الكتاب: كتاب الطهارة
المؤلف: الشيخ الأنصاري
الجزء: ١
الوفاة: ١٢٨١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٥
المطبعة: مؤسسة الهادي - قم
الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري
ردمك:
ملاحظات:

كتاب الطهارة
للشيخ الأعظم أستاذ الفقهاء والمجتهدين
الشيخ مرتضي الأنصاري (قدس سره)
1214 - 1281 ه‍
الجزء الأول
اعداد
لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
1

الكتاب: كتاب الطهارة
المؤلف: الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري " قدس سره "
تحقيق: لجنة التحقيق
الطبعة: الأولى - ربيع الأول 1415
صف الحروف: مؤسسة الكلام - قم
الليتوغراف: مؤسسة الهادي - قم
المطبعة: مؤسسة الهادي - قم
الكمية المطبوعة: 2000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة
للأمانة العامة للمؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
2

كتاب الطهارة
3

بسم الله الرحمن الرحيم
5

برعاية
قائد الثورة الاسلامية ولي الأمر المسلمين
سماحة آية الله السيد الخامنئي (دام ظله العالي)
6

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله
الطيبين الطاهرين.
لم تكن الثورة الاسلامية بقيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه حدثا سياسيا
تتحدد آثاره التغييرية بحدود الأوضاع السياسية إقليمية أو عالمية، بل كانت
وبفعل التغييرات الجذرية التي أعقبتها في القيم والبنى الحضارية التي شيد
عليها صرح الحياة الانسانية في عصرها الجديد حدثا حضاريا إنسانيا شاملا
حمل إلى الانسان المعاصر رسالة الحياة الحرة الكريمة التي بشر بها الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام على مدئ التاريخ وفتح أمام تطلعات الانسان الحاضر أفقا باسما
بالنور والحياة، والخير والعطاء.
وكان من أولى نتائج هذا التحول الحضاري الثورة الثقافية الشاملة
التي شهدها مهد الثورة الاسلامية إيران والتي دفعت بالمسلم الإيراني إلى
اقتحام ميادين الثقافة والعلوم بشتى فروعها، وجعلت من إيران، ومن قم
المقدسة بوجه خاص عاصمة للفكر الاسلامي وقلبا نابضا بثقافة القرآن
وعلوم الاسلام.
7

ولقد كانت تعاليم الإمام الراحل رضوان الله رضوان الله عليه ووصاياه وكذا
توجيهات قائد الثورة الاسلامية وولي أمر المسلمين آية الله الخامنئي المصدر
الأول الذي تستلهم الثورة الثقافية منه دستورها ومنهجها، ولقد كانت الثقافة
الاسلامية بالذات على رأس اهتمامات الإمام الراحل رضوان الله عليه وقد أولاها
سماحة آية الله الخامنئي حفظه الله تعالى رعايته الخاصة، فكان من نتائج ذاك
التوجيه وهذه الرعاية ظهور آفاق جديدة من التطور في مناهج الدراسات
الاسلامية بل ومضامينها، وانبثاق مشاريع وطروح تغييرية تتجه إلى تنمية
وتطوير العلوم الاسلامية ومناهجها بما يناسب مرحلة الثورة الاسلامية
وحاجات الانسان الحاضر وتطلعاته.
وبما أن العلوم الاسلامية حصيلة الجهود التي بذلها عباقرة الفكر
الاسلامي في مجال فهم القرآن الكريم والسنة الشريفة فقد كان من أهم
ما تتطلبه عملية التطوير العلمي في الدراسات الاسلامية تسليط الأضواء
على حصائل آراء العباقرة والنوابغ الأولين الذين تصدروا حركة البناء
العلمي لصرح الثقافة الاسلامية، والقيام بمحاولة جادة وجديدة لعرض
آرائهم وأفكارهم على طاولة البحث العلمي والنقد الموضوعي، ودعوة
أصحاب الرأي والفكر المعاصرين إلى دراسة جديدة وشاملة لتراث السلف
الصالح من بناة الصرح الشامخ للعلوم والدراسات الاسلامية ورواد الفكر
الاسلامي وعباقرته.
وبما أن الإمام المجدد الشيخ الأعظم الأنصاري قدس الله نفسه يعتبر
الرائد الأول للتجديد العلمي في العصر الأخير في مجالي الفقه والأصول
- وهما من أهم فروع الدراسات الاسلامية - فقد اضطلعت الأمانة العامة
لمؤتمر الشيخ الأعظم الأنصاري - بتوجيه من سماحة قائد الثورة الاسلامية
8

آية الله الخامنئي ورعايته - بمشروع إحياء الذكرى المئوية الثانية لميلاد
الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره. وليتم من خلال هذا المشروع عرض
مدرسة الشيخ الأنصاري الفكرية في شتى أبعادها وعلى الخصوص ابداعات
هذه المدرسة وإنتاجاتها المتميزة التي جعلت منها المدرسة الأم لما تلتها من
مدارس فكرية كمدرسة الميرزا الشيرازي والآخوند الخراساني والمحقق
النائيني والمحقق العراقي والمحقق الأصفهاني وغيرهم من زعماء المدارس
الفكرية الحديثة على صعيد الفقه الاسلامي وأصوله.
وتمهيدا لهذا المشروع فقد ارتأت الأمانة العامة أن تقوم لجنة مختصة
من فضلاء الحوزة العلمية بقم المقدسة بمهمة إحياء تراث الشيخ الأنصاري
تحقيق تركته العلمية وإخراجها بالأسلوب العلمي اللائق وعرضها لرواد
الفكر الاسلامي والمكتبة الاسلامية بالطريقة التي تسهل للباحثين الاطلاع
على فكر الشيخ الأنصاري ونتاجه العلمي العظيم.
والأمانة العامة لمؤتمر الشيخ الأنصاري إذ تشكر الله سبحانه وتعالى على هذا
التوفيق تبتهل إليه في أن يديم ظل قائد الثورة الاسلامية ويحفظه للاسلام
ناصرا وللمسلمين رائدا وقائدا وأن يتقبل من العاملين في لجنة التحقيق
جهدهم العظيم في سبيل إحياء تراث الشيخ الأعظم الأنصاري وأن يمن
عليهم بأضعاف من الأجر والثواب.
أمين عام مؤتمر الشيخ الأعظم الأنصاري
محسن العراقي
9

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يبلغ معرفته العارفون، ولا يحصي نعماءه العادون،
ولا يؤدي حقه المجتهدون، والصلاة والسلام على سيد خلقه وخاتم أنبيائه
ورسله محمد المصطفى، الذي أرسله إلى الناس كافة ليفقههم في الدين، وعلى
آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، سيما ابن عمه ووصيه
المرتضى، سيد الفقهاء، ومنار الأتقياء.
وأما بعد:
فن الصعب الإحاطة بشخصية كشخصية الشيخ الأعظم
الأنصاري قدس سره بجميع أبعادها، وليس من مهمتنا - فعلا - الدخول في الكلام
عن ذلك وخوض غماره، ولكن نرى من الضروري - ونحن نمهد لبيان ما قمنا
به من أعمال في ما تركه الشيخ قدس سره من التراث الضخم - أن نشير إلى أن
أفكار الشيخ الأنصاري قدس سره أصبحت المحور الأساسي للبحوث الفقهية
والأصولية المتداولة منذ قرن ونصف حتى العصر الحاضر، رغم تقدم العلمين
11

- وخاصة الأصول - تقدما كثيرا في هذه الفترة، وليس ذلك لهيمنة شخصية
الشيخ الأنصاري قدس سره حتى يرمى المتأخرون عنه بالتقليد، بل لأجل عظمة
ما قدمه من تراث علمي ضخم ورثه من سلفه الصالح، وأضاف إليه من
إبداعاته ودقائقه العلمية، ثم فصله في ثوب جديد جذب إليه أنظار المحققين
وشد إليه أفئدة المفكرين.
ومع ذلك كله، فإننا نلاحظ - مع الأسف - أن كثيرا من مؤلفاته عدا
ما اشتهر منها لم يكن في متناول أيدي العلماء والمحققين حتى المطبوعة منها
ولكن هيا الله أسباب ظهورها، وذلك بعد صدور قرار انعقاد المؤتمر العالمي
بمناسبة مرور قرنين على ولادة الشيخ الأعظم قدس سره. من قبل قائد الثورة
الاسلامية سماحة آية الله الخامنئي دام ظله، فحملتنا الأمانة العامة للمؤتمر
مسؤولية تحقيق كتبه وآثاره قدس سره، فبدأنا بتمهيد مقدمات العمل عام
(1410) وانعقدت اللجان اللازمة، وقدمنا ما توفر لدينا مقدماته، فصدر
كتاب " الصوم " عام (1413) ثم تلاه كتاب " أحكام الخلل في الصلاة " ثم
" الرسائل الفقهية " ثم " الزكاة " ثم " الخمس "، وهناك مجموعة من الكتب
تحت الطبع، وسوف يتم إنجازها وإنجاز غيرها في المستقبل القريب
إن شاء الله تعالى.
ولأجل أن يكون القراء الكرام على علم بمؤلفات الشيخ
الأنصاري قدس سره نشير فيما يلي إليها باختصار:
12

مصنفات الشيخ الأنصاري قدس سره
للشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه تأليفات قيمة نشير فيما يلي إلى ما وصل
إلينا منها، أو ما وجدناه منسوبا إليه في الكتب المعتبرة وإن لم نتمكن من
تحصيله، ونلحق به ما كتبه تلامذته تقريرا لبحوثه الأصولية والفقهية.
أولا - المكتبة الفقهية:
1 - كتاب الطهارة:
وهو كتاب كبير لا يقل أهمية عن المكاسب والرسائل، بعضه شرح
للشرائع وبعضه الآخر شرح للارشاد، سوف يتم طبعه في عدة أجزاء، وقد
طبع لأول مرة في حياة الشيخ قدس سره عام (1274)، وسيأتي مزيد توضيح عنه
2 - كتاب الصلاة:
وهو كتاب كبير نسبيا وسوف يتم طبعه في عدة أجزاء أيضا، وقد
طبع بالطبعة الحجرية عام (1305)، توجد نسخته الأصلية في مكتبة
الإمام الرضا عليه اسلام برقم (11130) وتفضلت إدارة المكتبة بمصورتها، وفيها
زيادات على المطبوعة، لكنها تكرار لبعض المطالب، وسوف يأتي بيان ذلك
بالتفصيل في مقدمة كتاب الصلاة.
13

3 - أحكام الخلل في الصلاة:
وهو كتاب يبحث عن أحكام الخلل في الصلاة، تفضل بمصورة النسخة
الأصلية منه سماحة آية الله الشيخ أحمد سبط الشيخ الأنصاري دامت
بركاته، ولم يكن مطبوعا لحد الآن، وله قدس سره رسالتان مختصرتان حول
نفس الموضوع، وهما مدرجتان مع كتاب الصلاة، قامت لجنة التحقيق
بتحقيق الرسالتين مع الكتاب وطبع الجميع في مجلد واحد.
4 - كتاب الزكاة:
وهو يتكون من قسمين: شرح للارشاد، ومسائل مستقلة، وهو
مطبوع مع الطهارة بالطبعة الحجرية وحصلنا على نسختين. خطيتين منه
الأول من مكتبة ملك برقم (6089) والأخرى من مكتبة المدرسة الفيضية
برقم (1002)، وتحتويان على كتابي الخمس والصوم أيضا
وقد تم تحقيقه وطبعه في مجلد واحد.
5 - كتاب الخمس:
وهو يتكون من قسمين أيضا: شرح للارشاد، ومسائل مستقلة، وهو
مطبوع مع الطهارة أيضا وموجود مع نسختي الزكاة في مكتبة " ملك " ومكتبة
" المدرسة الفيضية " كما تقدم. وقد تم تحقيقه وطبعه في مجلد واحد.
6 - كتاب الصوم:
ويتكون من ثلاثة أقسام: شرح للارشاد، وشرح للقواعد، ومسائل
مستقلة، وهو مطبوع مع الطهارة أيضا، وموجود ضمن النسختين الخطيتين
المتقدمتين.
14

وقد أنجز تحقيقه وطبعه في مجلد واحد.
7 - مناسك الحج:
باللغة الفارسية، كتبه لعمل المقلدين، قال العلامة الطهراني: إنه طبع مع
حواشي الميرزا محمد حسن الشيرازي سنة (1301)، وطبع أيضا مع حواشي
الحاج ميرزا حسين الطهراني، والسيد محمد كاظم اليزدي، والسيد إسماعيل
الصدر والآقا نجفي عام (1321) وعربه بعض الفضلاء وعلى المعرب أيضا
حواشي الميرزا الشيرازي، كما وطبع أيضا سنة (1301) في طبعة (الصبح
الصادق) بعظيم آباد - الهند (1)
8 - كتاب المكاسب:
وهو من أهم كتب الشيخ قدس سره وأعظمها قدرا - كما سوف يأتي بيانه
مقدمة الكتاب إن شاء الله تعالى - وقال العلامة الطهراني: إنه طبعت
نسخة منه حال حياته، وخرجت من الطباعة في (جمادى الأول عام
1280) (12)
وللكتاب طبعات عديدة تمتاز بعضها بالدقة في المتن.
وتوجد لدينا مصورة النسخة الأصلية من قسم الخيارات منه، قدمتها
مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد
وسوف يتم تحقيق الكتاب وطبعه في عدة أجزاء إن شاء الله تعالى.
الذريعة 22: 273.
الذريعة 22: 151.
15

9 - كتاب النكاح:
وهو شرح مزجي لإرشاد الأذهان من أول النكاح إلى أوائل المطلب
الثاني من المقصد الثاني الذي يبحث فيه عن أحكام الصداق (11).
والكتاب مطبوع مع بعض طبعات المكاسب، ولدينا صورة النسخة
الأصلية - مخطوطة الشيخ قدس سره - الموجودة ضمن مجموعة من مصنفات
الشيخ قدس سره. في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام برقم (111271)
وهو قيد التحقيق وسوف يتم طبعه إن شاء الله مع المصاهرة والرضاع
10 - رسالة في المصاهرة:
وهي شرح مزجي لإرشاد الأذهان تتضمن البحث عن المطلب الثاني
من المقصد الثالث الذي يبحث عن باقي أسباب التحريم غير النسب
والرضاع كالمصاهرة، والكفر، والعقد والوطئ، ثم البحث عن موجب الخيار
- وهو العيب والتدليس - ويبدو أنها من متممات كتاب النكاح، غاية الأمر
أن هناك مقدارا من الإرشاد لم يشرحه الشيخ قدس سره أو شرحه لكنه
فقد، وهذا ما أوجب التعدد، بحيث صار الأول باسم كتاب النكاح
والثاني باسم المصاهرة، وإن كانت التسمية غير صحيحة، لأن المصاهرة
إنما هي جزء من الرسالة، وغالبها يتضمن البحث عن أمور أخرى، كما تقدم
ومهما يكن، فإن الرسالة طبعت مع بعض طبعات المكاسب، ولد "
صورة النسخة الأصلية - مخطوطة الشيخ قدس سره - الموجودة ضمن المجموعة
(1) أي من أول الصفحة 2 إلى السطر 6 من الصفحة 17 (من المجلد الثاني) من كتاب
الإرشاد المطبوع حديثا.
16

رقم (11127) في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد.
11 - رسالة في الرضاع:
وهي رسالة كتبها قدس سره بصورة مستقلة في الرضاع، طبعت مع بعض
طبعات المكاسب، وتوجد النسخة الأصلية منه - أي مخطوطة الشيخ قدس سره -
في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في المجموعة رقم (11127)، وعثرنا على
نسخة مخطوطة أخرى في نفس المكتبة برقم (10232).
12 - كتاب الوصايا:
وهو شرح مزجي لكتاب الوصايا من إرشاد الأذهان لكنه غير
كامل، طبع مع بعض طبعات المكاسب، وتوجد النسخة الأصلية منه في مكتبة
الإمام الرضا عليه السلام ضمن المجموعة رقم (11127) تفضلت بمصورتها إدارة
المكتبة.
وقد تم تحقيقه وهو في طريقه إلى الطبع - مع رسالتي الإرث ومنجزات
المريض - إن شاء الله تعالى.
13 - رسالة في الإرث:
وهي رسالة مختصرة جمع فيها بعض مسائل الإرث، وكرر البحث فيها
عن مسألة الدين المستوعب، طبعت مع المكاسب، وتوجد مخطوطة الشيخ
قدس سره - النسخة الأصلية منه - في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام ضمن المجموعة
رقم (11127).
17

14 - رسالة في منجزات المريض:
وهي رسالة مختصرة أيضا بحث فيها عن منجزات المريض، طبعت مع
المكاسب، وتوجد النسخة الأصلية منه مع المجموعة رقم (11127) في
مكتبة الإمام الرضا عليه السلام.
15 - كتاب القضاء:
للشيخ قدس سره قضاءان، أحدهما: شرح للارشاد، والثاني: كتبه
بصورة مستقلة، والأول منهما أوسع من الثاني، وكلاهما غير تامين.
بل فيهما سقط كثير، وصفحاتهما غير منتظمة ففيها تقديم
وتأخير. وقد تم تحقيقهما، وهما في طريق الطبع مع كتاب
الشهادات.
توجد النسختان الأصليتان منهما في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام ضمن
المجموعة رقم (11127) كما توجد نسخ أخرى منه في مكتبة مسجد
گوهرشاد برقم (1 / 785) ومكتبة مجلس الشورى الاسلامي برقم (403)
ومكتبة المدرسة الفيضية برقم (1 / 993) (1)
16 - كتاب الشهادات:
كتبه الشيخ قدس سره بصورة مستقلة لكنه مختصر وناقص، توجد نسخه
مع نسخ القضاء.
(1) مقدمه اي بر فقه شيعه: 347.
18

17 - رسالة في العدالة:
وهي رسالة تحتوي على أبحاث العدالة طبعت مع كتابي الطهارة
والمكاسب عدة مرات، وتوجد منه نسخة خطية في مكتبة جامعة طهران
برقم (3 / 6956)، وفي مكتبة " ملك " برقم (2 / 6479)، ومكتبة " ملي "
(المكتبة الوطنية) برقم (8 / 1945) (1)
18 - رسالة في قاعدة " من ملك ":
وهي رسالة تبحث عن قاعدة " من ملك شيئا ملك الاقرار به " طبعت
ملحقة بالمكاسب والطهارة في بعض طبعاتهما.
19 - رسالة في " التقية ":
وهي أيضا رسالة تبحث عن موضوع التقية، طبعت ملحقة بالمكاسب
والطهارة في بعض طبعاتهما، وتوجد منها نسخة في مكتبة جامعة طهران
برقم (6 / 6956).
20 - رسالة في القضاء عن الميت:
رسالة تبحث عن قضاء الصلوات الفائتة عن الميت، طبعت مع بعض
طبعات المكاسب والطهارة، وتوجد منه نسخة في مكتبة جامعة طهران برقم
(5 / 6956) ومكتبة " ملك " في طهران برقم (3 / 6479) (2).

(1) مقدمه اي بر فقه شيعه: 346.
(2) مقدمه اي بر فقه شيعه: 350.
19

21 - رسالة في المواسعة والمضايقة:
وهي رسالة مفصلة - تقريبا - تبحث عن فورية القضاء وعدمها،
طبعت ملحقة ببعض طبعات المكاسب والطهارة، وتوجد منها نسخة في مكتبة
جامعة طهران برقم (2 / 6956) ومكتبة " ملك " في طهران
برقم (4 / 6479) (1).
22 - كتاب الغصب:
ذكره العلامة الطهراني في الذريعة وقال: " موجود في خزانة الحاج
مولى علي محمد النجف آبادي في النجف " (2).
23 - رسالة في المتعة:
قال العلامة الطهراني قدس سره: رسالة في المتعة وجواب بعض العامة،
للشيخ المرتضى الأنصاري، أولها: " الحمد لله رب... " وآخرها: " والله على
ما نقول وكيل... "، بخط الشيخ علي بن الشيخ صالح بن الشيخ سميع من
تلامذة الشيخ الأنصاري، عند الشيخ مهدي شرف الدين... (3).
24 - رسالة في التيمم:
قال العلامة الطهراني: " التيمم الاستدلالي المبسوط للعلامة

(1) مقدمه اي بر فقه شيعة: 350.
(2) الذريعة 16: 57.
(3) الذريعة 19: 67.
20

الأنصاري.. رأيت نسخة منه في خزانة تلميذه آية الله المجدد الشيرازي
بسامراء " (1).
لم نحصل على نسخة منه بعد، نعم توجد في المجموعة رقم (11127)
- بخطه - عدة وريقات مبتورة حول التيمم.
25 - الرسائل العملية:
توجد عدة رسائل عملية منسوبة إليه قدس سره، والظاهر أنها ليست
تأليفا له، بل إنما هي مجموعة أجوبة أجاب بها عن أسئلة وجهت إليه أو
ألفت طبقا لمبانيه ثم عرضت عليه، وفيما يلي نشير إلى ما نسب إليه من ذلك:
2 - سراج العباد:
رسالة عملية باللغة الفارسية، قال العلامة الطهراني: " طبعت مكررا،
منها في بمبئي عام (1302) وعليها حواشي الميرزا محمد حسن الشيرازي،
ومنها المطبوع في عصره عام (1271) رأيته مع إمضائه وخاتمه بخطه " (2).
2 - سراج العباد:
قال العلامة الطهراني قدس سره: " سراج العباد المعرب من سراج العباد
الفارسي، المطابق لفتاوى الشيخ الأنصاري " وعلى المعرب حاشية الميرزا
الشيرازي، والميرزا حبيب الله الرشتي، والشيخ محمد طه نجف، رأيته مخطوطا

(1) الذريعة 4: 518.
(2) الذريعة 12: 158
21

في (1322)، أول مسائله: النكاح " (1).
3 - صراط النجاة:
وهي رسالة عملية فارسية جمعها الحاج محمد علي اليزدي، وقال في
الذريعة: إنها مطبوعة مكررا وعليها حواش كثيرة (2)، وتوجد لدينا منه
نسخة عليها هوامش الميرزا حسن الشيرازي، والميرزا محمد تقي الشيرازي،
والسيد إسماعيل الصدر، والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، والآخوند
محمد كاظم الخراساني، قدس الله سرهم وقد تم طبعها عام (1322).
وعندنا مصورة نسخة أخرى - غير محشاة - موجودة في مكتبة
الإمام الرضا عليه السلام برقم (2947) آخرها في الصيد والذباحة، وكتب على
الصفحة الأخيرة منها: " تا اينجا بنظر جناب شيخ سلمه الله رسيده است ".
5 - صراط النجاة:
وهو تعريب الرسالة السابقة، عليه حاشية الميرزا الشيرازي، والميرزا
حبيب الله الرشتي، والشيخ محمد طه نجف قدس سرهم، مرتب على مقدمة في
التقليد وفصول وخاتمة، توجد منه نسخة في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام
العامة في النجف (3).

(1) الذريعة 12: 158.
(2) الذريعة 15: 38.
(3) الذريعة 15: 38.
22

5 " - رسالة " النخبة ":
رسالة فارسية من أول الطهارة إلى آخر مبطلات الصوم، في مقاصد
وأبواب جمعها محمد إبراهيم الأصفهاني، وللشيخ قدس سره. حواش عليها، وكتب
مقرضا لها:
" بسم الله الرحمن الرحيم: قامت البينة العادلة على مقابلتها وتصحيحها،
لا بأس بالعمل بها، حزره الأحقر مرتضى الأنصاري " وعليه خاتمه الشريف.
وفي هامش هذه الرسالة، رسالة أخرى هي بشكل سؤال وجواب من
الشيخ قدس سره.
طبعت الرسالة عام (1278) أي في حياة الشيخ قدس سره، وتوجد لدينا
منها نسخة.
6 - الرسالة العملية:
وهي رسالة فارسية في العبادات طبعت مكررا، منها: في عام (1269)
كما في الذريعة (1) ويحتمل اتحادها مع ما تقدم.
7 - رسالة عملية أخرى:
وهي رسالة عملية أخرى على شكل سؤال وجواب باللغة الفارسية
تشتمل على أبواب الطهارة والصلاة، وهي من جمع المولى محمد يوسف
الاسترآبادي الحائري، طبعت مكررة في سنة (1268) وما بعدها (2).

(1) الذريعة 11: 219.
(2) الذريعة 12: 250.
23

8 - ذخيرة المعاد:
رسالة عملية فارسية من الطهارة إلى آخر الاعتكاف جمعها، المولى
علي بن محمد التستري، رأى العلامة الطهراني نسخة منها في مكتبة السيد
الشيرازي في سامراء (1).
26 - حاشية على نجاة العباد:
و " نجاة العباد " رسالة عملية لصاحب الجواهر قدس سره قام
بتحشيتها جملة من العلماء أولهم - كما في الذريعة (2) - الشيخ
الأنصاري قدس سره
27 - حاشية على بغية الطالب:
واسمها الكامل: " بغية الطالب في معرفة المفروض والواجب " وهي
رسالة عملية اقتصر فيها على ذكر مجرد الفتاوى، للشيخ الكبير الشيخ جعفر
كاشف الغطاء المتوفى عام (1227)، عليها حواضر كثيرة، منها: حاشية
الشيخ الأنصاري قدس سره. كما في الذريعة (3)، ويظهر من موضع آخر منها: أن
للشيخ حاشية على حاشية البغية لابن المؤلف الشيخ موسى بن الشيخ جعفر
كاشف الغطاء (4).

(1) الذريعة 10: 21.
(2) الذريعة 6: 227.
(3) الذريعة 3: 134.
(4) الذريعة 6: 59.
24

28 - الحواشي على عوائد الأيام:
والعوائد هو للمولى أحمد بن مهدي بن أحمد بن أبي ذر النراقي الكاشاني قدس سره
المتوفى عام (1245)، وللشيخ الأنصاري قدس سره. حواش عليه، طبعت معها
في إيران عام (1266) (1)، وتوجد منه نسخة في مكتبة " مسجد أعظم " في قم
برقم (489).
29 - أجوبة الحاج محمد أمين كبة:
وهي مجموعة أجوبة أجاب بها الشيخ قدس سره - عن أسئلة سألها
الحاج محمد أمين كبة، جمعها ودونها الشيخ محمد بن عيسى بن الشيخ
حيدر الشروقي المتوفى (1333) ثم عرضها على الشيخ محمد طه نجف
طابقها مع فتاواه ثم أضاف إليها جملة من جوابات الشيخ محمد طه
عن المسائل التي سأل هو عنها. كذا قال العلامة الطهراني في الذريعة (2).
30 - اللقطة:
نسب ذلك إليه، وقيل: إنها موجودة في معهد الدراسات الاسلامية
العليا - في بغداد - برقم (1295) (3).
31 - الوقوف والصدقات:
نسب ذلك إليه، وقيل: إنها موجودة في معهد الدراسات الاسلامية

(1) الذريعة 15: 354
(3) مقدمه اي بر ثقة شيعه: 347.
(2) الذريعة 5: 201،
25

العليا - بنفس الرقم - أيضا (1).
32 - رسالة في القرعة:
نسب ذلك إليه في مقدمة المكاسب - منشورات جامعة النجف - ولم
نقف له على مستند غيره.
ثانيا - المكتبة الأصولية:
تضم المكتبة الأصولية للشيخ الأنصاري قدس سره. تراثا ضخما من هذا
العلم الذي أحكمت قواعده على يديه. وفيما يلي نشير إلى ما ثبت أو نسب
إليه من آثار في هذا الموضوع:
1 - فرائد الأصول:
وهو المشهور بالرسائل، قال عنه العلامة الطهراني: ".. وهو مشهور
متداول لم يكتب مثله في الأواخر والأوائل، محتو على خمس رسائل في
القطع، والظن، والبراءة، والاستصحاب، والتعادل. أسس في هذه المباحث
تأسيسا نسخ به الأصول الكربلائية فصارت ك‍ " سراب بقيعة " ونسج على
منواله المتأخرون حتى صار الفخر في فهم مراده، وكتب كل شرحا أو
حاشية عليه بقدر ما غمر فيه فكره ودرى وطبع " ترجمة فرائد الأصول "

(1) مقدمه اي برفقه شيعة: 347.
26

للسيد محمد صالح بن محمد الموسوي الخلخالي المتوفى (1306) بطهران " (1)
2 - كتاب الفوائد الأصولية:
ذكره العلامة الطهراني وقال: ".. في غوامض المسائل الأصولية
كالواجب المشروط، مقدمة الواجب، الضد والاجتماع، بعض المفاهيم، المطلق
والمقيد، العمل بالعموم، الحسن والقبح، الملازمة، الاجتهاد والتقليد وغير
ذلك، والنسخة في خزانة كتب سيدنا الشيرازي بسامراء. كتبها الشيخ علي
التويسركاني عن خط الميرزا محسن التويسركاني الذي هو من أجلاء تلامذة
الشيخ الأنصاري، وقد كتبه الميرزا محسن عن خط أستاذه الشيخ الأنصاري،
يقرب من عشرة آلاف بيت " (2).
وظاهر العبارة أنه من تأليفاته لا من تقريرات أبحاثه. ومهما يكن،
فلم يصل الكتاب إلى أيدينا فعلا.
3 - أصول الفقه:
ذكره العلامة الطهراني وقال: "... في مجلد ضخم محتو على اثنين
وستين مبحثا من الأصول الفقهية في مباحث الألفاظ والأدلة العقلية جميعا،
رأيت النسخة المنتسخة عن خط المؤلف في خزانة آية الله المجدد
الشيرازي " (3)

(1) الذريعة 16: 132.
(2) الذريعة 16: 323.
(3) الذريعة 2: 210
27

وليس من الواضح أن هذا الكتاب هل هو كتاب مستقل أو هو مجموع
فرائد الأصول مع الفوائد الأصولية أو غير ذلك، لعدم توفر النسخة لدينا
4 - حجية ظواهر الكتاب:
قال العلامة الطهراني: " توجد نسخته في مكتبة التسترية " (1) ولم يشر
هل أنها رسالة مستقلة أو جزء من فرائد الأصول.
5 - حجية المظنة:
قال العلامة الطهراني: " هو من أجزاء الرسائل الموسوم بالفرائد لكنة طبع مستقلا (1268).. " وذكر أن عليه حواش وتعليقات (2).
6 - الحاشية على قوانين الأصول:
قال العلامة الطهراني في الذريعة: "... قال سيدنا الحسن صدر الدين في
التكملة: رأيت نسخة خطه، وهي من أول حجية الخبر إلى تمام الأدلة العقلية
وكأن الرسائل منتزعة عنها " (3).
7 - الحاشية على استصحاب القوانين:
وهي حاشية على استصحاب قوانين الأصول للمحقق القمي قدس سره

(1) الذريعة 6: 179
(2) الذريعة 6: 275
(3) الذريعة 6: 279
28

تفضل بمخطوطتها سماحة آية الله الشيخ أحمد سبط الشيخ الأنصاري
وقال: إنها بخط الشيخ قدس سره، وقد تم تحقيقها، وطبعها بحمد الله.
8 - رسالة في المشتق:
قال العلامة الطهراني قدس سره: (... مطبوعة عام (1305) ذكرها بعض
الفضلاء، وليست هي المطبوعة في تلك السنة من تقرير بحث المجدد
الشيرازي، كما مر) (1).
9 - رسالة في قاعدة " التسامح في أدلة السنن ":
وهي رسالة تبحث عن قاعدة التسامح في أدلة السنن، ذكرها العلامة
الطهراني تحت عنوان " إثبات التسامح في أدلة السنن "، وذكرها في حرف التاء
في عنوان " التسامح " أيضا، وقال: إنه طبع مكررا (2).
توجد منه نسخة خطية في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام برقم (8843)
ونسخة خطية أخرى في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي برقم (2801)
ويبدو منها أنها كانت بيد العلامة الشيخ فضل الله النوري قدس سره " مع رسالة
التقليد، كما أنها طبعت ضمن مجموعة رسائل أصولية أخرى عام (1305).
10 - رسالة في التقليد:
اشتهرت هذه الرسالة باسم " الاجتهاد والتقليد " وهو خطأ، لأنه

(1) الذريعة 21: 42.
(2) راجع الذريعة 1: 87، و 4: 174.
29

لم يبحث فيها عن الاجتهاد وإنما اقتصر على البحث عن التقليد.
قال العلامة الطهراني قدس سره: " الاجتهاد والتقليد للعلامة الأنصاري
قدس سره... رأيت النسخة في كتب تلميذه الأجل آية الله المجدد ميرزا محمد
حسن الشيرازي بسامراء، أوله: " التقليد لغة جعل الغير ذا قلادة ومنه تقليد
الهدي.... (1)
وتوجد منها نسخة خطية في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي برقم
(2801) مع رسالة التسامح في أدلة السنن، ويظهر منها أنها كانت بيد العلامة
الشيخ فضل الله النوري قدس سره، الذي كان من تلامذة المجدد الشيرازي.
كما وطبعت مع عدة رسائل أصولية أخرى عام (1305).
11 - رسالة في قاعدة " نفي الضرر ":
وهي رسالة. تبحث عن قاعدة " نفي الضرر " وهي غير ما هو
مبحوث عنه في فرائد الأصول، طبعت مع بعض طبعات المكاسب والطهارة
وتوجد منه نسخة خطية قي مكتبة " ملك " في طهران برقم (1 / 6479).
12 - رسالة في باب حجية الأخبار:
نسبت إليه ولم نقف على مستند للنسبة.
13 - رسالة في الرد على من قال بأن الأخبار قطعية الصدور:
نسبت إليه ولم نقف على مستند ذلك.

(1) الذريعة 1: 272.
30

ثالثا - غير الفقه والأصول:
كل ما تقدم كان في المجالين الفقهي والأصولي، وللشيخ
لأنصاري قدس سره. تأليفات في مجالات أخرى نشير إلى ما توصلنا إليه
بما يلي:
1 - كتاب الرجال:
قال عنه العلامة الطهراني قدس سره: يقرب من ستة آلاف بيت، جمع فيه
الثقات والممدوحين الذين كان يعمل برواياتهم، ولم يزد فيه على ما نقل عن
كتب الأصول الخمسة الرجالية شيئا، ذكره شيخنا النوري، ورأيت النسخة في
كتب سيدنا الشيرازي بسامراء أوله: " الحمد لله رب العالمين والصلاة
السلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم
الدين. آدم بن إسحاق بن آدم بن عبد الله بن سعد الأشعري... " يذكر
الأسماء على الترتيب المألوف ثم الكنى، ثم الألقاب، ثم يذكر مشيخة
التهذيب والفقيه، وفوائد أخرى في آخره، ومقداره يزيد عن خلاصة العلامة
ورأيت نسخة أخرى بخط تلميذه المولى محمد حسين بن محمد قاسم
القمشه اي النجفي كتبها (1281) يعني سنة وفاة المصنف " (1).
توجد منه نسخة أخرى في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام برقم (3617)

(1) الذريعة 10: 150.
31

وعندنا مصورتها.
ونسخة أخرى في مكتبة آية الله المرعشي قدس سره في قم برقم (97) (1)
2 - أصول الدين وجملة من فروعه:
ذكره العلامة الطهراني وقال: " من فتاوى العلامة الأنصاري،
فارسي، جمعها ميرزا علي بن رستم التبريزي (پيش خدمت) طبع
عام 1276 " (2).
ولم يتضح لدينا أن الذي من نظرات الشيخ الأنصاري قدس سره. هل هو
خصوص الفروع أو هي والأصول معا، والكتاب ليس بأيدينا.
3 - رسالة في إجازته لتلميذه:
ذكرها العلامة الطهراني وقال: ".. لتلميذه الميرزا أحمد بن الميرزا
محسن الفيض الكاشاني، المتوفى بالنجف (1286)... توجد بخط الشيخ
الأنصاري في ظهر تقريرات المجاز لدرس شيخه عند (التقوي)، تأريخها (ج
1 - 1262) " (3).
هذا، والمعروف أنه قدس الله سره. قد استنسخ " القرآن الكريم " بخطه
الشريف.

(1) فهرست مخطوطات مكتبة آية الله المرعشي 1: 115
(2) الذريعة 2: 191.
(3) الذريعة 11: 26.
32

رابعا - التقريرات: (1)
كل ما تقدم كان بالنسبة إلى ما كتبه هو قدس سره، وأما ما كتبه تلامذته
تقريرا لبحوثه فهي كثيرة جدا ولا يمكن إحصاؤها فعلا لتفرقها وعدم التمكن
من الوصول إليها، ومن أشهرها: ما كتبه تلميذه الحاج ميرزا أبو القاسم
الشهير ب‍ " كلانتري " تقريرا لأبحاثه الأصولية بقسميها اللفظية والعقلية،
واشتهر ب‍ " مطارح الأنظار " وقد طبعه ولده المتوفى (1316) (2).
ولدينا قائمة عن أسماء بعض التقريرات نشير فيما يلي إليها، ونحيل

(1) قال العلامة الطهراني قدس سره " تحت عنوان " التقريرات ":
" التقريرات عنوان عام لبعض الكتب المؤلفة من أواخر القرن الثاني عشر وبعده
حتى اليوم. وهو نظير " الأمالي " في كتب الحديث للقدماء، والفرق أن الأمالي
تكتب في مجلس إملاء الشيخ، الحديث عن كتابه أو عن ظهر قلبه، وكان السامع
يصدر الكتاب باسم الشيخ، ويعد من تصانيف الشيخ، بخلاف " التقريرات " (1) فإنها
مباحث علمية يلقيها الأستاذ على تلاميذه عن ظهر القلب ويعيها التلاميذ في حفظهم
ثم ينقلونها إلى الكتابة في مجلس آخر، ويعد من تصانيفهم... والذي لا بد من ذكره هو
أن كتب التقريرات أكثر من أن يستقصيها أحد، ولا سيما التقريرات الأصولية التي
كتبها تلاميذ شريف العلماء. وصاحبي " الضوابط " و " الفصول " في كربلاء، وتلاميذ
العلامة الأنصاري ومن بعده في النجف الأشرف وسامراء ومشهد الرضا وقم
وغيرها. وتوجد تقريرات كثيرة لم يخص مقررها أبدا.. " (الذريعة 4: 366 -
367)
(2) الذريعة 21: 136
33

التفصيل إلى فرصة أخرى رجاء الحصول على معلومات أكثر:
1 - التقريرات:
قال العلامة الطهراني: " التقريرات للشيخ الأجل الحاج ميرزا محمد
حسن الآشتياني، مؤلف بحر الفوائد، وقد كتب أيضا من بحث أستاذه العلامة
الأنصاري عدة مجلدات، رأيت ثلاثة منها في كتب المرحوم السيد محمد
اللواساني وهي في القضاء، والخلل، والوقف، وإحياء الموات، والإجارة " (1).
2 - التقريرات:
قال أيضا:. ".. للأستاذ الكبير الحاج ميرزا حبيب الله الرشتي... وقد
كتب من تقرير بحث أستاذه العلامة الأنصاري عدة مجلدات في الفقه
والأصول، رأيت منها مجلدا في مباحث الخلل، وصلاة المسافر، والوقف
يقرب من اثني عشر ألف بيت، كان في خزانة آية الله المجدد الشيرازي
بسامراء، ومنها مجلدان في تمام دورة الأصول من المباحث اللفظية والأدلة
العقلية يوجد في مكتبة الحسينية... ومنها: تقريبه لمسألتي تقليد الميت وتقليد
الأعلم وقد طبعا في آخر كتاب الغصب له في (1322) ورأيت منه نسخة في
خزانة كتب سيدنا آية الله الشيرازي بسامراء تاريخ كتابتها
(صفر - 1271) " (2).

(1) الذريعة 4: 375.
(2) الذريعة 4: 374.
34

3 - تقريرات المجدد الميرزا محمد حسن الشيرازي قدس سره:
وهو تلخيص إفادات الشيخ الأنصاري قدس سره في الأصول من أوله
إلى آخره (1).
4 - التقريرات:
قال العلامة الطهراني قدس سره: " التقريرات لميرزا أحمد الفيضي النجفي
من أحفاد المحدث الفيض الكاشاني، كان من تلاميذ العلامة الأنصاري،
وكتب كثيرا من تقريراته، رأيت في مكتبة المولى علي محمد النجف آبادي
مجلدا منه في النصب والوصية " (2).
5 - التقريرات:
قال أيضا: " التقريرات للمولى حسين قلي الهمداني كان من أجلاء
تلاميذ العلامة الأنصاري، وكتب من تقرير بحثه في الفقه والأصول كثيرا،
وكان يدرس فيها تلاميذه... " (3).
6 - التقريرات:
وقال قدس سره: " التقريرات للسيد محمد طاهر بن السيد إسماعيل
الموسوي الدزفولي (المتوفى في النجف 1318) كان تلميذ العلامة الأنصاري

(1) أعيان الشيعة 5: 308.
(2) 1 الذريعة 4: 369.
(3) 1 الذريعة 4: 376.
35

وزوج ابنته، وكتب من تقريره تمام دورة الأصول، ومن الفقه: خلل الصلاة
والمواريث وغيرها، وكان جميعها موجودا عند ابنه السيد أحمد المعروف
بسبط الشيخ " (1).
7 - التقريرات:
للشيخ منصور بن المولى محمد أمين الدزفولي أخ العلامة الأنصاري
وتلميذه، فإنه كتب تقريرات بحث أخيه أصولا وفقها في عدة مجلدات (2).
8 - التقريرات:
للآخوند المولى لطف الله الأسكي اللاريجاني، المتوفى بالنجف (1311)،
في الفقه والأصول، لكنه حكى لتلميذه السيد أبي تراب الخوانساري أنه ضاع
منه تقريراته الأصولية، كما في الذريعة (3).
9 - التقريرات:
للمولى علي الخوئي، وكان من أجلاء تلاميذ العلامة الأنصاري وكاتب
تقريراته، قال العلامة الطهراني: " رأيت منها ثلاثة أجزاء:
1 - خبر الواحد، 2 - الأصل المثبت، 3 - بعض المسائل الأصولية، كلها
توجد في مكتبة الحسينية " (4).

(1) الذريعة 4: 377 - 378
(3) الذريعة 4: 383
(4) الذريعة 4: 379
(2) الذريعة 4: 386.
36

10 - التقريرات:
المولى علي الخوانساري كان من تلاميذ العلامة الأنصاري، وله
تقريرات في الفقه، منه مجلد في صلاة المسافر، وآخر في الغصب وغيره (9).
11 - التقريرات:
في الأصول والفقه، للسيد محمد تقي بن محمد كاظم الحسيني
السبزواري المتوفى (1312) في أربع مجلدات، مجلد منها في تمام مباحث
الألفاظ والاجتهاد والتقليد، وبعض حجية الظن والاستصحاب، وثلاث
مجلدات في الفقه، أولها: الصلاة إلى آخر باب السجود، ثم الجماعة إلى تبين
فسق الإمام، والصوم إلى الكفارات، وثانيها: في خلل الصلاة وصلاة المسافر
إلى الخروج لما دون المسافة، ثم الوقف والإجارة والرهن، وثالثها: في إحياء
الموات والمتاجر إلى تصرية الحيوان في خيار التدليس، كلها بخطه (2).
12 - التقريرات:
للميرزا محمد بن عبد الوهاب بن داود الهمداني، المتوفى بالكاظمية في
(1303) (3).

(1) الذريعة 4: 379
(2) الذريعة 4: 373
(3) الذريعة 4: 385
37

13 - التقريرات:
للسيد محمد بن السيد هاشم بن الأمير شجاعت علي الموسوي
الرضوي التقوي الهندي، المتوفى (1323)، وعرضه على أستاذه العلامة
الأنصاري قدس سره. فكتب بخطه تعليقا عليه (1).
14 - التقريرات:
لبعض تلاميذ العلامة الأنصاري، مجلد في الإجارة، في مكتبة المولى
محمد علي الخوانساري (2).
15 - التقريرات:
لبعض تلاميذ العلامة الأنصاري أيضا، مجلد في اللقطة، في مكتبة
المجدد الشيرازي (3).
16 - التقريرات:
لبعض تلاميذ العلامة الأنصاري في الزكاة، مجلد كبير بخط الشيخ
جعفر الرشتي، عام (1323) (4).
17 - التقريرات:
لبعض تلاميذ العلامة الأنصاري في الخلل وصلاة المسافر

(1) الذريعة 4: 385 - 386.
(2) الذريعة 4: 373.
(3) الذريعة 4: 373.
(4) الذريعة 4: 373.
38

والوقف والقضاء، مجلد واحد موجود في مكتبة أبي محمد الحسن
صدر الدين (1).
18 - تقريرات:
الشيخ محمد علي الطالقاني لأبحاث أستاذه العلامة الأنصاري (2).
19 - تقريرات:
السيد حسين الكاشاني لأبحاث أستاذه العلامة الأنصاري (3)
20 - تقريرات:
المولى الشيخ محمد باقر الكرهرودي، وكان من تلامذة
الشيخ الأنصاري قدس سره، كما في نقباء البشر (4)، أخبرنا بتقريراته بعض
، أحفاد.
21 - تقليد الأعلم:
من تقريرات أبحاث الشيخ الأنصاري، للشيخ الميرزا أبي القاسم بن
الميرزا محمد علي التاجر المعروف ب " الكلانتري النوري " المتوفى
(1292) (5).

(1) الذريعة 4: 393.
(2) نقباء البشر 4: 1619.
(3) نقباء البشر 2: 538.
(4) نقباء البشر 1: 221
(5) الذريعة 4: 393.
39

22 - تقليد الميت:
للشيخ الميرزا أبي القاسم بن الميرزا محمد علي الكلانتري النوري
تقريرا عن شيخه الأنصاري قدس سره (1).
وقد طبع هذا وما قبله ملحقا بكتاب " مطارح الأنظار " في طهران
سنة (1308).
23 - ذخائر الأصول:
من تقريرات الشيخ الأنصاري قدس سره. في مقدمة الواجب، واجتماع
الأمر والنهي، والتعادل والتراجيح، والاجتهاد والتقليد، للشيخ حسن بن
محمد مهدي الشاه عبد العظيمي، المتوفى حدود (1292) (2).
هذا ما توصلنا إليه، وما عداه أكثر من ذلك بكثير.

(1) الذريعة 4: 393.
(2) أعيان الشيعة 5: 270، الذريعة 10: 5
40

نظرة عامة في آثار الشيخ قدس سره.
ولأجل أن يتضح مدى ما لاقته لجنة التحقيق من صعوبات ومشاكل
في طريق التحقيق نرى من اللازم أن نشير إلى ما اتصفت به هذه الآثار
صورة عامة، وسوف نشير إلى خصوصيات كل كتاب في محله إن شاء الله
تعالى، وتلك الخصوصيات - إجمالا - هي:
أولا - إن أغلب ما بقي من آثار الشيخ قدس سره. - عدا المكاسب
الرسائل والطهارة - كان على شكل مسودات غير منتظمة، وهذا أدى إلى:
1 - ضياع بعض الأوراق والمسودات مما كتبه قدس سره، ولذلك نحس
بالنقص من هذه الجهة في بعض ما بأيدينا من الكتب والرسائل المخطوطة
والمطبوعة.
2 " - تغيير محل بعض الأوراق والصفحات عند تجميعها، فربما عثرنا
على ورقة لا ترتبط بما قبلها ولا بما بعدها، ولكن بعد الفحص والعناء
الكثيرين لاحظنا أنها ترتبط بأوراق أخرى تفصل بينهما عشرات الأوراق،
كما حدث فعلا في كتاب الصلاة والقضاء وغيرهما، وقد واجهنا صفحات
منفردة لم يدر النساخ أين موضعها.
وقد أدى هذا الأمر إلى تخبط الناسخين أحيانا، فنرى تقديما وتأخيرا
في بعض العبارات في النسخ المختلفة تحكي عن تحير الناسخين وتخبطهم.
3 " - تقطيع بعض ما كتبه الشيخ قدس سره إلى رسالات متعددة كما ربما
يظهر ذلك من كتاب النكاح، فإنه بدأ فيه بشرح النكاح من كتاب
41

" الإرشاد " ثم ترك قسما أو ضاع - والله العالم -، ثم بدأ بشرح المصاهرة
وهي من أسباب التحريم، ثم الكفر، وهو سبب آخر منه، ثم ترك منه قسما
ثم بدأ بشرح موجبات الخيار، وهذا أدى إلى اشتهار القسم الأول منه
ب‍ " كتاب النكاح "، والقسم الثاني المشتمل على المصاهرة والكفر من أسباب
التحريم وموجبات الخيار باسم " رسالة المصاهرة " في حين أن هذه الأمور
من ملحقات النكاح أولا، وأن المصاهرة تكون جزء قليلا من الرسالة - على
فرض كونها مستقلة - ثانيا.
فلو كان كل ذلك متصلا بعضه مع بعض لم تعد حاجة إلى تسمية
القسم الثاني - ولو خطأ - باسم " رسالة المصاهرة "، ولذلك قررنا درجهما مع
رسالة الرضاع في مجلد واحد تحت عنوان " كتاب النكاح ".
ثانيا - إن المخطوطات التي وصلت إلى أيدينا من الشيخ قدس سره. يغلب
عليها الشطب على العبارات والعدول من عبارة إلى أخرى، وكان هذا
يؤدي - في حد ذاته - إلى مشاكل أخرى من قبيل:
1 " - عدم الدقة في المقدار المشطوب من العبارة، فربما زاد الشطب
على المقدار الذي كان عدل عنه، وربما نقص، وكان هذا يؤدي إلى خلل في
العبارة.
2 " - ربما كانت العبارة التي عدل إليها أو زادها مكتوبة في الهامش
بصورة متشابكة من دون إشارة إلى محل الزيادة أو العدول، وقد أدى ذلك
إلى اختلاف النسخ أيضا، لأن كل واحد من النساخ كان يجعل العبارة
الزائدة في المحل الذي كان يرتئيه مناسبا.
ثالثا - ومن يتأمل في آثار الشيخ قدس سره. يرى أنه ربما كتب موضوعا
واحدا أكثر من مرة، ولكن قد تختلف رؤيته تجاه المسألة، فيدخل في
42

الموضوع بنظرة أخرى غير ما دخل بها أول مرة، كما حدث - فعلا - في قسم
كتاب الصلاة، حيث كتب أبحاث: الاستقبال، والقيام، والنية،
تكبيرة الاحرام، والقراءة، وأحكام الخلل، مرتين، وكما حدث في رسالة
الميراث التي كتب فيها مسألة " الدين المستغرق " بأنحاء ثلاثة في ثلاثة
مسائل وهي: السابعة والثامنة والتاسعة.
وربما كان يكتب تارة بصورة مستقلة، وتارة شرحا لكتاب كالإرشاد
والقواعد والشرائع، كما حصل في الزكاة والصوم والخمس والقضاء الذي
حرره مرتين، ولم يكمل الموضوع في كل مرة.
رابعا - كانت من طريقة الشيخ قدس سره. أن ينقل الروايات وأقوال
الفقهاء بالمضمون أو بصورة مقطعة وغير كاملة، ولذلك قلم نجد نصا نقله
بحرفه، ولما لم يمكن الإشارة إلى جميع موارد الاختلاف، فلذلك اقتصرنا على
الإشارة إلى ما كان مؤثرا في فهم النص بالخصوص وأعرضنا عن غيره.
هذا إذا لم نحرز أن الكلمة أو العبارة منقولة خطأ، أما إذا أحرزنا ذلك
نجد وجها لصحتها فكنا نكتب الصحيح من دون إشارة إلى الاختلاف.
خامسا - وكانت من طريقته أيضا أن ينقل الأقوال - غالبا - بالواسطة،
إن هذا يؤدي - أحيانا - إلى عدم مطابقة الحكاية مع المصدر المنقول عنه.
وأما سبب نقله على نحو الحكاية فمن المحتمل أن يكون: إما قلة
المصادر لديه، كما هو المعروف عنه، فإنه صرح في موضع من كتاب الصوم:
أنه " لم يوجد عنده من كتب الأخبار غير الاستبصار (1).

(1) راجع الصوم: 195 " من طبعتنا، فإنه قال قدس سره: " كيف كان فلم أعثر على
إجماع أو دليل يدل باطلاقه أو عمومه على وجوب قضاء الصوم على كل من لم يصم
لعذر أو لغيره. لكن عليك بالتتبع لعلك تجد ذلك، ولا اعتبار بعدم عثوري، لقلة
الكتب عندي، وليس عندي من كتب الأخبار إلا الاستبصار ".
43

وإما لعدم مباشرته للفحص عن الأقوال، حيث كان يحيل مسؤولية
القيام بذلك إلى غيره، لضعف بصره، أو لعدم اتساع وقته.
وكان يعتمد - على الأغلب - في نقله على المناهل، والمستند، ومفتاح
الكرامة، وجواهر الكلام، وإن لم يشرح بذلك غالبا.
سادسا - وكانت من طريقته أيضا أن ينقل أقوالا من دون نسبة إلى
قائليها أو الكتاب الذي اعتمد عليه في النقل، فربما استغرقت عدة ساعات
لاستخراج قول لم يصرح الشيخ لا بقائله ولا بمحله، وما أكثر ذلك في
منقولاته.
سابعا - إن أغلب ما كتبه قدس سره. - غير المكاسب والرسائل - لم يكن
تاما، بل كان يكتب حول موضوع ما ثم يتركه قبل إتمامه وينتقل إلى
موضوع جديد، فنراه قد كتب في كل من الصوم والزكاة والخمس تارة
شرحا للارشاد، وتارة بصورة مستقلة، وزاد في الصوم شرح القواعد أيضا
وفي كل ذلك لم يكتمل الموضوع.
كما نرى كثيرا ما يترك صفحة أو أزيد أو أقل منها بياضا، ولعله
لاحتمال أن يضيف إليه بعد ذلك ما يراه مناسبا.
ثامنا - إنه لم يتقيد بالمتون التي قام بشرحها كالإرشاد والشرائع
والقواعد، بل ربما كان يقتصر على بعض العبارات ويحذف بعضا آخر.
ومع كل ذلك فقد نهض الأفاضل من إخوتنا في لجنة التحقيق بتحمل
أعباء المسؤولية رغم الضغوط والطلبات المتزايدة في تسريع العمل.
44

طريقتنا في التحقيق:
والمنهج الذي اتبعناه في التحقيق بصورة عامة كان على النحو
التالي:
أولا - استنساخ الكتاب من نسخة ذات ميزة.
ثانيا - مقابلة المستنسخ مع جميع النسخ، وبذلك كانت تتحقق مطابقة
المستنسخ مع ما انتسخ منه، ثم ضبط اختلافات النسخة مع سائر النسخ
مقدمة لتقويم النص.
وربما عثرنا بعد اجتياز هذه المرحلة على نسخة جديدة لكنا كنا نكرر
عملية المقابلة معها أيضا حرصا على الأمانة.
ثالثا - استخراج مصادر الروايات والأقوال، وكانت عملية الاستخراج
تتم - غالبا - في مرحلتين:
الأول - الاستخراج الابتدائي حيث كان بعض الإخوة يقومون بذلك.
الثانية - مراجعة الاستخراجات بدقة كاملة ليحصل الاطمئنان، وربما
دعت الحاجة إلى المراجعة أكثر من مرة.
رابعا - تقويم النص وضبطه، وهنا كنا نقدم - عند الاختلاف - نسخة
الأصل أي مخطوطة المؤلف قدس سره - لو كانت موجودة - فنجعلها في المتن،
ونشير إلى اختلاف سائر النسخ في الهامش. وأما إذا لم تكن نسخة الأصل
موجودة، فكنا نقدم ما هو الصحيح في رأينا ونشير إلى ما سواه في الهامش.
ولا بد من أن نشير إلى أن النسخ كانت تتواجد فيها أخطاء إملائية
45

وأدبية، وكان من اللازم تصحيحها، ولم نر وجها للإشارة إليها، نعم لو كان
فيها محمل للصحة أثبتناها وأشرنا في الهامش إلى ما هو الأصح في رأينا
خامسا - تنظيم المتن والهوامش تنظيما فنيا ودقيقا.
سادسا - مراجعة الكتاب مراجعة دقيقة وإعداده لصف الحروف
وكانت هذه المرحلة تتطلب منا جهدا كبيرا لا يقل عن الجهد الأول حيث
يقابل الكتاب عدة مرات تزيد في الغالب على العدد المتعارف في طبع
الكتب.
سابعا - وبعد صف الحروف وتنظيم الصفحات كانت تتم مراجعة
الكتاب بصورة نهائية ومن جميع النواحي، وربما تكررت المراجعة - في هذه
المرحلة بالذات - أكثر من مرة، بل ربما وصلت إلى أربع أو خمس مرات
ثامنا - إعداد الفهارس الفنية والمفيدة للكتاب.
ومما أضفناه خلافا للعادة الجارية هو جعل عناوين جانبية
لموضوعات الكتاب، احترازا من جعل عناوين خارجة عن الكتاب
متنه، وهذا - في رأينا - يساعد على فهم الكتاب والعثور على مواضيعه
بسهولة من دون أن يحصل تصرف في متنه.
كانت هذه هي المراحل التي كنا نجتازها في كل كتاب أو رسالة
وبدقة خاصة، وباشتراك مساعي الإخوة المحققين الحميدة، ولا يمكنني الآن
أن أجسد مدى ما كان يلاقيه إخوتنا من الصعوبات الكثيرة، نسأل الله
تعالى لنا ولهم مزيد التوفيق لخدمة فقه أهل البيت عليهم السلام.
46

هذا الكتاب
وأما كتاب الطهارة - وهو الكتاب الذي نقدم له - فهو من كتب الشيخ
الأعظم قدس سره. المهمة، وقد لا تقل أهميته عن المكاسب والرسائل، لما احتواه
من تحقيقات قيمة في الموضوع.
والكتاب مشتمل على قسمين:
الأول - شرح الشرائع:
وهو شرح مزجي لقسم من الشرائع يبتدئ من أول الطهارة وينتهي
في بيان أحكام الجنابة.
الثاني - شرح الإرشاد:
وهو شرح مزجي لكتاب إرشاد الأذهان للعلامة الحلي قدس سره. يبتدئ
من المقصد الثاني: في الحيض، إلى آخر كتاب الطهارة.
47

طريقة التحقيق:
ولأجل أن يكون القراء، الكرام على علم بخصوصيات الكتاب وكيفية
تحقيقه نشير إلى النكات التالية:
أولا - النسخ المعتمد عليها:
لما كان كتاب الطهارة مطبوعا في زمن الشيخ الأنصاري قدس سره
وتعددت طبعاته، ولم نعثر على المخطوطة الأصلية (مخطوطة الشيخ قدس سره)
فلذلك اكتفينا بما هو مطبوع. وعمدنا إلى جمع ما وقفنا عليه من النسخ
المطبوعة لحد الآن وبلغت خمس نسخ، وهي كالآتي:
النسخة الأولى:
وهي المطبوعة في حياة المؤلف قدس سره أي في عام (1275) (1) جاء في
أولها: " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام.
على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
الركن الأول في الماء المطلق... ".
وجاء في آخرها: ".. فقد عرفت ضعفه من حيت حكومة أدلة نفي
الضرر على عموم، الناس مسلطون على أموالهم، والحمد لله أولا وآخرا "
ثم أضيفت العبارات التالية - من قبل القائمين بطبع الكتاب -: " حمدا
لله الذي لا يتم أمر دون حمده على آلائه، والصلاة على خير من بعث
للرسالة وعلى آله.
وبعد، فهذه المجموعة الشريفة - الحاوية للدرر الملتقطة والمؤلفة

(1) كما جاء في آخر صفحة من الكتاب المحتوي على الطهارة وعدة رسائل أخرى.
48

المشتملة للغرر المنتخبة في أبواب الطهارة وسائر المسائل المتفرقة من
تصنيفات النحرير المحقق والعلامة المدقق فريد دهره ووحيد عصره مؤسس
العلوم بأحسن الأساس، ومقربها إلى أفهام ذوي النهى من الناس، من كلت
الألسن عن بيان صنوف فضائله، وعجزت أقلام الكتبة عن الوصول إلى
نهاية محاسنه، بل أوائلها (1) الذي أكمل الله بوجوده الشريف، الحجة على
عامة البرية، شيخنا وأستاذنا كهف التقى، علم الهدى، الحاج الشيخ مرتضى
الأنصاري دام عزه وعلاه في عقباه وأولاه لما كانت من أجل الكتب
المصنفة والمرغوبة عند أهل العلم والفضل بحيث لم يف كتابة الكتاب لرفع
الحاجة، قد ساعد التوفيق لجمع من العلماء الأذكياء والفضلاء لتكثير نسخها
طريق الانطباع (2) بعد صرف الهمة وبذل السعة في تصحيحها وإخراج الغث
من سمينها مع النسخة المصححة بإملائه الشريف ونظره المنيف، والمرجو من
الله أن ينتفع بها الطالبون ويستفيد منه الراغبون إنه القادر على ما يشاء
وبيده أزمة الأشياء ".
وقد طبعت مع هذه الطبعة من الطهارة الرسائل التالية:
1 - التقية 2 - العدالة 3 - القضاء عن الميت 4 - المواسعة
والمضايقة 5 - قاعدة " من ملك شيئا ملك الاقرار به " 6 - قاعدة " نفي
الضرر والضرار ".
وقد رمزنا لهذه النسخة ب‍ " الف ".
وتقدمت مكتبة آية الله المرعشي قدس سره. بمصورة الكتاب مشكورة.

(1) في النسخة: أوائله.
(2) أي الطباعة.
49

النسخة الثانية:
والظاهر أنها أول نسخة طبعت بعد وفاته أي عام (1284). وهي
كالنسخة الأولى إلا أن في ذيلها بدل عبارة: " الذي أكمل الله بوجوده... دام
عزه وعلاه في عقباه وأولاه " العبارة التالية:
" مربي الفضلاء الكرام بل أستاذ العلماء الأعلام، الراحل من دار الفناء
الواصل إلى دار البقاء، مرتضى المصطفى، ومصطفى المرتضى... ".
وهي دالة على أن طبع الكتاب تم بعد وفاته قدس سره..
والرسائل الملحقة بها هي نفس الرسائل الملحقة بالنسخة الأولى.
ورمزنا لها ب‍ " ب " كما وتقدمت مكتبة آية الله المرعشي قدس سره.
بمصورة هذا الكتاب أيضا.
النسخة الثالثة:
وهي نسخة مطبوعة عام (1298) تشتمل - مضافا إلى كتاب الطهارة -
على الزكاة والخمس والصوم.
ورمزنا لها ب‍ " ج ".
النسخة الرابعة:
وهي مطبوعة عام (1303).
وقد تفضل بهذه النسخة سماحة آية الله السيد محمد الرجائي دامت بركاته.
وهي تحتوي مضافا إلى الطهارة على كتب: الزكاة والخمس والصوم.
ورمزنا لها ب‍ " ح ".
النسخة الخامسة:
والظاهر أنها مستنسخة عام (1303) ومطبوعة عام (1307).
تفضل بهذه النسخة صاحب الفضيلة المحقق سماحة حجة الاسلام
50

والمسلمين الشيخ محمد باقر حسن پور.
وتحتوي كسابقتها على كتب الزكاة والخمس والصوم.
ورمزنا لهذه النسخة ب‍ " ع ".
وتبين لنا خلال العمل أن النسخة الأخيرة، وهي نسخة " ع " أصح
من غيرها من النسخ، ولذلك اعتمدنا عليها أكثر من غيرها.
منهج التحقيق في هذا الكتاب:
انتهجنا في تحقيق هذا الكتاب - كسائر كتب الشيخ قدس سره. - الاعتماد
على لجان متعددة تقوم كل منها بمهمتها الخاصة بها، فلذلك تشكلت اللجان
التالية:
أولا - لجنة المقابلة:
وكانت مهمة هذه اللجنة مقابلة النسخ بعضها مع بعض - بعد
استنساخها باليد - وضبط موارد الاختلاف فيها.
واشترك في المقابلة: حجة الاسلام السيد هادي العظيمي، وحجة
الاسلام الشيخ محمد نقي الراشدي، والأخ صادق الحسون. وربما شاركهم في
ذلك آخرون في فترات قصيرة.
ثانيا - لجنة الاستخراج:
وكانت مسؤولية هذه اللجنة استخراج مصادر النصوص أي الآيات
والروايات والأقوال.
وتشكلت اللجنة من أصحاب السماحة:
1 - حجة الاسلام والمسلمين السيد يحيى الحسيني الأراكي الذي
استخرج قسما وافرا من الكتاب.
51

2 - حجة الاسلام والمسلمين الشيخ صادق الكاشاني.
3 - حجة الاسلام والمسلمين الشيخ حافظ النجفي.
4 - حجة الاسلام والمسلمين السيد جواد الشفيعي.
5 - حجة الاسلام والمسلمين الشيخ علي أكبر محراب زاده.
6 - حجة الاسلام والمسلمين الشيخ مصطفى الهروي.
7 - حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد تقي الراشدي.
ثالثا - لجنة مراجعة الاستخراجات:
وتكفلت هذه اللجنة بمراجعة الاستخراجات مراجعة دقيقة
للتأكد من صحتها واستخراج ما تبقى منها. وتألفت هذه
اللجنة من:
1 - سماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد باقر حسن پور
الذي بذل جهدا واسعا في هذا الكتاب بصورة عامة، وفي هذا الكتاب
بصورة خاصة.
2 - سماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ مرتضى الواعظي، الذي
بذل جهده - أيضا - في المشروع، وفي هذا الكتاب بصورة خاصة.
رابعا - لجنة تقويم النص والمراجعة النهائية:
وكانت مهمة هذه اللجنة تنظيم وعرض متن صحيح من
الكتاب، من مجموع النسخ، والإشارة إلى مواضع الاختلاف بينها.
وتكونت هذه اللجنة من:
1 - سماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ رحمة الله الرحمتي الذي
كان له دور كبير في تحقيق متن هذا الكتاب وتقويم نصه بالخصوص وكتب
أخرى كما سيشار إلى ذلك في محله إن شاء الله تعالى.
52

2 - سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد محمد جواد الجلالي الذي
قام بمراجعة الكتاب مراجعة عامة من ناحيتين: من ناحية المتن والهوامش،
ومن الناحية الفنية، كما تكفل ذلك بالنسبة إلى غير كتاب الطهارة أيضا.
وهنا نرى من اللازم أن ننبه إلى عدة نقاط مهمة، وهي:
أولا - لما لم تكن لدينا النسخة الأصلية - أي مخطوطة المؤلف قدس سره -
لكتاب الطهارة فلذلك قنا بتصحيح بعض الكلمات التي كانت تبدو أنها
مصحفة أو محرفة، أو كانت مخالفة للقواعد الأدبية من دون إشارة إلى ذلك في
الهامش.
ثانيا - رجحنا - غالبا - نسخة " ع " عند اختلافها مع سائر النسخ،
فأثبتناها في المتن وأشرنا إلى غيرها في الهامش في صورة احتمال الصواب
فيها، وأعرضنا عن ذلك في صورة القطع بالخطأ.
ثالثا - إن أغلب الروايات التي كان ينقلها الشيخ قدس سره. لم تكن مطابقة
للمصدر، ولما لم يمكن الإشارة إلى جميع الاختلافات فلذلك لم نشر إلى
الاختلافات الجزئية والتي لا دخل لها في معنى الحديث، بل أثبتنا الحديث
طبقا لما هو موجود في الكتاب.
وأما الاختلافات المؤثرة في المعنى، فإن كانت المصادر الحديثية متفقة
فيما بينها فأثبتنا ما هو المطابق لها وأعرضنا عن ذكر اختلاف النسخ وإن
كانت المصادر مختلفة فيما بينها أيضا أثبتنا ما هو متفق مع إحدى النسخ
وأشرنا - في الهامش - إلى بقية النسخ في صورة احتمال صحتها.
وأما الأقوال المنقولة فلما لم تكن منقولة بلفظها غالبا، بل منقولة إما
بالمعنى، أو مع التلخيص، فلذلك لم نشر إلى الاختلافات فيها أيضا إلا إذا
53

كانت مؤثرة في المعنى.
وختاما: نشكر الله تعالى على ما وفقنا له من تقديم هذه
الخدمة المتواضعة إلى المجالات العلمية، كما ونسأله تعالى أن يزيد
في توفيق إخوتنا الأعزاء في لجنة التحقيق الذين بذلوا قصارى
جهدهم في هذا السبيل رغم الصعوبات والمشاكل التي واجهوها،
كما ونشكر جميع من كان لهم دور مباشر أو غير مباشر في إكمال المشروع
بصورة عامة، ونخص منهم بالذكر:
1 - مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد.
2 - مكتبة آية الله النجفي المرعشي قدس سره. في قم.
3 - مكتبة المدرسة الفيضية في قم.
4 - مكتبة مجلس الشورى الاسلامي في طهران.
5 - مكتبة جامعة طهران.
6 - مؤسسة آل البيت عليهم السلام بفرعيها " قم " و " مشهد " لمساعدتها في
تحضير النسخ الخطية.
7 - مؤسسة ولي العصر عجل الله فرجه الشريف. في خوانسار. حيث أمدتنا
بإمكانياتها وبعض خريجيها في بدء أعمالنا.
8 - مؤسسة الكلام التي قامت بصف الحروف.
9 - مجمع الفكر الاسلامي الذي جعل جميع إمكانياته في
خدمة هذا المشروع، وخاصة قسم الكامبيوتر منه، لما بذله من
خدمات وافرة، وكما نشكر الأخ الفاضل سماحة حجة الاسلام
والمسلمين الشيخ محمود درياب لما بذله من تقديم معلومات قيمة حول نسخ
54

كتب الشيخ قدس سره.
وغير هؤلاء ممن كان لهم دور ما في إنجاز هذا المشروع، فلهم جميعا
جزيل الشكر، ونسأل الله تعالى لنا وطم مزيد التوفيق، كما ونسأله أن يتغمد
الإمام الراحل - الإمام الخميني قدس سره - برحمته الواسعة، ويحفظ قائد الثورة
الاسلامية آية الله السيد على الخامنئي دام ظله ويسدد خطاه ليحرس به
الدين، إنه قريب مجيب.
مسؤول لجنة التحقيق
محمد علي الأنصاري
55

صورة الصفحة الأولى من كتاب الطهارة من النسخة المطبوعة في حياة المؤلف قدس سره
56

صورة الصفحة الأخيرة من كتاب الطهارة من النسخة المطبوعة في حياة المؤلف قدس سره
57

صورة الصفحة الأولى من كتاب الطهارة من النسخة المطبوعة بعد وفاة المؤلف قدس سره
58

صورة الصفحة الأخيرة من كتاب الطهارة من النسخة المطبوعة بعد وفاة المؤلف قدس سره.
59

كتاب الطهارة للشيخ الأعظم أستاذ الفقهاء والمجتهدين
الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره)
1214 - 1281 ه‍
الجزء الأول
اعداد
لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
61

كتاب الطهارة
الطهارة: اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم، على وجه له تأثير في
استباحة الصلاة. وكل واحد منها ينقسم إلى: واجب ومندوب.
فالواجب من الوضوء: ما كان لصلاة واجبة، أو طواف واجب أو لمس
كتابة القرآن إن وجب. والمندوب ما عداه.
والواجب من الغسل: ما كان لأحد الأمور الثلاثة، أو لدخول المساجد
. لقراءة العزائم إن وجبا. وقد يجب إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب
صومه، بقدر ما يغتسل الجنب، ولصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة.
المندوب ما عداه.
والواجب من التيمم: ما كان لصلاة واجبة عند تضيق وقتها، وللجنب
في أحد المسجدين، ليخرج به. والمندوب ما عداه.
وقد تجب الطهارة بنذر وشبهه.
وهذا الكتاب يعتمد على أربعة أركان.
63

الركن الأول
في
المياه
65

بسم الله الرحمن الرحيم (*)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين،
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
(*) من هنا يبتدئ كتاب الطهارة للشيخ الأعظم قدس سره الشريف، ولم يتعرض لشرح
ما تقدم من متن الشرائع، وإنما أوردناه إتماما للفائدة،
66

(الأول)
(في الماء المطلق)
(هو) من أوضح المفاهيم العرفية، إلا أن تعريف المصنف قدس سره.
كغيره له
بأنه: أما يستحق (1) إطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة) لأجل
الإشارة إلى امتياز أفراده من أفراد غيره عند الاشتباه، وأن المائز كون الماء
حقيقا بإطلاق الاسم المجرد عليه، بمعنى بطلان سلبه عنه، فتقييده - أحيانا -
لبيان الفرد، لا لقبح الاطلاق.
ثم لو شك في تحقق الضابط المذكور - للشك في الصدق أو المصداق -
عمل بالأصول.
(وكله طاهر مزيل للحدث والخبث) مع اجتماع شروط مفصلة في
محالها.
ولو شك في شئ منها عمل على أصالة العدم، بناء على عدم ثبوت

(1) في الشرائع: كل ما يستحق.
67

عموم يرجع إليه، عدا إطلاق قوله عليه السلام في رواية السكوني: " الماء يطهر
ولا يطهر " (1) ولا عموم له من حيث حذف المتعلق، لوروده في مقام الاهمال
في مقابل السلب الكلي المستفاد من قوله: " ولا يطهر " كما في قولك: " زيد
يحكم ولا يحكم عليه ويعطي ولا يعطى " بل ولا من. حيث كيفية التطهير
بالماء، لعدم سوقه لبيان ذلك.
نعم، لو ثبت الأمر الأول أمكن دعوى كون كيفية التطهير بالماء مبينة
عند العرف، وحصوله عندهم بغلبة الماء على المحل القذر بحيث يزيل عين
القذارة عن المحل القذر. وأما طهارة المائعات النجسة بالاستهلاك فيه، ففي
عده تطهيرا في العرف تأمل.
هذا كله حكم الماء بحسب أصل الخلقة (و) أما حكمه (باعتبار وقوع
النجاسة فيه) فيظهر بعد أن (ينقسم إلى) ثلاثة أقسام: (جار ومحقون
وماء بئر).
وتثليث الأقسام بماء البئر عند القدماء واضح، وأما عند غيرهم
فباعتبار بعض الأحكام المختصة به بعد وقوع النجاسة فيه.

(1) الوسائل 1: 100، الباب الأول من أبواب الماء، المطلق الحديث 6.
68

(القسم الأول)
[الماء الجاري]
(أما الجاري) وهو: السائل عن مادة، لا النابع مطلقا،
ولا السائل كذلك، خلافا في الأول لصريح شيخنا الشهيد الثاني قدس سره (1)
وظاهر جماعة (2) من جعل النابع مطلقا محكوما عليه بحكم الجاري مع حصر
الماء في الأقسام الثلاثة، فيكون وصفه بالجريان للغلبة، أو لجريان الاصطلاح
عليه.
وفيه: أن الغلبة لا توجب مخالفة العرف واللعنة، خصوصا في مقام
حصر الأقسام.
وأما جريان الاصطلاح، ففيه: أن عبارات أكثر من تقدم على

(1) المسالك 1: 12.
(2) كالسيد السند قدس سره. في المدارك 1: 28 والمحقق السبزواري قدس سره في الذخيرة:
116، وانظر مفتاح الكرامة 1: 61.
69

المحقق الثاني - كالمقنعة (1) والمبسوط (2) والسرائر (3) والغنية (4) والوسيلة (5)
والكافي (6) وشرح المجمل (7) والمعتبر (8) وأكثر كتب العلامة رحمه الله
والدروس (10) - ظاهرة بملاحظة عنواناتهم واستدلالاتهم على دفع النجاسة
ورفعها عن الجاري في اعتبار السيلان، فلاحظ.
وأما ما ذكر من أن النابع غير البئر عندهم بحكم الجاري، فلم يعلم
ذلك من المشهور، فيحتمل أن يكون عندهم في حكم البئر، وهو ظاهر
المحقق (11) حيث حكم بعدم تطهير القليل بالنبع من تحته، معللا بأن النابع
ينجس بالملاقاة، وجعله كاشف اللثام (12) أوضح الاحتمالين.
وفي المقنعة (13) - كما في التهذيب (14) - انفعال القليل من الغدير النابع
وتطهيره بالنزح وعدم انفعال الكثير منه، بل في مفتاح الكرامة (15) عن

(1) المقنعة: 64 و 66.
(2) المبسوط 1: 5 و 6.
(3) السرائر 1: 62.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 489.
(5) الوسيلة 1: 72.
(6) الكافي: 130.
(7) شرح جمل العلم والعمل: 56.
(8) المعتبر 1: 40 و 41.
(9) إرشاد الأذهان 1: 235 وتحرير الأحكام 1: 4 ونهاية الإحكام 1: 228.
(10) الدروس 1: 119.
(11) المعتبر 1: 51.
(12) كشف اللثام 1: 26.
(13) المقنعة: 66.
(14) التهذيب 1: 234، ذيل الحديث: 677 و 678.
(15) مفتاح الكرامة 1: 61.
70

المحقق البهبهاني: أن النابع الراكد عند الفقهاء في حكم البئر.
لكن الانصاف: أن دخول هذا القسم في الجاري أشبه بكلماتهم من
دخوله في البئر، وأبعد منهما كونه قسما ثالثا، لكنه غير مجد بعد اختصاص
أدلة أحكام الجاري عرفا ولغة بالسائل.
نعم، لو ثبت حكم لذي المادة عموما تعين جريانه فيه، كما أنه لو قلنا
بدلالة صحيحة ابن بزيع (1) - الآتية في حكم ماء البئر - على عدم انفعال
مطلق ذي المادة بما عدا التغيير أو على ارتفاع النجاسة الحاصلة من التغيير
عنه بمجرد زواله مطلقا أو باختلاطه بما يخرج من المادة وكذا لو ثبت طهارة
ماء البئر، أمكن إلحاق هذا الفرد به بالاجماع المركب وإن لم يكن بئرا.
أما طهارته على تقدير النجاسة بالنزح، فلم يثبت الالحاق فيه، وإن
جزم به بعض المعاصرين (2) نافيا عنه الريب، لكنه مستند في ذلك إلى عموم
لتعليل بالمادة في صحيحة ابن بزيغ، لا إلى عدم التفصيل بينه وبين البئر.
وأما كفاية مطلق السيلان ولولا عن مادة، فهو المحكي عن بعض
متأخري المتأخرين (3) مستندين إلى صدق الجاري على المياه الجارية عن
ذوبان الثلج خصوصا إذا لم ينقطع في السنة.
ويرده أن الاطلاق مجاز، لمشابهة تلك المياه بمياه الشطوط النابعة، ولذا
لا يطرد عرفا في كل ما تلبس بالجريان ولو كان قليلا، للقطع بصحة سلب
" الجاري " عن الماء المنصب من الكوز وغيره من الآنية، ولذا جعل في

(1) الوسائل 1: 126، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6 وستأتي في
الصفحة: 74.
(2) لم نقف عليه.
(3) حكاه الفاضل النراقي عن بعض المتأخرين من المحدثين، راجع المستند 1: 6
71

الأخبار ماء الحمام إذا كانت له مادة بمنزلة المجاري (1) مع أنه جار من المادة
حقيقة.
ومنه يظهر: أن توصيف ماء الحمام في بعض أخباره بالجريان باعتبار
المعنى اللغوي.
وقد أغرب بعض من انتصر [ل‍] - هذا القول (2) حيث استدل برواية
الميزابين الجاريين أحدهما بول والآخر ماء المطر (3) نظرا إلى شموله لماء المطر
بعد انقطاعه.
ثم لو شك في صدق الجاري لأجل الخلاف في كفاية مجرد النبع
أو السيلان، أو لخفاء صدق النبع - المفسر عن جماعة بالخروج من عين (4) -
عمل بعمومات أحكام القليل والكثير أو البئر.
وقد يمنع شمول الأولين، لأن المتيقن منهما ما لم يكن له مادة، فيبقى
المشكوك تحت عمومات عدم الانفعال إلا بالتغير، وكذا شمول الثالث، لمنع
صدق " البئر " أو انصرافه، ولذا حكى في الحدائق عن والده: عدم تطهير
مثل هذه الآبار بالترح، بل بإلقاء الكر (5).
والأخير حسن مع الشك في الصدق، أو الانصراف، أو عدم عموم
صحيحة ابن بزيع - الآتية - لجواز تطهير كل ذي مادة بالنزح.
والأول ممنوع جدا، للاطلاق - بل العموم - في تلك الأدلة، ولم يخرج

(1) الوسائل 1: 110، الباب 7 من أبواب الماء المطلق.
(2) هو الفاضل النراقي قدس سره. في المستند 1: 6.
(3) الوسائل 1: 107 الباب 5 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6.
(4) انظر المصباح المنير: 591 مجمع البحرين 4: 394، الصحاح 3: 1287.
(5) الحدائق 1: 172.
72

منه إلا الفرد المتيقن من الجاري.
" ف‍ " هو الذي اختص عند المشهور بأنه " لا ينجس " كثيره
ولا قليله بمجرد الملاقاة،
بل ادعى الاجماع على عدم الفرق صريحا في
الغنية (1) وشرح الجمل للقاضي (2) وكالصريح في المعتبر (3) وظاهرا كما عن ظاهر
الخلاف (4) وحواشي التحرير للمحقق الثاني (5) ومصابيح العلامة الطباطبائي (6).
واستدل عليه (7) - تبعا للخلاف والتهذيب - بما دل على نفي البأس عن
البول في الماء الجاري (8).
وبصحيحة ابن مسلم الواردة في الثوب الذي يصيبه البول: " وإن
غسلته في ماء جار فمرة واحدة " (9) بناء على أنه يشترط في الغسل بالماء
المنفعل بالملاقاة ورود الماء على النجاسة، وظاهر الصحيحة إيراد الثوب على
الجاري.
وأن ماء الحمام بمنزلة المجاري (10) فإنه ظاهر في خصوصية لمطلق الجاري
على غيره.

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 489.
(2) شرح جمل العلم والعمل: 56.
(3) المعتبر 1: 41.
(4) الخلاف 1: 195، كتاب الطهارة، المسألة: 152.
(5) انظر المصابيح (مخطوط): 119.
(6) المصابيح (مخطوط): 121.
(7) نفس المصدر: 122.
(8) الوسائل 1: 107، الباب 5 من أبواب الماء المطلق.
(9) الوسائل 2: 1002 الباب 2 من أبواب النجاسات، الحديث الأول.
(10) الوسائل 1: 110 الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
73

وكذا قوله عليه السلام: " ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا " (1) بناء
على شموله للنهر الصغير.
وصحيحة ابن بزيع: " ماء البئر واسع لا يفسده شئ، إلا أن يتغير
ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم، لأن له مادة " (2) بناء
على أن التعليل إما راجع إلى الفقرة الأولى فيدل على عدم انفعال كل ذي
مادة بما عدا التغير، وإما راجع إلى الفقرة الثانية فيدل على أن كل ذي مادة
متغير ترتفع نجاسته بزوال تغيره بتجدد الماء عليه من المادة، بل بمطلق
الزوال، وهذا لا يجتمع مع انفعال قليله بالملاقاة.
ولو عورضت هذه بظواهر انفعال الماء القليل لزم على تقدير التكافؤ
الرجوع إلى عموم " خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير..
الخ "، (3) وخصوص المرسل المحكي عن نوادر الراوندي " الماء الجاري
لا ينجسه شئ " (4) وعن دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال في الماء:
الجاري يمر بالجيف والعذرة والدم: " يتوضأ ويشرب، وليس ينجسه شئ:
ما لم يتغير أوصافه، طعمه ولونه وريحه " (5) وصريح المحكي عن الفقه
الرضوي (6) المنجبر جميع ذلك بما عرفت، مضافا إلى استصحاب الطهارة
وقاعدتها.
وقد يضاف إلى ذلك أيضا: عدم الخلاف ظاهرا في أن طريق تطهير

(1) الوسائل 1: 112، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(2) الوسائل 1: 126. الباب 14 من أبواب الماء المطلق ه‍ الحديث 6، وفيه: يطيب طعمه
(3) الوسائل 1: 101، الباب 1 من أبواب الماء المطلق، الحديث 9.
(4) مستدرك الوسائل 1: 191، الباب 5 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4
(5) دعائم الاسلام 1: 111.
(6) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 91.
74

الجاري المتغير بتكاثر الماء من المادة عليه، والنابع تحتها لا يبلغ الكر غالبا،
الصبر إلى أن يبلغه لا يجدي، كما لا يخفى.
وفي أكثر هذه الوجوه نظر، لقصورها دلالة أو سندا، لولا الاجماعات
المعتضدة بالشهرة.
أما أخبار نفي البأس عن البول في المجاري: فلورودها في حكم البول
في الماء، لا الماء بعد البول، بل الرواية ساكتة عنه. كما أن قوله عليه السلام في
بعض هذه الأخبار - بعد قوله: لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري -:
وكره أن يبول في الماء الراكد " (1) لا ينافي انقسام الماء الراكد الذي يبال فيه
إلى ما ينفعل وإلى ما لا ينفعل.
والإنصاف: أن الظاهر من الماء الجاري والراكد في هذه الأخبار
ما لا ينفعل، وأن الحكم بالكراهة بعد فرض عدم انفعالهما. نعم، لو تمسك
برواية سماعة " عن الماء الجاري يبال فيه، قال: لا بأس به " (2) لم يخل من
وجه، بناء على ظهورها في السؤال عن الماء، لا عن البول فيه، فتأمل.
وأما صحيحة ابن سرحان: " إن ماء الحمام بمنزلة الجاري " (3) فهي أدل
على خلاف المطلب، بناء على اشتراط بلوغ المادة المعتبرة في ماء الحمام
- ولو بضميمة ما في الحياض - كرا، لأن مقتضى التنزيل تساوي الشيئين في
الحكم.
نعم، لو قيل: إن ماء الحمام بعد تقييده بالكرية نازل منزلة مطلق
الجاري، لثبت به المطلوب. لكنه خلاف ظاهر إطلاق اللفظ، ودليل اشتراط

(1) الوسائل 1: 107، الباب 5 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(2) الوسائل 1: 107، الباب 5 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4.
(3) الوسائل 1: 110 الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول
75

الكرية في ماء الحمام لا يوجب ملاحظة التقييد فيه في هذا التنزيل، بل
لا وقع للتنزيل بعد أخذ الكرية فيه، فكأنه قال: " الكر بمنزلة الجاري "،.
فالانصاف: حمل الرواية - بناء على اعتبار الكرية في ماء الحمام - على
تنزيله بمنزلة الجاري في تجدد الماء النظيف منه تدريجا، فترتفع القذارة
المتوهمة من ملاقاة بعضه للنجاسة، فإن الماء الراكد - ولو كان كرا - مورد
لتوهم استقرار القذارة المتوهمة من الملاقاة فيه، فهذا التنزيل لدفع ما في
النفس من الاستقذار الناشئ من ملاقاة النجاسات، فليس الكلام مسوقا
لبيان حكم الجاري من حيث اعتبار الكثرة فيه وعدمه.
ومنه يعلم عدم صحة الاستدلال برواية ابن أبي يعفور المرسلة: " ماء
الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا " (1) فإن السؤال فيها عن حكم ماء الحمام
مع اغتسال اليهودي وشبهه فيه، فالمراد بالتطهير فيه: إما رفع القذارة
المتوهمة منه من الملاقاة، وإما دفع القذارة الشرعية واعتصامه عن الانفعال
فالمراد بالتطهير حفظ الطهارة، كما في آية التطهير (2) وآية تطهير مريم (3)، لا
رفع النجاسة المتحققة.
وأما ما ذكره بعض الفحول (4): من أن المراد الرفع ويعلم حكم
السؤال - أعني الدفع - من الفحوى، فما يأباه الذوق السليم، مع أن رفع
النجاسة المتحققة في بعض النهر أو بعض ماء الحمام لا يكون بأي بعض
وعلى أي وجه - على ما هو ظاهر عموم الرواية - بخلاف دفعها، فإن كل

(1) الوسائل 1: 112، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(2) الأحزاب: 33.
(3) آل عمران: 42.
(4) الظاهر أنه العلامة الطباطبائي قدس سره، انظر المصابيح (مخطوط): 141
76

بعض منه معتصم بالبعض الآخر.
ومنه يظهر أن الرواية أدل على خلاف المطلوب، حيث إن ظاهرها
اعتصام ماء النهر بعضه ببعض لا بالمادة، فيدل على اعتبار كثرته في
اعتصامه، وأيضا فمقتضى المماثلة المساواة من الطرفين، ومن المعلوم: أن رفع
النجاسة المتحققة في ماء الحمام لا يكون إلا بالمادة البالغة كرا فمقتضى المماثلة
اعتبار ذلك في الجاري إذا تنجس بعضه، وهذا عين مذهب العلامة في
الجاري (1).
هذا، مع أن في اختصاص لفظ " النهر " بالنابع ثم في شموله لما دون
الكر تأملا أو منعا.
وأما صحيحة ابن بزيع (2): فيحتمل فيها رجوع التعليل إلى ترتب
ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح، لأن هذا الترتيب (3) مستند إلى المادة،
فيكون - كما ذكره شيخنا البهائي في الحبل المتين (4) - بمنزلة قول الرجل:
" لازم غريمك حتى يوفيك حقك، فإنه (5) يكره ملازمتك " ودعوى ظهوره
في الرجوع إلى ما ذكر في الاستدلال عرية عن الشاهد.
وأما ما ذكر في طريق تطهير الجاري إذا تنجس (6): فهو شئ لم يذكره
عدا من نص على عدم انفعال القليل من الجاري بالملاقاة، فلا يكون فيه
حجة على من خالفهم.

(1) نهاية الإحكام 1: 228.
(2) تقدمت في الصفحة: 74.
(3) كذا في النسخ، والأنسب: الترتب.
(4) الحبل المتين: 117.
(5) في المصدر: لأنه.
(6) تقدم في الصفحة: 74 - 75.
77

نعم، قد ذكره العلامة أيضا في المنتهى (1) مع قوله بانفعال قليل الجاري
ولا بد من حمل كلامه على ما إذا علم كرية الطاهر الغالب على المتنجس
المتغير ولو بضميمة ما في المادة، فإن الظاهر أنه يكفي عند مشترط الكثرة
في الجاري بلوغه مع ما في المادة كرا لكن عليه أن يراعي ما يعتبر في
اعتصام الكر من تساوي سطح الماء أو كون العالي كرا.
وأما صحيحة ابن مسلم (2): فالاستدلال بها مبني على الفرق بين
الورودين، وسيأتي الاشكال فيه،
مع أنها على تقدير التسليم - كالمحكي عن
النوادر والدعائم والرضوي (3) - معارضة بإطلاق أدلة إناطة الاعتصام
بالكثرة، والتقييد في إطلاقات الجاري اخراج للفرد النادر، لأن ما لا يبلغ مع
ما في المادة بل بنفسه كرا قليل، بخلاف تقييد الماء بغير الجاري في أدلة إناطة
الاعتصام، فإنه اخراج للفرد المتعارف.
ودعوى: أن الخارج عن أحد الاطلاقين هو الجاري القليل
- ولا يتفاوت الحال بين خروجه عن إطلاقات المجاري أو عن تلك
الاطلاقات - مدفوعة: بأن الخارج من أدلة إناطة الاعتصام بالكثرة - في
مثل قوله عليه السلام بعد السؤال عن الماء الذي لا ينجسه شئ: " إنه الكر من
الماء (4) وقوله: " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (5) ونحو ذلك - هو
مطلق الجاري، فيكون المقسم في هذه الأدلة هو الماء الراكد، وهذا أبعد من

(1) المنتهى 1: 64.
(2) تقدمت في الصفحة: 71.
(3) راجع الصفحة: 74.
(4) الوسائل 1: 118 ه‍ الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7، ولفظ الحديث
فقال: كر.
(5) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.
78

تقييد الجاري بما يبلغ الكره كما لا يخفى على المنصف.
هذا، مضافا إلى شهادة الاعتبار بأن المعيار في عدم تأثير النجاسة في
الماء هي غلبة الماء واستهلاكه لها، والنبع عن مادة لا دخل له في ذلك. لكن
يوهن هذا الاعتبار ملاحظة حكم ماء المطر، فتأمل.
وأما ما ذكر (1) من الرجوع إلى عموم " خلق الله الماء طهورا
لا ينجسه شئ " وأنه المرجع بعد التكافؤ (2) فهو مبني على عدم كون
الانفعال من مقتضيات نفس الملاقاة وكون الجريان كالكرية عاصما مانعا من
النجاسة.
لكن فيه تأمل، من ظهور قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " خلق الله الماء طهورا
لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه... الخ " (3) في أن الماء بنفسه غير قابل
للانفعال، خرج من ذلك الراكد حيث دلت أدلة الكرية على أن اعتصامه
وعدم انفعاله لأجل كريته لا لنفسه، ومن ضعف الرواية، فيجب العمل
بمقتضى أدله الكرية الظاهرة في كون الماء بنفسه قابلا للأفعال بالملاقاة إلا إذا
كان كرا، فإن الكرية توجب عدمه.
ومنه يظهر عدم التكافؤ الموجب للرجوع إلى الأصل.
ثم إن الشهيد قدس سره. قال في الدروس: ولا يشترط فيه - أي في
الجاري - الكرية على الأصح، نعم يشترط دوام النبع (4)، انتهى. ولم يتضح
لمن تأخر عنه مقصوده من " دوام النبع " لأن ظاهره غير مراد قطع،

(1) كذا في " ع "، وفي غيره: ذكره.
(2) تقدم ذكره في الصفحة: 74.
(3) الوسائل 1: 101، الباب الأول من أبواب الماء المطلق، الحديث 9.
(4) الدروس 1: 119.
79

فيحتمل: أن يحترز بذلك عن العيون التي تجري في الشتاء وتجف في الصيف
وأن يحترز به عن مثل الآبار، حيث إنها تنبع حتى يعلو الماء إلى
مقابل النبع فيقف، فإذا نقص منه أخذ في النبع.
وأن يحترز به عما ينقطع زمانا لعارض - من سد المادة ونحوه - فيعتبر
الجريان حين ملاقاة النجاسة.
وأن يحترز به عن العيون الصغار التي ترشح آنا فآنا بحيث لا يتصل
نبعه
والقابل للإرادة والمحتاج إلى البيان هو الاحتمال الثاني، فتكون العيون
الراكدة عنده غير ملحقة بالجاري، ويكون الجريان فعلا معتبرا. وهو الحق
على تقدير عدم اعتبار الكرية، لأنه المتيقن من الأدلة السابقة ومن معقد
الشهرة والاجماعات المتقدمة، لما عرفت أن الجاري عندهم هو السائل عن
نبع.
نعم، لو كان مدرك المحكم صحيحة ابن بزيغ عم الحكم لمطلق ذي
المادة بشرط اتصاله بها.
وكيف كان: فالجاري لا ينجس (إلا باستيلاء) أثر عين (النجاسة)
ولو في ضمن متنجس، على ما هو الغالب من تغير الجزء البعيد من الماء
بالجزء القريب المتغير بعين النجاسة الواقعة فيه، بل ولو لم يقع في الماء
إلا المتنجس المتغير بعين النجاسة، كالماء المتلون من الدم.
ودعوى: عدم شمول الأخبار لذلك واختصاصها بما إذا وقع عين
النجاسة فغيرته ولو بالواسطة، يدفعها أن المناط تغير الماء بأثر النجاسة،
لا تغيير عين النجاسة للماء، كما يشهد به صحيحة ابن بزيع: " يفسده شئ
80

إلا أن يتغير ريحه أو طعمه " (1) وصحيحة حريز: " كلما غلب الماء على ريح
الجيفة فتوضأ واشرب، وإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ
ولا تشرب) (2).
واحترز (3)، بعين النجاسة عن أثر المتنجس، فإنه لا يوجب الانفعال،
لظهور الأدلة في الاختصاص، فإن ظاهر " الشئ " في قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه " (4) هو نجس العين، لأن المتنجس إنما
ينجس ما يلاقيه بواسطة نجس العين، مع أن بعض الأخبار مشتمل على
القرينة لذلك، مثل قوله عليه السلام في صحيحة ابن بزيع: " لا يفسده
شئ إلا ما غير لونه أو طعمه، فينزح حتى يطيب الطعم " [ويذهب
اللون (5) فإن طيب الطعم] (6) قرينة على إرادة نجس العين من
الموصول (7).
وظاهر المبسوط (8) والمعتبر (9) والتحرير (10) أن المضاف المتنجس إذا

(1) الوسائل 1: 126 الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6.
(2) الوسائل 1: 102 الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(3) الظاهر أن مرجع الضمير هو الماتن، لكن كلمة " عين " غير موجودة في متن
الشرائع، إلا أن يقرأ بصيغة المجهول.
(4) الوسائل 1: 101 الباب الأول من أبواب الماء المطلق، الحديث 9.
(5) في المصدر: إلا أن يتغير ريحه أو طعمه، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه "
وقد تقدمت في الصفحة: 74.
(6) ما بين المعقوفتين ليس في " ع ".
(7) ليس في صحيحة ابن بزيع: " ما " الموصولة، انظر الهامش (5).
(8) المبسوط 1: 5.
(9) المعتبر 1: 84.
(10) التحرير 1: 5.
81

اختلط بالماء المطلق الكثير وبقي أحد أوصاف المضاف لم يطهر. واستفيد من
ذلك حكمهم بأن المتغير بالمتنجس ينجس. وفي الاستفادة تأمل. لكن هذا
القول مشهور عن الشيخ.
وكيف كان: فيكفي في الحكم بالطهارة أصالة عدم الانفعال.
ولو عورضت في بعض الموارد - كما إذا التي مائع متنجس في الماء -
بأصالة بقاء نجاسته، رجع بعد التساقط إلى قاعدة طهارة الماء، كما في الماء -
المتنجس (1) المتمم كرا بطاهر.
ثم إن الانفعال بالاستيلاء، (على أحد أوصافه) المعهودة في النص
والفتوى - وهي الطعم والريح واللون - مما لا ريب ولا خلاف فيه، والأخبار
بالأولين متواترة (2) وفي الثالث مستفيضة (3)
وإن تأمل فيه بعض (4) لعدم عثوره فيه على خبر صحيح.
وفيه: أن غير الصحيح قد يبلغ بالجبر مرتبة الصحيح، فيكفي ما تقدم
عن دعائم الاسلام (5) مضافا إلى غيره.
ففي الصحيح المحكي عن بصائر الدرجات بسنده عن شهاب بن
عبد ربه، قال: " أتيت أبا عبد الله عليه السلام أسأله، فابتدأني فقال: إن شئت
فاسأل يا شهاب وإن شئت أخبرناك بما جئت، قال: قلت: أخبرنا جعلت

(1) في " ألف ": النجس.
(2) الوسائل 1: 102، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الأحاديث 1 و 4 و 6 و 9 و 11
و 12 و 13، والباب 14، الحديث 6 و 7.
(3) الوسائل 1: 102، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3 و 7.
(4) تأمل فيه الشيخ البهائي قدس سره في الحبل المتين: 106 والمحقق السبزواري قدس سره.
في الذخيرة: 116.
(5) تقدم في الصفحة: 74.
82

فداك - وساق السائل إلى أن قال - جئت تسألني عن الماء الراكد الغدير
يكون فيه الجيفة أتوضأ منه أو لا؟ قال: نعم، قال: توضأ من الجانب الآخر،
إلا أن يغلب على الماء الريح فينتن، وجئت تسألني عن الماء الراكد من البئر،
قال: فما لم يكن فيه تغير أو ريح غالبة. قلت: فما التغير؟ قال: الصفرة،
فتوضأ منه، وكلما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر... الخبر " (1). وذكر
خصوص الصفرة لبيان اللون الحاصل من الجيفة.
وفي رواية العلاء بن فضيل عن الحياض يبال فيها؟ قال: " لا بأس
إذا غلب لون الماء لون البول (2) وليس فيه إلا محمد بن سنان، وقد ذكر
بعض المتأخرين (3) قرائن الاعتماد على روايته، مثل رواية الأجلاء عنه،
خصوصا صفوان الذي لا يروي إلا عن ثقة، مع انجبار الضعف - على
تقديره - بالاجماعات المستفيضة.
وما دل على الانفعال بمطلق التغير، ففي
رواية أبي بصير عن الماء النقيع تبول فيه الدواب، فقال: " إن تغير الماء فلا
توضأ منه، وإن لم يتغير بأبوالها فتوضأ منه، وكذلك الدم إذا سال في الماء
وأشباهه " (4).
ثم إن مقتضى إطلاق بعض الأخبار وإن كان كفاية مطلق التغير
- ولو بالمجاورة - مثل صحيحة ابن بزيع: " ماء البئر واسع لا يفسده شئ

(1) بصائر الدرجات: 238، الحديث 3 1. والوسائل 1: 119، الباب 9 من أبواب
الماء المطلق، الحديث 11، مع اختلاف كثير.
(2) الوسائل 1: 104، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(3) لم نقف عليه بالخصوص، لكن وثقه جمع من الأعلام قدس الله أسرارهم، مثل السيد
ابن طاووس، والسيد الداماد، والمجلسيين، والشيخ الحر في خاتمة الوسائل، وغيرهم.
راجع تنقيح المقال 3: 126.
(4) الوسائل 1: 103، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3.
83

إلا أن يتغير ريحه أو طعمه " (1) وغيرها، إلا أن الظاهر منها ومن غيرها وقوع
الاستثناء عما يلاقي الماء لا عن كل شئ،
فإن الظاهر المتبادر المركوز في
أذهان المتشرعة من قول القائل: " هذا ينجس الماء أو الثوب " حصول ذلك
بالملاقاة، ولذا لم يحتمل أحد في مفهوم " إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه
شئ " (2) حصول الانفعال للقليل بمجاورة النجاسة.
ولو خرج بعض الجيفة عن الماء وعلم استناد التغير إلى مجموع
الداخل والخارج، فالظاهر انفعاله، لصدق تغيره بما وقع فيه. ولو شك في
استناده إلى خصوص أحدهما، فالأصل الطهارة.
ولا عبرة بغير الأوصاف الثلاثة (3)، للاجماع الظاهر المصرح به في
محكي الدلائل (4) وشرح المفاتيح (5) واستظهر من كل من اقتصر في معقد
إجماعه على الأوصاف الثلاثة، مضافا إلى الحصر المستفاد من عموم الأخبار
المتضمنة لبيان الثلاثة أو بعضها.
ولو تغير ما لا ينفعل بالملاقاة - كالسطح العالي المتغير بسبب وقوع
النجاسة الصغيرة في السافل - فني انفعاله، للعمومات (6) وعدمه، لأن الظاهر أن
التغير إنما ينجس ما يقبل الانفعال لو كان قليلا، والعالي ليس كذلك
- فكأنه تغير بالمجاورة - وجهان: أقواهما الأول، بناة على صدق الماء

(1) الوسائل 1: 126، الباب 14 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 6.
(2) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الأحاديث 1 و 2 و 5 و 6.
(3) في " ألف " و " ب " زيادة: وإن خالف إطلاق أخبار مطلق التغير.
(4) لم نقف عليه ولا على مؤلفه، انظر الذريعة 8: 239 ولم نقف أيضا على من حكاه عنه
(5) مصابيح الظلام (مخطوط): 517.
(6) الوسائل 1: 102، الباب 3 من أبواب الماء المطلق.
84

واحد على المجموع، وعدم انفعال بعضه العالي بملاقاة السافل للنجاسة إنما
هو بإجماع، فتأمل.
ثم اعلم أن المراد من صفة الماء المتغيرة أعم من صفة نوعه، أعني
اللون والطعم والريح الثابتة لطبيعة الماء، وإن كانت طبيعته خالية عنها أو عن
بعضها، لكن المراد بصفاتها الطبيعية مقابل الصفات العارضة له، ومن صفة
صنفه كماء النفط والزاج والكبريت، ومن صفة شخصه كالماء الأحمر، فإذا
زالت حمرته بسبب ملاقاة عين النجاسة وصار ماء صافيا فالأظهر نجاسته،
الحصول التغير عرفا، فإن هذا الصفاء هو صفاء النجاسة الواقعة فيه كالبول
الصافي مثلا.
خلافا لبعض (1) فلم يعتد بالصفات العارضية للماء، فزوالها بالنجاسة
" لا يوجب عنده تغيره بها حتى ينجس، ووجودها لا يمنع من تنجس الماء
بالنجاسة إذا كانت مغيرة له لولا هذه الصفات، كما سيأتي منه (2).
والأظهر عندنا أن المستفاد من الأخبار إناطة نجاسة الماء بظهور أثر
النجاسة فيه الموجب للتغيير والاستقذار وإن كان بإزالة صفاته العارضة،
وإناطة طهارته بعدم ظهور أثر النجاسة ولو للمانع العارضي فيه،
كما لو فرضت مثل الحناء الذي لونه أخر قبل الرطوبة وأحمر بعدها، ومن
وذلك ما لو وقعت على لون فأحدث لونا آخر، كما إذا وقع لون الزرقة على
الصفرة فيصير أخضر، فإن هذا المحسوس هي الزرقة القائمة بجسم أصفر.
ومن هذا القبيل الصفرة الحاصلة للماء من قليل الدم، فإن لوني المحمرة

(1) الظاهر أن المراد به العلامة ومن تبعه، مثل ولده فخر المحققين والمحقق الثاني
وابن فهد في الموجز، كما سيأتي.
(2) يأتي في الصفحة: 87.
85

والبياض إذا تأثر كل منهما بالآخر فتحدث الصفرة، فالاستهلاك يحصل من
الطرفين.
توضيح ذلك: أن الماء إذا خالف النجاسة في نوع اللون أو شخصه
فتلونه بلونها ليس بانتقال نفس العرض منها إليه، وإنما هو بتلاشي أجزاء
ذي اللون في الماء فترى تلك الأجزاء كالمتصل الواحد، فيحصل التأثير
والتأثر من الطرفين، لكن قد يحصل الاستهلاك من أحدهما لغلبة اللون فيه
والحاصل من تأثير الآخر ليس إلا التخفيف في اللون الغالب لا إلى حد
الاستهلاك، فإن كان الغالب الماء فهو طاهر، وإن كان النجاسة فهو نجس
وقد يحصل الاستهلاك من الطرفين، فيحصل لون ثالث، كالخضرة والصفرة في
المثالين المذكورين، وإن أبيت عن صدق الاستهلاك من الطرفين سمه تأثير
وتأثرا
وأما إذا ساواها في اللون نوعا وشخصا فلا يحصل استهلاك أصلا،
فإن زيادة اللبن - مثلا - على اللبن لا يوجب تفاوتا في البياض، لاستحالة
الترجيح بلا مرجح، فلون كل جزء قائم بنفسه، ولا معنى لاستهلاكه الأجزاء
المساوية له في اللون.
ثم المساواة بينهما قد يكون من جهة عدم اللون العرفي لأحدهما، كما
في النجاسة والماء الفاقدين للون - وإن كان الجسم لا يخلو عن لون ولو
باعتبار الأجزاء الترابية الواقعة في الماء - وقد يكون من جهة ثبوت اللون
العرفي المساوي للون الآخر، سواء كان اللون فيهما أو في أحدهما بحسب
أصل الخلقة أو لعروض عارض.
وحكم هذه الصور، أنه:
إن قلنا: إن المعتبر في نجاسة الماء استهلاك النجاسة له بحيث يتأثر
86

الماء فعلا تأثيرا عرفيا - إذ الحقيقي لا بد منه عقلا - اختص الحكم بالنجاسة
بالصورة الأولى، أعني الاستهلاك المطلق للماء.
وإن قلنا: إن المناط تأثر الماء فعلا بالنجاسة وذهاب صفته السابقة،
سواء أثر هو أيضا في النجاسة وذهب بصفته السابقة كالخضرة والصفرة في
المثالين السابقين، أم بقيت عرفا - وأما البقاء الحقيقي فغير ممكن، لحصول
الضعف فيها لا محالة - لحقت الصورة الثانية - أعني الاستهلاك من الطرفين -
بالأولى.
وإن قلنا: إن المناط تأثر الماء عن النجاسة بالقوة، بمعنى كونه بحيث
لو خالف لونه لون النجاسة لاستهلكته - وعدم المخالفة بين اللونين تارة لعدم
اللون لها وأخرى لتوافق اللونين - عم الحكم الصورة الثالثة بقسميها.
وأما الفرق بين قسميها بأن التغير في القسم الثاني محسوس لكنه
مستور، فلم يفهم محصله، فإن الجسم الواحد لا يتصف بلونين.
إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم أن الأظهر في معنى الروايات هو المعنى
الثاني، وعليه فلا يعتبر التغير التقديري بأقسامه المتقدمة، أعني ما لو كانت
النجاسة فاقدة أو كانت ذات صفة، وكانت في الماء صفة مانعة عن تأثيرها،
ذاتية كانت كماء الزاج والكبريت، أو عرضية كالمصبوغ بطاهر أحمر، وهذا
هو ظاهر كل من أطلق التغير.
خلافا للمنتهى (1) والقواعد (2) حيث قال
فيهما: لو وافقت النجاسة الماء في صفاته، فالأقرب الحكم بنجاسة الماء إن
كان يتغير بمثلها على تقدير المخالفة، وإلا فلا، ويحتمل عدم التنجيس، لعدم

(1) المنتهى 1: 42.
(2) القواعد 1: 183.
87

المقتضي، وهو التغير، انتهى.
ولعل الوجه في ذلك ما اختاره في موضع آخر (1): من أن التغير
كاشف عن مؤثر التنجيس، لا أنه نفس المؤثر. ولازم ذلك: أنه إذا حصل
ما يكون علة تامة للتغير لا مانع منه إلا سبق الماء بعلة أخرى له، فتخلف
المؤثر لقصور المتأثر عن التأثر، لا لنقص في المؤثر، فيحصل النجاسة.
وفيه، أولا: منع كون التغير كاشفا، وظاهر الأخبار كونه نفس المؤثر.
نعم، قد يتراءى من بعض الأخبار إناطة الحكم بالغلبة والاستيلاء (2)
الظاهرين في اعتبار النجاسة من حيث الكمية، لكن الظاهر منها - بعد
التأمل - إرادة الغلبة من حيث الوصف، مع أن اعتبار الغلبة من حيث الكمية
يوجب عدم الحكم بالنجاسة إلا مع استهلاك الماء وخروجه عن حقيقته
لكثرة النجاسة، ولم يقل به أحد.
وثانيا: منع تحقق المؤثر فيما نحن فيه، لعدم الكاشف عنه غير التغير
المفقود بالفرض.
ثم إن ظاهر العبارة صيرورة النجاسة كالماء في كيفيته الأصلية الغالبة
فيها من عدم الوصف، لا صيرورة الماء كالنجاسة في وجود الصفة الثابتة لها
غالبا، فلا وجه لما أورده عليه جامع المقاصد: من أن حق العبارة أن يقول:
لو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات (في المجاري والكثير) (3) لأن موافقة
النجاسة الماء في الصفات صادق على نحو الماء المتغير بطاهر أحمر إذا وقع
فيه دم، فيقتضي ثبوت التردد في تقدير المخالفة في هذه الصورة، وينبغي

(1) المنتهى 1: 41.
(2) الوسائل 1: 104، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6.
(3) من المصدر.
88

القطع بوجوب التقدير حينئذ، لأن التغير هنا تحقيقي، غاية الأمر أنه مستور
عن الحس (1) انتهى.
ولا يخفى عدم صدق العبارة المذكورة على الصورة التي ذكرها،
لا يخفى على العارف المتأمل.
ثم الظاهر من جامع المقاصد: أنه لا ينبغي التأمل في التقدير فيما ذكره
من صورة عروض وصف للماء مانع من ظهور التغير، لما ادعاه من كون
التغير تحقيقا مستورا.
وحكي نحوه عن المدارك (2) والمعالم (3). وسبقهم إليه الشهيد قدس سره في
البيان، قال: إن الماء إذا كان مشتملا على ما يمنع من ظهور التغير، فحينئذ
يكفي التقدير (4).
وعن الحدائق: أنه قطع به متأخرو الأصحاب من غير خلاف
- معروف بينهم في هذا الباب (5).
وعن المصابيح: أما إذا كانت النجاسة موافقة في صفته الأصلية كما في
المياه الزاجية والكبريتية أو العارضة كما لو وقع في الماء المتغير بطاهر أحمر
دم فإن الماء ينجس قطعا، لظهور وصف النجاسة عليه حقيقة، بل قد يقال:
أنه لا بد أن تؤثر النجاسة فيه اشتدادا لتحقق التغير حسا (6) انتهى.
أقول: لا خفاء في امتناع تلون محل واحد شخصي بلونين، وقد عرفت

(1) جامع المقاصد 1: 113، بتفاوت يسير.
(2) المدارك 1: 30.
(3) معالم الدين: 17.
(4) البيان: 98.
(5) الحدائق 1: 184.
(6) المصابيح (مخطوط): 23.
89

أن تلون الماء بالنجاسة لا يكون إلا مع تأثيرها فيه فعلا، وأنه لو فرض
ممازجة جسمين متساويين في اللون لم يصر أحدهما منفعلا بلون الآخر، بل
كل جزء من المجموع مركب من جزئين لون كل منهما قائم بنفسه غير مؤثر
في الآخر - لامتناع الترجيح بلا مرجح - فلا أجد معنى لظهور وصف
النجاسة وتحقق التغير والاستيلاء ودعوى استتاره عن الحس، ولا لما ذكر:
من أنه لا بد من تأثير النجاسة اشتدادا في لون الماء الموافق له، وقد مثلنا
لك أن زيادة اللبن على اللبن لا تؤثر في بياضه، ولأجل ما ذكرنا اعترف
العلامة والشهيد قدس سره - فيما تقدم من كلامهما - بأن التغير هنا تقديري.
ثم الفرق بين صورتي التوافق مشكل، كما يظهر من الحدائق (1) ومحكي
حاشية المدارك (2) بل جزم في الروض (3) بعدمه وهو الظاهر، لاشتراكهما في
كون التغيير الفعلي معلقا، غاية الأمر توقفه في أحدهما على وجود المقتضى
وفي الأخرى على انتفاء المانع، بل الظاهر كونه من قبيل الثاني في كليهما، لأن
الماء وإن كان فاقدا للصفة عرفا كالنجاسة، إلا أنهما لا يخلوان عن لون
قطعا، ولذا قد يستهلك الفاقد الواجد ويسلبه صفته، فيقال: إنه صار بصفة
ما استهلكته، فالتأثير حينئذ يتوقف على عدم هذا الوصف الذي يطلق عليه
مسامحة عدم الصفة.
ويتلو الفرق المذكور في الاشكال - بل الضعف - ما عن المحقق

(1) الحدائق 1: 182 و 186،
(2) انظر هامش المدارك (الطبعة الهجرية): 7، ذيل قوله: غاية الأمر.
(3) لم نعثر عليه في الروض، ولعله مصحف " الرياض " كما نسبه إليه في الجواهر، انظر
الرياض 1: 134، والجواهر 1: 79.
90

الخوانساري في المشارق (1) من الفرق في صورة وجدان الماء للصفة المانعة
بين كونها أصلية - كالمياه الزاجية والكبريتية - وكونه عارضية - كالمصبوغ
بطاهر - فيعتبر التقدير في الثاني دون الأولى. ولعله يعتبر استيلاء النجاسة
على أوصاف الماء الأصلية ولو من حيث الصنف، لا من حيث خصوص
النوع، ولا ما يعمهما والشخص.
ثم إن بعض (2) من اعترف بعدم تحقق التغير الصنفي في صورة عروض
الصفة المانعة من التغير للماء، اختار إلحاقه به في الحكم، وبنى على أن المراد
بصفات الماء صفاته الأصلية لا الصفة الطارئة له بمغير عن صفته الأصلية،
ومرجعه إلى كفاية كمال التأثير في النجاسة وإن قصر الماء عن التأثر لتأثره
قبلها.
وذكر لذلك وجوها نذكرها ملخصا مع الجواب عنها:
الأول: إن التأثير المقدر المذكور لا يكون إلا مع أثر للنجاسة صالح
للتغيير لو فرض، وهذا الأثر يجب إزالته في تطهير الماء لو فرض تغيره حسا
بنجاسة أخرى - كما يشهد به أخبار البئر - فهو مؤثر في التنجيس أيضا.
وفيه: أن المتيقن من أدلة الانفعال الأثر المغير فعلا، وأما الأثر الصالح
للتغير فمشكوك التأثير، فيرجع في حكمه إلى الأصول، ومقتضاها: الحكم
بعدم النجاسة مع الشك في حدوثها بسبب هذا الأثر، وببقائها مع الشك في
ارتفاعها إذا لم يرتفع ذلك الأثر، مع أنه قد يمنع وجوب إزالته، لمنع
الاستصحاب في مثله، أو لقيام الدليل على الطهارة بعد استهلاك التغير
المحسوس وملاقاة الكر.

(1) مشارق الشموس: 203.
(2) هو المحقق الشيخ أسد الله الدزفولي الكاظمي قدس سره في مقابس الأنوار: 52.
91

الثاني: أنه لو زالت الصفة أولا بالنجاسة ثم ورد عليه الطاهر المغير
لو سبق النجاسة فلا إشكال في النجاسة فكذلك العكس، لأنا نعلم أن
زوالها بالطاهر أولا لا يوجب قوة للماء لو لم يوجب ضعفا.
وفيه: أن العلم بذلك لا وجه له، إذ لا يبعد أن يكون المناط في
النجاسة ظهور صفة النجاسة الموجب للتنفر والاستقذار، فإذا قهر الماء
النجاسة ولم يظهر فيه أثرها ولو من جهة صفته الشخصية بقي على الطهارة.
الثالث: أنه لو ألقي في الماء طاهر ونجس بحيث استند تغيره إليهما معا
وكان النجس بنفسه صالحا للتغيير، فهذا الماء نجس قطعا، ولا وجه لذلك
إلا وقوع ما هو صالح لتغييره.
وفيه: إمكان منع نجاسته، ولا سند للقطع بها بعد ظهور الأدلة في
استناد التغير الفعلي إلى نفس النجاسة، ولو سلمنا نجاسته فغاية الأمر كفاية
مدخلية النجاسة في التغير الفعلي، وهو مفقود فيها نحن فيه، فلا وجه لمقايسته
عليه بعد تسليم الحكم في الأصل.
الرابع: أنه لو فرض وقوع نجاسة مغيرة إلى صفة ثم وقوع نجاسة
مغيرة عنها إلى أخرى، فالماء نجس يقينا، ولا وجه لمنع كون التغير الثاني
غير مندرج في التغير المعتبر الواجب إزالته في التطهير، والمفروض أن
النجاسة الثانية لم تغير (1) صفة الماء المذكور (2) في النص والفتوى، ولذا لا يكفي
إعادة الصفة الأولى لو فرض إمكانها، فتعين: اعتبار الصفة الذاتية للماء،
وتقدير وقوع النجاسة حال وجودها إن وردت حال زوالها وجعل توارد

(1) في " ع ": لم تتغير، وفي غيره: لم يتغير، والصواب ما أثبتناه.
(2) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: المذكورة.
92

المغير بمنزلة توارد الناقض، فإذا توارد طاهر ونجس أثر النجس أثره، وهو
الطلوب.
وفيه: أن المعتبر في نجاسة الماء وجود أثر النجاسة فيه فعلا، فلا يضر
تبادل أفراد الأثر، ولا يعتبر في النجاسة كونها هي المزيلة لصفة الماء،
كما يشهد به قولهم عليهم السلام: و " إذا غلب لون الماء لون البول " (1).
نعم، يبقى الكلام - بناء على أن النجس لا ينجس - في أن نجاسة الماء
بهذا المغير الفعلي أم بالتغير الأول الزائل، الظاهر هو الثاني، لكن هذا الكلام
جار في تغير صفتين من الماء على التعاقب فعلا، ولا دخل له فيما نحن فيه.
الخامس: أنه لو تغير الماء بطاهر أحمر ثم بالدم ثم صفى الماء عن
حمرة الطاهر فظهر لون الدم، فإن الماء نجس قطعا، ولا وجه له إلا ما قلنا،
لعدم بقاء عين النجاسة حين ظهور صفتها وعدم تجدد تأثيرها في الماء، فيلزم
الحكم بتنجسها من حين وقوعها.
وفيه: منع اعتبار كون حدوث التغير حين وجود العين.
السادس: أنه لو ألقي بالماء طاهر أحمر حتى استعد لأن يحمر بقليل
من الدم، فالتي فيه فتغير، فلا سبيل إلى الحكم بنجاسته، كما هو الظاهر فعلم
أن الملحوظ في نظر الشارع حال الماء قبل حدوث الطوارئ، فلا عبرة
بتغيره بإعداد الطوارئ ولا بعدمه لمنعها.
وفيه: منع عدم انفعال الماء المذكور، ولا مخرج له عن عمومات التغير
إلا استبعاد كون هذا القليل مؤثرا، ولا عبرة به، كاستبعاد كون كثير من
النجاسة المسلوبة الصفة غير مؤثرة فلعل المناط عند الشارع تأثر الماء فعلا

(1) الوسائل 1: 104 الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
93

بصفة النجاسة الموجب للاستقذار وتنفر الطباع، كما أن أصل النجاسة في
الأعيان غالبا لأجل الاستقذار.
السابع: أن اعتبار الصفات الثلاث كما استفيد من مجموع أخبار
الباب (1) كذلك المحصل منها - بعد الجمع بينها - أن المعتبر في طهارة الماء
غلبته على النجاسة وقهره لصفاتها بحيث لا يوجد شئ منها في الماء على
وجه يصلح لتغيره أصلا.
وفيه: أنه لم يظهر لنا بعد ملاحظة الأخبار هذا المعنى، وإنما المتيقن
من أخبار النجاسة بالتغير غلبة النجاسة على الماء بحيث يظهر أثرها عليه،
فيرجع في غير هذه الصورة إلى الأصل والعمومات.
الثامن: أنه كما لا يعتبر في النجاسة إلا صفاتها الأصلية المستندة
إليها، لا صفاتها العارضة المستندة إلى غيرها - وإن كانت هي الموجودة
بالفعل - فلا تكون معتبرة في صفات الماء أيضا، لدلالة الإضافة على اعتبار
الحيثية في الموضعين.
وفيه: أن المعتبر في النجاسة صفتها الذاتية ولو لخصوص شخصها، في
مقابل صفة الطاهر الممازج معها - كالبول الواقع فيه شئ من الزعفران
أو المغرة (2) - والمراد بلون الماء أيضا هذا.
وحينئذ، فإذا كان في النجاسة مانع من تأثيرها بلونها الأصلي في
الماء، كما لو كان في العذرة مسك يمنع من ظهور العفونة في الماء، أو كان في
الماء ما يمنع من تأثره بلونه الأصلي من النجاسة - كما في مسألتنا - فهما

(1) الوسائل 1: 102، الباب 3 من أبواب الماء المطلق.
(2) المغرة: الطين الأحمر الذي يصبغ به (مجمع البحرين 3: 484 - مغر).
94

خارجان عن مورد الأخبار فلا دليل على التقدير في الموضعين.
فدلالة الإضافة على اعتبار الحيثية في الموضعين وظهور الأخبار في
اللون الأصلي لكل من الماء والنجاسة، إنما ينفع في ثبوت النجاسة مع استناد
- والتأثر والتأثير الفعليين إليهما، لا في ثبوتهما مع صلاحيتهما للتأثير والتأثر
لو قدر عدم الطارئ.
ومن هنا يعلم أن بناء المسألة على اعتبار الصفات الأصلية للماء،
واستظهار الأخبار في ذلك لا ينفع في مطلوبه بعد ظهورها في تأثر الماء فعلا،
المفقود فيما نحن فيه.
ومن هنا يظهر ما ذكره من وجه تاسع - ذكره ثالث الأوجه التسعة -
طوينا ذكره، للعلم بجوابه من أجوبة ما تأخر عنه.
" ويطهر " المتغير (بكثرة الماء الطاهر) الجاري من مادته (عليه
متدافعا حتى يزول التغير (1) " ولو زال قبله كفى التدافع الموجب
للامتزاج
ولا يكفي مجرد الزوال في ظاهر كل من اعتبر - كظاهر الكتاب -
تدافع الماء عليه من المادة وتكاثره، كالمبسوط (2) والسرائر (3) والوسيلة (4)
والمعتبر (5) والتذكرة (6).
واحتمال ذكر " التدافع " و " التكاثر " في كلماتهم لكونه أسهل أسباب

(1) في الشرائع: تغيره.
(2) المبسوط 1: 6.
(3) السرائر 1: 62.
(4) الوسيلة: 72.
(5) المعتبر 40: 1.
(6) التذكرة 1: 18.
95

زوال التغير وأغلبها في المجاري - وإلا فيطهر بمجرد زوال التغير لاتصاله
بالمادة - في غاية البعد عن القيود المذكورة في كلمات العلماء، بل المتعين حينئذ
التعبير - كما في اللمعة (1) والجعفرية (2) - بأنه يطهر بزوال التغير: مع أن
الاستدلال عليه في المعتبر والتذكرة ب‍ " أن مع زوال التغير بغلبة الجاري "
لا يقبل الطارئ الانفعال، والمتغير مستهلك فيه فيطهر " صريح في عدم كفاية
الزوال، وإليه يرجع استدلال الشيخ أيضا في الخلاف (3) على طهارة المتغير
زال تغيره بإلقاء الكر عليه، كما سيجئ.
موافقة جماعة من الاعلام مع الشهيد
والقول بكفاية مجرد زوال التغير لم يعرف ممن تقدم على الشهيد في
اللمعة. نعم، ربما يلزم العلامة، حيث اكتفى في تطهير النجس القليل
بمجرد اتصاله بالكر (4). وقد وافق الشهيد (5) المحقق والشهيد الثانيان (2)
وجماعة (7) إما لكفاية اتصال النجس بما لا ينفعل كالمادة والكر وماء المطر
وعدم اعتبار الامتزاج - كما سيجئ في تسير القليل - وإما للاكتفاء بذلك
هنا - وإن قيل في غيره باعتبار الامتزاج - لخصوص ما دل في المقام على
كفاية وجود المادة في النابع بعد زوال تغيره، مثل قوله عليه السلام في صحيحة
ابن بزيع: " ماء البئر واسع لا يفسده شئ، إلا أن يتغير ريحه أو طعمه

(1) اللمعة الدمشقية: 15.
(2) الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 83.
(3) الخلاف 1: 193، كتاب الطهارة، المسألة: 148.
(4) التحرير 1: 4.
(5) في قوله: يطهر بزوال التغير.
(6) جامع المقاصد 1: 135، والروضة البهية 1: 252.
(7) كالسيد السند في المدارك 1: 33، والفاضل السبزواري في الذخيرة: 120.
96

فينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم، لأن له مادة " (1) بناء على كون
ذهاب الريح والطعم علة غائية للنزح، لكون " حتى لا تعليلية، أو للانتهاء، مع
استظهار كون مدخوله علة غائية، مثل قولك: " كرر النظر في العبارة إلى أن
تفهمها " فيدل على أن المقصود من النزح ليس إلا زوال التغير، وإذا تعدينا
من البئر إلى كل ذي مادة - بمقتضى النص على علية المادة - دل على أن كل
ذي مادة يطهر بزوال تغيره.
ويؤيده إطلاق قوله عليه السلام: " ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه
بعضا " (2) حيث إن ظاهره أن وجود بعضه يرفع خبث الآخر ولو لم يحصل
الامتزاج، خرجت صورة وجود التغير.
وما دل على كفاية اتصال ماء المطر
بالماء المنفعل، مثل قوله عليه السلام في مرسلة الكاهلي: " كل شئ، يراه ماء المطر
فقد طهر " (3) فيكفي الاتصال بمادة الجاري أيضا، لأن المطر بمنزلة الجاري.
وفي الجميع نظر، لمنع كفاية مجرد اتصال المنفعل بما لا ينفعل، بل قد
يقال بعدم كفايته هنا وإن قلنا بها في غير الجاري، لأن شرط كفاية الاتصال
علو المطهر أو مساواته، المفقودان في المقام، فيعتبر التدافع وتكاثر الماء.
وأما الصحيحة: فليست ظاهرة في رجوع التعليل بالمادة إلى الفقرة
الأخيرة، ولا في كون " حتى " تعليلية أو داخلة على العلة الغائية، بل الظاهر
منها اعتبار كون الذهاب بالنزح الموجب لتدافع الماء من المادة ليزول بذلك
تغيره.

(1) الوسائل 1: 127، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(2) الوسائل 1: 112، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(3) الوسائل 1: 109، الباب 6 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
الاستدلال
97

وأما رواية ماء النهر: فقد تقدم ظهورها في الدفع والعصمة لا الرفع (1)
مع أنه لا إطلاق فيها من حيث كيفية التطهير، بل المركوز في الأذهان في
كيفيته اختلاط المطهر بالنجس واستهلاكه له.
وأما المرسلة: فلا تدل إلا على طهارة الجزء الملاقي للمطر، كما سيجئ
إن شاء الله.
فظهر من ذلك: أن الأقوى ما هو المشهور بين من تقدم على الشهيد
قدس سره.
ثم إنه لا يعتبر فيما يمتزج من المادة مع المتغير كونه كرا - بناء على
المشهور - لكون النجس مستهلكا فيما لا ينفعل، وسيأتي كفاية ذلك، كما هو
ظاهر الدليل المتقدم عن المعتبر والتذكرة (2).
نعم، على قول العلامة قدس سره: من اعتبار الكرية في الجاري (3)
لو استهلك المتغير بأقل من الكر، فإن خرج من المادة ما يعلم به كون
الممتزج جزء من كر جامع لشرائط الاعتصام من تساوي السطوح - على
القول باعتباره في اعتصام الكر - حكم بطهارة المتغير من أول الامتزاج، وإن
علم عدم ذلك حكم بنجاسة المجموع، وإن شك فالأصل عدم الكرية.
ويظهر من كاشف اللثام (4) أنه لا بد على القول بالامتزاج الصبر إلى
أن يخرج الكر من المادة ويمتزج، فيحكم بالطهارة من هذا الزمان، نعم، بناء
على القول بكفاية ملاقاة الكثير يحكم بعد خروج الكر بالطهارة من أول

(1) تقدم في الصفحة: 76.
(2) تقدم في الصفحة: 96.
(3) نهاية الإحكام 1: 228.
(4) كشف اللثام 1: 35.
98

زمان الخروج والاتصال.
وفيه ما عرفت: من أن العبرة بما لا ينفعل، سواء القول بالامتزاج
الاتصال.
ثم إن النابع الواقف لو قلنا بكونه جاريا أو كالمجاري، فإن تغير بعضه
طهر بتموج الباقي عليه حتى يزول تغيره. وإن تغير جميعه وزال تغيره من
قبل نفسه، فعلى المختار: لا إشكال في بقاء النجاسة.
وعلى القول الآخر: فهل يكفي مجرد وجود المادة وإن لم يخرج منها
شئ؟ ظاهر الاستدلال بالصحيحة المتقدمة (1) ذلك: ويجب عليه طهارة البئر
تغير بمجرد زوال التغير، لكنك عرفت حال الصحيحة.
نعم، على المختار لو نزح من النابع حتى قل ماؤه فخرج من المنبع
ما استهلك به تغير الباقي فينبغي القول بالطهارة، لحصول الامتزاج بما لا ينفعل
واستهلاك المتغير فيه؟ لكن سيجئ (2) من جماعة عدم طهارة القليل المتنجس
بالنبع من تحته.
وفصل في الذكرى بين كون النبع بقوة - كالفوارة - وكونه رشحا (3).
سيجئ في تطهير القليل (4) إن شاء الله.
" ويلحق به (5) " أي الجاري في عدم انفعال القليل منه (ماء الحمام)
هو المختص به اختصاصا معهودا لا بجميع أنحاء الاختصاص والملابسة

(1) وهي صحيحة ابن بزيع، المتقدمة في الصفحة: 96.
(2) يجئ في الصفحة: 128.
(3) الذكرى: 9.
(4) يجئ في الصفحة: 128.
(5) في الشرائع: ويلحق بحكمه.
99

المسوغة للإضافة، فلا عموم في الاختصاص وإن عم الطرفان.
والمراد به ما في حياضه المصروفة في الغسل المستمدة من المادة،
لصحيحة داود بن سرحان: " هو بمنزلة الجاري " (1) ورواية قرب الإسناد:
" (ماء الحمام لا ينجسه شئ " (2) لكن يجب تقييده برواية بكر بن حبيب:
" ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة) " (3).
وليس في سنده سوى " ابن حبيب " المرمي في المدارك بالجهالة (4) لكن
الظاهر أنه " بكر بن محمد بن حبيب " الذي ظاهر المحكي عن النجاشي (5)
وصريح الخلاصة (6) أنه من علماء الإمامية، وحكى ابن داود عن الكشي
أنه ثقة (7) مع أن في الطريق صفوان بن يحيى، والمضمون مجبور بالعمل
وموافق للرضوي (8) فينهض لتقييد الصحيحة (9) وغيرها، مع أن في تنزيله
منزلة الجاري دون الكر إشارة إلى كونه مستمدا من مادة، بل دلالة على
احتياجه في الاعتصام إلى المادة.
ومن جميع ذلك يظهر اعتبار الاتصال بالمادة.

(1) الوسائل 1: 110، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(2) قرب الإسناد: 309 / 1205، والوسائل 1: 112، الباب 7 من أبواب الماء
المطلق، الحديث 8.
(3) الوسائل 1: 111، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4.
(4) المدارك 1: 34.
(5) رجال النجاشي: 110.
(6) رجال العلامة: 26.
(7) رجال ابن داود: 73، القسم الأول الرقم 261، والموجود فيه نقل التوثيق عن
النجاشي، ولم نعثر عليه لا في الكشي ولا في النجاشي.
(8) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عيه السلام: 86.
(9) أي صحيحة داود بن سرحان.
100

ثم مقتضى الاطلاق عدم اعتبار كرية المجموع من المادة والحوض،
فضلا عن خصوص المادة، إلا أن يمنع الاطلاق لغلبة الكرية في المادة حتى
في أواخر أوقات نزح الناس من الحياض الصغار.
وتشبيهه (1) بمطلق الجاري لا يقتضي إلغاء الكرية في مادته
- كما قيل (2) - لأن الغالب في الجاري أيضا بلوغه مع مادته كرا، ولو فرض
نقصان مادته عن الكر عند قرب انقطاعه خرج عن أفراد المشبه به، فتأمل.
هذا كله مع أن في رواية ابن أبي يعفور: " ماء الحمام كماء النهر يطهر
بعضه بعضا " (3) إشارة - بل دلالة - على أن العاصم له هي الكثرة، لا مجرد
المادة، مضافا إلى عدم نهوض الاطلاقات المذكورة للخروج بها عن قاعدة
انفعال القليل بالملاقاة، وإن كانت النسبة بينها عموما من وجه ويرجع في
مثله إلى أصالة الطهارة وعموماتها،
إلا أن التقييد في أخبار الحمام (4) أقوى،
لكون الاطلاق فيها أضعف؟ وقد يذكر لها مرجحات لا يحق على المنصف
حالها.
نعم، قد يقال بعدم التعارض في المقام، بناء على اختصاص أدلة
الانفعال بصورة ورود النجاسة على الماء، دون مثل المقام.
وفيه: أن الكلام في انفعال الموجود في الحوض الصغير بورود النجاسة
عليه، لا فيما يرد عليه.
ثم إنه لم يعلم مصرح من الأصحاب بعدم اعتبار كرية المجموع، وإنما

(1) كذا في " ع " وهامش " ب " عن نسخة، وفي غيرهما: وشبهه.
(2) الحدائق 1: 204.
(3) الوسائل 1: 112، الباب 7 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 7.
(4) الوسائل 1: 110، الباب 7 من أبواب الماء المطلق.
101

ينسب ذلك إلى إطلاقاتهم،
وما يظهر من استدلال الفاضلين بلزوم الحرج (1)
الظاهر في كون الحكم رخصة مع قيام مقتفى المنع، ومن إفراد الكل له
عنوانا مستقلا خصوصا عقيب الجاري، كما في المبسوط (2) وغيره (3) من أن له
خصوصية على غيره، ولا يكون إلا بإلغاء الكرية فيه.
ولكن الاطلاقات - كالأخبار - منزلة على المتعارف.
والافراد بالعنوان لمتابعة النص كما في إفرادهم لكثير من أفراد القواعد
تبعا للنص الوارد فيها، مع احتمال الفرق بينه وبين غيره من الراكد بما
سيجئ باعتبار الكرية في المادة.
ولا دلالة في الاستدلال بالحرج بعد تصريح المستدل باعتبار كرية
المادة - كالعلامة في المنتهى (4) - نعم، صرح المحقق قدس سره بعدم اعتبار كرية
المادة (5) لكن لم يعلم منه عدم اعتبارها في المجموع، فيمكن موافقته في
لا يلزم منه مخالفة أدلة انفعال القليل، كما لو فرض عد ما في الحياض مع
المادة ماء واحدا لتساوي السطحين، أو قلنا: بأنه لا يعتبر في عدم انفعال
الكر سوى اتصال الماء بعضه ببعض، أما مع كرية المادة فلا ضير في الخروج:
عن قاعدة الانفعال لو فرض صدق القليل على ما في الحوض حتى حال
اتصاله بالمادة على وجه لا يوجب الاتحاد، لأنه كالمتيقن من إطلاق النص
والفتوى،
فإن تقييده بصورة اتحاد المادة معه عرفا - ليدخل المجموع تحت

(1) المنتهى 1: 30، والمعتبر 1: 42.
(2) المبسوط 1: 6.
(3) كما في الشرائع 1: 12، ونهاية الإحكام 1: 229، وغيرهما.
(4) المنتهى 1: 32.
(5) المعتبر 1: 42.
102

الكثير - في غاية البعد، ولعل هذه المزية هي الخصوصية الداعية لأفراد ماء
الحمام عن الواقف وإلحاقه بالجاري.
وربما يخدشه أن ظاهر بعض كشارح الدروس (1) - على ما سيجئ في
مسألة الكر - الاتفاق على اعتصام القليل بالعالي الكثير مطلقا، فلم يختص
بماء الحمام.
لكن يمكن منع الاجماع، لأن العلامة في التذكرة والمنتهى (2) مع تصريحه
باعتبار الكرية في مادة الحمام استشكل في إلحاق غير ماء الحمام به في
الحكم.
والانصاف: أنه لا يعلم الاجماع على اعتصام الأسفل بالأعلى في غير
ماء الحمام فيما لو كان العالي واردا عليه بميزاب وشبهه، كما هو الغالب في
مادة الحمام.
ثم إن العلامة في التحرير اعتبر زيادة المادة على الكر (3) ولعله
لاعتبار ذلك في تطهيرها للحوض الصغير عند تنجسه - كما صرح به الشهيد
والمحقق الثانيان (4) - وإلا فلم أعرف وجها لاعتبارها في الاعتصام،
إلا أن يؤول الكلام بإرادة الكر فما زاد، كما في قوله تعالى: (وإن كن
نساء فوق اثنتين) (5) وفي الرضوي: " وكل غدير فيه من الماء أكثر
من كر لم ينجسه شئ " (6) ويشهد بذلك تعبيره بنظير ذلك في المجاري،

(1) مشارق الشموس: 200.
(2) التذكرة 1: 18، والمنتهى 1: 32.
(3) التحرير 1: 4.
(4) روض الجنان: 137، جامع المقاصد 1: 113.
(5) النساء: 11،
(6) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 91، مع اختلاف في اللفظ.
103

فراجع (1).
وطريق تطهير ما في الحوض لا يمتاز عن غيره، إذ لا خصوصية هنا.
وما تخيل من استفادة ذلك من قوله عليه السلام في الرواية السابقة (2):
" ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا ".
ففيه - مع ضعف الرواية سندا بالارسال وغيره، ودلالة بظهورها في
الدفع -: أن المطهر للبعض النجس من النهر ليس مجرد وجود بعضه الآخر،
وإنما هو امتزاجه به، فليلتزم ذلك في ماء الحمام.
وهذه أيضا قرينة أخرى على إرادة الدفع، حيث إن ظاهر الرواية
كون وجود البعض بنفسه مطهرا، فالتطهير هنا يراد به العصمة عن الانفعال،
كما أشرنا سابقا.
" ولو مازجه " أي الجاري بل مطلق الماء، وإنما ذكره في ذيل الجاري
بمناسبة التغير " طاهر فغيره " عن أخد أوصافه الثلاثة أو غيرها " أو تغير
من قبل نفسه لم يخرج عن كونه مطهرا " ضرورة من العامة والخاصة (ما
دام إطلاق الاسم باقيا عليه (3) " بلا خلاف منا، وإن أومه نسبة الحكم في
الذكرى إلى الشهرة (4) وعبارة المقنعة (5) بل المبسوط (6) إلا أن ظاهر ما في

(1) التحرير: 4.
(2) راجع الصفحة: 101.
(3) كذا في مصححة " ع "، وفي غيره: الاسم عليه باقيا، والذي في الشرائع: اسم الماء
باقيا عليه.
(4) الذكرى: 8.
(5) لم نعثر في المقنعة والمبسوط على عبارة توهم الخلاف. نعم، قال صاحب
المقابس قدس سره: " وربما يوجد في المقنعة والفقيه والمتمسك ما يقتضي المنع من التطهير
بالمتغير بالممازج وغيره أيضا " انظر مقابس الأنوار: 44.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 5.
104

غير مقام وصريح غيرهما عدم العبرة بالتغير، ولذا ادعى في الغنية (1)
والمنتهى (2) وغيرهما (3) الاجماع على المسألة، لإناطة الحكم بالاسم،
فلا وجه
لما حكي عن المشارق (4) من الاشكال والاحتياط في التطهير بالمياه المتغيرة.
ولعل وجهه: ظهور بعض الأخبار في المنع عن التوضي بما تغير ببول
الدواب (5) وللرضوي: " كل ماء مضاف أو مضاف إليه فلا مجوز التطهير به
مثل ماء الورد وماء الرياحين والعصير والخل وماء الباقلاء وماء الزعفران
وماء الخلوق (6) وغيره وما يشبهها، وكل ذلك لا مجوز استعمالها إلا الماء
القراح أو التراب " (7).
ومثل للمضاف في المبسوط أيضا بماء الباقلاء وماء الزعفران وماء
الورد وماء الآس وماء الأشنان وأشباه ذلك، حتى يكون الماء خالصا
مما يغلب عليه وإن كان طاهرا (8) انتهى.
لكن المسألة واضحة في الغاية.

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 490.
(2) المنتهى 1: 23.
(3) المدارك 1: 37.
(4) مشارق الشموس: 185.
(5) الوسائل 1: 103، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3.
(6) الخلوق: هو - كرسول - على ما قيل: طيب مركب يتخذ من الزعفران وغيره من
أنواع الطيب، والغالب عليه الصفرة والحمرة، ومنه الحديث: وتحشوها القابلة بالخلوق
(مجمع البحرين 5: 157 - خلق).
(7) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 92.
(8) العبارة بعينها موجودة في المقنعة: 64، انظر المبسوط 1: 5.
105

[القسم الثاني]
[الماء المحقون]
(وأما المحقون) وهو المحبوس وإن سال لعارض (فما كان منه دون
لكر) وزنا ومساحة (ينجس (1) بملاقاة النجاسة) والمتنجس على المشهور،
بل عن الشهيدين (2) والشيخ (3) الاجماع عليه
وربما يذكر في المقام إجماعات
لا تدل على الاجماع في المسألة، ولا حاجة إلى الكل بعد استفاضة الأخبار،
بل تواترها، كما قيل (4). وقيل: إنها تبلغ ثلاثمائة (5).
ولنذكر منها ما اتضح دلالته بحيث يستهجن تأويله.
منها: قول الصادق عليه السلام في صحيحة ابن مسلم، قال: " قلت له:

(1) في الشرائع: فإنه ينجس.
(2) الدروس 1: 118 وفيه: وقول ابن أبي عقيل بتوقف نجاسته على التغير شاذ.
والروضة 1: 258 وفيه - بعد أن عده مشهورا -: بل كاد أن يكون إجماعا.
(3) الخلاف 1: 189، كتاب الطهارة، المسألة: 147.
(4) قاله في الجواهر 1: 105.
(5) نقله السيد العاملي في هامش مفتاح الكرامة 1: 73، عن أستاذه.
107

الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه
الجنب؟ قال: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (1).
ورواية معاوية بن عمار في الصحيح أيضا (2) دل بمفهومه - بعد تخصيص
المنطوق بما عدا التغير - على أن القليل ينجسه شئ سوى التغير، ولا حاجة
لنا إلى إثبات عموم " الشئ " لكفاية الايجاب الجزئي في المقام.
ومنها: صحيحة إسماعيل بن جابر: " عن الماء الذي لا ينجسه شئ؟
قال: كر، قلت: وما الكر.. الخبر " (3).
وفي مصححة أخرى له: " عن الماء الذي لا ينجسه شئ؟ قال:
ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته " (4) ويستفاد منها كون انقسام الماء إلى ما
لا ينفعل وإلى ما ينفعل مركوزا في أذهان الرواة.
ومنها: صحيحة البقباق الواردة في سؤر الكلب، قال عليه السلام: " إنه
رجس نجس لا يتوضأ بفضله، واصبب ذلك الماء واغسل الإناء بالتراب أول
مرة ثم بالماء " (5).
وصحيحة علي بن جعفر في خنزير يشرب من إناء، قال: " يغسل
سبع مرات " (6).
وصحيحة محمد بن مسلم: " عن الكلب يشرب من الإناء؟ قال:

(1) الوسائل 1: 118، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
(2) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء المطلق. الحديث 2.
(3) الوسائل 1: 118، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(4) الوسائل 1: 121، الباب 10 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(5) الوسائل 1: 63، الباب الأول من أبواب الأسئار، الحديث 4.
(6) الوسائل 1: 162، الباب الأول من أبواب الأسئار، الحديث 2.
108

أغسل الإناء " (1).
وصحيحة البزنطي: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل يده
في الإناء وهي قذرة؟ قال: يكفئ الإناء " (2).
وصحيحة ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: " عن
الرجل الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه؟ قال: إن كانت قذرة
فاهرقه، وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه، هذا مما قال الله عز وجل: (ما
جعل عليكم في الدين من حرتي) " (3).
هذا ما حضرني من الصحاح. وأما غيرها فأكثر من أن يحصى،
سيجئ بعضها في معارضة أخبار عدم الانفعال التي استدل بها للعماني
والمحدث الكاشاني والشيخ المحدث الفتوني.
فقد استدل لهم - مضافا إلى الأصل وعموم الرواية المشهورة: " خلق
الله الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير.. الخ " (4) - بأخبار كثيرة ظاهرة
عدم الانفعال.
منها: حسنة محمد بن ميسر: " سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق يريد أن يغتسل منه وليس معه إناء
يغترف به ويداه قذرتان؟ قال: يضع يده ويتوضأ ويغتسل، هذا مما قال الله
إلى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) " (1).

(1) الوسائل 1: 162، الباب 1 من أبواب الأسئار، الحديث 3.
(2) الوسائل 1: 114، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(3) الوسائل 1: 115، الباب 8 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 11. والآية من سورة
الحج: 78.
(4) الوسائل 1: 101، الباب 1 من أبواب الماء المطلق، الحديث 9.
(5) الوسائل 1: 113، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5. والآية من سورة
الحج: 78.
109

وفيه: أن الاصطلاح الشرعي غير ثابت في لفظ " القليل " فغاية الأمر
كونه من الأخبار المطلقة القابلة للتقييد بالكر، مع إمكان دعوى ذلك في لفظ
" القذر " كما قيل (1). ويؤيد أن إدخال اليدين قبل غسلهما ولو لم تكونا
نجستين مورد توهم المنع، كما يستفاد من الأخبار الآتية، والاستشهاد بآية
نفي الحرج لا ينافي ذلك، كما في صحيحة أبي بصير المتقدمة (2).
ثم الأظهر منها في هذا المطلب ما عن قرب الإسناد وكتاب المسائل
لعلي بن جعفر: قال: " سألت عن جنب أصابت يده جنابة فمسحه بخرقة ثم
أدخل يده، هل مجزيه أن يغتسل من ذلك الماء؟ قال: إن وجد ماء غيره فلا
يجزيه أن يغتسل، وإن لم يجد غيره أجزأه " (3).
لكنهما معارضان في خصوص موردهما بما دل من الأخبار المستفيضة
على عدم جواز الاغتسال إذا أدخل الجنب يده القذرة في الإناء.
مثل رواية شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه السلام: " عن الرجل
الجنب يسهو فيغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها؟ قال: لا بأس إذا لم يكن
أصاب يده شئ " (4).
وموثقة سماعة: " إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس،
إلا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الماء وفيها

(1) قاله في الحدائق 1: 299، واستبعده.
(2) تقدمت في الصفحة السابقة.
(3) قرب الإسناد: 180، الحديث 666، مسائل علي بن جعفر: 209، الحديث 452،
مع تفاوت يسير.
(4) الوسائل 1: 113، الباب 8 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 3.
110

شئ من ذلك فأهرق ذلك الماء " (1).
وموثقه سماعة: " إذا أصاب الرجل جنابة فأدخل يده في الإناء
فلا بأس إذا لم يكن أصاب يده شئ من المني " (2).
وموثقته الأخرى: " وإن كان أصابته جنابة فأدخل يده في الماء،
فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شئ من المني، فإن أصاب يده شئ
فأدخل في الماء قبل أن يفرغ على كفه، فليهرق الماء " (3).
إلى غير ذلك مما ورد في هذا المعنى مثل روايتي زرارة في كيفية
الوضوء والغسل (4) حيث اشترط في غمس اليد في الماء طهارتها.
وأي فقيه يأخذ بظاهر حسنة ابن ميسر ويحكم بعدم انفعال ماء
والغسل بإدخال اليد النجسة فيه، ويطرح هذه الأخبار مع كونها أكثر وأظهر؟
ومنها: رواية أبي مريم الأنصاري، قال: " كنت مع أبي عبد الله
عليه السلام في حائط له، فحضرت الصلاة، فنزح دلوا للوضوء من ركي له،
فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة، فأكفأ رأسه وتوضأ بالباقي " (5).
وظهورها في عدم الانفعال لا ينكر - بناء على ظهور " العذرة " في
عذرة الانسان أو مطلق غير المأكول - إلا أن أحدا لا يرضى بتوضي الإمام عليه السلام " من هذا الماء مع ما علم من اهتمام الشارع في ماء الطهارة بما لا يهتم

(1) الوسائل 1: 114، الباب 8 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 4 و 9، مع اختلاف.
(2) الوسائل 1: 114، الباب 8 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 4 و 9، مع اختلاف.
(3) الوسائل 1: 114، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث 10
(4) الوسائل 1: 272، الباب 15 من أبواب الوضوء، الحديث 2، و 1: 502، الباب 26 من أبواب الجنابة، الحديث 2
(5) الوسائل 1: 115، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث 12؟ مع اختلاف
يسير.
111

في غيره.
ومع ذلك فهي معارضة بما دل على عدم التوضي بمثل هذا الماء، ففي
مرسلة علي بن حديد عن بعض أصحابه قال: " كنت مع أبي عبد الله
عليه السلام في طريق مكة فصرنا إلى بئر، فاستقى غلام أبي عبد الله عليه السلام دلوا
فخرج فيه فأرتان، فقال له أبو عبد الله: أرقه: فاستقى آخر فخرج فيه
فأرة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أرقه، فاستق الثالث فلم يخرج فيه في
قال: صبه في الإناء، فصبه في الإناء " (1).
فإن الأمر بالإراقة لا يكون إلا مع النجاسة.
ومنها: خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: " قلت له: راوية من ماء
سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة؟ قال: إن تفسخ فيها فلا تشرب
من مائها ولا تتوضأ وصبها، وإن كان غير متفسخ فاشرب منه وتوضأ
واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية، وكذلك الجرة وحب الماء والقربة وأشباه
ذلك من أوعية الماء " (2).
وظهوره لا ينكر، إلا أنه معارض بما هو أكثر وأظهر من المستفيضة
مثل موثقة سعيد الأعرج، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجرة
تسع مائة رطل من ماء يقع فيها أوقية من دم أشرب منه وأتوضأ؟ قال:
لا " (3) وحمله على التغير يعلم بعده من نسبة الأوقية إلى مائة رطل.
وخبر أبي بصير: و " ما يبل الميل ينجس حبا من ماء " (4) [وما ينجس

(1) الوسائل 1: 128، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 14.
(2) الوسائل 1: 104، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 8.
(3) الوسائل 1: 114، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث 8.
(4) الوسائل 2: 1056، الباب 38 من أبواب النجاسات " الحديث 6.
112

الميل من النبيذ ينجس حبا من ماء] (1).
وخبر عمر بن حنظلة في المسكر، وفيه: " لا قطرة قطرت منه في حب
إلا أهريق ذلك الحب "، (2).
ورواية قرب الإسناد: " عن حب ماء يقع فيه أوقية بول هل يصلح
شربه أو الوضوء منه؟ قال: لا يصلح " (3).
وموثقة عمار عن الصادق عليه السلام في ماء شرب منه باز أو صقر
أو عقاب أو دجاجة؟ فقال: " كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا
أن ترى في منقاره دما، وإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه
ولا تشرب " (4).
وما ورد في الإنائين المشتبهين من أنه: " يهريقهما ويتيمم " (5) إلى غير
ذلك.
ولم أقف لهم على خبر خاص آخر، نعم قد استدل لهم (6) بما يعم
القليل (7) ولكن يخصصه عمومات طهارة الماء (8) بما تقدم وغيره، والله العالم.

(1) ما بين المعقوفتين ليس متن حديث، بل هو إما توضيح من المؤلف قدس سره وإما
حاشية من غيره اختلطت بالمتن.
(2) الوسائل 17: 272، الباب 18 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث الأول.
(3) لم نعثر عليها في قرب الإسناد، ونقلها في الوسائل 1: 116، الباب 8 من أبواب
الماء المطلق، الحديث 16 عن كتاب علي بن جعفر، (انظر: مسائل علي بن جعفر:
197، الحديث 420 مع تفاوت).
(4) الوسائل 1: 166، الباب 4 من أبواب الأسئار، الحديث 2.
(5) الوسائل 1: 113، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.
(6) أي للقائلين بعدم انفعال الماء، القليل.
(7) راجع الحدائق 1: 290 - 293، والجواهر 1: 116 - 122.
(8) كذا في النسخ، ولا يخفى ما فيه، ولعل الأصل: ولكن يخصص مثل عمومات طهارة
الماء بما تقدم.
113

ثم إن في كيفية نجاسة مجموع الماء القليل - بل جميع المائعات - بملاقاة
النجاسة بعضه بخلاف غيرها من الجوامد الرطبة وجوها:
أحدها: السراية من حيث الحكم، بأن يلاقي الجزء الأول للنجس
فينجس، وينجس ملاقيه مما يليه، وهكذا؟ لأن كل جزء ملاق بالفعل لما يليه،
فينجس جميع الأجزاء في زمان واحد، لحصول الملاقاة بينها قبل نجاسة شئ
منها، ففي زمان الحكم بنجاسة الجزء الأول ينجس جميع ما عداه، لحصول
الملاقاة بينه وبين الجزء الأول، فلا يتوقف الحكم بنجاسة كل جزء على أزيد
من الحكم بنجاسة ما يلاقيه بينه وبين النجس.
ويبطل هذا الوجه - مضافا إلى النقض عليه بما أجمع على عدم
السراية، كالثوب الرطب إذا لاقى جزء منه النجاسة، وكالدهن الجامد ونحوه
مما لا تتعدى النجاسة إلى غير محلها، وكالعالي من الماء المطلق إذا تنجس
السافل منه - أن ملاقاة كل جزء لما يليه ممنوعة، لاستحالة ذلك، فإن المتلاقي
من الجزئين سطحاهما لا تمامهما، ومن المعلوم: عدم ملاقاة أحد السطحين
الملاقي للنجس للسطح الآخر، فلا وجه لتنجسه حتى يتنجس به ما يلاقيه
من سطح جزء آخر.
ودعوى: أن نجاسة السطح الملاقي عبارة عن نجاسة الأجزاء اللطيفة من
الماء، لأن النجاسة تعرض المجسم لا العرض، ولا يفرض في نظر العرف
لذلك الجزء سطحان حتى يختص بالتنجيس أحدهما - وإن أمكن ذلك واقعا
بناء على بطلان الجزء الغير المتجزئ - رجوع إلى حكم العرف بتنجس
الجسم وإن لم يلاق النجاسة إلا بعضه، ولا حاجة معه إلى دعوى السراية من
114

حيث التلاقي.
الثاني: السراية من حيث نفس المتنجس، فإن الجزء الملاقي للنجس
يسري بنفسه إلى ما حوله من الأجزاء، كما يظهر للحس مع كون ذلك الجزء
النجس ذا كيفية سريعة النفوذ - كما للون أو الطعم - وقد اعتنى الشارع بهذه
السراية وإن دقت وخفيت ما لم يبلغ الماء كرا، فإذا بلغه لم يعتن بها وإن ظهر
من غير جهة الأوصاف الثلاثة، كالحرارة والبرودة.
وهذا أكثر نقضا من الوجه الأول، لانتقاضه بالكر مع إحساس
السراية فيه وبما ذكر في الوجه السابق، ويلزم عليه أن يكون انفعال مجموع
الماء على التدريج، وأن يتفاوت زمان السراية بالنسبة إلى المائع الرقيق
والغليظ، مع أن التدريج باطل إجماعا، فضلا عن تفاوت المائعات في ذلك.
الثالث: أن يكون الوجه تعبد الشارع بذلك في المائعات دون غيرها،
فالساري إلى ما عدا الجزء الملاقي للنجس من الأجزاء النجاسة الشرعية
لا غير، وليس في الحقيقة سراية، وحينئذ فالمتبع هو الدليل الشرعي.
لكن المتبادر عرفا من الدليل الشرعي وهو قوله عليه السلام: " إذا كان
الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (1) أن ما دون الكر ينجسه شئ، و " ينجسه "
ظاهر في تنجس جميعه من غير فرق بين الجزء العالي منه والسافل
والمساوي. كما أن المتبادر من نسبة التنجيس إلى النجاسة كون الواسطة هي
مطلق الملاقاة والاتصال من غير فرق بين وروده على النجاسة وورودها
عليه.
كما أنه لا فرق بين النجاسات، كما هو المستفاد من الروايات،

(1) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
115

خصوصا مفهوم الصحاح: " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ ". والقول
بإهماله ضعيف في الغاية؟ منشأوه توهم كون كرية الماء علة لعدم تنجسه
بجميع النجاسات، لا لعدم تنجسه بكل فرد. لكن ظاهر السياق هو الثاني،
فانتفاء الكرية يوجب تنجسه بكل فرد، لأن النفي عن كل فرد يفرض من
النجاسة إذا استند إلى الكرية انتفى بانتفائها، وليس هذا من قبيل " إذا
صحبت زيدا فلا تخف أحدا " لقيام القرينة في المثال.
فكيف كان: فقد خرج
عن عموم قاعدة انفعال القليل بالملاقاة موردان إجماعا وموارد على
الخلاف.
فأحد الموردين: ماء استنجاء، وسيجئ إن شاء الله (1).
وثانيهما: الجزء العالي من الماء إذا كان جاريا إلى السافل. واستدل
عليه في الروض بأن سراية النجاسة إلى الأعلى غير معقول (2).
وفيه ما لا يخفى: فالأولى التمسك بالاجماع، كما ادعاه هو قدس سره. (3)
وبعض متأخري المتأخرين - كالعلامة الطباطبائي في مصابيحه (4) وبعض
أفاضل تلامذته في مقابسه (5) - وهو في الجملة مما لا ريب فيه.
إلا أن الاشكال في تعيين مقدار العلو والسفل، فإن مسمى العلو
المتوقف عليه الجريان لا يمنع عن السراية، وكلمات الأصحاب مطلقة.
والمتيقن من الاجماع صورة التسنيم وما يشبهه من التسريح، وللتأمل في غير

(1) يأتي في الصفحة: 344.
(2) روض الجنان: 136.
(3) نفس المصدر.
(4) المصابيح (مخطوط): 116.
(5) مقابس الأنوار: 79.
116

ذلك مجال، والتمسك بالعموم أوضح، وفاقا لظاهر كاشف الغطاء، رحمه الله (1)
الصدق وحدة الماء، فيدخل في عموم تنجسيه، ولذا لو كان الماء على هذه
الهيئة كرا لم ينفعل شئ منه بالملاقاة.
وأما موارد الاختلاف:
فأحدها: ماء الغسالة، وسيأتي (2).
الثاني: ما ذكره الشيخ رحمه الله من عدم انفعال القليل بما لا يدركه
الطرف من الدم (3) ولعل المراد ما يحتاج إدراكه إلى دقة النظر. وفي المبسوط:
ما لا يمكن التحرز منه مثل رؤوس الإبر من الدم وغيره فإنه معفو عنه،
لأنه لا يمكن التحرز عنه (4) انتهى.
وتعليله بعدم تيسر الاحتراز كما ترى! نعم، قد يدل عليه في خصوص
الدم مصححة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام في رجل رعف فامتخط فصار
الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه، هل يصح الوضوء منه؟ فقال: " إن لم يكن
شيئا (5) يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئا بينا فلا تتوضأ منه " (6).
ودلالتها مبنية على إرادة السائل إصابة الماء من الإناء تسمية باسم
المحل، لأن إرادة خصوص الظرف لا يناسب السؤال. نعم، يحتمل أن يراد
الأعم من الظرف والمظروف، فيكون وصول الدم إلى الأعم منهما معلوما
وشك في وصوله إلى خصوص الماء أو الإناء، ومعنى الجواب: أنه إن

(1) كشف الغطاء: 187.
(2) يأتي في الصفحة: 315.
(3) الإستبصار 1: 23، ذيل الحديث 12 من الباب 10.
(4) المبسوط 1: 7.
(5) في النسخ: شئ (خ ل)،
(6) الوسائل 1: 112، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
117

لا يكن (1) الدم المفروض إصابته شيئا يستبين في الماء أي شيثا معلوما فيه
فلا بأس، فيكون الاستبانة في الماء كناية عن العلم بوصوله إليه، لا صفة
زائدة على العلم بالوصول. ويقوى هذا الاحتمال على تقدير كون " الشئ "
مرفوعا كما في بعض النسخ.
هذا، ولكن الانصاف أن الرواية أظهر في مطلب الشيخ مما احتملناه.
لكن الخروج بهذا المقدار عن الأخبار - التي عرفت قليلا منها - مشكل مع
دعوى الحلي الاجماع على خلافه (2).
الثالث: ما نسب إلى السيد المرتضى قدس سره في الناصريات من عدم
انفعال القليل الوارد على النجاسة (3)، نسبه إليه المحقق في المعتبر في مسألة
إزالة الخبث بالمضاف (4)
[و] نسب إلى الحلي في السرائر ناسبا له إلى فتاوى
الأصحاب (5).
وهذه النسبة إليهما قد اشتهرت، فلنذكر العبارة المحكية عن السيد
رحمه الله في السرائر، قال الحلي في باب إزالة النجاسات: إن أصابه من الماء
الذي يغسل به الإناء من الولوغ، فإن كان من الغسلة الأولى وجب غسله،
وإن كان من الغسلة الثانية أو الثالثة فلا يجب غسله. ثم ذكر الخلاف في
ذلك، ثم قال: وما اخترناه هو المذهب، قال السيد المرتضى في الناصريات:
قال الناصر: " ولا فرق بين ورود الماء على النجاسة وورود النجاسة على

(1) كذا في " ع " وفي غيره: إن كان.
(2) السرائر 1: 180.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 215.
(4) المعتبر 1: 83.
(5) السرائر 1: 181.
118

الماء) قال السيد: وهذه المسألة لا أعرف لها نصا لأصحابنا ولا قولا
صريحا، والشافعي يفرق بين ورود الماء عليها وورودها عليه، فيعتبر القلتين
في ورود النجاسة على الماء ولا يعتبر في ورود الماء على النجاسة؟ وخالفه
سائر الفقهاء في هذه المسألة؟ والذي يقوى في نفسي عاجلا - إلى أن يقع
التأمل فيه - صحة ما ذهب إليه الشافعي، والوجه فيه: أنا لو حكمنا بنجاسة
ماء القليل الوارد على النجاسة لأدى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر من النجاسة
إلا بإيراد كر من الماء عليه، وذلك يشق، فدل على أن الماء الوارد على
النجاسة لا يعتبر فيه القلة والكثرة كما يعتبر في ما يرد عليه النجاسة، قال
محمد بن إدريس: وما قوي في نفس السيد هو الصحيح المستمر على أصل
المذهب وفتاوى الأصحاب (1) انتهى.
ولعل حكمه بنجاسة الماء في الأولى من غسلات الولوغ (2) لامتزاجه
بالتراب المتنجس.
ويمكن استظهار هذا القول من الشيخين أيضا.
قال في المقنعة - بعد الحكم بطهارة ما يرجع من ماء الوضوء إلى بدن
المتوفى وثيابه -: وكذلك ما يقع على الأرض الطاهرة من الماء الذي
يستنجى به ثم يرجع عليه لا يضره ولا ينجس شيئا من ثيابه وبدنه، إلا أن
يقع على نجاسة ظاهرة فيحملها في رجوعه فيجب غسل ما أصابه منه (3)
انتهى.
وقال في المبسوط: لو كان على جسد المغتسل نجاسة أزالتها ثم اغتسل

(1) السرائر 1: 180 - 181.
(2) السرائر 1: 180.
(3) المقنعة: 47.
119

فإن خالف واغتسل ارتفع حدث الجنابة، وعليه أن يزيل النجاسة إن كانت
لم تزل بالاغتسال (1) انتهى.
وهو مبني على اشتراط طهارة ماء الغسل.
هذا، ولكن الظاهر من السيد رحمه الله - في بعض كلماته المحكية عنه -
موافقة المشهور، حيث حكى في السرائر عنه في مسألة المستعمل في رفع
المحدث الأصغر والأكبر: أنه يجوز أن يجمع الانسان وضوءه من الحدث أو
غسله عن الجنابة في إناء نظيف ويتوضأ به ويغتسل به مرة أخرى بعد أن
لا يكون على بدنه شئ من النجاسة (2) انتهى.
فإن الظاهر أن تقييد الإناء بالنظيف لانفعال الماء لو كان الإناء نجسا.
وكذا قوله: " بعد أن لا يكون... الخ) بناء على أن المراد خلو البدن عن
النجاسة في الطهارة الأولى. لكن حيث كان المنقول عنه طهارة الغسالة،
فيمكن أن يكون التقييد لأجل كون الغسالة لا ترفع الحدث (3)، على ما هو
المشهور، بل المجمع عليه.
وكذا الظاهر من الحلي في مواضع من كلامه نجاسة الماء الوارد على
النجاسة:
منها: قوله في أول السرائر: والماء المستعمل في تطهير الأعضاء والبدن
الذي لا نجاسة عليه إذا جمع في إناء نظيف كان طاهرا مطهرا سواء كان

(1) المبسوط 1: 29.
(2) السرائر 1: 120.
(3) لا يخفى عليك ما في هذا الحمل " فإنه خلاف صريح كلام السيد: " يتوضأ به
ويغتسل به مرة أخرى ".
120

مستعملا في الطهارة الكبرى أو الصغرى على الصحيح من المذهب (1) انتهى.
واحتمال أن يكون قيد " خلو البدن عن النجاسة " و " نظافة الإناء "
لكون الماء الوارد عنده غير مطهر وإن كان طاهرا خلاف ظاهر كلماته، لأن
المستفاد منه أن الماء الطاهر مطهر. وهذا كله رد على الشيخ المانع من
التطهير بالمستعمل في رفع الحدث الأكبر (2).
ومنها: في مسألة ماء الاستنجاء وماء الاغتسال من الجنابة، فقال:
أنه متى انفصل ووقع على نجاسة ثم رجع إليه وجب إزالته (3).
ومنها: أنه قد ادعى الاجماع والأخبار على نجاسة غسالة الحمام (4) مع
أنها غالبا من المياه الواردة على النجاسة.
ومنها: أنه رد القول بتعدي النجاسة عن ملاقي الميت إلى ما يلاقيه
- كما هو المشهور - بأنه لو كان كذلك لزم نجاسة الماء، الذي يستعمله ماس
الميت في غسل المس، مع أن المستعمل في رفع الأحداث طاهر إجماعا (5).
وأما ما حكي عن الشيخين (6): فلا ظهور له في المطلوب، لاحتمال أن
يكون مراد المقنعة من " حمل الماء، النجاسة " تنجسه، كما في قوله: " لم يحمل
خبثا " (7) لا حمله جزء من النجاسة الظاهرة.
وأما عبارة الشيخ: فتحمل على الاغتسال فيما لا ينفعل.

(1) السرائر 1: 61.
(2) كما في المبسوط 1: 11.
(3) السرائر 1: 184.
(4) السرائر 1: 90.
(5) السرائر 1: 163.
(6) تقدم كلامهما في الصفحة: 119 - 120.
(7) مستدرك الوسائل 1: 198، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6
121

وأما كلام السيد قدس سره.: فيحتمل اختصاصه بالغسالة، كما يظهر من
استدلاله المتقدم، ولذا حكي عنه ذلك في التذكرة في ذلك المقام (1) بل ظاهر
الشهيد في الذكرى أن كلامه وكلام الحلي كلاما في الغسالة، قال: والعجب
خلو كلام أكثر القدماء عن حكم الغسالة مع عموم البلوى بها، واعترف
المرتضى رحمه الله بعدم النص على الفرق بين ورود الماء على النجاسة وعكسه
وقواه، فحكم بعدم نجاسة الماء الوارد وإلا لما طهر المحل ويلزمه أن لا
ينجس بخروجه بطريق أولى، وفهم الفاضلان منه ذلك، وتبعه الحلي (2) انتهى.
وعلى أي تقدير: فالقول بالفرق في الانفعال بين الورودين ضعيف
مخالف للمشهور، بل للكل، بناء على عموم الاجماعات المنقولة على نجاسة
القليل بملاقاة النجاسة ومخالطتها. ودعوى عدم شمولها لورود الماء على
النجاسة كدعوى العكس في بداهة الفساد، ولذا لا يتأمل أحد في شمول ما
دل على نجاسة المضاف بالملاقاة لوروده على النجاسة أو ورودها عليه أو
تواردهما من ميزابين ونحوهما.
ويشهد لذلك جعل (3) ماء الاستنجاء وماء
الغسالة من مستثنيات هذه الكلية؟ فقال في الذكرى: استثنى الأصحاب من
انفعال ماء القليل ثلاثة مواضع (4).
ومما ذكرنا يظهر: أنه لا تأمل في عموم المفهوم في قوله عليه السلام: " إذا
كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (5) لما نحن فيه، بعد البناء، على أن المستفاد

(1) التذكرة 1: 37.
(2) الذكرى: 9.
(3) كذا في " ع "، وفي سائر النسخ: جعله.
(4) الذكرى: 9.
(5) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1 و 2.
122

من نسبة التنجيس إلى النجاسة كون ذلك باعتبار ملاقاتها.
وقد يتوهم أن شموله لما نحن فيه يستفاد من عموم " الشئ " في المفهوم
فيمنع عمومه لكونها نكرة في سياق الاثبات، وقد يذب عن ذلك - بعد تسليم
لمنع - بعموم لفظ " الماء ".
وفي كليهما نظر، لأن الورود من الأحوال لكل من " الماء " و " الشئ "
بالنسبة إلى الأجزاء، لا من أفرادها، وإذا كان نسبة التنجيس إلى " الشئ "
يستفاد منها عرفا أو لأنس ذهن المتشرعة بكيفية تنجيس النجاسات لما عدا
الماء من المائعات والجوامد الرطبة، كون هذا التأثير لأجل مجرد وصولها إليه
لم يفرقوا بين كيفيات الوصول.
والحاصل: أن مجرد الخلاف في المسألة الشرعية لا يوجب الوهن في
المحكمات العرفية، فإذا فرضنا حدوث الخلاف في انفعال الماء بالنجاسة إذا
تواردا من ميزابين، فلا يوجب ذلك تزلزلا في فهم العموم من أدلة الملاقاة.
هذا كله، مضافا إلى الاجماعات المستفيضة - كالأخبار - على ما هو
ظاهر في المطلوب؟ فإن الحلي ادعى الاجماع والأخبار المعتمدة على نجاسة
غسالة الحمام (1) مع أنها تجتمع غالبا من المياه الواردة على النجاسات،
كما لا يخفى.
وقد ادعى المحقق رحمه الله - في مسألة غسل مس الميت - الاجماع على
نجاسة الماء الذي يغتسل به الجنب إذا كان قبل غسل موضع النجاسة، وكذلك
غيره من ذوي الأحداث (2).

(1) السرائر 1: 90.
(2) المعتبر 1: 351.
123

وادعى العلامة رحمه الله في التحرير والمنتهى - في مسألة الماء المستعمل
رفع الأحداث الكبيرة - الاجماع على نجاسته إذا كان على بدن المغتسل
نجاسة (1).
ومنها (2): عدم الخلاف في أن الماء القليل الوارد على الماء المتنجس
لا يطهره، فلو لم ينفعل لطهره كما يطهره الكثير، لأن دليل تسير الكثير جار
في القليل حينئذ.
وربما اعتذر بعض الفحول (3) عن هذا وشبهه بأن القائل بعدم الانفعال
لا يقول به مع استقرار الماء على النجاسة.
وفيه - مع أن الحلي بنى طهارة غسالة الولوغ على هذا (4) مع استقرار
الماء في الإناء -: أنه إن أريد الاستقرار في الجملة فهو حاصل في كل غسالة،
وإن أريد دائما فلا محصل له.
وأما الأخبار فكثيرة جدا:
منها: ما ورد في النهي عن غسالة الحمام معللا باغتسال اليهودي
والنصراني والناصب فيه (5).
ومنها: مفهوم ما دل على اشتراط طهارة ماء المطر الواقع على
النجاسة بالجريان (6).
منها: رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: " عن الكنيف يصب

(1) التحرير 1: 6، المنتهى 1: 137.
(2) أي من الاجماعات.
(3) لم نقف عليه.
(4) السرائر 1: 180.
(5) الوسائل 1: 158، الباب 11 من أبواب الماء المضاف،
(6) الوسائل 1: 109، الباب 6 من أبواب الماء، المطلق الحديث 3 و 9.
124

فيه الماء فينضح على الثياب؟ قال: إن كان جافا فلا بأس " (1) فإن الظاهر
أن اشتراط الجفاف لحصول العلم بالنجاسة مع الرطوبة غالبا.
ومنها: ما دل على وجوب تطهير إناء الخمر في جواز جعل الماء
(2)، فلو لم ينفعل الماء الوارد لم يشترط تطهيره.
ومنها: ما سيأتي في نجاسة الغسالة.
ومنها: خبر الأحول الدال على عدم البأس بماء الاستنجاء معللا
ب‍ " إن الماء أكثر من القذر " (3) فإن العلة على هذا القول ورود الماء على
النجاسة.
وبالجملة: فأظن هذا القول (4) أضعف من قول العماني، وإن قال به
أو مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين (5) والله العالم.
(ويطهر)، الماء القليل إذا انفعل (بإلقاء كر عليه (6)) مزيل لتغيره إن
كان متغيرا " دفعة " عرفية.
أما اعتبار الكرية: فوضع وفاق، لأن ما دونه ينفعل بالملاقاة وإن كان
واردا، على ما تقدم.
لكن لا يعلم أن القائل بعدم انفعال القليل مطلقا بالملاقاة قائل بطهارة

(1) الوسائل 2: 1079، الباب 60 من أبواب النجاسات، الحديث 2.
(2) الوسائل 2: 1074، الباب 51 من أبواب النجاسات، الحديث الأول.
(3) الوسائل 1: 161، الباب 13 من أبواب الماء، المضاف، الحديث 2.
(4) يعني عدم انفعال القليل الوارد على النجاسة.
(5) فقد جعله في مفتاح الكرامة: 91 رابع الأقوال، وقال: " وهذا القول نسبه جماعة
إلى السيد والشيخ وابن إدريس وغيرهم كما عرفت، ولم أر من اختاره صريحا سوى
صاحب الكفاية ". انظر كفاية الأحكام للسبزواري قدس سره: 11، الفصل الخامس
(6) في الشرائع زيادة: فما زاد.
125

الماء القليل الواقع فيه ماء متنجس امتزج معه مع بقاء النجس على نجاسته
أو يحكم بطهارته بالامتزاج أو بمجرد الاتصال - على الخلاف -؟ أو بنجاسة "
الجميع؟ لا للملاقاة، بل لاشتمال كل جزء منه على جزء نجس - بناء على منع
بطلان تبعض ماء واحد في الطهارة والنجاسة - ولكل وجه ضعيف.
والمحكى عن فخر الاسلام في شرح الإرشاد (1) تفريع الوجه الثاني
على مذهبهم، حيث قال بعد حكايته: ويتفرع على ذلك أنه لو تغير بعض
أقل من الكر ثم زال التغير من قبل نفسه طهر عند العماني ومن وافقه انتهى
وظاهره اكتفاء العماني باتصال النجس بالقليل الطاهر وإن لم يمتزج به.
وأما إلقاء الكر: فالجمود على ظاهره - كما فعله بعضهم - يقتضي علو
المطهر؟ فلا يطهر الماء النجس بإلقائه في الكر ولا بوصله بكر طاهر مساو له
مع أن الطهارة في الصورتين في الجملة إجماعية.
مع أنه لا دليل على اعتبار العلو - بل ولا المساواة - لأن المعيار في
التطهير ملاقاة الماء المعتصم للماء النجس على وجه لا ينفعل المعتصم
ولا يمكن المحكم بمغائرته مع ما لاقى في الطهارة والنجاسة، فإن تطهر المتنجس
حينئذ قطعي، ومن المعلوم: أن مجرد علو سطح المعتصم على سطح الماء
النجس في زمان متصل بزمان الملاقاة لا مدخل له في المقدمات المذكورة
وإن أريد العلو أو التساوي حين الملاقاة، فهو حاصل على كل تقدير
بناء على المختار من الامتزاج.
وأما على القول بكفاية مجرد الاتصال: فلاعتبار أحد الأمرين وجه
من حيث إن مناط عدم اختلاف الماء المعتصم والماء المتنجس في الطهارة

(1) لا يوجد لدينا.
126

والنجاسة هو الاتحاد، وهو لا يصدق مع كون المعتصم سافلا، لأن السافل
لا يدفع النجاسة عن العالي فهو أولى بأن لا يرفع عنه. وأما مع علو المطهر
فلو فرض عدم الاتحاد لم يقدح، لأن الرفع بالعالي كالدفع اتفاقي، لأنه أولى
من المساواة. لكن من عرف منه القول بعدم تقوي السافل بالعالي ظاهره
اعتبار الامتزاج، وقد عرفت أنه لا فرق على الامتزاج بين علو المطهر
وعكسه.
ومن هنا علم أن نسبة شارح اللمعتين هذا القول إلى كل من عبر
بلقاء كر وإيراده (1) محل نظر، لأن جماعة من المعبرين بالالقاء والايراد
الشيخ (2) والمحقق (3) والعلامة في التذكرة (4) والشهيد في الذكرى (5)
يعتبرون الامتزاج (6) ومعه لا وجه لاعتبار العلو أو التساوي، فاعتباره
لا وجه له.
وبالجملة: فاعتبار أحد الأمرين إنما يتجه على قول من اكتفى في
التطهير بمجرد الاتصال الموجب للاتحاد مع منعه من اتحاد السافل بالعالي.
القائل بالامتزاج، أو القائل بحصول الاتحاد ولو مع السفل، أو القائل
بكفاية مجرد الاتصال في التطهير وإن لم يحصل الاتحاد، فلا محصل عندهم لهذا
الشرط.

(1) المناهج السوية (مخطوط): ذيل قول الماتن: ويشمل إطلاق الملاقاة ما لو تساوى
سطحاهما واختلف.
(2) الخلاف 1: 194، كتاب الطهارة، المسألة: 149.
(3) المعتبر 1: 51.
(4) التذكرة 1: 16.
(5) الذكرى: 8.
(6) كما يأتي في الصفحة: 136.
127

ثم إن الشيخ قدس سره. في المبسوط ذكر أنه لا فرق في طهارة الماء
المتنجس بوصول كر إليه بين كونه نابعا من تحته أو مجري إليه أو يغلب فيه
فإنه إذا بلغ ذلك مقدار الكر طهر النجس (1) انتهى.
ورد في الخلاف على الشافعي - القائل بكفاية النبع: بأن الطهارة بالنبع
حكم مختص بالبئر وحصر التطهير بإيراد كر عليه (2).
وفي المعتبر: أن هذا أشبه بالمذهب، لأن النابع ينجس بملاقاة النجاسة
وإن أراد بالنابع ما يوصل إليه من تحته لا أن يكون نابعا من الأرض، فهو
صواب (3) انتهى.
وفي المنتهى - بعد نقل ما في المبسوط -: فإن أراد بالنابع ما يكون نبعا
من الأرض ففيه إشكال من حيث إنه ينجس بالملاقاة فلا يكون مطهرا، وأن
أراد ما يوصل إليه من تحته فهو حق (4) انتهى.
وفي الذكرى: ولو نبع الكثير من تحته كالفوارة فامتزج طهره، وأما لو
كان رشحا فلا، لعدم الكثرة الفعلية (5) انتهى.
وهذه الكلمات كلها كما ترى أجنبية عن حديث علو المطهر، بل ماء
كلام الشهيد ناظر إلى نجاسة النابع، وكلام الشهيد ناظر إلى عدم حصول
الاستهلاك الموجب للتطهير.
والذي أظن: أن التعبير ب‍ " الالقاء " و " الورود " و " الوقوع " إنما وقع

(1) المبسوط 1: 7.
(2) الخلاف 1: 193 - 194، كتاب الطهارة، المسألة: 148، 149.
(3) المعتبر 1: 51.
(4) المنتهى 1: 65.
(5) الذكرى: 9.
128

لفرض كون المطهر ماء خارجيا، على ما هو الغالب في تطهير المياه القليلة
الباقية في الحياض المنفعلة بالملاقاة.
ويشهد له - مضافا إلى اتفاقهم على كفاية المساواة - دعوى العلامة
رحمه الله في المنتهى الاتفاق على أن تطهير النجس بإلقاء كر عليه مع حكمه
بكفاية مجرد الاتصال. قال في المنتهى في مسألة الغديرين: لو كان أحدها
نجسا فوصل بغدير بالغ كرا قال بعض الأصحاب: الأولى بقاؤه على النجاسة
- وذكر دليله إلى أن قال -: عندي فيه نظر، لأن الاتفاق واقع على أن تطهير
ما ينقص عن الكر بإلقاء كر عليه ولا شك أن المداخلة ممتنعة، فالمعتبر إذا
الاتصال الموجود هنا (1).
فإن الجمع بين دعواه وحكه لا يمكن إلا بأن يراد من " الالقاء " في
معقد الاتفاق مجرد الاتصال أو يراد به خصوصي صورة العلو، لكن يكون
مراده الاتفاق على التطهير به، لا انحصار المطهر فيه، أو يراد الانحصار
ويكون واردا في الفروض الغالبة: من تطهير المياه القليلة المنفعلة في
الحياض، فإنه الذي يعم به البلوى.
وأما اعتبار الدفعة: فقد نسب في الروضة إلى المشهور (2).
والمراد بها يحتمل أن يكون ما يقابل الدفعات، بأن يلقى عليه الماء
القليل دفعات إلى أن يبلغ المجموع كرا. وأن يراد بها ما يقابل وقوع الكر
المتصل الواحد فيه تدريجا، كما لو فرض علو سطح الكر يسيرا. وأن يراد
منها عدم انقطاع الكر إلى أن يقع بتمامه فيه وإن كان تدريجا، فلو قطع الكر

(1) المنتهى 1: 53.
(2) الروضة البهية 1: 254.
129

بعد إرساله ثم أرسل لم يحصل التطهير.
أما الدفعة بالمعنى الأول: فلا إشكال ولا كلام في اعتبارها على القول
بنجاسة القليل، بل وعلى غيره أيضا، مع أن اعتبار الكرية في الملقى يغني عن
اعتبارها بهذا المعنى، مع تصريح بعضهم بما ينافي هذا المعنى (1). وأما بالمعنى
الثاني: فقد حكي عن جماعة اعتبارها (2) ولم يعلم منهم تصريح بوجه
الاعتبار.
فيحتمل أن يكون ذلك لأجل تحصيل الامتزاج، فإن الوقوع دفعة
يوجب ذلك غالبا، بل دائم، ولذا اقتصر عليها القائلون بالامتزاج كالمحقق
في الشرائع (3) والعلامة في التذكرة (4) والشهيد في الدروس (5)
وذكر جمال
المحققين في حاشية الروضة: " أن في صورة إلقاء الكر دفعة تتحقق الممازجة
وإنما الخلاف في اشتراط الممازجة فيما لم يلق دفعة " (6). وعلى هذا فبين الدفعة
وعلو المطهر عموم من وجه. لكن جامع المقاصد مع قوله بعدم اعتبار
الامتزاج (7) قال بالدفعة وزاد دعوى النص وفتوى الأصحاب بها (8).

(1) مثل المحقق الثاني قدس سره. في جامع المقاصد 1: 133، والسيد السند قدس سره. في
المدارك 1: 40، قالا: " والمراد بالدفعة وقوع جميع أجزاء الكر في زمان قصير بحيث
يصدق اسم الدفعة عليه عرفا " وقريب منه عبارة الشهيد الثاني قدس سره. في المسالك
(2) منهم المحقق قدس سره. في متن الكتاب والعلامة قدس سره في جملة من كتبه، وفي الحدائق
(1: 337): بل الظاهر أنه المشهور بين المتأخرين.
(3) الشرائع 1: 12 (4) التذكرة 1: 16.
(5) الدروس 1: 118.
(6) حاشية الروضة: 11.
(7) جامع المقاصد 1: 136.
(8) جامع المقاصد 1: 133.
130

ويحتمل أن يكون اعتبار ذلك مختصا بصورة الالقاء، فالغديران
تواصلان يطهر الكثير منهما المتنجس منهما، فحيث عبر العلماء بالالقاء
اعتبروا الدفعة تحرزا عن اختلاف سطح المطهر، فينفعل السافل منه بالملاقاة،
لا يتقوى الجزء العالي منه، وهذا المحذور غير لازم مع عدم الالقاء، كما في
صورة المساواة.
ويشهد لهذا الوجه أن جامع المقاصد - بعد ذكره قول الشهيد رحمه الله:
بأن القليل يطهر بإلقاء كر متصل عليه - قال: إنه لم يشترط الدفعة، وفيه
تسامح، لأن وصول أول جزء منه إلى النجس يقتضي نقصانه عن الكر
فلا يطهر (1) انتهى. ولا يخفى أن الملازمة المذكورة لا يتم إلا بعد القول بعدم
تقوي السافل بالعالي.
ويشهد له أيضا ما ذكره شارح اللمعتين من التعجب ممن جمع بين
القول باعتبار الدفعة والقول بالممازجة، كالفاضل في التذكرة، فإنه إنما اعتبر
الدفعة لئلا يزول وحدة الكر باختلاف سطوحه مع أن اختلاف السطوح
لازم مع الممازجة، ولا يفرق العقل بين الاختلاف الحاصل بالماء والحاصل في
لواء (2) انتهى.
لكن ينبغي على هذا أن لا يعتبر الدفعة فيما إذا زاد الملقى على كر بحيث
يبقى منه في العالي مقدار كر بعد نزول شئ منه إلى الماء النجس، لأن
السافل متقو بالعالي إذا كان العالي كرا، كما سيجئ دعوى عدم الخلاف فيه،
إن كان للتأمل فيها بل للمنع مجال. وحينئذ فما ذكره جامع المقاصد - من

(1) جامع المقاصد 1: 133.
(2) المناهج السوية (مخطوط): 33.
131

مسامحة في كلام الذكرى - راجع إلى الاكتفاء بالاتصال مع عدم اعتبار
الزيادة على الكر.
ويحتمل أن يكون الوجه فيه ما ذكره جامع المقاصد: من ورود النص
بالدفعة وتصريح الأصحاب بها (1).
ويحتمل أن يكون الوجه فيه استصحاب النجاسة ولزوم الاحتياط في
إزالتها بعد ذهاب جماعة إلى الدفعة، كما اعتمده جمال الدين في حاشية
الروضة (2).
والذي يقتضيه التأمل في الأدلة أن اعتبار الدفعة بذلك المعنى إن كان
لتحصيل الامتزاج فلا كلام فيه بناء على ما سنختاره من اعتباره، إلا أن
الملازمة بين الدفعة والامتزاج غير ظاهرة.
وإن كان الوجه فيه اختلاف سطح الماء عند نزول شئ منه إلى
النجس، ففيه: منع عدم تقوي السافل بالعالي في هذه الصورة، لحكم العرف
باتحاد الماء، وإن كان ربما يقوى العدم فيما كان كل من السافل والعالي ماء
مستقلا فوصل بينهما، وأما الماء الواحد الملتقى على النجس فلا يخرج عن
الاتحاد بمجرد نزول بعض أجزائه.
وأما ما أورده شارح اللمعتين على العلامة رحمه الله من النقض بحصول
اختلاف السطح للماء عند الامتزاج (3)، ففيه: أن ذلك غير معلوم، والأصل
عدمه، مع أن التطهير بالامتزاج إجماعي، فلا بأس بخروجه عن مسألة
اشتراط تساوي سطوح الكر، مع أن الامتزاج يحصل في أول زمان الالقاء،

(1) جامع المقاصد 1: 133.
(2) حاشية الروضة: 11.
(3) المناهج السوية (مخطوط): ذيل قول الماتن: والاتحاد مع الملاقاة حاصل.
132

دفعة بين الكر الملقى وبين مقدار كثير من الماء النجس، فيطهر ويزيد المطهر
عن الكر بكثير.
وإن كان الوجه فيه ما ادعاه جامع المقاصد من النص وتصريح
الأصحاب، فاعترف غير واحد بعدم العثور عليه ولا على من ادعاه (1).
وأما الأصحاب فلم يصرح بها منهم إلا المحقق والعلامة والشهيد قدس الله أسرارهم " في
الشرائع (2) والتذكرة (3) والدروس (4). ونقضه في المدارك بتصريح العلامة في
منها والتحرير بطهارة النجس من الغديرين باتصاله بالطاهر الكثير
منهما (5).
ويمكن أن يقال - كما تقدم -: باختصاص اعتبار الدفعة بصورة الالقاء،
لا فقد صرح الشيخ في المبسوط والمحقق والعلامة بطهارة القليل باتصال
الماء الكثير إليه من تحته، كما عرفت سابقا (6).
وصرح في الذكرى بطهارة القليل بنبع الكثير من تحته إذا كان بقوة
كالفوارة (7).
ويشهد أيضا لما ذكرنا اعتراف جامع المقاصد بالطهارة بفوران الجاري
من تحت القليل (8).
وبالمجملة: فلا أرى للنقض المذكور موقعا.
وأما ما ذكره جمال المحققين من اعتبار الدفعة للاجماع على الطهارة

(1) منهم السيد السند في المدارك 1: 40 وانظر مجمع الفائدة والبرهان 1: 261.
(2) تقدم عنه في الصفحة: 130.
(3) تقدم عنه في الصفحة: 130.
(4) تقدم عنه في الصفحة: 130.
(5) المدارك 1: 40.
(6) انظر الصفحة: 128.
(7) الذكرى: 9.
(8) جامع المقاصد 1: 134.
133

معها والشك بدونها (1) ففيه: أن ذلك مسلم مع حصول الممازجة، وأما بدونها
فلا إجماع على الطهارة معها، وإن كان ربما يتخيل ذلك ويقال: إن الخلاف
في اعتبار الامتزاج مع عدم الدفعة لا معها، لكنه فاسد.
هذا، ولصاحب المعالم هنا كلام لا بأس بنقله، وهو: أنه لا يخلو، إما.
أن يشترط في عدم انفعال الكر استواء السطوح أم لا، وعلى الثاني فإما أن
أن يشترط في التطهير الامتزاج أو لا، وعلى تقدير عدم الاشتراط إما أن يكون،
النجاسة لحصول التغير أو لا، فهنا صور أربع:
الأولى: أن يعتبر في عدم انفعال الكر استواء السطوح، والمتجه حينئذ
اشتراط الدفعة في الالقاء، لأن وقوعه تدريجا يقتضي خروجه عن المساواة
فينفصل الأجزاء التي يصيبها النجس وينقص الطاهر عن الكر. أقول: هذا
إنما يصح فيما لم يبق من الملقى مقدار الكر بعد نزول بعضه إلى الماء النجس
وإلا فعلى القول بعدم اشتراط الامتزاج يحصل الطهارة بمجرد الاتصال
فلا ينفعل بعده شئ بالنزول، مع أنه قد نفرض تمام الكر الملقى كعمود في
الهواء اتصل بعضه بالنجس، ولا مجال للحكم بانفعال بعضه المتصل، للقطع
باتحاد الماء في هذا الفرض وعدم قدح علو بعض أجزائه بقيامه على بعض
آخر. قال: الصورة الثانية: أن يهمل اعتبار المساواة لكن يشترط الامتزاج
والوجه حينئذ عدم اعتبار الدفعة، بل ما يحصل به ممازجة الطاهر النجس
واستهلاكه له، حتى لو فرض حصول ذلك قبل إلقاء تمام الكر لم يحتج إلى
الباقي (2).

(1) حاشية الروضة: 11.
(2) معالم الدين: 21.
134

أقول: ما ذكره في غاية الجودة، وهو الذي اخترناه وسنختاره.
قال: الصورة الثالثة: أن لا يشترط الممازجة ولا يعتبر المساواة
ويكون نجاسة الماء بمجرد الملاقاة، والمتجه حينئذ الاكتفاء بمجرد الاتصال،
فإذا حصل بأقل مسماه كفى ولا يحتاج إلى الزائد.
الرابعة: الصورة بحالها ولكن النجاسة للتغير، والمعتبر حينئذ اندفاع
التغير كما في صورة اشتراط الامتزاج، ومع فرض تمايز التغير في بعض
الأجزاء يتعين الدفعة وما جرى مجراها (1) انتهى.
وأما الدفعة بالمعنى الثالث: فإن أريد اعتبارها في التطهير مطلقا
فلا وجه لاعتبارها، لا على القول باشتراط الامتزاج - كما تقدم التصريح به
عن صاحب المعالم، وسيجئ اختياره والتصريح بخلافه عن كاشف اللثام -
ولا على القول بكفاية الاتصال - كما اعترف به كاشف اللثام (2) - وقد تقدم
كفاية تواصل الغديرين من العلامة رحمه الله (3) وغيره، إذ بعد المحكم بطهارة
النجس بالاتصال لا فرق بين بقائها على الاتصال أو انقطاعها.
وإن أريد اعتبارها في صورة إرادة التطهير بالالقاء فله وجه، للحذر
عن اختلاف سطوح الكر إذا انقطع بعضه عن بعض، لكن هذا من لوازم
الدفعة بالمعنى الثاني.
ثم إن العلامة رحمه الله ذكر في التذكرة قول الشافعي بطهارة النجس بالنبع
من تحته، ورده بأنا نشترط في المطهر وقوع كر دفعة (4). ولم يعلم أن مراده

(1) معالم الدين: 21.
(2) كشف اللثام 1: 34.
(3) تقدم في الصفحة: 129.
(4) التذكرة 1: 21 ه‍ وفيه: لأنا نشترط في المطهر وقوعه كرا دفعة.
135

انتفاء الكرية هنا بناء على انفعال النابع القليل بملاقاة النجاسة؟ أو انتفاء
وقوع الكر بناء على اشتراط علو المطهر؟ أو انتفاء الدفعة؟ والأظهر بناء
على مذهبه هو الأول، ولذا ذكر في المنتهى في رد هذا القول - تبعا للمعتبر (1)
أن النابع ينجس بملاقاة النجاسة (2). هذا.
وأما اعتبار الامتزاج: فيظهر من أكثر من تعرض لهذه المسألة، كالشيخ
في الخلاف، والمحقق في المعتبر، والعلامة في التذكرة، والشهيد في الذكرى.
قال في الخلاف - في الاستدلال على الكثير المتنجس بالتغير بأن يرد
عليه من الكثير ما يزيل تغيره -: إن البالغ الوارد لو وقع فيه عين النجاسة
لم ينجس والمتنجس ليس بأكثر من عين النجاسة. ثم ذكر في القليل النجس:
أنه لا يطهر إلا بورود كر عليه، لما ذكرناه من الدليل (3) انتهى.
ولا ريب أن تمسكه بأولوية المتنجس بالطهارة من عين النجاسة
لا يصح إلا مع امتزاجه بالكر واستهلاكه، إذ مع الامتياز لا يطهر عين
النجاسة حتى يقاس المتنجس عليه.
وفي المعتبر استدل على طهارة القليل النجس بورود كر من الماء عليه:
بأن الوارد لا يقبل النجاسة والنجس مستهلك (4) انتهى.
وهو كالصريح في اعتبار الامتزاج.
وقال أيضا: لو نقص الغدير عن كر فوصل بغدير آخر فيه كر ففي
طهارته تردد، والأشبه بقاؤه على النجاسة، لأنه ممتاز عن الطاهرة والنجس

(1) المعتبر 1: 51.
(2) المنتهى 65: 1.
(3) الخلاف 1: 193 و 194، كتاب الطهارة، المسألة: 148 و 149.
(4) المعتبر 1: 51.
136

غلب الطاهر ينجسه مع ممازجته، فكيف مع مباينته؟ (1) انتهى.
وفي التذكرة في المسألة المذكورة: أن الأقرب بقاؤه على النجاسة مع
الاتصال وانتقاله إلى الطهارة مع الممازجة، لأن النجس لو غلب الطاهر
ينجس فمع التميز يبق على حاله (2).
وفي الذكرى: ويطهر - يعني القليل - بمطهر الكثير ممازجا، فلو وصل
بكر يماسه لم يطهر. وقال أيضا: لو نبع الكثير من تحته كالفوارة فامتزج
طهره، لصيرورتهما ماء واحد، أما لو كان رشحا لم يطهر، لعدم الكثرة
الفعلية (3).
ومراده من الكثرة الفعلية ما يحصل به الامتزاج لا بلوغ الكرية،
إذ لا يعتبر عنده الكرية في النابع، ولو فرض النابع في * كلامه بئرا أو كونه
قائلا بانفعال مطلق النابع القليل، كان اللازم تعليل الحكم بنجاسة النابع
بالملاقاة، كما في المعتبر والمنتهى، وقد تقدم كلامهما (4).
وهذا القول ظاهر كل من ذكر في الجاري المتغير أنه يطهر بتدافع الماء
من المادة وتكاثرها حتى يزول التغير كما في المقنعة (5) والمبسوط (6)
والسرائر (7) والوسيلة (8) فإن اعتبار زوال التغير بالتدافع والتكاثر لا يكون

(1) المعتبر 1: 50.
(2) التذكرة 1: 23.
(3) الذكرى: 9.
(4) تقدم في الصفحة: السابقة.
(5) المقنعة: 66.
(6) المبسوط 1: 6.
(7) السرائر 1: 62.
(8) الوسيلة: 72.
137

إلا لاعتبار الامتزاج، إذ لو كفى الاتصال كان التطهير بمجرد زوال التغير - كما
في اللمعة (1) والجعفرية (2) - ولذا جعل المحقق الثاني في جامع المقاصد تعبير
القواعد بالعبارة المذكورة مبنيا على اعتبار الامتزاج (3).
ومما ذكرنا ظهر أن ما في شرح الروضة: من أنه لم يعرف القول
بالامتزاج ممن قبل المحقق في المعتبر (4) لا يخلو عن نظر.
هذا، ولكن يمكن دعوى استقرار فتوى الأكثر على خلاف ذلك، لأن
ظاهر الشيخ في المبسوط (5) والمحقق في الشرائع (6) وصريح العلامة في
التحرير (7) والشهيد في اللمعة (8) الرجوع عما في كتبهم السابقة والاكتفاء بمجرد
الاتصال، كصريح المحقق والشهيد الثانيين (9) وأكثر من تأخر عنهم.
وأما من عبر: تطهير الجاري بالتدافع والتكاثر، فيمكن حمله على
ما هو الغالب من زوال تغير المجاري بذلك، ومن المعلوم: أن زوال تغير
الجاري بالتدافع أغلب وأسهل وأسرع، فذكره لذلك، لا لاعتباره في التطهير،
ولذا عبر به من صرح بعدم اعتبار الممازجة كما في الموجز (10) بل صرح به

(1) اللمعة الدمشقية: 15.
(2) الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 83.
(3) جامع المقاصد 1: 135.
(4) المناهج السوية (مخطوط): 30، 33.
(5) المبسوط 1: 7.
(6) الشرائع 1: 12.
(7) التحرير 1: 4.
(8) اللمعة الدمشقية: 15.
(9) جامع المقاصد 1: 133 و 135 - 136، الروضة البهية 1: 254.
(10) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 36.
138

جماعة ممن يرى طهارة الماء بالاتمام كرا (1) فإن لازمه كما ذكره الفاضلان (2)
طهارة الكثير المتغير جاريا أو راكدا من دون اعتبار اتصاله بماء معتصم
فضلا عن امتزاجه به.
وكيف كان: فالأقوى هو اعتبار الامتزاج، لأصالة النجاسة وعدم
الدليل على الطهارة إلا بالممازجة، لضعف ما تمسك به على الطهارة بدونه.
أما الطهارة مع الامتزاج: فيدل عليه وجوه:
الأول: الاجماع، كما ادعي (3).
الثاني: أن الكر إذا فرض عدم قبوله للانفعال بالملاقاة وامتزج مع
المتنجس وإن طهره فهو المطلوب، وإلا فإن تنجس به لزم خلاف الفرض
وإن اختص بالطهارة لزم تعدد حكم المائين الممتزج أحدها بالآخر،
بل يلزم عدم جواز استعمال الكر فيما يشترط فيه الطهارة، لاشتمال كل جزء
منه على جزء من المتنجس؟ فهذا حقيقة في معنى انفعاله، إذ لا يجوز شربه
إلا التوضي منه ولا تطهير الثوب به.
نعم، لو فرضنا أن جنبا ارتمس في الحوض المذكور فقد يقال: بارتفاع
حدثه وإن صار بدنه متنجسا. إلا أن يقال: إن هذا مانع عرضي عن
الانتفاع بالكر في الشرب والوضوء والتطهير، فلا ينافي اعتصامه في ذاته،
نظير ما إذا وضع فيه أجزاء لطيفة من نجس العين ولم تستهلك.
الثالث: ما تقدم عن الخلاف من فحوى ما دل على طهارة نجس العين

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 7، وابن إدريس في السرائر 1: 62، 63.
(2) المعتبر 1: 41، ولم نعثر عليه في كتب العلامة.
(3) الحدائق 1: 335.
139

بالاستهلاك (1) مثل ما دل على أنه لا بأس بما يقع من البول في الكر إذا
لم يبلغ في الكثرة حد التغير الرافع (2) إذ وقوع النجاسة العينية في الكر يستلزم
تغير ما اكتنفها من أجزاء الماء فينجس، وقد حكم الشارع بنفي البأس عن
ذلك، وليس إلا لامتزاجه بباقي أجزاء الكر، فدل على حصول الطهارة
بالامتزاج.
وكيف كان: فلا إشكال في الحكم المذكورة لكن الاشكال في أنه هل
يعتبر استهلاك المتنجس في الطاهر على الوجه المعتبر في تطهير المضاف؟
أو يكفي مطلق الامتزاج - بحيث لو فرض للنجس لون مغاير للماء الطاهر
ولو ضعيفا لزال، فيطهر كر واحد أكرارا متعددة إذا امتزج ولو استهلك فيها
وعلى الأول فلا يطهرها إلا إذا استهلكها جزءا فجزءا - وجهان:
من الأصل، والمتيقن الطهارة بالاستهلاك، لظهور كلمات من تقدم من
القائلين بالامتزاج في الاستهلاك واختصاص الأدلة المتقدمة بهذه الصورة.
ومن أن ملاحظة كلمات القائلين بالامتزاج في مقام آخر تقفي بعدم
اعتبار الاستهلاك بالمعنى المتقدم، لأنهم ذكروا في الجاري المتنجس: أنه
يطهر بتكاثر الماء من المادة عليه حتى يزول تغيره (3). ومن المعلوم: أن زوال
آخر مراتب التغير يحصل بقليل من الماء المجاري مستهلك في جنب الماء
النجس، ولم يقل أحد منهم باعتبار ما زاد على ما يزيل التغير، فإذا اكتفي في

(1) تقدم في الصفحة: 136.
(2) دلت على مضمونه بعض الروايات، انظر الوسائل 1: 102، الباب 3 من أبواب الماء
المطلق، و 117، الباب 9 منها.
(3) كالمحقق قدس سره في المعتبر 1: 40، والعلامة قدس سره في التذكرة 1: 18، والشهيد
قدس سره في الذكرى: 8.
140

المتغير بمجرد الامتزاج المزيل للتغير اكتفى به في غيره، لاتحاد الدليل الذي
استدلوا به للطهارة في المقامين، فإن الفاضلين رحمه الله عبرا في المتغير أيضا
الاستهلاك (1) فيعلم إرادتهم منه مجرد الامتزاج.
وفي التذكرة: وفي طهارة الكثير المتغير بوقوع كر في أحد جوانبه بحيث
علم عدم شياعه فيه تردد (2) انتهى.
فإن مفهومه عدم التأمل في الطهارة مع العلم بالشياع، والمفروض في
كلامه كون الكر أقل بمراتب من الكثير المتغير.
وأما الفحوى التي تمسك بها الشيخ رحمه الله في الخلاف (3) فهي وإن
لم تستقم إلا بإرادة الغلبة، إلا أن حكمه في عنوان المسألة بطهارة الكثير
المتغير بالكر فما زاد إذا زال به التغير ظاهر أيضا - بل صريح - في كفاية كر
لتطهير كر متغير إذا أزال تغيره، ومن المعلوم: أن أحد المتساويين في المقدار
لا يستهلك الآخر، فلا بد من توجيه دليله بأن المراد من الاستهلاك هو
الامتزاج الموجب لعدم تمايز أجزاء كل منهما، وهذا المعنى مطهر لعين النجاسة
وللماء المتنجس.
ومما يشهد على إرادة هذا المعنى: أنه استدل في المنتهى على طهارة
المضاف بإلقاء الكر عليه بما حاصله: أن الكر لا ينفعل مع عدم استهلاك
نجاسة له ولا يمكن الإشارة إلى عين نجسة، فوجب الجزم بطهارة الجميع (4).

(1) المعتبر 1: 41، والتذكرة 1: 16.
(2) التذكرة 1: 16.
(3) الخلاف 1: 193، كتاب الطهارة، ذيل المسألة 148. قوله: والماء النجس ليس
بأكثر من عين النجاسة.
(4) المنتهى 1: 127.
141

فعبر عن مناط الطهارة بعدم تمايز الأجزاء.
وأما الشهيد: فظاهره وإن كان اعتبار الكثرة الفعلية، إلا أن هذا
الكلام منه معارض بما هو كالصريح في عدم اعتبار الاستهلاك بمعنى الغلبة،
فإنه قال رحمه الله بعد ذلك: لو غمس الكوز بمائه النجس في الكثير الطاهر طهر
مع الامتزاج ولا يكفي المماسة ولا اعتبار بسعة الرأس وضيقه ولا يشترط
أكثرية الطاهر، نعم يشترط المكث ليتحقق الامتزاج (1) انتهى. وقال أيضا
قبل ذلك فيما لو تغير بعض الكثير الراكد: إنه يطهر بتموجه إن بقي كر
فصاعدا غير متغير وإلا فبإلقاء كر متصل فكر حتى يزول التغير. ثم قال:
ولو قدر بقاء الكر الطاهر متميزا وزوال التغير بتقويته بالناقص عن الكر
أجزأ (2) انتهى.
فإن ظاهر هذه الفقرة الأخيرة كفاية مقدار قليل من الماء مزيل لتغير
المتغير وإن كان كثيرا مع اعتصام ذلك القليل بالكر الباقي غير متغير ولو كان
هذا القليل ملقى من الخارج.
والحاصل: أنه لم يعلم فتوى أحد من الأصحاب باعتبار الاستهلاك
بمعنى الغلبة. ومن هنا صح للمحقق الثاني عند الاستدلال على كفاية مطلق
الاتصال دعوى الاجماع على أنه لا يعتبر في المطهر وراء الامتزاج شئ (3)
وللفاضل المقداد والشهيد الثاني في الروضة دعوى الاجماع على طهارة الماء

(1) الذكرى: 9.
(2) الذكرى: 8.
(3) لم نعثر عليه في جامع المقاصد، لكن حكاه عنه وعن الشهيد الثاني المحدث
البحراني في الحدائق 1: 335 من دون نسبة إلى كتاب. ولا يخفى أن المحقق الثاني
من القائلين بعدم اعتبار الامتزاج في التطهير والكلام المحكي عنه إنما قاله في مقام
إلزام القائلين بالامتزاج كما في الجواهر 1: 146.
142

المتنجس بماء المطر (1) مع أنه لا يستهلكه غالبا،
ولشارح الروضة دعوى
الاجماع في غير موضع من كلامه على أن الكر الواحد يطهر أكرارا كثيرة (2).
ومن ذلك ظهر ما فهمه (3) صاحب الحدائق في ظاهر كلامه من إرادة
القائلين بالامتزاج الاستهلاك، حيث قال في موضع: إن مما يعلم به عدم
الامتزاج بقاء ماء الكوز النجس على وصفه السابق إن كان كذلك كعذوبته
مع ملوحة المطهر وحرارته مع برودة المطهر أو بالعكس فيهما (4) انتهى.
ولا يخفى أن مجرد بقاء الصفة قد تجتمع مع استهلاك المضاف النجس في
المطلق، مع ما عرفت أن أحدا من أهل الامتزاج لم يظهر منه اعتبار
الامتزاج المعتبر في تطهير المضاف، فضلا عن المطلق.
ومما يدل على ذلك ما ذكرنا في الوجه الثالث (5) من أدلة الامتزاج،
فإن زوال تغير الأجزاء المكتنفة بالنجاسة الواقعة في الكثير يحصل باختلاطه
بقليل مما يتحرك إليه من أطرافه.
هذا، مضافا إلى قوله عليه السلام في مرسلة الكاهلي: " كل شئ يراه ماء
المطر فقد طهر " (6) فإن الرؤية كناية عن الملاقاة. فملاقاة ماء المطر لأجزاء
الماء النجس موجبة لطهارتها ولا يعتبر استهلاكه لما لغلبته عليها، بل سيأتي
استدلال بعضهم بهذه المرسلة على كفاية ملاقاة المطر وما جرى مجراه من
الكثير والجاري لجزء من الماء النجس، لكن سيأتي ضعفه.

(1) التنقيح الرائع 1: 45، الروضة البهية 1: 258.
(2) المناهج السوية (مخطوط): 32 و 33.
(3) كذا، ولعل الأصل: ما في ما فهمه.
(4) الحدائق 1: 342.
(5) كذا في مصححة " ع "، وفي سائر النسخ: الوجه الرابع.
الوسائل 1: 109، الباب 6 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
143

ويؤيده أيضا رواية الميزابين السائلين أحدها بول والآخر ماء المطر (1)
فإن البول المستحيل في ماء المطر يغيره أولا ويزول تغيره بجزء آخر من ماء
المطر لا يستهلكه.
فتحصل من جميع ما ذكرنا: أنه يكفي في المطهر مطلق الامتزاج وإن
لم يحصل الغلبة.
وأما ضعف ما تمسكوا به على كفاية الاتصال وعدم اعتبار الممازج
فلأنهم ذكروا لذلك وجوها يظهر ضعفها بعد ذكرها:
أحدها: الأصل، ذكره بعض الأفاضل (2)، وفيه: أنه يقتضي النجاسة.
الثاني: عمومات مطهرية الماء بقول مطلق، أو خصوص المعتصم منه
كماء المطر وماء النهر.
منها: قوله عليه السلام في رواية السكوني: " الماء يطهر ولا يطهر " (3). وفيه
- بعد تسليم السند - أنه مجمل من حيث المتعلق، لكونها قضية مهملة
مقابل قوله: " لا يطهر " أي لا يطهر بغيره، كما في قولك: " زيد يعطي
ولا يعطى " ومن حيث كيفية التطهير، بل الظاهر المركوز في الأذهان أن الماء
يطهر بالاستيلاء على مجموع القذر لا بتلاقي جزئين منهما.
ومنها: قوله عليه السلام: " ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا " (4)
وفيه - مع ضعف سنده جدا - أن الظاهر منه إرادة حفظ الطهارة لا إحداثها
بعد أن لم تكن، كما ذكرنا ذلك موضحا في مسألة انفعال القليل من الجاري.

(1) الوسائل 1: 109، الباب 6 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4.
(2) المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 136 والشهيد الثاني في روض الجنان: 138
(3) الوسائل 1: 100، الباب 1 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6.
(4) الوسائل 1: 112، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
144

هذا سع ما ذكر أخيرا في الرواية السابقة.
ومنها: قوله عليه السلام في مرسلة الكاهلي: " كل شئ يراه ماء المطر فقد
طهر " (1) فإنه يصدق على ماء المطر الواقع على سطح الحوض " أنه رأى
الحوض فطهر " وفيه: أن الرؤية كناية عن الملاقاة، ورؤية كل جزء توجب
طهارته لا طهارة ما عداه. ودعوى صدق ملاقاة المجموع بملاقاة جزء منه
فيطهر المجموع - بعد تسليم كونه على وجه الحقيقة دون المسامحة - معارضة
بأنه يصدق على الجزء الآخر " أنه لم يره المطر فلم يطهر " فإن ظاهر
الرواية إناطة الطهارة وجودا وعدما بالرؤية، فإن المبتدأ متضمن لمعنى
الشرط؟ فلا يرد أن هذا من باب مفهوم الصفة.
ومنها: قول أبي جعفر عليه السلام - فيما أرسله في أول المختلف عن بعض
العلماء عن أبي جعفر عليه السلام مشيرا إلى غدير من الماء -: " إن هذا لا يصيب
شيئا إلا طهره " (2). وتقريب دلالته وردها كما في المرسلة.
ومنها: قوله عليه السلام في صحيحة ابن بزيع: " ماء البئر واسع لا يفسده
شئ إلا ما غير طعمه أو ريحه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم، لأن
له مادة " (3) بناء على أن التعليل خاص بالفقرة الأخيرة أعني قوله: " فينزح "
أو لجميع ما قبله فيشمل الأخيرة.
وعلى كل تقدير: فيدل على كفاية زوال التغير في طهارة ما ينجس
بالتغير وله مادة من غير اعتبار امتزاجه بشئ من المادة أو ماء معتصم
آخر، فإذا اكتفي بالاتصال في المتغير ذي المادة اكتفي في غيره من المياه

(1) تقدمت في الصفحة: 143.
(2) المختلف 1: 178.
(3) الوسائل 1: 127، الباب 14 من أبواب الماء المطلق. الحديث 7.
145

النجسة بغير التغير باتصاله بماء معتصم. وفيه: ما مر (1) في تطهير الجاري من
إجمال الرواية واحتمال رجوع العلة إلى ذهاب الوصف بالنزح.
الثالث: اقتضاء الاتصال الاتحاد والماء الواحد لا يختلف حكمه.
وفيه: أنه إن أريد بالاتحاد اتحاد السطح فالكبرى ممنوعة، وإن أريد
الاتحاد في الإشارة إليهما فالصغرى ممنوعة.
الرابع: أن الاتصال يوجب اختلاط بعض أجزاء الكر ببعض أجزاء
المتنجس، فإما أن ترتفع النجاسة من النجس أو يتنجس جزء الكر، والثاني
مخالف لأدلة عدم انفعال الكر، فتعين الأول، فإذا طهر الجزء طهر الجميع لعين
ما ذكر.
وفيه: منع الملازمة الأخيرة، فإن طهارة الجزء المختلط بالاختلاط
المنفي في الباقي لا يوجب طهارته: وإن أريد بالاختلاط مطلق الاتصال كان
الاكتفاء به عين النزاع، وما الفرق بينه وبين ما لو تغير بعض الكثير دون
بعضه الباقي على الكثرة؟
هذا خلاصة ما ذكروا لكفاية الاتصال.
وقد ذكر شارح الروضة وجوها لابطال اعتبار الامتزاج ليتعين بذلك
كفاية الاتصال (2) والأصل في ذلك قول المنتهى - فيما تقدم من كلامه في
الغديرين المتواصلين -: إن في بقاء النجس منهما على نجاسته نظرا للاتفاق
على طهارة النجس بإلقاء كر والمداخلة ممتنعة والاتصال موجود هنا (3)
انتهى.

(1) مر في الصفحة: 97.
(2) المناهج السوية (مخطوط): 33.
(3) المنتهى 1: 54.
146

وعمدة تلك الوجوه ما أخذه بعض الأفاضل (1) من كلامه.
أحدها: أنه لو اعتبرت الممازجة، فإما أن يراد امتزاج الكل بالكل،
أو البعض بالبعض.
أما الأولى: ففيه أولا: أنه غير ممكن.
وثانيا: أنه غير ممكن الاطلاع عليه، فالأصل بقاء النجاسة.
وثالثا: أن جماعة من معتبري الامتزاج - كالعلامة والشهيد وغيرها -
حكموا بطهارة المحياض الصغار المتصلة باستيلاء الماء من المادة عليها
وبغمس كوز الماء النجس في الكثير ولو بعد مضي زمان وطهارة القليل بماء
المطر، بل ادعى السوري والشهيد الثاني الاجماع على الثالث (2) مع أن
الامتزاج الكلي لا يحصل في شئ.
ورابعا: أن الامتزاج ليس كاشفا عن الطهارة حين الملاقاة قطعا، بل
يتوقف عليه، والمفروض: أن الماء المعتصم يخرج عن كونه كرا أو جاريا
أو ماء غيث قبل تمام الامتزاج الكلي.
وخامسا: أنه إذا ألقي النجس الكثير في المطهر القليل بحيث يستهلك
فيه، فإما أن يحكم بالنجاسة وهو خلاف الأصل والاجماع، أو بالطهارة وهو
المطلوب، وكذلك عكسه إذا سيق المطهر من مجاري متعددة بل دفعة. وغاية
ما يمكن أن يقال: إنه يطهر أجزاءه المخالطة له وهكذا بالتدريج. وفيه - مع
استلزامه المنع عن استعمال الماء قبله بلا دليل، واختلاف الماء الواحد في
السطح الواحد - أنه إنما يتم إذا اجتمع الأجزاء المختلطة بحيث لا يتوسط

(1) هو المحقق الشيخ أسد الله الدزفولي الكاظمي قدس سره في مقابس الأنوار: 82.
(2) تقدم تخريج كلمات هؤلاء الأعلام آنفا، فلا نعيد.
147

بين الكر منها النجس وعلم ذلك، والمعلوم مع الاستهلاك خلافه.
وأما الثاني (1): فإن أريد بالبعض مسماه فهو المطلوب، أو القدر المعين
فلا بد من أن يبين، أو الأكثر بالأكثر تقريبا فلا دليل عليه، مع أن الفرق بين
الأبعاض غير معقول. مضافا إلى ورود كثير مما ذكر في الأول هنا (2).
والجواب: أنا نختار امتزاج الكل من النجس بالبعض من الطاهر،
بحيث لو فرض للمتنجس أقل لون زال بالماء الطاهر - على ما ذكرناه في
الاستدلال: من دلالة النص والاجماع على طهارة المتغير من الجاري والكثير
إذا زال تغيره بممازجة بعضه الآخر - والتغير قد يكون خفيفا، بل يكون دائما
كذلك في آخر أزمنة وجوده المشرف على الزوال، ومن المعلوم: أن هذا
التغير يحصل بامتزاج شئ قليل من الماء المعتصم، فيكف لتطهر الأكرار
المتنجسة ما يكون نسبته إليها كنسبة الجزء المعتصم الطاهر الممازج إلى المتغير
في المثال المذكور. ولو فرض عدم العلم بهذا، فلا مانع عن التزام بقاء
النجاسة.
ومما ذكرنا يظهر: أن طهارة الكوز من الماء النجس بالغمس أو طهارة
ما في الحياض باستيلاء الماء من المادة عليها وحصول التطهر بماء الغيث،
لا يرد نقضا على القائل بالامتزاج.
وأما خروج الماء المعتصم عن عنوانه - أعني الكرية والجريان - قبل
الامتزاج التام، فغير مسلم، للاجماع على عدم انفعاله ما لم ينقطع عن الكر
بالمرة،
وقد حكوا بطهارة المحبوب النجسة إذا انتقعت في الكر، مع أن أجزاء

(1) أي امتزاج البعض بالبعض.
(2) إلى هنا انتهى كلام صاحب المقابس قدس سره. مع تفاوت.
148

الكر المتخللة بين أجزاء الحبوب ليست بأشد اتصالا بالكر من الأجزاء
المتخللة من الكر في الماء المتنجس، مع أن انفعال المطهر بالتطهير لا يمنع عن
التطهير به، كما في الماء القليل الذي يقع على موضع في الثوب النجس ثم
ينتقل منه إلى موضع آخر منه، فإن المعتبر الطهارة قبل التطهير، مع أن الماء
سريع النفوذ في الماء، فيطهر الجزء النجس الملاقي له قبل التخلل بين أجزاء
الكل.
وأما اختلاف الماء في السطح الواحد، فلم نجد دليلا شرعيا على
امتناعه، والثابت من النص والاجماع امتناع اختلاف المائين مع شيوع
أحدهما في الآخر وقد ذكر في شرح الروضة (1) وجوها أخر لرد القول
بالامتزاج، لا يخفى ضعفها على ما ذكرناه في الجواب عن الوجه المذكور.
الأول: إن من لم يقل بالامتزاج بين معتبر لصدق الاتحاد العرفي على
مجموع الطاهر والنجس - كما هو ظاهر الروضة (2) - وبين مكتف بمجرد الملاقاة
كظاهر اللمعة (3) - ولازمه طهارة الكوز من الماء النجس يصب منه شئ في
الكر، فضلا عن غمسه فيه، وليس بأبعد من التزام طهارة النجس الكثير
بقطرة أو قطرات من المطر.
وقد يذكر هنا تفصيل بين الجاري وماء الحمام وبين غيرهما فيشترط
الامتزاج في الأولين، ونسب إلى ظاهر المنتهى والنهاية والتحرير والموجز

(1) المناهج السوية (مخطوط): 33.
(2) الروضة البهية 1: 254.
(3) اللمعة الدمشقية: 15.
149

وشرحه (1) حيث حكموا بالطهارة بتواصل الغديرين (2) وعبروا في الجاري
بأنه يطهر بالتدافع والتكاثر (3) واعتبروا في طهارة ماء الحمام استيلاء الماء
من المادة عليه (4) إما مطلقا كما في كتب العلامة، أو مع عدم تساوي السطح
الطاهر والنجس كما في الأخيرين.
وفيه: أن الظاهر أنه لا قائل بكون حكم ماء الحمام أغلظ من غيره
وأما الجاري فليس له عند العلامة عنوان مستقل بل الاعتبار عنده بالكرية
وقد صرح في المنتهى بأن تطهر الجاري بإكثار الماء المتدافع حتى يزول
التغير، وتطهر الكثير المتغير بإلقاء كر عليه دفعة من المطلق بحيث يزول
تغيره، واستدل في المسألتين بأن الطارئ لا يقبل النجاسة والمتغير
مستهلك (5). وأما الموجز وشرحه فصريحهما عدم الفرق بين ماء الحمام وغيره
من الحياض الصغار (6).
وقد يعكس بعض المعاصرين (7) هذا التفصيل، فيختص (8) الامتزاج

(1) نسب إليهم المحقق الشيخ أسد الله في المقابس: 82.
(2) المنتهى 1: 53، نهاية الإحكام 1: 259، التحرير 1: 4، الموجز الحاوي (الرسائل
العشر)، 36، كشف الالتباس (مخطوط): 12.
(3) المنتهى 1: 64، نهاية الإحكام 1: 258، التحرير 1: 4، الموجز الحاوي (الرسائل
العشر): 36. كشف الالتباس (مخطوط): 11.
(4) المنتهى 1: 30، نهاية الإحكام 1: 229، التحرير 1: 4، الموجز الحاوي (الرسائل
العشر): 36، كشف الالتباس (مخطوط): 11.
(5) المنتهى 1: 64.
(6) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 36، كشف الالتباس (مخطوط): 11، ذيل قول
الماتن ويتعدى.
(7) لعله أراد به صاحب الجواهر قدس سره. انظر الجواهر 1: 149، قوله: هذا كله في إلقاء.
الكر.. الخ (8) كذا، والأنسب: فيخص.
150

بغير الجاري وماء الحمام ولم يعتبره فيهما، لأجل صحيحة ابن بزيع المتقدمة
الواردة في ماء البئر (1) ومرسلة الكاهلي " كل شئ يراه ماء المطر " (2) وقوله
عليه السلام " ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا " (3).
وهو ضعيف أيضا لما عرفت من عدم تمامية هذه الوجوه.
الثاني: قد يقال (4): إن اشتراط الامتزاج عند القائلين به مختص بما
إذا لم يلق الكر دفعة، وإلا فإلقاء الكر دفعة مغن عن الامتزاج، لدعوى
الاجماع أو الاتفاق - كما في المنتهى وعن المختلف - على حصول التطهر بالقاء
الكر دفعة (5) ويؤيدها دعوى الاجماع على كفاية كر لأكرار متعددة (6) بناء
على أن الغالب عدم تحقق الامتزاج.
وفيه: أن هذا تخرص، إذ لا دليل على ذلك بعد ظهور كلامهم في أن
الامتزاج شرط آخر غير الدفعة. ومقتضى استدلالهم عليه باستهلاك النجس
- كما عرفت (7) - ظاهر في عدم الاستغناء عنه بالدفعة. وما ذكر من
الاجماعات على (8) الطهارة بإلقاء الكر دفعة وارد إما في القليل النجس وإما
في الكثير المتغير، ولا ريب أنهم اعتبروا في الثاني زوال التغير بالالقاء،
ولا يكون ذلك إلا بالامتزاج، وأما الأول فلا ينفك عن الامتزاج أيضا.

(1) الوسائل 1: 127 الباب 14 من أبواب الماء المطلق. الحديث 7.
(2) الوسائل 1: 109 الباب 6 من أبواب الماء المطلق. الحديث 5.
(3) الوسائل 1: 112 الباب 7 من أبواب الماء المطلق. الحديث 7.
(4) قد ورد هذا الكلام في الجواهر 1: 148 من دون نسبة إلى قائل معين أيضا.
(5) المنتهى 1: 65، المختلف 1: 179.
(6) كشف اللثام 1: 34.
(7) انظر الصفحة: 136 و 140.
(8) في " ج " زيادة: شرط.
151

ويؤيده ما تقدم من تردد العلامة قدس سره. في التذكرة في الكر الواقع في أحد
جوانب الكثير النجس مع عدم شياعه فيه (1). مع أن الظاهر أن اعتبار الدفعة
إما لأجل عدم اختلاف سطوح الكر الملقى كما يشهد به (2) بعض من تقدم
كلامه (3) وظهر من كثير من كلمات القائلين بها (4) وإما لأجل حصول
الامتزاج بها، وإما لأجل النص وفتوى الأصحاب، وعدم إغنائها عن
الامتزاج ظاهر على الأولين، وأما الأخير: فقد عرفت أنها دعوى غير
مسموعة (5). نعم يمكن - بل يجب - أن يقال بالعكس، وهو أن الامتزاج بالماء
المعتصم مغن عن الدفعة على القول باشتراطها، لا لأجل تحصيل الامتزاج.
الثالث: أنك قد عرفت أن المعتبر امتزاج جميع النجس مع المسمى
الكثير الطاهر - ولو أقل قليل منه - لأن دليل الطهارة جار فيه.
ويظهر من كاشف اللثام - في مسألة تطهير الجاري - أنه لا بد على
القول بالامتزاج من امتزاج النجس بتمام الكر (6).
وفيه نظر، لأن مناط الطهارة امتزاج النجس بماء معتصم سواء كان كرا
أم جزء كر.

(1) تقدم في الصفحة: 141.
(2) كذا، والظاهر سقوط كلمة من هنا، ولعل الأصل: صريح بعض من تقدم كلامه.
(3) تقدم عن صاحب المعالم قدس سره انظر الصفحة: 134.
(4) انظر الصفحة: 131 ما نقله عن جامع المقاصد وما نقله عن شارح
اللمعتين.
(5) يعني ما ادعاه المحقق الثاني قدس سره في. من النص وتصريح الأصحاب، راجع الصفحة:
133.
(6) كشف اللثام 1: 35.
152

" و " اعلم أن الماء القليل (لا يطهر بإتمامه كرا (1)) على الأشهر بين
المتأخرين - بل المشهور - لا صالة بقاء النجاسة السالمة عما يرد عليه، عدا
ما يتخيل: من أن الأصل المذكور معارض باستصحاب طهارة المتمم
الكسر - المستلزمة لطهارة النجس للاجماع على اتحاد حكم المائين، فيرجح
عليه، لاعتضاده بقاعدة الطهارة، أو يرجع إليها بعد تساقطهما. وما اشتهر
حتى ادعي الاجماع عليه (2) من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إذا بلغ الماء كرا لم
يحمل خبثا) (3). وما ذكره علم الهدى قدس سره. من الاجماع على أن الماء المعلوم
وقوع النجاسة فيه المشكوك في سبقها على الكرية ولحوقها محكوم بالطهارة (4)
فلولا طهارة النجس بإتمامه كرا لم يكن لذلك وجه.
وفي الكل نظر.
أما استصحاب طهارة المتمم: فيه أولا: أنه إن أريد الاجماع على
عدم تبعض الماء المتصل من حيث الطهارة والنجاسة، فقد عرفت منعه في
مسألة اعتبار الامتزاج. وإن أريد الاجماع على عدمه مع امتزاج المائين،
ففيه: أن الامتزاج فيما نحن فيه غير مؤثر في، التطهير والتنجيس باتفاق الكل
وإن أريد عدم تبعض حكم الماءين القليلين المتصلين، ففيه: أن نظيره
- موجود في الماء القليل الوارد على الماء النجس إذا لم يجعله كرا، فإن الوارد
على النجاسة لا ينفعل بمذهب السيد (5) والحلي (6) مع أنه لا يوجب طهارة ما

(1) في الشرائع: كرا على الأظهر.
(2) السرائر 1: 63.
(3) مستدرك الوسائل 1: 198 الباب 9 من أبواب، الماء المطلق، الحديث 6
(4) المسائل الرسية الأولى (رسائل الشريف المرتضى) 2: 362، المسألة: 17
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 215.
(6) السرائر 1: 181.
153

ورد عليه باعترافهما، وما اعتذر به بعضهم عن ذلك: بأنهم يعتبرون في بقاء
الوارد على الطهارة عدم استقراره (1) قد عرفت ما فيه سابقا (2) وكذا الماء
الملاقي للماء النجس ولو لم يكن واردا بناء على مذهب العماني (3) ومن تبعه
فإن الظاهر أنهم لا يقولون بتطهر النجس بمجرد ذلك. وإن أريد الاجماع
على عدم التبعض في نفس هذه المسألة - لأن العلماء بين قولين (5) - ففيه: أنه
لم يثبت الاجماع على بطلان القول الثالث فلا مانع منه إذا اقتضت (6) القواعد
والأصول كما بين في الأصول.
وأما ثانيا: فلأنه لو سلم الاجماع على الاتحاد كان المسلم منه ذلك
مع الامتزاج، إذ مع فرض التمايز قد عرفت - في تطهير القليل - أنه لا مانع
من تعدد حكم الماءين المتواصلين والمفروض أن الامتزاج هنا ملغى وغير
مؤثر في التطهير والتنجيس إجماعا، والمدعى تأثير مجرد تواصلهما في التطهير
وأما ثالثا: فلأنه لا مسرح للأصل مع مفهوم قوله عليه السلام " إذا كان
الماء قدر كر لم ينجسه شئ " 7 " فإنه صادق على الماء المتمم " أنه قليل لاقى
نجسا " ودعوى: أن ملاقاة القليل هذا الماء وإن كانت منجسة بحكم المفهوم،
إلا أنها علة لعدم الانفعال لحصول الكرية بمجرد الملاقاة، فلا مرجح لأحد "

(1) لم نقف عليه.
(2) تقدم في الصفحة: 124.
(3) كما في المعتبر 1: 48.
(4) كالمحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 81 والفتوني والسيد عبد الله التستري
على ما نقل عنهم في مفتاح الكرامة 1: 73.
(5) في " ع ": بين القولين.
(6) كذا في " ع "، وفي سائر النسخ: اقتضاه.
(7) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الأحاديث 1 و 2 و 6.
154

معلولي الملاقاة - أعني الانفعال - على الآخر - وهو عدمه - مدفوعة بأن
الملاقاة ليست علة لعدم الانفعال، بل علة للكرية المانعة من الانفعال، وإذا
كان الشئ علة تافة للشئ استحال أن يكون علة لمانعه، إذ بمجرد وجودها
يحصل المعلول فلا مسرح لوجود المانع، فلا بد من رفع اليد عن مانعية الكر
في هذا المقام وتخصيص مانعيتها بما إذا لم يحصل بالملاقاة بل كانت قبلها. وإن
شئت قلت: إن ظاهر الرواية سبق الكرية على الملاقاة.
ومما ذكرنا يظهر: أنه لا وجه لمنع كون القليل ملاقيا للنجس إذ بمجرد
الملاقاة يزول النجاسة، فإن الملاقاة بنفسها لا يزيل النجاسة بل باعتبار
حدوث الكرية، والمفروض أن الملاقاة علة تامة بلا واسطة لتنجس الماء
الطاهر، فيصير المجموع نجسا.
وأما الحديث: ففيه أولا: ضعف السند. ودعوى الحلي إجماع المؤالف
والمخالف عليه (1) موهونة بما ذكره المحقق قدس سره: من أنه لم يذكره من
الخاصة إلا جماعة مرسلين له، ولم يعمل به من المخالفين إلا ابن حي (2).
وفي التذكرة: أن هذا الخبر لم يثبت عندنا (3). وفي الذكرى: أنه عامي ولم يعمل
به غير ابن حي (4). وأما الاجماع الذي ادعاه الحلي: فهو أيضا قاصر عن
جبر سند الخبر، لأن هذا القول لم يعرف ممن قبل السيد ولا ممن بعده إلا
جماعة (5). نعم عمل المنكرين لأخبار الآحاد به يوجب جبرا له، لكنه لا يبلغ

(1) السرائر 1: 63.
(2) المعتبر 1: 53 وفيه: وهو زيدي منقطع المذهب.
(3) التذكرة 1: 24.
(4) الذكرى: 9.
(5) منهم القاضي في المهذب 1: 23، وسلار في المراسم (الجوامع الفقهية): 566. وجمع
ممن تأخر عن ابن إدريس.
155

حدا يطرح معه عمومات انفعال الماء القليل (1).
وثانيا: ضعف دلالته على المدعى، فإن الظاهر من قوله: " لم يحمل
خبثا " بمقتضى كونها جملة فعلية تجدد الحمل وحدوثه، فكأنه قال: " لم يحدث
فيه حمل الخبث " لا أنه ينتفي عنه صفة الحاملية وإن كانت موجودة سابقا،
فيتحد معناه مع الروايات الصحيحة المشهورة " إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه
شئ (2) ولذا فسر الشيخ في موضع من التهذيب والاستبصار قوله عليه السلام:
" إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شئ " بقوله: " لم يحمل خبثا " (3) وذكر
أيضا في مسألة أن الجاري لا ينفعل - بعد الاستدلال عليه بما دل على جواز
البول فيه - أنه لا يحمل خبثا (4).
وثالثا: بمعارضته مع ما دل على تنجس القليل بملاقاة النجاسة (5)
الشامل للقليل المتمم، فإن تخصيصه بما إذا لم يكن ملاقاته سببا لبلوغ الكرية
ليس بأولى من إطراح هذا الفرد من عموم الرواية، إما بحمل قوله عليه السلام:
" لم يحمل " على عدم حدوث النجاسة فيه، فلا يشمل عدم بقائه لو كان
حادثا من قبل. أو بتقييد الماء بالطاهر.
هذا بناء على اعتبار طهارة المتمم، وأما من لا يعتبرها فهو وإن لم يرد
عليه عمومات انفعال القليل، لكنه يرد عليه في مقام المعارضة ما دل على

(1) الوسائل 1: 112، الباب 8 من أبواب الماء المطلق.
(2) انظر الوسائل 1: 117 الباب 9 من أبواب الماء المطلق، لكن لم نعثر على رواية
بعين العبارة المذكورة، إلا ما أرسله العلامة قدس سره. عن الصادق عليه السلام في نهاية
الإحكام 1: 231.
(3) التهذيب 1: 42 ذيل الحديث 117، والاستبصار 1: 7، ذيل الحديث 4.
(4) التهذيب 1: 43 ذيل الحديث 122 وفيه: لا يحتمل شيئا من النجاسة حكما.
(5) انظر الوسائل 1: 112، الباب 8 من أبواب الماء المطلق.
156

نجاسة ما يجتمع في الحمام من غسالة اليهود والنصارى وأولاد الزنا ومن هو
شر منهم (1) المعتضد بسيرة المسلمين على الاجتناب عن ما اجتمع من المياه
النجسة وعموم قوله عليه السلام في رواية السكوني: " الماء يطهر ولا يطهر " (2)
خرج منه تطهيره بماء معتصم يتصل به أو يمتزج معه، وقوله عليه السلام:
" سبحان الله! كيف يطهر من غير ماء " (3).
وأما الثالث (4): فقد أجاب عنه في المعتبر بأن الماء المشار إليه نحكم
بطهارته، لا لأن البلوغ كرا يرفع ما كان فيه من النجاسة، بل لأنه في
الأصل طاهر، والنجاسة المشاهدة كما يحتمل أن تكون منجسة لوقوعها قبل
الكرية يحتمل أن لا تكون منجسة بأن يقع بعد البلوغ، فالنجاسة مشكوك
فيها فالترجيح بجانب اليقين (5) انتهى.
فإن قلت: هذا الماء البالغ كرا الذي يوجد فيه النجاسة لم يكن مسبوقا
بالطهارة، إنما المسبوق بها الماء المتردد بين هذا الكر والأقل منه،
وقد ثبت من الأدلة - مثل قوله عليه السلام: " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه " (6) وقوله
عليه السلام في الماء الذي يقع فيه النجاسة: " أنه لا يتوضأ منه إلا أن يكون
كثيرا قدر كر " (7) - أن ملاقاة الماء للنجاسة مقتضية لتنجسه والكرية مانعة،

(1) الوسائل 1: 158 الباب 11 من أبواب الماء، المضاف.
(2) الوسائل 1: 100 الباب 1 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6.
(3) الوسائل 2: 1043، الباب 29 من أبواب النجاسات، الحديث 7، وليس فيه قوله:
" سبحان الله ".
(4) يعني ما ذكره علم الهدى قدس سره، انظر الصفحة: 153.
(5) المعتبر 1: 52
(6) الوسائل 1: 117 الباب 9 من أبواب الماء، المطلق، الأحاديث 1 و 2 و 6
(7) نفس المصدر: الحديث 4. والصفحة 115 الباب 8 الحديث 13.
157

مع أن الكرية شرطا كان للطهارة أو مانعة عن النجاسة أمر وجودي،
والأصل القلة، فكا أن الماء المشكوك في كريته إذا أصابه نجاسة حكم
بنجاسته - على ما اعترف به المحقق قدس سره في المعتبر في الفرع التاسع من
فروع مسألة القليل مستدلا بأن الأصل القلة - (1) فكذلك فيما نحن فيه، حيث
إن الماء الملاقي للنجاسة مشكوك الكرية والقلة، فالأصل قلته، وهذا الأصل
وارد على أصالة طهارة الماء، كما في الفرع المذكور.
قلت: إن الملاقاة التي هي سبب للنجاسة لم يحرز وقوعها قبل الكرية
فالأصل عدمها قبلها.
والحاصل: أن هنا حادثين مجهولي التاريخ، فيرجع إلى أصالة طهارة "
الماء وقاعدتها، فإن المقام حقيق به.
وأجاب بعض المعاصرين: بأن الالتزام بعدم طهارة الماء المذكور ليس
منكرا، فلا يحكم عليه بالطهارة ولا النجاسة، فهو لا ينجس الطاهر ولا يطهر
النجس، كما في المشكوك كريته إذا لاقته النجاسة على وجه قوي، إذ كما أن
الكرية شرط وقد شك فيها فكذلك الطهارة شرط وقد شك فيها، مع إمكان
الفرق بأن الشرط عدم العلم بالنجاسة قبل البلوغ لا الطهارة (2) انتهى.
وفيه: أن السيد ادعى الاجماع على الحكم بطهارة الماء المذكور (3) وقد
اعترف بهذا الحكم من خالفه في المسألة، كالفاضلين (4) والشهيد (5).

(1) المعتبر 1: 54.
(2) الجواهر 1: 153.
(3) تقدم كلامه في الصفحة: 153.
(4) المعتبر 1: 52، القواعد 1: 184.
(5) الذكرى: 9 وفي " ع ": الشهيدين، ولم نعثر على كلام للشهيد الثاني في المسألة.
158

وأما الماء المشكوك في كريته: فلا معنى للتوقف فيه، لأن المرجع فيه
أصالة عدم الكرية، أو أصالة بقاء الطهارة، أو تساقطهما والرجوع إلى
قاعدة الطهارة.
وأما قوله: " إذ كما أن الكرية شرط... الخ " فلم أحصل معناه، فإن
الكرية شرط مخالف للأصل فالأصل عدمها عند الشك، والطهارة إما شرط (1)
لم الكر النجاسة، لكنها مطابقة للأصل والأصل بقاؤها عند الشك
ولا حاجة إلى ما ذكره من الفرق، مع أن فيه ما فيه.
(وما كان منه) أي من الماء المحقون يبلغ من حيث الوزن
أو المساحة (كرا فصاعدا لا ينجس إلا أن تغير) عين، " النجاسة " ولو في
ضمن المتنجس (أحد أوصاف) - على التفصيل المتقدم في الجاري - بلا
خلاف نصا وفتوى إلا ما توهمه عبارة المفيد (2) وسلار (3) - على ما يأتي -
فظاهر النص والفتوى كون الكرية مانعة عن نجاسة الماء.
أما النص: فلأن المستفاد من الصحيح المشهور، " إذا كان الماء قدر كر
لم ينجسه شئ " 4 " أن الكرية علة لعدم التنجيس، ولا نعني بالمانع إلا ما يلزم
من وجوده العدم.
وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ

(1) كذا، والمناسب: والطهارة وإن كانت شرطا.
(2) المقنعة: 64، قوله: " فأما إذا كان في بئر أو حوض، أو إناء، فإنه يفسد.. ولا يجوز
التطهير به.. ".
(3) المراسم: 36: قوله: وأما ما لا يزول حكم نجاسته فهو ماء، الأواني والحياض، بل
يجب إهراقه وإن كان كثيرا.
(4) الوسائل 1: 117 " الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
159

إلا ما غير لونه " (1) وقوله عليه السلام في صحيحة حريز: " كلما غلب الماء ريح
الجيفة فتوضأ واشرب " (2) ونحو ذلك، فهي وإن كانت ظاهرة في كون القلة
شرطا في النجاسة - بناء على أن القليل هو المخرج عن عمومه -
فلا بد من إحرازها في الحكم، فإذا شك في كون ماء خاص قليلا أو كثيرا وجب
الرجوع إلى تلك العمومات، إلا أنه لما دلت أخبار الكر - كما تقدم - على
كون الكرية مانعة ونفس الملاقاة سببا - بل هذه الأخيار بنفسها دالة على
هذا المعنى، حيث إن الخارج منها هي القلة، وهي أمر عدمي باعتبار فصلها
- يرجع الأمر بالآخرة إلى مانعية الكثرة التي هي مفاد أخبار الكثير، فكان
اللازم تقييد الماء في هذه الأخبار بالكثير وجعل الكثرة جزء داخلا
موضوع الماء المحكوم بعدم الانفعال، فتلك العمومات ليست من قبيل ما كان
عنوان العام مقتضيا للحكم وعنوان المخصص مانعا.
هذا كله مضافا إلى ما دل بعمومه على انفعال الماء، خرج منه الكر
مثل قوله عليه السلام في الماء الذي تدخله الدجاجة الواطئة للعذرة: أنه
" لا يجوز التوضي منه إلا أن يكون كثيرا قدر كر من الماء " (3) وقوله عليه السلام
فيما يشرب منه الكلب: " إلا أن يكون حوضا كبيرا يستسق منه " (4) فإن
ظاهر ما كون الملاقاة للنجاسة سببا لمنع الاستعمال والكرية عاصمة.
ومن هنا يظهر: أنه لا بد من الرجوع إلى أصالة الانفعال عند الشك
في الكرية شطرا أو شرطا - وسيأتي ضعف ما يحتمله بعضهم في هذا المقام -

(1) الوسائل 1: 101، الباب 1 من أبواب الماء المطلق، الحديث 9.
(2) الوسائل 1: 102، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(3) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء، المطلق الحديث 4.
(4) نفس المصدر، الحديث 3.
160

سواء شك في مصداق الكر كما إذا شك في كرية ماء مشكوك المقدار غير
مسبوق بالكرية أم في مفهومه كما إذا اختلف في مقدار الكر أو في اعتبار
اجتماعه أو استواء سطوح أجزائه ولا يكن هناك إطلاق في لفظ الكر ونحوه
يرجع إليه.
ووجه الرجوع إلى العموم في الأخيرين واضح، لأن الشك في
التخصيص، وكذا الوجه في الرجوع إليه مع الشك في المصداق إذا كان الماء
مسبوقا بالقلة، لاستصحاب عدم الكرية، ومثل هذا الاستصحاب وإن كان
مخدوشا عند التدقيق لعدم إحراز الموضوع فيه، إلا أن الظاهر عرفا من أدلة
الاستصحاب شمولها له. وأما إذا لم يكن مسبوقا بالقلة (1) - إما لفرض وجوده
دفعة، وإما للجهل بحالته السابقة لترادف حالتي الكرية والقلة عليه - فقد
يتأمل في الرجوع فيه إلى العمومات بناء على أن الشك في تحقق ما علم
خروجه، كما في قولك: " أكرم العلماء إلا زيدا " إذا شك في كون عالم زيدا أو
عمروا، ولا يلزم من الحكم بخروجه مجاز أو مخالفة ظاهر محوجة إلى القرينة.
إلا أن الأقوى فيه الرجوع إلى العموم، إما لأن أصالة عدم الكرية
وإن لم تكن جارية لعدم تحققها سابقا، إلا أن أصالة عدم وجود الكر في هذا
المكان يكني لاثبات عدم كرية هذا الموجود، بناء على القول: بالأصول
المثبتة. وإما لأن الشك في تحقق مصداق المخصص يوجب الشك في ثبوت
حكم الخاص له والأصل عدم ثبوته،
فإذا انتفى حكم الخاص - ولو بالأصل -
ثبت حكم العام، إذ يكني في ثبوت حكم العام عدم العلم بثبوت حكم
الخاص، دون العكس، فتأمل، والفرق بين المثال وما نحن فيه: أن الأمر في
المثال دائر بين المتباينين، وفيما نحن فيه بين الأقل والأكثر والمتيقن خروج

(1) كذا في مصححة " ألف "، وفي النسخ: بالكرية.
161

المعلومات. وإما لأن عنوان المخصص في المقام من قبيل المانع عن الحكم
الذي اقتضاه عنوان العام،
فلا يجوز رفع اليد عن المقتضي إلا إذا علم بالمانع،
ومع الشك فالأصل عدم المانع وإن كان ذات المانع كالكرية فيما نحن فيه غير
مسبوق بالعدم، والفرق بين ما نحن فيه وبين المثال: أن عنوان المخصص في
المثالي ليس من قبيل المانع بل هو قسيم، فكأن العام عند المتكلم منقسم إلى
قسمين كل منهما يقتضي حكما مغايرا لما يقتضيه الآخر.
ولأجل بعض
ما ذكرنا أفتى جماعة - كالفاضلين (1) والشهيد - (2) بنجاسة الماء المشكوك في
كريته، نظرا إلى أصالة عدم الكرية الحاكمة على استصحاب طهارة الماء.
ويمكن حمل كلامهم على الغالب، وهو البلوغ تدريجا، فلا يشمل ما لم يكن
مسبوقا بالقلة.
نعم، احتمل في موضع من المنتهى الرجوع إلى استصحاب الطهارة
مستدلا عليه بقاعدة اليقين والشك (3). ولعله لاعتضاده بقاعدة الطهارة، وإلا
فقاعدة اليقين جارية في الكرية غالبا بل دائما، كما عرفت.
ومما ذكرنا يظهر ما في كلام بعض: أنه إذا شك في شمول إطلاقات
الكر وإطلاقات القليل لبعض الأفراد فالأصل يقضي بالطهارة وعدم تنجسه
بالملاقاة. نعم، لا يرفع الخبث به بأن يوضع فيه كما يوضع في الكر والجاري
وإن كان لا يحكم عليه بالنجاسة بمثل ذلك بل يحكم بالطهارة، فيؤخذ منه
ماء ويرفع به الخبث على نحو القليل، ولا مانع من رفع الحدث به لكونه ماء

(1) المعتبر 1: 54، نهاية الإحكام 1: 232.
(2) الذكرى: 9.
(3) المنتهى 1: 54.
162

طاهرا. قال: والسر في ذلك: أن احتمال الكرية كافية (1) في حفظ طهارته
وعدم تنجسه، ولكن لا يكني ذلك في الأحكام المتعلقة بالكر كالتطهر به من
الأخباث بوضع المتنجس في وسطه ونحو ذلك (2) ثم جواز التطهير به على هذا
نحو (3) انتهى.
وظاهر كلامه - بقرينة ذكره في ذيل عنوان اعتبار تساوي السطوح في
الكر - أن مراده الشك في شرط اعتصام الكر وانفعال القليل، وهو الوجه
ثالث من وجوه الشك الثلاثة التي ذكرناها، وقد عرفت أنه لا إشكال في
وجوب الرجوع فيه إلى عموم الانفعال.
وكأنه تخيل - تبعا لصاحب الحدائق - أن كلا من القلة والكثرة أمران
وجوديان لا بد من الرجوع عند تردد الماء بينهما إلى ما يقتضيه الأصل في
حكام القليل والكثير. إلا أن صاحب الحدائق رجع إلى الاحتياط لكونه
الأصل عنده فيما لا نص فيه (4).
وأنت خبير بأن القليل - مع أنه أمر عدمي باعتبار فصله العدمي -
لم يترتب في الأدلة حكم عليه، وإنما يترتب على " ما ليس بكر " كما يستفاد
من قوله عليه السلام: " إلا أن يكون كثيرا قدر كر " (5) وقوله: " إذا كان الماء قدر
كر لم ينجسه " (6) الدال على كون السبب في عدم الانفعال الكرية، فمع الشك
فيه يحكم بعدم المسبب لأصالة عدم السبب.

(1) كذا في النسخ، وفي الجواهر أيضا، والمناسب: كاف.
(2) إلى هنا كلام صاحب الجواهر، والبقية توضيح من المؤلف قدس سره.
(3) الجواهر 1: 154 - 155.
(4) الحدائق 1: 260.
(5) الوسائل 1: 117 الباب 9 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 4.
(6) الوسائل 1: 117 الباب 9 من أبواب الماء المطلق.
163

ونظير ذلك ما زعمه بعضهم في التذكية والموت من وجوب الرجوع
إلى الأصول في الأحكام إذا شك فيهما.
وبالجملة: فلا ينبغي الاشكال في الحكم بالنجاسة مع الشك في الكرية
مطلقا. نعم، هذا الحكم في الصورة الأخيرة لا يخلو عن إشكال، وإن ذكرنا
له وجوها.
بقي الكلام في مسألة عنونها متأخرو المتأخرين (1) وأطالوا فيها الكلام،
وهي: أنه هل يشترط في موضوع الكر أو حكمه تساوي سطوحه أم لا؟
والأصل في ذلك على ما وجدنا كلام العلامة قدس سره في التذكرة، حيث قال:
لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا إن اعتدل الماء، وإلا ففي حق السافل،
فلو نقص الأعلى عن كر نجس بالملاقاة. ولو كان أحدها نجسا فالأقرب
بقاؤه على حكه مع الاتصال وانتقاله إلى الطهارة مع الامتزاج (2) انتهى.
وظاهره أن السافل لا يقوي العالي ولا يعصمه، نعم يتقوى ويعتصم به
سواء كان العالي كرا أم متمما له، ومراده بالاتحاد في حق السافل وعدمه في
العالي الاتحاد من حيث الحكم، وإلا فلا يتصور حصول موضوع الاتحاد من
أحد الطرفين، بل لا بد إما من التزام عدم الاتحاد العرفي مع عدم الاعتدال
مطلقا خرج من ذلك السافل، وإما من التزام الاتحاد مطلقا خرج العالي.
وتبعه على ذلك كله في الدروس، حيث قال: لو كان الجاري لا عن
مادة ولاقته النجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقا ولا ما تحتها إذا كان جميعه

(1) كالشهيد الثاني قدس سره. في الروض: 135، وسبطه السيد السند في المدارك 1: 35،
44 والمحدث الفقيه البحراني في الحدائق 1: 228.
(2) التذكرة 1: 23.
164

كرا فصاعدا إلا مع التغير (1) انتهى. فحكم بتقوى السافل بالعالي القليل المتمم
له. ثم ذكر بعد ذلك اتحاد الواقف مع المجاري المساوي أو العالي
- ولو كالفوارة - دون السافل. فالمجتمع من العبارتين ما تقدم عن التذكرة،
فتأمل. ومثلها ظاهر كشف الالتباس (2) في الغديرين المتواصلين، بل
الموجز (3).
لكنهم قدس الله أسرارهم خالفوا ذلك في مادة الحمام، فاشترطوا فيها الكرية،
معللا (1) ذلك باتصالها بنجاسة السافل لو لم يكن كرا. ويستفاد هذا القول
أيضا من اعتباره الدفعة في إلقاء المطهر بناء على ما في شرح الروضة: من
أن الوجه في ذلك أن لا يختلف سطوح الماء فينفعل السافل (5). ويظهر أيضا
من جامع المقاصد عند مناقشته في قول الذكرى (6): ويطهر بإلقاء كر فكر..
قال في القواعد: وماء الحمام كالجاري إذا كانت له مادة هي كر
فصاعدا (7) انتهى.
فإن ظاهره عدم تقوم السافل بالعالي القليل في الحمام الذي هو أولى
بسهولة الأمر من غيره.
وقال في الذكرى: والأظهر اشتراط الكرية في المادة، حملا للمطلق على

(1) الدروس 1: 119.
(2) كشف الالتباس (مخطوط): 12.
(3) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 36.
(4) كذا في النسخ، والمناسب: معتلين.
(5) المناهج السوية (مخطوط): 30.
(6) جامع المقاصد 1: 133 وانظر الذكرى: 8.
(7) القواعد 1: 183.
165

المقيد. ثم قال: وعلى القول باشتراط الكرية يتساوى الحمام وغيره، لحصول
الكرية الدافعة للنجاسة. وعلى العدم فالأقرب اختصاص الحكم بالحمام
لعموم البلوى وانفراده بالنص (1) انتهى.
وتبعهما في ذلك جامع المقاصد، حيث قال في شرح العبارة المتقدمة:
اشتراط الكرية في المادة إنما هو مع عدم استواء السطوح، بأن تكون المادة
أعلى أو أسفل مع اشتراط القاهرية بفوران ونحوه في هذا القسم. أما مع
استواء السطوح فيكفي بلوغ المجموع كرا كالغديرين إذا وصل بينهما
بساقية (2).
فحصل للعلامة والشهيد قولان، اختار ثانيهما جامع المقاصد.
ولهما قول ثالث يظهر من كلماتهما، كبعض كلمات المعتبر والمنتهى.
قال في المعتبر: الغديران الطاهران إذا وصل بينهما بساقية صارا كالماء
الواحد، فلو وقع في أحدهما نجاسة لم ينجس ولو نقص كل منهما عن الكر إذا
كان مجموعهما مع الساقية كرا فصاعدا (3) انتهى.
وفي المنتهى: لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا واعتبر الكرية فيهما
مع الساقية جميعا (4).
وقال في القواعد: لو اتصل الواقف بالجاري لم ينجس بالملاقاة (5)
انتهى.

(1) الذكرى: 8.
(2) جامع المقاصد 1: 112.
(3) المعتبر 1: 50.
(4) المنتهى 1: 53.
(5) القواعد 1: 183.
166

نعم، قيده في جامع المقاصد بعدم علو القليل (1). وأما الشهيد قدس سره.
فقد اكتفى في اللمعة في تطهير القليل النجس بملاقاته كرا من غير تقييد بعدم
علو النجس (2) فإذا كان السافل رافعا للنجاسة عن العالي فهو أولى بدفعها
عنه. نعم، لا يظهر من هذا الكلام حكم ما لو كان المجموع كرا.
ويمكن استفادة هذا المذهب من عبارة الدروس المتقدمة - التي ذكرنا
أنها موافقة للتذكرة (3) - فإن الحكم بعدم انفعال الجاري لا عن مادة إذا لاقى
جزؤه المتوسط بين ما فوقه وما تحته إذا كان المجموع كرا لا يكون إلا مع
تقوم الجزء الأوسط الملاقي بما هو أسفل منه، إلا إذا فرض العلو على وجه
قيام بعض أجزائه على بعض كالعمود أو شبهه، فإن هذا ليس من مختلف
السطوح.
وذكر في الموجز وشرحه: أن الجاري لا عن مادة الملاقي للنجاسة إن
كان قليلا انفعل سافله فقط، وإن كان كثيرا لم ينفعل عاليه ولا سافله (4) لكن
ذكرا في مادة الحمام أنها لو لم تكن كرا انفعلت بنجاسته الحياض (5) وهذا
مناف بظاهره للأول.
وممن صرح بإطلاق التقوي من الطرفين شيخنا الشهيد الثاني قدس سره.
في الروض، فقال بعد كلام له في هذا الباب: وتحرير هذا المقام أن النصوص
الدالة على اعتبار الكثرة، مثل قوله عليه السلام: " إذا كان الماء قدر كر " وكلام

(1) جامع المقاصد 1: 115.
(2) اللمعة الدمشقية: 15.
(3) راجع الصفحة: 165 - 164.
(4) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 36، كشف الالتباس (مخطوط): 11.
(5) انظر التخريج السابق.
167

أكثر الأصحاب ليس فيه تقييد الكر المجتمع بكون سطوحه مستوية، بل هو
أعم منه ومن المختلفة كيف اتفق (1) انتهى.
وذكر بعد ذلك أيضا ما هو أصرح من ذلك في التعميم لمتساوي
السطوح ومختلفها. وتبعه في ذلك سبطه السيد في المدارك (2).
نعم، خالفه في ذلك ولده المحقق قدس سره. في المعالم، فلم يستبعد اعتبار
المساواة، قال: لأن ظاهر أكثر الأخبار المتضمنة لاشتراط الكر والكية
اعتبار الاجتماع في الماء وصدق " الواحد " و " الكثير " عليه، وفي تحقق ذلك
مع عدم المساواة في كثير من الصور نظرة والتمسك في عدم اعتبارها بعموم
ما دل على عدم انفعال مقدار الكر بإطلاقات مدخول اللام - لأنه من باب
المفرد المحلى، وعمومه ليس بالوضع بل باعتبار منافاة عدم إرادته للحكمة -
وهي إنما يتصور مع عدم أحال العهد، وتقدم السؤال عن بعض أفراد المهية
عهد ظاهر، فإن ظاهر النص السؤال عن الماء المجتمع. نعم، يثبت العموم في
ذلك المعهود بأقل ما يندفع به محذور منافاة الحكمة، وربما يتوهم أن هذا من
تخصيص العام بسبب خاص، وقد عرفت أنه لا عموم فيه على وجه يتطرق
إليه التخصيص (3) انتهى.
أقول: ولا إشكال في أن المناط في عدم انفعال الماء ليس إلا مجرد
كون الماء المتصل الواحد كرا، وأما احتمال مدخلية هيئة خاصة من الاجتماع
أو غيره فلا يصغي إليه، ومنع العموم في الأخبار - خصوصا ما لم يكن منها
مسبوقا بسؤال يمكن دعوى تخصيص الكلام أو تخصصه به - لا وجه له،

(1) روض الجنان: 135.
(2) المدارك 1: 35، 44.
(3) معالم الدين: 12.
168

وتبادر بعض الهيئات - مثل الاجتماع في محل واحد متساوي السطوح أو غير
ذلك - من قبيل تبادر ما حفر في الذهن من أفراد المطلق لأنسه به بسبب
من الأسباب، كحضور الماء الصافي في الذهن من لفظ " الماء " أو ماء كل
بلدة في ذهن أهله، ولا اعتبار بهذا أصلا، ولا يكاد يسلم عنه مطلق،
فالواجب تشخيص موارد الوحدة وإناطة المحكم بها، لا بتساوي السطوح
واختلافها، فرب ماء مختلف السطوح يعد ماء واحدا، فإن الجاري لا عن
مادة على أرض منحدرة لا يعد كل جزء منه ماء مستقلا، لعدم مساواة
سطحه لسطح الجزء الآخر.
ومن هنا ألزم في المدارك القائلين بعدم تقوي الأعلى بالأسفل بلزوم
نجاسة نهر عظيم يجري لا عن مادة على أرض منحدرة (1).
وربما التزم بعضهم - على ما حكي - كون أجزاء هذا الماء لعدم استواء
سطوحها بمنزلة مياه منفصلة وبأنه ينفعل جميع أجزائه عند وصول الماء
النجس إليها، لا للاتصال لأنه مع اختلاف السطوح في حكم الانفصال،
وبنى ذلك على اختصاص أدلة انفعال القليل بالماء المجتمع لا مطلق المنفصل
وإلا فينجس الأعلى بملاقاة الأسفل إذا لم يبلغا كرا. وفيه ما فيه.
وبالجملة: فالاتحاد الحقيقي العرفي مع اختلاف السطح في بعض الصور
مما لا يقبل الانكار.
إذا عرفت ما ذكرناه: من أن المناط في اعتصام الماء المتصل البالغ هي
الوحدة العرفية، فاعلم أن أجزاء الماء المتصل بعضها ببعض إما أن يتساوى
السطوح وإما أن يختلف. وعلى الثاني، إما أن يكون الماء ساكنا - بأن يحبس

(1) المدارك 1: 45.
169

الماء في إناء موضوع لا على الاستقامة - وإما أن يكون جاريا. وعلى
الثاني: إما أن يكون الاختلاف على وجه التسنيم - كالمنصب من ميزاب أو
جدول قائم - وإما أن يكون على وجه الانحدار، بأن يجري على أرض
منحدرة. وعلى التقديرين: إما أن يبلغ أحد المختلفين كرا، وإما أن لا يبلغ
الكر إلا المجتمع منها، فهنا أقسام:
الأول: متساوي السطوح، والظاهر عدم الخلاف في تقوي بعضه
ببعض، عدا ما تقدم عن ظاهر صاحب المعالم (1) من دعوى انصراف إطلاق
أدلة الكر إلى الماء المجتمع المتقارب الأجزاء، وظاهر مفهوم ما دل على
اعتبار المادة المنصرفة إلى الكر في اعتصام ماء الحمام، بدعوى شموله لصورة
تساوي المادة وذيها. لكن دعوى الاختصاص في الأول كالشمول في الثاني
ممنوعة جدا، ولذلك - قيد جامع المقاصد إطلاق القواعد اعتبار الكرية في مادة
الحمام بما إذا لم يتساوى السطحان، قال: وإلا كفى بلوغ المجموع كرا
كالغديرين المتواصلين بساقية (2).
وكيف كان: فالأقوى التقوي، لتحقق وحدة الماء حتى لو كان الساقية
بين الغديرين في غاية الدقة، لأن كل جزئين متصلين إلى الماء يعدان جزءا:
واحدا من الماء عرفا، وكذا المتصل بهما، إذ المتحد مع المتحد متحد عرفا،
فيتحد جميع الماء. وما يومه إطلاق التعدد عليهما أحيانا، فيقال: " إنهما
ماءان " فهو جار في كل متصل واحد كصبرة الحنطة، فالتعدد باعتبار ما قبل
الاتصال، ولذا لا يطلق ذلك لو علم بكون أحدهما سائلا من الآخر، فليس

(1) تقدم في الصفحة: 168.
(2) جامع المقاصد 1: 112.
170

أطلاق المتعدد عليهما باعتبار قلة العرض في بعض سطحهما والوحدة باعتبار
تساوي عرض جميع السطح، ولذا لو فرض إناء من صفر أو غيره مصوغ
على هذه الهيئة كان إناء واحدا والماء المصبوب فيه ماءا واحدا.
الثاني: أن يكون الأجزاء مختلف السطوح مع سكون الماء، كما لو
حبس الماء في إناء مصوغ أو موضوع على وجه يختلف سطوحه، والظاهر
هنا وحدة الماء، لما ذكرنا من اتحاد كل جزئين منه عرفا، وكذا المتصل بهما،
ولذا لو فرض نقصان المجموع عن الكر حكم بنجاسة الأعلى بملاقاة الأسفل
للنجاسة، لأن الثابت عدم السراية إلى الأعلى مع الجريان لا مع السكون.
الثالث: مختلف السطحين على وجه التسنيم مع عدم كرية أحدها، فني
عدم تقوي أحدهما بالآخر كما هو صريح جميع كلمات المحقق
الثاني (1) وظاهر بعض كلمات العلامة (2) والشهيد (3)، أو تقوي كل منهما
بالآخر كما هو ظاهر بعض كلمات العلامة (4) والمحقق (5) - على تقدير شمول
الغديرين المتواصلين لما نحن فيه - وبعض عبائر الدروس (6) والموجز

(1) انظر جامع المقاصد 1: 112.
(3) حيث اشترط كرية المادة، انظر المنتهى 1: 32، والتذكرة 1: 18، قوله: الخامس
لا بد في مادة الحمام من كر.
(3) لم نجد في كلمات الشهيد - في الذكرى والبيان والدروس - ما هو ظاهر في عدم
تقوي أحدهما بالآخر، التهم إلا أن يكون نظر المؤلف قدس سره. إلى ما حكم به في
الدروس من عدم الاتحاد إذا اتصلت البئر بالجاري أو الكثير تسنيما، انظر الدروس 1: 120
(4) حيث صرح في مسألة الغديرين بالاتحاد واعتبار الكرية فيهما مع الساقية من غير
تقييد بتساوي السطوح، انظر المنتهى 1: 53، ونهاية الإحكام 1: 232.
(5) المعتبر 1: 50، قوله: الغديران الطاهران.. الخ.
(6) الدروس 1: 119، قوله: ولو كان الجاري لا عن مادة.. الخ.
171

وشرحه (1) وصريح الشهيد الثاني في الروض (2) وسبطه (3)، أو تقوي الأسفل
بالأعلى دون العكس كما تقدم عن العلامة في التذكرة (4) وبعض كلمات
الشهيد (5) والموجز (6) وشرحه، أقوال.
وربما يعترض على المفصل: بأنه إن ثبت اتحاد الماءين المختلفين
وجب الحكم بتقوي كل منهما، وإلا لم يحكم به أصلا. ويمكن أن يبنى ذلك
على كفاية أحد الأمرين في التقوي من الاتحاد كما في صورة التساوي،
أو الغلبة والقهر كما في تقوي الأسفل بالأعلى القاهر عليه.
كما ذكروا نظير ذلك في رفع النجاسة، حيث اعتبروا علو المطهر أو
مساواته، وعلل ذلك كاشف الالتباس بثبوت الاتحاد مع التساوي - والقهر مع
العلو، فالدفع نظير الرفع (7). ولعل منشأ ذلك فحوى التقوي بالمساوي، فإن
العالي أولى منه بالتقوي، كما في صورة الرفع. لكن يرد عليهم منافاة ذلك
لاعتبار هؤلاء الكرية في مادة الحمام.
والأقوى [في بادئ النظر] (8) هو القول الثاني (9) لتحقق الاتحاد
عرفا بالتقريب المتقدم في اتحاد كل جزئين متصلين وهكذا المتصل بهما (10). مع

(1) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 36، كشف الالتباس (مخطوط): 12.
(2) روض الجنان: 135.
(3) المدارك 1: 44، 35.
(4) تقدم في الصفحة: 164.
(5) تقدم في الصفحة: 164.
(6) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 36، قوله: وقليلا ينفعل السافل خاصة
(7) كشف الالتباس: 11، 12.
(8) مشطوب عليه في " ع ".
(9) كذا في " ع " ومصححة " ب "، وفي " ألف " و " ج ": الأول.
(10) تقدم في القسم الأول الصفحة: 170.
172

أن اتحاد العالي مع عمود الماء النازل من الميزاب أو الجدول القائم واضح
عرفا، فيتحد حكما مع الماء المستقر في الأسفل بالاجماع، خصوصا إذا كان
أصله نازلا عن العالي، فإن دعوى الوحدة هنا أوضح.
ويؤيد الاتحاد قوله عليه السلام: " ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه
بعضا " (1) جعل عليه السلام المادة بعضا من ماء الحمام مع تسنمها عليه. وقوله
عليه السلام في صحيحة داود بن سرحان: " هو بمنزلة الماء الجاري " (2) فإن
الظاهر رجوع الضمير إلى المجموع من المادة وما في الحياض. وكذا قوله
عليه السلام " ماء الحمام لا ينجسه شئ " (3).
واستدل المحقق الثاني على عدم التقوي بأن الأعلى لا ينجس بنجاسة
الأسفل اتفاقا فلا يطهر بطهارته (4).
ويمكن التفصي عن ذلك بقيام الاجماع على عدم سراية النجاسة إلى
الأعلى في الماء - بل ولا في غيره من المائعات - ولو مع تحقق الوحدة، كما هو
واضح عند العرف في الماء النازل شبه العمود من الميزاب.
فالأولى التمسك على عدم التقوي بما دل على اعتبار المادة في ماء
الحمام المنصرف إطلاقها محكم الغلبة إلى الكر، فإن مفهومه عدم الاعتصام إذا
كان المجموع كرا، فإذا ثبت عدم اعتصام الأسفل بالأعلى في الحمام ثبت في
غيره بالاجماع والأولوية، فإن الحمام أولى بالتسهيل من غيره. ولذا لا يعتبر

(1) الوسائل 1: 112، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(2) الوسائل 1: 110، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول
(3) الوسائل 1: 112، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 8.
(4) نقله في المدارك 1: 45 عن بعض فوائد المحقق الثاني. وأيضا في الحدائق 1: 235
عنه رحمه الله.
173

المحقق الكرية في مادته، بل ولا في مجموعه (1).
مع أنه يمكن عدم الحاجة إلى الاجماع والأولوية بناء على أن المستفاد
من القضية الشرطية في قوله عليه السلام " إذا كانت له مادة " (2) - مع القول
بمفهومه هنا اتفاقا - علية المادة لاعتصام ماء الحمام، فيتعدى بمقتضى العلة من
منطوقه إلى كل ماء قليل له مادة هي كر، ومن مفهومه إلى كل ماء قليل
لم يكن له مادة هي كر، كما فيما نحن فيه.
وأما الفحوى المتقدمة (3): فهي أولا ممنوعة بأن الأظهر في حكمة عدم
انفعال الكثير انتشار النجاسة في أجزائه وتوزيعها عليه (4) فيستهلك فيه ولا
يتقوى عليه، وهذا مفقود مع علو بعضه، بل الأولى على هذا تقوي الأعلى لو
لاقى نجسا بالأسفل لانتشار النجاسة منه إلى المجموع دون تقوي الأسفل
الملاقي. وثانيا أنها معارضة بما تقدم من دليل اعتبار كرية العالي في تقوي
الأسفل به.
هذا كله مع إمكان حمل كلمات من حكم بتقوي الأسفل هنا على
صورة العلو على وجه الانحدار، ويكون المحكم في التسنيمي عندهم بمثل
الميزاب وشبهه كمادة الحمام التي هي كذلك غالبا. وهذا أيضا وجه جمع بين
كلماتهم المتنافية ظاهرا - كما عرفت - فإن ظاهر عبارتي المعتبر والمنتهى غير
التسنيم.
الرابع: هو القسم الثالث لكن مع كون العالي كرا، وظاهر العبائر

(1) المعتبر 1، 42.
(2) الوسائل 1: 111 الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4.
(3) راجع الصفحة: 172 قوله: ولعل منشأ ذلك فحوى التقوي بالمساوي... الخ.
(4) كذا في " ع " وفي سائر النسخ: عليها.
174

المتقدمة عن جماعة - كالعلامة والشهيد في كتبه والمحقق الثاني (1) - تقوي
الأسفل به،
بل ربما ادعى بعض (2) وحكى شارح الدروس الاتفاق عليه (3)
لكنه مشكل، لأن العلامة في المنتهى والتذكرة مع اعتباره الكرية في
مادة الحمام تردد في إلحاق غير الحمام به (4) إلا أن يراد الالحاق من حيث
عدم اعتبار الدفعة في تطهيره، ولأن الشهيد في الدروس والذكرى (5) كما
عن جامع المقاصد (6) بعد حكمهما بتطهر البئر بالامتزاج مع الكثير والجاري
منعا تطهرها لو تسنم الجاري والكثير عليه من فوق، معللا بعدم الاتحاد في
التسنم ولأن شارح الروضة وجه حكم العلامة قدس سره. باعتبار الدفعة في
الكثير الملقى على الماء النجس بأنه لولاها لزم اختلاف سطوح الكثير عند
إلقائه فينفعل ما ينزل منه بملاقاة النجس (7).
وتقدم عن صاحب المعالم أيضا: أن اللازم على القول باعتبار تساوي
السطوح في الكر اعتبار الدفعة في التطهير لئلا يختلف سطوح الماء الملق (8).
ومن المعلوم: أن القول باعتبار الدفعة لا يختص بما إذا لم يزد المطهر على
الكر. ومقتضى ما تقدم من صاحب المعالم من دعوى انصراف الكر إلى

(1) تقدمت عبائرهم في الصفحة: 171.
(2) ادعاه في الجواهر 1: 159.
(3) انظر مشارق الشموس: 200.
(4) التذكرة 1: 18 (الفرع الخامس)، المنتهى 1: 32.
(5) الدروس 1: 120، الذكرى: 10.
(6) جامع المقاصد 1: 148.
(7) المناهج السوية (مخطوط): 31.
(8) تقدم في الصفحة: 134.
175

المجتمع (1) المتقارب (2) عدم الاعتصام هنا. وكذا مقتضى استدلال جامع
المقاصد على عدم تقوي العالي المتمم بالسافل بأن العالي لا ينجس بنجاسته
فلا يطهر بطهارته (3) وسيأتي.
وكيف كان: فلا يوجد في المقام دليل على الاعتصام ممن يعترف به
الوحدة في المسألة السابقة، لأن كثرة العالي لا دخل لها في تحقق الوحدة
ولا في غلبة العالي.
والاستناد في ذلك إلى ما ورد من كفاية المادة في عدم انفعال الحمام
مشكل، لاحتمال اختصاص الحكم بالحمام، ولذا قيل بعدم اعتبار الكرية
فيها (4) إلا أن يقال: إن المستفاد منها - كما تقدم - علية وجود المادة لعدم
انفعال ماء الحمام، فيتعدى إلى كل ماء قليل له مادة متسنمة عليه هي كر
فصاعدا، والمادة لغة وعرفا " ما يستمد منه " فيشمل الكر المتسنم أيضا.
هذا، مضافا إلى رواية ابن أبي يعفور: " ماء الحمام كماء النهر يطهر
بعضه بعضا " (5) بناء على أن النهر هو الجاري ولولا عن نبع، ومقتضى التشبيه
ثبوت أحكام كل من الطرفين للآخر، فيثبت لماء النهر حكم ماء الحمام إلا ما
خرج بالدليل. وضعف الرواية منجبر باشتهار مضمونها.
هذا، مضافا إلى ما عرفت من تقريب الوحدة في المسألة السابقة

(1) في " (ألف) و (ب): غير المجتمع، وهكذا في " ع " و " ج " لكن شطب فيهما على كلمة
غير.
(2) تقدم في الصفحة: 168.
(3) نقله صاحب المدارك عن بعض فوائد المحقق الثاني قدس سرهما، انظر الهامش 4
الصفحة: 173.
(4) قاله المحقق قدس سره. في المعتبر 1: 42.
(5) الوسائل 1: 112، الباب 7 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 7.
176

بشهادة العرف ودلالة قوله عليه السلام " يطهر بعضه بعضا " على وحدة المادة
وذيها، فيكفي عمومات عدم انفعال الكر وتبقى الرواية مؤيدة.
الخامس: اختلاف السطحين مع انحدار أحدها زائدا على ما يلحق
عرفا بالمساوي مع نقص كل منهما عن الكر، ويظهر من العبائر المتقدمة فيه
ثلاثة أقوال:
التقوي من الطرفين، وهو المستفاد من ظاهر عبائر جماعة تقدمت
- كالدروس والموجز وشرحه (1) - حيث حكوا بتقوي الأسفل بالأعلى فيلزم
العكس بالاجماع وهو صريح الروض والمدارك (2) وربما ينسب إلى إطلاق
المعتبر والمنتهى في الغديرين المتواصلين بساقية (3).
وفيه تأمل، لامكان دعوى ظهوره في التساوي وشبهه وعدمه مطلقا،
كما تقدم من ظاهر بعض كلمات العلامة والشهيد وجميع كلمات المحقق
الثاني (4).
وتقوي السافل بالعالي دون العكس، كما تقدم عن التذكرة وبعض
عبائر الدروس والموجز وشرحه (5) بناء على عدم فرقهم بين الانحدار
والتسنيم. والأقوى هو القول الأول، لأن الظاهر وحدة الماء عرفا فتشمله
أدلة اعتصام الكر.
وأما القول الثاني فالظاهر تفرد المحقق الثاني به على
ما يقتضيه استدلاله بأن عدم نجاسة العالي بالسافل يقتفي عدم طهارته

(1) تقدمت عن الثلاثة في الصفحة: 171 - 172.
(2) روض الجنان: 135، المدارك 1: 44.
(3) المعتبر 1: 50، المنتهى 1: 53.
(4) تقدم عنهم في الصفحة: 171.
(5) تقدم عن الثلاثة في الصفحة: 171 - 172.
177

بطهارته (1) وأما العلامة والشهيد فكلامهما المتقدم في اعتبار كرية مادة
الحمام (2) - الظاهر في عدم التقوي مطلقا - مختص بما هو الغالب في مادة الحمام
من تسنمها. بل لعل القول الثالث كذلك بناء على ظهور العالي والسافل في
كلمات الأصحاب في التسنيم.
" و (3) " اعلم أن القليل المتغير، لا يطهر بزوال تغيره عن (4) " قبل
" نفسه " إجماعا، لأن علة التنجيس فيه الملاقاة دون التغير، وهي لم تزل.
وأما الكر المتغير: فالمشهور أنه لا يطهر أيضا بزوال تغيره من قبل نفسه
" ولا بتصفيق الرياح " فيه " ولا بوقوع أجسام طاهرة فيه تزيل تغيره " (5) من
دون اتصاله بمعتصم أو امتزاجه به، لاستصحاب النجاسة حتى من المنكرين
للاستصحاب، بناء على تسمية ما نحن فيه عندهم ب‍ " عموم الدليل " وللأمر
بوجوب النزح في البئر المتغير حتى يزول تغيره بناء على أن " حتى " للانتهاء
دون التعليل.
خلافا للمحكي عن يحيى بن سعيد (6) إما بناء على ما ذهب
إليه في طهارة الماء بإتمامه كرا (7) كما بناه عليه بعض (8) للمرسل المشهور: " إذا

(1) تقدم عنه هذا الاستدلال في الصفحة: 173، راجع الهامش 4 هناك.
(2) تقدم عن العلامة قدس سره في الصفحة: 175. وأما الشهيد قدس سره فلم نظفر على
كلام له فما تقدم في خصوص المسألة، نعم صرح به في البيان: 98، ويستفاد أيضا من
الدروس 1: 119 قوله: ومنه ماء الحمام.
(3) في الشرائع: " ويطهر بإلقاء، كر عليه فكر حتى يزول التغير " ولم يتعرض المؤلف
قدس سره لشرح هذه الفقرة هنا.
(4) في الشرائع: ولا يطهر بزواله من نفسه.
(5) في الشرائع: تزيل عنه التغير.
(6) الجامع للشرائع: 18.
(7) المصدر السابق.
(8) وهو السيد السند قدس سره في المدارك 1: 46.
178

بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا " (1) بناء على أن الخارج من ذلك حال تغير الكر،
فيدخل ما بعده في العموم، أو فرض نصفي كر زال تغيرهما فاجتمعا، وإن
ثبت هنا ثبت في غيره بالاجماع، ولذا ذكر صاحب المدارك (2) وجماعة تبعا
للمحقق في المعتبر: أن هذا لازم القول بخبر (3) البلوغ (4).
أو لقاعدة الطهارة بناء على عدم جريان استصحاب النجاسة، لأن
موضوع النجاسة هو المتلبس بالتغير أو المردد بين ما حدث فيه التغير في
زمان وما تلبس به، وعلى التقديرين فلا يعلم بقاء الموضوع الذي هو شرط
في جريان الاستصحاب.
أو للأخبار الظاهرة في اعتبار فعلية التغير في النجاسة، مثل
قوله عليه السلام: " كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ واشرب " (5)
وقوله عليه السلام: " لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول " (6) وقوله

(1) مستدرك الوسائل 1: 98 الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6
(2) لا يخفى أن صاحب المدارك بعد أن ذكر مذهب يحيى بن سعيد في المسألة قال:
" بناء على ما ذهب إليه من أن الماء النجس يطهر بالاتمام وهو في الحقيقة لازم لكل
من قال بذلك " والمشار إليه في كلامه هو طهارة الماء النجس بالاتمام، لا القول بخبر
البلوغ وبينهما فرق، ولذا لم يقل ابن إدريس في المسألة بالطهارة مع إصراره على
الطهارة بالاتمام كرا - استنادا على خبر البلوغ -، وهكذا المحقق الثاني قدس سره انظر
السرائر 1: 62، 63 وجامع المقاصد 1: 134، 135. نعم صرح بالملازمة بين
المسألة وخبر البلوغ المحقق في المعتبرة كما يأتي.
(3) كذا في " ع "، وفي سائر النسخ: مجبر البلوغ.
(4) المعتبر 1: 41، ولم نقف على من تابعه في الملازمة المذكورة، قال في الحدائق 1:
246: " وصرح جمع من الأصحاب بأن القول بطهارة المتغير لازم لكل من قال
بالطهارة بالاتمام " وهذه الملازمة غير الملازمة التي قالها المحقق قدس سره.
(5) الوسائل 1: 102، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(6) الوسائل 1: 104، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
179

عليه السلام: " إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب " (1)
ونحو ذلك.
أو يكون كلمة " حتى " في صحيحة ابن بزيع للتعليل أو للانتهاء، مع
استظهار دخولها على العلة الغائية، مثل قوله: " تفكر في العبارة إلى أن
تفهمها ".
ويرد الأول مضافا إلى فساد المبنى - كما تقدم - ضعف الابتناء، فإن
الأدلة التي اعتمدوها في ذلك القول لا دلالة لها على ما نحن فيه، فإن عمدة
تلك الأدلة الحديث المشهور: " إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا " (2)
وهو مخصوص نصا وإجماعا بالخبث الذي لا يكون مغيرا للماء، فإذا ثبت
النجاسة بالتغير كانت مستصحبة.
ولو قيل: إن القدر الثابت من المخصص (3) بالمتغير ما دام متغيرا، وأما
ما بعد زوال التغير فهو داخل في العموم. قلنا: هذا بعينه وارد على التمسك
بقوله عليه السلام، في الصحيح: " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (4) كما
لا يخفى، كذا حكاه في الحدائق عن بعض الأفاضل (5). وفيه: أن المخرج في
الخبر المتقدم ليس هو القدر المغير إذ الخبث ليس اسما للعين، وإنما هو معنى
قائم بالجسم النجس، فالمعنى أن الكر لا يتصف بالنجاسة ولا يحلمها (6)
فخروج صورة التغير إنما هو من عموم الأحوال: فالمخرج حالة التغير،

(1) الوسائل 1: 104، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6.
(2) مستدرك الوسائل 1: 198، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6
(3) كذا في النسخ، والظاهر وقوع سقط في العبارة.
(4) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الأحاديث 1 و 2 و 6.
(5) الحدائق 1: 246.
(6) في " ألف " ب ": لا يتحملها.
180

وغيرها داخل تحت الاطلاق المفيد للعموم.
نعم، لو فرض المخرج هو الماء المتغير من بين أفراد المياه حتى يكون
هذا الحكم مختصا بالماء الغير المتغير وكان حكم الماء المتغير [بعد زوال
تغيره (ظ)] (1) مسكوتا عنه في هذا الخبر، أو فرض المخرج هو الخبث
الحاصل من التغير وكان حكم الخبث بعد زوال التغير مسكوتا عنه، أمكن
التمسك في محل السكوت بالاستصحاب. لكن التخصيص بأحد الطريقين غير
ثابت، فيلزم خروج ما لو اجتمع الكر من مياه نجسة زال تغيرها. ومن هنا
يعلم: أنه لو سلم عدم جريان العموم بالنسبة إلى الكر الذي تغير ثم زال
تغيره، لكن لا تأمل في جريان العموم بالنسبة إلى الكر المجتمع من المياه
المذكورة، فإذا ثبت الطهارة هنا ثبت في غيره بالاجماع.
وأما ما ذكره من النقض بالصحيحة المشهورة: " إذا كان الماء قدر كر
لم ينجسه شئ " ففيه: أنها لبيان حكم الدفع فلا معنى للتمسك به عند الشك
في الرفع، فالاستصحاب سليم.
ويرد على الثاني: أنه يكفي في جريان الاستصحاب حكم العرف بأن
هذا الماء كان نجسا، وإن كان مقتضى الدقة ترديد المشار إليه ب‍ " هذا " بين
الذات المشتركة بين المتغير وما زال عنه فيمنع نجاسته، لأن المسلم نجاسة
خصوص ما تلبس بالتغير، وبين خصوص المتلبس وهذا الموجود الغير
المتلبس لم يكن نجسا (2) لكن بناء الاستصحاب على المصاديق العرفية
للقضايا المتيقنة سابقا؟ وقد نبهنا على أن مقتضى الدقة الخدشة في استصحاب

(1) من هامش " ع ".
(2) كذا في النسخ، والعبارة لا تخلو عن اضطراب.
181

الكرية، بل هو أولى بعدم الجريان من الاستصحاب فيما نحن فيه.
ويرد الثالث: بأن الظاهر من الأخبار إناطة الحكم بغلبة الماء على
وصاف النجاسة أو غلبتها عليه في أول الأمر، فلا يشمل ما كان غالبا بعد
أن كان مغلوبا.
وأما كلمة " حتى " في صحيحة ابن بزيع، فهي ظاهرة في غير التعليل،
ودخولها على الغاية المقصودة من النزح غير معلوم، وعلى تسليمه فالغاية
هو ذهاب الطعم والريح الحاصل بامتزاجه بالماء الطاهر المتجدد بالنزح
لا مطلق ذهابهما.
" والكر " من الماء الذي عليه المدار في عدم الانفعال - وإن ورد
إناطة الحكم بغيره مما لا بد من إرجاعه إليه ولو بتكلف أو طرحه لعدم
المقاومة - " ألف ومائتا رطل " على المشهور، بل في الغنية الاجماع عليه (1)
وظاهر المنتهى والمعتبر (2) وصريح غيرهما (3) عدم الخلاف فيه، ويدل عليه
مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا (4) وعليه الأصحاب كما في
الحدائق (5).
والظاهر كون التقدير فيها " ب‍ " الرطل في العراقي (6) " الذي هو مائة

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 489.
(2) المنتهى 1: 37، المعتبر 1: 47. وفي هامش " ع " ما يلي: قال في المعتبر: وعلى
هذه عمل الأصحاب ولا أعرف منهم رادا لها، صح.
(3) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1 259، والمحدث الكاشاني في المفاتيح 1: 85،
وصاحب الحدائق كما يأتي.
(4) الوسائل 1: 123، الباب 11 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(5) الحدائق 1: 254، وتعبيره: ولا خلاف بينهم في هذا المقدار.
(6) في الشرائع زيادة: على الأظهر.
182

وثلاثون درهما على المشهور، لمكاتبة الهمداني عن أبي الحسن عليه السلام: " إن
الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي ووزنه ألف ومائة وسبعون
وزنة " (1).
وعن التحرير: أنه مائة وثمانية وعشرون وأربعة أسباع (2)
الغفلة (3).
ومستند الحمل على العراقي صحيحة ابن مسلم: إن " الكر ستمائة
رطل " (4) فإن الظاهر الاتفاق على أن المراد به ليس العراقي ولا المدني،
فيتعين الحمل على المكي، وهو عند الأصحاب - كما في الحدائق (5) - ضعف
العراقي، فيكون مبينا للمرسلة، مع كفايتها للاستناد.
وأما احتمال حملها على المدني - كما ذكره شيخنا البهائي (6) - فيكون
تسعمائة بالعراقي، فيقرب من مساحة القميين. فيرده رواية علي بن جعفر
الواردة في انفعال ألف رطل من الماء وقع فيها أوقية من دم (7).
وربما استظهر إرادة العراقي من المرسلة لكون المرسل عراقيا، ولإرادة
العراقي بدون نصب القرينة في بعض الأخبار، كما في رواية الكلي النسابة (8)

(1) الوسائل 6: 236، الباب 7 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث الأول، نقلا بالمعنى.
(2) التحرير 1: 62.
(3) أي نسبه الحاكي إلى الغفلة، وهو المحدث البحراني قدس سره في الحدائق 1: 254.
(4) الوسائل 1: 124، الباب 11 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3.
(5) الحدائق 1: 254.
(6) بل احتمله الشهيد الثاني قدس سره في روض الجنان، 140. وما وجدناه في " الحبل
المتين " (107) خلاف ذلك. ولعل السهو من النساخ.
(7) الوسائل 16: 376، الباب 44 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3، وفيه: وقع
فيها وقية دم.
(8) الوسائل 1: 147، الباب 2 من أبواب الماء المضاف، الحديث 2.
183

التي استشهد بها في الحدائق (1).
ويضعف الأول بأن المرسل غير المخاطب، مع أن ملاحظة عرف
السائل لها وجه إذا ذكر اللفظ في السؤال فأعاده الإمام عليه السلام في الجواب،
لا ما إذا لم يذكر إلا في كلام الإمام عليه السلام. وأما إرادة العراقي في بعض
الاطلاقات - فمع أن الراوي فيه عراقي - معارضة بالمثل بل أقوى، ففي
صحيحة زرارة: " إن الوضوء بمد، والمد رطل ونصف، والصاع ستة
أرطال " (2) مع أن زرارة لم يكن مدنيا.
وأضعف مما ذكر: التمسك - بعد تسليم تكافؤ الاحتمال - بأصل
الطهارة، وعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " خلق الله الماء طهورا لم ينجسه
شئ " (3) فإن الأصل مدفوع بما ثبت من علية الكرية لعدم الانفعال الدالة
على أن الملاقاة بنفسها مقتضية للانفعال، ولا يتخلف عنها إلا لمانع، والمانع
مدفوع بالأصل.
وأما العموم - فبعد تسليم الرواية والاغماض عن الطعن عليها، لعدم
ورودها في أصول أصحابنا - فهو لأجل المجمع بينه وبين قوله عليه السلام " إذا
كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (4) الدال على علية الكرية لعدم التنجيس
مقيد بالكر، وأن كونه " لا ينجسه شئ " إنما هو باعتبار كريته، فتكون
الكرية قيدا للموضوع وهو " الماء الذي لا ينجسه شئ " فكل ما شك في

(1) الحدائق 1: 258.
(2) الوسائل 1: 338، الباب 50 من أبواب الوضوء، الحديث الأول، وفيه: كان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ بمد ويغتسل بصاع، والمد: رطل ونصف...
(3) الوسائل 1: 101، الباب 1 من أبواب الماء المطلق، الحديث 9.
(4) الوسائل 1: 117 و 118، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1 و 2 و 6.
184

كريته فلا يجوز الحكم عليه بعدم التنجيس بمقتضى العموم، لأنه شك في
موضوع العام، لا فيما خرج منه؟ فافهم.
وقد نبه على ما ذكرنا في رد الأصل، شيخنا في تمهيد القواعد - في
مسألة الشك في كرية الماء - حيث حكم بالنجاسة ورد أصالة الطهارة بأن
الملاقاة سبب في التنجيس، ثم ذكر (1) أن هذا هو الشائع بين الفقهاء (2).
واعترض عليه في الحدائق بمنع كون الملاقاة مقتضية للتنجيس، بل هي
مع القلة، وهي غير متحققة (3).
وفيه: أن القلة لم تذكر في الأدلة عنوانا للانفعال، وإنما المذكور فيها:
" أن الماء الذي يدخله الحمامة والدجاجة الواطئة للعذرة لا يجوز استعماله إلا
أن يكون كرا من ماء " (4) و " أن الماء الذي لاقاه الكلب لا يستعمل إلا أن
كون حوضا كبيرا " (5) و " أن الماء إذا لم يكن كرا ينجس بالنجاسة " (6)
معلوم: أن مقتضى هذه العمومات النجاسة إلى أن يثبت كون المشكوك فيه
خارجا عنها وإلا اقتصر على المتيقن.
نعم، قد يتوهم أن مقتضى الثالث كون عدم الكرية شرطا في الانفعال،
لكن يمكن إحرازه بالأصل، فإن الأصل عدم تحقق مناط الاعتصام فيما كان

(1) في الحدائق: ثم ذكر ما يدل... الخ. وهذا هو الصحيح " كما يظهر بالمراجعة إلى
تمهيد القواعد.
(2) تمهيد القواعد (المطبوعة في آخر الذكرى): 40.
(3) الحدائق 1: 259.
(4) الرسائل 1: 115، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث 13، نقلا بالمضمون.
(5) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 13، نقلا بالمضمون.
(6) هذا مضمون روايات وردت في الباب 8 من أبواب الماء المطلق من الوسائل 1: 112
185

ألفا ومائتين بالعراقي، وقد نبه على ما ذكرنا في رد العموم شيخنا في المعالم
بأن الأخبار الدالة على اعتبار الكرية اقتضت كونها شرطا لعدم الانفعال،
فما لم يدل دليل شرعي على حصول الشرط يجب الحكم بالانفعال، ثم قال:
وبهذا يظهر ضعف احتجاجهم بالأصل على الوجه الذي قرروه (1).
وتنظر فيه في الحدائق: بأن شرطية الكرية لا تقتضي الحكم بالانفعال
مع عدم العلم بالشرط، لأن المشروط عدم عند عدم الشرط في الواقع لا
عند عدم العلم بالشرط، لأن المشروط عدم عند الشرط في الواقع لا
شرط في الانفعال، فما لم يدل دليل على حصول الشرط يجب الحكم بعدم
الانفعال (2) انتهى.
ولا يخفى أن مقصود صاحب المعالم عدم جواز تمسك بعمومات
الطهارة وأن اللازم التمسك بعموم النجاسة وأن عدم الدليل على كون الأقل
كرا يكفي في الرجوع إلى العموم.
" أو ما كان كل (3) من طوله وعمقه وعرضه ثلاثة أشبار ونصفا (4) " على
المشهور، وفي الغنية الاجماع عليه (5). ويدل عليه رواية الحسن بن صالح،
الثوري عن أبي عبد الله عليه السلام: " إذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه
شئ. قلت: وكم الكر؟ قال: ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار
ونصف عرضها " (6).

(1) معالم الفقه (مخطوط): 8.
(2) الحدائق 1: 259
(3) في الشرائع: كل واحد.
(4) كذا في الشرائع. وفي النسخ: نصف.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 489.
(6) الوسائل 1: 118، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 8.
186

والظاهر: أن المراد من العرض هو سطحه المشتمل على الطول
والعرض، كما سيأتي في الصحيحة المحددة للكر بالذراع والشبر (1) مع أن
الطول لو كان أنقص من ثلاثة ونصف لم يسم الأزيد عرضا، فلا أقل من
وجوب كونه مساويا له، فالعرض هنا مثل قوله تعالى: (عرضها كعرض
السماء والأرض) (2).
نعم، يدخل - على هذا - السطح المستدير البالغ ثلاثة أشبار ونصفا، مع
أنه ليس كرا إجماعا. ويمكن اخراجه بأن الظاهر من الرواية كون مجموع
ثلاثة ونصف من العمق ثابتا في تمام سطح الكر لا في خط منه، فيخرج
الدائرة، ويمكن اخراجها بالاجماع، فهو من باب تقييد المطلق. وهذا الايراد
وارد في جميع الروايات.
ويمكن الاستدلال عليه برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:
" إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه من
الأرض، فذلك الكر " (3).
ويمكن تقريب دلالتها نظير ما تقدم في الرواية السابقة: من أن معنى
كون الماء ثلاثة أشبار ونصف كون سطحه المشتمل على الطول والعرض بهذا
المقدار، ويكون " في عمقه " صفة لثلاثة أشبار ونصف، وهي تدل على مثله
يعني إذا كان سطحه ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف ثابتة في
عمقه. ويعضد ما ذكرنا سقوط " مثله " في بعض نسخ المنتهى (4) والمحكي عن

(1) الوسائل 1: 121، الباب 10 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(2) الحديد: 21.
(3) الوسائل 1: 122، الباب 10 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6.
(4) كما في الطبعة الحجرية من المنتهى 1: 7.
187

نسخة مقروءة على المجلسي مصححة (1).
ودلالة الروايتين وإن لم يخل عن تكلف، إلا أنهما نصان في زيادة
النصف على الثلاثة، فيرجحان على رواية إسماعيل بن جابر: إن الكر " ثلاثة
أشبار في ثلاثة أشبار " (2) لاحتمال سقوط " النصف " فيها وعدم احتمال زيادته
في الروايتين، واعتضادهما بالشهرة وإجماع الغنية، وإن طعن عليه في المعتبر
بوجود الخلاف (3) لكن أيده في المنتهى بشذوذ قول القميين (4).
وهما أولى
بالترجيح بهما من أقربية هذه المساحة بما ورد من التحديد ب‍ " القلتين " (5)
و " أكثر من راوية " (6) وتقدير الكر بقوله عليه السلام " نحو حي هذا " (7) ومما تقدم
من المختار في وزن الكر، وتأيده بما أرسله الصدوق: من أنه ما كان ثلاثة
أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا (8).
هذا كله مع مخالفة رواية إسماعيل للرواية عن علي بن جعفر عن أخيه
عليهما السلام قال: " سألته عن جرة ماء (9) فيه ألف رطل وقع فيه أوقية بول،

(1) حكاه في الجواهر 1: 174.
(2) الوسائل 1: 118، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(3) المعتبر 1: 46.
(4) لم نجد التصريح به في المنتهى. إلا أنه بعد ذكر رواية إسماعيل بن جابر قال: " وهي
مدفوعة بمخالفة الأصحاب لما إلا ابن بابويه " والعبارة مشعرة بالشذوذ.
(5) الوسائل 1: 123، الباب 10 من أبواب الماء المطلق، الحديث 8.
(6) الوسائل 1: 104، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 9.
(7) الوسائل 1: 123، الباب 10 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(8) أمالي الصدوق: 514، وعنه في الوسائل 1: 122 " الباب 10 من أبواب الماء
المطلق، الحديث 2.
(9) في كتاب مسائل علي بن جعفر (197 / 421): عن حب ماء.
188

هل يصلح شربه أو الوضوء منه؟ قال: لا يصلح " (1).
فإن ألف رطل - على ما اعتبر بعضهم (2) شبرا [في شبر] من الماء
فوجده ألفين وثلاثمائة وثلاثة وأربعين مثقالا (3) - يقرب من ثلاثين (4) شبرا،
فلا معنى للحكم بانفعاله. واحتمال نقصانه عن سبعة وعشرين شبرا لثقل الماء
بعيد في الخارج وفي مورد الرواية، ومع فرض التكافؤ فالمرجع إلى عموم
أدلة النجاسة - كما تقدم - خلافا لمن عرفت.
وهنا رواية صحيحة أخرى ذكر في المدارك أنها أصح (5) رواية عثر
عليها في المقام (6) وهي صحيحة إسماعيل بن جابر في الماء الذي لا ينجسه
شئ، قال عليه السلام: " ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته " (7) والذراع قدمان
كما يظهر من باب المواقيت (8) والمراد ب‍ " سعته " سطحه المشتمل على الطول
والعرض فيصير مكسره ستة وثلاثين، واحتمل في المعتبر العمل بها (9). لكن

(1) أثبتنا متن الرواية من الوسائل 1: 116، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث
16 والعبارة في النسخ هكذا: عن أخيه عليه السلام في جرة فيها ألف رطل من الماء،
فوقع فيه أوقية من دم، هل يصلح شربه؟ فإن ألف رطل...
(2) نقله الفاضل النراقي قدس سره عن بعض المتأخرين. وكتب فوقه: " الظاهر أنه
السيد الداماد " انظر المستند 1: 13.
(3) في المستند: صيرفيا.
(4) كذا هنا، لكن يأتي في الصفحة: 191: أن بعضا اعتبره فوجد الوزن قريبا من ستة
وثلاثين شبرا.
(5) في المدارك: وأوضح مما وقفت عليه.
(6) المدارك 1: 51.
(7) الوسائل 1: 121، الباب 10 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(8) الوسائل 3: 102، الباب 8 من أبواب المواقيت.
(9) المعتبر 1: 46
189

ذكر في المنتهى أنه لم يقل أحد بهذا المقدار، واستجود حمل الشيخ قدس سره لها
على ما إذا بلغ الحد بالأرطال (1). ويؤيده ما عن المحدث الاسترآبادي: من
أنا اعتبرنا الكر بالوزن فوجدناه قريبا من هذا المقدار (2). والمعروف من
صاحب المدارك استشكاله في العمل بالصحيح إذا خالف عمل الأصحاب (3)
وهنا أقوال أخر ضعيفة:
أحدها: قول الإسكافي بما بلغ مكسره مائة شبر (4). وما أبعد ما بينه
وبين قوله في الوزن بالأرطال العراقي أو ما بلغ قلتين!
والثاني: قول الراوندي وهو ما بلغ أبعاده إلى عشرة ونصف من غير
تكسر (5). ولم نجد ما يمكن الاستدلال به له. واستدل له شارح الروضة
برواية أبي بصير المتقدمة بجعل " في " بمعنى " مع " فلا يعتبر الضرب (6). وفيه
ما لا يخفى.
ثم إن لازم هذا القول اختلاف أفراد الكرة وأقل فروضها - كما
الروض (7) - ما كان طوله عشرة أشبار ونصف مع كون كل من عرضه وعمقه
شبرا. وذكر بعضهم في أبعد فروضه ما كان عمقه تسعة أشبار وعرضه نصف
شبر وطوله شبرا (8).
وما في الروض أولى، لأن ظاهر المنقول عن الراوندي هو اعتبار

(1) المنتهى 1: 38.
(2) قاله في تعليقاته على شرح المدارك، كما في الحدائق 1: 276.
(3) لم نقف عليه.
(4) نقل عنه في المختلف 1: 183، 184.
(5) نقل عنه في المختلف 1: 183، 184.
(6) المناهج السوية (مخطوط): 37.
(7) روض الجنان: 140، وفيه: وأبعد فروضها.
(8) الجواهر 1: 179، باختلاف في التعبير.
190

الشبر المكعب، ولهذا لم يذكروه مخالفا للمشهور في أصل التحديد ثلاثة
ونصف، وإنما ذكره في المنتهى في فروع هذا التحديد (1) وأن المشهور يعتبرون
في الأبعاد الضرب وإن انكسر، ولا يعتبره قطب الدين قدس سره.
والثالث: المحكي عن ابن طاووس قدس سره. من التخيير بين هذه
الروايات (2). فإن أراد الظاهري فله وجه. وإن أراد الواقعي وحمل الزائد
إلى الاستحباب فلا يعرف له وجه.
كما لم يعرف وجه لتقدير الكر على
المشهور بالوزن والمساحة مع كونه بالوزن أقل دائم، فإن تصحيح التحديد
بأحد الأمرين من الأقل والأكثر مشكل جدا. نعم، لو تفاوت الحدان بحسب
اختلاف المياه ثقلا وخفة - كما قيل: إنه قد يقرب التفاوت إلى قريب
العشر (3) - كان له وجه، لكن يعارضه أن الشبر في السابق كان أزيد لطول
أبدان السابقين وأعضائهم.
وبالجملة: فالظاهر أنه لا ينبغي الارتياب في كون الكر بحسب
المساحة أزيد، وقد تقدم أن بعضا اعتبره فوجد الوزن قريبا من ستة
وثلاثين شبرا (4) وإذا اعتبر أشبار السابقين يصير أقل من ذلك. ولم أجد
من دفع الاشكال.
نعم، دفعه بعض (5) بوجه أشكل، وهو منع علم الإمام عليه السلام بنقص
الوزن دائما عن المساحة، ولا غضاضة فيه، لأن علمهم ليس كعلم الخالق،

(1) المنتهى 1: 41.
(2) حكاه عنه في الذكرى: 8.
(3) لم نقف عليه.
(4) تقدم في الصفحة: 189.
(5) في هامش " ع ": صاحب الجواهر.
191

فقد يكون قدروه بأذهانهم الشريفة وأجرى الله الحكم عليه (1) انتهى.
وفيه ما لا يخفى، فإن هذه يرجع إلى نسبة الغفلة في الأحكام الشرعية
بل الجهل المركب إليهم! وتقرير الله سبحانه إياهم على هذا الخطأ؟! تعالى الله
وتعالوا عن ذلك علو كبيرا.
ثم إن هذا التحديد كغيره من التحديدات الشرعية مبني على التحقيق
دون التقريب، لأنه مقتضى ظاهر اللفظ. نعم، قد يتسامح في إطلاق ألفاظ
المقادير على ما نقص أو زاد إذا كان بحكم المعدوم بالنسبة إلى الحكم المتعلق
بذلك المقدار، ويتفاوت في أصل المسامحة وفي مقدارها الأحكام، وحيث
كانت الأحكام الشرعية تابعة للحكم الخفية لم يعلم جواز المسامحة في
متعلقاتها، فهي أضيق دائرة عن المقادير المتعلقة للأحكام الطبية (2).

(1) الجواهر 1: 182.
(2) في الشرائع: " ويستوي في هذا الحكم مياه الغدران والحياض والأواني، على
الأظهر " ولم يتعرض المؤلف قدس سره - لشرح هذه العبارة.
192

[القسم الثالث]
[ماء البئر]
" وأما " القسم الثالث من المياه: فهو " ماء البئر " وهو
ما لا يصح سلب البئر عنه عرفا. وأوضحه في غاية المراد بأنه " مجمع
ماء نابع من الأرض لا يتعداها غالبا ولا يخرج عن مسماها عرفا " (1)
ولا يخلو هذا التعريف عن خدشات، فالأولى وكوله إلى العرف.
والظاهر عدم صدق ماء البئر على ما مجري إليها من العيون الجارية،
وإن كان المجتمع يسمى بئرا طلقا أو مع نبع ماء منه غير ما يجري إليها،
وحينئذ فيحتمل وجوب النزح منه وإن اتصل بالجاري للاطلاقات.
والأقرب عدم الحاجة إليه، لمنع شمول أدلة انفعال البئر إلا لمائه لو خلي
وطبعه لا إذا اتصل بالجاري.
ثم لو فرض الشك في صدق البئر على مجمع ماء - كما في العيون

(1) غاية المراد: 6.
193

الراكدة - فإن قلنا بنجاسة البئر مطلقا، فالأقوى فيها الفرق بين الكر والقليل،
إذ لا دليل على طهارة القليل منها، لعدم ثبوت كونها من الجاري، مع
ما عرفت من التأمل في اعتصام الجاري القليل لولا الشهرة والاجماعات
المدعاة وشذوذ المخالف في المسألة.
وأما رواية ابن بزيع المشتملة على التعليل بالمادة (1) فهي إذا لم نقل
بها (2) في موردها وهو البئر - لفرض القول بنجاستها - فكيف نتعدى منه؟
وأما على القول بطهارة البئر مطلقا فني الحكم بالطهارة هنا إشكال،
لما عرفت من أن التعليل فيها يحتمل الرجوع إلى الجزء الأخير منها (3) وهو
ترتب ذهاب التغير على النزح، وعلى تقدير الظهور في الرجوع إلى الفقرة
الأولى أو الثانية أو كلتيهما فيعارضها ما دل على انفعال القليل (4) فلا بد من
ارتكاب التخصيص في تلك الأخبار أو مخالفة الظاهر في الرواية، لا بعنوان
تخصيصها بالكر حتى يلغو التعليل بالمادة، بل يصرف التعليل إلى الجزء
الأخير. وأولوية التخصيص في خصوص المقام ممنوعة، لقوة العمومات
وضعف ظهور التعليل. وعلى فرض التكافؤ فيمكن الرجوع إلى مفهوم ما
دل على اشتراط المادة المشتملة على الكر في اعتصام ماء الحمام (5) بناء على
ما تقدم من أن ظاهر الجملة الشرطية علية المادة المشتملة على الكر
للاعتصام فكما يتعدى من منطوقه إلى كل ماء قليل متصل بمادته

(1) الوسائل 1: 127، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(2) كذا في " ع "، وفي سائر النسخ: به.
(3) راجع الصفحة: 97.
(4) الوسائل 1: 112 الباب 8 من أبواب الماء المطلق،.
(5) الوسائل 1: 111، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4.
194

المشتملة على الكر، كذلك يتعدى من مفهومه إلى كل ماء قليل انتفت فيه
تلك العلة.
وتوهم أن النسبة بينهما عموم من وجه فيتعارضان في ما إذا كان للماء
القليل مادة غير كر، مدفوع بأن مادة الاجتماع غير قابلة للخروج عن
المفهوم، وإلا لغى اعتبار الكرية في المادة وكانت العلة نفس المادة.
نعم، يمكن أن يقال: إنه لو علم كون مادة العين الراكدة كرا وعلم
اتصالها بها حين الملاقاة لم ينفعل، لمنطوق العلة في ماء الحمام، فإنه يتعدى
إلى غيره - كما عرفت أدلته المخصصة لأدلة انفعال الماء القليل (1) - ويبقى
تعليل الصحيحة مؤيدا كعمومات الطهارة.
وفي تطهرها بالنزح المزيل لو انفعل بالتغير وجه، إما لرجوع التعليل
في الصحيحة إلى الفقرة الثانية فقط أو مع الأولى، وإما لأن المادة إذا فرضت
كرا فأخرج منها بسبب نزح بعض الماء مقدار مزيل للتغير فقد زال تغيره
بماء معتصم فيطهر، كما عرفت سابقا (2).
وكيف كان: " فإنه ينجس " ماء البئر كغيره " بتغيره بالنجاسة
إجماعا " نصا وفتوى " وهل ينجس بالملاقاة " ولو كان كثيرا؟
كما قال أكثر القدماء، كالصدوقين (3) والمشايخ الثلاثة (4) وأتباعهم (5)

(1) انظر الصفحة: 100 - 101.
(2) انظر الصفحة: 145 - 146.
(3) الصدوق في الأمالي: 514 وحكاه عن رسالة والده إليه في المصابيح (مخطوط):
123.
(4) المفيد في المقنعة: 64، والسيد المرتضى في الإنتصار: 11 والشيخ الطوسي في
النهاية: 6.
(5) مثل السيد ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 489، وسلار في المراسم: 34.
195

والحلي (1) وابن سعيد (2) والمحقق (3) والفاضل في بعض كتبه (4) والشهيدين (5)
بل عن الأمالي: أنه من دين الإمامية (6) وعن الانتصار (7) والغنية (8)
وظاهر التهذيبين (9) ومصريات المحقق (10): الاجماع، وفي السرائر: نفي
الخلاف فيه (11) وفي شرح الجمل: الاجماع (12) وعن كاشف الرموز: أن عليه
فتوى الفقهاء من زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا (13) وفي الروضة:
كاد يكون إجماعا (14).
أو لا ينجس ولو كان قليلا؟ كما عن العماني (15) وابن الغضائري (16)

(1) السرائر 1: 61 و 69.
(2) الجامع للشرائع: 19.
(3) المعتبر 1: 54.
(4) تلخيص المرام (مخطوط): 9، وفيه: " وينجس القليل من الأول والبئر على رأي ".
(5) الروضة البهية 1: 257 و 258.
(6) أمالي الصدوق: 514.
(7) الإنتصار: 11: قال: " ومما انفردت به الإمامية القول بأن ماء، البئر ينجس ".
(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 489.
(9) التهذيب 1: 240 والاستبصار 1: 32 لكن لم يصرح فيه بالاجماع وعدم
الخلاف.
(10) المسائل المصرية (الرسائل التسع): 225. وليس فيها التصريح بالاجماع، بل قال:
ويؤيد نجاسة البئر نقل الفريقين من الجمهور والإمامية الفتوى عن السلف بوجوب
نزح البئر النابعة.
(11) السرائر 1: 61 و 69.
(12) شرح جمل العلم والعمل: 56.
(13) كشف الرموز 1: 49.
(14) الروضة البهية 1: 258.
(15) كما في المختلف 1: 187.
(16) كما في المدارك 1: 54.
196

والشيخ في التهذيبين (1) والعلامة في أكثر كتبه (2) وشيخه مفيد الدين محمد بن
محمد بن الجهم (3) وولده (4) وصاحب التنقيح (5) والموجز (6) وجامع المقاصد (7)
والمحقق الميسي (8) والشهيد الثاني على ما صح عن رسالته المصنفة في
المسألة (9) وجمهور المتأخرين عنه.
أو يفرق بين القليل والكثير؟ كما عن البصروي (10) وحكاه في المنتقى
عن جماعة (11). قيل: وهو لازم للعلامة (12) - المفصل في الجاري بين القليل
والكثير - وفي الملازمة نظر. لكن لا يبعد استظهاره منه في المنتهى (13).
ثم المحقق مع ما حكي عن مصرياته من الاجماع على الحكم
النجاسة قال هنا: " فيه تردد، و " إن كان في " الأظهر التنجيس " لما ذكر في
المعتبر من النقل المستفيض عن الصحابة بإيجاب النزح وأنه كان معلوما
منهم وإن اختلفوا في مقدار النزح (14) والأخبار المتواترة الدالة على

(1) التهذيب 1: 232، ولم نعثر في الاستبصار على كلام يستفاد منه ذلك.
(2) بل في جميع كتبه، عدا التلخيص.
(3) كما في روض الجنان: 144.
(4) إيضاح الفوائد 1: 17.
(5) التنقيح 1: 44.
(6) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 36.
(7) جامع المقاصد 1: 121.
(8) كما في مفتاح الكرامة 1: 79.
(9) كما في المصابيح (مخطوط): 129.
(10) كما في الذكرى: 9.
(11) لم نجد الحكاية في المنتقى.
(12) المدارك 1: 55.
(13) المنتهى 1: 28، قوله: الأقرب اشتراط الكرية لانفعال الناقص عنها مطلقا.
(14) المعتبر 1: 55.
197

وجوبه (1).
وربما استدل أيضا بالاجماعات المنقولة (2) المعتضدة بالشهرة العظيمة.
ويرد تواتر الأخبار والنقل بالنزح - بعد تسليم دلالته على النجاسة -
حمل ذلك على الاستحباب، لما سيأتي من الأمارات، وأما الاجماع والشهرة
فموهونان بما عرفت من الخلاف من كثير من العلماء.
وربما استدل أيضا ببعض الأخبار الظاهرة في النجاسة، مثل صحيحة
محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: " كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن
الرضا عليه السلام عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول
أو دم أو يسقط فيها شئ من عذرة كالبعرة ونحوها، ما الذي يطهرها حتى
يحل الوضوء منها للصلاة؟ فكتب فيها عليه السلام في كتابي: ينزح منها
دلاء " (3).
وفيه: أن دلالتها لشئ إلا من باب التقرير، بضميمة أصالة عدم
الخوف في الردع بالكتابة، وهو معارض بظهور قوله: " ينزح دلاء " في كفاية
نزح مطلق الدلاء للدم والبول والعذرة، فيتعين حل المجملة الخبرية على
الاستحباب، فيكون نزح مقدار من الدلاء مستحبا لكل واحد وإن كان
الأفضل ما ورد من المقدار المعين لكل واحد، إذ لو حمل على الوجوب لم
يجز حمله على ظاهره من التخيير بين الدلاء في النجاسات المذكورة إجماعا،
فلا بد إما من التزام إجمال الرواية وأن المقصود بيان إيجاب أصل النزح
بمقدار من الدلاء وأن النزح طريق تطهير البئر وتفصيله موكول ببيان

(1) الوسائل 1: 131 - 143 الأبواب 15 إلى 22 من أبواب الماء، المطلق،
(2) تقدم نقلها في الصفحة: 195 - 196.
(3) الوسائل 1: 130، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 21
198

ما يجب في كل واحد من النجاسات إلى مقام آخر، وإما من التزام نصب
القرينة لإرادة العدد الخاص من لفظ الدلاء بالنسبة إلى كل من النجاسات
المسؤول عنها؟ وشئ من الأمرين المخالفين لظاهر الرواية - بل صريحها - لا
يلتزمه أحد لأجل أصالة عدم ردع الإمام عليه السلام بل الظاهر أن السائل بعد
ملاحظته لكلام الإمام عليه السلام لم يشك في أنه ردعه بهذا الكلام عن
اعتقاده. هذا، مضافا إلى أن ابن بزيع روى الرواية الآتية (1) التي هي أظهر
من هذه الرواية في عدم انفعال البئر.
وبصحيحة (2) علي بن يقطين عن أبي الحسن عيه السلام " عن البئر يقع
فيها الحمامة أو الدجاجة أو الفأرة أو الكلب أو الهرة؟ فقال: يجزيك أن
تنزح منها دلاء، فإن ذلك يطهرها إن شاء الله تعالى " (3).
وهذه أظهر دلالة من الأولى، لوقوع التطهير في كلام الإمام عليه السلام،
إلا أن الأمر بنزح الدلاء أظهر هنا في الاستحباب من حيث كونه أظهر في
مقام البيان، فيبعد جدا حملها على بيان نوع المطهر وإحالة تفصيل كل واحد
من النجاسات المذكورة إلى مقام آخر، فالأولى حمل لفظ " التطهير " هنا على
إرادة إزالة القذارة والنفرة الحاصلة من وقوع تلك الأشياء.
وبصحيحة (4) ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام: " إذا أتيت البئر
وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغترف به فتيمم بالصعيد، فإن رب الماء

(1) الآتية في الصفحة: 202.
(2) في " ع ": مصححة.
(3) الوسائل 1: 134، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.
(4) في " ع ": مصححة.
199

رب الصعيد، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم " (1).
وفيه: أن الاستدلال بها مبني على فرض بدن الجنب نجسا، ولا شك
في أن وقوعه في البئر ينجس البئر فلا يرفع الحدث بل يزيد الخبث ويحتاج
بالآخرة إلى التيمم، فليس محذور الوقوع في البئر راجعا إلى ما يفر بالقوم
- كما هو ظاهر الرواية - بل هو لغو صرف وزيادة في نجاسة بدنه، فالتعليل
بهذا أولى بل متعين، حيث إن محذور فساد الماء يرتفع بنزح دلاء منه، فلا
دلالة في الرواية على المطلوب، ويكون النهي عن إفساد الماء لأجل استقذار
القوم ذلك، أو لإثارة الوحل من البئر، أو لصيرورته مستعملا في الحدث
الأكبر، فالانصاف أن هذه الصحيحة أظهر في عدم الانفعال.
والعجب ممن حكى عنه في المنتقى (2) مساواة ظهور هذه الصحيحة في
الدلالة على الانفعال لصحيحة ابن بزيع الآتية (3) الدالة على عدم الانفعال
وموثقة ء عمار الواردة في وقوع الكلب والفأرة والخنزير، قال: " ينزف كلها،
فإن غلب الماء ينزف يوما إلى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين
اثنين فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت " 4 ".
وفيه: أن نزح الكل للأشياء المذكورة لعله خلاف الاجماع، ولذا حمله
الشيخ على صورة التغير (5).

(1) الوسائل 1: 130، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 22.
(2) منتقى الجمان 1: 58.
(3) يأتي في الصفحة: 202.
(4) الوسائل 1: 43 1، الباب 23 من أبواب الماء المطلق الحديث الأول، مع اختلاف
يسير.
(5) التهذيب 1: 242، ذيل الحديث 699.
200

وبحسنة (1) الفضلاء - بابن هاشم - " قالوا: قلنا له عليه السلام: بئر يتوضأ
منها مجري البول قريبا منها أينجسها؟ قال: فقال: إن كانت البئر في أعلى
الوادي يجري فيه البول من تحتها وكان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع
لم ينجس شئ من ذلك، وإن كان أقل من ذلك نجسها، قال: وإن كانت
البئر في أسفل الوادي ويمر الماء عليها وكان بينه وبين البئر تسعة أذرع لم
ينجسها، وما كان أقل من ذلك فلا يتوضأ منه. [قال زرارة:] فقلت له:
فإن كان مجرى البول يلصقها وكان لا يلبث على الأرض؟ فقال: ما لم يكن
قرار فلا بأس، وإن استقر منه قليل فإنه لا يثقب الأرض ولا قعر له حتى
يبلغ البئر وليس على البئر منه بأس، فيتوضأ منه، إنما ذلك إذا استنقع كله " (2)
والانصاف: أن هذه الحسنة وإن لم تحمل على ظاهرها من حيث عدم
انفعال البئر بمجرد قرب المبال منها، إلا أنها ظاهرة في الانفعال عند العلم
بوصول البول إليها.
ونحوها في الظهور قوله عليه السلام في رواية ابن مسكان عن أبي بصير:
- كل شئ يقع في البئر ليس له دم مثل العقرب والخنافس وأشباه ذلك فلا
بأس " (3) لكنها كالروايات الأربع المتقدمة - على فرض تسليم ظهورها في
الانفعال - وجميع أخبار النزح - مع الاغماض عن ظهورها في الاستحباب
وتسليم دلالة وجوب النزح على النجاسة - معارضة بالصحاح المستفيضة

(1) في " ع ": حسنة.
" 2 " الوسائل 1: 144، الباب 24 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول، باختلاف
يسير.
(3) الوسائل 1: 136، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 11
201

وغيرها التي هي أقوى دلالة من تلك الأخبار.
ففي صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع: " ماء البئر واسع لا يفسد
شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه، فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب
طعمه " (1) ودلالتها واضحة. ولا يلتفت إلى ما ذكر لما في المعتبر (2) وغيره من
التأويل.
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: " عن بئر ماء وقع في
زنبيل من عذرة يابسة أو رطبة أو زنبيل من سرقين، أيصلح الوضوء منها؟
قال: لا بأس " (3).
وصحيحة معاوية بن عمار: " لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما يقع
في البئر إلا أن ينتن " (4).
وصحيحته الأخرى: " في الفأرة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها ويصلي
وهو لا يعلم، أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه؟ فقال: لا يعيد الصلاة ولا يغسل
ثوبه " (5). وبمعناها موثقة أبان ورواية جعفر بن بشير عن أبي عيينة (6).
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: في " البئر يقع فيها
الميتة؟ فقال: إن كان لما ريح نزح منها عشرون دلوا " (7) بناء على أن النزح
لزوال الريح غالبا بالعشرين أو للاستحباب إن لا يرجع الضمير إلى البئر.

(1) الوسائل 1: 127، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(2) المعتبر 1: 56.
(3) الوسائل 1: 127، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 8.
(4) الوسائل 1: 127، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 10.
(5) الوسائل 1: 127، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 9.
(6) الوسائل 1: 128، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 11 و 13
(7) الوسائل 1: 142، الباب 22 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
202

وصحيحة زرارة: " عن الحبل من شعر الخنزير يستقى به الماء
من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال: لا بأس " (1) بناء على أن البئر
لا ينفك غالبا عن ملاقاة الحبل، وإن أمكن أن يقال: إن ماء الدلو
ينفك أيضا عن ملاقاة ما يتقاطر من الحبل، لكنه لا يقدح في
المطلوب، كما لا يخفى.
ونحوها أو دونها في الظهور رواية زرارة: في " جلد الخنزير يجعل دلوا
يستقى به الماء؟ قال: لا بأس " (2) بناء على أن محل البيان وإن كان هو نفي
البأس عن استعمال جلد الخنزير واستعمال الماء النجس الذي يستق به، إلا
أنه لو انفعل البئر كان ينبغي التنبيه على ذلك لئلا يستعمل البئر بعد ذلك
قبل لنزح
ونحوهما مرسلة علي بن حديد عن بعض أصحابنا " قال: كنت مع أبي
عبد الله عليه السلام في طريق مكة فصرنا إلى بئر فاستقى غلام أبي عبد الله
عليه السلام دلوا فخرج فيه فأرتان، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أرقه واستقى
آخر فخرج فيه فأرة، فقال عليه السلام: أرقه. فاستقى الثالث فلم يخرج فيه
شئ، فقال عليه السلام: صبه في الإناء، فصبه " (3).
ورواية محمد بن القاسم عن أبي الحسن عليه السلام: " في البئر يكون بينها
وبين الكنيف خمس أذرع أو أقل أو أكثر يتوضأ منها؟ قال: ليس يكره من
قرب ولا بعد، يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء " (4).

(1) الوسائل 1: 125، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.
(2) الوسائل 1: 129، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 16.
(3) الوسائل 1: 128، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 14.
(4) الوسائل 1: 126، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4.
203

وأرسل الصدوق، [عن مسعدة] (1) عن الصادق عليه السلام " أنه كان في
المدينة بئر وسط مزبلة، فكانت الريح تهب وتلقي فيها القذر، وكان النبي
صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ منها " (2).
وموثقة أبي بصير: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: في يستقى منها
ويتوضأ به، وغسل به الثياب وعجن به ثم علم أنه كان فيها ميت؟ قال:
لا بأس لا يغسل منه الثوب ولا تعاد منه الصلاة " (3).
وموثقة أبي أسامة، قال: " إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة
فانزح منها سبع دلاء. قلنا: فما تقول في صلاتنا ووضوئنا وما أصاب
ثيابنا؟ قال: لا بأس به " (4).
و " عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة؟ قال: لا بأس إذا
كان فيها ماء كثير " (5) فإن الكثرة العرفية غير معتبرة في الماء إجماعا، فهي
للتحفظ عن التغير ولم يثبت الحقيقة الشرعية في لفظ " الكثير " حتى يكون
الرواية دليلا للقول باعتبار الكرية في البئر.
فهذه أخبار اثنا عشر بين صريح في المطلوب وظاهر فيه، ولو قدرت
معارضة ظواهرها بظواهر (6) ما تقدم من أخبار النجاسة كان الواجب على
المنصف ترجيح هذه عليها.

(1) لا يرد في الفقيه، ولا في الوسائل.
(2) الفقيه 1: 21، الحديث 33. والوسائل 1: 130، الباب 14 من أبواب الماء المطلق
الحديث 20.
(3) الوسائل 1: 126، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
(4) الوسائل 1: 128، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 12.
(5) الوسائل 1: 26، الباب 128 من أبواب الماء المطلق، الحديث 15.
(6) كذا في " ع "، وفي سائر النسخ: لظواهر.
204

هذا كله، مضافا إلى مخالفة أخبارنا للعامة وموافقتها لعمومات طهارة
الماء، واستلزام العمل بأخبارهم لطرح أخبار معتبرة كثيرة في مقام التعارض
في مقدار النزح.
وأما الشهرة ونقل الاجماع فموهونان بالاطلاع على فساد المستند
ومخالفة جماعة كثير من أهل التحقيق والتدقيق لهم.
ثم على فرض التكافؤ فالواجب الرجوع إلى العمومات ومع التنزل
فإلى أصالة الطهارة.
هذا، مضافا إلى لزوم الحرج الشديد خصوصا في البلاد التي ينحصر
ماؤهم في البئر، ولذا قال كاشف الغطاء ما حاصله: إن من لاحظ ذلك لم
يحتج إلى النظر في الأخبار عامها وخاصها (1).
وأما القول باعتبار الكرية في البئر المنقول عن البصروي ومحتمل أنه
لازم قول العلامة قدس سره في المجاري (2) فوجهه عموم أدلة انفعال القليل. ولا
يعارضها عموم أدلة طهارة البئر، لانصراف الاطلاق فيها إلى ما يبلغ الكر،
أنه الغالب في الآبار، ولذا أمروا عليهم السلام أحيانا بنزح مائة دلو (3) أو سبعين
دلوا (4) أو الكر (5) من غير تقييد بكون الماء كثيرا، اعتمادا على الغالب
ودعوى: أن العمومات مخصصة بما دل على طهارة البئر عند التغير بنزحها
حتى يزول التغير (6) فلولا اعتصام الماء لا نفعل ما يخرج منها بملاقاة المتغير،

(1) كشف الغطاء: 193.
(2) تقدم عنهما في الصفحة: 197.
(3) الوسائل 1: 143، الباب 22 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(4) الوسائل 1: 141، الباب 21 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.
(5) الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
(6) مثل روايتي ابن بزيع، انظر الوسائل 1: 126، الباب 14 من أبواب الماء المطلق،
الحديث 6 و 7، وغيرها.
205

مدفوعة باحتمال كون النزح مطهرا تعبديا على خلاف القاعدة.
وخصوص رواية الحسن بن صالح الثوري المتقدمة في الكر من قوله
عليه السلام: " إذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شئ " (1). وقوله عليه السلام
موثقة عمار السابقة في أدلة المختار: " لا بأس إذا كان الماء كثيرا " (2) بحمله
على الكثير الشرعي، لأنه أقرب من حمله على ما إذا لم يتغير. وقوله
عليه السلام في صحيحة ابن بزيع المتقدمة: " ماء البئر واسع لا يفسده شئ " (3)
بناء على إبقاء الوسعة بمعناها الحقيقي وهي الكثرة الفعلية وجعل القضية
محمولة على الغالب، كما يشعر به كونها توطئة وتمهيدا لعدم الافساد. وإرادة
الوسعة من حيث الحكم أو الوسعة من حيث الاستعداد لمكان المادة
مرجوحة بالنسبة إلى حمل القضية على الغالب. وعن الفقه الرضوي: " وكل
بئر عمقها ثلاثة أشبار ونصف في مثلها فسبيلها سبيل المجاري، إلا أن يتغير
لونها أو طعمها أو رائحتها " (4).
ولولا إعراض الأصحاب عن هذا القول أمكن المصير إليه.
وعن الجعفي: اعتبار الذراعين في عدم انفعال الماء (5) ولم نعثر له على
وجه.
ثم [على] المختار من طهارة البئر، فالمشهور بينهم استحباب النزح

(1) الوسائل 1: 118، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 8.
(2) الوسائل 1: 128، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 15.
(3) الوسائل 1: 126، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6 و 7.
(4) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 91.
(5) حكاه عنه في الذكرى: 9.
206

ينسب إلى الشيخ قدس سره في التهذيب وجوب النزح تعبدا (1) وتبعه العلامة
قدس سره في المنتهى (2).
فإن أرادوا به الوجوب الشرطي لما يشترط فيه الطهارة من الشرب
والاستعمال في المأكول والطهارة به من الحدث والخبث بمعنى عدم جواز هذه
الأمور قبل النزح، فليس النجاسة إلا ما منع استعماله في هذه الأمور، فإذا
تحقق المنع عن هذه الأمور تحققت النجاسة ولزمها نجاسة الملاقي، فلا يرد أن
الثمرة تظهر في عدم تنجس ملاقيه، فتأمل. وإن أرادوا الوجوب النفسي، ففي
غاية البعد عن ظاهر الروايات.
ثم إن في الروايات قرائن كثيرة على الاستحباب:
منها: ما تقدم من الأمر بنزح دلاء لنجاسة واحدة أو لنجاسات (3)
فإن إرادة الوجوب يوجب إرادة خلاف ظاهر اللفظ.
ومنها: ورود أخبار متعارضة هنا، فإن الحمل على الوجوب يوجب
طرح بعضها، بخلاف الحمل على الاستحباب.
" وطريق تطهيره " المتعارف المتفق عليه وإن كان مشاركا مع غيره
من المياه النجسة في المطهر؟ كما أن غيره قد يشاركه في التطهير بالنزح إذا
كان ذا مادة ينبع بالنزح، كما في ظاهر صحيحة ابن بزيع المتقدمة (4) وأفتى به
الشيخان في الغدير النابع (5).

(1) نسبه إليه في المهذب البارع 1: 85 والمدارك 1: 54، وانظر التهذيب 1: 232.
(2) المنتهى 1: 68.
(3) صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع، المتقدمة في الصفحة: 198، وصحيحة علي بن
يقطين، المتقدمة في الصفحة: 199.
(4) تقدمت في الصفحة: 202.
(5) المقنعة: 66، التهذيب 1: 234.
207

وأما مشاركته مع غيره: فهو الأقوى على القول باعتبار الامتزاج مع
المعتصم في التطهير، قال في القواعد: ولو اتصلت بالنهر الجاري طهرت (1)
تساوى قرارها أو اختلفا، وفي البيان ويطهر بمطهر غيره وبالنزح (2). لكن في
المعتبر إذا جرى إليها الماء المتصل بالجاري لم تطهر، لأن الحكم متعلق بالنزح
ولم يحصل (3) وظاهره المنع ولو مع تساوي القرارين. وفي الدروس والذكرى
طهارتها بالامتزاج بالجاري والكثير، أما لو تسنما عليها من فوق فالأقوى
أنه لا يكفي، لعدم الاتحاد في المسمى (4).
أقول: قد صرح الشهيد في الدروس بأن الواقف المتصل بالجاري مع
علو الجاري متحد معه (5) بل تقدم في مسألة اشتراط تساوي السطوح في الكر
دعوى الاتفاق على الاتحاد مع علو المعتصم (6). وحينئذ فلا وجه لمنع تطهر
البئر بالامتزاج مع المعتصم المتحد معه.
ومن ذلك يظهر ضعف دفع المنافاة بينهما بأن الكلام هناك في الدفع
وهنا في الرفع. وأضعف منه احتمال خصوصية في البئر مفقودة في غيرها،
وجه الأضعفية تصريحهم برد المحقق حيث ادعى خصوصية في البئر من
حيث اختصاص تطهرها بالنزح (7).
وكيف كان: فالأقوى كون ماء البئر على القول بالانفعال كالماء

(1) القواعد 1: 188.
(2) البيان: 99.
(3) المعتبر 1: 79.
(4) الدروس 1: 120، الذكرى: 10.
(5) الدروس 1: 119.
(6) تقدم في الصفحة: 175.
(7) المعتبر 1: 79.
208

القليل فيما يطهر به، فيبتني إرجاع الخلاف هنا إلى الخلاف هناك في كيفية
التطهير.
وما يظهر من تعليل المعتبر من اختصاص تطهير البئر بالنزح
لا مستند له إلا الأخبار الظاهرة في انحصار المطهر في النزح، مثل قوله
عليه السلام في صحيحة ابن بزيع " ينزح دلاء " في جواب قول السائل: ما الذي
يطهرها (1)؟ الظاهر في الحصر ونحو ذلك. والظاهر حملها على الغالب من تعذر
التطهير بغير النزح أو تعسره.
ثم اللازم في صورة اتصاله بالجاري وصدق الاتحاد الرافع للنجاسة
بالامتزاج أو بمجرد الاتصال - على الخلاف - الالتزام باعتصام ماء البئر
وعدم انفعاله حينئذ بما يقع فيه، ولا بأس به.
أما لو تطهر بإلقاء كر عليه، فقد يقال: إن اللازم من القول بتطهره
بذلك الالتزام أيضا بصيرورة ماء، البئر معتصما لا ينفعل بما يقع فيه، لأن
دليل التطهر بإلقاء الكر عدم قبول الكر للانفعال واتحاد ماء البئر معه
بالامتزاج أو بمجرد الاتصال، ولازم ذلك عدم قبوله للنجاسة الخارجية بعد
ذلك، فيكني في اعتصام البئر أبدا إلقاء كر عليه.
ويمكن أن يقال: إنه إن استهلك به الكر في البئر بعد وقوعه دخل في
حكم البئر، فيشمله أدلة البئر، ويخرج عن مورد أدلة الكر، وحصول التطهير
به إنما هو بأول الوقوع، والتطهير امتزاج البئر مع شئ منه معتصم به،
ولا استهلاك حينئذ، والمستهلك هو الواقع الملبس في الوقوع (2) فلا منافاة بين

(1) الوسائل 1: 130، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 21،
(2) كذا في النسخ، والعبارة من قوله: " والتطهير " إلى هنا لا تخلو عن إغلاق
209

كونه رافعا وكونه غير رافع (1) لاختلاف زمانهما.
وإن استهلك البئر بالكر الملق عليه لقلتها جدا كان لها
حكم الكر، لعدم صدق البئر عليهما (2) وإن شك رجع إلى أصالة
عدم استهلاك البئر أو إلى أصالة عدم الانفعال، على اختلاف
الأنظار في ذلك.
وكيف كان، فيطهر " بنزح جميعه " عرفا، وإن بقي منها شئ يسير هو
منه بمنزلة ما يبق بعد انفصال الغسالة من الثوب والإناء. وفي حكم النزح
اخراج مائها بإجرائه من ساقية وغوره، على خلاف فيه من حيث انفعال
العائد بأرض البئر وجانبها اللتين لا دليل على طهارتهما بغير النزح وما في
حكمه من اخراج الماء. وأما احتمال كون العائد هو الغائر فلا يقدح بعد
احتمال عدم عوده وأصالة عدم ملاقاة هذا العائد " إن وقع فيها مسكر "
منجس له، ولا يكون إلا مع كونه مائعا بالأصالة.
ولو بني على عموم " كل مسكر خمر " في النبوي المروي عن أبي جعفر
عليه السلام (3) وقول أبي الحسن عليه السلام: " إن الله لم يحرم الخمر لاسمها ولكن
حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر " (4) لم يفرق بين الجامد
والمائع.
ولو بني على ظهور التنزيل في خصوص حرمة التناول خرج ما عدا
الخمر، لاختصاص ما فيه الأمر بنزح الكل بالخمر، مثل قوله عليه السلام في

(1) كذا في " ع " وفي سائر النسخ: غير واقع.
(2) مرجع ضمير التثنيه: البئر والكر.
(3) الوسائل 17: 260، الباب 15 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 5.
(4) الوسائل 17: 273، الباب 19 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث الأول
210

رواية الحلي: " وإن مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلينزح " (1).
نعم، لو قيل بنزح الجميع فيما لا نص فيه عم الحكم لغير الخمر من هذه
الجهة، بل لولا هذا لم يعم الحكم في الخمر أيضا، لاختلاف الأخبار فيها
أيضا، ففي رواية كردويه: " عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ أو مسكر أو
بول أو خمر؟ قال: ينزح منها ثلاثون دلوا " (2) وفي خبر زرارة: " (بئر وقع
فيها قطرة دم أو خمر؟ قال: الدم والخمر والميت ولحم الخنزير كلها سواء،
ينزح منها عشرون، فإن غلبت الريح نزحت حتى تطيب " (3).
وحكى في
المعتبر عن المقنع الافتاء بمضمونه (4) ثم احتمل العمل والتفصيل بين القطرة
والكثير كما في الدم (5) وكأنه قدس سره. يحمل الثلاثين على الاستحباب، كما فهمه
منه كاشف اللثام (6). ولو فرض عدم القول بالفرق أو شذوذه - كما عن
المنتهى (7) - أمكن العمل بما في المقنع، وحكي عن الذخيرة (8) لقوته (9) وحمل
الثلاثين على الفضل ونزح الجميع على الأفضل، كما يشهد به الجمع بينها وبين
ما لا يجب له نزح الجميع اتفاقا، كصحيحة معاوية بن عمار: " في البئر يبول
فيها الصبي أو يصب فيها بول أو خمر؟ قال: ينزح الماء كله " (10) ورواية

(1) الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء، المطلق، الحديث، 6.
(2) الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء المطلق، الحديث، 2 و 3.
(3) الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء المطلق، الحديث، 2 و 3.
(4) المقنع (الجوامع الفقهية): 4.
(5) المعتبر 1: 58.
(6) كشف اللثام 1: 36.
(7) المنتهى 1: 70.
(8) الذخيرة: 129.
(9) كذا، ولعل الصحيح: تقويته
(10) الوسائل 1: 134، الباب 16 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7
211

ابن سنان: " فإن مات فيها ثور أو صب فيها خمر نزح الماء كله " (1)
إلا أن المشهور ما في المتن، وعن السرائر عليه الاجماع (2) وعن الغنية
الاتفاق (3) فالعمل عليه، مع كونه أحوط.
" أو " وقع فيها في " فقاع " كما أفتى به الشيخ (4) ومن تأخر عنه (5) على
ما حكي. ولا مستند له إلا ما ورد: من أنه نهر (6). وفيه: انصراف
التنزيل إلى خصوص الحرمة أو إليها وإلى النجاسة. نعم، لو قيل بالجميع فيما
لا نص فيه - كما استدل به في المعتبر (7) - تم الحكم بالجميع، كما يتم إن وقع
فيها عصير عنبي.
(أو مني أو أحد الدماء الثلاثة في قول مشهور) بل عن السرائر
والغنية الاجماع على غير العصير (8) مصرحا في الأول بعدم الفرق بين كون
المني من مأكول اللحم وغيره، وربما كان إطلاق بعض الأخبار في الدم
المفروق بين قليله وكثيره (9) منافيا لهذا الحكم، ولذا قال في المعتبر - بعد
حكاية إطلاق المقنعة والمصباح بعدم الفرق ورد الفرق بينها وبين غيرها من
الدم بمجرد العفو عن قليله دونها -: إن الأصل أن حكمها حكم بقية الدماء

(1) الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(2) السرائر 1: 70، الغنية (الجوامع الفقهية): 490، وقد عبر في الأول بالاتفاق
وفي الثاني بالاجماع، عكس ما في المتن.
(3) السرائر 1: 70، الغنية (الجوامع الفقهية): 490، وقد عبر في الأول بالاتفاق
وفي الثاني بالاجماع، عكس ما في المتن.
(4) المبسوط 1: 11 والنهاية: 6.
(5) منهم القاضي في المهذب 1: 21، وابن زهرة في الغنية، وابن إدريس في السرائر،
انظر التعليقة: 2 و 3.
(6) الوسائل 2: 1055، الباب 38 من أبواب النجاسات، الحديث 5.
(7) المعتبر 1: 59 و 78.
(8) انظر التعليقة: 2 و 3.
(9) الوسائل 1: 141، الباب 21 من أبواب الماء المطلق.
212

عملا بالأحاديث المطلقة (1).
أقول: دعوى الانصراف ممكن فترجع إلى ما لا نص فيه، لكنها
مشكلة " أو " ممنوعة.
ولو " مات فيها بعير " فلا خلاف في وجوب نزح الجميع، وعن
السرائر والغنية الاجماع عليه (2) وتقدم صحيح الحلي في الخمر (3) وفي رواية
ابن سنان: " فإن مات فيها ثور أو صب فيها نهر نزح الماء كله " (4).
أما وقوعه ميتا فالظاهر أنه كذلك، لظهور الأخبار في علية ملاقاة
الميتة للحكم. نعم، ظاهر رواية زرارة - المتقدمة في الخمر - أن في الميتة
الواقعة عشرين (5) ولم أجد عاملا بها ولا بما ورد في طلق الدابة (6) وورد في
الحمار والجمل كر من ماء (7).
وذكر جماعة - كالحلي (8) والمقداد (9) والمحقق والشهيد الثانيين (10)
وغيرهم (11) - أن البعير بمنزلة الانسان يشمل الذكر والأنثى، وعن شرح

(1) المعتبر 1: 59.
(2) السرائر 1: 70، الغنية (الجوامع الفقهية): 490.
(3) تقدمت الرواية في الصفحة: 211.
(4) تقدمت الرواية في الصفحة: 212.
(5) الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3.
(6) الوسائل 1: 135، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5 و 6.
(7) الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
(8) السرائر 1: 70.
(9) التنقيح الرائع 1: 46.
(10) جامع المقاصد 1: 138، روض الجنان: 147.
(11) مثل المحقق السبزواري في الذخيرة: 129 والسيد الطباطبائي في الرياض 1:
150
213

الفاضل الهندي: أن عليه اتفاق أهل اللغة، قال: لكن الأزهري قال: هذا
كلام العرب (ولكن) لا يعرفه إلا خواص أهل العلم باللغة. ثم حكى عن
الشافعي في الوصية قولا بأنه لو قال: " أعطوه بعيرا " لم يكن لهم أن يعطوه
ناقة، فحمل البعير على الجمل، لأن الوصية مبنية على عرف الناس، لا على
محتملات اللغة التي لا يعرفها إلا الخواص. ثم حكى عن الغزالي في
البسيط: أن المذهب أنه لا تدخل فيه الناقة، وخرج طوائف من
أصحابنا قولا أن الناقة تندرج فيه، ومن كلام أئمة اللسان: أن البعير
(من الإبل) كالانسان [من الآدمي] والناقة كالمرأة (1) انتهى ما عن
شرح الفاضل.
أقول: مقتضى الجميع: أن لفظ " البعير " موضوع للمطلق، لكن شاع
استعماله في المقيدة ولذا قال في الخلاف: البعير: الجمل (2). فالأولى إدخال
الناقة في ما لا نص فيه.
وكذا الحال في حصوله للصغير حكاه الفاضل المتقدم عن ظاهر فقه
الثعالبي، لكن عن الصحاح والمحيط ومهذب اللغة: أنه يقال له ذلك إذا
أجذع (3) وعن القاموس أنه الجمل البازل (4).
ثم المشهور - كما في كلام جماعة (5) - إلحاق ال‍ (ثور) بالبعير، وهو

(1) كشف اللثام 1: 36 والزيادات من المصدر.
(2) لم نعثر عليه فيه.
(3) حكاه الفاضل أيضا عن الكتب المذكورة في كثف اللثام 1: 36.
(4) القاموس 1: 374 - بعر.
(5) كالصدوق رحمه الله في الهداية (الجوامع الفقهية): 48، والمحقق في المعتبر 1: 57،
والعلامة في المنتهى 1: 68.
214

الأقرب لصحيحة ابن سنان المتقدمة (1) والظاهر اختصاصه - كالبعير -
بالأهلي، مع احتمال شمولها للوحشي، أو إلحاقه بالأهلي، لعطف " نحوه " عليه
في رواية ابن سنان. ويحتمل دخول الثور في حكم البقرة الوارد فيها نزح
الكر (2). لكن الأقوى الأول، لانصراف الثور.
وربما الحق بما ذكر في نزح الجميع عرق الإبل الجلالة، وعرق الجنب
من الحرام، وبول ما لا يؤكل لحمه وروثه - عدا بول الرجل والصبي -
وخروج الكلب والخنزير حيين، والفيل. ولا يتم الحكم في شئ منها إلا
بإيجاب الجميع فيما لا نص فيه، مع دخول بعضها في إطلاق بعض النصوص.
" و " كيف كان، ف‍ " إن تعذر " لغلبته وكثرته في نفسه أو لتجدد النبع،
لا لمانع آخر اقتصارا على مورد النص " استيعاب مائها " أجمع " تراوح
عليها أربعة رجال " يريح اثنان منهم الآخرين، وها إما يشتغلان بالنزح
- كما عن صريح السرائر (3) - وإما يدخل أحدهما البئر فيملأ الدلو بمجرد
وصولها إلى البئر لئلا يحتاج النازح إلى تكرار إخاضة الدلو في الماء للامتلاء
- كما عن الشهيد الثاني (4) - ولم يظهر من النص تعيين أحد الوجهين؟ ولذا
احتاط المولى الورع التقي المجلسي قدس سره. بدخول واحد في البئر ووقوف
اثنين للنزح خروجا عن الشبهة (5) وعلى " كل " تقدير فلا يجزي واحدا
واحدا، وإن فرض أنه ينزح بذلك ما ينزح بال " اثنين دفعة " ويعتبر قيام

(1) تقدمت في الصفحة: 212.
(2) لم يرد في البقرة حديث خاص، كما صرح به جماعة، منهم المحقق في المعتبر 1: 61
والعلامة في المنتهى 1: 74.
(3) السرائر 1: 70.
(4) روض الجنان: 148. والمسالك 1: 15.
(5) روضة المتقين 1: 90.
215

الآخرين للنزح أول زمان التعب والكل عن النزح في الأولين ليصدق
الإراحة؟ وليكن مدة الاشتغال بنفس النزح " يوما إلى الليل " فتجب تهيئة
المقدمات قبل اليوم حتى إرسال الدلو في البئر على الأحوط.
والمستند في ذلك خبر عمار الوارد في " بئر وقع فيها كلب أو فأرة أو
خنزير؟ قال: ينزف كلها، فإن غلب الماء فلينزف يوما إلى الليل ثم يقام
عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت...
الخبر " (1) بناء على تنزيله على صورة تغير الماء بما وقع فيه، ولا فنزح الجميع
للمذكورات خلاف الاجماع، مع أنه لو كان للاستحباب كفى في المطلوب،
لدلالته على بدلية التراوح عن نزح الجميع المطلوب وجوبا أو استحبابا.
ثم إن الرواية خالية في المعتبر عن لفظة " ثم " (2) لكنها موجودة في
غيره. وظاهرها وجوب التراوح بعد النزف منه يوما كاملا، وليس كذلك.
وقد ذكر في توجيهه وجوه: مثل قراءة " ثم " بفتح الثاء للإشارة، أو
سقوط كلمة " قال " بعدها، ويؤيده حكاية ذكره عن بعض النسخ (3) أو أن
المراد بالنزف يوما نزف الجميع يوما ثم إذا لم ينزف في يوم تراوح عليها
أربعة (4).
والكل كما ترى، إلا أن هذه اللفظة لا تخل بالمراد بعد الاجماع على
عدم وجوب ما عدا التراوح عند غلبة الماء وصراحة الرواية في وجوب
التراوح.

(1) الوسائل 1: 143، الباب 23 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(2) المعتبر 1: 59.
(3) حكاه في الجواهر 1: 215.
(4) احتمله الفاضل في كشف اللثام 1: 36.
216

ويؤيدها: المرسل عن الرضا عليه السلام: " فإن تغير الماء وجب أن ينزح
الماء كله، فإن كان كثيرا وصعب نزحه فالواجب عليه أن يكتري عليه أربعة
رجال يستقون منها على التراوح من الغدوة إلى الليل (1).
ثم إن مقتضى وجوب الاقتصار - في كيفية التطهير التوقيفية - على
المتيقن عدم الاجتزاء بالنساء ولا الخناثى ولا الصبيان، ولا بالملفق من نصفي
يوم وليلة، ولا الاكتفاء بالاثنين وإن نزحا ما ينزح الأربعة، ولا بثمانية رجال
في نصف يوم بدلوين أو أزيد.
ولا فرق في عدم الاجتزاء بما ذكرنا في الفروع بين التمكن من العمل
على ظاهر النص في تلك البئر أو تعذره كما لولا يكن إلا النساء أو الصبيان
إ لا يمكن إلا الملفق أو غير ذلك.
ثم إن مقتضى النص عدم جواز تركهم للنزح واشتغالهم أجمع بشئ
- ولو كان ضروريا كالأكل - لامكان الاشتغال به في زمان الراحة،
ومن
ذلك الصلاة. فليس لهم الاشتغال جميعا بالصلاة. لكن ذكر جماعة (2) تبعا
للذكرى (3) جواز الصلاة لهم جماعة. ولعل وجهه عموم أدلة استحبابها
الشامل لهؤلاء.
وفيه ما لا يخفى، فإنها ساقطة عن المعذور. ولأجل ما ذكرنا أورد
عليهم بأنه مثل استثناء سائر المستحبات، كتشييع الجنائز، وقضاء حاجة
المؤمن ونحوه، بل يرد عليهم: أن اللازم استثناء زمان مقدمات الجماعة،

(1) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 94.
(2) كالمحقق ابن فهد الحلي في الموجز (الرسائل العشر): 37 والمحقق الكركي في جامع
المقاصد 1: 139. والشهيد الثاني في الروض: 148.
(3) الذكرى: 10.
217

أعني سعيهم إلى المسجد وانصرافهم. نعم، يجوز لهم الجاعة على التناوب بأن
يقف الإمام ويقف معه واحد يصلي معه ركعة ثم ينفرد ويتم صلاته مخففا
مقدار ركعة من الإمام فيقوم مقام أحد النازحين ومجئ هو يلحق الإمام "
وينفرد الآخر فيتم صلاته بمقدار الركعة الثالثة للإمام فيقوم مقام النازح
الآخر فيجئ هو ويلحق في الرابعة.
ولو حصل في أثناء التراوح تغير في البئر بحيث يمكن نزح مائها أجمع،
فهل يكتفى بالتراوح؟ أو يعدل إلى نزح الجميع ولو زاد عن يوم التراوح؟
وجهان، الأقوى والأحوط الثاني، لأن التراوح مطهر مع الغلبة فإذا انتفت
مع نجاسة البئر كان مقتفى الدليل طهرها بنزح الجميع.
ولو تبين في أثناء نزح الجميع غلبة الماء وتعذر نزحها أو عرضت بعد
عدمها، فالأقوى في الصورة الأولى كون ما نزح محسوبا من التراوح إذا
فرض اجتماعه الشروط.
وفي المقام فروع كثيرة، لكن فائدتها بعد البناء على استحباب النزح
يسيرة، والله العالم.
" وبنزح كر " تقدم تحديده وزنا ومساحة " إن مات فيها دابة "
والظاهر أن المراد بها هنا الخيل كما عن بعض (1) " أو حمار أو بقرة ".
أما الحمار: فلا كلام فيه، ففي رواية عمرو بن سعيد بن هلال، قال:
" سألت أبا جعفر عليه السلام عما يقع في البئر ما بين الفأرة والسنور إلى الشاة
فقال: كل ذلك نقول: سبع دلاء. قال: حتى بلغت الحمار أو الجمل) (2) فقال

(1) الجواهر 1: 219.
(2) أثبتناه من المصدر.
218

كر من ماء قال: وأقل ما يقع في البئر عصفور ينزح منها دلو واحد " (1) وفي
المعتبر عطف البغل على الحمار (2) وهي زيادة معتبرة.
ويظهر من سوق الرواية عموم حكم الحمار لما ماثلها في الجثة، حيث
جعل الحيوانات أصنافا بحسب الجثة، فيشمل البقرة. ولو كان في الرواية لفظ
" الجمل " احتمل إرادة ما بينهما في الجثة.
وفي صحيحة ابن سنان: " إذا سقط في البئر دابة صغيرة أو نزل فيها
جنب ينزح منها سبع دلاء، وإن مات فيها ثور أو نحوه أو صب فيها خمر
ينزح الماء كله " (3).
وفي صحيحة الفضلاء - زرارة ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية - عن
أبي عبد الله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام " في البئر تقع فيها الدابة والفأرة
والكلب والطير فيموت؟ قال: يخرج ثم ينزح من البئر دلاء " (4)
والظاهر أن
المراد من الدابة الصغيرة المماثلة للسنور والكلب دون ما يدب على الأرض
- كما فسرها به أولا في الصحاح - ولا خصوص ما يركب - كما فسرها به
ثانيا (5) - لأن الظاهر أنه أراد ما يقرب من الشاة والكلب والسنور
وأشباهها.
لكن العلامة قدس سره استظهره منها بعد نفي الأول وجعل اللام إما
للعموم وإما لتعريف المهية فيفيد العموم؟ قال: فإذا ثبت ذلك دخل فيها

(1) الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
(2) المعتبر 1: 57.
(3) الوسائل 1: 131، الباب 15 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(4) الوسائل 1: 135، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
(5) الصحاح 1: 124.
219

الحمار والفرس والبغل والبقر والإبل، غير أن الإبل والثور خرجا بما دل على
نزح الجميع لهما. قال: فإن قلت: يلزم التسوية بين ما عده الإمام، قلت
خرج ما استثني بدليل منفصل، فيبقى الباقي لعدم المعارض، وأيضا التسوية
حاصلة من حيث الحكم بوجوب نزح الدلاء وإن افترقت بالقلة والكثرة،
وذلك شئ لم يتعرض عليه السلام له؟ إلا أن لقائل أن يقول: إن ما ذكرتموه
لا يدل على بلوغ الكرية. ويمكن التمحل بأن مجمل " الدلاء " على ما يبلغ
الكر جمعا بين المطلق والمقيد، خصوصا مع الاتيان بجمع الكثرة. لا يقال: إن
حمل الجمع على الكثرة استحال إرادة القلة منه وإلا لزم الجمع بين إرادتي
الحقيقة والمجاز، وإن حمل على القلة فكذلك. لأنا نقول: لا نسلم استحال
الثاني، سلمناه ولكن إن حمل على معناه المجازي - وهو مطلق الجمع - لم
يلزم ما ذكرنا. على أن لنا في كون الصيغ المذكورة حقائق في الكثرة أو
مجازات نظرا. وبعض المتأخرين استدل بهذه الرواية على وجوب النزح
للحمار دون الفرس والبقرة وألحقهما بما لم يرد فيه نص وقد روى مثل هذه
الرواية البقباق (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (2) انتهى.
ولا يخلو كلامه قدس سره من مواقع للنظر. ثم الظاهر أن مراده ب‍ " بعض
المتأخرين " المحقق في المعتبرة لكنه قدس سره لم يستدل برواية الفضلاء،؟
برواية ابن سعيد المتقدمة الناصة على حكم الحمار (3) ثم أورد رواية الفضلاء
قال: هذه لم تتضمن قدر الدلاء التي تنزح، ومن المحتمل أن يكون مما يبلغ
الكر فيكون العمل بالمبينة أولى.
ثم ذكر الفرس والبقر ونسب إلحاقهما بالحمار

(1) الوسائل 1: 135، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6.
(2) المنتهى 1: 75.
(3) تقدمت في الصفحة 218.
220

إلى الثلاثة وطالبهم بدليل الالحاق [ثم قال:] (1) فإن احتجوا برواية ابن
سعيد، قلنا: هي مقصورة على الجمل والحمار والبغل. فإن قالوا: هي مثلها في
العظم طالبناهم بدليل التخطي إلى المماثل من أين عرفوه؟ ولو ساغ البناء
على المماثلة في العظم لكانت البقرة كالثور، ولكان الجاموس كالمجمل، وربما
كانت الفرس في عظم الجمل. ثم قال: ومن المقلدة من لو طالبته بدليل
المسألة لادعى الاجماع لوجوده في كتب الثلاثة، وهو غلط وجهالة إن لم يكن
تجاهلا. قال: فالأوجه أن مجعل الفرس والبقرة في قسم ما لم يتناوله نص
على الخصوص (2) انتهى كلامه رفع مقامه.
وهو في غاية الجودة، إلا أنا قد ذكرنا أنه قد يفهم من الأخبار أن
المراد بالحمار والبغل أمثال ما كان في جثتهما، ويخرج ما خرج بالدليل كالثور
والجمل.
ولذا عمم جماعة الحكم، فذكر في السرائر: الخيل والبغال والحمير
أهلية كانت أو غير أهلية، والبقرة وحشية أو غير وحشية أو ما ماثلها في
مقدار الجسم (3). وادعى في الغنية الاجماع على الخيل وشبها (4). وهو مراد
المحقق ب‍ " بعض المقلدة " في عبارته المتقدمة. وعن الوسيلة (5) والاصباح (6)
الحمار والبقرة وما أشبههما. وعن المهذب الخيل والبغال والحمير وما أشبهها

(1) اقتضاها السياق.
(2) المعتبر 1: 61 - 62.
(3) السرائر 1: 72.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 490.
(5) الوسيلة: 74.
(6) إصباح الشيعة (الينابيع الفقهية) 2: 3.
221

في الجسم (1).
والظاهر أن الكل فهموا من رواية الحمار وغيرها ما ذكرنا من إرادة
المثال.
وبالجملة: أخبار منزوحات البئر لا يكاد يمكن الالتئام بينها، إلا أن
ما فهمه الجماعة ليس ببعيد عن مساق الأخبار. لكن نظر المحقق قدس سره
حيث أنكر عليهم إلى الصراحة أو الظهور اللفظي في الأخبار، وإنكاره في
غاية الجودة، كما أن إنكار ظهور ما ذكرنا من سوق الأخبار في غير محله،
والله العالم.
" ونزح سبعين " دلوا بالدلو المعتادة على تلك البئر، كما هو صريح
بعض (2) وظاهر ما سيذكره المصنف (3) " إن مات فيها انسان " إجماعا كما عن
الغنية والمنتهى (4) وظاهر غيرها (5) ومستنده رواية عمار الساباطي: " عن
رجل ذبح طيرا فوقع دمه في البئر؟ قال: ينزح منها دلاء، هذا إذا كان ذكيا
فهو هكذا؟ وما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت، فأكثره الانسان ينزح
منها سبعون دلوا، وأقله العصفور ينزح منها دلو واحد " (6).
وظاهر اللفظ يشمل الصغير والأنثى بلا خلاف، وكذا الكافر على
المشهور، ونسب في الروض إلى الأصحاب (7). وخالف فيه الحلي ووافق

(1) المهذب 1: 21.
(2) الروضة البهية 1: 261، وروض الجنان: 148.
(3) يأتي في الصفحة: 243.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 490. والمنتهى 1: 76.
(5) المعتبر 1: 62، والمدارك 1: 75.
(6) الوسائل 1: 141، الباب 21 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 2.
(7) روض الجنان: 149.
222

الإسكافي (1) فحكم بالجميع مستدلا بأن الكافر إذا وقع وخرج حيا وجب له
نزح الجميع، فكيف إذا مات فيها (2).
وفيه ما ذكره في المعتبر: من منع وجوب الجميع للكافر (3) فإن النص
في موت الانسان نص على الكافر بعمومه،
وإذا لم يجب في ميتته إلا سبعون
فأولى في حيه (4) انتهى. وتوجيهه: أن مقتضى هذه الأولوية عدم اجتماع
كل بوجوب الجميع للكافر (5) والسبعين له إذا مات في البئر، فمقتضى
القاعدة اخراج الكافر (6) عن حكم ما لا نص فيه، لاطلاق الرواية بوجوب
سبعين للكافر (7) إذا مات فيها المستلزم لملاقاته لها حيا فيخرج عن موضوع
ما لا نص فيه، فما صنعه من تقييد الرواية بحكم ما لا نص فيه يشبه طرح
الأدلة اللفظية بمقتضيات الأصول المحكمة فيما لا نص فيه.
ودعوى: أن النزح إنما وجب للموت فلا يدل على حكم الكافر من
حيث كفره فالاطلاق غير مجد، مدفوعة بأنه إن أريد بذلك منع عموم
" لإنسان " في النص للكافر، فلا شاهد له. وإن أريد أنه وإن كان شاملا له
إلا أنه أوجب نزح السبعين لأجل موته فهو ساكت عما يجب نزحه للكفر،
ففيه: أن الجهتين في الكافر متلازمتان فلا معنى للسكوت عن إحداهما، فهو
نظير ما إذا حكم الشارع بصحة الصلاة في ثوب عليه عذرة الكلب ناسيا،
فإنه لا يمكن أن يدعى: أن الحكم بالصحة من جهة نجاسة الثوب بالعذرة لا

(1) كما في الذكرى: 10.
(2) السرائر 1: 73.
(3) في جميع النسخ بعد " الكافر " زيادة: الخ. ولا وجه لها ظاهرا
(4) المعتبر 1: 63.
(5) في جميع النسخ بعد " الكافر " زيادة: الخ. ولا وجه لها ظاهرا
(6) في جميع النسخ بعد " الكافر " زيادة: الخ. ولا وجه لها ظاهرا
(7) المعتبر 1: 63.
(8) لا يخفى ما في العبارة، والظاهر وقوع تصحيف فيها، والمناسب: لاطلاق الرواية
بوجوب السبعين لموت الانسان الشامل للكافر.
223

من جهة استصحاب فضلة ما لا يؤكل لحمه أو العكس، لأن الجهتين
متلازمتان يقبح السكوت عن إحداهما في مقام البيان، فافهم.
هذا،
ولكن الانصاف: ظهور الرواية في حكم الحيوانات التي تحدث
النجاسة فيها بالموت لا ما ينفعل الماء به قبل الموت، فرجع الخلاف إلى
دعوى الاطلاق في النص وعدمه، فقول الحلي لا يخلو عن وجه.
ثم إن مورد الرواية موت الانسان في البئر، فلو وقع ميتا كان خارج
عن النصوص. لكن ربما ادعي القطع بكفاية السبعين (1) لأن الموت في البئر
إما أشد حكما وإما مساو.
وفيه نظر، نعم لو استفيد من النص أن السبعين لأجل انفعال البئر
بنجاسة موت الانسان - فلا فرق بين الموت في البئر أو خارجها - كان في
محله، وكذلك سائر الموارد التي ورد مقدر لموت حيوان في البئر.
وهل يفرق بين ميت المسلم والكافر إن قلنا بوجوب الجميع في موت
الكافر؟ وجهان: مبنيان على أن المستفاد كون السبعين للنجاسة الحاصلة من
الموت التي لا فرق فيها بين المسلم والكافر، أو للنجاسة الحاصلة من موت
المسلم والحاصلة من موت الكافر لعلها أغلظ، ألا ترى أن موت الانسان
أغلظ حكما من موت العصفور؟ مع أن النجاسة في كلها مستندة إلى الموت،
وهذا هو الأقوى. خلافا للشهيد والمحقق الثانيين (2) فاختارا عدم الفرق
معللا بعموم النص، مع اختيارهما وجوب الجميع لموت الكافر بعد وقوعه
حيا.

(1) ادعاه حاب الجواهر 1: 228.
(2) روض الجنان: 149، جامع المقاصد 1: 146.
224

واعترضهما بعض المعاصرين بما حاصله: أن النص ظاهر في موت
الانسان في البئر، فإن سلم حصوله للكافر اكتفي بالسبعين مطلقا، وإلا وجب
نزح الجميع مطلقا، فالتفصيل بين موته فيها ووقوعه ميتا لا وجه له (1).
أقول: نظر المفصل إلى ما عرفت: من أن المستفاد من النص أن السبعين
لأجل نجاسة الموتى، ولا فرق بين المسلم والكافر في النجاسة الحاصلة
بالموت. وأما إيجاب نزح الجميع لموت الكافر فليس للفرق بين موته وموت
المسلم، بل لخصوص نجاسته الكفرية حال الحياة.
" و " يطهر " بنزح خمسين " دلوا " إن وقعت فيها عذرة " رطبة أو
" يابسة فذابت " لرطوبتها الذاتية أو المكتسبة من الماء.
هذا هو المشهور، كما عن غير واحد (2). وعن المعتبر عدم الوقوف
على شاهد له (3). ويمكن الاستشهاد برواية أبي بصير: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن العذرة تقع في البئر؟ قال: تنزح منها عشر دلاء، فإن ذابت
فأربعون أو خمسون " (4) بناء على أن كلمة " أو " ترديد من الراوي، فيؤخذ
بأكثر الاحتمالين لاستصحاب النجاسة.
" و " لكن الانصاف أن ظاهر " المروي " أن لفظ أربعون أو
خمسون " كليهما من الإمام عليه السلام فيكون على التخيير، ويحمل الزائد على
أفضل الفردين. ويؤيده ما عن الصدوق من أنه يطهر بأربعين إلى

(1) الجواهر 1: 229.
(2) كما في الذكرى: 10، وكشف اللثام 1: 37.
(3) المعتبر 1: 65، لكنه ادعى عدم الوقوف على شاهد لما فصله المشايخ الثلاثة.
(4) الوسائل 1: 140، الباب 20 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
225

خمسين (1)
ثم العذرة خرء الانسان كما عن جماعة من أهل اللغة (2).
ولكن ظاهر
الشيخ في التهذيب - في باب بيع العذرة - إطلاقها على فضلة غير الانسان (3)
وهو ظاهر الحلي، حيث أضاف العذرة هنا إلى ابن آدم (4) وصريح المعتبر
حيث قال: إن العذرة والخرء مترادفان (5) يعمان فضلة كل حيوان.
ويشهد لهم خبر عبد الرحمن: " عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من
انسان أو سنور أو كلب " (6) ورواية ابن بزيع - المتقدمة - " في البئر يقع فيها
شئ من عذرة كالبعرة ونحوها " (7) والاطلاق وإن كان أعم من الحقيقة إلا
أن الاشتراك المعنوي أولى من المجاز.
ويمكن أن يجعل اللفظ مشتركا معنويا منصرفا إلى عذرة الانسان.
وعلى كل تقدير: فيبقى فضلة غير الانسان من غير المأكول غير
منصوص كعذرة الكافر إن قلنا بانصراف النص إلى عذرة المسلم.
واعلم أن المحكي عن الشهيد قدس سره في وجه تسمية العذرة أنها
سيت به لأنها كانت تلقى في العذرات، وهي الأفنية (8) وقال في الصحاح:

(1) الهداية (الجوامع الفقهية): 48.
(2) نقله في كثف اللثام (1: 37) عن تهذيب اللغة والغريبين ومهذب الأسماء.
(3) التهذيب 6: 372 - 373.
(4) السرائر 1: 79.
(5) المعتبر 1: 411،
(6) الوسائل 2: 1060، الباب 40 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
(7) الوسائل 1: 130، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 21.
(8) الذكرى: 11.
226

العذرة: فناء الدار، سميت بذلك لأن العذرة كانت تلق في الأفنية (1)
" و " وقع فيها " دم كثير (2) " عرفا " كذبح الشاة " على المشهور، بل
عن الغنية الاجماع عليه (3).
وفي السرائر: وينزح لسائر الدماء النجسة من سائر دماء الحيوانات
سواء كان مأكول اللحم أو غيره نجس العين أو غيره ما عدا دم الحيض
والاستحاضة والنفاس إذا كان الدم كثيرا - وحد أقل الكثير دم شاة -
خمسون دلوا، وللقليل منه - وحده ما نقص عن دم شاة - عشر دلاء، بغير
خلاف إلا من شيخنا المفيد قدس سره فإنه ذهب إلى أن لكثير الدم عشر دلاء
وللقليل خس دلاء (4) والأحوط الأول، وعليه العمل (5) انتهى.
" و " المحكي عن الصدوق (6) وظاهر الشيخ في الاستبصار: أن
لكثير الدم من ثلاثين إلى أربعين (7) وقربه الفاضلان في المعتبر (8)
والمنتهى (9) والمختلف (10) وحسنه في الذكرى (11) واستوجهه في

(1) الصحاح 2: 738.
(2) في الشرائع: كثير الدم.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 490.
(4) المقنعة: 67.
(5) السرائر 1: 79.
(6) الفقيه 1: 20 باب المياه، الحديث 29.
(7) الإستبصار 1: 44، الباب 24، الحديث 124.
(8) المعتبر 1: 65.
(9) المنتهى 1: 79.
(10) المختلف 1: 199 - 200، قوله: وهما - حديث محمد بن إسماعيل وحديث علي بن
جعفر - أجود ما وصل إلينا في هذا الباب.
(11) الذكرى: 10.
227

الروض (1) وقواه ابن فهد في المقتصر (2) وقربه الفاضل الهندي قال: لا يخلو
عن قرب (3)
لأن " المروي " صحيحا عن علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه
عليه السلام " في رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في البئر وأوداجها تشخب
دم هل يتوضأ من تلك البئر؟ قال: ينزح منها ما بين ثلاثين إلى أربعين " (4)
وطرح هذا الصحيح لأجل الشهرة والاجماع المدعى في الغنية وعدم الخلاف
المدعى في السرائر (5) مع مخالفة المشايخ الأربعة من القدماء (6) والفاضلين (7)
والشهيدين (8) من المتأخرين في غير محله. نعم " العمل بالمشهور أحوط
ثم المراد من الصحيحة " من ثلاثين إلى أربعين " لا ما بينهما ليخرج
الطرفان، لأن الظاهر دخول الغاية، نظير ما عن المصباح: من أن للدم ما
بين الواحد إلى العشرين (9). وسيأتي قوله: " سألته عما يقع في البئر ما بين
الفأرة والسنور إلى الشاة " (10) حيث إن المراد من الفأرة إلى الشاة؟ فما ذكره
بعضهم من الخدشة في نقل المصنف قدس سره لمعنى الرواية (11) في غير محله. وهنا
روايات أخر مخالفة للروايتين.

(1) روض الجنان: 149.
(2) المقتصر: 36.
(3) كشف اللثام 1: 37.
(4) الوسائل 2: 141، الباب 21 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(5) تقدم عنهما في أول المسألة.
(6) نقل فتواهم المحقق في المعتبر 1: 65.
(7) تقدم عنهما آنفا.
(8) تقدم عنهما أيضا.
(9) حكاه عنه في المعتبر 1: 65.
(10) الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
(11) الجواهر 1: 233.
228

ثم الظاهر من " الكثير " الكثير في نفسه، وتحديد أقله بدم الشاة (1) لم
يظهر له مستند. وعن قطب الدين الراوندي ملاحظة الكثرة والقلة بالإضافة
إلى ماء البئر كثرة وقلة ونقله قطب الرازي عن العلامة (2). وقد عرفت عدم
العثور على مستند الحكم، فضلا عن إناطته بلفظ الكثير ليتكلم في معناه.
ثم إن ظاهر كلماتهم كالنصوص حصول الحكم لدم نجس العين، ولالحاقه
بغير النصوص وجه، والله العالم.
" و " يطهر " بنزح أربعين إن مات فيها ثعلب أو أرنب أو خنزير أو
سنور أو كلب وشبهه " وزاد في السرائر: الشاة والغزال وابن آوى وابن
عرس، قال: وما أشبه ذلك في مقدار الجسم على التقريب (3).
ولعل المستند رواية علي الضعيفة بالقاسم بن محمد الجوهري المنجبرة
بعمل الحلي عن أبي عبد الله عليه السلام في " الفأرة تقع في البئر؟ قال: سبع
دلاء. وسألته عن الطير والدجاجة تقع في البئر؟ قال: سبع دلاء، والسنور
عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا والكلب وشبهه " (4) ونقل في المعتبر
الرواية عن كتاب الحسين بن سعيد: " سألته عن السنور؟ فقال: أربعون دلوا،
والكلب وشبهه " (5) وفي رواية سماعة: " إن كان سنورا أو أكبر منه نزحت
ثلاثين دلوا أو أربعين " (6) وفي صحيحة أبي أسامة: " خس دلاء للسنور

(1) كما في السرائر 1: 79.
(2) نقل عنهما الشهيد في روض الجنان: 150.
(3) السرائر 1: 76
(4) الوسائل 1: 134، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3.
(5) المعتبر 1: 66.
(6) الوسائل 1: 135، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4.
229

والكلب " (1) وفي روايتي ابن يقطين والبقباق: " يترح دلاء لموت الكلب " (2)
وفي رواية أبي مريم: " تنزح البئر في موت الكلب " (3) وفي رواية أبي بصير
- والظاهر أنه " ليث مما بقرينة ابن مسكان -: " فإن سقط فيها كلب فقدرت أن
تنزح ماءها فافعل " (3).
والأوفق في الجمع بين الأخبار العمل برواية الخمس وحمل ما زاد
على الاستحباب.
وفي رواية إسحاق بن عمار: " فإذا كانت شاة وما أشبها فتسعة أو
عشرة " (5) وفي رواية عمرو بن سعيد بن هلال: " سألت، يقع في البئر ما
بين الفأرة والسنور إلى الشاة؟ قال: كل ذلك نقول: سبع دلاء " (6).
وأما ما عن الهداية والمقنع: من النزح من الثلاثين إلى الأربعين في
الكلب والسنور (7) فلم نعثر له على رواية.
" و " كذا ينزح أربعون البول الرجل " لرواية علي بن أبي حمزة، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " قلت: بول الرجل؟ قال: ينزح منها أربعون
دلوا " (8).
وضعف ابن أبي حمزة غير قادح بعد الانجبار بنسبته في المعتبر إلى

(1) الوسائل 1: 135، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(2) الوسائل 1: 134، الباب 17 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 2 و 6.
(3) الوسائل 1: 134، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(4) الوسائل 1: 136، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 11.
(5) الوسائل 1: 137، الباب 18 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3.
(6) الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 5.
(7) الهداية (الجوامع الفقهية): 48، المقنع (الجوامع الفقهية): 4.
(8) الوسائل 1: 133، الباب 16 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.
230

الأصحاب (1) وفي الغنية إلى الاجماع (2) وعن كشف اللثام عدم الخلاف (3).
نعم، اعتذر المحقق قدس سره عن علي بن أبي حمزة بأن كونه واقفيا غير قادح
في روايته عن الصادق عليه السلام لأن تغيره بعد موت الكاظم عليه السلام (4). ولعله
لأن الظاهر أن من تحمل الحديث عن الإمام عليه السلام يبادر إلى نقله وروايته
لغيره وثبته في كتابه. والظاهر أن من جمعه إنما سمعه منه قبل موت الكاظم
عليه السلام ويبعد أن يكون قد ترك الرواية من زمان الصادق عليه السلام إلى زمان
الرضا عليه السلام غير مروية ولا مثبتة في الكتاب،
وحينئذ فالاعتراض على
المحقق قدس سره بأن العبرة مجال الراوي حال الرواية لا حال التحمل (5)، في
غير محله. وفي المنتهى: علي بن أبي حمزة لا يعول على روايته، غير أن
الأصحاب قبلوها (6). وبذلك يطرح ما يعارض الرواية من الأخبار.
ثم إن مورد النص (7) والفتوى بول الرجل، وظاهره الذكر
البالغ.
وفي السرائر: أن الأخبار متواترة من الأئمة الطاهرين عليهم السلام
على أنه ينزح لبول الانسان أربعون دلوا (8). وظاهره الشمول
للمرأة، فضلا عن الصغير، وهو المحكي عن التحرير (9) بل وعن

(1) المعتبر 1: 68.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 490.
(3) كثف اللثام 1: 37.
(4) المعتبر 1: 68.
(5) اعترض عليه السيد السند في المدارك 1: 82.
(6) المنتهى 1: 86.
(7) الوسائل 1: 133، الباب 16 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2، والفقه المنسوب
إلى الإمام الرضا عليه السلام: 94.
(8) السرائر 1: 78.
(9) التحرير 1: 5.
231

الغنية (1) والاصباح (2) والإشارة (3).
" و " يطهر " بنزح عشرة للعذرة الجامدة " إذا خرجت قبل ميعانها،
فالجامدة مقابل الذائبة التي تقدم نزح خمسين لها. وهو أولى من التعبير
باليابسة، لخروج الرطبة الغير المائعة عنها وعدم دخولها في الذائبة المنزوح
لها خمسون. ومستند الحكم رواية أبي بصير المتقدمة (4) " و " ل‍ " قليل
الدم " عرفا " كدم " ذبح " الطير والرعاف اليسير " وفي السرائر: حد
أكثر القليل ما نقص عن دم الشاة (5). ولم نعثر له على مستند كأصل
الحكم بالعشر فيه. نعم، نسبه في السرائر إلى روايات أصحابنا
" والمروي " مستفيضا فيه دلاء " (6) وفي غير واحد منها وصف الدلاء
بال‍ " يسيرة " (7) ولم يظهر وجه دلالتها على العشرة. وقد ذكر الشيخ
قدس سره (8) وغيره (9) في تقريب الاستدلال بها وجوها غير خالية عن النظر.
ولو تكرر وقوع القليل بحيث بلغ الكثير، فالظاهر ثبوت مقدار
الكثير، لا مقدرات القليل، لصدق وقوع الدم الكثير، فإن الكثير

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 490. وفيه: وبول الانسان البالغ.
(2) إصباح الشيعة (الينابيع الفقهية) 2: 4.
(3) إشارة السبق (الجوامع الفقهية): 120.
(4) تقدمت في الصفحة: 225.
(5) السرائر 1: 79.
(6) الوسائل 1: 130، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 21، و 141، الباب
21 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.
(7) الوسائل 1: 141، الباب 21 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول. وراجع
التهذيب 1: 246، الحديث 709. و 409 الحديث 1288.
(8) التهذيب 1: 245 ذيل الحديث 705.
(9) المنتهى 81: 1.
232

لا يقع غالبا إلا تدريجا، فلو تعلق حكم القليل بأول ما يقع منه ثم
بما بعده لم يبق حكم للكثير غالبا، والفرق بين اتصال الوقوعين
وانفصالهما غير معقول، مع جريان دليل وجوب مقدرات القليل
فيه، وهو كون كل وقوع سببا لمقدر القليل، فرجوع المجموع إلى
المقدر الكثير يحتاج إلى دليل، وسيأتي تمام الكلام إن شاء الله
تعالى
" و " يطهر " بنزح سبع لموت الطير " كما عن الثلاثة وأتباعهم (1)
على المشهور،
لرواية يعقوب بن عثيم: " إذا وقع في البئر الطير
والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء " (2) ومضمرة سماعة: " عن
الفأرة يقع في البئر والطير؟ قال: إن أدركته قبل أن ينتن نزح منها سبع
دلاء " (3) ورواية علي بن أبي حمزة: " عن الطير والدجاجة تقع في البئر؟
قال: سبع دلاء " (4) وعن الفقه الرضوي " إذا سقط في البئر فأرة أو طائر أو
سنور نزح منها سبع بدلو هجر، وهو أربعون رطلا، وإذا انفسخ نزح منها
عشرون دلوا " (5)
وفي صحيحة أبي أسامة " ينزح الخمس للطير والدجاجة " (6)
لكن لم يعثر على عامل به. وكذلك رواية إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن
أبيه عليه السلام: " إن عليا عليه السلام يقول: الدجاجة ومثلها تموت في البئر ينزح

(1) حكى عنهم المحقق رحمه الله في المعتبر 1: 69، وانظر المقنعة 1: 66. والمبسوط 1:
11 " والمهذب 1: 22 والكافي في الفقه: 130، والسرائر 1: 77.
(2) الوسائل 1: 128، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 12.
(3) الوسائل 1: 136، الباب 18 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(4) الوسائل 1: 136، الباب 18 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.
(5) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 92 مع تفاوت.
(6) الوسائل 1: 135، الباب 17 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 7.
233

دلوان أو ثلاثة، وإذا كانت شاة وما أشبها فتسعة أو عشرة " (1).
ثم الطير من الحمامة إلى النعامة، كما عن كثير من كتب العلامة (2)
والموجز (3) وشرحه (4). وفي الذكرى: أن الصادق عليه السلام فسره بذلك (5). وفي
كلام جماعة: الحمامة والدجاجة وما أشبهما (6). وعن آخر: أو ما على قد
جسمهما (7). وعن ثالث: الاقتصار عليهما (8). وفي السرائر: لموت الطائر
جميعه نعامة كانت أو غيرها من كباره أو صغاره، ما عدا العصفور وما في
قدر جسمه (9). وعن الصهرشتي: أن كل طائر في حال صغره ينزح له دلو
واحد كالفرخ؟ لأنه يشابه العصفور (10). والمشهور عدم الفرق.
" و " كذا حكم " الفأرة إذا تفسخت (11) " على المشهور، لرواية أبي
سعيد المكاري: " إذا وقعت الفأرة في البئر فتسلخت فانزح منها سبع
دلاء " (12) وفي خبر أبي عيينة: " إذا خرجت فلا بأس وإن تفسخت فسبع

(1) الوسائل 1: 137، الباب 18 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3.
(2) كالنهاية 1: 259 والارشاد 1: 237 والتحرير 1: 5.
(3) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 37.
(4) كشف الالتباس (مخطوط): 19.
(5) الذكرى 11، ولم ينسبه إلى الصادق عليه السلام، بل قال: " وفسر بالحمامة والنعامة
ما بينهما " نعم في مفتاح الكرامة 1: 114 كما هنا.
(6) كالمفيد في المقنعة: 66، والشيخ في المبسوط 1: 11، وابن زهرة في الغنية
(الجوامع الفقهية): 490، وفيه: وما ماثلهما.
(7) الوسيلة: 75، والمراحم (الجوامع الفقهية): 566.
(8) مثل الصدوق في المقنع والهداية (الجوامع الفقهية): 4 و 48.
(9) السرائر 1: 77.
(10) حكى عنه المحقق في المعتبر 1: 73.
(11) في الشرائع زيادة: أو انتفخت.
(12) الوسائل 1: 137، الباب 19 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
234

دلاء " (1)
واعتذر في الروض عن ضعف أبي سعيد بورود الاطلاق بالسبع في
الفأرة وبالثلاث فيها، فيجمع بينهما بالتفسح والعدم والرواية كالأمارة الدالة
على الفرق وإن لم يكن حجة في نفسها (2).
لكن في المنقول عن مسائل علي بن جعفر عليه السلام: " ينزح عشرون
دلوا إذا تقطعت " (3) ونحوه الرضوي السابق في الطير. وفي صحيحة أبي
أسامة: " خس مع [عدم] (4) التفسخ " (5).
ثم المذكور في كلام جماعة تبعا للمفيد قدس سره عطف الانتفاخ على
التفسخ (6). وفي المسالك وكشف الالتباس: أنه المشهور (7) بل عن الغنية:
الاجماع عليه (8) واقتصر في اللمعة على الانتفاخ (9) وهو مؤذن باتحادهما، كما
قال في السرائر: إن حد التفسخ الانتفاخ (10) وغلطه في المعتبر وكشف
الالتباس (11) ووجهه الفاضل الهندي: بأن الانتفاخ يوجب تفرق الأجزاء وإن

(1) الوسائل 1: 128، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 13.
(2) روض الجنان: 153.
(2) مسائل علي بن جعفر: 198، الحديث 423. والوسائل 1: 139، الباب 19 من
أبواب الماء المطلق، الحديث 14.
(4) الزيادة منا بملاحظة متن الصحيحة، ولعل السهو من النساخ.
(5) الوسائل 1: 135، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(6) المقنعة: 66، وتبعه ابن حمزة في الوسيلة: 75، والعلامة في القواعد 1: 187،
والشهيد في الدروس 1: 120.
(7) المسالك 1: 17، ولم نعثر عليه في كشف الالتباس.
(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 490.
(9) اللمعة الدمشقية: 16.
(10) السرائر 1: 77.
(11) المعتبر 1: 71، كشف الالتباس (مخطوط): 19.
235

لم تنقطع في الحس وإن لم يبن بعضها من بعض بينونة ظاهرة، قال: ولكن قد
يشك في دخوله في المتبادر منه عرفا وإن أيده الاحتياط (1).
" و " كذا " لبول الصبي " وهو " الذي " يتغذى بالطعام و " لم يبلغ "
فإن لم يتغذ بالطعام فسيجئ حكمه، وإن بلغ فهو رجل مضى حكمه
ومستند الحكم رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ينزح
منها سبع دلاء إذا بال فيها الصبي أو وقعت فيها فأرة أو نحوها " (2).
لكن في صحيحة معاوية بن عمار - المتقدمة في الخمر -: ينزح الكل
لبول الصبي، كالخمر (3).
وعن الصدوق (4) والسيد (5): ينزح الثلاثة لبول الصبي إذا أكل الطعام
وفي المعتبر: لم نعثر له على نص (6). وفي السرائر: أن رواية السبع أحوط
وعليه العمل والاجماع (7).
وفي رواية علي بن أبي حمزة: " سأله عن بول الصبي الفطيم يقع في
البئر فقال: دلو واحد " (8).
وظاهر النص عدم الشمول للصبية، فتبقى تحت غير المنصوص.

(1) كشف اللثام 1: 38.
(2) الوسائل 1: 133، الباب 16 من أبواب الماء، المطلق، الحديث الأول.
(3) الوسائل 1: 134، الباب 16 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 7.
(4) المقنع (الجوامع الفقهية): 4
(5) نقل عنه الحلي في السرائر 1: 78.
(6) ليس في المعتبر ما نسبه إليه، والظاهر أن الاشتباه نشأ من ملاحظة عبارة الجواهر
حيث قال: " وفي المعتبر أن في رواية ثلاث، لم نعثر عليها " انظر الجواهر 1: 249
(7) السرائر 1: 78.
(8) الوسائل 1: 133، الباب 16 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 2.
236

ولو تغذى بالطعام مع عدم استغنائه عن الرضاع ففي الحكم إشكال،
ومقتضى الأصل السبع.
" و " كذا " لاغتسال الجنب " فيها ولو ترتيبا كما يقتضيه الاطلاق،
قوة انصرافه إلى الارتماس، ولذا خصه به في السرائر (1).
نعم، رواية أبي بصير: " عن الرجل يدخل البئر فيغتسل منها؟
قال: ينزح منها سبع دلاء " (2) ظاهرة في الترتيب، فالأقوى تعميم الحكم
إن لم يكن " منها "، تصحيف " فيها " بل ظاهر كثير من الأخبار - كصريح
المحكي عن جماعة (3) - تعميم الحكم لمطلق مباشرة الجنب وإن
يغتسل، مثل صحيحة ابن مسلم: " إذا دخل الجنب البئر ينزح منها
سبع دلاء " (4) ورواية عبد الله بن سنان: " إن سقط في البئر دابة صغيرة
أو نزل فيها جنب فانزح منها سبع دلاء " (5)
والانصاف: أن إطلاقها
ينصرف إلى الاغتسال، بل لو ادعي انصرافها بحكم غلبة الوجود إلى
الاتماس لم يكن بعيدا، كما هو الظاهر من لفظ " الوقوع "، في رواية الحلبي:
" وأن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء " (6) وقوله عليه السلام في رواية
ابن أبي يعفور المتقدمة في أدلة نجاسة البئر: " ولا تقع في البئر ولا تفسد على

(1) السرائر 1: 79.
(2) الوسائل 1: 142، الباب 22 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 4.
(3) منهم المفيد في المقنعة: 67 والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 143، والسند
سند في المدارك 1: 88.
(4) الوسائل 1: 142، الباب 22 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 3.
(5) الوسائل 1: 131، الباب 15 من أبواب الماء، المطلق، الحديث الأول.
(6) الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 6.
237

القوم ماءهم " (1).
إلا أن هذا الظهور لو سلم لا ينافي ظهور رواية أبي بصير في الترتيب
فيجمع بينهما - على تقدير اعتبار السند والدلالة - بكون كل من الفردين
سببا للحكم، لا بحمل المطلق على المقيد.
وهل يعم الحكم الكافر؟ وجهان: من إطلاق الرواية، ومن ظهورها
في كون المقدر للجنابة من حيث هي؟ فانفعال البئر بنجاسة الكفر يوجه
نزحا البتة. وهذا هو الأقوى، بل ظاهر السرائر عدم وجود القول بخلافه (2)
ومن ذلك يظهر أنه لو كان على بدن المجنب نجاسة عينية وجب، لها
مقدرها، كما لو مات فيها حيوان ملوث بنجاسة أخرى. ولا فرق فيها بين
المني وغيره. ودعوى ملازمة بدن الجنب للمني غالبا فعدم التعرض للتقييد
في الرواية يصير دليلا للاطلاق - وإن كان مسوقا لحكم الجنب من حيث
الجنابة - مشكلة.
وهل النزح لسلب الطهورية؟ أم لنجاسة البئر؟ أم تعبد شرعي؟ ظاهر "
المعتبر والمحكي عن المختلف الأول (3) والمحكي عن كتب الشهيد الثاني
الثاني (4) وحكي عن بعض الثالث (5). وينفيه ظاهر لفظ " الافساد " في الرواية
المتقدمة، كما ينفي الأول أن ظاهره عدم ترتب أثر عليه، فلا يطهر من
الحدث ولا الخبث، بل ظاهره عدم الصلاح فيه رأسا، فلا يصلح للشرب

(1) الوسائل 1: 130، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 22.
(2) السرائر 1: 73.
(3) المعتبر 1: 70 - 71، المختلف 1: 221.
(4) روض الجنان: 154 والروضة البهية 1: 270.
(5) قال في الجواهر (1: 252): " ويلوح من بعضهم الثالث " ثم قواه.
238

وهذه الأمور لوازم النجاسة، إلا أن نجاسة البئر بما لا يكون نجسا أصلا
- خصوصا على القول بأن الموجب للنزح اغتسال الجنب فيه لا مجرد ملاقاته
له - في غاية البعدة خصوصا بملاحظة لزوم نجاسة بدن المغتسل بالماء بعد
الاغتسال، وهو محذور أولى بتعليل النهي عن الوقوع في البئر به في الرواية (1)
من إفساد الماء على القوم، خصوصا مع أن طهارة البدن عن النجاسة أولى
من الطهارة عن الحدث، فيجب أن يكون وجوب التيمم معللا بعدم الأمر
بالاغتسال إذا استلزم حدوث نجاسة البدن، كما لا أمر به إذا استلزم بقاءها
على ما تقرر في مقامه -
فالاحتمال الأول أقوى: إلا أن لا يعمل برواية
الافساد فالتعبد أقوى، ويبق جواز استعمال الماء بعد الاغتسال مبنيا على
جواز رفع الحدث بالمستعمل وعدمه مطلقا أو بشرط القلة، فإن الظاهر أن
جريان البئر لا يوجب اعتصامه عن هذا الانفعال، كما لا يعصمه عن الانفعال
بالنجاسة.
ولو اغتسل فيها من حدث غير الجنابة، ففي عدم وجوب شئ أصلا،
أو وجوب نزح الجميع، أو وجوب المقدر للجنابة، وجوه متدرجة في القوة.
وفي رفع الجنابة بالاغتسال قولان، مقتضى الأصل وظاهر رواية
الافساد الأول. وربما يستدل بها على الفساد من جهة قوله: " ولا تقع في
البئر ولا تفسد على القوم ماءهم " (2).
وفيه: أن ظاهرها كون الافساد علة للنهي عن الوقوع. نعم، لو كان
مجرد وقوع الجنب في البئر مفسدا لها كان ظاهر النهي عنه موجبا للفساد، كما

(1) يعني رواية ابن أبي يعفور المتقدمة في الصفحة السابقة.
(2) الوسائل 1: 130، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 22
239

في قوله: لا تغتسل مرتمسا في نهار رمضان فتفسد صومك.
ودعوى: أنه من قبيل قوله: لا تغتسل ارتماسا في ماء الغير في
مفسد لمائه وغير راض بذلك - بأن يكون المنهي عنه هو ما يوجب الافساد
لولا النهي - مستلزمة لالتزام عدم فساد البئر بهذا الاغتسال المنهي عنه، ولذا
لا يصير الماء في المثال مستعملا في رفع الحدث الأكبر، إلا أن يلتزم بذلك
المثال وأن الماء يصير مستعملا بالاغتسال الصحيح لولا النهي.
ولو أغمضنا عن هذه الرواية كان الأقوى صحة الاغتسال، وإن قلنا
بنجاسة البئر به، لأنها بعد الفراغ.
" و " يطهر بنزح السبع " لوقوع الكلب " فيها " وخروجه حيا " على
المشهور - كما عن الذكرى (1) - لرواية أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام " إذا
مات الكلب في البئر نزحت، وقال: إذا وقع فيها ثم خرج حيا نزحت سبع
دلاء " (2) وشذوذ ظاهر صدرها غير قادح مع احتمال حمله على الاستحباب
ورواية أبي أسامة بالاكتفاء بالخمس (3) مع ظهورها في موت الكلب غير
معمول بها في الحي. وعن الحلي وجوب الأربعين الواجب في موته لطرح
خبر السبع، لكونه من الآحاد (4).
" و " يطهر " بنزح خمس لذرق الدجاج " مطلقا عند الشيخ
القائل بنجاسته (5)، أو خصوص " الجلال " كما عن المفيد (6)

(1) الذكرى: 11.
(2) الوسائل 1: 134، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول مع اختلاف
(3) الوسائل 1: 135، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(4) السرائر 1: 76.
(5) النهاية: 7 و 51.
(6) المقنعة: 68، وفي هامش المقنعة: عن بعض النسخ: الدجاج الجلالة.
240

والديلمي (1) والحلي (2).
واعترف غير واحد بعدم العثور على دليل عليه مطلقا (3). نعم، يمكن
أن يقال به في الجلال من جهة كونه غير منصوص، أو وجوب الجميع، أو
داخل في مطلق العذرة الواجب فيها ما تقدم من التفصيل بين الذائبة
وغيرها، إلا أن الاجماع على عدم وجوب ما زاد على الخمس أوجب
الاقتصار عليها.
" و بنزح ثلاث لموت الحية " على المشهور كما عن الذكرى (4) بل عن
السرائر نفي الخلاف (5) وفي المعتبر: يمكن الاستدلال عليه برواية الحلي " إذا
مات في البئر حيوان صغير فانزح دلاء " (6) لكن في رواية ابن سنان للدابة
الصغيرة سبع (7). ويحتمل حملها على الاستحباب، لكن تقييد الدلاء بها أولى،
وهو فتوى ابن بابويه على حكاية المختلف (8). وحكى في المعتبر (9) كما عن
المنتهى (10) عنه دلوا واحدا.

(1) المراسم (الجوامع الفقهية): 566.
(2) السرائر 1: 79.
(3) العلامة في المختلف 1: 215 والشهيدين في الذكرى: 11 وروض الجنان: 1154
والسيد في المدارك 1: 92.
(4) الذكرى: 11.
(5) السرائر 1: 83.
(6) المعتبر 1: 75 ورواها في الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء المطلق،
الحديث 6.
(7) الوسائل 1: 131، الباب 15 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(8) المختلف 1: 214.
(9) المعتبر 1: 74.
(10) المنتهى 1: 95.
241

وعن المفيد إلحاق الوزغة (1) وعن الحلبي العقرب (2) وعن الشيخ
كليهما (3). والكل ضيف بعد القول بطهارة ميت غير ذي النفس. نعم، في
صحيحة معاوية بن عمار " عن الفأرة والوزغة تقع في البئر؟ قال: ينزح منها
ثلاث دلاء " (4).
" و " منها يظهر حكم " الفأرة " إذا لم تتفسخ، لكن ظاهر عطف
الوزغة عليها الاستحباب. وحكي وجوب السبع بها (5) لبعض
الاطلاقات (6). وعن ابن بابويه دلو واحد (7).
" وبنزح دلو " واحد الموت العصفور وشبهه " لرواية عمار " أقل
ما يقع في البئر فيموت فيها العصفور تنزح له دلو واحد " (5) ويظهر منها حكم
شبهه. وصرح في المعتبر والمنتهى (9) بقبول رواية عمار هذه.
" وبول الصبي الذي لم يتغذ (10) بالطعام " قيل: لرواية علي بن أبي حمزة:

(1) المقنعة: 67.
(2) الكافي في الفقه: 130.
(3) النهاية: 7.
(4) الوسائل 1: 137، الباب 19 من أبواب الماء المطلق. الحديث 2.
(5) حكاه المحقق في المعتبر (1: 71) عن علم الهدى في المصباح.
(6) الوسائل 1: 136، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 11، والباب 18،
الحديث 1 و 2.
(7) المقنع والهداية (الجوامع الفقهية) 4 و 48.
(8) الوسائل 1: 141، الباب 21 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 2 باختلاف في
اللفظ،
(9) المعتبر 1: 37، المنتهى 1: 98.
(10) في الشرائع: لم يغتذ.
242

" عن بول الصبي الفطيم يقع في البئر؟ فقال: دلو واحد " (1) ولعله حملها على
المشرف على الفطام. وعن المهذب البارع: أن الرضيع هو المعبر عنه في
الروايات بالفطيم (2). وعن ابن زهرة والحلي وجوب الثلاث (3).
" وفي " رواية كردويه، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن البئر
يدخلها " ماء المطر وفيه البول والعذرة " وأبوال الدواب وأرواثها " وخرء
الكلاب " قال: ينزح منها " ثلاثون دلوا " (4) وضعف كردويه مجبور برواية
ابن أبي عمير عنه؟ مع أن الشرة في المسألة حكيت عن جماعة كالموجز (5)
والروضة (6) وغيرهما (7).
" و " اعلم أنه قد اختلفت عبارات الأصحاب في بيان الدلو التي
ينزح بها " العدد المقدر، فني المبسوط: أنه دلو العادة التي يستقى بها دون
الدلاء الكبار لأنه لم يقيد في الخبر (8). وهو كقول المصنف قدس سره هنا
" ما جرت العادة باستعمالها " وفي السرائر: أنه دلو العادة - دون الشاذة -
التي يستق بها دون الصغار والكبار الخارجة عن المعتاد والغالب، لأنه

(1) قاله الشيخ في التهذيب 1: 243، ذيل الحديث 701، وروى الحديث عنه في
الوسائل 1: 133، الباب 16 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.
(2) المهذب البارع 1: 102.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 490، والكافي في الفقه: 130.
(4) الوسائل 1: 133، الباب 16 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3.
(5) لم نجد فيه النسبة إلى الشهرة، انظر الموجز (الرسائل العشر): 37.
(6) الروضة البهية 1: 265.
(7) منهم المحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 231، ونسبه المحقق السبزواري إلى
قول كثير من الأصحاب، انظر الذخيرة: 134.
(8) المبسوط 1: 12.
243

لم يقيد في الخبر (1). وفي الغنية والكافي: أنه دلو البئر المألوف (2). وفي
الوسيلة: الدلو دلو العادة (3). ونحوه في المنتهى والتحرير (4). وفي المعتبر: هي
المعتادة صغيرة كانت أو كبيرة، لأنه ليس في الشرع لها وضع، فيجب أن
يتقيد بالعرف (5). وفي التذكرة: الحوالة في الدلو على المعتاد، لعدم التقدير
الشرعي (6). وفي كتب الشهيد: أنها المعتادة (7).
إذا عرفت هذا، فالمراد بدلو العادة في كلام هؤلاء يحتمل في بادئ
النظر العادة المستقرة في زمان صدور الروايات، بناء على أن إرادة الفرد
المعتاد على هذا الوجه لا يحتاج إلى التقييد، لأنه المتبادر.
لكن يدفعه - مضافا إلى أن ما يمكن تسليمه تبادر ذلك من الأخبار
لتعارف تلك العادة في زمان صدورها، لا من كلمات العلماء، إلا على تقدير
اعتياد ذلك في زمانهم أيضا، وهو غير معلوم - أن من المعلوم عدم استقرار
العادة في ذلك الزمان على دلو مضبوط على جميع الآبار التي هي مشمول
الروايات، لاختلاف ذلك باختلاف الآبار وما ينزح له وبه، مع أنه إذا أريد
المعتاد فلا دليل على إرادة خصوص مصداقه المحقق في ذلك الزمان، بل
الظاهر مفهومه المحقق في كل زمان وما ينزح له وبه، مع أنه لو اعتبر عادة
ذلك الزمان وجب اعتبار مقدار تلك الدلو، لأن المفروض عدم العلم بها في

(1) السرائر 1: 83.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 490، والكافي في الفقه: 130.
(3) الوسيلة: 75.
(4) المنتهى 1: 104، والتحرير 1: 5.
(5) المعتبر 1: 77.
(6) التذكرة 1: 28.
(7) البيان: 100، والدروس 1: 121، واللمعة الدمشقية: 15.
244

هذا الزمان المتأخر، فضلا عن الاعتياد بها، فلا وجه لاعتبار العدد في الدلو
المنزوح به في هذا الزمان، وكان يلزمهم القطع بكفاية المقدار، مع أن العلامة
ذكر في مسألة كفاية دلو تسع العدد: أنه لا نص لأصحابنا فيه (1). وأما
العلامة (2) ومن تأخر عنه (3): فهم بين متردد في كفاية مقدار الدلاء إذا أخرج
بغير العدد المعتبر، أو قاطع بعدمها.
هذا، مع أن التأمل في كلام غير واحد منهم يوجب القطع بعدم إرادة
هذا المعنى، مثل قوله في المعتبر: " صغيرة أو كبيرة " (4) فإن معنى ذلك عدم
الفرق بينهما وأن النزح مجزي بكل منهما إذا أعتيدت، ولا ريب أن المعتادة في
زمان الصدور إحداهما، فلا معنى لاجزاء غيرها.
ومن بعض ما ذكرنا يظهر فساد احتمال أن يراد بالمعتاد ما هو المعتاد
في كل زمان، لاختلاف العادة باختلاف ما نزح منه وله وبه، ولأن اللازم
حينئذ أيضا اعتبار المقدار لا العدد، ولأنه لا معنى للتسوية في عبارة المعتبر
بين الصغيرة والكبيرة.
فالظاهر إرادة ما هو المعتاد على تلك البئر، كما صرح به المحقق
الشهيد الثانيان (5) وهو الذي يلتئم عليه العبارات المتقدمة كلها، وأظهرها

(1) المنتهى 1، 104.
(2) كذا في النسخ، والظاهر أنه سهوا والصحيح " المحقق "، لأن العلامة في أكثر كتبه
قائل بالاجتزاء، هذا أولا، وثانيا أنه لا يناسب سياق الكلام، كما لا يخفى.
(3) تردد فيه الشهيد في الدروس 1: 121 حيث نسبه إلى قول، وقطع بعدم الاجتزاء
في البيان: 100، واستقرب عدم الاكتفاء المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 146،
ونسبه الفاضل السبزواري إلى الشهيد الثاني أيضا واستحسنه، انظر الذخيرة: 131.
(4) المعتبر 1: 77.
(5) جامع المقاصد 1: 146، روض الجنان: 148.
245

فيه عبارة السرائر (1) حيث احترز ب‍ " العادة " عن الشاذة التي يستقى بها، فإن
المراد بها - بقرينة عطف الصغار والكبار عليها - ما شذ الاستقاء بها وإن
كانت متوسطة في الصغر والكبر.
ثم المستند في ذلك إطلاقات الرواية فإن ظاهر قول الإمام عليه السلام
للسائل عن حكم البئر النجس: " نزح منها دلاء " (2) هو الدلو المعتادة على
البئر، كما لو أمر المولى عبده بنزح دلاء من بئر معين، وإطلاقه وإن شمل ما
لو كان على ذلك البئر دلو غير ما أعتيدت عليه، لكن الغالب عليها
لما كان هو الدلو المعتادة عليها جاز إرادة خصوص ذلك اعتمادا
على الغلبة.
وهل المراد من المعتادة على تلك البئر ما أعتيدت على نوعها أو
شخصها؟ ظاهر النص والفتوى الثاني، مع أن نوع البئر لا عادة فيها
منضبطة، إلا أن يراد ما يليق بها بحسب الضيق والسعة؟ وإرادة ذلك ليس
بأولى من إرادة ما يليق بالنازح والمنزوح له وبه، فالمتعين ما يستعمل عليها
غالبا.
ثم إنه يشكل الأمر فيما إذا لم يكن للبئر دلو معتادة، لعدم النزح منها،
أو للنزح بها بكل ما يتفق من الدلاء، أو بغير الدلو من الظروف المختلفة.
والكلام في ذلك غير منقح في كتب الأصحاب، والأخذ فيها بالمتيقن في
التطهير لعله أقوى، مع أنه أحوط.

(1) السرائر 1: 83.
(2) لم يقصد قدس سره. بذلك رواية خاصة، بل مقصوده ما ورد بهذا المضمون، مثل
الحديث 21 من الباب 14، والحديث 2 من، الباب 17 من أبواب الماء المطلق من
الوسائل.
246

" فروع ثلاثة ":
" الأول: حكم صغير الحيوان " المتعلق به الحكم (1) " حكم كبيره " بعد
عدم انصرافه إلى الكبير انصرافا معتدا به، لأن الصدق مفروغ عنه، فإذا
تحقق عدم الانصراف حكم بالاطلاق.
" الثاني: اختلاف أنواع (2) النجاسة " المتخالفة المقدر كالانسان
والكلب " أو المماثلة كالشاة والكلب " موجب لتضاعف النزح " لاستصحاب
النجاسة، ولا يعارضه أصالة عدم تعدد المؤثر، ولأن مقتضى دليل كل نوع
سببية وقوعه لاشتغال الذمة بنزح المقدر، فتعدد السبب يقضي بتعدد
الاشتغال وهو يقضي بتعدد الامتثال.
وقد يخدش في هذا الدليل تارة: بمنع المقدمة الأولى، فإن الأسباب
الشرعية لا يجب أن تكون مؤثرات حقيقة بل قد تكون معرفات يجوز
تعددها على حكم واحد شخصي، كما إذا اجتمع سببان لنزح جميع الماء،
وحينئذ فإذا كان ظاهر الدليل اتحاد المسبب ولو نوعا - كما هو المفروض -
فلا حاجة إلى ارتكاب تعدده الشخصي بتعدد الأشخاص ولو نوعا، بل
ينبغي حمل السبب على المعرف. ويشهد له أنه لا يفهم عرفا فرق بين ورود
الأسباب المتعددة لحكم شخصي مثل قوله: إن زنى زيد فاقتلوه، وإن ارتد
فاقتلوه، وبين ورودها لحكم واحد بالنوع قابل للتعدد الشخصي مثل: إن
قدم زيد من السفر فأضفه وإن زارك في بيتك فأضفه.
ويضعف بأن تعدد الواحد النوعي شخصا بسبب تعدد علل وجوده

(1) في الشرائع زيادة: في النزح.
(2) في الشرائع: أجناس.
247

ليس تصرفا في اللفظ، فإن كان مقتضى إطلاق الأدلة سببية جميع مصاديق
السبب من غير فرق بين المسبوق بسبب آخر وغيره لزم عقلا تعدد الحكم
الواحد بالنوع في الخارج، بخلاف صرف ظاهر الدليل عن التأثير المستقل.
وأخرى: بمنع المقدمة الثانية نظرا إلى أن اللازم من تعدد السبب تعدد
الوجوب وهو لا يقتضي تعدد الواجب، بل قد مجتمع الايجابات المتعددة في
واجب واحد للتأكيد أو لجهات متعددة تقتضيه، كما في مثال قتل زيد
- المتقدم - والأوامر المتعددة بالصلاة والزكاة وغيرهما.
ويضعف بأن المسبب للأسباب المتعددة ليس هو الطلب الصادر من
المتكلم، ضرورة حصوله قبل وجود السبب بنفس الكلام الدال على السببية،
بل المسبب المتأخر عن سببه هو اشتغال الأمة بالفعل الفلاني، ومن المعلوم أن
تعدد الاشتغال لا يكون إلا مع تعدد المشتغل به، كما لو حدث اشتغال ذمة
بدرهم أو بضيافة مرتين، فإنه لا إشكال في تعدد الفعل.
ودعوى: أن المتحقق بعد الشرط هو تنجز الطلب فهو بمثابة تكرار
الطلب المنجز بقوله: اضرب اضرب، مدفوعة - بعد تسليم ظهور التأكيد في
المثال المذكور - بالفرق بينهما وفهم اشتغال الذمة فيما نحن فيه على نحو ما يفهم
عند افتراق أحد السببين عن الآخر. والسر في ذلك: أن المستفاد من أدلة
السبيبة كون السبب سببا لنفس الفعل ومؤثرا فيه في نظر الآمر، وهو الذي
دعاه إلى الأمر به عنده، فلا يرضى بتخلفه عنه، فاللازم من تعدد السبب
وتعدد التأثير تعدد الفعل لا مجرد تعدد طلبه، فافهم فإنه لا يخلو عن دقة.
وثالثة: بمنع المقدمة الثالثة، بناء على كفاية الفعل الواحد لامتثال
تكليفين وإن علم تعددهما - كما في الأغسال - في ظاهر جماعة، وأشار إليه
248

العلامة هنا في المنتهى (1).
وفيه: أن الظاهر عدم كفاية الفعل الواحد في تحقق الامتثال، ولا أقل
من الشك فلا يتيقن الخروج من العهدة، ولا إطلاق هنا يتمسك به، إذ لا
كلام في كفاية أي فرد يكون، إنما الكلام في صدق الإطاعة والامتثال
للتكليفين بإيجاد واحدة فافهم.
هذا مع ما عرفت: هن أن السبب مؤثر في وجود الفعل في نظر الآمر،
فلا بد من تعدده.
ورابعة: بأن القاعدة وإن اقتضت عدم التداخل، إلا أن من المعلوم في
خصوص المقام أن النزح لإزالة النجاسة الحاصلة من ملاقاة ما وقع فيها،
والنجاسة وإن تعددت أفرادها - كما يكشف عن ذلك اختلاف كيفية إزالتها -
إلا أن الثابت من ذلك كفاية مزيل أحد الأفراد لإزالة الفرد الآخر المساوي
له في كيفيتها، فيكفي مزيل واحد للنجاسة الحاصلة من وقوع شاة وكلب،
لأن الفرض اتحاد نجاستهما لاتحاد مزيلهما، وكفاية مزيل الأشد لإزالة
الأضعف، فيتداخل الأقل مقدارا تحت الأكثر.
ويضعف بأن ذلك مبني على تداخل النجاسات أضعفها في أشدها - كما
في غير هذا المقام - لكن ذلك غير معلوم في المقام، ولا يجوز قياسه على
غيره، كما يكشف عن ذلك الفرق فيه بين المتفقات في غيره والجمع فيه بين
المختلفات، فالمتيقن من اجتماع النجسين تضاعف النجاسة وصيرورة
النجسين الواردين بمنزلة نجس واحد قدر له مجموع مقدريهما، ولولا إطلاق
الأدلة في كفاية مقدر كل نجس له ولو حال انضمام نجس آخر وضعف دعوى

(1) المنتهى 1: 107.
249

ظهورها في وقوع تلك النجاسة لا غير، كان ينبغي الرجوع عند انضمام
النجاسات إلى حكم ما لا نص فيه، وهو نزح الجميع، كما سيأتي.
ثم
إن المخالف في المسألة العلامة في جملة من كتبه (1) واستدل في
المنتهى بأن بفعل الأكثر يمتثل الأمرين فيحصل الاجزاء. ثم اعترض على
نفسه بلزوم اجتماع علل متعددة على معلول واحد، ودفعه بأنه لا استحالة في
اجتماع المعرفات (2). وظاهر دليله منع المقدمة الثالثة للدليل المتقدم، وظاهر "
اعتراضه وجوابه منع المقدمة الأولى، وقد عرفت ما عندنا.
ومما ذكرنا من الدليل يظهر أنه لا فرق بين وقوع النجسين مجتمعين
أو متعاقبين في وجوب تضعيف النزح.
" و " أنه لا ينبغي الاشكال " في تضعيفه (3) " بوقوع نجسين " مع
التماثل " بشرط عدهما في العرف فردين لحصول الفصل بينهما على وجه
يصدق تعدد الوقوع، فإن الدليل المذكور آت فيه بعينه، حتى فيما إذا كان
المتكرر فردين أو أفرادا علق المقدر على الطبيعة الصادقة عليها وعلى الفرد
الواحد، كالخمر والبول.
ودعوى: القطع بعدم الفرق في المحكم بين مقدار من البول وقع دفعة
أو وقع كل جزء منه دفعة وأنا نفهم من أدلة وقوع هذه الطبائع أن السبب
وجودها في البئر ولو بوقوعات متعددة، ممنوعة، فالقاعدة المتقدمة من السببية
كل وقوع المقدر جارية هنا أيضا، إذ الموجود أولا من مصاديق الطبيعة مؤثر
تام باعتبار تحقق الطبيعة فيه، فإذا وجد ثانيا كان مؤثرا تاما مستقلا

(1) القواعد 1: 188، ونهاية الإحكام 1: 26، والتحرير 1: 5.
(2) المنتهى 1: 107.
(3) في الشرائع: تضاعفه.
250

الأول، فلا بد له من أثر غير الأثر المتقدم عليه، إذ لا يعقل تأثير المتأخر في
التقدم.
وقد ذكر بعض المعاصرين في الجواب عن ذلك بعد الاعتراف به: أن
الدليل لما دل على أن العذرة ينزح لها خمسون دلوا وكانت مهية صادقة على
القليل والكثير واشتغل الذمة بالنزح بالوقوع الأول وجاء الوقوع الثاني
انقلب الفرد الأول إلى الثاني فصارت مصداقا واحدا للماهية، وهكذا كلما
يزداد فيدخل تحت قول " العذرة المذابة ينزح لما خمسون " وليس هذا إلا
كتعدد النوع الواحد من المحدث الأصغر أو الأكبر، كالبول مرات والجنابة
مرات (1) انتهى.
ولم يعلم له محصل يرجع إلى منع إحدى مقدمات الدليل المذكورة وإن
صيرورة الوقوعين أو الواقعين بعد الوقوع الثاني مصداقا واحدا هل يرد
الوقوع الأول عن السببية المستقلة بعد وجوده على هذا الوجه؟ أو الوقوع
الثاني يؤثر في المسبب المتقدم؟ أو أنه لغو محض؟ وكل ذلك تقييد لاطلاق
الأدلة، وصدق " أن العذرة تنزح لها خمسون " على الكل إنما يوجب حدوث
سبب متأخر عن الكل لا انقلاب ما حدث بالأول إلى كونه مسببا عن
المصداق الواحد الصادق على الكل، وهذا واضح.
نعم، ما ذكره إنما يتوجه في الفرد المستمر الواحد عرفا، حيث إنه لا
يعد سببا إلا بعد انقطاعه، كما سيجئ. وأما الحدث: فقد علم من الشرع
اتحاده فلا يتعدد وإن اختلف نوعه، ولا ينقلب الفرد الأول فيه إلى الثاني بعد
تحققه سواء، بخلاف المقام الذي علم فيه التعدد ولو مع تساوي المتعدد في

(1) الجواهر 1: 262.
251

التأثير كالكلب والأرنب الذين لا يوجب أحدها إلا ما يوجبه الآخر، فأين
ما علم فيه اتحاد المسبب ولو مع اختلاف نوع السبب عما علم فيه تعدد
المسبب ولو مع اتحاد نوع السبب إذا اختلفا في الصنف؟
والحاصل: أنه لا فرق في مقتضى الأدلة اللفظية بين اختلاف المتعدد
المتكرر نوعا أو صنفا وبين اختلافهما شخصا. نعم، فرق بينهما من حيث إنه
لا يفرق في الأولين وقوع المتعدد دفعة أو متعاقبين؟ بخلاف الثالث، فإنه إن
كان موضوع الحكم بالمقدر الفرد الواحد منه فوقوع المتعدد دفعة حكم
المتعاقبين، واحتمال خروج ذلك عن مورد النص ضعيف، وإن كان موضوع
الحكم بالمقدر طبيعة كلية صادقة على القليل والكثير، فلا يحصل التعدد فيها
إلا بالتعاقب مع الفصل الموجب لصدق التعدد. وأما لو وقعت العذرة
مستمرة غير منفصلة أو منفصلة بما لا يوجب التعدد عرفا كان في حكم
الفرد الواحد.
وتوهم جريان الدليل المذكور حيث إنه يتحقق بأول الوقوع تأثير
السبب فيجب المقدر ثم ما يقع في الآن الثاني مؤثر تام أيضا يوجب المقدر،
مدفوع بأن الواقع أولا لا يحكم بكونه سببا مستقلا إلا بعد انقطاعه، نظير
حصول امتثال الأمر المتعلق بالطبيعة الصادقة على القليل والكثير المتدرجة
في الحصول - كالأمر بالقراءة والمشي - حيث إن الفرد المحقق للامتثال ما
انقطع عليه الفعل، لا أول ما يوجد من ذلك الفعل ليقع الباقي لغوا.
ومما ذكرنا ظهر رجحان أحد طرفي " تردد " المصنف قدس سره. ولو سلم
التكافؤ - بناء على ما تقدم من معارضة ظهور المسبب في الاتحاد لظهور
سببية الطبيعة في سببية كل فرد، أو معارضة الظهور اللفظي بظهور عدم
تضاعف النجاسة بتعدد الأفراد، ولذا لو وقع دفعة ما وقع على التعاقب لم
252

إثر قطعا إلا مع تبدل العنوان، كما سيجئ في الدم - وجب المصير إلى ما
اختاره المصنف بقوله: " أحوطه التضعيف " فإن الاحتياط في مثل المقام
لازم بلا إشكال.
بقي في المقام: أنه إذا حصل من تعاقب الفردين من العنوان عنوان
آخره، كما إذا وقع دمان قليلان متعاقبان يصدق على المجموع الدم الكثير،
ففي المحكم إشكال من حيث إن الدم الأول قد أوجب نزح العشرة، والدم
الثاني بمقتضى إطلاق حكم دم القليل لا يوجب إلا نزح عشرة أيضا، لكن
يصدق بعد وقوعه أنه " وقع في البئر دم كثير " فيجب خمسون.
ودعوى انصراف إطلاق أدلة الدم الكثير إلى صورة وقوعه دفعة
عرفية مع دعوى انصراف إطلاق أدلة الدم القليل إلى صورة عدم تعقبه بدم
آخر يوجب زيادة تأثر الماء وإحداث أثر محدث بعينه - كوقوع الدم الكثير
دفعة - متكافئتان في التسليم والمنع، فالأحوط الرجوع إلى أكثر الأمرين، بل
الأقوى ذلك.
توضيحه: أن الوقوعين بملاحظة مجموعهما سبب واحد للخمسين
وبملاحظة كل منهما منفردا سببان للعشرة يوجبان عشرين، ولا يحكم هنا
بالسبعين بتوهم اقتضاء المجموع خمسين وكل منهما عشرة، لأن مغايرة
المجموع لكل واحد مغايرة اعتبارية، فلا تعدد في الخارج؟ فالمؤثر الوقوعان
بأحد الاعتبارين، فالموجود في الخارج على سبيل البدل إما أسباب متعددة
للعشرة وإما سبب واحد للخمسين، فلا وجه لالغاء تأثير مصداق السبب
الموجب للأكثر، وأما الموجب للأقل فلا ينبغي تأثيره لكنه يتداخل في الأكثر
لما ذكرنا من عدم الجمع بين متقضاهما ليحكم بالسبعين.
والحاصل: أنه بعد البناء على تداخل مقتضى المصداقين لوجودهما
253

على سبيل البدل بأحد الاعتبارين،
فلا معنى لتداخل الأكثر في الأقل إلا
اسقاط الزائد مع وجود سببه، وهو طرح لاطلاق دليله من غير تقييد،
بخلاف تداخل الأقل في الأكثر، فإنه لا يوجب إلغاءه، فلو فرضنا أن التعدد
يقتضي أزيد من الخمسين، كما إذا وقع القليل سبع مرات فصار بالثامن
كثيرا، فإنه وإن صدق على المجموع " وقوع الدم الكثير " إلا أنه يصدق
أيضا " وقع فيه سبع مرات بل ثمانية دماء قليلة " فلا معنى لالغاء ما يوجب
كل مرة، وليس في ذلك إلغاء لمقتضى مصداق الدم الكثير.
وذكر الشهيدان (1) والمحقق الثاني (2) مسألة تحقق الكثرة بالدم الثاني
فحكوا بمنزوح الكثير، ولم يعلم مذهبهم فيما إذا كان مقدر الدم الكثير أقل
من مقدر الدماء المتعددة القليلة.
ومما ذكرنا يظهر أنه لو وقع نجس واحد شخصي مكررا - كما إذا وقع
الكلب مرات وخرج حيا - فإن اللازم تعدد النزح، إلا أن يستظهر خلاف
ذلك من النص.
واعلم أن بعض الحيوان إن صدق عليه عنوانه - كما إذا نقص منه
بعض الأجزاء الغير المقومة للصدق - فلا إشكال في حكمه. وإن لم يصدق
عليه ذلك فهو داخل فيما لا نص فيه، إلا أنا نعلم عدم زيادة حكمه على
حكم الكل، فيجري عليه حكم الكل؟ وحينئذ فيترتب عليه أحكامه حتى
عدم تداخل مقدره مع وقوع فردين منه أو تكرر فرد واحد منه؟ وحينئذ
فالجزء الواقع مكررا لا يتداخل مقدره، فضلا عما لو وقع جزء آخر بعد

(1) الذكرى: 10 والمسالك 1: 20.
(2) جامع المقاصد 1: 147.
254

الأول، بل لو سلمنا التداخل في تكرار الكل لم يبعد عدم التداخل في
الجزءين، لأنهما بمنزلة فردين يدعى أن كل واحد منهما بمنزلة كله، فكأنه
قد تكرر.
" إلا " أن ظاهر المصنف قدس سره منع عدم (1) التداخل مطلقا في الجزء
الذي (2) " يكون بعضا من جملة " بشرط أن يكون " لها مقدر " غير الجميع
حتى يتصور التكرار فيه، وكأن وجه المنع منع التعدد مع تكرر وقوع الجملة،
بناء على أن النجاسة الشخصية لا يتعدد تأثرها (3) والجزء لا يزيد على حكم
جملته، فإذا وقع الجزء الثاني فكأنه وقع جملته ثانيا. والمقدمتان قابلتان
للنظر.
هذا كله مع الوقوع على التعاقب. أما مع وقوع أكثر من جزء دفعة
" فلا يزيد حكم أبعاضها عن جملتها ".
ثم على ما اختاره المصنف قدس سره من عدم التعدد أو مع الوقوع دفعة،
لو وقع جزءان لم يعلم كونهما من جملة واحدة فوجهان: من أصالة عدم
وقوع الجزء من حيوان آخر، ومن أصالة بقاء النجاسة.
إلا أن إيجاب التعدد لانتقاض اليقين بالنجاسة بيقين الطهارة لا ينافي
ترتيب آثار عدم وقوع الجزء من حيوان آخرة كما لو لم يعلم كون النجاسة
في الثوب مما يحتاج إلى التعدد أو لا، فإنه يجمع بين حكم بقاء النجاسة
وأصالة عدم وصول ما يحتاج إلى التعدد، إلا أن يفرق بين المثال وبين ما
نحن فيه، فإن نجاسة كل واحد مما لا يحتاج إلى التعدد وما يحتاج تتحد مع

(1) كذا في مصححة " ع "، وفي سائر النسخ: منع التداخل.
(2) في الشرائع زيادة: " أن " هنا، وقد أسقطها المؤلف لربط الكلام.
كذا في النسخ، والمناسب تأثيرها.
255

الأخرى، كما يكشف عن ذلك تداخل حكمهما في الغسل، أما ما نحن فيه
فقد التزمنا فيه بتعدد النجاستين على وجه لا يدخل أحدهما في الآخر،
فالنجاسة المستصحبة إن أريد بها الحاصلة بالسبب الأول فقد ارتفعت
قطعا وإن أريد بها الحاصلة بغيره فهي مشكوكة الحدوث، إلا أن يدعى أن
النجاسة مع هذا تعد في العرف أمرا واحدا مستمرا وإن فرض تعددها في
الوجود بمقتضى تعدد أسبابها. ولعله لأجل ذلك رجح في الذكرى القول
بالتعدد في هذا الفرع لكن علله بالاستظهار (1) ولعله أراد الاحتياط اللازم
وهذا كله مع العلم بأن الجزءين من نوع واحد. ومثله ما لو احتمل
تغاير النوعين فالاستصحاب أوضح.
وبعض من التزم بأنه لا يجب في الصورة الأولى إلا نزح مقدر واحد.
استصحابا لطهارة البئر السابقة فرق في هذه الصورة الثانية بين ما لو علم
جزء منهما أنه من جملة خاصة وشك في الأخرى أنه من تلك الجملة أم لا،
فلم يبعد الاكتفاء بنزح مقدر الجملة المعلومة استصحابا لطهارة البئر من
الآخر، وإن لم يعلم بأحد الجزءين لم يبعد القول بوجوب مقدر الجميع
لاستصحاب النجاسة، ولأنه كما إذا وقع حيوان لم يعلم أنه كلب أو غيره (2)
فتأمل.
" الثالث: إذا لم يقدر " فيما بأيدينا من الأدلة الشرعية للنجاسة
منزوح " وجب الأخذ بمقتضى استصحاب الأحكام الثابتة بعد الوقوع
بالأدلة المخصصة لعمومات جواز استعمال الماء تكليفا ووضعا و " ينزح (3)

(1) الذكرى: 10.
(2) الجواهر 1: 263.
(3) في الشرائع: نزح.
256

جميع مائها " كما عليه المشهور.
ولا مجال هنا لاجراء أصالة البراءة، لأن الشك في ترتب آثار الطهارة
على الماء - أعني إباحة الاستعمال وصحته - لا في التكليف. ولو فرض
وجوب النزح مقدمة لواجب، فمن المعلوم: أن المقدمة لذلك الواجب هو
تطهير ماء البئر فالتكليف به تكليف بمفهوم معلوم لا يكفي في الخروج عنه
إلا القطع بتحققه في الخارج، وليس النزح من حيث هو مقدمة لذلك الواجب
حتى يجري فيه عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر أصالة البراءة، على
المختار من جريانها مع الشك في أجزاء الواجب أو شروطه.
ونظير ما نحن فيه ما إذا أمرنا بتطهير الثوب فشككنا في حصول
الطهارة بغسل الثوب مرة أو مرتين إذا لم يكن هناك إطلاق يقتضي كفاية
المرة، فإن الأمر بالغسل أمر حقيقة بالتطهير المشكوك في تحققه بالغسل مرة.
هذا على القول بنجاسة البئر بالملاقاة. وإن قلنا: بكون النزح تعبدا،
فإن جعله هذا القائل واجبا مستقلا غير معتبر في جواز استعمال الماء كان
الأقوى وجوب الأخذ بالأقل المتيقن بناء على جريان الأصل في الأجزاء،
وإن جعله شرطا لإباحة الاستعمال كان الحكم فيه كالسابق من الأخذ
بالاستصحاب، لعدم كون الشك في الحكم التكليفي، بل في ارتفاع المنع
السابق، والأصل عدمه.
ثم إن هنا قولين آخرين لم يعلم المستند لهما، وهو نزح أربعين (1) ونزح
ثلاثين (2).

(1) القائل به هو ابن حمزة في الوسيلة: 75.
(2) قال الشهيد في شرح الإرشاد - بعد نقل رواية كردويه -: والسيد جمال الدين أبو
الفضائل أحمد بن طاوس رحمه الله في البشرى نبه على هذا وأجاز الثلاثين، انظر
غاية المراد: 13.
257

وأضعف منهما ما احتمله في المعتبر - وربما حكى قولا - من عدم
وجوب شئ، اقتصارا على موضع النص. لكن ذكر أن هذا لا يتأتى على
القول بالنجاسة (1).
وكيف كان: " فإن تعذر نزحها لم تطهر إلا بالتراوح " بلا خلاف على
الظاهرة ولعله لفهم التعدي من حديث التراوح (2). واحتمال تعطيل البئر لو
قام لأخل بالحكم بتطهرها بنزح الجميع مع التمكن، إذ لا وجه له حينئذ.
وربما يقال: بوجوب نزح ما يزيل أقل مراتب المحقق بتلك النجاسة (3) وفيه
نظر.
" وإذا تغير " بما يقع في البئر في أحد أوصاف مائها " كان طهره عند
القائلين بعدم الانفعال حكم الجاري المتغير " بالنجاسة " في كفاية زوال التغير
تغيره بما يتجدد من مائها بالنزح،
بل ربما قيل بكفاية زوال تغيره بالنزح
وإن لم يتجدد ماء (4) لظاهر قوله عليه السلام في صحيحة ابن بزيع: " فينزح حتى
يذهب اللون ويطيب الطعم " (5).
ويضعف بأن الاطلاق محمول على الغالب فلا يشمل ما لو زال التغير
بالنزح من دون تجدد نبع.
وأضعف منه القول بعدم اعتبار النزح وكفاية زوال تغيره لاتصاله بماء

(1) المعتبر 1: 78.
(2) الوسائل 1: 143، الباب 23 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(3) لم نعثر على قائله على فرض وجوده. والعبارة أيضا لا تخلو عن إغلاق.
(4) قاله في الجواهر 1: 270.
(5) الوسائل 1: 126، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 6، وفيه: حتى يذهب
الريح ويطيب طعمه.
258

المادة المعتصم بناء على أن علة النزح في الصحيحة زوال تغيره فهو المقصود
دونه وذكره لكونه مقدمة له في الغالب.
وفيه: أنه موقوف على كون " حتى " للتعليل، والظاهر كونها للغاية،
ولو سلم فإطلاق زوال التغير ينصرف إلى الغالب، وهو الحاصل بالممازجة
بالماء المتجدد، فإنه هو الذي يترتب على النزح. وأما زوال التغير بنحو
آخر، فالظاهر عدم دخل النزح فيه غالبا، فضلا عن استناده إليه على وجه
العلية.
وأما القائلون بانفعال البئر بالملاقاة فالمحكي عنهم أقوال تبلغ سبعة
أو ثمانية بعد اتفاقهم على وجوب إزالة التغير (1).
أحدها ما " قيل " (2): من أنه " ينزح حتى يزول التغير " عملا بظاهر
ما دل على كفاية زوال التغير في طهارته:
مثل قوله عليه السلام في صحيحة ابن بزيع - المتقدمة في أدلة الطهارة -:
" ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير طعمه أو ريحه فينزح حتى
يذهب اللون ويطيب الطعم " (3) بناء على تأويلها عند القائلين بالنجاسة بأن
المراد من الفساد (4) المنفي صيرورة مائها نجس العين بحيث تتوقف طهارته
على استهلاكه في ماء آخر، فإن اخراج الدلو الواحد لنجاسة البئر بالعصفور
أو الثلاثة لغيرها قد لا يوجب تجدد نبع الماء، فضلا عن امتزاجه بجميعه،

(1) حكاه في الجواهر 1: 271.
(2) القائل هو المفيد في المقنعة: 66 وجماعة من الأعلام، انظر مفتاح الكرامة 1: 102
- 103.
(3) تقدمت في الصفحة السابقة.
(4) كذا في مصححة " ع "، وفي مصححة " ألف ": الإفادة وفي أصل النسخ: إفساد.
259

فضلا عن استهلاكه فيه، وهذا بخلاف المتغير، فإنه لا بد من امتزاجه التام بماء
جديد.
وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام: " عن الفأرة تقع في البئر أو
الطير؟ قال: إن أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء وإن كانت سنورا
أو أكبر منها نزحت منها ثلاثين دلوا أو أربعين دلوا وإن أنتن حتى يوجد
ريح النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء (1).
وصحيح الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام: " في الفأرة والسنور
والدجاجة والكلب والطير؟ قال: إذا لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك
خمس دلاء، وإن تغير الماء فخذ منه حتى يذهب الريح " (2).
وخبر زرارة " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بئر قطرت فيها قطرة
دم أو خمر؟ قال: الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح
منه عشرون دلوا فإن غلب الريح نزحت حتى تطيب " (3).
بناء على تقديم هذه الأخبار على ظاهر ما سيأتي من أخبار وجوب
نزح الجميع للتغير - بناء على حمل تلك على ما إذا توقف زوال التغير على
نزح الجميع، إذ لا جمع بينهما أقرب من ذلك - وعلى ظاهر ما دل على
وجوب المقدر للنجاسة الواقعة الشامل بالاطلاق أو بالفحوى لصورة تغيره
بها، بناء على منع شموله لها لفظا ولا فحوى.
هذا، ولكن الانصاف: قصور دلالة الأخبار المتقدمة.

(1) الوسائل 1: 135، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4.
(2) الوسائل 1: 135، الباب 17 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(3) الوسائل 1: 132، الباب 15 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3.
260

أما الصحيحة: فقد تقدم ظهورها في عدم انفعال البئر بالملاقاة (1)
- وجوب صرفها إلى معنى يلائم القول بالنجاسة على القول بانفعال البئر،
- أقرب وجوه الصرف ما تقدم من كون المراد بالفساد فساده بحيث
لا يصلح إلا بالممازجة التامة مع ماء جديد من المادة، وهذا ثابت مع التغيير
منتف مع غيره، ولا ريب أن الرواية على هذا صريحة في حاجة الماء المتغير
إلى النزح أزيد مما يحتاجه الماء مع عدم التغير، فلا يدل على كفاية زوال
التغير وإن لم ينزح المقدر، لأنه يلزمه كون الماء مع عدم التغير أفسد منه مع
التغير وهذا خلاف (2) ما استظهر من الرواية، بل كل تأويل يفرض في
الصحيحة ليوافق مذهب المستدل بها - حيث يقول بنجاسة البئر بالملاقاة - لا
يخلو عن صراحة كون الفساد مع التغير أقوى وأشد وأحوج إلى اخراج
الماء.
وبالجملة: فاستدلال القائلين بالنجاسة بهذه الصحيحة مع ردهم لها
- تارة بكونها مكاتبة، وأخرى بالتأويل، وثالثة بعدم المعارضة مع أدلة
وجوب النزح - في غاية الاشكال، فضلا عن تقديم ظهورها على ظهور
أخبار المقدرات وظهور أخبار وجوب نزح الجميع.
وأما ما بعد الصحيحة من الأخبار: فهي في مقام عدم كفاية المقدر
المذكور في مواردها للتطهير مع التغير، إذ من المعلوم عدم زوال التغير بما
دون خمس دلاء أو سبع أو عشرين، فيدل على ما هو المطلوب من كفاية
زوال التغير وإن لم يبلغ المقدر.

(1) انظر الصفحة: 202.
(2) كلمة: " خلاف " ليست في " ع ".
261

" و " الثاني: ما " قيل " بل استظهر أنه المشهور (1) من أنه " ينزح
جميع مائها " إما لأن النجاسة الحاصلة بالتغير غير منصوص المقدر - بناء
على ظهور اختصاص أدلة المقدرات بصورة عدم التغير -
وإما للأخبار
الواردة بنزح الجميع للتغير، مثل قوله عليه السلام في رواية معاوية: " لا يغسل
الثوب ولا تعاد الصلاة مما يقع في البئر إلا أن ينتن، فإن أنتن غسل الثوب
وأعاد الصلاة ونزحت البئر " (2).
وفي رواية أبي خديجة: " إذا انتفخت الفأرة ونتنت نزح الماء كله " (3).
وخبر منهال: " فإن كانت جيفة قد أجيفت فاستق منها مائة دلو، فإن
غلب الريح عليها بعد مائة دلو فانزحها كلها " (4).
ورواية عمار الواردة في التراوح: " عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو
خنزير؟ قال تنزف كلها " (5) بناء على حملها على صورة التغير، كما ذكره
الشيخ (6).
والجواب منع كون النجاسة مع التغير مما لا نص فيه، لما سيجئ من
شمول أخبار المقدرات له، وكذا أخبار وجوب إزالة التغير، وإن لم يدل كل
واحد من هذين القسمين على كفاية مضمونه، كما تقدم.
وأما الأخبار المذكورة: فهي محمولة على ما إذا توقف زوال التغير
على نزح الجميع، إذ لا جمع أقرب من ذلك؟ وربما احتمل فيها الحمل على

(1) الجواهر 1: 275.
(2) الوسائل 1: 127، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 10.
(3) الوسائل 1: 138، الباب 19 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4، بتفاوت.
(4) الوسائل 1: 143، الباب 22 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(5) الوسائل 1: 143، الباب 23 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(6) التهذيب 1: 242، ذيل الحديث 699.
262

الاستحباب.
وعلى هذا القول.
" فإن تعذر " نزح الجميع " لغزارته " ففيه احتمالات، بل أقوال:
أحدها: ما اختاره المصنف قدس سره. وفاقا للمحكي عن الإسكافي (1)
والصدوقين (2) السيد (3) والشيخ (4) وابن حمزة (5) من أنه " تراوح عليها أربعة
رجال (6) ومستندهم ما تقدم من رواية عمار المتقدمة أخيرا في أخبار هذا
القول.
لكن الظاهر أنهم يشترطون إزالة التغير حتى بعد التراوح، إذ لم يعهد
من أحد القول بطهارة الماء المتغير فعلا. وعليه يحمل إطلاق الرواية أيضا.
ثانيها: الاكتفاء حينئذ بزوال التغير حكي عن الشيخ في النهاية (7)
والمبسوط (8) وعن كاشف الرموز نقله عن المقنعة (9) ولعل وجهه حمل أخبار
زوال التغير صرفا أو انصرافا على ما هو الغالب من تعذر نزح الجميع.
وفيه: مع عدم إمكان هذا الحمل في رواية عمار - بل معارضتها لتلك

(1) لم نعثر على من حكاه عنه.
(2) الفقيه 1: 19، وحكى عنه وعن والده، العلامة في المختلف 1: 190.
(3) حكى عنه المحقق في المعتبر 1: 76.
(4) المبسوط 1: 11.
(5) الوسيلة: 74.
(6) في الشرائع زيادة: وهو الأولى.
(7) النهاية: 7.
(8) المبسوط 1: 11.
(9) كشف الرموز 1: 56، ناسبا له إلى الشيخين من دون ذكر كتاب، والموجود في
المقنعة وجوب النزح حتى يزول التغير، ولم مجعل تعذر نزح الجميع شرطا، انظر
المقنعة: 66.
263

الأخبار - أن أخبار زوال التغير - كما تقدم - لا ظهور لها في مورد يزول
التغير قبل نزح المقدر، فينبغي الحكم عند تعذر نزح الجميع بأكثر الأمرين
من المقدر ومزيل التغير، وهو ثالث هذه الأقوال (1) وهو المحكي عن
الشيخ (2) والحلي (3) والمختلف (4) والمسالك (5) واستوجهه في المدارك (6).
ثم إن الجمع بين محصل هذا الجمع - وهو أكثر الأمرين - وبين رواية
عمار الدالة على التراوح - المعتضدة بعمل الأصحاب - في موارد تعذر نزح
الجميع، باعتبار أكثر الأمور من المقدر ومزيل التغير والتراوح، وهذا رابع
الاحتمالات. إلا أن يقال: إن الاحتمال الأول راجع إلى هذا، لأن التراوح
غالبا يكون بعد استيفاء المقدرة وأما زوال التغير فقد عرفت أنه لا بد منه
عند القائلين بالاحتمال الأول، وهو أقوى هذه الثلاثة.
الخامس: لزوم (7) الأمرين من المقدر ومزيل التغير، وعليه
المحقق في النافع والمعتبر (8). قيل (9): واستحسنه كاشف الرموز ونسبه

(1) الفقرة التالية إلى قوله: " ثم إن " واقعة في ما عدا " ع " بعد قوله: " الخامس..
ومزيل التغير " وقوله فيا سيأتي " وعليه المحقق. الخ " واقعة هنا، وهكذا في أصل
نسخة " ع " لكن صححت بالتقديم والتأخير، فلما رأينا صحة التصحيح أثبتناه.
(2) لم نعثر عليه.
(3) السرائر 1: 72.
(4) المختلف 1: 192، حيث استحسن تفصيل ابن إدريس، لكنه قال في الصفحة
190: والوجه عندنا قول المفيد.
(5) المسالك 1: 20.
(6) المدارك 1: 101.
(7) في النسخ: أكثر الأمرين. لكن شطب في " ع " على كلمة " أكثر ".
(8) المختصر النافع: 3، والمعتبر 1: 76.
(9) لعله أراد بالقائل صاحب مفتاح الكرامة، لكنه قاله في لزوم أكثر الأمرين - ثالث
الأقوال هنا - انظر مفتاح الكرامة 1: 103
264

إلى الحلي (1) وفي النسبة نظر.
ولعل وجهه الجمع بين ما دل على الأمرين، فإن
أدلة المقدر شاملة له من حيث اعتبار المقدر إما من باب الاطلاق باعتبار
شمولها لوقوع النجاسة قبل حدوث التغير وإما من باب الفحوى. نعم،
ظهورها في كفاية المقدر مطروح بما دل على وجوب إزالة التغير، ولا ظهور
في كفاية ذلك حتى يطرح بما دل على أدلة المقدرات، مع أنه متعين على
تقدير الظهور. وبعبارة أخرى: لكل منهما ظهور لفظي في اعتبار مضمونه في
التطهير وظهور عقلي في كفاية ذلك، فيطرح ظهور كل منهما في الكفاية بظهور
الآخر في الاعتبار، لأنه أقوى، مضافا إلى أن المرجع بعد التكافؤ
استصحاب النجاسة.
وفيه: أن مقتضى هذا الجمع إزالة التغير أولا ثم استيفاء المقدر، لأن
استيفاء، أو بعضه قبل زوال التغير غير مجد، لأنه نظير ما إذا استوفى المقدر
أو بعضه قبل اخراج عين النجاسة، لأن بقاء التغير دليل بقاء عين النجاسة،
مضافا إلى أن ظاهر الأخبار اعتبار النزح حال عدم التغير لذهاب النجاسة
الحاصلة بالملاقاة، ومعلوم عدم مدخلية النزح في ذهاب هذه النجاسة ما دام
الماء متغيرا.
فالأقوى من هذا هو القول السادس: وهو أنه يجب إزالة التغير أولا
ثم استيفاء المقدر.
ثم على هذين القولين لو لم يكن للمنزوح مقدر فالظاهر وجوب نزح
الجميع، كما صرح به بعض أهل كل من القولين، كما صرحوا بالتراوح عند

(1) كشف الرموز 1: 57.
265

تعذر نزح الجميع.
وحكي عن صاحب المعالم والذخيرة كفاية زوال التغير مع عدم
المقدر وكفاية أكثر الأمرين مع المقدر (1). فهذه أقوال سبعة
والقول السادس لا يخلو عن قوة والأحوط هو القول الثالث.
" ويستحب أن يكون بين البئر " بل مطلق ماء المجتمع المحتاج إليه في
الاستعمال ذا مادة أو غيرها " والبالوعة " وهي ثقب في وسط الدار كما عن
الصحاح (2) أو بئر مجفر ضيق الرأس مجري فيها ماء المطر ونحوه كما عن
القاموس (3) وخصها في الروضة بمجمع ماء النزح (4) بعد أن فسرها في
الروض بمرمى مطلق النجاسات (5) " خمس أذرع " بذراع اليد، وهي كما عن
القاموس ما بين المرفق وطرف الإصبع الوسطى (6). وحدها جماعة في باب
المسافة بخمسة وعشرين إصبعا عرضا (7) " إن كانت الأرض " المتوسطة بينهما
" صلبة " مثل أرض الجبل وشبهه " أو كانت البئر فوق البالوعة " بحسب
قراريهما أو سطح مائهما.

(1) في " ب " و " ج " و " ع ": التعذر، وفي " ألف ": التقدير، والصواب ما أثبتناه، انظر
معالم الدين: 88 والذخيرة: 126.
(2) صحاح اللغة 3: 1188.
(3) قاموس اللغة 3: 7.
(4) الروضة البهية 1: 282.
(5) روض الجنان: 156.
(6) قاموس اللغة 3: 22.
(7) نقله في مفتاح الكرامة (1: 134) عن الدلائل وجامع المقاصد وتعليق الإرشاد
وغيرها. لكن ما عثرنا عليه في جامع المقاصد في مسألة المسافة هو الاكتفاء، بذكر
منتن القواعد، وفيه: " كل ذراع أربعة وعشرون إصبعا " وأما الدلائل وتعليق الإرشاد
فليسا عندنا.
266

" وإن لم يكن (1) " الأرض صلبة ولاقرار البئر أعلى " فسبع "، هذا هو
المشهور على الظاهر،
وفي مرسلة قدامة بن أبي زيد قال: " سألته كم أدنى ما
يكون بين البئر - بئر الماء - والبالوعة؟ قال: إن كان حملا فسبع أذرع، وإن
كان جبلا فخمس أذرع. ثم قال: يجري الماء إلى القبلة إلى يمين، ويجري عن
يمين القبلة إلى يسار القبلة، ويجري عن يسار القبلة إلى يمين القبلة، ولا يجري
من القبلة إلى دبر القبلة " (2)
وفي رواية الحسن بن رباط قال: " سألته عن
البالوعة تكون فوق البئر؟ قال: إذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع، وإن
كانت فوق البئر فسبعة أذرع من كل ناحية، وذلك كثير " (3).
وجمع المشهور بينهما بتقييد حكم السبع في الروايتين مع إرادة عدم
فوقية البئر من الفقرة الثانية من الرواية الثانية، إذ المتبادر من مثله نقيض
الشرطية الأولى لا ضدها، وحاصل هذا الجمع كفاية كل من صلابة الأرض
وفوقية البئر في الخمس، فيكون الخمس في أربع صور من الست.
وظاهر الإرشاد عكس هذا الجمع، بتقييد حكم الخمس في الروايتين
مع إبقاء الفقرة الثانية من الرواية الثانية على ظاهرها من خصوصية فوقية
البالوعة، قال في الإرشاد: ويستحب تباعد البئر عن البالوعة بسبع أذرع إن
كانت الأرض رخوة أو كانت البالوعة فوقها وإلا فخمس (4)
وعن بعض
النسخ " الواو " بدل " أو " فيوافق ظاهر ما عن التلخيص: من أنه يستحب

(1) في النسخ: وإلا يكن، وفي الشرائع: وإن لم يكن كذلك.
(2) الوسائل 1: 145، الباب 24 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.
(3) الوسائل 1: 145، الباب 24 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3.
(4) إرشاد الأذهان 1: 238.
267

تباعد البئر عن البالوعة بسبع أذرع مع الرخاوة والتحتية وإلا فخمس (1)
ولما في السرائر: يستحب أن يكون بين البئر التي يستق منها وبين البالوعة
سبعة أذرع إذا كانت البئر تحت وكانت الأرض سهلة، وخمسة أذرع إذا
كانت فوقها والأرض أيضا حملة، وإن كانت الأرض صلبة فخمس (2).
ومستند هذا القول الجمع بين الروايتين بتقييد حكم السبع في إحداهما
بالآخر، إلا أن الفقرة الثانية باقية على ظاهرها: من إرادة خصوص فوقية
البالوعة على ظاهر السرائر، ويراد بها نقيض الفقرة الأولى وهو عدم فوقية
البئر بناء على ظاهر التلخيص ونسخة الإرشاد.
وهنا جمع رابع، وهو تقييد فقرتي الرواية الثانية بالأولى فيكون المدار
على الصلابة والرخاوة، وهو المحكي عن ظاهر الصدوق (3).
ثم إن بعض مشايخنا المعاصرين - بعد تزييف جمع المشهور بعدم
جريانه على القواعد من غير بيان وجه ذلك - قال: إن المستفاد من مجموع
الروايتين أن السبعة لما سببان: وهي السهولة وفوقية البالوعة، والخمسة
أيضا لها سببان: الجبلية وأسفلية البالوعة، ويحصل التعارض عند تعارض
سببين، كما إذا كانت الأرض حملة والبالوعة أسفل، فلا بد من مرجح
خارجي، وكذا إذا كانت الأرض جبلية والبالوعة فوق البئر " ولعله بالنسبة
إلينا يكفي الشهرة في الترجيح فيحكم كل منهما على الآخر بمعونتها، وبالنسبة
إليهم لا نعلم المرجح، ولعله دليل خارجي (4).

(1) التلخيص لا يوجد لدينا، حكاه عنه في كشف اللثام 1: 45.
(2) السرائر 1: 94.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): 4. والفقيه 1: 18.
(4) الجواهر 1: 282.
268

وفيه - مع أن تعارض السببين إنما يكون بعد الفراغ عن دليلهما وعدم
تصرف فيهما كما في تعارض البينتين، ونحوه في المقام من قبيل تعارض
الدليلين وتعيين وجوه التصرف ليثبت بذلك الخمس بتعدد السبب كالمشهور،
والسبع كالارشاد، أو اختصاص كل منهما بسبب واحد كالصدوق - أن جمع
المشهور لعله ناظر إلى أن الصلابة وفوقية البئر من قبيل المانع وأن البعد بما
دون السبع مظنة لتوهم نفوذ النجاسة من البالوعة إلا أن يكون هنا مانع من
النفوذ من صلابة أو علو البئر، فوجوب السبع مع السهولة أو تساوي
القرارين ليس مستندا إليهما، بل إلى عدم المانع عن النفوذ فيما دون (1) مع
وجود مقتضى النفوذ، وهو استعداد الماء للنفوذ إلى سبعة أذرع من جوانبه لو
خلي وطبعه.
مع إمكان أن يقال: إن هذا الجمع - مطابق للأصل، لأصالة عدم
استحباب السبع عند صلابة الأرض إذا كانت البالوعة فوق البئر، بناء على
إجراء أصالة العدم هنا، دون أصالة عدم الامتثال بالمستحب وعدم ارتفاع
ما لاحظه الشارع من مظنة النفوذ مع القرب، فكان أولى من قول الإرشاد
والصدوق.
نعم، الأوفق بالأصل من ذلك قول التلخيص، لحكمه بعدم السبع مع
تساوي القرارين في الأرض الرخوة. لكن تقييد أحد فقرتي السبع بالآخر
لا وجه له، لعدم التنافي، فلا وجه لاطراح إطلاق السبعة في الرواية الأولى.
ومما ذكرنا عرفت قوة قول المشهور مع قطع النظر عن الشهرة.
ثم إن المحكي عن الإسكافي في مختصره ما لفظه: لا أستحب الطهارة

(1) في مصححة " ألف ": فيما دون السبع.
269

من بئر يكون بئر النجاسة التي يستقر فيها النجاسة من أعلاها في مجرى
الوادي، إلا إذا كان بينهما في الأرض الرخوة اثنا عشر ذراعا وفي الأرض
الصلبة سبع أذرع، فإن كان تحتها والنظيفة أعلاها فلا بأس وإن كانت
محاذيتها في سمت القبلة، فإذا كان بينهما سبعة أذرع فلا بأس، لما رواه ابن
يحيى، عن سليمان، عن أبي عبد الله عليه السلام (1) انتهى.
أقول: هي رواية سليمان الديلمي عن أبي عبد الله عليه السلام: " عن البئر
يكون إلى جنبها الكنيف؟ قال: إن مجرى العيون كلها من مهب الشمال، فإذا
كانت البئر النظيفة فوق الشمال، والكنيف أسفل منها لم يفرها إذا كان بينهم
أذرع، وإن كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقل من اثني عشر ذراعا وإن
كانت تجاها بحذاء القبلة وهما مستويان في مهب الشمال فسبعة أذرع.
الخبر " (2).
والظاهر أنه قدس سره فهم من إطلاق الأرض الرخوة، لأنها الغالب،
وتحديده البعد في الصلبة بسبع لرواية المحسن بن رباط - المتقدمة (3) - في اعتبار
السبع مع فوقية البالوعة، بناء على أن المراد بالفوقية أعم من العلو من حيث
الجهة، مجملها على الصلبة لكونها الفرد المتيقن من الاطلاق، كالرخوة في هذه
الرواية، فيطرح ظاهر كل بنص الآخر. لكن فيه إطراحا لرواية ابن أبي
زيد (4) رأسا أو حملا لها على أقل مراتب الاستحباب، كما أشار إليه جامع
المقاصد، حيث قال: إن طريق الجمع حل ما دل على الزيادة على المبالغة في

(1) حكاه عنه في معالم الدين: 106.
(2) الوسائل 1: 145، الباب 24 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 6،
(3) تقدمت في الصفحة: 267.
(4) الوسائل 1: 145، الباب 24 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2.
270

الاستحباب، وحينئذ فيعتبر الفوقية والتحتية باعتبار المجرى، فإن جهة
الشمال فوق بالنسبة إلى ما يقابلها، كما دل عليه الرواية، وإنما يظهر أثر ذلك
مع التساوي في القرار ويضم إلى الفوقية والتحتية باعتبار القرار وإلى صلابة
الأرض ورخاوتها، فيحصل أربع وعشرون صورة (1) انتهى.
أقول: ويشير إلى علو جهة الشمال ما تقدم من قوله عليه السلام في رواية
ابن أبي زيد المتقدمة: " ولا يجري من القبلة إلى دبر القبلة " فإن دبر قبلة
العراقي هي جهة الشمال.
وأما تحصيل الصور الأربع وعشرين فواضح، لأن الست السابقة
يضرب في أربع، هي كون البئر في طرف الشمال والبالوعة في طرف الجنوب
وعكسها، وكون البئر في طرف المشرق والبالوعة في طرف المغرب
وعكسها.
وأما تقييد علو الجهة بعلو القرار بصورة عدم معارضته به فيشكل
استفادته من الأخبار وإن ساعده الاعتبار.
وحاصل ذلك: كفاية الخمس في جميع صور صلابة الأرض، وهي
اثنتا عشرة، وجميع صور علو البئر حسا من صور الرخاوة، وهي أربع من
اثنتي عشرة، وصورة واحدة من صور تساوي القرارين، وهي صورة علو
البئر جهة. ويجب السبع فيما عدا ذلك، وهي جميع الصور الأربع من صورة
علو قرار البالوعة وثلاث من صور تساوي القرارين.
وربما يشكل بما ذكره شارح الدروس (2): أن فوقية القرار إما أن

(1) جامع المقاصد 1: 157.
(2) مشارق الشموس: 247.
271

تعارض فوقية الجهة فيكون بمنزلة المتساويين، أو لا، فعلى الأول ينبغي السبع
في ثمان، لخروج واحدة من الصور الأربع لفوقية قرار البئر المحكوم فيها
بالخمس، وعلى الثاني ينبغي السبع في ست لخروج صورة واحدة من الصور
الأربع لفوقية قرار البالوعة.
ودعوى: أن علو الجهة في البئر تعارض بعلو البالوعة حسا فلا
يوجب كفاية الخمس، بخلاف علو الجهة في البالوعة فإنه لا يعارض بعلو
البئر حسا - بل يكون علو البئر كالسليم - تحكم. إلا أن يقال: إن المستفاد
من الأخبار قيام علو الجهة في البئر في مقام علوها حسا إذا لم يعارض بعلو
حسي. وفيه: أن العلو الحسي في طرف البالوعة لا يؤثر شيئا، ولذا حكمه
حكم عدمه وتساوي القرارين، فيكف يعارض علو الجهة؟ فتأمل.
" و " على كل حال: فلا إشكال في أنه " لا يحكم بنجاسة البئر "
بمجرد قربها من البالوعة " إلا أن يعلم وصول ماء البالوعة إليها " وتغيرها
بأوصاف النجاسة على المختار من عدم انفعال البئر، أو مطلقا على القول
بالانفعال، لقوله عليه السلام حين سئل عن " البئر يكون بينها وبين الكنيف خمسة
أذرع أو أقل أو أكثر، يتوضأ منها؟ قال: ليس يكره من قرب ولا بعد
يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء " (1). واعتبار التغير على المختار لكونه
سببا في النجاسة، وعلى القول الآخر لأنه الكاشف غالبا عن نفوذ الماء،
النجس من الكنيف.
" وإذا حكم بنجاسة الماء لم يجز " ولم يجز، بل حرم كما في القواعد (2)

(1) الوسائل 1: 146، الباب 24 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(2) القواعد 1: 189.
272

والبيان (1) وغيرهما (2) " استعماله في الطهارة " بالمعنى الشامل لإزالة الخبث
والتنظيف المطلوب في الأغسال والوضوءات المندوبة وغيرها من موارد
رجحان استعمال الماء.
أما عدم الاجزاء: فلعدم ترتب الأثر المقصود من هذه الأمور عليه.
وأما الحرمة: فلأن المفروض فعله بقصد ترتب الأثر عليه، وإلا لم
يكن مستعملا للماء في الطهارة، ولذا قال كاشف اللثام: إن استعماله في صورة
الطهارة والإزالة مع اعتقاد عدم حصولهما لا إثم فيه وليس استعمالا له
فيهما (3) انتهى.
وعن النهاية: أن المراد بالمحرمة عدم ترتب الأثر (4).
ولعله لأنه المستفاد من النهي الوارد في مقام بيان الموانع كاستفادة
الحكم الوضعي من الأمر الوارد في مقام بيان الشروط، وهذه غير الحرمة
الناشئة من ذات الفعل، ولذا صح جعل الحكم " مطلقا " غير مختص بصورة
العلم والاختيار، فإن المحرمة الذاتية لا يجري فيها كمن تطهر معتقدا لطهارة
الماء أو مكرها عليه.
وربما يستظهر في المقام تحقق الحرمة الذاتية أيضا من ظواهر النهي عن
التوضي بالماء النجس (5) ونحوه، وحكم بوجوب اجتناب المائين المشتبهين
في الطهارة عن الخبث في ظاهر كلامهم، فإن الحرمة التشريعية لا تمنع عن

(1) البيان: 102.
(2) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 149 والشهيد في روض الجنان: 155 والسيد
في المدارك 1: 106 وصاحب الحدائق 2: 370.
(3) كثف اللثام 1: 42.
(4) نهاية الإحكام 1: 246.
(5) الوسائل 1: 112، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الأحاديث 1 و 6 و 8.
273

الاحتياط بالجمع بين الواجب وغيره المحزم تشريعا، كما في اشتباه المطلق
بالمضاف واشتباه القبلة والفائتة وغير ذلك، لعدم تحقق عنوان التشريع مع
الاحتياط.
ويضعف الاستظهار من ظاهر النواهي بأن النهي فيها وارد في مقام
رفع اعتقاد الاجزاء الحاصل من إطلاق أوامر الطهارة، فإن الأمر المطلق
كقول الشارع " توضأ " و " صل " وقول الموكل " اشتر لي رقبة " يدل على
الرخصة في الوضوء بالماء النجس والصلاة في الثوب النجس وشراء الرقبة
الغير المؤمنة، وهذه الرخصة رخصة وضعية حاصلة من تخيير العقل في
امتثال المطلق في ضمن أي فرد كان، فإذا ورد بعد ذلك قوله: " لا تتوضأ
بالماء النجس " ولا تصل في الثوب النجس " و " لا تشتر رقبة غير مؤمنة " لم
يرد بذلك إلا رفع تلك الرخصة - أعني رفع الإذن عن امتثال المطلق في
ضمن الفرد المنهي عنه - وأن الامتثال في ضمن هذا الفرد غير مأذون فيه،
ومعلوم أن هذا لا يوجب تحريما أصلا فضلا عن أن يكون ذاتيا. نعم،
التعرض للامتثال فيما لم يأذن الشارع في الامتثال به تشريع محرم بالأدلة
الأربعة، ولا يجوز أن يكون حرمة هذا التشريع بتلك النواحي، لأنها محصلة
ومحققة لموضوع التشريع، فلا يصح أن يكون منهيا عنه بها.
وأما حكمهم بوجوب اجتناب المشتبهين فلأجل النص الوارد بوجوب
التيمم معهما، فيقتصر على مورد النص وما يفهم منه التعدي إليه، كأزيد من
الإنائين، واشتباه نجس العين بالطاهر، وغير ذلك مما سنذكر في فروع
المسألة.
وكذا يحرم استعمال الماء النجس " في الأكل " بخلطه مع المأكول
274

بالعجن والطبخ وغيرهما " وفي الشرب (1) " منفردا أو ممزوجا " إلا عند
الضرورة " المسوغة لسائر المحظورات.
وظاهر العبارة كجميع من تأخر عنه اختصاص الحرام بهذه
الاستعمالات دون غيرها، كسقي الدابة والشجر، وبل الطين والجص به،
وعجن الصبغ به، كالهناء، وغيره من الأصباغ.
وظاهر الشيخ قدس سره في المبسوط عدم جواز استعماله بحال (2). وهو
الظاهر أيضا من جماعة من القدماء، كالمفيد (3) والسيدين (4) والحلي (5) في باب
الأطعمة والأشربة، بل المكاسب، حيث حرموا الانتفاع بالمتنجس مطلقا،
وقد ذكرنا في المكاسب ما يوضح جواز الانتفاع في غير الأكل والشرب
والاستصباح تحت الظل على خلاف في الأخير (6).
وتخيل بعض (7) من ملاحظة ظواهر كلمات القدماء، وظواهر بعض
الأخبار أن الأصل في المتنجس حرمة الانتفاع به، إلا ما خرج بالدليل. وقد
قوينا في ذلك الباب أن الأصل بالعكس، كما يظهر من المحقق وجماعة (8).
قال في المعتبر: الماء، النجس لا يجوز استعماله في رفع حدث ولا إزالة

(1) في الشرائع: " لا في الأكل ولا في الثرب " والوجه في عدم ذكر " لا " هنا معلوم.
(2) المبسوط 1: 5.
(3) المقنعة: 65 و 68 و 69 و 582.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 489 و 524، والانتصار: 193.
(5) السرائر 2: 219 و 3: 120 و 121.
(6) المكاسب: 8، 10.
(7) هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 26، كما صرح به المؤلف قدس سره. في
المكاسب، ثم قال: ووافقه بعض مشايخنا المعاصرين.
(8) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 35، والمحقق السبزواري في الكفاية: 85.
275

خبث مطلقا ولا في الأكل والشرب إلا عند الضرورة، وأطلق الشيخ رحمه الله
المنع عن استعماله إلا عند الضرورة. لنا أن مقتضى الدليل جواز الاستعمال
فترك العمل به فيما ذكرنا بالاتفاق والنقل، وبقي الباقي على الأصل (1) انتهى.
" ولو اشتبه الإناء النجس " ذاتا أو بالعرض " بالطاهر " الواحد أو
المتعدد المحصور " وجب " مقدمة للعلم بالاجتناب عن النجس الواقعي
الواجب بحكم العقل الملزم لدفع العقاب المحتمل مع ارتكاب أحدهما
" الامتناع عنهما " فإن الاقدام على ما لا يؤمن فيه المفسدة والعقاب في
القبح كالاقدام على ما يقطع فيه بذلك على ما حكم به العقل وشهد به
جماعة (2).
وإلى ما ذكرنا يرجع استدلال الشيخ في الخلاف على هذا الحكم بأنه
متيقن النجاسة في أحدهما ولا يؤمن من الاقدام على استعماله (3) وقرر هذا
الدليل العلامة في كتبه بأن الاجتناب الواجب لا يتم إلا باجتنابهما (4).
وأما استدلال المحقق عليه بأن يقين الطهارة معارض بيقين النجاسة (5).
فهو مشعر بالتسالم على وجوب الاحتياط في مثل المقام في نفسه، إلا أنه قد
يتوهم جريان أصالة الطهارة المتيقنة الحاكمة على الاحتياط - كما سيجئ -
فدفعه قدس سره كما سيجئ - بالمعارضة الموجب في مثل المقام لتساقطهما.
وقد يمنع وجوب الاحتياط في المسألة، إما لمنع حصول الخطاب

(1) المعتبر 1: 50،
(2) انظر فرائد الأصول: 355.
(3) الخلاف 1: 197، كتاب الطهارة، المسألة: 153.
(4) المنتهى 1: 176، ونهاية الإحكام 1: 248.
(5) المعتبر 1: 103.
276

بالاجتناب لغير المعلوم نجاسته تفصيلا، وإما لمنع وجوب الموافقة القطعية
للتكاليف الواقعية وجعل المسلم هي حرمة القطع بالمخالفة، وإما لحكم
الشارع في الظاهر بالطهارة والحل في كل مشكوك النجاسة والحرمة، غاية
الأمر عدم جواز ارتكاب المشتبهين للزوم العلم بالمخالفة، ولا مانع من
ارتكاب أحدهما للرخصة المستفادة من أدلة أصالتي الحل والطهارة، فهو
نظير ما إذا رخص الشارع للمتحير في ترك الصلاة إلى بعض الجهات،
فيكون ترك المشتبه الآخر في المقام كفعل الصلاة إلى بعض الجهات امتثالا
ظاهريا للتكليف بالواقع.
والكل مدفوع بما بين في الأصول مستقصى.
وحاصل دفع الأول: ظهور الخطابات في وجوب الاجتناب عن
النجس الواقعي وإلا لزم ارتفاع النجاسة في الشبهة المحصورة.
وحاصل دفع الثاني: استقلال العقل بوجوب تحصيل اليقين بالموافقة
وعدم قناعته باحتمال الموافقة مع فرض ثبوت تكليف يقضي بالاجتناب عن
النجس الواقعي.
وحاصل دفع الثالث: عدم جريان أدلة طهارة ما لا يعلم نجاسته
وحلية ما لم يعلم حرمته، لأن جريانه في كلا المشتبهين يوجب المخالفة
القطعية، وفي أحدها المعين دون الآخر ترجيح بلا مرجح، وفي أحدهما
المخير غير مستفاد من تلك الأدلة، لأن أحدها المخير فيه غير داخل تحت
العام، مع أن أحدهما المعين واقعا خارج، لكونه معلوم الحرمة، فإذا وجب
الاجتناب عنه بحكم هذه الأخبار وجب الاجتناب عما يحتمله بحكم العقل،
فهذه العمومات بضميمة حكم العقل دالة على المطلوب، فتأمل.
هذا كله بملاحظة القاعدة الجارية في كل شبهة محصورة بين المشتبهين،
277

وإلا فالاتفاقات المستفيضة كافية في المسألة، بل يكفي فيها النص الآمر
بإهراقهما.
" وإن لم يجد غير مائهما (1) تيمم " وهما (2) موثقا سماعة وعمار: " عن
رجل معه إناءان وقع في أحدها قذر ولا يدري أيهما هو وليس يقدر على
ماء غيرها قال: يهريقهما ويتيمم " (3) وعن المعتبر والمنتهى عمل الأصحاب
بهما وقبولهم لهما (1).
ثم إن في المسألة أمور يجب التنبيه عليها:
الأول
أنه لا فرق في المشتبهين بين كونها مسبوقين بالطهارة - كما في مورد
الرواية - أو بالنجاسة، أو غير معلوم الحالة السابقة، لشمول ما ذكر من
القاعدة ومعقد الاتفاقات المنقولة وفحوى الروايتين. ويحتمل ضعيفا الفرق
بين الصور بالحكم بجواز ارتكاب أحدها في الأولى دون الأخيرتين أو في
الأولى والأخيرة دون الثانية.
الثاني
لو انصب أحد الإنائين المشتبهين وجب الامتناع من الآخر، لبقاء

(1) كذا في الشرائع، وفي النسخ: فإن لم يجد غيرهما.
(2) كذا في النسخ، ولا يخفى عدم سبق مرجع لضمير التثنية، فلاحظ.
(3) الوسائل 1: 112، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2 و 14.
(4) المعتبر 1: 104، والمنتهى 1: 176.
278

حكم العقل الثابت قبل الانصباب. ولا معنى لارتفاعه بتعذر الامتناع عن
المنصب، فهو مسقط للتكليف بالامتناع.
وربما يتمسك هنا باستصحاب وجوب الاجتناب. وفيه: أن الحكم
بوجوب الاجتناب عقلي من باب المقدمة العلمية وهو باقي يقينا.
نعم، لو كان الاشتباه في الإنائين بعد انصباب أحدهما على وجه
لا يثبت التكليف بالاجتناب عن المنصب على تقدير العلم التفصيلي بكونه
هو النجس - كما لو انصب في البالوعة وغيرها مما لا يؤثر انصبابه فيه شيئا
لنجاسته، أو لاستهلاكه للمنصب كالماء الكثير المستهلك له، أو جففته الشمس
بعد الانصباب بحيث صار محله طاهرا - لم يجب الاجتناب عن الباقي، لعدم
العلم بالتكليف الفعلي بالاجتناب عن النجس الواقعي المردد بين المشتبهين،
لاحتمال كون النجس هو المنصب فأصالة الطهارة في الآخر سليمة.
ومثل عدم ثبوت التكليف بالاجتناب عن أحد المشتبهين على تقدير
العلم التفصيلي بحرمته أو نجاسته عدم تنجز التكليف به عرفا على ذلك
التقدير لعدم ابتلاء المكلف به وقبح التكليف به في العرف إلا مشروطا
بابتلائه به، كما لو قطع بوقوع النجاسة إما في الماء الموضوع عنده أو في
الثوب الشخص العابر من عنده الذي لا ابتلاء له فعلا بثيابه، بحيث لو فرض
صدور التكليف منجزا بالاجتناب عن ثيابه كان لغوا عرفا، بل لا يحسن
التكليف المذكور إلا مشروطا بابتلائه بها واتفاق وقوعها في يده، فإن
التكليف بالاجتناب عن النجس الواقعي المردد بين هذا الماء وذلك الثوب
غير منجز، لاحتمال كون النجس هو ذلك الثوب.
ومثله ما لو عبر الشخص في أرض يعلم بوقوع النجاسة في ثوبه أو في
تلك الأرض التي لا حاجة قريبة له إلى استعمالها فيما يشترط طهارته.
279

وكذلك لو علم إجمالا بوقوع النجاسة على الماء أو ظهر الإناء الذي لا
يبتلى به في الاستعمالات المشروطة بالطهارة، كما هو مورد صحيحة علي
بن جعفر عليه السلام الواردة في " رجل رعف فامتخط فصار الدم قطعا صغارا
فأصاب إناءه، هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال عليه السلام: إن لم يكن شئ
يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئا بينا فلا " (1) حيث حملها المشهور في
مقابل الشيخ قدس سره. (2) على ما إذا تحقق إصابة الدم للإناء ولم يتحقق إصابته
للماء، فلم يجعله الإمام من قبيل الشبهة المحصورة. ووجهه ما ذكرنا من عدم
تنجز التكليف بالاجتناب عن استعمال النجس المردد إذ لو علم تفصيلا
بكون النجس هو ظهر الإناء لم يكن عليه تحريم منجز أصلا.
ومما ذكرنا يظهر ما في كلام السيد قدس سره في المدارك، حيث قال بعد
منع بعض مقدمات دليل الاجتناب: إنه يستفاد من قواعد الأصحاب أنه لو
تعلق الشك بوقوع النجاسة في الماء أو خارجه لم ينجس الماء ولم يمنع من
استعماله وهو مؤيد لما ذكرنا (3) انتهى.
فإن المراد بخارج الماء إن كان جسما آخر يصح التكليف عرفا منجزا
بالاجتناب عنه - كما كول أو مشروب آخر أو ما يلبسه أو يسجد عليه في
الصلاة - منعنا حكم الأصحاب بالطهارة في أحدهما، وإن كان مما لا يبتلى
المكلف بالنهي عن استعماله بالفعل - كظهر الإناء أو أرض لا يبتلى المكلف
بالسجود عليها أو التيمم بها - فالوجه في الحكم بطهارة الماء عدم التكليف

(1) الوسائل 1: 112، الباب 8 من أبواب الماء، المطلق، الحديث الأول
(2) حملها الشيخ على ما إذا كان ذلك الدم مثل رأس الإبرة، انظر الإستبصار 1: 23
ذيل الحديث 57.
(3) المدارك 1: 108.
280

الفعلي بالاجتناب عن استعمال النجس الواقعي منجزا.
وأما ما أجاب به عنه في الحدائق أولا بما حاصله: أن ما فرضه من
الشبهة الغير المحصورة، وثانيا: بأن القاعدة المذكورة إنما تتعلق بالأفراد
المندرجة تحت ماهية واحدة والجزئيات التي تحويها حقيقة واحدة إذا اشتبه
طاهرها بنجسها فيفرق فيها بين المحصور وغير المحصور لا وقوع الاشتباه
كيف اتفق (1) انتهى.
ففيه، أما أولا: فلأن ما فرضه في المدارك غير ظاهر في غير المحصور،
المستفاد من قواعد الأصحاب أنه لو كان طرف الشبهة موضعا خاصا
من ظهر الإناء أو لباس الغير حكم بطهارة الماء أيضا. وثانيا: أن ما ذكره
من إناطة حكم الشبهة المحصورة بالأفراد المندرجة تحت ماهية واحدة غير
منضبط أولا، إذ ما من مشتبهين إلا ويمكن جعلهما فردين لماهية واحدة، ولا
دليل على تخصيص القاعدة به ثانيا، فإن مستند تلك القاعدة من العقل
النقل لا اختصاص له بما ذكر أصلا، كما لا يخفى.
الثالث
إن الساري من حكم النجس الواقعي إلى كل من المشتبهين هو الحكم
التكليفي - أعني وجوب الاجتناب، لأن الاجتناب عن كل واحد مقدمة
عملية للواجب -
وأما الحكم الوضعي وهي نفس النجاسة فلا يعقل سرايتها
إليها، بل هي قائمة بما هو نجس واقعا، وحينئذ فملاقي أحدها لم يعلم بملاقاته
لنجس، وإنما علم ملاقاته لما يجب الاجتناب عنه مقدمة، فهو باق على أصالة

(1) الحدائق 1: 517.
281

الطهارة، فلا مجري فيه دليل وجوب الاجتناب عن النجاسة الواقعية بعد
حكم الشارع بأنه طاهر غير نجس، وإنما وجب الاجتناب عن نفس
المشتبهين لعدم جريان أصالة الطهارة في شئ منهما، لأن الأصلين مع العلم
الاجمالي في هذا المقام متساقطان.
وتوهم أن الموجب لسقوط أصالة الطهارة في المشتبه الملاقي (بالفتح)
وهي معارضتها بأصالة طهارة المشتبه الآخر موجود بعينه في الثالث الملاقي
(بالكسر) فيسقط أصالة طهارته أيضا فيجب الاجتناب عنه مقدمة للواجب
الواقعي، مدفوع بأن الشك في طهارة الثالث ونجاسته مسبب عن الشك في
طهارة المشتبه الملاقي أو صاحبه،
وقد تقرر في تعارض الأصول: أن الأصل
الجاري في الشك السبي كالدليل بالنسبة إلى الأصل الجاري في الشك
المسبب (1) سواء كان معارضا له أم معاضدا؟ فأصالة الطهارة في كل من
المشتبهين كدليلين بالنسبة إلى أصالة طهارة الثالث، فإذا تساقطا وجب
الرجوع إلى ذلك الأصل. وهذه قاعدة مطردة في كل أصلين تعارضا
وتساقطا، فإنه يرجع إلى الأصل في آثارهما، سواء كان الأصل جاريا لم
أثر أحدهما، كما إذا وقع رطوبة مشتبهة بين الماء والبول على الثوب، فإنه
يحكم بطهارة الثوب، أم كان جاريا في آثار كليهما، كما إذا وقع ثوب بعد
متنجس في كر مردد بين الماء المطلق والمضاف والبول، فإنه يرجع بعد
تعارض أصالتي عدم وقوعه في المطلق وفي المضاف بأصالة بقاء طهارة المائع
ونجاسة الثوب.
وبالجملة، فالأصل الجاري في الشك المسبب عن شك جرى فيه

(1) كذا، والأنسب: المسببي.
282

أصلان مكافئان سالم عن المعارض متبع في جميع المقامات، فإذا جرت أصالة
الطهارة خرج موردها عن المقدمة العلمية وعن وجوب الاجتناب.
نعم، لو لاقى الآخر ملاق أيضا وجب الاجتناب عنهما، لدخولهما تحت
الشبهة المحصورة.
ولو فقد أحد المشتبهين بعد ملاقاته الثالث لم يزل أصالة الطهارة في
الثالث واختص وجوب الاجتناب بالمشتبه الآخر.
ولو كان الاشتباه بعد الملاقاة والفقد كان الملاقي مع الباقي من الشبهة
المحصورة.
ثم إن المخالف في أصل المسألة العلامة قدس سره في المنتهى، حيث حكم
بأنه لو استعمل أحد الإنائين وصلى به لم يصح صلاته ووجب غسل ما
أصابه، لأن المشتبه كالنجس، ثم نقل عن بعض العامة عدم وجوب غسل ما
أصابه لأن المحل طاهر بيقين فلا يزول طهارته بالشك، وأجاب بأنه لا
فرق في المنع بين يقين النجاسة وشكها هاهنا وإن فرق بينهما في غيره (1)
انتهى.
وفيه: أن اليقين بالنجاسة موجب لليقين بنجاسة ما أصابه، وأما الشك
فيها فلا يوجب اليقين بنجاسة ما أصابه، فيبقى على أصالة الطهارة. وعدم
الفرق بين اليقين والشك هنا شرعا إنما هو في وجوب الاجتناب، لا في
تنجيس الملاقي، فالفرق الحسي بين اليقين والشك موجود، والتسوية الشرعية
بينهما لم يثبت في المقام.
وانتصر صاحب الحدائق لما في المنتهى بأن المستفاد من استقراء موارد

(1) المنتهى 1: 178، 179.
283

الشبهة المحصورة إعطاء الشارع المشتبه بالنجس والحرام حكمهما، قال: ألا
ترى أن ملاقاة النجاسة بعض أجزاء الثوب مع الاشتباه بباقي أجزائه موجب
لغسله كلا (1).
وفيه: أنا لم نجد في موارد الشبهة المحصورة موردا زاد الشارع في علي إيجاب الاجتناب عن المشتبهين. والعجب من استشهاده قدس سره بما ذكره
من مسألة الثوب! مع أن الشارع لم يزد فيه على وجوب الاجتناب عن
النجس الواقعي في الصلاة الذي لا يتم العلم به إلا بالاجتناب عن هذا
الثوب قبل غسل مجموعه، وأما نجاسة ما لاقى موضعا منه فليست إلا عين
المدعى.
نعم، يمكن أن يقال: إن الظاهر من وجوب الاجتناب عن شئ من
النجاسات - كالميتة مثلا - وجوب الاجتناب عن ملاقيه كما يستفاد من بعض
الأخبار (2) وكلمات بعض الأصحاب (3) حيث إن الاجتناب المطلق يعم
الاجتناب عن الملاقي، فتأمل.
الرابع
لو اشتبه أحدهما بطاهر وجب الاجتناب عنهما لعين الدليل الجاري في
أصل المشتبهين. نعم، لو عللنا المحكم في نفس المشتبهين بالنص المعتضد

(1) الحدائق 1: 513، وفيه: كملا.
(2) مثل خبر جابر الجعفي، انظر الوسائل 1: 149، الباب 5 من أبواب الماء المضاف
الحديث 2.
(3) مثل استدلال ابن زهرة بقوله تعالى: " والرجز فاهجر " على نجاسة الماء، القليل
بالملاقاة، انظر الينابيع الفقهية 2: 379، والاستدلال بالآية ساقط من الغنية المطبوع في إ
ضمن الجوامع الفقهية.
284

بالاتفاق، فإن تعدينا من مورد النص إلى أزيد من إنائين فلا ينبغي
الاشكال في هذا الفرض، وإلا فالأقوى عدم الالحاق إلا إذا بنينا على أن
الحكم المشتبه حكم النجس، فحينئذ يجب الاجتناب عنهما. لكن قد تقدم
ضعف المبنى.
ومن هنا نظر في ذلك صاحب المعالم معلا بخروجه عن مورد النص
الوفاق (1).
الخامس
أنه لا إشكال في وجوب التيمم مع انحصار الماء في المشتبهين، لأجل
النص والاجماع المتقدمين (2). وهل هو على القاعدة ليتعدى إلى ما لا يشمله
النص أولا؟ الذي ينبغي أن يقال: إنه إن لم يمكن المجمع بينهما مع القطع
بوقوع صلاته مع طهارة البدن عن النجاسة الواقعية الحاصلة له من استعمال
النجس - إما بتطهير البدن بعد الوضوء بأحدهما من الماء الآخر، أو بالصلاة
عقيب كل وضوء من الوضوئين - تعين التيمم، لفحوى ما دل من النص (3)
والاجماع (4) على تقديم رفع النجاسة الموجودة على الطهارة المائية، إذ الجمع
بينهما في الوضوء، يوجب إلغاء حكم النجاسة المتيقنة مراعاة للطهارة الحدثية

(1) معالم الدين: 162.
(2) تقدما في الصفحة: 278.
(3) الوسائل 2: 564، الباب 21 من أبواب الحيض الحديث الأول.
(4) قال في الجواهر 5: 117: " كل ذا مضافا إلى الاجماع على تقديم الإزالة على
الطهارة في حاشية للارشاد أظن أنها لولد المحقق الثاني. كما عن التذكرة الاجماع أيضا
على تقديمها على الوضوء صريحا والغسل ظاهرا، والمعتبر نفى الخلاف بين أهل العلم
فيه أيضا كذلك ".
285

المتيقنة، والجمع بين الوضوء بأحدها والتيمم يوجب إلغاء احتمال النجاسة
الغير المدفوع بالأصل مراعاة لاحتمال الطهارة، وكلاهما مدفوع بالفحوى
المذكورة. لكن هذا مبني على أن يصلي مع بقاء رطوبة الوضوء على بدنه
والمنع عن النجاسة المحمولة، أما إذا جففها أو قلنا بعدم قدح حمل النجاسة
فاحتمال نجاسة البدن مدفوع بالأمل واحتمال نجاسة الرطوبة لا يقدح،
فمراعاة احتمال حصول الطهارة الحدثية سليمة عن المعارض.
وإن أمكن ذلك، فعلى القول بتحريم الطهارة بالنجس حرمة ذاتية لا
تشريعية تعين التيمم أيضا إما لما ذكره غير واحد من تغليب جانب الحرم
عند تعارضها مع الوجوب (1) وإما لأن الواجب له بدل وهو التيمم بخلاف
الحرام، ففي التيمم نوع جمع بين الواجب وترك الحرام، وكأنه لذلك يجب
التيمم في كل مورد يلزم من الطهارة المائية فوات واجب لا بدل له، ولا
يختص بما لا يلزم منه فعل محرم، والسر: أنه فهم من أدلة التيمم عند العذر
في استعمال الماء الشمول لمورد مزاحمة واجب أو استلزام محرم. وعلل في
بعض الأخبار تقديم مراعاة سائر الواجبات والمحرمات على الطهارة المائية
بأن الله جعل للماء بدلا (2)، فتأمل.
ثم لو تطهر بهما سهوا - مع فرض تطهر بدنه عن النجاسة الحاصلة له
من استعمالها - فالظاهر صحة الوضوء، لعدم النهي وكذا لو تطهر بأحدهما
معتقدا أنه ماء ثالث غير أحد المشتبهين. إلا أن يقال: إن القائل بالحرمة

(1) نسبه المؤلف قدس سره في الأصول إلى العلامة في النهاية وشارح المختصر والآمدي.
انظر فرائد الأصول: 401.
(2) لم نعثر على خبر صريح في ما أفاده، نعم يمكن أن يستفاد ذلك من بعض الأخبار
انظر الوسائل 2: 996، الباب 25 من أبواب التيمم.
286

الذاتية يعترف بشرطية الطهارة لماء الوضوء، وهي غير محرزة هنا، فيجب
ضم التيمم. وأما على القول بالمحرمة الشريعية فالأقوى وجوب الجمع، كما
إذا اشتبه المطلق بالمضاف.
ولو تطهر بأحدها معتقدا أنه غير أحد المشتبهين لم يصح، لعدم
احراز شرط الوضوء، وقد تقدم أن لا دليل على الحرمة الذاتية.
وحينئذ فيمكن تنزيل النص - لأجل تطبيقه مع القاعدة - على ما إذا
يتمكن من إزالة النجاسة المتيقنة عن بدنه. وتكرار الصلاة مع كل وضوء
وإن كان ممكنا إلا أنه قد لا يتمكن من إزالتها للصلاة الآتية ولسائر
استعمالاته المتوقفة على طهارة يده ووجهه.
وبالجملة: فترك الاستفصال
لا يفيد العموم في هذا المورد بالنسبة إلى صورة غير صورة لزوم وقوعه في
المحذور من استعمال النجس في الصلاة والأكل والشرب ونجاسة ما يتضرر
من نجاسته من المأكول والمشروب ونحوهما.
هل يجب الإراقة تعبدا؟ كما يظهر من المقنعة (1) أو الأمر بها كناية عن
عدم الانتفاع بهما (2)؟ أو بيان لاشتراطها في التيمم؟ وجوه بل أقوال، من
ظاهر الأمر، ومن عدم وجوب إراقة نجس العين من الإناء فضلا عن
المتنجس، ومن أن السؤال عن حكم الشخص من حيث إنه لا يجد ماء
غيرهما ويريد الصلاة لا عن مطلق حكمهما حتى مجاب بوجوب الاهراق،

(1) المقنعة: 69.
(2) في النسخ: بها، والصواب ما أثبتناه.
287

فالظاهر أن الإراقة مقدمة للتيمم. وخير الوجوه أوسطها.
السابع
لو انصب أحدهما، فهل يعمل على طبق النص؟ أو يعمل بالقاعدة
بخروجه عن مورد النص وهو الجمع بين الوضوء بالباقي والتيمم؟ وجهان:
أقواهما الأول، لأن الظاهر من النص كون كل منهما في حكم العدم.
والأحوط الوضوء بالباقي والصلاة ثم التيمم والصلاة، أو الوضوء ثم تجفيف
الرطوبة - لئلا يكون حاملا في الصلاة للمشتبه بالنجس الذي يجب اجتنابه
في الصلاة - ثم التيمم.
هل يجوز إزالة النجاسة بأحدهما أو بهما؟ أو لا يجوز؟ وجوه:
من إطلاقات الغسل بالماء خرج ما علم نجاسته - وبها يدفع
استصحاب نجاسة المحل - نعم لو كان النجس المردد بينهما مضافا لم يكن
مورد للاطلاقات.
ومن أن الطهارة شرط وهي غير محرزة إلا إذا غسل بهما متعاقبا، فإن
يعلم حينئذ غسله بماء طاهر، فيقطع بزوال نجاسته السابقة. وتنجسه بالماء.
النجس غير معلوم، لاحتمال غسله به أولا فلا يؤثر فيه، فالماء المتنجس
مردد بين وقوعه على محل نجس فلا حكم له، ووقوعه على محل طاهر فيؤثر
فيه، والأصل بقاء تلك الطهارة، ولو فرض معارضتها بأصالة بقاء النجاسة
المعلوم ثبوتها عند ملاقاة الماء النجس وإن لم يعلم نجاسته المسببة عنه كان
غاية الأمر تساقطهما، فيرجع إلى قاعدة طهارة الأشياء. وهذا هو الذي
288

اختاره جماعة، منهم السيد العلامة الطباطبائي رحمه الله حيث قال في منظومته:
وإن تواردا على رفع المحدث لم يرتفع، وليس هكذا الخبث (1)
ومن أن المرجع بعد تساقط الأصلين عموم ما دل على وجوب غسل الثوب
من النجاسة المرددة (2) فإذا فرضناها بولا دل قوله عليه السلام: " اغسل الثوب
من أبوال ما لا يؤكل لحمه " (3) على وجوب الغسل عقيب كل بول؟ والأمر
بالغسل وإن لم يعلم بقاؤه، إلا أن الاحتياط اللازم عند الشك في سقوط
الأمر يقتضي وجوب الغسل.
ويرده أنا تقطع بأن وجوب الغسل لتحصيل الطهارة، فإذا حصلت
- ولو بحكم الأصل - سقط. وحاصل ذلك: أنه يفرض كل فرد من النجاسة
الملاقية سببا لوجوب غسل الثوب منها، فإذا تحقق بعد زمن العلم بالحال
الغسل بهما فالنجاسة الملاقية للثوب من أحد المشتبهين مع الطهارة الحاصلة
له من استعمال الآخر نظير الحديث مع الطهارة المشكوك في تقدمها عليه،
والفرق بين المقام ومسألة الطهارة والمحدث جريان الأصل فيه لا فيها.
والمقام يحتاج إلى تأمل تام.
ولو فقد أحد المشتبهين، فهل يجب غسل الثوب النجس بالآخر؟
وجهان:
من أنه بعد الغسل محكوم بنجاسته شرعا بالاستصحاب فلا يفيد،
خصوصا فيما يلزم فيه تكثير النجاسة ظاهرا، حيث يحكم بالاستصحاب
بنجاسة أزيد من موضع النجس المتيقن، بناء على أن مقتضى النجاسة

(1) الدرة النجفية: 8، وفيها: " ولو تعاقبا على رفع الحدث ".
(2) راجع الوسائل 2: 1005، الباب 7 من أبواب النجاسات.
(3) الوسائل 2: 1008، الباب 8 من أبواب النجاسات، الحديث 2.
289

تنجس الماء المغسول به، لأن ما حول المحل النجس لا ينفعل بالغسالة ولم
يعلم كونها غسالة.
ومن أن عدم العلم بالنجاسة أولى في نظر الشارع من العلم بها - حتى
فيما يلزم منه تكثير النجاسة في الواقع - لاستصحاب طهارة ما عدا المحل
النجس اليقيني؟ وعموم تنجس ملاقي النجس بعد تخصصه بما عدا أطراف
المحل النجس من قبيل المخصص بالمجمل يرجع فيه إلى الأصل، فتأمل.
290

الطرف " الثاني "
" في " الماء " المضاف "
" وهو كل " مائع يصح إطلاق اسم الماء عليه لعلاقة المشابهة الصورية،
فيخرج المائعات التي لا يصح إطلاق اسم الماء عليها إلا من باب المبالغة في
الميعان، كما يقال للدهن والعسل المائعين مبالغة في ميعانهما.
وهو على أقسام: منه ما حصل بالتصعيد - كماء الورد وشبهه - ومنه
" ما اعتصر من جسم " كماء الحصرم والنيمو (1) " أو مزج به مزجا يسلبه
الاطلاق " (2) كالمرق والخل وماء الزعفران.
ثم إن سلب الاطلاق موكول إلى العرف، ولا عبرة بكمية أحدهما. وفي
المبسوط: تحديده بعدم أكثرية المضاف (3) وعن القاضي: المنع مع التساوي

(1) كذا في النسخ، والظاهر أن المراد به " الليمون ".
(2) في الشرائع: إطلاق الاسم.
(3) المبسوط 1: 8.
291

متمسكا بالاحتياط (1) في مقابل تمسك الشيخ بأصالة الجواز. وظاهر من
تأخر عنهما: الصدق العرفي (2).
وهو قد يكون واضحا، وقد يكون خفيا على العرف للشك في اندراج
هذا الفرد تحت المطلق أو المضاف، فيجب حينئذ الرجوع إلى الأصول
ومقتضاها انفعاله بالملاقاة ولو كان كثيرا، لأن الأصل في ملاقي النجس
النجاسة؟ ولذا استدل في الغنية على نجاسة الماء القليل بالملاقاة بقوله تعالى:
(والرجز فاهجر) (3)
لأن المركوز في أذهان المتشرعة اقتضاء النجاسة في
ذاتها للسراية، كما يظهر بتتبع الأخبار، مثل قوله عليه السلام في الرد على من
قال: لا أدع طعامي من أجل فأرة ماتت فيه: " إنما استخففت بدينك، إن
الله حزم الميتة من كل شئ " (4) فإن أكل الطعام المذكور لا يكون استخفافا
بحكم الشارع مجرمة الميتة - يعني نجاستها - إلا من جهة ما هو المركوز في
الأذهان من استلزام نجاسة الشئ لنجاسة ما يلاقيه.
ويدل عليه أيضا أن المستفاد من أدلة كرية الماء: أنها عاصمة عن
الانفعال؟ فعلم أن الانفعال مقتضى نفس الملاقاة، فإذا شك في إطلاق مقدار
الكر وإضافته لم يتحقق المانع عن الانفعال، والمفروض وجود المقتضي له:
نظير الماء المشكوك في كريته مع جهالة حالته السابقة.
ومن جميع ما ذكرنا يظهر ضعف التمسك في المقام بأصالة عدم

(1) المهذب 1: 24 و 25.
(2) كالمحقق في المعتبر 1: 80، والعلامة في القواعد 1: 185 وغيره، والشهيدين في
اللمعة وشرحها. انظر الروضة البهية 1: 278.
(3) انظر الصفحة 4 28، الهامش 3.
(4) الوسائل 1، 149، الباب 5 من أبواب الماء المضاف، الحديث 2.
292

الانفعال.
ثم إن العلامة - بعد موافقة المشهور على اعتبار الصدق - اعتبر في
خلط المضاف المسلوب الصفات - كمنقطع الرائحة من ماء الورد - تقديرها (1)
وحكي عنه تقدير الوسط منها دون الصفة الشخصية الموجودة قبل
السلب (2). قال في الذكرى: فحينئذ يعتبر الوسط في المخالفة فلا يعتبر في
الطعم حدة الخل ولا في الرائحة ذكاء المسك، وينبغي اعتبار صفات الماء في
العذوبة والرقة والصفاء وأضدادها (3) انتهى.
ولم يقم على هذا القول دليل معتبر.
ولو امتزج المطلق بالمضاف على وجه يعلم بعدم صدق الاسمين،
فالظاهر إجراء أحكام المضاف عليه، لأن سلب اسم الماء عنه يكفي في عدم
ترتب آثاره.
وقد يتخيل احتمال ترتب آثار المطلق على أجزاء المطلق الموجودة فيه
وترتب آثار المضاف [على أجزاء المضاف] (4) كذلك بناء على عدم استهلاك
أحدهما بالآخر فيصح ارتماس الجنب لانغماره بالأجزاء المائية الموجودة فيه
بالفرض.
وفيه: أن الأحكام منوطة بالماء العرفي، وهو ما كان لأجزائه اتصال
لا كالأجزاء المتلاشية في المضاف.
ولو امتزج الماء بمائع غير مضاف - كالدبس - أو بجامد فشك في سلب

(1) المختلف 1: 239.
(2) حكاه المحقق الثاني عن بعض كتب العلامة، على ما في الحدائق 1: 411.
(3) الذكرى: 7.
(4) لم يرد في " ع ".
293

الاطلاق، فمقتضى الأصل بقاء الاطلاق.
وقد يخدش فيه بأن ما نحن فيه من قبيل الشك في اندراج هذا الجزئي
الحقيقي تحت العنوان وهذا لم يكن متيقنا في الآن السابق وما كان مندرجا في
السابق تحت ذلك العنوان كان جزئيا حقيقيا آخر متشخصا. بمشخصات أخر.
وفيه: أن الظاهر من كلمات العلماء في نظائر هذه المسألة جريان
الاستصحاب وأن المرجع في تعيين الموضوع في الاستصحاب وبقائه في الآن
اللاحق ليحمل عليه المستصحب هو العرف، ولذا اتفقوا على إجرائه فيما لو
شك في بقائه على القلة أو الكثرة بعد زيادة شئ من الماء عليه أو نقصانه
عنه، ونحو ذلك.
" وهو " أي المضاف مع طهارة أصله في طاهر، لكن لا يزيل حدثا "
أصغر ولا أكبر. ولا حكمهما عن مثل السلس والمستحاضة، ولا شبههما من
القذارة المعنوية التي يطلب لأجلها الأغسال المسنونة وبعض الوضوءات
" إجماعا " كما هو صرج جماعة (1) ونفى الخلاف عنه في المبسوط بين الطائفة (2)
وفي السرائر بين المحصلين (3).
لكن في المعتبر عن الخلاف حكاية جواز الوضوء بماء الورد عن بعض
أصحاب الحديث منا (4). وحكى [هو] (5) عن ابن بابويه في كتابه أنه قال:

(1) كالشيخ في الإستبصار 1: 14 ذيل الحديث 27، والتهذيب 1: 219 ذيل
الحديث 627، والسيد في الغنية (الجوامع الفقهية): 490 والعلامة في نهاية الإحكام
1: 236.
(2) المبسوط 1: 5.
(3) السرائر 1: 59.
(4) الخلاف 1: 55، كتاب الطهارة، المسألة: 5.
(5) لم يرد في " ع ".
294

لا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد (1)
قال: وربما كان
مستنده رواية حمل بن زياد عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبي الحسن
عليه السلام عن " الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة قال: لا بأس به " (2)
وردها تارة بضعف سندها بسهل وابن عيسى، وأخرى باحتمال إرادة
التنظيف أو الماء المخلوط بقليل لا يسلبه الاطلاق (3).
والأولى ما في التهذيب: أنها شاذة أجمعت العصابة على ترك العمل
بها (4) ومنه يعلم عدم جواز حملها على الضرورة، كما عن العماني (5).
" ولا " يزيل أيضا " خبثا على الأظهر " بل المشهور، للأصل،
وقوله
عليه السلام: " كيف يطهر من غير ماء؟ " (6) وقوله عليه السلام في حديث: " كان بنو
إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة البول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسع
الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا " (7) فإن
قصر الحكم على الماء في مقام الامتنان يدل على انحصار المطهر فيه.
ومنه يظهر جواز الاستدلال بقوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء
طهورا) (8) إلا أن يكون الامتنان باعتبار مطهريته من الحدث أيضا. لكنه غير
وارد على الرواية.

(1) الهداية (الجوامع الفقهية): 48، والفقيه 1: 6.
(2) الوسائل 1: 148، الباب 3 من أبواب الماء المضاف، الحديث الأول.
(3) المعتبر 1: 81.
(4) التهذيب 1: 219، ذيل الحديث 627.
(5) حكاه عنه في المختلف 1: 222.
(6) الوسائل 2: 1043، الباب 29 من أبواب النجاسات، الحديث 7.
(7) الوسائل 1: 100، الباب 1 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 4.
(8) الفرقان: 48.
295

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن
يغسل ثلاثا أو لمن بالتراب " (1) فإن ظاهره الحصر.
وما دل على وجوب صرف الماء الكافي للطهارة عن الحدث في إزالة
الخبث والتيمم (2) من غير استفصال بين وجود المضاف المزيل للنجاسة.
وما ورد في بيان كيفية تطهير الإناء وغيره مما ظاهره تعيين الماء
للإزالة وهي كثيرة متفرقة في أبواب النجاسات.
وبذلك كله يقيد إطلاق أوامر الغسل لو سلم عدم ظهورها في كونه
بالماء المطلق، إما لوضعه له - كما ادعاه في المنتهى والذكرى (3) - أو لانصرافه
إليه - كما هو الأظهر - خلافا للمحكي عن المفيد والسيد قدس سره في شرح
الرسالة - على ما في المعتبر - قال فيه: يجوز عندنا إزالة النجاسة بالمائع
الطاهر غير الماء، وبمثله قال المفيد في المسائل الخلافية (4). وحكي عن
المحقق في بعض رسائله: أن السيد أضاف ذلك إلى مذهبنا (5).
واحتج له في المعتبر بإطلاقات الغسل، وبأن الأصل جواز الإزالة بكل
مزيل للعين، فيجب عند الأمر المطلق جوازه تمسكا بالأصل، وبأن الغرض
إزالة عين النجاسة. ويشهد لذلك ما رواه حكم بن حكيم الصيرفي، قال:
" قلت للصادق عليه السلام: لا أصيب الماء وقد أصاب يدي البول فأمسحه
بالحائط والتراب ثم تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب

(1) انظر سنن الدارقطني 1: 64، باب ولوغ الكلب في الإناء، الحديث 5. وسنن البيهقي
1: 240 ولفظ الحديث فيهما: أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب.
(2) الوسائل 2: 564، الباب 21 من أبواب الحيض، الحديث الأول.
(3) المنتهى 1: 121، 126 والذكرى: 7.
(4) المعتبر 1: 82.
(5) المسائل المصرية (الرسائل التسع): 197 و 216.
296

ثوبي؟ قال: لا بأس " (1) وعن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام عن
علي صلوات الله عليه " قال: لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق " (2).
وأجاب عنه في المعتبر بمعارضة الأصل بأصالة المنع عن الدخول في
الصلاة، وبانصراف الاطلاق إلى المتعارف، كما في قول القائل: " اسقني "
بأن زوال النجاسة بالتراب لا يقول به الخصم. وخبر غياث متروك، أو
محمول على جواز الاستعانة في غسله بالبصاق (3).
ولقد أجاد فيما أجاب، غير أن معارضة الأصل بأصالة المنع محل نظر.
وأما نسبة ذلك إلى مذهبنا: فقد وجهه المحقق بأن من مذهبنا العمل
البراءة الأصلية ما لم يثبت الناقل (4). وهنا لم يثبت؟ ولولا هذا التوجيه لظننا
موافقة بعض من تقدم عليهما لهما في هذه المسألة.
ثم إنه حكي عن السيد قدس سره أنه بعد ما تفطن للاعتراض على
تمسك بالاطلاقات بدعوى انصرافها إلى المعتاد - وهو الغسل بالماء - دفع
ذلك أولا بأن تطهير الثوب ليس إلا إزالة النجاسة عنه وقد زالت بغير الماء
مشاهدة، لأن الثوب لا يلحقه عبادة؟ وبأنه لو كان كذلك لوجب المنع عن
غسل الثوب بماء الكبريت والنفط، ولما جاز ذلك إجماعا علمنا عدم
الاشتراط بالعادة وأن المراد بالغسل ما يتناوله اسمه (5).
وفيه: منع كفاية زوال العين مشاهدة في طهارة الثوب وإلا لما احتاج

(1) الوسائل 2: 1005، الباب 6 من أبواب النجاسات، الحديث الأول.
(2) الوسائل 1: 149، الباب 4 من أبواب الماء المضاف، الحديث 2.
(3) المعتبر 1: 84.
(4) المسائل المصرية (الرسائل التسع): 216.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 219.
297

إلى الغسل، والنقض بماء النفط والكبريت مندفع بالفرق بين الانصرافين، مع
أن شمول المطلق أو حكمه لبعض الأفراد النادرة لا يوجب التعدي إلى غيره
منها
ثم إن المحدث الكاشاني - بعد أن حكى عن السيد جواز تطهير
الأجسام الصقيلة بالمسح بحيث يزول العين عنها لزوال العلة - قال: وهو
لا يخلو من قوة، إذ غاية ما يستفاد من الشرع وجوب اجتناب أعيان
النجاسات، أما وجوب غسلها بالماء من كل جسم فلا فما علم زوال
النجاسة عنه قطعا حكم بتطهره (1) إلا ما خرج بدليل يقتضي اشتراط الماء
- كالثوب والبدن - ومن هنا يظهر طهارة البواطن بزوال العين وطهارة
أعضاء الحيوان النجسة غير الآدمي، كما يستفاد من الصحاح (2) انتهى.
ولا يخفى ضعف ما ذكره من جهة مخالفته للفتاوى والأخبار الكثيرة
الصريحة أو الظاهرة، ولاستصحاب حكم النجاسة المتفق عليه بين الكل حتى
الأخباريين، بل عد مثله المحدث الأمين الاسترآبادي من ضروريات
الدين (3).
ثم المضاف كغيره من المائعات والجوامد الرطبة " متى لاقته
نجاسة (4) " أو متنجس، نجس " سواء في ذلك " قليله وكثيره " لأن الكثرة
غير عاصمة في غير الماء المطلق. " ولم يجز استعماله " اختيارا " في أكل

(1) في " ع " والمصدر: بتطهيره.
(2) مفاتيح الشرائع 1: 77.
(3) الفوائد المدنية: 143.
(4) في الشرائع قبل هذه الفقرة " ويجوز استعماله فيما عدا ذلك " ولا يتعرض المؤلف
قدس سره لشرحه.
298

ولا شرب " إجماعا منقولا بل محصلا، يستفاد من قاعدة تنجس كل مائع
بالملاقاة للنجاسة أو المتنجس، بل كل ملاق برطوبة متعدية.
منها: ما دل على وجوب الاجتناب عن النجاسات، حيث يستفاد
لا وجوب الاجتناب عن ملاقيها، وقد تقدم أنه استدل في الغنية بقوله
تعالى: (والرجز فاهجر) على نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة (1) وأن
لأجل هذه الاستفادة عد الإمام من ارتكب (أكل) الطعام الملاقي للميتة
مخففا للشارع في تحريمه لها، حيث قال: " إن الفأرة أهون علي من أن أدع
طعامي لأجلها " فقال عليه السلام: " إنما استخففت بدينك فإن الله حرم الميتة من
كل شئ " (2).
ومنها: ما دل على نجاسة السمن والزيت إذا ماتت فيه الفأرة إذا كان
ذائبا (3) فإن الظاهر منه علية الذوبان والميعان للتأثر، فيستفاد منه نجاسة
المضاف وكل مائع. ولهذا استدلوا بهذه الأخبار على انفعال المضاف،
واعترضهم بعض من لم يتفطن لإناطة الانفعال بالميعان في هذه الأخبار بأن
موردها ليس من المضاف.
ومنها: ما دل على وجوب إراقة المرق الذي وجدت فيه فأرة (4). بل
دل على طهارة القدر الواقع فيه دم معللا بأن النار يأكل الدم (5) فإن
الظاهر منه وجود المقتضي للانفعال إلا أن الغليان مطهر له كما في العصير.

(1) راجع الصفحة: 284، الهامش 3.
(2) الوسائل 1: 149، الباب 5 من أبواب الماء، المضاف، الحديث 2.
(3) الوسائل 12: 66، الباب 6 من أبواب، ما يكتسب به، الحديث 5 وراجع أيضا
الوسائل 16: 374، الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(4) الوسائل 1: 150، الباب 5 من أبواب الماء، المضاف. الحديث 3.
(5) الوسائل 2: 1056، الباب 38 من أبواب النجاسات، الحديث 8.
299

ومنها: ما دل على نجاسة سؤر اليهودي والنصراني (1) فإنه يشمل
المضاف وكل مائع
ثم إن مورد أكثر هذه الأخبار وإن كان ظاهرا في القليل، إلا أن
المستفاد منها أن العلة في الانفعال هي الملاقاة للمائع ولو كان كثيرا، بل
يستفاد من أدلة اعتصام الكثير المطلق (2) أن الكرية الماء عاصمة، وإلا
فالمقتضي للانفعال في الكثير أيضا موجود، كما يشهد بذلك استناد عدم
الانفعال إلى الكرية، فهي مانعة، وإذا استند عدم الشئ إلى وجود مانعه دل
على وجود المقتضي له، ولذا كان استناد الفقير الذي لا يملك شيئا في ترك
التجارة إلى خوف الطريق قبيحا عرفا، بل كذبا، لأن ظاهر الاستناد إلى
ذلك وجود المقتضي للتجارة فيه
ثم إن تنجس المائع بالنجس يستلزم تنجس الجامد الرطب باعتبار
ما عليه من الرطوبة، إذ لا نعني لنجاسة الثوب إلا قيام رطوبة نجسة به،
فثبت أن كلا من المائع والجامد ينجس بملاقاة النجاسة.
نعم، هنا شك من بعض المتأخرين (3) في تنجس الشئ بملاقاة المتنجس
الذي ليس معه نجاسة عينية، بل قوى عدمه لاستظهار ذلك من بعض
الأخبار. وفيه: منع الظهور ومعارضته بكثير من الأخبار مع كونه إجماعيا
- بل ضروريا - عند المتشرعة.
بقي الكلام في أن السراية في المضاف علي نحوها في المطلق، فلا يسري
من السافل؟ أو لا بل عدم السراية في المطلق إنما خرج عن عموم الملاقاة

(1) الوسائل 1: 165، الباب 3 من أبواب الأسئار.
(2) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء المطلق.
هو المحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 75.
300

بالاجماع والضرورة؟ قولان: أظهرها وأشهرهما الأول، بل الظاهر أنه
مذهب الكل.
عدا سيد مشايخنا في مناهله مدعيا حصول إطلاق فتاويهم
ومعاقد إجماعاتهم على انفعال المضاف بالملاقاة لما إذا كان المضاف عاليا.
وفيه: أن ظاهرهم تنجس المضاف مطلقا على نحو تنجس المطلق
القليل، بل الملاقاة في كلامهم غير معلوم الشمول لهذا الفرد، خصوصا عند
من، لا يرى اتحاد العالي مع السافل.
وبالجملة: فالقاعدة المتقدمة المستفادة من الأخبار - أعني نجاسة المائع
الملاقي للنجس - لم يعلم حصوله للأجزاء العالية من المائع الملاقي بعضه للنجس،
فلاحظها جميعا. بل المركوز في أذهان المتشرعة عدم السراية، ولذا استقرت
سيرتهم على العمل على ذلك، بل صرح في الروض بأنه لا يعقل سراية
النجاسة من الأسفل إلى الأعلى (1). وهو وإن كان ممنوعا، إلا أن دعواه
كاشفة عن عدم وجدانه الخلاف في ذلك عن أحد من العقلاء فضلا عن
العلماء.
هذا كله مضافا إلى الاجماع الظاهر من كلام غير واحد، منهم الشهيد
الثاني في الروض (2). ومنهم السيد العلامة الطباطبائي في المصابيح في
خصوص ماء الورد (3) وفي منظومته، حيث قال:
وينجس القليل والكثير * منه ولا يشترط التغيير
إن نجسا لاقى عدا جار علا * على الملاقي باتفاق من خلا (4)

(1) روض الجنان: 136.
(2) روض الجنان: 136.
(3) المصابيح (مخطوط): 117.
(4) الدرة النجفية: 6، وفيها: إن نجسا لاقى عدا ما قد علا.
301

وادعى صاحب المدارك القطع بعدم السراية (1).
ولا فرق عند التأمل بين
دعوى القطع ودعوى الاجماع ودعوى التواتر التي ذكر المحقق الثاني أنها
لا تقصر عن دعوى الاجماع (2). ولم أقف على كلام في ذلك لمن قبلهم،
إلا أنه يمكن أن يستظهر من جماعة - كالمحقق والعلامة وابن إدريس، في مسألة
الإزالة الخبث بالمضاف - عدم السراية، حيث إنهم ذكروا من أدلة عدم جواز
الإزالة بالمضاف أن ملاقاة المضاف للنجس يوجب تنجسه، ولو كان العالي
وما في الإناء منفعلا عندهم بملاقاة النجاسة لكان أشنع في إلزامه وأنسب
بالذكر.
قال في المعتبر في بيان أدلة المنع: الثاني أن ملاقاة النجاسة موجب
لنجاسته، والنجس لا يزول به النجس. لا يقال: لما ارتفعت النجاسة بالماء
مع تنجسه بالملاقاة فكذا المائع، لأنا نمنع نجاسة الماء مع وروده على النجاسة
- كما هو مذهب علم المدى في الناصريات (3) - أو نقول: مقتضى الدليل المنع
فيهما، ترك العمل به في الماء إجماعا ولضرورة الحاجة (4) انتهى. ونحوه ما في
المنتهى والسرائر (5) مع الاقتصار في الأول على الوجه الثاني في دفع النقض
وفي الثاني على الوجه الأول، ومرجع الوجه الثاني إلى تسليم تنجس الماء
عند الغسل وقيام الدليل على التطهر، ومعلوم: أن تنجسه مختص بالجزء
المصبوب على النجس، فعلم من ذلك أن إلزام القائل بجواز الإزالة بتنجس

(1) المدارك 1: 114.
(2) لم نعثر عليه.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 215.
(4) المعتبر 1: 83.
(5) المنتهى 1: 123، والسرائر 1: 60.
302

هذا المقدار دون باقي المضاف الكائن في الإناء. ومرجع الوجه الأول إلى أن
ورود الماء يوجب عدم انفعاله ولو كان قليلا، والمراد عدم انفعال المقدار
المصبوب لا الباقي في الإناء.
وبالجملة: فكلامهم ظاهر في أن احتجاجهم على القائل بجواز الإزالة
المضاف بنجاسة نفس المقدار المصبوب من المضاف بالملاقاة، وتقدم أنه لو
كان النجاسة سارية إلى العالي وما في الإناء كان الأنسب بل اللازم ذكر
ذلك. ولم يبق موقع للنقض بالماء المطلق، فإن عدم السراية فيه إلى العالي
وما في الإناء من أبده البديهيات ولم يحتج إلى التفصي بالاجماع وضرورة
الحاجة، كما لا يخفى.
وعلى كل حال: فالقول بعدم السراية متعين، لأن دليل النجاسة - كما
تقدم - إما القاعدة المستفادة من تتبع الأخبار، وإما المستفادة من أدلة الكرية
الدالة على أنه مانع، ولولا، لكان المقتضي للانفعال موجودا في النجاسات،
لأن دليل السراية باطل، كما تقدم في الماء المطلق (1).
أما القاعدة: فالانصاف أنه لم يستفد منها إلا السراية إلى المساوي أو
السافل، خصوصا بعد مشاهدة السيرة العظيمة المستقرة على ذلك مع
اطلاعهم على نجاسة المضاف بالملاقاة.
وأما ما ذكر من أدلة مانعية الكر عن الانفعال وقيام المقتضي في نفس
النجاسات - بعد تسليم عدم ظهور اختصاص ذلك بالماء - ليس فيه تعرض
لكيفية التنجيس، لأن قول الشارع: " الشئ الفلاني منجس أو مطهر " لا
دلالة فيه على كيفية التطهير ولا التنجيس إلا ببيان تفصيلي من الشارع أو

(1) تقدم في الصفحة: 115.
303

إجمالي يكشف عنه ما هو المركوز في أذهان المتشرعة، والبيان التفصيلي
مفقود، والاجمالي المكشوف عنه في الأذهان هي السراية مع تساوي
السطوح أو علو النجاسة دون غيرها، بل عرفت من روض الجنان: أنه
يعقل سراية النجاسة إلى العالي (1). والظاهر أن مراده عدم تعقل المتشرعة
وعدم دخوله في أذهانهم لا عدم المعقولية المصطلح عليه عند أهل المعقول.
ثم إن هذا كله مع جريان العالي. وأفا مع وقوف العالي على السافل
من غير جريان، فلا إشكال في النجاسة، كما لو أدخل إبرة نجسة في قارورة
من ماء الورد فإنه لا إشكال في انفعال جميعه ولا خلاف، وكذا الماء المطلق
كما تقدم. والاحتياط لا ينبغي تركه، كما لا ينبغي تركه في موارد الاشتباه في
العلو المعتد به وعدمه،
وإن كان ظاهر عبائر بعضهم في الماء المطلق كفاية
مطلق العلو، إلا أن في بعض أفراده لا يبعد إلحاقه بالتساوي، والاحتياط لا
ينبغي تركه.
واعلم أن طريق تطهير المضاف المتنجس غير مذكور في كلام المصنف
قدس سره، والمشهور فيه: أن يختلط بالماء المعتصم حتى يصير ماء مطلقا،
والمستند في ذلك أمور:
الأول: القطع بعدم اختلاف الماءين الممتزجين غاية الامتزاج، فيلزم
إما طهارة المضاف وهو المطلوب، أو نجاسة المعتصم وهو مخالف لأدلة
اعتصامه.
الثاني: استفادة ذلك مما دل على عدم انفعال الماء الكثير بوقوع
الأبوال النجسة والدم والعذرة، إذ من المعلوم: أن هذه النجاسات توجب

(1) تقدم عنه في الصفحة: 301.
304

إضافة أجزاء من الماء مجاورة لها ولو يسيرة، بل توجب صيرورة أنفسها
بالاختلاط مضافة، فحكم الشارع بطهارة الجميع لا يكون إلا بالاستهلاك.
الثالث: أن المضاف النجس يصير ماء مطلقا فيطهر بامتزاجه بالكثير
إجماعا، كما تقدم في تطهير الماء القليل المنفعل (1).
ودعوى اعتبار كون الامتزاج بالكثير بعد صدق كونه ماء مطلقا
والمفروض أن إطلاقه بالامتزاج فلا مطهر له بعد صيرورته طلقا، مدفوعة
بأن المقصود من الامتزاج تلاشي الأجزاء ولو قبل صيرورته ماء مطلقا، إذ
المفروض انعقاد الاجماع على أن الماء المطلق المتلاشي في أجزاء الكثير لا
يقبل النجاسة العارضة ولا يتحمل النجاسة السابقة الكائنة فيه، ومرجع هذا
إلى الوجه الأول، وهو عدم اختلاف الأجزاء المتلاشية في الطهارة والنجاسة.
ومما ذكرنا يظهر أنه لا فرق بين صيرورة الماء المطلق متغيرا بأوصاف
المضاف المتنجس وعدمها، بناء على المشهور من عدم انفعال الكثير بتغير
أوصافه بالمتنجس. ويأتي على القول بانفعاله به عدم الطهارة، لخروج الماء
بالتغير عن الاعتصام، وقد يستفاد من كلام الشيخ في المبسوط والمحقق في
المعتبر والعلامة في التحرير.
قال في المبسوط: إنه - يعني المضاف - لا يطهر إلا بأن يختلط بما زاد
عن الكر الطاهر المطلق: ثم نظر فيه، فإن لم يسلبه إطلاق اسم الماء ولا غير
أحد أوصافه، فإن سلبه أو غير أحد أوصافه لم يجز استعماله، وإن لم يغيره
ولم يسلبه جاز استعماله في ما يستعمل فيه المياه الطاهرة (2) انتهى. وفي ما

(1) تقدم في الصفحة: 139.
(2) كذا في النسخ، ولا يخفى ما فيه من الاضطراب وعدم الانطباق مع ما في المبسوط
وإليك نصه: ولا طريق إلى تطهيرها مجال إلا أن يختلط بما زاد على الكر من المياه
الطاهرة المطلقة، ثم ينظر فيه فإن سلبه إطلاق اسم الماء لم يجز أيضا استعماله بحال،
وإن لم يسلبه إطلاق اسم الماء وغير أحد أوصافه - إما لونه أو طعمه أو رائحته - فلا
يجوز استعماله مجال. وإن لم يتغير أحد أوصافه ولم يسلبه إطلاق اسم الماء، جاز
استعماله في جميع ما يجوز استعمال المياه المطلقة فيه " المبسوط 1: 5.
305

عندنا من النسخة عطف " غير " بالواو لا بأو.
وفي المعتبر: لو كان المائع الواقع في الماء نجسا، فإن غلب على أحد
أوصاف المطلق كان نجسا، ولو لم يغلب أحد أوصافه وكان الماء كرا فإن
استهلكه الماء صار محكم المطلق وجاز استعمالها (1) أجمع، ولو كانت النجاسة
جامدة جاز استعمال الماء حتى ينقص عن الكر، ثم ينجس الباقي لما فيه من
عين النجاسة (2).
وفي التحرير: ويطهر - يعني المضاف - بإلقاء كر عليه فما زاد دفعة،
بشرط أن لا يسلبه الاطلاق ولا يغير أحد أوصافه (3) انتهى. وعن بعض
النسخ " وإن غير أحد أوصافه " وهو المطابق لما في باقي كتبه.
كما أن الظاهر من عبارة المعتبر إرادة نجس العين، بقرينة قوله في
الأخير: " ولو كانت النجاسة جامدة.. الخ " فتأمل. ويمكن أن يريد تغير
أوصافه بما في المضاف من صفة عين النجاسة. ومراده (4) من الشرطين بقاء
الماء على إطلاقه واعتصامه. وبيان التغير الموجب للنجاسة موكول إلى
مقامه.
فالمتيقن مخالفة الشيخ قدس سره في المبسوط، كما فهم جماعة - كالعلامة

(1) كذا في " ج " والمصدر، وفي سائر النسخ: استعمالهما.
(2) المعتبر 1: 50.
(3) التحرير 1: 5.
(4) ظاهر السياق رجوع الضير إلى المعتبر. لكن المقصود غير واضح.
306

الشهيد (1) وغيرهما - وقد تقدم أن بعض أدلة الانفعال بالتغير مطلقا وإن
أوهم ذلك، إلا أن التأمل في المجموع يعطي الاختصاص بنجس العين.
وعلى كل تقدير: فلا ينبغي الاشكال في أنه لو سلب المضاف إطلاق
الماء الكثير تدريجا انفعل جميعه وإن لم يبق عنوان المضاف أيضا - كما لو ألقي
الدبس المتنجس في الكر -
لأنه لا دليل على طهره بمجرد ملاقاته للكر
ومماسة الكر لبعض سطوحه، لعدم جريان الأدلة السابقة وفقد غيرها. عدا
ما يتوهم من إطلاق مطهرية الماء، وقد مر (2) أنه - على تقدير الاغماض عن
سنده وإطلاقه - لا ظهور له في كفاية ملاقاة بعض سطوح النجاسة، بل هو
أما مجمل من حيث كيفية التطهير، وإما محمول على ما هو المركوز في
الأذهان.
ويستفاد من الروايات اعتبار غلبة الماء على النجاسة، وهي
مفقودة فيما نحن فيه، فإذا بي المضاف على نجاسته ينجس به الماء المسلوب
لاطلاق، لمخالطة بعضه، لأنه مضاف لاقى نجسا، وينجس به ما بقي من الماء
المطلق إذا صار أقل من كر، وإلا فبعد صيرورته قليلا.
نعم، لو فرض أن استهلاك المضاف في الماء المطلق وحدوث إضافته
صار دفعة حقيقية أمكن أن يقال: إن المضاف لم يلاق نجسا، بل الكثير
بتلاشيه فيه صار مضافا، والمفروض حدوث الطهارة بنفس التلاشي، لأن
الكثير لا ينفعل، فالاختلاط سبب للتطهر والإضافة معا.
ولو شك في طهارة المضاف حينئذ شك في نجاسة الكر " والأصل
عدمهما فيتساقطان، ويرجع إلى قاعدة الطهارة. لكن فرض الامتزاج دفعة

(1) المختلف 1: 240، والذكرى: 8.
(2) انظر الصفحة: 144 وما بعدها.
307

مما لا يوجد في الخارج، وبدونه لا مناص عن التزام النجاسة، كما ذكرنا.
بل ينبغي الحكم بالانفعال مع الدفعة إذا ألقي الكر على المضاف - على
ما فرضه في المنتهى (1) - لأن محله يبقى على النجاسة فينجس المضاف بملاقاته
كما نبه عليه كاشف اللثام (2) تبعا لجامع المقاصد (3).
فظهر ضعف ما ذكره العلامة في ظاهر المنتهى والقواعد من كفاية مجرد
الاتصال بالكر (4) بل نسب ذلك إلى ما عدا النهاية من كتبه (5). وفيه نظر
لتصريحه في التحرير والتذكرة على اشتراط بقاء الاطلاق (6) بل في موضع من
المنتهى التصريح بأن الماء الكثير المتغير بالمسك أو الزعفران النجس لو سلب
الاطلاق تنجس (7) والفرق بين المسألتين مشكل. وربما يتوهم من عبارة
الذكرى أيضا موافقته (8) ويندفع بالتأمل فيها.
ومن جهة ظهور ضعف قول العلامة قدس سره حاول بعضهم (9) تأويله بما
هو أضعف، فإن القول مشهور عن العلامة، قال في القواعد: لو نجس المضاف
ثم امتزج بالمطلق الكثير فغير أحد أوصافه فالمطلق على طهارته فإن سلبه

(1) المنتهى 1: 127.
(2) كشف اللثام 1: 35.
(3) جامع المقاصد 1: 125.
(4) المنتهى 1: 127، وأما في القواعد: فاشترط فيه بقاء الاطلاق، انظر القواعد 1:
187.
(5) مفتاح الكرامة 1: 85.
(6) التحرير 1: 5، والتذكرة 1: 33.
(7) المنتهى 1: 54
(8) الذكرى: 8.
(9) أراد به صاحب الجواهر ظاهرا، انظر الجواهر 1: 329.
308

لاطلاق خرج عن كونه مطهرا لا طاهرا (1) انتهى. وفي المنتهى: ويطهر
المضاف بإلقاء كر دفعة وإن بقي التغير ما لم يسلبه الاطلاق فيخرج عن
الطهورية (2) انتهى.
ولا يخفى أن كلامه صريح في الامتزاج. فرده - كما في الروضة (3) -
اشتراط وصول الماء إلى كل جزء من النجس محل نظر، إذ لا منافاة بين
الوصول وصيرورة الماء مضافا. نعم، لو كان الوصول تدريجا لم يمكن
تطهير، كما لو فرض كون المضاف في غاية الحموضة أو الرائحة فاختلط
بأضعافه من الكثير واستهلكه إلى جنسه، فإن وصول الماء إلى كل جزء
محقق، ولذا لو كان هذا المقدار من المضاف قليل الطعم أو الرائحة انقلب
مطلقا.
" و " كما يعتبر إطلاق الاسم في مزج النجس من المضاف بكثير
المطلق فكذا " لو مزج طاهره بالمطلق اعتبر في " ترتب أحكام الماء على
المجموع من " رفع الحدث " والخبث " به " وغير ذلك " إطلاق الاسم (4) "
يجب حينئذ إزالة الحدث والخبث به لولا يوجد غيره.
وفي وجوب المزج قولان للشيخ (5) والعلامة (6) من تعلق الحكم بوجوب
الإزالة على الوجدان وقبل المزج غير واجد، لأن وجود جزئي المركب لا
يكفي في وجوده - ولذا يصدق عدم وجدان السكنجبين في الدار أو السوق

(1) القواعد 1: 185.
(2) لم نجد العبارة في المنتهى، بل هي عبارة القواعد بعينها، انظر القواعد 1: 187.
(3) الروضة البهية 1: 280.
(4) في الشرائع زيادة: عليه.
(5) المبسوط 1: 10.
(6) المختلف 1: 240.
309

مع وجدان أجزائه - ومن أن الظاهر أن المراد من الوجدان - بقرينة تعليل
الحكم في الكتاب والسنة بنفي الحرج - هو تيسر التحصيل وهو حاصل في
الفرض، كما لا عبرة بالوجدان مع عدم تيسر الاستعمال، فكذا لا عبرة بعدم
الوجدان مع تيسر التحصيل.
" وتكره الطهارة بالماء المسخن (1) بالشمس في الآنية " لقوله
صلى الله عليه وآله وسلم - فيما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن أبا الحسن عليه السلام
لعائشة لما وضعت قمقمتها بالشمس لتغسل رأسها وجسدها: " لا تعودي فإنه
يورث البرص (2) وفيما رواه إسماعيل بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام
" الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضؤوا به ولا تغتسلوا به ولا تعجنوا به
فإنه يورث البرص " (3).
والمراد الكراهة للاجماع ظاهرا؟ وظهور التعليل في ذلك، فإن مخافة
البرص حكة الكراهة دون الحرمة، ولما عن الصادق عليه السلام من نفي البأس
بالوضوء بالماء الذي يوضع في الشمس (4).
وظاهرها كراهة مطلق الاستعمال ولو مع عدم قصد الاستسخان كما
عن النهاية (5) والمهذب (6) والجامع (7) وظاهر المحكي عن الخلاف كراهة

(1) في الشرائع: بماء أسخن.
(2) الوسائل 1: 150، الباب 6 من أبواب الماء، المضاف، الحديث الأول.
(3) الوسائل 1: 150، الباب 6 من أبواب الماء، المضاف، الحديث 2.
(4) الوسائل 1: 151، الباب 6 من أبواب الماء، المضاف الحديث 3.
(5) النهاية: 9.
(6) المهذب 1: 27.
(7) الموجود فيه خلاف ما نسبه إليه، انظر الجامع للشرائع 1: 20، ولعله مصحف
" جامع المقاصد " حيث صرح فيه بعدم اشتراط قصد التشميس، انظر جامع المقاصد
1: 130.
310

التوضي مع القصد (11 وهو صريم السرائر أيضا مع تخصيصه الكراهة
بالطهارتين (2).
وفي الذكرى ألحق العجين بالطهارة (3).
وظاهر الرواية الأخيرة بقاء الكراهة مع زوال السخونة - خلافا
لجماعة (4) -
وعدم الفرق بين القليل وغيره وإن خصه بعض - كالمصنف قدس سره
وغيره - بالآنية، بل عن العلامة في التذكرة والنهاية الاجماع على
الاختصاص (5).
وظاهر النهي من حيث حصوله لمطلق الاستعمال الكراهة المصطلحة
فيشكل اتحاده مع العبادة في الوجود الخارجي.
وأشكل من ذلك حكم
الشهيد الثاني في الروض ببقاء الكراهة مع انحصار الماء، قال: " ولا منافاة
بين الوجوب والكراهة كما في الصلاة وغيرها من العبادات على بعض
الوجوه، فلو لم يجد ماء غيره لم يزل الكراهة وإن وجب استعماله عينا لبقاء
العلة، مع احتمال الزوال " (6) وقد تقرر في الأصول: أن الكراهة الجامعة مع
العبادات الراجحة لا تكون بالمعنى المصطلح مع وجود البدل لها، فكيف
يجامع ما لا بدل له من العبادات! وحمل الكراهة على غير المصطلح لا
يستقيم مع إرادة الكراهة المصطلحة بالنسبة إلى غير العبادة من

(1) الخلاف 1: 54، كتاب الطهارة، المسألة: 4.
(2) السرائر 1: 95.
(3) الذكرى: 8.
(4) لم نجد أحدا أفتى بالخلاف.
(5) التذكرة 1: 13، نهاية الإحكام 1: 226.
(6) روض الجنان: 161.
311

الاستعمالات.
ويمكن أن يقال: إن النهي للارشاد، كما ذكره أولا في الروض
معللا بأن المصلحة دنيوية فلا ينافي رجحان الفعل لمصلحة أخروية. وفيه
- مع منع رجوع دفع الضرر الدنيوي إلى المصلحة الدنيوية ومنافاة ذلك
لحكم الأصحاب قاطبة بالكراهة الظاهرة في المصطلحة - أنه لا يصلح وجها
للحكم بالكراهة مع الانحصار، لأن النهي الارشادي لا يخلو عن طلب الترك
- كما في نواهي المريض وأوامره - وإن كان لا يترتب على موافقتها ومخالفتها
سوى خاصية نفس المأمور به والمنهي عنه الموجودة مطلقا حتى حال أمر
الشارع بمخالفتها - كما فيما نحن فيه - فإن الموجود هنا مصلحة الطلب
الارشادي لا نفسه.
" و " تكره الطهارة " بماء أسخن (1) بالنار " لكن " في " خصوص
" غسل الأموات " إجماعا محكيا عن غير واحد (2) لصحيحة زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام: " لا يسخن الماء للميت " (3) و " لا تعجل له النار) (4) ونحوها
رواية يعقوب بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام " (5). وقوله عليه السلام: " لا يقرب
الميت ماء " حميما " (6).

(1) كذا في الشرائع، وفي النسخ: بماء المسخن.
(2) ادعاه الشيخ في الخلاف 1: 692، كتاب الجنائز، المسألة: 470. والعلامة في
المنتهى: 430 (الطبعة الحجرية) وحكاه في مفتاح الكرامة 1: 97 عن الدلائل أيضا.
(3) الوسائل 2: 693، الباب 10 من أبواب غسل الميت، الحديث الأول.
(4) كأن المؤلف قدس سره زعم أن هذه القطعة وردت في ذيل رواية زرارة ورواية يعقوب
بن يزيد الآتية، كما سيأتي التصريح منه بذلك، لكنه وردت في ذيل رواية يعقوب بن
يزيد فقط، لاحظ المصادر الحديثية.
(5) الوسائل 2: 693، الباب 10 من أبواب غسل الميت، الحديث 3،
(6) المصدر السابق، الحديث 2.
312

وظاهر الكل - خصوصا بملاحظة ذيل الأولين - كراهة استعماله ولو في
مقدمات الغسل كإزالة النجاسة عن بدنه.
ويحتمل أن يراد بقول المصنف قدس سره: " في غسل الأموات " أعم منه
يتعلق به، والمحكي عن الشيخ - من استثناء ما إذا كان على بدنه نجاسة
قلعها إلا الماء الحار (1) - شاهد عليه.
وظاهر التسخين أعم من كونه بالنار، خصوصا بملاحظة الرواية
الأخيرة وهو أيضا ظاهر من أطلق التسخين، إلا أن التعجيل بالنار في ذيل
الخبرين (2) يصلح بأن يستظهر به إرادة الأخص.
ثم لا إشكال في استثناء صورة الحاجة، ومنها: ما لو تعسر على
الغاسل لبرد يضر به.
وعن بعض الروايات قوله عليه السلام بعد النهي: " إلا أن
يكون الماء باردا جدا فتوقى الميت مما توقي منه نفسك " (3) فيحتمل أن يراد
بذلك أنه إذا كنت محتاجا إلى توقية نفسك عن استعماله فلا بأس بأن توقي
الميت منه وتغسله بالماء الحار، والتعبير بتوقية الميت المشعرة بالاحترام
للإشارة إلى أن التسخين حينئذ ليس تعجيلا له بالنار، بل ينبغي أن يقصد به
احترامه كما في حال حياته. ويحتمل أن يراد به: أنك وإن صبرت على
تغسيله بالماء البارد شديدا لأن المباشر له ليس إلا يدك المعتادة على تحمل
البرد إلا أنه ينبغي أن توقي جسد الميت عن البرودة الشديدة لو استعملته
على جسدك بقدر استعماله كما وكيفا وزمانا أشرفت نفسك على الهلاك.

(1) الخلاف 1: 692، كتاب الجنائز، المسألة: 470.
(2) تقدم أن التعجيل ورد في ذيل خبر يعقوب بن يزيد فقط.
(3) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام 1: 167، وأورده في الوسائل 2: 694،
الحديث 5 عن الفقيه باختلاف يسير.
313

وعلى المعنى الأول لا يكون استثناء زائدا على حاجة الغاسل، وعلى المعنى
الثاني يكون أمرا زائدا عليه، وحيث إن الرواية محتملة للأول - مع كونها
ضعيفة - فرفع اليد عن الكراهة الثابتة بالأدلة المعتبرة مشكلة جدا، والله
العالم.
ويكره الاستشفاء بالعيون الحارة، ذكر ذلك جماعة (1) وحكي عليه
روايات (2) فلا بأس بالقول به.
" و " اعلم أن في الماء المستعمل في رفع الخبث (3) " غير مطهر عن
الحدث - على ما هو المعروف بين أصحابنا - كما صرح به في المقنعة (4)
والمبسوط (5) والعبارة المحكية في السرائر عن السيد (6) والوسيلة (7) والسرائر (9)
والمعتبر (9) وكتب أكثر من تأخر عنه (10) وفي المعتبر والمنتهى: الاجماع على
ذلك (11) وعن المعالم: دعوى الاجماع على عدم ارتفاع المحدث بماء الاستنجاء (2)

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 13، والحلي في السرائر 1: 95، والعلامة في القواعد
1: 190
(2) الوسائل 1: 160، الباب 2 من أبواب الماء المضاف.
(3) كذا في النسخ، وفي الشرائع: في غسل الأخباث.
(4) المقنعة: 64.
(5) المبسوط 1: 11.
(6) السرائر 1: 120.
(7) الوسيلة: 74.
(8) السرائر 1: 120.
(9) المعتبر 1: 90.
(10) لم نعثر عليه إلا في ذخيرة المعاد: 143، ومشارق الشموس: 253.
(11) المعتبر 1: 90، والمنتهى 1: 142.
(12) معالم الدين، 29.
314

فالمقام أولى.
ويدل عليه رواية عبد الله بن سنان: " الماء الذي يغسل به الثوب أو
يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه وأشباهه " (1) لكن في
دلالتها - بعد الاغماض عن سنده - نظر من حيث اقترانه بالماء المستعمل في
رفع الجنابة ولا نقول فيه بالمنع. لكن يمكن حملها على نجاسة المحل، كما في
التذكرة (2).
ومن الغريب! ما في المبسوط - في اغتسال الجنب ترتيبا - أنه إن كان
على بدنه نجاسة أزالها ثم اغتسل، فإن خالف واغتسل أولا فقد ارتفع حدث
الجنابة وعليه أن يزيل النجاسة إن كانت لم تزل وإن زالت بالاغتسال فقد
أجزأه عن غسلها (3) انتهى.
وهل هو " ينجس (4) سواء تغير ب‍ " عين " النجاسة أو لم يتغير " أو
طاهر مع عدم التغير فيه؟ أقوال متكثرة باعتبار ظاهر كلمات الأصحاب.
واعلم أن هذا الخلاف بعد الاتفاق على نجاسة الماء القليل بملاقاة
النجاسة وإن ورد عليها. أما لو قلنا بعدم نجاسة القليل مطلقا كالعماني (5) أو
مع وروده عليها كالسيد في ظاهر الناصريات (6) والحلي في ظاهر كلامه عند
حكاية ذلك عن السيد (7) فلا يعقل إنكار الطهارة بما يرد على المتنجس

(1) الوسائل 1: 155، الباب 9 من أبواب الماء المضاف، الحديث 13.
(2) التذكرة 1: 35.
(3) المبسوط 1: 29.
(4) في الشرائع: نجس.
(5) نقل عنه المحقق في المعتبر 1: 48.
(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 215،
(7) السرائر 1: 181.
315

لتطهيره، كما هو محل النزاع. وبالجملة: فالخلاف في استثناء الغسالة من كلية
انفعال الماء القليل مطلقا، فعد مثل العماني والسيد والحلي من القائلين
بالطهارة - كما وقع من كاشف الالتباس (1) حيث نسب القول بالطهارة في محل
الخلاف إلى شيوخ المذهب، قال: كابن عقيل والشيخ والسيد وابن إدريس -
لا وجه له إلا إرادة تكثير سواد أهل هذا القول. نعم، لو خص بالسيد
والحلي الطهارة بالماء الوارد للإزالة كان لما ذكر وجه.
والأقوى النجاسة وفاقا للفاضلين (2) وأكثر من تأخر عنهما (3) وحكي
عن الإصباح (4) وظاهر المقنع (5). وفي الذكرى عن ابن بابويه وكثير من
الأصحاب عدم جواز استعمال الغسالة (6) وظاهر إطلاقه النجاسة. وفي
التحرير والمعتبر - في باب غسل المس - الاجماع على نجاسة المستعمل في
الغسل إذا كان على البدن نجاسة (7).
واختلف قول الشيخ قدس سره لكن ظاهره في مواضع من المبسوط
اختيار هذا القول:
أحدها: في المستعمل، حيث إنه بعد الحكم بأنه طاهر مطهر من الخبث
لا من الحدث قال: هذا إذا كانت أبدانهما خالية عن نجاسة، فإن كان عليها

(1) كثف الالتباس (مخطوط): 26.
(2) المحقق في المعتبر 1: 90، والعلامة في القواعد 1: 186 وغيره.
(3) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 59 والشهيدان في اللمعة وشرحها (الروضة
البهية) 1: 310، والأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 285.
(4) إصباح الشيعة (الينابيع الفقهية) 2: 4.
(5) المقنع (الجوامع الفقهية): 3.
(6) الذكرى: 9.
(7) التحرير 1: 6، والمعتبر 1: 351.
316

شئ من نجاسة فإنه ينجس الماء ولا يجوز استعماله بحال (1) انتهى.
والثاني: في باب تطهير الثياب، قال: وإذا ترك تحت الثوب النجس
إجانة وصب عليه الماء وجرى الماء في الإجانة لا يجوز استعماله لأنه
نجس (2) انتهى.
الثالث: في باب الصلاة في حكم الثوب والبدن والأرض، قال: والماء
الذي تزال به النجاسة نجس، لأنه ماء قليل خالطه نجاسة، وفي الناس من
قال: ليس بنجس إذا لم يغلب على أحد أوصافه، بدلالة أن ما يبقى في
الثوب جزء منه وهو طاهر بالاجماع، فما انفصل عنه فهو مثله، وهذا قوي
الأول أحوط، والوجه فيه أن يقال: إن ذلك عني عنه للمشقة (3) انتهى.
ومراده بالأحوط ليس مجرد الاحتياط المستحب، وإلا لم يحتج إلى
إبطال دليل الطهارة بقوله: " والوجه فيه.. الخ "، فالتعبير به لكون دليل الحكم
مطابقا للاحتياط، وإلا فليس المبسوط رسالة عملية للعوام يرشدهم فيها إلى
الاحتياطات المستحبة المختفية عليهم لعدم الاطلاع على الخلاف في المسألة،
هو واضح، ويزيده وضوحا تتبع مثل هذه الموارد من المبسوط. وعلى هذا
فقوله: " وهو قوي " مجرد تقوية قد ردها بقوله: " والوجه فيه... الخ " ومذهبه
النجاسة، وفي نسبة القول بالطهارة إلى بعض الناس إشعار بعدم القائل بها من
الخاصة.
وله قدس سره عبارات أخر يظهر منها قوله بالطهارة مطلقا أو في ما عدا

(1) المبسوط 1: 11.
(2) المبسوط 1: 37.
(9) المبسوط 1: 92.
317

الغسلة الأولى، تأتي إن شاء الله تعالى (1).
ويدل على المختار وجوه:
أحدهما: الاجماعان المنقولان (2) المعتضدان بالشهرة المحققة، على ما
عرفت.
الثاني: عموم أدلة انفعال الماء القليل، مثل قوله عليه السلام: " إذا كان
الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (3)
وتوهم عدم العموم في المفهوم من جهة
صيرورة " الشئ " نكرة في سياق الاثبات وأن ارتفاع السلب الكلي في
المنطوق أعم من الايجاب الكلي في المفهوم، كما في قولك: " إذا خفت من الله
فلا تخف من أحد " و " إن جاءك زيد فلا تكرم أحدا " مدفوع:
أولا: بأن مقتضى القاعدة إفادة المفهوم في هذه للموجبة الكلية، لأن
انتفاء الحكم عن كل واحد من الأفراد في طرف المنطوق إذا فرض استناده
إلى وجود الشرط الذي هو ظاهر في العلية التامة المنحصرة - على ما هو
المفروض من القول بحجية مفهوم الشرط - لزم عقلا من ذلك أن كل فرد
منها إذا انتفى الشرط يثبت له الحكم المنفي في المنطوق، وهذا واضح جدا
نعم، لو استفيد من المنطوق كون الشرط علة للحكم العام بوصف العموم
- وبعبارة أخرى: علة لعموم الحكم - كان المنفي في المفهوم هو ذلك الحكم
الثابت للحكم العام بوصف العموم، فيكني ثبوته لبعض الأفراد؟ لكن العموم
في السالبة الكلية ليس من قيود السلب حتى يكفي في انتفائه انتفاء قيده، ولا
يصلح أن يكون من قيود المسلوب، وإلا لم يكن السلب كليا. نعم، لو قامت

(1) انظر الصفحة: 323، 324.
(2) تقدم نقلهما عن المعتبر والتحرير في الصفحة: 316
(3) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1 و 2 وغيرهما.
318

القرينة من الخارج على أن الشرط ليس علة منحصرة لحكم الجزاء بل له
أسباب أخر، كعدم المقتضي أو وجود مانع آخر - كما في المثالين المذكورين،
حيث يعلم من الخارج أن لعدم الخوف من كثير من الآحاد، ولعدم إكرام
كثير من الناس أسبابا أخر، وليس عدم الخوف والاكرام في كل أحد مستندا
إلى الخوف من الله أو مجئ زيد بالبديهة - لم يفد المفهوم إلا ثبوت الحكم
المنفي في المنطوق عن الأفراد المستند عدم الجزاء فيها إلى عدم الشرط.
لكنك خبير بأنه لا مناص مع عدم القرينة عن التزام ظهور الكلام في كون
الشرط سببا منحصرا لا يشتركه سبب آخر يقوم مقامه، فإن هذا هو معنى
القول بمفهوم الشرط وإنكاره إنكار له: ولهذا أنكر السيد المرتضى قدس سره
مفهوم الشرط استنادا إلى عدم ظهوره في انحصار السبب (1) فلعل المجئ
سبب لاكرام زيد ويقوم مقامه عند انتفائه سبب آخر فلا ينتفي الجزاء.
وثانيا: لو سلمنا عدم دلالة المفهوم بمقتضى نفس التركيب على العموم،
لكن القرينة هنا عليه موجودة، لأن المراد بالشئ في المنطوق ليس كل شئ
من أشياء العالم، بل المراد ما من شأنه تنجيس ملاقيه من النجاسات المقتضية
للتنجيس، فإذا فرض كون كل فرد منها مقتضيا للتنجيس وكانت الكرية
مانعة لزم عند انتفاء الكرية المانعة ثبوت الحكم المنفي لكل فرد من الشئ
باقتضائه السليم من منع المانع، وأول المثالين من هذا القبيل، فإن المنفي مع
ثبوت الخوف من الله هو الخوف عن كل من يوجد فيه مقتضى الخوف منه،
فمع عدم الخوف من الله يثبت الخوف من كل واحد من هذه المخوفات
باقتضاء نفسه، ومن هذا القبيل قولك: " إذا توكلت على الله فلا يضرك

(1) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 406.
319

ضار " والفرق بين هذا الجواب وسابقه يظهر بالتأمل.
وأما ثالثا: فلأن عدم العموم في المفهوم من جهة لفظ " الشئ " لا
يقدح في الاستدلال أصلا، لأن كلل الحاجة في المقام هو عموم الحكم لجميع
أنحاء الملاقاة من ورود الماء مطلقا أو بقصد الإزالة، فإنا نفرض الثوب نجسا
بالنجاسة التي يعترف الخصم بانفعال الماء بها مع عدم غسلها، فيدل المفهوم.
على تنجس ذلك الماء، وهذا كاف، ومن المعلوم: أن الثوب النجس نجاسة
ينجسه التلاقي لماء قليل لا يتعدد أفراده بكونه مغسولا بذلك الماء أو غير
مغسول حتى يدعى عدم عموم " الشئ " لجميع أفراده، فالعمدة في المقام "
الكلام في عموم المفهوم بالنسبة إلى أنحاء الملاقاة لا بالنسبة إلى لفظ
" الشئ ".
فنقول: إن من الواضح عند المتشرعة أنهم لا يفهمون من تنجيس
الشئ النجس لغيره إلا تأثيره به عند التلاقي من غير فرق بين أنحائه، ألا
ترى أنه لو شك في تأثير الشئ بملاقاة النجس بالرطوبة من فوقه أو من
تحته أو عن أحد جانبيه رد عليه في ذلك كافة المتشرعة، وكذا لو شك في
تفاوت الدواعي والأغراض في الملاقاة، بأن يكون غرضه من الملاقاة إزالته
أو عدم إزالته.
ومما ذكرنا يظهر: أنه لا حاجة في إثبات عموم الحكم بصورتي
الورودين إلى التشبث بعموم لفظ " الماء " بعد تسليم عدم عموم " الشئ " في
المفهوم كما وقع من العلامة الطباطبائي (1) لأن التحقيق أن عموم الكلام "
لصورتي الورودين من عموم الأحوال لا عموم الأفراد حتى يحتاج إلى

(1) المصابيح (مخطوط): 103.
320

إثبات عموم " الشئ " أو " الماء ".
وبالجملة: فلا أظن التأمل في عموم المفهوم المذكور إلا من قلة التأمل،
ولذا لم يتأمل فيه بعد مخالفة العماني أحد إلا لدليل مخصص، كما وقع من
السيد والحلي قدس سرهما في التفرقة بين الورودين (1) ولذا جعل في الذكرى ماء
الغسالة من مستثنيات الماء القليل على القول بطهارته (2). وقد ذكر في المعتبر
في الطعن على رواية تطهير الأرض بالذنوب أنها منافية للأصول لأن الماء
المنفصل عن محل النجاسة نجس لأنه قليل لاقى نجسا (3).
وقد صدر عن بعض المعاصرين في حاشيته على المعالم في مسألة
مفهوم الشرط مع بعض المحققين المدعي لعموم مفهوم الرواية في حاشيته على
المدارك ما لا يليق بهما (4) فراجعهما.
ويعضد ما ذكرنا من القاعدة العمومات الدالة على جواز رفع الحدث
بالماء الطاهر، فإنها يدل بعكس النقيض على أن كل ما لا يرفع الحدث ليس
بطاهر. وخروج الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر - على القول به - أو
ماء الاستنجاء لا يقدح في العمومات اللفظية.
وبتقرير آخر: لو كان هذا الماء طاهرا لمجاز رفع الحدث به، وسند
الملازمة الاطلاقات، وسند بطلان التالي ما تقدم من الاجماع والنص.
الثالث: بعض الأخبار، مثل ما في الخلاف: من أنه روى العيص بن
القاسم قال: " سألته عن رجل أصابه قطرة من طست فيه وضوء؟ فقال: إن

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 215، السرائر 1: 181.
(2) الذكرى: 9.
(3) المعتبر 1: 449.
(4) هداية المسترشدين: 291.
321

كان من بول أو قذر فيغسل ثوبه وإن كان من وضوء للصلاة فلا بأس " (1)
وظاهر نسبة الرواية إلى العيص وجدانه في كتابه، لعدم احتمال المشافهة.
وطريق الشيخ إلى كتاب العيص حسن جدا، فالقدح في الرواية بالارسال
ضعيف في الغاية. وأضعف منه القدح فيها بالاضمار، فإنه لا يقدح مع
الاطمئنان بأن المسؤول هو الإمام عليه السلام وإن الاستغناء عن التصريح باسمه
الشريف لسبق ذكره في أول الرواية، فيستهجن تكراره في الكلام الواحد
المشتمل على سؤالات متعددة، والمنشأ في ذلك تقطيع الأخبار لداعي جعل
الروايات مبوبة أو عدم تعلق غرض الفقيه بصدر الرواية أصلا. والشهيد
قدس سره في الذكرى وإن ارتكب ما ارتكب في حمل الرواية على صورة التغير (2)
لكنه أحسن في عدم تضعيفه لسندها.
ويمكن أن يستدل أيضا بموثقة عمار الواردة في الإناء أو الكوز القذر
" كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرات، يصب فيه الماء
فيحرك فيه ثم يفرغ منه، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك
الماء، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه؟ وقد طهر " (3) دل على
وجوب إفراغ المياه الثلاثة، ولو كانت الغسالة طاهرة لم يجب الافراغ
خصوصا في الثلاثة، غاية الأمر وجوب صب ماء آخر غير المياه السابقة
على القول بأن الغسالة على تقدير طهارتها غير مزيلة للخبث. ولو قيل: إن

(1) الخلاف 1: 179، كتاب الطهارة، ذيل المسألة: 135. باختلاف، ورواه في الوسائل
1: 156، الباب 9 من أبواب الماء المضاف، الحديث 14 عن الذكرى والمعتبر،
باختلاف أيضا.
(2) الذكرى: 9
(3) الوسائل 2: 1076، الباب 53 من أبواب النجاسات، الحديث الأول
322

الافراغ لتوقف تحقق مفهوم الغسل على اخراج الغسالة، قلنا: فلم لا يجب إذا
فرضنا الغسلة بإجراء ماء معتصم عليه كالكثير والجاري والمطر؟ فيعلم أن
الافراغ ليس إلا لنجاسة الغسالة، فإذا غسل بالمعتصم لم ينفعل بملاقاة المحل.
لكن الانصاف: عدم ظهور هذه الرواية في المطلوب، لأن الأمر
بالافراغ فيما عدا الأخيرة بعد الالتزام بعدم مطهرية الغسالة من الخبث لعدم
الفائدة في إبقائه وخلط الماء الجديد به، وأما في الأخيرة فلا ستقذاره عرفا في
الشرب وعدم جواز إزالة الحدث والخبث به بالفرض.
وأضعف من هذا الاستدلال ما في المعتبر والمنتهى (1) من الاستدلال
برواية عبد الله بن سنان - المتقدمة (2) - الناهية عن التوضي بماء يغسل به
الثوب، بناء على إرادة مطلق التنظيف، وإلا فعدم رفع الحدث بالغسالة لا
يدل على نجاستها.
والقول الآخر في المسألة: الطهارة مطلقا.
ولم يحك صريحا عن أحد منا، لأن الشيخ في المبسوط نسب طهارة ما
يزال به النجاسة إلى بعض الناس، ولم يعلم أنه من الإمامية، واستدل له
بطهارة ما يبقى في الثوب من أجزائه إجماعا فكذا المنفصل (3) ولا يخفى أن
هذا مختص بالغسلة المطهرة.
وأما المحقق فلم يذكر في مقابل القول بالنجاسة مطلقا إلا قول الشيخ
بطهارة الغسلة الثانية (4).

(1) المعتبر 1: 90، المنتهى 1: 142.
(2) تقدمت في الصفحة: 315.
(3) المبسوط 1: 92.
(4) المعتبر 1: 90.
323

نعم، جزم في الخلاف (1) وأول المبسوط (2) بطهارة ماء الغسلتين من
الولوغ، إلا أنه رجع بعد ذلك إلى ما حكينا عنه من جعله النجاسة مطلقا
أحوط، وأوضحنا أن مثل هذا فتوى، لا احتياط مستحب (3).
وأما العلامة قدس سره في المنتهى، فجعل محل الخلاف الغسلة التي يطهر
المحل بعدها (4) وقد أشر حكاية هذا القول عن المرتضى (5) والحلي (6)
قدس سرهما. وقد عرفت أنهما إن قالا بعدم انفعال الماء الوارد - ولو على
النجاسة العينية الغير القابلة للطهارة - فالكلام معهما كالعماني مفروغ عنه في
محله، وإن خصا بالوارد للتطهير فما ذكر السيد في دليل ذلك مختص بالغسلة
الأخيرة فيما يحتاج إلى التعدد، لأنه قدس سره ذكر أنه لو حكمنا بنجاسة الماء
الوارد لزم أن لا يطهر الثوب إلا بإيراد يمر عليه، وقرره الحلي على ذلك.
وحاصله: الاستدلال بثبوت الطهارة بإيراد القليل من غير حاجة إلى
الكثيرة فدل على عدم انفعال الماء الوارد للإزالة. ومن المعلوم: أن هذا منتف
فيما عدا الغسلة الأخيرة، لأن المحل بعده نجس ولو ورد عليه كر من الماء.
وبالجملة: فاستدلال السيد قدس سره إما أخص من مدعاه وإما أن مورد
كلامه الغسلة المطهرة والأليق هو الثاني، لأن جعل العلة مخصصة للحكم أولى
من نسبة الخطأ إلى المتكلم.
ثم إن المحقق لم يفهم من كلامه المحكي عن المصباح في ماء الاستنجاء

(1) الخلاف 1: 181، كتاب الطهارة، المسألة: 137.
(2) المبسوط 1: 15.
(3) راجع الصفحة: 317.
(4) المنتهى 1: 141.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 215.
(6) السرائر 1: 181.
324

قوله بالطهارة وقال: إنه صريح في العفو دون الطهارة (1) فكيف يصرح
الطهارة في غير ماء الاستنجاء؟
نعم، صرح الحلي بطهارة ماء غسلتي الولوغ (2) ولم يعلم منه حكم غير
الإناء بل [ظاهر] (3) المحكي عنه في المعتبر عند الاستدلال على عدم سراية
النجاسة من الميت أنه لو كان مباشر الميت نجسا لم يكن الماء الذي يستعمله
في غسل المس طاهرا، مع أن الاجماع على طهارته (4) (وهذا) (5) ظاهر في
نجاسة الوارد، لأن المستعمل في غسل المس وارد على البدن.
وأما ابن حمزة في الوسيلة، فجعل أولا الماء عشرة أقسام، وعد منها
المستعمل، ومنها الماء النجس؟ ثم قال: إن المستعمل ثلاثة أقسام: المستعمل
في الوضوء، والمستعمل في غسل الجنابة والحيض ونحوهما، والمستعمل في
إزالة النجاسة، وقال: إن الأول يجوز استعماله ثانيا في رفع الحدث وإزالة
الخبث، والأخيران لا يجوز ذلك فيهما إلا أن يبلغا كرا فصاعدا (6) انتهى. ثم
ذكر في حكم الماء النجس أنه لا. يجوز استعماله بحال إلا حال الضرورة
للشرب (7).
فالاقتصار في حكم المستعمل على عدم جواز التطهير به والتعميم في
حرمة الاستعمال للماء النجس مع جعلهما عند القسمة متقابلين ظاهر في قوله

(1) المعتبر 1: 91.
(2) السرائر 1: 180.
(3) مشطوب عليها في " ع ".
(4) المعتبر 1: 350.
(5) مشطوب عليها في " ع "
(6) الوسيلة: 72 - 74.
(7) الوسيلة: 76.
325

بطهارة الغسالة مطلقا، ولذا نسب في الذكرى (1) إليه وإلى البصروي التسوية
بينها (2) وبين الماء المستعمل. لكن قوله أخيرا يدل على نجاسة الماء الرافع
للحدث الإبر عنده. ويؤيده أنه حكم في الماء القليل بنجاسته بارتماس
الجنب فيه بعد ما حكم بنجاسته لوقوع النجاسة فيه (3). واستبعاد ذلك منه
- لنقل الاجماع على طهارة ذلك الماء - يدفعه قوله بعدم جواز إزالة الخبث
بذلك الماء، مع نقل العلامة وولده فخر الدين الاجماع على جواز إزالة الخبث
به (4)
ومما ذكرنا ظهر أن نسبة هذا القول إلى المرتضى وجل الطبقة الأولى
كما في اللوامع (5) أو إلى شيوخ المذهب كالمرتضى وابن إدريس وابن حمزة
والشيخ والعماني كما في كشف الالتباس (6) لم يقع في محله.
وكيف كان: فما استدل أو يمكن أن يستدل به لهم وجوه:
أحدها: الأصل بعد منع كلية انفعال الماء القليل كما في الروض (7)
وشرح الجعفرية (8) وغيرها. وقد تقدم فساد ذلك مستوفى.
الثاني: ما يظهر من كلام السيد الذي ارتضاه الحلي (9) وكاشف

(1) الذكرى: 9.
(2) كذا يبدو في " ع "، وفي سائر النسخ: بينهما، والموجود في الذكرى ما يلي: وابن حمزة
والبصروي سويا بين رافع الأكبر ومزيل النجاسة.
(3) الوسيلة: 73.
(4) المنتهى 1: 138. إيضاح الفوائد 1: 19.
(5) لوامع الأحكام (مخطوط): 89.
(6) كشف الالتباس (مخطوط): 26.
(7) روض الجنان: 158.
(8) لا يوجد لدينا.
(9) تقدم في الصفحة: 324.
326

الالتباس (1)، وحاصله: أنه لو انفعل لم يطهر المحل به، لأن النجس غير
مطهر. ولو أريد تقريره على وجه يشمل غسالة الأولى قيل: لو كان نجسا لم
يؤثر في التطهير.
وفيه: أن الملازمة ليست عقلية لانتقاضها بحجر الاستنجاء وتتميم
القليل النجس كرا بنجس على ما يظهر من جماعة (2).
واستناد الطهارة إلى
اجتماعهما دون كل منهما مشترك الورود، لامكان دعوى كون الغسل ناقلا
للنجاسة من كله إلى الماء - كما هو المركوز في أذهان الناس - وليس بأبعد
من ارتفاع النجاسة باجتماع نجسين، وثبوتها شرعا ليس إلا لعموم اشتراط
طهارة الماء في إزالة النجاسة أو لعموم تنجس ملاقي النجس، فكيف يوجب
[النجس] (3) طهارته. والظاهر أن مستند الأول هو الثاني؟ أما الأول
فالمتيقن منه اعتبار طهارة الماء من غير جهة الملاقاة المزيلة بأن يكون (4) نجسا
قبل الملاقاة أو حينها بغير نجاسة المحل، إذ ليس هنا عموم لفظي يتسمك به،
والقاعدة المستفادة من منع الوارد لا يفيد إلا اشتراط عدم تنجسه بالنجاسة
الخارجة عن المحل - كما لا يخفى على منصف - فلا يكون دعواه العلم بعموم
القاعدة خالية عن مجازفة، فإن العموم المستفاد من تتبع جزئيات القاعدة
لا بد من أن يستند إلى ورود نص عام لفظي قابل لاخراج مثل حجر
الاستنجاء وتتميم القليل النجس كرا، بنجس عنه، وأين هذه الدعوى في

(1) كشف الالتباس (مخطوط): 25 - 26.
(2) نسبه في كشف اللثام 1: 34 إلى رسيات السيد والسرائر والمراسم والمهذب
والجواهر والوسيلة والاصباح والجامع والإثارة والمبسوط في وجه. لكن صاحب
الجواهر نسبه إلى ظاهر ابن إدريس فقط، انظر الجواهر 1: 150.
(3) الزيادة من مصححة " ع ".
(4) كذا في النسخ، والمناسب: " بأن لا يكون "، كما لا يخفى.
327

المقام عند المنصف من دعوى عموم أدلة الانفعال؟ ولذا نرى المركوز في
الأذهان هو عدم كون النجس مطهرا، ومع ذلك بناؤهم على نجاسة الغسالة
وطهارة المحل بعد الاطلاع على عمومات الانفعال، وليس ذلك إلا لكون
نجاسة الماء من جهة المحل غير قادحة في التطهير، بل لولا أدلة الانفعال
أيضا لفهموا من أدلة غسل النجاسة بالماء انتقالها عن المحل إليه، فتأمل.
وأما قاعدة نجاسة الملاقي للنجس، فلا ريب في لحصول لكل من الماء
والمحل، إذ اللازم من نجاسة الماء بالمحل نجاسة المحل بالماء، لحصول الملاقاة
من الطرفين، فالتزام عدم نجاسة الماء وإلا لنجس المحل ولم يطهره ليس
بأولى من التزام عدم نجاسة المحل به، بل الأول أبعد، لأن ما تأثر من الشئ
لا يؤثر فيه ذلك الأثر. نعم، لا يبعد أن يؤثر فيه خلافه بنقل ما فيه إلى
نفسه.
فتلخص عن ذلك كله: أنه لا دليل على لزوم عدم نجاسة الماء المطهر
حتى من جهة ملاقاة المحل.
ومما ذكرنا يظهر: أن التشبث في المقام بقاعدة تنجس (1) كل متنجس
مع عدم تنجيس الغسالة لمحلها لا وجه له أصلا.
ثم إن الدليل المذكور - بعد تسليم عمومه - معارض بأن الغسالة لو
كانت طاهرة لمجاز التطهير بها من الحدث، لأن التفكيك بينهما يوجب التقييد
في إطلاق ما دل على جواز رفع الحدث بالماء الطاهر، خرج ماء الاستنجاء
كلما خرج حجره من الدليل المذكور. وحاصل المعارضة: أن هذا الماء جمع
بين ما هو لازم للطهارة إلا ما خرج - وهو تطهير المحل - ولازم للنجاسة

(1) كذا، والظاهر: تنجيس.
328

إلا ما خرج - وهو عدم جواز رفع الحدث به ثانيا - فأدلة المتلازمتين
متعارضة.
إلا أن يقال - بعد تسليم عموم الدليل المذكور -: إنه كما يعارض
بالاطلاقات المذكورة، كذلك يعارض بأدلة انفعال الماء القليل، والتعارض بين
الكل بالعموم من وجه فيجب التوقف والرجوع إلى أصالة عدم الانفعال.
لكن يمكن منعه بأن ارتكاب التقييد في دليل واحد خصوصا مثل هذا
الاطلاق الذي لم يسلم إلا تنزلا أولى من ارتكابه في الأدلة المتعددة فلا
يرجع إلى الأصل، مع إمكان أن يقال: إن المرجع بعد التوقف هو ما استقر
في أذهان المتشرعة من انتقال النجاسة من المحل إلى الماء.
إلا أن يدفع ذلك بأن هذا لأجل قياسهم النجاسة على القذارة
الخارجية التي يستهلك في الماء ويتوزع فيه، أما بعد اطلاعهم على أن كل
جزء من الماء يكتسب قذارة كقذارة المحل بعينها فيتحاشون عن انفعال الماء
بالمحل وصيرورة كل قطرة من الماء كالرطوبة النجسة من البول أو الدم التي
أريد إزالتها بالماء مع زوال النجاسة من المحل، كما يفهم ذلك لو قيل لهم: إن
الماء المنصب على المحل لإزالة ما به من رطوبة الوسخ الفلاني يصير كل
جزء صغير منه متصفا بوسخ تلك الرطوبة. فالأولى رفع اليد عن تصويرات
العرف وقياسات الأمور الشرعية بأشباهها من الأمور الحسية، والرجوع إلى
الأدلة اللفظية الشرعية (1) أو الأصول.
الثالث: طائفة من الأخبار.
منها: ما ورد في تعليل طهارة ماء الاستنجاء في رواية الأحول

(1) كذا في النسخ، والظاهر كون " الشرعية " زائدة.
329

المحكية عن العيون (1) وفيها " أو تدري لم صار - يعني ماء الاستنجاء.
لا بأس به؟ قلت: لا والله، قال: لأن الماء أكثر من القذر " (2) فإن المراد ه
الأكثرية ليس خصوص الكم، بل المراد استهلاك القذر في الماء الذي يورده
عليه، فدل على أن كل ماء ورد على قذر فاستهلكه بحيث لم يظهر فيه
أوصافه كان طاهرا.
ومنها: ما ورد في غسالة الحمام التي لا تنفك عن الماء المستعمل في
إزالة النجاسة، مثل مرسلة الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن
عليه السلام أنه " سئل عن مجمع الماء في الحمام من غسالة الناس؟ قال
لا بأس " (3).
ومنها: ما ورد من صب الماء على الثوب من بول الصبي (1).
ومنها: ما ورد من أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتطهير المسجد من بول
الأعرابي بصب ذنوب من الماء عليه (5).
قال في الخلاف: والنبي صلى الله عليه، آله وسلم لا يأمر بطهارة المسجد بما
يزيده تنجيسا (6) فيلزم أن يكون الماء باقيا على طهارته.
ومنها: قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم في غسل الثوب

(1) لم نعثر عليها في العيون، ولعله مصحف " العلل " كما تأتي الراية عنه في الصفحة:
345.
(2) علل الشرائع: 287، الباب 207، الحديث الأول.
(3) الوسائل 1: 154، الباب 9 من أبواب الماء المضاف. الحديث 9.
(4) الوسائل 2: 1002، الباب 3 من أبواب النجاسات، الحديث 1 و 2.
(5) صحيح البخاري 8: 37.
(6) الخلاف 1: 495، كتاب الصلاة، ذيل المسألة: 235.
330

اغسله في المركن مرتين، وإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة " (1) ولعل وجه
دلالة: أن نجاسة الغسالة يوجب نجاسة المركن فلا يطهر بالغسلة الثانية،
خصوصا مع إحاطتها بجميع ما ينجس منه بالأولى.
ومنها: ما ورد " عن الثوب يصيبه البول فينفذ إلى الجانب الآخر،
وعن الفرو وما فيه من الحشو؟ قال: اغسل ما أصاب منه ومس الجانب
الآخر، فإن أصبت مس شئ منه فاغسله، وإلا فانضحه بالماء " (2).
ومنها: ما دل على نفي العسر (3) فإن التحرز عن الغسالة حرج في كثير
من المقامات من جهة جريانها إلى غير محل النجاسة وبالنسبة إلى المقدار
المتقاطر والمقدار المتخلف.
قيل: بل لو اتفق أن بعض الناس صب على فمه
بقي يهز رأسه لقطع الغسالة المتخلفة في شعر شاربه ولحيته ومنخره لعدوه من
المجانين، بل من المخالفين لشريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم بل هؤلاء
الحاكمون بالنجاسة لا ينظرون شيئا من ذلك ويبقى تتقاطر على ثيابهم، بل
لعل المتخلف المتساقط عليهم أكثر من المنفصل بمراتب شتى (4).
أقول: أما الخبر الأول: فيرد عليه أن قوله: " أو تدري لم صار
لا بأس به " ظاهر عند التأمل في أن هذا الحكم خارج عن مقتضى القاعدة
الأولية، كما يدل عليه ابتداء الإمام - بعد حكمه بنفي البأس - لتعريض السائل
للسؤال عن علة الحكم، ويشعر به التعبير عن جعل الحكم بلفظ " صار "
الدال على الانتقال فهذا الحكم الخارج عن مقتضى القاعدة الأولية إما طهارة

(1) الوسائل 2: 1002، الباب 2 من أبواب النجاسات، الحديث الأول.
(2) الوسائل 2: 1004، الباب 5 من أبواب النجاسات، الحديث 2.
(3) الوسائل 1: 153، الباب 9 من أبواب الماء، المضاف الحديث 1 و 5.
(4) قاله في الجواهر 1: 345.
331

ماء الاستنجاء بالخصوص الخارج عن قاعدة نجاسة الغسالة، أو طهارته من
حيث كونها غسالة خارجة عن قاعدة انفعال الماء القليل، ولا دليل على
الثاني لاحتمال الأول،
والتعليل بالأكثرية مخالف لهما، بل هو دال على طهارته
من حيث إنه ماء قليل لم يتغير بالنجاسة، فيدل على مذهب العماني. لكنه
- مع عدم التزام المستدل به - ينافي ظهور صدره في كون الحكم على خلاف
القاعدة الأولية. لأن عدم انفعال الماء القليل على القاعدة الأولية. اللهم إلا
أن يراد بها ما استفيد من أدلة النجاسات بأن النجاسة مقتضية لتنجيس ما
يلاقيه، كما أوضحناه فيما تقدم.
وكيف كان: فعموم التعليل لا يقول به المستدل، وتوجيهه مشترك بين
مطلق الغسالة وخصوص ماء الاستنجاء، وليس المقام من العام المخصص
ليقتصر فيه على ما عدا الغسالة، مع أن مثل هذا التخصيص مستهجن في
العام، فضلا عن التعليل المطلوب فيه، بل المقصود منه: الاطراد والتعدي.
وأما رواية الغسالة: فإن ظاهرها لا يدل على كونها مستعملة في إزالة
الأخباث، ولو قيل: غالبا لا يخلو عن ذلك، قلنا: غالبا لا يخلو عن ملاقاة
نجس العين، فإن تعليل النهي عنها في كثير من الأخبار الكثيرة باغتسال
أصناف الكفار (1) الظاهر في عدم الانفكاك لا أقل من حمله على كون الغالب
ذلك، فلا بد من حمل الرواية على ماء مجتمع خاص لم يعلم بملاقاته لنجس،
وهي الغسالة التي وقع الخلاف في طهارتها ونجاستها، والأقوى طهارته.
مع احتمال الرواية لإرادة صورة اتصال الماء المجتمع بالمادة، كما يشهد
به رواية حنان: " إني أدخل الحمام في السحر وفيه الجنب وغير ذلك، فأقوم

(1) الوسائل 1: 158 الباب 11 من أبواب الماء المضاف
332

" أغتسل فينتضح علي بعد ما أفرغ من مائهم؟ قال: أليس هو جار؟ قلت:
بلى، قال: ولا بأس " (1) ورواية بكر بن حبيب: " ماء الحمام لا بأس به إذا
كان له مادة " (2) وقوله عليه السلام: " ماء الحمام كما النهر يطهر بعضه بعضا " في
جواب من قال: أخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب واليهودي والصبي
والنصراني والمجوسي؟ (3)
وأما رواية الصب في بول الصبي: فلا يدل على طهارة غسالته
المنفصلة ولا نقول أيضا بنجاسة ما لا يلزم انفصاله عن المحل.
وأما رواية الذنوب: فهي رواية أبي هريرة على ما في المعتبر عن
الخلاف، قال بعد حكايتها: إنها عندنا ضعيفة الطريق ومنافية للأصول، لأنا
بينا أن الماء المنفصل عن محل النجاسة نجس تغير أم لم يتغير، لأنه ماء قليل
لاقى نجسا (4).
وأما رواية الغسل في المركن مرتين: فلا ينافي القول بنجاسة الغسالة؟
لذا عمل بها العلامة وغيره (5) إما بالتزام نجاسة المركن والماء الباقي فيه، وإما
التزام طهارة المركن بالغسلة الثانية كالخشبة التي يغتسل عليها الميت وكيد
الغاسل.
وأما رواية الفرو وما فيه من الحشو: فلا يدل [إلا] (6) على غسل ما
أصابه البول من جانبيه - وسيجئ أنه لا يتحقق إلا باخراج الغسالة منه

(1) الوسائل 1: 154، الباب 9 من أبواب الماء المضاف. الحديث 8.
(2) الوسائل 1: 111، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4.
(2) الوسائل 1: 112، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 7.
(4) المعتبر 1: 449.
(5) المنتهى 1: 146، والمعتبر 1: 437، والمستند 1: 49.
(6) الزيادة من مصححة " ع ".
333

- وعلى نضح ما لم يصب النجاسة عليه بعد المس على جانبه الآخر؟ والنضح
ليس للاحتياط، لعدم كفايته في الغسل قطعا، بل هو تنظيف صوري تعبدي
كالرش مع جفاف المتلاقيين.
وأما لزوم الحرج: فإن كان من جهة كثرة الابتلاء بذلك فهو في محل
المنع، مع أن اعتبار الحرج النوعي مع قيام الدليل ساقط، والحرج الشخصي
مسقط لأكثر التكاليف، ومنها الاجتناب عن الغسالة، لا لنجاسة ما دل
الدليل على نجاسته.
وما ذكره من ابتلاء الشخص أحيانا بتطهير فيه وعده فيما يفعله من
قطع الغسالة عن موارد نزولها من المجانين، منقوض عليه بما لو فرض تغير
الغسالة، ودعوى ندرته لا تنفع، لأن غرضه استهجان نفس الفعل وعده
خارجا عن فعل العقلاء بل المتشرعة - كما ذكره (1) - لا المشقة من جهة كثرة
الابتلاء، ولا ريب أنه لا ينبغي الاعتناء بمثل هذه الخطابيات في رفع اليد
عن القاعدة المعدودة من الأصول (2) في لسان مثل المحقق والشهيد (3)
وغيرهما من الفحول.
وأما القول الثالث في المسألة:
فهو التفصيل بين الغسلة المطهرة وغيرها مطلقا، سواء كان في الثوب أو
البدن أو الإناء، ولو في ولوغ الكلب، وهو المحكي صريحا عن العلامة
الطباطبائي (4) وكل من قال: بأن الغسالة كالمحل بعدها.

(1) إشارة إلى ما نقله عن صاحب الجواهر، انظر الصفحة: 331.
(2) أي قاعدة " تنجيس القليل بالملاقاة ".
(3) تقدم كلامهما في الصفحة: 321.
(4) المصابيح (مخطوط): 106 في الجواب عن حجة المرتضى.
334

ولعل حجته على النجاسة فيما عداها ما تقدم، وعلى الطهارة فيها: أن
ملاقاته للمحل سبب في طهارته، والظاهر من أدلة انفعال القليل انفعاله بما
يكون نجسا حين الملاقاة لا ما يكون الملاقاة سببا لزوال نجاسته. وقد مر
لا يدخل في أذهان العرف صيرورة الماء الملاقي للمحل النجس بمنزلة
نفس النجس مع طهارة المحل الملاقي له، وقياسه على إزالة الأوساخ الحسية
قد عرفت بطلانه بإبداء الفرق الواضح، وقد تقدم أن كيفية تنجيس الشئ
أمر لم يدل عليها جامع شامل للمقام، والمستفاد من تتبع المقامات الخاصة لا
يشمل الملاقاة المزيلة، وتقدم أنه إذا عرض على العرف صيرورة كل جزء
صغير من الماء بمنزلة عين الأثر الموجود في الثوب من الوسخ أنكروا طهارته
به،
وإذا عرض عليهم طهارته به أنكروا صيرورته كذلك فإذا فرض قطعهم
بالثاني لم يفهموا من أدلة الانفعال شمولها لهذا النحو من الملاقاة المزيلة، فلم
إلا عموم معاقد الاجماعات في نجاسة الماء القليل الملاقي للنجس أو
يبق الجسم الرطب الملاقي له، لكن من المعلوم عدم إرادة القائلين بطهارة
الغاسلة هذا العموم من كلامهم في دعوى الاجماع، وأما القائلون بنجاستها
فلو اكتفي بهم كفى قولهم بنجاسة الغسالة في دعوى الاجماع عليها، فتأمل.
وأما رواية العيص المتقدمة (1) فالاستدلال بها في المقام مبني على كفاية
الغسلة الواحدة في مطلق القذارات، وإلا أمكن حمل الرواية على الغالب من
اجتماع الغسالتين، بل يمكن حملها بناء على الاكتفاء في التطهير بالغسلة
الواحدة - كالاجماعات السابقة - على ما هو الغالب من اجتماع الأجزاء
المنفصلة من المحل قبل زوال العين، فإن المنفصل عن المحل قبل زوال العين

(1) تقدمت في الصفحة: 321 - 322.
335

عنه ليس منفصلا من الغسلة المطهرة، فحكمه كالمنفصل من الغسلة الأولى،
هو أشد منه.
بل لا ينبغي أن يكون محلا للنزاع، لأن النزاع في المنفصل عن الغسل
المؤثر في التطهير الشرعي الواجب كونه بالماء المطلق الطاهر، والمنفصل قبل
زوال العين إنما انفصل عن غسلة غير معتبرة في نظر الشارع، لعدم إفادتها
إلا زوال العين الذي يحصل بالماء المضاف والنجس والمسح بجسم طاهر أو
نجس، ولذا احتاج الثوب بعده إلى غسلتين لكن يكني في الأولى منها
استمرار الصب الأول آنا ما بعد زوال العين.
ومما يشهد بخروج هذا الماء عن محل النزاع أن من جملة الأقوال في
هذه المسألة القول بأن الغسالة كالمحل بعدها (1) وجعلوا هذا القول مقابلا
للقول بكونها كالمحل قبل الغسل، ومن المعلوم: أن هذا الماء المنفصل قبل
زوال العين لا فرق بين أن يكون كالمحل بعده أو قبل الغسل، لأن المحل
بعده على ما كان عليه.
وتفصيل الكلام في ذلك: أن الماء المنفصل عن المحل ينقسم باعتبار
حالات المحل إلى أقسام أربعة: لأنه إما أن ينفصل قبل زوال العين عن
المحل أو بعده، وعلى الثاني فإما أن يكون واردا على المحل قبل الحكم
بطهارته أو بعده، وعلى الأول منهما فإما أن لا يحصل به طهارة المحل أو
يحصل.
فالأول: قد عرفت هنا أنه لا ينبغي التأمل في نجاسته، بل لا ينبغي
أن يكون محلا للخلاف، لعدم جريان شئ من أدلتهم فيه عدا منع عموم أدلة

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 90 و 92.
336

الانفعال، وهو في مثل هذا الفرد كما ترى!
والثاني: قد عرفت سابقا أن الظاهر من المبسوط والخلاف والمعتبر
والمنتهى والناصريات (1) والسرائر أن محل الخلاف غيره (2). لكن ظاهر بعض
وصريخ آخرين وجود القول به (3).
والثالث: هو المتيقن من محل النزاع، وقد نفينا البعد عن القول
بطهارته (4) بناء على منع عموم أدلة الانفعال بالملاقاة - بل سائر الأدلة -
للملاقاة التي يحصل بها الطهارة. وعلى هذا فالمنفصل من الثوب قبل تمام
عصره من الثانية نجس لبقاء المحل حين الملاقاة على النجاسة وعدم زوالها
بها.
وأما الرابع: وهو الوارد على المحل بعد إلهكم بطهارته، فلا ينبغي
الاشكال ولا الخلاف في طهارته؟ لعدم المقتضي للنجاسة.
لكن في الروض: أن الشهيد قدس سره في حاشية منه على ألفيته حكى
عن بعض الأصحاب قولا بأن الغسالة كالمحل قبل الغسل وإن حكم بطهارة
المحل بل وإن ترامت الغسلات لا إلى نهاية، محتجا بأنه ماء قليل لاقى
نجسا، وبيانه: أن تطهير المحل بالقليل على خلاف الأصل المقرر من نجاسة
القليل بالملاقاة، فيقتصر فيه على موضع الحاجة، وهو المحل دون الماء. ثم
قال: ويدفعه حكم الشارع بالطهارة بعد تمام الغسلات فلا اعتبار بما يحصل

(1) في " ألف " و " ب ": بل الناصريات.
(2) راجع الصفحة: 323 - 324.
(3) انظر المدارك 1: 122.
(4) راجع الصفحة: 334 وما بعدها.
337

بعد ذلك (1) انتهى.
أقول: الذي ينبغي أن يحمل عليه الكلام هذا القائل أنه إذا فرض تحقق
الغسلة المطهرة ولم ينفصل الماء عن المحل فالمحل طاهر والماء الموجود فيه
نجس، فإذا غسل مرة أخرى لاقى ماءه الماء الباقي من الغسل المطهر
والمفروض أنه نجس وإن طهر المحل، فينفعل به الماء الثاني. وأما القول:
بأن الماء في الغسلة الغير المؤثرة إذا ورد على المحل الطاهر الخالي عن الماء
النجس نجس، فهو مما لا ينبغي من الشهيد حكايته، فكيف من بعض
الأصحاب اختياره! ويمكن أن يستفاد ذلك من المحكي عن نهاية العلامة من
أنه يحتمل أن يكون الماء نجسا انفصل عن الغسلة المطهرة أو لم ينفصل (2)
فإن المراد من قوله: " لم ينفصل " عدم انفصاله عن الغسلة المطهرة، لا انفصاله
عن غيرها من الغسلة المتقدمة - كما زعم - فإن المناسب حينئذ مقابلة الغسلة
المطهرة بقوله: " أو غيرها " لا مقابلة الانفصال بقوله: " أو لم ينفصل " وحينئذ
فإذا فرض نجاسة غير المنفصل فكلما لاقاه الماء نجس به وإن ترامى إلى غير النهاية.
وهذا القول حسن جدا، بل هو الذي ينبغي أن يقول به كل من يقول
بنجاسة الغسالة، لأن النجاسة لا يختص بما بعد الانفصال كما يظهر من العلامة
في المختلف (3) حتى يورد عليه - كما في الذكرى (4) - بلزوم تأخر المعلول وهو

(1) روض الجنان: 159.
(2) نهاية الإحكام 1: 244.
(3) المختلف 1: 239.
(4) لم نعثر على هذا الايراد في الذكرى، نعم هو موجود في روض الجنان: 159،
فراجع.
338

النجاسة عن العلة، وهي الملاقاة، وإن كان الايراد غير وارد، لمنع تمام العلة
بالملاقاة.
بل يلتزم بطهارة المحل للاجماع ونجاسة الماء ولو في المحل بعموم
أدلة الانفعال، إلا أنه لا يؤثر في المحل نجاسة؟ فيكون ذلك تخصيصا في
قاعدة أن " كل نجس منجس " بناء على عمومها لمثل ما نحن فيه، كما تقدم،
فيكون ما يلاقي هذا الماء قبل الانفصال من الماء وغيره من الأجسام نجسا.
ومنه يعلم: أنه لو كان الماء باقيا في المحل من الغسلة الأولى فصب
عليه الماء لم يعد هذا الصب غسلة مطهرة، لأنه لا يطهر الماء الأول، لأن
الماء النجس لا يطهر بالقليل فينفعل به ولا يطهر المحل.
ثم إن ما ذكر من عدم انفصال الغسالة بعد تحقق الغسل واضح في
غسل ما يحتاج إلى العصر بناء على خروج العصر عن مفهوم الغسل، وإلا لم
بتحقق الطهارة قبله كما في البدن وإن قلنا بدخول انفصال الغسالة في مفهوم
الغسل فيه.
وأما بناء على كفاية مجرد الصب فيه، ففرض بقاء الغسالة في
المحل وطهارته مع عدم انفصال الغسالة يتصور في القطرات العالقة بطرف
البدن المحتاجة في الانفصال إلى العلاج بنفض اليد أو أخذها بخرقة أو يد أو
غير ذلك، فلا بد من ملاحظة أن مثلها داخلة في الغسالة المبحوث عنها أم لا؟
من أنه جزء من الماء المستعمل في إزالة الخبث وهو محل النزاع، لا
في عنوان " الغسالة " حتى يقال: إنها اسم لما ينفصل بالغسل، كما في أمثالها
من هذا الوزن - كالقراضة والنخامة والنخالة - مع احتمال عموم الانفصال لما
هو مشرف عليه وأن الحكم بالنجاسة معلق على الماء القليل الملاقي للمحل،
- المحكوم بطهارته إجماعا بعد الغسل نفس البدن والرطوبة الكائنة عليه،
339

لعدم اعتبار التجفيف إجماعا إلا من ظاهر المفيد في إناء الولوغ (1).
ومن أن ظاهر كثير من كلماتهم الاختصاص بالمنفصل فعلا بنفسه حين
الصب أو بعده بيسير، دون المحتاجة في الانفصال إلى العلاج، بل صريح
عبارة المبسوط - المتقدمة - أن ما يبق على البدن طاهر إجماعا (2)، وهو
يشمل مثل هذه القطرات، ولا يختص بالرطوبة الكائنة على المغسول.
وكيف كان: فالأقوى طهارتها لاطلاق الأمر بصب الماء (3) من غير
تقييد بشئ آخر بعد الصب من علاج لفصل الماء.
ودعوى: أن الاطلاق يظهر منه طهارة المحل بمجرد الصب ولا كلام
فيه، إنما الكلام في طهارة ما على طرف المحل من بقية الماء، كما أن إطلاق
الأمر بغسل الثوب - بناء على دخول العصر في مفهوم الغسل - لا ينافي
نجاسة ما يرسب فيه من الغسالة ووجوب اخراجه بعصر ونحوه لأجل ذلك،
مدفوعة: بأن الظاهر كون أخبار الغسل والصب في مقام علاج البدن والثوب
النجسين حتى مجوز استعمالهما (4) فيما يتوقف على الطهارة، ومعلوم: أن طهارة
المحل مع نجاسة القطرات العالقة لا ينفع في استعمال الثوب؟ ولذا لو قلنا بعدم
دخول العصر في مفهوم غسل الثياب ولم يدل دليل من الخارج على اعتباره
لم نقل بوجوبه لاخراج ماء الغسالة، بل لو قلنا بوجوب اخراجه لكن الثوب
بعد العصر لا يخلو عن قطرات عالقة على الثوب الملوي تنجذب عند انحلاله

(1) المقنعة: 65.
(2) تقدمت في الصفحة: 317، لكنه قال: " إن ما يبقى في الثوب جزء منه وهو طاهر
بالاجماع ".
(3) الوسائل 2: 1001 " الباب 1 من أبواب النجاسات، الحديث 3 و 4 و 7.
(4) في مصححة " ع ": استعماله، وفي سائر النسخ: استعمالهما، والصواب ما أثبتناه.
340

من اللي.
ومما يوضح ذلك ما في رواية عمار المتقدمة - الواردة في تطهير الإناء
من إدخال الماء وإفراغه منه ثلاث مرات (1) - حيث دل على طهارته بمجرد
إفراغ الماء منه، فإن لازم الحكم بطهارة الكوز بمجرد الافراغ جواز جعله
على الاستقامة بعد قلبه لافراغ الماء منه ومن المعلوم: أنه لا ينفك بعد
الافراغ عن قطرات عالقة على فم الكوز.
ويؤيده أيضا خلو روايات الاستنجاء من البول والغائط (2) الواردة في
مقام البيان عن نفض البدن عن القطرات الباقية.
هذا كله على تقدير القول بنجاسة الغسالة حتى في الغسلة المطهرة. أما
على القول بطهارتها فلا إشكال في القطرات الباقية منها ولا في الباقية من
الغسلة الأولى من حيث جواز إيراد الماء الثاني قبل فصلها وعدم انفعال الماء
الثاني بها، لاطلاقات الصب أو الغسل مرتين وعدم تقييد الغسلة الثانية
بكونها بعد أخذ القطرات الباقية من الأولى.
ولا يرد هنا مثل ما ورد سابقا
من أن الاجتزاء بالمرتين في طهارة المحل لا ينافي نجاسة الماء، لأن وجوب
أخذ القطرات الأولى مناف للاجتزاء بالصب الثاني كيفما اتفق، حتى أن
جماعة ذهبوا إلى الاجتزاء عن الصب الثاني باستمرار الأول، وإن اختلفوا
بين مجتز في الاستمرار بمقدار الصبين كالذكرى (3) ومعتبر فيه كونه بمقدارهما
والفصل المتخلل بينهما كما في المدارك (4) وعن غيره.

(1) تقدمت في الصفحة: 322.
(2) الوسائل 1: 160، الباب 13 من أبواب الماء، المضاف.
(3) الذكرى: 15.
(4) مدارك الأحكام 2: 339.
341

بقي الكلام في أمور:
الأول: أنه حكى في المدارك عن جماعة أن كل من قال بطهارة
الغسالة اعتبر ورود الماء على النجاسة (1). ولا دليل على الملازمة لا من
أدلتهم ولا من عنواناتهم، سواء أراد من ذلك أن القائل بالطهارة اعتبر في
الغسل الورود حتى لا يسمى ما ورد عليه النجاسة غسالة لعدم زوال الخبث
به، أم أراد أن الإزالة وإن تحققت بإيراد النجس على الماء، إلا أن الطهارة
منحصرة في صورة الإزالة بالعكس.
وكلام الشهيد في الدروس (2) - حيث جعل التفصيل بين ورود الماء
وعكسه قولا في مسألة ما يزيل به الخبث - يدل على وجود القول بالطهارة
مع الاعتراف بعدم اعتبار الورود في الإزالة. ومال في الذكرى في مسألة
الغسالة إلى الطهارة (3) وفي مسألة إزالة النجاسات إلى عدم اعتبار الورود (4).
الثاني: قد عرفت عدم الخلاف في عدم جواز رفع الحدث بالغسالة
على تقدير القول بالطهارة.
وأما إزالة الخبث بها على هذا القول، ففيه
قولان: ظاهر المبسوط وصريح الوسيلة المنع، قال في المبسوط: ولا يجوز
إزالة النجاسة إلا بما يرفع به الحدث (5). نعم، لو استند في عدم انفعال الغسالة
إلى ما يقتضي نفي البأس عنه (6) أمكن الجمع بينه وبين أدلة انفعال القليل
بكونها نجسة معفو عنها من حيث تنجيس الملاقي، فيرجع في جواز غسل

(1) مدارك الأحكام 1: 122.
(2) الدروس 1: 122.
(3) الذكرى: 9.
(4) الذكرى: 15.
(5) المبسوط 1: 10.
(6) كذا، والمناسب: عنها.
342

النجاسة بها إلى اشتراط الطهارة في ماء الإزالة أو يكفي أن لا يؤثر في نجاسة
المحل. وقد تقدم عبارة الوسيلة في أول المسألة (1).
بل ربما حكي عن بعض: أن المنع من رفع الحدث دون الخبث خرق
للاجماع (2) لكن حكي عن بعض (3) الجواز لاختصاص الدليل المانع برفع
الحدث.
وهو الأقوى، لاطلاقات أدلة الغسل بالماء. ودعوى انصرافها إلى غير
هذا الفرد مجازفة، والاستصحاب لا يقابل الاطلاقات.
وقد يستظهر من بعض الأخبار المنع، مثل رواية عمار - المتقدمة -
الآمرة بإفراغ ماء الغسالة عن الكوز (4) بناء على أن الوجه فيه عدم جواز
استعماله ثانيا في الغسلة اللاحقة.
وفيه: أنه إن أريد ظهورها في عدم جواز تحريك الماء في الإناء ثانيا
لحصول الغسلة اللاحقة، ففيه أن ذلك لعدم حصول تعدد الغسل. وإن أريد
ظهورها في عدم جواز استعمال الماء المفرغ ثانيا، فلا ريب أن الرواية واردة
على النحو المتعارف من عدم جمع الغسالة ثم استعمالها. ويمكن أن يقال: إن
بناء المسألة على الاستناد في عدم انفعال الغسالة إلى غير منع عموم أدلة
الانفعال.
الثالث: أنه إذا قلنا بالنجاسة. فمقتضى القاعدة كون حكها كمطلق

(1) راجع الصفحة: 325.
(2) ذكره في الجواهر 1: 351 بتعبير: قد يقال.
(3) المحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 253 " والمحدث البحراني في الحدائق
1: 487.
(4) تقدمت في الصفحة: 322.
343

النجاسات التي لم يرد في غسلها نص خاص بالوحدة والتعدد، إلا أن
الاعتبار يقتضي بأنها لا يكون أشد من المحل قبلها، فإذا انفصلت من
الغسلة الأخيرة لزم بحكم الاعتبار الاكتفاء في إزالتها بالمرة الواحدة، وإن
قلنا بوجوب التعدد فيما لا نص فيه على الوحدة أو التعدد، إلا أن الاعتناء
بهذا الاعتبار مشكل جدا.
ولو قلنا في مطلق النجاسة بالتعدد، فغسالة ما نص على كفاية الوحدة
فيه محتاجة على هذا إلى التعدد، إلا أن فحوى كفاية المرة في محلها تدل على
الاكتفاء بها فيها. وليس هذا كالاعتبار السابق، لأنا لم نعلم أن المناط في
الاكتفاء في المحل بالغسلة الباقية حصول الخفة في نجاستها، لاحتمال كون
الوجه فيه هو لزوم التسلسل واستحالة التطهير، بخلاف ما اكتفي في إزالته
بالمرة الواحدة، فإن الظاهر أنه لخفة النجاسة فلا يعقل أشدية غسالته.
إلا أن يقال، لعل الوجه في الاكتفاء بالمرة في الأصل لزوم الحرج،
لعموم الابتلاء به، وهذا غير جار في غسالته، كما أن ما دون الدرهم معفو
من نفس الدم دون غسالته.
فالأحوط بل الأقوى: مراعاة حكم النجاسة في الغسالة وإن كان
طهارة المحل متوقفة على أقل من العدد لاستيفاء بعض غسلاته أو لغير ذلك
إلا أن يعلم كونه لأجل خفة نجاسته فلا يزيد حكم الفرع على الأصل.
الرابع: محل الخلاف في الغسالة ما " عدا ماء الاستنجاء فإنه " لا بأس
به كما عن مصباح السيد (1) وفي السرائر مدعيا الاجماع عليه تارة وعدم

(1) حكاه عنه في المعتبر 1: 91.
344

الخلاف فيه أخرى (1) ومعفو عنه كما عن المنتهى (2) وعن غيره (3).
ولا ينجس الثوب والبدن كما في المقنعة (4) وعن غيره (5) والمحكي عن
ظاهر جماعة الاتفاق عليه (6) بل هو " طاهر " كما صرح به في الكتاب
القواعد (7) واشتهر بين المتأخرين، وعن غير واحد (8) نقل الاجماع عليها (9).
والأصل في المسألة: الأخبار المعتبرة، ففي حسنة الأحول: " أخرج من
الخلاء فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في الماء الذي استنجيت به؟ قال:
لا بأس " (10) ورواها في العلل بزيادة قوله عليه السلام: " أتدري لم صار لا بأس
به؟ قلت: لا والله، قال: لأن الماء أكثر من القذر " (11).
و [ما] رواه محمد بن النعمان عن أبي عبد الله فيه السلام " قلت له:
أستنجي ثم يقع ثوبي به وأنا جنب؟ فقال: لا بأس به " (12).
ورواية عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به، أينجس ذلك ثوبه؟

(1) السرائر 1 - 97 - 98 و 184.
(2) المنتهى 1: 143.
(3) الذكرى: 59 والبيان: 102.
(4) المقنعة: 47.
(5) لم نعثر عليه.
(6) انظر الحدائق 1: 467 - 468.
(7) القواعد 1: 186.
(8) المدارك 1: 124 والذخيرة: 143.
(9) كذا في النسخ، والمناسب: عليه.
(10) الوسائل 1: 160، الباب 13 من أبواب الماء المضاف، الحديث الأول.
(11) علل الشرائع 1: 287، الباب 207، الحديث الأول.
(12) الوسائل 1: 161، الباب 13 من أبواب الماء المضاف، الحديث 4.
345

قال: لا " (1).
وظاهر " عدم تنجيس شئ مما يلاقيه " الطهارة، كما أن المتبادر
المركوز في أذهان المتشرعة: أن التنجيس في الجملة من لوازم ماهية النجس
وإن لم ينجس بعض الأشياء، كما أن الغسالة لا ينجس المحل، فإذا فرض
أنهم سمعوا أن هذا الماء إذا ألقي على مثله أو أقل بقي ذلك الماء على طهارته
جزموا بطهارة الماء الملق " بل لم يفهم الطهارة في غالب ما سئل عنه في
الروايات إلا من الجواب بعدم وجوب غسل ملاقيه.
ومنه يظهر: أن القول بمحض العفو دون الطهارة جمعا بين أدلة نجاسة
الغسالة وهذه الأخبار كما ترى! بل المتعين تخصيص ما دل على انفعاله من
عمومات انفعال الماء القليل (2) ورواية العيص المتقدمة (3) بما عدا المقام، وهو
أولى من تخصيص القاعدة المستفادة من تعدي نجاسة كل متنجس.
والتحقيق: أن هذه القاعدة ساقطة باعتبار القطع بخروج الفرد المردد
بين ماء الاستنجاء وملاقيه عن عمومها، فتبق أدلة تنجس الماء القليل وأدلة
عدم البأس بماء الاستنجاء على حالها من عدم التعارض، لأن التعارض
بينهما فرع شمول القاعدة المذكورة لهذا الماء.
فالقول بأنه نجس لا ينجس ملاقيه قوي، فنجاسة (4) الغير المنجسة
المستفادة من أدلة انفعال الماء القليل وأدلة عدم تنجيسه الثوب مما لا محيص
عن الالتزام بها.

(1) الوسائل 1: 161، الباب 13 من أبواب الماء المضاف، الحديث 5.
(2) الوسائل 1: 112، الباب 8 من أبواب الماء المطلق.
(3) تقدمت في الصحفة: 321 - 322.
(4) كذا في النسخ، ولعل الصواب: فالنجاسة.
346

وأما الاجماع على الطهارة دون العفو فلم يثبت، لخلو كلام السيد في
المصباح (1) والمفيد في المقنعة (2) والشيخ في المبسوط (3) والحلي في السرائر (4) عن
التصريح بالطهارة، مع أنه لا ينفع ممن قال بطهارة الغسالة، لأن الطهارة
عنده على القاعدة. والاتفاق الملفق من القول بكونه استثناء من نجاسة
الغسالة والقول بكونه على قاعدتها من الطهارة لا يثمر الظن، فضلا عن
الحدس القطعي الذي هو المناط في تحقق الاجماع عند المتأخرين.
هذا، ويمكن أن يقال: إن الأخبار المذكورة معارضة نفسها (5) لأدلة
تنجس القليل فتخصصها،
لأن النجاسة في الشرع إما وجوب الاجتناب عن
الشئ في الصلاة والأكل وما ألحق بهما - كما في قواعد الشهيد قدس سره (6) -
أو صفة منتزعة عن هذه الأحكام، فإذا حكم الشارع بأنه لا بأس بالثوب
الواقع في ماء الاستنجاء، فهو كالتصريح بجواز الصلاة والطواف فيه، وإذا لم
ينجس الطعام المطبوخ به جاز أكله، فإذا لا يجب الاجتناب عنه في الصلاة
ولا في الأكل لم يكن نجسا. وأما سائر الأحكام - كحرمة شربه وإدخاله
المسجد ونحوها - فإنما جاء من أدلة وجوب الاجتناب عن النجس،
والمفروض عدمه. ويمكن أن يستفاد ذلك من التعليل المتقدم في قوله
عليه السلام: " لأن الماء أكثر من القذر " (7) بناء على أن ظاهره عدم انفعال الماء

(1) حكاه عنه في المعتبر 1: 91.
(2) المقنعة: 47.
(3) المبسوط 1: 16.
(4) السرائر 1: 97 - 98 و 184.
(5) في مصححة " ع ": بأنفسها.
(6) القواعد والفوائد 2: 85، القاعدة: 175.
(7) تقدمت الرواية في الصفحة: 345.
347

بالقذر وعدم تأثره منه، بل استهلاكه له، وهذا الكلام من قبيل قوله عليه السلام
فيما ورد على الثوب من ماء المطر الواقع على النجاسة: " لا بأس به، ما
أصابه من الماء أكثر منه " (1) فتأمل.
ثم المراد بالعفو بعد الاجماع على عدم تنجس ملاقيه يحتمل أمورا:
الأول: أن يكون حكمة في الطهارة كما حكي عن بعض (2) فيكون
الاختلاف في التعبير، وهو بعيد. وتمسكهم بالحرج في الاجتناب لا إشعار فيه
به، فضلا عن الدلالة.
الثاني: أن يكون نجسا معفوا عنه على الاطلاق بمعنى أن لا يحكم عليه
بتكليف من التكاليف المتفرعة على النجاسة، وهو الذي استظهره المحقق
الثاني من النص وكلام الأصحاب (3).
والظاهر رجوع هذا إلى القول بالطهارة، بناء على أن النجاسة حكم
شرعي بالاجتناب في أمور، أو منتزعة من ذلك المحكم الشرعي.
نعم، تظهر الثمرة في غير الأحكام الشرعية من الخواص وفي الأحكام
الشرعية الغير الالزامية المتعلقة بالنجس عدا ما أجمع على وحدة حكم
الطهارة والنجاسة في واجبه ومستحبه كالصلاة.
ولو قلنا: بأن الطهارة أمر وجودي لا مجرد عدم النجاسة ظهرت الثمرة
في الأمور المشروطة بالطهارة، إذ لا يكفي حينئذ ارتفاع حكم النجاسة عن
هذا الماء.

(1) الوسائل 1: 108، الباب 6 من أبواب الماء، المطلق، الحديث الأول.
(2) لم نعثر على مصرح به، ولعله يستفاد من كلام المحقق في المعتبر 1: 91، كما أشار
إليه في الجواهر 1: 355
(3) جامع المقاصد 1: 130
348

الثالث: - وهو الذي استظهره في المدارك (1) من عبارة الذكرى - إذ (2)
لا يجب الاجتناب عنه، فيجوز شربه وأكل الطعام المختلط به وحمله في
الصلاة وإدخاله في المسجد، ولا تجب إزالته مما يجب تطهيره، ولا ينفع في
جواز التطهير به. حاصله: أنه لا يترتب عليه آثاره، وتسميته عفوا
باعتبار عدم وجوب الاجتناب عنه.
الرابع: أن لا يتعدى نجاسته إلى ملاقيه، فهو معفو عنه من حيث
السراية، وهو ظاهر ما تقدم من المصباح والسرائر (3) وظاهر المنتهى: حيث
قال: عفي عن ماء الاستنجاء إذا وقع شئ منه على ثوبه وبدنه (4). وقد
عرفت أن ظاهر أخبار المسألة وكلمات من لم يصرح بالطهارة هو هذا
الأخير.
ومنه يظهر ما في كلام جامع المقاصد على كلام الشهيد قدس سره في
الذكرى، حيث قال: وتظهر الثمرة بين العفو والطهارة في استعماله، حيث قال:
اللازم عليه أحد الأمرين: إما عدم إطلاق العفو عنه، وإما القول بطهارته،
لأنه إذا باشره بيده ثم باشر به ماء قليلا ولم يمنع من الوضوء به كان طاهرا
لا محالة، وإلا وجب المنع من مباشرة ماء الوضوء إذا كان قليلا، فلا يكون
العفو مطلقا، وهو خلاف ما يظهر من الخبر وكلمات الأصحاب (5) انتهى.
إذ لا يخفى أن عدم تنجس ملاقيه وصحة الوضوء بماء لاقاه - على ما

(1) مدارك الأحكام 1: 125.
(2) كذا، والمناصب: أنه.
(3) تقدم عنهما في الصفحة: 344 - 345.
(4) المنتهى 1: 143
(5) جامع المقاصد 1: 130.
349

هو صريح الخبر وظاهر الأصحاب - لا يوجب الحكم بجواز استعماله في إزالة
الحدث والخبث. وإن أراد به أن ظاهر الخبر وكلام الأصحاب العفو المطلق
بجعل وجود صفة النجاسة كعدمها، فلا نسلم أنه ظاهر كلام بعضهم فضلا
عن جميعهم، لما عرفت من كلمات من لم يصرح بالطهارة.
والأقوى - على تقدير عدم القول بالطهارة - العفو بالمعنى الرابع، وعلى
القول بالطهارة عدم جواز رفع الحدث به، لاطلاق ما تقدم في حكم الغسالة
من نقل الاجماع على أن ما يزال به النجاسة لا يرفع الحدث (1) فتأمل.
أما جواز رفع الخبث به فلا يخلو عن قوة للاطلاقات السليمة.
وأما الوضوء والغسل الغير الرافعين ففي جوازهما إشكال، من
الاطلاقات، ومن أن الظاهر من الأوامر الواردة في الأغسال والوضوءات
الغير الرافعة كونها على نحو الرافعية فإذا أمر الحائض بالوضوء (2) أو بغسل
الاحرام (3) - مثلا - فكأنه وكل جميع ما يعتبر فيه إلى ما تقرر في الوضوء
والغسل الواجبين. مع أن الظاهر أن المراد من هذه الطهارات تنظيف يكون
من شأنه رفع الحدث إذا صادفه. وهذا لا يخلو عن قوة.
ثم إن المصرح به في كلام جماعة عدم الفرق بين المخرجين (4) وهو
ظاهر كل من أطلق الاستنجاء بناء على شموله بشهادة جماعة لغسل مخرج
البول (4) وبه يستقيم الاستدلال على العموم بإطلاق لفظ " الاستنجاء " في

(1) راجع الصفحة: 314.
(2) الوسائل 2: 587، الباب 40 من أبواب الحيض
(3) الوسائل 9: 64، الباب 48 من أبواب الاحرام
(4) كالمحقق في المعتبر 1: 91 " والشهيد في الذكرى: 9، والمحقق الثاني في جامع
المقاصد 1: 129، والسيد في المدارك 1: 124.
(5) راجع التنقيح الرائع 1: 70، والجواهر 1: 357 و 2: 13.
350

الأخبار المؤيد بغلبة عدم تفارق التخلي من المخرجين، ولا فرق أيضا بين
المخرج الطبيعي وغيره إذا كان معتادا كما قيد به بعض (1) بل مطلقا لاطلاق
الأدلة. ودعوى الانصراف لو تمت لم يدخل المعتاد من غير الطبيعي أيضا.
والانصاف: أن للانصراف مراتب نعلم باعتبار بعضها وإهمال بعضها
الآخر، فإن انصراف هذا اللفظ إلى غسل موضع النحو - وهو الغائط -
واضح لمن تتبع موارد استعماله في الأخبار (2) وكلمات الأصحاب حيث يقابل
الاستنجاء فيها بغسل مخرج البول (3) مع أن مذهب الأصحاب كما في غير
واحد عدم الفرق.
ولو تعدت النجاسة تعديا فاحشا يخرج إزالته عن اسم الاستنجاء
فلا ريب في عدم دخوله تحت الاطلاق، لكن الظاهر الصدق مع تعديه
بالخروج وإن كان على خلاف العادة مع اتحاد الموضع عرفا.
فالأقوى - وإن كان خلاف الأحوط - عموم العفو " ما لم يتغير "
أحد أوصاف الماء المنفصل " بالنجاسة " المفروضة، لعموم ما دل على نجاسة
المتغير وإن كان أعم من أخبار الاستنجاء من وجه، لكن عموم النجاسة
أقوى، مضافا إلى انصراف أخبار الباب إلى غير صورة التغير، ومفهوم العلة
في رواية العلل (4) بناء على أن المراد بأكثرية الماء من القذر استهلاكه له وعدم
ظهور أثره فيه، فلو ظهر أثر النجاسة في الماء لم يعف عنه

(1) كما في جامع المقاصد 1: 129، والدلائل كما نقله في مفتاح الكرامة 1: 93
(2) مثل الحديث الأول من الباب 9، والحديث 5 من الباب 10 من أبواب أحكام
الخلوة، راجع الوسائل 1: 222، 224.
(3) كالمفيد في المقنعة: 40، والقاضي في المهذب 1: 39 وابن حمزة في الوسيلة: 47،
والحلي في السرائر 1: 96.
(4) علل الشرائع 1: 287، الباب 207، الحديث الأول.
351

ومن هنا يمكن توجيه ما ذكره بعضهم (1) من اشتراط عدم زيادة وزن
الماء بعد الاستعمال لظهور أثر النجاسة فيه حينئذ. ولكنه ضعيف لضعف
الاشعار في الرواية المذكورة.
والعمدة في حكم تغير الأوصاف الثلاثة الاجماع مع التشكيك في
إطلاق أخبار الاستنجاء.
نعم، ينبغي أن يستثنى من ذلك التغير الحاصل للجزء الأول من الماء
الوارد على المحل، خصوصا إذا ورد قليلا بالتدريج، فإن الاستنجاء غالبا
لا ينفك عن هذا التغير، فإذا انفصل الجزء المتغير ووقع على الأرض ينجس
به ما يقع بعد ذلك عليه ولو فرض عدم انفصاله متغيرا، لكن المحل ينجس
بهذا الماء المتغير، وإزالة هذه النجاسة ليس استنجاء، لأنه غسل موضع
النجو من النجاسة الخارجة عنه؟ ومن المعلوم: أن اخراج مثل هذا عن
أخبار الاستنجاء يوجب التقييد بغير الغالب، وهو أبعد من تخصيص أدلة
نجاسة المتغير أو تعميم ماء الاستنجاء لما يشمل مثل هذا.
والانصاف: أن الماء الوارد أولا المتغير بالنجاسة إذا انفصل متغيرا
فوقع على الأرض فلا يبعد الحكم بنجاسته، وإن بقي على المحل وكان الوارد
عليه المنفصل من المحل غير متغير كان طاهرا، عملا بأخبار نجاسة الماء
المتغير بمقدار لا يلزم منه ارتكاب التقييد البعيد في أخبار الباب بحيث يلحق
الحكم فيها بغير المفيد لقلة فائدته، خصوصا في مقام ترك الاستفصال.
ثم إن قول المصنف قدس سره: في أو تصيبه (2) نجاسة من خارج " ليس

(1) نهاية الإحكام 1: 244 والذكرى: 9.
(2) في الشرائع: تلاقيه.
352

حقيقة من قيود حكم المسألة الذي هو عدم انفعال ماء الاستنجاء بنجاسة
محل الغسالة باستعماله، فتنجسه بنجاسة خارجة كالاستثناء المنقطع، ولذا
أهمله بعض (1) إلا أن ظاهر العبارة لما أفاد إطلاق الحكم بالطهارة نبه على
اشتراط بقائه على الطهارة بعدم انفعاله من نجاسة خارجة، والمراد به الخارج
عن نجاسة النجو، فيشمل النجاسة التي تلاقيه بعد الانفصال أو قبله مما هو
على المحل، أو خرج منه كالدم المصاحب للبول، أو المتنجس بنجاسة النجو
كالدود والحصاة المتنجسين والودي الخارج عقيب البول.
ولو سبقت اليد إلى المحل، فهل يعد نجاسة خارجة أو لا؟ قولان،
أقواها العدم، لاطلاق الأخبار مع عدم استمرار الطريقة على تقديم الصب.
نعم، لو وضع يده لا بقصد الاستنجاء كانت كالمتنجس الخارج. ولو وضع
بقصده ثم أعرض، فإن عاد فكما لو لم يعرض، وإن لم يعد فلا إشكال في
نجاسة غسالة اليد. والله العالم.
" و " الماء " المستعمل في الوضوء، المسبب عن حدث أصغر أو أكبر
أو لا عنه، وكذا الأغسال المسنونة " طاهر " بضرورة مذهبنا " ومطهر " عن
الحدث والخبث إجماعا. نعم، ذكر في المقنعة: أن الأفضل تحري المياه الطاهرة
التي لم تستعمل في أداء فريضة ولا سنة (2).
" والماء المستعمل (3) في " الغسل المقصود به رفع الحدث الأكبر
طاهر " إجماعا وإن لم يستقل بالرفع، بناء على أن الحدث الأكبر فيما عدا
الجنابة يرتفع بمجموع الغسل والوضوء، وحينئذ فيشمل إطلاق العبارة

(1) لم نعثر عليه،
(2) المقنعة: 64.
(3) في الشرائع: وما استعمل.
353

- كبعض الأدلة - الوضوء (1).
" وهل يرفع به الحدث (2)، المستعمل فيه باستعماله في موضع صب
لغسل غيره؟ " فيه " للمصنف قدس سره " تردد " في بادئ النظر من جهة
اختلاف الأخبار وكلمات الأصحاب،
فإن صريح المقنعة. (3) والمبسوط (4)
والوسيلة (5) والمحكي عن الصدوقين (6) والقاضي (7) قدس أسرارهم العدم، لرواية عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أم أنه قال: " لا بأس بالوضوء بالماء
المستعمل، وقال: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا
يتوضأ منه وأشباهه، والماء الذي يتوضأ به الرجل فيغسل به وجهه ويده في
إناء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضأ به " (8) بناء على أن صدر الرواية
قضية مهملة قد فصلها الإمام عليه السلام بالفقرتين الأخيرتين، والنهي محمول
على التحريم بقرينة العطف على غسالة الثوب.
وليس في سند الرواية إلا
أحمد بن هلال المرمي بالغلو تارة وبالنصب أخرى، وبعد ما بين المذهبين لعله
يشهد بأنه لم يكن له مذهب رأسا.
لكن التأمل في القرائن يكاد يلحق الرواية بالصحاح.

(1) في ما عدا " ع " زيادة: المذكور.
(2) في الشرائع زيادة: ثانيا.
(3) المقنعة: 64.
(4) المبسوط 1: 11.
(5) الوسيلة: 74.
(6) حكاه عنهما العلامة في المختلف 1: 233، وراجع الفقيه 1: 13، ذيل الحديث 17.
(7) جواهر الفقه: 8
(8) الوسائل 1: 155، الباب 9 من أبواب الماء المضاف، الحديث 13 مع اختلاف في
بعض الألفاظ.
354

منها: أن الراوي عنه الحسن بن فضال، وبنو فضال ممن ورد في شأنهم
في الحسن - كالصحيح - عن العسكري عليه السلام: " خذوا ما رووا وذروا ما
رأوا " (1) مع أن هذه الحسنة مما يمكن أن يستدل بها على جواز العمل
بروايات مثل ابن هلال مما روى حال الاستقامة، ولذا استدل بها الشيخ
الجليل أبو القاسم بن روح قدس سره حيث أفتى أصحابه بجواز العمل بكتب
الشلمغاني، فقال بعد السؤال عن كتبه: أقول فيها ما قاله العسكري عليه السلام
لما سئل عن كتب بني فضال: " خذوا ما رووا... إلخ " (2).
ومنها: أن الراوي عن ابن فضال - هنا - سعد بن عبد الله الأشعري،
وهو ممن طعن على ابن هلال حتى قال: " ما سمعنا بمتشيع يرجع من التشيع
إلى النصب إلا أحمد بن هلال " (3) وهو في شدة اهتمامه بترك روايات
المخالفين، بحيث حكي عنه أنه قال: " لقي إبراهيم بن عبد الحميد أبا الحسن
الرضا عليه السلام فلم يرو عنه، فتركت روايته لأجل ذلك " (4) وكيف مجوز أن
يسمع من ابن فضال الفطحي ما يرويه عن ابن هلال الناصبي، إلا أن يكون
الرواية في كتاب معتبر مقطوع الانتساب إلى مصنفه بحيث لا يحتاج إلى
ملاحظة حال الواسطة أو محفوفة بقرائن موجبة للوثوق بها.
ومنها: إن ابن هلال روى هذه الرواية عن ابن محبوب، والظاهر قرائته
عليه في كتاب ابن محبوب المسمى بالمشيخة الذي هو أحد الأصول الموصوفة

(1) الوسائل 18: 103، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 13.
(2) الغيبة (للشيخ الطوسي): 239.
(3) كمال الدين 1: 76.
(4) رجال العلامة الحلي: 197.
355

في أول الفقه (1) بالصحة واعتماد الطائفة عليها وحكي عن ابن الغضائري
الطاعن كثيرا في من لا يطعن فيه غيره: أن الأصحاب لم يعتمدوا على
روايات ابن هلال إلا ما يرويه عن مشيخة ابن محبوب ونوادر ابن أبي
عمير (2). وحكي عن السيد الداماد إلحاق ما يرويه ابن هلال عن الكتابين
بالصحاح (3).
ومنها: اعتماد القميين على الرواية كالصدوقين وابن الوليد وسعد بن
عبد الله (4). وقد عدوا ذلك من أمارات صحة الرواية باصطلاح القدماء.
فالانصاف: أن الوثوق الحاصل من تزكية الراوي خصوصا من واحد
ليس بأزيد مما يفيده هذه القرائن، فالطعن فيها بضعف السند كما في المعتبر (5)
والمنتهى (6) مع عدم دورانهم مدار تزكية الراوي محل نظر.
ويؤيد الرواية المذكورة روايات أخر، مثل ما ورد من النهي عن
الاغتسال بغسالة الحمام، معللا ب‍ " أنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد
الزنا والناصب لنا أهل البيت، وهو شرهم " (7) فإن الظاهر كون سيلان كل
واحدة من غسالات هؤلاء علة مستقلة في المنع، إذ لا وجه لذكر الجنب مع

(1) كذا في النسخ، والظاهر: الفقيه، ولكن مشيخة ابن محبوب لم تذكر في الفقيه
بالخصوص في الموصوفات بالصحة، إلا أن تكون مندرجة في قوله: " وغيرها من
الأصول والمصنفات " انظر الفقيه 1: 3.
(2) رجال العلامة الحلي: 202.
(3) الرواشح السماوية: 109، الراشحة الرابعة والثلاثون.
(4) لم ندر من أين استفاد المؤلف قدس سره اعتماد المذكورين على خصوص الرواية؟ انظر
معجم رجال الحديث 2: 358.
(5) المعتبر 90: 1
(6) المنتهى 1: 135.
(7) الوسائل 1: 158، الباب 11 من أبواب الماء المضاف، الحديث الأول.
356

كون العلة في المنع غيره، كما لا يخفى.
والصحيح عن ابن مسكان، قال " حدثني صاحب لي ثقة أنه سأل
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن
يغتسل وليس معه إناء والماء في وهدة، فإن اغتسل رجع غسله في الماء،
كيف يصنع؟ قال: ينضح بكف بين يديه، وكفا من خلفه، كفا عن يمينه، وكفا
عن شماله، ثم يغتسل " (1) فإن الظاهر كون ما ذكره الإمام عليه السلام علاجا
لدفع المحذور الذي قرره عليه السلام من رجوع الغسالة في الماء، فلا بد من حمل
النضح في الجهات الأربع على وجه يمنع من رجوع الغسالة في الماء.
والظاهر أن رشها حول الوهدة يوجب سرعة جذب الأرض للماء،
ويمكن حمله على نضح البدن بالماء من الجهات الأربع حتى يتعجل وصول
الماء إلى البدن، فيتم غسله بل رجوع الماء في الوهدة.
والجواب عن رواية ابن سنان بوجوب حملها على صورة تلوث بدن
الجنب بالنجاسة، فإن الغالب - خصوصا في تلك الأزمنة - إزالة النجاسة عند
الغسل، ولذا اشتمل أكثر ما ورد في كيفية غسل الجنابة على إزالة النجاسة (2)
فيكون الماء الذي يتوضأ به الرجل ويغسل به وجهه ويده في إناء نظيف
مقابلا لماء الغسل من حيث عدم انفعاله بالنجاسة حال الاستعمال ولا بعد
الانفصال، بخلاف ماء الغسل فإنه ينفعل في أحد الحالين. وكيف كان، فالتقييد
المذكور أولى من تقييد ما سيجئ من الأدلة.
وبمثله يجاب عن رواية غسالة الحمام (3) فيكون المانع في كل واحدة من

(1) الوسائل 1: 157، الباب 10 من أبواب المضاف، الحديث 2
(2) انظر الوسائل 1: 502، الباب 26 من أبواب الجنابة.
(3) المتقدمة في الصفحة السابقة.
357

الغسالات المذكورة في الروايات نجاستها الذاتية أو العرضية، كما يشهد له
تعليل المنع في الأخبار باشتمال غسالة الحمام على غسالات الكفار والنواصب
وأنه لا خلق أنجس من الكلب، والناصب أنجس منه (1) فإن هذا كله ظاهر
في كون المانع هي النجاسة.
هذا، مع أنه يظهر من بعض الأخبار أمارة الكراهة، مثل قوله عليه السلام:
" من اغتسل في الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومن إلا
نفسه. قلت: إن أهل المدينة يقولون: إن فيه شفاء من العين، قال: كذبوا
يغتسل في الجنب وولد الزنا والناصب - وهو شرهما ومن كل خلق - ثم
يكون في شفاء من العين!.. الحديث " (2). وقد سئل (3) عن ماء الحمام " فقال:
ادخله بإزار، ولا تغتسل من ماء آخر إلا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله،
فلا يدرى فيهم جنب أم لا " (4) فإن استثناء صورة الشك في وجود الجنب في
ماء الحمام دليل على أن المنع لو كان في المستثنى فإنما هو على وجه التنزه.
وقد يظهر من بعض الأخبار أن السؤال من الغسل بماء الحمام في
الأخبار من جهة النجاسة لا رفع الحدث، مثل صحيحة محمد بن مسلم
" قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إلى الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره أغتسل
من مائه؟ قال: نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب، ولقد اغتسلت فيه ثم
جئت فغسلت رجلي وما غسلتهما إلا بما لزق بهما من التراب " (5) وقريب منها

(1) الوسائل 1: 159، الباب 11 من أبواب الماء المضاف، الحديث 5.
(2) الوسائل 1: 158، الباب 11 من أبواب الماء المضاف الحديث 2.
(3) كذا، ولعله سقط بعض الكلمات من العبارة.
(4) الوسائل 1: 111، الباب 7 من أبواب الماء المطلق. الحديث 5.
(5) الوسائل 1: 111، الباب 7 من أبواب الماء المطلق. الحديث 2.
358

غيرها (1).
وعلى ما ذكرنا من صورة تلوث بدن الجنب بالنجاسة يحمل الصحيحة
الأخيرة (2) مع أن الظاهر على المتأمل أن لا دلالة فيها ظاهرة، لا من حيث
التقرير، ولا من جهة العلاج، إذ من المحتمل كون المعالج والمقرر عليه هو
محذور الكراهة دون الحرمة.
فالأقوى بحسب الأدلة هو الجواز، وفاقا للسيدين (3) والحلي (4)
والفاضل في جملة من كتبه (5) والشهيدين (6) والمحقق الثاني (7) والمحكي عن
سلار (8) وابن سعيد (9) للأصل والاطلاقات الكثيرة.
قال: لكن " الأحوط " كما هنا وفي المعتبر (10) العمل بما صار إليه
الأولون من " المنع " لقوة رواية ابن سنان المتقدمة (11) من حيث الصدور
والدلالة. فتقييدها بمجرد إطلاق الأدلة بعيد جدا. ولم نقف في الباب على
خبر خاص ظاهر في الرخصة. وما تقدم مما ظاهره الكراهة فمورده

(1) الوسائل 1: 111، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 3.
(2) وهي صحيحة ابن مسكان، المتقدمة في الصفحة: 357.
(3) رسائل الشريف المرتضى 3: 22، والناصريات (الجوامع الفقهية): 216، ذيل
المسألة السادسة، والغنية (الجوامع الفقهية): 490.
(4) السرائر 1: 61.
(5) نهاية الإحكام 1: 241 والمختلف 1: 234، والمنتهى 1: 133.
(6) الذكرى: 12 وروض الجنان: 158.
(7) جامع المقاصد 1: 127.
(8) المراسم: 33 - 34.
(9) الجامع للشرائع: 20.
(10) المعتبر 1: 88.
(11) تقدمت في الصفحة: 354.
359

الاغتسال في الماء الذي يغتسل فيه، فيقرب حمله على الكثير.
وينبغي التنبيه على أمور:
الأول
أنه لا ينبغي الاشكال في الجواز في الماء الكثير وإن قلنا بالمنع في
غيره، لاختصاص دليل المنع بما يغتسل به لا فيه.
قال في المعتبر: ولو منع هنا لمنع ولو اغتسل في البحر (1). وفي المقنعة:
ولا ينبغي أن يرتمس الجنب في الماء الراكد، فإنه إن كان قليلا أفسده ولم
يطهر به، وإن كان كثيرا خالف السنة بالاغتسال فيه ولا بأس بارتماسه في
الماء الجاري واغتساله فيه (2) انتهى.
ولو تمم الماء المستعمل كرا فصريح المبسوط (3) والوسيلة (4) رفع المنع
معللا في الأول بأنه بلغ حدا لا يحمل خبثا. وفيه ما تقدم في مسألة تتميم
الماء النجس كرا.
الثاني
أنه لا ينبغي الاشكال على القول بالمنع في القطرات المنتضحة من بدن
المغتسل في الإناء بل في كل يسير من الماء المستعمل الممتزج بما يضمحل فيه،
إذ لا يصدق التوضي منه ولا الاغتسال به مع الاضمحلال،
وليس العبرة هنا

(1) المعتبر 90: 1.
(2) المقنعة: 54.
(3) المبسوط 1: 11
(4) الوسيلة: 74.
360

لاستهلاك المرادف للاستحالة حتى يمنع تحققها في امتزاج الشئ بجنسه، بل
المراد صيرورته بحيث لا يصدق أنه توضأ منه أو اغتسل به.
بل يمكن التزام الجواز مع تساويهما في المقدار، حيث إن ظاهر دليل
المنع كون الاغتسال به وظاهره انحصار الغسل به.
إلا أن يقال: إن المراد استعماله في الغسل وإن كان بضميمة غيره،
فيختص الجواز بصورة الاضمحلال، وظاهر النهي جريان الخلاف فيها.
لكن عن الصدوق - وهو أحد المانعين - أنه قال: وإن اغتسل الجنب
فنزل الماء من الأرض فوقع في الإناء أو سال من بدنه في الإناء فلا بأس (1).
ويدل عليه - مضافا إلى ما ذكر وإلى لزوم العسر - صحيحة الفضيل:
قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الجنب يغتسل فينتضح من الأرض في
الإناء؟ فقال: لا بأس، هذا مما قال الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين
من حرج) (2).
وصحيحة شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه السلام في الجنب
يغتسل فيقطر الماء عن جسده في الإناء فينتضح الماء من الأرض فيصير في
الإناء: " أنه لا بأس بهذا كله " (3).
وصحيحة عمر بن يزيد: " قلت: لأبي عبد الله عليه السلام أغتسل من
الجنابة في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة فيقع في الماء ما ينزو من

(1) الفقيه 1: 16 ذيل الحديث 22.
(2) الوسائل 1: 153 الباب 9 من أبواب الماء المضاف، الحديث الأول، والآية من
سورة الحج: 78.
(3) الوسائل 1: 154، الباب 9 من أبواب الماء، المضاف، الحديث 6
361

الأرض؟ قال: لا بأس " (1).
الثالث
ظاهر العلامة في المنتهى وعن النهاية: أنه لا يشترط في صدق
المستعمل انفصاله عن البدن، حيث فرع على مذهب الشيخ قدس سره أنه لو
اغتسل من الجنابة وبقي في العضو لمعة لم يصبها الماء لم يجز صرف البلل الذي
على العضو إلى تلك اللمعة، وعلله بأن الشيخ قدس سره لم يشترط في الاستعمال
الانفصال (2) انتهى.
وفي الذكرى: أنه يصير الماء مستعملا بانفصاله عن البدن، فلو نوى
المرتمس في القليل بعد تمام الارتماس ارتفع حدثه وصار مستعملا بالنسبة إلى
غير. وإن لم يخرج (3) انتهى.
والظاهر أن غرضه من هذا التفريع أن المراد بانفصاله انفصاله من
حيث الاستعمال المحصل للغسل، ولا يعتبر مفارقة البدن، وكأنه أشار بذلك
إلى ضعف ما في النهاية من احتمال أن لا يصير هذا الماء مستعملا معللا بأن
الماء ما دام مترددا على بدن المغتسل لا يصير مستعملا (4).
وعن المعالم - بعد نقل أن الشهيد في الذكرى صرح بعدم اعتبار
الخروج وتردد العلامة في النهاية - أن التحقيق أن الانفصال إنما يعتبر في
صدق الاستعمال بالنسبة إلى المغتسل، فما دام الماء مترددا على العضو لا

(1) الوسائل 1: 154، الباب 9 من أبواب الماء المضاف. الحديث 7.
(2) المنتهى 1: 139 و 140. ونهاية الإحكام 1: 243.
(3) الذكرى: 12.
(4) نهاية الإحكام 1: 242.
362

يحكم باستعماله، وإلا لوجب إفراد كل موضع من البدن بماء جديد، ولا ريب
بطلانه، والأخبار ناطقة بخلافه، والبدن كله في الارتماس كالعضو الواحد،
وأما بالنسبة إلى غير المغتسل فصدق الاستعمال بمجرد إصابة الماء للمحل
المغسول بقصد الغسل، وحينئذ فالمتجه في صورة الارتماس صيرورة الماء
مستعملا بالنسبة إلى غير المغتسل بمجرد النية والارتماس، وتوقفه بالنظر إليه
على الخروج والانتقال، وحكم في المنتهى بصيرورته مستعملا بالنسبة إليهما
قبل الانفصال، والوجه ما ذكرناه (1) انتهى.
أقول - مستمدا من الله -: إن موضوع المنع في النص: هو الماء الذي
يغتسل به، وفي الفتاوى: هو الماء، المستعمل في رفع الحدث، ومن المعلوم أن
المراد بهما واحد، وهو الماء المستعان به للغسل والمجعول آلة له بعد التوصل
به إلى ما قصد الاستعانة عليه، فكل جزء قصد تفصيلا أو إجمالا عند صب
الماء غسله به والاستعانة به عليه لا يصير الماء قبل استيفائه بالغسل
مستعملا، لأن الممنوع هو استعماله في غير الاستعمال المحقق لموضوع كون
الماء مغتسلا به أو مستعملا، ومجرد استعماله في الجزء الأول وإن كفى في صدق
كونه مستعملا، إلا أنه ما دام مشتغلا بالاستعمال قاصدا له يعد استعمالا
واحدا، لا استعمالا آخر للمستعمل، بل يمكن التزام أن غرضه غسل المجموع
بالمجموع على وجه التوزيع، فعند التحقيق هذا الباقي غير مقصود بالاستعمال
في الجزء السابق، بل صب لغيره؟ وهذا وإن لم يلتفت إليه المغتسل تفصيلا، إلا
أن المركوز في ذهنه ذلك، ولذا (2) لو قصد غسل موضع بمجموع الماء ثم غسل

(1) معالم الدين: 137.
(2) في ما عدا " ع ": وكذا.
363

موضع آخر به، فالظاهر أنه مستعمل، لأنه قصد استعمال المستعمل.
لكن يلزم على الالتزام المذكور أن يجوز لغير المغتسل أن يأخذ ما بقي
من الماء المصبوب قبل استيفاء غسل ما قصد به غسله ويستعمله، ولا أظن
أحدا يلتزم بذلك.
فالأولى ما ذكرناه أولا: من تسليم كون الكل مستعملا في الجزء.
الأول، إلا أن استعماله فيما قصد غسله عند الصب من الأجزاء اللاحقة متحد
عرفا مع هذا الاستعمال ولا يعد استعمالا آخر للمستعمل.
ولا فرق فيما ذكرنا بين العضوين والعضو الواحد، فلو بقي من رأسه
شئ فقصد عند صب الماء أن يغسل به بقية رأسه وجانبه الأيمن جاز.
بل لا فرق بين المنفصل عن البدن والمتصل، فلو صب الماء على رأس
بقصد غسل مجموع الرأس والرقبة فتساقط بعض الماء من أطراف أذنيه، جاز
أن يأخذه ويستعمله في غسل رقبته أو بقية أذنه، لما ذكرنا من أن هذا الجزء.
الزائد عن غسل محله قصد به غسل الباقي.
وظهر مما ذكرنا أيضا أنه لو صب الماء على البدن بقصد غسل جميع
ما يفي المصبوب به من دون تعيين للمغسول لم يكن مستعملا وإن بلغ إلى
ما بلغ، لأنه قاصد إجمالا الغسل كل جزء بما يبق من الماء في بدنه بعد غسل
سابقه. نعم، لو انفصل لم يجز أخذه.
ويدل عليه ويشير إلى جميع ما ذكرنا رواية هشام بن سالم عن أبي
عبد الله عليه السلام: " أغتسل من الجنابة وغير ذلك في الكنيف الذي يبال فيه
وعلي نعل سندية، فأغتسل وعلي النعل كما هي؟ فقال: إن كان الماء الذي
364

يسيل من جسدك يصيب أسفل قدميك فلا تغسل قدميك " (1).
هذا كله إذا اغتسل بالصب والاستعمال، أما لو ارتمس (2) تمام بدنه أو
بعضه في الماء القليل، ففي صدق عنوان المستعمل وما يغتسل به خصوصا في
بعض المقامات - كما إذا غمس طرف إصبعه في ماء ناقص عن الكر بيسير -
إشكال، فلو ثبت الاجماع المركب كان الماء مستعملا بغمس تمام ما أريد
غمسه، لا بمجرد غمس بعضه، فإذا نوى خارج الماء وارتمس فلا يصير
مستعملا إلا بعد تمام غسله وإن لم يخرج من الماء، فإذا أراد بعد الغمس أن
ينوي تحت الماء بغسل واجب آخر لم يجز.
الرابع
هل يجوز إزالة النجاسة بهذا الماء أم لا؟ قولان:
أحدهما: المنع، وهو ظاهر ما تقدم من المقنعة (3) والوسيلة (4) وموضع
من المبسوط (5) وفي التهذيب: الجنب حكه حكم النجس إلى أن يغتسل، فمتى
لاقى الماء الذي يصح فيه قبول النجاسة فسد (6) انتهى.
والآخر: الجواز، وهو للمبسوط أيضا (7) وفي المنتهى (8) وعن فخر

(1) الوسائل 1: 155 " الباب 9 من أبواب الماء، المضاف. الحديث 10.
(2) كذا في النسخ والصواب: رمس
(2) المقنعة: 64.
(3) الوسيلة: 74.
(4) المبسوط 1: 10. قوله: " ولا مجوز إزالة النجاسات إلا بما يرفع الحدث "
(6) التهذيب 1: 149.
(7) المبسوط 1: 11.
(8) المنتهى 8: 138.
365

الدين: أنه إجماع (1) والظاهر أن مرادها اتفاق (2) من نسب إليه المنع في
مسألة رفع الخبث وهو خصوص الشيخ، لأنهما لم يذكرا جميع من خالف في
المسألة، أو أن دعواهما مستنبطة من اختصاص دليل المنع بخصوص رفع
الحدث، كما يظهر من المنتهى (3).
وكيف كان: فمقتضى الاطلاقات الجواز،
ولا دليل على المنع عدا ما
ربما يتوهم من عموم التوضي في رواية ابن سنان المتقدمة (4) لمطلق التطهير
ولو من الخبث، فإن إطلاق " التوضي " على الاستنجاء كثير (5). ودعوى
ثبوت الحقيقة الشرعية في غير لفظ الوضوء من مشتقات هذه المادة غير
ثابتة، إلا أن الانصاف ظهور مدر الرواية وذيلها في غير رفع الخبث؟ لكن
الظاهر شموله للوضوءات المستحبة.
وفي شموله لما عدا الرافع منها - كوضوء الحائض والجنب - فيشمل
الأغسال المسنونة بعدم القول بالفصل نظر، أقربه ذلك. لما تقدم من أن
المطلوب في هذه الوضوءات والأغسال - على ما يظهر من الأدلة - ما أمر به

(1) إيضاح الفوائد 1: 19.
(2) كذا في النسخ، والظاهر سقوط " ما عدا " لكنه يبق الاشكال في قوله: لأنهما
لم يذكرا.. الخ، فلاحظ.
(3) المنتهى 1: 138.
(4) تقدمت في الصفحة: 354.
(5) الوسائل 1: 250، الباب 34 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 4. هذا، ولم نعثر
على مورد آخر يكون " التوضي " فيه ظاهرا في الاستنجاء. إلا أن صاحب الوسائل
حمل في موضعين من كتابه - على ما وقفنا عليه - لفظ " الوضوء " على الاستنجاء
وقال: لعل المراد بالوضوء هنا الاستنجاء؟ فإنه كثيرا ما يطلق عليه، راجع الوسائل
1: 209، الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء ذيل الحديث 8، و 223، الباب 10
من أبواب أحكام الخلوة، ذيل الحديث الأول
366

الشارع في رفع الحدث، ولذا لا يحتاج إلى الدليل الخاص في إحراز سائر
شرائط الغسل وأجزائه فيها
الخامس
لو اغتسل فاسدا ففي صيرورته مستعملا وجهان: من صدق اغتسال
الجنب، ومن أن العبرة برفع الحدث. وعلى الثاني فلو نهى المالك عن رفع
الحدث بمائه فارتمس فيه فهل يصير مستعملا؟ وجهان: من نهي المالك
فيفسد فلا يرتفع الحدث فلا يصير مستعملا كما لو فسد غسله لمفسد آخر،
ومن أنه إذا لم يصر مستعملا فيصح فيرتفع الحدث فيحرم فلا يصح
وهكذا. ويدفع برجوع النهي إلى رفع الحدث لولا النهي، فافهم.
367

(الطرف) في " الثالث "
" في الأسئار "
بالهمزة بعد السين، جمع سؤر،
وهو لغة - كما عن كشف اللثام -: البقية
من كل شئ، أو من الطعام والشراب، أو خصوص الماء (1). قيل: إنه في
عرف الفقهاء: ماء قليل لاقى جسم حيوان (2). وكأنه أراد بيان مرادهم من
لفظ السؤر الواقع في باب المياه مقابلا للمطلق والمضاف، وهو حق. وقد
صرح في المقنعة (3) والسرائر (4) - كما عن ظاهر جماعة (5) - بإرادة هذا المعنى في
هذا المقام. والأولى إبقاء السؤر حتى في هذا المقام على معناه العرفي واشتراك
غيره معه في الحكم الثابت له شرعا من حيث استعماله

(1) كشف اللثام 1: 30.
(2) نسبه في الحدائق 1: 418 إلى الشهيد وجملة ممن تأخر عنه.
(3) المقنعة: 65
(4) السرائر 1: 85
(5) نسبه في مفتاح الكرامة إلى ظاهر الوسيلة والمراسم وغيرها، لأنهم يذكرون سؤر
الحائض، انظر مفتاح الكرامة 1: 81 والوسيلة: 76، والمراسم: 37.
369

وظاهرهم اعتبار القلة في الماء. والذي يستفاد من الأخبار إطلاقه
على الكثير، مثل قوله عليه السلام: " لا يشرب سؤر الكلب إلا إذا كان حوضا
كبيرا يستقى منه " (1)
وهو أيضا ظاهر التذكرة (2) والمحكي عن الهداية (3). وكذا
إطلاقه على بقية الطعام كما في النهي عن أكل سؤر الفأرة (4) وقول أمير
المؤمنين عليه السلام: " إن الهر سبع ولا بأس بسؤره، وإني لأستحيي من الله أن
أدع طعاما لأن الهر أكل منه " (5) فإن الاستشهاد قرينة عموم السؤر للمأكول.
والظاهر من بعض الأخبار عدم اختصاصه بمباشرة الفم، لقوله عليه السلام
في خبر العيص: " لا توضأ من سؤر الحائض، وتوضأ من سؤر الجنب إذا
كانت مأمونة ثم تغسل يديها قبل أن تدخلهما الإناء، وكان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يغتسل هو وعائشة في إناء واحد " (6).
وكيف كان: فأسآر الحيوانات " كلها (7) طاهرة عدا سؤر " ما كان نجس
العين أي " الكلب والكافر والخنزير، و " لذا كان " في سؤر المسوخ تردد "
للمصنف من جهة التردد في نجاستها " و " لكن " الطهارة " عنده فيها
" أظهر ".

(1) الوسائل 1: 163، الباب 1 من أبواب الأسئار، الحديث 7
(2) التذكرة 1: 39.
(3) الهداية (الجوامع الفقهية): 48.
(4) الوسائل 1: 172، الباب 9 من أبواب الأسئار. الحديث 7
(5) الوسائل 1: 164 " الباب 2 من أبواب الأسئار، الحديث 2
(6) الوسائل 1: 168، الباب 7 من أبواب الأسئار. الحديث الأول. وفيه: سألته عن
سؤر الحائض، فقال: " ألا توضأ منه... الخ " وفي الكافي: " لا توضأ منه " وفي
التهذيبين " يتوضأ منه "، انظر الكافي 3: 10 الحديث 2، والتهذيب 1: 222، الحديث
633 " والاستبصار 1: 17، الحديث 31.
(7) في الشرائع: وهي كلها.
370

" ومن عدا الخوارج " لكونهم نواصب " والغلاة من أصناف
المسلمين " إذا لم ينكر ما علم أو علم بالضرورة كونه من الدين " طاهر
لجسد والسؤر " وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.
والتلازم بين الجسم والسؤر في الطهارة هو المشهور ومقتضى الأدلة،
إلا أن ظاهر السرائر نجاسة سؤر ما يمكن التحرز عنه من حيوان الحضر غير
الطير والمأكول اللحم (1). والظاهر إرادته عدم جواز الاستعمال، كما يظهر من
كلامه في باب النجاسات (2) فيوافق ما في المبسوط (3) والمهذب (4) من منع
الاستعمال فهم ينكرون التلازم بين طهارة السؤر وجواز استعماله وإن حكى
في المعتبر (5) عن المبسوط النجاسة، لكنه تسامح في التعبير. ويمكن إرادة
حقيقة النجاسة، لأن مرجعها إلى منع الاستعمال.
ومستند الشيخ - على ما
ذكره في الاستبصار - قوله عليه السلام " كل ما أكل لحمه يتوضأ من سؤره
ويشرب " (6) فإن مفهومه - بناء على القول بمفهوم الوصف أو المبتدأ المتضمن
معنى الشرط - يدل على أن السبب المنحصر والعلة التامة في جواز الوضوء
بسؤر المأكول كونه مأكولا، فإذا انتفى هذا الوصف عن حيوان في أول الأمر
أو بعد كونه مأكولا - كالجلال والموطوء - انتفى جواز الوضوء والشرب، ولو
وجد غير مأكول يجوز الوضوء بسؤره لم يكن أكل اللحم سببا منحصرا في
الجواز، لقيام غيره مقامه.

(1) السرائر 1: 84 و 85.
(2) السرائر 1: 182، حيث استثنى رحمه الله من الأسئار سؤر الكلب والخنزير فقط.
(3) المبسوط 1: 10.
(4) المهذب 1: 25.
(5) المعتبر 1: 93.
(6) الإستبصار 1: 25، الباب 12، الحديث 1.
371

ومنع دلالة جملة الشرط على انحصار السبب هو بعينه إنكار مفهومه،
كما وقع من السيد المرتضى قدس سره. (1).
فظهر بهذا التقرير النظر فيما أجاب به العلامة قدس سره عن هذا
الاستدلال (2) وارتضاه الشيخ محمد قدس سره في شرح الاستبصار (3) ردا على
والده في المعالم حيث انتصر للشيخ قدس سره (4) بما أوضحناه: من أنه يكفي في
المفهوم انقسام غير المأكول إلى ما لا يجوز الوضوء بسؤره وإلى ما يجوز،
فليس سالبة كلية وإنما هو سالب الكلية، وقد أوضحنا ذلك أيضا في مسألة
الغسالة (5) عند التكلم في مفهوم قوله عليه السلام: " إذا كان الماء قدر كر لم
ينجسه شئ " (6).
فالأولى: الجواب عن ذلك بعدم المقاومة سندا - لعدم صحة الرواية -
ودلالة، لأن اللازم من الأخذ بظاهرها من التحريم تخصيص لأكثر ما دل
على طهارة بعض الأسئار، كسؤر الهرة معللا بطهارتها (7) ونجاسة بعضها كسؤر
الكلب معللا بنجاسته (8) وجواز استعمال سؤر ما عدا الكلب (9) فاللازم حمله
على الكراهة وأن البأس المنفي في المنطوق أعم من الحرمة.

(1) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 406.
(2) المختلف 1: 230
(3) لا يوجد لدينا.
(4) معالم الدين: 153.
(5) راجع الصفحة: 318 وما بعدها.
(6) الوسائل 1: 117، الباب 9 من أبواب الماء، المطلق، الحديث 1 و 2.
(7) لم نجد التصريح بالتعليل المذكور في روايات الباب، راجع الوسائل 1: 164 الباب 2
من أبواب الأسئار.
(8) الوسائل 1: 163، الباب 1 من أبواب الأسئار، الحديث 4 و 6.
(9) المصدر السابق.
372

" ويكره سؤر " الحيوان " الجلال " وهو المتغذي بعذرة الانسان إلى
حد يحرم لحمه على الوجه المذكور في باب الأطعمة والأشربة، لاطلاق ما
تقدم في سؤر كل طاهر وإن حرم أكله بناء على طهارة الجلال.
وعن الشيخ (1) والسيد (2) وابن الجنيد (3) النجاسة. واستدل لهم بعدم
خلو لعابه عن النجاسة ونقض ببصاق شارب الخمر (4).
" و " كذا سؤر " آكل الجيف " لعين ما ذكر في الجلال مع حلية أكل
بعض أفراده.
لكن الحكم فيهما كغيرها من الحيوانات الطاهرة المزاولة للنجاسات
مقيد بما " إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة " أو المتنجس وعبر
بعضهم بأثرها (5) والمراد أثره الحسي لا الشرعي، ففي عبارات الكل دلالة
على عدم اعتبار طهارة موضع الملاقاة بعد ملاقاة النجاسة بالماء المطهر،
وأنه لا يجري هنا استصحاب تنجس موضع الملاقاة وإن علم عدم وجود
المطهر، وهو إجماع.
نعم، حكي عن النهاية اعتبار احتمال حصول طهارته بوروده على كثير
مطلق أو ورود المطر أو القليل عليه (6) إلا أن المشهور - كما ادعاه في

(1) المبسوط 1: 10.
(2) قال المحقق - بعد نسبة القول بالكراهة إليه في جمل العلم والعمل -: " واستثناه من
المباح في المصباح "، انظر المعتبر 1: 97.
(3) حكاه عنه في المختلف 1: 229.
(4) كما في مشارق الشموس: 268.
(5) كالشيخ في النهاية: 5.
(6) نهاية الإحكام 1: 239.
373

الحدائق (1) وغيره (2) - على عدم اعتبار الاحتمال أيضا والحكم بطهارة السؤر
مع القطع بعدم حصول المطهر الشرعي، فقد صرحوا - كما في المبسوط (3)
والسرائر (4) والمعتبر (5) والتذكرة (6) وغيرها (7) - بأنه لو أكلت الهرة فأرة ثم
شربت من ماء قليل لم ينجس غابت الهرة أو لم تغب. ومما يحقق الشهرة بل
يظهر منه الاتفاق أن الأصحاب بين مفت بكراهة سؤر الجلال وآكل الجيف
ومانع منه، ولم يستند المانع إلا إلى التعبد أو وجود أجزاء النجاسة في لعابه،
فاتفق المانعون والمجوزون على أن ملاقاة فمه للنجاسة مع العلم العادي غالبا
بعدم ملاقاة المطهر الشرعي بعد أكل العذرة والجيفة لا يؤثر.
وكيف كان: فالظاهر تحقق الشهرة في المسألة، بل عن الشيخ في
الخلاف دعوى الاجماع عليه مستكشفا ذلك من أن الأصحاب حكموا
بطهارة سؤر الهرة (8).
وأن دعوى ورودها في مقام بيان حكم سؤر الهرة من
حيث الطهارة والنجاسة الذاتيتين - كما يشهد به تعليل الطهارة في بعض تلك
الأخبار: بأن الهرة سبع (9) كتعليل نجاسة سؤر الكلب بأنه نجس (10) - فلا
ينافي كون حكم السؤر من حيث تنجس الحيوان بالنجاسة العرضية هي
النجاسة، ممنوعة بعد كون الغالب في الحيوان ملاقاته للنجاسة بل كونه دائما

(1) الحدائق 1: 433.
(2) مفتاح الكرامة 1: 83.
(3) المبسوط 1: 10. (4) السرائر 1: 85.
(5) المعتبر 1: 99 (6) التذكرة 1: 42.
(7) راجع المدارك 1: 133 والذخيرة 141.
(8) الخلاف 1: 204، كتاب الطهارة، ذيل المسألة: 167.
(9) الوسائل 1: 164، الباب 2 من أبواب الأسئار، الحديث 2
(10) الوسائل 1: 163، الباب 1 من أبواب الأسئار، الحديث 6.
374

محكوما بالتنجس ولو بحكم الاستصحاب.
ومما يدل على إرادة طهارة السؤر على الاطلاق لا خصوص الطهارة
الذاتية ما وقع في النص والفتوى (1) من استثناء صورة وجود النجاسة العينية
على جسم ذي السؤر، فإنه لا وقع لهذا الاستثناء مع إرادة الطهارة الذاتية.
ففي خبر عمار وقد سأله عن ماء يشرب منه باز أو صقر أو عقاب
فقال عليه السلام: " كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلا أن ترى في
منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب " (2).
ومما يمكن أن يستدل به في المقام أيضا: صحيحة علي بن جعفر
- المروية في التهذيب وقرب الإسناد - في حديث، قال: " سألته عن الفأرة
والحمامة والدجاجة وأشباهها تطأ العذرة ثم تطأ الثوب، أيغسل الثوب؟ قال:
إن كان استبان من أثره شئ فاغسله، وإلا فلا بأس " (3) فإن ترك
الاستفصال عن رطوبة الثوب ويبوسته والاستفصال عن وجود عين النجاسة
وعدمها، دليل على أن الثوب لا يتنجس إلا عن النجاسة العينية الموجودة
على الحيوان، لا من نفس الحيوان وإن لاقى النجاسة، وإلا لوجب الاستفصال
عن رطوبة الثوب ولغى الاستفصال بوجود عين النجاسة وعدمها، كما لا يخفى.
ودعوى: ظهور الثوب في اليابس فحسن الاستفصال من وجود عين
النجاسة، ممنوعة، إذ لا سند للظهور. وإذا تأملت الرواية وجدتها أوضح
دلالة من أخبار السؤر وخبر عمار (4) لما تقدم في أخبار السؤر من ظهورها

(1) كما سيأتي.
(2) الوسائل 1: 166، الباب 4 من أبواب الأسئار، الحديث 2.
(3) التهذيب 1: 424، الحديث 1347، وقرب الإسناد: 193، الحديث 729.
(4) المتقدم في الصفحة السابقة.
375

مع قطع النظر عن فهم الأصحاب في الطهارة الذاتية. وأما الاستثناء في خبر
عمار، فلأجل كون السؤال عن الطهارة الفعلية، فلم يعلم (1) كون المقام إلا
مقام بيان الطهارة الفعلية بعد إحراز الطهارة الذاتية بطهارة عين هذه
الحيوانات.
ثم إن غلبة ملاقاة الهرة وغيرها للنجاسات لا توجب العموم في
روايات السؤر لصورة العلم بعدم الطهارة الشرعية بعد الملاقاة، ولذا ورد في
طهارة ثياب المشركين وأوانيهم ما ورد من الجواز (2) مع أن أحدا لم يقل فيهما
بكونهما كالسؤر في عدم اعتبار العلم بملاقاة النجاسة إذا لم يوجد العين، إلا
أن يقال: إنا لم نلتزم بذلك في أواني المشركين وثيابهم لتقيدها في بعض
الأخبار بصورة عدم العلم باستعمالهما بملاقاة النجاسة (3) بخلاف ما نحن فيه.
وبالجملة: فقد علم أن النظر في أخبار أواني المشركين وثيابهم
الملبوسة والمنسوجة إلى أصالة الطهارة - كما يظهر من بعضها (4) - بخلاف ما
نحن فيه، فإن الأخبار الواردة في أسار ما يعلم طهارته من الحيوانات
- كالحمام والدجاجة وغيرهما - لم يستثن فيها إلا صورة وجود النجاسة على
جسم الحيوان (5) والمناسب على تقدير إناطة الحكم بأصالة الطهارة استثناء
صورة العلم بتنجس نفس الجسم، إلا أن يدعى أن العلم بوجود النجاسة
يراد به ذلك.

(1) كذا في النسخ، والظاهر سقوط كلمة " عدم "
(2) الوسائل 2: 1091، الباب 72، و 1095، الباب 74 من أبواب النجاسات.
(3) الوسائل 2: 1095، الباب 74 من أبواب النجاسات، الحديث الأول.
(4) الوسائل 2: 1095، الباب 74 من أبواب النجاسات، الحديث الأول.
(5) الوسائل 1: 166، الباب 4 من أبواب الأسئار.
376

وكيف كان: فالظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن جسم
الحيوانات لا يعامل معها معاملة غيرها من كفاية العلم بنجاستها في زمان في
وجوب الاجتناب عنها إلى أن يعلم طهارتها - نعم، هذا وجه محكي عن
الشافعي (1) - ولعله كاف بضميمة ما تقدم من الأخبار ودعوى الاجماع.
وأما صورة العلم بعدم المزيل الشرعي فهو مورد الخلاف، إلا أن أكثر
من تعرض للمسألة عمم الحكم لها، إلا العلامة في النهاية حيث اشترط
احتمال حصول المزيل الشرعي بورود الحيوان على كر أو جار (2). فتكون
هذه المسألة مستثناة في الحقيقية عن مسألة اعتبار استصحاب النجاسة أو
حكومة استصحابها على استصحاب طهارة الملاقي.
والحاصل: أن هذا الحكم مخالف لإحدى قواعد اقتضتها العمومات:
إحداها: قاعدة تنجيس النجاسات العينية لما يلاقيها حتى أجسام
الحيوانات.
الثانية: عدم زوال نجاسة المتنجس ولو كان جسم حيوان بمجرد زوال
عين النجاسة عنه.
الثالثة: تنجيس المتنجس ولو كان جسم حيوان لما يلاقيه من المياه
وغيرها.
الرابعة: أن النجاسة إذا ثبت في محل فهي مستصحبة.
الخامسة: أن استصحاب نجاسة الشئ حاكم على استصحاب طهارة
ملاقيه.

(1) حكاه عنه في المنتهى 1: 161.
(2) نهاية الإحكام 1: 239.
377

فلو بني على اخراج ما نحن فيه عن إحدى الثلاث الأول عم الحكم
لصورة العلم بعدم ورود المزيل الشرعي، ولو بني على عمومها تعين اخراج:
ما نحن فيه من إحدى الأخيرتين.
والمطابق لاطلاق أخبار الباب هو الأول، فإن الأخبار المذكورة إما
مسوقة لبيان الطهارة الذاتية فلا دخل لما فيما نحن فيه، وإما مسوقة للطهارة
الفعلية بملاحظة ملاقاة النجاسة الخارجية فلا وجه لتقييدها بصورة احتمال
زوال نجاستها بمطهر شرعي.
ثم الأولى اخراج المقام من القاعدة الثالثة (1) لأصالة بقاء الأولين على
عمومهما، ولا يرد ذلك في الثالثة لأن مستندها راجع إلى الاستصحاب،
فيصلح أخبار الباب للورود عليه بجعل زوال العين من جملة المطهرات، فلا
يلزم من ذلك طرح الاستصحاب، كما لا يخفى. مضافا إلى أن الاستصحاب
في الحكم الشرعي محل كلام وإن كان قد يقال: إن الاستصحاب في مثل
ذلك مما اتفق على اعتباره ويسمى مثله بعموم النص، إلا أنه غير ثابت،
مضافا إلى أن التخصيص في القاعدتين الأوليين في غاية الندرة - كما في
الغسالة - فلو انفعل لم ينفصل.
بل يمكن أن يدعى أن النجاسة إما أن تؤثر في المحل الرطب أو المائع
أو يتأثر منه، وليس في الشرع غير ذلك، وهذا بخلاف زوال النجاسة بزوال
العين، فإنه قد وجد إجماعا في بعض المواضع، مثل تطهير الشمس والأرض

(1) كذا في النسخ، لكن مقتضى التعليل الذي ذكره هو الاخراج من القاعدة الثانية،
وهي " عدم زوال نجاسة المتنجس ولو كان جسم حيوان بزوال عين النجاسة " لكن لا
يناسب قوله بعدها: " لأصالة بقاء الأولين على عمومهما " اللهم إلا أن يقال بحصول
التقدم والتأخر فيما تقدم، فراجع وتأمل.
378

والاستحالة، وقد قال السيد بطهارة كل جسم صقيل بزوال عين النجاسة
مستدلا بأن الغرض زوال العين (1) وقد ذكر الشيخ في التهذيب والاستبصار
أنه إذا مضى على عظم الميتة سنة لم يجب غسل الثوب منه (2). ومعلوم: أن
المراد صورة رطوبة الثوب، وهو وإن كان ضعيفا، إلا أن المقصود من ذكره
الاستيناس.
وقد جزم جماعة كالشهيدين (3) والمحقق الثاني في الجعفرية (4)
وشارحيها (5) وصاحب الموجز (6) وشارحه (7) على ما اخترناه حيث عدوا
زوال العين من المطهرات في الحيوان.
إلا أن يقال: إنه لا ثمرة يترتب على الحكم بنجاسة الحيوان بملاقاة
عين النجاسة، لأن آثار النجاسة ما دامت العين مستندة إليها، ومع زوالها
فالمفروض الطهارة، فيقوى أن يكون مراد من حكم بالطهارة بزوال العين
عدم انفعاله بالملاقاة نظير حكم بطهر البواطن.
لكنه مدفوع بأن عدم ظهور الثمرة لا يقتضي رفع اليد عن القواعد،
فإذا اقتضت القاعدة العمل بالعموم في انفعال كل ملاقي للنجس وجب القول

(1) حكى عنه في المعتبر 1: 450 من دون ذكر الاستدلال، وكذا في المختلف 1:
492.
(2) التهذيب 1: 276، ذيل الحديث 813، والاستبصار 1: 192، ذيل الحديث 672،
(3) الشهيد الأول في البيان: 93 والألفية: 49، والشهيد الثاني في المقاصد العلية، على
ما حكاه عنها في مفتاح الكرامة 1: 191.
(4) رسائل المحقق الكركي 1: 97.
(5) لا توجد لدينا شروح الجعفرية.
(6) الموجز الحاوي (الرسائل العشر) 1: 61
(7) كشف الالتباس (مخطوط): 111.
379

به، وإذا دل الدليل على عدم ترتب أحكام النجاسة بعد زوال العين حكم
بطهارة المحل بعد النجاسة، بل بناء المحصلين لقواعد الاستدلال ارتكاب
تقدير المعدوم موجودا والموجود معدوما إذا اقتضته القواعد مع أن الثمرة في
بعض الموارد ربما تظهر للمتأمل.
ومما ذكرنا يظهر أن الحكم في طهر البواطن كذلك كما هو ظاهر كلماتهم
في عد زوال العين من المطهرات العشر في البواطن والحيوان غير الآدمي.
بقي الكلام في مستند الكراهة في سؤر الجلال وآكل الجيف، ولعله لعدم
كونهما مأمونين واتهامهما بعدم خلو موضع الملاقاة فيهما من عين النجاسة.
" و " هذا المناط مستفاد من فحوى صحيحة العيص من النهي عن
سؤر " الحائض " مطلقا والجنب " التي لا تؤمن " حيث قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن سؤر الحائض، قال: لا توضأ منه وتوضأ من سؤر،
الجنب إذا كانت مأمونة ثم تغسل يديها قبل أن تدخلهما الإناء " (1)
ولعل حكمة الاطلاق في الحائض استمرار النجاسة عليها أياما فيبعد خلو يدها
عن النجاسة، لأنها تبدل الخرقة وتغيرها كثيرا، إلا إذا كانت متحفظة ورعة
عن النجاسة، بخلاف الجنب، فإن زمان تلوثها بالنجاسة يسير، فالتحفظ عنها
لسهولته موجود في أغلب الناس، إلا إذا كانت ممن لا تبالي.
وما في الصحيحة من إطلاق الحائض موافق للمبسوط (2) مخالف
للمشهور، فإن المشهور تقييدها إما بالمتهمة - كما عن جماعة (3) - وإما بغير

(1) الوسائل 1: 168، الباب 7 من أبواب الأسئار، الحديث الأول، وتقدم في الصفحة:
370، الهامش (6) اختلاف المصادر في فقره " لا توضأ منه " في أول الحديث، فراجع.
(2) المبسوط 1: 10
(3) كما في النهاية: 4، والوسيلة: 76، والسرائر 1: 62 وراجع مفتاح الكرامة 1: 84.
380

المأمونة كالمصنف قدس سره تبعا للآخرين (1). ولعله للصحيحة المذكورة بإسقاط
لفظة " لا " من أولهما كما في رواية التهذيب والاستبصار (2) فيكون قوله: " إذا
أنت مأمونة " قيدا للجنب والحائض، أو لتعارض الروايتين، فالمتيقن كراهة
المقيد
لكن الأخبار المطلقة كثيرة، مثل قوله عليه السلام في رواية عنبسة:
شرب من سؤر الحائض ولا تتوضأ منه " (3) ورواية أبي بصير: " هل يتوضأ
من فضل وضوء الحائض؟ قال: لا " (4) وفي رواية أبي هلال: " المرأة الطامث
أشرب من فضل شرابها ولا أحب أن أتوضأ منه " (5).
وتقييدها بالمأمونة وإن وردت في غير واحد من الأخبار، مثل
صحيحة رفاعة المروية في السرائر: " إن سؤر الحائض لا بأس به أن يتوضأ
منه إذا كانت تغسل يديها " (6) وصحيحة علي بن يقطين: " في الرجل يتوضأ
بفضل الحائض؟ قال: إذا كانت مأمونة فلا بأس " (7). إلا أنه لا يتعين حمل
الأخبار المطلقة عليها، لاحتمال المقيد للحمل على شدة الكراهة في محل القيد
وخفتها في غيره.

(1) كما في المقنعة: 584، والمراسم: 37، والجامع للشرائع: 20، وراجع مفتاح الكرامة
1: 84
(2) التهذيب 1: 222، الحديث 633، والاستبصار 1: 17 " الحديث 31.
(3) الوسائل 1: 170، الباب 8 من أبواب الأسئار، الحديث الأول وفيه: ولا تتوض منه
(4) الوسائل 1: 170، الباب 8 من أبواب الأسئار، الحديث 7.
(5) الوسائل 1: 171، الباب 8 من أبواب الأسئار، الحديث 8.
(6) السرائر 3: 609، وعنه الوسائل 1: 171، الباب 8 من أبواب الأسئار،
الحديث 6.
(7) الوسائل 1: 170، الباب 8 من أبواب الأسئار، الحديث 5.
381

لكن الانصاف: أن ظاهر نفي البأس في المقيدات - بعد العلم بعدم
الحرمة في غير المأمونة - نفي الكراهة رأسا، مع أنه لو تكافأ الاحتمالان
يرجع إلى الأصل.
هذا كله بناء على أن " غير المأمونة " في العرف هي " المتهمة " وإن
جعلناها أعم - كما هو مقتضى اللغة - لم يكن تعارض بين المطلق والمقيد، ولا
بين قول المبسوط وقول من عبر بغير المأمونة، بناء على إرادة الفرد المتعارف
من مطلق الحائض، وهو غير المتحفظ والورع عن النجاسات بحيث يظن
ويوثق بطهارة يدها، فحاصل مذهبهم كراهة سؤر الحائض من حيث هي
للظن النوعي بعدم طهارة يدها، فهي متهمة نوعا، إلا أن يكون خصوص
الشخص بحيث تؤمن من ذلك، لشدة تورعها عن النجاسات.
لكن الانصاف: أن المراد بالمأمونة الفرد المتعارف، وهي التي لا تتهم
لقلة مبالاتها بالنجاسة. ويؤيدها ما في رواية السرائر (1) من قوله: " تغسل
يديها " بدل " المأمونة " فإن مقابلها من " لا تغسل يديها " وهي المتهمة،
وغسل اليد أمر متعارف عقيب تلوتها، خصوصا بالقاذورات المستنفرة.
ومما ذكرنا يظهر أن ما في المدارك والذخيرة - من أن " إناطة الكراهة
بغير المأمونة أولى من إناطتها بالمتهمة، لأن النص يدل على انتفاء الكراهة إذا
كانت مأمونة، وهي أخص من كونها غير متهمة " (2) انتهى - محل نظر، أما
أولا: فلاتحادهما عرفا، وأما ثانيا: فلأن انتفاء الكراهة منوط في رواية
السرائر بغسل اليدين، ومفهومه الكراهة مع عدم غسلهما، وليس المراد العلم

(1) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(2) المدارك 1: 135 " والذخيرة: 145
382

بذلك، وإلا كان سؤرها نجسا، بل المراد كونها مظنة لترك الغسل - وهي
المتهمة - كما أن المراد بالغسل في المنطوق كونها مظنة لذلك على ما هو
المعارف.
ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص الكراهة بالوضوء (1) بل في بعضها
مقابلة الشرب بالوضوء (2) الظاهرة في نفي الكراهة.
لكن المحكي عن ظاهر الأكثر عدم الفرق (3) بل عن الوحيد البهبهاني:
الاقتصار على الوضوء لم يقل به فقيه، والظاهر أن التعميم محل وفاق (4)
انتهى
أقول: لو ثبت الاجماع على التعميم أمكن حمل أدلة الفصل على
تفاوت الكراهة.
ثم ظاهر إناطة الكراهة بالاتهام وعدم الأمن تعدي الحكم إلى كل
متهم بعدم التوقي من النجاسات، كما هو المحكي عن ظاهر الشيخين (5)
الحلي (6) والمحقق (7) وصريح البيان (8) والروضة (9) مضافا إلى ما يظهر من أخبار أخر من استحباب التنزه عمن لا يتنزه (10) ورواية ابن أبي يعفور:

(1) الوسائل 1: 170، الباب 8 من أبواب الأسئار.
(2) نفس المصدر الأحاديث 1 و 2 و 4 و 6 و 8.
(3) المدارك 1: 135، والذخيرة: 145.
(4) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 1: 84.
(5) المقنعة: 84، والنهاية: 589.
(6) السرائر 3: 123.
(7) الشرائع 3: 228.
(8) البيان: 101.
(9) الروضة البهية 1: 281.
(10) لم نظفر على خبر ظاهر فما أفاده، إلا ما رواه في الوسائل 2: 1095، الباب 74 من
أبواب النجاسات، الحديث 2 وفي ظهوره في المطلوب تأمل، فراجع.
383

" عن الرجل أيتوضأ من فضل المرأة؟ قال: إذا كانت تعرف الوضوء " (1) بناء
على أن الظاهر من الوضوء الاستنجاء، أو إزالة مطلق الخبث، مضافا " إلى
الأمر بالاحتياط في مظان النجاسة (2).
وأنكر هذا الحكم غير واحد من متأخري المتأخرين (3) بل ذكر
بعضهم (4) أنه مجرد استحسان لعدم المستند، مع ما دل على كون الوضوء من
فضل جماعة المسلمين أحب إلي (5) من الوضوء من ركو أبيض (6).
وفيه: أنه يكفي في المستند ما عرفت، وكون الوضوء من سؤر
المسلمين أحب من الوضوء من الركو الأبيض في الرواية إنما هو مع عدم
النقص (7) فيه من جهة من الجهات، فيكون مزيته على الوضوء من الركو
كونه أسهل وأيسر، ومحل الكلام ثبوت الكراهة من جهة الظن النوعي
بنجاسة سؤر المتهم مع كون شخص الماء مشكوك الطهارة، أما مع ظن نجاسة "
الماء فلا ينبغي التأمل في رجحان الترك.
" و " يكره أيضا استعمال " سؤر البغال والحمير " مطلقا كما هو ظاهر
العبارة، أو خصوص الأهلية كما فسره جماعة، منهم الكركي (8)

(1) الوسائل 1: 170، الباب 8 من أبواب الأسئار، الحديث 3.
(2) الوسائل 1: 158، الباب 11 من أبواب الماء، المضاف.
(3) المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 124، والسيد في المدارك 1: 135 والمحقق
السبزواري في الذخيرة: 145، والمحقق الخوانساري في المشارق: 270.
(4) ذكره المحقق الخوانساري في المصدر المتقدم.
(5) كذا، والمناسب: أحب إليه عليه السلام.
(6) الوسائل 1: 152، الباب 8 من أبواب الماء المضاف، الحديث 3،
(7) في " ب ": النقض،
(8) جامع المقاصد 1: 124.
384

والميسي (1) وصاحب المدارك (2) مستدلين على الحكم بكراهة لحمهما، ومنع
كاشف اللثام الكبرى (3).
ويمكن الاستدلال بمضمرة سماعة: " سألته هل يشرب سؤر شئ من
الدواب ويتوضأ منه؟ قال: أما الإبل والبقر [والغنم] (4) فلا بأس " (5)
والنبوي: " كل شئ يجتر فسؤره حلال ولعابه حلال " (6) بناء على أن المراد
بالحلية ما لا بأس فيه أصلا.
والمرسلة: " كان يكره عليه السلام سؤر كل ما لا يؤكل لحمه " (7) بناء على
إرادة الأعم مما لا يعتاد أكله أو لم يخلق للأكل، كما يظهر هذا الاستعمال من
بعض أخبار نجاسة بول العمير والبغال (8) فتأمل.
وعمم جماعة الحكم للدواب كلها (9).
وفي غير واحد من الأخبار نفي البأس عن شرب سؤر الحمار والفرس
والبغل (10) لكن الظاهر ورود ذلك في مقابل الكلب، فيحمل على نفي الحرمة
لا الكراهة.

(1) نقل عنه في مفتاح الكرامة 1: 84.
(2) المدارك 1: 136.
(3) كشف اللثام 1: 31.
(4) الزيادة من مصححة " ع "، ولم ترد في سائر النسخ، والتهذيب.
(5) الوسائل 1: 167، الباب 5 من أبواب الأسئار الحديث 3.
(6) الوسائل 1: 167، الباب 5 من أبواب الأسئار الحديث 5.
(7) الوسائل 1: 167، الباب 5 من أبواب الأسئار الحديث 2.
(8) الوسائل 2: 1011، الباب 9 من أبواب النجاسات، الحديث 9.
(9) كالشيخ في المبسوط 1: 510 والعلامة في نهاية الإحكام 1: 240، والشهيد في
الذكرى: 12.
(10) الوسائل 1: 163، الباب 1 من أبواب الأسئار، الحديث 4 و 6.
385

وآخرون صرحوا بكراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه (1) ولعله لما مر من
قوله: " كل ما أكل لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب " (2).
" و " يكره أيضا سؤر الفأرة " في المشهور على الظاهر، بل قيل:
إنه المعروف من المذهب (3) ففي حديث المناهي: " نهى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم عن أكل سور الفأرة " (4) لكنه لا يدل على حكم الماء من حيث
الشرب والتوضي.
ومن الغريب! ما عن باب تطهير الثياب من نهاية الشيخ: أن الفأرة
كالكلب إذا أصابت ثوبا برطوبة وجب غسل موضع الإصابة (5) ونزل على
الاستحباب المؤكد.
" و " قيل: المعروف من المذهب كراهة سؤر " الحية " أيضا (6) لرواية
أبي بصير: " عن حية دخلت حبا فيه ماء وخرجت منه؟ قال: إن وجد ماء
غيره فليهرقه " (7) وعن المدارك تبعا للمعتبر عدم الكراهة (8)

(1) مثل ابن حمزة في الوسيلة: 76، والعلامة في نهاية الإحكام 1: 240، والشهيد في
الدروس 1: 123. وظاهر كل من علل كراهة سؤر الحمير والبغال بكراحة اللحم،
مثل المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 124.
(2) مر في الصفحة: 371 عن الإستبصار.
(3) لم نقف على القائل.
(4) الوسائل 1: 172، الباب 9 من أبواب الأسئار، الحديث 7، والفقيه 4: 4، الحديث
4968.
(5) النهاية: 52.
(6) لم نقف على قائله.
(7) الوسائل 1: 172، الباب 9 من أبواب الأسئار، الحديث 3
(8) المدارك 1: 137، والمعتبر 1: 100.
386

قال (1) يكره أيضا استعمال " ما مات فيه الوزغ " بل خرج منه حيا،
على ما رواه هارون بن حمزة الغنوي: " قال: سألته عن الفأرة والعقرب
وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا، هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ
منه؟ قال: يسكب منه ثلاث مرات، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة، ثم يشرب
منه ويتوضأ منه؟ غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه " (2) وبمضمونها أفتى في
النهاية (3). وتعارض بالأخبار الخاصة، مثل صحيحة علي بن جعفر (4) والعامة
فيما لا نفس له (5).
" و " يدل على حكم " العقرب " إذا مات رواية سماعة: " عن جرة
وجد فيها خنفساء قد ماتت؟ قال: ألقها وتوضأ منه، وإن كان عقربا فأرق
الماء وتوضأ من ماء غيره " (6) " و " هو محمول على الاستحباب، لما دل على
أنه إنما " ينجس الماء بموت الحيوان ذي النفس السائلة دون ما لا نفس له "
كما سيجئ ذلك في باب النجاسات.
" و " اعلم أنه قد تقدم قول الشيخ قدس سره في.: بأن ما لا يدركه
الطرف (7) من الدم لا ينجس الماء، مستدلا بصحيحة علي بن جعفر - المتقدمة
في ذيل مسألة الماء القليل - وعرفت ضعف دلالتها (8) " و " أن الأقوى

(1) كذا، وليس من دأب المؤلف قدس سره تصدير المتن بكلمة " قال ".
(2) الوسائل 1: 172، الباب 9 من أبواب الأسئار، الحديث 4.
(3) النهاية: 6.
(4) الوسائل 1: 171، الباب 9 من أبواب الأسئار، الحديث الأول.
(5) الوسائل 1: 173، الباب 10 من أبواب الأسئار.
(6) الوسائل 1: 172، الباب 9 من أبواب الأسئار. الحديث 6.
(7) في الشرائع: وما لا يدرك بالطرف.
(8) راجع الصفحة: 117.
387

ما " قيل ": من أنه " ينجسه و " لا أقل من أنه " هو الأحوط " غالبا.
والمحكي عن الشيخ تعميم الحكم لمطلق النجاسات (1). ولم يعلم له
مأخذ، ولا أن الشيخ يتعدى من دم الأنف إلى غيره، أو يقتصر على مورد
الصحيحة؟ واحتملهما في الذكرى (2) ولا أنه يتعدى من الماء إلى كل جسم
رطب كالثوب أو يقتصر على مورد النص؟ لكن الشهيد قدس سره في الذكرى
نسب إليه التعدي إلى الثوب (3) ولعل الفرق بينه وبين التعدي من دم الأنف
- مع أنه أظهر - أن المنفعل في الجسم الرطب حقيقة هو الجزء المائي فعدم
انفعال الماء يدل على عدم انفعاله.
قال في فروع قول الشيخ: لو طارت الذبابة عن النجاسة إلى الثوب
أو الماء، فعفو عند الشيخ، واختاره المحقق في الفتاوى، لعسر الاحتراز ولعدم
الجزم ببقائها لجفافها بالهواء وهو يتم في الثوب دون الماء (4) انتهى.
أقول: أما حكم الشيخ بالعفو: فلم يعلم في الثوب، وما ذكرناه من
الفرق ضعيف. وأما حكم المحقق قدس سره بالعفو لعسر الاحتراز: فلا يخلو عن
تأمل. وأما عدم الجزم ببقائها لجفافها: فيحتمل أن يكون المراد بالجفاف
زوال عينها، فيصير طاهرا بزوال العين، لا جفافها مع بقاء جرمها، إذ الغالب
مجرد رطوبة رجل الذبابة بالنجاسة لا لزوق جرمها به، مع أن الشك فيه
كاف.
نعم، قد يقال: إن أصالة بقاء الرطوبة عند الشك فيه حاكمة على

(1) المبسوط 1: 7، وحكى عنه الشهيد في الذكرى: 9.
(2) الذكرى: 9.
(3) لم نجد النسبة في الذكرى.
(4) الذكرى: 9.
388

أصالة بقاء طهارة الماء، لأن الشك فيها مسبب عن الشك في بقاء الرطوبة،
كما في وقوع الثوب المستصحب الرطوبة على أرض نجسة.
ويمكن التخلص بأن مجرد بقاء الرطوبة لا يترتب عليه تنجيس إلا
بواسطة مقدمة خارجية هي تأثر الملاقي بها وصيرورته رطبا بالسراية،
فالمنجس في الحقيقة هو تأثر ملاقي النجاسة بها لاكتساب شئ من رطوبته،
لا مجرد ملاقاته لها، وإن كان يعبر عن ذلك مسامحة بما ظاهره أن المنجس هو
مجرد الملاقاة، وحينئذ فإثبات النجاسة باستصحاب الرطوبة لا يمكن إلا بناء
على القول باعتبار الأصول المثبتة.
389

الركن الثاني
في
الطهارة المائية
(وهي وضوء وغسل).
(وفي الوضوء فصول):
391

الفصل (الأول)
(في الأحداث الموجبة للوضوء)
والحدث هنا اسم مصدر أو مصدر، وقد يطلق مسامحة على العين
كالبول والغائط، وقد يطلق على الحالة الحاصلة عقيب ذلك، فيقال: إن
الوضوء رافع للحدث.
والمراد بالموجب سبب الوجوب لا فاعله، لأنه الشارع، والمراد
الوجوب الشرعي، ويحتمل إرادة اللغوي، وهو الثبوت في الشريعة ولو على
وجه الاستحباب، فيكون مرادفا للسبب.
وحصره في الستة مبني على إرادة ما يوجب خصوص الوضوء،
فيخرج ما أوجبه مع الغسل.
والمراد الموجب بالشأن، فيدخل حدث المحدث وغير المميز.
وعلى كل حال، فإطلاق الموجب والسبب على الأمور المذكورة يدل
على أن المكلف في نفسه لا يثبت عليه وضوء شرعا، فلو فرض مكلف
لم يحدث منه حدث لم يجب عليه الوضوء وجاز له الدخول في الصلاة لعدم
393

كونه محدثا.
فالحدث أمر وجودي والطهارة عدمه عمن من شأنه وجوده فيه،
ويدل عليه أيضا تفسير الحدث بالحالة المانعة، فيكون المنع عارضا للمكلف.
وقد يقال: إن الطهارة أيضا وجودية طارئة، لنسبة إباحة الصلاة إليها
فالمكلف بنفسه لا تباح له الصلاة، ولاطلاق الناقض على الأحداث
والمنقوض ظاهر في الوجودي، ولظاهر قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة
فاغسلوا) (1) وإطلاق قوله عليه السلام: " إذا دخل الوقت وجب الطهور
والصلاة " (2) ولحكمهم بأن الشاك في المتأخر من الحدث والطهارة يجب عليه
الوضوء، وإلا لكان حكمه كالشاك في المتأخر من الخبث والطهارة في بنائه
على أصالة الطهارة،
وقد فرع على هذا أن المكلف المخلوق دفعة - كآدم
عليه السلام مثلا - لا يحكم عليه بالطهارة ولا بالحدث، فما كانت الطهارة شرطا
فيه لم يجز بدونها، وما كان الحدث مانعا منه جاز.
ويدفع الأول بأن صدق المبيح بملاحظة مسبوقيته بالمحدث المانع، ولذا
اكتفي بنية رفع الحدث عن قصد الاستباحة.
وأما إطلاق الناقض: فلا ظهور له في كون المنقوض وجوديا، كما
يشهد له شمول أخبار " لا تنقض اليقين " (3) للأمور الوجودية والعدمية، مع أن
الطهارة المنقوضة عدم مسبوق غالبا بالوجود، فيشبه الموجود؟ فتأمل.
وأما الآية: فالمراد منها بإطباق المفسرين كما حكي (4) وبنص الإمام

(1) المائدة: 6.
(2) الوسائل 1: 261، الباب 4 من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(3) الوسائل 1: 174، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 1 و 6.
(4) حكاه عنهم العلامة في المنتهى 1: 195.
394

عليه السلام في غير واحد من الأخبار (1) القيام من النوم، فهي دليل على خلاف
المطلوب، مع أنها على تقدير الاطلاق معارضة بقوله تعالى: (وإن كنتم
مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم
تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) (2) فإن ظاهره استناد وجوب التيمم - الذي
بدل الوضوء - إلى المجئ من الغائط لا إلى المكلف من حيث هو.
ودعوى: أن ذلك لكون الغائط سببا لنقض الطهارة السابقة ورجوع
المكلف بعده إلى حالته الأصلية المقتضية للطهارة، ليست بأولى من حمل
اطلاق آية القيام (3) على ما هو الغالب من كون القائم الغير المسبوق بالطهارة
الذي هو المراد من الآية مسبوقا بالحدث، فوجوب الوضوء لأجل رفع تلك
الحالة العرضية.
وأما وجوب الطهور عند دخول الوقت: فسلم، لكن الطهور لا
يصدق إلا بالنسبة إلى المحدث، ولا كلام في وجوبه عليه.
وأما حكمهم بوجوب الوضوء على الشاك في المتأخر من الحدث
والوضوء: فلا يدل على المدعى، لحكمهم - في ما حكي عنهم - بوجوب
الغسل على الشاك في المتأخر من الجنابة والغسل، مع أن أحدا لم يقل بكون
غسل الجنابة باقتضاء المحالة الأصلية للمكلف! فالوجه في حكمهم هناك
بوجوب الطهارة: أنه لما علم من الأدلة أن الحدث مانع فلا بد من إحراز
العلم بعدمه ولو بحكم الأصل، والأصل غير جار هناك، لتعارض الأصلين،

(1) الوسائل 1: 180، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 7، والمستدرك 1:
230، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث الأول و 3 و 4.
(2) النساء: 43.
(3) المائدة: 6.
395

وهذا غير ما نحن فيه، وهو أنه إذا فرض العلم بعدم صدور الحدث من
الشخص يجوز له الدخول في الصلاة وإن لم يتوضأ.
وأما ما ذكر من الفرع: فهو على تقدير تسليم الأصل غير متوجه
فإنه قد ورد: " لا صلاة إلا بطهور " (1) وأن " الطواف بالبيت صلاة " (2) وقال
تعالى: " لا يمسه إلا المطهرون) (3) فاشترك الغايات الثلاث في اعتبار الطهارة
فيها، فما الذي يباح بدون الطهارة؟
فالتحقيق: أن الطهارة والحدث من قبيل الطهارة والخبث والموت
والتذكية وغيرهما من الأعدام المقابلة للملكات، بل الطهارة والقذارة لغة
أيضا كذلك.
ثم إنه يعبر عن هذه الأمور بالنواقض فإن أريد الناقض بالشأن
وأضيف الناقض إلى الطهارة الصغرى أو إلى الوضوء الموجب لها - ولو
شأنا - كان مساويا للسبب، لدخول الحدث ممن لم يتطهر أصلا ومن المحدث
وخروج الجنابة وأخواتها.
ولا فائدة مهمة في تحقيق العنوان الجامع المانع لهذه الأمور، وإنما المهم
التعرض لتفصيلها.
" وهي ستة: " ثلاثة منها:
(خروج البول) وما في حكمه من البلل
الخارج بعده مع عدم الاستبراء " والغائط " وهو معروف، ومع الشك يرجع
إلى الأصل " والريح ".
ولا إشكال ولا خلاف في إيجاب هذه للوضوء إذا خرجت " من

(1) الوسائل 1: 261، الباب 4 من أبواب الوضوء، " الحديث الأول.
(2) عوالي اللآلي 2: 167، الحديث 3.
(3) الواقعة: 79.
396

موضع المعتاد " خروجه منه لأغلب أفراد الانسان، والأخبار به
متواترة (1).
وظاهر إطلاق الأخبار ومعاقد الاجماع وأكثر العبائر وصريح
بعض (2) عدم اعتبار الاعتياد الشخصي في المعتاد النوعي، وفي الحدائق
نفي الخلاف فيه (3)، وعن شارح الدروس دعوى الاجماع عليه صريحا (4) بل
عن الرياض حكايته عن الفاضلين (5). لكن يمكن دعوى انصباب الاطلاقات
في الكل على الغالب المتعارف من الاعتياد الشخصي.
اللهم إلا أن لا يعتنى بهذه الانصرافات، ويتمسك في ذلك بإطلاق
الأخبار الدالة على النقض بما يخرج من الموضع الطبيعي وإن كان المعتاد
غيره.
ويشكل ذلك على من يعتبر الاعتياد الشخصي في غير الموضع
الطبيعي، حملا للاطلاقات الدالة على النقض بمطلق الثلاثة على المتعارف،
وتمسكا بما دل على اختصاص الناقض بما يخرج من الطرفين اللذين أنعم الله
بهما عليك (6) فإن دعوى الانصراف وأدلة الاختصاص موجودة فيما يخرج
من الطبيعي مع عدم الاعتياد.

(1) الوسائل 1: 177، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء.
(2) الرياض 1: 194، ومستند الشيعة 1: 70
(4) الحدائق 2: 86
(4) مشارق الشموس: 51، ولكن يحتمل أن لا يرتبط دعوى الاجماع بالمقام، كما في
(5) الجواهر 1: 395.
(6) الرياض 1: 194.
(7) اقتباس من الأحاديث 4 و 5 و 9 من الوسائل 1: 177، الباب 2 من أبواب نواقض
الوضوء.
397

فالعمدة إذا الاجماع، وهو غير بعيد، خصوصا بملاحظة أنهم - كما في
المعتبر (1) والتذكرة (2) وغيرهما - يدعون الاجماع أولا على الموضع الطبيعي، ثم
يذكرون غير المعتاد، فيذكرون فيه ما يذكرون من النقض وعدمه، والتفصيل
بين الخارج من المعتاد وغيره، أو الخارج مما دون المعدة وغيره؟ وكأن هذا
منشأ ما تقدم عن الرياض من الحكاية.
والمسألة لا تخلو عن الاشكال، إلا أن الذي يسهل الأمر أن الأقوى
عندنا - كما سيجئ - النقض طلقا.
" ولو خرج الغائط مما دون المعدة " من الموضع الغير الطبيعي
" نقض " وإن لم يصر مخرجه معتادا " في قول " الشيخ (3) والقاضي (4)
والحلي (5) والتذكرة (6) وظاهر كل من أطلق بالثلاثة، بل صريح الحلي
والتذكرة.
وظاهر المطلقين النقض بما يخرج مما فوق المعدة، خلافا للشيخ
والقاضي، استنادا إلى منع تسميته غائطا؟
فلا خلاف بينهم في النقض بمطلق
الغائط من غير اعتبار الاعتياد؟ لعموم قوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من
الغائط) (7) وقوله عليه السلام في رواية زكريا بن آدم: " إنما ينقض الوضوء ثلاث:

(1) المعتبر 1: 106.
(2) التذكرة 1: 99.
(3) المبسوط 1: 27.
(4) جواهر الفقه: 12، المسألة: 21
(5) السرائر 1: 107.
(6) التذكرة 1: 99
(7) النساء،: 43 والمائدة: 6.
398

البول، والغائط، والريح " (1). وفي رواية الفضل بن شاذان: " لا ينقض الوضوء
إلا غائط أو بول أو ريح أو جنابة " (2). مضافا إلى ذيل رواية العلل الآتية.
" و " لكن " الأشبه " عند المصنف " إنه لا ينقض " وأجاب في المعتبر
عن إطلاق الآية والروايات بانصرافها إلى المعتاد، فتقيد به،
ثم أيد ذلك
بالأخبار المقيدة (3). مثل صحيحة زرارة: " قلت لأبي جعفر عليه السلام وأبي عبد
الله عليه السلام ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الأسفلين من
الذكر والدبر من الغائط والبول أو مني أو ريح، والنوم حتى يذهب العقل،
وكل النوم يكره إلا أن تكون تسمع الصوت " (4) وفي صحيحة أخرى لزرارة:
" لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم " (5)، وموثقة أديم
بن الحر: " أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليس ينقض الوضوء إلا
ما خرج من طرفيك الأسفلين " (6) وفي صحيحة ابن بزيع عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام - في حديث طويل - قال: " قال أبو جعفر عليه السلام: لا ينقض
الوضوء إلا ما خرج من طرفيك اللذين جعل الله لك، أو قال: اللذين أنعم
الله بهما عليك " (7).
وغير ذلك من الأخبار المقيدة.
وفي دعوى التقييد في الاطلاقات لأجل الانصراف أو التقييد

(1) الوسائل 1: 178، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 6.
(2) الوسائل 1: 179، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 8.
(3) المعتبر 1: 107،
(4) الوسائل 1: 177، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2.
(5) الوسائل 1: 177، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث الأول.
(6) الوسائل 1: 177، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 3.
(7) الوسائل 1: 179، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 9.
399

بالمقيدات، نظر.
أما الانصراف: فلمنع اعتبار مثله، وإلا لجرى فيما دل على نجاسة
البول والغائط، ولوجب الاقتصار في النقض على الخارج من الموضع الطبيعي
المعتاد نوعا وشخصا مع كون الخروج والخارج من جميع الجهات على الوجه
المتعارف الغالب، والاقتصار بهذا النحو خلاف الاجماع، ولو بني على هذه
الانصرافات لاختل جل القواعد المبتنية على الاطلاقات، بل كلها، إذ ما من
مطلق إلا وله منصرف لأنس الذهن ببعض أفرادها (1) فلا ينبغي طرحها (2)
- خصوصا في مقام إعطاء القاعدة - إلا إذا كانت بحيث يعلم المتكلم جواز
الاشكال على ذلك الانصراف في إرادة المقيد من المطلق، وينسب من عمل
بإطلاقها إلى الغفلة عن طريق المحاورة، وأني لنا بإثبات هذا في المقام!
وأما دعوى تقييد الاطلاقات بالمقيدات: فلابتنائه على كون الصلة
مناطا في المحكم، وليس كذلك، لأن الموصول ليس للعموم، للزوم تخصيص
الأكثر، بل المراد به المعهود، فتكون الصلة معرفة لذلك المعهود وموضحة له
نظير " الأسفلين " بالنسبة إلى " الطرفين " فإنه موضح لا مقيد، ولا ريب أن
هذه الثلاثة لا تخرج إلا من طرفي المخاطب.
ودعوى: أن الموصول وإن كان لعهد الجنس، إلا أن من المعلوم أن
هذا النوع بنفسه ليس ناقضا، فالمراد خروجه من المخرج المتعارف نوعا أو
شخصا، كما أن المراد من حرمة الأعيان: حرمة الفعل المتعارف المتعلق بها
- ومنه يظهر فساد قياس ما نحن فيه على الحكم بنجاسة البول والغائط -،

(1) كذا، والمناسب: أفراده.
(2) مرجع الضمير: الاطلاقات، وكذا فيما يأتي من ضمائر التأنيث.
400

مدفوعة: بأن الظاهر في مثل ذلك الخروج، وأما كونه من المخرج المتعارف
فلا، كما لا يخفى.
ثم إن الظاهر - بمعونة صدر بعض الروايات - أن الحصر إضافي بالنسبة
إلى غير هذه الأجناس الثلاثة، لا غير الأفراد الخارجة من غير المخرجين،
مثل صحيحة أبي بصير المروي عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن
الرعاف والحجامة وكل دم سائل؟ فقال: ليس في هذا وضوء، إنما الوضوء
من طرفيك اللذين أنعم الله بهما عليك " (1).
وأجاب في التذكرة عن المقيدات مجملها على الأغلب (2).
وفيه: أنه لو بني الأمر على مراعاة الغلبة في المقيدات وجب مراعاتها
في المطلقات، فيكفي في خروج غير المتعارف، فالأجود ما ذكرنا: من أن
الصلة موضحة للمعهود وظهور إضافة الحصر بالنسبة إلى غير الثلاثة،
فلا دلالة فيه على نفي الحكم عن غير المعتاد، ليعارض المطلقات فيقيدها.
" و " مما ذكرنا - من عدم اعتبار التعارف، وعدم قدح الانصراف في
المطلقات - يظهر الوجه في ما ذكره المصنف قدس سره وجماعة - بل حكي عليه
الاجماع من غير واحد (3) - من أنه: " لو اتفق المخرج " قبلا أو دبرا " في
غير الموضع المعتاد نقض " واستدل عليه في المعتبر: بأنه مما أنعم
الله به (4).
وفيه: أن ما دل على النقض بما يخرج من الطرفين اللذين أنعم الله

(1) الوسائل 1: 178، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 5.
(2) التذكرة 1: 100.
(3) المنتهى 1: 188، والمدارك 1: 144.
(4) المعتبر 1: 107.
401

بهما عليك مختص بطرفي المخاطب، ومن كان مثله من الأفراد المتعارفة،
فلا يشمل غيره، فلا مستند للحكم عدا الاطلاقات بعد تنزيل القيود
المذكورة في المقيدات على الإشارة إلى الجنس وموضحا للمعهود المراد من
الموصول، دون المفهوم الكلي الصادق على المخرج المتعارف وغيره.
" وكذا " الحكم " لو خرج الحدث من جرح " ولو في أول مرة مع
انسداد المخرج الطبيعي، كما صرح به جماعة، وعن المنتهى الاجماع عليه (1)
- كما عن ظاهر المدارك (2) - واستدل عليه في المعتبر بصيرورته منعما به (3)
وفيه: ما عرفت من أنه إن بني على ملاحظة الاختصاص بالمتعارف،
فلا معنى في دخول مثل هذا الجرح في الطرفين اللذين أنعم الله بهما، بل هو
- كما قيل - من النقمة، لا من النعمة، إلا من حيث خروج الأذى منه، يجري
ذلك مع عدم انسداد الطبيعي، فالعمدة في الحكم هي المطلقات.
ولأجلها يتجه الحكم بالنقض لو لم ينسد الطبيعي وخرج من غيره
" ثم صار معتادا "، أو انقطع.
أما مع الاعتياد: فهو المعروف، بل لم يحك الخلاف فيه إلا عن شارح
الدروس (4) وقواه في الرياض (5) بناء على اختصاص المطلقات والمقيدات
بالمخرج الطبيعي وعدم العبرة بالاعتياد الشخصي، وإنما التزم بالنقض مع
انسداد الطبيعي لمكان الاجماع والقطع بعدم ارتفاع الأثر عن الأحداث

(1) المنتهى 1: 188.
(2) المدارك 1: 144.
(3) المعتبر 1: 107.
(4) مشارق الشموس: 51.
(5) الرياض 1: 195.
402

الثلاثة الصادرة عن هذا المكلف.
وفيه: ما عرفت سابقا من عدم العبرة بهذه الانصرافات.
وأما مع عدم الاعتياد: فهو ظاهر إطلاق من تقدم على المحقق
قدس سره، بل هو صريح بعضهم كالحلي (1) والشيخ فيما تقدم من استناده في منع
النقض بما يخرج من فوق المعدة إلى منع تسميته غائطا (2) ولم يزد الحلي في
رده على دعوى التسمية.
فعلم من ذلك: أن الكبرى مسلمة بين الطرفين، بل عند الكل.
وممن اختار هذا القول من المتأخرين العلامة في التذكرة (3)، وهو
الأقوى، لما ذكرنا من إطلاقات الأخبار المعتضدة بإطلاق فتاوى القدماء (4)
ومعقد إجماع الغنية (5).
ويؤيده المروي عن فقه الرضا عليه السلام: " لا تغسل ثوبك إلا مما يجب
عليك في خروجه إعادة الوضوء " (6).
وفي الحسن - كالصحيح - عن علل الفضل عن أبي الحسن الرضا
عليه السلام: " إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون
سائر الأشياء، لأن الطرفين ما طريق النجاسة، وليس للانسان طريق تصيبه
النجاسة من نفسه إلا منهما، فأمروا بالطهارة عندما تصيبهم تلك النجاسة من

(1) السرائر 1: 106.
(2) تقدم في الصفحة: 398.
(3) التذكرة 1: 99 - 100.
(4) مثل الصدوق في المقنع (الجوامع الفقهية): 12 والمفيد في المقنعة: 38
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 487.
(6) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 67
403

أنفسهم " (1).
وهذه الرواية الشريفة - وإن كانت مشتملة على فقرات ثلاث - تصلح
مستندا لأقوال ثلاثة:
فالأولى: قوله عليه السلام: " إنما وجب الوضوء مما يخرج من الطرفين
خاصة... إلى آخره " فإنه يصلح دليلا لما تقدم عن شارح الدروس (2).
الثانية: قوله عليه السلام: " لأن الطرفين هنا طريق النجاسة ولا طريق
للانسان تصيبه النجاسة من نفسه إلا منهما " فإن ظاهره أنه لو كان له طريق
آخر يصيبه النجاسة من نفسه منه كان الخارج منه أيضا ناقضا، فيصلح دليلا
لمن اعتبر في غير الطبيعي الاعتياد أو انسداد الطبيعي - كما هو المشهور بين
المتأخرين - وأما بدون الاعتياد فلا يصدق الطريق على المخرج.
وقوله (3) عليه السلام: " فأمروا بالطهارة عندما تصيبهم تلك النجاسة من
أنفسهم " يصلح مستندا لما اخترناه.
إلا أن الأظهر في الرواية هذه الأخيرة، ولا يخفى طريق إرجاع الباقي
إليها.
ثم اعلم: أن الكلام في الريح من حيث المخرج حكم أخويه. نعم، قد
يشكل من جهة أن مطلق الهواء الخارج من منفذ لا يسمى ريحا، فإذا خرج
الهواء، فإن علم أنه ذلك الهواء الذي يقال له: " الريح " عند خروجه من
مخرجه المتعارف، كان حكمه حكم البول والغائط، وإلا فلا.

(1) علل الشرائع: 257، والوسائل 1: 178، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء،
الحديث 7.
(2) تقدم في الصفحة: 402.
(3) هذه هي الفقرة الثالثة.
404

ومن هنا يعلم حكم الريح الخارج من قبل المرأة، فإنه قد يدخله
الهواء عند المجامعة أو غيرها فيخرج وله صوت، فإذا احتبس فخرج بعد
الغسل أو في أثنائه لم يوجب شيئا.
لكن في المعتبر (1) والتذكرة (2) وشرح الموجز (3) أن الريح الخارج من قبل
المرأة ينقض. ولعلهم أرادوا ما يكون ريحا حقيقيا خرج من غير مخرجه.
وعن الحلي (4) والمنتهى (5) والشهيدين (6) والمحقق الثاني (7) وغيرهم (8)
عدم النقض.
وحكي عن بعض: نقض الريح الخارج عن ذكر الرجل (9). والأقوى
ما ذكرناه.
" و " الرابع: " النوم " مطلقا كما في الأخبار المتواترة (10). وتقييده في
كلام المصنف وغيره لا يراد به تقسيمه إلى " الغالب على الحاستين " وغيره،
فإن غيره لا يسمى نوما حقيقية، وإن أطلق عليه مسامحة، ولذا قال عليه السلام
في رواية زيد الشحام لما قال له: يوجب الخفقة والخفقتان؟ قال: " ما أدري
ما الخفقة والخفقتان، إن الله تعالى يقول: (بل الانسان على نفسه بصيرة)

(1) المعتبر 1: 108.
(2) التذكرة 1: 101.
(3) كشف الالتباس (مخطوط): 30.
(4) السرائر 1: 107.
(5) المنتهى 1: 188.
(6) البيان: 40، روض الجنان: 22.
(7) جامع المقاصد 1: 82.
(8) كالسيد في المدارك 1: 143، والنراقي في المستند 1: 70.
(9) حكاه الشهيد في الدروس 1: 88.
(10) انظر الوسائل 1: 179، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء.
405

كان علي عليه السلام يقول: من وجد طعم النوم قاعدا أو قائما فقد وجب عليه
الوضوء " (1).
ولما كان مبادئ النوم قد تشتبه بالنوم جعل الشارع لذلك معيارا،
وهي الغلبة على الحاستين. واعتبار الغلبة على السمع وإن كان يغني عن
البصر، إلا أن التعبير به في كلمات الأصحاب لرفع توهم كفاية الغلبة على
البصر، لاطلاق النوم عليه أحيانا فهو مسوق لا لبيان اعتبارها حتى يغني
عنه اعتبار ما هو أخص منها، فافهم.
ثم إن النوم أطلق في بعض الأخبار (2). وقيد في صحيحة زرارة بنوم
العين والأذن والقلب (3) وفي موثقة ابن بكير بعدم سماع الصوت (4) وفي
صحيحة أخرى لزرارة وغيرها بذهاب العقل (5) ومرجع الكل إلى واحد، لأن
الغلبة. على السمع يستلزم الغلبة على البصر بالوجدان، والغلبة على السمع
يلازم الغلبة على القلب، لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة في مقام بيان
النواقض: " والنوم حتى يذهب العقل " ثم قال: " وكل النوم يكره إلا أن
تكون تسمع الصوت ".

(1) الوسائل 1: 181، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 8، ومتن الحديث
موافق لما رواه بعده عن الكافي عن عبد الرحمن بن الحجاج، انظر الكافي 3: 37،
الحديث 15.
(2) الوسائل 1: 179، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 1 و 3 و 4 و 5
و 13.
(3) الوسائل 1: 174، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث الأول.
(4) الوسائل 1: 180، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 7.
(5) الوسائل 1: 177، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2 و 1: 180،
الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2.
406

ثم إنه لا فرق في النقض بالنوم بين هيئات النائم: من القيام والقعود
والانفراج والاجتماع.
وحكي عن الصدوق قدس سره.: عدم لزوم الوضوء على
من نام قاعدا بدون انفراج (1)، وراية الحضرمي، قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام هل ينام الرجل وهو جالس؟ قال عليه السلام: كان أبي عليه السلام يقول:
إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء، وإذا نام مضطجعا فعليه
الوضوء " (2).
وأرسل الصدوق عن أبي الحسن عليه السلام " أنه سئل عن الرجل يرقد
وهو قاعد هل عليه وضوء؟ قال: لا وضوء عليه ما دام قاعدا إذا لم
ينفرج " (3).
وفي رواية ابن حمران: " أنه سمع عبدا صالحا يقول: من نام وهو
جالس لا يتعمد النوم فلا وضوء عليه " (4).
وفي رواية عبد الله بن سنان: عن أبي عبد الله عليه السلام: " في الرجل
هل ينقض وضوءه إذا نام وهو جالس؟ قال: إذا كان في المسجد يوم الجمعة
فلا وضوء عليه، وذلك لأنه في حال ضرورة " (5).
وهذه الروايات - لعدم العامل بها حتى الصدوق، لعدم العلم بذلك
إلا من روايته بعض تلك الروايات مع روايته قبل ذلك للرواية المطلقة في
النقض (6) - معارضة بأقوى منها مما صرح فيه بالتعميم لحالة

(1) حكاه عنه العلامة في التذكرة 1: 103، وانظر الفقيه 1: 63 الحديث 144
(2) الوسائل 1: 182، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 15.
(3) الفقيه 1: 63، الحديث 144.
(4) الوسائل 1: 182، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 14.
(5) الوسائل 1: 182، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 16.
(6) الفقيه 1: 61، الحديث 137.
407

الجلوس (1) أو ورد في خصوص النوم قاعدا (2)، مضافا إلى الاطلاقات
فينبغي تأويلها بإرادة غير الغالب على السمع، أو حملها على التقية،
لأن المحكي عن الشافعي عدم نقض النوم قاعدا متمكنا مقعدته من
الأرض (3).
لكن حمل رواية أبي جعفر الباقر عليه السلام (4) على التقية من الشافعي
بعيد جدا (5) والأمر هين.
" و " اعلم أن " في معنى النوم كل ما أزال العقل " أو غطاه " من
جنون أو سكر أو إغماء " أو غير ذلك بلا خلاف ظاهر،
وعن التهذيب:
إجماع المسلمين عليه (6) وفي المنتهى: لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم (7) وفي
المدارك: إجماع أصحابنا (8) وعن الخصال: أن من دين الإمامية أن مذهب
العقل ناقض (9) وعن البحار: أن أكثر الأصحاب نقلوا الاجماع عليه (10) وهذا

(1) الوسائل 1: 180، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 3.
(2) الوسائل 1: 181، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 9.
(3) راجع المغني لابن قدامة 1: 173. والتذكرة 1: 11.
(4) الظاهر أن المراد بها رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام المتقدمة،
والنسبة إلى أبي جعفر عليه السلام باعتبار قول الصادق عليه السلام فيها: " كان أبي يقول...
الخ ".
(5) بل غير ممكن، لأن وفاة الإمام الباقر عليه السلام كانت سنة 116 ه‍ والإمام الصادق
عليه السلام سنة 148 ه‍، بينا كانت ولادة الشافعي سنة 150 ه‍.
(6) التهذيب 1: 5.
(7) المنتهى 1: 202.
(8) المدارك 1: 149.
(9) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 1: 37، ولم نجده في الخصال بعد الفحص التام
(10) البحار 80: 215.
408

يزيد على دعوى الاستفاضة، وعن الكفاية: نسبته إلى الأصحاب والتأمل في
دليله (1) وكأن مراده مستند المجمعين، إذ ليس في الأخبار ما يدل على ذلك
إلا من باب الإشارة والتلويح، كما في الأخبار المشترطة في النوم إذهاب
العقل (2).
واستدل عليه في المعتبر (3) برواية معمر بن خلاد " قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع، والوضوء
يشتد عليه، وهو قاعد مستند بالوسائد، فربما أغفي عليه وهو قاعد على تلك
الحال؟ قال: يتوضأ، قلت له: إن الوضوء يشتد عليه لحال علته؟ قال: إذا
خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء " (4) بناء على أن قوله: " إذا خفي
عليه الصوت " ظاهر في علية خفاء الصوت للوضوء من غير مدخلية
خصوص الاغفاء الذي هو النوم، كما في الصحاح (5) وعن القاموس (6).
وفي هذا الاستدلال نظر، لأن الظاهر علية خفاء الصوت على النائم
للوضوء، وفرق بين إيجاب الوضوء على النائم لأجل اخفاء الصوت وبين
وجوبه عليه إن أخفي عليه الصوت. نعم، لو جعل الضمير المجرور راجعا إلى
مطلق الانسان كان للاستدلال وجه، وليس كذلك.
نعم، في هذه الرواية وكثير من روايات النوم إشعار بأن الوجه في

(1) كفاية الأحكام: 2.
(2) مثل ما في الوسائل 1: 177 الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2 و 1:
180 الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2.
(3) المعتبر 1: 111.
(4) الوسائل 1: 182، الباب 4 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث الأول.
(5) الصحاح 6: 2448 مادة " غفا ".
(6) القاموس المحيط 4: 370 " فصل الغين، باب الواو والياء ".
409

ناقضيته ذهاب العقل. وفي المروي عن علل الفضل - بعد ما تقدم من علة
وجوب الوضوء مما يخرج من الطرفين - قوله عليه السلام: " وأما النوم، فإن النائم
إذا غلب عليه النوم يفتح كل شئ منه واسترخى، فكان أغلب الأشياء.
عليه مما يخرج منه الريح، فوجب فيه الوضوء لهذه العلة... الخبر " (1). ولا
ريب في جريان هذه العلة في كل مذهب للعقل.
وكيف كان، فني الاجماعات كفاية.
" و " السادس: " الاستحاضة القليلة " وهي الدم المعهود الذي لا
يثقب الكرسف. خلافا للمحكي عن العماني، فلم يوجب به شيئا (2) وربما
يوهمه كلام من لم يذكرها في النواقض، والإسكافي، فأوجب به غسلا في
اليوم والليلة (3) وعلى خلافهما الأخبار المستفيضة (4) وتفصيل أحكامها يأتي إن
شاء الله تعالى.
" و " اعلم أن مقتضى الحصر - المستفاد من الأخبار المستفيضة: أنه
" لا ينقض الوضوء (5) مذي " وهو - كما في مرسلة ابن رباط (6) -: ما يخرج
عقيب الشهوة.
وإليه يرجع ما عن غير واحد: من أنه ما يخرج عقيب
الملاعبة والتقبيل ونحوهما (7). وعن المروي: أنه أرق ما يكون من النطفة

(1) علل الشرائع: 258. والوسائل 1: 181، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء
الحديث 13.
(2) المعتبر 1: 111 و 244.
(3) المختلف 1: 372.
(4) الوسائل 2: 606، الباب 1 من أبواب الاستحاضة.
(5) في الشرائع: الطهارة.
(6) الوسائل 1: 197، الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 6.
(7) الصحاح 6: 2490 والقاموس المحيط 4: 389 ومجمع البحرين 1: 388.
410

عند الممازحة والتقبيل (1) وعن ابن الأثير: أنه البلل اللزج الخارج عقيب
ملاعبة النساء (2). وعن الشهيد الثاني: أنه ماء رقيق لزج يخرج عقيب
الشهوة (3)، وفي الحدائق: أنه نظم بعض متأخري علمائنا، فقال:
المذي ماء رقيق أصفر لزج خروجه بعد تفخيذ وتقبيل (4)
وكيف كان؟ فالمعروف من غير الإسكافي عدم النقض به مطلقا،
الأصل، والأخبار المستفيضة الحاصرة للنواقض، والاجماعات المنقولة،
الأخبار المستفيضة الخاصة، وفي بعضها: " إن سال من ذكرك شئ من مذي
أو ودي وأنت في الصلاة، فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة، ولا تنقض له
وضوء وإن بلغ عقبيك " (5) وفي بعضها: " أنه بمنزلة المخاط والبصاق
النخامة " (6).
ولا فرق فيها بين كون المذي عقيب الشهوة أو لا، بل عرفت من أهل
اللغة الاختصاص بالشهوة، كما في مرسلة ابن رباط المتقدمة (7) وقد صرح
فيها بأنه " لا شئ فيه " وفي مرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد من
أصحابنا أنه: " ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من القبلة
ولا من مس الفرج ولا من المضاجعة وضوء، ولا يغسل منه الثوب

(1) لا نجد العبارة في غريب حديثه، انظر غريب الحديث 3: 300 و 2: 263، ولكن
نقلها عنه المحقق السبزواري في الذخيرة: 14.
(2) النهاية في غريب الحديث والأثر 4: 312.
(3) المسالك 1: 27.
(4) الحدائق 2: 110.
(5) الوسائل 1: 196، الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2.
(6) الوسائل 1: 196، الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الأحاديث 1 و 2 و 3 و 5.
(7) تقدم في الصفحة السابقة.
411

ولا الجسد " (1) وما عن الشيخ عن مشيخة ابن محبوب عن عمر بن يزيد
" قال: اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست أثوابي وتطيبت فمرت بي وصيفة
ففخذت لها فأمذيت أنا وأمنت هي، فدخلني من ذلك ضيق، فسألت أبا عبد
الله عليه السلام عن ذلك، فقال: ليس عليك وضوء " (2).
وعن الإسكافي: التفصيل بين الخارج عن شهوة، ولا عنها (3)، لقوله
عليه السلام - لمن سأله عن المذي يخرج من الرجل -: " أحد لك فيه حدا.. إن
خرج منك على شهوة فتوضأ، وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك
فيه وضوء " (4) وفي صحيحة ابن يقطين - بعد السؤال -: " إن كان من شهوة
نقض " (5) وخبر الكاهلي - بعد السؤال -: " ما كان منه بشهوة فتوضأ " (6).
ولا يخفى أن حملها على الاستحباب متعين، لكون بعض ما تقدم نصا
في عدم الوجوب كالأخبار الآمرة بالوضوء من المذي ولولا عن شهوة (7).
ويمكن حمل الكل على التقية، لكن التقية تودي بظهورها في الوجوب،
ولو أريد فيها خلافه بالقرائن المنفصلة فلا وجه لرفع اليد عن الحكم
بالاستحباب.
" لا " ينقض الوضوء أيضا " وذي ولا ودي " بالدال المهملة، وهو

(1) الوسائل 1: 191، الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2.
(2) التهذيب 1: 121، الحديث 322 والوسائل 1: 198، الباب 12 من أبواب نواقض
الوضوء، الحديث 13.
(3) المختلف 1: 261
(4) الوسائل 1: 197، الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 10.
(5) الوسائل 1: 198، الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 11.
(6) الوسائل 1: 198، الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 12.
(7) الوسائل 1: 199، الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 16 و 17
412

ماء يخرج عقيب البول - كما في مرسلة ابن رباط (1) - وزاد جماعة: أنه ماء
ثخين (2).
ولا إشكال ولا خلاف في عدم النقض، إلا إذا علم خروج البول معه
على وجه يعد بولا، أما لو استهلك أجزاء، لطيفة منه في الودي قبل الخروج
فلا حدث ولا خبث.
وأما الوذي - بالذال المعجمة -، ففي مرسلة ابن رباط أنه " يخرج من
الأدواء " (3) وظاهره الأمراض.
" ولا " ينقضه أيضا " دم ولو خرج من أحد السبيلين، عدا الدماء
الثلاثة " التي هي تنقض الوضوء ويوجب ما عدا الاستحاضة القليلة منها
الغسل.
نعم، في رواية حسن بن علي سمعته يقول: " رأيت أبي عليه السلام وقد
بعد ما توضأ دما سائلا فتوضأ " (4).
وفي خبر عبيد بن زرارة، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
أصابه به دم سائل؟ قال: يتوضأ ويعيد، قال: وإن لم يكن سائلا توضأ وبنى،
قال: ويصنع ذلك بين الصفا والمروة " (5).
وهما على تقدير سلامة الدلالة محمولان على الاستحباب.
" ولا " ينقضه (قئ ولا نخامة ولا تقليم ظفر ولا حلق شعر) بل في

(1) الوسائل 1: 197، الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 6.
(2) منهم السيد في المدارك 1: 152، والمحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 60.
(3) الوسائل 1: 197، الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 6.
(4) الوسائل 1: 190، الباب 7 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 13
(5) الوسائل 1: 189، الباب 7 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 12
413

خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام وقد سألته عن الرجل يقلم أظفاره ويجز
شاربه ويأخذ من شعر لحيته ورأسه، هل ينقض ذلك وضوءه؟ فقال:
" يا زرارة كل هذا سنة، والوضوء فريضة، وليس شئ من السنة ينقض
الفريضة، وإن ذلك ليزيده تطهيرا " (1).
وفي خبر أبي هلال، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام أينقض
الرعاف والقئ ونتف الإبط الوضوء؟ فقال: وما تصنع بهذا؟ هذا قول
المغيرة بن سعيد، لعن الله المغيرة، يجزيك من الرعاف والقئ أن تغسل ولا
تعيد الوضوء " (2).
وقد تقدم حكم النخامة وبداهة عدم نقضها في أخبار المذي.
" ولا " ينقضه أيضا " مس ذكر ولا قبل ولا دبر " منه أو من غيره
خلافا للمحكي عن الصدوق: من النقض بمس الرجل باطن دبره أو إحليله،
وفتحه (3). وعن الإسكافي: النقض بمس ما انضم إليه الثقبتان، ومن مس
ظاهر الفرج من غيره شهوة إذا كان محرما، ومس باطن الفرجين محرما
ومحللا (4).
وفي خبر عمار: " عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره؟ قال: نقض
وضوءه، وإن مس باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في الصلاة
قطع الصلاة ويتوضأ ويعيد الصلاة وإن فتح إحليله أعاد الوضوء وأعاد

(1) الوسائل 1: 203، الباب 14 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 2.
(2) الوسائل 1: 189، الباب 7 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 8.
(3) الفقيه 1: 65، ذيل الحديث 148.
(4) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1: 113.
414

الصلاة " (1).
وفي خبر أبي بصير: " إذا قبل الرجل المرأة من شهوة أو مس فرجها
أعاد الوضوء " (2).
ولا يخفى ما فيها من القصور من وجوه.
" ولا " ينقضه أيضا " لمس امرأة ولا أكل ما مسته النار " بلا خلاف.
" ولا ما يخرج من السبيلين " لما عرفت من الأخبار الحاصرة " إلا أن
يخالطه شئ من النواقض " لما تقدم في تفصيل النواقض.
وكذا لا ينقض الوضوء الارتداد عن ملة، ولا عن فطرة مع قبول
التوبة، ومع عدمه فلا عبرة في النقض وعدمه؟ لعدم قبول المشروط بالطهارة
منه.
ولو وقع بعد تمام الغسلات بطل، لامتناع المسح بالماء النجس، وقبل
تمامها بنى على ما فعل بعد التوبة بلا فصل يخل بالموالاة مع إتمام الوضوء بماء
طاهر.
ودعوى حبط ما سبق وصيرورته كالعدم على الاطلاق ممنوعة، نعوذ
بالله من شرور النفس والشيطان، خصوصا ما يوبق الأديان ويضعف
الايمان.

(1) الوسائل 1: 193، الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 10
(2) الوسائل 1: 193، الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 9
415

[الفصل] " الثاني " من الفصول المتعلقة بالوضوء
" في أحكام الخلوة "
" وهي ثلاثة ":
" الأول "
" في كيفية التخلي "
" ويجب فيه " كما في غيره من الأحوال " ستر العورة " عن الناظر
المحترم، عدا الزوجة والمملوكة الخالية عن مانع الاستمتاع.
ويدل على وجوب الستر قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من
أبصارهم ويحفظوا فروجهم) (1) فإن أحد أنحاء الحفظ حفظه من أن يطلع
عليه، خصوصا بمعونة تفسيره بذلك في ما أرسله الصدوق عن الصادق
عليه السلام: أنه سئل عن قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من. أبصارهم
ويحفظوا فروجهم) قال: كل ما كان في كتاب الله من حفظ الفرج فهو من

(1) النور 30.
417

الزنا، إلا في هذا الموضع، فإنه للحفظ من أن ينظر إليه " (1).
وما عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسيرها: " لا ينظر أحدكم إلى فرج
أخيه المؤمن أو يمكنه من النظر إلى فرجه، ثم قال: (قل للمؤمنات يغضضن
من أبصارهن ويحفظن فروجهن) أي ممن يلحقهن النظر " (2).
وما ذكره الصدوق قدس سره في باب جملة من مناهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم
" قال: إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته " (3).
وما روي " من أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا علي إياك ودخول الحمام
بغير مئزر! ملعون، ملعون، الناظر والمنظور إليه) (4).
وقال: " لا يدخلن أحدكم الحمام إلا بمئزر " (5) وفي صحيحة حريز:
" لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه " (6).
وقد يستدل (7) على وجوب الستر: بأن الكشف إعانة على النظر. وفيه
نظر.
وفي النبوي المروي بطريق كالصحيح (8) وفي مرسلة علي بن الحكم:

(1) الفقيه 1: 114، الحديث 235، وعنه الوسائل 1: 211، الباب 1 من أبواب أحكام
الخلوة، الحديث 3.
(2) الوسائل 1: 212، الباب 1 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 5.
(3) الفقيه 4: 4 والوسائل 1: 211، الباب 1 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2.
(4) الوسائل 1: 364، الباب 3 من أبواب آداب الحمام، الحديث 5
(5) الوسائل 1: 369 الباب 9 من أبواب آداب الحمام، الحديث 9
(6) الوسائل 1: 211، الباب 1 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(7) قد وقع هذا الاستدلال بين الاستدلال بالأخبار، واحتمال وقوع التقديم والتأخير في
الاستنساخ غير بعيد.
(8) الظاهر أن المراد به قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " عورة المؤمن على المؤمن حرام "
كما يأتي في موثقة حنان! لكن الجملة غير تامة، كما لا يخفى.
418

" لا تدخل الحمام إلا بمئزر، وغض بصرك " (1) ونحوها رواية حمزة بن الحذاء (2):
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر " (3) ونحوها عن
أبي جعفر عليه السلام (4).
نعم، في صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن
عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ فقال: نعم. قلت: أعني سفليه، فقال: ليس
حيث تذهب، إنما هو إذاعة سره " (5).
وفي رواية حذيفة بن منصور: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: شئ
يقول الناس: عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ فقال: ليس حيث يذهبون،
إنما عني عورة المؤمن: أن يزل زلة أو يتكتم بشئ يعاب عليه، فيحفظ عليه
ليعيره به يوما ما " (6) قيل: ونحوهما رواية زيد الشحام في معنى الحديث
" قال: ليس أن ينكشف فيرى منه شيئا، إنما هو أن يزري عليه أو يعيبه " (7)
وظاهرها حصر المراد من النبوي (8) في ذلك. لكن غايته عدم دلالتهما على
ما نحن فيه.

(1) الوسائل 1: 369، الباب 9 من أبواب آداب الحمام، الحديث 7.
(2) كذا في النسخ، ولكن في المصادر الحديثية: رفاعة بن موسى، وليس في روايات
الباب ولا في كتب الرجال " حمزة بن الحذاء " 1.
(3) الوسائل 1: 368، الباب 9 من أبواب آداب الحمام، الحديث 5.
(4) الوسائل 1: 368، الباب 9 من أبواب آداب الحمام، الحديث 6.
(5) الوسائل 1: 367، الباب 8 من أبواب آداب الحمام، الحديث 2.
(6) الوسائل 1: 366، الباب 8 من أبواب آداب الحمام، الحديث الأول.
(7) الوسائل 1: 367، الباب 8 من أبواب آداب الحمام، الحديث 3.
(8) المراد بالنبوي هو ما يقوله الناس: " عورة المؤمن على المؤمن حرام " مسندين ذلك
إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد ورد عن طريقنا أيضا عن علي بن الحسين عليه السلام
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سيأتي في موثقة حنان.
419

ويمكن حمله على أن المراد بالحصر في إذاعة السر حصر المقصود المهم
من الكلام في الافشاء، فكأنه لكال العناية به هو المعني لا غير، وأما
الاطلاع على العيوب الظاهرة الذي تخيل الناس أنه المعني لا غير، بل
الاطلاع على العيوب الباطنة بالتجسس عنها الذي هو أشد من الأول،
فكلاهما حمل في جنب الافشاء! وبذلك مجمع بينهما وبين موثقة حنان " قال:
دخلت أنا وأبي وعمي وجدي حماما بالمدينة فإذا رجل دخل بيت المسلخ،
فقال: ممن القوم؟ فقلنا: من أهل العراق! قال: وأي العراق؟ قلنا: كوفيون
قال: مرحبا بكم يا أهل الكوفة! أنتم الشعار دون الدثار ثم قال: ما يمنعكم
من الأزر؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: عورة المؤمن على المؤمن
حرام (إلى أن قال) فسألنا عن الرجل؟ فإذا هو علي بن الحسين
عليه السلام (1).
أقول: وقد ورد في غير واحد من الأخبار ما يظهر منه الكراهة.
منها: المحكي في الفقيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إنه كره دخول
الحمام إلا بمئزر " (2) ونحوه نبوي آخر (3).
وموثقة ابن أبي يعفور، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام أيتجرد
الرجل عند صب الماء ترى عورته، أو يصب عليه الماء، أو يرى هو عورة
الناس؟ فقال: كان أبي عليه السلام يكره ذلك من كل أحد " (4).

(1) الكافي 6: 497 باب الحمام، الحديث 8. وأورد قطعا منه في الوسائل 1: 368،
الباب 9 من أبواب آداب الحمام، الحديث 4.
(2) الفقيه 4: 357، والوسائل 1: 369، الباب 9 من أبواب آداب الحمام، الحديث
(3) الفقيه 4: 7، والوسائل 1: 369، الباب 9 من أبواب آداب الحمام، الحديث 9.
(4) الوسائل 1: 364 الباب 3 من أبواب آداب الحمام الحديث 3
420

وعن بعض متأخري المتأخرين: أنه لو لم يكن مخافة خلاف الاجماع
لأمكن القول بكراهة النظر دون التحريم جمعا، كما يشير إليه ما رواه في
الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه قال: " إنما أكره النظر إلى عورة المسلم فأما
النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار " (1) فيسهل الجمع
بين الروايات (2) انتهى.
ولا يخفى أن الجمع بحمل الكراهة في هذا الخبر على التحريم أولى من
وجوه.
ثم إن ظاهر هذه الرواية اختصاص حرمة النظر بعورة المسلم، كما
جزم به المحدث العاملي - في ما حكي عنه - في كتاب البداية (3) وهو أيضا
ظاهر الصدوق (4).
ويدل عليه أيضا حسنة ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر
إلى عورة الحمار " (5).
ويؤيدهما اختصاص ما دل على المنع بعورة المسلم، وعدم ما يدل
على العموم عدا النبوي المتقدم (6) وفي إفادته للعموم كلام، فضلا عن بقائه

(1) الفقيه 1: 114، الحديث 236، وأورده في الوسائل 1: 366، الباب 6 من أبواب
آداب الحمام، الحديث 2.
(2) حكاه في الحدائق 2: 4 عن بعض فضلا، متأخري المتأخرين.
(3) بداية الهداية 1: 8.
(4) حيث قال في مقدمة الفقيه: " بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته "
وأورد المرسلة المذكورة.
(5) الوسائل 1: 365، الباب 6 من أبواب آداب الحمام، الحديث الأول.
(6) المتقدم في الصفحة: 418.
421

عليه مع الخبرين المذكورين. نعم، العمدة في تأييد النبوي الشهرة وعدم نقل
الخلاف فيه، وإلا كان العمل بالخبرين قويا.
ثم المشهور: أن العورة ثلاثة: الدبر والقضيب والبيضتان، للأصل
ومرسلة أبي يحيى الواسطي: " العورة عورتان: القبل والدبر، والدبر مستور
بالأليتين، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة " (1).
وفي رواية محمد بن حكيم " إن الفخذ ليس من العورة " (2).
وفي الفقيه - حكاية عن الصادق عليه السلام -: إنه كان يطلي عانته وما
يليها ثم يلف إزاره على طرف إحليله ويدعو قيم الحمام فيطلي سائر
بدنه (3)
وعن القاضي: أنها من السرة إلى الركبة (4).
وعن الحلي: أنه لا يتم إلا بستر نصف الساق (5).
ويمكن استناد القاضي إلى عمومات النهي عن دخول الحمام إلا
بمئزر (6). ورواية قرب الإسناد: " إذا زوج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها
والعورة ما بين السرة والركبة (7) وفي خبر الأربعمائة عن الخصال: أنه

(1) الوسائل 1: 365، الباب 4 من أبواب آداب الحمام، الحديث 2.
(2) الوسائل 1: 364، الباب 4 من أبواب آداب الحمام، الحديث الأول.
(3) الفقيه 1: 117، الحديث 250، والوسائل 1: 378، الباب 18 من أبواب آداب
الحمام، الحديث الأول وفيهما حكاية هذا عن أبي جعفر الباقر عليه السلام
(4) المهذب 1: 83.
(5) الكافي في الفقه: 139.
(6) الوسائل 1: 367 - 370، الباب 9 و 10 من أبواب آداب الحمام.
(7) قرب الإسناد: 103، الحديث 345 والوسائل 14: 549، الباب 44 من أبواب
نكاح العبيد والإماء، الحديث 7.
422

" ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه ومجلس بين قوم " (1).
والعمل على المشهور. وهذه الروايات في ما نحن فيه محمولة على
الاستحباب! ولذا قال في الغنية والوسيلة: " إن ما بين السرة والركبة عورة
مستحب سترها " (2).
ثم إن ظاهر جماعة: أن العبرة في الحفظ والنظر بلون البشرة، ومرادهم
به نفس الجسم، لا خصوص اللون حتى يكفي في الستر صبغها بلون آخر، بل
المراد مقابل الحجم، وانصراف أدلة منع الناظر والمنظور إليه وحرمة الكشف
إلى صورة التجرد.
ولعله لصدق الستر الواجب في قوله عليه السلام: " إذا سترت القضيب
والأنثيين فقد سترت العورة " (3) فيكفي سترها بساتر لطيف مع ظهور شكلها
إلى ما هي عليه.
ويؤيده ما رواه الصدوق عن عبيد الله المرافقي، وقد تقدم في المسألة
السابقة إلى قوله: " فيطلي سائر بدنه " وفيه: فقال (4) له قيم الحمام يوما من
الأيام: " إن الذي تكره أن أراه قد رأيته! فقال عليه السلام: كلا! إن النورة
سترة " (5).
ومرسلة محمد بن عمر، عن بعض أصحابنا " قال: كان أبو جعفر
عليه السلام يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر،

(1) الخصال 2: 630، حديث الأربعمائة. وعنه الوسائل 3: 353، الباب 10 من أبواب
أحكام الملابس. الحديث 3.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 493 " والوسيلة: 89.
(3) الوسائل 1: 365، الباب 4 من أبواب آداب الحمام، الحديث 2.
(4) في هامش النسخ: قوله (خ ل).
(5) الفقيه 1: 117، الحديث 250.
423

قال: فدخل ذات يوم الحمام فتنور، فلم أطبقت النورة على بدنه ألق المئزر،
فقال له مولى له: بأبي أنت وأمي إنك لتوصينا بالمئزر ولزومه، وقد ألقيته
عن نفسك! فقال: أما علمت أن النورة قد أطبقت العورة؟ " (1).
خلافا للمحكي عن المحقق الثاني (2) وغيره (3) من وجوب ستر الحجم
ولعله لصدق النظر إلى العورة مع النظر إلى الحجم إذا لم يكن الحائل غليظا
- كما لو طلى العورة بنورة رقيقة، أو جعل القضيب في كيس رقيق يحكي
حجمه كما هو - ومنع الانصراف المذكور.
ويمكن حمل الروايتين على إطباق النورة الكثيرة للعورة خصوصا مع
التصاق القضيب بالبيضتين، فيصير المجموع مع النورة كومة واحدة لا يتميز
حجم القضيب. هذا إذا طلى القضيب حتى الحشفة، لكنه غير متعارف،
فيشكل التمسك بالروايتين.
وأما الاكتفاء في تستر (4) المرأة بدنها بستر البشرة، فلعله لأن المحرم
عليها إبداء الزينة، وليست إلا البشرة، فتأمل والمسألة محل إشكال، وإن كان
ما عليه الأكثر لا يخلو عن قوة.
ثم إنه لا يعتبر في الناظر البلوغ، لاطلاق آية الحفظ (5) ورواية لعن
المنظور إليه (6).

(1) الوسائل 1: 378، الباب 18 من أبواب آداب الحمام، الحديث 2.
(2) جامع المقاصد 2: 95، والرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 101.
(3) الشهيد في الذكرى: 146، ونسبه في مفتاح الكرامة 2: 166 إلى فوائد الشرائع
وفوائد القواعد أيضا.
(4) كذا في النسخ، والمناسب: ستر.
(5) النور: 30 و 31.
(6) الوسائل 1: 364، الباب 3 من أبواب آداب الحمام، الحديث 2.
424

ومرفوعة حمل بن زياد: " لا يدخل الرجل مع ابنه الحمام فينظر إلى
عورته " (1).
ومرسلة محمد بن جعفر، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يدخل الرجل مع ابنه الحمام فينظر
إلى عورته، وقال: ليس للوالدين أن ينظرا إلى عورة الولد، وليس للولد أن
ينظر إلى عورة الوالد؟ وقال: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناظر والمنظور
إليه في الحمام بلا مئزر " (2).
ثم مقتضى وجوب الاقتصار على المتيقن من تقييد هذه المطلقات هو
غير المميز، ناظرا كان أو منظورا إليه، فإنه بمنزلة البهائم، ويدل عليه في
الجملة جواز تغسيل المرأة ابن خمس سنين، وتغسيل الرجل بنت خمس
سنين.
ويظهر من المعتبر - في مسألة الغسل - التوقف؟ استنادا إلى أصالة
حرمة النظر (3).
فإن أراد النظر إلى ما عدا العورة، فظاهر الأخبار جواز النظر إلى ذي
الخمسة سنين، بل وإلى غير البالغ والبالغة. وإن أراد النظر إلى العورة،
فالظاهر أن معياره التمييز، مع أن حرمة النظر إلى العورة لا يوجب التوقف
من حيث عدم مماثلة الغاسل والمغسول.
وأما المجنون: فلا يلحق بغير المميزة وكذا السكران.
والظاهر أن معيار الاحترام في الناظر والمنظور إليه واحد، وهو بلوغ

(1) الوسائل 1: 380، الباب 21 من أبواب آداب الحمام، الحديث 2.
(2) الوسائل 1: 380، الباب 21 من أبواب آداب الحمام، الحديث الأول.
(3) المعتبر 1: 324.
425

الانسان حدا يستنكف بجبلته عن النظر إلى سوأته.
ثم الحفظ الواجب يتحقق بعدم تعريض العورة للنظر بالكشف في
موضع لا يؤمن عن وجود الناظر فيه أو تجدده.
وأما النظر: ففي كون حرمته كذلك - فيحرم الوقوف من دون غض في
موضع لا يأمن من وقوع نظره على المحرم - أو لا؟ وجهان: من إطلاق
الأمر بغض البصر آية ورواية، ومن ظهور إرادة غضه عن المحرم، والأول
أحوط، والثاني أقوى.
" ويستحب ستر البدن " كله بقعوده في مكان لا يراه الناس، لقوله
عليه السلام - في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم -: " إنه لم ير على بول ولا غائط " (1)
وفي مدح لقمان صلى الله عليه وآله السلام -: أنه " لم يره أحد على بول ولا غائط ولا
اغتسال، لشدة تستره وتحفظه " (2) وقوله عليه السلام: " من أتى الغائط
فليستتر " (3).
أما ستر بدنه بعباء ونحوه - كما يقتضيه مقابلة البدن بالعورة في عبارة
المصنف قدس سره - فلم أعثر على دليل استحبابه.
(ويحرم استقبال القبلة) عينا أو جهة (واستدبارها) بمقاديم بدنه،
ومنها أصل القضيب والبيضتان، فالمستلق على القبلة مستقبل - خصوصا إذا
رفع ساقيه وبال أو تغوط - أو مستدبر. وكذا المضطجع الموجه إلى القبلة.
وبالجملة: فالاستقبال بالنسبة إلى الكل شئ واحد، والاختلاف في
هيئات المستقبل.

(1) الوسائل 1: 215، الباب 4 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 3.
(2) الوسائل 1: 215، الباب 4 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2.
(3) الوسائل 1: 215، الباب 4 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 4.
426

وما اختاره من الحرمة هو المشهور. وفي الغنية - كما عن الخلاف -
عليه الاجماع (1) ويشهد له ظواهر أخبار غير نقية السند أو الدلالة (2)
ومن ثم شار بعض الكراهة (3). والعمل على المشهور.
ثم إن في غير واحد من الأخبار حرمة استقبال القبلة ببول
الغائط (4). وبمثله عبر جماعة (5)
وظاهره أنه لو انحرف بعورته عن القبلة
في البول لم يفر الاستقبال بسائر بدنه. وأظهر من ذلك قول الشهيد في
الألفية: " ويجب ستر العورة والانحراف عن القبلة بها) (6) قيل (7): ويظهر ذلك
من التنقيح، حيث حرم الاستقبال بالفرج دون الوجه والبدن (8) فن بال
مستقبلا وحرف ذكره عنها لم يكن عليه بأس.
أقول: الظاهر أن هذا التفريع استنباط من الناظر في عبارة التنقيح،
لا فصرف طرف الذكر عن القبلة لا يوجب انحراف تمام الفرج عنها.
قال شارح الموجز في شرح قول أبي العباس قدس سره: " ويجتنب القبلة
وعكسها عند الحاجة بفرجه... إلى آخره " (9): وإنما قال: " بفرجه " ولم يقل:
" بالبول " لأن المحرم هو الاستقبال بالفرج لا بالبول، فلو استقبل بفرجه

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 487، والخلاف 1: 102، كتاب الطهارة، المسألة: 48.
(2) انظر الوسائل 1: 212، الباب 2 من أبواب أحكام الخلوة.
(3) كالسيد في المدارك 1: 158
(4) الوسائل 1: 212، الباب 2 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 1 و 4.
(5) الشيخ في الخلاف 1: 101، كتاب الطهارة، المسألة: 48، والحلي في السرائر 1:
95، والعلامة في التحرير 1: 7.
(6) الألفية: 49.
(7) قاله في الجواهر 2: 8.
(8) التنقيح الرائع 1: 69.
(9) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 39.
427

وميل إحليله إلى غير القبلة وبال - كما يفعله بعض الجهال - لم يجز، إذ لا فرق
بين أصل الفرج وطرفه (1) انتهى.
اللهم إلا أن يدعى: أن الظاهر من الاستقبال بالفرج جعل رأس
الفرج مما يلي القبلة، فالقضيب إذا انحرف رأسه عن القبلة لم يستقبل به، ولذا
تكلم غير واحد في عبارة الشهيد في الألفية (2) واستظهر بعضهم منها كفاية
إمالة طرف القضيب لصدق الانحراف بها، وآخر فجعل باء التعدية متضمنا
لمعنى المصاحبة، فمعنى " سرت به " أو " ذهبت به ": أخذته معي في السيم
والذهاب. ورده الأول بتصريح جماعة على عدم الفرق بين همزة التعدية
وبائها، ونقضه آخر بقوله تعالى: (ذهب الله بنورهم) (3).
لكن هذا كله مستغنى عنه مجمل العورة على مجموع القبل والدبر، إذ
الانسان لا يمكنه الانحراف بها إلا بانحراف بدنه عن القبلة.
نعم، لو أريد خصوص العورة التي يتخلى منها - أعني المخرجين - فلا
بأس باستقبال البيضتين القبلة مع انحراف مخرج البول لأنه لم يستقبل القبلة
ببول، صح ما ذكر: من أن ترك الاستقبال بالعورة يتحقق بتحريفها،
خصوصا مع تصريح الأخبار باستقبال القبلة ببول أو غائط، إلا أنها واردة
مورد الغالب من ملازمة الاستقبال بالبول الاستقبال بالبدن وندرة الانحراف

(1) كشف الالتباس (مخطوط): 30.
(2) تكلم فيه المحقق الثاني في شرح الألفية، وأتى ببعض ما نقله المؤلف قدس سره. في ما
يأتي (انظر رسائل المحقق الكركي 3: 219) ولم نظفر على سائر ما حكاه قدس سره
من الرد والايراد عن بعض آخرة نعم حكى في مفتاح الكرامة عن بعض شارحي
الألفية والمحقق الثاني بعضا مما ذكره المؤلف قدس سره. هنا، انظر مفتاح الكرامة
(3) البقرة: 17
428

بخوص الفرج.
كما أنه يمكن دعوى ذلك في المطلقات منها الظاهرة في استقبال نفس
المتخلي، بأن المناط الاستقبال بخصوص العورة، إلا أنه لما كان محققا في
الغالب باستقبال الشخص وقع النهي عن الجلوس مستقبلا لئلا يقع العورة
إلى القبلة.
لكن هذا بعيد في أخبار الاستدبار، فإن الظاهر منها مرجوحية
الاستدبار من حيث مخالفته لاحترام القبلة وخصوص العورة لا دخل لها في
هذا المعنى، لأن البول على ظهر القبلة وكذا مواجهته بمقدم القضيب لا ينافي
احترامها، بخلاف جلوس الشخص مستدبرا لها لهذا الفعل، فقد يمكن أن
يلاحظ فيه نوع من الإهانة.
وكيف كان: فالمشهور هو المتعين، بل لم نجد من صرح بخلافه، وإن
في عن مجمع الفوائد أنه نسب ذلك إلى توهم بعض (1) وحكاه في الحدائق
صريحا (2).
والأحوط الجمع بين الانحراف بتمام البدن والعورة معا، فلا يدير
العورة إلى طرف القبلة إذا كان غير مستقبل ببدنه.
" ويستوي في ذلك الصحاري والأبنية " لاطلاق الأخبار وضعف
ما استدل به للجواز في الأبنية، كما سيجئ.
" و " حينئذ أيجب الانحراف " بالبدن أو العورة عن القبلة " في
موضع قد بني على ذلك " إن أمكن، وإلا لم يقعد في ذلك الموضع مع التمكن

(1) حكي عنه في مفتاح الكرامة 1: 50
(2) الحدائق 2: 41
429

من غيره، وعليه مجمل صحيحة ابن بزيع " قال: دخلت على أبي الحسن
الرضا عليه السلام وفي منزله كنيف مستقبل القبلة، وسمعته يقول: من بال حذاء
القبلة ثم ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة وتعظيما لها، لم يقم من مقعده ذلك
حتى يغفر له " (1) ورواه البرقي في المحاسن (2).
فإنه لو سلم أن بناء الكنيف كان بأمر الإمام عليه السلام وأن المراد
بالكنيف المقعدة دون بيت الخلاء، لم يدل ذلك على جواز القعود للتخلي على
وضع البناء.
نعم، في تلك الرواية إشعار بكون الترك مستحبا، لأن المناسب في مقام
بيان لطف الواجب ذكر العقاب المتوعد على تركه مقتصرا عليه أو مع ذكر
الثواب الموعود على فعله - كما في الصلاة - دون الاقتصار على ذكر الثواب
المقرر عند بيان المستحبات، لكن هذا الاشعار لا يرفع به اليد عن ظواهر
الأخبار.
ثم إنه لو اشتبه القبلة وجب الفحص، لثبوت النهي عن الاستقبال
والاستدبار، ولا يحصل الاجتناب عن النهي عنه إلا بالفحص. فلو لم يحصل
إلا الظن، ففي وجوب العمل به وجه، لعدم استقلال العقل بالتخيير بين
الجهات في مثله، والالتزام بسقوط التكليف نحالف لاطلاق الأدلة؟ إلا أن
يدعى اختصاصها بصورة التمكن المفقود مع عدم العلم " فتأمل.
ولو دار الأمر بين الاستقبال والاستدبار ارتكب الثاني، لأنه أهون.
ولو دار الأمر بين أحدهما وبين كشف العورة، فالظاهر أمية الستر.

(1) الوسائل 1: 213، الباب 2 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 7.
(2) المحاسن: 54، الباب 64، الحديث 82.
430

ثم مقتضى الأصل الاقتصار في التحريم على حال التخلي، فيجوز عند
الاستبراء والاستنجاء؟ لكن في رواية عمار، قال: " سألته عن الرجل يريد
أن يستنجي كيف يقعد؟ قال عليه السلام: كما يقعد للغائط " (1) ورد بعض الفحول
دلالتها - بعد الاغماض عن سندها - بأن المراد من ذلك الرد على العامة حيث
يقعدون للاستنجاء نحوا آخر من زيادة التفريج وإدخال الأنملة (2).
أقول: إدخال الأنملة لم يوجبه إلا محمد بن الحسن الشيباني (3) وزيادة
التفريج لم أعثر عليه مسندا إلى أحد من العامة، وعلى تقديره فظاهر الرواية
السؤال عن جميع الكيفيات التي يجب القعود عليها، فالجواب يدل على
العموم، فيشمل الاستقبال والاستدبار، فتأمل. والله العالم.

(1) الوسائل 1: 253، الباب 37 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2.
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 1: 50، عن أستاذه العلامة الطباطبائي في
حلقة درسه
(3) لم نقف على مأخذ ه.
431

(الثاني)
(في الاستنجاء) وهو استفعال من النجو و (هو) (1) ما يخرج من البطن، أو الغائط، كما
في الصحاح، وفيه: استنجى: أي مسح موضع النجو أو غسله، وفيه عن
الأصمعي: استنجيت النخلة: إذا التقطت رطبها، واستنجيت الشجرة: قطعتها
من أصلها (2) وكأن المسح مأخوذ من الاستعمال الأول والغسل من الثاني.
وشرعا - كما في الذكرى -: إزالة البول والغائط الناقضين عن
مخرجهما (3).
ويرد عليه: إزالة القذر المتعدي عن المخرج منهما، وعدم الملازمة بين
ناقضية الخبثين وصدق الاستنجاء على إزالتهما، كما لا يخفى، فالأولى فيه
الرجوع إلى العرف. وكأنه قدس سره. تصدى لبيان المعنى العرفي على وجه

(1) الزيادة من مصححة " ع ".
(2) الصحاح 6: 2502، مادة " نجا ".
(3) الذكرى: 20.
433

يدخل فيه بعض الأفراد الخفية.
ولا خلاف في وجوب أصل الاستنجاء بمعنى اشتراطه في الصلاة،
لعموم ما دل على وجوب إزالة النجاسة عن البدن (1) وخصوص الأخبار
الواردة في المقام (2) بل ظاهر بعضها اشتراطه في الوضوء بمعنى إعادة الوضوء
مع نسيان الاستنجاء من البول (3) ي عن الصدوق (4) لكنه ضعيف.
(و) لا خلاف أيضا في أنه (يجب غسل مخرج البول بالماء) ولو
كان مضافا - على قول السيد قدس سره (5) وإن كان ضعيفا - للأخبار العامة
والخاصة في عدم كفاية غيره، ففي صحيحة زرارة: " ويجزيك من الاستنجاء
ثلاثة أحجار... وأما البول فإنه لا بد من غسله " (6) بالماء، وفي رواية بريد بن
معاوية: " ولا يجزي من البول إلا الماء " (7).
لكن الوجوب إنما يثبت " مع القدرة (8) " ويسقط لا معها كما في كل
واجب.
وفي وجوب إزالة العين، كما صرح به الشيخان (9) وابن حمزة (10)

(1) الوسائل 2: 1001، الباب 1 من أبواب النجاسات، والصفحة 1025، الباب 19
منها.
(2) الوسائل 1: 222، الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة.
(3) الوسائل 1: 209، الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 8
(4) المقنع (الجوامع الفقهية): 2.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 219.
(6) الوسائل 1: 222، الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(7) الوسائل 1: 223، الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 6،
(8) في الشرائع: ولا يجزي غيره مع القدرة.
(9) المقنعة 61 والمبسوط 1: 34، والتهذيب 1: 48 ذيل الحديث 140.
(10) الوسيلة: 78.
434

- الحلي (1) والمحقق (2) والعلامة (3) والشهيد (4) وغيرهم - بل الظاهر أنه
المشهور - وعدمه كما حكي عن ظاهر المتأخرين (5) قولان؟ يشهد لثانيهما
الأصل،
وأن الواجب هو التطهير، لا جزء له خارجا ولا ذهنا حتى يجري
فيه قاعدة وجوب الاتيان بالميسور وما أستطيع، مع أن في جريانها في
الأجزاء الغير الخارجية كلاما.
ويمكن أن يستدل له بإطلاق ما دل على أن حد الاستنجاء النقاء، كما
في حسنة ابن المغيرة الآتية (6) بناء على عموم الاستنجاء فيها للبول وحصول
النقاء بإزالة العين فقط؟ ولذا استدل به جماعة في كثير من مسائل
الاستجمار (7) الذي لا يشترط فيه ذهاب غير العين إجماعا، غاية الأمر تقييد
الاطلاق في الغسل بالماء بإزالة الأثر مع القدرة، فيبقى صورة العجز داخلة في
اطلاق كفاية النقاء.
لكن سيأتي (8) أن الرواية غير شاملة للاستجمار وإن عممها له
جماعة (9).
وحمل " النقاء " على زوال الأثر أولى من حمله على زوال العين

(1) الكافي: 136.
(2) المعتبر 1: 126.
(3) نهاية الإحكام 1: 86
(4) الذكرى: 21.
(5) نسبه إلى ظاهرهم في مفتاح الكرامة 1: 41.
(6) تأتي في الصفحة: 446.
(7) كالعلامة في المنتهى 1: 272 و 275، والسيد في المدارك 1: 167 و 169، والمحدث
البحراني في الحدائق 2:. 30 و 34.
(8) يأتي في الصفحة: 456.
(9) تقدم عن العلامة وصاحبي المدارك والحدائق آنفا.
435

وتقييده من الخارج بزوال الأثر، لخروج الحد عن كونه حدا، والتصرف في
ظاهر التحديد بعيد! مع أن الظاهر من " النقاء " هو زوال الأثر لأنه بمعنى
النظافة لغة.
وأضعف من ذلك استدلال العلامة قدس سره (1) بخبر عبد الله بن بكير:
" عن الرجل يبول ولا يكون عنده الماء، فيمسح ذكره بالحائط؟ قال: كل
شئ يابس زكي " (2) لأن الظاهر كونه بمنزلة الزكي في عدم سراية النجاسة،
لا في حكم آخر من أحكام الطاهر، ولا دليل على وجوب جعل البدن
النجس بحيث لا يسري نجاسته. نعم، يجب التحفظ حتى لا يتنجس به ثوبه
أو موضع آخر من بدنه.
وقريب منه في الضعف: ما تمسك به في الوسائل (3) من خبر زرارة
ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: " عن طهور المرأة في النفاس إذا
طهرت وكانت لا تستطيع أن تستنجي بالماء، إنها إن استنجت اعتقرت، هل
لها رخصة أن تتوضأ من خارج وتنشفه بقطن أو خرقة؟ قال: نعم لتنقي من
داخل بقطن أو بخرقة " (4) فإن ظاهر الرواية غسل ظاهر الفرج وتنشيف
داخله، والداخل لا يجب غسله إلا أن يراد من الداخل ما يظهر عند قعودها
للتخلي بحيث يجب غسله مع القدرة لكونه من الظاهر.

(1) المنتهى 1: 263.
(2) الوسائل 1: 248، الباب 31 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 5.
(3) لم نظفر على تمسك صاحب الوسائل به لوجوب تخفيف النجاسة عند تعذر الغسل، كما لم
يتمسك به المحقق الأعرجي في وسائله أيضا، انظر وسائل الشيعة في أحكام الشريعة
(520 - 521)، نعم استشعر ذلك من الخبر صاحب الجواهر، انظر الجواهر 2: 16.
(4) الوسائل 1: 245، الباب 29 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 3.
436

ويمكن الاستدلال عليه بعموم مثل قوله تعالى: (والرجز فاهجر) (1)
قوله تعالى في الخمر وشبهه: (فاجتنبوه) (2) ونحو ذلك حيث دلت هذه على
جوب هجر النجاسات واجتنابها في الصلاة ونحوها " وأقل مراتب الهجر
الاجتناب إزالة عينها، وفي مثل هذه تجري قاعدة " الميسور لا يسقط
المعسور "
ويمكن الاستدلال عليه أيضا بما دل على المنع عن الصلاة في النجس،
إن العين ما دامت في البدن يصدق: أنه صلى في النجس، لأن كلمة " في "
للتلبس لا الظرفية، نظير قوله عليه السلام: " كل ما لا يؤكل، فالصلاة في بوله
وروثه وكل شئ منه غير جائز " (3) وإذا زالت العين لم يصدق: أنه صلى في
النجاسة، نعم، صلى مع نجاسة البدن.
ومناط هذا الاستدلال: أن الصلاة في النجس عنوان للمنع، غير
الصلاة بنجاسة البدن، فإذا تعذر تحصيل الثاني لم يسقط الأول، ويمكن منع
ذلك.
ولو قلنا بعدم جواز حمل النجاسة في الصلاة كان وجوب إزالة العين
أوضح. ولا ريب أن ما ذكروه أحوط.
وفي وجوب تخفيف حكم النجاسة - كما إذا لم يقدر إلا على غسل
الثوب من البول مرة، بل وكذا إزالة بعض أجزائه دون الباقي - وجهان.

(1) المدثر: 5.
(2) المائدة: 90
(3) الوسائل 3: 250، الباب 2 من أبواب لباس المصلي. الحديث الأول، ولفظ
الحديث: " إن الصلاة في وبر كل شئ حرام أكله، فالصلاة في وبره وشره وجلده
وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد.. الخ ".
437

" و " اعلم أنه قد اختلف الأخبار وكلمات الأصحاب في " أقل ما
يجزي " من الماء في إزالة البول، ففي رواية نشيط بن صالح، عن أبي عبد
الله عليه السلام، قال: " سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ قال:
" مثلا ما على " الحشفة من البلل " (1).
وبه عبر في المقنعة (2) والمبسوط (3) وقبلهما الصدوق (4) وبعدها جماعة (5)
ونسبه جماعة إلى المشهور (6).
والمراد من الحشفة مطلق " المخرج " المعتاد وإن لم يكن طبيعيا، بل
وغير المعتاد أيضا. والاستدلال به للمرتين مبني على إرادة التعدد من
المثلين، لأنه حكم إزالة مطلق البول.
والمراد من البلل هي الأجزاء اللطيفة المائية المعبر عنها عرفا
بالرطوبة، لا نفس الرطوبة، كما ظنه بعض، فاعترض على من فسره بالرطوبة
بأنها عرض لا يقدر به الماء، وزعم ذلك وجها لوجوب رفع اليد عن ظاهر
الرواية (7).
والانصاف: أن سند الرواية لا يخلوا عن اعتبار، وخصوصا مع

(1) الوسائل 1: 242، الباب 26 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 5.
(2) المقنعة: 42.
(3) المبسوط 1: 17.
(4) الهداية (الجوامع الفقهية): 48، والفقيه 1: 31.
(5) مثل المحقق في المعتبر 1: 126 والعلامة في القواعد 1: 180 والشهيد في البيان
(6) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 93، والشهيد الثاني في المسالك 1: 29
ونسبه في الرياض 1: 202 إلى الأشهر.
(7) لعل نظره إلى ما أفاده المحقق النراقي، انظر المستند 1: 64.
438

انجبارها بالشهرة بحيث عبر الأصحاب بمتنها.
وأما الرواية الأخرى لنشيط بن صالح عن بعض أصحابنا، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " يجزي من البول أن تغسله بمثله " (1) فهي ضعيفة سندا
بالارسال، ودلالة بعدم معلومية معارضتها للأولى إلا على تقدير إرادة مثل
البلل الكائن على المخرج، ومن المعلوم عدم تحقق الغسل به، ولذا ارتكب
الشيخ قدس سره البعيد في تأويله بإرجاع الضمير إلى البول الخارج (2).
وكيف كان: فرواية المشهور لا قصور فيها من حيث السند
والمعارض، ألا أن المراد بها لا يخلو عن التباس، نظرا إلى أنه يحتمل فيه
وجوه، فالذي استظهره الشهيدان (3) والمحقق الثاني (4) والفاضل الميسي (5) من
الرواية ومن كلام من عبر من الأصحاب بمتنها هو الغسل مرتين، قال في
الذكرى: وأما البول فلا بد من غسله ويجزي مثلاه مع الفصل، للخبر (6).
ويمكن استظهار ذلك من العلامة، حيث اختار في المنتهى مذهب أبي
الصلاح من كفاية إزالة العين (7) واحتج عليه بكفاية ذلك في الغائط ففي البول
بطريق أولى، ثم ذكر رواية المثلين وتوقف فيها من جهة الراوي (8).
فإن ظاهره ذكر الرواية في مقام المعارضة.

(1) الوسائل 1: 243، الباب 26 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 7.
(2) التهذيب 1: 35، ذيل الحديث 94.
(3) الذكرى: 21، والمسالك 1: 29.
(4) جامع المقاصد 1: 93.
(5) في الميسية: ولا توجد لدينا.
(6) الذكرى: 21.
(7) الكافي في الفقه: 127.
(8) المنتهى 1: 264.
439

وربما نسب إلى المحقق أيضا في المعتبر، حيث أيد الرواية المذكورة بما
دل على وجوب صب الماء مرتين، لكنه قدس سره ذكر تأييدا آخر ينافي ذلك،
وهو أن الغسل بالمثل لا يحصل معه اليقين بغلبة المطهر على النجس (1).
وهو الظاهر من الصدوق في الفقيه ومحكي الهداية، قال، ويصب على
إحليله من الماء مثلي ما عليه من البول يصبه مرتين وهذا أدنى ما
يجزي (2).
وهذا الاحتمال في نفسه بعيد من جهة أن الغسل لا يحصل بمثل البلل
حتى يكون المثلان بغسلتين، إلا أن يراد من " البلل " القطرة المتخلفة غالبا
بعد انقطاع البول - كما قيل (3) - مع أنها ساكتة في مقام البيان عن ذكر تعدد
الغسل؟ ولا دليل عليه غيرها، فإن ما دل على صب الماء مرتين من البول (4)
ظاهر الاختصاص بما إذا أصاب الجسد من الخارج،
ولأجل ذلك حملها
جماعة من الأصحاب - كما حكي - على الغسلة الواحدة وجعلهما (5) بيانا
لأجل ما يتحقق به استيلاء الماء على النجس (6) فإن الغسل والجريان
وإن لم يحصل بمثلي البلل، إلا أن اعتبار تضاعف البلل لا يبعد أن

(1) المعتبر 1: 127.
(2) الفقيه 1: 31، والهداية (الجوامع الفقهية): 48.
(3) مشارق الشموس: 73، والمستند 1: 64.
(4) الوسائل 1: 242، الباب 26 من أبواب الخلوة، الحديث 1 و 9.
(5) أي " المثلين " في الرواية.
(6) جعله في الحدائق 2: 19، والرياض 1: 202 الأظهر في تفسير الخبر؟ وفي مفتاح
الكرامة 1: 42 نسبة التأويل المذكور إلى ابن إدريس وأبي الصلاح والعلامة في أكثر
كتبه وكثير ممن ذكرهم، والثلاثة الذين سماهم وإن قالوا بكفاية غسلة واحدة، لكن
لم نجد في كتبهم حمل الخبر على ما ذكره، فراجع.
440

يجعل كناية عن الغلبة والاستيلاء، وهو الذي يظهر مما ذكرنا من
المعتبر: من تأييد الرواية بأن اليقين بغلبة المطهر لا يحصل بالغسل
بالمثل (1). نعم، ينافي ذلك تأييدها بروايات التعدد أيضا، والتأويل يمكن
في كليهما.
وربما يستظهر من الشهيد في البيان، حيث إنه قال: ويجب غسل البول
بالماء خاصة، وأقله مثلاه مع زوال العين، والاختلاف هنا في مجرد
العبارة (2) انتهى، إذ من الواضح: أن ظاهر جماعة كفاية مجرد الغسل وتحقق
الجريان، فإذا فرض كون الاختلاف في مجرد العبارة تعين حمل المثلين على ما
حقق به الجريان، إذ العكس بعيدة ولذا جزم العلامة الطباطبائي بأن مراد
الشهيد إرجاع المثلين إلى كفاية المرة بإرادة ما يتحقق معه الغلبة (3).
نعم في جامع المقاصد: أن ما في البيان ليس بجيد، لأن الخلاف ليس
العبارة (4) انتهى.
وربما ينسب استظهار هذا المعنى إلى كل من صرح بكفاية المرة المزيلة
أو يظهر منه ذلك، كالسيدين (5) والشيخ في الجمل (6) والحلي (7) والقاضي (8)

(1) تقدم في الصفحة السابقة.
(2) البيان " 41.
(3) لم نجد في كلامه الجزم بذلك، انظر المصابيح (مخطوط): 149 - 150.
(4) جامع المقاصد 1: 93.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 487، والانتصار: 16.
(6) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 157.
(7) الكافي في الفقه: 127.
(8) نسبه في المختلف 1: 273 إلى ظاهر كلام ابن البراج، والموجود في المهذب 1: 41
" وأقل ما مجزي في غسله من الماء مثلا ما عليه ".
441

والحلي (1) وابن حمزة (2) والعلامة في المختلف والمنتهى (3).
وفيه نظر، لأن القول بكفاية المرة لا يدل على استظهار ذلك من رواية
المثلين أو حملهما على الكفاية عن الغلبة، فإن صريح المحقق في المعتبر
والعلامة في المنتهى جعل الرواية معارضة للفتوى بكفاية إزالة العين؟ وكذلك
ظاهر الحلي في السرائر، حيث قال: وأقل ما مجزي من الماء لغسله ما يكون
جاريا ويسمى غسلا، وقد روي أن أقل ذلك مثلا ما عليه من البول وأن
زاد على ذلك كان أفضل " فإن ظاهره مقابلة الرواية لفتواه؟ فتأمل.
نعم، يمكن (أن يقال) (4) أن شهرة الرواية بين العلماء قديما وحديثا مع
عدم الفتوى بالتعدد منهم يدل على عدم فهمهم منها إلا مطلق الغسل.
وهنا احتمال ثالث في الرواية، وهو إرادة المثلين في تحقق الغسل مع
كون الواجب غسلتين، فالرواية متعرضة لأقل ما يعتبر في كل غسلة، وتعدد
الغسلة يفهم من دليل آخر. وربما يحتمل ذلك في عبارتي الفقيه والهداية (5)
فراجع.
وهو بعيد فيهما وفي غيرهما من النص والفتوى.
وأبعد منه ما احتمله بعض من كون التحديد بالمثلين تعبديا وعدم
كفاية مطلق الغسل ولو حصل بالأقل من المثلين (6).
والانصاف: أن الرواية لا ينبغي طرحها من جهة السند، ولا يستقيم

(1) السرائر 1: 97.
(2) الوسيلة: 47
(3) المختلف 1: 273، والمنتهى 1: 264.
(4) الزيادة اقتضتها العبارة.
(5) الفقيه 1: 31 والهداية (الجوامع الفقهية): 48.
(6) الجواهر 2: 18.
442

ظاهرها إلا بإرادة القطرة المتخلفة غالبا على الحشفة لا مجرد البلل، للقطع
بعدم تحقق الغسل المعتبر إجماعا بمثليه ولا أربعة أمثاله، ومثل تلك القطرة
المتخلفة يحصل بها أقل الغسل والجريان قطعا؟
وحينئذ فحمل الرواية على
التعبد بوجوب الزائد عما يتحقق به أقل الغسل في غسلة واحدة من البعيد
بحيث لا يبعد دعوى القطع بعدمه، فتعين إرادة الغسلتين من المثلين، كما فهمه
من عرفت من الأساطين (1).
ثم من البعيد أن يصرح الشهيد في البيان بأن الاختلاف بين العلماء في
هذه المسألة بمجرد العبارة (2) ويريد بذلك اتفاقهم في المعنى على كفاية الغسلة
الواحدة - كما ادعاه بعض الأجلة (3) على ما عرفت - مع خرقه لهذا الاتفاق
في الذكرى بالجزم بوجوب المرتين (4) واطلاعه على تصريح الصدوق بذلك،
ليس من جملة العبارات عبارته في الذكرى وعبارة الصدوق في الفقيه
والهداية؟ فكيف تنطبق على الغسلة الواحدة، فلو عكس الأمر وادعى أن
مراده اتفاق الكل في المعنى على وجوب المرتين كان أقرب، وإن كان مشتركا
مع الأول في كونه في حيز المنع، لأن الاختلاف بين العلماء في كفاية المرة
والمرتين مما لا ينبغي إنكاره.
وكيف كان: فأظهر الاحتمالات في الرواية إرادة المرتين، ويؤيدها
صحيحة البزنطي المروية في المستطرفات عن نوادره " قال: سألته عن البول

(1) راجع الصفحة: 439.
(2) تقدم منه في الصفحة: 441
(3) هو العلامة الطباطبائي، وقد صرح باسمه في الصفحة: 441، لكنه لم يدع جزما أن
مراد الشهيد ذلك، انظر المصابيح (مخطوط): 149 - 150.
(4) الذكرى: 21.
443

يصيب الجسد؟ قال: صب عليه الماء مرتين، فإنما هو ماء " (1) إما بناء على
عموم موردها لما نحن فيه كما ادعاه بعض (2) ويشهد له تأييد المحقق قدس سره
رواية المثلين بها (3) وإما لأن التعليل بكونه " ماء " يدل على أن العلة في ذلك
نفس هذه النجاسة الخاصة - أعني البول - من دون مدخلية المحل الملاقي له
في هذا الحكم، إلا أن يدعى رجوع التعليل إلى كفاية الصب في مقابل الحاجة
إلى الدلك، كما ينبئ عنه مرسلة الكليني: " أنه ماء وليس بوسخ ".
وبالجملة: فذكر العلة في مقام تسهيل أمر البول، وهو لا يصلح علة
لاعتبار المرتين فيه في مقابل المرة.
لكن يدفع هذا ظهور اللفظ في كون العلة لمجموع الحكم وهو الصب
مرتين، فيدل على أن كل نجس مائي لاقى محلا يكون تطهيره بالصب مرتين،
فيحمل على أن النجاسة في نفسها تحتاج إلى المرتين، واكتفى هنا بالصب لعدم
الجرم له.
ومن هنا استدل بعضهم بفحواه على وجوب المرتين في غير البول من
النجاسات (5) فتأمل.
هذا كله، مضافا إلى استصحاب النجاسة أو حكمها عند من يسمي
مثل هذا الاستصحاب بالتمسك بعموم الدليل، إذ لا حاكم على هذا الأصل
عدا بعض الاطلاقات الظاهرة الورود في مقام البيان، مثل قوله عليه السلام في

(1) السرائر 3: 557، والوسائل 1: 243، الباب 26 من أبواب الخلوة، الحديث 9.
(2) ادعاه المحقق النراقي في المستند 1: 64.
(3) المعتبر 1: 127.
(4) الكافي 3: 21، ذيل الحديث 7. وعنه الوسائل 2: 1002، الباب 1 من أبواب
النجاسات، الحديث 6.
(5) استدل به المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 173.
444

موثقة يونس بن يعقوب أو صحيحته: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الوضوء
الذي افترضه الله تعالى على العباد لمن جاء من الغائط أو بال؟ قال: يغسل
ذكره ويذهب الغائط، ثم يتوضأ مرتين مرتين " (1) ومرسلة نشيط بن صالح
المتقدمة أنه " يجزي من البول أن يغسله بمثله " (2) بناء على اخراج غير
الاستنجاء منه بما دل على المرتين عند إصابة البول الجسد (3) فيبقى نصا في
الاستنجاء.
ويؤيدهما ما ذكره في المنتهى من فحوى كفاية إزالة العين في
الاستنجاء من الغائط إجماعا (4).
ويشهد لمنع الفحوى حكم جماعة في غير الاستنجاء بلزوم التعدد في
البول وكفاية المرة في غيره (5) والمرسلة ضعيفة مخالفة للمشهور، والمراد من
" المثل " فيها مشتبه، لعدم إمكان إرادة مثل المغسول منه وهو البلل، وإرادة
مثل الخارج مع عدم تقدم ذكره في غاية البعد، وإن ارتكبه الشيخ قدس سره (6)
فلا ينهض مع ذلك لمعارضة رواية " المثلين " وعلى تقديرها فالواجب
الرجوع بعد فرض التكافؤ إلى إطلاق الغسل في رواية يونس بن يعقوب (7)

(1) الوسائل 1: 223، الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة. الحديث 5.
(2) تقدمت في الصفحة: 439.
(3) كصحيحة البزنطي المتقدمة في الصفحة: 443 - 444
(4) المنتهى 1: 265.
(5) كالشهيد الأول في الذكرى: 15، حيث قال بكفاية المرة في غير الإناء وأوجب
التثنية في البول، والشهيد الثاني في الروضة البهية 1: 305 و 306، والمحدث البحراني
في الحدائق 5: 364، وما حب الجواهر في الجواهر 6: 185 و 192.
(6) التهذيب 1: 35، ذيل الحديث 94.
(7) تقدمت آنفا.
445

إلا أنه لا اطمئنان بورودها في مقام بيان الوضوء المفترض من الله بجميع
تفاصيله، ولذا لم يذكر كثير من واجبات الاستنجاء، فلا يبعد أن يكون واردا
في مقام بيان أن الوضوء الواجب إزالة الخبث ورفع الحدث؟ مع أن قوله: " ثم
توضأ مرتين مرتين " في مقام بيان الوضوء المفترض لا يخلو عن التباس.
ومع ذلك فالأولى والأحوط الرجوع إلى الاستصحاب المذكور.
" و " يجب " غسل مخرج الغائط " مع تلوث ظاهره بالنجاسة لا
مطلقا - كما يومه بعض فروع المنتهى (1) - " بالماء " عند تعينه عليه واختياره
له حتى يزول العين والأثر " - كما في غير الاستنجاء - لحسنة ابن المغيرة:
" قلت: هل للاستنجاء حد؟ قال: لا، ينقي ما ثمة " (2) وفي بعض النسخ " لا.،
حتى ينقي ما ثمة " (3).
ولقوله عليه السلام. في ما رواه في المعتبر عن الحسين بن أبي العلاء: " عن
الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله مرتين: الأولى للإزالة، والثانية للانقاء " (4)
بحمل الإزالة على إزالة العين والانقاء على إزالة الأثر.
والرواية وإن كانت أجنبية عما نحن فيه، إلا أن فيها دلالة على
تغاير إزالة العين للانقاء، فيظهر منها أن في المحل بعد إزالة العين
شيئا يجب إزالته واصطلح عليه جماعة من الأصحاب (5) تبعا للشيخ في

(1) المنتهى 1: 282
(2) الوسائل 1: 227، الباب 13 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(3) كما في التهذيب 1: 28، الحديث 75.
(4) المعتبر 1: 435. ورواه الشيخ في التهذيب 1: 249، إلى قوله: " اغسله مرتين "
ضمن الحديث: 714.
(5) مثل ابن حمزه في الوسيلة: 47، وابن إدريس في السرائر 1: 97، والعلامة في
المنتهى 1: 272، والشهيد في الدروس 1: 89
446

المبسوط (1) ب‍ " الأثر ".
واختلف في حقيقته بعد الاتفاق على وجوب إزالته بالغسل وعدم
وجوبها عند الاستجمار،
فعن جماعة - منهم الشهيد الثاني والفاضل
الميسي (2) - أنها (3) أجزاء لطيفة عالقة بالمحل لا تزول إلا بالماء.
والحصر في مقابل الاستجمار على الوجه المتعارف، إذ لا ريب في
زوالها بالمائعات الأخر وبالاستجمار مع المبالغة الخارجة عن العادة.
ومرجع ذلك إلى، ما عن المحقق الثاني: أنه ما يتخلل على المحل عند
التنشيف والمسح (4).
وعن بعض: أنه اللون (5). وكأن مراده اللون الزائل بأدنى مبالغة في
المسح وهو الذي حكي عن المنتهى والنهاية الجزم بوجوب إزالته (6) وإلا
فمطلق اللون لا يجب إزالته بالنص والاجماع.
وعن بعض: أنه الرطوبة المتخلفة بعد قلع الجرم (7) ورد بأنه من
العين (8)

(1) المبسوط 1: 16.
(2) الشهيد الثاني في المسالك 1: 30 والفاضل الميسي في حاشيته على الشرائع، كما
نقل عنه في مفتاح الكرامة 1: 43.
(3) كذا في النسخ، والمناسب: أنه.
(4) جامع المقاصد 1: 94، وفيه: أنه ما يتخلف.
(5) فاضل المقداد في التنقيح الشرائع 1: 72.
(6) نجد في الكتابين إلا وجوب إزالة العين والأثر من غير تعرض لتفسيره، انظر
المنتهى 1: 272 ونهاية الإحكام 1: 91.
(7) قال السيد في مفتاح الكرامة 1: 43: نسبه في الدلائل إلى القيل، ورده هو والمحقق
الثاني.
(8) رده المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 94.
447

وتوضيح الرد: أن الرطوبة المجردة الموجودة بعد المسح بالأحجار
يجب قلعها إجماعا وعند الغسل لا تتميز رطوبة مجردة من أثر النجاسة عن
رطوبة الماء المستعمل في قلع الجرم، إلا أن يراد رطوبة حاصلة من ملاقاة
ماء الغسل لأجزاء لطيفة من الجرم ممتازة عن رطوبة نفس الماء وتبق ناشفة
عند قلع الجرم بغير الماء.
وعن بعض: أنها (1) النجاسة الحكمية الباقية بعد إزالة العين (2) فيكون
إشارة إلى تعدد الغسل. ولعله استفاد ذلك من ذيل رواية ابن أبي العلاء
المتقدمة (3) المشعرة بأن النظافة في نظر الشارع غير إزالة العين.
وهذا التفسير في غاية الضعف، لأن النجاسة الكية بعد زوال العين
حكم شرعي وزوالها عبارة عن طهارة المحل شرعا، فكيف يجعل في كلمات
الأصحاب حدا للغسل؟ مع أن التعدد في الاستنجاء من الغائط منفي إجماعا
- على ما تقدم عن المنتهى (4) - فكيف يحمل عليه كلام من صرح بأنه لا حد -
للاستنجاء إلا النقاء (5).
وفي كشف الغطاء: أن المراد بالأثر الأجزاء التي لا تحس (6).
والظاهر: أنه أراد عدم الإحساس بالبصر للطافتها وإن أحس بها
باللمس، وإلا فمن أين يعلم بقاؤها وزوالها، فيرجع إلى التفسير الأول، وهو
أوضح التفاسير.

(1) كذا في النسخ، والمناسب: أنه.
(2) نسبه الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 19 إلى بعض المفسرين ولم يسمه.
(3) تقدمت في الصفحة: 446.
(4) تقدم في الصفحة: 445.
(5) مثل المحقق في المعتبر 1: 127، والسيد في المدارك 1: 165.
(6) كشف الغطاء: 115.
448

نعم، يبق الكلام في الدليل على وجوب إزالتها (1)، فإن كان صدق
" النائط " عليها أو عدم صدق " النقاء " المحدد به الاستنجاء في الرواية
السابقة مع وجودها، ففيه - مع إمكان منع الأمرين - أن اللازم من الثاني
عدم تحقق النقاء في الاستجمار مع اشتراط حصوله فيه إجماعا، ومن الأول
كون أجزاء الغائط الموجودة المحسوسة ولو باللمس طاهرة، لاتفاق أصحابنا
ظاهرا - كما ستعرف - على طهارة المحل بعد الاستجمار، وهو مخالف للأدلة
القطعية الدالة على نجاسة الغائط (2).
اللهم إلا أن يمنع صدق " الغائط " عليها ويلتزم بوجوب إزالتها
في الغسل لأدلة الغسل الظاهرة - بعد ضم بعضها إلى بعض - في إذهاب
الأثر والتنظيف العرفي، وهو المراد ب‍ " النقاء " في حسنة ابن المغيرة ورواية
ابن أبي العلاء المتقدمتين (3).
ويؤيد ذلك أن الواجب في الاستنجاء هو إذهاب الغائط إجماعا ونصا
في موثقة يونس بن يعقوب - المتقدمة (4) - فلو كان الأثر غائطا لزم مخالفة
النص.
" و " كيف كان: فلا إشكال في أنه " لا اعتبار بالرائحة " المجردة
التي من قبيل العرض الباقي في محل النجاسة واليد بلا خلاف، لقوله عليه السلام
في حسنة ابن المغيرة: " قلت: ينقي ما ثمة ويبق الريح؟ قال: الريح لا ينظر

(1) كذا في النسخ. والمناسب تذكير الضمير لرجوعه إلى " الأثر " وكذا الكلام في الضمائر
الآتية. إلا أن يقال: مرجع الضمير كلمة " الأجزاء " الواقعة في العبارة المنقولة عن
كشف الغطاء.
(2) يأتي في الركن الرابع في أدلة نجاسة البول والغائط
(3) تقدمتا في الصفحة: 446
(4) تقدمت في الصفحة: 445
449

نعم، لو كانت الرائحة في الماء نجس ونجس محله، والعفو عنه - كما
يومه المحكي عن الشهيد (2) - لا وجه له.
نعم، لو شك في قيام الرائحة بالماء أو المحل حكم بالطهارة، ويحتمل
استصحاب النجاسة.
" وإذا تعدى " الغائط " المخرج " - مخرج النجو - كما في
المبسوط (3) والغنية (4) وكتب الفاضلين (5) والشهيد (6) والمحقق الثاني (7)
أو حواشي الدبر، كما فسره به الشهيد الثاني (8) وأبو العباس (9) ونسبه في
(10) الحدائق إلى الأصحاب (10) أو الشرح كما في السرائر (11) وهي - بتحريك الراء -
حلقة الدبر " لم يجز " في تطهيره " إلا الماء " إجماعا كما في التذكرة (12)
والغنية (13) وفي المعتبر: أنه مذهب أهل العلم (14) وعن الانتصار: أنه

(1) الوسائل 1: 227، الباب 13 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 1.
(2) حكى كلامه المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 95
(3) المبسوط 1: 16.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 487
(5) المعتبر 1: 128، والمنتهى 1: 268.
(6) الدروس 1: 89.
(7) رسائل المحقق الكركي 3: 218.
(8) روض الجنان: 23.
(9) لم نعثر عليه في المهذب البارع والرسائل العشر.
(10) الحدائق 2: 26.
(11) السرائر 1: 96 وفيه: فإن انتشر وتعدى المخرج.
(12) التذكرة 1: 125.
(13) الغنية (الجوامع الفقهية): 487
(14) المعتبر 1: 128
450

لا خلاف فيه (1).
ويكفي ذلك - بعد الأصل - لانجبار الخبر العامي المروي في المعتبر
والمنتهى عن الجمهور عن علي عليه السلام: " إنكم كنتم تبعرون بعرا واليوم
تثلطون ثلطا فأتبعوا الماء الأحجار " (2) وقوله عليه السلام: " يكفي أحدكم ثلاثة
أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة " (3) والروايتان وإن كانتا عاميتين، إلا أن
استدلال الخاصة بهما كاف في انتظامهما في تلك الأخبار، خصوصا مع ما رواه
الشيخ قدس سره في العدة عن الصادق عليه السلام: " إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون
حكمها فيما يروى عنا فانظروا إلى ما رووه عن علي عليه السلام " (4).
وبذلك كله يمكن تقييد ما سيجئ من إطلاق أخبار الاستجمار،
والاستغناء عن دعوى انصراف تلك الاطلاقات إلى صورة عدم التعدي
حتى يرد عليه - مضافا إلى منع الانصراف - أن اللازم من ذلك الاقتصار في
الحكم بطهارة ماء الاستنجاء أيضا على هذا المنصرف؟ مع أن جماعة منهم
- كالشهيدين (5) وغيرها (6) - صرحوا بما يقتضيه إطلاق غيرهم أيضا: من
عدم الفرق هناك بين صورتي التعدي وعدمه مستندين في ذلك إلى الاطلاق،
فلا يقال: إن المستند هناك لعله الاجماع والانصراف بحاله، فيؤخذ به هنا.
نعم، لو بني على طرح الخبرين - بناء على ما ذكره صاحب الحدائق

(1) الإنتصار: 16.
(2) المعتبر 1: 128 والمنتهى 1: 268
(3) المعتبر 1: 128.
(4) عدة الأصول 1: 379.
(5) الدروس 1: 122 وروض الجنان: 160.
(6) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 129، والسيد في المدارك 1: 124.
451

من منع انجبار الأخبار العامية (1) - أو طعن في دلالتهما بأن ظاهر الأولى
الاستحباب، وظاهر الثانية تجاوز محل العادة، وهو أزيد من " المخرج " الذي
هو معقد الاجماع تعين القول بمقتضى إطلاق أخبار الاستجمار والحكم بكفاية
الأحجار إلا مع التفاحش المخرج عن حد الاستنجاء الملتزم معه بنجاسة
الماء، كما قواه جماعة (2) تبعا للمحقق الأردبيلي (3). وشتان ما بينه وبين ما يظهر
من بعض شراح الجعفرية! حيث فهم المخرج الحقيقي وجعل الحواشي هي
المتعدى إليها، لا عنها (4). والقول المفصل في ذلك: أن المتيقن من معاقد
الاتفاقات ما في السرائر من اعتبار تعدي الشرح الظاهر في التعدي عنه،
وهو أزيد من حواشي الدبر، كما أنها أزيد من المخرج الحقيقي، فلا يضر
وصول النجاسة إليه إذا كان ذلك بالخروج. وأما إذا اتفق ذلك بعده فلا دليل
على الرخصة، ولهذا استجود في المنتهى ما اشترطه الشافعي من عدم قيام
المتخلي معللا بأن النجاسة تنتقل من مكان إلى مكان (5).
ولو شك في التعدي فالأصل عدمه؟ واستصحاب النجاسة لا ينظر إليه،
لورود ذلك الأصل عليه، فتأمل، والأحوط الغسل.

(1) لم نعثر عليه في الحدائق ولا في الدرة النجفية، نعم في الجواهر 2: 30 " ظاهر
الأصحاب عدم الالتفات إلى أخبار العامة وإن انجبرت "
(2) الشهيد الثاني في روض الجنان: 160، والسيد في المدارك 1: 124، والمحقق
الخوانساري في المشارق: 254، والمحدث البحراني في الحدائق 2: 27، لكن هؤلاء
الأعلام لم يتعرضوا الكلام المحقق الأردبيلي وتقوية مرامه، كما هو ظاهر عبارة المؤلف
(3) مجمع الفائدة 1: 90.
(4) لا يوجد لدينا أي شرح من شروح الجعفرية.
(5) المنتهى 1: 285.
452

ولو زال مقدار التعدي بالماء لم يصر الباقي كغير المتعدي.
نعم " إذا لم يتعد " مجموع ما خرج " كان مخيرا بين الماء " مع إزالة
العين والأثر به " و " بين " الأحجار " المزيلة للعين بلا خلاف فتوى ونصا.
ففي صحيحة زرارة: " ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار " (1).
وفي صحيحته الأخرى: " جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن
يمسح العجان ولا يغسله " (2).
وفي مرسلة ابن عيسى: " جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار
أبكار، ويتبع بالماء " (3).
وفي رواية بريد بن معاوية: " يجزي من الغائط المسح بالأحجار
ولا يجزي من البول إلا الماء " (4).
وفي موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن التمسح
بالأحجار؟ قال: كان الحسين بن علي عليه السلام يمسح بثلاثة أحجار " (5).
وفي صحيحة زرارة: " كان الحسين بن علي عليهما السلام يتمسح من الغائط
بالكرسف ولا يغسل " (6).
" و " مداومته عليه السلام على ترك الغسل - مع أن " الماء أفضل " لما
ورد في سبب نزول " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ": " أن الناس
كانوا يستنجون بالكرسف والأحجار ثم أحدث الوضوء وهو خلق

(1) الوسائل 1: 222، الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 1: 246، الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 3.
(3) الوسائل 1: 246، الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 4.
(4) الوسائل 1: 246، الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2.
(5) الوسائل 1: 246، الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(6) الوسائل 1: 252، الباب 35 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 3.
453

كريم " (1) مع كون المناسب له عليه السلام " الجمع " بين الماء والاستجمار الذي هو
" أكمل " لبعض ما تقدم - محمولة على بعض الوجوه المرجحة لترك هذا
المستحب.
ثم ظاهر العبارة كغيرها استحباب الجمع مع التعدي (2) ولا يكاد يظهر
صريحا مما عثرنا عليه من الأخبار. ويمكن الاستدلال عليه بما تقدم من
رواية الجمهور عن علي عليه السلام (3).
ويؤيده: أن الظاهر أن الأنصاري الذي نزل فيه الآية المذكورة
استنجى بالماء بعد الأحجار مع لين بطنه الظاهر في التعدي، لأنه لم يكن
ترك الأحجار المأمور بها في الاستنجاء قبل (4).
مع أنه يكفي في الاستحباب فتوى الفقيه، فكيف فتوى الجمع
الكثير (5).
" و " اعلم أن ظاهر الأخبار المتقدمة أنه لا يجزي أقل من ثلاثة
أحجار " وإن حصل النقاء بما دونه، كما هو صريح المقنعة (6) والسرائر (7)

(1) الوسائل 1: 250، الباب 34 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 4 بلفظ " كان
الناس يستنجون.. " والآية من سورة البقرة: 222.
(2) بل ظاهر عبارة الشرائع وما ضاهاها كون الحكم المذكور في غير المتعدي، كما صرح
به في الجواهر 2: 34.
(3) تقدمت في الصفحة: 451.
(4) في النسخ " قابل " وهو مصحف قطعا.
(5) مثل ابن إدريس في السرائر 1: 96، والمحقق في المعتبر 1: 136، والعلامة في
القواعد 1: 180 والشهيد في الذكرى: 21 وغيرهم
(6) المقنعة: 62.
(7) السرائر 1: 96.
454

وظاهر المبسوط (1) والكافي (2) والمحكي عن المرام (3) وصريح الفاضلين (4)
والشهيدين (5) وغيرهم بل عن جماعة أنه المشهور (6) وفي شرح الجمل
للقاضي وعدد الأحجار عندنا ثلاثة لا يقتصر على أقل منها (7).
ويكفي لهم - قبل ظاهر الأخبار المتقدمة - الأصل، لعدم إطلاق حاكم
عليه في المقام، عدا ما يتراءى من حسنة ابن المغيرة المتقدمة: " قلت: هل
للاستنجاء حد؟ قال: لا، ينقي ما ثمة - أو " حتى ينقي ما ثمة " كما في بعض
النسخ - قلت: ينقي ما ثمة ويبق الريح؟ قال: الريح لا ينظر إليها " (8) وموثقة
يونس بن يعقوب أو صحيحته: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الوضوء الذي
افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال؟ قال: يغسل ذكره
ويذهب الغائط، ثم يتوضأ مرتين مرتين " (9).
وفي الأول: أن الظاهر كون مورد السؤال الاستنجاء بالماء لغلبة
وجوده بل استعماله في تلك الأزمنة المتأخرة عن زمن الصحابة والتابعين،
ولأن " النقاء " هنا وإن كان لغة " النظافة " التي هي صفة المحل، لكن استناده

(1) المبسوط 1: 16.
(2) الكافي في الفقه: 127.
(3) المراسم: 32.
(4) المعتبر 1: 129، المنتهى 1: 272.
(5) الدروس 1: 89، روض الجنان: 24.
(6) مثل السيد في المدارك 1: 168، والمحدث البحراني في الحدائق 2: 34، وفي
المستند 1: 65: بل نسبه جماعة إلى المشهور. وفي الجواهر 2: 36 حكاية الشهرة
عليه عن جماعة.
(7) شرح جمل العلم والعمل: 60.
(8) الوسائل 1: 227، الباب 13 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(9) الوسائل 1: 223 الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 5.
455

هنا إلى ما في المحل قرينة على إرادة الإزالة، وعموم الموصول يقتضي ظهوره
في زوال جميع ما في المحل حتى الأثر الذي هو من الأجزاء، وذلك لا يكون
إلا في الغسل بالماء.
ولأن الظاهر أن الريح المسؤول عنه هو الباقي في المحل بشهادة
وجوده في اليد، وإلا فلا يمكن استشمام المحل، ولا يكون ذلك إلا في الغسل،
إذ مع المسح لا يوجد في اليد شئ.
ولأن المراد من " النقاء " إما زوال العين، وإما زوال الأثر، فعلى
الأول: لا يصح تحديد الاستنجاء به، وعلى الثاني: لا يصح تحديد الاستجمار
به. فتعين إرادة أحدهما، وليس إلا الاستنجاء بالماء، إما للاتفاق على إرادته
- وإن اختلفوا في إرادة الأعم منه - وإما لأن إرادة خصوص الاستجمار من
لفظ " الاستنجاء " في غاية الندرة، وإما لأن وجود الريح في المحل بعد
الاستجمار لا يعلم إلا من جهة العلم ببقاء الأجزاء اللطيفة، وهي أولى
بالسؤال عن أنها تقدح في الطهارة أم لا من الريح، وحينئذ فيكون السؤال
عن خصوص الريح قرينة على إرادة الغسل بالماء الذي لا يبق معه في بعض
الأوقات إلا الريح بشهادة الريح الموجود في اليد. وتوهم أن النقاء في كل
لشئ بحسبه فاسد، لأن النقاء الواقع حدا ليس المراد به الطهارة الشرعية،
كيف! وقد جعل في هذا الخبر حدا لها، بل المراد به معناه اللغوي،
أعني النظافة المستعملة عرفا في زوال العين والأثر، كما تقدم في رواية
ابن أبي العلاء (1) الواردة في غسل الثوب مرتين: مرة للإزالة ومرة للنقاء.
وأخرى في الأعم من زوال الأثر الصادق مع زوال العين فقط لكن

(1) تقدمت في الصفحة: 446.
456

بشرط القرينة، مثل نسبته إلى الحجر فقط، كما في قول الفقهاء: " إذا لم ينق
فرج بثلاثة أحجار وجب الزائد " وقد عرفت أن شيئا من المعنيين لا يلائم
إرادة العموم من " الاستنجاء ".
هذا كله مضافا إلى معارضته بما دل على وجوب الثلاثة.
فيمكن حمل الحسنة (1) على نفي التحديد في الطرف الزائد على الثلاثة
إذا لم ينق بها، ومجال التحديد في طرف الناقص على ما هو الغالب من عدم
النقاء بما دون الثلاثة.
لكن الانصاف - حينئذ - أن حمل تلك الأخبار على الغالب من عدم
النقاء بما دون الثلاثة أظهر؟ فالعمدة ما عرفت من عدم عموم الرواية
للاستجمار.
وأما رواية يونس بن يعقوب: فمورد السؤال فيها الوضوء وهو ظاهر
في التطهير بالماء، كما يدل عليه الرواية المتقدمة سابقا (2) من " أن الناس كانوا
يستنجون بالكرسف والأحجار، ثم أحدث الوضوء " وحينئذ فالمراد ذهاب
الغائط بالماء.
وإنما عبر فيه بالاذهاب وفي الذكر بالغسل! للاستهجان بذكر الدبر
دون الذكر، كما لا يخفى، أو لأن اللازم (3) في تطهير المخرج هو الاذهاب عينا
وأثرا دون مجرد الغسل المجامع لبقاء الأثر، أو للتوسع في العبارة.
وبالجملة: فليس في العدول من " الغسل " إلى " الاذهاب " ظهور في
إرادة الاذهاب ولو بالاستجمار ولو بحجر واحد، بحيث يزاحم ظهور لفظ

(1) أي حسنة ابن المغيرة، المتقدمة في الصفحة: 455.
(2) المتقدمة في الصفحة: 453 - 454.
(3) في النسخ: إن اللازم، صححناه للسياق.
457

" الوضوء " في إرادة التنظف بالماء؟ مع أن المزاحمة كافية في سقوط
الاستدلال.
ويحتمل بعيدا: إرادة الطهارة من الحدث بقرينة قوله: " لمن جاء من
الغائط " الظاهر في الفراغ عن الاستنجاء، فيكون ذكر غسل الذكر وإذهابه
تطفلا. لكن لا يناسبه الجواب عن الوضوء المفترض بقوله: " ثم توضأ مرتين
مرتين " فإن التعدد في الغسلات غير واجب إجماع! بل الخلاف في جوازه:
مع أن ذكر الاستنجاء تطفلا يخرج الاطلاق عن قابلية الاستدلال، لعدم
سوق الكلام لبيان تفاصيله، نظير قوله: " إذا فرغت من الاستنجاء فافعل
كذا، وإذا نسيت الاستنجاء فأعد صلاتك " في عدم جواز التمسك بإطلاق لفظ
الاستنجاء " في هذا الكلام.
ومن ذلك يظهر فساد ما وقع من التمسك في المقام بإطلاقات
الاستنجاء بناء على ما في الصحاح (1) والقاموس (2) من الإشارة إلى المعنى
المعهود عرفا لهذا اللفظ، وهو الغسل بالماء أو المسح مطلقا - كما في الصحاح -
أو بالحجر - كما عن القاموس - مع أن اللازم عليه أن يجعل المسح بغير الحجر
خارجا عن مسمى الاستنجاء تبعا للقاموس، وكذا غسل مخرج البول خارجا
منه لغة.
فيعلم من ذلك كله: أنه لا اعتبار بمثل هذه الاطلاقات والتقييدات في
كلام أهل اللغة المسوقة للإشارة إلى المعنى المعهود أو كلام الشارع أو الفقهاء
المسوق لذلك، بل نزل تقييداتهم على ذكر الفرد الغالب من باب المثال،
وإطلاقاتهم على الإشارة إلى المعنى المعهود المعلوم تفاصيله من مقام آخر.

(1) الصحاح 6: 2502، مادة " نجا ".
(2) القاموس المحيط 4: 393، مادة " نجا ".
458

ومما ذكرنا ظهر ضعف القول بعدم التحديد بالثلاثة وكفاية ما يحصل
به النقاء، كما يحكى عن ظاهر جماعة ممن تقدم على المحقق - كابن حمزة (1)
ابن زهرة (2) والقاضي (3) - وصرح جماعة ممن تأخر عنه - كالعلامة في
المختلف (4) وصاحبي المدارك والذخيرة (5) وغيرهما (6) - وحكاه في السرائر
التذكرة والروض عن المفيد (7) والموجود في المقنعة في باب التيمم قوله:
فإن كان حدثه من الغائط استبرأه بثلاثة أحجار طاهرة لم تستعمل في إزالة
نجاسة قبل ذلك، يأخذ منها حجرا فيمسح بها مخرج النجو خم يلقيه، ويأخذ
الحجر الثاني فيمسح به الموضع ويلقيه، ويمسح بالثالث، ولا يجوز له التطهير
بحجر واحد " (8) انتهى.
واعلم أن ظاهر المعتبر (9) والمنتهى (10) عدم الفرق بين الحجر وغيره في
عدم الاكتفاء بالأقل من " ثلاث مسحات، ولولا ذلك أيضا لكن الأصل في
لزوم التعدد فيه، بناء على أن المذكور في الأخبار بلفظ الواحد - كالكرسف
والمدر والعود (1) ونحو ذلك - يراد به بيان الجنس، وليس في مقام بيان المقدار

(1) الوسيلة: 47
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 487.
(2) المهذب 1: 40.
(4) المختلف 1: 268.
(5) المدارك 1: 168، والذخيرة: 19.
(6) مثل الجامع للشرائع: 27، ومفاتيح الشرائع 1: 42.
(7) السرائر 1: 96، والتذكرة 1: 128 وروض الجنان: 24
(8) المقنعة: 62
(9) المعتبر 1: 132.
(10) المنتهى 1: 280.
(11) الوسائل 1: 251، الباب 35 من أبواب أحكام الخلوة.
459

الكافي، نظير قولهم: لا يجزي في البول إلا الماء.
ثم إن المناسب للقول المشهور ما تقدم من المفيد قدس سره " و " وافقه
المصنف قدس سره - بل عن المفاتيح وشرحها نسبته إلى المشهور (1) - من أنه
(يجب إمرار كل حجر على موضع النجاسة) ليتحقق تكرار المسح المقصود
من التثليث، وإلا فلا فرق بين إزالة ما في موضع النجو بحجر واحد وبين
توزيع الأحجار الثلاثة على أجزاء الموضع، خصوصا مع كون ما في كل جزء
منه أزيد من مجموع ما على الموضع في الصورة الأولى.
لكن الانصاف: أن هذه مناسبة اعتبارية لا يصح الركون إليها، بل
يجب متابعة ظاهر النص، ولذا جوز كثير ممن قال بوجوب الثلاث (2) التوزيع
استنادا إلى إطلاق النص، كما صرح بالحكم والمستند الشيخ (3) والفاضلان (4)
والشهيدان (5) بل عن الذخيرة: أنه المعروف من مذهب الأصحاب (6) وقد
نبه في المعتبر بعد جمعه بين وجوب التثليث [وجواز التوزيع] (7) على ما
ذكرنا من الايهام والدفع بقوله قدس سره: " لا يقال: إذا قسمت الأحجار على
المحل جرت مجرى المسحة الواحدة، لأن المسحة الواحدة لا يتحقق معها

(1) لم نقف عليها في المفاتيح في أحكام المتخلي، وأما في شرحها فوجدناها كما نقل، انظر
مصابيح الظلام (مخطوط): 251.
(2) في النسخ زيادة كلمة: " جواز " هنا.
(3) المبسوط 1: 17.
(4) المعتبر 1: 130، المنتهى 1: 282
(5) الذكرى: 21، وأما الشهيد الثاني فلم نجد في كتبه التصريح به.
(6) الذخيرة: 19.
(7) لا يتم الكلام إلا بهذه الزيادة، ولعلها سقطت في الاستنساخ.
460

تعدد " (1).
وبالجملة: فما اختاره المصنف هنا هو الأقوى، للأصل وعدم إطلاق،
بل الظاهر من أخبار التثليث بحكم الغلبة إرادة تكرار المسح على الموضع.
أما إطلاق " النقاء " في حسنة ابن المغيرة، و " إذهاب الغائط " في موثقة
يونس، فقد عرفت حاله (2). ويؤيده قوله عليه السلام " فيما تقدم من صحيحة
زارة: " جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان " (3) فإن
العجان - المراد به هنا الدبر - ظاهر في مجموعه.
ثم الظاهر: لا كيفية في المسحات المتكررة. نعم، ذكر في التذكرة: أن
الأحوط أن يمسح بكل حجر مجموع الموضع، بأن يضع واحدا على مقدم
الصفحة اليمنى ويمسحها به إلى مؤخرها ويديره إلى الصفحة اليسرى فيمسحها
من مؤخرها إلى مقدمها فيرجع إلى الموضع الذي بدأ منه، ويضع الثاني على
مقدم الصفحة اليسرى ويفعل به عكس ما ذكرنا، ويمسح بالثالث الصفحتين
والوسط (4) انتهى. ونحوه عن نهايته (5). وعن الإسكافي أنه جعل حجرين
للصفحتين وحجرا للمخرج (6).
" و " اعلم أن ظاهر خلو الأخبار عن ذكر المبالغة في الاستجمار
بما يزيد عن المعتاد هو أنه " يكفي معه إزالة العين دون الأثر " لأن الأثر
لا يزول إلا بمبالغة تامة خارجة عن المتعارف وهو حرج ينافيه تشريع

(1) المعتبر 130: 1
(2) راجع الصفحة: 455 - 457.
(3) الوسائل 1: 246، الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 3.
(4) التذكرة 1: 130.
(5) نهاية الإحكام 1: 92.
(6) لم نعثر على من حكى عنه ذلك، عدا المحقق السبزواري في الذخيرة: 19.
461

الاستجمار للرخصة والتسهيل.
وظاهر العبارة طهارة المحل كما هو صريح الفاضلين (1) والشهيدين (2)
والمحقق الثاني (3) وظاهر المفيد فيما تقدم منه (4) والمبسوط حيث ذكر أنه
لا بأس بغسل المخرج بالمائع المضاف بعد الاستجمار (5) وحكي عن صريح
النزهة لابن سعيد (6) بل ظاهر الفاضلين (7) انحصار الخلاف في الطهارة - بعد
الاجماع على العفو عن أثر النجاسة - في الشافعي وأبي حنيفة مستدلين ببقاء
أثر النجاسة.
واستدل الفاضلان قدس سره على الطهارة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" لا تستنجوا بالعظم والروث، فإنهما لا يطهران " (8).
وكأنه في مقابل العامة
وإلا فالرواية غير ثابتة عندنا، مضافا إلى معارضتها بظاهر قوله تعالى: (إن
الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) (9) المفسر بالاستنجاء بالماء (10) وكذا قوله
(فيه رجال مجبون أن يتطهروا) (11) فإن ظاهر الاطلاق عدم كون الاستجمار

(1) المعتبر 1: 130، المنتهى 1: 281.
(2) الذكرى: 21، روض الجنان: 24.
(3) جامع المقاصد 1: 98.
(4) تقدم في الصفحة: 459.
(5) المبسوط 1: 16.
(6) نزهة الناظر: 21.
(7) المعتبر 1: 130، المنتهى 1: 281.
(8) سنن الدارقطني 1: 56، الحديث 9، مع اختلاف في العبارة
(9) البقرة: 222.
(10) مجمع البيان 1: 320، وانظر الوسائل 1: 250، الباب 34 من أبواب أحكام
الخلوة.
(11) التوبة: 108.
462

تطهيرا أصلا.
والأولى الاستدلال بظهور أخبار الباب في كون الاستجمار مطهرا
كالغسل، وقوله عليه السلام في صحيحة زرارة: " لا صلاة إلا بطهور، ويجزيك من
الاستنجاء ثلاثة أحجار " (1) بناء على أن المراد بالطهور الأعم مما يرفع
الخبث
" و " كيف كان: ف‍ " إذا لم ينق " المخرج عن العين " بالثلاثة وجب
الزائد (2) حتى ينقى " بلا خلاف، مضافا إلى الأصل بناء على انصراف
الاطلاقات إلى الغالب من حصول النقاء بها.
ويؤيده حسنة ابن المغيرة (3) بناء على تسليم ظهورها في ما يعم
الاستجمار وحملها على نفي الحد في طرف الزيادة لمعارضة أخبار اعتبار
الثلاثة (4) الظاهرة في أنه لو نقي بدونها أكملها وجوبا، و " في أنه " لا
يكفي استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات " كما تقدم من ظاهر
المقنعة (5) وهو ظاهر المبسوط (6) وجمل السيد (7) والكافي (8) والسرائر (9)

(1) الوسائل 1: 222، الباب 9 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(2) في الشرائع: فلا بد من الزيادة.
(3) الوسائل 1: 227، الباب 13 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(4) الوسائل 1: 246، الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة.
(5) في النسخ: " الفقيه "، وهو تصحيف: لعدم تقدم كلام من الفقيه ظاهر في الحكم، بل
تقدم عن المقنعة في الصفحة: 459.
(6) المبسوط 1: 117 وفيه: والأحوط اعتبار العدد، لظاهر الأخبار.
(7) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 23. وفيه: والمسنون في عدد
الأحجار ثلاثة.
(8) الكافي في الفقه: 127
(9) السرائر 1: 96.
463

والمصنف (1) والشهيد الثاني (2) وجماعة (3) لظاهر تلك الأخبار، المؤيد بتقيد
الأحجار بالأبكار في بعض تلك الأخبار (4) بناء على أن المراد بتعدد
الأحجار في المطلقات وإن كان تعدد المسحات. إلا أن المراد بالبكر الحجر
الغير المنفعل بهذا الاستنجاء، فيشترط في المسحة الثانية كونه بحجر غير
مستعمل في هذا الاستنجاء.
هذا كله، مضافا إلى الأصل وعدم الاطلاق عدا ما عرفت مما عرفت
حاله.
خلافا للعلامة (5) وجماعة ممن تأخر عنه (6) مستندين إلى إطلاق
" النقاء " و " إذهاب الغائط " في الروايتين السابقتين (7) بعد دعوى ظهور
أخبار الثلاث في تثليث المسحات؟ بل قطع به في المختلف وجعله - من
الواضحات، حيث قال: أي عاقل يفرق بين كونه متصلا ومنفصلا؟ (8) ويشهد
له أنه يلزم من الاقتصار على ظاهر الأخبار عدم جواز غير الحجر، وهو
خلاف الاتفاق.
لكن في الاطلاقات ما عرفت. وأما أخبار التثليث: فهي مشتملة على

(1) المعتبر 1: 131.
(2) الروضة البهية 1: 338.
(3) منهم صاحب المدارك 1: 172، والفاضل في كشف اللثام 1: 20 والسيد
الطباطبائي في الرياض 1: 205
(4) الوسائل 1: 246، الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 4.
(5) القواعد 1: 180 والارشاد 1: 221.
(6) مثل الشهيد في الدروس 1: 89 والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 96 وابن فهد
الحلي في الموجز (الرسائل العشر): 40.
(7) تقدمتا في الصفحة: 455.
(8) المختلف 1: 268.
464

خصوصيات، ولا يلزم من التعدي عن بعضها لأجل تنقيح المناط - بنص أو
اجماع قولي أو عملي - التعدي عن الباقي، بل مدار الاستنباط من النصوص
الخاصة في كل باب من أبواب الفقه - بل كل مسألة - على إلغاء بعض
الخصوصيات والاقتصار على بعضها، والاجماع هنا منتف لمكان الخلاف، بل
اشتهاره - كما عن بعض الأساطين (1) - وإن ادعى في الروض اشتهار الخلاف (2)
وكأنه بين المتأخرين.
بقي دعوى القطع بإلغاء خصوصية التعدد - كما تقدم عن المختلف (3) -
العهدة على مدعيه، فإن القطع مع كون الخلاف معروفا في المسألة بعيد
الحصول.
وأما التعدي عن الأحجار إلى كل جسم طاهر قالع للنجاسة: فهو
المشهور، بل عليه في الغنية (4) - كما عن الخلاف (5) - دعوى الاجماع، ويشهد له
جعل الأصحاب كلا المنع عن الاستنجاء بالعظم والروث والمحترم من قبيل
الاستثناء. ويؤيده تعليل المنع في بعض الأخبار بما هو كالمانع، ففي رواية ليث
المرادي: " سألته استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود؟ قال: أما
العظم والروث فطعام الجن، وذلك مما اشترطوا على رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم " (6) فإن السكوت عن حكم العود وتعليل المنع بما يخص العظم

(1) حكاه في الجواهر 2: 42 عن شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني، انظر مصابيح الظلام
(مخطوط): 251.
(2) روض الجنان: 24
(3) تقدم عنه في الصفحة السابقة.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 487.
(5) الخلاف 1: 106، كتاب الطهارة، المسألة: 51
(6) الوسائل 1: 251، الباب 35 من أبواب أحكام الخلوة. الحديث الأول.
465

والروث مشعر بوجود المقتضي في الكل ووجود المانع في طعام الجن، مع أن
الاستنجاء بالمدر والخرق والكرسف منصوص في روايتي زرارة (1) والعود في
رواية ليث المتقدمة.
وقد يتمسك في ذلك تبعا للمبسوط والمعتبر (2) بإطلاق " النقاء "
و " إذهاب الغائط " في الروايتين المتقدمتين (3) ومن المعلوم: أن الاطلاق فيها (4)
ليس مسوقا لبيان ما به الاستنجاء؟ بل لو سلم لها إطلاق فإنما هو بالنسبة إلى
مقدار المسح، كما يشعر به لفظ " الحد " وكلمة " حتى " في بعض نسخ
الرواية (5).
واعلم أنه يشترط فيما يستنجى به أمور:
أحدها: ما أشار المصنف قدس سره إليه بقوله: " ولا يستعمل الحجر
المستعمل " سواء انفعل أم لا - كالثاني والثالث المستعمل بعد النقاء - كما
يقتضيه إطلاق جماعة منهم المفيد قدس سره. فيما تقدم من عبارته التي جمع فيها
بين اشتراط الطهارة وأن لا يكون مستعملا في إزالة نجاسة (6).
ومنهم ابن حمزة في الوسيلة حيث جعل من التروك الواجبة استعمال الحجر
المستعمل والحجر النجس (7). وحينئذ فلا يجدي التطهير في المنفعل، لأن غاية
الأمر صيرورته كغير المنفعل.

(1) الوسائل 1: 252، الباب 35 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2 و 3.
(2) المبسوط 1: 17، المعتبر 1: 131، وقد تمسك فيهما باطلاق " النقاء " فقط.
(3) تقدمتا في الصفحة: 455.
(4) يعني حسنة ابن المغيرة المتقدمة.
(5) كما في التهذيب 1: 28، الحديث 75.
(6) تقدم عنه في الصفحة: 459.
(7) الوسيلة: 47.
466

ولعله لظاهر " الأبكار " في المرسلة المتقدمة (1) المعتضدة بالأصل.
لكن عن المصابيح: أنه لو طهر المتنجس بالاستنجاء أو غيره جاز
استعماله إجماعا (2). ويقرب هذه الدعوى اكتفاء ابن زهرة في معقد إجماعه
عن هذا الشرط باشتراط الطهارة (3) وهو أيضا ظاهر المبسوط، فإنه وإن
اشترط أولا عدم الاستعمال، إلا أنه أطلق - في ما بعد - أن الحجر المتنجس
إذا طهر جاز استعماله (4).
ولا يبعد حمل كلام الأولين (5) على ما قبل إزالة النجاسة، ولذا جاز
لغيره استعماله.
وصرح المحقق - الذي ذكر في شأنه: أنه لسان القدماء - في المعتبر
بأن مرادنا بالمنع من الحجر المستعمل: الاستنجاء بموضع النجاسة منه، أما لو
كسر واستعمل المحل الطاهر منه جاز، وكذا لو أزيلت النجاسة عنه بغسل أو
غيره (6) وتبعه في هذا التصريح جل من تأخر عنه، كالعلامة (7) والشهيدين في
اللمعة وشرحها (8) والمحقق الثاني (9) وابن فهد (10) وغيرهم (11). وما ادعاه في

(1) المتقدمة في الصفحة:
(2) المصابيح (مخطوط): 151.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 487.
(4) المبسوط 1: 16 - 17
(5) يعني المفيد وابن حمزة، المتقدم كلامهما آنفا
(6) المعتبر 1: 133.
(7) المنتهى 1: 277.
(8) الروضة البهية 1: 337
(9) جامع المقاصد 1: 98.
(10) الرسائل العشر: 39.
(11) كالسيد في المدارك 1: 172، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 19، والمحدث
البحراني في الحدائق 2: 31.
467

المصابيح من الاجماع قريب جدا.
فيعم " الأبكار " في الرواية لما رجع إلى طهارته السابقة، فإن ما أزيل
تلوثه كغير الملوث ابتداء. وإن أبيت إلا عن ظهوره في غير المستعمل رأسا
أبينا إلا ضعف الرواية وعدم صلوحها لتقييد المطلقات، فليحمل على ما
ذكرنا - ولو على جهة التأويل - أو على الاستحباب.
هذا كله بالنسبة إلى ما تلوث من الأحجار. وأما المستعمل منها بعد
النقاء تعبدا: فالظاهر جواز استعمال غيره له، بناء على أن العبرة بالطهارة، لا
البكارة - كما صرح به في التذكرة (1) - وهو ظاهر المحقق والشهيد الأولين (2)
وصريح الثانيين (3).
وكذا استعمال هذا الشخص له في غير هذا التطهير، كما صرح به
في المقاصد العلية (4) وبنى جوازه في هذا التطهير على وجوب التعدد في
الماسح، وهو كذلك أيضا بالنسبة إلى الحجر المتنجس الذي أزيل نجاسته
أيضا.
واعلم أنه لا فرق بين المتنجس بالاستجمار به والمتنجس بغيره في
عدم الجواز إلا بعد إزالة النجاسة، والظاهر عدم الخلاف فيه، مضافا إلى
الأصل، بناء على ما تقدم من عدم الاطلاق.
" و " يستفاد من فحوى ذلك أنه " لا " يجوز استعمال " الأعيان

(1) التذكرة 1: 128.
(2) المعتبر 1: 133، الدروس 1: 89 والبيان: 41.
(3) جامع المقاصد 1: 98 " الروضة البهية 1: 337.
(4) المقاصد العلية: 86.
468

النجسة " وعن التذكرة (1) والتحرير (2) والغنية (3) الاجماع عليه. ولو قلنا:
باكتساب النجاسة نجاسة خارجية اتضح وجه المنع، لأن ما في المحل يتنجس
حينئذ، ومن هنا قيل: إنه لا بد بعد ذلك من الغسل بالماء. أما لو تنجس
المحل به، فلا إشكال في لزوم الماء.
" ولا " يجوز الاستجمار ب‍ " العظم ولا الروث " الطاهرين اتفاقا على
الظاهر، المصرح به في المعتبر (4) والمنتهى (5) وفي الغنية (6) والروض (7) - كما عن
جماعة - دعوى الاجماع عليه، مضافا إلى الأخبار الواردة في المسألة (8).
نعم، يظهر من العلامة في التذكرة (9) التردد، ولعله لعدم ظهور " لا
يصلح " في رواية ليث - المتقدمة (10) - في التحريم، بل يحتمل الحكم التكليفي
- أعني الكراهة - والفساد، وهو لازم التحريم.
نعم، عن الدعائم من أنهم عليهم السلام " نهوا عن الاستنجاء بالعظام
والبعر وكل طعام " (11) وعن مجالس الصدوق: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى

(1) ليس في التذكرة (1: 126) ذكر من الاجماع، نعم هو موجود في المنتهى 1: 276
(2) التحرير 1: 7.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 487.
(4) المعتبر 1: 132.
(5) المنتهى 1: 278.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 487.
(7) روض الجنان: 24.
(8) الوسائل 1: 251، الباب 35 من أبواب أحكام الخلوة.
(9) التذكرة 1: 133.
(10) تقدمت في الصفحة: 465.
(11) دعائم الاسلام 1: 105.
469

عن الاستنجاء بالروث والرمة (1) - يعني: العظم البالي -. ويمكن دعوى انجبار
ضعفهما بالشهرة.
لكن في الفقيه: " ولا يجوز الاستنجاء بالعظم والروث، لأن وفد الجان
جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: متعنا يا رسول الله، فأعطاهم
الروث والعظم، فلذلك لا ينبغي أن يستنجى بهما " (2) وظاهر ذيله يعارض
صدره.
وعن الخلاف: " روى سلمان أن رسول الله صل الله عليه وآله وسلم أمرنا أن
نستنجي بما ليس فيها رجيع ولا عظم " (3) ولعل الاتفاقات المستفيضة تصلح
لجبر السند - بل الدلالة - في هذه الأخبار، بل هي حجة بالاستقلال.
ثم إن معقد الاجماعات المتقدمة وأكثر الأخبار: " الروث " دون مطلق
الرجيع أو البعر، فينبغي الاقتصار عليه.
لكن الانصاف: أنه لا يبعد دعوى إرادة العموم، لأن السؤال في
رواية ليث المتقدمة (4) عن " البعر "، فذكر " الروث " في الجواب يدل على أن
المراد به مطلق الرجيع.
وتخيل: أن عدو له عليه السلام. عن مورد السؤال إلى الروث دليل على
الاختصاص، إنما يحسن لو كان " البعر " عاما للروث، أما إذا كان ظاهره
عرفا مغايرا للروث فهو دليل على إرادة العموم من الروث، كما لا يخفى.

(1) رواه في الفقيه 4: 6 في (حديث المناهي)، وأما ما رواه في المجالس فليس فيه
" الرمة " انظر أمالي الصدوق: 345
(2) الفقيه 1: 30، ذيل الحديث 85.
(3) الخلاف 1: 107، كتاب الطهارة، المسألة: 52. وفيه: " أمرنا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أن نستنجي بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم ".
(4) تقدمت في الصفحة: 465.
470

إلا أن يقال: إن الأمر دائر بين إرادة التعميم من " البعر " وبين إرادته من
" الروث " فيسقط الاستدلال، فافهم.
ويشهد للتعميم الاستدلال في المنتهى (1) بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " من
استنجى بعظم أو رجيع فهو برئ من محمد صلى الله عليه وآله وسلم " (2).
" ولا " يجوز الاستنجاء ب‍ " المطعوم " أيضا إجماعا على ما عن
صريح الغنية (3) وظاهر المنتهى (4) لفحوى تعليل الحكم في العظم والروث
بأنهما طعام الجن، وبذلك كله يمكن دعوى انجبار ما عن دعائم الاسلام:
نهوا عليهم السلام عن الاستنجاء بالعظم والبر وكل طعام " (5) فإن أخبار هذا
كتاب من المراسيل القابلة للانجبار.
لكن عن البحار - بعد نقل هذا الكتاب وأحوال مصنفه -: أن أخبار
هذا الكتاب يصلح للتأييد والتأكيد (6) وأنكر صاحب الحدائق على هذا
الكتاب (7).
ويفهم من الحكم في المطعوم تحريم الاستنجاء بكل محترم يلزم من
الاستنجاء به هتك حرمته وإن لم يلزم ذلك من مطلق تنجيسه، فإن
للاستنجاء خصوصية في الإهانة.

(1) المنتهى 1: 279.
(2) سنن أبي داود 1: 10، الحديث 36، وفيه: "... برجيع دابة أو عظم، فإن محمدا
صلى الله عليه وآله وسلم منه برئ ".
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 487.
(4) المنتهى 1: 278.
(5) تقدم في الصفحة: 469.
(6) البحار 1: 38 (توثيق المصادر).
(7) الحدائق 2: 44
471

" ولا " يجزئ استعمال " صيقل يزلق عن النجاسة " ولا يزيلها " ولو
استعمل ذلك لم يطهر " لعدم قلعه للنجاسة، بخلاف الأجسام السابقة، فإن
تحريم استعمالها لا يدل على فساده، وفاقا لجماعة (1) بل عن شرح الموجز
دعوى الشهرة عليه (2). وخلافا للآخرين (3) وعن الغنية: الاجماع عليه (4).
ولو كان مستند التعدي عن الأجسام المنصوصة إلى غيرها الاجماع
كان المتعين هو الحكم بالفساد، للأصل وعدم الدليل، فتأمل.

(1) مثل العلامة في المختلف 1: 267، والشهيد في الدروس 1: 89، والمحقق الثاني في
جامع المقاصد 1: 98، والشهيد الثاني في روض الجنان: 24.
(2) كشف الالتباس (مخطوط): 32 "
(3) كالشيخ في المبسوط 1: 17، وابن إدريس في السرائر 1: 96، والمحقق في المعتبر
1: 133.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 487.
472

" الثالث "
في سنن الخلوة
" وهي مندوبات ومكروهات "
" فالمندوبات " أمور:
منها: ستر البدن بأن يبعد عن الناس، أو يدخل بيتا أو حفيرة.
ومنها: ارتياد موضع مناسب للبول، فإنه من فقه الرجل، كما في
الروايات (1).
ومنها: " تغطية الرأس " اتفاقا، كما عن المعتبر (2) والذكرى (3) وغيرهما.
ويكفي مثل ذلك في الاستحباب.
نعم، في مرسلة البرقي: " كان الصادق عليه السلام. إذا دخل الخلاء يقنع

(1) الوسائل 1: 238، الباب 22 من أبواب التخلي.
(2) المعتبر 1: 133
(3) الذكرى: 20
473

رأسه " (1) وأرسله في الفقيه أيضا (2).
وعن الفقيه أيضا: " ينبغي للرجل إذا دخل الخلاء أن يغطي رأسه
إقرارا بأنه غير مبرئ نفسه من العيوب " (3) انتهى.
وعن المفيد قدس سره.: " وليغط رأسه إن كان مكشوفا ليأمن بذلك من
عبث الشيطان ومن وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه، وهو سنة من سنن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه إظهار الحياء من الله لكثرة نعمه على العبد وقلة
الشكر منه " (4) انتهى.
وفي بعض الروايات (5): التستر عن الناس ولو بالبعيد، أو دخول
بيت (6)
" و " منها: " التسمية " عند الدخول والخروج، لرواية معاوية
بن عمار: " إذا دخلت المخرج فقل: بسم الله وبالله، اللهم إني أعوذ بك من
الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم، وإذا خرجت فقل: بسم
الله وبالله والحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث وأماط عني
الأذى " (7).

(1) الوسائل 1: 214، الباب 3 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2، مع اختلاف،
والمتن المذكور موافق لمرسل الفقيه.
(2) الفقيه 1: 24، الحديث 41.
(3) المصدر.
(4) المقنعة: 39.
(5) لا يخفى عدم ارتباط هذه الفقرة بمسألة تغطية الرأس المبحوث عنها هنا.
(6) انظر الوسائل 1: 215، الباب 4 من أبواب أحكام الخلوة، وليس في الباب
ما يتضمن " دخول بيت ".
(7) الوسائل 1: 216، الباب 5 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول
474

وفي مرفوعة سعد بن عبد الله إلى الصادق عليه السلام: " من كثر عليه
السهو فليقل إذا دخل الخلاء: بسم الله وبالله أعوذ بالله من الرجس
النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم " (1).
" و " منها: " تقديم الرجل اليسرى عند الدخول " واليمنى عند الخروج،
عكس المسجد.
قال في المعتبر: لم أجد لهذا حجة، غير أن ما ذكره الشيخ وجماعة من
الأصحاب حسن (2).
وذكر جماعة: أن المدار في الصحراء على موضع الجلوس (3). ويحتمل
اختصاص الحكم في كلام من ذكره بالبنيان، بقرينة الدخول والخروج.
ومنها: التسمية عند التكشف للبول وغيره، فإن الشيطان يغض بصره
كما في الرواية (4).
ومنها: الاعتماد على الرجل اليسرى وفتح اليمنى.
" و " منها: " الاستبراء " من البول على المشهور.
وعن الغنية (5) والوسيلة (6) الوجوب، وهو ظاهر الاستبصار (7). وهو
ضعيف، لعدم الدليل، ولظاهر الصحيحة: " إذا انقطعت درة البول فصب

(1) الوسائل 1: 217، الباب 5 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 8.
(2) المعتبر 1: 134.
(3) كالعلامة في النهاية 1: 81، والشهيد الثاني في روض الجنان: 25، والمحقق
السبزواري في الذخيرة، 20، والفاضل في كشف اللثام: 21.
(4) الوسائل 1: 217، الباب 5 من أبواب أحكام الخلوة. الحديث 9.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 487.
(6) الوسيلة: 47.
(7) الإستبصار 1: 48، عنوان، الباب.
475

الماء " (1).
وفي كيفية الاستبراء خلاف، أحوطه ما سيذكره المصنف في باب
الجنابة من أنه المسحات التسع.
وأصح ما ورد فيه صحيحة ابن مسلم " قال: قلت لأبي جعفر
عليه السلام: رجل بال ولم يكن معه ماء؟ قال: يعصر أصل ذكره إلى طرفه
ثلاث عصرات وينتر طرفه، فإن خرج بعد ذلك شئ فليس من البول
ولكنه من الحبائل " (2) والنتر - على ما في النهاية - جذب فيه جفوة وقوة (3)
وربما استظهر من الصحيحة أن المتنجس لا ينجس.
وعن التذكرة (4) والدروس (5): ذكر التنحنح ثلاثا بعد المسحات.
وظاهر الأكثر اختصاص الاستبراء بالرجل - كما هو مورد الأخبار -
وقيل بثبوته للأنثى وإنها تستبرء عرضا (6). وعن المنتهى: أن الرجل والمرأة
سواء (7).
ومنها: تعجيل الاستنجاء.
ومنها: أن لا ينقطع الاستجمار إلا على وتر.
" و " منها " الدعاء " بالمأثور " عند الاستنجاء " بما رواه عبد الرحمن
بن كثير في حكاية وضوء أمير المؤمنين عليه السلام " قال: ثم استنجى وقال:

(1) الوسائل 1: 247، الباب 31 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 1: 225، الباب 11 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2.
(3) النهاية، لابن الأثير 5: 12 مادة: " نتر ".
(4) التذكرة 1: 131.
(5) الدروس 1: 89.
(6) نسبه في روض الجنان: 25 إلى جماعة.
(7) المنتهى 1: 256.
476

اللهم حصن فرجي وأعفه، واستر عورتي، وحرمني على النار " (1) وما
أرسله الصدوق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه إذا استوى جالسا للوضوء
قال: " اللهم أذهب عني القذى والأذى واجعلني من المتطهرين " (2) " وعند
الفراغ " بما رواه أبو بصير عن أحدهما عليهما السلام إذا فرغت فقل، " الحمد لله
الذي عافاني من البلاء وأماط عني الأذى "، (3).
ومنها: البدأة في الاستنجاء بالمقعدة، لموثقة عمار (4).
" و " منها: " تقديم اليمنى عند الخروج " وقد تقدم التسامح في
مأخذه " 5 " " والدعاء بعده " بقول أمير المؤمنين عليه السلام: " الحمد لله الذي
رزقني لذته وأبق قوته في جسدي وأخرج عني أذاه، يا لها من نعمة [يقوله]
ثلاثا
وأرسل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه إذا دخل الخلاء يقول: " الحمد
لله الحافظ المؤدي " وإذا خرج مسح بطنه وقال: " الحمد لله الذي أخرج
عني أذاه وأبق في قوته، فيا لها من نعمة! لا يقدر القادرون قدرها " (7) والمراد
ب‍ " الحافظ المؤدي " معطي قوتي الماسكة والدافعة.
" و " أما المكروهات " فهي أيضا أمور:

(1) وسائل 1: 282، الباب 16 من أبواب الوضوء 5 الحديث الأول.
(2) الفقيه 1: 23، ا لحديث 37.
(3) الوسائل 1: 216، الباب 5 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2
(4) الوسائل 1: 227، الباب 14 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول
(5) تقدم في الصفحة: 475.
(6) الوسائل 1: 216، الباب 5 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 3. وما بين
المعقوفتين ليس في الوسائل.
(7) الوسائل 1: 217، الباب 5 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 6.
477

منها: " الجلوس في الشوارع " فعن الخصال بسند معتبر عن أمير
المؤمنين عليه السلام في جملة حديث قال: " لا تبل على المحجة ولا تتغوط
عليها " (1).
وصحيحة عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال، قال رجل
لعلي بن الحسين عليهما السلام: أين يتوضأ الغرباء؟ قال: يتق شطوط الأنهار،
والطرق النافذة، وتحت الأشجار المثمرة، ومواضع اللعن؟ قيل له: وأين
مواضع اللعن؟ قال: أبواب الدور " (2).
" و " منه يستفاد كراهة الجلوس في " المشارع وتحت الأشجار
المثمرة " وفي بعض الروايات عبر بمساقط الثمار (3)
وفي النبوي برواية
السكوني: " تحت شجرة فيها ثمرتها " (4) وظاهره الاختصاص بما فيه الثمرة
بالفعل، وهو أخص من الأولين.
نعم، في المحكي عن العلل عن الباقر عليه السلام.: " إن لله تعالى ملائكة
وكلهم بنبات الأرض من الشجر والنخل، فليس من شجرة ولا نخلة إلا
ومعها ملك من الله تعالى يحفظها وما كان فيها، ولولا أن معها من يمنعها
لأكلها السباع وهوام الأرض إذا كان فيها ثمرها؟ قال: وإنما نهى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أن يضرب أحد من المسلمين خلاه، تحت شجرة أو نخلة قد
أثمرت، لمكان الملائكة الموكلين بها، قال: ولذلك يكون للشجرة (5) والنخل

(1) الخصال: 635، حديث الأربعمائة، والوسائل 1: 1231 الباب 15 من أبواب أحكام
الخلوة 11 الحديث 12.
(2) الوسائل 1: 228، الباب 15 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 1.
(3) الوسائل 1: 228، الباب 15 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2.
(4) الوسائل 1: 228، الباب 15 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 3.
(5) في " ع ": تكون الشجرة والنخلة أنسا، وهكذا في سائر النسخ، إلا أن فيها بدل
" أنسا ": " نساء " والظاهر أنها مصحفة، وما أثبتناه من المصدر. والأنس - بالفتح -:
ما يأنس به الانسان، وفي الصحاح: الأنس: خلاف الوحشة، وهو مصدر قولك:
أنست به - بالكسر - أنسا وأنسة، انظر الصحاح 3: 906.
478

أنسا إذا كان فيه حمله، لأن الملائكة تحضره " (1).
إلا أن الجمع بين الكل لا مانع منه، فلا وجه للتقييد، مع ضعف المقيد.
" و " اعلم أن " مواطن النزال و " شبهها يمكن أن يستفاد حكمه من
" مواضع اللعن " المنصوص عليه في تلك الصحيحة (2) بناء على أن تفسيرها
فيه بأبواب الدور تمثيل لها، كما يظهر عن جماعة (3).
مضافا إلى التصريح به في مرفوعة الكافي عن مولانا أبي الحسن
عليه السلام - وهو غلام صغير - لأبي حنيفة حين سأله عن أنه أين يضع الغريب
ببلدكم؟ " اجتنب أفنية المساجد، وشطوط الأنهار، ومساقط الثمار، ومنازل
النزال، ولا تستقبل القبلة ببول ولا غائط، وارفع ثوبك وضع حيث
شئت " (4):
ومنها التخلي على القبور.
" و " منها: " استقبال الشمس والقمر " للمرسل: " لا تستقبل الشمس
ولا القمر " (5) وظاهره الاستقبال بمقاديم البدن.
إلا أن في رواية السكوني: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يستقبل

(1) علل الشرائع: 0278 الباب 185، ذيل الحديث الأول.
(2) أي صحيحة عاصم بن حميد، المتقدمة في الصفحة السابقة.
(3) احتمله السيد في المدارك 1: 177، والطباطبائي في الرياض 1: 212، وصاحب
الجواهر في الجواهر 2: 62.
(4) الكافي 3: 16، الحديث 5.
(5) الوسائل 1: 241، الباب 25 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 5.
479

الرجل الشمس والقمر " بفرجه " " (1) وعليه فلو انحرف عن القبلة ببدنه
ومال طرف إحليله مقابلا للنيرين كان مكروها، ولو عكس فالظاهر ثبوت
الكراهة أيضا، لأن أصل الذكر باق على الاستقبال، وقد تقدم في استقبال
القبلة عبارة الموجز وشرحه (2) فصدق الاستقبال بالفرج، مع أن المدبر حينئذ
أيضا مستقبل لهما، إلا أن يخص الحكم بمخرج البول.
ثم الاستقبال وإن صدق على مجرد مقابلة الجهة، إلا أن الظاهر إرادة
استقبال جرم النيرين من غير حائل، كما يدل عليه حسنة الكاهلي عن أبي
عبد الله عليه السلام. أنه " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يبولن أحدكم
وفرجه باد للقمر يستقبل به " (3) وفي حديث المناهي: " نهى أن يبول الرجل
وفرجه باد للشمس أو للقمر " (4).
وما عدا الأول من الأخبار مختص بالبول، وظاهر الأكثر - كالمصنف
قدس سره: - التعميم، وفي مرسلة الفقيه: " لا تستقبل الهلال ولا. تستدبره " (5) وعن
نهاية العلامة: التصريح بعدم كراهة الاستدبار (6).
ومنها: استقبال " الريح بالبول " لرواية عبد الحميد المسؤول فيها عن
حد الغائط: " لا تستقبل الريح ولا تستدبرها " (7) وصريحها شمول الاستدبار
وعدم الاختصاص بالبول، بل الاختصاص بالغائط؟ إلا إذا أريد من الغائط

(1) الوسائل 1: 241، الباب 25 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول
(2) تقدم في الصفحة: 427.
(3) الوسائل 1: 1 24، الباب 25 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2.
(4) الفقيه 4: 4، الحديث 4968.
(5) الفقيه 1: 26، الحديث 48.
(6) نهاية الإحكام 1: 82.
(7) الوسائل 1: 213، الباب 2 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 6
480

المسؤول عن حده ما أريد من قوله: (جاء أحد منكم من الغائط) (1).
" و " كأن وجه الكراهة عند من خصه بالاستقبال والبول ما عن
الخصال بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام: " إذا بال أحدكم فلا يطمحن ببوله
في الهواء ولا يستقبل [ببوله] (2) الريح " (3) وأن الاستقبال مظنة رد البول إليه،
فيكون مستفادا من وجه كراهة " البول في الأرض الصلبة " المنصوص عليه
في رواية ابن مسكان عن الصادق عليه السلام. " قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أشد الناس توقيا للبول حتى أنه كان إذا أراد البول عمد إلى
كان مرتفع من الأرض أو مكان يكون فيه التراب الكثير، كراهة أن
ينتضح عليه البول " (4) وفي رواية السكوني: " من فقه الرجل أن يرتاد
موضعا لبوله " (5) وظاهر الرواية ارتفاع الكراهة بعلو مكان الرجل عن مصب
البول، بل بكل علاج يؤمن معه رد البول.
" و " يكره البول أيضا " في ثقوب الحيوان وفي الماء جاريا، و " أشد
منه كراهة إذا كان " واقفا " وعليه يحمل رواية عنبسة عن البول في الماء
" قال: لا بأس به إذا كان الماء جاريا " (6) وصحيحة ابن مسلم (7): " لا بأس

(1) النساء: 43.
(2) ليس في الخصال
(3) الخصال: 614، ورواه عنه في الوسائل 1: 249، الباب 33 من أبواب أحكام
الخلوة. الحديث 6 بتفاوت يسير
(4) الوسائل 1: 238، الباب 22 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2، مع اختلاف
يسير. والمتن المذكور مطابق لما رواه الصدوق في الفقيه 1: 122.
(5) الوسائل 1: 238، الباب 22 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول
(6) الوسائل 1: 107، الباب 5 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2
(7) بل صحيحة الفضيل، كما في التهذيب والوسائل.
481

بأن يبول الرجل في الماء الجاري، وكره أن يبول في الماء الراكد " (1) بقرينة
مرسلة مسمع: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) أن يبول الرجل في الماء
الجاري إلا من ضرورة، وقال: إن للماء أهلا " (3) وعن الخصال بسنده عن
أمير المؤمنين عليه السلام: " لا يبولن (الرجل) (4) من سطح في الهواء ولا يبولن
في ماء جار (5) فإن فعل ذلك فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه، فإن للماء أهلا
وللهواء أهلا " (6) وفي مرسلة الفقيه: " أن البول في الماء الراكد يورث
النسيان " (7).
ومورد الأخبار - كعبارة المصنف - البول، إلا أن التعليل بأن " للماء
أهلا " ربما يعم الحكم للغائط بالفحوى، ولعله منشأ إلحاق الأصحاب، كما
حكي عنهم عموما (8).
ومنها: البول قائما.
ومنها: مس الذكر باليمين عند البول.
ومنها: البول مطمحا به في الهواء.
" و " يكره الأكل والشرب " حال الكون في بيت الخلاء، واستدل

(1) الوسائل 1: 107، الباب 5 من أبواب الماء المطلق، الحديث الأول.
(2) الاسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موجود في الاستبصار، دون التهذيب
والوسائل.
(3) الوسائل 1: 240، الباب 24 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 3.
(4) ليس في الخصال.
(5) في الخصال: ماء حار.
(6) الخصال، 613، والوسائل 1: 249، الباب 33 من أبواب الخلوة الحديث 16
(7) الفقيه 1: 22، ذيل الحديث 35، والوسائل 1: 240، الباب 24 من أبواب أحكام
الخلوة، الحديث 4.
(8) حكاه عنهم المحدث البحراني في الحدائق 2: 85 ثم قال: وفيه ما لا يخفى.
482

عليه بما أرسله في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: " دخل عليه السلام الخلاء
فوجد لقمة خبز في القذر، فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك كان معه، فقال:
تكون معك لآكلها إذا خرجت، فلما خرج عليه السلام. قال للملوك: أين اللقمة؟
فقال: أكلتها يا بن رسول الله، فقال: إنها ما استقرت في جوف أحد إلا
وجبت له الجنة، فاذهب فأنت حر، فإني أكره أن أستخدم رجلا من أهل
الجنة " (1).
وعن العيون رواية هذه القصة بثلاثة أسانيد عن الرضا، عن آبائه،
عن الحسين بن علي عليه السلام (2) ولعل القصة اتفقت منهما عليهما السلام.
ثم الرواية - على تقدير دلالة تأخير الأكل فيها على أن المانع عن
المبادرة وتعجيل إدراك هذه المثوبة هو كراهة الأكل في بيت الخلاء، وكونه
عليه السلام " في أثناء التخلي بحيث لا يمكن الخروج والأكل ثم العود، وكراهة
استصحاب الخبز معه حتى يخرج - مختصة بالخبزة ولعل لخصوصيته مدخلا في
كراهة الأكل، فلا يتعدى إلى كل مأكول فضلا عن الشرب، إلا أن فتوى
الأصحاب - بل بعضهم - يكفي في الكراهة. لكن يشكل مع علم المستند
وظهور عدم دلالته.
" و " منها: " السواك " لمضمرة التهذيب المرسلة في الفقيه: " والسواك
في الخلاء يوجب البخر " (3).

(1) الفقه 1: 27، الحديث 49، والوسائل 1: 254، الباب 39 من أبواب أحكام
الخلوة، الحديث الأول
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 43، الحديث 154، والوسائل، الباب المتقدم،
الحديث 2.
(3) التهذيب 1: 32، الحديث 85، الفقيه 1: 52، الحديث 110.
483

" و " منها: في الاستنجاء باليمين " لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه في
مرسلة يونس (1) وفي رواية السكوني أن " الاستنجاء باليمين من الجفاء "، (2) قال
الصدوق: وروي أنه لا بأس إذا كانت اليسرى معتلة (3).
" و " منها: الاستنجاء من الغائط أو البول إذا لم يكن بالصب
" باليسار وفيها خاتم عليه اسم الله سبحانه " لرواية أبي بصير عن
أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام ": من نقش على خاتمه
اسم الله، فليحوله من اليد التي يستنجي بها في المتوضأ ". (4)
ورواية الصيرفي: " قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: الرجل يستنجي
وخاتمه في إصبعه ونقشه لا إله إلا الله؟ فقال: أكره ذلك له؟ فقلت: جعلت
فداك! أوليس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكل واحد من آبائك عليهم السلام
يفعل ذلك وخاتمه في إصبعه؟ قال: بلى ولكن أولئك كانوا يتختمون في اليد
اليمنى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم " (5).
وفي رواية وهب بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: كان نقش
خاتم أبي " العزة لله جميعا " وكان في يساره يستنجي بها " (6) لكن وهب
عامي خبيث، بل من أكذب البرية، مع إمكان حملها - كما قيل (7) وإن بعد -

(1) الوسائل 1: 226، الباب 12 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 1: 226، الباب 12 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2
(3) الفقيه 1: 27، الحديث 52، وفيه، وقد روي: أنه لا بأس إذا كان اليسار معتلة.
(4) الوسائل 1: 233، الباب 17 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 4.
(5) الوسائل 1: 234، الباب 17 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 9.
(6) الوسائل 1: 234، الباب 17 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 8.
(7) قال الفاضل في كشف اللثام 1: 25: " ولا يدل على عدم التحويل عند الاستنجاء "
وحكى نحوه في الحدائق 2: 82 عن رياض المسائل. واستبعده.
484

على نزعه عند الاستنجاء (1).
ثم الظاهر إن الكراهة إنما هي مع الأمن من التلويث وإلا فهو حرام.
ثم ظاهر خبر الصيرفي عدم كراهة استصحاب الخاتم المذكور، لاطباق
النبي والأئمة صلى الله عليه وعليهم على المداومة عليه.
إلا أن في غير واحد من الأخبار كراهة استصحابه ولو مستورا غير
مستعمل في موضعه، كرواية أبان بن عثمان، عن أبي القاسم: " قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى؟ فقال: ما
أحب ذلك، قلت: فيكون اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: لا بأس " (2).
بل ظاهر بعضها الحرمة كرواية أبي أيوب: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: أدخل الخلاء وفي يدي خاتم فيه اسم من أسماء الله تعالى؟ قال: لا بأس
لا، ولا تجامع فيه " (3).
وعن قرب الإسناد بسنده، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام
" قال: سألته عن الرجل يجامع ويدخل الكنيف وعليه الخاتم فيه ذكر الله أو
شئ من القرآن، أيصلح ذلك؟ قال: لا " (4).
ورواية عمار: " لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله تعالى،
ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى، ولا يجامع وهو عليه، ولا

(1) في هامش نسخة " ع " زيادة ما يلي: " أو على بيان الجواز ونفي التحريم دون
الكراهة، كما في الوسائل " وحيث إنا لم نجزم بكونها من المؤلف قدس سره لم نثبتها في
المتن
(2) الوسائل 1: 233، الباب 17 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 6.
(3) الوسائل 1: 232، الباب 17 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(4) قرب الإسناد: 293، الحديث 1157.
485

يدخل المخرج وهو عليه " (1).
ولعله لذلك عبر الصدوق في الفقيه بقوله تعالى: " ولا يجوز للرجل أن
يدخل الخلاء ومعه خاتم عليه اسم الله، أو مصحف فيه القرآن " لكن قوله
بعد ذلك: " فإن دخل وعليه خاتم عليه اسم الله تعالى فليحوله من يده
اليسرى إذا أراد الاستنجاء " (2) ظاهر في الكراهة.
وكيف كان: فيشكل الجمع بين هذه الأخبار وبين الخبر المتقدم
ولا يحضرني الآن وجه جمع ظاهر.
وعلى أي حال: فظاهر الأخبار اختصاص الكراهة بكون الخاتم في
اليد، فلا يظهر من الأخبار كراهة مطلق الاستصحاب - كما عبره في الفقيه
وتبعه غيره (3) - بل ظاهرها كراهة كونه في محله.
ثم إنه نسب إلى المشهور (4) إلحاق اسم الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم باسم
الله، وهو حسن من حيث الاعتبار، إلا أنه لا دليل عليه من النص، بل
رواية أبي القاسم - المتقدمة (5) - ظاهرة في نفي الكراهة. وحملها على ما إذا
كتب الاسم لا بقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعيد.
" و " منها: " الكلام " ففي رواية صفوان: " نهى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط أو يكلمه حتى
يفرغ " (6).
وبظاهر النهي عبر الصدوق فقال: " لا يجوز الكلام في الخلاء

(1) الوسائل 1: 233، الباب 17 من أبواب أحكام الخلوة. الحديث 5
(2) الفقيه 1: 29، ذيل الحديث 58.
(3) مثل الشهيد في الذكرى: 20، ونسبه في روض الجنان: 26 إلى بعض.
(4) انظر مصابيح الظلام (مخطوط): 261.
(5) تقدمت في الصفحة السابقة.
(6) الوسائل 1: 218، الباب 6 من أبواب أحكام الخلوة. الحديث الأول.
486

لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " (1) ولكن الظاهر إرادته الكراهة، وعليها
يحمل النهي في الخبر أيضا، كما يرشد إليه التعليل في رواية أبي بصير:
لا تتكلم على الخلاء، فإنه من تكلم على الخلاء لم تقض له حاجة " (2)
" إلا " أن يكون تكلمه " بذكر الله تعالى " (3) لرواية الحلبي: " لا بأس بذكر
الله وأنت تبول، فإن ذكر الله حسن على كل حال، فلا تسأم من ذكر
الله " (4).
وفي صحيحة أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام: " مكتوب في التوراة
التي لم تغير: أن موسى على نبينا وآله وعليه السلام سأل ربه فقال: إلهي يأتي علي
مجالس أعزك وأجلك أن أذكرك فيها؟ فقال: يا موسى إن ذكري حسن على
كل حال " (5).
والظاهر إلحاق ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذكر الله حكما أو موضوعا،
كما يرشد إليه ما سيأتي من كون الأذان ذكر الله؟ فتأمل.
وفي صحيحة الحلي: " أتقرأ النفساء والحائض والجنب
الرجل يتغوط، القرآن؟ قال: يقرؤون ما شاؤوا " (6). والمراد قراءة
أي مقدار شاؤوا من القرآن، أو قراءة ما شاؤوا من قرآن وغيره،
كالأدعية.

(1) الفقيه 1: 31 ذيل الحديث 60.
(2) الوسائل 1: 218، الباب 6 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2.
(3) في الشرائع: بعد هذه الفقرة: " أو آية الكرسي " ولم يعنونها المؤلف قدس سره ولعله
اكتفى بذكر رواية عمر بن يزيد - الآتية - المتضمنة لها.
(4) الوسائل 1: 219، الباب 7 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 2.
(5) الوسائل 1: 219، الباب 7 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول.
(6) الوسائل 1: 221، الباب 7 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 8.
487

وعلى كل حال: فتخصيصها برواية عمر بن يزيد: " سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن؟ قال: لم يرخص في
الكنيف في أكثر من آية الكرسي والحمد الله أو آية " (1) وفي رواية الصدوق:
" أو آية الحمد لله رب العالمين " (2) بعيد، بل مستهجن.
ويمكن حمل الصحيحة على ما لا ينافي الكراهة، كما في الجنب
والحائض والنفساء، والمراد غير الكراهة المصطلحة، لأن الإذن في صحيحة
أبي حمزة (3) لا يراد [منه] مجرد الجواز، بل المراد المشروعية الثابتة في أصل
القراءة المسؤول عن ثبوتها في هذه الأحوال.
ومما عد من الذكر: حكاية الأذان؟ ففي الصحيح عن أبي جعفر
عليه السلام: " يا بن مسلم لا تدعن ذكر الله على كل حال، ولو سمت المنادي
ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله، وقل كما يقول المؤذن " (4).
وفي رواية أبي بصير: " إن سعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل
ما يقول المؤذن، ولا تدع ذكر الله عز وجل في تلك الحال، لأن ذكر الله
حسن على كل حال " (5).
وظاهر قوله: " فقل كما يقول المؤذن " شموله لحكاية " الحيعلات " ولهذا
طعن بعض (6) على الشهيد الثاني، حيث أنكر النص في ذلك، واستشكل في

(1) الوسائل 1: 220، الباب 7 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 7
(2) الفقيه 1، 28، الحديث 57
(3) المتقدمة في الصفحة السابقة
(4) الوسائل 1: 221، الباب 8 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث الأول
(5) الوسائل 1: 221، الباب 8 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 2
(6) المحدث البحراني في الحدائق 2: 78.
488

الاستدلال عليه بعمومات الذكر لأن (1) " الحيعلات " ليس من الذكر، قال: إلا
أن تبدل بالحولقة (2).
لكن الانصاف: أن روايتي العلل (3) لا يخلو ظهورهما المذكور من
الموهن، حيث علل الحكاية فيهما بأنها من ذكر الله، ومن المعلوم: أن
" الحيعلات " ليست منه. والتزام كونها منه - فلا يكون التعليل أخص من
الحكم حتى يخصصه أو يوهن عمومه - مخالف للعرف واللغة.
لكن الانصاف: أن ظهور الأمر بالحكاية في حكاية الكل أقوى،
فيحمل التعليل على التغليب، أو على أن اشتماله على الذكر مع كونه عملا
واحدا هو المسوغ للتكلم به.
ويؤيد إرادة جميع فصول الأذان من غير تبديل رواية سليمان بن
مقبل: " قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: لأي علة يستحب
لإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن وإن كان على البول
والغائط؟ قال: لأن ذلك يزيد في الرزق " (4).
فإن التعليل المذكور ظاهر في إرادة حكاية جميع فصوله، لأنها هي
التي تزيد في الرزق، مع أنه لو اختص المحكي بما كان منه ذكرا لم يكن
وجه للسؤال عنه، وكان الأنسب تعليله بذكر الله، لأنه أصلح لحكمة
الاستحباب واقعا، وأفيد للمخاطب حيث يستفيد منه عموم رجحان الذكر،

(1) كذا، والأنسب: بأن
(2) روض الجنان: 27
(3) يعني صحيحة محمد بن مسلم ورواية أبي بصير المتقدمتين آنفا، رواهما الصدوق في
علل الشرائع: 284، الباب 202، الحديث 1 و 2
(4) الوسائل 1: 221، الباب 8 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 3.
489

فعلم أن هذا عنوان غير عنوان " ذكر الله ".
ولذا يمكن أن يستدل به على جواز التكلم بكل ما يضطر إليه الانسان
في أمور دينه " أو " دنياه، وضابطه: كل " حاجة يضر فواتها (1) " نظير ضرر
فوات زيادة الرزق بترك حكاية الأذان.
ويمكن أن يؤيد الحكم بما تقدم في رواية أبي بصير (2) من جعل حكمة
النهي عدم قضاء الحاجة الشاملة للدنيوية، فإن مثل هذا لا تعارض فوات
الحاجة الحاضرة.
ويؤيده نفي الحرج، بناء على جريانه في الحكم الغير الالزامي وأن
الضرورات تبيح المحضورات، فالضرورات العرفية وإن لم تبلغ مراعاتها حد
الوجوب تبيح المكروهات.
ومنها يعلم أن حال الاضطرار مستثنى من جميع المكروهات.
إلى هنا انتهى الجزء الأول حسب تجزئتنا.
ويتلوه الجزء الثاني إن شاء الله، وأوله:
" الفصل الثالث: في كيفية الوضوء ".

(1) في الشرائع: فوتها.
(2) تقدم في الصفحة: 487
490