسليمة واحدة يخرج من الصلاة وينبغي
278

أن ينوي بها ذلك، والثانية ينوي بها السلام على الملائكة أو على من في يساره، ضرورة
ظهوره في الصيغة الثانية دون الأولى، ولذا حكى عنه في المعتبر القول بوجوبها وإن
ناقشه في الذكرى، لكنه ليس في محله، بل كلامه في الخلاف أيضا كالصريح في أن
المراد بالمحكوم عليها بالندب الصيغة الثانية دون الأولى لأنه قال فيه: الأظهر من
مذاهب أصحابنا أن التسليم في الصلاة مسنون وليس بركن ولا واجب، واستدل على
ذلك بخبر أبي بصير (1) الآتي " إنما التسليم أن تسلم على النبي (صلى الله عليه وآله)
وتقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة "
الحديث. وقال في المبسوط في موضع آخر: إنه إن كبر المأموم قبل الإمام لم يصح
ووجب قطعها بتسليمة، قال في الذكرى وهو مشكل على مذهبه من ندبية التسليم،
ويمكن أن يراد به الوجوب التخييري بينه وبين فعل باقي المنافيات وإن كان التسليم
أفضل، قلت: ستعرف أنه ليس مذهبا لأصحابنا، وليس أولى من أن يريد الصيغة
الأولى، ويؤيده زيادة على ذلك أنه روى في التهذيب النصوص (2) الدالة على انحصار
الانصراف بالصيغة الأولى من التسليم ولم يذكر تأويلا لشئ منها، بل قال في شرح
قول المفيد: والسلام في الصلاة سنة وليس بفرض تفسد بتركه الصلاة: يدل على ذلك
ما رواه الحسين بن سعيد عن فضالة عن حسين بن عثمان عن سماعة عن أبي بصير (3)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إذا نسي الرجل أن يسلم فإذا ولى وجهه عن القبلة
وقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد فرغ من صلاته " إذ الظاهر بقرينة
استدلاله أنه فهم الحالية من الواو، بل قد يؤيده أيضا معروفية احتياج الصلاة إلى

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التسليم - الحديث 1
279

مخرج بين المسلمين فضلا عن الإمامية وأنه عندنا التسليم لا غير للنصوص التي ستسمعها
فمن المستبعد جدا رفع اليد عن ذلك كله والاجتزاء بالصلاة على النبي (ص) خاصة.
نعم يمكن أن يريدوا خصوص الصيغة الثانية المعروفة بالتسليم وإن كان سبب
هذا التعارف العامة، لجعلهم الصيغة الأولى من التشهد، ولذا ورد في الطعن عليهم
ما ورد لا مطلق التسليم، حتى المفيد المصرح تارة بأن التسليم سنة ليس بفرض،
وأخرى بأن آخر فروض الصلاة الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) لكن قد يريد
بقرينة ما سمعته منه في الوتر وغيره المعلوم عدم إرادته الاختصاص فيه وإلا لحكي عنه
- وبقرينة ما حكاه عنه في الذكرى أيضا من أنه إذا قال ذلك مشيرا إلى الصيغة الأولى
فقد فرغ من صلاته وخرج بهذا السلام، وغير ذلك - الصيغة الثانية من التسليم التي
هي المعروفة في النصوص والفتاوى بهذا الاسم، كمعروفية عد الأولى من التشهد،
وقال الراوندي في حل المعقود من الجمل والعقود: " من قال: إن التسليم سنة يقول:
إذا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد خرج من الصلاة، ولذلك لا يجوز
التلفظ به في الشهد الأول، ومن قال: إنه فرض قال: إذا لم يكن تلفظ في التشهد
الثاني بقول: السلام علينا إلى آخره ولا نحو ذلك فتسليمة واحدة تخرج من الصلاة،
وينبغي أن ينوي بها ذلك " إلى آخره إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة الدالة على إرادة
بعض من نسب إليه من قدماء الأصحاب الندب في الجملة لا مطلق التسليم، ولولا مخافة
أن يطول الكلام بذكرها تفصيلا لدللنا على ذلك إلا أن الحر تكفيه الإشارة، ولقد
أجاد العلامة الطباطبائي بعد أن ذكر صيغتي السلام بقوله:
والجمع أولى وعليه العمل * فالأول الواجب والمحلل
وقد يريد النادبون الثاني * لجامع فاتحد القولان
280

وكم بدا من قولهم شواهد * قضت بأن المعنيين واحد
ولعل منها ما أشكل على الشهيد في الذكرى والخراساني في الذخيرة من ظهور
كلام الشيخين الذين هما الأصل في القول بالندب في توقف الخروج عن الصلاة على
التسليم وأنه هو المحلل عندهما كما اعترفا به، وقد ألجأهما الجمع بين ذلك والقول بالندب
إلى تجشمات ضعيفة وتعسفات بعيدة لا ريب في أن ما ذكرناه من الجمع بإرادة ندب
خصوص الصيغة الثانية إذا جاء بالأولى لا مطلق التسليم حتى الأولى المعدودة من التشهد
ولم تسم بالتسليم عندهما وبها يحصل الخروج والتحليل والانقطاع أولى منها، وربما تسمع
له تتمة عند شرح قول المصنف: " وله عبارتان " ولا ينافيه جعل المفيد الآخر الصلاة
على النبي (صلى الله عليه وآله) إذ لعله ممن يقول بالوجوب الخارجي، أو لأن لما يحصل
به الانقطاع جهتي دخول وخروج، أو لغير ذلك.
فمن الغريب بعد ما عرفت نسبة القول بالندب إلى أجلاء الأصحاب في جامع
المقاصد، والأكثر عن تعليق النافع، وأكثر القدماء في الذكرى، وأكثر المتأخرين
في المدارك وغيرها، بل عن غاية المراد أن الأصحاب ضبطوا الواجب والندب وكلهم
جعلوه من قبيل الندب وإن كنا لم نتحققه فيها، مع أنه لم يحك إلا عن ظاهر والد
الصدوق ولم نتحققه، بل مقتضى عدم نقل ولده عنه ذلك عدمه، سيما مع ما عن أماليه
من نسبة الوجوب إلى دين الإمامية وإن كنا أيضا لم نتحققه، ووالده عنده من أعظمهم
كما يومي إليه شدة اعتنائه برسالته في الفقيه، والشيخين وقد عرفت الحال فيهما، ومنه
اضطرب النقل عن الخلاف والمبسوط في كشف الرموز والمعتبر وغيرهما، فلاحظ، وابن
طاووس وظاهر المحكي عنه في الذكرى خلافه، والقاضي وابن إدريس والفاضل وبعض
من تأخر عنه ولم يحضرني كلام الأولين، وليس النقل كالعينان، وقد عرفت ما حكاه
ولد الثالث عنه فضلا عن مذهبه في المنتهى.
281

على أن المتبع الأدلة، ولا ريب في أن مقتضاها الوجوب، أما الكتاب منها
فظاهر الآية (1) وإن كان لا يخلو من بحث، وأما العقل فقاعدة الشغل بناء عليها
واستصحاب معنى الاحرامية والحبس الحاصل من تكبيرة الاحرام التي هي سبب لثبوت
حرمة منافيات الصلاة من الكلام وغيره، واستصحاب حكم الصلاة وحكم منافياتها،
بل لعل أدلتها نحو قوله (2): " لا تحدث في الصلاة " وشبهه دالة عليه بتقريب أنه
على تقديري الوجوب والندب من الصلاة، إذ القول بخروجه ضعيف وحادث يمكن
تحصيل الاجماع على خلافه كما ستعرفه، وحينئذ فأصالة الحقيقة في هذه النواهي مستلزمة
لوجوب التسليم، إذ على تقدير الندب لا يحرم شئ منها كما هو واضح فتأمل، وأما
الاجماع فهو إن لم يمكن تحصيله فقد عرفت دعوى المركب منه من المرتضى، وفي الغنية
لا خلاف في وجوب الخروج من الصلاة، وإذا ثبت ذلك فلا تخيير بلا خلاف بين
أصحابنا في الخروج منها بغير التسليم من المنافيات، وكأنه أخذه من المرتضى حيث
قال على ما في الذكرى إنه قد ثبت بلا خلاف وجوب الخروج من الصلاة كما ثبت
الدخول فيها، فإن لم يقف الخروج منها على السلام دون غيره جاز أن يخرج بغيره من
الأفعال المنافية للصلاة كما قال أبو حنيفة، وأصحابنا لا يجيزون ذلك، فثبت وجوب
السلام، وفي التنقيح إن لم يجز الخروج من الصلاة إلا بالتسليم فإنه يكون واجبا،
لوجوب الخروج من الصلاة إجماعا، والظاهر إرادة بين المسلمين من نفي الخلاف أولا
لأن أبا حنيفة إنما خالف في تعيين السلام للخروج، فخير بينه وبين الحدث وغيره من
المنافيات، وإلا فهو قد وافق على وجوب المخرج بمعنى أن الصلاة ليست كباقي الأفعال
التي يحصل الخروج منها بمجرد الفراغ من أفعالها، بل هي أشبه شئ بالاحرام المتوقف

(1) سورة الأحزاب - الآية 56
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 5
282

على المحلل، لكن أبا حنيفة خير، وغيره عين السلام.
وإليه أشار المصنف بقوله " (ولا يخرج من الصلاة إلا به) ولعل الذي ألجأه
إلى التخيير المزبور بعد القياس أنه راعى التناسب بين أفراد ما ابتدعه من الصلاة وبين
المحلل لها، إذ منها عنده - بعد الوضوء بنبيذ التمر المغصوب منكوسا عكس الكتاب
العزيز - الصلاة في الدار المغصوبة على جلد كلب لابسا لجلد كلب وبيده قطعة من لحم
كلب وعليه نجاسة ثم يكبر بالفارسية ويقرأ كذلك مدهامتان ثم يطأطئ رأسه حدا
يسيرا غير ذاكر (1) ولا مطمئن ثم يهوي إلى السجود من غير رفع ثم يحفر حفيرة لينزل
جبهته أو أنفه فيها من غير ذكر ولا طمأنينة ولا رفع بينهما ثم يقعد من غير تشهد، وهذه
لا يناسبها إلا التحليل بضرطة قطعا، وحق للأمر بها أن يأمر بهذا المحلل لها.
وكيف كان فقد ظهر أنه متى وجب الخروج من الصلاة وجب التسليم بعد فرض
عدم المخرج عندنا غيره، إذ المراد بوجوب الخروج فعل شئ يترتب عليه الخروج،
وإلا لم يكن لهذا الوجوب معنى محصل كما هو واضح بأدنى تأمل، وأما السنة فالفعل
منها من النبي والأئمة (عليهم الصلاة السلام) مما لا ينبغي إنكاره فضلا عن فعل
الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وكل من دخل في هذا الدين، وعن غوالي اللئالي
في الأحاديث الصحيحة أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقول التسليم المخرج من
الصلاة عقيب كل صلاته وكان يواظب عليه وكذا الأئمة (عليهم السلام) ولقد أجاد
في الذكرى بقوله تارة: تواتر النقل (2) عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته
(عليهم السلام) بقول: السلام عليكم من غير بيان ندبيته مع أنه امتثال للأمر الواجب

(1) وفي النسخة الأصلية " ثم غير ذاكر "
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 2 و 11 و 15 والمستدرك
الباب 1 منها - الحديث 3 وسنن البيهقي ج 2 ص 177 و 178
283

وأخرى حتى أن قول سلف الأمة: السلام عليكم عقيب الصلاة داخل في ضروريات
الدين قلت: لو أغضينا عن دليل التأسي وخصوص قوله صلى الله عليه وآله (1): " صلوا كما رأيتموني
أصلي " وعن عموم ما دل (2) على وجوب الطاعة والانقياد، وعن أصالة الوجوب في
كل ما يصدر بيانا للواجب مع عدم اقترانه بما يقتضي الندب لأمكن استفادة الوجوب
من مجرد الالتزام بذلك على وجه لم يعلم مثله في غيره من المندوبات، خصوصا ولم يرد
فيه ما يقتضي عظم الثواب وشدة الترغيب فيه كما ورد في باقي المستحبات التي مع ذلك
لم يحافظ عليها الخواص فضلا عن السواد بعض هذه المحافظة، وكيف يسوغ لصاحب
الشرع عدم التصريح بالندب والاعلان به مع علمه بفعل جميع أتباعه له بعنوان الوجوب
وخصوصا إذا قلنا بفساد الصلاة مع ذلك، بل يظهر منه من الملازمة عليه والأمر به
ما يغربهم به ويوقعهم بالجهل فيه، حاش لمتدين يتوهم ذلك، بل ليس هذا إلا من التقرير
المعلوم حجيته مع قطع النظر عن التأسي بفعله، بل إن لم يكن هذا تقريرا فلا تقرير
يمكن أن يستفاد حكم منه، كما أنه إن لم يحصل من هذه السيرة المستمرة في سائر الأعصار
والأمصار من الخواص والسواد وسكوت العلماء عن النكير على اعتقاد الوجوب من
الصلاة، مع أنه تدور عليه أحكام عديدة منها أحوال السهو والشك وفعل المنافيات
وغيرها مما لا يمكن حصره وعده لا ينبغي الالتفات بعد إلى سيرة أو إجماع أو ضرورة.
وأما القول فمنه نصوص التحليل، ففي الكافي مسندا إلى القداح (3) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " افتتاح الصلاة
الوضوء، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم " وفي الفقيه (4) قال أمير المؤمنين (عليه السلام)

(1) صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125
(2) سورة آل عمران - الآية 29
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 1 - 8
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 1 - 8
284

إلى آخره، وأرسله في الهداية والتهذيب نحو هذا الارسال المشعر بوصوله إليه بالطريق
المعتبر إن لم يكن مقطوعا به، وفي المروي عن العلل والعيون باسناده الذي قيل: إنه
لا يقصر عن الصحيح عن الفضل بن شاذان (1) عن الرضا (عليه السلام) " إنما جعل
التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدلها تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر، لأنه لما كان
الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين
والانتقال عنها، وإنما ابتدأ المخلوقون في الكلام أولا بالتسليم " وعن العلل أيضا بسند
يمكن أن يكون معتبرا إلى المفضل بن عمر (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة قال: لأنه تحليل الصلاة - إلى أن قال - قلت:
فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال: لأنه تحية الملكين، وفي إقامة الصلاة بحدودها
وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة العبد من النار " الحديث. وفي العيون باسناد معتبر
في الجملة عن الفضل بن شاذان (3) عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون " لا يجوز
أن تقول في التشهد الأول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لأن تحليل الصلاة
التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلمت " وبعينه المروي عن الخصال عن الأعمش (4)
عن الصادق (عليه السلام) وفي المروي عن معاني الأخبار بسنده إلى عبد الله بن الفضل
الهاشمي (5) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن معنى التسليم في الصلاة فقال: التسليم
علامة الأمن وتحليل الصلاة، قلت: وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال: كان الناس فيما
مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره، وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم، وإن لم يسلم
لم يأمنوه، وإن لم يردوا على المسلم لم يأمنهم، وذلك خلق في العرب، فجعل التسليم علامة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 10 - 11 - 13
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 10 - 11 - 13
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التشهد - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 10 - 11 - 13
285

للخروج من الصلاة، وتحليلا للكلام، وأمنا من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها،
والسلام اسم من أسماء الله عز وجل، وهو واقع من المصلي على ملكي الله الموكلين "
وعن كتاب المناقب لابن شهرآشوب عن أبي حازم (1) " سئل عن بن الحسين (عليهما
السلام) ما افتتاح الصلاة؟ قال: التكبير، قال: ما تحليلها؟ قال: التسليم " إلى غير
ذلك، بل روي أيضا في أكثر كتب الفروع التي منها ما لا يعمل مصنفها إلا بالقطعيات
كالسيد وأبي المكارم، بل رواه الشيخ وغيره ممن قال بالندب، ولذا وصفه بعضهم
بالشهرة، بل في المنتهى تلقته الأمة بالقبول ونقله الخاص والعام.
قلت: وهو كذلك، فمن العجيب بعد ذلك كله المناقشة من الأردبيلي وأتباعه
في السند بالارسال ونحوه، وأنه إنما وقع في كتب الأصحاب إلزاما للعامة بما هو من
طرقهم، على جهة الجدل، إذ هي تشهد على قصور الباع وقلة الاطلاع أو عدم التأمل في
كلامهم، على أن هذه النصوص إن لم تكن متواترة أو مقطوعا بها بالقرائن الكثيرة
ومعتضدة بالعمل والتظافر ونحو ذلك فلا ريب في استفاضتها بحيث تستغني عن ملاحظة
السند كما هو واضح وإن أطنب فيه الأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح، وأضعف
منها المناقشة في المتن بعد أن وجه الاستدلال بها بأن التسليم وقع خبرا عن التحليل،
لأن هذا من المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر لكونهما معرفين، وحينئذ
فيجب كونه مساويا للمبتدأ أو أعم منه، فلو وقع التحليل بغيره كان المبتدأ أعم، ولأن
الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ بمعنى تساويهما في المصداق لا المفهوم، ولأن تحليلها
مصدر مضاف إلى الصلاة فيعم كل تحليل يضاف إليها، وعن المختلف توجيه الحصر بأن
تقديم الخبر يدل على حصره في الموضوع، قيل: وكأنه يرى أن إضافة المصدر إلى
معموله إضافة غير محضة كإضافة الصفة إلى معمولها، وهو خلاف ما عليه محققوا العربية

(1) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 5
286

قلت - مع أن تقديم الخبر إنما يدل على حصر الموضوع فيه لا العكس المراد في المقام
كما لا يخفى على من لاحظ كلام التفتازاني في أحوال المسند، إذ حاصل المناقشة المزبورة
أنا نمنع لزوم كون الخبر مساويا للمبتدأ أو أعم، فإنه يجوز الاخبار بالأعم من وجه
كزيد قائم، وبالأخص مطلقا كقولك: حيوان يتحرك كاتب، ومنشأ ذلك أن المراد
بالاخبار الاستناد في الجملة لا دائما، ومنه يعلم أنه لا يجب تساوي المفردين في الصدق
والمفهوم، وأيضا تمنع كون إضافة المصدر للعموم، لجواز كونها للجنس أو العهد، على
أن التحليل قد يحصل بغير التسليم كالمنافيات وإن لم يكن الاتيان بها جائزا، وحينئذ
فلا بد من تأويل التحليل بالذي قدره الشارع، فكما أمكن إرادة التحليل الذي قدره
على سبيل الوجوب أمكن إرادة الذي قدره على سبيل الاستحباب، وأيضا الخبر متروك
الظاهر، لأن التحليل ليس نفس التسليم، فلا بد من إضمار ولا دليل على ما يقتضي
الوجوب، وإرادة اسم الفاعل من المصدر مجاز كالاضمار، فلا يتعين أحدهما، إلى غير
ذلك -: ودفعت بأن المشهور المعروف بين النحويين وأهل الميزان منع كون الخبر أخص
من المبتدأ وإلا لعرى الكلام عن الفائدة، ولهذا لا يجوز الحيوان إنسان واللون سواد
وفي كشف الرموز أن ذلك ثابت عند أهل اللسان إلى آخره، والمشهور أيضا عند
النحويين أن الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ، وفي المنتهى اتفاق النحويين على ذلك
وقد تقرر في الأصول أن الإضافة حيث لا عهد تفيد العموم، ولا عهد هنا، والأصل
عدمه، على أن الجنس نافع في المقام كالاستغراق، وإذا تعارض المجاز والاضمار فالأقوال
ثلاثة، وترجيح المجاز قول جماعة، وما ذكروه من أن التحليل قد يحصل بالمنافيات
يدفعه أن إفساد الصلاة وإبطالها غير التحليل، أما على القول بأنها اسم للصحيحة فظاهر
وعلى الأعم فالفاسدة غير محتاجة إلى تحليل، مع أن المتبادر من الاطلاق الصحيحة،
وأيضا معنى التحليل هو الاتيان بما يحلل المنافي لا أنه نفس المنافي، على أن القائلين
287

بالاستحباب يقولون يحصل التحليل بالتشهد، ومن المعلوم أن تحصيل الحاصل محال،
مع أن مفاد الخبر بقاء التحريم إلى تمام التسليم، ومنه يظهر الاستدلال بما دل (1) على
أن التسليم إذن للمأمومين في الانصراف، ضرورة عدم احتياجه إلى ذلك بعد فرض
حصوله بتمام التشهد، فتأمل جيدا، ووجوب الطهارة وتكبيرة الافتتاح يرجحان
الوجوب فضلا عن أدلة المسألة، كل ذا مع أنه قد يدعى أن المبتدأ والخبر إذا كانا
معرفتين كان الحمل حمل مواطاة لا حمل متعارف، وبذلك أثبتوا مفهوم الحصر في نحو
زيد المنطلق والمنطلق زيد، إلى غير ذلك من القرائن والشواهد الكثيرة التي أطنبوا
بذكرها في هذا المقام خصوصا الأستاذ الأكبر منهم في شرحه على المفاتيح مما نحن في
غنية عنه أولا بظهور ما سمعته من النصوص في الحصر أو صراحته، وهو قرينة على
غيره، ولو لوحظ خصوص ما ستسمعه إن شاء الله مما ورد (2) في حصول التحليل
بالسلام علينا وحسر الانصراف فيه واشتراطه بقوله كانت المناقشة معه واهية قطعا
زيادة على ذلك، مع أن فيها نفسها دلالة على المطلوب أيضا فضلا عن الشهادة على صحة
مضمون هذه النصوص، فلاحظ وتأمل، وثانيا بأن المستفاد من النصوص والفتاوى
جعل التسليم سببا لتحليل المنافيات التي حرمت بتكبيرة الاحرام، فهو من قبيل أسباب
الشرع التوقيفية التي لا يمكن ثبوتها إلا بتوقيف من الشارع، فعدم ثبوت غيره سببا
لذلك كاف في حصر التحليل فيه، وليس المراد من التحليل بسببه مجرد نفس الفراغ
من الواجب، وإلا لكان آخر كل واجب تحليلا، بل المراد أنه سبب لفظي يترتب
عليه عند الشارع حل المنافيات حتى لو وقع على وجه محرم كما يومي إليه النكير على العامة

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم
288

في استعماله في التشهد الأول، وفعل المنافيات ليس من الأسباب التي رتب عليها الشارع
الحل، بل هي تقضي ببطلان الصلاة، فيكون كمن لم يصل ممن لا يحرم عليه المنافيات،
فحلها حينئذ له ببطلان ما يقتضي التحريم، ضرورة حصر سبب التحريم في الصحيح من
الصلاة، بخلاف التسليم الذي رتب عليه الشارع الحل كما يومي إليه لفظ " جعل " وغيره
في النصوص السابقة، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، وربما يأتي له تتمة إن شاء الله.
وهو بهذا المعنى يستغني عن إثبات إرادة الوجوب، ضرورة دحول انتفاء الحل
بدونه في أصل معناه، ومتى حرمت المنافيات ثبت البطلان، لاتحادهما في الدليل، ومتى
ثبتا معا أو أحدهما كفى في وجوب التسليم، لعدم التزام القائل بالندب بشئ منهما،
ولقد أجاد العلامة الطباطبائي حيث أومأ إلى بعض ما ذكرناه بعد أن ذكر الخلاف في
الوجوب والندب بقوله:
والأظهر الوجوب والدخول * وكونه تحليلها دليل
ومنه الأوامر المستفيضة حد الاستفاضة به في النصوص (1) الكثيرة المتفرقة
في سائر أبواب الصلاة التي يصعب إحصاؤها وحصرها، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي
في دعواه تواترها، حيث قال بعد البيت السابق:
وهكذا تواتر الأوامر * ووصفه في خبر بالآخر
مشيرا به إلى موثق أبي بصير (2) " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) في رجل
صلى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل أن يتشهد رعف قال: فليخرج فليغسل أنفه ثم
ليرجع فليتم صلاته، فإن آخر الصلاة التسليم " وعدم العمل ببعض الخبر أو احتياجه
إلى التقييد لا يمنع من حجية الباقي، وليس آخر الشئ من الغاية التي وقع النزاع في

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 1 و 8 و 10 وغيرها
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التشهد - الحديث 4
289

دخولها وخروجها، والتعليل مع فرض السؤال قبل التشهد والأمر بالاتمام وغيره يعين
إرادة الآخر من الواجبات، بل جعل التسليم آخر ماهية الصلاة المشعر بأنه لا آخر لها
غيره وأنه آخر لها في جميع الأحوال كاف في ظهوره بالوجوب، إذ على فرض الندب
تكون آخريته لفرد من أفرادها، ومثله لا يعد آخر الماهية، ضرورة كونه حينئذ
كالعارض للشئ الذي لا يستحق وصفه بأنه آخر الشئ كما يظهر ذلك في الأمور
المحسوسة، ويقرب من ذلك ما ورد من أن افتتاحها التكبير واختتامها التسليم، ففي
خبر ابن أسباط (1) عنهم (عليهم السلام) فيما وعظ الله به عيسى (عليه السلام) " أوصيك
يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين - إلى أن قال -: له كل يوم خمس صلوات متواليات
ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار، ويفتتح بالتكبير ويختم بالتسليم " وقد قابل به
الافتتاح في معتبر زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) في صلاة الخوف " فصار
للأولين التكبير وافتتاح الصلاة، وللآخرين التسليم " على أنه لو كان التسليم مندوبا
ربما وقع التشاح بينهم، بل ربما كان القسمة لا عدل فيها، فالمتجه حينئذ القرعة.
وبالجملة لا ينبغي إنكار تواتر الأوامر بذلك، ولا إنكار ظهور تظافرها في ذلك
فضلا عن مقتضى حقيقة الأمر، خصوصا والعادة في المندوبات وإن تكثرت الأوامر
في بعضها إلا أنها لا تخلو من قرائن داخلة وخارجة بذكر الثواب وشدة الحث عليه
ونحو ذلك مما يفوح منه رائحة الندب كما لا يخفى على الخبير الماهر الممارس، بخلاف المقام
فإن القرائن تعضد الوجوب كعطف الأمر به على الأوامر السابقة المعلومة الوجوب
ونحوه، مثل قولهم (عليهم السلام) (3) في علاج الشكوك: ابن علي كذا وتشهد وسلم

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الخوف والمطاردة - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 1 و 2 و 4
290

وصل ركعتين، ومثل حديث المعراج (1) المروي بأعلى الطرق، ومثل الأمر به
أيضا (2) في مقام شدة الحاجة إلى الاقتصار على الواجبات كالخوف ونحوه، بل تدل
عليه أيضا النصوص (3) الكثيرة جدا المتضمنة للأمر بسجود السهو وقضاء التشهد
والسجدة وفعل الاحتياط ونحو ذلك بعد التسليم، بل في بعضها (4) التصريح بأن
السجود بعد التسليم لا قبله، كما أن في آخر النهي (5) عن فعل السجدة المنسية قبل
التسليم، وفي ثالث (6) " إذا سلمت سجدت " إلى غير ذلك من المؤكدات، فلاحظ
وتأمل، ومن الظاهر أن المندوب لا يصلح أن يكون شرطا لواجب، إذ على فرض
الترك إما يسقط وجوب الواجب أو اشتراط الشرط، وهما معا مخالفان لظاهر الأدلة،
وتأويل الجميع بإرادة ذلك مع فرض اختيار التسليم أو بأنه كناية عن الفراغ وأن ذكره
بالخصوص جريا على الغالب ينفيه ملاحظتها وتتبع فتاوى الأصحاب بمضمونها في ذلك
المقام حتى من القائل بالندب.
بل قد تتأكد الدلالة أيضا بوجه آخر هو مقتضى إطلاق بعضها (7) وظهور
آخر (8) في اعتبار الشك وجريان حكمه من العلاج والفساد وغيرهما وإن كان قد وقع
بين التشهد والتسليم، فلاحظ، كما أن أخبار العدول (9) من اللاحقة إلى السابقة فيها
ظهور أيضا في أن ذلك وإن ذكر بعد التشهد قبل التسليم، والحاصل أن سير هذه

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الخوف والمطاردة
(3) الوسائل - الباب - 11 و 14 و 26 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب السجود - الحديث - 1 - 2 - 6
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب السجود - الحديث - 1 - 2 - 6
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب السجود - الحديث - 1 - 2 - 6
(7) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 3 و 8
(8) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 4 و 6
(9) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
291

الأخبار المتفرقة في سائر الأبواب مع التأمل يظهر منه الدلالة على المطلوب من وجوه
متعددة بحيث لا تصلح بعد ذلك للتأويل وارتكاب التعسفات التي لا ضرورة إليها،
والمقصود بما ذكرناه التنبيه في الجملة للأدلة وكيفية الدلالة وتعددها من جهات، ولو أردنا
التعرض لكل خبر خبر احتجنا إلى إطناب تام لا يناسب وضع الكتاب.
وقد يدل على المطلوب أيضا بل اعترف الأردبيلي بأنه من أقواها نصوص (1)
استئناف الصلاة بزيادة الركعة فما زاد عمدا أو سهوا في غير الصورة المستثناة الشاملة
باطلاقها لما بعد التشهد وقبله، ولعل منه المصلي تماما في السفر عمدا، ولو أن التسليم غير
واجب لم يتحقق البطلان، ضرورة حصول الزيادة بعد تمام الواجبات.
ومن هنا استدل القائل بالندب بما ستعرفه مما دل (2) على صحة صلاة من زاد
ركعة في الرباعية إذا جلس مقدار التشهد، والجواب عنه بأن القائل بالندب يلتزم بعدم
الخروج من الصلاة إلا بنيته أو بالسلام أو فعل المنافي يدفعه أنه رجوع إلى مذهب
أبي حنيفة، على أنه لا يقتضي بطلان الصلاة، إذ لا أقل من أن تكون الزيادة من فعل
المنافي، وأضعف منه الجواب بأن ذلك مبطل وإن وقع خارج الصلاة، إذ قد يبطلها
بعض ما هو كذلك كالعجب ونحوه، فإنه كما ترى، ويقرب منه الأقل بأنه إنما يخرج
بآخر التشهد ما لم يقصد ويفعل ما يدل على العدم، ومرجعه إلى ما قيل من أنا نقول
بالندب ونلتزم بالبطلان للدليل، وأما الجواب بأن البطلان في مثله للتشريع في النية
فيدفعه أولا فرض موضوع الدليل في الأعم من ذلك عمدا ونسيانا، وثانيا منع اقتضاء
مثله البطلان، ضرورة كون الزيادة المشرع بها خارج الصلاة، بل ربما نوقش في أصل
حرمته فضلا عن اقتضائه الفساد، اللهم إلا أن يفرض أنه ركب عبادة خماسية مثلا،

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 1 و 2 و 3
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 4
292

وجعلها هيئة مبتدعة ونوى التقرب بها لا أنه نوى القربة بالواقع وقارنه اعتقاد أن الواقع
ذلك، فإنه قد يحكم بالبطلان معه، لكن موضوع الدليل أعم من ذلك نصا وفتوى.
والله أعلم بحقيقة الحال.
كل ذلك مع قصور ما ذكر دليلا للندب، بل بعضه على المطلوب أدل كما
ستعرف، إذ هو الأصل الذي لا يجري في العبادة في وجه، ومقطوع ببعض ما عرفت
وصحيح ابن مسلم (1) عن الصادق (عليه السلام) " إذا استويت جالسا فقل: أشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف "
وهو - مع أنه مطلق يحكم عليه ما دل على وجوب التسليم كالصلاتين - ظاهر الجملة
الخبرية فيه التكليف بالانصراف المشعر بعدم حصوله بمجرد الفراغ من القول المزبور،
وإلا لناسب التعبير بانصرفت، فهو حينئذ إما التسليم أو غيره أو الأعم منهما، والثاني
معلوم البطلان كالثالث الذي ذهب إليه أبو حنيفة، فيتعين الأول، ويكون هو المراد
حينئذ من الانصراف، ويؤيده صحيح الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام) " فإن
قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت " وخبر أبي كهمس (3)
عنه (عليه السلام) أيضا " عن السلام عليك أيها النبي انصراف هو فقال: لا، ولكن
إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو انصراف " وغيرهما، فدلالتها على
الوجوب حينئذ أولى من الندب، على أن ظاهر الصحيح (4) المزبور السؤال عن تفسير
لفظ المرتين الواقع في جوابه (عليه السلام) له عند سؤاله عن التشهد في الصلاة باعتبار
إجماله، خصوصا بعد ما روي (5) من الاجتزاء بالشهادة بالتوحيد في الجملة، بل هو

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 4 - 1
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التشهد - الحديث 4 - 1
293

ظاهر في غير الشهادتين، لانصراف اتحاد المكرر من لفظ المرتين، فأجابه (عليه السلام)
ببيان ذلك ولم يكن بصدد التسليم، وإلا لسأله محمد بن مسلم عنه، ضرورة أهميته من
السؤال عن التحيات التي فهم عدم وجوبها من عبارة الإمام (عليه السلام) وأولويته من
وجوه، خصوصا بعد معروفية انحصار التحليل به، بخلاف صحيح الحلبي وخبر أبي كهمس
المزبورين وغيرهما من النصوص كصحيحة أبي بصير وموثقته (1) فإنها مساقة لبيان
ما يحصل به الانصراف ويتحقق به الفراغ، مع أنا قد أمرنا برد متشابه نصوصهم
(عليهم السلام) إلى محكمها، وبجعل بعضه مفسرا لبعض، فإذا ورد في النصوص
المستفيضة المعتبرة المقطوع بها أن التسليم في الجملة هو الذي يحصل به التحليل والانصراف
والفراغ لا غيره وجب حمل مثل الخبر المزبور على ذلك، لا أقل من أن يكون من
انصراف المطلق إلى الفرد الشائع المتعارف.
ومن ذلك يعلم الحال في صحيحه الآخر وزرارة والفضيل المعبر عنه في لسان
جماعة ممن ذكره دليلا للندب بصحيح الفضلاء (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) " إذا
فرغ الرجل من الشهادتين فقد مضت صلاته، فإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن
يفوته فسلم وانصرف أجزأ " ضرورة إرادة المعظم من مضي الصلاة بقرينة ترك
الصلاتين، وإشعار لفظ الاجزاء في أقل الواجب أو المهم من واجباتها وغيرها لا خصوص
الواجبات، بل لا يخفى على ذي روية من التفريق بالفاء وتعليق الجواب على مثل هذا
الشرط إرادة غير التسليم من مضي الصلاة مما يتخيل وجوبه مما تعارف فعله في التشهد
من التحيات والأدعية وغيرهما، فهو حينئذ من أظهر أدلة الوجوب.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8 والباب 3 منها - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 5
294

بل وكذا منه يعلم الحال في صحيح علي بن جعفر (1) المذكور دليلا للندب أيضا
" عن الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهد فيأخذ الرجل البول أو يتخوف
على شئ يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال: يتشهد هو وينصرف ويدع
الإمام " ضرورة جريان جميع ما سمعته أولا فيه، مع أن المروي عن الفقيه الذي هو
أضبط من التهذيب قطعا " يسلم وينصرف ويدع " الإمام " كموضع آخر من التهذيب،
ولعله الحق لموافقته حينئذ لصحيحي زرارة (2) والحلبي (3) عن الصادق (عليه السلام)
المسؤول فيهما عن مثل ذلك، على أن السائل فرض تطويل الإمام في التشهد، فالظاهر
تحقيقه منه في الجملة، فلا يناسب الأمر به حينئذ.
وأضعف من ذلك كله الاستدلال بقول الصادق (عليه السلام) في صحيح
معاوية بن عمار (4): " إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم فصل ركعتين واجعله
أمامك، واقرأ فيهما قل هو الله أحد وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، ثم تشهد واحمد
الله واثن عليه وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) واسأله أن يتقبل منك " متمما بعدم
القول بالفصل، ضرورة كون ترك ذكر التسليم فيه لمعلوميته، أو لاندارجه أو خصوص
الصيغة الأولى منه في التشهد المأمور به، لا لأنه مستحب، وإلا فالرواية قد اشتملت
على كثير من المندوبات التي هي أهون من التسليم الذي تظافرت الأفعال والأقوال به
في الفرائض والنوافل، ونحو ذلك خبر زرارة (5) المذكور دليلا آخر للندب في الشك
بين الاثنين والأربع " أنه يصلي ركعتين ويتشهد ولا شئ عليه " مع أنه جار على

(1) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 71 - من أبواب الطواف - الحديث 3 من كتاب الحج
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 3
295

مذهب العامة من البناء على الأقل، فلعله ترك فيه التسليم لذلك أيضا، ولو أغضي عن
ذلك كله فأقصاهما عدم الذكر الذي لا ينافي تلك الأدلة، فلا يدلان حينئذ على الندب
كموثق يونس بن يعقوب (1) الذي قال فيه لأبي الحسن (عليه السلام): " صليت
بقوم فقعدت للتشهد ثم قمت فنسيت أن أسلم عليهم فقال (عليه السلام): ألم تسلم وأنت
جالس؟ قال: بلى قال: لا بأس عليك " ضرورة ظهوره في كون الفرض أنه بعد أن
أتم صلاته سلم ولم يلتفت إلى القوم بوجهه، ولذا قال له: ألم تسلم وأنت جالس "
يعني ألم تأت بالصيغة الواجبة، بل في سؤاله واستفهام الإمام (عليه السلام) إشعار بمعلومية
دخول التسليم في التشهد، ولعل المراد حينئذ الصيغة الأولى لأنها هي المعروفة بذلك
كما لا يخفى على من لاحظ النصوص.
وأما الاستدلال بأنه لو وجب التسليم لبطلت الصلاة بتخلل المنافي بينه وبين
التشهد، واللازم باطل فالملزوم مثله، أما الملازمة فاجماعية، وأما بطلان اللازم فلصحيح
زرارة (2) عن الباقر (عليه السلام) " سأله عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن
يسلم قال: تمت صلاته، وإن كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلم في نفسه وقام فقد
تمت صلاته " وقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي (3): " إذا التفت في
صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا، وإن كنت قد
تشهدت فلا تعد " وموثق غالب بن عثمان (4) سأله " عن الرجل يصلي المكتوبة فيقضي
صلاته ويتشهد ثم ينام قبل أن يسلم قال: تمت صلاته، وإن كان رعافا فاغسله ثم ارجع
فسلم " وصحيح زرارة (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) " في الرجل يحدث بعد أن

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التسليم - الحديث 5 - 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التسليم - الحديث 5 - 2 - 6
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التسليم - الحديث 5 - 2 - 6
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث 1
296

يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد قال: ينصرف فيتوضأ، فإن شاء رجع
إلى المسجد وإن شاء ففي بيته وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم سلم، وإن كان الحدث
بعد الشهادتين فقد مضت صلاته " وخبر ابن الجهم (1) عن أبي الحسن (عليه السلام)
" عن رجل صلى الظهر والعصر فأحدث حين جلس في الرابعة فقال: إن كان قال:
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يعد، وإن كان
لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد ".
فالجواب عنه - بعد الاغضاء عما في سند الأول منها والأخير، وعن دلالة ذيل
بعضها على الوجوب، وعن مخالفة ظاهر بعضها الاجماع، وعن موافقتها لأبي حنيفة في
الخروج بالحدث وعدم قدحه في الصلاة مع التخلل كالنصوص (2) الكثيرة الدالة على
تمام الصلاة ومضيها مع الحدث قبل التشهد المحمولة على التقية أو غيرها من التأويلات
الآتية في محلها، لمعارضتها بالأرجح منها، وعن ترك الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)
في بعضها المسلم عند الخصم وجوبها، فيجزي حينئذ بعض ما سمعته في النصوص السابقة -
إما بأنها لا تدل على الندب بإحدى الدلالات الثلاث، ضرورة أعمية تمام الصلاة ومضيها
وعدم إعادتها من الندب، إذ احتمال كونه واجبا خارجيا لا تبطل الصلاة بتخلل المنافي
بينه وبين التشهد فضلا عن وجود القائل به وأنه اختاره غير واحد من متأخري المتأخرين
كاف في سقوط دلالتها على ذلك، بل مجرد احتمال عدم ابتناء ذلك فيها على الندب وإن
كنا لم نعينه ماذا كاف أيضا، فنفيه أي احتمال الخروج بالاجماع المتبين خلافه خصوصا
بعد قول المرتضى: إني لم أر نصا لأصحابنا على الجزئية لا يفيدها دلالة على الندب،
لما عرفت من عدم انحصار الإرادة فيها بذلك والندب، كي يكون نفي الأول معينا للثاني

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد
297

بل يشبه ذلك في أمثال الدلالات السبر والتقسيم عند العامة، فتأمل، فالمتجه حينئذ على
القول بالوجوب والدخول والبطلان بالتخلل طرحها أو تأويلها بما لا ينافي ذلك كما صنع
في النصوص (1) الدالة على الصحة وتمامية الصلاة مع الحدث قبل التشهد لا أنها تكون
دالة على الندب، وكيف والمتجه في الجمع بين النصوص أن يؤلفها الفقيه بمنزلة الكلام
الواحد، فإن انساق إلى الذهن من اجتماعها معنى عرفي أخذ به كما في الجمع بين العام
والخاص والمطلق والمقيد وغيرهما من الجموع التي ينتقل إليها من تأليف الكلام، لا أن
مجرد الاحتمال يكون دلالة بعد معلومية بطلان قاعدة إطلاق أولوية الجمع من الطرح،
ولا ريب في عدم الانتقال إلى الندب من قولنا: التسليم واجب، وآخر الصلاة، ويبطل
الصلاة كل حدث يتخلل بينها، ولو تخلل حدث بين التشهد والتسليم لا يبطل وقد تمت
الصلاة، بل تحصل المعارضة بين الآخرية وعدمها، أو البطلان بالتخلل وعدمه، كما هو
واضح بأدنى تأمل، وتتميم الدلالة ببعض الاجماعات المدعاة في المقام المعلومة الانتفاء،
أو إرادة غير الحجة منها كما وقع من بعض المتفقهة كما ترى، ويشبه السبر والتقسيم
عند العامة.
وإما بأن المراد بالتشهد فيها ما يشمل الصيغة الأولى المتعارف بين الخاصة والعامة
فعلها في التشهد الأخير، وأنها داخلة في اسم التشهد أو توابعه كتعارف اختصاص
اسم التسليم بالثانية، ولذا تكثرت النصوص (2) ببيان تسبيبها للانصراف والتحليل،
قال في الذكرى: " إن الشيخ في جميع كتبه جعل التسليم الذي هو خبر التحليل هو السلام
عليكم، وأن السلام علينا قاطع للصلاة وليس تسليما " وقال فيها أيضا والمدارك: ما حاصله
المعروف بين الخاصة والعامة كون الصيغة الثانية من التسليم، يعلم ذلك من تتبع الأحاديث

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 1 و 8 و 10
298

والتصانيف حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبة ثم يقال ويسلم، قلت: ويؤيده تصفح
النصوص وكتب الأساطين من قدماء الأصحاب المشرف للفقيه على القطع باندراج
الصيغة الأولى في التشهد واختصاص اسم التسليم بالصيغة الثانية، فينصرف حينئذ
إطلاق هذه النصوص إلى ما تعارف فعله في التشهد الذي يطال فيه عادة، كما يومي إليه
الأمر بالتورك (1) ونحوه معللا له بالصبر للتشهد والدعاء، والنصوص (2) السابقة
في الرجل خلف الإمام فيطيل التشهد وغيرها مما يظهر منه تعارف ذلك في الأزمنة السابقة
بل في زماننا هذا أيضا بالنظر إلى التسليم على النبي (صلى الله عليه وآله) والصيغة
الأولى، ويزيده تأييدا ما سمعته من موثق يونس (3) المتقدم سابقا، بل النصوص (4)
الدالة على حصول الانصراف بالصيغة الأولى أيضا، فإنها ظاهرة في المفروغية من إتيان
المكلف بها، فحينئذ يراد بالتسليم فيها الصيغة الثانية، ويتجه حينئذ الحكم فيها بتمامية
الصلاة ومضيها وعدم إعادتها لما ستعرفه من انقطاع الصلاة بالصيغة الأولى عندنا، ولقد
أجاد العلامة الطباطبائي في قوله مشيرا إلى ما ذكرنا:
واسم السلام في الأخير أشيع * وغيره تشهد أو تبع
فما نفي البطلان بالمنافي * من بعده فذاك لا ينافي
بل الظاهر إرادة ما ذكرنا أيضا في جميع النصوص السابقة حتى صحيح زرارة (5)
وخبر ابن الجهم (6) المذكور فيهما لفظ الشهادتين المراد منهما الكاملتان مع توابعهما:

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 2 و 3
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التسليم - الحديث 5
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 6
299

أي التشهد، ولذا لم يذكر الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) فيهما، وعلق الحكم
قبلها أو بعدهما على التشهد.
وإما بأن المراد منها صورة النسيان خاصة، ضرورة استبعاد العمد إلى ذلك بناء
على عدم بطلان الصلاة مع نسيانه كما في المسالك في أحكام الخلل وإن لم يذكره إلا بعد
تخلل ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا تمسكا بهذه النصوص، وبالقاعدة المعلومة عندهم من
أن نسيان غير الركن لا يبطل الصلاة مع الشك في شمول ما دل (1) على إبطال الحدث
المتخلل لمثل ذلك، ودعوى أن البطلان هنا ليس لنسيانه بل لصدق الحدث في الأثناء
حال عدم فعله لانحصار التحليل فيه يدفعها استبعاد ملاحظة الشارع هذه الحيثيات،
ضرورة أنه بعد كون البطلان من لوازم تركه لا يناسب إطلاقه اغتفار السهو فيه،
وتخصيص الإعادة بغيره من الأركان نحو قوله (ع) (2): " لا تعاد الصلاة " ونحوه،
إذ لا ريب في صدق الإعادة ولو بالتسبيب، على أنه يمكن بملاحظة هذه النصوص دعوى
حصول التحليل والفراغ والانصراف بغيره في هذا الحال، كما أنه فارقته صفة التحليل
لو زيد سهوا في الصلاة، وهو مناف لمقتضى حصره في التحليل، كما أن الأول مناف
لحصر التحليل فيه، بل قد يقال بعدم صدق الحدث في الأثناء، ضرورة تمامية الصلاة
السهوية، لأن الفرض سقوط اعتباره حال السهو، فيكون حينئذ كالقراءة المنسية التي
ورد التعبير بتمام الصلاة أيضا مع نسيانها، ولا ينافي ذلك التفصيل بين الحدث قبل التشهد
وعدمه في بعض تلك النصوص (3) إذ قد يفرق بينهما باشتراط بقاء الطهارة في قضاء
التشهد المنسي لمعاملته معاملة الجزء الصلاتي، نعم يتجه ذلك لو لم نقل به وقلنا بكونه
عبادة مستقلة، فيختص الجواب المزبور حينئذ بصحيح زرارة (4) ونحوه، ومن الغريب

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 4 - 6
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 4 - 6
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2 - 4 - 6
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التشهد - الحديث 1
300

ما في المدارك من الاستدلال بهذه النصوص هنا وفي أحكام الخلل على عدم البطلان
بنسيان التسليم على القول بوجوبه، فلاحظ وتأمل، ولو أغضينا عن ذلك كله كان
الترجيح لأدلة الوجوب قطعا من وجوه متعددة، خصوصا بعد معروفية خبر التحليل
منها الذي هو من السنة النبوية المعلومة التي قد أمرنا بنقد الأدلة بالعرض عليها
كالكتاب العزيز.
ومن العجيب الاستدلال أيضا بصحيح زرارة (1) عن الباقر (عليه السلام)
" في رجل صلى خمسا قال: إن كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته "
الذي يجب على الخصم تأويله أيضا، لنسيان التشهد المعلوم وجوبه عنده، فما كان جوابه
عنه فهو جوابنا عن التسليم، مع أن المتجه بناء على دلالته على الندب من حيث قيام
الجلوس مقام التشهد وترك التسليم فيه لندبيته، فلا يقدح حينئذ الزيادة قبله لتحقق
الخروج عدم الفرق في ذلك بين الخامسة وما زاد عليه ولا بين الثلاثية والثنائية والرباعية
وظاهرهم اختصاص الحكم بالأخير، بل كان المتجه أيضا عدم التدارك لو ذكر قبل الركوع
والذي ينقدح في البال أن المراد بالجلوس قدر التشهد الكناية عن نفس التشهد لا الجلوس
خاصة، وله قرائن تدل على هذا الاستعمال، فيجري فيه حينئذ إرادة ما يشمل التسليم
هنا منه أو خصوص الصيغة الأولى، ولو قيل بكون المراد به الاحتيال في تحصيل التذكر
للحال السابق كما يومي إليه ما ورد (2) في غيره أنه " كيف يستيقن " كان ممكنا وغير
مناف للمطلوب أيضا، إلى غير ذلك من الأدلة التي هي في غاية الضعف، أو يعلم
جوابها مما ذكرنا، والله أعلم بحقيقة الحال.
والظاهر الجزئية مع ذلك وفاقا لظاهر جماعة وصريح آخرين، بل عن الناصريات
" أن كل من قال: إن التكبير من الصلاة قال: التسليم واجب وإنه من الصلاة " وفي

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 4 - 5
301

التنقيح " أن القائل قائلان، إنه إما واجب فهو جزء من الصلاة، ولهذا حصروا الواجبات في ثمانية، أو غير واجب فيكون واحدا من مندوباتها، فالقول بكونه واجبا
غير جزء خرق الاجماع " وفي المدارك وغيرها الاجماع على بطلان الصلاة بتخلل المنافي
بينه وبين التشهد على تقدير الوجوب وإن كان التعويل على هذه الاجماعات لا يخلو من
نظر، إذ مع الاغضاء عن كيفية تحصيلها خصوصا بعد اعتراف المرتضى منهم بعدم نص
للأصحاب فيه ليس المراد منها إلا مجرد اتفاق القائلين بالوجوب، ومعلوم أنه غير
الاجماع الكاشف كالاجماع المركب المزبور المقطوع بعدم كونه من الحجة عند حاكيه
فضلا عنا، ضرورة عدم إرادة القطع بكون المعصوم غير خارج عن أحد القولين كما
هو واضح، إلا أنه يمكن القول باعتبارها في المقام وإن لم تكن من الحجة بناء على حصول
الظن منها بالجزئية لمسمى اللفظ الموضوع للمركب من أجزاء مخصوصة على القول به وعلى
كفاية مثل هذا الظن فيه وإن كان شرعيا، لعدم الفرق بين اللغوي والشرعي في ذلك
وإن كان لا يخلو من نظر أو منع، للفرق الواضح بين الموضوع الشرعي وغيره، وكيف
كان فنحن بحمد الله في غنية عن ذلك بظاهر المروي في النصوص من الأقوال والأفعال
المساقة لبيان الصلاة - خصوصا صحيح حماد (1) وخبر المعراج (2) وغيرهما، بل انسياق
أنه من الصلاة من ملاحظة جميع النصوص المتفرقة في سائر الأبواب المذكور فيها التسليم
كالضروري لكل ناظر غافلا عن القول بالخروج من بعض المتفقهة، بل يكفي استمرار
الفعل من زمن الشارع إلى يومنا هذا بعنوان أنه من الصلاة، ولم يخطر ببال أحد من
المتشرعة خروجه عند إطلاق لفظ الصلاة في جميع الاستعمالات - وببعض ما تقدم سابقا
في أدلة الوجوب من تحقق البطلان نصا وفتوى بزيادة الركعة مثلا الشامل لما بعد التشهد
قبل التسليم، ضرورة أنه على تقدير الخروج لم تتحقق الزيادة في الصلاة، بل الظاهر

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1 - 10
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1 - 10
302

الصحة وإن أفسده باخلال في كيفيته فضلا عن إفساده بالأمور الخارجية، إذ احتمال
شرطيته مع خروجه بعيد جدا، فتأمل، وبنصوص التحليل (1) الظاهرة عند التأمل
الجيد ولو بملاحظة التحريم في أن المقصود منها بيان وصف التحريمية في التكبير الذي هو
أول الصلاة والتحليلية في التسليم الذي هو آخرها المومي إلى معروفية افتتاحها بالتكبير
واختتامها بالتسليم من الأفعال والأقوال، كخبر ابن أسباط (2) المصرح فيه باللفظ
المزبور فضلا عن غيره المتضمن للمعنى خاصة، ولما أريد بيان معنى آخر فيها هو التحريمية
والتحليلية قيل: تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، فكان اللام فيه للعهد مفيد ما يفيده
الضمير لو قيل تحريمها تكبيرها وتحليلها تسليمها، فتأمل جيدا فإن فهمه محتاج إلى لطف
قريحة، على أنه لا ريب في ظهورها فيما ينافي القول بالخروج من بقاء حرمة المنافيات
دون إبطالها، وأنه بها يحصل التحليل أيضا وإن عصى لو فعلها باختياره، ضرورة كون
المفهوم منها بقاء المنافيات حرمة وإبطالا إلى حصول المحلل بمعنى أن التكبير فيها سبب
لثبوت جميع ما ورد النهي عنه في الصلاة إلى أن يحصل المحلل، فلو فرض خروج المحلل
عنها لم يتحقق مصداق لا تحدث في الصلاة مثلا فيما قبل التسليم، ضرورة الفراغ من
الصلاة، إذ الفرض أن ما بقي شئ خارج عنها، ودعوى إرادة حكم الصلاة مجاز في
مجاز لا دليل عليه، مع أنه مقتض للحرمة والبطلان معا أيضا، هذا.
ولكن قد يقال من جانب القائلين بالخروج وهو أقصى ما يتخيل لهم: إنه
يمكن الاكتفاء في صدق وصف الصلاة بما بقي من الكون الذي وقع فيه أقوال التشهد،
إذ هو وإن طال شئ واحد، ولا يقتضي ذلك دخول التسليم، إذ لا ملازمة بين وقوعه
في حال من أحوال الصلاة وكونه منها، فإنه قد يقع فيها ما ليس منها، بل يمكن دعوى

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 1 و 8 و 10
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 2
303

عدم تصور دخوله فيه بناء على أن صفة التحليل فيه للمنافاة الثابتة فيه، وكشف الحال
أنه قد ثبت منافاة التسليم للصلاة إما لكونه كلام آدميين أو لغيره مما لا يتصور بعد
ذلك دخوله فيها، ضرورة اعتبار عدم المنافيات فيها لا وجودها، ولما ورد أنه تحليل
الصلاة وأنه به تنقطع لم يكن منافاة بينه وبين ما ثبت أولا، إذ حاصله بقاء صفة المنافاة
التي كانت ثابتة للتسليم لو أوقعه في أثنائها وإن أذن الشارع بفعله في الآخر، ومنع سريان
فساده إلى تمام أجزاء المركب الذي هو كان مقتضى الضابطة في كل مناف عرض لحال
من أحوال الصلاة، سواء قلنا بالكشف لاشتراط صحة ما مضى من أجزاء المركب
بصحة الباقي، فالفساد في المتأخر يكشف عن عدمها في الأول، أو لم نقل بذلك، إلا
أنه على كل حال بطلان جزء من الصلاة بمناف من منافياتها يقضي ببطلان الجميع،
لاشتراط التركيب فيها، ولكن لما جعل الشارع تحليلها التسليم الذي قد عرفت أنه أحد
المنافيات للصلاة لم يرفع صفة أصل المنافاة عنه كي يحتمل دخوله في الصلاة، بل منع سريان
الابطال الذي حصل به إلى ما مضى من الاجزاء، وإلا فهو باق على صفة المنافاة، وأن
التحليل به لذلك كما يومى إليه في الجملة المروي في العيون وعن العلل بسند معتبر عن
الفضل بن شاذان (1) عن الرضا (عليه السلام) " إنما جعل التسليم تحليل الصلاة ولم
يجعل بدلها تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر لأنه لما كان الدخول في الصلاة تحريم كلام
المخلوقين والتوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها، وإنما ابتدأ
المخلوقون في الكلام أولا بالتسليم "
فظهر حينئذ أن جهة التحليل في التسليم لبقاء صفة المنافاة فيه التي تمنع دخوله في
الصلاة وصيرورته جزءا منها، ويكفي في ثبوته بها أنه به ينقطع الكون للصلاة، ولولاه

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 10
304

لبقي مستمرا، بل لعل في قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (1): " إذا قلت
ذلك - مشيرا إلى الصيغة الأولى من التسليم - فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن القوم "
الحديث إشعارا بذلك، ضرورة توقف صدق الانقطاع على صدق وصف الصلاة لولا
القاطع، ومن هنا أطلق على ما عدا التسليم من أفعال الصلاة وصف التمام في غير واحد
من النصوص المتقدم بعضها سابقا في أدلة الندب، ومنها قول الصادق (عليه السلام) في
صحيح ابن أبي يعفور (2) فيمن نسي التشهد الأول: " فليتم صلاته ثم يسلم " وصحيح
سليمان بن خالد (3) " وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم " بل
قول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي (4): " كلما ذكرت الله به والنبي (صلى الله
عليه وآله) فهو من الصلاة، فإذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد
انصرفت " كالصريح في انقطاع الاجزاء حتى المندوبة بذلك، وأنه لا يكون بعد ذلك
شئ من الصلاة، بل على ما ذكرنا بنى أبو حنيفة تعميه التحليل بكل مناف للصلاة،
لقوله بحجية العلة المستنبطة، فقاس باقي المنافيات على التسليم الذي قد عرفت أن تحليله
لما فيه من صفة المنافاة مؤيدا بما وقع من أبي بكر من نهي خالد عن قتل أمير المؤمنين
(عليه السلام) في القصة المشهورة في طرقهم (5) ولما كان القول بالقياس باطلا عندنا
وفعل أبي بكر غير حجة بل هو دليل الخلاف وجب الاقتصار على خصوص التسليم من
بين المنافيات، ولا يقدح في اعتبار صفة المنافاة فيه حال التحليل به الأمر به لقطع الصلاة
وإبطالها، كما هو واضح.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التشهد - الحديث 4 - 3
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التشهد - الحديث 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 4 - أبواب التسليم - الحديث
(5) البحار - ج 8 الباب - 4 - ص 59 والباب 11 ص 94 والباب 20 ص 234
305

فظهر حينئذ من ذلك كله خروج التسليم عن الصلاة، وأنه ليس بجزء، ويؤيده
أيضا النصوص (1) التي تسمعها إن شاء الله الدالة على انقطاع الصلاة والفراغ منها بقول
السلام علينا وإن وجب بعد ذلك الصيغة الثانية المعروفة باسم التسليم، والتي أمر بها في
موثق أبي بصير (2) وغيره بعد هذه الصيغة، وكذا النصوص (3) التي أشرنا إليها
في أدلة الندب التي لا يتم المراد منها بناء على بطلان الندب إلا على الوجوب الخارجي
الذي لا يؤثر فعل المنافيات قبله بطلان الصلاة، لحصول الفراغ من الصلاة وعدم بقاء
جزء منها، وهو أي الوجوب الخارجي الذي ذهب إليه أبو حنيفة، بل في كشف اللثام
أنه إليه يميل كلام البشرى، قال: لا مانع أن يكون الخروج بالسلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين وإن يجب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته للحديث الذي رواه ابن أذينة (4)
عن الصادق (عليه السلام) في وصف صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) في السماء " أنه
لما صلى أمر أن يقول للملائكة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " إلا أن يقال هذا
في الإمام دون المأموم، قلت: بل هو لازم لكل من يقول بالتحليل بالصيغة الأولى
وأنها مخرجة إذا فرض فعل المصلي لها، إذ لا يتصور جزئية ما بعدها من الصلاة على
وجه الوجوب.
ومن هنا يحصل في موضوع البحث إجمال في الجملة، إذ لم يعلم المراد بالموضوع
فيه هل هو كلي التسليم أو خصوص الثانية منه أو غيرهما، والأولى إناطته بالمحلل من
التسليم وإن كان مستحبا أو أحد فردي الواجب التخييري على ما ستعرفه إن شاء الله

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 2 و 9 و 11 و 15
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10
306

والتحقيق أنه إن جمع بين الصيغتين مقدما للصيغة الأولى وقلنا بوجوبها تخييرا كان
آخر الأجزاء الواجبة الصيغة الأولى، وأما الثانية فيحتمل وجوبها خارجا واستحبابها
داخلا أو خارجا، والأوسط أوسطها كما ستعرفه إن شاء الله، وإن اختار الصيغة الثانية
كانت آخر الأجزاء الواجبة والمندوبة إلا تكرارها في بعض الأحوال، فإنه قد يكون
من الأجزاء المندوبة في وجه قوي، خلافا للمصنف وغيره فجعلوا من المستحب الصيغة
الأولى بعدها، وهو لا يخلو من وجه تسمعه إن شاء الله، كل ذلك لما ذكرناه أولا
وما تسمعه إن شاء الله، مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام) في موثق أبي بصير (1) "
فإن آخر الصلاة التسليم " وما في خبر العيون (2) " عن معنى التسليم في الصلاة "
وفي آخر (3) " وجب التسليم في الصلاة " والعلل (4) " وفي إقامة الصلاة بحدودها
وركوعها وسجودها وتسليمها " وفي صحيح زرارة (5) " فسلم في نفسه فقد تمت صلاته "
وفي موثق أبي بصير (6) أيضا " إذا ولى وجهه عن القبلة وقال " السلام علينا فقد فرغ
من صلاته " ونحو غيره مما هو ظاهر في أن ذلك تمام الصلاة لكن في الصيغة الأولى،
ويمكن دعوى القطع فيها باعتبار معروفية أنها من التشهد الذي لا إشكال في أنه من
الصلاة، كالتسليم على النبي (صلى الله عليه وآله) والملائكة كما يكشف عن ذلك نحو
خبر أبي بصير (7) المشتمل على التشهد الطويل، إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة
والصريحة والمشعرة المتفرقة في أبواب الصلاة كالسهو وصلاة الجماعة والخوف وغيرها،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 13 لكن رواه عن
معاني الأخبار
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 11
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 11
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التسليم - الحديث 2 - 1
(6) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التسليم - الحديث 2 - 1
(7) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 2
307

خصوصا ما دل (1) منها على القسمة بين المأمومين بأن للأولين التكبير افتتاح الصلاة،
وللآخرين التسليم، بل بقاء الائتمام معه أعظم شاهد على جزئيته، لعدم مشروعية
الجماعة في غير الصلاة، إلى غير ذلك من النصوص التي لا يقابلها النصوص (2) المشعرة
بالخروج بوجه من الوجوه، خصوصا بعد موافقتها للتقية، وخصوصا بعد ظهور كلمات
الأصحاب في الجزئية بين القائلين بالوجوب والندب حتى سمعت دعوى الاجماع عليه
من التنقيح.
وظني أن القول بالخروج في مطلق التحليل بالتسليم مما حدث في هذه الأعصار
وإن حكاه المقداد في التنقيح عن قواعد الشهيد رادا عليه بوجوه متعددة، منها خرق
الاجماع، لكن لا صراحة في كلامه باختياره، بل ذكره احتمالا في رد بعض النصوص
المستدل بها على الندب كما ذكرناه نحن هناك لبيان نفي الدلالة على الندب التي يكفي في
نفيها مجرد وجود الاحتمال وإن لم نعينه ماذا كما هو واضح بعد التأمل وإن اختاره بعض
متأخري المتأخرين من المتفقهة، ولا ريب في ضعفه وسقوطه، نعم هو متجه لا محيص
عنه في الصيغة الثانية بناء على وجوبها لو جاء بالصيغة الأولى وقلنا بحصول التحليل بها،
وأما النصوص المدعى ظهورها في الخروج أو إشعارها فقد عرفت الجواب عنها في أدلة
الندب بما ينفي هذا الظهور مفصلا، وستعرف زيادة على ذلك، وخبر الحلبي (3) محمول
على إرادة انقطاع الأجزاء غير التسليم من الذكر والدعاء والصلاة على النبي (صلى الله
عليه وآله) ونحو ذلك، بل قد عرفت سابقا أيضا ما يعرف منه الجواب أيضا عما ذكرناه
أخيرا من جانب القائل بالخروج، ضرورة ظهور النصوص كما سمعته فيما تقدم في أدلة
الوجوب في أن الشارع قد جعل التسليم من الأسباب المحلة للمنافيات لا أن تحليله لما فيه

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الخوف والمطاردة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم - الحديث 0 - 1
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم - الحديث 0 - 1
308

من صفة المنافاة وإن أومأت إليه بعض النصوص (1) لكنها في مساق بيان حكم وأسرار
لا تدور عليها تكاليف شرعية كما لا يخفى على من لاحظها، على أنه لو سلم فقد يمنع عدم
إمكان تصوره جزءا من الصلاة، إذ لا مانع من أن تكون اسما لهذه الأفعال المعتبر
فيها عدم تخلل المنافي فيها في الأثناء خاصة، وفعله في آخرها كدخول ما به الاحرام
والحل في اسم الحج والعمرة، فتأمل جيدا.
ولو أغضينا عن ذلك كله كان مقتضى التقرير المزبور البطلان والحرمة قبل
التسليم، لا خصوص الحرمة كما يدعيه القائل بالوجوب الخارجي كصاحب الحدائق
وغيره، ضرورة صدق لا تحدث في الصلاة مثلا المقتضي لهما معا ولو من حيث الطول في
الكون المخصوص للتشهد، بل لا دليل تختص به الحرمة دون البطلان، ومن الغريب
دعوى أنه يحصل التحليل بباقي المنافيات كما يحصل به وإن كان محرما، ويكون بين هذا
وبين ما قاله أبو حنيفة الإثم وعدمه، إذ فيه أنه مناف لمقتضى حصر التحليل في التسليم
بل لو لم يكن حصرا كانت التحليلية بغيره محتاجة إلى دليل شرعي مستقل، لما عرفت
أنها من الأمور التوقيفية كباقي الأسباب الشرعية ومسبباتها، والاكتفاء عن ذلك بما
دل على إبطال الصلاة بالحدث يقتضي البطلان حينئذ لا الحرمة خاصة، على أن الابطال
غير التحليل كما هو واضح بأدنى تأمل، نعم لما كانت نتيجتهما متحدة باعتبار ترتب
جواز تناول المنافيات على فعل كل منهما ربما خفي على البعض فعمم المحلل لكل منهما
وإن كان غير التسليم منه محرما، بل هو في غير موضعه الخاص أيضا كذلك بناء على
حرمة قطع الصلاة، وفيه ما لا يخفى، ولعله لمكان الاتحاد في النتيجة، واتصاف التسليم
بالمنافاة من حيث كونه كلام آدميين أو غيره لا من حيث تسبيبه التحليل صح إطلاق
التمام على ما عدا التسليم من الصلاة لما فيه من تلك الصفة المعتبر عدم موصوفها في الصلاة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 10
309

لا لأنه ليس جزءا حقيقة، وبه ظهر حينئذ الجواب عن بعض النصوص السابقة، كما
أنه ظهر مما ذكرنا في تحرير موضوع البحث في الأثناء الجواب عن النصوص (1)
الآخر الدالة على الفراغ من الصلاة بالصيغة الأولى المقتضية خروج الصيغة الثانية التي
هي المسماة بالتسليم، إذ قد عرفت أن ذلك لا محيص عنه بعد فرض تسليم حصول التحليل
بالصيغة الأولى ووجوب الصيغة الثانية مع ذلك، إذ لا جهة إلا القول بالوجوب
الخارجي لكن لا نلتزم حرمة فعل المنافيات الصلاتية قبلها، لعدم الدليل، وبه صرح
شيخنا في كشفه، اللهم إلا أن يدعى أن المنساق إلى الذهن من الأمر بها ولو بعد
الصيغة الأولى ومن الأمر بالاستقبال أيضا حالها بقاء المصلي على حاله السابق جامعا
للشرائط فاقدا للموانع، وفيه صعوبة كما ستعرف تمام البحث فيه إن شاء الله في محله.
(و) كيف كان ف‍ (له) أي التسليم نصا وفتوى (عبارتان) لا غير (إحداهما
أن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، والأخرى أن يقول: السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته) وليس المراد مطلق مسمى التسليم قطعا بل ضرورة، نعم في المحكي
عن الرائع للراوندي - وقد رام الجمع الذي ذكرناه نحن سابقا بين قولي الوجوب والندب
في خصوص المذكور في المتن لا الصيغة الثالثة - قال: " إذا قال: السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته ونحو ذلك، فالتسليم الذي يخرج به من الصلاة حينئذ مسنون
وقام هذا التسليم المندوب مقام قول المصلي إذا خرج من صلاته: السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته، وإن لم يكن ذكر ذلك في التشهد يكون التسليم فرضا " وقد سمعت كلامه في
حل المعقود من الجمل والعقود في أول البحث، وخلاصته في الكتابين أن الفرض هو
السلام عليكم ولكن ينوب منابه التسليم المندوب، كما أن صوم يوم الشك ندبا يسقط به
الفرض، وفي الذكرى " أن أقل المجزى في الفريضة التسليم وقول: السلام عليك أيها

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم
310

النبي ورحمة الله وبركاته ".
وقد يشهد له مضافا إلى إطلاق أدلة التسليم وخصوص المشتملة عليه ولو في ضمن
غيره من المندوبات ما عن العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم (1) " أقل ما يجزي من
السلام السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " وقول الصادق (عليه السلام) في
خبر أبي بصير أو صحيحه (2): " إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي
(صلى الله عليه وآله) وتقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قلت ذلك
فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة: السلام عليكم " الحديث
وفي خبر أبي بكر الحضرمي (3) عن الصادق (عليه السلام) قال له: " إني أصلي بقوم
فقال: تسلم واحدة ولا تلتفت قل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،
السلام عليكم " وعن كنز العرفان عن بعض مشايخه الاستدلال على وجوب التسليم على
النبي (صلى الله عليه وآله) بالآية الشريفة (4) حيث دلت على وجوب التسليم عليه
ولا شئ منه بواجب في غير الصلاة، وقال: إنه الذي يقوى في ظني، ثم حكى عن
العلامة الاجماع على استحبابه ثم منعه، وجمع الصدوق في الفقيه وعن المقنع بين الصيغتين
مع تسليمات على النبي والأنبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) من غير تصريح بوجوب
شئ، لكن ومع ذلك كله لا يخفى عليك ضعف القول بالوجوب الذي قال في كشف
اللثام بعد أن حكاه عن البعض لم يوافقه عليه أحد، وفي الذكرى " أنه لا يعد من
المذهب " وعن البيان أنه مسبوق بالاجماع ملحوق به ومحجوج بالروايات المصرحة بندبه
لما عرفت فيما تقدم من النصوص والفتاوى ومعاقد الاجماعات على عدم وجوب غير

(1) المستدرك - الباب - 4 - من أبواب التسليم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8 - 9
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8 - 9
(4) سورة الأحزاب - الآية 56
311

الشهادتين والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والتسليم المعلوم نصا وانسياقا تحققه
بدون التسليم على النبي (صلى الله عليه وآله)، والآية بعد تسليم إرادة غير الانقياد
من التسليم فيها وأن المراد خصوص التسليم على النبي (صلى الله عليه وآله) قد عرفت
المناقشة في مثل هذ الاستدلال بها، ولذا قال في المحكي عن البيان: إن قوله تعالى:
" وسلموا " ليس بمتعين للسلام على النبي (صلى الله عليه وآله)، ولو سلم لم يدل على
الوجوب المدعى، وأضعف منه القول أنه مخرج وإن لم يكن واجبا الذي لم يعرف في
المنتهى خلافا في عدمه بين القائلين بوجوب التسليم، وفي ظاهر التذكرة إجماعهم عليه
لحصر المخرج في النصوص والفتاوى بغيره، بل هو صريح خبر أبي كهمس (1) ومن
ذلك يعلم أن الاتيان به في التشهد الأول وغيره من أحوال الصلاة لا بعنوان الخصوصية
غير قادح في الصلاة، لعدم التحليلية فيه، وكذا " سلام على المرسلين " في القنوت
وإن كان موافقا للفظ القرآن، فالتوقف فيه من بعض الناس وسوسة في غير محلها.
(و) أما العبارتان المذكورتان فلا ريب في أن (بكل منهما يخرج من الصلاة)
ويحصل الفراغ منها وتحليلها، لمعلوميته بين الأمة كافة في الثانية كما اعترف به في الذكرى
وغيرها فضلا عن تواتر القول والفعل به، وللنصوص المعتبرة المستفيضة في خصوص
الأولى منهما، منها قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (2) السابق آنفا
وموثقه (3) المتقدم في أول التسليم، وفي صحيح الحلبي (4) " كلما ذكرت الله
عز وجل به والنبي (صلى الله عليه وآله) فهو من الصلاة، وإن قلت السلام علينا

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التسليم - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم - الحديث 2 - 1
312

وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت " وسأله (عليه السلام) أيضا أبو كهمس (1)
" عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت وأنا جالس: السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته انصراف هو فقال: لا، ولكن إذا قلت السلام علينا
وعلى عباد الله فهو الانصراف " وعن ابن إدريس أنه رواه في مستطرفات السرائر
نقلا من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب، وفي خبر ميسر (2) عن أبي جعفر
(عليه السلام): " شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم قول الرجل: تبارك اسمك - إلى أن
قال - وقول الرجل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " وفي الفقيه (3) قال الصادق
(عليه السلام): " أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بقوله: تبارك اسمك - إلى أن
قال - وبقوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يعني في التشهد الأول " كما يشهد له ما رواه
بسند معتبر عن الفضل بن شاذان (4) عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون
" ولا يجوز أن تقول في التشهد الأول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لأن
تحليل الصلاة التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلمت " ونحوه المروي عن الخصال بسنده
إلى الأعمش (5) عن الصادق (عليه السلام).
ومنهما يعلم أن المراد بالانقطاع والفراغ ونحوهما حصول التحليل بذلك، فهذه
النصوص بعد تعاضدها ورواية المشايخ الثلاثة وغيرهم لها على وجه ظاهرهم العمل بها مما
لا سبيل إلى ردها كما اعترف به في الذكرى تارة، ولم ينكرها أحد من الإمامية تارة
أخرى، وفي ثالث إضافتها إلى الإمامية، وفي رابع هنا مقدمتان: إحداهما أن السلام
علينا يقطع الصلاة، وهذه دل عليها الأخبار وكلام الأصحاب، وهو مشعر بالاجماع

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التشهد - الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التشهد - الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التشهد - الحديث 1 - 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2
313

على حصول الخروج به كعبارة الشيخ في التهذيب، بل قيل: إن الظاهر اتفاق الشيعة
على ذلك، ولذا تركوه في التشهد الأول، نعم ظاهرهم أن المخرج والواجب بالأصالة
السلام عليكم، وأن السلام علينا مستحب يحصل به المقصود من الواجب، ولذا قال في
الدروس: إن أكثر القدماء على الخروج بقول: السلام علينا إلى آخره وعليها معظم
الروايات مع فتواهم بندبها، لكن في المحكي عن البيان أن القائل بوجوب التسليم يجعلها
مستحبة غير مخرجة من الصلاة، والقائل بندب التسليم يجعلها مخرجة، وتبعه على نحو
ذلك بعض من تأخر عنه، وهو مخالف لما سمعته منه في الذكرى، ويقتضي طرح تلك
النصوص التي لا سبيل إلى ردها، وظني أنه استنبطه استنباطا من جهة عدم تعقل
وجوب التسليم حينئذ بعد الاتيان بهذه الصيغة خصوصا، وظاهرهم الجزئية التي لا يتصور
تحققها في المقام، لكن قد يدفع بأنه يمكن التزامهم بالوجوب الخروجي لو جاء بالصيغة
الأولى وإن خرج بها كما أومأ إليه ما سمعته سابقا من البشرى، واختاره في المدارك
والحدائق وغيرهما، ومال إليه شيخنا في بغية الطالب وإن كان هو في غاية الضعف،
خصوصا مع القول بحرمة المنافيات حينئذ بعد الصيغة الأولى دون البطلان كما صرح به
في الحدائق، ضرورة منافاته لما ورد من التحليل بالصيغة الأولى المقتضي لحل سائر
المنافيات، مضافا إلى ما عرفته من اتحاد دليل البطلان والحرمة، فالتفصيل بينهما
قول في الشرع بلا دليل.
بل ومثله في الضعف دعوى الوجوب خاصة كما ستعرفه إن شاء الله، أو يدفع
بأنه يمكن بناء إطلاقهم الوجوب على إرادة الوجوب بالأصالة كالمخرج ونحو ذلك مما لا
ينافي الاجتزاء بالمندوب نحو إطلاقهم وجوب الوضوء والغسل مثلا للصلاة المراد منه
قطعا بعد الخطاب بها مع الاستغناء بالمندوب منهما قبل الوقت، فيكون التحليل بناء على
هذا واجبا عندهم، والأصل في سببه الصيغة الثانية، إلا أنه قد يحصل بغيرها كالصيغة
314

الأولى فهي حينئذ كالوضوء مثلا المندوب قبل الوقت الذي يستغنى به باعتبار حصول
رفع الحدث به عن فعله بعد الوقت، فلا ملازمة بين إطلاقهم وجوب التسليم المنصرف
إلى الصيغة الثانية وبين القول بحصول الخروج بالصيغة الأولى لو جئ بها بعد معلومية
كون وجوب الثانية عندهم للتحليل كما هو صريح المرتضى أو كصريحه، كمعلومية أن
وجوب الوضوء لرفع الحدث، فمع فرض حصوله يسقط فعله، كما أنه يسقط السبب
الأصلي في التحليل مع فرض حصوله بالصيغة الأولى، ولعل استحباب الجمع بينهما
كالوضوء التجديدي، ويمكن انطباق مراد الشيخ وغيره ممن حكم باستحباب التسليم مع
قوله بالخروج بالصيغة الأولى على هذا كما أومأنا إليه في أول البحث، خصوصا مع شبه
التسليم بالوجوب المقدمي أو الشرطي الذي لم يتعارف إطلاق الواجب عليه عند الجميع،
ضرورة أن وجوبه لحصول التحليل ورفع حرمة المنافيات وحفظ الصلاة عن الابطال،
فتأمل جيدا.
لكن قد يفرق بين الوضوء قبل الوقت وبين الصيغة الأولى من التسليم بأن
صدق وصف الندب على الوضوء لا غبار عليه، لتحقق خاصته به، بخلاف ذلك الذي
صار فردا لتحقق الواجب، ضرورة حصول الخطاب بالخروج من الصلاة كما عرفت
دعوى الاجماع عليه فيما تقدم، بل حرمة إبطال الصلاة كافية في ثبوته، والفرض تحققه
في ضمنه، فلا يعقل حينئذ بعد ذلك الاستحباب الصرف، اللهم إلا أن يقال: إنه لم
يعد للخروج ولا هو الأصل فيه، بل هو قول مندوب إن اتفق فعله أجزء عن المخرج
كالغسل المندوب بعد الوقت بناء على الاجتزاء به عن الوضوء، ومثله لا يسمى واجبا
قطعا ولو تخييرا، بل يعبر عنه بأنه مندوب يجزي عن الواجب وإن كان عند تدقيق
النظر كأحد فردي الواجب المخير ثمرة، وربما يطلق عليه اسم الواجب بهذا الاعتبار
ولعله لذا ذهب المصنف إلى التخيير، وتبعه عليه الفاضل، بل حكي عن منتهاه عدم
315

معرفة الخلاف فيه وإن كنت لم أتحققه فيما حضرني من نسخته، والمقداد والعلامة
الطباطبائي وغيرهما ممن تأخر عنه حتى الشهيد في ألفيته التي هي أول ما صنف ولمعته التي هي
آخرها وإن بالغ في إنكاره في الذكرى والبيان، وقال: إنه قول حدث في زمان المحقق
فيما أظنه أو قبله بيسير، لأن بعض شراح رسالة سلار أومأ إليه، وقال أيضا: إنه
لا قائل به من القدماء، وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقا.
وفيه أنه لو سلم حدوثه بالنسبة إلى أقوال من وصلت إلينا مصنفاتهم لم يكن ذلك
قادحا بعد عدم انعقاد إجماع تطمئن به النفس على خلافه، كما هو واضح، ومن الغريب
ما أجاب به عما ذكر في أثناء كلامه من الاستدلال له بما ذكرناه، فقال: لا يقال لا ريب
في وجوب الخروج من الصلاة، وإذا كان هذا مخرجا منها كان واجبا في الجملة، فيكون
الحق ما ذهب إليه القائل بوجوبه، ولا نبالي بقول القدماء بندبه، لأنهم ليسوا جميع
الإمامية، لأنا نقول قد دلت الأخبار الصحيحة على أن الحدث قبله لا يبطل الصلاة،
منها خبر زرارة (1) ثم ساق بعض النصوص التي ذكرناها في أدلة الندب المشتملة على
إتمام الصلاة، وفيه أولا أنه مخالف لما أطنب فيه سابقا وبرهن عليه وحكى عليه كلام
الشيخ في الخلاف من أن التسليم اسم للصيغة الثانية خاصة، وأن الصيغة الأولى من
التشهد، وثانيا أن ذلك لا دخل له فيما نحن فيه من الوجوب التخييري وعدمه، ضرورة
اقتضائها ندب مطلق التسليم لا خصوص هذه الصيغة، وهو مقام آخر غير ما نحن فيه
قد أبطله هو بعد ذلك بتواتر النقل وغيره، وبالجملة لا جهة لهذا الجواب على تقدير
وجوب التسليم بحيث يرجع إلى إبطال صغرى الدليل أو كبراه، ثم اعترض على نفسه
بعد الجواب المزبور فقال: لا يقال ما المانع من أن يكون الحدث مخرجا كما أن التسليم
مخرج، ولا ينافي ذلك وجوبه تخييرا، لأنا نقول: لم يصر إلى هذا أحد من الأصحاب

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التسليم - الحديث 2
316

بل ولا من المسلمين غير أبي حنيفة، فيمتنع القول به، لاستلزامه الخروج عن إجماع الإمامية، وفيه بعد الاغضاء عن تمام ما فيه أنه يمكن القول بكونه مخرجا اضطراريا أو
محرما، فلا يلزم موافقة أبي حنيفة ولا مخالفة الاجماع، كما هو واضح بأدنى تأمل، ثم إنه
بعد ذلك بلا فصل قال: وهنا سؤال، وهو أن القائلين باستحباب الصيغتين يذهبون
إلى أن آخر الصلاة الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) فما معنى انقطاع الصلاة بصيغة
السلام علينا، والفرض أنها انقطعت، فلا تحتاج إلى قاطع، إلى أن قال: ولا جواب
عنه إلا بالتزام أن المصلي قبل هذه الصيغة يكون في مستحبات الصلاة وإن كانت
الواجبات قد مضت، وبعد هذا لا يبقى للصلاة أثر، ويبقى ما بعدها تعقيبا لا صلاة،
وقد أشعر به رواية الحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام) " كلما ذكرت الله به والنبي
(صلى الله عليه وآله) فهو من الصلاة، فإذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
فقد انصرفت " وبهذا يظهر عدم المنافاة بين القول بندبيته وأنه مخرج من الصلاة، إلا
أنه يلزم منه بقاؤه في الصلاة بدون الصيغتين وإن طال، ولا استبعاد فيه حتى يخرج عن
كونه مصليا أو يأتي بمناف، فإن قلت: البقاء في الصلاة بدون الصيغتين يلزمه تحريم ما يجب
تركه ووجوب ما يجب فعله، والأمران منتفيان هنا فينتفي ملزومهما، وهو البقاء في
الصلاة، قلت: لا نسلم انحصار البقاء فيها في هذين اللازمين على الاطلاق، إنما ذلك
قبل فراغ الواجبات، أما مع فراغها فينتفي هذا اللازمان، ويبقى باقي اللوازم من
المحافظة على الشروط وثواب المصلي واستجابة الدعاء، ثم حكى كلام صاحب البشرى.
وفيه ما أشرنا إليه سابقا من أنه متى ثبت كونه في الصلاة ثبت الحرمة والبطلان
بسائر المنافيات، لصدق مضمونها المستلزم ذلك، وكون الباقي مندوبا لا يجدي، إذ
ليس إبطال الحدث مثلا لعدم التمكن مما بعده من الأجزاء، بل قد عرفت فيما مضى

(1) الوسائل - الباب - 4 من أبواب التسليم - الحديث 1
317

أن الكون للمصلي من الجلوس ونحوه حال الاتيان بالمندوبات أحد أفراد الواجب المخير
والحدث معه يسري إلى الجميع لا يختص بالمقارن له، اللهم إلا أن يريد الشهيد أن
التحليل والخروج من الصلاة غير لازم، بل هو مستحب عند الشيخ وأتباعه وإن قالوا:
إنه إن جاء به ترتب عليه مسببه، وحينئذ يتوجه عليه أولا أن هذا مخالف لمعنى
التحليلية من الاحرام، وثانيا أنه مخالف لما سمعته من الاجماع على وجوب الخروج من
الصلاة حتى من أبي حنيفة وإن كان لم يخص المخرج بالتسليم، وليس المراد بوجوب
الخروج إلا فعل شئ من المكلف رتب عليه الشارع الخروج من جنس (حبس خ ل)
الصلاة وإحرامها إذ ليس غيره مما يحصل بتمام فعل الواجب والفراغ منه شيئا زائدا على
الواجب يكلف به المكلف، كما هو واضح بأدنى تأمل.
ومما يدل على مختار المصنف أيضا - مضافا إلى ما عرفت، وإلى أنه مقتضى الجمع
بين الأمر بالصيغة الأولى في خبري أبي بصير (1) حتى الطويل منهما وإن اشتمل على
مندوبات وغيرهما من النصوص حتى المتضمنة للفراغ من الصلاة وانقطاعها بالصيغة الأولى
ضرورة ظهورها في أنك قل ذلك فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، وبين الأمر
بالصيغة الثانية المعلوم بالاجماع وغيره بعد معلومية عدم وجوب الجمع بينهما بالاجماع بقسميه
والنصوص، فليس حينئذ إلا التخير - أنه من التسليم المجعول تحليلا للصلاة والمأمور به
في النصوص الكثيرة، ودعوى الانصراف إلى المتعارف فعلا واسما بين العامة
والخاصة يدفعها بعد تسليمها أنه لا ينافي ثبوت فرد آخر بدليل مستقل، وهو النصوص
السابقة خصوصا الدالة على أنه تحليل الصلاة، بل قوله (عليه السلام) في بعضها (2):

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8 والباب - 3 - من أبواب
التشهد - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2
318

" إذا قلت ذلك فقد سلمت " كالصريح في إرادة بيان أن هذا من التسليم المحلل للصلاة
وإن لم يكن متعارفا ولا معروفا بذلك، ولذا استعمله العامة في التشهد الأول فاحتاج
أهل العصمة (عليهم السلام) إلى بيان خطئهم في ذلك وردع شيعتهم عن استعماله، وبيان
أنه من المحلل المقتضي لفساد الصلاة مع التعمد إلى وقوعه في غير محله من الصلاة، بل
قالوا: إنه هو الانصراف مبالغة في إرادته من الأوامر المتعددة أو المتواترة بالانصراف
بعد التشهد كما هو واضح بأدنى تأمل.
بل منه ومما تقدمه وغيرهما يعلم أنه لا وجه معتد به للقول بوجوب الصيغة الثانية
تعبدا وإن كان قد خرج بالأولى جمعا بين النصوص (1) الدالة على حصول ذلك بها
وبين الأوامر (2) المتواترة بالتسليم المنصرفة بالتبادر للتعارف قولا وفعلا إلى الصيغة
الثانية المعتضدة بالجمع بينهما في خبري أبي بصير (3) والمستبعد حملها على إرادة
الوجوب التخييري والندب إذا فرض الخروج بالصيغة الأولى، بل في الحدائق التصريح
بتوقف حل المنافيات عليها وإن كان قد خرج بالأولى بحيث لا يبطل فعل المنافي بعدها
لكن يأثم، والذي يرفع ذلك كله الصيغة الثانية مقتصرا عليها أو آتيا بها بعد الخروج
من الصيغة الأولى، وفيه أن إطلاق اسم التحليل عليه في بعض تلك النصوص (4)
وأن من قاله سلم، والانصراف والفراغ في آخر (5) ونحو ذلك مما يقطع ملاحظة بعد
التأمل والانصاف في ظهوره أو صراحته بعدم وجوب شئ آخر بعده.

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8 والباب 3 من أبواب
التشهد - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم - الحديث 1 و 5
319

ومن هنا جعل الشهيد في الذكرى القول بوجوب الصيغة الثانية بعينها مستلزما
لطرح هذه النصوص جميعها، وما ذاك إلا لأن المراد بها ما ذكرنا، بل ظاهر المنتهى
أو صريحه أنه لا يعرف خلافا في عدم وجوب شئ بعد فرض حصول التحليل، وقد
سمعت أن الشهيد في البيان جعل كل من قال بوجوب الصيغة الثانية قائلا بعدم الخروج
بالأولى، وليس هو إلا استنباطا مما ذكرناه، بل لعل الاجماع المستفيض على عدم
وجوب الجمع بينهما مأخذه ذلك أيضا، ضرورة أنه لا وجه لوجوب شئ آخر بعد
حصول التحليل والفراغ والانصراف، لا أن مأخذه ندب الصيغة الأولى، إذ ليس
ذلك يقتضي التعبير بعدم وجوب الجمع بينهما، بل هو إجماع خاص على خصوص الندبية
كما هو واضح، على أن ظاهر النصوص كون وجوب التسليم لأجل حصول التحليل سيما
المتضمن منها للتعليل كالمروي (1) عن العلل عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في
الصلاة قال: (عليه السلام) " لأنه تحليل الصلاة " إلى آخره.
ومن ذلك كله يظهر تقرير الدليل للمصنف بوجه آخر هو أنه قد ثبت حصول
التحليل بكل منهما، ولا شئ واجب بعده، فلا يجب حينئذ إلا أحد المحللين، وأظرف
شئ دعوى حصول التحليل بالأولى والانصراف والفراغ، وأنه يبقى حرمة المنافيات
موقوفة على الصيغة الثانية، ومع التأمل في النصوص والفتاوى يمكن القطع بفساده، بل
الاجماع على خلافه، واحتمال البشرى له لا ينافي ذلك خصوصا وقد جزم في آخر ما حكى
من كلامه بخلافه، نعم جزم به جماعة من متأخري المتأخرين، وكأنه من جملة أوهامهم.
نعم قد يقال: إن المستفاد من التأمل في النصوص كقوله (عليه السلام) في خبر

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 11
320

أبي بصير (1): " إنما التسليم " وخبره الآخر الطويل (2) وغيرهما من قوله (عليه
السلام): " تحليلها التسليم " ونحوه كون التسليم كالتشهد ونحوه من الألفاظ المراد
بها هيئات متعددة مختلفة بالكمال وعدمه، وإلا فالكل واجب على التخيير، فالكامل
منه مثلا المشتمل على التسليم على النبي (صلى الله عليه وآله) والملائكة وغيرهم ممن هو
مذكور في النصوص إلى الصيغة الثانية، ودونه المشتمل على الصيغتين خاصة، أو على
التسليم على النبي (صلى الله عليه وآله) مع الصيغة الثانية كما في بعض النصوص (3)
أيضا، أو على الصيغة الأولى خاصة، أو مع التسليم على النبي (صلى الله عليه وآله)
أو على الصيغة الثانية خاصة، أو غير ذلك من الهيئات المستفادة من النصوص، وليس
هو من التخيير بين الأقل والأكثر قطعا خصوصا بعد ما سمعت في التسبيح في الأخيرتين
ونحوه، إذ ما نحن فيه أولى بعدم توهم ذلك، ضرورة كونه من قبيل تعدد مسميات
الاسم الذي اكتفى الشارع فيه بالاتيان بأحدها، فالآتي حينئذ بهيئة من الهيئات السابقة
التي للاقتصار وعدمه الواقعين منه في الخارج مدخلية فيها لا النية ونحوها آت بواجب
وإن طال، كما أنه لو اقتصر على السلام علينا أو السلام عليكم أجزأ لصدق التسليم حينئذ.
ومنه ينقدح استحباب إضافة " وعلى عباد الله الصالحين " ضرورة صدق التسليم
بدونها، وربما ظهر ذلك من عبارة الذكرى السابقة بل وغيرها وإن كنا لم نعثر على
نص بالخصوص مشتمل على الاقتصار، ولعله لكون المتعارف استعمالها عند العامة في
التشهد الأول كما أشاروا إليه (عليهم السلام) في النصوص السابقة بما ذكروه من فساد
الصلاة باعتبار كونه من التسليم الذي محله التشهد الأخير، فلاحظ وتأمل جيدا.
وعلى كل حال فالمحلل التسليم، وهذه هيئات مختلفة له بمنزلة الافراد له، وهو

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8 - 9
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8 - 9
321

جيد جدا لكنه خلاف ظاهر الأصحاب، اللهم إلا أن يبنى بعض ما ينافي ذلك من
كلماتهم على التسامح، وإلا فمراد الجميع أو الأكثر ذلك، لكن على كل حال لا يتم معه
قول المصنف: " (وبأيهما بدأ كان الثاني مستحبا) ضرورة عدم استفادة تعقيب الصيغة
الثانية بالأولى من النصوص، بل ولا من المصنفات عدا كتب المصنف ومن تبعه كما
اعترف به الشهيد بخلاف العكس، ولعله أخذه منه بدعوى استفادة رجحان قول سببي
التحليل منه استظهارا واحتياطا كالوضوء بعد الوضوء، لكنه كما ترى، وأضعف منه
الاستناد إلى إطلاق ما دل على الأمر به تقدمت الصيغة الثانية أو لا، إذ لا إطلاق
معتد به صالح لذلك، فالأولى الاقتصار على تعقيب الصيغة الثانية، والظاهر إرادة كونه
جزءا مستحبا لا خارجا، لكثير من الأدلة التي سمعتها سابقا، إلا أنه قد ينافيه صحيح
الحلبي (1) السابق الظاهر في انتهاء الاجزاء حتى المندوبة بالصيغة الأولى، ويمكن حمله
على غير التسليم، كما أنه بناء على ما ذكرنا من الوجوب التخييري بين الهيئات لا نحتاج
إلى شئ من ذلك، فتأمل جيدا فإن المقام من مزالق الأفهام.
ويكفيك أن الشهيد (رحمه الله) مع شدة تبحره وحسن وصوله إلى المطالب
الغامضة قد اضطرب عليه المقام كما لا يخفى على كل ناظر للذكرى إلى أن قال: " هذه
المسألة من مهمات مسائل الصلاة، وقد طال الكلام فيها، ولزم منه أمور ستة: أحدها
القول بندبية التسليم بمعنييه كما هو مذهب أكثر القدماء - ورده بمنافاته المتواتر من
القول الذي لم يقرن بما يدل على ندبيته، وبغير ذلك مما عرفته سابقا - ثانيها وجوبه
بمعنييه، أما السلام عليكم فلاجماع الأمة، وأما الصيغة الأخرى فلما مر من الأخبار (2)
التي لم ينكرها أحد من الإمامية مع كثرتها، لكنه لم يقل به أحد فيما علمته - قلت:

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم
322

لم ينعقد إجماع الأمة على الوجوب، بل هو على الخروج كظاهر النصوص (1) السابقة
فالقول بوجوبهما معا في غاية الضعف، بل النصوص والاجماع بقسميه تشهد بخلافه -
ثالثها وجوب السلام علينا عينا وقد تقدم القائل به، وفيه خروج عن الاجماع من حيث
لا يشعر قائله - قلت: هذا حكاه سابقا عن يحيى بن سعيد، وعزاه المصنف في المعتبر
إلى الشيخ في التهذيب، ولا ريب في ضعفه للاجماع بقسميه، بل الضرورة على الخروج
بالصيغة الثانية والنصوص متواترة به، لكن في الرياض أنه لولا الاجماع لأمكن القول
به لظاهر ما مر من المستفيضة، وفي كشف اللثام بعد أن حكى عن الشهيد ما سمعت قال:
لكن الأخبار تعضده، وربما يكون جمعا بين قولي وجوب التسليم واستحبابه بما ذكره
بمعنى هل يجب مع هذه الصيغة الصيغة الأخرى، وفيه مع أنه لا دلالة فيها على
الوجوب العيني بل أقصاها الخروج الذي هو أعم من ذلك أن النصوص المتواترة
الدالة على الخروج بالثانية كافية في رده، بل القول بوجوبها عينا أقرب منه من وجوه
لا تخفى، والجمع بين القولين لا يختص بدعوى الوجوب العيني، على أن قوله في كشف
اللثام " بمعنى " إلى آخره لا يخلو من تأمل - رابعها وجوب السلام عليكم عينا لاجماع
الأمة على فعله، وينافيه ما دل على انقطاع الصلاة بالصيغة الأخرى مما لا سبيل إلى
رده، فكيف يجب بعد الخروج من الصلاة - قلت: مضافا إلى ما عرفته سابقا - خامسها
وجوب الصيغتين تخييرا جمعا بين ما دل عليه إجماع الأمة وأخبار الإمامية، وهو قوي
متين إلا أنه لا قائل به من القدماء، وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقا - قلت: فيه
ما عرفته سابقا مفصلا - سادسها وجوب السلام عليكم أو المنافي تخييرا، وهو قول
شنيع، وأشنع منه وجوب إحدى الصيغتين أو المنافي " قلت: هو من خواص أبي حنيفة
من العامة كما سمعته سابقا، وإلى هنا قد انتهى كلامه.

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم
323

ومن العجيب أنه خرج من المسألة بلا حاصل، على أنه ترك احتمال وجوب
السلام عليكم عينا تعبدا وإن خرج بالأولى كما حكاه سابقا عن البشرى واختاره جماعة
من متأخري المتأخرين وإن كان قد عرفت ما فيه سابقا مفصلا، وترك أيضا احتمال
الوجوب التخييري بالطريق الذي ذكرناه، ثم قال بلا فصل: " وبعد هذا كله فالاحتياط
للدين بالاتيان بالصيغتين جمعا بين القولين، وليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من
الوجوه وينوي الخروج بهما باديا بالسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لا بالعكس،
فإنه لم يأت به خبر منقول ولا مصنف مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق ويعتقد
ندب السلام علينا ووجوب الصيغة الأخرى، وإن أبى المصلي إلا إحدى الصيغتين
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته مخرجة بالاجماع " وفيه بعد حمل الاعتقاد في كلامه على
إرادة الفعل بعنوان الوجوب والندب أنه لا مدخلية لذلك في تحصيل الاحتياط، بل
إذا احتاط ينبغي أن لا يعتقد ندب شئ منهما ولا وجوبه، ومنه يعلم ما في حاشية
الإرشاد للمحقق الثاني حيث قال: ندب التسليم قوي وإن كان الوجوب أحوط لا سيما
ووقوعه في آخر الصلاة، فلا يلزم من اعتقاد الوجوب تخيل قادح بوجه، إذ على تقدير
الاستحباب يكون فعله بقصد الوجوب بعد تمام الصلاة، وكان ذلك منه ومن الشهيد
مبني على اعتبار نية الوجه، لكن قد يمنع اعتبارها في خصوص الأجزاء وإن قلنا بها
في أصل الفعل خصوصا في مقام الاحتياط، وإلا لوجب معرفة الواجب والندب للمقدمة
إلا أنه ومع ذلك فالانصاف أنه لا يخلو جميع ذلك من بحث خصوصا مع احتمال
وجوب التسليم خارجا، وخصوصا بناء على مدخلية نية الوجه في الامتثال كما يقضي به
بعض أدلتهم.
ثم إنه كما أن من الأصحاب من أوجب السلام علينا عينا ولا موافق له أوجب
بعضهم السلام على النبي (صلى الله عليه وآله) كما عرفته سابقا، فإن كان الاحتياط الجمع
324

بين الصيغتين للخروج من الخلاف كان الأحوط الجمع بين الصيغ الثلاث وأن لا ينوي
الخروج بشئ منها بعينه، لعدم توقف حصوله على معرفة المخرج بالخصوص، ضرورة
ظهور الأدلة في كونه سببا مخرجا قهرا بل وإن لم يقصد الخروج كما يومي إليه النكير
على العامة بفعله في التشهد الأول مع القطع بعدم قصدهم الخروج به، وأيضا يرد عليه
أنه كيف يكون ذلك طريق احتياط وهو مخالف لما أفتى به هو نفسه فضلا عن غيره
في المحكي من ألفيته من أن ما يقدمه منهما يكون واجبا والثاني مستحبا، ولو عكس لم يجز
اللهم إلا أن يتجشم له بتأويل يرفع ذلك، مع أنه إن كان الجمع بين الصيغتين للخروج
عن شبهة الخلاف في الوجوب لم يحسن الأمر باعتقاد الندبية، وأيضا إذا كانت الصيغة
الثانية مخرجة بالاجماع فلا جهة للاحتياط بعد القطع بالامتثال، وربما أورد عليه زيادة
على ذلك أنه لا وجه للاحتياط بتقديم الصيغة الأولى وهي مندوبة بالاجماع، وقد ثبت
كونها قاطعة، فمع تقدمها تكون فاصلة بين أجزاء الصلاة على القول بالتسليم، مضافا إلى
إطلاق الحكم بافساد قولها في التشهد، ويدفع بالاجماع والنصوص (1) على صحة هذه
الصورة، وما دل على إبطالها في التشهد من النصوص (2) مختص بالتشهد الأول قطعا
والقائل بوجوب الصيغة الثانية بالخصوص وأنها جزء لا يقول بكون الصيغة الأولى
مخرجة، أو يقيد الوجوب بمن لم يقل هذه الصيغة كما هو واضح، هذا.
وقد ظهر من بعض ما ذكرنا عدم اعتبار نية الخروج بالتسليم خصوصا على المختار
من الجزئية، ضرورة الاكتفاء بنية الجملة، على أن الخروج بالتسليم من الأمور المترتبة
شرعا على قوله المقصود، ومنه يعلم عدم اعتبارها أيضا حتى على القول بخروجه، نعم

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التشهد - الحديث 2 والمستدرك - الباب 2
من أبواب التسليم - الحديث 1 و 3
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم
325

يعتبر فيه عدم قصد التحية ونحوها كما أومأ إلى ذلك في الجملة ما سمعته من النكير على
قوله في التشهد الأول وأنه به يحصل فساد الصلاة لتسبيبه التحليل لمنافياتها المنافي لانعقادها
وصحتها، ضرورة حرمة المنافي في الصلاة، وبه حينئذ يظهر ما في احتمال الوجوب قياسا
على المحلل في الحج والعمرة، بل استوجهه في الذكرى لذلك على تقدير الخروج، كما أنه
استوجه عدم اعتبار النية على الدخول، مع أنه دفعه في جامع المقاصد بالفرق بين الصلاة
والحج، إذ الأولى تعد فعلا واحدا لارتباط بعضها ببعض، ولهذا تفعل بنية واحدة
ولا تصح إلا كذلك، بخلاف الحج المنفصل كل فعل منه عن الآخر واحتياجه إلى نية
بالاستقلال، فنية الصلاة حينئذ تتناوله وإن لم يكن جزء، لأن مقتضاها نية فعل الصلاة
بتمامها الذي لا يكون بدون التسليم، وإن كان هو لا يخلو من بحث ونظر، كتعليل
الذكرى عدم اعتبار نية الخروج بأن جميع العبادات لا تتوقف على نية الخروج، بل
الانفصال منها كاف في الخروج، وبأن مناط النية الاقدام على الأفعال لا التروك لها،
بل هو واضح البطلان خصوصا الأخير منه، ونحوه تعليله الاعتبار بأن نظم السلام
يناقض الصلاة في وضعه من حيث أنه خطاب الآدميين، ومن ثم يبطل الصلاة بفعله
في أثنائها عامدا، وإذا لم يقترن به نية تصرفه إلى التحليل كان مناقضا للصلاة مبطلا
لها، والأولى التعليل بما سمعت من أن الخروج بالتسليم من الصفات المترتبة على قوله
من غير مدخلية للنية، نعم قد يقال باعتبار عدم قصد أمر آخر به من تحية ونحوها مما
لا مدخلية له في الصلاة، مع احتمال تحقق الخروج به وإن قصد كما يومي إليه في الجملة
استحباب قصد الإمام المأمومين وقصد المأمومين الرد، بل في الذكرى احتمال وجوبه
على المأمومين لعموم أدلة التحية.
وقد يفرق بين المقصود به التحية صرفا وبين الملاحظة فيه مع ذلك الصلاة في
الجملة، فيخرج بالثاني وإن كان الذي أريد تحيته غير مأموم بل غير مصل بخلاف الأول
326

لكن الأقوى العدم حتى في الأخير لأصالة عدم التداخل، فلو قصد به التحية أو الرد
مع الخروج بطلت الصلاة في غير المستفاد من النصوص كما ستعرف تمام البحث فيه
إن شاء الله تعالى، ولعل هذا أو نحوه مراد الشهيد في الذكرى ولو سلم بنية عدم الخروج
به بطلت صلاته على القولين لا مطلقا، لما عرفت من صراحة النصوص في حصول
التحليل بما تأتي العامة به في التشهد الأول، ومن المقطوع به قصدهم عدم الخروج به،
ولو قصد الخروج بالتسليم من غير ما هو متلبس بها من الصلاة فعلى القول بوجوب نية
الخروج يتجه البطلان مع العمد، أما مع الغلط ففي الذكرى فيه إشكال منشأه من النظر
إلى قصده في الحال فيبطل الصلاة، وإلى أنه في حكم الساهي، قلت: فيسلم حينئذ ثانيا
ثم يسجد للسهو كما يفعل الساهي، وقد يحتمل صحة نفس ما صدر منه من التسليم صرفا
للنية إلى الممكن، وأن الغالط كالقاصد إلى ما هو بصدده، بل الغالط في مثل المقام عند
التأمل لا يخلو من ذلك أو من السهو، فاحتمال البطلان حينئذ ضعيف جدا، وطريق
الاحتياط واضح، وعلى القول بعدم وجوب نية الخروج ففي الذكرى لم يضر الخطأ في
التعيين نسيانا كالغلط، أما العمد فمبطل، قلت: قد يأتي احتمال البطلان في الغلط بناء
على تعليله السابق، كما أنه يمكن احتمال الصحة في حال العمد، لأنه لا يزيد على ما قصد
به عدم الخروج به من الصلاة، فتلغى حينئذ نيته، لاطلاق ما دل على حصول التحليل به
فالجزم بالبطلان حينئذ لا يخلو من نظر، كما أنه لا يخلو ما ذكره بعد ذلك - من أن وقت
النية على القول بها عند التسليم مقارنة له، فلو نوى الخروج قبل التسليم بطلت الصلاة
لوجوب استمرار حكم النية، ولو نوى الخروج عنده لم تبطل، لأنه قضية الصلاة، إلا
أنه لا يكفيه هذه النية بل يجب عليه النية مقارنة له - من النظر أيضا، ويعرف بالتأمل
فيما سبق في النية، ولو تذكر في أثناء نية الخروج صلاة فائتة وجب العدول إليها بناء على
الجزئية، لاطلاق الأدلة، ولا يجب فيه تجديد نية الخروج ولا إحداث نية التعيين في
327

الخروج لهذه الصلاة التي فرضه الخروج منها، كما لا يجب في الصلاة المبتدأة التعيين،
لأن نية العدول تصرف التسليم إليها.
ثم من المعلوم أن نية الخروج بناء عليها بسيطة لا يشترط فيها تعيين ما وجب
تعيينه في نية الصلاة، إذ الخروج إنما هو عما نواه، فيتشخص، قال في الذكرى:
" ويحتمل أن ينوي الوجوب والقربة لا تعيين الصلاة والأداء، لأن الأفعال تقع على
وجوه وغايات، أما تعيين الصلاة والأداء فيكفي فيه ما تقدم من نيتها وإرادة الخروج
عنها " وهو كما ترى لا يخلو من نظر وبحث.
ثم لا يخفى بناء على الجزئية والوجوب اعتبار جميع ما يعتبر في الصلاة فيه، بل
الظاهر جريان جميع ما سمعته في التشهد وغيره أيضا من وجوب الجلوس وندبه وكراهته
والطمأنينة والاعراب والعربية مع القدرة، وإلا وجب التعلم نحو ما سمعته في التشهد،
لانسياق مساواته له في ذلك كله إلى الذهن من النصوص والفتاوى خصوصا المشتمل
على ذكره تفصيلا، بل قد يطلق التشهد على ما يشمله، لكن يجب الاقتصار على الصورة
المتعارفة في المخرج منه كما هو ظاهر بعض وصريح آخر، بل في الدروس نسبته إلى
الموجبين، لعدم ثبوت غيرها بعد انصراف إطلاق النصوص إليها، ولا خلاف أجده
فيه في الصيغة الأولى، أما الصيغة الثانية لو أراد الخروج بها ففي المعتبر الأشبه أنه يجزي
سلام عليكم واستقربه في التذكرة، لوقوع اسم التسليم عليها، ولأنها كلمة ورد القرآن
بصورتها فتكون مجزية، وفي التذكرة ولأن عليا (عليه السلام) كان يقول ذلك عن
يمينه وشماله (1) ولأن التنوين يقوم مقام اللام، وفيه منع واضح بعد ما عرفت من
انصراف الاطلاق إلى الصورة المتعارفة المصرح بها في جملة من المعتبرة كخبر ابن

(1) سنن البيهقي ج 2 ص 178
328

أبي يعفور (1) المروي عن جامع البزنطي وخبر أبي بصير (2) وخبر أبي بكر
الحضرمي (3) وخبر ابن أذينة (4) وخبر يونس بن يعقوب (5) وغيرها، وإلا
لأجزى المعنى كيف كان، وقد اعترف هو بفساده حيث حكى عن الشافعي الاجتزاء بعكس
الصورة المتعارفة التي لم تجز عندنا قولا واحدا كما في التحرير معللا له بحصول المعنى،
والورود في القرآن لا يقتضي التجاوز عن المأثور بالصلاة، والمحكي عن علي (عليه السلام)
في خبر سعد التعريف، وضعف الأخير واضح.
نعم ظاهر أكثر النصوص (6) المزبورة كاطلاق غيرها عدم اعتبار إضافة
" ورحمة الله وبركاته " كما هو خيرة المصنف والفاضل والشهيد وغيرهم، بل هو المحكي
عن بني عقيل والجنيد وبابويه، بل ربما نسب إلى الأكثر، بل في المنتهى نفي الخلاف
عن جواز ترك " وبركاته " بل عن المفاتيح الاجماع على استحبابه، فيحمل حينئذ ما في
حديث المعراج (7) - " فقال لي: يا محمد (ص) سلم، فقلت: السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته " - على الفضل ولو لأحد فردي الواجب التخييري كما عن بعض التصريح به
ولعله مراد الباقين نحو ما سمعته في التشهد والتسبيح، وربما يومي إليه في الجملة إتيانه منه
(صلى الله عليه وآله) امتثالا للأمر بالتسليم، ودونه في الفضل الاقتصار على " ورحمة
الله " المروي في صحيح علي بن جعفر (8) قال: " رأيت موسى وإسحاق ومحمد بني جعفر
(ع) يسلمون في الصلاة على اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة الله " ولا داعي إلى حمله

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 11 - 8 - 9
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 11 - 8 - 9
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 11 - 8 - 9
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التسليم - الحديث 5
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8 و 9 و 11 و 15
(7) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10
(8) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 2
329

على التقية وإن كان المحكي عن العامة ترك " وبركاته " كما أنه لا داعي إلى تنزيل ما في
النصوص (1) الكثيرة من الاقتصار على " السلام عليكم " المعتضد باطلاق النصوص
والفتاوى على إرادة " السلام عليكم " إلى آخر ما يعرفه المخاطب من الإشارة بالبعض
إلى الكل، إذ دعوى التعارف بهذه الصورة في الأزمنة السابقة ممنوعة، فما عن الحلبي
- من إيجاب " ورحمة الله " وعن غاية المراد حكايته عن السيد، قيل: وإليه مال في
مجمع البرهان، بل عن ابن زهرة والشهيد في الألفية وظاهر البيان والمحقق الثاني في فوائد
الشرائع وتعليق النافع والشهيد الثاني في المسالك والمقداد في التنقيح إيجاب " وبركاته " -
أيضا ضعيف، مع أني لم أتحققه في بعض ما حضرني من هذه الكتب.
ولا فرق فيما ذكرنا من المحافظة على الصورة الخاصة بين تقديم الخروج بأحدهما
وعدمه تحصيلا لوظيفة الندب والمحافظة على الواجب الخارجي على اختلاف الرأيين،
نعم لو أخل بها عمدا لم تبطل الصلاة بناء على الخروج بالأولى وضعف احتمال الوجوب
الشرطي، على أنه يعيده وتصح صلاته، إذا لم يصدر مناف في أثناء الصلاة، بخلاف
ما إذا لم يأت بأحدهما بناء على أنه من كلام الآدميين حينئذ، ولعله إلى هذا أومأ في
المنتهى حيث قال: إن أتى بغير المجزي متعمدا بطلت صلاته، لأنه كلام في الصلاة
غير مشروع، وإن بدأ بالعبارة الثانية ثم أتى بالعبارة الأولى جاز له أن يأتي بأي صيغة
أراد، وعلى أي كيفية أوجدها صح، لأنه يكون قد خرج من الصلاة، لا أن المراد
الجواز بحيث تحصل له وظيفة الندب إن قلنا به لعدم الدليل، والخروج بالأولى لا يصلح
مستندا للتعميم المزبور، لكن قال بعد ذلك: لو قال: " سلام عليكم " منكرا فإن
أتى به بعد قوله: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " أجزأه، لأنه يكون إتيانه
خارج الصلاة، مع أنه تردد في الخروج به لو ابتدأ به مما عرفته سابقا، ويمكن حمله أيضا

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 8 و 9 و 11 و 15
330

على ما ذكرنا، وإلا فلا تأثير للتقديم في مشروعية التعميم، والله أعلم.
(و) أما (مسنون هذا القسم) فهو (أن يسلم المفرد إلى القبلة) لا يمينا ولا
شمالا بلا خلاف أجده فيه، بل في ظاهر الغنية أو محتملها والمدارك وغيرهما الاجماع
عليه، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الحميد (1) " إن كنت تؤم قوما
أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، وإن كنت مع إمام فتسليمتين، وإن كنت وحدك
فواحدة مستقبل القبلة " وما في حديث المعراج (2) " ومن أحل ذلك كان السلام مرة
واحدة تجاه القبلة " وغيرهما.
ولعله لهما ولغيرهما جعل المصنف وغيره من المسنون أيضا كونه (تسليمة واحدة)
إلا أنه قد يشكل بأنها واجبة مع فرض الخروج بالصيغة الثانية خاصة، لأنها بها يتحقق
الواجب، اللهم إلا أن يلاحظ ندب وصف الوحدية بحيث يفوته الاتباع بالثانية،
فتأمل، مع احتمال إرادة المصنف ومن عبر كعبارته الرد على من أوجب الزائد من
العامة، لا أنه مستحب بالمعنى المصطلح المقتضي لجواز غيره وإن فقد صفة الندب حتى
يشكل بظهور النصوص والفتاوى في عدم مشروعية التعدد له، ولعله لذا عبر في المدارك
في شرح العبارة المزبورة باكتفاء المنفرد بالتسليمة الواحدة إلى القبلة ناسبا له إلى مذهب
الأصحاب، والأمر سهل بعد وضوح المراد، إذ الظاهر من النصوص والفتاوى عدم
وجوب الزائد عليها عندنا، بل وعدم استحبابه، للأصل وظاهر النصوص (3) وما
في صحيح علي بن جعفر (4) " رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمد بني جعفر (عليه
السلام) يسلمون في الصلاة عن اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم
ورحمة الله " حكاية فعل لا عموم فيه، مع احتماله الموافقة للعامة لحضورهم أو للتعليم،
فما في الذكرى - بعد أن روى ذلك " ويبعد أن يختص الرؤية بهم مأمومين لا غير،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 3 - 0 - 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 3 - 0 - 2
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 3 - 0 - 2
331

بل الظاهر الاطلاق، وخصوصا وفيهم الإمام، ففيه دلالة على استحباب التسليمتين
للإمام والمنفرد أيضا غير أن الأشهر الواحدة فيهما " - ضعيف وإن أمكن تأييده بعدم
معارضة صحيح ابن عواض (1) السابق، لكونه مساقا للاجزاء لا لبيان الندب،
بل قد يشعر لفظ الاجزاء فيه بمشروعية غيره، إلا أنه قد يمنع العطف فيه على معمول
الاجزاء كما يشهد له نصب التسليمتين، فالأولى تقدير العامل فيه أمرا، فتأمل، على
أن غيره كاف في ثبوت المطلوب كما ستعرف، لكن في المنتهى والتذكرة - بعد أن
ذكر أن المجزي عند الإمامية تسليمة واحدة للإمام والمأموم والمنفرد، وحكى خلاف
بعض العامة في ذلك ثم ذكر دليلهم عليه بما رووا (2) عن النبي (صلى الله عليه وآله)
من التسليمتين - أجاب بحمله على الندب، بل في المنتهى " لا ريب في ندبية التعدد "
إلى آخره، وهو كما ترى ظاهر في مشروعية التعدد، ويمكن حمل عبارات الأصحاب
على ذلك بحمل الواحدة فيها على الأفضلية، فيكون حكمهم بالاستحباب لذلك لا لما قلناه
سابقا، فتأمل، وقال في المبسوط: " من قال من أصحابنا: إن التسليم فرض فبتسليمة
واحدة يخرج من الصلاة، وينبغي أن ينوي بها ذلك، والثانية ينوي بها ذاك السلام
على الملائكة أو على من في يساره " ويمكن حمله على إرادة المأموم، وفي المحكي عن
الموجز الحاوي " ويقصد بالأولى الخروج، وبالثانية الأنبياء والملائكة والحفظة والأئمة
(عليهم السلام) ومن على ذلك الجانب من مسلمي الإنس والجن، والمأموم بالأولى الرد
وبالثانية المأمومين " وهو كما ترى محتاج إلى التأمل، ضرورة ظهوره في مشروعية
التعدد مطلقا، والله أعلم.
(و) أما أنه يستحب له أن (يومي بمؤخر عينيه إلى يمينه) فقد ذكره الحلبي

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 3
(2) كنز العمال ج 4 ص 220 - الرقم 4694
332

في إشارته والشيخ قبل المصنف في المحكي عن نهايته ومصباحه والقاضي عن مهذبه،
وتبعهم المصنف وغيره، بل قيل: إنه المشهور، بل في الروضة أنه لا راد له، لكن لم
أجد في النصوص ما يدل عليه بالخصوص، نعم في خبر أبي بصير (1) عن الصادق
(عليه السلام) " إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك " ولعله المراد مما ورد
في النصوص (2) من الأمر بالانصراف من الصلاة عن اليمين ومقتضى الجمع بينهما
لا ينحصر بالايماء بمؤخر العين، ولذا قالوا في الإمام يومي بصفحة الوجه، مع أنه كما
ورد (3) هنا الأمر بالاستقبال تارة وإلى اليمين أخرى كذلك ورد (4) فيه، اللهم
إلا أن يفرق بأن ظاهر النصوص أن المراد بالايماء في المنفرد الملك الموكل بالحسنات،
ومقعده على الشدق الأيمن بخلاف الإمام، فإن للراد من الايماء فيه ذلك والمأمومين،
فينبغي له زيادة الايماء مع المحافظة على الاستقبال، وليس هو إلا بصفحة الوجه، وهي
كما ترى اعتبارات لا تصلح لأن تكون مدركا لحكم شرعي، خصوصا وفي خبر المفضل
ابن عمر (5) المروي عن العلل " سألت أبا عبد الله (عيه السلام) لأي علة يسلم على
اليمين ولا يسلم على اليسار؟ قال: لأن الملك الموكل بكتب الحسنات على اليمين، والذي
يكتب السيئات على اليسار، والصلاة حسنات ليس فيها سيئات، فلهذا يسلم على اليمين
دون اليسار، قلت: فلم لا يقال: السلام عليك، والملك الموكل على اليمين واحد،
ولكن يقال: السلام عليكم؟ قال: ليكون قد سلم عليه وعلى من على اليسار، وفضل
صاحب اليمين عليه بالايماء إليه، قلت: فلم لا يكون الايماء في التسليم بالوجه كله ولكن

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 12 - 15
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب التعقيب
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 3 و 12
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 1 و 3
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 12 - 15
333

كان بالأنف لمن صلى وحده وبالعين لمن يصلي بقوم؟ قال: لأن مقعد الملكين من ابن
آدم الشدقين، فصاحب اليمين على الشدق الأيمن ويسلم المصلي عليه ليثبت له صلاته في
صحيفته، قلت: فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال: تكون واحدة ردا على الإمام وتكون
عليه وعلى ملكيه، وتكون الثانية على من على يمينه والملكين الموكلين به، وتكون
الثالثة على من على يساره وملكيه الموكلين به، ومن لم يكن على يساره أحد لم يسلم على
يساره إلا أن يكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى من صلى معه خلف الإمام، فيسلم على
يساره، قلت فتسليم الإمام على من يقع؟ قال: على ملكيه والمأمومين يقول لملكيه:
اكتبا سلامة صلاتي مما يفسدها، ويقول لمن خلفه: سلمتم وأمنتم من عذاب الله عز وجل "
وهو كالصريح في أن المنفرد يومي بالأنف والإمام يومي بعينه وإن كان قد وقع ذلك
في كلام السائل إلا أن تقرير الإمام (ع) له عليه مع أنه قد صدر منه بصورة المفروغ منه
يكفي في حجيته، ومن هنا أفتى به في الفقيه في الإمام والمنفرد، وعن الاقتصاد بطرف
الأنف إلا أن إعراض الأصحاب عنه بالنسبة إلى ذلك وبالنسبة إلى تسليم المأموم ثلاثا
يوهن الاستناد إليه، خصوصا مع عدم انطباق الجواب فيه على السؤال المشعر بالاعراض
عنه وعدم الرضا به، بل الصدوق نفسه في المحكي عن أماليه أفتى بخلافه، حيث قال:
" والتسليم يجزي مرة واحدة مستقبل القبلة، ويميل بعينه إلى يمينه، ومن كان في جمع
من أهل الخلاف سلم تسليمتين عن يمينه تسليمة وعن يساره تسليمة كما يفعلون للتقية،
يعني منفردا أو إماما أو مأموما " وعن المفيد في نافلة الزوال ويسلم تجاه القبلة تسليمة
واحدة يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويميل مع التسليمة بعينه إلى يمينه، وفي فريضته
بعد التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ويومي بوجهه إلى القبلة
ويقول: السلام على الأئمة الراشدين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وينحرف
بعينه إلى يمينه، ونحوه عن المراسم إلا أن في النافلة ينحرف بوجهه يمينا، وفي الجمل
334

والعقود والمبسوط " يسلم الإمام والمنفرد تجاه القبلة والمأموم يمينا ويسارا إن كان على
يساره أحد، وإلا يمينا " وفي جمل العلم والعمل وعن الانتصار والسرائر الايماء للإمام
والمنفرد بالوجه قليلا، والمأموم نحو ما سمعته من المبسوط، وعن الانتصار الاجماع على
ما فيه، وعن أبي علي إن كان الإمام في صف يسلم على جانبيه، وقد سمعت كلام
المصنف في المنفرد.
(و) أما (الإمام) فقال: إنه يومي (بصفحة وجهه) إلى يمينه (وكذا
المأموم، ثم إن كان على يساره غيره أومأ بتسليمة أخرى إلى يساره بصفحة وجهه أيضا)
وتبعه غيره ممن تأخر عنه، بل حكيت عليه الشهرة وإن كانت هي في محل المنع بالنسبة
إلى القدماء، بل الدليل عليه بالنسبة إلى الايماء بصفحة الوجه غير واضح أيضا، إذ
النصوص منها ما سمعت ومنها قول الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير (1):
" إذا كنت في صف فسلم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك، لأن عن يسارك
من سلم عليك، وإذا كنت إماما فسلم تسليمة وأنت مستقبل القبلة: ومنها قوله (عليه
السلام) أيضا في خبر أبي بصير (2): " إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي
صلى الله عليه وآله السلام، وتقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد
انقطعت الصلاة، ثم تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة: السلام عليكم، وكذلك
إذا كنت وحدك تقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين مثل ما سلمت وأنت
إمام، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت، وسلم على من على يمينك وشمالك، فإن
لم يكن على شمالك أحد فسلم على الذين على يمينك، ولا تدع التسليم على يمينك إن لم
يكن على شمالك أحد " وفي خبر أبي بكر الحضرمي (3) قلت له: " أصلي بقوم فقال:
سلم واحدة ولا تلتفت قل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليكم "

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 1 - 8 - 9
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 1 - 8 - 9
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 1 - 8 - 9
335

وفي المروي عن الخصال مسندا إلى أنس (1) " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كان يسلم تسليمة واحدة " وفي خبر علي بن جعفر (2) المروي عن قرب الإسناد
" سألته عن تسليم الرجل خلف الإمام في الصلاة كيف؟ قال: تسليمة واحدة عن يمينك
إذا كان على يمينك أحد أو لم يكن " وفي حديث الكاهلي (3) " صلى بنا أبو عبد الله (ع)
- إلى أن قال -: وقنت في الفجر وسلم واحدة مما يلي القبلة " وفي صحيح منصور (4)
عن الصادق (عليه السلام) " الإمام يسلم واحدة ومن وراؤه يسلم اثنتين، فإن لم يكن
على شماله أحد يسلم واحدة " وفي صحيح الفضلاء (5) عن أبي جعفر (عليه السلام)
أنه قال: " يسلم تسليمة واحدة إماما كان أو غيره " وفي خبر عنبسة (6) " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يقوم في الصف خلف الإمام وليس على يساره
أحد كيف يسلم؟ قال: تسليمة عن يمينه " وفي الوسائل أن في رواية أخرى (7)
" تسليمة واحدة عن يمينه ".
وهي كما ترى لا تعرض في شئ منها لما يومي به من صفحة الوجه أو العين أو
غيرهما، فالذي يظهر من ملاحظتها جميعا أن الإمام والمنفرد يسلمان إلى القبلة موميين إلى
اليمين بما لا ينافي الاستقبال من غير تخصيص بمؤخر العين أو بالعين أو بصفحة الوجه
أو بالوجه قليلا أو بالأنف أو بطرفه أو بغير ذلك جمعا بين الأمر بالتسليم إلى القبلة
وإلى اليمين بعد ظهور النصوص والفتاوى في اتحاد التسليمة له أيضا كالمنفرد، بل في
الخلاف وظاهر الغنية أو محتملها الاجماع عليه، ولعله لذا أطلق في الغنية والمنظومة الايماء

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم الحديث 14 - 16 - 4 - 5 - 6 - 7
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم الحديث 14 - 16 - 4 - 5 - 6 - 7
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم الحديث 14 - 16 - 4 - 5 - 6 - 7
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم الحديث 14 - 16 - 4 - 5 - 6 - 7
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم الحديث 14 - 16 - 4 - 5 - 6 - 7
(7) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم الحديث 14 - 16 - 4 - 5 - 6 - 7
336

إلى اليمين، بل لعله من معقد إجماع الأولى، وهو أولى من الجمع بما في خبر المفضل (1)
الذي قد عرفت حاله، أو بالتخيير بين القبلة واليمين مؤيدا بما عن فقه الرضا عليه السلام (2)
" ثم سلم عن يمينك، وإن شئت يمينا وشمالا، وإن شئت تجاه القبلة " لعدم ثبوته
عندنا، وعدم ظهور عامل يعتد به هنا، أو بالابتداء في التسليم إلى القبلة ثم إتمامه إلى
اليمين، لعدم الشاهد له مع عدم الانتقال إليه من اللفظ، بل هو في الحقيقة خروج عن
مدلول الخبرين بلا شاهد، أو بالتسليم إلى القبلة ثم الايماء إلى اليمين بعد الاكمال كما في
المسالك، كما أنه أولى من طرح أخبار اليمين (3) أصلا بعد فرض ندبية الحكم
ومعروفية العمل بهذه النصوص بين الأصحاب في الجملة، وبيانها السر الذي لا يعلم إلا
منهم (عليهم السلام).
وأما المأموم فليس في النصوص ما يدل على الأمر بتسليمه إلى القبلة كي يعارض
ما دل على اليمين والشمال مما هو ظاهر في الالتفات بالوجه على نحو المتعارف، اللهم إلا
أن يدعى معارضته بما دل (4) الاستقبال في الصلاة التي منها التسليم، وبما سمعته
في حديث المعراج (5) مما يدل على اعتبار الاستقبال في مطلق التسليم من الإمام وغيره
لكن الجميع كما ترى يمكن تخصيصه بالمأموم في خصوص التسليم، فيتجه حينئذ فيه
الالتفات الذي لم يثبت في الإمام والمنفرد، لكن ليس الالتفات بالكل، بل بانحراف
الوجه على المتعارف في الالتفات يمينا وشمالا به. ولعله المراد لمن عبر بتسليمه يمينا وشمالا
من غير تقييد بصفحة وجه ونحوها كالمبسوط والخلاف والعقود وجمل العلم وعن المصباح

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 15 - 0
(2) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 15 - 0
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القبلة
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10
337

والسرائر والانتصار وبعض كتب الفاضل والمحقق الثاني وغيرها، وأظهر منه من عبر
بالوجه كالنافع والمعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة، بل يمكن إرادته لمن عبر بصفحة
الوجه أيضا المنسوب إلى الأصحاب والشهرة التي لا راد لها على معنى أنه لا يلتفت بكله
حتى يكون مستقبلا لمن يريد السلام عليه بكله كما يصنعه الإمام عند العامة، لكن على
هذا يكون التعبير بالصفحة للإمام في غير محله لا للمأموم، لما عرفته من الفرق بينهما
بمقتضى الأدلة، خلافا لظاهر جماعة فلم يفرقوا بينهما في كيفية الايماء، والتحقيق الأول
ولعله المفهوم من عبارة الذكرى وغيرها، بل قال فيها بعد أن ذكر المسألة: " فرع لا
إيماء إلى القبلة بشئ من صيغتي التسليم المخرج من الصلاة بالرأس ولا بغيره إجماعا،
وإنما المنفرد يسلمان تجاه القبلة بغير إيماء، وأما المأموم فالظاهر أنه يبتدئ
مستقبل القبلة ثم يكمله بالايماء إلى الجانب الأيمن والأيسر " وفيه دلالة على استحباب
التسليم أو على أن التسليم وإن وجب لا يعد جزءا من الصلاة، إذ يكره الالتفات في
الصلاة إلى الجانبين، ويحرم أن استلزم استدبارا وإن كان هو لا يخلو من نظر من وجوه.
منها أن ما حكى الاجماع على عدمه هنا قد أفتى به في اللمعة وعن الرسالة النفلية
قال في الأول: " ويستحب إيماء المنفرد إلى القبلة ثم بمؤخر عينه عن يمينه، والإمام
بصفحة وجهه يمينا، والمأموم كذلك، وإن كان على يساره أحد سلم أخرى موميا إلى
يساره " قيل: ومثله الوسيلة في الايماء إلى القبلة، لكن المحكي عنها " يومي بالتسليم
تجاه القبلة إلى الجانب للإمام والمنفرد " ولا صراحة فيها بل ولا ظهور، ضرورة تعلق
تجاه القبلة بالتسليم لا بالايماء لتعلق ما بعده به، بل يمكن حمل عبارة اللمعة على ذلك بناء
على حذف " ثم " من العبارة، أو يريد بالايماء إلى القبلة التسليم إليها، ويكون قوله:
" ثم " إلى آخره موافقا لما تسمعه من الذكرى على أحد الوجهين من أن الايماء إلى
اليمين في المفرد والإمام متأخر عن التسليم إلى القبلة، فتأمل جيدا.
338

ومنها ما في جامع المقاصد من أن ظاهر هذه العبارة المخالفة بين الإمام والمنفرد
والمأموم، فعلى ما ذكره يكون الايماء لهما بعد الفراغ من التسليم، لكنه خلاف المفهوم
والمعهود من الايماء بالتسليم، قلت: قد يدفع بأنه يريد الفرق بينهما بما ذكرناه لا بذلك
وإن كان كلامه في اللمعة يشهد للأول، إلا أنه لم يفرق فيه بين الجميع.
ومنها أن ما ذكره مشترك الالزام للقائلين بالوجوب والندب، ضرورة كراهة
الالتفات في واجبها ومستحبها، ولا محيص عنه إلا بالتزام التخصيص كما اعترف به في
جامع المقاصد، أو بدعوى أنه ليس من الالتفات المكروه بناء على أنه بصفحة الوجه
ونحوها مما لا ينافي الاستقبال كما سمعته من المصنف وغيره، بل عن تعليق النافع التصريح
بأن الايماء غير الالتفات، والأمر سهل بعد أن عرفت التحقيق في أصل المسألة، نعم
قد يشكل التعدد في المأموم بأنه وإن كان في تلك النصوص دلالة عليه، بل ظاهر
الأصحاب الاتفاق عليه، بل ظاهر الصدوق منهم استحباب الثلاث له عملا بما في خبر
المفضل (1) كما أن المحكي عنه في الفقيه ووالده الاكتفاء في التسليم على اليسار بوجود
الحائط خلاف ظاهر خبر المفضل وغيره، ولا نعرف لهما شاهدا على ذلك، لكن قال
الشهيدان: " لا بأس باتباعهما، لأنهما شيخان جليلان لا يقولان إلا عن ثبت، خصوصا
ومثله لا يؤخذ بالرأي " قلت: مع احتمال حمل عبارة الفقيه على ما في خبر المفضل الذي
هو مستنده على الظاهر في هذا الحكم، خصوصا بعد استبعاد قيام الحائط مقام الأحد،
وعدم دليل واضح له عليه، ولذا أطنب الأستاذ في شرح المفاتيح في إرجاع عبارته إلى
ما في الخبر المزبور، ويكون مخالفا حينئذ بترك السلام على اليمين إذا كان إلى الحائط
ويساره إلى مصل، وهو خلاف ما اتفق عليه الجميع أيضا.
والمحصل من النصوص بعد إرجاع مطلقها إلى مقيدها من استحباب التثنية إن

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 15
339

كان على يساره أحد، وإلا فلا، وبه يفترق عن الإمام والمنفرد، لكن قد عرفت أن
صحيح الفضلاء (1) المؤيد بخبر المعراج (2) وغيره كالصريح في الواحدة مطلقا مؤيدا
بمخالفة العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم، ولذا أعرض الأصحاب عن ظاهر
ما يقتضي التعدد في غير المأموم من النصوص السابقة خلافا لابن الجنيد خاصة منهم في
الإمام إذا كان في صف، ولا ريب في ضعفه نصا وفتوى فيتجه حينئذ الاقتصار على
الواحدة في المأموم أيضا، وكأنه مال إليه العلامة الطباطبائي حيث قال:
وسن للمأموم أن يسلما * عن جانبيه موميا إليهما
فإن خلا يساره عن أحد * سلم عن يمينه كالمنفرد
كذا الإمام في الأصح والعدد * للكل في ظاهر نص قد ورد
وما بذا وما روى المفضل * في المقتدي من الثلاث يعمل
وفي صحيح الفضلاء واحدة * من الجميع وهو بنفي الزائدة
أفتى بها الصدوق في الأمالي * إلا إذا خاف أذى من قال
وهو لمن أراد حزما أسلم * ووجهه من المطاوي يعلم
قلت: لكن طرح النصوص الكثيرة المعتضدة بالفتاوى مع أن الحكم استحبابي
لا يليق بالفقيه، اللهم إلا أن يدعى أن مراد الجميع الوحدة من حيث الصلاة حتى في
المأموم، ومشروعية الثانية له إنما هي للرد على الإمام، وهو أمر خارج عن الصلاة كما
يشهد له تعليل أكثر من تعرض لذلك بالرد، قال الشهيد بعد أن حكى عن الصدوق
التثليث: واحدة للرد، وتسليمتين عن الجانبين، وكأنه يرى أن التسليمتين ليستا للرد
بل هما عبادة محضة متعلقة بالصلاة، ولما كان الرد واجبا في غير الصلاة لم يكف عنه تسليم

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10
340

الصلاة، وإنما قدم الرد لأنه واجب مضيق، إذ هو حق الآدمي، والأصحاب يقولون
إن التسليمة تؤدي وظيفتي الرد والتعبد به في الصلاة كما سبق مثله في اجتزاء العاطس
في حال رفع رأسه من الركوع والسجود بالتحميد عن العطسة عن وظيفة الصلاة، قال:
وهذا يتم حسنا على القول باستحباب التسليم، وأما على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب
أن الأولى للرد على الإمام، والثانية للاخراج من الصلاة، ولذا احتاج إلى تسليمتين،
وهو ظاهر فيما قلنا، لكن قال في الذكرى: ويمكن أن يقال: ليس استحباب التسليمتين
في حقه لكون الأولى ردا والثانية مخرجة، لأنه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى
بالواحدة عن يمينه، وكانت محصلة للرد والخروج من الصلاة، وإنما شرعية الثانية ليعم
السلام من على الجانبين، لأنه بصيغة الخطاب، فإذا وجهه إلى أحد الجانبين أختص به
وبقي الجانب الآخر بغير تسليم، ولما كان الإمام غالبا ليس على جانبيه أحد اختص
بالواحدة، وكذلك المنفرد، ولهذا حكم ابن الجنيد بما تقدم من تسليم الإمام إذا كان
في صف عن جانبيه، وكشف المسألة أنه قد ذكر غير واحد من الأصحاب أنه يستحب
للمنفرد قصد الحفظة والأنبياء والمرسلين والأئمة الراشدين (ع) وللإمام المأمومين
مع ذلك لذكر أولئك في التسليم المندوب وحضور هؤلاء، وللمأموم الإمام بإحدى
التسليمتين كما في القواعد، والأولى كما في غيرها وزيادة على ما عرفت ومن على جانبيه
من المأمومين بالثانية، بل قيل: ينبغي للجميع أيضا من حضر من مسلمي الإنس والجن
مع ذلك، قال في اللمعة: " وليقصد المصلي بصيغة الخطاب بتسليمه الأنبياء والملائكة
والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) والمسلمين من الجن والإنس " وفي القواعد " ويومي
بالسلام على من على ذلك الجانب من الملائكة ومسلمي الإنس والجن، والمأموم ينوي
بإحداهما الإمام " وفي الذكرى " أن المصلي مطلقا لو أضاف إلى ما سمعت قصد الملائكة
أجمعين ومن على الجانبين من مسلمي الإنس والجن كان حسنا " وقد سمعت عبارة المبسوط
341

والموجز فيما مضى، وفي المنتهى " لو نوى بالتسليم الخروج من الصلاة كان أولى، ولو
نوى مع ذلك الرد على الملكين وعلى من خلفه إن كان إماما، أو على من معه إن كان
مأموما فلا بأس به خلافا لقوم من الجمهور " وفي المسالك " ومقصد المأموم بالأولى الرد
على الإمام، وبالثانية مقصد الإمام أي الأنبياء والأئمة والملائكة والحفظة (ع)
والمأمومين - ثم قال -: ولو أضاف إلى ذلك مسلمي الجن والإنس جاز، ولو ذهل عن
هذا القصد فلا بأس " إلى غير ذلك من العبارات.
وعلى كل حال لا ريب في عدم وجوب استحضار نوع هذا القصد فضلا عن
خصوصيات المقصود كما صرح به جماعة، بل لعله لا خلاف فيه وإن حكي عن الكافي
أنه قال: " الفرض الحادي عشر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يعني محمدا وآله
صلى الله عليهم والحفظة " وقيل: إنه يلوح منه الوجوب لكن يحتمل إرادته الإشارة
إلى مصرفها في الواقع الذي هو من أسرار الشرع لا إيجاب قصد ذلك على المكلف،
فلم يتحقق فيه حينئذ خلاف، للأصل وإطلاق الأدلة وعموم بعضها والسيرة المستمرة
في سائر الأعصار والأمصار من العوام والعلماء التي تشرف الفقيه على القطع بالعدم،
خصوصا في مثل هذا الحكم الذي تعم به البلوى والبلية، ولا طريق للمكلفين إلى معرفته
إلا بالألفاظ، بل هذه النصوص التي ذكر فيها بعض ذلك ظاهرة في جهل السائلين
بالمراد به قبل التوقيف، بل التأمل فيها نفسها يقضي بكون ذلك من الأسرار الواقعية
التي لا مدخلية لها في التكليف نحو ما ذكر في أسرار الركوع والسجود وغيرهما من
أجزاء العبادات.
نعم قد يوهمه في خصوص الإمام والمأموم ما في النصوص المتفرقة في أبواب
342

الصلاة: ويسلم عليهم (1) ويؤذن القوم (2) وسلم عليهم (3) ونسيت أن تسلم علينا (4)
وسلم بعضهم على بعض (5) ونحو ذلك مما يومي إلى المعنى المزبور، لكن قد يقال:
إن المراد ذكر هذه الصيغة التي هم من موردها في الواقع، لكونها بصورة المقصود بها
التحية، على أن ذلك أعم من القصد، ضرورة صدق الامتثال بالقول المزبور على حكم
نية الصلاة ابتداء من غير استحضار للقصد بالخصوص، ولو سلم فهو ليس من التحية عرفا
بشئ من الأشياء كما يومي إليه ما في خبر أبي بصير (6) وخبر عمار بن موسى (7)
من أنها إذن وما في غيرهما (8) من أنها ترجمة من الإمام للمأمومين ونحو ذلك من
النصوص المتقدمة سابقا، وبه صرح شيخنا في كشفه، بل لا يبعد البطلان لو قصد بها
المتعارف من التحية مع الخروج من الصلاة للنهي عن ابتداء التحية في الصلاة، ولأصالة
عدم التداخل، ولأنه من كلام الآدميين، ولغير ذلك.
فما في الذكرى من احتمال وجوب قصد المأموم بالأولى الرد، لعموم قوله
تعالى (9): " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " ضعيف جدا كما اعترف
به في جامع المقاصد معللا له بأنه لا يعد تسليم الصلاة تحية، فلا حاجة إلى ما ذكره بعد
ذلك من أنه على القول بالوجوب يكفي في القيام به واحد، فيستحب للباقين، وإذا
اقترن تسليم الإمام والمأموم أجزأ ولا رد هنا، وكذلك إذا اقترن تسليم المأمومين،
لتكافؤهم بالتحية، مع أن فيما ذكره أولا من الاستحباب نظرا، لامكان منع عموم

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 4 - 1 - 7
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التسليم - الحديث 8
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 4 - 1 - 7
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التسليم - الحديث 5
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 4 - 1 - 7
(6) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التسليم - الحديث 8
(7) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 7 - 9
(8) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 7 - 9
(9) سورة النساء - الآية 88
343

الأدلة لمثل الصلاة، وثانيا بأن المتجه بناء على أن القصد بها التحية وجوب الرد من كل
منهم، لشمول الدليل لهما، كما لو تقارنا في التحية في غير الصلاة، وبالجملة دعوى إرادة
التحية بها في المقام في الإمام والمأمومين بحيث تجري عليها أحكامها بالنسبة لسماعها وعدمه
وسماع ردها من المأموم الذي لا ينبغي أن يسمع الإمام وعدمه وتعاقب الرد للتحية
وعدمه وبالنسبة للمسبوق وعدمه وغير ذلك في غاية الغرابة من مثل الشهيد، كغرابة
احتمال وجوب القصد وإن لم يكن من التحية فرارا من استبعاد التعبد بصورة اللفظ
الذي ليس من القرآن، واستظهارا من الأدلة باعتبار ملاحظة معنى الخطابية في الصيغة
ولو مجازا وتنزيلا، إذ هو في الحقيقة اجتهاد منشأه الغرور بالنفس، وأنه قد يظهر لها
ما يخفى على غيرها، وإلا فمن لاحظ النصوص والفتاوى مع التأمل جزم بعدم اعتبار
ذلك خصوصا في المنفرد، وأن ما ذكر فيها مساقة مساق الحكم والاسرار، إلا أنه
بملاحظة خبر المعراج (1) وإن كان الأنبياء والملائكة فيه كانوا مأمومين على الظاهر
وحديث المفضل (2) وخبر الترجمة (3) والإذن (4) وبعض النصوص (5) المتقدمة
سابقا في تحليلية التسليم، وما ورد (6) من أمر الإمام بالتسليم على الجماعة وأمرهم بتسليم
بعضهم على بعض، وقوله (7): " نسيت أن تسلم علينا " والتعليل في صحيح
أبي بصير (8) ورجحان القصد إلى معنى كل عبادة لفظية مع وضع صيغة الخطاب حقيقة
في القصد إلى الحاضرين، وتعارف الجماعة في ذلك الزمام، ووجه القصد فيها واضح،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 11 - 9 - 7 - 0
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 11 - 9 - 7 - 0
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 11 - 9 - 7 - 0
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التسليم - الحديث 11 - 9 - 7 - 0
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الخوف والمطاردة - الحديث 4
(7) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التسليم - الحديث 5
(8) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التسليم - الحديث 1
344

كما أنه ورد (1) ما يدل على ائتمام الملائكة بالمؤمن إذا صلى بأذان وإقامة أو بإقامة
فيستحقون السلام حينئذ من هذه الجهة وغير ذلك يمكن الحكم باستحباب قصد بعض
ما ذكروه خصوصا مع التسامح.
لكن لا يخفى على من لاحظ النصوص السابقة وما فيها - من دوران التسليمة الثانية
للمأموم على وجود أحد في اليسار وعدمه - أن الأولى التي ينبغي أن يقصد فيها الرد
والأنبياء والملائكة (ع) وغيرهم ممن عرفت، والثانية من على جانبه الأيسر من المأمومين
كما أنه لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا محال التأمل فيما في الذكرى وغيرها، بل ولا يخفى
أيضا بشهادة التبادر من النصوص والفتاوى، بل هو كصريح بعضها أن هذه الأحكام
للصيغة الثانية من التسليم خاصة دون الأولى حتى لو اقتصر عليها في التحليل، بل وإن
جاء بها متأخرة بناء على استحبابها، فما سمعته سابقا من المفيد من جريان بعض الأحكام
المزبورة من الايماء ونحوه في الصيغة الأولى لا يخلو من تأمل، بل ولا يخفى أن المنساق
أيضا من النصوص والفتاوى كون المرة الثانية من التسليم للمأموم من الصلاة فضلا عن
المرة الأول، وهو من المؤيد لما ذكرناه سابقا من صدق اسم التسليم على الجميع، ومن بعد
القول بخروج التسليم عن الصلاة، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(وأما المسنون في الصلاة)
زيادة على ما سمعته في المواضع المخصوصة السابقة (ف‍) كثير ذكر المصنف منه خمسة:
(الأول التوجه بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الافتتاح) بلا خلاف أجده
فيه، بل الاجماع بقسميه، والنصوص (2) دالة عليه، والأولى في كيفيته ما رواه

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تكبيرة الاحرام
345

الحلبي (1) في الحسن عن الصادق (عليه السلام) (بأن يكبر ثلاثا ثم يدعو، ثم يكبر
اثنين ويدعو، ثم يكبر اثنتين ويتوجه) قال: " إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم
ابسطهما بسطا، ثم كبر ثلاث تكبيرات، ثم قل: اللهم أنت الملك الحق المبين، لا إله
إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم كبر
تكبيرتين، ثم قل: لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك، والمهدي من
هديت، لا ملجأ منك إلا إليك، سبحانك وحنانيك، تباركت وتعاليت، سبحانك
رب البيت، ثم كبر تكبيرتين ثم تقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض
عالم الغيب والشهادة حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، ثم تعوذ من
الشيطان الرجيم، ثم اقرأ فاتحة الكتاب " وفي صحيح زرارة (2) " يجزيك في الصلاة
من الكلام في التوجه إلى الله أن تقول: وجهت - إلى قوله الأرض - على ملة إبراهيم
حنيفا " إلى آخره، والأمر سهل، لكن عن الطبرسي (3) في الاحتجاج " أن محمد
ابن عبد الله بن جعفر الحميري كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله عن التوجه
للصلاة يقول: على ملة إبراهيم ودين محمد (صلى الله عليه وآله) فإن بعض أصحابنا ذكر
أنه إذا قال: على دين محمد (صلى الله عليه وآله) فقد أبدع لأنا لم نجده في شئ من
كتب الصلاة خلا حديثا واحدا في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن بن راشد
أن الصادق (عليه السلام) قال للحسن: كيف تتوجه؟ فقال: أقول: لبيك وسعديك
فقال الصادق (عليه السلام) ليس عن هذا أسألك كيف تقول: وجهت وجهي للذي
فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما؟ قال الحسن: أقوله، فقال الصادق (عليه السلام):
إذا قلت ذلك فقل: على ملة إبراهيم ودين محمد (ص) ومنهاج علي بن أبي طالب (ع)

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1 - 2 - 3
346

والائتمام بآل محمد (ع) حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، فأجاب (عليه السلام) التوجه
كله ليس بفريضة، والسنة المؤكدة فيه التي هي كالاجماع الذي لا خلاف فيه وجهت
وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد (ص) وهدى علي أمير المؤمنين (ع) وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم اجعلني من
المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
ثم تقرأ الحمد ".
وفي الحدائق قال الفقيه الذي لا يشك في علمه: " الدين لمحمد (صلى الله عليه
وآله) والهداية لعلي (عليه السلام) لأنها له (عليه السلام) وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة
فمن قال كذلك فهو من المهتدين، ومن شك فلا دين له، ونعوذ بالله من الضلالة بعد
الهدى " وفي الذكرى أنه قد ورد الدعاء (1) عقيب السادسة بقوله: " يا محسن قد
أتاك المسئ وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسئ وأنت المحسن وأنا المسئ فصل
على محمد وآله وتجاوز عن قبيح ما تعلم مني " قال: وورد (2) أيضا أنه يقول: " رب
اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي " الآية (3) وهو حسن، قلت: ولعله المراد لمن عبر
من الأصحاب بأن بينها ثلاثة أدعية مع احتمال إرادته من البينية التغليب لمعروفية التوجه
بعد الأخيرة، فيتفق الجميع حينئذ، خصوصا والمرسل المزبور لم نعرفه لمن تقدم على
الذكرى، نعم رواه في كشف اللثام مرسلا أيضا، وفي جامع المقاصد عن أبي بصير
عن الصادق (عليه السلام) ولم نقف عليه، بل يمكن أن يكون ذلك من كلامه لا من
تمام الرواية، ومن هنا قد استظهر العلامة الطباطبائي أن الدعاء المزبور بعد الإقامة قبل

(1) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 6 - 7
(2) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 6 - 7
(3) سورة إبراهيم عليه السلام - الآية 42
347

الافتتاح كما عن فلاح السائل (1) بسنده عن ابن أبي عمير عن الأزدي عن الصادق
(عليه السلام) في حديث " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لأصحابه: من
أقام الصلاة وقال قبل أن يحرم ويكبر: يا محسن قد أتاك المسئ، وقد أمرت المحسن
أن يتجاوز عن المسئ، وأنت المحسن وأنا المسئ، فبحق محمد وآل محمد صل على محمد
وآل محمد، وتجاوز عن قبيح ما تعلم مني، فيقول الله: ملائكتي اشهدوا أني قد عفوت
عنه وأرضيت عنه أهل تبعاته " لكن لا بأس بالعمل بهما معا، كما أنه لا بأس بالعمل
بالمروي (2) عن الفلاح أيضا عن الرضا (عليه السلام) " تقول بعد الإقامة قبل
الاستفتاح في كل صلاة: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة بلغ محمد (صلى الله
عليه وآله) الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة، بالله أستفتح، وبالله أستنجح، وبمحمد
رسول الله وآل محمد صلى الله عليه وعليهم أتوجه، اللهم صل على محمد وآل محمد،
واجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ".
وعلى كل حال فليس ذلك شرطا قطعا وإن أوهمته بعض العبارات، لما ورد
من فعلها ولاء بلا تخلل أدعية، بل لا يبعد جواز الدعاء أيضا بلا تخلل تكبير على نية
الخصوصية، كما أنه لا يبعد الاقتصار بالفصل بالدعاء على البعض، لأن الهيئة المزبورة من
المستحب في المستحب كما وكيفا في التكبير والدعاء، ومنه يعلم أنه لا يتقيد الاقتصار على
الوتر من التكبيرات كما هو ظاهر التخيير بين الواحدة والثلاث والخمس والسبع في بعض
النصوص (3) لأنه أيضا مستحب في مستحب، نعم كان على المصنف التعبير باستحباب
السبع موافقة للنصوص (4) ولا ينافيه وجوب الواحدة نحو حكمهم باستحباب الثلاث
مثلا في الركوع والسجود لأن السبعية هيئة مستقلة، والواجب ذات الواحدة، فلا منافاة

(1) المستدرك - الباب - 9 - من أبواب القيام - الحديث 2 - 1
(2) المستدرك - الباب - 9 - من أبواب القيام - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 3 - 0
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 3 - 0
348

بينهما كما هو واضح.
والظاهر تعميم هذه السنة لكل صلاة فريضة ونافلة كما هو ظاهر المصنف وغيره
بناء على إرادته المطلق من لفظ الصلاة لا خصوص الفريضة، بل هو صريح جماعة،
بل لعله المشهور بين المتأخرين، خلافا للمحكي عن محمديات السيد، فخصه بالفرائض،
وللمحكي عن رسالة ابن بابويه، فزاد أول صلاة الليل والوتر وأول نافلة الزوال وأول
نافلة المغرب وأول صلاة الاحرام، قيل: وكذا المفيد مع زيادة الوتيرة، لكن
ملاحظة آخر المحكي من عبارته يقضي باختصاصها بزيادة الفضل لا أصل المشروعية،
نعم عن سلار ذكر السبع مع إبدال الوتر بالشفع، كما أن العلامة في جملة من كتبه وافق
على الاقتصار على ذلك، بل ربما قيل: إنه المشهور، ومن الغريب أن الفاضل فيما حكي
عن مختلفه بالغ في الانكار على الاقتصار حتى أنه قال: ما أدري ما الذي دعا إليه،
وهو قد ذهب إليه، كما أن الشيخ قد اعترف بعدم الوقوف على خبر يشهد لذلك،
وظاهره في الخلاف الاقتصار، والتحقيق العموم، لاطلاق النصوص وظهورها في أن
ذلك كيفية للافتتاح في نفسه، ومن المعلوم أن لكل صلاة افتتاح وأنه التكبير، كما أن
الختام التسليم، فيثبت حينئذ مشروعيته لكل صلاة، وما يحكى عن فلاح السائل (1)
مسندا إلى أبي جعفر (ع) " افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه والتكبير: في أول الزوال
وصلاة الليل والمفردة من الوتر، وقد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوع أن تكبر تكبيرة
لكل ركعتين " لا ظهور فيه في نفي المشروعية في غيرها، بل ظاهر لفظ الاجزاء فيه
ثبوته مطلقا، وأن المتأكد من التطوع هذه المواضع، وإلا لم يكن قد عمل به أحد،
وأما ما في المحكي (2) عن فقه الرضا (عليه السلام) - الذي قيل: إنه مستند الصدوق

(1) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
(2) فقه الرضا عليه السلام ص 13
349

على الظاهر " ثم افتتح بالصلاة وتوجه التكبير، فإنه من السنة الموجبة في ست
صلوات: وهي أول ركعة من صلاة الليل والمفردة من الوتر وأول ركعة من نوافل
المغرب وأول ركعة من ركعتي الزوال وأول ركعة من ركعتي الاحرام وأول ركعة
من ركعات الفرائض " وقال في الهداية: " من السنة التوجه في ست صلوات: وهي
أول ركعة من صلاة الليل والمفردة من الوتر وأول ركعة من ركعتي الزوال وأول
ركعة من ركعتي الاحرام وأول ركعة من ركعتي المغرب وأول ركعة من الفريضة " -
ففيه أنه ليس حجة عندنا وليس فيه تصريح بالتكبيرات السبع، وظاهر في إرادة السنة
المؤكدة التي لا ينافيها مطلق الاستحباب في الجميع، كما عن المفيد التصريح به في مقنعته
وإن حكي عنه أنه من المقتصرين، وما في الهداية مع أنه ليس من إرسال الرواية
لا ظهور فيه في الحصر أيضا.
ومن الغريب ما في الحدائق حيث حكى عن المجلسي تأويل عبارة الرسالة التي
هي كالفقه الرضوي بما ذكرنا من إرادة التأكيد، وقال فيه: إن ذلك فرع الدليل الظاهر
في العموم، وقد عرفت ما فيه، وأشار بذلك إلى ما ذكره آنفا من انصراف الاطلاق
للصلاة الواجبة بل اليومية التي هي الفرض المتكرر الشائع المتبادر إلى الذهن عند الاطلاق
كما صرحوا به في غير موضع، سيما وجملة منها ظاهرة كالصريحة في الفريضة كأخبار
إحارة الحسين (1) وغيرها، قلت: قد عرفت أن المراد إطلاق الافتتاح الثابت
لكل صلاة لا إطلاق لفظ الصلاة، مع أنه يمكن منع دعوى انصرافها إلى خصوص
ذلك، والتعرض لخصوص الفريضة في بعض الأخبار (2) لا يقضي بالتخصيص أو
التقييد كما هو واضح، وأوضح منه بطلانا الاستدلال باجماع الخلاف، إذ ملاحظته

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 6
350

تشهد لإرادة الرد به على العامة الذين لم يشرعوا أصل الافتتاح لا لبيان مشروعيته في
هذه المواضع خاصة، هذا.
وفي الذكرى عن ابن الجنيد أنه يستحب أن يقول بعد إتمام السبع والتوجه:
الله أكبر سبعا وسبحان الله سبعا والحمد لله سبعا ولا إله إلا الله سبعا من غير رفع يديه
قال: وقد روى ذلك جابر (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) والحلبي (2)
وأبو بصير (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ولا بأس به للتسامح، مع أن الصدوق
في المحكي عن علله قد روى في الصحيح عن زرارة (4) عن أبي جعفر (عليه السلام)
وذكر حديث تكبيرات الافتتاح ثم قال: قال زرارة: " فقلت لأبي جعفر (عليه السلام):
فكيف نصنع؟ قال: كبر سبعا وتحمد سبعا وتسبح سبعا وتحمد الله وتثني عليه ثم تقرأ "
وقد يدخل التهليل في الثناء عليه، نعم لا صراحة فيه بأن التكبير غير تكبير الافتتاح
كالمحكي عن ابن الجنيد، والأمر سهل.
بل الظاهر أنه يستحب أيضا ما رواه الشيخ عن زرارة (5) في الصحيح قال
أبو جعفر (عليه السلام): " إذا أنت كبرت في أول صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى
وعشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير كله ولم تكبر أجزأك التكبير الأول عن تكبير الصلاة
كلها " وفي الوسائل أنه رواه الصدوق عن زرارة (6) أيضا إلا أنه قال: " أو لم تكبره "
ومقتضاه الرخصة في الترك اعتمادا على ما قدمه من التكبير، والظاهر أن المراد في الرباعية
لأنها هي التي فيها إحدى وعشرون تكبيرة، واحتمال استحباب تقديم هذا العدد حتى
في الثنائية التي فيها إحدى عشر تكبيرة والثلاثية التي فيها ستة عشر تكبيرة بعيد جدا،

(1) لم نعثر عليها في مظانها من كتب الأخبار
(2) لم نعثر عليها في مظانها من كتب الأخبار
(3) لم نعثر عليها في مظانها من كتب الأخبار
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
351

بل المراد تقديم مقدار ما فيها من التكبير، ومن هنا قال في كشف اللثام بعد أن روى
الصحيح المزبور: " يعني في الرباعيات - ثم قال -: والباء في " بإحدى " متعلقة بالاستفتاح
كما هو الظاهر، لنطق غيره من الأخبار (1) بأن في الرباعيات إحدى وعشرين منها
تكبير القنوت " ولا يخلو من تأمل.
والظاهر المنساق من النصوص أن التكبيرات السبع من الصلاة لأنها افتتاحها،
والافتتاح المقابل بالاختتام الابتداء والأول، خصوصا وتكبيرة الاحرام التي هي أحد
أفراد الافتتاح لو اقتصر عليها من الصلاة قطعا، ومن المستبعد جعل الجزئية لبعض
الأفراد دون بعض مع ظهور النصوص في اتحاد الجميع بالنسبة إلى ذلك، كما أنه من
المستبعد اشتراط الجزئية بتقديم تكبيرة الاحرام، ونية الصلاة لو سلمنا عدم جواز وقوعها
عند أول التكبيرات مع فرض تأخر تكبيرة الاحرام للاجماع المدعى أو لغيره لا تنافي
الجزئية، على أن المقام مما يشهد تأمله للتسامح في أمر النية، وأنها عبارة عن الداعي
المستمر، والله أعلم.
المستحب (الثاني) من الخمسة (القنوت) وهو لغة: الطاعة والسكون والدعاء
والقيام في الصلاة والامساك عن الكلام والخشوع والصلاة والعبادة وطول القيام والعبادة
وعرفا شرعيا أو متشرعيا: الذكر في حال مخصوص، وربما يفوح من بعض النصوص (2)
اعتبار رفع اليدين فيه وإن كان ما ستعرف من كلام الأصحاب ظاهرا في أنه من
المستحبات فيه، وكيف كان فلا خلاف بين المسلمين في مشروعيته في الصلاة في الجملة،
كما أنه لا خلاف أجده بين الفرقة المحقة منهم في مشروعيته في كل صلاة مستقلة لا يراعى

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب القنوت
352

فيها الجزئية من صلاة أخرى ولو كانت ركعة واحدة كالوتر والوتيرة، لكن المشهور
بينهم شهرة عظيمة كادت تبلغ الاجماع الندب، بل في الذكرى دعواه صريحا، بل حكاه
في التذكرة أيضا، قال في موضع منها: " وهو مستحب في كل صلاة مرة واحدة فرضا
كانت أو نفلا أداء أو قضاء عند علمائنا أجمع " وفي آخر " القنوت سنة ليس بفرض
عند علمائنا أجمع، وقد يجري في بعض عبارات علمائنا الوجوب، والقصد شدة
الاستحباب " وقال في بحث الجمعة من المنتهى: " القنوت كله مستحب وإن كان بعض
الأصحاب قد يأتي في عبارته الوجوب " وقال في المعتبر: " اتفق الأصحاب على استحباب
القنوت في كل صلاة فرضا كانت أو نفلا مرة، وهو مذهب علمائنا كافة " ثم حكى
خلاف العامة لكن قال بعد ذلك: " المسألة الثانية قال ابن بابويه: القنوت سنة واجبة
من تركه عمدا أعاد لقوله تعالى (1): " وقوموا لله قانتين " وروى ذلك ابن أذينة
عن وهب (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " القنوت في الجمعة والوتر والعشاء والعتمة
والغداة، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له " وبه قال ابن أبي عقيل " إلى آخره
ثم أخذ في الاحتجاج بالأصل ونحوه، لكنه كما ترى ظاهر في إرادته مطلق المشروعية
من الاستحباب أولا في مقابلة العامة، ومثله وقع لمنتهى في بحث القنوت، بل الظاهر
أنه المراد مما وقع في كشف الحق أيضا " ذهبت الإمامية إلى أن القنوت مستحب،
ومحله بعد القراءة قبل الركوع " ثم ذكر خلاف الشافعي وأبي حنيفة.
خلافا للصدوق والمحكي عن ابن أبي عقيل والتقي مع أنه لم يعرف النقل عن
الثالث منهم إلا من التنقيح، كما أن الثاني قد اختلف النقل عنه بين الوجوب مطلقا
ولعله المعروف عنه وبين تخصيصه بالجهرية، وأما الأول ففي الفقيه " والقنوت سنة واجبة

(1) سورة البقرة - الآية 239
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القنوت - الحديث 2
353

من تركها متعمدا في كل صلاة فلا صلاة له، قال الله عز وجل: " قوموا لله قانتين "
يعني مطيعين داعين " وقال في الهداية: باب فريضة الصلاة، قال الصادق (عليه السلام) (1)
حين سئل عما فرض الله تعالى من الصلاة فقال: " الوقت والطهور والتوجه والقبلة
والركوع والسجود والدعاء، ومن ترك القراءة في صلاته متعمدا فلا صلاة له، ومن
ترك القنوت متعمدا فلا صلاة له " وهو أصرح من كلامه في الفقيه، بل يأبى بذل الجهد
في تأويله بإرادة التأكد ونفي الكمال أو الترك رغبة عنه من التعمد ونحو ذلك مما تسمعه
في النصوص لغلبة تعبيره بما في النصوص معلقا قصده بالقصد بها، ولأجله قال بعض
أصحابنا: إن المخالف غير معلوم، وقال في التذكرة ما سمعت، بل ربما أول باحتمال
إرادته أيضا نفي الصلاة للتارك له في كل صلاة دون البعض، فيكون منه تعريضا بالعامة
أو مبنيا على وجوب فعل المستحب ولو مرة، والجميع كما ترى تكلفات لا داعي إليها،
إذ خلافه لا يقدح في الاجماع كما اعترف به بعض الأساطين، وغروره بظاهر النصوص
غير عزيز، بل هو المعلوم من طريقته في غير موضع.
نعم لا ريب في ضعفه للأصل وإطلاق الأدلة أو عموم بعضها، والاجماع المحكي
الذي يشهد له التتبع، واستبعاد الخفاء في مثله على المسلمين، وخلو النصوص البيانية عنه
كأحاديث المعراج (2) التي تضمنت كل ما فرض في الركعتين الأولتين وغيرها،
وصحيح البزنطي (3) المروي في التهذيب عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال:
قال أبو جعفر (عليه السلام) في القنوت: " إن شئت فاقنت وإن شئت فلا تقنت " قال
أبو الحسن (عليه السلام): " وإذا كانت التقية فلا تقنت، وأنا أتقلد هذا " وفي الوسائل

(1) الهداية باب 37 ص 29 من طبعة طهران عام 1377
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10 و 11
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب القنوت - الحديث 1
354

وبإسناده عن الحسين بن سعيد عن أحمد بن محمد (1) عنه قال: قال لي أبو جعفر
(عليه السلام) وذكر مثله، إلا أنه قال: " القنوت في الفجر " وظاهره أنهما صحيحان
مستقلان، ولعله لذا ذكرهما في الرياض خبرين وإن كان لا يخلو من نظر، وموثق
سماعة (2) " سألته عن القنوت في الجمعة قال: أما الإمام فعليه القنوت في الركعة
الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع، وفي الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع
قبل السجود، وإنما صلاة الجمعة مع الإمام ركعتان، فمن صلى من غير إمام وحده فهي
أربع ركعات بمنزلة الظهر، فمن شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع، وإن شاء لم
يقنت، وذلك إذا صلى وحده ".
ولأنه هو الذي تنطبق عليه جميع النصوص بالحمل على شدة الندب ونفي الوجوب
ونحوهما، بخلاف القول بالوجوب فإنه مستلزم لطرحها أو حملها على التقية التي لا يلتجئ
إليها إلا عند الضرورة، إذ هي كالطرح، فلا ريب حينئذ في أولوية إرادة نفي الوجوب
منها في خبر عبد الملك بن عمرو (3) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قنوت الجمعة
في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع فقال لي: لا قبل ولا بعد "
وخبر داود بن الحصين (4) " سمعت معمر بن أبي رئاب يسأل أبا عبد الله (عليه السلام)
وأنا حاضر عن القنوت في الجمعة فقال: ليس فيها قنوت " كما أنه لا ريب في أولوية
إرادة شدة التأكد في الفريضة دون النافلة من غيره في خبر الفضل بن شاذان (5) عن
الرضا (عليه السلام) المروي عن العيون " القنوت سنة واجبة في الغداة والظهر والعصر

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب القنوت - الحديث 2
(2) ذكر صدره وذيله في الوسائل في الباب 5 من أبواب القنوت - الحديث 8 وقطعة
من وسطه في الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت - الحديث 9 - 10
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت - الحديث 9 - 10
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القنوت - الحديث 4
355

والمغرب والعشاء الآخرة " خصوصا بعد فتوى أساطين الأصحاب به كالسيد والشيخ
والحلي والفاضل والشهيدين والمحقق الثاني على ما حكي عن بعضهم، بل لا جهة لإرادة
الوجوب حقيقة، إذ لا ثمرة معتد بها حينئذ في التخصيص، ومن ذلك يعلم إرادة الخمس
من خبر الأعمش (1) المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) في حديث
شرائع الدين " والقنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع
وبعد القراءة " أو إرادة شدة التأكيد في خصوص الخمس، بل ظاهرهم أيضا أولوية
إرادة شدة التأكد في المتأكد من التقية في مضمر سماعة (2) " سألته عن القنوت في
أي صلاة هو؟ فقال: كل شئ يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت " وصحيح محمد بن مسلم (3)
" سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن القنوت في الصلوات الخمس فقال: أقنت فيهن جميعا
- قال -: وسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال لي: أما ما جهرت به فلا شك "
وفي الموثق عن زرارة (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) " القنوت في كل الصلوات "
قال محمد بن مسلم: " فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال " أما ما لا يشك فيه فما
يجهر فيه بالقراءة "
ومن هنا وما تسمعه من خبر ابن وهب (5) قال في الذكرى: إن أخبار
الاستحباب كادت تبلغ التواتر وأفتى أولئك وغيرهم بأنه في الجهرية آكد وإن كان قد
يشكل بظاهر موثق أبي بصير (6) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت
فقال: فيما يجهر فيه بالقراءة - قال -: فقلت له: إني سألت أباك عن ذلك فقال: في
الخمس كلها، فقال: رحم الله أبي إن أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق ثم أتوني

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القنوت - الحديث 6 - 7 - 10
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القنوت - الحديث 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القنوت - الحديث 6 - 7 - 10
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القنوت - الحديث 1 - 4
(5) الظاهر خبر وهب الذي يأتي في ص 358 لأنه لا يتعرض لخبر عن ابن وهب
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القنوت - الحديث 6 - 7 - 10
356

شكاكا فأفتيتهم بالتقية " ضرورة ظهوره في تساوي الجميع وأن ما صدر منه في خصوص
الجهر للتقية، لكن قد يدفع برجحان الأول، لعدم معلومية المراد من الخبر المزبور،
إذ التقية كما هي في غير الجهرية فيها أيضا عدا الفجر، فإنه لم يحك عن أحد منهم جوازه
في مطلق الجهرية، اللهم إلا أن يراد بالتقية فيه مطلق خلاف الواقع أو نحو ذلك،
ولأن محمد بن مسلم الذي هو أحد الرواة للأخبار الأول أجل من أن يدخله الشك،
ولأنه لم ينهه عن القنوت في غير الجهرية حتى يكون مفتيا به في التقية بل نفى الشك عنه
في الجهرية، على أنه قد ذكر له ما سمعه هو وزرارة من أبيه (ع) ومع ذلك قد أجاب بما
عرفت، إلى غير ذلك مما في الخبر المزبور من الاجمال الداعي إلى ترجيح الحمل الأول عليه.
فما في كشف اللثام - من الميل إلى ما يعطيه الخبر المزبور من التساوي من
حيث الوظيفة وإن اختلفا بالرجحان العارضي كعدم التقية أو ضعفها فيتأكد حينئذ فيما
لا تقية فيه كالفجر - ضعيف مخالف لظاهر كلمات الأصحاب كما عرفت، بل ظاهر
الشيخ والحلي والفاضل والمحقق الثاني والشهيد الثاني أولوية إرادة التأكد في خصوص
الغداة والجمعة من التقية في صحيح سعد بن سعد الأشعري (1) " سألت أبا الحسن
الرضا (عليه السلام) عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلها أم فيما يجهر فيه بالقراءة؟
قال: ليس القنوت إلا في الغداة والجمعة والوتر والمغرب " ولذا قالوا: إنه فيهما آكد
من باقي الجهرية، لكن قد يشكل بأنه ينبغي إضافة المغرب والوتر، بل مقتضاه رجحان
الوتر على مطلق الفريضة، كما أنه كان ينبغي لهم أن يذكروا شدة التأكد في الفجر منهما
كما عن الشيخ لخبر يونس بن يعقوب (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت
في أي الصلوات أقنت؟ فقال: لا تقنت إلا في الفجر " اللهم إلا أن يكون منعهم
عن ذلك شدة ظهوره في التقية من جهة أنه عين المحكي عن الشافعي بخلاف النصوص

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القنوت - الحديث 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القنوت - الحديث 5 - 6
357

الأول، كما أنه قد يعتذر عن عدم استثناء الوتر بنحو ذلك أيضا، لاطباقهم على ما قيل
على القنوت فيه وإن كان إنما هو في ثانية الشفع، لكن الاجمال في الاسم يكفينا
في تأدية التقية.
وكيف كان فقد ظهر لك أنه بدون القول بالندب لا بد من الطرح ونحوه مما
يقتضي إبطال الدليل مع امتناع الحمل على التقية فيها جميعها بناء على اعتبار مذهب لهم
في صحة الحمل عليها، بل لا يخفى على الخبير باللسان والأحوال ظهور الندب من كثرة
سؤال هؤلاء الفحول من الرواة عن محله من الصلوات وعن خصوص مكانه من كل صلاة
ونحو ذلك مما لم يقع في شئ من واجبات الصلاة، إذ من المستبعد مع وجوبه خفاء
مثله هذا الخفاء، بل يمكن دعوى ظهور الندب أيضا من خبر وهب بن عبد ربه (1)
عن الصادق (عليه السلام) " من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له " وخبره الآخر (2)
عنه (عليه السلام) أيضا " القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة، فمن ترك
القنوت رغبة فلا صلاة له " ضرورة أنه على الوجوب لا ينبغي تعليق نفي الصلاة
على الترك رغبة عنه، بل هو على الترك عمدا رغبة أو غير رغبة، بل قد يستفاد من
التفريع بالفاء في الثاني أن جميع النصوص المتضمنة لمثل هذه الجملة الإسمية مراد منها
الندب بقرينة هذا التفريع عليها، ونفي الصلاة حينئذ تعريض بالعامة التاركين له رغبة
عنه، فهي بالأخبار حينئذ أولى من الانشاء، ويمكن إرادة نفي الكمال منها، ويمكن نفي
الصحة بناء على اندراج مثله في التشريع إذا فرض أنه اعتبر في نيته الصلاة التي لم يشرع
فيها القنوت، وهي لا وجود لها في الخارج، فهو حينئذ كالتشريع في الزيادة المتعقبة
للعمل المركب كتخميس الظهر وتسديسه، لكنه لا يخلو من تكلف، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القنوت - الحديث 11
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القنوت - الحديث 2
358

وعلى كل حال فقد ظهر لك أن الاستدلال بهذه النصوص على الوجوب في غير
محله، فلم يبق إلا الأوامر به (1) أو بقضائه ونحوه مما هو مستلزم للوجوب التي يجب
الخروج عنها بأقل من ذلك، وإلا موثق عمار (2) عن الصادق (عليه السلام) " إن
نسي الرجل القنوت في شئ من الصلاة حتى يركع فقد جازت صلاته وليس عليه شئ
وليس له أن يدعه متعمدا " ولا ريب في عدم مقاومته لما عرفت من وجوه، فيجب
حمله على شدة الكراهة أو على الترك رغبة عنه أو غير ذلك.
وأما الآية (3) - فمع إرادة غير المعنى الشرعي من القنوت فيها، لعدم
ثبوته له، أو للأخبار الواردة في تفسيرها كالمروي (4) عن تفسير العياشي أي مطيعين
راغبين، فيكون لفظ الجلالة متعلقا به، وفي آخر (5) مقبلين على الصلاة محافظين
لأوقاتها، قيل: ونحوه روى علي بن إبراهيم (6) نعم عن مجمع البيان (7) عن الصادق
(عليه السلام) في تفسيرها أي داعين في الصلاة حال القيام وهو وإن ناسب المعنى
الشرعي إلا أنه غير صريح فيه ولا ظاهر، فإن الدعاء فيها حال القيام لا يستلزمه،
لأعميته منه مع تضمن الحمد الدعاء، على أنه لا بد من إرادة الأعم من الدعاء، من لفظ
الدعاء في الخبر المزبور، ضرورة عدم انحصار القنوت فيه، لأن أفضل ما يقال فيه
كلمات الفرج وليس فيها شئ من الدعاء، وحينئذ شموله للقراءة ونحوها غير ممنوع،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القنوت - الحديث 7 و 9 والباب 16 منها
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب القنوت - الحديث 3
(3) سورة البقرة - الآية 239
(4) تفسير الصافي سورة البقرة - الآية 239
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها - الحديث 5
(6) تفسير علي بن إبراهيم ص 69
(7) مجمع البيان ج 1 ص 343 طبع صيدا
359

بذلك ونحوه أجاب في كشف اللثام عن بعض النصوص المتضمنة لوجوب الدعاء،
كخبر زرارة (1) سأل أبا جعفر (عليه السلام) " عن الفرض في الصلاة فقال: الوقت
والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء " بعد إرادة تكبيرة الاحرام من
التوجه فيه - قلت: قد يناقش بعد في الآية أيضا بمنع استفادة الوجوب المطلق من مثل
هذا التركيب فيها، إذ الحال ما أفهم معنى في هذه الحال، فيكون الحاصل قوموا لله في
حال القنوت، وهو بمعزل عن الدلالة على إطلاق وجوب الحال، ونحوه قولك: آتني
زيدا راكبا، وغيره، وبه جزم بعض المحققين، إلا أن الانصاف إمكان الفرق بين الحال
التي هي من أوصاف المكلف وبين غيره من الأحوال، فيجب الأول مطلقا بخلاف
الثاني، والفارق الفهم العرفي، فتأمل جيدا.
كما أن من الانصاف القطع بعدم إرادة المعنى الشرعي من القنوت فيها، خصوصا
بعد ملاحظة استفاضة النصوص (2) في أنه سنة، وفي بعضها (3) سنة رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ونحو ذلك مما يقطع معه بعدم استفادة وجوبه من الكتاب، وإلا
لكان من الفرض، وبعد عدم معروفية الاستدلال بالآية على العامة من الأئمة (عليهم
الصلام) وأصحابهم كما هي طريقتهم في كل مسألة خلافية بينهم وكان لها في الكتاب أثر
بل التقية فيها تضعف، لامكان قطع الخصم بأيسر شئ، على أن المعروف في النصوص
أن كل ما هو فرض في الصلاة تعاد الصلاة من تركه عمدا وسهوا، بخلاف الواجب
من السنة لأنها لا تنقص الفريضة، وغير ذلك مما يقطع معه بإرادة مطلق الذكر من

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القنوت - الحديث 4 و 6 والباب 16
منها الحديث 11
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب القنوت - الحديث 1
360

القنوت فيها، خصوصا بعد ظهورها في لزوم وصف القنوت لجميع القيام لله لا لفرد من
القيام، بل ذلك لا يعبر عنه بالأمر بالقيام له، ضرورة كون قيام القنوت ليس إلا
استمرار القيام، لأن وظيفته كما ستعرف بعد القراءة قبل الركوع، بل لا يبعد إرادة
مطلق الاشتغال بالصلاة من القيام، فيكون حاصل المعنى صلوا قانتين ذاكرين لا ساكتين
ومتكلمين بحوائجكم، كما عساه يشهد له ما نص (1) عليه في سبب نزول هذه الآية من
أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة فنهوا عن ذلك، ولعل مجموع الذكر في الصلاة فرض
باعتبار تكبيرة الاحرام، ومنه يظهر جواب آخر للنصوص السابقة، وبعد الاغماض
عن ذلك كله فحمله على الاستحباب للأدلة السابقة متجه، فغرور بعض علماء البحرين (2)
بها حتى وافق الصدوق في الوجوب في غير محله، كما عرفته مفصلا.
(و) كيف كان ف‍ (هو) أي القنوت محله في غير المواضع المستثناة (في كل)
ركعة (ثانية) إن لم تكن الصلاة وحدانية (قبل الركوع وبعد القراءة) على المشهور
بين الأصحاب، بل هو من معاقد جملة من إجماعاتهم، بل لا أجد فيه مخالفا إلا من
المصنف في المعتبر، حيث قال تارة: " ومحله الأفضل قبل الركوع، وهو مذهب
علمائنا " وأخرى " ويمكن أن يقال بالتخيير وإن كان تقديمه على الركوع أفضل "
واستحسنه في الروضة، ولعله لخبر إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى (3) عن أبي جعفر
(عليه السلام) " القنوت قبل الركوع، وإن شئت فبعده " الذي هو بعد الاغضاء عن
سنده غير مقاوم من وجوه للنصوص (4) الكثيرة المعتبرة المصرحة بما قبل الركوع
لا بعده على وجه يمتنع معه دعوى أنه مستحب في مستحب وإن قلنا به في غير المقام

(1) تفسير ابن كثير ج 1 ص 294
(2) هو الشيخ سليمان البحراني (منه رحمه الله)
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القنوت - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القنوت - الحديث 1 و 3 و 5 و 6
361

من المطلق والمقيد في المندوب، خصوصا مع احتمال الخبر المزبور " نسيت " والاشتباه
من النساخ.
ثم لا يخفى أن ظاهر النصوص والفتاوى عدم اعتبار لفظ مخصوص فيه، ففي خبر
إسماعيل بن الفضل (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت وما يقال فيه
فقال: ما قضى الله على لسانك، ولا أعلم فيه شيئا موقتا " وسألته أيضا تارة أخرى
عما يقول في وتره (2) فقال: " ما قضى الله على لسانك وقدره " وفي مرفوع محمد
ابن إسماعيل (3) المروي عن الخصال قال أبو جعفر (عليه السلام): " سبعة ليس فيها
دعاء موقت " وعد منها القنوت، وفي حسن الحلبي أو صحيحه (4) عن الصادق (عليه
السلام) " عن القنوت في الوتر هل فيه شئ موقت ويقال فقال: لا، اثن على الله
عز وجل وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) واستغفر لذنبك العظيم، ثم قال: كل
ذنب عظيم " ورواه الصدوق بسنده إلى الحلبي (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه
سأله " عن القنوت فيه قول معلوم فقال: اثن على ربك وصل على نبيك (ص) واستغفر
لذنبك " ولا بأس فيها بالمحافظة على ذلك لما فيه من التوصل إلى استجابة الدعاء على ما يكشف
عنه النصوص الأخر (6) كما أنه لا بأس في استحباب خصوص ما في صحيح زرارة (7)
عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: " تقول في قنوت الفريضة في الأيام كلها
إلا يوم الجمعة: اللهم إني أسألك لي ولوالدي ولولدي وأهل بيتي وإخواني المؤمنين
فيك اليقين والعفو والمعافاة والرحمة والعافية والمغفرة في الدنيا والآخرة " وفي خبر

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القنوت الحديث - 1 - 3 - 5 - 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القنوت الحديث - 1 - 3 - 5 - 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القنوت الحديث - 1 - 3 - 5 - 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القنوت الحديث - 1 - 3 - 5 - 2 - 4
(5) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القنوت الحديث - 1 - 3 - 5 - 2 - 4
(6) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القنوت - الحديث 2
362

أبي بكر بن أبي سماك (1) " صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) الفجر فلما فرغ
من قراءته في الثانية جهر بصوته نحوا مما كان يقرأ وقال: اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا
واعف عنا في الدنيا والآخرة، إنك على كل شئ قدير " إلى غير ذلك من قنوتاتهم
(عليهم السلام) وهي كثيرة طويلة، وعن المجلسي في البحار أنه عقد لها بابا.
لكن ينبغي أن يعلم أنه لا يستفاد خصوصية مما حكي من قنوتاتهم (عليهم السلام)
ضرورة احتمال أنها أحد الأفراد المساوية لغيرها ولا دلالة في اختيار فرد على خصوصية
فيه، ولعله من هنا اختلفت أدعيتهم (عليهم السلام) ولم يتفقوا على دعاء واحد
غالبا بخلاف ما أمروا فيه بالقنوت، لظهور الخصوصية حينئذ كما في كل خاص أمر به
بعد عام، نعم يفضل الأول على غيره مما لا يقنت به بالتأسي، كما أنه يفضل سائر
أدعيتهم (عليهم السلام) المأثورة عنهم ولو في غير القنوت على غيرها من الأدعية
المخترعة بذلك أيضا، على أن وزير الملك أعرف بكيفية خطابه، بل قد يخاطبه غيره
بما يقتضي الحرمان، إلا أن ذلك كله لا يفيد خصوصية في القنوت، كبعض ما
ستعرفه أيضا.
ولبعض ما ذكرنا أشار المصنف بقوله: (ويستحب أن يدعو فيه بالأذكار
المروية) وقال العلامة الطباطبائي:
والفضل في القنوت بالمأثور * فهو بلاغ وشفا الصدور
لكن قال بعده أيضا:
وفوقه أدعية القرآن * وليس في ذلك من قران
ولم أجد ما يدل عليه صريحا فيما حضرني من النصوص، نعم قد تضمنت بعض
القنوتات المروية عنهم (عليهم السلام) ذلك، ولا دلالة فيه على أفضليته مما أمروا به،

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القنوت - الحديث 3
363

فتأمل، ويمكن تأييده أيضا باجتماع جهتي القرآنية والدعائية فيه ونحو ذلك مما لا يفيد
خصوصية في القنوت، فتأمل، ولعل المراد بأدعية القرآن الأعم من الأدعية التي يتضمنها
القرآن ومن الدعاء بنفس القرآن كالقنوت بقل هو الله أي تتوسل بها، وأما ما أشار
إليه من شبهة القران فيدفعها ما قدمناه سابقا من أن المراد بمحل القران ما لا يشمل ذلك
بل المراد به اتباع الحمد سورتين لا في جميع أحوال الصلاة، خصوصا وقد ورد الأمر
بالبسملة هنا، ففي خبر علي بن محمد بن سليمان (1) " كتبت إلى الفقيه أسأله عن
القنوت فكتب إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين وقل: ثلاث مرات
بسم الله الرحمن الرحيم " هذا.
ولكن كان على المصنف ذكر أفضلية القنوت في كلمات الفرج كغيره من
الأصحاب، بل في الذكرى وعن البحار نسبة ذلك إليهم مشعرا بالاجماع عليه، كمنظومة
العلامة الطباطبائي:
وأطلقوا في كلمات الفرج * تفضيلها فيه بقول أبلج
والظاهر استنادهم للنقل * فيه وقد أرسل ذاك الحلي
بل في الغنية دعواه عليه وإن كنا لم نعثر على خبر أطلق فيه ذلك، إلا أنه يكفي
ما سمعت، مضافا إلى ما عن علم الهدى والحلي من أنه روي أنها أفضله، وقال الحسن
ابن أبي عقيل (2) على ما حكي عنه: بلغني أن الصادق (عليه السلام) كان يأمر
أصحابه أن يقنتوا بهذا الدعاء بعد كلمات الفرج، وهو مشعر بمعروفية القنوت بها،
ويريد بالدعاء المروي (3) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) " اللهم إليك شخصت
الأبصار ونقلت الأقدام ورفعت الأيدي ومدت الأعناق وأنت دعيت بالألسن وإليك

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القنوت - الحديث 4
(2) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب القنوت - الحديث 7
(3) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب القنوت - الحديث 7
364

سرهم ونجواهم في الأعمال ربنا افتح بيننا وبين قومنا وأنت خير الفاتحين، اللهم إنا
نشكوا إليك فقد نبينا (صلى الله عليه وآله) وغيبة ولينا (عليه السلام) وقلة عددنا وكثرة
عدونا وتظاهر الأعداء علينا ووقوع الفتن بنا ففرج ذلك اللهم بعدل تظهره، وإمام
حق تعرفه إلى الحق آمين يا رب العالمين " وفيه شهادة على جواز قول آمين في القنوت
كما أوضحناه سابقا، فما في الذكرى هنا بعد أن حكى عن ابن الجنيد استحباب الجهرية
للإمام معللا له بتأمين من خلفه عليه - من أنه إن أراد لفظ آمين ففيه أنه مبطل،
وإن أراد الدعاء بالاستجابة فلا بأس - ضعيف، وعن فقه الرضا (عليه السلام) (1)
قال: " قل في قنوتك بعد فراغك من القراءة قبل الركوع: اللهم أنت
الله لا إله إلا أنت الحليم الكريم، لا إله إلا أنت العلي العظيم، سبحانك رب السماوات
السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم، يا الله ليس كمثله
شئ صل على محمد وآل محمد واغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنك على كل
شئ قدير ثم اركع " إلى آخره. وقد ورد الأمر به (2) في قنوت الوتر والجمعة اللذين
يتأكد فيهما القنوت، فلعل الأصحاب طردوا الحكم في الجميع لذلك كما أشار إليه
العلامة الطباطبائي:
والأمر في الجمعة والوتر ورد * في مسند الأخبار والحكم اطرد
لكنك خبير بعدم دلالة الأمر به على أفضليته من غيره مما أمروا به أيضا،
إلا أن الأمر بعد ما عرفت سهل، وقد اختلفت النصوص في كلمات الفرج كما وكيفا،
ولا بأس بالعمل بالجميع على معنى تعدد الأفراد، لكن في المدارك بعد أن ذكر حسن

(1) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب القنوت - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القنوت - الحديث 4 والفقيه ج 1 ص 310
الرقم 1412 من طبع النجف
365

زرارة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) المتضمن لصورتها قال: وذكر المفيد وجمع من
الأصحاب أنه يقول قبل التحميد: وسلام على المرسلين، وسئل عنه المصنف في الفتاوى
فجوزه لأنه بلفظ القرآن، ولا ريب في الجواز لكن جعله في أثناء كلمات الفرج ليس
بجيد، وفيه أنه قد روى الصدوق (2) كلمات الفرج وفيها ذلك كما ذكرنا ذلك وغيره
في تلقين الأموات، بل هي من معقد إجماع الغنية، بل يكفي في ذلك رواية كثير من
الأصحاب لها في كتب الفروع، نعم قد يتوقف في قوله وإن لم يكن بعنوان كلمات
الفرج للنهي عنه في قنوت الجمعة لا من الحيثية المزبورة، فعن المصباح أنه روى سليمان
ابن حفص المروزي (3) عن أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) يعني
الثالث (عليه السلام) قال: " لا تقل في صلاة الجمعة في القنوت، وسلام على المرسلين "
ولاحتمال كونه من التسليم المحلل، إلا أنه لا يصل إلى حد المنع، لاطلاق النصوص
والفتاوى، وتصريح الأكثر، وعدم اجتماع شرائط الحجية في الخبر المزبور، وضعف
احتمال التحليل فيه بل بطلانه، إلى أكثر ذلك أشار العلامة الطباطبائي.
وفي سلام المرسلين فيها * شئ وليس حظره وجيها
لكن روى النهي ابن حفص المروزي * عنه بفرض جمعة فنزز
والله أعلم.
فإن لم يتيسر له الدعاء بالمأثور أو لم يختره دعا بما قضى الله به على لسانه، وإليه
أشار المصنف بقوله " (وإلا فبما شاء، وأقله ثلاث تسبيحات) لقول الصادق (عليه
السلام) في خبر ابن أبي سماك (4) في حديث: " يجزي من القنوت ثلاث تسبيحات "

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الاحتضار - الحديث 1 من كتاب الطهارة
(2) الفقيه ج 1 ص 77 - الرقم 346 من طبعة النجف
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القنوت - الحديث 6
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القنوت - الحديث 3
366

وقد سمعت خبر علي بن محمد (1) المجتزي بالبسملات الثلاث، ولا ينافي ذلك خبر
أبي بصير (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أدنى القنوت فقال: خمس
تسبيحات " ضرورة ظهور الترتيب في الفضل بذلك، بل الظاهر تمسكا باطلاق النصوص
السابقة وعمومها والفتاوى ومعاقد الاجماعات الاجتزاء بمطلق الذكر فيه والدعاء، وأنه
لا يتقدر بذلك، ولعله مراد المصنف أيضا وإن كان قد يتوهم منه خلافه، كما أنه قد
يتوهم مما في منظومة العلامة الطباطبائي توظيف الثلاث للمستعجل خاصة، قال:
سبح ثلاثا أو ثلاثا بسمل * فمثله وظيفة المستعجل
ولعله أخذه من خبر البسملة (3) الظاهر في الضرورة والتقية الشديدة، إلا أنه
محتمل لإرادة بيان الاجتزاء بالأقل حالها، والتحقيق الاجتزاء بمطلق الذكر والدعاء
فضلا عن الثلاث للمختار فضلا عن المستعجل أخذا باطلاق ما في الأدلة من أنه يقال
فيه ما يقدر الله على اللسان، وأنه لا توقيت فيه لا كما ولا كيفا.
نعم تطويله أحد ما يستحب فيه، لقوله (صلى الله عليه وآله) (4): " أطولكم قنوتا
في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف " وفي الذكرى ورد عنهم (ع) أفضل
الصلاة ما طال قنوتها، بل يكفي فيه التأسي بما ورد عنهم (عليهم السلام) من القنوتات
الطويلة، على أن العقل يرجحه فضلا عن الاعتبار، نعم قد يتعارض مع مستحب آخر
في بعض الأحوال كالتخفيف في الجماعة، لأن فيها الشيخ والضعيف ونحوهما ممن
يصعب عليه طول الوقوف، والحكم فيه الترجيح بين المندوبات بالاهتمام ونحوه من غير
تخصيص للأدلة، ولعل من ذلك إذا خشي الملل من التطويل، للمستفاد من النصوص (5)

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القنوت - الحديث 4 - 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القنوت - الحديث 4 - 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القنوت - الحديث 4 - 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 22 من أبواب القنوت - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مقدمة العبادات والباب 16 من أبواب
أعداد الفرائض والنوافل - الحديث 8 و 11
367

في غير المقام من تجنب ما يقتضي نحو ذلك، ولذا قال العلامة الطباطبائي:
أطل به فالفضل للإطالة * أو اقتصر إن تختش الملالة
ومنه استحباب رفع اليدين به بلا خلاف أجده فيه فتوى ونصا، بل كأنه
إجماع، بل ظاهر صحيح ابن أبي نصر (1) السابق دخوله في مفهومه، ضرورة إرادته
من النهي عن القنوت فيه ولو بقرينة ما في خبر علي بن محمد بن سليمان (2) السابق أيضا
وفي خبر الساباطي (3) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخاف أن أقنت وخلفي
مخالفون فقال: رفعك يديك يجزي يعني رفعهما كأنك تركع ".
وفي المعتبر " ويجعل كفيه حال قنوته تلقاء وجهه، وهو قول الأصحاب "
وفي الذكرى " يستحب رفع اليدين به تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل ببطونهما السماء
وظهورهما الأرض، قاله الأصحاب: وروى عبد الله بن سنان (4) عن الصادق (عليه
السلام) " وترفع يديك في الوتر حيال وجهك، وإن شئت تحت ثوبك، وتتلقى
ببطونهما السماء " وفي الدروس وعن غيرها استحباب تفريق الابهامين فيه، ومقتضاه
كما عن صريح غيره استحباب ضم الأصابع عداهما، قلت: أما الرفع تلقاء الوجه فلا أجد
فيه خلافا إلا ما يحكى عن المفيد من الرفع حيال الصدر، وعن الشيخ نجيب الدين أنه
استحسنه، وصحيح ابن سنان المعتضد بفتاوى الأصحاب حجة عليهما، اللهم إلا أن
يفهما من قوله (عليه السلام) فيه: " وإن شئت تحت ثوبك " الكناية عن الرفع حيال
الصدر، ولأنه أقرب إلى التستر عن العامة، وفيه أنه بعد تسليمه لا دلالة فيه على
الوظيفة، بل أقصاه الرخصة التي لا تنافي الحكم باستحباب الأول، وأما كونهما

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب القنوت - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب القنوت - الحديث 3 - 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب القنوت - الحديث 3 - 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب القنوت - الحديث 3 - 2 - 1
368

مبسوطتين مستقبلا ببطونهما السماء وظهورهما الأرض فهو المنساق إلى الذهن من إطلاق
الرفع تلقاء الوجه والمتعارف في العمل، لكن لم أجد به نصا في خصوص القنوت من
بين باقي أفراد الدعاء، إذ ليس في الذي عثرنا عليه من خبر ابن سنان " وتتلقى " إلى
آخره مع أنه في الوتر خاصة، كخبر أبي حمزة الثمالي (1) قال: " كان علي بن الحسين
(عليهما السلام) يقول في آخر وتره وهو قائم: رب أسأت وظلمت نفسي وبئس
ما صنعت وهذه يدي جزاء بما صنعت، ثم يبسط يديه جميعا قدام وجهه ويقول: هذه
- إلى آخره - ثم يطأطئ رأسه ويخضع برقبته ثم يقول " إلى آخره وهو مع أنه في الوتر
أيضا ظاهر في أن البسط قدام الوجه إنما هو عند هذا القول في القنوت لا من أوله،
وقال في المعتبر متصلا بما رواه من خبر ابن سنان " وتتلقى ببطونهما السماء " وقيل:
بظاهرهما، وكلا الأمرين جائز، ولعله لعدم ما يختص به القنوت، وكذا لم أقف
في شئ مما وصلني من النصوص على الأمر بتفريق الابهامين وضم الأصابع في
خصوص القنوت.
نعم قد ورد في النصوص كيفيات متعددة لمطلق الدعاء، قال الصادق (عليه السلام)
في خبر ابن مسلم (2): " الرغبة تبسط يديك وتظهر باطنهما، والرهبة تظهر ظهرهما،
والتضرع تحرك السبابة اليمني يمينا وشمالا، والتبتل تحرك السبابة اليسرى ترفعهما في
السماء رسلا وتضعها، والابتهال تبسط يدك وذراعك إلى السماء، والابتهال حين ترى
أسباب البكاء " وقوله (عليه السلام) أيضا في خبر أبي إسحاق (3): " الرغبة أن
تستقبل ببطن كفيك إلى السماء، والرهبة أن تجعل ظهر كفيك إلى السماء وقوله تعالى (4):

(1) المستدرك - الباب - 16 - من أبواب القنوت - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 13 من أبواب الدعاء الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 13 من أبواب الدعاء الحديث 1 - 2
(4) سورة المزمل - الآية 8
369

وتبتل إليه تبتيلا " الدعاء بإصبع واحدة تشير بها، والتضرع تشير بإصبعك وتحركها،
والابتهال رفع اليدين وتمدهما وذلك عند الدمعة ثم ادع " وفي مرسل مروك بياع
اللؤلؤ (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " ذكر الرغبة وأبرز باطن راحتيه إلى
السماء، وهكذا الرهبة وجعل ظهر كفيه إلى السماء، وهكذا التضرع وحرك أصابعه
يمينا وشمالا، وهكذا التبتل ورفع أصابعه مرة ووضعا مرة، وهكذا الابتهال ومد يده
تلقاء وجهه إلى القبلة، ولا تبتهل حتى تجري الدمعة " وفي خبر أبي البختري (2) عن
جعفر عن أبيه (عليهما السلام) " كان يقول: إذا سألت الله فاسأله ببطن كفيك، وإذا
تعوذت فبظهر كفيك، وإذا دعوت فبإصبعيك " وفي خبر ابني وهب وسنان (3)
المروي عن بصائر الدرجات عن أبي عبد الله (عليه السلام) " أنه لما دعا على داود بن
علي رفع يديه فوضعهما على منكبيه ثم بسطهما ثم دعا بسبابته، فقلت له: رفع اليدين
ما هو؟ قال: الابتهال، قلت: فوضع يديك وجمعهما؟ قال: التضرع، قلت: ورفع
الإصبع؟ قال: البصبصة " وفي خبر علي بن جعفر (4) عن أخيه موسى (عليهما السلام)
المروي عن معاني الأخبار " التبتل أن تقلب كفيك في الدعاء إذا دعوت، والابتهال
أن تبسطهما وتقدمهما، والرغبة أن تستقبل براحتيك السماء وتستقبل بهما وجهك،
والرهبة أن تلقي بكفك فترفعهما إلى الوجه، والتضرع أن تحرك إصبعيك وتشير بهما "
وعنه أنه قال وفي حديث آخر (5): " أن البصبصة أن ترفع سبابتيك إلى السماء
وتحركهما وتدعو " وفي خبر أبي بصير (6) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الدعاء
ورفع اليدين فقال: على أربعة أوجه، أما التعوذ فتستقبل القبلة بباطن كفيك، وأما
الدعاء بالرزق فتبسط كفيك وتفضي بباطنهما إلى السماء، وأما التبتل فايماء بإصبعك

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الدعاء الحديث 4 - 9 - 8 - 6 - 7 - 5 من كتاب الصلاة
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
370

السبابة، وأما الابتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك، ودعاء التضرع أن تحرك
إصبعك السبابة مما يلي وجهك، وهو دعاء الخيفة " وقال زرارة ومحمد بن مسلم (1)
لأبي عبد الله (عليه السلام): " كيف المسألة إلى الله تبارك وتعالى؟ قال: تبسط كفيك
قلنا: كيف الاستعاذة؟ قال: تفضي بكفيك، والتبتل الايماء بالأصبع، والتضرع
تحريك الإصبع، والابتهال أن تمد يديك جميعا " وعن قرب الإسناد (2) " إن حماد
ابن عيسى قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) توقف على بغلة رافعا يده إلى السماء
عن يسار وإلى الموسم حتى انصرف، وكان في موقف النبي (صلى الله عليه وآله)
وظاهر كفه إلى السماء، وهو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابته " و " كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يرفع يديه إذا ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين " (3).
ولا بأس بالعمل بالجميع، إلا أنه ليس شئ منها في خصوص القنوت، فلا يبعد
مساواته لغيره من أحوال الدعاء إلا فيما حكاه في الذكرى عن الجعفي من أنه يمسح
وجهه بيديه عند ردهما ويمره على لحيته وصدره فقد اعترف بعضهم بعدم العثور له على
أثر، لكن لعله بناه على ما ورد في مطلق الدعاء، قال الصادق (عليه السلام) في خبر
ابن القداح (4): " ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلا استحى الله عز وجل
أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده
حتى يمسح على وجهه ورأسه " وأرسل في الفقيه مثله عن أبي جعفر (عليه السلام) وقال:
وفي خبر آخر (5) " على وجهه وصدره " لكن في الوسائل عن الطبرسي في احتجاجه

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الدعاء - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(2) قرب الإسناد ص 31 وفيه محمد بن عيسى قال: حدثنا حماد بن عثمان قال:
رأيت إلى آخره
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الدعاء - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الدعاء - الحديث 1 - 3 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الدعاء - الحديث 1 - 3 من كتاب الصلاة
371

عن الحميري (1) " أنه كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله عن القنوت في
الفريضة إذا فرغ من دعائه أن يرد يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روي أن الله
أجل من أن يرد يدي عبد صفرا بل يملأهما من رحمته أم لا يجوز، فإن بعض أصحابنا
ذكر أنه عمل في الصلاة، فأجاب (عليه السلام) رد اليدين من القنوت على الرأس
والوجه غير جائز في الفرائض، والذي عليه العمل فيه إذا رجع يديه في قنوت الفريضة
وفرغ من الدعاء أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل ويكبر ويركع
والخبر صحيح، وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض، والعمل به فيها أفضل "
ومقتضاه النهي عن ذلك في الفرائض، ويؤيده أنه فعل العامة الذين جعل الله الرشد
في خلافهم كما حكاه في الذكرى، وأشار (عليه السلام) بالخبر إلى ما ذكرناه آنفا.
ومنه استحباب التكبير له أيضا بلا خلاف أجده فيه فتوى ونصا إلا ما يحكى
عن علي بن بابويه والمفيد في آخر عمره، نعم قيل: إنه إليه يميل كلام السيد في الجمل،
ولم نقف لهم على دليل إلا ما أرسله في التوقيع من الناحية المقدسة حين كتب إليه
الحميري (2) يسأله عن ذلك، فوقع (عليه السلام) ما حاصله " أن في ذلك روايتين،
وبأيهما أخذت من باب التسليم وسعك " على أن من المعلوم عدم رجوع مثل المفيد،
وفتوى مثل علي بن بابويه لا يكون إلا عن نص وإن كان لم يصل إلينا، إلا أنا مكلفون
بما وصل إلينا من أخبارهم (عليهم السلام).
ومنه الجهر به للإمام والمنفرد مطلقا على المشهور، لقول أبي جعفر (عليه السلام)
في صحيح زرارة (3): " القنوت كله جهر " خلافا للفاضل والمحكي عن الجعفي والسيد

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب القنوت - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب السجود - الحديث 8
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب القنوت - الحديث 1
372

والعجلي فجعلوه تابعا للفريضة، لما ورد (1) من أن " صلاة النهار عجماء " وفيه مع انسياق
الذهن إلى إرادة القراءة من ذلك أن الأول أرجح دلالة وعملا، فلا يقدح حينئذ
كون التعارض بينهما من وجه.
أما المأموم فقد أطلق جماعة إخفاته للنهي (2) عن إسماعه الإمام، بل قيل
إنه المشهور، وفيه أولا أن النهي المزبور أعم من الاخفات، ضرورة عدم استلزام
أقل الجهر للاسماع، نعم قد يتفق ذلك، وحينئذ فترجيح ذلك على دليل الجهر يمكن
منعه، بل قد يقال بكون المقام كتعارض المندوبات والمكروهات والمندوب مع المكروه
في العمل، فلو جهر في القنوت حصل ثواب الجهر وإن فعل مكروها من حيث
الاسماع كالعكس، فلا يكون من تعارض العموم من وجه، لكنه لا يخلو من تأمل،
والأمر سهل.
وكيف كان فقد صرح الصدوق في الفقيه بجواز القنوت بالفارسية حاكيا
له عن الصفار، قيل: وقد واقفه عليه أكثر الأصحاب، بل لم يعرف الخلاف في ذلك
إلا من سعد بن عبد الله حتى أن المحقق الثاني لما استوجه المنقول عن سعد - لأن كيفية
العبادة متلقاة من الشارع ولم يعهد مثل ذلك - قال: إلا أن الشهرة بين الأصحاب -
حتى أنه لا يعلم قائل بالمنع سوى سعد المذكور - مانعة من المصير إليه، كما أن غيره ممن
عادته تتبع الخلاف في المسائل ولو نادرا قد اقتصر على نسبة ذلك إلى سعد، فلا يبعد
استقرار الكلمة حينئذ على الجواز، واحتجوا عليه - بعد الأصل وما سمعته من إطلاق
أدلة القنوت وأنه لا شئ موقت فيه بل يكفي فيه ما يجري على اللسان ويقدره - بصدق

(1) المستدرك - الباب - 18 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 2
373

اسم الدعاء عليه، فيشمله حينئذ كل ما دل عليه، ومرسل الفقيه (1) عن أبي جعفر
(عليه السلام) " لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شئ يناجي به ربه
عز وجل والصادق (عليه السلام) (2) " كل ما ناجيت به ربك في الصلاة فليس
بكلام " وصحيح علي بن مهزيار (3) " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يتكلم
في صلاة الفريضة بكل شئ يناجي به ربه عز وجل قال: نعم " والظاهر أنه هو الذي
أرسله في الفقيه كما سمعت، وقال بعده: إنه لو لم يرد هذا الخبر لكنت أجيزه بالخبر
الذي روي (4) عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " كل شئ مطلق حتى يرد فيه
نهي " والنهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود، والحمد لله، وفي كشف
اللثام إنا لا نعرف لسعد بن عبد الله مستندا إلا ما في المختلف من أنه (صلى الله عليه وآله)
لم يتخلل صلاته دعاء بالفارسية مع قوله (صلى الله عليه وآله) (5): " صلوا كما رأيتموني
أصلي " وفيه أنه لو عم هذا لم يجز الدعاء بغير ما كان (صلى الله عليه وآله) يدعو به،
ولا في شئ من أجزاء الصلاة إلا ما سمع دعاؤه فيه، فإن أجيب بخروج ذلك بالنصوص
قلنا فكذا غير العربي للاتفاق على جواز الدعاء فيها بأي لفظ أريد من العربي من غير
قصر على المأثور للعمومات، وهي كما تعم العربي تعم غيره، قلت: لكن الانصاف
أنه ليس بتلك المكانة من الفساد كما يومي إليه عدم ترجيح بعضهم في المسألة كالشهيد في
الذكرى وغيره وتعبير بعض من رجح بلفظ الأشبه ونحوه، والأمر بالاحتياط من
آخر، بل قال العلامة الطباطبائي:
واللحن كالدعاء بغير العربي * يخالف الجزم بها فاجتنب
بل جزم في الحدائق بالمنع، كما أنه مال إليه الأستاذ الأكبر في شرحه على

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب القنوت - الحديث 2 - 4 - 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب القنوت - الحديث 2 - 4 - 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب القنوت - الحديث 2 - 4 - 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب القنوت - الحديث 2 - 4 - 1 - 3
(5) صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125
374

المفاتيح، بل قد يقوى في النظر عدم الاجتزاء به عن وظيفة القنوت وإن قلنا بعدم
بطلان الصلاة مع الدعاء به، للأصل فيهما، وإمكان دعوى حصول القطع من ممارسة
أحوال الشرع في العبادات واجبها ومندوبها والمعاملات والايقاعات وغيرها بعدم
اعتبار غير اللغة العربية فارسية وغيرها، وكل ما أمر فيه بلفظ وقول وكلام ونحوها
لا ينساق إلى الذهن منه إلا العربي الموافق للعربية، بل يؤيد ذلك أن غير العرب من
المكلفين أضعاف العرب، وكثير منهم الرواة والممارسون لأهل البيت (عليهم السلام)
ولم يحك عن أحد منهم نظم دعاء باللغة الفارسية ولا ذكر من الأذكار، بل ألزموهم
متى أرادوا شيئا من الأدعية المخصوصة والأذكار الموظفة بقراءة المأثور الذي قل ما يتفق
فعلهم له صحيحا، بل ربما كان في تأدية بعض الألفاظ منهم الكفر فضلا عن نقيض
المعنى المراد كما لا يخفى على كل من سمع أدعية العارفين منهم وزياراتهم فضلا عن
السواد، ولو أن للألفاظ الفارسية مثلا أدنى توظيف شرعي ما كلفوا بذلك الذي
لا يعقلون منه معنى ولا يحسنون فيه لفظا، والنصوص المزبورة مع إرسال بعضها غير
مساقة لبيان الجواز بأي لغة، بل المراد منها أن كل ما يناجى به الله في غرض دنيوي
أو أخروي ليس من الكلام المبطل، خلافا للمحكي عن أحمد بن حنبل فلا يجوز إلا بما
تقرب إلى الله تعالى دون ملاذ الدنيا، على أنها إنما تدل على أنه ليس بكلام مبطل لا
أنه يجتزى به عن القنوت الموظف، كما أن قوله (عليه السلام): " كل شئ " بناء
على جريان مثله في نحو المقام كذلك أيضا، ومن هنا والأصل وظهور ما دل على مانعية
كلام الآدميين في غير ما يناجى به الرب وصدق اسم الدعاء قلنا بعدم فساد الصلاة
بالدعاء بالفارسية.
بل الظاهر عدم البطلان أيضا لو جاء به بنية وظيفة القنوت، إذ مثل هذا
التشريع لا يقتضي بطلانا كما هو واضح، ولا يقدح ذلك كله في القول بعدم الاجتزاء
375

به عن توظيف القنوت بعد ظهور النصوص باعتبار اللفظ في القنوت المنصرف إلى العربي
وإن لم يكن لفظ مخصوص، فإرادة معنى الدعائية الذي هو معنى العبودية والخضوع
والخشوع والاعتراف بالقصور ونحوها مما لا مدخلية لخصوص لغة فيها لا تقتضي الاجتزاء
بذلك عن القنوت، وكأنه من هنا نشأ الوهم في الاجتزاء باعتبار أنه لا مجال لانكار
مطلوبية معنى الدعائية من كل مكلف الذي أشار إليه الإمام (عليه السلام) بقوله (1): "
إليك عجت الأصوات بفنون اللغات " وقد ورد (2) في القنوت " أنه لا شئ فيه
موقت " فظن منهما الاكتفاء فيه بالفارسية وغفل عن إرادة الشارع اللفظ فيه، إلا أنه
لم يقيده بلفظ مخصوص، وهو منصرف إلى العربي، ويومي إليه قول الصادق (عليه
السلام) للحلبي (3) لما سأله " عن القنوت في الوتر هل فيه شئ موقت يتبع ويقال؟:
لا، أثن على الله عز وجل وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) واستغفر لذنبك "
ضرورة ظهوره في أن المراد من نفي التوقيت عدم لفظ مخصوص من اللغة العربية.
ويشهد لذلك كله أيضا أن المتجه حينئذ بناء على شمول مثل هذه الاطلاقات
لسائر اللغات الاكتفاء بالفارسية ونحوها في الذكر في الركوع والسجود وغيرهما مما وجب
فيه مطلق الذكر الشامل لسائر اللغات، ولم يلتزمه أحد، بل أطبقوا بحسب الظاهر على
عدم الاجتزاء بها في كل واجب وإن لم يكن المكلف به لفظا مخصوصا، قال العلامة
الطباطبائي بعد البيت السابق:
وكالدعاء كل ذكر قد ندب * واقطع بحظر في الذي منه يجب
وقال الفاضل في القواعد: ويجوز الدعاء بغير العربية مع القدرة، أما الأذكار

(1) هذه الجملة مذكورة في دعاء الحسين عليه السلام في عشية عرفة وفيه " بصنوف "
بدل " بفنون "
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القنوت - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القنوت - الحديث 1 - 2
376

الواجبة فلا، ولم يحك فيه خلافا شراحه كالمحقق الثاني والفاضل الإصبهاني وغيرهم،
واحتجوا عليه بالتأسي وعدم الخروج عن يقين البراءة، وهو كما ترى، إذ في الأول
ما سمعته في رد دليل سعد، وفي الثاني بعد تسليم وجوب مراعاته أنه يكفي فيها إطلاق
الأدلة، لأنه هو المفروض، إذ محل البحث ما كلف فيه بالذكر ونحوه مما لا يخص لغة،
لا الألفاظ المخصوصة التي لا تجزي اللغة الفارسية في مندوبها قطعا فضلا عن واجبها،
فما في كشف اللثام أن الأذكار المندوبة في تشهد الصلاة وغيره لعلها كالدعاء داخلة فيما
يناجى به الرب، وكأنه يلوح من المنظومة كما سمعت فاسد جزما إن أراد المأثورة
بالخصوص، وإلا لجاز ترجمة سائر الأدعية المأثورة عنهم (ع) وهو معلوم الفساد في سائر
الأعصار والأمصار، بل لا يبعد في النظر أن كل نبي أرسل بلسان قومه جرى التعبد
فيما يراد من الألفاظ في شريعته بذلك اللسان فضلا عن شريعتنا، فتأمل جيدا، هذا.
ويمكن إرجاع كثير من عبارات الأصحاب إلى ما قلنا، لأن جميعهم لم يذكره
في تأدية وظيفة القنوت بل إنما ذكروا جواز الدعاء بالفارسية بمعنى عدم بطلان الصلاة
معه، ونحن نقول به كما عرفت.
ثم إن ظاهر العلامة الطباطبائي مساواة الملحون لغير العربي، وهو كذلك سواء
كان لحنا ماديا أو إعرابيا، وسواء كان من المحرفات أو الاتفاقيات، إذ الظاهر عدم
كون محرفات الأعوام من اللغات والحقائق العرفية، لعدم إرادة الوضع فيها منهم، بل
المقصود لهم الجريان على مقتضى الوضع السابق إلا أنهم لم يحسنوا التأدية لآفة في ألسنتهم
من ممارسة غير الفصحاء، فهي حينئذ من الأغلاط والمهملات التي لم توضع لمعنى إلا أنه
لم يخرج بذلك عن صدق الدعاء عرفا كغيره الموافق للعربية في الكيفية، إذ الظاهر تناوله
للجميع وإن كان المنصرف منه عند الأمر به في قنوت أو تشهد أو نحوهما العربي الصحيح
مادة وهيئة كباقي الألفاظ في المعاملات والايقاعات وغيرهما، ولصدق الاسم وغيره مما
377

سمعته سابقا لم تبطل الصلاة، كما أنه لفقد الوصف المعتبر بشهادة التبادر لم يجز عن الموظف
ولم يفد نقلا في المعاملة، فأصالة عدم الاجتزاء حينئذ محكمة فيهما، وعدم بطلان الصلاة
للأصل بعد الشك في شمول أدلة المنع لمثله، بل الظاهر عدم البطلان أيضا لو جاء بالمأثور
ملحونا بمادته أو كيفية، لعدم الخروج عن اسم الدعاء معه وإن لم يحصل له الوظيفة
المخصوصة، ولا تشريع فيه بعد فرض فعله بنية تحصيل المأثور إلا أنه لم يتيسر له، نعم
لو كان تغييرا فاحشا يحكم كل من سمعه بأنه ليس من الدعاء في شئ يتجه البطلان
حينئذ، ولعل منه بعض التحريفات الخاصة ببعض الأشخاص، كل ذلك وطريق
الاحتياط غير خفي، ولا ينبغي أن يترك.
(و) كيف كان ف‍ (في الجمعة قنوتان) على المشهور بين الأصحاب نقلا
وتحصيلا، بل في كشف الرموز أنه مذهب الأصحاب لا أعرف فيه مخالفا إلا المتأخر
بل في الخلاف الاجماع عليه، لما في صحيح زرارة (1) عن الباقر (عليه السلام) المروي
في الفقيه وعن الخصال " وعلى الإمام فيها قنوتان في الركعة الأولى قبل الركوع، وفي
الركعة الثانية بعد الركوع " وزاد في الفقيه " وإن صلاها وحده فعليه قنوت واحد في
الركعة الأولى قبل الركوع " وصحيح أبي بصير (2) عن الصادق (عليه السلام)
" سأله بعض أصحابنا وأنا عنده عن القنوت في الجمعة فقال له: في الركعة الثانية،
فقال له: قد حدثنا بعض أصحابنا أنك قلت له: في الركعة الأولى فقال: في الأخيرة
وكان عنده ناس كثير فلما رأى غفلة منهم قال: يا أبا محمد في الأولى والأخيرة، فقال
أبو بصير بعد ذلك قبل الركوع أو بعده، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): كل قنوت
قبل الركوع إلا الجمعة، فإن الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع، والأخيرة بعد
الركوع " وموثق سماعة (3) " سألته عن القنوت في الجمعة فقال (عليه السلام): أما

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت - الحديث 4 - 12 - 8
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت - الحديث 4 - 12 - 8
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت - الحديث 4 - 12 - 8
378

الإمام فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع، وفي
الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود - إلى أن قال -: وإن شاء قنت في
الركعة الثانية قبل أن يركع، وإن شاء لم يقنت، وذلك إذا صلى وحده " وخبر
عبد الملك (1) بعد حمله على نفي الوجوب وغيره، وبها يخص ما دل (2) على وحدة
القنوت وأنه في الثانية قبل الركوع من الأدلة السابقة.
خلافا للمحكي عن المفيد فواحد في الركعة الأولى قبل الركوع، واختاره في
المختلف والمدارك لصحيح معاوية بن عمار (3) " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول في قنوت الجمعة: إذا كان إماما قنت في الركعة الأولى، وإن كان يصلي أربعا
ففي الركعة الثانية قبل الركوع " ومرسل أبي بصير (4) عن الصادق (عليه السلام)
" القنوت قنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة " وخبر عمر بن حنظلة (5)
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): القنوت يوم الجمعة فقال: أنت رسولي إليهم في
هذا إذا صليتم في جماعة ففي الركعة الأولى، وإذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية "
وصحيح سليمان بن خالد (6) " إن القنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى ".
وفيه بعد القدح في سند البعض أن بعضها غير مناف لثبوته في الثانية، بل في
كشف اللثام أن عبارة المقنعة التي ظن منها الخلاف كذلك، والآخر دلالته بالظاهر
أو الاشعار الذي يجب الخروج عنه بالتصريح في الأدلة السابقة، ولعل الاقتصار فيها
على بيان القنوت الأول مشعر بأنه هو الذي اختصت به الجمعة من بين الصلوات،
وبأنه هو الذي ينبغي الاهتمام بذكره، لعدم معروفية مشروعيته في غيرها، بخلاف

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت الحديث 9 - 1 - 2 - 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القنوت
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت الحديث 9 - 1 - 2 - 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت الحديث 9 - 1 - 2 - 5 - 6
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت الحديث 9 - 1 - 2 - 5 - 6
(6) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت الحديث 9 - 1 - 2 - 5 - 6
379

القنوت في الثانية بعد الركوع، فإنه قد يشرع في النسيان، بل سمعت من المحقق
جوازه اختيارا، وذكر في القنوت وفي صلاة جعفر، فليس هو كالأول.
وخلافا للصدوق والحلي فكغيرها من الصلوات، قال في الفقيه بعد أن ذكر
صحيح زرارة (1): " وتفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة، والذي استعمله وأفتي به
ومضى عليه مشائخي (رحمة الله عليهم) هو أن القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها
في الركعة الثانية بعد القراءة قبل الركوع " ومن الغريب ما حكاه في الذكرى عنه أنه
يقول بوحدة القنوت وأنه بعد الركوع، وكلامه صريح في خلافه، كما أن كلامه في
هدايته ظاهر أو صريح في تعدد القنوت، وقال في السرائر على ما قيل: " إن الذي
يقتضيه أصول مذهبنا وإجماعنا أن لا يكون في الصلاة إلا قنوت واحد أية صلاة كانت
فلا يرجع عن ذلك بأخبار الآحاد " وهو كما ترى من غرائب الكلام، ومقتض
لطرح جميع النصوص السابقة التي لا بأس بدعوى تواترها، بل لو كان كما ذكر من
تفرد حريز عن زرارة بذلك فضلا عما عرفت لكان المتجه العمل بها بعد صحة طريقه
إليه، إذ لا معارض لها إلا إطلاقات أو عمومات يجب الخروج عنها بها، اللهم إلا أن
يريد بالتفرد ما ذكره من الذيل من أن عليه قنوت واحد في الركعة الأولى لو صلاها
وحده، فإنه مع أنه لا عامل به من أحد لم يشاركه في هذا التصريح شئ من النصوص
الواصلة إلينا، نعم ربما كان فيها بعض إطلاقات يجب حملها على الصريح المعمول به بين
الأصحاب المعتضد بعموم الأدلة السابقة، فتأمل، وقال في المدارك متصلا بما حكاه عن
الفقيه مما سمعته: وما ذكره من الرواية يصلح سندا للقول الأول لو كانت متصلة،
والظاهر أنه زيادة منه، إذ لا أثر له في الفقيه، وفيه أن كلامه في الفقيه بقرينة المحكي
عنه من روايته له في الخصال كالصريح في أن ذلك من قول الباقر (عليه السلام) لزرارة

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت - الحديث 4
380

كما لا يخفى على من لاحظهما، وطريقه إلى زرارة معروف الصحة، على أنه في الخصال
ذكر السند تاما، فظهر لك من ذلك كله أن القول المزبور كسابقه في غاية السقوط.
نعم ظاهر المصنف وغيره - حتى معقد إجماع الخلاف، والنسبة إلى الأصحاب
في كشف الرموز، والشهرة في غيره، بل لعله المحصل من إطلاق الأكثر - أنه لا فرق
في ذلك بين الإمام والمأموم، لكن في كشف اللثام عن الهداية والمراسم والمعتبر والتذكرة
والنهاية والمبسوط والكافي والمهذب والوسيلة والاصباح والجامع للإمام خاصة، قال:
وإن لم ينفهما ما خلا الأربعة الأولى عن غيره، والنفي نص المعتبر والتذكرة وظاهر
الأولين، قلت: يمكن تعبيرهم بذلك حتى المعتبر والتذكرة اللذين قد ادعي صراحتهما
تبعا لبعض النصوص، واعتمادا على معروفية متابعة المأموم للإمام في قنوت غير الجمعة
فضلا عنها، بل وغير القنوت من الأفعال والأقوال، فلعل المراد بالإمام الكناية عن
صلاة الجمعة، وبغيره الصلاة ظهرا جامعا أو منفردا كما هو ظاهر المقابلة في صحيح معاوية
ابن عمار (1) وغيره.
ومنه حينئذ يظهر ضعف الاستدلال بنحو هذا التعبير في النصوص بحيث يقيد به
إطلاق غيرها، كصحيح أبي بصير (2) وموثق سماعة (3) بل بعضها كالصريح في
إرادة الإمام والمأموم، على أن التعبير بالإمام في نحو صحيح زرارة (4) لا يقتضي النفي
عن غيره، فاحتمال التفصيل أو القول به في غاية الضعف، بل يمكن دعوى تسالم
الأصحاب على خلافه، لأنه لم يعهد من أحد منهم تحرير نزاع فيه، خصوصا ممن عادته
تتبع الأقل من ذلك كما لا يخفى على الخبير الممارس.
ومن الغريب ما وقع في الحدائق هنا من نسبة التفصيل بين إمام الأصل وغيره
إلى المحقق في المعتبر، فخص القنوتين به دون غيره وإن كان إماما في الجمعة إلا أنه

(1) الوسائل - الباب 5 - من أبواب القنوت - الحديث 1 - 12 - 8 - 4
(2) الوسائل - الباب 5 - من أبواب القنوت - الحديث 1 - 12 - 8 - 4
(3) الوسائل - الباب 5 - من أبواب القنوت - الحديث 1 - 12 - 8 - 4
(4) الوسائل - الباب 5 - من أبواب القنوت - الحديث 1 - 12 - 8 - 4
381

يقنت حينئذ في الركعة الأولى، وأطال في رده، وكأنه لم يعثر على من عبر بالإمام
غير، وما أدري ما الذي أوهمه من عبارة المحقق حتى ادعى عليه ذلك الذي لا أثر له
في شئ من النصوص والفتاوى، بل هي صريحة في خلافه حتى الذي ذكره منها في المعتبر
أيضا، وليس فيه إلا قوله: والذي يظهر أن الإمام يقنت قنوتين إذا صلى جمعة
ركعتين، ومن عداه يقنت مرة جامعا كان أو منفردا، ويدل على ذلك رواية
أبي بصير (1) ثم ذكر رواية سماعة (2) وصحيحة معاوية (3) ورواية عمر بن حنظلة (4)
وهو كما ترى لا دلالة فيه على ذلك خصوصا والمعروف من لفظ الإمام في هذه المقامات
إمام الجماعة دون غيره.
وكذا ما أنكره على العلامة في المنتهى حيث قال فيه بعد ذكر جملة من النصوص
السابقة: وهذه الأخبار وإن اختلفت في الوجه الأول أي القنوتين فلا يضر اختلافها
إذ هو فعل مستحب، وذلك يحتمل الاختلاف لاختلاف الأوقات والأحوال، فتارة
تبالغ الأئمة (عليهم السلام) في الأمر بالكمال، وتارة تقتصر على ما يحصل معه بعض
المندوب، ولا استبعاد في ذلك، ومما يؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن
الحصين (5) قال: " سمعت معمر بن أبي رئاب يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا
حاضر عن القنوت في الجمعة قال: ليس فيها قنوت " وعن عبد الملك بن عمرو (6)
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) " قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع وفي
الثانية بعد الركوع فقال: لا قبل الركوع ولا بعد " فها هنا اقتصر على فعل الصلاة من
غير قنوت إشعارا باستحبابه وأنه ليس قنوتا واجبا، وهو كلام جيد جدا مبني على
إرادة المستحب في المستحب من الاطلاق والتقييد ولو في خصوص المقام بشهادة

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت الحديث 12 - 8 - 1 - 5 - 10 - 9
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت الحديث 12 - 8 - 1 - 5 - 10 - 9
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت الحديث 12 - 8 - 1 - 5 - 10 - 9
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت الحديث 12 - 8 - 1 - 5 - 10 - 9
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت الحديث 12 - 8 - 1 - 5 - 10 - 9
(6) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القنوت الحديث 12 - 8 - 1 - 5 - 10 - 9
382

النصوص، وما في الحدائق من أن الظاهر خلاف ذلك غرورا بظهور بعض النصوص
المبني سؤالها عن إرادة الأفضل ونحوه وغفلة عن أمثال هذه القواعد في أمثال هذه
المقامات في غاية الضعف.
(و) قد ظهر لك من ذلك كله أنه لا محيص عن القول بالقنوتين، وأنه (في
الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعد الركوع) فما عساه يظهر - من التوقف في المحكي
عن المرتضى حيث اقتصر على ذكر اختلاف الرواية، فقال: روي أن الإمام يقنت في
الأولى قبل الركوع وكذا من خلفه، وروي أنه يقنت في الأولى قبل الركوع وفي
الثانية بعده - في غير محله، كالمحكي عن الحسن والتقي من القول بالقنوتين إلا أنهما معا
قبل الركوع تمسكا بالاطلاقات السابقة التي يجب الخروج عنها هنا بما عرفت من النصوص
وغيرها، ولبعد إعراضهما عن مثل النصوص المزبورة تأول بعض متأخري المتأخرين
كما قيل المنقول من كلاميهما في المختلف وأرجعه إلى القول المشهور، ويؤيده أنه في
المنتهى نسب إلى الحسن موافقة المشهور وأنه لا صراحة في المحكي من كلاميهما بخصوص
المقام، نعم أطلقوا قبلية القنوت على الركوع وأن في الجمعة قنوتين، فاستفادوا منهما
معا ذلك، ولعلهما لا يريدان بالاطلاق هذا الفرد، فتأمل جيدا.
ثم ليعلم أن ظاهر المصنف وغيره اختصاص الجمعة من بين الفرائض بالتعدد
المزبور، وهو كذلك للأصل، نعم قد يتفق ذلك كمسبوقية المأموم فإنه يقنت متابعة
للإمام ويأتي بالقنوت في محله، وربما يزيد على اثنين في بعض صور تغير الإمام، ولا
ينافي ذلك موثق عبد الرحمن أو صحيحه (1) عن الصادق (ع) " في الرجل يدخل في
الركعة الأخيرة من الغداة مع الإمام فقنت الإمام أيقنت معه؟ قال: نعم، ويجزيه من
القنوت لنفسه " ضرورة إرادة الرخصة منه كما يشعر به لفظ الاجزاء فيه، إذ احتمال

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب القنوت - الحديث 1
383

تقييد جميع تلك الأدلة بمثل هذا الخبر المعلوم بناء القنوت الأول فيه على المتابعة التي
لا تجزي عن الأصل كما في التشهد وغيره بعيد جدا.
(و) كيف كان ف‍ (لو نسيه) أي القنوت (قضاه بعد الركوع) بلا خلاف
أجده في الفتاوى بعد إرادة مطلق الفعل من القضاء، بل والنصوص (1) عدا صحيح
معاوية بن عمار (2) " سألته عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع أيقنت؟ قال: لا "
المحمول على نفي الوجوب بشهادة المروي عن كتاب علي بن جعفر (3) عن أخيه،
قال: " سألته عن رجل نسي القنوت حتى ركع ما حاله؟ قال: تمت صلاته ولا شئ
عليه " مع أنه رواه في الفقيه (4) عنه في خصوص الوتر، قال: " سأل معاوية بن
عمار أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت في الوتر قال: قبل الركوع، قال: فإن
نسيت أقنت إذا رفعت رأسي فقال: لا " ثم قال الصدوق: إنما منع الصادق (عليه
السلام) من ذلك في الوتر والغداة خلافا للعامة، لأنهم يقنتون فيهما بعد الركوع،
وإنما أطلق ذلك في سائر الصلوات لأن جمهور العامة لا يرون القنوت فيها، وربما
يشم منه الخلاف في ذلك، ولعله لا يريده، ولم نعثر على ما أرسله في خصوص الغداة
والأمر سهل بعد ظهور الاطلاق من الأدلة بحيث لا يحكم على أصل المشروعية
المستفاد منها بذلك.
نعم ظاهرها بعد ركوع الركعة الثانية، فاثبات مشروعية فعله لو ذكره في غيره
من أحوال الصلاة تمسكا باطلاق قوله بعد الركوع كما ترى، ولعله من هنا قال جماعة
من الأصحاب: لو لم يذكر إلا بعد فوات المحل المزبور قضاه بعد الفراغ منها، بل

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب القنوت - الحديث 0 - 4 - 6 - 5
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب القنوت - الحديث 0 - 4 - 6 - 5
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب القنوت - الحديث 0 - 4 - 6 - 5
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب القنوت - الحديث 0 - 4 - 6 - 5
384

عن الروض أنه قاله الشيخ والأصحاب، ولعله لخبر أبي بصير (1) قال: " سمعته يذكر
عند أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في الرجل إذا سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف
وهو جالس " وفي صحيح زرارة (2) " قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل ينسى
القنوت فذكره وهو في بعض الطريق فقال: ليستقبل القبلة ثم ليقله، ثم قال: إني
لأكره للرجل أن يرغب عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو يدعها " إذ احتمال
تخصيص ذلك بما إذا ذكره بعد الفراغ لا ما إذا ذكره في الصلاة بعد فوات محل تداركه
فيها بعيد جدا، بل هو مخالف لذيل خبر زرارة المزبور، وأضعف منه ما عساه يظهر
من المبسوط من أنه لا قضاء له إلا فيما بعد الركوع، فإن فاته فلا قضاء عليه، إذ هو
مخالف لصريح الخبرين، نعم ليس في شئ من نصوص المقام التعبير بلفظ القضاء،
وفي المنتهى هل هو أداء أو قضاء؟ فيه تردد. ثم رجح القضاء، قلت: قد يريد من
عبر من الأصحاب بالقضاء مطلق الفعل لا الاصطلاحي، ضرورة اختصاصه بالموقتات
التي يراعى الوقت فيها أصالة لا لازما، فحينئذ دخول أمثال ذلك تحت القضاء المصطلح
لا يخلو من نظر، على أن ثمره البحث عندنا ساقطة بسقوط وجوب التعرض لنية الأداء
والقضاء، ودعوى إيجاب نية هذا التدارك وإن لم تسمه بالقضاء ممنوعة في الذي يتدارك
في أثناء الصلاة، ضرورة كونه كغيره من الأجزاء التي تتدارك قبل الدخول في الركن
والظاهر الاكتفاء عن ذلك بنية الصلاة، أما الذي يفعل خارج الصلاة فلا بد من ملاحظة
ما يشخصه عن غيره بنية التدارك أو غيرها كما هو واضح، فتأمل.
المستحب (الثالث شغل النظر في حال قيامه إلى موضع سجوده) بلا خلاف
أجده فيه، لقول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (3): " إذا قمت للصلاة فلا

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب القنوت - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب القنوت - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 3
385

تلصق قدمك بالأخرى، دع بينهما فصلا، إصبعا أقل ذلك إلى شبر أكثره، وأسدل
منكبيك، وأرسل يديك، ولا تشبك أصابعك، وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك،
وليكن نظرك إلى موضع سجودك " بل في خبر غياث (1) عن جعفر عن أبيه عن علي
(عليه السلام) " لا تجاوز بطرفك في الصلاة موضع سجودك " ولأنه أوفق بالخشوع
والخضوع والاستكانة المطلوبة في الصلاة، والظاهر إرادة مجموع النظر لا البعض،
خصوصا بعد قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح زرارة (2): " أجمع بصرك ولا ترفعه
إلى السماء " مما هو ظاهر في مطلوبية جمع البصر في غير حال القيام أيضا، والعمى مسقط
لهذا المستحب مع احتمال ندب الصورة مع الامكان، كما أنه يقوى البقاء في الظلمة ونحوها
فيوجهه حينئذ إلى الجهة وإن لم يحصل به إبصار، وكذا لا يسقطه ذهاب إحدى العينين
قطعا، والمراد بموضع السجود الجهة المنخفضة لا ما يسجد عليه فعلا، فلا يجزي لو كان
منقولا فرفعه إليه، والمومي للركوع والسجود لا يسقط عنه النظر إلى موضع سجود
الاختياري وإن فرض تكليفه الرفع إليه، أما المضطجع ففي اعتبار الاختياري أو
الاضطراري له إشكال، كالاشكال في كثير من الأمور المتصورة في المقام التي لا تخفى
بأدنى تأمل، إلا أن الظاهر إرادة ما قبل الركوع من القيام لا المتعقب له، فلا وظيفة
له حينئذ كالهوي، اللهم إلا أن يستند إلى إطلاق خبر غياث، فتأمل.
(وفي حال القنوت إلى باطن الكفين) كما ذكره غير واحد من الأصحاب،
بل في جامع المقاصد نسبته إليهم، إلا أني لم أجد به نصا بالخصوص، ويمكن استفادته
من مجموع ما ثبت (3) من رفع اليدين تلقاء الوجه ومن كراهة التغميض في الصلاة

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب القيام - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب القيام - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب القنوت
386

المروي في خبر مسمع (1) والأمر بجمع البصر وعدم رفعه إلى السماء المتقدم في خبر
زرارة (2).
(وفي حال الركوع إلى ما بين رجليه) لصحيح زرارة (3) أيضا الذي لا يعارضه
ما في صحيح حماد (4) حتى قيل من جهته بالتخيير كما أوضحناه في بحث الركوع.
(وفي حال السجود إلى طرف أنفه، وفي حال التشهد إلى حجره) كما ذكره
غير واحد أيضا، إلا أتي لم أجد به نصا، نعم في المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (5)
" ويكون بصرك في وقت السجود إلى أنفك، وبين السجدتين في حجرك وكذلك
في وقت التشهد " مؤيدا بأنه بعد كراهة التغميض أبلغ في الخشوع والاقبال على العبادة
ومنه يستفاد استحبابه بين السجدتين إلى الحجر أيضا كما حكاه في الذكرى عن المفيد
وسلار، قال: وأطلق ابن البراج أن الجالس ينظر إلى حجره.
المستحب (الرابع شغل اليدين بأن يكونا حال قيامه على فخذيه بحذاء ركبتيه)
لصحيح زرارة (6) السابق، وتعليم الصادق (عليه السلام) لحماد (7) بناء على مساواة
ما قبل تكبيرة الاحرام لما بعده فيه، لأنه (عليه السلام) قد فعل ذلك قبل التكبير،
قال فيه: " فقام أبو عبد الله (عليه السلام) مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا
على فخديه قد ضم أصابعه وقرب بين قدميه - إلى أن قال -: فقال: إنه كبر ثم قرأ
الحمد بترتيل " وفي المنتهى " ويستحب له وضع يديه على فخذيه محاذيا لقبتي ركبتيه قد
ضم أصابعهما ذكره علماؤنا ".

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب القيام - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة الحديث 3 - 1 - 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة الحديث 3 - 1 - 3 - 1
(5) فقه الرضا عليه السلام ص 8
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة الحديث 3 - 1 - 3 - 1
(7) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة الحديث 3 - 1 - 3 - 1
387

(وفي حال القنوت تلقاء وجهه، وفي حال الركوع على ركبتيه) كما تقدم
الكلام فيهما مفصلا في القنوت والركوع، فلاحظ.
(وفي حال السجود بحذاء أذنيه) لما في صحيح زرارة (1) " وابدأ بيديك
فضعهما على الأرض قبل ركبتيك، وتضعهما معا، ولا تفترش ذراعيك افتراش السبع
ذراعيه، ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك، ولكن تجنح بمرفقيك، ولا تلزق
كفيك بركبتيك، ولا تدنهما من وجهك بين ذلك بحيال منكبيك، ولا تجعلهما بين
يدي ركبتيك، ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا، وابسطهما على الأرض بسطا، واقبضهما
إليك قبضا، وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرك وإن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل
ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك ولكن ضمهن جميعا " وفي صحيح حماد (2)
المروي في الكافي " ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال
وجهه، وقال " سبحان " إلى آخره. والجمع بينهما ممكن، كما أنه يمكن إرادة المصنف
ذلك أيضا، لقرب المعنى وعدم المداقة فيها، ولعله مراد سيد المدارك حيث قال بعد
ذكر الروايتين: والعمل بكل من الروايتين حسن إن شاء الله، وفي التذكرة ويستحب
وضعهما حال السجود حيال منكبيه مضمومتي الأصابع مبسوطتين موجهتين إلى القبلة،
وهو مذهب العلماء، فتأمل.
(و) أما وضعهما (في حال التشهد) الشامل للتسليم (على فخذيه) فقد ذكره
غير واحد من الأصحاب، بل في المنتهى بعد أن عده في جملة غيره قال: ومستند ذلك
كله عن أهل البيت (عليهم السلام) وفي التذكرة ويستحب وضعهما حالة الجلوس للتشهد
وغيره على فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع بحذاء عيني ركبتيه عند علمائنا، لأن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا قعد يدعو يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 3 - 2
388

اليسرى على فخذه اليسرى، ويشير بإصبعه، ونحوه من طريق الخاصة ولعل ذلك كاف في ثبوته.
ثم لا يخفى عليك كثير مما يمكن تفريعه هنا بملاحظة أحوال المصلي الاضطرارية
وغيرها، كما أنه لا يخفى عليك التفاوت بين الرجل والمرأة في المندوبات بعد أن تجمع
صحيح حماد وصحيحي زرارة الواردة في الرجل التي قد ذكرنا أكثرها مفرقة على أجزاء
الصلاة، وموقوف زرارة (1) الوارد في المرأة الذي لا يقدح موقوفيته لو سلم قدح
مثلها في حجيته هنا بعد عمل الأصحاب به كما اعترف به في الذكرى وغيرها، مع أن
الحكم ندبي، قال فيه: " إذا كانت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرج بينهما
وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على
فخذيها لئلا تطأطئ كثيرا فترتفع عجيزتها، فإذا جلست فعلى أليتيها ليس كما يقعد الرجل
وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين، ثم تسجد لاطئة بالأرض،
فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها، وإذا نهضت انسلت انسلالا
لا ترفع عجيزتها أولا " ويؤيده أيضا قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن
أبي يعفور (2): " إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها " وفي خبر عبد الرحمن ابن
أبي عبد الله (3) قال: " سألته عن جلوس المرأة في الصلاة قال: تضم فخذيها " وخبر أبي بكر (4) عن بعض أصحابنا قال: " المرأة إذا سجدت تضممت، والرجل إذا سجد

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب السجود - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التشهد - الحديث 2 وفي النسخة الأصلية
عبد الرحمان عن أبي عبد الله عليه السلام والصحيح ما أثبتناه
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب السجود - الحديث 3
389

تفتح " قال في الذكرى: ولم يزد في التهذيب على هذه، وهي غير واضحة الاتصال
لكن الشهرة تؤيدها، والأمر في ذلك كله سهل.
المستحب (الخامس التعقيب) إجماعا بين المسلمين إن لم يكن من ضروريات
الدين، بل هو المراد من قوله تعالى (1): " فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب "
لقول الباقر والصادق (عليهما السلام) (2) على ما عن المجمع: " إذا فرغت من الصلاة
المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء، وارغب إليه في مسألته يعطيك " بل عن الصادق
منهما (عليهما السلام) (3) " وهو الدعاء في دبر الصلوات وأنت جالس " وهو موافق
لما في الجمل، وعن المصباح والصحاح والقاموس والشيخ نجيب الدين من تفسيره بالجلوس
بعد أداء الصلاة للدعاء والمسألة، بل هو ظاهر كل من ذكر عن الصحاح ذلك من غير
رد له كالمدارك وغيرها، بل عن ابن الأثير تفسيره بأنه الإقامة في المصلى بعد ما يفرغ
من الصلاة، وظاهره الاكتفاء به عن الدعاء والذكر ونحوهما كما عن البحار عن بعض
الأصحاب احتماله، إلا أنه كما ترى بعيد، والمنساق من النصوص خلافه، بل ظاهر
الشهيد الثاني وصريح المحقق الأردبيلي والفاضل الإصبهاني وغيرهم من متأخري المتأخرين
الاكتفاء فيه بالدعاء والذكر بعد الصلاة على أي حال كان جالسا أو ماشيا أو راكبا أو
غير ذلك، فيكون حينئذ الطهارة والجلوس ونحوهما من وظائف كماله لا شروطه، وقد
أنهاها في المحكي عن النفلية إلى عشرة، ولعله لاطلاق التعقيب وإطلاق ما ورد من
الأمر بخصوص بعض الأذكار والأدعية بعد الصلوات مما هو معلوم إرادة التعقيب منه
وخبر الوليد بن صبيح (4) عن الصادق (عليه السلام) " التعقيب أبلغ في طلب الرزق من

(1) سورة الانشراح - الآية 8
(2) تفسير الصافي سورة الانشراح - الآية 8
(3) تفسير الصافي سورة الانشراح - الآية 8
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التعقيب - الحديث 1
390

الضرب في البلاد يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلوات " فإنه حجة ومن
الراوي، وخبر حماد بن عثمان (1) قال للصادق (عليه السلام): " تكون للرجل الحاجة
يخاف فوتها فقال: يدلج وليذكر الله عز وجل فإنه في تعقيب ما دام على وضوء "
وصحيح هشام بن سالم (2) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أخرج في الحاجة
وأحب أن أكون معقبا فقال: إن كنت على وضوء فأنت معقب " ومرسل الفقيه (3)
قال الصادق (عليه السلام): " المؤمن معقب ما دام على وضوئه ".
فما ورد حينئذ في خصوص بعض الأذكار كتسبيح الزهراء (ع) (4) والتكبيرات
الثلاث (5) وغيرهما من الأمر بفعلها قبل ثني الرجلين مستحب في مستحب أو أنه
شرط في خصوصها دون مطلق التعقيب، ولا ينافي ذلك كله ما أرسله غير واحد من
الأصحاب من أنه يضر به ما يضر بالصلاة بعد إرادة ما يضر ولو بالكمال، هذا.
ولكن الانصاف عدم التوسعة في التعقيب بحيث يشمل كل من اشتغل بصنعته أو حرفته
أو جماع ونحوه إلا أنه كان ذاكرا بلسانه، ولا التضييق فيه بحيث يخرج عنه من انتقل
من مصلاه بيسير، أو ذكر وهو ساجد أو وهو قائم أو نحو ذلك، بل الظاهر كون
المدار فيه على هيئته العرفية المحفوظة يدا عن يد وخلفا عن سلف، والظاهر اختلافها
باختلاف أحوال المصلين اختيارا واضطرارا وسفرا وحضرا، وباختلاف ما يتركه معه
من أفعال الجوارح كصنعة وحرفة ونحوهما كما لا يخفى على من وهبه الله ميزانا لأمثال
هذه وذهنا لفهم رموز الأدلة، كقوله (عليه السلام) (6): " ما عالج الناس شيئا أشد

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب التعقيب - الحديث 3 - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب التعقيب - الحديث 3 - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب التعقيب - الحديث 3 - 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التعقيب - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
391

من التعقيب " المراد به بحسب الظاهر أنهم لا يزاولون عملا أشق عليهم منه لما فيه من
الحبس في الجملة، وقوله: " التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد "
الذي من المعلوم كون الوجه فيه أن المعقب يكل أمره إلى الله ويشتغل بطاعته، وقد
ورد (1) " من كان لله كان الله له " بخلاف التاجر الذي يطلب بكده ويتكل على
أسبابه، خصوصا بعد قوله (عليهم السلام) (2): " الجلوس بعد صلاة الغداة في التعقيب
والدعاء حتى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض ".
بل لا يخفى على من سبر سائر النصوص الواردة في المقام - وذكر التحريض في
كثير منها على بعض الأذكار والأدعية قبل ثني الرجلين وما يحكي من أفعالهم (عليهم
السلام) وإلزامهم أنفسهم بالمكث والجلوس وعدم الاشتغال بشغل آخر ومرسل
الصادق (عليه السلام) المتقدم في تفسير الآية وغيره - أن المنساق إلى الذهن كون
المراد بالتعقيب الاشتغال بالدعاء والذكر ونحوهما متصلا بالفريضة بحيث يكون هذا شغله
لا أنه يشتغل معه بحوائجه وصنعته وحرفته وبنائه وجميع إراداته من أكل وشرب وجماع
ومضي إلى الخلاء ونحو ذلك، بل ربما يصل إلى القطع بفساده، ولعل هذا المعنى هو
المراد مما في الروضة من تفسيره شرعا بالاشتغال عقيب الصلاة بدعاء وذكر، ضرورة
منافاة الاشتغال أن يشرك غيره معه من الحوائج واللوازم، إذ ليس المراد شغل اللسان
خاصة، ولعل في قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (3) لما سأله عن
تعقيب الإمام بأصحابه بعد التسليم: " يسبح ويذهب من شاء لحاجته ولا يعقب رجل

(1) البحار - ج 18 ص 412 كتاب الصلاة من طبعة الكمباني
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب التعقيب - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التعقيب - الحديث 1
392

لتعقيب الإمام " إشعارا بمنافاة المضي للحاجة للتعقيب كغيره من النصوص (1).
ومن الغريب التمسك باطلاق لفظ التعقيب الذي لم يرد منه المعنى اللغوي قطعا
بل هو إما من الحقيقة الشرعية أو المجاز الشرعي الذي يجب الاقتصار فيه بعد عدم (2)
معرفة تمام ما يشخصه على المتيقن، وأما إطلاق البعدية الواردة في خصوص بعض
الأذكار والأدعية فقد نقول به، لكن لا يلزم منه أن تكون تعقيبا، ضرورة أعمية
ذلك منه، فهي حينئذ على قسمين: تعقيب إذا جئ به في حال لا تذهب به هيئته عرفا
وغير تعقيب إذا جئ بها في هذا الحال فيحصل له وظيفة البعدية لا التعقيبية، ولو فرض
إرادة التعقيب من البعدية الواردة فيها لم يحصل له وظيفته أصلا، وعلى كل حال فاطلاق
البعدية لا مدخلية له في بيان المراد من التعقيب، فتأمل فإنه ربما دق، وخبر الوليد (3)
بعد تسليم حجية مثله يراد منه الاشتغال بالدعاء على الحال المعروف في التعقيب،
والنصوص التي بعده دلالتها على ما قلنا أقرب من ذلك، ضرورة ظهور السؤال في
بعضها في معلومية منافاة التعقيب الاشتغال بالحوائج، كظهور الجواب في إرادة التنزيل
باعتبار أن نية المؤمن خير من عمله، وأنه إنما صده الحاجة التي يخاف فوتها وقلبه مشغول
(مشغوف خ ل) بإرادته ومحبته لا الرغبة عن سنة التعقيب والاعراض عنه كما لا يخفى
على من عرف لسانه (ع) ورزقه الله فهم شئ من رموزهم (ع).
ومما يذهب هيئته عرفا متشرعيا يكشف عما عند الشارع الفصل بينه وبين الفريضة
بما يعتد به عرفا حتى الصلاة نافلة، بل هو المفهوم من لفظ التعقيب ودبر المكتوبة ونحو
ذلك، وربما يومي إليه مع ذلك في الجملة قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التعقيب
(2) ليس في النسخة الأصلية لفظة " عدم " ولكن الصحيح ما أثبتناه.
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التعقيب - الحديث 1
393

زرارة (1): " الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا، وبذلك جرت السنة "
نعم قد يستثنى من ذلك خصوص نافلة المغرب، لأنها من توابع الفريضة، وللمروي
عن أبي جعفر الثاني (ع) في المحكي عن إرشاد المفيد في حديث النبقة (2) قال: " لما تزوج
بنت المأمون - إلى أن قال -: وصلى الثالثة وتشهد وسلم ثم جلس هنيئة يذكر الله وقام
من غير أن يعقب فصلى النوافل أربع ركعات وعقب بعدها وسجد سجدتي الشكر "
مع أنه يمكن دعوى الفضل فيه فضلا عن غيره بالاتصال أيضا، لمنع اقتضاء كونه من
توابع الفريضة الرخصة في تأخير التعقيب بحيث يساوي التقديم، واحتمال الاكتفاء بما
ذكره (عليه السلام) عند جلوسه الهنيئة من التعقيب، وقوله: " من غير أن يعقب "
أي لم يأت بالطويل منه، وقال الصادق (عليه السلام) في خبر الخفاف (3): " من
صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين " الحديث. مضافا
إلى ما في غيره من النصوص (4) إلا مرة ببعض الأذكار والأدعية بعد المغرب مما يظهر
منها الاتصال، ولعله لذا وغيره قال العلامة الطباطبائي:
والاتصال بالصلاة معتبر * في صدقه دون الجلوس في المقر
إلى أن قال:
وهو عقيب الفرض حتى المغرب * أفضل للنص الصحيح المعرب
ولعل التعقيب الذي فعله (عليه السلام) بعد النافلة كان تعقيبها لا تعقيب الفريضة
لأن الظاهر مشروعية أيضا بعدها وعدم اختصاصه بالفريضة كما عن البهائي وتبعه

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التعقيب - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب التعقيب - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب التعقيب
394

الأستاذ الأكبر، لاطلاق بعض النصوص (1) الذي لا ينافيه ذكر المكتوبة في آخر (2)
بعد أن لم يؤخذ شرطا، وعموم بعض معاقد الاجماعات، وقول أحدهما (عليه السلام)
في صحيح ابن مسلم (3): " الدعاء دبر المكتوبة أفضل من الدعاء دبر التطوع كفض
المكتوبة على التطوع " وسمع الحسن (الحرث خ ل) بن المغيرة (4) أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: " إن فضل الدعاء بعد الفريضة على الدعاء بعد النافلة كمفضل الفريضة على النافلة "
وما ستعرفه من مشروعية تسبيح الزهراء والتكبيرات الثلاث بعد النوافل أيضا مما هو
من التعقيب مع الاستيناس بخصوص ما ورد في بعض النوافل كالوتر وغيره من
النوافل، مضافا إلى التسامح سيما في مثل الدعاء ونحوه، إلا أن الانصاف مع ذلك عدم
خلوه من التأمل.
والظاهر حصول وظيفة التعقيب بالذكر والدعاء ولا يختص بالثاني وإن أوهمته
بعض العبارات في تحديده، بل عن البهائي بعد أن حكى عن بعض الفقهاء تفسيره
بالاشتغال عقيب الصلاة بالدعاء والذكر وما أشبه ذلك قال: لعل المراد بما شبه الدعاء
والذكر البكاء من خشية الله تعالى والتفكر في عجائب مصنوعاته والتذكر بجزيل آلائه
وما هو من هذا القبيل، لكن قد يمنعه أنه خلاف المنساق والمتيقن من الأدلة، اللهم
إلا أن يندرج في ذكر الله، أو يدعى أنه أعظم وأنفع من الأذكار اللسانية، ثم قال:
وهل يعد الاشتغال بمجرد تلاوة القرآن بعد الصلاة تعقيبا؟ لم أظفر في كلام الأصحاب
بتصريح في ذلك، والظاهر أنه تعقيب، أما لو ضم إليه الدعاء فلا كلام في صدق التعقيب
على المجموع المركب منهما، وربما يلوح ذلك من بعض الأخبار قلت: لا كلام في

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التعقيب
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التعقيب
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 - 2
395

خصوص ما ورد من القرآن في التعقيب كبعض الآيات والسور المخصوصة، إنما الكلام
في غيرها، والظاهر أنه لا فرق في ظاهر الأدلة بين الاقتصار عليها وبين ضم الدعاء إليها.
(و) لعل الأقوى الاجتزاء في التعقيب بكل قول حسن راجح شرعا بالذات
من قرآن أو دعاء أو ثناء أو تنزيه أو غيرها، ف‍ (أفضله تسبيح الزهراء (عليهما السلام))
الذي ما عبد الله بشئ من التحميد أفضل منه، ولو كان شئ أفضل منه لنحله رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليهما السلام) (1) وهو في كل يوم في دبر كل صلاة
أحب إلى الصادق (عليه السلام) من صلاة ألف ركعة في كل يوم (2) ولم يلزمه عبد
فشقي ولذا يؤمر الصبيان به كما يؤمرون بالصلاة (3) إذ هو وإن كان مائة باللسان إلا
أنه ألف في الميزان، وطارد للشيطان، ومرضي الرحمان (4) ويدفع الثقل الذي في
الأذان (5) وما قاله عبد قبل أن يثني رجله من المكتوبة إلا غفر له، وأوجب الله له
الجنة (6) خصوصا الغداة وخصوصا إذا اتبعه بلا إله إلا الله واستغفر بعده، وبه
يندرج العبد في الذاكرين الله كثيرا (7) ويستحق ذكر الله له تعالى كما وعد بقوله
تعالى (8): " فاذكروني أذكركم " وفي المنظومة:
سنة كل مؤمن ومتقي
ولم أجده في شئ مما وصلني من النصوص، ولعله عثر عليه في البحار أو غيره
مما لم يحضرني، أو أخذه من قول أبي الحسن موسى (عليه السلام) في خبر الحلبي (9)

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 - 3 - 5
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 - 3 - 5
(5) المستدرك - الباب - 8 - من أبواب القنوت - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التعقيب
(7) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 - 3 - 5
(8) سورة البقرة - الآية 147
(9) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التعقيب - الحديث 5
396

المروي عن المصباح: " لا يخلو المؤمن من خمسة: سواك ومشط وسجادة وسبحة فيها
أربع وثلاثون حبة وخاتم عقيق " ضرورة الإشارة بالسبحة بقرينة العدد المزبور إلى
تسبيح الزهراء (عليها السلام)، وحكي لي عن مكارم الأخلاق (1) أنه روي فيه كون
تسبيح الزهراء (عليها السلام) إحدى العلامات الخمس للمؤمن، أو غير ذلك، كما أنه
لم أجد ما قاله فيها أيضا:
أفضله بمستفيض النقل * تسبيحة الزهاء ذات الفضل
نعم قال الباقر (عليه السلام) في خبر صالح بن عقبة (2): " ما عبد الله بشئ
من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة (عليها السلام) ولو كان شئ أفضل منه لنحله
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة عليها السلام) " والصادق (عليه السلام) في
خبر المفضل بن عمر (3) في حديث نافلة شهر رمضان " سبح تسبيح فاطمة (عليها السلام)
وهو الله أكبر: أربعا وثلاثين مرة، وسبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة، والحمد لله ثلاثا
وثلاثين مرة، فوالله لو كان شئ أفضل منه لعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إياها " وهما مع أنهما لا يكفيان في دعوى الاستفاضة لا دلالة فيهما على أفضليته من غيره
في التعقيب كالنصوص التي قد ذكرنا مضامينها وحذفنا أسانيدها، ضرورة أعمية ترتب
الأمور المزبورة من الأفضلية، فما في الرياض تبعا لكشف اللثام والروضة من
الاستدلال ببعضها على ذلك لا يخلو من نظر، على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إنما أنحله إياها عليا (عليه السلام) في حال النوم (4) وقال لهما: " إذا أخذتما منامكما

(1) مكارم الأخلاق ص 328 المطبوعة بطهران عام 1376
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التعقيب - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التعقيب - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
397

فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة، وسبحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثا
وثلاثين تحميدة ".
ومن ذلك كله يظهر وجه الاشكال في قول المصنف وغيره بالأفضلية، بل ربما
كان مقطوعا بها عندهم حتى أن الشهيد في اللمعة لما قال: وأفضله التكبير ثلاثا رافعا بها
يديه ثم التهليل بالمرسوم ثم التسبيح وكان ظاهره الترتيب في الفضلية تأوله الشارح بأن
المراد من " ثم " التعقيب من حيث الرتبة لا الفضيلة، قال: وإلا فهو أفضله مطلقا،
بل روي (1) أنه أفضل من ألف ركعة لا يسبح عقيبها، ولا يخفى عليك ما في إضرابه
الذي أراد منه الترقي، وكذا تأول غيره ما في النافع وعن التبصرة من أن أقله تسبيح
الزهراء (عليها السلام) بإرادة الأخف، قال: وإلا فهو أفضله قطعا كما صرح بذلك
جمهور الأصحاب، وعن البهائي أن ذلك يوجب تخصيص حديث " أفضل الأعمال
أحمزها " اللهم إلا أن يفسر بأن أفضل كل نوع من أنواع الأعمال أحمز ذلك النوع
إلى غير ذلك مما يشير إلى معلومية أفضليته، ولعلهم عثروا على ما لم نعثر عليه، إذ لم
يصل إلينا إلا ما عرفت، وأما صحيح ابن مسلم (2) " سألت أبا جعفر (عليه السلام)
عن التسبيح فقال: ما علمت شيئا موظفا غير تسبيح الزهراء (عليها السلام)، وعشر
مرات بعد الغداة تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي
ويميت ويميت ويحيي بيده الخير وهو على كل شئ قدير، ولكن الانسان يسبح ما شاء
تطوعا " فلا دلالة فيه على التعقيب به، ومخصوص بكثير مما ورد توظيفه من التسبيحات
والأذكار، وربما يكون أخذوه من تتبع النصوص الواردة فيه وفيما ترتب عليه وفي
شدة الحث عليه فرجحوه على غيره الذي لو قيس ما ورد فيه إلى ذلك لكان أقصر

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب التعقيب - الحديث 4
398

منه بمراتب، وفيه منع، كما أنه قد يمنع دعوى الاجماع على ذلك، إذ قد سمعت ما في
النافع واللمعة، وفي الدروس " وتسبيح الزهراء (عليها السلام) من أفضله " وهو ظاهر
في عدم ذلك، بل لم يذكر في الذكرى كإشارة السبق سوى تعداده في جملة الأمور
التي يعقب بها.
وكيف كان فالظاهر استحبابه في نفسه من دون اعتبار وصف التعقيب به وإن
زاد الأجر بذلك، لاطلاق جملة (1) من الأدلة أنه من الذكر الكثير وأنه ما عبد الله
بشئ من التحميد أفضل منه ونحو ذلك، وظهور أخرى (2) في الحث عليه والترغيب
فيه نفسه من دون ذكر التعقيب، كما أن الظاهر عدم اختصاص التعقيب به في الفرائض
بل يستحب التعقيب به بعد كل صلاة، ولا ينافيه ورود المكتوبة في جملة من
النصوص (3) بعد عدم ظهورها في الشرطية، فيبقى عموم قول الصادق (عليه السلام)
في خبر القماط (4): " تسبيح فاطمة (عليها السلام) في كل يوم في دبر كل صلاة
أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم " المعتضد بفحوى غيره من النصوص
الكثيرة حتى خبر المفضل السابق (5) المشعر بأن المقتضي للتعقيب عدم أفضلية غيره
بحاله من غير تخصيص، ودعوى أن المتبادر منه اليومية في حيز المنع.
وأما كيفيته فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل في الوسائل عليه عمل
الطائفة أربع وثلاثون تكبيرة، ثم ثلاث وثلاثون تحميدة، ثم ثلاث وثلاثون تسبيحة،
بل لا خلاف أجده في الفتاوى والنصوص عدا خبر العلل (6) الذي ستسمعه، وقيل:

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التعقيب
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التعقيب
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التعقيب
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التعقيب - الحديث 3
(6) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التعقيب - الحديث 3
399

إن رجاله أكثرهم من العامة في أنه مائة وفي تقديم التكبير بالعدد المزبور.
خلافا للفقيه والهداية وعن الاقتصاد والإسكافي وعلي بن بابويه من تقديم
التسبيح على التحميد، مع أنه حكي عن نسخة من الفقيه موافقة المشهور، بل لعلهم جميعا
لا يريدون الترتيب بل مطلق الجمع الذي لا ينافيه، كمرسل النحلة (1) المتقدم آنفا
الذي هو مع خبر المفضل المتقدمين آنفا دليلهم على الظاهر، مضافا إلى المحكي من فقه
الرضا (عليه السلام) (2) والتوقيع الآتي (3) وخبر داود بن فرقد (4) عن أخيه
" إن شهاب بن عبد ربه سأله أن يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) قال: قل له: إن
امرأة تفزعني بالمنام في الليل فقال: قل له: اجعل مسباحا فكبر الله أربعا وثلاثين
تكبيرة، وسبح الله ثلاثا وثلاثين، واحمد الله ثلاثا وثلاثين، وقل: لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت ويميت ويحيي، بيده الخير وله
اختلاف الليل والنهار، وهو على كل شئ قدير عشر مرات ".
لكن الجميع معارض بغيرها من خبر أبي بصير (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " في تسبيح فاطمة (عليها السلام) يبدأ بالتكبير أربعا وثلاثين، ثم التحميد ثلاثا
وثلاثين، ثم التسبيح ثلاثا وثلاثين " وصحيح محمد بن عذافر (6) " دخلت مع أبي
على أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله أبي عن تسبيح فاطمة (عليها السلام) فقال: الله
أكبر حتى بلغ أربعا وثلاثين، ثم قال: الحمد لله حتى بلغ سبعا وستين، ثم قال:

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
(2) المستدرك - الباب - 8 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 21 - أبواب التعقيب - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التعقيب - الحديث 9
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التعقيب الحديث 2 - 1
(6) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التعقيب الحديث 2 - 1
400

سبحان الله حتى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة " واحتمال أن لفظ " ثم " فيه من
الراوي فلا يدل على الترتيب يدفعه أنه يكفي في إفادته كون قوله (عليه السلام) جوابا
للسؤال عن التسبيح، وخبر هشام بن سالم (1) عن الصادق (عليه السلام) قال:
" تسبيح فاطمة (عليها السلام) إذا أخذت مضجعك فكبر الله أربعا وثلاثين، واحمده
ثلاثا وثلاثين، وسبحه ثلاثا وثلاثين " وفي المحكي عن البحار نقلا من كتاب مشكاة
الأنوار (2) قال: " دخل رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) وكلمه فلم يسمع كلام
أبي عبد الله (عليه السلام) وشكا إليه ثقلا في أذنه فقال له: ما يمنعك وأين أنت من
تسبيح فاطمة (عليها السلام)؟ فقال: جعلت فداك ما تسبيح فاطمة (عليها السلام)؟
فقال: تكبر الله أربعا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثا وثلاثين، وتسبح الله ثلاثا وثلاثين
تمام المائة ".
وترجح بالشهرة فتوى وعملا وبقوة الدلالة، ضرورة أنه ليس في أخبار الخصم
كخبر أبي بصير، كما أنه ليس فيها كصحيح ابن عذافر سندا، بل قيل: إن خبر
النحلة (3) منها وإن أرسله في الفقيه فقال: روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
لكن رواه في العلل بسند أكثر رجاله من العامة (4)، بل المتن فيه " إذا أخذتما
مضاجعكما فسبحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثا وثلاثين تحميدة، وكبرا أربعا
وثلاثين تكبيرة " ولا نعرفه، وتأخير التكبير إنما هو لهم، فيشعر أن الخبر المزبور أيضا
من طريقهم، كما قد يشهد له أيضا ما قيل من أن ابن الأثير قد شرح جملة من ألفاظه،
بل قيل: إنه روى الشيخ أبو علي في مجالسه عن حمويه عن أبي الحسين عن أبي خليفة

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التعقيب - الحديث 10
(2) المستدرك - الباب - 8 - من أبواب التعقيب - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 - 3
401

عن محمد بن كثير عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجزة (1) قال:
" معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن يكبر أربعا وثلاثين، ويسبح ثلاثا وثلاثين،
ويحمد ثلاثا وثلاثين " وهو كما ترى متحد في المتن مع مرسل الفقيه، ورجاله من العامة
وعن ابن طاووس (2) في فلاح السائل: رأيت في تاريخ نيشابوري في ترجمة رجاء
ابن عبد الرحيم عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: معقبات " وذكر مثله، وفي المحكي
عن البحار أنه رواه العامة عن شعبة عن الحكم بن عتبة عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن
كعب بن عجزة مثله، إلا أنهم قدموا في رواياتهم التسبيح على التحميد والتحميد على
التكبير، ولذا قالوا بهذا الترتيب، قال في شرح السنة: أخرجه مسلم، ثم نقله عن الآبي
في إكمال الاكمال (الكمال خ ل) وشرح لفظ معقبات، فيقوى الظن حينئذ بحمل الخبر
المزبور على التقية، ولا ينافيه عدم وجود القائل به منهم، لأنهم بين قائل بأنها تسع
وتسعون بتساوي التسبيحات الثلاث وتقديم التسبيح ثم التحميد ثم التكبير، وبين قائل
بأنها مائة بالترتيب المذكور وزيادة واحدة في التكبيرات، أما القول بأنه مائة مقدم فيها
التكبير ومؤخر فيها التحميد كما هو مضمون الخبر المزبور فليس لأحد منهم.
قلت: أقوال العامة غير مضبوطة، بل مقتضى روايتهم ذلك العمل بها، على
أن المراد ترجيح نصوص المشهور على النصوص المعارضة، ويكفي في ذلك الموافقة
لروايات العامة، فالمتجه حينئذ طرحها أو إرجاعها إلى المشهور بعدم إرادة الترتيب من
الذكر فيها أو بغير ذلك، وربما جمع بينها بالفرق بين النوم والتعقيب، فيقدم التسبيح
على التحميد في الأول دون الثاني، وفيه - مع أنه لم يقل به أحد، بل الظاهر أو
المقطوع به اتحاد كيفية تسبيح الزهراء (عليها السلام) ضرورة كون المأموم به في التعقيب
تسبيح الزهراء (عليها السلام) الذي أمرها به أبوها في النوم - أن النصوص كما عرفت

(1) المستدرك - الباب - 8 - من أبواب التعقيب - الحديث 3 - 4
(2) المستدرك - الباب - 8 - من أبواب التعقيب - الحديث 3 - 4
402

متخالفة في كل من الأمرين، نعم يمكن الجمع بينها بالتخيير، بل ربما أشعر به الاقتصار
على الأمر بتقديم التكبير في صحيح ابن سنان (1) وخبر مسعدة بن صدقة (2) المروي
عن قرب الإسناد عن الصادق (عليه السلام) ضرورة ظهورهما في الاطلاق فيما عداه،
واحتمال الإشارة بذلك للرد على العامة حيث أخروا التكبير لا لإرادة الاطلاق فيما عداه
يدفعه أن المتجه حينئذ ذكر التحميد أيضا بعده، لما عرفت من أنه عندهم التسبيح ثم
التحميد ثم التكبير، فالأمر بتقديم التكبير خاصة يقضي بتأخير التحميد، وهو خلاف
المشهور، بل الظاهر دلالته على المطلوب على هذا التقدير أيضا، ضرورة اقتضاء
الاقتصار بتقديم التكبير عكس العامة موافقة العكس للواقع سواء قدم التسبيح على التحميد
أو بالعكس، ولا ينافي ذلك الأمر في خبر أبي بصير (3) لامكان إرادة أفضل الأفراد
منه كما هو الشأن في غير المقام من مطلق المستحبات ومقيدها فضلا عن هذا المقام الذي
وردت جملة من النصوص فيه كما عرفت، وتعددها والعمل بها في الجملة وشهرتها رواية،
لأن خبر النحلة رواه غير واحد من أصحابنا حتى أن العلامة في المنتهى والتذكرة قال:
ومن طريق الخاصة وذكره، وكون المقام مقام استحباب يمنع من طرحها أو حملها على
التقية خصوصا وقد عرفت عدم القائل به منهم، وما أدري ما الذي دعا متأخري
المتأخرين إلى النقض والابرام في هذه المسألة حتى عاملوها معاملة الواجبات، فاحتاجوا
إلى هذه التراجيح التي لا يخلو بعضها من النظر، ودعوى خروج القول بالتخيير عن
الاجماع المركب بل إجماع المسلمين يدفعها وضوح قبح دعواها في خصوص المقام الذي
هو ليس من مظان ذلك ولا يليق دعواها فيه، ولقد أجاد المحدث البحراني في حدائقه
- بعد أن حكى عن البهائي رد الجمع بالتفصيل بين التعقيب والنوم بالاجماع المركب -

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 - 6
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 - 6
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
403

قال: " إذ الاجماع على تقدير حجيته غير ثابت في المقام، وإنما المانع عدم انطباقه على
جميع الأخبار كما عرفت " قلت: بل المقام أولى بالمنع، فإن الشيخ في المبسوط ظاهره
بل صريحه التخيير وإن لم أعرف من حكاه عنه هنا، بل المحكي عنه العكس، قال:
" ولا يترك تسبيح فاطمة (عليها السلام) خاصة، وهو أربع وثلاثون تكبيرة، وثلاث
وثلاثون تحميدة، وثلاث وثلاثون تسبيحة، يبدأ بالتكبير ثم بالتحميد ثم بالتسبيح،
وفي أصحابنا من قدم التسبيح على التحميد، وكل ذلك جائز " وربما كان غيره أيضا
كذلك، وفي التذكرة بعد أن ذكر المشهور قال: وفي رواية تقديم التسبيح على التحميد
ولعله عامل بها، بل ظاهر روايته إياها قبل ذلك بيسير ذلك كالمنتهى، بل وغيره ممن
روى ذلك أيضا، واحتمله غير واحد من متأخري المتأخرين، بل يمكن إرادة الصدوق
ومن تبعه ذلك أيضا، لتعبيرهم بالواو التي هي لمطلق الجمع، وفي الوافي في باب ما يقال
عند المنام وللتخيير مطلقا وجه وجيه، وربما يشعر به قول الصادق (عليه السلام) (1):
" وتبدأ بالتكبير " مع سكوته عن غيره، وذلك كله مما ينفي كونه مقطوعا بعدمه،
والله أعلم بحقيقة الحال.
ويستحب أن يكون التسبيح المزبور بل كل تسبيح بطين القبر، ولا ينافيه
ما روي (2) من " أن فاطمة (عليها السلام) كانت سبحتها من خيوط صوف مفتل
معقود عليه عدد التكبيرات، فكانت (عليها السلام) تديرها بيدها تكبر وتسبح "
لعدم وجود طين القبر في ذلك الزمان كما يومي إليه ما روي (3) أيضا " أن ذلك كان
منها قبل قتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء، وبعد قتله استعملت تربته وعملت
التسابيح منها فاستعملها الناس، فلما قتل الحسين (عليه السلام) عدل إليه بالأمر فاستعملوا

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التعقيب - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التعقيب - الحديث 1
404

تربته لما فيه من الفضل والمزية " ومنه يعلم أن التسبيح بطين قبر حمزة أو بسبحة من
خيط معقود أفضل من التسبيح بالأصابع وإن حكي عن المقنع أن التسبيح بها أفضل من
التسبيح بغيرها عدا تربة الحسين (عليه السلام) لأنها مسؤولات يوم القيامة، اللهم إلا
أن يكون ذلك من الصادق (عليه السلام) لا منه، لأنه قد ذكره متصلا بما أرسله عنه
قبل ذلك، لكن استظهر في الحدائق أنه منه لا من الصادق (عليه السلام) والأمر
سهل، قال الطبرسي فيما حكي عنه من مكارم الأخلاق عن كتاب الحسن بن محبوب (1) "
إن أبا عبد الله (عليه السلام) سئل عن استعمال التربتين من طين قبر حمزة والحسين
(عليهما السلام) والتفاضل بينهما فقال (عليه السلام): السبحة التي من طين قبر الحسين
(عليه السلام) تسبح بيد الرجل من غير أن يسبح " ثم قال: وروي (2) أن الحور
العين إذا أبصرن واحدا من الأملاك يهبط إلى الأرض لأمر ما يستهدين منه التراب
من قبر الحسين (عليه السلام) " وعن الصادق (عليه السلام) (3) " من أدار سبحة
من تربة الحسين (عليه السلام) مرة واحدة بالاستغفار أو غيره كتب الله له سبعين مرة
وأن السجود عليها يخرق الحجب السبع " وعن الاحتجاج (4) " أن الحميري كتب
إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر؟ وهل
فيه فضل فأجاب (عليه السلام) يجوز أن يسبح به، فما من شئ من السبح أفضل
منه، ومن فضله أن المسبح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له التسبيح " وعن
البلد الأمين روي (5) " أن من أدار تربة الحسين (عليه السلام) في يده وقال:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مع كل حبة كتب له ستة آلاف حسنة
ومحي عنه ستة آلاف سيئة، ورفع له ستة آلاف درجة، وأثبت له من الشفاعات مثلها "

(1) الوسائل - الباب 16 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 - 3 - 4 - 7
(2) الوسائل - الباب 16 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 - 3 - 4 - 7
(3) الوسائل - الباب 16 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 - 3 - 4 - 7
(4) الوسائل - الباب 16 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 - 3 - 4 - 7
(5) المستدرك - الباب - 14 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
405

وعن الدروس وروضة الواعظين ورسالة السجود على التربة المشوية للشيخ علي " يستحب
حمل سبحة من طينه (عليه السلام) ثلاث وثلاثين حبة، فمن قلبها ذاكرا لله فله بكل
حبة أربعون حسنة، وإن قلبها ساهيا فعشرون " وفي المحكي عن البحار وجدت بخط
الشيخ محمد بن علي الجباعي جد الشيخ البهائي (رحمه الله) نقلا من خط الشهيد رفع الله
درجته نقلا من مزار بخط محمد بن محمد بن الحسين بن معية قال، روي عن الصادق
(عليه السلام) (1) أنه قال: " من اتخذ سبحة من تربة الحسين (عليه السلام) إن سبح بها
وإلا سبحت بكفه وإذا حركها وهو ساه كتب له تسبيحة، وإذا حركها وهو ذاكر
الله تعالى كتب له أربعين تسبيحة " وعنه (عليه السلام) (2) أنه قال: " من سبح
بسبحة من طين قبر الحسين (عليه السلام) تسبيحة كتب له أربعمائة حسنة، ومحي عنه
أربعمائة سيئة، وقضيت له أربعمائة حاجة، ورفع له أربعمائة درجة - ثم قال -: وتكون
السبحة بخيوط زرق أربعا وثلاثين خرزة، وهي سبحة مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها
السلام) لما قتل حمزة رضي الله عنه عملت من طين قبره سبحة تسبح به بعد كل صلاة "
هذا آخر ما نقلته من خطه قدس سره، انتهى. وفي المحكي عن مصباح الشيخ (3)
عن الصادق (عليه السلام) " أن من أدار الحجر من تربة الحسين (عليه السلام) فاستغفر به
مرة واحدة كتب له سبعين مرة، وإن أمسك السبحة بيده ولم يسبح بها ففي كل حبة
منها سبع مرات " ولعل من لفظ الحجر فيه يفهم إرادة ما يشمل المشوي من لفظ الطين
في غيره كما هو المتعارف الآن بين الأعوام والعلماء، وربما كان قوله (عليه السلام):
" من طين القبر " ظاهرا فبما يشمله مع قطع النظر عن الخبر المزبور، ضرورة صدقه
في المتخذ من الطين وإن خرج عن الاسم، إذ ليس المدار على بقاء صدق الطينية ونحوها

(1) المستدرك - الباب - 14 - من أبواب التعقيب - الحديث 4 - 5
(2) المستدرك - الباب - 14 - من أبواب التعقيب - الحديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التعقيب - الحديث 6
406

مضافا إلى الاستصحاب، وعدم كونه استحالة على الأصح، هذا.
ولو شك في شئ من التسبيح تلافى المشكوك فيه خاصة، للأصل، لكن عن
الموجز الحاوي الاستيناف من رأس، ولعله لقول الصادق (عليه السلام) في المرسل (1):
" إذا شككت في تسبيح فاطمة (عليها السلام) فأعد " ويمكن حمله على إعادة المشكوك،
وإطلاقها باعتبار أحد احتمالي الشك شائع، بل لعل ذلك هو المتعين بعد ظهور التوقيع
في عدم قدح الزيادة، فعن الاحتجاج (2) " أن الحميري كتب إلى صاحب الزمان
(عليه السلام) يسأله عن تسبيح فاطمة (عليه السلام) من سها فجاز التكبير أكثر من أربع
وثلاثين هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف؟ وإذا سبح تمام سبعة وستين هل
يرجع إلى ستة وستين أو يستأنف؟ وما الذي يجب في ذلك؟ فأجاب (عليه السلام)
إذا سها في التكبير حتى تجاوز أربعا وثلاثين عاد إلى ثلاث وثلاثين ويبني عليها، وإذا
سها في التسبيح فتجاوز سبعا وستين تسبيحة عاد إلى ست وستين وبنى عليها، فإذا
جاوز التحميد مائة فلا شئ عليه " ولعل المراد أنه يرجع ويأتي بواحد مما زاد وينتقل
إلى التسبيح الآخر بعد أن ينوي في نفسه رفع اليد عما زاده، وإلا فلا يتصور الرجوع
بعد الوقوع، وقوله في السؤال: " تمام سبعة وستين " يمكن إرادة الزيادة عليه، أو
أراد من التسبيح ما يشمله والتحميد، وعلى كل حال فجواب الإمام (عليه السلام) خال
عن ذلك، إلا أنه لم أعرف أحدا من الأصحاب ذكر هذا الحكم، ويحتمل إرادة
استئناف ثلاث وثلاثين تكبيرة من الإعادة إليها بمعنى أنه يحرز واحدة مما زاده ويرجع
إلى تلافي الباقي الذي فسد بوقوع الزيادة بعده وحصل بها الفصل بين التكبير وما بعده
بخلاف الذكر الأخير فإنه لا تفسده الزيادة، لعدم وقوع الفصل، وحينئذ يوافق في الجملة
مرسل محمد بن جعفر (3) عن الصادق (عليه السلام) " إنه كان يسبح تسبيح فاطمة

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 - 4 - 1
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 - 4 - 1
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 - 4 - 1
407

(عليها السلام) فيصله ولا يقطعه ".
وعلى كل حال فالنقصان منه مفوت لما يترتب عليه لظاهر الأدلة، لكن في خبر
سماعة بن مهران (1) عن الصادق (عليه السلام) أيضا " من سبقت أصابعه لسانه
حسب له، ولعله على هذا بناء ما كنا نشاهده من بعض مشائخنا من إدارة السبحة باليد
في حال سجوده بأقصر وقت مقارنا لها بالذكر اللساني من غير مراعاة لعدد الحب،
أو يكون على ما عساه يفهم من النصوص السابقة من استحباب الإدارة، وفيه بعد
واضح، نعم أخبار الإدارة مع ما في بعض النصوص (2) من تعداد حب السبحة بأربع
وثلاثين حبة أو ثلاث وثلاثين تشعر بخلاف المتعارف الآن في أيدينا من نظم المائة بخيط
واحد، إذ ظاهر الإدارة تكرار العد بها لا إنهاؤها وقطعها وإن كان الأقوى أنه
لا بأس بالجميع، والله أعلم.
(ثم) يستحب التعقيب أيضا (بما روي من) الأذكار (والأدعية) في خصوص
التعقيب، وهي كثيرة جدا، منها التكبيرات الثلاث رافعا يديه بكل واحدة منها على
هيئة الرفع في غيرها من تكبيرات الصلاة، إذ الظاهر كون الرفع بالتكبير هيئة واحدة
وإن تعددت مواضع مشروعيته، ومن هنا نص غير واحد من الأصحاب على أن منتهى
الرفع شحمتا الأذنين، بل هو مراد الذكرى، قال الأصحاب: يكبر بعد التسليم ثلاثا
رافعا بها يديه كما تقدم، قال: ويضعهما في كل مرة إلى أن يبلغ فخذيه أو قريبا منهما،
ولعله لتحقيق تعدد الرفع، ولأن الفخذين موضعهما حال الجلوس، كالمحكي عن المفيد
من أنه يرفعهما حيال وجهه مستقبلا بظاهرهما وجهه، وبباطنهما القبلة، ثم يخفض يديه

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التعقيب - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التعقيب - الحديث 5
408

إلى نحو فخذيه، وهكذا ثلاثا، وكان الأولى الوضع على الفخذين كما اقتصر عليه في
التحرير تحقيقا للفرد الكامل من الرفع المسبوق بالوضع، وقال العلامة الطباطبائي:
ابدأ بتكبير ثلاثا وارفع * يديك فيهن جميعا وضع
والأمر سهل، نعم في المحكي عن المصباح " يكبر ثلاث تكبيرات في ترسل
واحد " ولعل المراد التوالي لا الثلاث في رفع واحد كما عساه يتوهم من خبر العلل (1)
الآتي الذي يجب حمله على ما قلناه بشهادة الفتاوى وخبر زرارة (2) عن أبي جعفر
(عليه السلام) المروي عن العلل أيضا " إذا سلمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثا " ضرورة
إرادة كل تكبيرة معها رفع من الثلاث فيه، بل يشهد له في الجملة ما عن الشيخ عبد الجليل
القزويني مرفوعا في كتاب بعض مثالب النواصب في نقض بعض فضائح الروافض (3)
" أنه (صلى الله عليه وآله) صلى الظهر يوما فرأى جبرئيل (عليه السلام) فقال: الله
أكبر فأخبره جبرئيل برجوع جعفر (عليه السلام) من أرض الحبشة فكبر ثانيا،
فجاءت البشارة بولادة الحسين (عليه السلام) فكبر ثالثا " فوجب إرادة ذلك من
المروي عن العلل وكتاب فلاح السائل أيضا بسنده إلى المفضل بن عمر (4) " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): لأي علة يكبر المصلي بعد التسليم ثلاثا يرفع بها يديه؟
فقال: لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لما فتح مكة صلى بأصحابه الظهر عند الحجر
الأسود فلما سلم رفع يديه وكبر ثلاثا، وقال: لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده
ونصر عبده وأعز جنده وغلب الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
(2) المستدرك - الباب - 12 - من أبواب التعقيب - الحديث 4
(3) ص 610 - المطبوع عام 1371 ه‍ - والحديث منقول هناك بالفارسية
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التعقيب - الحديث 2 والمستدرك
الباب 12 منها - الحديث 3
409

على كل شئ قدير، ثم أقبل على أصحابه فقال: لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول
في دبر كل صلاة مكتوبة، فإن من فعل ذلك بعد التسليم وقال هذا القول كان قد أدى
ما يجب عليه من شكر الله تعالى على تقوية الاسلام وجنده " وإلى هذه التهليلة أشار
العلامة الطباطبائي بقوله:
وهللن تهليلة الأحزاب * واستغفرن وتب إلى التواب
أو إلى ما رواه أبو بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) " قل بعد التسليم:
الله أكبر، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي
لا يموت، بيده الخير وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر
عبده وهزم الأحزاب وحده، اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي
من تشاء إلى صراط مستقيم " ولا بأس بالعمل بكل منهما، وبالجمع بينهما، والظاهر
أن التكبيرة التي فيه من نفس الدعاء لا إحدى التكبيرات الثلاث، كما أن الظاهر من
النصوص بل والفتاوى توظيف التكبيرات متصلة بالتسليم، واحتمال أنه مستحب في
مستحب بعيد مخالف للقول والعمل، نعم ربما احتمل أو قيل بمشروعيتها بعد كل صلاة
حتى النوافل تمسكا بالعموم والاطلاق السابقين، ولا يخلو من تأمل.
ومنها دعاء شيبة الهذيلي (2) الذي جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقال له: " علمني كلاما ينفعني الله به وخفف علي ".
ومنها ذكر الأربع (3) التي أعطاها الله سمع الخلائق، فكل من ذكرها تسمعه
النبي (صلى الله عليه وآله) والجنة والحور العين والنار.
ومنها قراءة التوحيد (4) اثني عشر مرة ثم يدعو بعدها بدعاء المكنون الذي

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب التعقيب - الحديث 9 - 10
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب التعقيب - الحديث 9 - 10
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب التعقيب - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب التعقيب - الحديث 2
410

هو من السر المخزون.
ومنها دعاء الحفظ (1).
ومنها لعن أربعة من الرجال وأربعة من النساء (2).
ومنها قول: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ثلاثين أو
أربعين أو مائة (3).
ومنها الدعاء المشتمل على تردد الله في قبض روح عبده المؤمن (4).
ومنها ذكر إقراره بايمانه بالنبي والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) واحدا واحدا
والقبلة والكتاب (5).
ومنها قول سبع مرات: " بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم " بعد صلاة المغرب والغداة (6) إلى غير ذلك مما تكفلت به كتب أصحابنا
وقد وفت والحمد لله بتفصيله وبيان ما يترتب عليه ومحاله من خصوص بعض الصلوات
بل ربما كان وضع بعضها في خصوص التعقيب كبحار الأنوار للمجلسي وغيره، فلا ينبغي
لنا الإطالة بذكرها، نعم ينبغي أن يعلم أنه لا يتوقف حصول فضيلة التعقيب على
خصوص المأثور فيه، بل هو مستحب فيه قطعا، لاطلاق النصوص والفتاوى، ومن
هنا قال المصنف: (وإلا فبما تيسر له) من باقي الأدعية والأذكار عنهم (عليهم السلام)
وإن لم تكن في خصوص التعقيب، لأنهم الوزراء وأعرف بكيفية خطاب الملك، وإلا

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب التعقيب - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب التعقيب - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب التعقيب
(4) المستدرك - الباب - 22 - من أبواب التعقيب - الحديث 11
(5) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التعقيب - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب التعقيب - الحديث 11
411

فبما يجري على لسانه من الأدعية والأسئلة، والأولى له المحافظة على معنى ما ورد في أدعية
التعقيب، وإلا فغيرها، وإن لم يكن ذلك شرطا، والله أعلم بحقيقة الحال.
إلى هنا تم الجزء العاشر من كتاب جواهر الكلام
بحمد الله وقد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه
ومقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة بقلم
المصنف طاب ثراه ويتلوه الجزء
الحادي عشر في قواطع الصلاة
قريبا إن شاء الله تعالى
عباس القوچاني
412