الكتاب: مصباح الفقيه (ط.ق)
المؤلف: آقا رضا الهمداني
الجزء: ١ ق ٢
الوفاة: ١٣٢٢
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: حيدري
الناشر: منشورات مكتبة الصدر - طهران
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية

الجزء الثاني
من المجلد الأول من كتاب الطهارة
من تأليفات العالم العامل الرباني الحاج
آقا محمد رضا الهمداني قدس سره
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الخامس في أحكام الأموات وقد جرت سيرة الأصحاب على التعرض للأحكام المتعلقة بالمكلفين بالنسية إلى الأموات بل وجملة مما
يناسب ذكره كآداب الاحتضار في هذا المبحث الذي وقع الكلام فيه أصالة للبحث عن غسلها استغناء بما فيها من المناسبة من أن يبوبوا لها
بابا مستقلا فما صنعه المصنف قدس سره من جعل العنوان أحكام الأموات أولى من جعله خصوص غسل الميت كما صنعه غيره لكن كان عليه [قده]
اقحام غسل المس وكذا الصلاة عليها في طي ما ذكره الا انه أوكل بيان غسل المس إلى ما سيذكره في أحكام الميتة والصلاة عليها إلى كتاب
الصلاة لشدة المناسبة فعلينا [ح] ان نقتفي اثره وهى أي الأحكام التي تعلق الغرض بالبحث عنها في هذا الفصل خمسة وينبغي قبل التكلم
فيها ان نذكر شطرا من الآداب المتعلقة بالمريض كما صنعه جملة من الاعلام مع الإشارة إلى بعض ما ورد فيها من الاخبار على سبيل
الاختصار * (فمنها) * انه يستحب للمريض احتساب المرض والصبر عليه بل ينبغي ان يشكر الله على ما أنعم به عليه لمرضه من الثواب وتكفير الذنوب
ففي جملة من الاخبار ان الله [تع‍] يأمر الملك الموكل بالمؤمن إذا مرض ان يكتب له ما كان يكتب في صحته وقد روى أن حمى ليلة تعدل عبادة
سنة وحمى ليلتين تعدل عبادة سنتين وحمى ثلث ليال تعدل عبادة سبعين سنة * (وروى) * عن أبي
عبد الله عليه السلام عن ابائه (ع) في وصية
النبي صلى الله عليه وآله لعلى (ع) قال يا علي أنين المؤمن تسبيح وصياحه تهليل ونومه على الفراش عبادة وتقلبه من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله فان
عوفي مشى في الناس وما عليه من ذنب * (و) * في بعض الروايات ان رسول الله صلى الله عليه وآله
قال عجبت للمؤمن وجزعه من السقم ولو يعلم
ما له في السقم من الثواب لاحب ان لا يزال سقيما حتى يلقى ربه عز وجل ويستحب له كتم المرض وترك الشكوى منه فعن بشير الدهان عن أبي عبد الله (ع)
قال قال الله عز وجل أيما عبد أبتليه ببلية فكتم ذلك عواده ثلث أبدلته لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه وبشرا خيرا من بشره فان
أبقيته أبقيته ولا ذنب له وان مات مات إلى رحمتي * (و) * عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) ما هو بمضمونه وعن العرزمي عن
أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وادى إلى الله شكرها كانت كعبادة ستين سنة قال أبى فقلت له ما قبولها
قال يصبر عليها ولا يخبر بما كان فيها فإذا أصبح حمد الله على ما كان وقد ورد الحث على ترك الشكوى إلى غير الله تعالى في كثير من الاخبار
ففي حديث المناهي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من مرض يوما وليلة فلم يشك عوداه بعث الله يوم القيمة مع خليله إبراهيم خليل الرحمن حتى يجوز الصراط
كالبرق اللامع وليعلم انه ليس مطلق اظهار المرض والاخبار عما هو الواقع شكاية وان كان الأفضل كتمانه رأسا كما يدل عليه الأخبار المتقدمة
وغيرها الا ان الشكاية عن المرض امر اخر وراء ذلك كما يدل عليه رواية جميل بن صالح عن أبي
عبد الله (ع) قال سئل عن حد الشكاية
للمريض فقال إن الرجل يقول حممت اليوم وسهرت البارحة وقد صدق وليس هذا شكاية وانما الشكوى ان يقول لقد ابتليت بما لم يبتل به
أحد ويقول لقد أصابني ما لم يصب أحدا وليس الشكوى ان يقول سهرت البارحة وحممت اليوم ونحو هذا * (ولا) * بأس باظهار المرض عند اخوانه
المؤمنين بل يستحب اعلامهم بذلك رجاء ان يدعوا له أو يعودوه فيوجروا * (فعن) * عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول ينبغي
للمريض منكم ان يؤذن اخوانه بمرضه فيعودونه فيوجر فيهم ويوجرون فيه قال فقيل له نعم هم يوجرون فيه لممشاهم إليه فكيف يوجر هو فيهم قال
فقال باكتسابه لهم الحسنات فيوجر فيهم فيكتب له بذلك عشر حسنات ويرفع له عشر درجات يمحى بها عنه عشر سيئات * (وفي) * رواية حسن بن راشد
قال قال أبو عبد الله (ع) يا حسن إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف ولكن اذكرها لبعض اخوانك فإنك لن تعدم خصلة
من خصال اربع اما كفاية واما معونة بجاه أو دعوة تستجاب أو مشورة برأي ولا منافاة بين استحباب الكتمان مطلقا واستحباب اعلام
الاخوان رجاء لعيادتهم أو دعائهم أو نحوها كما أنه لا منافاة بين استحباب الصوم ورجحان تركه إذا تحقق به إجابة المؤمن كما تقدم تحقيقه
غير مرة * (و) * يستحب للمريض ان يأذن لاخوانه المؤمنين في الدخول عليه ففي رواية الوشا عن الرضا (ع) قال إذا مرض أحدكم فليأذن للناس يدخلون
عليه فان ليس من أحد الا وله دعوة مستجابة ثم قال أتدري من الناس قلت أمة محمد صلى الله عليه وآله قال الناس هم شيعتنا * (و) * يستحب عيادة المريض المسلم الا
344

في وجع العين كما يدل عليه الاخبار البالغة من الكثرة نهايتها ففي رواية فضل بن يسار عن أبي عبد الله (ع) قال من عاد مريضا شيعة سبعون
الف ملك يستغفرون له حتى يرجع إلى منزله * (واما) * وجع العين فعن أبي عبد الله (ع) في مرسلة علي بن أسباط لا عيادة فيه لكن في خبر السكوني عنه (ع)
ان أمير المؤمنين عليه السلام اشتكى عينه فعاده النبي صلى الله عليه وآله وقد روى أنه إذا طالت العلة ترك المريض وعياله فلا يستحسن العيادة في هذه الصورة
ويستحب لمن عاد المريض تخفيف الجلوس الا ان يحب المريض اطالته * (ففي) * رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع) قال إن أمير المؤمنين (ع) قال إن
من أعظم العواد اجرا عند الله لمن إذا عاد أخاه خفف الجلوس الا ان يكون المريض يحب ذلك ويريده ويسئله ذلك وقال من تمام العيادة
ان يضع العائد احدى يديه على الأخرى أو على جبهته * (و) * يستحب الصدقة للمريض والصدقة عنه * (فقد) * روى أن الصدقة تدفع البلاء المبرم
فداووا مرضاكم بالصدقة * (و) * روى أيضا ان الصدقة تدفع ميتة السوء عن صاحبها * (و) * يستحب الوصية كما يدل عليه خبر محمد بن مسلم قال قال
أبو جعفر (ع) الوصية حق وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله فينبغي للمؤمن ان يوصى * (و) * رواية أبى الصباح عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الوصية فقال
هي حق على كل مسلم وقيل كما في القواعد وغيره بوجوبها على كل من عليه حق الله [تع‍] أو للناس معللا في كشف اللثام بوجوب استبراء الذمة
كيف أمكن * (و) * فيه ان الذمة انما اشتغلت بنفس الحق لمن له الحق فالواجب ليس الا الخروج من عهدة الحق بتفريغ الذمة عند القدرة
وتنجز التكليف بالأداء نعم لو علم من عليه الحق بأنه يموت قبل الخروج من عهدته وانه ان ترك الوصية يضيع الحق ولا يخرج وارثه من
عهدته لاتجه القول بوجوبها [ح] وكيف كان فعن بعض القول بوجوبها مطلقا على كل مسلم لعموم قوله (ع) الوصية حق على كل مسلم * (وفيه) * انه
لا يفهم من ذلك أزيد من الاستحباب بل ظاهر اخبارها ليس الا الاستحباب خصوصا رواية محمد بن مسلم المتقدمة وينبغي له ان يوصى
بشئ من ماله في أبواب الخير * (ففي) * رواية أبى حمزة عن بعض الأئمة (ع) قال إن الله تبارك و [تع‍] يقول ابن ادم تطولت عليك بثلاثة سترت عليك
ما لو يعلم به أهلك ما واروك وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيرا * (و) *
رواية السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) قال قال علي (ع) من أوصى فلم يحيف ولم يضار كان كمن تصدق به في حياته * (و) * ينبغي للمريض ان يكون عند
موته حسن الظن بربه فإنه تعالى ارحم الراحمين وهو [تع‍] عند ظن عبده به * (و) * في العيون عن الصادق (ع) انه سئل عن بعض أهل مجلسه فقيل عليل
فقصده فجلس عند رأسه فوجده دنفا فقال أحسن ظنك بالله * (و) * عن امالي أبى علي بن الشيخ مسندا عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يموتن
أحدكم حتى يحسن ظنه بالله عز وجل فان حسن الظن بالله ثمن الجنة أعاننا الله على الاستعداد للموت قبل حلول الفوت فإنه من أعظم
الآداب في هذا الباب والله هو الموفق والمعين * (الأول) * من الأحكام الخمسة في الاحتضار أعاننا الله عليه وجميع المؤمنين بمحمد وآله الطاهرين
صلوات الله عليهم أجمعين ويجب فيه توجيه المحتضر في اخر أزمنة حياته أي عند زهاق الروح وحدوث الموت إلى القبلة بان يكون الميت
حين حدوث موته متوجها إلى القبلة كما هو المشهور بين الأصحاب على ما في المدارك وعن الذكرى والروضة أيضا دعوى الشهرة عليه و
عن غير واحد نسبته إلى الأشهر وكيفيته بان يلقى على ظهره ويجعل وجهه وباطن رجليه إلى القبلة بحيث لو جلس لجلس مستقبلا بلا خلاف فيه ظاهرا
كما يدل عليه الاخبار الآتية الواردة في كيفية الاستقبال مضافا إلى استقرار السيرة عليه وهو على ما هو المشهور من القول بوجوبه كساير
أحكام الميت من الواجبات التي ستعرفها [انش‍] فرض كفاية كما سيأتي تحقيقه فيما سيأتي وقيل كما عن المصنف في المعتبر وفاقا لكثير من القدماء
والمتأخرين هو مستحب واستدل للأول بما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا وفي العلل مسند عن أبي عبد الله (ع) عن أمير المؤمنين (ع)
قال دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق قد وجه لغير القبلة فقال وجهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك
أقبلت عليه الملائكة واقبل الله عز وجل عليه بوجهه فلم يزل كذلك حتى يقبض * (و) * نوقش فيها بضعف السند وقصور الدلالة * (وفيه) *
اما ضعف السند فليس من دأبنا الاعتناء به في مثل هذه الرواية المشهورة المقبولة المعتضدة بجملة من المعاضدات واما قصورة الدلالة
فقد ذكر في محكى المعتبر في وجهه وجهان الأول بأنه قضية في واقعة معينة فلا تدل على العموم * (وفيه) * مالا يخفى والا لانسد باب
الاستدلال في معظم الأحكام بالاخبار والثاني بان التعليل في الرواية كالقرينة الدالة على الفضيلة وقد قرره شيخنا بالمرتضى [ره] على
هذه المناقشة وادعى ظهور الرواية بقرينة بالتعليل في الاستحباب ثم قال تعريضا على من أنكره بل نفى اشعارها بذلك ومنع اشعارها
بالاستحباب خلاف الانصاف ممن له ذوق سليم انتهى وفيه نظر فان هذا النحو من التعليلات المشتملة على ذكر فائدة العمل انما تصلح قرينة
للاستحباب فيما إذا كانت الفائدة المذكورة عائدة إلى نفس المكلف واما إذا كانت عائدة إلى غيره كما فيما نحن فيه فيشكل ذلك وسره ان
تعليل الطلب بفائدة عائدة إلى التكلف يوهن ظهوره في كون مولويا بل يجعله ظاهرا في كونه ارشاديا محضا ولذا ربما يتأمل في دلالته
على الاستحباب أيضا إذا كانت الفائدة المعلل بها دنيوية محضة كما لو قال ادخل الحمام غبا فإنه يكثر اللحم واما في مثل المقام فإنما يفهم
الاستحباب من معلومية كون المرشد إليه راجحا ومحبوبا عند الله كما لو بنيه بجملة خيرية نظيرها لو قال اذن وأقم قبل صلاتك فان من اذن أو قام
345

صلى خلفه صفان من الملائكة فإنه لا يفهم منه الا ما يفهم من قوله من صلى باذان وإقامته يصلى خلفه صفان من الملائكة فكما يفهم
الاستحباب من الثاني مع عدم اشتماله على الطلب كذلك يفهم من الأول فيكون الامر بالفعل نظير امر الطبيب للارشاد إلى ما هو الأصلح
بحال المكلف واما إذا كانت الفائدة عائدة إلى غيره فلا يوهن ظهوره في كونه مولويا بل يؤكده كمالا يخفى وجهه و [ح] يشكل ترخيص
العقل جواز المخالفة ما لم يستظهر من الدليل رضا المولى بترك المأمور به ودعوى استفادته من هذا الخطاب ممنوعة جدا نعم
لا نتحاشى عن استشمام رائحة الاستحباب بل استشعاره من هذا النسخ من الاخبار المعللة بنزول الملائكة أو الرحمة أو وفور الاجر ونحوها
لكن لا يكفي ذلك في ترخيص العقل ترك امتثال الامر الصادر من المولى لا على جهة الارشاد خصوصا في مثل المقام الذي يكون بيان
الفائدة لطفا في امتثال المأمور به فان أحد الا يقدم على تفويت هذه الفائدة العظمى على الميت بهذا العمل اليسير في هذا المضيق خصوصا
أهله وأقاربه فالانصاف ان القول بالوجوب بالنظر إلى ظاهر هذه الرواية مع أنه أحوط لا يخلو عن قوة واستدل له أيضا بمصححة سليمان بن
خالد قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إذا مات لأحدكم ميت فسبحوه تجاه القبلة وكذلك إذا غسل يحفر له فيكون مستقيلا بباطن قدميه و
وجهه إلى القبلة * (وفيه) * ان ظاهره الامر بالتسجية تجاه القبلة بعد الموت فتكون مستحبة إذ لا قائل بوجوبه كما يؤيده عطف قوله (ع) وكذلك
إذا غسل إلى آخره ودعوى ان المراد من قوله إذا مات إذا اشرف على الموت غير مسموعة إذ ليس ارتكاب هذا التجوز أولى من حمل الامر على
الاستحباب خصوصا مع أن المأمور به هو التسجية تجاه القبلة ولا قائل بوجوبه على الظاهر وتوهم عدم منافاة استحباب التسجية وجوب
الاستقبال * (مدفوع) * بأنه بعد ان علم أن الامر بالتسجية للاستحباب لم يبق لقوله (ع) تجاه القبلة ظهور في الوجوب مع كونه من متعلقات
ذلك المأمور به المحمول على الاستحباب * (و) * استدل له أيضا بموثقة معاوية بن عمار قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الميت فقال استقبل بباطن
قدميه القبلة * (وفيه) * ان الاستدلال بها بعد الاغماض عن مثل المناقشة المتقدمة في الرواية السابقة انما يتم لو كان السؤال عن حكم الميت
وهو غير معلوم لجواز ان يكون السؤال عن كيفية الاستقبال وعلى هذا التقدير لا ينعقد للجواب ظهور في الوجوب كمالا يخفى وجهه وبهذا
ظهر لك امكان الخدشة في الروايات الواردة في كيفية الاستقبال مثل رواية إبراهيم الشقري وغير واحد عن الصادق (ع) قال في توجيه الميت
يستقبل بوجهه القبلة ويجعل قدميه مما يلي القبلة * (و) * رواية زريح عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال وإذا وجهت الميت للقبلة فاستقبل بوجهه
القبلة لا تجعله معترضا كما يجعل الناس فاني رأيت أصحابنا يفعلون ذلك وقد كان أبو بصير يأمر بالاعتراض أخبرني بذلك علي بن أبي حمزة الحديث
فان ورودها في مقام بيان كيفية الاستقبال يمنع ظهورها في إرادة الوجوب التعبدي كساير الأوامر المتعلقة بالاجزاء وشرائط العبادات
نعم لا يتطرق في هذه الروايات الخدشة المتقدمة في رواية سليمان بن خالد من ظهورها في إرادة ما بعد الموت فان المتبادر من هذه الروايات
إرادة الاستقبال المعهود المتعارف حين الاحتضار والله العالم ثم إن مفاد المرسلة المتقدمة انما هو وجوب استقبال المحتضر إلى أن يقبضن
فإذا قبض سقط وجوبه فلا يجب استمراره مستقبلا ولا استقباله ابتداء ان لم يكن للأصل لكن الاحتياط بذلك ما لم ينقل من محله ممالا ينبغي
تركه بل لا يخلو القول بوجوبه بعد كون ابقائه مستقبلا هو المعهود لدى المتشرعية المنصرف إليه الأخبار الواردة في كيفية الاستقبال عن من وجه
كما يؤيده موثقة عمار في وجه وان كان الأوجه خلافه لكن لا ينبغي الارتياب في رجحانه كما يدل عليه رواية سليمان بن خالد المتقدمة فان المأمور
به فيها وان كان هو التسجية تجاه القبلة لكنه من قبيل تعدد المطلوب لعدم تقيد رجحان كل من التسجية والاستقبال بالاخر ويؤيد
ما رواه في الجواهر عن المفيد في ارشاده في وفاة النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي (ع) عند استحضاره فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك فامسح بها وجهك
ثم وجهني إلى القبلة وتول امرى إلى أن قال ثم قبض صلوات الله عليه ويد أمير المؤمنين (ع) اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها إلى وجهه
فمسحه بها ثم وجهه وغمضه ومد عليه ازاره الحديث لكن هذه الرواية مقتضاها عدم وجوب الاستقبال عند حدوث الموت بل عدم استحبابه
فتعارض المرسلة المتقدمة لكنها لا تصلح للحجية فضلا عن المكافئة عند المعارضة وان كان لا بأس بايرادها للتأييد أو لاثبات الحكم
المستحبي كما هو ظاهر ولعل المراد من امره صلوات الله عليه وآله بتوجيهه إلى القبلة ان يراقبه ويحسن مواجهتها بحيث لو انحرف بعض
أعضائه حال الموت عن القبلة بحيث لا ينافي الاستقبال الواجب لصرفه إليها بعده والله العالم ثم إنه لا فرق على الظاهر في وجوب
الاستقبال بين الصغير والكبير والذكور والإناث لقاعدة الاشتراك المعتضدة باطلاق فتاوى الأصحاب نعم لا يبعد القول بعدم وجوبه
بالنسبة إلى المخالف كما يقتضيه العلة المنصوصة في المرسلة والله العالم ولو تمكن المحتضر بنفسه من التوجه هل يجب عليه ذلك وجهان من كونه
أحد المكلفين الذين يجب عليهم ايجاد هذا الواجب الكفائي في الخارج بل كونه أولى من غيره ومن انصراف الأدلة عنه والله العالم و
يستحب للولي وغيره ممن حضره عند الموت تلقينه أي تفهيمه الشهادتين والاقرار بالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة (ع) الاثني عشر والأولى بل الأفضل تسميتهم
بأسمائهم واحدا بعد واحد وان كان الأظهر ان في تلقينه امامتهم وولايتهم اجمالا غنى وكفاية بل بتلقين الإمامة يستغنى عن الأولين
346

وان لم يتأد به وظيفة الاستحباب حيث إن الشهادة بإمامتهم وكونهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله شهادة اجمالية بان محمدا رسول الله كما أن هذه
أيضا شهادة اجمالية بأنه لا إله إلا الله فان التوحيد من اظهر أبنائه وأعظمها فيحصل بالاعتراف بامامة الأئمة ما هو الغرض الأصلي
المقصود بالتلقين من عدم خروجه من الدنيا بلا ايمان وبما أشرنا إليه يتوجه قول الباقر (ع) والصادق (ع) في خبري ابني مسلم والنجترى انكم
تلقنون أمواتكم عند الموت لا إله إلا الله ونحن نلقن موتانا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد قيل في توجيهه مالا يخفى ما فيه والا وجه ما أشرنا إليه
من أن الشهادة بان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله شهادة اجمالية بأنه لا إله إلا الله فيجوز الاجتزاء بها عنها وهذا بخلاف ما يلقنه الناس
فإنه لا يجديهم ما لم يضم إليه الشهادة بالرسالة * (وكيف) * كان فيدل على استحباب تلقين الشهادتين جملة من الاخبار منها رواية الحلبي
عن أبي عبد الله (ع) قال إذا حضرت الميت قبل ان يموت فلقنه شهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله و
رواية أبى خديجة عن أبي عبد الله (ع) قال مامن أحد يحضره الموت الا وكل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشككه في دينه حتى
يخرج نفسه فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يموتوا
* (وفيه) * دلالة على استحباب التكرار إلى أن يموت ورواية إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن ابائه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لقنوا موتاكم
لا إله إلا الله فان من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة * (و) * رواية جابر عن أبي جعفر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لقنوا موتاكم لا إله إلا الله
فإنها تهدم الذنوب الحديث ويدل على استحباب تلقينه الولاية أيضا جملة من الاخبار منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر (ع)
في حديث قال لو أدركت عكرمة عند موته لنفعته فقيل لأبي عبد الله (ع) بما ذا كان ينفعه قال يلقنه ما أنتم عليه ورواية أبي بصير عن أبي
جعفر (ع) قال كنا عنده فقيل له هذا عكرمة في الموت وكان يرى رأى الخوارج فقال لنا أبو جعفر (ع) انظروني حتى ارجع إليكم فقلنا نعم
فما لبث ان رجع فقال اما انى لو أدركت عكرمة قبل ان تقع النفس موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها ولكني أدركته وقد وقعت موقعها
فقلت جعلت فداك وما ذاك الكلام قال هو والله ما أنتم عليه فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة ان لا إله إلا الله
والولاية * (ورواية) *
أبى بكر الحضرمي قال قال أبو عبد الله (ع) والله لو أن عابد وثن وصف ما تصفون عند خروج نفسه ما طعمت النار من جسده شيئا وعن الكافي
بعد ذكر رواية أبى خديجة قال وفي رواية أخرى فلقنه كلمات الفرج والشهادتين وتسمى له الاقرار بالأئمة واحدا بعد واحد حتى ينقطع
عنه الكلام * (و) * يستحب أيضا تلقينه كلمات الفرج ويدل عليه مضافا إلى المرسلة المتقدمة اخبار مستفيضة * (منها) * صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع)
قال إذا أدركت الرجل عند النزع فلقنه كلمات الفرج لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم
سبحان الله رب السماوات السبع
ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين * (ورواية) * الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله
دخل على رجل من بني هاشم وهو يقضى فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله قل لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله
رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين فقالها فقال رسول الله الحمد لله الذي
استنقذه من النار وفي كشف اللثام بعد نقل الرواية قال وزيد في الفقيه وما تحتهن قبل رب العرش العظيم وسلام على المرسلين بعده
وفي الحدائق رواها عن الفقيه مرسلا إلى الصادق (ع) بزيادة وسلام على المرسلين ثم قال قال [ق] وهذه هي الكلمات الفرج ورواية عبد
الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (ع) قال كان أمير المؤمنين (ع) إذا حضر أحدا من أهل بيته
الموت قال له قل لا إله إلا الله الحليم الكريم
لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما بينهما ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين
فإذا قالها المريض قال اذهب فليس عليك بأس ومرسلة الصدوق قال قال الصادق (ع) ما يخرج
مؤمن من الدنيا الا برضا منه وذلك أن
الله يكشف له الغطاء حتى ينظر إلى مكانه من الجنة وما أعد الله له فيها وتنصب له الدنيا كأحسن ما كانت ثم يخير فيختار ما عند الله
ويقول ما اصنع بالدنيا وبلائها فلقنوا موتاكم كلمات الفرج ثم إن ما في الروايات من اختلال الترتيب واشتمال بعضها على بعض
الزيادات واختلاف بعض ألفاظها على ما في بعض النسخ غير ضائر فان الأظهر جواز العمل بجميع الروايات لعدم التنافي بينها فان من
الجايز ان يكون نفس الكلمات بنفسها كلمات الفرج بحيث لا يضرها تقديم بعض الفقرات على بعض كما أن من الجايز ان لا يكون ما في بعضها
من الزيادات أو اختلاف الألفاظ من المقومات والله العالم * (و) * يستحب أيضا تلقينه الدعاء بالمأثور * (ففي) * رواية أبى سلمة عن أبي عبد الله (ع)
قال حضر رجلا الموت فقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله ان فلانا قد حضره الموت فنهض رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه ناس من أصحابه حتى اتاه وهو مغمى عليه قال
فقال صلى الله عليه وآله يا ملك الموت كف عن الرجل حتى أسئله فأفاق الرجل فقال له النبي صلى الله عليه وآله ما رأيت قال رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا قال فأيهما كان
أقرب إليك فقال السواد فقال النبي صلى الله عليه وآله قل اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك واقبل منى اليسير من طاعتك فقال ثم أغمي عليه فقال صلى الله عليه وآله يا ملك
الموت خفف عنه حتى أسئله فأفاق الرجل فقال رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا قال فأيهما أقرب إليك فقال البياض فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
347

غفر الله لصاحبكم قال فقال أبو عبد الله إذا حضرتم ميتا فقولوا له هذا الكلام ليقوله وفي المرسل عن الصادق (ع) أنه قال اعتقل لسان
رجل من أهل المدينة فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له قل لا إله إلا الله فلم يقدر عليه فأعاد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقدر عليه وعند رأس الرجل
امرأة فقال لها هل لهذا الرجل أم قالت نعم انا أمه فقال لها أفراضية أنت عنه أم لا فقالت بل ساخطة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله فانى أحب ان
ترضى عنه فقالت قد رضيت عنه لرضاك يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له قل لا إله إلا الله
فقال لا إله إلا الله فقال قل يا من يقبل اليسير ويعفو
عن الكثيرا قبل منى اليسير واعف عنى الكثير انك أنت العفو الغفور فقالها فقال له ماذا ترى فقال أرى أسودين قد دخلا على فقال أعدها
فأعادها فقال ما ترى فقال قد تباعدا عنى ودخل أبيضان وخرج الأسودان فما أراهما ودنا الأبيضان منى الان يأخذان بنفسي فمات
من ساعته * (و) * عن حريز بن عبد الله عن أبي جعفر (ع) قال إذا دخلت على مريض وهو في النزع الشديد فقل له ادع بهذا الدعاء يخفف الله عنك
أعوذ بالله العظيم رب العرش الكريم من كل عرق نفار ومن شر حر النار سبع مرات ثم لقنه كلمات الفرج ثم حول وجهه إلى مصلاه الذي كان
يصلى فيه فإنه يخفف عنه ويسهل امره بإذن الله وأولى من تحويل وجهه كما في هذه الرواية نقله إلى مصلاه الذي كان يصلى فيه غالبا كما
يدل عليه رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال إذا عسر على الميت نزعه وموته قرب إلى مصلاه الذي كان يصلى فيه ورواية زريح
قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول قال علي بن الحسين (ع) ان أبا سعيد الخدري كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان مستقيما فنزع ثلاثة أيام فغسله
أهله ثم حمل إلى مصلاه فمات فيه * (ورواية) * ليث المرادي عن أبي عبد الله (ع) قال قال إن أبا سعيد الخدري قد رزقه الله هذا الرأي وانه اشتد
نزعه فقال احملوني إلى مصلاي فحملوه فلم يلبث ان هلك * (و) * رواية حريز قال كنا عند أبي عبد الله (ع) فقال له رجل ان أخي منذ ثلاثة أيام في النزع
وقد اشتد عليه الامر فادع له فقال اللهم سهل عليه سكرات الموت ثم امره وقال حولوا فراشه إلى مصلاه الذي كان يصلى فيه فإنه يخفف
عليه ان كان في اجله تأخير وان كانت منيته قد حضرت فإنه يسهل عليه إن شاء الله * (و) * عن كاشف اللثام وغيره تعميم مصلاه بحيث يعم ما يصلى
عليه ويمكن الاستدلال عليه بمضمرة زرارة إذا اشتد عليه النزع فضعه في مصلاه الذي كان يصلى فيه أو عليه بناء على كون الترديد من الإمام (ع)
كما يقتضيه الأصل ثم إن مفاد الأخبار المتقدمة بأسرها انما هو استحباب نقله إلى مصلاه إذا اشتد عليه النزع لا مطلقا كما عن جملة من
الأصحاب التصريح بذلك فما في المتن وغيره من الاطلاق لا يخلو عن نظر بل الأولى في غير الصورة المفروضة المنصوصة ابقائه على حاله وعدم
التعرض له بمسه قبل خروجه روحه فضلا عن نقله من مكانه كما يدل عليه ما رواه زرارة قال لما ثقل ابن الجعفر (ع) وأبو جعفر (ع) جالس في ناحية
فكان إذا أدنى منه انسان قال لا تمسه فإنه انما يزداد ضعفا واضعف ما يكون في هذه الحال ومن مسه على هذه الحال أعان عليه فلما قضى
الغلام امر به فغمض عيناه وشد لحياه الحديث ويستحب ان يكون عنده بعد موته مصباح في الليل وان مات في اليوم ولم يجهز إلى الليل لكن ظاهر
المتن وغيره ممن عبر كعبارته استحباب ذلك ان مات ليلا لا مطلقا الا انه يحتمل ان يكون القيد في كلامهم جاريا مجرى الغالب أو يكون مرادهم
بيان استحبابه حين حدوث موته ان كان في الليل من دون تعرض الحكم بقائه كما يؤيد ذلك ذكره في أحكام المحتضر ويشعر بعموم الحكم لديهم
تنصيص بعضهم على بقاء المصباح عنده إلى الصباح فإنه يشعر يكون المقصود عدم بقاء الميت في بيت مظلم وكيف كان فاستحباب وضع السراج
عنده في الجملة هو المشهور نقلا وتحصيلا كما في الجواهر بل عن جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه وكفى بذلك
دليلا لاثبات الاستحباب مسامحة مضافا إلى كونه في العرف والعادة تعظيما واحتراما للميت وهو ممالا شبهة في رجحانه شرعا وربما يستدل
له برواية سهل بن زياد عن عثمان بن عيسى عن عدة من أصحابنا قال لما قبض أبو جعفر (ع) امر أبو عبد الله (ع) بالسراج في البيت الذي كان
يسكنه حتى قبض أبو عبد الله (ع) ثم امر أبو الحسن (ع) بمثل ذلك في بيت أبى عبد الله (ع) حتى اخرج به إلى العراق ثم لا ادرى بما كان فإنه
يفهم منه استحباب وضع السراج عنده في الليل الذي قبض فيه بالفحوى أو التضمن * (و) * فيه بعد الغض عن عدم اقتضائه ثبوت الحكم فيما
لو مات في ما عدا البيت الذي كان يسكنه انه انما يتجه الاستدلال بالرواية لو استفدنا منها استحباب وضع السراج في بيت كل أحد بعد
موته كما وضعه أبو جعفر (ع) وكذا أبو الحسن لأبيه عليهم السلام لكنه في حين المنع لجواز اختصاص الاستحباب بوضع السراج في بيت مثل
أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام لا مطلقا لا لدعوى كون الحكم من الخواص حتى ينفيه أصالة الاشتراك بل لان وجه العمل بحسب الظاهر
هو تعظيم من عظمه الله وأحب ان يبقى اسمه ولا ينمحي رسمه فيختص رجحانه شرعا بمن كان حقيقا لهذا النحو من التعظيم لا بالنسبة إلى ساير
الناس ممن لا يستحق هذا النحو من التعظيم لا عرفا ولا شرعا بل ربما يعد في نظر أهل العرف وضع السراج في بيت أغلب الاشخاص
الذين لا يعدون لديهم من العظماء الذين يستحسن لهم هذا النحو من الاحترام سفها وسرفا محضا وكيف كان فلا يمكن استفادة استحباب
وضع السراج في بيت الميت مطلقا فضلا عما نحن فيه من مثل هذا الفعل فإن كان ولابد من التأسي بالأئمة (ع) فليتأس بهم في فعلهم
بالنسبة إلى سائر من مات في بيتهم مع أنه لم يعهد عنهم وضع السراج في بيت سائر موتاهم فيفهم من ذلك اختصاص رجحانه في حق من
348

كان بقاء رسمه محبوبا عند الله [تع‍] ولا يبعد ان يكون نوابهم الكرام أعني علماء الاعلام رضوان الله عليهم منهم والله العالم ويستحب
أيضا ان يكون عنده حال الاحتضار وكذا بعد الموت من يقرء القرآن للتبرك واستدفاع الكرب والعذاب قال في محكى الذكرى ويستحب
قراءة القرآن بعد خروج روحه كما يستحب قبله استدفاعا عنه انتهى لكن لم يصل الينا من الاخبار ما يدل على استحباب قراءة مطلق القران
في شئ من الموردين بعنوانهما المخصوص بهما نعم روى الامر بقراءة القران في الجملة حال النزع ففي كشف اللثام بعد الحكم باستحباب قراءة القرآن
عنده قبل الموت وبعده قال روى أنه يقرء عند النازع اية الكرسي واتيان بعدها ثم اية السحرة ان ربكم الله الذي خلق السماوات
إلى اخرها ثم ثلث آيات من اخر البقرة لله ما في السماوات وما في الأرض إلى اخرها ثم تقرء سورة الأحزاب وعنه صلى الله عليه وآله من قرء سورة
يس وهو في سكرات الموت أو قرئت عنده جاء رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة فسقاها إياه وهو على فراشه فيشرب فيموت
ريان ويبعث ريان ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء وعنه صلى الله عليه وآله أيما مسلم قرء عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف
منها عشرة املاك يقومون بين يديه صفوفا يصلون عليه ويستغفرون له ويشهدون غسله ويتبعون جنازته ويصلون عليه ويشهدون
دفنه وعن سليمان بن جعفري قال رأيت أبا الحسن (ع) يقول لابنه ألقم قم يا بنى فاقرأ عند رأس أخيك والصافات صفا حتى تتمها فقرأ فلما
بلغ أهم أشد خلقا أم من خلقنا قضى الفتى فلما سجى وخرجوا اقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له كنا بعهد الميت إذا نزل به الموت يقرء
عنده يس والقران الحكيم فصرت تأمرنا بالصافات صفا فقال يا بنى لم تقرء عند مكروب من موت قط الا عجل الله راحته والامر بالاتمام
يتضمن القراءة بعد الموت * (و) * عن النبي صلى الله عليه وآله من دخل المقابر فقرء يس خفف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات انتهى * (أقول) *
لا يبعد استفادة استحباب مطلق القراءة في كلتا الحالتين من مثل هذه الأخبار مع أنه يكفي في ذلك فتوى مثل الشهيد وغيره من كبراء
الأصحاب خصوصا مع معلومية استحبابها مطلقا ورجحان التوسل بها في الشدائد وشدة مناسبتها في الحالتين ومعهودية القراءة
عند الجنائز لدى المتشرعة وغيرها من المؤيدات والمناسبات المقتضية للاستحباب فلا ينبغي الاستشكال فيه بعد البناء على المسامحة
والله العالم وإذا مات غمضت عيناه وأطبق فوه والأولى بل الأحوط كونه بشد لحييه ففي رواية أبى كهمش قال حضرت موت إسماعيل وأبو
عبد الله (ع) جالس عنده فلما حضره الموت شد لحييه وغمضه وغطى عليه الملحفة ويدل عليهما أيضا رواية زرارة المتقدمة ويحتمل كون كل من اطباق
فيه وشد لحييه مستحبا مستقلا كما هو ظاهر المحكى عن بعض حيث جمعوا بين الامرين لكن يستغنى بشد لحييه عن اطباق فيه غالبا لحصوله به ومدت
يداه في الجواهر بلا خلاف أحد في استحبابه بل نسبه جماعة إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الاجماع عليه انتهى ويؤيده غيره من الآداب المذكورة
في المقام معروفيته لدى المتشرعة واستقرار سيرتهم عليه وغطى بثوب كما في رواية أبى كهمش المتقدمة وقد روى أن النبي صلى الله عليه وآله سجى بحبرة وقد امر
الصادق (ع) بالتسجية تجاه القبلة في خبر سليمان بن خالد المتقدم ويعجل تجهيزة في الجواهر اجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا كالنصوص بل هي
ظاهرة في الوجوب الا انها حملت على الاستحباب لما عرفت من الاجماع مع الطعن في أسانيدها فلا اشكال في الاستحباب انتهى * (أقول) * بل يلوح
من بعض اخبارها أيضا رائحة الاستحباب * (ففي) * رواية جابر عن أبي جعفر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما معشر الناس لا الفين رجلا مات له
الميت ليلا فانتظر به الصبح ولا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها عجلوا بهم إلى
مضاجعهم يرحمكم الله قال الناس وأنت يا رسول الله يرحمك الله * (و) * مرسلة الصدوق قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله كرامة الميت تعجيله
* (ورواية) * السكوني عن الصادق (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا مات الميت أول النهار فلا يقيل الا في قبره * (و) * رواية جابر قال قلت لأبي جعفر (ع)
إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت صلاة المكتوبة فبأيهما ابدء فقال عجل الميت إلى قبره الا ان يخاف ان يفوت وقت الفريضة ولا تنتظر
بالصلاة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها * (ورواية) * عيص عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع) قال إذا مات الميت فخذ في جهازه وعجله الحديث
الا ان يكون حاله مشتبهة بالموت وعدمه فلا يعجل [ح] بل يحرم ذلك قطعا ما لم يعلم موته فيستبرء عند الاشتباه بعلامات الموت المفيدة
للعلم وقد ذكروا للموت علائم كثيرة مثل استرخاء رجليه وانفصال كفيه وميل انفه وامتداد جلده ووجهه وانخساف صدغيه وتقلص أنثييه
إلى فوق مع تدلى جلده وغير ذلك من الأشياء المعروفة عند الأطباء الا انه لا يجوز الالتفات إلى شئ منها ما لم يورث العلم بموته إذ
لا يجوز الاقدام على دفن النفوس المحترمة ما لم يعلم موتها ضرورة فلابد اما من استكشاف موته بالأمور المعروفة عند العرف والأطباء
بحيث لم يبق معها احتمال الحياة احتمالا عقلائيا وان كان بعيدا أو يصبر عليه إلى أن يتغير ريحه أو يمضى عليه ثلاثة أيام فعند حصول
أحد الامرين ينتفى احتمال حياته عادة فإنه لا يتغير ريحه بمقتضى العادة الا بعد موته واما مضى الثلاثة فهو بنفسه سبب عادى الموت مثل هذا
الشخص المشتبه الحال فلا يبقى عنده احتمال حياته بمقتضى العادة فان بقي في النفس مع ذلك شئ فهو من وساوس الصدور لا ينبغي الاعتناء
به الا ان يكون احتمالا مسببا عن منشأ عقلائي كما لو أمكن عادة في خصوص مرضه بقائه أياما بهذه الكيفية أو احتمل كون نتن ريحه
349

لقرحة في ظاهر بدنه أو باطنه مثلا فيجب الصبر عليه [ح] إلى أن يعلم حاله لكن الفرض بحسب الظاهر مما يندر وقوعه بل لا يكاد يتحقق في الخارج
فان الاشتباه يرتفع غالبا بالصبر عليه ثلاثة أيام بل ربما يتبين امره بمضي يومين وعليه ينزل موثقة عمار الساباطي عن الصادق (ع) قال
الغريق يحبس حتى يتغير ويعلم انه قد مات ثم يغسل ويكفن قال وسئل عن المصعوق فقال إذا صعق حبس يومين ثم يغسل ويكفن وقد
يتوهم كون مضى ثلاثة أيام طريقا تعبديا لاحراز الموت كما يشعر به ظاهر المتن وغيره لما رواه هشام بن الحكم عن أبي الحسن (ع) في المصعوق
والغريق قال ينتظر به ثلاثة أيام الا ان يتغير قبل ذلك وفي خبر علي بن أبي حمزة قال أصاب الناس بمكة سنة من السنين صواعق كثيرة مات
من ذلك خلق كثير فدخلت على أبى إبراهيم (ع) فقال مبتدأ من غير أن أسئله ينبغي للغريق والمصعوق ان يتربص بهما ثلاثا لا يدفن الا ان
يجئ منه ريح تدل على موته قلت جعلت فداك كأنك تخبرني انه قد دفن ناس كثير احياء فقال نعم يا علي
قد دفن ناس كثير احياء ما ماتوا
الا في قبورهم * (و) * رواية إسحاق بن عمار قال سئلته يعنى أبا عبد الله (ع) عن الغريق أيغسل قال نعم ويستبرء قلت وكيف يستبرء قال يترك
ثلاثة أيام قبل ان يدفن وكذلك أيضا صاحب الصاعقة فإنه ربما ظنوا انه مات ولم يمت * (و) * يدفعه ظهور الاخبار في كونها مسوقة لبيان
وجوب الصبر عليه عند الاشتباه إلى ثلاثة أيام حتى يرتفع الاشتباه على ما يقتضيه العادة فليست الاخبار الا جارية مجرى العادة
وليس فيها اشعار أصلا بكون الثلاثة أيام طريقا تعبديا محضا بل لا ينبغي الارتياب في عدم رضا الشارع بالاقدام على دفن النفوس
المحترمة عند احتمال حيوتها كما عليه يبتنى الامر بالصبر في جميع هذه الأخبار فلا ينبغي التشكيك في دوران جواز الدفن مدار العلم
بالموت ولذا علقه عليه في موثقة عمار المتقدمة فقال حتى يتغير ويعلم انه قد مات وأطلق الامر بالانتظار * (في رواية) * عبد الخالق
قال قال أبو عبد الله (ع) خمس ينتظر بهم الا ان يتغيروا الغريق والمصعوق والمبطون والمهدوم والمدخن ويكره ان يطرح على بطنه
حديد كما عن المشهور بل عن الخلاف دعوى الاجماع على كراهة وضع الحديد على بطن الميت مثل السيف وعن الشيخ في التهذيب انه سمعناه
من الشيوخ مذاكرة وكفى بذلك دليلا في مثل المقام بعد البناء على المسامحة ويؤيده مخالفته للمنقول من الشافعي من الاستحباب
بل عن المقنعة نسبة طرح الحديد عليه إلى العامة وعن بعض الأصحاب الحاق غير الحديد به في كراهة وضعه على بطن الميت ولم يظهر مستنده
ثم إن ظاهر كلماتهم ومعقد اجماع الخلاف انما هو كراهته بعد الموت لاقبله حين الاحتضار والله العالم ويكره ان يحضره جنب أو حايض
بلا خلاف فيه بين الأصحاب على ما في الحدائق كما يدل عليه * (رواية) * علي بن حمزة قال قلت لأبي الحسن (ع) المرأة تقعد عند رأس المريض في
حد الموت وهى حايض قال لا بأس ان تمرضه فإذا خافوا عليه وقرب ذلك فلتنح عنه وعن قربه فان الملائكة تتأذى بذلك * (ورواية) * يونس بن
يعقوب عن أبي عبد الله (ع) قال لا تحضر الحائض الميت ولا الجنب عند التلقين ولا بأس ان يليا غسله * (و) * عن علل الصدوق مرفوعا إلى الصادق (ع)
قال لا تحضر الحائض والجنب عند التلقين لان الملائكة تتأذى بهما ثم إن ظاهر الروايات بقرينة التعليل الواقع فيها كصريح الأصحاب
فيما هو المشهور بينهما انما هو كراهة حضورهما فما عن ظاهر الهداية والمقنع من الحرمة لتعبيرهما بنفي الجواز ضعيف ولا يبعد ارادتهما بذلك
الكراهة والله العالم ثم إن مفاد الاخبار كظاهر الأصحاب انما هو كراهة الحضور حين الاحتضار لا بعد الموت بناء على أن يكون المراد من
التلقين هو تلقين الشهادتين وغيرهما مما يستحب حال الاحتضار لا التلقين بعد الدفن كما يؤيده رواية علي بن أبي حمزة وكذا سبق ذكره
على حكم الغسل في رواية يونس بل فيها كما تريها التصريح بنفي البأس عن أن يليا غسله لكن عن الفقه الرضوي بعد نفى البأس عن أن يليا
غسله ويصليا عليه قال ولا ينزلا قبرة * (و) * عن الخصال بسنده عن جابر الجعفي عن جعفر عن أبيه (ع) قال لا يجوز للمرأة الحائض والجنب الحضور عند
تلقين الميت لان الملائكة تتأذى بهما ولا يجوز لهما ادخال الميت قبره الا انه صرح في الحدائق والجواهر بعدم العامل بظاهر هذين الخبرين
بل ظاهر كلام الأصحاب جواز ادخالهما قبره من دون كراهة * (أقول) * ومع ذلك لو قيل بالكراهة لهاتين الروايتين لكان أوفق بقاعدة
التسامح والله العالم * (الثاني) * من الأحكام الخمسة في التغسيل وهو فرض بلا شبهة نصا واجماعا بل عدة شيخنا المرتضى [ره] من ضروريات
الدين لكنه على الكفاية بلا خلاف بين أهل العلم كما عن المنتهى وكذا ساير أحكامه الواجبة من تكفينه ودفنه والصلاة عليه باجماع العلماء
كما عن التذكرة ومذهب أهل العلم كافة كما عن المعتبر وبلا خلاف كما عن الغنية قال شيخنا المرتضى [ره] بعد نقله الاجماعات المتقدمة
وهى الحجة بعد ظهور جملة من الأخبار الواردة في جملة من أحكام الميت دون ما يقال من انا نعلم أن
مقصود الشارع وجود الفعل لا عن
مباشر معين فان ذلك لا يثبت الا سقوط الواجب بفعل أي مباشر كان وهذا لا يوجب الوجوب الكفائي على جميع المباشرين لان غير
الواجب قد يسقط به الواجب ولذا يسقط وجوب الاستقبال بالميت بفعل صبي بل بهيمة أو ريح عاصف بل صرح جماعة بجواز تغسيل الصبي المميز
للميت و [ح] فيحتمل ان يكون أمور الميت واجبة على بعض مستحبة على اخر ويسقط الواجب بفعلهم مع أنها مصادرة في مقابل من يقول بوجوبها
على الولي عينا فان امتنع فعلى غيره كفاية كما اختاره في الحدائق انتهى وفيه ان فرض احتمال وجوبها على بعض واستحبابها على آخرين
350

وسقوط الواجب بفعلهم ينافي العلم بان المقصود الشارع وجود الفعل لا عن مباشر معين كما ادعاه المستدل ضرورة استقلال العقل
بوجوب ايجاد ما أدرك محبوبية حصوله في الخارج شرعا أو عدم رضا الشارع بعدمه من دون ان يكون لآحاد المكلفين بخصوصياتها
الشخصية مدخلية في حسنه ومطلوبيته الا ترى استقلال العقل بوجوب حفظ النبي أو الوصي أو غيره مما علم مطلوبية حصوله في الخارج
من حيث هو على كل مكلف ولا ينافيه سقوط التكليف بحصول المقصود بفعل غير المكلف بل هذا هو الشان في ساير الواجبات عينية
كانت أم كفائية لاستحالة بقاء الطلب بعد حصول متعلقه في الخارج كما عرفت تحقيقه في مبحث النية في الوضوء ولا يمنع هذا استقلال
العقل بوجوب مثل الفرض كفاية على كل أحد * (لا يقال) * انا نرى بالوجدان انه ربما يريد المولى شيئا ولا يتعلق غرضه الا بحصوله في الخارج من
حيث هو ومع ذلك لا يكلف بايجاده الا بعض عبيده اما لكونه أحد الافراد والخصوصية فيه مقتضية الطلب الفعل منه دون غيره كانحطاط
الرتبة ونحوه من الخصوصيات الموجبة لتوجيه الطلب إليه بالخصوص * (لأنا نقول) * اما الفرض الأول فلا يخرجه من كونه واجبا كفائيا بل
يجب على ساير العبيد أيضا ايجاده كفاية إذا علموا قصد المولى وان توجيه طلبه إلى بعض لكونه أحد الافراد لا لخصوصية فيه فلو عصى هذا
البعض أو تركه نسيانا مثلا ليس لغيره تركه معتذرا بعدم توجه الخطاب بعد علمه بالواقع إذ لا يدور حسن العقاب مدار توجيه الخطاب اللفظي
كما تقرر في محله واما الفرض الثاني فهو خلاف ما فرضه المستدل من انا نعلم أن مقصود الشارع وجود الفعل لا عن مباشر معين فان محبوبية
الفعل بضميمة الخصوصية المفروضة اقتضت تعلق غرضه بايجاد البعض بالخصوص فالانصاف انه لاوجه للخدشة في الاستدلال من هذه
الجهة نعم على المستدل في مقام الاستدلال والزام الخصم إقامة البنية على ما ادعاه من العلم وكفى له دليلا ما استدل به شيخنا [قده] للوجوب
الكفائي من ظهور جملة من الأخبار الواردة في جملة من أحكام الميت في ذلك فان دلالتها على الوجوب الكفائي ليس الا من حيث ظهورها في
وجوب الفعل وعدم تعينه على شخص خاص فان مقتضاه وجوب خروج جميع المكلفين من عهدته ما لم يوجد في الخارج فإذا وجد بفعل بعض
المكلفين بل ولو بفعل غير المكلف ارتفع التكليف عن الكل وهذا هو معنى الواجب الكفائي مطلقا فيفهم من هذه الأخبار ولو بضميمة فتوى
الأصحاب واجماعهم كون ساير أحكام الميت من هذا القبيل بل لا مجال للتشكيك في ذلك بعد التتبع في الاخبار بل من نظر إليها بعين التدبر
لرأى جل ما ورد في هذا الباب من الآداب واجباتها ومسنوناتها ليس المقصود بالامر فيها الا حصول متعلقاتها وعدم حرمان الميت عن
فائدتها من أي شخص يكون بل لا يفهم من الأوامر الواردة في هذا الباب الموجهة إلى شخص خاص ولو ولى الميت الا إرادة ذلك الا ترى هل يتوهم
متوهم من قول النبي صلى الله عليه وآله في الرواية المتقدمة في آداب المحتضر وجهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة الحديث الا إرادة هذا
المعنى وعدم توقفا لفائدة المعلل بها على صدور الفعل منهم بالخصوص لخصوصيتهم من كونهم أقارب أو اهلا للميت المقتضى لاختصاص التكليف
بهم وعدم محبوبية صدور الفعل من غيرهم وكيف كان فوجوب غسل الميت وساير أحكامه التي تقدمت الإشارة إليها كفاية على عامة المكلفين مما
لا ينبغي الارتياب فيه بل الظاهر كما هو المصرح به في كلام جمع الاجماع عليه وخلاف صاحب الحدائق كما ستعرفه [انش‍] مما لا يلتفت إليه بعدما عرفت ثم
لا يخفى عليك ان هذا أعني وجوب شئ كفاية على عامة المكلفين لا ينافي أحقية بعضهم من بعض في ايجاد هذا الواجب بان يكون له الولاية عليه من
قبل الشارع مثلا لو وجب كفاية حفظ الثغور وامامة الجماعة لصلاة الجمعة ولم يرد الشارع من الامر بهما الا حصولهما في الخارج فلا مانع عقلا
ولا عرفا في أن يجعل الشارع لمن كان في الأزمنة السابقة مثلا مشغولا بشئ منهما أو كان ذلك شغلا لايائه أو غير ذلك من الخصوصيات
المقتضية للأولوية حقا بالنسبة إليه بان يكون له ان يتقدم في ايجاد الفعل أو يقدم من أحب من دون ان يتعين عليه الفعل مباشرة أو
تسبيبا ضرورة ان الزامه بالفعل يناقص كون اختياره وتقدمه لايجاد الفعل حقا له وهذا لا ينافي وجوبه الكفائي وانما يظهر اثره عند
ترك الجميع للفعل فإنهم يستحقون العقاب بذلك فيجب على الجميع بحكم العقل تحصيل الوثوق بحصول الواجب في الخارج لكن لا يجوز لاحد
المبادرة إلى فعله قبل ان يرفع صاحب الحق يده عن حقه والا فيكون عاصيا فيفسد عمله لو كان عبادة * (توضيح) * المقام انه إذا علم تعلق إرادة
المولى إرادة حتمية بحصول امر مقدور لعبيده من دون أن تكون خصوصيات اشخاص العبيد ملحوظة فيما تعلقت به ارادته يستقل الفعل
بوجوب ايجاده على الجميع وعدم معذوريتهم في تركه وجواز مؤاخذة الكل بذلك بعد اطلاعهم على مراده لكن لا يخفى ان تعلق الوجوب
بالفعل في مثل الفرض ليس الا على نحو تعلقت به إرادة المولى فيصير الفعل واجبا على الجميع لا على كل واحد واحد بالخصوص ولذا نسميه واجبا
كفائيا لا عينيا فيكون حال الاشخاص [ح] حال الأزمنة في الواجب الموسع فيجوز لكل واحد واحد لذاته الاتيان بالفعل والترك من دون
ان يتعين عليه أحدهما لكن جواز الترك له ليس كجواز الفعل مطلقا بل هو مشروط بحصول الفعل من غيره إذ لولاه لم يجز له الترك لأن المفروض
جواز مؤاخذة الكل عليه فيجب عليه عقلا اما ايجاد الفعل أو تحصيل الوثوق بحصوله من غيره إذ لولاه لاحتمل العقاب على الترك فلا يبيحه العقل
هذا فيما إذا لم يكن الفعل مطلقا مزاحما لحق الغير واما لو كان ذلك كما لو توقف حصوله على التصرف في ملك الغير أو كان للغير مثلا حق
351

الاستباق والتولية كما هو المفروض فيما نحن فيه فليس له [ح] ايجاد الفعل أيضا [مط] بل له ذلك عند عدم مزاحمته لحق الغير بان اذن له أو اسقط
حقه أو امتنع عن ايجاد الفعل وترخيص الغير على وجه لو روعى حقه لفات الواجب فان هذا أيضا كاسقاط الحق مسقط له والا للزم ان لا يكون
حصوله من حيث هو مطلوبا من الجميع مطلقا من دون مدخلية الاشخاص بخصوصياتها كما هو المفروض حيث لم يرده المولى في مثل الفرض من
غير الولي والا للزم اجتماع الامر والنهى وهو باطل بديهة فله [ح] اما اختيار الترك بعد احراز كفاية الغير عن فعله أو ايجاد الفعل بعد العلم
بعدم مزاحمته لحق الغير اما لسقوطه بالتفريط والامتناع عن الفعل أو باسقاطه أو الرخصة في الفعل وليس احراز هذا الشرط امرا
غير مقدور للمكلف حتى يكون اشتراط جواز الفعل به عند عدم الا من من تبعة العقاب بالترك موجبا للتكليف بمالا يطاق فإنه يحرز ذلك
بمراجعة صاحب الحق فان تقدم بنفسه أو قدم من أحب ممن يصدر منه الفعل فهو وان امتنع عن الفعل وتقديم الغير بحيث استكشف
من حاله ولو بسبب ضيق الوقت انه لو أوكل الامر إليه لفات الواجب فقد سقط حقه ويكفى في ذلك الظن بالاهمال والتفويت عند تعذر
العلم بل يكفي الاحتمال عند تعذر الظن بعد العلم بأهمية الواجب وعدم معذورية أحد في تركه * (والحاصل) * انه لا يجوز رفع اليد عن عموم
ما دل على حرمة التصرف في ملك الغير بمجرد توقف ايجاد واجب كفائي كحفظ نفس محترمة عليه إذا أمكن حصوله من المالك أو مأذونه
فان تخصيص أحد الدليلين بالاخر في مثل الفرض انما هو بقرينة العقل فإذا أحرز العقل كون الواجب أهم في نظر الشارع حكم بجواز التصرف
في ملك الغير على تقدير عدم قيام المالك أو مأذونه بذلك لا مطلقا وقد يتوهم في مثل الفرض ان مقتضى القاعدة تخصيص الواجب الكفائي
بالمالك ومأذونه دون من عداهم إذ لا يزاحم الوجوب الكفائي الحرمة العينية فلا يجب على من عداهم الا مشروطا * (ويدفعه) * ان كونه مالكا حق له
لا عليه فلا يقتضى قصر الوجوب عليه فحاله بالنسبة إلى ايجاد الواجب ليس الا كحال غيره فلا مقتضى للتصرف في ما دل على وجوب الشئ كفاية
على عامة المكلفين وانما يقتضى كونه مالكا أحقيته في ايجاد الفعل بمعنى سلطنته على منع الغير بشرط ايجاده للفعل وعلى تقدير تركه ليس له
هذا المنع لأن المفروض كون الواجب أهم في نظر الشارع من ترك التصرف في ملك الغير وبهذا ظهر لك انه لا يجب عليه الاذن أيضا بان
يكون أحد الامرين واجبا تخييريا شرعيا عليه بل له ان يقول اما حالي في ايجاد الواجب فليس الا كحال غيرى واما الاذن في التصرف في مالي
فلا ارضى الا بحكم الله [تع‍] لكن عرفت ان حكم الله تعالى في مثل الفرض لا يعقل ان يكون الا عدم سلطنته على منع الغير على تقدير عدم
ايجاده للفعل فله عدم الإذن لكن لا يتوقف جواز الفعل على اذنه [ح] والا فلا يكون واجبا كفائيا على الكل وهو خلاف الفرض وقد ظهر
لك مما ذكرنا ضعف ما قد يقال في أحكام الميت من أنه إذا امتنع الولي عن الفعل والاذن ينتقل ولايته إلى الحاكم لأنه ولى الممتنع وهذا بخلاف
ما لو رفع اليد عن حقه وأسقطه فيجوز [ح] ايجاد الفعل لكل أحد من دون توقفه على الاذن * (توضيح) * ضعفه بعد الغض عن أن ولاية الولي
من الحقوق المتقومة بشخص الولي الممتنع تحققها بفعل الغير من دون رضاه حتى يمكن استيفائها بفعل الحاكم ان الحاكم انما يكون وليا
على من يمتنع عن حق الغير لا عن حق نفسه الذي جعله الله [تع‍] له من دون الزام فان امتناعه [ح] بالحق لا عن الحق فلا يتولاه الحاكم نعم لو تعين
عليه أحد الامرين من الفعل والاذن بان كان أحدهما على سبيل البدل واجبا عليه عينا لا كفاية لاتجه [ح] القول بان الحاكم يجبره على أحدهما لا انه
يتولى الاذن من دون رضاه لكن يخرج الفرض [ح] مما هو المفروض من كونه واجبا كفائيا وان الولاية حق له لا عليه وعلى هذا التقدير فلا يقبل
الاخبار ولا ولاية الحاكم كما عرفت [فح] ان توقف صحة فعل الغير على اذن صاحب الحق وعدم جواز ايجاده من دون رضاه للزم ان يكون وجوبه
أيضا مشروطا بذلك والا للزم توقف الواجب المطلق على مقدمة مقدورة لغير المكلف منوطة باختياره من دون ان يتعين عليه ذلك وهو محال
وان لم يكن مشروطا به فمعناه سقوط حقه وعلى أي التقديرين فلا مقتضى لاذن الحاكم * (هذا) * مع أنه إذا لم يوجب الشارع عليه أحد الامرين
بل جعل له اختيارهما من دون الزام كيف يتعين على الحاكم الذي هو وليه أحد الامرين فله أيضا ان لا يأذن للغير * (فليتأمل) * إذا عرفت ما ذكرنا
من امكان كون بعض من وجب عليه الفعل كفاية أحق ممن عداه في ايجاد الواجب * (فنقول) * كل ما هو الواجب في هذا الباب من تغسيل الميت
وتكفينه ودفنه والصلاة عليه من هذا القبيل وان أولى الناس به في جميع ذلك من هو أولاهم بميراثه بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن جامع
المقاصد ان الظاهر أنه اجماعي وعن الخلاف وظاهر المنتهى دعوى الاجماع عليه واستدل له بعموم قوله [تع‍] وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض و
عن المحقق الأردبيلي قدس سره ان الآية لا دلالة فيها أصلا وفيه ان حذف المتعلق يفيد العموم فلا قصور في دلالة الآية أصلا بعد اثبات كون
مباشرة هذه الأفعال وولايتها من الحقوق وعدم كونها مجرد الحكم التكليفي كما يشهد له جملة من الاخبار التي يتم الاستدلال بها بنفسها
للمطلوب ويؤيده قضاء العرف بذلك حيث يذمون من باشر هذه الأفعال من دون رضا أولياء الميت بل لا يرتابون في أولوية أولياء الميت
بالنسبة إلى هذه الأفعال بحيث لو أراد الولي المباشرة لحكموا بقبح مزاحمته فمن جملة الأخبار الدالة عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر السكوني
إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها ان قدمه ولى الميت والا فهو غاصب وهذه الرواية كما تريها صريحة في كون
352

الصلاة على الميت من الحقوق التي يتعلق بها الغصب كالأموال وخبر أبي بصير عن المرأة تموت من أحق ان يصلى عليها قال الزوج أحق من الأب
والولد قال نعم وخبر إسحاق بن عمار الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها وفي خبر غياث بن إبراهيم الرزامي أبي عبد الله (ع) عن أبيه عن علي عليه السلام
قال يغسل الميت أولى الناس به وليس المراد تعين الفعل عليه بل اثبات حق له كما يشهد به ما في ذيل الرواية على ما ارسله في الفقيه عن أمير المؤمنين (ع)
أنه قال يغسل الميت أولى الناس به أو من يأمره الولي بذلك فان التعبير بلفظ الامر من أقوى الشواهد على إرادة اثبات الحق له واعتبار اذنه
في جواز فعل الغير إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في صلاته وغيرها من أحكامه الدالة على اعتبار اذن الولي في جواز الاقدام على الفعل
فيستفاد من مجموعها كون مباشرة الافعال حقا له هذا ولكن الانصاف ان هذه المؤيدات كلها لا يكفي في جبر قصور الآية عن الدلالة لكن
فيما عداها مما عرفت بعد اعتضادها بفتوى الأصحاب كفاية ثم إن المراد بالولي في هذا الباب على الظاهر ليس الا من هو أولى بميراثه كما
يشهد له مضافا إلى الاجماعات المستفيضة المعتضدة بعدم نقل الخلاف ما أشرنا إليه من كونه حقا له فيكون بمنزلة الميراث ولذا استدل
الفحول له بالآية الشريفة هذا مع امكان استفادته من الروايات الواردة في قضاء الولي عن الميت ما فاته من صلاة أو صيام ففي بعضها
يقضى عنه أولى الناس به وليس المراد منه الا من هو أولى بميراثه كما نص عليه في صحيحة حفص حيث قال فيها يقضى عنه أولى الناس بميراثه فيكشف
ذلك عن أن المراد بأولى الناس بالميت متى اطلق كما في خبر غياث المتقدم هو هذا المعنى بل لعل وهذا هو المتبادر منه عرفا في مثل المقام ولا
ينافيه اختصاص الحكم في باب القضاء ببعضهم لاستفادته بقرينة منفصلة كمالا يخفى فما في المدارك من أنه لا يبعد ان يكون المراد بالأولى به
من هو أشد الناس به علاقة في غاية الضعف ان أراد العلاقة العرفية كما هو الظاهر وان أراد العلاقة المعتبرة شرعا فهي ليست الا ما كشف عنها
الشارع في طبقات الإرث ويتلوه في الضعف ما استظهر من بعض انه المحرم من الورثة وإذا تعدد فالأشد علاقة به بحيث يكون هو المغرى في
وفاته ومرجعه في حياته بدعوى ظهور الاخبار في ارادته فان قوله (ع) يغسله أولى الناس به ظاهر فيمن له مباشرة التغسيل ولو في بعض التقادير
من عدم وجود المماثل من المحارم دون مطلق الوارث * (وفيه) * انه ان تم فهو فيما إذا لم يكن الوارث مماثلا للميت والا فيجوز له مباشرة الافعال
مطلقا مضافا إلى عدم انحصار الدليل في هذه الرواية حتى يدعى ظهورها فيما ادعى فالأظهر ما عليه المشهور والله العالم ثم إن قضية ظاهر
الاخبار وكلمات الأصحاب كون الأولوية في المقام كأولويته في الإرث من الحقوق اللازمة ولذا يتحقق بالنسبة إليها الغصب كما يدل عليه
بعض الروايات المتقدمة فما عن ظاهر بعض القدماء وغير واحد من المتأخرين من كونها على سبيل الفضل والاستحباب ضعيف والعجب من صاحب
الحدائق حيث فهم من عبارة المتن ذلك بل وكذا من عبارة المنتهى من قوله ويستحب ان يتولى تغسيله أولى الناس به وادعى صراحته في ذلك وأنت
خبير بان عبارة المنتهى ليس مفادها الا استحباب مباشرة الغسل لا كون ولايته على سبيل الاستحباب والفضل كما أن عبارة المتن ليس
ظاهرها الا إرادة الأولوية بالمعنى الذي أريد منها في الميراث * (واعجب) * من ذلك ما ادعاه من ظهور الأخبار الواردة في أحكام الأموات في
اختصاص هذه التكاليف كلها بالولي وعدم الدليل على وجوبها على عامة المكلفين كما هو المشهور عدا ما يظهر منهم من الاتفاق عليه وكون
الحكم مسلم الثبوت بينهم حيث أرسلوه ارسال المسلمات ولم ينقل فيه خلاف ولم يناقش فيه مناقش وقال في مسألة توجيه المحتضر إلى القبلة والذي
يظهر لي من الاخبار ان توجه الخطاب بجميع هذه الأحكام ونحوها من التلقين ونحوه من المستحبات أيضا انما هو إلى الولي كاخبار الغسل واخبار
الصلاة والدفن والتلقين ونحوها كما ستقف عليها [انش‍] في مواضعها واخبار توجيه الميت إلى القبلة وان لم يصرح فيها بالولي الا ان الخطاب
فيها توجه إلى أهل الميت دون كافة المسلمين فيمكن حمل اطلاقها على ما دلت عليه تلك الأخبار إلى أن
قال نعم لو أخل الولي بذلك ولم
يكن ثمة حاكم شرع يجبره على القيام بذلك انتقل الحكم إلى المسلمين بالأدلة العامة كما يشير إليه اخبار العراة * (أقول) * مراده من الاخبار
التي ادعى ظهورها في خلاف ما عليه الأصحاب بحسب الظاهر هي الاخبار التي تقدمت الإشارة إلى جملة منها الدالة على اعتبار اذن الولي
وكونه أحق بالصلاة والغسل وساير أحكامه من غيره وقد عرفت عدم دلالتها الا على ثبوت الحق له لا تعين الفعل عليه وقد سمعت التنصيص
في مرسلة الفقيه على أنه يغسل الميت الولي أو من يأمره الولي بذلك فكيف يجوز للحاكم اجباره على الغسل مع أنه من افراد الغير الذي إذا
امره الولي بالفعل يكون حاله كحال الولي في أولويته به فلو قيل بان الحاكم يجبره على الفعل أو الاذن لو امتنع منها لكان سليما عن هذه
وان كان فيه أيضا مع مخالفته لمطلبه ما عرفته فيما سبق ثم إن ما ذكره من عدم دليل يعتمد عليه ولا حديث يرجع إليه لاثبات الوجوب الكفائي
فقيه مضافا إلى ما عرفته فيما سبق انه ان كان الامر كما زعم فعند امتناع الولي أو عدمه فأي عموم يكون مرجعا بعد دعوى ظهور كون
الخطابات بأسرها متوجهة إلى الولي وما ليس فيها هذا الظهور محمول على ما عداه فكيف يمكن على هذا التقدير استفادة حكم من عدا
الولي منها بعد انصرافها عنه فاتضح لك من جميع ما تقدم ان ورثة الميت في الجملة أولى بتجهيز انه من ساير الناس الا ان هذه الأولوية
بحسب الظاهر ليست مما يستحقها جميع الورثة كساير ما تركه الميت من الأموال والحقوق حتى يعتبر في جواز فعل الغير بل البعض منهم رضا
353

الجميع ضرورة قصور الأدلة عن اثبات هذا النحو من التعميم بل الظاهر عدم الخلاف فيه فلا يستحقها الا البعض وانما الكلام في تشخيص
هذا البعض فنقول اما من ليس اهلا للولاية كالصغير والمجنون كالمملوك فلا يستحقه جزما لقصورهم عن الولاية على أنفسهم فكيف
يجعلهم الشارع وليا فيما يتعلق بالغير مضافا إلى انصراف الأدلة عنهم جزما وبمنزلتهم الغايب الذي يتعذر صدور الفعل منه أو
وقوعه بأمره وتوهم ثبوت الحق لهم فيتولاه وليهم من الحاكم والوصي ونحوهما يدفعه مضافا إلى عدم الدليل عليه بعد انصراف الأدلة
عن مثلهم ما أشرنا فيما سبق من أن حق الولاية من الحقوق المتقومة بنفس صاحب الحق فيتعذر استيفائه بولاية الغير و [ح] فلو فرض
انحصار الوارث الفعلي به فهل تسقط الولاية رأسا أو تنتقل إلى الطبقة المتأخرة عنه وجهان أظهرهما ذلك فان وجود الأقرب
منه إلى الميت بعد فرض عدم أهليته للولاية لا يصلح مانعا من استحقاق القريب ألهذا الحق فهو أولى بالتولية ممن عداه من الأجانب
فيعمه الأدلة غاية الأمر انه لو كان الوارث الفعلي اهلا لكان أحق منه وكان هو المرجع في امر الميت لكن المفروض عدمه ثم إنه لو تعدد
الوارث الفعلي الصالح للولاية فقد صرحوا من غير خلاف يعرف فيه بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه بان الأب أولى من ساير أولى
الأرحام نعم عن الإسكافي القول بتقديم الجد عليه وسيأتي تفصيل الكلام فيه وفي تشخيص شخص الولي عند تعدد الوارث في كل طبقة
في كتاب الصلاة [انش‍] ولكن الاشكال فيما نص عليه المصنف في المقام وسيأتي التصريح به أيضا في باب الصلاة من أنه إذا كان الأولياء
رجالا ونساء فالرجال أولى بل عن المنتهى نفى الخلاف عنه في الصلاة وقضية اطلاقهم عدم الفرق بين كون الميت رجلا أو امرأة بل في المدارك
جزم بهذا التعميم المتأخرون وربما عللوه ببعض الاعتبارات التي لا تصلح دليلا لاثبات حكم شرعي ولذا صرح في الحدائق بعدم وقوفه على
ما يدل عليه وعن المحقق الثاني تقييد اطلاقهم بما إذا لم يكن الميت امرأة والا انعكس الحكم وربما يوجه ذلك بانصراف دليل الولاية عمن
ليس له مباشرة الفعل بنفسه خصوصا مثل قوله (ع) يغسل الميت أولى الناس به وفيه مع أخصيته عن المدعى انه ان تم فمقتضاه نفى ولاية غير المماثل
رأسا لا ترجيح المماثل عند التعدد هذا ولكن الانصاف ان ما عليه المشهور لا يخلو عن قوة فان المتبادر من الولي في هذا الباب ليس الا المتصرف
في امر الميت عن استحقاق بل قد يقال إن المتبادر من اطلاق الولي ليس الا ذلك بل ربما يدعى ان لفظة أولى لا يتبادر من اطلاقها الا هذا
المعنى لا التفصيل وان كان فيه تأمل لكن لا تأمل في أن المتبادر من الولي المطلق في هذا الباب هو المتصرف عن استحقاق وقد عرفت
نصا واجماعا ان أحقهم بذلك من هو أوليهم بميراثه بل هو الذي يساعد عليه العرف في الجملة وإذا تعددت الورثة فلا ينصرف الذهن عند
الامر بالرجوع إلى ولى الميت والاستيذان منه الا إلى بعضهم ممن كان له نحو تقدم ورياسة واعتبار عرفا أو شرعا بالنسبة إلى أمور الميت
الا ترى انه لو كان له أب لا يلتفت الذهن الا إليه ولا يفهم من مثل هذا الامر إرادة من عداه ولعله لذا توهم ابن الجنيد تقديم الجد على
الأب زعما منه انه هو المرجع في امر الميت عرفا وان كان فيه بعد تسليم كونه كذلك عرفا ان الشارع كشف بطلان ما يراه العرف بما بينه
من أن أولى الناس به أوليهم بميراثه وكيف كان فمع تعدد الوارث وكون بعضهم رجالا وبعضهم نساء لا ينسبق إلى الذهن إرادة
النساء من الامر بالرجوع إلى ولى الميت بل يمكن ان يقال إن المتبادر في مثل الفرض ليس الا إرادة أكبر الذكور وأرشدهم كما سيأتي تحقيقه
في باب الصلاة ونقل القول به من صاحب الحدائق فعلى هذا يبقى ولاية من عدا القدر المتيقن الذي ينصرف إليه الذهن عارية عن الدليل
منفية بالأصل السالم من حكومة اطلاق عليه إذ لا اطلاق في البين كمالا يخفى هذا كله فيما عدا الزوج والزوجة واما الزوج فهو أولى
بالمرأة من كل أحد في أحكامها كلها بلا خلاف فيه ظاهرا كما يدل عليه رواية أبي بصير وموثقة إسحاق بن عمار المتقدمتان وعن المعتبر و
المنتهى حكاية الاتفاق على مضمون موثقة اسحق وعن الأردبيلي نسبته إلى عمل الأصحاب فلا يعارضها صحيحة حفص عن الصادق (ع) في المرأة
تموت ومعها أخوها وزوجها أيهما يصلى عليها قال أخوها أحق بالصلاة عليها * (و) * خبر عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام سئلته عن المرأة الزوج
أحق بها أو الأخ قال الأخ لقصورهما عن المعارضة بل سقوطهما عن الحجية بعد اعراض الأصحاب عنهما خصوصا مع موافقتهما للعامة كما
عن الشيخ حكايتها فلذا حملهما على التقية ثم إن مقتضى اطلاق النص وفتاوى الأصحاب عدم الفرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة
بل ولابين الحرة والأمة وان كان في الأخير تأمل بل الأظهر انصراف النصوص والفتاوى وعنها كانصرافها عما إذا كان الزوج عبدا فليس ولى
المملوك الا سيده وهل للزوج الولاية على المطلقة رجعية إذا ماتت في العدة وجهان من كونها زوجة كما في بعض الأخبار ويؤيده ما في بعض الأخبار
الآتية من تعليل جواز تغسيل الزوجة زوجها يكونها في العدة ومن امكان دعوى ان عموم تنزيل الرجعية منزلة الزوجة لا يشمل
مثل هذا الحكم ولعله لذا توقف فيه في محكى المنتهى وفيه نظر والاحتياط لا ينبغي تركه اما الزوجة فعن بعض انها أيضا أحق بزوجها من كل
أحد لكنه ضعيف كما ستعرفه في باب الصلاة [انش‍] ولو أوصى لشخص بتجهيزه فهل ينقذ على الولي أوله منعه من العمل قولان حكى عن الإسكافي
الأول وعن جامع المقاصد الميل إليه في باب الصلاة العموم حرمة تبديل الوصية وعن المشهور الثاني لكونه حقا له فالوصية عليه تضييع
354

لحق الغير فتكون جنفا وهذا الوجه لعله أشبه بالقواعد اللهم الا ان يستظهر من الأدلة كون الوجه في ذلك مراعاة حق الميت ومن المعلوم
أحقية نفس الميت بذلك من أقاربه والله العالم وهل يجوز لكل من الزوجين تغسيل الاخر اختيارا قولان أظهرهما بل أشهرهما ذلك بل
عن المنتهى دعوى الوفاق على تغسيل المرأة زوجها اختيارا ونسبة العكس إلى أكثر أصحابنا وعن الخلاف انه يجوز عندنا ان يغسل الرجل
امرأته والمرأة زوجها وفي الجواهر انه هو المشهور نقلا وتحصيلا ويدل عليه مضافا إلى ظهور اطلاق أحقية الزوج بالزوجة حتى يضعها
في قبرها في شمولها لما يعم مباشرة تغسيلها صحيحة ابن سنان قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل أيصلح ان ينظر إلى امرأته حين تموت أو
يغسلها ان لم يكن عندها من يغسلها وعن المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من زوجها حين يموت قال لا بأس انما يفعل ذلك أهل المرأة كراهة
ان ينظر زوجها إلى شئ يكرهونه والظاهر أن التقييد في السؤال جار مجرى الغالب من عدم مباشرة الرجل تغسيل المرأة مع وجود النساء
وكيف كان فالعبرة بظهور الجواب في نفى البأس مطلقا كما يستشعر ذلك من تعليل عدم المباشرة عند وجود أهلها بكراهتهم ذلك مع أنه
قد يقال بان حلية النظر تكفى في الجواز بضميمة الأصل * (فليتأمل) * وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلته عن الرجل يغسل امرأته قال نعم من وراء
الثوب وحسنته قال سئلته عن الرجل يغسل امرأته قال نعم انما يمنعها أهلها تعصبا وموثقة سماعة قال سئلته عن المرأة إذا ماتت قال
يدخل زوجها يده تحت قميصها إلى المرافق فيغسلها وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال سئل عن الرجل يغسل امرأته قال نعم من وراء الثوب
لا ينظر إلى شعرها ولا إلى شئ منها والمرأة تغسل زوجها لأنه إذا مات كانت في عدة منه وإذا ماتت هي فقد انقضت عدتها وصحيحة
زرارة عن الصادق (ع) في الرجل يموت وليس معه الا النساء قال تغسله امرأته لأنها منه في عدة وإذا ماتت لم يغسلها لأنه ليس منها في
عدة فان مقتضى ظاهر التعليل جوازه للزوجة [مط] كما أن مقتضاه عدم الجواز للزوج كذلك لكنك ستعرف مجمل الحكم الأخير [انش‍] ويدل
عليه أيضا صحيحة منصور قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته يغسلها قال نعم وأمة وأخته ونحوهما يلقى على عورتها
خرقة لكن لو منعناه اختيارا في الام والأخت لا شكل الاستدلال بهذه الصحيحة للمطلوب إذ المتعين [ح] بناء على ما هو الظاهر منها من كون
وأمه وأخته معطوفة على الضمير المنصوب حملها على مورد الضرورة كما يشعر بإرادته ظاهر السؤال كصحيحة الحلبي عن الصادق (ع) انه سئل
عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله الا النساء قال تغسله امرأته أو ذو قرابته ان كانت له وتصب النساء عليه الماء صبا وفي المرأة إذا
ماتت يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها وموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سئلت الصادق (ع) عن الرجل يموت وليس عنده
من يغسله الا النساء هل تغسله فقال تغسله امرأته أو ذات محرمه وتصب عليه النساء الماء من فوق الثياب ونظير هذه الروايات في قصر
مفادها على ثبوت الحكم في حال الضرورة صحيحة أبى الصباح الكناني عن الصادق (ع) في الرجل يموت في السفر في ارض ليس معه الا النساء قال
يدفن ولا يغسل والمرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن ولا تغسل الا ان يكون زوجها معها فإن كان
زوجها معها غسلها من فوق الدرع
* (ورواية) * داود بن سرحان عن الصادق (ع) في الرجل يموت في السفر أو في الأرض ليس معه فيها الا النساء قال يدفن ولا يغسل وقال في المرأة تكون
مع الرجال بتلك المنزلة الا ان يكون معها زوجها فليغسلها من فوق الدرع ويسكب عليها الماء سكبا ولتغسله امرأته إذا مات والمرأة ليست
مثل الرجل والمرأة أسوء منظرا حين تموت * (و) * رواية زيد الشحام قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن امرأة ماتت وهى في موضع ليس معهم امرأة غيرها
قال إن لم يكن فيهم لها زوج ولا ذو رحم دفنوها بثيابها ولا يغسلونها وان كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسلها من غير أن ينظر
إلى عورتها قال وسألته عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهن رجل فقال إن لم يكن له فيهن امرأة فليدفن في ثيابه ولا يغسل وان كان له
فيهن امرأة فليغسل في قميص من غير أن تنظر إلى عورته * (ورواية) * الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في المرأة إذا ماتت وليس معها امرأة تغسلها قال يدخل
زوجها يده تحت قميصها فيغسلها إلى المرافق المراد منها على ما يشهد به ساير الروايات ما في موثقة سماعة من أن زوجها يدخل يده تحت قميصها
إلى المرافق فيغسلها ثم إن هذه الروايات بأسرها تدل على جواز تغسيل كل من الزوجين الاخر في الجملة فما في ذيل صحيحة زرارة المتقدمة من
قوله (ع) وإذا ماتت لم يغسلها لأنه ليس منها في عدة اما محمولة على التقية أو ان المراد النهى عن أن يغسلها في حال الاختيار مجردة عن الثياب أو
مطلقا كما ليس بالبعيد ويشهد للأول أي مجردة عن الثياب وقوع هذا التعليل بعينه تعليلا للمنع من النظر إلى شعرها والى شئ منها في صحيحة
الحلبي المتقدمة المصرحة بجواز تغسيلها من وراء الثوب فيكون حكمة اطلاق النهى عن التغسيل في هذه الصحيحة على هذا التقدير ملازمته عادة
للنظر إلى شعرها وجسدها لو غسلها بالكيفية المتعارفة المعهودة فينزل النهى على إرادة غير صورة الاضطرار ولذا لم يأمره بالغسل من وراء
الثوب كما في صحيحة الحلبي وهذا الحمل وان كان ربما يتراءى منافاته لمورد السؤال حيث فرض السائل موته في مكان لا يكون فيه الا النساء الا ان
هذا الفرض لا يخرجه غالبا من الاختيار فان الغالب امكان عثورهن على الرجل في طول يوم أو يومين مثلا وان لم يكن حاضرا بالفعل كما هو
مفروض السائل وكيف كان فلابد من حمل هذه الصحيحة على ما لا ينافي صحيحة الحلبي واما صحيحة الحلبي فظاهرها بل كاد ان يكون صريحها
355

بمقتضى التعليل الواقع فيها انما هو جواز تغسيل الزوجة زوجها مطلقا وكذا عكسه مقيدا في صورة العكس بكونه من وراء الثوب ومقتضى
سياق الصحيحة والمناسبة الظاهرة بين العلة والمعلول كون التعليل الواقع فيها من انقضاء عدتها تعليلا المنع النظر لا لكون الغسل
من وراء الثوب حتى يكون ذلك شرطا تعبديا في الغسل يجب رعايته وان لم يكن الغاسل بصيرا فالامر يغسله إياها من وراء الثوب على الظاهر
ليس الا لكون غسلها مجردة ملزوما للنظر إلى شئ منها وعلى تقدير كونه شرطا تعبديا فإنما هو شرط لكمال الغسل لا لصحته الصراحة صحيحة منصور بن
حازم المتقدمة في عدم اشتراطه بذلك بل يكفي فيه ان يلقى على عورتها خرقة بل وكذا صحيحة ابن سنان كالصريحة في ذلك كما انها صريحة
في جواز ان ينظر الرجل إلى امرأته حين تموت ولذا يتعين حمل النهى عن النظر إلى شعرها والى شئ منها على الكراهة وهى وان كانت مخالفة لما
يقتضيه التعليل بظاهره حيث إن المتبادر منه ليس الا إرادة صيرورة الزوج بموت الزوجة أجنبيا فيحرم النظر إليها لكن يجب تأويل
هذا الظاهر أورد علمه إلى أهله لدلالة الأخبار المستفيضة بل المتواترة على عدم انقطاع العلاقة بالمرة وقد سمعت التصريح بجواز
النظر إليها في صحيحة ابن سنان وكذا صرح بذلك فيما رواه محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (ع) عن امرأة توفيت أيصلح لزوجها ان ينظر إلى وجهها
ورأسها قال (ع) نعم بل قد يفهم عدم انقطاع العلقة بالمرة من نفس هذه الصحيحة حيث أجاز تغسيلها من وراء الثوب مع أنه لا يجوز ذلك
للأجنبي كما ستعرف فالمراد من التعليل بانقضاء عدتها على الظاهر بيان عدم بقاء العلقة على ما هي عليها كما في صورة العكس ولذا نهى
عن أن ينظر إليها نهيا تنزيهيا لا تحريما كما يشهد لذلك مضافا إلى ما عرفت رواية داود بن سرحان حيث يظهر منها ان منشأ الامر بتغسيلها
من فوق الدرع كراهة النظر إليها لصيرورة المرأة حين تموت أسوء منظرا من الرجل بل ربما يتأمل في كراهته شرعا لجواز ان يكون حكمة الامر
بغسلها من فوق الدرع والنهى عن النظر إليها رعاية لحال أهل المرأة حيث يكرهون ان ينظر زوجها إلى شئ يكرهونه كما صرح بذلك في
صحيحة ابن سنان بعد ان نفى البأس عن تغسيلها والنظر إليها لكن يدفعه عدم التنافي بينه وبين كراهته شرعا ونفى البأس عنه صريح في
نفى الحرمة لا نفى الكراهة وظهوره في ذلك ليس على وجه يصلح لصرف الأخبار المستفيضة الامرة بغسلها من وراء الثوب الناهي بعضها
عن النظر إليها بل في بعضها النهى عن تغسيلها مع ما فيها من التعليل بانقضاء عدتها فالأظهر استحباب تغسيلها من وراء الثوب و
كراهة النظر إلى شئ منها وتغسيلها مجردة عن الثياب بل لا يبعد كراهة مباشرة تغسيلها مطلقا الا في حال الضرورة فاتضح لك من
جميع ما ذكرنا ضعف القول بحرمة تغسيلها مجردة ووجوب كونه من وراء الثوب كما عن الشيخ في الاستبصار استنادا إلى ظاهر الأوامر الواردة
في الأخبار المتقدمة التي يجب صرفها عن ظاهرها بقرينة غيرها مما هو نص في الجواز واضعف منه تعميمه في صورة العكس أيضا كما عن غير واحد بل
في المسالك والمشهور ان يغسل كل واحد من الزوجين صاحبه من وراء الثياب وعن ظاهر المختلف نسبته إلى أكثر علمائنا إذ لا شاهد له يعتد به في
صورة العكس كما صرح به غير واحد بل بعضه الأخبار المتقدمة التصريح بالفرق بين الصورتين نعم لو قيل بوجوب ستر العورة وحرمة نظر كل
منهما إلى عورة صاحبه بعد موته لم يكن تعبدا للامر بسترها والنهى عن النظر إليها بالخصوص في جملة من الاخبار التي تقدم بعضها ولا يعارضها
سوى الأصل واطلاق صحيحة ابن سنان لكنه مع ذلك لا يخلو عن تأمل والله العالم * (وقد) * ظهر أيضا ضعف ما قيل كما عن الشيخ في التهذيبين و
ابن زهرة في الغنية والحلبي في إشارة السبق من اختصاص الحكم اعني جواز تغسيل كل من الزوجين صاحبه بحال الاضطرار استنادا إلى بعض الأخبار
المتقدمة التي لا يفهم منها الا جوازه في حال الضرورة كما نبهنا عليه في ما تقدم لكنك خبير بعدم اقتضائها لتقييد المطلقات التي
كاد ان يكون بعضها صريحا في الاطلاق كصحيحة ابن سنان وحسنة محمد بن مسلم * (وربما) * يستدل لهذا القول برواية أبى حمزة عن الباقر عليه السلام
قال لا يغسل الرجل المرأة الا ان لا توجد امرأة * (وفيه) * بعد تسليم سندها لابد من تخصيصهما بما عدا الزوجة بالاخبار المتقدمة فان
تخصيص هذه الرواية أهون من تقييد تلك المطلقات التي ربما يدعى صراحة بعضها في الجواز حال الاختيار ولا يبعد ان يكون حكمة اطلاق
النهى في هذه الرواية كراهة تغسيلها اختيارا فيكون المراد بالنهي ما يعم الكراهة * (و) * استدل له أيضا برواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)
يغسل الزوج امرأته في السفر والمرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معهم رجل * (وفيه) * ان هذه الرواية مع ما فيها من قصور السند وضعف الدلالة
لا تصلح لاثبات أزيد من الكراهة في مقابل الأدلة المتقدمة واستدل له أيضا بما في غير واحد من الاخبار من تعليل تغسيل أمير المؤمنين عليه السلام
فاطمة سلام الله عليها بكونها صديقة لا يغسلها الا صديق * (وفيه) * مالا يخفى فان أمير المؤمنين (ع) لم يكن يغسل كل من يموت من أهله وأقاربه مماثلا
كان أو غير مماثل وانما كان يغسل مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة (ع) ممن لا ينبغي ان يمسه الا المطهرون فكان اختياره لتغسيلها
لنكتة بينها الإمام (ع) فلا يفهم من مثل هذه الروايات كراهته أيضا فضلا عن المنع نعم ربما يستشعر من خبر مفضل بن عمر كونه خلاف
المتعارف بحيث لم يكن يرتكبه أحد الا لضرورة ولذا ضاق صدر السائل حين سمعه من الإمام (ع) قال قلت لأبي عبد الله (ع) من غسل فاطمة (ع)
قال ذاك أمير المؤمنين (ع) فكأنما استضقت ذلك من قوله فقال لي كأنك ضقت مما أخبرتك به فقلت قد كان ذلك جعلت فداك فقال لا
356

تضيقن فإنها صديقة لم يكن يغسلها الا صديق اما علمت أن مريم لم يغسلها الا عيسى (ع) وأنت خبير بان هذه الرواية لا يستشعر منها الكراهة
شرعا فضلا عن دلالتها على المنع والله العالم وينبغي التنبيه على أمور * (الأول) * قال في محكى جامع المقاصد بعد ان اختار القول بجواز
تغسيل كل من الزوجين الاخر من وراء الثياب كما صرح به جمع من الأصحاب ما صورته ولم أقف في كلام على تعيين ما يعتبر في التغسيل من الثياب
والظاهر أن المراد ما يشمل جميع البدن وحمل الثياب على المعهود استثناء الوجه والكفين والقدمين فيجوز أن تكون مكشوفة
انتهى * (أقول) * اما الأخبار الدالة عليه فمنها صحيحة الحلبي المتقدمة الدالة على أنه يغسلها من وراء الثوب ولا ينظر إلى شعرها والى شئ
منها وظاهرها بقرينة النهى عن النظر إلى شئ منها إرادة ثوب يستر جميع بدنها اللهم الا ان يدعى انصرافها عن الوجه والكفين والقدمين
وفيه تأمل نعم ما ذكره من حمل الثياب على المتعارف يتجه في صحيحة محمد بن مسلم ونحوها مما اطلق فيها لفظ الثياب وقال فيها بعد ان
سئل عن أن الرجل يغسل امرأته نعم من وراء الثياب مع امكان ان يقال إن المتبادر من هذه الروايات أيضا ليس الا إرادة غسلها
مستورة من دون ان ينظر الشئ منها وكيف كان ففي جملة من الاخبار اقتصر على ذكر القميص أو الدرع * (ففي) * صحيحة الحلبي الأولى يدخل
زوجها يده تحت قميصها * (و) * في روايته المذكورة أخيرة قال يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها إلى المرافق * (وفي) * موثقة سماعة يدخل
زوجها يده تحت قميصها إلى المرافق فيغسلها * (وفي) * صحيحة أبى الصباح وان كان زوجها معها غسلها من فوق الدرع إلى غير ذلك من
الروايات فيحتمل ان يكون المراد بهذه الروايات أيضا غسلها من رواء ثيابها المتعارفة وتخصيص القميص أو الدرع بالذكر لاشتماله
على معظم البدن ويحتمل ان يكون المراد خصوص القميص أو ما هو بمنزلته فلا ضير في كون الرأس كالوجه والكفين والقدمين مكشوفا كما
يؤيده ما في رواية زيد الشحام وان كان له فيهن امرأة فليغسل في قميص من غير أن تنظر إلى عورته فان ظاهرها إرادة خصوص القميص
كي لا تنظر إلى عورته ويؤيد ذلك ما رواه في عكس الفرض من قوله (ع) فليغسلها من غير أن ينظر إلى عورتها وكيف كان فالامر على ما اخترناه
من الاستحباب سهل فان الأفضل ستر جميع البدن ودونه في الفضل التغسيل في القميص ونحوه وأدون منه ستر خصوص العورة بل لا يخلو
وجوبه عن وجه كما عرفته فيما سبق * (واما) * على القول بالوجوب فالجمع بين الاخبار على وجه لا يستلزم طرح شئ منها في غاية الاشكال كمالا يخفى
على المتأمل * (الثاني) * لا ريب في طهارة الميت بتغسيله من رواء الثوب وعدم سراية النجاسة الحاصلة في الثوب بمباشرة الميت إليه وهل يطهر الثوب
بصب الماء عليه حال الغسل أم لا يطهر الا بعصره وجهان بل قولان قال في محكى الروض * (وهل) * يطهر الثوب بصب الماء عليه من غير عصر مقتضى المذهب
عدمه وبه صرح المحقق في المعتبر في تغسيل الميت في قميصه من مماثله انتهى وعن الذكرى والروضة وجامع المقاصد وغيرها القول بطهارته بمجرد
الصب من غير حاجة إلى العصر لاطلاق الاخبار قال في محكى الذكرى بعد الاستشهاد باطلاق الرواية وجاز ان يجرى مجرى مالا يمكن عصره أقول
الذي يستفاد من الاخبار استفادة قطعية انما هو كفاية غسل الميت من وراء الثوب وعدم الحاجة إلى تطهيره بعده عن النجاسة العرضية
المكتسبة من ملاقاة الثوب فيفهم من ذلك عدم تأثره من الملاقاة والا لما أجاز فعله اختيارا بل كان يأمر بتطهيره بعد الغسل في
تلك الأخبار فخلو الاخبار عن ذلك يدل على طهارته بالغسل وحيث يفهم منها ذلك يستفاد منها بالدلالة الالتزامية التبعية
طهارة ما هو من توابع العمل كيد الغاسل وأدوات الغسل والثوب المطروح عليه بواسطة الملازمة المغروسة في أذهان المتشرعة
من كون النجس منجسا فلا يتعقلون طهارة أحد الملاصقين برطوبة مسرية وبقاء الاخر على نجاسة ولذا لم يحتمل صاحب الحدائق طهارة
الميت وبقاء القميص على نجاسته حيث استدل على المطلوب بقوله فلان ظواهر الاخبار هو انه بعد التغسيل في قيمصه ينقل إلى الأكفان
ولو توقف طهارة القميص على العصر كما يدعون للزم نجاسة الميت بعد تمام الغسل وقبل نزعها ووجب تطهيره زيادة على الغسل الموظف
وظواهر النصوص المذكورة ترده وما ذلك الا من حيث ظهرها بمجرد الصب في الغسلة الثالثة انتهى بل لم يظهر من القائلين باعتبار
العصر التزامهم ببقاء الثوب على نجاسته وعدم تنجيس الميت فإنهم على الظاهر اما يوجبون العصر خلال الغسل كما يشعر به عبارة الذكرى
حيث أجاز ان يكون الثوب جاريا مجرى مالا يمكن عصره فإنه يستشعر منه ان القائلين باعتبار العصر يوجبونه في خلال الغسل أو يلتزمون
بنجاسة الميت بعد غسله نجاسة عرضية لأجل الملاقاة كما يظهر من المحكى عن المعتبر في تغسيل المماثل من وراء الثوب قال فيما حكى عنه وان
تجرد كان أفضل لأنه أمكن للتطهير ولان الثوب قد نجس بما يخرج من الميت فلا يطهر بصب الماء فينجس الميت والغاسل * (انتهى) * وكان هذه
العبارة هي التي قصدها في الروض وفهم منها الموافقة لما اختاره من عدم طهارة الثوب بصب الماء عليه من غير عصر لكن قد يتأمل في
دلالة هذه العبارة على مدعاه لظهورها في إرادة النجاسة الخارجية التي تخرج من الميت وهذا خارج من محل الكلام * (و) * يدفعه ان خروج
النجاسة ليس ملازما لغسله من رواء الثوب كي يكون هذا مراده بالعبارة فمقصوده على الظاهر ليس الا إرادة غسالة الميت فكأنه عنى بهذا
التعبير الإشارة إلى أن ما ينفصل عن الميت سبب لتنجيسه فلا يطهر بل يبقى على نجاسته فينجس الميت * (وكيف) * كان فهذه العبارة كغيرها من
357

عبايرهم صريحة في ثبوت الملازمة بين بقاء الثوب على نجاسته وتنجيس الميت بل هذا هو الذي يقتضيه القواعد فكما يفهم من الاخبار طهارة
الميت بغسله يفهم طهارة ما يلاصقه من مكانه وثوبه ونحوهما ولا يقاس ثوب الميت بماء الغسالة حيث تعقلنا فيه نجاستها عند طهارة
المحل لوضوح الفرق بينهما بل هو نظير الاناء الذي يغسل فيه شئ نجس فلو قيل في كيفية تطهيره صب عليه الماء مرتين فكما يفهم من ذلك طهارة
ذلك الشئ بصب الماء عليه مرتين يفهم منه طهارة الاناء أيضا كما لا يخفى * (وقد) * ظهر لك بما قررناه ان المراد من الاستدلال باطلاق
الاخبار في هذا المقام ليس الاطلاق المصطلح بل هو بمنزلته من حيث الحاجة إلى بيان زائد فلا يستلزم من الالتزام بوجوب تطهير الميت
بعد غسله فضلا عن وجوب عصر ثيابه بعد الغسل أو في أثنائه تقييد لتلك الاطلاقات حتى ينفيه أصالة الاطلاق * (الثالث) * لا عبرة على
الظاهر بانقضاء عدة الوفاة في جواز النظر واللمس والتغسيل ونحوها للأصل قال في محكى الذكرى ولا عبرة بانقضاء عدة المرأة عندنا بل
لو نكحت جاز لها تغسيله وان كان الفرض بعيدا * (انتهى) * واستدل له باطلاق الاخبار ونوقش فيه بانصرافها عنه حيث إن الحاجة إلى تغسيلها
بعد انقضاء عدتها من الفروض النادرة لا ينصرف إليه الاطلاقات بل لا يصدق عليها اسم الزوجة [ح] لانقطاع علاقة الزوجية بينهما
بانقضاء العدة خصوصا بعد ان نكحت ويؤيده تعليل ترك النظر والغسل في صحيحتي الحلبي وزرارة المتقدمتين بانقضاء عدتها وفيه بعد
العض عن أن اطلاق الزوجة عليها بعد انقضاء العدة ليس الا كاطلاقها قبله وان الانصراف ليس منشأه الا ندرة الوقوع والا فلو اتفق
ابتلاء نسوة بميت مطروح في مفازة بلا غسل ولا كفن ولا دفن وكانت فيها زوجته لا يشك أحد ممن بهذه الروايات انه يتعين على زوجته
تغسيله كما انها ترثه وتتولى امره ولا يلتفت الذهن أصلا إلى كون ذلك قبل انقضاء عدتها أم بعده انه يتوجه عليه ان المرجع في
مثل المقام على تقدير الشك بل القطع بعدم ارادته من الأدلة انما هو استصحاب الأحكام الثابتة قبل انقضاء عدتها من جواز
النظر واللمس والتغسيل ونحوها لا العمومات الناهية عن النظر واللمس وتغسيل غير المماثل لخروج الزوجة من تحت تلك العمومات بل
لو لم نقل بجريان الاستصحاب اما لمنعه من أصله أو المناقشة في احراز موضوعه لكان المرجع أصالة الإباحة لا العمومات إذ ليس
الفرد الخارج باعتبار كونه قبل العدة وبعدها فردين للمقام حتى يبقى للعام دلالة بالنسبة إلى حكم ما بعد العدة كمالا يخفى على المتأمل
وحيثما جاز لها التغسيل يجب لعموم دليله نعم لو سلم صدق الأجنبية عليها وعدم انصرافها عنها لأمكن اثبات هذه الأحكام لها
ولو بتنقيح المناط لكن الفرض غير محقق بل مقطوع العدم واما الاستشهاد بالصحيحتين ففيه ان مفادهما على ما يقتضيه العلة المنصوصة
انما هو كون حكم المرأة عند انقضاء عدتها حكم الرجل عند موت زوجته فإنهما صريحتان في انتفاء الحكم المعلل له عند موت الزوجة بانتفاء
علته وهى كونها معتدة فوجب ان يكون المعلول امرا آخر غير حرمه التغسيل مطلقا لما ثبت نصا واجماعا جوازه في الجملة ولو حال الضرورة
من وراء الثوب فالمعلول في صحيحة زرارة اما حرمة التغسيل اختيارا أو مجردا عن الثياب لا مطلقا أو كراهته كما هو الأقوى على ما عرفت
تفصيله فيما سبق أو ان الصحيحة مع ما فيها من التعليل جارية مجرى التقية حيث حكى القول بمضمونها عن أبي حنيفة واما صحيحة الحلبي فظاهرها
كون المعلول حرمة النظر ووجوب كون الغسل من وراء الثوب لا حرمة الغسل من حيث هو كما عرفت وعلمت انه لابد من ارتكاب التأويل
في هذا الظاهر وعلى تقدير ارادته أيضا لا يضر لما نحن بصدده من جواز التغسيل في الجملة والحاصل ان هذه العلة مما لا يمكننا تعقله
بل علينا رد علمها إلى أهله لكن مع ذلك يستفاد منها اجمالا استفادة غير قابلة للتشكيك ان الحكم المثبت للزوجة بوجود العلة
عين الحكم المنفى من طرف الزوج بفقدها فالصحيحتان تدلان بالصراحة على مشاركة الزوجة بعد انقضاء عدتها مع الزوج
في الحكم المسبب عن فقد العلة المنصوصة فوجب ان لا يكون ذلك الحكم حرمة الغسل والا لكانت الرواية صادرة عن علة وكيف
كان فلا يمكن اثبات الحرمة بهذا التعليل مع ما فيه من الاشكال ولذا جعله المستدل مؤيدا لمطلبه من دون ان يستند إليه والله العالم
* (الرابع) * يلحق بالزوجة في جواز تغسيل كل منهما صاحبه الأمة ما لم تكن مزوجة أو معتدة أو مبعضة أو مكاتبة على الأظهر فلها
تغسيله وله تغسيلها كما عن القواعد والبيان ومجمع البرهان بل عن ظاهر الأخير نفى الخلاف فيه بالنسبة للثاني أي تغسيله لها
واما عكسه فقد منعه بعض كصاحبي المدارك والحدائق وعن جمع من الأصحاب منهم المصنف في المعتبر التفصيل بين أم الولد وغيرها
فمنعوه في غيرها لزوال المحرمية بانتقال الملك واما أم الولد فيجوز لها لرواية إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه ان علي بن الحسين عليهما السلام
أوصى ان تغسله أم ولد له فغسلته وخدش فيها صاحب المدارك بضعف السند وصاحب الحدائق بما في متنها من المخالفة لما روى
في الأخبار المستفيضة من أن الصديق لا يغسله الا صديق ولذا اختار المنع مطلقا نظرا إلى صيرورة أم الولد أيضا أجنبية بالانعتاق
* (أقول) * ليس الانتقال إلى الغير سببا لحرمة النظر وزوال المحرمية كما عللها به في المدارك بل السبب انما هو الخروج من الملك وصيرورتها
أجنبية ولذا قيل بتحققه في أم الولد أيضا وعلى هذا فلا وجه لما جزم به في صورة العكس حيث قال ويجوز تغسيل السيد لامته قطعا
358

ضرورة خروج الأمة بموتها من ملك السيد لخروجها من أهلية التملك كما أن خروجها من ملكه في عكس الفرض انما هو الخروج السيد من
أهلية المالكية والحاقها بالزوجة قياس بزعمهم فجزمه بالجواز فيما فرضه لا منشأ له الا عدم كون الخروج من الملكية لخروج أحد الطرفين
من الأهلية كخروجه بناقل شرعي في صيرورة الطرف الآخر أجنبيا عن صاحبه فكان العلقة من طرفه في الفرض باقية لدى العرف بنحو من
الاعتبار بحيث لا يعدون الأمة بموت سيدها أجنبية عنه كما أنهم لا يعدون زوجته بعد موته أجنبية وليس انتقالها إلى الوارث
منافيا لبقاء العلقة بل يؤكدها فان مالكية الوارث من شؤون مالكية السيد فكان ملكيته متحققة في ضمن ملكية الورثة و
الحاصل ان ما يدل على الجواز في الصورة التي قطع به فيها يدل على الجواز في عكسها أيضا وعمدة المستند في كلتا الصورتين هي
الأصل بعد انصراف ما دل على المنع من تغسيل عدا المماثل عن الأمة وسيدها وعدم شمول ما دل على حرمة النظر واللمس لهما كما عرفت
تحقيقه في الفرع السابق بل لا يبعد دعوى استفادة حكم الأمة من الأخبار المتقدمة الدالة على جواز تغسيل كل من الزوجين صاحبه
بان يقال إن موضوع الحكم في تلك الأخبار وان كان الزوجان والمتبادر منهما لدى الاطلاق غير الأمة وسيدها لكن المناط الذي
يتعقله العرف منشاء للجواز ليس الا المعنى القائم بالزوجين الموجود بين الأمة وسيدها أعني حلية النظر واللمس والاستمتاع بالوطي
وغيره فلا يتعقل العرف من الزوجة في مثل المقام ولو لأجل المناسبة بين الحكم وموضوعه الا ما يعم الأمة والمنقطعة كالدائمة
مع أن المتبادر منها لدى الاطلاق ليس الا الأخيرة فتأمل واما الرواية فعلى تقدير تضعيف سندها والاستشكال في متنها وعدم
امكان توجيهها ولو بحملها على إرادة الوصية في الإعانة على الغسل بغسل بعض المواضع أو بحمل الصديق في سائر الأخبار على معنى يمكن
تحققه في أم ولد علي بن الحسين (ع) فهي لا تخرج من صلاحية التأييد ويؤيده أيضا بل يصلح شاهد التعيين المراد من الرواية المتقدمة
بل دليلا على المطلوب ما عن الفقه الرضوي ويروى ان علي بن الحسين (ع) لما مات قال الباقر عليه السلام لقد كنت اكره ان انظر إلى عورتك
في حيوتك فما انا بالذي انظر إليها بعد موتك فادخل يده وغسل جسده ثم دعى أم ولد له فأدخلت يدها فغسلت عورته وكذلك
فعلت انا بابى فان هذه الرواية ليست كسائر ما في الكتاب إذ لا يتطرق فيها في الكتاب من احتمال عدم كونه من الإمام (ع) وكونه من مصنفات
بعض الاعلام لكون هذه الرواية مروية عن الباقر (ع) فإن كان راويه الرضا (ع) فروايته وعمله حجة قاطعة وان كان غيره فلا شبهة في كونه
واحدا من أجلة فقهاء المذهب فيكون اعتماده بما ارسله من الرواية منشأ الوثوق بها فالأظهر انما هو جواز النظر وتغسيلها له و
الاحتياط ممالا ينبغي تركه والله العالم ويجوز ان يغسل الكافر المسلم إذا لم يحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم وكذا تغسل الكافرة المسلمة
إذا لم تكن مسلمة ولا ذو رحم على المشهور كما صرح به جماعة بل عن الذكرى لا اعلم لهذا الحكم مخالفا من الأصحاب سوى المحقق في المعتبر
وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا ذلك مع زيادة حضور الأجانب من المسلمين والمسلمات فيأمرون الكافر بالاغتسال أولا ثم يعلموه كيفية
غسل المسلمين فيغسل وكيف كان فالمراد بذى الرحم في الفتاوى وكذا ذوى القرابة في الموثقة الآتية خصوص المحارم منها لا مطلقا وينبغي
تعميمها ولو مسامحة على نحو يعم مطلق المحارم ولو برضاع أو مصاهرة لما ستعرف من اشتراك الجميع في جواز التغسيل المانع من تحقق
الضرورة المبيحة لتغسيل الكافر كاشتراك من عداها في عدم الجواز من غير فرق بين أولى الأرحام وغيرها ومستند الحاكم موثقة عمار عن أبي
عبد الله (ع) في حديث قال قلت فان مات رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوى قرابته ومعه رجال نصارى ونساء
مسلمات ليس بينه وبينهن قرابة قال يغتسل النصارى ثم يغسلونه فقد اضطر وعن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل
مسلم من ذوى قرابتها ومعها نصرانية ورجال مسلمون وليس بينها وبينهم قرابة قال تغتسل النصرانية ثم تغسلها وخبر عمرو بن خالد
عن زيد بن علي عن ابائه عن علي (ع) قال اتى رسول الله صلى الله عليه وآله نفر فقالوا ان امرأة توفيت معنا وليس معها ذو محرم فقال كيف صنعتم فقالوا أصببنا
عليها الماء صبا فقال أوما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها قالوا لا قال أفلا تيمموها ويؤيده ما عن الفقه الرضوي فان مات بين رجال نصارى ونسوة مسلمات غسله الرجال النصارى بعدما يغتسلون فإن كان الميت
امرأة مسلمة بين رجال مسلمين ونسوة نصرانية اغتسلت النصرانية وغسلتها وعن المصنف في المعتبر التوقف في الحكم وتبعه جماعة ممن تأخر
عنه لما فيه من الاشكال لمخالفته للقواعد مثل اشتراط النية في الغسل حيث لا تتحقق ممن لا يعتقد حقيته واشتراط طهارة الماء و
نجاسة الكافر هذا مع ما في مستنده من الضعف قال في محكى المعتبر بعد نقل الخبرين الأولين وعندي في هذا الوقف والأقرب دفنها من
غير غسل لان غسل الميت يفتقر إلى النية والكافر لا تصح منه نية القربة ثم طعن في الحديث الأول بان السند كله فطحية والحديث الثاني
بان رجاله زيدية وفيه ان تضعيف مثل هاتين الروايتين مناف لما هو الحق وعليه المحقق من أن كل ما قبله الأصحاب من الروايات
فهو مقبول وان ضعف سنده فكيف الظن بمثل هاتين الروايتين خصوصا الموثقة منهما فإنه لم ينقل من أحد ممن تقدم على المصنف طرحهما
والتصريح بخلافهما وان استشعر ذلك من بعض لأجل سكوتهم عن هذا الفرع كالحلي وغيره وهو غير ضاير في جبر الضعف خصوصا على
359

ما هو المختار من حجية الموثق لذاته نعم قد اعرض عنهما بعض من تأخر عن المصنف كصاحب المدارك ومن حذا حذوه ممن دأبه رد
الروايات التي لم توصف بالصحة المصطلحة وضعفه لدينا ظاهر فلا يحل لنا طرح مثل هاتين الروايتين المشهورتين اللتين تلقاهما الأصحاب
بالقبول الا بمعارض مكافئ كما صنعه في الحدائق حيث اعترف باعتبار الروايتين وطعن على المصنف في تضعيفهما بما عرفت لكنه مع
ذلك مال إلى ما قال به في المعتبر لزعمه دلالة هذه الروايات على طهارة أهل الكتاب ومعارضتها بما دل على نجاستهم وأرجحية المعارض
وفيه بعد الغض عما سيأتي في محله من التأمل في الترجيح لو لم يتحقق الاجماع على النجاسة انه لا منافاة بين صحة الغسل ونجاسة الكتابي
لا ترى ان المشهور قائلون بالصحة مع التزامهم بنجاسة الكفار [مط] فمقتضاه اما العفو عن هذه النجاسة الحاصلة من مباشرة الكافر
وعدم مانعيتها من رفع الحدث وان تنجس الماء وبدن الميت لكنه عفى عنه لمكان الضرورة واما عدم انفعال الماء المستعمل في الغسل
ولا بدن الميت من مباشرته وليس في العقل ما يستحيل شيئا من الامرين ولا في الشرع ما ينافيه الا العمومات التي يجب تخصيصها
بالدليل المعتبر وتوهم اشتراط كونه بالماء الكثير أو على وجه لا يلاقيه الكافر برطوبة مسرية كي لا يستلزم تخصيص شئ من القواعد مدفوع
بالقطع بعدم ارادته من النصوص والفتاوى فليس المتبادر منها الا إرادة الغسل بالكيفية المتعارفة وكيف كان فلا وجه لجعل الأخبار الدالة
على نجاسة أهل الكتاب من معارضات هذه الروايات لامكان الالتزام بمفاد الكل كما عليه المشهور * (واما) * الاستشكال في الحكم بافتقار
غسل الميت إلى النية وهى لا تصح من الكافر فلا يصح غسله ففيه مضافا إلى كونه اجتهادا في مقابلة النص ان الأظهر عدم توقف صحة الغسل الا على
قصد حصول عنوانه مميزا عما يشاركه في الجنس أي قصد ايجاد تلك المهية المعهودة المأمور بها في شريعة سيد المرسلين (ص) واما اعتبار امر اخر وراء
ذلك أي كون العمل مخلصا لله [تع‍] فلم يدل عليه دليل بالنسبة إلى غسل الميت فهو منفى بالأصل الذي تقدم تحقيقه في نية الوضوء ولذا يقوى الصحة
فيما إذا لم يكن الباعث على الغسل الا قصد اخذ الأجرة فيأتي بتلك الطبيعة المعهودة الواجبة في الشريعة لأجلها لا للتقرب بها إلى الله
تعالى كما أنه كثيرا ما يتفق في مثل هذه الاعصار التي تعارف فيها بذل الأجرة عليه فعلى هذا لا مانع من حصوله من الكافر من هذه الجهة
فإنه ينوى بفعله ايجاد الطبيعة المأمور بها في شرعنا وان لم يعتقد حقيته خصوصا بعد مساعدة الدليل وما يقال في دفع هذا الاشكال
من أن المتولي للنية هو المسلم الذي يأمر الكافر بالفعل فالغسل الذي هو من العبادات انما هو من فعل الامر لكن بالتسبيب لا المباشرة
مدفوع باشتراط صحة الغسل بان يكون منويا للفاعل لا الامر والا للزم عدم الاخلال بقصد الخلاف من المباشر كقصد إزالة
الوسخ وهو واضح الفساد مضافا إلى مخالفته الظاهر النصوص والفتاوى من استناده إلى الفاعل لا الامر بل اشعارها أو دلالتها
على عدم اشتراطه بصدوره بأمر من المسلمين وان أمكن ان يقال إن الشرط على تقدير شرطيته حاصل غالبا فلا حاجة إلى بيانه فلم يبق
للكلام ظهور في نفى اعتباره الا من حيث ظهوره في كون ما يوجده الكافر بنفسه غسلا فوجب ان لا يكون نية المسلم من مقومات مهيته
كما يزعمه الموجه نعم ربما يستشعر ذلك في بادي الرأي من التقييد الواقع في بعض الفتاوى كمعقدا اجماع التذكرة من اشتراط حضور الأجانب
من المسلمين والمسلمات فيأمرون الكافر بالاغتسال أولا ثم يعلموه كيفية غسل المسلمين فيغسل لكن التأمل فيه يعطى ظهوره في خلافه
وكونه جاريا مجرى العادة وعلى تقدير الاشتراط فهو شرط خارجي تعبدي منشأه الاقتصار على مورد النص لا توقف مهية الغسل الصادر
من الكافر عليه من حيث صدوره بأمرهم وكونهم هم الفاعل بالتسبيب وكون الكافر بمنزلة الآلة وكيف كان فالأظهر عدم اشتراط هذا
الشرط أيضا للأصل وليس حضور الأجانب في مورد الرواية الا كساير الخصوصيات مما لا مدخلية له في الحكم الذي بينه الإمام (ع) بقوله
ليغتسل النصارى ثم يغتسلونه فالأقوى انه لو غسله النصراني ابتداء لا بأمر من المسلمين بل ولا حضورهم أجزاه لكن ينبغي تقييد اطلاق
المتن وغيره بما في معقد اجماع التذكرة كما نطق به موثقة عمار والفقه الرضوي من أن يغتسل الكافر أولا ثم يغسله ولعل الحكمة
فيه زوال النجاسة العرضية التي لم يتحقق الاضطرار بالنسبة إليها كما أنه ينبغي تخصيص الكافر بالكتابي ما عن بعضهم التصريح بذلك
لاختصاص النص به بل اشعار خبر زيد لو لم نقل بدلالته عليه * (و) * دعوى عدم الفرق بين انحاء الكفر لان الكفر ملة واحدة يشترك أهلها
في انفعال الماء بملاقاته وحصول الغرض بفعله فلا يتعقل الفرق بين اقسامه لا بنية عليها خصوصا على القول بطهارة الكتابي دون غيره
ولا أقل من احتمالها ولو بعيدا وهو مانع من القطع بعدم الفرق * (بل) * كيف يمكن دعواه ولو على تقدير العلم بنجاسة الكل فان الكتابي
أقرب إلى الحق من غير قطعا فلعل فيه مدخلية في جواز مس ميت المسلمين وتغسيله والله العالم ثم إن
ظاهر النصوص والفتاوى بل صريحها
هو ان الكافر عند فقد المسلم المماثل والمحرم يأتي بغسل الميت أي الطبيعة التي كان يأتي بها المماثل والمحرم عند وجودهما لا مهية أخرى
مشابهة للغسل صورة أوجبها الشارع تعبدا عند تعذر الغسل فلا يفهم من النص والفتاوى بالنسبة إلى هذا الفرع الا ما يفهم منها
بالنسبة إلى ساير الفروع كتغسيل الزوجة زوجها والرجل محارمه وهكذا فدعوى كون الغسل صوريا في هذا الفرع ممالا ينبغي الالتفات
360

إليها وقضية كون عين تلك الطبيعة المعهودة حصول الاجزاء بفعله وسقوط الطلب الكفائي المتعلق به عن عامة المكلفين وخروج الميت
من كونه بحكم الميتة ومن أن يجب الغسل بمسه إلى غير ذلك من اثار الغسل الصحيح فما قواه غير واحد من الاعلام من وجوب اعادته لو تجددت
القدرة بوجود المماثل أو المحرم ضعيف وتنظيره بالمتيمم الواجد للماء قياس مع الفارق إذ لا اثر للتيمم الا عند الضرورة حيث إنه طهور
اضطراري واما الغسل فاثره رفع الحدث مطلقا لكن لا يصح من الكافر الا عند الضرورة فإذا تحققت الضرورة يصح غسله ويترتب عليه
كلما هو اثر للغسل الصحيح فالضرورة في المقام اثر في صحة الغسل وفي باب التيمم اثرت في استباحة الغايات عندها وبينهما فرق بين
لكن قد يقال في المقام بان تجدد القدرة كاشف عن عدم تحقق الضرورة المبيحة الغسل الكافر وفيه مالا يخفى وقد ظهر لك مما تقدم
ضعف ما ذكره شيخنا المرتضى [قده] حيث قال فلو طرء التمكن من الغسل الاختياري فالأقوى عدم سقوطه وفاقا للشهيدين والمحقق الثاني
وغيرهم للعمومات وعدم كفاية مجرد وجوب الشئ عند الاضطرار لبدليته الا إذا فهم البدلية من دليله كما في التيمم ونحوه انتهى لما عرفت
من أن صريح النصوص والفتاوى انما هو كون ما يوجده الكافر عين غسل الميت الأشياء اخر أجنبيا عنه أوجبه الشارع تعبدا حين الضرورة
حتى يكون مدعى البدلية مطالبا بالدليل والله العالم ويغسل الرجل محارمه أي من حرم عليه نكاحها مؤبدا ينسب أو رضاع أو مصاهرة
وكذا المرأة تغسل محارمها بلا خلاف في شئ منها في الجملة كما يدل عليه جملة من الاخبار التي كادت تكون متواترة وقد تقدم بعضها في
الفرع السابق كصحيحتي منصور والحلبي وموثقة عبد الرحمن ورواية زيد الشحام وبعض تلك الأخبار
وان قصر عن اثبات الحكم على نحو العموم
بحيث يعم المحارم بالمصاهرة كأم الزوجة ونحوها لكن جملة منها نفى بذلك كقوله (ع) في موثقة عبد الرحمن تغسله امرأته أو ذات محرمه وقوله (ع)
في صحيحة منصور نعم وأمه وأخته ونحوهما فان المتبادر من التشبيه في مثل المقام إرادة المشابهة في المحرمية التي هي سبب جواز النظر واللمس وموثقة
سماعة قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل مات وليس عنده الا نساء قال تغسله امرأة ذات محرم منه وتصب النساء عليه الماء ولا تخلع ثوبه وان
كانت امرأة ماتت معها رجال وليس معهم امرأة ولا محرم لها فلتدفن كما هي في ثيابها وان كان معها ذو محرم لها يغسلها من فوق ثيابها ورواية
عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن ابائه عن علي (ع) في حديث قال إذا مات الرجل في السفر إلى أن قال وإذا كانت معه نساء ذوات محرم يؤزرنه ويصببن
عليه الماء صبا ويمسن جسده ولا يمسسن فرجه وكيف كان فالامر في التعميم سهل بعد عدم القول بالتفصيل في المحارم وانما الاشكال في المسألة
في مقامين أحدهما انه هل يجب ان يكون ذلك من وراء الثياب كما حكى عن ظاهر المشهور ونطق به جملة من الأخبار المتقدمة وغيرها كموثقة
عمار عن أبي عبد الله (ع) انه سئل عن الرجل المسلم يموت في السفر وليس معه رجل مسلم ومعه رجال نصارى ومعه عمته وخالته مسلمتان كيف يصنع
في غسله قال تغسله عمته وخالته في قميصه ولا تقربه النصارى وعن المرأة تموت في السفر وليس معها امرأة مسلمة ومعها نساء نصارى وعمها
وخالها معها مسلمان قال يغسلانها ولا تقربها النصرانية كما كانت تغسلهما غير أنه يكون عليها درع فيصب الماء من فوق الدرع أو لا يجب
كما عن صريح جماعة من متأخري المتأخرين كصاحبي المدارك والذخيرة وكاشف اللثام وغيرهم وظاهر الغنية والكافي والاصباح ولعله الظاهر
من الذكرى أيضا حيث قال فيما حكى عنه وثالثها المحرمية لتسويغه النظر واللمس ولما مرو لكن عن وراء الثياب محافظة على العورة انتهى
الاطلاق بعض الأخبار وظهور بعض بل صراحته في العدم الا بالنسبة الا العورة كقوله (ع) في صحيحة منصور نعم وأمه وأخته ونحوهما يلقى على عورتها
خرقة فإنه كالصريح في عدم الوجوب الا في العورة وقوله (ع) في رواية عمر وبن خالد المتقدمة يوزرنه ويصببن عليه الماء صبا فان الظاهر أن
التوزير مع التجرد لا مع الثياب وقوله في رواية زيد الشحام المتقدمة في حكم المرأة وان كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسلها من غير أن ينظر
إلى عورتها فان ظاهرها ان المحرم انما هو النظر إلى العورة لا إلى ساير البدن فيحتمل قويا ان يكون شدة الاهتمام بكونه من وراء الثوب في ساير
الاخبار للمحافظة على العورة كما أشير إليه في العبارة المتقدمة عن الذكرى ويشهد له ما في ذيل هذه الرواية في حكم الرجل وان كان له فيهن
امرأة فليغسل في قميص من غير أن تنظر إلى عورته يحتمل ان يكون النهى عن خلع الثوب والامر بالغسل من فوق الثياب في بعض تلك الأخبار
لأجل المحافظة عن نظر الأجانب كما يستشعر ذلك من قوله (ع) في موثقة سماعه تغسله امرأة ذات محرم وتصب النساء عليه الماء ولا تخلع ثوبه
ويحتمل أيضا إرادة الاستحباب من أغلب تلك الأخبار بل جميعها كما يؤيده اقتران ذوات المحرم في بعض تلك الأخبار مع الزوجة التي عرفت
ان الأقوى ان غسلها من وراء الثياب ليس الا على وجه الاستحباب فعند قيام هذه الاحتمالات المؤيدة بالشواهد الداخلية والخارجية
يشكل ارتكاب التأويل أو الطرح في الأخبار الدالة على عدم الوجوب لان حمل الاخبار الظاهرة في الوجوب على الاستحباب أو المحامل
الاخر أهون من مطرح هذه الروايات أو تأويلها فما في المدارك وغيره من عدم الوجوب هو الأقوى وان كان الأول أحوط وأحوط منه
ترك امرأة مس جسد من تغسله من محارمها بان تلف على يديها خرقة لحسنة عبد الله بن سنان أو صحيحته قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إذا
مات الرجل مع النساء غسلته امرأته فإن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهن به وتلف على يديها خرقة وهذه الرواية وان كان ظاهرها الوجوب
361

لكنها لا تصلح لتقييد المطلقات الكثيرة الواردة في مقام البيان المتصرفة إلى الكيفية المتعارفة مع معارضتها برواية عمرو بن خالد المتقدمة
المصرحة بجواز المس فيجب حملها على الاستحباب أو تأويلها بما لا ينافي غيرها ولا يبعد ان يكون المراد بلف يديها في هذه الرواية المحافظة
عن مس الفرج المنهى عنه في رواية عمرو والله العالم ثانيهما انه هل يختص ذلك أي جواز تغسيل الرجل محارمه بما إذا لم تكن مسلمة ولا زوج
بناء على جواز تغسيله اختيارا وكذا تغسيل المرأة محارمها بما إذا لم يكن مسلم ولا زوجة أم يجوز [مط] فيهما فقد حكى عن المشهور الأول وعن الحلى والعلامة
في المنتهى وجماعة من متأخري المتأخرين الثاني والأول مع كونه أحوط لا يخلو عن قوة لقول الباقر عليه السلام في خبر أبي حمزة لا يغسل الرجل المرأة الا ان
لا توجد امرأة وقول الصادق (ع) في رواية عبد الله بن سنان المتقدمة فإن لم تكن امرأة معه غسلته أولاهن به فان المراد بأولاهن من كان محرما
لان الأجنبية لا تتولى الغسل كما ستعرف وظاهرها اشتراط جواز تغسيل المحارم بفقد الزوجة فيفهم منها بالالتزام تأخر مرتبتها عن المماثل أيضا
لمساواة المماثل في الرتبة مع الزوجة أو تقدمه عليها مضافا إلى عدم القول بالفصل * (ويؤيده) * ما يستشم من جل الاخبار بل كلها سؤالا وجوابا
من اختصاص الجواز بمواقع الضرورة واستدل الحلى ومن تبعه بالأصل والاستصحاب والعمومات وخصوص صحيحة منصور قال سئلت أبا عبد الله (ع)
عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته يغسلها قال نعم وأمه وأخته ونحوهما يلقى على عورتها خرقة فان ظاهرها الجواز مطلقا كما عرفته في الزوجة واما
الصحيحة فمقتضى الجمع بينها وبين غيرها حملها على إرادة الحكم في موقع الضرورة كما يشعر بذلك فرض السائل كونه في السفر ولا ينافيه اطلاق الجواز
بالنسبة إلى الزوجة بعد استفادته من دليل اخر كما عرفته في محله * (لكن) * ربما يتوهم ان تنزيل هذه الصحيحة على إرادة الحكم في خصوص مورد الضرورة
بعيد إذ كثيرا ما يوجد المماثل في السفر أيضا فلو كان التقييد شرطا لكان التنبيه عليه لازما في مثل المقام ويدفعه ان مجرد وجود المماثل خصوصا
المرأة لا يجدى غالبا في رفع الاضطرار فان من يوجد في السفر من المماثل قلما يعدم على تغسيل ميت الأجانب كمالا يخفى على من شاهد مواردها
الخارجية واحتمال سقوط التكليف عن غير المماثل في مثل الفرض على تقدير اشتراط الضرورة لعدم توجه الخطاب [ح] الا إلى المماثل العاصي
بامتناعه في غاية السقوط بعد العلم بكون الغسل واجبا كفائيا وان الشارع لا يرضى بتركه مهما أمكن فلا ينبغي الارتياب في أن الضرورة العرفية
تتحقق غالبا في الاسفار ونحوها ولا نلتزم باعتبار أزيد من هذا المقدار من الضرورة في إباحة تغسيل المحارم فلا بعد تنزيل الصحيحة عليها
ولو من دون معارض فضلا عما عرفت لها من المعارضات فالأقوى هو القول المشهور والله العالم ولو تجددت القدرة بوجود المماثل الغير
الممتنع من الفعل بعد حصول الغسل من غير المماثل لا يجب اعادته جزما لكونه أولى بعدم الإعادة من وجوه من تغسيل الكافر الذي عرفت ان
الأقوى في النظر على ما يقتضيه القواعد حصول الاجزاء بفعله وعدم وجوب الإعادة كمالا يخفى على المتأمل ولذا لم ينقل الخلاف فيه من أحد
في هذه المسألة والله العالم ولا يغسل الرجل من ليست بمحرم له ولا المرأة من ليس بمحرم لها على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون
اجماعا كما في الجواهر وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا وعن الخلاف إلى الاخبار المروية عنهم (ع) والاجماع مع نسبته ما دل على خلاف ذلك من
الاخبار إلى الشذوذ * (وعن) * المعتبر ولا يغسل الرجل أجنبية ولا المرأة أجنبيا وهو اجماع أهل العلم انتهى ويدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي
عبد الله (ع) انه سأله عن المرأة تموت في السفر وليس معها ذو محرم ولا نساء قال تدفن كما هي بثيابها وعن الرجل يموت وليس معه الا النساء
ليس معهن رجال قال يدفن كما هو بثيابه ونحوهما في الاشتمال على حكمي الرجل والمرأة صحيحة الكناني وروايتا داود بن سرحان وزيد الشحام
المتقدمات وصحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) عن الرجل يموت في السفر مع النساء ليس معهن رجل كيف يصنعن به قال يلففنه لفا في ثيابه
ويدفنه ولا يغسلنه وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سئلته عن امرأة ماتت مع الرجال قال تلف وتدفن ولا تغسل خلافا للمحكى عن
الشيخين والحلبي في الكافي وابن زهرة في الغنية الا ان الأخير جعله أحوط وزاد كالحلبي اعتبار تغميض العينين وتبعهم في المفاتيح على ما حكى
عنه فأوجبوا تغسيلها من وراء الثياب لقوله (ع) في رواية أبى حمزة لا يغسل الرجل المرأة الا ان لا توجد امرأة فان ظاهره الجواز عند الضرورة
مطلقا * (و) * رواية عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسلها غسلها بعض الرجال
من وراء الثوب ويستحب ان يلف على يديه خرقة * (و) * رواية جابر عن أبي جعفر (ع) في رجل مات ومعه نسوة ليس معهن رجل قال يصببن عليه الماء
من خلف الثوب ويلففنه في أثوابه من تحت الستر ويصلين عليه صفا والمرأة تموت مع الرجال ليس فيهم امرأة قال يصبون الماء من خلف
الثوب ويلفونها في أكفانها ويصلون ويدفنون ورواية أبي بصير قال سمعت الصادق (ع) يقول إذا ماتت المرأة مع قوم ليس فيهم لها ذو
محرم يصبون عليها الماء صبا ورجل مات مع نسوة ليس فيهن له محرم فقال أبو حنيفة يصببن الماء عليه صبا فقال الصادق (ع) بل يحل لهن ان
يمسسن منه ما كان يحل لهن ان ينظرن إليه وهو حي فإذا بلغن الموضع الذي لا يحل لهن النظر إليه ولا مسه وهو حي صببن عليه الماء صبا ورواية
عمر وبن خالد عن زيد بن علي عن ابائه عن علي (ع) قال إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهن امرأته ولا ذو محرم من نسائه يؤزرنه إلى
الركبتين ويصببن عليه الماء صبا ولا ينظرن إلى عورته ولا يلمسنه بأيديهن ويطهرنه الحديث * (وفيه) * بعد الغض عما في هذه الروايات من ضعف
362

السند وقصور بعضها من حيث الدلالة كالأوليين لاهمال أوليهما وصلاحية ثانيتهما لإرادة المحارم من بعض الرجال كما يشعر بذلك قوله (ع)
ويستحب ان يلف على يديه خرقة ويؤيده ما سمعه ابن سنان عن الصادق (ع) فيما سمعته في الفرع السابق ان هذه الروايات بأسرها قابلة للحمل
على الاستحباب فلتحمل عليه كما عن الاستبصار وزيادات التهذيب بقرينة الأخبار المتقدمة الصريحة في عدم الوجوب ولو من فوق الثياب
كمالا يخفى على من تأمل فيها وربما يتوهم عدم امكان الجمع بينها لاشتمال جل الأخبار المتقدمة على النهى عن التغسيل والامر بالدفن بلا غسل
وهو ينافي الاستحباب ويدفعه كون النهى في مقام التوهم الوجوب والامر بالدفن في مقام توهم الخطر فلا يفهم منهما أزيد من الرخصة لكن مع ذلك لا ينبغي
الارتياب في أن الترك أحوط إذ لا شبهة في جواز الترك بمقتضى الأخبار المتقدمة المشهورة المعمول بها التي لا ريب في جواز الاخذ بها واما الفعل
فقلما ينفك عن بعض المحاذير التي يشكل الالتزام بجوازها الا بدليل قوى والله العالم ثم إن في المقام اخبارا اخر مرمية بالشذوذ لم ينقل من أحد
من الأصحاب العمل بمضمونها * (منها) * ما دل على وجوب تيمم الميت كما عن أبي حنيفة وهو رواية زيد بن علي المتقدمة في مبحث تغسيل الكافر وعن
التذكرة وظاهر الخلاف الاتفاق على نفيه * (ومنها) * ما دل على وجوب تغسيل مواضع التيمم حتى باطن الكفين كرواية مفضل بن عمر قال قلت لأبي
عبد الله (ع) ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة ما يصنع بها قال يغسل منها ما أوجب
الله عليه التيمم ولا تمس ولا يكشف لها شئ من محاسنها التي امر الله بسترها قلت فكيف يصنع بها قال يغسل بطن كفيها ثم يغسل وجهها ثم يغسل
ظهر كفيها * (ومنها) * ما دل على أنه يغسل منها مواضع الوضوء كرواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن امرأة ماتت في سفر وليس معها نساء ولا
ذو محرم فقال يغسل منها موضع الوضوء ويصلى عليها وتدفن * (ومنها) * انه يغسل كفاها كرواية جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن المرأة
تموت وليس معها محرم قال يغسل كفيها وهذه الأخبار بأسرها ممالا يمكن الاخذ بظاهرها ولو مع قطع النظر عن شذوذها واعراض الأصحاب
عنها لمعارضة بعضها مع بعض والكل مع الأخبار المتقدمة ولو في الجملة لكن لا بأس بحملها على الاستحباب كما في الوسائل ولو من باب المسامحة لكن
مع تقييدها بما إذا لم يستلزم نظرا أو لمسا محرما وان كان الأحوط ترك هذه الأشياء أيضا كالغسل من فوق الثياب ودفنه كما هو بثيابه الا أن تكون
صبية ولها دون ثلث سنين أو ثلث ولم تتعداها فيغسلها الرجل [ح] وان كان أجنبيا وكذا المرأة الأجنبية تغسل الصبي الذي لم يتجاوز
الثلث بلا اشكال ولا خلاف يعتد به فيهما على الظاهر بل عن النهاية والتذكرة نسبة الحكمين إلى جميع علمائنا للأصل وعمومات وجوب الغسل التسليمة
عما يصلح لتخصيصها ضرورة قصور الأخبار المانعة عن شمول مثل الفرض ولا أقل من انصرافها عنه وظهورها في إرادة المنع من تغسيل من
يحرم النظر إليه دون الصبي والصبية خصوصا غير المميز منهما كما هو الغالب في مورد الفرض فما عن المصنف في المعتبر من المنع من تغسيل الرجل الصبية
الأجنبية مطلقا لأصالة حرمة النظر خرج منها تغسيل المرأة للصبي الترخيص الشارع اطلاعهن عليه لافتقاره إليهن ضعيف لأنه ان أراد حرمة
النظر إلى العورة فبعد التسليم ولو بالنسبة إلى غير المميز ان مقتضاها ليس الا صيرورتها كالمحارم فيلقى على عورتها خرقة ويغسلها وان أراد حرمة
النظر إلى الصبية مطلقا ولو إلى ما عدا العورة من غير مميزها ففيه مالا يخفى من مخالفته للسيرة القطعية مضافا إلى دعوى عدم الخلاف في
جواز النظر ودلالة النص الصحيح عليه ما لم تبلغ والأولى له الاستدلال في تفصيله بين الصبي والصبية بموثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) انه سئل
عن الصبي تغسله امرأة فقال انما تغسل الصبيان النساء وعن الصبية تموت فلا تصاب امرأة تغسلها قال ويغسلها رجل أولى الناس بها بناء
على العادة مالا يعم غير المحارم من الأولى فيفهم منه المنع لغيرها لكن يتوجه عليه أيضا قصورها عن اثبات الحرمة خصوصا في صورة فقد الولي
ويكفى نكتة لتعيين الأولى وتخصيصه بالذكر استحباب مباشرته للفعل بنفسه وكونه ولى الامر وحيث إن
تغسيل الرجل للصبية خلاف المتعارف
لا يقدم عليه أحد لا داع قوى بخلاف صورة العكس خص الولي بالذكر وعينه للفعل مع استحباب اقدامه عليه مباشرة فلا يفهم من مثل هذه
الرواية بطلان غسل الغير إذا كان بأمر الولي فلا ينبغي الارتياب في أصل الحكم في الجملة خصوصا بعد استفاضة نقل الاجماع عليه في كلا الفرعين
وانما الاشكال في تحديد الجواز بثلث سنين فيهما كما هو المشهور اما بالنسبة إلى الصبي فيستفاد ذلك من رواية أبى النمير مولى الحرث بن المغيرة
قال قلت لأبي عبد الله (ع) حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء فقال إلى ثلث سنين وضعفه لو كان منجبر بما عرفت واما بالنسبة إلى الصبية
فلم يتضح لنا مستندهم اللهم الا ان يدعى أولويتها بالمنع من الصبي بنظر العرف فيفهم حدها من هذه الرواية بالأولوية ولذا حددها المشهور
أيضا بالثلث فليتأمل وعن المقنعة والمراسم جواز تغسيل الصبي مجردا ان كان ابن خمس سنين وان كان أكثر غسلته من فوق الثياب والظاهر أن
ما فيهما من الغسل من فوق الثياب مبنى على جوازه من الأجنبي فالتحديد [ح] انما هو بالخمس ويدل على ذلك في الصبية ما رواه الصدوق عن محمد بن
الحسن في جامعه في الجارية تموت مع الرجال في السفر قال إذا كانت إليه أكثر من خمس سنين أو ست دفنت ولم تغسل وان كانت بنت أقل من خمس
سنين غسلت قال وذكر عن الحلبي حديثا في معناه عن الصادق (ع) وفي الوسائل ورواه في كتاب مدينة العلم مسندا عن الصادق (ع) كما ذكره
الشهيد في الذكرى انتهى لكن ينافيه ما رواه في التهذيب عن أحمد بن محمد مرسلا قال وروى في الجارية تموت مع الرجل فقال إذا كانت بنت أقل
363

من خمس سنين أو ست سنين دفنت ولم تغسل * (وقد) * نقل من ابن طاوس [ره] أنه قال إن لفظ أقل هنا وهم واصله أكثر فعلى هذا ينطبق على الرواية المتقدمة
ولكن الاعتماد على مثل هذه الروايات مع ما فيها من الضعف والشذوذ في غاية الاشكال ولذا مال بعض مشايخنا تبعا لبعض متأخري المتأخرين
إلى دوران جواز التغسيل في الصبي والصبية مدار جواز النظر واللمس وهذا وان كان موافقا للأصل والقواعد ويؤيده موثقة عمار المتقدمة
لكنه مخالف لفتاوى الأصحاب ولرواية أبى النمير المتقدمة المعتضدة بعمل الأصحاب فالالتزام به مشكل والذي يقتضيه الاحتياط انما هو تغسيل
الصبي والصبية بعد الثلث من فوق الثياب عند الضرورة بناء على ما هو الأظهر من جوازه للأجنبي وان كان الأحوط تركه بعد البلوغ ودفنه كما هو بثيابه
ولعل هذا هو الوجه فيما حكى عن ابن حمزة من أنه قسم الصبي ثلاثة أقسام ابن ثلث وابن أكثر ومراهق فالأول تغسله النساء مجردا من ثيابه والثاني
تغسله من فوق ثيابه والثالث يدفن من غير غسل وكيف كان فهذا هو الأحوط لكن بشرط تخصيص الحكم فيما بعد الثلث وبحال الضرورة واما قبل الثلث
فلا يشترط بالضرورة جزما بل يجوز ذلك اختيارا لاطلاق النصوص والفتاوى بل ظهورها في إرادة ذلك مضافا إلى أنه فوالذي يقتضيه
الأصل والعمومات كما أن مقتضى جميع ما عرفت عدم اعتبار كونه من فوق الثياب بل عدم وجوب ستر العورة كما عن جامع المقاصد والروض
التصريح بذلك بل عن الأول نسبته إلى اطلاق النص والأصحاب فالصبي الذي لم يتجاوز الثلث تغسله المرأة مجرد أو الصبية التي كذلك يغسلها
الرجل مجردة كما هو المشهور فيهما بل الظاهر عدم الخلاف في شئ منهما في الجملة بل عن ظاهر التذكرة وصريح النهاية والروضة الاجماع عليه واما
إذا تجاوزا الثلث فقد عرفت ان مقتضى الاحتياط تغسيلهما من وراء الثوب خصوصا في الصبية التي لم يثبت الجواز تغسيلها حد من دليل
يعتد به فان القول بوجوب غسلها ما دام يجوز النظر إليها أي ما لم تبلغ خصوصا قبل ان يتجاوز خمس سنين لا يخلو عن قوة والله العالم
بحقايق أحكامه * (ثم) * ان المتبادر من تحديد العمر بثلث سنين ليس الا إرادة مدة الحياة فلا يقدح وقوع الغسل بعدها إذا حصل الموت عندها
فما عن جامع المقاصد من أن الثلث سنين هي نهاية الجواز فلابد من كون الغسل واقعا قبلها لا يخلو عن نظر فرع الخنثى المشكل إذا كان
الثلث فما دون كغيره يغسله الرجل والمرأة [مط] وان زاد عنها فإن كان له أمة تغسله الأمة بلا اشكال على المختار من جوازه لها اختيارا والا
فتغسله محارمه كما صرح به العلامة وغيره العدم امكان الوقوف على المماثل فيكون من مواضع الضرورة المبيحة لتغسيل المحارم والمناقشة فيه
بعدم تناول ما دل على جواز تغسيل غير المماثل عند الضرورة لمثل المقام لظهورها أو صريحها في معلوم الرجولية والأنوثية ضعيفة جدا إذ لا
اشعار في شئ من الأدلة فضلا عن الظهور أو الصراحة يكون العلم بالرجولية أو الأنوثية مأخوذا في موضوع الحكم بجواز التغسيل على جهة
الموضوعية نعم يفهم من قول السائل حين سئل عن حكم رجل مات في السفر وليس معه الا النساء أو امرأة كذلك أو بنحو ذلك ان المقصود
بالسؤال ليس الا إرادة حكم الموضوع الذي أحرزه بالعلم لكن لا على وجه يكون العلم بالموضوع مأخوذا فيه على جهة الموضوعية بل هو كسائر الخصوصيات
الشخصية التي لا يتخصص بها الحكم الشرعي فليس المقام الا كسائر الموارد التي وقع السؤال فيها عن حكم الموضوعات الخارجية التي لا ينسبق
إلى الذهن الا إرادة حكم تلك الموضوعات التي أحرزها بالعلم من حيث هي لا من حيث كونها معلومة فلا ينبغي الارتياب في أن لكل من محارمه ذكرا كان
أو أنثى تغسيله فان ماثله في الواقع فهو والا فالضرورة سوغت غسله اللهم الا ان يمنع في مثل الفرض تحقق الضرورة المبيحة التغسيل غير المماثل الامكان
حصول الغسل من المماثل بتكرير الغسل بفعل الرجال والنساء لكن يتوجه عليه ان العبرة بحسب الظاهر انما هو بالاضطرار إلى حصول الغسل
من غير المماثل لا عدم امكان حصوله من المماثل في الواقع ومعلوم ان الضرورة متحققة في فعل من يغسله ولو عند إرادة الاحتياط فيصح غسله ولو
على تقدير عدم المماثلة فليتأمل ويؤيده بل يدل على عدم وجوب تكرار الغسل ما سنذكره في توجيه الوجه الأخير من الوجوه الآتية [انش‍] ويمكن
ان يقال في المقام بجواز التغسيل لكل أحد أجنبيا كان أم من المحارم من دون اشتراط المماثلة بدعوى انصراف الأخبار المانعة من تغسيل غير
المماثل عن الخنثى حيث إن المتبادر منها ولو لأجل المناسبة المغروسة في الأذهان ليس الا إرادة المنع من تغسيل من يحرم النظر إليه وحيث إن الأظهر
جواز نظر كل من الطائفتين إليه ولمسه فلا يفهم من تلك الأخبار المنع من تغسيله فيجب على الجميع تغسيله للعمومات السليمة عن المخصص لكن هذه الدعوى
مع قوتها غير خالية عن النظر بل المنع فالأظهر عموم شرطية المماثلة أو المحرمية وعدم اختصاصها بما عدا الخنثى فلو انكشف الواقع باخبار صادق لم يجز
لغير المماثل غسله وحيث إن ما عدا المحارم لم يعلم بكونه مكلفا بالغسل لجهله بالمماثلة لم يجب عليها مباشرته وان قلنا بصحته على تقدير حصوله منه
كما سيأتي التكلم فيه واما المحارم فيجب عليهم ذلك لعلمهم بتنجز الخطاب في حقهم عليهم غسله بمعنى انه يتعين عليهم ذلك لا انه لا يصح الا بفعلهم
ضرورة صحته من الأجنبي المماثل غاية الأمر انه لا يمكن القطع بحصوله منه الا بتكرير الغسل وكيف كان فان فقدت المحارم هل يرتفع التكليف بالغسل
ويجوز دفنه بدونه أو انه يجب على عامة المكلفين تغسيله مرتين احتياطا تحصيلا للجزم بحصول الواجب مع شرطه أم لا يجب الا غسل واحد كفاية
على الجميع وجوه اما الأول فتوجيهه ان وجوب الغسل عند فقد المحرمية مشروط بالمماثلة والشك في الشرط شك في المشروط فيرجع فيه إلى البراءة
وتوهم الرجوع إلى عمومات وجوب الغسل مدفوع بخروج غير المماثل منها والشك في المقام انما هو في كون المشكوك من افراد المخصص أو العام
364

وقد تقرر في محله بطلان التمسك بالعمومات في الشبهات المصداقية لكن لا يخفى عليك ان مقتضى الأصل ليس الا عدم الوجوب لا عدم الجواز
بل مقتضى الأصل جواز غسله ولو مجردا عن الثياب كجواز مسه والنظر إليه لان شرط الحرمة أيضا أعني عدم المماثلة غير محرز فهي كالوجوب منفية
بالأصل فيبقى الفعل على أصل الجواز ويكفى في مشروعيته احتمال كونه واجبا في الواقع واتيانه بداعي هذا الاحتمال كما عرفته في نية الوضوء لكن
لا يخفى عليك انه لو قلنا بجواز الغسل للأجنبي من فوق الثياب كما هو الأظهر فالأحوط اتيانه كذلك كي يكون متقربا بالفعل على كل تقدير وحاصل
هذا الوجه رجوع كل مكلف إلى أصل البراءة عن التكليف بالغسل وعلمه الاجمالي بتوجه الخطاب بالغسل إلى احدى الطائفتين لا يؤثر في تنجيز
التكليف على أحد كما في واجدي المنى في الثوب المشترك * (واما) * الوجه الثاني فتوجيهه ان مقتضى وجوب الغسل كفاية على عامة المكلفين عدم اختصاص
التكليف به بمن يباشره بنفسه فالمباشرة شرط الوجود لا الوجوب فيجب على كل مكلف ولو بإعانة بعضهم لبعض السعي في ايجاد الغسل من مماثل وان
لم يجب على نفسه المباشرة الا ترى انه لو ماتت امرأة يجب على الرجال أيضا كالنساء السعي في حصول غسلها في الخارج بتمهيد مقدماته واعلام من
يماثلها والزامه بذلك على تقدير الامتناع ولو من باب الأمر بالمعروف إلى غير ذلك مما هو من اثار الوجوب الكفائي ففيما نحن فيه يجب على المكلفين
السعي في حصول غسل الخنثى من مماثله وهو امر مقدور غاية الأمر انه يتوقف الجزم بحصول الواجب على تكرير الغسل بفعل الرجال والنساء فيجب ذلك
من باب الاحتياط نعم لو امتنع الاحتياط بان انحصر المتمكن من الغسل في احدى الطائفتين أو توقف على ارتكاب محرم كنظر الأجنبي ومسه ولم يمكن
ايجاده بدونه كالغسل من وراء الثوب أو بتغميض العينين ولف اليدين بخرقة مثلا أو قلنا بان غسل الأجنبي حرام ذاتا اتجه القول بسقوط التكليف
والرجوع إلى البراءة إذ لا يعقل ان يتنجز في حق أحد التكليف بايجاد الغسل من المماثل عند اشتباه موضوعه وتردد حكم الموضع المشتبه بين الواجب
والحرام واستلزام الاحتياط فيه ارتكاب الحرام اليقيني ولا يجدى في تنجز الخطاب بالغسل على المكلفين بعد فرض استلزام الاحتياط ارتكاب الحرام
الواقع جواز مس كل من الرجال والنساء ونظره إليه وتغسيله إياه بملاحظة حكمه من حيث هو كما هو واضح لكنك خبير بامكان حصوله غالبا من دون
توقفه على مقدمة محرمة واما احتمال الحرمة الذاتية في غسل الأجنبي مطلقا ولو من فوق الثياب فهو في غاية الضعف بل قد عرفت فيما سبق ان الأظهر
استحبابه من فوق الثياب وان كان الأحوط تركه فظهر لك بما ذكرناه في توجيه هذا الوجه ضعف الوجه الأول الا في بعض الصور كما تقدمت الإشارة
إليها واما الوجه الأخير فتوجيهه بان يقال إن اشتراط المماثلة والمحرمية في الغسل على ما يستفاد بالتأمل في أدلته ليس من مقومات مهية الغسل
كاشتراط طهارة الماء واطلاقه بل هو كإباحته من الشرايط المنتزعة من الأحكام التكليفية فان المتأمل في أدلته يوشك ان لا يرتاب في أن
اعتبار الشارع لهذا الشرط لم يكن الا لعدم رضاه بان يتصدى الأجنبي لهذا العمل المتوقف غالبا على النظر واللمس فنهى الشارع عنه ليس
لبطلانه في حد ذاته بل لكون فعله الخارجي مصداقا لعنوان مرجوح أو ملزوما لامر كذلك فلا يعقل ان يطلبه الشارع فيفسد عمله كذلك نظير
الوضوء بالماء المغصوب ولا يصلح مثل هذه الجهات العارضية المقبحة للفعل مانعا من وقوعه امتثالا للامر المتعلق بالطبيعة الا إذا اتصفت
فعلا بالقبح بمعنى ان الفساد في مثل الفرض يدور مدار المنع الفعلي المنجز لا الثاني فحيثما جاز صح فعله كما لو غسل الأجنبي بزعم المماثلة أو
المحرمية فانكشف خطائه أو توضأ بماء مغصوب بزعم الملكية أو اغتسل في ماء بارد باعتقاد عدم الضرر فتبين كونه مضرا إلى غير ذلك من الموارد
التي نلتزم فيها بصحة العبادات المشتملة على جهات مقبحة عند عدم تأثير تلك الجهات في صيرورة الفعل من حيث صدوره عن الفاعل قبيحا
وفيما نحن فيه وان لم يكن المكلف غافلا لكنه بحكمه في عدم تنجز النهى في حقه بل قد يكون تكليفه في مقام العمل هو الاتيان بالفعل كما لو أحرز من
نفسه القدرة على ايجاد الواجب الكفائي بنفسه أو بالتسبيب فإنه يجب عليه [ح] الاتيان بالفعل من باب المقدمة العلمية فمتى أوجده يصح غسله
ويرتفع الخطاب المتعلق به ولو لم يكن مماثلا في الواقع * (ان) * قلت إذا كان الخطاب بمباشرة الغسل مخصوصا بالمماثل ولم يجب الا عليه فكيف
يغفل ان يصح من غير المماثل ويقع امتثالا لامر الواجب المتوجه إلى المماثل * (قلت) * إذا كانت علة الاختصاص كون غسل غير المماثل مشتملا على
جهات مقبحة للفعل كما هو المفروض فهي لا تصلح علة الا لتخصيص الطلب لا لعدم حصول ذات المطلوب من حيث هي فيصح عمله مطلقا ولو
على تقدير حرمته عليه ان لم يكن عباده فيسقط بسببه التكليف لحصول الغرض وان كانت عبادة يصح على تقدير تحققه قربة إلى الله ما لم يكن
صدوره من المكلف من حيث صدوره منه قبيحا بحيث يحسن عتابه وعقابه على الفعل ويكفى في كون العمل مقربا كونه محصلا لما تعلق به غرض
الشارع في امره وان قصر الطلب الفعلي عن شموله لما فيه من موانع الطلب حيث يقبح صدوره من المكلف حال الالتفات والعلم بعنوانه المقبح
له فلا يكون مطلوبا وصدوره منه حين الغفلة والجهل بالعنوان القبيح وان لم يقبح فعلا ويحصل به ما هو الغرض الباعث على الامر لكن ليس
بهذا العنوان فعلا اختياريا للمكلف حتى يقع في حين الطلب فلا يشمله الخطاب اللفظي بل لا يكون هذا الفرد بخصوصيته الشخصية مأمورا
به في الواقع بل هو منهى عنه بهذا الاعتبار لعدم اختصاص حرمة الأشياء المشتملة على المفسدة كالغصب ونحوه بالافراد المعلومة لكنه لا اثر
لمفسدته الذاتية وحرمته الواقعية في صيرورته قبيحا عند صدوره ممن هو معذور في ارتكابه عقلا وشرعا فان الأفعال الاختيارية انما
365

تتصف بالحسن والقبح بعناوينها الاختيارية فلا فرق من حيث الحسن والقبح بين الصلاة الواقعة في الدار المغصوبة غفلة والواقعة في غيرها
فمناط الطلب في الصورة الأولى أيضا موجود بحيث لو أمكن الامر بها الامر بها لكنه غير ممكن فلا منافاة بين حرمة الشئ واقعا واتصافه بالحسن
فعلا ووقوعه عبادة ومسقطا للامر المتعلق بالطبيعة إذا تحقق في الخارج بعنوانه الراجح الواقع في حين الطلب أي كونه مصداقا للطبيعة المأمور
بها قربة إلى الله تعالى ولا يتوقف ذلك على كونه مأمورا به بالفعل لما عرفت في نية الوضوء من أن
القربة المصححة للعبادة ليست الا كون العمل
لله تعالى لا لساير الاغراض النفسانية وهذا المعنى محقق في جميع الموارد التي حكمنا بصحة العبادة * (ولا) * ينافيه ما ينويه الغافل عن قبحه من قصد
امتثال الامر المتعلق به مع أنه لم يتعلق به بخصوصه امر في الواقع لان انتفاء الامر الواقعي لا يخرج العمل الواقع لله تعالى من كونه كذلك غاية الأمر
انه زعم أن الله قد امره بذلك فأوجده لله بهذا الداعي ولم يكن الامر كما زعم ولا صيرفية كما تقدم تحقيقه وتنقيحه في مبحث النية وبما ذكر
يتضح لك الوجه في صحة الغسل فيما نحن فيه مطلقا بناء على الوجه الأخير لو أوجده الاحتمال وجوبه لأجل احتمال المماثلة فإنه وان لم ينو الا امتثال
الامر المحتمل لكن احتمال كونه واجبا من قبل الله تعالى اثر في ايجاده فأوجده لله لا لساير الاغراض ولذا نقول باستحقاق ثواب الانقياد على
تقدير عدم مصادفة الاحتمال ومقتضاه صحة العمل مطلقا إذا كان من قبيل ما هو المفروض فيما نحن فيه لكن الأحوط في المقام بل في كل مورد
حكمنا فيه بالتخيير بين فعل عبادة وتركها لدوران الامر فيها بين المحذورين ونحوه إذا كان احتمال الحرمة فيه مسببا عن احتمال جهة عارضية
مقبحة كغصبية ماء الغسل ان ينوى بفعله ايجاد الطبيعة الراجحة شرعا التي تعلق بها الطلب الشرعي من دون ان يجعل وجوبها غاية للفعل
ولو على سبيل الاحتمال كي يتأمل في صحته على تقدير عدم المصادفة وان كان الأقوى صحته كما عرفت ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه
في توجيه الوجه الأخير انه لا يخلو عن قوة لكن ما تقدمه أحوط والله العالم * (واعلم) * ان المشهور بين الأصحاب كما صرح به غير واحد منهم ان
كل مظهر للشهادتين ولم يعلم منه عدم الاذعان بشئ منهما وان لم يكن معتقدا للحق الذي يعتقده أهل الحق
يجوز تغسيله بل يجب كفاية
عدا الخوارج والغلاة والنواصب وغيرهم من الفرق المحكوم بكفرهم ولو بانكار شئ من ضروريات الدين فإنه لا يجب [ح] تغسيلهم بل لا يجوز
فان الكافر لا يغسل اجماعا كما صرح به غير واحد للأصل مع ظهور الأدلة في غيره وقول الصادق (ع) في خبر عمار النصراني يموت مع المسلمين
لا تغسله ولا كرامة ولا تدفنه ولا تقم على قبره وان كان ابا وغيره من الأخبار الدالة على أن الوجه في غسل الميت تنظيفه وجعله أقرب إلى رحمة الله
وأليق بشفاعة الملائكة وانه تطهير للميت عن الجنابة الحادثة له عند الموت إلى غير ذلك مما يفهم منه عدم استحقاق الكافر للغسل مطلقا
فلا اشكال في ذلك أصلا كما أنه لا اشكال في وجوب تغسيل كل مؤمن معتقد الإمامة الأئمة الاثني عشر (ع) وانما الاشكال فيما هو المشهور
بين الأصحاب بل عن غير واحد دعوى اجماعهم عليه من وجوب تغسيل كل مظهر للشهادتين من ساير فرق المسلمين مع أن مقتضى الأدلة
السابقة ليس الا وجوب تغسيل المسلم المعتقد للإمامة لا مطلقا كما لا يخفى على المتأمل * (واستدل) * له بما في بعض النصوص من العموم والاطلاق
مثل قوله (ع) اغسل كل الموتى الغريق واكيل السبع وكل شئ الا ما قتل بين الصفين الحديث وقوله (ع) غسل الميت واجب مضافا إلى عموم أدلة
وجوب الصلاة على كل مسلم كقوله (ع) صل على كل من مات من أهل القبلة وحسابه على الله بضميمة عدم القول بالفصل واشتراط مشروعية
الصلاة على تقدم الغسل وفي الجميع مالا يخفى فان اطلاقات النصوص مسوقة لبيان حكم آخر خصوصا الرواية الثانية فإنهما مهملة واما
الرواية الأولى وان اشتملت على عموم لغوي الا ان عمومها انما هو بالنسبة إلى أنواع الموتى كما يشهد لذلك تفصيل بعض افراده كالغريق
وما بعده ثم استثناء الشهيد منها ولذا لا ترى تنافيا بينها وبين ما دل على عدم تغسيل الكفار لان الكفر والاسلام وكونه مخالفا
انما هو من أحوال الفرد لا من افراد هذا العام * (واما) * الرواية الواردة في باب الصلاة فبعد تسليم سندها لا يفهم منها الا مشروعيتها لورود
الامر فيها في مقام توهم الخطر فلا يفهم منها الوجوب وكيف كان فلا يمكن اثبات الوجوب بمثل هذه للأدلة واليه أشار المحقق الأردبيلي فيما حكى
عنه في مجمع البرهان حيث قال واما وجوب غسل كل مسلم فلعل دليله الاجماع وقد صرح فيما حكى عنه بان الظاهر أنه لا نزاع فيه لاحد من المسلمين
* (أقول) * ولا يبعد ان يكون كذلك فان الخلاف في تغسيل المخالف وان نسب إلى جماعة من القدماء والمتأخرين لكن الظاهر أن ذلك منهم عدا
بعض متأخري المتأخرين انما هو لبنائهم على كفر المخالف وكيف كان فان تم الاجماع فهو والا فالمسألة في غاية الاشكال خصوصا بملاحظة
ما صرحوا به بل نسبه المحقق الثاني في حاشية الشرايع على ما حكى عنه إلى ظاهر الأصحاب من أن
الواجب انما هو تغسيلهم غسل أهل الخلاف
فان مقتضاه ان لا يكون مستندهم فيه اطلاقات أدلة الغسل إذ لا يمكن استفادة وجوب غسل باطل من تلك الأدلة فان المراد بها ليس
الا الغسل الصحيح ولذا استدل شيخنا المرتضى [قده] عليه بالاجماع وقال لو سلمنا عدم ثبوت الاجماع على الكلية كفى في المسألة ما دل على أنه
يجب المعاملة مع المخالف معاملة المسلمين المؤمنين في الأمور المتعلقة بالمعاشرة التي من أهمها ان لا يعامل مع موتاهم معاملة الكلاب وهذا
واضح لمن لاحظ تلك الروايات انتهى * (أقول) * استفادة وجوب تغسيل موتاهم أو الصلاة عليها أو نحوهما في الفروض التي لا مدخلية لها بأمور
366

المعاشرة كما لو مات أحدهم في مفازة لم يطلع عليه الا آحاد من المسلمين بحيث لم يترتب على غسله الا أداء التكليف فيما بين العبد وبين ربه من تلك
الأدلة في غاية الاشكال بل في حيز المنع بل لا يبعد دعوى دلالة جملة من الاخبار الصادرة عن الأئمة على خلافه فان غاية ما يمكن استفادته
من تلك الأدلة انما هو وجوب المعاملة معهم معاملة المسلمين صورة من جهة المداراة معهم لدفع شرهم أو جلب قلوبهم إلى الايمان أو توقف
انتظام امر المعاش عليه أو غير ذلك من الفوائد المترتبة على حسن المعاشرة لا انه يجب علينا ترتيب اثار كونهم مسلمين في الواقع والا لكان الواجب
علينا السعي في تغسيلهم غسل أهل الحق وهو خلاف ما صرح به جملة من الأصحاب فالانصاف ان القول بوجوب غسلهم من حيث هو لولا الاجماع
مشكل نعم ربما يجب من باب المماشاة والتقية وحسن المعاشرة ونحوها لا لكونه غسل الميت من حيث هو ولذا لا ينبغي الاشكال في أن الواجب
انما هو تغسيلهم غسل أهل الخلاف الزاما لهم بما في مذهبهم إذ لا يترتب على تغسيلهم غسل أهل الحق
شئ من الفوائد المقصودة من الامر
بتغسيلهم اللهم الا ان يتوقف المداراة وحسن المعاشرة والتوقي من شرهم عليه نعم لا ينبغي الاستشكال في أنه يستفاد من تلك الأخبار
انه لو تحقق غسلهم في الخارج على ما يقتضيه مذهبهم سواء كان بفعلنا أو بفعلهم يترتب عليه اثر الغسل الصحيح فيطهر بدنه ظاهرا كحال حياته
ولا يجب الغسل بمسه إلى غير ذلك من الآثار كما أنه لا اشكال في ترتب الآثار عليه لو غسل بغسل أهل الحق ان ثبت مشروعيته باجماع ونحوه
والا ففيه اشكال ولا يجديه القول به من باب الاحتياط والمسامحة كمالا يخفى * (وليعلم) * انه لا منافاة بين القول بوجوب غسلهم كفاية وبين ما
صرحوا به من كراهة تغسيل المخالف فان المقصود بالثاني كراهة مباشرته على تقدير وجود من يقوم بايجاده لا مطلقا فيكون مباشرة الغسل
حال وجود من به الكفاية من العبادات المكروهة التي عرفت توجيهها غير مرة * (وليعلم) * أيضا انه قد استثنى مما تقدم من تغسيل كل مسلم
الشهيد الذي قتل بين يدي الامام ومات في المعركة فإنه لا يغسل ولا يكفن لو لم يكن مجردا من الثياب كما ستعرفه في محله [انش‍] ويصلى عليه
بلا خلاف بل في الجواهر اجماعا في الجميع محصلا ومنقولا مستفيضا ان لم يكن متواترا كالاخبار انتهى والمراد بقتله بين يدي الإمام (ع) التمثيل
والا فلا ريب في عموم الحكم بالنسبة إلى من قتل بين يدي النبي صلى الله عليه وآله أو النائب عنهما بالخصوص بل لا ينبغي الاستشكال في اطراد الحكم بالنسبة إلى كل
من قتل في سبيل الله في كل جهاد بحق ولو في حال الغيبة كما لو دهم المسلمين عدو يخاف منه على بيضة الاسلام كما عن صريح جماعة وظاهر آخرين بل عن ظاهر
الغيبة أو صريحها الاجماع عليه ويشهد له اطلاق حسنة أبان بن تغلب قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسل
الا ان يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعد فإنه يغسل ويكفن ويحنط ان رسول الله صلى الله عليه وآله كفن حمزة في ثيابه ولم يغسله ولكنه صلى عليه ونحوه في ذلك
خبره الاخر قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسل ويكفن ويحنط قال يدفن كما هو في ثيابه الا ان يكون به رمق الحديث
ومضمر أبى خالد قال اغسل كل الموتى الغريق وأكيل السبع وكل شئ الا ما قتل بين الصفين فإن كان
به رمق غسل والا فلا ولا ينافي هذه الاطلاقات
ما في جملة من الاخبار من اثبات هذا الحكم للشهيد بناء على اعتبار اذن الامام أو نائبه في مسماه كرواية أبى مريم عن الصادق (ع) أنه قال الشهيد
إذا كان به رمق غسل وكفن حنط وصلى عليه وان لم يكن به رمق كفن في أثوابه ورواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن ابائه (ع) قال قال أمير
المؤمنين (ع) ينزع عن الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل الا ان يكون اصابه دم ترك ولا يترك عليه شئ معقود
الا حل ومرسلة الطبرسي في مجمع البيان قال قال النبي صلى الله عليه وآله في شهداء أحد زملوهم بدمائهم وثيابهم ضرورة عدم التنافي بين المثبتين فهذه الروايات
على تقدير تسليم الدعوى المذكورة ليست الا كالاخبار الواردة في الوقايع الخاصة مثل المستفيضة الواردة في قضية عمار وعتبة أو هاشم بن
عتبة من أن عليا (ع) لم يغسلهما يوم صفين ودفنهما في ثيابهما هذا مع أن الدعوى المزبورة ممنوعة على مدعيها أشد المنع فما في هذه الروايات
من الاطلاق أيضا شاهد للمختار نعم المراد من جميع الأخبار على ما يشهد به متونها من المقتول في سبيل الله ليس الا المقتول في الجهاد لا مطلق
من بذل نفسه في طاعة الله من غير جهاد فإنه يجب غسله كغيره بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن المعتبر والتذكرة دعوى الاجماع عليه ويؤيده رواية
العلا ابن سبابة عن رجل قتل وقطع رأسه في معصية الله أيغسل أم يفعل به ما يفعل بالشهيد فقال إذا قتل في معصية الله يغسل أولا منه الدم
ثم يصب عليه الماء صبا الحديث فهذا ممالا اشكال فيه بل لعل المتبادر من القتل في سبيل الله ليس الا إرادة الجهاد نعم لا يعتبر على الظاهر كونه
عند تقابل العسكرين فلو قتل واحد من عسكر المسلمين قبل تقابل العسكرين مثلا كما لو كان عينا لهم فالظاهر شمول اطلاق الاخبار له
وان كان ربما يستشعر من قوله (ع) الا ما قتل بين الصفين خلافه لكن لا يبعد جرى هذه الرواية مجرى الغالب ثم إن المعتبر انما هو موته قبل ان يدركه
المسلمون كما نطق به جملة من الأخبار المتقدمة لكن لا يبعد ان يكون المراد من ادراكه المسلمون اخراجه من المعركة أو ادراكه حيا بعد انقضاء الحرب
عند تفقد القتلى لا مجرد الحضور عنده في أثناء الحرب وبه رمق وقد مات في المعركة كما يشهد له اطلاق قوله (ع) في رواية أبى خالد الا ما قتل بين
الصفين خلافا لظاهر المحكى عن جماعة من القدماء والمتأخرين فاكتفوا في وجوب التغسيل بمجرد ادراكه حيا ولو في أثناء الحرب لاطلاق الاخبار
وفيه نظر لما أشرنا من امكان دعوى ان المتبادر منها ليس الا إرادة ما عرفت ويؤيده بل يشهد له قضية عمار فان الظاهر حضور المسلمين عنده
367

حين استسقى فسقى اللبن الذي كان اخر شرابه من الدنيا مع أن أمير المؤمنين (ع) لم يغسله كما يدل عليه اخبار مستفيضة ويؤيده أيضا ما روى
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال يوم أحد من ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع فقال رجل انا انظر لك يا رسول الله صلى الله عليه وآله فنظر فوجده؟ نجا وبه رمق فقال له ان رسول الله صلى الله عليه وآله
امرني ان انظر في الاحياء أنت أم في الأموات فقال انا في الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله عنى السلام قال ثم لم أبرح إلى أن مات ولم يأمر النبي صلى الله عليه وآله بتغسيل
أحد منهم وقد يشكل ما في هذه الرواية بان ظاهرها كون القضية بعد تقضى الحرب وهو ينافي ما يستظهر من المعتبرة المستفيضة المتقدمة بل عن
الخلاف دعوى اجماع الفرقة على أنه إذا مات بعد تقضى الحرب يجب غسله حتى لو كان غير مستقر الحياة واشكل من هذه الرواية خبر عمرو بن خالد
عن زيد بن علي عن أبيه عن ابائه عن علي (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد فواروه في ثيابه وان بقي أياما حتى تتغير
جراحته غسل وقد حمله الشيخ وغيره على ما حكى عنهم على التقية ولا بعد فيه خصوصا مع ما فيه كسابقه من الضعف والله العالم ثم إن ظاهر
النص وكلام الأصحاب كما عن جماعة التصريح به انه لا فرق في هذا الحكم بين الصغير والكبير والرجل والمرأة والحر والعبد وبين من عاد سلاحه
إليه فقتله وغيره ولا بين من قتل بالجرح أو بغيره من الأسباب وعن ظاهر كشف اللثام الاتفاق في خصوص الصغير والمجنون وعن المعتبر
نسبة الخلاف في الصغير إلى أبي حنيفة ورده بالاطلاق ويؤيده ما روى من أنه كان في قتلى بدر واحد بعض الصغار وقد تقدم في الرواية
السابقة ان النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر بتغسيل أحد ممن قتل يوم أحد قال شيخنا المرتضى [ره] بعد ما نقل ما عرفت وهو حسن الا ان الظاهر من حسنة ابان
وصحيحته المقتول في سبيل الله فيختص بمن كان الجهاد راجحا في حقه أو جوهد به كما إذا توقف دفع العد وعلى الاستعانة بالأطفال انتهى
* (أقول) * لا يبعد ان يقال إن الظاهر من المقتول في سبيل الله في المقام ليس الا إرادة المقتول في الجهاد من عسكر المسلمين [مط] ولو لم يكن
المقتول بالخصوص ناويا بفعله التقرب بل اظهار الشجاعة وتحصيل الغنيمة ونحوهما مما ينافي الاخلاص المصحح كونه عبادة فلا يعتبر في ثبوت
الحكم الا تحقق العنوان ولو لم يكن في حق خصوص المقتول راجحا بحيث لا يعم مثل المجنون والصغير اللهم الا ان يدعى انصراف ساير الاخبار
عنه وكيف كان فالاحتياط بالغسل في مثل هذه الموارد مما لا ينبغي تركه والله العالم ولا فرق في سقوط الغسل عن الشهيد بين الجنب وغيره وكذا
الحايض والنفساء لاطلاق النصوص والفتاوى مضافا إلى عدم وجوب الغسل على الميت والأصل براءة ذمة الاحياء عن تغسيله سيما على
المختار من عدم وجوب الغسل الا لغاياته الواجبة * (فما) * عن السيد وابن الجنيد من وجوب غسل الجنابة ضعيف وربما استشهد له بما روى من أن
الميت الجنب يغسل غسلين وبما روى من تغسيل الملائكة حنظلة بن الراهب حيث اتفق خروجه إلى الجهاد جنبا فقال النبي صلى الله عليه وآله ما شأن حنظلة رأيت
الملائكة يغسلونه فقيل له جامع فسمع الصيحة فخرج إلى الجهاد وفيه مالا يخفى ولو وجد في المعركة ميت من عسكر الاسلام وعليه اثر القتل فلا
اشكال بل لا خلاف ظاهرا في سقوط تغسيله عملا بظاهر الحال وشهادة الامارة كما عليه بناء العرف في تشخيص الموضوع ولولاه قلما يبقى للأخبار المتقدمة
مورد ولو لم يوجد فيه اثر القتل فعن ظاهر المشهور الحكم بكونه شهيدا عملا بالظاهر فان القتل لا يستلزم ظهور الأثر وعن ابن الجنيد
انه ليس بشهيد للشك في الشرط وأصالة وجوب الغسل وعن ظاهر الذكرى والروض التوقف حيث اقتصرا على نقل الخلاف والأظهر ما هو
المشهور من عدم تغسيله ولو لم نقل بحجية ظاهر الحال فان الأصل براءة الذمة عن التكليف به والتمسك بعمومات وجوب الغسل لا يجدى في
الشبهات المصداقية كما عرفته غير مرة والله العالم ثم إن الكلام في تكفين الشهيد عنه تجرده من الثياب وعدمه بدونه والصلاة عليه يأتي
مفصلا في محالها [انش‍] وكذلك أي كالشهيد في كونه مستثنى مما تقدم من وجوب تغسيل كل مسلم بعد موته من وجب عليه القتل بقصاص أو
حد فإنه يؤمر بالأغسال قبل قتله فان اغتسل [ح] ثم قتل لا يغسل بعد ذلك غسل الأموات بلا خلاف فيه ظاهرا بل يظهر من اطلاق مثل المتن
كصريح جملة منهم على ما حكى عنهم عدم الفرق بين كون الحد رجما أو غيره لكن عن المنتهى وجماعة ممن تأخر عنه التوقف في الاطلاق بل المنع فاقتصروا
على المقتول قود أو خصوص المرجوم من أنواع الحد وقوفا فيما خالف الأصل على محل النص الذي هو مستند الحكم * (ولا) * ريب في أن هذا هو الأحوط
والأصل في هذا الحكم ما رواه الكليني عن مسمع كردين عن أبي عبد الله (ع) قال المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان قبل ذلك ثم
يرجمان ويصلى عليهما والمقتص منه بمنزلة ذلك يغسل ويحنط ويلبس الكفن ثم يقاد ويصلى عليه ورواه الصدوق مرسلا عن أمير المؤمنين (ع)
وعن الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب مثله وباسناد اخر فيه ارسال عن مسمع كردين عن أبي عبد الله (ع) لكن عن التهذيب يغتسلان من
الافتعال بدل يغسلان * (وكيف) * كان فلا اشكال فيما تضمنه الرواية من الحكم ولا يلتفت إلى ما فيها من ضعف السند بالارسال وغيره بعد انجباره
بفتوى الأصحاب من غير خلاف يعرف كما عن جماعة الاعتراف بذلك وينبغي التنبيه على أمور * (الأول) * قال في الجواهر ان ظاهر النص كالفتوى
بل صرح به جماعة ان هذا الغسل انما هو غسل الميت قدم فيعتبر فيه [ح] ما يعتبر فيه من الأغسال الثلاثة مع مزج الخليطين في الاثنين منها
ونحو ذلك من غير خلاف أجده فيه سوى العلامة في القواعد وتبعه من تأخر عنه حيث استشكل في وجوب الثلاثة وعلله بعضهم بأصالة البراءة
وبان المعهود الوحدة في غسل الاحياء وباطلاق الامر بالاغتسال في النص والفتوى فيتحقق مع الوحدة وضعف الجميع واضح انتهى * (أقول) *
368

اما ظهور النص والفتاوى في كونه غسل الميت بقرينة الامر بالحنوط والكفن غير بعيد وان احتمل قويا كونه غسل التوبة ونحوها واجتزى به عن
غسل الميت خصوصا على القول باتحاد مهية الغسل وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أن المراد به في النص والفتاوى ليس الا الغسل بالماء القراح
دون الغسل مع مزج الخليطين إذ من المستعبد جدا بل المحال عادة في خصوص الفتاوى ان يكون المقصود بالغسل الأغسال الثلاثة من دون إشارة
إليها مع أنه لا ينسبق إلى الذهن من امر الحي بالغسل كما وقع في عبائرهم الا الغسل بالماء القراح فكيف يجوز في مثل الفرض الاهمال في بيان
المقصود اتكالا على ظهور العبارة في إرادة غسل الميت مع أنه على تقدير تسليم الظهور لا دلالة فيها على إرادة الأغسال الثلاثة لاحتمال
اختصاص الغسل بالممزوج بالميت لخصوصية فيه وكون الغسل الحقيقي المؤثر في رفع حدثه هو الغسل بالماء القراح فاستظهار اعتبار التثليث
من اطلاق النص وفتاوى الأصحاب كما زعمه غير واحد من المتأخرين غير سديد فالأظهر كفاية الغسل الواحد بالماء القراح وان كان الثلث
أحوط خروجا من شبهة الخلاف * (الثاني) * لا اشكال في الاجتزاء بهذا الغسل عن الغسل بعد الموت كما يدل عليه النص والفتاوى ومقتضاه
ترتب اثر غسل الميت عليه من طهارة بدن الميت وعدم وجوب الغسل بمسه وغيرهما من الآثار فيكون الغسل المتقدم مانعا من تأثير الموت
فيما يقتضيه من نجاسة البدن ونحوها ولا استبعاد فيه بعد مساعدة الدليل * (و) * يؤيده خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) ان رجلا اتى أمير المؤمنين (ع)
فقال إني زينت فطهرني ثم ساق الخبر في حكاية رجمه فمات الرجل قال فأخرجه أمير المؤمنين (ع) وامر فحفر له وصلى عليه فدفنه فقيل يا أمير المؤمنين (ع)
الا تغسله فقال اغتسل بماء طاهر إلى يوم القيمة ولقد صبر على امر عظيم وعدم اشتمال الخبر على ذكر الغسل قبل الرجم لا يدل على عدمه كي يخالف
النص والفتوى وكيف كان فلا يخلو عن تأييد ولا فرق في سقوط الغسل بسبب الغسل السابق بين كونه محدثا بحدث الجنابة ونحوها وعدمه اما
ان قلنا بالاجتزاء لكل غسل عن ساير الاحداث أو بكون غسل الميت بالخصوص رافعا لساير الاحداث كما يفهم من جملة من الأخبار الدالة على
كونه بعينه غسل الجنابة والتزمنا يكون الغسل المتقدم بعينه هو غسل الميت فلا اشكال واما ان لم نقل بالتداخل مطلقا أو قلنا به في خصوص غسل
الميت لكن منعنا كون الغسل المتقدم عينه فالظاهر أيضا كذلك إذ لا دليل على وجوب تطهير الميت عن حدث الجنابة كفاية على عامة المكلفين وما ورد
في الاخبار من تعليل غسل الميت بصيرورته جنبا عند خروج روحه وان اقتضى بمقتضى مفهوم العلة وجوب تطهيره من حدث الجنابة لكنها من
العلل التعبدية التي لا ينالها عقولنا لا يدور مدارها الأحكام الشرعية مع أن مقتضاها سقوط غسل الجنابة في مثل الفرض وان حدثت بسبب
سابق على الموت بل ولو بعد الغسل لو لم نقل بانتقاض الغسل به كما لعله لا يخلو عن وجه والاحتياط لا ينبغي تركه في جميع الصور والله العالم * (الثالث) *
ان تقديم هذا الغسل هل هو رخصة كما عن بعض المتأخرين أو غريمة كما نسب إلى ظاهر الأكثر وصريح بعض واستدل له بظهور النص والفتاوى في
الوجوب وفي دلالتها عليه تأمل * (الرابع) * هل يجب الامر بالغسل قبل القتل على الامام أو نائبه كما عن بعض أو مطلقا كما اختاره بعض أم لا يجب
أقوال أقواها الأخير للأصل وخلو النص الذي هو مستند الحكم عن ذكره نعم لو قلنا بوجوب التقديم ربما يجب الامر به من باب الارشاد أو الامر بالمعروف
وهو خارج من محط النظر وربما نسب إلى ظاهر الأصحاب وجوب الامر اجمالا حيث عبروا كعبارة المتن الظاهرة في وجوب الامر ولقد أعرب شيخنا [قده]
في جواهره في الاستدلال عليه بوجوب كون غسل الميت واجبا كفائيا مخاطبا به عامة المكلفين وحيث لم يرد المباشرة منهم في مثل الفرض فيكون
الامر من المكلف بمنزلة تغسيله له بعد الموت واغرب منه ما بنى عليه من اشتراط صحة هذا الغسل بتحقق الامر فلو اغتسل من دون امر به لم يكن مجزيا
* (نعم) * يتجه بناء على ما ذكره من كون الامر بمنزلة تغسيله له ما احتمله من اعتبار صدوره ممن يجوز له التغسيل بعد الموت من المماثل والمحرم فعلى هذا يجب
ان يكون بإذن الولي وفي الجميع مالا يخفى * (الخامس) * لو مات بعد الغسل حتف انفه غسل بل وكذا لو قتل بسبب اخر غير ما اغتسل له كما لو اغتسل لان
يرجم فقتل قصاصا بل وكذا لو قتل بفرد اخر من ذلك السبب كما لو اغتسل لان يقتل قصاصا لشخص ثم عفى عنه فقتل الشخص اخر وان كان السقوط
في هذا الفرض لا يخلو عن وجه لكن الأول أحوط اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على مورده والله العالم وإذا وجد بعض الميت فإن كان فيه
الصدر أو الصدر وحده غسل وكفن وصلى عليه ودفن ما لم يكن مسبوقا بشئ منهما ولو بالأصل عند انتفاء امارة معتبرة كما لو وجد كله بلا خلاف
محقق أجده في شئ من ذلك بين المتقدمين المتأخرين كما في الجواهر بل عليه نقل الاجماع من جماعة بل يظهر من غير واحد ان عمدة المستند في المقام
هو الاجماع والا فاثبات جميع المدعى بما يستفاد من الاخبار مشكل وسيتضح لك تحقيقه [انش‍] ثم إن كلام المجمعين لا يخلو عن اختلاف فكان المدعين
للاجماع فهموا من عباير الجميع إرادة معنى واحد كما ليس بالبعيد واما الاختلاف الواقع في كلماتهم فمن جهتين أوليهما فيما يفعل به من التجهيزات فعن
بعضهم الاقتصار على ذكر الصلاة عليه وعن بعضهم الاقتصار عليها مع دفنه وزاد بعضهم عليهما تكفينه وبعضهم إضافة التغسيل أيضا وعن بعضهم
الالتزام بجميع الأحكام حتى التحنيط وهذا الاختلاف امره مع قطع النظر عن الحنوط سهل إذ لا ينبغي الارتياب في أخصية الصلاة لديهم من الغسل
والكفن والدفن فكان من المعلوم لديهم ان الشارع لا يهتم بالصلاة على من لم يوجب احترامه بالدفن والكفن والغسل كما يفصح عن ذلك استدلالهم
لهذه الأحكام بالأخبار الآتية التي لا يشمل أكثرها الا على ذكر الصلاة ولعمري ان هذه الدعوى منهم غير بعيدة عن الصواب ولعله يعترف بها كل
369

من تتبع في أحكام الأموات واستأنس بمذاق الشرع خصوصا بملاحظة مسلميتها لدى الاعلام على ما يظهر منهم تلويحا وتصريحا هذا مضافا إلى
امكان استفادة المدعى من خصوص الاخبار الآتية كما سيتضح لك [انش‍] والنقض عليها بالشهيد والمقتول الذي تقدم غسله بين الفساد فانكارها
كما عن بعض متأخري المتأخرين مما لا ينبغي بل عن اللوامع انه مكابرة * (وثانيتهما) * الاختلاف في الموضوع أي فيما يصلى عليه فعن بعض كما في المتن
هو ما فيه الصدر أو الصدر وحده فالموضوع في الحقيقة هو الصدر وحده سواء انفرد أو انضم إلى غيره وعن الحلى كما في النافع الاقتصار على
ما فيه الصدر وعن الوسيلة والغنية والمبسوط والنهاية التعبير بموضع الصدر وعن الخلاف إذا وجد قطعة من ميت فيه عظم وجب غسله وان
كان صدره وما فيه القلب وجب الصلاة عليه وعن الجامع ان قطع نصفين فعل بما فيه القلب كذلك يعنى الغسل والكفن والصلاة ولقد حاول
في الكشف ارجاع بعض العباير إلى بعض برفع التنافي بينها وفيه انه ان أريد من رفع التنافي اثبات اتحاد مراد الكل من أن موضوع الحكم
لدى الجميع هو الصدر وحده منفردا أو منضما كي يتحقق به اجماعهم ففيه انه كيف يمكن ان يفهم من عبارة الجامع ونظائرها انه لو وجد الصدر
وحده يترتب عليه هذه الأحكام وان أريد بيان مجرد التنافي بين العبائر فهو حسن إذ لا اشعار في شئ من عبائرهم بانحصار الموضوع فيما
هو المذكور فيه على وجه ينافي موضوعية الصدر وحده كمالا يخفى على من تأملها لكن لا يستكشف من ذلك اجماعهم الا بالنسبة إلى ما يفهم
من أخص عبائرهم كعبارة الجامع وهذا مما لا ريب فيه بل لا حاجة بالنسبة إليه إلى الاجماع الدلالة النص عليه كما ستعرفه فدعوى عدم التنافي بين
العبائر غير مجدية في اثبات كون الصدر موضوعا اللهم الا ان يتشبث لذلك بالاجماع المنقول وقيل بحجيته في خصوص مثل الفرض أعني ما لم يعلم الخلاف
لا مطلقا فيكون هذه الدعوى [ح] مجدية لكنا لا نقول بحجية نقل الاجماع ما لم يعضده الامارات المورثة للوثوق بصدق مضمونه فالانصاف
ان الذي يمكن دعوى القطع باجماعهم عليه انما هو ثبوت الأحكام المذكورة فيما إذا وجد النصف الا على من جثة الميت المشتمل على الصدر ولو عند
خلوها من الأطراف كالرأس واليدين بل ولو لم يبق من ذلك النصف الخالي أيضا الا مسماه عرفا وهذا المعنى وان قصر عن إفادته عبارة الجامع
ونحوها لكن لا يبعد دعوى القطع بعدم كون الأطراف لديه من مقومات الموضوع وعلى تقدير كونه كذلك لدى المعبرين بمثل ذلك فلا يكون
ذلك خلافا يعتد به كما أنه لا يقدح في ذلك ما حكى عن معتبر المصنف من اعتبار ضم اليدين إلى الصدر في الجملة فان مثل هذه المخالفات لا يقدح
في كاشفية الاجماع هذا مع امكان اثبات الحكم بالنسبة إلى ما ادعيناه عليه الاجماع بالاخبار كما ستعرفه واما الاجماع على خصوص الصدر أعني الجزء
المسامت للوجه الذي هو مسمى الصدر حقيقة عند انفصاله عن ساير الاجزاء حتى ما يحاذيه من الظهر فلم يتحقق لدينا بل المظنون لولا المقطوع به
خلافه بل لا وثوق بإرادة مثل المتن مع تصريحه بالصدر وحده بإرادة ذلك فان من المحتمل قويا ان يكون مقصوده بما فيه الصدر النصف الا
على عند فرض انقطاعه نصفين مثلا ومقصوده بالصدر هو الصدر مع ما يتصل به أي الجزء المشتمل على العظم المتصل المحيط بالطرف الاعلى
من جثة الميت مما دون الترقوة فيتحد مع ما ادعينا عليه الاجماع وينطبق على غيره من العبائر التي عبر فيها عن الموضوع بما فيه الصدر ونحوها
وكيف كان فهذا هو الذي يمكن دعوى الاجماع عليه بل لا ينبغي الارتياب فيه كما يؤيده كون هذا الجزء من جثة الميت هو الجزء المعظم الذي ربما
يطلق عليه بدن الميت عرفا وساير الأطراف يضاف إليه كرأسه ويديه رجليه ونحوها كما يشير إلى ذلك ما يمكن استفادة تمام المدعى منه وهو
خبر الفضل بن عثمان الأعور عن الصادق (ع) عن أبيه في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ووسطه وصدره ويداه في قبيلة والباقي منه في قبيلة
قال ديته على من وجد في قبيلته صدره ويداه والصلاة عليه فان مفاد الرواية بظاهرها ان هذا الجزء هو الجزء الذي يكون بمنزلة كل الميت
في اثاره من مطالبة الدية والصلاة عليه ولذا يفهم منها وجوب ساير التجهيزات لا خصوص الصلاة فالمناقشة فيها بمنع دلالتها
الا على الصلاة ضعيفة فإنها ليست مسوقة لبيان وجوب الصلاة على هذا الجزء من حيث هو كي يتوهم عدم دلالتها على الغسل وغيره حتى نحتاج
في دفعه إلى التشبث بالاجماع ونحوه فان جواب الإمام (ع) كالصريح في أن المقصود ليس الا بيان ان هذا الجزء هو الذي يعامل معها معاملة
الميت فقوله (ع) والصلاة عليه انما هو لبيان هذا المعنى لا لتأسيس حكم جديد كما يشهد به الذوق السليم واضعف منها المناقشة في سندها فإنه
ليس من دأبنا الاعتناء بضعف السند في مثل هذه الروايات المعمول بها خصوصا في هذه الرواية التي قيل إنها في بعض كتب الرجال المعتمد
مصححة نعم ربما يخدش في الاستدلال بها بقصورها عن اثبات الحكم عند عدم انضمام اليدين إلى الصدر لان الموضوع في الرواية صدره ويداه
فيكون مدلولها أخص من المدعى ويدفعه عدم مدخلية اليدين في قوام الموضوع وذكرهما في كلام الإمام (ع) انما هو لتطبيق الجواب على السؤال
والا فلو كان مفروض السائل كون يديه في قبيلة أخرى لم يكن يجب الا بذلك بالنسبة إلى صدره كما يساعده الوجدان ويؤيده عدم الخلاف
فيه الا عن ظاهر المصنف في المعتبر ويدل عليه غير واحد من الروايات ففي مرفوعة البزنطي المروية في المعتبر قال المقطوع إذا قطع بعض أعضائه
متفرقة كيف يصلى عليه قال يصلى على الذي فيه قلبه * (ورواية) * طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (ع) أنه قال لا يصلى على عضو رجل من رجل أو يدا ورأس
370

فإذا كان البدن فصل عليه وان كان ناقصا من الرأس واليد والرجل وهذه الروايات أيضا خصوصا الأخيرة لا يتبادر منها الا إرادة بيان
ان ما فيه القلب أو البدن الناقص يصلى عليه لكون بمنزلة التام كما وقع التصريح بذلك في عبائر الاعلام فيفهم منها وجوب ساير التجهيزات يكون
تخصيص الصلاة بالذكر لكونها أخص لدى الشارع والمتشرعة وان أبيت عن ظهور الروايات فيما ادعيناه فلا أقل من اشعارها بذلك وعند
اعتضاده بفهم الأصحاب وغيره من المؤيدات لا تقصر عن حد الدلالة ولذا يتجه القول بدلالة الروايات كفتاوى الأصحاب ومعاقد
اجماعاتهم المحكية بوجوب التحنيط أيضا لكن فيما بقي من موضوعه إذ لا يعقل الامر بالحنوط بالنسبة إلى الاجزاء الفاقدة وقيام جزء
اخر مقام الفاقد يحتاج إلى دليل كما أنه يجب تكفينه أيضا كذلك بمعنى انه يسقط اعتبار المئزر مثلا لو لم يبق من موضوعه المقصود
بالأصالة شئ وجواز شده من الصدر لا يقضى بقيام الصدر مقام موضعه الأصلي عند التعذر فما عن الروض من الالتزام به ضعيف
وربما نسب ذلك إلى ظاهر الأصحاب نظرا إلى اطلاق قولهم بوجوب التكفين المنصرف إلى إرادة القطع المعهودة وفيه ان عدم قابلية المحل
قرينة العدم إرادة ما لم يبق محله نعم لو بقي من موضعه جزء ولو يسيرا يجب فان مالا يدرك كله لا يترك كله وكيف كان فلا مجال للتشكيك
في دلالة الروايات ولو بمعونة القراين الخارجية على أن صدر الميت بالمعنى المتقدم أي النصف الا على من بدنه المشتمل على الصدر الذي هو
محل القلب بل وكذا النصف الأسفل لو كان كذلك بحكم الميت في ساير تجهيزاته وان خلى عن الأطراف والظاهر عدم إناطة الحكم ببقاء
القلب فيه بالفعل وان كان ظاهر جملة من الاخبار التي تقدم بعضها وسيأتي بعضها الاخر التي ورد الامر فيها بالصلاة على الجزء الذي فيه
القلب إرادة وجود القلب فيه بالفعل لا مجرد موضعه لكن لا دلالة فيها على إرادة إناطة الحكم بوجود القلب بالفعل وجودا وعدما إذ لا ظهور
لمثل هذه الأخبار في إرادة الحد الاصطلاحي لما هو مناط الحكم فهذه الروايات ونظائرها كمرسلة عبد الله بن الحسين عن أبي عبد الله (ع)
قال إذا وسط الرجل نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب وذيل رواية خالد الآتية لا تدل الا على ثبوت الحكم عند وجود القلب
بالفعل لا انتفائه عند انتفائه حتى يتحقق المعارضة بينها وبين ما يدل على وجوب الصلاة على من فقد قلبه نعم يفهم من هذه الروايات
ان المدار ليس على خصوص النصف الا على من البدن بل على الجزء المعظم الذي يكون فيه القلب عند توسيطه نصفين ولا ضير في الالتزام به فان
الصدر أيضا يكون [ح] مع ذلك الجزء ولو بعضه المعتد به فلا معارضة بين الأخبار المتقدمة من حيث المفاد نعم لابد من تقييد قوله (ع) في رواية
أبى طلحة فإذا كان البدن فصل عليه بإرادة معظمه المشتمل على القلب والصدر ولو بعضه المتعد به الذي يكون القلب في تجاويفه سواء كان
ذلك الجزء النصف الا على أو الأسفل بقرينة غيرها من الاخبار كما أنه لابد من تنزيل اطلاق ما في بعض هذه الأخبار من الصلاة على
الجزء الذي فيه قلبه على مالا ينافي غيرها كما هو الغالب فالذي يفهم من مجموع هذه الروايات انما هو كون الجزء المعظم من بدن الميت المشتمل
على القلب والصدر ولو في الجملة بحكم الميت واما كون خصوص الصدر كذلك فلا بل لعله ينافيه بعض هذه الروايات كمالا يخفى على المتأمل
واما ما ادعيناه من أن الظاهر عدم إناطة الحكم ببقاء القلب فيه بالفعل فليس لأجل استفادته من الأخبار المتقدمة فإنها في حد ذاتها قاصرة
عن اثبات ذلك حتى الرواية الأولى فان الغالب في مثل ما فرضة السائل وجود القلب فيه بالفعل فلا يفهم منها عدم مدخليته في موضوعية
الموضوع ولا للاجماعات المنقولة الظاهرة أو الصريحة في عدم اعتبار وجوده بالفعل كي يناقش فيها بعدم الحجية بل للأخبار المستفيضة الدالة
على أن المناط في تربت الأحكام انما هو وجود العظام سواء كان معها اللحم أم لم يكن والقلب من اللحم فلا يعتد بعدمه ففي صحيحة علي بن جعفر (ع)
انه سئل أخاه موسى بن جعفر (ع) عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به قال يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن * (ورواية) *
خالد عن أبي جعفر (ع) قال سئلته عن رجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به قال (ع) يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن فإذا كان
الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه قلبه ويحتمل ان يكون المراد بالنصف في هذه الرواية هو النصف من عظامه الذي هو موضع القلب
فهي على هذا التقدير بنفسها شاهدة للمدعى وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا قتل قتيل فلم يوجد الا اللحم بلا عظم لم يصل عليه
فان وجد عظم بلا لحم صلى عليه وهذه الأخبار وان كان ظاهر الأولين منها إرادة مجموع عظامه ولو بالمسامحة العرفية كما هو الغالب في
أكيل السبع والرواية الأخيرة أيضا يتعين بشهادة النص والاجماع صرفها إلى ذلك لو لم نقل بانصرافها فيكون المراد بها عظمه المطلق لا مطلق
عظمه فتتحد مع الأوليين لكن يفهم من مجموعها عدم مدخلية اللحم في ترتب الأحكام فيكون بمنزلة كبرى تضم إلى الصغرى التي استفدناها من
الأخبار السابقة من أن بدن الميت وان كان ناقصا بمنزلة كله وقد أشرنا فيما سبق إلى دلالة الأخبار المتقدمة
على أن هذا التنزيل الشرعي
ليس من باب تعميم الحكم بل من قبيل بيان أعمية الموضوع ولذا قلنا بدلالتها على وجوب ترتيب جميع أحكام الميت لا خصوص الصلاة عليه كما أن
هذه الأخبار الواردة في العظم المجرد أيضا كذلك كما يؤيده الاقتصار في الصحيحة الأخيرة على ذكر الصلاة مع أن المقصود بها أعم كما
وقع التصريح به في الأوليين فيفهم من الأخبار السابقة ان المناط في وجوب التجهيزات وجود معظم بدن الميت ولو نصفه الأعظم المشتمل
371

على الصدر والقلب عند توسطه نصفين ويفهم من هذه الأخبار عدم مدخلية اللحم فيما هو مناط الحكم فينتج المطلوب لكن يمكن الخدشة
فيه بامكان ان يكون المناط كون الموجود بنحو من الاعتبار والمسامحة العرفية مصداقا للميت وهو يتحقق بالنسبة إلى معظم بدنه وكذا بالنسبة
إلى مجموع عظامه المجرد واما بالنسبة إلى عظام معظم البدن فلا ولا ملازمة بين الامرين لكن مع ذلك لا شبهة في أن الأول لو لم يكن أقوى
فهو أحوط بل لا يبعد كونه مسلما لديهم كما يشعر بذلك ما في الوسائل في توجيه هذه الأخبار بان وجهه وجود عظام الصدر بل عبارة الجواهر
أيضا تشعر بذلك فما في عبارة بعض من أن الصلاة على العظم المجرد ما لم يكن تمام العظام منفية بالاجماع لا ينبغي الاصغاء إليه ان أراد
ما يعم المفروض وكيف كان فلا ينبغي ترك الاحتياط في مثل المقام بل وكذا فيما لو وجد خصوص مسمى الصدر وان كان القول بالوجوب
فيه في غاية الاشكال بل ينبغي وغاية الاحتياط فيما لو وجد جزء تام من رأس أو يد أو رجل أو نحوها خصوصا الرأس ففي صحيحة أحمد بن
محمد بن خالد عن أبي عبد الله (ع) قال إذا وجد الرجل قتيلا فان وجد له عضو تام صلى عليه ودفن وان لم يوجد له عضو تام لم يصل عليه
ودفن وفي الوسائل قال الكليني وروى أنه يصلى على الرأس إذا افرد عن الجسد ورواية ابن المغيرة قال بلغني عن أبي جعفر (ع) انه يصلى
على كل عضو رجلا كان أو يدا أو الرأس جزأ فما زاد فإذا انقص عن رأس أو يدا ورجل لم يصل عليه وهذه الروايات وان كان ظاهرها
الوجوب الا انها مع معارضتها برواية أبى طلحة المتقدمة واعراض الأصحاب عنها لا تصلح دليلا لاثبات الوجوب ولذا حملها بعض
الأصحاب على ما حكى عنه على الاستحباب وفي الوسائل ان الحمل على التقية ممكن لكنك خبير برجحان الاحتياط في مثل هذه الموارد بل لا بأس
بمراعاته فيما لو وجد مقدار معتد به من اجزاء ميت وان لم تكن مشتملة على الصدر أو جزء تام اخر لما رواه إسحاق بن عمار في الصحيح عن الصادق (ع)
عن أبيه (ع) ان عليا (ع) وجد قطعا من ميت فجمعت ثم صلى عليها ثم دفنت وهى وان كانت حكاية فعل مجمل لا يصلح مستنده لاثبات حكم مغاير لما علم
من الأخبار المتقدمة لكنها تصلح منشأ للاحتمال المحسن للاحتياط في مثل الفرض والله العالم فقد ظهر لك من جميع ما تقدم انه إذا وجد
بعض الميت فإن كان فيه الصدر غسل وكفن وصلي عليه ودفن بل وكذا الصدر وحده على الأحوط واما ان لم يكن فيه الصدر أو الصدر
وحده وكان فيه العظم فقد جزم الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنه غسل بل عن المنتهى عدم الخلاف فيه بين علمائنا وعن الخلاف والغنية دعوى
الاجماع عليه وبمن جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب وفي الجواهر لم أعثر فيه على مخالف لكن عن جملة من متأخري المتأخرين التردد فيه بل
منعه نظرا إلى انحصار مدركه المتعد به بنقل الاجماع الذي ليس بحجة وربما يستدل له بقاعدة الميسور والاستصحاب وفيهما مالا يخفى فان
من شرطهما اتحاد الموضوع المشكوك حكمه مع المتيقن ولو بمسامحة عرفية كي يصدق على الحكم بثبوت الحكم في زمان الشك انه ابقاء المتيقن
وانه ميسور المتعذر ونظير الاستدلال بهما في الضعف الاستدلال له بقوله (ع) مالا يدرك كله لا يترك كله وقوله إذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما
استطعتم فان مقتضاه صحة بعض الغسل حال التعذر الذي هو خلاف الاجماع لا غسل البعض وأول الثاني إلى الأول لدى التحليل لا يجدى
في استفادة حكمه من الدليل عند انتفاء موضوع الحكم الأول عرفا فلو أريد الاستصحاب في مثل المقام فليستصحب عدم تأثير غسل البعض
في رفع حدثه وخبثه وعدم وجوب غسله منفردا حال اتصاله بساير الاجزاء على تقدير تعذر غسل ما عداه لا الوجوب الغيري الثابت له حال
التمكن المعلوم انتفائه لكنك ستعرف توجيه الاستدلال بهذه القواعد فيما سيأتي واضعف منه الاستدلال له بما روى أن طائرا القت
بمكة أو يمامة يدا فعرفت بالخاتم وكانت يد عبد الرحمن بن غياث بن أسيد فغسلها أهل مكة فإنه حكاية مجهولة لعمل ليس بحجة ويتلوهما في
الضعف الاستدلال بفحوى الأخبار المتقدمة الامرة بالصلاة على عظام الميت خصوصا الصحيح الأخير المتضمن للصلاة على العظم مطلقا وفيه
مالا يخفى فان الاخذ بالفحوى لا يتم الا في الموضوع المقصود بالمنطوق وهو ما وجب عليه الصلاة لا مطلق العظم واما الصحيح فقد عرفت
انه لابد من تنزيله على مالا يخالف النص والاجماع فلا يمكن استفادة الحكم من شئ منها الا بالنسبة إلى الموضوع الذي بحكم عليه بوجوب
الصلاة نعم ربما يستأنس بمثل هذه الأخبار للمطلوب ببعض التقريبات الآتية * (و) * دون هذه الاستدلالات في الضعف ما في الحدائق وتبعه عليه
جماعة ممن تأخر عنه من الاستدلال له بما رواه المشايخ الثلاثة عن أيوب بن نوح في الصحيح عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام قال
إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة فإذا مسه انسان فكل ما فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه قال
في تقريب الاستدلال المراد بالميتة هنا ميتة الانسان لا مطلق الميتة ليتم تفريع قوله (ع) فإذا مسه انسان فكل ما فيه عظم [الخ] وإذا ثبت اطلاق
اسم ميتة الانسان على القطعة المذكورة شرعا يثبت لها الأحكام المتعلقة بميت الانسان من التغسيل والتحنيط والدفن وغير ذلك
الا ما اخرجه الدليل والاقتصار هنا على تفريع غسل المس لا يوجب نفى ما سواء من الأحكام ولعل تخصيصه بالذكر لأنه اخفى في الحكم
انتهى وفيه ان التفريع لا يقتضى الا صدق كون القطعة ميتة من الانسان في مقابل كونها من ساير الحيوانات وتحقق هذا المعنى في
الفرض بديهي غاية الأمر انه ثبت بهذه الرواية اطراد الحكم وعدم اختصاصه باجزاء الميت ولا يتوقف ثبوت حكم المس على صدق عنوان
372

ميت الانسان على خصوص ما يقع عليه المس حتى يستشهد به لمدعاه واما ما ادعاه في ذيل كلامه من أن ظاهر الاخبار وكلام الأصحاب ثبوت
الملازمة بين غسل المس وغسل الممسوس ففيه أولا المنع نعم صرح كثير من الأصحاب بل معظمهم ثبوت الحكمين فيما هو المفروض في المقام في
الجملة وهذا لا يقتضى التلازم بينهما بحيث يستدل لاثبات كل منهما بثبوت الاخر وثانيا النقض بما إذا اتصل الجزء الذي يقع عليه المس
بالميت أو انفصل عنه عند وجود ساير الاجزاء وعدم تمكنه الا من غسل هذا البعض لفقد الماء أو غيره من الاعذار مع أنه لا يجب غسلة
قطعا في الفرض الأول وعلى اشكال فيه في الجملة في الفرض الثاني مع أن مسه يوجب الغسل جزما وبهذا ظهر لك وجه اخر الضعف الاستدلال
للوجوب بالاستصحاب وقاعدة الميسور ونحوهما فالاشكال كل الاشكال في المقام انما هو في أن غسل الجزء المنفصل عند فقد الباقي
كغسله عند وجود الباقي في عدم تأثيره في رفع الحدث والخبث أو ان غسل البعض في مثل الفرض بمنزلة غسل الكل في الأثر فإن كان من
قبيل الأول فلا ينبغي الارتياب في عدم وجوبه كما لو اتصل بما عداه مما تعذر غسله وانما الشان في اثبات كونه مؤثرا كغسل الكل فان
ثبت ذلك يسهل الالتزام بوجوبه الامكان دعوى القطع بعدم الفرق بين ابعاض الميت ومجموعه في وجوب التطهير فيكون كل جزء جزء من
جسده في حد ذاته واجبا وان امتنع تحققه في الخارج بين الاتصال الا بغسل الجميع فعند الانفصال يجب تطهير كل جزء مع التمكن و
المفروض امكانه فيجب لان الميسور لا يسقط بالمعسور ومالا يدرك كله لا يترك كله ويؤيده بل يشهد له ما رواه محمد بن سنان عن الرضا (ع)
في علة غسل الميت انه يغسل ليطهر وينظف عن ادناس امراضه وما اصابه من صنوف علله لأنه يلقى الملائكة ويباشر أهل الآخرة فيستحب
إذا ورد على الله عز وجل ولقى أهل الطهارة ويماسونه ويماسهم ان يكون طاهرا نظيفا موجها به إلى الله عز وجل الحديث وعن الفضل بن
شاذان عنه أيضا انما امر بغسل الميت لأنه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة والآفة والأذى فأحب ان يكون طاهرا إذا باشر أهل
الطهارة من الملائكة الذين يلونه ويماسونه فيماسهم نظيفا موجها إلى الله عز وجل فان مفاد العلة المنصوصة ان المقصود بالغسل تطهير
جسد الميت فإذا تعذر تطهير الكل يجب تطهير البعض للأصل والقاعدة فان الميسور لا يسقط بالمعسور وعلى هذا التقدير لا مانع من
جريان الاستصحاب أيضا فان موضوع وجوب التطهير حين اتصال اجزاء الميت ليس الا اجزائه فلنا ان نقول في كل جزء انه كان واجبا
تطهيره فليستصحب وهذا بخلاف ما لو أريد استصحاب وجوب الغسل فان وجوب غسل الجزء في السابق كان غيريا وقد علم انتفائه ووجوبه
النفسي مشكوك الحدوث منفى بالأصل ولذا أنكرنا الاستصحاب فيما سبق وبهذا الذي أومأنا إليه يمكن توجيه المذهب المشهور بان يقال إنه
يفهم من مجموع الروايات خصوصا الروايتين المتقدمتين كما يؤيدها المناسبات الذوقية والمؤيدات السمعية ان الشارع لم يقصد
من الامر بغسل الميت بماء السدر والكافور والمطلق حصول امر معنوي لا نتعقله كي يتوهم كون متعلق وجوب الغسل بدن الميت من حيث
كونه مصداقا لهذا المفهوم وانما قصد به تطيب جسده وتطهيره وتنظيفه فيكون متعلق الوجوب جميع اجزاء البدن على وجه يكون كل جزء
جزء معروضا للوجوب النفسي لا الغيري التبعي بمعنى ان الغرض تعلق بايجاد وصف الطهارة في جميع الأجزاء لا المجموع من حيث المجموع
فكل جزء جزء يجب غسله وتطهيره وان توقف صحته شرعا على حصوله في ضمن المجموع كسائر الشرايط التعبدية التي هي من مقدمات وجود الواجب
لا وجوبه بل ينبغي الجزم بذلك ولو بالنظر إلى نفس ما دل على وجوب غسل الميت إذ من المستبعد جدا ان يكون للعنوان الانتزاعي مدخلية
في متعلق الحكم بل المقصود بالحكم ليس الا الاجزاء بلحاظ كونها معنونة بهذا العنوان فعلى هذا نقول مقتضى ايجاب الشارع تغسيل الميت
وتنظيفه المنحل إلى الامر بغسل جميع اجزائه عدم ارتفاع التكليف عما تيسر بما تعذر ولا مانع من تنجيز الخطاب بالنسبة إلى البعض الميسور
الا احتمال اشتراط صحة غسله بحصوله في ضمن المجموع كما كان كذلك حال وجود الكل والأصل ينفيه إذ ليس لنا دليل يقتضى الاشتراط
مطلقا بحيث يعم الفرض فملخص الكلام انه يستفاد من مجموع الأدلة ان الشارع أوجب غسل جميع الأجزاء
مطلقا واعتبر في صحته أمورا تعبدية
يجب التقييد بها بالقدر الثابت وحيث لم يثبت الاشتراط في مثل الفرض كي يسقط التكليف بالتعذر لا يرفع اليد عما يقتضيه اطلاق محبوبية
الفعل ومطلوبيته ويؤيده اشتهار القول بذلك بين أصحابنا رضوان الله عليهم ونقل اجماعهم عليه بل لا يبعد كون اجماعهم المنقول
المعتضد بالشهرة المحققة بنفسه دليلا كافيا في مثل المقام والله العالم * (ولا) * يلحق بالقطعة المبانة من الميت القطعة المنفصلة عن الحي كما عن المعتبر
والروض ومجمع البرهان والمدارك وغيرها التصريح بذلك لأنها من جملة لم يتعلق الامر بغسل مجموعها حتى يفهم منه وجوب غسل الاجزاء
حال انفرادها بالتوجيه المتقدم فما عن الذكرى تبعا للمحكى عن التذكرة من منع هذا الدليل حيث استدل به المصنف وغيره بان الجملة
لم يحصل فيها الموت كي يجب غسلها بخلاف القطعة ضعيف إذ لا يكفي في وجوب الغسل مجرد حصول الموت ما لم يتعلق به امر شرعي وهو فيما نحن
فيه أول الدعوى فالقول بالالحاق كما عن صريح جملة من الأصحاب بل عن ظاهر أكثرهم كما في الحدائق ليس بشئ اللهم الا ان يستدل له بمرسلة
أيوب بن نوح بالتقريب الذي عرفته مع ما فيه مضافا إلى ضعف سندها وعدم انجباره بعمل الأصحاب حيث لم يستندوا إليها في فتواهم
373

وفي الجواهر بعد نقل القول بالالحاق وتوجيهه وتضعيفه قال ولا ريب في أنه أحوط ان لم يكن اظهر وفيه ان فعل الغسل وان كان أحوط لكن
ترتيب اثر الغسل الصحيح عليه من الحكم بطهارتها وعدم الغسل بمسها خلاف الاحتياط فالأحوط بل الأقوى عدم ترتيب الأثر عليه والله
العالم ثم إن مقتضى القاعدة وجوب مراعاة الترتيب بين غسل الأعضاء ان تعددت وكان بينها ترتيب وعند اشتباه الأعضاء التي يراعى
بينها الترتيب يجب الاحتياط بالتكرير وكذا يجب مراعاة المماثلة وعند الجهل بالحال حكمه حكم الخنثى وقد تقدم الكلام فيه مفصلا ثم إن
مقتضى ظاهر المتن وغيره حيث اقتصر على ذكر اللحم المجرد في مقابل القطعة ذات العظم ثبوت الحكم في العظم المجرد وهذا هو الذي يقتضيه
التوجيه المتقدم وما يقال في تضعيفه من أن علة وجوب غسل البدن تطهيره وتنظيفه والعظم لا يتوقف طهارته على الغسل المعهود
إذ يكفي فيه مطلق الغسل كساير المتنجسات ولا يصح الاستدلال له بما ورد في أكيل السبع من تغسيل العظم المجرد لجريه مجرى العادة
من عدم انفصال جميع اللحم عما يأكله السبع كي يطهر بمطلق غسل العظام ضعيف في الغاية العدم العلم بانحصار فائدة الغسل في زوال
النجاسة الخبيثة بل المعلوم من النصوص خلافه كيف والا لما وجب غسل الأئمة المعصومين المنزهين عن الأرجاس والأدناس مع أنه يجب
قطعا وقد ورد في حديث انه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله سمعنا صوتا في البيان بينكم طاهر مطهر فادفنوه ولا تغسلوه قال فرأيت عليا (ع)
رفع رأسه فزعا فقال اخسأ عدو الله فإنه امرني بغسله وكفنه الحديث فلا ينبغي الاستشكال فيه بالنسبة إلى العظم المجرد أيضا ثم لا يخفى
عليك ان ما ذكرناه وجها لوجوب غسل بعض الميت يقتضى وجوب تكفينه أيضا بما يتسر ودفنه كذلك بل جريان القواعد المتقدمة بالنسبة
إلى التكفين والدفن أوضح من جريانها بالنسبة إلى الغسل كمالا يخفى وجهه ولذا لا ينبغي التشكيك في صحة ما ذكره الأصحاب من أنه بعد ان
غسل لف في خرقة ودفن بلا خلاف في شئ منهما على الظاهر وان اختلفت عبائرهم بالنسبة إلى الأول من التعبير باللف في خرقة وبالتكفين
لكن يحتمل إرادة الثاني من الأول كما أنه يحتمل عكسه ولعل هذا هو الأولى كما أنه هو الأظهر فيما لم يتناوله القطع الثلث على النحو
المعهود والالتزام بوجوب لف القطع الثلث الواجبة من الكفن على العضو الموجود بغير الكيفية المعهودة مع ما فيه من الاستبعاد
مما لا يساعد عليه دليل فان من شرط جريان قاعدة الميسور ونحوها كون المأتى به من مراتب تحقق المأمور به بنظر العرف بنحو من المسامحة
العرفية ومن المعلوم ان شد الميزر على الرأس أو العمامة على الرجل لا ربط له بالمأمور به أصلا كي يتوهم كونه ميسور المتعذر نعم ربما
يتخيل ذلك في ما لو بقي من أعضائه ما يتناوله القطع الثلث ولو منفصلة بعضها عن بعض كما لو وجد جزء من الرأس وجزء من البدن
وشئ من العورتين فلا يسقط في مثل الفرض اعتبار القطع الثلث وان تعذر استعمالها على النحو المعهود فان تعذر الشرط لا يوجب
سقوط المشروط كما عليه يبتنى أصل الاستدلال * (و) * يدفعه ان للكيفية الخاصة مدخلية في مطلوبية الخصوصيات المعتبرة في الكفن
بل هي بمنزلة الفصول المنوعة للاجزاء حيث لا تندرج في مسمياتها الا باستعمالها على الكيفية المعهودة الا ترى انه لو لف في وسط
الرأس المنقطع خرقة لا يطلق عليها العمامة عرفا الا بتجوز بعيد بل اطلاق الحرام عليها أولى لديهم من اطلاق العمامة وكذا لو
لفت العورة المنفصلة في خرقة لا يطلق عليها الميزر والحاصل انه لا يساعد العرف على اجزاء قاعدة الميسور ونحوها بالنسبة إلى هذه
الخصوصيات بل ربما شاهدناهم يستنكرون وضع مجموع عظام الميت في الكفن التام عند اجتماعها وانفصال بعضها عن بعض مع أن
وجوب تكفينها في الجملة لعله كان مغروسا في أذهانهم فالتحقيق ان مقتضى قاعدة مالا يدرك كله لا يترك كله وكذا الاستصحاب
بالتقريب انما هو وجوب تكفين ما وجد من الأعضاء لكنه لما انتفى الموضوع الذي امر بتكفينه على النحو المعهود ارتفع التكليف عنه لكن
مقتضى قاعدة الميسور وجوب الاتيان بما هو بنظر العرف ميسور الكفن وليس ذلك الا لفه بما يسره من دون فرق بين ان يكون ذلك
بخرقة واحدة أو خرق متعددة ودعوى مساعدة العرف على استفادة اعتبار أزيد من ذلك القاعدة الميسور لو لم ندع القطع بفسادها
فلا أقل من الشك فيها فيرجع إلى البراءة ولا مجال للاستصحاب بعد الشك في مدخلية الأوصاف في ما هو موضوع الحكم وعدم مساعدة
العرف على اهمالها كما هو المفروض نعم لو وجد بعض الميت بحيث يتناوله القطع الثلث أو القطعتين منها على النحو المتعارف ولو ببعض الكفن
كما لو بقي جزء من رأسه متصلا بجزء من بدنه أو جزء من بدنه متصلا بما دونه أو جزء متصلا من رأسه إلى قدمه يجب مراعاة الممكن وبما ذكرناه
ظهر لك ان الأظهر فيما لو رض جميع جسد الميت من اللحم والعظم بحيث امتزج بعضها ببعض ولم يبق على هيئتها القابلة الاستعمال الكفن
على النحو المعهود انه لا يجب الا لفه في خرقة لا الكفن التام والله العالم وكذا السقط إذا كان له أربعة اشهر فصاعدا يغسل ويكفن بلا
خلاف في شئ منها على الظاهر وان اختلفوا ظاهرا فيما يعتبر في التكفين من وجوب الكفن التام كما هو ظاهر من عبر بالكفن أو الاكتفاء
بلفه في خرقة كما يظهر من المتن ونحوه ويدل عليه * (رواية) * زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال السقط إذا تم له أربعة اشهر غسل ومرفوعة أحمد بن محمد
قال إذا تم السقط أربعة اشهر غسل وقال إذا تم له ستة اشهر فهو تام وذلك أن الحسين بن علي ولد وهو ابن سته اشهر وموثقة
374

سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن قال نعم كل ذلك يجب عليه إذا استوى
ولا معارضة بين مفهوم هذه الموثقة وبين رواية زرارة وشئ من فقرتي المرفوعة فان المراد بصيرورته تاما لدى ستة اشهر صيرورته
ولدا كاملا حيا صالحا لان يعيش كما يشهد له الاستشهاد بقضية الحسين (ع) والمراد باستواء خلقته انما هو تمامية صورته وحدها أربعة
اشهر كما صرح به في الفقه الرضوي قال إذا أسقطت المرأة وكان السقط تاما غسل وحنط وكفن ودفن وان لم يكن تاما فلا يغسل و
يدفن بدمه وحد تمامه إذا اتى عليه أربعة اشهر ويدل عليه جملة من الأخبار الدالة على أن النطفة تبقى في الرحم أربعين يوما ثم تصير
علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين فإذا كل أربعة اشهر ينفخ فيها الروح لكن في المقام اشكال وهو ان هذه الروايات بحسب الظاهر
جارية مجرى الغالب فيمكن تحقق الاستواء قبل اكمال الأربعة أو بعد انقضائها بأيام فيتحقق في الموردين التنافي بين مفهوم أحد
الحدين مع منطوق الاخر فكما يمكن دعوى ورود التحديد باستواء خلقته في موثقة سماعة مجرى الغالب فيكون الحد حقيقة هو ملزومه
العادي أعني اكمال الأربعة اشهر كذلك يمكن دعوى عكسه ويمكن دفعه بان كون استواء خلقته مذكورا في السؤال يوهن ظهوره
في الجواب في كونه لذاته حدا لا لامر يلازمه بل لا يبقى له [ح] ظهور في إرادة بيان الحد الا من حيث مفهوم الشرط الموهون في مثل المقام
بقوة احتمال كون الشرط مسوقا لبيان تحقق الموضوع بمقتضى العادة فلا يصلح الصرف ما هو بظاهره مسوق لبيان الحد كالخبرين
الأولين الدالين على أن الحد هو أربعة اشهر خصوصا بعد اعتضاده بفتوى الأصحاب ونقل اجماعهم وانسبيتها للتحديد حيث لا يتطرق
فيها الاجمال والاهمال بخلاف استواء خلقته فإنه كثيرا ما يختلف فيه انظار أهل العرف لكن مع ذلك كله لو فرض استواء خلقته عرفا قبل
تمام الأربعة اشهر لا ينبغي ترك الاحتياط فيه كما أنه لا ينبغي الالتفات بعد ما سمعت من الاخبار إلى اطلاق مكاتبة محمد بن الفضيل قال
كتبت إلى أبي جعفر (ع) اسأله عن السقط كيف يصنع به فكتب إلى السقط يدفن بدمه في موضعه لوجوب تقييده بما إذا لم يستو خلقته ولم
يتم له أربعة اشهر بقرينة ما عرفت ان أمكن والا يتعين طرحها والله العالم وان وجد بعض الميت ولم يكن فيه عظم بل كان لحما مجردا
فلا يجب تغسيله بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن الغنية والخلاف والحدائق دعوى الاجماع عليه فلا ينبغي الالتفات [ح] إلى كونه من جملة يجب
غسل جميعها المقتضى لوجوب غسل ما تيسر منها عند تعذر الكل بحكم الاستصحاب وقاعدة الميسور وبنحوها كما عرفت تقريبه في القطعة ذات
العظم فان اعمال الأصل والقاعدة في مثل هذه الموارد الخفية في مقابل جل الأصحاب بل كلهم ينشأ من الاعوجاج والاستبداد بالرأي أو
من يعقل ان يفهم عرفا من هذه القواعد وجوب الغسل في مثل الفرض ولم يفهمه الأصحاب مع كون القواعد مغروسة في أذهانهم دائرة على؟؟
اصلة الينا بواسطتهم عاملين بها في القطعة ذات العظم فاعراضهم عنها في مثل الفرض يكشف عن قصورها عن الشمول أو عثورهم على دليل
يقتضى خلافها وان كان بعيدا فالانصاف ان العمل بمثل هذه القواعد في مثل هذه الموارد لا يجوز الا إذا اعتضدت بفهم الأصحاب و
عملهم فلا ضير في اجرائها في مثل الفرض بالنسبة إلى التكفين والدفن لانجبارها فيها بعملهم وقد أشرنا فيما سبق إلى سر التفكيك بين الغسل
والتكفين والدفن من أو ضحية حكمة الحكم في التكفين والدفن منها بالنسبة إلى الغسل المتوقف على شرائط تعبدية لا يتعقل أهل العرف
فائدتها فربما لا يساعد أفهامهم على استفادة مطلوبيته بالنظر إلى كل جزء جزء على وجه يعم مثل الفرض بحيث يكون هذا النحو من الجزء أيضا
لديهم موضوعا مستقلا للوجوب النفسي حتى يمكن اثباته بالأصل والقاعدة وهذا بخلاف الكفن والدفن الذين هما من الواجبات التوصلية
فلا امتناع في استفادة عدم سقوط ميسورهما في مثل الفرض من تلك القواعد دونه وكفاك شاهدا على ذلك جزم الأصحاب بذلك حيث
حكموا بسقوط الغسل وثبوت الدفن بل الكفن أيضا على تردد فيه من بعضهم بل اختيار عدمه كما عن المعتبر وجماعة ممن تبعه مع أن عمدة مستندهم في هذه
الفروع ليست الا القواعد ولا يبعد ان لا يكون تردد هذا البعض أو منعه مانعا من الرجوع إليها بالنسبة إلى الكفن أيضا وكيف كان عرفت
في القطعة ذات العظم ان مقتضاها ليس الا وجوب مطلق الكفن ولو بلفها في خرقة من دون مراعاة الخصوصيات المعتبرة فيه إذا تعذر
ايجاده على النحو الموظف فالمقام أولى بذلك بل الظاهر عدم الخلاف في أنه إذا وجد بعض الميت ولم يكن فيه عظم اقتصر على لفه في خرقة ودفنه
وكذا السقط إذا لم تلجه الروح بان كان لدون أربعة اشهر يلف في خرقة ويدفن فلا يغسل ولا يكفن على النحو المعهود ولا يصلى عليه بلا خلاف
في شئ منها على الظاهر بل عن المعتبر والتذكرة انه مذهب العلماء كافة مستثنيا في المعتبر ابن سيرين الذي لا عبرة بخلافه ويدل على عدم وجوب
غسله كالصلاة عليه مضافا إلى ما عرفت مفهوم الأخبار السابقة ومنطوق مكاتبة محمد بن الفضيل المتقدمة فهذا ممالا اشكال فيه خصوصا
مع موافقته للأصل وانما الاشكال فيما يظهر من المتن وغيره من وجوب لفه في خرقة ودفنه حيث لم نعثر على ما يدل على أولها كما اعترف به في
الحدائق وغيره واما الوجوب دفنه فيظهر من المكاتبة المتقدمة كالرضوي المتقدم لكن ربما استظهر عن العلامة وغيره دعوى الاجماع عليهما
والاحتياط مما لا يت تركه * (فرع) * لو ولجه الروح قبل استواء خلقته أو اكمال أربعة اشهر فهو خارق للعادة لا ينصرف إليه شئ من النصوص
375

وفتاوى الأصحاب فالأحوط بل الأظهر غسله وتكفينه ودفنه كغيره من الأموات والله العالم وإذا لم يحضر الميت مسلم ولا كافر ولا محرم عن النساء
دفن بغير غسل ولا تقربه الكافرة ولا المسلمة الأجنبية وكذا المرأة وروى أنهم يغسلون وجهها ويديها وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلا فراجع و
يجب إزالة النجاسة العارضة عن بدنه قبل الغسل بلا اشكال فيه في الجملة بل لا خلاف فيه ظاهرا كما عن غير واحد التصريح به بل عن الذكرة و
النهاية والمفاتيح الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى ذلك جملة من الأخبار الواردة في كيفية غسل الميت التي سيأتي نقلها تفصيلا في محلها [انش‍]
* (منها) * مرسلة يونس وفيها ثم اغسل يديه ثلث مرات كما يغسل الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع ثم اغسل فرجه ونقه ثم اغسل رأسه بالرغوة
إلى أن قال في كيفية غسله بماء الكافور وافعل به كما فعلت في المرة الأولى ابدء بيديه ثم بفرجه وامسح بطنه مسحا رقيقا فان خرج منه شئ فانقه
ثم اغسل رأسه الحديث * (و) * خبر عبد الملك عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الميت فقال اقعده واغمز بطنه غمزا رقيقا ثم طهره من غمز البطن ثم تضجعه
ثم تغسله الحديث * (وخبر) * معاوية بن عمار قال امرني عبد الله (ع) ان اعصر بطنه ثم أوضيه بالأشنان ثم اغسل رأسه بالسدر الحديث وفي خبر
علاء بن سبابة الوارد فيمن قتل في معصية الله عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إذا قتل في معصية الله يغسل أولا منه الدم ثم يصب عليه الماء
صبا الحديث * (وفي) * رواية الكافي ثم ابدء بفرجه بماء السدر والحرض ثلث غسلات الحديث لكن هذه الرواية ظاهرها ان الامر بغسل الفرج
ثلثا قبل كل واحدة من الغسلات الثلث من باب التعبد فهي غير صالحة للاستدلال لكنها غير خالية عن التأييد واما الروايتان الأوليان
وان كان ظاهرهما ذلك لكن يفهم منهما وجوب إزالة النجاسة كما هو صريح الرواية الثالثة * (و) * يدل عليه أيضا الأخبار المتقدمة في غسل
الجنابة الدالة على وجوب إزالة النجاسة قبله بضميمة الأخبار المستفيضة الواردة في هذا الباب الدالة على أن غسل الميت مثل غسل الجنابة
بل يفهم من جملة منها انه عينه لكنك عرفت في مبحث الجنابة ان الأظهر انما هو وجوب إزالة النجاسة عن كل عضو قبل غسل ذلك العضو لا قبل الشروع
في الغسل مطلقا حتى يكون طهارة البدن قبل الشروع في الغسل شرطا تعبديا في صحة الغسل وما ورد في الاخبار مما يوهم ذلك كالأمر بغسل اليدين
والفرج وما إصابة القذر من البدن قبل الغسل جار مجرى العادة لا يفهم منها أزيد من اشتراط طهارة المحل وعدم الاجتزاء بصبة واحدة للغسل
وإزالة النجاسة ومقتضاه ليس الا وجوب تقديم الإزالة على غسل العضو لا على أصل الغسل وقضية كون هذا الغسل مثله أو عينه ليس الا ذلك
والاخبار الخاصة الواردة في هذا الباب أيضا كالروايات المتقدمة لا يكاد يفهم منها أزيد من ذلك لكن ربما يتراءى في بادي النظر من كلمات
الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية وجوب إزالة النجاسة عن بدن الميت أولا ثم الشروع في تغسيله فتكون [ح] واجبا تعبديا لا
شرطيا لكن التأمل في كلماتهم في هذا الباب ككلماتهم في باب الجنابة يعطى عدم ظهورها الا في إرادة عدم الاجتزاء بصبة واحدة للغسل و
الإزالة ووجوب تقديم الإزالة على الغسل في الجملة ولو في كل عضو بالنظر إلى نفس ذلك العضو لا مطلقا ويشهد لذلك استدلال بعضهم عليه كما
عن المعتبر وغيره بان المراد تطهيره وهو لا يحصل الا بها وانه إذا وجب إزالة الحكمية فالعينية أولى ولئلا ينجس ماء الغسل بملاقاة النجس وأنت
خبير بان مقتضى التعليل الأول والأخير هو الوجوب الشرطي ومقتضاه ما عرفت واما الثاني فمقتضاه الوجوب النفسي فلا يقتضى المقارنة أيضا
فضلا عن وجوب التقدم فلذا يضعف الاستدلال به للمدعى كما أن الاستدلال بالأولين أيضا كذلك فان توقف الطهارة على سبق إزالة النجاسة
كما هو مقتضى الدليل الأول أول الكلام إذ من الجايز ان يرتفع الحدث وعين النجاسة فضلا عن اثرها بصبة واحدة الا ان يثبت الاشتراط
بدليل خارجي كما عرفت تحقيقه في مبحث الجنابة واما الدليل الثالث فمرجعه إلى دعوى التنافي بين الاجتزاء بصبة واحدة للغسل والإزالة
لما دل على اشتراط الطهارة في ماء الغسل من النص والاجماع فمتى لاق الماء البدن النجس يتنجس فلا يفيده الطهارة عن الحدث * (وفيه) *
ما عرفته في مبحث الغسالة من عدم شمول القاعدة المستفادة من النص والاجماع من أن النجس لا يكون مطهرا وانه يشترط الطهارة في
الماء المستعمل في التطهير لما إذا كان انفعال الماء من اثر نفس الاستعمال وقد عرفت في مبحث غسل الجنابة ان عمدة المستند في اشتراط
طهارة البدن انما هي الدليل التعبدي لا هذه القاعدة فالامر في المقام أوضح حيث إن نجاسة الماء حين الاستعمال لازمة البتة لملاقاته
لبدن الميت فلا تكون نجاسته المكتسبة من الاستعمال في التطهير مانعة من حصول التطهير * (ودعوى) * ثبوت العفو عن خصوص هذه
النجاسة اللازمة لمكان الضرورة دون النجاسة العارضة القابلة للإزالة ليست بأولى من دعوى تخصص القاعدة بالنسبة إلى النجاسة
الحاصلة بالاستعمال لازمة كانت أم غير لازمة بل العكس أولى كما عرفته في مبحث الغسالة * (و) أضعف من الدليل المتقدم الاستدلال له بان
كلا من الموت والنجاسة العارضة اثر في وجوب غسل البدن والأصل عدم تداخل مسببيهما * (وفيه) * أولا ان هذا الدليل لا يقتضى الا
وجوب تكرير غسل البدن من دون فرق بين سبق الإزالة على الغسل أو تأخرها عنه فلا يثبت به المدعى وثانيا ان وجوب الإزالة توصلي
لا يتوقف حصولها على القصد فلو غسل البدن بقصد غسل الميت تتحقق الإزالة جزما فيرتفع التكليف عنها لحصول الغرض كما أنه
يرتفع التكليف عن الغسل أيضا لحصول الامتثال ولا بعقل بقاء التكليف به بعد الاتيان به بقصد الامتثال الا ان يكون صحة المنوي
376

مشروطة بسبق الإزالة وهو أول الكلام وقد تقدم توضيح المقام في غسل الجنابة فاتضح لك ان عمدة المستند انما هو النصوص والاجماعات
المستفيضة بقي في المقام اشكال وهو انه لا يتصور تطهير بدن الميت قبل الغسل من النجاسة العرضية بناء على ما هو المشهور من كونه نجس العين
فان نجس العين لا يطهر * (و) * من هنا استظهر كاشف اللثام من كلمات الأصحاب إرادة إزالة العين دون الأثر قال إن بدن الميت نجس منجس
للماء لا يطهر الا بعد التغسيل فالتقديم ممتنع الا ان تجوز الطهارة من نجاسة دون أخرى ولم يعهد فالظاهر أن مراد الفاضلين وكل
من ذكر تقديم الإزالة والتنجية أراد إزالة العين لئلا يمتزج بماء الغسل وان لم يحصل التطهير * (انتهى) * واعترضه جل من تأخر عنه بان الطهارة
والنجاسة أمران توقيفيان فلا استحالة في أن يباشر بعض الأعيان النجسة بملاقاة نجاسته أخرى ويرتفع اثره المكتسبة بالعرض بغسله
مرة أو مرتين كساير المتنجسات فلا مانع من الالتزام به بعد مساعدة الدليل * (و) * الانصاف عدم ورود الاعتراض عليه بل لا يخلو ما ذكره
عن وجه إذ لم يدع استحالته عقلا كي يرد عليه ما قيل بل ادعى عدم معهودية الطهارة من نجاسة دون أخرى شرعا فلا يتعقلها المتشرعة
ولا ينسبق إلى أذهانهم عند الامر بغسل بدن الميت وتنظيفه عن الدم ونحوه ارادتها الا ترى انه لو قيل بان الدم المعفو عنه في الثوب و
البدن لو اصابه نجاسة أخرى كالعذرة يتأثر منها ويكتسب نجاستها المانعة لا يفهم عرفا من اطلاق ما دل على أن ملاقي العذرة يطهر
بغسله بالماء انه يجوز تطهير الدم من النجاسة العارضة وليس هذا الا لعدم معهودية تطهير النجاسات عن النجاسات العارضة لا عدم
معقوليته عقلا واما ما ادعوه من دلالة الأدلة عليه فله منع دلالتها على أزيد من اعتبار إزالة العين فإنه ان كان الاجماع فلا وثوق بإرادة
كل المجمعين أزيد من إزالة العين كيف وظاهر الفاضلين بمقتضى تعليلهم بان إزالة العينية أولى من الحكمية ليس الا إرادة إزالة العين بل لا يبعد
إرادة جميعهم ذلك حق المعبرين بوجوب تطهير بدن الميت فضلا عمن عبر بلفظ الإزالة فان إرادة التطهير الحقيقي عن النجاسة الحكمية على الاطلاق
متعذر وإرادة إزالة عين النجاسة العارضة واثرها بالخصوص باجزاء الماء على المحل بعد إزالة العين على الوجه المعتبر في التطهير وان لم يفد
طهارته على الاطلاق مع ما عرفت من بعده عن الأذهان ليست بأولى من إرادة التطهير الصوري الذي هو عبارة عن إزالة العين فالانصاف
عدم ظهور كلمات الأصحاب في إرادة أزيد من إزالة العين نعم لا يبعد دعوى انصرافها إلى كونها بالماء المطلق وان كان فيه أيضا تأمل
هذا إذا كان الدليل هو الاجماع وان كان الاخبار فلا يكاد يفهم منها أزيد من وجوب إزالة العين فان ما ورد فيها من الامر بغسل الفرج ثلثا
قبل كل غسل كاليدين انما أريد به التعبد من دون توقفه على وجود النجاسة العارضة وستعرف ان الامر به للاستحباب واما الانقاء المأمور به
في بعض الروايات كمرسلة يونس فيتحقق بمطلق الإزالة ولا يتوقف على استعمال الماء فضلا عن كونه بشرايط التطهير بل هو الذي يظهر من موثقة
عمار عن أبي عبد الله (ع) الواردة في كيفية غسل الميت قال فيها بعد بيان كيفية غسله بماء السدر والكافور ثم تمر يدك على بطنه فتعصره شيئا حتى
يخرج من مخرجه ما خرج ويكون على يديك خرقة تنقى بها دبره ثم تميل برأسه شيئا فتنفضه حتى يخرج من مخرجه ما خرج ثم تغسله بجرة من ماء
القراح الحديث واما الأخبار الدالة على أن غسل الميت عين غسل الجنابة أو مثله فهي غير مجدية في اثبات وجوب اجراء الماء على موضع النجاسة
بعد إزالة عينها تعبدا من دون ان يفيده التطهير نعم لو قلنا بطهارة بدن الميت وكونه كالجنب لاتجه الاستدلال بهذه الروايات وكيف
كان فالالتزام بكفاية إزالة العين خصوصا إذا تحققت بالماء المطلق غير بعيد لكن الاحتياط لا ينبغي تركه بل الأحوط إزالة النجاسة عن
جميع بدنه على الوجه المعتبر في التطهير قبل الشروع في الغسل ثم يغسل بقصد حصول عنوانه أي المهية المأمور بها في الشريعة التي هي غسل
الميت فلو اتى به لا بهذا القصد لم يصح ضرورة ان المتبادر من الامر بالغسل في الشريعة في جميع موارده ليس الا الطبيعة المعهودة المعروفة
لدى المتشرعة على سبيل الاجمال لا مطلق غسل البدن الذي يتحقق بحصوله مطلقا كيف اتفق نظير الامر بالوضوء والتيمم من غير فرق بين ان
يتعلق الامر بان يتوضأ بنفسه أو يوضأ الغير حيا كان أو ميتا فإنه لا يتبادر منه الا إرادة الطبيعة المعهودة التي لا إحاطة لنا تحقيقها
تفصيلا ولا يمكننا قصدها ولا الاطلاع على تحققها في الخارج الا بايجادها بقصد حصول عنوانها على سبيل الاجمال فلا يفهم من الامر
بغسل الميت وتوضيته مثلا الا عدم اعتبار مباشرة الغاسل والمتوضي في تحقق تلك الطبيعة في خصوص المورد لا حصولها مطلقا من دون
قصد كيف اتفق ويدل عليه أيضا ما ورد من الاخبار من أن غسل الميت بعينه غسل الجنابة أو مثله وقد ثبت اعتبار النية في غسل الجنابة
بالاجماع فتعتبر في هذا الغسل أيضا قضية للعينية أو المماثلة * (فما عن) * السيد في مضرياته والعلامة في منتهاه وعن بعض متأخري المتأخرين
الميل إليه من عدم اعتبارها معللا كما قيل بأنه إزالة خبث ضعيف إذ لو سلم ان الوجه فيه ليس الا إزالة الخبث دون الحدث كما هو ظاهر
الاخبار المصرحة بأنه غسل الجنابة يتوجه عليه ان هذا الخبث ليس كساير الأخباث بحيث يزيله كل مزيل بل لا يزيله نصا واجماعا الا الغسل
والمتبادر منه ليس الا ما عرفت وبهذا ظهر لك ضعف الاستدلال له بالأصل الذي تقدم تحقيقه في نية الوضوء القاضي بعدم اعتبار
النية فيما يشك في كونه تعبديا * (و) * قد عرفت في ذلك المبحث ضعف الاستدلال لاثبات اعتبار النية في مثل ما نحن فيه بقوله [تع‍] وما أمروا
377

الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وبقوله (ع) انما الأعمال بالنيات ولا عمل الا بنية وبقاعدة الاشتغال وبظهور الأوامر في إرادة الإطاعة
إلى غير ذلك من الأدلة التي يستدل بها لاثبات وجوب النية في مثل المقام كما عرفت تفصيل الكلام فيها مع ما فيها من الضعف بما هو
مزيد عليه فلا نطيل بالإعادة * (فعمدة) * الدليل في المقام انما هي توقف تحقق المهية المأمور بها أو العلم بتحققها على قصد عنوانها كي
تمتاز عن مطلق الغسل وكذا عن ساير أنواع الغسل لو قلنا باختلاف طبايعها كمالا يخلو عن قوة فاشتراط قصد عنوان المأمور به أي غسل الميت
مما لا اشكال بل ولعله مما لا خلاف فيه إذ لا يظن بالسيد وغيره ممن نسب إليهم الخلاف في اعتبار النية ارادتهم ذلك وان اقتضاه ظاهر ما
نسب إليهم من التعليل لكن من المستبعد جدا التزامهم بكونه كإزالة النجاسات توصليا محضا بحيث يسقط التكليف بمجرد حصول الفعل في
الخارج كيف اتفق ولو من دون مباشرة أحد أو مباشرة غير مميز أو مجنون * (و) * كيف كان فهذا ممالا ينبغي الارتياب فيه وانما الاشكال في اعتبار
أزيد من ذلك مما يعتبر في العبادات المحضة من قصد التقرب والاخلاص في العمل بحيث يكون القرب غاية الحصول الفعل فلو أوجد تلك الطبيعة
الواجبة قاصدا لحصول عنوانها لكن لا لوجوبها بل لغيرها من الاغراض المباحة كاخذ الأجرة لو جوزناه في الواجبات الكفائية لم تصح
أولا يشترط ذلك فيكفي في صحته قصد ايجاد تلك الطبيعة المأمور بها مطلقا ولو لشئ من الاغراض الدنيوية المباحة ولعل من انكر اعتبار
القصد مثل السيد واتباعه أراد قصد القربة بجعلها غاية للعمل لا مطلق القصد كما أنه لا يبعد ان لا يكون مراد من يعتبر القصد اعتبار
أزيد من قصد حصول الطبيعة المعهودة الواجبة في الشرع فبهذا يجتمع الكلمة ويرتفع الخلاف لو لم نقل بان ظاهرهم أو صريحهم وجوب
جعل القربة والوجوب غاية للفعل * (و) * كيف كان فالاشكال انما هو في ذلك والذي يمكن الاستدلال به لذلك ظهور جملة من الاخبار في
كون غسل الميت بعينه غسل الجنابة ولا كلام في اعتبار قصد القربة فيه مضافا إلى ما عرفت من أن
المتبادر من الامر بالغسل في خصوص المقام
ليس الا ما هو المتبادر منه في ساير المقامات كالأمر بغسل الجمعة والغسل عند رؤية المصلوب ونحوها وقد أشرنا عند التكلم في كيفية غسل
الحيض إلى انا لا نحتاج في كل مورد بالخصوص إلى أدلة خاصة يثبت بها كيفية الغسل المأمور به بل معهوديته في الجملة مغنية عن بيان كيفيته في ساير
الموارد كيف ولم يصل الينا بيان كيفية الغسل في جل موارده مع انا لا نشك في اجزائه وشرائطه وليس الا لمعهوديته في الجملة وحيث ثبت اشتراط
قصد القربة في الطهارات الثلث في الجملة ثبت في المقام أيضا حيث لا ينسبق إلى الذهن الا إرادة تلك الطبيعة المعهودة ولا ينافيها اعتبار بعض
الخصوصيات في خصوص المقام لخصوصيته كما أنه لا ينافيه اختلاف متعلق التكليف إذ لا فرق عرفا فيما يفهم من لفظ الغسل بين ان يكلفه بغسل
الجمعة أو بتغسيل غيره غسل الجمعة فهذا ظاهر لا سترة فيه لكن يتوجه عليه أولا امكان منع الصغرى بان يقال المعتبر في ساير الأغسال أيضا بل
مطلق الطهارات ليس الا قصد ايجادها بعناوينها الراجحة التي يتقرب بها إلى الله [تع‍] سواء كان الباعث على ايجادها إرادة تحصيل القرب بفعل
أو حصول غاية مباحة مترتبة على وجودها كما لو كان كسبه كتابة القران فتوضأ أو اغتسل مقدمة للاشتغال بكسبه من دون التفات إلى رجحانه أو
مرجوحيته وثانيا ان سلمنا انه يعتبر في الطهارات مطلقا حصولها قربة إلى الله تعالى بان يكون القرب علة غائية للفعل * (فنقول) * القربة التي تتوقف
صحة الطهارات على قصدها هي القربة الحاصلة بفعلها للمتطهر لا المباشر للتطهير فلو اعتبرنا القصد فيمن غسل جنبا عاجزا مثلا فإنما نعتبر قصده رفع
حدث الجنب قربة إلى الله يعنى قرب الجنب برفع حدثه إلى الله [تع‍] لا قرب المباشر للتغسيل فان تقربه إلى الله [تع‍] من حيث كونه أجيرا على العمل أو معينا أو غير
ذلك أجنبي عما يتوقف عليه غسل الجنب فالمتطهر في المقام هو الميت الذي لا قصد له والذي يجب على المباشر قصده انما هو ايجاد تلك الطبيعة المقربة
للميت إلى رحمة الله ورضوانه واما كونه قاصدا بفعله التقرب لنفسه بحيث ينافيه قصد الأجرة مثلا فيحتاج إلى دليل اخر غير ما دل على اشتراط قصد القربة
في الطهارات وهو مفقود والأصل ينفيه * (ولو) * أحطت خبرا بما أسلفناه في نية الوضوء لانكشف لك الحال في جميع ما يتعلق بالمقام فراجع وبما ذكرناه
انفا ظهر لك انا وان لم نقل باشتراط حصوله الغسل قربة إلى الله تعالى لن يشترط فيه كونه بعينه هي المهية المأمور بها التي يمتنع تحققها أو العلم بتحققها
في الخارج الا باتيانها بقصد كونها كذلك فإنه ذاتا عبادة وان التزمنا بكونه من حيث صدوره من المكلف توصليا نظير صلاة الأخير على ما سيأتي
تحقيقها في محله [انش‍] فلو اتي به في ضمن فرد محرم كما لو أوجده رياء أو بماء مغصوب أو نحوهما مما يخرج به المأتى به بعينه من كونه هو المأمور به بطل ولو
أوجده لغاية محرمة من دون ان تؤثر في حرمة الفعل كما لو نوى به الأجرة وقلنا بحرمتها في الواجبات الكفائية فوجهان أظهرهما الصحة وأحوطهما
العدم والله العالم ثم انك قد عرفت في محله انه يكفي في صحة العبادة وجود الداعي ولا يجب مقارنتها للصورة المخطرة فيجب في المقام وجود الداعي
عند جميع الأغسال الثلاثة لكون الجميع عبادة كما يظهر وجهه مما عرفت وستعرف ضعف احتمال كون الغسل الحقيقي هو الأخير وان المقصود
بالأولين التنظيف ونحوه فالأظهر كون المجموع بأسرها أغسالا حقيقية يعتبر فيها القصد فلو أوجد بعضها بقصد الغسل فارتدع عن قصده
واتى بما عداه لا بقصد الغسل لم يجز وان تعذر الغاسل بان كان الصاب للماء مثلا غير المقلب فالمعتبر انما هو قصد من يباشر العمل ويستند
إليه الفعل ولو استند إلى كل منهما مستقلا بان صدر مجموع الفعل من كل منهما مستقلا يجزى قصد أحدهما ولو صدر من المجموع من حيث المجموع
378

اعتبر قصدهما ولو كان أحدهما غير مكلف بان كان مجنونا أو صبيا ولم نقل بشرعية عبادته فلا عبرة بقصده وعمله وانما المعتبر قصد الاخر
ومباشرته للفعل على وجه يستند إليه ويعد غير المكلف آلة له * (وان) * قلنا بشرعية عبادة الصبي فالاجتزاء بغسله قوى والله العالم الكلام في كيفية
غسل الميت وهى مشتملة على الواجب والمندوب والمكروه اما الواجب فهو ان يغسل أولا بماء السدر يبدء برأسه ثم بجانبه الأيمن ثم الأيسر وأقل
ما يلقى في الماء من السدر ما يقع عليه الاسم يعنى بعد ان القى في الماء لا في حد ذاته إذ كلما يفرض منه ولو في غاية القلة يقع عليه الاسم لذاته ولا
يكفي جزما بل يعتبر بقاء اسمه وعدم استهلاكه بحيث يقع على المجموع اسم ماء السدر ويحتمل ان يكون المراد من الاسم في العبارة ماء السدر فلا
يحتاج [ح] إلى التكلف وقيل أقله مقدار سبع ورقات في الجواهر وغيره لم يعرف قائله وكيف كان ستعرف ضعفه وإذا فرغ من ماء السدر غسله
بعده بماء الكافور على الصفة السابقة وإذا فرغ من ذلك فليغسله بالماء القراح أخيرا كما يغسل من الجنابة إذا اتى بغسلها مرتبا لا مطلقا
فلو أخل بالترتيب بين الأغسال أو غسلاتها لم يجز ويدل على وجوب الأغسال الثلاثة على النحو الذي عرفته مضافا إلى عدم خلاف يعتد به في شئ منها
جملة من الاخبار منها صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن غسل الميت فقال اغسله بماء وسدر ثم اغسله على اثر ذلك غسلة أخرى بماء و
كافور وذريرة ان كانت واغسله الثالثة بماء قراح قلت ثلاث غسلات لجسده كله قال نعم قلت يكون عليه ثوب إذا غسل قال إن استطعت ان يكون
عليه قميص تغسله من تحته وقال أحب لمن غسل الميت ان يلف على يده خرقة حين يغسله * (و) * صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال إذا أردت غسل الميت
فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر عنك عورته اما قميص واما غيره ثم تبدء بكفيه ورأسه ثلث مرأة بالسدر ثم ساير جسده وابدء بشقه الأيمن فإذا
أردت ان تغسل فرجه فخذ خرقة نظيفة فلفها على يدك اليسرى ثم ادخل يدك من تحت الثوب الذي على فرج الميت فاغسله من غير أن ترى عورته
فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخرى بماء وكافور وبشئ من حنوطه ثم اغسله بماء مبحث غسلة أخرى حتى إذا فرغت من ثلاث
غسلات جعلته في ثوب نظيف ثم جففته والمراد من غسله بالسدر غسله بماء فيه شئ من السدر كما يشعر به قوله (ع) فاغسله مرة أخرى بماء وكافور [الخ]
ويدل عليه غيرها من الروايات مضافا إلى كونه منزلة على ما هو المعهود عندهم ونظيرها ما روى أيضا عن الحلبي قال قال أبو عبد الله (ع) يغسل
الميت ثلاث غسلات مرة بالسدر ومرة بالماء يطرح فيه الكافور ومرة أخرى بالماء القراح ثم يكفن الحديث * (منها) * ما رواه يونس عنهم (ع) قال إذا
أردت غسل الميت فضعه على المغتسل مستقبل القبلة فإن كان عليه قميص فأخرج يده من القميص واجمع قميصه على عورته وارفعه عن رجليه إلى فوق
الركبة وان لم يكن عليه قميص فالق على عورته خرقة واعمد إلى السدر فصيره في طشت وصب عليه الماء واضربه بيديك حتى ترفع رغوته واعزل الرغوة
في شئ وصب الاخر في الإجانة التي فيها الماء ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع ثم اغسل فرجه ونقه ثم اغسل
رأسه بالرغوة وبالغ في ذلك واجتهد ان لا يدخل الماء منخريه ومسامعه ثم اضجعه على جانبه الأيسر وصب الماء من نصف رأسه إلى قدميه ثلاث مرات
وادلك بدنه دلكا رقيقا وكذلك ظهره وبطنه ثم اضجعه على جانبه الأيمن وافعل به مثل ذلك ثم صب ذلك الماء من الإجانة واغسل الإجانة بماء
قراح واغسل يديك إلى المرفقين ثم صب الماء في الانية والق فيه حبات كافور وافعل به كما فعلت في المرة الأولى ابدء بيديه ثم بفرجه وامسح بطنه مسحا
رقيقا فان خرج منه شئ فانقه ثم اغسل رأسه ثم أضجع على جنبه الأيسر واغسل جنبه الأيمن وظهره وبطنه ثم اضجعه على جنبه الأيمن واغسل جنبه
الأيسر كما فعلت أول مرة ثم اغسل يديك إلى المرفقين والانية وصب فيه ماء القراح واغسله بماء قراح كما غسلته في المرتين الأوليين ثم نشفه بثوب
طاهر واعمد إلى قطن فذر عليه شيئا من حنوط فضعه على فرجه قبل ودبر واحش القطن في دبره لئلا يخرج منه شئ وخذ خرقة طويلة عرضها شبر
فشدها من حقويه وضم فخذيه ضما شديدا ولفها في فخذيه ثم اخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب واغرزها في الموضع الذي لففت فيه
الخرقة وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا وقد يستظهر من هذه الرواية عدم اشتراط اطلاق الماء في الغسل بماء
السدر وجواز اضافته كما هو الشان في الرغوة التي يغسل بها رأسه وفيه أولا انه لم يقصد من الامر بغسل رأسه بالرغوة مجردة عن الماء بل هو
جار مجرى العادة من استعمال الرغوة أولا وتنظيفها بالماء الذي في الإجانة كما يشهد بإرادته مضافا إلى قضاء العادة به قوله (ع) واجتهد ان
لا يدخل الماء في منخريه فالاجتزاء به عن الغسل الواجب باعتبار اشتماله على الغسل بماء السدر ولا يتوقف صحة الغسل على العلم بكون غسل اليدين
أو الرأس بالرغوة خارجة من مهيته الواجبة بل يكفي قصد حصول غسله بمجموع العمل وثانيا ان ظاهر هذه الرواية مع قطع النظر عن غيرها من
النصوص والفتاوى انما هو وجوب غسل نصف الرأس مع الجانب الأيمن ونصفه الاخر مع الأيسر وظاهره الوجوب الأصلي لا الشبعى فليكن هذا
هو الغسل الواجب غاية الأمر انه يلزم على هذا ان لا يكون الترتيب بين الرأس والبدن شرطا في صحة الغسل وهذا وان لم يمكن الالتزام به
لمخالفته لظواهر جملة من النصوص وفتاوى الأصحاب لكنه ليس امرا معلوم الفساد كي يتعين حمل الرواية على المعنى الأول بحيث تصلح دليلا
لاثبات الاجتزاء برغوة السدر خصوصا مع مخالفة هذا المعنى أيضا للنص والاجماع حيث لم ينقل من أحد اعتبار كون غسل الرأس برغوة
السدر بل ولا القول بجواز الاجتزاء به عدا ما عن بعض متأخري المتأخرين الذين لا يضر خلافهم في تحقق الاجماع * (ومنها) * رواية الكافي قال
379

سئلت أبا عبد الله (ع) عن غسل الميت فقال استقبل ببطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة ثم تلين مفاصله فان امتنعت عليك
فدعها ثم ابدء بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلث غسلات وأكثر من الماء فامسح بطنه مسحا رقيقا ثم تحول إلى رأسه وابدء بشقه الأيمن
من لحيته ورأسه ثم من بشقه الأيسر من رأسه ولحيته ووجهه فاغسله برفق وإياك والعنف واغسله غسلا ناعما ثم اضجعه على شقه الأيسر
ليبدو لك الأيمن ثم اغسله من قرنه إلى قدميه وامسح يدك على ظهره وبطنه ثلاث غسلات ثم رده على جانبه الأيمن ليبدو لك الأيسر غسله
بماء من قرنه إلى قدمه وامسح يدك على ظهر وبطنه ثلاث غسلات ثم رده على قفاه فابدء بفرجه بماء الكافور والحرض وامسح يدك على بطنه مسحا
رقيقا ثم تحول إلى رأسه فاصنع كما صنعت أولا بلحيته سمن جانبيه كليهما ورأسه ووجهه بماء الكافور ثلاث غسلات ثم رده إلى جانبه الأيسر
حتى يبدو لك الأيمن ثم اغسله من قرنه إلى قدمه ثلاث غسلات ثم رده إلى جانبه الأيمن حتى يبدو لك الأيسر فاغسله من قرنه إلى قدمه ثلاث
غسلات وداخل يدك تحت منكبيه وذراعيه ويكون الذراع والكف مع جنبه ظاهرة كلما غسلت شيئا أدخلت يدك تحت منكبيه وفي باطن
ذراعيه ثم رده على ظهره ثم اغسله بماء قراح كما صنعت أولا ابتدء بالفرج ثم تحول إلى الرأس واللحية والوجه تصنع كما صنعت أولا بماء قراح
ثم ازره بالخرقة ويكون تحته القطن تذفره به اذفارا قطنا كثيرا ثم تشد فخذيه على القطن شدا شديدا حتى لا تخاف ان يظهر منه شئ و
إياك ان تقعده أو تغمز بطنه وإياك ان تحشو في مسامعه شيئا فان خفت ان يظهر من المنخرين شئ فلا عليك ان تصير ثمة قطنا وان لم تخف
فلا تجعل فيه شيئا ولا تخلل أظافيره وكذلك غسل المرأة * (ومنها) * موثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) انه سئل عن غسل الميت فقال تبدء فتطرح
على سوأته خرقة ثم تنضح على صدره وركبتيه من الماء ثم تبدء فتغسل الرأس واللحية بسدر حتى تنقيه ثم ابتدء بشقه الأيمن ثم بشقه الأيسر
وان غسلت رأسه ولحيته بالخطمى فلا بأس وتمر يدك على ظهره وبطنه تجره من ماء حتى تفرغ منها ثم بجرة من كافور وتجعل في الجرة من الكافور
نصف حبة ثم تغسل رأسه ولحيته ثم شقه الأيمن ثم شقه الأيسر وتمر يدك على جسده كله وتنصب رأسه ولحيته شيئا ثم تمر يدك على بطنه
فتعصره شيئا حتى يخرج من مخرجه ما خرج ويكون على يديك خرقة تنقى بها دبره ثم ميل برأسه شيئا فتنفضه حتى يخرج من منخره ما خرج ثم
تغسله بجرة من الماء القراح فذلك ثلث جرار فان ردت فلا بأس وتدخل في مقعدته من القطن ما دخل ثم تجففه بثوب نظيف ثم تغسل
يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين ثم تكفنه تبدء وتجعل على مقعدته شيئا من القطن وذريرة وتضم فخذيه ضما شديدا إلى أن قال
الجرة الأولى التي يغسل بها الميت بماء السدر والجرة الثانية بماء الكافور يفت فيها فتا قدر نصف حية والجرة الثالثة بماء القراح
* (ومنها) * صحيحة سليمان بن خالد قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن غسل الميت كيف يغسل قال بماء وسدر واغسل جسده كله واغسله بماء
وكافور ثم اغسله أخرى بماء قلت ثلاث مرات قال نعم قلت فما يكون عليه حين يغسله قال إن استطعت ان يكون عليه قميص فيغسل من
تحت القميص * (ومنها) * صحيحة يعقوب بن يقطين قال سئلت العبد الصالح (ع) عن غسل الميت أفيه وضوء الصلاة أم لا فقال غسل الميت
تبدء بمرفقه فتغسل بالحرض ثم يغسل وجهه ورأسه بالسدر ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرأة ولا يغسل الا في قميص يدخل رجل يده ويصب عليه
من فوقه ويجعل في الماء شيئا من السدر وشيئا من الكافور والظاهر أن المراد بقوله (ع) * ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرأة [الخ] الأغسال الثلاثة
المعهودة وقوله (ع) ويجعل في الماء [الخ] لبيان وجوب مزج الخليطين على النحو المعهود بان كان السدر فيما يفاض عليه أولا والكافور فيما
يفاض عليه ثانيا وانما احمل تفصيلها لعدم وكون الرواية مسوقة الا لبيان عدم وجوب الوضوء أو لغيره من دواعي الاجمال وكيف كان
فظاهرها ان المراد بقوله (ع) ثم يغسل وجهه بالسدر امر اخر خارج من الأغسال الثلاثة كغسل المرفقين يأتي به امام الغسل كما يدل عليه رواية يونس
بالتقريب المتقدم وحيث يتعذر حمله على الوجوب حيث لم يتعرض لبيانه في جملة من الاخبار البيانية مع مخالفته للاجماع يتعين حمله على الاستحباب
كغسل اليدين فيما ذكرنا ظهر لك ما في كلام صاحب الحدائق معترضا على ما نقله من جمع من الأصحاب من أنه يستحب امام الغسلة الأولى ان يغسل
رأسه برغوة السدر بقوله ولم أقف له على مستند في الاخبار وغسل الرأس المذكور فيها برغوة السدر كما تضمنه خبر يونس وعبارة كتاب الفقه
الرضوي أو بماء السدر كما في غيرها انما هو الغسل الواجب انتهى قد عرفت ان ظاهر الصحيحة المتقدمة انما هو كون غسل الرأس قبل الأغسال
الثلاثة * (واما) * رواية يونس وكذا عبارة الفقه الرضوي التي هي بمضمونها على ما حكاها في الحدائق فهي مصرحة بغسل الرأس بالرغوة امام الغسل
* (ودعوى) * ان المراد به هو الغسل الواجب قد عرفت ما فيها بمالا مزيد عليه فلا ينبغي الاستشكال في استحباب غسل وجهه ورأسه بالسدر أو برغوته
امام الغسل وكيف كان فالذي يفهم من مجموع الروايات على ما يقتضيه الجمع المقبول بينها بعد رد متشابهها إلى محكمها وصرف ظاهره إلى
ما هو الأظهر انما هو وجوب أغسال ثلاثة على وجه يتحقق في كل غسل مسماه من غسل جميع البدن مرة واحدة مرتبا بين الأعضاء بتقديم الرأس
على الجانبين والأيمن على الأيسر أولها بماء فيه شئ من السدر على النحو المتعارف في استعمال السدر بان يمتزج في الماء ويكون اسمه باقيا بعد المزج
بحيث ينصرف إليه الذهن عند اطلاق ماء السدر بان لا يكون سدره مستهلكا لقلته أو أجنبيا عن الماء بان كان أوراقا غير مطحونة ولا ممروسة
380

متمايزة بعضها عن بعض كما أنه يشترط ان لا يكون اضافته على وجه يخرج الماء به من صفة الاطلاق كي لا يطلق عليه انه ماء فيه شئ من السدر
أو ينصرف عنه على تقدير الصدق وثانيها بماء فيه شئ من الكافور على وجه يطلق عليه عرفا اسم ماء الكافور وثالثها بالماء القراح واما
ما عدا ما عرفت من الأمور التي تضمنها الاخبار مثل غسل اليدين وتثليث الغسلات ونحوها فهي من السنن والآداب بلا شك وارتياب
فإنك إذا تأملت في الاخبار على تظافرها وتكاثرها لوجدت ما وصفناه أولا بمنزلة القطب الذي يدور مداره الاخبار المتشتة على اختلافها
فيفهم من ذلك عدم كون ما عداها مما اختلف فيه الاخبار من حيث التعرض والعدم مع كون الجميع واردا في مقام البيان من الأركان بحيث
يكون تركها مفسدا للغسل بل هو من السنن والآداب كمالا ينافيه سياق جل تلك الأخبار المشعرة بعدم إرادة بيان خصوص الأجزاء الواجبة
ولولا موافقة جميع ما استفدناه من الاخبار لما عليه جل الأصحاب بل كلهم عدا من شذ ونذر لأطنبت الكلام في اثبات كل فقرة فقرة
مفضلا لكن اعتضاده بفهمهم اغنانا عن ذلك فما حكى عن سلار من الاكتفاء بغسل واحد محتجا بالأصل وبما يفهم من المعتبرة المستفيضة
الواردة في الميت الجنب من أنه يكفيه غسل واحد ضعيف فان الأصل منقطع بالدليل والمراد بالوحدة في هذه الأخبار في مقابل التعدد الناشئ
من انضمام غسل الجنابة لا في مقابل تعدد الأغسال المعتبرة في غسل الميت التي هي بأسرها بمنزلة غسل واحد كما لا يخفى واضعف منه ما عن ظاهر
ابن حمزة من عدم وجوب الترتيب بين الأغسال الثلاثة فإنه كما ترى وربما استظهر منه القول باستحباب الخليطين لا عدم الترتيب على تقدير
وجودهما وعن ابن سعيد أيضا موافقته في الاستحباب ولا يخفى ما فيه ويتلوه في الضعف ما حكاه المصنف عن بعض في تحديد أقل ما يلقى في
الماء من السدر بسبع ورقات واستدل له برواية معاوية بن عمار قال امرني أبو عبد الله (ع) ان اعصر بطنه ثم أوضيه بالأشنان ثم اغسل
رأسه بالسدر ولحيته ثم أفيض على جسده منه ثم ادلك به جسده ثم أفيض عليه ثلثا ثم اغسله بالماء القراح ثم أفيض عليه بالماء بالكافور و
بالماء القراح واطرح فيه سبع ورقات سدر * (وفيه) * مالا يخفى مع ما في مستنده من التشويش وقصور الدلالة حيث إن المأمور به انما هو
طرح سبع ورقات من السدر في الماء القراح الذي يغسل به أخيرا كما يدل عليه أيضا خبر عبد الله بن عبيد قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام
عن غسل الميت قال يطرح عليه خرقة ثم يغسل فرجه ثم يوضأ وضوء الصلاة ثم يغسل برأسه بالسدر والأشنان ثم الماء والكافور ثم بالماء
القراح يطرح فيه سبع ورقات صحاح من ورق السدر وهو كما ترى أجنبي عن المدعى أضعف من ذلك ما عن المفيد من تحديد السدر برطل وعن
ابن البراج برطل ونصف إذ لم يصل الينا من الروايات ما يشعر برجحان شئ من الحدين فضلا عن وجوبه كما يقتضيه ظاهر التحديد وحكى عن المفيد
أيضا تحديد الكافور بنصف مثقال وكذا ابن سعيد لكنك عرفت ان ابن سعيد على ما حكى عنه لا يقول بالوجوب * (وكيف) * كان فهو ضعيف ان
أريد به الوجوب الاطلاق أغلب النصوص والفتاوى المقتضى لكفاية المسمى نعم في موثقة عمار المتقدمة وتجعل في الجرة من الكافور نصف
حبة لكن لم يعلم أن المراد من الحبة المثقال كي تصلح مستندة لهذا القول وفي رواية يونس المتقدمة والق فيه حبات كافور * (وفي) * خبر مغيرة ان أمير المؤمنين (ع)
غسل رسول الله صلى الله عليه وآله بالسدر ثم بثلاثة مثاقيل من الكافور فلا يبعد ان يكون ما في الرواية الأولى أي نصف حبة أقل ما يتحقق به المسمى وما زاد عليه
فهو من الفضل وكيف كان فالمدار على ما عرفت من عدم كونه من القلة بحيث يستهلك ولا من الكثرة بحيث يخرج الماء من صفة الاطلاق ثم إنه حكى
عن جماعة من القدماء انه يؤخذ من حلال الكافور بل ربما حكى عن أكثر القدماء ذلك والمراد به كما قيل الخام الذي لم يطبخ وارسل عن أبي على ولد
الشيخ ان الكافور صمغ يقع من شجر وكلما كان جلالا وهو الكبار من قطعة لا حاجة له إلى النار ويقال له الخام وما يقع من صغاره في التراب
فيؤخذ فيطرح في قدر ويغلى وذلك لا يجزى في الحنوط انتهى قيل ولعل منشأ ذلك ما يقال إن مطبوخة يطبخ بلبن الخنزير ليشتد بياضه به أو بالطبخ
وربما يحصل له العلم العادي بالنجاسة من حيث إن الطابخ من الكفار لكن ظاهر الاخبار اجزاء المطبوخ ووجهه عدم حصول اليقين بالنجاسة
ولذا ما فصل المتأخرون وربما حكم باستحباب الخام ولعل وجهه الخروج من الخلاف وشبهة النجاسة انتهى ثم إن الماء القراح هو الخالص
المغير المشوب ومن هنا ربما ظن عدم جواز التغسيل بماء السيل ونحوه مما مازجه شئ من الطين ونحوه * (وفيه) * مالا يخفى فان المتبادر منه في المقام
بقرينة المقابلة بماء السدر والكافور وغيرها من القرائن ليس الا إرادة الخالص عن الخليطين كما يؤيده ما في بعض الأخبار من الامر بغسله
الثالث بالماء مطلقا من دون توصيفه بالقراح والله العالم وهل خلوصه عن الخليطين رخصة أم عزيمة فيه وجهان بل قولان أحوطهما الثاني
بل قد يؤيده الامر بغسل الإجانة واليدين من ماء السدر والكافور لكن في رواية معاوية بن عمار و عبد الله بن عبيد المتقدمتان الامر بطرح سبع
ورقات صحاح من ورق السدر فيه ولعله لا ينافي ذلك فلا يبعد استحبابه والله العالم ثم انك قد عرفت ان ظاهر الاخبار وجوب الترتيب فيما
بين اجزاء كل غسل كالأغسال وقضية الاشتراط مطلقا ولو في حال السهو والنسيان فلو أخل به ولو سهوا رجع إلى ما يحصل معه الترتيب
فما عن التذكرة والنهاية من احتمال الاجزاء لو أخل بالترتيب ضعيف خصوصا لو أراد الأعم من الاخلال عمدا الأظهر عدم الاجتزاء بغسله ارتماسا
لاطلاق الاخبار الامرة بالترتيب السالمة عن دليل حاكم عليه وعن جملة من المتأخرين القول بجواز الارتماس لقوله (ع) في صحيحة ابن مسلم انه مثل
381

غسل الجنب وفي جملة من الاخبار انه عينه ونوقش فيه بعدم ظهور التشبيه في العموم على وجه يشمل ذلك فيبقى الأصل يعنى قاعدة الاشتغال سليما ومعتضدا
بظاهر الاخبار المفصلة لكيفية قال شيخنا المرتضى [ره] بعد نقل المناقشة المذكورة وفيه ان هذا انما يتطرق في صحيحة ابن مسلم الدالة على التشبيه
دون المستفيضة الدالة على أن الميت جنب يغسل غسل الجنابة وكذا الأخبار الدالة على أن المقصود تنظيف الميت فالقول بالاجتزاء الارتماس
لا يخلو عن قوة وان كان الأحوط خلافه انتهى وفيه ان هذه الأخبار قاصرة عن اثبات المدعى اما ما دل على أن المقصود تنظيف الميت فواضح للعلم
بعدم كفاية مطلقه واما ما دل على أن الميت جنب فغسله غسل الجنابة ففيه انه لم يدل دليل على جواز الارتماس في غسل الجنابة على وجه يعم مثل
الفرض لجواز ان يكون الخصوص الجنب الميت خصوصية تقتضي ايجاد غسله بكيفية خاصة الا ترى انه يجب فيه الغسل بالسدر والكافور ولا يجب
ذلك في الجنب الحي فلا امتناع في أن يجب غسله مترتبا دون غيره ولو لأجل احترام الميت فالقول بجواز الارتماس موقوف على القطع بالغاء
الخصوصية أو عموم دليل يقتضى جواز الارتماس ولو في هذا الفرد وأنت خبير بعدم القطع بذلك وعدم عموم كذلك فالأظهر عدم الجواز
والله العالم وفي وجوب وضوء الميت قبل الغسل تردد كما نسب إلى أبى الصلاح وظاهر المفيد وابن البراج للامر به في جملة من الاخبار منها
رواية عبد الله بن عبيد المتقدمة ومنها خبر حريز عن أبي عبد الله (ع) قال الميت يبدء بفرجه ثم يوضأ وضوء الصلاة الحديث ومرسلة أبى حثيمة
عن أبي عبد الله (ع) قال إن أبى امرني ان اغسله إذا توفى وقال لي اكتب يا بنى ثم قال إنهم يأمرونك بخلاف ما تصنع فقل لهم هذا كتاب أبى
ولست أعدو قوله ثم قال تبدء فتغسل يديه ثم توضيه وضوء الصلاة ثم تأخذ ماء وسدر الحديث وقد يستدل له أيضا بعموم قوله (ع) كل
غسل معه وضوء الا غسل الجنابة * (وفيه) * ان المقصود بهذه الرواية اما بين عدم الاجتزاء بما عدا غسل الجنابة من الأغسال عن الوضوء
الواجب للصلاة ونحوها فهي أجنبي عن المقام أو المقصود بها بيان استحباب الوضوء تعبدا قبل كل غسل كما تقدم الكلام فيه في غسل الحيض
فلا يكون دليلا للوجوب بل هو مما يؤيد حمل الأخبار المتقدمة على الاستحباب كما حكى القول به عن بعض القدماء وجملة من المتأخرين
بل في الحدائق والظاهر أن المشهور بين المتأخرين هو الاستحباب * (و) * يؤيده بل يدل عليه خلو جل الاخبار البيانية عن ذكر الوضوء مع اشتمالها
على جملة من المستحبات على ما عرفت تقريبه من أن خلو مثل هذه الأخبار يدل على عدم كونه من الأركان خصوصا صحيحة يعقوب بن يقطين
المتقدمة فان ترك تعرض الإمام (ع) لذكر الوضوء وبيان ان غسل الميت تبدء بمرافقه الحديث كالتصريح بعدم وجوبه بل ربما يستشعر من
ذلك عدم استحبابه أيضا حيث تعرض الغسل المرفقين مع كونه مستحبا واعرض عن ذكر الوضوء لكن لا ينبغي الالتفات في مقابل الأخبار المتقدمة
بل ربما يتأمل في اشعاره بذلك بورودها في مقام توهم الوجوب واعتباره في صحة الغسل كما هو الظاهر مما حكى عن عامة العامة من موافقتهم
لما في الأخبار المتقدمة فلا يفهم الا عدم اعتباره في الغسل وغاية ما يمكن ادعاء استشعاره منه عدم كونه جزء مستحبيا للغسل لا عدم كونه مستحبا
نفسيا امامه نعم يفهم من السكوت في مثل المقام عدم كونه واجبا مطلقا ولو نفسيا كما لا يخفى وبذلك كله ظهر لك ان الأشبه انه لا يجب لكنه
مستحب للأخبار المتقدمة ولا ينافيه ما قيل من اعراض المشهور عن هذه الروايات فان المقصود اعراضهم عن ظاهرها من الالتزام بالوجوب
وعن السرائر نسبة الرواية الدالة عليه على الشذوذ وعن المبسوط ان عمل الطائفة على ترك ذلك يعنى انهم لو يعملوا بظاهرها من الوجوب لا انهم
طرحوها رأسا كما يدل على ذلك ما حكى عن الشيخ في خلافه أنه قال وفي أصحابنا من قال إنه يستحب الوضوء قبله أي قبل الغسل وعن نهايته
أنه قال وقد رويت أحاديث انه ينبغي ان يوضأ الميت قبل غسله فمن عمل بها كان أحوط * (وكيف) * كان فدعوى شذوذ هذه الأخبار بعد اشتهار
العمل بها بين المتأخرين ممالا يصغى إليه خصوصا في اثبات الاستحباب الذي يكفيه المسامحة والعجب من صاحب الحدائق حيث نسب القول بالاستحباب
إلى المشهور بين المتأخرين وانكر عليهم بأنه لاوجه له لان ظاهر تلك الأخبار الوجوب ولا معارض لها الا اطلاق غيرها من الاخبار ومقتضى
القاعدة الجمع بينها بالتقييد فالمتجه اما القول بالوجوب أو طرح تلك الأخبار وحملها على التقية وقد قوى الأخير في ذيل كلامه واعترض على نفسه
في مطاوي كلماته بقوله فان قيل الحمل على التقية انما يكون عند وجود المعارض لها قلنا قد تكاثرت الاخبار بعرض الخبر على مذهب العامة
والاخذ بخلافه وان ان لا معارض له ثمة حتى رووا انه إذا احتاج إلى معرفة حكم من الأحكام وليس في البلد من يقينه من علماء الإمامية يسئل
فقهاء العامة ويأخذ بخلافهم وقد ورد أيضا إذا رأيت الناس مقيلين على شئ فدعه انتهى وفيه أولا ما أشرنا إليه مرارا من أن مقتضى قاعدة
الجمع في مثل هذه الموارد هو حمل مثل هذه الأوامر على الاستحباب فإنه أهون من تنزيل هذه الأخبار
البيانية الكثيرة على الاهمال والاجمال
كي لا ينافيها التقييد خصوصا مع ما في أغلب الاخبار من الشواهد على عدم كونها مسوقة لبيان خصوص الأجزاء الواجبة ولذا لم يجمع أحد
من الأصحاب بين اخبار الباب بتقييد بعضها بما اشتمل عليه غيره بل لو بنى على مراعاة قاعدة الاطلاق والتقييد في اخبار الباب لحدث في الاسلام
قول لم يذهب إليه أحد من المسلمين وثانيا ان ما التزم به من حمل الاخبار السالمة من المعارض بعد تسليم سندها على التقية المجرد الموافقة
من حيث هي يوشك ان يكون مخالفا للضرورة فضلا عن الاجماع وغيره فهل سمع أحد ان يطرح أحد من الشيعة أقوال الأئمة المعصومين (ع) لمجرد
382

موافقة العامة كيف وكثير من اخبارنا التي نعمل بها غير مخالف لهم جزما بل لو كانت موافقة العامة موجبة للطرح من دون معارض لما جاز
العمل بشئ من الروايات الواصلة الينا الا بعد عرضه على مذهبهم واحراز مخالفته لهم وهو بديهي الفساد مضافا إلى اقتضائه امتناع
تأخر مرتبة الترجيح بمخالفة العامة عند تعارض الخبرين عن ساير المرجحات كما في جملة من الاخبار العلاجية ضرورة خروج الموافق على
هذا التقدير من الحجية في حد ذاته فكيف يقدم على الخبر المخالف الجامع للشرايط عند أشهريته أو أعدلية راويه واما الاخبار الامرة بعرض
الخبر على مذهبهم فلابد من توجيهها بمالا ينافي ساير الأدلة كما هو واضح ولا يجوز الاقتصار على أقل من الغسلات المذكورة كما عرفته مفصلا
الا عند الضرورة كما لو لم يجد الا ماء غسلة واحدة أو غسلتين فيقتصر [ح] على الأقل ولا يجوز ترك الغسل رأسا للاستصحاب وقاعدة الميسور
ومالا يدرك كله لا يترك كله لكن ربما يخدش في جريان الاستصحاب بناء على كون الأغسال الثلاثة مجموعها عملا واحدا بان وجوب البعض حال
التمكن كان غيريا وهو فعلا معلوم الانتفاء والوجوب النفسي الذي نقصد بالاستصحاب اثباته مشكوك الحدوث * (و) * يدفعه الغض عن أصل البناء
من كونه رجما بالغيب عدم ابتناء امر الاستصحاب على هذا النحو من التدقيقات ودورانه مدار مساعدة العرف وهى في المقام متحققه كما يتضح
لك ذلك بمراجعة ما أسلفناه في وضوء العاجز كما أنه يظهر بما ذكرناه في ذلك المبحث في تنقيح مجرى قاعدة الميسور ومالا يدرك ان المقام من
اظهر مجاريها خصوصا بعد الاعتضاد بفتوى من تعرض له فلا اشكال فيه في الجملة وانما الاشكال في مقامين أحدهما انه إذا لم يتمكن الا من غسل واحد
فهل هو مخير بين الأغسال فيأتي بأيها شاء أو يتعين عليه الأول أي بماء السدر أو الأخير وكذا لو تمكن من غسلين فهل هو مخير في ترك أحدهما
مطلقا أو يختص الأخير بالترك أو يتعين عليه فعل الأخير واحد الأولين مخيرا أو خصوص الأول فيختص الوسط بالسقوط وجوه من أنها
واجبات متعددة وقد تعذر بعضها لا على التعين فله الخيار في تعيين المتعذر وكون بعضها مترتبا على بعض في الوجود لا اثر له بعد كون
المجموع في عرض واحد من حيث المطلوبية ومن أن الأخير أهم في نظر الشارع على ما قيل فيتعين فعله إذ لا يحكم العقل بالتخيير في مثل الفرض
ومن أن مقتضى القواعد سقوط ما تعلق به التعذر أولا وبالذات وهو ما عدا الأول ولو بملاحظة كونه أسبق في الوجود من حيث الرتبة
لكن يتوجه على هذا الوجه الأخير الذي به يتجه أوسط الأقوال انه لو تم ذلك لاقتضى سقوط الأخير مطلقا ولو على تقدير ثبوت أهمية والالتزام
به في غاية الاشكال بل لا ينبغي الارتياب في فساده وسره ما أشرنا إليه من أنه لم يتعلق التعذر بشئ منها بخصوصه وانما تعلق ببعضها على سبيل
البدل وكونها مترتبة في الوجود الخارجي في مقام الامتثال لا يقتضى تعلق العجز بخصوص الأخير وانما يتعلق العجز به بالخصوص على تقدير
فعل الأول فالزامه بفعل الأول كي يتحقق العجز عن خصوص الأخير مع كونه قبل الفعل أحد الافراد الذي تعلق به العجز على سبيل البدن أول
الكلام نعم لو لم يثبت أهمية بعضها فلا شبهة في أن الأحوط الاتيان بما هو الأول فالأول ولو على تقدير احتمال أهميته الأخير فان مجرد
الاحتمال لا يصلح دليلا لوجوب ترك الأول مقدمة لتحصيله نعم يصلح وجها لأولوية اختياره لولا معارضته بمخالفة الاحتياط من جهة أخرى
فالأحوط في مثل الفرض هو اختبار الأول فالأول حتى يتعلق العجز بخصوص ما يتركه بل لا يخلو القول بوجوبه عن وجه خصوصا لو احتملنا كون
السابق شرطا في صحة اللاحق كما فيما نحن فيه فالأحوط لو لم نقل بأنه الأقوى انه لو لم يتمكن الا من غسل واحد اتى بذلك الغسل بماء السدر وان
تمكن عن غسل اخر أيضا اتى به بماء الكافور ودعوى كون الغسل بالماء القراح أهم عرية عن الشاهد وما يقال من لنا لتطهير يحصل به ففيه
المنع ان أريد كونه السبب التام وان أريد كونه الجزاء الأخير الذي به يتم السبب فلا يثبت به الأهمية خصوصا لو لم نشترط فيه خلوصه عن السدر و
الكافور وقلنا بكون الخلوص رخصة لا عزيمة فلا ينبغي الارتياب في أهمية كل من الأولين لافادتهما فائدة الأخير مع زيادة لكن الأحوط ان لا ينوى
بفعله الا امتثال ما هو الواجب عليه في الواقع كما أن الأحوط على تقدير عدم تمكنه الا من غسل واحد هو الاتيان به مشتملا على السدر والكافور
بقصد امتثال الواجب الواقعي بل لا يبعد القول بوجوبه لامكان دعوى كون المجموع عملا واحدا وكون الغسل المشتمل على الخليطين ميسور
الجميع الذي لا يسقط بمعسوره بل هذا هو الأحوط وان قلنا بكون الخلوص عزيمة إذ غاية ما يمكن ادعائه انما هو اشتراط خلوص الغسل بالماء
القراح عن الخليطين وبماء الكافور عن السدر دون غسله فله طرح شئ من الكافور في ماء السدر الذي يغسل به فلا ينبغي تركه في مثل المقام
الذي يحتمل قويا وجوبه والله العالم ثانيهما انه إذا اقتصر على بعض الأغسال للضرورة فهل يترتب عليه طهارة البدن وغيرها مما هو اثر للأغسال
الثلاثة أم لا فان جعلنا الأغسال الثلاثة مجموعها عملا واحد أو قلنا بكون المأتى به ميسور ذلك العمل فالمتجه ترتب الآثار عليه لان الناقص في
مقام تعذر التام تام بمقتضى قاعدة الميسور نظير وضوء صاحب الجبيرة وغيرها وان جعلناها تكاليف عديدة وقلنا بان كلا منها تكليف
مستقل وان ترتب عليها من حيث المجموع أيضا بعض الآثار كارتفاع النجاسة الحكمية ونحوها فالأظهر عدم ترتبها عليه فلابد [ح] من ضم التيمم بدلا
من الفائت ولو كان الفائت غسلين هل يكفي تيمم واحد عنهما أم لا بد من التعدد وجهان متفرعان على ما سيأتي في حكم ما إذا تعذر أصل
الغسل لتناثر جلد ونحوه ولو عدم الكافور والسدر قيل غسل بالماء القراح مرة واحدة حيث سقط التكليف بالأولين لأجل التعذر وقيل
383

لا يسقط الغسلة بفوات ما يطرح فيها فان الغسل بماء السدر والكافور وان تعذر من حيث الخصوصية لكن لم يتعذر مطلقه فيجب الاتيان به
لقاعدة الميسور بل وقاعدة مالا يدرك كله بناء على كون السدر والكافور من قبيل الاجزاء للماهية المأمور بها لا الشرايط بل الاستصحاب
أيضا ببعض التوجيهات التي لا تخلو عن مناقشة وفي الرياض وجهه بمالا يخلو عن نظر فإنه بعد ان علل القول الأول بفقد المأمور به عند
فقد جزئه قال وهو بعد تسليمه كذلك إذا دلت الاخبار على الامر بالمركب وليس كذلك الدلالة أكثرها وفيها الصحيح وغيره على الامر بتغسيله
بماء وسدر فالمأمور به شيئان متمايزان وان امتزجا في الخارج وليس الاعتماد في ايجاب الخليطين على ما دل على الامر بتغسيله بماء السدر
خاصة حتى يرتفع الامر بالمضاف بارتفاع المضاف إليه وبعد تسليمه لا نسلم فوات الكل بفوات الجزء بعد قيام المعتبرة باتيان الميسور وعدم
سقوطه بالمعسور وضعفها بعمل الأصحاب طرا مجبور انتهى وفيه بعد الغض عن بعض ما فيه انه ان أزيد من كون المأمور به شيئين متمايزين كونهما
واجبين مستقلين من دون ارتباط لأحدهما بالاخر وانما يتحقق امتزاجهما في الخارج من باب الاتفاق لا اللزوم والاشتراط كي لا يكون تعذر
بعض سببا لارتفاع التكليف عن الاخر ففيه مالا يخفى ضرورة عدم كونهما كذلك وانما المأمور به هو الغسل بماء فيه شئ من السدر ولا يتفاوت
الحال في ذلك بين ان يتأدى المقصود بهذه العبارة أو بقوله اغسله بماء السدر أو اغسله بماء وسدر فان المراد بجميع هذه العباير ليس الا ايجاب
ايجاد غسل واحد بماء وسدر فإذا فقد أحد الجزئين يمتنع حصول المأمور به في الخارج فالقول بوجوب الغسل بالماء القراح بدلا من ماء السدر
والكافور يحتاج إلى دليل اخر غير هذه الأدلة التي لا يفهم منها الا وجوب الغسل المقيد بكونه بماء السدر وعمدة ما يصح الاستناد إليه انما هي
قاعدة الميسور لكنها أيضا غير سالمة من الخدشة إذ قد عرفت مرارا انه يشترط في اجراء القاعدة كون المأتى به من مراتب المأمور به بان يكون
عين تلك الماهية بنحو من المسامحة العرفية بان لا يكون الفائت من الأركان التي يتقوم بها الماهية عند العرف ولا يبعد دعوى ان الخليطين
بنظر العرف من الأركان بل لا يبعد دعوى قضائهم ولو بواسطة المناسبات المغروسة في أذهانهم كون استعمالهما متأصلا بالطلب ولذا لم
نستبعد شهادتهم بوجوب طرح الخليطين في الماء الذي لم يكف الا لغسل واحد فالانصاف ان القول الأول أوفق بالقواعد ولكن مع ذلك
فيه تردد ولو لأجل ما ورد في حكم المحرم من أنه كالمحل في الغسل وغيره الا انه لا يقربه الكافور فان مقتضاه وجوب تغسيل المحرم بالماء القراح بدلا
من ماء الكافور فلا يبعد دعوى القطع بعدم الفرق بين التعذر الشرعي والعقلي ولذا استدل بعضهم لوجوب الأغسال الثلاثة بذلك معللا
بان المتعذر عقلا كالمتعذر شرعا لكن ناقش فيه شيخنا المرتضى [ره] بان المتعذر شرعا كالمتعذر عقلا دون العكس مع أن الحكم الثابت في مورد
خاص لتعذر شرعي لا يسرى إلى التعذر العقلي انتهى ويتوجه على ما ذكره من منع كون المتعذر العقلي كالشرعي ان حكمهم بان التعذر الشرعي كالعقلي ليس
حكما تعبديا مأخوذا من اية أو رواية حتى يتكلم في مقدار دلالة الدليل بل هو بيان قاعدة عقلية وهى انه إذا كان العذر علة لثبوت حكم فلا فرق
بين ان يكون العذر عذرا واقعيا حقيقيا أو عذرا ناشئا من امر شرعي ومن المعلوم انه لو ثبت حكم للمتعذر شرعا من حيث كونه متعذر الثبت ذلك
الحكم للمتعذر عقلا بالأولوية القطعية العقلية نعم يتوجه على الاستدلال ما ذكره أخيرا من احتمال مدخلية خصوصية المورد في الحكم لكن الانصاف
ضعف هذا الاحتمال في الغاية فالقول بالأغسال الثلاثة لو لم نقل بأنه أقوى فلا ريب في أنه أحوط هذا كله من حيث الحكم التكليفي واما الحكم بطهارة
بدنه وسقوط الغسل بمسه فهو مخالف للأصل بل قضية الاستصحاب بقاء ما كان ما لم يعلم المزيل فقبل تحقق الأغسال الثلة محكوم نجاسة بدنه
ووجوب الغسل بمسه واما بعدها فهل يحكم بطهارة البدن وسقوط غسل المس وجهان بل قولان أظهرهما ذلك إذ لا شبهة نصا واجماعا في أن فقد
الخليطين ليس رافعا للتكليف بغسل الميت فالمأتي به هو ميسور مطلق غسله من غير فرق بين ان نقول بكفاية غسل واحد وعدمها إذ لا يوجب ذلك
التشكيك في كون المأتى به ميسور المتعذر وقد تقرر في مسألة أولى الاعذار في باب الوضوء انه يترتب على العمل الناقص الذي أوجب الاضطرار
صحته جميع اثار ذلك العمل على تقدير كونه تاما نعم لو قلنا بان كل غسل عمل مستقل له اثر خاص يحصل به مرتبة من الطهارة مطلوبة لذاتها وان
حصلت الطهارة المطلقة بتحقق مجموع تلك المراتب لكن لا يرتبط بعضها ببعض بحيث يكون المأتى به ميسور الجميع بل المأتى به هو الغسل بالماء
القراح الذي كان واجبا حال التمكن لذاته واما الغسلان الأخيران فأسقطهما التعذر لاتجه القول بعدم الرفع لكن يتوجه عليه انه بعد فرض
طهورية كل من الغسلين لا مجال للتشكيك في كون مطلق الغسل بالماء ميسورهما فلا يسقط بالمعسور لان السبب الأعظم الذي يستند إليه
الطهورية بنظر المتشرعة ويدل عليه اخبارهم انما هو الماء الذي يتقوم بمطلقة مهية الغسل وخصوصياته المعتبرة ككونه بماء السدر أو الكافور
بمنزلة الأوصاف الغير المقومة ولذا نقول في المسألة الآتية وهى ما لو تعذر تغسيل الميت رأسا ان المتجه على هذا التقدير هو التيمم بدلا من كل غسل
مع أن التيمم لا يكون بدلا منه الا من حيث كونه غسلا لا من حيث كونه بماء السدر والكافور فلا يشرع الا عند تعذر مطلق الغسل فليتأمل
وكيف كان فالأظهر ان فوات الخليطين ليس موجبا لسقوط التكليف بغسل الميت الذي هو طهور له فالمأتي به هو ميسور المكلف به يترتب عليه اثر التام
وبذلك ظهر لك وجه اخر للقول بعدم سقوط الغسل بفوات ما يطرح فيه فإنه يجب تطهير الميت عن النجاسة فإذا توقف القطع بالطهارة
384

على الأغسال وحيث مقدمة لها وان لم نقل بوجوبها لذاتها من حيث الحكم التكليفي والله العالم ولو تجددت القدرة على الخليطين بعد الفراع
من غسله هل يجب إعادة ما لم يتوقف على محرم كنبش القبر ونحوه ان قلنا بحرمته في مثل الفرض وجهان مبنيان على ما تقدم في مسألة أولى
الاعذار في باب الوضوء وقد عرفت ان الأقوى عدم الإعادة والله العالم ولو خيف من تغسيله ولو بان بصب عليه الماء صبا كما في بعض الروايات
تناثر جلده كالمحترق والمجدور تيمم بالتراب بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى ذلك رواية عمرو بن
خالد بن زيد بن علي عن ابائه عن علي (ع) قال إن قوما اتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله مات صاحب لنا وهو مجدور فان غسلناه انسلخ
فقال تيمموه والمناقشة في سندها بعد تعبير الأصحاب بمتنها في فتاويهم الظاهر في اعتمادهم عليها ضعيفة ويدل عليه أيضا عموم بدلية التراب
من الماء وانه أحد الطهورين ولا مجال للخدشة فيها بعدم شمولها للمقام لاشتراك غير الماء معه في الطهورية بعد ما ورد في جملة من الاخبار
من أنه انما يغسل الميت لصيرورته جنبا بالموت وان غسله انما هو غسل الجنابة لأنه [ح] بمنزلة ما لو بين الشارع للجنابة سببا اخر غير السببين
المعهودين فلا يشك [ح] في قيام التيمم مقام غسلها حال الضرورة بمقتضى عموم ما دل على أنه أحد الطهورين وحيث علم أن غسله ليس الا
غسل الجنابة يعلم أن اعتبار التعدد وتشريك عبر الماء معه في طهوريته انما هو لخصوصية المورد كما لو امر من كان في بدنه وسخ مانع من وصول
الماء بإزالته بالدلك بحجر ونحوه قبل الغسل وانه لا يصح غسله الا بذلك فان اعتبار هذا الشرط في صحة غسله لا يمنع من شمول عموم البدلية
له نعم لو أوجب الشارع تغسيل الميت تعبدا لامن حيث كونه رافعا لحدثه الذي بين انه حدث الجنابة لاتجه ما ذكر لكنه خلاف ما يدل عليه
المعتبرة المستفيضة هذا مضافا إلى اعتضاد شمول التدلية لمثل المقام بفتوى الأصحاب بل اجماعهم وبهذا ظهر لك ان المتجه كفاية تيمم
واحد بدلا من غسل الميت الذي هو طهور له فان مجموع الأغسال مع ما فيها من الخصوصيات مقتضى تلك الأخبار بمنزلة غسل واحد صادر
من الحي الجنب في الأثر فيكون المجموع مؤثرا واحدا ويكون خصوصية التعدد واستعمال السدر والكافور من خصوصيات المورد فالأقوى
كفاية تيمم واحد ولعله هو المشهور بين من تعرض له بل ربما استشعر عن بعض دعوى الاجماع عليه نعم عن التذكرة وجامع المقاصد وجوب
الشك ولا ريب في أنه أحوط وان كان الأقوى خلافه اللهم الا ان يلتزم بان كل غسل طهور مستقل وانما تحصل الطهارة المطلقة بفعل الجميع
فالمتجه [ح] وجوب الثلث لكن المبنى خلاف ما يظهر من الاخبار التي تقدمت الإشارة إليها وكيف كان فلا اشكال في أصل الحكم لكن في المدارك
بعد ان ضعف سند رواية عمرو بن خالد المتقدمة قال فان كانت المسألة اجماعية على وجه لا يجوز مخالفته فلا بحث والا أمكن التوقف في ذلك
لان ايجاب التيمم زيادة تكليف والأصل عدمه خصوصا ان قلنا إن الغسل إزالة نجاسته كما يقوله المرتضى وربما ظهر من بعض الروايات عدم
الوجوب أيضا كصحيحة عند الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (ع) في الجنب في المحدث والميت إذا حضرت الصلاة ولم يكن معهم من الماء الا بقدر ما يكفي
أحدهم قال يغتسل الجنب ويدفن الميت ويتمم الذي هو على غير وضوء لان الغسل من الجنابة فريضة وغسل الميت سنة والتيمم للاخر جايز ومع
ذلك فالعمل على المشهور انتهى وفيه ان الأصل قد انقطع بما عرفت واما الصحيحة فهي على ما نبه عليه في الحدائق مشتملة على السقط حيث بين ان
راوي هذه الرواية عبد الرحمن بن أبي نجران لا عبد الرحمن بن الحجاج وما وصفها من صحة السند فإن كان نقله لها من تهذيب فمنها فبه على ما ذكره
لكن سندها غير صحيح لاشتماله على الضعف والارسال وان كان من به فهي صحيحة الا ان منتها فيه ليس كما ذكره بل الذي فيه ويدفن الميت بتيمم و
تيمم الذي هو على غير وضوء [الخ] أقول و [ح] يقوى في الظن وقوع السقط من النساخ في ما في التهذيب فالصحيحة أيضا معاضدة للمطلوب لا معارضة
ثم لا يخفى عليك ان قضية الأدلة المتقدمة انما هي بدلية التيمم من الغسل من حيث هو غسل وقضية ترتب اثار الغسل عليه حال الضرورة كتيمم
الحي فالقول ببقاء نجاسته وعدم سقوط الغسل بمسه ضعيف اللهم الا ان يمنع كونها من اثار الغسل من حيث هو غسل وهو كما ترى فالمتجه
ترتب جميع الآثار عليه حتى طهارة البدن ما دامت الضرورة كما هو الشان في مطلق التيمم فإذا تجددت القدرة على تغسيله من دون ان يترتب
عليه محذور غسل والله العالم * (ثم) * ان مقتضى اطلاق المتن من أنه تيمم كما تيمم الحي العاجز بل وغيره أيضا مما اطلق فيه ذكر التيمم انما هو مراعاة مرتبة
العجز فان كانت يداه متمكنة بان تيسر ضربهما على الأرض ومسحهما على جبهة وظاهر الكفين فليأت به كذلك والا فيتولاه المباشر كما في الحي العاجز
الذي لا قابلية له بان يتولى شيئا ولو بمعين لكن في الجواهر عن بعض الأصحاب التصريح بتعين الثاني فيضرب المباشر يديه على الأرض مطلقا
لأيدي الميت على تقدير الامكان بل في طهارة شيخنا المرتضى ان هذا هو المعروف في كيفية تيممه * (أقول) * ولا يبعد جرى كلماتهم مجرى الغالب والا
فالالتزام به مع تيسر ايجاده بيدي الميت لا يخلو من اشكال والاحتياط بالجمع بين الامرين في مثل الفرض مما لا ينبغي بل لا يجوز تركه والله العالم
وسنن الغسل ان يوضع الميت على ساحة أو سرير بلا خلاف كما عن المنتهى بل مطلق ما يرفعه عن الأرض كما عن الغنية مدعيا عليه الاجماع وكفى به
دليلا للاستحباب بناء على المسامحة وربما علله بعض بحفظ البدن عن التلطح والله العالم وان يوضع مستقبل القبلة كما عن أكثر الأصحاب
بل عن المشهور وليكن على هيئة المحتضر بلا خلاف فيه ظاهر للامر به مع بيان كيفيته في غير واحد من الاخبار كرواية الكاهلي ومرسلة يونس
385

المتقدمتين وحسنة سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة وكذلك إذا غسل يحفر له
موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه إلى القبلة وعن ظاهر بعض القدماء وصريح غير واحد من المتأخرين
وجوبه الظاهر الامر في الأخبار المستفيضة وفيه مع وهن ظهورها في الوجوب كما أشرنا إليه مرارا انه يرفع اليد عنه الصحيحة يعقوب بن يقطين
التي هي كالصريح في عدم الوجوب قال سئلت أبا الحسن الرضا (ع) عن الميت كيف يوضع على المغتسل موجها وجهه نحو القبلة أو يوضع على يمينه
ووجهه نحو القبلة قال يوضع كيف تيسر فان ظهر وضع كما يوضع في قبره وهى في غاية الظهور في إرادة عدم وجوب وضعه على كيفية خاصة
بل يراعى فيه ما تيسر ولا ينافيه استحباب الاستقبال لامكان ان يكون مراعاة المتيسر أيضا مستحبا اخر مثل الاستقبال أو أهم منه أو يكون
المقصود بالجواب دفع توهم الوجوب كما يظهر من السؤال والمناقشة فيها بان مفادها ليس الا نفى وجوب المتعسر وهو كذلك قطعا واضحة
الفساد ضرورة امكان كون الاستقبال إلى القبلة أحد افراد المتيسر ولم يأمر به بالخصوص مع الامكان مضافا إلى ظهور الجواب في كونه
اضرابا عما توهمه السائل من وجوب أحد الامرين على سبيل الترديد ومورد توهم الوجوب ليس الا صورة التيسر لا التعسر الرافع للتكليف
والمنساق من قوله كيف تيسر ليس الا التيسر العرفي لا ما يقابل التعسر الرافع للتكليف ويتلوها في الضعف المناقشة فيها بان المراد ايجاب
ما تيسر من هيئتي الاستقبال الواردتين في السؤال فان المنساق إلى الذهن عرفا من الجواب ولو بملاحظة إعادة الجملة الفعلية انما هو
إرادة التخيير في الوضع مطلقا لا التخيير بين الهيئتين المذكورتين في السؤال فالقول بالاستحباب قوى والاحتياط لا ينبغي تركه والله العالم
ويستحب ان يغسل تحت الظلال سقفا كان أو غيره كما يدل عليه خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (ع) ان أباه كان يستحب ان يجعل بين الميت
وبين السماء سترا يعنى إذا غسل وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبى الحسن (ع) قال سئلته عن الميت هل يغسل في الفضاء قال لا بأس وان ستر بستر
فهو أحب إلى بل ظاهر هذه الصحيحة استحباب كونه مستورا بستر يكون كخيمة ونحوها مما يستره من جميع الأطراف لا خصوص جهة العلو ولا يبعد
ان يكون الراد بالرواية الأولى أيضا ذلك إذ لا يختص اسم السماء بما يسامت جهة الفوق فتفسيره بالسقف ونحوه تفسير بالأعم والله العالم
وان يجعل الماء حفيرة واستدل له برواية سليمان بن خالد وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبل باطن قد ميسر
ووجهه إلى القبلة لكن الظاهر أن الرواية في مقام بيان الاستقبال والمراد بحفر الحفيرة انما هو حفرها عند رجل الميت كي يجرى إليها ماء الغسل
ولا يتلوث به بدن الميت لأنه يستحب صب الماء إلى حفيرة مطلقا ولو بعد الغسل كما يوهمه اطلاق كلمات الأصحاب والله العالم ويكره
ارساله في الكنيف المعد لقضاء الحاجة ويدل عليه صحيحة محمد بن الحسن الصفار انه كتب إلى أبى محمد (ع) هل يجوز ان يغسل الميت ومائه الذي
يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف فوقع (ع) يكون ذلك في بلاليع ولا يفهم من الامر بان يكون ذلك في بلاليع الا مرجوحية ما فرضه السائل فلا يفهم
منها أزيد من الكراهة وعن بعضهم التصريح بالحاق بالوعة البول بالكنيف ولا بأس به كما يدل عليه ما عنى الرضوي قال ولا يجوز ان يدخل
ما ينصب على الميت من غسله في كنيف ولكن يجوز ان يدخل في بلاليع لا يبال فيها أوفى حفيرة وظاهر انه لا بأس بالبالوعة وان اشتملت على النجاسة
كما هو الغالب فيها بل هذا هو الذي يقتضيه اطلاق ما حكى عن الذكرى في معقد اجماعه حيث قال اجمعنا على كراهية الماء في الكنيف دون البالوعة
ويستحب ان يفتق قميصه وينزع من تحته وعلله في المدارك وغيره بان اخراج القميص على هذا الوجه أسهل على الميت ولئلا تكون فيه نجاسة تلطخ
أعالي بدن الميت وعن جامع المقاصد انه لا كلام بين الأصحاب في استحباب نزع القميص من تحت الميت انتهى واستدل له في كشف اللثام وغيره بخبر
عبد الله بن سنان ثم يخرق القميص إذا فرغ من غسله وينزع من رجله وقيده في المسالك والمدارك وغيرهما بكونه باذن الوارث لحرمة التصرف
في مال الغير من دون اذنه وقد تأمل فيه في الجواهر بل قوى عدم اعتبار اذنه نظرا إلى اطلاق الرواية وفتاوى الأصحاب وفيه اشكال كما أن دلالة
الرواية على المدعى لا يخلو من تأمل فالاقتصار على ما لا كلام فيه بين الأصحاب على ما ادعاه في جامع المقاصد أحوط ثم إنه وقع الكلام في أنه
هل المستحب تغسيله عريانا مستور العورة كما عن صريح المعتبر وغيره بل عن المختلف وغيره انه المشهور عن المعتبر والتذكرة تعليله بان الثوب
ينجس بذلك ولا يظهر بصب الماء فينجس الميت والغاسل والمستحب تغسيله في قميصه كما عن ابن أبي
عقيل وظاهر الصدوق وبعض متأخري المتأخرين
لما في جملة من الاخبار كصحيحة ابن مسكان وان استطعت ان يكون عليه قميص تغسله من تحته وصحيحة ابن يقطين ولا يغسل الا في قميص يدخل
رجل يده ويصب عليه من فوقه وصحيحة سليمان بن خالد قال وان استطعت ان يكون عليه قميص فيغسل من تحت القميص وعن ابن أبي عقيل
انه قد تواترت الاخبار عنهم ان عليا (ع) غسل رسول الله صلى الله عليه وآله في قميصه ثلاث غسلات أو انه مخير بين الامرين كما عن ظاهر المحقق الثاني
أو صريحه كالخلاف جمعا بين هذه الأخبار وبين ما دل عليه عريانا مستور العورة كمرسل يونس عنهم (ع) فإن كان عليه قميص فأخرج يده من القميص
واجمع قميصه على عورته وارفعه من رجليه إلى ركبتيه وان لم يكن عليه قميص فالق على عورته خرقة والحسن عن الصادق (ع) قال إذا أردت غسل
الميت فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر عنك عورته اما قميصه واما غيره [الخ] وقد ظهر بما أسلفناه في مسألة تغسيل كل من الزوجين صاحبة
386

ضعف استدلال المذكور لمذهب المشهور بل ما تقدم من الاخبار في تلك المسألة تصلح مؤيدة للأخبار الواردة
في هذا الباب الظاهرة
في استحباب كونه في قميصه وقد يتخيل حسن الاستدلال للمشهور بمرسلة يونس لما فيها من الامر باخراج اليدين وجمع قميصه على عورته
لكنه لا يخلو من تأمل حيث إن المشهور لا يقولون بكون ما فوق الركبة من العورة حتى ينطبق المرسلة على مدعاهم فالانصاف ان رفع
اليد عن المعتبرة المستفيضة الظاهرة في الاستحباب المعتضدة بالاخبار السابقة مما لا وجه له واما هذه المرسلة فلا يبعد سوقها لبيان ما
هو الأسهل في التغسيل فلا تنافى استحباب تغسيله في قميصه من دون جمعه على عورته كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة وحمل تلك الأخبار على
إرادة جمعة على خصوص العورة كي تنطبق على المذهب المحكى عن المشهور بعيد جدا بل متعذر نعم لا يبعد ان يكون المقصود بالأصالة من الامر
بغسله من تحت القميص شدة التحفظ عن وقوع النظر على العورة فيمكن الجمع بينها وبين المرسلة على وجه ينطبق على مذهب المحقق الثاني لكنه
ليس بأولى من الجمع بينها بارجاع المرسلة إلى ما لا ينافيها بل هذا هو الأولى لقوة ظهور الأخبار السابقة
في استحباب ان يكون عليه قميص
حال الغسل لا لستر عورته كما لا يخفى على المتأمل فالقول باستحباب تغسيله في قميصه اظهر واظهر منه استحباب ان يستر عورته بالخصوص ما لم
يكن ناظر محترم بان كان من يباشر التغسيل مثلا أعمى أو واثقا من نفسه ترك النظر أو ممن يجوز له النظر كالزوجين ونحوهما والا فيجب للامر به
في جملة من الاخبار واما استحبابه عند عدم الناظر المحترم فيمكن استفادته من اهتمام الشارع بسترها وحسن الاستظهار خصوصا بالنظر
إلى ما عرفته في حكم الزوجين مع كونه أوفق بالاحتياط واحترام الميت والله العالم ويستحب أيضا تليين أصابعه برفق فان تعسر تركها
لقوله (ع) في خبر الكاهلي ثم تلقين مفاصله فان امتنعت عليك فدعها [الخ] وعن الفقه الرضوي وتلين مفاصله ما قدرت بالرفق وان كان
يصعب عليك فدعها ولا يعارضهما ما في بعض الأخبار من النهى عن أن يغمز لها مفصل كرواية طلحة بن زيد وغيرها إذ لا يبعد ان يكون المراد
بالغمز ما ينافي الرفق وعلى تقدير المعارضة فالأول أرجح لاشتهاره بين الأصحاب بل عن الخلاف دعوى الاجماع الفرقة وعملهم على استحباب
تليين الأصابع وعن المعتبر هو مذهب أهل البيت ويستحب ان يغسل رأسه برغوة السدر امام الغسل كما في مرسلة يونس التي تقدم الكلام
فيها مفصلا ويفهم من تلك المرسلة وغيرها من الروايات التي نقلناها في كيفية الغسل جملة من السنن التي تعرض المصنف لذكر بعضها
منها ان يغسل فرجه بالسدر والحرض قبل الغسل كما في خبر الكاهلي وفيه تثليث غسله والاكثار من الماء والامر بغسل فرجه بماء الكافور و
الحرض قبل الغسل بماء الكافور والامر بغسله بالماء القراح أيضا كذلك ومنها ان يغسل يداه ثلثا إلى نصف الذراع قبل الغسل كما في مرسلة
يونس ويقرب منها ما عن الفقه الرضوي وفى حسنة الحلبي ثم تبدء بكفيه ورأسه ثلاث مرات وان يبدء بشق رأسه الأيمن ويغسل كل عضو منه ثلث
مرات في كل غسلة ويمسح بطنه في الغسلتين الأوليين حتى يخرج من مخرجه ما خرج كما في موثقة عمار الا ان يكون الميت امرأة حاملا فإنه
ينصرف عنها الموثقة حيث لا يحسن بالنسبة إليها السعي في اخرج ما يخرج من مخرجه إذ لا يأمن معه الاجهاض المحرم بل ورد النهى عنه في أم انس بن
مالك عن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا توفيت المرأة فان أرادوا ان يغسلوها فليبتدوا ببطنها وتمسح مسحا رقيقا ان لم تكن حبلى وان كانت حبلى فلا تحركها
فالأظهر كراهته بالنسبة إليها بل لو خيف منه الاجهاض لا يبعد حرمته والله العالم ويستحب ان يكون الغاسل منه على الجانب الأيمن كما عن
جملة من الأصحاب التصريح به وعن الغنية دعوى الاجماع عليه وهو كاف في ثبوت استحبابه مسامحة وان كانت الاخبار خالية عنه وان يغسل
الغاسل يديه مع كل غسلة من الأوليين لما في مرسلة يونس من الامر بغسلهما إلى المرفقين بعد كل غسله من الأولتين بل وكذا يستحب بعد
الغسلة الأخيرة أيضا كما في صحيحة يعقوب بن يقطين وخبر عمار ثم ينشفه بثوب طاهر بعد الفراغ من الأغسال الثلاثة كما في خبر يونس
وغيره ولو أحطت بما في الاخبار لظفرت على غير ما ذكرناه من الآداب فراجع ويكره ان يجعل الغاسل الميت بين رجليه كما حكى عن الأكثر
بل في الجواهر لم نقف على من حكى عنه الخلاف واستدل له بخبر عمار ولا يجعله بين رجليه في غسله ولا يعارضه ما في خبر يونس بن سنان
لا بأس ان تجعل الميت بين رجليك وان تقوم فوقه فتغسله إذا قلبته يمينا وشمالا تضبطه برجليك لئلا يسقط لوجهه لعدم منافاته
الكراهة في غير مقام الحاجة بل ربما يستشم منه ذلك كما يساعد عليه الاعتبار حيث إن مراعاة مثل هذه الأمور بحسب الظاهر انما هي
لمراعاة الاحترام فإذا جعله بين رجليه بالداعي المذكور في الرواية لكان هذا هو الأولى من الوقوف على جانبه ويكره ان يقعده كما حكى
عن المعظم بل عن الخلاف دعوى اجماع الفرقة وعملهم عليه وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا ويدل عليه قوله (ع) في خبر الكاهلي وإياك ان
تقعده ولا يعارضه ما في صحيح الفضيل عن الصادق (ع) حيث سأله عن الميت فقال اقعده واغمز بطنه غمزا رقيقا [الخ] بعد اعراض الأصحاب عنه
وموافقته للعامة على ما حكى عن عامتهم وكذا يكره ان يقص شئ من أظفاره وان يرجل شعره أي تسريحه وجزه ونتفه كما عن المشهور بل عن
التذكرة والمعتبر دعوى الاجماع عليه وكذا عن الخلاف غير أنه ادعى الاجماع أولا على عدم الجواز كما عن المنتهى نسبته إلى علمائنا وعن المبسوط
والمقنعة التعبير بعدم الجواز لكن في طهارة شيخنا المرتضى كما يظهر من الجواهر ان الظاهر إرادة الجميع الكراهة نعم عن الوسيلة والجامع
387

التصريح بالحرمة وقربة على الحدائق واستدل للكراهة بخبر غياث عن أبي عبد الله (ع) قال كره أمير المؤمنين عليه السلام ان يحلق عانة الميت إذا غسل
أو يقلم له ظفر أو يجز له شعر ورواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال كره ان يقص من الميت ظفر أو يقص له شعر أو يحلق عانته أو يغمز له مفصل
وعلى ذلك يحمل النهى فيما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يمس من الميت شعر ولا ظفر وان سقط منه شئ فاجعله في كفنه
وفى خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يعلم ظفره قال لا يمس منه شئ اغسله وادفنه
وفى خبر أبي الجارود انه سئل أبا جعفر (ع) عن الرجل يتوفى أتقلم أظافيره وينتف إبطاه وتحلق عانته ان طالت به من المرض فقال لا لكن الانصاف
ان صرف هذه الأخبار عن ظاهرها مشكل ولفظ الكراهة الواقعة في الخبرين الأولين لا يصلح قرنية لذلك فإنها كثيرا ما تستعمل في الاخبار
في غير المعنى المصطلح بل يراد منها مالا ينافي الحرمة كما هو مقتضى حقيقتها عرفا ولغة ولذا قال شيخنا المرتضى والانصاف ان ليس للاخبار
صارف عن التحريم الا اعراض معظم الأصحاب عن ظاهرها فالاحتياط لا يترك البتة انتهى لكنك خبير بان رفع اليد عن ظاهر الخبر الموثوق
بصدوره مثل مرسلة ابن أبي عمير التي أجراها الأصحاب في القبول مجرى الصحيحة خصوصا هذه المرسلة التي اجمعوا ظاهرا على العمل بمضمونها بالنسبة
إلى فقرتها الأخيرة بمجرد اعراض المعظم لا يخلو عن من اشكال خصوصا بعد ما سمعت من الوسيلة والجامع وغيرهما التصريح بالحرمة ومن المنتهى
والخلاف والغنية دعوى الاجماع على عدم الجواز بل عن المنتهى أنه قال قال علمائنا لا يجوز قص شئ من شعر الميت ولا ظفره ولا يسرح لحيته ومتى
سقط شئ منه جعل في أكفانه انتهى فكيف يبقى مع ذلك الوثوق باعراض المعظم عن ظاهرها وما قيل من أن التأمل في كلمات مدعى الاجماع
يعطى ظهورها في عدم ارادته الا الكراهة ففيه ان غاية ما يفهم بالقرائن انما هو إرادة مدعى الاجماع ذلك وفهمه إياها من كلماتهم
ولا يحصل بذلك الوثوق بكونها مرادة للجمعين المعتبرين بعدم الجواز وقد سمعت من المنتهى أنه قال
قال علمائنا انه لا يجوز [الخ] وظاهره
كونه نقلا لعبارة العلماء بلفظها أو بمعناها فكيف يحصل الوثوق [ح] باعراض المعظم كي يمكن طرح الرواية أو تأويلها مع ما فيه من الاشكال
فالقول بالحرمة مع أنه أحوط لا يخلو عن من قوة كما يؤيده ما حكى عليه الاجماع مستفيضا من أنه لو سقط من الميت شئ بنفسه أو بمسقط جعل في
كفنه دفن وعن بعضهم التصريح في معقد اجماعه بوجوب تغسيله أيضا وعن بعضهم الاقتصار على ذكر دفنه معه ويدل عليه مضافا إلى ذلك
مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة فيستكشف من ذلك ان هذه الاجزاء من الميت كساير أعضائه فيستبعد اذن الشارع في فصلها عن بدنه وكيف
كان فمقتضى اطلاق النصوص والفتاوى بل صريح بعضهما عدم الفرق بين كون الأظفار طويلة أو قصيرة كما أن مقتضى اطلاقهما عدم الفرق
بين ما لو كان الوسخ تحتها أولم يكن كما عن المنتهى التصريح به بل عن الشيخ دعوى الاجماع على عدم جواز تنظيفها عن الوسخ بالخلال وفى رواية الكاهلي
ولا تخلل أظفاره ومع ذلك حكى عن التذكرة انه ينبغي اخراج الوسخ من بين أظفاره بعود لين وان شد عليه قطنا كان أولى ودفعه في محكى الذكرى
باجماع الشيخ ورواية الكاهلي وقد يوجه كلامه بحمله على ما إذا كان على وجه يمنع من حصول الغسل الواجب ولا شبهة في انصراف النص والاجماع
عن مثل الفرض فليتأمل وكذا يكره ان يغسل مخالفا فان اضطر غسله غسل أهل الخلاف كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا ويكره أيضا يغتسل
الميت بماء أسخن بالنار بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا ويدل عليه ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لا يسخن الماء للميت وما
رواه عبد الله بن المغيرة عن الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام قالا لا يقرب الميت ماء حميما وما رواه يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع)
قال لا يسخن للميت الماء لا يعجل له النار ولا يحنط بمسك وعن الصدوق أنه قال قال أبو جعفر (ع) لا يسخن الماء للميت قال وروى في حديث اخر الا
ان يكون شتاء باردا فتوقى الميت مما توقى منه نفسك ويقرب منه ما عن الرضوي وهذا هو المستند لاستثناء جماعة صورة البرد الشديد و
ظاهره مراعاة جانب الميت الا انه حكى عن الشيخ أنه قال لو خشي الغاسل من البرد انتفت الكراهة وربما فسرت الرواية بما يوافقه كما ليس بالبعيد
عن ظاهرها كما لا يخفى على المتأمل ثم إن المراد بالماء المسخن في هذه الروايات بحسب الظاهر هو المسخن بالنار كما فهمه الأصحاب لا لمجرد دعوى
انصرافه إليه بل لكونه بحسب الظاهر معهودا لدى العامة فلا ينصرف الذهن الا إليه مع أن اسخان الماء بالشمس لأجل تغسيل الميت المبنى امره
على التعجيل لا يكاد يتفق في الخارج كي يكون مقصودا بالنهي هذا مع أن في رواية يعقوب المتقدمة اشعارا بذلك والله العالم ويكره أيضا
الدخنة بالعود وغيره كما عن المشهور خلافا للجمهور فاستحبوها وعن الباقر (ع) لا تقربوا موتاكم النار يعنى الدخنة على ما فسر وعن الصادق (ع)
قال قال أمير المؤمنين (ع) لا تجمروا الأكفان ولا تمسوا موتاكم بالطيب الا بالكافور فان الميت بمنزلة المحرم * (الثالث) * من الأحكام المتعلقة
بالأموات في تكفينه وهو كتغسيله وغيره من أحكامها التي عرفت انها واجب كفاية على عامة المكلفين لكن الواجب انما هو ستره في الكفن لا بد له
وان كان مستحبا مؤكدا ففي صحيحة معاوية بن ظريف من كفن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيمة ولا يتوقف صحته على قصد القربة وان توقف
استحقاق الاجر عليه حيث لا استحقاق الا مع الإطاعة الا مع القصد ويدل عليه مضافا إلى أن الأصل في الواجبات التوصلية
كما عرفت تحقيقه في نية الوضوء شهادة العرف بل الشرع أيضا كمالا يخفى على من نظر في اخبار الباب بعدم تعلق الغرض الباعث على الطلب الا حصول
388

الفعل في الخارج ولو من دون قصد فما عن بعض متأخري المتأخرين من توقف صحة التكفين على النية فلو وقع من دونها وجب اعادته لأنه من
التعبديات التي لا يعلم بحصول الغرض منها بمجرد الوجود الخارجي ضعيف جدا ولا يبعد ان يكون متفردا بقوله وما ابعد ما بينه وبين ما حكى
عن بعض من القول بحصول الثواب مع عدم النية ما لو ينو عدمها لظواهر الأخبار الدالة عليه بل نسب إلى الأردبيلي القول به ولو مع
نية العدم وقد أشرنا إلى ضعفه بما أومأنا إليه من توقف استحقاق الثواب عقلا على الإطاعة التي لا تتحقق الا بالقصد اللهم الا ان يوجه
ذلك بإرادة التفضل من الثواب لاجزاء العمل فيمكن الالتزام به بعد مساعدة الدليل بان يقال إنه يفهم من الأدلة انه هذا العمل بنفسه
كإغاثة الملهوف ونحوها من الأمور التي لها اثار ذاتية يحدث بها صفة كما في الانسان فيتقرب بها إلى الله جل جلاله بخاصية العمل
ويستحق بكماله الفوز إلى الدرجات الرفيعة كما أنه ربما نلتزم بذلك بالنسبة إلى جملة من الاعمال الحسنة المؤثرة من حيث هي في تهذيب النفس
وكمالها والله العالم ويجب لدى الاختيار ان يكفن الميت في ثلاثة اقطاع لا أقل بلا خلاف على الظاهر عدا ما حكى عن سلار فاجتزى بثوب
واحد وهو ضعيف محجوج بمخالفته للاجماع المحكى عن الخلاف والغنية وغيرهما بل في الجواهر دعوى استفاضة نقل الاجماع على خلافه أو
تواتره والأخبار المستفيضة بل المتواترة ففي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال الميت يكفن في ثلاثة أثواب سوى العمامة
والخرقة يشد بها وركيه لكيلا يبدو منها بشئ والعمامة والخرقة لابد منها وليستا من الكفن وموثقة سماعة قال سئلته عما يكفن به الميت
قال ثلاثة أثواب وانما كفن رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وثوب حبرة والصحارية تكون باليمامة وكفن أبو جعفر (ع) في ثلاثة أثواب
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي ستمر جملة منها عليك الواردة في كيفية التكفين وبيان عدد قطعات الكفن الدالة على اعتبار ثلاثة
أثواب وما زاد بتقريب انه لا يجوز الاقتصار على الأقل مما اشتمل عليه مثل هذه الأخبار البيانية الا بدليل يدل على عدم كون بعض ما فيه
مثلا من الأركان وليس في شئ منها اشعار بجواز الاجتزاء بما دون الثلاثة عدا صحيحة زرارة المروية عن بعض نسخ التهذيب قال قلت لأبي
جعفر (ع) العمامة للميت من الكفن قال لا انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يوارى فيه جسده كله فما زاد فهو سنة إلى أن
يبلغ خمسة فما زاد فمبتدع والعمامة سنة وقيل إن هذه الصحيحة مع الأصل هي مستند سلار وفيه ان الأصل منقطع بالدليل واما الصحيحة فهي غير
ناهضة للاستدلال لما فيها من الاشكال والاجمال واضطراب المتن حيث رواها الكليني عن زرارة ومحمد بن مسلم مثل ما في التهذيب الا أنه قال
انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تام وعلى هذا يكون من قبيل عطف الخاص على العام بقرنية غيرها من الأدلة فيكون دليلا للمشهور
وعن حبل المتين ان بعض نسخ التهذيب أيضا كما في الكافي فيحتمل زيادة همزه أو في النسخة المشتملة عليها بتصرف النساخ كما يؤيدها ما ستعرفه
من الاشكال وحكى عن أكثر نسخ التهذيب روايتها بحذف الثوب انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام ويظهر من الحدائق ان هذا هو الموافق
لأصل نسخة التهذيب المكتوبة بخط الشيخ وحيث استظهر سقوط لفظ الثوب من قلم الشيخ وكيف كان فلا وثوق بصحة النسخة المشتملة
على لفظة أو هذا مع ما فيه من الاشكال فان ظاهرها التخيير في الفرض الذي جعله قسيما للسنة بين الأقل والأكثر لا مع المغايرة بينهما بوجه
كما في القصر والاتمام نعم لو أمكن الالتزام بجواز التكفين بثلثه أثواب ناقصة يحصل مواراة جسد الميت بمجموعها من حيث المجموع من دون ان
يعتبر في أحدها كونه شاملا لجميع البدن لأمكن الالتزام بالتخيير لكنه على الظاهر مما لا يقول به أحد فلينزل الرواية على تقدير ثبوتها اما
على إرادة حالتي الاختيار والاضطرار كما ليس بالبعيد أو يلتزم بخروجها مخرج التقية وان لا يخلو عن بعد كما لا يخفى على المتأمل وكيف كان
فهذه الرواية لو لم تكن دليلا للمشهور فلا تكون دليلا عليهم ثم إن الاقطاع الثلاثة الواجبة في الكفن على المشهور ما كانت بصورة مئزر
بكسر الميم ثم الهمزة الساكنة ويطلق عليه في العرف واللغة الإزار كما هو الشايع في النصوص على ما يشهد به الاستقراء في اخبار الباب وما ورد
في باب الاحرام وفى أحكام الحائض وآداب الحمام إلى غير ذلك من مواقع استعمالاته وربما حد والميزر كما عن الروض والروضة بما يستر ما بين
السرة والركبة وعن جامع المقاصد ما يسترهما وعن المقنعة والمراسم ما يستر من السرة إلى حيث يبلغ من ساقيه وعن المصباح من سرته إلى
حيث بلغ الميزر وعن الروضة احتمال كفاية ما يستر العورة لأنه شرع لسترها بالأصل وفيه مالا يخفى من الضعف والأولى احالته على العرف و
الاجتزاء بما يتحقق به مسماه عرفا بحيث لا يكون استعماله مثلا في الحمام ونحوه خلاف المتعارف الذي ينصرف عنه الاطلاق وقميص وقد حدده غير واحد
بما يصل إلى نصف الساق ولعله لتعارفه في ذلك الزمان فعليه ينزل اطلاق الاخبار ولا ريب في أنه أحوط وان كان المتجه كفاية مسماه الذي يتحقق على
الظاهر بما لا يبلغه وازار والمراد منه في المقام هو الثوب الشامل لجميع البدن طولا وعرضا وهل يجب زيادة شئ ليمكن معه عقد طرفيه طولا وينطبق
أحد جانبيه على الاخر عرضا كما عن بعض معللا بعد تبادر غيره من الاخبار أم لا يجب بل يكفي مطلق ما يشمل البدن ولو بالخياطة ونحوها وجهان أحوطهما
الأول وأظهرهما الثاني فان التبادر المدعى في المقام منشأه غلته الوجود ثم إن اطلاق الإزار على مثل هذا الثوب هل هو حقيقة كاطلاقه على
المئزر أم يجاز فيه تردد ربما يقوى الأول مضافا إلى اطلاق الفقهاء ما حكاه في مجمع البحرين عن بعض أهل اللغة من تفسيره بالثوب الشامل
389

لجميع البدن لكن قد يغلب على الظن كونه حقيقة في الثوب الشامل الذي تستتر به المرأة لا مطلقا فلا يبعد ان يكون اطلاق الفقهاء مأخوذا
منه وأن يكون تفسير البعض تفسيرا بالأعم كما أنه يحتمل قويا كون استعماله في ازار المرأة أيضا في الأصل للمناسبة بينه وبين المعنى الأول من
حيث كون المرأة عورة فليتأمل وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في جواز الاجتزاء بما وصفناه في اجزاء الكفن الواجب بل لا خلاف فيه على الظاهر
كما يظهر من غير واحد الا من صاحب المدارك وبعض من تبعه فظنوا عدم جواز الاجتزاء بالميزر ووجوب التكفين بثوبين شاملين وقميص أو
بثلاثة أثواب شاملات مخيرا بينهما مدعيا استفادته من الاخبار ونسبة إلى ابن الجنيد والصدوق قال في المدارك بعد نقل جملة من الاخبار
التي سيأتي نقلها اما الميزر فقد ذكره الشيخان واتباعهما وجعلوه أحد الأثواب الثلاثة المفروضة ولم أقف في الروايات على ما يعطى ذلك بل
استفاد منها اعتبار القميص والثوبين الشاملين للجسد أو الأثواب الثلاثة وبمضمونها أفتى ابن الجنيد في كتابه فقال لا بأس ان يكون الكفن
لمثه أثواب يدرج فيها ادراجا أو ثوبين وقميصه له قريب منه عبارة الصدوق فيمن لا يحضره الفقيه فإنه قال الكفن المفروض ثلاثة قميص وازار
ولفافة سوى العمامة والخرقة فلا تعد من أن الكفن وذكر قبل ذلك ان المغسل للميت قبل ان يلبسه القميص يأخذ شيئا من القطن وينثر عليه ذريرة
ويجعل شيئا من القطن على قبله ويضم على رجليه جميعا ويشد فخذيه إلى وركيه بالمئزر شدا جيدا لئلا يخرج منه شئ ومقتضاه ان المئزر عبارة
عن الخرقة المشقوقة التي يشد بها الفخذان والمسألة قوية الاشكال ولا ريب ان الاقتصار على القميص واللفافتين أو الأثواب الثلاثة الشاملة
للجسد مع العمامة والخرقة التي يشد بها الفخذان أولى انتهى وعن الأمين الأسترآبادي انه تبع صاحب المدارك الذي هو أستاذه كما في الحدائق
في القول وبالغ في الطعن على المشهور حتى أنه نسبه إلى جمع من المتأخرين غفلة عن انه قول جل الأصحاب قديما وحديثا لولا كلهم وقال
فيما حكاه عنه صاحب الحدائق وقد وقع من جمع من المتأخرين سهو عظيم حيث زعموا ان من جملة الكفن الواجب المئزر وفسروه بثوب يكون
من السرة إلى الركبة مع أنه لا دلالة في الأحاديث على ذلك انتهى ولقد أطال في الحدائق في ابطال هذه المقالة وأوضح ان الإزار الذي يفهم
اعتباره من جملة من الاخبار ليس الا ما عبر عنه الأصحاب بالمئزر وقد تعرض لنقل جملة من عبائر القدماء كالمفيد والشيخ وابن أبي عقيل و
علي بن بابويه والصدوق الدالة على أن المئزر من اجزاء الكفن الواجب وان اختلفت عبائرهم حيث عبر عنه بعضهم بالمئزر واخر بالإزار والذي
أوقع صاحب المدارك في الوهم حيث ظن موافقة الصدوق لما اختاره تعبير الصدوق عنه بالإزار واطلاق المئزر في عبارته الأخيرة على الخرقة
التي تشد على العورة وكيف كان فالذي يتوجه على هذه المقالة أولا ان الرجوع في تشخيص ما يجزى في اجزاء مثل الكفن إلى ما هو المعهود لدى
المتشرعة مع شدة الاهتمام بأمره شرعا وعرفا ومجبولية الناس على مراعاة الاحتياط فيه مهما تيسر أوثق من الاستبداد بالرأي فيما يفهم من ظواهر
الاخبار لقضاء العادة بكون مثل الفرض مما تعاطاه المتشرعة خلفا عن سلف يدا بيد فلو ظن ظان ظهور الاخبار في خلاف ما بأيديهم مع كون المشهور
بين العلماء الذين وصلت الاخبار الينا بواسطتهم صحة عملهم لوجب الجزم بكونه لشبهة أو كون الاخبار عليلة أو ان المراد بها خلاف ظاهرها والا لم
يعدل الأصحاب عنها قطعا وثانيا ان جملة من الاخبار ناطقة بكون الثوب الذي يشد على الوسط الذي يسمى بالإزار والمئزر من اجزاء الكفن
الواجب منها صحيحة عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله (ع) كيف اصنع بالكفن قال تؤخذ خرقة فيشد بها على مقعدته ورجليه قلت فالإزار
قال لا انها لا تعد شيئا انما تصنع لتضم ما هناك لئلا يخرج منه شئ وما يصنع من القطن أفضل منها ثم يخرق القميص إذا غسل وينزع من رجليه
قال ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف وعمامة يعصب بها رأسه ويرد فضلها على رجليه في الوسائل هذا تصحيف والصحيح يرد فضلها على
وجهه ذكره صاحب المنتقى ويأتي ما يشهد له انتهى تقريب دلالة الرواية انه حيث إن الإمام (ع) امره بالخرقة المذكورة توهم الراوي كونها بمنزلة الإزار
المعهود المعذور من اجزاء الكفن لإفادتها فائدته أو توهم كونها بعينها هي الإزار فاستفهم عنها فكأنه قال فالإزار غير لازم أو قال فالإزار
هذه الخرقة فأنكر عليه الإمام (ع) وبين ان هذه الخرقة لا تعد من الكفن فليست بالإزار والمعدود من الكفن ومن المعلوم انه لاوقع لتوهم
الاجتزاء بها عن الإزار الا إذا كان المراد بالإزار ما يشد على الوسط ويتستر به العورة لا اللفافة الشاملة لجميع البدن واما قوله (ع) ثم الكفن
إلى اخره فهو مسوق لبيان بعض ما يختفي على السائل لا لبيان مهية الكفن ولذا لم يتعرض لذكر اللفافة المعلوم نصا واجماعا بل ضرورة كونها
من الكفن وترك ذكر الإزار أيضا كذلك مع أنه علم من نفس هذه الرواية فضلا عن غيرها اعتباره فحيث كان السائل يعرف اجزائه اجمالا
كما يدل عليه قوله فالإزار وكذا قول الإمام (ع) وما يصنع من القطن أفضل منها كان بيان الاجزاء مفصلا مستدركا وانما أراد عليه السلام
بيان بعض الأمور الخفية التي منها اعتبار قميص غير مزرور وعمامة بالكيفية المذكورة والله العالم و * (منها) * ماروا معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع)
قال يكفن الميت في خمسة أثواب قميص لا يزر عليه وازار وخرقة يعصب بها وسطه وبرد يلف فيه وعمامة يعمم بها ويلقى فضلها على صدره في الوسائل
رواه الشيخ باسناده عن سهل بن زياد مثله الا أنه قال ويلقى فضلها على وجهه والمراد بالإزار ليس الا المئزر لما عرفت من كونه حقيقة فيه وكونه
هو المعنى الشايع الذي يراد منه شرعا وعرفا وعلى تقدير كونه حقيقة فيما يلف على البدن أيضا فالمراد منه في المقام ليس الا الأول بقرنية ما
390

عرفته وستعرف كما يؤيده فهم الأصحاب مضافا إلى جعله في الرواية قسيما لما يلف فيه الميت فلو كان المراد به اللفافة لكان الأنسب ان
يقول بلفافتين إحديهما برد ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال يكفن الرجل في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة درع
ومنطق وخمار ولفافتين فان المراد بالمنطق بحسب الظاهر ليس الا المئزر وفى المدارك بعد ان فسره بما يشد به الوسط قال ولعل المراد
به هنا ما يشد به الثديان انتهى وفيه مالا يخفى من البعد نعم ربما يحتمل إرادة الخرقة التي يعصب بها وسطها ويضم بها فخذاها لكن يبعده
أولا عدم اختصاص هذه الخرقة بالمرأة فمقتضى ارادتها من المنطق كونها أحد الأثواب الثلاثة المشتركة بين الرجل والمرأة وهو خلاف
النص والاجماع وثانيا ان إرادة المئزر أوفق بمعناه الحقيقي بل لا يبعد عدم استعمال المنطق الا في معناه الحقيقي فإنه على ما نص عليه اللغويون
ثوب تلبسه المرأة ويظهر منهم كونه أشبه شئ بالمئزر قال في مجمع البحرين المنطق كمنبرها ما يشد به الوسط ومنه حديث الحائض امرها فاستشفرت
وتمنطقت واحزمت والمنطق أيضا شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل أعلاها على أسفلها إلى الركبة والأسفل إلى الأرض قال في
النهاية أول من اتخذ المنطق أم إسماعيل وبه سميت أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين لأنها كانت تطابق نطاقا فوق تطاق وقيل كان لها
نطاقان تلبس أحدهما وتحمل في الاخر الزاد إلى النبي صلى الله عليه وآله ومنه الحديث المرأة في درع ومنطق ومثله تكفن المرأة في منطق و؟؟ انتهى
عبارة المجمع أقول ولا يبعد ان يكون المراد بتمنطقت في حديث الحائض أيضا هذا المعنى وكيف كان فالمراد بالمنطق فيما نحن فيه على
الظاهر ليس الا هذا المعنى فالزايد الذي تختص به المرأة هو الخمار واحدى اللفافتين فليتأمل ومنها ما رواه يونس عنهم في
تخيط الميت وتكفينه قال ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليه الإزار ثم ابسط القميص عليه الحديث * (ومنها) * ما رواه عمار بن موسى عن أبي عبد الله (ع)
انه سئل عن الميت فذكر حديثا يقول فيه ثم تكفنه إلى أن قال ثم تبدء فتبسط اللفافة طولا ثم تذر عليها من الذريرة ثم الإزار طولا
حتى يعطى الصدر والرجلين الحديث فإنها صريحة في عدم إرادة الثوب الشامل للبدن من الإزار نعم في قوله (ع) ثم الإزار طولا اجمال لكن
لا ينافي الاستدلال كما هو ظاهر ويدل عليه أيضا ما رواه يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأول (ع) قال سمعته يقول انى كفنت أبى في ثوبين
شطويين كان يحرم فيهما وفى قميص من قمصه وفى عمامة كانت لعلي بن الحسين (ع) وفى برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم تساوى أربعمأة
دينار وما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال كان ثوبا رسول الله صلى الله عليه وآله الذان أحرم فيهما يمانين عبرى واظفار وفيهما
كفن وستعرف [انش] ان أحد ثوبي الاحرام الإزار الذي هو بمعنى المئزر لكن لقائل ان يقول لا ملازمة بين كون الإزار أحد ثوبي الاحرام
والاتزار به حال التكفين فمن الجائز كونه كبيرا صالحا لان يشمل جميع الجسد ويستعمل في الكفن كذلك الا انه يصلح مؤيدا لتعيين المراد بالإزار
في ساير الاخبار كما أن ساير الاخبار تصلح مبنية لكيفية استعماله في التكفين من كونه بهيئة الإزار لا اللفافة كما يؤيده ما في بعض الروايات
من أن الميت بمنزلة المحرم فالانصاف بعد ملاحظة مجموع الاخبار وفتاوى الأصحاب وعمل المتشرعة لا مجال للتشكيك في كون المئزر أحد الأثواب
الثلاثة وعلى تقدير الشك فالأصل عدم وجوب ستر ساير البدن بالثوب الذي عبر عنه بالإزار في الاخبار نعم لا يتعين بالأصل اعتبار خصوص
المئزر كما هو ظاهر وعمدة مستند صاحب المدارك ومن تبعه ما ورد في الأخبار المستفيضة من أنه يكفن الميت في ثلثه أثواب كموثقة سماعة المتقدمة
ومرسلة يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (ع) وأبى جعفر (ع) قال الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب والعمامة والخرقة سنة واما النساء ففريضة
خمسة أثواب وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال كتب أبى في وصيته ان أكفنه بثلاثة أبواب أحدها رداء حبرة كان يصلى فيه يوم الجمعة وثوب آخر
وقميص فقلت لأبي لم تكتب هذا فقال أخاف ان يغلبك الناس فان قالوا كفنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل قال وعممني بعد بعمامة وليس تعد العمامة
من الكفن انما يعد ما يلف به الجسد وصحيحة أبى مريم الأنصاري قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول كفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب برد احمر وحبرة وثوبين
أبيضين صحاريين وصحيحة زرارة المتقدمة التي اضطرب منتها قال في المدارك بعد نقل الأخبار المتقدمة
وبالجملة فالأخبار الواردة بالأثواب
الثلاثة مستفيضة ولا معارض لها فتعين العمل بها انتهى وفيه انه لا تنافي هذه الروايات كون أحد الأثواب الثلاثة المئزر فإنه يطلق عليه الثوب
لغة وعرفا وشرعا بل قد سمعت في صحيحة معاوية بن عمار ان رسول الله صلى الله عليه وآله كفن في ثوبي احرامه المعلوم كون أحدهما الإزار فيعرف من ذلك ان المراد
بالأثواب الثلاثة التي وردت في الأخبار المستفيضة من أن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن فيها كان أحدها الإزار فيكون ما دل على اعتبار الإزار مبينا
لما في هذه الأخبار من الاجمال ودعوى ان المتبادر من الأثواب كونه شاملة ممنوعة أشد المنع خصوصا مع عدم كون أغلب الاخبار مسوقا لبيان
تفصيل الثياب بل الظاهر أن أغلبها مسوقة لبيان عدم اعتبار الأزيد كما يزعمه العامة على ما يظهر من بعض الأخبار نعم بقرنية العهد وكذا
المناسبة الظاهرة يفهم اعتبار كونها شاملة في الجملة لا كون كل منها كذلك وليس في قوله (ع) في حسنة الحلبي وليس تعد العمامة من الكفن انما يعده
ما يلف به الجسد اشعار بذلك فضلا عن الدلالة فان الإزار أيضا يلف به الجسد نعم لو امر بلف الجسد في شئ يتبادر منه إرادة الشمول وهذا بخلاف
ما لو كان للكفن كيفية معهودة وقيل إن ما يلف به الجسد من الكفن فإنه لو كان الإزار من اجزائه الخارجي يفهم من هذه الرواية انه من اجزاء الكفن
391

وانه ليس كالعمامة فليس في شئ من الأخبار المتقدمة اشعار باعتبار كون الأثواب الثلاثة شاملة لجميع الجسد واما قوله (ع) في صحيحة زرارة ثلاثة أثواب
تام لا أقل منه يوارى فيه جسده كله على ما رواه في التهذيب فلا ينهض دليلا لاثبات مدعاه بعد ما عرفت ما فيه من التشويش وقوة احتمال
اشتماله على السقط مضافا إلى عدم صلاحيته جعل كلمة تام صفة للأثواب كي يصلح دليلا له نعم ربما يشهد له حسنة حمران بن أعين عن أبي
عبد الله (ع) قال قلت فالكفن قال يؤخذ خرقة ويشد بها سفله ويضم فخذيه بها لتضم ما هناك وما صنع من القطن أفضل ثم يكفن بقميص و
لفافة وبرد يجمع فيه الكفن فان المتبادر من اللفافة إرادة الثوب الشامل والبرد أيضا كذلك لكن لا يبعد ان يكون المراد باللفافة الإزار
فاطلاق اللفافة عليه باعتبار كونه يلف على معظم البدن كما يؤيد ارادته به قوله (ع) وبرد يجمع فيه الكفن فإنه يشعر بعدم كون اللفافة شاملة وعلى
تقدير تسليم ظهورها في إرادة الثوب الشامل فلا بد من تأويلها اما بتقييدها بالإزار وحمل البرد على الاستحباب كما سيأتي التكلم فيه أو طرحها
إذ لا يصلح مثل هذه الرواية المعارضة ما عرفت خصوصا بعد اعراض الأصحاب عنها نعم لو قيل بكون الاجتزاء بالإزار رخصة لا عزيمة بمعنى جواز الاتيان
بثوب شامل البدن بدلا منه لاتجه الجمع بينها وبين ما عرفت بحملها على أحد فردي الواجب لكنه خلاف ظاهر النصوص والفتاوى فالأظهر وجوب
الإزار معينا وعدم جواز الاجتزاء عنه بالثوب الشامل واما القميص فكونه أحد الأثواب الثلاثة مما لا شبهة فيه لوروده في جملة من الاخبار التي
تقدم بعضها وهل يتعين بالخصوص كما هو ظاهر المشهور بل عن الغنية والخلاف الاجماع عليه أم يجوز الاجتزاء عنه بثوب شامل كما هو خيرة المدارك
وفاقا للمحكى عن المعتبر وابن الجنيد وعن جملة من متأخري المتأخرين الميل إليه وجهان أحوطهما بل أظهرهما الأول لظهور جملة من الاخبار في كونه بالخصوص
من اجزاء الكفن كقوله (ع) في صحيحة عبد الله بن سنان ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف وفى ما رواه معاوية بن عمار قميص لا يزر عليه وفى حسنة حمران
ثم يكفن بقميص [الخ] إلى غير ذلك من الروايات المتقدمة ولا ينافيها الأخبار المستفيضة الواردة بالأثواب الثلاثة كما توهمه صاحب المدارك لكونها
بيانا لما في هذه الأخبار من الاجمال نعم ربما يستظهر التخيير من رواية محمد بن سهل عن أبيه قال سئلت أبا الحسن (ع) عن الثياب التي يصلى فيها الرجل
ويصوم أيكفن فيها قال أحب ذلك الكفن يعنى قميص قلت يدرج في ثلاثة أثواب قال لا بأس والقميص أحب إلى وارسل الصدوق عن أبي الحسن (ع) في الرجل
يموت أيكفن في ثلاثة أثواب بغير قميص قال لا بأس والقميص أحب إلى والظاهر أن هذه هي الرواية السابقة أرسلها الصدوق منقولة بالمعنى وكيف كان
ففي التعويل على ظاهر ها مع مخالفته للمشهور في الخروج من ظاهر المعتبرة المستفيضة اشكال هذا مع أنه لا وثوق بإرادة هذا الظاهر بل لا ظهور لها
عند التأمل في خلاف ما يفهم من غيرها فان القميص المسؤول عنه هو القميص الذي يصلى فيه الرجل وهذا هو القميص الذي أحب الإمام (ع) ان يكفن به
والقميص الذي يعتبره في الكفن كما هو المعمول المتعارف ليس بقميص حقيقة بل يصح سلب الاسم عنه وانما يطلق عليه القميص بأدنى مناسبة فنفى البأس
عن ادراجه في ثلاثة أثواب شاملة والا لكان مقتضى هذه الرواية جواز الاتيان بالثوب الشامل بدلا من المئزر أيضا فليتأمل ويجزى عند الضرورة
عقلا أو شرعا قطعة من القطعات الثلاث ولا يجوز تركها بلا اشكال بل لا خلاف على الظاهر بل عن التذكرة دعوى الاجماع عليه وما في الحدائق
من الاشكال في وجوب الاتيان بما يتسر من القطعات الثلث لعدم كونه الكفن الذي أوجبه الشارع حيث إن الواجب هو القطع الثلث والكل ينتفى
بانتفاء جزئه مما لا ينبغي الالتفات إليه ضرورة قضاء العرف والشرع في مثل المقام بان الميسور لا يسقط بالمعسور وان ما لا يدرك كله لا يترك كله
بل لا يبعد جريان القاعدتين بنظر العرف فيما لو لم يتمكن الا من بعض تلك القطع بحيث لم يدخل في مسميات شئ منها لكن يمكن ان يستر به عورة
الميت فإنه يجب على الظاهر في الفرض ستر عورته فإنه وان لم يصدق عليه شئ منها لكنه بعد معلومية شدة اعتناء الشرع والعرف بستر العورة
لا ينبغي المتأمل في كون المأتى به ميسور المئزر الذي لا يسقط بمعسوره نعم في كون ستر بعض البدن ميسور الإزار أو ميسور القميص بنظر العرف تأمل
وكيف كان يجب مراعاة القاعدتين في مثل المقام جزما ولا يخفى عليك ان قضية قاعدة الميسور مراعاة الأشمل فالأشمل عند الدوران فالإزار
مقدم على القميص والقميص على المئزر كما عن المحقق الثاني التصريح بذلك والله العالم ثم إنه حكى عن غير واحد من متأخري المتأخرين تبعا المحقق
الثاني التصريح بأنه يراعى في جنس هذه الأثواب التوسط باعتبار اللائق بحال الميت عرفا فلا يجب الاقتصار على أدون المراتب وان ماكس الوارث
أو كانوا صغارا وهو حسن لانصراف اطلاق الامر بالتكفين إلى المتعارف وكون الوارث قاصر أو مانعا لا يجدي في المنع من الوسط اللايق بحاله
بعد ان علم من الأدلة استحقاق الميت من ماله الكفن الذي لا يتبادر منه الا استحقاقه ما هو اللايق بحاله الذي لا يوجب مهانته في الانظار كما
يستحق المفلس من ماله اللباس اللايق بحاله ويؤيده ما يستفاد من الاخبار من رجحان إجارة الكفن وكونه زينة للميت وان الموتى يتباهون
بأكفانهم فما عن الأردبيلي من المناقشة في الحكم مع نزاع الورثة أو كونهم صغارا ضعيف إذ ليس للوارث مزاحمة الولي في تعيين الكفن الذي
جعله الله تعالى للميت وجعله أحق به من ورثته فيكون للولي الذي هو بمنزلة الميت تشخيص الكفن في ضمن أي فرد أحب ما لم يكن خلاف المتعارف الذي
ينصرف عنه الأدلة نعم لو اختار الولي الا دون فلا بحث عليه الجواز الاقتصار في امتثال المطلق على ما يتحقق به المسمى فالاقتصار عليه مع قصور
الورثة أو مزاحمتهم ما لم يوجب استحقار الميت ومهانته أحوط وهل يعتبر في كل ثوب من الأثواب الثلاثة ان لا يكون حاكيا كما عن الروض تبعا
392

لجامع المقاصد لأنه المتبادر من اطلاق الثوب مع اعتضاده بما ادعى عليه الاجماع من اشتراط كون ما يكفن به مما يصلى فيه أو يكفي ستره بالمجموع
لحصول غرض التكفين به أم لا يعتبر ذلك أيضا للأصل واطلاق الأدلة وجوه بل أقوال أحسنها أوسطها لعدم الدليل على الأول والتبادر غير مسلم
بحيث يعتنى به في رفع اليد عن الاطلاق والاجماع المدعى على تقدير تسليمه انما هو باعتبار جنس الكفن لا وصفه نعم لا ينبغي الارتياب في كون
ستر البدن ومواراة جسد الميت كله مقصود للشارع كما يدل عليه صحيحة زرارة وغيرها ويؤيدها الاعتبار فبهذا يظهر لك ضعف القول
الثالث مضافا إلى شذوذه حيث لم ينقل الا من بعض متأخري المتأخرين والله العالم ولا يجوز التكفين بالمغصوب قطعا لحرمة التصرف فيه
بل لو كفن به للمالك انتزاعه ولو بعد دفنه لان الناس مسلطون على أموالهم ولا يعارضه حرمة نبش القبور التقدم قاعدة السلطنة على مثل هذه العمومات
مضافا إلى قصور ما دل على الحرمة عن شمول مثل الفرض كما لا يخفى على المتأمل خصوصا لو كان الغصب بفعل الميت بان كان الكفن من مخلفاته التي استولى
عليها عدوانا فان تخليصه عن مثل هذا الكفن الذي هو نار محيطة عليه في القبور ويوم النشور أولى من مراعاة احترامه الصوري الذي هو عمدة الحكمة
في تشريع حرمة النبش وكذا لا يجوز التكفين بالنجس بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن المعتبر والذكرى دعوى الاجماع على اشتراط طهارة الأكفان ويدل
عليه مضافا إلى ذلك فحوى ما دل على وجوب إزالة النجاسة الخارجة من الميت عن ثوبه وكفنه كما ستعرفه وقضية اطلاقه كاطلاق معقد اجماعي
المعتبر والذكرى عدم الفرق بين ما عفى عنه في الصلاة وعدمه كذا لا يجوز التكفين بالحرير المحض اجماعا على الظاهر المحكى عن جملة من العباير
كالمعتبر والتذكرة والذكرى وظاهرهم بل صريح المحكى عن الذكرى عدم الفرق في معقد اجماعهم بين الرجل والمرأة واستدل له بمضمرة حسن بن
راشد في الكافي وعن أبي الحسن الثالث مرسلا في الفقيه قال سئلته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز وقطن هل يصلح ان يكفن
فيه الموتى قال إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس وفيه ان مفهومه ثبوت البأس في الثوب الغير الخالص الذي لم يكن قطنه أكثر وهذا مما
لا يظن بأحد الالتزام به على اطلاقه بل يظهر منهم عدم الخلاف في جواز التكفين بغير الخالص الذي يجوز للرجل ان يصلى فيه واما الحرير الخالص
الذي لا يجوز للرجل ان يصلى فيه فهو خارج من الموضوع المفروض في القضية حتى يفهم ثبوت البأس بالنسبة إليه الا بفحوى الخطاب ويشكل الاعتماد
عليها بعد طرح الشرطية من حيث المفهوم لكن الانصاف ان الرواية مع ذلك لا تخلو من نحو ظهور في المدعى ولعل منشأه اشعارها بكون المنع
من الحرير المحض مفروغا منه وقد يستدل له أيضا بما في الأخبار المستفيضة من النهى عن التكفين بكسوة الكعبة مع الاذن في البيع وساير انحاء
التصرف فيها ففي رواية عبد الملك قال سئلت أبا الحسن (ع) عن رجل اشترى من كسوة الكعبة فقضى ببعضه حاجته وبقى بعضه في يده هل يصلح
بيعه قال يبيع ما أراد ويهب ما لم يرده ويستنفع به ويطلب ببركته قلت أيكفن به الميت قال لا بناء على أن علة النهي ليس لكونها حريرا إذا لولاه
لكان التكفين به راجحا لأجل التبرك وفيه مالا يخفى لعدم العلم بانحصار الوجه فيها إذ من الجايز ان يكون النهى عنه لاقتضاء التكفين به نجاسته
بعد الدفن المنافية لاحترامه واضعف منهما الاستدلال له بقاعدة الاحتياط فان المرجع في مثل المقام بعد الغض عن اطلاق الأدلة اللفظية هو
البراءة ولو على القول بثبوت الحقيقة الشرعية في الكفن واجمال معناه الشرعي لما تقرر في محله من أن المرجع عند الشك في الشرطية والجزئية
البراءة لا الاحتياط ويتلوه في الضعف الاستدلال للمنع في حق الرجال بالاستصحاب إذ بعد تسليم بقاء الموضوع والغض عن امكان دعوى ظهور
الأدلة في حرمة الحرير عليهم باتخاذهم إياه زينة لهم ما دام الحياة لا بعد الموت يتوجه عليه انه لا مجال للاستصحاب مع اطلاق الاخبار الامرة بثلاثة
أثواب ونحوها اللهم الا ان يدعى عدم كون المطلقات مسوقة لبيان جنس الكفن فليتأمل نعم يؤيده ما عن الفقه الرضوي لا تكفنه في كتان ولا
ثوب إبريسم وإذا كان ثوب معلم فاقطع علمه ولكن كفنه في ثوب قطن ولا بأس في ثوب صوف انتهى وكذا يؤيده في حق الرجال بل يدل عليه لولا ضعف
السند كالرضوي ما عن بعض الكتب مرسلا عن أمير المؤمنين (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى ان يكفن الرجال في ثياب الحرير وهذه المرسلة مشعرة بل ظاهرة
في جوازه للنساء كما أن قضية الأصل والاطلاقات أيضا ذلك بل قضية عموم التشبيه الذي قد يدعى استفادته من رواية محمد بن مسلم الدالة
على أن الميت بمنزلة المحرم ليس الا ذلك كما أن مقتضاه المنع في حق الرجال فلا ينبغي الاستشكال فيه بالنسبة إلى الرجال لامكان دعوى انجبار
ضعف الروايتين بل وكذا عموم التشبيه بالفتاوى والاجماعات المحكية مضافا إلى عدم الخلاف فيه ظاهرا واما في خبر إسماعيل بن أبي زياد عن
جعفر عن أبيه عن ابائه (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله نعم الكفن الحلة ونعم الأضحية الكبش الأقرن فهو بعد اعراض الأصحاب عند موافقته للعامة
على ما قيل لا ينهض دليلا لاثبات الجواز مع عدم تعين إرادة الحرير المحض من الحلة واما في حق النساء فلولا ظهور كلماتهم في الفتاوى ومعاقد
اجماعاتهم في المنع بل تصريح بعضهم في معقد اجماعه بذلك لكان الوجه جوازه ولو على تقدير تسليم ظهور المضمرة في المدعى لامكان دعوى انصرافها
إلى الرجال ولعله لبعض ما أشرنا إليه أوكله احتمل العلامة في محكى النهاية والمنتهى جواز تكفين المرأة به لكن لا ريب في أن المنع هو الأحوط بل لا
يخلو من قوة بالنظر إلى ما عرفت والله العالم ثم إن ظاهر المصنف كالعلامة وجماعة حيث اقتصروا على المنع من الحرير عدم المنع من مطلق مالا
يجوز فيه الصلاة كاجزاء ما لا يؤكل لحمه وهذا والذي يقتضيه الأصل واطلاقات الأدلة لكن عن جملة منهم التصريح بعدم جواز التكفين بما لا يجوز
393

الصلاة فيه بل ربما استظهر من غير واحد منهم كونه من المسلمات ولذا قال المحقق الأردبيلي فيما حكى عنه واما اشتراطهم كون الكفن
من جنس ما يصلى فيه وكونه غير جلد فكان دليله الاجماع انتهى بل عن الغنية التصريح بكونه اجماعيا وربما يستدل له بالاحتياط وقاعدة
الاشتغال وقد عرفت ضعفهما فيما سبق واستدل له شيخنا المرتضى برواية محمد بن مسلم عن الصادق (ع) قال قال أمير المؤمنين عليه السلام
لا تجمروا الأكفان ولا تمسوا موتاكم بالطيب الا بالكافور فان الميت بمنزلة المحرم فإذا انضم إليه ما ورد في الاحرام من وجوب كون ما
يحرم فيه من جنس ما يصلى فيه كحسنة حريز كل ثوب يصلى فيه فلا بأس ان تحرم فيه دل على وجوب كون الكفن مما يجوز الصلاة فيه * (أقول)
اثبات عموم المنزلة بمثل هذه الرواية مع عدم فهم الأصحاب منها ذلك وعدم اعتمادهم في الحكم عليه في غاية الاشكال وكيف ولم يتوهم متوهم
تعميم تروك الاحرام وافعاله بالنسبة إلى الميت لأجل هذه الرواية خصوصا مع كون التنزيل الواقع في الرواية علة الكراهة تجمير الأكفان و
امساس الطيب لا الحرم والاعتذار عنه بعدم كون ترك مس الطيب من الأركان بخلاف كسوته غير مسموع إذ لا يوجب ذلك ظهور الرواية
في وجوب كون كفن الميت كثياب المحرم شطرا وشرطا بعد عدم كون الحكم النصوص عليه المعلل له باقيا على ظاهره بل ربما يستشم من المعتبرة المستفيضة
الواردة في حكم من مات محرما كصحيحة محمد بن مسلم يغطى وجهه ويصنع به ما يصنع بالمحل غير أنه لا يقربه طيبا وغيرها عدم كون الميت بمنزلة المحرم
في الأحكام وانه إذا مات المحرم يرتفع اثر احرامه ما خلا مس الطيب كما أنه يفهم من هذه الأخبار كون النهى في الرواية السابقة محمولا على
الكراهة فكونه من منزلا منزلة المحرم ليس الاعلى جهة الاستحباب لا اللزوم وكيف كان فاستفادة المطلوب من الرواية المتقدمة في غاية الاشكال
والعمدة فيه انما هي هو الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة ولا يبعد الاعتماد عليه وان لا يخلو من اشكال فالاحتياط ممالا ينبغي تركه والله العالم
وانما التكفين بالجلود فربما يستظهر من عبارة الأردبيلي المتقدمة كون المنع منه مظنة الاجماع ولعله لا يخلو عن وجه فان المتبادر من الأدلة
انما هو وجوب التكفين بالثياب المتبادر منها صرفا أو انصرافا ما عدا الجلود ويؤيده الامر بنزعه من الشهيد كما ستعرفه انشاء الله واما التكفين
بالصوف ووبر ما يؤكل لحمه فالظاهر جوازه كما عن المشهور للأصل واطلاق الأدلة خلافا للمحكى عن الإسكافي فمنعه في الوبر وربما يحكى عنه المنع في
الشعر أيضا ولعله لرواية أبى خديجة عن أبي عبد الله (ع) قال الكتان كان لبنى إسرائيل يكفنون به والقطن لامة محمد صلى الله عليه وآله وفيه انها
لا تنهض دليلا لاثبات أزيد من استحباب القطن ولذا لم يفهم منها الأصحاب الا ذلك كما ستعرفه واما الملبود فالأظهر أيضا جواز التكفين
به ودعوى انسباق المنسوج إلى الذهن من الثوب المأمور به الاخبار غير مسموعة فان الانسباق على تقدير تسليمه بدوي غير مضر بل ربما يتأمل
لذلك في الجلود أيضا وان كان الأظهر فيها ما عرفت والله العالم هذا كله في حال الاختيار واما عند الضرورة فيجوز التكفين بما عدا المغصوب جزما
واما بالمغصوب فلا يجوز قطعا بل في الحدائق دعوى الوفاق عليه ضرورة ان التجنب عن التصرف في مال الغير أهم في نظر الشارع من تكفين الموتى
واما الجواز في غيره ولقاعدة الميسور بل ظهور الأدلة في وجوب التكفين مطلقا وعدم ثبوت تقييدها بالشرايط المتقدمة الا في حال الاختيار
ضرورة ان عمدة مدركها ليست الا الاجماع الذي لا يعم حال الضرورة نعم لا يمشى ذلك في مثل الجلود التي ادعينا انصراف الأدلة عنه فيكون
الوجه فيه القاعدة وكيف كان فلا اشكال في شئ منها وان قيل فيها بالمنع مطلقا الاطلاق النهى عنها وفيه ما عرفت من عدم اطلاق كذلك وعلى
تقديره فقاعدة الميسور محكمة عليه والله العالم هذا كله معا لانحصار في جنس واحد واما مع وجود جنسين منها أو أزيد ففي الروضة انه يقدم
الجلد على الحرير وهو على غير المأكول من وبر وشعر وجلد ثم النجس ويحتمل تقديمه على الحرير وما وعلى بعده غير المأكول خاصة والمنع من جلد غير
المأكول مطلقا انتهى قيل في وجه تقديم الجلد يعنى جلد المأكول على غيره انه يجوز الصلاة فيه اختيارا فيقدم على مالا يجوز فيه ذلك وفيه مالا
يخفى بعد ان عرفت ان المانع من التكفين بالجلد انصراف الأدلة عنه وعدم اطلاق اسم الثوب عليه لا عدم جواز الصلاة فيه وانما صححنا التكفين
به لدى الضرورة بقاعدة الميسور ونحوها فالمتجه انما هو تقديم مطلق الثوب على الجلد لما عرفت من عدم دليل يعتد به يقتضى تقييده بعدم كونه
من الأشياء المذكورة الا في حال الاختيار فعند الضرورة مطلق الثوب يجزى بمقتضى الاطلاقات ومعها لا يتمشى قاعدة الميسور القاضية
بجواز الاجتزاء بالجلد اللهم الا ان يدعى القطع بأنه يستفاد من مذاق الشارع ان اطلاق اسم الثوب عليه ليس امرا مهما بنظر الشارع وان
عدم كونه من الحرير أو غير المأكول أو النجس أهم لديه وعهدتها على مدعيها واما تقديم ما عدا الجلد بعضها على بعض فهو فرع ما سيأتي تحقيقه
في لباس المصلي بناء على عدم جواز التكفين الا بما يجوز الصلاة فيه كما نقل عليه الاجماع والله العالم ويجب ان يمسح مساجده السبعة بما تيسر
من الكافور على وجه يبقى شئ منه في الممسوح بسبب المسح كما لعله هو المتبادر من المسح بالكافور وكيف كان فلا يكفي المسح المجرد عن ذلك لما
في جملة من الاخبار الآتية من التصريح بوضع الكافور أو جعله في مواضعه كما أنه لا يكفي مجرد الوضع من دون مس أو مسح لما في بعضها الاخر من الامر
بمسحها بالكافور كما وقع التعبير به في المتن وغيره وبعض معاقد اجماعاتهم المحكية وقضية الجمع بين الاخبار هو تقييد بعضها ببعض والالتزام
بكون الوضع على وجه المسح كما يؤيده ما في بعض معاقد الاجماعات المحكية من التعبير بان الواجب هو الوضع والامساس * (ثم) * ان وجوب مسح المساجد
394

بالكافور ممالا خلاف فيه على الظاهر بل نقل عليه الاجماع من جملة من الأصحاب ويدل عليه ظاهر جملة من الاخبار منها موثقة عبد الرحمن بن أبي
عبد الله قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الحنوط للميت فقال اجعله في مساجده * (ومنها) * ما عن الدعا ثم إذا فرغ من تغسيله نشف بثوب وجعل
الكافور في مواضع سجوده جبهته وانفه ويديه وركبتيه ورجليه وعن الفقه الرضوي نحوه وظاهر الخبر المروى عن الدعائم والرضوي الحاق
الانف بالمساجد ويؤيده استحباب ارغامها حال السجود فلا يبعد ارادتها من المساجد في الموثقة كما عن العماني والمفيد والقاضي والحلبي
والعلامة في المنتهى اختياره لكن الروايتان لضعفهما لا تصلحان لاثبات الوجوب هذا مع عدم ظهورهما في إرادة الوضع على ظاهر الانف
كي يحتمل ارادته من الموثقة فلا يبعد إرادة وضعه في انفه [فح] يعارضها المعتبرة الآتية الناهية عنه والاحتياط ممالا ينبغي تركه ويدل على
المطلوب أيضا جملة من الاخبار الامرة بوضعه على المساجد وغيرها منها صحيحة عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله (ع) كيف اصنع بالحنوط
قال تضع في فمه ومسامعه واثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه ورواية زرارة عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام قال إذا جففت
الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به اثار السجود ومفاصله كلها واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه
وقال حنوط الرجل والمرأة سواء ويقرب منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال إذا أردت ان تحنط الميت فاعمد إلى الكافور فامسح
به اثار السجود منه ومفاصله كلها ورأسه ولحيته وعلى صدره من الحنوط وقال حنوط الرجل والمرأة سواء وقال واكره ان يتبع بمجمرة و
في موثقة سماعة وتجعل شيئا من الحنوط على مسامعه ومساجده وشيئا على ظهر الكفين * (ورواية) * الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (ع)
قال يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد وعلى اللبة وباطن القدمين وموضع الشراك من القدمين وعلى الركبتين والراحتين
والجبهة واللبة * (وفي) * مرسلة يونس ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته موضع سجوده وامسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه إلى قدمه
وفي رأسه وفي عنقه ومنكبيه ومرافقه وفي كل مفصل من مفاصله من اليدين والرجلين وفي وسط راحتيه إلى أن قال ولا تجعل في منخريه ومسامعه ولا في بصره
ولا على وجهه قطنا ولا كافورا الحديث وهذه المرسلة تعارض بعض الأخبار المتقدمة في فقرتها الأخيرة ونظيرها في المعارضة رواية عثمان
النواء قال قلت لأبي عبد الله (ع) انى اغسل الموتى فقال وتحسن قلت انى اغسل فقال إذا غسلت فارفق به ولا تغمزه ولا تمس مسامعه بكافور
الحديث وفي اخر رواية الكاهلي المتقدمة في كيفية غسل الميت وإياك ان تحشو في مسامعه شيئا فان خفت ان يظهر من المنخرين شئ فلا عليك
ان تصير ثم قطنا وان لم تخف فلا تجعل فيه شيئا وربما يدفع المعارضة بحمل الاخبار الامرة بجعل شئ من الحنوط في مسامعه على إرادة تطييبها
به لا الوضع فيها وحشوها كما يؤيده ما في بعضها من التعبير بلفظة على وفي الوسائل حكى عن الشيخ انه حمل ما تضمن وضع الكافور في مسامعه
على أن في يمضى على * (وفيه) * مع بعده في حد ذاته لا يجدى في دفع المعارضة لما في بعض الأخبار الناهية من التصريح بأنه لا تمس مسامعه بكافور ولذا
قرب غير واحد من الأصحاب حمل الاخبار الامرة بالوضع على التقية لموافقتها للعامة وفي الوسائل بعد ان قرب هذا الحمل قال ويمكن ان يراد
به الكراهة ونفى التحريم أقول لا يمكن إرادة الكراهة منها فإنها كادت تكون صريحة في رجحان الفعل نعم لا يبعد كون معهوديته لدى العامة
مؤثرة في حسن ايجاده لحكمة التقية في مظانها فيكون الامر به محمولا على ارادته في مثل الفرض وهذا لا ينافي مرجوحيته ذاتا * (نعم) * اطلاق الامر به
ولو بالنسبة إلى من هو مبتلى بمعاشرة العامة ينافي حرمته إذا الغالب امكان التفصي عن ارتكاب مثل هذا المحرم فلا يحسن الامر به على الاطلاق
الا تقية بان كانت التقية سببا لصدور الامر لا لمطلوبية المأمور به وهو خلاف الفرض ولعل ما ذكرنا من التوجيه أقرب من حمل الاخبار
على التقية من حيث الصدور وبه يتجه جعلها قرينة لحمل الأخبار الناهية على الكراهة بالتقريب المتقدم والا فيشكل رفع اليد عن ظهورها
في الحرمة اللهم الا ان يناقش فيها الضعف السند أو وهنها بمخالفتها لظاهر الأصحاب أو صريحهم في عدم الحرمة لكن مع ذلك كله لا ريب ان الترك
أحوط لانتفاء احتمال الوجوب كما ستعرفه مضافا إلى عدم الخلاف فيه ظاهرا والله العالم ثم إن اختلاف الاخبار في تعيين مواضع الحنوط
لا يوهن ظهورها في وجوب أصل الحنوط في الجملة بل جميعها ظاهرة في اعتبار أصل الحنوط وكونه كساير التجهيزات من الغسل والكفن و
الدفن من الأمور المسلمة المفروغ منها فما عن المحقق الأردبيلي من التأمل في وجوبه لذلك كما عن ظاهر المراسم القول باستحبابه ضعيف إذ
ليس اختلاف الاخبار في المقام الا كاختلافها في كيفية الغسل والتكفين وقد أشرنا في باب الغسل إلى أن
أجمل وجوه الجمع في مثل هذه الأخبار
المختلفة الواردة في مقام البيان انما هو الاخذ بمجامع الكل والالتزام بوجوبه وحمل ما اختلفت فيه الروايات من حيث التعرض
والعدم على الفضل والاستحباب فلا يراعى فيها ما يقتضيه قاعدة حمل المطلق على المقيد ونحوهما ولذا صح للمشهور ادعاء ان الواجب انما هو
ان يحنط مساجده السبعة دون غيرها بل عن جملة منهم عدم الخلاف فيه وان الحق بعضهم طرف الأنف
بالمساجد كما عرفته مع ما فيه من
الضعف لكن الانصاف انه لولا اعتضاد ظاهره وثقة عبد الرحمن في انحصار الواجب بتحنيط المساجد لم يكن رفع اليد عنه والالتزام بوجوب
تحنيط مفاصله كلها كما في جملة من الأخبار المتقدمة التصريح به من دون معارضتها بشئ بعيدا وان كان لنا في أقر بيته من التصرف في ظاهر
395

الموثقة الواردة في مقام البيان ولو من دون اعتضاده بشئ تأمل بل منع فالمتجه انما هو وجوب تحنيط المساجد السبعة التي منها طرفا الابهامين
وخلو بعض الأخبار المتعرضة لتفصيلها عن ذكرهما بعد كونهما من المساجد نصا واجماعا وتصريح الأصحاب بكونهما منها في خصوص المقام
غير ضائر واما تحنيط اما عداها مما تضمنته الاخبار فهو مستحب عدا ما تعلق به النهى في بعضها فإنه مكروه بل ينبغي الاحتياط بتركه كما عرفته
فيما تقدم ثم إن ظاهر المتن بل صريحه كصريح غيره انه لا مقدر للواجب من الكافور بل يجزى مسماه بل عن المشهور بين المتأخرين ذلك
للأصل وربما يستدل له باطلاقات الاخبار وفيه ان المتأمل في الأخبار المطلقة ترى عدم كون شئ منها مسوقا لبيان هذا الحكم فلا يحسن
التمسك باطلاقها نعم ربما يستشعر ذلك من موثقة سماعة المتقدمة الامرة بجعل شئ من الحنوط على مسامعه ومساجده وشيئا على ظهر الكفين
فان اطلاقها بالنسبة إلى المواضع المذكورة يشعر بعدم اعتبار حد معين في أصل الحنوط لكن في مرسلة ابن أبي نجران عن الصادق عليه السلام
قال أقل ما يجزى من الكافور للميت مثقال وعن ظاهر الصدوق في الفقيه العمل بمضمونها وفي رواية أخرى لابن أبي نجران مرسلة عن أبي عبد الله (ع)
قال قال أقل ما يجزى من الكافور للميت مثقال ونصف والذي يغلب على الظن اتحاد الروايتين لتوافق متنهما واتحاد الراوي والمروى عنه
فيهما حيث رواهما ابن أبي نجران عن بعض أصحابه كما في الأولى وبعض رجاله كما في الثانية عن أبي عبد الله (ع) فيغلب على الظن سقوط لفظ نصف
من الرواية الأولى * (وكيف) * كان فهما مع ضعفهما وعدم القائل بمضمونهما أو ندرته لا تصلحان لاثبات الوجوب هذا مع قصورهما من حيث
الدلالة إذ ليس في شئ منهما أشفار بإرادة الكافور لخصوص الحنوط فلعل المراد بيان ما يجزى للميت لغسله أوله مع حنوطه كما لعله هو الأظهر
فلا يبعد على هذا التقدير جريه مجرى العادة من عدم الاجتزاء بما دونه لحصول الاستهلاك وعدم تحقق المسمى لا لبيان الحد الشرعي وكيف
كان فلا ريب في أن الاحتياط لا ينبغي تركه وحكى عن الجعفي تحديده بمثقال وثلث ولم يعلم مستنده * (ثم) * ان مقتضى النصوص والفتاوى عموم
وجوب التحنيط لكل ميت الا ان يكون الميت محرما فلا يقربه كافور أصلا فلا يحنط به ولا يلقى شئ منه في ماء غسله بلا خلاف فيه كما عن المنتهى
وجامع المقاصد بل اجماعا كما عن الخلاف والغنية ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال سئلته عن المحرم إذا مات كيف يصنع به قال
يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يقربه طيبا ونحوه خبره الاخر عن الباقر والصادق عليهما السلام ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله
قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن المحرم يموت كيف يصنع به قال إن عبد الرحمن بن الحسن مات بالايواء مع الحسين (ع) وهو محرم ومع الحسين (ع)
عبد الله بن العباس و عبد الله بن جعفر وصنع به كما يصنع بالميت وغطى وجهه ولم يمسه طيبا قال وذلك كان في كتاب علي (ع) وموثقة سماعة قال
سئلته عن المحرم يموت فقال يغسل ويكفن بالثياب كلها ويغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالمحل غير أنه لا يمس الطيب وصحيحة عبد الله بن سنان
قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن المحرم يموت كيف يصنع به فحدثني ان عبد الرحمن بن الحسن بن علي (ع) مات بالايواء مع الحسين بن علي (ع) وهو محرم و
مع الحسين عبد الله بن العباس و عبد الله بن جعفر فصنع به كما يصنع بالميت وغطى وجهه ولم يمسه طيبا قال وذلك في كتاب علي (ع) ورواية أبى مريم عن أبي
عبد الله (ع) قال خرج الحسين بن علي (ع) و عبد الله وعبيد الله ابنا العباس و عبد الله بن جعفر ومعهم ابن للحسن (ع) يقال له عبد الرحمن فمات بالايواء
وهو محرم فغسلوه وكفنوه ولم يحنطوه وخمروا وجهه ورأسه ودفنوه وقريب منها موثقته المروية عنه في الكافي عن أبي عبد الله (ع) ورواية أبى حمزة عن أبي
الحسن (ع) في المحرم يموت قال يغسل ويكفن ويغطى وجهه ولا يحنط ولا يمس شيئا عن الطيب ورواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن
المرأة المحرمة تموت وهى طامث قال لا تمس الطيب وان كن معها نسوة خلال وهذه الأخبار بأسرها تدل بالصراحة على ترك التحنيط واما دلالتها
على ترك القاء الكافور في ماء غسله فيمكن منعها بدعوى انصراف النهى عن أن يمسها طيب عن الغسل بماء الكافور بل ظهوره في إرادة خصوص
الحنوط بل ظاهر جل الاخبار أو كلها ان غسله كغسل المحل شرطا وشطرا خصوصا بالنظر إلى ما في موثقة أبى مريم حيث قال فغسلوه وكفنوه
ولم يحنطوه [الخ] ولذا قال شيخنا المرتضى [ره] ولولا الاجماع على عدم جواز تغسيله بما بالكافور لأمكن الخدشة فيه انتهى لكن يتوجه عليها انه
لو سلم الانصراف في جلها فلا نسلمه في كلها فان النهى عن أن يقربه طيبا في صحيحة ابن مسلم يشمل بظاهرة ما لو كان بواسطة الماء بلا شبهة ودعوى
الانصراف عنه غير مسموعة خصوصا بعد اعتضاده بفهم الأصحاب واجماعهم كما أن فهمهم يؤيد ظهور المنع من مس الطيب في ساير الاخبار في العموم
كما يؤيده أيضا ما روى عن ابن عباس ان محرما وقعت به ناقته فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال اغسلوه بماء سدر وكفنوه ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا
رأسه فإنه يحشر يوم القيمة ملبيا والعجب من السيد [قده] مع أنه لا يعمل الا بالقطعيات فقد حكى عنه المنع من تخمير رأسه محتجا بهذه الرواية مع
معارضتها للأخبار المتقدمة التي كادت تكون صريحة في خلافه بل في بعضها التصريح بتخمير وجهه ورأسه نعم ربما يستشعر ذلك مما روى مرسلا عن
الصادق (ع) أنه قال من مات محرما بعثه الله ملبيا لكنه ليس بشئ في مقابل ما عرفت واضعف منه ما حكى من العماني من موافقة السيد في المنع
من تغطية رأسه بل الوجه أيضا محتجا بان تغطية الرأس والوجه مع تحريم الطيب ممالا يجتمعان والثاني ثابت فالأول منتف وفيه مالا يخفى
وقد عرفت ان الأظهر انه لا مقدر للواجب من الكافور في الحنوط كما هو المشهور لكن قدروا المستحب منه بتقديرات وصرح غير واحد منهم بان
396

أقل الفضل فيه مقدار درهم بل عن المعتبر نفى العلم بالخلاف بينهم في ذلك وكفى به دليلا في اثباته مسامحة والا فلم نعرف مستنده من الاخبار
نعم في احدى مرسلتي ابن أبي نجران المتقدمتين قال أقل ما يجزى من الكافور للميت مثقال لكنك عرفت المتأمل في دلالتها على إرادة الكافور
لخصوص الحنوط مع أنها على تقدير ارادته لا تصلح مستندة لاثبات المطلوب فان الدرهم على الظاهر أقل من المثقال وحمله عليه يحتاج إلى دليل
فالأولى بل الأحوط عدم الاجتزاء بأقل من مثقال وأفضل منه أربعة دراهم بل أربعة مثاقيل لرواية عبد الله بن يحيى الكاهي والحسين بن
مختار عن أبي عبد الله عليه السلام قال القصد من الكافور أربعة مثاقيل وعن بعض النسخ الفضل [الخ] قال في المدارك ونقل عن ابن إدريس [ره]
انه فسر المثاقيل الواقعة في الروايات بالدرهم نظرا إلى قول الأصحاب وطالبه ابن طاوس [ره] بالمستند انتهى فالأولى عدم التخطي عن ظاهر
الروايات وأكمله ثلاثة عشر درهما وثلث درهم كما يدل عليه مرفوعة الكافي قال السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث أكثره وقال إن جبرئيل (ع)
نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله بحنوط وكان وزنه أربعين درهما فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة اجزاء جزءا له وجزاء لعلى (ع) وجزء الفاطمة (ع) و
مرسلة الصدوق قال إن جبرئيل اتى النبي صلى الله عليه وآله بأوقية كافور من الجنة والأوقية أربعون درهما فجعلها النبي صلى الله عليه وآله ثلثا له وثلثا لعلى (ع) وثلثا الفاطمة (ع)
ومرفوعة ابن سنان قال السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث قال محمد بن أحمد ورووا ان جبرئيل (ع) نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله بحنوط وكان وزنه
أربعين درهما فقسمه رسول الله صلى الله عليه وآله اجزاء جزء له () وجزء لعلى (ع) وجزء لفاطمة (ع) وعن كشف الغمة روى أن فاطمة (ع) قالت إن جبرئيل اتى النبي صلى الله عليه وآله لما حضرته
الوفاة بكافور من الجنة فقسمه أثلاثا ثلثا لنفسه وثلثا لعلى وثلثا لي وكان أربعين درهما وعن علي بن موسى بن طاوس في كتاب الطرف عن عيسى بن
المستفاد من أبى الحسن موسى بن جعفر (ع) عن أبيه (ع) قال قال علي بن أبي طالب (ع) كان في الوصية ان يدفع إلى الحنوط فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله قبل وفاته بقليل
فقال يا علي ويا فاطمة هذا حنوطي من الجنة دفعه إلى جبرئيل وهو يقرا كما السلام ويقول لكما اقسماه واعزلا منه لي ثلثه وليكن الناظر في الباقي علي بن أبي
طالب (ع) فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وضمها إليه وقال يا علي قل في الباقي قال نصف ما بقي لها والنصف لمن ترى يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال هو لك فاقبضه بقي في
المقام شئ وهو انه لا دلالة في شئ من الأخبار المتقدمة الواردة في تحديد مقدار الكافور على إرادة خصوص ما يحنط به بعد الغسل بل الظاهر أن
الكافور الذي اتى به من الجنة الرسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن لخصوص الحنوط كي يستعمل في غسله غيره واطلاق الحنوط عليه في الاخبار لا ينافي ذلك فعلى هذا يشكل
ما يظهر من المتن وغيره من اختصاص المقادير المذكورة وتنزيل كلامهم على إرادة ما يستعمل في تجهيز الميت مطلقا تغليبا بعيد لكن فتواهم بما
عرفت من التقادير فهمهم إياها من الروايات ونقل اجماعهم عليها كما عن بعضهم يهون الامر علينا بعد البناء على المسامحة خصوصا مع ما
عن الفقه الرضوي من التصريح بما عليه الأصحاب قال فإذا فرغت من كفنه حنطه بوزن ثلثه عشر درهما وثلث من الكافور وتبدء بجبهته وتمسح
مفاصله كلها به وتلقى ما بقي على صدره وفي وسط راحتيه ولا تجعل في فمه ولا منخريه ولا في عينه ولا في مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا فإن لم
تقدر على هذا المقدار كافورا فأربعة دراهم فإذا لم تقدر فمثقال لا أقل من ذلك لمن وجده وعند الضرورة عقلا أو شرعا يدفن بغير كافور كما هو
واضح إذ ما من شئ حرمه الله الا وقد أحله لمن اضطر إليه ويكره على المشهور كما في الحدائق بل قيل لا يجوز تطييبه أي الميت بغير الكافور والذريرة
في المدارك هي الطيب المسحوق قاله في المعتبر والظاهر أن المراد به طيب خاص معروف بهذا الاسم الان في بغداد وما والاها وقال الشيخ في التبيان هي فتاه
قصب الطيب وهى قصب يجاء به من الهند كأنه قصب النشاب وقال في المبسوط يعرف بالقمحة بضم القاف وتشديد الميم المفتوحة والحاء المهملة انتهى * (أقول) * ومما
يبعد إرادة مطلق الطيب المسحوق من الذريرة مضافا إلى تصريح الشيخ وغيره بكونها اسما لنوع خاص منه اقتضائها تخصيص النهى عن مسح مطلق الطيب
ما عدا الكافور في رواية ابن مسلم الآتية وغيرها بمطلق الطيب المسحوق وهو بعيد وكيف كان فيدل على المطلوب خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع)
قال قال أمير المؤمنين (ع) لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب الا بالكافور فان الميت بمنزلة المحرم ورواية عبد الله بن المغيرة عن غير واحد عن أبي
عبد الله (ع) قال الكافور هو الحنوط ورواية قرب الإسناد عن إبراهيم بن محمد الجعفر قال رأيت جعفر بن محمد ينفض بكمه المسك عن الكفن ويقول هذا
ليس من الحنوط في شئ ورواية داود بن سرحان قال قال أبو عبد الله لي في كفن أبى عبيدة الحذاء انما الحنوط الكافور ولكن اذهب فاصنع كما يصنع الناس
وفي رواية أخرى عنه أنه قال مات أبو عبيدة الحذاء وانا بالمدينة فأرسل إلى أبو عبد الله (ع) بدينار فقال اشتر بهذا حنوطا واعلم أن الحنوط هو الكافور
ولكن اصنع كما يصنع الناس قال فلما مضيت اتبعني بدينار وقال اشتر بهذا كافورا وظاهر هاتين الروايتين جوازه لا بقصد التشريع بل ظاهر ما عدا
خبر محمد بن مسلم ليس الا ذلك نعم يستفاد من رواية قرب الإسناد بل ومن غيرها أيضا مرجوحيته لكونها بحسب الظاهر مسوقة لبيان كونه من مبتدعات
العامة وانه لا ينبغي الاتيان به لمخالفته للسنة فلا يفهم من شئ منها أزيد من الكراهة ما لم يكن بقصد التشريع واما خبر محمد بن مسلم فربما يدعى ظهوره
في الحرمة وفيه تأمل الاشعار ما فيه من التعليل بالكراهة وان كونه بمنزلة المحرم ليس الا على جهة الاستحباب كما يؤيده عدم اطراد أحكام المحرم بالنسبة
إليه ويؤكده المستفيضة المتقدمة الدالة على أن المحرم إذا مات فهو بمنزلة المحل غير أنه لا يقربه طيب المشعرة بعدم كون الميت بمنزلة المحرم الا خصوص
من مات محرما في خصوص هذا الحكم الذي ينصحب إلى ما بعد الموت بل التعبير بلفظ الطيب في تلك الأخبار وعدم تخصيص الكافور بالذكر يشعر بانتفاء
397

هذا الحكم مطلقا في حق من عداه فليتأمل وربما يستدل للحرمة أيضا بخبر يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال لا يسخن
للميت الماء لا يعجل له النار ولا يحنط تمسك وهذه الرواية أيضا كسابقتها مشعرة بالكراهة كما يؤيدها بل يعين ارادتها من الروايتين ما في
مرسلة الصدوق من التصريح بالجواز قال سئل أبو الحسن الثالث (ع) هل يقرب إلى الميت المسك أو البخور قال نعم وحملها على التقية خلاف الأصل
ولا يفهم منها أزيد من نفى الحرمة حتى تعارض الأخبار المتقدمة نعم يعارضها رواية مغيرة عن الصادق (ع) قال غسل علي بن أبي طالب (ع)
رسول الله صلى الله عليه وآله بدء بالسدر وبالثانية بثلاثة مثاقيل من كافور ومثقال من مسك وما رواه الصدوق مرسلا بعد ذكر حديث تكفين النبي صلى الله عليه وآله
قال وروى أنه حنط بمثقال من مسك وحمل مثل هذه الرواية الواردة اخبارا عما وقع على التقية بعيد واحتمال صدور الفعل لبيان الجواز
ابعد وكونه من الخصائص محتمل كما أن عروض الجهة المقبحة له بعد اتخاذه العامة شعارا لهم ممكن وطرحها لأجل المعارض مع ما فيها من
ضعف السند أولى فما عن ظاهر الصدوق من الالتزام باستحبابه مع شذوذه ضعيف والله العالم ويدل على عدم مرجوحية تطييبه بالذريرة
بل رجحانه مضافا إلى عدم الخلاف فيه ظاهرا بل عن المعتبر والتذكرة دعوى الاجماع على استحباب تطييب الكفن بها بل عن الأخير أيضا
دعوى الاجماع على استحباب تطييب الميت بها موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله (ع) انه سئل عن الميت فذكر حديثا يقول فيه ثم تكفنه
تبدء فتجعل على مقعدته شيئا من القطن وذريرة إلى أن قال ثم تبدء فتبسط اللفافة طولا ثم تذر عليها من الذريرة إلى أن قال والق على وجهه
ذريرة إلى أن قال ويطرح على كفنه ذريرة وموثقة سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال إذا كفنت الميت فذر على كل ثوب شيئا من ذريرة وكافور
واما الذريرة فقد سمعت الخلاف في تفسيرها والأوفق بالقواعد بل الأحوط هو الاقتصار على الطيب الخاص المعروف بهذا الاسم الذي
نبه عليه في المدارك إذ لم يثبت كونه موضوعا لغيره بل لم يعلم مخالفته بعض التفاسير لذلك والله العالم ثم إنه كما يكره تطييب الميت بما عرفت
كذلك يكره تجمير كفنه واتباعه بمجمرة كما يدل عليه خبر ابن مسلم المتقدم وفي مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) قال لا يجمر الكفن وخبر السكوني
عن أبي عبد الله (ع) نهى النبي صلى الله عليه وآله ان يتبع جنازة بمجمرة وخبر أبي حمزة قال قال أبو جعفر لا تقربوا موتاكم النار يعنى المدخنة وفي صحيحة الحلبي عن الصادق (ع)
واكره ان يتبع بمجمرة وظاهر النهى في بعض هذه الروايات الحرمة لكنه محمول على الكراهة كما يشعر بها أغلبها حيث لا قائل بالحرمة ظاهرا بل عن
جملة دعوى الاجماع على الكراهة ويدل على نفى الحرمة مضافا إلى ما عرفت مرسلة الصدوق المتقدمة بل يظهر من بعض الروايات استحبابه
كخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال لا بأس بدخنة كفن الميت وينبغي للمرء المسلم ان يدخن ثيابه إذا كان يقدر وخبر غياث بن إبراهيم
عن أبي عبد الله (ع) انه كان يجمر الميت بالعود فيه المسك وربما جعل على النعش الحنوط وربما لم يجعله وكان يكره ان يتبع الميت بالمجمرة ولعله
لنا حكى عن ظاهر الصدوق استحبابه لكنه ليس بشئ لوجوب طرح الروايتين أو تأويلهما في مقابلة ما عرفت ولذا حملهما الشيخ على التقية
لموافقتهما للعامة * (أقول) * اما الرواية الأولى فأمارة التقية منها لايحة لاشعارها بان الإمام (ع) بعد ان نفى البأس عن دخنة الكفن
ورى في القول عند إرادة بيان الاستحباب فيكون التقية في اظهار استحبابه لا في أصل الجواز فتصلح هذه الرواية أيضا شاهدة لحمل النهى
في الأخبار المتقدمة على الكراهة واما الرواية الأخيرة فذيلها ينافي التقية واما صدرها فلا ظهور له يعتد به الا في جواز الفعل واما استحبابه
بعنوانه الخاص بحيث يعارض الأخبار المتقدمة فلا لاجمال وجه العمل فهذه الرواية أيضا ولو لم نقل بكونها شاهدة للمدعى فلا أقل من
كونها مؤيده لذلك والله العالم وسنن هذا القسم أمور منها ان يغتسل الغاسل قبل تكفينه ان اراده أو يتوضأ وضوء الصلاة على المشهور
كما في طهارة شيخنا المرتضى [قده] بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب لكن ظاهرهم على ما في الحدائق استحباب الامرين لا التخيير كما هو ظاهر المتن
وغيره كما أن ظاهرهم إرادة غسل المس والوضوء المبيح للصلاة لا غسلا كوضوء الجنب والحائض ويؤيدهما ماء عن المعتبر من الاستدلال له
بان الاغتسال والوضوء على من مس ميتا واجب أو مستحب وكيف كان الامر به على الفور فيكون التعجيل أفضل انتهى ومقتضاه استحباب التعجيل
فيهما لكن في الاستدلال بظاهره مالا يخفى وعن بعض الاستدلال له بكونه حال التكفين عند مباشرة الميت على أحسن أحواله من الطهارة
عن الحدث والخبث وكيف كان فلا دليل على شئ منهما بالخصوص من النصوص على الظاهر فعمدة المستند اشتهاره بين الأصحاب ويكفى به دليلا
في اثباته مسامحة لكن قد ينافيها ما يظهر من بعض الأخبار من رجحان تأخير الاغتسال عن التكفين ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قلته
له الذي يغمض الميت إلى أن قال فالذي يغسله يغتسل فقال نعم قلت فيغسله ثم يلبسه أكفانه قبل ان يغتسل قال يغسله ثم يغسل يديه من
العاتق ثم يلبسه أكفانه ثم يغتسل وفي صحيحة يعقوب بن يقطين ثم يغسل الذي يغسله يده قبل ان يكفنه إلى المنكبين ثلث مرات ثم إذا
كفنه اغتسل وفي حديث عمار ثم تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين ثم تكفنه وعن الخصال من غسل منكم ميتا فليغتسل بعدما
يلبسه أكفانه ويؤيدها خلو باقي اخبار آداب التكفين عن الامر بالاغتسال قبله ويمكن منع التنافي بكون بعض هذه الأخبار كصحيحة ابن يقطين
ورواية الخصال مسوقا لبيان أصل غسل المس والامر باتحاده بعد الفراغ من التكفين للجري مجرى العادة لا لبيان محله الموظف واما صحيحة
398

ابن مسلم فلا يبعد كون الجواب فيها تقريرا للسؤال جريا على ما يقتضيه العادة الا انه (ع) أراد بيان انه ينبغي ان يكون تكفينه بعد غسل يديه
من العاتق ولا ينافي ذلك جواز الاجتزاء عن غسل اليدين بتقديم الغسل بل رجحانه ولا يبعد ان يكون حكمة الامر بالاغتسال بعد الفراغ من
التكفين رعاية جانب الاحتياط من حيث امكان بطلان الغسل في الواقع بفقد بعض شرايطه المعتبرة وان حكم ظاهرا بصحته بمقتضى القواعد
الظاهرية فلأجل مراعاة هذا الاحتمال لا يبعد أولوية تأخيره عن التكفين الذي لا ينفك غالبا عن مسه فتأمل وكيف كان فالانصاف انه
لا مانع من الالتزام باستحباب جميع ما في هذه النصوص من غسل اليدين من العاتق مطلقا كما في صحيحة ابن مسلم أو إلى المنكبين ثلث مرات كما
في صحيحة ابن يقطين أو غسل اليدين إلى المرافق والرجلين إلى الركبتين كما في رواية عمار أو الاجتزاء عن الأشياء المذكورة بالغسل أو الوضوء
كما عن المشهور ولا ينافيه الأخبار المتقدمة خصوصا بعد معلومية جواز التقديم وبناء الاستحباب على المسامحة * (ومنها) * ان يزاد للرجل حبرة؟
الحاء وفتح الباء الموحدة ضرب من برد تصنع باليمن من التخيير وهو التحسين والتزيين صرح بذلك غير واحد وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب
بل عن صريح الخلاف والغنية وظاهر البيان أو صريحه دعوى الاجماع عليه وعن المعتبر والتذكرة نسبته إلى علمائنا وعن جامع المقاصد إلى جميع علمائنا
وقضية اطلاق بعضهم في معاقد اجماعهم كصريح بعض آخر عدم الفرق في ذلك بين الرجل والمرأة كما هو الذي يقتضيه قاعدة الاشتراك فما
يغطيه ظواهر عبائر بعضهم من اختصاصه بالرجل الاختصاص الاخبار به ضعيف فإنه من خصوصية المورد التي لا يتخصص بها الحكم لكن في
المدارك كما عن جماعة ممن تأخر عنه انكار استحباب زيادة الحبرة نظرا إلى ظهور الأخبار المستفيضة
الدالة على استحباب الحبرة كالاخبار
الدالة على أن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وبرد احمر وغيرها مما تقدم نقلها عند بيان الواجب من قطعات الكفن
في كون الحبرة أحد الأثواب الثلاثة الواجبة بل ربما يدعى دلالة بعض الأخبار على عدم استحباب الزيادة بل كونها من بدع العامة كحسنة
الحلبي عن الصادق (ع) قال كتب أبى في وصيته ان أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة كان يصلى فيه يوم الجمعة وثوب اخر وقميص فقلت
لأبي لم تكتب هذا فقال أخاف ان يغلبك الناس فان قالوا كفنه في أربعة أثواب أو خمسة فلا تفعل قال وعممته بعمامة وليس تعد العمامة من
الكفن انما يعد ما يلف به على الجسد واستدل لنفى استحباب الزيادة في الرياض بقوله (ع) في صحيحة زرارة بعد حصر الكفن المفروض في ثلاثة
وما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة فما زاد فمبتدع والعمامة سنة وقال في تقريب الاستدلال لا ريب ان الزايد على الثلاثة الذي هو سنة
هو العمامة والخرقة المعبر عنها بالخامسة هذا مع ما في الزيادة من اتلاف المال والإضاعة المنتهى عنهما في الشريعة انتهى أقول اما صحيحة
زرارة فهي على خلاف مطلوبهم أدل فإنه قال في صدر الرواية قلت لأبي جعفر (ع) العمامة للميت من الكفن هي قال لا انما الكفن المفروض
ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يوارى فيه جسده كله فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة فما زاد فمبتدع والعمامة سنة الحديث فان ظاهرها
ان الخمسة التي تعد من اجزاء الكفن ما عدا العمامة التي لا تعد من الكفن كما نطق به هذه الصحيحة وغيرها من الأخبار المعتبرة بل الخرقة التي يعبر عنها
بالخامسة على الظاهر أيضا خارجة من هذه الخمسة فإنها لا تعد شيئا وانما تصنع لتضم ما هناك لئلا يخرج منه شئ وما يصنع من القطن أفضل
منها كما نطق بذلك في صحيحة ابن سنان وصرح في خبره الاخر بان العمامة والخرقة لابد منهما وليستا من الكفن ويدل على عدم كون هذه الخرقة أيضا
من الأثواب الخمسة المعدودة من الكفن مرسلة يونس عن الباقر (ع) والصادق (ع) قال الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب والخرقة والعمامة سنة
واما النساء ففريضته خمسة أثواب فإنها يدل على أن الخرقة خارجة من الأثواب الخمسة التي هي فريضة للنساء بمقتضى هذه الرواية والمراد بكونها
فريضة تأكد استحبابها لشهادة النص والاجماع ويدل عليه أيضا صحيحة محمد بن مسلم قال يكفن الرجال في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة
درع ومنطق وخمار ولفافتين فيفهم من هاتين الروايتين أيضا ان الخرقة لا تعد شيئا بحيث تعد ثوبا من الأثواب التي يكفن بها الميت ويؤيده ذلك
ما في محكى الذكرى ان الخمسة أثواب التي يكفن بها الميت في كلام الأكثر غير الخرقة والعمامة ويؤيده أيضا ما في الحدائق من أن الظاهر أن المشهور
بين متقدمي الأصحاب استحباب لفافتين زائدتين على الأثواب الثلاثة المفروضة انتهى بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه فإنه قال فيما حكى عنه و
المستحب ان زاد على ذلك لفافتان أحدهما حبرة وعمامة وخرقة يشد بها فخذاه إلى أن قال كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه انتهى وعن الفقيه
التصريح بذلك حيث قال والكفن المفروض ثلاثة قميص وازار ولفافة بسوى العمامة والخرقة فإنهما لا تعد ان من الكفن ومن أحب ان يزيد زاد
لفافتين حتى يبلغ الخمسة فلا بأس انتهى إلى غير ذلك من عبائرهم الظاهرة أو الصريحة في ذلك وقد تصدى لنقل جملة منها في الحدائق وغيره والعجب
من صاحب المدارك حيث نسب القول بعدم استحباب ما زاد على الثلث إلى أبى الصلاح مع أن عبارته المحكية عنه صريحة في خلافه فإنه قال فيما حكى عنه
يكفنه في درع وميزر ولفافة ونمط ويعممه ثم قال والأفضل ان يكون الملاف ثلثا إحديهن حبرة يمانية ويجزيه واحدة انتهى فالانصاف ان
القول باستحباب زيادة لفافتين فضلا عن لفافة حبرة لا يخلو عن وجه خصوصا بعد البناء على المسامحة ولا ينافيها شئ من اخبار الباب
كما ستعرفه مضافا إلى ما عن الفقه الرضوي من الإشارة إلى ذلك حيث قال فيما حكى عنه ويكفن بثلث قطع وخمس وسبع فان الظاهر أن المراد
399

بالسبع الثلاثة المفروضة ولفافتان والعمامة وخرقة الفخذين وكيف كان فظاهر صحيحة زرارة المعتضد بما عرفت من الاجماعات المحكية و
غيرها انما هو استحباب خمسة أثواب عدا العمامة والخرقة فيكون زيادة حبرة على الأثواب المفروضة سنة بمقتضى هذه الصحيحة وان لم يفهم
منها استحبابها بالخصوص لكن يكفي في ذلك فتوى الأصحاب كما هو ظاهر ولا ينافيها عد العمامة في صحيحة معاوية بن وهب من الخمسة التي يكفن
بها الميت حيث قال يكفن الميت في خمسة أثواب قميص لا يزر عليه وازار وخرقة يعصب بها وسطه وبرد يلف فيه وعمامة يعتم بها إذ لا شبهة
في جواز عد العمامة والخرقة من اجزاء الكفن ببعض الاعتبارات ولا دلالة في هذه الصحيحة على أن
ما زاد على هذه الخمسة بدعة وانما
تدل الصحيحة الأولى على أن ما زاد على الخمس فمبتدع ولم يجعل العمامة منها بل قد أشرنا إلى أنه
يستشعر أو يستظهر من ساير الاخبار
ولو لأجل الاعتضاد بفهم أكثر الأصحاب ان الخرقة أيضا خارجة من هذه الخمسة ويدل على استحباب زيادة الحبرة بالخصوص رواية
يونس بن يعقوب عن أبي الحسن (ع) الأول قال سمعته يقول انى كفنت أبى في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما وفى قميص من قمصه وعمامة كانت
لعلي بن الحسين (ع) وفى برد واشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمأة دينار ولا يعارضها كما أنه لا يعارض الصحيحة المتقدمة
الدالة على استحباب الزيادة المستفيضة الناطقة بان عليا (ع) كفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب فان الاقتصار في كفن رسول الله صلى الله عليه وآله
على الأثواب الثلاثة لا ينفى استحباب ما زاد بحيث يعارض القول لجواز ان يترك عليا (ع) هذا المستحب لغرض أهم منه نعم ينافيها ظاهرا
مبالغة الإمام (ع) في حسنة الحلبي المتقدمة في تكفينه في ثلاثة أثواب بل يظهر منها كون الزيادة مذهبا للعامة فيترجح هذه الرواية حينئذ
على معارضاتها الدالة على استحباب الزيادة لذلك ولا يسمع في مقابلتها شهادة المحقق والعلامة على ما حكى عنهما باتفاق العامة على نفى
استحباب الزايد فان شهادتهما انما تقبل بالنسبة إلى عصرهما الذي انحصر فيه أقوال العامة في أربعة لا بالنسبة إلى زمان الباقر عليه السلام
الذي تشتت فيه آرائهم فلا مقتضى لصرف الرواية عن ظاهرها لكن يتوجه عليه قصورها عن المكافئة لا لمجرد مخالفتها لفتوى الأصحاب
واعتضاد معارضاتها بعملهم بل يضعف دلالتها على عدم استحباب الزايد لان من الجائز ترك المستحب أحيانا في مقام عملهم لمقصد أهم
فلا تعارض ما صرح فيها باستحباب ما زاد مضافا إلى أن احتمال التقية في هذه الرواية أقوى من احتمال التقية في رواية يونس بل هذا
الاحتمال في رواية يونس في غاية البعد لكونها بحسب الظاهر اخبارا عما وقع فيبعد صدورها تقية واما هذه الرواية فهي في حد ذاتها يستشعر
منها كونها معلولة ضرورة كفاية وصيته من دون كتابة في خروج الصادق (ع) من عهدتها وما ذكره (ع) علة لكتابته أشد اشعارا بذلك إذ العادة
قاضية بتمكن أولياء الميت من تكفينه على وجه يشتبه عدد قطعات الكفن على عامة الناس فكيف يخاف في مثل ذلك على الصادق من أن يبدل
الوصية فالذي يغلب على الظن صدق ما شهد به المحقق والعلامة من كون ترك الزيادة مذهبا للعامة فكانت الزيادة لديهم من مبتدعات
الرفضة فأراد الإمام (ع) بكتابته اظهار التبري عن عملهم لما فيه من المصالح كما كان يتفق كثيرا ما مثله في مكاتباتهم (ع) بل ربما يستشم ذلك
من مبالغة الأئمة (ع) في كثير من الاخبار في بيان ان العمامة والخرقة لا تعدان من الكفن فان من المحتمل قويا ارادتهم بذلك توجيه مذهب
الخاصة ودفع التنافي بينه وبين ما يزعمه العامة من كون ما زاد على الثلاث بدعة والحاصل ان احتمال التقية في هذه الرواية في غاية القوة
وفى مرسلة يونس في غاية الضعف فلا يتكافئان فما عليه المشهور من استحباب زيادة حبرة مما لا ينبغي الاشكال فيه بل قد عرفت ان استحباب زيادة
لفافتين مطلقا لا يخلو من وجه وجه لقاعدة التسامح ثم لا يخفى عليك ان مقتضى بعض ما عرفت انما هو استحباب زيادة اللفافة مطلقا
فكونها حبره أفضل ويدل على استحباب زيادة الحبرة بالخصوص مضافا إلى ما عرفت صحيحة عبد الله بن سنان البرد لا يلف به ولكن يطرح عليه
طرحا فإذا ادخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبيه فان البرد لو كان من الأثواب الثلاثة وجب لفه على الميت لكن مقتضى هذه الصحيحة استحباب
زيادتها لاعلى ان يكون من الكفن بل ظاهرها عدم استحباب لفة على الميت الا انه لابد من رفع اليد عن هذا الظاهر بقرنية غيرها من النصوص
والفتاوى المصرحة بان البرد يلف على الميت فلا يبعد ان يكون ايجاده بالكيفية المذكورة في الصحيحة أفضل فتأمل والأولى كون الحبرة
عبرية بكسر العين أو فتحها منسوبة إلى العبر جانب الوادي أو موضع اخر لما عن جملة من الأصحاب التصريح به بل عن المعتبر والتذكرة تقييد الحبرة بكونها
عبرية في معقد اجماعهما وربما يستدل له بما في خبر زرارة كفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وثوب يمنى عبرى أو ظفار وأولى
بالاستدلال له ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال كان ثوبا رسول الله صلى الله عليه وآله اللذان أحرم فيهما يمانيين عبرى واظفار وفيهما كفن وكيف
كان فقد قيدوها بكونها غير مطرزة بالذهب ووجهه واضح بناء على ما عرفت فيما تقدم من عدم الخلاف ظاهرا في اشتراط كون الكفن من جنس
ما يصلى فيه الرجل وعليه يتجه اشتراط كونها غير مطرزة بالحرير أيضا لو كان طرازها على وجه يمنع من الصلاة فيها والا فالمتجه جوازها بعد صدق
العبرة عليها بل رجحانها لما ستعرف من استحباب المغالاة في الكفن والله العالم ومنها ان يزاد أيضا خرقة لفخذيه كما يدل عليه جملة من اخبار
الباب التي بعضها نص في استحباب هذه الخرقة كصحيحة ابن سنان المصرحة بأنها لا تعد شيئا وانما تصنع لتضم ما هناك وما يصنع من القطن
400

أفضل منها فهي ونحوها قرنية على عدم إرادة الوجوب من غيرها من الاخبار الظاهرة فيه وينبغي يكون طولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض شبر ونصف
لقوله (ع) في خبر عمار ويجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصفا وعرضها شبرا ونصفا ثم لا يخفى عليك ان تحديد الخرقة في مثل هذه الرواية
انما هو لبيان ما هو الأفضل والا فالأفضل يحصل بمطلقها الذي يحصل به الغرض المنصوص عليه في صحيحة ابن سنان ونحوها كما يدل
عليه أيضا اطلاق ساير الروايات التي لا مقتضى لتقييدها في مثل المقام كما لا يخفى وجهه بل لا يبعد ان يكون المراد بهذه الرواية كونها بهذا
المقدار تقريبا لا تحقيقا كما لعله هو الذي يقتضيه الجمع بينها وبين قوله (ع) في رواية يونس الآتية وخذ خرقة طويلة عرضها شبر إلى أن قال و
تكون الخرقة طويلة الحديث والظاهر أن السنة تتأدى بلف الخرقة مطلقا على مقعدته ورجليه على نحو تضم بها ما هناك بحيث تمنع من خروج
ما يخرج منه كما يدل عليه قوله (ع) في صحيحة ابن سنان تؤخذ خرقة فيشد بها على مقعدته ورجليه إلى أن قال انما تصنع لتضم ما هناك لئلا يخرج
منه شئ لكن الأولى شدها على النحو الذي تعرض لبيانها في مرسلة يونس حيث قال (ع) فيها واعمد إلى قطن قدر عليه شيئا من حنوط فضعه على
فرجه قبل ودبر واحش القطن في دبره لئلا يخرج منه شئ وخذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه وضم فخذيه ضما شديد أو لفها في فخذيه
ثم اخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن واغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه إلى
ركبتيه لفا شديدا بل الأولى ايجادها على النحو الذي زعمه في المدارك انه هو الذي يظهر من مجموع الروايات وان كان في استفادته منها تأمل
لكن لا تأمل في أولويته بشرط مراعاة عدم تخطيه عما يفهم من المرسلة وغيرها من الروايات وهو ان بشد طرفاها من أحد الجانبين على حقويه
بشدود من خيط ونحوه أو بان يشق رأسها بحيث يمكن شدها على الوسط أو بان يشد وسطه ببعض أحد جانبها ثم يدخل ما استرسل منها بين
فخذيه ويضم به عورته ضما شديد أو يخرج من تحت الشداد الذي على وسطه ويلف بما استرسل منها بعد اخراجه من تحت الشداد فخذاه لفا
شديدا فإذا انتهت ادخل طرفها تحت الجزء الذي انتهت الخرقة عنده لكنك خبير بأنه لا يفهم من شئ من الروايات اعتبار ادخالها بين فخذيه
واخراجه من تحت الشداد بل ربما ينافيه خبر عمار الذي قدر طولها بثلاثة اذرع ونصف إذ الظاهر عدم كفاية هذا المقدار للف الفخذين إلى
الركبتين عند ايجاده بهذه الكيفية خصوصا لو لف وسطه ببعض تلك الخرقة نعم ربما يستظهر ذلك من رواية الكاهلي بناء على أن يكون
متنها كما في المدارك من قوله (ع) ثم اذفره بالخرقة ويكون تحتها القطن تذفره بها اذفارا قطنا كثيرا ثم تشد فخذيه على القطن بالخرقة
شدا شديدا حتى لا يخاف ان يظهر شئ بناء على أن المراد بالاذفار الاثفار لكن الرواية مجملة من حيث اللفظ والمعنى وكون ما ذكروه بعض
محتملاتها كاف في رجحان ايجاده مع كونه بحسب الظاهر أوثق في الحفظ فليتأمل ثم إن مقتضى الرواية المتقدمة وغيرها ان يكون لف الخرقة
بعد ان يجعل بين أليتيه شئ من القطن وان لم يكن شرطا في استحبابها كالعكس كمالا يكاد يخفى وجههما على المتأمل في الاخبار فان خشي
خروج شئ فلا باس ان يخشى في دبره بل وكذا في قبل المرأة كما يدل عليه مرسلة يونس المتقدمة وفى خبر عمار وتدخل في مقعده من القطن
ما دخل وفى مرفوعة سهل الواردة في كيفية تكفين المرأة وتصنع لها القطن أكثر مما يصنع للرجال ويحشى القبل والدبر بالقطن والحنوط
الحديث وفى رواية عمار قال تحتاج المرأة من القطن قدر نصف من لكن المقدار المذكور فيها غير معلوم لنا مع أن هذه الرواية غير خالية
من الاضطراب في جملة من فقراتها فالأولى الاجتزاء بما يحصل به الغرض وكيف كان فما عن السرائر ونهاية الاحكام من منع ذلك مراعاة
لحرمته ميتا كحرمته حيا مما لا ينبغي الاصغاء إليه نعم الأحوط تركه ما لم يخش عليه خروج شئ حيث لا يفهم من الروايات الا ارادته عند عدم
الوثوق بعدم خروج شئ منه كما لا يخفى على المتأمل ومنها زيادة عمامة للرجل يعمم بها كما يدل عليه جملة من الأخبار المتقدمة ولاحد لها
طولا ولا عرضا الا العرف نعم ينبغي ان لا تقصر طولا من أن تتأدى بها الكيفية الموظفة المعهودة التي لا خلاف فيها ظاهرا بل عليه دعوى
الاجماع وهى ان يعمم بها محنكا يلف رأسه بها لفا ويخرج طرفاها من تحت الحنك ويلقيان على صدره كما يدل عليها رواية يونس عنهم (ع)
وفيها ثم يعمم يؤخذ وسط العمامة فتثنى على رأسه بالتدوير ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ثم يمد على صدره وفى مرسلة ابن أبي
عمير عن أبي عبد الله (ع) في العمامة للميت فقال حنكه وفى رواية عثمان النواء عن الصادق (ع) وإذا عممته فلا تعمه عمة الاعرابي قلت كيف اصنع قال خذ
العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها إلى خلفه واطرح طرفيها على صدره وعن بعض النسخ الكافي على ظهره ولعله من تحريف النساخ وعن
الفقه الرضوي ثم تعممه وتحنكه فتثنى على رأسه بالتدوير ويلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ثم تمد على صدره ثم تلف بالعمامة
وإياك ان تعممه عمة الاعرابي وتلقى طرفي العمامة على صدره والمراد بعمة الاعرابي كما استظهره في الحدائق ونسبه إلى المبسوط من غير حنك وفى
خبر معاوية بن وهب وعمامة يعمم بها ويلقى فضلها على صدره وفى الوسائل ورواه الشيخ باسناده عن سهل بن زياد مثله الا أنه قال ويلقى
فضلها على وجهه انتهى أقول ينبغي حينئذ اما طرحها أو تأويلها بما لا ينافي غيرها كما هو الشان في صحيحة عبد الله بن سنان وعمامة يعصب بها
رأسه ويرد فضلها على رجليه في الحدائق هكذا في التهذيب والظاهر أنه تحريف وفى الكافي ويرد فضله على وجهه انتهى وأقول لولا اختلاف
401

النسخ ومخالفة ما عدا الكيفية المذكورة لظاهر الأصحاب لكان الأولى في مثل المقام الالتزام بكون كل من الكيفيات المستفادة منها
بظاهرها من دون تأويل مستحبا إذ لا مزاحمة في الأحكام المستحبة لكن مخالفتها للفتاوى وغيرها من النصوص مع ما فيها من الاختلاف
أشكل امرها فالأولى بل الأحوط عدم التخطي عما عرفت ومنها ان تزاد المرأة على كفن الرجل لفافة لثدييها كما يدل عليه ما رواه في الكافي
عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه رفعه قال سئلته كيف تكفن المرأة قال كما يكفن الرجل غير انا نشد على ثدييها خرقة الثدي إلى الصدر وتشد
على ظهرها الحديث وضعفه مجبر بعمل الأصحاب بل في الجواهر لم أجد فيه خلافا منهم مع أن المقام مقام المسامحة وما قيل من أن قاعدة المسامحة لا تتمشى
في مثله لاستلزامه تضييع المال المحرم لا ينبغي الاصغاء إليه فان المعتبرة الدالة على أن من بلغه ثواب على عمل فعمله التماس ذلك الثواب اويته
وان لم يكن الامر كما بلغه وارده على ما دل على حرمة الاسراف وتضييع المال واتلافه ضرورة عدم قصورها عن شمول المورد وخروجه بشمولها
من موضوع هذه العناوين ولذا لا ينبغي الاستشكال في أنه يستحب ان تزاد المرأة سوى الحبرة نمطا كما عن كثير من الأصحاب التصريح به بل في
المدارك نسبة استحبابه للمرأة إلى قطع الأصحاب وعن الشيخ على ما في حاشية الكتاب النمط بالتحريك ثوب فيه خطط معد للزينة فإن لم يوجد
جعل بدله لفافة كما يجعل بدل الحبرة لفافة أخرى عند فقدها قاله الأصحاب انتهى وربما يستدل له ببعض الاخبار التي لا يمكن استفادته
منها من دون مسامحة وعمدة المستند شهرة الفتوى به بين الأصحاب بعد المسامحة في أدلة السنن بل قد عرفت فيما سبق جواز الالتزام
باستحباب زيادة لفافتين على الكفن المفروض مطلقا في الرجل والمرأة فالأولى كون إحديهما حبرة والأخرى نمطا من دون فرق بين الرجل
والمرأة كما استظهر الشهيد في محكى الذكرى عن بعض الأصحاب بل أكثرهم حيث إنه قده بعد ان نقل جملة وافية من كلمات الأصحاب على ما
حكاه عنه في الجواهر قال فظهر ان النمط مغاير للحبرة في كلام الأكثر وان بعض الأصحاب على استحباب لفافتين فوق الإزار الواجب للرجل و
المرأة وان كانت تسمى إحديهما نمطا وان الخمسة في كلام الأكثر غير الخرقة والعمامة والسعة للمرأة غير القناع انتهى وربما استظهر عن بعض الأصحاب
استحباب زيادة لفائف ثلاث بل عن بعضهم زيادة اربع وهو في غاية البعد والالتزام به مسامحة مبالغة في المسامحة بل مسامحة في اجراء قاعدة التسامح
فإنك قد سمعت التصريح في صحيحة زرارة بان الكفن المفروض ثلاثة أثواب إلى أن قال فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة فما زاد فمبتدع وظاهرها عموم
الحكم في كل ميت رجلا كان أم امرأة وغاية ما يمكن الالتزام به بحيث لا ينافي مضمون هذه الصحيحة انما هو القول بخروج العمامة وخرقة الفخذين و
نحوهما من لفافة الثديين والقناع مما لا يبعد دعوى انصراف لفظ الثوب عنه مضافا إلى دلالة الاخبار بالصراحة في بعضها وببعض انحاء الدلالة في
بعض على أنها لا تعد من الكفن واما الالتزام بجواز زيادة لفائف ثلاث أو اربع فهو مخالفة صريحة لظاهر الصحيحة كما هو ظاهر مضافا إلى امكان دعوى
القطع من تتبع النصوص وغيرها بعدم إرادة الشارع لف الميت في لفائف اربع أو خمس والاستدلال له بما روى من أن عليا (ع) كفن فاطمة (ع) في
سبعة أثواب بناء على انصراف الثوب عن القناع وخرقة الفخذين والثديين ضعيف جدا لضعف دعوى الانصراف في مثل هذه الرواية الظاهرة
في إرادة مطلقة ولو تغليبا هذا مع عدم صلاحية مثل هذه الروايات لاثبات الحكم ولو كان مستحبا بعد مخالفتها لظاهر الصحيحة فالأظهر عدم استحباب
التعدي عن اللفائف الثلاث بل عدم جواز بل الأولى والأحوط هو الاجتزاء باللفافة المفروضة فليجعل الحبرة أو النمط الذي يحصل به التزيين
هي اللفافة الواجبة تأسيا بما صنع برسول الله صلى الله عليه وآله ولو زيدت الحبرة أو النمطة على ذلك تأسيا بفعل أبى الحسن (ع) في تكفين أبيه فهو أيضا حسن
ولو كان للميت حبرة ونمط وأحب الجمع بينهما رجاء لتحصيل ما فيهما من الخصوصية يجعل إحديهما اللفافة المفروضة والأخرى زائدة كي لا يتخطى
عما صنعه أبو الحسن عليه السلام واما لو كانت اللفائف متحدة نوعا بحيث لم يكن في شئ منها احتمال خصوصية فالأولى بل الأحوط ترك الزيادة
مطلقا وان كان الأظهر ما عرفت من جواز زيادة لفافتين بل استحبابها لكن لا يبعد أولوية تركها بل أحبيته إذا تحقق بعنوان المتابعة لما
صنع برسول الله صلى الله عليه وآله والله العالم ثم إن النمط قد اختلفت الكلمات في تفسيره فعن المحقق الشيخ على ما سمعت وعن النهاية ان النمط بالتحريك
ضرب من البسط له خمل رقيق وعن المصباح انه ثوب من صوف ذو لون من الألوان ولا يكاد يقال للأبيض لكن المعروف لدى الأصحاب على ما
في الجواهر حاكيا عن المعتبر والتذكرة والمنتهى السرائر وغيرها انه ثوب فيه خطط ونقل عن جامع المقاصد انه بعد ان حكى عن جماعة من الأصحاب
ذلك قال الظاهر أنه لا خلاف في أن النمط ثوب كبير شامل للبدن كاللفافة والحبرة وانتهى أقول لم يتضح التنافي بين التفاسير وعلى تقديره
فالأوفق بالقواعد حمله على المعنى المعروف لدى الأصحاب وان علم مخالفته لمعناه الحقيقي لما عرفت من أن عمدة المستند في اثبات استحبابه فتواهم فليحمل
اللفظ على مرادهم دون معناه اللغوي فليتأمل ثم إن الظاهر عدم مشروعية العمامة الا للرجل والاخبار الامرة بها ظاهرة في ارادته بالخصوص
واما المرأة فإنما يوضع لها بدلا من العمامة قناع أي خمار كما يدل عليه مضافا إلى ما عن غير واحد من نسبة إلى الأصحاب المشعرة بدعوى الاجماع
عليه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وخبر عبد الرحمن بي أبى عبد الله قال سئلت أبا عبد الله (ع) في كم تكفن المرأة قال تكفن في خمسة أثواب أحدها
الخمار وهل يلحق الخنثى المشكل بالمرأة في وظيفتها كما عن فخر الاسلام في شرح الارشاد معللا بكونه بحكمها في وجوب التستر أم لا كما يقتضيه الأصل
402

وجهان وربما يقال إن الجمع بينها احتياط وفيه ان الاحتياط انما هو بتركهما معا واما الجمع ففيه ارتكاب الحرام المعلوم ان استصحبنا حرمة
العمامة للنساء والقناع للرجال بعد موتهما كما لا يخلو من وجه فالأظهر ترك الجمع والأحوط ترك الجمع والله العالم ويستحب ان يكون الكفن
قطنا كما يدل عليه رواية أبى خديجة عن أبي عبد الله (ع) قال الكتان كان لبنى إسرائيل يكفنون به والقطن لامة محمد صلى الله عليه وآله ورواية عمار عن أبي
عبد الله (ع) الكفن يكون بردا فإن لم يكن بردا فاجعله كله قطنا فإن لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريا وظاهرها مغايرة البرد للقطن
وكونه أفضل ولا بأس بالالتزام به في الجملة على تقدير تحقق المغايرة فليتأمل وأن يكون ابيض لرواية ابن القداح عن أبي عبد الله (ع) قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله البسوا البياض فإنه أطيب وأطهر وكفنوا فيه موتاكم وعن مثنى الخياط عن أبي عبد الله (ع) مثلها ورواية جابر عن أبي جعفر (ع) قال
قال النبي صلى الله عليه وآله ليس من لباسكم شئ أحسن من البياض فالبسوه وكفنوا فيه موتاكم وعن المعتبر والتذكرة انهما أرسلا ان النبي صلى الله عليه وآله كفن بالقطن
الأبيض وينبغي استثناء الحبرة فان الأولى كونها بردا احمر تأسيا بفعل الأئمة (ع) ففي رواية أبى مريم الأنصاري قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول
كفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب برد احمر حبرة وثوبين أبيضين صحارتين إلى أن
قال إن الحسن بن علي (ع) كفن أسامة بن زيد في برد احمر حبرة
وان عليا (ع) كفن سهل بن حنيف في برد احمر حبرة وربما يستشعر من هذه الرواية بل يستظهر منها استحباب اختيار البرد الأحمر ولو لم نقل به من حيث
التأسي كما لا يخفى وجهه وكذا ينبغي استثناء النمط من استحباب كون الكفن قطنا بناء على كونه ثوبا متخذا من الصوف كما سمعته من اللغويين كما أنه
ينبغي استثنائه من كونه ابيض بناء على عدم اطلاقه الا على ذي لون والله العالم ثم إن الأظهر بالنظر إلى ما مر انما هو استحباب كون الكفن ابيض
لا كراهة ساير الألوان نعم يكره خصوص السواد للنهي عنه في رواية الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (ع) قال لا يكفن الميت في السواد وفى خبره
الاخر قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل يحرم في ثوب اسود قال لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفن به وعن المعتبر والتذكرة وغيرهما دعوى الاجماع
على كراهته واما ساير الألوان فقد نسب كراهتها إلى المشهور فلا بأس بالالتزام بها فيها أيضا لذلك مسامحة والله العالم ويستحب ان ينثر على
الحبرة والإزار والقميص بل على ساير اجزاء الكفن حتى القطن الذي يوضع في فرجه ذريرة كما تقدم الكلام فيه وفى تعيين موضوعه عند قول المصنف
ولا يجوز تطيبه بغير الكافور والذريرة فراجع ويستحب أن تكون الحبرة فوق اللفافة والقميص باطنها كما يدل عليه الأدلة المتقدمة الدالة على استحباب
اتخاذ الحبرة من اجزاء الكفن لظهورها في كون الحبرة هي الثوب الظاهر الذي يجمع فيه الكفن وان كان قضية الأصل واطلاق بعض الأدلة جواز
العكس بجعل اللفافة فوق الحبرة والقميص باطن الحبرة لكنك عرفت ان الأولى بل الأحوط في مثل الفرض هو الاجتزاء بالحبرة عن اللفافة وعدم
زيادة لفافة أخرى بل قضية الأصل واطلاق بعض ما عرفت كما يشعر به ظاهر المتن جواز جعل اللفافة باطن القميص لكن يخرج بذلك من كونها
هي اللفافة الواجبة التي يطلق عليها الإزار في عرف الفقهاء فيكون الإزار الواجب في مثل الفرض هو الحبرة ويكون اللفافة التي جعلها تحت القميص
هي الثوب الزايد الذي أثبتنا بالأدلة المتقدمة جوازه لكن لا يخفى عليك ما في هذه الكيفية من مخالفة الاحتياط وقد ظهر لك بما أشرنا إليه انه
لا يتوجه الاعتراض على العبارة بظهورها في جواز جعل القميص فوق اللفافة الواجبة مع أن الظاهر عدم جوازه حيث عرفت ان اللفافة متى جعلت
تحت القميص يخرج من كونها هي الواجبة ولا دليل على المنع من اتخاذها بهذه الكيفية بعدان كانت الحبرة قائمة مقامها في اسقاط الفرض وان
كان خلاف الاحتياط هذا مع أنه لا يفهم من العبارة الا إرادة استحباب كون الحبرة فوق اللفافة والقميص باطنها في مقابل ما لو جعل اللفافة
فوق الحبرة والقميص باطن الحبرة فلا وقع للاعتراض من أصله فليتأمل ويستحب ان يكتب على الحبرة والقميص والإزار والجريدتين اسمه أي الميت
وعن سلار والصدوق في الهداية واسم أبيه وانه يشهد الشهادتين أي يكتب عليها ان فلانا يشهد ان لا إله إلا الله
وان محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وان ذكر
أي كتب النبي صلى الله عليه وآله والأئمة وعددهم إلى اخرهم مقرا بإمامتهم كان حسنا قطعا كما عن جملة من الأصحاب التصريح بجميع ذلك وعن جملة منهم التصريح
بكتابتها على بعض دون بعض وعن جماعة الكتابة على الأكفان بقول مطلق وعن الغنية دعوى الاجماع على ما في المتن غير أنه ترك ذكر الحبرة والظاهر أن
من اقتصر على بعض المذكورات لم يرد به الخصوصية وكيف كان يكفي ما عرفت في استحبابها مضافا إلى معلومية رجحان التيمن واستدفاع الكرب
والعذاب بمثل هذه الفقرات الشريفة بجميع انحاء التوسلات التي لا ينبغي الارتياب في أن كتابتها على الكفن من أوضح افرادها بشهادة العرف
وما يتوهم مانعا من استلزامها الإهانة والتحقير لعدم الامن من التلويث مدفوع أولا بان تحققها بقصد التيمن والتوسل يمنع صدق
المهانة والتحقير عليها بشهادة العقل والعرف بل هو تعظيم محض نعم الأحوط ترك كتابتها في بعض المواضع الغير المناسبة بنظر العرف مما
يحكمون بمنافاتها للاحترام خصوصا مع كونها مظنة للتلويث وثانيا انه كفى دليلا على جوازها في الجملة الذي به يندفع هذا التوهم مضافا
إلى الاجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة المحققة واشتهاره بين الشيعة قولا وفعلا الأخبار الخاصة ففي رواية أبى كهمس المروية عن
سعد بن عبد الله (ع) أيضا مثلها وعن محمد بن شعيب أيضا كذلك قال حضر موت إسماعيل وأبو عبد الله (ع) جالس عنده إلى أن قال دعا
بكفنه فكتب في حاشية الكفن إسماعيل يشهد ان لا إله إلا الله وعن أبي كهمس أيضا في رواية أخرى مثلها ويدل عليه أيضا رواية
403

الاحتجاج الآتية ويؤيده ما حكى عن الكفعمي في كتاب جنة الأمان بسنده إلى سيد الساجدين عن أبيه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم
أجمعين في فضل دعاء الجوشن الكبير قال نزل هذا الدعاء على النبي صلى الله عليه وآله في بعض غزواته وعليه جوشن ثقيل المه ثقله فقال جبرئيل
يا محمد صلى الله عليه وآله ربك يقرئك السلام ويقول اخلع هذا الجوسن واقرء هذا الدعاء فإنه أمان لك ولامتك وساق الكلام إلى أن قال ومن
كتبه على كفنه استحى الله ان يعذ به بالنار وساق الحديث إلى أن قال وقال الحسين (ع) أوصاني أبى بحفظ هذا الدعاء وان اكتبه على كفنه وان اعلمه
أهلي وأحثهم عليه الخبر وعن المجلسي في البحار أنه قال ورواه في البلد الأمين بهذا السند أيضا وزاد فيه انه من كتبه في جام بكافور أو مسك
ثم غسله ورشه على كفنه انزل الله في قلبه الف نور وأمنه هول منكر ونكير ورفع عنه عذاب القبر ويدخل كل يوم سبعون الف ملك إلى قبره
يبشرونه بالجنة ويوسع عليه قبره مد بصره الحديث وعن البحار أيضا عن البلد الأمين عن النبي صلى الله عليه وآله من جعل هذا الدعاء في كفنه شهد له
عند الله انه وفى بعهده ويكفى منكرا ونكيرا وتحفه الملائكة عن يمنيه وشماله بالولدان والحور ويجعل في أعلى عليين ويبنى له بيته
في الجنة وهو هذا الدعاء وعنه أيضا عن فلاح السائل وكان جدى ورام بن أبي فراس (ره) وكان ممن يقتدى بفعله أوصى ان يجعل
في فمه بعد وفاته فص عقيق عليه أسماء أئمته (ع) فنقشت انا فصا عليه الله ربى ومحمد نبيي وعلي وسميت الأئمة (ع) أئمتي ووسيلتي
وأوصيت ان يجعل في فمي بعد الموت ليكون جواب الملكين عند المسألة في القبر سهلا انشاء الله ويؤيده أيضا ما عن الشيخ في كتاب الغيبة
عن أبي الحسن القمي انه دخل على الشيخ أبى جعفر محمد بن عثمان العمرى فوجده وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها آيات من القران وأسماء الأئمة (ع)
على حواشيها جوانبها فقلت يا سيدي ما هذه الساجة فقال لي هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها أو قال اسند إليها وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في رجحان
هذا النحو من الاعمال كيف ما كان باي نحو تحققت وان لم يرد فيها دليل بالخصوص لكونها من انحاء التوسل والتبرك واستدفاع الكرب المعلوم
رجحانها عقلا ونقلا وبعد حصولها بهذه العناوين ما لم يقصد بها ورودها بالخصوص لا مجال لاحتمال التشريع كاحتمال التوهين الذي
عرفت مناقضته لهذه العناوين فالأوجه جواز جميع هذه الأمور ورجحانها بل رجحان كتابة القران على الكفن أو غيره من الأدعية لكن مع
رعاية الاحتياط بالتجنب عن المواضع التي تنافى احترامها عرفا والله العالم وينبغي بان يكون ذلك أي المكتوب على الكفن بتربة الحسين (ع) التي
هي من أعظم الأسباب التي يتوسل بها إلى الله لدينا في استدفاع الكرب والبلاء كما يؤيده ما رواه الطبرسي في الاحتجاج في التوقيعات الخارجة
من الناحية المقدسة في أجوبة مسائل الحميري انه سأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا فأجاب (ع) يوضع مع الميت في
قبره ويخلط بحنوطه انشاء الله تعالى وسئل وفقال روى لنا عن الصادق (ع) انه كتب على ازار إسماعيل ابنه ان إسماعيل يشهد ان لا إله إلا الله فهل يجوز
لنا ان نكتب مثل ذلك بطين القبر أو غيره فأجاب عليه السلام يجوز ذلك وقد حكى عن الشيخ وغيره انهم ذكر وان الكتابة تكون بتربة الحسين (ع) فإن لم
توجد التربة أي تعذر الكتابة بها فبطين وماء وان تعذر ذلك أيضا فبالأصبع ولا بأس في الالتزام بجميع ذلك بعد ان كان الفعل مباحا
لذاته وصرح مثل هؤلاء الاعلام باستحبابه خصوصا مع ما عرفت من كون جميع هذه الاعمال من انحاء التوسلات والتشرفات التي ينبغي
للعبد ان يهتم بها لرجاء الخير لكن في كفاية الكتابة بالإصبع لو كان لها في حد ذاتها مزية راجحة بان كانت الكتابة على الكفن في الواقع مستحبا
شرعيا تأملا إذا المتبادر من كتابة الكفن ليس الا المؤثرة منها بل يصح سلب اسمها عن غير المؤثرة فإنها ليست بكتابة حقيقة ولذا قال
في المسالك فليكن الكتابة مؤثرة مع الامكان وصرح غير واحد بان الأولى في مثل الفرض هو الكتابة بالماء كي يتحقق معها الاسم وهو
أيضا لا يخلو من اشكال إذ الظاهر أن المقصود بالكتابة في مثل المقام ليس الا الكتابة التي بقي اثرها مع الميت عند نزول قبره فالأولى ان
يكتب مع الامكان بشئ يبقى اثره مما عدا السواد الذي ستعرف تصريحهم بكراهته والله العالم وقد مر مرارا ان من سنن التكفين زيادة
الحبرة وقد عرفت فيما مر ان مقتضى بعض أدلتها استحباب زيادة مطلق ثوب أو ثوبين فكون الزايد حبرة انما هو على سبيل الفضل والاستحباب
وعلى هذا فان فقدت الحبرة يجعل بدلها لفافة أخرى كما سمعت من بعض دعوى الاجماع عليه لكن أشرنا غير مرة إلى أن الأولى بل الأحوط
ترك الزيادة لو لم يكن الزايد حبرة أو نمطا والله العالم وقد حكى عن الشيخ واتباعه ان من السنن ان يخاط الكفن بخيوط منه بل عن الذكرى
وغيره نسبته إلى الأصحاب بل في الجواهر بلا خلاف أجده بين الأصحاب انتهى أقول متابعتهم في مثل المقام مما لا ريب فيه وكذا فيما ذكروه
من أنه لا يبل بالريق كما نبه عليه المصنف ره في محكى المعتبر حيث قال بعد ان حكى ذلك عن الشيخ في المبسوط والنهاية ورأيت الأصحاب يجتنبونه
ولا بأس بمتابعتهم لإزالة الاحتمال ووقوفا على الأولى وهو موضع الوفاق ومن السنن الثابتة بالنصوص المستفيضة لو لم تكن متواترة
ان يجعل معه جريدتان والجريدة عود النخل بعد ان تجرد من الخوص وقبله يسمى سعفا ويظهر من غير واحد من الاخبار ان الجريدة تنفع المؤمن
والكافر ولعله لذا لم يوفق بها مخالفونا حيث تركوها مع استفاضة اخبارهم بها على ما ذكره في الحدائق مراغمة للشيعة كغيرها من السنن
التي نقل منهم الاعتراف بكونها سنة وتركوها لذلك والحمد لله على ذلك والأصل في استحبابها على ما رواه في التهذيب مرسلا ان ادم
404

لما أهبطه الله تعالى من جنته إلى الأرض استوحش فسئل الله تعالى ان يؤنسه بشئ من أشجار الجنة فانزل الله إليه النخلة وكان يأنس بها في حياته
فلما حضرته الوفاة قال لولده انى كنت انس بها في حياتي وأرجو الانس بها بعد وفاتي فإذا مت فخذوا منها جريدا وشقوه بنصفين وضعوهما
معي في أكفاني ففعل ولده ذلك وفعلته الأنبياء بعده ثم اندرس ذلك في الجاهلية فأحياه النبي صلى الله عليه وآله وفعله وصارت سنة متبعة وعن المفيد
في المقنعة مرسلا مثله قال وروى عن الصادق (ع) ان الجريدة تنفع المحسن والمسئ وفى رواية حسن بن زياد انه سئل أبا عبد الله (ع)
عن الجريدة التي تكون مع الميت فقال تنفع المؤمن والكافر ونفعها على ما يظهر من جملة من الاخبار دفع العذاب عن الميت ما دامت رطبة
ففي صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة فقال يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا انما
العذاب والحساب كله في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم وانما جعلت السعفتان ولذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب
بعد جفوفهما أنشأ الله تعالى وعن عبد الله بن المغيرة عن حريز وفضيل و عبد الرحمن بن أبي عبد الله كلهم قال قيل لأبي عبد الله (ع) لأي شئ
توضع مع الميت الجريدة فقال إنه يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة ثم إن ظاهر الفتاوى وأغلب النصوص اعتبار تثنية الجريدة بان تكون
جريدتين ولا يبعد الاجتزاء بواحدة لدى الضرورة لقاعدة الميسور وغيرها بل ربما يستشعر بل يستظهر ذلك أي جواز الاجتزاء بواحدة
مطلقا ولو لدى الاختيار من غير واحد من الاخبار ففي خبر يحيى بن عبادة المكي أنه قال سمعت سفيان الثوري يسئل أبا جعفر (ع) عن التخضير
فقال إن رجلا من الأنصار هلك فاودن رسول الله صلى الله عليه وآله بموته فقال لمن يليه من قرابته خضروا صاحبكم فما أقل المخضرين يوم القيمة قال وما
التخضير قال جريدة توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة وفى معاني الأخبار للصدوق بسنده عن يحيى بن عبادة عن أبي عبد الله عليه السلام
انه سمعه يقول إن رجلا مات من الأنصار فشهده رسول الله صلى الله عليه وآله فقال خضروه فما أقل المخضرين يوم القيمة فقلت لأبي عبد الله (ع) واي
شئ التخضير قال تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع وأشار بيده من عند ترقوته إلى يده تلف مع ثيابه قال الصدوق جاء هذا الخبر هكذا والذي
يجب استعماله ان يوضع للميت جريدتان من النخل خضراوان قال في الوسائل بعد نقل ما سمعته من الصدوق هذا محمول على جواز الاقتصار
على واحدة ويأتي مثله كثيرا انتهى أقول وهذا هو الأوفق بالقواعد في السنن لكن الأولى عدم العمل بهذه الروايات بل الاخذ بما عداها
مما ستسمعه من الاخبار الآتية المعمول بها لدى الأصحاب واما انكار ظهورها في إرادة الواحدة فلا يخلو عن مجازفة وارتكاب التأويل
فيها بحملها على مالا ينافي غيرها ليس بأولى من رد علمها إلى أهله في مثل المقام الذي لم يتعين علينا العمل به بل كنا من امره في سعة والله العالم
وكيف كان فلا خلاف نصا وفتوى على الظاهر في استحباب كون الجريدتين من سعف النخل بل تعينه مع الامكان نعم حكى عن خلاف الشيخ
ما يظهر منه التخيير فبينه وبين غيره وعبارته المحكية قابلة للتأويل وعلى تقدير إرادة ظاهرها فضعفه ظاهر كما يدل عليه جملة من الاخبار التي تقدم
بعضها وسيأتي بعض انشاء الله وان لم يوجد النخل فعن المشهور انه يجعل بدله من السدر فإن لم يوجد السدر فمن الخلاف والا فمن شجر رطب مطلقا
ويدل على الأولين ما رواه سهل بن زياد عن غير واحد من أصحابنا قالوا قلنا له جعلنا الله فداك ان لم نقدر على الجريدة فقال عود السدر
قلت فإن لم نقدر على السدر فقال عود الخلاف وعن المقنعة والجامع والمراسم عكس هذا الترتيب ولم يعلم مستندهم واما الاجتزاء بشجر
رطب أي شجر يكون عند فقدهما لما رواه علي بن بلال انه كتب إلى أبى الحسن (ع) الثالث الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل فهل يجوز مكان الجريدة
شئ من الشجر غير النخل فإنه روى عن ابائك عليهم السلام انه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين وانها تنفع المؤمن والكافر فأجاب
يجوز من شجر اخر رطب وفى رواية الكليني عنه أيضا انه كتب إليه يسئله عن الجريدة إذا لم يجد يجعل بدلها غيرها في موضع لا يمكن النخل فكتب
يجوز إذا اعوزت الجريدة والجريدة أفضل وبه جاءت الرواية وقضية اطلاقها التخيير بين ما عدا النخل مطلقا كما حكى القول به عن غير واحد
لكن قد يقال بان مقتضى الجمع بينها وبين المرسلة المتقدمة تقييد اطلاقها بما في تلك المرسلة لكن الأوفق بالقواعد في مثل المقام عدم
ارتكاب التقييد بل حمل المقيد الأفضل وعن الشهيد في الدروس والبيان وتبعه جماعة ممن تأخر عنه القول بتقديم عود الرمان على غيره
مؤخرا عن السدر والخلاف ومستندهم على الظاهر وما رواه في الكافي بعد الرواية المتقدمة عن علي
بن إبراهيم في رواية أخرى قال يجعل بدلها
عود الرمان لكنه بظاهره ينافي المرسلة المتقدمة وتقييد اطلاقه بتلك المرسلة حتى يثبت به مدعاهم ليس بأولى من عكسه اللهم الا ان يقال بعدم
صلاحية هذه الرواية قرنية لصرف المرسلة المعمول بها عند الأصحاب عن ظاهرها فضلا عن صلاحيتها للمعارضة لقصورها عن مرتبة الحجية
وانما صير إلى القول بتقديم عود الرمان على غيره في غير مورد المزاحمة من باب الاحتياط والمسامحة في أدلة السنن وكيف كان فلا ريب في أولوية
مراعاة هذا الترتيب وان لم نقل بلزومه ثم إن ظاهر أغلب الروايات بل صريحها اشتراط كون الجريدتين رطبتين أي خضراوين فلا تجزى اليابستين
ويدل عليه مضافا إلى ذلك خبر محمد بن علي بن عيسى قال سئلت أبا الحسن (ع) عن السعفة اليابسة إذا قطعها بيده هل يجوز للميت توضع معه في حضرته
فقال لا يجوز اليابس والظاهر عموم استحباب الجريدتين للكبير والصغير ولا ينافيه التعليل بطرد العذاب في الروايات التي سمعتها فان هذا النحو من
405

العلل بحسب الظاهر لا يراد منها الا بيان حكمة شرعية الحكم ولا يراعى فيها الاطراد كي ينافي شرعيته في الصغير الذي لا يحتمل في حقه العذاب
كالكبير الذي لا يحتمل في حقه ذلك اما لموته بعد التوبة أو لعظمته ولذا صنعه الأنبياء المعصومون من لدن ادم إلى الخاتم صلوات الله
عليهم أجمعين وصارت سنة متبعة كما يدل عليه بعض الأخبار المتقدمة هذا مع أن المراد بالعذاب بقرينة الرواية المتقدمة الواردة
لبيان أصل تشريع الحكم ما يعم الكربة الحاصلة من وحشة القبر التي يدفعها الانس بالجريدة المتخذة من النخلة التي روى في فضلها
ان الله عز وجل خلقها من فضلة الطينة التي خلق منها ادم فلأجل ذلك تسمى النخلة عمة الانسان وكيف كان فلا مقتضى لقصر الحكم
على الكبير مع كون المقام مقام المسامحة ثم إن المشهور كما عن جماعة تقدير طول الجريدتين بعظم الذراع بل عن الانتصار والغنية دعوى
الاجماع عليه وعن الفقه الرضوي أنه قال وروى أن الجريدتين كل واحدة بقدر عظم الذراع ولعله أشار بذلك إلى رواية يونس عنهم (ع)
ويجعل له قطعتان من جريد النخل رطبا قدر ذراع تجعل له واحدة بين ركبتيه نصف مما يلي الساق ونصف مما يلي الفخذ ويجعل الاخر
تحت إبطه الأيمن فان عبائر الفقه كثيرا ما قريبة جدا من روايات يونس وفى رواية يحيى بن عبادة المتقدمة أيضا تقديره بذراع لكن حمل
هاتين الروايتين على إرادة عظم الذراع من التقدير بذراع لا يبعد دعوى مخالفته للمنساق إلى الذهن من التقدير بالذراع ودعوى
ان الذراع اسم للعظم على تقدير التسليم مما لا ينبغي الالتفات إليها في مقام بيان المقادير كما في ساير الموارد التي ورد التقدير بالذراع
الا ان الذي يقرب ارادته منها في المقام وقوع التحديد به في كلمات الأصحاب وكذا في الفقه الرضوي الذي هو في مثل المقام لا يبعد
دعوى كونه حجة ناهضة من دون مسامحة لأنه ان كان من الحجة فحجة والا فلا يقصر عن ساير المرسلات المعتضدة بعمل الأصحاب فان
تحديدهم بذلك كاشف عن صحة مضمونة وكونه مرويا واحتمال كون الرواية المشار إليها هي رواية يونس ونحوها مما يمكن الخدشة في
دلالتها غير ضاير إذ لا يعتنى بمثل هذا الاحتمالات في رفع اليد عن ظاهر المراسيل بل لو علم أن المراد بها ليس الا هذه الرواية يمكن أيضا
دعوى انجبار قصور دلالتها كسندها بما عرفت ومما يؤيد إرادة عظم الذراع من الروايتين مضافا إلى ما عرفت حسنة جميل بن دراج قال
قال إن الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة الحديث فان التقدير بالشبر ونحوه لا يكون غالبا الامن باب التقريب كما نبهنا عليه
في مبحث تحديد الكر بالأشبار فيقرب ذلك إرادة عظم الذراع من الروايتين لكونه قريبا من شبر فلا بأس بالتحديد بهما والله العالم وعن
العماني تقديرها بأربع أصابع فما فوقها قيل يمكن استفادته من رواية يحيى بن العبارة المتقدمة التي ورد فيها توضع من أصل اليدين إلى
أصل الترقوة وفيه تأمل وفى محكى الذكرى ان الكل جايز لثبوت أصل الشرعية وعدم القاطع على قدر معين وهو حسن لكن لا لعدم القاطع على
قدر معين بل لجواز العمل بكل ما روى وعدم المقتضى لارجاع بعضها إلى بعض في مثل المقام لكن العمل بما عليه المشهور أحسن وأحوط ثم إن ظاهر
المرسلة المتقدمة في صدر المبحث اعتبار كون الجريدتين مشقوقتين ومثلها مرسلة الصدوق مر رسول الله صلى الله عليه وآله بقبر يعذب صاحبه فدعى بجريدة
فشقها نصفين فجعل واحدة عند رأسه والأخرى عند رجلية فقيل له لم وضعتهما قال إنه يخفف عنه العذاب ما كانتا خضراوين لكنهما لا تصلحان
لتقييد غيرهما مما ظاهره الاطلاق بل ظاهرها إرادة غير المشقوقة مثل مرسلة يونس ويجعل له قطعتان من جريدة النخل وقوله (ع) في صحيحة
زرارة وانما جعلت السعفتان لذلك إلى غير ذلك من الروايات التي ظاهرها إرادة غير المشقوقة لكن لاعلى وجه ينافي كفاية المشقوقة
كما أن كلمات الأصحاب أيضا كذلك فالأظهر كفاية مطلقة وربما يترائى من ظاهر النصوص والفتاوى اشتراط كونها جريدة فلا يجزى السعف
الغير المجرد من الخوص لكن لا يبعد جريها مجرى العادة فلا يبعد الاجتزاء بالسعف كما يشعر بذلك التعبير بسعفتان في الصحيحة والله العالم واما كيفية
وضع الجريدتين فعن المشهور بل عن الغنية دعوى الاجماع عليها ان يجعل إحديهما من جانبه الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده والأخرى من الجانب
الأيسر مع ترقوته أيضا بين القميص والإزار ويدل عليه صحيحة جميل أو حسنته قال قال إن الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة
إلى ما بلغت مما يلي الجلد الأيمن والأخرى في الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص ولا يقدح اشتمالها على مالا يقول به المشهور من
تحديدها بشبر خصوصا مع ما عرفت من امكان ارجاعه إلى ما يقول به المشهور ويشهد له في الجملة ما في رواية يحيى بن عبادة المتقدمة تؤخذ
جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع وأشار بيده من عند ترقوته إلى يده تلف مع ثيابه لكن ينافيه ما في رواية يونس قال وتجعل له يعنى الميت قطعتين من جريد
النخل رطبا قدر ذراع يجعل له واحدة بين ركبتيه نصف فيما يلي الساق ونصف فيما يلي الفخذ ويجعل الاخر تحت إبطه الأيمن وعن الجعفي العمل بمضمونها
وفى مضمرة جميل قال سألته عن الجريدة توضع من دون الثياب أومن فوقها قال فوق القميص دون الخاصرة فسئلته من أي جانب فقال من الجانب
الأيمن وربما احتمل كون متن الحديث الحاصرة بالحاء المهملة بمعنى الإزار لا المعجمة وعلى أي التقديرين فمخالفتها للمشهور ظاهرة كما أن ظاهرها كفاية
الواحدة التي هي خلاف المشهور وعن المصنف في المعتبر انه ذكر الخلاف في المسألة ونقل رواية جميل الأولى ورواية يحيى بن عبادة مرسلة
قال والروايتان ضعيفتان لان القائل في الأولى مجهول والثانية مقطوعة السند ومع اختلاف الأقوال والروايات يجب الجزم بالقدر
406

المشترك بينها وهو استحباب وضعها مع الميت في كفنه أوفى قبره باي صورة شئت انتهى أقوال الأولى توجيه القول باستحباب القدر المشترك بكونه
أجمل وجوه الجمع بين الاخبار المختلفة بتنزيل ما فيها من الاختلاف على بيان بعض مراتب الفضل كما يؤيد ذلك ما في بعضها من الاطلاق
مع ورودها في مقام البيان مثل رواية فضيل بن يسار عن أبي عبد الله (ع) قال توضع مع الميت جريدتان واحدة في الأيمن والأخرى في الأيسر
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الجريدة توضع في القبر قال لا بأس بل يظهر من بعض الروايات انه لو وضعت
الجريدة على القبر أيضا نفعت في تخفيف العذاب مثل النبوي المتقدم وفى رواية أبى البختري عن جعفر عن أبيه (ع) ان الرش على القبور كان على
عهد النبي صلى الله عليه وآله وكان بجعل الجريدة على القبور حين يدفن الانسان في أول الزمان ويستحب ذلك للميت وكيف كان فالقول بكفاية القدر
المشترك لا يخلو من وجه والاقتصار على ما هو المشهور أحوط هذا كله لدى الاختيار واما عند الضرورة فيجزى مطلقه كما يدل عليه مرفوعة
سهل بن زياد قال قيل له جعلت فداك ربما حضرني من أخافه فلا يمكن وضع الجريدة على ما رويتنا فقال ادخلها حيث ما أمكن في الوسائل
ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى مرسلا مثله وزاد فيه قال فان وضعت في القبر فقد أجزاه وينبغي بذل الجهد في وضع الجريدة
ولو في مقام التقية على وجه لا ينافيها ففي رواية أيوب بن نوح قال كتب أحمد بن القاسم إلى أبى الحسن الثالث (ع) يسئله عن المؤمن يموت فيأتيه
الغاسل يغسله وعنده جماعة من المرجئة هل يغسله غسل العامة ولا يعمه ولا يصير معه جريدة فكتب يغسل غسل المؤمن وان كانوا حضورا واما الجريدة
فليستخف بها ولا يرونه وليجهد في ذلك جهده ومن جملة السنن ان يسحق الكافور بيده كما عن الشيخين واتباعهما ولم يظهر مستنده نعم في مرسلة يونس
ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته إلى أن قال وفى وسطه راحته [الخ] وهى بظاهرها غير منطبقة على ما هو ظاهر المدعى والله العالم ومنها
ان يجعل ما يفضل من الكافور عن مساجده على صدره كما عن المشهور بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه وعن ظاهر المنتهى نفى الخلاف عنه لكن
زاد على المساجد طرف الأنف كما تقدم سابقا ولم نعثر على ما يدل عليه من الاخبار كما اعترف بذلك غير واحد نعم من الفقه الرضوي أنه قال
فإذا فرغت من كفنه حنطه بوزن ثلاثة عشر درهما وثلاث من الكافور وتبدء بجبهته وتمسح مفاصله كلها به وتلقى ما بقي على صدده وفى وسط راحته
وقد يتأمل في انطباقه أيضا على المدعى لكون ظاهرها انه يلقى على صدره ما يفصل عن مساجده ومفاصله كلها لا عن خصوص مساجده
اللهم الا ان يقال هذه الأمور من قبيل تعدد المطلوب فيفهم استحباب وضع ما يفضل عن المساجد عند تركه المسح على المفاصل كما أن كلمات
الأصحاب أيضا يمكن ان تنزل على ارادتهم في هذه الصورة والا ففي جملة من الاخبار الامر بمسح المفاصل كلها بالحنوط كما تقدم نقلها فيما
سبق وربما يستدل للمدعى بما في جملة من تلك الأخبار من الامر بوضع شئ من الكافور على صدره وفيه مالا يخفى من كونه أجنبيا عن المدعى ومنها
ان يطوى جانب اللفافة الأيسر على الأيمن من الميت والأيمن منها على الأيسر منه كما عن جملة من الأصحاب التصريح به بل عن الخلاف دعوى اجماع
الفرقة وعملهم عليه وكفى بذلك مستندا ومقصودهم على الظاهر أن يلف جانبي اللفافة على النحو المذكور مرتبا في مقابل ما لو عكس الترتيب أو جمعهما
في الوسط أو لفهما على أحد جانبي الميت والله العالم ومن سنن هذا الباب اجادة الأكفان ففي موثقة يونس بن يعقوب قال قال أبو عبد الله (ع) ان أبى
أوصاني عند الموت يا جعفر كفني في ثوب كذا وكذا وثوب كذا وكذا واشتر لي بردا واحدا وعمامة وجدهما فان الموتى يتباهون بأكفانهم وفى
مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) قال أجيدوا أكفان موتاكم فإنها زينتهم وعن أبي خديجة عن أبي عبد الله (ع) قال تنمقوا في الأكفان فإنكم تبعثون
بها ورواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (ع) قال أوصاني أبى بكفنه فقال لي يا جعفر اشتر لي بردا وجوده فان الموتى يتباهون بأكفانهم
وقد تقدم في حديث يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأول (ع) انه سمعه يقول كفنت أبى في برد اشتريته بأربعين دينار لو كان اليوم لساوي أربعمائة دينار
ويكره تكفينه في الكتان على المشهور بل عن ظاهر غير واحد دعوى الاجماع عليه واستدل له برواية أبى خديجة عن الصادق (ع) الكتان كان لبني إسرائيل
يكفنون به والقطن لامة محمد صلى الله عليه وآله ومرسلة يعقوب بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) قال لا يكفن الميت في كتان وعن الرضوي ولا تكفنه في كتان ولا ثوب
إبريسم وظاهر الأخيرين الحرمة لكنهما قاصرتان عن اثباتها بعد اعراض الأصحاب عن ظاهرهما مع ما فيهما من ضعف السند فما عن ظاهر الصدوق
من القول بعدم الجواز ضعيف والله العالم وكذا يكره ان يعمل للأكفان المبتدئة اكمام على المشهور كما في الجواهر وغيره بل عن جماعة نسبته إلى
الأصحاب لمرسلة محمد بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال قلت الرجل يكون له القميص أيكفن فيه فقال اقطع أزراره قلت وكمه قال لا انما ذلك إذا
قطع له وهو جديد لم يجعل له كما فاما إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه الا الازرار وقد يتأمل في دلالتها على الكراهة لولا اعتضادها
بفهم الأصحاب وكون المقام مقام المسامحة لامكان ان يكون الغرض بيان عدم منافاة الكم للكفن وانما لم يجعل له الكم إذا قطع له وهو جديد
لعدم الحاجة إليه لا لمرجوحيته ذاتا فما عن المهذب من أنه لا يجوز في غاية الضعف نعم يمكن ان يقال بحرمة الازرار ووجوب قطعها كما هو
ظاهر الرواية وفى صحيحة ابن بزيع قال سئلت أبا جعفر (ع) ان يأمر لي بقميص أعده لكفني فبعث به إلي فقلت كيف اصنع فقال انزع ازراره وفى
صحيحة ابن سنان ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف الحديث وفى صحيحة ابن وهب يكفن الميت في خمسة أثواب قميص لا يزر عليه الحديث قال
407

شيخنا المرتضى ندم بعد نقل هذه الروايات وبيان سلامتها من المعارض فالقول بوجوب نزع الازرار متجه لو لم يكن اجماع على عدمه انتهى أقول
ولعل القول باستحبابه خصوصا مع عدم معروفية الوجوب أوجه لما رواه الصدوق مرسلا قال قال الصادق (ع) ينبغي ان يكون القميص للميت غير
مزرور ولا مكفوف فان ظهور هذه الرواية في الاستحباب أقوى من ظهور الروايات المتقدمة في الوجوب ويؤيده ترك الامر بقطع الازرار
في بعض الأخبار الدالة على استحباب التكفين في ثوب كان يصلى فيه ويصوم مع وروده في مقام البيان مثل ما رواه محمد بن سهل عن أبيه
قال سئلت أبا الحسن (ع) عن الثياب التي يصلى فيها الرجل ويصوم أيكفن فيها قال أحب ذلك الكفن يعنى قميصا الحديث وعن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (ع) قال إذا أردت ان تكفنه فان استطعت ان يكون في كفنه ثوب كان يصلى فيه نظيف فافعل فان ذلك يستحب ان يكفن فيما كان
يصلى فيه والاحتياط مما لا ينبغي تركه والله العالم ويكره أيضا تكفينه في ثوب اسود كما عرفته فيما سبق أو يكتب عليها بالسواد كما عن غير واحد
من القدماء وكثير من المتأخرين بل عن المبسوط لا يكتب بالسواد وعن النهاية لا يجوز لكن لم يتضح ما يصح الاستناد إليها للكراهة عدا
قاعدة التسامح فضلا عن الحرمة والاستدلال بالنهي عن التكفين في السواد أو الثوب الأسود كما ترى ويكره أيضا ان يجعل في سمعه
وبصره شئ من الكافور كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا مسائل ثلاث الأولى إذا خرج من الميت بعد غسله نجاسته قبل ان يكفن وجب ازالتها
عن بدنه بلا خلاف فيه ظاهرا ويدل عليه موثقة روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله (ع) قال إن بدا من الميت شئ بعد غسله فاغسل الذي بدا منه ولا تعد
الغسل وخبر الكاهلي والحسين بن المختار عن أبي عبد الله (ع) قالا سألناه عن الميت يخرج منه الشئ بعد ما يفرغ من غسله قال يغسل ذلك ولا يعاد
عليه الغسل وخبر سهل عن بعض أصحابه رفعه قال إذا غسل الميت ثم احدث بعد الغسل فإنه يغسل الحدث ولا يعاد الغسل ويؤيده اشعار جملة
من الأخبار الواردة في تغسيل الميت وتكفينه بشدة اهتمام الشارع بالتحفظ عليه من النجاسة بل في رواية ابن سنان المروية عن العلل علة غسل
الميت انه يغسل ليطهر وينظف عن ادناس امراضه وما اصابه من صنوف علله لأنه يلقى الملائكة ويباشر أهل الآخرة فيستحب إذا ورد على الله عز
وجل ولقى أهل الطهارة ويماشونهم ويماشهم ان يكون طاهرا نظيفا الحديث وكيف كان لا مجال للتشكيك في الحكم كما أنه لا مجال للارتياب
في وجوب ازالتها لو خرجت في أثناء الغسل اما قبل الفراغ من غسل ذلك العضو فواضح لما عرفت فيما سبق من اشتراط صحة الغسل بطهارة
العضو واما بعده فلفحوى ما عرفت مضافا إلى عدم الخلاف فيه أيضا كسابقه وهل يجب استيناف الغسل لو كان الخارج في الأثناء حدثا فعن
المشهور عدمه لأصالة البراءة عن كلفه الاستيناف واستصحاب صحة ما مضى مضافا إلى اطلاقات الأدلة القاضية بحصول الاجزاء بمطلق الغسل
السالمة مما يفيدها بعدم تخلل الحدث وربما يستدل له بمرسلة يونس وغيرها من الأخبار المتقدمة في كيفية الغسل الامرة بمسح بطنه بعد الغسلتين
الأوليين كي يخرج من مخرجه ما خرج ويتوجه عليه انه يتم على القول بكون الأغسال الثلاثة عملا واحدا مؤثرا في رفع حدث الميت وان الحدث
في أثناء الأغسال كحدوثه بين الغسلات واتمام هاتين المتقدمتين بالدليل لا يخلو من اشكال وحكى عن العماني القول باستيناف الغسل لو
كان الحادث في الأثناء من النواقض واستدل له بكون غسل الميت كغسل الجنب أو عينه كما يدل عليه جملة من الاخبار فكما ينتقض غسل الجنابة
بالحدث في أثنائه فكذلك غسل الميت وفيه مع ما في المقيس عليه من المناقشة التي عرفتها في محله ما لم يكن الحدث الخارج في الأثناء بنفسه علة تامة
لوجوب الغسل كما لو خرج المنى منه وهو في أثناء الغسل فيعاد الغسل لذلك لا لكونه ناقضا لما سبق منع كون ما يخرج من الميت ناقضا فان
الأدلة الدالة على ناقضية الحدث وسببيته للطهارة مصروفة عنه قطعا واما في الأخبار المستفيضة التي علل فيها غسل الميت برميه للنطفة التي
خلق منها فهي من الرموز والاسرار التي لا ينالها عقولنا إذ لا نتعقل رمى هذه النطفة المستحالة ولا سببيتها للجنابة فلا يفهم من مثل هذه الأخبار
أصلا ان خروج مائه المعروف من مخرجه أو التقاء الختانين بالنسبة إليه كالحي موجب للغسل مع أنه
على تقدير استفادة السببية من هذه
الأدلة أو غيرها مثل عموم قوله إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وقلنا بان الميت أيضا يصير جنبا بالتقاء الختانين وسلمنا وجوب إزالة حدثه
كفاية على المكلفين اما لأجل العلة المنصوصة في الروايات أو غيرها من التقريبات الغير البعيدة لاتجه عدم الفرق بين ما لو حدث سبب الجنابة
في أثناء الغسل أو بعده مع أنه لم ينقل الالتزام بذلك من أحد فيما لو حدث سبب الغسل بعد الفراغ من غسله وعلى تقدير وجود القائل به يرده
مضافا إلى ما عرفت اطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على أنه إذا غسل الميت ثم احدث بعد الغسل فإنه يغسل الحدث ولا يعاد الغسل فليتأمل
وإذا خرج منه نجاسة بعد تكفينه فان لاقت جسده كما هو الغالب بمقتضى العادة غسلت بالماء لما عرفت من وجوب إزالة النجاسة عنه وقد يقال إن
قضية اطلاق المتن كغيره عدم الفرق في ذلك بين كونه قبل طرحه في القبر وبعده بل ولو توقف ازالتها على اخراجه منه وفيه نظر فان حكمهم فيما
بعد بقرض الكفن بعد طرحه في القبر ان لاقته النجاسة قرنية على عدم ارادتهم ذلك بعد طرحه في القبر إذ من المستبعد جدا تنزيل كلامهم على
إرادة بيان حكم خصوص ما لو لاقت النجاسة الكفن ولم تلاق الجسد مع أنه مجرد فرض لا يكاد يتحقق في الخارج وابعد من ذلك حمله على
إرادة قرض الكفن تعبدا بعد خلعه عن بدن الميت مقدمة لتطهير جسده فليس المقصود باطلاق غسل جسده في المتن وغيره الا ارادته
408

قبل طرحه في القبر نعم لا يبعد التزامهم بوجوب تطهير الجسد بعد طرحه في القبر لو تيسر غسله وهو في قبره لعدم الفرق بينه وبين ما لو لم يطرح
في القبر من حيث مناط الحكم وحكمهم بقرض الكفن بعد طرحه في القبر مطلقا لعله جار مجرى العادة من تعسر غسل الجسد في القبر وكيف كان فقد يشكل
الالتزام بوجوب غسل الجسد بعد تكفينه مطلقا سواء كان قبل طرحه في القبر أو بعده لمنافاته ظاهرا لما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير وأحمد بن
محمد عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق (ع) قال إذا خرج من الميت شئ بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن ورواه في الكافي في الصحيح
أو الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال إذا خرج من الميت شئ بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض وما رواه الشيخ عن الكاهلي عن الصادق (ع)
قال إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشئ بعد ما يغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض عنه ورواه الكليني أيضا مثله حيث إن الروايتين تدلان
بالالتزام على العفو عن نجاسة الجسد بعد تكفينه مطلقا ضرورة امتناع تنزيل الرواية الواردة لبيان الحكم الشرعي على إرادة حكم ما لو أصاب الكفن
دون الجسد مع امتناع التخلف في العادة وحمل الروايتين على إرادة قرض الكفن بعد نزعه عن جسد الميت وغسل الجسد في غاية البعد فالمتبادر من
الروايتين ليس الا إرادة ابقاء الكفن بحاله وقرض موضع النجس منه من دون تجريد الميت عنه والا لامر بغسله لا بقرضه ولازمه العفو عن نجاسة الجسد
فهما حاكمتان على الأدلة القاضية بوجوب تطهير بدن الميت وانه إذا خرج منه حدث بعد غسله وجب غسله ومقيدتان لاطلاقها ومقتضاهما كون
نجاسة الجسد بعد التكفين كنجاسته بعد الدفن معفوا عنها وتنزيل الروايتين على إرادة الحكم فيما لو كان ذلك الوضع في القبر لا مطلقا يحتاج
إلى دليل وهو مفقود نعم قد يشهد له ما عن الفقه الرضوي فان خرج منه شئ بعد الغسل فلا تعد غسله ولكن اغسل ما أصاب من الكفن إلى أن
تضعه في لحده فان خرج منه شئ في لحده لم تغسل كفنه لكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي خرج منه ومددت أحد الثوبين على الاخر لكن مرسلة ابن أبي
عمير بل وكذا رواية الكاهلي في غاية الظهور في الاطلاق وبيان الحد بل كاد ان يكون صريح والمرسلة ذلك فهي أبية عن هذا التصرف فالأولى بناء
على حجية الرضوي حمله على إرادة غسل ما أصاب من الكفن حال كون الميت ملفوفا فيه كما يشعر بذلك عدم الامر بغسل الجسد الذي لا ينفك نجاسته
عن نجاسة الكفن فالامر بغسله لأولوية اختياره على القرض مهما تيسر كما هو الغالب ما لم يوضع في قبره فلا ينافيه الروايتان المتقدمتان إذ لا يفهم
منهما وجوب القرض تعبدا ولو مع سهولة الغسل فاختيار الغسل عند التيسر أولى بلا شبهة بل هو الأحوط لامكان دعوى انصراف الروايتين إلى
غير مثل الفرض وكيف كان فالمتعين هو العمل بظاهر الروايتين وطرح الرضوي أو تأويله وان قلنا بحجيته لقصوره عن المكافئة بل قد عرفت ان التصرف
فيه أهون من التصرف في الروايتين واما المناقشة في الروايتين بضعف السند بالارسال في الأولى وعدم توثيق الكاهلي في الثانية فلا يلتفت
إليها بعد كونهما من الروايات المقبولة عند جل الأصحاب بل كلهم ولو في الجملة خصوصا فيما ارسله ابن أبي عمير وأحمد بن محمد البزنطي عن غير واحد من
أصحابنا فإنه أوثق من جل الروايات الموصوفة بالصحة لكن الذي يشكل الامر ما عن ظاهر بعض من دعوى الاجماع على وجوب إزالة النجاسة عن جسده
قبل الدفن وان كان في سماع هذه الدعوى نظر فان ظاهر من أوجب قرض الكفن مطلقا كما ستعرفه انما هو إرادة ابقاء الكفن بحاله وقرض موضع النجس
منه لا نزعه وتطهير موضعه من الجسد ثم قرض الكفن تعبدا وعلى هذا فلا يخلو القول بوجوب غسل الجسد من تأمل بل منع لكنه أحوط إذ لا يفهم من الروايات
الا المنع من ابقاء والاجتزاء في ازالتها بقرض الكفن لا تعينه بحيث يفهم منها بالالتزام حرمة تبديل الكفن أو خلعه بعد الملبس لشئ من الاغراض الصحيحة
الغير المنافية لاحترام الميت التي من أهمها الخلع بقصد تطهير الجسد وحيثما جاز الخلع لساير الاغراض ولو بحكم الأصل جاز للتطهير أيضا وبعد
الخلع يتعين عليه غسل الجسد كما أنه ان لاقت النجاسة كفنه فكذلك يتعين عليه حينئذ غسله أو تبديله لصيرورته بعد الخلع بمنزلة الكفن الابتدائي
فالاحتياط بغسل الجسد والكفن في مثل المقام بعد مصير جملة من الأصحاب بل أكثر هم بل قد سمعت من ظاهر بعضهم دعوى الاجماع عليه مما لا ينبغي
تركه الا ان يكون ذلك بعد طرحه في القبر ولم يتيسر ازالتها وهو في قبره فإنها تقرض حينئذ بلا شبهة ولا موقع للاحتياط في هذه الصورة إذ لا مجال
لتوهم وجوب غسل الجسد أو الكفن بعد توقفهما على اخراجه من قبره حيث إن قرض الكفن في الفرض هو القدر المتيقن من مورد الروايات ولم ينقل
الخلاف فيه من أحد خصوصا مع كون الاخراج من القبر منافيا لاحترام الميت * (نعم) * لو تيسر غسل جسده أو كفنه في قبره ينبغي رعاية الاحتياط بغسله كما
لو كان ذلك قبل الوضع في القبر وان كان الأظهر ما عرفت من عدم الوجوب في شئ من الصور وفاقا لمن أشار المصنف والى قولهم بقوله ومنهم
من أوجب قرضها مطلقا فان هذا القائل على الظاهر لم يرد بقوله الا ما قويناه كما أشرنا إليه فيما سبق والله العالم * (ثم) * ان المتبادر من النصوص
والفتاوى انما هو قرض الكفن فيما لم يفحش قرضه بان مؤديا إلى افساد الكفن وهتك الميت والا فلا يجوز لقصور الأدلة عن شموله فهل يجب حينئذ
على الولي تبديله أو غسله أم لا يجب شئ منهما وجهان ثانيهما أوفق بالقواعد ولكن الأول أولى وأحوط * (المسألة الثانية) * كفن
المرأة على زوجها بلا خلاف فيه في الجملة بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه وان كانت ذات مال كما عن المعتبر والزهري نسبته إلى فتوى الأصحاب
وتدل عليه رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين (ع) قال على الزوج كفن المرأة إذا ماتت وفى مرسلة الفقيه قال (ع) كفن المرأة على
زوجها وعن جماعة تبعا لصاحب المدارك عد هذه المرسلة من تتمة صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال ثمن الكفن من جميع المال
409

وقال (ع) كفن المرأة على زوجها واستبعده غير واحده من المتأخرين عنه نظرا إلى خلو الصحيحة في الكافي والتهذيب عن هذه التتمة ولذا قال
شيخنا المرتضى ره والأظهر ما عن الذخيرة والحدائق من كونها ورواية مرسلة مستقلة انتهى وكيف كان فالظاهر أن الروايتين هما عمدة مستند
الأصحاب قديما وحديثا في الحكم فلا ينبغي الالتفات إلى ما فيهما من ضعف السند وقد يستدل له ببقاء علاقة الزوجية عرفا وشرعا وهى
مقتضية لوجوب النفقة التي منها الكفن بعد الموت واعترضه في محكى الروض بالنقض بغيرها ممن يجب انفاقه وظاهره ان عدم وجوب كفن ساير
واجبي النفقة من المسلمات وفيه انه ان تم الاجماع على عدم الوجوب بالنسبة إليهم فهو الفارق بين المقامين والا فلا مانع من الالتزام بالوجوب
فيهم أيضا بمقتضى الاستصحاب ولا يتطرق الخدشة في موضوعه بعد قضاء العرف ببقائه كما يستصحب جواز النظر والمس وغيرهما من الأحكام الثابتة
حال الحياة لكن الاستصحاب انما يتمشى في حق من عد الزوجة لو لم يكن له من التركة ما يفي بكفنه لاشتراط وجوب الانفاق على غير
الزوجة بان لا يكون عنده ما يغنيه عن أن يكون كلا على غيره فالانصاف ان الالتزام بالوجوب في الصورة المفروضة غير بعيد ودعوى الاجماع
على عدمه كما استظهره بعض تحتاج إلى البينة واما في حق الزوجة فلا يشترط بذلك كما هو واضح وقد يقال قضية الاستصحاب استقرار كفنها
كغيره من نفقتها الواجبة في ذمة الزوج على تقدير الاخلال به ودفنها عارية ولو لأجل الاعسار والالتزام به مشكل ويتوجه عليه عدم تسليم
المدعى في مثل الفرض بل الحكم بذلك فيما لو لم يتمكن الزوج من كسوتها حال حيوتها أيضا وصبرت بلا كسوة أيضا غير مسلم فضلا عما بعد الموت
وكيف كان فلو تم هذا الدليل كما ليس بالبعيد فلا يقتضي الا ثبوت الحكم في بعض افراد الموضوع وهو الزوجة الدائمة الممكنة دون الناشز
والمستمتع بها فالعمدة انما هو اطلاق الخبرين المعتضد باطلاق الفتاوى وبعض معاقد الاجماعات المحكية فلا فرق بين الصغيرة والكبيرة ولا
بين الدخول بها وغيرها ولا بين الحرة والأمة ولا بين الناشزة والمطيعة ولا بين العاقلة والمجنونة ولا بين الدائمة والمتمتع بها ودعوى
انصراف الزوجة عما عدا الدائمة الممكنة التي يجب الانفاق عليه ممنوعة جدا نعم الظاهر انصرافها عن بعض افراد المتمتع بها كما أن الظاهر
انصرافها عن المحللة وكيف كان فالمدار على اطلاق الزوجة عليها عرفا فمتى أطلقت الزوجة عرفا كان كفنها على زوجها بمقتضى اطلاق النص
والفتاوى لكن لا يلزمه زيادة على الواجب كما هو واضح ويلحق بالزوجة المطلقة الرجعية لعموم المنزلة المستفادة من بعض الأخبار ولافرق
أيضا بين افراد الزوج الكبير والصغير والعاقل والمجنون لكن المخاطب بالفعل عند قصور الزوج وليه كساير الحقوق الواجبة عليه نعم يختص
الحكم بالزوج الموسر فلو كان معسرا لا يملك حتى بملاحظة ما انتقل منها إليه ما يفضل عما استثنى للمعسر فلا شئ عليه بل تكفن حينئذ من تركتها
كما نسبه في المدارك إلى ما قطع به الأصحاب لكنه مع ذلك احتمل شموله للمعسر أيضا مع الامكان لاطلاق النص وفيه ان النص يصرف عنه
بما دل على استثناء ما استثنى للمعسر في وجوب وفاء الدين فان كفن الزوجة وان لم نقل بأنه من الديون التي تستقر في الذمة بعد فوات محله بحيث
يجب عليه تسليمه إلى ورثتها نظرا إلى أن المستفاد من النص والفتاوى ليس الا وجوب كسوتها بالكفن وامتاعها إياه لا بذل المال وتمليكه لها
فيرتفع الوجوب بفوات موضوعه لكنه مع ذلك بمنزلة ساير الديون في كونه حقا ماليا للغير متعلقا بذمة الزوج فلا يجب عليه الخروج من عهدته
الا على تقدير يساره كما يدل عليه بعض ما ورد في مستثنيات الدين كصحيحة الحلبي أو حسنته لابتاع الدار في الدين ولا الخادم وذلك لأنه لابد
للرجل من ظل يسكنه وخادم اه حيث يفهم من مثل هذه الرواية ان حقوق الغير لا تزاحم ما هو من ضروريات معاش الرجل نعم لو جعل التكفين
من باب الانفاق وتحمل المؤنة كما هو قضية التعليل المتقدم عن بعض لاتجه القول بوجوبه على تقدير التمكن وعدم مزاحمته لما هو أهم منه
من الضروريات وان كان معسرا وليس بالبعيد والله العالم والعجب مما احتمله في الجواهر لولا عدم معروفية الخلاف من أنه على تقدير عدم
تنجز الخطاب على الزوج ولعدم تمكنه تدفن عارية أو من بيت المال كفاقد الكفن لامن تركها نظرا إلى عدم شمول الأدلة القاضية بثبوت الكفن
من أصل المال لكفن الزوجة حيث إن كفنها على زوجها وسقوط الخطاب عنه لعدم قدرته لا يقضى بالانتقال إلى تركتها كما أن عصيانه
بعد أدائه حال يساره وعدم التمكن من اجباره لا يقضى بذلك وفيه منع عدم الشمول فان ما يتوهم مانعا من الشمول ليس الا النص الدال
على أن كفن المرأة على زوجها دون استصحاب وجوب الانفاق الذي لا يزاحم الدليل وهولا يصلح مانعا من ذلك اما ان قلنا إنه لا يدل الا على
ثبوت حق فعلى لها عليه بمعنى لزوم تكفينها بالفعل فهو مخصوص بالقادر بل الموسر إذ ليس على غير الموسر شئ فلا يعمه هذا الحكم حتى يكون مانعا
من شمول الحكم الأول ولا يقاس المعسر الغير المتوجه إليه هذا الخطاب على الصغير الغير المكلف به بالفعل فان الصغر لا يمنع من ثبوت الحق
عليه بالفعل وارادته من الخطاب غاية الأمر ان المكلف بالخروج من عهدته هو وليه وهذا بخلاف الاعسار المانع من ثبوت حق عليه بالفعل
وان قلنا بان مفاد قوله (ع) كفن المرأة على زوجها كقضية استصحاب وجوب النفقة أعم من الحق الملزم به بالفعل نظير قولنا له عليه دين فيفهم
منه ان لها حقا ثانيا على المعسر فهو حينئذ وان كان مشمولا لهذا الحكم لكنه لا يقضى بجواز دفنها عارية ما دامت لها تركه ضرورة قضاء
الأدلة الشرعية المعتضدة بالاعتبار بأحقية الميت بتركته بمقدار الكفن من ورثته مطلقا غاية الأمر انه ثبت للزوجة حق التكفين على الزوج
410

وهذا لا ينفى أحقيتها بمقدار الكفن مما تركت فان وفى الزوج بهذا الحق الثابت عليه بقيت التركة بأسرها سليمه للورثة والا فعليهم التكفين
من تركتها وان شئت قلت لا مقتضى لتخصيص قوله (ع) في رواية السكوني الآتية أول شئ يبدء به من المال الكفن ثم الدين الحديث بالنسبة إلى الزوجة
فان ما دل على أن كفنها على زوجها لا يقتضى الا تقييده بالنسبة إليها بما إذا لم ينفق زوجها كما أنه في حق غيرها أيضا مقيد بعدم بذل الغير ضرورة
انه لو اتجر بكفنه بعض اخوانه لا يبدء به من المال لهذا القيد مأخوذ في موضوع الحكم لا محالة ولا يلزم من شموله للزوجة تصرف اخر كما لا يخفى
ومما ذكرناه ظهر لك انه لا مجال لتشكيك في عدم جواز دفنها عارية حتى في صورة يسار الزوج وامتناعه عصيانا نعم للورثة استيفاء هذا لحق
والرجوع عليه بمقدار الواجب ما لم يقصد والتبرع بذلك وهل لهم ذلك في صورة الاعسار أيضا إذا تجدد له اليسار بعد الدفن فيه وجهان أظهرها
ذلك بناء على كونه من النفقة الواجبة كما ليس بالبعيد ولا يقاس ذلك بما لو دفنت عارية حيث أنكرنا فيه استحقاقهم لذلك كما لا يخفى وكيف كان
فيتفرع على ما عرفت انه لو مات الزوج بعدها ولم يخلف شيئا وخلقت المرأة كفنا فهي أحق به ولا ينتقل إلى الزوج ولا إلى غيره من الورثة كي يتمشى
احتمال اختصاص الزوج بعد انتقاله إليه لكون كفنه مقدما على حقوق الغير التي منها كفن زوجته كما ستعرفه نعم لو خلقت تركة يفي نصيب الزوج
منها بكفنه وكفنها ولم يكن على الزوج دين يزاحم كفن زوجته على تقدير انتقال نصيبه إليه من التركة لمكان المتجه احتساب كفنها من نصيبه كما أن
المتجه ذلك لو انتقل إليه نصيبه حال حياته وصار سببا ليساره وان قلنا بأنه لا يثبت لها حق على الزوج المعسر وتوهم ان اعساره حال
موتها مانع من ثبوت حق لها عليه على هذا القول فلا يتجدد لها ذلك بموته أو يساره * (مدفوع) * بان ما دل على مانعية الاعتسار من حقها لا يدل
الا على منعه من لزوم كفنها عليه ما دام معسر أو محتاجا إلى الأموال المستثناة له فليس كفن الزوجة من هذه الجهة الا كساير الحقوق المالية المتعلقة
بذمة المستتبعة ليساره أو ما هو بمنزلته من موته فيكفي فيه يساره في الجملة قبل تعذر التكفين كما لا يخفى على من لاحظ دليله * (ثم) * انه لو مات الزوج
بعدها ولم يخلف الا كفنا واحدا اختص به دونها لما ستعرف من أن الميت أحق بتركته بمقدار كفنه من غيره ولا يزاحمه حقوق الغير التي منها كفن
زوجته وسبق حقها لا يجدي في استحقاقها له كساير الحقوق السابقة بل قد يقال إن الأقوى ذلك أيضا لو فرض موته بعد وضع الكفن عليها بل بعد
دفنها أيضا لو أمكن نزعه منها على وجه مشروع لا يستلزم هتكها إذ الظاهر المعتضد بالأصل عدم خروجه بمجرد وضعه عليها من ملكه بحيث لو فقد الميت
أو اكله السبع انتقل إلى وراثه أو صار مجهول المالك إذ لا يجب على الزوج على الظاهر الا كسوتها بالكفن وامتاعها إياه لا تمليكها لكنه لا يخلو عن
تأمل واما كفن ساير واجبي النفقة ما عدا الزوجة فقد عرفت انفا ان وجوبه عليه ما لم يخلف الميت
شيئا لا يخلو من وجه وان صرح غير واحد
بخلافه بل استظهر بعضهم عدم الخلاف فيه وكيف كان فهذا فيما عدا المملوك واما المملوك فلا خلاف ظاهرا في أن كفنه على موليه بل عن غير
واحد من الأصحاب دعوى الاجماع عليه ويؤيده الاعتبار بل ينبغي القطع بذلك ولو مع قطع النظر عن الاجماع واستصحاب وجوب الانفاق
إذ لا يكاد يشك في أن الشارع لم يرض بدفنه بلا كفن ولم يكلف بذلك من عدا سيده الذي جميع فوايده كانت عايدة إليه حال حياته بل لا يبعد
جزم العقل باستحالة ان يجعل الشارع جميع منافعه لموليه ولم يجعل مصارفه عليه من دون فرق بين حيه وميته ولذا لا ينبغي الارتياب في أنه
يجب عليه ما في مؤن التجهيز كثمن السدر والكافور وهل يجب ذلك على الزوج أيضا كما عن تصريح جماعة بل في الجواهر لا أجد فيه خلافا الظاهر
ذلك لا لأجل التعليل باستصحاب وجوب الانفاق الذي على تقدير تمامية أخص من المدعى بل لأجل ان كون المورد كذلك ولو في الجملة يوجب
انس الذهن واستفادته من حكم الشارع بان كفن المرأة على زوجها حيث يتبادر إلى الذهن إرادة ما يعم مؤنة التجهيز كما يشهد بذلك فهم الأصحاب
فلو لم يكن ما عدا الكفن واجبا عليه لكان التنبيه عليه في مثل المقام لازما كي لا يقع المخاطب في الشبهة فليتأمل ولافرق في المملوك بين اقسامه
نعم لو تحرر من المكاتب كان على المولى ومن تركته بالنسبة ولو لم يخلف تركة وقصرها ثبت على المولى بالنسبة عن الوفاء بستر عورته ولم يتبرع
متبرع بتكميله مثلا فالظاهر سقوطه عن المولى لعدم الفائدة فيما ثبت عليه والأصل براءة ذمته عما زاد والله العالم ولو كانت الأمة مزوجة
فالظاهر أن كفنها على زوجها دون سيدها كما نبهنا عليه في صدر المبحث الظهور قوله (ع) كفن المرأة على زوجها في الاطلاق وقصور ما دل على أن
كفنها على سيدها عن شمول مثل الفرض كما لا يخفى ويؤخذ كفن الرجل بل مطلق الميت عدا من عرفت من أصل تركته كما يدل عليه صحيحة عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (ع) قال ثمن الكفن من جميع المال مقدما على الديون والوصايا والإرث اجماعا ما عن جماعة نقله بل في طهارة
شيخنا المرتضى ره كما عن المعتبر والتذكرة بلا خلاف فيه بين المسلمين الامن شذ من الجمهور لكن مع وصف الكفن بالواجب ويدل عليه مضافا إلى
ذلك رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال أول شئ يبدء به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث وروى نحوها عن الدعائم عن
أمير المؤمنين عليه السلام وصحيحة زرارة قال سئلته عن رجل مات وعليه دين وخلف قدر ثمن كفنه قال يجعل ما ترك في ثمن كفنه الا ان يتجر عليه بعض
الناس فيكفنونه ويقضى ما عليه مما ترك وقضية تقدم الكفن على الدين مطلقا كما يقتضيه اطلاق الاخبار وكلام الأصحاب في فتاويهم و
معاقد اجماعاتهم المحكية عدم مزاحمة حق المرتهن وغرماء المفلس له وان تعلق حقهم بالعين فان حكم الشارع بتقدم الكفن على الدين ينفى
411

استحقاقهم استيفاء ديونهم ما لم يخلف الميت ما يزيد عن كفنه فلا يبقى لهم حق في مورد المزاحمة كي ينافي استحقاقه للكفن فما عن الذكرى
من تقديم حق المرتهن بخلاف غرماء المفلس ضعيف وعن المحقق والشهيد الثانيين التردد في تقدمه على حق المرتهن والمجني عليه من
اطلاق النص والفتوى ومن اقتضاء الرهن والجناية الاختصاص ثم احتملا الفرق بين الجناية والرهن بان الدين في الرهن يتعلق بالقيمة
ولا يستقل الاخذ بالاخذ بخلاف الجناية واحتمل أولهما الفرق بين الجنابة عمدا وخطا ثم قال والمسألة موضع تردد وان كنت لا استبعد
تقديم الكفن في المرتهن انتهى أقول اما ترددهما في تقدمه على حق المرتهن فقد عرفت إلى غير محله حيث إن ما دل على تقدم الكفن على الدين
وارد على ما يقتضيه الرهن من الاختصاص واما ترددهما في تقدمه على حق المجني عليه ففي محله خصوصا في الجناية العمدية التي يكون الخيار
للمجني عليه فان ما يستحقه المجني عليه في الحقيقة ليس دينا على المولى كي يندرج في موضوع النصوص والفتاوى المتقدمة بل هو حق متعلق برقبة
العبد له استرقاقه في العمد وللمولى فكه في الخطاء فما أشبهه بالمبيع بالبيع الخياري فإنه وان لم نقل بخروجه من الملك بالجناية الا انه قريب من
ذلك لأجل صيرورته متعلقا لحق الغير لكنه مع ذلك قد يقوى في النظر تقدمه على هذا الحق أيضا وان كانت الجناية عمدية فضلا عن غيرها نظرا
إلى بقائه في ملك المولى ما لم يسترقه المجني عليه فيندرج في موضوع ما تركه الميت ولا يبعد دعوى ظهور قوله (ع) في رواية السكوني أول شئ يبدء به
من المال الكفن ثم الدين في أحقية الميت بما تركه بمقدار كفنه من ساير الناس ولا يزاحمه شئ من حقوق غيره وتخصيص الدين بالذكر لكونه
اظهر افراد الحقوق فتأمل هذا كله فيما لو كانت الجناية قبل موت المولى ولو حدثت بعده فقد حكى عن الروض القطع بتقديم الكفن عليه تبعا
لجامع المقاصد ولعله لسبق استحقاق الميت له وهذا أيضا لا يخلو عن من تأمل والله العالم * (ثم) * ان صريح بعضهم في فتاويهم بل في بعض معاقد
اجماعاتهم المحكية تخصيص الحكم بالكفن الواجب دون المندوب وبه صرح المصنف في محكى المعتبر قال لو كان هناك دين مستوعب منع من المندوب
وان كنا لا نبيع ثياب التحمل للمفلس لحاجته إلى التجمل بخلاف الميت فإنه أحوج إلى براءة ذمته ولو أوصى بالندب فهو من الثلث الا مع الإجازة
انتهى وفى طهارة شيخنا المرتضى ره بعد اختياره ذلك قال ولافرق بين تعلق الندبية بموجود مستقل كالقطع المندوبة أم تعلقت بخصوصية
من خصوصيات الكفن الواجب كاجادة الكفن وكون الإزار الواجب بردا ونحوهما والتأمل في القسم الثاني بناء على أن المندوب أحد افراد
القدر المشترك الواجب فللولي المخاطب بالمباشرة اختياره مدفوع بان الكلام ليس في اختيار الولي بل الكلام في المتعلق بالتركة فإذا فرض ان
المتعلق بها هو القدر المشترك فلا تسلط للولي على مزاحمة الوارث بعد بذل الوارث القدر المشترك انتهى وفيه ان تقدم حتى الميت وأحقيته
بكفنه من ساير الناس بمنعهم من مزاحمة الولي فيما يختاره ما لم يكن خارجا من المتعارف اللايق بحال الميت كما تقدم الكلام فيه مفصلا فان
اطلاقات أدلة التكفين مع ما فيها من الأجزاء المستحبة فضلا عن واجباتها على الاطلاق حاكمة بل واردة على ما دل على استحقاق الورثة وغيرهم
انصبائهم فكما انه ليس مزاحمة الولي في أصل التكفين ليس لهم مزاحمته فيما يقتضيه اطلاق أدلة الكفن نعم لا يتمشى ذلك فيما أثبتا استحبابه بالمسامحة
كما هو ظاهر لكنك عرفت فيما سبق ان الأحوط اقتصار الولي في امتثال المطلق عند قصور الورثة أو مزاحمتهم على أقل ما به يتحقق المسمى ما لم
يوجب استحقار الميت ومهانته وأولى بمراعاة الاحتياط هو الاقتصار عليه عند مزاحمة حق الديانين للوجه الاعتباري الذي تقدم نقله من المعتبر
والله العالم فإن لم يكن له كفن أي تركه بقدر ان يؤخذ كفنه منها ولم يتبرع بذلك متبرع مثلا دفن عريانا ولا يجب على المسلمين بذل الكفن بلا خلاف
فيه بين العلماء كما في المدارك ومحكى الذخيرة والنهاية بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه للأصل السالم من دليل حاكم عليه وما يقال من أن
مقتضى اطلاقات وجوب التكفين وجوب مقدماته التي من جملتها بذل الكفن مدفوع أولا بعدم العثور فيما بأيدينا من الأدلة على دليل
مطلق مسوق لبيان وجوبه على عامة المكلفين كي يقال إن ايجابه مطلقا يقتضى ايجاب مالا يتم الا به ولو من المقدمات الموقوفة على بذل
المال بل غاية ما هو الموجود في المقام مثل * (قوله) * الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب المعلوم عدم وروده الا لبيان حكم اخر وثانيا لو سلم
وجوده فلا يراد منه الا وجوب نفس العمل كفاية على عامة المكلفين أعني ستر الميت في كفنه المأخوذ من ماله أو من الزوج وغيره لا وجوب بذل
الكفن كما تدل عليه الأدلة المتقدمة الواردة لبيان ماخذ الكفن فان وجوب اتخاذ من ماله أو من الزوج عينا ينافي وجوب بذله كفاية على
عامة الناس كي يراد بالمطلقات وتوهم ان قضية اطلاق الامر بالتكفين وجوبه كفاية عند تعذر اتخاذه من ماله أو من الزوج ونحوه إذ لا منافاة
بين ايجاب شئ مطلقا على مكلف وايجاب بعض مقدماته الوجودية على مكلف آخر فان وفى ذلك المكلف الاخر بما هو تكليفه فهو والا فعلى من وجب
عليه مطلقا تحصيل المقدمات بمقتضى اطلاق الطلب مدفوع بان تعيين مأخذ الكفن مع غلبة امكان اخذه من ذلك المأخذ المعين
يمنع المطلقات من الظهور في إرادة ما يعم صورة تعذر الاخذ بل يصرفها إلى إرادة ستره في كفنه الذي عينه الشارع بل وكذا أدلة نفى الضرر
أيضا حاكمة على تلك المطلقات ومقيدة لها بما إذا كان له من ماله أو مما هو بحكمه كفن وكذلك الكلام في ساير مؤن تجهيز الميت فلا يجب شئ
منها كفاية على المسلمين لعين ما عرفت بل يستحب لهم بذل الكفن وغيره كما يدل عليه ما في الرواية الآتية من أن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا
412

وفى صحيحة سعد بن طريف عن أبي جعفر (ع) قال من كفن مؤمنا كمن ضمن كسوته إلى يوم القيمة وظهورها في الاستحباب يؤيد الحكم الأول أعني عدم
وجوبه كفاية على المسلمين كما أنه يؤيده أيضا بل يدل عليه ما رواه بن المحبوب عن الفضيل بن يونس الكاتب قال سئلت أبا الحسن موسى عليه السلام
فقلت له ما ترى في رجل من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفن به اشتري له كفنه من الزكاة فقال اعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه
فيكونون هم الذين يجهزونه قلت فإن لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره فأجهزه انا من الزكاة قال كان أبى يقول إن حرمة بدن المؤمن
ميتا كحرمته حيا فوار بدنه وعورته وجهزه وكفنه وحنطه واحتسب بذلك من الزكاة وشيع جنازته قلت فان اتجر عليه بعض اخوانه بكفن اخر
وكان عليه دين أيكفن بواحد ويقضى دينه بالاخر قال لا ليس هذا ميراثا تركه انما هو شئ صار إليه بعد وفاته فليكفنوه بالذي اتجر عليه
ويكون الاخر لهم يصلحون به شأنهم وفيها جهات من الدلالة على المدعى غير خفية على المتأمل كما انها تدل على جواز تجهيزه وتكفينه من
الزكاة وعن جملة من الأصحاب القول بوجوبه نظرا إلى الأوامر الواردة في الرواية وفيه بعد الفض عن ورودها في مقام توهم الخطر كادت تكون
صريحة في الاستحباب لما فيها من القراين التي منها التفريع على قول أبيه صلوات الله عليه المستشهد به للجواز المعلوم عدم اقتضائه تعين صرف
الزكاة في المشبه به عند عدم انحصار المصرف فيه فضلا عن المشية ثم إن ما تضمنته الرواية من اعطاء عياله ليجهزوه أيضا محمول على الاستحباب
إذ لم يقل أحد بوجوبه كما اعترف به في محكى الروض ويشهد له عدم تعين الفعل عليهم بعد انتقال الزكاة إليهم وعدم انحصار المصرف واعطائهم
فقوله (ع) فيكونون هم الذين يجهزونه جار مجر العادة من اقدامهم على تجهيزه بعد انصراف المال إليهم وربما يستشعر من هذا الكلام ان
المقصود بذلك جبر قلوبهم كي لا يدخل عليهم العار من تكفين الأجنبي كما أنه يستشم من الاستشهاد للحكم في الفقرة الأخيرة بقول أبيه صلوات
الله عليهما ان حكمة الامر باعطاء أهله مع الامكان أولوية صرف الزكاة في مصرف الاحياء منه في مصرف الأموات والله العالم ثم حكى عن
جماعة التصريح بوجوب تكفين من ليس له كفن من بيت مال المسلمين والمراد به كما عن جامع المقاصد الأموال التي تستفاد من خراج الأرضين
المفتوحة عنوة وسهم سبيل الله من الزكاة فإنها معدة لمصالح المسلمين وتجهيز موتاهم من أهمها وهو وجيه ما لم يزاحمه ما هو أهم منه
والظاهر أن من صرح بوجوبه أيضا لم يرد الا هذا الفرض وكذا أي بحكم الكفن في جميع ما عرفت جميع ما يحتاج إليه الميت مما يتوقف تحصيله
على بذل المال من كافور وسدر وغيره فيجوز اخذها من الزكاة وبيت المال ما لم يكن له تركه ولا يجب عليه أحد بذله بل يستحب كما عرفت
ولو كان له تركه يؤخذ الجميع من أصل التركة مقدما على الدين والوصية والميراث بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن الخلاف الاجماع على أن الكفن
ومؤنة الميت من أصل التركة وفى المدارك اما الوجوب من أصل المال فظاهر لان الوجوب متحقق ولا محل له سوى التركة اجماعا انتهى وقضية
تعليل المدارك كاطلاق معقد اجماع الخلاف اطراد الحكم في جميع ما يتوقف عليه تجهيز الميت ودفنه من دون فرق بين ما يصرف عوض الأعيان
المصروفة في التجهيز كالماء والخليطين وعوض المدفن وبين اجرة الغاسل والحفار والحمال إذا لم يتحقق الا بفعل من يأخذ الأجرة عصيانا أو
استحقاقا لكن في طهارة شيخنا المرتضى ره بعد نقل الاجماع المتقدم عن الخلاف قال ولولا الاجماع لأمكن الخدشة في اخراج مقدمات
الافعال كالحفر والحمل والغسل ونحوها فان المتيقن خروج الأعيان المصروفة في التجهيز كالماء والخليطين والكفن وأجرة المدفن واشكل
من ذلك ما لو توقف مباشرة الفعل على بذل مال بظالم يمنع من الغسل والدفن في الأرض المباحة ونحو ذلك انتهى وفى الجواهر قوى عدم اخذ
مثل هذه المقدمات من التركة بل ودعوى انصراف لفظ المؤنة في معقد الاجماع إلى غيرها وفيه مالا يحصى بعد ما أشرنا إليه فيما تقدم من أن
مقتضى قاعدة نفى الضرر وغيرها عدم وجوب بذل المال على أحد في مقدمات التكفين بل قد سمعت من صاحب المدارك دعوى الاجماع
عليه حيث قال لا محل له سوى التركة اجماعا فلا يجب على المكلفين كفاية الا مباشرة نفس الاعمال بشرط القدرة لا بذل المال خصوصا فيما يأخذه
الظالم فإنه ينبغي الجزم بعدم وجوب بذله على أحد فلو لم يجب اخذه من التركة للزم جواز ابقاء الميت الذي خلف تركة بقدر حاجته بلا دفن وهو
معلوم الفساد للقطع بعدم رضا الشارع بذلك بل ينبغي القطع بأولوية الميت بماله فيما يحتاج إليه لتجهيزه من وارثه الذي لا يستحقه الا
لكونه أولى الناس به فكيف يتقدم على نفسه بل كيف يجعل الشارع أمواله المتخلفة لأقاربه ومؤنة تجهيزه على الأجانب يوصى ببقائه بلا دفن
مع أنه لم يرض ببقائه بلا كفن وجعله مقدما على الذين فضلا عن الميراث وليس ذلك الا لأولويته بماله من ساير الناس فيما يحتاج إليه من دون خصوصية
للكفن بل الكفن بالنسبة إلى مقدمات الدفن ليس الا كثياب التجمل التي قدمها الشارع على حق الغرماء بل المتبادر عرفا واسطة المناسبات المغروسة
في الأذهان من قوله (ع) أول شئ يبدء به من المال الكفن وكذا من ثمن الكفن في صحيحتي ابن سنان وزرارة المتقدمتين ليس الا إرادة ما يعم مؤنة التجهيز
وتخصيص الكفن بالذكر لكونه اظهر المقدمات المتوقفة على بذل المال وكيف كان فلا مجال للتشكيك في الحكم بعد القطع بعدم جواز ابقائه بلا دفن
وعدم وجوب البذل على ساير الناس كما استدل به في المدارك وادعى عليه الاجماع خصوصا بعد ما سمعت من دعوى الاجماع من الخلاف ان مؤنة
الميت مطلقا من أصل التركة ودعوى انصرافها عما يأخذه الظالم ونحوه بعد توقف دفنه عليه ولو في خصوص شخص ممنوعة جدا فان صدق المؤنة
413

على ما يتوقف عليه الدفن ونحوه ليس مقولا بالتشكيك كي يتطرق دعوى الانصراف في بعض مصاديقها والله العالم * (المسألة الثالثة) * إذا
سقط من الميت شئ من شعره أو جسده وجب ان يطرح معه في كفنه كما عن تصريح جماعة وظاهر آخرين بل عن الذخيرة لا اعلم فيه خلافا وفى محكى
التذكرة وان سقط من الميت شئ غسل وجعل معه في أكفانه باجماع العلماء لان جميع اجزاء الميت في موضع واحد أولى انتهى وربما يستشعر من تعليله
الاستحباب كما عن الجامع التصريح بذلك والأصل في المسألة مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) قال لا يمس عن الميت شعر ولا ظفر وان سقط
منه شئ فاجعله في كفنه ثم إن عبارة التذكرة المتقدمة تقتضي التغسيل ثم الطرح في الأكفان وعن بعضهم التصريح بذلك فان أرادوا عدم
اهماله حين تغسيل الميت بجعله بمنزلة المتصل نظرا إلى اهتمام الشارع به وعدم رفع اليد عنه حيث أوجب دفنه فله وجه وان لا يخلو من نظر وان أرادوا
وجوب غسله مستقلا ففيه منع ظاهر خصوصا بالنسبة إلى الشعر ونحوه لعدم الدليل لو لم ندع الدليل على العدم والله * (الرابع) * من الأحكام
المتعلقة بالأموات في مواراته في الأرض وله مقدمات أي آداب متقدمة عليه مسنونة كلها منها تشييع جنازته وفيه ثواب جسيم واجر عظيم فقد
روى جابر عن أبي جعفر (ع) قال من شيع ميتا حتى يصلى عليه كان له قيراط من الاجر ومن بلغ معه إلى قبره حتى يدفن كان له قيراطان والقيراط مثل
جبل أحد وروى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام بمضمونه وعن الأصبغ بن نباته قال قال أمير المؤمنين عليه السلام من تبع جنازة كتب الله له أربعة قراريط
قيراط باتباعه وقيراط للصلاة عليها وقيراط بالانتظار حتى يفرغ من دفنها وقيراط للتعزية وعن أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) قال كان فيما ناج
به موسى (ع) ربه ان قال يا رب ما لمن شيع جنازة قال أوكل به ملائكة من ملائكتي معهم رايات يشيعونهم من قبورهم إلى محشرهم وعن ميسر قال
سمعت أبا جعفر (ع) يقول من تبع جنازة مسلم اعطى يوم القيمة اربع شفاعات ولم يقل شيئا الا وقال الملك ولك مثل ذلك وعن جابر عن أبي
جعفر (ع) قال إذا دخل المؤمن قبر نودي الا وان أول حبائك الجنة الا وان أول حباء من تبعك المغفرة وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
قال أول ما يتحف المؤمن به في قبره ان يغفر لمن تبع جنازته وفى عقاب الأعمال روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث قال من شيع جنازة فله بكل خطوة
حتى يرجع مائة الف حسنة ويمحى عنه مأة الف سيئة ويرفع له مائة الف درجة فان صلى عليها شيعة في جنازته مائة الف ملك كلهم يستغفرون له حتى
يبعث من قبره ومن صلى على ميت صلى عليه جبرئيل وسبعون الف ملك وغفر له ما تقدم من ذنبه وان أقام عليه حتى يدفنه وحثا عليه من التراب انقلب
من الجنازة وله بكل قدم من حيث تبعها حتى يرجع إلى منزله قيراط من الاجر والقيراط مثل جبل أحد يلقى في ميزانه إلى غير ذلك من الاخبار ولا يعتبر
فيه تبعيته حتى يدفن وان كان ذلك أفضل ودونه إلى الصلاة عليه لظهور بعض الأخبار في استحباب مطلقه واستحقاق الاجر بقدر عمله * (ففي صحيحة) * زرارة
أو حسنته قال حضر أبو جعفر (ع) جنازة رجل من قريش وانا معه وكان فيها عطاء فصرخت صارخة فقال عطاء لتسكتين أو لترجعن قال فلم تسكت فرجع
عطاء قال فقلت لأبي جعفر عليه السلام ان عطاء قد رجع قال ولم قلت صرخت هذه الصارخة فقال لها لتسكتين أو لنرجعن فلم تسكت فرجع فقال
امض فلو انا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم قال فلما صلى الجنازة قال وليها لأبي جعفر (ع) ارجع مأجورا
رحمك الله فإنك لا تقوى على المشي فأبى ان يرجع قال فقلت له قد اذن لك في الرجوع ولى حاجة أريد ان أسئلك عنها فقال امض فليس باذنه
جئنا ولا باذنه نرجع انما هو فضل واجر طلبناه فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك وظاهرها بل كاد يكون صريحها استحباب مطلق
التشييع من دون مدخلية اذن الولي فيه ابتداء واستدامة فللمشيع الرجوع في الأثناء وان لم يأذن له الولي ولا بقدح رجوعه في استحقاقه
الاجر بقدر ما تبعه بل كاد يكون صريحها حيث لم يعترض الإمام (ع) على ما فعله عطاء الا بأنه لا يترك الحق للباطل جواز الرجوع في الأثناء بدون
اذن الولي وعدم حرمته كما أن ظاهر جملة من الاخبار جواز الرجوع بعد الصلاة قبل الدفن من دون اشتراطه بإذن الولي فما في مرفوعة البرقي عن
الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أميران وليسا بأميرين ليس لمن تبع جنازة ان يرجع حتى يدفن أو يؤذن له ورجل يحج مع امرأة فليس
له ان ينفر حتى يقضى نسكها يجب حمله على بعض المحامل أورد علمه إلى أهله خصوصا بعد اعراض الأصحاب عنها نعم حكى عن ابن الجنيد العمل بها
فلم يجوز الرجوع قبل الدفن ما لم يأذن أهله بالانصراف الا لضرورة مستشهدا بالرواية وهو لا يخرجها من الشذوذ فلا تصلح دليلا لاثبات
مثل هذا الحكم المخالف للقواعد فضلا عن معارضته غيرها من الاخبار وعن المنتهى ان أدنى مراتب التشييع ان يتبعها إلى المصلى فيصلى عليها
ثم ينصرف وأوسطه إلى القبر ثم يقف حتى يدفن وأكمله الوقوف بعد الدفن ليستغفر له ويسئل الله له وظاهره عدم حصوله إذا لم يتبعها إلى المصلى
وفيه نظر يظهر وجهه مما مر ومنها ان يمشى المشيع ولا يركب كما هو صريح بعض وظاهر آخرين بل عن ظاهر الغنية كالمنتهى على ما تسمعه من عبارته
الاجماع عليه وربما يستفاد من جملة من الاخبار كراهة الركوب كما صرح بها غير واحد بل عن المعتبر والمنتهى دعوى الاجماع عليها قال في محكى المنتهى
ويستحب المشي مع الجنازة ويكره الركوب وهو قول العلماء كافة انتهى ويدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال مات رجل
من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله يمشى فقال له بعض أصحابه الا تركب يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال إني لأكره ان اركب والملائكة
يمشون وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) عن ابائه عن علي عليه السلام انه كره ان يركب الرجل مع الجنازة في بدائة الامن عذر وقال يركب إذا رجع
414

ومرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام قال رأى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما خلف جنازة ركبانا فقال ما استحيى هؤلاء ان يتبعوا صاحبهم
ركبانا وقد أسلموه على هذا الحال و * (منها) * ان يكون مشئ المشيع وراء الجنازة أو إلى أحد جانبيها فإنه أفضل من الامام وعن المعتبر والتذكرة
نسبته إلى فقهائنا وعن جامع المقاصد دعوى اجماع علمائنا عليه * (ففي) * موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال المشي خلف الجنازة أفضل من المشي
بين يديها وخبر جابر عن أبي جعفر (ع) قال مشى النبي صلى الله عليه وآله خلف جنازة فقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله مالك تمشى خلفها فقال إن الملائكة رايتهم يمشون امامها
ونحن نتبع لهم ورواية سدير عن أبي جعفر (ع) قال من أحب ان يمشى مشى الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير ويظهر من بعض الأخبار كراهة التقدم
كخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن ابائه عن علي (ع) قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم خالفوا أهل الكتاب وعن المقنع انه روى اتبع
الجنازة ولا تتبعكم فإنه من عمل المجوس وعن الفقه الرضوي إذا حضرت جنازة فامش خلفها ولا تمش امامها وانما يوجر من تبعها لامن تبعته
لكن ظاهر بعض الروايات عدم الكراهة كما عن المعتبر والذكرى التصريح بذلك كخبر محمد بن مسلم عن أحدهما قال سئلته عن المشي مع الجنازة فقال
بين يديها وعن يمينها وعن شمالها وخلفها ويقرب منه خبره الاخر وفى ذيل موثقة اسحق المتقدمة قال ولا بأس ان يمشى بين يديها وفى خبر الحسين بن
عثمان ان الصادق (ع) تقدم سرير ابنه إسماعيل بلا حذاء وفى جملة من الاخبار التفصيل بين جنازة المؤمن وغيره فلا يكره المشي امام جنازة
المؤمن ويكره في غيره ففي رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال سئل كيف اصنع إذا خرجت مع الجنازة امشي امامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها
فقال إن كان مخالفا فلا تمشي امامه فان ملائكة العذاب يستقبلونه بألوان العذاب ورواية يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (ع) قال امش
امام جنازة المسلم العارف ولا تمش امام جنازة الجاحد فان امام جنازة المسلم ملائكة يسرعون به إلى الجنة وان امام جنازة الكافر ملائكة
يسرعون به إلى النار ورواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع) كيف اصنع إذا خرجت مع الجنازة امشي امامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها
فقال إن كان مخالفا فلا تمش امامه فان ملائكة العذاب يستقبلونه بأنواع العذاب ورواية قرب الإسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه (ع)
عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذ لقيت جنازة مشرك فلا تستقبلها خذ عن يمينها وشمالها فلا ريب في كراهة المشي امام جنازة غير
المؤمن واما المؤمن فالظاهر عدم الكراهة لكن الأفضل ما عرفت لما عرفت ويستحب للمشيع التفكر في ماله والاتعاظ بالموت والتخشع ويكره له الضحك
واللهو واللعب ففي خبر عجلان أبى صالح قال قال له الصادق (ع) يا أبا صالح إذا أنت حملت جنازة فاذكر كأنك المحمول وكأنك سئلت ربك
الرجوع إلى الدنيا ففعل فانظر ماذا تستأنف قال ثم قال عجب لقوم حبس أولهم عن اخرهم ثم نودي فيهم بالرحيل وهم يلعبون وروى أن
عليا (ع) شيع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال كأن الموت فيها على غيرنا كتب ويكره للمشيع الجلوس حتى يوضع الميت في لحده ذكره جملة من الأصحاب
لما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال ينبغي لمن شيع جنازة ان لا يجلس حتى يوضع في لحده فإذا وضع في لحده فلا بأس
بالجلوس خلافا للمحكى عن ظاهر الشيخ وابن الجنيد فلم يكرها. للأصل وخبر عبادة بن صامت ان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان في جنازة لم يجلس حتى
يوضع في اللحد فاعترض بعض اليهود وقال انا لنفعل ذلك فجلس وقال خالفوهم وأجيب عن الرواية بان دلالتها على خلاف المدعى أولى لان كان
تدل على الدوام والجلوس في الواقعة الخاصة انما وقع لاظهار المخالفة وأيضا بان القول أقوى من الفعل ويمكن ان يمنع ظهور الصحيحة في الكراهة
فان ظاهر صدرها استحباب عدم الجلوس لا كراهة الجلوس وظهوره في ذلك يمنع ذيلها من ظهور مفهومه في إرادة البأس الملزوم للكراهة الا
ترى انك لو أردت ان تخبر عن استحباب عدم الجلوس لا تعبر غالبا الا بما يقرب من هذه العبارة وان أردت ان تخبر عن كراهة الجلوس تعبر بلفظ
لا ينبغي وأشباهه فعلى هذا يكون ترك الجلوس مستحبا والجلوس بعنوان المخالفة لليهود أفضل ويؤيده عدم كراهة الجلوس بل يدل عليه حديث داود بن
النعمان ان أبا الحسن (ع) لما انتهى إلى القبر تنحى وجلس فلما ادخل الميت لحده قام فحثا التراب عليه بيده ثلاث مرات ويكره لغير صاحب المصيبة
ان يمشى مع الجنازة بغير رداء والمراد به على الظاهر كونه بزي صاحب المصيبة واما صاحب المصيبة فإنه ينبغي له ان يضع ردائه ليتميز عن غيره
فيقصده الناس للتعزية كما يدل عليه مرسلة ابن أبي عمير عن الصادق (ع) قال ينبغي لصاحب المصيبة ان يضع ردائه حتى يعلم الناس انه صاحب
المصيبة وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال ينبغي لصاحب المصيبة ان لا يلبس رداء وأن يكون
في قميص حتى يعرف ورواية الحسين بن عثمان قال
لما مات إسماعيل بن أبي عبد الله (ع) خرج أبو عبد الله (ع) فتقدم السرير بلا رداء ولا حذاء وقضيته للعلة المنصوصة في الروايات استحباب مطلق تغيير
زيه على وجه يعرف به كونه صاحب المصيبة ويدل على كراهته لغير صاحب المصيبة ما روى عن النهاية مرسلا قال قال الصادق (ع) ملعون ملعون من وضع ردائه في مصيبة غيره وروى به السكوني عن الصادق (ع) عن ابائه (ع) قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله ثلاثة لا أدري أيهم أعظم جرما الذي يمشى مع الجنازة بغير رداء والذي يقول قفوا والذي يقول استغفروا له غفر الله لكم وعن الخصال
بسنده عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق (ع) أيضا ثلاثة لا ادرى أيهم أعظم جرما الذي يمشى خلف جنازة في مصيبة غيره بغير رداء و
الذي يضرب يده على فخذه عند المصيبة والذي يقول ارفقوا به وترحموا عليه رحمكم الله لكن روى عن النبي صلى الله عليه وآله انه مشى في جنازة سعد بن معاذ بلا
حذاء ولا رداء فسئل عن ذلك فقال إني رأيت الملائكة يمشون بلا حذاء وبلا رداء فلا يبعد رجحانه في جنازة الأعاظم من الأولياء والعلماء لأجل
415

التأسي أو لأجل كون كل أحد في الحقيقة صاحب المصيبة عند موتهم والله العالم ثم إن ما تصيبنه رواية السكوني من قوله فهو الا يبعد ان يكون مصحف
ارفقوا كما في رواية الخصال ويؤيده ما في حكى المعتبر عن علي بن بابويه في رسالته وإياك ان تقول ارفقوا به أو ترحموا عليه أو تضرب يدك على فخذك
فتحبط اجرك وفى الحدائق حكاه بعينه عن الفقه الرضوي الا انه زاد في اخره عند المصيبة وكيف كان فلم يتضح وجه الكراهة في قوله استغفروا له
أو ترحموا عليه وكذا في قوله قفوا أو ارفقوا وان ذكر في محكى البحار في توجيهه بعض مالا يخلو من تأمل فالانصاف عدم خلوه عن تشابه والأولى
رد علمه إلى أهله والتجنب عن التلفظ بهذه الفقرات تعبدا وان كان الاستغفار والترحم عليه في حد ذاته راجحا كما أن الارفاق في المشي بمعنى الاقتصاد
فيه أيضا كذلك لما روى عن النبي صلى الله عليه وآله عليكم بالسكينة عليكم بالقصد في المشي بجنازتكم بل حكى عن الشيخ دعوى الاجماع على كراهة الاسراع بالجنازة
وكفى بهما دليلا في مثل المقام وحكى عن الجعفي أنه قال السعي بها أفضل وعن ابن الجنيد أنه قال يمشى بها جنبا قيل السعي العدو والجنب ضرب منه
واستشهد لهما بما رواه الصدوق عن الصادق (ع) ان الميت إذا كان من أهل الجنة نادى عجلوني في قبري وان كان من أهل النار نادى ردوني
وفى شهادته على مدعاهما نظر فلا يلتفت إلى قولهما في مقابل ما عرفت ومن المقدمات المسنونة ان تربع الجنازة بكسر الجيم سرير الميت وقيل
الميت بسريره وبفتحها الميت واما تربيع الجنازة فله معنيان ولا تأمل في استحبابه بكلا معنييه أحدهما حمل الجنازة من اربع جوانبها بأربعة
اشخاص في مقابل حملها مثلا بين عمودين بشخصين فلعل استحبابه عندنا مجمع عليه كما ادعاه بعضهم على ما في الجواهر بل صرح بعض بكونه
مورد اتفاق النص والفتوى ويدل عليه رواية جابر عن أبي جعفر (ع) قال السنة ان يحمل السرير من جوانبه الأربعة وما كان بعد ذلك من حمل فهو
تطوع ومثلها المرسلة الآتية ويمكن استفادته أيضا من غيرها من الروايات الآتية وان لم تكن مسوقة لبيان هذا الحكم كما لا يخفى على المتأمل
ثانيها ان يربع الحامل في حملها بان يحمل كل جانب من الجوانب الأربعة بالتناوب واستحبابه مما لا خلاف في ظاهرا نصا وفتوى ويحتمل ارادته من الرواية
المتقدمة وان بعد ويدل عليه جملة من الاخبار ففي صحيحة جابر عن أبي جعفر (ع) قال من حمل الجنازة من اربع جوانبها غفر الله له أربعين كبيرة و
مرسلة عيسى بن راشد عن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول من اخذ بجوانب السرير الأربعة غفر الله له أربعين كبيرة ومرسلة سليمان بن خالد عن أبي
عبد الله (ع) من اخذ بقائمة السرير غفر الله له خمسا وعشرون كبيرة وإذا ربع خرج من الذنوب ومرسلة الصدوق قال قال أبو جعفر من حمل جنازة
الميت بجوانب السرير الأربعة محى الله عنه أربعين كبيرة من الكبائر والسنة ان يحمل السرير من جوانبه الأربعة وما كان بعد ذلك فهو تطوع ورواية
إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله أنه قال إذا حملت جوانب السرير سرير الميت خرجت من الذنوب كما ولدتك أمك ورواية سليمان بن صالح عن أبيه عن أبي
عبد الله (ع) قال من اخذ بقائمة السرير غفر الله له خمسا وعشرين كبيرة فإذا ربع خرج من الذنوب ولا يشترط فيه البدئة بجانب معين من جوانبه
الأربعة بل يتأدى السنة بحمل الجوانب مطلقا كيف ما اتفق كما يدل عليه صحيحة الحسين بن سعيد انه كتب إلى أبى الحسن الرضا (ع) يسأله عن سرير الميت يحمل إله
جانب يبدء به في الحمل من جوانبه الأربعة أو ما خف على الرجل يحمل من أي الجوانب شاء فكتب من أيها شاء ولكن الأفضل ان يبدء مقدمها الأيمن
أي الجنازة التي هي عبارة عن الميت أو سريره مع ما فيه أي الميت سريره على تقدير كونه بكسر الجيم والمراد بجانبها الأيمن على هذا التقدير يمينها بعد
فرض السرير مع الميت بمنزلة شخص متلقى على قفاه فيتحد مع الأول فيبدء بمقدمها الأيمن الذي هو يسار السرير عرفان يمينه بعد فرض بتقيته للميت فيضعه
على عاتقه الأيمن ويخرج باقي بدنه ثم ينتقل إلى مؤخرها الأيمن فيضعه على عاتقه الأيمن أيضا كذلك ثم يدور من ورائها إلى الجانب الأيسر الذي هو
يمين السرير على عاتقه الأيسر ثم ينتقل إلى مقدمها الأيسر كذلك فينتهي به الدور هذه الكيفية هي المشهورة بين الأصحاب على ما في كشف اللثام
وعن ظاهر الشيخ في الخلاف اختياره وربما يظهر من غير واحد منهم عكس هذا الترتيب كما يحتمله عبارة المتن بل في الحدائق نسبه إلى المشهور وحكى عن
الشيخ في النهاية والمبسوط اختياره ودعوى الاجماع عليه وربما تكلف بعضهم في الجمع بين كلماتهم المختلفة وارجاع بعضها إلى بعض بما لا يهما تحقيقه
إذ الظاهر بل المتيقن كون المسألة خلافية ومنشأه اختلاف الاخبار حيث يستفاد من جملة منها الكيفية المذكورة كخبر الفضل بن يونس قال سئلت أبا
إبراهيم (ع) عن تربيع الجنازة فقال إذا كنت في موضع تقية فابدء باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم ارجع من مكانك إلى ميامن الميت لا تمر خلف رجليه البتة حتى
تستقبل الجنازة فتأخذ بيده اليسرى ثم رجله اليسرى ثم ارجع من مكانك لا تمر خلف الجنازة البتة حتى تستقبلها تفعل كما فعلت أولا وان لم تكن تتقى
فيه فان تربيع الجنازة الذي جرت به السنة ان تبدء اليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم بالرجل اليسرى ثم باليد اليسرى حتى تدور حولها وخبر علي بن يقطين
عن أبي الحسن موسى (ع) قال سمعته يقول السنة في حمل الجنازة ان تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن فتلزم الأيسر بكتفك الأيمن ثم تمر عليه إلى
الجانب الآخر وتدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير ثم تمر عليه إلى الجانب الرابع مما يلي يسارك وعن الفقه الرضوي أنه قال وربع الجنازة
وان من ربع جنازة مؤمن حط الله تعالى خمسا وعشرين كبيرة فإذا أردت ان تربعها فابدء بالشق الأيمن فخذه بيمينك ثم تدور إلى المؤخر فتأخذ بيمينك
ثم تدور إلى المؤخر الثاني فتأخذه بيسارك ثم تدور إلى المقدم الأيسر فتأخذ بيسارك ثم تدور على الجنازة كدور كفى الرحى ولعل المراد من
تشبيه دوران حولها بدور كفى الرحى لا بدوران الرحى مدار قطبه وقوفه بعد انتهاء الدورة الأولى حتى تتقدمه الجنازة أو رجوعه من خلف
416

الجنازة إلى مكانه الأول فيبتدى بالدورة الثانية كي يتم التشبيه بالنسبة إلى الكف التحتاني من الكفين فيكون المقصود بذلك على هذا التقدير
التحرز عن استقبال الجنازة كما يصنعه العامة على ما في الخبر السابق وكيف كان فهذه الروايات كادت تكون صريحة في الترتيب المذكور ومما يدل
على عكس هذا الترتيب صحيحة ابن أبي يعفور المحكية عن جامع البزنطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال السنة ان تستقبل الجنازة من جانبها الأيمن وهو
مما يلي يسارك ثم تصير إلى مؤخره وتدور عليه حتى ترجع إلى مقدمته وهذه الصحيحة كما تريها كادت تكون صريحة في العكس وما ذكره بعض في توجيهها
بحيث ارجعها إلى المعنى الأول كاد ان يكون مما يعلم بعدم ارادته من الرواية ويدل عليه أيضا رواية العلاء بن سبابة عن أبي عبد الله (ع) قال تبدء
في حمل السرير من الجانب الأيمن ثم تمر من خلفه إلى الجانب الآخر ثم تمر حتى ترجع إلى المقدم كذلك دوران الرحى عليه لكن هذه الرواية غير أبية
عن التأويل إذ لا يبعد ان يكون المراد بالجانب الأيمن من الميت لا سريره وان كان الظاهر خلافه والأقوى في المسألة التخيير بين الكيفيتين إذ
لا معارضة في المستحبات فان ما يدل على استحباب البدئة من يسار السرير لا ينافي استحباب عكسه أيضا فلا مقتضى لتأويل شئ من الروايات
فضلا عن طرحها غاية الأمر ان مقتضى استحباب كل من الكيفيتين كون المكلف مخيرا في ايجادهما بحكم العقل ولا ضير فيه وحيث إن المراد باستحباب
كل من الكيفيتين أفضلية اختياره في امتثال الامر بالتربيع الذي عرفت استحبابه مطلقا يكون أفضليته بالإضافة إلى ما عدا عكسه من
صور التربيع والله العالم * (ومنها) * ان يعلم المؤمنون بموت المؤمن ففي صحيحة ابن سنان أو حسنته عن أبي عبد الله (ع) قال ينبغي الأولياء الميت
منكم ان يؤذنوا اخوان الميت بموته فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له فيكتب لهم الاجر ويكتب للميت الاستغفار ويكتسب هو
الاجر وفيهم وفيما اكتسب لميتهم من الاستغفار وخبر ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته الجنازة يؤذن بها الناس قال نعم ومرسلة القاسم بن
محمد عن أبي عبد الله (ع) قال إن الجنازة يؤذن بها الناس ومنها ان يقول المشاهد للجنازة حامدا لله تعالى على ما أنعم به من الحياة ما قاله علي بن
الحسين عليهما السلام فيما رواه أبو حمزة قال كان علي بن الحسين (ع) إذا رأى جنازة قد أقبلت قال الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم قيل السواد
يطلق تارة على الشخص وأخرى على عامة الناس والمخترم الهالك والمستأصل والمراد به على الظاهر اظهار الشكر لله تعالى حيث أحياه ولم يجعله
من الأموات ولا ينافيه حب لقاء الله تعالى ضرورة ان مثل هذه المحبة لا يقتضى كفران نعمة الحياة التي لا يماثلها نعمة التي بها يستعد إلى اللقاء على
وجه محبوب ويستحب أيضا ان يقول ما في خبر عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من استقبل جنازة أو رآها فقال
الله أكبر هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا ايمانا وتسليما الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت
لم يبقى ملك في السماء الا بكى رحمة لصوته وان يقول عند حمله للجنازة ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الجنازة إذا
حملت كيف يقول الذي يحملها قال يقول بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وال محمد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات و * (منها) * ان توضع الجنازة
على الأرض إذا وصل إلى القبر كما يدل عليه جملة من الاخبار منها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله صلى الله عليه وآله قال ينبغي ان يوضع الميت دون القبر
هنيئة ثم رواه وخبر يونس قال حديث سمعته من أبى الحسن موسى (ع) ما ذكرته وانا في بيت الا ضاق على يقول إذا اتيت بالميت إلى شفير القبر فامهله
ساعة فإنه يأخذ أهبته للسؤال وينبغي ان يكون ذلك أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة ففي خبر محمد بن عطية قال إذا اتيت بأخيك إلى القبر فلا
تفدحه به ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة حتى يأخذ أهبته ثم ضعه في لحده وخبر محمد بن عجلان قال سمعت صادقا يصدق على الله في الوسائل
يعنى أبا عبد الله (ع) قال إذا جئت بالميت إلى قبره فلا تفدحه بقبره ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة أذرع ودعه حتى يتأهب للقبر ولا تفدحه به
وخبره الاخر قال قال أبو عبد الله (ع) لا تفدح ميتك بالقبر ولكن ضعه أسفل منه بذراعين أو ثلاثة ودعه يأخذ أهبته والمراد بأسفل القبر على الظاهر
مما يلي رجليه كما أفتى به الأصحاب بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه ويؤيده ما روى مستفيضا ان لكل بيت بابا وان باب القبر من الرجلين كما
يؤيده أيضا خبر أبي مريم الأنصاري قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول كفن رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن قال فسئلته أين وضع السرير فقال عند رجل القبر وسل سلا
وكذلك يؤيده رواية الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال إذا اتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه وخبر محمد بن مسلم قال سئلت أحدهما عن الميت
قال تسله من قبل الرجلين الحديث ورواية عبد الرحمن بن سبابه عن أبي عبد الله (ع) قال سل الميت سلا وخبر الأعمش المروى عن الخصال عن جعفر بن
محمد (ع) في حديث شرايع الدين قال والميت يسل من قبل رجليه سلا والمرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد ويستفاد من هذه الرواية مغايرة
حكم المرأة للرجل فإنها لا تدخل من قبل الرجلين بل توضع القبر من قبل اللحد وربما يستشم من ذلك اختصاص الحكم التقدم أعني وضع الميت
مما يلي رجليه بالرجل واما المرأة فتوضع على جانب القبر على وجه تطرح فيه عند نقلها إليه عرضا ويستشم ذلك أيضا مما حكى عن الفقه الرضوي قال
وإذ كان امرأة فخذها بالعرض من قبل اللحد وتأخذ الرجل من قبل رجليه تسله سلا بل ادعى بعضهم كصاحب الحدائق وغيره ظهور الروايتين
في ذلك بل وفى كون وضعها مما يلي القبلة لان اللحد انما يكون في القبلة وجعل هاتين الروايتين مستند الأصحاب في حكمهم بان المرأة
توضع على الأرض مما يلي القبلة من غير خلاف يعرف بل عن الغنية وظاهر المنتهى والتذكرة والنهاية الاجماع عليه ولا يبعد الاكتفاء
417

بفتاوى الأصحاب المعتضدة بالاجماعات المحكية دليلا وجابرا لما في الروايتين من قصور الدلالة والسند فيرفع اليد بها عما يقتضيه
اطلاق بعض الأخبار المتقدمة فليتأمل وكيف كان فلا فرق بين ان يكون رجلا أو امرأة في أنه يستحب ان ينقله في ثلاث دفعات بان يضعه قريب
القبر بعد نقله أولا ثم يضعه ثانيا عند القبر هنيئة ثم ينقله إلى قبره في المرة الثالثة كما يدل عليه ما رواه الصدوق في العلل قال بعد نقل رواية
محمد بن عجلان المتقدمة وفى حديث اخر إذا اتيت بالميت القبر فلا تفدح به القبر فان للقبر أهوالا عظيمة ونعوذ من هول المطلع ولكن ضعه
قرب شفير القبر واصبر عليه هنيئة ثم قدمه قليلا واصبر عليه ليأخذ أهبته ثم قدمه إلى شفير القبر وعن الفقه الرضوي وإذا حملت الميت إلى قبره
فلا تفاجئ به القبر فان للقبر أهوالا عظيمة ونعوذ بالله من هول المطلع ولكن ضعه دون شفير القبر واصبر عليه هنيئة ثم قدمه قليلا واصبر
عليه ليأخذ أهبته ثم قدمه إلى شفير القبر ويدخله القبر من يأمره الولي ان شاء شفعا وان شاء وترا انتهى وكان المراد بما في ذيل العبارة التعريض
على ما حكى عن الشافعي من استحباب ان يكون عدد من ينزل القبر وترا خلافا لما حكى عن أصحابنا من كون الولي مختارا في تعيين العدد
كما في العبارة المزبورة ويدل عليه أيضا رواية أبى مريم الأنصاري الواردة في دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وينبغي ان يرسله إلى القبر سابقا برأسه
ان كان رجلا بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه والظاهر أنه هو المراد بما في الأخبار المستفيضة التي تقدم بعضها
الامرة بسل الميت في قبره سلا من قبل رجليه هذا في الرجل واما المرأة فترسل عرضا كما يدل عليه مضافا إلى نقل الاجماع عليه مستفيضا رواية
الأعمش وعبارة الفقه الرضوي والمتقدمتان ومرفوعة عبد الصمد بن هارون عن الصادق (ع) إذا أدخلت الميت القبر ان كان رجلا فسله سلا
والمرأة تؤخذ عرضا فإنه استر وخبر عمر وبن خالد عن زيد بن علي عن ابائه عن علي (ع) قال يسل الرجل سلا وتستقبل المرأة استقبالا ويكون
أولى الناس بالمرأة في مؤخرها وينبغي ان ينزل من يتناوله حافيا وينزع ردائه ويكشف رأسه يحل ازراره كما يدل عليه خبر ابن أبي يعفور
عن أبي عبد الله (ع) قال لا ينبغي لاحد ان يدخل القبر في نعلين ولا خفين ولا عمامة ولا رداء ولا قلنسوة وخبر أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (ع)
لا تنزل القبر وعليك العمامة ولا القلنسوة ولا رداء ولا حذاء وحلل ازرارك قال قلت والخف قال لا بأس بالخف في وقت الضرورة والتقية
ورواه الشيخ عن المسمعي مثله وزاد ليجهد في ذلك جهده وخبر علي بن يقطين قال سمعت أبا الحسن
موسى (ع) يقول لا تنزل في القبر وعليك العمامة
والقلنسوة ولا الحذاء والطيلسان وحلل ازرارك وبذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله جرت وفى العلل روى عن ابن أبي عمير مثله وزاد قلت
فالخف قال لا أرى به بأسا قلت لم يكره الحذاء قال مخافة ان يعثر برجله فيهدم * (أقول) * يظهر وجه نفى البأس عن الخف في هذه الرواية من خبر
الحضرمي المتقدم كما أنه يستشعر من رواية سيف بن عميرة عن أبي عبد الله (ع) قال لا تدخل القبر وعليك نعل ولا قلنسوة ولا رداء ولا عمامة
قلت فالخف قال لا بأس بالخف فان في خلع الخف شفاعة حيث يستشم منها كون خلع الخف خلاف المتعارف عند العامة * (ثم) * انه لو قيل
بكراهة فعل الأشياء المذكورة في الروايات لا استحباب تركها كما هو ظاهر المتن وغيره لكان أوفق بظواهر النصوص اللهم الا ان يستشم
ذلك من قوله (ع) في خبر على وبذلك جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله بل وكذا بل وكذا من تعليل ترك خلع الخف في رواية ابن عميرة بان فيه شناعة فليتأمل
وكيف كان فالامر في ذلك سهل وأسهل منه دفع ما قد يتوهم من ظهور بعض تلك الأخبار في الحرمة بعد مخالفتها للاجماع ظاهر أو أظهرية
أغلب الاخبار في كون تركها من السنن التي لا بأس في مخالفتها مضافا إلى خبر إسماعيل بن بزيع قال رأيت الحسن (ع) دخل القبر ولم يحل ازراره
ويكره ان يتولى ذلك أي الانزال في القبر الأقارب في الرجل كما صرح به غير واحد بل في الحدائق ان ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه وهذا
هو العمدة في مستند الحكم بعد البناء على المسامحة والا فاثباته بالنسبة إلى ما عدا الأب بالاخبار مشكل واما الأب فيدل على كراهة دخوله
في قبر ولده مطلقا جملة من الاخبار ففي رواية البختري وغيره عن أبي عبد الله (ع) يكره للرجل ان ينزل في قبر ولده ورواية عبد الله بن راشد
عن أبي عبد الله (ع) قال الرجل ينزل في قبر والده ولا ينزل في قبر الوالد ولده ورواية محمد بن خالد عن أبي عبد الله (ع) قال الوالد لا ينزل في قبر
ولده والولد ينزل في قبر والده ورواية عبد الله بن عنبري قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل يدفن ابنه فقال لا يدفنه في التراب قلت فالابن
يدفن أباه قال نعم لا بأس وعن عبد الله بن راشد قال كنت مع أبي عبد الله (ع) حين مات إسماعيل ابنه فانزل في قبره ثم رمى بنفسه على الأرض
مما يلي القبلة ثم قال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بإبراهيم ثم قال إن الرجل ينزل في قبر والده ولا ينزل في قبر ولده وعن محمد بن خالد قال لما
مات إسماعيل فانتهى أبو عبد الله (ع) إلى القبر ارسل نفسه فقعد على حاشية القبر ولم ينزل في القبر وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بإبراهيم ولده
وعن علي بن عبد الله قال سمعت أبا الحسن موسى (ع) قال في حديث لما قبض إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله قال يا علي انزل فالحد ابني فنزل علي (ع)
فالحد إبراهيم في لحده فقال الناس انه لا ينبغي لاحد ان ينزل في قبر ولده إذ لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله انه ليس عليكم بحرام
ان تنزلوا في قبور أولادكم ولكني لست امن إذا حل أحدكم الكفن عن ولده ان يلعب به الشيطان فيدخله عند ذلك من الجزع ما يهبط اجره
ثم انصرف وهذه الأخبار كما تريها أغلبها مصرحة بنفي البأس في الولد ولذا حكى عن ابن سعيد استثنائه من الحكم المذكور وعن المنتهى
418

الميل إليه لكنه حمله ساير الأصحاب على خفة الكراهة بالنسبة إليه لكن رواية علي بن عبد الله (ع) تنافى كراهته في ساير الأرحام أيضا ونظيرها
في ذلك ما روى أن عليا (ع) مع العباس دفنا رسول الله صلى الله عليه وآله وفى رواية مع فضل بن عباس ورجل اخر وربما ينافيها أيضا المستفيضة الدالة على
استحباب ان ينزل الولي في قبره كخبر محمد بن عجلان فإذا وضعته في لحده فليكن أولى الناس به مما يلي رأسه الخبر ونحوه خبر محمد بن عطية وفى خبر
محمد بن عجلان الاخر فإذا وضعته في لحده فليكن أولى الناس به عند رأسه وليحسر عن خده وليلصق خده بالأرض الحديث وعن المنتهى أنه قال
ويستحب ان ينزل إلى القبر الولي أومن يأمر الولي إذا كان رجلا وان كان امرأة لا ينزل إلى قبرها الا زوجها أو ذو رحم لها وهو وفاق العلماء
انتهى وقد يقال في توجيه جميع ما ذكر بان مفادها نفى البأس أو استحباب النزول في القبر كما هو الشان في حق الولي وهو أعم من انزاله فيه والذي
يكره هو الثاني دون الأول وهو لا يخلو عن بعد لكن قد يقربه معهودية جميع ما ذكرناه لدى الأصحاب وعدم اعتنائهم بها وافتائهم بالكراهة
فإنه يورث قوة الظن بان التجنب عنه هو الراجح شرعا ولعل منشأه كونه مورثا لقساوة القلب كما عللها بها بعض ويؤيده رواية عبيد بن
زرارة الدالة على كراهة إهالة التراب على قبر ذي رحم قال مات لبعض أصحاب أبي عبد الله (ع) ولد فحضر أبو عبد الله (ع) فلما الحد تقدم أبوه
فطرح عليه التراب فاخذ أبو عبد الله (ع) بكفه وقال لا تطرح عليه التراب ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب فان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى
ان يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب فقلنا يا بن رسول الله (ع) أتنهانا عن هذا وحده فقال أنهاكم ان تطرحوا التراب على ذوى أرحامكم
فان ذلك يورث القسوة في القلب ومن قسا قلبه بعد من ربه فالأولى والأوفق بقاعدة التسامح انما هو تجنب الأرحام من مباشرة انزاله في
القبر الا في المرأة فان الأفضل ان لا يتولاه الا زوجها أو المحارم كما يدل عليه رواية السكوني عن الصادق (ع) قال قال أمير المؤمنين (ع) مضت
السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله ان المرأة لا يدخل قبرها الا من كان يراها في حيوتها وقد سمعت من المنتهى في العبارة المتقدمة دعوى وفاق العلماء
على أن المرأة لا ينزل إلى قبرها الا زوجها أو ذو رحم لها وظاهرها عدم جوازه لمن عد الزوج والمحارم ومراده بالحضر على الظاهر ليس الا فيما
إذا كان المباشر للفعل الرجال كما هو الغالب فلا يتوجه عليه النقض بدعوى القطع بجوازه للنساء نعم يتوجه على ما ادعاه من الوفاق تصريح كثير
من الأصحاب بالاستحباب ومن هنا يقوى الظن بعدم ارادته الوجوب من العبارة وكيف كان فهو ضعيف لعدم الدليل ورواية السكوني مع
ضعفها لا يبعد دعوى ظهورها في الاستحباب ويتأكد ذلك بالنسبة إلى من يتناولها من مؤخرها ففي خبر زيد بن علي عن ابائه عن أمير المؤمنين (ع)
يكون أولى الناس بالمرأة في مؤخرها ولا يبعد ان يكون وجه تخصيص أولى الناس بالذكر في هذه الرواية كونه غالبا من جملة من كان يراها في
حيوتها لا تعينه عليه كي يفهم من هذه الرواية استحباب مباشرة نصوص الولي وأفضليتها من مباشره ساير المحارم فلا يبعد عدم الفرق بين
المحارم نعم لو كان وليها زوجها فالأولى ان يتولاه الزوج دون ساير المحارم كما صرح به بعض ويلوح من آخرين وعن الفقه الرضوي أنه قال إذا
أدخلت المرأة القبر وقف زوجها من موضع ينال وركها وربما يؤيده كون مناط الحكم الذي هو إباحة النظر واللمس حال الحياة فيه أشد وقد يستدل
له بما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها وفيه نظر فان أحقيته بها لا يستلزم استحباب المباشرة والله
العالم ويستحب ان يدعو له عند انزاله في القبر بالمأثور كما يدل عليه جملة من الاخبار منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال إذا اتيت بالميت القبر
فسله من قبل رجليه فإذا وضعته في القبر فاقرأ اية الكرسي وقل بسم الله وفى سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم افسح له في قبره وألحقه بنبيه صلى الله عليه وآله وقل
كما قلت في الصلاة عليه مرة واحدة من عند اللهم ان كان محسنا فزد في احسانه وان كان مسيئا فاغفر له وتجاوز عنه واستغفر له ما استطعت
قال وكان علي بن الحسين (ع) إذا ادخل الميت القبر قال اللهم جاف الأرض عن جنبيه وصاعد عمله ولقه منك رضوانا إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
واما الكلام في نفس الدفن فهو في الجملة مما لا شبهة في وجوبه على الكفاية كساير تجهيزات الميت ولا يبعد ان يكون وجوبه اجمالا من الضروريات
وفيه فروض وسنن فالفروض ان يوارى في الأرض مواراة يكون من شانها حفظه عادة عن أن يظهر بدنه بفعل السباع أو هبوب الرياح ونزول
الأمطار ونحوها من العوارض العادية ولا يجزى ستره تحت الأرض لا على الوجه المذكور إذ لا ينسبق إلى الذهن من ايجاب دفن الميت الا هذا النحو
من المواراة لا مطلق وضعه تحت التراب مضافا إلى المعهودية اعتبار كونه كذلك في أذهان المتشرعة بل وغيرهم فلا يفهم من امر الشارع الا إرادة
ما هو المعهود ولم يعهد من أحد الاحتزاء في دفن موتاه بمجرد وضعه تحت التراب لاعلى نحو يحفظه عن السباع وغيرها وهذا المعنى ملزوم غالبا لعدم انتشار
ريحه الذي هو احدى فوائد الدفن كما أشار إليه الرضا صلوات الله عليه فيما روى عنه عن علل فضل بن شاذان انه يدفن لئلا يظهر الناس على فساد
جسده وقبح منظره وتغير ريحه ولا يتأذى به الاحياء وبريحه وبما يدخل عليه من الآفة والفساد وليكون مستورا عن الأولياء والأعداء ولا يشمت
العدو ولا يحزن الصديق بل لو فرض تخلف هذه الصفة عن الدفن المانع من ظهور الجسد عادة عند طرو ما يتصور من الطواري المتعارفة
للزم مراعاتها لكونها بنفسها الفوائد المقصودة بالدفن كما يشهد بذلك مضافا إلى الرواية المتقدمة تصريح جملة من الاعلام به بل عن غير
واحد منهم دعوى الاجماع عليه ففي المدارك قد قطع الأصحاب وغيرهم بان الواجب وضعه في حفيرة تستر عن الانس ريحه وعن السباع بدنه بحيث
419

يعسر نبشها غالبا انتهى لان فائدة الدفن انما تتم بذلك انتهى فما في الجواهر من تقوية كفاية مسمى الدفن وعدم اعتبار الوصفين لعدم
الدليل عليهما حيث لم يثبت في الدفن حقيقة شرعية ولا عرفية ولم يؤخذ شئ منهما في مفهومه لغة ولم يتحقق الاجماع على شئ منهما بعد خلو كلام
جملة من الأصحاب عن ذكرهما ضعيف لما أشرنا إليه من أن المعهود لدى الناس في دفن موتاهم ليس الا ما كان جامعا للوصفين فلا ينصرف الذهن
عند الامر بدفن الميت في كلمات الشارع والمتشرعة الا إلى إرادة ما هو المعهود عند الناس بل لا يبعد دعوى كون ما هو المتعارف لديهم أخص
من ذلك أيضا الا ان حكمته بحسب الظاهر ليست الا الاحتياط وشدة الاهتمام بأمر الموتى بل قد أشرنا إلى أن المتبادر من الامر بدفن الميت مع
قطع النظر عن العهد ليس الا إرادة دفن يكون من شأنه حفظ جثته عن الظهور بسبب الطواري المنافى لاحترامه وهو ملزوم عادة لعدم
انتشار ريحه وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في اشتراط كون الدفن كذلك خصوصا بعد ما سمعت من دعوى الاجماع عليه وشهادة الرواية
به بل المتأمل في الأخبار الواردة في كيفية الدفن لا يكاد يشك في عدم الاجتزاء في حفر القبور بأقل مما يحفظ جثته عن السباع ويستر ريحه عن
الانس فهذا مما لا اشكال فيه كما أنه لا اشكال في اعتبار دفنه في الأرض مع القدرة وعدم كفاية وضعه في تابوت أو صندوق من حديد ونحوه مما
يفيد فائدة الدفن وليس بدفن لعدم الخلاف فيه ظاهرا مضافا إلى عدم صدق الدفن الذي يدل على وجوبه النص والاجماع لكن قد يتأمل في اعتبار
المواراة وعدم كفاية وضعه على الأرض والبناء عليه بناء متقنا وكذا فيما لو وضع في جدار ونحوه عند الامن من انهدامه عادة أو استلزامه
توهين الميت ونحوه وان كان صريح بعض وظاهر آخرين عدم كفايته واعتبار كونه في حفيرة من الأرض بل ربما استظهر منهم الاجماع عليه نظرا
إلى عدم صدق الدفن عليه ولا أقل من انصرافه عنه الا انه قد يقوى في النظر جرى الاخبار الامرة بدفن الأموات مجرى العادة وعدم كون
خصوصية المواراة المتوقف عليها صدق الدفن من مقومات الموضوع كما لا يبعد دعوى مساعدة العرف عليه لكنه مع ذلك لا تأمل في أن الأول
مع أنه أحوط أشبه بالقواعد جمودا على ما يقتضيه ظواهر الأدلة القاضية بوجوب الدفن * (نعم) * لا شبهة في جواز الاجتزاء بذلك بل وجوبه عند
تعذر الحفر القاعدة الميسور بل لا شبهة في وجوب اجزاء القاعدة بالنسبة إلى ساير الشرايط المعتبرة في الدفن ولعله مما لا خلاف فيه أيضا فلا يجوز
اهمال موتى المسلمين وابقائها مطروحة على الأرض قطعا بل يجب كفاية سترها بالدفن على الوجه المعتبر شرعا مع القدرة والا فليتحر إلى ما هو الأقرب
إليه فالأقرب بشهادة العرف وقضاء القاعدة والله العالم راكب البحر ونحوه إذا مات يفعل به ما يفعل بغيره من التغسيل والتكفين والتحنيط
والصلاة عليه ويلقى فيه اما مثقلا بحجر أو حديد ونحوهما مما يمنع ظهوره على وجه الماء أو مستورا في وعاء كالخابية وشبهها مخيرا بينهما على المشهور
على ما حكاه بعض بل عن اخر انه نسبه إلى الأصحاب ويدل على الأول خبر وهب بن وهب عن الصادق (ع) قال قال أمير المؤمنين (ع) إذا مات الميت
في البحر غسل وكفن وحنط ثم يصلى عليه ثم يوثق في رجله حجر ويرمى به في الماء ومرسل ابان عن أبي عبد الله (ع) أنه قال في الرجل يموت مع القوم في البحر
فقال يغسل ويكفن ويصلى عليه ويرمى به في البحر ومرفوعة سهل بن زياد عن أبي عبد الله (ع) قال إذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط قال
يكفن ويحنط ويلقى في الماء وعن الفقه الرضوي وان مات في سفينة فاغسله وكفنه وثقل رجليه والقه في البحر ويدل على الثاني صحيحة أيوب بن
الحر قال سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به قال يوضع في خابية ويوكى رأسها وتطرح في الماء وأحسن وجوه الجمع
بين الروايات حملها على التخيير بين الامرين كما يساعد عليه الفهم العرفي ويشهد له فتاوى الأصحاب لكن وضعه في خابية ونحوها مع الامكان أولى
بل الأحوط لاحتمال جرى الاخبار الامرة بالثقيل مجرى الغالب من عدم تيسر ستره في وعاء مستغنى عنه في البحر كما يؤيده ما قد يقال من كونه أوفق
باحترام الميت وأنسب بحفظه من الحيوانات وان كان الأقوى جواز الامرين مطلقا لاطلاق أدلتهما المقتصر في التصرف في كل منهما بقرينة الاخر على الحمل
على كون المأمور به من افراد الواجب لا واجبا بالخصوص كما أن تخصيص الحجر في بعض تلك الروايات وكذا الخابية بالذكر الا لذلك وربما مال أو قال
بتعين الأخير غير واحد من المتأخرين كصاحب المدارك وغيره نظرا إلى ضعف الأخبار الدالة على جواز التثقيل وانحصار الخبر الصحيح في الباب برواية
أيوب وفيه مالا يخفى بعد استفاضة الاخبار وانجبار ضعفها بعمل الأصحاب قديما وحديثا حتى أنه حكى عن المقنعة والمبسوط والوسيلة و
السرائر والفقيه والنهاية الاقتصار على الأول المشعر بتعينه وان بعد ارادتهم له وكيف كان فالأقوى ما عرفت من التخيير بين الامرين لكن لا يكون
ذلك الامر تعذر الوصول إلى البر أو تعسره ضرورة انصراف الاخبار سؤالا وجوابا عن صورة تيسره وانسباقها إلى إرادة الحكم في صورة التعذر
أو التعسر الرافع للتكليف فلا موقع للاستفصال في مثل الفرض كي يكون تركه مفيدا للعموم ولا يبعد ان لا يكون التقييد بما عرفت موردا للخلاف نعم
في المدارك نسب إلى ظاهر المفيد في المقنعة والمصنف في المعتبر جواز ذلك ابتداء ولعله في غير محله ولذا انكر عليه بعض من تأخر عنه وكيف كان فهو ضعيف
لما عرفت فلا ينبغي التأمل في وجوب الدفن عند تيسره وهل يجب الصبر عليه مع رجاء التمكن من الأرض في زمان قصير أو قبل فساد الميت فيه اشكال بل
خلاف من اطلاق الأدلة ومن انصرافها إلى إرادة الحكم عند تعذر الدفن فلا يجوز الالقاء في البحر الابعد احراز تعذر الدفن وهذا مع أنه أحوط
لا يخلو من قوة ما لم يستلزم محذورا من فساد الميت أو ايذاء أهل السفينة أو نحوهما من المحاذير ولو بمقتضى العرف والعادة على تأمل فيه والله العالم
420

ومن الفروض ان يضجعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة كما نص عليه جماعة بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه وعن شرح الجمل للقاضي نفى الخلاف
فيه ويدل عليه مضافا إلى الاجماع المحكى المعتضد بالشهرة المحققة وباستقرار سيرة المتشرعة على الالتزام به صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
قال كان البراء بن مغرور الأنصاري بالمدينة وكان ورسول الله صلى الله عليه وآله بمكة وانه حضره الموت وكان رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس
فأوصى البراء إذا دفن ان يجعل وجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى القبلة فجرت به السنة الحديث والمتبادر من السنة في مثل المقام هي الطريقة الثابتة
لا الاستحباب وقصورها عن إفادة تمام المدعى أعني اضجاعه على جانبه الأيمن غير ضائر بعد معهوديته لدى المتشرعة حيث يستكشف ما جرت به
السنة من سيرة المتشرعة فليتأمل ورواية العلا بن سبابة في حديث القتيل الذي اتى برأسه إذا أنت صرت إلى القبر تناولته مع الجسد وأدخلته
اللحد ووجهته للقبلة الحديث وخبر دعائم الاسلام عن علي (ع) انه شهد رسول الله صلى الله عليه وآله جنازة رجل من بنى عبد المطلب فلما أنزلوه في قبره قال
أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ولا تكنوه لوجهه ولا تلقوه لظهره وعن الفقه الرضوي ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة وضعف
سنده مجبور بما عرفت فإنه يورث الوثوق بكون مضمونه متن رواية مقبولة فما عن ظاهر ابن حمزة في وسيلته من استحبابه اعتمادا على الأصل أو ظهور
لفظ السنة في الصحيحة فيه ضعيف ويتلوه في الضعف ما عن جامع ابن سعيد من استحباب كونه على جانبه الأيمن قال في محكى الجامع والواجب دفنه
مستقبل القبلة والسنة ان يكون رجلا شرقيا ورأسه غربيا انتهى والأظهر ما عرفت من وجوب ما جرت به السنة واستقر عليه سيرة المتشرعة
من دفن كل ميت يجب دفنه مستقبل القبلة على جانبه الا ان يكون الميت امرأة غير مسلمة ذمية كانت أم غيرها حاملا من مسلم فيستدبر بها
القبلة ليكون الجنين وجهه إليها فإنه هو المقصود بالدفن أصالة ولا حرمة لامه كي يجب دفنها الا بالتبع فهي بمنزلة الوعاء للجنين غير ملحوظة بذاتها
ولذا يجوز دفنها في مقابر المسلمين كما صرح به غير واحد بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا ولا يجوز دفنها في مقابر
الكفار لكونه توهينا بالولد الذي يجزى عليه أحكام المسلمين وتوهم وجوب شق بطنها واخراج الولد منها ودفنه مع المسلمين مدفوع بقصور ما دل
على المنع من دفن الكفار مع المسلمين عن اقتضاء مثل ذلك بمعنى قصوره عن شمول مثل الفرض خصوصا مع امكان ان يقال بكونه منافيا للاحترام
الولد هذا مع ما في خبر يونس من التصريح بخلافه قال سئلت الرضا (ع) عن الرجل تكون له الجارية اليهودية والنصرانية فيواقعها فتحمل ثم يدعوها إلى أن
تسليم فتأبى عليه فدنى ولادتها فماتت وهى تطلق والولد في بطنها ومات الولد أيدفن معها على النصرانية أو يخرج منها ويدفن على فطرة الاسلام
فكتب (ع) يدفن معها واما السنن فمنها ان يحفر القبر قدر القامة أو إلى الترقوة كما صرح به المصنف وغيره بل عن التذكرة كظاهر غير واحد دعوى الاجماع
عليه ففي مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (ع) قال حد القبر إلى الترقوة وقال بعضهم إلى الثدي وقال بعضهم قامة الرجل حتى يمد الثوب
على رأس من في القبر واما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس قال ولما حضر علي بن الحسين (ع) الوفاة قال احفروا لي حتى تبلغوا الرشح والمراد بالبعض
على الظاهر بعض أصحابه حاكيا عن الأئمة عليهم السلام كما يشهد له ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد قال وروى أصحابنا ان حد القبر
وذكر نحوه لكن قد ينافيه ان الصدوق روى مرسلا عن الصادق (ع) نحوه إلى قوله الجلوس وكيف كان فما في الكافي مع اعتضاده بفتوى الأصحاب
ونقل اجماعهم الكاشفين عن ورود رواية مقبولة لدى الأصحاب يكفي في اثبات المطلوب خصوصا بعد البناء على المسامحة ولا ينافيه ما سمعت من امر
علي بن الحسين (ع) بالحفر إلى الرشح إذ لعل بلوغه ذلك في ارض البقيع التي دفن صلوات الله عليه يحصل بالمقدار المزبور يحتمل ان يكون ذلك في حد
ذاته حدا مستقلا وان لم يتعرض لذكره الأصحاب واما ما رواه أبو الصلت الهروي عن الرضا (ع) حديث أنه قال سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم
ان يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل وان يشق لي ضريحة فان أبوا الا ان يلحدوا فتأمرهم ان يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا فان الله سيوسعه ما يشاء
فلعله كان لعلة مخصوصة بمورده لا استحباب هذا الحد بالخصوص عموما وان احتمل ذلك أيضا بان يكون أفضل الافراد لكن ينافيه على هذا التقدير
ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله نهى ان يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع كما أنه ينافي التحديد بالقامة أيضا فان الثلاثة اذرع بحسب
العادة أقل من القامة بل هي قرينة من التحديد بالترقوة فمقتضى هذه الرواية كراهة ما زاد عليها لكنها لأجل المخالفة لفتوى الأصحاب ومعارضتها
بما عرفت لا تنهض حجة لاثباتها ولو من باب المسامحة فتأمل وربما يوجه ما رواه أبو الصلت بما لا ينافي الحدين المتقدمين بحمله على تقارب المراقي بعضها
من بعض وفيه مع ما فيه من البعد يبعده الامر بجعل اللحد ذراعين وشبرا إذ من المستبعد جدا ان يراد جعل مثل هذا اللحد في قبر لا يتجاوز عمقه ثلاثة أذرع
والله العالم ومنها ان يجعل له لحد فإنه أفضل من الشق مع صلابة الأرض بلا خلاف أجده كما في الجواهر بل اجماعا كما عن جماعة نقله ويدل
عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله لحد له أبو طلحة ومعلوم انه لم يكن الا باذن أمير المؤمنين (ع) لكونه هو المتولي لامره صلى الله عليه وآله
ولا شبهة في أن اختيار اللحد لم يكن الا لأرجحيته وخبر علي بن عبد الله عن أبي الحسن موسى (ع) قال في حديث لما قبض إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله قال
رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي انزل فالحد إبراهيم في لحده وفيه اشعار بمعروفية اللحد من الصدر الأول كصحيح أبي بصير فإذا وضعته في اللحد الحديث وظاهر ان
اختياره مع ما فيه من الكلفة الزائدة لم يكن الا لأفضلية كما يستشعر ذلك من التعليل الوارد فيما رواه الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال إن
421

أبى كتب في وصيته إلى أن قال وشققت له الأرض من اجل انه كان بادنا ومنه يعرف الوجه فيما رواه إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا (ع) قال
قال أبو جعفر (ع) حين احتضر إذا انا مت فاحفروا لي وشقوا لي شقا فان قيل لكم ان رسول الله صلى الله عليه وآله لحد له فقد صدقوا فلا منافاة حينئذ بين هاتين
الروايتين وبين ما دل على أن اللحد أفضل كما يؤيده النبوي صلى الله عليه وآله اللحد لنا والشق لغيرنا وعن ظاهر المعتبر وغيره كونه عاميا لكنه لا بأس بذكره
في مقام التأييد خصوصا في مثل هذا الفرع الذي استفاض نقل الاجماع عليه لكن قد ينافيه رواية أبى الصلت المتقدمة ولعل اختيار الشق
فيها كاختيار سبع مراقي كان لعلة مخصوصة بموردها والله العالم وربما ينزل هذه الرواية على ارادته في الأرض الرخوة فيجمع بين الروايات بذلك
ولعله لذا خص غير واحد منهم موضوع الحكم باستحباب اللحد في فتاويهم وبعض معاقد اجماعاتهم بالأرض الصلبة ولكنه لا يخلو عن تأمل وكيف
كان فالمراد باللحد انه إذا انتهى إلى ارض القبر حفر في جانبه مكانا يوضع فيه الميت والشق ان يحفر في قعره شبه النهر يوضع فيه الميت ثم يسقف عليه
وليكن اللحد مما يلي القبلة كما نص عليه جماعة بل عن الروض نسبته إلى الأصحاب وكفى به حجة في مثله مسامحة والله العالم ومنها ان تحل عقد الأكفان
إذا وضع في القبر من قبل رأسه ورجليه وغيرهما ان كانت كما يدل عليه رواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن عقد كفن الميت فقال إذا
أدخلته القبر فحلها ورواية أبى حمزة قال قلت لأحدهما (ع) يحل عقد كفان الميت قال نعم ويبرز وجهه ورواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال إذا
وضعته في لحده فحل عقده وخبر سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (ع) أنه قال يجعل وسادة من تراب ويجعل خلف ظهره مدره لئلا يستلقى ويحل عقد
كفنه كلها ويكشف عن وجهه ثم يدعى له وعليه يحمل الامر يحمل الامر بشق الكفن الوارد في مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) قال يشق الكفن من عند رأس الميت
إذا ادخل قبره وخبر حفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع) قال يشق الكفن إذا ادخل الميت في قبره من عند رأسه بقرينة الروايات السابقة ومخالفة الشق
لما عليه الأصحاب كما اعترف به غير واحد ومنها ان يجعل معه شئ من تربة الحسين عليه السلام للتبرك والاستشفاع فعن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري
قال كتبت إلى الفقيه أسئله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا فأجاب وقرات التوقيع ومنه نسخت يوضع مع الميت في
قبره ويخلط بحنوطه انشاء الله وعن الاحتجاج روايته عن محمد بن عبد الله عن أبيه عن صاحب الزمان عجل الله فرجه ويؤيده ما عن العلامة في المنتهى
أنه قال إن امرأة كانت تزني وتوضع أولادها وتحرقها بالنار خوفا من أهلها ولم يعلم بها غير أمها فلما ماتت دفنت فانكشف التراب عنها
ولم تقبلها الأرض فنقلت من ذلك المكان إلى غيره فجرى لها ذلك فجاء أهلها إلى الصادق (ع) وحكوا له القصة فقال لامها ما كانت تصنع هذه
في حيوتها من المعاصي فأخبرته بباطن امرها فقال الصادق (ع) ان الأرض لا تقبل هذه لأنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله اجعلوا في قبرها
شيئا من تربة الحسين (ع) ففعل ذلك بها فسترها الله تعالى وعن جعفر بن عيسى انه سمع أبا الحسن
(ع) يقول ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسده
التراب ان يضع مقابل وجهه لبنة من الطين ولا يضعها تحت رأسه قيل إن المراد بالطين تربة الحسين (ع) لمعهوديتها عندهم وعن الفقه الرضوي
ويجعل في أكفانه شئ من طين القبر وتربة الحسين عليه السلام ومنها ان يلقنه الشهادتين والاقرار بالأئمة عليهما السلام بأسمائهم حتى امام زمانه (ع) بعد
وضعه في قبره قبل تشريح اللبن كما يدل عليه جملة من الاخبار * (منها) * صحيحة زرارة عن أبي
جعفر (ع) قال قال إذا وضعت الميت في لحده فقل بسم الله
وفى سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله واقرأ اية الكرسي واضرب يدك على منكبه الأيمن ثم قل يا فلان قل رضيت بالله ربا وبالاسلام
دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا وبعلي اماما وتسمى امام زمانه الحديث ونحوه خبره الاخر الا أنه قال وسم حتى امام زمانه وخبر محفوظ الإسكافي
عن أبي عبد الله (ع) إذا أردت ان تدفن الميت إلى أن قال ويدنى فمه إلى سمعه ويقول اسمع افهم ثلاث مرات الله ربك ومحمد صلى الله عليه وآله نبيك والاسلام
دينك وفلان امامك اسمع وافهم واعدها عليه ثلاث مرات هذا التلقين وفى خبر أبي بصير عن أبي عبد الله فإذا وضعته في اللحد فضع له فمك
على اذنه فقل الله ربك والاسلام دينك ومحمد نبيك والقران كتابك وعلى امامك وفى خبر سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (ع) ثم يدعى
ويقال اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به اللهم افسح له في قبره ولقنه حجته وألحقه بنبيه وقه شر منكر
ونكير ثم تدخل يدك اليمنى تحت منكبه الأيمن وتضع يدل اليسرى على منكبه الأيسر وتحركه تحريكا شديدا وتقول يا فلان بن فلان الله
ربك ومحمد نبيك والاسلام دينك وعلى وليك وامامك وتسمى الأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد إلى اخرهم أئمتك أئمة هدى ابرار ثم
تعيد عليه التلقين مرة أخرى فإذا وضعت عليه اللبن فقل اللهم ارحم غربته وصل وحدته وانس وحشته وامن روعته واسكن إليه من
رحمتك رحمة يستغنى بها عن رحمة من سواك واحشره مع من كان يتولاه الحديث وخبر إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إذا نزلت
في قبر فقل بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تسل الميت سلا فإذا وضعته في قبره فحل عقدته وقل اللهم يا رب عبدك وابن عبدك نزل
بك وأنت خير منزول به اللهم ان كان محسنا فزد في احسانه وان كان مسيئا فتجاوز عنه وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وصالح شيعته أو اهدنا وإياه
إلى صراط مستقيم اللهم عفوك عفوك ثم تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر وتحركه تحريكا شديدا ثم تقول يا فلان بن فلان إذا
سئلت فقل الله ربى ومحمد نبيي والاسلام ديني والقران كتابي وعلي (ع) امامي حتى تستوفى الأئمة (ع) ثم تعيد عليه القول ثم تقول أفهمت
422

يا فلان فقال (ع) فإنه يجب ويقول نعم ثم تقول ثبتك الله بالقول الثابت وهداك الله إلى صراط مستقيم عرف الله بينك وبين أوليائك
في مستقر من رحمته ثم تقول اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد بروحه إليك ولقنه منك برهانا اللهم عفوك عفوك ثم تضع
الطين واللبن فما دمت تضع الطين واللبن تقول اللهم صل وحدته وانس وحشته وامن روعته واسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة
من سواك فإنما رحمتك لظالمين ثم تخرج من القبر وتقول انا لله وانا إليه راجعون اللهم ارفع درجته في أعلى عليين واخلف على
عقبه في الغابرين وعندك نحتسبه يا رب العالمين إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يستفاد منها استحباب أشياء اخر أيضا مثل ان
يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وان يقرء الحمد والمعوذتين والاخلاص وآية الكرسي عند وضع الميت في قبره ويفهم من جملة منها استحباب
ان يدعو له بالمأثور قبل التلقين ومن بعضها بعده أيضا بل وفى أكثر أحواله كرواية إسحاق بن عمار المتقدمة وغيرها ثم يشرج عليه اللبن
أي ينضد به لحده لئلا يصل إليه التراب ولا خلاف في استحبابه ظاهرا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويمكن استفادته من جملة من الاخبار
كخبر الحق المتقدم والصحيحة الآتية وغيرهما ولافرق ظاهرا بين اللبن وغيره مما يفيد فائدته كالاجر ونحوه ففي صحيحة ابان قال سمعت
أبا عبد الله (ع) يقول جعل علي (ع) على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله لبنا فقلت أرأيت ان جعل الرجل عليه اجرا هل يضر الميت قال لا وينبغي سد خلله بالطين
واتقان بنائه ففي خبر ابن القداح عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى النبي صلى الله عليه وآله في قبره خللا فسواه بيده ثم
قال إذا عمل أحدكم عملا فليتقن الحديث ورواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) في حديث ان رسول الله صلى الله عليه وآله نزل على لحد سعد بن معاذ
وسوى اللبن عليه وجعل يقول ناولني حجرا ناولني ترابا رطبا نسد به ما بين اللبنتين فلما ان فرغ وحثا عليه التراب وسوى قبره قال رسول
الله صلى الله عليه وآله انى لاعلم انه سيبلى ويصل إليه البلاء ولكن الله يحب عبدا إذا عمل عملا احكمه ومنها ان يخرج من قبل رجل القبر ففي عدة اخبار لكل
بيت بابا وان باب القبر من قبل الرجلين ومقتضاه استحباب الدخول منه أيضا لكن في مرفوعة سهل بن زياد المضمرة قال يدخل الرجل
القبر من حيث يشاء ولا يخرج الا من قبل رجليه ورواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال من دخل القبر فلا يخرج منه الا من قبل الرجلين
وظاهر الروايتين كراهة الخروج من غيره لاستحباب الخروج منه والله العالم ومنها ان يهيل الحاضرون غير أولى الرحم عليه التراب باليد أو
ظهور الأكف قائلين ما قاله أبو عبد الله (ع) فيما رواه عمر بن أذينة قال رأيت أبا عبد الله (ع) يطرح التراب على الميت فيمسكه ساعة وفى يده ثم
يطرحه ولا يزيد على ثلاثة اكف قال فسئلته عن ذلك فقال يا عمر كنت أقول ايمانا بك وتصديقا ببعثك هذا ما وعدنا الله ورسوله و
صدق الله ورسوله اللهم زدنا ايمانا وتسليما هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وبه جرت السنة وفى خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال
إذا حثوت التراب على الميت فقل ايمانا بك وتصديقا ببعثك هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله قال وقال أمير المؤمنين (ع)
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من حثا على ميت وقال هذا القول أعطاه الله بكل ذرة حسنة وعن محمد بن الأصبغ عن بعض أصحابنا أنه قال رأيت
أبا الحسن (ع) وهو في جنازة فحثا التراب على القبر بظهر كفيه والأفضل ان يحثوا التراب ثلث مرات كما في رواية داود بن النعمان قال رأيت
أبا الحسن (ع) يقول إلى أن قال فلما ادخل الميت لحده قام فحثا عليه التراب ثلاث مرات بيده وعن محمد بن مسلم قال كنت مع أبي جعفر (ع) في جنازة
رجل من أصحابنا فلما ان دفنوه قام إلى قبره فحثا التراب عليه مما يلي رأسه ثلثا بكفه ثم بسط كفه على القبر ثم قال اللهم جاف الأرض عن جنبيه
واصعد إليك روحه ولقه منك رضوانا واسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك ثم مضى وينبغي ان يقول أيضا عند إهالة
التراب انا لله وانا إليه راجعون كما ذكره المصنف وغيره بل من الذكرى نسبته إلى الأصحاب وكفى به دليلا لمثله ومنها ان يرفع القبر عن الأرض
بمقدار اربع أصابع كما يدل عليه جملة من الاخبار ففي خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) ويرفع القبر اربع أصابع ورواية عقبة بن بشير عن أبي جعفر (ع)
قال قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي (ع) يا علي ادفني في هذا المكان وارفع قبري من الأرض اربع أصابع ورش عليه من الماء وعن حماد بن عثمن عن أبي عبد الله عليه السلام
قال إن أبى قال لي ذات يوم في مرضه إذا انا مت فغسلني وكفني وارفع قبري اربع أصابع ورشه بالماء ورواية عبد الأعلى مولى ال سام عن أبي عبد الله (ع)
ان أبى استود على ما هناك إلى أن قال وان يربع قبره ويرفعه اربع أصابع الحديث ولافرق في حصول الموظف بين كون الأصابع مضمومات
أو مفرجات ويدل على الأول ما رواه سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال يستحب ان يدخل معه في قبره جريدة رطبة ويرفع قبره قدر اربع أصابع
مضمومة وينضح عليه الماء ويخلى عنه ويدل على الثاني ما رواه الحلبي في حديث قال قال أبو عبد الله (ع) ان أبى امرني ان ارفع القبر اربع أصابع
مفرجات وذكر ان رش القبر بالماء حسن وعن عبيد الله الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال امرني أبى ان اجعل ارتفاع قبره اربع أصابع
مفرجات وذكر ان الرش بالماء حسن ويحتمل ان يكون المضمومات أول مرتبة الفضل وجواز ما زاد إلى أن بلغ اربع أصابع مفرجات فيكره
ما زاد عليها كما يدل عليه ما رواه عمر بن واقد عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) في حديث أنه قال إذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فالحدوني
بها ولا ترفعوا قبري فوق اربع أصابع مفرجات لكن قد ينافيه خبر إبراهيم بن علي عن جعفر عن أبيه ان قبر رسول الله صلى الله عليه وآله رفع شبرا من الأرض وخبر أبي
423

البختري المروى عن قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه عن علي (ع) ان قبر رسول الله صلى الله عليه وآله رفع من الأرض قدر شبر وأربع أصابع الا انهما معارضتان
برواية عقبة بن بشير المتقدمة مع امكان مدخلية الخصوصية في ذلك فالأولى هو الاقتصار على الأربع أصابع مضمومة أو مفرجة والله العالم
ومنها ان يربع القبر كما يدل عليه جملة من الاخبار التي تقدم بعضها وفى الجواهر ان المراد بالتربيع هنا خلاف التدوير والتسديس ما كانت
له زوايا قائمة لا المربع المتساوي الأضلاع قيل لتعطيل كثير من الأرض وعدم كونه معهودا في الزمن السالف كما نرى فيما بقي اثارها من
القبور وعن بعضهم ان المراد بالتربيع خلاف التسنيم وربما استظهر ذلك من التذكرة ولا ريب في بعده انتهى أقول ويؤيد إرادة
المعنى الأول مرسلة الحسين بن الوليد المروية عن العلل عن أبي عبد الله (ع) قال قلت لأي علة يربع القبر قال لعلة البيت لأنه نزل مربعا ويؤيد
المعنى الأخير خبر الأعمش المروى عن الخصال والقبور تربع ولا تسنم إذ الظاهران قوله (ع) ولا تسنم تفسير لما قبله فيكون مفاده مفاد ما عن الفقه الرضوي
قال ويكون مسطحا لا مسنما وكيف كان فلا تأمل في استحباب التربيع بكلا المعنيين خصوصا بالمعنى الأخير حيث اضافه بعض إلى مذهبنا كما أنه
لا تأمل في كراهة التسنيم لاستفاضة نقل الاجماع عليها بل عن غير واحد من العامة الاعتراف بان السنة انما هو تسطيح القبور لكنهم عدلوا عنه
مراغمة للشيعة والحمد لله الموفق للصواب ومنها ان يصب عليه أي على القبر الماء كما يدل عليه جملة من الاخبار التي تقدم بعضها وفى مرسلة ابن أبي
عمير عن الصادق (ع) في رش الماء على القبر فان يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب لكن في أغلب الاخبار وقع التعبير بلفظ الرش وفى بعضها
الامر بالنضح كما في صحيحة زرارة قال قال أبو عبد الله إذا فرغت من القبر فانضحه ثم ضع يدك عند رأسه وتغمز كفك عليه بعد النضح ومقتضى اطلاقه
استحباب النضح مطلقا كما صرح به بعض بل عن المنتهى عليه فتوى علمائنا لكن الأفضل في كيفية صب الماء ان يستقبل القبلة ويبدء من قبل رأسه ثم يدور
عليه فان فضل من الماء شئ ألقاه على وسط القبر كما يدل عليه رواية موسى بن أكيل النميري عن أبي
عبد الله (ع) قال السنة في رش الماء على القبر ان
تستقبل القبلة وتبدء من عند الرأس إلى عند الرجل ثم تدور على القبر من الجانب الآخر ثم يرش على وسط القبر فكذلك السنة وفى خبر سالم بن مكرم
المروى عن الفقيه الذي تقدم صدره عند بيان استحباب الدعاء في القبر عن أبي عبد الله (ع) قال فإذا سوى قبره فصب على قبره الماء وتجعل القبر
امامك وأنت مستقبل القبلة وتبدء بصب الماء عند رأسه وتدور به على قبره من اربع جوانبه حتى ترجع إلى الرأس من غير أن تقطع الماء فان فضل
من الماء شئ فصبه على وسط القبر الخ وفى الجواهر بعد نقل خبر سالم قال الظاهر أن ذلك من عبارة الصدوق لامن تتمة خبر سالم وجعل اتحاده
مع ما في الفقه من مؤيدات ذلك أقول على تقدير تمامية الاستظهار وعدم كون الفقه الرضوي بعينه من كلام الإمام (ع) فلا ينبغي التأمل في كون
هذه العبارة ولو كانت صادرة عن الصدوق نقلا لمضمون رواية واصلة إليه وكفى بمثله دليلا في مثل المقام والله العالم ومنها ان يوضع اليد غامزا
بها على القبر كما يدل عليه جملة من الاخبار منها صحيحة زرارة المتقدمة وينبغي ان يكون الغمز من عند رأسه كما تدل عليه الصحيحة وأن يكون مفرجة الأصابع
لقول الباقر (ع) في صحيحة زرارة إذا حثى عليه التراب وسوى قبره فضع كفك على قبره عند رأسه وفرج أصابعك واغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء ويتأكد استحباب
وضع اليد لمن لم يحضر الصلاة عليه كما يدل عليه خبر إسحاق بن عمار قال قلت لأبي الحسن الأول (ع) ان أصحابنا يصنعون شيئا إذا حضروا الجنازة ودفن الميت
لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر أفسنة ذلك أم بدعة فقال ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه ورواية محمد بن إسحاق قال قلت لأبي الحسن
الرضا (ع) شئ يصنعه الناس عندنا يضعون أيديهم على القبر إذا دفن الميت قال انما ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه واما من أدرك الصلاة عليه فلا
وظاهر هاتين الروايتين كفاية مطلق وضع اليد وعدم اعتبار الغمز ويحتمل بعيدا كونه سنة أخرى مغايرة للأولى ثابتة لمن لم يحضر الصلاة عليه والله
العالم ومنها ان يترحم على الميت بعد دفنه والأولى ان يدعو له بما هو المأثور مثل ما في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة ويقرب منه ما في خبر محمد بن مسلم
عن أحدهما قال فإذا وضعت عليه اللبن فقل اللهم صل وحدته وانس وحشته واسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه عن رحمة من سواك وإذا خرجت
من قبره فقل انا لله وانا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين اللهم ارفع درجته في أعلى عليين واخلف على عقبه في الغابرين يا رب العالمين
وخبر سالم بن مكرم فإذا وضعت عليه اللبن فقل اللهم ارحم غربته وصل وحدته وانس وحشته وامن روعته واسكن إليه من رحمتك رحمة
يستغنى بها من رحمة من سواك واحشره مع من كان يتولاه ومتى زرت قبره فادع له بهذا الدعاء وأنت مستقبل القبلة ويداك على القبر فإذا
خرجت من القبر فقل أنت تنفض يديك من التراب انا لله وانا إليه راجعون ثم احث التراب عليه بظهر كفيك ثلث مرات وقل ايمانا بك و
تصديقا بكتابك هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله فإنه من فعل ذلك وقال هذا الكلمات كتب الله له بكل ذرة حسنة ومنها
ان يلقنه الولي بعد انصراف الناس عنه بأرفع صوته كما يدل عليه خبر يحيى بن عبد الله قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول ما على أهل الميت ان يدرؤا
عن ميتهم لقاء منكر ونكير قال قلت كيف نصنع قال إذا افرد الميت فليستخلف عنده أولى الناس به فيضع فمه عند رأسه ثم ينادى بأعلى صوته يا فلان بن فلان
أو يا فلانه بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقنا عليه من شهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله سيد النبيين
وان عليا أمير المؤمنين (ع) وسيد الوصيين وان ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله حق والبعث حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور فيقول
424

منكر لنكير انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته ورواية علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال ينبغي ان يتخلف عند قبر الميت
أولى الناس به بعد انصراف الناس عنه ويقبض على التراب بكفيه ويلقنه برفيع صوته فإذا فعل ذلك كفى الميت المسألة في قبره والظاهر عدم العبرة
بخصوص الألفاظ الواردة وجواز الاجتزاء بكل ما يؤدى مؤديها إذ المقصود بالتلقين على الظاهر ليس الا تذكرة العهود السابقة والعقائد
الحقة التي يسئل عنها بل لو قيل بأولوية تلقين كل شخص بلسانه الذي كان يفهمه حال حياته لكان وجها وان كان الأوجه أولوية الألفاظ
المأثورة حتى لمن لم يكن يعقلها حال حياته لانتقال الميت إلى عالم آخر لا يختلف عليه الحال باختلاف الألسن على الظاهر والله العالم والظاهر
عدم كون ساير الخصوصيات المذكورة في الروايتين عدا انفراد الملقن الذي تطابقت النصوص والفتاوى على اعتباره كوضع الفم عند رأسه و
كونه بأرفع صوته وقبضه على التراب من مقومات موضوع التلقين بل هي من قبيل الفضل والاستحباب وكونه من الولي أيضا لا يبعد ان يكون كك كما
يستشم من رواية يحيى بن عبد الله المتقدمة ويشهد له اطلاق رواية جابر بن يزيد عن أبي جعفر (ع) قال ما على أحدكم إذا دفن ميته وانصرف عن قبره
ان يتخلف عند قبره ثم يقول يا فلان بن فلان أنت على العهد الذي عهدناك به من شهادة ان لا إله إلا الله
وان محمدا رسول الله وان عليا
أمير المؤمنين وفلان وفلان حتى يأتي على آخرهم فإذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه قد كفينا الوصول إليه ومسئلتنا إياه فإنه قد لقنه حجته
فينصرفان عنه ولا يدخلان إليه ودعوى ان المتبادر من إضافة الميت إليه هو خصوص الولي ممنوعة فان المتبادر من الإضافة في مثل المقام
ليس الا ارادته بأدنى ملابسة وقد أشرنا مرارا انه لا يراعى في مثل هذه الموارد قاعدة الاطلاق والتقييد بل يؤخذ باطلاق المطلق ويحمل المقيد
على كونه أفضل الافراد فالأظهر جوازه من كل أحد وكونه من الولي أفضل ومراعاة ساير الخصوصيات تزيده فضلا والله العالم ومنها ما
عن مصباح الكفعمي من الصلاة ليلة الدفن قال صلاة الهدية ليلة الدفن ركعتان في الأولى الحمد وآية الكرسي وفى الثانية الحمد والقدر عشرا
فإذا سلم قال اللهم صل على محمد وال محمد وابعث ثوابها إلى قبر فلان قال وفى رواية أخرى بعد الحمد التوحيد مرتين في الأولى وفى الثانية
ألهاكم التكاثر عشرا ثم الدعاء المذكور انتهى وفى صحة الاستيجار عليها كما هو المتعارف في هذه الاعصار اشكال يأتي البحث عنه في كتاب الصلاة
انشاء الله والتعزية مستحبة وقد تظافرت الاخبار في فضلها وزيادة اجرها حتى أنه روي بعدة طرق عن أبي عبد الله (ع) أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
من عزى مصابا كان له مثل اجره من غير أن ينتقص من اجر المصاب شئ وفى عدة روايات عن أبي
عبد الله (ع) عن أبيه عن ابائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال قال رسول الله من عزى حزينا كسى في الموقف حلة يجز بها وعنه أيضا عن أبيه عن ابائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال التعزية تورث الجنة ويتأكد استحبابها
بالنسبة إلى الثكلى [قد روي عن أمير المؤمنين (ع) من عزى الثكلى] أظله الله [تع] في ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله وعن أبي جعفر (ع) قال كان فيما ناجى به موسى (ع) ربه قال يا رب ما لمن عزى الثكلى قال أظله
في ظل يوم لا ظل الا ظلي وهى جايزة اي مستحبة قبل الدفن وبعده باجماع منا كما ادعى نقله مستفيضا بل متواترا بل ومن غيرنا أيضا عدا ما حكى
عن الثوري فكرهما بعد الدفن لأنه خاتمة امر الميت وفيه مالا يخفى وعن ابن البراج منا أيضا ما يقرب من المحكى عن الثوري ولا شبهه في فساده
بعد مخالفته للاجماع وما يقتضيه اطلاقات الاخبار المعتضدة بشهادة العقل مضافا إلى خصوص ما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع)
قال التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن ومرسلة محمد بن خالد عن أبي عبد الله (ع) قال التعزية الواجبة بعد الدفن ورواه الصدوق مرسلا عن
الصادق (ع) قال قال الصادق عليه السلام التعزية الواجبة بعد الدفن وقال كفاك من التعزية ان يراك صاحب المصيبة ومقتضاها كونها بعد الدفن
أفضل ولذا صرح غير واحد بأنه يتأكد استحبابها بعد الدفن وليس للتعزية كيفية موظفة بل تتأدى السنة بمطلق ما يتعزى به أهل المصيبة بل قد
سمعت التصريح في مرسلة الصدوق بأنه يكفي من التعزية ان يراه صاحبها لكن الأولى والأفضل ان يعز به بكونه من قضاء الله وان ما أعده من الاجر
خير له مما اخذ منه وان الله تعالى انما يأخذ من الولد وغيره أزكى ما عند أهله ليعظم به اجر المصاب كما يدل عليه بعض الروايات وان يدعو له بان
يعظم الله اجره وان يعجل الله عليه بالخلف الصالح وان يترحم على موتاه إلى غير ذلك من الفقرات المأثورة عن الأئمة عليه السلام في تعزية أصحابهم
وأشباهها مما يوجب الرضا بالمصيبة والصبر عليها وليس الاستحباب التعزية مدة محدودة بل يستحب مطلقا ما دام بقاء الصدق عرفا اللهم الا
ان يعرضها الكراهة لأجل الجهات الطارية كما لو كانت التعزية موجبة لتذكر المصيبة وزيادة حزن أهلها ونحو ذلك واما رواية إسحاق بن عمار
عن أبي عبد الله (ع) قال ليس التعزية الا عند القبر ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت فلا يبعد ان يكون المراد بها نفى استحباب
البقاء عند القبر بعد الدفن لا نفى استحباب التعزية بعده مطلقا وكيف كان فلابد من حمل هذه الرواية على مالا ينافي ما تقدم أورد علمها إلى أهله
والله العالم ثم إنه قد تعارف في هذه الاعصار جلوس أهل المصيبة واجتماعهم أياما ثلاثة أو أقل وأكثر لإقامة العزى ورود المعزين عليهم
وقد يستشعر من بعض الروايات كون الامر كذلك من الصدر الأول مثل ما رواه زرارة وغيره قال أوصى أبو جعفر (ع) بثمان مأة درهم لمأتمه وكان يرى
ذلك من السنة لان رسول الله (ع) قال اتخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا إلى غير ذلك من الروايات المشعرة بذلك لكنه مع ذلك لم يثبت استحباب
الكيفية المتعارفة بعنوانه المخصوص به وان استحب للواردين الورود عليهم بقصد التعزية وغيرها من العناوين الراجحة كما أنه استحب لهم ذلك
425

أيضا لأجل ساير العناوين الراجحة كتعظيم الميت وتحصيل الاجر له بدعاء المؤمنين وقراءة القرآن والاستغفار له وترحمهم عليه من العناوين
المرجحة للفعل الموجبة لاستحبابه والله العالم ويكره فرش القبر بالساج الا عند الضرورة كما صرح به في المتن وغيره بل عن الذكرى ومجمع البرهان
وجامع المقاصد وروض الجنان نسبته إلى الأصحاب مشعرة بدعوى الاجماع عليه وكفى به دليلا في مثل المقام مسامحة ولا ينافيها مرسلة الصدوق
قال وقد روى عن أبي الحسن الثالث (ع) اطلاق في أن يفرش القبر بالساج ويطبق على الميت بالساج حيث لم يعلم دلالة ذلك المطلق المروى على
سبيل الاجمال الاعلى الجوان في الجملة فلا ينافي الكراهة وربما عللها بعض بكونه اتلاف مال غير مأذون فيه وفيه مالا يخفى مع أنه لو صح دليلا
لاقتضى الحرمة دون الكراهة هذا في غير مقام الضرورة بان تكون الأرض ندية أو نحو ذلك واما عند الضرورة فيجوز من دون كراهة كما يدل عليه
مضافا إلى الأصل رواية علي بن محمد القاساني قال كتب علي بن بلال إلى أبى الحسن (ع) انه ربما مات الميت عندنا وتكون الأرض ندية فيفرش القبر
بالساج أو يطبق عليه فهل يجوز ذلك فكتب ذلك جائز ويكره ان يهيل ذو الرحم على رحمه التراب كما يدل عليه موثقة عبيد بن زرارة قال مات
لبعض أصحاب أبي عبد الله (ع) ولد فحضر أبو عبد الله (ع) فلما الحد تقدم أبوه فطرح عليه التراب فاخذ أبو عبد الله (ع) بكفيه وقال لا تطرح عليه التراب
ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب فان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى ان يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب فقلنا يا بن رسول الله أتنهانا عن
هذا وحده فقال أنهاكم ان تطرحوا التراب على ذوى أرحاكم فان ذلك يورث القسوة في القلب ومن قسا قلبه بعد من ربه ويكره تجصيص القبور
والبناء عليها وتطيينها كما يدل عليه رواية علي بن جعفر قال سئلت أبا الحسن موسى (ع) عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح قال لا يصلح البناء
عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه ولا يبعد ان يكون المراد بتطيينه تطيينه من غير طينه كما يدل عليه رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال
لا تطينوا القبر من غير طينه ورواية الأخرى عن أبي عبد الله (ع) أيضا ان النبي صلى الله عليه وآله نهى ان يزاد على القبر تراب لم يخرج منه ويدل على كراهة التجصيص أيضا خبر
الحسين بن زيد عن الصادق (ع) عن ابائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث المناهى انه نهى ان يجصص المقابر ومرفوعة القاسم بن عبيد المروية عن معاني الأخبار
عن النبي صلى الله عليه وآله انه نهى عن تقصيص القبور قال وهو التجصيص لكن قد ينافيها رواية يونس بن يعقوب قال لما رجع أبو الحسن موسى (ع) من بغداد ومضى إلى
المدينة ماتت له ابنة بفيد فدفنها وامر بعض مواليه ان يجصص قبرها ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر فيحتمل قويا اختصاص الكراهة بما عدا
قبور أرباب الشرف والفضيلة في الدين ممن أحب الله تعالى بقاء رسمه كي يفوز المسلمون بزيارته والتبرك بقبره والله العالم ويدل على كراهة البناء
على القبر مضافا إلى ما عرفت خبر يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (ع) قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله ان يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه ورواية خراج المدايني
عن أبي عبد الله (ع) قال لا تبنوا على القبور ولا تصوروا سقوف البيوت فان رسول الله صلى الله عليه وآله كره ذلك ورواية ابن القداح عن أبي عبد الله (ع) قال قال أمير
المؤمنين (ع) بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله في هدم القبور وكسر الصور وخبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال قال أمير المؤمنين (ع) بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة
فقال لا تدع صورة الا محوتها ولا قبر الا سويته ولا كلبا الا قتلته ويكره أيضا تجديدها بعد اندراسها كما صرح به جملة من الأصحاب وكفى به دليلا
من باب المسامحة وربما يؤيدها النهى عن تجصيص القبور والبناء عليه ويؤيدها أيضا بل يدل عليها خبر الأصبغ بن بناته قال قال أمير المؤمنين عليه السلام
من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الاسلام بناء على كون جدد بالجيم ودالين مهملتين لكن الرواية مجملة لفظا محتملة لأمور حيث نقلها الشيخ
وغيره على ما في الوسائل عن الصفار أنه رواها جدد بالجيم والدال وانه قال لا يجوز تجديد القبر ولا تطيين جميعه بعد مرور الأيام وعن سعد بن
عبد الله انه رواها حدد بالحاء الغير المعجمة يعنى به من سنم قبرا وعن البرقي انه رواها من جدث قبرا بالجيم والثاء وعن المفيد انه خدد بالخاء
المعجمة والدالين ومع هذه الاحتمالات لا تنهض لاثبات شئ لكنها لا تخلو عن التأييد خصوصا مع احتمال كون ما نقله الشيخ عن الصفار رواية
أخرى وكيف كان فينبغي استثناء قبور الأنبياء والأئمة عليهم السلام من القبور التي يكره البناء عليها وتجديدها فان ضرورة المذهب قاضية برجحان
تعمير مشاهدهم وحفظها عن الاندراس وتجديد عمارتها وكونها من أعظم الشعائر التي يجب تعظيمها فضلا عن شهادة الاخبار بذلك بل الظاهر أن
قبور العلماء والصلحاء ونحوهم ممن رجح شرعا بقاء رسمه والتقرب بزيارته أيضا كذلك بل ينبغي القطع بذلك بالنسبة إلى قبر مثل أبى الفضل
العباس (ع) وغيره من صالحي أولاد الأئمة (ع) بل وكذا بعض خواص أصحابهم كسلمان وأبي ذر وحبيب بن مظاهر ونظرائهم فإنه لا مجال للتشكيك في رجحان
تعمير مشاهدهم بل كونه من أعظم الأسباب التي يتقرب بها إلى الله تعالى كما يشهد به السيرة المستمرة مع ما فيها من المصالح الأخروية بل يمكن استفادته
من الأخبار الواردة بالنسبة إلى بعضهم الدالة على فضل زيارتهم حيث تستفاد منها محبوبية كون قبورهم كمشاهد الأئمة معظمة معمورة لدى
الشارع والله العالم ويكره دفن ميتين في قبر واحد لقولهم عليهم السلام لا يدفن في قبر اثنان نقله الشيخ في محكى المبسوط مرسلا ومع الضرورة
العرفية تزول الكراهة وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال للأنصار يوم أحد احفروا ووسعوا وعمقوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر الواحد
هذا إذا دفنا ابتداء واما إذا دفن أحدهما ثم أريد نبشه ودفن اخر فيه فعن المبسوط القول بكراهته أيضا وعن بعض القول بالمنع لتحريم النبش
ولان القبر صار حقا للأول بدفنه فيه فلم يجز مزاحمة الثاني واعترض عليه بان الكلام انما هو في إباحة الدفن نفسه وكون النبش محرما لا يستلزم
426

تحريمه فلا امتناع في أن يكون جائزا بعد تحقق النبش واما دعوى صيرورته حقا له بحيث يمنع من جواز دفن الغير عنده ففيها منع ظاهر فالأظهر فيه
الكراهة أيضا اللهم الا ان يقال إن الدفن المستعقب للنبش كنفس النبش استخفاف بالميت وهتك لحرمته كما ليس بالبعيد ويشهد له عدم رضا أهله
بذلك ولو بعد حصول النبش فالقول بالمنع مع أنه أحوط لا يخلو عن وجه والله العالم ويكره ان ينقل الميت من بلد مات فيه إلى بلد اخر الا إلى
أحد المشاهد المشرفة اما كراهة نقل الميت إلى غير بلد موته المشاهد المشرفة فعن المعتبر والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد وغيرها دعوى الاجماع
عليها وكفى بذلك حجة عليها وقد يشهد لها المروى عن دعائم الاسلام عن علي عليه السلام انه رفع إليه ان رجلا مات بالرستاق فحملوه إلى الكوفة فأنهكهم
عقوبة وقال ادفنوا الأجساد في مصارعها ولا تفعلوا فعل اليهود تنقل موتاهم إلى بيت المقدس وقال إنه
لما كان يوم أحد أقبلت الأنصار لتحمل قتلاهم
إلى دورها فامر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديا ينادى فنادى ادفنوا الأجساد في مصارعها ولاجل مخالفة ظاهر الامر والنهى المذكورين في الرواية لفتاوى
الأصحاب مع ضعف سندها واشعار ما فيها من التشبيه بفعل اليهود بالكراهة لا تصلح مستندة الا لاثباتها من باب المسامحة خصوصا مع ظهورها
في مرجوحية النقل ولوالى المشاهد المشرفة التي ستعرف ان الأقوى خلافه وربما يستدل للكراهة أيضا بمنافاتها للتعجيل المأمور به في الأخبار المتقدمة
في محلها واعترض عليه بعدم الملازمة بين استحباب التعجيل وكراهة النقل اللهم الا ان يتشبث لذلك بما في بعض تلك الأخبار
من النهى عن الانتظار بالميت ونحوه وثانيا بعدم اقتضائه كراهة النقل من حيث كونه نقلا فلو أمكن نقله إلى بلد اخر في زمان قصير كما أنه
يتحقق كثيرا ما في هذه الاعصار بالأسباب المستحدثة التي لم تكن متعارفة في الأزمنة السابقة للزم ان لا يكون مكروها وهو خلاف ظاهر
الفتاوى هذا في النقل إلى غير المشاهد المشرفة واما النقل إليها بعنوان التوسل والاستشفاع والتوصل وإلى ما فيها من الفوائد الأخروية
فلا يكره بل يستحب بلا نقل خلاف فيه بل عن المعتبر انه مذهب علمائنا خاصة وعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة إلى الان وهو مشهور بينهم لا يتناكرونه
ولأنه يقصد بذلك التمسك بمن له أهلية الشفاعة وهو حسن في الاحياء توصلا إلى فوائد الدنيا فالتوصل إلى فوائد الآخرة أولى انتهى
وهو في غاية الحسن بل لا ينبغي الارتياب فيه خصوصا بعد ما عرفت من عدم دليل يعتد به على كراهة النقل إلى غير المشاهد أيضا لولا الاجماع
وقاعدة التسامح القاضيتان في المقام باستحبابه ويشهد له مضافا إلى ما عرفت خبر علي بن سليمان قال كتبت أسئله عن الميت يموت بعرفات
يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم فأيهما أفضل فكتب يحمل إلى الحرم ويدفن فهو أفضل والمروى عن ارشاد الديلمي وفرحة الغري من قضية اليماني
الحامل لجنازة أبيه فقال له علي (ع) لم لا دفنته في أرضكم قال أوصى بذلك فقال له ادفن فقام فدفنه في الغري فان فيه التقرير منه لفعله حيث لم
يعبه بنقله ويشهد له أيضا فحوى الاخبار الآتية الدالة على جوازه بعد الدفن ان عملنا بها وكيف كان فلا فرق في جواز النقل بين قرب البلد
وبعده ما لم يؤد إلى فساد الميت من تغير ريحه وتفرق أعضائه بل ومعه أيضا على الأظهر إذا كان ذلك مسببا عن طول المدة أو حرارة الهواء
ونحوها لا إلى عمل عامل على وجه غير مشروع للأصل وغيره مما عرفت وقد بالغ في ذلك بعض الأساطين من متأخري المتأخرين فجوز النقل إلى
المشاهد وان توقف على تقطيعه اربا اربا قال فيما حكى عنه ولا هتك فيه للحرمة إذا كان بعنوان النفع له ودفع الضرر عنه كما يصنع بالاحياء وفيه ان نفس تمثيل الميت وتقطيعه بذائه محذور ممنوع منه شرعا ومناف لاحترام الميت فلا يصح ان يبيحه غاية مستحبة وتفرع تلك الغاية على
التقطيع لا يخرجه من كونه في حد ذاته هتكا لحرمته المعلوم حرمته ولو سلم عدم كونه هتكا بنظر العرف إذا تحقق بقصد تحصيل النفع فلا نسلم
جوازه شرعا بل هو على الظاهر محرم مطلقا قد يترتب عليه استحقاق الدية وان كان حكمته في الواقع توهين الميت إذ لا يجب في الحكم المقتضية
للأحكام الشرعية اطرادها كما هو ظاهر واما إذا كان انفصال الأعضاء بعضها عن بعض كتغير ريحة مستندا إلى طول المدة ونحوه لا إلى امر اخر
مسبب عن فعل المكلفين فلا محذور فيه عدا ما يتوهم من أن اتقائه بلا دفن في طول هذه المدة التي يظهر فيها ريحه ويتفرق أعضائه هتك لحرمته
وان الأصل في حكمة الدفن انما هو ستر مثل هذه الأمور وان المتتبع في كلمات الأصحاب لا يكاد يخفى عليه ظهور اتفاقهم في تقييد اطلاقات أدلة
تجهيزات الميت من غسله بالسدر والكافور وغيره من الأحكام الواجبة بما إذا لم يؤد إلى فساد الميت بظهور رائحته ونحوها مما يوجب انتهاك
حرمته بل لم يسوغوا على الظاهر تعطيله والانتظار به إلى هذا الحد للكفن والغسل والكافور ونحوها فأوجبوا دفنه بدونها فكيف يجوز ذلك لأجل
الدفن في المشاهد المشرفة التي غايته الاستحباب وفى الجميع نظرا ما دعوى كونه هتكا لحرمته ومنافاته لقوله (ع) حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا ففيها
ان تعطيله لا بعنوان المهانة والتحقير بل لأجل التوصل إلى دفنه في مكان مناسب بحاله فضلا عن دفنه في المشاهد المشرفة لا يعد بنظر العرف
هتكا لحرمته بل هو من أعظم انحاء احترام الميت خصوصا إذا منع ريحه من الانتشار بوضعه في صندوق ونحوه على وجه يكتم ريحه بل ربما يكون ترك
النقل في مثل هذه الأزمنة التي تعارف فيها النقل من البلاد النائية توهينا بالميت وتحقيرا له بنظر العرف واما دعوى ان الأصل في حكمة الدفن
ستر مثل هذه الأمور التي تظهر بالتعطيل وعدم تأذى المسلمين بريحه ونحو ذلك فيدفعها ان مثل هذا الحكم انما هو من اجزاء المقتضى لايجاب
الدفن وليست علة تامة بحيث يدور مدارها الحكم واما دعوى ظهور اتفاقهم في عدم وجوف الانتظار به إلى هذا الحد لتجهيز انه الواجبة بل
427

عدم جوازه وهو ينافي الجواز لتحصيل امر مستحب ففيها بعد التسليم انه ان كان مستندهم في ذلك كون الانتظار به إلى هذا الحد هتكا لحرمته فلا اعتداد
باجتماعهم على الحكم بل يدور الحكم مدار المستند الذي اجمعوا عليه وقد عرفت ان تحقق عنوان الهتك في كثير من الموارد فضلا عن خصوص المقام
ممنوع بل عدمه محقق والشاهد عليه العرف وان كان مستندهم امر وراء ذلك فليقتصر على مورد تحقق الاجماع من عدم الانتظار به لساير التجهيزات
لا للدفن في وأفضل الأمكنة ودعوى ان المستفاد من ذلك عدم جواز الانتظار به إلى هذا الحد مطلقا ولو لم يكن منافيا للاحترام غير مسموعة نعم
لو ادعى مدع الاجماع على عدم الوجوب في مثل الفرض لتجهيزاته الواجبة لا عدم الجواز لم يكن بعيدا عن الصواب وهو لا ينافي المطلوب كما هو
واضح ونظير هذه الدعاوى في الضعف ما قد يقال من أن المستفاد من أدلة الدفن وجوب دفن الميت مطلقا بمعنى كونه مستورا تحت الأرض
الا في المدة التي لابد منها لتجهيزاته بحسب المتعارف وما نحن فيه خارج من ذلك وفيه انه لو تم ذلك لاقتضى عدم جواز النقل الموجب لتأخير
الدفن مطلقا سواء كان مؤديا إلى فساد الميت أم لا وقد صرح القائل بخلافه واعترف باقتضاء الأدلة عدم الفرق بين البلد القريب والبعيد
وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال فيما هو المتعارف في هذه الاعصار من غير نكير من نقل الأموات من البلاد النائية إلى المشاهد المشرفة المستلزم
لتغيير الميت وفساده كما يؤيده مضافا إلى فحوى الاخبار الآتية الدالة على جواز نقل العظام بعد الدفن خبر اليماني فان النقل من اليمن إلى الغري
يستلزم التغيير بحسب العادة والله العالم ويكره ان يستند إلى القبر أو يمشى عليه أو يجلس اجماعا كما عن غير واحد نقله ويدل على كراهة الجلوس مضافا
إلى ذلك قول الكاظم (ع) في رواية علي بن جعفر المتقدمة لا يصلح البناء على القبر ولا الجلوس عليه والمرسل عن النبي (ع) لان يجلس أحدكم على جمر فتحرق
ثيابه فتصل النار إلى بدنه أحب إلى من أن يجلس على قبر ويدل على كراهة المشي عليه ما ارسله في كشف اللثام عنه (ع) لان امشي على جمرة أو سيف أو
خصف نعلي برجلي أحب إلى من أن امشي على قبر مسلم لكن ينافيها ما ارسله الصدوق عن الكاظم (ع) إذا دخلت المقابر فطاء القبور فطاء القبور فمن كان مؤمنا استروح
ومن كان منافقا وجد المه ويمكن تنزيله مع مخالفته لما عرفت على مورد الحاجة إلى دخول المقابر للدفن أو لزيادة بعضهم ولم يتمكن الوصول إلى
المقصود الا بذلك وكيف كان فالأولى والأنسب بتعظيم الميت ما عرفت والله العالم الخامس من الأحكام المتعلقة بالأموات في اللواحق وهى
مسائل اربع الأولى لا يجوز نبش القبور بلا خلاف فيه بل اجماعا كما عن جماعة نقله بل عن المعتبر وغيره دعوى اجماع المسلمين عليه وكفى بالاجماعات
المحكية المعتضدة بعدم نقل الخلاف ومعروفية الحكم لدى المتشرعة قديما وحديثا دليلا للحكم واستدل له أيضا بأنه مثلة بالميت وهتك له ومقتضاه
مسلمية حرمة المثلة وهتك حرمته ولعله كذلك كما يشهد له ما دل على أن حرمته ميتا كحرمته حيا فكما لا يجوز هتك حرمة الحي كذلك لا يجوز هتك حرمة
الميت فلا ينبغي الارتياب فيه في الجملة وقد استثنى من ذلك مواضع منها ما لو دفن في ارض مغصوبة فلمالكها اخراجه وتفريغ ارضه ومنها ما لو
كفن بكفن مغصوب فلمالكه نبش الأرض واخذ كفنه ومنها ما لو وقع في القبر ماله قيمة فإنه يجوز لمالكه نبشه لاخذه ولا يجب على المالك قبول القيمة في
شئ من الصور فان الناس مسلطون على أموالهم وقد ناقش في هذه الفروع بعض متأخري المتأخرين لولا أن ظاهرهم الاتفاق عليها
نظرا إلى معارضته حرمة الحي وحقه بحرمة الميت التي هي كحرمته فزعم أن المتجه ح بعد مراعاة الميزان في الحرمتين وفرض التساوي فيهما الجمع بين الحقين
ببذل القيمة ولو من تركة الميت أو من ثلثه أو من بيت المال وفيه ان قاعدة نفى الضرر وسلطنة الناس على أموالهم القاضيتان في المقام
بما عرفت مما لا يزاحمها شئ من العمومات المثبتة للتكاليف فما ظنك بمثل المقام الذي ليس لنا في الحقيقة دليل يعتد به الا الاجماع على حرمة
هتك الميت بنبش قبره المعلوم عدم انعقاده الا على حرمة النبش ما لم يكن في تركه مفسدة من تضييع حق الغير أو ماله أو فوت واجب ونحوه
واما ما دل على أن حرمته ميتا كحرمته حيا فلا يصلح دليلا لاثبات الحرمة في مثل الفرض إذ لا نسلم ثبوتها في المشبه به في مثل هذا الموارد فضلا عن
المشبه هو واضح ومن هنا استثنى غير واحد من الأصحاب جواز النبش للشهادة على عينه ليضمن المال المتلف أو لقسمة ميراثه واعتداد زوجته
وغيرها من المواقع التي يكون تركه مفوتا لحق الغير واستثنى في محكى المنتهى نبشه لتدارك غسله لو دفن بلا غسل محافظة على الواجب الذي يمكن
تداركه ويمكن الخدشة في ذلك بدعوى انصراف ما دل على وجوب الغسل والكفن ونحوه عما لو استلزم هتك حرمة الميت بنبش قبره فليتأمل
فمقتضى التحقيق ان ما دل على حرمة نبش القبر بنفسه لا يصلح دليلا لصرف شئ من العمومات أو الاطلاقات المثبتة للتكاليف الواجبة أو المحرمة
نعم ربما يكون نفس تلك العمومات والاطلاقات بنفسها أو بواسطة بعض المناسبات المغروسة في الذهن منصرفة في مثل الفرض والله العالم
ولو دفن المالك ميتا في ارضه بطيب نفسه أو دفن باذنه ليس له نبشه ونقله لصيرورة الميت بعد دفنه بحق ذا حق لكون نبشه ونقله توهينا له وهتكا
لحرمته فيكون ضررا عليه بما روى نظير ما لو غرس شجرة في ملكه باذنه فإنه ليس للمالك قلعها بل لو لم نقل بصيرورة الميت ذا حق أيضا لا يجوز بعد نهى
الشارع عن نبش القبور لورود هذا النهى على قاعدة السلطنة بعد تحقق الاذن فان اذن المالك بدفن الميت الذي يستعقبه حكم الشارع بحرمة
نبشه اقدام منه عليه فلا ينافي سلطنة ودعوى ان عمدة مستند حرمة النبش هي الاجماع والقدر المتيقن من معقده غير مثل الفرض غير مسموعة
لما أشرنا إليه من أن القدر المتيقن منه انما هو حرمة هتك الميت بنبش قبره ما لم يكن تركه موجبا لتضييع حق الغير أو تفويت تكليف شرعي وقد
428

عرفت ان حرمة النبش بعد تحقق الاذن من المالك لا توجب تضييع حقه وقد صرح بعضهم بأنه لو اذن بالصلاة في داره ليس له الرجوع في أثناء
الصلاة نظرا إلى ما عرفت من أن الاذن بمثل هذه الأمور يستتبع القيام بموجبه وكيف كان فالامر فيما نحن فيه أوضح بل لا ينبغي الاستشكال
فيه ويتفرع عليه انه لو انتقلت الأرض إلى شخص اخر بارت أو شراء ليس لذلك الاخر أيضا نبشه إذ لا ينتقل من المالك الا ما كان له فما عن الشيخ
في المبسوط من جوازه للمشترى ضعيف ولو القى متاعه في قبر مسلم عمدا فقد يتخيل جريان مثل ما ذكرناه في الفرع السابق بالنسبة إليه نظرا إلى أنه
بالقائه في القبر بعد حكم الشارع بحرمة نبشه وكونه هتكا لحرمة المسلم اقدم على اتلاف ماله فيكون تضرره مسببا عن اقدامه لا عن حكم الشارع بحرمة
نبش القبر كي يرفعها قاعدة نفى الضرر وعلى تقدير جهله بالحكم الشرعي وان لم يصدر منه الاقدام على الضرر لكن تضرره مسبب عن جهله لاعن الحكم الشرعي
لكن للنظر فيه مجال والمسألة في بعض فروضها لا تخلو من اشكال وان كان الأظهر ما هو ظاهر الأصحاب من جواز استنقاذه مطلقا خصوصا
مع امكان ان يقال إن احداث طريق إلى القبر من بعض نواحيه بمقدار الضرورة لاخراج ما القى في القبر لا يعد بنظر العرف هتكا لحرمة
الميت بل لا يعد نبشا للقبر وان كان منافيا لاحترامه لكن لا يجب مراعاة الاحترام ما لم يكن تركه هتكا كما هو ظاهر وقد يستدل للجواز
بما روى مرسلا ان المغيرة بن شعبة طرح خاتمة في قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ثم طلبه ففتح موضعا منه فاخذه وكان يقول انا اخركم عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله
لكن لا اعتداد بمثل هذه الرواية ولا يبعد كونها من الموضوعات والله العالم وكذا لا يجوز نقل الموتى بعد دفنهم مطلقا ولو إلى أحد المشاهد
المشرفة على الأشهر بل المشهور بل عن بعض دعوى الاجماع بالنسبة إلى غير المشاهد المشرفة خلافا لظاهر المحكى عن الوسيلة حيث قال يكره تحويله
من قبر إلى قبر ولعله أراد بذلك نقله بعد وضعه في القبر قبل ان يتحقق دفنه وحكى عن ابن الجنيد انه اطلق نفى البأس عن التحويل لصلاح يراد
بالميت واما النقل إلى المشاهد فربما يظهر من غير واحد من قدماء الأصحاب وكثير من متأخريهم جوازه وحكى عن بعضهم تقييده بان لم يبلغ الميت
حالة يبلغ من نقله هتكه ومثلته بان يصير متقطعا ونحوه احتج المانعون بحرمة نبش القبر والظاهر أنه
لا دليل لهم يعتد به سواء كما اعترف به
بعضهم واعترضه في المدارك وغيره بخروجه من محل النزاع إذ المراد هنا النقل بعد الدفن من حيث هو كذلك من دون نظر إلى النبش فربما
يتحقق النبش لا على وجه محرم أو على وجه محرم لكن الكلام في النقل بعد تحققه ويتوجه عليه ان كلماتهم كما في المتن وغيره وان كانت موهمة لذلك
لكن الظاهر أن خلافهم في المقام ليس الا في النقل من حيث النبش كما يدل عليه استدلالهم عليه به مع اعتراف بعض بعدم دليل لهم سواه وتصريح
بعضهم بكونه من الصور المستثناة من حرمة النبش وكيف كان فلا يظن بالمانعين التزامهم بحرمة النقل من حيث هو ولو بعد خروج الميت
من قبره لوضوح ضعفه حيث لا دليل يعتد به عليه بل قضية الأصل وغيره كون حكم النقل من حيث هو مع قطع النظر عن النبش ما عرفت من
الكراهة إلى بلد خر غير المشاهد والاستحباب إليها ويحتمل ان يكون محل الكلام في هذا المقام تحويله المستعقب للنبش من قبر إلى قبر لا نفس
النقل من حيث هو ولا النبش من هو كما يؤيده افرادهم إياه بالعنوان وجعله فرعا مستقلا فيكون الدليل على حرمته الاجماعات المنقولة
المعتضدة بالشهرة مع ما فيه بنفسه من هتك الحرمة كما في النبش وكيف كان فإن كان مراد المانعين هو المنع من النقل المتوقف على النبش من
حيث كونه كذلك لاستلزامه النبش المحرم لا لذاته فالشأن انما هو في اثبات حرمة النبش على وجه يعم محل الكلام أي النقل إلى المشاهد المشرفة
فإنه قد يقال إن عمدة مستند حرمة النبش كما عرفت هو الاجماع وهو مفقود في مورد الخلاف فمقتضى الأصل الجواز فضلا عن الروايات الآتية
المعتضدة ببعض الاعتبارات العقلية والنقلية التي تقدمت الإشارة إليها اجمالا عند البحث في النقل إلى المشاهد وأجيب عنه باطلاق الاجماعات
المنقولة بل اطلاق أوامر الدفن وغير ذلك وفيه مالا يخفى فان اطلاق الاجماعات بعد تسليم حجيتها لا يجدي مع معلومية الخلاف في بعض
افراد المطلق وتنصيص الناقل أو غيره على ذلك واما اطلاق أوامر الدفن فقد عرفت تقريب الاستدلال به مع ما فيه من الضعف عند التكلم
في نقل الموتى إلى المشاهد فراجع وبهذا ظهر لك انه ان أراد المانعون المنع من النقل المستعقب للنبش من حيث هو فلا يجديهم الاجماع المحقق
أو المنقول لاثبات مدعاهم في محل النزاع واما ما أشار إليه المجيب بقوله وغير ذلك فليس الا ما عرفته في محله من كون النبش مثلة بالميت وهتكا
لحرمته وفيه ان القائل بالجواز لا يرى كون النبش وكذا تحويله من قبره هتكا لحرمته إذا تحقق لأجل النقل إلى المشاهد بل يراه تعظيما له واعتناء
بشأنه والمحكم فيه العرف فالتحقيق انه ان صدق عرفا كون نبش القبر مطلقا أو نقله من قبره مطلقا ولو في محل النزاع توهينا بالميت وهتكا لحرمته
فلا محيص عن الالتزام بحرمته اللهم الا ان يستدل لجوازه بالاخبار الخاصة الآتية التي سيأتي التكلم فيها إذ لا مجال لانكار كون القاعدة المستفادة
من النص والاجماع حرمة توهين الميت وهتك احترامه بالمثلة ونبش قبره أو نقله ما لم يدل دليل خاص على جوازه ووقوع الخلاف في المقام
لا يوهن مثل هذا الاجماع الذي ادعيناه فان المخالف انما اجازه اما لزعمه عدم كونه هتكا لحرمته أو لبنائه على استفادته من الاخبار والا
فالأصل فيه المنع كما سيظهر ذلك من بعضهم الذي سيأتي نقل عبارته لكن الانصاف عدم كونه هتكا للحرمة ولا توهينا بالميت بنظر العرف خصوصا
بعد تعارف النقل إلى المشاهد وصيرورته من انحاء احترامات الميت بل الانصاف عدم تحقق الهتك عرفا في الموارد التي التزم ابن الجنيد
429

بجوازها أعني فيما إذا كان التحويل لصلاح يراد بالميت خصوصا في بعض فروضه كما لو دفن الميت في مزبلة أو قريبا من مبال أو بالوعة ونحوها
من المواضع التي يطعن بها على الميت وأهله فلا تأمل في عدم كون نقله منها إلى مكان مناسب سالم عن الطعن هتكا للحرمة ودعوى ان نفس النبش
أو النقل بذاته هتك للحرمة ولا يغيره العناوين الطارية غير مسموعة ولذا قد يقوى في النظر قوة ما ذهب إليه ابن الجنيد لو لم يتحقق الاجماع على خلافه أو
كان مستند المجمعين في منعهم صدق الهتك المفروض انتفائه في المورد وربما يستدل للجواز باخبار منها ما رواه الشيخ وغيره مرسلا في عدة كتب فعن
النهاية وإذا دفن الميت في موضع فلا يجوز تحويله من موضعه وقد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمة عليهم السلام سمعناها مذاكرة
والأصل ما قدمناه انتهى وظاهره عدم العمل بالرواية لكن يظهر من محكى المبسوط ومختصر المصباح تجويزه للعمل بها فإنه قال في الأول بعد نقل الرواية
الأفضل العدم وفى الثاني الأحوط العدم وفى محكى المصباح قال لا ينقل الميت من بلد إلى بلد فان نقل إلى المشاهد كان فيه فضل ما لم يدفن وقد
رويت بجواز نقله إلى بعض المشاهد رواية والأول أفضل وعن الجامع يحرم نبشه بعد الدفن ورويت رخصة في جواز نقله إلى بعض المشاهد سمعت
مذاكرة وعن مسائل العزية للمفيد ورجاء حديث يدل على رخصة في نقل الميت إلى بعض مشاهد ال الرسول صلى الله عليه وآله إذا أوصى الميت بذلك انتهى
واطلاقه يشمل ما بعد الدفن أيضا ولا يبعد ان يكون هذا بالخصوص مراده والله العالم ومنها ما رواه الصدوق في يه مرسلا قال قال الصادق (ع)
ان الله أوحى إلى موسى بن عمران ان اخرج عظام يوسف من مصر إلى أن قال فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر فلما اخرجه طلع؟؟؟
فحمله إلى الشام فلذلك تحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام ومنها ما رواه المفضل عن الصادق (ع) المروى عن كامل الزيارة ان نوحا نزل
في الماء إلى ركبتيه بعد ان طاف بالبيت واستخرج تابوتا فيه عظام ادم (ع) وحملها حتى دفنها بعد ان بلعت الأرض الماء في ارض الغري ودعوى
ان ثبوت الحكم في الشريعة السابقة لا يجدي بالنسبة إلى الشريعة اللاحقة مدفوعة بان مقتضى القاعدة ابقاء ما كان ما لم يثبت نسخه كما تقرر
في الأصول وقد أجيب عنه أيضا بان نقل الأئمة (ع) لمثل هذه الأمور وعدم تعرضهم لنسخها يدل كونها ممضاة في هذه الشريعة ثم إنه على تقدير
الخدشة في الاستدلال بهما من هذه الجهة فلا مجال للمناقشة في دلالتهما على عدم كون مثل هذا العمل مثلة وهتكا الاحترام الميت على اطلاقه كما هو
أقوى مستندا لمانع في منعه والانصاف انه ان تحقق الاجماع على أن الأصل في نبش القبر ونقل الموتى هو الحرمة سواء كان هتكا أم لا الا ان يدل
دليل على جوازه كما هو ظاهر كل من تشبث للجواز بالاخبار بل كاد ان يكون صريح العبائر المتقدمة عن النهاية وغيرها يشكل الاعتماد على مثل هذه الروايات
مع ما فيها من ضعف السند وغيره من الموهنات في رفع اليد عما يقتضيه أصالة الحرمة لكن لا وثوق بتحقق مثل هذا الاجماع وان لم يكن ادعائه
بعيدا بالنظر إلى كلمات المتقدمين فالقول بالجواز في الجملة لا يخلو عن وجه لكن المنع مطلقا أحوط والله العالم ولا يجوز شق الثوب على غير الأب والأخ
كما صرح به غير واحد بل لعله المشهور وعن الحلى منعه مطلقا وقيل بجوازه للمرأة مطلقا ومنعه للرجل على غير الأب والأخ ويظهر من بعض المتأخرين الميل
إلى جوازه مطلقا على كراهية في غير الأب والأخ والأقارب أو مطلقا وعن كفارات الجامع أنه قال لا بأس بشق الانسان ثوبه لموت أخيه ووالديه وقريبه
والمرأة لموت زوجها واستدل للمنع بكونه تضييعا للمال ومنافيا للرضا بقضاء الله وللنظر فيهما مجال والأولى جعل مثل هذه الأمور من مؤيدات الدليل
كما صنعه بعض لا دليلا يعتمد عليه بعد وضوح اقدام العقلاء في مقاصدهم العقلائية على ارتكاب مثل هذه الأمور من دون ان يعد تبذيرا وسرفا
كي يكون محرما وامكان تحققه على وجه لا يكون ساخطا بقضاء الله جل جلاله واستدل أيضا بروايات أوثقها في النفس ما حكى عن المبسوط من نسبته
إلى الرواية لانجبار مثل هذه الرواية المرسلة بفتوى الأصحاب إذ من المستبعد عادة التزامهم بمثل هذا الفرع من دون عثور على رواية مقبولة
لديهم ومنها ما في محكى البحار عن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (ع) انه أوصى عندما احتضر فقال لا يلطمن على خد ولا يشقن على جيب فما من امرأة
تشق جيبها الا صدع لها في جهنم صدع كلما زادت زيدت وعنه أيضا عن مسكن الفواد عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس منا من ضرب
الخدود وشق الجيوب وعن أبي أمامة ان رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور وعنه أيضا عن مشكاة
الأنوار نقلا عن كتاب المحاسن عن الصادق (ع) في قول الله عز وجل ولا يعصينك في معروف المعروف ان لا يشقن جيبا ولا يلطمن وجها ولا يدعون
بالويل وروى عن الأئمة (ع) في وصاياهم النهى عن شق الجيوب وخمش الوجوه ولا يبعد كفاية هذه الروايات بعد التجابر والتعاضد واعتضادها
بفتوى الأصحاب وغيرها لاثبات الحرمة ولا ينافيها خبر الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قال لا ينبغي الصياح على الميت ولا شق الثياب من حيث
ظهورها في الكراهة فان ظهور ما سمعت في الحرمة أقوى فليحمل هذه الرواية عليها خصوصا مع مخالفتها لظاهر الأصحاب مع ما فيها من الضعف مع أن
متن الرواية في نسخة الوسائل ولا تشق الثياب فيكون نهيا مستقلا ظاهره التحريم نعم ربما ينافيها خبر خالد بن سدير عن الصادق (ع) بعد ان
سأله عن رجل شق ثوبه على أبيه وعلى أمه وعلى قريب له قال لا بأس بشق الجيوب قد شق موسى على أخيه هارون ولا يشق الوالد على ولده ولا زوج
على امرأة وتشق المرأة على زوجها وإذا شق زوج على امرأته أو والد على لده فكفارته حنث يمين ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا من ذلك إلى أن
قال لقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (ع) وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب لكن الرواية لضعف سندها واعراض
430

الأصحاب عنها لا تصلح دليلا وقد يشكل ذلك بكون الرواية معمولا بها لدى الأصحاب في بعض فقراتها كاثبات الكفارة وغيرها فلا يجوز طرحها
بالمرة والاخذ ببعض فقرات رواية واحدة وطرح بعضها لضعف السند ما لم يكن اعتبارها من باب محض التعبد كما هو الأظهر مشكل فالمنع على غير
الأب والأخ على اطلاقه لا يخلو من عن اشكال الا انه أحوط واما الشق عليهما فلم ينقل الخلاف في جوازه من أحد عدا ما سمعته من الحلى وهو ضعيف لما
روى مستفيضا بطرق متعددة من شق العسكري (ع) قميصه عند موت أبيه منها ما عن كشف الغمة نقلا من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري عن أبي
هاشم الجعفري قال خرج أبو محمد (ع) في جنازة أبى الحسن (ع) وقميصه مشقوق فكتب إليه ابن عون من رأيت أو بلغك من الأئمة شق قميصه في مثل
هذا فكتب إليه أبو محمد (ع) يا أحمق وما يدريك ما هذا قد شق موسى على هارون وعن الكشي في كتاب الرجال مسندا إلى محمد بن الحسن بن شمون وغيره
قال خرج أبو محمد (ع) وذكر الحديث الا أنه قال كتب إليه أبو عون الأبرش وعنه عن إسحاق بن محمد عن إبراهيم بن الخضيب قال كتب أبو عون الأبرش
قرابة نجاح بن سلمة إلى أبى محمد صلى الله عليه وآله ان الناس قد استوهنوا من شقك على أبى الحسن (ع) فقال يا أحمق مالك وذاك قد شق موسى على هارون
وعنه عن الفضل بن الحرث قال كنت بسر من رأى بعد خروج سيدي أبى الحسن (ع) فرأينا أبا محمد
(ع) قد شق ثوبه واحتمال اختصاص الجواز بكونه على
الأنبياء والأئمة عليهم السلام بعد مخالفته للأصل وفتاوى الأصحاب مما لا يلتفت إليه المسألة الثانية الشهيد الذي عرفته حيثما عرفت انه
لا يغسل يدفن وجوبا بثيابه أصابها الدم أو لم يصبها بلا خلاف فيه بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه بل عن المعتبر حكاية اجماع المسلمين
على أنه يدفن مع الشهيد جميع ثيابه أصابها الدم أو لا ويدل عليه جملة من الاخبار التي تقدم نقلها في مبحث الغسل منها صحيحة زرارة وإسماعيل بن
جابر عن أبي جعفر (ع) قلت له كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه قال نعم في ثيابه بدمائه ولا يحنط ولا يغسل ويدفن كما هو الحديث ورواية أبان بن
تغلب قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الذي يقتل في سبيل الله أيغسل ويكفن ويحنط قال يدفن كما هو في ثيابه الحديث إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
الدالة على المطلوب وظاهرها بل كاد ان يكون صريحها كصريح الفتاوى انه لا ينتزع منه شئ من ثيابه نعم حكى عن الإسكافي والمفيد وسلار و
ابن زهره ايجاب نزع السراويل وعن الأول تقييده بما إذا لم يصبها الدم والروايات حجة عليهم ودعوى عدم صدق الثوب عليها واضحة المنع
نعم قد يشهد لهم في الجملة خبر زيد بن علي عن ابائه قال قال أمير المؤمنين عليه السلام ينزع من الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل
الا ان يكون اصابه دم فان اصابه دم ترك ولا يترك عليه شئ معقود الا حل لكن الرواية مع ما فيها من ضعف السند ومخالفتها لفتوى الأصحاب
لا تصلح دليلا في مقابل ما عرفت وحكى عن المشهور انه ينزع عنه الخفان والفرو بل مطلق الجلود لعدم صدق اسم الثياب عليها لانصراف الثوب
إلى المنسوج وعن الخلاف دعوى الاجماع على نزع الجلود لكن لا يخلو اطلاقه عن اشكال فان منع صدق اسم الثياب عليها مطلقا خصوصا لو انحصر
لباسه بها وكانت متخذة بهيئة القميص ونحوه في غاية الاشكال نعم لا ينبغي التأمل في انصرافها عن الخفين ونحوهما فينزعان عنه بلا اشكال أصابهما
الدم أولم يصبهما على الأظهر ودعوى انه يفهم من بعض الأخبار مثل ما في بعض الروايات من قوله (ع) زملوهم بدمائهم في ثيابهم دفنهم مع ما
عليهم مطلقا عند اصابته الدم وان لم يصدق عليه اسم الثوب قابلة للمنع والله العالم ولافرق في الشهيد بين ان يقتل بحديد أو غيره لاطلاق
الأدلة المسألة الثالثة حكم الصبي والمجنون إذا قتل شهيدا حكم البالغ العاقل كما عرفت في مبحث الغسل المسألة الرابعة
إذا مات ولد الحامل في بطنها قطع واخرج ان لم يكن اخراجه صحيحا من دون ان يتضرر به أمه أو يخاف عليها بلا خلاف فيه بل اجماعا كما يدل
عليه رواية وهب بن وهب المروية في الوسائل عن الكافي عن أبي عبد الله (ع) قال قال أمير المؤمنين عليه السلام إذا ماتت المرأة وفى بطنها ولد
يتحرك يشق بطنها ويخرج الولد وقال في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها قال لا بأس بان يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه وعن
موضع اخر من الكافي انه رواه مثله الا أنه قال يتحرك فيتخوف عليه وزاد في اخره إذا لم ترفق به النساء وعن الفقه الرضوي وان مات الولد
في جوفها ادخل انسان يده في فرجها وقطع الولد بيده واخرجه وعن المصنف في المعتبر انه بعد ان ذكر مستند الحكم من الرواية المتقدمة قال
ووهب هذا عامي ضعيف لا يعمل بما ينفرد به فالوجه انه ان أمكن التوصل إلى اسقاطه صحيحا بشئ من العلاجات والا توصل إلى اخراجه بالأرفق فالأرفق
ويتولى ذلك النساء فان تعذرن فالرجال المحارم فان تعذروا فغيرهم دفعا عن نفس الحي انتهى واستوجهه غير واحد ممن تأخر عنه ويتوجه عليه
ان ضعف السند غير ضائر في مثل هذه الرواية المقبولة واما ما ذكروه من القيود فهي مما لابد منه ولا ينافيها الرواية لجريها مجرى العادة من مراعاة
الأرفق فالأرفق وعدم مباشرة الرجال مثل هذه الأمور الا عند الضرورة وفى الزيادة السابقة في الخير أيضا دلالة عليه وان ماتت هي دونه
ولم يتيسر اخراجه بدون ان يتضرر الولد أو يخاف عليه شق جوفها من الجانب الأيسر وانتزع وخيط الموضع اما شق جوفها فيدل عليه مضافا إلى
توقف حفظ النفس عليه في الفرض جملة من الاخبار كرواية وهب بن وهب المتقدمة وخبر علي بن يقطين قال سئلت العبد الصالح عن المرأة تموت
وولدها في بطنها قال يشق بطنها ويخرج ولدها ورواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن المرأة تموت ويتحرك الولد في
بطنها أيشق بطنها ويستخرج ولدها قال نعم وما رواه محمد بن مسلم جوابا للمرأة التي سئلته عن حكم المسألة قال قلت يا أمة الله سئل محمد بن علي
431

الباقر عليه السلام عن مثل ذلك فقال يشق بطن الميت ويستخرج الولد إلى غير ذلك وليس في شئ من الاخبار التصريح بكون شق الجوف من الجانب الأيسر
عدا ما عن الفقه الرضوي من التقييد بذلك وقد صرح به غير واحد من الأصحاب بل عن التذكرة نسبته إلى الأصحاب فالقول به لو لم يكن أقوى
فلا ريب في أنه أحوط واما خيط الموضع فقد صرح به كثير من الأصحاب وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا ويدل عليه مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع)
في المرأة تموت ويتحرك الولد في بطنها أيشق بطنها ويخرج الولد قال فقال نعم ويخاط بطنها واما الأغسال المسنونة فالمشهور المعروف منها
ثمانية وعشرون غسلا والا فهي أكثر من ذلك بل عن المصابيح انها تقرب من مأة ستة عشر من تلك الأغسال المشهور للوقت وهى غسل يوم الجمعة
الذي لا شبهة في شرعيته بل لعله من ضروريات الدين وهو من الأغسال المستحبة لا الواجبة على المشهور بين الأصحاب بل عن غير واحد دعوى الاجماع
عليه وحكى عن بعض العامة القول بوجوبه وعن بعض متأخري أصحابنا الميل إليه أو القول به اغترارا ببعض الروايات المشعرة به أو الظاهرة فيه وليس
بشئ ضرورة انه لو كان غسل الجمعة كالجنابة فريضة لصار وجوبه من صدر الاسلام كساير الفرايض التي يعم بها البلوى ضروريا فضلا عن أن يشتهر
بين العامة والخاصة خلافه فلو فرض في مثل المقام ورود اخبار معتبرة سليمة من عن المعارض دالة على الوجوب يوجب تأويلها أو رد علمها إلى أهله فما يتراءى
من جملة من الاخبار وجوبه يوجب حمله على إرادة الاستحباب المؤكد لقد روى عن أبي عبد الله (ع) عن ابائه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال ليس شئ من التطوع
أعظم منه أو غيره من المحامل ففي كثير من الاخبار وصفه بالوجوب والظاهر أن المراد من الوجوب الثبوت المؤكد لا لزوم الفعل والوجوب المصطلح
كما يدل عليه جملة من القرائن الداخلة في نفس تلك الأخبار فضلا عن غيرها وفى غير واحد من الاخبار عده من الأغسال الواجبة بهذه الملاحظة
كعد غيره من الأغسال المستحبة أيضا في عرضه في تلك الأخبار وفى المرسل المحكى عن كتاب العروس عن أبي عبد الله (ع) لا يترك غسل يوم الجمعة الا فاسق
ومن فاته غسل الجمعة فليقضه يوم السبت وفى رواية سهل بن اليسع عن أبي الحسن (ع) في رجل يدع غسل الجمعة ناسيا أو غير ذلك قال إن كان ناسيا
فقد تمت صلاته وان كان متعمدا فالغسل أحب إلى فان هو فعل فليستغفر الله ولا يعود وفى رواية أبي بصير إذا كان ناسيا فقد تمت صلاته
وان كان متعمدا فليستغفر الله ولا يعد وموثقة عمار عن الصادق (ع) عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتى صلى قال إن كان في وقت فعليه ان
يغتسل ويعيد الصلاة وان مضى الوقت فقد جازت صلاته إلى غير ذلك من الروايات التي يترائى منها الوجوب ولا يخفى على المتتبع في الاخبار ان
ورود مثل ذلك في السنن غير عزيز فكفى في صرف مثل هذه الروايات عن ظاهرها مخالفتها للمشهور خصوصا في مثل هذه المسألة فضلا عن معارضتها
بجملة من الروايات التي كادت تكون صريحة في الاستحباب مثل صحيحة ابن يقطين قال سئلت أبا الحسن
(ع) عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر قال سنة
وليس بفريضة ورواية علي بن حمزة قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن غسل العيدين أواجب هو قال سنة قلت فالجمعة قال سنة وخبر الحسين بن خالد
قال سألت أبا الحسن الأول (ع) كيف صار غسل الجمعة واجبا فقال إن الله أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة وأتم صوم الفريضة بصوم النافلة
وأتم وضوء الفريضة بغسل الجمعة ما كان في ذلك من سهو أو تقصير أو نسيان وخبر الفضل بن شاذان عن مولانا الرضا (ع) في كتاب كتبه إلى المأمون و
غسل يوم الجمعة سنة وغسل العيدين وغسل دخول مكة والمدينة وغسل الزيارة وغسل الاحرام وأول ليلة من شهر رمضان وليلة سبع عشرة وليلة
تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذه الأغسال سنة وغسل الجنابة فريضة وغسل الحيض مثله إلى غير ذلك من
الروايات الكثيرة الدالة عليه ووضوح الحال اغنانا عن اطناب المقال باستقصاء الاخبار والتعرض لمفادها بما يقتضيه النقض والابرام ووقته
على المشهور ما بين طلوع الفجر الثاني إلى زوال الشمس فلا يجوز تقديمه عليه في غير ما استثنى اجماعا كما عن جماعة نقله ويدل عليه مضافا إلى الاجماعات
المستفيضة قاعدة توقيفية العبادة فان الوقت الموظف الذي ثبت شرعية غسل الجمعة فيه في غير ما ستعرفه انما هو يومها لاقبله وربما يستشعر
ذلك بل يستظهر من الأخبار الدالة على جوازه بعد طلوع الفجر مثل صحيحة زرارة والفضيل قالا قلنا له أيجزي إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة قال نعم
وحسنة زرارة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزاك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة إلى اخره ورواية ابن بكير انه سئل أبا عبد الله (ع) عن الغسل في
رمضان إلى أن قال والغسل أول الليل قلت فان نام بعد الغسل قال فقال أليس هو مثل غسل يوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر كفاك ورواية
أخرى عنه عن أبيه عن أبي عبد الله (ع) مثلها بأدنى اختلاف في ألفاظها وكيف كان فهذه الروايات تدل على جواز الاتيان به بعد طلوع الفجر
ولولا استفادته من مثل هذه الروايات وعدم مخالفة الأصحاب فيه ظاهرا لكان لتوهم اختصاصه بما بعد طلوع الشمس مجال لامكان دعوى
انصراف المطلقات الامرة بالغسل يوم الجمعة إلى ارادته بعد طلوع الشمس لاقبله لكن لا مجال لمثل هذا التوهم بعدما عرفت كما أنه لا ريب في امتداد
وقته إلى الزوال بل لا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ولا ينافيه عن المصنف في المعتبر من تحديده بما قبل الزوال و
دعوة الاجماع عليه فان كون الزوال حدا يلزمه ان يقع الفعل المحدود به قبله وكلما قرب الغسل من الزوال كان أفضل كما صرح به في المتن
وغيره ويظهر من غير واحد دعوى الاجماع عليه وعن الفقه الرضوي التعبير بعين العبارة ويؤيده حكمة مشروعية غسل الجمعة من الطهارة والنظافة
عند الزوال واجتماع الناس للصلاة ويدل عليه في الجملة مضافا إلى ما عرفت صحيحة زرارة عن الباقر (ع) لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه لسنة
432

وشم الطيب والبس صالح ثيابك وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال فإذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار الحديث وصحيحة البزنطي المروية عن
قرب الإسناد عن الرضا (ع) انه كان أبى يغتسل للجمعة عند الرواح بناء على أن يكون المراد بالرواح إلى الصلاة كما هو الظاهر دون الرواح بمعنى العشلى
وكيف كان فلا اشكال في شئ مما عرفت وانما الاشكال فيما صرحوا به بل ادعى غير واحد اجماعهم عليه من انقضاء وقته بالزوال وصيرورته قضاء
بعده فإنه لا يكاد يفهم ذلك من الاخبار وليس في قوله (ع) في الصحيحة المتقدمة وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال دلالة عليه لكونه مسوقا لبيان
ما هو الأفضل ولا دلالة فيه على انقضاء وقته بالزوال كما لا يخفى على المتأمل في الرواية نعم ربما يستظهر كونه قضاء في اخر النهار من خبر
سماعة بن مهران عن الصادق (ع) في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة أول النهار قال يقضيه اخر النهار فإن لم يجد فليقضه يوم السبت بناء على أن يكون
المراد بالقضاء معناه المصطلح كما يؤيده اتحاده مع السبت وخبر عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة قال
يغتسل ما بينه وبين الليل فان فاته اغتسل يوم السبت إذ لو كان وقته ممتدا إلى الغروب لم يتحقق الفوت قبل انقضاء وقته فلم يكن وقع للجواب
بقوله (ع) يغتسل ما بينه وبين الليل بل يفهم من ذلك اختصاص وقته بما هو المعهود عندهم من كونه قبل الزوال وان اتيانه في ما بعد هذا الوقت انما
هو بعنوان تدارك الفائت لكن لقائل ان يقول يكفي في اطلاق الفوت وصحة العبارة معهودية ايقاعه في ذلك الوقت وتوهم السائل اختصاصه
به لأجل معهوديته ولا يقتضى ذلك كون وقته المضروب له أولا وبالذات في أصل الشريعة هو ذلك الوقت كي يكون ايجاده فيما بعده اتيانا للشئ
في غير وقته الموظف ثم لو سلمت دلالة الروايتين كما ليس بالبعيد فلا يكفي في اثبات المطلوب أعني كون أول الزوال حدا الا بضميمة فتوى الأصحاب
وغيرها من المؤيدات ولا يهمنا تحقيقه بعد ان ثبتت شرعية الغسل إلى الليل كما دلت عليها الروايتان وغيرهما إذ لا يترتب على تحقيقه اثر يعتد به
الا من حيث قصد كونه قضاء أو أداء وهو مما لا يضر الاخلال به في صحة العبارة على الأظهر والأولى بل الأحوط هو الاتيان به بعد الزوال بقصد
امتثال امره الواقعي المعلوم عند الله من دون تعيين كونه هو الامر الخاص المتعلق بغسل الجمعة أو الامر المتعلق بقضائه وربما يثمر أيضا فيما لو
اغتسل يوم الخميس عند خوف اعواز الماء فوجد الماء يوم الجمعة بعد الزوال وقلنا بالإعادة في الوقت لافى خارجه كما سيأتي التكلم فيه وكذا يثمر
عند اختصاص خوف الاعواز بما قبل الزوال دون ما بعده في جواز التقديم على احتمال لكن يشرع له في هذا الفرض تقديمه بقصد الاحتياط لرجاء
المطلوبية على الأقوى كما أنه يشرع في الفرض الأول الإعادة بعد الظهر بقصد الاحتياط ورجاء بقاء وقته الواقعي فلا فائدة يعتد بها في تنقيح هذا
المطلب والله العالم بحقيقة أحكامه ويجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف اعواز الماء على المشهور بل لم ينقل الخلاف فيه من أحد بل عن الحدائق وغيره نفى الخلاف
فيه ويدل عليه الصحيح عن الحسين بن خالد عن الحسن بن موسى بن جعفر (ع) عن أمه وأم أحمد بن موسى قالتا كنا مع أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) في البادية ونحن
نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة فان الماء غدا بها قليل قالتا فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة وفى الصحيح عن محمد بن الحسين
عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال لأصحابه انكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء فاغتسلوا اليوم لغد فاغتسلنا ليوم الجمعة وعن الفقه الرضوي وان
كنت مسافرا وتخاف عدم الماء يوم الجمعة فاغتسل يوم الخميس وضعف الروايات منجبر بما عرفت وموردها كما هو ظاهر المتن وغيره انما هو التعجيل عند
اعواز الماء وهل يلحق به مطلق الفوات كما عن جملة من الأصحاب التصريح به وجهان من الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على مورد الثبوت ومن دعوى
القطع بعدم مدخلية خصوصية اعواز الماء وإناطة الحكم بمطلق الفوات بل مطلق التعذر وكيف كان فدعوى القطع بالمناط على عهدة مدعيها وان كانت
غير بعيدة فالقول بالاختصاص لمن لم يحصل له القطع بذلك هو المتعين والأولى الاتيان به ح بداعي الاحتياط ورجاء المطلوبية ثم إن ظاهر المتن
وغيره بل قيل إنه المشهور شهرة كادت تكون اجماعا انما هو كفاية مطلق الخوف وظاهر المحكى عن بعض اعتبار غلبة الظن بل عن ظاهر بعض اعتبار اليأس
كما هو مورد الرواية الثانية على الظاهر والأقوى هو الأول كما هو صريح الرضوي وظاهر الصحيح الأول المؤيد بالشهرة المحكية وشهادة التتبع بكفاية الخوف
في الضرورات وكيف كان فالمتبادر من النصوص والفتاوى انما هو جواز التقديم عند خوف عوز الماء للغسل في وقته أداء فلا عبرة بتمكنه من الماء يوم
السبت بل وكذا يوم الجمعة بعد الزوال على اشكال فيه منشأه تعليق التعجيل في الفتاوى والنصوص بالاعواز يوم الجمعة الظاهر في ارادته إلى الغروب.
دعوى انصرافها إلى إرادة اعوازه في وقته المعهود أي إلى الزوال وان لم تكن بعيدة لكنها غير خالية من التأمل هذا مع ما عرفت من أن صيرورته قضاء بعد
الزوال أيضا لا يخلو عن نظر فالأولى عدم تقديمه ح الا بقصد الاحتياط كما أن الأحوط اعادته بعد الزوال عند التمكن ثم إنه قد يقال إن تعجيل الغسل
يوم الخميس أفضل من قضائه ولعله للامر به في الروايتين مع ما فيه من الاستباق إلى الخيرات والله العالم ثم إن مقتضى الجمود على مورد النص انما
هو التقديم يوم الخميس لكن حكى عن صريح بعض وظاهر آخرين جوازه ليلة الجمعة بل عن المصابيح دعوى الاجماع عليه وربما يوجه ذلك بانسباقه من العلة
المنصوصة في الروايتين فان المتبادر إلى الذهن كون جواز التقديم يوم الخميس مسببا عن اعواز الماء يوم الجمعة من دون ان يكون لكونه في اليوم
مدخلية في الحكم وفيه نظر فان العلة ليست علة الجواز التقديم مطلقا والا لدلت على جوازه ليلة الخميس أيضا بل هي علة لجوازه في يوم الخميس فالحاق
ليلة الجمعة به لا يكون الا بدعوى الأولوية وتنقيح المناط لا بالدلالة اللفظية والانصاف انها ظنية لا قطعية لكن مع ذلك لا يبعد الالتزام بالالحاق
433

من باب المسامحة لأجل ما سمعت من دعوى الاجماع عليه واحتمال استناد الأصحاب فيه إلى ما عرفت ضعفه غير ضائر في جريان قاعدة التسامح ما لم
يتحقق هذا الاحتمال لكن مع ذلك لا ريب في أن الأحوط هو الاتيان به في الليل بقصد الاحتياط لا التوظيف والله العالم ثم إنه لو اغتسل يوم الخميس
عند خوف الاعواز فوجد الماء يوم الجمعة قيل إعادة لسقوط حكم البدل عند التمكن من المبدل منه وعن شارح الدروس الاستدلال له باطلاق
الأوامر قال وان سلمنا ان ظاهر الروايتين بدلية هذا الغسل المتقدم لغسل الجمعة مطلقا لكن تخصيص الأخبار الكثيرة بمثل هاتين الروايتين مشكل
انتهى ونوقش في الوجه الأول بان البدل قد وقع صحيحا فلا يجمع بينه وبين المبدل كما لو قدم صلاة الليل أو الوقوف بالمشعر وفى الثاني بعد
تسليم عدم انصراف الاطلاقات إلى من لم يغتسل ان اخبار التقديم دالة على أن ما يؤتى به هو غسل الجمعة الذي اراده الشارع من المتمكن فهي
حاكمة على الاطلاقات كما في كل واجب قدم وقد يذب عن الأولى بان عدم التمكن من المبدل شرط في صحة البدل واقعا فانكشاف التمكن منه كاشف
عن عدم صحة البدل واقعا نعم سوغ الدخول فيه ظاهرا خوف العجر عن المبدل صونا للفعل عن الفوات ومنه يظهر الجواب عن المناقشة في الاطلاقات
إذ بعد تبين عدم تحقق الشرط الواقعي للبدل فلا مخرج من العمومات قال شيخنا المرتضى قده بعد الإشارة إلى ما عرفت ولكن الانصاف ان الظاهر
من الروايتين ان ما يفعله الخائف هو الغسل الذي يفعله المتمكن في يوم الجمعة فلو صح سندهما واستغنيا عن الجابر لم يكن مناص عن العمل بهما
في الحكم بالبدلية الواقعية الا انهما لضعفهما لا يقومان على اثبات حكم زائد على أصل استحباب الفعل والجابر لهما من الشهرة وعدم ظهور الخلاف
أيضا لم يجبر الزائد على ذلك انتهى ويتوجه عليه ان عمل الأصحاب بالرواية يجبر ضعف السند فتكون بمنزلة غيرها من الروايات الصحيحة المعمول بها
والا فاثبات الاستحباب بها لا يحتاج إلى الجابر و ح فلا يتجه رفع اليد عن ظاهرها من دون معارض واما ما ذكره قدس سره من أن ظاهر الروايتين
ان ما يفعله الخائف هو الغسل الذي يفعله المتمكن ففيه ان هذا مسلم ولكنه لا يجدي وانما المجدي دعوى ظهورهما في أن امر الخائف بايجاده
امر واقعي بحيث اثر الخوف في توسعة وقت الفعل واقعا لا انه امر ظاهري نشاء من حسن الاحتياط وصيانة الفعل عن الفوت ولا يبعد ان يكون
مراده قده ذلك وان كانت العبارة قاصرة وكيف كان فالأظهر عدم جواز طرح مثل هذه الروايات المشهورة المعمول بها فلو سلم ظهورها فيما
ذكر فهو حاكم على اطلاقات الغسل يوم الجمعة لكنه لا ينفى احتمال مشروعية الإعادة ولو باحتمال رجحانها لادراك فضيلة الوقت فالأولى
ح هو الإعادة بقصد الاحتياط والله العالم ولو فاته الغسل يوم الجمعة قبل الزوال جاز له قضائه إلى الليل كما أشرنا إليه فيما سبق وقلنا إن
الأحوط ح اتيانه بقصد امتثال امره الواقعي من دون التفات إلى كونه قضاء أو أداء وكذا جاز له قضائه يوم السبت وربما يشعر من المتن
وغيره اختصاصه بيوم السبت ولعله غير مراد بالعبارة وعلى تقديره فهو ضعيف محجوج بقول الصادق (ع) في خبر سماعة في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة
أول النهار قال يقضيه اخر النهار فإن لم يجد فليقضيه يوم السبت وموثقة ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة
قال يغتسل ما بينه وبين الليل فإنه فاته اغتسل يوم السبت والمرسل المحكى عن الهداية عن الصادق (ع) ان نسيت الغسل أو فاتك لعلة فاغتسل
بعد العصر أو يوم السبت وعن الفقه الرضوي وان نسيت الغسل ثم ذكرت وقت العصر أو من الغد فاغتسل ولا ينافيها ما في بعض الأخبار من اختصاص
يوم السبت بالذكر كخبر عبد الله بن جعفر القمي المنقول من كتاب العروس عن أبي عبد الله (ع) لا يترك غسل يوم الجمعة الا فاسق ومن فاته غسل الجمعة فليقضه
يوم السبت ومرسلة حريز عن الباقر (ع) لابد من غسل يوم الجمعة في السفر والحضر فمن نسي فليعد من الغد فان المراد بفوته يوم الجمعة بحسب الظاهر انما هو فوته
في مجموع اليوم وعلى تقدير انصرافه إلى إرادة فوته في وقته المعهود اي قبل الزوال فليحمل على ما عرفت بقرينة ساير الروايات ثم إنه لافرق على الظاهر في
مشروعية القضاء بين فوته عمدا أو لعذر كما عن المشهور لاطلاق خبر سماعة وموثقة ابن بكير وخبر عبد الله بن جعفر القمي ولا ينافيه تعليقه في مرسلة الهداية
والفقه الرضوي على النسيان لعدم ظهورهما في إرادة المفهوم بل شهادة سياقهما بكون الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع كظهور قوله (ع) في خبر
سماعة فإن لم يجد فليقضه يوم السبت في إرادة ذلك لمريد الغسل وعلى تقدير ظهورها في إرادة المفهوم فليس على وجه يصلح لتقييد المطلقات
فما عن الحلى من أنه لو تركه تهاونا ففي استحباب قضائه يوم السبت اشكال انتهى في غير محله وعن الصدوقين التعبير بمثل المرسلة المتقدمة عن الهداية
فاستظهر منهما اختصاص القضاء بالناسي وعبارتهما قابلة للحمل الذي عرفته في المرسلة وعلى تقدير ارادتهما الاختصاص فقد عرفت ضعفه وهل
يلحق بيوم السبت ليلته في جواز قضائه فيه كما حكى عن ظاهر الأكثر أم لا كما عن غير واحد نقله وجهان من الاقتصار على مورد النصوص مع ما فيها
من الاشعار بإرادة القضاء كالأداء في اليوم ومن دعوى الأولوية وتنقيح المناط التي عهدتها على من يدعى القطع بها ولا يجدى في اثبات الالحاق
دعوى جرى القيد الوارد في الروايات من قضائه اخر النهار أو يوم السبت مجرى العادة من عدم فعل القضاء غالبا الا في اليوم فان غاية هذه
الدعوى عدم دلالة القيد على إرادة المفهوم لا ثبوت الحكم لغير الموضوع المذكور في القضية من غير دليل فالقول بعدم الالحاق أشبه بالقواعد نعم لا بأس
باتيانه في ليلة السبت بقصد الاحتياط ورجاء المطلوبية وان تمكن من تحصيل الجزم بالنية بتأخيره إلى اليوم على الأقوى ثم إن ظاهر الأصحاب من
غير نقل خلاف فيه من أحد كما ادعاه بعض عدم مشروعية القضاء بعد انقضاء نهار السبت لكن عن الفقه الرضوي انه يقضى يوم السبت أو بعده
434

عن أيام الجمعة وهو شاذ وعن المصابيح انه احتمله بعض مشايخنا المعاصرين تسامحا في أدلة السنن واعترضه بأنه ليس بجيد لان ظاهر الأدلة
ينفى ذلك وأدلة التسامح لا تجرى مع ظهور المنع فإنه مخصوص بما يؤمن معه الضرر مع رجاء النفع انتهى وأنت خبير بان الأدلة المتقدمة لا تنفي
ذلك الا من حيث السكون نعم لا يبعد ان يقال إن تخصيص يوم السبت في النصوص بالذكر اشعارا بذلك اما الدلالة فلا مانع من الاتيان
به بعده برجاء المطلوبية بل بعنوان الاستحباب من باب المسامحة بعد ان ورد فيه رواية ضعيفة بل لو دلت الأدلة أيضا على المنع لا يمنع وذلك من
جواز اتيانه بقصد الاحتياط ورجاء الاجر لأجل العمل بالرواية الواصلة ما لم تكن دلالتها على المنع موجبة للقطع بعدم مشروعيته في الواقع فان
حرمة اتيان الغسل في غير وقته ليست الا من حيث التسريع الذي لا يتحقق قطعا عند اتيانه باحتمال المطلوبية أو العمل بالرواية الضعيفة من
باب التسامح فما احتمله بعض المشايخ في غاية الجودة بعد البناء على المسامحة والله العالم ويستحب الدعاء عند غسل الجمعة بالمأثور ففي رواية أبى
ولاد الحناط عن أبي عبد الله (ع) قال من اغتسل يوم الجمعة للجمعة فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله
اللهم صل على محمد وال محمد واجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين كان طهرا له من الجمعة إلى الجمعة ومن الأغسال المسنونة المشهورة
ستة في شهر رمضان أول ليلة منه اجماعا كما عن الغنية والروض نقله وعن المعتبر انه مذهب الأصحاب ويدل عليه مضافا إلى ذلك جملة من
الاخبار ففي خبر سماعة الذي عد فيها جملة من الأغسال الواجبة والمستحبة عن أبي عبد الله (ع) وغسل أول ليلة من شهر رمضان مستحب وعن كتاب الاقبال
عن بعض كتب القميين عن الصادق (ع) قال من اغتسل أول ليلة من شهر رمضان في نهر جار ويصب على رأسه ثلثين كفا من الماء طهر إلى شهر رمضان من
قابل ومن ذلك الكتاب أيضا من أحب ان لا يكون به الحكة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان فلا يكون به الحكة إلى شهر رمضان القابل ومن كتاب
الاقبال أيضا قال روى ابن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان باسناده إلى أبى عبد الله (ع) قال يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان وليلة
النصف منه فيستفاد من هذه الرواية استحبابه في ليلة النصف أيضا كما حكى عن المشايخ الثلاثة واتباعهم بل عن الغنية والوسيلة الاجماع عليه و
يدل عليه أيضا المرسل المحكى عن المقنعة عن الصادق (ع) انه يستحب الغسل ليلة النصف من شهر رمضان وليلة سبع عشرة وتسع عشرة واحدى و
عشرين وثلث وعشرين كما يدل عليها الأخبار المستفيضة منها رواية الفضل بن شاذان المتقدمة في غسل الجمعة ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع)
قال الغسل في سبعة عشر موطنا ليلة سبع عشرة من شهر رمضان وهى ليلة التقى الجمعان وليلة تسع عشرة وفيها يكتب الوفد وفد السنة وليلة احدى
وعشرين وهى الليلة التي أصيبت فيها أوصياء الأنبياء وفيها رفع عيسى بن مريم وقبض موسى ليلة ثلاث وعشرين يرجى فيه ليلة القدر إلى غير ذلك من الاخبار
ويستحب في ليلة الثلاث وعشرين غسل اخر في آخر الليل لرواية يزيد بن معاوية قال رايته يعنى أبا عبد الله عليه السلام كما صرح به في محكى الاقبال اغتسل في ليلة
ثلث وعشرين من شهر رمضان مرة في أول الليل ومرة في اخره الخبر ويستحب أيضا في شهر رمضان أغسال اخر غير الأغسال المشهورة التي عرفتها ففي
رواية ابن أبي يعفور المروية عن الاقبال من كتاب علي بن عبد الواحد عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الغسل في شهر رمضان فقال اغتسل ليلة تسع عشرة
واحدى وعشرين وثلث وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين وعنه أيضا من الكتاب المذكور عن ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يغتسل في شهر رمضان في العشر الأواخر في كل ليلة وعنه أيضا من كتاب الأغسال لأحمد بن محمد بن عياش الجوهري باسناده عن علي عليه السلام في حديث
ان النبي صلى الله عليه وآله كان إذا دخل العشر من شهر رمضان شمر وشد الميزر وبرز من بيته واعتكف وأحيى الليل كله وكان يغتسل كل ليلة منه بين العشائين و
يحتمل قويا كون مرجع الضمير في قوله صلى الله عليه وآله منه شهر رمضان المذكور في صدر الحديث فتدل الرواية ح على استحباب الغسل في كل ليلة منه وقد صرح المحدث
المجلسي في زاد المعاد بأنه ورد في رواية استحباب الغسل في كل ليلة فلعله عثر على رواية أخرى غير هذه الرواية فلا يبعد الالتزام به من باب التسامح و
عن جماعة من أساطين الأصحاب التصريح باستحباب الغسل في جميع ليالي الافراد ويدل عليه ما ارسله السيد بن طاووس ره في الاقبال قال فيما حكى عنه
في اعمال الليلة الثالثة من شهر رمضان ويستحب فيها الغسل على حسب الرواية التي تضمنت ان كل ليلة مفردة من جميع الشهر يستحب فيها الغسل ومن
الأغسال المشهورة غسل ليلة الفطر ويدل عليه رواية حسن بن راشد قال قلت لأبي عبد الله (ع) ان الناس يقولون إن المغفرة تنزل على من صام
شهر رمضان ليلة القدر فقال يا حسن ان الفاريجار انما يعطى أجرته عند فراغه وذلك ليلة العيد قلت جعلت فداك فيما ينبغي لنا ان نعمل فيها
فقال إذا غربت الشمس فاغتسل الحديث الفاريجار فارسي معرب كاركر معناه العامل والأجير كما حكاه في الوسائل عن بعض مشايخه ومنها الغسل
يومى العيدين الفطر والأضحى بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن جماعة دعوى الاجماع عليه ويدل عليه اخبار كثيرة ففي خبر سماعة الوارد في بيان الأغسال و
غسل يوم الفطر وغسل يوم الأضحى سنة لا أحب تركها ورواية علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن
(ع) عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر قال سنة
وليس بفريضة إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة وقد مر من بعض الروايات وجوبه كموثقة عمار الآتية ورواية القاسم بن الوليد قال سئلته عن
غسل الأضحى قال واجب الا بمنى لكنه يجب طرحه أو تأويله بقرنية ما عرفت واما وقت هذا الغسل فلا خلاف ظاهرا في أن أوله من طلوع الفجر كما يدل
عليه مضافا إلى صدق الغسل في اليوم ما رواه علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال سئلته هل يجزيه ان يغتسل بعد طلوع الفجر هل يجريه ذلك من غسل
435

العيدين قال إن اغتسل يوم الفطر والأضحى قبل الفجر لم يجزه وان اغتسل بعد طلوع الفجر أجزء ويؤيده بل يدل عليه مرسلة جميل بن دراج عن أحدهما (ع)
قال إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم وصحيحة زرارة المتقدمة في مبحث تداخل الأغسال
وهل يمتد وقته إلى الليل كما عن ظاهر الأكثر بل عن جملة من الأصحاب التصريح به لاطلاق الاخبار ومعاقد اجماعاتهم المحكية أو انه إلى ما قبل
الخروج إلى المصلى كما عن الحلى واحد قولي العلامة حيث قال في محكى المنتهى والأقرب تضيقه عند الصلاة لان المقصود منه التنظيف للاجتماع
والصلاة وان كان اللفظ الوارد دالا على امتداد وقته وعن الذكرى انه نسب هذا القول إلى ظاهر الأصحاب قال فيما حكى عنه الظاهر امتداد
غسل العيدين بامتداد اليوم عملا بالاطلاق ويتخرج من تعليل الجمعة انه إلى الصلاة أو إلى الزوال الذي هو وقت صلاة العيد وهو ظاهر
الأصحاب انتهى وقد يستدل له بموثقة عمار قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل ينسى ان يغتسل يوم العبد حتى يصلى قال إن كان في وقت
فعليه ان يغتسل ويعيد الصلاة وان مضى الوقت فقد جازت صلاته وعن الفقه الرضوي إذا طلع الفجر يوم العيد فاغتسل وهو أوقات
الغسل إلى وقت الزوال وفى الجميع مالا يخفى فان العلة المتخرجة التي نبه عليها في الذكرى واستدل بها في محكى المنتهى بعد الغض عن عدم
صلاحيتها لاثبات حكم شرعي انها من قبيل الحكم التي لا يدور مدارها الحكم ولذا لا تنفي استحبابه لمن لا يصلى العيد واما الموثقة فهي
بظاهرها مسوقة لبيان حكم الصلاة الواقعة بلا غسل فهي بظاهرها تدل على اشتراط الصلاة بالغسل ووجوب اعادتها عند الاخلال به ما دام
وقتها باقيا ومقتضاها وجوب تقديم غسل العيد على الصلاة من باب المقدمة ولا ينافي ذلك استحباب الغسل لذاته يوم العيد مطلقا
لا من باب المقدمة في حق كل أحد ممن يصلى ولا يصلى كما يقتضيه ساير الأدلة إذ لا منافاة بين استحباب الغسل لذاته في اليوم مطلقا ووجوب
اتيانه قبل الصلاة لأجل توقف الصلاة الواجبة عليه هذا إذا أمكن الالتزام بظاهر الموثقة من توقف الصلاة على الغسل فكيف ولا يجوز الاخذ
بهذا الظاهر لوجود القاطع بعدم الاشتراط فلابد اما من طرح الموثقة أو حملها على استحباب ايقاع الصلاة عقيب الغسل المستلزم لاستحباب
تقديم الغسل عليها من باب المقدمة الغير المنافى لاطلاق استحبابه النفسي كما هو واضح واما الرضوي فمع ضعفه ومخالفته لفتوى الأصحاب
لا يصلح مقيد الاطلاقات الأدلة مع أن انطباقه على ما يدعيه الخصم لا يخلو عن تأمل واضعف مما عرفت الاستدلال له برواية عبد الله بن سنان
الآتية كما لا يخفى فالأظهر ما حكى عن الأكثر من بقاء وقته إلى الليل وان لا يخلو استدلالهم عليه باطلاق النصوص والفتاوى ومعاقد الاجماعات
المحكية من تأمل نظرا إلى قوة احتمال ورود مطلقات مورد حكم اخر من بيان مشروعية الغسل في اليوم المخصوص ونحوها فلا يبقى لها ظهور معتد به
في الاطلاق لكن مع ذلك لا يخلو عن من قوة فان ترك التعرض للتقييد مع تظافرها وتكاثرها ربما يوجب ظهورها في ذلك بملاحظة المجموع وان لم
يكن لكل من احادها من حيث هو هذا الظهور هذا مضافا إلى استصحاب بقاء التكليف وعدم سقوطه بحضور وقت الصلاة ومنع جريان
الاستصحاب فيه لكونه زمانيا مدفوع بان المأخوذ في موضوع الحكم في النصوص والفتاوى ليس الا يوم العيد ولذا تمسك الأصحاب لاثبات المدعى
باطلاق الأدلة لا الجزء الأول منه كي يكون الشك بعد انقضاء ذلك الجزء راجعا إلى الشك في ثبوت مثل الحكم الأول لموضوع اخر غير الموضوع
الأول حتى يمتنع فيه الاستصحاب نظير ما لو امر الشارع بالجلوس يوم الجمعة في المكان الفلاني بأمر غير قابل لان يتمسك باطلاقه فشك في اختصاص التكليف
بما قبل الزوال أو شموله لما بعده أيضا فلا مانع من استصحابه ما دام اليوم باقيا وانما الممتنع اجرائه بعد انقضاء اليوم الذي اخذه قيدا في الموضوع
لا الجزء الأول الذي احتملنا مدخليته فيه نعم لو كان مبنى الاستصحاب في بقاء الموضوع على المداقة العقلية لاتحد حكم الصورتين لكنه ليس كذلك
والا لم يجر في شئ من الأحكام الشرعية بل المحكم فيه العرف القاضي ببقاء الموضوع في مثل الفرض بلا شبهة لكن مع ذلك لا ريب في أن الأولى عدم
تأخير الغسل عن أول الزوال بل عن وقت الصلاة والأحوط اتيانه عند التأخير بداعي الاحتياط والله العالم ومنها غسل يوم عرفة على المشهور
بل المجمع عليه كما عن الغنية والمدارك للأخبار المستفيضة وفى بعضها وصفه بالوجوب كخبر سماعة عن أبي عبد الله (ع) الذي عد فيه جملة من الأغسال الواجبة والمستحبة ووصف أكثرها بالوجوب والمراد على ما يشهد نفس هذه الرواية فضلا عن شهادة غيرها من النصوص والفتاوى مالا
ينافي الاستحباب كما لا يخفى على من لاحظها فيحمل عليه بقرينة ما عرفت ولا يختص بالناسك في عرفات لاطلاق النصوص والفتاوى وخصوص رواية
عبد الله بن سبابة عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن غسل عرفة في الأمصار فقال اغتسل أينما كنت والظاهر امتداد وقت هذا الغسل أيضا كسابقيه
بامتداد اليوم للأصل واطلاق الدليل من النص والفتوى وعن علي بن بابويه أنه قال واغتسل يوم عرفة قبل زوال الشمس ولعله أراد به الفضل وكيف
كان فلا دليل عليه نعم في رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال الغسل من الجنابة والجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة عند زوال
الشمس وهى لا تصلح مستندة له كما هو واضح كما انها بعد اعراض الأصحاب عنها لا تصلح قرينة لتقييد غيرها من الاخبار خصوصا مع بعد إرادة
الغسل في خصوص وقت الزوال من تلك الأخبار المتظافرة من دون تعرض له في شئ منها فلا يبعد ان يكون تخصيص هذا الوقت بالذكر في هذه
الرواية إما لكونه أفضل أو لرجحان اشتغاله بعد الغسل بالاعمال المطلوبة يوم العرفة بعد الزوال والله العالم ويستحب الغسل يوم التروية أيضا
436

كما عن جملة الأصحاب التصريح به لصحيحة ابن مسلم عن أحدهما (ع) قال الغسل في سبعة عشر موطنا وعد منها يوم التروية ويوم عرفة وصحيحة زرارة عن
أبي عبد الله عليه السلام إذا كان يوم التروية فاغتسل الحديث ومن الأغسال المشهورة غسل ليلة النصف من رجب كما صرح به جملة من الأصحاب بل عن
غير واحد دعوى الشهرة عليه بل عن بعض نفى الخلاف فيه وكفى به دليلا في مثل المقام مضافا إلى ما حكى بعض عن من نسبته إلى الرواية وعن السيد بن
طاووس في الاقبال أنه قال وجدنا في كتب العبادات عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله وأوسطه وآخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ولو قيل
بعدم اختصاص وقت هذا الغسل بالليل وامتداده إلى آخر النهار نظرا إلى اطلاق هذه الرواية لكان وجها والأحوط تكرير الغسل في اليوم وليلته لاحتمال
كون كل منهما بالخصوص مرادا بالرواية ويفهم منها استحبابه الغسل في أوله واخره أيضا والله العالم ومنها غسل يوم السابع والعشرين منه وهو يوم
المبعث كما عن المشهور بل عن الغنية الاجماع عليه وعن العلامة والصيمري نسبته إلى الرواية لكن حكى عن جماعة الاعتراف بعدم الظفر على رواية وربما يستأنس
له بالمرسل عنه صلى الله عليه وآله أنه قال في جمعة من الجمع هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا حيث علل الاغتسال بأنه عيد خصوصا بضميمة ما حكى عن الخلاف
من الاجماع على استحباب الغسل في الجمعة والأعياد وعليه يتجه القول باستحبابه في يوم المولود أيضا كما صرح به بعض بل وكذا في غيره من الأعياد بعد
البناء على المسامحة كما يؤيده أيضا ما رواه المجلسي ره في زاد المعاد من فعل أحمد بن إسحاق القمي في تاسع ربيع المولود معللا بأنه عيد بل يظهر منه كون
الغسل في الأعياد من الأمور المعهودة المفروغ منها والله العالم ومنها ليلة النصف من شعبان بلا خلاف فيه كما في الجواهر بل عن الغنية دعوى
الاجماع عليه ويدل عليه رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه وذلك تخفيف من ربكم ورحمة ومنها غسل
يوم الغدير اجماعا كما عن جماعة نقله وقد سمعت نقل الاجماع أيضا على استحبابه في الأعياد الشامل للمقام ويدل عليه مضافا إلى ذلك خبر
علي بن الحسين العبدي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا إلى أن قال ومن صلى فيه ركعتين يغتسل
عند زوال الشمس من قبل ان تزول مقدار نصف ساعة ثم بين كيفية الصلاة إلى أن قال ما سئل الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة
الا قضيت له كائنة ما كانت الحديث وعن كتاب الاقبال بسنده عن الصادق عليه السلام في حديث ذكر فيه فضل يوم الغدير قال فإذا كان
صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره وظاهر الرواية الأولى تحديد الغسل بما قبل الزوال وظاهر الثانية كونه في صدر النهار
وظاهر الفتاوى ومعاقد الاجماعات امتداده بامتداد اليوم ولا يبعد تنزيل الروايتين على الفضل بل لا يبعد اختصاص الأولى بمريد
الصلاة وكيف كان فلا يبعد الالتزام باستحبابه مطلقا بعد البناء على المسامحة ومنها غسل يوم المباهلة وهو الرابع والعشرون من ذي
الحجة على المشهور وعن الاقبال نسبته إلى أصح الروايات بعد ان حكى فيه قولا بأنه الواحد والعشرون وقولا بأنه السابع والعشرون ولم
يحك قولا بالخامس والعشرين لكن حكى عن المصنف في المعتبر القول به ويدل على الأول ما عن مصباح الشيخ عن محمد بن صدقة العنبري عن أبي
إبراهيم موسى بن جعفر (ع) قال يوم المباهلة يوم الرابع والعشرون من ذي الحجة تصلى في ذلك اليوم ما أردت ثم قال وتقول وأنت على
غسل الحمد لله رب العالمين إلى اخره ومنه يظهر استحباب غسل هذا اليوم كما هو المشهور بين الأصحاب بل عن ظاهر الوسيلة عدم الخلاف في
ثبوت غسل يوم المباهلة وعن الغنية الاجماع على استحباب غسل المباهلة وفى موثقة سماعة التي عد فيها جملة من الأغسال وغسل المباهلة
واجب والمراد بالوجوب الاستحباب المؤكد والمراد بالمباهلة فيها على الظاهر ليس الا يومها ولو بقرنية فتوى الأصحاب لكن يحتمل قويا إرادة
الغسل لفعل المباهلة كما عن جماعة من المتأخرين استظهاره بل عن الحدائق ان في بعض الحواشى المنسوبة إلى المولى محمد تقي المجلسي مكتوبا على
الحديث المشار إليه ما صورته ليس المراد بالمباهلة اليوم المشهور حيث باهل النبي صلى الله عليه وآله مع نصارى نجران بل المراد به الاغتسال لايقاع المباهلة مع
الخصوم في كل حين كما في الاستخارة وقد وردت بذلك رواية صحيحة في الكافي وكان ذلك مشتهرا بين القدماء كما لا يخفى انتهى ولعل مراده بما في
الكافي رواية أبى مسروق المروية عن أصول الكافي عن الصادق (ع) قال قلت انا نتكلم مع الناس فنحتج عليهم بقول الله عز وجل أطيعوا الله و
أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فيقولون نزلت في امراء السرايا فنحتج بقول الله عز وجل قل لا أسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى فيقولون
نزلت في مودة قربى المسلمين فنحتج بقول الله عز وجل انما وليكم الله ورسوله فيقولون نزلت في المؤمنين فلم ادع شيئا مما حصر في ذكره من هذا
وشبهه الا ذكرته فقال لي إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة قلت فكيف اصنع قال اصلح نفسك ثلثا وأظنه قال وصم واغتسل وابرز أنت
وهو إلى الجبان فشبك أصابعك اليمنى في أصابعهم ثم ألصقه وابدء بنفسك وقل اللهم رب السماوات ورب الأرضين عالم الغيب والشهادة الرحمن
ان كان أبو مسروق جحد حقا وادعى باطلا فانزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ثم رد الدعاء عليه فقل وان كان فلان جحد حقا أو ادعى باطلا
فانزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ثم قال فإنك لا تلبث الا ان ترى ذلك فوالله ما وجدت خلقا يجيبني إلى ذلك الخبر ويستفاد من
هذه الرواية مشروعية المباهلة واستحباب الغسل لها والله العالم ثم إنه قد حكى عن جملة من الأصحاب انه يستحب الغسل يوم دحو الأرض
وهو يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة ولم يظهر مستنده وحكى عن الحلبي في إشارة السبق استحباب غسل ليلة الجمعة وهو أيضا كسابقه غير معلوم
437

المستند لكن لا بأس بالالتزام بهما من باب المسامحة وعن جملة من الأصحاب التصريح باستحباب الغسل يوم النيروز بل لعله هو المشهور بين المتأخرين
بل في الجواهر لم أعثر فيه على مخالف والمستند فيه رواية المعلى بن خنيس عن الصادق (ع) في يوم النيروز قال إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف
ثيابك الحديث والأقوال في تعيين النيروز مختلفة والمشهور المعروف في هذه الأزمنة بل وكذا في الاعصار المتقدمة مثل زمان المجلسيين بل وكذا
قبله انما هو يوم انتقال الشمس إلى الحمل وقيل إنه اليوم العاشر من ايار وربما احتمل كونه مصحف ازار فيؤل إلى المشهور وقيل إنه يوم نزول
الشمس في أول الجدى وعن المهذب انه المشهور بين فقهاء العجم وقيل إنه السابع عشر من كانون الأول وقيل إنه تاسع شباط حكى عن المهذب
نسبته إلى صاحب كتاب الأنوار وقيل هو أول يوم من فروردين ماه وهو أول سنة الفرس وحكى عن بعض أنه قال إن تأسيس النيروز الجديد بانتقال
الشمس إلى برج الحمل في زمان السلطان ملكشاه السلجوقي في يوم الجمعة عاشر شهر رمضان المبارك من سنة احدى وسبعين وأربعمأة فكيف يمكن ان
يجعل ذلك منوطا للأحكام الشرعية الثابتة قبل ذلك نحوا من خمسمأة سنة وذكر قبل ذلك ان نيروز الفرس انما حدث في زمان جمشيد رابع ملوك
الدنيا بل قيل كان في زمان نوح (ع) انتهى والذي يغلب على الظن كون المراد به في الرواية هو اليوم المشهور المعروف في هذه الأزمنة واما ساير
الأقوال فلا يبعد ان يكون منشاها الحدس والاجتهادات أو الاعتماد على نقل قصص غير ثابتة وما حكى عن زمان ملكشاه على تقدير ثبوته لم يتحقق
منافاته لذلك لاحتمال كونه تجديدا له بعد الاندراس لا تأسيسا وكيف كان فربما يؤيد المشهور الخبر الآخر
الذي رواه المعلى أيضا عن الصادق (ع) في فضل
النيروز المشتمل على ذكر أمور عظيمة قد وقعت في هذا اليوم مثل اخذ العهد لأمير المؤمنين (ع) في غدير خم وارساله إلى وادي الجن حوظفره باهل نهروان
وقتل ذي الثدية وانه يظهر فيه القائم عجل الله فرجه ويظفره بالدجال فيصلبه في كناسة الكوفة إلى أن
قال وما من يوم نيروز الا ونحن نتوقع فيه الفرج
لأنه من أيامنا حفظه الفرس وضيعتموه إلى اخر الرواية وفى رواية أخرى عنه أيضا انه (ع) قال لي أتعرف هذا اليوم قال وقلت لا ولكنه يوم يعظمه
العجم فقال (ع) افيده لك حتى تعلمه قال يوم النيروز هو اليوم الذي اخذ الله ميثاق العباد به ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا الحديث فان العادة قاضية
بأنه لو كان اليوم المعظم المحفوظ لدى العجم غير هذا اليوم المشهور لبقي رسمه في الجملة ولا أقل من بقاء اسمه لديهم ولو في؟؟؟ الشعراء وغيرهم من أرباب
الحكايات ويؤيده أيضا ما قيل من انطباقه على اليوم الذي اخذ فيه البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام بغدير خم حيث حسب ذلك فوافق نزول الشمس بالحمل
في التاسع عشر من ذي الحجة على حساب التقويم ولم يكن الهلال مرئيا ليلة الثلثين في تلك السنة فكان الثامن عشر بحسب الرؤية والله العالم هذا كله
في الأغسال المستحبة للزمان واما ما يستحب لغيره فقد ذكر المصنف رحمه الله منه سبعة للفعل وهى غسل الاحرام الذي لا خلاف في مشروعية في
الجملة نصا وفتوى بل الأخبار الدالة عليه كادت تكون متواترة وربما يظهر من بعض الأخبار وجوبه كمرسلة يونس عن أبي عبد الله (ع) قال الغسل في سبعة
عشر موطنا منها الفرض ثلاثة قلت جعلت فداك وما الفرض منها قال غسل الجنابة وغسل من مس ميتا وغسل الاحرام لكن يجب ارتكاب التأويل فيه وكذا
في غيره مما ظاهره الوجوب من حيث اشتماله على الامر به لاستفاضة نقل الاجماع على استحبابه بل عن حج التحرير التصريح بأنه ليس بواجب اجماعا وعن ابن المنذر
اجمع أهل العلم ان الاحرام جائز بغير اغتسال ويؤيده بعد اختفاء مثله في الشريعة مع توفر الدواعي على نقله مضافا إلى ظهور جملة من الروايات فيه مثل خبر
فضل بن شاذان عن الرضا (ع) فيما كتبه إلى المأمون وغسل يوم الجمعة سنة وغسل العيدين وغسل دخول مكة والمدينة وغسل الزيارة وغسل الاحرام إلى أن
قال هذه الأغسال سنة وغسل الجنابة فريضة وغسل الحيض مثله وعن الفقه الرضوي الغسل أربعة عشر وجها ثلاث منها غسل واجب مفروض متى نسيته
ثم ذكره بعد الوقت اغتسل وان لم يجد الماء تيمم ثم إن وجدت فعليك الإعادة واحد عشر غسلا سنة غسل العيدين والجمعة وغسل الاحرام و
يوم غرفة ودخول مكة ودخول المدينة وزيارة البيت وثلاث ليال في شهر رمضان ليلة تسعة عشر وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ومتى
نسي بعضها أو اضطر أو به علة تمنعه من الغسل فلا إعادة إلى غير ذلك من الروايات الدالة عليه فما عن ظاهر بعض القدماء من وجوبه ضعيف وغسل
زيارة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (ع) على المشهور بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه وعن الوسيلة عده في المندوب بلا خلاف وعن المصابيح وغيره نسبته إلى قطع
الأصحاب وهو الحجة في مثل المقام وربما يستدل له وبخبر سماعة ونحوه مما دل على استحباب غسل الزيارة ونوقش فيه بان المراد به زيارة البيت على
ما يشهد به القرائن وعن الفقه الرضوي التصريح بغسل الزيارات بعد ذكره غسل زيارة البيت فلا يتطرق فيه مثل هذه المناقشة وربما يستدل
له أيضا برواية العلاء بن سبابة عن الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد قال الغسل عند لقاء كل امام الحديث بناء على
ظهوره بقرنية التعبير بلفظ كل ووقوعه تفسيرا للآية الظاهرة في تعدد المسجد في كل زمان في ما يعم مشاهدهم أو بدعوى عدم الفرق بين زيارتهم
حيا وميتا كما يؤيدها بعض الشواهد النقلية والمناسبات العقلية والأولى في المقام الاستدلال بالاخبار الكثيرة الواردة في كيفية
زياراتهم وان اختص بعضها ببعض أو ورد في خصوص زيارة مثل الرواية المشهورة الواردة في زيارة الجامعة التي يزار بها كل امام الامرة بالغسل
والأخبار الكثيرة الدالة على عند زيارة النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين (ع) وأبى عبد الله (ع) وأبى الحسن الرضا (ع) والمروى عن كامل الزيارات لابن قولويه عن
سليمان بن عيسى عن أبيه قال قلت لأبي عبد الله (ع) كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك قال قال لي يا عيسى إذا لم تقدر على المجيئ فإذا كان يوم الجمعة
438

فاغتسل وتوضأ واصعد إلى سطحك وصل ركعتين وتوجه نحوي فإنه من زارني في حياتي فقد زارني في مماتي ومن زارني في مماتي فقد زارني في
حياتي وعن الكتاب المذكور عن أبي الحسن (ع) إذا أردت زيارة موسى بن جعفر ومحمد بن علي (ع) فاغتسل وتنظف والبس ثوبيك الطاهرين وعنه أيضا
قال واروي عن بعضهم (ع) إذا أردت زيارة قبر أبى الحسن علي بن محمد وأبى محمد الحسن بن علي
(ع) تقول بعد الغسل ان وصلت إلى قبرهما والا أو مات بالسلام
من عند الباب الذي على الشارع الحديث فان المتأمل في مثل هذه الروايات لا يكاد يشك في شرعية الغسل وكونه من الآداب المطلوبة عند
زيارة جميع الأئمة عليهم السلام مطلقا ولو بغير الزيارة الجامعة المنصوص عليه بالخصوص وان لم يرد نص عليه في خصوص بعضهم خصوصا بعد ما سمعت
من الشهرة ودعوى الاجماع عليه فلا شبهة فيه ولو لم نقل بالمسامحة والله العالم وغسل المفرط في صلاة الكسوف أو الخسوف بان تركهما
متعمدا مع احتراق القرص كله إذا أراد قضائها على الأظهر الأشهر بل المشهور سيما بين المتأخرين كما في طهارة شيخنا المرتضى (قه) بل عن الغنية
الاجماع عليه ويدل عليه ما عن الخصال عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال الغسل في سبعة عشر موطنا وعدها إلى أن قال وغسل الكسوف
إذا احترق القرص كله فاستيقظت ولم تصل فاغتسل وتقضى الصلاة وغسل الجنابة فريضة الخ ورواه في الفقيه مرسلا وصحيحة محمد بن مسلم
المروية عن التهذيب عن أحدهما قال الغسل في سبعة عشر موطنا إلى أن قال وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاغتسل ومرسلة حريز
عن أبي عبد الله (ع) عليه السلام قال إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل ان يصلى فليغتسل من غد وليقض الصلاة وان لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف
القمر فليس عليه الا القضاء بغير غسل وعن الفقه الرضوي وان انكسف الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك ان تصليها إذا علمت فان تركتها متعمدا حتى
تصبح فاغتسل وصل وان لم يحترق القرص فاقضها ولا تغتسل وظاهر هذه الأخبار بأسرها وجوبه كما حكى القول به عن صلاة المقنعة والمراسم
والمهذب ومصباح الشيخ وجمله والمبسوط والخلاف والاقتصاد والكافي والوسيلة وشرح الجمل للقاصي والصدوقين نصا في بعضها وظهورا
في الباقي ومال إليه في محكى المنتهى والمدارك بل عن الشيخ في الخلاف الاجماع على أن من ترك صلاة الكسوف مع احتراق الفرص فعليه الغسل والقضاء
انتهى وعن شرح الجمل للقاضي واما لزوم القضاء فالدليل عليه الاجماع وطريق براءة الذمة وكذلك القول في الغسل ولذلك كله اختاره صريحا بعض
متأخري المتأخرين الا ان المحكى عن أكثر هؤلاء التصريح بالاستحباب في باب الطهارة ولذا ادعى في محكى المصباح تحقق الاجماع على الاستحباب
واستدل للمشهور بالأصل وحصر الأغسال الواجبة في جملة من الروايات فيما عداه واشعار الاخبار الامرة به باستحبابه من حيث عده في ضمن الأغسال
المستحبة خصوصا مع تخصيص الفرض في صحيحة ابن مسلم ورواية الخصال بغسل الجنابة وأنت خبير بان رفع اليد عن ظواهر الأخبار المستفيضة
بمثل المذكورات في غاية الاشكال واما تخصيص الفرض في الروايتين بغسل الجنابة فلابد من توجيهه لاشتمالهما على غسل المس الذي نلتزم بوجوبه وبهذا
ظهر لك ان عده في سوق الأغسال المستحبة لا يجدي لكون غسل المس أيضا مذكورا في ضمنها خصوصا مع أنه مذكور في صحيحة ابن مسلم بعد غسل الجنابة حيث
عد ساير الأغسال ثم قال وغسل الجنابة فريضة وغسل الكسوف إذا احترق القرص له فاغتسل لكن مع ذلك يغلب على الظن استحبابه الا انه ليس عن مستند يعتد به
ولعل منشاء الشهرة ونقل الاجماع وبعض المبعدات المغروسة في الذهن فالقول بالوجوب لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط ثم إن المشهور اختصاص الغسل
بالقضاء فلا يشرع للأداء وعن المختلف وبعض من تأخر عنه استحبابه للأداء أيضا ولعله لاطلاق الامر بالاغتسال عند احتراق القرص كله في الصحيحة
المتقدمة وفيه ان ظاهر هذه الصحيحة بمقتضى اطلاق الامر الوارد فيها مطلوبية الغسل بل وجوبه بعد الاحتراق لذاته لا لأجل الصلاة التي ربما يؤتى
بها قبل احتراق القرص وهذا مما لا يقول به الخصم بل لم يلتزم أحد بل عن بعض دعوى الاجماع على عدم كونه الا لأجل الصلاة فالقرينة المرشدة إلى إرادة
خلاف هذا الظاهر ليست الا ساير النصوص والفتاوى الدالة على اختصاصه بالقضاء وبعبارة أخرى إذا تعذر الاخذ بهذا الظاهر تكون الرواية مجملة
من حيث المتعلق وساير الاخبار مبنية لها هذا مع أنه ليس للصحيحة ظهور معتد به في الاطلاق فإنها على الظاهر مسوقة لبيان عدد الأغسال المشروعة لا لبيان
شرعيتها على الاطلاق هذا كله بعد الغض عما يقوى في النظر من اتحاد هذه الرواية مع رواية الخصال الصريحة في الاختصاص بالقضاء بقرينة اتحاد الراوي
والمروى عنه على احتمال ومضمون الرواية ومعظم فقراتها فالاختلاف الحاصل فيها بحسب الظاهر ليس الا بواسطة الرواية من حيث الاختصار ونقل المضمون
والله العالم وقد حكى عن المشهور أيضا كما في المتن وغيره اشتراط الغسل للقضاء بشرطين أحدهما تعمد الترك والاخر استيعاب الاحتراق بل عن السرائر
نفى الخلاف في عدم الغسل فرضا ونفلا عند انتقاء أحد الشرطين خلافا للمحكى عن المرتضى ره في المصباح فلم يعتبر الثاني وللمحكى عن المقنع والذكرى
فلم يعتبرا الأول ولعل مستند الأول اطلاق مرسلة حريز الواجب حملها على صورة الاستيعاب بقرينة غيرها من النصوص والفتاوى ومستند
الأخيرين اطلاق صحيحة ابن مسلم التي عرفت قوة احتمال اتحادها مع رواية الخصال التي كادت تكون صريحة فيما هو المشهور فضلا عن لزوم تقييدها على
تقدير التعدد بهذه الرواية وغيرها من مرسلة حريز المصرحة بالاشتراط وكذلك الفقه الرضوي مع اعتضادها بفتاوى الأصحاب والله العالم و
غسل التوبة سواء كان عن فسق أو كفر على المشهور بل عن المنتهى انه مذهب علمائنا أجمع ويدل عليه رواية مسعدة بن زياد قال كنت عند أبي عبد الله (ع)
فقال له رجل بابى أنت وأمي انى ادخل كنيفا ولى جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما أطلت الجلوس استماعا منى لهن فقال (ع) لا تفعل فقال
439

الرجل والله ما اتيتهن برجلي وانما هو سماع اسمعه باذني فقال (ع) بالله أنت ما سمعت الله يقول إن
السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا
فقال بلى والله كأني لم اسمع بهذه الآية من كتاب الله من عربي ولا من عجمي لا جرم اني لا أعود انش وانى استغفر الله فقال له قم فاغتسل
وصل ما بدا لك فإنك كنت مقيما على امر عظيم ما كان أسوء حالك لو مت على ذلك احمد الله وسله التوبة من كل ما يكره فإنه لا يكره الا
كل قبيح والقبيح دعه لأهله فان لكل اهلا والرواية وان وردت في الفسق لكن يكفي في التعميم للكفر الشهرة ونقل الاجماع مضافا إلى امكان
استفادته من التعليل الوارد في الرواية وقد روى أن النبي صلى الله عليه وآله امر قيس بن عاصم وتمامة بن أقال بالاغتسال لما أسلما والظاهر أنه لم يكن للجنابة
لعدم اختصاصها بهما ثم إنه حكى عن بعض الأصحاب التصريح باختصاص استحباب الغسل بالتوبة عن الكبيرة دون الصغيرة بل ربما استظهر ذلك
من المتن ونحوه نظرا إلى عدم كون الصغيرة موجبة للفسق كي يندرج في موضوع الحك لكن عممه بعضهم بل عن بعض انه هو المشهور بل عن المنتهى
دعوى الاجماع عليه وعن الحدائق نسبته إلى الأكثر بل لا يبعد ارادته من المتن وغيره وكيف كان فهذا هو الأظهر بعد البناء على المسامحة خصوصا
مع امكان دعوى استفادته من الرواية المتقدمة إذ الظاهر أن قوله (ع) قم فاغتسل الخ بيان لكيفية التوبة باظهار الندم بالتطهير وفعل الصلاة
كفارة له عما صدر منه من الخطيئة وقوله (ع) فإنك كنت مقيما على امر عظيم مسوق لان يقرب احتياجه ان لتوبة إلى ذهنه هذا مع أن المورد وهو
استماع التغني من وداء الجدار بحسب الظاهر من الصغائر وكون اصرار الجاهل بالحكم الذي يرى جوازه موجبا لصيرورته كثيرة لا يخلو عن اشكال
ولا ينافيه اطلاق الامر العظيم عليه في الرواية فان مطلق الخروج من طاعة الله بارتكاب محارمه عظيم وان كان بعضها أعظم من بعض والله العالم
وغسل صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة على المشهور من غير نقل خلاف فيه بل عن الغنية وظاهر غير واحد دعوى الاجماع عليه وقيل إن المراد
صلاة الحاجة والاستخارة هي الصلاة الخاصة التي وردت للحاجة والاستخارة مقيدة بالغسل لا مطلق صلاة يصليها الرجل لهما أقول
اما الاخبار الامرة بالغسل الصلاة الحاجة فهي كثيرة لكنها مشتملة على خصوصيات ربما يقوى في النظر كونها من الآداب المحسنة من دون ان
يتقيد بها مطلوبية صلاتها أو الغسل لها ويؤيده اطلاق الأصحاب في فتاويهم ومعقد اجماعهم فان ظاهرها استحباب الغسل لمطلق صلاة
الحاجة والاستخارة وان لم تكن بالكيفية الواردة في خصوص الاخبار الامرة بالغسل فالأشبه شرعية الغسل المطلق صلاتهما كما أن الأظهر شرعية
الصلاة لهما مطلقا وان لم تكن بالآداب الموظفة المنصوصة بل قد يقال إن الأقوى شرعية الغسل لنفس طلب الحاجة والاستخارة من دون صلاة
كما يستظهر ذلك من المحكى عن التذكرة ناسبا إلى علمائنا ويستشهد له بما عن الفقه الرضوي في تعداد الأغسال وغسل طلب الحوائج وغسل الاستخارة
وفى موثقة سماعة الواردة في تعداد الأغسال وغسل الاستخارة مستحب لكن يتوجه عليه كون الخبرين مسوقين لبيان حكم اخر فلا ظهور لهما
في الاطلاق فالقول باستحبابه مط لا يخلو من عن تأمل ثم إنه قد يراد بالاستخارة المشاورة والارشاد إلى الأصلح وقد يراد بها طلب ان يجعل
الله له الخيرة في الامر الذي يطلبه ولعل هذا الأخير هو المراد بصحيحة زرارة عن الصادق (ع) في الامر الذي يطلبه الطالب من ربه إلى أن قال
فإذا كان الليل فاغتسل في ثلث الليل الثاني وساق الحديث إلى أن قال فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية استخار مأة مرة الحديث واما
الأصحاب فمرادهم على الظاهر كما يظهر من بعض هو المعنى الأول وكيف كان فلا شبهة في شرعية الصلاة لها في الجملة بكلا معنييه كما يدل عليه
الأخبار الواردة في باب الاستخارة والأظهر شرعية الغسل لصلاتها بكلا المعنيين ولو باعتبار اندراجها في صلاة طلب الحوائج كما أنه
لا يبعد اندراج بعض الأغسال المسنونة التي أهمل المصنف ذكرها في ذلك منها الغسل لصلاة الاستسقاء وقد حكى عن الغنية الاجماع
عليه وفى موثقة سماعة وغسل الاستسقاء واجب والمراد به الاستحباب المؤكد إذ لا قائل بوجوبه على الظاهر بل قد عرفت غير مرة عدم
ظهور هذه الرواية في إرادة الوجوب بالمعنى المصطلح وعن فلاح السائل نقلا من ابن بابويه في كتاب مدينة العلم عن الصادق عليه السلام
انه روى حديثا في الأغسال ذكر فيها غسل الاستخارة وغسل صلاة الاستسقاء وغسل الزيارة ومنها الغسل لصلاة الظلامة فعن
مكارم الأخلاق عن الصادق (ع) قال إذا طلبت بمظلمة فلا تدع على صاحبك فان الرجل يكون مظلوما فلا يزال حتى يكون ظالما ولكن إذا
ظلمت فاغتسل وصل ركعتين في موضع لا يحجبك عن السماء ثم قل اللهم ان فلان بن فلان ظلمني وليس لي أحد أصول به عليه غيرك فاستعرف
لي ظلامتي الساعة الساعة بالاسم الذي إذا سئلك به المضطر أجبته فكشفت ما به من ضر ومكنت له في الأرض وجعلته خليفتك على خلقك فأسألك
ان تصلى على محمد وآل محمد وان تستوفى لي ظلامتي الساعة الساعة قال فإنك لا تلبث حتى ترى ما تحت ومنها الغسل لصلاة الخوف من الظالم حكى
عن المكارم وقال اغتسل وصل ركعتين واكشفه عن ركبتيك واجعلهما مما يلي المصلى وقل مأة مرة يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم يا حي لا إله إلا أنت
برحمتك استغيث فصل على محمد وال محمد وأغثني الساعة الساعة فإذا فرغت من ذلك فقل أسألك ان تصلى على محمد وال محمد وان تلطف لي
وان تقلب لي وان تمكر لي وان تخدع لي وان تكيد لي وان تكفيني مؤنة فلان بلا مؤنة فان هذا كان دعاء النبي صلى الله عليه وآله يوم أحد انتهى وربما
يتكلف في ادراج الغسل لصلاة الشكر فيما عرفت لكون الشكر موجبا لمزيد النعمة التي هي من أعظم الحوائج وفيه مالا يخفى لكن لا بأس بالالتزام
440

باستحباب غسلها من باب المسامحة لما حكى عن الغنية من الاجماع عليه بقي بعض الأغسال للأفعال منها غسل قتل الوزغ وهو حيوان ملعون قد
ورد ذمه في الاخبار والترغيب على قتله وقال في الجواهر وغيره الظاهر أن سام أبرص والورك بعض افراده وعن حيوة الحيوان ان سام أبرص
بتشديد الميم قال أهل اللغة هو كبار الوزغ انتهى ويدل على استحباب الغسل له رواية عبد الله بن طلحة قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الوزغ
فقال هو رجس وهو مسخ كله فإذا قتلته فاغتسل وعن الهداية انه روى والعلة في ذلك أنه يخرج من الذنوب فيغتسل منها ومنها الغسل
لمن أراد تغسيل الميت وكذا تكفينه نسبه بعض إلى الرواية ولعل المراد بها رواية محمد بن مسلم الغسل في سبعة عشر موطنا إلى أن قال وإذا غسلت
ميتا أو كفنه أو مسسته بعد ما يبرد وفى دلالتها عليه منع ظاهر ومنها غسل من مات جنبا ذكره بعض للامر به في بعض الأخبار لكن عن المصنف
في المعتبر دعوى الاجماع على عدم استحبابه ومنها الغسل لاخذ التربة على مشرفها الف سلام وتحية فعن مصباح السيد ره روى في اخذ التربة
انك إذا أردت اخذها فقم في اخر الليل واغتسل والبس أطهر ثيابك وتطيب بسعد وادخل وقف عند الرأس وصل أربع ركعات وعن
البحار عن المزار الكبير عن جابر الجعفي عن الباقر (ع) إذا أردت ان تأخذ من التربة فتعمد لها اخر الليل واغتسل لها بماء القراح وتطيب بسعد
الرواية ومنها الغسل عند إرادة السفر حكى عن ابن طاووس في أمان الاخطار انه روى أن الانسان يستحب له إذا أراد السفر ان يغتسل
ويقول عند غسله بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة الا بالله الدعاء وعن التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (ع) إذا أردت
الخروج إلى أبي عبد الله (ع) فصم قبل ان تخرج ثلاثة أيام يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة فإذا أمسيت ليلة الجمعة فصل صلاة الليل ثم
قم فانظر في نواحي السماء فاغتسل تلك الليلة قبل المغرب ثم تنام على طهر ثم إذا أردت المشي إليه فاغتسل ولا تطيب ولا تدهن ولا تكتحل
حتى يأتي القبر ومنها الغسل لمن أراد رؤية أحد الأئمة في المنام فعن المفيد في كتاب الاختصاص عن أبي المعزا عن الكاظم (ع) من كانت له
إلى الله حاجة وأراد ان يرانا ويعرف موضعه فليغتسل ثلاث ليال يناجى بنا فإنه يرانا ويغفر له بنا ومنها الغسل لعمل الاستفتاح لما عن
الشيخ والصدوق وابن طاووس بطرق متعددة عن الصادق (ع) أنه قال في حديث طويل فإذا كان اليوم الخامس عشر فاغتسل عند الزوال
وعن رواية أخرى قريبا من الزوال ومنها الغسل عند الإفاقة من الجنون ذكره بعض وربما علل بما قيل من أن من زال عقله انزل فليغتسل احتياطا وفيه مالا يخفى خصوصا مع أن الاستحباب فيه حكى عن الحنابلة فالأولى تركه ومنها غسل واجدي المنى في الثوب المشترك للاحتياط ومنها استحباب
إعادة الغسل لأولي الاعذار بعد زوال العذر عند من لم يوجبها احتياطا خروجا من شبهة الخلاف ومنها غسل من أهرق عليه ماء غالب النجاسة
كما عن المفيد في الاشراف ولعل المراد به الغسل بالفتح فاشتبهوا في نقله ثم إن ما ذكر من غسل الافعال منها ما كان الفعل غاية له ومنها ما كان سببا
له ويختلفان من هذه الجهة من حيث التقدم والتأخر ومن الأغسال المسنونة المشهورة خمسة للمكان وهى غسل دخول الحرم لقوله (ع) في موثقة
سماعة وغسل دخول الحرم يستحب ان لا تدخله الا بغسل وصحيحة عبد الله بن سنان الغسل في سبعة عشر موطنا إلى أن قال ودخول الكعبة و
دخول المدينة ودخول الحرم وغسل دخول المسجد الحرام لما عن الغنية والخلاف من دعوى الاجماع عليه وعن الجعفي وجوبه وهو مع شذوذه مما
لا شاهد له وغسل دخول الكعبة لقوله (ع) في موثقة سماعة وغسل دخول البيت واجب والمراد به تأكد الاستحباب وقول أحدهما (ع) في صحيحة ابن
مسلم ويوم تدخل البيت وفى صحيحة ابن سنان المتقدمة ودخول الكعبة ثم إن المصنف لم يذكر الغسل لدخول مكة مع وقوع التصريح به في جملة
من الاخبار منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول الغسل من الجنابة ويوم الجمعة والعيدين وحين تحرم وحين
تدخل مكة والمدينة ويوم عرفة ويوم تزور البيت وحين تدخل الكعبة الحديث وما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في كتاب كتبه إلى المأمون
وغسل دخول مكة والمدينة وفى خبر الأعمش وغسل دخول مكة وغسل دخول مدينة وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال الغسل من
الجنابة إلى أن قال وعند دخول مكة والمدينة ودخول الكعبة ولعله قده يرى وحدة الغسل المشروع لدخول الحرم ومكة كما يؤيده خلو معظم
الاخبار المصرحة بالغسل لدخول مكة عن ذكر الغسل للحرم وخلو ما اشتمل على ذكر دخول مكة لكن عن الفقه الرضوي التصريح بهما وكيف
كان فالأظهر كون كل منهما غاية مستقلة للغسل كما هو ظاهر الأصحاب المصرح به في عبائر كثير منهم وكيف كان فقد ظهر لك بما سمعته
من الاخبار استحباب الغسل لدخول المدينة أيضا ويدل عليه مضافا إلى ما سمعت حسنة معاوية بن عمار عن الرضا (ع) إذا دخلت المدينة
فاغتسل قبل ان تدخلها أوحين تدخلها وفى صحيحة ابن مسلم الواردة في تعداد الأغسال وإذا دخلت الحرمين وغسل دخول مسجد النبي صلى الله عليه وآله
كما يدل عليه رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال الغسل من الجنابة إلى أن قال وحين تدخل الحرم وإذا أردت دخول البيت الحرام وإذا أردت
دخول مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وعن الموجز وشرحه ونهاية الاحكام زيادة الغسل لدخول مشاهد الأئمة (ع) في الأغسال المكانية بعد ان ذكروا استحبابه
للزيارة ولم نعرف له شاهدا يعتد به عدا ما يظهر من بعض من استحباب الغسل لكل مكان شريف أو زمان شريف وربما يظهر من بعض استحباب
مطلقا ولو من غير سبب كالوضوء لكونه طهورا فيدل على استحبابه قوله تعالى ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وقوله (ع) الطهر على الطهر عشر
441

حسنات إلى غير ذلك واما كونه طهورا مطلقا فيفهم من قوله (ع) في بعض الروايات اي وضوء أطهر من الغسل ومما ورد من استحباب الغسل
بماء الفرات على الاطلاق وفيه تأمل لكن لا تأمل في جوازه من باب الاحتياط العقلي وتوهم شبهة التشريع أو عدم امكان قصد التقرب
مع الشك في مطلوبيته قد عرفت دفعه في مبحث النية والله العالم مسائل اربع الأولى ما يستحب من الأغسال للفعل اما ان يكون
الفعل سببا له كقتل الوزغ والسعي إلى رؤية المصلوب اما ان يكون الفعل غاية له اما الأول فوقته بعد حصول السبب من دون توقيت أو تضييق
الا ان نقول يكون الامر للفور العرفي وهو في حيز المنع فالأظهر بقاء مطلوبيته مطلقا ما دام العمر إلى أن يتحقق الامتثال أو ما هو بمنزلته في
اسقاط الطلب واما ما كان الفعل غاية له بان كان المقصود بالغسل التوصل إلى ايجاد ذلك الفعل متطهرا كغسل صلاة الحاجة ونحوها و
كذا الاغتسال المسنونة لشرافة المكان بل مآل هذا القسم في الحقيقة إلى ما تقدمه فان المطلوب شرعا هو الغسل لدخول ذلك المكان
متطهرا وكيف كان ففي هذين القسمين يقدم الغسل عليهما كما هو واضح مضافا إلى شهادة النصوص والفتاوى بذلك لكن قد يظهر من بعض
النصوص شرعية غسل المكان بعد الدخول فيه مثل حسنة معاوية بن عمار المتقدمة إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل ان تدخلها أو حين تدخلها
ورواية أبان بن تغلب المروية عن حج التهذيب وفى ذيلها ولو لم يتمكن من الغسل عند دخول الحرم فليؤخره إلى أن يتمكن قبل دخول مكة فإن لم
يتمكن جاز ان يغتسل بعد دخول مكة وعن معاوية بن عمار عن الصادق (ع) قال إذا انتهيت إلى الحرم انشاء الله فاغتسل حين تدخل وان
تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أومن منزلك بمكة وخبر ذريح سئلته عن الباقر (ع) عن الغسل في الحرم قبل دخوله أو بعد دخوله قال لا يضرك
أي ذلك فعلت وان اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس وربما يتكلف في توجيه هذه الروايات بحمل الحسنة على إرادة الغسل عند دخول
المدينة بلا فصل أو معه وحمل ساير الروايات على إرادة الغسل لدخول الكعبة أو المسجد أو غير ذلك وفيه مالا يخفى من مخالفة الظاهر خصوصا
في خبر ذريح وعن بعضهم تنزيل هذه الروايات على الضرورة وفيه ان خبر ذريح كالصريح في خلافه واضعف منه توهم كونه قضاء فإنه بعد فرض
كونه مطلوبا لأجل الدخول في المكان لا يعقل الامر بتداركه بعد تحقق ذي المقدمة اللهم الا ان يلتزم بكون الغسل في هذه الموارد مطلوبا
نفسيا فلا مقتضى ح للالتزام بكونه قضاء بعد قضاء الدليل بجواز ايجاده قبل الدخول أو بعده والأوفق بالقواعد هو الاخذ بظواهر
الروايات والالتزام في موارد الثبوت بان المطلوب شرعا هو كون المكلف في ابتداء نزوله في هذه الأماكن المشرفة متطهرا اما من حين وروده
أو بعده بلا فصل يعتد به وليس ذلك تخصيصا للقاعدة العقلية التي أشرنا إليها من أنه إذا كان الغسل مطلوبا لأجل التوصل إلى ايجاد
فعل أو دخول مكان متطهرا يجب ان يتقدمه وكيف كان فلا اشكال في جواز تقديم غسل الفعل والمكان عليهما وانما الاشكال في مقامين
أحدهما في تحديد المقدار الذي يجور فيه التقديم ثانيهما في تشخيص ما ينتقص به هذه الأغسال اما المقام الأول فنقول القدر المتيقن الذي
لا ينبغي التأمل فيه مع قطع النظر عن الأدلة الخارجية من نص أو اجماع انما هو جواز الفصل بين هذه الأغسال وغاياتها بما يقضى به العرف و
العادة في امتثال مثل هذه الأوامر كساعة أو ساعتين أو ما يقربهما واما في ما زاد على ذلك تأمل وقد جزم في الجواهر بعدم الاجتزاء به مع
الفصل بالزمان الطويل كاليومين والثلاث فصاعدا بدعوى ظهور الأدلة أو صراحتها في عدمه ككلام الأصحاب وقال بل ربما يظهر من ملاحظة
الأدلة إرادة الاتصال العرفي بالغسل والفعل فلا يعتبر التعجيل والمقارنة كما لا يجتزى بمطلق التراخي انتهى وفيه انه لا ظهور في الأدلة فضلا
عن صراحتها في عدم الاجتزاء به مع الفصل نعم لا يبعد دعوى ظهور بعضها في إرادة الاتصال العرفي لكن لا على نحو الاشتراط بل لجريها مجرى
العادة ولذا اعترضه شيخنا المرتضى بان فعل الغسل لأجل فعل لا يعتبر فيه لغة ولا عرفا الاتصال العرفي بينهما بل المفهوم عرفا هو اعتبار
بقاء الأثر المقصود من الغسل إلى وقت الفعل نظير قول الامر تنظف لفعل كذا انتهى لكنك خبير بأنه لا إحاطة لنا بذلك الأثر ولا طريق
لنا إلى احرازه حين الشك حتى ندور مداره وجودا وعدما فالواجب هو الاقتصار على القدر المتيقن الذي يفهم من الأدلة السمعية بقائه
لكن قد يقال إن مقتضى الأصل ابقاء ذلك الأثر إلى أن يعلم ارتفاعه فعند الشك يعمل بالاستصحاب وفيه انه انما يتجه ذلك فيما إذا
كان الشك مسببا عن احتمال وجود المزيل ذاتا أو وصفا كما لو شك في بقائه لأجل الشك في حدوث الحدث أو ناقضية الحادث واما
الشك في كون الفصل الطويل مخلا فمنشأه الشك في مقدار قابلية الأثر للبقاء وقد تقرر في محله ان الاستصحاب في مثل الفرض ليس
بحجة فظهر لك ان مقتضى القاعدة هو الاقتصار في الفصل على المقدار الذي يفهم من الأدلة جوازه فتجويزه فيما زاد على القدر المتيقن
الذي نبهنا عليه يحتاج إلى دليل وقد يستظهر من صحيحة جميل الاجتزاء بغسل اليوم الليل وعكسه فإنه روى عن الصادق عليه السلام
أنه قال غسل يومك يجزيك لليلتك وغسل ليلتك يجزيك ليومك ومقتضى اطلاقها بقاء اثر الغسل يوما وليلة كما عن الصدوق
الافتاء بذلك ويدل عليه أيضا رواية اسحق الآتية لكن قد يشكل ذلك بما عن المشهور من تحديده بيوم الغسل وليله كما يشهد له
المعتبرة المستفيضة كصحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام قال غسل يومك ليومك وغسل ليلك لليلك ورواية أبي بصير قال
442

سئله رجل وانا حاضر فقال له اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى امسى قال يعيد الغسل يغتسل نهارا ليومه ذلك وليلا لليلته
ورواية عثمان بن يزيد قال من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل ومن اغتسل ليلا كفاه غسله
إلى طلوع الفجر وهذه الروايات خصوصا الأخيرة منها كادت تكون صريحة في التحديد بيوم الغسل وليله وقد يجمع بينها وبين صحيحة
جميل بالحمل على مراتب الاجزاء واستحباب الإعادة أو بجعل اللام في الصحيحة بمعنى إلى وفى الأخير من البعد مالا يخفى واما الأول فليس كل
البعيد ثم لو قلنا بالتحديد بيوم الغسل وليله فلو وقع في أثناء أحدهما فهل العبرة بمقدار اليوم أو الليل الذي وقع فيه بمعنى تقدير زمان
النهار مثلا بساعاته فلو وقع في نصف نهار قصير يؤخذ من الليل بمقدار الساعات الماضية من النهار وان لم يبلغ إلى نصف الليل أو
يلفق منهما بمعنى انه لو وقع في نصف النهار يكمل بنصف الليل وهكذا أو ينقضي بانقضاء اليوم أو الليل وجوه والاحتمالان الأخيران
جاريان مع التحديد بيوم الغسل وليله أيضا والظاهر من الروايات بل كاد ان يكون صريحها هو الأخير أي اختصاص غسل اليوم
باليوم والليل بالليل سواء وقع في أوله أم لا وربما يستظهر منها الأول نظرا إلى امكان دعوى القطع بجواز الاجتزاء بالغسل الواقع
قبل الفجر أو قبل المغرب للفعل الواقع بعده في الجملة كما يشهد له صريح موثقة سماعة من اغتسل قبل طلوع الفجر وقد استحم قبل
ذلك ثم أحرم من يومه أجزاه وصحيحة جميل المتقدمة ورواية اسحق المروية عن التهذيب قال سئلته عن غسل الزيارة يغتسل
بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد قال يجزيه ان لم يحدث فان احدث ما يوجب وضوء فليعد غسله لكن الرواية الأخيرة مضطربة المتن
حيث حكى عن الكافي ان السؤال فيها ان الرجل يغتسل بالليل ويزور بالليل وقد تصدى بعض المحشين لتوجيهه بحمل الباء على السببية
وكيف كان فهذه الروايات لا تصلح قرينة لحمل الأخبار المتقدمة على هذا المعنى البعيد أي التحديد بمقدار اليوم وان أمكن على تقدير
ارادته الجمع بين ساير الاخبار حتى خبر جميل بحمله على الاجتزاء بغسل اليوم لليل وكذا عكسه في الجملة لا مطلقا فان حمل قوله (ع) غسل يومك
ليومك وغسل ليلتك لليلتك وكذا قوله (ع) في رواية أبي بصير بعد ان سئله عن أن بعض أصحابنا اغتسل فعرض له حاجة حتى امسى انه
يعيد الغسل نهارا ليومه ذلك وليلا لليلته خصوصا مع ترك الاستفصال عن كون الواقع أول طلوع الفجر كاد ان يكون متعذرا بل مما
يقطع بعدم ارادته من الرواية نعم رواية عثمان لا تنافي هذا المعنى بمعنى انه لو استفيد ذلك من دليل آخر لا يعارضه هذه الرواية لا انها استعملت
فيه وكيف كان فالذي ينبغي ان يقال إن مقتضى القاعدة الأولية مع قطع النظر عن الأدلة الواردة كما نبهنا عليه انفا انما هو كفاية الغسل للفعل
الواقع عقيبه ولو مع الفصل بمقدار غير معتد به في العرف والعادة عند امتثال مثل هذه الأوامر مط من غير فرق بين كون الغسل واقعا قبل
طلوع الفجر أو المغرب والفعل بعده وبين كونهما واقعين في اليوم أو الليل ولا ينافي ذلك الا خبري عمر بن يزيد وأبى بصير الدالان على اختصاص
اثر غسل اليوم باليوم والليل بالليل وهما لا يصلحان لتخصيص هذه القاعدة استفادة من اطلاقات الأدلة المعتضدة بالاخبار المتقدمة المصرحة
بكفاية غسل اليوم لليل وعكسه في الجملة فلابد اما من حمل الروايتين على إرادة الفضل والاستحباب أو صرفهما عن مثل الفرض بحملهما على إرادة
الاختصاص فيما إذا لم يكن بين الغسل والفعل اتصال عرفي كما ليس بالبعيد ولاجل ما فيهما من الاجمال لا تصلحان شاهد الصرف صحيحة جميل وخبر اسحق
عن ظاهرهما من اطلاق الاجتزاء بغسل اليوم لليل وعكسه نعم ربما ينافي هذا الاطلاق مفهوم الغاية في رواية عثمان فان مقتضاه عدم كفاية الغسل
الواقع عند طلوع الفجر بعد دخول الليل لكن التنافي كما يرتفع بتقييد الصحيحة كذلك يرتفع بالالتزام باستحباب الإعادة كما هو أحد الاحتمالين
المتقدمين في الروايتين المتقدمتين فالجمع بين الروايات بحمل الإعادة على الفصل والاستحباب أولى من طرح البعض أو ساير جهات التأويل المحتملة
بل لو قلنا بانتقاض هذه الأغسال بأسباب الوضوء كما ستعرف تحقيقه فلا يبعد الالتزام ببقاء اثرها مطلقا ما لم يحدث كما يستشعر ذلك بل يستظهر
من رواية اسحق المتقدمة فليتأمل واما الكلام في المقام الثاني فقد صرح غير واحد بانتقاض هذه الأغسال بالنوم واستدل له بالمعتبرة المصرحة
به مثل صحيحة ابن الحجاج قال سئلت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام فيوصي قبل ان يدخل أيجزيه أو يعيد قال لا يجزيه انما دخل
بوضوء وصحيحة نضر بن سؤيد عن أبي الحسن (ع) عن الرجل يغتسل للاحرام ثم ينام قبل ان يحرم قال عليه إعادة الغسل وغير ذلك مما ورد في باب
الاحرام واختصاصها بغسل الاحرام غير ضائر لما عن المصابيح من أن الأصحاب لم يفرقوا بينه وبين غيره لكن يعارضها صحيحة العيص بن القاسم
قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يغتسل للاحرام بالمدينة ويلبس ثوبين ثم ينام قبل ان يحرم قال ليس عليه غسل ويؤيدها اطلاق صحيحة
جميل وغيرها من الأخبار المتقدمة خصوصا مع غلبة وقوع النوم في أثناء الليل وكذا اليوم الا ان الأخبار المتقدمة اظهر في الانتقاض
من هذه الصحيحة بل قوله (ع) في صحيحة ابن الحجاج انما دخل بوضوء صريح في ذلك واما هذه الصحيحة فيحتمل قويا ورودها لدفع توهم السائل
وجوب غسل الاحرام المقتضى لوجوب اعادته بعد الانتقاض فقال الإمام (ع) ليس عليه غسل يعنى لا يجب عليه غسل ويؤيد إرادة هذا
المعنى سوق العبارة وتنكير لفظ الغسل كما عن التهذيب حملها عليه فلا تصلح لمعارضة ما تقدم واما المطلقات فلابد من تقييدها بهذه
443

الاخبار المقيدة مع أنه ليس في الأخبار المتقدمة فيما عدا الصحيحة قوة ظهور في الاطلاق بالنسبة إلى النوم واما الصحيحة فلها قوة ظهور
في ذلك بملاحظة ان الغالب تحقق النوم في اليوم والليلة لكن ليس لها قوة ظهور في الاطلاق لقوة احتمال ورودها في مقام دفع توهم
اختصاص غسل اليوم باليوم والليل بالليل كما لا يخفى على المتأمل وكيف كان فلا محيص عن تقييدها بهذه الأدلة فما يظهر من بعض من الميل
أو القول بعدم ناقضية النوم واستحباب إعادة الغسل جمعا بين الروايات ضعيف واما غير النوم من الاحداث الموجبة للوضوء فالمشهور بين
الأصحاب كما عن الحدائق عدم انتقاض الغسل بها للأصل واطلاقات الأخبار المتقدمة التي يشكل ارتكاب التقييد في بعضها مثل قوله (ع)
من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل الحديث إذ الغالب وقوع الحدث في الجملة في اليوم فبعد إرادة
الاجتزاء به بشرط عدم الحدث وتنزيل الرواية على إرادة بيان ما يقتضيه الغسل من حيث هو مع قطع النظر عن الطواري بعيد خلافا للمحكى
عن الشهيدين وظاهر الموجز وشرحه وقواه غير واحد من المتأخرين وعلله بعض بفحوى لزوم الإعادة بالنوم وفيه مالا يخفى حيث لم
يعلم أن قدح النوم من حيث الحدثية كي يقال إن غيره أقوى في الحدثية على ما يظهر من أدلتها فلا يبعد ان يكون المقصود بهذه الأغسال
حصول النشاط والنظافة وارتفاع الكسالة ونحوها مما ينافيها النوم أو الفصل الطويل أو نحو ذلك دون البول ونحوه من أسباب
الوضوء وربما يستدل له برواية اسحق المتقدمة قال شيخنا المرتضى قدس سره بعد الاستدلال بها ولا يعارضها الا ما تقدم من اخبار
اليوم والليل ويدفع بوجوب تقييدها بها انتهى وهو جيد وتوهم أهو نية حمل الامر الإعادة على الاستحباب من تقييد تلك المطلقات
مدفوع باستلزامه التأويل في جميع الأخبار بحمل الاجتزاء في المطلقات على إرادة بقاء الأثر في الجملة وحمل عدم الاجتزاء المفهوم
من هذه الرواية على ارتفاعه في الجملة ولا يرتكب مثل ذلك في الاخبار التي يترائى منها المناقضة بلا شاهد خارجي والا فلا يكاد
يتحقق للاخبار العلاجية موقع كما لا يخفى واما ما يستحب من الأغسال للزمان فوقته على الظاهر نفس ذلك الزمان الذي امر بغسلة
فلا يكون الغسل الابعد دخوله ويمتد الوقت بامتداد ذلك الزمان لان هذا هو الظاهر من أدلة تلك الأغسال كما تقدم شطر من الكلام
في غسل الجمعة وغيرها ويدل عليه في الجملة صحيحة الفيض قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الليلة التي يطلب فيها ما يطلب متى الغسل فقال
من أول الليل وان شئت حيث تقوم من اخره وسئلته عن القيام فقال تقوم في أوله واخره ورواية بكير عن الصادق (ع) في أي الليالي اغتسل
في شهر رمضان قال في ليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين والغسل في أول الليل قلت فان نام بعد الغسل قال
هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزاك فإنه يستفاد منها كونه مثل غسل يوم الجمعة لو لم يأت به في أول الوقت يأتيه في اخره
وربما يستشعر من بعض الروايات بل يستظهر منها كون الغسل في أول الليل أفضل ولا بأس بالالتزام به مع ما فيه من المسارعة إلى الخيرات
وقد ورد في بعض الروايات ان النبي صلى الله عليه وآله كان يغتسل في العشر الأواخر من رمضان بين العشائين فالأولى هو الاتيان
كذلك للامتى وكيف كان فالظاهر أنه لا يشرع في الأغسال الزمانية التقديم لخوف الاعواز ولا القضاء الا مع النص كما في غسل
الجمعة واستقرت في محكى الذكرى جوازهما في ساير الأغسال الزمانية وفيه تأمل نعم الظاهر جواز التقديم في الجملة في أغسال
ليالي شهر رمضان لما روى في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله ثم تصلى وتفطر و
عن السيد في كتاب الاقبال انه روى أنه يغتسل قبل الغروب إذا علم أنها ليلة العيد وعن ظاهر الصدوق والكليني وبعض المتأخرين
العمل به وعن شارح الدروس حمله على الأفضل ولا يشرع إعادة هذه الأغسال بعد انتقاضها ولو بالحدث الأكبر لحصول الامتثال
الموجب لسقوط الطلب اللهم الا ان يستظهر من الأدلة محبوبية ادراك جميع الوقت طاهرا لكنه في حيز المنع بل الظاهر خلافه كما يشهد
وقوله عليه السلام في رواية بكير المتقدمة بعد ان سئله عن النوم بعد الغسل هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك و
ورواية الحميري قلت فان نام بعد الغسل قال أليس هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر كفاك وفى صحيحة ابن مسلم يغتسل
في ثلث ليال في شهر رمضان إلى أن قال والغسل في أول الليل يجزى إلى اخره المسألة الثانية إذا اجتمعت أسباب أغسال
مندوبة أجزأه غسل واحد بقصد الجميع لكن لا يكفي نية القربة ما لم ينو السبب اجمالا أو تفصيلا وقيل إذا انضم إليها واجب كفاه
نية القربة الحاصلة بقصد امتثال الواجب وقد عرفت تحقيق المقام في مبحث تداخل الأغسال في باب الوضوء وعلمت ان المتجه انه لو
كان الغسل الواجب غسل الجنابة أجزء غسله عن ساير الأغسال دون غيره ولكن الأول أي قصد السبب في هذه الصورة أيضا بان يأتي
بالغسل بقصد امتثال جميع الأوامر المسببة عن الأسباب المتعددة مع أنه أولى من حيث اقتضائه مزيد الاجر أحوط المسألة
الثالثة والرابعة في غسل رؤية المصلوب وغسل المولود اما الأول فقال بعض فقهائنا كأبي الصلاح الحلبي
بوجوب غسل من سعى إلى مصلوب ليراه عامدا بعد ثلاثة أيام لما عن الصدوق في الفقيه والنهاية مرسلا قال وروى أن من قصد إلى رؤية
444

مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة وربما استظهر هذا القول من الصدوق لتعهد في أول كتابه بالعمل بالاخبار المودعة فيه وفيه نظر
وحكى عن أبي الصلاح أنه قال إن الأغسال المفروضة ثمانية إلى أن قال وغسل القاصد لرؤية المصلوب من المسلمين بعد ثلاثة وعلله فيما
حكى عنه بأنه شرط في تكفير الذنب وصحة التوبة فيلزم العزم عليه وهو شاذ وتعليله عليل والرواية مع ما فيها من الضعف لا تصلح دليلا
الا للاستحباب كما ذهب إليه المشهور بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه ثم إن المتبادر من القصد إلى رؤية المصلوب في النص والفتوى هو السعي
إليها عمدا كما عبر به في المتن وغيره والمراد بالمتن هو ان يراه بعد السعي متعمدا فلو رآه من دون سعى أو سعى إليه ولم يره أو رآه لا عن عمد فلا غسل
عليه ثم إنه قد صرح بعضهم بان مقتضى التعليل الواقع في النص اختصاص الحكم بالنظر المحرم إذ لا عقوبة في غيره فيخرج الكافر المصلوب إذ لا
حرمة في النظر إليه ولذا قيده الحلبي في عبارته المتقدمة بكونه من المسلمين وكذا النظر إلى المسلم لفرض شرعي كالشهادة على عينه كما عن كشف
اللثام وغيره وكذا النظر إلى المسلم في الثلاثة إذا كان صلبه بحق لان الصلب شرع لتفضيح المصلوب فلا معصية في النظر إليه في الثلاثة ولو
كان المصلوب غير مستحق للصلب فمقتضى اطلاق الرواية ثبوت الغسل ولو قبل الثلاثة لحرمة السعي لرؤيته بل يجب انزاله عن الخشبة مع التمكن
مطلقا وعن الصيمري تقييده بالمصلوب حقا ولعل وجهه استظهاره من عبائر الأصحاب حيث قيد والحكم بما بعد الثلاثة فيفهم من ذلك
الاختصاص بالمصلوب حقا إذ لا فرق في حرمة النظر إلى المصلوب ظلما بين الثلاثة وما بعدها وفيه ان التعميم بحيث يشمل المصلوب ظلما
ولو فيما بين الثلاثة أوفق بظاهر النص بل الغالب في عصر الأئمة (ع) لم يكن الا كذلك ولعله لذلك امر بالغسل مطلقا بل الأظهر شموله للمصلوب
الكافر أيضا والذنب الذي يقع الغسل عقوبة عنه لا يجب ان يكون محرما شرعيا كي ينتفى بالنسبة إلى الكافر الذي لا احترام له ولا حرمة
في هتكه بل ينبغي ان لا يكون الا الكراهة ولا امتناع في أن يكون السعي لرؤية المصلوب من حيث هو مكروها يقتضى التكفير عنه بالغسل
بل الالتزام بحرمة النظر هو من حيث هو بالنسبة إلى المسلم أيضا لا لأجل عنوان الهتك والتوهين ونحوه مما قد يتخلف عنه في غاية الاشكال
فالأشبه عدم الفرق بين كون المصلوب كافرا أو مسلما نعم ينبغي استثناء المصلوب بالحق في الثلاثة نظرا إلى منافاة مرجوحية النظر
المقتضية للتكفير لحكمة مشروعية الحكم وان كان فيه أيضا تأمل والله العالم واما الثاني وهو غسل المولود فقال بعض فقهائنا
كابن حمزة على ما حكى عنه بوجوبه لقوله (ع) في موثقة سماعة في تعداد الأغسال وغسل المولود واجب والأظهر في هذه المسألة أيضا
كسابقتها الاستحباب كما عن المشهور بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه وعن ظاهر السرائر نفى الخلاف فيه وعن المعتبر رمى القول بالوجوب
بالشذوذ وعن المنتهى بالمتروكية وكفى بذلك موهنا لظاهر الخبر في مقابلة ما دل على حصر الغسل الواجب في غيره مضافا إلى ما عرفته
مرارا من عدم ظهور الموثقة في إرادة الوجوب بالمعنى المصطلح كما يشهد وبذلك ما فيها من توصيف جملة من الأغسال المسنونة
بالوجوب ثم إن ظاهر الموثقة كعبائر الأصحاب انما هو إرادة الغسل بالمعنى المعهود لا الغسل بالفتح بمعنى
إزالة القذر فما احتمله بعض من كونه تنظيفا محضا ضعيف نعم لا يبعد ان يكون ذلك
حكمة الحكم كما في غسل الجمعة والله العالم قد فرغ من تصنيف
المجلد الثاني الذي هو في الأغسال من طهارة
الكتاب المسمى بمصباح الفقيه أقل
الطلبة محمد رضا الهمداني
يوم الجمعة قبيل
الغروب
غرة ذي الحجة من سنة 1297 اعانه الله تعالى على اتمامه بأتم الوجوه
وأحسنه وجعله ذخيرة لاخرته بمحمد واله الطيبين الطاهرين
صلاة الله عليه وعليهم أجمعين إلى يوم الدين
وبيد الأحقر العاصي ميرزا حسين
445

هذا كتاب
المجلد الثالث من الكتاب
المسمى بمصباح الفقيه مبتدأ من التيمم
من تأليفات العالم المحقق والفاضل المدقق مولانا آقا
محمد رضا الهمداني قده
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
الركن الثالث من الأركان الأربعة التي يعتمد عليها كتاب الطهارة في الطهارة الترابية أي التيمم الذي قضت ضرورة الدين
بطهوريته لدى الضرورة في الجملة قال الله تبارك وتعالى في سورة النساء يا أيها الذين امنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا
ما تقولون ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم
تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ان الله كان عفوا غفورا وقال الله تعالى في سورة المائدة يا أيها
الذين امنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وان كنتم جنبا
فاطهروا وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ويحتمل ان
يكون قوله تعالى ما يريد الله ليجعل الخ مسوقا لدفع توهم كون التكليف بالطهارة عند كل صلاة حرجيا مع ما في التيمم من التذلل و
الخضوع الذي ربما يشق على المؤمنين في بدو الاسلام تحمل مثله تعبدا ويحتمل ان يكون بيانا للحكمة المقتضية لشرع التيمم وبدليته عن الوضوء
والغسل فيفهم منه على هذا التقدير اختصاص الامر بالوضوء والغسل بغير مورد الحرج الذي هو أعم من سائر الضرورات المسوغة للتيمم
وكون المشروع في مثل الفرض هو التيمم تسهيلا للعباد ورأفة بهم وتفضلا عليهم كي يسهل عليهم الطهارة في جميع الأحوال وهذا
الاحتمال أسبق إلى الذهن وأوفق بالاعتبار وان كان الأول انسب بالسياق وكيف كان فيستفاد من هذه الفقرة الواردة في مقام الامتنان
بل من سياق الآيتين بواسطة المناسبات المغروسة في الأذهان فضلا عن الأدلة الخارجية اطراد شرعية التيمم في ساير مواقع الضرورة
وعدم اختصاصها بالموارد المذكورة في الآية وتخصيص تلك الموارد بالذكر على الظاهر لأجل تحقق الضرورة فيها غالبا والا فالمناط مطلق
تعذر استعمال الماء عقلا أو شرعا بل تعسره أيضا في الجملة على ما ستعرفه انشاء الله كما أنه يستفاد عرفا من تعليق الامر بالتيمم على عدم وجدان
الماء كون التيمم بدلا اضطراريا عن الوضوء سوغه الضرورة بحيث لو فرض محالا تمكنه من الوضوء لكان هو المطلوب الأصلي نظير ما لو
قال إذا جائك زيد فاطعمه بالطبخ الكذائي وإذا لم يتهيأ لك أسبابه فاطعمه بالخبز مثلا حيث يفهم من مثل ذلك عرفا ان رفع اليد
عن الطلب الأول في مثل الفرض والامر بالثاني لأجل الضرورة وكون المطلوب الثاني بدلا اضطراريا عن الأول لا لفقد
المقتضى وانقلاب الموضوع لأجل عدم تهيأ الأسباب كالمسافر والحاضر بالنسبة إلى الصوم والصلاة ولذا صح ان يدعى انه يفهم
من الآية وجوب بذل الجهد في تحصيل الماء للطهارة وانتقال التكليف إلى التيمم عند تعذر تحصيل الماء بعد الغض عما قد يقال من أن
المنساق إلى الذهن اعتبار الطلب في تحقق مفهوم ان لم تجدوا فان وجوب التحصيل مع الامكان هو الذي يقتضيه البدلية الاضطرارية
ولعل هذا هو مراد من فسر عدم الوجدان بعدم التمكن لا انه استعمل اللفظ فيه على سبيل التجوز في الكلمة كي يطالب بالدليل وكيف
كان فالنظر في هذا المبحث يقع في أطراف أربعة الأول ما يصح معه التيمم وهو ضروب يحويها العجز عن استعمال الماء عقلا أو شرعا الذي
هو المناط في جواز التيمم كما تقدمت الإشارة إليه لكن لابد من التعرض لذكر بعض أسباب العجز مفصلا كما صنعه المصنف قده لبيان ما
يتفرع عليها من الأحكام المخصوصة لكل سبب كما ستعرفه الأول عدم الماء ولا شبهة في كونه من مسوغات التيمم مطلقا كتابا وسنة واجماعا من غير فرق عندنا على الظاهر بين السفر والحضر وما ارسله بعضهم عن علم الهدى من أنه أوجب الإعادة على الحاضر مع عدم تحقق
448

النسبة ليس خلافا فيما نحن فيه ويجب عنده الطلب والفحص اجماعا كما عن جماعة نقله ويدل عليه مضافا إلى ما عرفته من الاجماعات المستفيضة
وامكان استفادته من الكتاب وما ستعرفه من خبر السكوني وغيره قاعدة الاشتغال القاضية بوجوب تحصيل القطع بالخروج من عهدة
التكليف بالصلاة مع الطهور المتوقف على احراز العجز عن الطهارة المائية الذي هو شرط في طهورية الترابية لا يقال إن القدرة على
الطهارة المائية شرط في تعلق التكليف بها فما لم يحرز القدرة ينفى وجوبها بأصل البراءة فيتعين الترابية لأنا نقول أولا ان أصل
البراءة عن التكليف لا يجدي في احراز العجز عن المائية الذي هو شرط في صحة الترابية وثانيا ان القدرة على امتثال التكاليف
من الشرائط العقلية التي لا يرجع عند الشك فيها إلى البراءة كما تقدم تحقيقه غير مرة بل لابد في مقام الشك من السعي في مقدمات
الامتثال حتى يتبين العجز أو يتحقق الامتثال فما عن المحقق الأردبيلي من استحباب الطلب ضعيف والاستدلال له بالأخبار الآتية
النافية لوجوب الطلب والفحص ستعرف ما فيه ولا يجديه اطلاقات طهورية التراب وبدليته من الماء بعد وضوح كونه بدلا اضطراريا
لا يتحقق شرعيته الا عند تحقق الضرورة ثم إن مقتضى ما عرفت انما هو وجوب الطلب والفحص مع الرجاء مطلقا ما لم يبلغ مرتبه
الحرج والمشقة الرافعة للتكليف أو يتحقق مانع اخر من وجوب الفحص كضيق الوقت أو خوف طريق الطلب أو التخلف عن الرفقة أو غير
ذلك من الاعذار المانعة من التكليف كما يظهر اختياره من المدارك ومحكى المعتبر ويدل عليه مضافا إلى ما عرفت حسنة زرارة عن
أحدهما (ع) قال إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصل في اخر الوقت فإذا وجد الماء
فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل لكن في حاشية المحقق البهبهاني على المدارك هذه الرواية وردت باسناد اخر فليمسك بدل فليطلب
انتهى فعلى هذا يكون دليلا لعدم جواز البدار لأولي الاعذار لا لما نحن فيه و * (وكيف) * كان فالأظهر أوسعية الامر من ذلك وعدم وجوب
انتهاء الطلب إلى هذا الحد على الاطلاق بل الواجب على المسافر الفاقد للماء في الفلوات المتمكن من الفحص الذي لا يعذر في تركه
لضيق الوقت أو خوف الطريق ونحوه هو السعي فيما حوله في الجملة على وجه يحصل له الوثوق بتعذر تحصيل الماء فيما يقرب منه من نواحيه فيضرب
في الأرض غلوة سهمين في كل جهة من جهاتها الأربع ان كانت الأرض سهلة وغلوة سهم ان كانت حزنة بسكون الزاء ما غلظ من الأرض
بالأحجار والأشجار ونحوها كما قيل ثم إن التحديد المذكور هو المشهور بين الأصحاب على ما صرح به غير واحد بل عن الغنية وارشاد
الجعفرية الاجماع عليه وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا ويدل عليه خبر السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه السلام قال يطلب الماء في
السفر ان كانت الحزونة فغلوة وان كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك والخدشة في مثل هذه الرواية المشهورة التي عمل بها الأصحاب
وعبروا بمتنها في فتاويهم بضعف السند مما لا يلتفت إليها * (ثم) * انه وان لم يقع التصريح في الرواية بالضرب في الجهات الأربع لكن يفهم
منها ذلك بالنسبة إلى الفرض الذي ينزل عليه اطلاق المتن ونحوه وهو ما لو احتمل وجود الماء في جميع الجهات إذ ليس المقصود بالرواية الامر
بطلب الماء في مثل الفرض في جهة معينة ولا مطلق جهة أي جهة تكون ضرورة عدم كون الحكم تعبديا محضا كي يتطرق فيه مثل هذه الاحتمالات
بل المقصود بيان لزوم السعي في تحصيل الماء بالمقدار المنصوص عليه في مواقع احتماله لا أزيد فإن لم يحتمل وجود الماء الا في جهة أو جهتين مثلا
يقتصر على الطلب في الجهة أو الجهتين وان احتمل في جميع الجهات فليطلب في الجميع ولا يستلزم ذلك ارتكاب التجوز والاضمار في الرواية فإنها
مسوقة لتحديد مقدار الطلب في المورد الذي من شأنه ان يطلب الماء فيه وهذا يختلف باختلاف الموارد وان شئت قلت إن الرواية
تدل على وجوب الطلب في مساقة الغلوة أو الغلوتين فمهما احتمل وجود الماء فيما لا يزيد من الغلوة والغلوتين وجب الفحص عنه وتوهم
ان المراد هو الطلب بمقدار الغلوة أو الغلوتين [مط] في جميع الموارد بمعنى ان الشارع أوجب ذلك على المسافر من دون فرق بين الموارد فإن لم
يحتمل الماء الا في جهة فليطلب مقدار الغلوة أو الغلوتين في تلك الجهة وان احتمل في جهتين أو ما زاد فليطلب بهذا المقدار في مجموع الجهات
المحتملة بحيث يكون طلبه في كل جهة بعض ذلك المقدار * (مدفوع) * بمخالفته للظاهر من وجوه وعلى تقدير مكافئته للاحتمال الأول لا يصلح دليلا
لرفع اليد عما يقتضيه قاعدة الاشتغال وكيف كان فالرواية صريحة في عدم وجوب الفحص زائدا على ما عرفت فهي واردة على القاعدة القاضية
بوجوب الفحص مع الامكان ما لم يحصل اليأس أو يتحقق عذر اخر ولا يعارضها قوله (ع) في حسنة زرارة المتقدمة إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب
ما دام في الوقت الحديث لقصورها عن المكافئة بعد اعراض الأصحاب عن ظاهرها وعملهم بالرواية السابقة وقد يقال في توجيه الحسنة بأنها
مسوقة لبيان وجوب الطلب في سعة الوقت لامع الضيق اما مقدار الطلب فغير مقصود بها فلا تنافي خبر السكوني وفيه مالا يخفى فإنها كادت
تكون صريحة في إرادة انه يطلب الماء إلى أن تتضيق عليه الوقت ويخاف فوت الصلاة [فح] يصلى مع التيمم والأولى ان يقال إنه لا تنافي بين
الروايتين الا في الجملة فيمكن الجمع بينهما بحمل الحسنة على مالا ينافي خبر السكوني فان وجوب الفحص عن الماء في الجهات الأربع كما يقتضيه خبر السكوني
وفتاوى الأصحاب على الظاهر مشروط بإرادة المسافر المتمكن من الفحص الذي لم يتضيق عليه الوقت الصلاة في مكان مخصوص كما لو نزل بعد
449

الظهر مثلا منزلا وأراد ان يصلى فيه والا فله الضرب في الأرض في جهة من الجهات ولو في الجهة الموصلة إلى المقصد برجاء تحصيل الماء
في أثناء الطريق إلى أن يتضيق عليه الوقت ضرورة ان العود إلى المكان الأول ليس واجبا تعبديا فحيثما طلب الماء في جهة ولو في الجهة
المؤدية إلى المقصود بمقدار رمية سهم أو سهمين فله ان يصلى في المكان الذي انتهى إليه طلبه وان لا يعود إلى المكان الذي ابتدء منه
لكن يجب عليه الفحص عن الماء فيما حوله بالنسبة إلى المكان الذي انتهى إليه السير فله في هذا المكان أيضا كالمكان الأول ان يختار أولا
الضرب إلى مقصده مثلا في الجهة التي يقربه وهكذا إلى أن يتضيق عليه الوقت ويتعين عليه الصلاة مع التيمم فثمرة العود إلى المكان الأول
انما هو جواز الصلاة مع التيمم بعد الفحص عن الماء في ساير الجهات بالمقدار المعتبر شرعا وان لم يتضيق عليه الوقت فيقيد حسنة
زرارة بما عدا هذه الصورة فتلخص لك ان الواجب على المسافر أحد أمرين اما الفحص عن الماء ولو في طريق سفره من دون ان ينحرف
عن الطريق إلى أن يتضيق عليه الوقت كما يدل عليه الحسنة الموافقة لقاعدة الاشتغال واما تحصيل الوثوق بفقد الماء فيما حوله بمقدار
غلوة سهم أو سهمين كما يدل عليه خبر السكوني الذي لا يفهم منه أزيد من الوجوب التخييري الذي عبرنا عنه بالوجوب المشروط فيتحصل
من مجموع الروايتين بعد الجمع انه يجب على المسافر ان يطلب الماء ما دام الوقت باقيا الا ان يحصل له الوثوق بفقد الماء فيما حوله
بمقدار الغلوة أو الغلوتين وما في بعض الأخبار من عدم وجوب الطلب مثل رواية داود الرقى قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أكون في
السفر فتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال ان الماء قريب منا فاطلب الماء وانا في وقت يمينا وشمالا قال لا تطلب ولكن تيمم فان أخاف
عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع وخبر يعقوب بن سالم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل لا يكون معه ماء والماء
عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك قال لا امره ان يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع ورواية علي بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال قلت له أتيمم إلى أن قال فقال له داود الرقى فاطلب الماء يمينا وشمالا فقال لا تطلب يمينا ولا شمالا ولا في بئر ان وجدته على الطريق
فتوضأ منه وان لم تجده فامض فمحمول على صورة الخوف كما يدل عليه التعليل الوارد في الروايتين الأوليين وفرض العلم بوجود الماء في
الرواية الثانية واما الثالثة وان كانت بظاهرها مطلقه لكنها أيضا منزلة عليه بقرنية ما عرفت خصوصا مع غلبة الظن بكونها هي
الرواية المعللة التي رواها داود بنفسه عن أبي عبد الله (ع) مع أن الامر بالمضي لا ينافي وجوب الطلب ما دام في الوقت لما عرفت من أن له
اختيار المضي في طريقه عند احتمال مصادفة الماء في أثناء الطريق فيمكن تنزيل الرواية عليه هذا مع ما في هذه الروايات من ضعف
الاسناد وعدم صلاحيتها المعارضة ما عرفت ثم انا قد أشرنا إلى أن وجوب الطلب ليس نفسيا تعبديا بل هو مقدمة لتحصيل الماء فلا يجب
الا عند احتماله احتمالا يعتد به لدى العقلاء فإذا حصل له الوثوق بفقد الماء من اخبار أهل الخبرة أو المجتهدين في الطلب أو من فحصه السابق
ولو قبل تنجز التكليف بالطهارة والصلاة لم يجب عليه الفحص * (نعم) * لو لم يحصل له الاطمينان من خبرهم واحتمل مصادفة الماء لو باشر
بنفسه الطلب وجب عليه ذلك من غير فرق بين كون المخبر نائبا عنه في الفحص وعدمه فان المدار على كونه مطمئنا حين إرادة التيمم والصلاة
بكونه عاجزا عن الطهارة المائية وفى كفاية شهادة العدلين فضلا عن العدل الواحد ما لم يحصل الوثوق من قولهما بفقد الماء خصوصا
فيما إذا كان عدم الوثوق مسببا عن احتمالات غير منافية للعدالة اشكال وان كان الأظهر حجية قولهما فيما إذا كان مرجعه إلى الاخبار
عن امر حسى غير قابل للاشتباه عادة كما لو أخبرا بعدم الماء في المكان الفلاني ونحوه وكذا الاشكال في الاكتفاء بفحصه السابق عند احتمال تجدد
الماء وقد يقوى في النظر عدم وجوب الفحص في الفرض اعتمادا على أصالة عدم التجدد واستصحاب العجز وعدم الماء الذي هو شرط في جواز التيمم
من غير فرق بين كون فحصه السابق قبل تنجز التكليف أم بعده وتوهم ان شرط التيمم هو عدم وجدان الماء وهو صفة اعتبارية وجودية
فلا يحرز بالأصول المتقدمة * (مدفوع) * بما أشرنا إليه من أن المناط في الحقيقة هو العجز عن الطهارة المائية وعدم الوجدان من أسبابه
كما سيأتي مزيد توضيح لذلك هذا مع أن ظاهر بعض النصوص كفتاوى الأصحاب ان عدم الماء من أسباب التيمم وهو مما يمكن احرازه
بالاستصحاب ولا ينافي ذلك ما تقدم انفا من أن القدرة على امتثال التكاليف من الشرائط العقلية التي لابد من احراز عدمها في رفع اليد عن
التكاليف الثابتة بالعمومات فان الأصول الموضوعية كالأمارات الشرعية حاكمة على هذا الأصل هذا مع أن عدم التمكن الذي اعتبره الشارع شرطا
لصحة التيمم أعم من عدم القدرة التي استقبل العقل بمانعية من التكليف فليتأمل ودعوى ان المتبادر من اطلاق معاقد الاجماعات المحكية وغيرها
من الأدلة اعتبار الطلب والفحص حين إرادة التيمم [مط] فلا يكفي الفحص للتيمم السابق فضلا عن الفحص قبل لنجز التكليف * (مدفوعة) * بان غاية ما
يمكن ان يدعى الاجماع عليه انما هو وجوب الطلب في الجملة واما وجوب تجديده عند كل تيمم فلا بل لا ينبغي ان يصغى إلى من يدعيه كما أن رواية السكوني
أيضا لا يفهم منها الا ذلك وحيث إن وجوبه توصلي لا يتفاوت الحال فيه بين تحققه قبل الخطاب أو بعده واما حسنة زرارة مع ما فيها من اختلاف
المتن فقد عرفت انها مئولة أو مطروحة مع أنه لا يكاد يفهم منها وجوب إعادة الطلب في الموضوع الذي بذل جهده ولم يجد الماء فيه ودعوى استفادته
450

من الكتاب العزيز باعتبار تعليق التيمم على عدم الوجدان الذي لا يتحقق عرفا الا بعد الفحص قد أشرنا إلى دفعها مضافا إلى أن غاية ما يمكن ان
يقال انما هي توقف صدق عدم الوجدان على سبق الطلب في الجملة لاعلى استدامته ضرورة انه لو تفحص في مكان ولم يجد الماء فيه فما دام في
ذلك المكان ولم يحصل بيده الماء يصدق عرفا انه إلى الان لم يجد الماء ولا يتوقف ذلك على تجديد الطلب كل حين واما قاعدة الاشتغال
القاضية بوجوب الفحص فالاستصحابات المتقدمة واردة عليها نظير استصحاب إضافة الماء أو نجاسته أو غصبية الوارد على قاعدة الاشتغال
القاضية بوجوب الاحتياط فليتأمل ثم لا يخفى عليك ان الاقتصار في الطلب على الغلوة أو الغلوتين انما هو فيما إذا لم يعلم بوجود الماء
في خارج الحد والا يجب عليه تحصيله ما لم يوجب حرجا أو ضررا أو مانعا آخر فان قوله (ع) في الرواية لا يطلب أكثر من ذلك منصرف عن صورة العلم بوجود
الماء كما هو ظاهر * (اما الغلوة) * فهي بالفتح كما في مجمع البحرين مقدار رمية سهم وحكى فيه عن الليث الفرسخ التام خمس وعشرون غلوة وعن أبي
شجاع في خراجه الغلوة قدر ثلاثمأة ذراع إلى أربعمأة وحكى عن الارتشاق انها مأة باع والميل عشر غلاء هذا ولكن الظاهر أن هذا الخلاف
انما هو في تحديد المصداق لا في تعيين مفهوم الغلوة كي يكون لقول اللغويين فيه خصوصية فلا وثوق بقولهم في مثله خصوصا مع قضاء العادة
بعدم كونهم من أهل الخبرة في العمل مع أن تطبيقه على الفرسخ والميل على سبيل التعيين كما سمعته من بعضهم لا يخلو عن مجازفة وكيف كان
فالمدار على مقدار رمية سهم أو سهمين بحسب المتعارف الغالب لكن الذي أشكل علينا الامر عدم تعارف الرمي بالسهم في عصرنا الا ان الذي
يقوى في حدسي أقربية ما عن أبي الشجاع إلى الواقع فان من المستبعد تجاوز السهم المتعارف عن أربعمأة ذراع لكن الظن لا يغنى من جوع بل
يجب الاحتياط حتى يحصل القطع بالخروج من عهدة التكليف ولو اختلفت الجهات سهولة وحزونة ففي كل جهة يراعى حكمها ولو اختلفت الجهة
الواحدة بحيث لم يصدق عليها أحد الا سهمين على الاطلاق قيل تراعى النسبة وهو لا يخلو من اشكال بعد خروج الفرض من منصرف الرواية
فمقتضى قاعدة الاحتياط عدم الاقتصار على ما دون غلوتين والله العالم ثم إن وجوب الطلب الذي يحكم به العقل القاعدة الاشتغال
ويتبادر من النص والفتوى انما هو من باب المقدمة لتحصيل الطهارة المائية التي هي الأصل في التطهير كما أنه يجب تحصيل التراب مقدمة
للتيمم عند تنجز التكليف به فالباعث على طلب الماء أولا وبالذات انما هو احتمال مصادقة الماء ولا مدخلية له من حيث هو في صحة التيمم ولا في
مطلوبيته بمعنى انه ليس من مقدماته الوجودية ولا الوجوبية اما الأول فواضح والألم يعقل وجوبه قبل تنجز التكليف بذيه واما الثاني فلان مناط
مطلوبيته التيمم هو العجز عن الطهارة المائية الذي يستكشف بالطلب والفحص لا نفس الطلب من حيث هو وتعليق الامر بالتيمم على عدم الوجدان الذي
يتوقف صدقه عرفا على الطلب كما قيل انما هو لكونه طريقا لاحراز العجز لا لكون هذا المفهوم المقيد من حيث هو معتبرا في تقوم الموضوع كما
لا يخفى على المتأمل في الآية وغيرها من الأدلة وكيف لا والا للزم ان لا يكون المقصر التارك للفحص الذي يكون في الواقع فاقدا للماء مكلفا
واقعا بالصلاة مع شئ من الطهارتين لعدم القدرة على المائية وعدم تحقق شرط وجوب الترابية وهو كما ترى فظهر لك ان الطلب من حيث
هو ليس مما يتوقف عليه التيمم لا شطرا ولا شرطا نعم له مدخلية في احراز مطلوبيته والعلم بكونه مقربا فإنه لا يعلم ذلك الابعد ان تبين عجزه عن
الطهارة المائية بالفحص فلو أخل بالطلب وتيمم في سعة الوقت وصلى فقد اتى بما لم يعلم بكونه مأمورا به فلا يتأتى منه قصد امتثال الامر
والتقرب بعمله على سبيل الجزم فيفسد تيممه وصلاته بناء على ما هو المشهور بل المجمع عليه من اعتبار قصد التقرب على سبيل الجزم في صحة العبادة
مع الامكان لكنك عرفت في مبحث نية الوضوء ان للتأمل فيه مجالا * (وكيف) * كان فمنشأ بطلان التيمم فيما لو كان مصادفا لتكليفه على تقدير
الفحص لو وقع بلا فحص ليس الا من حيث الاخلال بقصد التقرب فلو فرض صدوره منه متقربا به على سبيل الجزم كما لو غفل عن احتمال وجود
الماء فرأى نفسه عاجزا فتيمم وصلى وصادف عدم الماء صح عمله لكون الماتى به موافقا للمأمور به متقربا إلى الله بخلاف ما لو صادف وجوده
فإنه لم يصح لكونه مخالفا لتكليفه الواقعي وما ادعاه بعض من ظهور الأدلة في كون الطلب من حيث هو شرطا في صحة التيمم فيفسد [مط] قد
عرفت فساد هذا إذا كان في سعة الوقت واما لو أخل بالضرب في الأرض وغيره من انحاء الطلب حتى ضاق الوقت من الطلب والصلاة
بالطهارة المائية فقد أخطأ وصح تيممه وصلاته على الأظهر الأشهر بل في المدارك انه المشهور وعن الروض نسبته إلى فتوى الأصحاب لان
ضيق الوقت الموجب لعدم القدرة على اتيان الصلاة مع الطهارة المائية في الوقت بنفسه من أسباب العجز الموجب لانتقال الفرض إلى
التيمم ولو على تقدير وجود الماء فضلا عن احتماله فلا يجب عليه الطلب وحيث لا يسقط التكليف بالصلاة بحال يجب عليه الاتيان بها مع التيمم
والامر يتقضى الاجزاء فيصح صلاته ولا يجب عليه قضائها من غير فرق بين ما لو صادف الماء في محل الطلب وعدمه بل قضية ما عرفت صحة الصلاة
والتيمم على تقدير وجود الماء عنده بالفعل لو اخر الوضوء أو الغسل حتى ضاق الوقت وتعذر الاتيان به مع الصلاة في وقتها فان مناط
صحة التيمم ومطلوبيته العجز عن الطهارة المائية وهو حاصل في الفرض وان كان بسوء اختيار المكلف لكن قد يشكل ذلك بأنه كان مكلفا
في سعة الوقت بالصلاة مع الطهارة المائية وقد صيرها ممتنعة في حقه باختياره وهو وان كان موجبا لارتفاع الطلب لكنه بواسطة
451

العصيان الذي قد يتأمل في سببيته لانقلاب التكليف واندراج المكلف في موضوع العاجز المأمور بالبدل الاضطراري فإنه لا يبعد دعوى
انصراف ما دل على مشروعية البدل للعاجز عن العاجز الذي اختار العجز للفرار من التكليف المنجز عليه الا ترى انه لو قيل يجب على العاجز
عن الحج ان يستنيب لا يتبادر منه القادر الذي صير نفسه عاجزا بتخلفه عن الرفقة وليس معنى ان الصلاة لا تسقط بحال بقاء التكليف بها
بعد ان عصى المكلف وصير ايجادها على النحو المعتبر شرعا في حقه ممتنعا فمن الجايز ان يكون تأخير الطهارة المائية عند القدرة عليها
إلى أن تتعذر كتأخير التيمم إلى أن يتعذر الاتيان به مع الصلاة في الوقت موجبا لوجوب القضاء ومن هذا القبيل جميع الموارد التي أوجد
المكلف سبب التكليف الاضطراري اختيارا للفرار من الخروج من عهدة التكليف الاختياري المنجز عليه كما لو اخر الجنب الغسل في ليلة شهر رمضان
إلى أن ضاق الوقت فصام مع التيمم أو أراق الماء مع الانحصار عند تنجز التكليف بالغسل أو الوضوء إلى غير ذلك من الأمثلة فان الجزم
بصحة البدل الاضطراري في هذه الموارد في غاية الاشكال حيث لا يبعد دعوى انصراف ما دل على شرعية البدل عن شمول مثل هذا العجز
الاختياري بل لا يبعد ان يكون التيمم من مثل هذا الشخص مبغوضا للشارع فضلا عن أن يقع عبادة ومن هنا قد يقال بوجوب الاحتياط بالجمع
بين الصلاة مع التيمم في الوقت وقضائها في خارجه لتردد المكلف به المعلوم بالاجمال بين الامرين ولعله لذا أوجب غير واحد قضاء الصلاة
فيما نحن فيه أعني فيما لو قصر في الطلب وصلى مع التيمم وصادف وجود الماء في محل الطلب بل عن الحدائق نسبته إلى المشهور وعن جامع المقاصد إلى
أكثر الأصحاب لكن مع ذلك القول بالصحة في المقام ونظائره كما في المتن وغيره لعله أقوى فإنه لا يبعد دعوى انه يفهم بالتأمل في الأدلة الشرعية
كون العجز من حيث هو مناطا لصحة التيمم من دون ان يكون لسببه مدخلية في ذلك الا ان الاحتياط مما لا ينبغي تركه وقد يقال في توجيه القول
بوجوب الجمع بين الصلاة مع التيمم وقضائها بأنه كان مكلفا في سعة الوقت باتيان الصلاة مع الطهارة المائية وقد فوتها بسوء اختياره
عصيانا فعليه قضائها وانما يجب عليه الصلاة مع التيمم عند الضيق لما ثبت من أن الصلاة لا تسقط بحال فعند الضيق تجب مع التيمم وكون الامر
مقتضيا للاجزاء لا يقتضى الا كون الصلاة مع التيمم مسقطا للطلب المتعلق بها دون الطلب المتعلق بقضاء ما فات الذي تحقق موضوعه بالنسبة
إلى الصلاة مع الطهارة المائية التي كانت واجبة في سعة الوقت وفيه مالا يخفى بعد وضوح ان المكلف به في الواقع ليس الا صلاة الظهر مثلا مع
الطهور المتوقف حصوله عند التمكن على الوضوء والغسل وعند الضرورة على التيمم فان أفاد التيمم في مفروض مسئلتنا الطهارة التي هي شرط الصحة
الصلاة المأمور بها بان عمه دليل مشروعيته فقد وجب مقدمة لتلك الصلاة الواجبة والا فلا والحاصل ان المأمور به انما هو ايجاد صلاة
الظهر مثلا مع الطهارة المتوقف حصولها على الغسل والوضوء لدى القدرة والتيمم لدى الضرورة فالضرورة اثرت في قيام التيمم مقام الوضوء
والغسل الذي هو مقدمة لتلك الصلاة المأمور بها لا بدلية الصلاة الواقعة معه من الصلاة الواقعية * (هذا) * مع أنه انما يجب الاتيان بالتيمم
لدى الضرورة لبدليته من الوضوء والغسل وقيامه مقامهما فلا يعقل بقاء الامر بالمبدل منه بعد تحقق البدل بعنوان البدلية وصحته كما لا يخفى
هذا هو الكلام في الحكم الوضعي أعني صحة التيمم والصلاة عند تأخير المكلف إلى أن يتضيق الوقت واما الكلام في الحكم التكليفي أعني حرمة
التأخير واستحقاق العقاب عليه فهو على الظاهر من المسلمات التي لم ينقل الخلاف فيه من أحد الا من المصنف في المعتبر كما ستعرف لكونه تفويتا
للتكليف الذي لا شبهة في قبحه في الجملة وان كان قد يستشكل فيه في كثير من الموارد التي يتخيل كونها نظير ما نحن فيه من حيث المشاركة في تفويت
التكليف فالأولى شرح المقال ليتضح حقيقة الحال بالنسبة إلى جميع الموارد لكون المسألة من المهمات * (فأقول) * مستعينا بالله تفويت
التكليف قد يكون بدفع ما يقتضيه أو رفعه لا بدفع نفس التكليف أو رفعه وبعبارة أخرى قد يكون التفويت بتبديل الموضوع الموجب
لانقلاب الحكم لا لأجل الاضطرار كما لو سافر الحاضر فارتفع تكليفه بالصوم وصلاة الجمعة وغيرهما من التكاليف التي يسقط طلبها بالسفر
باعتبار اخذ وصف الحضور قيدا في موضوعها وهذا القسم مما لا اشكال في جوازه [مط] اما قبل تنجز الخطاب بالواجبات فواضح فإنه
لا يتنجز عليه شئ من هذه التكاليف الا على تقدير اندراجه في موضوع الحاضر فيكون الحضور من المقدمات الوجوبية للواجب المشروط
التي لا يجب تحصيلها بالضرورة واما بعد تنجز الخطاب فلان بقائه منجزا عليه مشروط ببقاء كونه حاضرا وليس اشتراطه بهذا الشرط على
حد اشتراطه بالقدرة ونحوها من الشرائط العقلية التي يرتفع التكليف بارتفاعها لأجل التعذر مع بقاء مقتضيه التي ستعرف تحقيق الحال
فيها بل هو من الشرائط المتخذة شرعا من اجزاء المقتضى فالخطابات الصادرة من الشارع المثبتة لهذه الأحكام بمنزلة ما لو قال إن كنت
حاضرا فصم وصل صلاة الظهر أربع ركعات وان كنت مسافرا فلا تصم وصل ركعتين فعند صدور مثل هذا الخطاب لا يجب على المكلف
الا ملاحظة حاله عند إرادة الخروج من عهدة التكليف نظير ما لو قال إذا كنت في دار زيد فأكرمه فكما لا يجب عليه قبل تنجز التكليف تحصيل
شرط الوجوب فكذلك لا يجب عليه ابقائه بعد تنجزه اللهم الا ان يدل عليه دليل خارجي كما لو ورد مثلا النهى عن السفر في شهر رمضان
أو بعد دخول وقت الصلاة الا بعد أدائها وهو خارج مما نحن فيه و * (الحاصل) * ان مقتضى الأصل جواز تفويت التكليف برفع الطلب
452

المتعلق بالفعل كدفعه ما لم يكن ذلك بواسطة العصيان أو تحصيل العجز المانع من بقاء الطلب بل برفع ما يقتضيه الموجب لتبدل الموضوع
المستلزم لارتفاع الحكم وليس هذا القسم في الحقيقة من قبيل تفويت التكليف وانما يطلق عليه ذلك بنحو من الاعتبار والمسامحة وقد
يكون تفويت التكليف باختيار العجز الموجب لخروج المأمور به من كونه مقدورا فيسقط الطلب المتعلق به لذلك لا لرفع مقتضيه كما في
القسم السابق وهذا اما ان يكون بعد تنجز الخطاب وحضور زمان ايجاد الفعل المأمور به كإراقة الماء مع الانحصار عند تنجز
التكليف بالغسل والوضوء بعد دخول وقت الصلاة واما ان يكون قبل تنجز الخطاب كإراقته قبل الوقت اما الأول فلا شبهة
في قبحه وترتب العقاب عليه وان كان قد يتأمل في جهة الاستحقاق من أنه هل هو لأجل ما يترتب عليه من مخالفة الواقع أو لما فيه من حيث
هو من القبح أولهما بمعنى انه ان ترتب عليه فوت الواقع فيعاقب عقابه والا فيعاقب على نفسه لكونه من اقسام التجري الذي لا يقتضى قبحه الا
استحقاق العقاب عليه بهذه الكيفية و * (كيف) * كان فربما يشكل الامر في مثل الوضوء والغسل الواجبين مقدمة للصلاة الواجبة إذا فوتهما
المكلف بتقصيره واتى ببدلهما وهو التيمم وصلى معه بناء على صحة التيمم والصلاة كما هي الأظهر فإنه وان أشرنا فيما تقدم إلى أن استحقاق
العقاب على تفويتهما من المسلمات بل لعله هو المغروس في أذهان المتشرعة لكنه مع ذلك لا يخلو ومن اشكال نظرا إلى أن وجوبهما ليس الا
لتوقف الصلاة الواجبة عليهما وهو انما يكون مع القدرة واما مع العجز عنهما فلا يتوقف عليهما الصلاة الواجبة لأن المفروض صحتها
مع التيمم فإراقة الماء أو ترك الطلب الموجب لتعذر الوضوء والغسل لا تؤثر الا في فوت الواجب الغيري من دون ان يترتب عليه فوت
الغير الذي وجبا لأجله فلا مقتضى للعقاب حتى من باب التجري ولو على القول بكون ترك المقدمة من حيث هو منشأ لاستحقاق العقاب
إذ لا تجرى بعد عزمه على الخروج من عهدة الواجب النفسي في آخر وقته بحسب ما يقتضيه تكليفه واما استحقاق العقاب بترك المقدمة من حيث هو ان
قلنا به فهو فيما إذا كانت منحصرة لافى مثل الفرض الذي يتمكن المكلف من ايجاد ذي المقدمة بشرائطها المعتبرة شرعا في زمان لا يتوقف
على هذه المقدمة وتوهم ان الصلاة مع التيمم فرد ناقص من الصلاة اجتزى به الشارع عند الضرورة بدلا من الفرد التام نظير ما يوتى
به من الصلاة الناقصة لقاعدة الميسور ونحوها فقد فوت المكلف بسوء اختياره صفة كمالها فيحسن العقاب عليه * (مدفوع) * بان الأدلة
الدالة على شرعية التيمم من الكتاب والسنة والاجماع بأسرها ناطقة بان الجعل الشرعي انما تعلق بتنزيل التيمم لدى الضرورة منزلة الوضوء
والغسل في إفادة الطهارة التي هي شرط في الصلاة لا ان الشارع اجتزى بالصلاة الناقصة الفاقدة لشرط صحتها في مقام الضرورة
لأجل كونها عنده من باب تعدد المطلوب كي يتطرق فيه ما توهم ولذا يستباح بالتيمم ما دام بقاء اثره ساير الغايات التي لم يضطر إلى
فعلها كصلاة القضاء وصلاة الآيات وغيرهما مما لم يتضيق أوقاتها ولم يتعين عليه فعلها ولولا ذلك لاشكل صحته من الأجير بل
ربما يستشكل في صحة الاقتداء بالتيمم كما في سائر المقامات التي يؤتى بالصلوات الناقصة لأجل الضرورة ولو سلم كون الصلاة مع
الطهارة المائية أكمل بواسطة أكملية طهورها فليس ذلك الا من باب كونه أفضل الافراد لا كون الصلاة مع التيمم فاقدة لبعض
الشرائط المعتبرة في صحتها ضرورة ان المعتبر في صحة الصلاة انما هو مطلق الظهور الذي قضت الضرورة بحصوله لدى العجز بالتيمم و
الحاصل انه لا مجال للتفصي عن الاشكال بما ذكر وغاية ما يمكن ان يقال في حله انه كما دلت الأدلة على كون الصلاة مع التيمم صلاة
صحيحة تامة الاجزاء والشرائط وان الجعل الشرعي لم يتعلق الا بالتعميم فيما يحصل به شرط الصلاة لافى الغاء شرطيته كذلك دلت على أن
التيمم بدل اضطراري من الوضوء والغسل سوغه العجز من امتثال الطهارة المائية الذي لا يصلح الا للمنع من تنجز التكليف بها مع قيام
مقتضيها ومقتضاه مبغوضية ايجاد العجز اختيارا كما يدل على ذلك مضافا إلى استفادته من الأدلة اجماعهم ظاهرا عدا ما عن المصنف
في المعتبر كما عن غير واحد دعواه على حرمة تفويت التكليف بها بعد تنجز الخطاب بإراقة الماء ونحوها ولا يتجه ذلك الا على تقدير كون
العجز مانعا من تنجز التكليف مع بقاء مقتضيه لا موجبا لتبدل الموضوع بان يكون كل من العاجز والقادر بنفسه موضوعا مستقلا لحكم
شرعي نظير المسافر والحاضر كما عرفت الكلام فيه مفصلا فيستكشف من ذلك ان للطهارة المائية من حيث هي لدى الاتيان بشئ من غاياتها
الواجبة مطلوبية وراء مطلوبيتها مقدمة للواجبات (المشروطة بالطهور من حيث كونها مشروطة بالطهور فان معروض هذه المطلوبية المقدمية مطلق ما يتوقف عليه وجود تلك الواجبات) من دون فرق بين أسباب الطهور وكون الطهارة كاملة أو ناقصة أصلية أو
بدلية فان من حيث كونها مشروطة بالطهور ايجاب شئ لا يقتضى من حيث المقدمية الا ايجاب ما يتعذر ذلك الشئ بدونه والمفروض صحة
تلك الغايات مع التيمم لدى العجز فلا اقتضاء لمطلوبية ما عداه [ح] من هذه الجهة فوجب ان يكون للطهارة المائية مطلوبية أخرى غير هذه
المطلوبية المخصوصة بحال القدرة وهى اما لمزية وشرافة في نفس الطهارة المائية مقتضية لايجاب اختيارها مقدمة مع الامكان كما لو كان
للرواح إلى السوق المأمور به مثلا طريقان يشمل أحدهما على مزية مقتضية لتعين اختياره مع الامكان أو لمزية في الغايات المأتى بها مع
الطهارة المائية زائدة عما يقتضيه تلك الغايات في تقوم ماهياتها كالصلاة جماعة أوفى المسجد ونحوه لو فرض كون الخصوصية الموجبة
453

لأفضلية الفرد بالغة حدا يقتضى لزوم مراعاتها مهما أمكن لكن يضعف الاحتمال الأخير بل يدفعه جواز الاتيان بساير الغايات [مط] حتى
الصلاة الأدائية في كثير من الفروض لا لضرورة عند صحة التيمم وبقاء اثره فيستكشف من ذلك أنه ليس للغايات الماتى بها مع الطهارة
المائية مزية لازمة المراعاة لدى الشارع فينحصر الوجه في التفصي عن الاشكال بالأول أعني كون الطهارة المائية في حد ذاتها مشتملة على
مزية مقتضية لوجوب رعايتها مهما أمكن عند إرادة الخروج من عهدة الغايات المشروطة بالطهور وان لم يتوقف وجودها عليها بالخصوص
وان أبيت عن ذلك فالمتعين اما الالتزام بعدم صحة الصلاة ونحوها في مثل الفرض وهو وان أمكن توجيهه كما عرفت انفا لكنه في غاية
الاشكال بل لا يمكن الالتزام به في شئ من موارده بل لعله في بعضها مخالف للضرورة واما الالتزام بعدم حرمة تحصيل العجز كما عن المصنف في
المعتبر اختياره حيث قال فيما حكى عنه ملخصا انه مخاطب في تمام الوقت بصلاة واحدة مخيرا في أي جزء منه بلا ترتيب ففي أي جزء يلاحظ حالته
لو يعمل بموجب حالته من كونه مسافرا مثلا فيقصر أو حاضرا فيتم من الحالات إذا كان واجدا للماء فالطهارة المائية أو غير واجد له فبالترابية
ولا يجب في جزء من الزمان المتقدم حفظ حالته للزمان المتأخر انتهى واستقرب الحاكي صدور هذا الكلام من مثل المحقق وقد عرفت انه ليس
بهذا المكان من الغرابة الأذهان وان كان مخالفا لما هو المغروس في الأذهان المستظهر من الأدلة خصوصا بعد ما عرفت من الاشكال
الذي ينحصر حله بالالتزام بالوجوب النفسي التقديري للطهارة المائية وكيف كان فقد ظهر لك بما ذكرنا انه لا ملازمة بين وجوب الطلب
والفحص عن الماء عند احتمال وجوده وبين وجوب حفظ الماء الموجود وحرمة اتلافه لامكان كون كل من القادر والعاجز موضوعا
مستقلا في عرض الاخر كالمسافر والحاضر فلا يحرم عليه تحصيل العجز لكن يجب عليه عند الشك في كونه قادرا أو عاجزا الاختيار
والفحص لاحراز ما يقتضيه تكليفه فالاستدلال على وجوب الحفظ بفحوى وجوب الطلب ونحوها غير وجيه والعمدة فيه ما عرفت والله
العالم وان كان تفويت التكليف بجعل المكلف نفسه عاجزا عن الامتثال قبل حضور زمان الفعل كما لو صير المكلف قبل الوقت نفسه
عاجزا من أن يصلى في الوقت أو يأتي ببعض اجزائها أو شرائطها التي لا يعذر فيها العاجز الا لعجزه عن الامتثال فالحق انه كتفويته
بعد حضور وقت الفعل فيحرم [مط] كما عرفت تحقيقه في صدر الكتاب عند البحث عن وجوب الغسل لصوم اليوم في الليل لكن لا يخفى عليك
اختصاص موضوع الحكم بما إذا كان التكليف الذي فرط فيه نفسيا كان أو مقدميا عاما من حيث المقتضى وكان العجز مانعا من تنجزه واما
لو لم يكن كذلك بان كان التكليف من حيث الذات مخصوصا بالقادر بحيث يكون قدرته من اجزاء المقتضى فقد عرفت في صدر المبحث تصريحا و
عند التكلم عن حرمة إراقة الماء بعد تنجز التكليف تلويحا انه يجوز قطعا بل لا يعد ذلك في الحقيقة من قبيل تفويت التكليف وكيف كان
فلا فرق في قبح الفرار من عهدة امتثال التكاليف باحداث العجز بالاخلال بشئ من مقدماته الوجودية بين كونه قبل حضور زمان الفعل
أو بعده لكن يشترط في ذلك أمران أحدهما العلم بتنجز الخطاب أي احراز المكلف اندراجه في زمرة المكلفين بذلك التكليف بالعلم باجتماع
جميع شرائطه الوجوبية التي من جملتها المقدمات الوجودية الخارجة من اختيار المكلف كاجتماع الرفقة للحج ومسير القافلة ونحوهما
فلا يتنجز التكليف الا بعد احراز جميع هذه المقدمات بمعنى علمه بتحقق هذه الأمور لدى الحاجة إليها وعدم معذوريته من قبلها لكن
أشرنا غير مرة إلى أن الشرائط التي لا يتنجز التكليف الا باحرازها انما هي ما عدا عدم العجز عن الامتثال ونحوه من الاعذار العقلية
التي منها بقائه بشرائط التكليف إلى أن يتحقق الامتثال فإنه يكفي فيها مجرد الاحتمال كما عرفته في محله الامر * (الثاني) * احراز فوت
الواجب بالاخلال بالمقدمة التي فرط فيها بان علم بمقتضى العرف والعادة انها مقدمة منحصرة يتعذر التوصل إلى الواجب بدونها فإذا
احتمل تمكنه من الحج بمسير قافلة أخرى غير ما يتخلف عنها جاز له التخلف وكذا لو احتمل تمكنه من الصلاة مع الطهارة المائية لم يجب عليه
حفظ ما عنده من الماء بل يجوز له اتلافه حتى بعد الوقت فضلا عما قبله فان وجوب ذي المقدمة لا يقتضى الا وجوب ما يتوقف عليه ويتعذر
بدونه فمتى لم يعلم يتوقف الخروج من عهدة الصلاة مع الطهارة المائية على حفظ هذا الماء الموجود أو توقف الحج على الخروج مع هذه
القافلة المعينة؟ لم يجب عليه ذلك وكونه أحد افراد المقدمة لا يقتضى وجوبه بالخصوص الا في فرض الانحصار وعدم امكان التوصل إلى الواجب
بدونه والعلم بكونه كذلك شرط في تنجز التكليف به بخصوصه والا فالمرجع فيه البراءة * (هذا) * مع أن حفظ الماء في المثال الأول على تقدير مصادفة
ماء آخر ليس من افراد المقدمة أيضا بل هو مقدمة لخصوص الطهارة الواقعة معه التي لا مدخلية لخصوصيتها في المقدمية للواجب وما يقال من أن
مقتضى اشتغال الذمة بالصلاة مع الطهارة المائية وجوب حفظ الماء في الفرض من باب الاحتياط * (ففيه) * ان الاحتياط انما يجب
عند الشك في المكلف به لافى التكليف والتكليف المحرم في المقام ليس الا وجوب الصلاة وما يتوقف عليه فعلها وكون حفظ هذا الماء
بالخصوص مما يتوقف عليه فعل الصلاة غير معلوم فالأصل براءة الذمة عنه و * (كيف) * كان فكما يحرم اتلاف الماء عند العلم بتوقف الصلاة
مع الطهارة المائية على حفظه كذلك يحرم نقض الطهارة المائية لا لضرورة عند العلم بعدم تمكنه منها عند إرادة الصلاة إذ المدار
454

على تفويت التكليف وهو حاصل في الفرض ولا يتفاوت الحال في ذلك بين كونه مسببا عن إراقة الماء أو نقض الطهارة السابقة كما هو
واضح نعم لو كان نفس الوضوء أو الغسل واجبا نفسيا على المحدث وكان التيمم بدلا اضطراريا منه لاتجه الفرق بين اتلاف الماء ونقض
الطهارة فيحرم الأول دون الثاني لكون نقض الطهارة [ح] موجبا لحدوث التكليف لا لتفويته فهو من المقدمات الوجوبية للواجب
المشروط ولا يؤثر الا بمقدار قابلية المحل وهذا بخلاف إراقة الماء فان تركها من المقدمات الوجودية للواجب فلا يجوز الاخلال به
والله العالم * (ثم) * ان ما ذكرنا من حرمة تفويت التكليف بالاخلال بشئ من مقدماته الوجودية بعد احرازه وعدم الحرمة عند الشك منه
أو في توقفه على خصوص هذه المقدمة التي أخل بها انما هو بمقتضى القاعدة الأولية التي يحكم بها العقل والا فربما يستفاد من أدلة نفى
الحرج وغيرها مثل اخبار التقية ونحوها جواز ايجاد سبب الاضطرار اختيارا في كثير من الموارد كما أنه لا يبعد دعوى انه يستفاد من بعض
الأدلة الخاصة عدم جواز الاقدام على ما يخاف معه من الاختلال بشئ من معالم دينه من الصلاة ونحوهما كما لا يخفى وقد ظهر لك
فيما تقدم حكم ما لو ترك المكلف الفحص في طلب الماء وصلى مع التيمم في سعة الوقت وضيقه مع مصادفة فعله وجود الماء في محل الطلب
وعدمه وضعا وتكليفا واما لو تفحص وبذل جهده بقدر ما يقتضيه تكليفه في طلب الماء ولم يجده فتيمم وصلى ثم انكشف في الوقت أو
في خارجه وجوده صح تيممه وصلاته على الأظهر لتحقق العجز وعدم الوجدان الذي أنيط به شرعية التيمم في ظواهر الكتاب والسنة
وتوهم اعتبار استمرار العجز في تمام الوقت في صحة التيمم تحقيقا لمفهوم الاضطرار الذي هو المناط في الحقيقة لشرعية التيمم لا مجرد
صدق عدم الوجدان فانكشاف وجود الماء في الوقت كاشف عن عدم تحقق الضرورة المسوغة للتيمم وان كان حال العمل اتيا بما
يقتضيه تكليفه في مرحلة الظاهر مراعيا صحته بعدم انكشاف الخلاف * (مدفوع) * بمخالفته لظواهر الأدلة الدالة على جواز التيمم والصلاة
بعد الفحص وعدم الوجدان حيث لا يتبادر منها الا اعتبار الضرورة حال الفعل لا عدم قدرته في الواقع من الطهارة المائية في مجموع
الوقت مضافا إلى استفادته من النصوص المستفيضة الآتية في محلها الدالة على عدم إعادة الصلاة لو تجددت القدرة بعدها بوجود
الماء في الوقت وبما أشرنا إليه من أن مناط الصحة هو العجز عن استعمال الماء قد يقوى في النظر صحة صلاة واجد الماء الذي نسيه واعتقد
عدم تمكنه من استعمال الماء فتيمم وصلى وكذلك من عنده الماء ولم يعلم بوجوده واعتقد عجزه فصلى مع التيمم فان اعتقاد العجز يؤثره في
عدم تمكنه واقعا من استعمال الماء ضرورة عدم قدرته على الطهارة المائية ومعذوريته عنها ما دام معتقدا عدم الماء وتاركا للفحص بواسطته
ولكن الأقوى في الصورتين البطلان ووجوب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه عند انكشاف مخالفة اعتقاده للواقع فان العجز الذي
يتبادر إلى الذهن من الأدلة الشرعية اعتباره في شرعية التيمم انما هو ما عدا هذا النحو من العجز المسبب عن اعتقاد العجز وان كان الا في
به معذورا عقلا في مخالفته لما هو تكليفه في الواقع من ترك الصلاة مع الطهارة المائية لكن عليه ان يخرج من عهدتها بعد انكشاف الواجب
بالإعادة في الوقت والقضاء في خارجه ودعوى ان الامر العقلي الذي يبعثه على فعل الصلاة مع التيمم يقتضى الاجزاء عن الواقع مما لا ينبغي
الاصغاء إليها ويدل عليه في الجملة مضافا إلى ما عرفت خبر أبي بصير قال سئلته عن رجل كان في سفر ومعه ماء فنسيه وتيمم وصلى ثم ذكر ان معه
ماء قبل ان يخرج الوقت قال عليه ان يتوضأ ويعيد الصلاة ولافرق في سقوط التكليف بالطهارة المائية ووجوب التيمم بين عدم الماء
أصلا ووجود ما لا يكفيه لطهارته وضوءا وغسلا فان الطهارة الحدثية لا تتبعض ولا تلفق من الماء والتراب بلا خلاف في شئ منهما
على الظاهر كما يدل عليه ظاهر الكتاب فان المتبادر من قوله تعالى ولم تجدوا ماء ليس الا إرادة الماء للوضوء والغسل بقدر ان يتوضأ
أو يغتسل بالكيفية المذكورة في صدر الآية وحكى عن بعض العامة أنه قال الجنب إذا وجد ماء لا يكفيه لطهارته استعمل الماء وتيمم وفى محكى
المنتهى عن بعض الشافعية ذلك في الحدث الأصغر أيضا لأنه واجد للماء ما لم يستعمله فلا يسوغ له التيمم و * (فيه) * مالا يخفى وما حكى عن العلامة
في النهاية من أنه قطع بان المحدث لو وجد من الماء ما لا يكفيه لطهارته لم يجب عليه استعماله بل يتيمم واحتمل في الجنب مساواته للمحدث
ووجوب صرف الماء إلى بعض أعضائه لجواز وجود ما يكمل به الطهارة قال والموالاة ساقطة هنا بخلاف المحدث ليس خلافا فيما نحن فيه
أعني عدم تبعض الطهارة بل هو للتنبيه على الفرق بين الوضوء والغسل بامكان القول بوجوب صرفه في الغسل رعاية للاحتياط عند
احتمال تجدد القدرة من الاكمال وهذا بخلاف الوضوء لتعذر الاحتياط فيه بذلك لاشتراطه بالموالاة ويتوجه عليه ان اشتراط الموالاة
في الوضوء دون الغسل لا يصلح فارقا بينهما من هذه الجهة فإنه كما يتأتى الاحتياط بصرف البعض في الغسل برجاء تكميله بتجدد القدرة
كذلك يتأتى بحفظ الماء الموجود ليضمه إلى ما يرجو حصوله فلا يتعين عليه صرفه في البعض بل له ابقائه إلى أن يتجدد القدرة أو يتحقق
اليأس بل هذا هو الأحوط للجزم بالنية ومثله يتأتى في الوضوء فان وجب الاحتياط في الفرض فقد وجب في الطهارتين والا لم يجب في شئ
منهما وكيف كان فهذا المطلب أجنبي عما نحن بصدده من عدم وجوب صرف الماء في بعض الطهارة من حيث هو ويدل عليه مضافا إلى
455

الاجماع وظاهر الآية المعتبرة المستفيضة الامرة بالتيمم بدلا من الغسل مع وجود ماء لا يكفي للغسل * (منها) * ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح
عن أحدهما في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضأ به قال يتيمم ولا يتوضأ * (ومنها) * ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل
يجب ومعه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة أيتوضأ أو يتيمم قالا بل يتيمم الا ترى انه جعل عليه نصف الوضوء * (ومنها) *
ما عن الحسين بن أبي العلا قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجنب ومعه من الماء بقدر ما يكفيه لوضوئه للصلاة أيتوضأ
بالماء أو يتيمم قال يتيمم الا ترى انه جعل عليه نصف الطهور و * (لعل) * المراد بقوله (ع) الا ترى [الخ] بيان ابتناء الامر في شرع التيمم على
التسهيل دون التضييق ويحتمل ان يكون المراد رفع الاستبعاد عن شرع التيمم عند التمكن من الوضوء الذي هو أبلغ في التطهير ببيان
عدم إناطة ذلك بما يناله العقول بالمقايسة والاستحسانات كما يكشف عن ذلك كون التيمم مسحتان وهما نصف الوضوء حيث إن مقتضى
المناسبة التي يراها العقول الناقصة مساواته للوضوء عند كونه بدلا منه في الإحاطة بمواضعه وكذا في الغسل * (وكيف) * كان فيفهم من
هذه الروايات ولو من حيث السكوت في مقام البيان عدم وجوب صرف الماء في بعض مواضع الغسل وان الواجب هو التيمم لا غير
فلم يبق بعد ما سمعت من النص والاجماع مجال للتشكيك في أن الطهارة لا تتبعض فلا يجرى فيها من هذه الجهة قاعدة الميسور ومالا
يدرك فان عموم القاعدتين لا يصلح معارضا للأدلة المخصصة ومن هنا يتجه عدم اختصاص الحكم المذكور أعني وجوب التيمم وعدم وجوب
غسل بعض أعضاء الوضوء أو الغسل بما إذا لم يكن الماء كافيا بل يعم ساير المواضع التي لم يتمكن الا من الاتيان ببعض الوضوء أو الغسل
من غير فرق بين كونه مسببا عن نقصان الماء أو وجود مانع من غسل بعض الأعضاء من مرض ونجاسته تتعذر ازالتها أو جرح مكشوف
ونحوها ممالا يلحقه حكم الجبيرة فان المتجه في جميع هذا الموارد هو التيمم وقد تقدم شطر من الكلام فيه في مبحث الجبيرة في باب الوضوء فراجع
* (فرع) * لو تمكن من مزج الماء الذي لا يكفيه لطهارته بما لا يسلبه اطلاق الاسم ويحصل به الكفاية هل يجب عليه ذلك كما جزم به بعض
أم لا يجب وجهان من تمكنه من الطهارة المائية فيجب تحصيلها مع الامكان ومن عدم اعتناء العرف والعقلاء بهذا النحو من القدرة
الحاصلة بالمعالجات الغير المتعارفة فإنهم لا يرتابون في أن تكليف من لم يجد الماء بقدر الكفاية بالطهارة المائية تكليف بما
لا يطاق نظير ما لو امر من لم يجد منا من الحنطة مثلا بان يتصدق بالمن من الحنطة على الفقير فإنه قبيح عند العقلاء من دون فرق
بين ان لم يجد شيئا منه أو وجد أقل من المن بمقدار لو مزجه بشئ من التراب ونحوه مزجا لا يسلبه اطلاق الاسم لصار منا وسره ان اطلاق
اسم الحنطة مثلا على الحنطة الممتزجة بشئ من التراب بعد استهلاكه انما هو لعدم اعتنائهم بالمستهلك وعدم ملحوظية الخليط في
حد ذاته محكوما بحكم وهذا يناقض حكمهم بوجوب ايجاده مقدمة لامتثال الامر بتلك الطبيعة المغايرة له فإنه موقوف على تصوره و
ملاحظة كونه جسما خارجيا مؤثرا في زيادة المقدار وبهذه الملاحظة يمتنع وقوعه امتثالا للامر المتعلق بتلك الطبيعة الصرفة فان
استقلاله بالملاحظة مانع من عده جزء للمهية المغايرة له محكوما بحكمها ولذا لا يرى أحد جواز مزج التراب ونحوه في الحنطة التي
تعطى للفقير في زكاة الفطرة وغيرها أو تسلم إلى المشترى في بيع السلم وهذا بخلاف ما لو كانت ممزوجة من أصلها * (الحاصل) * ان
المرجع في تشخيص موضوعات الأحكام الشرعية التي منها وجوب التيمم على العاجز هو العرف ولهم مسامحات في مقامات لا يتسامحون
هذه المسامحة في نظائرها وليس علينا الا متابعتهم في ذلك وان خفى علينا وجه الفرق ونحن نرى ان مزج الطبيعة بغير جنسها ليس
عندهم من أسباب تحصيل تلك الطبيعة وان أطلقوا على الممتزج اسم تلك الطبيعة مسامحة ورتبوا عليه بعد المزج أحكام تلك الطبيعة
أحيانا فلا يرون من لم يكن عنده الماء بقدر الكفاية الا مصداقا للعاجز المأمور بالتيمم كما أنهم يرونه بعد ان وجد الماء ولو بالمزج
مصداقا للقادر كما لا يخفى على المتأمل * (وهذا) * الوجه لعله أقوى وان كان الأول أحوط والله العالم * (السبب الثاني) * عدم الوصلة إليه
أي إلى الماء وان كان موجودا اما لتوقفه على ثمن تعذر عليه أو السير إلى مكانه المتعذر في حقه لكبر أو مرض وضعف ولو بأجرة مقدورة له
أو لفقد الآلة التي يتوصل بها إليه كما إذا كان على شفير بئر أو نهر ولم يتمكن من الوصول إلى الماء والاعتراف منه أو تمكن لكن بمشقة رافعة
للتكليف أو تعزيز للنفس وبحكمه ما لو كان الماء عنده ويداه قذرتان ولم يمكنه الاغتراف منه واستعماله الا بيده القذرة الموجب لانفعال
الماء إلى غير ذلك من الاعذار العقلية والشرعية المانعة من استعمال الماء فعند تحقق شئ منها يتيمم ويصلى بلا اشكال فيه بل ولا
خلاف لما عرفت مرارا من أن مناط شرعية التيمم على ما يستفاد من النصوص والفتاوى انما هو العجز عن استعمال الماء من دون فرق
بين أسبابه فمن عدم الثمن الذي توقف عليه استباحة الماء أو تحصيل بعض مقدماته أو نحوه من الأمور التي لها مدخلية في القدرة
على استعمال الماء على وجه سايغ شرعا فهو كمن عدم الماء في أنه يتيمم ويصلى ويدل عليه في الجملة مضافا إلى ما عرفت ما عن الحلبي انه سئل
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يمر بالركبة وليس معه دلو قال ليس عليه ان يدخل الركبة لان رب الماء هو رب الأرض فليتيمم وعن الحسين بن
456

أبى العلا مثله الا أنه قال ليس عليه ان ينزل الركبة ان رب الماء الحديث وعن عبد الله ابن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب جميعا عن أبي
عبد الله عليه السلام قال إذا اتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغترف به فتيمم بالصعيد فان رب الماء هو رب الصعيد ولا تقع
في البئر ولا تفسد على القوم مائهم ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام انه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة
أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس قال يتيمم ويصلى معهم ويعيد إذا انصرف والامر بالإعادة على الظاهر
للاستحباب كيف كان فيفهم من مثل هذه الروايات ابتناء امر التيمم على التوسعة والتسهيل وعدم توقفه على العجز العقلي بل يكفي
في شرعيته أدنى عذر كالمشقة أو الخوف الحاصل من النزول إلى البئر أو إثارة الوحل وصيرورة الماء مستعملا وغير ذلك مما يوجب افساد
الماء على القوم وتنفر طباعهم منه وان لم يكن محذورا عقليا أو شرعيا وقد تقدم بعض الكلام في هذه الرواية في مبحث الماء المستعمل
فراجع وكيف كان فالذي يستفاد من ظواهر ما دل على شرعية التيمم من الكتاب والسنة وفتاوى الأصحاب انما هو جوازه عند تعذر
المائية بل تعسرها أو التضرر بها كما يقتضيه قاعدة نفى الحرج والضرر الحاكمة على العمومات المثبتة للتكاليف القاضية بعدم وجوب
المائية في موقع الحرج والضرر الملزوم لجواز الترابية بالضرورة فمن وجد الماء ولكن شق عليه استعماله لبرودة أو مرض وغير ذلك
مشقة لا تتحمل عادة كمن لم يجده في عدم وجوب المائية عليه وشرعية الترابية له وسيأتي مزيد توضيح لذلك [انش] وكذا ان وجده
بثمن يضر به في الحال أي بحسب حاله بان يؤثر فيه وهنا من حيث الوجاهة والاعتبار أو ضيق المعيشة ونحوه من غير فرق بين ان يكون
بأزيد من ثمن مثله وعدمه وبين ان يترتب الضرر الحالي في الحال أو في المستقبل اللهم الا ان يكون زمانه بعيدا بحيث لا يعتنى به في العرف
على وجه يعد ضررا بالنسبة إلى حال المشترى وربما فسر الحال في العبارة بما يقابل الاستقبال ولعله الظاهر منه لكنه ضعيف لعموم قاعدة
نفى الضرر والحرج بل مقتضاها عدم وجوب شرائه بأزيد من ثمن مثله مطلقا لكونه في حد ذاته تكليفا ضرريا وان لم يكن مضرا بحال المشترى
بالمقايسة إليه لاستطاعته من تحمل هذه الأمور ولكن اجمعوا ظاهرا كما عن غير واحد نقله على أنه ان لم يكن مضرا في الحال لزمه شرائه
ولو كان بأضعاف ثمنه المعتاد وعن بعضهم تقييد وجوب الشراء بما إذا لم يجحف في الثمن ولعل مراده كونه اجحافا بحسب حال المشترى
لامن حيث هو فيئول إلى الأول و * (وكيف) * كان فمستندهم في ذلك اخبار خاصة يخصص بها عموم نفى الضرر والحرج كصحيحة صفوان قال
سئلت أبا الحسن (ع) عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو
واجد لها ايشتري ويتوضأ أو يتيمم قال لابل يشترى قد صابني مثل ذلك فاشتريت وتوضأت وما يشترى بذلك مال كثير وعن
الصدوق مرسلا عن أبي الحسن الرضا (ع) نحوه باختلاف يسير وخبر الحسين بن أبي طلحة قال سئلت عبدا صالحا عن قول الله عز وجل
أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ما حد ذلك قال فإن لم تجدوا بشراء وبغير شراء قلت إن وجد قدر وضوء بمأة
الف أو بألف وكم بلغ قال ذلك على قدر جدته وعن فخر الاسلام في شرح الارشاد ان الصادق (ع) اشترى وضوئه بمأة دينار ويؤيده
ما عن دعائم الاسلام وقالوا في المسافر يجد الماء بثمن غال ان يشتريه إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده الا ان يكون في دفعه الثمن ما
يخاف على نفسه التلف ان عدمه والعطب فلا يشتريه ويتيمم بالصعيد ويصلى والظاهر كونه رواية مرسلة عن الأئمة عليهم السلام وكيف كان فكفى
بما عرفت دليلا لاثبات الحكم وتخصيص قاعدة نفى الضرر والحرج فما عن ابن الجنيد من عدم وجوب الشراء إذا كان الماء غالا ضعيف وربما
يستدل للوجوب مضافا إلى ما عرفت بصدق الوجدان وقاعدة المقدمية وفيه ان مقتضى قاعدة نفى الضرر والحرج لولا الأدلة المخصصة
عدم وجوب الوضوء في الفرض كي يجب مقدمته كساير الموارد التي يتضرر به ودعوى عدم جواز العمل بعموم نفى الضرر والحرج ما لم ينجبر
بعمل الأصحاب غير مسموعة خصوص في باب الوضوء الذي عملوا به في جل موارده * (نعم) * قد يخطر بالبال عدم صدق الضرر عرفا على ما لو
اشترى شيئا بأزيد من ثمنه المعتاد مع علمه بمقدار ماليته لدى الحاجة إليه كما لو احتاج إلى الماء لشربه في مكان لا يباع الا بثمن خطير
فالوضوء بعد ان أوجبه الشارع مقدمة للصلاة الواجبة يصير كساير المقاصد العقلائية التي لا يعد صرف المال في مقدماتها المتعارفة
ضررا نعم لو توقف على ضياع مال أو تلفه أو اخذ شئ منه قهرا أو غير ذلك مما هو خارج من كونه مقدمة عرفية فهو ضرر منفى بالقاعدة
لكنه لا يخلو من تأمل بل منع والعمدة ما عرفت وغاية ما يمكن استفادته من النصوص والفتاوى انما هي وجوب شرائه ما لم يكن مضرا
بحاله كما أشار إليه الإمام (ع) بقوله بقدر حدته فان المتبادر منه إرادة استطاعته عرفا وكذا القول في الآلة التي يتوصل بها إلى الماء فإنه
يجب شرائها ولو بأزيد من ثمن مثلها ما لم يكن مضرا بحاله لوضوح المناط فإنه لا يرتاب أحد ممن سمع بهذه الروايات في أنه كما يجب شراء
الماء الذي هو مقدمة للوضوء كذلك يجب شراء الآلة التي يتوصل بها إلى الماء ولا يقاس بذلك الخسارة المترتبة على تحصيل الماء
لأمور خارجة من مقدماته المتعارفة كالأمثلة التي أومأنا إليها في العبارة المتقدمة ودعوى ان ايجاب الشارع شراء الماء بمأة
457

دينار مثلا يدل على عدم اعتنائه بالضرر المالي في رفع التكليف بالوضوء فلا يتفاوت الحال في ذلك بين ان يشتريه بذلك أو يتوقف
تحصيله على تلف هذا المقدار من المال بساير الأسباب * (مدفوعة) * بكونه قياسا مع وجود الفارق من وجوه لا تخفى على المتأمل منها
ما أشرنا إليه من كون هذه الموارد من اظهر الموارد التي ينفيها دليل نفى الضرر والحرج بخلاف شراء الماء ونحوه الذي ربما تأمل في
شمول القاعدتين له وكيف كان فلا يجوز التخطي عن مورد النص في الحكم المخالف للقاعدة الا بالنسبة إلى الموارد التي علم كونها مع المورد
من باب واحد كشراء الآلة مثلا دون ساير الموارد ولذا صرح الأصحاب بعدم وجوب الوضوء في ساير موارد الضرر حتى أن بعضهم
صرح بنفي الوجوب لو توقف تحصيل الماء على أن يصيب ثوبه المطر ويتضرر بذلك و * (هل) * شق الثوب النفيس لاخراج الماء من البئر
مثلا من هذا القبيل أو من قبيل شراء الآلة فيجب فيه تردد والأظهر انه من القسم الأول فلا يجب لخروجه من المقدمات المتعارفة
الا ترى انه ربما تسمح النفس ببذل المال عوضا عن الماء أوما يتوقف عليه تحصيله من المقدمات المتعارفة لدى الحاجة إليه لشربه
أو وضوئه وان بلغ ما بلغ ولا تسمح بشق ثوبه بل لا يلتفت الذهن إلى كونه من المقدمات ويراه تضييعا للمال ولا أقل من الشك
المقتضى لعدم التسرية من مورد النص إليه ولو وهب واهب وكان في قبولها منة يشق على الطباع تحملها لم يجب كما صرح به غير واحد
والا يجب الاستيهاب عند ابتذال الماء واستغناء المالك عنه كما أنه يجب تحصيله بسائر انحاء الاكتساب ما لم يترتب عليه ضرر
أو مشقة رافعة للتكليف وهذا مما يختلف بحسب الموارد والاشخاص كما لا يخفى * (السبب الثالث) * الخوف من استعمال الماء أو تحصيله
على نفس أو عرض أو مال في الجملة بلا اشكال بل ولا خلاف في شئ منها بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليها الا انهم لم ينصوا فيما عثرنا
عليه من معاقد اجماعاتهم المحكية ككثير من الأصحاب في فتاويهم على الخوف على العرض لكن المقطوع به عدم مخالفتهم فيه في الجملة بل لعله
يظهر من بعض عبائرهم إرادة ما يعمه فان تحمل هتك العرض ربما يكون أشق من تلف المال بل ربما يهون دونه بذل النفوس وكيف كان
فيدل على المدعى مضافا إلى الاجماع ان ايجاب الطهارة المائية في مواقع الخوف حرج منفى في الشريعة ويدل عليه أيضا في جملة من الاخبار
* (منها) * رواية داود الرقى قال قلت لأبي عبد الله (ع) أكون في السفر فتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال ان الماء قريب منا فاطلب
الماء وانا في وقت يمينا وشمالا قال لا تطلب الماء ولكن تيمم فانى أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع وخبر يعقوب بن
سالم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك قال لا امره ان يغرر
بنفسه فيعرض له لص أو سبع ويدل عليه أيضا الأخبار المتقدمة في المبحث السابق بالتقريب المتقدم وكذا الاخبار الآتية الامرة بالتيمم
عند خوف العطش والمستفيضة الامرة بتيمم المجدور والكسير والمبطون فان الغالب في مواردها خوف التضرر لا القطع بذلك
* (وكيف) * كان فلا خفاء في أصل الحكم وما عن صاحب الحدائق من الاستشكال عند الخوف على المال بعد اعترافه باتفاق الأصحاب
نظرا إلى اختصاص الاخبار بالخوف على النفس دون المال ومعارضة ما دل على التوسعة في الشريعة ونفى الحرج ووجوب حفظ المال
بما دل على وجوب الوضوء والغسل في غاية الضعف فان ما ذكره من عدم ظهور الاخبار في تلف المال وان كان في محله وما قيل من أن
ذكر اللص في خبر يعقوب بن سالم دليل على ارادته فان الغالب انما هو تلف المال عند عروض اللص فأريد به الخوف من تلف المال وتخصيصه
بالذكر للجري مجرى العادة كتخصيص السبع بالذكر للخوف على النفس ففيه ان الغالب عند عروض اللص في الطريق كون نفسه كماله في معرض
الخطر اما بالجناية عليها أو باخذ أمواله المحتاج إليها في المعيشة كما يشهد لذلك تفريعه في الرواية على قوله (ع) يعزر بنفسه فلا يبقى [ح] له ظهور
في إرادة تلف المال والعجب ممن استشهد بالرواية لتعميم الحكم بالنسبة إلى الخوف على المال القليل الذي لا يشمله قاعدة نفى الحرج مع أن
من الواضح خروجه من منصرف الرواية فالانصاف ما سمعته من عدم دلالة الرواية على حكم الخوف على المال لكن دليل نفى الحرج مما لا يزاحمه
عمومات التكاليف لحكومته عليها خصوصا في مثل المقام المعتضد بما يفهم من أدلة شرعية التيمم من ابتنائها على التوسعة في الدين وان
الله تبارك و [تع] يريد بعباده اليسر دون العسر مع اعتضاده بفهم الأصحاب وفتواهم ولذا لا ينبغي الارتياب في أنه لافرق في جواز التيمم
في مواقع الخوف بين الموارد التي وقع ذكرها في النصوص مثل ان يخاف لصا أو سبعا أو عطشا وبين غيرها من الموارد مثل ان يخاف
هتك عرض أو يخاف ضياع مال أو الحبس ظلما ولو بحق يعجز عن أدائه أو غير ذلك من الموارد التي يكون ايجاب الطهارة المائية فيها تكليفا
حرجيا لكن حيثما عرفت ان عمدة المستند في مثل هذه الموارد هي قاعدة نفى الحرج والاجماع علمت أن ما حكى عن جامع المقاصد وغيره من التصريح
بأنه لافرق في جواز التيمم بين الخوف على ماله ومال غيره باطلاقه مشكل وانما يتجه ذلك فيما إذا تعلق به نحو تعلق يوجب اهتمامه بحفظه اما
لتكليفه شرعا بولاية أو أمانة أو غير ذلك بحيث يكون التفريط في حفظه موجبا للضمان أو لكونه مهما لديه في العرف والعادة بحيث يترتب
على تلفه المستعقب لتفريطه الخجل والندامة التي يشق تحملها عادة كالتقصير في حفظ أموال أصدقائه الواثقين بحفظه عند سيعهم في حوائجهم
458

وغير ذلك من الموارد التي يكون الامر فيها بالطهارة المائية تكليفا حرجيا واما ساير الموارد التي لم تكن كذلك وانما أراد بحفظه مال
الغير مجرد الاحسان إليه فهو وان كان حسنا لكنه لا يصلح عذر الرفع اليد عن التكاليف الشرعية الواجبة عليه ما لم يصرح الشارع
بقبوله عذرا في مخالفتها وكذلك الكلام في الخوف على عرض الغير الذي لاتعلق له به وأراد بحفظه مجرد الاحسان إلى ذلك الغير من دون
ان يترتب عليه بتركه عرفا لوم ومنقصة فان جواز التيمم في مثل الفرض مشكل نعم لو علم بكون ترك الحفظ سببا لوقوع فاحشته ونحوها من
المنكرات التي علم تعلق غرض الشارع بالمنع منها وعدم وقوعها في الخارج كيفما كان جاز له التيمم وترك الطهارة المائية بل وجب عليه
ذلك من باب المقدمة وهذا بخلاف صورة الخوف الذي التي لا يكون فيها الا الاحتمال الغير المنجز للتكليف فيشكل [ح] رفع اليد بسببه
عن التكليف المنجز اللهم الا ان يدعى من اهتمام الشارع بالمنع من الفاحشة ونحوها القطع بكون رعاية عدم وقوعها لدى الخوف
عذرا مقبولا لدى الشارع في ترك الوضوء وتبديله بالتيمم والعهدة على مدعية ومن هنا يتمشى الاشكال عند الخوف على نفس الغير
أيضا إذا كان أجنبيا عنه بحيث لا يهمه حفظه كولده وبعض متعلقيه فان الامر بالوضوء لدى الخوف على الأجنبي ليس تكليفا حرجيا و
وجوب حفظ نفسه المحترمة عن التلف لا يقتضى وجوب الاحتياط عند احتمال التلف كساير الشبهات الموضوعية كي يصلح عذر الترك
الطهارة الواجبة لكن الظاهر عدم الخلاف في كون الخوف على النفس المحترمة مطلقا حتى البهائم في الجملة سببا لجواز التيمم كما يفصح
عن ذلك ما ستسمعه من جواز التيمم لدى الخوف من العطش ولو على غيره ممن له نفس محترمة فيستكشف بذلك شدة اهتمام الشارع
بحفظ النفوس وكون رعاية الاحتياط في امرها لديه من الاعذار المسوغة للتيمم كما أنه لدى أرباب المروات من أهل العرف أيضا كذلك
بالنسبة إلى تكاليفهم العرفية فينحصر الاشكال فيما عدا هذه الصورة من الصور التي لا يكون التكليف فيها بالطهارة المائية حكما ضرريا
أو حرجيا أو مستلزما لمخالفة تكليف وجوبي أو تحريمي * (فليتأمل) * ونظيره في الاشكال ما حكى عن غير واحد بل عن جماعة منهم نسبته إلى
الأصحاب من عدم الفرق في الخوف على المال بين قليله وكثيره وهو متجه إذا كان مستند الحكم قاعدة نفى الضرر لكن لا يصح الاستناد إليها
الا بعد احراز ترتب الضرر ولو بطريق ظني بناء على اعتبار الظن في باب الضرر كما هو الظاهر واما عند احتماله والخوف من ترتبه فلا يصح
الاستدلال بها لان التمسك باطلاق الحكم فرع احراز موضوعه فالمستند في مواقع الخوف انما هو قاعدة نفى الحرج فلابد من أن يكون
ما يخاف منه مما يشق تحمله بحيث يكون الامر بالوضوء عند الخوف من حصوله تكليفا حرجيا ولا يكاد يتحقق هذا المعنى غالبا عند الخوف
على المال اليسير وما توهمه بعض من دلالة خبر يعقوب بن سالم على جوازه عند الخوف على المال وان كان قليلا قد عرفت ضعفه فالأظهر
دوران الحكم عند الخوف من الضرر ما لم يحرز نفسه ولو ظنا مدار كون التكليف مع الخوف من حيث هو حرجيا ومن هنا اتجه عدم الفرق في الخوف
بين كونه ناشيا من امر يقتضيه عادة أو من الجبن كما صرح به غير واحد إذ لافرق في كون التكليف لدى الخوف حرجيا بين كونه مسببا عن أسباب
تورث الخوف عادة أو عن جبن ذاتي بل كونه كذلك في الجبان اظهر لأنه ربما يؤدى ذلك إلى ذهاب عقله لما فيه من ضعف القوة كما نبه عليه
غير واحد فتلخص انه لو خشي تلف المال اليسير الذي لا يؤثر في صيرورة التكليف حرجيا لم يجزله التيمم واما لو علم بذلك أو ظن بناء على حجية الظن
في مثله لاتجه القول بالجواز لقاعدة نفى الضرر لو لم نقل بانصرافها عن الضرر اليسير وكذا الكلام في الخوف على النفس بحدوث المرض فيها فلو خشي
مرضا يسيرا يهون تحمله ولا يكون الخوف منه لدى العقلاء امرا يعتد به بحيث يصدهم عن مقاصدهم العرفية المقتضية له لم يجز التيمم كما هو
ظاهر المتن ومحكى التحرير وعن المعتبر والمبسوط التصريح بذلك بل عن الأخير نفى الخلاف عنه واما لو خشي المرض الشديد والذي لا يتحمل في
العادة بمعنى ان العقلاء يجتنبون عما يقتضيه مهما أمكن ولو لأجل طول مدة المرض أو عسر علاجه يتيمم بلا اشكال بل ولا خلاف فيه في الجملة
بل اجماعا كما صرح به بعض ويشهد له ما ستسمعه في الخوف من الشين ويدل عليه مضافا إلى الاجماع وقاعدة نفى الحرج بعض الأخبار الدالة
على جوازه عند الخوف من البرد مثل صحيحة داود بن سرحان عن الصادق عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة وبه جرح أو قرح أو يخاف على نفسه
من البرد فقال لا يغتسل ويتيمم ونحوها صحيحة البزنطي عن الرضا (ع) وظاهرها كصريح صحيحة ابن سنان الآتية إرادة الخوف على
نفسه بحدوث مرض فيها أو تلف بسبب البرودة لا مجرد التألم منه فيدل على المطلوب والمتبادر من مثل هذه العبارة إرادة المرض الذي
يخاف معه على النفس لا مطلق المرض بحيث يشمل اليسير وقد يستدل بهذه الصحيحة لجواز التيمم لدى البرد الشديد الذي يشق تحمله وان
امن ضرره وفيه نظر ظاهر والعمدة فيه ما عرفت من أدلة نفى الحرج وربما يستدل لما نحن فيه مضافا إلى ما عرفت بقاعدة نفي الضرر وبآية
التهلكة وفيه ما عرفت انفا من أن الاستدلال بالقاعدة فرع احراز موضوعها ولو ظنا واما الآية فالمتبادر منها بقرنية عدم احراز
التهلكة غالبا الا بعد وقوعها النهى عن الاقدام على ما فيها امارة الهلكة بحيث يكون الاقدام عليها اشرافا على الهلكة عرفا وهو أخص من
مطلق الخوف كما هو واضح مع أن القاء النفس في المرض الذي لا يخاف عنده من الهلاك لا يعد عرفا من الالقاء في التهلكة وكيف كان فلا
459

اشكال في أصل الحكم بل عن جامع المقاصد وغيره الاستشكال في وجوب الوضوء والغسل وعدم جواز التيمم عند الخوف من المرض اليسير نظرا
إلى أنه أشد ضررا من الشين الذي سوغوا التيمم له وانه لا وثوق بيسير المرض من أن لا يصير شديدا ويتوجه عليه ان المرض الذي لا يأمن من
شدته وكذا ما كان أشد من الشين المسوغ للتيمم خارج من المفروض اما الأول فواضح واما الثاني فلما ستعرف من اعتبار الحرج في
الشين المسوغ للتيمم كاعتباره في المرض الذي يخاف من حدوثه نعم لا يعتبر ذلك لدى خوف المريض زيادة مرضه باستعمال الماء أو تحصيله
فإنه يتيمم وان لم يكن ما يخاف منه في حد ذاته مما يشق تحمله لعدم انحصار مستنده بلا حرج أو الاجماع الذي يمكن ان يقال فيه انه دليل
لبى لا يفهم منه أزيد من ثبوت الحكم في موارد الحرج بل يدل عليه مضافا إلى ذلك قوله [تع] وان كنتم مرضى [الخ] فان مقتضى اطلاقه جواز التيمم للمريض
مطلقا لكن علم بشهادة الاجماع وغيره عدم إرادة هذا النحو من الاطلاق منه والقدر المتيقن من تقييده بل المتبادر منه عرفا بعد صرفه
عن هذا الظاهر لو لم نقل بأنه هو الظاهر منه في حد ذاته بواسطة المناسبات المغروسة في الأذهان ليس الا إرادة التيمم عند الخوف من
زيادة المرض أو نحوها باستعمال الماء أو تحصيله أو إذا كان شق عليه ذلك ويدل عليه أيضا جملة من الاخبار مثل خبر محمد بن مسكين عن أبي
عبد الله عليه السلام قال قيل له ان فلانا اصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات فقال قتلوه الا سألوا الا يمموه ان شفاء العى السؤال ونحوه
مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) الا أنه قال قيل له يا رسول الله وذكر الحديث ومرسلته الأخرى عن أبي عبد الله (ع) نحوه بأدنى اختلاف
وخبر جعفر بن إبراهيم الجعفري عن أبي عبد الله (ع) قال ذكر ان رجلا اصابته جنابة على جرح كان به فامر بالغسل فاغتسل فكز فمات
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قتلوه قتلهم الله انما كان دواء العى السؤال وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (ع) عن الرجل يكون به القرح
والجراحة يجنب قال لا بأس بان لا يغتسل يتيمم ومرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) قال يتيمم المجدور والكسير ولا يغتسلان وصحيحة
البزنطي عن الرضا (ع) في الرجل يصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد فقال لا يغتسل ويتيمم ونحوها صحيحة داود بن
السرحان عن أبي عبد الله (ع) وتقريب الاستدلال بهذه الروايات ان الغالب في مواردها هو الخوف من الضرر لا القطع بذلك و
كيف كان فلا ينبغي الارتياب في أنه يجوز للمريض ان يتيمم عند خوفه من أن يتضرر بالوضوء والغسل ضررا يعتد به في العرف والعادة كي يندرج
بذلك في موضوع الأدلة من ظاهر الكتاب والسنة ومعاقد الاجماعات المحكية وان لم ينته إلى حد لا يتحمله العقلاء حتى ينفيه أيضا قاعدة
نفى الحرج ولا ملازمة بين الامرين كما هو واضح ولافرق في جواز التيمم بين كونه محدثا بالحدث الأصغر والأكبر ولا بين حدوثه اختيارا
أو اضطرارا لكن ورد في بعض الأخبار ما ينافيه في الجملة مثل صحيحة سليمان عن أبي عبد الله (ع) انه سئل عن رجل كان في ارض باردة فتخوف
ان هو اغتسل ان يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع قال يغتسل وان اصابه ما اصابه قال وذكر انه كان وجعا شديد الوجع فاصابته جنابة
وهو في مكان بارد وكانت ليلة شديدة الريح باردة فدعوت الغلمة فقلت لهم احملوني فاغسلوني فقالوا انا نخاف عليك فقلت ليس بر فحملوني
ووضعوني على خشبات ثم صبوا على الماء فغسلوني وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل تصيبه الجنابة في ارض باردة ولا يجد
الماء وعسى ان يكون الماء جامدا فقال يغتسل على ما كان حدثه رجل انه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد فقال اغتسل على ما كان فإنه لابد من
الغسل وذكر أبو عبد الله (ع) انه اضطر إليه وهو مريض فأتوا به مسنجنا؟ فاغتسل وقال لابد من الغسل ومرفوعة علي بن أحمد عن أبي عبد الله
قال سئلته عن مجدور اصابته جنابة قال إن كان أجنب هو فليغتسل وان كان احتلم فليتيمم ومرفوعة إبراهيم بن هاشم قال إن أجنب
فعليه ان يغتسل على ما كان منه وان احتلم فليتيمم وحكى عن الشيخ في الخلاف والمفيد في المقنعة والصدوق في هدايته القول بوجوب
الغسل على من أجنب متعمدا دون غيره ويظهر من الوسائل اختياره وفى المستند التصريح بذلك للجمع بين الاخبار بشهادة المرفوعتين لكن
خصه في المستند بما إذا لم يخف على نفسه التلف جمعا بينها وبين الاخبار المصرحة بعدمه عند خوف التلف كصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله
في الرجل يصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيخاف على نفسه التلف ان اغتسل فقال يتيمم ويصلى فإذا امن البرد اغتسل وأعاد الصلاة
ولعمري ان الذي جراه على هذا التفصيل الذي لم يقل به أحد من هؤلاء الذين وافقهم في القول أعني استثناء صورة خوف التلف ماراه
من عدم امكان الالتزام بوجوب تعريض النفس للهلكة من دون ان يقتضيه امر أهم في نظر الشارع من حفظ النفوس كما في باب
الجهاد والقصاص والحدود والا فليس ارتكاب التأويل في هذه الصحيحة بأبعد من غيرها وكيف كان فهذه الأخبار ان أمكن توجيهها
على وجه لا ينافي ما عرفت فهو والا فيجب رد عملها إلى أهله فان ظاهرها وجوب الغسل حتى مع العلم بالضرر بل التلف فلو لم يكن فيها
الا ما أشرنا إليه من حرمة تعريض النفس للهلكة أو أهمية حفظ النفوس من ساير الواجبات النفسية فضلا عن الوضوء أو الغسل
الذي جعل الشارع له بدلا اضطراريا سوغه أدنى ضرورة كما في ساير المقامات كفى دليلا لعدم جواز العمل بها وتوهم كونه عقوبة للمتعمد
فلا ينافي حكم الشرع والعقل بقبح الاقدام على الهلكة كما في الحدود والقصاص مدفوع بان مقتضاه حرمة ايجاد سببه وهو الجنابة
460

العمدية والا للزم إباحة القاء النفس في المهلكة وهو باطل مع أنه لا خلاف ظاهرا في جوازه في الجملة بل عن المعتبر دعوى الاجماع عليه
كما يشهد له خبر السكوني ان أبا ذر اتى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله هلكت جامعت على غير ماء قال فامر النبي صلى الله عليه وآله بمحمل فاستترنا به وبماء
فاغتسلت انا وهى ثم قال يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين وخبر إسحاق بن عمار قال سئلت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يكون مع أهله
في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله فقال ما أحب ان يفعل ذلك الا ان يكون شبقا أو يخاف على نفسه قال يطلب بذلك اللذة فقال هو حلال
قلت فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله ان أبا ذر سئله عن هذا فقال ائت أهلك توجر فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله واوجر قال نعم انك إذا اتيت الحرام ازرت
فكذلك إذا اتيت الحلال اوجرت فقال الا ترى انه إذا خاف على نفسه فاتى الحلال أوجر والذي ينبغي ان يقال في الاخبار الامرة بالغسل
اما المرفوعتان منها فلا يجوز العمل بهما بحال لضعف سندهما بالارسال واعراض المشهور عنهما مضافا إلى أن ثانيتهما مقطوعة وأولاهما
مخالفة لظواهر الكتاب والسنة المعتضدة بالقواعد العقلية والنقلية التي تجعلها نصا في العموم أو قريبة من النص بحيث لا يرفع اليد
عنها الا بنص صحيح صريح غير قابل للطرح أو التأويل بل كيف يتصرف في اطلاق ما دل على أن
المجدور يتيمم ولا يغتسل مع أن جملة
من اخباره يتضمن التوبيخ والدعاء على من غسله فلو كان الغسل واجبا عليه على تقدير كون جنابته عمدية لم يكن يتوجه عليه التوبيخ
الا بعد الاستفصال وانكشاف كون جنابته بسبب الاحتلام كما لا يخفى واما الصحيحتان فيعارضهما في خصوص موردهما صحيحتا داود بن
سرحان والبزنطي وصحيحة ابن سنان المتقدمات والجمع بينها بحمل تلك الأخبار على ما لو خاف على نفسه التلف والصحيحتين على غيره وان
لم يكن بعيدا بالنظر إلى نفس الاخبار لكنه لا يمكن بعد اعتضاد اطلاق تلك الأخبار الامرة بالتيمم بعمل المشهور وموافقتها لعمومات
نفى الحرج التي يشكل ارتكاب التخصيص فيها خصوصا في مثل المقام الا بنص صريح فالمتعين طرح الصحيحتين لو لم يمكن تأويلهما لكن
يمكن حملهما على الاستحباب فيما هو الغالب من موردهما كما عن المعتبر وغيره فان الغالب ان الخوف على النفس بمرض شديد أو تلف
من الغسل في ارض باردة عند صحة المزاج واعتداله كما هو منصرف السؤال انما ينشأ عن احتمال موهوم في الغاية لا يجب رعايته حيث إن
المظنون فيه على تقدير ان يتعقبه التحفظ من البرد باكثار الثياب والتحمى الصحة والسلامة بل الغالب في مثل الفرض الا من من ضرره
الا من أمراض يسيرة من زكام ونحوه مما لا يجب التحفظ عنه بل ربما يكون خوفه من المرض والتلف من تلبيسات النفس وتسويلاتها تنشأ من
مشقة الفعل كما يفصح عن ذلك ما لو وقع قهرا في الماء فخرج وتحفظ فإنه لا يخاف عليه عادة من تلف أو مرض شديد والحاصل ان
الغالب انه لا يترتب على الغسل في البرد الشديد مع امكان التحفظ خصوصا مع التمكن من اسخان الماء الا المشقة الرافعة للتكليف
كما يؤيد ذلك قول السائل في صحيحة سليمان المتقدمة في رجل كان في ارض باردة فتخوف ان هو اغتسل ان يصيبه عنت من الغسل فان
العنت المشقة فقول الإمام (ع) في جوابه يغتسل وان اصابه ما اصابه يعنى من العنت واما الخوف من التلف أو المرض الذي يجب التحرز عنه فلا يكون
غالبا الا على سبيل الاحتمال الموهوم الذي لا يؤثر في حرمة العمل ولامانع من تنزيل الصحيحتين على مثل الفرض وحملهما على الاستحباب إذ لا
يعارضهما [ح] الا عمومات نفى الحرج والصحاح المتقدمة اما العمومات فستعرف انه لا يفهم منها الا الرخصة في التيمم لا وجوبه عينا واما الصحاح
فهي أيضا كذلك فإنها وان استملت على النهى عن الغسل لكن لوروده في مقام توهم الوجوب لا تدل الا على جواز الترك وعلى تقدير ظهوره
في الحرمة فليس على وجه يطرح لأجله الصحيحتان فالأقوى في الفرض استحباب الغسل والأحوط تركه الا مع الامن من ضرره ولو يسيرا والله العالم
وقد اتضح بما تقدم انه لا شبهة في جواز التيمم في كل مورد يكون التكليف بالطهارة المائية غسلا كان أو وضوء حرجيا من غير فرق بين ان يكون
ذلك لبرودة الهواء أو غيرها من الأسباب الموجبة لذلك ولو بان خشي الشين الذي يشيق تحمله لكن الاشكال فيما أطلقه المصنف وغيره من أنه لو
خشي الشين باستعماله الماء جاز التيمم بل عن ظاهر غير واحد دعوى الاجماع عليه حيث لم نعرف له مستندا عدا عموم نفى الحرج الذي لا
يقتضى جوازه الا على تقدير ان يشق تحمله وكون مطلقه كذلك غير معلوم اللهم الا ان يستند في ذلك إلى اطلاقات معاقد الاجماعات
المستفيضة الكاشفة عن كون الخوف من الشين في حد ذاته مناطا لجواز التيمم لكن الوثوق بذلك مشكل فان القدر المتيقن من معقد
الاجماع ما إذا خشي شيئا يشق تحمله لا [مط] فقد حكى عن موضع من المنتهى وعن جماعة من المتأخرين تقييده بالفاحش وعن جماعة أخرى
تقييده بما لا يتحمل بل عن الكفاية انه نقل بعضهم الاتفاق على أن الشين إذا لم يغير الخلقة ويشوهها لم يجز التيمم وكيف كان فلا وثوق
بانعقاد الاجماع على أزيد مما يفهم جوازه من أدلة نفى الحرج فالأقوى الاقتصار على الشديد منه الذي يشق تحمله عادة سواء كان الخوف
من حصوله أو زيادته أو بطؤ برئه أو شدة إليه ثم إن المراد بالشين على ما صرح به في المدارك وغيره ما يعلو البشرة من الخشونة المشوهة
للخلفة من استعمال الماء في البرد وقد يصل إلى تشقق الجلد وخروج الدم وكذا لو كان معه ماء للشرب وخاف العطش على نفسه ان
استعمله جاز له التيمم بلا اشكال بل ولا خلاف فيه نصا وفتوى كما يدل عليه مضافا إلى عمومات الكتاب والسنة صحيحة ابن سنان
461

عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في رجل اصابته جنابة في السفر وليس معه الا ماء قليل ويخاف ان هو اغتسل ان يعطش قال إن أخاف عطشا
فلا يهريق منه قطرة وليتيمم فان الصعيد أحب إلى وصحيحة الحلبي قال قلت لأبي عبد الله (ع) الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل
به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمم فقال بل يتيمم وكذلك إذا أراد الوضوء وموثقة سماعة قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يكون
معه الماء في السفر فيخاف قلته قال يتيمم بالصعيد ويستبقى الماء فان الله عز وجل جعلهما طهورا الماء والصعيد وخبر ابن أبي يعفور
قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجنب ومعه ماء قدر ما يكفيه لشربه أيتيمم أو يتوضأ به فقال يتيمم أفضل الا ترى انه جعل عليه
نصف الطهور وكذا جاز له التيمم لو خاف العطش على غيره [مط] على الأظهر ادميا كان أم غيره مما تعلق الغرض شرعا أو عرفا بحفظه
ورى كبده من الظماء كما هو الشان في ساير الحيوانات فان أحدا من أرباب المروات لا يرضى بان يرى شيئا من ذرات أكباد حارة
يتلظى عطشا فيكون حفظ الماء لرعاية ذلك من المقاصد المرغوبة شرعا وعرفا بحيث يخاف فوته عند خوفه قلة الماء فله [ح] ان يتيمم
بالصعيد ويستبقى الماء فان الله [تع] جعلهما طهورا كما دل عليه موثقة سماعة فان مفادها كون خوف قلة الماء وفقده لدى الحاجة
إليه في ماكل ومشرب وغيره من المقاصد المهمة مبيحا للتيمم ويدل عليه أيضا إعادة السؤال في الجواب منكرا في صحيحة ابن سنان حيث
قال إن خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة فان اطلاقه يقتضى عدم الفرق بين ان يخاف على نفسه أو غيره ادميا كان أو غيره نعم ينصرف
ذلك عن كل ما كان الراجح شرعا وعرفا الاحتيال في اتلافه ادميا كان أو حيوانا مؤذيا كما هو واضح وبعضهم خص الحكم عند خوف
العطش على الغير بما إذا كان ذلك الغير مسلما محقون الدم أو حيوانا مملوكا يتضرر بتلفه واستشكل في الكتابي ونفى الجواز فيما
عداه سواء كان ادميا مهدور الدم أصلا أو عارضا أو حيوانا غير مملوك أو مملوك كان يمكن الانتفاع به بعد الذبح بحيث لم يتضرر
زاعما انه لا يفهم من الاخبار الا جوازه فيما إذا خاف على نفسه العطش وقصور أدلة نفى الحرج عن اثبات الحكم الا في الجملة وانما
التزم بالجواز مطلقا عند الخوف على النفس المحترمة من الادمى لكون حفظها أهم في نظر الشارع من الوضوء واما الاستشكال
بالنسبة إلى الكتابي فللشك في وجوب حفظه وانما المتيقن حرمة اتلافه واما عند الخوف على المملوك الذي يتضرر بتلفه فهو من جزئيات
الخوف على المال الذي عرفت جواز التيمم عنده وفيه ما عرفت فيما سبق من أن كون أحد الواجبين أهم انما يصلح دليلا لترك غير الأهم
بعد تنجز التكليف بالأهم واحراز توقفه على ترك غير الأهم ولا يكفي في ذلك مجرد الاحتمال المجامع للخوف كما في ساير الشبهات الموضوعية
فالعمدة فيه لدى الخوف على النفس المحترمة الاجماع كما صرح به بعض واطلاق الخبرين المتقدمين بل قد عرفت ان مقتضى اطلاقهما جوازه
عند خوف قلة الماء والعطش [مط] ولو على حيوان غير مملوك مما جرت العادة بسقيه عند العطش كما يؤيد ذلك الوجه الاعتباري الذي
تقدمت الإشارة إليه من أن اطفاء حر الكبد من الظماء في حد ذاته من الأمور المستحسنة المرغوبة لدى العقلاء بحيث يرونه من الاعذار
المبيحة لترك جملة من مقاصدهم العقلائية فمن المستبعد جدا ان لا يكون لدى الشارع كذلك بالنسبة إلى الطهارة المائية التي جعل
لها بدلا اضطراريا وهذا النحو من الاعتبار وان لم يصلح مستندا لاثبات حكم شرعي لكنه يفيد الوثوق بكون مناط الحكم هو خوف العطش
مطلقا كما مع التعبير به في النص وفتاوى الأصحاب وانه لا عبرة بتفسير من فسره بما هو أخص من هذا المفهوم المطلق وكيف كان فالأظهر
اطراد الحكم في جميع موارد الخوف من العطش ولو على غير ادمى من غير فرق بين ان يكون العطش الذي يخاف مما يؤدى إلى الهلاك أو
إلى المرض أو يشق تحمله وان امن من ضرره لاطلاق الأدلة نعم لا يعتنى بالخوف من العطش الذي يسهل تحمله لانصرافها عنه والله العالم
ثم لا يخفى انه حيثما جاز التيمم عند الخوف من عطش جاز ذلك عند تحقق ذلك العطش لفحوى الأدلة المتقدمة والأولوية القطعية وينبغي
التنبيه على أمور الأول ظاهر غير واحد من أن الخوف الذي أنيط به الأحكام المتقدمة يساوق الظن وهو وهم فان الخوف من وقوع المكروه
يتحقق عرفا ولغة عند احتمال وقوعه احتمالا يعتد به حيث يكون منشأ لتشويش الخاطر من حيث عدم الوثوق بعدمه في مقابل الامن بذلك
فالطريق المخوف عبارة عن غير المأمون لا ما يظن فيه عدم السلامة كما هو واضح الثاني هل يكفي في جواز التيمم في جميع الموارد المتقدمة
مطلق الخوف أم يعتبر بلوغه حدا يظن معه وقوع ما يخاف منه كما هو صريح الجماعة التي تقدمت الإشارة إليهم أو فيه تفصيل والذي ينبغي ان
يقال دوران الحكم في كل مورد مدار تحقق العنوان المأخوذ من دليله فيكفي مطلق الخوف المعتد به لدى العقلاء في الموارد التي يفهم حكمها
من الأدلة الخاصة المتقدمة كالخوف من العطش أو من زيادة المرض أو من تلف النفس وفى الموارد التي لا يفهم حكمها الا من أدلة نفى
الحرج يعتبر بلوغه حد ايشق تحمله في العادة وهذا كما يختلف باختلاف ما يخاف منه كذلك يختلف باختلاف مراتب الخوف فرب مرتبة منه
لا يكون التكليف بتحملها حرجيا وان كان متعلقه على تقدير تحققه مما لا يتحمل عادة وكذلك يختلف باختلاف شدة الاعتناء والاهتمام
بالتحرز عن المتعلق وضعفه والحاصل انه إذا كان مستند الحكم ودليل نفى الحرج يدور الحكم مدار عنوان الحرج وليس مطلق الخوف في الموارد
462

المتقدمة ملزوما لتحقق ذلك العنوان لكن لا يبعد ان يقال إنه يستفاد من تتبع فتاوى الأصحاب ومعاقد اجماعاتهم المحكية في الفروع
المتقدمة ان الخوف على المال أو النفس أو غيرهما من الأمور المتقدمة من حيث هو بنفسه عنوان لموضوع الحكم ولا عبرة بتفسير من فسره
بالظن فإنه راجع إلى اجتهاده والا فظاهرهم الاتفاق على جواز التيمم عند الخوف على المذكورات لكن الجزم بذلك مشكل فالأحوط بل الأقوى
هو الاقتصار على مواقع الحرج الفعلي نعم لو ظن ضررا يعتد به في ماله أو نفسه جاز له التيمم وان لم يشق عليه تحمله لقاعدة نفى الضرر فان
الظاهر كون مظنون الضرر لدى العقلاء بحكم مقطوعه والله العالم * (الثالث) * ان التيمم في الموارد التي ثبت جوازه بدليل نفى الحرج رخصة
لا عزيمة فلو تحمل المكلف المشقة الشديدة الرافعة لتكليف واتى بالطهارة المائية صحت طهارته كما تقدمت الإشارة إليه في حكم الاغتسال
لدى البرد الشديد فان أدلة نفى الحرج لأجل ورودها في مقام الامتنان وبيان توسعة الدين لا تصلح دليلا الا لنفى الوجوب
لا لرفع الجواز ان قلت إذا انتفى وجوب الطهارة في موارد الحرج فلا يبقى جوازها حتى تصح عبادة فان الجنس يذهب بذهاب
فصله وبعبارة أخرى أدلة نفى الحرج حاكمة على العمومات المثبتة للتكاليف فتخصصها بغير موارد الحرج فاتيانها في تلك الموارد
بقصد امتثال الامر تشريع محرم قلت إذا كان منشأ التخصيص كون التكليف بالوضوء والغسل حرجيا من دون ان يترتب عليهما
عدا المشقة الرافعة للتكليف مفسدة لا يجوز الاقدام عليها شرعا من ضرر ونحوه فهو لا يقتضى الا رفع مطلوبية الفعل على
سبيل الالزام لا رفع ما يقتضى الطلب ومحبوبية الفعل فلو اتى به المكلف متحملا لمشقته فقد اتى بما هو المحبوب في الواقع وان لم يكن
واجبا عليه لمشقته وكفى بكونه كذلك وجها لوقوعه عبادة كما عرفت في نية الوضوء وكيف كان فلا يفهم من أدلة نفى الحرج عرفا
وعقلا الا ما عرفت فلا اشكال فيه مع أن أدلة نفى الحرج لا تتزاحم التكاليف المستحبة التي ليس فيها الزام فلا يخصص بها العمومات
الدالة على استحباب الوضوء لغاياته المستحبة فليتأمل واما ساير الموارد التي ثبت جواز التيمم فيها بغيرها من الأدلة فإن كان مقتضاها
حرمة الوضوء والغسل بلحاظ ما يترتب عليهما من المفسدة التي لا يسوغ تحملها شرعا والا فنفس الطهور من حيث هي لا يتعلق بها
النهى كالقاء النفس في المهالك أو ارتكاب ما يظن معه الضرر في نفس أو عرض أو مال ضررا يجب التجنب عنه شرعا تعين عليه التيمم وان
لم يكن مقتضاها الا جواز التيمم من دون ان يترتب على فعل الوضوء أو الغسل مفسدة محرمة عدا توهم كونه تشريعا من دون ان يتعلق
به نهى شرعي ولو بالنظر إلى ظواهر الأدلة كبعض موارد الضرر الذي يجوز تحمله لساير الاغراض العقلائية فحكمه ما عرفت في موارد الحرج
من كون التيمم فيه رخصة لا عزيمة فان قضية بدلية التيمم من الوضوء والغسل وكون طهارته عذرية اضطرارية ثبوت المقتضى لوجوب
الوضوء والغسل مطلقا وكون الاعذار المسوغة للتيمم من قبل الموانع وحيث فرضنا جواز ارتكاب المحظور الذي قبله الشارع عذرا في
ترك الطهارة المائية فلا يصلح ذلك مانعا الا من تأثير المقتضى فيما يقتضيه من الالزام دون ما يقتضيه من حسن الفعل ومحبوبيته شرعا
وقد عرفت انه يكفي في وقوعه عبادة فتلخص ان التيمم لا يجب عينا الا إذا تعذرت الطهارة المائية عقلا أو شرعا بان توقف على ارتكاب
محرم أو ترك واجب والا فله الاتيان بالطهارة المائية وان لم يوجبها الشارع بالخصوص لما فيها من المشقة ونحوها * (الرابع) * هل
يصح الوضوء أو الغسل في الموارد التي تعين عليه التيمم فيه تفصيل فإن كان ذلك لتوقف الطهارة المائية على مقدمة محرمة متقدمة على
فعلها كسلوك طريق مظنون الضرر لتحصيل الماء فلو سلكه وأصاب الماء فقد عصى ووجب عليه الوضوء والغسل الارتفاع المانع الشرعي
بسبب العصيان واما ان كان من المقدمات المقارنة للفعل أو العناوين المتحدة معه في الوجود لم يصح وليس من هذا الباب ما لو زاحم فعله
الوضوء أو الغسل واجبا أهم فإنه وان تعين عند ذلك التيمم لكن لو ترك الأهم واتى بالوضوء أو الغسل صح على الأظهر فهيهنا مسائل
ثلث الأولى ما إذا تحقق بوضوئه أو غسله عنوان محرم كما لو تضرر باستعمال الماء أو تصرف بفعله في مال الغير كما إذا كان الماء
مغصوبا أو كان في مكان مغصوب لا يمكن الاغتسال أو التوضي منه الا بالانغماس فيه على وجه يتحقق بفعله الخاص الغسل والتصرف
في المغصوب الثانية ما إذا توقف عليه مقدمة محرمة مقارنة مع الفعل كما لو انحصر ماء الوضوء في انية مغصوبة وتعذر فعله الا بالاغتراف
منها شيئا فشيئا لعنبلائه المترتبة الثالثة ما إذا زاحم فعله واجبا أهم والحكم في الأوليين البطلان بخلاف الثالثة اما وجه البطلان
في الأولى وهى ما لو اتحد مع المحرم فلان الفعل الخارجي الذي تعلق به النهى وصح العقاب عليه لا يعقل ان يقع عبادة لتوقفها على الامر
الممتنع تعلقه بالنهي عنه لتعذر الامتثال ولكون النهى ناشيا عن قبح الفعل بلحاظ مفسدته الملزمة القاهرة المقبحة له فيقبح الامر
بايجاده إلى غير ذلك من المفاسد المقررة في الأصول ولا يرفع هذا القبح اختلاف جهتي الامر والنهى كالصلاة في الدار المغصوبة فان
الامر بايجاد الفعل الخاص الخارجي المتحد في الوجوب والنهى عنه قبيح مطلقا إذ لا يؤثر ذلك في القدرة على الامتثال ولا في صيرورة
الفرد الخارجي المشتمل على الجهة المقبحة له بالفعل حسنا حتى يحسن طلبه فان ايجاد الفرد الخارجي يعرضه صفة الحسن والقبح باعتبار
463

جهته القاهرة فلا يكون ما يوجده المكلف من حيث صدوره منه الا حسنا أو قبيحا على سبيل منع الجمع لامتناع توارد الوصفين
المتضادين على الفعل الخاص الصادر من المكلف من حيث صدور منه الذي لا يتصف بشئ من الصفتين الا من هذه الحيثية
ويتبعها الطلب الشرعي على ما يقتضيه قواعدنا فالفرد الخارجي من الصلاة الذي يتحقق به الغصب المحرم على الاطلاق يمتنع ان
يطلبه الشارع ولو مشروطا باي شرط يتصور من دون فرق بين ان يطلبه لذاته أو للتوصل به إلى امر اخر فان الامر بشئ في الجملة
ينافي النهى عنه على الاطلاق وبما ذكرنا ظهر فساد ما قد يتوهم من أن الممتنع انما هو الامر بايجاد الفرد منجزا واما الامر بايجاده
على تقدير ارتكاب المعصية بان يكون العاصي بارتكاب المحرم مكلفا باختيار الفرد المشتمل على المصلحة من دون ان يكون الامر مقتضيا
لايجاد المعصية فلا * (توضيح) * فساده انه لو كان المانع من اجتماع الامر والنهى مجرد تعذر الامتثال مع قيام مقتضى الطلبين بالفعل
لكان للتوهم المذكور مجال كما سيتضح لك تقريبه في المسألة الآتية لكنك عرفت ان عمدة المانع انما هي امتناع صيرورة الفعل
القبيح الذي يعاقب عليه حسنا حتى يحسن طلبه * (ان قلت) * نحن نرى بالوجدان انه إذا أحب المولى مثلا احضار زيد في داره
وتعذر ذلك الا إذا كان راكبا فلم يأمر به المولى لكراهة دخول أحد عليه راكبا فلو اختار العبد معصية سيده فيما نهاه عنه
من أن يدخل عليه راكبا استقل العقل بان ادخال زيد أحسن وحيث استقل العقل بحسن اختيار هذا الفرد على تقدير المعصية
بل وجوبه رعاية لتحصيل غرض المولى مهما أمكن فلا مانع من أن يكلفه مولاه بذلك على نحو ما يستقل به عقته ولا يقبح مؤاخذته على
ترك اختياره عن المعصية كما نلتزم بمثله في ترك غير الأهم من الواجبين المتزاحمين * (قلت) * هذا انما هو في التوصليات التي
يتحقق الغرض بمجرد حصول الفعل كيفما اتفق وليس الزام العقل بوجوب اختيار الفرد المحصل للغرض لأجل صيرورته بعد اختيار
المعصية حسنا مقربا للعبد إلى سيده بل كيف يعقل ان يطاع السيد فيما يعصى ويعاقب عليه فالفعل الخارجي الصادر من العبد
من حيث صدوره منه لا يكون الا قبيحا بعد فرض قاهرية جهته المقبحة وحسن العقاب عليه وانما العقل بل وكذا المولى قد يحكم
بوجوب اختيار الفرد المشتمل على مصلحة مقهورة من باب الارشاد إلى ارتكاب أقل القبيحين نظير الامر باختيار الخضخضة على الزنا
عند إرادة معصيته الشارع في حفظ الفرج ضرورة ان الفرد الذي لا مصلحة فيه رأسا أقبح مما فيه مصلحة مقهورة فيجب اختياره
عند الدوران من باب أقل القبيحين لكن لا يفعل ذلك في التعبديات التي لا مصلحة فيها الا إذا تحققت بداعي التقرب المتعذر
حصوله بفعل ما هو مبغوض بالفعل فالصلاة في الدار المغصوبة لا مصلحة فيها أصلا كي يتعين اختيارها على ساير انحاء التصرف
في الغصب بل مفسدتها أكثر لاشتمالها على قبح التشريع وقد ظهر بما ذكرنا وجه البطلان في المسألة الثانية وهى ما إذا توقف
فعل الوضوء أو الغسل على مقدمة محرمة فان الامر بما يتوقف على القبيح أيضا كالأمر بالقبيح قبيح بل هو هو فان الامر بالشئ يقتضى
ايجاب ما يتوقف عليه ولا أقل من أنه يقتضى جوازه والمفروض حرمة المقدمة فيمتنع ان يكون ما يتوقف عليها واجبا لكن التفصي عن
شبهة جواز الامر بالوضوء على سبيل الترتب كما في غير الأهم من المتزاحمين في هذه المسألة أصعب من التفصي عنه في المسألة السابقة
إذ ليس في فعل ذي المقدمة من حيث هو مفسدة عدا توقفه على محرم فيكون حكم العقل بقبح طلبه لاقتضائه الاذن فيما هو منهى عنه
بالفعل أو التكليف بما لا يطاق وهذا انما هو فيما إذا أوجب عليه ايجاده منجزا واما إذا أوجبه على تقدير اتيانه بالحرام فلا إذ لا
يصلح شئ من الامرين مانعا من التكليف المعلق على العصيان فان العاصي بفعل المقدمة قادر على ايجاد ذي المقدمة والتكليف
المعلق عليه لا يقتضى وجوب ايجاده حتى يستلزم صيرورة المنهى عنه مأمورا به إذ المفروض انه لا يتنجز التكليف الا على تقدير العصيان فيكون
تحقق العصيان من المقدمات المتقدمة على الفعل واما المقدمات الوجوبية للواجب المشروط ولا ضير فيه لا يقال هذا انما يتصور بالنسبة
إلى المقدمات المتقدمة على الفعل واما المقدمات المقارنة له أو المتأخرة عن الشروع فيه كالاعتراف من الانية المغصوبة لغسل
اليدين في الوضوء فلا إذ لا يعقل ان يكون العصيان الذي لم يتحقق الا بعد الاخذ في الفعل ان يكون شرطا لوجوبه لامتناع تقديم
المعلول على علته ولا يصح ان يكون العزم على المعصية شرطا للوجوب فان العزم عليها لا يبيحها ولا يخرج فعلها من كونه مقدمة لايجاد
ذي المقدمة حتى يتنجز التكليف به على تقدير حصول العزم بل يجب عليه نقض العزم وترك المحرم لا ايجاد ما يقتضيه لأنا نقول كونه عاصيا
في الواقع شرط في جواز تكليفه بذى المقدمة نظير اشتراط سائر التكاليف بكونه قادرا على الامتثال ومرجع هذا النحو من الشرط إلى أن
الطلب الشرعي تعلق بمن يعصى في فعل المقدمة ويقدر على ايجاد المأمور به فعزمه على المعصية طريق لاحراز كونه من مصاديق هذا
العنوان من دون ان يجب عليه تحصيله كسائر المفاهيم المأخوذة عنوانا لسائر الأحكام من كونه مسافرا وحاضرا أو نحوهما فكما
يجوز ان يكلف المسافر بشئ من دون ان يوجب عليه المسافرة فكذلك يجوز تكليف العاصي بفعل المقدمة ان يأتي بذى المقدمة الا ترى
464

انه لا قبح عقلا ولا عرفا في أن يكلف المولى عبده بكنس السطح ونحوه مما يتوقف على كونه فيه مشروطا بان يكون فيه لا مطلقا بان يقول إن كنت
على السطح فاكنسه كما أنه لا قبح فيما لو كلفه كذلك بأشياء لا يتوقف حصولها على الكون على السطح مثل قراءة القرآن ونحوها من دون فرق
في ذلك بين كون نفس الكون من حيث هي محبوبة أو مبغوضة * (وهذا) * اجمالا مما لا ينبغي الارتياب فيه فلا فإنه انما يقع غسل الوجه لكنه
لا يجدي في تصحيح الوضوء المتوقف على الاغتراف من الانية المغصوبة لاشتراط تحققه في الخارج بقصد حصول عنوانه بداعي التقرب فيكون
القصد المحصل لعنوانه من مقومات مهية المأمور به فيشترط فيه عدم كونه مبغوضا للشارع فغسل الوجه مثلا انما يقع جزء من الوضوء
إذا تحقق بعنوان جزئيته للوضوء المأمور به بان يكون الآتي به بانيا على اتمامه وضوء وهذا البناء ممن يرتكب المقدمة المحرمة قبيح يجب
عليه هدمه والعزم على ترك الوضوء بترك التصرف في الغصب فلا يجوز ان يكون هذا العزم الذي يجب عليه نقضه ان يكون من مقومات
المهية المأمور بها فالذي يجوز ان يتعلق به الامر التقديري في المثال المتقدم انما هو نفس الكنس لا العزم على اتمامه من حين الشروع
فيه فإنه لدى التحليل عزم على المعصية فان العزم على ايجاد ذي المقدمة عزم على ايجاد مقدمته اجمالا لا انه موقوف عليه حتى يمكن ان
يلتزم فيه أيضا بالترتب بل ينحل عند التحقيق فالعزم الخاص الصادر من العاصي المقرون ببنائه على العصيان قبيح يجب عليه
نقضه فلا يجوز ان يكون مصححا للعبادة نعم لو انفك عزمه على الفعل المأمور به عن بنائه على العصيان بان لم يكن جازما على
ايجاده حتى يكون عزما اجماليا على المعصية بان نوى بغسل جهة الاحتياط بانيا على اتمامه وضوء ان اقتضاه تكليفه بتجدد
القدرة ولو بتصرفه في المغصوب من دون ان يكون بانيا عليه حين غسل الوجه * (ثم) * تصرف في المغصوب فاتى بسائر افعال الوضوء
كذلك من دون ان يكون اتيان شئ منها مقرونا بالعزم على المعصية اتجه الالتزام بصحته فالامر التعليقي الذي تعقلناه انما ينتج
صحة الوضوء في مثل الفرض لا مطلقا * (لا يقال) * ان غاية ما تعقلناه انما هي جواز الامر التعليقي لا وقوعه كي ينتج الصحة في الفرض ولا ريب
في أن عموم قوله [تع] إذا قمتم إلى الصلاة [الخ] وكذا غيره من الأدلة الامرة بالوضوء مخصصة بحكم العقل والعرف بالأدلة الناهية عن ارتكاب
مقدمته فيكون المراد بالآية وغيرها ايجاب الوضوء على من لم ينهه الشارع عن ايجاد مقدمته فالعاصي غير مراد بهذه الأدلة ولم يرد في
حقه دليل خاص يقتضى صحة عمله لأنا نقول ليس لنا مخصص لفظي يقتضى خروج العاصي على الاطلاق من موضوع الأدلة وانما العقل وكذا
أهل العرف بحكم عقلهم يحكمون بخروج من يمتنع ارادته من العام من الحيثية التي يمتنع ارادته منه لا مطلقا فيقتصر في تقييد الأوامر بما
يعلم خروجه كيف ولو تم ذلك لاقتضى بطلان من جهل الغصبية أو نسيه وهو فاسد * (ان قلت) * ما ذكرته وجها لبطلان الوضوء
عند انحصار مقدمته في الحرام يقتضى بطلانه مع عدم الانحصار أيضا فإنه ان كان الوجه في ذلك فساد قصده لكونه مشوبا بالعزم على
المعصية فهو حاصل مع عدم الانحصار أيضا إذا كان بانيا على أن يتصرف لأجل وضوئه في المغصوب فان قدرته على الاتيان بالوضوء
في ضمن فرد آخر لا يصحح قصده الخاص المتعلق بايجاد الفرد المتوقف على التصرف في المغصوب * (قلت) * العزم على إرادة امتثال الامر
بالوضوء المتنجز عليه في صورة عدم الانحصار لا ينحل الا إلى العزم على ايجاد ما يتوقف عليه على سبيل الاجمال وخصوص الفرد المحرم ليس
مما يتوقف عليه فعزمه على الاتيان بهذا الفرد عزم اخر منبعث عن ذلك العزم لاعينه وهذا بخلاف ما لو انحصرت المقدمة فيه كما
لا يخفى نعم قد يتصور الانحلال عند عدم الانحصار أيضا فيما إذا لم يقصد امتثال الامر الا بتصرفه في الغصب بحيث علق ارادته للامتثال
على التصرف في الغصب فنوى الامتثال بنية منحلة إلى العزم على التصرف في الغصب فالمتجه [ح] بطلان الوضوء فليتأمل * (المسألة الثالثة) *
ما إذا زاحمت الطهارة المائية واجبا أهم كما لو وجب عليه انقاذ الغريق مثلا ولم يتمكن معه الا من التيمم والصلاة ماشيا في طريقه
فتركه وصلى مع الطهارة صحت طهارته وصلاته على الأظهر كما هو الشان في جميع الموارد التي اتى بغير الأهم من الواجبين المتزاحمين وان اثم
بترك الأهم إذا لا مانع من وجوب غير الأهم في الفرض الا مزاحمة الأهم وهم لا تقتضي الا عدم التكليف بغير الأهم على تقدير الاتيان بالأهم لا
مطلقا وليس الامر بايجاد الأهم منجز الا مانعا من طلب غير الأهم أيضا كذلك واما الامر بايجاده على تقدير ترك الأهم فلا كما تقدم تقريبه
في المسألة السابقة وعرفت فيما تقدم اندفاع ما قد يتوهم من أن ما دل على وجوب الوضوء والغسل انما يدل على وجوبهما منجزا وقد قيد
اطلاقه باطلاق ما دل على وجوب الأهم ولا دليل لنا غيره يدل على وجوب غير الأهم معلقا على العصيان حيث عرفت ان الحاكم بالتقييد ليس
الا العقل الذي لا يحكم الا بعدم الوجوب على تقدير الاتيان بالأهم لا مطلقا وببيان أو في أن الواجبين انما يتزاحمان إذا عم اطلاق دليلهما
مورد المزاحمة والا فلا معارضة كما هو واضح و [ح] نقول مقتضى اطلاق الدليلين وجوب الاتيان بهما مطلقا لكن القدرة على الامتثال شرط
في تنجز التكاليف بحكم العقل وحيث إن امتثالهما معا غير ممكن استقبل العقل بمعذورية المكلف في ترك الغير المقدور وهو الاتيان
بهما معا واما الاتيان بأحدهما عند ترك الاخر فهو مقدور فيجب ومقتضاه التخيير في فعل أيهما شاء لولا الأهمية في البين لا بمعنى ان
465

التقييد العقلي اقتضى إرادة الوجوب التخييري من الدليلين في مورد المزاحمة بل بمعنى ان اشتراط كل من التكلفين بالقدرة أنتج ذلك
بحكم العقل واما مع أهميته أحدهما فلا يرى العقل الا جواز ترك غير الأهم لأجل الاشتغال بالأهم لا مطلقا فيستنتج من ذلك
وجوب الأهم مطلقا ووجوب غير الأهم معلقا على ترك الأهم * (ان قلت) * سلمنا وجوب غير الأهم على سبيل الترتب لكن
الاتيان به على وجه يقع عبادة متعذر إذ لا ينفك قصده عن العزم على ترك الأهم فيكون قصده مشوبا بالعزم على المعصية
كما في المسألة السابقة * (قلت) * ليس مجرد عدم انفكاك القصدين مانعا من وقوع الفعل عبادة وانما المانع منه انحلال قصده
إلى العزم على الحرام وهو غير لازم في المقام لان قصد ايجاد غير الأهم اما مرتب على العزم على ترك الأهم أو ملازم له لا متحد معه فلا
ضير فيه نعم لو قيل بان ترك أحد الضدين من مقدمات الفعل الاخر لا من لوازمه في الوجود اتجه دعوى الانحلال بالتقريب
المتقدم في المسألة السابقة لكن المبنى فاسد كما تقرر في محله مع امكان ان يقال إن العزم على ايجاد شئ ينحل إلى العزم
على ايجاد مقدماته الوجودية لا مطلقا فليتأمل * (الخامس) * لو توضأ أو اغتسل في شئ من الموارد التي حرم عليه ذلك غفلة
عن حرمته أو نحوها من الأسباب الرافعة للتكليف الفعلي صح ولو في الموارد التي تعلق به النهى بالخصوص كما في المريض يخاف
على نفسه فضلا عما ثبتت حرمته لاتحاده مع عنوان محرم من غصب ونحوه لكن بشرط ان لا يكون الغفلة أو نحوها مسببة
عن الجهل بالحكم الشرعي الذي لا يعذر بسببه المكلف بل بسبب الجهل بالموضوع أو نسيانه أو نحوهما فهيهنا مقامان
الأول فيما نشاء حرمة الوضوء من اتحاده مع العنوان المحرم الثاني فيما تعلق النهى به بالخصوص اما وجه الصحة في المقام
الأول فلما تقرر في محله من أن الشرائط المنتزعة من التكاليف المستقلة مخصوصة بحال تنجز تلك التكاليف فالوضوء المتحد
مع الغصب انما يفسد إذا اثرت الغصبية في صيرورة الفعل الصادر من المكلف من حيث صدوره منه قبيحا ولا يكفي في
ذلك مفسدته الذاتية اللازمة للفعل ما لم تؤثر في قبح الفعل واستحقاق العقاب عليه كما تقدم تحقيقه مفصلا في مبحث
غسل الأموات عند التكلم في تغسيل غير المحارم للخنثى وقد اتضح بما ذكرناه فيما تقدم وجها الصحة الغسل الصادر من غير
المماثل عند غفلته عن عدم المماثلة مع ورود النهى عن تغسيل غير المماثل وجه الصحة في المقام الثاني أيضا حيث عرفت انه
لافرق بين العبادة المنهى عنها إذا كان تعلق النهى بها لعروض جهة مقبحة للفعل مانعة من مطلوبيته لا لرفع ما يقتضى الطلب
كصلاة الحائض ونحوها وبين العبادة المتصادقة مع المحرم في الوجود الخارجي في اختصاص مانعية الجهة العارضة بصورة العمد
الموجب لصيرورة الفعل الصادر من المكلف من حيث صدوره منه بلحاظ جهته المقبحة فان من المعلوم ان نهى المريض مثلا عن الوضوء
ليس الا لتضرره بذلك لا لفقد ما يقتضيه والا فهو الأصل في الطهور الذي هو نور وقد امر بايجاد بدله الاضطراري فالمقتضى
لمطلوبيته موجود والمانع لا يصلح مانعا من حسن الفعل ومحبوبيته الكافية في وقوعه عبادة الا مع الالتفات والعمد فان الأفعال الاختيارية
الصادرة من المكلف انما يعرضه الحسن والقبح بلحاظ جهاته المقصودة وعناوينه الاختيارية فالوضوء الصادر من المريض
ما لم يتنجز النهى في حقه لا يكون الا حسنا وان شئت قلت إنه لا يفهم عرفا من النواهي المتعلقة بالعبادة إذا كان منشأها الجهات
العارضة المانعة من مطلوبية الفعل الا تقييد مطلقات تلك العبادة عند تنجز التكليف بتلك النواهي لا مطلقا * (تذنيب) * لو
تضرر باستعمال الماء ضررا لا يجوز تحمله وكان الماء مغصوبا مثلا فارتمس فيه عصيانا ثم نوى بخروجه الغسل لم يصح كما لو نواه
بدخوله خصوصا إذا كان مقصوده الاحتيال في تصحيح الغسل من أول الأمر لان خروجه كدخوله مبغوض ومعاقب عليه لان عمله من
أوله إلى اخره قبيح منهى عنه فلا يصح ان يقع عبادة وانقطاع النهى بعد ان دخل وصيرورة خروجه مأمورا به لا يجدي في صحة غسله بعد
ان قبح فعله وصح العقاب عليه وليس الامر بخروجه بعد الدخول الا كامر الزاني باخراج ذكره بعد ان ادخله لكونه أقل مفسدة من الابقاء لا
تكون عمله حسنا نعم لو ندم عن عمله وتاب ثم خرج بقصد التخلص لا يبعد القول بصحته فليتأمل الطرف الثاني فيما يجوز به التيمم وقد اختلف
أصحابنا في تعيينه بعد اتفاقهم على اشتراط كونه أرضا خلافا لمالك فجوزه بالنبات وأبي حنيفة فبالثلج على ما حكى عنهما على أقوال فقيل إنه
هو التراب الخالص وقد حكى ذلك عن الإسكافي والسيد في شرح الرسالة والناصريات والمفيد في المقنعة وأبى الصلاح بل عن ظاهر الناصريات
الاجماع عليه لكن الحكاية عنهم لا يخلو من نظر كما ستعرف وجهه وقيل هو كلما يقع عليه اسم الأرض ترابا كان أو حجرا أو حصى أو غير ذلك
من غير فرق بين حالتي الاختيار والضرورة كما هو ظاهر المتن وغيره وفاقا لظاهر المحكى عن الشيخ في مبسوطه وجمله وخلافه والسيد
في مصباحه بل وربما نسب ذلك إلى المشهور واختار غير واحد من المتأخرين تبعا للمحكى عن جماعة من القدماء التفصيل بين حالتي الاختيار
والضرورة فمنع مما عدا التراب في غير الضرورة وجوزه لدى الضرورة وربما نسب هذا التفصيل إلى أكثر الفقهاء بل في حاشية المحقق
466

البهبهاني على المدارك نسبته إلى معظمهم الا من شذ منهم مستشهدا بذلك على أنهم لم يفهموا من الصعيد الا التراب لكن جملة ممن
نسب إليه هذا التفصيل لم يصرح الا بالمنع من التيمم بالحجر لدى التمكن من التيمم بالتراب بل لم يستند المحقق البهبهاني في نسبته هذا القول
إلى معظمهم الا بواسطة حكمهم بكون الحجر بعد العجز عن التراب وأنت خبير بما في هذه النسبة إذ لا ملازمة بين المنع من الحجر وبين المنع من
ساير وجه الأرض مما ليس بتراب كيف وقد ادعى في محكى التذكرة اجماع العلماء على جواز التيمم بالبطحاء الذي هو مسيل فيه دقاق الحصى
مع خروجه من مصداق التراب وستسمع من المعتبر والمنتهى دعوى الاجماع على جواز التيمم بالرمل على كراهية فيمكن ان يكون منعهم من الحجر
بعد تسليم الصغرى اما لخروجه من مسمى الأرض بالاستحالة كالمعادن كما صرح به ابن الجنيد قال فيما حكى عنه ولا يجوز من الشيخ ولا مما أحيل
عن معنى الأرض المخلوقة بالطبخ والتحجير خاصة * (انتهى) * واما لبنائهم على اشتراط العلوق المتعذر حصوله لدى التيمم بالحجر ولذا نسب بعضهم
عدم جواز التيمم بالحجر إلى أكثر الفقهاء مستظهرا ذلك من اشتراطهم العلوق بل هذا هو الذي ينبغي ان يكون وجها للتفصيل بين حالتي
الاختيار والضرورة فان اشتراط العلوق على القول به انما هو لدى القدرة لا مطلقا واما على القول بخروجه من مسمى الأرض أو مصداق
الصعيد فيشكل اثبات جوازه لدى الضرورة كما سيتضح لك انشاء الله فالمتجه بناء على عدم اشتراط العلوق اما جواز التيمم بمطلق ما يقع عليه اسم
الأرض أو خصوص التراب [مط] من غير فرق بين حالتي الاختيار والضرورة لكن الثاني بحسب الظاهر خلاف الاجماع كما صرح به بعض ويشهد
له التتبع وعدم نقل الخلاف في الجواز بما عدا التراب لدى الضرورة الا مما يستشعر أو يستظهر من عبارة ابن الجنيد المتقدمة حيث منع من
التيمم بالحجر ونحوه بزعم الاستحالة ومن هنا قد يقوى في النظر عدم معروفية القول بكون ما يتيمم خصوص التراب لدى القدماء وانما
حدث ذلك فيما بين المتأخرين اغترارا بظاهر عبائر بعض القدماء وجملة من اللغويين المفسرين للصعيد بالتراب فان عمدة من نسب
إليه هذا القول من القدماء هو السيد في الناصريات وشرح الرسالة واما من عداه مثل المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية وابن إدريس
فليس في كلماتهم المحكية الينا اشعار بذلك عدا انهم اشترطوا الضرورة في جواز التيمم بالحجر ونحوه فلا يبعد ان يكون ذلك لبنائهم
على اشتراط العلوق ولا يحضرني كتبهم لأتحقق حال النسبة واما عبارة السيد فكادت تكون صريحة في خلافه قال في المدارك حاكيا
عن شرح رسالة السيد لا يجزى في التيمم الا التراب الخالص أي الصافي من خلطة ما لا يقع عليه اسم الأرض كالكحل والزرنيخ وأنواع
المعادن ثم قال ونحوه قال المفيد في المقنعة وأبو الصلاح ونقل من ابن أبي عقيل انه جوز التيمم بالأرض وبكل ما كان من جنسها
كالكحل والزرنيخ واستحسنه في المعتبر انتهى وهذه العبارة كما تراها صريحة في أن مراده بالتراب الخالص الاحتراز عما لا يقع عليه اسم الأرض
لا مثل الحجر والحصى والا لكان أولى بالتمثيل والتعرض كما هو واضح فكان السيد [قه] أراد بالتراب في هذه العبارة الأرض وقد حكى تفسير
التراب بالأرض عن بعض اللغويين المفسرين للصعيد بالتراب ويؤيده ما حكى عن ناصرياته قال الذي يذهب إليه أصحابنا ان التيمم
لا يكون الا بالتراب وما جرى مجرى التراب ما لم يتغير بحيث يسلب اطلاق اسم الأرض عليه ثم حكى عن الشافعي وجملة من العامة أقوالهم المختلفة
إلى أن قال حجتنا الاجماع انتهى فان ظاهره دعوى الاجماع على الجواز بما لا يخرج من اطلاق اسم الأرض في مقابل الأقوال التي حكاها عن
المخالفين لكن قد ينافيه ما حكى عنه في الاستدلال عليه بقوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا قائلا في تقريبه ان الصعيد هو التراب بالنقل
من أهل اللغة حكاه ابن وريد عن أبي عبيدة وبقوله (ع) جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا فلو جاز التيمم بمطلق الأرض لكان لفظ
ترابها لغوا وهذه الفقرة الأخيرة صريحة في أن مراده بالتراب أخص من الأرض فالانصاف ان عبارة السيد لا تخلو من تشويش ولم أجد
فيما عثرت عليه من عبائر غيره التصريح بان ما تيمم به هو خصوص التراب وانه هو المراد بالصعيد فلابد في ذلك من التتبع وكيف كان
فالمتبع هو الدليل والمتجه ما هو المشهور من جواز التيمم بمطلق ما يقع عليه اسم الأرض واما اشتراط العلوق أو عدمه فهو امر اخر
سنتكلم فيه فان عمدة ما تشبث به الخصم بعد قاعدة الاشتغال التي ستعرف حالها ما ذكره السيد في عبارته المتقدمة من تصريح
بعض اللغويين بان الصعيد هو التراب والنبوي المتقدم وفيه ان تفسير هذا البعض معارض بتفسير من هو أوثق منهم وهو
جل الفقهاء ومعظم اللغويين فعن امين الاسلام الطبرسي في مجمع البيان انه (قال) ناقلا من الزجاج أنه قال لا اعلم خلافا بين أهل اللغة في أن
الصعيد مطلق وجه الأرض ثم قال ره وهذا يوافق مذهب أصحابنا في أن التيمم يجوز بالحجر سواء كان عليه تراب أو لم يكن انتهى وعن
مصباح المنير وغيره من كتب اللغويين التصريح بالتعميم وعن المعتبر نسبته إلى فضلاء أهل اللغة ويؤيد ذلك كون هذا المعنى انسب بمعناه
الوصفي الذي لم يستعمل في هذا المعنى على الظاهر الا بمناسبته بل لا يبعد ان يكون تفسير المعظم له بوجه الأرض للإشارة إلى المناسبة
والا فالمتبادر منه في كثير من موارد استعمالاته هو نفس الأرض مثل قوله [تع] فتصبح صعيدا زلقا أي أرضا ملسا يزلق عليها باستيصال
بينها وقول النبي صلى الله عليه وآله يحشر الناس يوم القيمة حفاة عراه على صعيد واحد أي ارض واحدة هذا مع أن إرادة هذا المعنى أو معناه
467

الوصفي أوفق بسياق الآية على ما يشهد به الذوق السليم فان المتبادر من قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا إرادة القصد إلى صعيد طيب
بالمضي إلى نحوه لا مجرد العزم على استعماله بان يكون المراد من قصده قصد استعماله وهذا المعنى لا يناسب إرادة التراب الذي هو
في حد ذاته من المنقولات كالماء فان من المستهجن ان يقال اقصدوا أو يتمموا ماء ظاهرا أو ترابا نظيفا بخلاف ما لو أريد به أرضا
نظيفة أو مكانا مرتفعا من الأرض بإرادة معناه الوصفي كما هو واضح ولا يبعد ان يكون إرادة المعنى الثاني انسب بسوق الآية
بملاحظة توصيفه بالطيب حيث إن الغالب في المكان المرتفع تحقق النظافة فيستشعر من التوصيف ما هو النكتة في تخصيص الصعيد
بالذكر مع عدم كون خصوصيته من مقومات الموضوع بل من الخصوصيات الموجبة لا فضلية الفرد كما ستعرف من استحباب ان
يكون التيمم من ربا الأرض وعواليها ويؤيد إرادة هذا المعنى من الآية بل يدل عليه ما عن الصدوق في معاني الأخبار عن الصادق (ع)
أنه قال الصعيد المرتفع من الأرض والطيب الذي ينحدر عنه الماء ومثله عن الفقه الرضوي فإنه قال قال الله تبارك وتعالى
فتيمموا صعيدا طيبا والصعيد المرتفع من الأرض والطيب الذي ينحدر عنه الماء وقد نبهنا غير مرة على شدة الوثوق بكون ما في الفقه
متون الاخبار الموثقة لدى مصنفه ان لم يكن بنفسه من مصنفات الإمام (ع) كما هو المظنون والا فهو حجة كافية فلا ضير في انجبار
ضعف الروايتين في المقام بجملة من المعاضدات التي لا تخفى على المتأمل وكيف كان فلم يحصل لنا وثوق أصلا من قول اللغويين
الذين فسروا الصعيد بخصوص التراب بكونه بخصوصه من حيث هو معناه الحقيقي ولا نلتزم بحجية قولهم تعبدا في مثل هذه الأمور
الاستنباطية ما لم يحصل الوثوق الشخصي من قولهم خصوصا مع وجود المعارض فضلا من تنزيل الآية عليه مع ما عرفت من انسبية
المعنى الوصفي الذي لاشك في كونه حقيقة فيه وقد سمعت التصريح بإرادته في الخبرين لكن قد يقال إن الصعيد في الآية وان قلنا
بأنه لم يستعمل في خصوص التراب بعنوان الخصوصية لكنه بالخصوص لكونه اظهر افراد الصعيد واشيعها مراد منه بقرنية قوله تعالى
في سورة المائدة فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه فان المتبادر من لفظة منه إرادة المسح ببعض ذلك الصعيد وهذا لا يستقيم الا بإرادة
التراب دون الحجر فان الحجر لا يعلق باليد حتى يصدق المسح منه وحمل كلمة من على البدلية بارجاع الضمير إلى الماء خلاف الظاهر وحملها
على الابتداء بعيد من السياق وعدم ذكر لفظة منه في اية التيمم في سورة النساء لا يجدي فان القران يقيد بعضه بعضا بلا شبهة
ويشهد له مضافا إلى أنه هو الظاهر من الآية صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له الا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح
ببعض الرأس وبعض الرجلين وذكر الحديث إلى أن قال أبو جعفر (ع) ثم فصل بين الكلام فقال وامسحوا برؤوسكم فعرفنا حين قال برؤوسكم ان
المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم قال فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم فلما ان وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت
بعض الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم ثم وصل بها وأيديكم منه أي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك اجمع لم يجر على الوجه لأنه يعلق من ذلك
الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها الحديث وفيه ان كلمة من في الآية على الظاهر للابتداء ولا يستقيم حملها على التبعيض الا بتحمل وقد حكى
عن السيد في طي كلام له التصريح بان كلمة من الابتداء وان جميع النحويين من البصريين منعوا ورود من لغير الابتداء واما الصحيحة فهي
شاهدة على ذلك لا على ما ادعى بيان ذلك أنه ان أريد بكلمة من التبعيض لكان معناها امسحوا بوجوهكم بعض الصعيد ومن المعلوم ان
بعض الصعيد صعيد فهو بمنزلة ما لو قال امسحوا بوجوهكم الصعيد فإنه لا يفهم من هذه العبارة أيضا الا إرادة بعضه لتعذر إرادة
كله وهذا المعنى لا يكاد يتحقق الا ان يكون ما يطلق عليه الصعيد ممسوحا به نظير قولك امسح يدك بالمنديل فيكون مفاد الآية [ح] ما صنعه
عمار حيث تمرغ في التراب كما حكى قصته في عدة اخبار ولا يتفاوت الحال في ذلك بين ان يكون ذلك البعض الذي يمسح بالوجه حجرا أو ترابا
لكن هذا المعنى غير مراد بالآية قطعا فإنه لا يعتبر في التيمم بالضرورة فضلا عن النص والاجماع مسح الصعيد بالوجه واليدين بل المعتبر فيه
مسحهما بالكفين الموضوعتين على الأرض فالمراد بمن في الآية على الظاهر ليس الا ما اراده الصادق (ع) في قوله في صحيحة الحلبي إذا لم يجد الرجل
طهورا وكان جنبا فليتمسح من الأرض ومن المعلوم عدم كون كلمة من في هذه الصحيحة للتبعيض بل هي للابتداء فالمقصود من الامر بالمسح من الصعيد
بالوجه واليدين عند عدم إرادة مسح نفس الصعيد بهما انما هو كون المسح بهما ناشيا منه بنحو من الاعتبار فيكون كلمة من للابتداء لا للتبعيض ومن
هنا يتطرق الاجمال في تشخيص المراد بالمسح من الصعيد حيث لا يفي مجرد الامر به بفهم الكيفية التي أريدت من إضافة المسح إلى الصعيد ولذا
قد أكثر الناس في السؤال عن كيفية التيمم ولم يفهموها من الآية وقد بينها النبي والوصي صلوات الله عليهم في جملة من الاخبار البيانية
مثل ما عن داود بن النعمان قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن التيمم فقال إن عمارا اصابته جنابة فتمعك كما تتمعك الدابة فقال له رسول
الله صلى الله عليه وآله وهو يهزأ به يا عمار تمعكت كما تتمعك الدابة فقلنا له فكيف التيمم فوضع يده على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق اله؟
قليلا وعن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وذكر التيمم وما صنع عمار فوضع أبو جعفر (ع) كفيه على الأرض ثم رفعهما فنفضهما
468

ثم مسح على جبينيه وكفيه مرة واحدة وعنه أيضا عن أبي جعفر (ع) في التيمم قال تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك
ويديك وعنه أيضا عن أبي جعفر (ع) قال اتى عمار بن ياسر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله أجنبت الليل فلم يكن معي ماء قال كيف صنعت قال
طرحت ثيابي وقمت على الصعيد فتمعكت فيه فقال هكذا يصنع الحمار اما قال الله عز وجل فتيمموا صعيدا طيبا فضرب بيديه على الأرض
ثم ضرب إحديهما على الأخرى ثم مسح بجبينه ثم مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى فمسح اليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى إلى غير
ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في كيفية التيمم الدالة على أن المراد بتيمم الصعيد وضع الكفين عليه وامرار هما على الوجه و
اليدين لا امرار نفس الصعيد عليهما الذي هو عبارة عن مسحه بهما فكيف يمكن ان يراد بمن في الآية التبعيض ولا يصحح ذلك الالتزام
باشتراط العلوق فان غاية ما يمكن ان يلتزم به انما هي اعتبار الأثر الذي يبقى في اليدين الموضوعتين على التراب مثلا بعد
نفضهما وهذا الأثر لا يسمى باسم التراب عرفا وان صدق عليه انه منه لكن بمعنى كونه ناشئا منه لا بمعنى كونه ترابا أو بعضا من
التراب وان أبيت الا عن كفاية هذا المقدار من الإضافة بعد المسامحة العرفية في إرادة التبعيض من كلمة من في الآية فنقول ان هذا
المقدار من الأثر الذي يبقى في اليد بعد نفضها الذي لا يعتبر في التيمم أزيد منه بالضرورة فلما ينفك عنه ضرب اليدين على
مطلق وجه الأرض ولو على الحجر فان الغالب وجود غبار عليه يتأثر منه اليد وعدم كون ذلك الغبار جزء من الحجر لا يضر
بعد كونه جزء من الأرض التي هي عنوان الموضوع فما اعترضه بعض على صاحب الذخيرة حيث جوز التيمم بالحجر بشرط ان يكون
عليه غبار يتعلق باليد بان المتبادر من الآية كون ما يتيمم من جنس ما يتعلق باليد في غير محله وحيث إن الغالب تحقق هذا المقدار
من الأثر عند مماسة الحجر أيضا فلا يصلح ان يكون ظهور من في التبعيض شاهدا على عدم إرادة ما عدا التراب ثم لو سلم
ظهور كلمة من في التبعيض ومنافاته لجواز التيمم بالحجر فإنما هو في المتماسك منه دون مسحوقه أو غيره من انحاء وجه الأرض فلا
يصلح قرنية لإرادة خصوص التراب وملخص الكلام ان دعوى دلالة الآية على إرادة التراب من الصعيد ضعيفة جدا ونظيرها
دعوى استفادته من صحيحة زرارة المتقدمة فإنها مسوقة لبيان دلالة الآية على أن المسح ببعض الوجه واليدين لمكان الباء وقد تقدم بعض
الكلام في توجيه الرواية في مبحث الوضوء فراجع وقوله (ع) ثم وصل بها وأيديكم منه أي من ذلك التيمم ان أبقيناه على ظاهره بارجاع
الضمير إلى نفس التيمم وان احتاج توجيهه إلى تكلف فالمتعين حمل كلمة من على الابتداء كما هو واضح وان قلنا بأنه أريد بالتيمم ما يتيمم به كما
هو الظاهر المناسب لما بعده من التعليل وغيره من القرائن فالامر أيضا كذلك بمعنى ان المتعين حملها [ح] أيضا على الابتداء دون
التبعيض فان المقصود بقوله (ع) ان ذلك اجمع الحديث على الظاهر انما هو بيان حكمة ان الله تعالى أوجب ان يكون المسح (من الصعيد لا به بنفسه حيث علم أنه لنفسه لا يتعلق بالكف على وجه بان اجرائه بالكيفية المعتبرة في التيمم على الوجه واليدين فأوجب الله تعالى ان يكون المسح) ناشيا
منه لا به وليس المراد بما يعلق ببعض الكف من الصعيد العلوق الذي اعتبره القائلون به ضرورة ان ذلك العلوق بعد تسليم
صحة اطلاق كونه بعض الصعيد يعلق غالبا بجميع الكف كما هو الشرط على الظاهر لدى مشترطيه بل ربما يتعلق بظاهر اليد أيضا
فالمقصود به على الظاهر ليس الا ان ذلك الصعيد بنفسه لا يعلق حقيقة الا ببعض الكف فلا يمكن ان يكلف الناس باجرائه على
الوجه واليدين بالنحو المعتبر فيهما ولذا لم يأمرهم بذلك وانما أوجب عليهم المسح منه بنحو من الاعتبار الذي بينه الشارع في الاخبار
البيانية وبما ذكرنا اتضح ما نبه عليه الشهيد في محكى الذكرى بقوله بعد ايراد الخبر المذكور وهذا الصحيح فيه إشارة إلى عدم
اعتبار العلوق انتهى لا يقال إن مقتضى ما ذكرت خروج الحجر ونحوه مما لا يعلق بعضه المسمى باسمه ببعض الكف من مصداق الصعيد
لما في الرواية من التصريح بأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف لأنا نقول كونه كذلك انما هو بحسب الغالب وقد ذكر ذلك تمهيدا
لقوله (ع) ولا يعلق ببعضها الذي هو الحكمة في عدم ايجاب المسح به فلا ظهور له في إناطة موضوعية الموضوع بكونه متصفا بهذه الصفة
ثم إن ما ذكرنا في توجيه الرواية الشريفة أقرب وجوهها المحتملة في مقام التوجيه والا فالانصاف ان هذه الفقرة الأخيرة منها
متشابهة لا يكاد يرى ظاهرها على وجه يوثق به والغرض من إطالة الكلام فيها الإشارة إلى أجمل الوجوه والتنبيه على عدم دلالتها
على اشتراط العلوق كما قد يتوهم والا فقد أشرنا انفا إلى أنه لو سلمت دلالتها على أن كلمة من في الآية للتبعيض بل صراحتها على اشتراط
العلوق في التيمم لا يجدي للمستدل بعد قضاء الضرورة بعدم اعتبار أزيد من الأثر الباقي في اليد بعد نفضها في صحة التيمم فان مثل
هذا الأثر كثيرا ما بل غالبا يحصل بضربها على الحجر المتماسك أيضا فضلا عن مسحوقه كما هو واضح * (وأجيب) * عن استدلال السيد واتباعه
بقوله (ع) جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا بضعف الرواية لعدم ايرادها بهذا المتن الا في كتب الفقهاء واما في كتب الاخبار فقد
رويت باسقاط لفظ وترابها فعن الكافي انه روى عن أبان بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) قال إن الله تبارك وتعالى اعطى
محمدا صلى الله عليه وآله شرايع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى إلى أن قال وجعل له الأرض مسجدا وطهورا الحديث وعن محاسن البرقي عن أبي إسحاق الثقفي
469

عن محمد بن مروان مثله وعن الفقيه مرسلا قال قال النبي صلى الله عليه وآله أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا الحديث و
عن الخصال بسنده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله فضلت بأربع جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأيما رجل من أمتي أراد الصلاة فلم يجد
ماء ووجد الأرض فقد جعلت له مسجدا وطهورا الحديث وعنه أيضا بسند اخر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي
جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا الحديث نعم عن العلل روايتها بذكر وترابها طهورا مسندة إلى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله بسند جل
رواتها من العامة فلا تعويل عليها وعن المحقق في المعتبر مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا أينما
أدركتني الصلاة صليت وأجاب عنه بان التمسك بها تمسك بدلالة الخطاب وهى متروكة في معرض النص اجماعا انتهى ونوقش
بورودها في مقام الامتنان فلو لم يكن التقييد مقصودا لكان ذكر التراب مع كونه لغوا مخلا بالمقصود ومنافيا لما يقتضيه المقام
فان تركه أتم في اظهار المنة فليس الاستدلال بها بمفهوم الخطاب المجرد من القرنية المقتضية له حتى يكون متروكا وزاد بعض المناقشين عليه
بان التفصيل قاطع للشركة ويتوجه على المناقشة كأصل الاستدلال ان النكتة في تخصيص التراب بالذكر يجب أن تكون غير ما زعموه
فان جواز التيمم بغير التراب بل مطلق وجه الأرض في الجملة مسلم عند الخصم بل لم يتحقق الخلاف فيه من أحد غاية الأمر ان الخصم يزعم
الترتب بين التراب وغيره وهذا لا يقتضى تخصيص التراب بالذكر في مثل هذه الرواية التي ليست مسوقة الا لبيان طهورية الأرض
على سبيل الاجمال الذي لا ينافيه الترتب بين ابعاضها كما أنه لا ينافيه ترتب طهورية مطلق الأرض على فقد الماء فالمقتضى للتعميم
موجود على كل تقدير نعم لو منع من التيمم بما عدا التراب مطلقا حتى مع فقد التراب لكان للاستدلال له بالرواية وجه وان كان
يتوجه عليه أيضا ما أورده المصنف من أنه استدلال بمفهوم الخطاب واما ما اعترضوه عليه فإنما يتم لو انحصرت النكتة المقتضية للتقييد
مع مخالفته لمقتضى المقام في إرادة المفهوم وليس الامر كذلك بل النكتة الظاهرة فيه فضلا عن احتمالها التنبيه على الفرق بين طهورية الأرض
ومسجديتها التي أريد بها في هذه الروايات مكان الصلاة لا موضع السجود كما هو واضح ويزيده وضوحا قوله (ع) في ذيل رواية المعتبر
أينما أدركتني الصلاة صليت فلم يقصد في الثانية خصوصيتها ولذا يجوز الصلاة في كل مكان ولو لم يكن أرضا فالمقصود بالرواية
بيان ان الله تعالى من عليه صلى الله عليه وآله بان جعل له كل مكان مسجدا ولم يخصصه ببيت المقدس أو الكعبة أو غير ذلك وانه تعالى
جعل له الأرض طهورا فالمراد في الأول كل مكان من غير أن يكون لخصوصية الأرضية مدخلية فيه وقد عبر عنه بالأرض للجري مجرى
العادة في مقام التعبير عند إرادة اظهار التوسعة في المكان واما في الثاني فأريد بها نفسها بعنوانها الخاص فذكر ترابها في الرواية على الظاهر
للتنبيه على ذلك واما تخصيصه بالذكر فهو اما للجري مجرى العادة في مقام التعبير عن إرادة رقبة الأرض من حيث هي أو لكونه الفرد الشايع
من دون ان يكون خصوصيته مقصودة بالحكم والا لم يجز التيمم بما عداه بحال لما أشرنا إليه من أن الرواية ليست مسوقة الا لبيان الجواز على
سبيل الاجمال وحيثما جاز التيمم بمطلق وجه الأرض في الجملة وجب ان لا يكون التخصيص مقصودا بالرواية وربما أيد هذا القول بل استدل
له باخبار كثيرة منها الأخبار الواردة بلفظ التراب مثل ما في الصحيح عن جميل بن دراج ومحمد بن حمران انهما سئلا أبا عبد الله (ع) عن امام قوم
اصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ان يتوضأ بعضهم ويصلى بهم فقال (ع) لا ولكن يتيمم الجنب ويصلى بهم فان الله
عز وجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا وفى خبر معاوية بن ميسرة ان رب الماء رب التراب وغير ذلك * (ومنها) * اخبار استحباب
نفض الكف بعد الضرب بتقريب انه لولا التيمم محصلا للعلوق لم يتوجه رجحان النفض فإنه فرع وجود ما ينفض فيستكشف من ذلك أنه
المراد ربما يتيمم به التراب وفى الجميع مالا يخفى من قصورها عن التأييد فضلا عن أن يستدل بها وقد يستدل له أيضا بصحيحة زراعة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كانت الأرض متبلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر اجف موضع تجده فتيمم منه فان ذلك توسيع من الله عز
وجل قال فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شئ مغبر وان كان في حال لا يجد الا الطين فلا بأس ان يتيمم منه بتقريب
انه عليه السلام امر بالنظر إلى اجف موضع عند فقد التراب والماء فلو جاز التيمم بالحجر اختيار الفرض عدمه كالتراب فإنه لا يعتبر فيه الجفاف
وفيه انه إذا وجد في الفرض حجرا فقد وجدا جف موضع من الأرض فيتيمم منه وعدم اعتبار الجفاف فيه مبنى على عدم اشتراط العلوق
الذي سنتكلم فيه فحال الحجر المبتل حال التراب المبتل الذي لا يعلق باليد ولم ينته حد الطين فان اعتبرنا العلوق لا يجوز التيمم بشئ
منهما اختيارا والا جاز بكليهما فلا فرق بينهما بحال وقد يستدل له أيضا بقاعدة الاشتغال التي ستعرف حالها ويدل على المشهور
مضافا إلى اطلاق قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا بالتقريب الذي تقدم تحقيقه من أن الأظهر إرادة المعنى الوصفي أو مطلق وجه
الأرض من الصعيد لا خصوص التراب جملة من الأخبار الدالة بعضها على جواز التيمم بالصعيد مطلقا فيكون حالها حال الكتاب وبعضها
الاخر على جواز التيمم بالأرض على الاطلاق فمن الأول صحيحة ابن أبي يعفور وعنبسة عن أبي عبد الله (ع) قال إذا اتيت لبئر وأنت جنب فلم تجد
470

دلوا ولا شيئا تغترف به فتيمم بالصعيد فان رب الماء هو رب الصعيد ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم مائهم وصحيحة الحلبي في
الجنب لا يجد الماء قال يتيمم بالصعيد وفى صحيحة ابن سنان الواردة في رجل اصابته جنابة في السفر وليتيمم بالصعيد فان الصعيد
أحب إلى إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة ومن الثاني صحيحة ابن سنان قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إذا لم يجد الرجل طهورا
وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصل [الخ] ونحوها صحيحة الحلبي في صحيحته الأخرى ان رب الماء هو رب الأرض وفى صحيحة محمد بن مسلم
فان فاتك الماء لم يفتك الأرض والأخبار الواردة في كيفية التيمم المصرح في بعضها بضرب كفيه على الأرض ولا ينافي اطلاقها
ما في بعض تلك الأخبار من الامر بنفض اليدين كما تقدمت الإشارة إليه ولا يخفى عليك ان ورود هذه المطلقات في المدينة التي
يغلب في ارضها الأحجار وغيرها مما لا يسمى باسم التراب على ما قيل مما يؤيد اطلاقها ويدل عليه أيضا خبر السكوني عن جعفر عن أبيه
عن علي عليه السلام انه سئل عن التيمم بالجص فقال نعم فقيل بالنورة فقال نعم فقيل بالرماد فقال لا انه ليس يخرج من الأرض انما
يخرج من الشجر والمروى عن الراوندي بسنده عن علي (ع) قال يجوز التيمم بالجص والنورة ولا يجوز بالرماد لأنه لم يخرج من
الأرض فقيل له أيتيمم بالصفا الثابتة على وجه الأرض قال نعم إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيدات فلا مجال للتشكيك في
قوة ما عليه المشهور من جواز التيمم بمطلق ما يقع عليه اسم الأرض حجرا كان أو غيره من غير فرق بين حالتي الاختيار والضرورة
وما عن بعض من التفصيل بين الحالتين بل في حاشية المدارك نسبته إلى المشهور أو المجمع عليه مما لاوجه له وما يقال في توجيه
جواز التيمم بالحجر ونحوه لدى الاضطرار من أن دليله الاجماع وان لم يكن داخلا تحت الصعيد الذي هو عنوان الموضوع في الأدلة
السمعية ففيه بعد تسليم الاجماع مالا يخفى بعد وضوح عدم استناد هم في ذلك الا إلى وقوع اسم الأرض عليه الذي هو المناط
لديهم في الجواز واضعف من ذلك ما قد يتوهم من اقتضاء الجمع بين الأدلة تقييد الأخبار المطلقة الدالة على جواز التيمم بالأرض
في حال الاختيار بالاخبار المتقدمة التي ادعوا ظهورها في اشتراط كونه بالتراب وبظاهر الكتاب وغيره مما اعتبر كونه بالصعيد بعد
ترجيح ما عن بعض اللغويين من تفسيره بالتراب الخالص وفيه بعد الغض عما عرفت من أن الأظهر إرادة المعنى الوصفي أو مطلق وجه
الأرض من الصعيد وقصور سائر الأدلة عن إفادة اعتبار خصوص التراب ان تقييد تلك المطلقات في حال دون حال فاسد فان
مقتضى قاعدة الجمع في مثل المقام ارجاع احدى الطائفتين من الأدلة إلى الأخرى اما بتنزيل المطلقات على إرادة الفرد الشايع أو
بدعوى جرى الاخبار المقيدة مجرى الغالب و * (كيف) * كان فلا يهمنا إطالة الكلام في المقام بعد ان حققنا ظهور الأدلة في كفاية مطلق
وجه الأرض وسلامتها من المعارض وبهذا ظهر لك فساد الاستدلال لكل من شقى التفصيل أعني اعتبار كونه بالتراب مع القدرة
وعدمه لدى الضرورة بقاعدة الاشتغال مضافا إلى أن المرجع في مواقع الشك هو البراءة اما عند تعذر التراب فلان الشك انما
هو في تنجز التكليف بالصلاة مع الطهارة المستلزم لجواز التيمم بما عدا التراب والأصل ينفيه سواء قلنا بسقوط الصلاة عمن فقد الطهورين
أم لم نقل اما على الأول فواضح واما على الثاني فلم يعلم اشتغال الذمة الا بنفس الصلاة واشتراطها بالطهور في مثل الفرض غير معلوم فيعمل
بالبراءة واما مع التمكن من التراب فالشك انما هو في اعتبار الخصوصية والمرجع فيه أيضا إلى البراءة بناء على ما هو التحقيق من جريانها
عند الشك في الشرطية والجزئية مطلقا ودعوى ان المكلف به في مثل الفرض هو الصلاة مع الطهارة وهو مفهوم مبين يشك في تحققه
بالتيمم بما عدا التراب فيكون الشك في المكلف به لا التكليف قد عرفت في مبحث الوضوء انها غير خالية من التأمل * (فائدة) * لو شك في وقوع
اسم الأرض على شئ فان علم له حالة سابقة استصحبت والا فيرجع إلى الأصول الحكمية من استصحاب بقاء الحدث وعدم استباحة الصلاة
ونحوهما كما عرفت تحقيقه عند التعرض الحكم الشك في إضافة الماء واطلاقه ولا يجوز التيمم بالمعادن كالكحل والزرنيخ والملح والنحاس والرصاص
وغيرها بلا نقل خلاف فيه الا من ابن أبي عقيل بل عن الغنية والخلاف والمنتهى الاجماع عليه لصحة سلب اسم الأرض عنها واطلاقه عليها
أحيانا حال انطباعها في الأرض توسع وعن ابن أبي عقيل انه يجوز التيمم بالأرض وبكل ما كان من جنسها كالكحل والزرنيخ لأنه يخرج
من الأرض وفيه انه ان أريد بما كان من جنسها ما كان من اجزائها وان انفصل عنها بحيث لم يصدق عليه اسمها حين انفصاله كالتراب
أو الحجر المتخذ من الأرض الذي لا يطلق عليه اسم الأرض بعد الاتخاذ وان صدق عليه انه من اجزاء الأرض فهو حق لكن الكحل والزرنيخ
ونحوهما من أنواع المعادن ليست كذلك لعدم كونها من اجزاء الأرض بل هي متولدة منها كالنباتات ولا يطلق عليها الأرض عرفا
الا بنحو من المسامحة حين انطباعها وأدلة الباب مصروفة عنها جزما وان أريد ما يعم الجمادات المتكونة في الأرض الخارجة من مسماه
ففيه ان عنوان الموضوع الذي يدور مداره الحكم على ما يظهر من الأدلة انما هو الأرض وخروج المعادن منها غير مجد بعد خروجها
من مسماها مضافا إلى استفاضة نقل الاجماع على عدم الجواز وربما يستدل له بمفهوم التعليل لعدم جواز التيمم بالرماد في خبر السكوني
471

والمروى عن الراوندي المتقدمين بأنه لم يخرج من الأرض وفيه أولا انه لا يفهم من التعليل الا المنع من كل ما لم يخرج من الأرض واما
الجواز بكل ما خرج منها فلا والا لفهم منه جواز التيمم بالنباتات كلها نعم يفهم منها ان علة المنع في خصوص الرماد عدم خروجه من
الأرض والا لكان حاله حال الجص والنورة لا ان علة الجواز في كل شئ منحصرة بخروجه من الأرض الا ترى انه لو قيل لا تأكل الرمان لأنه حامض
لا يفهم من التعليل الا النهى عن اكل كل حامض وجواز كل الرمان ان لم يكن حامضا لا جواز اكل كل شئ ليس بحامض نعم قد ينسبق إلى الذهن
فيما لو علل انتفاء الحكم بفقد صفة كما فيما نحن فيه ان وجود هذه الصفة علة لثبوت الحكم مطلقا كما أن عدمها علة للعدم لكنة انسباق بدوي
منشأه عدم التفات الذهن في بادي الرأي إلى احتمال مدخلية الخصوصيات في العلية وبعد الالتفات يتوقف في الحكم فلو قيل مثلا لا تشارك
زيدا فإنه ليس بأمين ولا تعطه من الزكاة شيئا فإنه ليس بفقير ربما يخطر ابتداء في الذهن كون الأمانة والفقر علة تامة لثبوت الحكمين لكن بعد
الالتفات إلى أن المتكلم لم يتعرض الا لكون الانتفاء علة للانتفاء لا الوجود للوجود وان استلزمه في خصوص المورد واحتمل مدخلية بعض الخصوصيات
مثل الخدامة في الأمور في العلية للحكم الأول وكونه مؤمنا في الثاني يتردد الذهن لا محالة ولا يبقى على حالة الأولى حيث لم يكن ذلك الانسباق
مسببا عن دلالة معتبرة فغاية ما يفهم من التعليل فيما نحن فيه انما هو جواز التيمم برماد التراب والحجارة ونحوهما من اجزاء الأرض وسيأتي
نفى البعد عنه لا جوازه بكل ما خرج منها وثانيا لو سلم ظهوره فيما ادعى للزم رفع اليد عن هذا الظاهر بعد اعراض الأصحاب عنه ومخالفته لظواهر
الكتاب والسنة مع ما في الخبرين من ضعف السند * (ثم) * لا يخفى عليك ان مناط المنع من التيمم بالمعادن انما هو خروجه من مسمى الأرض عرفا لا كونه
معدنا فلو فرض صدق المعدن على ما يصدق عليه اسم الأرض أيضا حقيقة كحجر الرحى وبعض انحاء الطين لو سلم كونه من مصاديق المعدن جاز
التيمم به بلا تأمل والاستدلال على المنع باطلاق معاقد الاجماعات المستفيضة مخدوش بتشبث المجمعين في منعهم بخروجه من مسمى الأرض
كما لا يخفى على المتتبع ولا يجوز التيمم بالرماد بلا اشكال ولا خلاف لعدم وقوع اسم الأرض عليه وقد سمعت التصريح بالمنع في الخبرين المتقدمين
معللا بعدم خروجه من الأرض وخروجه من الشجر وقد أشرنا فيما تقدم إلى أن مقتضى التعليل جوازه برماد التراب والحجارة وليس بالبعيد إذ
الظاهر عدم خروج اجزاء الأرض بتأثرها من النار أو حرارة الشمس وصيرورتها رمادا من كونها من اجزاء الأرض حقيقة ولا يقاس ذلك
بالمعادن لوضوح الفرق بين الذهب والفضة ولنحاس والرصاص وغيرها من المعادن وبين الرماد الذي استحيل إليه التراب أو الحجارة
في كون الأول أجنبيا عن الأرض متكونا منها بخلاف الثاني ولا أقل من الشك فيه الموجب لجريان الاستصحاب مضافا إلى شهادة الخبرين
بذلك وتوهم مخالفته المشهور أو المجمع عليه فاسد كما لا يخفى على المتأمل وكذا لا يجوز بالنبات المنسحق الذي يشبه التراب كالأشنان
والدقيق ونحوهما فضلا عن غير المنسحق منه بلا خلاف فيه لخروجه من مفهوم الأرض التي أنيط بها الحكم في الأدلة ويجوز التيمم بأرض
النورة والجص اختيارا كما عن المشهور وعن مجمع البرهان انه ينبغي ان يكون لا نزاع فيه أقول وهو كذلك لو لم تكن حجرا والا فينبغي ان
يمنع منهما المانعون من الحجر كما هو الغالب فيهما ولعله لذا اشترط الشيخ فيه فيما حكى عن نهايته فقد التراب وعن الحلى المنع منه للمعدنية
وفيه منع كونها من المعادن عرفا مضافا إلى ما عرفت من أن المناط كونه أرضا لا عدم كونه معدنا ومن المعلوم عدم صحة سلب اسم الأرض
عن ارض الجص والنورة هذا مع دلالة خبري السكوني والمروى عن الراوندي عليه بالفحوى ومفادهما جواز التيمم بعد الاحراق كما
هو أحد القولين في المسألة ويدل عليه مضافا إلى ذلك استصحاب الحالة السابقة وقيل بالعدم لحصول الاستحالة وخروجها
بعد الاحراق من مسمى الأرض وضعف الروايتين وفيه تأمل بل منع ولا أقل من الشك في الخروج الموجب للرجوع إلى الحالة السابقة
مع أن خبر السكوني على الظاهر مما لا بأس بالعمل به ويؤيد في الجص بل يشهد له ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن الحسن بن المحبوب
قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه فكتب إلى بخطه ان الماء والنار
قد طهراه فان ظاهره بمقتضى التقرير جواز السجود عليه ووجهه على الظاهر ليس الا كونه من اجزاء الأرض وعدم تحقق الاستحالة المانعة
سنة والله العالم وهل يجوز التيمم بالخزف والاجر وجهان بل قولان من تحقق الاستحالة المانعة منه ومن منع ذلك ومنشأ
توهم الاستحالة عروض الهيئة خاصة وانفصالهما عن الأرض والا فهما بعد الطبخ بنظر العرف ليسا الا مشوي ما كانا قبله من دون
استحالة ولا أقل من الشك فيه الموجب للرجوع إلى الاستصحاب ولعل هذا هو الأقوى خصوصا في الاجر الذي يغلب على الظن بقائه
على حالته الأصلية وعن ظاهر المنتهى والدروس التوقف في الخزف وعن كشف الالتباس التوقف في مطلق المشوي وعن المفاتيح انه
جعل جواز الخزف بعد التراب والجص والنورة والطين والحجر ملتزما بالترتب بينها وعن المعتبر التصريح بالمنع في الخزف قال فيما حكى عنه
ولا يعارض بجواز السجود عليه لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ انتهى ويتوجه عليه انه لا يجوز السجود الا على الأرض أو
نباتها الا ان يدل عليه الدليل بالخصوص فتسليمه في الخزف مع عدم كونه نباتا ولم يدل عليه دليل بالخصوص لا يجتمع مع القول بحصول
472

الاستحالة المانعة من التيمم نعم لو قيل بعدم جواز التيمم بمطلق الأرض واشتراط الترابية اما مطلقا أو مع الاختيار أمكن الالتزام
بالتفصيل بدعوى بقاء وصف الأرضية دون الترابية بشهادة العرف وبظهر من المحكى عن بعض التفصيل بين الخزف المسحوق وغيره فأجاز
في الأول دون الثاني ولعله ممن يعتبر وصف الترابية وقد زعم عدم تأثير الحرارة والشوى في زوال هذه الصفة وانما المؤثر فيه الهيئة
الاتصالية فإذا زالت عاد إلى ما كان كما لو انقلب الحجر ترابا وفيه تأمل وكذا يجوز التيمم بتراب القبر وان نبش بل وان تكرر نبشه ما لم
يعلم بنجاسته بلا اشكال حيث لا مقتضى للمنع منه بل لاوجه لتخصيصه بالذكر عدا قوة احتمال نجاسته عند التكرر بإصابة النجس واحتمال
كونه مستحيلا من جسد الميت ومن المعلوم عدم الاعتناء باحتمال النجاسة ما لم تتحقق وعدم البأس بكونه في الأصل ادميا بعد تحقق
الاستحالة فضلا عن احتماله من غير فرق بين كون الميت المستحال إليه طاهرا أو نجسا لزوال نجاسته بالاستحالة وكذا يجوز بالتراب
المستعمل في التيمم بلا خلاف فيه ظاهرا بل عن جماعة دعوى الاجماع عليه لعدم المانع منه مع اطلاق الأدلة وحكى عن الشافعي المنع
في أصح قوليه قياسا على الماء المستعمل في الحدث الأكبر وفيه مع كونه قياسا مالا يخفى ثم إن المراد بالمستعمل على ما ذكره بعض هو
الممسوح به أو المتساقط عن محل الضرب لا المضروب فإنه ليس بمستعمل عند الجميع وكيف كان فلا جدوى في تحقيقه بعد ان عرفت انه
لا شبهة بل لا خلاف عندنا في جواز التيمم به والله العالم ولا يصح التيمم بالتراب أو الحجر المغصوب مع العلم بالغصبية بمعنى تنجز
الخطاب بالاجتناب عنه وعدم معذوريته شرعا أو عقلا في تركه سواء علق باليد شئ منه فمسح به جبهته ويديه أم لا لحرمة التصرف
فيه المتحقق بالضرب عليه المأخوذ في مهية التيمم فلا يعقل ان يقع عبادة نعم لو قيل بان التيمم انما هو امرار اليد المضروبة على الأرض
على الجبهة واليدين بان لم يكن الضرب مأخوذ في مهية وكان من مقدماته التوصلية اتجه القول بصحته ما لم يعلق باليد عند المسح
بها شئ من المغصوب لولا الاجماع على خلافها كما أن المتجه ذلك لو جهل الغصبية أو نسيها حال الضرب وان علم بها بعده بشرط ان لم
يصاحب يده حال المسح بها ما يحرم التصرف فيه والا لم يصح وكذا لو تيمم بتراب مباح في مكان مغصوب أو في انية مغصوبة لحصول
التصرف في المكان والاناء بالاعتماد الحاصل بواسطة الضرب وكذا في هواء المكان المغصوب بواسطة المسح الذي يتحقق به التيمم
نعم لو فرض انفكاكه عن الامرين اتجه الصحة ولا يفسده حرمة كونه في المكان الذي هو من لوازم وجوده لخروج الكون في المكان
من مهية التيمم ولا يقاس ذلك باكوان الصلاة المتخذة في مهيتها كما هو واضح ولو اشتبه المغصوب بغيره اجتنب عنهما كما عرفت في
حكم الشبهة المحصورة وكذا لا يجوز التيمم بالتراب النجس بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه كما يدل عليه
الوصف بالطيب في الكتاب العزيز إذا الظاهر الذي يقابل القذر كما عن غير واحد تفسيره به وعن جامع المقاصد نسبته إلى المفسرين ويؤيده
ما عن الفقه الرضوي ومعاني الأخبار من تفسير الطيب بالمكان الذي ينحدر عنه الماء ويؤيده أيضا بل ربما يستدل له كما في الحدائق بقوله صلى الله عليه وآله
في الأخبار المستفيضة جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا بناء على أن الطهور هو الطاهر المطهر كما تقدم تقريبه في صدر الكتاب فيختص
ذلك بما إذا لم يعرضها النجاسة لأنها على هذا التقدير لا توصف بالطهورية فليتأمل وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في الحكم بعدما
سمعت من دلالة الكتاب عليه ولو بواسطة الاعتضاد بفهم الأصحاب وعدم الخلاف فيه بل استفاضة نقل الاجماع عليه كما صرح به
بعض ولو اشتبه الطاهر بالنجس يتيمم بغيرهما مع الامكان على الأحوط تحصيلا للجزم بالنية وان لم نلتزم بوجوبه كما عرفت في
مبحث الوضوء والا تيمم بكل منهما احتياط ولا يقاس ذلك بالوضوء بالمائين المشتبهين الذي لا يبعد المنع منه مطلقا لمكان النص
مع وجود الفارق لأجل ثبوت البدل وقد عرفت في محله ان مقتضى القاعدة هو الوضوء بهما مع الامكان لولا دلالة النص على خلافه
لما أشرنا إليه من أنه ليس الطهارة بالنجس حرمة الا من حيث التشريع الذي يمتنع تحققه مع قصد الاحتياط فيجب كما يجب ذلك عند
اشتباه التراب بغير التراب والماء المطلق بالمضاف وكذا لا يجوز التيمم بالوحل مع وجود التراب أو غيره مما يقع عليه اسم الأرض
ويجوز بدونه في الجملة كما سيأتي التكلم فيه انشاء الله وان مزج التراب بشئ من المعادن ونحوهما مما لا يجوز التيمم به فان استهلكه التراب على
وجه لم يبق للخليط اسم عرفا يعد بنظر العرف ترابا ممتزجا بغيره جاز التيمم به والا لم يجز بلا اشكال بل ولا خلاف في الأخير فان المستفاد
من الأدلة انما هو اعتبار ضرب اليد على ما يقع عليه اسم التراب أو الأرض على الاطلاق وهو مما ينافيه المزج المعتد به حيث إنه لا يطلق
على ما يقع عليه الضرب اسم التراب على الاطلاق الا على سبيل التجوز واما ان استهلك ذلك الشئ على وجه اطلق عليه الاسم من دون تجوز
فلا ينبغي الاستشكال في الصحة كما هو المشهور بل لم يتحقق خلاف فيه من أحد فان من اطلق المنع من التيمم بالممتزج لم يعلم ارادته لذلك
وكذا من اعتبر التيمم بالتراب الخالص لم يعلم منعه من ذلك إذ المفروض عدم اعتناء العرف بما فيه من المزج وتوصيف التراب بالخلوص
ليس الا كتوصيف الماء بالاطلاق وكيف كان فيدل عليه تحقق الامتثال عرفا بضرب الصعيد والأرض ونحوهما وتوهم كونه من
473

المسامحات العرفية * (مدفوع) * بأنه لا يفهم عرفا من الأدلة الا إرادة ما يعم ذلك نظير الامر بالغسل بالماء الذي لا ينافيه امتزاجه
بما لا يخرجه من أن يقع عليه اسمه ولا يتفاوت الحال في ذلك على الظاهر كما هو قضية اطلاق المتن وغيره بين كون الخليط المستهلك مثل
الكحل ونحوه مما يلحق بالمعدوم ولم يبق له حقيقة بنظر العرف أو مثل الشعرة وبعض اجزاء الحشيش الذي قلما ينفك أكثر الأراضي عنه
لكن وجوده فيها ليس الا كوجود ما يوجد في الحنطة ونحوها من غير جنسها مما لا يمنعها من اطلاق الاسم ودفعها لتفريغ الذمة
عند اشتغالها بها ببيع ونحوه وفرق بينهما بعض فمنعه في الثاني دون الأول نظرا إلى اشتراط استيعاب ملاصقة الكف لما
يضرب عليه من الصعيد لظهور الأدلة في ذلك وهو لا يحصل فيما إذا امتاز الخليط وان قل كشعرة ونحوها لا لعدم صدق اسم الصعيد
على المضروب عليه بل لعدم تحقق ملاصقة جميع اجزاء الكف للصعيد بواسطة حاجبية الخليط المتمايز وفيه بعد تسليم اعتبار الاستيعاب
الحقيقي وعدم كفاية تحقق مسماه عرفا ان المعتبر انما هو ضرب باطن الكف وملاصقته لما يسمى في العرف صعيدا وهو حاصل في الفرض
ما لم يكن الجزء المختلط ملحوظا لدى العرف بحياله لكون المجموع من حيث المجموع مصداقا للصعيد في الفرض ولا يعتبر فيه كون كل جزء
جزء يفرض منه مما يقع عليه الاسم والا لامتنع تحققه على سبيل التحقيق في الفرض الأول أيضا ولا يدور الأحكام الشرعية مدار التدقيقات
الحكمية ولذا لا يرتاب أحد في حصول امتثال الامر بوضع اليد على الحنطة مثلا عند وضعها على ما يسمى في العرف حنطة فهل ترى
فرقا بين ما لو قال اضرب يدك على الحنطة أو تصدق بالحنطة على الفقير فكل طبيعة يحصل بدفعها للفقير براءة الذمة عن الامر بالتصدق
يتحقق بوضع اليد عليها امتثال الامر بالضرب بلا شبهة وتوهم الفرق بين التراب والحنطة ونحوها بدعوى غلبة اختلاط الحنطة
ونحوها بغير الجنس فلا يتبادر من الاطلاقات الا الافراد المتعارفة بخلاف التراب * (مدفوع) * أولا بان اختلاط التراب بغير جنسه أغلب
كيف وقد يدعى ان التيمم بالتراب المحض قد يتعذر في بعض المواضع أو انه من التكاليف العسرة التي ينافيها شرعية التيمم وثانيا ان المدار
على اطلاق الاسم وعدم انصرافه عنه لا كونه فردا غالبيا وقد يقال في توجيه صحة التيمم في الفرض ان الخليط بالاعتماد وضرب اليد عليه
يندفن بالتراب أو الكف يماس التراب بالتحريك لأنه لا يعلق بها وفيه ما لا يخفى فان غاية الأمر امكان حصول الملاصقة في الفرض لا لزومها
على وجه يحصل القطع بها في مقام الامتثال فالتحقيق ما عرفت ولا يخفى عليك ان ما ذكرناه من جواز التيمم بالتراب المختلط عند استهلاك
الخليط لا يتمشى فيما إذا امتزج التراب بنجس أو متنجس فإنه لا يجوز التيمم به وان استهلكت عين النجس أو المتنجس لان بقاء اثاره الشرعية كوجوب
الاجتناب عن ملاقيه والاجتناب عنه في المأكول والمشروب وغير ذلك مانع من اضمحلال اسم النجس واتصاف المجموع المشتمل عليه الذي
يقع عليه الضرب بالطهارة التي هي شرط في صحة التيمم نعم لو اعتمدنا في تصحيح التيمم في المسألة السابقة على الوجه الذي أشرنا إليه أخيرا لاتجه
جواز التيمم بالممتزج بالنجس أيضا عند استهلاكه لكنك عرفت ضعفه وقد تقدم عند التعرض لبيان عدم وجوب تكميل الماء على من لم يجد
الماء بقدر الكفاية يمزجه بغير جنسه مما لا يسلبه اطلاق الاسم ماله ربط بالمقام فراجع حتى يتضح لك سر ما ربما تجده في نفسك من الفرق بين
ما لو وضعت على التراب الذي يتيمم به شيئا من غير جنسه من خيوط ونحوها وبين ما لو كان التراب من أصله ممزوجا بمثل ذلك الشئ حيث
لا يعتنى بمثله كثيرا ما في الثاني دون الأول فإنه قد يشبه ذلك ما أشرنا إليه في ذلك المقام من حصول براءة الذمة في زكاة الفطرة و
غيرها بدفع المقدار الواجب من مسمى الحنطة وان لم تصف عن شئ من التراب ونحوه وعدم البراءة بأقل من ذلك المقدار من الحنطة الصافية
عند مزجها وتكميلها بطرح ذلك المقدار من التراب فيها من اختيار فلاحظ وتدبر والله العالم ويكره التيمم بالسبخة وهى كما في
المجمع ارض مالحة يعلوها الملوحة وكذا بالرمل على المشهور فيهما كما في الجواهر وغيره بل عن المعتبر والمنتهى دعوى الاجماع على جواز
التيمم مهما على كراهة الا انه استثنى في المعتبر ابن الجنيد فإنه منع من السبخ وكفى بما عرفت دليلا للكراهة بعد البناء على المسامحة
واما جوازه بهما فقد عرفت انه مما لا ينبغي الاستشكال فيه ولو اختيارا بعد وقوع اسم الأرض عليهما ويستحب ان يكون التيمم
من ربا الأرض وعواليها بل يكره ان يكون من المهابط لما عن الخلاف وغيره من دعوى الاجماع عليهما ويؤيدهما أبعدية العوالي
من النجاسة وأقربية المهابط إليها مضافا إلى ما سمعت من تفسير الصعيد بالمرتفع من الأرض والطيب بالذي ينحدر عليه الماء في
الاخبار والفقه الرضوي ويؤيد الكراهة من المهابط النهى عن التيمم بما يكون من اثر الطريق ففي خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله
قال نهى أمير المؤمنين عليه السلام ان تيمم الرجل بتراب من اثر الطريق وفى خبره الاخر قال أمير المؤمنين (ع) لا وضوء من موطئ وعن النوفلي يعنى
ما تطأ عليه برجلك ومع فقد التراب وغيره مما يقع عليه اسم الأرض أو تعذر استعماله عقلا أو شرعا يتمم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو
عرف دابته أو غير ذلك مما فيه غبار قال في محكى المعتبر وهو مذهب علمائنا وأكثر العامة انتهى ومستند الحكم اخبار مستفيضة * (منها) *
صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) أرأيت المواقف ان لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول قال يتيمم من لبده أو سرجه أو معزقة
474

دابته فان فيها غبارا ويصلى * (ومنها) * صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر
أجف موضع تجده فتيمم منه فان ذلك توسيع من الله عز وجل قال فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شئ مغبر وان كان في
حال لا يجد الا الطين فلا بأس ان يتيمم منه ومثلها صحيحة ابن المغيرة بأدنى اختلاف وموثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إن كان
إصابة الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أومن شئ معه وان كان في حال لا يجد الا الطين فلا بأس ان يتيمم منه ورواية أبي بصير
عن أبي عبد الله (ع) قال إذا كنت في حال لا تقدر الا على الطين فتيمم به فان الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر
ان تنفضه وتيمم به وينبغي التنبيه على أمور الأول عدم اختصاص الحكم بغبار ثوبه ولبد سرجه وعرف دابته وتخصيصها بالذكر في
المتن ونحوه انما هو لتبعية النص واما ورودها في النصوص فللجري مجرى الغالب من انحصار ما فيه الغبار مع المسافر بهذه الأمور
والا فمقتضى التعليل في صحيحة زرارة وعموم قوله (ع) في صحيحة رفاعة وابن المغيرة أو شئ مغبر وقوله (ع) في موثقة زرارة أو من شئ معه اطراد
الحكم بالنسبة إلى كل ذي غبار وظاهرها كظاهر الفتاوى بل صريح جملة منها التخيير بين المصاديق فله اختيار التيمم بكل ما فيه غبار
من دون ترتب فما عن بعض من تقديم الثوب على اللبد وعرف الدابة كما عن آخرين من الالتزام بالعكس مما لاوجه له وربما يوجه الأخير
بان غبارهما أكثر وفيه بعد تسليم لزوم تقديم الأكثر غبارا كما سيأتي التكلم فيه [انش] انه غير مطرد الثاني ان التيمم بالغبار مشروط
بفقد التراب بل مطلق ما يقع عليه اسم الأرض بناء على عدم الترتب بين اجزائها كما هو المختار بلا خلاف فيه بل عن غير واحد دعوى
الاجماع عليه عدا ما حكى عن ظاهر السيد من مساواته للتراب وجوازه مع التمكن منه ولعله أراد ما إذا اجتمع الغبار بالنفض ودعا
مصداقا للتراب والا فهو ضعيف محجوج بعدم اطلاق اسم الأرض عليه واختصاص ما دل على جوازه من النص والاجماع بما إذا
لم يتمكن من الأرض مضافا إلى عدم الخلاف في تأخر مرتبته عن التراب نعم وقع الخلاف ممن لا يرى جواز التيمم بما عدا التراب
مع التمكن منه في تقديم الحجر عليه فعن بعض تقديمه على الحجر وعن آخرين عكسه واختار في المستند التخيير بينهما ولا يهمنا تحقيقه
بعد البناء على كون الحجر من مصاديق الصعيد الذي لا يعدل منه إلى الغبار الا لدى الضرورة الثالث يعتبر في الغبار الذي يتيمم
به ان يكون محسوسا بان يكون بارزا على ظاهر ذي الغبار مرئيا حتى يتحقق صدق التيمم بالغبار ولا يكفي فيه بكونه كامنا في الشئ و
ان أحس به عند الضرب عليه خلافا لبعض فاكتفى بضرب اليد على ذي الغبار الكامن بشرط ثوران الغبار منه بالضرب زاعما صدق التيمم
بالغبار الذي ورد الامر به في الاخبار عليه بخلاف ما إذا لم يخرج غبار أصلا فلم يكتف به وان علم بان فيه غبارا كامنا لعدم تحقق
الصدق وقد حمل كلام من صرح بأنه يعتبر احساس الغبار على مختاره من اعتبار احساسه بعد ضرب اليد وهو بعيد وكيف كان
فالأول هو الأقوى وفاقا لظاهر كل من اعتبر نفض الثوب قبل الضرب عليه كما عن الشيخين والديلمي وغيرهم إذ الظاهر أنهم يعتبرون
النفض مقدمة لبروز غبارة فلا يجب عند تحقق ذيها ولعل هذا هو المتبادر من قول من اعتبر احساس الغبار ويدل عليه قوله (ع)
في خبر أبي بصير إذا كنت في حال لا تقدر الا على الطين فتيمم به إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر على أن تنفضه وتتيمم به فإنه
كالصريح في أنه على تقدير القدرة يجب نفض الثوب والتيمم لغباره مقدما على الطين وما يقال من عدم دلالته الا على شرعية التيمم بالطين
على تقدير فقد ثوب تقدر على نقضه والتيمم به واما انه يشترط في التيمم بغبار ذلك الثوب نفضة فلا سماجة في القول نعم يمكن ان يقال إن
من المحتمل ان يكون المراد بنفسه تحصيل التراب منه بجمع غباره على وجه يتمكن من التيمم بالتراب ولا شبهة في وجوب ذلك مع الامكان
وتقدمه على الطين وكونه فرضا نادرا غير ضائر بعد وقوع التقييد بالقدرة في الرواية لكن يدفعه النص والاجماع كما ستعرف على أنه
لا ينتقل إلى التيمم بالوحل الا عند تعذر التيمم بالغبار فيكشف ذلك عن أن المراد بنفضه انما هو ابراز غباره والتيمم وان لم ينته من
الكثرة بمقدار يندرج في مصداق التيمم بالتراب ويدل عليه أيضا المستفيضة الامرة بالتيمم بغبار ثوبه فإنه لا يتحقق حقيقة بنظر العرف
الا إذا كان الغبار الذي يتيمم به بارزا على وجه يقع الضرب عليه أو لا وبالذات ولا يكفي بروزه بالتيمم ويؤكد ظهورها في المدعى ما
فيها من عطف قوله (ع) أو شئ مغبر فان المتبادر منه ليس الا ما أحاط بظاهره الغبار ولا يطلق المغبر عرفا على عرف الدابة أو ثياب الرجل
أو لحيته مثلا الا إذا ظهر عليها الغبار دون ما إذا خفى فيها وكان ظاهرها نظيفا ويؤكده أيضا ورودها في المسافر الذي قلما
يتخلف الغبار عن ظاهر ثيابه ولد سرجه وعرف دابته وما في بعض الأخبار من اطلاق الامر بضرب اليد على اللبد ونحوه كقوله (ع) في
رواية زرارة الآتية يضرب بيده على اللبد أو البرذعة ويتيمم ويصلى جار مجرى الغالب كما يشهد لذلك التعليل للتيمم بلبده وسرجه
ومعرفة دابته في صحيحة زرارة المتقدمة بقوله (ع) فان فيها غبارا وقد أشرنا إلى أن الغالب في عرف دابة المسافر ولبد سرجه وثيابه كونها
معتبرة فهذا هو المصحح لما في مثل هذه الرواية من الاطلاق لا مجرد اشتمالها على الغبار الكامن فيه حتى يعارضها رواية أبي بصير وغيرها
475

من الاخبار الظاهرة في اعتبار وقوع التيمم بنفس الغبار لا بالشئ الذي يكون الغبار كامنا فيه ففي مثل الفرض يجب نفض الثوب حتى يظهر
غبارة ليقع التيمم بغباره كما أنه هو الذي يقتضيه قاعدة الميسور التي هي مناط شرعية التيمم بالغبار على الظاهر كما يفصح عنه التعليل الواقع
في صحيحة زرارة بان فيها غبارا ويؤيده تقدم رتبته على الطين الذي علل جواز التيمم به في بعض الأخبار
بأنه صعيد طيب وماء طهور
فالقول باعتبار نفض الثوب وبروز غباره أقوى مع أنه أحوط نعم لو تعذر ذلك لكان الأحوط هو الجمع بين التيمم بالثوب الذي
يثور منه الغبار بالضرب عليه والتيمم بالوحل الذي ستعرف تأخر رتبته عن الغبار * (الرابع) * هل يعتبر تقديم ما هو الأكثر غبارا
أم لا وجهان من الاطلاق الاخبار الامرة بالتيمم من غبار ثوبه أو شئ معه مغير ومن اقتضاء قاعدة الميسور اعتبار مراعاة الأقرب
فالأقرب وامكان دعوى ان مغروسية القاعدة في الذهن توجب صرف الاطلاقات إلى ما يقتضيها ولا ريب ان هذا هو الأحوط
وان كان الأول أظهر * (الخامس) * يعتبر في الغبار كونه من اجزاء الأرض كغبار التراب ونحوه مما يجوز التيمم بأصله بلا خلاف فيه على الظاهر فلا يجزى
غبار الأشنان والدقيق ونحوه لانصراف الأدلة عنه خصوصا بعد التفات الذهن إلى عدم جواز التيمم بأصله وكون الحكم
مبنيا على مراعاة قاعدة الميسور بل ربما يدعى عدم صدق الغبار حقيقة على ما عدا غبار التراب السادس لا خلاف نصا
وفتوى في أنه مع فقد ذلك أي الغبار حقيقة أو حكما يتيمم بالطين المعتبر عنه في المتن وغيره بالوحل كما يدل عليه اخبار مستفيضة
تقدم جملة منها واما مع وجود الغبار فضلا عن التراب ونحوه فلا يعدا إليه فإنه متأخر عن الغبار في الرتبة بلا خلاف أيضا
بل ادعى غير واحد الاجماع عليه ويدل عليه المستفيضة المتقدمة كصحيحتي رفاعة وابن المغيرة وموثقة زرارة ورواية أبي بصير
المعلقة جواز التيمم بالطين على ما إذا لم يجد غيره فإنها تدل بالمفهوم على تأخر مرتبته عن كل ما يتيمم به حتى الغبار الذي استفيد
جواز التيمم به في الجملة من نفس هذه الروايات وفى رواية أبي بصير التنصيص على اشتراطه بفقد الغبار فإنه قال إذا كنت في حال
لا تقدر الا على الطين فتيمم به فان الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر ان تنفضه وتيمم به فما في المدارك
من الاستشكال في تقديم الغبار على الوحل لو لم يكن اجماعيا زاعما انحصار مدركه في رواية أبي بصير التي لا يراها حجة لضعف
سندها في غير محله لما عرفت من عدم الانحصار مضافا إلى عدم الاعتناء بضعف السند في مثل هذه الرواية خصوصا مع ما في حاشية
المدارك من التصريح بصحتها عنده وفى الحدائق وصفها بالصحة وكذا ما في الحدائق من الاستشكال فيه لزعمه معارضة الأخبار
المتقدمة برواية زرارة عن أحدهما قال قلت رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع قال يتيمم فإنه الصعيد قلت فإنه
راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء قال إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم يضرب بيده
على اللبد أو البرذعة ويتيمم ومرسلة علي بن مطر سئلت الرضا (ع) عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب يتيمم بالطين قال
نعم صعيد طيب وماء طهور وفيه ان مقتضى القاعدة تقييد الرواية الثانية بما إذا لم يتمكن من الغبار كما لعله هو الغالب في مفروض
السائل جمعا بينها وبين الأخبار المتقدمة واما رواية زرارة فيحتمل قويا ان يكون المراد بالطين الذي امر بالتيمم منه في هذه الرواية
هو الذي لم يبلغ مرتبة الوحل بحيث يصح اطلاق اسم الصعيد عليه على الاطلاق كما اطلق عليه في الرواية فان من المستبعد ان
يكون مثل هذه الأجمة التي يضطر الرجل إلى أن يصلى فيها مجموعها وحلا من غير أن يجتمع في شئ منها الماء بقدر ان يتوضأ
فهي لا تنفك عادة عن مواضع يمكن ان يتيمم بها من غير أن يتلطخ بها اليد بحيث لا يصدق عليها اسم الوحل وان لم يطلق عليها
اسم التراب فان المراد بالوحل هو الطين الرقيق الذي لا يطلق عليه اسم الأرض ويتلطخ به اليد عند وضعها عليه بل هذا هو المتبادر
من الطين أيضا في ساير الاخبار وما لم يبلغ هذه المرتبة فهو مقدم على الغبار بلا تأمل هذا مع أن الظاهر أن المراد بقوله
فإنه راكب لا يمكنه النزول [الخ] هو الاستفهام عن حكم من تعذر عليه النزول للتطهير والتوضي بواسطة الخوف فهي على الظاهر
مسألة مستأنفة فليتأمل ثم لو سلم دلالة هذه الرواية على ما ادعى فهي لا تصلح معارضته للأخبار المتقدمة
خصوصا بعد
اعراض الأصحاب عنها فلا مجال للتشكيك في الحكم والله العالم * (تنبيه) * اختلف كلام الأصحاب في كيفية التيمم بالوحل والذي
يظهر من المتن وغيره بل عن الحلى وغيره التصريح به انها كالتيمم بالتراب يضرب يديه عليه ويمسح بهما جبهته وظاهر كفيه وهذا هو الذي
يقتضيه اطلاقات الأدلة الواردة في مقام البيان إذ لو كان له كيفية خاصة لبينها الإمام (ع) عند الامر به وعن المقنعة انه يضع
يديه ثم يرفعهما فيمسح إحديهما بالأخرى حتى لا تبقى فيها نداوة ثم يمسح بهما وجهه وفيه انه لا دليل على اعتبار هذا الشرط اللهم الا
ان يريد به الفضل والاستحباب فيمكن دعوى استفادته من الأخبار الدالة على استحباب نفض اليدين عند التيمم بالتراب بنحو
من الاعتبار وعن كتب الشيخ انه يضع يديه في الطين ثم يفركه ويتيمم به وعن الوسيلة يضرب يديه على الوحل قليلا ويتركه عليهما حتى
476

ييبس ثم ينفضه عن اليد به * (وفيه) * انه ان أريد بوضع يديه وضربهما على الطين الاحتيال في تجفيفه ليتيمم به بعد الجفاف فهو حسن
ما لم يكن حرجيا ولم يزاحمه ضيق الوقت وغيره من الموانع لكنه يخرج من كونه تيمما بالطين الذي وقع في الاخبار التصريح بجوازه
ما لم يقدر على غيره ولا مدخلية على هذا التقدير لضرب يديه على الطين في التيمم وانما المعتبر تجفيفه باي آلة تكون وان أريد بفركه
ونفضه إزالة الطين عن اليد وامرارها على الوجه بعد إزالة ما عليها من الطين ففيه مع أنه خلاف المتبادر من العبارتين خصوصا
الثانية انه لا دليل على اعتبار هذا الشرط فضلا عن أن يكون بعد الجفاف مع أنه ربما يستلزم ذلك فوت الموالاة وكيف كان
فالأظهر ما عرفت والله العالم ثم إن ظاهر المتن وغيره بل صرح به جماعة انحصار ما يتيمم به ولو اضطرارا بما ذكر فمع فقدها كان فاقدا
للطهورين من غير فرق بين ان يجد الثلج أو الماء الجامد الذي لا يستطيع الغسل به وعدمه بل يظهر من المدارك نسبته إلى أكثر
الأصحاب حيث نسب إليهم القول بسقوط فرض الصلاة أداء عند فقد الوحل الذي هو اخر المراتب وحكى عن ظاهر السيد وابن الجنيد
وسلار انه يتيمم بالثلج وعن المفيد في المقنعة أنه قال وان كان قد غطا نما الثلج ولا سبيل له إلى التراب فليكسره وليتوضأ به
مثل الدهن انتهى واعترض عليه بأنه ان تحقق به الغسل الشرعي كان مقدما على التراب ومساويا للماء في جواز الاستعمال وان
قصر عن ذلك سقط اعتباره مطلقا اما في الوضوء والغسل فلعدم امكان الغسل المعتبر في مهيتهما به كما هو المفروض واما في التيمم فلانه
ليس أرضا فلا يجوز التيمم به وبهذا الأخير اعترض على القائلين بالتيمم بالثلج * (أقول) * لا يبعد الالتزام بمقالة المفيد ودفع الاعتراض
عنه ولنتكلم أولا في حكم من وجد ثلجا أو ماء جامدا حتى يتضح حقيقة الحال فنقول لا تأمل في شرعية التوضي والاغتسال من الثلج
والماء الجامد في الجملة كما يدل عليه اخبار مستفيضة * (منها) * رواية معاوية بن شريح قال سئل رجل أبا عبد الله عليه السلام وانا عنده قال يصيبنا
الدمق بالثلج ونريد ان نتوضأ ولا نجد الا ماء جامدا فكيف أتوضأ أدلك به جلدي قال نعم ورواية محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (ع)
عن الرجل يجنب في السفر لا يجد الا الثلج قال يغتسل بالثلج أو ماء النهر ولا يبعد ان يكون عطف ماء النهر على الثلج مع أنه لم يجده على
ما فرضه السائل لرفع الاستبعاد بالتنبيه على عدم الفرق بين الاغتسال بالثلج أو ماء النهر فان الغالب كون ماء النهر من الثلج ومقتضى
التسوية بينهما جواز ايجاده اختيارا وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال سئلته عن الرجل الجنب أو على غيره وضوء لا يكون معه ماء وهو
يصيب ثلجا وصعيدا أيهما أفضل أيتيمم أم يمسح بالثلج وجهه قال الثلج إذا بل وجهه وجسده أفضل وان لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم
ومثله خبره الاخر المنقول من قرب الإسناد وقد عرفت في مبحث الوضوء انه لا يعتبر في تهية الغسل والوضوء أزيد من أن يمس جلدك
الماء وان لم يتحقق جريان بالفعل وايصال البلة على الظاهر عبارة أخرى عن هذا المعنى فلا اشكال في اطلاق الرواية نعم لو قلنا
بصدق البلة على مجرد النداوة الحاصلة بالتمسح وان لم يتحقق معها صدق مس الجسد للماء أو اعتبرنا فيه الجريان الفعلي ولو بإعانة
الآلة من يد وثلج ونحوه للزم ارتكاب التقييد في الرواية بحملها على ما لا ينافي هذا الشرط كما ليس بالبعيد حيث إن القطع بوصول
البلة إلى جميع مواضع الغسل والوضوء لا ينفك غالبا عن حصول أقل ما يعتبر في الغسل ولو على القول باعتبار الجريان الفعلي فيه فان المبالغة
في امرار الثلج على الجسد يوجب ذوبان جزئه الملاصق للبدن غالبا فلا يبعد جريها مجرى الغالب فهي لا تصلح دليلا لرفع اليد عما دل على اعتبار
امساس الجسد للماء أو اعتبار الجريان في مهية الغسل نعم لو تمكن من ايصال البلة وتعذر عليه اكثارها على وجه يتحقق به أقل المجزى لأمكن
الالتزام بكفايته لدى الضرورة بقاعدة الميسور وكيف كان فيفهم من هذه الروايات جواز الوضوء والغسل بالثلج ولولا مثل هذه الأخبار
لاشكل استفادته من اطلاق الكتاب والسنة الامرة باستعمال الماء ولو على تقدير حصول الجريان بفعله فان المتبادر منها إرادة
استعمال ما كان ماء حال الاستعمال لا ما انقلب إليه بالاستعمال نعم لو قيل باستفادته من مثل قوله (ع) إذا مس جلدك الماء فحسبك
لم يكن بعيدا وان لا يخلو أيضا من تأمل بل لولا ظهور رواية محمد بن مسلم في مساواته للماء لاشكل الجزم بذلك حيث لا يفهم من غيرها
جوازه في غير الضرورة * (وكيف) * كان فإذا ثبت جوازه لا يجوز العدول عنه الا لضرورة لكن الغالب عند انحصار الماء فيه وعدم
التمكن من إذابته كما هو المفروض في موضوع النصوص والفتاوى كون الاغتسال أو التوضي به حرجيا فلا يتنجز التكليف به
كما يدل عليه مضافا إلى قاعدة نفى الحرج صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن رجل أجنب في سفر ولم يجد الا الثلج
أو ماء جامدا قال هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أرى ان يعود إلى هذه الأرض التي توبق دابته ولا ينافيها الأخبار المتقدمة
لما عرفت في محله من أن التيمم في مواقع كون الطهارة المائية حرجيا رخصة لا عزيمة فله ان يتحمل المشقة ويأتي بالطهارة المائية
بل قد أشرنا في محله ان هذا هو الأفضل ولا يكاد يستفاد من الاخبار الامرة بالتمسح بالثلج أزيد من ذلك اما صحيحة
علي بن جعفر فهي ناطقة بالمدعى حيث قال فيها الثلج إذا بل وجهه وجسده أفضل وظاهر جواز التيمم أيضا كما يقتضيه قاعدة نفى
477

الحرج والصحيحة المتقدمة واما رواية معاوية بن شريح فلا يفهم منها أيضا الا صحة التوضي بالثلج وشرعية نعم ظاهر رواية محمد بن
مسلم وجوب الاغتسال بالثلج أو ماء النهر لكن يجب اما تقييدها بما إذا لم يستلزم الحرج أو حملها على الاستحباب كما عرفت تحقيقه
عند التعرض لبيان مسوغات التيمم والحاصل انه لا تأمل في كون الحرج الذي هو في الغالب من لوازم الاغتسال أو التوضي
بالثلج فيما هو المفروض في موضوع المسألة من مسوغات التيمم [فح] لا وقع للاعتراض على المفيد بأنه ان تحقق به الغسل الشرعي
كان مقدما على التراب ومساويا للماء وان قصر عن ذلك سقط اعتباره لما عرفت من أنه مع كونه مساويا للماء وجايزا استعماله يجوز
تركه لمكان الحرج مع أنك قد عرفت انه على تقدير كونه اقصر من ذلك أيضا يمكن القول باعتباره لقاعدة الميسور لكن يتوجه عليه انه
كما يقتضى قاعدة نفى الحرج عدم وجوبه عليه لدى التمكن من التراب كذلك يقتضيه بدونه مع أن ظاهر كلامه وجوب استعمال الثلج [ح]
ويمكن التفصي عنه بدعوى ان من يراجع الآثار الشرعية لا يكاد يشك في أن دائرة الحرج المبيح للتيمم أوسع لدى الشارع من الحرج الرافع
للتكليف بالطهارة والصلاة بل ربما يدعى وهن عموم لا حرج وعدم جواز الاخذ به ما لم ينجبر بعمل الأصحاب فكيف يؤخذ به بالنسبة إلى
الصلاة مع الطهور التي علم اهتمام الشارع بها بل لم نجد موردا رفع يده عنها بالمرة فالحرج المتحقق في المقام يصلح رافعا للتكليف
بالوضوء والغسل لدى التمكن من التيمم كما يشهد به الصحيحة المتقدمة وغيرها من الأدلة المذكورة في محلها الا مطلقا والانصاف
ان هذه الدعوى وان لم تثبت لكنها غير بعيدة وبها يتوجه مذهب المفيد ولو على القول بكون التيمم في مواقع الحرج عزيمة لا رخصة
كمالا يخفى على المتأمل فالأحوط لو لم يكن أقوى عدم ترك الوضوء والغسل بالتمسح بالثلج وان استلزم مشقة شديدة ما لم يخف من ضرره
بحيث يحرم عليه فعله كما أن الأحوط على تقدير كون النداوة الحاصلة بالتمسح اقصر مما يعتبر في الغسل ان يقضى ما صلاها معه والله العالم
واستدل للقائلين بالتيمم بالثلج بالاحتياط وقاعدة الشغل واستصحابه وان الصلاة لا تسقط بحال وبصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة
بدعوى ظهورها في إرادة التيمم بالثلج بقرينة السؤال حيث إن السائل فرض انه لم يجد الا الثلج أو ماء جامدا وفى الجميع مالا يخفى فان
أصالة عدم شرعية التيمم بالثلج وبرائة الذمة عن التكليف به حاكمة على الأصول المتقدمة مضافا إلى ظهور الأدلة في انحصار الطهور
بالماء والصعيد وعدم سقوط الصلاة بحال لا يصلح مشرعا لجواز التيمم بالثلج والا لشرع جوازه بما عداه أيضا من المطعوم والمشروب
وهو باطل واما الرواية فلا ظهور لها في المدعى إذ المقصود بالحصر على الظاهر أنه لم يجد للغسل من الجنابة الا الثلج أو ماء جامدا والمراد
بالجواب انه لا يجب على هذا التقدير الغسل لمكان الضرورة بل يتيمم واما باي شئ يتيمم فلا يفهم من الرواية سلمنا ظهور السؤال في أنه لم يجد
من الطهور شيئا عدا الثلج والماء الجامد لكنه منصرف جزما عن الغبار الذي ربما يمكن تحصيله بنفض ما معه من الثياب و [ح] لا يحسن
اطلاق الامر بالتيمم بالثلج ما لم يستفصل فالانصاف انه ليس في هذه الرواية اشعار فضلا عن الدلالة على تعيين ما يتيمم به (ولو سلم ظهورها فيه) فليس
على وجه يرفع اليد به عن ظاهر ما دل على انحصار الطهور في الماء والأرض وعدم جواز التيمم بغير الأرض والله العالم الطرف الثالث
في كيفية التيمم التي منها ايقاعه في وقته المشروع فيه وانما لا يعد زمان الفعل ومكانه من كيفياته إذا لو خطا ظرفين له واما إذا اخذ قيدين
فيه فيكون كونه في الزمان أو المكان المعين من كيفيات الفعل المقيد بكونه كذلك وكيف كان فلا يصح التيمم قبل دخول الوقت
بلا خلاف فيه على الظاهر بل عليه نقل الاجماع ان لم يكن متواترا ففي غاية الاستفاضة والمراد به كما صرح به بعضهم بطلانه فيما لو اتى
به قبل الوقت لصاحبته واما لو اتى به لغيرها من الغايات الواجبة أو المستحبة فظاهرهم التسالم على صحته بل صرح بعضهم بجواز ايجاده
قبل الوقت لساير الغايات حتى الكون على الطهارة كما أنه هو الذي يقتضيه عموم المنزلة الذي أرسلوه ارسال المسلمات ودل عليه
ما دل على أن التراب أحد الطهورين وانه بمنزلة الماء ومن هنا ربما يستشكل فيما حكى عن ظاهر المعتبر والمنتهى أو صريحهما من أن عدم جواز التيمم
قبل الوقت من خواصه وبه افترق عن المائية مع أن ظاهرهم التسالم على عدم جواز الطهارة المائية أيضا للغايات الموقتة قبل دخول
أوقاتها لكنهم صرحوا بجواز الوضوء للتأهب للفرض بل استحبابه لكن لم يعلم كونه لديهم تخصيصا لما تسالموا عليه من عدم جواز التقديم
أو كونه تخصصا اما بالالتزام بكون التأهب للفرض وتمكين المكلف نفسه للخروج من عهدة التكليف بالصلاة في أول أوقاتها من الغايات
أو بالالتزام بان مرجعه إلى قصد تحصيل الطهارة لادراك الوقت متطهرا حتى يتمكن من فعل الصلاة في أول وقتها فيكون المقصود
بالوضوء الكون على الطهارة الذي هو في حد ذاته من الغايات ولامانع من قيام التيمم مقامه على كل من التقديرين نعم لو قلنا بالتخصيص
أمكن المنع منه في التيمم كما قواه في الجواهر بدعوى ظهور معاقد اجماعاتهم المحكية على المنع بل كاد يكون صريح بعضهم في شموله له فعلى
هذا يتجه ما يظهر من المعتبر والمنتهى من اختصاص عدم الجواز بالتيمم والتحقيق انه ان كان مستندهم في المنع من تقديم الطهارات
للغايات الموقتة على أوقاتها دليل خاص تعبدي من نص أو اجماع ونحوه فإن كان مقتضاه عدم جواز تقديم الطهارة المائية
478

مطلقا أو في الجملة يتبعها الترابية وان كان مقتضاه عدم جواز تقديم الترابية فقط اقتصر عليها وعمل فيما عداها على ما يقتضيه
القواعد التي سنشير إليها وان كان ذلك لبنائهم على عدم امكان تعلق الامر بالمقدمة قبل تنجز التكليف بذيها كي يقع عبادة فهو ان
تم لا يقبل التخصيص فيجب ان يكون الوضوء للتأهب خارجا من موضوعه اما بكون التأهب بنفسه غاية مستقلة أو رجوعه إلى غاية أخرى
غير ما لم يدخل وقتها فعلى هذا لا مانع من قيام التيمم مقامه بعد الاعتراف بعموم المنزلة ودعوى شمول معاقد الاجماعات له
بعد خروجه من موضوعها غير مسموعة لكنك قد عرفت في صدر الكتاب عند توجيه وجوب الغسل في الليل لصوم يومه وهن هذا
البناء وان الحق الذي لا ريب فيه ان الأوقات في التكاليف الموقتة انما هي أوقات لأدائها في الخروج من عهدة التكليف بها واما
نفس التكاليف فيجب ان يتوجه خطاباتها إلى المكلف قبل حضور زمان الفعل فإذا أراد المولى اكرام زيد مثلا من الظهر إلى الغروب
يجب ان يكلفه بذلك قبل الوقت بان يأمره بايجاده في الوقت إذ لا يعقل ان يأمره باتحاد شئ في زمان صدور الطلب فالطلب انما
يتعلق بايجاد شئ في المستقبل اما مطلقا أو في زمان معين متصل بالطلب أو منفصل عنه ووجوب المقدمة انما ينبعث من الامر
بذيها لا من حضور زمان ايجاد المطلوب فيجب على العبد من حين صدور الطلب القيام بوظيفة العبودية بتهيئة مقدمات الامتثال
فان علم بعدم تمكنه من تحصيل المقدمات بعد حضور زمان الفعل وجب عليه المبادرة إليها قبله ولذا التزمنا بوجوب تعلم
الأحكام الشرعية المتعلقة بالصلاة والصوم ونحوها قبل حضور أوقاتها إذا علم المكلف بعدم تمكنه منه لدى الحاجة إليها و
كذا التزمنا بحرمة إراقة الماء قبل الوقت إذا علم أنه لا يتمكن من تحصيله بعده فعلى هذا يجب عليه تحصيل الطهارة كتعلم المسائل
وحفظ الماء ونحوه قبل الوقت أيضا ولا يجوز الاخلال بها إذا علم بعدم تمكنه منها بعد دخول الوقت لكن قد أشرنا في محله إلى أنه
يمكن ان يكون للمقدمات التعبدية مثل الوضوء والغسل ونحوهما أوقات مخصوصة بان يأمر الشارع بايجادها بعد دخول
الوقت مثلا فيكشف ذلك عن أن لكونها كذلك أيضا مدخلية في إفادتها للطهارة التي هي شرط للصلاة فلو اتى بها في غير ذلك
الوقت لا تقيد الطهارة والا لم يعقل اختصاص وجوبها المقدمي بما بعد الوقت فلو تمكن المكلف من تحصيل الطهارة بسبب
اخر غير السبب الذي فرض اختصاص سببيته بما بعد الوقت جاز له ايجادها بعنوان المقدمية كغيرها من المقدمات التوصلية
وإذا علم بعدم تمكنه الا من ايجادها قبل الوقت بذلك السبب وجب عليه ذلك فإذا دل الدليل على أن الوضوء للصلاة قبل
الوقت لم يصح جاز له تحصيل الطهارة بفعل الوضوء لساير الغايات مثل الكون على الطهارة ومس كتابة القران ونحوهما من الغايات
مقدمة لايجاد الصلاة في وقتها وإذا لم يتمكن من تحصيل الطهارة الا بهذه الكيفية وجب ولا ينافي قصد مقدميتها للصلاة إرادة
امتثال الامر المتعلق بها لسائر الغايات حتى تقع عبادة لما عرفت في مبحث النية من أن قصد التوصل بفعل عبادة إلى امر دنيوي كزيادة
الرزق ونحوها فضلا عن الاغراض الراجحة شرعا لا ينافي القربة المعتبرة في مهيتها فراجع إذا عرفت ذلك فأقول اما الوضوء والغسل
فلم يدل دليل على اختصاص شرعيتهما عند الاتيان بهما لشئ من الغايات عند تنجز الامر بالغايات بحضور أوقاتها عدا ما يظهر منهم
من التسالم عليه لكن مستندهم على الظاهر ليس الا ما زعموه من عدم جواز تعلق الامر به قبل حضور وقت الفعل وقد عرفت ان الحق
خلافه وقد يستدل له بمفهوم قوله (ع) إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة وفيه ان غاية مفاده اشتراط وجوبهما بدخول الوقت وهو
في الجملة مسلم إذ لا ننكر كون الوقت من الشرايط الوجوبية للواجبة الموقتة فلا تنجز التكليف بها الا بعد دخول الوقت واما الوجوب
التعليقي الذي اثره جواز الاتيان بالمقدمة بل وجوبه في الجملة فهو موجود قبل الوقت لا محالة فان الشرايط التي اعتبرها الشارع شرطا
لتكاليفنا كالاستطاعة للحج والسفر لوجوب القصر وروية هلال شهر رمضان لوجوب الصوم وهلال شوال للافطار وحضور الوقت
لوجوب الصلاة ليست مؤثرات في حدوث حكم جديد من الشارع متوقف على عزم وإرادة جديدة فإنه غير معقول بل هي أسباب لاندراج
المكلف بواسطتها في العناوين الكلية التي ثبت لها أحكام شرعية إلهية من أول الشريعة فإذا علم المكلف بان الله تعالى أوجب القصر
على المسافر وعلم أنه سيسافر فقد علم بان الشارع أراد منه إرادة حتمية ان يقصر في صلاته بعد مسافرته وإذا أحرز هذا المعنى استقل
عقله بوجوب التهيؤ للخروج من عهدة ما هو تكليفه بعد مسافرته من تعلم أحكامه وتحصيل مقدماته الوجودية إذ لافرق بنظر العقل
في وجوب امتثال الشارع بين أحكامه المنجزة والمعلقة * (نعم) * العلم بحصول الشرط بمعنى احراز كونه ممن يندرج في الموضوع المعلق عليه
الحكم شرط في تنجز التكليف بمقدمته كما تقدم تحقيق ذلك كله في صدر الكتاب وأشرنا إليه أيضا عند التكلم في وجوب حفظ الماء للوضوء
ونبهنا في ذلك المبحث على أنه كما لا يتنجز التكليف بالمقدمات الا بعد احراز اندراجه في العنوان المعلق عليه الحكم كذلك لا يتنجز التكليف
بشئ من تلك المقدمات بخصوصه الا بعد احراز انحصار المقدمة فيه فإذا أحرز المكلف مثلا استطاعته من أن يحج في هذه السنة وان
479

لم يكن أسبابه متهيئة بالفعل لكن علم بحصولها لدى الحاجة إليها وجب عليه بحكم العقل الاتيان بما يتوقف عليه فعل الحج من المقدمات
المنحصرة دون غيرها لا بمعنى انه لو اتى بمقدمة غير منحصرة لا تقع مصداقا للمقدمة الواجبة حتى لا يمكن قصد التقرب بعمله بل بمعنى انه
لا يتعين عليه فعلها نظير قولنا لا يجب الصلاة في المسجد فحال الطهور قبل دخول الوقت عند التمكن منه بعده حال المضي إلى الحج مع
التمكن من تأخيره فلا يجب لكن بالمعنى الذي عرفته وعلمت عدم منافاته لقصد التقرب بفعله المعتبر في طهورية الطهور فتحديد الطهور
بالوقت في الرواية على الظاهر ليس الا بهذه الملاحظة بمعنى انه لا يتنجز التكليف بفعله الا بعد دخول الوقت لا انه لا يجوز فعله
قبل الوقت كيف وهو في حد ذاته نور يجوز الاتيان به لذاته مطلقا فضلا عن رجحان فعله بقصد التوصل به إلى أداء الواجب في
وقته فجواز تحصيل الطهور قبل الوقت بل رجحانه في الجملة مما لا شبهة فيه وانما الكلام في أن الوضوء قبل الوقت هل يفيد الطهارة أم
لا وهو أجنبي عما يفهم من هذه الرواية و * (كيف) * كان فالاستدلال بها للمنع ضعيف بل الظاهر عدم استناد الأصحاب إليها ولذا لم
يذكروا الوقت من شرايط الوضوء والغسل ولم يعتبروا فيها عدا تحققهما في الخارج قربة إلى الله تعالى لكنهم بنوا على عدم حصول
التقرب بفعله قبل الوقت لزعمهم انتفاء الامر وقد بينا خلافه فالأظهر جواز ايجادهما قبل الوقت لكن الأحوط تركه الا لساير
الغايات واما التيمم فقد عرفت ان عدم جواز تقديمه أيضا من المسلمات بل لا خلاف فيه على الظاهر عدا ما حكى عن كاشف الغطا
من جوازه بل وجوبه قبل الوقت إذا علم بأنه لم يتمكن منه بعد الوقت فإن كان مستندهم فيه أيضا ما عرفت فقد عرفت ما فيه لكن يمكن
ان يوجه ذلك بان التيمم طهارة اضطرارية اعتبرت الحاجة قيدا في طهوريته فما لم تتحقق الحاجة الفعلية لا يفيد طهارة وانما يتحقق
الحاجة إليه عند إرادة الخروج من عهده شئ من غاياته التي تنجز التكليف بها بدخول وقتها ولا ينتقض ذلك بالتيمم في الليل لصوم
الغد لان وقت الحاجة إليه انما هو في الليل لادراك الفجر متطهرا نعم الأحوط تأخيره إلى الليل أو الاتيان به لشئ من غاياته المنجزة كما أن
الأحوط بل الأقوى وجوب تحصيل الطهارة بالتيمم لشئ من غاياته مقدمة لفعل الصلاة في وقتها إذا علم بأنه لا يتمكن من
تحصيلها في الوقت هذا غاية ما أمكننا من القول في توجيه عدم جواز التيمم قبل الوقت مع اعتضاده بقاعدة الاحتياط التي لا يبعد
القول بوجوبه في مثل المقام لكنه مع ذلك يحتاج إلى مزيد تأمل الا ان المسألة بحسب الظاهر مما لا خلاف فيه لكن الذي يوجب
التشكيك فيها احتمال استناد المجمعين إلى القاعدة التي أقمنا البرهان على خلافها فلا يكون مثل هذا الاجماع موجبا للقطع
بقول المعصوم وان كان المظنون عدم استنادهم إلى خصوصها في خصوص التيمم كما يؤيد ذلك ما ستسمعه من الخلاف ما لم يتضيق
وقته فالأحوط بل الأظهر عدم جوازه قبل دخول الوقت ولو مع العلم بعد التمكن من ايجاده بعده نعم يجب عليه في هذا الفرض
بمقتضى القاعدة التي قررناها تحصيل الطهارة بايجادها لشئ من غاياتها المنجزة مقدمة لادراك الصلاة مع الطهور في وقتها
والله العالم بحقايق أحكامه * (وكيف) * كان فلا ريب في أنه يصح التيمم مع تضيقه أي الوقت وربما يستدل له بالاجماع المحصل والمنقول
وفيه مالا يخفى بعد ثبوت شرعيته بالضرورة من الدين وكون هذا الفرض هو القدر المتيقن من مورده الموجب لخروج من ينكره من
الدين وهل يصح مع سعته فيه تردد منشأه تصادم الأدلة واختلاف الفتاوى فقيل بالجواز مطلقا كما عن الصدوق وجملة من
المتأخرين وقيل بالمنع مطلقا كما عن الشيخ في أكثر كتبه والسيد وأبى الصلاح وغيرها بل ربما نسب ذلك إلى الأكثر بل المشهور بل عن
السرائر انه مذهب جميع أصحابنا الا من شذ ممن لا يعتد بقوله لأنه عرف باسمه ونسبه بل عن الانتصار والغنية والناصريات
وشرح الجمل وأحكام الراوندي الاجماع عليه وقيل بالمنع مع رجاء زوال العذر والجواز مع عدمه كما عن ابن الجنيد وعن المصنف
في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه اختياره واستدل للأول باطلاق قوله [تع] وان كنتم مرضى [الخ] فان ظاهره قيام التيمم مقام الوضوء
والغسل عند إرادة الصلاة ويدل عليه أيضا جملة من الاخبار مثل خبر داود الرقى عن الصادق عليه السلام أكون في السفر وتحضر الصلاة
وليس معي ماء يقال إن الماء قريب منا فاطلب الماء وانا في وقت يمينا وشمالا قال لا تطلب ولكن تيمم فانى أخاف عليك إلى اخره و
خبر السكوني الامر بالفحص غلوة أو غلوتين فإنه يفهم منه جواز التيمم والصلاة عند حضور وقتها من غير تعرض فيها لوجوب التأخير
بل اشعارها بإرادة الصلاة في أول الوقت وأوضح منها دلالة على المدعى المعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة الدالة
على عدم الإعادة لمن صلى ثم وجد الماء وفى كثير منها التصريح بوجدانه في الوقت مثل رواية علي بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال قلت له أتيمم واصلي ثم أجد الماء وقد بقي على وقت فقال لا تعد الصلاة فان رب الماء هو رب الصعيد [الخ] وموثقة أبي بصير
قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء وقبل ان يخرج الوقت قال ليس عليه إعادة الصلاة وصحيحة زرارة
قال قلت لأبي جعفر عليه السلام فان أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت قال تمت صلاته ولا إعادة عليه إلى غير ذلك من الاخبار
480

التي سيأتي نقلها في محله [انش] وتنزيل هذه الأخبار الكثيرة على إرادة ما لو صلى في السعة بطن الضيق مع مخالفته للأصل وظاهر اسناد
الفعل إلى الفاعل المختار خصوصا مع ما فيها من ظهور السؤال في التراخي بين الصلاة ووجدان الماء كما هو الغالب في مصاديقه الخارجية
حيث إنه لا يعثر على الماء غالبا الا في خلال الطريق بعد اخذه في السير بعد الفراغ من صلاته في غاية البعد خصوصا مع ترك
الاستفصال واطلاق الجواب وما عن الشيخ من حمل صحيحة زرارة على إرادة الصلاة مع التيمم في الوقت لا إصابة الماء ففيه
انه وان أمكن هذا التوجيه في خصوص هذه الصحيحة على بعد لكنه متعذر في غيرها فالحق انه لا قصور في دلالة هذه الأخبار على
المدعى بل هي بمنزلة النص عليه غير قابلة للتأويل واستدل للقول بالمنع بالاجماعات المنقولة وبقاعدة الاحتياط وان التيمم طهارة
اضطرارية ولا تتحقق الضرورة الا في اخر الوقت بأنه مكلف بصلاة ذات طهارة مائية في مجموع الوقت لدى القدرة
عليها في الجملة ولذا ينتظر الماء لو علم حصوله في اخر الوقت فلا يشرع له التيمم الا مع عجزه عن ذلك ولا يعلم العجز الا عند الضيق
وبصحيحة محمد بن مسلم قال سمعته يقول إذا لم تجد الماء واردت التيمم فاخر التيمم إلى اخر الوقت فان فاتك الماء لم تفتك الأرض
* (وحسنة) * زرارة عن أحدهما إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فان خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصل في اخر
الوقت ولا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل وقد سمعت فيما سبق من المحقق البهبهاني في حاشية المدارك ان هذه الرواية
وردت باسناد اخر فليمسك بدل فليطلب فعلى هذا تكون أوضح دلالة على المدعى وموثقة ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال
فيه فإذا تيمم الرجل فليكن ذلك في اخر الوقت فان فاته الماء فلن يفوته الأرض وموثقة الأخرى المروية عن قرب الإسناد
قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل جنب فلم يصب الماء أيتيمم ويصلى قال لا حتى اخر الوقت فان فاته الماء لم تفته الأرض وخبر
محمد بن حمران عن الصادق عليه السلام قال قلت له رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل
في الصلاة قال يمضى في الصلاة واعلم أنه ليس ينبغي لاحد ان يتيمم الا في اخر الوقت وفى محكى البحار عن دعائم الاسلام عن الصادق (ع)
عن ابائه عن علي (ع) لا ينبغي ان يتيمم من لا يجد الماء الا في اخر الوقت وعن الفقه الرضوي وليس للمتيمم ان يتيمم الا في اخر الوقت أو
إلى أن يتخوف خروج وقت الصلاة واختصاص مورد الاخبار بفاقد الماء غير ضائر بعد عدم القول بالتفصيل في موارد العجز
مع أن ظاهر ذيل رواية محمد بن حمران وكذا الفقه الرضوي الاطلاق واستدل له أيضا بخبر يعقوب بن يقطين قال سئلت أبا الحسن (ع)
عن رجل تيمم وصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته قال إذا وجد الماء قبل ان يمضى الوقت توضأ
وأعاد فان مضى الوقت فلا إعادة عليه وموثقة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء فقال اما
انا فكنت فاعلا انى كنت أتوضأ وأعيد وفى الجميع نظر اما الروايتان الأخيرتان فهما خلاف على مطلوبهم أدل فإنهما تدلان على جواز التيمم
والصلاة في سعة الوقت وعدم الإعادة الاعلى تقدير مصادفة الماء في الوقت وهذا ينافي مذهب المستدل و [ح] فان أوجبنا الإعادة
في الفرض تكون صحتهما مراعاة بعدم المصادفة نظير الصلاة مع الطهارة الثابتة بالاستصحاب ونحوه وان لم يوجب كما هو الحق
ويدل عليه المعتبرة المستفيضة التي تقدمت الإشارة إليها لتعين اما طرح الروايتين أو حملهما على الاستحباب كما هو ظاهر ثانيتهما
و [ح] لهما نحو شهادة على أن الامر بتأخير التيمم في الأخبار المتقدمة مع صحته وصحة الصلاة معه في السعة انما هو للارشاد إلى ادراك
مصلحة الصلاة مع الطهارة المائية التي اثرت في حسن الإعادة على تقدير المصادفة بل في قوله (ع) في خبر محمد بن حمران ليس
ينبغي لاحد ان يتيمم الا في اخر الوقت وكذلك فيما روى عن الدعائم ايماء إلى ذلك وظاهرهما استحباب التأخير واما ساير
الروايات فظاهرها وجوب التأخير لكن مع احتمال إصابة الماء لا بدونه فان في قوله (ع) في أغلب تلك الأخبار فان فاته الماء فلن
يفوته الأرض إشارة أبلغ من التصريح بان التأخير انما هو لرجاء إصابة الماء وكذلك الامر بالطلب في حسنة زرارة انما يحسن مع الرجاء
لا بدونه نعم لو ثبت كون متن هذه الرواية فليمسك بدل فليطلب لكان للاستشهاد بها لمدعى الخصم على عمومه وجه لو لم نقل بانصرافه
بقرينة مورده بضميمة المناسبات المغروسة في الذهن أو صرفه بقرنية ساير الاخبار إلى صورة احتمال وجدان الماء ولكنه لم يثبت فالرواية
مضطربة المتن واحتمال كون ما رواه زرارة روايتين مستقلتين إحداهما فليطلب وأخراهما فليتمسك مما لا ينبغي الاعتناء به واما الفقه
الرضوي فظاهره وان كان وجوب التأخير مطلقا لكنه لا يصلح دليلا لاثبات مثل هذا الحكم فضلا عن المعارضة للأدلة المتقدمة فتلخص لك
ان غاية ما يمكن استفادته من هذه الأخبار انما هي وجوب التأخير لمن لم يجد الماء مع احتمال إصابة الماء وقضية عدم القول بالفصل
الالتزام بوجوب التأخير في جميع مواقع الضرورة مع رجاء زوال العذر كما هو مذهب المفصل ولا ينافيه اطلاق الآية ونحوها فان تقييدها
بهذه الروايات من أهون التصرفات لكن ينافيه اطلاق نفى الإعادة في المعتبرة الواردة فيمن وجد الماء في الوقت من دون التصرفات
481

لكن ينافيه اطلاقه نفى الإعادة في المعتبرة الواردة فيمن وجد الماء في الوقت من دون استفصال مع أن
الغالب في الموارد التي يعثر على الماء
بعد صلاته قيام احتماله حين التيمم وعدم تحقق الياس من الإصابة إلى آخر الوقت فليس ارتكاب التقييد في مثل هذه الروايات بأهون
من حمل الامر بالتأخير على الارشاد والاستحباب مع ما سمعت من وجود الشاهد لهذا الحمل في نفس تلك الأخبار وغيرها واما الاستدلال
للمنع بالاجماعات المنقولة ففيه مالا يخفى بعد معروفية الخلاف في المسألة قديما وحديثا واضعف منه الاستدلال له بالاحتياط وبعدم
تحقق الضرورة الا في اخر الوقت وتعذر الاطلاع على العجز الا عند الضيق إذ لا يصلح شئ من ذلك دليلا لرفع اليد عن ظواهر الأدلة
المعتبرة اما الأول فواضح واما الأخيران ففيهما ان المناط في شرعية التيمم على ما يستفاد من ظاهر الكتاب وغيره هو العجز عن استعمال الماء
والاضطرار إلى فعل التيمم عند إرادة الاتيان بشئ من غاياته لا الاضطرار إلى ايجاد تلك الغاية مع التيمم فالمناط هو العجز حين الفعل كما
عرفت نظيره في مبحث الوضوء الصادر تقية لا العجز المطلق والا لم يتحقق موضوعه بالنسبة إلى التيمم لقضاء الفوائت وغيرها من الواجبات
الغير الموقتة ولم يكن وجه لعدم الإعادة عند وجدان الماء بعد الصلاة كما نطق به المعتبرة المستفيضة واما ما قيل من وجوب الانتظار
مع العلم بحصول الماء في اخر الوقت ففيه انه ان دل عليه دليل من نص أو اجماع فهو والا فللنظر فيه مجال وان كان الأظهر انصراف
ما دل على شرعية التيمم للعاجز عن العاجز الذي يعلم بأنه سيتمكن عن قريب من استعمال الماء بل يمكن ان يقال إن هذا لا يعد عرفا
من مصاديق العاجز وان تعذر عليه عقلا فعل الوضوء بالفعل فإنه بنظر العرف بمنزلة الواجد للماء الذي يسعى في تحصيل مقدماته
فإنه قبل تحصيل المقدمات يمتنع في حقه الوضوء لكنه ليس بنظر العرف من افراد العاجز الا ترى انه لو امر المولى عبده باطعام شخص مثلا
في الغد بخبز الحنطة مع الامكان وبالشعير لدى الضرورة ولم يجد العبد في البلد الا الشعير فاطعمه بذلك يعد ممتثلا وان احتمل حال الاطعام
تجدد القدرة من تحصيل الحنطة فيما بعد بخلاف ما لو علم بأنه سيتمكن من تحصيله في زمان يقع امتثالا للواجب والحاصل انه فرق في
المعذورية بالنسبة إلى التكاليف العذرية بين ما إذا علم بتجدد القدرة وبين ما إذا لم يعلم بذلك وان احتمله كما لا يخفى على من راجع
وجدانه وقد نبهنا على ذلك في مبحث التقية هذا مع امكان ان يدعى انه يستفاد من الأخبار السابقة ونحوها بنحو من الدلالات الغير المقصودة
انه لا يرضى الشارع بفعل التيمم مع العلم بإصابة الماء في الوقت فليتأمل ثم إن هذين الوجهين لو تما فلا يصلح شئ منهما دليلا الا لاثبات
مذهب المفصل ضرورة ان الاضطرار إلى فعل التيمم انما يتحقق بوجوب الصلاة عليه وعدم قدرته على ايجادها مع الطهارة المائية
غاية الأمر انه قبل ان يتضيق الوقت لم يتضيق عليه الخروج من عهدة ما اضطر إليه وهذا لا ينفى اضطراره إلى أصل الفعل بعد فرض
عدم قدرته على استعمال الماء في مجموع الوقت فمتى أحرز ذلك ولو في أول الوقت بان يئس من زوال عذرة في الوقت له فعل التيمم وما قيل
من أنه لا يعرف العجز في مجموع الوقت الا بالتضيق ففيه مالا يخفى ضرورة ان المريض والجريح وغيرهما من ولى الاعذار كثيرا ما يقطعون بامتداد
عذرهم إلى اخر الوقت وكيف كان فلا ينبغي الاعتناء بمثل هذه الأدلة في مقابلة ما عرفت خصوصا مع ما في وجوب انتظار اخر الوقت
من الحرج المنافى لشرع التيمم فان أشق ما يكون على المريض وغيره من أولى الاعذار الزامهم بذلك خصوصا بالنسبة إلى العشائين
وما قيل في التفصي عن ذلك بان له المندوحة عن ذلك بحفظ طهارته السابقة أو الاتيان بالتيمم في أول الوقت لساير الغايات ففيه مالا يخفى
من أن امكان الفرار من تكليف لا ينفى كونه حرجيا فالأظهر جواز التيمم مع سعة الوقت لكن الأحوط بل الأفضل التأخير إلى أن يتضيق
خصوصا مع رجاء زوال العذر والله العالم ثم إن اخر الوقت الذي ينبغي للمتيمم رعايته أو يجب على الخلاف فيه انما هو اخره عرفا بحيث عد اتيان
الصلاة مع التيمم عنده بنظر العرف اتيانا بها في اخر وقتها لا الاخر الحقيقي الذي لم يتسع الا لفعل التيمم والصلاة فان تحديدهما بالاخر
الحقيقي تكليف بما لا يطاق ويكفى في تحققه عرفا على الظاهر عدم زيادة الوقت عن فعل التيمم وأداء صلاة المختار ولو الفرد الطويل منها إذا
كان لها فردان طويل وقصير كالتمام في مواضع التخيير بل ولو مع بعض المندوبات المتعارفة في الصلاة مثل القنوت بل مع مقدماتها
المتعارفة قبل الصلاة من وضع التربة والمشي إلى مكان المصلي وستر المرأة جسدها ونحو ذلك زيادة معتدا بها في العرف ويكفى
في احرازه الظن بل خوفه من أن يفوته الوقت إذا اخر كما يدل عليه قوله (ع) في حسنة زرارة المتقدمة فان خاف ان يفوته الوقت
فليتيمم وليصل في اخر الوقت ثم إنه إذا اعتقد ضيق الوقت أو ظنه أو خاف فواته فيتيمم وصلى ثم انكشف وقوعها في السعة تمت
صلاته ولا يعيدها ولو على القول بالمضايقة كما هو المشهور عند أربابها على ما صرح به غير واحد خلافا لما عن الشيخ من الإعادة وهو
ضعيف محجوج بالأخبار المستفيضة التي كادت تكون متواترة المصرحة بعدم الإعادة ومقتضاه ان يكون اعتقاد الضيق وخوف
خروج الوقت في حد ذاته بناء على اعتبار الضيق هو الشرط في صحة التيمم والصلاة لا الضيق الواقعي * (وليعلم) * انه حكى عن صريح
جماعة وظاهر آخرين ان محل الخلاف في المسألة يعنى الاتيان بالصلاة مع التيمم في سعة الوقت انما هو في غير المتيمم واما من كان
482

متيمما لصلاة قد ضاق وقتها أو لنافلة أو لفائتة ثم حضر وقت صلاة أخرى أو كان حاضرا جاز له الصلاة من غير اعتبار الضيق
لوجود المقتضى وهو سببيته الوقت للوجوب وارتفاع المانع وهو العجز عن الفعل لتعذر تحصيل الطهور المتوقف على ضيق الوقت
فعلى هذا لا يبقى للنزاع ثمرة يعتد بها أدلة [ح] التيمم لغاية أخرى غير الحاضرة ثم يأتي بها في سعة الوقت وملخصة ان النزاع انما
هو في صحة التيمم في السعة وافادته للطهارة واما جواز الاتيان بالغايات المشروطة بالطهور التي منها فعل الحاضرة في أول
وقتها فلا خلاف فيه بعد انعقاده صحيحا ما دام بقاء اثره وهذا هو الأوفق بما سيأتي في الأحكام من أنه
إذا تيمم لغاية يستباح
به ساير الغايات وان لم يضطر إليها كما نبهنا عليه عند التكلم في حرمة إراقة الماء مع الانحصار لكن ظاهر بعض الأدلة المتقدمة
للمضايقة ان الصلاة مع التيمم فرد اضطراري للصلاة اجتزى به في مقام الضرورة فعلى هذا تندرج المسألة في موضوع مسألة
جواز البدار لأولي الأعذار فان منعناه مطلقا أو مع رجاء زوال العذر ففي المقام أيضا يقتضى المنع والا فالجواز ولذا صرح
بعض بكون الصلاة من المتطهر بالتيمم من جزئيات هذه المسألة وانكر على من خص محل الخلاف بغير المتيمم لكنك عرفت فيما سبق
عند الاستشكال في حرمة الإراقة انه لم يثبت اشتراط الصلاة بأزيد من جنس الطهور الحاصل في الفرض بل ثبت عدم فالطهارة
الحاصلة بالتيمم طهارة اضطرارية لا الصلاة الواقعة معها ولذا استشكلنا في حرمة تفويت التكليف بالطهارة المائية مع أنه
ليس لها وجوب نفسي فلا ينبغي التأمل في جواز الصلاة في السعة بعد فرض صحة التيمم وكونه متطهرا ولو على القول بعدم جواز البدار
لأولي الاعذار كما هو الحق على تقدير رجاء زوال العذر لا مطلقا نعم مقتضاه المنع من فعل التيمم في السعة لولا دلالة الأدلة
المتقدمة على خلافه والواجب في التيمم كاخويه الوضوء والغسل النية لعين ما مر فيها وقد عرفت فيما مر في مبحث الوضوء تحقيق النية
المعتبرة في صحة العبادة وانه يكفي في تحققها واتصاف العبادة بكونها منوية انبعاثها من عزم وإرادة متقدمة على الفعل سواء
كانت الإرادة التفصيلية الباعثة على الفعل مقارنة لأول جزء منه أو مفصولة عنه ولو قبل ايجاد مقدماته لكن لا يتحقق الانبعاث
عن تلك الإرادة السابقة المنبعثة عن قصور الفعل وغايته التي هي عبارة عن حصول الامتثال والتقرب به الا إذا بقيت تلك
الإرادة في النفس بنحو من الاجمال بان لم يرتدع ولم يذهل عنها بالمرة حتى يعقل تأثيرها في ايجاد الفعل واتصافه بكونه منويا فالمعتبر
حين الفعل انما هو وجود الداعي إليه الذي هو أعم من الإرادة التفصيلية والاجمالية ولذا شاع في السنة المتأخرين تفسير
النية المعتبرة في صحة العبادة بالداعي لكن الظاهر أنه مسامحة وان النية اسم للإرادة التفصيلية لكن لا يشترط في اتصاف العمل
بكونه منويا اقترانه بها وانما المعتبر استدامة حكمها أي باعثيتها على الفعل بحيث يكون الفعل بجميع اجزائه منبعثا عنها وكيف كان
فلا يعتبر في صحة العبادة أزيد من ذلك فان قلنا بان النية عبارة من الإرادة التفصيلية فلا يشترط مقارنتها للفعل وان قلنا
بأنها أعم منها ومن الإرادة الاجمالية الداعية إلى الفعل فيشترط مقارنتها بل استدامتها إلى اخر العمل وكيف كان فالذي يعتبر في
صحة التيمم كاخوية انما هو ايجاده بداعي القربة وامتثال الامر المتعلق به المتولد من الامر بغاياته ولا يعتبر فيه أزيد من ذلك من
قصد لوجه والاستباحة وغيرها كما عرفت تحقيقه في مبحث الوضوء لكن لما كان التيمم مختلفا بالنوع لوقوعه بدلا من الوضوء وغسل
الجنابة والحيض وغيرها من الأغسال المختلفة بالنوع من غيران يجتزى بما يقع بدلا من بعض عما يقع بدلا من اخر الا ان يكون مبدله
كذلك كما ستعرفه وجب تمييز كل نوع عند إرادة امتثال الامر المتعلق به عما يشاركه في الجنس حتى يصح وقوعه امتثالا لذلك الامر
المتعلق بالنوع وحيث انه لا سبيل لنا إلى تشخيص تلك الطبايع بغير القصد وجب علينا عند إرادة الاتيان بشئ من تلك الأنواع
القصد إلى وقوعه بعنوان يخص ذلك النوع ككونه بدلا من الوضوء أو غيره أو ما يؤدى مؤداه في التمييز وان لم يقصد به عنوان
البدلية كان قصد مثلا بفعله تيمما يقع امتثالا للامر الناشئ من خروج البول أو المنى أو غير ذلك مما يوجب تمييز المأمور به عن غيره
ولو بتوصيفه بالوجوب كما إذا انحصر الواجب في حقه في نوع فنوى بفعله الاتيان بذلك التيمم الذي وجب عليه بالفعل والحاصل
انه يعتبر في صحة كل نوع من التيمم تعيينه بالقصد فان أراد القائل باعتبار قصد البدلية من الوضوء أو الغسل ذلك فنعم الوفاق
وان أراد قصدها من حيث هي وان حصل التعيين بغيره فلا دليل عليه بقي في المقام شئ وهو انه صرح غير واحد بأنه لا يجوز في
التيمم نية الرفع وانما ينوى به استباحة الغايات المشروطة بالطهور لأنه غير رافع للحدث اجماعا كما عن جماعة نقله وظاهرهم بل
صريح بعضهم ان التيمم لا يفيد الطهارة بل اثره رفع المنع من الدخول في الصلاة ونحوها مع الحدث ومستندهم في ذلك بحسب
الظاهر ليس الا انه لو كان التيمم مفيدا للطهارة التي هي نقيض الحدث لم يعقل انتقاضها بوجدان الماء الذي ليس بحدث اجماعا
وستعرف انه ينتقض بذلك فيكشف ذلك عن أن الحدث لم يكن زائلا والا لم يعد بلا سبب أقول اما انتقاض التيمم بوجدان
483

الماء المتمكن من استعماله فمما لا شبهة فيه كما أنه لا شبهة في عدم كونه بنفسه حدثا لكن من الواضح الذي لا يكاد يعتريه ريب ان الشارع
انما نزل التراب منزلة الماء في إفادته للطهور الذي هو شرط للصلاة ونحوها لدى الضرورة لا انه أهمل شرطيته وأباح الصلاة
مع الحدث للعاجز عن استعمال الماء والحاصل ان الشارع جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا لا انه نفى شرطية الطهارة
في حق العاجز فان أرادوا بقولهم ان التيمم مبيح للصلاة مثلا وليس برافع أوليس بطهور ما يؤول إلى ارتكاب التخصيص فيما دل
على أنه لا صلاة الا بطهور ففاسد جدا وان أرادوا مالا ينافي شرطية الطهور وحصول الشرط بالتيمم وان لم يسموه بالطهارة
بان التزموا بتعميم الشرط على وجه يعم اثر التيمم بدون ان يستلزم ارتكاب التخصيص في مثل لا صلاة الا بطهور بان يكون فائدته
مجرد الرخصة في الصلاة مع الحدث كما هو معنى الاستباحة فلا مشاحة فيه والذي ينبغي ان يقال إنه
يستفاد من الكتاب والسنة
بل الاجماع والضرورة استفادة قطعية ان الشارع لم يهمل شرطية الطهور لمن لم يتمكن من استعمال الماء لكن جعل له التراب
طهورا كما جعل الماء طهورا أو ظاهر جميع الأدلة كون التيمم كالوضوء والغسل مقيدا للطهارة حقيقة قال الله تبارك وتعالى
في محكم كتابه بعد ان امر بالتيمم عند عدم وجدان الماء ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم
لعلكم تشكرون وقال النبي صلى الله عليه وآله في الاخبار التي كادت تكون متواترة جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وقال الوصي (ع)
في صحيحة جميل ان الله عز وجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يفهم منها انه أحد الطهورين
فلا يجوز رفع اليد عن هذا الظاهر الا بدليل معتبر وليس في المقام ما ينافيه عدا ما يتخيل من أن الطهارة من الأمور القارة ولا يرفعها
الا الحدث وهو ينافي ناقضية وجدان الماء التي ثبت بالنص والاجماع وفيه انه لا منافاة بين الامرين فان التيمم طهور للعاجز بوصف
كونه عاجزا فإذا زال الوصف انتفى الحكم بانتفاء موضوعه لا بوجود المزيل * (توضيح) * ذلك انا اما نلتزم بان الطهارة امر وجودي وحالة
نفسانية فهي صفة كمال تحصل بأسبابها من الوضوء والغسل والتيمم والحدث نقيضه كما يؤيده تسمية أسبابه بالنواقض أو نلتزم
بعكسه ونقول ان الحدث قذارة معنوية حاصلة بأسبابه ويزيلها المطهرات فالأنسب على هذا تسمية المطهرات نواقض ومقتضاه
جواز الدخول في الصلاة لمن فرض خلقه دفعة مكلفا كآدم عليه السلام ما لم يحدث أو نفصل بين الحدث الأصغر والأكبر فنلتزم بالأول
في الأول وبالثاني في الثاني أو نلتزم بأنهما معا وصفان وجوديان يمتنع تواردهما على موضوع واحد لتضادهما فالشخص المفروض
ليس بمحدث ولا متطهرا ونمنع المضادة أيضا بل نقول هما من المتخالفين كالسواد والحلاوة فيمكن اجتماعهما في موضوع واحد فنلتزم
مثلا بان وضوء المسلوس والمستحاضة يفيد الطهارة حقيقة فيجتمع مع الحدث فان التزمنا بان الطهارة امر وجودي كما هو الأظهر
على ما عرفته في مبحث الوضوء سواء قلنا بان الحدث نقيضه أم ضده أم خلافه فلا امتناع في أن لا يقتضى سببها الا حصولها في
حال دون حال أو على تقدير صفة دون أخرى فالتيمم انما يقتضى حصول تلك الصفة للعاجز عن استعمال الماء ما دام عاجزا
لا مطلقا فيكون للعجز مدخلية في حدوثها وبقائها نظير طرح العبد مثلا لبد سرجه أو برذعة حماره على مولاه حفظا له عن البرد
فإنه اكرام للمولى ما دامت الضرورة وتوهين به بدونها وان بيننا على أن الحدث قذارة معنوية وهى صفة وجودية والطهارة
نقضيه كما لعله لا يخلو من وجه بالنسبة إلى الحدث الأكبر وان كان الأوجه فيه أيضا كون اثر الغسل الرافع له أيضا وجوديا كما يفصح
عن ذلك بالنسبة إلى غسل الجنابة بل وغيره أيضا على احتمال إفادته فائدة الوضوء وغيره من الأغسال المستحبة والواجبة فنقول انه
لا استحالة في أن يكون التيمم مزيلا لتلك القذارة على وجه يعد نظافة مع الضرورة لا بدونها نظير تنظيف اليد عن القذارات
الصورية بالمسح بالحائط ونحوه حيث يعد نظافة لدى العرف في مقام الضرورة لا بدونها بل من الجائز ان يكون التيمم رافعا
لتلك القذارة بالمرة ولكن يكون أسبابها المؤثرة في حدوثها مقتضيات لتجددها عند تجدد القدرة من استعمال الماء
والحاصل انه ليس مثل هذه المبعدات من الأمور التي يرفع اليد بها عن ظواهر الكتاب والسنة المتواترة الدالة على كون التيمم
كالوضوء والغسل طهورا واما ما ادعوه من الاجماع على عدم كونه رافعا للحدث فلا يبعد ان يكون مراد المجمعين عدم كونه كالوضوء
والغسل مزيلا لاثره بالمرة على وجه لا يحتاج إلى فعل الطهور الا بسبب جديد وهذا حق لا محيض عنه واما انكار ان التيمم يفيد
الطهارة التي هي شرط للصلاة للمضطر ما دام مضطرا فكاد يكون مصاد ما للضرورة فظهر لك انه لا مانع من قصد حصول الطهارة
بفعل التيمم بل ولا من قصد رفع الحدث لكن على الوجه الذي جعله الشارع له لا الرفع المطلق الذي هو من خواص الوضوء والغسل
فلو نوى ذلك فقد شرع لكن لم يبطل تيممه الا إذا جعله وجها للامر الذي قصد امتثاله بان نوى امتثال الامر بالتيمم الذي
اثره كذلك فيبطل إذ لا امر بهذه الكيفية وان أردت مزيد توضيح للمقام فلاحظ ما أسلفناه في باب الوضوء وسيأتي تتمة
484

للكلام في رافعية التيمم للحدث عند البحث عن انتقاض تيمم الجنب بالحدث الأصغر فتبصر ومن الواجب في التيمم المباشرة
كالوضوء والغسل بان يتولى بنفسه والترتيب بان يضع يديه على الأرض ثم يمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلى طرف انفه ثم يمسح
ظاهر كل من الكفين بالأخرى مقدما اليمنى على اليسرى والموالاة بلا خلاف في شئ منها بل عن غير واحد دعوى الاجماع على كل منها
ولعله هو العمدة في مستند الأخيرين واما الشرط الأول أعني المباشرة فيدل عليه مضافا إلى ذلك ظهور الأدلة من الكتاب والسنة
في اعتباره لما عرفت في مبحث الوضوء من أن الأصل في الواجبات التعبدية بل التوصلية أيضا على ما يقتضيه ظواهر أدلتها انما
هو خروج المكلف من عهدتها مباشرة لا بالاستنابة والتسبيب الا ان يدل عليه دليل خارجي كما في التوصليات حيث علم فيها بحصول
الغرض بوجود متعلق التكليف كيف اتفق فيسقط بذلك التكليف دون التعبديات التي لم يعلم فيها ذلك * (نعم) * لو تعذر عليه ذلك
بان لم يتمكن من أن يتيمم بنفسه يممه غيره كالوضوء لما عرفته فيه ويدل عليه أيضا قوله (ع) في المستفيضة المتقدمة في مسوغات التيمم الواردة
في المجدور الذي غسل فمات الا يمموه ان شفاء العى السؤال وفى مرسلة ابن أبي عمير ييمم المجدور والكسير إذا اصابتهما جنابة و
مرسلة الصدوق المجدور والكسير يؤممان ولا يغتسلان وقد عرفت في مبحث الوضوء ان الذي يتولاه الغير انما هو صورة الفعل
سواء نوى بفعله عنوان المأمور به أم لم ينوه وانما المعتبر هو نية العاجز المكلف بالوضوء أو التيمم لما عرفت من أن مقتضى القاعدة
عند عجزه عن اتيان المأمور به مباشرة انما هو ايجاده بالتسبيب أعني بإعانة الغير بان يكون الغير بمنزلة الآلة له لاعلى وجه الاستنابة
بان يكون نائبا عنه في امتثال الامر المتعلق به حتى يعتبر نيته كما في الحج وصلاة الاستيجار ولا يستفاد من الأخبار المتقدمة أيضا
الا التسبيب والإعانة في صدور التيمم من العاجز وايجاده على وجه يقوم الفعل به بان يصير متيمما لا الاستنابة عنه والا لوجب على
النائب ان يتيمم بنفسه بعنوان النيابة كما في ساير الافعال القابلة للاستنابة وقد تقدم مزيد توضيح لذلك في مبحث الوضوء
ويظهر لك مما تقدم ان المعتبر في المقام انما هو ضرب الأرض بيدي العليل ومسح الجبهة والكفين بهما مع الامكان لا بيدي النائب
لاعتبار خصوصيتهما في مهية التيمم فلا يجوز اهمالها من غير ضرورة نظير مسح الرأس والرجلين في الوضوء وقد عرفت ان المتجه ايجاده
بيد العاجز لا المتولي وتنظيره على الغسل أو غسل الوجه واليدين في الوضوء حيث لا يعتبر فيهما مباشرة العاجز بنفسه قياس مع
الفارق كما لا يخفى واما الترتيب بين الاجزاء اما وجوب تقديم مسح الجبهة على مسح الكفين كتقديم ضرب اليد على الأرض على مسح
الجبهة فهو مما لا شبهة فيه كما يدل عليه مضافا إلى الاجماع جميع الأدلة الواردة في بيان كيفية التيمم حتى الكتاب العزيز فإنه وان
وقع فيه عطف الا بذى على الوجوه بالواو لكن المتبادر منه في المقام ولو بملاحظة وروده بعد بيان الوضوء الذي يجب فيه البداة
بما بدء الله انما هو إرادة الترتيب واما الترتيب بين مسح الكفين فربما يتأمل في استفادته من الاخبار لخلو أكثرها كظاهر الكتاب
من الاشعار به فضلا عن الدلالة عليه بل لا يبعد دعوى ظهور بعض الأخبار في الاجتزاء بمطلقه وان لم يحل عن من تأمل واستدل
لاعتبار الترتيب مطلقا بصحيحة زرارة المروية عن مستطرفات السرائر عن الباقر عليه السلام الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله عند بيان
كيفية التيمم قال (ع) فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحديهما على الأخرى ثم مسح بجنبيه ثم مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى فمسح
اليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى لظهورها في وقوع الفعل بالترتيب المذكور في الرواية فلا يجوز التخطي عنه عند احتمال مدخلية
الترتيب في صحة العمل خصوصا بعد معلومية اعتباره بين ساير الاجزاء واحتمال جرى الترتيب الخاص مجرى العادة والاتفاق أو كونه
مستحبا مما لا يلتفت إليه ما لم يتحقق لان وقوعه في مقام البيان بمنزلة ما لو قال يتمموا بهذه الكيفية فلا يجوز اهمال شئ من الخصوصيات
التي يحتمل دخلها في المأمور به وبهذا التقريب يمكن الاستدلال به لاعتبار الموالاة أيضا لكن الانصاف انه لا يخلو من نظر يظهر وجهه
مما مر في مبحث الوضوء من عدم صلاحية اطلاق القول فضلا عن الفعل لا يكون بيانا لوجه الخصوصيات الجارية مجرى العادة
بعد العلم بعدم ارادتها على الاطلاق خصوصا بالنسبة إلى الموالاة التي يقتضيها العادة في مقام التعليم هذا مع امكان ان
يقال إنه ربما يستشعر من قوله (ع) ثم مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى ان هذا على اجماله هو المعتبر في مهية التيمم وما ذكره بعد هذه
الفقرة اخبار عما وقع من باب الاتفاق كما يؤيد ذلك الاقتصار في ساير الاخبار الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله على هذه الفقرة هذا كله
مع أن ظهور الرواية في وقوع مسح اليمنى قبل اليسرى أيضا لا يخلو من تأمل فتأمل * (ثم) * انه لو تم الاستدلال بذلك لاعتبار
الترتيب أو الموالاة فهذا انما يتم لو لم يفهم عدمه من اطلاقات الأدلة كما هو المفروض والا فلا يصلح الفعل لمعارضة القول
كما هو واضح وربما يستدل له بالفقه الرضوي صفة التيمم ان تضرب بيديك على الأرض ثم تمسح بهما وجهك موضع السجود من
مقام الشعر إلى طرف الأنف ثم ضرب أخرى فتمسح بها اليمنى إلى حد الزند وروى من أصول الأصابع تمسح باليسرى اليمنى و
485

باليمنى اليسرى على هذه وروى إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة ثم تضع احدى يديك على الأخرى ثم تمسح
بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك وبقى ما بقي ثم تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع
من فوق الكف ثم تمرها على مقدمها على ظهر الكف ثم تضع أصابعك اليمنى على أصابعك اليسرى فتضع بيدك اليمنى ما صنعت
بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة وهذه الرواية لا قصور في دلالتها بل ما روى فيها مرسلا صريح في الترتيب بين الاجزاء بل
بين اجزاء الاجزاء أيضا كما لعله المشهور بل المجمع عليه على ما ادعى ولا يبعد انجبار مثل هذه الرواية بفتوى الأصحاب واجماعهم
الموجب للوثوق لصدق الرواية المرسلة وصدور مضمونها عن الحجة وقد يستدل له أيضا صحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه السلام
قال سئلته عن التيمم فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقة إلى أطراف الأصابع واحدة
على ظهرها وواحدة على بطنها ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه ثم قال هذا التيمم على ما كان فيه الغسل في
الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين والقى ما كان عليه مسح الرأس والقدمين فلا يوهم بالصعيد وفيه مالا يخفى بعد كون الرواية
مطروحة ومحمولة على التقية كما يؤيدها ما فيها فيما هو بدل الوضوء من اعتبار مسح اليدين منكوسا منتهيا إلى المرافق كما هو شعار
العامة في وضوئهم وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في أصل الحكم أعني اعتبار الترتيب بعد استفاضة نقل الاجماع المعتضد بعدم
نقل الخلاف في المسألة وبالرضوي مع ما فيه من الرواية المرسلة المعتضدة بالفتاوى والاجماعات المنقولة وغيرها من المؤيدات
والله العالم واما الموالاة بين الاجزاء فمما لا خلاف فيه بل عليها نقل الاجماع ان لم يكن متواترا ففي غاية الاستفاضة ولعل مستندهم
عدم انصراف الذهن عند الامر بمركب ذي اجزاء بل عند الامر بعدة أشياء مرتبط بعضها ببعض في التأثير وان لم يسم المجموع باسم
خاص انما هو ايجادها متوالية على وجه يلتئم بعضها مع بعض بنظر العرف بان لم يفصل بينها بمقدار يعتد به الا ترى انه لو قال المجتهد
لمقلديه انه يستحب تسبيحة الزهراء سلام الله عليها في كل وقت وهى عبارة عن عدة تكبيرة وتحميدة وتسبيحة أو قال يستحب الأذان والإقامة
لكل صلاة وعدد له اجزائهما أو قال يجوز مثلا التفأل بالمصحف بكيفية خاصة بان تصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثلاث مرات ثم
تقرء التوحيد ثلاث مرات ثم تقرء الدعاء الفلاني ثم تفتح المصحف لا يفهم من اطلاق قول المجتهد شرعية هذه الأمور على
الاطلاق ولو عند تقطيع بعض اجزائها عن بعض بان يأتي بعضها مثلا في الصبح وبعضها في الظهر وبعضها في العصر بل لا ينسبق
إلى ذهنه عند الإرادة ايجادها متوالية والانصاف ان منع انصراف مثل هذه الاطلاقات عن مثل الفرض مكابرة واما دعوى
انصرافها إلى إرادة التوالي المانعة من نفى شرطيته بأصل البراءة فهي قابلة للتأمل وان كان الأقرب وهو الانسباق لكن لاعلى وجه يظهر
منه الاشتراط بل نظير إرادة القيود الجارية مجرى العادة في عدم كونها من مقيدات ما تعلق به الغرض فالمتبادر من الامر بايجاد
مركب مترتب اجزائه في الوجود انما هو إرادة ايجاد تلك الأجزاء بلا فصل يعتد به زائدا عما يقتضيه العرف والعادة لكن لاعلى وجه
يفهم منه كون الفصل مخلا بغرض الامر نظير ما لو امر المولى عبده بغسل ثوبه وكان عندهما ماء فان المتبادر منه إرادة الغسل بالماء
الموجود من دون ان يفهم منه اشتراط الخصوصية و [ح] لو شك في اعتبار تلك الخصوصية الحاضرة في ذهن الامر الموجبة لعدم التفاته
في مقام الطلب الا إليها يشكل رفع اليد عنها ما لم يعلم بعدم مدخليتها في الغرض بل لا يبعد ان يقال إن
المتعارف في هذا النوع من
المركبات لدى العرف على تقدير احتياجهم إليها في مقاصدهم العرفية انما هو ايجادها متتابعة نظير قراءة دعاء أو شعرا وقصيدة فلو
تعلق الامر بشئ من هذا السنخ وان لم يكن شخصه معهودا لديهم لا يتبادر الا ارادته بالكيفية المتعارفة في نوعه فالمتبادر من الامر
بالوضوء والغسل والصلاة وغيرها من العبادات المركبة انما هو إرادة ايجادها متوالية الاجزاء فيشكل التخطي عن ذلك الا ان يعلم
بتنقيح المناط أو بدليل خارجي عدم اختلالها بالفصل الطويل كما ثبت ذلك في الغسل فيكون الأصل في العبادات المركبة المستفادة
من الأدلة اللفظية اعتبار التوالي ما لم يتحقق خلافه ولو نوقش في عموم هذه الدعوى فلا مجال للتشكيك فيها بالنسبة إلى التيمم بعد ما سمعت
من عدم الخلاف فيه واستفاضة نقل الاجماع عليه فما عن بعض من عدم اعتبار الموالاة فيما هو بدل من الغسل نظرا إلى عدم اعتبارها
في المبدل منه ضعيف ولم يقصد بتنزيل التراب منزلة الماء شرعا ما يعم كيفية استعماله كما هو واضح وقد ظهر لك بما ذكرنا ان الموالاة المعتبرة
في التيمم انما هي ايجاد اجزائه متتابعة من غير فصل يعتد به زائدا عما يقتضيه العادة في ايجاد مثل هذه المركبات وماله إلى اعتبار المتابعة
العرفية كما عن بعض تفسيرها بها وعن بعض تحديدها بتقدير الجفاف وان كان ماء وفيه مالا يخفى وفى الجواهر فسرها بعدم التفريق
المنافى لهيئة التيمم وصورته نظرا إلى أن ذهاب الصورة يوجب انتفاء الاسم فيتجه [ح] الحكم بالفساد كما في كثير من العبادات وتنظر في كلام
من فسرها بعدم المتابعة العرفية على تقدير انفكاك فوات المتابعة عن ذهاب الصورة واعترضه بعض بما ملخصه ان البطؤ بقدر الماحي
486

للاسم مبطل اخر غير مختص بالمقام الابطال به سار في العبادات فلا يقتضى الاستدلال عليه بظهور الآية والرواية البيانية فاستدلالهم
بنحوها بعد الاجماع قاض بإرادتهم مجرد عدم المتابعة العرفية وهو أخص من البطوء الماحي لتوقف محو الاسم على تفرق أزيد من
ذلك * (أقول) * ان أريد بالصورة المعتبرة في التيمم ما يرجع إلى ما ذكرناه من ايجاد اجزائه متتابعة من غير فصل يعتد به زائدا عما هو
المتعارف في ايجاد مثل هذه المركبات فهو والا فلا محل له ضرورة ان الصورة المعتبرة في العبادات كغيرها انما هي متقومة باجزائها
بشرائطها المعتبرة فيها ومعها يتحقق الاسم لا محالة فإن لم يكن الموالاة شرطا في العبادة يتقوم صورتها ويتحقق اسمها بوجود
اجزائها في الخارج ولو مع الفصل كما في الغسل وان اعتبر فيها الموالاة يتوقف صدق الاسم وقوام الصورة على ايجادها متوالية
فلا يعقل تحديد الموالاة المعتبرة في العبادة ببقاء صورتها وان أريد بصورة التيمم الكيفية المعهودة عند المتشرعة من ايجاد اجزائه
متتابعة فالكلام انما هو في اعتبار هذه الكيفية ومعهوديتها لديهم ما لم يستكشف بذلك اعتبارها شرعا غير مجدية بل لا اعتناء
في الفرض بعدم اطلاق الاسم عرفا على فاقدتها بل سلبه عنها إذ لا سبيل للعرف في تشخيص مهية العبادات الا ببيان الشارع
فهو المرجع في تشخيصها لا العرف فما كان في الواقع واجدا لشرائط التيمم اسمه التيمم سواء عرفه أهل العرف وسموه تيمما أم لا
نعم قد يستكشف بمعهوديتها لدى المتشرعة وصولها إليهم يدا بيد من الشارع لكن لافى العاديات كالموالاة في التيمم اللهم
الا ان يدعى ان اقتضاء العادة ايجاده بكيفية خاصة يوجب صرف الأدلة إلى ارادته بهذه الكيفية كما ليس بالبعيد وقد ظهر
لك بما ذكرناه ان ما قيل من اشتراط عدم ذهاب الصورة ومحو الاسم في كثير من العبادات أوفى جميعها كلام صوري كأنه مقتبس
من اشتراطه في الصلاة مع وضوح الفرق بين الصلاة وساير العبادات حيث اعتبر في مهية الصلاة عدم الانقطاع وعدم الخروج
منها الا بالتسليم فيجب قبل التسليم ان لا يوجد ما ينافي كونه في الصلاة وأن يكون بهيئة المصلى وان لم يشتغل باجزائها فيعتبر
حين عدم اشتغاله بالاجزاء أيضا كونه مصليا والا لخرج من الصلاة بغير التسليم ولا يعتبر هذا المعنى في ساير العبادات
فالواجب فيها بحكم العقل ليس الا ايجاد ذواتها بشرائطها التي دل الدليل على اعتبارها كما هو واضح بقي الكلام فيما يراعى فيه
الترتيب والتوالي وهو كما ذكره المصنف وضع اليدين على الأرض ومسح الجبهة وظاهر الكفين بهما اما اعتبار الأول في التيمم
كالأخيرين اجمالا فمما لا شبهة فيه فإنه وان قصر افهامنا عن استفادته من الكتاب العزيز لكن كفانا مؤنته الأخبار المتواترة الواردة
في كيفية التيمم المبينة لما في الكتاب من الاجمال وتوهم قصور الاخبار عن إفادة اعتباره من حيث هو لاحتمال جريها مجرى العادة و
كون المناط ايصال اثر الصعيد إلى الجبهة وظهر الكفين فيكفي تعريضهما لذلك بتلقيهما الأثر من الهواء المغبر فاسد بعد ان علم أن المراد
بالتيمم من الصعيد ليس ايصاله إلى البدن ولا مسحه به بل المسح منه بالكيفية التي بينها الحجج عليهم السلام ويتلوه في الفساد وتوهم
ان المناط تأثر اليدين الماسحتين للجبهة وظهر الكفين من الصعيد والتصاق التراب بهما ولو بوضع التراب عليهما أو استقبالهما
للعواصف كما حكى عن العلامة النهاية انه استقرب الاجتزاء بالأخير فضلا عن الأول لكن نفاه بعض ونسب الحكاية إلى الغفلة
عن فهم مراده وكيف كان فهو فاسد لأنه تحكيم وتصرف في ظواهر الأدلة في الأحكام التعبدية التي انحصر سبيل معرفتها في
الاخذ بالظواهر فالمتعين هو الاخذ بظواهرها والالتزام بمدخلية وضع اليدين على الأرض في التيمم لكن الاشكال في مقامين
أحدهما في أنه هل هو شرط في التيمم كما عن بعض التصريح به وعن الفاضل في النهاية اختياره حيث جعل المسح أول الاجزاء أو انه
جزء كما صرح به غير واحد والثمرة بين القولين على ما ذكره بعض في أمرين أحدهما في النية فعلى الجزئية لا يجوز تأخيرها عن الضرب
وعلى عدم الجزئية يجوز وفى الحدث بعد الضرب قبل المسح فعلى الجزئية يعيد الضرب بخلافه على عدم الجزئية لعدم الدليل على بطلانه به
أقول الظاهر أنه جزء للتيمم لكن لا كساير الاجزاء بحيث يعد جزء مستقلا في عرض مسح الجبهة والكفين بل لو قيس إلى المسح لكان بالشرط
أشبه لكن المعتبر في التيمم كما نطق به الكتاب العزيز هو المسح المقيد بكونه من الصعيد ولا يتحقق هذا المفهوم المقيد على ما يفهم من الاخبار
البيانية الا بالضرب والمتبادر من تلك الأخبار ان للضرب من حيث هو مدخلية في حصول هذا العنوان المقيد بمعنى انه مأخوذ
في قوام ذاته لا انه من مقدمات وجوده بان يكون المصح لانصاف المسح بكونه من الصعيد وقوعه بعد ضرب اليد على الأرض اما
مطلقا أو إذا كان بقصد المسح فيكون الضرب الخارجي من حيث هو خارجا من المهية مؤثرا في انتزاع الصفة المعتبرة فيها من دون
ان يكون له بذاته دخل في تحققها فإنه وان أمكن ذلك لكنه خلاف ظواهر الاخبار خصوصا مع ما في بعضها من التصريح بان التيمم
ضربتان ضربة للوجه وضربة للكفين ثم إنه لو قيل بأنه شرط وان مهية التيمم عبارة عن المسحات المتعقبة للضرب فالظاهر أنه
شرط تعبدي يعتبر في تحققه قصد الغاية بان يكون اتيانه بداعي المسح الذي أريد به التيمم لان هذا هو المتبادر من الامر بضربة
487

للوجه وضربة للكفين كما في خبر الكندي بل لعله هو المتبادر من صحيحة زرارة وغيرها من الاخبار الآتية فعلى هذا تنتفى ثمرة جواز
تأخير النية لأنه على تقدير الجزئية أيضا لا يعتبر أزيد من هذا القصد بل ليس له ايجاده الا بهذا الوجه الذي هو وجه وجوبه واما
تشخيص انه جزء أو شرط فلا اثر له في مقام الإطاعة واما التمرة الأخرى أعني عدم الاختلال بالحدث الواقع بين الضرب والمسح
فالظاهر انتفائها وعدم التزام أحد ممن يقول بالشرطية بها إذ لا ينسبق إلى الذهن من الأدلة الا إرادة ايجاد الضرب
كاجزاء التيمم بعد الحدث الذي تطهر منه فلا ينبغي الارتياب في اعتبار القصد فيه وبطلانه بالحدث فلا يترتب على تحقيق كونه
جزء ثمرة يعتد بها فتأمل ثانيهما انه هل يكفي مطلق وضع اليد كما هو ظاهر المتن وغيره بل عن بعض التصريح به أم يعتبر كونه باعتماد
على نحو يتحقق معه اسم الضرب كما عن صريح بعض وظاهر آخرين بل عن الذكرى نسبته إلى معظم عبارات الأصحاب وعن كشف اللثام
إلى المشهور وجهان أحوطهما بل أظهرهما الثاني لظهور معظم الاخبار البيانية على كثرتها في اعتبار الضرب وفى جملة من الاخبار التصريح
به ففي صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام بعد ان سئله عن كيفية التيمم قال التيمم ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة تضرب بيديك
مرتين الحديث وعن ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام في التيمم قال تضرب بكفيك على الأرض مرتين [الخ] إلى غير ذلك نعم ربما يظهر
من بعض الأخبار كفاية مطلق الوضع كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وروايتي داود بن النعمان وأبى أيوب الخراز عن أبي عبد الله (ع)
الواردة في مقام بيان التيمم بنقل قضية عمار وفعل النبي صلى الله عليه وآله ففي الأولى قال (ع) اهوى أي رسول الله صلى الله عليه وآله بيديه إلى
الأرض فوضعهما على الصعيد الحديث وفى الثانية فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما الحديث وفى الثالثة فوضع يده على المسح ثم رفعها
الحديث والمراد بالمسح على الظاهر ما يمسح منه يعنى الصعيد بشهادة الخبرين المتقدمين وغيرهما من الاخبار الحاكية لهذه الواقعة
الشخصية وفى خبر اخر لزرارة قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول وذكر التيمم وما صنع عمار فوضع أبو جعفر (ع) كفيه على الأرض الحديث لكن لا
تصلح هذه الأخبار لمعارضة الأخبار الدالة على اعتبار الضرب لوجوب حمل الوضع في هذه الروايات على إرادة مالا ينافي مفهوم
الضرب إذ الظاهر أن الوضع أعم من الضرب من حيث الصدق فينزل الوضع الصادر عن النبي صلى الله عليه وآله والوصي على ما تحقق معه اسم الضرب
بشهادة الأخبار الدالة على اعتبار الضرب في التيمم وبهذا يتجه كلام من رد الاستدلال بهذه الاخبار على كفاية مطلق الوضع بأنه
حكاية فعل لا عموم فيه لكن يتوجه عليه ان العبرة بظهور تعبير المعصوم عنه في مقام البيان بالوضع فيظهر من هذا التعبير في مثل الفرض
كفاية مطلق الوضع لكن لاعلى وجه يعارض ظهور الأخبار الدالة على اعتبار الضرب فإنها أقوى دلالة من ظهور نقل الحكاية في
إرادة الاطلاق هذا مع أن مقتضى أعمية الوضع من الضرب تقييد الاطلاق بتلك الأخبار وبما ذكرنا ظهر انه على تقدير الالتزام بمباينة
مفهوم الوضع للضرب كما عن بعض ادعائها بدعوى ان المتبادر منه ما لم يكن فيه شدة واعتماد عكس الضرب أيضا لا تصلح هذه الأخبار
للمعارضة إذ الظاهر أن المباينة بينهما على تقدير التسليم جزئية بمعنى انهما يتصادفان في بعض المصاديق الذي يتحقق به أول
مراتب الضرب وحيث إن ظهور هذه الأخبار في إرادة كفاية مطلق الوضع أضعف من ظهور تلك الأخبار
في اعتبار الضرب تحمل هذه الأخبار
على إرادة مالا ينافي اعتبار الضرب نعم لو قلنا بتباين المفهومين كليا لتحققت المعارضة بين الروايات [ح] لكن مع ذلك
أيضا معارضتها من قبيل النص والظاهر فان إرادة مجرد الوضع من الضرب في هذه الأخبار الكثيرة في غاية البعد بخلاف إرادة
ما يصدق عليه اسم الضرب من الوضع فإنه غير بعيد كما يشهد بذلك الخلاف في أنه حقيقة في الأعم من الضرب أو مبائن له نعم بعد
تسليم المباينة قد يتخيل ان الالتزام بكفاية القدر المشترك أعني مطلق وقوع اليد على الأرض سواء صدق عليه اسم الوضع أو الضرب
من دون اعتبار شئ من الخصوصيتين بدعوى جريهما في الاخبار مجرى العادة في مقام التعبير أو لغيره من النكت أولى في مقام الجمع
من ارتكاب التأويل بحمل اللفظ على المفهوم المبائن ويدفعه ان هذا التوجيه في حد ذاته وان لم نستبعد أقر بيته من التأويل بل
ربما يستشكل في كثير من الموارد في ترجيح تقيد المطلق على هذا النحو من التصرف لكنه في المقام متعذر لان الاخبار الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله
في قضية عمار على الظاهر انما هي اخبار عن واقعة شخصية ففي بعض الروايات عبر عنها بوضع يده على الصعيد كالخبرين المتقدمين
وفى بعضها عبر عنها بالضرب ففي صحيحة زرارة المروية عن مستطرفات السرائر فضرب بيديه على الأرض الحديث فلا يتأتى فيها هذا
الحمل واما خبره الاخر المشتمل على حكاية تيمم أبى جعفر (ع) فهو انما ينهض حجة بضميمة أصالة عدم الغفلة واشتباه الراوي في فهم الخصوصية
التي بها يمتاز الوضع عن الضرب وهى مما لا ينبغي الالتفات إليها في مقابلة الاخبار المتظافرة الدالة على اعتبار الضرب خصوصا في
مثل المورد الذي يكثر في كثير مصاديقه الاشتباه هذا مع ما فيه من قوة احتمال كونه اخبارا عن خصوص الواقعة التي حكاها
زرارة بسند اخر عن أبي جعفر عليه السلام معتبرا عنها بالضرب قال سئلت أبا جعفر (ع) عن التيمم فضرب بيديه على الأرض [الخ] * (وكيف) * كان
488

فلا تصلح مثل هذه الروايات مع ما فيها من ضعف الدلالة قرينة لصرف الاخبار المتظافرة المتكاثرة الدالة على اعتبار الضرب والله العالم
ثم إن مقتضى ظاهر النصوص والفتاوى اعتبار كون الضرب بكلتا يديه فلو ضرب بإحديهما لم يجز بل يعتبر ان يكون دفعة كما عن جامع
المقاصد وغيره التصريح به وفى الحدايق نسبته إلى ظاهر الاخبار والأصحاب ويمكن المناقشة في استفادة شرطية من الاخبار فان
المنسق إلى الذهن من قوله اضرب بكفيك ونحوه وان كان ذلك لكنه انسباق بدوي لا يقف عنده الذهن بعد الالتفات إلى اطلاق
الكلام وانتفاء ما يصلح قرينة لصرفه من امارة أو عادة ونحوها وكذا استظهاره من الاخبار الحاكية لفعلهم (ع) ليس الامر من هذا
القبيل مع أن استفادة شرطية مثل هذه الأمور الجارية مجرى العادة من الفعل في خير المنع ويمكن دفعها بان مثل هذه المناقشة
انما تتطرق في كل واحدة من الروايات لو لوحظت بنفسها واما بملاحظة المجموع فلا إذ لو سلم قصور دلالة كل من الروايات على
اعتبار المعية فلا أقل من اشعارها بذلك فإذا اعتضد بعضها ببعض فلا تقصر عن مرتبة الدلالة هذا مع أن انكار ظهور مثل
قوله (ع) فوضعهما على الصعيد أو ضربهما على الأرض في مقام حكاية الفعل في المعية مكابرة خصوصا بملاحظة قضاء العادة بأنه
لو وقع مترتبا لوقع التصريح به ولو في بعض الأخبار الحاكية له واما احتمال كونها من باب العادة والاتفاق فإنما يمنع ظهور الفعل
الصادر في مقام التعليم من ارادتها ما لم يتكرر واما إذا تكرر مرارا بقصد التعليم بكيفية خاصه فظاهره ان اختيار هذه الخصوصية
في جميع تلك الوقايع انما هو لمدخليتها فيه ويؤيده بل ربما يستدل له بما ورد من أن التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة للكفين وفى
دلالته نظر لكنه لا يخلو من تأييد بل الانصاف ما أشرنا إليه من أن شيئا من المذكورات في حد ذاته لا ينهض دليلا لاثبات
المدعى لكن المجموع من حيث المجموع لا يبعد كفايته مع موافقته للاحتياط الذي قد يقال بلزومه في مثل المقام فتأمل ولا يعتبر
فيما يتيمم به من التراب وغيره اتصاله بالأرض وكونه من اجزائها بالفعل بل ولا كونه موضوعا عليها وانما يعتبر كونه من الأرض
وان انفصل عنها بالفعل بحيث لم يصدق عليه بسبب انفصاله اسم الأرض بلا خلاف فيه على الظاهر بل عليه السيرة القطعية
مضافا إلى استفادته من جملة من الاخبار مثل خبر السكوني والمروى عن الراوندي الدالين على جواز التيمم بالجص والنورة [مط]
والمنع من الرماد معللا بأنه لم يخرج من الأرض وقد عرفت في محله دلالتهما على جواز التيمم بالرماد المتخذ من الأرض فضلا
عن التراب المأخوذ منها ومثل ما دل على أن الله عز وجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا كما في صحيحة جميل فان
مفاده ان التراب من حيث هو طهور وان لم يكن متصلا بالأرض ويؤيده الاخبار الامرة بالتيمم بنفض الثوب والتيمم بغباره
أو بما على عرف دابته ولبد سرجه ونحوهما من الغبار وكيف كان فلا شبهة في جواز التيمم بالتراب ونحوه وان لم يكن متصلا
بالأرض ولا موضوعا عليها بل يجزى لو كان على غيرها ولو بدن غيره كما هو ظاهر اطلاق الفتاوى والأدلة الدالة على طهورية
التراب فما في التيممات البيانية ونحوها من ضرب الأرض محمول على المثال بل في الجواهر لو كان على وجهه تراب صالح فضرب عليه
ومسح أجزء كما صرح به في الذكرى وغيرها لصدق الامتثال وعدم ما يصلح للمعارضة انتهى وهو حسن بشرط عدم حيلولة التراب
حين المسح بين الماسح والممسوح إذ لا مدخلية لرفع اليد وانفصالها عن التراب بعد الضرب عليه في صحة التيمم ولو بحكم أصل البراءة
فما عن بعض من عدم الاجتزاء به لتوقيفية العبادة مع تبادر غيره من الأدلة منظور فيه فان توقيفية العبادة لا تصلح مانعة
من الرجوع إلى البراءة فيما يشك في اعتباره واما تبادر غيره من الأدلة فإنما هو باعتبار عدم تعارف كون الوجه محلا للتراب كانصرافه
عن التراب الموضوع على شئ نفيس ونحوه مما لم تجر العادة بطرح التراب عليه وهذا مما لا يوهن اطلاق الدليل فان المتبادر
من الامر بضرب التراب انما هو إرادة ايجاد هذه الطبيعة من حيث هي من دون التفات إلى خصوصيات المحل فهي أجنبية عن مهية
المأمور به فالأظهر ما عرفت نعم لو امر يده على ما على وجهه من التراب مجتزيا به عن الضرب والمسح لم يجز لما عرفت من اعتبار الضرب ثم
المسح به وعن المنتهى احتمال كفايته وهو ضعيف ويعتبر كون الضرب بباطن الكف كما يشهد به مغروسية في أذهان المتشرعة مضافا
إلى أنه هو المتبادر من الامر بضرب اليد على الأرض ومسح الجبهة بها خصوصا من مثل قوله ثم مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى وتوهم
كون الانصراف بدويا منشأه انس الذهن لأجل غلبة الوجود قد عرفت ضعفه في مبحث الوضوء عند التكلم في اعتبار كون المسح بباطن الكف
وقد عرفت في ذلك المبحث انه لو تعذر المسح بباطن الكف مسح بظاهرها فكذلك فيما نحن فيه لو تعذر ضرب الباطن والمسح به ضرب بظاهر
يديه ومسح به لعين ما مر من قاعدة الميسور بل امكان استفادته من اطلاق مثل قوله (ع) اضرب بكفيك الأرض بالتقريب المتقدم من أن
انصرافه إلى الباطن انما هو مع الامكان لا مطلقا بدعوى ان الترتب بين المصاديق المتعارفة التي ينصرف إليها الاطلاق عرفي
فينطبق عليه الاطلاق من دون ان يكون اللفظ مستعملا في معاني متعددة لكن قد يشكل الامر في المقام بالنسبة إلى فاقد الكفين
489

من الزند بخلاف مبحث الوضوء الذي عرفت فيه قيام ما بقي من الذراعين مقام الكف بقاعدة الميسور فان المراد باليد في باب
التيمم هو الكف فضرب الذراع على الأرض ومسح الجبهة بها بمنزلة الاستعانة بالة أجنبية فمن هنا قد يقال إن تكليف الأقطع
انما هو مسح جبهته بالتراب لسقوط فرض الكفين ضربها ومسحا بسقوطهما فلم يجب عليه الا مسح جبهته وحيث تعذر كونه بكفيه مسحها
على الأرض لأنه ميسور المتعذر و * (فيه) * ان الجزم بهذا أشكل من الالتزام بقيام الذراعين مقام الكفين إذ لا مدخلية
لايصال التراب إلى الجبهة ومسحها به في مهية التيمم حتى يكون امرارها عليه بنظر العرف ميسور المتعذر وانما المعتبر مسحها بكفيه
المضروبتين عليه فمقتضى القاعدة اما سقوط اشتراط المباشرة فيستعين بيد الغير أو اشتراط كونه بيديه فيمسح بذراعيه أو
غيرهما من جوارحه * (والحاصل) * انه لم يعلم أقربية شئ من الأمور المذكورة إلى المهية المأمور بها حتى يقتضى القاعدة تعينه فيجب
على المكلف الاتيان بجميع المحتملات حتى يقطع بالخروج من عهدة التكليف بالتيمم الذي علم تنجزه عليه بقاعدة الميسور التي
هي عمدة المستند في كثير من الفروع المسلمة في باب الطهارات الثلث فما عن بعض من سقوط التكليف به لتعذره ضعيف بل
الأحوط ان يعامل مع الذراعين في حد ذاتهما معاملة الكفين بضرب باطنهما على الأرض ومسح ظاهر كل منهما بباطن الأخرى
كالكفين لامكان ان يدعى كونه بشهادة العرف ميسور المتعذر لكن ما لم تتحقق هذه الدعوى يمكن نفى وجوب مسح ظاهرهما
بأصل البراءة لرجوعه إلى الشك في جزئيته بالنسبة إلى تيمم الأقطع والمرجع فيه البراءة على اشكال في باب الطهارات
تقدمت الإشارة إليه غير مرة فلا ينبغي ترك الاحتياط فيه مع أن الدعوى المزبورة قريبة جدا بل ربما يقال في
مثل المقام باستصحاب وجوب مسح الكف بنحو من المسامحة العرفية التي عرفت تقريبها وما يتوجه عليه من النقض والابرام
في نظاير المقام في مبحث الوضوء فراجع وبما ذكرنا ظهر لك انه يجب الاحتياط بالاتيان بالمحتملات في كثير من مواقع
الضرورة التي يجب فيها رعاية قاعدة الميسور كما لو دار الامر بين وضع اليدين معا من دون ضرب أو ضربهما مترتبا أو دار
الامر بين وضع باطنهما أو ضرب ظاهرهما أو بين التيمم بيد واحدة لمن قطعت احدى يديه أو ضم الذراع إليها وكذا في مسح ظاهر
كفه فهل يمسحه على الأرض أو بذراعه إلى غير ذلك من الموارد التي يشكل الجزم فيها بتعين كيفية خاصة وأقربيتها إلى
المهية المأمور بها والله العالم ثم إن المتبادر من الامر بضرب الكف على الأرض هو الضرب بتمام الكف عرفا فلا يجزى الضرب
ببعضها مع الاختيار واما مع الضرورة فيجزى لقاعدة الميسور بل اطلاق الامر بضرب اليد بالتقريب الذي عرفته في حكم الضرب
بظاهر الكفين والظاهر أن الضرب ببعض باطن الكفين أقرب إلى المهية بنظر العرف من ضرب ظاهرهما فيقدم عليه والأحوط
الجمع وكذا لو كان على الباطن حائل تعذرت ازالته فإنه على الظاهر بمنزلة البشرة ما دامت الضرورة كما يظهر وجهه مما مر
في مبحث الوضوء فمع القدرة على ضرب الباطن مع ما عليه من الحائل لا يعدل إلى ضرب الظاهر وتوهم ان الضرورة كما تؤثر
في قيام الحايل مقام البشرة كذا لو تؤثر في الاجتزاء بضرب الظاهر فترجيح أحدهما على الاخر يحتاج إلى دليل * (مدفوع) * بان
قضية قيام الحائل مقام البشرة نكته من ضرب الباطن فلا يلغى شرطيته مع الامكان لكن لا ينبغي فيه أيضا ترك الاحتياط بالجمع
وليس نجاسة باطن اليدين مع عدم لتعدى والحجب وتعذر الإزالة عذرا في الانتقال إلى الظهر كما صرح به في الجواهر وغيره إذ لا دليل
على اعتبار الطهارة في الفرض بل لم يعم دليل يعتد به على اشتراط خلو مواضع التيمم مطلقا حتى مع الاختيار من النجاسة الغير السارية عدا ما عن
بعض من دعوى الاجماع على اشتراط طهارة الماسح والممسوح فان تم فهو والا فالأصل بل اطلاقات أدلة التيمم من الكتاب والسنة
ينفيه والاستدلال عليه بان بدلية من الطهارة المائية تقتضي مساواته لها في جميع الأحكام التي لم يدل دليل على خلافها مما لا ينبغي
الالتفات إليه ضرورة عدم استفادة مثل هذه الأمور من اخبار التيمم كما لا يخفى على المتأمل وربما يجاب عن ذلك بان اشتراط
طهارة المحل في الطهارة المائية انما هو لحفظ الماء عن الانفعال فلا يقتضي عموم المنزلة المنع من النجاسة الغير السارية كما في
الفرض وفيه ما عرفت في محله من أن الأظهر اشتراطها من حيث هي وان لم ينفعل الماء بان كان كثيرا أو جاريا فراجع وعن
التذكرة الاستدلال على اشتراط طهارة أعضاء التيمم بان التراب ينجس بملاقاتها لنجس فلا يكون طيبا وفيه انه انما يتم بالنسبة
إلى النجاسة المسرية إلى التراب دون غيرهما كما هو المفروض في المقام بل قد يناقش فيه أيضا تارة بمنع كون الطيب بمعنى الظاهر وفيه
ما عرفت عند التكلم في اشتراط طهارة التراب من الضعف وأخرى بان المتبادر من الآية وغيرها مما دل على اشتراط طهارة
التراب انما هو طهارة ما يتيمم به عند إرادة التيمم فلا يعم النجاسة الحاصلة باستعماله في التيمم نظير النجاسة الحاصلة للماء بملاقاة
النجس عند استعماله في إزالة الخبث وفيه مالا يخفى فان مفادها ليس الا اعتبار طهارة ما يتيمم به حين استعماله في التيمم و
490

قياسه على المستعمل في إزالة الخبث باطل كما يظهر وجهه مما سبق في مبحث اشتراط طهارة المستعمل في رفع الحدث بل يفهم بواسطة
المناسبة الظاهرة بين الحكم وموضوعه اشتراط طهارة العلوق المعتبر عند مسح الجبهة واليدين على القول به وان لم يصدق عليه
اسم الصعيد فاشتراط خلو المواضع من النجاسة السارية إلى التراب الذي يقع التيمم به مما لا ينبغي الاستشكال فيه وانما
الاشكال في اشتراط خلوها من النجاسة الغير السارية أو السارية التي لم تتعد إلى التراب بان عرضت في اليد بعد ضربها على الأرض
أو كانت في الجبهة أو ظاهر الكفين ولم نشترط العلوق لكن لا يبعد ان يدعى ان مغروسية كون تلويث المواضع بالنجس من المحاذير
الشرعية في الجملة وكونه استقذارا لدى الشارع توجب صرف اطلاقات أوامر التيمم عن الفرد المستلزم لاستعمال النجس باشتمال
المواضع على النجاسة السارية ولعل هذا هو المنشأ لما ادعاه بعض من القطع بعدم الاجتزاء بذلك فالأحوط ان لم يكن الأقوى
عند تعذر الإزالة حبسها عن السراية بتخفيف أو بعلاج ولو بشد خرقة ونحوها إذ الظاهر كفاية مثله عذرا في قيام الحائل مقام
البشرة وان كان الأحوط في مثل الفرض الجمع بين مسح البشرة والحائل لو لم يترتب عليه محذور شرعي أو عرفي من تلويث المواضع
الطاهرة بحيث يشق عليه تحمله كما أن الأحوط عند تعذر الحبس والاتيان بشئ من مراتب التيمم خاليا من استعمال النجس الجمع
بين التيمم وبين ما يقتضيه فقد الطهورين والله العالم * (تنبيه) * صرح غير واحد بأنه لا يشترط ان يعلق شئ من الصعيد
بالكفين عند الضرب عليه بل عن جامع المقاصد بعد ان نقل الاشتراط من بعض العامة وابن الجنيد من أصحابنا قال والاجماع
على خلافه وعن المنتهى لا يجب استعمال التراب في الأعضاء الممسوحة ذكره علمائنا ثم حكى الخلاف فيه عن الشافعي واحمد وهو
مؤذن باتفاق أصحابنا وكيف كان فهذا بحسب الظاهر هو المشهور كما يشهد له تصريحهم بجواز التيمم بمطلق وجه الأرض وتصريح
جملة منهم بجوازه على الحجر اختيارا من غير تعرض لاشتراط كونه مشتملا على ما يعلق باليد بل تجويز جلهم أو كلهم جوازه لدى الضرورة
من دون تعرض لوجوب التحري إلى تحصيل ما يشتمل على ما يعلق باليد فان ترك التصريح بالاشتراط في كلمات الاعلام في مثل المقام (بعد صيرورته علوقا)
في قوة التصريح بعدم الاشتراط وعن شيخنا البهائي ووالده وصاحب الحدائق واللوامع وصاحب المفاتيح وشارحه اشتراطه
وفاقا لما حكى عن ابن الجنيد من التصريح بوجوب المسح بالتراب المرتفع على اليدين وتحقيق المقام انه لا ينبغي الارتياب في عدم
اعتبار اشتمال اليد عند مسح الجبهة والكفين على ما يصدق عليه اسم التراب فان الاخبار الامرة بنفض اليدين بل الاخبار
البيانية في قوة التصريح بعدم اعتبار ذلك بل لا خلاف في ذلك على الظاهر وان أوهمه ما وقع من بعض من التعبير باشتراط
نقل التراب باليد ومسح الجبهة به وانما الاشكال بل الخلاف في اعتبار مقدار ما من الأثر الذي يبقى غالبا في اليد بعد نفضها
ولذا استدل له شارح المفاتيح فيما حكى عنه باطلاق اخبار النفض واستظهره من المشهور من اطلاق فتواهم باستحباب النفض
من دون تقييده بما إذا اتفق العلوق وناقش في نسبته عدم الاشتراط إليهم لكنك خبير بما في الاستدلال والاستظهار
من النظر فان استحباب النفض على الظاهر مشروط بتحقق موضوعه بمعنى ان المتبادر من الامر به ارادته على تقدير حصول العلوق
واطلاقه جار مجرى الغالب ولو سلم ظهور دليله في استحبابه المطلق المقتضى لتحصيل مقدمته بالتيمم بما يعلق باليد فهذا لا
يقتضى الا استحبابه لا شرطيته ودعوى انه يفهم من اطلاق الامر به قابلية كل تيمم صحيح لأن يقع فيه هذا المستحب مما لا ينبغي الاصغاء
إليها مضافا إلى ما ستعرفه من عدم منافاة استحباب النفض انتفاء العلوق الذي يشترطه القائلون به ونظير هذا الاستدلال
في الضعف الاستدلال لعدم الاشتراط باطلاق ما دل على استحباب النفض من النصوص والفتاوى الشامل باطلاقه لما إذا زال
العلوق بالنفض بالمرة لما أشرنا إليه من أن الغالب بقاء اثر التراب في الجملة بعد النفض فيمكن دعوى ورود الاطلاق مورد الغالب
فالانصاف عدم استقامة الاستدلال باطلاق استحباب النفض لشئ من المذهبين نعم يمكن الاستدلال باخبار النفض للمشهور
بتقريب اخر ستعرفه [انش] واستدل لعدم الاشتراط بالأصل وبنقل الاجماع الذي سمعته من المحقق الثاني وباطلاق ما دل على
جوازه بمطلق وجه الأرض من الأدلة المتقدمة في محله اما الأصل فالاستدلال به يتجه على تقدير عدم تمامية ما ستسمعه من أدلة
الطرفين واما نقل الاجماع وان لم نعتمد عليه لكنه معتضد بالشهرة ومحفوف بامارات ربما تفيد الوثوق بالمدعى واما الاطلاق
فربما يتأمل فيه في بادي الرأي نظرا إلى أن الغالب تأثر اليد بضربها على الأرض وان كانت ذات أحجار ونحوها لعدم خلوها غالبا
من شئ من الغبار الذي يعلق باليد فلا يبعد ورود الاطلاق مورد الغالب مع أن كون تلك الأدلة مسوقة لبيان الاطلاق على
وجه يفهم منها نفى مثله هذا الشرط يحتاج إلى مزيد تأمل لكن المتأمل لا ينبغي يرتاب في استفادته من مجموع الأخبار الواردة
في كيفية التيمم بل من جميعها لا لأجل دلالتها على جوازه بمطلق وجه الأرض الشامل للحجر ونحوه مما لا يعلق باليد حتى يتوجه
491

عليها بعض المناقشات الغير الخفية على المتأمل بل لدلالة مطلقها حتى ما اشتمل منها على نقل الفعل الصادر عن النبي صلى الله عليه وآله والوصي (ع)
على أن التيمم المشروع عبارة عن ضرب اليدين على الصعيد ومسح الجبهة والكفين بهما وما ادعيناه من غلبة اشتمال الأرض على
الغبار الذي يتأثر منه اليد انما هي مع يبوستها واما مع نداوتها كما هو الغالب في أيام الشتاء وأوقات نزول الأمطار
في الأماكن الغير المحفوظة بسقف ونحوه فلا يتأثر اليد بضربها على الأرض الا من نداوتها ولا يعلق بها منها وان كانت ترابا
الا الاجزاء الغير المستوعبة المنفصل بعضها عن بعض التي تزول النفض الذي لا شبهة في استحبابه مع أنه ليس في شئ من الاخبار
اشعار باشتراط جفاف الأرض على وجه يثار منها الغبار وادعاء ان الصعيد هو التراب الخالص كما سمعته من بعض في محله مما لا يضر
فيما نحن بصدده إذ لم يدع أحد كونه موضوعا للتراب اليابس الذي يثار منه الغبار ومجرد النداوة لا يخرج التراب من كونه مصداقا
للتراب ولكن يمنعه من العلوق المحيط باليد الذي لا يحصل الا بالغبار وبما ذكرنا ظهر لك صحة الاستدلال للمدعى بالمستفيضة الواردة
في التيمم الامرة بضرب اليدين على الأرض المشتملة على الامر بنفضها مثل صحيحة زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام في التيمم قال تضرب بكفيك
الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك وصحيحة أبي بصير وغيرها مما ستسمعه في المباحث الآتية وما فيها من اطلاق الامر
بالنفض لا يصلح قرنية لا إرادة خصوص التراب الذي يعلق باليد لما أشرنا إليه من أخصته هذا المعنى مما يصحح الامر بالنفض فان
مطلق لصوق شئ من اجزاء الأرض من رمل وحصى وتراب ونحوها بجزء من اجزاء اليد كما هو الغالب عند ضربها على الأرض يصحح ذلك
ولا يتوقف على حصول العلوق الذي يشترطه القائلون به واستدل القائلون بالاشتراط بقوله [تع] فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه
بدعوى ظهور كلمة من في التبعيض كما يؤيده صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) التي هي عمدة المستند لهذا القول قال قلت له الا تخبرني من أين
علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس والرجلين وذكر الحديث إلى أن قال قال أبو جعفر (ع) ثم فصل بين الكلام فقال وامسحوا برؤوسكم فعرفنا حين
قال برؤوسكم ان المسح ببعض الرأس لمكان الباء إلى أن قال فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم فلما ان وضع الوضوء
عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم ثم وصل بها وأيديكم منه أي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك اجمع لم يجر على
الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها الحديث واستدل أيضا بالامر بالمسح من الأرض في صحيحة الحلبي
وابن سنان بالتقريب المتقدم في الآية وقد سبق عند تحقيق ما يتمم به ما يظهر منه ضعيف الاستدلال بالآية وبهذه الاخبار لاشتراط
العلوق وعدم استقامة حمل كلمة من على التبعيض وعدم شهادة الصحيحة بذلك بل اشعارها لو لم نقل بدلالتها على عدم اعتبار العلوق
فراجع واستدل لهم أيضا بظهور ما دل على طهورية التراب في كونه هو المطهر بمباشرته للجسد كالماء سيما بملاحظة المنزلة والبدلية
وفيه بعد العلم بعدم إرادة تمريغ الجسد في التراب وعدم كون التطهير به كالتطهير بالماء وكونه امرا تعبديا متلقى من الشارع
مالا يخفى فالقول باعتبار العلوق ضعيف لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط برعايته مع الامكان فان في النفس مناسبات
مغروسة مانعة من الجزم بالعدم وان اقتضته القواعد الظاهرية بل لا يبعد ان يدعى ان المتبادر إلى الذهن بواسطة تلك المناسبات
من الامر بضرب اليدين على الأرض ومسح الجبهة والكفين إرادة ايصال اثرها الحسى اليهما مع الامكان لكونه أشد تأثيرا في
حدوث العلاقة المصححة لإضافة المسح إلى الصعيد كما يؤيده الامر بالضرب وعدم الاكتفاء بمجرد الوضع فليتأمل * (فصل
في تحديد) * الماسح والممسوح وكيفية المسح * (اما الماسح) * فيعتبر حصول المسح بما تحقق به الضرب مما باشر الأرض من باطن
الكفين وما ناب منابه لدى الضرورة لكونه هو المتبادر من أدلته ويعتبر حصول مسح الجبهة بكلتا اليدين الدلالة معظم الاخبار
البيانية قولا وفعلا عليه * (ففي) * صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) في التيمم تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك و
يديك ورواية ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام قال في التيمم تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك
وذراعيك إلى غير ذلك من الاخبار الظاهرة فيه وعن المحقق الأردبيلي والخونساري كفاية المسح بإحديهما لاطلاق الآية و
بعض الأخبار وعن ثانيهما أنه قال كما يجوز حمل المطلق على المقيد يجوز القول بكفاية المطلق وحمل المقيد على أنه أحد افراد الواجب
انتهى ولا يخفى عليك ما في الاستدلال باطلاق الآية بعد ثبوت كونها من المتشابهات التي يجب الرجوع فيها إلى تفسير أهل البيت
عليه السلام واما بعض الأخبار المطلقة فالمراد به على الظاهر صحيحة زرارة الحاكية لفعل أبى جعفر (ع) في مقام التعليم بقوله فضرب
بيده على الأرض ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبينه وكفيه مرة واحدة وفى خبر أبي أيوب الخراز فوضع يده على الأرض ثم رفعها
فمسح وجهه ثم مسح فوق الكف قليلا وأنت خبير بأنه ليس في الروايتين اطلاق لكونهما اخبارا عن قضية خاصة فان تمت دلالتهما
على وقوع الضرب في تلك القضية بيد واحدة لم يعارضهما شئ من الاخبار الظاهرة في اعتبار كونه باليدين بل يجب تأويل تلك الأخبار
492

بحملها على الاستحباب أو إرادة مسح مجموع الوجه واليدين من حيث المجموع بالكفين أو غير ذلك من المحامل لعدم قبول الفعل الصادر
في مقام البيان للتأويل لكنهما لا تدلان على ذلك لان المراد باليد المضافة إلى الضمير جنسها الصادق على الواحد والمتعدد لا الفرد
الغير المعين لأنها ليست بنكرة ولذا توهم اطلاقها غفلة عن أن المطلق عند وقوعه في مقام الاخبار عما وقع بحمل لا يعارض الاخبار
المبينة * (نعم) * لا يبعد دعوى ان الشايع المتعارف من اطلاق يده عند افرادها إرادة احدى يديه من غير فرق بين وقوعها في حيز الطلب أو في
مقام الاخبار فلها ظهور عرفي في إرادة هذا المعنى المقيد لكنها غير مجدية بالنسبة إلى الروايتين لتعين صرفهما عن هذا الظاهر بعد
تسليمه لظهورهما بل صراحة قوله في الصحيحة ثم مسح بها جبينيه وكفيه في وقوع مسح الكفين أيضا بما أريده من مرجع للضمير فيجب ان
يكون المراد به الجنس الصادق عليه السلام على يديه لتعذر مسح الكفين بيد واحدة هذا مع أن الظاهر اتحاد القضية التي تضمنها هذه الصحيحة
مع ما حكاها زرارة عن أبي جعفر (ع) خبر اخر بقوله فوضع أبو جعفر (ع) كفيه على الأرض وفى صحيحة أخرى بقوله فضرب بيديه على
الأرض ثم لو سلم مماشاة ظهور الآية في الاطلاق أو ظهور الروايتين في وقوع مسح الجبهة بيد واحدة أو في الاطلاق كما توهمه الخصم
فليس شئ من هذه الظهورات مما يكافي ظهور مثل قوله (ع) تضرب بكفيك الأرض وتمسح بهما وجهك ويديك في اعتبار كونه باليدين
* (فالقول) * بكفاية المسح بيد واحدة ضعيف واضعف منه ما حكى عن الإسكافي من القول بكفاية المسح بخصوص اليمنى حيث لم يعرف
على خصوصيتها دليل وهل يعتبر المسح بهما معا أو يكفي على التعاقب وجهان أحوطهما الأول لانسباقه إلى الذهن من النصوص والفتاوى
لكن لا يبعد دعوى كونه بدويا والله العالم واما الممسوح فقد اختلفت كلمات الأصحاب في تحديده فربما نسب إلى المشهور تحديده
من الوجه بخصوص الجبهة ومنشأ النسبة على الظاهر ما وقع منهم من التعبير بمسح الجبهة كما في المتن وغيره أو التعبير بمسح الوجه من
القصاص إلى أطراف الانف كما عن السيدين وكثير من القدماء والا فلم يعهد عنهم التصريح بالاختصاص وعن جامع المقاصد
والمسالك والميسية والمجمع والمدارك وشرح المفاتيح والدرة وغيرها التصريح بوجوب مسح الجبينين معها وعن بعضهم التصريح
بضم الحاجبين اليهما ولعله أراد به الوجوب المقدمي كما أنه لا يبعد إرادة من اعتبر مسح الجبينين ما يعمهما بل يحتمل قويا إرادة المشهور
المعبرين بمسح الجبهة أو مسح الوجه من القصاص إلى طرف الأنف ما يعم الجبينين كما يؤيده ما عن مجمع البرهان من نسبة إلى المشهور
بل عن حاشية المدارك عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية تارة وانه مضى عليه مشايخنا أخرى وعن شرح المفاتيح لعله لا نزاع
فيه بين الفقهاء وعن كشف اللثام انه يمكن دخوله في مراد المشهور قلت والظاهر أنه كذلك لشيوع إرادة المجموع من اطلاق مسح الجبهة
كما في عبارة الأكثر أو مسح ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف كما في عبارة غيرهم كشيوع إرادة المجموع من اطلاق الجبين أو
ارادته عند الامر بمسح الجبينين وعليه ينزل ما عن الهداية والفقيه من الاقتصار على مسح الجبينين مع ضم الحاجبين اليهما
في الثاني كما أن ما في جملة من الاخبار البيانية التي ستسمعها من أنه عليه السلام مسح جبينيه محمول على ذلك فان مقتضى الجمود على
ظاهرها عدم اعتبار مسح الجبهة مع أنه لم ينقل الخلاف في وجوبه من أحد بل عن بعض دعوى الاجماع بل الضرورة عليه فالذي
يغلب على الظن اتحاد ما سمعته من الأقوال وكون الاختلاف في التعبير كما يشهد لذلك ما يظهر من المتن وغيره من عد المسألة ذات
قولين أحدهما ما سمعته من المصنف من اعتبار مسح الجبهة من قصاص الشعر إلى طرف انفه ثم مسح ظاهر الكفين والاخر ما عن
ظاهر علي بن بابويه في رسالته على ما قيل وهو الالتزام باستيعاب مسح الوجه والذراعين فمراد المصنف بالجبهة على الظاهر
ما يعم الجبينين والا فالعبارة المحكية عن الهداية والفقيه كعبائر من سمعته من المتأخرين صريحة في وجوب مسح الجبينين فمن
المستبعد عدم تعرضه لمثل هذا القول الذي هو مضمون جملة من الأخبار المعتبرة بل من عادته في مثل المقام على تقدير عدم وجود
قائل به ان ينسبه إلى رواية فيستكشف من ذلك ان ما اختاره ليس الا ما يستفاد من تلك الروايات كما يشهد لذلك نسبة اختصاص
المسح بالجبهة في النافع إلى اشهر الروايات قال وهل يجب استيعاب الوجه والذراعين بالمسح فيه روايتان أشهرهما اختصاص
المسح بالجبهة وظاهر الكفين مع أنك ستعرف انه لم يثبت رواية يظهر منها الاختصاص بالجبهة بخصوصها عدا ما حكى من عبارة
الفقه الرضوي الذي لم يكن معروفا في الأزمنة السابقة فمراده بأشهر الروايات على الظاهر ليس الا الاخبار المتضمنة لمسح
الجبين وكيف كان فالمتبع هو الذي يستفاد من اخبار أهل البيت عليهم السلام وهى بظاهرها مختلفة ففي كثير منها وقع التعبير بمسح
الوجه منها صحيحة أبى أيوب الخراز عن أبي عبد الله عليه السلام الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وفيها فوضع يده على الأرض ثم رفعها
فمسح وجهه ثم مسح فوق الكف قليلا وبمضمونها صحيحة داود بن نعمان وفيها فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه
ويديه فوق الكف قليلا وحسنة الكاهلي قال سئلته عن التيمم فضرب يديه على البساط فمسح بهما وجهه ثم مسح كفيه إحديهما
493

على ظهر الأخرى وصحيحة زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وذكر التيمم وما صنع عمار فوضع أبو جعفر (ع) كفيه على الأرض ثم
مسح وجهه وكفيه ولو يمسح الذراعين بشئ وعنه أيضا عن أبي جعفر (ع) قال في التيمم تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما
وجهك ويديك وعن ليث المرادي عن أبي جعفر (ع) قال تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك
وذراعيك وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن التيمم فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله الأرض
فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه ثم قال
هذا التيمم على ما كان فيه الغسل في الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين والقى ما كان عليه مسح الرأس والقدمين فلا يؤمم بالصعيد
وموثقة سماعة قال سئلته كيف التيمم فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه وذراعيه إلى المرفقين وهذه الأخبار كما تريها ظاهرة في
وجوب استيعاب مسح الوجه لأنه هو المتبادر من الامر به كما في بعض الأخبار أو الاخبار عن وقوعه كما في بعض اخر مع ورودها في مقام
البيان وظاهر بعضها كخبر المرادي وصحيحة ابن مسلم وموثقة سماعة وجوب استيعاب مسح الذراعين أيضا فهذه الروايات الثلاثة
بظاهرها منطبقة على ما حكى عن علي بن بابويه فهي على الظاهر مستنده لكن يجب ارتكاب التأويل في كل من الظاهرين اما بالنسبة إلى
مسح الذراعين فلمعارضة هذه الروايات ببعض ما تقدمها مثل صحيحة زرارة التي وقع التصريح فيها بأنه عليه السلام لم يمسح الذراعين
بشئ وفى صحيحتي داود بن نعمان وأبى أيوب ثم مسح فوق الكف قليلا وهذه العبارة في قوة التصريح بعدم استيعاب المسح إلى المرفقين
فالمتعين اما حمل مسح الذراعين على الاستحباب أو طرح هذه الروايات لشذوذها واعراض الأصحاب عنها مع ما فيها من امارة
التقية كما لا تخفى واما بالنسبة إلى استيعاب مسح الوجه فمع انه لم ينقل القول به بالخصوص من أحد قد يعارض هذا الظاهر ما هو
صريح في عدم وجوب الاستيعاب كصحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) الا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس و
بعض الرجلين وذكر الحديث إلى أن قال أبو جعفر (ع) ثم فصل بين الكلام فقال وامسحوا برؤوسكم فعرفنا حين قال برؤوسكم ان
المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم قال فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم فلما ان وضع الوضوء عمن لم يجد
الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم [الخ] فإنها صريحة الدلالة في عدم وجوب الاستيعاب وفى جملة من الاخبار
البيانية انه (ع) مسح جبينه في بعضها بلفظ الافراد وفى بعضها بالتثنية * (منها) * ما رواه زرارة عن أبي جعفر (ع) حاكيا عن رسول الله صلى الله عليه وآله
في قضية عمار ثم اهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد ثم مسح جبينيه بأصابعه وكفيه إحديهما بالأخرى ثم لم يعد ذلك و
منها رواية عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد الله عليه السلام انه وصف التيمم فضرب بيديه على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح على
جبينيه وكفيه مرة واحدة و * (منها) * ما نقله ابن إدريس في اخر السرائر من كتاب النوادر عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر (ع)
حاكيا عن رسول الله صلى الله عليه وآله في قضية عمار فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحديهما على الأخرى ثم مسح بجنبيه ثم مسح كفيه كل واحدة
على ظهر الأخرى [الخ] * (ومنها) * موثقة زرارة المروية عن الكافي وموضع من التهذيب من طريق محمد بن يعقوب قال سئلت أبا جعفر (ع)
عن التيمم فضرب بيده على الأرض ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبينيه وكفيه مرة واحدة وعن موضع اخر من التهذيب عن المفيد بطريق
اخر مثله الا أنه قال ثم مسح جبهته وعن الفقه الرضوي قال وصفة التيمم للوضوء والجنابة وساير أبواب الغسل واحد وهو ان
تضرب بيدك على الأرض ضربة واحدة تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف ثم تضرب بهما أخرى فتمسح بها
اليمنى إلى حد الزند وروى عن أصول الأصابع ثم تمسح باليسرى على هذه الصفة وروى إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض
ضربة واحدة ثم تضع احدى يديك على الأخرى ثم تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك وبقى ما بقي ثم تضع أصابعك
اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع من فوق الكف ثم تمرها على مقدمها على ظهر الكف ثم تضع أصابعك اليمنى على أصابعك
اليسرى فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة فهذا هو التيمم وهو الوضوء التام الكامل في وقت الضرورة
وهذه الأخبار بأسرها كادت تكون صريحة في عدم استيعاب مسح الوجه فإنه لا يقال عرفا في مقام الاخبار عما وقع لإفادة بيان
مهية التيمم على تقدير وقوع مسح مجموع الوجه واعتباره كذلك في المهية انه مسح جبينيه * (نعم) * لو لم يعتبر في المهية الا مسح الجبينين يعبر
بمثل هذه العبارة وان كان الواقع مسح مجموع الوجه من باب الاتفاق أو لكونه مستحبا مثلا حيث لم يتعلق الغرض الا بنقل ما هو
المعتبر في المهية وهذا بخلاف ما إذا كان المعتبر مسح مجموعه كما هو واضح فمقتضى الجمع بين هذه الروايات والأخبار السابقة
اما رفع اليد عن ظهور تلك الأخبار في وجوب الاستيعاب بحملها على الاستحباب أو رفع اليد عن ظهورها في الاستيعاب بحملها
على إرادة مسح الوجه في الجملة ولو بمسح بعضه وكلاهما من أهون التصرفات خصوصا الأخير منهما حيث لا ظهور للعبارة في حد
494

ذاتها في الاستيعاب الا بقرينة صدورها في مقام البيان فرفع اليد عنه بسائر الأدلة من قبيل التقييد الذي هو من أهون التصرفات
خصوصا مع اتحاد مضمون معظم تلك الأخبار مع ما تضمنته هذه الروايات إذ الظاهر كون المجموع اخبارا عن قضية خاصة
وهى ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وآله لتعليم عمار أو من أبى جعفر (ع) لتعليم زرارة ونظرائه والاخبار المقيدة لها قوة ظهور في عدم
استيعاب مسح الوجه في شئ من القضيتين وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في عدم وجوب الاستيعاب نعم لا يبعد الالتزام باستحبابه
ابقاء لبعض الأخبار المتقدمة على ظاهرها من هذه الجهة فليتأمل وهل المعتبر مسح الجبينين مع ما بينهما من الجبهة أو
خصوص الجبينين كما يقتضيه الجمود على ما يترائى من أكثر الاخبار المقيدة السالمة من معارض مكافئ أو خصوص الجبهة
كما استظهر من المشهور وجوه لم ينقل القول بأوسطها من أحد بل قد سمعت من بعض دعوى الاجماع بل الضرورة على اعتبار
مسح الجبهة ولولا ذلك لأمكن الالتزام به بملاحظة ما عرفت واما الأخير وان نسب إلى المشهور لكن لا يساعد عليه دليل حيث
لم يظهر من شئ من الاخبار إرادة الجبهة بالخصوص عدا موثقة زرارة التي وقع فيها التعبير بلفظ الجبهة على ما رواها في التهذيب و
صدر عبارة الفقه الرضوي من تحديده بموضع السجود الظاهر في ارادته بالخصوص اما الموثقة فلم يثبت صدورها بهذا المتن
لما سمعت من روايتها في موضع آخر من التهذيب وفى الكافي الذي هو أوثق منه في النقل بلفظ الجبين واحتمال كونها رواية أخرى
باعتبار اختلاف طريقها ضعيف في الغاية مع أنه لا ينبغي الارتياب في كونها على تقدير المغايرة اخبارا عن القضية التي تضمنتها تلك الرواية
فلابد من حمل كل منهما على مالا ينافي الأخرى بالالتزام بكون ما صدر في تلك القضية الخاصة مسح مجموع الجبهة والجبينين فإنه من
أجمل وجوه الجمع بين الروايتين حيث لا يستلزم تصرفا في شئ من الروايتين الا من حيث ظهورهما لأجل مناسبة المقام في الاقتصار
على الجبهة أو الجبينين وأنت خبير بوهن هذا الظهور في الغاية بل عدم ظهور شئ منهما فيما ينافي الاخر لا لعدم الاعتناء بمفهوم
اللقب حتى ينافي وقوعه في مقام بيان الحد ولا لشيوع اطلاق الجبهة على ما يعم الجبين وعكسه حتى يتوجه عليه كونه مجازا لا يحمل
اللفظ عليه الا مع القرينة بل لان مسح الجبهة باليدين لا ينفك عادة عن مسح الجبينين في الجملة وكذا عكسه فلا يستفاد من نقل الفعل
التحديد الحقيقي الا ترى انه لا يفهم من الروايتين ان الإمام (ع) في تلك الواقعة لم يمسح حاجبيه نعم ما صدر عن الإمام (ع) في مقام الحكاية
لفعل النبي صلى الله عليه وآله في مقام بيان التيمم من الاقتصار على لفظ الجبينين ظاهر في اعتبار مسحهما بالخصوص لا لظهور النقل في اقتصار المسح
عليهما في تلك القضية الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله كيف ومسح الجبينين لا ينفك عادة عن مسح ما حولهما في الجملة ولو من باب المقدمة بل لأن عدم
تعرض الإمام (ع) الا لنقل مسح الجبينين دليل على أن ما عداه لا يعتبر في مهية التيمم فيظهر منه الاختصاص وبما ذكرنا ظهر لك ما
يقتضيه الجمع بين الرضوي على تقدير اعتباره بين الأخيار الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله الظاهرة في الاختصاص بالجبينين من
رفع اليد عن ظاهر كل منهما بصريح الاخر فان الرضوي نص في اعتبار الجبهة وظاهر في عدم اعتبار غيره من باب السكوت في معرض البيان
وسائر الأخبار عكسه فيؤل الظاهر بالنص هذا مع شيوع اطلاق كل من الجبهة والجبين على ما يعم الاخر بل قد يقال إن المتبادر
عرفا من اطلاق الجبهة وكذا الجبين منفردا كما في بعض الأخبار هو المعنى الأعم الا ترى ان المتبادر من مثل قوله إذا مات المؤمن من عرق
منه الجبين إرادة السطح المشتمل على الجبهة والجبينين وعلى هذا ينزل الاخبار المعبرة بالجبين بعد انعقاد الاجماع على عدم الاجتزاء
بهما بالخصوص فيكون الاجماع كاشفا عن إرادة هذا المجاز الشايع أو دليلا لتقييد ما يظهر منها من اطلاق كفاية مسح الجبينين و
يكون الرضوي والموثق شاهدين عليه على تقدير اعتبارهما ومؤيدين على تقدير العدم ولقد أعجب في الحدائق حيث حمل لفظ الجبينين
في هذه الأخبار على إرادة خصوص الجبهة بعلاقة المجاورة مستشهدا بفهم المشهور حيث زعم التزامهم باعتبار مسحها بالخصوص و
استنادهم فيه إلى هذه الأخبار وقد أشرنا في صدر المبحث إلى أن المظنون عدم إرادة المشهور الاختصاص واما حمل الاخبار على
إرادة خصوص الجبهة فهو في غاية البعد لان ارادتها بالخصوص من لفظ الجبينين بل وكذا من لفظ الجبين كما في بعض الأخبار من
المجازات المستنكرة التي لا يكاد يساعد عليها شئ من موارد استعمالاتهما وما استشهد به من ارادتها بالخصوص من لفظ الجبين
في بعض اخبار السجود منظور فيه وكيف كان فقد اتضح ان الوجه * (الأول) * أعني اعتبار مسح الجبهة والجبينين مع كونه أحوط أشبه بظواهر
النصوص بل وكذا الفتاوى بضميمة ما أشرنا إليه من القرائن واما مسح الحاجبين وان أمكن القول بوجوبه لعدم انفكاكه عن مسح
الجبهة والجبينين غالبا وموافقته للاحتياط الذي قد يقال بلزومه في مثل المقام لكن عدمه اظهر إذ لا إشارة إليه في شئ من الاخبار
بل ظاهر بعض الأخبار الحاكية وكذا ما روى في ذيل عبارة الفقه عدمه مع أن الحق ان المرجع على تقدير الشك هو البراءة لا الاحتياط
نعم لو توقف عليه مسح الجبهة والجبينين أو العلم بمسحهما وجب من باب المقدمة فلا يجب إزالة ما عليها من الحائل لو لم يتوقف المسح
495

الواجب عليها لكن الاحتياط لا ينبغي تركه والله العالم واما تحديد الممسوح من اليدين فالمعروف بين الأصحاب اختصاصه بظاهر
الكفين من الزند وعن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويعضدها عدم نقل الخلاف فيه من أحد الا من على ابن بابويه من استيعاب
مسح الوجه والذراعين وقد تقدم الكلام فيه واتضح انه لا يجب مسح شئ من الذراعين كما يدل عليه صحيحة زرارة المصرحة بأنه
مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشئ ولا يعارضها ما في صحيحتي داود بن نعمان وأبى أيوب الخراز من أنه مسح فوق الكف
قليلا لاجمال وجه الفعل واحتمال كونه من باب المقدمة أو الاستحباب مع احتمال إرادة ظهر الكف من فوقه فظاهره على هذا
التقدير عدم استيعاب ظاهر الكف بالمسح لكن لم تحقق هذا الاحتمال حتى يعتنى بهذا الظاهر فالمعتمد انما هو ظاهر سائر النصوص
وفتاوى الأصحاب من استيعاب ظاهر الكفين من الزندين نعم ظاهر ما ارسله في الفقه الرضوي في صدره وذيله كونه من أصل
الأصابع وكذا مرسلة حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن التيمم فتلا هذه الآية والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما
وقال اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق فامسح على كفيك من حيث موضع القطع وقال وما كان ربك نسيا فمقتضى القاعدة
تقييد سائر الروايات بهما لكن اعراض الأصحاب عنهما مع ما في سندهما من الضعف أسقطهما عن الاعتبار وما عن كشف اللثام
من نسبة مضمونهما إلى القيل لا يخرجهما من الشذوذ فضلا عن أن يجبر سندهما ويحتمل قويا ان يكون المراد بأصل الأصابع في ذيل
الرضوي أساسها من الكف فقوله من فوق الكف يعنى من أعلاها كما يؤيد أراد هذا المعنى قوله فبما بعد ثم تمرها على مقدمها على
ظهر الكف فلا يكون مخالفا للمشهور ولا يبعد ان يكون المراد بما رواه أولا أيضا هذا المعنى فيكون مخالفته مع ما أفتى به في كيفية المسح
من حيث الابتداء والانتهاء فليتأمل واما ما ارسله حماد فقد يوجه بكونها مسوقة لتعليم السائل كيفية الاستدلال على العامة بما
يوافق مذهبهم في السرقة ويبطل مذهبهم في التيمم فكأنه لما اطلق الأيدي في آيتي السرقة والتيمم وقيدت في اية الوضوء علم أن القطع
والتيمم ليسا من المرفقين * (أقول) * معهودية جريان الحدود على وفق آراء العامة ومهجورية الحق وجهل عامة الناس به في عصر الأئمة (ع)
مما يؤيد هذا الحمل لكن فيه تثبيت لمذهبهم في حكم القطع وهو لا يخلو من بعد ويحتمل ان يكون المراد بوضع القطع موضوعه الذي
تعلق به الحكم في عناوين الأدلة وهو اليد التي يراد بها الكف عند اطلاقها من غير التفات إلى أن الواجب قطع بعضها كما هو مذهب
الخاصة أو جميعها كما هو مذهب العامة بالمراد بالرواية بيان ان متعلق الحكم هو الكف فالمسح منها لا من المرفق والغرض من الاستشهاد
بالآيتين بيان ان المتبادر من اليد هو الكف وانما فهم وجوب غسل الذراعين في اية الوضوء من ذكر الغاية فلو وجب المسح إلى المرفقين
في التيمم أيضا لبينه الله تعالى كما في الوضوء فإنه تعالى لا ينسى شيئا والله العالم * (ثم) * ان صريح جملة من الأصحاب كظاهر آخرين
وجوب استيعاب الأعضاء الممسوحة بالمسح بل عن الروض دعوى الاجماع عليه وعن الرياض دعواه في الكفين والظاهر عدم القول
بالفرق ومستنده انسباقه إلى الذهن من الأدلة فان المتبادر من الامر بمسح الجبهة والكفين إرادة استيعابهما بالمسح ويتحقق ذلك
عرفا بأمر اليدين الماسحتين بباطنهما على جميع الجبهة والجبينين وظاهر الكفين من الزندين إلى أطراف الأصابع مرة واحدة وان
لم يتحقق به مباشرة الماسح لجميع اجزاء الممسوح لدى التدقيق فان المعتبر هو صدق مسح الأعضاء عرفا ولا يتوقف ذلك على
التأكيد والمبالغة والتخليل بل في بعض الأخبار المتقدمة الحاكية للفعل التصريح بوقوع المسح مرة واحدة وهى لا تنفك غالبا
عن الخلل وكيف كان فلا يعتبر فيه أزيد من صدق امرار اليد على الجبهة وظاهر الكفين عرفا ودعوى ابتناء الصدق العرفي عند
عدم الاستيعاب الحقيقي على المسامحات العرفية * (مدفوعة) * أولا بان مسح العضو عبارة عن امرار اليد على ظاهره ولا يلاحظ اجزاء
العضو بحيالها موضوعات مستقلة حتى ينافي عدم مباشرة الماسح بشئ منها اطلاق المسح حقيقة وثانيا ان المتبادر من الامر
بمسح العضو انما هو إرادة ما يطلق عليه مسح ذلك العضو عرفا وبعد تسليم مساعدة العرف على الصدق يعمه اطلاق الامر وقد تقدم
عند التكلم في ضرب اليدين على الأرض ما يوضع المقام فراجع وهل يعتبر استيعاب الماسح أيضا كالممسوح بمعنى مسح مجموع الجبهة و
الجبينين بجميع باطن اليدين لا ببعضهما وكذا مسح ظاهر كل من اليدين بجميع باطن الأخرى لا ببعضه وجهان من انسباق إرادة المسح
بما أريد ضربه على الأرض من مثل قوله تضرب بكفيك الأرض وتمسح بهما وجهك ويديك مع اقتضاء المناسبة اعتبار المسح بما اعتبر
مباشرته للأرض عند الضرب إذ الظاهر أن اعتبار وضع اليد على الأرض لتصحيح علاقة مسح الوجه واليدين من الصعيد وقد عرفت
ان المتبادر من النصوص والفتاوى ضرب مجموع الكف فمقتضى المناسبة وقوع المسح بالمجموع ومن صدق المسح باليدين على امرار
بعضها على الممسوح مضافا إلى ما في صحيحة زرارة من التصريح بأنه مسح جبينيه بأصابعه أحوطهما الأول بل لولا ظهور الصحيحة في كفاية
البعض لكان أقوى ودعوى الصدق العرفي غير مجدية بعد ما ادعيناه من الانصراف فان اطلاق المسح باليد عند المسح ببعضها
496

ليس الا كاطلاق الضرب باليد على الأرض عند الضرب ببعضها فكما ان الروايات تضرب إلى إرادة الجميع في الثاني فكذلك في الأول لكن
الصحيحة كادت تكون صريحة في كفاية البعض فهذا هو الأقوى ومن هنا قد يقوى في النظر عدم اعتبار ضرب مجموع الباطن أيضا لما
أشرنا إليه من المناسبة لكن الأقوى خلافه جمودا في الأحكام التعبدية على ما يتبادر من أدلتها والله العالم واما كيفية المسح فقد
صرح بعض باعتبار وقوعه في كل من الوجه واليدين من الأعلى إلى الأسفل وربما استظهر ذلك من المتن ونحوه لكن بالنسبة إلى مسح
الجبهة حيث اعتبر مسحها من قصاص الشعر إلى طرف الأنف ونسبه بعض إلى المشهور بل عن شرح المفاتيح نسبته إلى ظاهر الأصحاب و
عن المنتهى نسبته إلى ظاهر عبارة المشايخ ولعل النسبة نشأت من تعبيرهم كعبارة المتن وأنت خبير بكونها مسوقة لتحديد الممسوح لا
لكيفية المسح ولذا لم يتعرض لبيانها بالنسبة إلى ظهر الكفين وما نسبوه إلى المشهور أيضا على الظاهر في خصوص الوجه لكن الظاهر
عدم القول بالفرق * (وكيف) * كان فليس في شئ من الأخبار المعتبرة اشعار بذلك وربما يستدل له بتنزيل الترابية منزلة المائية
وبدليتها منها المشعرة بالمساواة سيما بعد ما ورد في بعض الأخبار من أن التيمم نصف الوضوء وبأنه هو المنساق إلى الذهن من التعميمات
البيانية للسائل عن الكيفية وانه لو وقع في الفعل البياني ابتداء بغير الاعلى لنقله السائل وفى الجميع مالا يخفى بل في عدم تعرض
السائل لنقل كيفية المسح اشعار بعدم استفادة إرادة الخصوصية وجريه مجرى العادة * (نعم) * لو كان لمسح الوجه واليدين كيفية خاصة
متعارفة وكان غيرها خلاف المتعارف لاستشعر من عدم تعرض السائل لنقل كيفية عدم وقوعه بالكيفية الغير المتعارفة لكن الشان
في اثبات كون المسح من غير الاعلى خصوصا بالنسبة إلى اليدين خلاف المتعارف * (نعم) * ما رواه في الفقه الرضوي في ذيل عبارته
المتقدمة صريحة في الابتداء من الأعلى بالنسبة إلى اليدين بل لا يبعد استفادته منها بالنسبة إلى الوجه أيضا مع عدم القول بالفرق
على الظاهر بل قد يستظهر ذلك من صدر عبارتها وان لا يخلو من تأمل وكيف كان فالقول به لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط
والله العالم وليعلم انهم اختلفوا في عدد الضربات في التيمم فعن الشيخين في النهاية والمبسوط والمقنعة كما هو مختار المصنف ره
في الكتاب انه يجزيه في ما هو بدل من الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر كفيه ولابد فيما هو بدل من الغسل من جنابة أو غيرها من
ضربتين وقيل في الكل ضربتان حكى ذلك عن المفيد في الأركان وعن التقى انه مذهب جماعة من القدماء وربما نسب أيضا إلى علي بن
بابويه الا انه يعتبر الترتب بين ضربة اليدين للكفين ولذا اختلفت الحكاية عنه فربما نسب إليه اعتبار ثلث ضربات ولكل وجه فإنه قال
في محكى شرح الرسالة إذا أردت ذلك فاضرب بيديك على الأرض مرة واحدة وانفضهما وامسح بهما وجهك ثم اضرب بيسارك
الأرض فامسح بها يمينك من المرفق إلى أطراف الأصابع ثم اضرب بيمينك الأرض وامسح بها يسارك من المرفق إلى أطراف الأصابع
وقيل يجزى في الكل ضربة واحدة حكى عن جماعة من القدماء وعن المعتبر والتذكرة اختياره ووافقهم غير واحد من المتأخرين ولا يبعد
ان يكون التفصيل اشهر الأقوال بل ربما نسب إلى المشهور ولكن خلافه اظهر والأقوى كفاية الواحدة مطلقا ولكن الضربتين أفضل
بل الأحوط وأحوط منه الجمع بتكرير التيمم لنا على كفاية الواحدة مطلقا جمع الأخبار المتقدمة الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله في قضية عمار
وفعل الباقر والصادق عليهما السلام في مقام بيان مهية التيمم المقتصر فيها على ضربة واحدة لمسح الوجه واليدين عدا صحيحة محمد بن مسلم الدالة
على استيعاب الوجه والذراعين وستعرف قصور هذه الصحيحة عن معارضة غيرها من جهات واحتمال عدم ارادتهم (ع) في تلك الوقايع
الا بيان كيفية المسح لا عدد الضربة ولذا ضرب بيديه على البساط كما في بعض الأخبار أو كون الاقتصار على الضربة من الحاكي في مقام
الحكاية حيث لم يتعلق غرضه بنقل الفعل بجميع خصوصياته المعتبرة في التيمم ولذا أهمل تعيين مقدار الممسوح في أغلب الاخبار في
غاية الضعف فإنه لا يكاد يشك في أنه لو كان المعتبر في مهية التيمم ضربة أخرى لليدين لم يتركها المعصوم (ع) عند إرادة بيان
مهية التيمم فكما ضرب بيديه لمسح الوجه كان يضرب بهما لمسح اليدين أيضا فإنه أولى بالبيان لكون اعتباره اخفى كما أنه لا ينبغي
ان يشك في أنه لو صدر منه ضربة أخرى لليدين لتعرض الحاكي لنقله خصوصا مع كونه الامام المعصوم (ع) وقياس هذا الفعل الذي
هو من اجزاء التيمم على تقدير اعتباره على سائر الخصوصيات فاسد مع أنه لا يضر بالاستدلال لابطال التفصيل ضرورة ان
وقوع تيمم واحد بيانا لمهية التيمم على الاطلاق كما يقتضيه اطلاق السؤال عن كيفية التيمم في جميع تلك الأخبار ينفى احتمال
التفصيل فلا ينبغي الارتياب في أنه لم يصدر في تلك الوقايع بمقتضى هذه الأخبار الا ضربة واحدة فإنها بقرينة موردها في قوة
التصريح بذلك واضعف من ذلك احتمال عدم إرادة المعصوم بفعله ونقله لفعل النبي صلى الله عليه وآله الا بيان نوع التيمم في الجملة وهو يحصل
ببيان قسم منه وهو التيمم الذي يقع بدلا من الوضوء فإنه مع وهنه في الغاية يبطله كون القدر المتيقن من فعل النبي صلى الله عليه وآله في قضية
عمار وكذا نقل الإمام (ع) لتلك الواقعة انما هو إرادة بيان التيمم الذي يقع بدلا من غسل الجنابة ضرورة قبح إرادة بيان
497

ما هو بدل من الوضوء بذلك الفعل والسكوت عما هو بدل من الغسل مع كون المقام مقتضيا لعكسه بل ما في بعض تلك الأخبار
من قول النبي صلى الله عليه وآله لعمار أفلا صنعت هكذا يدفع هذا التوهم من أصله ويدل على المطلوب أيضا ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
في التيمم قال تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح بها وجهك ويديك وربما يستدل له أيضا باطلاق الآية وفيه نظر بعد اجمالها
حجة القول بالضربتين مطلقا صحيحة إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا (ع) قال التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين وصحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما قال سئلته عن التيمم قال مرتين مرتين للوجه واليدين وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت له كيف التيم قال هو
ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين ومتى أصبت الماء فعليك الغسل
ان كنت جنبا والوضوء ان لم تكن جنبا ورواية المرادي عن أبي عبد الله (ع) قال تضرب بكفيك مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك
وذراعيك وهذه الرواية بل وكذا سابقتها ظاهرة في كون الضربتين قبل مسح الوجه وصحيحة ابن مسلم أيضا لا تأبى عن ذلك فلا
يبعد استحبابه وعدم معروفية القول به لا ينافيه وكيف كان فعمدة ما يصح الاستناد إليه لهذا القول هي الصحيحة الأولى وهى أيضا
قابلة للحمل على الاستحباب كما أن جميعها قابلة للحمل على التقية على تقدير ان يراد بها ضربة للوجه وضربة لليدين كما يؤيده تشابه ما عدا
الصحيحة الأولى وقبولها للتورية ويؤيده أيضا معروفية القول بالضربتين عند العامة على ما قيل بل عن بعض العامة نسبة القول
بكفاية الواحدة إلى علي (ع) وعمار وبعض التابعين ممن لم يخالف عليا في المذهب ونسبة الضربتين إلى أكثر التابعين فلا تكافى
هذه الروايات الأخبار السابقة لا من حيث الصدور ولا من جهة الصدور ولا من حيث الدلالة فالمتعين اما طرحها أو
حملها على الاستحباب والثاني أشبه بالقواعد بل أحوط حجة المشهور أمور عمدتها الجمع بين الاخبار بحمل الطائفة الأولى على ما كان
بدلا من الوضوء والثانية على ما كان بدلا من الغسل بقرينة الشهرة ونقل الاجماع كما عن ظاهر بعض بل الاجماع المحقق بتقريب
ان يقال إن مفاد الطائفة الأولى كفاية ضربة واحدة في التيمم فهي نص في الكفاية في الجملة وظاهرها الاطراد والطائفة الثانية
أيضا نص في اعتبار التعدد وظاهرها الاطراد فمقتضى القاعدة رفع اليد عن الظاهرين بالنصين والالتزام بوجود القسمين في
التيمم فوجب ان يكون مورد كل من القسمين ما هو المشهور للاجماع على بطلان تفصيل اخر وراء هذا التفصيل وفيه بعد الغض عن
عدم صلاحية الشهرة ونقل الاجماع شاهدة للجمع الا على تقدير كشفها عن قرينة داخلية أو خارجية اباء جل الاخبار بل كلها عن
هذا الحمل لأنها ما بين صريح أو ظاهر في أن التيمم من الوضوء والغسل من الجنابة واحد بل قد سمعت ان القدر المتيقن من الاخبار
الحاكية للفعل التي لا يبعد دعوى تواترها انما هو بيان ما هو بدل من الغسل كما هو صريح بعضها فيمتنع ارتكاب هذا التأويل فيها اللهم
الا ان يلتزم باهمال تلك الأخبار وعدم كونها مسوقة الا لبيان كيفية المسح دفعا لتوهم كونه كالغسل كما وقع لعمار فيتجه حينئذ القول
باعتبار المرتين مطلقا بمقتضى الأخبار الأخيرة التي وقع التصريح في بعضها بان التيمم من الوضوء والغسل من الجنابة ضرب واحد
لكنك عرفت ان الالتزام بالاهمال أيضا في غاية الاشكال فإنه وان أمكن ذلك بالنظر إلى آحاد الاخبار على بعد لكنه لا يمكن
بالنظر إلى المجموع بملاحظة كثرتها ووقوع جميعها جوابا عن السؤال عن كيفية التيمم على الاطلاق * (بل كيف) * يحتمل ان لم يقصد
النبي صلى الله عليه وآله بفعله بيان المهية المخترعة بخصوصياتها المعتبرة فيها بعد وقوع السؤال عنها في صدر الشريعة عند جهل عامة الناس
بها فاختيار النبي صلى الله عليه وآله للفعل لم يكن الا لكونه أوفى في البيان من القول فكيف يتطرق فيه شائبة الاهمال فالانصاف ان هذا
الجمع طرح لجميع الاخبار من غير شاهد وربما يستشهد له بالصحيحة التي رواها الشيخ عن ابن اذنية عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد
الله عليه السلام عن التيمم فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله الأرض فسمح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة
على ظهرها وواحدة على بطنها ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه ثم قال هذا التيمم على ما كان فيه الغسل في الوضوء
الوجه واليدين إلى المرفقين والقى ما كان عليه مسح الرأس والقدمين فلا يؤمم بالصعيد وبصحيحة زرارة المتقدمة التي استشهدنا
بها لاعتبار الضربتين على الاطلاق وفى الاستشهاد بهما ما لا يخفى فان توجيه صحيحة زرارة على وجه ينطبق على هذا التفصيل
يتوقف على تكلفات بعيدة فان المتبادر من قوله (ع) بعد السؤال عن كيفية التيمم هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة إرادة
عطف الغسل على الوضوء يعنى ان التيمم لهما نوع واحد لا اختلاف فيهما ثم بين كيفيته بقوله تضرب بيديك الأرض [الخ] وجعل الغسل
من الجنابة ابتداء كلام اخر وحمل قوله (ع) التيمم ضرب واحد للوضوء على إرادة ان ما كان بدلا من الوضوء يحصل بضربة واحدة
كما ترى واما صحيحة محمد بن مسلم فيه علم الظاهر ما استند إليه علي بن بابويه فيما ذهب إليه من القول باستيعاب مسح الوجه واليدين
مع التزامه بالضربات الثلاث وقد أشرنا فيما سبق إلى شذوذها وعدم صلاحيتها لمعارضة غيرها مع موافقتها للعامة ومخالفتها
498

للكتاب بشهادة الصحيحة المتقدمة المفسرة للآية الدالة على أن المسح ببعض الوجه واليدين هذا مع أنه
لا يستفاد من هذه الصحيحة
التفصيل بين القسمين في عدد الضربات فلعل المراد بها الفرق بينها في كيفية المسح بكونه في التيمم للغسل مبتدء من المرافق وفى
الوضوء منتهيا إليها قياسا على مبد له كما يشعر بذلك قوله (ع) في الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين فيكون هذا التفصيل في
قصد ذاته من موهنات الرواية حيث يجعلها أشبه بقول العامة وقد أمرنا بطرح ما يشبه قولهم ثم لو سلم ظهور الصحيحتين
في المدعى فليس على وجه يصلح لصرف الاخبار الظاهرة في اتحادهما نوعا فضلا عما هو صريح في ذلك كموثقة عمار عن أبي عبد الله (ع)
قال سئلته عن التيمم من الوضوء ومن الجنابة ومن الحيض للنساء سواء قال نعم هذا كله بعد الاغماض عما بيناه من اباء الاخبار
الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله عن هذا الحمل لكونه بمنزلة النص فيما هو بدل من الغسل فيتحقق المعارضة بين جميع تلك الروايات وبين
الصحيحتين اللتين عرفت حالهما من حيث الدلالة وجهة الصدور فالمتعين بعد تسليم الدلالة اما طرحهما أو التأويل ولو بالحمل
على الاستحباب وبهذا ظهر لك الجواب عن الاستشهاد بما رواه العلامة عن الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
ان التيمم من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مرتان مع أنه صرح جماعة بعدم وجدان هذه الرواية في كتب الاخبار ونبهوا
على أن صدورها من العلامة وغيره غفلة نشأت مما يترائى من عبارة الشيخ قال الشيخ حسن في محكى المنتقى وقد اتفق للعلامة
في المنتهى وبعض المتأخرين توهم عجيب في هذا الموضع وذلك أن الشيخ ره بعد ايراده للاخبار التي أوردناها وغيرها مما في
معناها ذكر على طريق السؤال ان جملة من الاخبار واحدها الخبر الذي رواه صفوان بن يحيى عن العلاء عن محمد بن مسلم
والثاني خبر إسماعيل بن همام والثالث خبر الليث ليس فيها دلالة على أن الضربتين للغسل دون الوضوء فمن أين لكم هذا التفصيل
وأجاب عنه بأنه قد وردت اخبار كثيرة تتضمن كون الفرض في الوضوء مرة والاخبار التي ذكرتموها تضمنت المرتين فتحمل
ما تضمن المرة على الوضوء وما يتضمن المرتين على الغسل لئلا تناقض الاخبار ثم قال انا قد أوردنا خبرين مفسرين لهذه الأخبار
أحدهما عن جرير عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام والاخر عن ابن أبي عمير عن ابن اذنية عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع)
ان التيمم من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مرتان هذا كلامه ومن لاحظه بأدنى نظر علم أنه يريد بالخبرين المفسرين
الحديثين الذين أوردناهما في الباب وإفادتهما للتفصيل انما هي بحسب ما فهمه الشيخ منهما لافى الواقع فتوهم الجماعة ان المعنى
المذكور صريح لفظ الحديثين وانهما غير ذينك الخبرين انتهى لكن في الجواهر احتمل كونها رواية أخرى غير ذينك الخبرين فلا مقتضى
لو يخبر العادل وفيه من البعد مالا يخفى بعد عدم قابلية العبارة لإرادة غيرهما ووضوح انه لو كان الشيخ مطلعا على رواية
أخرى لأوردها في المقام هذا مع أنك عرفت انها على تقدير كونها رواية أخرى لا تصلح المعارضة ما عرفت فتلخص لك ان الأظهر كفاية ضربة واحده للتيمم مطلقا
سواء كان بدلا من الوضوء أو الغسل من الجنابة أو الحيض أو غيرها ولكن الضربتين أحوط وأحوط منه تكرير التيمم ويكفى في التكرير
مسح اليدين بالضربة الأولى ثم الضرب لهما ثانيا والله العالم * (تنبيه) * لا اشكال بل لا خلاف في الاجتزاء بتيمم واحد بدلا من
غسل الجنابة لرفع الحدث الأصغر والأكبر كمبد له سواء قلنا باتحاد كيفية التيمم أو اختلافها قضية للبدلية مضافا إلى ظاهر الآية
وغيرها من الأدلة واما في غيرها من الاحداث كالحيض والاستحاضة وغيرهما فان قلنا بكفاية عن الوضوء فالتيمم الذي يقع بدلا منه
كذلك بمقتضى البدلية وان قلنا بوجوب الوضوء معه وجب تيمم اخر بدلا من الوضوء سواء قلنا باتحاد كيفيتهما أم لا اما بناء على ما
قويناه في محله من وجوب نية البدلية أو ما جرى مجريها في التعيين بملاحظة اختلافهما من حيث الحقيقة فواضح لان البدل لا يزيد
على المبدل منه واما بناء على كونه مهية واحدة ولا يعتبر في تحققها عدا حصول الفعل الخاص قربة إلى الله تعالى فلان مقتضى
الأصل بقاء التكليف بالمسبب وعدم سقوطه بفعل سبب واحد لأسباب متعددة كما عرفت تحقيقه في محله اللهم الا ان يدعى انه
يستفاد من الأدلة الشرعية كون تلك الطبيعة من حيث هي رافعة لمطلق الحدث مطلقا فحينئذ لا يبقى مجال للشك حتى يتمسك بالأصل
لكن فيه تأمل وكيف كان فما عن بعض من الاكتفاء بتيمم واحد بدلا منهما مع الالتزام بمغايرتهما في الكيفية ضعيف لكن عن
بعض نسبته إلى ظاهر الأصحاب وربما يستدل له بما دل على مساواة تيمم الجنب والحايض مثل موثقة أبي بصير سئلته عن تيمم
الحايض والجنب سواء إذا لم يجد الماء قال نعم * (وفيه) * مالا يخفى فالأقوى عدم التداخل بل قد يتخيل عدم جواز التداخل في التيمم
حتى فيما ثبت جوازه في مبدله كمن عليه أغسال متعددة فان له الاتيان بغسل واحد بنية الجميع نظرا إلى الشك في شمول ما دل
على قيام التيمم مقام الغسل لمثل ذلك لكنه ضعيف فان الأدلة لا تقصر عن الشمول فالأظهر كون ما يقع بدلا من الغسل أو
الوضوء بمنزلة فبدله مطلقا والله العالم وان قطعت كفاه بحيث لم يبق منهما من محل الفرض شئ سقط مسحهما واقطر على
499

مسح الجبهة والأحوط تنزيل الذراعين منزلة اليدين ضربا ومسحا كما تقدم تفصيل الكلام فيه وفى كيفية مسح الجبهة وما
يقتضيه القاعدة من الاحتياط عند التكلم في ضرب اليدين على الأرض وعرفت فيما تقدم انه لو قطعت احدى الكفين أو قطع نصفهما
ضرب بالباقية أو الباقي منهما ومسح الجبهة وعلى ما بقي من اليدين مع رعاية الاحتياط بمعاملة الكف مع الذراع عند قطعهما من الزند
والله العالم ويجب استيعاب مواضع المسح في التيمم كما عرفته فيما سبق فلو أبقى منها شيئا شئ عمدا أو نسيانا لم يصح الا إذا عاد عليه
مراعيا للترتيب والموالاة كما هو واضح ويستحب نفض اليدين بعد ضربهما على الأرض للأخبار المستفيضة
التي تقدم نقلها
في مطاوي المباحث المتقدمة وربما يستظهر منها الوجوب وفيه نظر بل المتأمل في مجموع الأدلة لا ينبغي ان يتردد في أن المراد به
الاستحباب مع أن الظاهر عدم الخلاف فيه بل عن التذكرة الاجماع على عدم الوجوب وعن المنتهى انه يستحب عند علمائنا خلافا
للجمهور وفى المدارك انه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه خلافا وكيف كان فلا اشكال فيه ثم إن المتبادر من الامر بنفض اليدين
ارادته فيما لو علق بهما شئ من اجزاء الأرض مما يزال بالنفض بل لا يبعد ان يقال إن كونه كذلك مأخوذ في مفهوم النفض
والمراد بالنفض ما يعم ضرب احدى اليدين على الأخرى وصفقهما بل هذا هو المنساق الذهن من الامر بنفض اليدين لانفض
كل منهما مستقلا كما يشهد بذلك صحيحة زرارة الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله المروية عن مستطرفات السرائر حيث وقع
التعبير فيها بقوله (ع) ثم ضرب إحديهما على الأخرى مع أنه حكى هذا الفعل الخاص في سائر الأخبار
الحاكية بقوله فنفضهما فيكشف ذلك
عن اتحاد المراد بالعبارتين لكن لا يخفى عليك ان انسباق هذا المعنى إلى الذهن من مثل قوله (ع) تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما ليس
على وجه يوجب صرف الاطلاق إليه بل لا يبعد ان يقال بعدم اختصاص الاستحباب بالنفض أو ضرب احدى اليدين على الأخرى بل يعم
كل ما يفيد فائدته من الدلك ومسح احدى الراحتين بالأخرى ونحوهما بدعوى ان المنساق إلى الذهن ارادته لإزالة ما على اليدين
مما يزال بالنفض لكن في الاعتناء بمثل هذا الانسباق ما لم يحصل القطع بالغاء الخصوصية اشكال فان الحاق غير المنصوص بالمنصوص
لعلة مستنبطة قياس لا نقول به وانسباقها إلى الذهن لا يخرجها من كونها استنباطية فالأشبه هو الوقوف على مورد النص نعم
لا يبعد الاجتزاء بمسح احدى اليدين بالأخرى ووضع إحديهما على الأخرى وان لم يصدق عليه اسم النفض والضرب لما ارسله في الفقه
الرضوي بقوله وروى إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة ثم تضع احدى يديك على الأخرى الخ والظاهر أن
المراد به ما يعم المسح والضرب ثم إنه حكى عن الشيخ في نهايته وظاهر مبسوطه انه يستحب مع النفض مسح احدى اليدين بالأخرى
ولعله أراد النفض بمسح إحديهما بالأخرى وصفقهما بدعوى انه هو المتبادر من الاخبار لانفض كل منهما مستقلا ولو أراد استحباب
كل من الامرين على سبيل الاستقلال فيشكل ذلك بعدم العثور على مستنده اللهم الا ان يجعل ما روى في الفقه مستند الاستحباب
المسح من حيث هو وسائر الأخبار للنفض والله العالم تكملة حكى عن الذكرى انه عد من مستحبات التيمم السواك قبله للبدلية
والتسمية لها أيضا ولعموم استحباب البدئة باسم الله تعالى اما كل امر ذي بال وتفريج الأصابع عند الضرب مستند إلى نص الأصحاب
وان لا يرفع اليد عن العضو حتى يكمل مسحه لما فيه من المبالغة في المولاة وان لا يكرر المسح لما فيه من التشويه أقول لولا ذكر
المستند لكان المتجه الالتزام باستحباب الجميع من باب المسامحة لكن بعد بيانه لا يخفى ما في بعضها من النظر والاعتماد على قاعدة
التسامح بعد معلومية المستبد مسامحة في القاعدة تنبيه قد تقدم الكلام في اشتراط طهارة الماسح والممسوح من أعضاء
التيمم واما طهارة غير أعضائه من تمام البدن حتى محل النجو فلا يشترط جزما فلو تيمم وعلى جسده نجاسته صح تيممه وان تمكن من
ازالتها قبله كما لو تطهر بالماء وعليه نجاسته في غير العضو المتشاغل بغسله حتى محل النجو ولو في الغسل كما عرفت في محله لكن صرح بعض
بأنه في التيمم يراعى ضيق الوقت فلو قدمه على إزالة النجاسة بطل لا لاشتراطه بطهارة البدن بل لعدم وقوعه في الضيق وقد عرفت
في محله انه لو اعتبرنا الضيق في صحة التيمم فليس امره بهذه المرتبة من الضيق بل المدار على صدق وقوعه في اخر الوقت عرفا وهو أوسع
من ذلك فالأظهر صحة التيمم مطلقا الا ان يقع في وقت لم يصدق عليه عرفا كونه في اخر الوقت فيفرع حينئذ على القول باعتبار الضيق
وعدمه وعبارة المتن قابلة للحمل على مالا ينافي ذلك لكن فيها اشعار باختياره الضيق مع تردده فيه فيما مضى وقد عرفت ان الأقوى
خلافه وربما يستشهد لاشتراط وقوع التيمم بعد الإزالة برواية أبى عبيدة عن الصادق عليه السلام في الحائض التي قد طهرت ولم يكن عندها
ما يكفيها للغسل فقال إذا كان معها بقدر ما تغسل فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلى وفيه عدم ظهور الرواية في الاشتراط لجريها
مجرى العادة الطرف الرابع في أحكامه وهى عشرة الأول من صلى بتيممه الصحيح لا يعيد ما صلاه لو وجد الماء وان كان في الوقت
فضلا عن خارجه سواء كان في سفر أو حضر لان الامر يقتضى الاجزاء وتوهم ان الامر بالصلاة مع التيمم لا يقتضى الا الاجزاء
500

بالفعل المأمور به في سقوط هذا الطلب دون الطلب المتعلق بالصلاة مع الطهارة المائية الذي لم يكن منجزا عند عدم وجدان
الماء بواسطة التعذر مدفوع بعدم كونهما تكليفين مستقلين كل منهما في عرض الاخر حتى يعقل فيهما ذلك بل الواجب على المكلف انما
هو الاتيان بالفرائض الخمس مثلا بشرائطها التي اعتبرها الشارع من الطهور ونحوه فإذا اتى بها المكلف على الوجه المشروع بان كانت جامعه
لشرائطها التي منها الطهارة مائية كانت أم ترابية فقد برئت ذمته عنها قطعا نعم يجوز ان يكون وجدان الماء في الوقت مثلا
كاشفا عن مخالفة المأتى به لما تعلق به الامر في الواقع فيجب عليه حينئذ الإعادة لكنه خلاف ما فرضنا من صحة التيمم والصلاة
الواقعة معه والحاصل ان مقتضى القاعدة الاجتزاء بالصلاة الواقعة مع التيمم الصحيح وعدم وجوب اعادتها مطلقا الا ان يدل
عليه دليل تعبدي نظير ما لو أوجب الشارع إعادة الصلاة جماعة عند انعقاد الجماعة فيلتزم به حينئذ من باب التعبد لا لأجل القاعدة
ويدل على عدم وجوب الإعادة مضافا إلى ذلك اخبار كثيرة جملة منها تدل على عدم الإعادة مطلقا مثل صحيحة عبد الله بن علي
الحلبي انه سئل أبا عبد الله (ع) عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء قال يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة
وحسنة الحلبي قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليتمسح من الأرض وليصل فإذا وجد ماء فليغتسل
وقد أجزته صلاته التي صلى ونحوها صحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة العيص قال سئلت أبا عبد
الله (ع) عن الرجل يأتي الماء وهو
جنب وقد صلى قال يغتسل ولا يعيد الصلاة وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل أجنب فيتمم بالصعيد
ثم وجد الماء قال لا يعيد ان رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين وهذه الروايات وان كانت مطلقة لكنها خصوصا
الأخيرتين منها كادت تكون صريحة في إرادة عدم الإعادة ولو عند وجدان الماء في الوقت بل المتبادر منها ليس الا إرادة بيان
الحكم في هذا الفرض نظير صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) وان أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت قال تمت صلاته ولا
إعادة عليه وموثقة علي بن أسباط عن عمه عن أبي عبد الله (ع) في رجل يتمم وصلى ثم أصاب الماء وهو وقت قال قد مضت
صلاته وليتطهر وصحيحة أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل ان يخرج الوقت فقال ليس
عليه إعادة الصلاة ورواية معاوية بن ميسرة قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل في السفر لا يجد الماء تيمم وصلى ثم اتى الماء
وعليه شئ من الوقت أيمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد الصلاة قال يمضى على صلاته فان رب الماء هو رب التراب وخبر علي بن
سالم عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له أتيمم واصلي ثم أجد الماء وقد بقي على وقت فقال لا تعد الصلاة فان رب الماء هو رب
الصعيد وهذه الأخبار وان كان موردها ما لو وجد الماء في الوقت لكن يفهم منها حكم ما لو وجده بعد خروج الوقت بالفحوى
والأولوية القطعية ويدل عليه بالخصوص مضافا إلى أنه هو القدر المتيقن الذي يدل عليه جميع ما دل على طهورية التراب
وبدليته من الماء خصوصا مثل قول النبي صلى الله عليه وآله يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين حسنة زرارة عن أحدهما قال إذا لم يجد المسافر
الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصل في اخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما
يستقبل وصحيحة يعقوب بن يقطين قال سئلت أبا الحسن (ع) عن رجل تيمم وصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز
صلاته قال إذا وجد الماء قبل ان يمضى الوقت توضأ وأعاد فان مضى الوقت فلا إعادة عليه وما في هذه الصحيحة من الإعادة في
الوقت يحمل اما على التقية لحكاية القول به عن جملة من العامة أو على الاستحباب والثاني أوفق بالقواعد ولا ينافيه ما في بعض الأخبار
المتقدمة من النهى عن الإعادة ولو ورده في مقام توهم الوجوب فلا ينافي الاستحباب ويشهد له موثقة منصور بن حازم
عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل تيمم فصلى ثم أصاب الماء فقال اما انا فكنت فاعلا انى كنت أتوضأ وأعيد فان ظاهرها الاستحباب
ويحتمل فيه أيضا التقية فما عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل من وجوب الإعادة في الوقت ضعيف سواء أراد وجوبها تعبدا أو للنبأ
على كون وجدان الماء في الوقت كاشفا عن بطلان التيمم فان الأخبار المتقدمة حجة عليهما على كل تقدير والروايتان الأخيرتان
لا تصلحان لمعارضتها بوجه واضعف منه ما حكى عن السيد في شرح الرسالة من وجوب الإعادة على الحاضر إذا تيمم لفقد الماء ثم
وجده ولعل مستنده دعوى انصراف الأخبار الدالة على مضى الصلاة وعدم اعادتها إذا وجد الماء وهو في وقت عن مثل الفرض لندرة
عدم وجدان الماء في الحضر واما ما دل على شرعية التيمم للعاجز وطهورية التراب وان ربه رب الماء فلا يفهم منه أزيد من طهوريته
في الجملة والقدر المتيقن منه العاجز الذي لم يتمكن من استعمال الماء مطلقا بان يكون عذره مستوعبا لجميع الوقت فإذا تيمم
وصلى باعتقاد العجز ثم وجد الماء انكشف فساد ظنه ومخالفة المأتى به لما كان تكليفه في الواقع فيعيد وفيه مع انعقاد الاجماع
على الظاهر كما عن ظاهر بعض ادعائه على مساواة الحضر والسفر في ذلك ما عرفت عند البحث عن مسوغات التيمم من أن المناط
501

في شرعيته هو العجز حين الفعل لا العجز المستوعب لجميع الوقت مع أن دعوى الانصراف غير مسموعة فان ندرة تحقق فقدان
الماء في الحضر لو كانت مقتضية لذلك لاقتضته أيضا بالنسبة إلى الاسفار التي جرت العادة بمصادفة الماء في طريقها كالحضر
وليس كذلك قطعا بل لو كان مورد الاخبار خصوص المسافر لم تكن خصوصيته مقصودة بالحكم بلا شبهة ولذا استفدنا حكم
ساير أولى الاعذار من مثل هذه الأخبار وكيف كان فالتوجيه المذكور انما هو على تقدير ان يكون مراده الإعادة في الوقت لافى
خارجه والا فلم يعرف له وجه أصلا وقيل كما عن كتب الشيخ والمهذب والاصباح وروض الجنان فيمن تعمد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال
الماء يتيمم ويصلى يعيد لرواية جعفر بن بشير عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن رجل اصابته جنابة في ليلة باردة يخاف
على نفسه التلف ان اغتسل قال يتيمم فإذا امن البرد اغتسل وأعاد الصلاة وعلله بعض أيضا بقاعدة الاحتياط لعدم العلم باجزاء
الترابية في الفرض بعد ما ورد من التشديد عليه في عدة اخبار بالاغتسال وان تألم من البرد و (فيه) ما عرفت عند البحث عن مسوغات
التيمم ان الأقوى شرعية التيمم لمن خشي على نفسه من استعمال الماء من غير فرق بين الجنب وغيره قال استحب للجنب بل ولغيره أيضا الطهارة
المائية ما لم يكن خوفه على وجه يوجب وحرمة الاقدام عليها وكيف كان فلا شبهة في صحة التيمم والصلاة الواقعة معه في الفرض وهذه
المرسلة أيضا شاهدة عليها لكنها تدل على وجوب اعادتها للإجادة وادراك فضيلة الصلاة مع الطهارة المائية فيعارضها من هذه
الجهة المستفيضة المتقدمة التي وقع التصريح في جملة منها بعدم إعادة الجنب للصلاة الواقعة مع التيمم واختصاص موردها بفاقد الماء
غير مجد في رفع المعارضة بعد وضوح عدم مدخلية الخصوصية في الحكم كما يدل عليه ما في بعضها من التعليل لعدم الإعادة باتحاد
رب الماء ورب الصعيد وانه قد فعل أحد الطهورين وفى قول النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر حين جامع امرأته على غير ماء يا أبا ذر يكفيك الصعيد
عشر سنين أيضا إشارة إليه وأنت خبير بان حمل الإعادة في هذه المرسلة على الاستحباب أهون من التصرف في تلك الأخبار بل
لولا معارضتها بتلك الأخبار لاشكل الاعتماد على مثل هذا الظهور في اثبات هذا الحكم التعبدي المخالف الأصل وقاعدة الاجزاء
المعتضدة بظواهر الكتاب والسنة والدالة على انحصار ما وجب على المكلف في فرد من الطبيعة لا الفردين هذا مع ما فيها من ضعف
السند ومخالفة ظاهرها لما عليه الأصحاب وتخصيصها بالمتعمد تأويل بلا شاهد بل المتبادر من قول السائل اصابته جنابة
إرادة ما يعم الاحتلام فالمتعين اما طرحها وحملها على التقية لحكاية القول بمضمونها عن جملة من العامة أو الاستحباب
كما هو الأولى خصوصا بملاحظة ما سمعته منا في بعض مباحث الوضوء من نفى البعد عن الالتزام بحسن الإعادة للإجادة مطلقا
ولو لم يدل عليها دليل تعبدي والله العالم وعن الوسيلة والجامع والمقنع والنهاية والمبسوط والمهذب فيمن منعه زحام الجمعة
من الخروج لاستعمال الماء قبل فوات الجمعة مثل ذلك أي يتيمم ويصلى ثم يعيد لموثقة سماعة عن أبي
عبد الله (ع) عن أبيه عن علي عليه السلام
انه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة فأحدث وذكر انه على غير وضوء ولا يستطيع الخروج من كثرة الزحام
قال يتيمم ويصلى معهم ويعيد إذا هو انصرف وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (ع) انه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة
أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس قال يتيمم ويصلى معهم ويعيد إذا انصرف (أقول) اما شرعية التيمم وصحته
في الفرض فمما لا ينبغي الاستشكال فيه كما يدل عليه الروايتان وغيرهما مما يدل على عموم طهورية التراب للعاجز حتى على القول
بعدم جوازه في السعة لأن المفروض فوات الجمعة بالتأخير فمقتضى القاعدة الاجتزاء بالصلاة الواقعة معه وقد أشرنا في الفرع السابق
إلى أن حمل الإعادة في مثل هاتين الروايتين على الاستحباب أهون من التصرف في القاعدة العقلية الذي مرجعه إلى التصرف في
ظواهر الكتاب والسنة الدالة على انحصار الواجب بفرد من طبيعة الصلاة خصوصا مع ما في صحيحة محمد بن مسلم وغيرها من تقرير القاعدة
وتعليل عدم الإعادة بان رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين ومن الواضح ان رفع اليد عن عموم هذه العلة المعتضدة
بالعقل والنقل أشكل من حمل الإعادة على الاستحباب خصوصا مع اعراض المشهور عن ظاهر الروايتين هذا مع غلبة الظن بإرادة
الجمعة مع المخالفين كما كان متعارفا في تلك الاعصار ويشعر بذلك قوله (ع) ويصلى معهم فلا يجرى بها وان صلاها بطهارة مائية
كما يدل عليه جملة من الاخبار منها صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) ان أناسا رووا عن أمير المؤمنين عليه السلام انه صلى أربع ركعات
بعد الجمعة لم يفصل بينهن بتسليم فقال يا زرارة ان أمير المؤمنين (ع) صلى خلف فاسق فلما سلم وانصرف قام أمير المؤمنين (ع) فصلى
أربع ركعات لم يفصل بينهن بتسليم فقال له رجل إلى جنبه يا أبا الحسن صليت أربع ركعات لم تفصل بينهن فقال اما انها أربع ركعات
مشتبهات فوالله ما عقل ما قاله له فمن هنا قد يشكل الالتزام باستحباب الإعادة على تقدير صحة الجمعة وانعقادها باهلها الا من
باب المسامحة لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالإعادة خصوصا فيما إذا لم يتعين عليه صلاة الجمعة بان كان مخيرا بينها وبين
502

الظهر كما في زمن الغيبة ونحوها على اشهر الأقوال بل وجوبها في الفرض لا يخلو عن وجه كما أن
شرعية الجمعة فيه لو لم تكن بعنوان
الاحتياط ورجاء أفضليتها لا تخلو عن اشكال والله العالم وكذا قيل في من كان على جسده نجاسة لا يعفى عنها ولم يكن معه ماء لازالتها
التي هي مقدمة على استعماله في رفع الحدث يتيمم ويصلى ثم يعيد حكى ذلك عن الشيخ ره في النهاية والمبسوط لكن المسألة في كلامه
مفروضة في نجاسة الثوب فالحاق الجسد به لعله للأولوية و (كيف) كان فمستنده رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام
انه سئل عن رجل ليس عليه الا ثوب ولا تحل الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع قال يتيمم ويصلى وإذا أصاب ماء غسله
وأعاد الصلاة وفيه مع ما عرفت من عدم صلاحيته مثل هذا الظاهر مع اعراض الأصحاب عنه حتى الشيخ في بعض كتبه لطرح
القاعدة التي قررها عموم العلة المنصوصة في الصحيحة المتقدمة وغيرها انها معارضة بجملة من الأخبار المتقدمة النافية للإعادة
التي منها الصحيحة المعللة الواردة في الرجل الذي أجنب ولم يجد ماء فتيمم بالصعيد فان الغالب عدم انفكاك بدن الجنب في مثل
الفرض عن النجاسة وتنزيل تلك الأخبار على من كان ثوبه وبدنه خاليا من النجاسة تنزيل على الفرد النادر بل هو بمنزلة الطرح
ولذا لا ينبغي الارتياب في أن الأظهر عدم وجوب الإعادة والأولى حمل الرواية المتقدمة على الاستحباب والله العالم الثاني من عدم الماء
يجب عليه طلب الماء فان أخل بالطلب فتيمم وصلى ثم وجد الماء في رحله أو مع أصحابه تطهر وأعاد الصلاة وقد تقدم البحث عنه مفصلا
فراجع الثالث من فقد الماء وما يتيمم به ولو اضطرارا لقيد أو حبس في موضع لم يتمكن فيه من استعمال الطهور اما لفقده أو لتعذر
استعماله عقلا أو شرعا قيل يصلى من غير طهارة ويعيد بعد زوال العذر لكن لم يعرف قائله كما اعترف به في المدارك وغيره
نعم حكى عن الشيخ انه خير بين تأخير الصلاة أو الصلاة مع الإعادة وقيل يؤخر الصلاة حتى يرتفع العذر فإذا استوعب الوقت
سقط التكليف بالصلاة أداء وهذا هو المشهور بل عن جامع المقاصد والروض نسبته إلى ظاهر الأصحاب وفى المدارك اما سقوط
الأداء فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا صريحا انتهى ووجهه اشتراط الصلاة بالطهارة وعدم شرعيتها بدونها فليسقط
التكليف بها عند تعذر شرطها ويدل على اطلاق الاشتراط وعدم اختصاصها بحال التمكن عموم قول الباقر عليه السلام في صحيحة زرارة
لا صلاة الا بطهور وغيرها مما دل على اشتراط الصلاة بالطهور ولا يعارضها اطلاق ما دل على وجوب الصلاة مطلقا لاشتراط
التكليف عقلا بالقدرة على الامتثال وهى منتفية وما يقال من أن الطهارة من المقدمات الوجودية للواجب ولذا يجب تحصيلها
في الوقت وقد تقرر في الأصول عدم اشتراط التكليف بمقدماته الوجودية فاسد لما أشرنا إليه من أن القدرة على الايجاد شرط
في حسن الطلب وعدم اشتراط التكليف بمقدماته الوجودية ليس معناه انه يجب ايجاد المأمور به بغير تلك المقدمات بل معناه انه
يجب ايجاده مع مقدماته بشرط القدرة عليه فمقتضى القاعدة الأولية سقوط التكليف بالمركب عند تعذر شئ من اجزائه وشرائطه
فما عن المحدث الجزائري في رسالته التحفة ما صورته والأولى ان لم ينعقد الاجماع على خلافه وجوب الصلاة أداء من غير إعادة
لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة لافى وجوبها فهي كغيرها من الساتر والقبلة وباقي شروط الصحة انما تجب مع امكانها والا
لكانت الصلاة من قبيل الواجب المقيد كالحج والأصوليون على خلافه انتهى ضعيف جدا نعم لولا استدلاله بالقاعدة العقلية
لأمكن توجيهه بقاعدة الميسور وما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال فان مقتضاها عدم سقوط التكليف بالصلاة عند تعذر
شئ من شرائطها الوجودية التي منها الطهور فمقتضاها اختصاص شرطية كساير الشرايط بحال التمكن فيكون القاعدة حاكمة على
اطلاق أدلة الشرائط لكن يتوجه عليه ان القاعدة الثابتة في المقام بقاعدة الميسور ونحوها مما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال
وان اقتضت ذلك لكن صحيحة زرارة المتقدمة بظاهرها حاكمة على هذه القاعدة وليست هذه الصحيحة كغيرها من الأدلة المطلقة
أو العامة الواردة لبيان سائر الأجزاء والشرايط المخصصة بالقاعدة لان مقتضى عدم سقوط الصلاة بحال ووجوب الاتيان
بميسورها عند سقوط معسورها كون فاقدة الشرط لدى الضرورة صلاة صحيحة تامة الاجزاء والشرايط فيجب ايجادها بعنوان
كونها صلاة وبعد ان صرح الشارع بأنه لا صلاة الا بطهور يعلم أن فاقدة الطهور مهية أخرى أجنبية عن مهية الصلاة وان
الطهارة من مقومات تلك المهية ينتفى بانتفائها اسمها فلا تشملها القاعدة توضيح ذلك أنه إذا عدد الشارع شرايط
الصلاة واجزائها ثم قال الميسور لا يسقط بالمعسور وان الصلاة لا تسقط بحال يعرف بذلك ان ما عدا ما يتقوم به تلك الميتة
بنحو من المسامحة العرفية انما هو شرائط واجزاء اختيارية فيستفاد من ذلك ان مهية الصلاة المطلوبة شرعا لها مراتب مرتبة
باختلاف حالتي الاختيار والضرورة كلها صلاة صحيحة تامة الاجزاء والشرايط في مرتبتها فإذا قال لا صلاة الا بطهور يفهم
من ذلك ان فاقدة الطهور ليس من تلك المراتب وانه أجنبي عن تلك المهية وان شابهما صورة فعدم سقوط الصلاة بحال كغيرها
503

من التكاليف المطلقة مشروط عقلا بالقدرة على ايجاد شئ من مراتبها فلا يقتضى ذلك وجوب ايجادها بلا طهارة بعد ان علم ببيان
الشارع ان فاقد الطهور ماهية أخرى أجنبية عن مهية الصلاة (ان قلت) مناط شمول قاعدة الميسور للمورد ليس الا كون المأتى
به بنظر العرف صلاة ناقصة ولا شبهة في كون فاقدة الطهور كذلك فيعمها القاعدة غاية الأمر انه يتحقق المعارضة بينها وبين قوله (ع) لا
صلاة الا بطهور والنسبة بينهما العموم من وجه فكما يمكن اخراج مورد الاجتماع من موضوع القاعدة كذلك يمكن تقييد الاشتراط
بصورة التمكن (قلت) سلمنا ذلك لكن الأول أولى في مقام الجمع لا لمجرد اعتضاده بفهم الأصحاب واجماعهم أو كون دائرة العموم
في القاعدة أوسع فيكون تخصيصها أهون بل لما أشرنا إليه من أن التصرف فيها من باب التخصص فإنه إذا شمله عموم لا صلاة
يعلم بذلك كونه أجنبيا عن تلك المهية وان زعم أهل العرف كونه من مراتبها وان شمله القاعدة يلزمه تخصيص العموم والأول
أولى فالأظهر ما هو المشهور من عدم شرعية الصلاة بلا طهور بل لم يتحقق الخلاف فيه وان حكاه في المتن قولا في المسألة لكن لم
يعرف قائلة عدا ما سمعته من الشيخ من التخيير بين تأخير الصلاة وقضائها وبين فعلها في الوقت وقضائها في خارجه ومرجعه
على الظاهر إلى تجويز ايجادها في الوقت من باب الاحتياط ويحتمل رجوعه إلى ما حكى عن نهاية الأحكام من استحباب فعلها في الوقت
لحرمة الوقت الخروج من الخلاف (وفيه) ان حرمة الوقت لا تصلح أن تكون مشرعة لفعل الصلاة بلا طهور واما الخروج من شبهة
الخلاف فمرجعه إلى الاحتياط ولا بأس به وحكى عن الشيخ المفيد في رسالته إلى ولده أنه قال وعليه ان يذكر الله في أوقات الصلاة
ولم يتعرض للقضاء فان أراد وجوبه عليه فلم نقف له على مستند وان أراد استحبابه فلا باس به فان ذكر الله حسن في كل حال فينبغي
رعاية الاحتياط به بل لا ينبغي ترك الاحتياط بفعل الصلاة في الوقت وقضائها في خارجه لو لم يتحقق حرمة الصلاة بلا طهور ذاتا
كما قد يستظهر ذلك من بعض الأخبار مثل رواية مسعدة بن صدقة ان قائلا قال لجعفر بن محمد (ع) جعلت فداك انى امر بقوم ناصبية
وقد أقيمت لهم الصلاة وانا على غير وضوء فإن لم ادخل معهم في الصلاة قالوا ما شاؤوا ان يقولوا فاصلي معهم ثم أتوضأ إذا انصرفت
واصلي فقال جعفر بن محمد عليه السلام سبحان الله فما يخاف من يصلى من غير وضوء ان تأخذه الأرض خسفا وفى شمولها لما يؤتى به من
باب الاحتياط وشدة الاهتمام بأمر الصلاة نظر بل منع و (كيف) كان فان خرج الوقت ثم زال العذر قضى على الأظهر الأشهر بين
المتقدمين والمتأخرين كما في الجواهر بل عن كشف الالتباس نسبته إلى المشهور لعموم ما دل على وجوب قضاء الفوائت من قول الباقر (ع)
في صحيحة زرارة ومتى ذكرت صلاة فاتتك صليتها وفى صحيحته الأخرى اربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة صلاة فاتتك فمتى
ذكرتها أديتها والنبوي المشهور من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في النائم والساهي ومن
صلى بغير طهور وغير ذلك فإنها وان لم تكن مسوقة لبيان هذا الكم بل ليس في أغلبها بل في ما عدا النبوي المتقدم اطلاق أو
عموم يمكن التمسك به لما نحن فيه لكن يفهم منها ولو بملاحظة المجموع ان وجوب قضاء الفرائض على من لم يأت بها في وقتها كان
من الأمور المعهودة لديهم كما يفصح عن ذلك التعليلات الواقعة في الاخبار لرفع التكليف بالقضاء عن الحائض والمعنى عليه ونحوه
بل لا يبعد ان يقال إنه يستفاد من تلك الأخبار ان الامر المتعلق بالصلاة في أوقاتها من قبيل تعدد المطلوب كما أشرنا إليه عند
البحث عن تكليف الحائض إذا أدركت من الوقت بمقدار لا يسع للصلاة مع الطهارة فراجع و (كيف) كان فلا ينبغي التشكيك
في أن مقتضى القاعدة المتلقاة من الشارع وجوب قضاء الفرائض في غير ما ثبت خلافه فما قيل من أنه
يسقط الفرض أداء لما عرفت
وقضاء للأصل وتبعيته للأداء وللتشبه بالحايض بسقوط صلاة كل منهما بحدث لا يمكن ازالته ولانصراف أدلة القضاء لغيره من الافراد
المتعارفة ضعيف لانقطاع الأصل بالدليل وتبعيته لتنجز التكليف بالأداء ممنوعة والا لم يجب على النائم والغافل ونحوهما والتشبيه
بالحائض قياس مع أن الأخبار الواردة فيها تدل على أن علة سقوط القضاء عنها أمور أخر وراء ذلك واما دعوى الانصراف فهي
غير مجدية بعد ما سمعت من وضوح المناط مع أنها بالنسبة إلى مثل النبوي المتقدم غير مسموعة فان خصوصية الافراد فيه غير ملحوظة
جزما والا لانصرف عن كثير من الموارد التي يتفق فيها فوت الصلاة بغير الأسباب المتعارفة وهو باطل بديهة فتلخص لك ان الأحوط
فعل الفرض أداء وقضاء ولكن القول بسقوطه أداء لا قضاء هو الأشبه والله العالم (الرابع) من الأحكام إذا وجد المتيمم الماء
قبل دخوله في الصلاة انتقض تيممه وتطهر به بلا خلاف ولا اشكال كما يدل عليه المعتبرة المستفيضة التي سيمر عليك بعضها مضافا
إلى ظهور الأدلة من الكتاب والسنة في كون التيمم طهارة اضطرارية للعاجز فإذا طرء القدرة تبدل الموضوع فارتفع اثره فما عن
بعض العامة من بقاء اثره بعد وجدان الماء واضح السقوط ثم إن المراد بوجدان الماء في النصوص والفتاوى هو الماء الذي يتمكن
من استعماله عقلا وشرعا لان هذا هو المتبادر في مثل المقام كما أنه هو الذي يقتضيه قاعدة طهوريته للعاجز بل المنساق إلى الذهن
504

كون ذكره في الفتاوى بل النصوص من باب المثال جريا على الغالب والا فالمراد به مطلق تجدد القدرة من استعمال الماء بعد التيمم من
غير فرق بين كون المسوغ له فقد الماء أو غيره من الاعذار ويشهد لما ذكرنا من إرادة وجدان الماء الذي يتمكن من استعماله
من النصوص والفتاوى مضافا إلى ما ذكرناه من الانصراف خبر أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام المروى عن تفسير العياشي
قال التيمم بالصعيد لمن لم يجد الماء كمن توضأ من غدير ماء أليس الله يقول فتيمموا صعيدا طيبا قال قلت فان أصاب الماء وهو
في اخر الوقت قال فقال قد مضت صلاته قال قلت له فيصلى بالتيمم صلاة أخرى قال إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض التيمم
فإنه يدل على عدم الانتقاض لو لم يقدر عليه فلا عبرة بما إذا وجد ماء لم يجز له استعماله لمانع عقلي أو شرعي كتضرره به أو كونه مغصوبا
أو ضاق الوقت عن استعماله بل وكذا لو جاز له الاستعمال ولكن قصر زمان القدرة عليه عن التطهر به بان لم يتمكن الا من بعض
الغسل أو الوضوء مثلا فإنه لا يعتد بذلك حيث لا يندرج به في موضوع القادر فما عن بعض المتأخرين من الميل إلى كون وجدان
الماء ناقضا مطلقا اغترارا بما يترائى من اطلاق النصوص والفتاوى المسوقة لبيان حكم اخر مع انصرافها إلى إرادة الماء الذي
يتمكن من التطهر به ضعيف فالمدار في الانتقاض انما هو على القدرة على الطهارة المائية لا مجرد وجدان الماء نعم إذا وجد الماء
بنى بمقتضى ظاهر الحال على انتقاض تيممه فإذا ظهر قصور زمان التمكن عن الفعل انكشف خلافه لكن لو تمكن عند وجدان الماء
من حفظه والتطهر به فقصر في ذلك إلى أن زالت القدرة فقد خرج من الفرض واندرج في موضوع القادر الذي عرفت حكمه من
انتقاض تيممه فعليه ان يتيمم ثانيا بعروض العجز عند تنجز التكليف بشئ من غاياته كما يدل عليه الخبر المتقدم ولافرق في انتقاض
التيمم بتجدد القدرة بين كونها بعد دخول وقت الصلاة أو قبله كما إذا تيمم قبل الوقت لغاية ثم تمكن من استعمال الماء قبل
ان يدخل وقت الصلاة فلم يستعمل حتى طرء العجز فعليه ان يتيمم بعد الوقت لصلوته سواء كان طرق العجز قبل دخول وقتها
أو بعده لما عرفت من أن القدرة على استعمال الماء تزيل اثر التراب لكونه طهورا للعاجز وقد ارتفع العجز فلا طهارة وعجز عن
الوضوء أو الغسل لخصوص الغاية التي لم يدخل وقتها بناء على بطلانه بهذا القصد لا يجعله غير متمكن منه مطلقا حتى يبقى اثر تيممه فان له فعلهما
لساير الغايات فلا يكون عاجزا عن الطهارة المائية حتى يكون التراب طهورا له نعم قد يتوهم ذلك بالنسبة إلى ما قبل الوقت فيما لو عرضه
مانع من فعلهما لغاياتهما المستحبة كما لو نهاه السيد أو الوالد عن استعمال الماء فإنه يوجب حرمته قبل تنجز التكليف بشئ من غاياته الواجبة
فيكون قبل دخول الوقت عاجزا عن استعماله شرعا فلا ينتقض به تيممه كما لو وجد ماء مغصوبا ويدفعه بعد تسليم تأثير مثل هذه
النواهي في اندراجه في موضوع العاجز الذي يشرع له التيمم حدوثا وبقاء مع ما فيه من الاشكال ما عرفت عند البحث عن إراقة الماء
قبل الوقت من عدم الفرق في وجوب المقدمة المنحصرة بين كونه قبل الوقت وبعده فكما لا اثر لنهى السيد عن الوضوء بعد الوقت
كذلك لا اثر له قبله بعد فرض انحصار قدرته فيه وكونه مكلفا بإطاعة السيد في ظاهر تكليفه عند عدم علمه بعدم الانحصار لا يجعله
مندرجا في موضوع العاجز الذي شرع له التيمم نظير من كان واجدا للماء وهو يعتقد عجزه عنه وقد عرفت في محله خروجه من الموضوع
الذي ثبت له التيمم فراجع وان وجده أي الماء بعد الفراغ من الصلاة لم يجب الإعادة كما عرفته فيما سبق مفصلا وان وجده وهو
في الصلاة قيل يرجع ما لم يركع في الركعة الأولى حكى هذا القول عن غير واحد من القدماء وجماعة من المتأخرين ويدل عليه
صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت فان أصاب الماء وقد دخل في الصلاة قال فلينصرف وليتوضأ ما لم يركع فإن كان وقد
ركع فليمض في صلاته فان التيمم أحد الطهورين وخبر عبد الله بن عاصم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل لا يجد الماء فيتمم ويقوم
في الصلاة فجاء الغلام فقال هو ذا الماء فقال إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ وان كان قد ركع فليمض في صلاته وقيل
يمضى في صلاته مطلقا ولو تلبس بتكبيرة الاحرام حسب نسب هذا القول إلى المشهور ويدل عليه خبر محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام
قال له رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال يمضى في الصلاة واعلم أنه
ليس ينبغي لاحد ان يتيمم الا في اخر الوقت وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال قلت في رجل لم يصب الماء وحضرت
الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلى قال لا ولكنه يمضى في صلاته ولا
ينقضها المكان انه دخلها وهو على طهر بتيمم فان التعليل يقتضى وجوب المضي في الصلاة مع الدخول فيها ولو بتكبيرة الاحرام
والذي يقتضيه الجمع بين الروايات اما تقييد الخبرين الأخيرين بما إذا دخل في الصلاة وركع جمعا بينها وبين الخبرين الأولين
كما التزم به أرباب القول الأول أو حمل الامر بالانصراف والوضوء ما لم يركع على الاستحباب ولعل هذا هو الأظهر في مقام
الجمع من تقييد الروايتين فان الأخيرة منهما وهى صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وان لم يبعد التصرف فيها بالتقييد بحملها على إرادة
505

انه دخلها دخولا يعتد به وهو الدخول البالغ حد الركوع لكن ارتكابه في رواية محمد بن حمران في غاية البعد فان الامر بالمضي من غير
استفصال مع اطلاق السؤال بل ظهوره في إرادة الاخذ في الدخول أي أول أناته باعتبار وقوع التعبير عنه بلفظ المضارع يجعله
في غاية الظهور في إرادة ما يعم قبل الركوع بل ربما يدعى كونه نصا في ذلك كما يشعر بذلك ما حكى عن المصنف في المعتبر بعد ذكره لهذه
الرواية ورواية عبد الله بن عاصم أنه قال ورواية ابن حمران أرجح من وجوه منها انه اشهر في العلم والعدالة من عبد الله بن عاصم
والا عدل مقدم ومنها انه أخف وأيسر واليسر مراد الله تبارك وتعالى ومنها ان مع العمل برواية محمد يمكن العمل برواية عبد الله
بالتنزيل على الاستحباب ولو عمل بروايته لم يكن لرواية محمد محمل انتهى ونظير هذه الرواية في الاباء عن التقييد ما عن الفقه الرضوي
فإذا كبرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح واتيت بالماء فلا تقطع الصلاة ولا تنقض تيممك وامض في صلواتك ويقرب منهما المرسل
المحكى عن جمل المرتضى قال وروى أنه إذا كبر تكبيرة الاحرام مضى فيها فالانصاف ان ارتكاب التقييد في مثل هذه المطلقات و
تقديمه على سائر انحاء التصرفات التي أهونها حمل الامر على الاستحباب جمود على ما يقتضيه الصناعة من غير أن يساعد عليه الفهم
العرفي بلا لا يبعد دعوى الجزم بعدم إرادة المعنى المقيد من هذه المطلقات كما يؤيده فهم المشهور والا فليس قاعدة حمل المطلق
على المقيد مما يختفي عليهم وابعد من ذلك توجيه رواية ابن حمران بتنزيلها على إرادة التيمم في ضيق الوقت المنافى للانصراف
والتطهير لدلالة ذيلها على اعتبار وقوع التيمم في اخر الوقت وفيه ما لا يخفى بعد وضوح عدم اعتبار هذه المرتبة من الضيق
في صحة التيمم وكون المراد باخر الوقت اخره عرفا مع ما عرفت في محله من كونه على سبيل الاستحباب لا الوجوب ونظير هذا التوجيه
في الضعف توجيه الخبرين المفصلين بين إصابة الماء بعد دخوله في الصلاة قبل الركوع وبعده بحملها على أن المراد بالدخول في
الصلاة الشروع في مقدماتها كالاذان وبقوله ما لم يركع ما لم يتلبس بالصلاة وبقوله وان كان قد ركع قبل دخوله فيها اطلاقا
لاسم الجزء على الكل ولا يخفى ما فيه من البعد وشدة المخالفة للظاهر فالمتعين اما حمل الامر بالانصراف والتوضي في الخبرين على
الاستحباب أو الرجوع إلى المرجحات السندية كما أشار اليهما المصنف في عبارته المتقدمة والظاهر أن
صحيحة زرارة أرجح من رواية
محمد من حيث السند لكن المصنف لم يوردها في عبارته المتقدمة فكأنه غفل عنها وكيف كان فإنما يحسن الرجوع إلى المرجحات على
تقدير عدم امكان الجمع وهو ممكن بالحمل على الاستحباب فهو الأولى كما حكى عن المبسوط والاصباح وظاهر المنتهى الجزم بذلك
بل عن التذكرة ونهاية الاحكام قرب استحباب النقض والطهارة المائية مطلقا ولو بعد الركوع لكن قد يتوهم التنافي بين بقاء
اثر التيمم وجواز النقض فضلا عن استحبابه نظرا إلى كونه طهورا للعاجز ولا عجز مع جواز القطع وتمكنه من استعمال الماء ويدفعه
عدم إناطة شرعية التيمم حدوثا وبقاء بالعجز العقلي بل المدار على كون المتيمم معذورا بعذر مقبول عند الشارع وقد قبل الشارع
دخوله في الصلاة عذرا له في عدم استعمال الماء اما رعاية لحرمة الصلاة المنافية للانصراف عنها الا بالتسليم الذي جعله الشارع
تحليلا لها أو ارفاقا بالمكلف وتسهيلا عليه حيث لم يوقعه في كلفة الإعادة واستيناف الصلاة إلى غير ذلك مما لا ينافي جواز القطع
بل استحبابه لتحصيل الفرد الأكمل ومن هنا قد يقوى في النظر قرب ما عن التذكرة ونهاية الاحكام من استحبابه مطلقا بدعوى ورود
الامر بالمضي في الأخبار المطلقة والمقيدة بما بعد الركوع مورد توهم الخطر فلا يفهم منه أزيد من الجواز كما أنه هو الذي يقتضيه الجمع بين
هذه الأخبار وبين ما رواه الحسن الصيقل قال قلت لأبي عبد الله (ع) رجل تيمم ثم قام يصلى فمر به نهر وقد صلى ركعة قال فليغتسل و
ليستقبل الصلاة قلت إنه قد صلى صلاته كلها قال لا يعيد وما رواه زرارة عن أبي جعفر (ع) قال سئلته عن رجل صلى ركعة على تيمم
ثم جاء رجل ومعه قربتان من ماء قال يقطع الصلاة ويتوضأ ثم يبنى على واحدة لكن الأقوى خلافه فان دعوى قصور الاخبار
الامرة بالمضي عن إفادة الوجوب بعد مغروسية حرمة قطع الصلاة وكون النقض منافيا لاحترامها في أذهان المتشرعة غير
مسموعة خصوصا بالنسبة إلى الروايتين المفصلتين اللتين وقع التعبير فيهما بأنه ان لم يركع فلينصرف وان كان قد ركع فليمض
فان حمل مثل هذين الامرين على مجرد بيان الجواز افراط في التأويل بل ظاهرهما الوجوب وغاية ما يمكن التأويل فيهما بواسطة
الجمع الذي هو أولى من الطرح انما هو الحمل على الاستحباب كما قويناه في الفقرة الأولى واما الحمل على مجرد الجواز المجامع لمرجوحية
الفعل فهو في غاية البعد خصوصا بعد حمل الفقرة الأولى على الاستحباب فان التفصيل يقطع الشركة وبهذا ظهر لك ان الخبرين
الذين استشهدنا بهما للجمع لا ينهضان لذلك بل هما معارضان للاخبار الامرة بالمضي لوضوح المناقضة بين الامر بالمضي و
الانصراف فالمتعين طرح الخبرين مع قصورهما في حد ذاتهما من حيث السند واعراض الأصحاب عنهما وتنافي مفاديهما و
موافقتهما للعامة على ما قيل فلا تنهضان للحجية فضلا عن المعارضة فلو سلم قصور الاخبار الامرة بالمضي عن إفادة الوجوب
506

لكفى في ذلك استصحاب حرمة القطع فالأظهر وجوب المضي بعد ان ركع وجوازه قبله ولكن الأفضل بل الأحوط هو الانصراف ما لم
يركع وأحوط منه الاتمام ثم الإعادة وربما يتمسك لوجوب المضي مطلقا بعد التلبس بتكبيرة الاحرام بعموم ما دل على حرمة قطع
الصلاة واستصحاب الصحة وأصالة البراءة عن كلفة الإعادة واستصحاب الطهارة السابقة الثابتة بما دل على شرعية
التيمم المقتصر في تخصيصها على ما إذا وجد الماء قبل الدخول في الصلاة إلى غير ذلك مما لا ينبغي الالتفات إلى شئ منها بعد
استفاضة الأخبار الواردة عليها مع ما في جلها بل كلها من النظر بل لولا الأدلة الخاصة لكان مقتضى القاعدة المتلقاة
من الشرع من كون التيمم طهارة اضطرارية مضافا إلى اطلاق ما دل على كون وجدان الماء كالحدث رافعا لاثره انما
هو انتقاضه بطرق القدرة مطلقا من غير فرق بين كونه في أثناء الصلاة وعدمه ومقتضاه انقطاع الصلاة بسببه فلا يبقى
حينئذ مجال لتوهم شئ من المذكورات لكن الأخبار الخاصة الحاكمة على القواعد العامة اغنانا عن اطناب الكلام في النقض والابرام
في تشخيص الأصول الحاكمة وتقرير ما ادعيناه من القاعدة ثم إن في المسألة أقوالا اخر لا يساعد على شئ منها دليل يعتد به
منها ما عن ابن الجنيد أنه قال إن وجد الماء بعد دخوله في الصلاة قطع ما لم يركع الركعة الثانية فان ركعها مضى في صلاته
فان وجده بعد الركعة الأولى وخاف من ضيق الوقت ان يخرج ان قطع رجوت ان يجزيه ان لا يقطع صلاته فاما قبله فلابد
من قطعها مع وجود الماء انتهى ولعل نظره في هذا التفصيل إلى الجمع بين مجموع الاخبار بتخصيص ما دل على المضي مطلقا بالخبرين
المفصلين والجمع بين جميعها وبين ما يعارضها إلى الخبرين الواردين فيمن صلى ركعة الظاهرين في القطع مطلقا بحمل كل من
المتعارضين على ما هو القدر المتيقن ارادته منه وهو في الخبرين خصوص موردهما وهو قبل الركوع في الركعة الثانية لكن في
غير فرض الضيق الذي يظن عدم ارادته من اطلاقهما وبالنسبة إلى ساير الاخبار ما بعده والله العالم و (منها) ما عن سلار
من الانصراف قبل دخوله في القراءة وعدمه بعده ولعل مخالفته مع المشهور في تشخيص مفهوم الدخول في الصلاة فكأنه رأى أن
التكبيرة افتتاحها وان الدخول فيها يتحقق بالاخذ في سائر الأجزاء التي أولها القراءة ومنها ما حكاه في محكى الذكرى عن ابن
حمزة في الواسطة مستغربا منه وهو انه إذا وجد الماء بعد الشروع وغلب على ظنه عدم ضيق الوقت لو قطع وتطهر وجب عليه ذلك
وان لم يمكنه ذلك لم يقطعها إذا كبر وقيل يقطع ما لم يركع وهو محمول على الاستحباب انتهى ولعل مبناه فساد التيمم الواقع
في السعة عنده فإذا غلب على ظنه التمكن من التطهير والصلاة في وقتها علم فساد تيممه فعليه القطع فمورد اخبار الباب عنده
انما هو فيها إذا دخل في الصلاة بتيمم صحيح بان كان واقعا في ضيق الوقت فعمل باطلاق ما دل على المضي كما عن المشهور وحمل ما دل
على القطع قبل الركوع على الاستحباب كما التزم به أو احتمله كل من تصدى لتوجيهه من القائلين بمقالة المشهور ولا غرابة في التزامه
باستحباب القطع مع فرض الضيق بعد مساعدة الدليل لامكان ان يكون ما يدركه من صلاته في الوقت مع الطهارة المائية
أرجح لدى الشارع من ايقاع تمام صلاته في الوقت مع التيمم لكن الغريب التزامه باعتبار هذه المرتبة من الضيق في صحة التيمم و
تجويزه دخوله في الصلاة بالتيمم بل مضيه فيها ان لم تجد الماء في الأثناء وهو في حال لو وجد الماء لغلب على ظنه التمكن من الطهارة
والصلاة كما هو المنساق إلى الذهن في موضوع فرضه اللهم الا ان يلتزم بكفاية احراز الضيق عند إرادة التيمم والصلاة بنحو
من المسامحة العرفية ولزوم مراعاته على سبيل التحقيق عند وجدان الماء كما لا يخلو عن وجه و (كيف) كان فقد ظهر لك بما أشرنا
إليه انفا من أن مقتضى القاعدة انتقاض التيمم بالتمكن من استعمال الماء مطلقا في غير ما ثبت خلافه حكم الطواف من أن المتجه انتقاض
التيمم بوجدان الماء في أثنائه كوجدانه قبله من غير فرق بين الواجب منه والمندوب والتشبيه له بالصلاة منصرف إلى غيره كما أن المتجه انتقاض
تيمم الميت بالتمكن من تغسيله قبل الدفن وان صلى عليه كما عرفته في محله وهل تعاد صلاته فيه تردد والأشبه انها لا تعاد ولو وجده في أثناء
الصلاة قطعها وان كان الأحوط اتمامها ثم الإعادة بعد التغسيل والله العالم وهل يختص جواز المضي في الصلاة عند وجدان الماء
بالفريضة أم يعم النافلة أيضا وجهان أوجههما الأول لانصراف ما دل على الجواز من النصوص والفتاوى إلى الفريضة والله العالم
(الخامس) المتيمم يستبيح ما يستبيحه المتطهر بالماء وليعلم ان النظر في هذه المسألة يقع من جهات جميعها مقصوده بالحكم منها عدم
اختصاص اثر التيمم باستباحة الغايات التي اضطر إلى فعلها مثل الصلاة المفروضة المؤقتة التي لا سبيل له الا إلى ايجادها مع
التيمم بل يستباح به جميع الأفعال التي تكون الطهارة شرطا لصحتها كالصلاة نافلة كانت أم فريضة أو لكمالها كقرائة القران
أو لجوازها كمس المصحف ولبث الجنب والحائض في المسجد فالضرورة المعتبرة في التيمم غير ملحوظة بالنسبة إلى اثره بان يكون طهوريته
مقصورة على مواقع الاضطرار إلى الطهارة ومنها انه إذا تيمم لغاية يستباح به ساير غاياته وان لم يقصدها ولم يضطر إلى
507

فعلها بمعنى انه إذا تيمم بدلا من غسل يكون ما دام بقاء المسوغ بحكم المغتسل بذلك الغسل ولو تيمم من الوضوء يكون بمنزلة ما لو
توضأ وضوء صحيحا مبيحا لغاياته ومنهما انه يستباح بالتيمم كل غاية مشروطة بالطهور بمعنى انه يجوز فعله للتوصل إلى كل غاية
من غاياته بان يتيمم مثلا لمس المصاحف أو اللبث في المساجد فكما يستباح بفعله جميع الغايات وان لم يضطر إلى فعلها كذلك
له فعله لاستباحة تلك الغايات فلا يتوقف صحته على ما إذا وجد لغاية خاصة من صلاة ونحوها كما توهمه بعض وملخص الكلام
في المقام ان الشارع جعل التراب طهورا لمن لم يجد الماء أي عجز عن استعماله كما جعل الماء طهورا لمن قدر عليه بمعنى انه جعل
التراب للعاجز بمنزلة الماء للقادر ويتفرع عليه جميع الأحكام المذكورة من استباحة جميع الغايات بالتيمم وشرعية التيمم
للجميع واستباحة الجميع بفعله للبعض فمتى تحقق العجز عن الاستعمال اندرج المكلف في الموضوع الذي شرع له التيمم فجاز له
التطهر به لأي غاية أحب ولو للتجديد أو الكون على الطهارة وتوهم عدم كونه مفيدا للطهارة والا لم ينتقض بوجدان الماء
فلا يشرع له قصده قد عرفت دفعه في محله فلا يتوقف شرعية التيمم بعد تحقق العجز الا على مطلوبية الطهور سواء كان لذاته أو
لشئ من غاياته واجبة كانت أم مندوبة ومتى تطهر به لشئ من الغايات فقد حصلت الطهارة واستبيح له جميع ما يتوقف على
الطهور والا للزم اما ان لا يكون التيمم طهورا له أو لا يكون الطهارة لتلك الغاية مطلوبة منه فيفسد لذلك أو يتخلف اثر
الطهارة عنها والأخير باطل بالبديهة والثاني ينافيه اطلاق مطلوبية الغاية ومحبوبية الطهور والأول خلاف الفرض و
يشهد للمدعى أعني كونه طهورا للعاجز بمنزلة الماء للقادر قوله تعالى بعد شرع التيمم لمن لم يجد الماء وما جعل عليكم من حرج ولكن
يريد ليطهركم وقول أبى عبد الله عليه السلام في صحيحة حماد هو بمنزلة الماء وفى الصحيح لمحمد بن حمران وجميل ان الله جعل التراب طهورا
كما جعل الماء طهورا وفى خبر أبي أيوب المروى عن تفسير العياشي التيمم بالصعيد لمن لم يجد الماء كمن توضأ من غدير ماء أليس الله
يقول فتيمموا صعيدا طيبا ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وآله في خبر السكوني لأبي ذر يكفيك الصعيد عشر سنين وفى خبر
اخر الطيب طهور المسلم ان لم يجد الماء عشر سنين وفى ثالث التراب طهور المسلم ولو إلى عشر سنين وقوله صلى الله عليه وآله في الأخبار المستفيضة
الواردة في مقام الامتنان جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وقول أبى جعفر (ع) في الصحيح لزرارة فان التيمم أحد الطهورين
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على أن التراب طهور وانه أحد الطهورين وان ربه رب الماء وعن الفقه الرضوي ان التيمم
غسل المضطر ووضوئه وعنه أيضا بعد بيان صفة التيمم للوضوء والجنابة وساير أبواب الغسل فهذا هو التيمم وهو
الوضوء التام الكامل في وقت الضرورة إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيدات التي لا يبقى معها مجال للتشكيك في أن الله تعالى
من على عباده بان جعل لهم التراب طهورا ما لم يجدوا ماء فمتى استحب تحصيل الطهور لذاته أو لشئ من غاياته أو وجب جاز
لمن لم يجد الماء تحصيله بالتراب ولعمري ان المسألة من الواضحات التي لا ينبغي إطالة الكلام فيها واثبات كونها بعمومها اجماعية
أو كون بعض جزئياتها موردا للخلاف نعم يشكل الامر في مواقع منها انه هل يجوز التيمم بدلا من الوضوءات الغير الرافعة
كوضوء الجنب والحائض أو الأغسال المستحبة أم لا وجهان قد يقوى في النظر جوازه بدلا من الوضوءات المستحبة لاطلاق قوله (ع) التيمم
بالصعيد لمن لا يجد الماء كمن توضأ من غدير ماء هذا مع قوة احتمال كون الوضوء في حد ذاته طبيعة واحدة فائدتها الطهور وهى
تختلف بحسب الموارد من حيث قابلية المحل وعدمها واما الأغسال المسنونة فيشكل فيها ذلك وان اقتضاه اطلاق قوله (ع) في الرضوي
التيمم غسل المضطر ووضوئه وعموم المنزلة في صحيحة حماد هو بمنزلة الماء فان المتبادر منه كونه بمنزلة في التوضي والاغتسال لكن
لا يبعد دعوى انصرافها عما لا يرفع الحدث خصوصا بملاحظة كون الحكمة في شرع بعضها التنظيف مع أن من المستبعد جدا جواز التيمم
بدلا من غسل الجمعة ولم يشر إليه في شئ من الاخبار المسوقة لبيان حكم من لا يتمكن من الاغتسال يوم الجمعة من تقديم الغسل
يوم الخميس وقضائه يوم السبت إلى غير ذلك من المواقع المناسبة للتنبيه عليه فالأظهر عدم شرعيته بدلا من الأغسال المسنونة
ولو على القول بالاجتزاء بها عن الوضوء والله العالم ومنها انه هل يستباح الوطي بالتيمم الذي يقع بدلا من غسل الحيض بناء
على حرمته قبل الاغتسال أو تزول كراهته على القول بها فيه اشكال بناء على انتقاض كل تيمم بمطلق الحدث لان حصول مسمى الوطي ينافي
بقاء اثره حتى يستباح به الوطي الا ان يدعى ان المستفاد من الأدلة ليس الا المنع من الوطي قبل التطهر بمعنى اعتبار طهارتها
عند ايجاد الوطي لا استمرارها حاله أو يتمسك لاستباحته بالتيمم بما يدل عليها بالخصوص لا بالأدلة العامة وقد تقدم تحقيقه
في محله ومنها انه إذا تيمم لضيق الوقت عن الصلاة مع الطهارة المائية فلا شبهة في أنه لا طهارة له بعد انقضاء صلواته التي
ضاق وقتها واما ما دام متشاغلا بفعل الصلاة ومقدماتها فهل له الاتيان بسائر الغايات التي لم يتضيق أوقاتها أم لا فيه
508

وجهان من أن العجز عن الطهارة المائية اخذ قيدا في موضوعية الموضوع فهو جهة تقييدية لا تعليلية فالتيمم لضيق الوقت عاجز
عن الطهارة المائية لصلاة ضاق وقتها لا مطلقا فهو بالمقايسة إلى سائر الغايات متمكن من الطهارة المائية خصوصا إذا لم يكن
الاشتغال بالوضوء أو الغسل في خلال الصلاة منافيا لصورتها ومن أن العجز في الجملة اثر في شرعية التيمم فمتى تيمم فقد فعل أحد الطهورين
وحصلت الطهارة فله الاتيان بجميع ما هو مشروط بالطهور وهذا هو الأقوى فان كون الجهة تقييدية لا يؤثر في امكان اتصاف المكلف
في زمان واحد بكونه متطهر أو غير متطهر فهو بعد ان فعل أحد الطهورين متطهر والا لم يجز له فعل الصلاة ومتى كان متطهرا جاز له
فعل الجميع والا لتخلف اثر الطهارة عنها أو لزم ان لا يكون الطهارة من حيث هي شرطا لها والثاني خلاف ما يقتضيه الأدلة والأول
باطل بالضرورة نعم لو كان اثر التيمم مجرد رفع المنع من فعل الغايات لا الطهارة لأمكن التفكيك بينها لكنك عرفت في محله ان
الحق خلافه فتحقق انه متى استبيح فعل الصلاة استبيح ساير الغايات لا يقال إنه إذا تيمم عند الضيق وترك الصلاة عصيانا
للزم ان يباح له ما دام في الوقت ساير الغايات كما أبيح له الصلاة وهذا مما يقطع ببطلانه لأنا نقول انما يصح منه التيمم على تقدير
اتيانه بالصلاة التي ضاق وقتها لا مطلقا لا لاختصاص وجوب المقدمة وصحتها بموصلتها كما قد يتوهم بل لان التيمم لا يصح الا
ممن عجز عن استعمال الماء ولا يعجز عن ذلك الا على تقدير اتيانه بالصلاة في الوقت ولا مدخلية لايجاب الصلاة عليه في وقتها
في عجزه عن الطهارة المائية وانما المؤثر فيه امتثاله لهذا الواجب فإن كان المكلف اتيا بالصلاة في وقتها فهو عاجز والا فلا
فصحة تيممه مراعاة بفعل الصلاة بعده فإذا فعلها كشف عن كونه عاجزا عن الوضوء والغسل والا انكشف فساد تيممه وبعبارة أخرى
التيمم طهور لمن كان معذورا في استعمال الماء وانما يعذر في ذلك لو صلى بتيممه واما العاصي بترك الصلاة فلا يقبل الاعتذار منه
بوجوب الصلاة عليه وعدم قدرته على فعلها مع الطهارة المائية كما هو واضح وقد تقدم في صدر الكتاب عند البحث عن وجوب المقدمة
مع اشتراطه بالقدرة على الاتيان بذيها وكذا فيما نبهنا عليه بعد ذكر مسوغات التيمم من التعرض لبيان بطلان الوضوء المتوقف
على مقدمة محرمة وصحته عند مزاحمته لواجب أهم وكذا في ساير المقامات المناسبة ما يزيل بعض الشبهات المتوهمة في المقام
فليتأمل * (السادس) * إذا اجتمع ميت ومحدث بالأصغر وجنب ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم فإن كان ملكا لأحدهم اختص به
وحرم على غيره تناوله من غير رضاه فإن كان المالك هو الميت تعين صرفه أوفى تغسيله وليس لوارثه السماحة به فان الميت أولى بماء غسله
من وارثه وان كان غيره فهل له ايثاره على نفسه بتقديم الميت أو صاحبه مع ما به من الحاجة لصرفه في رفع حدثه مقدمة لصلوته الواجبة
عليه وجهان صرح غير واحد بعدم الجواز نظرا إلى عدم اجتماع وجوب التطهير به مع جواز بذله للغير وربما بعدوا عن الفرض إلى
ما لو كان مباحا غير مملوك لهم فأوجبوا الاستباق ومزاحمة الغير مقدمة للواجب خلافا لظاهر المتن في هذه الصورة قال في المدارك
فإن كان ملكا لأحدهم اختص به ولم يكن له بذله لغيره مع مخاطبته باستعماله لوجوب صرفه في طهارته ولو كان مباحا وجب على كل
من المحدث والجنب المبادرة إلى حيازته فان سبق إليه أحدهما وحازه اختص به ولو توافيا دفعة اشتركا ولو تغلب أحدهما اثم
وملك انتهى وظاهره كصريح جملة ممن تأخر عنه اختصاص المنع والمزاحمة بما إذا تنجز التكليف بالصلاة بان دخل وقتها بناء منهم
على عدم وجوب المقدمة قبل دخول وقت ذينها وقد عرفت في صدر الكتاب وعند البحث عن حرمة إراقة الماء قبل الوقت وكذا عند التكلم
في عدم جواز التيمم قبل الوقت فساد هذا المبنى فلو تم دليل الحرمة لاقتضى عمومها لما قبل الوقت أيضا ولذا التزمنا بوجوب تحصيل
المقدمات المنحصرة للواجبات المؤقتة قبل أوقاتها والأقوى جواز البذل في المملوك والتخلية بين الماء وبين صاحبه في المباح نعم
ما دام واجدا للماء أو متمكنا من استعماله لا يجوز له التيمم لنا على الجواز اما مع رجاء إصابة الماء فواضح بعد ما عرفت في محله من عد
وجوب حفظ الماء الا على تقدير العلم بفوت الطهارة المائية باتلافه واما مع العلم بعدم الإصابة فلان غاية ما أمكننا اثباته
في ما تقدم بعد التشبث بذيل الاجماع ونحوه من الأدلة اللبية انما هي حرمة تفويت التكليف بالطهارة المائية بإراقة الماء ونحوها
مما يعد في العرف فرارا من التكليف ومسامحة في امره واما حرمة صرف الماء في مقاصده العقلائية من مأكله ومشربه والانفاق
على صديقه ودابته وغيرها من الاغراض العقلائية التي من أهمها احترام موتاهم بتغسيلها فلا بل لا يبعد الالتزام بجواز التيمم
وحفظ الماء رعاية لاحترام الميت فضلا عن جواز صرفه فيه ثم التيمم بعد صيرورته فاقدا للماء فان الله تعالى من على عباده بان
وضع عليهم الامر فجعل لهم التراب طهورا كما جعل الماء طهورا لان لا يقعوا في الضيق وكلفة حفظ الماء بتحمل المشاق ومنافيات
الاغراض فأباح لهم ان يتعمدوا بالجنابة مع علمهم بعدم إصابة الماء كما عرفت عدم الخلاف فيه وشهادة النص عليه مع أن التأمل
في الأدلة لا يكاد يرى له خصوصية وانما المناط في جوازه ابتناء امر التيمم على التوسعة لا التضييق وملخص الكلام ان الصلاة
509

الواجبة لا تتوقف الا على مطلق الطهور الذي يحصل بالتراب على تقدير فقد الماء وانما أوجبنا حفظ الماء والتزمنا بحرمة
اراقته في الجملة لبعض الأدلة اللبية القاصرة عن شمول مثل الفرض فليتأمل ويدل على المدعى مضافا إلى ما عرفت صحيحة عبد الرحمن بن
نجران سئل أبا الحسن موسى بن جعفر (ع) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر جنب والثاني ميت والثالث على غير وضوء وحضرت الصلاة
ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم من يأخذ الماء وكيف يصنعون قال يغتسل الجنب ويدفن الميت بتيمم ويتيمم الذي هو على غير
وضوء لان غسل الجنابة فريضة وغسل الميت سنة والتيمم للاخر جايز فان مقتضى ما زعموه من اطلاق وجوب الطهارة المائية
مقدمة للصلاة التي حضر وقتها المقتضى لحرمة البذل على تقدير الكفاية ووجوب المبادرة والتملك في المباح طرح الصحيحة مع صحتها
وعمل الأصحاب بها لأن الماء الموجود معهم ان كان ملكا لأحدهم لم يجزله بذله للغير على الفرض وان كان ملكا لهم جميعا وجب على
كل من المحدث والجنب السعي في تملك حصة صاحبيه ببيع ونحوه ولو بالعزم على عدم تمليك الاخر واظهاره له حتى يئس منه فيعطيه سهمه
أو يشترى المحدث سهم الميت فيضمه إلى سهمه ويتوضأ بهما أو يصبر إلى اخر الوقت بحيث لم يتمكن الجنب من الاغتسال وادراك الصلاة
في وقتها فيعطيه سهمه إلى غير ذلك من انحاء المعالجات التي يتمكن معها المحدث من الوضوء بل قلما يتفق قصور سهم المحدث من الماء
الذي يكفي لغسل الميت والجنب عن أن يتوضأ به ولو بمثل الدهن ففرض مشاركة المحدث معهم في الماء وعدم قدرته من الوضوء من
سهمه أو مع ما يتمكن من تحصيله من سهم الميت وغيره فرض لا يكاد يتحقق موضوعه حتى يحمل الصحيحة عليه وكذا لو كان الماء الثالث
أو كان مباحا لا مالك له أو كان مع مالك يسمح ببذله مجانا من غير منة فإنه يجب في جميع هذه الفروض أيضا بمقتضى الفرض على كل
منهما السعي في تحصيله بشراء ونحوه فان تملكه أحدهما وجب عليه استعماله وان تملكاه دفعة اندرج في الفرض السابق الذي عرفت انه لا يصح حمل
الصحيحة عليه هذا مع أن مثل هذه الفروض خارج من منصرف السؤال فضلا عن أن يحمل اطلاق الجواب مع ترك الاستفصال عليه فان
المتبادر من قول السائل ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم اما كون الماء لهم جميعا أو كونه لبعضهم ولكن الماء لابتذاله وعدم كون
المقصود بتملكه الا قضاء حوائجهم لم يضف إلى خصوص مالكه أو كونه مدخر لقضاء حوائجهم من غير أن يقصدوا به التملك فان قلنا
بصيرورته في مثل الفرض ملكا للجميع أو لخصوص من حازه فقد عرفت حكمه وان قلنا ببقائه على الإباحة الأصلية فيتبع انائه بمعنى
ان لمالكه منع الغير من التصرف فيه وكيف كان فلا يكاد يتحقق فرض لم يتمكن فيه المحدث من أن يتوضأ بعد فرض كونه صاحب حق
وبنائه على المداقة في استيفاء حقه فالأظهر عدم وجوب المداقة وجواز البذل فالأولى رعاية ما يقتضيه حسن المعاشرة من تقديم ما هو
الأحوج وعدم ملاحظة حق الاختصاص والملكية بالنسبة إلى الماء الذي بناء امره على التوسعة فيما بين الأصدقاء في الاسفار وغيرها
فالأفضل تخصيص الجنب به كما يدل عليه الصحيحة المتقدمة ولو اجتمع جماعة محدثون بالأصغر وجنب ومعهم من الماء ما يكفي اما لغسل
الجنب أو لوضوء من عداه لا يبعد أولوية رعاية حق الجماعة كما يشهد له خبر أبي بصير قال سئلت الصادق عليه السلام عن قوم كانوا في سفر
فأصاب بعضهم جنابة وليس معهم من الماء الا ما يكفي الجنب لغسله يتوضون هم هو أفضل أو يعطون الجنب فيغتسل وهم لا يتوضؤن
فقال يتوضؤن هم ويتيمم الجنب ويدل على أولوية تقديم غسل الجنب على الميت مضافا إلى الصحيحة المتقدمة خبر الحسين بن النضر
الأرمني قال سئلت أبا الحسن الرضا (ع) عن القوم يكون في السفر فيموت منهم ميت ومعهم جنب ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهما
أيهما يبدء به قال يغتسل الجنب ويدفن الميت لان هذا فريضة وهذا سنة وخبر الحسن التغلبي قال سئلت أبا الحسن (ع) عن ميت وجنب
اجتمعا ومعهما ماء يكفي أحدهما أيهما يغتسل قال إذا اجتمعت سنة وفريضة بدء بالفرض وقيل يختص به الميت لكن في المدارك
وغيره لم يعرف قائله ويشهد له ما رواه محمد بن علي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الميت والجنب يتفقان في
مكان لا يكون فيه الماء الا بقدر ما يكتفى به أحدهما أيهما أولى ان يجعل الماء له قال يتيمم الجنب ويغتسل الميت بالماء وربما علل ذلك
أيضا بكون غسله خاتمة طهارته فهو أولى بالمراعاة وفيه انه مجرد اعتبار لا يصلح دليلا في مقابل ما عرفت لكنه ينهض مؤيدا للمرسلة
الدالة عليه الا انها مع ذلك قاصرة عن معارضة ما عرفت وحكى عن الشيخ القول بالتخيير لتعارض الاخبار وعدم الترجيح وفى الأخير
منع لكن لما لم يجب التقديم وكان الحكم مبنيا على الأولوية والاستحباب جاز العمل بهذه الرواية أيضا برجاء الإصابة اما وجه عدم
الوجوب فواضح مضافا إلى عدم الخلاف فيه على ما يظهر من بعض ضرورة انه لا يجب على أحد رفع اليد عن حقه في الماء المختص به
أو المشرك بينه وبين الجنب ولا يحرم عليه المبادرة إلى الماء الذي يجدونه في الطريق وتملكه سواء وجب عليه الوضوء أم لا و
اطلاق هذه الأخبار لا ينافي اشتراط طيب نفوس الجميع بصرف البعض للماء لتحقق الطيب في مفروض السائل وكون المقصود
بالسؤال تشخيص الأهم هذا مع عدم كون الاطلاق مسوقا لبيان الحكم من هذه الجهة مضافا إلى عدم امكان التصرف في
510

مثل هذه القواعد بالظواهر المنافية لها فلا محيض عن الالتزام بكون التخصيص مبينا على رعاية الأولوية والفضل والله العالم
ثم انا وان جوزنا للمحدث بذل مائه المختص به إذا تعلق به غرض صحيح اخرجه من عنوان كونه بمنزلة الإراقة ونحوها لكن الأحوط تركه
بل لا يبعد دعوى انصراف اخبار الباب عن فرض الاختصاص ولعله لذا خص المصنف ره الحكم بأفضلية التخصيص بغير هذا الفرض
وأطلقه بالنسبة إلى ما عداه من الصور من غير أن يقيده بعدم تمكن المحدث من الوضوء بالمبادرة إلى المباح أو وفاء سهمه في صورة
الاشتراك كما هو الغالب وأحوط منه عدم التخطي عما ذكروه من ملاحظة كل منهما ما يقتضيه تكليفه بملاحظة نفسه من تحصيل الطهارة
المائية مع القدرة عليهما بالمبادرة إلى حيازة المباح والمداقة في استيفاء حقه عند وفائه بما يحتاج إليه بل تملك سهم الميت و
غيره لدى القدرة عليه وان كان مقتضاه حمل الصحيحة على ما لا يكاد يتحقق له مورد كما أشرنا إليه انفا لكن لا باس به بعد موافقته
للاحتياط وابتناء السؤال في الرواية على مجرد الفرض والجواب على الأولوية والاستحباب والله العالم تنبيه لو أمكن الجمع
بان يتوضأ المحدث مثلا ويجمع ماء الوضوء في اناء ثم يغتسل الجنب الخالي بدنه من النجاسة ويجمع مائه في الاناء ويغسل به الميت
فقد صرح غير واحد من الأصحاب بوجوبه ولا ريب في أنه أحوط وأوفق بالقواعد ولو منعنا من استعمال المستعمل في الحدث الأكبر
يجمع بين الوضوء وغسل الجنب أو الميت فان المستعمل في الوضوء يجوز استعماله ثانيا بلا خلاف فيه على الظاهر الا من بعض أهل الخلاف
وفى محكى الذكرى بعد الإشارة إلى خبر عبد الرحمن بن أبي بحران قال وفيه إشارة إلى عدم طهورية المستعمل والا لامر
بجمعه انتهى أقول ولو قيل بان فيه إشارة إلى عدم كون الامر في التيمم بهذه المكانة من الضيق والعجز عن تحصيل الماء بالمعالجات
الغير المتعارفة لكان سليما من جملة من الاعتراضات التي يمكن ان يورد عليه من جرى الرواية مجرى الغالب من عدم خلو بدن الجنب
عن النجاسة غالبا وعدم تيسر الجمع في مثل الفرض بقدر ان يكفي غيره وعدم صلاحية ما ذكر وجها لعدم الجمع بين الوضوء والغسل
تقديم الوضوء على الغسل وان أمكن التفصي اما عن الأخير فلابتنائه على الاهتمام في امر الغسل برعاية الاحتياط فيه خوفا من أن ينقص مائه
اما ما عداه من الدعاوى المتقدمة فاما غير مجدية أو غير مسموعة فان الغالب سهولة الاخذ مما ينفصل من غسالته بعد تطهير بدنه
بقدر ان يتحقق أقل ما يجتزى به في الوضوء بمثل الدهن وكيف كان فطريق الاحتياط في جميع الفروض غير خفى والله العالم السابع
الجنب إذا تيمم بدلا من الغسل ثم احدث أعاد التيمم بدلا من الغسل سواء كان حدثه أصغر أو أكبر فلو احدث بالأصغر ووجد ماء بقدر
ان يتوضأ لم يعتد به بل يتيمم بدلا مما وجب عليه من الغسل على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا بل لم ينقل الخلاف
فيه الا من السيد في شرح الرسالة وبعض المتأخرين كصاحبي المفاتيح والذخيرة وفى الحدائق أيضا تقويته قال السيد في محكى شرح
الرسالة ان المجنب إذا تيمم ثم احدث حدثا أصغر ووجد ما يكفيه للوضوء توضأ لان حدثه الأول قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى
وقد وجد من الماء ما يكفيه لها فيجب عليه استعماله انتهى واعترض عليه بالاجماع المستفيض نقله بل المتواتر على أن التيمم لا يرفع
الحدث بل يستباح به الصلاة فالجنابة باقية والاستباحة قد زالت بالحدث الأصغر والذي يجب على الجنب على ما نطق به الكتاب
والسنة والاجماع انما هو الغسل فما دام العجز يأتي بما هو بدل منه وقد استدل في محكى المعتبر على بقاء الجنابة بعد ان ادعى اجماع
العلماء كافة على أنه لا يرفع الحدث بان التيمم يجب عليه الطهارة عند وجود الماء بحسب الحدث السابق فلو لم يكن الحدث السابق
باقيا لكان وجوب الطهارة لوجود الماء إذ لاوجه غيره ووجود الماء ليس حدثا بالاجماع ولأنه لو كان حدثا لوجب استواء المتيممين
في موجبة ضرورة استوائهم فيه لكن هذا باطل لان المحدث لا يغتسل والجنب لا يتوضأ انتهى أقول هذا هو عمدة ما يستدل
به للمشهور ويرد عليه أولا النقض بالطهارة العذرية أي طهارة أصحاب الجبيرة ونحوها على القول بوجوب اعادتها بعد زوال
السبب لجريان هذا الدليل فيها حرفا بحرف ومقتضاه وجوب إعادة الغسل على صاحب الجبيرة إذا اغتسل من الجنابة ثم
احدث بالأصغر مع أنه لا يظن بأحد من القائلين به الالتزام بذلك وحله ما عرفته في محله من أنه ان أريد بقولهم ان التيمم
لا يرفع الحدث انه ليس كالوضوء والغسل مزيلا لاثره بالمرة بحيث لا يحتاج بعد تجدد القدرة من الماء إلى استعماله كما زعمه بعض العامة
على ما قيل فهو حتى لا ريب فيه وان أريد به انه لا يفيد الطهارة التي هي شرط للصلاة ونحوها بل يؤثر في سقوط شرطية الطهارة
لتلك الغايات بالنسبة إلى من عجز من استعمال الماء فهو مما لا يمكن الالتزام به لمخالفته لجميع ما دل على شرعية التيمم وبدليته من الوضوء
والغسل وكونه أحد الطهورين ولا يظن بأحد من العلماء ان يرضى بذلك حيث إنه يتضمن مفاسد ومناقضات لا يمكن توجيهها
كما أشرنا إلى جملة منها فيما تقدم فالحق انه طهور وهو نور لكن لمن لم يقدر على استعمال الماء ما دام كونه كذلك فإذا قدر
عليه عاد محدثا بالسبب السابق حيث إنه صدق عليه مثلا انه رجل اتى أهله وهو قادر على استعمال الماء ولم يغتسل فهو جنب واما
511

قبل ان يقدر عليه فقد كان مندرجا في موضوع العاجز الذي كان طهوره التراب فإذا تيمم فهو ما دام مندرجا في هذا
الموضوع كأنه اغتسل من غدير ماء فهو متطهر وقد تقدم توضيحه وتصويره في محله فبذلك ينحل الاشكال المتقدم في عبارة
المعتبر الذي أوقعهم في الالتزام بعدم طهورية التيمم من استلزام كون وجدان الماء حدثا فإنه بعد اخذ العجز قيدا في طهورية
التيمم لا يحتاج عود الجنابة بعد طرق القدرة إلى سبب جديد كما هو واضح وعلى هذا يتجه استدلال السيد على مدعاه بان حديه
الأول قد ارتفع إذ لم يقصد بذلك انه قد ارتفع على وجه لا يحتاج بعد طرو القدرة إلى الغسل حتى يرد بمخالفته للاجماع بل
الضرورة وكيف كان فمقتضى طهورية التيمم للعاجز وبدليته من الغسل عدم تأثير البول وغيره من موجبات الوضوء بعد ان تيمم
بدلا من غسله الا فيما يقتضيه تلك الموجبات لا عود الجنابة السابقة وصيرورتها مؤثرة بعد ان زال اثرها بالتيمم الا ان
يدل دليل تعبدي عليه فيكون ذلك حاكما على اطلاق ما دل على أن التيمم لمن لم يجد الماء بمنزلة غسله ووضوئه وسيأتي التكلم
فيه فان أراد المشهور من استدلالهم ببقاء الجنابة كونه ما دام موصوفا بالعجز متصفة بصفة الجنابة الفعلية ففيه منع خصوصا
لو قلنا بأنها صفة منتزعة من الأحكام التكليفية وليست قذارة معنوية متأصلة وان أرادوا صحة اطلاق الجنب عليه بملاحظة
بقاء اثر الجنابة في الجملة المقتضى لوجوب الغسل عليه عند تجدد القدرة فهو مسلم لكنه لا يقتضى وجوب التيمم ثانيا بدلا من الغسل
بل لنا ان نقول سلمنا انه جنب بالفعل لكن لا دليل على أنه يجب على الجنب إعادة تيممه بعد البول فان الجنب القادر على الغسل فرضه
الغسل والعاجز عنه فرضه التيمم بدلا من الغسل فإذا تيمم بدلا من الغسل عند إرادة الصلاة فقد سقط ما وجب عليه من البدل
فإذا بال لا يؤثر بوله الا فيما يقتضيه من الوضوء أو التيمم منه لا من الغسل وان شئت قلت إن التيمم السابق رفع مانعية الجنابة
من اتيان الغايات المشروطة بالطهور والا لم يجز فعلها قبل البول وحدوث البول ليس مقتضاه الا وجوب الوضوء لا عود مانعية
الجنابة ودعوى ان التيمم لا يقتضى الا رفع مانعيتها قبل ان يحدث حدث غير مسموعة الا ان يقوم عليها بينة بالخصوص والا فهي
مخالفة لاطلاق ما دل على كونه بمنزلة الوضوء والغسل للعاجز وسيأتي التكلم فيه وبما ذكرنا ظهر لك ضعف الاستدلال للمشهور
باطلاق الجنب على التيمم في بعض الأخبار مثل المرسل المروى عن الغوالي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لبعض أصحابه الذي تيمم من الجنابة وصلى
صليت بأصحابك وأنت جنب فإنه بعد الغض عن ضعف الرواية ومعارضتها بما دل على أن الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل
الماء طهورا فإذا تيمم فقد فعل أحد الطهورين فهو طاهر وليس بجنب بالفعل وان صح اطلاقه عليه في الجملة يتوجه عليه انه لا اثر
للجنابة بعد فعل بدلا من الغسل ودعوى ان كل من قال ببقاء الجنابة قال بالتيمم بدلا من الغسل دون الوضوء فالقول بخلافه خرق
للاجماع المركب مما لا ينبغي الالتفات إليها ضرورة عدم استكشاف رأى المعصوم بمثل هذه الدعاوى التقديرية المتفرعة على الجمود على
الظواهر واضعف منه الاستدلال لهم بمفهوم قول أبى جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة متى أصبت الماء فعليك الغسل ان كنت جنبا
والوضوء ان لم تكن جنبا حيث شرط الوضوء بعدم الجنابة فيبطل مقالة السيد القائل بوجوب الوضوء على الجنب على تقدير عدم
كفاية الماء لغسلة وفيه ان المراد بإصابة الماء ما كان وافيا بما يحتاجه من الوضوء أو الغسل فالمتيمم الذي احدث ان لم يجد
ما يكفي لغسله فهو غير مراد بالرواية وليس بجنب عند السيد اما حقيقة أو حكما بل هو محدث وجد الماء بقدر وضوئه فعليه ان يتوضأ
وأوهن من ذلك الاستشهاد بالمعتبرة المشتملة على امر الجنب بالتيمم وان كان عنده من الماء ما يكفيه للوضوء وفيه مالا يخفى فإنه لا ينكر
أحد ان الواجب على الجنب أولا هو الغسل أو التيمم بدلا منه فلا عبرة بوجود الماء الغير الكافي للغسل ولا وجدانه بعد التيمم الذي هو
بمنزلة الغسل في الأثر وانما الكلام في أنه إذا احدث بالأصغر بعد هذا التيمم هل يجب عليه إعادة التيمم عملا بما يقتضيه الجنابة أولا
يجب الا العمل بما يقتضيه الحدث من فعل الوضوء لدى القدرة والتيمم بدلا منه لدى العجز فهذه الأخبار
أجنبية عن المقام واستدل
لهم أيضا بصحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام يصلى الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها فقال نعم ما لم يحدث أو يصب
ماء وخبر السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابائه (ع) قال لا بأس بان تصلى صلاة الليل والنهار بتيمم واحد ما لم تحدث أو تصب
الماء حيث يفهم منهما ان مطلق الحدث كوجدان الماء ناقض لمطلق التيمم وفيه ان غاية ما يفهم من الروايتين انما هو عدم جواز
الصلاة بذلك التيمم بعد حدوث الحدث كما أنه لا يجوز فعلها بعد الحدث لو كان اتيا بمبدله من الوضوء أو الغسل فقوله (ع) لا بأس
بان تصلى [الخ] بمنزلة ما لو قلنا لا بأس بان تصلى لغسل الجنابة ما لم تحدث فلا اشعار فيه أصلا فضلا عن الدلالة بان الحدث
يؤثر في صيرورة التيمم كعدمه وصيرورة الجنابة السابقة مؤثرة بعد ان زالت أو زال اثرها بل لو كان الوارد في الاخبار ان
كل تيمم يستباح به الصلاة ينتقض بمطلق الحدث لم يكن يفهم منه الا تأثير الحدث في رفع الطهارة والاستباحة الحاصلة بفعل
512

التيمم كما أنه لا يفهم من اطلاق النواقض على موجبات الوضوء والغسل في عبارة العلماء الا ذلك لا عود الحدث السابق الذي
تطهر منه وصيرورته مؤثرا بعد ان زال فان الزائل لا يقبل الانتقاض وانما القابل له الطهارة الحاصلة باستعمال الطهور فقولنا
الوضوء أو غسل الجنابة ينتقض بالبول معناه انه لا يبقى له اثر بعد الحدث فلو أراد الاتيان بشئ مشروط بالطهور فعليه ان يتطهر
لا انه يعود جنبا أو محدثا بالسبب الأول الا ترى انا لو بنينا على أن كل غسل يجزى عن الوضوء وقلنا بشرعية التيمم بدلا من كل
غسل وكونه كمبدله رافعا للحدث لا نقول بجواز إعادة التيمم بدلا من ذلك الغسل بعد انتفاء مسوغه فالاشكال في المقام
انما نشأ من بقاء اثر الجنابة الموجب للغسل حيث أوجب التخير في أنه كما يقتضى وجوب الغسل عند القدرة عليه كذلك يقتضى وقوع
التيمم دائما بدلا من ذلك الغسل أم لا يقتضى بعد الاتيان بتيمم واحد بدلا من ذلك الغسل الا نفس الغسل فلا يجب عند حدوث
الحدث الا ما يقتضيه ذلك الحدث فما زعمه بعض من ابتناء الخلاف في المسألة على أن المطلق الحدث هل هو ناقض لمطلق التيمم أو لا
ينتقض التيمم الواقع بدلا من غسل الجنابة مثلا الا بالجنابة في غير محله وكيف كان فقد ظهر لك ان الأقوى بالنظر إلى ما دل على
طهورية التيمم للعاجز وعموم تنزيله منزلة الوضوء والغسل ما ذهب إليه السيد واتباعه من وجوب الوضوء بعد الحدث أو التيمم بدلا
منه لا من الغسل لكن الجزم بذلك مشكل وعمدة ما يوجب التردد والوسوسة فيه نقل الاجماع على خلافه واعتضاده بالشهرة المحققة
قديما وحديثا بل شذوذ المخالف فمن هنا قد يقوى في النظر خلافه فانا وان جزمنا بطهورية التيمم وكونه بمنزلة الوضوء والغسل
لمن لم يجد الماء لكن مع ذلك لا يبعد الالتزام بمقالة المشهور في المقام بدعوى انه يستفاد من الأدلة الشرعية ان الطهارة التي هي شرط
في الصلاة بل مطلق الطهارة وان لم تبلغ مرتبة يستباح بها الصلاة صفة وجودية تحصل بأسبابها كما قوينا ذلك في محله وان الحدث
قذارة معنوية حادثة بأسبابها مخالفة للأصل مانعة من الدخول في الصلاة كما نفينا البعد عن ذلك بل قويناه بالنسبة إلى الحدث
الأكبر فنلتزم بعدم المضادة بين ذاتيهما بل التنافي انما هو بين أثريهما من جواز الدخول في الصلاة والامتناع منه كما إليه يؤل ما
هو المشهور من أن التيمم مبيح للصلاة وليس برافع لما أشرنا إليه من أنهم لم يقصدوا بذلك على الظاهر استباحتها بلا شرط
فان من المستبعد التزامهم بذلك وكيف كان فمنع المضادة بين الوصفين وقياسهما على النظافة والقذارة الصورية فاسد
لم لا يجوز ان يكون المستحاضة التي اغتسلت وكذا المسلوس والمبطون واجدة للحدث والطهارة التي هي شرط في الصلاة حقيقة
وإذا جاز ذلك فنقول اما غسل الجنابة مثلا فهو رافع للقدرة الحادثة بالجنابة ومفيد للطهارة التي هي شرط في الصلاة واما
سائر الأغسال فان قلنا بالاجتزاء بها عن الوضوء فكغسل الجنابة والا فهي مع كونها مزيلة للحدث تفيد مرتبه في الطهارة لا تبلغ
هذه المرتبة وكيف كان فالتيمم انما يقوم مقام الوضوء والغسل في الطهورية المسوغة لاستباحة الغايات أي المجامعة مع عدم
المانع بصفة المانعية واما كونه بمنزلتهما في إزالة ذات المانع من حيث هي فالأدلة قاصرة عن اثباته اما ما دل على أنه طهور وانه
أحد الطهورين فواضح واما ما دل على أن التراب بمنزلة الماء وان التيمم غسل المضطر ووضوئه ونحو ذلك فهو وان اقتضى عموم
المنزلة خصوصا مع كون الإزالة من اظهر وجوه المشبه به لكن العلم ببقاء الأثر في الجملة المقتضى لوجوب الغسل لدى القدرة عليه
موجب لصرف الذهن عن إرادة إزالة ذاته بالتشبيه ولذا لا يستنكر العرف اطلاق الجنب عليه حين العجز بل لم يسعنا فيما سبق عند
تقرير مذهب السيد انكار هذا المعنى وانما تكلفنا في توجيهه وقلنا بعد التسليم بعدم اقتضاء الجنابة الا تيمما واحدا بدلا من
الغسل لكنك خبير بأنه لا يسمع منا هذا القول بعد فرض دلالة الأدلة على اقتضاء حدث الجنابة من حيث هو للمنع من الصلاة
وعدم ارتفاعه بالتيمم كما هو مقتضى الأصل مضافا إلى الاجماعات المحكية وغيرها وعدم اقتضاء طهورية التيمم الا مزاحمتها
للتأثير ما دام بقاء اثره فمتى انتقض عادت الجنابة مانعة بالفعل ولا يزول ماريتها الا بالتيمم الذي هو بدل من الغسل كما هو
واضح هذا غاية ما أمكننا من التوجيه لمذهب المشهور واليه يؤول دليلهم الأول الذي أشرنا إلى أنه هو عمدة أدلتهم وبعد المتأمل
فيه مجال والمسألة موقع تردد ومقتضى الأصل الاحتياط لكون الشك في المكلف به فيجب بعد الحدث بين الجمع بين التيمم بدلا من الغسل ومن
الوضوء ان وجد ماء بقدره والتيمم بدلا منه ان لم يجد ويجزيه في هذا الفرض تيمم واحد بدلا مما وجب عليه في الواقع بناء على
اتحاد كيفية التيمم والا فلابد من التعدد ثم لا يخفى عليك ان ما ذكرناه في توجيه مقالة المشهور الذي إليه يؤول دليلهم الأول
الذي هو عمدة ما ركنوا إليه بل لم يستند عامتهم على الظاهر الا إليه من أن الجنابة باقية والاستباحة قد زالت فعليه إعادة
التيمم بدلا من الغسل انما يتجه في التيمم الواقع بدلا من غسل يستباح به الصلاة مثل غسل الجنابة واما غسل الحيض ونحوه لو لم نقل
بأنه يجزى عن الوضوء فلا فإذا تيممت الحائض بدلا من الغسل يستباح بتيممها دخول المساجد وقراءة العزائم ونحوهما كمبدله سواء
513

تيممت معه بدلا من الوضوء أيضا أم لا وهذه الاستباحة تجامع الحدث الأصغر والا لم تحصل بتيممها الواقع بدلا من الغسل الا
كانت محدثة بالأصغر أيضا فالحدث الأصغر لا يؤثر في إزالة هذه الاستباحة حتى تيمم به الاستدلال بل ربما يتأمل في اقتضاء ذلك
الدليل منع الجنب من دخول المساجد بعد الحدث نظرا إلى عدم اقتضاء الحدث رفع استباحة الدخول وان أمكن التفصي
عن ذلك ببعض الوجوه الغير الخالية عن التأمل بالاجماع المنقول على انتقاض تيمم الجنب بمطلق الحدث فالالتزام بانتقاض
تيمم الحائض بمطلق الحدث مع الالتزام بجواز تلك الغايات قبل حدوثه مع كونها محدثة بالأصغر في غاية الاشكال ولعله
لذا خص المصنف (ره) كغيره موضوع الحكم في المتن وغيره بالجنب فما جزم به غير واحد من انتقاض كل تيمم بمطلق الحدث واسناده
إلى المشهور مع خلو كلام المشهور عن التصريح بالتعميم بل اشعاره بعدمه واقتضاء دليلهم عدم الاطراد لا يخلو عن تأمل لكن
مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط فيه بل لا يجوز بناء على ما نفينا عنه البعد بل قويناه في محله من الاجتزاء بغسلها عن الوضوء
فحكمها حينئذ حكم الجنب الذي مقتضى القاعدة فيه الاحتياط والله العالم * (الثامن) * إذا تمكن المتيمم من استعمال الماء لما هو بدل
منه ولم يكن له عذر عقلي أو شرعي في تركه انتقض تيممه بلا شبهة كما يدل عليه جميع ما دل على اختصاص طهورية التيمم بالعاجز مضافا إلى
خصوص المعتبرة بالمستفيضة المصرحة بذلك مثل صحيحة زرارة ورواية السكوني المتقدمين وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل
تيمم قال يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء وقد عرفت عند التكلم في الحكم الرابع ان المراد بوجدان الماء انما هو وجدانه على وجه يتمكن من استعماله
ويكون وافيا بمقصوده فما زعمه بعض من انتقاض التيمم بمجرد الوجدان ضعيف ولو فقده بعد ذلك افتقر إلى تجديد التيمم لأن الزائل
لا يعود بلا سبب وتوهم اقتضاء طهورية التيمم للعاجز عوده مؤثرا باندراجه ثانيا في موضوعه كصيرورة الجنابة الزائلة على
القول برافعية التيمم مؤثرة عند تجدد القدرة * (مدفوع) * بقصور الأدلة عن اثبات هذا النحو من الأثر للتيمم بل ظهورها في كونه ظهورا
لمن عجز عن استعمال الماء ما دام باقيا عجزه هذا مضافا إلى عدم الخلاف فيه على الظاهر ودلالة النص عليه بالصراحة كما عرفته فيما تقدم * (فروع) *
الأول لو تيممت الحائض أو المستحاضة ونحوهما يتيممن بدلا من الوضوء والغسل فوجدت ما يكفي للوضوء خاصة انتقض ما هو بدل من الوضوء لاغير
ولو وجدت ما يكفي لكل منهما لا كليهما قال في الجواهر ففي انتقاضهما معا بذلك أو ما يختار المكلف منهما أو القرعة أوجه أقواها الأول لصدق
الوجدان في كل منهما وعدم الترجيح انتهى أقول اما بناء على أهمية الغسل كما لعله المسلم عندهم خصوصا على القول بالاجتزاء به عن الوضوء
وكون الوضوء معه مستحبا تعبدا فالترجيح محقق والمنتقض هو التيمم الواقع بدلا من الغسل حيث يتعين على المكلف صرف الماء فيه لكن لو خالف تكليفه
وتوضأ صح وضوئه بقاعدة الترتب التي حققناها مرارا ومقتضاها انتقاض ما هو بدل من الوضوء أيضا على تقدير ترك الغسل فلو اتلف
الماء انتقض التيممان وعلى تقدير عدم الأهمية أيضا ينتقضان معا ان ترك استعمال الموجود في شئ من الوضوء أو الغسل إلى أن يمضى زمان
يتمكن فيه من فعل كل من الطهارتين لصيرورته عند إصابة الماء قادرا على كل من الوضوء والغسل على تقدير ترك الاخر وقد تحقق التقدير
في الفرض بالنسبة إلى كل منهما فانتقضا معا واما على تقدير استعماله في أحدهما فالظاهر عدم انتقاض ما هو بدل من الاخر لعدم قدرته على
الاتيان بمبدله على تقدير صرف الماء فيه استعمله بمقتضى تكليفه ولكن الأحوط إعادة التيمم خصوصا مع احتمال أهمية أحدهما في الواقع وجهله
بواقعه بل لا يخلوا لقول بوجوب الاحتياط في الفرض من وجه منظور فيه واحتمال وجوب تشخيصه في الفرض بالقرعة مدفوع بأنه لا يعمل بها في
تشخيص الأحكام الشرعية وموضوعاتها وقد تقدم عند البحث عن مسوغات التيمم ما يقرر بعض الدعاوى المتقدمة فراجع الثاني لو وجد
جماعة ماء يباح لهم التصرف فيه فان تمكن كل منهم من التصرف فيه على وجه سائغ من غير أن يزاحمه غيره انتقض تيمم الجميع والا انتقض تيمم
المتمكن خاصة الثالث لو تيمم تيممات متعددة بدلا من أغسال متعددة فوجد ماء لا يكفي الا لغسل واحد انتقض الجميع فان له ان يأتي بذلك
الغسل بنية الجميع وان منعنا التداخل لحكمه ما عرفت في الفرع الأول الرابع لو لم يجد الماء الا في المسجد وكان جنبا جاز له الدخول واحد
الماء منه بل ولبثه فيه حتى في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله بل وجب عليه ذلك عند توقف الغايات الواجبة المشروطة بالطهور عليه ولا ينتقض
في الفرض تيممه الا بعد استعمال الماء لا حين الوجدان كما أقمنا عليه البرهان في مبحث الجنابة وأثبتنا وجوب الدخول عليه في المسجدين
بالتيمم عند انحصار الماء الواجب الاستعمال فيهما عند البحث عن عدم جواز مرور الجنب في المسجدين الا بالتيمم فراجع ما أسلفناه
تجده وافيا بجملة من الفروع المرتبطة بالمقام تنبيه حكى عن بعض الجمهور القول بانتقاض التيمم بخروج الوقت وعن الشافعي
القول باختصاص اثر التيمم لصلاة واحدة قياسا على وضوء المستحاضة بجامع اضطرارية الطهارتين وقد اجمع أصحابنا على أنه
لا ينتقض التيمم بخروج الوقت ولا يختص اثره بصلاة واحدة واخبارنا ناطقة بذلك مصرحة بجواز ان يصلى الرجل صلاة الليل
والنهار كلها بتيمم واحد ما لم يحدث أو يجد الماء كما سمعته في المستفيضة المتقدمة وقد نطق بذلك أيضا ما رواه حماد بن عثمان في
514

الصحيح قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل لا يجد الماء يتيمم لكل صلاة فقال (ع) لا هو بمنزلة الماء ويدل عليه أيضا سائر الأخبار الدالة
على أنه أحد الطهورين وانه بمنزلة الماء فما في خبر أبي همام عن الرضا (ع) قال يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء ورواية السكوني عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن ابائه عليهم السلام قال لا يتمتع بالتيمم الا صلاة واحدة ونافلتها اما مطروح واما مأول التاسع من كان بعض أعضائه مريضا لا يقدر على
غسله بالماء للوضوء والغسل ولا مسحه ان كان مما يجب مسحه في الوضوء بل مطلقا حتى في المواضع التي يجب غسلها إذا لم يقدر على مسحه بالماء
على وجه يتحقق به أقل ما يجزى مثل الدهن بل مطلقا في وجه قوى جاز له التيمم وكذلك لو كان بعض أعضائه نجسا يتعذر تطهيره ولا يتبعض
عندنا الطهارة كما شهد بذلك مضافا إلى عدم الخلاف فيه بيننا على الظاهر ما في صحيح أبي بصير ان الوضوء لا يبعض وما دل على وجوب
التيمم على الجنب الذي معه من الماء الغير الكافي لغسله وما ورد في حكم صاحب الجروح والقروح إلى غير ذلك مما يفهم منه وجوب
التيمم في مثل هذه الفروض وعدم شرعية تبعيض الطهارة المائية الا تلفيقها مع الترابية فما عن الشافعي من أن من كان هذا شانه يغسل الأعضاء
التي يقدر على غسلها ويتيمم من العضو المريض فيتلفق طهارته من المائية والترابية باطل وقد تقدم تفصيل الكلام وما يتعلق به من النقض
والابرام في مبحث الجبيرة في باب الوضوء وعرفت في ذلك المبحث عدم المناقضة بين حكم الأصحاب في باب الوضوء والغسل بوجوب الجبيرة على صاحب
الجروح والقروح والمكسور واطلاق حكمهم بجواز التيمم في المقام فراجع العاشر المشهور بين الأصحاب استحباب التيمم للنوم ولو مع التمكن
من الماء بل في الحدائق الظاهر أنه لا خلاف في استحباب التيمم للنوم ولو مع وجود الماء * (أقول) * وكفى بكونه كذلك دليلا على استحبابه بعد البناء
على المسامحة ويدل على أيضا ما رواه الصدوق والشيخ مرسلا عن الصادق (ع) قال من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده فان ذكر
انه على غير وضوء فتيمم من دثاره كائنا ما كان فان فعل ذلك لم يزل في صلاة وذكر الله وضعفه بالارسال مجبور بعمل الأصحاب كما أن قصوره
عن الوفاء بعموم المدعى من حيث وروده في المحدث بالأصغر وظهوره في غير المعتمد ترك الوضوء مجبور بفهمهم مع امكان ان يدعى مساعدة العرف على
التعميم بعد الالتفات إلى ابتناء الحكم على التوسعة والتسهيل بالغاء مثل هذه الخصوصيات كما يفصح عن ذلك منهم الأصحاب وكيف كان فمفاد هذه
الرواية كفتاوى الأصحاب كون التيمم المأتى به لغاية النوم بعينه هو التيمم الذي جعله الله أحد الطهورين لا مهية أخرى أجنبية عنه مشابهة له في
الصورة ولكن الشارع سهل الامر فيه بالتوسعة فيما يتيمم به وفيها يسوغه بالاجتزاء بأدنى عذر مثل الخروج من الفراش ونحوه فكأنه أراد
به صورة العبادة لكونها نحوا من الانقياد وان لم يحصل به الطهارة الحقيقية التي يستباح بها الصلاة ونحوها وكيف كان فلا ينافي ذلك
ما دل على اختصاص شرعية التيمم بغير المتمكن من الماء وخصوص ما رواه ابن بصير عن الصادق عليه السلام عن ابائه عن أمير المؤمنين عليه السلام لا ينام
المسلم وهو جنب ولا ينام الا على طهور فإن لم يجد الماء فليتمم بالصعيد فان روح المؤمن تروح إلى الله عز وجل فيلقاها فإن كان اجلها قد حضر
جعلها في مكنون رحمته وان لم يكن اجلها قد حضر بعث بها مع امنائه من الملائكة فيردها في جسده لكون المرسلة حاكمة على مثل هذه الأدلة وكذلك
يجوز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء المتمكن من استعماله على المشهور بل عن الشيخ في الخلاف دعوى الاجماع على جوازه كذلك واحتج عليه بموثقة
سماعة المضمرة قال سئلته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع قال يضرب بيده على الحائط اللبن يتيمم وقيده ابن الجنيد بخوف فوت
الصلاة وعن ظاهر المرتضى في الجمل والشيخ في التهذيب والمبسوط والنهاية والاقتصار وأبى على وسلار والقاضي والراوندي والشهيد في الدروس موافقته
وعن المصنف في المعتبر تقويته فإنه بعد ان نقل قول الشيخ بالجواز قال وفيما ذكره الشيخ اشكال اما الاجماع فلا نعلمه كما علمه واما الرواية فضعيفة من وجهين
أحدهما ان زرعة وسماعة واقفيان والثاني ان المسؤول في الرواية مجهول فان التمسك باشتراط عدم الماء في جواز التيمم أصل ولان الرواية ليست صريحة
في الجواز مع وجود الماء لاكن لو قيل إذا فاجائه الجنازة وخشي فوتها مع الطهارة تيمم لها كان حسنا لأن الطهارة لما لم تكن شرطا وكان التيمم أحد
الطهورين فمع خوف الفوت لا بأس بالتيمم لان حال التيمم أقرب إلى شبه المتطهرين من الخالي منه انتهى أقول بعد البناء على المسامحة فلا اشكال بعد
اشتهاره ونقل الاجماع عليه لكونه بنفسه حجة كافية حاكمة على ما دل على اشتراط عدم الماء في شرعية التيمم واما لو أغمضنا عن قاعدة التسامح فالأشبه
ما ذكره ابن الجنيد من اختصاص شرعية بما إذا خاف فوت الصلاة واما الرواية فالمتبادر من موردها ليس الا ارادته عند خوف فوت المشايعة والصلاة عليها
بتحصيل الوضوء لا لمجرد كونه هو الغالب في فرض المفاجئة بل لكون المنساق من السؤال ارادته في هذا الفرض ويدل على شرعيته عند خوف فوات الصلاة
مع الطهارة أيضا مضافا إلى كونها من الغايات المستحبة التي يقتضيها عموم البدلية خصوص حسنة الحلبي أو صحيحته سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل
يدركه الجنازة وهو على غير وضوء فان ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها قال يتيمم ويصلى وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في استحبابه ولو مع
التمكن من استعمال الماء لكن لا يشرع في هذا الفرض ان يقصد بفعله استباحة سائر الغايات المشروطة بالطهور بل يأتي للغاية الخاصة بنية
الندب ولا يجوز له الدخول به في غير ذلك من أنواع الصلاة وغيرها من الغايات المشروطة بالطهور كما هو واضح بعد ما عرفت من أن عمدة مستنده المسامحة
بل وكذلك إذا تيمم للنوم مع تمكنه من استعمال الماء والله العالم قد فرغت من كتابة الركن الثالث من كتاب الطهارة في يوم الأحد رابع
جمادى الثانية من سنه 1299 وانا العبد الاثم الجاني محمد رضا الهمداني عفى عنه مصنف هذا الكتاب وفقه الله تعالى بجاه محمد واله
515

هذا
هو الجزء الأخير من كتاب
الطهارة من الكتاب المسمى بمصباح الفقيه
من تأليفات العالم الفاضل الرباني الحاج آقا محمد رضا
الهمداني رحمة الله عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
* (الركن الرابع) * من كتاب الطهارة في النجاسات واحكامها اما النجاسة فهي لغة القذارة وفى عرف الشارع والمتشرعة قذارة
خاصة مجهولة الكنة لدينا اقتضت وجوب هجرها في أمور مخصوصة فكل جسم خلى عن من تلك القذارة فهو طاهر نظيف شرعا وهل هم
صفة متأصلة مقتضية لايجاب الهجر أو انها منتزعة من حكم الشارع بالهجر في تلك الأمور لمصلحة رآها الشارع وجهان بل قولان
أشبههما بظواهر الأدلة الأول وكيف كان يقع القول في هذا الركن في مقامين * (الأول) * في تشخيص أعيان النجاسات وهى عشرة
أنواع على ما في المتن وغيره من جملة من الكتب بل ولعله هو المشهور الأول والثاني ما يستحق اطلاق اسم البول والغائط عليه عرفا
ولا يصح سلب الاسم عنه حقيقة فمثل الدود والحب الخارج من المحل صحيحا غير مستحيل خارج من الموضوع من كل حيوان مما لا يجوز
ان يؤكل لحمه آدميا كان أم غيره إذا كان للحيوان نفس سائلة والبحث عن نجاسة فضلات المعصومين المنزهين عن الرجس إساءة
الأدب والذي تقتضيه القواعد التعبدية التجنب عنها في المأكول والمشروب والصلاة ونحوها من الأمور المشروطة بالطهارة
فلعل حكمته الاطراد في الحكم أو غيره من الحكم المقتضية للاجتناب لا الاستقذار فليس علينا البحث عن تحقيق السبب بعد اطلاق الامر
بإزالة البول عن الثوب عند إرادة الصلاة والنهى عن شربه ولم يثبت ما يقتضى التقييد بالنسبة إلى أحد وان روى أن أم أيمن شربت
بول النبي صلى الله عليه وآله فقال لها النبي صلى الله عليه وآله اذن لا تلج النار بطنك فلذلك قال الشافعي بطهارة بوله على ما قيل لكن الرواية لم
تثبت * (وكيف) * كان فلا شبهة ولا خلاف في نجاسة البول والغايط من كل حيوان ذي نفس سائلة لا يؤكل لحمه عدا ما سيأتي التكلم
فيه بل عن المعتبر اجمع علماء الاسلام على نجاسته البول والغايط مما لا يؤكل لحمه سواء كان ذلك من الانسان أو غيره إذا كان ذا نفس
سائلة انتهى والمراد بالنفس السائلة على ما نسب إلى أهل اللغة والأصحاب الدم الذي يجتمع في العروق ويخرج عند قطعها بقوة
ودفق لا كدم السمك بل هذا هو المتبادر من توصيف النفس بالسائلة في مقام التحديد لا مطلق الجريان كما قد يتوهم وكيف كان
فمراد الأصحاب بالسائلة على الظاهر ليس الا ما عرفت وان اختلف عبائر بعضهم إذ لا خلاف عندهم على الظاهر في كون السمك ونحوه
مما يخرج دمه بالرشح من غير ذي النفس مع جريان دمه عند الخروج وبعده فمناقشة بعض في تفسير مرادهم بما عرفت نظرا إلى كون
السيلان عرفا مساوقا للجريان الذي هو أعم من ذلك في غير محلها ثم لا يخفى عليك ان نجاسة البول والعذرة من الانسان بل
وبعض صنوف الحيوانات كالهرة والكلب ونحوهما كادت تكون ضرورية كطهارة الماء بل قد أشرنا إلى انعقاد الاجماع على نجاستهما
في غير ما سيأتي الكلام فيه فلا ينبغي إطالة الكلام بذكر الأخبار الخاصة المتظافرة الدالة على نجاستهما من الانسان أومن غيره مما
لا شبهة فيه وانما الاشكال في تشخيص الحكم في المورد الذي وقع الخلاف فيه وهو في مقامين أحدهما في خرء غير المأكول من الطير و
بوله وقد نسب إلى المشهور القول بنجاستهما وعن بعض دعوى الاجماع وعليه عليها صريحا كما هو ظاهر غيره ممن ادعى الاجماع على نجاستهما
من غير مأكول اللحم مطلقا لكن تصريح بعضهم بعد ان ادعى الاجماع على الاطلاق بوقوع الخلاف في الطير ربما يشهد بإرادته
من معقد اجماعه ما عداه وكيف كان فقد حكى عن الصدوق والعماني والجعفي القول بطهارتهما وعن الشيخ في المبسوط موافقتهم
الا انه استثنى منه الخشاف وعن العلامة في المنتهى وشارح الدروس وكاشف الاسرار والفخرية وشرحها وشرح الفقيه للمجلسي
516

وحديقته والمفاتيح كما في كشف اللثام والمدارك والحدائق والمستند متابعتهم لكن في المدارك بعد جزمه بطهارة الخرء تردد في البول
نوع تردد الا انه قوى طهارته أيضا وحكى عن البحار والذخيرة القول بطهارة الذرق مع التردد في البول حجة القول بالطهارة مطلقا
بعد الأصل وعموم كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر خصوص موثقة أبي بصير بل مصححته عن أبي
عبد الله عليه السلام قال كل شئ يطير فلا باس
بخرئه وبوله واستدل له أيضا في المدارك بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) انه سئل عن الرجل يرى في ثوبه خرء الطائر وغيره هل يحكه
وهو في صلاته قال لا باس فان ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يفيد العموم وفيه ان الجواب مسوق لنفى الباس عن الحك الذي استفهم
السائل عنه في الصلاة واحتمل كونه منافيا للصلاة لا عن خرء الطائر وغيره الذي جرى ذكرهما في السؤال من باب المثال فلو كان ترك
الاستفصال مقتضيا للعموم في الخرء لكان في غيره أيضا كذلك وهو كما ترى وأجاب العلامة في محكى المختلف عن موثقة أبي بصير بأنها
مخصوصة بالخشاف اجماعا فيختص بما شاركه في العلة وهو عدم كونه مأكولا انتهى فكأنه أراد بهذا الجواب ابطال استدلال الشيخ
بالرواية لمذهبه فمراده بالاجماع موافقة الخصم لا الاجماع المصطلح حتى يورد عليه بمناقضته لما حكاه في صدر المسألة عن ابن بابويه و
ابن أبي عقيل من القول بالطهارة مطلقا واما ما فرعه عليه من الحاق ما شاركه في العلة فهو بظاهره قياس محض في مقابل النص حتى أنه
اعترضه غير واحد بذلك لكنه على الظاهر أراد بذلك تحكيم ما دل على نجاسة البول والعذرة من غير المأكول مطلقا على هذه الرواية في
مورد الاجتماع بجعل الخشاف شاهدا عليه حيث يختل به عموم الرواية ويتقوى به أدلة المشهور وكيف كان فستعرف ما في هذه المحاكمة
واستدل للمشهور بالاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة المحققة وحسنة عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله (ع) اغسل ثوبك
من أبوال مالا يؤكل لحمه وفى رواية أخرى عنه اغسل ثوبك من بول ما لا يؤكل لحمه والمناقشة فيهما بان وجوب الغسل لازم أعم لامكان
كونه واجبا تعبديا أو لإزالة اجزاء غير المأكول مما لا ينبغي الالتفات إليها بعد معهودية نجاسة البول في الجملة من الصدر الأول و
كون المقصود بالحكم في الاخبار المتظافر الواردة في مطلق البول بيان حكمه من حيث النجاسة كما يشهد بذلك مضافا إلى التدبر في
الاخبار فهم الأصحاب النجاسة من الامر بالغسل في مثل هذه الموارد بل المتبادر عرفا من الامر بغسل الثوب من البول ليس الا إرادة
تنظيفه منه فيفهم من ذلك ان البول لدى الشارع من القذارات التي يجب ازالتها وهذا معنى النجاسة واستدل لهم أيضا بمفهوم الوصف
الوارد في مقام بيان الضابط في موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل ما اكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه وحسنة زرارة انهما قالا لا تغسل
ثوبك من بول شئ يؤكل لحمه والمروى عن قرب الإسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهم السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قال لا بأس ببول ما اكل لحمه وفيه
انها مسوقة لبيان ضابط الطهارة فلا يستفاد منها الانتفاء على الاطلاق نعم قد يستشعر منها ذلك استشعارا ضعيفا لا
يعتد به كاستشعار النجاسة في غير الطير من قوله (ع) الذي يطير فلا بأس بخرئه وبوله نعم لا باس بعد مثل هذه الأمور مؤيدات للمشهور كما أنه
يؤيدهم أيضا معروفية الملازمة بين حلية الاكل وطهارة البول عند الرواة كما يفصح عن ذلك خبر زرارة عن أحدهما في أبوال الدواب
تصيب الثوب فكرهه فقلت أليس لحومها حلالا فقال بلى ولكن ليس مما جعله الله للاكل فيظن بمثل هذه المؤيدات ثبوت الملازمة بين
الحرمة والنجاسة أيضا وان كان قد يوهن بمثل هذه الرواية اشعار الروايات السابقة أيضا حيث ظهر منها إناطة نفى البأس بكون
الحيوان معدا للاكل فيكون المراد بالبأس الثابت بالمفهوم ما يعم الكراهة كما يؤيد هذا المعنى رواية عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئلته عن رجل يمسه بعض أبوال البهايم أيغسله أم لا قال يغسل بول الفرس والحمار والبغل فاما الشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله
وكيف كان فغاية ما يمكن استفادته من الأخبار المتقدمة نجاسة بول غير المأكول واما نجاسة خرئه مطلقا فربما يستدل لها بالاجماع المركب
وبالاخبار الدالة على نجاسته العذرة مطلقا مثل مرسلة موسى بن أكيل عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه السلام في شاة شربت بولا ثم ذبحت فقال
يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به وكذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلاله ورواية الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يطاء في العذرة
والبول أيعيد الوضوء قال لا ولكن يغسل ما اصابه فان ترك الاستفصال في مثل هذه الروايات يفيد العموم والعذرة على ما يظهر من
غير واحد من اللغويين مرادفة للخرء فيتم الاستدلال ولا اعتداد بما يظهر من بعضهم من اختصاصها بفضلة الانسان وفيه بعد تسليم كونها
حقيقة في الأعم فلا ينبغي التأمل في انصرافها في مثل هذه الأخبار إلى عذرة الانسان خصوصا بملاحظة استلزام التعميم ارتكاب التخصيص
باخراج مأكول اللهم ولا أقل من انصرافها عن رجيع الطير كفضلات ما لا نفس له فعمدة المستند للتعميم هو الاجماع وعدم القول بالفصل المعتضد
ببعض المؤيدات المورثة للوثوق بعدم الفرق بينها وبين البول من كل حيوان من حيث النجاسة والطهارة وما سمعته من بعض المتأخرين من
الترديد فيه لا يوجب الوسوسة في الحكم بعد احتفاف نقل الاجماع بامارات الصدق فالشأن انما هو في اثبات نجاسة بول الطير فان عمدة
مستندها حسنة ابن سنان المتقدمة واما نقل الاجماع فلا اعتداد به بعد تحقق الخلاف قديما وحديثا وتصريح غير واحد من ناقليه بذلك
517

واما الحسنة فلا تصلح لمعارضة الموثقة لضعف ظهورها بالنسبة إلى الطير بل ربما يدعى انصرافها عنه بعدم معهودية البول للطير أو ندرته
كما في الخشاف ولا ينافي ذلك وقوع التصريح بنفي البأس عنه في الموثقة لكونها مسوقة لبيان اعطاء الضابط فلا ينافيه ندرته بل عدم وجوده
بالفعل بل يكفي فيه مجرد الفرض الغير المستحيل في العادة وهذا بخلاف الحسنة التي ورد الامر فيها بغسل الثوب من أبواب ما لا يؤكل لحمة
فان المتبادر منه إرادة الحيوانات التي يتعارف لها البول ويتعارف وصول بولها إلى الثوب دون الفرضيات هذا مع امكان ان
يدعى انصراف اطلاق مأكول اللحم وغيره عن مثل الخشاف ونحوه مما لا اعتداد بلحمة عرفا لكن الانصاف ان دعوى انصراف مثل قوله اغسل
ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه عن مثل الخشاف مع عموم الابتلاء به ووفور بوله ان كان ما يقذفه من الماء حال الطيران بوله كما
هو الظاهر لامن حلقه كما احتمله بعض غير مسموعة فالأولى هو الاعتراف بدلالة الرواية على المدعى لكنها قاصرة عن معارضة الموثقة
التي هي صريحة في نفى البأس وكالصريحة في العموم بل يتعذر ارتكاب التخصيص في الموثقة بحملها على إرادة خصوص مأكول اللحم من الطير
لان تقييد الموضوع بوصف الطيران من غير أن يكون له مدخلية في الحكم ولا في احراز موضوعه وكون المناط حلية الاكل من غير فرق
بين الطاير وغيره في حد ذاته مستهجن عرفا ولو بقرينة متصلة كما لو قال الذي يؤكل لحمه ويطير [الخ] فضلا عن أن يؤخذ الموصوف مستقلا
عنوانا للموضوع في مقام اعطاء القاعدة ولو سلم قبولها للتخصيص فلا شبهة في أن التصرف في الحسنة أهون ولو سلم المكافئة الموجبة
لاجمال الروايتين في مورد الاجتماع فالمرجع على الأظهر عموم كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر لا المرجحات السندية كما في المتعارضين
المتباينين ولو سلم الرجوع إلى المرجحات السندية أيضا لا يبعد أرجحية الموثقة لأوثقية رجالها ولا أقل من مكافئتها للحسنة وتوهم
كون الحسنة مشهورة بين الأصحاب فتترجح بذلك على الموثقة * (مدفوع) * بان المسلم فتوى المشهور بمضمون الحسنة ولم يثبت بل لم يظن
باستنادهم إليها في فتواهم حتى يترجح بذلك سندها بل المظنون كون الموثقة من الروايات المشهورة التي عرفها كل الأصحاب و
عمل بها بعضهم وطرحها الآخرون وهذا لا يوجب وهنا في سندها ولو سلم أرجحية الحسنة بواسطة الشهرة بل سقوط الموثقة عن
الحجية لاعراض المشهور فغاية ما يفهم منها نجاسة بول الطير الغير المأكول ولم يعرف لغير الخشاف من الطيور بول حتى يتم به الاستدلال
لمذهب المشهور لعدم القول بالفرق بل المعروف اختصاص الخشاف بالبول والقول بالتفصيل بينه وبين غيرة من الطيور محقق
كما سمعته من الشيخ ومن هنا ظهر لك وجه آخر لعدم امكان تخصيص الموثقة بالحسنة حيث إن الظاهر عدم البول لما يؤكل لحمه في الطيور
فيكون الموثقة بمنزلة الخاص المطلق فيخصص بها اطلاق الحسنة وكيف كان فلا شبهة في عدم صلاحية الحسنة لمعارضة الموثقة بوجه
وقد اعترف بذلك شيخ مشايخنا المرتضى لكنه رجح مقالة المشهور بمفهوم موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال خرء الخطاف لا بأس به هو
مما يؤكل لحمه ولكن كره اكله لأنه استجار بك وآوى إلى منزلك وكل طير يستجير بك فاجره حيث علل الطهارة بأكل اللحم لا بالطيران وفيه
ان غايته الاشعار بالعلية ولعل النكتة في ذكر قوله (ع) هو مما يؤكل لحمه التنبيه على تحقق حل اللحم الذي هو في حد ذاته سبب لنفى البأس ولو من
غير طيران فلا ينافي ذلك كون الطيران أيضا سببا وعلى تقدير تسليم ظهوره في المدعى فليس على وجه يعارض ظهور الموثقة التي عرفت
عدم قبولها للصرف بل لو سلم صراحتها في السببية المنحصرة لتعين حمل البأس المفهوم منها على ما يعم الكراهة كما في رواية عبد الرحمن المتقدمة
جمعا بينها وبين الموثقة فظهر بما ذكرنا عدم صلاحية شئ من المذكورات لاثبات مذهب المشهور فالقائل بالطهارة مستظهر بحجيته
بل لو لم يكن له النص الخاص لكفاه الأصل وعموم كل شئ نظيف لكن الذي أوقعنا في الريبة من هذا القول وضوح ضعف مستند
المشهور وعدم صلاحيته لمعارضة الأصل فضلا عن النص الخاص فيظن بذلك ان استدلالهم بمثل هذه الأدلة لم يكن الا من باب تطبيق
الدليل على المدعى واستفادة المدعى من الدليل فالذي يغلب على الظن معهودية الكلية أعني نجاسة البول والخرء من كل ما لا يؤكل لحمه لديهم
ووصولها إليهم يدا بيد على سبيل الاجمال كجملة من احكام النجاسات فلما أرادوا اثباتها بالبرهان تشبثوا بمثل هذه الأدلة القاصرة
ومن خالفهم نظر إلى قصور الأدلة لا إلى معهودية المدعى التي ألجأتهم إلى الاستدلال بها فالانصاف ان مخالفة المشهور في مثل هذا
الفرع في غاية الاشكال لكن موافقتهم بطرح النص الخاص ورفع اليد عن الأصول المعتبرة ما لم يحصل القطع بتحقق الكلية في الشريعة
على وجه لاتقبل التخصيص أشكل فالمسألة موقع تردد والاحتياط مما لا ينبغي تركه هذا كله في غير الخشاف واما الخشاف فقد يقال بان
المتعين نجاسة بوله لرواية داود الرقى قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن بول الخشاشيف تصيب ثوبي فاطلبه ولا أجده قال اغسل ثوبك وهذه الرواية
مستند الشيخ في استثنائه الخشاف في المبسوط على ما حكى عنه وفيه انها معارضة بما رواه غياث عن جعفر عن أبيه (ع) قال لا باس بدم البراغيث
والبق وبول الخشاشيف وفى المدارك بعد نقله من الشيخ (ره) احتجاجه بالرواية السابقة والجواب عنه بمعارضتها بخبر غياث قال وهذه
الرواية أوضح سندا واظهر دلالة من السابقة وأجاب عنها في التهذيب بالشذوذ أو الحمل على التقية وهو مشكل انتهى واعترضه في الحدائق
518

بقوله وأنت خبير بما فيه فان لا اعرف لهذه الا وضحية سند أو الأظهرية دلالة وجها بل الروايتان متساوقتان سندا ومتنا كما لا يخفى و
يمكن ترجيح الرواية الثانية بما رواه شيخنا المجلسي عطر الله مرقده عن الراوندي في كتاب النوادر انه روى بسنده فيه عن موسى بن جعفر (ع)
عن ابائه (ع) قال سئل علي بن أبي طالب عليه السلام عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخشاشيف قال لا بأس انتهى * (أقول) * وأنت خبير بما في منع
الأظهرية عن المجازفة بل الرواية الثانية بمنزلة النص والرواية الأولى غايتها الظهور بل الرواية الثالثة المحكية عن النوادر اظهر
فمقتضى الجمع بين الروايات حمل الامر بالغسل على الاستحباب نعم يمكن ان يقال إن ضعف الروايتين وعدم انجبارهما بعمل الأصحاب
يمنع من الاعتماد عليها لكنك خبير بان رواية داود لا تقصر عنهما في الضعف وتوهم انجبارها بالشهرة مدفوع بأنه لم يعرف عامل
بها عدا الشيخ في المبسوط فان المشهور وان قالوا بمضمونها لكن مستندهم على الظاهر ليس الا الكلية المقررة عندهم لا هذه الرواية
هذا مع ما أشرنا إليه سابقا من عدم معروفية البول لشئ من الطيور عدا الخشاف فيكون على هذا التقدير موثقة أبي بصير
المصرحة بنفي البأس عن بول الطير بمنزلة النص فيه ولا أقل من قوة ظهورها في ارادته فيشكل رفع اليد عنه بمجرد الامر بغسل
الثوب الممكن حمله على الاستحباب أو غيره من المحامل فالروايتان لو سلم قصورهما عن الحجية فلا أقل من تأييدهما لمضمون الموثقة
وتأثيرهما في عدم الاعتماد على رواية داود التي لا يقصر عنهما في الضعف فالقول بالتفصيل في غاية الضعف والأشبه بالقواعد هو
القول بالطهارة مطلقا لكن الجزم في غاية الاشكال نعم لا ينبغي الاستشكال في طهارة خرء الخطاف ولو على القول بحرمة لحمه كما يدل عليه
مضافا إلى ما عرفت موثقة عمار المتقدمة * (المقام الثاني) * بول الرضيع والمشهور بين الأصحاب انه لافرق في نجاسة بول الانسان
بين الصغير منه والكبير بل عن السيد دعوى الاجماع عليه خلافا لما حكاه في المدارك ومحكى المختلف عن ابن الجنيد أنه قال بول البالغ
وغير البالغ نجس الا ان يكون غير البالغ صبيا ذكرا فان بوله ولبنه ما لم يأكل اللحم ليس بنجس واستدل له بما رواه السكوني عن جعفر عن
أبيه عن علي عليه السلام أنه قال لبن الجارية وبولها يغسل الثوب قبل ان يطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب
ولا بوله قبل ان يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين واستدل له أيضا في الحدائق وغيره بما رواه المجلسي ره في البحار عن
كتاب النوادر للقطب الراوندي باسناده فيه عن موسى بن جعفر عن ابائه عليهم السلام قال قال علي عليه
السلام بال الحسن والحسين (ع) على ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله
قبل ان يطعما فلم يغسل بولهما من ثوبه ويرد عليه مضافا إلى الطعن في سند الروايتين وشذوذهما واشتمال أوليهما التي هي على الظاهر مستنده
على مالا نقول به معارضتهما لصحيحة الحلبي أو حسنته قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن بول الصبي قال تصب عليه الماء فإن كان قد اكل فاغسله وأجيب
أيضا بالقول بموجبهما فان انتفاء الغسل لا يقتضى انتفاء الصب ونحن انما أوجبنا الثاني لا الأول وفيه نظر فان للروايتين قوة ظهور
في الطهارة كما لا يخفى على المتأمل فليس مجرد القول بعدم وجوب الغسل عينا التزاما بموجبهما فالأولى في الجواب ما ذكرناه والحق عدم
جواز الاعتماد على مثل هذه الروايات الضعيفة المخالفة لعمل الأصحاب في رفع اليد عن مقتضيات الأدلة العامة والخاصة فالأظهر
نجاسة بول الصبي كغيره ثم إن مقتضى عموم روايتي ابن سنان ومعاقد الاجماعات المحكية اطراد الحكم بنجاسة البول والخرء في كل حيوان
لا يؤكل لحمه سواء كان جنسه حراما كالأسد والسنور والفأرة ونحوها أو عرض له التحريم كالحلال والموطوء مما كان محللا بالأصل بل
عن التذكرة نفى الخلاف في الحاقهما بغير المأكول وعن ظاهر الذخيرة والدلائل وصريح المفاتيح الاجماع عليه وعن الغنية الاجماع على الحاق
خصوص الجلال وعن المختلف والتنقيح الاجماع على نجاسته ذرق الدجاج الجلال وحينئذ لا يبقى مجال لتوهم معارضة العمومات باطلاق ما دل على
طهارة بول مثل الغنم والبقر والبعير ونحوها الشامل لحالتي الجلل ونحوها مع اندفاعه من أصله بالنظر إلى سائر الأدلة الدالة على إناطة الطهارة
بحلية الاكل الظاهرة في حليته بالفعل فليتأمل وكيف كان فلا مجال للتشكيك في الحكم بعد اعتضاد عموم النص بالاجماع المستفيض نقله
نعم بناء على استثناء كل شئ يطير من عمومات النجاسة وصدق اسم الطير على الدجاج كان للتأمل في نجاسة ذرق الدجاج الجلال محال
لكن الظاهر انصراف اخلاق الصلة عنه هذا مع امكان ان يقال إن استفادة طهارة خرء الطير الذي عرض له وصف الجلل من عموم الموثقة
النافية للباس عن خرء كل طير انما هي بأصالة الاطلاق لان الطير في حالتي الجلل وعدمه مصداق واحد لهذا العام واما استفادة نجاسته
من عمومات النجاسة بأصالة العموم حيث إنه بعروض وصف الجلل له يعرض له وصف الحرمة فيندرج في موضوع العمومات ولم يكن داخلا
قبله لكونه قبل الاتصاف محللا فيدور الامر بين التقييد والتخصيص والأول أهون خصوصا مع اعتضاد العمومات التي عمدتها
معاقد الاجماعات المحكية بالاجماعين المحكيين وعدم نقل خلاف في المسألة والله العالم وفى رجيع ما لا نفس له وبوله مما لا يؤكل لحمه
كالحية والوزغة ونحوهما مما له لحم معتد به تردد لامثل الذباب والقمل والزنبور ونحوها مما لا يعتد بلحمه عرفا فإنه لا وقع للتردد في مثل
هذه الأمور كما هو ظاهر المصنف في المتن وصريحه في محكى المعتبر لا لمشقة التحرز عنها أو قضاء السيرة بعدم التجنب عن مثلها حتى يتوجه
519

عليه وجوب الاقتصار على القدر المتيقن من مورد الحرج والسيرة بل لانسباق غيرها من اطلاق غير مأكول اللحم مما له لحم معتد به ولذا لم يمنع
استصحاب شئ من فضلاتها في الصلاة واما التردد في القسم الأول فمنشأه ظهور كلمات غير واحد بل صريح بعض عدم الخلاف في طهارتهما
من كل مالا نفس له لكن مقتضى عمومات النجاسة من روايتي ابن سنان ومعاقد جملة من الاجماعات المحكية اطراد الحكم في غير ذي النفس
أيضا ودعوى انصراف المأكول عما لا نفس له مطلقا وشمولهما لماله النفس مطلقا مجازفة محضة كما يشهد بها عدم التزام
المدعى بما ادعاه في باب الصلاة نعم دعوى انصراف الروايتين الآمرتين بغسل الثوب عن البول عن أبوال ما لا نفس له لعدم معروفيته لبول
له غير بعيدة وربما منع بعض صدق اسم البول والعذرة والغايط والخرء ونحوها من الألفاظ التي علقت النجاسة عليها في النصوص والفتاوى
على فضلات غير ذي النفس بدعوى انهما من غير ذي النفس بمنزلة عصارة النبات فكأنه زعم أن لسيرهما في المجاري المتعارفة لسائر الحيوانات
كخروجهما من المخرجين دخلا في التسمية عرفا وفيه منع ظاهر لكن لا نمنع عدم صدق ما عدا البول من الألفاظ المتقدمة على الرجيع ولا
أقل من انصرافها عنه لا لكونها كالعصارة بل لظهور تلك الألفاظ وضعا أو انصرافا في غير الرجيع حتى رجيع الطير فلا ينبغي التردد في رجيع
غير ذي النفس خصوصا مع ما عرفت من عدم دليل يعتد به على نجاسته مطلق الخرء من غير المأكول عدا الاجماع المعلوم انتفائه في المقام
واستظهارها من اطلاقات معاقد الاجماعات المحكية بعد القطع بعدم الاجماع في الفرض بل الظن بانعقاد الاجماع على خلافه كما ترى
فالذي ينبغي ان يتردد فيه انما هو نجاسته بوله فإنه لا شبهة بل لاخفاء في صدق اسم البول عليه حقيقة بعد فرض ان يكون له فرج يختص ببوله
كما في سائر الحيوانات لكن الفرض لم يتحقق وعدم معروفية ومعهودية الابتلاء به على تقدير تحققه منشأ لانصراف النص عنه لكن لما
كان منشأه ندرة الوجود يوجب التردد فيه لكن الانصاف ان ندرته وندرة الابتلاء به ليست على وجه يمكن معها استظهار حكمه من الامر
بغسل الثوب من أبوال غير المأكول خصوصا بعد الالتفات إلى طهارة ميتة ودمه فإنه يوجب التشكيك في ارادته من المطلق ولو مع قطع
النظر عن ندرة وجوده ولعله لذا استدل بعض للطهارة بطهارة دمه وميتة والا فهو بظاهره قياس لا نقول به وكذا في ذرق الدجاج
غير الجلال تردد منشأه اختلاف الاخبار فروى وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (ع) قال لا بأس بخرء الدجاج والحمام يصيب الثوب وروى
فارس قال كتب إليه رجل يسئله عن ذرق الدجاج يجوز الصلاة فيه فكتب لا والروايتان ضعيفتا السند جدا ولكن أوليهما موافقة للأصل
وعموم قوله (ع) في موثقة عمار وكلما اكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه واما ثانيتهما فهي مع ضعف سندها واضمارها وكونها مكاتبة موافقة
للمحكى عن أبي حنيفة فلا تعويل على مثل هذه الرواية مع قبولها للحمل على الكراهة فظهر مما ذكر ان التردد في ذرق الدجاج كالتردد في رجيع
ما لا نفس له بدوي والأظهر فيهما الطهارة فما عن الشيخ في بعض كتبه والمفيد في المقنعة من القول بنجاسة ذرق الدجاج ضعيف والله العالم
* (تنبيه) * لو تردد شئ بين كونه خرء أو بولا وبين غيرهما من الأشياء الطاهرة أو بين كونه من مأكول اللحم أو غيره أو بين كونه من ذي
النفس أو غيره حكم بالطهارة في الجميع وكذلك لو تردد الحيوان بين كونه مأكول اللحم أو غيره سواء كان منشأه اشتباه الأمور الخارجية
كما لو تردد حيوان بين كونه غنما أو خنزيرا لبعض العوارض الموجبة للاشتباه من ظلمة ونحوها أو الجهل بالحكم الشرعي كما في الحيوان المتولد
من الحيوانين الذي لم يتبع شيئا منهما في الاسم وكذلك لو تردد بين كونه من ذي النفس أو غيره كالحية التي وقع الكلام في أنها من ذي
النفس كما شهد به بعض أو من غيره فإنه يحكم بالطهارة في الجميع ما لم يعلم كونه من الموضوع الذي ثبتت نجاسته للأصل وعموم قوله (ع)
كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر ولا يجب الفحص والاختبار وان تمكن منه ما لم يكن الشك ناشئا من الجهل بالحكم الشرعي والا فيجب أي
لا يجور العمل بالأصل قبل الفحص في الشبهات الحكمية واما الشبهات الموضوعية كجميع الأمثلة المتقدمة عدا أمثال الحيوان المتولد من
الحيوانين فلا يجب فيها الفحص أيضا بل يرجع من أول الأمر إلى أصالة البراءة وقاعدة الطهارة بلا اشكال بل ولا خلاف فيه فما ذكره
في الجواهر من الاحتمالات في مجهول الحال من الحيوان الذي لم يدر انه من ذي النفس وغيره من أنه
هل يحكم بطهارة فضلته حتى يعلم أنه من ذي
النفس للأصل واستصحاب طهارة الملاقى ونحوه أو يتوقف الحكم بالطهارة على اختباره بالذبح ونحوه لتوقف امتثال الامر بالاجتناب
عليه ولأنه كسائر الموضوعات التي علق الشارع عليها أحكاما كالصلاة للوقت والقبلة ونحوهما أو يفرق بين الحكم بطهارته وبين عدم تنجيسه
للغير فلا يحكم بالأول الابعد الاختبار بخلاف الثاني للاستصحاب فيه من غير معارضة ولأنه حينئذ كما لو اصابه رطوبة مترددة بين البول والماء
وجوه لم أعثر على تنقيح لشئ منها في كلمات الأصحاب انتهى في غير محله فان شبهة وجوب الاحتياط بالاجتناب عن محتملات النجاسة تحصيلا للقطع
بالخروج من عهدة التكليف بالاجتناب عن النجس الواقعي شبهة سارية في جميع مواقع الشبهة ضرورة عدم حصول القطع بالاجتناب عن
البول الواقعي أو ملاقيه مثلا الا إذا اجتنب عن جميع ما يحتمل كونه بولا في الواقع أو ملاقيا للبول فيتوجه أولا النقض بسائر الموارد
التي لا شبهة في أن المرجع فيها أصالة الحل والطهارة وحله ان الامر بالاجتناب عن النجس الواقعي لا يؤثر الا في تنجز التكليف بالنسبة إلى
520

ما علم كونه من مصاديق ذلك النجس اما تفصيلا كما في افراده المعلومة بالتفصيل أو اجمالا كما في الشبهة المحصورة واما ما احتمل كونه
مصداقا له فلم يحرز بالنسبة إليه تكليف حتى يجب امتثاله وان شئت قلت فيما نحن فيه ان الحية مثلا لم يعلم وجوب الاجتناب عن بولها
وخرئها وما دل على وجوب الاجتناب عن فضلة كل ذي نفس انما يقتضى وجوب الاجتناب عن فضلتها على تقدير كونها من ذي النفس
لا مطلقا لكن التقدير غير محقق فالتكليف مشكوك والمرجع فيه البراءة وقاعدة الطهارة نعم بناء على شمول ما دل على النجاسة لفضلة
غير ذي النفس أيضا واستثنائها منه بدليل منفصل من اجماع ونحوه قد يقال إن مقتضى القاعدة عدم رفع اليد عن حكم العام الا فيما علم
كونه من افراد المخصص لكنك عرفت مرارا ضعف هذا القول وعدم جواز التمسك بالعمومات في الشبهات المصداقية فظهر بما ذكرنا
بطلان مقايسة ما نحن فيه بالوقت والقبلة ونحوهما من الشرائط التي يتوقف القطع بصحة الصلاة الواجبة على احرازها فان الثاني
مرجعه إلى الشك في المكلف به والأول في أصل التكليف كما لا يخفى الثالث المنى وهو نجس من كل حيوان ذي نفس حل اكلة أو حرم اجماعا
كما ادعاه جملة من الأصحاب وشهد له التتبع بل الناظر في الفتاوى ربما يستكشف من جزمهم بالحكم كون المسألة من المسلمات التي لا يحوم
حولها شائبة الشبهة والخلاف وهذا هو المعتمد في اثبات المدعى على سبيل العموم والا فالأخبار الدالة
على نجاسة المنى وان تظافرت و
تكاثرت لكنها قاصرة عن إفادة العموم خصوصا بالنسبة إلى ماحل اكله سيما مع عموم قوله (ع) في موثقة عمار وكل ما اكل لحمه فلا بأس بما يخرج
منه وقوله (ع) في موثقة ابن بكير الواردة في لباس المصلي وان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شئ
منه جايز الخ وأوضح ما يستدل به للعموم من الاخبار صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال ذكر المنى وشدده وجعله أشد من البول ثم قال إن
رأيت المنى قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة وان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رايته بعد فلا
إعادة عليك وكذلك البول وصحيحته الأخرى عن أحدهما قال سئلته عن المذي يصيب الثوب فقال ينضحه بالماء ان شاء وقال في المنى
يصيب الثوب قال إن عرفت مكانه فاغسله وان خفى عليك فاغسله كله ورواية عنبسة بن مصعب قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن المنى يصيب
الثوب فلا يدري أين مكانه قال يغسله كله إلى غير ذلك من الروايات التي تقرب من هذه الروايات في المضمون وأنت خبير بان تعارف
إصابة منى الانسان إلى ثوبه وعدم تعارف غيره بل ندرته يصرف اطلاق لفظ المنى إليه نعم ربما يستشعر من الصحيحة الأولى التي ذكر فيها
المنى وشدده وجعله أشد من البول اطراد التشديد فيه في كل حيوان بل ربما يدعى ظهورها في ذلك وفيه نظر فان المنساق إلى الذهن هو
التشديد في المنى المعهود الذي يبتلى به الناس ويصيب الثوب كما يؤيده قوله (ع) بعد ذلك ان رأيت المنى الحديث وعلى تقدير التسليم فلا يفهم
منها أزيد من نجاسته المنى لكل حيوان نجس بوله ودعوى ان أشديته من البول انما هي بلحاظ نجاسته من مأكول اللحم الذي لا ينجس بوله والا فهو
في غير المأكول كالبول وليس باشد منه * (مدفوعة) * بكونه رجما بالغيب وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في الحكم بعد انعقاد الاجماع عليه وما في
بعض الأخبار من الاشعار بطهارة منى الانسان أو الدلالة عليها مما لا ينبغي الالتفات إليه بعد مخالفته للاجماع والاخبار المتكاثرة الدالة
على النجاسة مع ما فيها من احتمال التقية وقبولها للتوجيه القريب الغير المنافى للنجاسة كما لا يخفى على المتأمل وحيث انك عرفت ان عمدة المستند
للتعميم هي الاجماع علمت أنه لا ينبغي التردد في منى ما لا نفس له حيث لا اجماع على نجاسته بل لعل الاجماع منعقد على طهارته لكن مع ذلك ان
تحقق لشئ منها بول بان كان له فرج مخصوص ببوله ففي منيه أيضا كبوله تردد حيث جعل المنى في الصحيحة أشد من البول ولكن الطهارة أشبه
حتى على تقدير الالتزام بنجاسة بوله لعموم دليلها لما عرفت من أن الصحيحة لا تخلو عن شوب اجمال والله العالم * (تنبيه) * كلما يخرج من القبل والدبر
عدا البول والغايط والمني والدم من مذي أو وذي أو ودي أو قيح أو نحوها من رطوبة أو غيرها طاهر وحكى عن بعض العامة القول بنجاسته
الجميع لخروجها من مجرى النجاسة وهو باطل إذ لا اثر لملاقاة المجرى بل ولا لملاقاة النجاسات قبل خروجها في الظاهر نعم حكى عن ابن
الجنيد القول نجاسته المذي الخارج عقيب شهوة وناقضيته للوضوء ومستنده على الظاهر ليس الا الاخبار التي عرفتها عند البحث عن عدم
ناقضية المذي وعرفت ما فيها من القصور وعدم الصلاحية لمعارضة غيرها مما هو صريح في خلافها وربما يستشهد له في خصوص المقام
برواية الحسين بن أبي العلا قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن المذي يصيب الثوب قال إن عرفت مكانه فاغسله وان خفى عليك مكانه
فاغسل الثوب كله وخبره الاخر قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المذي يصيب الثوب فيلتزق به قال يغسله ولا يتوضأ وفيه مع معارضتهما
بالمستفيضة الدالة على الطهارة التي تقدم جملة منها في باب النواقض التي وقع في بعضها التصريح بنفي البأس عنه وفى بعضها انه لا ينقض
الوضوء ولا يغسل منه ثوب ولا جسد انما هو بمنزلة النخامة والبصاق ان الامر بالغسل في الروايتين محمول على الاستحباب كما يشهد له
رواية أخرى عن الحسين أيضا قال سئلت أبا عبد الله عن المذي يصيب الثوب قال لا بأس به فلما رددنا عليه قال تنضحه بالماء و
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المذي يصيب الثوب قال ينضحه بالماء ان شاء هذا مع احتمال صدورهما
521

تقية والله العالم * (الرابع) * الميتة ولا ينجس من الميتات الا ماله نفس سائلة في العبارة إشارة إلى معهودية نجاسته الميتة في الجملة
ووضوحها في الشريعة وان المحتاج إلى التعريف انما هو تمييز مالا ينجس منها عما ينجس ولعمري ان الامر كذلك فان التتبع في الآثار
والمتدبر في الأخبار الواردة في احكام الميتة التي لا تتناهى كثرة إذا نظر إليها بعين البصيرة لوجدها بأسرها كاشفة عن المدعى
فإنك إذا تأملت في الأخبار الكثيرة الواردة في احكام البئر والأخبار الواردة في الماء القليل الذي مات فيه شئ من الحيوانات
من ذي النفس أو غيره والواردة في الماء الكثير الذي وقع فيه الميتة والأخبار الواردة في السمن والزيت والمرق وغير ذلك مما وجد فيه
فارة ميتة أو غيرها والواردة في باب لباس المصلي وفى باب عدم جواز الانتفاع باجزاء الميتة الا ما استثنى منها وغير ذلك من الموارد
الكثيرة لا تكاد ترتاب في أن حال الميتة في عصر الأئمة (ع) من حيث معهودية نجاستها لم يكن الا كحالها في عصرنا والأسئلة المتعلقة بها
من السائلين لم تكن الا كالأسئلة الصادرة عن العوام في الموارد الجزئية من مجتهديهم الناشئة من علمهم اجمالا بنجاسة الميتة
فإنهم كثيرا ما يسئلون عن طعام أو حب ماء أو رهن أو سمن أو غير ذلك اخرج منه فارة ميتة أو نحوها لا لجهلهم بنجاسة الميتة رأسا فان هذه
الأسئلة انما تصدر منهم بعد علمهم بنجاستها في الجملة وجهلهم بنجاسته الميتة الخاصة أو جهلهم بما يقتضيه نجاستها بالنسبة إلى خصوص
المورد وبالجملة الأخبار الدالة على نجاسته الميتة فوق حد الاحصاء وتقريب الاستشهاد بها من وجوه منها ما أشرنا إليه من استكشاف
معهودية نجاستها في عصر الأئمة (ع) معهوديتها في عصرنا هذا ويؤيده اجتماع العلماء وسيرة المتشرعة وهذا النحو من التقريب هو عمدة
المستند لاستفادة نجاسته البول والخرء والمنى لكل حيوان ذي نفس كما عرفته فيما سبق لكن لا يتم المدعى على سبيل العموم بمثل هذا
الدليل ما لم يضم إليه اجماع ونحوه * (ومنها) * استفادة نجاستها من جواب الإمام (ع) في تلك الأخبار
بترتيب شئ من اثار النجاسة على
مورد السؤال من نزح البئر وإراقة الماء القليل ونفى البأس عن الكثير الا عند تغيره وترك اكل الطعام والسمن والزيت ان كان
مايعا وان كان جامدا فطرح الميتة وما حولها وترك الصلاة في اللباس المتخذ من جلد الميتة وان كان من مأكول اللحم وعدم جواز
الانتفاع باجزاء الميتة ولا بالياتها الا للاستصباح أو نحو ذلك والمناقشة بأعمية كل من هذه الآثار من النجاسة في غير محلها بعد
ما أشرنا إليه من أن الملحوظ في السؤال والجواب لم يكن الا حكمها من حيث النجاسة كيف وليس في سائر أبواب النجاسات الا مثل
هذه الأدلة وقد سمعت ان عمدة المستند لعموم نجاسة البول من كل شئ انما هي حسنة ابن سنان الامرة بغسل الثوب من أبوال مالا
يؤكل لحمه وبما ذكرنا ظهر لك تقريب الاستشهاد باخبار البئر التي ورد فيها الامر بالنزح لموت الحيوانات ولو لم نلتزم بنجاسة البئر
بملاقاة النجس ضرورة ان المقصود بالسؤال عن البئر الواقع فيها شئ من بول أو عذرة أو خمر أو ميت ونحوها لم يكن الا معرفة حكمها من
حيث وقوع النجس فيها فيكون وجوب النزح أو استحبابه من اثار نجاسة ما وقع فيها سواء قلنا بنجاسة ماء البئر أم لم نقل فهل يبقى مجال للتشكيك
في استفادة نجاسة الميت من مثل قوله (ع) الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا فان غلب الريح نزحت حتى
تطيب هذا مع أن ما في هذه الأخبار من الدلالة على فساد ماء البئر عند تغيرها بالميتة كفانا دليلا لاثبات المدعى ثم إن أغلب الاخبار التي
تقدمت الإشارة إليها وان كانت واردة في موارد جزئية لا يتم بها عموم المدعى ما لم يضم إليها الاجماع أو غيره من الأدلة لكن جملة منها
مطلقات أو عمومات وافية بالمطلوب * (منها) * رواية جابر عن أبي جعفر (ع) قال اتاه رجل فقال له وقعت فارة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى
في اكله فقال له أبو جعفر (ع) لا تأكله فقال له الرجل الفارة أهون على من أن اترك طعامي من اجلها قال فقال له أبو جعفر (ع) انك لم تستخف بالفارة
انما استخففت بدينك ان الله حرم الميتة من كل شئ والمراد بالتحريم هنا هو التحريم الخاص الناشئ من النجاسة والا لا يستقيم التعليل كما هو
واضح ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سئلته عن انية أهل الذمة فقال لا تأكلوا في انتيهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة والدم ولحم
الخنزير ومنها صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال كلما أغلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب فإذا تغير الماء وتغير الطعم
فلا تتوضأ منه ولا تشرب ورواية أبى خالد عن أبي عبد الله في الماء يمر به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة فقال أبو عبد الله (ع) ان كان الماء
قد تغير ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضأ منه وان لم يتغير ريحه وطعمه فاشرب وتوضأ وعن الفقه الرضوي وان مسست ميتة فاغسل يدك
وليس عليك غسل انما يجب عليك ذلك في الانسان وفى موثقة حفص بن غياث لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة وموثقة عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام لم قال سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن قال كلما ليس له دم فلا
بأس وصحيحة أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع) عما يقع في الابار فقال اما الفارة وأشباهها فينزح منها سبع دلاء الا ان يتغير الماء
فينزح حتى يطيب فان سقط فيها كلب فقدرت ان تنزح مائها فافعل وكل شئ وقع في البئر ليس له دم مثل العقرب والخنافس وأشباه ذلك
فلا بأس ورواية يونس عن أبي عبد الله قال سئلته عن العقرب تخرج من الماء ميتة قال استق منها عشر دلاء قلت فغيرها من الجيف قال
522

الجيف كلها سواء الا جيفة قد أجيفت فان كانت جيفة قد أجيفت فاستق مأة دلو فان غلب عليه الريح بعد مأة دلو فانزحها كلها إلى
غير ذلك مما يدل عليه منطوقا ومفهوما هذا كله مضافا إلى امكان استفادته من وقوله تعالى الا أن تكون
ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه
رجس بناء على عود الضمير إلى كل واحد من المذكورات وفى المرسل المحكى عن دعائم الاسلام عن الصادق عن ابائه عن النبي صلوات الله عليهم
الميتة نجسة وان دبغت فالانصاف انه ليس شئ من أعيان النجاسات بل قلما يتفق في غيرها أيضا ما يكون أبين دليلا من نجاسته الميتة وكثيرة
أدلتها مانعة من أن يتطرق فيها الخدشة بضعف السند أو قصور الدلالة فلا ضير في عدم كون بعض اطلاقاتها مسوقة لبيان هذا الحكم فإنه
يفهم من جميعها كون نجاستها من الأمور المسلمة فيما توهمه صاحب المعالم على ما حكى عنه من انحصار الدليل للتعميم في الاجماع لنقول وقصور
الأخبار الواردة في الميتة عن اثبات نجاستها الا في الموارد الجزئية ضعيف والعجب من تشكيك صاحب المدارك في أصل الحكم أعني نجاسة
الميتة بزعمه انحصار دليلها في الاجماع الذي خدشه باستظهاره المخالفة من الصدوق فإنه بعد نقله من المعتبر دعوى اجماع الناس عليها
وعن المنتهى الاستدلال عليها بان تحريم ما ليس بمحرم بالأصل ولا فيه ضرر كالسم يدل على نجاسته ومناقشة فيه بالمنع الظاهر قال نعم
يمكن الاستدلال عليها بالروايات المتضمنة للنهي عن اكل الزيت ونحوه إذا ماتت فيه الفارة والامر بالاستصباح به لكنه غير صريح في النجاسة
وبما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز قال قال أبو عبد الله (ع) لزرارة ومحمد بن مسلم اللبن واللبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن و
الناب وكل شئ ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكى وان اخذته منه بعد ان يموت فاغسل وصل فيه وجه الدلالة ان الظاهر أن
الامر بغسل ما يؤخذ من الدابة بعد الموت انما هو لنجاسته الاجزاء المصاحبة له من الجلد ويتوجه عليه ان الامر بالغسل لا يتعين
كونه للنجاسة بل يحتمل ان يكون لإزالة الاجزاء المعلقة به من الجلد المانعة من الصلاة فيه كما يشعر به قوله اغسله وصل فيه وبالجملة
فالروايات متظافرة بتحريم الصلاة في جلد الميتة بل الانتفاع به مطلقا واما نجاسته فلم أقف فيها على نص يعتد به مع أن ابن بابويه
روى في أوايل كتابه من لا يحضره لفقيه مرسلا عن الصادق عليه السلام انه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والسمن والماء ما نرى
فيه فقال لا بأس بان تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن ويتوضأ منه ويشرب ولكن لا تصل فيها وذكر قبل ذلك من غير فصل
يعتد به انه لم يقصد في كتابه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه قال بل انما قصدت إلى ايراد ما أفتي به وأحكم بصحته واعتقد فيه
انه حجة فيما بيني وبين ربى تقدس ذكره وتعالت قدرته والمسألة قوية الاشكال انتهى ولا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما عرفت واما
استفادة المخالفة من ابن بابويه لذكره رواية ظاهرة في الخلاف في غير محلها فإنه لم يقصد بضمانه في أول كتابه صحة جميع ما يورده
فيه وكونه حجة بينه وبين ربه الا كون ما يورده من الأخبار الصحيحة التي يجب اتباعها كظاهر الكتاب والسنة القطعية لا بمعنى الاخذ به
من دون رعاية ما يقتضيه الجمع بينه وبين غيره من القرائن المتصلة أو المنفصلة فلعل الصدوق ينزل هذه الرواية على إرادة
الجلود من غير ذي النفس كما قد يدعى معهودية وضع السمن والزيت في بعضها جمعا بينها وبين غيرها مما دل على عدم جواز الانتفاع
بجلد الميتة أو انه يلتزم بطهارة الجلد بالدبغ كما حكى عن ابن الجنيد هذا مع ما ادعاه بعض من رجوع الصدوق عما التزم به في
أول كتابه بشهادة التتبع فيما أودعه فيه من الروايات لكن ربما يؤيد التزامه بظاهر هذه الرواية ما حكى عن مقنعه من التصريح بنفي
البأس عن أن يتوضأ من الماء إذا كان في زق من جلد الميتة وان احتمل بعض في هذه العبارة أيضا ما لا ينافي المشهور والذي
يغلب على الظن التزامه بطهارة الجلد بالدبغ وحمل الرواية عليه كما يشهد كذلك وقوع التصريح به في الفقه الرضوي الذي يتحد فتاوى
الصدوق معه غالبا ففي الرضوي على ما حكى عنه وان كان الصوف والوبر والشعر والريش من الميتة وغير الميتة بعد ان يكون مما
أحل الله اكله فلا بأس به وكذلك الجلد فان دباغته طهارته وقال بعد هذا الكلام بأسطر قليلة وزكاة الحيوان ذبحة وزكاة الجلود
الميتة دباغه انتهى وكيف كان فان أراد بذلك مالا يخالف المشهور أو أراد عدم انفعال الماء القليل بملاقاة الميتة أو غير ذلك مما هو
أجنبي عما نحن فيه فلا يهمنا تحقيقه وان أراد به عدم نجاسته جلد الميتة فهو كمستنده شاذ محجوج بما عرفت ومثله في الضعف والشذوذ لو
أراد به طهارة الجلد بالدباغ فإنه لم ينقل القول به من أحد منا عدا ما حكى عن ابن الجنيد وعن المحدث الكاشاني في الميل إليه أو القول به
وهو لا يخرجه من الشذوذ وقد استفيض نقل الاجماع على خلافه بل عن شرح المفاتيح انه من ضروريات المذهب كحرمة القياس وعن التذكرة
ان الاخبار به متواترة ومما يشهد به لابن الجنيد مضافا إلى المرسل والرضوي المتقدمين خبر الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
في جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن والماء فاشرب منه وأتوضأ قال نعم وقال يدبغ فينتفع به ولا يصلى فيه لكن المتعين طرح مثل هذه
الروايات التي اعرض عنها الأصحاب مع موافقتها للعامة ومعارضتها للاخبار المعتبرة المستفيضة التي وقع في بعضها التصريح بان ما
تضمنته هذه الروايات من كون الدباغ ذكوة للجلد من مفتريات العامة على رسول الله صلى الله عليه وآله
وقد سمعت في المرسل المحكى
523

عن دعائم الاسلام تصريح النبي صلى الله عليه وآله بان الميتة نجسة وان دبغت ومن جملة تلك الأخبار
خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد الله
انى ادخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذي يدعون الاسلام فاشترى منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها أليس هي ذكية فيقول
بلى فهل يصلح لي ان أبيعها على أنها ذكية فقال لا ولكن لا بأس ان تبيعها وتقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية قلت
وما أفسد ذلك قال استحلال أهل العراق للميتة وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكوته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك الا على رسول الله صلى الله عليه وآله
ومكاتبة الجرجاني عن أبي الحسن (ع) قال كتبت إليه أسئله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ان ذكى فكتب لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب
وموثقة ابن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله (ع) جعلت فداك الميتة ينتفع منه بشئ فقال لا قلت بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه وآله مر بشاة ميتة فقال
ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا باهابها (جلدها) قال تلك الشاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وكانت شاة مهزولة
لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا باهابها أي تذكى وموثقة أبى مريم
قال قلت لأبي عبد الله (ع) السخلة التي مر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وهى ميتة فقال ماضر أهلها لو انتفعوا باهابها فقال أبو عبد الله (ع) لم تكن ميتة يا با مريم
ولكنها كانت مهزولة فذبحها أهلها فرموا بها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان على أهلها لو انتفعوا باهابها مقتضى ظاهر الخبرين اختلاف موردهما
وتعدد الواقعة والله العالم ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في حديث عن علي بن الحسين عليه السلام كان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم (قبلهم) بالفرو
فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه والقى القميص الذي يليه فكان يسئل عن ذلك فقال إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون
ان دباغه ذكوته وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلته عن جلد الميتة أيلبس في الصلاة إذا دبغ قال لا وان دبغ سبعين مرة وموثقة سماعة
قال سئلته عن جلود السباع ينتفع بها قال إذا رميت وسميت فانتفع بجلده واما الميتة فلا وخبر القاسم الصيقل قال كتبت إلى الرضا (ع)
انى اعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فيصيب ثيابي فاصلي فيها فكتب إلي اتخذ ثوبا لصلاتك فكتبت إلى أبى جعفر الثاني كنت كتبت إلى أبيك
بكذا وكذا فصعب على ذلك فصرت اعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية فكتب إلي كل اعمال البر بالصبر يرحمك الله فإن كان ما تعمل وحشيا
ذكيا فلا بأس فظهر لك من جميع ما ذكرنا انه لا مجال للارتياب في صحة ما عليه المشهور وبطلان القول بطهارة الجلد بالدباغ وكون التشكيك
فيه كالتشكيك في أصل نجاسة الميتة تشكيكا في الضروريات نعم ربما يتأمل في نجاستها من الحيوان البحري نظرا إلى انصراف الأدلة عنه
وخروجه مما انعقد عليه الاجماع حيث حكى عن الشيخ في الخلاف أنه قال إذا مات في الماء القليل ضفدع أوما لا يؤكل لحمه مما يعيش في الماء
لا ينجس الماء وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي ان قلنا إنه لا يؤكل فإنه ينجسه دليلنا ان الماء على أصل الطهارة والحكم بنجاسته يحتاج إلى
دليل وروى عنهم انه إذا مات فيه ما فيه حياته لا ينجسه وهو يتناول هذا الموضع انتهى ولكن الأظهر النجاسة لعموم بعض الأدلة المتقدمة
المعتضد بالشهرة والاجماعات المحكية فيخرج بذلك من حكم الأصل واما ما نقله الشيخ منهم (ع) من الرواية فقد اعترضه بعض بعدم وجدانه
في كتب الاخبار * (أقول) * ولعله أراد بذلك صحيحة ابن الحجاج المروية عن الكافي في باب لبس الخز قال سئل أبا عبد الله عليه السلام رجل وانا عنده
عن جلود الخز فقال ليس بها بأس فقال الرجل جعلت فداك انها في بلادي وانما هي كلاب تخرج من الماء فقال أبو عبد الله (ع) إذا خرجت
من الماء تعيش خارجة من الماء فقال الرجل لا فقال لا بأس حيث يفهم من التعليل نفى البأس عن كل ما لا يعيش الا في الماء فكأنه فهم من
ذلك طهارة ميتة لعدم معهودية ذبحه أو عدم اشعار في الرواية باشتراطه ويحتمل ان يكون مراده بما روى عنهم ما فهمه من الرواية التي
هي من مستندات العامة من قوله (ع) في البحر هو الطهور مائه الحل ميتة ولذا أجاب المصنف في محكى المعتبر عند تضعيف كلام الشيخ عن هذه
الرواية بقوله ولا حجة لهم في قوله (ع) في البحر هو الطهور مائه الحل ميتة لان التحليل مختص بالسموك فكأنه لم يفهم من عبارة الشيخ الا ارادته هذه
الرواية والا لكان التعرض لتضعيف ما رواه أولى فكان الشيخ فهم من حلية ميتة حلية الانتفاع بها التي هي مساوقة لطهارتها لا حلية
خصوص الاكل حتى يختص بالسموك وكيف كان فالأقوى نجاسته الميتة من كل حيوان ذي نفس بريا كان أو بحريا فلا يحل استعمالها في شئ مما
هو مشروط بالطهارة وهل يجوز استعمالها في غيره كالاستقاء بجلدها للبساتين أو اعمالها في أغماد السيوف كما يدل عليه بعض الأخبار المتقدمة
أو لا يجوز الانتفاع بها مطلقا كما هو ظاهر بعض النصوص وأغلب الفتاوى فيه وجهان بل قولان لا يخلو أولهما من قوة وما ادعاه بعض من
مخالفة للاجماع اغترارا بظواهر الفتاوى المنصرفة عن مثل الفرض غير مسموع مع أن في كلمات جملة منهم تلويحات بجواز الانتفاع
بها في مثل الفرض وتحقيقه موكول إلى محله والله العالم هذا كله في ميتة ذي النفس غير الادمى واما الميت من الانسان فيدل على نجاسته قبل غسله
مضافا إلى استفاضة نقل الاجماع عليه بالخصوص واطلاق أو عموم بعض ما تقدم صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الرجل يصيب ثوبه
جسد الميت فقال يغسل ما أصاب الثوب ورواية إبراهيم بن ميمون قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت قال إن كان
غسل الميت ولا تغسل ما أصاب ثوبك منه وان كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه قال في الوسائل يعنى إذا برد الميت انتهى والظاهر كونه
524

تفسيرا من الراوي والتوقيع الخارج من الناحية المقدسة في أجوبة مسائل محمد بن عبد الله الحميري المروى عن احتجاج الطبرسي وكتاب الغيبة
للشيخ حيث كتب إليه روى لنا عن العالم انه سئل عن امام قوم صلى بهم بعض صلاته وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه قال يؤخر و
يتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه * (التوقيع) * ليس على من نحاه (من مسه) الا غسل اليد وعنه أيضا انه كتب إليه وروى عن العالم ان من
مس ميتا بحرارته غسل يده ومن مسه وقد برد فعليه الغسل وهذا الميت في هذه الحالة لا يكون الا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو ولعله
ينحيه بثيابه ولا يمسه فكيف يجب عليه الغسل * (التوقيع) * إذا مسه على هذه الحالة لم يكن عليه الا غسل يده ومن الفقيه الرضوي وان مس
ثوبك ميت فاغسل ما أصاب ويدل عليه أيضا عليه موثقة عمار الواردة في باب البئر قال سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل ذبح طيرا فوقع بدمه في البئر
فقال ينزح منها دلاء هذا إذا كان ذكيا فهو هكذا وما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت في فاكبره الانسان ينزح منها سبعون دلو
وأقله العصفور ينزح منه دلو واحد وما سوى ذلك فيما بين هذين وقد عرفت تقريب الاستشهاد بها فيما سبق فلا ينبغي الارتياب في الحكم
ولا الالتفات إلى ما حكى عن المحدث الكاشاني من منع نجاسته تارة وحمل ما في الاخبار على إرادة الخباثة المعنوية كنجاسة الجنب مستأنسا
لذلك من الأخبار الدالة على أن الميت يجنب بموته ومنع سرايتها إلى الغير أخرى فيكون نجسا غير منجس فان ضعفهما بعد مخالفتهما للفتاوى
وظواهر الأخبار المتقدمة خصوصا الأولين منها الامرين بغسل الملاقى واضح ويزيده وضوحا الأدلة المتقدمة الدالة على نجاسة
؟ من ذي النفس من سائر الحيوانات أيضا ان عمم موضوع كلامه على وجه عم مطلق الميتة كما هو ظاهر ما نسب إليه في بعض العبائر
وقد حكى القول بكون الميت من الادمى نجسا غير متنجس عن الحلى أيضا لكن العبارة المحكية عن الحلى ظاهرها الالتزام بذلك في ملاقية
لا فيه بنفسه بمعنى انه ملتزم بتأثير الملاقاة في تنجس ملاقيه نجاسة حكمية لا عينية فإنه قال على ما نقله في المدارك إذا لاقى جسد الميت (اناء وجب غسله ولو لاقى ذلك الاناء مايعا لم ينجس المايع لأنه لم يلاقي جسد الميت)
وحمله على ذلك قياس والأصل في الأشياء الطهارة إلى أن يقوم دليل انتهى وقد حكى عنه أيضا أنه قال
في مقام الاستدلال عليه
ولا خلاف بين الأمة كافة ان المساجد يجب ان تجنب النجاسات العينية وأجمعنا بغير خلاف ان من غسل ميتا له ان يدخل المسجد ويجلس فيه
فلو كان نجس العين لما جاز ذلك ولأن الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر بغير خلاف ومن جملة الأغسال غسل من مس ميتا ولو كان
ما لاقى الميت نجسا لما كان الماء الذي يغتسل به طاهرا انتهى ولا يخفى عليك ان هذا المعنى أيضا ماله إلى منع السراية بالمعنى المعهود وكون
وجوب غسل الملاقى حكما تعبديا فما نسب إليه من القول بكونه نجسا غير متنجس في محله واما ما استدل به لمدعاه فلا يخفى ما فيه بعد ما عرفت في
محله من أن المغسل للميت يتبعه في الطهارة مع أن الالتزام بمنع دخول المسجد قيل التطهير بناء على عدم التبعية هين وأهون منه الالتزام بوجوب
غسل يديه وغيرهما مما باشر الميت قبل الغسل وقد ورد الامر بغسل يديه قبل التكفين في الاخبار كما سمعته في محله واضعف منه الاستدلال
على عدم نجاسة الميت بأنه لو كان نجسا لم يطهر بالتغسيل فإنه مجرد استبعاد لغير البعيد مع ورود نظيره في الشرعيات كطهارة الكافر بالاسلام
والعصير بالنقص ثم لا يخفى عليك ان القول بكونه نجسا غير منجس أوضح فسادا من انكار نجاسته رأسا فإنه ان استند في اثبات نجاسته إلى
الاجماع فلم يفرق القائلون بنجاسته عينا على ما يظهر منهم بين الميت وبين غيره من النجاسات العينية في تنجيس ملاقيه وان كان مستنده
الاخبار الامرة بغسل ملاقيه فكيف يفهم منها نجاسة الميت بعد فرض قصورها عن اثبات نجاسة الملاقى وإرادة غسله تعبدا اللهم الا ان
يدعى ان وجوب غسل الملاقى من حيث هو من اثار نجاسة الشئ كاستحباب نزح البرء بملاقاته على القول بعدم الانفعال واما نجاسة الملاقى
بالمعنى المعهود فهي حكم اخر تابع لدليله فيكشف الامر بالغسل كالأمر بالنزح عن نجاسة الميت دون ملاقيه ولكنك خبير بما فيه فإنه بعد الغض عن انتقاضه
بملاقيات سائر النجاسات التي لم يرد فيها تصريح من الشارع بنجاستها ان المتبادر من الامر بغسل الثوب من البول أو نحوه انما هو إرادة تطهيره
فاستفادة النجاسة منه انما هي لذلك والحاصل انه لافرق بين قوله (ع) اغسل ثوبك من أبوال مالا يؤكل لحمه وبين قوله (ع) فاغسل ما أصاب
ثوبك منه أي من جسد الميت فيفهم من كل منهما ولو بواسطة القرائن المغروسة في أذهان المتشرعة نجاسة الملاقى وتنجس الثوب الملاقى له نعم
لا يفهم من مثل هذه الأدلة كون المتنجس عند خلوه من عين النجاسة منجسا لما يلاقيه كعين النجس بل لابد في اثبات ذلك من دليل اخر سيأتي
التعرض له انشاء الله ويمكن تنزيل كلام الحلى على إرادة هذا المعنى لولا استدلاله عليه ببعض ما تقدم عنه وكيف كان فالقول بكون الميت نجسا غير
منجس ضعيف في الغاية بل الاشكال في المقام انما هو في كونه كغيره من النجاسات في عدم تنجيس ملاقيه الا برطوبة مسرية أو انه ينجسه بمجرد
الملاقاة ولو من غير رطوبة كما حكى القول به عن غير واحد بل عن ظاهر بعض الالتزام بذلك في مطلق الميتة لكنه ضعيف لا يساعد عليه دليل بل
الأدلة مصرحة بخلافه ففي خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل يصلح له الصلاة فيه قبل ان يغسله
قال ليس عليه غسله ويصلى فيه ولا بأس واما في ميت الانسان فيستدل عليه باطلاقات الأخبار المتقدمة
الدالة على وجوب غسل ما
أصاب ثوبك منه ووجوب غسل اليد الماسة له لكن يتوجه عليه ان الروايتين الآمرتين بغسل ما أصاب الثوب منه ظاهرهما خصوصا
525

بملاحظة ما فيهما من اختلاف التعبير الواقع بين السؤال والجواب انما هو وجوب غسل ما أصاب الثوب من جسد الميت لا غسل ما وقع من
الثوب عليه مطلقا والمبادر منه انما هو إرادة غسل ما اصابه من الرطوبات الحاصلة إليه من الميت ولذا نزله المحدث الكاشاني القائل
بعدم نجاسة الميت على إرادة الرطوبات النجسة الخارجة منه من بول ودم ونحوهما وهذا التنزيل وان كان تأويلا مقتض لكن غاية
ما يستفاد من اطلاق العبارة وجوب غسل ما لاقاه برطوبة متعدية خصوصا بضميمة ما هو المركوز في الأذهان من اعتبار الرطوبة في السراية
فإنه بنفسه قرينة صارفة للاطلاق وبهذا قد يجاب عن اطلاق الامر بغسل اليد في التوقيعين والأولى في الجواب منع اطلاقهما من هذه
الجهة فان المتبادر من قوله (ع) ليس على من نحاه الا غسل اليد وقوله (ع) إذا مسه على هذه الحالة لم يكن عليه الا غسل يده ليس الا إرادة
الاطلاق بالنسبة إلى العقد السلبي فليتأمل ثم لو سلم ظهور الاخبار في الاطلاق فلابد من تقييدها جمعا بينها وبين قوله (ع)
في موثقة عبد الله بن بكير كل يابس ذكى المعتضد بجملة من الأخبار الدالة في جملة من المواضع على عدم تعدى النجاسة مع اليبوسة
فان تقييد مثل هذه المطلقات أهون من تخصيص العام بلا شبهة نعم لو كان للمطلقات قوة ظهور في الاطلاق لأمكن
الجمع بينها وبين الموثقة بحمل الامر بغسل الملاقى مع الجفاف على التعبد لا لأجل النجاسة كما التزم به جملة من القائلين بوجوب
غسله لكنه بعيد ومما يؤيد عدم السراية مع الجفاف بل يدل عليه ما رواه الشيخ عن محمد بن الحسن الصفار قال كتبت إليه
رجل أصاب يديه أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جسده قبل ان يغسل هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه فوقع إذا أصاب يدك
جسد الميت قبل ان يغسل فقد يجب عليك الغسل فإنه يدل على عدم نجاسة الثوب الملاقى للميت لكن على تقدير كون الغسل
بالفتح يمكن الاستشهاد باطلاقه بوجوب غسل اليد الماسة للميت عند جفافه من باب التعبد الا ان التقدير غير ثابت
فظهر لك ان القول بالسراية مع الجفاف ضعيف لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في خصوص اليد الماسة له بغسلها لرجاء التعبد به
والله العالم وهل ينجس الميت بمجرد موته أم لا ينجس الا إذا برد كما لا يجب الغسل بمسه الا بعد البرد قولان أظهرها الأول لاطلاق الأخبار المتقدمة
مع ما في التوقيع المروى عن الاحتجاج من التصريح بذلك وما في ذيل رواية إبراهيم بن ميمون من التفسير بقوله يعنى إذا برد
الميت لم ينهض حجة لصرف الأدلة عن ظاهرها وما قيل من عدم انقطاع علقه الروح ما دامت الحرارة باقية فلا يتحقق الموت الا
بعد البرد أو انه لا يحصل الجزم بالموت مع الحرارة مما لا ينبغي الالتفات إليه بعد تحقق الموت عرفا ولغة ولذا يجوز غسله ودفنه
قبل البرد من غير نقل خلاف فيه كما أنه لم ينقل الالتزام بهذا التقييد من أحد بالنسبة إلى الميتة من ساير الحيوانات مع أن قضية
الاستدلال ببقاء علاقة الروح أو عدم الجزم بالموت الاطراد واضعف منه الاستدلال عليه بالملازمة بين النجاسة وغسل
المس ولما لم يجب الغسل بمسه الابعد البرد كما ستعرف لا ينجس الا بعده وفيه مالا يخفى بعد تعليق الثاني نصا وفتوى بالبرد والأول
بالموت وربما يستدل له أيضا باطلاق نفى البأس في خبر إسماعيل بن جابر قال دخلت على أبى عبد الله (ع) حين مات ابنه إسماعيل الأكبر
فجعل يقبله وهو ميت فقلت جعلت فداك أليس لا ينبغي ان يمس الميت ومن مسه فعليه الغسل قال اما بحرارته فلا بأس انما ذاك إذا برد وصحيحة
محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس وفيه ان المتبادر من الرواية الأولى إرادة نفى الغسل
الذي توهمه السائل وبيان ان ذلك الشئ الذي توهمه من وجوب الغسل انما هو بعد البرد هذا مع أن نفى البأس عنه انما هو بلحاظ مسه من حيث
هو فلا ينافه وجوب غسل ملاقيه على تقدير اشتماله على رطوبة مسرية نعم ربما يؤيد مثل هذه الرواية ما قويناه من عدم السراية على تقدير
الجفاف والرواية الثانية فلا تخلو عن شوب اجمال فليس فيها اطلاق يفهم منه عدم انفعال ملاقيه على تقدير اشتماله على الرطوبة التعبدية
وليعلم ان ما ذكرناه من تنجس الميت بموته مخصوص بغير المعصومين الذين اذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وبغير من شرع
في تقديم الغسل فاغتسل كالمرحوم كما ظهر لك وجهه في مبحث احكام الأموات وفى الجواهر التصريح باستثناء الشهيد أيضا وهو لا يخلو
من وجه والله العالم واما الميتة من غير ذي النفس فلا شبهة في طهارتها كما يدل عليه اخبار كثيرة تقدم جملة منها في صدر المبحث كموثقتي
عمار وحفص بن غياث وصحيحة أبي بصير ففي الأولى كل ما ليس له دم فلا بأس وفى الثانية لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة ونحوها
مرفوعة محمد بن يحيى وفى الثالثة وكل شئ وقع في البئر ليس له دم مثل العقرب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس ومثلها خبر ابن مسكان وابن علي
بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال سئلته عن العقرب والخنفساء وأشباههن تموت في الجرة أو الدهن يتوضأ منه للصلاة قال لا بأس وما
في بعض الأخبار من الامر بإراقة الماء الذي مات فيه العقرب أو الامر بنزح الماء من البئر عند وقوعها فيها كغيره مما دل على إراقة الماء عند
خروجها منه محمول على الاستحباب وكذا ما في بعض الأخبار من المنع من الانتفاع بما مات فيه الوزغة كما ستعرفه فما عن ظاهر بعض من الخلاف
في بعض جزئيات المسألة مما لا ينبغي الالتفات إليه وكلما ينجس من صنوف الحيوان بالموت يعنى ما كان له نفس سائلة فما قطع من جسده نجس حيا
526

كان ذلك الحيوان أو ميتا اما الثاني فواضح ضرورة ان مغروض النجاسة على ما هو المغروس في الأذهان انما هو جسد الميت واجزائه فعروض
الموت للحيوان سبب لصيرورة جسده بجميع اجزائه نجسا سواء بقيت الاجزاء على صفة الاتصال أم لا ولا يتوقف نجاسته الاجزاء على اطلاق
اسم الميت من ذلك الحيوان على كل جزء بل المناط كونه من اجزاء ذلك الميت والحاصل انه لا يرتاب أحد ممن علم بان الحمار مثلا ينجس
بموته انه إذا قد الحمار نصفين فمات ينجس كل من النصفين وان لم يصدق على كل منهما انه حمار ميت فضلا عما لو قد بعد زهاق روحه كما هو
المفروض في المقام فليس معروض النجاسة بنظر العرف الا نفس الاجزاء لا مفهوم الحمار الميت الصادق على المجموع من حيث المجموع وهذا
من الواضحات التي لا ينبغي إطالة الكلام فيها وما عن بعض من الوسوسة فيه فمنشأه ليس الا تعرض الأصحاب لذكر القطعة المبانة
من الميت بالخصوص والا فلا يشك أحد من العوام الذي علم بنجاسة الميتة من حيوان ان اجزائها كجملتها في الحكم كما أنه لا يشك أحد
في نجاسة اجزاء الكلب والخنزير عند انفصالها عنهما مع أن الاجزاء لا تسمى باسم جملتها واما الأول أي الجزء المبان من الحي فربما يظهر
من غير واحد عدم الخلاف في نجاسته أيضا كالمبان من الميت بل عن بعض ان عمدة مستنده الاجماع ولولاه لأمكن الخدشة في دليله و
استدل عليه في محكى المنتهى بان المقتضى لنجاسة الجملة الموت وهذا المعنى موجود في الاجزاء فيتعلق بها الحكم انتهى وعن التذكرة ان كل
ما أبين من الحي مما تحله الحياة فهو ميت فإن كان من ادمى فهو نجس عندنا خلافا للشافعي انتهى ونوقش فيه بان الموت والحياة من
صفات نفس الحيوان فلا يتصف بهما اجزائه الا تبعا أقول لكن لا يبعد دعوى شيوع اطلاق الميتة في عرف المتشرعة بل الشارع أيضا
على كل لحم لم يذك حيوانه في مقابل المذكى الا ان المانع ان يمنع مساعدة الأدلة الدالة على نجاسته الميتة على اثبات نجاستها بهذا المعنى بدعوى
انسباق ما دل على نجاسة الميتة من الأخبار المتقدمة وضعا أو انصرافا إلى إرادة الحيوان الميت لا اللحم الذي لم يتعلق به التذكية و
استدل بعض له بتنقيح المناط بدعوى إناطة النجاسة بزهاق الروح المتحقق في المقام وفيه انه رجم بالغيب وربما استشهد لذلك كما أنه استدل
غير واحد لأصل المدعى بالاخبار الدالة على طهارة ما لا روح له من الميتة المشعرة أو الظاهرة في العلية الدالة بمفهومها على نجاسته كلما
حل فيه الروح عند زهاقه بل في بعض تلك الأخبار التصريح بالعلية كما في صحيحة الحلبي لا باس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ان الصوف
ليس له روح وفيه ان مفهوم التعليل ليس الا نجاسة الاجزاء التي حل فيها الروح من الميتة لا مطلق ما فيه الروح ولو كان جزء من حي واستدل
عليه أيضا بالاخبار الكثيرة الواردة جملة منها في باب الصيد مثل ما رواه في الفقيه في الصحيح عن ابان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله
قال قال أبو عبد الله (ع) ما اخذت الحبالة وقطعت منه فهو ميتة وما أدركته من سائر جسده حيا فذكه وكل منه وعن التهذيب والكافي
روايته بطريق غير صحيح وما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام
ما اخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنه ميتة وكلوا ما أدركتم حيا وذكرتم اسم الله عليه وما رواه أيضا عن الوشا
عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال ما اخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت وما أدركته من ساير جسده حيا فذكه ثم كل
منه وليس في التهذيب ثم كل منه وما رواه في الكافي عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله (ع) قال ما اخذت الحبالة وانقطع منه شئ أو مات
فهو ميتة وما رواه عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال ما اخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت وما أدركت من ساير جسده فذكه ثم كل منها
ومنها الأخبار الواردة في باب الأطعمة في أليات الغنم المبانة منها في حال الحياة مثل رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) أنه قال في أليات
الضأن تقطع وهى احياء انها ميتة ورواية الكاهلي قال سئل رجل أبا عبد الله (ع) وانا عنده عن قطع أليات الغنم فقال لا بأس بقطعها
إذا كنت تصلح به مالك ثم قال إن في كتاب علي (ع) ان ما قطع منها ميت لا ينتفع به ورواية الحسن بن علي الوشا قال سئلت أبا الحسن (ع) فقلت جعلت
فداك ان أهل الجبل ننقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها فقال حرام وهى ميتة فقلت جعلت فداك فيستصبح بها فقال اما علمت أنه
تصيب اليد والثوب وهو حرام ومنها مرسلة أيوب بن نوح عن أبي عبد الله (ع) قال إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة فإذا مسها انسان
كلما كان فيه عظم فقد وجب على من مسه الغسل فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه والانصاف قصور الأخبار الواردة في باب الصيد
عن اثبات المدعى فان المراد بكون ما قطعته الحبالة ميتة اما كونه ميتة حكما كما يشعر بذلك نقله من كتاب علي (ع) والمتبادر من التشبيه في هذه الأخبار
إرادة حرمة الاكل في مقابل المذكى ولذا يستفاد منه حرمة الأجزاء الصغار التي قطعتها الحبالة ولو كانت في غاية الصغر ولا
يستفاد منها نجاستها كما اعترف بذلك غير واحد ممن استدل بهذه الروايات للمدعى أو كونه ميتة حقيقة وحينئذ يحتاج دلالتها على النجاسة
إلى وجود دليل عام يدل على نجاسة الميتة بحيث يعم الفرض وهو قابل للمنع فان مستند الحكم بنجاسة الميتة مطلقا اما الاستقرار في الموارد الجزئية
الواردة في باب البئر ونحوها المعلوم عدم امكان استفادة حكم ما نحن فيه منها أو الأخبار الدالة على نجاسة الماء الذي وجد فيه جيفة
التي يشكل استفادة العموم منها لأجل ورودها في مقام بيان حكم اخر فضلا عن شمولها لما نحن فيه أو الأخبار الواردة لبيان الضابط
527

الدالة على طهارة الميتة من غير ذي النفس ونجاستها من ذي النفس واما العمومات الدالة على نجاسة الميتة من كل شئ مثل قوله (ع) في رواية
جابر التي وقع فيها السؤال عن خابية وقعت فيها فارة ان الله حرم الميتة من كل شئ ولا يخفى على المتأمل في الجميع ان المبادر منها إرادة الحيوان
الميت اللهم الا ان يستند لذلك بالاجماع ومعه لا حاجة إلى توسط هذه الأخبار فليتأمل واما الأخبار الواردة
في باب الأطمعة فلا قصور
في دلالتها خصوصا الأخيرين وكذا مرسلة أيوب بن نوح فان المتبادر من اطلاق الميتة في هذه الأخبار
إرادة كونها بمنزلة الميتة من ذلك الحيوان
الذي قطع منه القطعة وفى تفريع غسل المس في المرسلة على كونه ميتا إشارة إلى ذلك هذا مع أن ظاهر قوله (ع) في رواية الحسن اما علمت أنه يصيب
الثوب واليد وكذا قوله (ع) في رواية الكاهلي لا ينتفع به كونه نجسا مضافا إلى عدم نقل الخلاف في المسألة فلا ينبغي الاستشكال فيه لكن
غاية ما يمكن اثباته بهذه النصوص وفتاوى الأصحاب انما هي نجاسته الجزء المعتد به الذي ينفصل عن جسد الحي دون مثل الثبور والثالول
وما يعلو الجراحات والدماميل وغيرها عند البرء وما يحصل في الأظفار ويتطائر من القشور عند الحك وما يعلو على الشفة ونحو ذلك
إذ لا يكاد يستفاد نجاسة مثل هذه الأشياء من الاخبار التي اعترفنا بدلالتها على النجاسة ولم ينعقد الاجماع على نجاستها بل الاجماع
على ما ادعاه بعض منعقد على عدم النجاسة ويشهد له سيرة المتشرعة إذ لم يعهد عنهم التجنب عن مثل هذه الأمور مع أن التجنب عنها ربما
يؤدى إلى الحرج ولذا بعض من زعم دلالة الأدلة المتقدمة على علية زهاق روح العضو لنجاسة مطلقا استدل لطهارة مثل هذه الأشياء
بالاجماع والسيرة والحرج فجعلها مخصصة للعموم لكن مقتضاه الاقتصار على القدر المتيقن من مواقع الحرج وموارد قيام السيرة والاجماع
وهو فيما ينفصل عن بدن الانسان دون ساير الحيوانات واما على ما بنينا عليه من قصور الأدلة عن اثبات نجاسة هذه الأمور فيرجع
في جميع موارد الشك إلى قاعدة الطهارة وحكى عن بعض التفصيل في الأمور المذكورة بين ما لو زهق روحها بالانفصال وبين ما لو انفصل
بعد ان زهق روحها كما هو الغالب فحص الطهارة بالثاني لقصور الاخبار عن اثبات نجاسة العضو المتصل واستصحاب طهارته بعد
الانفصال واستشكل في الأول لأجل العموم الذي استفاده من الأدلة ولم يجزم بتخصيصه والأظهر ما عرفت من الطهارة مطلقا نعم في
انقطاع العضو حيا اثر في الاعتناء به عرفا فإنه قد لا يشك في اندراج قطعة جلد منسلخة من الحي في الموضوع الذي اجمعوا على نجاسته وفهم حكمه
من النصوص بخلاف ما لو يبست تلك القطعة عند اتصالها بالبدن فانفصلت بعد ان برء محلها فإنها تعد حينئذ من الفضول فلا يعتد بها
والله العالم وأوضح مما عرفت طهارة العضو المتصل الذي زهق روحه مثل أعضاء المفلوج ونحوه وربما استشكل بعض فيه خصوصا فيما
أنتن منه وليس بشئ وان قلنا بان موت العضو علة النجاسة لان صدق الميتة أو الميت على العضو المتصل على سبيل الحقيقة ممنوع ولا دليل
على التنزيل الشرعي هذا مع أن في معاملة الانسان مع عضوه المتصل ببدنه معاملة نجس العين من الحرج مالا يخفى فالعضو ما دام اتصاله بالبدن
من توابعه طاهر ما دام حيوة الحيوان وينجس بموته وبالانفصال عنه حيا الا ان يكون ما ينفصل عنه حيا جزء غير معتد به مثل ما ينفصل عما حول
القروح والجروح من القشور والاجزاء الصغار التي لا يعتد بها وربما يؤيد طهارة مثل هذه الاجزاء عند اتصالها وانفصالها صحيحة علي بن
جعفر بل ربما يستدل لها بها عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن الرجل يكون به الثالول والجراح هل يصلح له ان يقطع الثالول وهو في صلاته أو ينتف
بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه قال إن لم يتخوف ان يسيل الدم فلا بأس وان تخوف ان يسيل الدم فلا يفعل فان الاذن في الصلاة معها
عند اتصالها والترخيص في قطعها ونتفها في الصلاة مع غلبة كونه باليد واستلزامه حملها في الصلاة ومباشرتها باليد التي ربما تشتمل
على العرق من غير استفصال مع كونها مسوقة لبيان الرخصة الفعلية لا مجرد بيان عدم مانعية هذا الفعل للصلاة كما يفصح عن ذلك تعرض
الإمام (ع) للتفصيل بين خوف سيلان الدم وعدمه يدل على الطهارة هذا ولكن الانصاف قصورها عن مرتبة الدلالة لشهادة سوقها
بإرادة عدم مانعية هذا الفعل من حيث هو للصلاة وتنبيه الإمام (ع) في ضمن الجواب على بعض الجهات المانعة لنكتة الغلبة لا يقتضى ارادته
الرخصة الفعلية على الاطلاق لكنها مع ذلك لا تخلو من تأييد والأحوط ان لم يكن أقوى هو الاجتناب عما يصدق عليه اسم اللحم عند
انفصاله مطلقا والله العالم * (تنبيه) * اختلفت كلماتهم في طهارة فارة المسك المتخذة من الظبية الميتة لكن يظهر من بعض من قال
بنجاستها الالتزام بطهارة ما فيها من المسك نظرا إلى اطلاق ما دل على طهارة المسك المقتضى لطهارته في الفرض وتوضيح المقام انه
لا شبهة بل لا خلاف في طهارة المسك في الجملة بل عن التذكرة والمنتهى الاجماع على طهارته ويدل عليه سيرة المسلمين في استعماله بل روى أن
النبي صلى الله عليه وآله كان يحبه وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله ممسكة إذا هو توضأ اخذها بيده
وهى رطبة فكان إذا خرج عرفوا انه رسول الله صلى الله عليه وآله برائحته لكن في طهارة شيخنا المرتضى الظاهر أن هذه المسك المتعارف هو بعض
اقسامه والا فلا اشكال في نجاسة الباقي فقد ذكر في التحفة ان للمسك اقساما أربعة أحدها المسك التركي وهو دم يقذفه الظبي بطريق
الحيض أو البواسير فينجمد على الأحجار الثاني الهندي ولونه اخضر دم ذبح الظبي المعجون مع روثه وكبده أو لونه أشقر وهذان ممالا اشكال
528

في نجاستهما أقول الظاهر حصول الاستحالة المانعة من اطلاق اسما الدم الخالص أو المختلط بغيره بعد صيرورته مصداقا للمسك فمقتضى
القاعدة طهارتهما نعم قد يقال في الفرض الثاني بعدم سببية الاستحالة لطهارة المتنجس لكنك ستعرف في محله ضعفه وعلى تقدير بقاء
الاسم وعدم حصول الاستحالة وصحة اطلاق الدم الجامد أو الروث الملاقى للدم أو المعجون معه عليه على سبيل الحقيقة فلا يخلو
الجزم بنجاسته أيضا عن اشكال سيأتي التنبيه عليه الثالث دم يجتمع في سرة الظبي بعد صيده يحصل من شق موضع الفارة و
تغميز أطراف السرة حتى يجتمع الدم فيجمد ولونه اسود وهو طاهر مع تذكية الظبي نجس لامعها * (أقول) * اما طهارته مع التذكية لكونه
من الدم المتخلف في الذبيحة واما نجاسته مع عدم التذكية فهي مبنية على عدم تحقق الاستحالة المانعة من صدق الدم أو الانفعال
بملاقاة الميتة بعد استحالته مسكا مع بقائه بصفة الميعان وإلا فلا ينجس الا ظاهره بعد تسليم تأثير الميتة في نجاسته كما سيأتي
الكلام فيه هذا مع ما أشرنا إليه من الاشكال في نجاسته على تقدير منع الاستحالة الرابع مسك الفارة وهو دم يجتمع في أطراف
سرته ثم يعرض للموضع حكة يسقط بسببها الدم مع جلدة هي وعاء له وهذا وان كان مقتضى القاعدة نجاسته لأنه دم ذي نفس الا ان
الاجماع دل على خروجه من هذا العموم اما لخروج موضوعه بدعوى استحالة الدم أو بدعوى التخصيص في العموم انتهى وقد أشرنا إلى أنه
على تقدير تحقق الاستحالة كما هو الظاهر لاوجه للتفصيل بين الصور وعلى تقدير عدمها أيضا يشكل ذلك بان الدليل المخصص
للقسم الرابع ان كان هو الاجماع فلم يخصص المجمعون موضوع حكمهم بخصوص هذا القسم وقد سمعت من التذكرة والمنتهى دعوى الاجماع
على طهارة المسك مطلقا وان كان سيرة المسلمين في استعماله فالمسلمون يستعملون ما يسمى مسكا ولا يتوهمون نجاسته الذاتية أصلا
وربما لا يعلمون بأصله ولا باختلاف أصنافه فلا يتوهم ان بنائهم على طهارة ما يتعاطونه من يد المسلمين لقاعدة اليد وأصالة
الطهارة الجارية عند احتمال كونه من القسم الطاهر لان الاعتماد على القاعدتين فرع تحقق التردد كما في نجاسته العرضية وقد أشرنا
إلى انهم لا يتوهمون نجاسته الأصلية اللهم الا ان يقال إن السيرة نشأت من أصلها من الاعتماد على الأصلين واستقرت بين المسلمين
غفلة عن أصلها فلا يستكشف بها أزيد من طهارته في الجملة والقدر المتيقن هو القسم الرابع أو يدعى ان المسك المتعارف الذي يتعاطاه
المسلمون هو خصوص هذا القسم واما ساير اقسامه فهي افراد نادرة لم يعهد استعمالها وينصرف عنها اطلاق فتاوى الأصحاب بطهارة
المسك فمقتضى الأصل على تقدير منع حصول الاستحالة وقصور الأدلة الدالة على طهارة المسك عن شمول تلك الافراد نجاستها
لكن مثل هذه الدعاوى على تقدير كونها مصداقا حقيقيا للمسك كما هو المفروض مشكلة نعم قد يقوى في النظر بمقتضى الحدس عدم
حصول الاستحالة في القسم الثاني بل عدم كونه مصداقا حقيقيا للمسك بل هو مسك مصنوع باق على نجاسته واما ما عداه من الاقسام
فربما يحتمل عدم كونه من أصله دما حقيقيا بل هو شئ مخلوق في الظبي الخاص شبيه بالدم ربما يقذفه بطريق الحيض ونحوه أو يجتمع في سرته
فينفصل فعلى هذا مقتضى الأصل طهارته والله العالم واما فارة المسك وهى الجلدة فعن العلامة في التذكرة والنهاية والشهيد في
الذكرى وغيرهما التصريح باستثنائها من القطعة المبانة التي حكم بنجاستها سواء انفصلت من الظبي في حياته أو بعد موته فلا تنجس
بل عن ظاهر التذكرة والذكرى الاجماع عليه لكن عن المنتهى وكشف الالتباس تقييده بما إذا انفصلت عن الحي أو اخذت من المذكى وعن
المنتهى التصريح بنجاستها ان اخذت من الميتة واستظهر من اطلاق حكمه بطهارة المسك وتقييده في فارته ان طهارة المسك لا تنافي
نجاسة فارته كما صرح به في محكى النهاية حيث قال المسك طاهر وان قلنا بنجاسة فارته المأخوذة من الميتة كالإنفحة ولم يتنجس بنجاسة
الظرف للحرج انتهى وعن كشف اللثام القول بنجاستها مطلقا سواء انفصلت عن حي أو ميت الا إذا كان ذكيا واستعرب تفصيل
العلامة بين المنفصلة عن الحي والميت وقال لا اعرف له وجها أقول وجهه قصور ما دل على نجاسة القطعة المبانة من الحي عن مثل هذه
الجلدة التي هي وعاء المسك التي تعد في العرف من فضول البدن كساير الأشياء التي لا يعتد بها عند انفصالها عن الحي واما الميتة
فينجس منها جميع اجزائها التي حل فيها الحياة مطلقا فالتفصيل في محله الا ان يدعى كون هذه الجلدة عند صيرورة ما فيها مسكا مستقلة
بالحكم خارجة من حد التبعية فاقدة للروح فيفهم طهارتها حينئذ من التعليل في بعض الأخبار الدالة على طهارة الصوف بان الصوف
ليس فيه روح الا ترى انه يجز ويباع وهو حي وقوله في حسنة حريز الآتية وكل شئ ينفصل عن الشاة والدابة فهو ذكى وان اخذته
منه بعد موته فاغسله وصل فيه وما في رواية أبى حمزة الآتية من تعليل طهارة الإنفحة بأنه ليس لها عرق ولا دم ولا عظم فان المقصود
به على الظاهر بيان كونه شيئا مستقلا غير معدود من أعضاء الميت بل هو شئ مخلوق فيه كالبيضة في بطن الدجاجة كما وقع التصريح
بالتمثيل في الرواية هذا مع امكان منع دلالة ما دل على نجاسة الميتة على نجاسة مثل هذه الجلدة المتدلية بها التي تعد عرفا من
ثمرة الحيوان لامن اجزائها فالقول بطهارتها مطلقا كما نسب إلى المشهور اظهر نعم لم بقيت لها شدة علاقة واتصال بالميتة
529

على وجه عدت عرفا جزء من الجملة المسماة باسم الظبي الميت كان الأقوى نجاستها لكن الظاهر أنه
مجرد فرض والله العالم وربما يستدل
لطهارة فارة المسك مطلقا بالأصل والحرج وفحوى ما دل على طهارة المسك وبصحيحة علي بن جعفر سئل أخاه عن فارة المسك تكون مع
من يصلى وهى في جيبه أو ثيابه قال لا بأس بذلك وفى الاستدلال بالأصل ودليل نفى الحرج مالا يخفى واما الاستدلال بالفحوى فربما
يناقش فيه بعدم الملازمة بين طهارة المسك وطهارة وعائه لجواز كونه كالإنفحة واللبن في ضرع الميت بناء على طهارته كما هو الأشهر
لكن الانصاف ان تخصيص ما دل على نجاسة الميتة بالنسبة إلى مثل هذه الجلدة التي تعد كالمنفصل أهون من تخصيص القاعدة المغروسة
في الأذهان من انفعال الملاقى للنجس برطوبة مسرية هذا على تقدير وجود ما يدل على طهارة المسك حتى في الصورة المفروضة
وعدم كونه متنجسا بملاقاة وعائه وهو في خير المنع إذ غاية ما يمكن ادعائه انما هي طهارة المسك ذاتا وهذا لا ينافي انفعال سطحه الملاقى
للميتة بالعرض وهو جسم قابل لتطهير أو طرح سطحه الملاقى للميتة فما يوجد في أيدي المسلمين يبنى على طهارته لقاعدة اليد وأصالة الطهارة
بل ربما يحتمل جفافه مع جلدته عند انفصالها عنه هذا مع أن الغالب على ما صرح به بعض انفصالها عن الحي وقد قوينا طهارتها في
الفرض فلا يبعد الالتزام بنجاسته بالعرض عند انقطاع جلدته من الميتة كما قواه غير واحد من المتأخرين واما الصحيحة فمع ابتناء الاستدلال
بها على عدم جواز حمل النجس في الصلاة الذي هو محل الكلام يتوجه عليه جريها مجرى الغالب من كونها مأخوذة من يد المسلم التي هي امارة
الطهارة مع ما سمعت من غلبة انفصالها عن الحي فلا تدل على طهارتها مطلقا بل ربما يقال بوجوب تقييدها بصحيحة عبد الله بن جعفر
قال كتبت إليه يعنى أبا محمد عليه السلام هل يجوز للرجل ان يصلى ومعه فارة مسك قال لا بأس بذلك إذا كان ذكيا ولاجل هذه المكاتبة
ربما يتوهم قوة ما ذهب إليه كاشف اللثام من نجاسة ما عدا المنفصلة عن المذكى وان انفصلت عن حي لكن يتوجه عليه اجمال مرجع
الضمير وقوة احتمال عوده إلى ما معه فيكون المراد بكونه ذكيا كونه طاهرا فلا يفهم منه الا وجود قسم نجس فيه في الجملة والقدر المتيقن
منه ما إذا انفصلت عن الميت بل ربما يقال بعدم منافاتها لطهارة الفارة مطلقا وكون التقييد للتحرز عما إذا كانت متنجسة بنجاسته
خارجية ويؤيد إرادة هذا المعنى حسنة حريز الآتية واحتمل بعض عودة إلى المسك وكون المراد بالتقييد الاحتراز عما لو كان باقيا على
حالته الأصلية ولم تتحقق الاستحالة وهو بعيد وعلى تقدير رجوع الضمير إلى الظبي المتصيد من ذكر الفارة كما عليه يبتنى التوهم المذكور
فالمنساق إلى الذهن إرادة التحرز عما لو كان الظبي ميتا غير مذكى لا حيا هذا والانصاف ان تذكير الضمير أوجب اجمال الرواية فلا
يستفاد منها ما يخالف غيرها من الأدلة وقد عرفت ان الأقوى طهارتها الا إذا انفصلت عن الميتة وكان شدة علاقة بها على وجه
عدت عرفا جزء من الجملة المسماة باسم الظبي ولا تعد عرفا بمنزلة الثمرة للشجرة أجنبيا عن مسمى الاسم وكيف كان ففي كل مورد حكمنا بنجاسة
الفارة فالأظهر انفعال ما فيها من المسك بملاقاتها مع الرطوبة فإنه لم يثبت ما يقتضى خلافه والله العالم وما كان منه أي من الحيوان
مالا تحله الحياة كالعظم الشعر ونحوهما من القرن والسن والمنقار والظفر والظلف والحافر والصوف والوبر والريش فهو طاهر بلا خلاف
فيه على الظاهر ويدل عليه اخبار مستفيضة مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال لا باس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ان الصوف
ليس فيه روح ورواية قتيبة بن محمد المروية عن مكارم الأخلاق قال قلت لأبي عبد الله (ع) انا نلبس هذا الخز وسداه إبريسم قال وما بأس بإبريسم
إذا كان معه غيره قد أصيب الحسين (ع) وعليه جبة خز سداه إبريسم قلت انا نلبس الطيالسة البربرية وصوفها ميت قال ليس في الصوف روح
الا ترى انه يجز ويباع وهو حي وحسنة حريز قال أبو عبد الله (ع) لزرارة ومحمد بن مسلم اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن
والناب والحافر وكل شئ ينفصل عن الشاة والدابة فهو ذكى وان اخذته منه بعد ان يموت فاغسله وصل فيه وصحيحة زرارة المروية
عن الفقيه والتهذيب عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الإنفحة تخرج من بطن الجدى الميت قال لا بأس به قلتا للبن يكون في ضرع الشاة
وقد ماتت قال لا بأس به قلت والصوف والشعر وعظام الفيل والجلد والبيض يخرج من الدجاجة قال كل هذا لا بأس به قال في الحدائق
والجلد في الخبر ليس في الفقيه وهو الأصح والظاهر أنه من سهو قلم الشيخ انتهى ورواية الحسين بن زرارة قال كنت عند أبي عبد الله وأبى
يسئله عن السن من الميتة واللبن من الميتة والبيضة من الميتة وانفحة الميتة فقال كل هذا ذكى وعن الكافي أنه قال وزاد فيه علي بن عقبة
وعلي بن الحسن بن رباط قال والشعر والصوف كله ذكى وقال أيضا وفى رواية صفوان عن الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال الشعر
والصوف والوبر والريش وكل نابت لا يكون ميتا قال قال وسئلته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة قال تأكلها ورواية يونس
عنهم عليه السلام قال خمسة اشياه ذكية مما فيها منافع الخلق الإنفحة والبيض والصوف والشعر والوبر الحديث وعن الصدوق في الفقيه مرسلا
قال قال الصادق عليه السلام عشرة أشياء من الميتة ذكية القرن والحافر والعظم والسن والإنفحة واللبن والشعر والصوف والريش والبيض
وعنه في كتاب الخصال مسندا عن محمد بن أبي عمير رفعه إلى أبى عبد الله (ع) مثله مع مخالفة في الترتيب ويمكن الاستدلال لمدعى؟؟
530

على عمومه برواية أبى حمزة الآتية الدالة على طهارة الإنفحة بالتقريب الآتي والعجب ما حكى عن شارح الدروس من منع دلالة الاخبار على طهارة
الأشياء المذكورة واستدلاله لها بالاجماع وأصالة الطهارة بعد ادعائه قصور ما دل على نجاسة الميتة عن اثبات نجاسة اجزائها
وفيه مالا يخفى وكيف كان فلا اشكال في أصل الحكم لكن ينبغي التنبيه على أمور * (الأول) * المشهور بين الأصحاب عدم الفرق في الحكم بطهارة
الصوف والشعر والريش ونحوها بين كونها مأخوذة من الميتة بطريق الجز أو القلع الا انه يحتاج في صورة القلع إلى غسل موضع
الاتصال من حيث ملاقاة الميتة برطوبة مسرية ولا ينافي ذلك اطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على طهارتها لكونها مسوقة
لبيان طهارة هذه الأشياء ذاتا فلا ينافيها انفعالها بملاقاة الميتة مع الرطوبة هذا مضافا إلى ما في حسنة حريز من الامر
بغسل هذه الأشياء عند اخذها من الميتة بل ربما يتوهم من اطلاق هذه الحسنة وجوب غسلها تعبدا وان اخذت بطريق الجز
ويدفعه ان المتبادر من الامر بغسلها والصلاة فيها ليس الا لنجاستها المانعة من فعل الصلاة وقد دلت النصوص المستفيضة
على طهارتها ذاتا فلا يكون الغسل الا للنجاسة العرضية الحاصلة بالملاقاة وحكى عن الشيخ في نهايته تخصيص طهارتها بصورة
الجز وحكم بنجاستها في صورة القلع معللا بان أصولها المتصلة باللحم من جملة اجزائها وانما يستكمل استحالتها إلى احدى المذكورات
بعد تجاوزها عنه واعترضه بعض باطلاق الأخبار المتقدمة وأجيب بان هذا المعنى الذي ادعاه الشيخ لا يرده الأخبار المتقدمة
الدالة على طهارة الأشياء المعهودة من حيث عدم الروح فيها لأنها لا تنافي نجاستها باتصال جزء منها بالميتة اللهم الا ان يتمسك
بسكوتها مع اقتضاء المقام لبيان كيفية الاخذ وفيه انه يمكن دعوى جريها مجرى الغالب من اخذها بطريق الجز مع امكان ان
يدعى ان معهودية نجاسة الميتة واجزائها مغنية عن بيان الكيفية ولذا لا يشك في نجاسة ما يتصل بالعظم وأصول القرن والحافر ونحوها
من اجزاء الميتة فالأولى في رد الشيخ منع كون ما يتصل بأصول الشعر ونحوه من الاجزاء التي حل فيها الحياة بل هي اما داخل في مسمى الشعر
أو شئ آخر من الفضلات المستعدة للشعرية ولم يحل فيها الحياة وليس ما يتصل بأصول الشعر لحما حتى يدعى كونه مما حل فيه الحياة بل
هو جسم لطيف ابيض لم يحل فيه الروح ولا أقل من الشك في حلول الروح فيه فمقتضى الأصل طهارته ودعوى انه وان لم يكن لحما الا
انه ينقلع معه جزء لطيف من اللحم لا ينفك عنه الا بالجز غير مسموعة بعد عدم صدق اسم اللحم عليه فان مثل هذا الجزء على تقدير تسليم
وجوده لا يؤثر الا نجاسته حكما فان الحكم بالنجاسة العينية يدور مدار وجود عين النجس بنظر العرف لا بالتدقيق العقلي وربما يرد كلام
الشيخ أيضا بظهور حسنة حريز في إرادة اخذ الأشياء المذكورة من الميتة بطريق القلع لما أشرنا إليه من أن المتبادر من الامر بغسلها
ليس الا لنجاستها العرضية وهى انما تكون في صورة القلع دون الجز * (وفيه) * نظر لامكان ان يدعى ان الغالب وصول شئ من رطوبات
الميت إلى هذه الاجزاء فيمكن ان يكون الامر بغسلها لذلك وكيف كان فقد ورود في خبر الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام تقييد خصوص الصوف
بالجز قال كتبت إليه أسئله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ان ذكى فكتب لا ينتفع من الميتة باهاب ولا عصب وكل ما كان من السخال من
الصوف ان جز والشعر والوبر والإنفحة والقرن ولا يتعدى إلى غيرها انشاء الله تعالى لكن يحتمل قويا جرى القيد مجرى الغالب وأن يكون المراد
بالاشتراط التحرز عما لو بقي الصوف متصلا بالجلد لا عما إذا كان الاخذ بطريق القلع والا فليس اشتراط الجز لدى القائل به مخصوصا
بالصوف واما تخصيص الصوف بهذا الشرط فلعله لشيوع الانتفاع به عند اتصاله بالجلد فأريد بالاشتراط التحرز عنه واما الشعر والوبر
كالإنفحة والقرن لا ينتفع بهما غالبا الا بعد الانفصال هذا مع ما في الرواية من الشذوذ وضعف السند واضطراب المتن بل حكى عن بعض
محققي المحدثين أنه قال كأنه سقط منه شئ إذ لا يلائم ظاهره انتهى * (أقول) * ومما يؤيد اشتماله على السقط كونه مكاتبة فإنه ربما يستغنى عن ذكر الخبر
في مثل هذه الخطابات عند المواجهة والمخاطبة بتحريك رأس أو يد أو غيرهما من الإشارات المفهمة للمقصود بخلاف ما لو كانت المخاطبة على سبيل
المكاتبة كمالا يخفى الثاني قد اشتملت النصوص المستفيضة التي تقدمت جملة منها على طهارة الإنفحة والبيض واللبن من الميتة اما الإنفحة فهي
بكسر الهمزة وفتح الغاء وتخفيف الحاء وتشديدها كما حكى عن بعض اللغويين فمما لا خلاف في طهارته على الظاهر لكن اختلفت كلمات اللغويين
وكذا الفقهاء في تفسيرها فيظهر من بعضهم انها كرش الحمل والجدى ما لم يأكل أي ما دام كونه رضيعا فإذا اكل يسمى كرشا ويظهر من آخرين
انه شئ اصفر يستحيل إليه اللبن الذي يشربه الرضيع لا الكرش الذي هو وعاء لذلك الشئ ويحتمل قويا أن تكون اسما لمجموع الظرف والمظروف
بان يكون ذلك الشئ الذي هو من الحيوان بمنزلة المعدة للانسان مع ما فيه مسمى بالإنفحة فإنه يظهر منهم انه ليس لوعائه اسم اخر ولا
يسمى بالكرش الا بعد ان اكل فيقال حينئذ استكرش أي صارت إنفحته كرشا وكيف كان فلا شبهة في طهارة المظروف سواء كانت الإنفحة اسما
له أو لوعائه اما على الأول فلما سمعت من اتفاق النصوص والفتاوى على طهارتها فبذلك يخصص ما دل على نجاسة اجزاء الميتة وما
يلاقيها هذا مع أن ذلك الشئ لا يعد عرفا من اجزاء الحيوان فلا تكون الأدلة الا مخصصة لقاعدة الانفعال واما على الثاني فواضح إذ لا
531

مقتضى لنجاسة المظروف بعد طهارة ظرفه المانع من السراية بل المقصود بالروايات على الظاهر ليس الا بيان طهارة ذلك الشئ الأصفر
فإنه هو الذي فيه منافع الخلق ويجعل في الجبن بل في بعض الأخبار إشارة إلى ارادته مثل ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام
في حديث طويل قال فيه قال قتادة فأخبرني عن الجبن فتبسم أبو جعفر (ع) ثم قال رجعت مسائلك إلى هذا قال ضلت عنى فقال
لا بأس به فقال إنه ربما جعلت فيه إنفحة الميت قال ليس بأس ان الإنفحة ليس فيها دم ولا عرق ولا بها عظم انما تخرج من بين فرث
ودم ثم قال إن الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة خرجت منها بيضة فهل تأكل البيضة فقال لا ولا امر باكلها فقال أبو جعفر (ع) ولم فقال
لأنها من الميتة قال له فان حضنت تلك البيضة فخرجت منه دجاجة أتأكلها قال نعم قال فما حرم عليك البيضة وحلل لك الدجاجة
ثم قال (ع) فكذلك الإنفحة مثل البيضة فاشتر الجبن في أسواق المسلمين من أيدي المسلمين ولا سأل عنه الا ان يأتيك من يخبرك عنه
فان قوله (ع) انما تخرج من بين فرث ودم بحسب الظاهر إشارة إلى كونها لبنا مستحبلا غير معدود من اجزاء الحيوان وكيف كان فلا شبهة
في طهارة هذا الشئ وعد انفعاله بملاقاة وعائه وان قلنا بنجاسة الوعاء ولذا قال في المدارك بعد ان ذكر التفسيرين ولعل الثاني
أولى اقتصارا على موضع الوفاق وان كان استثناء نفس الكرش أيضا غير بعيد تمسكا بمقتضى الأصل انتهى فمراده بموضع الوفاق
عدم الخلاف في طهارة هذا الشئ ولو على القول بان الإنفحة هي الكرش فلا يتوجه عليه الاعتراض بأنه لا وفاق بعد تقابل التفسيرين
واما تمسكه بالأصل لطهارة الكرش فمبنى على أصله من انتفاء ما دل على نجاسته اجزاء الميت بعمومها والا فمقتضى القاعدة التي قررناها
فيما سبق نجاستها لكون الكرش معدودا من اجزائها التي حل فيها الحياة الا ان يثبت كونه هو الإنفحة التي دلت النصوص والفتاوى
على طهارتها ولم يثبت فالأشبه نجاسته الوعاء وعدم انفعال ما فيه بملاقاته ولعل هذا الوعاء هو المراد بالميتة في رواية أبى الجارود
المروية عن محاسن البرقي قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الجبن فقلت أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة فقال امن اجل مكان واحد يجعل فيه
الميتة حرم جميع ما في الأرض فما علمت أنه فيه الميتة فلا تأكله وما لم تعلم فاشتر وكل وبع {الخبر} ويحتمل جريها مجرى التقية أو يكون التجنب
عما يطرح فيه الإنفحة المتخذة من الميتة مستحبا ولعله لذا نهى الإمام (ع) في ذيل رواية أبى حمزة المتقدمة عن السؤال عن ما يشترى من
المسلمين وأيديهم مع فيها من التصريح بطهارة الإنفحة وكونها كالبيضة ويحتمل قويا صدور الذيل من باب التنزل والمماشاة
مع قتادة بعد ان أحرز الإمام (ع) من سريرته انه لا يتعبد بقوله إحالة على قاعدة يد المسلمين وسوقهم التي لولاها لاختل نظام معاشهم
فكأنه عليه السلام عدل عن الجواب الأول وبين عدم انحصار وجه الحل فيما ذكره أولا حتى لا يبقى في قلب المخاطب ريبة وقد ورد في جملة من
الاخبار التي وقع فيها السؤال عن حكم الجبن الحكم بحليته استنادا إلى القواعد الظاهرية مثل رواية عبد الله بن سليمان قال سئلت أبا جعفر (ع)
عن الجبن فقال سئلتني عن طعام يعجبني ثم اعطى الغلام درهما فقال يا غلام ابتع لنا جبنا ودعا بالغذاء فتغذينا معه واتى بالجبن فاكل
واكلنا فلما فرغنا من الغذاء قلت ما تقول في الجبن فقال أولم ترني اكلته قلت بلى ولكن أحب ان اسمعه منك فقال سأخبرك عن الجبن وغيره
كل ما فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه وروايته الأخرى عن أبي عبد الله (ع) في الجبن قال كل شئ لك حلال حتى
يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة وخبر يونس قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن السمن والجبن نجده في ارض المشركين بالروم أنأكله فقال
ما علمت أنه خلطه الحرام فلا تأكله واما ما لم تعلم فكل حتى تعلم أنه حرام ويظهر من مثل هذه الروايات وجود قسم حرام في الجبن والمراد به
على الظاهر ما يطرح فيه إنفحة الميت لمعروفية حرمتها لدى العامة فالظاهر جريها مجرى التقية والأجوبة الواقعة فيها ربما يترائى منها التورية
والله العالم * (تنبيه) * صرح غير واحد بعدم اختصاص الحكم بطهارة الإنفحة بما إذا كانت من المأكول بل يعم إنفحة غير المأكول أيضا لاطلاق
النصوص والفتاوى بل ربما يستظهر من اطلاق الفتاوى عدم الخلاف فيه والانصاف انصراف الاطلاقات إلى الإنفحة المعهودة التي تجعل
في الجبن بل ربما يستشعر مما سمعته من بعض اللغويين من تفسيرها بكرش الحمل والجدى الاختصاص لكن مقتضى تعليل طهارتها في رواية
أبى حمزة بكونها كالبيضة وعدم كونها من الاجزاء التي حل فيها الحياة طهارتها ولو لم تسم باسم الإنفحة لكن بناء على تفسيرها باللبن
المستحال يشكل استفادة عدم انفعاله بالعرض من مثل هذه الرواية بعد انصراف الإنفحة التي أريد اثبات طهارتها بالفعل إلى
غيره فليتأمل واما البيض فهو أيضا مما لا خلاف في طهارته ولا اشكال بعد ما ورد في الأخبار المستفيضة
التصريح بها هذا مع
موافقتها للأصل فان البيضة لا تعد من اجزاء الميتة حتى تعمها نجاستها فما عن العلامة في النهاية والمنتهى من تخصيص الطهارة بما
كان من مأكول اللحم وحكم نجاسته غيره ضعيف فإنه وان أمكن دعوى انصراف البيضة في الاخبار إلى ارادتها مما يحل اكله خصوصا
فيما حكم فيها بحليتها لكن كفى في الحكم بطهارتها الأصل مضافا إلى ما يفهم من رواية أبى حمزة ويساعده العرف من أنها شئ مستقل
لا يعد من اجزاء الميتة مع أنه على تقدير كونه معدودة من اجزائها تبعا يدل على طهارتها ولو من غير المأكول ما دل على طهارة ما لم تحله
532

الحياة من اجزاء الميتة كما هو واضح ثم إن مقتضى الأصل واطلاقات الأدلة طهارتها مطلقا ما لم تنفعل بملاقاة الميتة بان كانت مكتسية
قشرا يمنعها من التأثر بالملاقاة والظاهر أن ما مكتسيه من القشر الرقيق في مبادي نشوها مانع من النفوذ والتأثر ولا أقل من الشك فيه
المقتضى للرجوع إلى قاعدة الطهارة لكن الأصحاب قيدوا طهارتها بما إذا اكتست القشر الغليظ وعبائرهم في بيان الاشتراط وان
كانت مختلفة حيث عبر بعضهم بالقشر الغليظ وبعضهم بالجلد الغليظ وبعضهم بالقشر الاعلى وغير ذلك ولكن المقصود بحسب الظاهر
واحد ويدل عليه موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة فقال إن كان قد اكتست الجلد
الغليظ فلا بأس بها فبها يقيد اطلاقات الأدلة وتوهم ان المقتضى لنجاستها ليس الا الملاقاة للميتة والا فهي طاهرة بالذات كما يدل
عليه سائر الأدلة وما شاهده من القشر الرقيق صالح للمانعية من السراية * (مدفوع) * بكونه اجتهادا في مقابلة النص مع قوة احتمال
عدم مانعية هذا القشر من السراية ما دامت البيضة في الباطن ويصل إليها الغداء الموجب لنموها مضافا إلى امكان ان يدعى
كونها معدودة من اجزاء الميت تبعا قبل استكمال خلقتها فإذا استكملت واستغنت عنها باكتساء قشرها الاعلى عدم عدت شيئا اخر أجنبيا
عنها لكن هذه الدعوى غير مجدية بعد ان لم تكن مما يحله الحياة وكيف كان فلا مقتضى لطرح النص أو تأويله مع عمل الأصحاب بها وسلامتها
مما يعارضها عدا مطلقات قابلة لصرف لو لم ندع فيها الانصراف أو الاهمال فما ذهب إليه بعض من الطهارة مطلقا ضعيف والله
العالم واما اللبن فهو أيضا طاهر على أقوى القولين وأشهرهما بل عن بعض دعوى الشهرة عليه وعن الدروس ندرة القائل بخلافه و
عن الخلاف والغنية دعوى الاجماع عليه للمستفيضة المتقدمة المشتملة عليه التي هي صحيحة زرارة ورواية الحسين ومرسلة الفقيه المسندة
في الخصال عن ابن أبي عمير بل يمكن الاستدلال له أيضا بحسنة حريز المتقدمة خلافا للمحكى عن سلار والحلي والمصنف والعلامة
في كثير من كتبه وغير واحد ممن تأخر عنهم بل عن بعضهم دعوى الشهرة عليه وعن أطعمة غاية المرام انه مذهب المتأخرين وعن الحلى
انه لا خلاف فيه بين المحصلين لكن طعنه كاشف الرموز على ما حكى عنه بقوله هذه الدعوى محرمة لان الشيخين مخالفاه والمرتضى ومتابعوه
غير ناطقين به فما اعرف من بقي معه من المحصلين انتهى وعمدة مستندهم في الخلاف قاعدة التنجس بالملاقاة والا فلا مقتضى لنجاسته
بالذات بعد عدم كونه معدودا من اجزاء الميتة عرفا وعدم حلول الروح فيه على تقدير تبعيته لها وربما يستدل لهم أيضا بخبر وهب بن
وهب عن جعفر (ع) عن أبيه ان عليا عليه السلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال (ع) ذلك الحرام محضا لكن الرواية ضعيفة السند
جدا حتى قيل في حق وهب أنه من اكذب البرية فلا يلتفت إلى روايته واما القاعدة فهي لا تصلح معارضة للاخبار المعتبرة المعمول بها فإنها
ليست من القواعد العقلية الغير القابلة للتخصيص وقد تخصصت في ماء الاستنجاء بل في مطلق الغسالة على قول فالقول بالنجاسة ضعيف
لكن قواه شيخنا المرتضى بعد ان جعل الأقوى طهارة اللبن بان الرواية وان كانت ضعيفة السند بمن هو من اكذب البرية موافقة
لمذهب العامة كما عن الشيخ الا انها منجبرة بالقاعدة كما أن روايات الطهارة وان كانت صحيحة الا انها مخالفة للقاعدة وطرح الأخبار الصحيحة
المخالفة لأصول المذهب غير عزيز الا ان تعضد بفتوى الأصحاب كما في الإنفحة أو بشهرة عظيمة توجب شذوذ المخالف وما
نحن فيه ليس كذلك انتهى * (أقول) * اما موافقة القاعدة لمثل هذه الرواية لو لم توجب مزيد ارتياب فيها كموافقتها للعامة فلا تصلح جابرة
لضعفها فلا يعارض الأخبار المتقدمة الا نفس القاعدة التي هي من القواعد التعبدية المحضة التي غايتها كونها بمنزلة العمومات
القطعية القابلة للتخصيص فلاوجه لاشتراط حجية الاخبار المخالفة لها بعد صحتها واستفاضتها باعتضادها بالفتوى فضلا عن
اشتراط الشهرة وشذوذ المخالف هذا مع ما عرفت من اشتهار العمل بها قديما وحديثا فكفى به معاضدا ولعمري ان الذي يوقع النفس
في الوسوسة ويمنعها من رفع اليد عن مثل هذه القاعدة بالاخبار المعتبرة ليس الا موافقتها للاحتياط والا فقاعدة طهارة الأشياء
ومطهرية الماء مثلا أثبت في الشريعة وأوضح مستندا من نفس هذه القاعدة فضلا عن عمومها ولم يزل يرفع اليد عن مثل هذه
القواعد بالاخبار البالغة أول مرتبة الحجية واما القواعد التي يشكل رفع اليد عنها الا بنص صحيح صريح معتضد بالفتوى ونحوها فهي
القواعد الكلية المعروفة مناطاتها المعتضدة بالعقل والاعتبار مثل قاعدة سلطنة الناس على أموالهم وحرمة دم المسلم وعرضه
وماله لامثل قاعدة الانفعال التي عمدة المستند لعمومها الاجماع ونحوه من الأدلة اللبية التي غاية ما يمكن استفادته منها على
وجه يستدل به في الموارد الخلافية كون نفس القاعدة التي انعقد عليها الاجماع وارتكزت في أذهان المتشرعة كمتن رواية قطعية
قابلة للتخصيص فلا ينبغي الاستشكال في الطهارة لكن ينبغي الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على لبن المأكول لكونه القدر المتيقن
الذي لا يبعد دعوى انصراف اطلاق الفتاوى والنصوص إليه وان كان القول بطهارته مطلقا لا يخلو من قوة كغيره مما تقدم
من الاجزاء التي لا تحله الحياة فإنها طاهرة من كل حيوان حل اكله أم حرم الا أن تكون عينه نجسة كالكلب والخنزير والكافر فإنها
533

بجميع اجزائها نجسة على الأظهر سواء كانت متصلة بجملتها أو منفصلة عنها عند حيوتها أو بعد موتها لما أشرنا إليه عند البحث
عن نجاسة اجزاء الميتة من أن معروض النجاسة على ما يتبادر عرفا من الحكم بنجاسة حيوان ليس الا نجاسة جسده الباقي بعد موته
بجميع اجزائه سواء اتصلت الا جزاء بجملتها أو انفصلت عنها فجثة الحيوان المحكوم بنجاسته ليست بنظر العرف الا كعين العذرة
في كون كل جزء منه من حيث هو معروضا للنجاسة فشعر الخنزير أو لحمه أو عظمه ما دام مصداقا لهذا الموضوع نجس سواء كان
متصلا بالخنزير أو منفصلا عنه فما حكى عن السيد من طهارة شعر الكلب والخنزير بل ربما استظهر منه طهارة ما لا تحله الحياة منه
مطلقا ضعيف ولا يقاس ذلك باجزاء الميتة التي لا يتنجس منها الا ماحل فيه الروح لأنه مع كونه قياسا يتوجه عليه وجود الفارق
بينهما حيث إن المؤثر في نجاسة الميتة الموت الذي لا يتأثر منه ما لا روح له واما الموجب لنجاسة اجزاء الكلب كونها معدودة
من الجملة المسماة باسم الكلب من غير فرق بمقتضى ظاهر دليله بين كون الجزء لحما أو عظما نعم ربما يتوهم الاستحالة وانقلاب الموضوع
بانفصال الجزء أو عروض الموت فان الكلب الميت ليس بكلب حقيقة والشعر المنفصل عنه لا يعد جزء فعليا منه ويدفعه ما أشرنا
إليه من أن معروض النجاسة على ما ينسبق إلى الذهن ليس مفهوم الكلب الذي يصح سلبه بعد الموت بل جثته القابلة للاتصاف بالموت
والحياة بجميع اجزائها ولذا لا يتردد أحد من أهل العرف في نجاسة الأجزاء المنفصلة عن نجس العين قبل موته أو بعده فدعوى
الاستحالة باطلة بحكم العرف هذا مع أن في بعض الأخبار إشارة إلى نجاسة شعر الخنزير نعم ربما يتوهم طهارته من نفى البأس عن
الماء الذي يستقى به في بعض الروايات كصحيحة زرارة سئل الصادق عليه السلام عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر
أيتوضأ من ذلك الماء قال لا بأس ويدفعه ظهور السؤال في المفروغية من نجاسة الشعر ووقوع السؤال عن حكم الماء الذي
يستقى به فهذه الصحيحة كغيرها مما ورد فيها السؤال عن حكم الماء الذي يستقى بالحبل المصنوع من شعر الخنزير من أقوى الأدلة
على نجاسته فلو تمت دلالتها على طهارة الماء الملاقى له فهي من أدلة القول بعدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس وقد تقدم
الكلام فيها في محله ويجب الغسل بالضم على من مس ميتا من الناس قبل تطهيره بالغسل وبعد برده على المشهور بل عن الخلاف وغيره
دعوى الاجماع وعليه وحكى عن السيد في شرح الرسالة والمصباح القول باستحبابه وهو ضعيف ويدل على المشهور الأخبار الكثيرة
* (منها) * صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال قلت الرجل يغمض عين الميت أعليه غسل قال إذا مسه بحرارته فلا ولكن إذا مسه بعدما برد
فليغتسل قلت فالذي يغسله يغتسل قال نعم الحديث وحسنة حزيز أو صحيحة عن أبي عبد الله (ع) قال من غسل ميتا فليغتسل وان
مسه ما دام حارا فلا غسل عليه وإذا برد ثم مسه فليغتسل قلت فمن ادخله القبر قال لا غسل عليه انما يمس الثياب وعن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (ع) قال يغتسل الذي غسل الميت وان قبل الميت انسان بعد موته وهو حار فليس عليه غسل ولكن
إذا مسه وقبله وقد برد فعليه الغسل ولا بأس ان يمسه بعد الغسل ويقبله وعن عبد الله بن سنان أيضا عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له
أيغتسل من غسل الميت قال نعم قلت من ادخله القبر قال لا انما يمس الثياب وعن عاصم بن حميد في الصحيح قال سئلته عن الميت إذا مسه
الانسان أفيه غسل قال فقال إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح قال دخلت على أبى عبد الله (ع) حين مات ابنه
إسماعيل الأكبر فجعل يقبله وهو ميت فقلت جعلت فداك أليس لا ينبغي ان يمس الميت بعد ما يموت ومن مسه فعليه الغسل فقال اما
بحرارته فلا بأس انما ذاك إذا برد وعن معاوية بن عمار في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله (ع) الذي يغسل الميت أعليه غسل قال نعم
قلت فإذا مسه وهو سخن قال لا غسل عليه فإذا برد فعليه الغسل قلت والبهائم والطير إذا مسها عليه غسل قال لا ليس هذا كالانسان
وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال من غسل ميتا وكفنه اغتسل غسل الجنابة وعن محمد بن الحسن الصفار في الصحيح قال كتبت إليه
رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جسده قبل ان يغتسل هل يجب عليه غسل يده أو بدنه فوقع (ع) إذا أصاب يدك جسدا ميت
قبل ان يغتسل فقد يجب عليك الغسل وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته (ع) الرجل يمس الميتة أينبغي ان يغتسل منها فقال
لا انما ذاك من الانسان وحده وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما في رجل مس ميتة أعليه الغسل قال لا انما ذلك من الانسان
وعن سليمان بن خالد انه سئل أبا عبد الله (ع) انغسل من غسل الميت قال نعم قال فمن ادخله القبر قال لا انما مس الثياب وعن الفضل بن
شاذان عن الرضا (ع) قال انما امر من يغسل الميت بالغسل لعلة الطهارة مما اصابه من نضح الميت لان الميت إذا خرج منه الروح
بقي منه أكثر افته وعن محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام قال وعلة اغتسال من غسل الميت أو مسه الطهارة لما اصابه من نضح الميت لان
الميت إذا خرج منه الروح بقي أكثر افته وعن الخصال عن علي عليه السلام في حديث الأربعمأة قال ومن غسل منكم ميتا فليغتسل بعدما
يلبسه أكفانه وعن علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن رجل مس ميتا عليه الغسل قال فقال إن كان الميت
534

لم يبرد فلا غسل عليه وان كان قد برد فعليه الغسل إذا مسه ثم إن مقتضى القاعدة تقييده ما اطلق فيها الغسل بمس الميت بعد برده
بغيره من الروايات الدالة على اختصاصه بما قبل ان يغسل الميت المصرحة بنفي البأس عن مسه بعد الغسل كما عليه فتوى الأصحاب
ولا ينبغي الالتفات إلى ما يستشعر من تعليل نفى الغسل على من ادخله القبر في بعض الأخبار المتقدمة بأنه انما يمس الثياب المشعر
بوجوب الغسل عليه لو مس جسده عند ادخاله القبر بعدما ورد التصريح بنفي البأس عنه في الاخبار المقيدة فيكون النكتة في تخصيصه
بالذكر في مقام التعليل التنبيه على انتفاء الموضوع المقتضى لوجوب غسل المس ولو على تقدير فساد غسل الميت نعم في موثقة
عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام التصريح بثبوته بعد الغسل قال يغتسل الذي غسل الميت وكل من مس ميتا فعليه الغسل
وان كان الميت قد غسل لكنها مع مخالفتها لاجماع المسلمين كما ادعاه بعض مع كون راويه عمار المقدوح في متفرداته بالخلل
واضطراب المتن لا تنهض للحجية فضلا عن معارضة ما عرفت فيجب رد علمها إلى أهله لكن الانصاف ان حملها على الاستحباب في الفرض
كما عن التهذيبين جمعا بينها وبين ما دل على نفى البأس عنه واختصاص الوجوب بما قبل الغسل أولى وأوفق بما يقتضيه قاعدة المسامحة
فهو الأشبه والله العالم والعجب فيما حكى عن صاحب الذخيرة من أنه بعد نقل جملة من اخبار المسألة قال ولا يخفى ان الامر وما في معناه
في اخبارنا غير واضح الدلالة على الوجوب فالاستناد إلى هذه الأخبار في اثبات الوجوب لا يخلو من اشكال انتهى وليت شعري لو نوقش
في دلالة هذه الأخبار المتظافرة المعتضد بعضها ببعض التي ورد في جملة منها التعبير بان عليه الغسل وفى بعضها التصريح بوجوب الغسل عليه
وفى جملة منها التعبير بصيغة الامر وفى بعضها بالجملة الخبرية مع اعتضادها بفهم الأصحاب وعملهم فكيف يمكن استفادة حكم شرعي وجوبي
أو تحريمي من الأدلة السمعية فلا مجال للمناقشة في دلالتها على المدعى نعم ربما يخدش فيها انتصارا للسيد القائل باستحبابه بمعارضتها ببعض
الاخبار التي يدعى ظهوره في عدم الوجوب وكونه من الأغسال المستحبة كبعض الأخبار الواردة في بيان عدد الأغسال المتقدمة في
محلها من عده في طي الأغسال المسنونة مع ما في بعضها من التصريح بان الفرض هو غسل الجنابة الدال على أن ما عداه من السنن
وفى صحيحة الحلبي الامر به وبما هو معلوم الندبية قال اغتسل يوم الأضحى والفطر والجمعة وإذا غسلت ميتا الحديث ورواية الحسن بن عبيد
قال كتبت إلى الصادق (ع) هل اغتسل أمير المؤمنين (ع) حين غسل رسول الله صلى الله عليه وآله عند موته فاجابه: النبي صلى الله عليه وآله طاهر مطهر ولكن فعل أمير المؤمنين
وجرت به السنة ورواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن ابائه عن علي (ع) قال الغسل من سبعة من الجنابة وهو واجب ومن غسل الميت
وان تطهرت أجزاك وذكر غير ذلك * (والتوقيع المروى عن الاحتجاج في جواب الحميري حيث كتب إلى القائم عجل الله فرجه روى لنا عن العالم
انه سئل عن امام قوم يصلى بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه فقال يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم
ويغتسل من مسه التوقيع ليس على من مسه الا غسل اليد وإذا لم يحدث حادثة تقطع الصلاة تمم صلاته مع القوم وفى الجميع مالا يخفى اما
التوقيع فمحمول على ما إذا مسه قبل ان يبرد الميت كما هو الغالب في مفروض السائل ويشهد له ما روى عنه أيضا قال وكتب إليه وروى عن العالم ان
من مس ميتا بحرارته غسل يده ومن مسه وقد برد فعليه الغسل وهذا الميت في هذه الحال لا يكون الا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو ولعله
ينحيه بثيابه ولا يمسه فكيف يجب عليه الغسل * (التوقيع) * إذا مسه في هذه الحال لم يكن عليه الا غسل يده واما رواية عمرو بن خالد فهي
مع ضعف سندها لا تخلو عن تشابه وقد حمل الشيخ قوله (ع) وان تطهرت أجزاك على التقية الموافقة للعامة قال في الحدائق ويعضده
ان رواة الخبر من العامة والزيدية انتهى ويحتمل ان يكون المقصود به ان اغتسلت أجزاك عن الوضوء واما مكاتبه الحسن فعلى تقدير
تسليم ظهورها في الاستحباب يحتمل اختصاصها بالمعصومين المنزهين عن الرجس مع أن ظهورها فيه ممنوع فان المتبادر من قوله (ع)
وجرت به السنة لو لم يكن إرادة ثبوته في الشرع على وجه اللزوم فلا أقل من كونه أعم من ذلك نعم قد يتراءى من الرواية استتباع
جريان السنة به لفعل أمير المؤمنين عليه السلام فلا يناسبه الوجوب إذ لو كان واجبا لثبت في أصل الشرع لكن أمير المؤمنين (ع) لم يكن يشرع
في الدين فالمقصود بالرواية بحسب الظاهر بيان عدم كون الاغتسال من مسه صلى الله عليه وآله لأجل الاستقذار بل لمتابعة السنة المتبعة فقوله (ع)
وجرت به السنة في قوة التعليل لفعله (ع) لا انه تفريع عليه واما ذكره مع الأغسال المسنونة وجعله معها في حز الطلب فلا يدل على
الاستحباب وغايته الاشعار بذلك فلا اعتداد به في مقابل ما عرفت واما في غير واحد من الروايات من تخصيص الفرض بغسل
الجنابة وعد سائر الأغسال التي منها غسل المس من السنن فلا يدل على الاستحباب كما لا يخفى على المتأمل في تلك الروايات ولا
بعد ان يكون المراد بالفرض فيها ما ثبت وجوبه بالكتاب و * (كيف) * كان فلا ينهض مثل هذه الروايات شاهد الصرف غيرها من الأدلة
ثم إن المنساق إلى الذهن بواسطة المناسبات المغروسة فيه من الامر بالغسل عند مس الميت كون مسه كالجنابة والحيض من الاحداث
المقتضية للتطهر منه كما أن المتبادر من الامر بغسل الثوب أو البدن عند إصابة شئ كون ذلك الشئ قذرا شرعا فيكون المقصود
535

بالغسل التطهر منه لا التعبد المحض كما يشهد لذلك التعليل بالطهارة لما اصابه به نضح الميت في بعض الروايات المتقدمة فلا يجب الا
إذا وجب تحصيل الطهارة لغاياته الواجبة من صلاة ونحوها هذا مع أن الظاهر عدم الخلاف فيه وان أبيت الا عن ظهور الاخبار
في وجوبه مطلقا ولو عند عدم وجوب فعل الصلاة ونحوها فنقول كفى صارفا لها عن ظاهرها عدم الخلاف فيه بل الاجماع عليه كما
ادعاه بعض فيكون اطلاق الامر بغسل مس الميت كاطلاق الامر بغسل الثوب عند إصابة النجاسات في أغلب اخبارها بلحاظ وجوبه المقدمي
ومما يؤيد كونه حدثا مانعا من الصلاة مضافا إلى ما عرفت ما عن الفقه الرضوي انه (ع) قال بعد ذكر غسل الميت وان نسبت الغسل فذكرته
بعد ما صليت فاغتسل واعد صلاتك وهل ينتقض الوضوء بالمس فلو مس الميت بعد ان كان متطهرا فعليه إعادة الوضوء أيضا لو لم نقل
بالاجتزاء بكل غسل من الوضوء فيه وجهان أحوطهما ذلك والله العالم ثم إن مقتضى اطلاق النصوص والفتاوى كما عن جماعة التصريح
به عدم الفرق في وجوب الغسل بين كون الممسوس مسلما أو كافرا وما احتمله في محكى المنتهى والتحرير من اختصاصه بالأول نظرا إلى اقتضاء
تقييده في الفتاوى والنصوص بما قبل الغسل كون المفروض موضوعا فيها هو الميت الذي يطهر الغسل وعلله أيضا بان مس الكافر
لا يزيد عن مس البهيمة والكلب ضعيف في الغاية فان تعليله الذي ذكره أخيرا مع كونه قياسا يتوجه عليه ان ايجاب الغسل بمسه لو لم يكن موجبا
لنقصه فلا يوجب مزيته على أخويه حتى يتوهم اختصاصه بالمؤمن فلعل ثبوته في الكافر أولى واما التقييد الواقع في النصوص والفتاوى
فلا يفهم منه الا قصر الحكم أي انتفاء الوجوب بمس الميت من الانسان بعد ان غسل غسلا صحيحا لا قصر الموضوع وتخصيصه بمن يطهره
الغسل ولذا لم يفهمه منها أحد هذا مع خلو معظم الاخبار عن هذا القيد وانما قيدناها بقرينة منفصلة دالة على نفى البأس عن مس
الميت بعد تغسيله وهى لا تقتضي الا صرف الحكم الوارد في الأخبار المطلقة عن خصوص هذا الفرض نعم مورد أكثر اخبار الباب هو مس
الميت الذي يراد تغسيله فلا يكون الا موتى المسلمين لكن الأحكام الشرعية لا تخصيص بمواردها مع أن فيما عداها مما يظهر منه الاطلاق
من الأخبار المتقدمة غنى وكفاية مثل خبر علي بن جعفر وصحيحة محمد بن مسلم الامرة بغسل من يغمض الميت بعد برده ورواية عبد الله بن سنان
الدالة على وجوب الغسل على من مس الميت وقبله بعد برده وما رواه الحميري فيما كتبه إلى الصاحب عجل الله فرجه عن العالم من أن من مس
ميتا بحرارته غسل يده ومن مسه وقد برد عليه فعليه الغسل وكذلك لافرق بمقتضى الاطلاقات بين المس باي جزء من اجزاء البدن لأي جزء
من اجزاء الممسوس وان لم تكن مما تحله الحياة منهما بعد صدق اسم المس عليه وعدم انصرافه عنه نعم الظاهر عدم الصدق في الشعر المسترسل
ماسا كان أم ممسوسا كاطراف اللحية وما يسترسل من الرأس بخلاف أصولها الساترة للبشرة فإنه ربما يصدق على مسها مس الميت
كما ظهر لك تحقيقه في مبحث مسح الرأس في الوضوء وكيف كان فما حكى عن بعض من اعتبار المس بما تحله الحياة لما تحله الحياة في وجوب الغسل
ضعيف لعدم إناطة صدق المس عرفا بكون الماس أو الممسوس مما حل فيه الحياة ولذا لا يشك أحد في تحقق مس الميت بامرار اليد على رأسه
مع مستورية بشرته بشعره وعدم وقوع المس الا على الشعر نعم ربما يشك في صدق اسم المس أو انصراف اطلاقه بالنسبة إلى بعض الافراد كما
إذا لاقى طرف ظفره مثلا جسد الميت أو عكسه لا لكون الماس أو الممسوس مما لا تحله الحياة بل لعدم الاعتداد عرفا بمثل هذه الملاقاة أو كون
مفهوم المس لديهم أخص من مطلق الإصابة فإنه ربما يشك أيضا في الصدق أو الانصراف فيما لو لاقاه بطرف إصبعه ملاقاة خفيفة وان
كان الظاهر تحقق الصدق حقيقة في جميع الصور وان أمكن دعوى الانصراف عنها وكيف كان فيرجع عند الشك في الصدق إلى استصحاب
الطهارة وعدم وجوب الغسل واما عند الشك في الانصراف بعد تحقق صدق الاسم فمتى رفع اليد عن أصالة الاطلاق والرجوع إلى
الأصول العملية اشكال والاحتياط مما لا ينبغي تركه * (تنبيه) * حكى عن جماعة التصريح بعدم وجوب الغسل بمس الشهيد وربما استظهر
ذلك من المتن حيث قيده بما قيل تطهيره فان مقتضاه خروج الشهيد الذي لا يغسل ولا يتنجس بالموت على ما صرح به بعض لكن في
الاستظهار نظر والحكم موقع تردد فان مقتضى اطلاقات جملة من الاخبار ثبوته ودعوى شهادة سياق الاخبار وبإرادة غيره ممن
يجب غسله غير مسموعة لكن يبعده خلو الاخبار الحاكية للغزوات الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله والوصي (ع) عن امر من يباشر دفن القتلى بغسل المس
مع حصول المس غالبا بل ربما يستشعر مما ورد في باب الشهيد كونه بحكم المغسل لكن رفع اليد بمثل هذه الأمور عما يقتضيه الاطلاقات
مشكل فوجوبه لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط * (نعم) * الظاهر عدم وجوبه بمس المقتول قودا أو حدا إذا اغتسل عند قتله لما عرفت في
محله من أن الظاهر كون الغسل المتقدم بمنزلة تغسيله بعد الموت كما أن المتجه عدم وجوبه بمس الميت الذي يمموه بدلا من غسله لدى
الضرورة لتناثر جلده ونحوه وكذا بمس الميت المسلم الذي غسله الكافر عند فقد المماثل والمحرم وكذا الميت الذي غسل بلا مزج الخليطين
لتعذره أو اقتصر فيه على الأقل من الغسلات الثلاث لاعواز الماء ونحوه لما عرفته في محالها لكن الاحتياط مما لا ينبغي تركه في شئ
من الصور * (تكملة) * لا يسقط غسل المس ولا يطهر شئ من بدن الميت مما حل فيه الروح الا بعد اكمال غسله فلو مس رأسه مثلا
536

برطوبة سارية بعد ان كمل غسل رأسه ولم يكمل غسل ساير الجسد فعليه الغسل وغسل يده لصدق وقوع المس قبل الغسل فان بعض
الغسل ليس غسلا بل أنيط نفى البأس عن مسه في بعض الأخبار المتقدمة بوقوعه بعد الغسل فما عن بعض من القول بطهارة العضو
الذي تحقق الفراغ منه وعدم وجوب الغسل بمسه ضعيف واضعف منه ما عن بعض اخر من التفصيل بين الحكمين فالتزم بطهارة
العضو عدم سقوط غسل المس لزعمه اقتضاء القواعد الفقهية زوال النجاسة بمجرد انفصال الغسالة عن العضو وعدم توقف طهارة
عضو على غسل عضو اخر وفيه ان هذا انما هو في المتنجسات التي يطهرها الغسل بالفتح لا الميت الذي هو نجس العين وقد جعل
الشارع الغسل الذي هو من العبادات مطهرا له كالاسلام للكافر كيف ولو كان جرى الماء عليه من حيث هو موجبا لطهارته كساير
المتنجسات لم يكن ذلك مقتضيا الا لطهارة ظاهره الذي جرى عليه الماء دون ما في أحشائه فحكم الميت امر تعبدي مخصوص به لا يشابه
غيره حتى يقاس عليه والله العالم وكذا يجب الغسل ان مس قطعة مبانة منه أو من حي بعد البرد وقبل التطهير ان قلنا بقبولها له
كما تقدم الكلام فيه في محله وكان فيها عظم على المشهور كما في الجواهر وغيره بل عن صريح الخلاف وظاهر غير واحد من الأصحاب
دعوى الاجماع عليه واستدل له بما رواه المشايخ الثلاثة عن أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي
عبد الله عليه السلام قال إذا قطع
من الرجل قطعة فهي ميتة فإذا مسه انسان فكل ما فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه ويستفاد
منه حكم المبانة من الميت بالفحوى وتنقيح المناط بشهادة العرف مع امكان ان يدعى صدق الميتة عليها حقيقة الموجب لاندراجها
في الموضوع الذي تفرع عليه الحكم مضافا إلى عدم قائل على الظاهر بوجوبه في المبانة من الحي دون الميت وان احتمل وجوده
في عكسه كما ربما يستشعر من المتن ويشهد له أيضا ما عن الفقه الرضوي من التصريح به قال فان مسست شيئا من جسد اكل
السبع فعليك الغسل ان كان فيما مسست عظم وما لم يكن فيه عظم فلا غسل في مسه خلافا للمصنف في محكى المعتبر حيث لم يوجب الغسل بمس القطعة
المبانة مطلقا فإنه بعد ان استدل له بالرواية المتقدمة قال والذي أراه التوقف في ذلك فان الرواية مقطوعة والعمل بها قليل
ودعوى الشيخ في الخلاف الاجماع لم يثبت فاذن الأصل عدم الوجوب وان قلنا بالاستحباب كان تفصيا من اطراح قول الشيخ
والرواية انتهى وفى المدارك بعد نقل ما سمعته من المعتبر قال وهو في محله * (أقول) * وهو كذلك لو اغمض عن الرواية لكن الظاهر كفاية
ما عرفت في جبرها فالقول بالوجوب كما هو المشهور لا يخلو من قوة نعم لا يبعد دعوى انصراف الرواية بل واطلاق الفتاوى
عن مثل السن المشتمل على جزء يسير من اللحم كما صرح به بعض وربما استدل له بأمور أيضا مرجعها إلى ما ذكره الشهيد في محكى الذكرى
تعريضا على ما تقدم من المعتبر بان هذه القطعة جزء من جملة يجب الغسل بمسها فكل دليل دل على وجوب الغسل بمس الميت فهو دال عليها
وبان الغسل يجب بمسها متصلة فلا يسقط بالانفصال وبانه يلزم عدم الغسل لو مس جميع الميت متفرقا انتهى وفى الجميع نظر اما الأول
فيرد عليه انه لا يصدق مس الميت عرفا على مس عضوه المنفصل عنه حتى يعمه اطلاق ما دل على وجوب الغسل بمس الميت بل ربما يتأمل
في بعض موارد الصدق أيضا في استفادة حكمه من المطلقات كما لو مس جسده الباقي بعد قطع رأسه وأطرافه لامكان دعوى انصراف
الاطلاق عنه وان كانت الدعوى غير مسموعة خصوصا بالنظر إلى بعض الأخبار المتقدمة التي ورد فيها الامر بغسل من يغسل الميت
مع امكان اثبات وجوبه في مثل الفرض بالاستصحاب بناء على المسامحة العرفية في موضوعه كما هو التحقيق والحاصل ان ما دل
على وجوب الغسل بمس الميت لا يدل على وجوبه بمس العضو الذي لا يصدق عليه مس الميت بشئ من الدلالات المعتبرة ولا يقاس
ذلك بنجاسته الاجزاء التي اعترفنا باستفادتها من الحكم بنجاسته الميت فانا انما اعترفنا بذلك في باب النجاسة بواسطة بعض
المناسبات المغروسة في الذهن الموجبة لالغاء مدخلية الوصف العنواني في موضوعية الموضوع بشهادة العرف حيث لا يتبادر
عرفا من قولنا مثلا الحمار ينجس بالموت الا ان موته سبب لنجاسة اجزائه فيكون بمنزلة ما لو قلنا اجزاء الحمار من حيث هي تنجس بالموت
بحيث يكون كل جزء جزء في حد ذاته موضوعا مستقلا للنجاسة ومنشأه ان العرف لا يفهمون من نجاسة الشئ الا قذارته شرعا ولا
يتعقلون مدخلية الأوصاف الاعتبارية في قذارة اجزائه فلا يرون المؤثر في تنجيس الملاقى الا نفس الجزء الذي لاقاه فلو لاقى
يد الميت مثلا برطوبة مسرية يحكمون بسراية النجاسة من خصوص يده إلى ما لاقاه من غير مدخلية ساير الأعضاء فيها وهذا بخلاف ساير الأحكام
التعبدية المحضة التي منها وجوب الغسل بمسه أو التيمم بدلا منه فإنه لا سبيل للعرف إلى تشخيص موضوعاتها الا بالتلقي من
الشرع فلا يعرفون ان وجوب الغسل في المثال مسبب عن مس اليد من حيث هو أو بواسطة كونه مسا للميت فمتى انفصلت اليد عن جسد
الميت ولم يصدق على مسها مس الميت يشك في ثبوت الحكم فينفي بالأصل ولا بحال للتمسك بالاستصحاب فاثباته كما قد يتوهم لأنه
فرع احراز الموضوع والقدر المتيقن الذي علم ثبوته عند اتصال اليد بالميت انما هو وجوب الغسل بمس الميت المتحقق بمس يده وهو
537

مفروض الانتفاء عند الانفصال وسببية مس يده من حيث هو لم تعلم في السابق حتى تستصحب وبهذا ظهر ما في استدلاله ثانيا من أن
الغسل يجب بمسها متصلة فلا يسقط بالانفصال فإنه ان أراد بذلك وجوبه بمس القطعة من حيث هي لا باعتبار تحقق مس الميت
بواسطتها فلم يساعد عليه دليل وان أراد به استصحابه ففيه ما عرفت واما ما ذكره ثالثا من النقض بما لو مس جميع اجزاء الميت
متفرقا * (ففيه) * انه ان صدق على مس الجميع عرفا مس الميت كما ليس بالبعيد فلا نقض وان لم يصدق فلا مانع من الالتزام به بعد انحصار
الدليل فيما دل على وجوب الغسل بمس الميت المفروض انتفائه وما تراه من الاستبعاد عند مس الجميع منشأه تحقق الصدق
عرفا في الفرض بملاحظة المجموع الذي وقع المس به والا فلابد فيه أصلا ثم إن هذه الأدلة على تقدير تماميتها لا تتم الا
في الجزء المبان من الميت فالحاق المبان من الحي به انما هو بضميمة عدم القول بالفصل كما ادعاه بعض لكن الجزم به مع ما
أشرنا إليه من اشعار المتن بالتفصيل مشكل اللهم الا ان يعول فيه على قول مدعيه لكنه في غير محله لما سمعت مرارا من
عدم حجية نقل الاجماع ومنه ينقدح ضعف الاستدلال لأصل المدعى أعني وجوب الغسل بالقطعة المشتملة على العظم مطلقا
بما ادعاه الشيخ في الخلاف من الاجماع عليه الا ان يدعى اعتضاده بظاهر غيره وبالشهرة المحققة وغيره مما يوجب الوثوق
به ويخرجه من حد الاجماع المنقول بخبر الواحد ومما يؤيده أيضا استشعار الملازمة بين غسل الميت الذي عرفت في محله
ثبوته لأجزائه المنفصلة المشتملة على العظم وبين الغسل غسل من مسه من الاخبار الامرة بغسل من يغسل الميت وكيف كان فعمدة
المستند في المقام هي الروايتان المتقدمتان المعتضدتان بغيرهما مما عرفت من المؤيدات ومنه يظهر عدم وجوب الغسل
بمس العظم أو اللحم المجردين كما هو ظاهر المتن وغيره فما عن بعض من القول بوجوبه في العظم المجرد ضعيف نعم قد يعضده
رواية إسماعيل الجعفي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن مس عظم الميت قال إذا جاوز سنة فلا بأس فإنها يدل على ثبوت
البأس قبل مضئ السنة لكن الرواية مع ضعفها ومهجوريتها من حيث العمل حيث لم يقيده القائلون به بالسنة لا تخلو عن
اجمال فإنه لم يعلم إرادة نفى البأس عنه من حيث النجاسة أو عدم الغسل بمسه ويحتمل قويا جرى القيد في الرواية مجرى العادة
من خلوص العظم عن اللحم بمضئ السنة فنفى البأس عنه انما هو لذلك فيكون دليلا على عكس المطلوب وحكى عن أبي على تقييد
وجوب الغسل بمس القطعة المبانة من الحي بما بينه وبين سنة ولم يعرف مستنده والرواية المتقدمة لا تصلح مستندة له كما
قد يتوهم لورودها في عظم الميت دون القطعة المبانة من الحي وكيف كان فضعفه ظاهر * (فرع) * السقط بعد ولوج الروح كغيره يجب الغسل
بمسه لصدق الميت عليه واما قبل الولوج بان كان دون الأربعة اشهر فعن المفيد والعلامة في المنتهى انه لا يجب الغسل بمسه
لأنه لا يسمى ميتا إذ الموت انما يكون من حيوة لكن صرح ثانيهما بوجوب غسل اليد منه وقد يشكل ذلك بان المتجه حينئذ طهارته
الا انه حكى عن بعض عدم الخلاف في نجاسته وربما يوجه ذلك بان نجاسته حينئذ لا لصدق الميتة عليه بل لأنه قطعة أبينت من حي و
اعترضه في الجواهر بقوله * (وفيه) * مع بعده في نفسه وعدم انصراف دليل القطعة إلى مثله وكونه على هذا التقدير من اجزاء الحي التي لا تحلها
الحياة الا على اعتبار المنشائية انه لاوجه لاطلاق القول بعدم وجوب الغسل بمسه بناء على ذلك بل المتجه حينئذ التفصيل بين المشتمل على العظم
منه وعدمه كالقطعة المبانة من الحي انتهى * (أقول) * وهو في محله وما ادعاه بعض من حلول حيوة الام فيه كغيره مما في بطنها من الأحشاء و
الأمعاء قابل للمنع بل هو بمنزلة البيضة في بطن الدجاجة لكن مع ذلك يمكن توجيه النجاسة بأنه يستفاد من مثل قوله (ع) ذكوة الجنين ذكوة أمه
قبول الجنين للتذكية وان ما عدا المذكى منه ميتة شرعا بل لا يبعد دعوى استفادة هذا المعنى من الأدلة بالنسبة إلى مطلق اللحم المنفصل عن
الحيوان كالخارج مع الولد وان لم يصدق عليه اسمه في العرف ولذا حرم اكله فيدل على نجاسة حينئذ ما دل على نجاسته الميتة من كل شئ
عدا ما استثنى مما عرفته في ما سبق لا يقال إذا ثبت كونه ميتة يجب الغسل بمسه ان كان فيه عظم بمقتضى مرسلة أيوب بن نوح المتقدمة حيث
فرع فيها وجوب الغسل بمس القطعة المبانة من الرجل على كونها ميتة لأنا نقول ليس الحكم متفرعا على مطلق الميتة بل على ميتة الانسان
والجنين ليس منها بل هو ميتة تصير انسانا فالقول بالتفصيل لا يخلو من وجه الا ان اثبات نجاسة الميتة بالمعنى المذكور لا يخلو من
اشكال وكيف كان فلا ينبغي ترك الاحتياط فيه بالغسل فضلا عن غسل اليد الذي ادعى عليه الاجماع والله العالم * (تنبيه) * لو وجد ميتا
أو بعضا منه مطروحا في مقابر المسلمين أو غيرها فان شهدت الامارات الموجبة للوثوق بجريان يد مسلم عليه بتصرفه فيه تصرفا مترتبا على
الغسل من تكفينه أو الصلاة عليه أو دفنه حكم بطهارته وعدم الغسل بمسه لكون تصرفه من قبيل تصرف ذي اليد فيما يتعلق به تصرفا مشروطا
بالطهارة فإنه كاخباره بالطهارة حجة شرعية على استصحاب النجاسة فليس مستند الحكم مجرد حمل فعله على الصحيح من حيث كونه أصلا
تعبديا حتى يتطرق فيه المناقشة بعدم اقتضائه الا الحكم بصحة الفعل الذي أحرز عنوانه من حيث هو ولا يثبت به شرائطه التي توقف
538

صحة الفعل عليها بعناوينها الخاصة بحيث يترتب عليها اثارها المخصوصة بها كما لو رأينا شخصا يصلى فانا نحكم بصحة صلاته من حيث
هي وترتب على فعله اثر الصلاة الصحيحة من جواز الاقتداء به ونحوه لكن لا يثبت بذلك كون الجهة التي يصلى إليها قبلة وكون ثيابه
من غير الحرير أو كونه من مأكول اللحم أو كونه متطهر أو غير ذلك من الشرائط التي يتوقف عليها صحة الصلاة بحيث يكون فعله من
حيث هو كالبينة طريقا شرعيا لاحراز تلك الشرايط بعناوينها الخاصة كما تقرر ذلك في محله فلا يحرز الغسل الذي هو من الشرايط
صحة الدفن بحمل الدفن على الصحيح حتى يرفع اليد بسببه عن استصحاب النجاسة ووجوب الغسل بمسه نعم لو أحرز مباشرة شخص لتجهيزاته
من الغسل وغيره على سبيل الاجمال وشك في صحتها وفسادها حكم بصحة الجميع لكنه خلاف الفرض فان المفروض انه لم يحرز الا خصوص
الدفن ونحوه فلا يحرز به الغسل وكيف كان فلا اشكال في الحكم في الفرض ويكفى في احراز كون من جرى عليه يده مسلما كونه في ارض
يكون الغالب في أهلها المسلمون إذا الظاهر حجية الغلبة في مثل المقام ومتى لم يحرز جريان يد مسلم عليه بمثل الدفن والكفن ونحوهما فمقتضى
الأصل نجاسته ووجوب الغسل بمسه وهل يحكم بوجوب تغسيله ودفنه والصلاة عليه بمجرد احتمال كونه مسلما وكذا بحكم بطهارته
بالتغسيل أم لا يحكم بشئ منها الا بعد احراز اسلامه ولو بكونه في ارض يكون الغالب فيها المسلمين لم يحضرني لأصحابنا نص فيه و
الذي يقتضيه الأصل براءة الذمة عن التكليف واستصحاب نجاسته بعد الغسل ولا يقاس ذلك بلقيط دار الحرب المحكوم باسلامه
مع الاحتمال فان اللقيط انما يشبه ما نحن فيه قبل ان يلتقط والقدر المتيقن من حكمهم باسلامه حينئذ انما هو بلحاظ بعض اثاره
الموافقة للأصل كطهارة بدنه وبقاء حريته والا فلم يعرف منهم الالتزام بوجوب تكفينه ودفنه والصلاة عليه لو مات في
دار الحرب قبل ان يلتقط نعم بعد الالتقاط ظاهرهم التسالم على جريان احكام المسلمين عليه لكنه لا يشبه المقام لامكان ان
يكون منشأه تبعيته للمسلمين بعد اندراجه في زمرتهم من باب التوسعة والتسهيل أو لدخوله في ملك الملتقط في الواقع على
تقدير كفر أبويه فتبعه في الحكم على المشهور وان لم يحكم به في مرحلة الظاهر * (فيعلم) * اجمالا بعد الالتقاط تبعيته للمسلم على كل تقدير
هذا مع أن عمدة المستند في تلك المسألة الاجماع فلا يقاس عليها غيرها وان كان ربما يشعر بعض كلماتهم كاستدلال بعضهم
فيها بقوله (ع) الاسلام يعلو ولا يعلى عليه ان الأصل في المشكوك حاله الاسلام فان هذا الأصل على تقدير تسليمه أصل
تعبدي يشكل التمسك به لتشخيص الميت الذي لا يتصف بالاسلام والكفر الا بعلاقة ما كان * (نعم) * لو كان مستندهم في تلك
المسألة عموم ما روى من أن كل مولود يولد على الفطرة الحديث اتجه الحكم بالاسلام بمقتضى الاستصحاب لكنهم لم يستندوا
إليه بل لم يعتمدوا عليه فكأنهم اعرضوا عنه ولعل وجهه ما تقرر عندهم من تبعية الولد لأبويه في مرحلة الظاهر فلا يكون لفطرته
الأصلية التي فطر عليها اثر يتعلق بكيفية العمل بل يكفي في عدم الرجوع إلى العموم احراز تبعية خصوص ولد الكافر لأبويه
إذ لا يصح التمسك بالعمومات في الشبهات المصداقية وأصالة عدم التبعية لا أصل لها حيث لم يعلم له حالة سابقة ويجب
غسل اليد مثلا دون الغسل على من مس مالا عظم فيه من القطعة المبانة من الميت أو الحي عدا ما عرفت فيما تقدم استثنائه
أو قصور أدلة النجاسة عن شموله أو مس ميتا له نفس سائلة من غير الناس ان كان المس برطوبة مسرية سارية لا مطلقا وان
كان ذلك أحوط خصوصا في ميتة الانسان كما عرفت تفصيل ذلك كله فيما سبق الخامس الدماء ونجاستها في الجملة مما
لا شبهة فيه بل عن غير واحد دعوى اجماع المسلمين عليها بل عدها بعض من ضروريات هذا الدين ولكن لا ينجس منها الا
ما كان من حيوان له عرق بان كان له نفس سائلة فما لا نفس له دمه طاهر كما سيأتي تحقيقه واما ماله نفس سائلة فدمه نجس
مطلقا عدا ما ستعرف استثنائه سواء حل اكله أم حرم من غير خلاف في عموم نجاسته من كل ذي نفس بل عن جملة من الأصحاب ودعوى
الاجماع عليه نعم وقع خلاف لا يعتد في اطلاق نجاسته من حيث القلة والكثرة كما ستعرف تفصيله انشاء الله واستدل عليه عليها مضافا
إلى الاجماع بقوله تعالى الا ان يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس وتماميته الاستدلال به مبنى على ظهور الرجس في إرادة
النجاسة وعود الضمير إلى كل واحد من المذكورات وفى كلهما تأمل لكن الأخبار الدالة عليه فوق حد الاحصاء الا ان معظمها
وردت في موارد خاصة يشكل الاستدلال بها لعموم المدعى الا ببعض التقريبات الآتية وربما يوهم كلمات جملة من الأصحاب
كالعلامة وغيره اختصاص النجاسة بالدم المسفوح وهو كما في الحدائق ما انصب من العرق فإنهم قيدوا موضوع المسألة به
قال في محكى المنتهى قال علمائنا الدم المسفوح من كل حيوان ذي نفس سائله أي يكون خارجا بدفع من عرق نجس وهو مذهب
علماء الاسلام انتهى بل ربما يشعر بذلك استدلال غير واحد منهم على طهارة بعض الدماء بأنه ليس بمسفوح فعن المنتهى أنه قال
في الاستدلال على طهارة دم ما ليس له نفس سائلة بأنه ليس بمسفوح فلا يكون نجسا والحق به دم المتخلف في اللحم المذكى إذا لم
539

يقذفه الحيوان لأنه ليس بمسفوح ثم استدل في خصوص دم السمك كالمصنف في محكى المعتبر بأنه لو كان نجسا لتوقف إباحة اكله على
سفحه كالحيوان البري انتهى لكن المعلوم من المذهب أعمية الموضوع إذ لا شبهة في نجاسته مثل دم الرعاف والدماء الثلاثة ودم
القروح والجروح ودم حكة الجلد ودم الأسنان وغير ذلك كما يدل عليها الأخبار الواردة فيها بالخصوص بل يظهر منها كون نجاستها
مفروغا منها فمرادهم بالدم المسفوح على الظاهر ما من شأنه ان يكون مسفوحا ليخرج دم ما لا نفس له والدم المتخلف في الذبيحة
إذ ليس من شأنهما ان يسفحا بخلاف غيرهما مما يخرج من ذي النفس بالحك ونحوه فان من شانه الانصباب من العرق على تقدير ذبح
الحيوان وكيف كان فلا شبهة بل لا خلاف على الظاهر في نجاسته دم ذي النفس مطلقا عدا المتخلف في الذبيحة ويشهد لها مضافا
إلى اطلاق معاقد الاجماعات المحكية الأخبار الكثيرة التي تقدمت الإشارة إليها الواردة في دم الرعاف وحكة الجلد وغيرهما
فان المتأمل فيها لا يكاد يشك في أن الامر بغسل الملاقى أو غير ذلك من ترتيب اثار النجاسة في تلك الأخبار على الدماء الخاصة
التي ورد السؤال عنها لم يكن الا بلحاظ كونه ملاقيا للدم من غير أن يكون لخصوصية كونه بواسطة حكة الجلد أو نحوها مدخلية
في الحكم فيفهم من مثل هذه الروايات ان دم الانسان من حيث هو كعذرته من النجاسات وكذا الكلام في ساير الحيوانات التي
يستفاد من الاخبار نجاسته دمها في الجملة فإنه بعد الالتفات إلى عدم مدخلية خصوصية المورد كما يشهد لذلك التتبع
في احكام الدم يحصل الجزم بكون دمه مطلقا كالمني وغيره من النجاسات فلا يبعد ان يدعى انه يفهم من الأخبار الخاصة
نجاسة مطلق دم ذي النفس فيجب الاجتناب عن مطلقة الا ان يدل دليل خاص على خلافه فيكون الأصل في دم ذي النفس
النجاسة لا يعدل عنه الا لدليل كما يؤيده بل يشهد له الأخبار الكثيرة المسوقة لبيان حكم اخر مثل ما ورد جوابا عن السؤال عن
حكم الدم المرئى في الثوب بعد الصلاة أو في أثنائها عند الجهل به أو نسيانه والدم الواقع في الماء القليل أو البئر مثل ما في صحيحة
زرارة قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من منى فعلمت اثره إلى أن أصيب له الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت ان
بثوبي شيئا وصليت ثم ذكرت بعد ذلك قال (ع) تعيد الصلاة وتغسله وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) ان أصاب ثوب
الرجل الدم فيصلى فيه وهولا يعلم فلا إعادة وان هو علم قبل ان يصلي فنسي وصلى فيه فعليه الإعادة وصحيحة إسماعيل بن جابر
عن أبي عبد الله قال في الدم يكون في الثوب ان كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة وان كان أكثر من قدر الدرهم وكان
رآه ولم يغسله حتى صلى فليعد صلاته إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يقف عليها المتتبع فإنه يستفاد من مثل هذه الروايات
كون نجاسة الدم من حيث هو من الأمور المعروفة لديهم بل لا يبعد ان يدعى انا لو خلينا وهذه الأخبار
لجزمنا بنجاسة مطلق الدم
حتى دم السمك وأشباهه وانما عدلنا عن ذلك في غير ذي النفس والمتخلف في الذبيحة للأدلة الخاصة لكن لا يخفى عليك ان هذا
الأصل الذي ادعينا استفادته من مثل هذه الأخبار غير مجد لاثبات النجاسة في مواقع الشك لان مرجعه إلى دعوى ظهور
الاخبار بمساعدة القرائن الداخلية والخارجية ومعروفية نجاسة هذه الطبيعة لدى السائلين في عدم خصوصيات الموارد
في الأحكام المترتبة على الدم من حيث النجاسة بل الموضوع للحكم صرف الطبيعة من حيث هي فهذا انما يجدى لمن أذعن بذلك
واعتقد عدم مدخلية شئ من الخصوصيات بان يكون مناط الحكم لديه منقحا والا فلو احتمل مدخلية بعض الخصوصيات المكتنفة
به كخروجه إلى ظاهر الجسد أو كونه من الأجزاء الأصلية للحيوان دون ما إذا كان من قبيل العلقة التي يستحال إليها النطفة
لا ينهض مثل هذه الأخبار حجة لحسم هذه الشبهة إذ ليس فيها عموم لفظي أو اطلاق معتبر يستند إليه في اثبات نجاسته المشكوك و
انما استكشفنا العموم منها بطريق اللب بتنقيح المناط واستكشاف معروفية نجاسته الدم من حيث هو لدى الأئمة والسائلين
على وجه كانوا يرسلونها ارسال المسلمات ومن المعلوم انه لو كان دم العلقة مثلا في الواقع طاهرا ولم يتعرض لبيانه الإمام (ع)
في ضمن هذه الأخبار لم يرتكب قبيحا ولا مخالفة ظاهر حتى ينافيه قاعدة الحكمة المقتضية لحمل اللفظ على ظاهره اما الأخبار الخاصة فحالها
واضح لان التخطي عن خصوص مواردها فضلا عن اثبات العموم بها لم يكن الا بالاستنباطات العقلية لا بالدلالة اللفظية واما
الأخبار المطلقة المسوقة لبيان حكم اخر كما هو الغالب في اخبار الباب فلا يصح التمسك باطلاقها لاثبات عموم النجاسة فان من
شرط التمسك بالاطلاق عدم كونه مسوقا لبيان حكم اخر والا فلا ينافيه الاهمال كما تقرر في محله وما قد يتوهم من أن دلالة المفرد
المعرف أعني لفظ الدم على العموم بالوضع لا بالاطلاق فلا يشترط في التمسك بعمومه الشرط المذكور وهم فاسد فظهر لك انه لا يصح
التمسك بمثل هذه الأخبار لتأسيس أصل يرجع إليه في موارد الشك لكن الانصاف ان المتأمل فيها وفى غيرها من الشواهد
والمؤيدات لا يكاد يشك في نجاسته دم ذي النفس مطلقا عدا ما ثبت طهارته أعني الدم المتخلف في الذبيحة ولا أقل من كونها
540

موجبة للوثوق بصدق ما ادعاه جماعة من الاجماع على هذه الكلية هذا مع أن مغروسيتها في أذهان المتشرعة من أقوى شواهد
صدقها بل كادت تلحقها بضروريات المذهب فيكون معقد اجماعهم كمتن خبر معتبر يجب الرجوع إلى عمومه في مواقع الشك
وربما يدعى ان الأصل في الدم مطلقا النجاسة الا ان يثبت خلافه فالدم المخلوق اية وان لم يكن دم حيوان محكوم بنجاسته و
استدل لذلك باطلاق بعض معاقد الاجماعات المحكية على نجاسته الدم مطلقا عدا دم مالا نفس له والمتخلف في الذبيحة وباطلاق
النبوي صلى الله عليه وآله يغسل الثوب من المنى والدم والبول وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب
منه الا ان ترى في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب ولكنك خبير بانصراف الاطلاق عن مثل الدم المخلوق اية وما يقال
من أن منشأه ندرة الوجود فلا اعتداد به مدفوع بان منشأه عدم معهودية مثل هذا الدم فلا ينصرف إليه الاطلاق الا ترى فرقا واضحا بين انصراف
الاطلاق عن دم حيوان ذي نفس لم يعهد وجوده كالزرافة والعنقاء وانصرافه عن مثل هذا الدم فان الأول انصراف بدوي ولذا لا نشك في نجاسته
بخلاف الثاني هذا مع أنه لا يسمع دعوى الاجماع من مدعيه على العموم على وجه عم مثل الفرض بعد ما نشاهد منهم الاختلاف في بعض الموارد
لأجل التشكيك في كونه من دم ذي النفس بل بعض نقلة الاجماع استدل لنجاسته دم العلقة بكونه دم ذي النفس فيكشف ذلك عن أن اطلاق كلامهم
مصروف إلى دم ذي النفس واما النبوي فهو ضعيف السند لم يعلم استناد الأصحاب إليه حتى يكون جابرا لضعفه واما الموثقة فهي مسوقة لبيان
حكم اخر كغيرها من الأخبار المتقدمة وسيأتي مزيد توضيح لذلك فيما بعد انشاء الله فظهر ان الأظهر في مثل الدم المخلوق اية كالنازل من السماء أو
الخارج من الشجر ونحوهما مما لا يكون فكونه من الحيوان الطهارة للأصل هذا مع أن في كونه مصداقا حقيقيا للدم تأملا واما دم العلقة فلا
ينبغي التأمل في نجاسته وما عن بعض من التشكيك فيها نظرا إلى انصراف دم ذي النفس إلى غيره مما يعد من اجزائه الأصلية ضعيف فإنه كدم الحيض
والنفاس يعد عرفا من دم ذي النفس ولو سلم انصراف اطلاق دم ذي النفس في معاقد الاجماعات إلى غيره فهو غير مجد فان المتأمل في كلماتهم
لا يكاد يشك في ارادتهم العموم على وجه يشمل جميع الافراد هذا مع ما عن الخلاف من دعوى الاجماع عليه واضعف من ذلك ما عن بعض اخر من التشكيك
في موضوعه بابداء احتمال كونه مهية أخرى شبيهة بالدم فإنه احتمال يكذبه العرف واما الدم الذي يوجد في البيضة ففي نجاسته تردد لا لما احتمله بعض من
عدم كونه دما فإنه مما لا ينبغي الالتفات إليه بعد شهادة العرف بكونه مصداقا حقيقيا للدم بل لقصور الأدلة عن اثبات عموم يتمسك به في المقام فمقتضى
الأصل طهارته لكن الذي يصرفنا عن الاعتماد على الأصل غلبة الظن بمعهودية نجاسة مطلق الدم في الشريعة والتجنب عنه مطلقا عدا ما ثبت طهارته
كما يشهد بذلك سوق عبارة السائلين وأجوبة الأئمة (ع) في كثير من الأخبار الواردة لبيان احكام الدم ويشعر به بعض الأخبار التي ورود فيها السؤال
عن حكم دم البراغيث ونحوها كخبر محمد بن ريان قال كتبت إلى الرجل هل يجرى دم البق مجرى دم البراغيث وهل يجوز لاحد ان يقيس بدم البق على
البراغيث فيصلى فيه وان يقيس على نحو هذا فيعمل به فوقع (ع) يجوز الصلاة والطهر منه أفضل وغير ذلك من الروايات التي يستشعر منها ذلك وانما
رجعنا إلى حكم الأصل من غير ووسوسة في مثل المخلوق اية لعدم معهودية ضعفه ومما يؤيد أيضا نجاسته خصوص ما في البيضة مغروسيتها في أذهان
المتشرعة فلو لم يكن القول بالنجاسة أقوى فلا ريب في أنه أحوط ثم إن في المقام اخبارا ربما يستظهر منها طهارة دم الرعاف وغيره من بعض أصناف الدم
لكنها قابلة للتوجيه القريب منها رواية جابر عن أبي جعفر (ع) قال سمعته يقول لو رعفت ذروفا ما زدت على أن امسح منى الدم واصلي وهى مع ضعف
سندها بحسب الظاهر مسوقة لبيان عدم انتقاض الوضوء بالرعاف لا لبيان كفاية مسحه مطلقا حتى ينافيه نجاسته فلا مانع من تنزيلها على
ما إذا لم يتجاوز الدم عما حول الانف بحيث يزيد عن سعة الدرهم حتى يمنع من الدخول في الصلاة ويحتمل بعيدا ان يكون مسحه كناية عن تنظيفه
وتطهيره كما أن هذا هو المراد بحسب الظاهر من الانقاء في حسنة الوشا قال سمعت أبا الحسن (ع) يقول كان أبو عبد الله (ع) يقول في الرجل يدخل
يده في انفه فيصيب خمس أصابعه الدم قال ينقبه ولا يعيد الوضوء إلى غير ذلك من الاخبار التي لا يخفى توجيهها على من لاحظها بل لا ظهور لها
في المدعى حتى يحتاج إلى التوجيه فلا يهمنا التعرض لها خصوصا مع تعين طرحها على تقدير تسليم الدلالة وعدم قبولها للتوجيه بقي الكلام
في الدم المتخلف في الذبيحة وهو في الجملة مما لا شبهة في طهارته بل لا خلاف ويشهد له مضافا إلى ذلك استقرار اليسرة على عدم التجنب عنه بل
الضرورة قاضية بحلية اللحم المذكى وهو لا ينفك عن اشتماله على شئ من الدم بل يتعذر غالبا تخليصه منه الا ببعض المعالجات التي علم بالضرورة
من الشرع عدم اعتبارها الا ترى ذلك بعد المبالغة في غسله تجده يتقاطر منه ماء احمر فكلما دل على حلية اكل اللحم بدون هذه المبالغات
دل على حلية ما يتضمنه من الدم وهى أخص من طهارته كما هو واضح وما عن شارح الدروس من المناقشة في اقتضاء هذا الاستدلال طهارة
ما تخلف فيه من الدم بعد بروزة بقوله قد يقال إنه إذا خرج منه دم يحكم بنجاسته وإذا لم يخرج ولم يظهر طاهر ان كان في اللحم ولا يصدق معه
حينئذ إذا اكل في ضمن لحمه اكل الدم بل هو اكل السمك حينئذ بخلاف ما إذا خرج ولا تحكم لان الاحكام تدور مدارا الأسماء ويختلف الاسم قبل الخروج
وبعده انتهى في غير محلها لأن اطلاق السمك على المجموع لا يوجب عدم كون ما تضمنه من الدم مصداقا لمفهومه بل العرف يشهد بكون السمك
541

اسما للجملة المشتملة على اللحم والعظم والدم فلو كان الدم نجسا لتوقف حلية اكل ما عداه على تخليصه منه فلو استند فيما ذكره من التفصيل إلى
ابداء احتمال العفو عنه ما دام في الباطن كما في الحيوان الحي حيث لاحكم لدمه حال حياته ما لم يظهر كان اسلم من الخدشة لكن يتوجه عليه حينئذ أيضا ما
أشرنا إليه من قضاء العادة بتغير لون الماء به فطبخه في الماء لا ينفك غالبا عن ظهور دمه وتغير الماء به وكفى بظهوره في ضمن الماء علة الانفعال
الماء به كما في الماء الممتزج بالدم الخارج من حلق الحيوان وكيف كان فما ذكره من التفصيل ضعيف جدا خصوصا مع اطلاق كلمات الأصحاب
ومعاقد اجماعاتهم المحكية واستقرار سيرة المتشرعة على عدم الالتزام بتطهير ظاهر اللحم بل تعسره أو تعذره بالنسبة إلى الشحم ونحوه الا بطرح
الجزء المتلوث به نعم ما ذكره وجهاء التفضيل يصلح فارقا بين المتصل باللحم المستهلك فيه التابع له في اطلاق اسم اكل اللحم وبين المنفصل
عنه المستقل بالاسم الذي يصدق على اكله اكل الدم في حلية اكله وحرمته بعد فرض طهارته فان الحرام عند استهلاكه في غيره كالتراب الممتزج
بالحنطة المستهلك فيما لا اثر له بخلاف النجس فإنه لا يستهلك ولا يتبع غيره في الحلية مع وجود عينه أصلا وان كان في غاية القلة بل هو يهلك
ملاقيه ويتبعه في الحكم إذا كان برطوبة مسرية ومع اضمحلال عينه وانعدام موضوعه عرفا يقوم ملاقيه مقامه في الأثر فصحة اطلاق اسم السمك
أو اللحم المذكى على الجملة المشتملة على الدم المستهلك فيه لا يؤثر الا في إباحة اكله على تقدير طهارة الدم والا فهو بمنزلة ما لو اصابه قطرة دم من الخارج
كما هو واضح وبما ذكرنا ظهر لك انه لا يصح الاستدلال لحلية الدم المتخلف في الذبيحة من حيث هو بالأدلة المتقدمة الدالة على طهارته لان إباحة
اللحم المشتمل عليه كإباحة الحنطة المشتملة على شئ يسير من التراب لا تستلزم إباحة ما فيه من الدم من حيث هو فلا مقتضى لرفع اليد عن اطلاق قوله تعالى
انما حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله لكن ربما يستدل لإباحته من حيث هو كطهارته بمفهوم قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحى
إلى محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير [الخ] فإنه يدل على حلية الدم الغير المسفوح فيخصص به اية التحريم وفيه
ان الاستدلال به اما بمفهوم الوصف اما الحصر فهو بحسب الظاهر إضافي لم يقصد به الا الاحتراز عن الأطعمة المعهودة التي حرمها
بعض العرب على أنفسهم افتراء على الله تعالى والا للزم تخصيص الأكثر المستهجن فان المحرمات من الحيوانات البرية والبحرية وغيرها فوق حد الاحصاء
وفى الصافي عن القمي أنه قال قد احتج قوم بهذه الآية على أنه ليس شئ محرم الا هذا وأحلوا كل شئ من البهائم القردة والكلاب والسباع والذئاب
والأسد والبغال والحمير والدواب وزعموا أن ذلك كله حلال وغلطوا في ذلك غلطا بينا وانما هذه الآية رد على ما أحلت العرب وحرمت
لان العرب كانت تحلل على نفسها وتحرم أشياء فحكى الله ذلك لنبيه صلى الله عليه وآله ما قالوا فقال وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم
على أزواجنا الآية فكان إذا سقط الجنين اكله الرجال وحرم على النساء وإذا كان ميتا اكله الرجال والنساء * (انتهى) * لكن صاحب الصافي عليه الرحمة
لم يرض بهذا التوجيه لزعمه مخالفته للاخبار الكثيرة المقررة لظاهر الآية الا ان تلك الأخبار أيضا كظاهر الآية مما لابد من تأويله ولذا وجهه بما
لا يصح ظاهره على وجه يصح الاستدلال به في مقابل الأدلة الدالة على تحريم غير المذكورات و * (كيف) * كان فلا يجوز رفع اليد عن ظاهر الآية المحكمة
المتقدمة بمفهوم الحصر الذي تشابه علينا امره واما الوصف فهو مع ضعف دلالته في حد ذاته على المفهوم لم يقصد به في المقام الاحتراز عن مطلق
غير المسفوح كما قد يتوهم لان أغلب افراده محرم بل كثير منها نجس فلا يبعد ان يكون المراد به بيان قصر المحرم من الذبيحة على دمه المسفوح في
مقابل الدم المتخلف وكفى بكونه نكتة للتقييد عدم حرمة المتخلف سواء كان بنفسه موضوعا للحلية أو بواسطة تبعية اللحم واستهلاكه فيه
فلا يفهم من ذلك حلية من حيث هو حتى يتقيد به اطلاق اية التحريم نعم يفهم منه بالالتزام طهارته وان انفصل واستقل لما
أشرنا إليه من أن التنجس لا يكون تابعا أصلا حتى يفصل بين حالتي الاستقلال والتبعية ودعوى ان غاية ما يفهم من الأدلة المتقدمة
انما هو طهارته حين اتصاله باللحم واما مع الانفصال فلا دليل عليها فمقتضى عموم ما دل على نجاسته دم ذي النفس نجاسته * (مدفوعة) *
بان العموم قد تخصص بالنسبة إلى هذا الفرد فعلى تقدير الشك في بقاء طهارته بعد الانفصال يرجع إلى استصحاب حكم الخاص لا إلى
أصالة العموم لا يقال إنه ان تمت هذه القاعدة فمقتضاها استصحاب حلية أيضا بعد الانفصال والاستقلال فلا وجه للتفصيل
بين الحكمين لأنا نقول لم يثبت حلية حين الاتصال من حيث هو حتى يستصحب لما أشرنا إليه من احتمال كونه مع الاتصال من قبيل التراب
المستهلك في الحنطة الذي لا يلحقه عموم حرمة التراب فلم يعلم ورود تخصيص أصلا على عموم حرمة الدم والخبائث نعم لو قلنا باستفادة
حليته ما دام الاتصال مما دل على حلية الذبيحة بالتضمن كساير اجزائها أو قلنا بدلالة الآية على حليته من حيث هو أو اعتمدنا في ذلك على
ظواهر كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية على حلية الدم المتخلف وطهارته المقتضية لكونه من حيث هو معروضا لحليته ولو
بالتبع لاتجه استصحابها بعد الانفصال والاستقلال وتوهم تبدل الموضوع المانع من جريان الاستصحاب لاحتمال مدخلية وصف الاعمال
والتبعية في موضوع الحكم * (مدفوع) * بعدم ابتناء امر الاستصحاب على مثل هذه التدقيقات فالمانع من جريان الاستصحاب ليس الا
احتمال عدم ثبوت وصف الحلية له الا بملاحظة استهلاكه وتبعيته للمأكول والا فلو ثبت كونه من حيث هو محكوما بالحلية ولو بتبعية
542

غيره امتنع التمسك لحرمته بعد زوال وصف التبعية بعموم اية تحريم الدم لان العموم قد تخصص بالنسبة إلى هذا الفرد لخروجه من الموضوع
الذي حكم بحرمته على الاطلاق وكون هذا الدم تابعا أو مستقلا من أحوال الفرد لا من افراد العام حتى يقتصر في تخصيصه على المتيقن ففي
مورد الشك أعني صورة الانفصال يرجع إلى الأصول العملية وهو استصحاب الحلية ولو ناقشنا في الاستصحاب يتبدل الموضوع فإلى
قاعدة الحل اللهم الا ان يدعى ان بعد الانفصال يندرج في موضوع الخبائث التي حرمها الله تعالى وقبله لا يعد منها عرفا فلا مجال حينئذ للرجوع إلى
الأصول العملية لكن الدعوى غير خالية من النظر والله العالم وهل يختص الطهارة بالدم المتخلف في ذبيحة ما يؤكل لحمه أم تعم ذبيحة غير المأكول
أيضا مقتضى الأصل المتقدم نجاسته في غير المأكول كما لعله هو المشهور بل عن الذخيرة والبحار وشرح الدروس وشرح المفاتيح ان الظاهر
اتفاق الأصحاب عليه فلا يلتفت إلى ما يترائى من اطلاقهم القول بطهارة المتخلف مع انصرافه في حد ذاته إلى ذبيحة المأكول لكن عن
بعض التردد بل الميل إلى طهارته لظهور قوله تعالى أو دما مسفوحا في حلية ما عداه وهى تدل على طهارته وقد عرفت ما فيه خصوصا في مثل
الفرض الذي لا يظن بهم الالتزام بحلية حتى يفهم طهارته منها بالالتزام واضعف منه الاستدلال له بالأصل بعد منع الدليل على
العموم الذي يستفاد منه نجاسة مطلق الدم لما عرفت من أن دم ذي النفس هو القدر المتيقن الذي استفيد نجاسته من الاجماع وغيره
وربما يستشهد له أيضا باطلاق ما دل على طهارة الحيوان بالتذكية الشامل باطلاقه لجميع اجزائه حتى الدم مضافا إلى الحرج في الاجتناب
عنه إذا أريد اخذ جلده أو انتفاع بلحمه وشحمه وغير ذلك فينتفى فائدة الطهارة وفى الكل نظر فالأقرب النجاسة وهل المتخلف في الجزء
الغير المأكول من الذبيحة المأكولة طاهر أم لا ظاهر كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية طهارته لكن مقتضى استدلالهم
لطهارة المتخلف بالآية بعدم شمول الحكم له لأنه غير حلال كنفس العضو لكن لا يخفى على المتأمل ان استدلالهم لمثل هذه المسائل المسلمة بمثل
هذه الأدلة من باب تطبيق المدعى على الدليل لا استفادته منه حتى بتقيد بمقدار دلالته فالعبرة في مثل المقام انما هو بظهور كلماتهم
في الاطلاق وكيف كان فهذا هو الأظهر لاستقرار اليسرة على عدم التجنب عن الدم المتخلف مطلقا من غير فرق بين ما تخلف في الطحال
والنخاع وغيرها من الأعضاء المحرمة وبين غيره والله العالم ولا ينجس دم ما يكون خروج دمه رشحا بان لم يكن له عرق يشخب منه الدم كدم السمك
وشبهه بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن جملة من الأصحاب كالسيد والشيخ وابن زهرة وابن إدريس
والمصنف والعلامة والشهيدين وغيرهم
الاجماع عليه نعم عن المبسوط والجمل والمراسم والوسيلة ما يوهم نجاسته والعفو عنه لكن أجاد شيخ مشايخنا المرتضى ره في تضعيفه بقوله
ولا عبرة بالوهم ولا بالموهوم وكيف كان فيدل عليه مضافا إلى الاجماع عموم كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر إذ لم يثبت أصالة النجاسة
في الدم على خبر يعم مثل الفرض حتى نحتاج إلى الدليل المخصص بل غاية ما ثبت انما هو في دم ذي النفس لا غير ويشهد له أيضا في مثل دم
البق والبرغوث ونحوهما مما يعسر التجنب عنه مضافا إلى دليل نفى الحرج واستقرار اليسرة على عدم الاجتناب عنه مكاتبة ابن الريان المتقدمة
وصحيحة ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله (ع) ما تقول في دم البراغيث قال ليس به باس قلت إنه يكثر ويتفاحش قال وان كثر وصحيحة الحلبي
قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة قال لا ورواية غياث عن جعفر عن أبيه (ع) قال
لا بأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف ويدل عليه في دم السمك الذي لا حرج في التجنب عنه رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع)
قال إن عليا (ع) كان لا يرى باسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلى فيه الرجل يعنى دم السمك وظاهره كون التفسير مقولا للصادق عليه السلام
وعن المصنف في المعتبر الاستدلال له بأنه لو كان نجسا لتوقف إباحة اكله على سفحه كالحيوان البري انتهى فهذا يدل على حلية أيضا ولو
بالتبع فضلا عن طهارته فيتم القول فيما عدا موارد النصوص بعدم القول بالفصل وربما يستدل لعموم المدعى بمفهوم قوله تعالى أو دما
مسفوحا وقد عرفت ما فيه بما لا مزيد عليه وعن المنتهى الاستدلال له أيضا بان دمه ليس بأعظم من ميتة وميتته طاهرة انتهى ونوقش فيه
بعدم خروجه من القياس ويمكن توجيهه بان الميتة من اجزائها الدم فلو لم يكن الموت سببا لاشتداد نجاسته لا يكون موجبا لطهارته
فطهارة ميتة تدل على طهارة دمه كلحمه وعظمه وسائر اجزائه وبهذا ظهر لك امكان الاستشهاد له بما دل على طهارة الميتة من
غير ذي النفس فإنها تدل على طهارة دمه بالتضمن خصوصا مثل قوله (ع) في موثقة حفص بن غياث لا يفسد الماء الا ما كانت
له نفس سائلة وفى موثقة عمار التي وقع فيها السؤال عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت
والسمن كلما ليس له دم فلا بأس إذ الغالب عدم انفكاك ما يموت في الماء ونحوه خصوصا عند تفسحه عن إصابة دمه للماء وربما
يستأنس للتفصيل بين دم ذي النفس وغيره من إناطة نجاسته الميتة والبول والخرء بكونها من ذي النفس وهذا وان كان مجرد اعتبار
لا يلتفت إلى مثله في الأحكام الشرعية الا انه منشأ لعدم الجزم بالغاء الخصوصية واستفادة نجاسة دم ما لا نفس له من اخبار الباب
بل ربما يوجب صرف اطلاق مثل النبوي يغسل الثوب من المنى والدم والبول وكيف كان فلا اشكال في الحكم والله العالم * (فرع) *
543

لو رأى بثوبه شيئا وشك في كونه دما أو غيره من الأجسام الظاهرة بنى على طهارته للأصل وكذلك لو على كونه دما وشك في كونه من ذي النفس أو من غيره وعن بعض القول بوجوب الاجتناب في هذه الصورة نظرا إلى عموم ما دل على نجاسة
الدم المقتصر في تخصيصه على ما علم خروجه وباطلاق قوله (ع) في موثقة عمار فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب ويتوجه
عليه بعد تسليم وجود العموم انه لا يجوز التمسك به في الشبهات المصداقية التي لا يوجب اندراجها في عنوان المخصص زيادة تخصيص
العام بان كان الشك ناشئا من اشتباه الموضوعات الخارجية لا من اجمال مفهوم المخصص وتردده بين الأقل والأكثر فإنه لا مانع من
التمسك بأصالة بالعموم في هذه الصورة وما نحن فيه من القسم الأول وقد تقرر في محله عدم التمسك في مثله بالعمومات وربما يتوهم جوازه في
بعض الموارد التي تكون عنوان العام من قبيل المقتضى والمخصص من قبيل الموانع كما لو قال أكرم كل عالم الا فساقهم فشك في فسق عالم لكنه
لكنه أيضا وهم نعم في مثل الفرض يستصحب عدم الفسق لو كان له حالة سابقة معلومة فيندرج بذلك في موضوع العام لا انه يتمسك لحكمه ابتداء
بأصالة العموم ولذا لو كان مسبوقا بالفسق يستصحب فسقه ويحكم بعدم وجوب اكرامه فلو لم يعلم حالته السابقة ينفى التكليف بأصل البراءة
واما الموثقة فهي مسوقة لبيان عدم وجوب الاجتناب عن سؤر الطير عند خلو بدنه من عين النجاسة وتخصيص الدم بالذكر لنكتة الغلبة إذ الغالب
انه لا يرى في منقار الطير شئ من النجاسات عدم الدم المتخلف من الميتة التي تأكلها إذا كان مما يأكل الجيف كالعقاب والصقر والباز التي
وقع السؤال عن سؤرها في الرواية فالمراد بالدم هو هذا الدم الذي يغلب اصابته لمنقار الطير الذي كان مفروغا عندهم نجاسته واما ساير الدماء
فرؤيتها في منقار الطير كرؤية غيرها من النجاسات من الفروض البعيدة التي لا يتوهم ارادتها من اطلاق نفى البأس عن سؤر الطير حتى يحتاج
إلى الاستثناء الذي هو في الحقيقة استدراك ولذا نفى البأس في صدر الرواية عن سؤر الحمامة على الاطلاق فإنه روى عمار بن موسى
عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عما تشرب منه الحمامة فقال كل ما اكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب وعن ماء شرب منه بازا وصقرا وعقاب فقال
كل شئ من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا ان ترى في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب وفى رواية الشيخ و
سئل عن ماء شربت منه الدجاجة قال إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب وان لم يعلم أن
في منقارها قذرا توضأ منه واشرب
والحاصل ان المنساق إلى الذهن من الدم في الرواية ليس الا الدم كان مفروغا عندهم نجاسته ودعوى ان الغالب هو الجهل بحال
الدم الذي يرى في منقار الطير فالأولى ابقاء الرواية على ظاهرها من الاطلاق وارتكاب التخصيص فيها باخراج ما علم طهارته وهو هين
لندره هذا الفرض وهذا بخلاف ما لو حملناها على إرادة ما علم نجاسته فإنه تنزيل للاطلاق على الفرض النادر * (مدفوع) * أولا بمنع
الغلبة بل الغالب هو الوثوق بكون ما في منقار الطير من دم فريسته أو غيرها من الجيف النجسة فلا مانع من صرف الرواية إليه وثانيا سلمنا
عدم الوثوق بذلك غالبا لكن الغالب كونه من دم ذي النفس فمن الجائز كونه في خصوص مورده امارة معتبرة من باب تقديم الظاهر على الأصل
فلا يجوز رفع اليد بمثل هذه الرواية عن عموم قوله (ع) كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر والله العالم * (السادس والسابع) * الكلب والخنزير
وهما نجسا عينا ولعابا اجماعا كما ادعاه غير واحد للنصوص المستفيضة كصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الكلب يصيب شيئا
من جسد الرجل قال يغسل المكان الذي اصابه وعنه أيضا عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الكلب يشرب من الاناء قال اغسل الاناء الحديث وصحيحة
الفضل بن العباس قال قال أبو عبد الله (ع) إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وان مسه جافا فصب عليه الماء الحديث وعنه أيضا في حديث انه سئل
أبا عبد الله (ع) عن الكلب فقال رجس نجس لا يتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء ومرسلة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال
إذا وقع الكلب في الاناء فصبه ورواية شريح عن أبي عبد الله (ع) في حديث انه سئل عن سؤر الكلب يشرب منه أو يتوضأ قال لا قلت أليس هو سبع قال لا
والله انه نجس لا والله انه نجس ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال لا يشرب سؤر الكلب الا ان يكون حوضا كبيرا يسقى منه إلى غير
ذلك من الروايات ومما يدل على نجاسة الخنزير صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فيذكر وهو في
صلاته كيف يصنع به قال إن كان دخل في صلاته فليمض وان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه الا ان يكون فيه اثر فيغسله قال وسئلته
عن خنزير شرب من اناء كيف يصنع به قال يغسل سبع مرات ورواية سليمان الإسكاف قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن شعر الخنزير يخرز به قال لا بأس
به ولكن يغسل يده إذا أراد ان يصلى وعن خيران الخادم قال كتبت إلى الرجل أسئله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلي فيه أم لا فان أصحابنا
قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صل فيه فان الله انما حرم شربها وقال بعضهم لا تصل فيه فكتب (ع) لا تصل فيه فإنه رجس وما في بعض الأخبار
مما ظاهره المنافاة للحكم المذكور فالمتعين تأويله أورد علمه إلى أهله * (منها) * صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الوضوء بما
ولغ الكلب فيه والسنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك أيتوضأ منه ويغتسل قال نعم الا ان تجد غيره فتنزه عنه وعن الشيخ حملها على ما إذا كان
الماء بالغا مقدار الكر مستشهدا له برواية أبي بصير المتقدمة ولابعد فيه لقوة احتمال ورودها في مياه الغدران التي تزيد غالبا عن الكر
* (ومنها) * خبر زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء قال لا
544

بأس ولعل الوجه فيه عدم العلم بملاقاته و * (منها) * خبره الاخر قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به قال لا بأس
وعن الشيخ حمله على قصد استعمال الماء في سقى الدواب والبساتين ونحوه ولا بأس به فان الأظهر جواز الانتفاع بجلد الميتة فيما لا يشترط بالطهارة
واحتمل في الحدائق إرادة نفى البأس عن البئر التي يستقى منها وانها لا تنجس بذلك وهو بعيد نعم يحتمل قريبا إرادة هذا المعنى من خبر الحسين بن
زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به من البئر يشرب منها فقال لا بأس ونحوه خبره الاخر عن أبي عبد الله (ع) قال
قلت له شعر الخنزير يجعل حبلا ويستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ منها قال لا بأس ويحتمل صدور مثل هذه الأخبار من باب التقية والله العالم
ولافرق في الحكم بين كلب الصيد وغيره وحكى عن الصدوق أنه قال من أصاب ثوبه كلب جاف فعليه ان يرشه بالماء وان كان رطبا فعليه ان يغسله
وان كان كلب صيد فإن كان جافا فليس عليه شئ وان كان رطبا فعليه ان يرشه بالماء وهو ضعيف مردود باطلاق النصوص والفتاوى وخصوص
حسنة بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الكلب السلوقي قال إذا مسسته فاغسل يدك ويختص الحكم بالبري منهما دون البحري لانصراف الأدلة
عنه بل ربما يدعى ان اطلاق اسم الكلب والخنزير على البحريين منهما على سبيل المجاز أو الاشتراك نظرا إلى كون البحري طبيعة أخرى مغايرة
للمهية المعهودة المسماة باسم الكلب أو الخنزير مشابهة لها في الصورة كالانسان البحري وكيف كان فلا شبهة في الانصراف فما عن الحلى من
تعميم العنوانين للمجرى منهما ضعيف ويرده أيضا مضافا إلى ما عرفت الأخبار الدالة على طهارة الخز وجواز الصلاة فيه بناء على ما هو
المعروف من كونه جلد كلب الماء ويشهد له صحيحة ابن الحجاج المروية عن الكافي في اخر كتاب الأطعمة في باب ليس الخز قال سئل أبا عبد الله عليه السلام
رجل وانا عنده عن جلود الخز فقال ليس بها بأس فقال الرجل جعلت فداك انها في بلادي وانما هي كلاب تخرج من الماء فقال أبو عبد الله (ع)
إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء فقال الرجل لا فقال لا بأس وفى التعليل اشعار بطهارة الخنزير البحري أيضا والله العالم ولو
نزى كلب أو خنزير على حيوان طاهر أو نجس فأولده روعى في الحاقه باحكامه اطلاق الاسم لتعليقها عليه فان صدق عليه اسم الكلب أو الخنزير
حكم بنجاسته وترتيب سائر احكامه عليه والا فلا سواء اندرج في مسمى اسم اخر كالهرة ونحوها أو لم يندرج بان لم يكن مصداقا لشئ من العناوين المعروفة
فإنه أيضا محكوم بالطهارة للأصل بل وكذا الحكم في المتولد من الكلبين أو الخنزيرين أو الطاهرين فان الحكم يدور مدار عنوان موضوعه فإذا صدق
عليه اسم الكلب حقيقة حكم بنجاسته سواء كان أبواه طاهرين أم نجسين وان صدق عليه اسم الهرة مثلا حكم بطهارته من غير التفات إلى أبويه
كما صرح به بعض خلافا للمحكى عن الشهيدين في الذكرى والروض فحكما بنجاسة المتولد من النجسين وان باينهما في الاسم وعن المحقق الثاني
أنه قال واطلاقهما يشمل ما لو فرض صدق اسم حيوان طاهر عليه وهو مشكل انتهى قد عرفت الاشكال فيه مطلقا بعد فرض المباينة وان لم
يصدق عليه اسم حيوان طاهر لعدم الدليل على النجاسة فمقتضى الأصل طهارته وكونه جزء منهما في زمان لا يسوغ استصحاب نجاسته بعد الاستحالة
وانقلاب الموضوع ودعوى بقاء الموضوع عرفا لكونه محكوما بنجاسته ما دام كونه جنينا في بطن أمه قبل ولوج الروح فيه تبعا للدم وولوج الروح
فيه لا يوجب ارتفاع الموضوع عرفا مدفوعة بان تبعيتها للدم في النجاسة لو سلمت فهي ما دام كون الجنين كغيره مما في أحشاء الام معدودا من اجزائها
عرفا دون ما إذا ولج فيه الروح واستقل بالاسم وخرج من اتصافه بصفة الجزئية التي كانت سببا للحكم بنجاسته هذا مع أن تبعية الجنين للدم
في نجاسته غير مسلمة وكونه معدودا من اجزائها بحيث يفهم نجاسته من نجاستها في خبر المنع كما تقدمت الإشارة إليه في مبحث الميتة بل هو ولو قبل
ولوج روحه شئ أجنبي عن الام مخلوق في جوفها كدودة مخلوقة من العذرة يتبعها حكمها ولا يلحقها احكام العذرة واما الحكم بنجاسة ولد الكلب
أو الخنزير حال كونه جنينا في بطن أمه فليس لأجل التبعية للام بل لفهم نجاسة من حكم الشارع بنجاسته الحيوانين حيث يفهم منه ان معروض
النجاسة هي جثة الحيوانين التي لا يتفاوت الحال فيها قبل ولوج الروح أو بعده أو بعد الموت فيفهم نجاستها في جميع هذه الحالات من ذلك
الدليل ولذا لو نزى كلب على غنم فأولدها وعلم أهل العرف بان ولدها كلب يحكمون بنجاسته من أول الأمر وان أبيت عن ذلك فلا دليل على نجاسة
الجنين وان كان كلبا متولدا من كلبين أو خنزيرا كذلك فمقتضى الأصل طهارته إلى أن يلج فيه الروح ويندرج في مسمى الكلب والخنزير وان وجدت
من نفسك القطع بنجاسة أولاد الكلب والخنزير من مبادي نشوهما في بطن أمهما فليس منشأه الا القطع بإناطة الحكم بالموضوع المتحقق في جميع الأحوال
كما ادعينا استفادته من الأدلة لا التبعية للام التي لا مستند لها عدا دعوى الجزئية القابلة للمنع والله العالم وما عداهما أي الكلب والخنزير من
صنوف الحيوان فليس ينجس وفى الثعلب والأرنب والفارة والوزغة تردد منشأه اختلاف الاخبار والأقوال فعن السيد والشيخ في المبسوط والحلي
وعامة المتأخرين القول بطهارتها وعن الشيخ في النهاية أنه قال وإذا أصاب ثوب الانسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو فارة أو وزغة وجب
غسل الموضع الذي مع الرطوبة انتهى لكنه في باب المياه من الكتاب المذكور نفى البأس عما وقعت فيه الفارة من الماء الذي في الانية إذا خرجت منه
وكذا إذا شربت وجعل ترك استعماله على كل حال أفضل وعن المفيد في المقنعة وكذلك الحكم في الفارة والوزعة يرش الموضع الذي مساه من الثوب
وان لم يؤثرا فيه وان رطباه واثرا فيه غسل بالماء وعن أبي الصلاح انه أفتى بنجاسة الثعلب والأرنب وحكى هذا القول أيضا عن السيد أبي المكارم بن
545

زهره وعن ظاهر الصدوق القول بنجاسته الوزغ وعن ابن البراج انه أوجب غسل ما اصابه الثعلب والأرنب والوزغة وكره الفارة وعن سلار
الحكم بنجاسة الفارة والوزغة وعن صريح أطعمة الخلاف وظاهر بيعه القول بنجاسة المسوح كلها وعن موضع من التهذيب القول بنجاسة اكل
ما لا يؤكل لحمه ولعله أراد بنجاسة المسوخ أو غير المأكول غير معناها المصطلح كما قد يستظهر من بعض عبائره والا فلا دليل عليها على الاطلاق بل
الأدلة ناطقة بخلافه واما الاخبار فمما يدل على طهارتها صحيحة الفضل بن أبي العباس قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن فضل الهرة والشاه والبقرة
والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم اترك شيئا الا سئلته عنه فقال لا بأس حتى انتهيت إلى الكلب فقال رجس نجس لا يتوضأ بفضله
واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال وسئلته عن الغطاية والحية والوزغ يقع في
الماء فلا يموت فيه أيتوضأ منه للصلاة فقال لا بأس به وسئلته عن فارة وقعت في حب دهن فأخرجت قبل ان تموت أيبيعه من مسلم قال نعم ويتدهن
منه وفى الصحيح عن سعيد الأعرج قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الفارة تقع في السمن والزيت ثم تخرج منه حيا فقال لا بأس بأكله وفى الصحيح عن إسحاق
بن عمار عن أبي عبد الله (ع) ان أبا جعفر (ع) كان يقول لا بأس بسؤر الفارة إذا شربت من الاناء ان يشرب منه أو يتوضأ والمروى عن قرب الإسناد
عن أبي البختري عن جعفر بن محمد (ع) عن أبيه عن علي عليه السلام قال لا بأس بسؤر الفارة ان يشرب منه ويتوضأ ورواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (ع)
قال سئلت عن الفارة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ قال يسكب منه ثلاث مرات وقليله وكثيره بمنزلة
واحدة ثم يشرب منه ويتوضأ منه غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه وهذه الرواية مما يستظهر منها نجاسة الوزغة واما اخبار النجاسة فمنها صحيحة علي بن
جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الفارة الرطبة قد وقعت على الماء يمشى على الثياب أيصلي فيها قال اغسل ما رأيت من اثرها وما لم تره فانضحه
الماء وصحيحة الأخرى أيضا عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن الفارة والكلب إذا اكلا من الخبز أو شماه أيؤكل قال يترك ما شماه ويؤكل ما بقي وعن قرب الإسناد
باسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن الفارة والكلب إذا اكلا من الخبز وشبهه أيحل اكله قال يطرح منه ما اكل ويؤكل الباقي
ومرسلة يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته هل يجوز ان يمس الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا قال لا يضره ولكن
يغسل يده وخبر عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال سئل عن الكلب والفارة إذا اكلا من الخبز وشبهه قال يطرح قال يطرح منه ويؤكل الباقي وعن الغطاية
تقع في اللبن قال يحرم اللبن وقال إن فيها السم وصحيحة معاوية بن عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الفارة والوزغة يقع في البئر قال ينزح
منها ثلاث دلاء وعن الفقه الرضوي قال إن وقع في الماء وزغ أهريق ذلك الماء وان وقع فيه فارة أو حية أهريق الماء وان دخل فيه حية وخرجت منه صب
من ذلك ثلاث اكف واستعمل الباقي وقليلة وكثيرة بمنزلة واحدة والذي يقتضيه الجمع بين الروايات حمل هذه الطائفة من الاخبار على الاستحباب أو غيره من المحامل
لان غايتها الظهور في نجاسة المذكورات فيرفع اليد عنها بالاخبار المتقدمة المصرحة بنفي البأس عنها مع اشتهار العمل بها وشذوذ ما يعارضها من اخبار
النجاسة نعم قد يتوهم ان مقتضى الجمع بين الروايات من حيث هي عكس ذلك في خصوص الثعلب والأرنب حيث إن استفادة حكمها من اخبار الطهارة بأصالة
العموم فلا يعارض مرسلة يونس التي وقع فيها التصريح بغسل اليد الماسة لهما لان ارتكاب التخصيص أهون من سائر المحامل التي أقربها حمل الجواب
على إرادة غسل اليد في الجملة إلى علي تقدير مسها ميتة أو حمله على الاستحباب الموجب لابقائه على ظاهره من الاطلاق الشامل للمس مع الجفاف كما يقتضيه
اطلاق السؤال ويدفعه بعد تسليم الكبرى ان المعارضة بين المرسلة وبين صحيحة الفضل بالمبانية لا بالعموم والخصوص فان المرسلة وان كانت دلالتها
على حكم الحيوانين بالنصوصية لكنهما جعلا مشاركين مع السباع في الحكم بغسل اليد من مسها وقد دلت الصحيحة بالنصوصية على نفى البأس عن فضل
السباع فوجب ان يكون غسل اليد الثابت بمس السباع وكل ما يشاركها هذا الحكم لا لأجل النجاسة كما أن هذا هو الذي يقتضيه ساير الأدلة الدالة
على طهارة السباع وقبولها للتذكية فان مقتضاها عدم إرادة إزالة النجاسة من الامر بغسل اليد عن مسها في المرسلة كما يؤيده الاخبار النافية
للبأس عن الصلاة في جلد الأرانب والثعالب إذا كان ذكيا فإنها وان صدرت تقية كما ستعرفه في محله انشاء الله لكنه يستفاد منها قبولهما للتذكية التي
هي أخص من الطهارة الذاتية فليتأمل هذا كله مع ضعف المرسلة وشذوذها بل مخالفتها للاجماع في حكم السباع إذ أريد بها وجوب غسل اليد
ولذا لا ينبغي الارتياب في أن الأظهر فيهما كغيرهما من المذكورات بل في ما عدا الكلب والخنزير مطلقا هو الطهارة كما هو المشهور بل المجمع عليه في هذه
الاعصار بل في الجواهر دعوى استقرار المذهب على طهارة المذكورات * (الثامن) * المسكرات المايعة أصالة كالخمر وغيره وفى تنجيسها أي الحكم
بنجاستها خلاف بين الأصحاب نشأ من اختلاف الاخبار فعن الصدوق في الفقيه ووالده في الرسالة والجعفي والعماني القول بطهارتها ويظهر
من بعض الأخبار الآتية وجود القول بها فيما بين قدماء أصحابنا المعاصرين للأئمة عليهم السلام وعن ظاهر المقدس الأردبيلي أو صريحه وبعض من تأخر
عنه كأصحاب المدارك والذخيرة والمشارق اختياره مع تردد من بعضهم وعن المصنف في المعتبر التردد في خلافا لما هو المشهور قديما وحديثا من
القول بنجاستها بل عن جملة من الأصحاب دعوى الاجماع عليه وعن غير واحد منهم في خصوص الخمر دعوى اجماع المسلمين على نجاسته وعن الحبل المتين
أنه قال أطبق علمائنا الخاصة والعامة على نجاسة الخمر الا شرذمة منا ومنهم لم يعتد الفريقان بمخالفتهم انتهى حجة القول بالطهارة بعد الأصل
546

جملة من الاخبار منها صحيحة ابن أبي سارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان أصاب ثوبي شئ من الخمر اصلى فيه قبل ان اغسله قال لا بأس ان الثوب لا يسكر
وموثقة ابن بكير قال سئل رجل أبا عبد الله عليه السلام وانا عنده عن المسكر والنبيذ يصيب الثوب قال لا بأس وصحيحة علي بن رئاب المروية عن قرب الإسناد
قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي اغسله أو اصلى فيه قال صل فيه الا ان تقذره فتغسل منه موضع الأثر
ان الله تبارك وتعالى انما حرم شربها ورواية الحسين بن موسى الحناط قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه
فيصيب ثوبي قال لا بأس ورواية أبى بكر الحضرمي قال قلت لأبي عبد الله (ع) أصاب ثوبي نبيذ اصلى فيه قال نعم قلت قطرة من نبيذ قطرت
في حب اشرب منه قال نعم ان أصل النبيذ حلال وان أصل الخمر حرام ولا يبعد ان يكون المراد بالنبيذ في هذه الرواية النبيذ الغير المسكر فيكون
هذه الرواية على خلاف المطلوب أدل ورواية الحسن بن أبي سارة قال قلت لأبي عبد الله (ع) انا نخالط اليهود والنصارى والمجوس وندخل
عليهم وهم يأكلون ويشربون فيمر ساقيهم ويصب على ثيابي الخمر فقال لا بأس به الا ان تشتهى ان تغسله لاثره ورواية الحفص الأعور قال قلت
لأبي عبد الله (ع) الدن يكون فيه الخمر ثم يجفف يجعل فيه الخل قال نعم ومرسلة الصدوق قال سئل أبو جعفر (ع) وأبو عبد الله (ع) فقيل لهما انا
نشتري ثيابا يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها أفنصلي فيها قبل ان نغسلها فقالا نعم لا بأس ان الله انما حرم اكله وشربه ولم يحرم لبسه
ولمسه والصلاة فيه ورواه في علل الشرايع بطريق صحيح عن بكير عن أبي جعفر (ع) وعن أبي الصلاح وأبى سعيد والحسن النبال عن أبي عبد الله (ع)
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) انه سئل عن الرجل يمر في ماء المطر وقد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلى فيه قبل ان يغسل ثوبه
قال لا يغسل ثوبه ولا رجله ويصلى فيه ولا بأس ورواية على الواسطي قال دخلت الجويزية وكانت تحت موسى بن عيسى على أبى عبد الله (ع)
وكانت صالحة فقالت اني أتطيب لزوجي فنجعل في المشطة التي أتمشط بها الخمر واجعله في رأسي قال لا بأس وعن الفقه الرضوي ولا بأس ان
يصلى في ثوب اصابه خمر لان الله حرم شربها ولم يحرم الصلاة في ثوب اصابته واستدل للمشهور بالاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة المحققة
وبقوله تعالى انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فان الرجس هو النجس على ما ذكره بعض أهل اللغة والاجتناب عبارة
عن عدم المباشرة مطلقا ولا معنى للتنجس الا ذلك وبالاخبار الكثيرة منها مرسلة يونس عن أبي عبد الله (ع) قال إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر
فاغسله ان عرفت موضعه وان لم تعرف موضعه فاغسله كله وان صليت فيه فأعد صلاتك ورواية زكريا بن ادم قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن
قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير قال يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة
أو الكلب واللحم اغسله وكله قلت فإنه قطر فيه الدم
قال الدم تأكله النار انشاء الله قلت فخمرا ونبيذ قطر في عجين أو دم قال فقال فسد قلت أبيعه من اليهودي والنصراني وأبين لهم قال نعم فإنهم يستحلون شربه
قلت والفقاع هو بتلك المنزلة إذا قطر في شئ من ذلك فقال اكره ان اكله إذا قطر في شئ من طعامي وموثقة عمار بن موسى الساباطي عن أبي
عبد الله (ع) قال سئلته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه خل أو ماء أو كامخ أو زيتون قال إذا غسل فلا بأس وعن الإبريق وغيره
يكون فيه خمرا يصلح ان يكون فيه ماء قال إذا غسل فلا بأس وقال في قدح أو اناء يشرب فيه الخمر قال تغسله ثلاث مرات وسئل أيجزيه ان يصب
فيه الماء قال لا يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات وخبر أبي جميل البصري عن يونس بن عبد الرحمن عن هشام بن الحكم انه سئل أبا عبد
الله عليه السلام عن الفقاع فقال لا تشربه فإنه خمر مجهول فإذا أصاب ثوبك فاغسله وموثقة عمار بن أبي عبد الله (ع) في الاناء يشرب فيه النبيذ فقال
تغسله سبع مرات وموثقته الأخرى أيضا عن أبي عبد الله (ع) قال لا تصل في ثوب اصابه خمر أو مسكر واغسله ان عرفت موضعه فإن لم تعرف موضعه فاغسل
الثوب كله فان صليت فيه فأعد صلاتك وصحيحة الحلبي عن دواء يعجن بالخمر فقال لا والله ما أحب ان انظر إليه فكيف أتداوى به انه بمنزلة شحم الخنزير
أو لحم الخنزير وفى بعض الروايات انه بمنزلة الميتة وفى رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في النبيذ قال ما يبل الميل ينجس حبا من ماء يقولها ثلاثا
وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن انية أهل الذمة والمجوس وقال لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم
التي يشربون فيها الخمر وعن عمر بن حنظلة قال قلت لأبي عبد الله (ع) ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى يذهب عاديته ويذهب سكره فقال
لا والله ولا قطرة يقطر منه في حب الا أهريق ذلك الحب وعن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (ع) في رجل اشتكى عينيه فبعث له كحل يعجن
بالخمر فقال خبيث بمنزلة الميتة فإن كان مضطرا فليكتحل به ويدل عليه أيضا الأخبار الواردة في نزح البئر من صب الخمر فيه إلى غير ذلك من الاخبار
التي سيأتي بعضها أيضا انشاء الله وهذه الأخبار وان كان جملة منها مخصوصة بالخمر أو واردة فيها وفى النبيذ أو في خصوص النبيذ لكن يمكن
الاستشهاد لعموم المدعى بالجميع لعدم القول بالفصل كما ادعاه بعض بل يمكن الاستدلال له بجميع الأخبار الدالة على نجاسته الخمر بدعوى كونها
اسما للأعم كما استظهره في الحدائق عن جملة من اللغويين ويشهد له جملة من الاخبار * (منها) * رواية عطاء بن يسار عن أبي جعفر (ع) قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله كل مسكر حرام وكل مسكر خمر وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الخمر من خمسة العصير
من الكرم والنقيع من الزبيب والتبع من العسل والمرز من الشعير والنبيذ من التمر وعن علي بن إسحاق
الهاشمي عن أبي عبد الله (ع) نحوها و
547

رواية الحضرمي عمن اخبره عن علي بن الحسين عليه السلام الخمر من خمسة أشياء من التمر والزبيب والحنطة والشعير والعسل وعن تفسير العياشي عن عامر مثله
الا أنه قال الخمر من ستة أشياء وزاد على الخمسة المذكورة الذرة وعن مجمع البيان عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى انما الخمر الآية قال يريد بالخمر
جميع الأشربة التي تسكر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله الخمر من تسع من التبع وهو العسل [الخ] وعن القمي في تفسيره عن أبي الجارود عن أبي
جعفر (ع) في تفسير قوله تعالى يا أيها الذين امنوا انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام اما الخمر فكل مسكر من الشراب إذا خمر فهو خمر وما اسكر
كثيره فقليله حرام وذلك أن أبا بكر شرب قبل ان تحرم الخمر فسكر فجعل يقول الشعر ويبكي على قتلى المشركين من أهل بدر فسمع النبي صلى الله عليه وآله فقال اللهم
امسك على لسانه فامسك على لسانه فلم يتكلم حتى ذهب عنه السكر فانزل الله تحريمها بعد ذلك وانما كانت الخمر يوم حرمت بالمدينة فضيخ البسر و
التمر فلما نزل تحريمها خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقعد بالمسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فكفاها كلها وقال هذه كلها خمر وقد حرمها
الله فكان أكثر شئ كفى في ذلك اليوم يومئذ من الأشربة الفضيخ ولا اعلم أنه كفى يومئذ من خمر العنب شئ الا اناء واحد كان فيه زبيب وتمر
جميعا واما عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شئ حرم الله الخمر قليلها وكثيرها وبيعها وشرائها والانتفاع بها الحديث وهذه الأخبار
كما تريها تدل على كون الخمر اسما للشراب المسكر وظاهرها كونه على سبيل الحقيقة فيفهم نجاسة ساير المسكرات أيضا من جميع ما دل على
نجاسة الخمر وربما يستدل له أيضا بخبر علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (ع) قال إن الله سبحانه لم يحرم الخمر لاسمها ولكن حرمها لعاقبتها فما
كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر وفيه ان المتبادر من السياق إرادة التشبيه بها من حيث الحرمة دون النجاسة وكيف كان ففيما عداه غنى و
كفاية فإنه بعد الإحاطة بما تقدم لا يبقى مجال للتشكيك في اتحاد حكم الخمر مع غيرها من المسكرات المايعة من حيث النجاسة والحرمة لكن الشان
انما هو في اثبات نجاسة الخمر فإنه ربما يناقش في أدلتها اما في الاجماعات المنقولة فبعدم الحجية خصوصا مع معروفية الخلاف من عظماء
الأصحاب واما الآية فبمنع الدلالة فان المشهور بين أهل اللغة كما صرح به في المدارك ان الرجس هو المآثم ويؤيد ارادته في خصوص المقام
جعله من عمل الشيطان فلا يناسب حمله على أعيان المذكورات فالمراد بها استعمالها الذي هو من عمل الشيطان ولو سلم كونه بمعنى النجس فالنجس
يطلق لغة على كل مستقذر وان لم يكن نجسا بالمعنى الشرعي ولم يثبت كونه لدى الشارع حين نزول الآية حقيقة في خصوص هذا المعنى وعلى
تقدير تسليم كونه حقيقة فيه يشكل ارادته في المقام لأنه يقتضى نجاسة الميسر وما بعده لوقوعه خبرا عن الجميع ولا قائل به ودعوى كونه خبرا
عن خصوص الخمر وكون المقدر لغيرها غيره مجازفة لشهادة السياق باتحاد الجميع من حيث الحكم فالمراد بالاجتناب عن المذكورات ترك
استعمالها بحسب ما هو المتعارف فيها واما الاخبار فهي معارضة بالاخبار الكثيرة المتقدمة النافية للبأس عنه وما عن المشهور من حمل هذه الأخبار
على التقية جمعا بينها وبين اخبار النجاسة ليس بأولى من حمل تلك الأخبار على الاستحباب بل هذا هو الأولى في مقام الجمع خصوصا
مع ما في الحمل على التقية من الاشكال حيث إن المشهور بين العامة على ما حكى عنهم هو النجاسة فيحتمل صدور اخبار النجاسة من باب التقية و
اشتمال بعضها على ما ينافي التقية من نجاسة النبيذ وحرمة الجرى ونحوها لا ينفى احتمال صدورها تقية بالنسبة إلى الخمر وما يشاركه في
الاسكار وما يقال من احتمال صدور اخبار الطهارة رعاية لميل سلطان الجور ولموافقتها لفتوى ربيعة الرأي الذي كان معاصرا للصادق (ع)
* (ففيه) * ان غاية الأمر قيام احتمال صدور هذه الأخبار تقية كاحتمال صدور اخبار النجاسة أيضا كذلك فحمل اخبار الطهارة على التقية مع
موافقة اخبار النجاسة لأكثر العامة تحكم نعم لو ثبت ترجيح اخبار النجاسة بسائر المرجحات بحيث تعين الاخذ بها اتجه حينئذ حمل اخبار الطهارة
على التقية فرارا من الطرح المرغوب عنه لكن الأوجه حينئذ رد عملها إلى أهله فان صدور مثل هذه الأخبار الكثيرة رعاية لميل سلطان الوقت
أو فتوى بعض فقهائهم في غاية البعد لكن الانصاف ان حمل اخبار النجاسة على الاستحباب مشكل لاباء بعضها عن ذلك فان جملة منها كادت
تكون صريحة في عدم جواز الانتفاع بما وقع فيه الخمر حتى بالاكتحال منه في غير الضرورة وان استهلكت فيه بان قطر منها مثلا قطرة في حب من
الماء أو المرق الكثير وهذه الخاصية من اثار النجس المصطلح فان أمكن التفكيك بين الآثار بالالتزام بوجوب الاجتناب عما فيه الخمر ولو مع استهلاكه
دون وجوب غسل ملاقيه والتجنب عنه في الصلاة ووجوب إعادة الصلاة الواقعة فيه وغير ذلك من اثار التنجس اتجه الجمع بين الاخبار بالالتزام
به وحمل الاخبار الامرة بغسل الملاقى وإعادة الصلاة ونحوها على الاستحباب جمعا بينها وبين اخبار الطهارة التي هي بمنزلة النص الغير القابل
للتأويل لكن التفكيك مشكل إذ لم يعرف القول به من أحد بل لا يبعد مخالفته للاجماع فالحق ان الاخبار متعارضة لا يمكن الجمع بينهما من حيث
المدلول فالمتعين هو الرجوع إلى المرجحات الخارجية وقد عرفت ان احتمال صدور احدى الطائفتين تقية لا يصلح مرجحا لها لقيام هذا
الاحتمال في كلتا الطائفتين فان جعلنا شهرة العمل بالرواية من المرجحات أو قلنا بان اعراض المشهور عن اخبار الطهارة أوهنها لكان الترجيح
مع اخبار النجاسة لكن الانصاف ان اعراضهم عنها ليس على وجه يسقطها عن الحجية فهي اخبار مستفيضة مشهورة عمل بها بعض الأصحاب لا يكون
طرحها الا تعارض مكافئ وما يصلح لمعارضتها ليس الا بعض اخبار النجاسة الذي لا يقبل الحمل على الاستحباب وهذا البعض من حيث هو
548

لا تكافئ اخبار الطهارة الا ان يدعى انجباره بعمل الأصحاب ونقل اجماعهم واعتضاده بظواهر غيره من الأخبار الكثيرة وفيه تأمل ولكن مع
ذلك كله الأظهر النجاسة لصحيحة علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبى الحسن عليه السلام جعلت فداك روى زرارة عن أبي
جعفر (ع) وأبى عبد الله (ع) في الخمر يصيب ثوب الرجل انهما قالا لا بأس ان يصلى فيه انما حرم شربها وروى غير زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال إذا أصاب ثوبك خمرا ونبيذ يعنى المسكر فاغسله ان عرفت موضعه وان لم تعرف موضعه فاغسله كله فان صليت فيه فأعد صلاتك
فاعلمني ما اخذ به فوقع بخطه (ع) وقرائه خذ بقول أبى عبد الله (ع) فان ظاهرها تعين الاخذ بقول أبى عبد الله (ع) المنفرد عن قول أبى جعفر (ع)
الذي مضمونة التنجيس فهو المتبع ولا يعارضها اخبار الطهارة لحكومتها عليها فإنها بمنزلة الاخبار العلاجية الواردة في حكم المتعارضين
الامرة بالاخذ بما وافق الكتاب أو ما خالف العامة أو غير ذلك فإنها لا تعد في عرض المتعارضين نعم لو كان الاخذ بقول أبى عبد الله (ع)
في المقام منافيا لما في الاخبار العلاجية بان كان قول أبى عبد الله (ع) مثلا موافقا للعامة لتحققت المعارضة بين الصحيحة وبين تلك الأخبار
الامرة بالاخذ بالخبر المخالف كما أنه لو كان قابلا للتأويل دون ما يعارضه بان كانت المعارضة بينهما من قبيل معارضة النص و
الظاهر لكانت الصحيحة منافية لقاعدة الجمع لكنك خبير بان العمومات والقواعد لا تزاحم النص الخاص الصحيح فالصحيحة سليمة عن المعارض
يجب الاخذ بظاهرها فما في المدارك من حملها على الاستحباب جمعا بينها وبين اخبار الطهارة في غير محله ونظيرها في الحكومة على ساير الاخبار
خبر خيران الخادم قال كتبت إلى الرجل أسئله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلي فيه فان أصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صل
فيه فان الله حرم شربها وقال بعضهم لا تصل فيه فوقع (ع) لا تصل فيه فإنه رجس الحديث إذ الظاهر أن اختلاف أصحابنا فيه لم يكن الا لاختلاف
اخبارهم وكان هذا منشا لتحير السائل ورجوعه إلى الإمام (ع) فما صدر عنه (ع) لبيان حكم ذلك الموضوع الذي اختلفت الروايات فيه لرفع تحيره
لا يعد في عرض تلك الأخبار الموجبة لتحيره ثم انك قد عرفت انفا ان المسكرات المايعة ملحقة بالخمر بل مندرجة فيها موضوعا لكن القدر
المتيقن منها هو المسكرات المايعة بالأصالة واما المسكرات الجامدة كالحشيشة ونحوها فمقتضى الأصل طهارتها وان عرض لها وصف الميعان
بان امتزجت في ماء ونحوه بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليها واستشكله بعض لو لم يكن اجماعيا نظرا إلى اطلاق بعض الأدلة المتقدمة فكان
نظره إلى اطلاق قوله (ع) فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر وقوله (ع) كل مسكر خمر وفيه اما الرواية الأولى فقد عرفت ظهورها في إرادة التشبيه
من حيث الحرمة واما الرواية الثانية فان أريد بها الحمل الحقيقي فلابد من صرفها إلى المسكرات المايعة بالأصالة التي ينصرف إليها اطلاق
قول اللغويين المفسرين لها بالشراب المسكر ضرورة عدم كون الحشيشة ولو مع امتزاجها بالماء وعروض وصف الميعان لها من المصاديق الحقيقية
للخمر فلو فرض ظهور كلمات اللغويين أيضا في ارادتها لتعين صرفها إلى غيرها إذ لا يرفع اليد عن المحكمات العرفية بمتشابهات أهل اللغة
وان أريد بها الحمل الحكمي فهي منصرفة إلى إرادة التشبيه من حيث الحرمة التي هي اظهر أوصافها دون نجاستها التي كانت في عصر الصادقين (ع)
من أوصافها الخفية التي اختلفت فيها الروايات ورواتها وكيف كان فلا اشكال في الحكم كما أنه لا خلاف فيه نعم لو كان لميعانها دخل في
مسكريتها اندرج في القسم الأول الذي حكمنا بنجاسته كما لا يخفى ولو عرض للخمر ونحوها وصف الجمود بقي على نجاستها لعدم خروجها بذلك
من مسمى اسمها لكونها لدى العرف كالبول المنجمد ولو منع بقاء الاسم أو شك فيه أو قيل بانصراف ما دل على نجاستها عن مثل الفرض حكم
بنجاسته لأجل الاستصحاب لكونه من اظهر مجاريه لدى العرف ولا ينافيه الشك في بقاء الموضوع بعنوانه المعلق عليه الحكم في الأدلة الشرعية
لما تقرر في محله من أن المرجع في تشخيص موضوع المستصحب هو العرف بقي الكلام في حقيقة السكر الذي هو مناط الحرمة وعروض النجاسة
فقيل هو ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم وظهور السر المكتوم وقيل هو ما يغير العقل ويحصل معه نشو النفس وقيل في الفرق بينه وبين
الاغماء ان السكر حالة توجب اختلالا في العقل بالاستقلال والاغماء يوجبه بالتبع لضعف القلب واليد وقيل إن السكر حالة توجب ضعف
العقل وقوة القلب والاغماء حالة توجب ضعفهما معا أقول والذي يظهر من مجموع ما قيل إن السكر يشبه الجنون والاغماء يشبه النوم و
الايكال إلى العرف أولى وان كان الظاهر مساعدته على ما قيل والله العالم وفى حكمها حرمة ونجاسته على ما صرح به غير واحد العصير العنبي
إذا غلا واشتد ولم يذهب ثلثاه اما حرمته فمما لا اشكال فيه بل تتحقق الحرمة وبمجرد الغليان وان لم يشتد بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن
المصنف وغيره دعوى الاجماع عليه قال في محكى المعتبر وفى نجاسته العصير بغليانه قبل اشتداده تردد واما التحريم فعليه اجماع فقهائنا ثم منهم
من اتبع التحريم بالنجاسة والوجه الحكم بالتحريم مع الغليان حتى يذهب الثلثان ووقوف النجاسة على الاشتداد انتهى ويدل عليه اخبار كثيرة
سيأتي نقل بعضها انشاء الله وتفصيل الكلام فيه موكول إلى محله واما نجاسته فقد اختلفوا فيها وقد نسب القول بها إلى الأكثر بل نسبه غير
واحد إلى المشهور بين المتأخرين وادعى بعض الشهرة عليها على الاطلاق بل عن بعض دعوى الاجماع وعليها وحكى عن بعض القدماء وجملة من
المتأخرين القول بطهارته بل يظهر من محكى الذكرى شذوذ القول بالنجاسة بين القدماء وكون المعروف عندهم خلافها حيث قال إن في حكم
549

المسكرات العصير إذا غلا واشتد عند ابن حمزة وفى المعتبر يحرم مع الغليان حتى يذهب ثلثاه ولا ينجس الا مع الاشتداد كأنه يريد الشد
المطربة إذا لثخانة حاصلة بمجرد الغليان وتوقف الفاضل في نهايته ولم نقف لغيرهم على قول بالنجاسة ولا دليل على نجاسته غير المسكر انتهى
* (وقال) * المستند والذي يظهر لي ان المشهور بين الطبقة الثالثة يعنى طبقة متأخري المتأخرين الطهارة ومراده بهم من الشهيد ومن
بعده وبين الثانية أي المتأخرين النجاسة واما الأولى فالمصرح منهم بالنجاسة اما قليل أو معدوم نعم ذكر الحلى في بحث المياه في رفع استبعاد
تطهر المائين النجسين المتفرقين بعد جمعهما إذا بلغا كرا الا ترى ان عصير العنب قبل ان يشتد حلال طاهر فإذا حدثت الشدة حرمت العين
ونجست والعين التي هي جواهر على ما كانت عليه وانما حدث معنى لم يكن كذلك وكذلك إذا انقلب خلا زالت الشدة عن العين وطهرت وهى
على ما كانت عليه واما في بحث النجاسات فمع ذكر الخمر والحاقه الفقاع بها لم يذكر العصير أصلا والذي أراه ان مراده بشدته ليس
غلظته وثخانته بل المراد هو القوة الحاصلة للمسكر فيكون المراد منه الخمر ولذا لم يذكر الغليان ولا قبل بذهاب الثلثين ورتب زوال
الشدة على الانقلاب خلا المنتهى ويحتمل إرادة هذا المعنى من الشدة في عبارة جملة من القائلين بنجاسة كالعبارة المتقدمة عن المعتبر
كما فهمه الشهيد بل في المستند ولولا أن المتأخرين الذين ذكروا العصير ذكروه بعد الخمر وفسروا الاشتداد بالثخانة لقلت ان مراد جميعهم
ما ذكرنا ثم قال والذي يختلج ببالي ان يكون جماعة من القدماء عبروا عن الخمر بمثل ذلك ولاجله وقع في العصير الخلاف انتهى ويشهد
لما استظهره من شهرة القول بطهارته بين متأخري المتأخرين مراجعة كتبهم حيث يعرف بها كون طهارته لديهم اشهر وان زعم كل
من القائلين بها مخالفة قوله للشهرة حتى أن بعضهم صرح بان القول بنجاسته من المشهورات التي لا أصل لها لكن المتصفح في كلماتهم
يرى أن أغلب هذه الطبقة قائلون بالطهارة ويظهر من اعترافهم بشهرة القول بالنجاسة كونه مشهورا في الاعصار المتقدمة على عصرهم
وهى طبقة الثانية واما ما ذكره من عدم تعرض القدماء له فانى وان لم أتحققه حيث لم يحضرني من كتبهم الا عدة كتب وجدتها كما وصف
خالية عن التعرض لذكر العصير عند تعداد النجاسات لكن ربما يشهد له ما سمعته من الشهيد من عدم وقوفه على القول بنجاسته بضميمة
ما صرح به بعض من أن كل من تعرض له فقد حكم بنجاسته وظاهر من لم يتعرض له القول بطهارته فان عدم تعرض الفقيه له عند تعداد
النجاسات وعدم التعرض لبيان ما يطهره عند ذكر المطهرات مع أن له مطهر مخصوص به في قوة التصريح بطهارته واما احتمله بعض من كونه لدى غير
المتعرضين له من مصاديق الخمر التي حكموا بنجاستها مما لا ينبغي الالتفات إليه بعد عدم كونه عرفا من مصاديقها فضلا عن انصراف اطلاقها عنه
ولا يصح استفادة قولهم بالنجاسة من ما حكى عنهم في باب الأطعمة ونحوها من التصريح بكون العصير بعد غليانه بحكم الخمر إذ لا ظهور له الا في ارادته
من حيث الحرمة بل لا يفهم الحكم بالنجاسة في مورد الخلاف من التصريح بكون ذهاب ثلثيه مطهرا له ما لم يصرح بكون غليانه سببا لنجاسته الا ترى
ان الشهيد صرح في العبارة المتقدمة عن الذكرى بأنه لا دليل على نجاسته غير المسكر وعن بيانه أيضا التصريح بذلك تعريضا على من الحق العصير
بالمسكرات ولم يذكره في الدروس واللمعة في عداد الأعيان النجسة لكن عد في الدروس نقص العصير وانقلابه وفى اللمعة ذهاب ثلثيه من
جملة المطهرات فيستفاد من مجموع كلماته انه لا يقول بنجاسته بعد غليانه الا على تقدير صيرورته مسكرا وبعد صيرورته كذلك يطهره ذهاب
الثلثين والانقلاب وكيف كان ففي المسألة في هذه الاعصار قولان مشهوران واما الاعصار المتقدمة فلم يتضح لنا حالها حجة القائلين
بالطهارة الأصل ويؤيده خلو الأخبار الكثيرة الواردة في العصير من الامر بغسل ملاقيه والاجتناب عنه مع عموم الابتلاء به ويزيده تأييدا عدم
التعرض في شئ من الاخبار لبيان حكم الآلات التي يزاولها العامل عند طبخ العصير مع أنه ربما يفارقها عند ذهاب الثلثين وكذا ثياب العامل
ويده التي يصل إليها العصير غالبا قبل ان يذهب ثلثه ويؤكده عدم تعرض السائلين للسؤال عنها فلم يكن ذلك الا لخلودهن السامعين وعدم
معهودية نجاسته عندهم لا معهوديتها لديهم واستفادتهم طهارة مثل هذه الأشياء بالتبع من اطلاق ما دل على حلية العصير وطهارته بعد ذهاب
ثلثيه بدلالة التزامية عرفية كما التزم به القائلون بالنجاسة فان دعوى كون تلك المطلقات كاشفة عن عدم تنجس الآلات بملاقاة العصير المستلزم
لطهارته أولى من دعوى استفادة تبعيتها له في الطهارة مع بعدها عن الذهن فإنه لا يكاد يتصور أحد فرقا بين ما لو لاقى جسم خارجي ثوب العامل
الذي اصابه العصير قبل ان يذهب ثلثا ما يطبخه من العصير أو بعده حق يفهمه من اطلاق طهارة العصير وحليته بعد ذهاب ثلثي العصير من غير تقييده
بعدم ملاقاته بشئ لما اصابه قبل الحلية فاستفادة استتباع جسم لجسم اخر منفصل عنه في الطهارة والنجاسة لبعده عن الذهن مما لا يمكن ان
يتحقق الا بنص صريح فكل شئ يستدل به القائل بالنجاسة لتبعية الآلات ونحوها للعصير في الطهارة من اطلاق أو اجماع أو يسرة يمكن ان يستشهد
به لعدم انفعاله من أصله ولا أقل من أن يجعل مؤيدا لذلك ومن أقوى المؤيدات لهذا القول عدم تعرض القدماء للعصير ان ثبت ذلك كما
تقدمت دعواه من المستند واستدل للقول بالنجاسة بأمور منها الاجماع الذي ادعاه السيوري في كنز العرفان قال على ما حكى عنه العصير من العنب
قبل غليانه طاهر حلال وبعد غليانه واشتداده نجس حرام وذلك اجماع من فقهائنا اما بعد غليانه وقبل اشتداده فحرام اجماعا منا واما النجاسة
550

فعند بعضنا انه نجس وعند آخرين انه طاهر انتهى وأجيب بعدم الحجية خصوصا مع معروفية الخلاف هذا مع قوة احتمال ان يكون مراده بالاشتداد
الشدة المطربة كما يشهد لذلك ما ادعاه من الاجماع إذ الظاهر أن مراده بفقهائنا أعم من فقهاء العامة بقرينة مقابله وستسمع من فخر الدين
دعوى ان المراد بالاشتداد لدى الجمهور الشدة المطربة فحمل العبارة على إرادة هذا المعنى أولى وأقرب إلى الصدق اللهم الا ان يكون
في كلماته ما يشهد بخلافه والله العالم و * (منها) * دعوى صدق اسم الخمر عليه حقيقة فيعمه حكمها الاطلاق أدلته اما صدق الاسم فلظهور كلمات
جماعة من الخاصة والعامة في ذلك بل عن المهذب البارع ان اسم الخمر حقيقة في عصير العنب اجماعا وفى محكى الفقيه من رسالة والده اعلم
يا بنى ان أصل الخمر من الكرم إذا اصابته النار أو غلا من غير أن تمسه فيصير أعلاه أسفله فهو خمر فلا يحل شربه حتى يذهب ثلثه انتهى و
ربما يستشهد له أيضا بالأخبار الآتية وفيه منع صدق الاسم عليه حقيقة بل يصح سلبه عنه عرفا ولغة لان الخمر اما اسم للطبيعة المعهودة
المتخذة من العصير المعروفة عند أهلها فلا يندرج العصير تحت تلك الطبيعة بمجرد الغليان ما لم يطرء عليه الفساد والاختمار واما اسم لمطلق
الشراب المسكر والعصير ليس بمسكر ما لم يطرء عليه التغير والنشيش والا لم يجعلوه قسما للمسكر المايع وما يقال من احتمال كونه في الواقع مسكرا
إذ لم يعثر على من جربه واخبر بأنه ليس بمسكر فلا مقتضى لرفع اليد عن ظاهر الرواية الآتية وغيرها مما تقدمت الإشارة إليه * (مدفوع) * بأنه لو
كان مسكرا لم يكن يبقى على اجماله ولعرفه المتعمدون إلى قصد المسكر ولم يكونوا يتكلفون في تخمير ولا أقل من أن يستغنوا به عن الخمر لدى
عدم قدرتهم على تحصيلها بل كيف يحتمل دوران وصف الاسكار الذي هو تدريجي الحصول والارتفاع مدار الغليان وعدم ذهاب الثلثين
احدوثا وارتفاعا في جميع المصاديق مع شدة اختلاف طبايعها من حيث التأثير والتأثر ولو فرض حصول هذا الاحتمال بالنسبة إلى جميع المصاديق
فليس على وجه يوجب الحكم بثبوت المحتمل بمجرد ظهور لفظ فيه بمقتضى أصالة الحقيقة إذ ليس كل احتمال يعتنى به في مباحث الألفاظ الا ترى ان قول
القائل رأيت أسدا في الحمام لا يحمل على حقيقة بمجرد الاحتمال المستبعد في العادة فكذا فيما نحن فيه هذا مع أنه لا مقتضى للالتزام بذلك عدا
ما حكى عن ظاهر بعض من كون العصير بعد غليانه خمرا كوالد الصدوق في محكى الرسالة و * (فيه) * انه ان أريد بذلك بيان مفهوم الخمر عرفا ولغة
فيتوجه عليه ما أشرنا إليه من صحة السلب عنه ما لم يتحقق له وصف الاسكار ولا يصح اثبات هذه الصفة المطلقة باطلاق هذا الكلام لا لمجرد
كونه اخبارا عن موضوع خارجي عن حدس واجتهاد من غير أهل خبرته بل لمعارضته بظاهر من جعله فسيما للمسكر المايع بل صريح بعضهم حيث
قسم الأشربة المحظورة على قسمين مسكر وغير مسكر وجعل العصير من اقسام غير المسكر وكيف كان فالظاهر أن والد الصدوق ونظرائه لم
يقصدوا بمثل هذه العبائر بيان مفهومها العرفي بل غرضهم بان ما تعلق به الأحكام الشرعية من الحرمة ونحوها بحسب اجتهادهم فلا يكون
حجة على غير مقلديهم خصوصا مع أن والد الصدوق كولده ممن لا يرى النجاسة من احكام الخمر واما ما حكى عن المهذب من دعوى الاجماع
على كون الخمر حقيقة في عصير العنب ففرضه على الظاهر بيان كونها موضوعة للطبيعة المعهودة المتخذة من العنب دون سائر المسكرات المايعة
كالنبيذ والنقيع وغيرها لا ان مطلق العصير خمر ولو قبل غليانه فإنه معلوم الفساد واما الاخبار التي يستشهد بها للمدعى فعمدتها موثقة معاوية بن
عمار التي هي أقوى مستند القائلين بالنجاسة المروية عن التهذيب قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج ويقول
قد طبخ على الثلث وانا اعلم أنه يشربه على النصف أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف فقال هو خمر لا تشربه قلت فرجل من غير أهل المعرفة
ممن لا نعرفه يشربه على الثلث فلا يستحله على النصف يخبرنا ان عنده بختجا قد ذهب ثلثه وبقى ثلثه نشرب منه قال نعم وتقريب الاستشهاد
بها ان ابقاء الحمل على حقيقته يقتضى الالتزام بكون العصير قبل ذهاب ثلثيه مسكرا لما عرفت من اعتبار وصف الاسكار في مفهوم الخمر عرفا ولغة
وحيث لم يعلم انتفائه في الفرض وجب التعبد بثبوته ابقاء للرواية على ظاهرها و * (فيه) * بعد الغض عما عرفت ان الدليل أخص من المدعى من وجوه
اما أولا فلان اطلاق السؤال والجواب منزل على إرادة الافراد المتعارفة والذي كنا نشاهد في طبخ العصير واعماله دبسا وغيره ابقائه مدة
كان يتغير في تلك المدة ويقذف بالزبد فلعل كونه كذلك منشأ لحدوث وصف الاسكار فيه فلا يلزم من الحكم بخمريته ان يكون مطلق العصير كذلك
حتى فيما لو طبخ بعد عصره بلا فاصلة بخلاف المتعارف فضلا عن أن يغلى حبات العنب في القدر من غير أن تعصر وثانيا فلان غاية ما يفهم من الرواية
كون العصير المطبوخ على النصف خمرا فلعل وصف الاسكار يحدث له بعد صيرورته كذلك فلا مقتضى للالتزام بكونه بمجرد الغليان كذلك حتى يثبت به
المدعى وثالثا ان البختج بحسب الظاهر قسم خاص من العصير المطبوخ وقد حكى عن النهاية الأثرية انه فارسي معرب واصله بالفارسية مى بخته فهي
عبارة أخرى عن الخمر المطبوخة ومن البعيد اطلاق هذا الاسم على الدبس فان العصير المطبوخ انحاء مختلفة منها الدبس ومنها ما نسميه في بلدنا
بالرب ولعل هذا هو الذي كان يسمى بالبختج وكيفية طبخه ان يبقى العصير أياما عديدة إلى أن يتغير تغيرا فاحشا إلى أن يبلغ حده المعروف عند
أهله ثم يطبخونه فيصير هو في حد ذاته حلوا حامضا كالسكنجبين من غير أن يوضع فيه الخل فيحتمل قويا ان يكون هذا القسم من العصير قبل استكمال
طبخه خمرا حقيقية وأن يكون الحموضة الحاصلة فيه ناشئة من انقلاب ما فيه من الطبيعة الخمرية والحاصل ان للعصير المطبوخ انحاء مختلفة
551

ويحتمل قويا ان يكون بعض أصنافه مسبوقا بالمسكرية دون بعض ولم يثبت ان البختج اسم لمطلقة حتى يمكن الاستشهاد بالرواية بواسطة ترك
الاستفصال لاثبات العموم وما عن بعض من تفسيره بالعصير المطبوخ بحسب الظاهر تفسير بالأعم ولا نلتزم بحجية ظواهر قول اللغويين من باب
التعبد ما لم يحصل الوثوق بصدقه حتى يكون اطلاقه حجة علينا وملخص الكلام ان غاية ما يمكن اثباته بهذه الرواية ان العصير المطبوخ
الذي كان يسمى بختجا إذا طبخ على النصف ولم يذهب ثلثاه هو خمر فهو نجس ولا ملازمة بينه وبين كون ساير افراد العصير أيضا كذلك و
دعوى عدم القول بالفصل بينه وبين سائر الافراد فاسدة بعد فرض جواز كون المفروض في مورد الرواية خمرا حقيقية لان القول بالتفصيل
بين الخمر وغيرها محقق فلا مقتضى لرفع اليد عما يقتضيه الأصول والقواعد بالنسبة إلى ساير الافراد التي ثم يثبت كونها خمرا وان احتمل فيها
ذلك كما ادعاه المستدل نعم لو ألزمنا بكون الحمل في الرواية مجازيا وأريد به التشبيه التام أمكن الاستدلال بها للمدعى بدعوى ان مقتضى
اطلاقه عموم وجه الشبه ولا أقل من ظهوره في إرادة الاحكام الظاهرة التي منها النجاسة فيتم القول في غير مورد الرواية بعدم القول بالفصل
لكن يتوجه عليه بعد الغض عما أشرنا إليه سابقا من كون النجاسة في زمان صدور الرواية من الأوصاف الخفية التي كانت الروايات فيها
ورواتها مختلفة فيها فلا ينسبق إلى الذهن ارادتها ان سوق الرواية سؤالا وجوابا يشهد بان الجهة الملحوظة في الرواية انما هي جهة
الحرمة فهي التي يتبادر منها لاغير اللهم الا ان يقال إنه إذا تعذر ابقاء الحمل على ظاهره فالأقرب حمله على إرادة كونه خمرا شرعا بالالتزام
بان موضوع الخمر لدى الشارع في مقام اثبات احكامه أعم من الخمر العرفية على وجه عم هذا الفرد فيكون التصرف الشرعي متعلقا بالموضوع
بتعميم دائرة الخمر بلحاظ احكامها ومقتضاه ثبوت جميع الأحكام الشرعية وان كانت خفية للفرد الذي أوجب علينا التعبد بكونه خمرا وهذا
بخلاف ما لو أريد به التشبيه فإنه ينصرف إلى الجهة الظاهرة لكنك عرفت امكان ابقاء الحمل على حقيقته بالنسبة إلى مورد السؤال فلا يتوجه
الاستدلال به الا في خصوص المورد هذا كله مع أن الرواية لم تثبت بهذا المتن فان الكليني روى هذا الحديث مقتصرا في الجواب على قول
لا تشربه من غير ذكر هو خمر والكليني أوثق في ضبط الروايات فاحتمال عدم الزيادة في حد ذاته وان كان أقوى من احتمال عدم النقص الا
انه معارض بأوثقية الكافي من حيث الضبط من التهذيب لكن مع ذلك قد يقال بان الظاهر عدم الزيادة فيكون الظاهر معاضدا لأصالة
عدم السهو في ظرف الزيادة فيترجح بذلك على معارضه وان شئت قلت إن أصالة عدم سهو الكليني في ضبط الحديث لا تصلح مانعا من
العمل بما رواه الشيخ خصوصا مع احتمال ان يكون ترك الكليني لهذه الفقرة من باب الاختصار والنقل بالمعنى فرفع اليد عن الفقرة التي رواها
الشيخ بمجرد كونها متروكة في الكافي مشكل لكن هون الامر قصورها من حيث الدلالة ولو سلم ظهورها في المدعى فليس على وجه يعتمد
عليه مع ما في مستنده من الوهن في اثبات الحكم المخالف للأصل لولا موافقته للاحتياط واستدل ايض للقول بالنجاسة بقول الصادق عليه السلام
في مرسل ابن الهيثم بعد ان سئل عن العصير يطبخ في النار حتى يعلى من ساعته فيشربه صاحبه إذا تغير عن حاله وغلا فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه
وقوله (ع) في خبر أبي بصير وقد سئل عن الطلا ان طبخ حتى يذهب اثنان ويبقى واحد فهو حلال وما كان دون ذلك فليس فيه خير بتقريب انه لو كان
طاهرا لكان فيه خير ولو على تقدير حرمته وفيه مالا يخفى إذ ليس الخير المتوقع من العصير بل الطين وسقى الأشجار وربما يستشهد له بالاخبار المبنية
لبدو امر الخمر من مقاسمة إبليس عليه اللعنة الكرم مع ادم ونوح عليهما السلام على الثلث والثلثين فكان خط إبليس منه ثلثين فلذا اعتبر ذهابه إذا طبخ
العصير ففي بعضها فما كان فوق الثلث من طبخها فلابليس وهو حظه وما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح (ع) وهو حظه وذلك الحلال الطيب فيشرب
[الخ] ففي توصيف الحلال بالطيب اشعار بكون حظ إبليس الحرام الخبيث والخباثة المغايرة للحرمة ليست الا النجاسة ونحوه ما في بعض تلك
الروايات ومن هنا طاب الطلاء على الثلث وفيها مالا يخفى وربما يوجه الاستدلال بهذه الاخبار بأنها تدل على أن حرمة العصير المشتمل على الثلثين
حرمة خمرية وحرمة الخمر المايعة يتبعها نجاستها وفيه ان النجاسة تدور مدار اسم الخمر لا حرمتها فغاية ما يفهم من مثل هذه الأدلة اشتراك العصير
مع الخمر في الحرمة دون سائر الأحكام التعبدية الثابتة لعنوان الخمر من حيث هو فتلخص لك ان القول بالطهارة هو الأشبه وقد فصل ابن حمزة
في الوسيلة بين ما إذا غلا العصير بنفسه أو بالنار فخص النجاسة بالأول وصرح بأنه لو غلا بالنار حرم ولم ينجس ولم يعلم مستنده اللهم الا ان يكون
من القائلين بالطهارة ويكون حكمه بالنجاسة عند غليانه بنفسه بناء منه على اندراجه بذلك في المسكرات المايعة التي حكم بنجاستها ويقوى هذا
الاحتمال عدم تعرضه عند تعداد النجاسات لذكر العصير لكن يبعده انه جعله عند التعرض لذكره في باب الأشربة من قسم الشراب الغير المسكر وكيف
كان فان أراد بذلك ادعاء صيرورته مسكرا بمجرد الغليان بنفسه فعهدته على مدعيه والمرجع على تقدير الشك أصالة الطهارة وان أراد التفصيل
بين القسمين فهو مما لاوجه له * (ثم) * انه ان قلنا بنجاسته فهل ينجس بمجرد الغليان أولا ينجس الا إذا اشتد كما صرح به غير واحد وجهان والمراد
بالاشتداد على ما صرح به بعض اشتداد نفس العصير أي ثخونته وقوامه وعن ظاهر الشهيد في الذكرى والمحقق الثاني اعتبار مسمى الثخونة الحاصلة
بمجرد الغليان ولو لم يحس بها وعن فخر الدين في حاشية الارشاد ان المراد بالاشتداد عند الجمهور الشدة المطربة وعندنا ان يصير أسفله أعلاه
552

بالغليان انتهى وأنت خبير بأنه ليس في الأدلة المتقدمة على تقدير تماميتها ما يشعر باعتبار الاشتداد في موضوع الحكم ومن هنا قد يغلب على
الظن ان كل من حكم بطهارة العصير بعد غليانه ما لم يشتد ونجاسته بعده ان مراده بالشدة هي الشدة المطربة فيكون من القائلين بالطهارة وكل
من قال بنجاسته فسر الاشتداد بما يساوق الغليان فأراد به اما مطلق الثخونة الحاصلة بالغليان كما فسره الشهيد وأراد به صيرورة أسفله أعلاه
بالغليان وهذه عبارة أخرى عن القلب المفسر به الغليان الموجب للحرمة في صحيحة الحلبي فعلى هذا يكون تقييد الموضوع به بعد اعتبار الغليان من باب
التأكيد فلا يبقى للقول بحدوث الحرمة قبل النجاسة مجال اللهم الا ان يلتزم بحدوث الحرمة بمجرد الاخذ في الفوران واشتراط النجاسة باشتداد
لكنك عرفت انه ليس في أدلة النجاسة ما يشعر باعتبار هذا الشرط نعم وقع التقييد به في معقد الاجماع المتقدم حكايته عن كنز العرفان فان اعتمدنا
عليه في اثبات النجاسة اتجه القول بالاشتراط كما أنه يتجه ذلك ان استندنا فيه إلى موثقة معاوية بن عمار المتقدمة فان التخطي عن موردها
لا يكون الا بضميمة عدم القول بالفصل وهو لا يتم الا فيما إذا حصل بعد الغليان قوام وثخونة محسوسة بنظر العرف لان هذا هو القدر
المتيقن من مورد عدم القول بالفصل هذا كله في العصير العنبي واما العصير الزبيبي فمما لا ينبغي الاستشكال في طهارته ولو على القول بنجاسة
العصير العنبي بل في الحدائق الظاهر أنه لا خلاف في طهارته وعدم نجاسة بالغليان فانى لم أقف على قائل بالنجاسة هنا وبذلك صرح في الذخيرة
أيضا انتهى وعن شرح الوسائل لبعض معاصري صاحب الحدائق ان الاجماع منعقد على عدم نجاسة غير عصير العنب لكن قد يلوح مما حكى عن
المقاصد العلية وقوع الخلاف فيه أيضا حيث قال بعد حكمه بحرمة العصير العنبي وتوقيف نجاسته على الاشتداد ولا يلحق به عصير التمر وغيره
اجماعا ولا الزبيب على أصح القولين وكيف كان فالذي يمكن ان يستدل به لنجاسته على القول بنجاسة العصير العنبي انما هو استصحاب حكمه الثابت
له حال الغيبة والخدشة فيه بان المستصحب وهو نجاسة ماء العنب على تقدير غليانه تعليقي فلا اعتداد به لأنه يعتبر في الاستصحاب كون المستصحب
موجودا قبل زمان الشك * (مدفوعة) * برجوعه إلى استصحاب امر محقق وهو سببية غليانه للنجاسة وتمام الكلام فيه في محله واضعف من ذلك المناقشة
فيه بمعارضة باستصحاب الطهارة قبل الغليان مع ترجيح الثاني بالشهرة وغيرها لحكومة الاستصحاب الأول على الثاني كما لا يخفى لكن يتوجه
عليه الخدشة فيه بتغير الموضوع لان الزبيب بنظر العرف كالحصر موضوع مغاير للعنب هذا مع أنه
ليس للزبيب ماء حتى يستصحب سببية غليانه
للنجاسة والماء الخارجي الممزوج بالاجزاء اللطيفة منه لم يكن ينجس بالغليان والذي كان ينجس بالغليان انما هو ماء العنب الذي لم يبق بعد
جفافه ودعوى كون غليانه حال العنبية سببا لنجاسة الماء الخارجي الممزوج به أيضا مغالطة فان نجاسة الماء الخارجي الممزوج بماء العنب
عند غليانه مسببة عن الملاقاة للنجس والمزج أو الاستهلاك فيه لا عن الغليان وكيف كان فلا خفاء في مغايرة عصير الزبيب لعصير العنب
ذاتا ووصفا لغة وعرفا ومقتضى الأصل فيه الطهارة ما لم يرض له صفة الاسكار بل مقتضى الاستصحاب التعليقي الذي تقدمت الإشارة إليه
أيضا ذلك اللهم الا ان يناقش فيه بتغير الموضوع فليتأمل وهل يحرم بالغليان كعصير العنب أم لا فيه قولان أشهرهما بل المشهور كما ادعاه
غير واحد عدم الحرمة وعن غير واحد من المتأخرين وفاقا لبعض فضلائنا المتقدمين القول بالحرمة واستدل للقول بالحرمة برواية زيد البرسي
عن الصادق عليه السلام في الزبيب يدق ويلقى في القدر ويصب عليه الماء فقال حرام حتى يذهب ثلثاه قلت الزبيب كما هو يلقى في القدر وقال هو
كذلك سواء إذا أدت الحلاوة إلى الماء فقد فسد كلما غلا بنفسه أو بالنار فقد حرم حتى يذهب ثلثاه ويفهم من الشرطية المذكورة في الرواية
انتفاء الفساد ما لم تتأد الحلاوة إلى الماء وان غلا الماء وانقلب فيه الزبيب والمراد بتأدية الحلاوة إليه بحسب الظاهر ليس مطلق تغير طعمه
ولو مع بقائه بصفة الاطلاق بل صيرورته حلوا على وجه صدق عليه عرفا ماء الزبيب حتى يتحقق التسوية بينه وبين الماء المنصب على الزبيب
المدقوق الملقى في القدر الذي يحرم بالغليان ويحل بذهاب ثلثيه ولو فرض ظهوره في الاطلاق لتعين صرفه إلى ذلك فان الماء المطلق لا يفسد
ولا يحرم بالغليان وقوله (ع) كلما غلا [الخ] كأنه مسوق لبيان وجه الفساد فكأنه قال لافرق بين ان يدق الزبيب ويلقى في القدر أو يلقى كما
هو في القدر ويصب عليه الماء بعد تأدية حلاوته إليه في كون غليان الماء المتغير به بنفسه أو بالنار موجبا لحرمته إلى أن يذهب ثلثاه وكيف كان
فالرواية صريحة في كون غليان نقيع الزبيب موجبا لحرمته لكنها غير نقية السند يشكل الاعتماد عليها مع مخالفتها للمشهور و * (استدل) * له أيضا برواية
علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الزبيب هل يصلح ان يطبخ حتى يخرج طعمه ثم يؤخذ الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يرفع
فيشرب منه السنة فقال لا بأس به وموثقة عمار الساباطي قال وصف لي أبو عبد الله عليه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا فقال تأخذ ربعا
من زبيب وتنقيه ثم تصب عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فإذا كان أيام الصيف وخشيت ان ينش جعلته في تنور سخن قليلا حتى لا ينش
ثم تنزع الماء منه كله إذا أصبحت ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يعمره ثم تغليه حتى تذهب حلاوته ثم تنزع مائه الاخر فتصبه على الماء الأول ثم
تكيله كله فتنظر كم الماء ثم تكيل ثلثه فتطرحه في الاناء الذي تريد ان تغليه وتقدره وتجعل قدره قصبة أو عودا فتحدها على قدر منتهى الماء ثم
تغلى الثلث الاخر حتى يذهب الماء الباقي ثم تغليه بالنار فلا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث ثم تأخذ لكل ربع رطلا من عسل
553

فتغليه حتى تذهب رغوة العسل وتذهب قساوة العسل في المطبوخ ثم تضربه بعود ضربا شديدا حتى يختلط وان شئت ان تطيبه بشئ من زعفران
أو شئ من زنجبيل فافعل ثم اشربه فان أحببت ان يطول مكثه عندك فروقه وموثقته الأخرى عن أبي
عبد الله عليه السلام أيضا قال سئل عن
الزبيب كيف يحل طبخه حتى يشرب حلالا قال تأخذ ربعا من زبيب فتنقيه ثم تطرح عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فإذا كان من غد
نزعت سلافته ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه بالنار غلية ثم تنزع مائه فتصبه على الأول ثم تطرحه في اناء واحد ثم توقد تحته النار
حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه وتحته النار ثم تأخذ رطل عسل فتغليه بالنار غلية وتنزع رغوته ثم تطرحه على المطبوخ ثم اضربه حتى يختلط به واطرح
فيه ان شئت زعفرانا وطيبه ان شئت بزنجبيل قليل قال فان أردت ان تقسمه أثلاثا لتطبخه فكله بشئ واحد حتى تعلم كم هو ثم اطرح عليه الأول
في الاناء الذي تغليه فيه ثم تضع فيه مقدارا وحده حيث يبلغ الماء ثم اطرح الثلث الاخر وحده حيث يبلغ الماء ثم توقد تحته بنار لينة حتى
يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ورواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال شكوت إلى أبى عبد الله (ع) قراقر تصيبني في معدتي وقلة استمرائى الطعام فقال
لي لم تتخذ نبيذا نشربه نحن وهو يمري الطعام ويذهب بالقراقر والرياح من البطن قال فقلت له صفه لي جعلت فداك قال تأخذ صاعا من
زبيب فتنقيه من حبه وما فيه ثم تغسله بالماء غسلا جيدا ثم تنقعه في مثله من الماء أو ما يغمره ثم تتركه في الشتاء ثلاثة أيام بلياليها وفى الصيف
يوما وليلة فإذا اتى عليه ذلك القدر صفيته واخذت صفوته وجعلته في اناء واخذت مقداره بعود ثم طبخته طبخا دقيقا حتى يذهب ثلثاه ويبقى
ثلثه ثم تجعل عليه نصف رطل عسل وتأخذ مقدار العسل ثم تطبخه حتى يذهب الزيادة ثم تأخذ زنجبيلا وخولنجان ودارصيني وزعفران و
قرنفل ومصطكي وتدقه وتجعله في خرقة رقيقة وتطرحه فيه وتغليه معه غلية ثم تنزله فإذا برد صفيت واخذت منه على غدائك وعشائك قال
ففعلت فذهب عنى ما كنت أجده وهو شراب طيب لا يتغير إذا بقي انشاء الله والجواب اما عن رواية علي بن جعفر فبعدم دلالته على المدعى لا
قولا ولا تقريرا عدا ما يستشعر منها من معروفية اعتبار ذهاب الثلثين لديهم في طبخ الزبيب فلعله كان ذلك لاعتصامه عن الفساد وصيرورته
فقاعا أو مسكرا بطول المدة لا لصيرورته حلالا بعد ان حرم بل في سؤاله اشعار بذلك واما الموثقتان فالظاهر كونهما حكايتين عن واقعة
واحدة وقوله في الموثقة الأولى كيف يطبخ حتى يصير حلالا مر كلام السائل كما كشف عن ذلك موثقته الثانية فلا عبرة بظهور هذه الفقرة في الحرمة
الا بلحاظ استفادة تقريرها من الجواب لكن كفى في حسن تقريره عروض وصف الحرمة له في الجملة لو لم يطبخ بالكيفية التي وصفها الإمام (ع)
لصيرورته فقاعا أو مسكرا بعد مضى مدة بل ربما يستشعر من قوله في ذيل رواية الهاشمي وهو شراب طيب لا يتغير إذا بقي كون هذه الجهة
ملحوظة لديهم في أسئلتهم فيكون التقرير بلحاظ كون الكيفية المذكورة في الجواب دافعا للحرمة لا رافعا لها وبهذا ظهر عدم جواز الاستشهاد
للمدعى بما في هذه الروايات من اعتبار ذهاب الثلثين لجواز كونه للحفظ عن الفساد وصيرورته مسكرا وما يقال من أنه لو كان المقصود به مجرد الحفظ عن
الفساد لم يكن ذلك مقتضيا لشدة الاهتمام بمراعاة التحقيق بتقديره بالكيل أو تحديده بقصبته أو عودا وغير ذلك كما في اخبار الباب ضرورة كفاية
التقريب في حصول هذا الغرض * (مدفوع) * أولا بالنقض بما في رواية الهاشمي من التدقيق في امر العسل المطروح على ماء الزبيب بعد ذهاب ثلثيه
وثانيا بان من الجائز ان يكون شدة الاهتمام في امره لشدة الاهتمام بالتجنب عن المسكر واما ما في الموثقة الأولى من قوله (ع) فإذا كان أيام
الصيف وخشيت ان ينش جعلته في تنور مسجور فليس لخوف تحريمه بالنشيش لان الحرمة الحاصلة بالنشيش أو الغليان بالنار تزول بذهاب
ثلثيه فالخوف من نشيشه اما لكونه موجبا لفساده وتغير طعمه أو لكونه سببا لصيرورته مسكرا بحيث لا يجديه ذهاب الثلثين وكيف كان فلا يمكن
اثبات الحرمة بمثل هذه الاشعارات واستدل للحرمة أيضا بالاستصحاب التعليقي الذي عرفت حاله انفا وباخبار منازعة إبليس في شجرة الكرم
حيث يفهم منها ان له نصيبا في ثمرة هذه الشجرة مطلقا و * (فيه) * مالا يخفى من كون تلك الأخبار
مسوقة لبيان حكمة حرمة الخمر وعدم امكان استفادة
الاحكام التعبدية منها في غير ما ورد التصريح به بالخصوص وبعموم ما دل على حرمة كل عصير غلا حتى يذهب ثلثاه وفيه ان المتبادر من العصير
وضعا كما ادعاه في الحدائق أو انصرافا هو العصير العنبي كما يفصح عن ذلك التدبر في الاخبار خصوصا مثل قوله (ع) الخمر من خمسة العصير من الكرم
والنقيع من الزبيب الحديث ولو سلم ظهوره في إرادة كل ماء معتصر من جسم على وجه عم الماء النافذ في الزبيب المستخرج بالعصير لتعين صرفه إلى
العصر المعهود والا للزم تخصيص الأكثر المستهجن وكون العصير الزبيبي أو التمري من القسم المعهود الذي يراد باطلاق العصير غير معلوم بل لم
يعهد إرادة الماء المستخرج بالعصر من الزبيب أو التمر من اطلاق العصير في شئ من موارد استعمالاته نعم قد شاع استعمال العصير المضاف إلى الزبيب
والتمر لدى فقهائنا المتأخرين في ماء الزبيب التمر مطلقا وان لم يتخذ منهما بالعصر بل بالغليان أو المرس وهو اطلاق مسامحي لا يعمه اطلاق
الاخبار والذي يقتضيه الانصاف ان الأدلة المذكورة للحرمة وان لم يسلم شئ منها عن الخدشة لكن ربما يحصل بملاحظة المجموع بعد الالتفات
إلى كون الزبيب من أصله عنبا ومشاركة عصيريهما في معظم الفوائد الظن القوى بمشاركتهما من حيث الحكم وعدم كون اعتبار ذهاب الثلثين في كيفية
طبخ الزبيب الذي عرفت بالاخبار المتقدمة معروفيته لدى الأئمة والسائلين الا لذلك لكن يشكل الاعتماد على هذا الظن مع مخالفته للمشهور في رفع اليد
554

عن عمومات الحل الواردة في الكتاب والسنة المعتضدة بالمستفيضة الحاضرة للشراب المحرم في المسكر كرواية الفضل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته
عن النبيذ فقال حرم الله الخمر بعينها وحرم رسول الله (ع) من الأشربة كل مسكر ورواية يونس بن عبد الرحمن عن مولى حريز بن يزيد قال سئلت أبا عبد
الله عليه السلام فقلت له انى اصنع الأشربة من العسل وغيره وانهم يكلفوني صنعتها فاصنعها لهم فقال اصنعها وادفعها إليهم وهى حلال قبل ان
تصير مسكرا والاخبار الخاصة الدالة على دوران حرمة النبيذ مدار وصف الاسكار مع كون المراد بالنبيذ في بعضها خصوص الشراب المتخذ
من الزبيب منها رواية حنان بن سدير قال سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله (ع) ما تقول في النبيذ فان أبا مريم يشربه ويزعم انك امرته بشربه
فقال صدق أبو مريم سئلني عن النبيذ فأخبرته انه حلال ولم يسئلني عن المسكر ثم قال إن المسكر ما اتقيت فيه أحد سلطانا ولاغيره قال
رسول الله صلى الله عليه وآله كل مسكر حرام وما اسكر كثيره فقليله حرام فقاله له الرجل هذا النبيذ الذي اذنت لأبي مريم في شربه أي شئ هو فقال اما أبي
فكان يأمر الخادم فيجئ القدح فيجعل فيه زبيبا ويغسله غسلا نقيا ويجعله في اناء ثم يصب عليه ثلاثة مثله أو أربعة ماء ثم يجعله بالليل ويشربه بالنهار
ويجعله بالغداة ويشربه بالعشي وكان يأمر الخادم بغسله الاناء في كل ثلاثة أيام لئلا يغتلم فان كنتم تريدون النبيذ فهذا النبيذ ورواية
عبد الرحمن بن الحجاج قال استأذنت لبعض أصحابنا على أبى عبد الله عليه السلام فسئله عن النبيذ فقال حلال فقال أصلحك الله انما سئلتك
عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلى حتى يسكر فقال أبو عبد الله (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل ما اسكر حرام [الخ] ورواية الكلبي النسابة قال سألت
أبا عبد الله (ع) عن النبيذ فقال حلال فقلت انا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك قال شه شه تلك الخمرة المنتنة [الخ] وصحيحة صفوان الجمال
قال كنت مبتلا بالنبيذ معجبا به فقلت لأبي عبد الله (ع) أصف لك النبيذ فقال بل انا أصفه لك قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل مسكر حرام وما اسكر كثيره
فقليله حرام فقلت له هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة فقال ليس هكذا كانت السقاية انما السقاية زمزم افتدرى أول من غيرها قلت لا قال
عباس بن عبد المطلب كانت له جلة أفتدري ما الجلة قلت لا قال الكرم فكان ينقع الزبيب غدوة ويشربونه بالعشي وينقعه العشى ويشربونه
من الغد يريد ان يكسر غلظ الماء عن الناس وان هؤلاء قد تعدوا فلا تشربه ولا تقربه وصحيحة معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله (ع) ان
رجلا من بنى عمى وهو رجل من صلحاء مواليك يأمرني ان أسئلك عن النبيذ واصفه لك فقال انا أصف لك قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل مسكر حرام وما
اسكر كثيرة فقليله حرام إلى غير ذلك من الاخبار التي يستفاد منها دوران الحرمة مدار وصف الاسكار وبعضها كالصريح في عدم الفرق بين
انحاء النبيذ من المطبوخ وغيره في إناطة حرمته بالمسكرية فلو سلم ظهور الأخبار المتقدمة في الحرمة فالمتعين تأويلها بما لا ينافي هذه الأخبار
نعم رواية زيد كادت تكون صريحة في سببية الغليان من حيث هو للحرمة لكنك عرفت قصورها من حيث السند فضلا عن صلاحيتها لمعارضة
هذه الأخبار واما ما في غير واحد من الاخبار من اطلاق النهى عن شرب النبيذ فالمراد به هو النبيذ المسكر الذي كان متعارفا شربه في
تلك الأزمنة كما أن ما في موثقة سماعة من المنع من طبخ التمر والزبيب للنبيذ مطلقا لم يكن الا بلحاظ صيرورته مسكرا كما يشهد لذلك ذيلها
قال سئلته عن التمر والزبيب يطبخان للنبيذ فقال وقال كل مسكر حرام وقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل ما اسكر كثيرة فقليله حرام وقال لا يصلح
في النبيذ الخميرة وهى العكر فهذه الموثقة أيضا كغيرها من الأخبار المتقدمة تدل على انحصار سبب الحرمة في الاسكار لكن ربما يستشعر منها بل وكذا
من غيرها من الاخبار التي تقدم بعضها كون النشيش والغليان ملازما للاسكار فمن هنا قد يتوهم امكان الجمع بين هذه الأخبار وبين رواية
زيد بجعل الغليان معرفا وطريقا تعبديا للمسكرية التي هي المناط للحرمة ويدفعه مضافا إلى ما عرفت في مبحث العصير العنبي من وهن احتمال دوران
وصف الاسكار حدوثا وارتفاعا مدار الغليان وذهاب الثلثين مطلقا حتى تنزل الرواية على الطريقة التعبدية دون السببية ان مقتضى
ايكال تشخيص الموضوع إلى السائل في جملة من الأخبار الدالة على انحصار السبب في الاسكار كون الامر في معرفة كونه مسكرا موكولا إلى العرف لا إلى
التعبد الشرعي فالأظهر دوران الحرمة مدار صفة الاسكار والرجوع في موارد الشك في المسكرية إلى ما يقتضيه الأصول العملية لكن الانصاف انه لولا الخدشة
في رواية زيد بضعف السند واعراض المشهور عنها لكان رفع اليد عنها بمثل هذه الروايات في غاية الاشكال فالحكم بالنظر إليها لا يخلو عن تردد
والاحتياط مما لا ينبغي تركه لكن قد أشرنا إلى أن غاية ما يمكن استفادته من تلك الرواية كغيرها من اخبار الحرمة لو سلمت دلالتها انما هو هي سببية غليان
ماء الزبيب لحرمته فلا يعم الزبيب المطبوخ في الطعام الذي لا يؤثر طبخه في صيرورة مائه حلوا فضلا عن الزبيب المحموض في الدهن أو الموضوع على
الطعام الذي يطبخ ببخاره أو المخلوط بغير المايع فإنه لا ينبغي الاستشكال في حليته في شئ من هذه الصور بل وكذا لو اختلط ماء الزبيب بغيره على
وجه استهلك فيه ولم يصدق معه غليان ماء الزبيب بل وكذلك الحكم في ماء العنب الممزوج بغيره المستهلك فيه وعليه ينزل ما عن مستطرفات السرائر
عن كتاب مسائل الرجال عن أبي الحسن (ع) ان محمد بن عيسى كتب إليه عندنا طبخ يجعل فيه الحصرم وربما يجعل فيه العصير من العنب وانما هو لحم يطبخ به وقد
روى عنهم في العصير انه إذا جعل على النار لم يشرب حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه وان الذي يجعل من العصير في القدر بتلك المنزلة وقد
اجتنبوا اكله إلى أن يستأذن مولانا في ذلك فكتب لا بأس بذلك * (واما) * العصير التمري فالمعروف أيضا طهارته وحليته ما يسكر بل يظهر
555

من غير واحد دعوى الاجماع عليه ويشهد له مضافا إلى عمومات الحل والطهارة جملة من الأخبار الدالة
على إناطة حرمته بالانكار مثل ما رواه
في الكافي بسنده عن محمد بن جعفر عن أبيه عليه السلام قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله قوم من اليمن فسألوه عن معالم دينهم فأجابهم فخرج القوم بأجمعهم
فلما ان ساروا مرحلة قال بعضهم لبعض نسينا ان نسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عما هو أهم الينا فنزل القوم وبعثوا وفدا لهم فاتى الوفد رسول الله صلى الله عليه وآله
فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله ان القوم قد بعثونا إليك يسئلونك عن النبيذ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وما النبيذ صفوه لي قال يؤخذ
التمر فينبذ في اناء ثم يصب عليه الماء حتى يمتلي ثم يوقد تحته حتى ينطبخ فإذا انطبخ أخرجوه فالقوه في اناء آخر ثم صبوا عليه ماء ثم يمرس ثم يصفوه
بثوب ثم القى في اناء ثم صب عليه من عكر ما كان قبله ثم هدر وغلا ثم سكن على عكره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا هذا قد أكثرت أفيسكر قال نعم فقال
كل مسكر حرام قال فخرج الوفد حتى انتهوا إلى أصحابهم فأخبروهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقال القوم ارجعوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى نسئله
عنه شفاها ولا يكون بيننا وبينه سفير فرجع القوم جميعا فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله ان ارضنا ارض دوية ونحن قوم نعمل الزرع ولا نقوى ذلك
العمل الا بالنبيذ فقال صفوه لي فوصفوه كما وصفه أصحابهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أفيسكر قالوا نعم قال كل مسكر حرام وحقا على الله ان يسقى كل
شارب مسكر من طينة خبال أتدرون ما طينة خبال قالوا لا قال صديد أهل النار إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة عليه التي تقدم جملة منها
انفا فما حكى عن بعض من القول بالحاقه بالعصر العنبي ضعيف واستدل له بعموم ما دل على حرمة كل عصير غلا ولم يذهب ثلثاه وفيه ما عرفته فيما
سبق واستدل له أيضا ببعض الاخبار الجملة القاصرة عن إفادة المدعى كما لا يخفى على من تأمل فيها فضلا عن صلاحيتها المعارضة ما عرفت و
ترجيحها عليه فلا يهمنا الإطالة في ابرازها وانما تعرضنا لحكم العصير من حيث الحلية والحرمة مع خروجه مما يقتضيه المقام تبعا لغير واحد من
الاعلام لكون المسألة من المهمات والله العالم بحقايق احكامه * (التاسع) * من النجاسات الفقاع اجماعا كما عن جماعة نقله لكن الظاهر
ارادتهم بذلك عدم الخلاف فيه بين القائلين بنجاسة الخمر لا مطلقا ويدل عليه مضافا إلى عدم القول بالفصل على الظاهر بينه وبين الخمر
الأخبار المستفيضة بل المتواترة التي حكم فيها بكونه خمرا مثل ما رواه الكليني بسنده عن الوشا قال كتبت إليه يعنى الرضا (ع) أسئله عن الفقاع
قال فكتب حرام وهو خمر الحديث وما رواه عن ابن فضال قال كتبت إلى أبى الحسن (ع) أسئله عن الفقاع فقال هو الخمر وفيه حد شارب الخمر وعن
عمار بن موسى قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الفقاع فقال هو خمر وعن حسين القلانسي قال كتبت إلى أبى الحسن الماضي أسئله عن الفقاع
فقال لا تقربه فإنه من الخمر وعن محمد بن سنان عن أبي الحسن الرضا (ع) نحوه وعنه أيضا قال سئلت أبا الحسن الرضا (ع) عن الفقاع فقال هي
الخمر بعينها وعن الحسن بن جهم وابن فضال جميعا قالا سئلنا أبا الحسن (ع) عن الفقاع فقال هو خمر مجهول وفيه حد شارب الخمر إلى غير ذلك
من الاخبار التي في بعضها هي خمرة استصغرها الناس وفى بعضها هو خمر مجهول وفى بعضها اطلاق لفظ الخميرة عليه والذي يظهر من هذه الأخبار
كونه فردا حقيقيا للخمر لكن من افرادها الخفية التي لم تكن يعرفها الناس فيثبت له احكامها التي منها النجاسة ولو أريد بها الحمل
المجازى فظاهرها إرادة التشبيه التام أو التنزيل الموضوعي بادراجه في موضوع الخمر تعبدا بلحاظ احكامه الشرعية على سبيل الاجمال
المقتضى لثبوت جميع احكامه ظاهرة كانت أم خفية كما لا يخفى على المتأمل فيها ويشهد له أيضا خبر أبي جميلة البصري قال كنت مع يونس
ببغداد وانا امشي في السوق ففتح صاحب الفقاع فقاعه فقفز فأصاب ثوب يونس فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس فقلت له يا
أبا محمد الا تصلى فقال ليس أريد ان اصلى حتى ارجع إلى البيت فاغسل هذا الخمر من ثوبي فقلت هذا رأى رأيته أو شئ ترويه فقال
أخبرني هشام بن الحكم انه سئل الصادق عليه السلام عن الفقاع فقال لا تشربه فإنه خمر مجهول فإذا أصاب ثوبك فاغسله وضعف سنده
مجبور بما عرفت وكيف كان فلا اشكال في الحكم بناء على نجاسة الخمر كما هو الظاهر وانما الاشكال في تشخيص موضوعه فقد اختلفت كلمات
الأصحاب فيه فربما يظهر من غير واحد منهم كونه اسما لشراب كان يتخذ من ماء الشعير فقط قال في مجمع البحرين الفقاع كرمان شئ يشرب
يتخذ من ماء الشعير فقط وليس بمسكر ولكن ورد النهى عنه انتهى وعن المدنيات انه شراب معمول من الشعير وعن السيد المرتضى ره انه
نقل عن أبي هاشم الواسطي ان الفقاع نبيذ الشعير فإذا نش فهو خمر ويظهر من جملة منهم عدم الاختصاص بكونه من الشعير * (فعن) * السيد في
الانتصار والرازيات انه كان يعمل منه ومن القمح وربما يستشعر من هذه العبارة انه اسم لقسم معهود من الشراب وان اتخاذه من الشعير
أو الحنطة لحصوله بهما من غير أن يكون لخصوصيتهما دخل في التسمية كما أنه يفهم هذا المعنى من عبارة غيره أيضا مثل ما عن الشهيد أنه قال كان
قديما يتخذ من الشعير غالبا ويوضع حتى يحصل له نشيش وكأنه الان يتخذ من الزبيب وعن الشهيد الثاني في الروض أنه قال الأصل في
الفقاع ان يتخذ من ماء الشعير كما ذكره في الانتصار لكن لما ورد النهى معلقا على التسمية ثبت له ذلك سواء عمل منه أم من غيره إذا حصل فيه
خاصة وهو النشش وقال في الروضة والأصل فيه ان يتخذ من ماء الشعير لكن لما ورد الحكم فيه معلقا على التسمية ثبت لما اطلق عليه اسمه مع حصول
خاصته أو اشتباه حاله انتهى وهذا مبنى على كونه من أصله موضوعا للقدر المشترك بينه وبين جميع ما يشاركه في وصف النشيش الذي عبر عنه بالخاصة
556

مما اطلق عليه الاسم بمعنى انه اسم لكل ما يطلق عليه الفقاع في العرف بشرط يكون له صفة النشيش والا فالاطلاق مبنى على المسامحة والتجوز
فعند اشتباه حال الفرد الذي اطلق عليه الاسم حكم بكونه مصداقا حقيقيا له بمقتضى أصالة الحقيقة والى هذا المعنى أشار في القاموس حيث قال
الفقاع كرمان هذا الذي يشرب سمى بذلك لما يرتفع في رأسه من الزبد انتهى ولكن اثبات كونه من أصله اسما للأعم ولو بعد تسليم كونه عرفا
كذلك لا يخلو عن اشكال فإنه وان اقتضت أصالة عدم الاشتراك والنقل كونه كذلك وعدم الالتفات إلى تفسير من فسر بنبيذ الشعير
الظاهر في الاختصاص بعد معارضته بقول من فسره بالأعم ومساعدة العرف عليه لكن من المعلوم ان اطلاقه على مصاديقه ليس بلحاظ معناه
الوصفي والا لم يكن محتاجا إلى مراجعة العرف في تشخيص المسمى بل بلحاظ معناه الأسمى والذي يظهر من كلماتهم كون المتعارف في القديم اتخاذه
من الشعير فمن المستبعد صيرورة اللفظ حقيقة في الأعم منه ومما يشاركه في الخواص من جنس المشروبات وان لم يكن متعارفا نوعه فمن هنا قد
يغلب على الظن صحة ما سمعته من أبي هاشم وغيره من تفسيره بنبيذ الشعير ولا يعارضه تفسير من تأخر عنه بما هو أعم من ذلك لاحتمال تجدد النقل
وأصالة عدم النقل لا تصلح دليلا لطرح قول من صرح بكونه اسما للمعنى الخاص ثم لو سلم كونه حقيقة في الأعم فهو غير مجد في حمل الأخبار الناهية
عنه عليه بعد فرض كون الغالب المتعارف فيه هو خصوص المتخذ من الشعير كما هو مقتضى كلماتهم فان اطلاقات الاخبار تنصرف إلى افراده الشايعة
المتعارفة وكيف كان فالحكم في غير المتخذ من الشعير محل تودد * (ثم) * ان مقتضى اطلاق الفتاوى وأغلب النصوص حرمة الفقاع ونجاسته مطلقا سواء
حصل له النشيش والغليان أم لا فالمدار على تحقق الاسم لكن حكى عن ابن الجنيد أنه قال إن تحريمه من جهة نشيشه ومن ضراوة انائه إذا كرر فيه العمل
وظاهره انتفاء الحرمة عند انتفاء النشيش والغليان سواء صدق عليه اسم الفقاع أم لا ولذا عدة جملة من الأصحاب مخالفا للمشهور لكن يظهر من
غير واحد منهم كالشهيدين وأبي هاشم في عبائرهم المتقدمة وكذا من غيرهم أيضا اعتبار النشيش والغليان في تحقق مفهومه فلا يكون الفقاع
فقاعا حقيقة الا إذا نش وارتفع في رأسه الزبد واطلاق الفقاع عليه قبل ان يصير كذلك تجوز فحكم الأصحاب بحرمته على الاطلاق لعله بهذه الملاحظة
والا فالأقوى ما ذهب إليه ابن الجنيد كما صرح به في الحدائق وغيره لصحيحة ابن أبي عمير عن مرازم قال كان يعمل لأبي الحسن عليه السلام الفقاع في منزله قال
ابن أبي عمير ولم يعمل فقاع يغلى ورواية عثمان بن عيسى قال كتب عبد الله بن محمد الرازي إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام ان رأيت أن تفسر لي الفقاع فإنه قد اشتبه
علينا امكروه هو بعد غليانه أم قبله فكتب لا تقرب الفقاع الا ما لم يضر انيته أو كان جديدا الكتاب إليه اني كتبت اسئل عن الفقاع ما لم يغل فأتاني
ان اشربه ما كان في إناء جديدا وغير ضار ولم اعرف حد الضراوة والجديد وسئل ان يفسر ذلك له وهل يجوز شرب ما يعمل في الغضارة والزجاج
والخشب ونحوه من الأواني فكتب تجعل الفقاع في الزجاج وفى الفخار الجديد إلى قدر ثلاث عملات ثم لا يعد منه بعد ثلاث عملات الا في إناء جديد و
الخشب مثل ذلك ويؤيده صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي قال سئلته عن شرب الفقاع الذي يعمل في السوق ويباع ولا أدري كيف عمل ولا متى
عمل أيحل ان اشربه قال لا أحبه فان ظاهر قوله ولا متى عمل ان الحرام منه ما يبقى حتى يحصل له النشيش ثم إن ظاهر الأصحاب حيث جعلوا الفقاع قسما للخمر
وغيرها من المسكرات عدم اعتبار الاسكار فيه بل سمعت من مجمع البحرين كما صرح به غيره أيضا انه شراب غير مسكر لكن يفهم من الاخبار ان حرمته حرمة خمرية
فيستشعر منها انه من الأشربة المسكرة كما يؤيده ما حكى عن زيد بن اسلم أنه قال الغبيرا التي نهى رسول الله عنها هي الاسكركة خمر الحبشة انتهى وقد فسر الاسكركة
بالفقاع فلا يبعد ان يكون له مرتبة خفية من الاسكار لا توجب زوال العقل فلعله لذا سمى في الاخبار بالخمر المجهول حيث لم يعرف مسكريته وكيف كان
فالظاهر أن ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء ليس منه كما استظهره غير واحد والله العالم * (العاشر) * الكافر بجميع أصنافه على المشهور بل لم يعرف الخلاف
في غير الكتابي منه من أحد وقد استفيض بل تواتر نقل الاجماع عليه واما الكتابي فعن جماعة أيضا دعوى الاجماع على نجاسته لكن حكى عن ابن الجنيد
وظاهر العماني ونهاية الشيخ القول بطهارته وتبعهم جماعة من متأخري المتأخرين واستدل للنجاسة مطلقا بقوله تعالى انما المشركون نجس بناء على
شمول المشرك لجميع أصناف الكفار كما ادعاه بعض من أنه يطلق على كل كافر من عابد صنم ويهودي ونصراني ومجوسي وزنديق وغيرهم والمناقشة
فيه بمنع الاطلاق على سبيل الحقيقة غير ضائر بالنسبة إلى غير أهل الكتاب لعدم القول بالفصل واما أهل الكتاب فالمجوس بناء على كونهم من الكتابي
على ما قيل قائلون بألاهية يزدان والنور والظلمة فهم من اظهر أصناف المشرك واما اليهود والنصارى فيدل على كونهم من المشركين قوله تبارك
وتعالى وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله إلى قوله سبحانه تعالى الله عما يشركون وما يقال من أن النجس مصدر فلا يصح
وصف الجثة به الا مع تقدير كلمة ذو ونحوها فلا تدل على المدعى لجواز ان يكون نسبتهم إلى النجس عدم انفكاك ظاهر جسدهم من النجاسات العرضية
لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ففيه ان حمله على المبالغة كزيد عدل أولى واظهر ويتوجه على الاستدلال منع كون التنجس في زمان صدور
الآية حقيقة في المعنى المصطلح بل المتبادر من حمل النجس على المشركين كحمل الرجس على الميسر والأنصاب والأزلام في قوله تعالى انما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام رجس معناه اللغوي الذي هو أعم من المعنى المصطلح والعجب من صاحب الحدائق حيث حاول اثبات إرادة المعنى الأخص من الآية بكون
النجس في عرف الأئمة (ع) حقيقة في المعنى الأخص كما لا يخفى على المتتبع ودفع احتمال تأخر ثبوت الحقيقة العرفية الخاصة بقوله ان عرفهم في الاحكام
557

الشرعية وفتاويهم وأمرهم ونهيهم في ذلك راجع في الحقيقة إليه صلى الله عليه وآله فإنهم نقلة عنه وحفظة الشريعة وتراجمة لوحيه كما استفاضت به اخبارهم انتهى وفيه
مالا يخفى من عدم ارتباط كونهم حفظة للشريعة وتراجمة للوحي بالمدعى نعم ربما يظن من صيرورة اللفظ حقيقة لدى المتشرعة في معنى كون هذا
المعنى هو المراد بهذه الكلمة في استعمالات الشارع وان صيرورتها حقيقة فيه نشاء من ذلك لكن لا يعتنى بمثل هذه الظنون ما لم تتحقق و
قد يجاب عن المناقشة أولا بتسليم كون النجس مستعملا في معناه العرفي وهو القذارة لكن القذارة التي يراها الشارع قذارة هي القذارات
التي امر بالتجنب عنها أي النجاسات دون الأجسام الطاهرة شرعا وثانيا بان تفريع حرمة قربهم من المسجد الحرام قرينة على إرادة القذارة
الخاصة الموجبة لحرمة الدخول في المسجد وهى النجاسة الشرعية إذ لا يجب تجنب المساجد عن غير النجس الشرعي اجماعا وفيه ان غاية ما يمكن
ادعائه كون كل ما أوجب الشارع التجنب عنه قذرا عنده لا انحصار القذر لديه فيما أوجب التجنب عنه كيف وبعض الأشياء يستجب التنزه
عنه فهو قذر لدى الشارع لكن لم يوجب الاجتناب عنه وعن ملاقيه اما لقصود المقتضى عن سببيته للايجاب أو لوجود المانع واما ما ذكروه من أن
التفريع قرينة على إرادة النجس الشرعي للاجماع على عدم وجوب تجنب المساجد عن غير النجس الشرعي * (ففيه) * أولا النقض بالقذارات المعنوية الحاصلة
بالجنابة والحيض ونحوهما فان اطلاق النجس عليها كاطلاق القذر والرجز والرجس بلحاظ معناه اللغوي غير مستنكر بل شايع فلا مانع من أن
يكون المراد بالنجس في الآية الخباثة الباطنية والقذارة المعنوية الحاصلة بالشرك الذي هو أشد قذارة من الاحداث المانعة من دخول
المساجد وثانيا ان ما ادعوه من الاجماع مرجعه إلى دعوى الاجماع على انحصار سبب منع المشركين من دخول المسجد الحرام في نجاستهم الظاهرية
وهى ممنوعة على مدعيها أشد المنع بل المشركين يحرم دخولهم في المسجد الحرام وان لم نقل بنجاستهم بنص الكتاب واجماع المسلمين بل الضرورة
من الدين المستكشفة من استقرار سيرة العامة والخاصة على منعهم من دخول المسجد الحرام بل وكذا غيره من المساجد والمناسك المخصوصة
بالمسلمين من المشاهد المشرفة وما يتعلق بها لا لأجل نجاستهم من حيث هي بل لكفرهم الذي هو قذارة باطنية ونجاسة معنوية موجبة لهتك حرمة
المسجد ونحوه كيف ولو كان المانع منحصرا في نجاستهم الظاهرية من حيث هي لاتجه اختصاص المنع بما إذا كانت مسرية لما ستعرف من أن الأظهر جواز
ادخال النجاسة الغير المتعدية مع أنه لا يظن بأحد ان يلتزم بذلك فليتأمل ثم لو سلمنا دلالة الآية على النجاة المصطلحة فهي أخص من المدعى
لعدم شمول المشركين لأغلب أصناف الكفار من أهل الكتاب والمرتدين والمنتحلين للاسلام وما قيل من اطلاق المشرك على كل كافر * (ففيه) *
انه مبنى على التجوز واما نسبة الاشراك إلى أهل الكتاب ببعض الاعتبارات كما في الكتاب العزيز فلا تصحح ارادتهم من اطلاق المشرك الذي
لا يتبادر منه الا إرادة الثنوي والوثني ونحوهم لا مطلق من صح توصيفه بالاشراك ببعض الاعتبارات والا فصدق المشرك على المرائي
أوضح من صدقه على اليهود بواسطة قولهم عزير ابن الله وقد اطلق عليه المشرك في جملة من الاخبار مع أنه لا يعمه الاطلاق قطعا هذا مع أن
المتبادر من الآية بشهادة سياقها إرادة مشركي أهل مكة التي أنزلت البراءة من الله ورسوله منهم ومنعوا من قرب المسجد الحرام فلا يجوز
التعدي عنهم الا بتنقيح المناط أو عدم القول بالفصل ولا يتم شئ منهما بالنسبة إلى أهل الكتاب واستدل أيضا بالأخبار الآتية الدالة
على نجاسة أهل الكتاب فإنها تدل على نجاسة سائر أصناف الكفار بالأولوية القطعية وفيه منع الأولوية بالنسبة إلى المنتحلين للاسلام
المحكوم بكفرهم وكذا بالنسبة إلى بعض أصناف المرتدين واستدل لنجاسة أهل الكتاب مضافا إلى ما عن صريح السيد وظاهر غيره من دعوى
الاجماع عليها المعتضدة بالشهرة المحققة وشذوذ المخالف بل معروفية الحكم بالنجاسة لدى الخاصة على وجه صار شعارا لهم يعرفه منهم علماء
العامة وعوامهم ونساؤهم وصبيانهم بل وأهل الكتاب فضلا عن الخاصة بموثقة سعيد الأعرج انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن سؤر اليهودي
والنصراني أيؤكل أو يشرب قال لا وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سئلته عن رجل صافح مجوسيا قال يغسل يده ولا يتوضأ ورواية
أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في مصافحة المسلم لليهودي والنصراني قال من وراء الثياب فان صافحك بيده فاغسل يدك وصحيحة علي بن جعفر (ع)
عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام فقال إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام الا ان يغتسل وحده على
الحوض فيغسله ثم يغتسل وسئلته عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة قال لا الا ان يضطر إليه وعن الشيخ انه
حمل الاضطرار على التقية حتى لا ينافي نجاسته وصحيحة الأخرى عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن فراش اليهودي والنصراني ينام عليه قال لا
بأس ولا يصلى في ثيابهما وقال لا يأكل كل المسلم مع المجوس في قصعة واحدة ولا يقعده في فراشه ولا مسجده ولا يصافحه قال وسئلته عن رجل
اشترى ثوبا من السوق للبس لا يدرى لمن كان هو هل تصلح الصلاة فيه قال إن اشتراه من مسلم فليصل فيه وان اشتراه من نصراني فلا
يصلى فيه حتى يغسله وروايته الأخرى أيضا عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وارقد معه على فراش واحد
وأصافحه قال لا ورواية هارون بن خارجة قال قلت لأبي عبد الله (ع) انى أخالط المجوس فاكل من طعامهم فقال لا ومفهوم رواية سماعة
قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن طعام أهل الكتاب ما يحل منه قال الجنوب وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن انية أهل
558

الذمة والمجوس فقال لا تأكلوا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر والانصاف انه لا اشعار في أغلب هذه الأخبار بالنجاسة
فضلا عن الدلالة عليها اما صحيحة محمد بن مسلم الأخيرة فهي على خلاف المطلوب أدل لأن ظاهرها انحصار المنع بالاكل في آنيتهم التي يشربون
فيها الخمر دون ما يشربون فيها الماء ونحوه من الأشياء المحللة واما المنع من اكل طعامهم الذي يطبخون فيحتمل قويا ان يكون لأجل عدم تجنبهم
عن مزجه بالأشياء المحرمة من الميتة ولحم والخنزير وشحمه وغير ذلك ممالا يتحرزون عنه ولا أقل من كون أوانيهم المعدة للطبخ متنجسة بمثل هذه
الأمور فلا يدل على أن المنع منه ليس الا لأجل مباشرتهم برطوبة سارية حتى يستفاد منه نجاستهم * (كيف) * ولو كان هذا هو العلة للمنع لكان الأنسب
المنع من اكل كل ما باشروه برطوبة سارية لا خصوص طعامهم الذي يطبخونه وبهذا ظهر لك قصور ساير الأخبار الناهية عن اكل طعامهم عن اثبات
المدعى ولعل ما أشرنا إليه هو الوجه لما في الأخبار المستفيضة الواردة في تفسير قوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم من تخصيصه بالحبوب
بل في بعض تلك الأخبار اشعار بذلك واما صحيحة علي بن جعفر (ع) الأولى فمفادها جواز الوضوء بالماء الذي يدخل اليهودي والنصراني يده فيه
لدى الضرورة وهو ينافي نجاسته كما أشرنا إليه وما عن الشيخ من حمل الاضطرار على التقية بعيد فان ظاهرها الاضطرار إلى الوضوء منه
بانحصار الماء فيه لا الاضطرار إلى أن يتوضأ بالماء النجس لصلوته تقية وما في صدر هذه الصحيحة من حكم الاغتسال في الحمام الذي اغتسل
فيه النصراني فلا يخلو وجهه من اجمال لا يكاد يستفاد منها نجاسة النصراني من حيث هو كما لا يخفى على المتأمل واما صحيحة الثانية المشتملة على المنع
من الصلاة في ثيابهما والاكل مع المجوس في قصعة واحدة وتمكينه من الجلوس في فراشه ومسجده والمصافحة معه والنهى عن الصلاة في الثوب
الذي اشتراه من النصراني الا ان يغسله فلابد من تأويلها أو حملها على الاستحباب لعدم امكان العمل بظاهرها على الاطلاق نعم يمكن
ذلك في خصوص المنع من الصلاة في ثيابهما على تقدير نجاستهما نظرا إلى غلبة ملاقاتهما لثيابهما مع الرطوبة السارية فيكون اطلاق المنع
منزلا على الغالب فعلى هذا يتم الاستشهاد بهذه الفقرة للمدعى لكن لقائل ان يقول كما أن الغالب ملاقاتهما لثوبهما برطوبة سارية كذلك الغالب
عدم خلو ثوبهما وجسدهما الملاقى للثوب مع الرطوبة من النجاسة العرضية فلا ينحصر وجه المنع بكون الثوب ملاقيا لجسدهما من حيث هو
حتى يتم به الاستدلال واما روايته الثالثة فلا يبعد ان يكون ما فيها من المنع من الأشياء المذكورة في السؤال بلحاظ كونها نحوا من الموادة
المنهى عنها والا فمجرد نجاستهم لا تقتضي الا المنع من بعض تلك الأشياء في الجملة لا مطلقا والحاصل انه لا يمكن استفادة نجاسة أهل الكتاب
من الأحكام المذكورة في هذه الروايات لعدم الملازمة بينها وبين النجاسة لا عقلا ولا عرفا ولا شرعا وما يمكن الاستشهاد به للمدعى
من الأخبار المتقدمة انما هو موثقة سعيد وصحيحة محمد بن مسلم الأولى ورواية أبي بصير فان المتبادر من النهى عن اكل سؤرهم وشربه كما
في الموثقة بواسطة القرائن المغروسة في أذهان المتشرعة المنع منه لقذارته شرعا لا الحرمة تعبدا وحمله على الكراهة كالنواهي المتعلقة
بالأسئار المكروهة كسؤر الفارة ونحوها خلاف الظاهر وكذا المتبادر من الامر بغسل اليد الملاقية للكتابي بالمصافحة كما في الخبرين الأخيرين
نجاستها وكون الامر بغسلها ناشئا منها فحمله على إرادة الوجوب التعبدي بعيد مع مخالفته لفتوى الأصحاب وحمله على الاستحباب كما في غسل
الثوب من بول الحمار ونحوه غير بعيد لكنه خلاف ظاهر الامر لكن بناء على إرادة ظاهره من الوجوب الشرطي يجب تقييده بما إذا كانت الملاقاة
برطوبة سارية جمعا بينه وبين ما دل على أن كل يابس ذكى فيدور الامر بين التقييد بقرينة منفصلة وبين حمل الامر على الاستحباب ولا يبعد
ان يكون الأول أولى خصوصا مع اعتضاده بفهم الأصحاب وفتواهم فيتم به الاستدلال واحتمال كون الامر بالغسل في الروايتين وكذا
النهى عن سؤرهم في الرواية الأولى ناشئا من نجاستهم العرضية فان الغالب نجاسة ظاهر بدنهم لأنهم لا يغتسلون ولا يتطهرون مدفوع
بان الغلبة لا توجب القطع بالنجاسة في خصوصيات الموارد حتى يجب الاجتناب عنهم مطلقا كما يقتضيه ظاهر الروايات مع أن مقتضى ظاهرها
سببية نفس العنوان المذكور فيها للحكم فليتأمل * (لكن) * ربما يؤيد إرادة الاستحباب التفكيك بين المصافحة من وراء الثوب وبدونه كما في
رواية أبي بصير فان ظاهرها نفى البأس عن المصافحة من وراء الثياب مع أنه لو كانت المصافحة برطوبة سارية وجب غسل الثوب الملاقى
لليهودي أو النصراني بناء على نجاستهما والألم يجب غسل اليد أيضا لو لم تكن من وراء الثياب ويؤيده أيضا رواية القلانسي قال قلت لأبي عبد الله (ع)
القمي الذي فيصافحني قال امسحها بالتراب أو بالحائط قلت فالناصب قال اغسلها فان مقتضى الاجتزاء بمسح اليد عدم نجاستها وحملها على
عدم الرطوبة ينافيه الامر بغسلها في الفقرة الأخيرة فان سوق الرواية يشهد باتحاد المراد بالفقرتين اللهم الا ان يراد بالغسل أيضا الاستحباب
ويؤيده أيضا مرسلة الوشا عن أبي عبد الله (ع) انه كره سؤر ولد الزنا وسؤر اليهودي والنصراني والمشرك وكل ما خالف الاسلام وكان
أشد ذلك عند سؤر الناصب لكن يحتمل قويا إرادة الحرمة من الكراهة فان ارادتها منها بلحاظ معناها اللغوي غير عزيز في الاخبار واستدل
القائلون بالطهارة بالأصل وعموم قوله [تع] وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وبالاخبار المستفيضة * (منها) * صحيحة إسماعيل بن جابر قال
قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في طعام أهل الكتاب فقال لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال لا تأكله ولا تتركه تقول انه حرام ولكن تتركه
559

تنزها عنه ان في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير وهذه الرواية مع صراحتها في عدم الحرمة تصلح قرينة بمدلولها اللفظي على صرف الاخبار الظاهرة في الحرمة
أو النجاسة عن ظاهرها كصحيحة علي بن جعفر المتقدمة الدالة على جواز الوضوء للصلاة بالماء الذي باشره اليهودي أو النصراني لدى الضرورة ومنها
صحيحة العيض بن القاسم انه سئل أبا عبد الله (ع) عن مؤاكلة اليهودي والنصراني فقال لا بأس إذا كان من طعامك وسئلته عن مؤاكلة المجوسي
فقال إذا توضأ فلا بأس وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا (ع) الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ
ولا تغتسل من جنابة قال لا بأس تغسل يديها وهذه الصحيحة تدل على المدعى قولا وتقريرا ونحوها صحيحة الأخرى قال قلت للرضا (ع)
الخياط أو القصار يكون يهوديا أو نصرانيا وأنت تعلم أنه يبول ولا يتوضأ ما تقول في عمله قال لا بأس ورواية زكريا بن إبراهيم قال
دخلت على أبي عبد الله (ع) فقلت انى رجل من أهل الكتاب وانى أسلمت وبقى أهلي كلهم على النصرانية وانا معهم في بيت واحد لم أفارقهم
فاكل من طعامهم فقال يأكلون لحم الخنزير قلت لا ولكنهم يشربون الخمر فقال لي كل معهم واشرب وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئلته عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب على أنه يهودي قال نعم قلت فمن ذلك الماء الذي يشرب منه قال نعم ورواية
أبي جميلة عن أبي عبد الله (ع) انه سئله عن ثوب المجوسي ألبسه واصلي فيه قال نعم قلت يشربون الخمر قال نعم نحن نشتري الثياب السابرية فنلبسها
ولا نغسلها ورواية الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري انه كتب إلى صاحب الزمان عليه السلام عندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة ولا
يغتسلون من الجنابة وينسجون لنا ثيابا فهل يجوز الصلاة فيها من قبل ان تغسل فكتب إليه في الجواب لا بأس بالصلاة فيها و * (رواية) *
أبي علي البزاز عن أبيه قال سئلت جعفر بن محمد عن الثوب يعمله أهل الكتاب اصلى فيه قبل ان يغسل قال لا بأس وان يغسل أحبالي وعن
معاوية بن عمار قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها
ولا اغسلها واصلي فيها قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصا وخططته وفتلت له أزرار أو رداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم الجمعة
حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج بها إلى الجمعة إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على جواز استعمال الثياب التي يعملها أهل الكتاب
وحملها على إرادة الثياب التي لم يعلم ملاقاتهم لها برطوبة سارية اسؤ من طرحها ويؤيده بل يدل عليه أيضا الأخبار الكثيرة الدالة على
جواز مخالطة الكتابي مثل ما دل على جواز تزويج الكتابية واتخاذها ظئرا وجواز إعارة الثوب للكتابي ولبسه بعد استرداده من غير أن
يغسله وتغسيل الكتابي للميت المسلم عند فقد المماثل والمحرم ونحو ذلك من غير اشعار في شئ منها بالتجنب عما يلاقيه برطوبة سارية مع قضاء
العادة بعدم التحفظ عنه ما لم يكن متعمدا في ذلك بل في بعض تلك الأخبار تقرير للسائل فيما زعمه من طهارة الكتابي كصحيحة عبد الله بن
سنان قال سئل أبي أبا عبد الله (ع) وان حاضر انى أعير الذمي ثوبا وانا اعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ثم يرده على فاغسله قبل ان
اصلى فيه فقال أبو عبد الله (ع) صل فيه ولا تغسله من اجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه فلا بأس إلى غير ذلك من الاخبار
إلى يقف عليها المتتبع ويدل عليه أيضا مخالطة الأئمة عليهم السلام وخواصهم مع عامة الناس من الخاصة والعامة الذين لا يتحرزون عن مساورة
أهل الكتاب مع قضاء العادة باستحالة بقاء ما في أيديهم من المأكول والمشروب والملبوس وما يتعلق بهم من أثاث بيتهم على طهارته
على تقدير نجاسة اليهود والنصارى ويرد على هذا الدليل النقض بسائر النجاسات فان عامة الناس لا يتحرزون عنها ولا أقل ابتلاء
بعضهم بها في الجملة ولو في حال الجهل فيسرى النجاسة منها إلى جميع ما في أيدي الناس بواسطة الاختلاط فهذه شبهة سارية متعلقها مسألة
كون المتنجس متنجسا لا خصوص المقام وسيأتي الكلام في حلها انشاء الله * (وأجيب) * عن الأصل بانقطاعه بالدليل وعن الآية بأنها مفسرة
في الأخبار المستفيضة بالجنوب فلا يصح التمسك باطلاقها للمدعى وعن الأخبار الدالة على الطهارة الغير القابلة للحمل على صورة عدم العلم
وغيره من المحامل بأنها جارية مجرى التقية لموافقتها لمذهب العامة واستشهد لذلك ببعض تلك الروايات مثل رواية زكريا بن إبراهيم التي
يظهر منها الفرق بين الخمر ولحم الخنزير فلولا صدورها تقية لم يكن وجه لذلك وأوضح من ذلك رواية الكاهلي قال سئلت أبا عبد الله (ع)
عن قوم مسلمين يأكلون فحضرهم رجل مجوسي أيدعونه إلى الطعام فقال اما انا فلا أو اكل المجوسي واكره ان أحرم عليكم شيئا تصنعونه
في بلادكم فان الظاهر من الرواية بان مواكلة المجوسي محرمة من الله سبحانه لكني لا أحرم من جهة شيوع ذلك في بلادكم فإنها لولا التقية
لم يكن شيوع الارتكاب علة لكراهة التحريم ولو لم يكن الحكم من الله التحريم لم يكن وجه لتعليل كراهة التحريم بشيوع الارتكاب في تلك
البلاد ولا يخفى ما في هذا التقريب فان التقية ليست مقتضية لأن يكره الإمام (ع) تحريم ما حرمه الله [تع] فالظاهر أن مواكلة المجوسي
من حيث هي ولو بالنسبة إلى الخبر وغيره من الأطعمة الجامدة على ما يقتضيه اطلاق أدلتها من الأمور المكروهة التي يمقتها الله وأوليائه
ولعل حكمة كونها نحوا من الموادة الممقوتة لكن الإمام (ع) كره ان يكلفهم بالمنع ارفاقا بهم وتوسعة عليهم فمراده بقوله (ع) ان أحرم
عليكم اما مطلق المنع لا التحريم الحقيقي لكن بلحاظ تعلق امر الإمام (ع) بتركه كما لو امر الوالد ولده بترك بعض الأشياء المحللة لغرض
560

صحيح وقد صرح غير واحد بوجوب إطاعة الإمام (ع) في كل ما يأمر به وينهى عنه وان يكن متعلقة واجبا أو حراما شرعيا بالذات فلا مقتضى
لصرف الرواية عن ظاهرها ولو بناء على نجاسة المجوسي إذ لا مقتضى لحملها على إرادة خصوص المايعات التي تنفعل بملاقاة النجس فالمقصود
بها بيان حكم المؤاكلة من حيث هي محرمة كانت أو مكروهة * (وكيف) * كان فلا شهادة في هذه الرواية على كون الحكم بطهارة الكتابي في
ساير الاخبار لأجل التقية واضعف من ذلك الاستشهاد له برواية زكريا بن إبراهيم فإنهم اكلوا لحم الخنزير يكون اللحم أيضا من جملة طعامهم و
ربما يمزجونه في ساير أطعمتهم ولذا استفصل عنه الإمام (ع) عند إرادة بيان حكم طعامهم واما الخمر فهو شراب مستقل لا يكون مانعا من
حل طعامهم الا ترى انه يصح ان نقول يحل طعام شارب الخمر ولا يصح ان نقول يحل طعام من يأكل لحم الخنزير الا بعد التقيد بخلو طعامه
منه فلعل الإمام (ع) استفصل عنه لإرادة تقييد الرخصة بصورة العلم بخلو طعامهم منه أو عدم العلم بوجوده فيه مع أنه يظهر بالتدبر
فيما أسلفناه في مبحث نجاسة الخمر ان احتمال صدور الأخبار الدالة على طهارتها تقية ليس بأقوى من احتمال كون ما دل على نجاستها
كذلك فالانصاف انه ليس في شئ من اخبار الطهارة ما يشعر بصدورها تقية فضلا عن أن يدل على ذلك دلالة معتبرة مصححة لطرح هذه الأخبار
الكثيرة فلا يجوز رفع اليد عن مثل هذه الروايات الا بدليل معتبر والذي يقتضيه الجمع بينها وبين اخبار النجاسة انما هو ارتكاب
التأويل في تلك الأخبار فان اخبار الطهارة لو لم تكن نصا فلا أقل من كونها اظهر دلالة من تلك الروايات مع ما أشرنا إليه من أن
جملة من هذه الروايات تصلح أن تكون بمدلولها اللفظي قرينة لصرف تلك الروايات عن ظاهرها خصوصا مع ما عرفت من وهن دلالة
تلك الأخبار على النجاسة بل امكان منع ظهورها فيها اللهم الا ان يدعى انجبار ضعف دلالتها كسندها بفهم الأصحاب وعملهم لكن
لا يكفي ذلك في ترجيحها على اخبار الطهارة بعد عدم التنافي وامكان الجمع عرفا مع وجود الشاهد عليه الا ان يقال إن اعراض المشهور
عن اخبار الطهارة أسقطها عن الاعتبار فاخبار النجاسة على هذا التقدير حجة سليمة من المعارض يجب الاخذ بظاهرها لكن الاقتناع بهذا
القول في طرح مثل هذه الأخبار أراه مجرد التقليد والتصديق من غير تصور فلابد من تحقيق هذا القول * (فنقول) * لا شبهة في أن اعراض أصحابنا
عن رواية واصلة الينا بواسطتهم مع شدة اهتمامهم بالتعبد بما وصل إليهم من الأئمة عليه السلام مانع من حصول الوثوق بكون ما تضمنته
تلك الرواية بظاهرها حكما شرعيا واقعيا وكلما ازدادت الرواية قوة من حيث السند والدلالة والسلامة من المعارض المكافي كما فيها
نحن فيه ازدادت وهنا فيكون اعراضهم عن الرواية امارة اجمالية كاشفة عن خلل فيها من حيث الصدور أو جهة الصدور أو الدلالة
أو من حيث ابتلائها بمعارض أقوى * (لكنك) * خبير بعدم كونه موجبا للقطع بالخلل غالبا وعلى تقدير حصول القطع بذلك فلا بحث فيه لأن
القاطع مجبول على اتباع قطعه ولا يعقل ان يكلف بالعمل برواية يقطع بعدم كون مضمونها حكم الله في حقه ولكن الكلام انما هو بالنسبة إلى
من لم يقطع بذلك بحيث يصح عقلا ان يتعبد بالعمل بالخبر الذي اعرض عنه الأصحاب فاعراض الأصحاب عنه بالنسبة إليه امارة ظنية لا دليل
على اعتبارها فان اثرت وهنا في الرواية من حيث السند بان منعتها من إفادة الوثوق بصدورها سقطت الرواية عن الحجية بناء على اعتبار الوثوق
بالصدور في حجية الخبر أو عدم وهنه بامارة الخلاف واما بناء على كفاية مجرد وثاقة الراوي أو عدالته وعدم اشتراط الوثوق الشخصي في خصوصيات
الموارد فلا وجه لرفع اليد عنه بواسطة امارة غير معتبرة كما أنه لاوجه لرفع اليد عن دلالته أو ظهوره في كونه مسوقا لبيان الحكم الواقعي لذلك
اللهم الا ان يقال باشتراط حجية الظواهر بالظن الشخصي أو عدم الظن بخلافها ولكنه خلاف التحقيق وكيف كان فاخبار الباب الدالة
على الطهارة لتكاثرها أو تظافرها وصحة أسانيدها واعتضاد بعضها ببعض اجل من أن يطرء عليها وهن في سندها أو دلالتها لامكان دعوى
القطع بصدور أغلبها لو لم نقل بذلك في كلها كما ذهب إليه بعض فلا يتطرق إليها الوهن من حيث السند واما دلالتها فهي من القوة بمكان كاد
يكون بعضها نصا في المدعى فلا نجد في نفوسنا ريبة في دلالتها وانما الريبة التي يتطرق إليها انما هي في جهة صدورها فيتقوى باعراض المشهور
عنها احتمال كونها صادرة عن تقية ونحوها من الأمور المقتضية لاظهار خلاف الواقع لكن احتمال صدورها من الإمام (ع) تقية منه في القول
بمعنى كونه (ع) متقيا في مقام بيان الحكم بعيد عن مصب الروايات كما لا يخفى على المتأمل فالذي يحتمل قويا كونها صادرة لأجل التقية في مقام
العمل بمعنى انه قصد بها ان يعمل السائلون على ما يوافق مذهب العامة كيلا يصيبهم منهم سوء ولا مبعد لهذا الاحتمال عدا الآثار الوضعية
الثابتة للنجاسات فإنه لو لم يكن لها الا الأحكام التكليفية التي يرفعها دليل نفى الحرج ونحوه لكان الامر فيها هينا لكن على تقدير نجاسة
الكتابي وتنجس من خالطه واستلزام تنجسه بطلان وضوئه وغسله المتوقف عليهما صلاته وصومه وساير عباداته المتوقفة على الطهور لدى
قدرته من تطهير بدنه واستعمال الماء الطاهر أو التيمم بدلا منهما لدى العجز عن التطهير فمن المستبعد جدا ان يأمر الإمام (ع) بمخالطتهم ومساورتهم
من غير أن يبين لهم نجاستهم حتى يتحفظوا عنها في طهورهم وصلاتهم ولو بالتيمم بدلا من الوضوء والغسل مع أن العادة قاضيه بقدرتهم
على التيمم غالبا من غير أن يترتب عليه مفسده هذا مع امكان دعوى القطع بأنه لم يكن تكليفهم في زمان مخالطتهم مع اليهود التيمم وترك
561

الوضوء والغسل مع أنه لو كان بدنهم نجسا لكان تكليفهم التيمم عند عدم قدرتهم على التطهير اللهم الا ان يلتزم بالعفو عن النجاسة مع عموم
الابتلاء بها وكون التجنب عنها موجبا للحرج وعلى هذا التقدير لا حاجة لحمل الاخبار على التقية بل تحمل على صورة الضرورة وتعسر والتجنب عن مساورتهم ولو
بالوسايط كما هو الغالب بالنسبة إلى مواردها فليتأمل وكيف كان فحمل الاخبار على التقية لا يخلو عن بعد وعلى تقدير قرب احتماله لا يكفي ذلك في
الحمل على مخالفته للأصل ما لم يدل عليه دليل معتبر وقد أشرنا إلى أن مجرد الاعراض لا يصلح دليلا عليه اللهم الا ان يدعى إفادته للقطع بعدم
كونها مسوقة لبيان الحكم الواقعي وعهدتها على مدعيها فهي لا ينهض حجة على من لم يقطع بذلك حتى يجوز له طرح الأخبار المعتبرة كما أن
الشهرة ونقل الاجماع على الفتوى بل الاجماع المحقق أيضا كذلك ما لم يوجب القطع بموافقة الإمام (ع) * (ودعوى) * انه سبب عادى للقطع
بالموافقة غير مجدية بعد أن لم يجد الانسان من نفسه القطع الذي هو امر وجداني لا يجوز مخالفته عقلا والطبع مجبول على اتباعه قهرا
وبهذا ظهر لك ضعف الاستدلال للنجاسة بالشهرة ونقل الاجماع وغيرهما من المؤيدات التي تقدمت الإشارة إليها * (لكن) * لقائل ان
يقول إن ما ذكر من أدلة النجاسة وان لا يصلح شئ منها في حد ذاته لاثبات المدعى في مقابلة هذه الأخبار الكثيرة لكن ربما يحصل بملاحظة
المجموع من نقل الاجماع والشهرة وشذوذ المخالف ومغروسيته في أذهان المتشرعة على وجه صار لديهم نظير الضروريات الثابتة في
الشريعة التي يعرفها العوام والنساء والصبيان وغيرها من المؤيدات المعاضدة لظواهر اخبار النجاسة الجزم بنجاستهم وكون اخبار
الطهارة مؤلة أو مغلولة والانصاف ان هذه الدعوى قريبه جدا فإنه ربما يحصل بملاحظة معروفيته في الشريعة لدى العوام والخواص
وتجنبهم عن مساورة أهل الكتاب الجزم بالحكم لكونها كالسيرة القطعية كاشفة عن رأى المعصوم لكن الذي يوهنها في خصوص المقام
السير في اخبار الباب فإنها تشهد بحدوث هذه السيرة وتأخرها عن عصر الأئمة لشهادة جلها بخلو أذهان السائلين الذين هم من عظماء
الشيعة ورواة الأحاديث من احتمال نجاستهم الذاتية وان الذي أوقعهم في الريبة الموجبة للسؤال عدم تجنبهم عن النجاسات حتى أن
محمد بن عبد الله بن الجعفر الحميري الذي كتب إلى صاحب الزمان [عج] في زمان الغيبة استشكل في الصلاة في الثياب المتخذة من المجوس بواسطة
انهم يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة فيستفاد من مثل هذا السؤال ان احتمال نجاسة المجوس ذاتا لم يكن طارقا بذهنه والا لكان
الفحص عن حكم الثياب بملاحظتها أولى فيظن بمثل هذه الأسؤلة ان معروفيتها لدى العوام ومغروسيتها في أذهانهم نشأت من شهرة
القول بها بين العلماء الذين هم مرجع تقليد العوام وهى في حد ذاتها لا تفيد الجزم بالحكم خصوصا مع قوة احتمال كون مستند المشهور
في الحكم بالنجاسة كما يساعد عليه مراجعة كتبهم استظهارها من الآية الشريفة ببعض التقريبات المتقدمة فلم يجوز وارفع اليد عن ظاهر
الكتاب باخبار الطهارة اما بناء منهم على أنها اخبار آحاد ولا يجوز تخصيص الكتاب بها أو لزعمهم ابتلاء المخصص بالمعارض أو غير ذلك
من جهات الترجيح فلا وثوق بوصول الحكم إليهم يدا بيد عن معصوم (ع) أو عثورهم على دليل معتبر غير ما بأيدينا من الأدلة والحاصل
انه لا يجوز طرح الأخبار الدالة على الطهارة والمؤيدة لها التي لا تتناهى كثرة بمثل هذه التلفيفات التي تشبث بها القائلون بالنجاسة حتى الحق
المسألة بعضهم بالبديهيات التي رأى التكلم فيها تضيعا للعمر مع أنه لا يرجع شئ منها إلى دليل يعتد به عدا ظواهر اخبار النجاسة التي عرفت حالها
فالحق ان المسألة في غاية الاشكال ولو قيل بنجاستهم بالذات والعفو عنها لدى عموم الابتلاء أو شدة الحاجة إلى معاشرتهم ومساورتهم
أو معاشرة من يعاشرهم لمكان الحرج والضرورة كما يؤيده أدلة نفى الحرج ويشهد له صحيحة علي بن جعفر المتقدمة الدالة على جواز الوضوء بما باشره
اليهودي والنصراني لدى الضرورة والمنع منه في غيرها لم يكن بعيدا عما يقتضيه الجمع بين الأدلة لو لم يكن مخالفا للاجماع إذ لا يكاد يستفاد
من أغلب اخبار الطهارة أزيد من نفى البأس عن استعمال ما باشروه لدى الضرورة العرفية لورود جلها في هذا الفرض ولابعد فيه وقد
التزم صاحب الحدائق بنحو ذلك في العامة حيث قال بنجاستهم والعفو عنها لدى عموم الابتلاء بهم لمكان الحرج والله العالم بحقايق احكامه
* (تنبيه) * ولد الكافرين يتبعهما في الحكم من النجاسة وجواز الأسر والتملك على ما صرح به غير واحد وظاهرهم كونه من المسلمات التي لا يشوبها
شائبة خلاف وعن عدة من الكتب دعوى الاجماع عليه ويشهد له مضافا إلى الاجماع السيرة المستمرة على ترتيب اثار الكفر عليه من الأسر والتملك وقد
يستدل له أيضا بصحيحة ابن سنان قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن أولاد المشركين يموتون قبل ان يبلغوا الخنث قال كفار والله أعلم بما كانوا عاملين
يدخلون مداخل ابائهم وخبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمد قال أولاد المشركين مع ابائهم في النار وأولاد المسلمين مع ابائهم في الجنة وفى
حديث فاما أطفال المؤمنين فإنهم يلحقون بآبائهم وأولاد المشركين يلحقون بآبائهم وهو قول الله عز وجل والذين امنوا واتبعتهم ذريتهم
بايمان ألحقنا بهم ذريتهم وفى دلالة مثل هذه الأخبار على نجاستهم ما داموا في دار الدنيا تأمل بل منع نعم لا بأس بذكرها في مقام التأييد
واستدل أيضا لنجاسته باستصحاب نجاسته حال كونه جنينا في بطن أمه وبتنقيح المناط عند أهل الشرح حيث إنهم يتعدون عن نجاسة الأبوين
ذاتا إلى المتولد منهما فهو شئ مركوز في أذهانهم وان نعلم وجهه تفصيلا فكم لهم من هذا القبيل وفيهما مالا يخفى ولو كان أحد الأبوين مسلما
562

تبعه لولد دون الاخر الكافر كما صرح به غير واحد ولو أسلما بعد الولادة تبعهما في الحكم وكذا لو اسلم أحدهما إذ لا فرق بين سبق الاسلام أو لحوقه
في أنه يعلو ولا يعلى عليه وحيث إن عمدة دليل الحكم بالتبعية هو الاجماع والسيرة فليقتصر على القدر المتيقن من موردهما وهو ثبوت الحكم مع بقاء
تبعيته لهما عرفا ولو بنحو المسامحة العرفية بكونه معدودا في عداد الكفار تبعا لدارهم فلو استقل الولد وانفرد ولحق بدار الاسلام وخالط المسلمين
خرج من حد التبعية العرفية خصوصا مع تدينه في الظاهر بدين الاسلام ولا سيما على القول بشرعية عبادة الصبي فلا ينبغي الاستشكال في طهارته
اللهم الا ان ينعقد الاجماع على بقاء اثر التبعية ما لم يبلغ وان خرج من حدها عرفا وهو بعيد خصوصا مع عدم تعرض الأصحاب لحكم هذا
الفرع نعم صرحوا فيمن سباه مسلم بأنه يتبع السابي إذا كان منفردا عن أبويه بخلاف ما لو كان معهما معللا ذلك بالاجماع والسيرة القطعية
على المعاملة مع السبايا معاملة المسلمين فيظهر من تخصيصهم لهذا الفرع بالذكر وتعليلهم بتبعيته للسابي والاستدلال عليه بالاجماع والسيرة
انه لولا تبعيته للمسلم لكان مقتضى الأصل فيه النجاسة لكن اثبات الاجماع بالنسبة إلى الفرع المسكوت عنه بمثل هذه الاستظهارات لا يخلو
من اشكال وربما استشكل بعض في طهارة السبي أيضا مع ما سمعت من دعوى الاجماع والسيرة عليها نظرا إلى استصحاب حالته السابقة وفيه
ما عرفت من تبدل الموضوع فإنه لم يثبت الحكم الا للكفار ومن يعد منهم تبعا وقد خرج الولد عرفا من حد التبعية ودعوى بقاء الموضوع عرفا
وهو المناط في جريان الاستصحاب * (مدفوعة) * بان وصف التبعية بنظر العرف أيضا من مقومات الموضوع في مثل هذه الأحكام التي يرون ثبوتها
له بالتبع هذا مع أن الاستصحاب فيه من قبيل الشك في المقتضى ولا اعتداد به فليتأمل ولا يخفى عليك ان ما ذكرناه من لزوم الاقتصار على القدر
المتيقن انما هو في الآثار المخالفة للأصل الثابتة له بالتبع كنجاسة البدن وجواز الاسترقاق ونحوه واما الآثار الموافقة للأصل كعدم وجوب
تجهيزه والصلاة عليه بعد موته فلا يرفع اليد عنها ما لم يثبت اندراجه في زمرة المسلمين حقيقة أو حكما وهل يندرج في زمرتهم حكما من سباه المسلم
منفردا عن أبويه كما يظهر مما حكى عن المشهور من حكمهم بتبعيته للسابي مطلقا أم لا كما حكى عن جماعة من تصريحهم بعدم تبعيته له الا في الطهارة
التي أشرنا إلى عدم احتياجه فيها إلى التبعية وكفاية استقلاله وخروجه من حد تبعية أبويه عرفا في حصولها فيه تردد لأن مستند الحكم السيرة
القطعية على المعاملة مع السبايا معاملة المسلمين وفى استقرارها على نحو يستكشف بها رأى المعصوم بالنسبة إلى الآثار المخالفة للأصل الثابتة
للمسلمين بواسطة اسلامهم تأمل وهكذا الكلام في اللقيط الذي لم يعرف كونه من أولاد المسلمين أو الكفار فقد حكى عن الشيخ ره الحكم باسلام
لقيط دار الاسلام إذا كان فيها مسلم صالح لتولده منه سواء بينت في الاسلام ولم يقربها الكفار أم كانت دار حرب غلب عليها المسلمون فاخذوها
صلحا أو قهرا أو كانت دار الاسلام فغلب عليها أهل الحرب وكذا لقيط دار الحرب إذا استوطنها مسلم ولو أسيرا كل ذلك للنبوي المشهور الاسلام يعلو
ولا يعلى عليه واما إذا دخلها التجار فذكر فيه وجهان الاسلام لغلبة جانبه والعدم لأن الدار دار كفر قال شيخنا المرتضى بعد نقل ما حكى عن الشيخ و
التحقيق في ذلك كله الحكم بالطهارة لأنها الأصل واما احكام الاسلام فكلما كان الاسلام شرطا فلا يحكم به وكلما كان الكفر مانعا فيحكم به انتهى وهو
جيد فيما إذا لم يكن الغالب فيه المسلمون والا فلا يبعد الحكم باسلامه فان اعتبار الغلبة في مثل المقام لا يخلو عن وجه وقد تقدم في مبحث غسل الميت ماله
ربط بالمقام وأشرنا في ذلك المبحث إلى ضعف الاستدلال في نظائر المقام بالنبوي المتقدم وبقوله (ع) كل مولود يولد على الفطرة [الخ] فراجع * (بقي) *
الكلام في شرح مفهوم الكافر * (فنقول) * بالله الاستعانة الكفر لغة هو الجحد والانكار ضد الايمان فالشاك في الله [تع] أو في وحدانيته أو في رسالة
الرسول صلى الله عليه وآله ما لم يجحد شيئا منها لا يكون كافرا لغة ولكن الظاهر صدقه عليه في عرف الشارع والمتشرعة كما يظهر ذلك بالتدبر
في النصوص والفتاوى وما يظهر من بعض الروايات من إناطة الكفر بالجحود مثل رواية محمد بن مسلم قال سئل أبو بصير أبا عبد الله (ع) قال ما تقول
فيمن شك في الله [تع] قال كافر يا أبا محمد قال فشك في رسول الله (ع) قال كافر ثم التفت إلى زرارة فقال انما يكفر إذا جحد وفى رواية أخرى لو أن
الناس إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا فلا يبعد ان يكون المراد به ان الناس المعروفين بالاسلام المعترفين بالشهادتين الملتزمين بشرايع
الاسلام في الظاهر إذا طرء في قلوبهم الشكوك والشبهات الناشئة من جهالتهم لا يخرجون بذلك من زمرة المسلمين ما لم يجحدوا ذلك الشئ
الذي شكوا فيه ولو بترتيب اثار عدمه في مقام العمل كترك الصلاة والصوم ونحوهما فليس المراد بمثل هذه الروايات ان من لم يتدين بدين
الاسلام ولم يلتزم بشئ من شرائعه متعذرا بجهله بالحال ليس بكافر بل لا ينبغي الارتياب في أن الملاحدة وغيرهم من صنوف الكفار لا يخرجون
من حد الكفر الا بالاقرار بالشهادتين والتدين بشرايع الاسلام على سبيل الاجمال وهل يكفي الاقرار والتدين الصوري في ترتيب اثر
الاسلام من جواز المخالطة والمناكحة والتوارث أم يعتبر مطابقته للاعتقاد فلو علم نفاقه وعدم اعتقاده حكم بكفره واما لو لم يعلم بذلك
حكم باسلامه نظرا إلى ظاهر القول وجهان لا يخلو أولهما عن قوة كما يشهد بذلك معاشرة النبي صلى الله عليه وآله مع المنافقين المظهرين للاسلام مع علمه
بنفاقهم مضافا إلى شهادة جملة من الاخبار بكفاية اظهار الشهادتين في الاسلام الذي به يحقن الدماء ويجرى عليه الموارث من غير اناطته
بكونه ناشئا من القلب وانما يعتبر ذلك في الايمان الذي به يفوز الفائزون وهو أخص من الاسلام الذي عليه عامة الأمة كما نطق بذلك الاخبار
563

الكثيرة وشهد له قول الله عز وجل وقالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبهم ويستفاد من تلك الأخبار
الكثيرة اسلام المخالفين المنكرين للولاية بل جملة منها مصرحة بذلك وسيأتي التعرض لبعضها [انش] ويشهد له أيضا السيرة المستمرة من زمان حدوث
الخلاف إلى يومنا هذا على المعاملة المسلمين بل المتأمل في الاخبار المسوقة لبيان الآثار العملية المتفرعة على الاسلام مثل حل ذبيحة المسلم وطهارة
ما في أيدي المسلمين وأسواقهم من الجلود وغيرها لا يكاد يشك في أن المراد بالمسلم ما يعمهم فلا ينبغي الارتياب في أنهم مسلمون لكن لا كرامة
لهم بذلك فإنه ليس لهم منه في الآخرة من نصيب فما في الأخبار المستفيضة بل المتواترة مما يدل على كفر جاحد الولاية محمول على مالا ينافي
اسلامهم الظاهري المترتب عليه الآثار العملية فما عن بعض الأصحاب من الحكم بكفرهم في الظاهر ضعيف والحاصل انه بعد أن علم أن
الأئمة عليهم السلام وأصحابهم لم يزالوا يعاملون معهم معاملة المسلمين ودلت الاخبار المتكاثرة على اسلامهم ووضوح إرادة الأعم
منهم في كثير من الاخبار المسوقة لبيان الآثار العملية المتفرعة على الاسلام لا مجال للارتياب في كونهم محكومين بالاسلام في مقام
العمل فمقتضى الجمع بين هذه الأدلة وبين ما دل على كفرهم اما الالتزام بكفرهم حقيقة واسلامهم حكما وبه يتم المدعى إذ لم نقصد اثبات
صفة الاسلام لهم الا بلحاظ الآثار المترتبة إليه في مقام العمل والالتزام بان لهم مرتبة من الكفر لا يترتب عليه الآثار العملية فان للكفر
مراتب أدناها انكار حكم من الأحكام الشرعية اثباتا أو نفيا فان من انكر حكما شرعيا يصح نسبة الكفر إليه بلحاظ ذلك الحكم بل يصح ان
يسند إليه الخروج من الدين والكفر بشريعة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله باعتبار ان الشريعة اسم للمجموع من حيث المجموع ويشهد على صحة اطلاق
الكفر أو الشرك بانكار حكم شرعي غير واحد من الاخبار ففي الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام عن أدنى ما يكون به العبد مشركا قال من قال للنواة
حصاة وللحصاة نواة ودان به وفى مكاتبة عبد الرحيم القصير لا يخرجه أي المسلم إلى الكفر الا الجحود والاستحلال ان يقول للحلال هذا حرام
وللحرام هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الاسلام والايمان داخلا في الكفر ويحتمل ان يكون المراد بهذه المكاتبة الكفر
المطلق الذي يترتب إليه اثاره كما ستعرف توجيه وفى خبر اخر أدنى ما يكون العبد به كافرا من زعم أن شيئا نهى الله عنه ان الله امر به ونصبه دينا
إلى غير ذلك من الاخبار وأنت خبير بان هذه المرتبة من الكفر المتحققة بتحريف الشريعة زيادة أو نقصا لا تؤثر في ترتيب اثار الكفر ولا في اطلاق
الكافر عليه عرفا وشرعا ما لم يكن المحرف متعمدا في ذلك بحيث يوجب تحريفه تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وانكار رسالته ولو في الجملة وكيف كان فالمعتبر في
الاسلام الذي به يخرج من حد الكفر ويترتب عليه الآثار العملية على ما يستفاد من النصوص والفتاوى بعد التأمل والتدبر انما هو الشهادة
بالتوحيد والرسالة وتصديق الرسول صلى الله عليه وآله في جميع احكامه على سبيل الاجمال المستلزم للتدين بالاحكام الضرورية الثابتة في الشريعة من
وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها من الضروريات التي لا يكاد يختفى شرعيتها على من تدين بهذا الدين فمثل هذه الأشياء
وان لم يكن الاعتراف بحقيتها تفصيلا من مقومات الدين لكن التدين بها وعدم انكارها شرط في تحقق الاسلام فان انكار مثل هذه الأمور
المعروف ثبوتها في الشريعة يناقض الاعتراف الاجمالي بصدق النبي صلى الله عليه وآله وحقية شريعته وقد أشرنا انفا إلى أن من لم يتدين بدين الاسلام فهو كافر
في عرف الشارع والمتشرعة سواء جحد أم لم يجحد فالكافر ضابطه كل من خرج من حد المسلم سواء باين الاسلام بان لم يشهد بالتوحيد أو الرسالة
كسائر فرق الكفار أو انتحله باظهار الشهادتين ولكن جحد ما يعلم من الدين ضرورة مما ينافي انكاره الاعتراف الاجمالي كالخوارج الذين استحلوا
قتل الأمير والحسين عليهم السلام بل مطلق النواصب الذين أظهروا عداوة أهل البيت الذين أوجب بالله مودتهم وولايتهم واذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا مع علمهم بعظمة شأنهم في الاسلام ووجوب الصلاة عليهم في كل صلاة واهتمام النبي صلى الله عليه وآله في الامر بولايتهم ومودتهم واخباره بأنهم
سادات أهل الجنة وان عليا مع الحق والحق مع علي وغير ذلك من الاخبار التي لا يجتمع الاذعان بصدقها مع النصب واستحلال القتل
والاستخفافات التي أظهروها قولا وفعلا فلم يكونوا مذعنين بصدق النبي صلى الله عليه وآله فيما أوصاهم في أهل بيته لكن ليعلم ان انكار الضروري أو
غيره من الاحكام المعلومة الصدور عن النبي صلى الله عليه وآله ليس ضروري التناقى للتصديق الاجمالي بل قد يجتمعان بواسطة بعض الشكوك والشبهات
الطارية على النفس فليس الانكار في مثل الفرض منافيا للايمان بالله ورسوله فلا يكون موجبا للكفر الا ان نقول بكونه من حيث هو كالفكر
بالله ورسوله سببا مستقلا له كما هو صريح بعض وظاهر آخرين بل ربما استظهر ذلك من المشهور حيث جعلوه قسيما للأولين وفيه تأمل نظرا
إلى ما صرح به غير واحد بل قد يقال إنه هو المشهور عندهم من استثناء صورة الشبهة وهو لا يناسب سببيته المستقلة فالمهم في المقام انما هو تشخيص
موارد التنافي التي نحكم فيها بكفر المنكر وان لم نقل بسببيته المستقلة * (فنقول) * اما مع التفات المنكر إلى التنافي بين انكاره وتصديقه الاجمالي
فالامر واضح فإنه من أوضح مصاديق الكفار اللهم الا ان يقال بعدم اشتراط الاسلام بتصديق النبي صلى الله عليه وآله في جميع الأحكام وكفاية تصديقه
في البعض لكنه خلاف ما يفهم من النصوص والفتاوى بل لا يبعد اندراجه في الموضوع الذي اخبر الله [تع] عنهم بقوله [تع] ويقولون نؤمن ببعض
ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وان كانت الآية بظاهرها منصرفة عنه هذا إذا كان ملتفتا واما
564

ان كان غافلا من التنافي أو معتقدا عدمه فاما ان يكون منشا غفلة المسامحة وعدم المبالاة بالدين كغفلة المنهمكين في شرب الخمر مثلا عن حرمتها
من باب عدم المبالاة بالحرمة أو منشاها الاغترار بقول من يحسنون به الظن كالهمج الرعاء الذين قلدوا رؤسائهم ومشايخهم في قتل الحسين (ع)
والخروج؟؟ عليهما السلام فاخذوا بقولهم نبذوا ما بلغهم عن الله ورسوله في فضلهما وراء ظهورهم فحالهم حال عوام اليهود الذين قلدوا علمائهم في
تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وعلمائهم كعلمائهم فلا ينبغي الاستشكال في كفرهم بعد فرض علمهم بقول النبي (ع) وعدم اعتنائهم به سواء كان مبناه المسامحة
أو التقليد اللهم الا ان يكون حسن الظن بمقلده موجبا للتشكيك في ما اراده النبي صلى الله عليه وآله بقوله لافى صحة القول وعدم الايمان به على الاطلاق
فيكون معترفا بما اراده النبي صلى الله عليه وآله بمقتضى تصديقه الاجمالي لا بظاهر قوله وسيأتي الكلام في حكم هذه الصورة واما ان يكون منشأ الغفلة غفلته
عن مقام النبوة وتوهم كون الحكم الخاص الصادر عن النبي صلى الله عليه وآله ناشئا من اجتهاده أو ميله النفساني فخطأه في ذلك غفلة عن كونه ردا؟ على النبي
بل تكذيبا لله [تع] في قوله وما ينطق عن الهوى فهذا النحو من الأفكار قد يكون بدويا يرتدع المنكر عنه بمجرد الالتفات إلى نبوته وما يقتضيه تصديقه
الاجمالي وقد يكون مستقرا ناشئا مما بنى عليه من اجتهاد النبي صلى الله عليه وآله في بعض الأحكام كما أن العامة بحسب الظاهر لا يستنكرون ذلك بل ربما يدعون
صدور الخطاء منه في مواطن عثر عليه رئيسهم فأرشده إلى الصواب واهتدى به النبي صلى الله عليه وآله وكيف كان فإن كان هذا في الأحكام الشرعية وغيرها من
الأمور المتعلقة بمنصب النبوة أي ما كان الاخبار فيها اخبارا عن حكم الواقعة بلحاظ كونه نبيا فلا ينبغي الاستشكال في كونه موجبا للكفر بناء على
وجوب تصديقه في جميع ما جاء به كما هو الظاهر من النصوص والفتاوى إذ لا اعتبار بالاعتراف الاجمالي بصدقه في ما جاء به مع الرد عليه في
الموارد الخاصة كما هو ظاهر لكن هذا في الانكار المستقر المبنى على تخطئة النبي صلى الله عليه وآله واما الانكار البدوي الناشئ من الغفلة عن نبوته فهو على
الظاهر بمنزلة ما لو انكر على شخصه حكما شرعيا وهو لا يعرفه فهو غير مناف لتصديقه الاجمالي كما أنه لا ينافي ذلك لو انكر شيئا ضروريا بناء منه على أن
ما هو المعروف عند الناس مغاير لما اراده النبي صلى الله عليه وآله كما لو زعم أن مراده من الصلاة التي أوجبها مطلق الدعاء ولكن الناس اشتبهوا فزعموا أن
مراده الأركان المخصوصة فهو معترف اجمالا بحقية ما زعمه الناس صلاة على تقدير كونه مراد النبي صلى الله عليه وآله لكنه يزعم أنه صلى الله عليه وآله لم يرده كما هو الشان
في جميع الأحكام الواقعية التي ينفيها المجتهد بالأدلة الاجتهادية فان انكاره لها لا يقدح في ايمانه بالرسول في جميع ما اتى به لا لما توهمه بعض
من أن التعبد بالاحكام الظاهرية أيضا مما اتى به الرسول فيكون مصدقا له في هذه الأحكام بل لما أشرنا إليه من عدم التنافي إذا التزم بخطائه
على تقدير مخالفة قوله لقول الرسول غاية الأمر انه اعتقد عدم المخالفة ولا ضير فيه ولذا لو أنكرها العوام أيضا أو المجتهد بظنون غير معتبرة لا يوجب
كفره وهذا النحو من الانكار الغير المنافى للتصديق الاجمالي يتصور على انحاء فإنه تارة يأول كلام النبي صلى الله عليه وآله متشبثا بقواعد لفظية أو قرائن عقلية
أو نقلية حالية أو مقالية يزعم صلاحيتها للقرينية لصرف الكلام عرفا فيحمل الكلام الصادر عن النبي صلى الله عليه وآله على المعنى الذي اراده بواسطة تلك القرائن
كما لو ادعى في المثال السابق ان الصلاة لغة هي الدعاء ولم يثبت عندي إرادة غير معناها اللغوي والأصل عدم النقل وهذا النحو من الانكار
لا يوجب الكفر بلا شبهة بناء على عدم كونه سببا مستقلا كما هو المفروض تارة يأوله بواسطة بعض الأمور الغير المصالحة للقرينية عرفا كما مثل
ما حكى عن بعض الجهال من المتصوفة من انكار وجوب الصلاة ونحوها على مشائخهم الذين أكملوا نفوسهم بالرياضات بزعمهم مدعيا ان
المقصود بالعبادات تكميل النفوس فيسقط التكليف عنها بعد الكمال ونظير ذلك ما لو اعترف بظهور الكلام في المعنى المعروف ولكن ادعى صدوره
من باب التورية ونحوها من الأمور المقتضية لاظهار خلاف الواقع وحكم هاتين الصورتين كحكم الصورة السابقة ان قلنا بان إرادة خلاف
الظاهر مما له ظاهر من غير نصب قرنية ليس بكذب والا ففيه اشكال وان كان الأظهر فيه أيضا عدم الكفر لانصراف ما دل على سببية التكذيب
للكفر عن مثل ذلك كما أنه ينصرف عما لو اسند إليه صريحا الكذب المجوز بان قيل إنه كذب في الموارد الكذائي حفظا لنفسه عن القتل وبهذا ظهر
انه لو لم يدع التورية والتأويل أيضا (بل حمل كلامه على كونه كذبا صادرا عن تقية لا يكون ذلك أيضا) موجبا للكفر وتارة يأول كلامه بما ينافي الاذعان برسالته على كافة العباد كما لو قيل مثلا بان المقصود
ببعث الرسول اللطف واهداء القاصرين إلى ما يقربهم إلى الله فرسالته مقصودة على غير الحكماء الذين يرشدهم عقولهم إلى ما يصلحهم و
يفسدهم فالمقصود بالعمومات الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله أقيموا الصلاة ونحوه يراد بها غير مثل هذه الاشخاص وقد حكى عن بعض الفلاسفة
محاجته مع عيسى عليه السلام بمثل هذا القول ونظير ذلك ما لو قيل بأنه كان رسولا على الاعراب لا على عامة العباد وكيف كان فمثل هذا الانكار
كفر محض فإنه وان لم يكن منافيا للتصديق الاجمالي لأنه يعترف بصدقه على تقدير ادعائه العموم لكنه يزعم أنه لم يدع ذلك الا انه انكار
لرسالته في الجملة وهو كانكار أصل الرسالة سبب للكفر بالضرورة فضلا عن شهادة النص والاجماع عليه وقد يكون الانكار ناشئا من
الجهل بصدور الحكم من النبي صلى الله عليه وآله رأسا لقرب عهده بالاسلام وعدم مخالطته مع المسلمين وهذا لا ينافي الاقرار بالرسالة المطلقة والتصديق
الاجمالي فلا يكون موجبا للكفر بلا شبهة * (فتلخص) * من جميع ما ذكرنا ان انكار الضروري يوجب الكفر ان كان منافيا للاعتراف الاجمالي أو
كان موجبا لانكار الرسالة في الجملة والا فلا هذا إذا لم نقل بكون انكار الضروري من حيث هو سببا مستقلا للكفر كما صرح به غير واحد من
565

المتأخرين واستشعر من عبائر غيرهم ممن قيده بما إذا لم يكن عن شبهة بل هذا ظاهر كل من قيده بعدم احتمال الشبهة لأن افحام كله الاحتمال؟؟
على إرادة كون الانكار طريقا لتشخيص الموضوع ما لم يكن احتمال الجهل والاشتباه قائما في حقه ويؤكد هذا الظاهر تمثيلهم لمورد احتمال المشبهة
بالفرض الأخير الذي نشاء انكاره من الجهل الذي لا يطلق عليه الشبهة عرفا كما لا يخفى وجهه على المتأمل واما على القول بالسببية كما هو صريح
بعض وظاهر آخرين بل ربما استظهر من المشهور فلابد في معرفة حكم جميع صور الانكار بعد الفراغ من اثبات أصل السببية من النظر إلى اما
يقتضيه أدلتها من حيث الاطلاق والتقييد * (فنقول) * ما يمكن ان يستدل به للقول بالسببية أمور منها ان الاسلام عرفا وشرعا عبارة
عن التدين بهذا الدين الخاص الذي يراد منه مجموع حدود شرعية منجزة على العباد فمن خرج من ذلك ولم يتدين به كان كافرا غير مسلم سواء
لم يتدين به أصلا وتدين ببعضه دون بعض أي بعض كان و * (فيه) * ما عرفت فيما سبق من أن المعتبر في الاسلام انما هو التدين بجميع ما جاء
به النبي صلى الله عليه وآله اجمالا بمعنى الاعتراف بصحتها وصدق النبي صلى الله عليه وآله في جميع ما جاء به على سبيل الاجمال واما التدين بها تفصيلا فلا يعتبر في الاسلام
قطعا فالانكار التفصيلي ما لم يكن منافيا للتصديق الاجمالي بان كان المنكر معترفا بخطائه على تقدير مخالفة قوله لما جاء به النبي صلى الله عليه وآله لا يوجب
الخروج مما يعتبر في الاسلام * (ومنها) * الأخبار الدالة على سببية أفكار حكم من الأحكام الشرعية للكفر مثل صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي جعفر (ع)
قال قيل لأمير المؤمنين عليه السلام من شهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله كان مؤمنا قال فأين فرائض الله قال وسمعته يقول كان على
يقول لو كان الايمان كلاما لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام قال وقلت لأبي جعفر (ع) ان عندنا قوما يقولون إذا شهد ان لا إله إلا الله
وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فهو مؤمن قال فلم يضربون الحد ولم يقطع أيديهم وما خلق الله عز وجل خلقا أكرم على الله عز وجل من مؤمن
لأن الملائكة خدام المؤمنين وان جوائز الله للمؤمنين وان الجنة للمؤمنين وان الحور العين للمؤمنين ثم قال فما بال من جحد الفرائض كان
كافرا وفى مكاتبة عبد الرحيم القصير مع عبد الملك إلى أبي عبد الله (ع) فإذا اتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي
نهى الله عز وجل عنها كان خارجا من الايمان ساقطا عنه اسم الايمان ثابتا عليه اسم الاسلام فان تاب واستغفر عاد إلى دار الايمان ولا
يخرجه إلى الكفر الا الجحود والاستحلال بان يقول للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الاسلام والايمان
داخلا في الكفر وفى صحيحة عبد الله بن سنان قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك من الاسلام
وان عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة وانقطاع فقال من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال اخرجه ذلك من الاسلام وعذب
أشد العذاب وان كان معترفا انه أذنب ومات عليه اخرجه من الايمان ولم يخرجه من الاسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأول وصحيحة
يزيد العجلي عن أبي جعفر (ع) قال سئلته عن أدنى ما يكون به العبد مشركا قال من قال للنواة حصاة وللحصاة انها نواة ودان به وفى رواية سليم بن
قيس عن أمير المؤمنين (ع) أدنى ما يكون به العبد كافرا من زعم أن شيئا نهى الله عنه ان الله امر به ونصبه دينا يتولى عليه ويعبد الذي امره
وانما يعبد الشيطان إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه مثل قوله (ع) من شرب النبيذ على أنه حلال خلد في النار ومن شرب على أنه حرام عذب في النار
ومثل ما دل على وجوب قتل من افطر شهر رمضان أو شرب الخمر أو ترك الصلاة إذا نفوا الاثم عن أنفسهم ويتوجه على الاستدلال بمثل الروايات
بعد الغض عما في بعضها من الخدشة من حيث الدلالة ان استحلال الحرام أو عكسه موجب للكفر من غير فرق بين كونه ضروريا أو غيره بل بعضها
كالصريح في الاطلاق وحيث لا يمكن الالتزام باطلاقها يتعين حملها على إرادة ما إذا كان عالما بكون ما استحله حراما في الشريعة فيكون نفى الاثم
عن نفسه واستحلاله منافيا للتدين بهذا الدين ومناقضا للتصديق بما جاء به سيد المرسلين فيكون كافرا سواء كان الحكم في حد ذاته ضروريا أم
لم يكن واما ما في ذيل صحيحة الكناني من اطلاق قوله (ع) فما بال من جحد الفرائض كان كافرا فلا يمكن الاستدلال به لاثبات سببية انكار
الفرائض التي هي من الضروريات على الاطلاق للكفر لجريه مجرى العادة من اختفاء شرعيتها على أحد من المسلمين بل يعرفها كل من قارب
المسلمين فضلا عمن تدين بهذا الدين ففرض كون انكار الصلاة التي هي عمود الدين ناشيا من شبهة مجامعة للاعتراف بحقية الشريعة وصدق
النبي صلى الله عليه وآله في جميع ما جاء به مجرد فرض لا يكاد يتحقق له مصداق في الخارج والحاصل انه لا يفهم من مثل هذه الأخبار اعتبار عدم انكار شئ من
الاحكام الضرورية من حيث هو وان لم يكن منافيا لتصديق النبي صلى الله عليه وآله في جميع ما جاء به اجمالا في مفهوم الاسلام المقابل للكفر حتى يتقيد به الأخبار الواردة
في تفسير الاسلام الخالية عن ذكر هذا الشرط مثل ما رواه في الكافي عن سماعة قال قلت لأبي عبد الله (ع) أخبرني عن الاسلام والايمان
اهما مختلفان فقال إن الايمان يشارك الاسلام والاسلام لا يشارك الايمان فقلت فصفهما لي فقال الاسلام شهادة ان لا إله إلا الله و
التصديق برسول الله صلى الله عليه وآله به حقنت الدماء وحرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس والايمان الهدى وما يثبت في القلوب
من صفة الاسلام الحديث إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه نعم ربما يظهر من جملة من الاخبار اعتبار التعبد ببعض الفروع الضرورية في
حقيقة الاسلام مثل ما في رواية سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (ع) في الفرق بين الاسلام والايمان الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس
566

شهادة ان لا إله إلا الله وان محمد رسول الله صلى الله عليه وآله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الاسلام وقال الايمان معرفة
هذا الامر مع هذا فان أقربها ولم يعرف هذا الامر كان مسلما وكان ضالا وفى الأخبار المستفيضة بنى الاسلام على خمس الصلاة والزكاة و
الحج والصوم والولاية وفى خبر العرزمي عن الصادق (ع) أثافي الاسلام ثلاثة الصلاة والزكاة والولاية ولا تصح واحدة منهن الا بصاحبتها
لكنك خبير بان المراد بمثل هذه الأخبار المستفيضة هو التعبد بنفس هذه الفروع أي فعلها الا مجرد الاعتراف بوجوبها فالاسلام الذي أريد
بهذه الروايات أخص من الاسلام الذي به حقنت الدماء عليه وجرت المناكح والمواريث واما رواية سفيان فلا يبعد ان يكون المراد بها الاعتراف
بوجوبها بقرينة قوله (ع) في ذيلها فان أقربها ولم يعرف هذا الامر [الخ] الا انك عرفت ان الاعتراف بمثل هذه الأمور الضرورية من لوازم التصديق
بالرسالة فلا يستفاد من مثل هذه الرواية اعتبار الاعتراف بها من حيث هي كالاقرار بالتوحيد والرسالة في حقيقة الاسلام والا لاقتضى
كفر من لم يقربها وان لم يجحدها هذا مع أنها أخص من المدعى لعدم انحصار ضروريات الدين فيما في هذه الروايات وكيف كان فلا يمكن
اثبات كفر منكر الضروري من حيث هو بمثل هذه الروايات و * (منها) * تسالمهم على كفر النواصب والخوارج متمسكين لذلك بانكارهم الضروري
فلولا سببية الانكار من حيث هو للكفر لم يكن لاطلاق حكمهم بكفر الطائفتين وجه ضرورة ان أغلبهم خصوصا المتأخرين منهم المقلدين
لاسلافهم الذين نشأوا على عداوة أهل البيت ربما يتقربون بها إلى الله ورسوله بناء على ارتداد أهل بيت العصمة والطهارة لجهالتهم
بما انزل الله [تع] في حقهم على لسان رسوله مما ينافي ذلك فلا يكون انكارهم منافيا لتصديق الاجمالي بالرسالة و * (فيه) * انه ان أريد
بذلك استكشاف الاجماع على السببية حتى يتم به الاستدلال * (يتوجه) * عليه بعد الغض عن تصريح غير واحد من المتأخرين بالخلاف ان
اطلاق القول بكفر الطائفتين وان ناسب القول بالسببية لكنه مناف لما اشتهر بينهم من استثناء صورة الشبهة فان جهال الفرقتين
خصوصا القاصرين منهم من نسائهم وصبيانهم الذين لم يبلغهم فضائل أهل البيت ويتقربون إلى الله ورسوله بعداوتهم من أوضح موارد
الشبهة فهذا يكشف عن فساد استدلالهم بالانكار لكفرهم على الاطلاق أو ارادتهم في غير مثل الفرض أو اختصاص الاستدلال به بمن يراه
سببا على الاطلاق دون من استثنى منه صورة الشبهة أو ان اعتمادهم في كفرهم على الاجماع أو الاخبار الآتية الدالة عليه فيكون استدلالهم
بالانكار اما من باب التأييد أو لكونه دليلا عليه في الجملة أو لبنائهم على منافاة ما صدر من الخوارج والنواصب ولو من جهالهم للتصديق الاجمالي
بجميع ما جاء به الرسول من مودة ذي القربى وجوب احترامهم وحرمة الاستخفاف بهم واستحلال قتلهم فكأنهم أرادوا بصورة الشبهة التي
استثنوها بعض الصور المتقدمة التي أشرنا إلى عدم منافاتها للتصديق الاجمالي الملازمة لإذعان المنكر بخطائه على تقدير مخالفة قوله لما
جاء به النبي صلى الله عليه وآله وما صدر من الطائفتين بحسب الظاهر لم يكن من هذا القبيل بل كان عكس ذلك فإنهم لما رأوا من الأمير والحسنين عليهم السلام
ما زعموه فسقا أو ارتداد استقلت عقولهم القاصرة باستحقاقهم الاستخفاف والقتل فلم يمكنهم تصديق النبي صلى الله عليه وآله فيما صدر منه في حقهم الا
بالحمل على الخطاء وغفلة النبي صلى الله عليه وآله وجهله بما يؤل إليه امرهم والألم يكن يأمر الناس بموالاتهم أو الحمل على كونه ناشيا من شدة حبه لهم أو غير ذلك
من المحامل التي مالها إلى طرح قول النبي صلى الله عليه وآله لا تخطئة أنفسهم على تقدير مخالفة ما زعموه لما اراده النبي صلى الله عليه وآله وقد عرفت فيما سبق ان هذا النحو من
الانكار كفر محض هذا حال علمائهم المستبدين بآرائهم عصمنا الله من الاستبداد بالرأي الموجب لهذا النحو من الانكار واما عوامهم المقلدين
لهذه العلماء المغترين بهم فحالهم حال علمائهم كعوام اليهود اللهم الا ان يكون المقلد معترفا بخطاء من قلده على تقدير مخالفة قوله لما صدر
من النبي صلى الله عليه وآله فلا يكون انكاره [ح] منافيا للتصديق الاجمالي لكن الظاهر من حال العوام الذين هم أضل من الانعام خلاف هذا البناء الا ترى
انه لو قال عالم للعوام ان النبي صلى الله عليه وآله أخطاء في الواقعة الفلانية يغترون بقوله ويعتقدونه صوابا فتلخص من جميع ما ذكرنا انه لا دليل على سببية
الانكار من حيث هو للكفر لكن الأظهر كفر الطائفتين بواسطة منافاة ما أنكروه للتصديق الاجمالي ولكن هذا فيما إذا تدينوا بنصب أهل البيت
وعداوتهم واما لو اعترفوا بفضلهم وشرفهم في الاسلام وانهم سادات أهل الجنة ولكن أضمروا عداوتهم أو أظهروها بواسطة الحسد
أو لكونهم معاندين لأئمتهم الذي هم أئمة الضلال أو غير ذلك من الأسباب المورثة للعداوة كما هو الشان في كثير من المخالفين الموجودين
في هذه الاعصار فلا وكيف كان فمتى حكمنا بكفرهم هل يثبت بذلك نجاستهم أم لا فيه تردد نظرا إلى أن عمدة مستنده الاجماع وربما يتأمل
في تحققه على نجاسة كل كافر نظرا إلى انصراف معاقد الاجماعات المحكية وكلمات المجمعين إلى غير المرتد خصوصا مع وهن الكلية التي ادعى عليها
الاجماع بما سمعته من الخلاف في نجاسة أهل الكتاب ولكن مع ذلك ظاهرهم التسالم عليه * (فدعوى) * الانصراف لعلها في غير محلها خصوصا بالنسبة
إلى الفرقتين الخبيثتين فإنه قد استفيض فيهما بالخصوص نقل الاجماع على كفرهما ونجاستهما واستدل لهما أيضا مضافا إلى الاجماع وما عرفته
من انكارهم للضروري المستلزم للكفر الموجب للنجاسة بدليل الاجماع الذي تقدمت الإشارة إليه بالأخبار المستفيضة التي بعضها يدل
على الكفر فيدل على النجاسة أيضا بضميمة الاجماع وجملة منها تدل على نجاستهم فيستفاد منها كفرهم بالالتزام فمما يدل على كفر خصوص
567

الخوارج ما ارسل عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في وصفهم انهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرامي * (ورواية) * الفضل قال دخل على أبي جعفر عليه السلام
رجل محضور عظيم البطن فجلس معه على سريره فحياه ورحب به فلما قام قال هذا من الخوارج كما هو قال قلت مشرك فقال مشرك والله مشرك وفى الزيارة
الجامعة ومن حاربكم مشرك ويدل على نجاسة النواصب الذين هم أعم من الخوارج ما عن الكافي بسنده عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال
لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة اباء وفيها غسالة الناصب وهو شرهما ان الله لم
يخلق خلقا شرا من الكلب وان الناصب أهون على الله من الكلب ورواية القلانسي قال قلت لأبي عبد الله (ع) القى الذمي فيصافحني قال امسحها
بالتراب أو بالحائط قلت فالناصب قال اغسلها ومرسلة الوشا عن أبي عبد الله (ع) انه كره سؤر ولد الزنا واليهودي والنصراني والمشرك وكل من خالف
الاسلام وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب * (ورواية) * علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن (ع) في حديث أنه قال لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فإنه يغتسل
فيه من الزنا ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم وموثقة عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال وإياك
ان تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم فان الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا
أنجس من الكلب وان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه ويؤيده المنع من اكل ذبيحة الناصب في جملة من الاخبار وقد يناقش في دلالة هذه الروايات
أولا بان المراد بالنجاسة فيها الخباثة المعنوية القابلة للاتصاف بالشدة والضعف المقتضية لكراهة السؤر دون النجاسة المصطلحة الغير
القابلة له كما يؤيد ذلك مضافا إلى ذلك اشتمال أكثر الاخبار على ولد الزنا والجنب من حيث هو جنب كما هو ظاهر المقام لا باعتبار نجاسة بدنه
بل قد سمعت في خبر ابن أبي يعفور ان ولد الزنا لا يطهر إلى سبعة اباء فالمراد به على الظاهر ليس الا عدم ارتفاع القذارة المعنوية لا نجاسته مع
أولاده إلى سبعة بطون وثانيا بان المراد بالناصب في الروايات على الظاهر مطلق المخالفين لا خصوص من اظهر عداوة أهل البيت وتدين
بنصبهم كما يشهد لذلك خبر المعلى بن خنيس قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحدا يقول انا
أبغض محمدا وال محمد صلى الله عليه وآله ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم انكم تتولوننا وتتبرأون من أعدائنا وهذه الرواية مع ما فيها من تفسير النصب
بمالا ينفك عنه عامة المخالفين تشهد بندرة وجود الناصب بالمعنى الأخص في عصر الصادق عليه السلام فيبعد حمل الأخبار المستفيضة المتقدمة
على ارادته بالخصوص ويدل أيضا على تحقق النصب بمجرد إزالة الأئمة (ع) عن مراتبهم ومعاداة من يعرف حقهم من شيعتهم ما رواه ابن إدريس
في مستطرفات السراير عن محمد بن علي بن عيسى قال كتبت إليه يعنى الهادي عليه السلام أسئله عن الناصب هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه
الجبت والطاغوت واعتقاده بإمامتهما فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب * (ورواية) * عبد الله بن المغيرة المحكية عن الروضة قال قلت
لأبي الحسن عليه السلام انى ابتليت برجلين أحدهما ناصب والاخر زيدي ولابد من معاشرتهما فمن أعاشر فقال (ع) هما سيان من كذب باية من آيات الله [تع]
فقد نبذ الاسلام وراء ظهره وهو المكذب لجميع القران والأنبياء المرسلين ثم قال هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا فيكون حال الأخبار الدالة
على نجاسة الناصب وكفره حال غيرها من الأخبار الدالة على كفر المخالفين على الاطلاق في أن المتعين حملها على مالا ينافي اسلامهم الظاهري
كما عرفت فيما سبق وقد يجاب عن هذه المناقشة بعد تسليم صدق الناصب في عرف الشارع والمتشرعة على المعنى الأعم ان المتبادر مما في
بعض تلك الأخبار من قوله (ع) والناصب لنا أهل البيت ارادته بالمعنى الأخص هذا مع اعتضاده بفتوى الأصحاب واجماعهم بل ربما يكتفى بذلك
جابرا لما في الروايات من قصور الدلالة فلا يلتفت معه إلى شئ من الخدشات المتقدمة لكن الانصاف ان الاعتماد انما هو على الجابر لا المجبور
فعمدة المستند هي الاجماعات المحكية المعتضدة بعدم نقل الخلاف لكن قد يشكل الحكم بكفرهم بشيوع النصب في دولة بنى أمية واختلاط أصحاب
الأئمة (ع) مع النصاب والخوارج وعدم معروفية تجنب الأئمة عليهم السلام وأصحابهم عنهم بل الظاهر أنهم كانوا يعاملون معهم معاملة المسلمين
من حيث المعاشرة وتنزيل مثل هذه المعاشرة في الاعصار الطويلة على التقية في غاية البعد وقد يجاب عن ذلك بان أغلب الناس كانوا يظهرون
النصب والتبري من الأئمة عليهم السلام خوفا من سلطان الجور والا فلم يكونوا في الواقع نواصب وفيه ان ظاهر القول والفعل حجة معتبرة لا يجوز
رفع اليد عنه الا في الموارد التي علم خلافه ودعوى اختصاص معاشرتهم بخصوص هذه الموارد بعيدة والأولى في الجواب ما نبه عليه شيخنا
المرتضى ره من أن أغلب الأحكام الشرعية انتشرت في عصر الصادقين عليهما السلام فلا مانع من أن يكون كفر النواصب منها فأصحاب الأئمة (ع) الذين
كانوا يخالطون النواصب في دولة بين أمية لم يكونوا يعلمون هذا الحكم واما الأئمة (ع) فلم يعلم معاشرتهم مع النواصب والخوارج في غير مقام
التقية والله العالم وقد ظهر بما تقدمت الإشارة إليه في مطاو وكلماتنا السابقة ان عمدة المستند للحكم بنجاسة ساير أصناف المرتدين انما
هو الاجماع والخدشة فيه بعدم الثبوت كأنها في غير محلها بقي الكلام في بعض الفرق المحكوم بكفرهم منهم الغلاة ولا شبهة في كفرهم بناء على
تفسيرهم بمن يعتقد ربوبية أمير المؤمنين عليه السلام أو غيره من الخلق فإنه ان اعتقد ان الشخص الخارجي بعوارضه المشخصة هو الرب القديم
الواجب وجوده الممتنع زواله وانكر وجود صانع غيره فهو كافر بالله تعالى ان كان عاقلا والا فقد رفع القلم عنه وان اعترف بوجود
568

صانع مثله واجب الوجود فهو مشرك وان زعم حدوث عوارضه المشخصة ولكنه اعتقد حلول الله جلت عظمته فيه واتحاده معه وتصوره بهذه الصورة
كما قد يتصور الملائكة والجن بصورة البشر فهو منكر لما قد ثبت بالضرورة من الشرع من أن الله تبارك وتعالى اجل وأعظم من أن يصير بشرا
يأكل وينام ويمشي في الأسواق واما بناء على تفسير الغالي بما تجاوز الحد في الأنبياء أو الأئمة عليهم السلام كما حكى عن القميين من الطعن في
الرجال برميهم بالغلو بمجرد ذلك حتى أنه حكى الصدوق عن شيخه ابن الوليد أنه قال إن أول درجة في الغلو نفى السهو عن النبي صلى الله عليه وآله فليس بكافر
قطعا فلا وجه لتكفير من يقول بان النبي والأئمة (ع) مظاهر أوصاف الباري جلت عظمته على سبيل الاطلاق وان أزمة امر الخلايق تكوينا
وتشريعا بأيديهم فهم خالقو الخلق ورازقوهم وان علمهم بالأشياء حضوري بحيث لا يشغلهم شأن عن شأن إلى غير ذلك مما يقوله بعض من يدعى
المعرفة بمثل هذه الأمور فان غاية الأمر كون مثل هذه الدعاوى كذبا كما لو ادعى ثبوت شئ من هذه الأوصاف لزيد المعلوم بالضرورة عدم
اتصافه به فضلا عما لو ادعاها في حق النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام (ع) الذي قد يساعده على مدعاه بعض الشواهد النقلية بل بعض القواعد العقلية أيضا
بعد البناء على كونه اشرف الموجودات كما لعله المتسالم عليه لدى الشيعة خصوصا بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله فإنه لا يبعد ان يكون بالنسبة إليه من ضروريات
المذهب وان لم نتحقق حال شئ من الشواهد النقلية والعقلية بل ليس لنا ذلك لأن النقليات متعارضة ولا يمكننا الوصول إلى حقايقها
والجمع بين متنافياتها على وجه يحصل القطع بإصابة الواقع والقاعدة العقلية التي تقدمت الإشارة إليها بعد تسليمها انما يتم الاستدلال
بها بعد احراز امكان اتصاف البشر بمثل هذه الأوصاف وخلوصه عن جهة موجبة لاستحالته ولا سبيل لنا إلى ذلك * (فالأولى) * رد علم
مثل هذه الأمور إلى أهل بيت الوحي الذين هم حفظة سر الله وخزنة علمه وتصديقهم اجمالا في جميع ما يدعون فإنه مع كونه أحوط أوفق بحفظ
مراتبهم ومرتبتنا وأولى برعاية الأدب * (وكيف) * كان فلا يوجب اثبات شئ من أوصاف الرب جلت عظمته لشئ من مخلوقاته الخروج من
حد الاسلام بعد الاعتراف بكون الموصوف بتلك الصفة من مخلوقاته نعم لو سلبها عن الرب مع كونها ضرورية الثبوت كالخالقية والرازقية
ونحوهما كفر لذلك ما لم يكن عن شبهة أو مطلقا على الخلاف فيه لكن مجرد اثباتها لشخص لا يوجب سلبها عن الله [تع] الا ترى انه يصح نسبة الإماتة
إلى ملك الموت وقسمة الأرزاق مثلا إلى ميكائيل ونسبة الاعطاء والرزق إلى من ينفق عليك مع أن الله تعالى هو المحيي والمميت والخالق
والرازق فلا تنافى بين النسبتين نعم ربما يتوهم ان اثبات صفة العالمية بالغيب ونحوها من الأوصاف التي دلت الكتاب والسنة على اختصاصها
بالله * (تع) * انكار للضروري ويدفعه عدم كون إرادة ظواهر ما دل عليه من الكتاب والسنة على سبيل العموم والاطلاق ضرورية بل ربما تكون
ضرورية الخلاف فليس ادعاء استثناء فرد منها انكار للضروري * (ومنهم المجسمة) * فقد حكى عن الشيخ وجماعة ممن تأخر عنه الحكم بكفرهم
مطلقا وعن بعضهم التفصيل بين المجسمة حقيقة وبين القائل بأنه جسم لا كالأجسام فيسلب عنه كل ما هو من لوازم الجسمية من الحاجة و
الحدوث * (واستدل) * لكفرهم بانكار الضروري لأن من لوازم الجسمية الحدوث ونوقش فيه بعدم التزام القائل بهذا اللازم والمدار في التكفير
على التزامه به لاعلى الملازمة الواقعية وقد يقال بان اثبات وصف الجسمية لله تعالى في حد ذاته مخالف للضرورة * (وفيه) * منع ظاهر
خصوصا مع مساعدة بعض ظواهر الكتاب والسنة عليه مثل قوله [تع] الرحمن على العرش استوى وقوله [تع] فكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى
وغيرهما مما يظهر منه امكان التقرب إليه [تع] وتعلق الرؤية به مما لا تحصى وقد يستدل لكفرهم بما روى عن الرضا (ع) من قال بالتشبيه والجبر
فهو كافر بناء على أن المجسمة من المشبهة لأنهم على ما عن فوايد العقايد وشرحه الذين يقولون إن الله [تع] في جهة الفوق ويمكن ان يرى كما ترى
للأجسام فالتجسم غير خارج من التشبيه ولا يبعد ان يكون المراد بالتشبيه مطلق تنظيره بالأجسام في تحديده بمكان أو زمان فيكون مساوقا
للتجسيم فعلى هذا اظهر في المدعى لكن يتوجه عليه عدم صلاحية مثل هذه الرواية الضعيفة التي لم يستند إليها الأصحاب في فتواهم لتقييد الأخبار الكثيرة
الواردة في تحديد الاسلام والايمان الخالية عن اعتبار نفى التجسيم وربما يوجه الرواية بحملها على ما إذا كان القائل عالما
بالملازمة بين الجسمية والحدوث وفيه بعد والأولى حملها على بعض مراتب الكفر الذي لا ينافي الاسلام الظاهري بل الايمان الناقص
كيف وكثير من العوام بل أكثرهم لا يمكنهم تنزيه الرب عن العلايق الجسمانية حيث لا يتعقلون بواسطة قصورهم مؤثرا في العالم لا يكون جسما
الا ترى ان انك إذا أردت ان تعرف الأطفال في مبادي بلوغهم أو قبلها ان الله [تع] منزه عن تلك العلايق مهما سلبت عنه [تع] شيئا منها يتصورون
ضدها فإذا قلت إنه تعالى ليس له لسان يتخيلون انه يتكلم بالإشارة وإذا قلت إنه ليس له بصر يتصورون في أذهانهم شخصا أعمى وهكذا
فإذا قلت إنه يسمع بلا سمع ويبصر بلا بصر ويتكلم بلا لسان يرونه متناقضا فالأقوى ان شيئا من مثل هذه العقايد ما لم يكن منافيا للشهادتين
وتصديق النبي صلى الله عليه وآله اجمالا في جميع ما اتى به لا يوجب الكفر خصوصا إذا كان منشأ القصور * (ومنهم المجبرة) * حكى عن المبسوط القول
بنجاستهم وقواه كاشف اللثام واستدل له بالرواية المتقدمة وبانكارهم لجملة من الضروريات واستلزام مذهبهم ابطال النبوات والتكاليف
وفيه ما عرفته انفا من عدم امكان تقييد الأخبار الكثيرة بمثل هذه الرواية وعدم التزام بالمنكر باللوازم واستدل له أيضا بما روى
569

عن الصادق عليه السلام ان الناس في القدر على ثلاثة أوجه رجل يزعم أن الامر مفوض إليهم فهذا قد أوهن الله في سلطانه فهو كافر وفيه أيضا ما
في الرواية السابقة من عدم صلاحيتها لاثبات مثل هذا الحكم خصوصا مع مخالفتها للمشهور بل عن بعض أنه قال لم أجد موافقا صريحا للشيخ
فلا يبعد ان يكون المراد بالرواية استلزم قولهم للكفر ببعض مراتبه وكونهم كفارا في المأل لا انهم محكومون بذلك في الظاهر ويحتمل ان
يكون المراد بكونه كافرا ما إذا علم بالملازمة واعترف بها وكيف كان فالأظهر هو القول بطهارتهم كما يؤيده مضافا إلى اطلاق الأخبار الواردة
في تحديد الاسلام ان أكثر المخالفين من المجبرة بل قيل إن غيرهم قد انقرض في بعض الأزمنة لميل السلاطين إلى هذا المذهب واعراضهم
عن مذهب المعتزلة واظهر من ذلك القول بطهارة المفوضة بل عن شرح المفاتيح ان ظاهر الفقهاء طهارتهم يعنى اسلامهم فما عن كاشف الغطاء
من أنه عد من انكار الضروري القول بالجبر والتفويض في غاية الضعف كيف وعامة الناس لا يمكنهم تصور امر بين الامرين كما هو المروى عن
أئمتنا حتى يعتقدوا به فإنه من غوامض العلوم بل من الاسرار التي لا يصل إلى حقيقتها الا الأوحدي من الناس الذي هداه الله إلى ذلك الا ترى
انك إذا أمعنت النظر لوجدت أكثر من تصدى من أصحابنا لابطال المذهبين لم يقدر على التخطي عن مرتبة التفويض وان أنكره باللسان حيث
زعم أن منشأ عدم استقلال العبد في افعاله كونها صادرة منه بواسطة ان الله [تع] اقدره عليها وهيا له أسبابها مع أنه لا يظن بأحد ممن يقول
بالتفويض انكار ذلك والحاصل ان هذا المعنى بحسب الظاهر عين القول بالتفويض مع أن عامة الناس يقصر أفهامهم عن أن يتعقلوا مرتبة
فوق هذه المرتبة لا تنتهي إلى مرتبة الجبر لكن هذا في مقام التصور التفصيلي والا فلا يبعد ان يكون ما هو المغروس في أذهان عامة أصحابنا
خواصهم وعوامهم مرتبة فوق هذه المرتبة فإنهم لم يزالوا يربطون المكونات بأسرها من افعال العباد وغيرها في حدوثها وبقائها بمشية
الله [تع] وقدرته من غير أن يعزلوا عللها عن التأثير حتى يلزم منه بالنسبة إلى افعال العباد الجبر أو يلتزموا بكون المشية من اجزاء عللها
حتى يلزمه الاشراك والوهن في سلطان الله [تع] وهذا المعنى وان صعب تصوره والاذعان به لدى الالتفات التفصيلي لما فيه من المناقضة
الظاهرة لدى العقول القاصرة لكنه اجمالا مغروس في الأذهان ومأله على الظاهر إلى الالتزام بالامر بين الامرين بالنسبة إلى معلولات
جميع العلل من افعال العباد وغيرها * (وكيف) * كان فلا ينبغي الارتياب في أنه ليس شئ من مثل هذه العقائد التي ربما يعجز الفحول عن ابطالها مع
مساعدة بعض ظواهر الكتاب والسنة عليها انكارا للضروري والله العالم واعلم أن المشهور بين أصحابنا رضوان الله عليهم كما صرح به
شيخنا المرتضى وغيره طهارة ولد الزنا واسلامه لأصالة الطهارة وأصالة الاسلام لحديث الفطرة السالم عن دليل حاكم عليه في المقام
ولما دل من اخبار الكثيرة على صيرورة المكلف باقراره بالشهادتين وتدينه بهما مسلما فان أغلب تلك الأخبار وان لم تكن مسوقة لبيان الاطلاق
أو العموم لكن يفهم منها ما هو مناط الحكم على وجه لا يبقى مجال للتشكيك في اطراده * (وعن) * الصدوق والسيد والحلي والقول بكفر ولد الزنا
ونجاسته بل عن الحلي نفى الخلاف في ذلك لكن العبارة المحكية عن الصدوق لا تدل الا على نجاسته فإنه منع من الوضوء بسؤره وهو أعم من الكفر
* (وكيف) * كان فقد استدل لهم بمرسلة الوشا عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام انه كره سؤر ولد الزنا واليهودي والنصراني والمشرك وكل من
خالف الاسلام وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب ورواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة
الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة اباء وفيها غسالة الناصب الحديث * (ورواية) * حمزة بن أحمد عن أبي الحسن الأول عليه السلام
في حديث قال فيه ولا يغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم
ومرفوعة سليمان الديلمي إلى الصادق عليه السلام قال يقول ولد الزنا يا رب فما ذنبي فما كان لي في امرى صنع فيناديه مناد ويقول له أنت شر
الثلاثة أذنب والداك فنبت عليهما وأنت رجس ولن يدخل الجنة الا طاهر ويؤكده ما ورد من أن نوحا على نبينا واله وعليه السلام لم يحمل في
السفينة ولد الزنا وقد كان حمل الكلب والخنزير وما ورد من أن حب علي عليه السلام علامة طيب الولادة وبغضه علامة خبثها وما ورد من أن
ديته كدية اليهودي ثمانمأة درهم وموثقة زرارة عن الباقر عليه السلام لا خير في ولد الزنا ولا في بشره ولا في شعره ولا في لحمه ولا في دمه ولا في شئ منه
وحسنة ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب إلى من ولد الزنا إلى غير ذلك مما ورد في مذمته وانه لا
يدخل الجنة ولا يقبل شهادته ولا يجوز إمامته وفى الجميع نظر اما حال المؤيدات فواضح واما مرسلة الوشا فلا يفهم منها أزيد من كراهة
سؤره لأنا وان لم نقل بان الكراهة في الاخبار ظاهرة في الكراهة المصطلحة لكنها ليست ظاهرة في خصوص الحرمة وعطف الأنجاس على ولد الزنا
لا يصلح قرينة لإرادتها بالخصوص كما هو واضح واما ابن أبي يعفور فالمراد بها الخباثة المعنوية المقتضية لكراهة استعمال سؤر كما تقدمت
الإشارة إليه في سبق في حكم الناصب لأن النجاسة الظاهرية على تقدير ثبوتها له غير متعدية عنه اجماعا كما صرح به شيخنا المرتضى وبهذا
ظهر ضعف الاستدلال برواية حمزة ونحوها مما ورد فيها النهى عن غسالة الحمام معللا بان فيها غسالة الجنب وولد الزنا والناصب فان كون اغتساله
مؤثرا في استقذار الماء في الجملة الموجب لكراهة استعماله يحسن جمعه مع غيره في مقام التعليل للنهي ولا يستفاد من مثل هذه الروايات كون كل
570

من المذكورات من حيث هو سببا مستقلا لحرمة الماء ونجاسته * (هذا) * مع أنه قد يقال إن المتبادر من هذه الرواية أيضا بقرينة قوله (ع) في ذيلها وهو
شرهم إرادة النهى عن سؤر المذكورات بلحاظ خباثتهم الباطنية المقتضية لكراهة الاستعمال لا النجاسة المصطلحة واما مرفوعة سليمان كغيرها
من الأخبار المذكورة مؤيدة لهذا القول فلا يصلح ذكرها في مقام التأييد أيضا فضلا عن الاستدلال إذ ليس في شئ منها اشعار بنجاسته
ضرورة ان المراد بها خباثته الباطنية التي يظهر اثرها في الآخرة لا النجاسة الظاهرية نعم لا بأس بذكر مثل هذه الأخبار في مقام
الاستيناس والتقريب إلى الذهن بعد اثبات المدعى بأدلة معتبرة لافى مقام التأييد للدليل الظاهر في النجاسة فإنها لو لم تكن موهنة لظواهر
ما يدل على النجاسة لا تكون مؤيدة لها لأن كون الخباثة المعنوية موثرة في كراهة استعمال السؤر أقرب إلى الذهن من كونها مؤثرة في
نجاسة وكيف كان فالأقوى في المسألة ما هو المشهور من طهارة ولد الزنا واسلامه ولا يستفاد من الاخبار الا خباثته المعنوية ومرجوحية
استعمال سؤره وعلى تقدير تسليم ظهورها في النجاسة فلا يستفاد منها كفره الا بدعوى الملازمة بينها وبين الكفر بناء على أن المسلم لا ينجس
وانه لا واسطة بين الكفر والاسلام وفى كلتا مقدميته نظر وقد منع في الحدائق المقدمة الثانية فاختار انه نجس وله حالة غير حالتي الايمان
والكفر واستشهد لمدعاه بجملة من الاخبار التي لا يخلو دلالتها عليه من تأمل ثم إن محل كلامهم في ولد الزنا بحسب الظاهر انما هو فيما إذا
كان على تقدير عدم كونه من الزنا محكوما باسلامه بان كان على تقدير كونه صغيرا أبواه أو أحدهما مسلما فالمتولد من الكافرين خارج
من موضوع كلامهم فلا يبعد في الفرض الحكم بتبعيته لهما ما لم يقر بالشهادتين ولم يخرج من حد التبعية لهما عرفا كما في غيره لامكان دعوى
ان مناط التبعية هو الولادة العرفية دون الشرعية وقد استظهر في محكى المعالم من كلام جماعة من الأصحاب نفى الخلاف في أن ولد
الزنا من الكافرين يتبعهما في النجاسة الذاتية لأنهم ذكروا الحكم جازمين به غير متعرضين لبيان دليله كما هو الشأن في المسائل التي لا
مجال للاحتمال فيها و * (في) * نجاسة عرق جنب من الحرام وعرق الإبل الجلالة والمسوخ خلاف بين أصحابنا اما الأول فعن الصدوقين
والإسكافي والشيخين في المقنعة والخلاف والنهاية والقاضي القول بنجاسته وربما نسب إلى المشهور بين المتقدمين بل عن الخلاف دعوى
الاجماع عليه وعن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية ووافقهم جماعة من متأخري المتأخرين لكن جملة ممن نسب إليهم القول بالنجاسة من
القدماء لم يصرحوا بها بل حكموا بحرمة الصلاة في الثوب الذي اصابه العرق فنسبة القول بالنجاسة إليهم مبنى مسئلته على عدم القول بالفصل كما
هو الظاهر وعن الحلي والفاضلين وجمهور من المتأخرين القول بطهارته بل عن الحلي دعوى الاجماع على طهارته مدعيا ان من قال بنجاسته
في كتاب رجع عنه في كتاب اخر واستدل للقول بالنجاسة بما عن الشهيد في الذكرى قال روى محمد بن همام باسناده إلى إدريس بن زياد الكفرثوثي
انه كان يقول بالوقف فدخل سر من رأى في عهد أبي الحسن (ع) وأراد ان يسئله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أيصلي فيه فبينما هو
قائم في طاق باب لانتظاره إذ حركه أبو الحسن (ع) بمقرعة فقال إن كان من حلال فصل فيه وان كان من حرام فلا تصل فيه وعن البحار
نقلا من كتاب المناقب لابن شهرآشوب نقلا من كتاب المعتمد في الأصول قال قال علي بن مهزيار وردت العسكر وانا شاك في الإمامة فرأيت
السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع الا انه صائف والناس عليهم ثياب الصيف وعلي أبي الحسن (ع) لبابيد وعلى فرسه تجفاف لبود وقد
عقد ذنب فرسه والناس يتعجبون منه ويقولون الا ترون إلى هذا المدني وما قد فعل بنفسه فقلت في نفسي لو كان اماما ما فعل هذا فلما
خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا إذا ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد الا ابتل حتى غرق بالمطر وعاد (ع) وهو سالم من جميعه فقلت في
نفسي يوشك ان يكون هو الامام ثم قلت أريد ان أسئله عن الجنب إذا عرق في الثوب وقلت في نفسي ان كشف وجهه فهو الامام فلما قرب منى
كشف وجهه ثم قال إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه وان كانت جنابته من حلال فلا بأس به فلم يبق في نفسي
بعد ذلك شبهة قال المحدث المجلسي في محكى البحار وجدت في كتاب عتيق من مؤلفات قدماء أصحابنا رواه عن أبي الفتح غازي بن محمد الطريفي
عن علي بن عبد الله الميمون عن محمد بن علي بن معمر عن علي بن مهزيار بن موسى الأهوازي عنه مثله وقال إن كان من حلال فالصلاة في الثوب
حلال وان كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام وعن الفقه الرضوي ان عرقت في ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة من حلال فتجوز الصلاة
فيه وان كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتى يغسل ويؤيده قول أبي الحسن (ع) في مرسلة علي بن الحكم قال لا تغتسل من غسالة ماء الحمام
فإنه يغتسل فيه من الزنا ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم وضعف سند الروايات مجبور بما عرفت من شهرة الفتوى
بمضمونها بين القدماء ونقل اجماعهم عليه بل الانصاف انه يحصل من مجرد اشتهار مثل هذا الحكم بين القدماء مع كونه مما لا يمكن ان
يستند فيه إلى شئ سوى رواية واردة فيه بالخصوص خصوصا مع كون من أفتى به مثل الصدوقين ممن يقضى التتبع بكون فتاويه مضامين
الروايات الوثوق بصدور رواية بهذا المضمون مضافا إلى ما عن المبسوط من نسبته إلى رواية أصحابنا فلا ينبغي الاستشكال فيه من
هذه الجهة وانما الاشكال في دلالة الروايات على المدعى فإنها لا تدل الا على المنع من الصلاة في الثوب الذي اصابه العرق وهو
571

أعم من النجاسة المصطلحة لجواز ان يكون له مرتبة من القذارة مانعة من الدخول في الصلاة كفضلات غير المأكول دون النجاسة تتميمها بعدم
القول بالفصل لا يخلو من تأمل بعد ما أشرنا إليه من أن جملة من القدماء كالصدوقين في الرسالة والفقيه والأمالي لم يعبروا في فتاويهم
الا بمضمون الروايات من حرمة الصلاة فيه كما أن الرواية الأخيرة التي جعلناها من المؤيدات لا تدل على أزيد من تأثيره في مرجوحية
استعمال غسالته واما انه بنفسه سبب مستقل لنجاسته فلا كما نبهنا عليه في حكم ولد الزنا مع أنها على تقدير الدلالة مفادها انما هو
نجاسة غسالته وان خلا بدنه من العرق والذي يتقضيه التحقيق انه ان أمكن التفصيل بالالتزام بحرمة الصلاة دون النجاسة اتجه القول
به والا فالمتجه حمل هذه الأخبار على الكراهة فان حمل مثل هذه الروايات التي مرجعها إلى رواية أو روايتين صادرتين عن الهادي عليه السلام
في مقام الاعجاز الذي يحسن تفصيله أدنى فرق بين الصورتين على الكراهة أهون من تحكيمها على قاعدة الطهارة فضلا عن التصرف
بها فيما يدل عليه الاخبار الآتية فان المستبعد نجاسة العرق الموجبة التنجيس ملاقيه واختفائها إلى زمان الهادي (ع) مع عموم الابتلاء به
خصوصا مع شمول الجنابة من الحرام لوطي الحائض والاستمناء ونحوه مع تظافر الأخبار الواردة لبيان احكام الجنب من الحلال والحرام
وخلو الجميع عما يشعر بهذا الحكم حتى الاخبار المروية عن الهادي حيث لم يتعرض فيها أيضا الا للمنع من الصلاة الذي هو أعم من النجاسة
نعم قد يستشعر ذلك من بعض الأخبار الناهية عن الاغتسال بماء الحمام وغسالته كالرواية المتقدمة لكن لا على وجه يعتنى به كما أن
في الفقه الرضوي أيضا اشعار بذلك حيث جعل الغسل غاية للمنع من الصلاة فإنه وان لم يكن كالأمر المطلق المتعلق بغسل الثوب في
مثل قوله (ع) اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ظاهرا في النجاسة لكنه لا يخلو من اشعار بذلك الا انه لا وثوق بكون عبائر الرضوي
بعينها من ألفاظ الإمام (ع) حتى يعتنى بمثل هذه الاستشعارات أو الاستظهارات لأن غاية ما أمكننا ادعائه بالنسبة إلى الرضوي
انما هي الوثوق بكون مضامينها متون روايات معتبرة لكن لا على وجه يوثق بكونها مصونة عن التصرف كفتاوى علي بن بابويه التي هي
متون الروايات بأدنى تصرف ولا يكفي ذلك في التعبد بظواهر ألفاظه كما هو واضح وكيف كان فاختفاء هذا الحكم إلى زمان الهادي (ع) وخلو
الاخبار من التعرض له من أقوى الشواهد على عدم نجاسته مضافا إلى ما في جملة من الاخبار التصريح بنفي الباس عن عرق الجنب من غير تفصيل بين
كونه من حرام أو حلال بل لبعضها قوة ظهور في الاطلاق كرواية علي بن أبي حمزة قال سئل أبو عبد الله (ع) وانا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق
فيه فقال ما أرى به باسا وقال إنه يعرق حتى لو شاء ان يعصره عصره فقطب أبو عبد الله (ع) في وجه الرجل وقال إن أبيتم فشئ من ماء فانضحه
وربما يستشعر من هذه الرواية كبعض الاخبار الآتية معروفية نجاسة عرق الجنب مطلقا لدى العامة على وجه لم يقنع السائل باطلاق نفى
الباس عنه في جوابه واستبعده فبالغ في سؤاله بحيث انزجر أبو عبد الله (ع) وقال إن أبيتم [الخ] ولا يخفى انه لو كان عرفه على تقدير كون جنابته
من حرام نجسا لكان على الإمام (ع) بيانه مع اطلاق سؤاله ولم يكن مبالغة السائل في سؤاله موجبة لانزجار الإمام (ع) بل كانت مقتضية لبيان الحكم
مفصلا ورواية حمزة بن حمران عن أبي عبد الله (ع) قال لا يجنب الثوب الرجل ولا يجنب الرجل الثوب ورواية عمر بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه
عن جده عن علي عليه السلام قال سئلت رسول الله صلى الله عليه وآله عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما فقال إن الحيض والجنابة حيث جعلهما الله
عز وجل ليس في العرق وهاتان الروايتان مع ما فيهما من ترك التفصيل بين انحاء الجنابة كأنهما مسوقتان لرفع ما في النفوس من استقذار
العرق ببيان انه لا مدخلية للجنابة في قذارة العرق كساير فضلات الجنب فيستفاد المدعى من مثل هاتين الروايتين وان قلنا بانصرافهما إلى إرادة
الجنابة من الحلال بواسطة كونهما في قوة التعليل والتصريح بعدم الارتباط بين اثر الجنابة والعرق * (ورواية) * أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع)
عن القميص يعرق فيه الرجل وهو جنب حتى يبتل القميص فقال لا بأس ان أحب ان يرشه الماء فليفعل ودعوى انصراف اطلاق السؤال في هذه الروايات
إلى الجنابة من الحلال على وجه يستغنى به عن الاستفصال لدى اطلاق الجواب مع عدم كون القسم المحرم نادر الوقوع ممنوعة الا ترى ان ما أراد إدريس بن
زياد وابن مهزيار ان يسئلا أبي الحسن (ع) في الروايات المتقدمة الدالة على التفصيل ليس الا ما سئل عنه الروايات في هذه الأخبار فيكشف اطلاق
الجواب في هذه الروايات المستفيضة الصادرة في مقام الحاجة في الحكم العام البلوى عن أن التفصيل الصادر عن أبي الحسن عليه السلام ليس على سبيل
الوجوب اللهم الا ان يكون المقصود بهذا التفصيل خصوص المنع من الصلاة لا النجاسة التي ينصرف إلى ارادتها سائر الروايات والحاصل
ان حمل هذه الأخبار على الكراهة أهون من الالتزام بالتفصيل من حيث الطهارة والنجاسة ويدل على كراهته أيضا خبر محمد بن علي بن
جعفر عن أبي الحسن الرضا (ع) في حديث قال من اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومن الا نفسه فقلت لأبي الحسن (ع) ان
أهل المدينة يقولون إن فيه شفاء من العين فقال كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرهما وكل من خلق الله
ثم يكون فيه شفاء من العين فإنه يدل على كراهة سؤره مطلقا وان كان ماء كثيرا يغتسل فيه فضلا عن عرقه الذي يخرج من جوفه فالقول
بكراهته كما هو المشهور بين المتأخرين بل مطلقا كما ادعاه غير واحد لا يخلو عن قوة ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه خصوصا بالتجنب عنه في
572

الصلاة الذي عرفت ان القول بوجوبه تعبدا كفضلات غير المأكول لو لم ينعقد الاجماع على خلافه لا يخلو عن وجه والله العالم واما عرق الإبل
الجلالة فعن جملة من القدماء القول بنجاسته بل لعله كان مشهورا بينهم كما صرح به بعض ويشهد له بعض عبائرهم الآتية فعن المفيد في المقنعة أنه قال
يغسل الثوب عن عرق الإبل الجلالة إذا اصابه كما يغسل من ساير النجاسات وعن الشيخ في النهاية نحوه فقال إذا أصاب الثوب عرق الإبل
الجلالة وجبت عليه ازالته وعن القاضي موافقتهما في ذلك وعن ابن زهرة والحق أصحابنا بالنجاسات عرق الإبل الجلالة وعن سلار وعرق جلال
الإبل أوجب أصحابنا ازالته وهو عندي ندب ووافقهم غير واحد من متأخري المتأخرين خلافا للحلي والمصنف والعلامة في كثير من كتبه وعامة المتأخرين
عدا قليل منهم على ما حكى عنهم للأصل والعمومات الدالة على طهارة فضلات سائر الحيوانات وأسئارها عدا ما استثنى المعتضدة بخلو
ما ورد في كيفية استبرائها عن الامر بالتجنب عن عرقها وغير ذلك من المناسبات والدعاوى التي ادعاها بعض من قال بطهارته مما لا يرجع إلى
دليل يعتد به صالح لمعارضة حسنة حفص بن البختري بل مصححته عن أبي عبد الله (ع) قال لا تشرب من البان الإبل الجلالة وان أصابك شئ من عرقها
فاغسله ومرسلة الفقيه نهى عن ركوب الجلالات وشرب ألبانها وان أصابك من عرقها فاغسله وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام
لا تأكلوا الحوم الجلالة وان أصابك من عرقها فاغسله وقد يناقش في دلالة الصحيحة كسابقتها بان ظاهرهما عدم اختصاص الحكم بالإبل ولا
قائل به عدا ما حكى عن شاذ لا يعبأ به في مقابلة الأصحاب وحملها على إرادة العهد ليس بأولى من حملها على الاستحباب الذي مجاز شايع قد
يقال بمساواته للحقيقة وفيه ان استكشاف إرادة العهد من فتوى القدماء أقرب إلى الاعتبار من جعل الشهرة المتأخرة قرينة لإرادة الاستحباب
خصوصا بناء على ما هو التحقيق من عدم ظهور المفرد المعرف في العموم الا بقاعدة الحكمة المتوقف جريانها على احراز عدم شيوع إرادة قسم منه حين الاطلاق
وعدم معهوديته لديهم ولو بأصالة العدم ولا يخفى ان فتوى القدماء المعتضدة بوقوع التصريح بذكر الإبل في الحسنة امارة ظنية على ارادتها
فيشكل معها الاعتماد على اصالة عدم المعهودية والشيوع لاحراز شرط الاطلاق الذي هو من اجزاء المقتضى للظهور خصوصا مع استلزامه اما مخالفته
المشهور أو حمل الامر على الاستحباب الموقوف على احراز قرينة مانعة من إرادة الوجوب والحاصل ان رفع اليد عن اصالة الاطلاق لدى احتمال
إرادة العهد أهون من سائر التصرفات كما تقرر في محله بل قد يقال بان وجود القدر المتيقن ارادته من المطلق كما فيما نحن فيه بنفسه مانع من
جريان قاعدة الحكمة المقتضية للحمل على العموم وهذا وان لا يخلو عن نظر بل منع لكن لافى مثل المقام المستلزم لحمله على العموم تصرفا اخر أو
مخالفة المشهور ثم لو سلم أولوية ابقاء الصحيحة على العموم وحملها على الاستحباب من الاخذ بظاهرها بالنسبة إلى القدر المتيقن ارادته منها
كفى دليلا لنجاسة عرق الإبل الحسنة المتقدمة وإرادة الاستحباب من الصحيحة بناء على عمومها لا تصلح قرينة لصرف الحسنة عن ظاهرها فإنها أخص
مطلقا من الصحيحة فيخصص بها عمومها هذا مع أن القرينة المانعة من ابقاء الصحيحة على ظاهرها من الوجوب لا تصلح معينة لإرادة خصوص
الاستحباب فلتحمل على إرادة القدر المشترك جمعا بينها وبين الحسنة فظهر بما ذكرنا ان القول بالنجاسة هو الأظهر بل لا ينبغي ترك الاحتياط
في عرق سائر الحيوانات الجلالة أيضا وان كان الأقوى طهارته والله العالم واما المسوخ فقد تقدم نقل الخلاف فيه عند التعرض لحكم
الثعلب والأرنب والفارة والوزغة وعرفت ان الأظهر هو الطهارة عينا ولعابا وسؤرا في ساير صنوف الحيوانات عدا الكلب والخنزير
وما عدا ذلك من جميع ما ذكر من النجاسات العينية فليس بنجس وقد حكى عن ابن الجنيد وحمزة وظاهر الصدوقين القول بنجاسة لبن الصبية
لرواية السكوني عن جعفر عن أبيه ان عليا (ع) قال لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل ان تطعم لأن لبنها يخرج من مثانة أمها ولبن
الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل ان يطعم لأن لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين وعن الفقه الرضوي بعد أن أفتى بخلاف
ما في هذه الرواية روايتها مرسلة عن أمير المؤمنين عليه السلام و * (فيه) * مالا يخفى من عدم صلاحية مثل هذه الرواية الضعيفة مع اعراض الأصحاب
عن ظاهرها واشعار ما فيها من التعليل بصدورها تقية لاثبات ما فيها من الاحكام المخالفة للأصول والعمومات وقد تقدم بعض الكلام
فيه في بول الصبي ولولا اشتمالها على التسوية بين بولي الصبي والصبية ولبنيهما مما لا نقول به لكان حملها على استحباب غسل الثوب من لبن
الصبية كما عن جمع من الأصحاب حملها عليه وجيها من باب المسامحة فالأوجه رد علمها إلى أهله والله العالم وعن المصنف التردد في طهارة
الدود ونحوه المتولد من العذرة نظرا إلى استصحاب نجاسته السابقة وفيه مالا يخفى بعد تبدل الموضوع وربما يستدل لطهارته مضافا إلى
الأصل والعمومات الدالة على طهارة ما لا نفس له وما دل على طهارة ميتة المستلزم لطهارته حيا ببعض التقريبات المتقدمة في محلها
بخصوص خبر علي بن جعفر (ع) انه سئل أخاه عن الدود يقع من الكنيف على الثوب أيصلي فيه قال لا بأس الا ان ترى فيه اثرا فتغسله وفيه نظر
فإنه على تقدير عدم اشتماله على رطوبة تنتقل منه إلى الثوب كما هو المفروض في مورد نفى البأس عنه لم ينجس الثوب سواء كان الدود طاهر
أم نجسا وفرض كون الثوب مشتملا على رطوبة مسرية خلاف ما ينسبق إلى الذهن ارادته من مورد السؤال فلا يعمه اطلاق الجواب وكيف
كان فحال المسألة أوضح من دلالة هذه الرواية على حكمها وعن الفاضلين التردد في الصديد وكأنه نشاء من الجهل بحقيقته عرفا فان
573

المراد به بحسب الظاهر هو الماء الأحمر الرقيق الخارج من الجرح وحاله مشتبه عرفا من أنه دم رقيق أو شئ ممزوج به أو طبيعة ثالثة قال في المجمع
الصديد قيح ودم وقيل هو القيح كأنه الماء في رقته والدم في شكله انتهى فلا خفاء فيه من حيث الحكم الشرعي لأنه ان صدق عليه عرفا انه شئ ممزوج
بالدم فهو نجس والا فظاهر ومع الجهل بحاله يحكم بطهارته للأصل كغيره من الشبهات الموضوعية وما عن الشيخ في المبسوط من اطلاق القول
بطهارته فإنه بعد الحكم بطهارة القى ونقل القول بنجاسته عن بعض أصحابنا قال والصديد والقيح حكمهما حكم القى انتهى لعلة مبنى على كونه
طبيعة ثالثة أو الجهل بحاله والا فضعفه * (ظاهر واما) * ما ارسله الشيخ عن بعض أصحابنا من القول بنجاسة القى فلعل مستنده خبر أبي الهلال
قال سئلت أبا عبد الله (ع) أينقض الرعاف والقى نتف الإبط الوضوء فقال وما تصنع بهذا هذا قول المغيرة بن سعيد لعن الله المغيرة يجزيك
من الرعاف والقى ان تغسله ولا تعيد الوضوء * (وفيه) * بعد تسليم ظهورها في وجوب الغسل الكاشف عن نجاسته يرفع اليد عنه بموثقة عمار
الساباطي عن أبي عبد الله (ع) عن القى يصيب الثوب ولا يغسل قال لا بأس به وعن عمار أيضا انه سئل أبا عبد الله (ع) عن الرجل تقيا
في ثوبه يجوز ان يصلى فيه ولا يغسل قال لا بأس * (تنبيه) * ربما يظهر من بعض الأخبار نجاسة الحديد كموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل
إذا قص أظفاره بالحديد أوجز (اخذ) من شعره أو حلق قفاه فان عليه ان يمسحه بالماء قبل ان يصلى سئل فان صلى ولم يمسح بالماء قال يعيد الصلاة
لأن الحديد ينجس وقال لأن الحديد لباس أهل النار والذهب لباس أهل الجنة وموثقته الأخرى عن أبي عبد الله (ع) أيضا قال الرجل يقرض
من شعره بأسنانه أيمسحه بالماء قبل ان يصلى قال لا بأس انما ذلك في الحديد ورواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله (ع) في الحديد انه
حلية أهل النار إلى أن قال وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين فحرم على الرجل المسلم ان يلبسه في الصلاة الا ان يكون
قبال عدو فلا بأس به قلت فالرجل يكون في السفر معه السكين في خفه لا يستغنى عنه أو في سراويله مشدود أو مفتاح يخشى ان وضعه ضاع
أو يكون في وسطه المنطقة من حديد قال لا باس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة وكذلك المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان
ولا بأس بالسيف وكل آلة السلاح في الحرب وفى غير ذلك لا تجوز الصلاة في شئ من الحديد لأنه نجس ممسوخ ويؤيده رواية أبي بصير عن أبي عبد الله
قال قال أمير المؤمنين عليه السلام لا تختتموا بغير الفضة فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما طهرت كف فيها خاتم حديد ومرسلة الفقيه قال قال صلى الله عليه وآله ما
طهر الله يدا فيها حلقة حديد والأولى حمل هذه الروايات على مرتبة من القذارة مقتضية لكراهة الصلاة فيه واستحباب مسح ما يلاقيه
بالماء في الموارد التي ورد التصريح به من الشارع واستحباب إعادة الصلاة عند ترك المسح ولا ينافيه النهى عن إعادة الصلاة في خبر علي بن
جعفر (ع) انه سئل أخاه موسى عليه السلام عن رجل اخذ من شعره ولم يمسحه بالماء ثم يقوم فيصلى قال ينصرف فيمسحه بالماء ولا يعيد صلاته تلك
لوروده في مقام توهم الوجوب فليتأمل وكيف كان فثبوت هذه المرتبة من القذارة يصحح اطلاق النجس عليه بل لم يثبت كون النجس
في زمان صدور الروايات حقيقة في خصوص النجاسة المصطلحة وكيف كان فلا يمكن ابقاء هذه الروايات على ظاهرها من وجوب
المسح وحرمة الصلاة لمخالفتها لليسرة القطعية من زمان النبي صلى الله عليه وآله إلى يومنا هذا على عدم التجنب عما يلاقيه خصوصا مع روايتي عمار في
عدم الفرق بين ما لاقاه مع رطوبة سارية أو بدونها مضافا إلى معارضتها باخبار كثيرة دالة على خلافها كرواية الحسن بن الجهم قال أراني
أبو الحسن (ع) ميلا من حديد ومكحلة من عظام فقال هذا كان لأبي الحسن (ع) فاكتحل به فاكتحلت وصحيحة سعيد بن عبد الله الأعرج قال قلت
لأبي عبد الله (ع) اخذ من أظفاري ومن شاربي واحلق رأسي فاغتسل قال لا ليس عليك غسل قلت فأتوضأ قال لا ليس عليك وضوء قلت
فامسح على أظفاري الماء قال هو طهور ليس عليك مسح وخبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمد (ع) ان عليا قال السيف بمنزلة الرداء تصلى فيه ما لم تر دما
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه ولذا لم يعمل أحد بظاهر اخبار النجاسة كما يشهد له استفاضة نقل الاجماع على الطهارة بل تواتره نعم قد شاع
في الألسن نسبة القول بنجاسة الحديد إلى الأخباريين ولعله من المشهورات التي لا أصل لها كما يشهد بذلك دعوى صاحب الحدائق الاجماع على
الطهارة ويظهر من صاحب الوسائل أيضا ذلك مع أنهما اعرف بمذاهب الأخباريين ولعل منشاء النسبة ما حكاه في الحدائق عن بعض المتورعين
انه كان يجتنب اكل مثل البطيخ ونحوه إذا قطع بالحديد ولعمري انه تورع فيما لا يكاد يرتاب المتورع في أن النبي والأئمة عليهم السلام لم يكونوا يتورعون
من مثله ويدل على استحباب مسح الرأس بعد حلقه واستحباب مسح الأظفار بعد قصها مضافا إلى ما عرفت صحيحة الحلبي قال سئلت أبا عبد الله (ع)
عن الرجل يكون على طهر فيأخذ من أظفاره أو شعره أيعيد الوضوء فقال لا ولكن يمسح رأسه وأظفاره بالماء قلت فإنهم يزعمون أن فيه الوضوء
فقال إن خاصموكم فلا تخاصموهم وقولوا هكذا السنة ويكره بول البغال والحمير والدواب على المشهور ونقل من ابن الجنيد والشيخ في النهاية
القول بالنجاسة وعن جماعة من المتأخرين كالمحقق الأردبيلي وصاحبي المعالم والمدارك تقويته واختاره في الحدائق بل بالغ في تأييده وتضعيف
مستند المشهور وأطال الكلام في النقض والابرام وعمدة ما أوقعه في ذلك ما بنى عليه في جميع المسائل الفرعية من عدم ارتكاب التأويل في
الظاهر بحمل الامر على الاستحباب مثلا بواسطة النص والمعاملة معهما معاملة المتعارضين بالرجوع إلى المرجحات السندية وهو عندنا غير وجيه كما
574

تقرر في محله حجة القائلين بالنجاسة جملة من الاخبار * (منها) * مضمرة سماعة قال سئلته عن بول السنور والكلب والحمار والفرس فقال كأبوال
الانسان وصحيحة الحلبي قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن أبوال الخيل والبغال قال اغسل ما أصابك منه وحسنة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال وسئلته عن أبوال الدواب والبغال والحمير فقال اغسله وان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله وان شككت فانضحه وصحيحة الحلبي عن أبي
عبد الله (ع) قال لا بأس بروث الحمير واغسل أبوالها ورواية عبد الأعلى بن أعين قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن أبوال الخيل والبغال قال اغسل
ثوبك قال قلت وأرواثها قال هو أكثر من ذلك * (ورواية) * أبي مريم قال قلت لأبي عبد الله (ع) ما تقول في أبوال الدواب وأرواثها قال اما أبوالها
فاغسل ما أصابك واما أرواثها فهي أكثر من ذلك ومفهوم صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن الدابة تبول يصيب بولها المسجد أو
حائطة أيصلي فيه قبل ان يغسل قال إذا جف فلا بأس وصحيحته الأخرى عنه (ع) قال سئلته عن الثوب يوضع في مربط الدابة على أبوالها وأرواثها
قال إن علق به شئ فليغسله وان اصابه شئ من الروث أو الصفرة التي تكون معه فلا يغسله من صفرة وروايته الثالثة في كتابه قال سئلته
عن الثوب يقع في مربط الدابة على بولها وروثها كيف يصنع قال إن علق به شئ فليغسله وان كان جافا فلا بأس ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)
قال سئلته عن الماء النقيع تبول فيه الدواب فقال إن تغير الماء فلا تتوضأ منه وان لم تغيره أبوالها فتوضأ منه وكذلك الدم إذا سال في الماء
وأشباهه وروايته الأخرى قال سئلته عن كر من ماء مررت به وانا في سفر قد بال فيه حمار أو بغل أو انسان قال لا تتوضأ منه ولا تشرب منه وموثقة
عبد الرحمن قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل يمسه بعض أبوال البهايم أيغسله أم لا قال يغسل بول الفرس والحمار والبغل فاما الشاة وكلما يؤكل
لحمه فلا بأس ببوله وروايته الأخرى مثلها الا أنه قال وينضح بول البعير والشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله ورواية زرارة عن أحدهما (ع)
في أبوال الدواب تصيب الثوب فكرهته فقلت أليس لحومها حلالا قال بلى ولكن ليس مما جعله الله للاكل وهذه الرواية بمدلولها اللفظي
تصلح شاهدة للجمع بين الأخبار المتقدمة الدالة على نجاسة أبوال الدواب والأخبار الدالة على طهارة بول كل حيوان بحل اكله كخبر زرارة انهما
قالا لا تغسل ثوبك من بول شئ يؤكل لحمه وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال كلما اكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه وخبر أبي البختري عن جعفر عن
أبيه (ع) ان النبي صلى الله عليه وآله قال لا بأس ببول ما اكل لحمه بحمل هذه الأخبار على ما جعله الله للاكل دون ما جعله للركوب والزينة كما يشهد لهذا الجمع
أيضا موثقة عبد الرحمن المتقدمة حيث جعل فيها ما يؤكل لحمه قسيما للدواب الثلث فبهذا يضعف الاستدلال بالكلية المستفادة من هذه
الروايات لمذهب المشهور هذا مع أن ارتكاب التخصيص في هذه الروايات أهون من ارتكاب التأويل في جميع الأخبار المتقدمة لكن هذا إذا
كان مستند المشهور فيما بنوا عليه من عموم طهارة بول كل ما يؤكل لحمه هذه الروايات كما يظهر من صاحب الحدائق وغيره حيث لم يتمسكوا لهم
الا ببعض هذه الروايات لكن ربما يستفاد هذه الكلية من موثقة ابن بكير الواردة في باب الصلاة التي كادت تكون نصا في دوران حرمة
الصلاة التي هي أخص من النجاسة مدار حرمة الاكل وان ما ليس بمحرم الاكل يجوز الصلاة في بوله وروثه وكل شئ منه سواء كان مجعولا للاكل
أم لم يكن قال ابن بكير سئل زرارة أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الثعالب والغنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه املاء
رسول الله صلى الله عليه وآله ان الصلاة في وبر كل شئ حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد لاتقبل تلك الصلاة حتى
يصلى في غيره مما أحل الله اكله ثم قال يا زرارة هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فاحفظ ذلك يا زرارة فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله
وشعره وروثه وألبانه وكل شئ منه جائز إذا علمت أنه زكى وقد ذكاه الذبح وان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله وحرم عليك اكله فالصلاة
في كل شئ منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه وأنت خبير بان رواية زرارة وموثقة عبد الرحمن المتقدمتين لا تصلحان للحكومة على هذه الموثقة
لكونها نصا في أن المراد بما أحل الله واكله ما كان مقابلا لما حرم اكله لا ما يقابل غير المأكول حتى يمكن تفسيره بما جعله الله للاكل فالدواب
الثلث مندرجة في القسم الذي تكون الصلاة في بوله وروثه وكل شئ منه جائزة ولا يمكن حمل محرم الاكل على ما يعم المكروه جمعا بينها و
بين الأخبار المتقدمة حتى يندرج الدواب في القسم الحرم لا لمجرد ما في الموثقة من التأكيدات الدالة على إرادة الحرمة الحقيقية بل لعدم
الخلاف نصا وفتوى في شمول الحكم للمكروه بالنسبة إلى سائر اجزائه من جلده وشعره ولبنه وغيرها فالامر يدور بين حمل اخبار النجاسة على
الكراهة واستحباب التجنب عنه وبين ارتكاب التخصيص بالنسبة إلى بول الدواب في الموثقة المسوقة لاعطاء الضابط التي كادت تكون نصا
في العموم ولا ريب ان الأول أهون خصوصا مع اعتضاد عموم الموثقة بشهرته بين الأصحاب قديما وحديثا بل انعقاد اجماعهم عليه عد؟ ا
شاذ منهم لشبهة ناشئة من الاغترار بظاهر اخبار النجاسة التي كفى في صرفها عن هذا الظاهر اعراض الأصحاب عنه وحملهم لها على الكراهة
كما يؤيده بعض المناسبات المستنبطة من نفس تلك الأخبار وغيرها من الامارات والحاصل انه لا يمكن ارتكاب التخصيص في مثل هذه الموثقة
التي لها بنفسها قوة ظهور في العموم ومضمونها بعمومه من القواعد المسلمة بين الأصحاب الا بنص صحيح صريح غير قابل للطرح أو التأويل
من حيث السند والدلالة لا بمثل هذه الظواهر التي يكون ارتكاب التأويل فيها بحملها على الكراهة من أهون التصرفات ويشهد له أيضا
575

مضافا إلى ذلك خبر زرارة المتقدم المصرح بالكراهة بناء على ظهوره في إرادة الكراهة بمعناها الأخص كما ليس بالبعيد ويدل عليه أيضا رواية
أبي الأعز النخاس قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام انى أعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي
فأصبح فارى اثره فيه قال ليس عليك شئ * (ورواية) * المعلى بن خنيس و عبد الله بن أبي يعفور قالا كنا في جنازة وقدامنا حمار فجائت الريح ببوله حتى
صكت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبد الله (ع) فأخبرناه فقال ليس عليكم بأس فان مقتضى الجمع بينهما وبين اخبار النجاسة ارتكاب التأويل
في تلك الأخبار كما هو واضح لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في غير موارد الضرورة والحرج والله العالم * (القول الثاني) * في احكام
النجاسات المشهور بين أصحابنا رضوان الله عليهم ان كل ما حكم بنجاسته شرعا يؤثر في تنجيس ما يلاقيه برطوبة سارية عدا الماء الكثير وشبهه
بل القليل أيضا في الجملة أو مطلقا على الخلاف المتقدم في محله فينجس الملاقى له وينجس ما يلاقيه وهكذا بلغ ما بلغ وقد وقع الخلاف في ذلك في
مقامين الأول في اشتراط الرطوبة في السراية وقد أنكره غير واحد في الميتة اما مطلقا أو في خصوص ميت الانسان فزعموا سراية النجاسة منها
إلى ما يلاقيها ولو مع الجفاف وقد تقدم تفصيل الكلام فيه مع ما فيه من الضعف في محله * (الثاني) * في سراية النجاسة من كل ما حكم بنجاسته إلى
ملاقيه وقد خالف فذلك ابن إدريس فإنه قال في السرائر بعد الكلام في تغسيل الميت ويغتسل الغاسل فرضا واجبا في الحال أو فيما بعد فان
مس مايعا قبل اغتساله وخالطه لا يفسده ولا ينجسه وكذلك إذا لاقى جسد الميت من قبل غسله إناء ثم افرغ في ذلك الإناء قبل غسله مايع
فإنه لا ينجس ذلك المايع وان كان الإناء يجب غسله لأنه لاقى جسد الميت وليس كذلك المايع الذي حصل فيه لأنه لم يلاق جسد الميت وحمله على
ذلك قياس وتجاوز في الاحكام بغير دليل والأصل في الأشياء الطهارة إلى أن يقوم دليل قاطع للعذر وان كنا متعبدين بغسل ما لاقى
جسد الميت لأن هذه نجاسات حكميات وليست بعينيات والأحكام الشرعية نثبتها بحسب الأدلة الشرعية ولا خلاف أيضا بين الأمة
كافة ان المساجد يجب ان تنزه وتجنب النجاسات العينية وقد اجمعنا بلا خلاف في ذلك بيننا على أن من غسل ميتا له ان يدخل المسجد و
يجلس فيه فضلا عن مروره وجوازه ودخوله إليه فلو كان نجس العين لما جاز ذلك وادى إلى تناقض الأدلة وأيضا فان الماء المستعمل في
الطهارة على ضربين ماء استعمل في الصغرى والاخر ما استعمل في الكبرى فالماء المستعمل في الصغرى لا خلاف بيننا انه طاهر مطهر والماء
المستعمل في الطهارة الكبرى الصحيح عند محققي أصحابنا انه أيضا طاهر مطهر ومن خالف فيه من أصحابنا من قال هو طاهر يزيل النجاسات
العينيات ولا يرفع الحكميات فقد اتفقوا جميعا على أنه طاهر ومن جملة الأغسال والطهارات الكبار غسل من غسل ميتا فلو نجس ما يلاقيه
من المايعات لما كان الماء الذي قد استعمله في غسله وإزالة حدثه طاهرا بالاتفاق والاجماع الذين أشرنا إليها انتهى ولا يخفى عليك ان
مقتضى دليله الأول انكار سراية النجاسة من المتنجسات الخالية من أعيان النجاسات مطلقا إذ لا خصوصية لملاقى الميت في ذلك اللهم الا
ان يقول بكون نجاسة الميت أيضا حكمية كما حكى القول بذلك عن المرتضى ره فعلى هذا يكون مقصوده بقوله وهذه نجاسات حكميات نجاسة الميت
وما يلاقيه لكن يبعد ذلك مضافا إلى عدم معروفية الخلاف عنه في نجاسة الميت التتبع في كلماته في باب البئر وغيره مما يظهر منه كون نجاسة
الميت من ذي النفس مطلقا انسانا كان أو غيره لديه عينيته وابعد من ذلك احتمال ان يكون مقصوده بملاقاة الإناء للميت ملاقاته له مع
الجفاف لا مطلقا كما حكى القول بنجاسته الحكمية في الفرض بمعنى وجوب غسله وعدم تأثيره في تنجيس ملاقيه عن بعض لأن كلامه كالصريح في عدم
ارادته خصوص هذا الفرض لأنه ذكر مسألة الإناء من باب الاستطراد وغرضه الأصلي اثبات عدم انفعال المايع الذي مسه غاسل الميت قبل
التطهير الذي زعم عدم حصوله الا بالاغتسال فغرضه ليس الا انكار سراية النجاسة من الجسم المتنجس بملاقاة الميت تشبثا بعدم الدليل عليها
وكون الحكم بثبوت هذا الحكم للمتنجس قياسا ولذا اعترضه المصنف ره في محكى المعتبر بقوله لما اجتمع الأصحاب على نجاسة اليد الملاقية للميت
واجمعوا على نجاسة المايع إذا وقع فيه نجاسة لزم من مجموع القولين نجاسة ذلك المايع لا بالقياس انتهى وكيف كان فلا خفاء في ظهور عبارة
الحلي في الانكار في مورد الكلام كما أنه لاخفاء في اقتضاء دليله منع السراية في المتنجسات مطلقا ولعله ملتزم بذلك في غير المايعات
الملاقية لأعيان النجاسات التي تتأثر ذواتها بملاقاة النجس ولا تقبل التطهير كما ربما يظهر ذلك مما ذكره في كتابه بعد ذكر النجاسات
وبيان وجوب إزالة قليلها وكثيرها من الثوب ونحوه حيث قال وجملة الامر وعقد الباب ان ما يؤثر التنجيس على ثلاثة اضرب أحدها يؤثر
بالمخالطة وثانيها بالملاقاة وثالثها بعدم الحياة فالأول أبوال وخرء كل ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل إذا كان جلالا والشراب المسكر والفقاع
والمني والدم المسفوح وكل مايع نجس بغيره والثاني ان يماس الماء أو غيره حيوان نجس العين وهو الكلب والخنزير والكافر والثالث ان يموت
في الماء وغيره حيوان له نفس سائلة ولا حكم لما عد ما ذكر في التنجيس انتهى فان الأجسام الجامدة الملاقية لأعيان النجاسات الخالية منها
خارجة من هذه الاقسام كما لا يخفى * (وكيف) * كان فقد اختار هذا القول أي عدم سراية النجاسة من المتنجسات الخالية من أعيان النجاسات
إلى ما يلاقيها المحدث الكاشاني وبالغ في نصرته وأكثر الطعن في جملة من كلماته على المشهور القائلين بالسراية قال في محكى المفاتيح انما يجب
576

غسل ما لاقى عين النجاسة واما ما لاقى الملاقى لها بعدما أزيل عنه العين بالتمسح ونحوه بحيث لا يبقى فيه شئ منها فلا يجب غسله كما يستفاد من
المعتبرة على انا لا نحتاج إلى دليل على ذلك فان عدم الدليل على وجوب الغسل دليل على عدم الوجوب إذ لا تكليف الا بعد البيان ولا حكم الا
بعد البرهان ثم جرى على قلمه تعريضا على المشهور القائلين بالسراية بعض الكلمات التي لا يناسب صدورها من مثله عصمنا الله من الزلل
في القول والعمل وعن موضع اخر من كتابه بعد ذكر النجاسات العشرة في طي مفاتيح قال مفتاح كل شئ غير ما ذكر فهو طاهر ما لم يلاق شيئا
من النجاسات برطوبة للأصل السالم من المعارض وللوثق كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر انتهى وظاهر هاتين العبارتين التزامه بسراية النجاسة
من أعيان النجاسات ووجوب غسل ما يلاقيها مطلقا ولو بعد زوال العين وانكارها بالنسبة إلى المتنجس لكن قد يلوح من بعض عبائره المحكية
عنه التي سيأتي نقلها انكار ذلك أيضا والتزامه بدوران حكم النجاسة مدار عينها الا في الموارد التي ثبت تعبدا وجوب غسل ملاقيها كالثوب
والبدن دون سائر الأجسام وجعل ذلك وجها للحكم بطهارة البواطن وبدن الحيوانات بزوال العين عنها لا لخصوصية فيها وربما يلوح
هذا المعنى أي دوران حكم النجاسات مدار عينها من السيد ره في بعض كلماته المحكية عنه كاستدلاله لجواز استعمال المايعات الطاهرة غير
الماء في تطهير الثوب بان تطهير الثوب ليس الا إزالة النجاسة عنه وقد زالت بغير الماء مشاهدة لأن الثوب لا يلحقه عبادة واصرح من
ذلك ما حكى عنه من القول بجواز تطهير الأجسام الصيقلية بالمسح بحيث يزول عنها العين معللا لذلك بزوال العلة وعن المحدث الكاشاني
بعد أن حكى هذا القول والاستدلال عن السيد قال وهو لا يخلو من قوة إذ غاية ما يستفاد من الشرع وجوب اجتناب أعيان النجاسات
اما وجوب غسلها بالماء من كل جسم فلا فما علم زوال النجاسة عنه قطعا حكم بتطهره الا ما خرج بدليل يقتضى اشتراط الماء كالثوب والبدن
ومن هنا يظهر طهارة البواطن بزوال العين وطهارة أعضاء الحيوان النجسة غير الادمى كما يستفاد من الصحاح انتهى ولا يخفى عليك ان هذا المعنى
الذي يظهر من السيد ماله إلى انكار السراية رأسا حتى بالنسبة إلى النجاسات العينية لكن الظاهر بل المقطوع به ان محط نظر هؤلاء الجماعة كما هو صريح
العبارة المحكية عن الحلي انما هو انكار كون الأجسام الجامدة المتأثرة بملاقاة النجاسات كأعيانها من حيث الحكم واما المايعات الملاقية
لها التي تتأثر ذواتها بملاقاة النجس فلا خلاف في كونها كأعيانها في وجوب ازالتها عن الثوب والبدن وغيره من اثار التنجس كما يشهد بذلك
التدبر في كلماتهم ثم انا وان استظهرنا من الحلي والسيد القول بمنع السراية لكن القائل به صريحا انما هو المحدث الكاشاني ولذا جل من تأخر
عنه ممن تعرض لابطال هذا المذهب جعلوه من متفرداته وطعنوه بمخالفته للاجماع بل عن بعضهم الترقي عن ذلك وطعنه بمخالفته للضرورة * (أقول) *
ان أريد بالضرورة غير معناها الذي تقدم الكلام في كفر منكره فله وجه والا فرميه بذلك غفلة من الرامي فان ضروريات الشرع في هذه
الاعصار منحصرة في الاحكام الكثيرة الدوران في كلمات الشارع من الكتاب والسنة القطعية كالصلاة والصوم والزكاة ونحوها مما لا يختفي
شرعيتها على من راجع الكلمات المعلومة الصدور من الشارع واما ما عداها من الاحكام وان كانت اجماعية أو ضرورية لدى المتشرعة في هذا
الاعصار بان عرفها جميعهم بحيث لم يحتملوا خلافها فاثبات صدورها من الشارع ولو بعد تسليم كونها كذلك يحتاج إلى مقدمات نظرية
كقاعدة اللطف أو استكشاف رأى الرئيس من اجتماع المرؤسين أو قضاء العادة بوصول الحكم إليهم يدا بيد إلى غير ذلك من المقدمات التي
غايتها بعد الاذعان بها صيرورة الحكم بواسطتها قطعيا والاحكام الضرورية عبارة عن الاحكام التي قياساتها معها بان كان صدورها
من النبي صلى الله عليه وآله أو الأئمة عليهم السلام بديهيا بحيث يكون الاعتراف بصدقهم كافيا في الاذعان بتحققها من غير احتياجها إلى توسيط مقدمة خارجية
من اجماع ونحوه وكيف كان فالذي يمكن ان يستدل به للسراية أمور * (الأول) * اجماع العلماء عليها خلفا عن سلف كما يكشف عن ذلك ارسالهم
ارسال المسلمات التي لا يشوبها شائبة انكار مع تصريح جملة منهم بكونها اجماعية الثاني معروفيتها لدى المتشرعة ومغروسيتها في أذهانهم
على وجه يزعمونها من ضروريات المذهب فيستكشف بها وصول الحكم إليهم يدا بيد عن الأئمة (ع) * (الثالث) * الأخبار المستفيضة الدالة عليها
فمنها ما يدل على وجوب الاجتناب عن ملاقي التنجس وحرمة الانتفاع به ان كان مايعا ولو مع خلوه من عين النجاسة كالمستفيضة الدالة على نجاسة
الماء القليل الواقع فيه شئ من النجاسات والأخبار الدالة على نجاسة السمن والزيت وغيرهما من المايعات التي مات فيها الفارة ونحوها
وما دل على عدم جواز الاستصباح بأليات الغنم المقطوعة من الحي معللا بأنه يصيب الثوب والبدن وهو حرام وهذه الطائفة من الاخبار
انما تنهض حجة على من انكر السراية رأسا وقال بدوران النجاسة مدار عينها كما ربما يستشعر من عبارة السيد وبعض عبائر المحدث المتقدم و
نحوها الأخبار الدالة على وجوب غسل الثوب والبدن وغيرهما من الأجسام الملاقية للنجس الدالة على عدم كفاية إزالة عينها بغير الغسل
بل في بعضها الامر بغسل الملاقى للميتة ونحوها مما لا يبقى فيه اثر محسوس بعد جفافه ولا يعارضها ما يظهر من بعض الأخبار من دوران حكم النجاسة
مدار عينا لعدم المكافئة خصوصا مع اعراض الأصحاب عنه و * (منها) * موثقة عمار في الرجل يجد في انائه فارة وقد توضأ من ذلك الإناء
مرارا واغتسل وغسل ثيابه وقد كانت الفارة متسلخة فقال إن كان رآها قبل ان يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما
577

رآها فعليه ان يغسل ثيابه ويغسل كل ما اصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة وان كان انما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا يمس
من ذلك الماء شيئا وليس عليه شئ لأنه لا يعلم متى سقطت فيه ثم قال لعله انما سقطت فيه في تلك الساعة وهذه الموثقة كما تريها كادت تكون صريحة
في نجاسة الماء الملاقى للميتة وتنجيس ما يلاقيه و * (منها) * الأخبار الدالة على وجوب غسل الإناء الذي شرب منه الكلب والخنزير وتقريب الاستدلال
بهذه الطائفة من الاخبار من وجهين أحدهما انه يظهر من اطلاق والامر بغسل الإناء مع عدم الملازمة بين ولوغ الكلب والخنزير من مائه وبين
ملاقاتهما للاناء ان الماء الذي ولغ منه الكلب والخنزير كأعيان النجاسات مؤثر في تنجيس ملاقيه والاستدلال بهذه الروايات بهذا
النحو من التقريب وكذا الاستدلال بموثقة عمار المتقدمة انما يجدى في مقابل من انكر السراية من التنجس رأسا حتى المايعات الملاقية
لأعيان النجاسات وقد أشرنا إلى أنه لم يعلم من أحد انكار كون المايعات الملاقية للنجس بمنزلتها من حيث السراية بل الظاهر كما هو صريح
الحلي التزام الكل بذلك فلا تكون هذه الروايات حجة عليهم بهذا التقريب * (ثانيهما) * انه يستفاد من الامر بغسل الإناء في هذه الأخبار
وكذا من غيرهما مما ورد في كيفية غسل الأواني والفرش والبسط ونحوها سراية النجاسة إلى ما يلاقيها برطوبة سارية والا لم يكن فائدة
في التكليف بتطهيرها ضرورة ان تطهيرها بنفسه ليس واجبا نفسيا وليست هذه الأشياء بنفسها مما يستعمل فيها يشترط بالطهارة
فالمقصود بتطهيرها ليس الا حفظ ما يلاقيها برطوبة مسرية من الأشياء المشروطة بالطهارة من النجاسة ويتوجه عليه ان غاية ما يمكن
استفادته من الامر بغسل الأواني ونحوها بعد البناء على ظهورها في الوجوب الغيري كما هو الظاهر بل المتعين انما هو حرمة استعمالها
حال كونها متنجسة في المأكول والمشروب المطلوب فيهما النظافة والطهارة في الجملة ولو بالنسبة إلى المايعات التي يتنفر الطبع من شربها
في إناء يستقذره واما تأثيرها في نجاسة ما فيها على وجه تبقى نجاسته بعد نقله إلى مكان اخر فلا الا ترى انه لو امر المولى عنده بغسل أوانيه
الوسخة التي يستعملها في اكله وشربه لا يفهم منه الا كراهة استعمالها حال كونها قذرة في الأكل والشرب لا صيرورة ما يلاقيها برطوبة مكروها
على الاطلاق واما ما ورد في كيفية تطهير الفرش ونحوها فلم يظهر منها إرادة أزيد من إزالة العين مع أنه لا يستفاد منها وجوب التطهير
ويكفى في حسن تشريعه كون الحكمة فيه المبالغة في إزالة العين التي لا كلام في سراية النجاسة منها إلى ما يلاقيها أو استحباب التنزه عن استعمال
النجس في ساير الافعال التي يبتلى بها المكلف وان لم يكن جوازها مشروطا بالطهارة والحاصل ان دعوى استفادة مثل هذا الحكم من مثل
هذه الروايات مجازفة محضة وانما يتوهم دلالتها عليه لأجل مغروسية الحكم في الذهن فيظن بواسطتها كونه هو الوجه في صدور الامر بغسل الأواني
ونحوها في هذه الروايات والا فليس في شئ اشعار بذلك فالذي يمكن ان يستدل به عليه ليس الا الاجماع بل لو سلمت دلالة الاخبار على المدعى
فهي غير مغنية عن الاجماع كما توهمه بعض من لا يعتمد على الاجماع في اثبات الأحكام الشرعية فان غايتها الدلالة على السراية بواسطة أو واسطتين
واما بالوسائط فلا ودعوى القطع بالمناط مجازفة لامكان ان يكون لقلة الوسائط دخل في التأثير كما في القذارات الحية فالتخطي عن
كل مرتبة بل عن كل نجاسة إلى غيرها يحتاج إلى دليل وهو منحصر في الاجماع واما معروفيته لدى المتشرعة فهي أيضا بنفسها لا تصلح أن تكون
دليلا له لقضاء العادة بصيرورة الحكم إذا كان مما يعم به الابتلاء معروفا لدى العوام على وجه لا يحتملون خلافه إذا اتفقت عليه كلمات العلماء ولو
في الأعصار المتأخرة فلا ملازمة بينه وبين وصول الحكم إليهم يدا بيد عن المعصوم وحيث إن عمدة المستند هو الاجماع فلابد من تحقيق حاله
* (فنقول) * المدار في حجية الاجماع لدينا على القطع بموافقة المعصوم أو وجود دليل معتبر فيما بين المجمعين بحيث لو وصل الينا تفصيلا لوجدناه واجب
الاتباع من حيث الدلالة والسند فلو فرض عدم حصول القطع بأحد الامرين لاحد من اتفاق كلمة علمائنا الامامية رضوان الله عليهم
لم يجب عليه بل لا يجوز له متابعتهم ان كان من أهل النظر والاستدلال إذ لا دليل على اعتباره من حيث هو من شرع أو عقل بل لم ينقل القول
باعتباره تعبدا من أحد من أصحابنا وان كان ربما يستشعر ذلك من استدلالاتهم به في الفروع وارسالهم دليلية ارسال المسلمات لكن
ينافيه تصريحاتهم في الأصول بما هو مناط اعتباره * (نعم) * زعم بعض كون الشهرة التي هي أعم من اتفاق الكل من الظنون المعتبرة لكنه مع كونه خلاف
المشهور في غاية الضعف * (فالحق) * ان اتفاق العلماء انما يكون حجة من حيث افادته للقطع بثبوت متعلقة لأجل كونه سببا عاديا لاستكشاف أحد
الامرين المتقدمين لا من باب التعبد واما الاجماع الذي هو حجة من باب التعبد هو الاجماع الحقيقي المشتمل على مقالة المعصوم واعتباره على هذا
التقدير أيضا ليس عندنا من حيث نفس الاجماع بل بواسطة وجوب التعبد بمقالة المعصوم الذي هو أحد المجمعين وزعم كثير من أصحابنا على ما
يظهر من مراجعة كتبهم ان اتفاق جميع العلماء ولو في عصر واحد طريق عقلي لاستكشاف رأى الإمام (ع) بقاعدة اللطف وهو خلاف التحقيق
لعدم تمامية القاعدة ولذا لم يقول عليها جل علمائنا المتأخرين وبنوا على أن طريق استكشاف رأى الإمام (ع) من الاجماعات المتحققة
في هذه الاعصار منحصر في الحدس الناشئ من الملازمة العادية بين اتفاق العلماء في جميع الأعصار وبين موافقة الإمام (ع) ولذا اعتبروا
في حجية الاجماع اتفاق كل العلماء في جميع الأعصار أو جلهم على وجه يستلزم عادة موافقة المعصوم ولا يخفى ان الأسباب العادية غالبا
578

من قبيل المقتضيات ربما يمنعها من التأثير بعض الموانع المكتنفة بها وحيث انا نفينا الملازمة العقلية واعتمدنا على الملازمة العادية
لم يجز لنا اتباعهم في الموارد التي لم يحصل لنا القطع بالموافقة بواسطة بعض الأمور المنافية للحدس القطعي كمعلومية مستند المجمعين أو العثور
على ما يحتمل استنادهم إليه أو غير ذلك من الأمور المانعة من القطع وكونه نوعا سببا عاديا للقطع ولو في خصوص المورد بالنسبة إلى نوع
المكلفين غير مجد بالنسبة إلى الشخص الذي لم يحصل له القطع لما أشرنا إليه من أنه لا دليل على اعتباره من باب التعبد وانما يدور حجية مدار
صفة القطع فليس لأحد الزام المحدث الكاشاني وغيره ممن انكر السراية بمخالفته للاجماع ضرورة انه لم يحصل له القطع بالحكم من اتفاق العلماء
والا لتبعهم فان القاطع مجبول على اتباع قطعه كما هو واضح نعم قد يتوجه على من يخالف الاجماع ويتفرد بالقول الطعن باعوجاج السليقة
وانحراف الطريقة لكنه غير مجد في جواز اتباعهم ما لم يعتقد المخالف انحرافه عن الطريقة في خصوص المورد هذا مع أن الطعن في غير محله إذا كان
تردده في الحكم ناشيا عن التفاته إلى أسباب عقلائية موجبة للتشكيك كما في نحن فيه فان في المقام شبهات لابد اما من حلها أو الالتزام بعدم
السراية * (الأولى) * انه لو كان المتنجس منجسا مطلقا كما هو معقد اجماعاتهم المحكية للزم نجاسة جميع ما في أيدي المسلمين وأسواقهم ولتعذر
الخروج من عهدة التكليف بالتجنب عن النجس والتالي باطل بشهادة العقل والنقل فكذا المقدم بيان الملازمة انا نعلم أن أغلب الناس لا يتحرزون
عن النجاسات ويخالطون غيرهم فيستوى حال الجميع لقضاء العادة بأنه لو لم يتحرز شخص ولو في أقصى بلاد الهند من نجاسته في قضية واحدة
وخالط الناس لسرت النجاسة إلى جميع البلاد بمرور الدهور إلى أن استوعبت ووصلت إلى بيوتنا فضلا عن أن جميع من في العالم عدا من شذ
منهم لا يتحرزون عن النجاسات فمقتضاه ان يكون لكل شئ مما في أسواق المسلمين من مثل الدهن والسمن مما نبتلى به بل لكل شئ مما بأيدينا
من أثاث بيوتنا أسباب لا تتناهى لنجاسته وربما اعترف جملة من الناس بعلمه بنجاسة جميع ما يصنع من المطعوم والمشروب ونحوهما في أسواق مثل
بغداد من البلاد التي يختلط فيها الخاصة والعامة واليهود والنصارى وغيرهم ولا يتحرز بعضهم عن مساورة بعض وغفل عن انه إذا أمعن النظر
لرأى عدم الفرق بينه وبين أثاث بيته ولذا ترى جل الاشخاص الملتفتين إلى بعض هذه المقدمات لا زال يصرحون بأنه لولا البناء على
الاغماض والمسامحة في امر النجاسة لتعذر الخروج من عهدة التكليف بالاجتناب عنها ومن ابتلى بتربية طفل غير مميز أو ابتلى في واقعة بنجاسة
غفل عن تطهيرها ولم يتفطن الا بعد أن خالط الناس لاذ عن بذلك من غير أن يحتاج إلى تمهيد مقدمات بعيدة ومن زعم أن هذه
الأسباب لا تؤثر في حصول القطع لكل أحد بابتلائه في طول عمره بنجاسة موجبة لتنجيس ما في بيته من الأثاث مع اذعانه بان اجماع العلماء
على حكم يوجب القطع بمقالة المعصوم لكونه سببا عاديا لذلك فلا أراه الا مقلدا محضا لا يقوى على استنتاج المطالب من المبادي المحسوس
فضلا عن أن يكون من أهل الاستدلال فلا ينبغي الارتياب في أنه لو سرت النجاسة بالوسائط لعمت على وجه يتعذر التجنب عنها فضلا عن أن
يكون منافيا لعمومات نفى الحرج والتوسعة في الدين ودعوى ان أدلة نفى الحرج ونحوها لا تنفي السراية في الفرض وانما تنفى التكليف
بالاجتناب عن النجس في مواقع الحرج فلا مانع من الالتزام يكون ما بأيدينا نجسا معفوا عنه فاسدة جدا لا يهمنا الإطالة في ابطالها فالحق
ان هذه المرتبة من السراية مما لا يمكن الالتزام به ويشهد لبطلانه مضافا إلى ما عرفت رواية أبي الجارود قال سئلت أبا جعفر عليه السلام
عن الجبن فقلت أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة فقال امن اجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض فما علمت فيه ميتة فلا
تأكله الحديث فإنه لو كانت النجاسة سارية بالوسائط لكان جعل الميتة في الجبن في مكان واحد سببا عاديا لتحريم جميع ما في الأرض
فلم يكن وقع لاستيحاش الإمام (ع) من ذلك * (الثانية) * استقرار سيرة المتشرعة خلفا عن سلف على المسامحة في الاجتناب عن ملاقيات
المتنجس في مقام العمل بحيث لو تعدى أحد عن الطريقة المألوفة عندهم في اجتناب النجاسات بان اجتنب مثلا عن أبنية البلاد معللا بان من
عمرها استعمل في تعميرها الأدوات والآلات التي لا زال يستعملها في تعمير الكيف من غير أن يطهرها أو اجتنب عن مساورة شخص معتذرا بان
هذا الشخص يساور أشخاصا لا يزالون يساورون الكفار ويباشرون الأنجاس يطعنه جميع المتشرعة بالوسواس ويرونه منحرفا عن الطريقة
المعروفة عندهم في اجتناب النجاسات مع أنه ربما يتشبث في اثبات مطلبه بمقدمات محسوسة لا ينكرها عليه أحد ولو أرادوا انكار شئ من مقدماته
يتشبثون باحتمالات سوفسطائية مما لا يعتنى به غافل في شئ من حركاته وسكناته وربما ينقضون عليه بما هو أيده نجاسته من ذلك ويقولون إذا
تجتنب عن ذلك لم لا تجتنب عن الأجناس المنقولة من بلاد الكفر من المايعات والجوامد المصنوعة فيها أو لا تجتنب عن الدهن المشترى من أهل
السواد الذين لا يتحرزون عن النجاسات أو نحو ذلك فهذه السيرة العملية تكشف عن عدم معهودية الاجتناب عن مثل هذه الأمور في الشريعة
من صدر الاسلام بل المتأمل في الاخبار وغيرها من الامارات لا يكاد يرتاب في ذلك ولو مع قطع النظر عن السيرة بل لا مجال للتشكيك في أن
امر النجاسة لو لم يكن في عصرا الأئمة (ع) أوسع مما بأيدينا لم يكن أضيق من ذلك إذا عرفت ذلك فنقول هذا النحو من المسامحة وعدم الاعتناء
بالمقدمات البديهية الانتاج ينافي اطلاق السراية وعموم وجوب الاجتناب عن كل نجس إذ لا يعقل ان يجعل الشارع ملاقاة المتنجس سببا للتنجيس
579

مطلقا وأوجب الاجتناب عن كل نجس ثم رخص في ارتكاب مثل هذه الأمور التي لا زال يتوارد عليها أسباب النجاسة على وجه لا يشتبه على أحد لو لم يكن
بنائه على الاغماض والمسامحة اللهم الا أن تكون المسامحة في تشخيص الموضوع مأخوذة في موضوعية للحكم بان أوجب الشارع مثلا الاجتناب
عن النجس المعلوم بالمشاهدة أو بمقدمات قريبة لا مطلق التنجس أو جعل النجاسة اسما للأشياء المعهودة مقيدة بكونها معلومة بالمشاهدة
ونحوها أو غير ذلك من التوجيهات التي ليس الالتزام بشئ منها أهون من انكار السراية مع اشتراك الكل في مخالفته للاجماع وقد زعم صاحب
الحدائق ان العلم بالنجاسة من مقومات موضوعها بمعنى ان النجس الشرعي اسم للنجس المعلوم وتخيل ان هذا يجديه في حل بعض الاشكالات الواردة
على السراية من نظائر ما عرفت واستشهد لذلك ببعض الاخبار المسوقة لبيان الحكم الظاهري مثل قوله (ع) الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر ونحو
ذلك من الأخبار الدالة عليه وأطال الكلام في اثبات مرامه إلى أن قال في اخر كلامه ولم أقف على من تنبه لما ذكرناه من التحقيق في المقام من علمائنا
الاعلام الا السيد الفاضل المحقق السيد نعمة الله الجزائري في رسالة التحفة حيث قال بعد أن نقل من بعض معاصر من علماء العراق وجوب
عزل السؤر عن الناس ونقل منهم ان من أعظم أدلتهم قولهم انا قاطعون ان في الدنيا نجاسات وقاطعون أيضا بان في الناس من لا يتجنبها
والبعض الاخر لا يتجنب ذلك البعض فإذا باشرنا أحد من الناس فقد باشرنا المظنون النجاسة أو مقطوعها إلى أن قال فقلنا لهم يا معشر الاخوان
ان الذي يظهر من اخبار الأئمة الهادين التسامح في امر الطهارات وان الطاهر والنجس هو ما حكم الشارع بنجاسته لا ما باشرته النجاسة
والطهارة فالطاهر ليس هو الواقع في نفس الامر بل ما حكم الشارع بطهارته وكذا التنجس وليس له واقع سوى حكم الشارع لنجاسته وقد حكم
الشارع بطهارة المسلمين فصاروا طاهرين إلى أن قال وبهذا التحقيق إلى اخره ما سيأتي نقله في المقام انشاء الله انتهى كلام صاحب الحدائق
ثم ذكر تتمة كلام المحدث المتقدم الذي أشار إليها بعيد ذلك وهى هذه وبهذا التحقيق يظهر لك بطلان ما ذهب إليه جماعة من الأصحاب من أن
من تطهر بماء نجس فاستمر الجهل به حتى مات صلاته باطلة غايته عدم المؤاخذة عليها لامتناع تكليف الغافل ولو صح هذا الكلام لوجب فساد جميع
العبادات المشروطة بالطهارة لكثرة النجاسة في نفس الامر انتهى * (أقول) * اما ما حققه المحدث الجزائري فمما لا أرى له محصلا فان أحدا لا ينكر
توقف النجاسة الشرعية على التوقيف الشرعي لكن الخصم يدعى انه ثبت بالاجماع وغيره من الأدلة ان الشارع حكم بنجاسة كل ما باشرته النجاسة فمتى
أحرز موضوعه كما في الفرض يجب ترتيب حكمه عليه وهذا المحدث بحسب الظاهر ليس منكرا للسراية رأسا حتى يطالب خصمه بدليلها ولذا جعله صاحب
الحدائق موافقا لنفسه فاعتراضه على الخصم لا يبعد ان يكون مبنيا على توهم كون العلم بالنجاسة من مقومات مهيتها كما توهمه صاحب الحدائق لكن
لم يقتصر هذا المحدث على مجرد ذلك حيث لم ينكر على خصمه ما ادعاه من العلم بالسبب بل قرره على ذلك واعترف في اخر كلامه باقتضاء اطلاق سببية
الملاقاة للتنجيس بطلان جميع العبادات فكأنه زعم أن العلم المأخوذ في الموضوع هو العلم الحاصل من الطرق المعتبرة شرعا لا مطلقا فهذا النحو
من التقييد أي تقييد العلم بحصوله من أسباب مخصوصة وان كان نافعا في التفصي عن الاشكال دون ما زعمه صاحب الحدائق من تقييد الموضوع
بمطلق العلم لحصول مطلقه في الفرض بمقدمات غير قابلة للأفكار لكنه أوضح بطلانا وأكثر مؤنة من قول صاحب الحدائق الذي يتوجه عليه بعد الغض
عن بعض ما فيه الذي من جملته مخالفته للاجماع كما اعترف هو بنفسه في اخر كلامه المتقدم حيث قال ولم أقف على من تنبه لما ذكرناه من التحقيق [الخ] أولا
ان تقييد موضوع النجاسة بالعلم بها كما يظهر من عبارته ويقتضيه استدلاله بالاخبار التي تقدمت الإشارة إليها غير معقول فإنه دور صريح
وانما المعقول اخذ العلم بالموضوع الخارجي كالملاقاة مثلا اما مطلقا أو إذا كان حاصلا من سبب خاص كالمشاهدة ونحوها شرطا في
تأثيره ودخيلا في موضوعيته للحكم الشرعي بان يقول الشارع مثلا الملاقاة المعلومة بالمشاهدة أو مطلقا توجب نجاسة الملاقى كما أن من
المعقول ان يجعل العلم بالنجاسة اما مطلقا أو إذا كان حاصلا من سبب خاص شرطا شرعيا واقعيا لترتب الأحكام الشرعية المجعولة لها
من حرمة الأكل والشرب وتنجيس الملاقى وبطلان الصلاة الواقعة معها ووجوب اعادتها إلى غير ذلك من الآثار الشرعية فتنتفى الآثار واقعا
عند انتفاء العلم وهذا بخلاف ما لو اطلق الشارع حكمه بسببية الملاقاة للتنجيس ووجوب الاجتناب عن كل نجس فإنه وان لم يجب على المكلف
على هذا التقدير أيضا الخروج من عهدة هذا الواجب ما لم يحرز موضوعه لكون العلم بالتكليف شرطا عقليا في وجوب الامتثال لكن
الجهل بالتكليف على هذا التقدير لا ينفى واقعه بل يجعل المكلف معذورا في مقام الامتثال ولا يعقل ان يتصرف الشارع في موضوع هذا
الحكم العقلي بان يجعل العلم الحاصل من سبب خاص شرطا في وجوب الامتثال بعد فرض اطلاق حكمه الشرعي لرجوعه التناقض كما تقرر
جميع ذلك في محله فملخص الكلام ان كون العلم بالنجاسة من مقومات موضوعها كما التزم به صاحب الحدائق امر غير معقول الا ان يتكلف
في تأويل كلامه بما يؤل إلى أحد التوجهين المتقدمين وثانيا ان اخذ العلم قيدا في موضوع النجاسة مخالف لظاهر جميع الأدلة الدالة
عليها حتى الاخبار التي تمسك بها لمدعاه من مثل قوله الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر فان ظاهرها كونها مسوقة لبيان الحكم الظاهري
وكون العلم بالموضوع طريقا لاحرازه لا شرطا في موضوعيته وثالثا ان هذا التكلف مما لا يجديه في حل الاشكال المقتضى لوجوب التحرز
580

عن مساورة الناس ولزوم بطلان جل العبادات المشروطة بالطهور أو كلها لأن الاشكال انما نشأ من فرض العلم بتحقق النجاسة كما يدعيه الخصم
لا من شيوع الابتلاء بها في الواقع مع الجهل كغيره من المحرمات التي نعلم اجمالا بابتلاء غالب المكلفين بها ونحتمل كون ما نبتلى به من جملتها
فإنه لا يجب التجنب عما نبتلى به ما لم يكن في خصوصه علم تفصيلي أو اجمالي بلا شبهة كما هو واضح فظهر بما ذكرنا انه لا يمكن التخلص عن الاشكال
بمثل هذه التوجيهات كما أنه لا يمكن التفصي عنه بانكار حصول العلم لآحاد المكلفين في موارد ابتلائهم لكونه مجازفة محضة لولا ابتنائه
على الاغماض والمسامحة وقد أشرنا انفا إلى عدم امكان الالتزام بثبوت النجاسة واقعا في مثل هذه الموارد التي جرت السيرة على عدم
التجنب عنها وارتفاع التكليف عنها لمكان الحرج لاستلزامه مفاسد كثيرة لا يمكن الالتزام بشئ منها كتجويز الوضوء والغسل بالماء
النجس أو مع نجاسة البدن مع التمكن من التيمم أو تطهير البدن وغير ذلك مما لا يخفى على المتأمل وغاية ما يمكن ان يقال في التفصي عن
هذه الشبهة وسابقتها هو ان الموارد التي استقرب فيها سيرة المتشرعة على عدم التجنب عن ملاقيات المتنجس بالوسائط والمسامحة في
امرها ليست الا الموارد التي يكون الاجتناب عنها نوعا موجبا للحرج بل مؤديا إلى اختلال النظام ولامانع من التزام بنفي الأثر للملاقاة
في مثل هذه الموارد وثبوت العفو عنه وضعا وتكليفا لمكان الحرج وشهادة السيرة بذلك ولا يبعد ان يكون اطلاق كلمات الأصحاب
القائلين بكون المتنجس منجسا منزلا على غير هذه الموارد فليتأمل الشبهة الثالثة دلالة الأخبار المعتبرة التي أشار إليها المحدث
الكاشاني في عبارته المتقدمة على عدم السراية * (منها) * موثقة حنان بن سدير قال سمعت رجلا يسئل أبا عبد الله عليه السلام فقال إني ربما بلت
فلا أقدر على الماء ويشتد ذلك على فقال إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فان وجدت شيئا فقل هذا من ذاك ورواية حكم بن حكيم
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أبول فلا أصيب الماء وقد أصاب يدي شئ من البول فامسحه بالحائط أو التراب ثم تعرق يدي فامسح وجهي
أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي قال لا بأس * (ورواية) * سماعة قال قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام انى أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجيئ منى البلل
ما يفسد سراويلي قال لا بأس ويحتمل قويا جرى هذه الرواية الأخيرة مجرى التقية وصحيحة العيص بن القاسم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن
رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه قال يغسل ذكره وفخذيه وسئلته عمن مسح ذكره بيده ثم عرقت يده فأصاب
ثوبه يغسل ثوبه قال لا وربما يستدل بصدر هذه الصحيحة على القول المشهور * (وفيه) * مالا يخفى بعد التصريح بعدم غسل الثوب في ذيلها واحتمال
كون الواو في صدرها حالية أو كون الامر بغسل الفخذين لرعاية الاحتياط بملاحظة غلبة بقاء جزء من البول على رأس الحشفة أو خروجه بعد
المسح وغير ذلك من الاحتمالات المانعة من صلاحية معارضة الصدر لظهور الذيل في نفى الوجوب * (ويمكن) * الاستدلال له أيضا بجملة من الاخبار
التي لا يهمنا الإطالة في ايرادها وما يظهر من بعض من انكار ظهور هذه الأخبار في المدعى بابداء احتمالات بعيدة مجازفة محضة * (نعم) * يتوجه
على الاستدلال بمثل هذه الروايات انها اخبار آحاد قابلة للطرح والتأويل وقد اعرض الأصحاب عن ظاهرها فيجب رد علمها إلى أهله ولا يجوز
رفع اليد بواسطتها عن الحكم الذي انعقد الاجماع عليه كما هو واضح ومما يقرر الشبهات ويؤكدها خلو الاخبار من التعرض لهذا الحكم مع
قضاء العادة بأنه لو كان المتنجس منجسا على الاطلاق لشاع التصريح به وبلوازمه في الاخبار ولكان من أهم المسائل التي يسئل عنها الرواة
ما يتفرع على هذه المسألة مع انا لم نجد في الاخبار ما وقع فيها السؤال عن حكم ملاقيات المتنجس عدا الاخبار التي تقدم بعضها الدالة على نفى البأس
عنها ودعوى ان مغروسية الحكم في أذهانهم أغنتهم عن المسألة عن فروعها * (مدفوعة) * بما نشاهد من حال العوام من أنهم مع مغروسية السراية
في أذهانهم لا زالوا يسئلون عن فروعها التي يبتلون بها وكيف لامع ان كثيرا من فروعها العامة الابتلاء مما يتحير فيها العقول فخلو الاخبار
من عن التصريح بهذا الحكم وعدم تعرض السائلين للسؤال عن فروعها التي يعم الابتلاء بها ربما يورث القطع بعدم تحققه وعدم كون امر النجاسة
لديهم بهذه المرتبة من الضيق المعروفة عندنا والانصاف ما قررناه من الشبهات وان أمكن التفصي عنها في الجملة ببعض التقريبات التي
تقدمت الإشارة إليها لكنها مانعة من حصول القطع بمقالة المعصوم واستكشاف رأيه من اتفاق العلماء بطريق الحدس خصوصا مع وهن
الاجماع بمخالفة السيد والحلي فإنه قد تمنع مخالفتها من حصول الوثوق بمعروفية الحكم في عصرهم كمعروفيته في هذه الاعصار فيغلب على الظن
استقرار المذهب عليه في الأعصار المتأخرة عن عصر الشيخ فلا يلزمه عادة وصول الحكم إليهم يدا بيد عن المعصوم أو عثورهم على دليل معتبر
غير ما بأيدينا من الأدلة لامكان اتكال جلهم على قاعدة اللطف التي لا نقول بها و * (كيف) * كان فقد أشرنا في صدر العنوان إلى انا لا نقول بحجية
اتفاق العلماء من باب السببية أو الطريقية التعبدية وانما نقول بحجية لكونه موجبا للقطع بمقالة المعصوم فمن حصل له القطع بذلك فلا
اعتراض عليه ومن لم يحصل له القطع به فليس له اتباع المجمعين وكون اجماعهم سببا عاديا للقطع غير مجد بعد فرض التخلف في خصوص المورد
* (نعم) * لو اعتمدنا على قاعدة اللطف أو قلنا بحجية نقل الاجماع تعبدا لم يكن مناص عن الالتزام بكون المتنجس منجسا فيما لم يكن منافيا لما استقرت
عليه السيرة العملية ومؤديا إلى الحرج الموجب لاختلال النظام لكنا لا نقول بشئ منهما ولم نجد من أنفسنا الجزم بمقالة المعصوم ولذا
581

أشكل علينا تأويل الأخبار المتقدمة أو طرحها من غير معارض مكافى ومع ذلك لا تقوى على مخالفة الأصحاب والاستبداد بما نراه في مثل
هذا الحكم الذي ربما يدعى كونه ضروري المذهب فالحكم عندي موقع تحير وتردد ولا جرأة لي في التخطي عن الطريقة المعهودة لدى المتشرعة
المعتدلى الطريقة الذين لا يعدون من أهل الوسواس وان صعب على تصور مناطه والاذعان به ولم يترجح بنظري بالنظر إلى ما يقتضيه القواعد
الاجتهادية الا ما تقدمت حكايته عن الحلي ولو سبقنا بعض مشائخنا المتأخرين إلى انكار اطلاق كون المتنجس منجسا لحرمت بذلك إذ ليست
مخالفة الأصحاب في هذه المسألة بأشكل من مخالفتهم في مسألة نجاسة البئر بل كانت مخالفتهم في تلك المسألة أشكل بمراتب لوضوح معروفية
نجاسة البئر لدى المخالف والمؤالف من عصر الأئمة (ع) ومغروسيتها في أذهان الرواة وغيرهم من العلماء ومقلديهم دائرة على ألسنتهم
وفى جميع كتبهم الفقهية حتى ارتكزت في نفوس العوام على وجه لم يذهب اثرها إلى الان ولذا كثيرا ما يسئلون في موارد ابتلائهم عن حكم
بئر ماتت فيها فارة أو دجاجة أو غيرهما زاعمين نجاستها بذلك مع أن القول بها على ما يظهر من بعض قد نسخ منذ سنين مطاولة ربما
تزيد عن ثلاث مأة سنة واما هذه المسألة فلم نعثر على ما يشهد بمعروفيتها على الاطلاق لدى المتشرعة في عصر الأئمة عليهم السلام بل ولا بين
العلماء في الطبقة الأولى بل قد أشرنا فيما تقدم إلى أنه ربما يشهد خلوا الاخبار سؤالا وجوابا عن التعرض لهذا الحكم ولفروعه بعدم
معروفيته لدى الرواة كما يشعر تعرض الحلي التفصيل مواقع السراية وانكار السيد لها رأسا على ما يقتضيه ظاهر عبارته المتقدمة بعدم
كونها في عصرهم كما نراها في هذه الاعصار من المسلمات وربما يستشم ذلك أيضا من عبارة الإسكافي الآتية في الفرع الآتي فمخالفتهم
في هذه المسألة أهون ولكن منعتنا من ذلك وحشة الانفراد وكثرة عثرات المستبدين بآرائهم ولنعم ما قيل إن مخالفة المشهور مشكلة و
موافقتهم من غير دليل أشكل والله العالم بحقايق احكامه وتجب بالوجوب الشرطي الذي يتبعه الوجوب الشرعي المقدمي عند وجوب ذيها أصلا
أو عارضا لا للوجوب النفسي كما لا يخفى على المتأمل في أدلته من النصوص والفتاوى إزالة النجاسات العينية والحكمية مع الامكان عن الثياب
عدا ما ستعرف استثنائه من القلنسوة ونحوها وعن ظاهر البدن للصلاة الواجبة والمندوبة بلا خلاف فيه في الجملة والأخبار الدالة عليه
في غاية الكثرة فان من اظهر احكام النجاسات الشايعة في النصوص والفتاوى هو هذا الحكم ولو كانت النجاسة ملاصقة لها مع عدم تأثرها
لم تجب الإزالة الا إذا منعنا من حمل النجاسة كما سيأتي وقليل النجاسة ككثيرها عدا الدم الذي ستعرف العفو عما دون الدرهم منه بلا خلاف
فيه على الظاهر عدا ما حكى عن الإسكافي من أنه قال كل نجاسة وقعت على ثوب وكانت عينها مجمعة أو متفرقة دون سعة الدرهم الذي
يكون سعته كعقد الابهام الاعلى لم ينجس الثوب بذلك الا ان يكون النجاسة دم حيض أو ميتا فان قليلهما وكثيرهما واحد انتهى وظاهره عدم
حصول النجاسة بالمقدار المذكور لا العفو وعلى ان تقدير فلا يبعد ان يكون مستنده دعوى استفادته مما ورد في الدم نظرا إلى ما جرت سيرة
الأصحاب بواسطة معروفية المناط لديهم على استفادة احكام مطلق النجاسات من الأخبار الخاصة الواردة في بعضها والا فلم يعرف
له مستند كما اعترف به غير واحد وكيف كان فهو ضعف جدا محجوج باطلاق النصوص والفتاوى بل صريحهما ففي خبر الحسن بن زياد
قال سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلى ثم يذكر بعد انه لم يغسله قال يغسله ويعيد صلاته و
خبر ابن مسكان قال بعثت بمسألة إلى أبي عبد الله عليه السلام مع إبراهيم بن ميمون قلت سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله
فيصلى ويذكر بعد ذلك أنه لم يغسلها قال يغسلها ويعيد صلاته ويدل عليه أيضا في بول الانسان وفى بول غيره وفى غير البول أيضا
كالملاقي للكلب والميتة والخمر والفقاع وغيرها جملة من الأخبار المطلقة واما المني فيدل على عدم الفرق بين قليلة وكثيره مضافا
إلى اطلاقات الأدلة وعدم الخلاف فيه حتى من الإسكافي خصوص خبر سماعة قال سئلته عن المني يصيب الثوب قال اغسل الثوب
كله إذا خفى عليك مكانه قليلا كان أو كثيرا ويدل عليه بالخصوص في دم الحيض رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) أو أبي جعفر (ع) قال لا تعاد
الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض فان قليله وكثيره في الثوب ان رآه أو لم يره سواء ونظير قول الإسكافي في الضعف ما حكى عن السيد
من العفو عن البول إذا ترشش عند الاستنجاء مثل رؤس الإبر فإنه أيضا مع مخالفته للاطلاقات يرده خصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج
قال سئلت أبا إبراهيم (ع) عن رجل يبول بالليل فيحسب اصابه ولا يستيقن فهل يجزيه ان يصب على ذكره إذا بال ولا يتنشف قال يغسل ما
استبان انه قد اصابه وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه ويتنشف قبل ان يتوضأ وخبري الحسن وابن مسكان المتقدمين الا ان يدعى
انصراف الخبرين عن مثل الفرض فليتأمل والمراد بالثياب التي يجب إزالة النجاسات عنها مطلق ما يلبسه المصلى عدا ما ستعرف استثنائه
وان لم يندرج في مسماها بل لافى مسمى الملبوس عرفا فتشمل مثل قطعة كرباس أو جلد أو حصير ونحوها إذا تلبس بها المصلى وتستر بها وكيف
كان فالمعتبر في الصلاة انما هو طهارة ما يصلى فيه مما يلبسه المصلى سواء صدق عليه عرفا اسم اللباس والثوب أم لا ووقوع التعبير بالثوب
في معظم النصوص والفتاوى المانعة من الصلاة في النجس بحسب الظاهر اما من باب التمثيل أو للجرى مجرى العادة في مقام التعبير فان من تدبر
582

في النصوص والفتاوى لا يكاد يرتاب في عدم مدخلية خصوصية الثوب في الحكم وكون المناط كون ما تلبس به في صلاته طاهرا وان كان قطنا
أو صوفا غير منسوج ملفوفا على جسده كما يشهد لذلك المستفيضة الآتية النافية للبأس عن الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه كالخف والجورب والتكة
والقلنسوة والكمرة والنعل وما أشبه ذلك وقد عد الأصحاب منها الخاتم والدملج والخلخال والسيف والسكين فإنه يستفاد من تلك الأخبار
كون ذلك من قبيل الاستثناء من كلية المنع من الصلاة في النجس حيث يظهر منها ان وجه نفى البأس عن مثل هذه الأمور كونها مما لا تتم
الصلاة فيها وحدها والا لكان مقتضى المنع فيها موجودا مع عدم كون مثل هذه الأشياء خصوصا ما عده الأصحاب منها مندرجا في مسمى
الثوب عرفا و * (يؤيده) * بل يدل عليه قوله (ع) في رواية أبي بصير المتقدمة الواردة في الحديد لا تصل في شئ من الحديد فإنه نجس ممسوخ فإنها
تدل على عدم جواز الصلاة في النجس وان مناط المنع هو صدق الصلاة في النجس ولا ينافيه ما عرفته في ما تقدم من كون النهى في الرواية
محمولا على التنزيه وكون المراد بالنجاسة مرتبة من الخباثة التي لا تبلغ حدا يجب التنزه عنه فان ظاهرها سببية نجاسة الشئ للنهي عن الصلاة
فيه مطلقا لكن لما ثبت بدليل خارجي عدم بلوغ نجاسة الحديد حدا يجب التجنب عنه فهم من ذلك جواز مخالفة النهى في خصوص المورد
فليتأمل والحاصل ان مناط المنع بحسب الظاهر صدق الصلاة في النجس بإرادة التلبس به لا الظرفية الحقيقية ومن هنا قد يتخيل مانعية الثوب
الملفوف الكائن مع المصلى وعدم جواز حمل النجس في الصلاة لصحة اطلاق الصلاة في النجس في الفرض كما يشهد بذلك التتبع في موارد
استعمال هذه الكلمة في الاخبار مثل قوله (ع) في موثقة ابن بكير الواردة في باب لباس المصلي فالصلاة في بوله وروثه وألبانه [الخ] وقوله (ع)
في خبر اخر لا تصل في منديل غيرك وصل في منديلك وغير ذلك * (ويدفعه) * ان الاستعمال مبنى على التوسعة والتجوز والمتبادر من الصلاة
في الشئ اما إرادة كون الشئ مكانا للمصلى أو إرادة ما تلبس به لا مطلق ما يصاحبه فلا يمكن استفادة حكم المحمول مما دل على المنع من الصلاة
في النجس مع أنه ليس لنا اطلاق لفظي سالم من المناقشة فيه يدل على هذا المضمون فان اظهر ما يدل عليه على الاطلاق انما هو رواية
أبي بصير المتقدمة التي لا يخلو الاستدلال بها للمدعى عن تأمل وربما يستدل للمنع من حمل النجس برواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر
عن أخيه (ع) قال سئلته عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفى فتصيب ثوبه ورأسه أيصلي فيه قبل ان يغسله قال نعم ينفضه و
يصلى فلا باس فإنها ظاهرة في وجوب النفض وفيه انها مسوقة لنفى وجوب الغسل والامر بالنفض جار مجرى العادة فلا يستفاد منه الوجوب
وعلى تقدير تسليم الدلالة فلا يستفاد منه المنع من حمل المتنجس الا بضميمة عدم القول بالفصل ولم يتحقق واستدل له أيضا بمفهوم صحيحة
عبد الله بن جعفر قال كتبت إليه يعنى أبا محمد (ع) هل يجوز للرجل ان يصلى ومعه فارة مسك قال لا بأس بذلك إذا كان ذكيا وصحيحة علي بن
جعفر عليه السلام سئل أخاه عن الرجل يصلى ومعه دبة من جلد حمار أو بغل قال لا يصلح ان يصلى وهى معه الا ان يتخوف عليها ذهابها فلا بأس
وفى الاستدلال بالصحيحة الأخيرة مالا يخفى فإنها مع ظهورها في الكراهة ليس فيها اشعار بإرادة جلد الميتة بل المتبادر من السؤال فيها
ليس الا إرادة حكمها بلحاظ كونها من جلد الحمار أو البغل الذين لم يزل الرواة كانوا يسئلون عن بولهما وروثهما وقد ورد النهى عن الصلاة
فيهما في جملة من الاخبار كما عرفته في محله فيدل هذه الصحيحة على أن جلدهما أيضا كبولهما مما لا تصلح الصلاة فيه ولكن في طهارة شيخنا المرتضى
ارسل الرواية من غير ذكر المروى عنه هكذا عن الرجل يصلى ومعه دبة من جلد حمار ميت قال لا يصلح ان يصلى وهى معه وقد رواها بعض
المعاصرين أيضا في طهارته عن علي بن جعفر (ع) بهذا المتن فلعله رواية أخرى لم اظفر بها * (وكيف) * كان فليس لها ظهور في الحرمة مع غلبة الظن
بكونها هي الصحيحة المتقدمة الخالية من التقييد واما الاستدلال بمفهوم الصحيحة الأولى فهو أيضا لا يخلو عن اشكال وعلى تقدير التسليم
فاثبات عموم المدعى بها مبنى على عدم القول بالفصل بين الميتة وغيرها وستعرف في مبحث مالا يتم الصلاة فيه منفردا امكان الالتزام بمانعية
الميتة مطلقا ولو في مثل الخف وقلادة السيف ونحوهما مما لا تتم الصلاة فيه وحده واستدل له أيضا بمفهوم ما دل على جواز الصلاة في خرقة الحناء إذا
كانت طاهرة وفيه ان خرقة الحناء ونحوها على الظاهر مندرجة في الثياب بمعناها الأعم التي استفدنا من الأدلة اشتراط طهارتها في
الصلاة إذا كانت مما تتم؟ فيها الصلاة وان لم تكن كذلك فتدل على نفى البأس عنها الاخبار الآتية الظاهرة في شمولها لمثلها ولا تصلح
مفهوم هذه الرواية لمعارضتها ويحتمل قويا ان يكون ثبوت البأس على تقدير النجاسة بلحاظ سرايتها غالبا إلى البدن وقد ظهر لك بما ذكرنا ضعف
الاستدلال للمدعى بمفهوم رواية وهب بن وهب السيف بمنزلة الرداء تصلى ما لم تر فيه دما لعدم صلاحيتها لمعارضة الاخبار الآتية الدالة على نفى
البأس عن مثله مضافا إلى ما في الرواية من ضعف السند * (فالقول) * بنفي البأس عن حمل النجس مطلقا كما لعله المشهور لا يخلو عن قوة وان كان الأحوط
الاجتناب عنه مطلقا خصوصا إذا كان المحمول من أعيان النجاسات أو كان مما تتم الصلاة فيه وحده ويدل على نفى البأس عن حمل المتنجس الذي
لا يتم فيه الصلاة وحده مضافا إلى الأصل السالم من دليل وارد عليه الاخبار الآتية في محلها بالفحوى بل بعضها كمرسلة ابن سنان الآتية
كاد يكون صريحا في شموله للمحمول كما ستعرف بل ربما يستشهد بتلك الأخبار لنفى البأس عن المحمول مطلقا وان كان مما يتم به الصلاة وحده
583

كالثوب الملفوف الكائن مع المصلى بدعوى الأولوية القطعية وعهدتها على مدعيها هذا كله في غير الميتة واما الميتة فلا يبعد الالتزام بعدم جواز
مصاحبتها في الصلاة وربما يستشهد لجواز حملها في الصلاة بصحيحة علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن الرجل يكون به الثالول والجراح
هل يصلح ان يقطع وهو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه قال إن لم يخف ان يسيل الدم فلا بأس وان يخف ان يسيل
الدم فلا يفعله وفيه ما عرفته في محله من منع كون مثل هذه الأجزاء الصغار عند انفصالها عن الحي بحكم الميتة فراجع وتجب إزالة النجاسات
أيضا للطواف واجبا كان أو مندوبا على المشهور بل عن جمع من الأصحاب دعوى الاجماع عليه واستدل له بالنبوي المشهور الطواف بالبيت
صلاة لظهوره في مساواته لها في سائر الأحكام سيما المعروفة منها كالطهارة من الحدث والخبث لكن يشكل الاعتماد على هذا الظاهر بناء على
ما هو الأظهر من عدم اشتراط الطواف المسنون بالطهارة الحدثية التي اعتبارها في الصلاة أوضح فإنه وان كان مستند عدم الاشتراط
اخبار خاصة لكن بواسطتها يوهن ظهور التشبيه في إرادة الاطلاق في المشبه أو العموم في وجه الشبه على وجه عم مثل هذه الشرايط فليتأمل
ويدل عليه أيضا خبر يونس بن يعقوب سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف قال ينظر الموضع الذي رأى
فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعيد فيتم طوافه وتجب ازالتها أيضا لدخول المساجد سواء كانت موجبة لتلويث المسجد أم لا بناء على
وجوب ان تجنب المساجد عن النجاسات مطلقا كما حكى القول به عن أكثر أهل العلم بل عن الخلاف والسرائر وغيرهما نفى الخلاف عنه وعن
الشهيد دعوى الاجماع عليه واستدل له بقوله [تع] انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام حيث فرع حرمة دخولهم المسجد على نجاستهم و
اختصاصه بالمسجد الحرام غير ضائر لعدم القول بالفصل ونوقش فيه بعدم ثبوت إرادة المعنى الشرعي من النجس وحيث الا قائل بحرمة ادخال كل
قذارة في المسجد وجب اما حمل النهى على مطلق المرجوحية أو جعل خصوصية المورد أيضا دخيلا في الحكم وأجيب عنه بما تقدم تفصيله مع ما فيه من
الضعف عند التكلم في نجاسة الكافر وقد عرفت فيما تقدم ان دعوى ان القذر بنظر الشارع ليس الا النجاسات التي أوجب التجنب عنها في
الصلاة ونحوها لا ما يراه العرف قذرا غير مسموعة فان غاية ما يمكن ادعائه انما هي كون ما أوجب الشارع التجنب عنه قذرا عنده لا ان
القذر لديه منحصر فيه فان من الجائز كون ما شهد العرف بقذارته قذرا لدى الشارع أيضا لكن لم يوجب التجنب عنه اما لقصوره في المقتضى
أو لوجود المانع فلا مقتضى لتخطئة العرف ما لم يدل عليه دليل تعبدي كما هو واضح وقد أذعن بعض بان المراد بالنجس في الآية هو النجس بالمعنى
الشرعي ومع ذلك ناقش في الاستدلال بها على المطلوب بقصورها عن اثبات عموم المدعى لقوة احتمال ورودها مورد الغالب من أن تجويز الدخول
لهم كما كانوا عليه قبل نزول الآية يستلزم سراية النجاسة إلى المسجد * (فلا) * يبعد ان يكون النهى عن دخولهم بهذه الملاحظة فلا يستفاد منها الا حرمة
ادخال النجاسة المتعدية وفيه ان المتبادر من الآية كون سبب المنع نجاستهم ذاتا لا تنجيسهم للمجسد ولذا لا يظن بأحد ان يلتزم في مورد الآية
بالتخصيص بل الظاهر كما صرح به بعض عدم الخلاف في حرمة تمكين الكفار من دخول المسجد مطلقا نعم دلالتها على المنع من ادخال المتنجس لا يخلو
من نظر واستدل له أيضا بقوله [تع] وطهر بيتي للطائفين بتقريب ان الامر للوجوب والتطهير حقيقة في إزالة النجاسة والفرق بين البيت
وساير المساجد منفى بعدم القول بالفصل * (وفيه) * بعده تسليم جميع المقدمات ان تطهير الشئ عن النجاسة انما يعقل على تقدير كون ذلك
الشئ متنجسا بان كانت النجاسة متعدية إليه وستعرف ان وجوب الإزالة في الفرض مسلم فلا تدل الآية على حرمة ادخال النجاسة على
الاطلاق كما هو المدعى هذا مع ما في الآية من الاشعار بعدم وجوب التطهير من حيث هو كما هو المطلوب فليتأمل واستدل له أيضا بالنبوي
جنبوا مساجدكم النجاسة ونوقش فيه بعد الغض عن سنده باحتمال إرادة مسجد الجبهة أو مكان المصلي نظير قوله (ع) جعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا كما يؤيده اضافته إلى المخاطبين * (فليتأمل) * وقد يناقش فيه أيضا بان المتبادر من الامر بتجنيب المساجد بواسطة المناسبات المغروسة
في الأذهان انما هو إرادة حفظها عن أن يتلوث بالنجاسة فلا يدل حرمة ادخال النجاسة الغير المتعدية هذا مع أن المراد بالنجاسة اما
المصدر يعنى جنبوا مساجدكم عن أن ينجس واما الاسم وعليه فهو ظاهر في النجاسات العينية وعلى أي تقدير فلا يدل على تحريم ادخال المتنجس
مطلقا الا بالاجماع المركب ان تحقق * (وكيف) * كان فالأظهر ما ذهب إليه كثير من المتأخرين بل لعله هو المشهور بينهم من جواز ادخال النجاسة الغير
المتعدية إلى المسجد وربما قيده بعضهم بما إذا لم يكن موجبا لهتك حرمة المسجد كجمع العذرة اليابسة فيه وفيه ان هذا التقييد أجنبي عن المقام فإنه
ان كان هتك حرمة المسجد حراما فلا يتفاوت الحال بين ان يتحقق هذا العنوان بجمع العذرة فيه أو غيرها من القذرات الصورية الموجبة لهتك
حرمة المسجد في انظار العرف ويدل على الجواز مضافا إلى الأصل الأخبار الدالة على جواز مرور الحائض والجنب مجتازين في المساجد ودعوى
ورودها لبيان الجواز في مقام توهم المنع من حيث حدثى الحيض والجنابة بعد غلبة مصاحبتهما خصوصا الحائض للنجاسة غير مسموعة وما دل
على جواز دخول المستحاضة في المسجد * (منها) * موثقة عبد الرحمن التي وقع فيها السؤال عن المستحاضة ايطائها زوجها وهل تطوف بالبيت إلى أن
قال أبو عبد الله (ع) فان ظهر أي الدم على الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا اخر ثم تصلى فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلى الصلاة ثم
584

تصلي صلاتين بغسل واحد وكل شئ استحلت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت وظاهرها بقرينة السؤال إرادة مطلق الطواف ولو
مندوبا فلا يتوهم اختصاص الجواز بالطواف الواجب لأجل الضرورة فهي تدل على أن المستحاضة وان كانت استحاضتها كبرى وكان دمها سائلا
ليرقى لها ان تدخل المسجد وتطوف بالبيت وان كان الطواف مستحبا هذا كله مضافا إلى استقرار السيرة خلفا عن سلف على عدم امتناع أصحاب
القروح والجروح ومن به الدم القليل من حضور الجمعة والجماعات والمرور في المساجد لأجل اغراض اخر كالمرافعة ومذاكرة العلم وغيرهما وعدم
منع الصبيان من دخول المساجد مع العلم بنجاستهم غالبا حيث إنهم لا يستنجون ولا يتطهرون ولاجل ما ذكر التزم بعض القائلين بالمنع
من متأخري المتأخرين باستثناء المستحاضة وأصحاب القروح والجروح ونحوها من ذلك من ذلك والأوجه ما عرفت من الجواز مطلقا للأصل لكن
لا ينبغي ترك الاحتياط فيه خصوصا بالنسبة إلى أعيان النجاسات التي لا يبعد بالنسبة إليها دعوى ان ادخالها في المسجد لا لضرورة عرفية
أو ابقائها فيه هتك لحرمته مع استقرار السيرة على ازالتها عن المسجد ودلالة الآية والنبوي المتقدمين عليه بناء على إرادة النجس الشرعي
منهما * (نعم) * لا ينبغي الارتياب في جواز ادخال ما يستصحبه المصلى مما عفى عنه في الصلاة من دم القروح والجروح ونحوه لانصراف اطلاق النبوي
وقصور مفهوم الآية بعد تسليم دلالتها على المدعى عن مثل الفرض وعدم كونه هتكا في العرف وعدم استقرار السيرة على التجنب عنه بل
استقرارها على عدمه بل لم يعلم ارادته من اطلاق كلمات القائلين بالمنع ولعلها منصرفة عنه و * (كيف) * كان ففي مثل الفرض مما لا ينبغي الاستشكال
فيه هذا كله فيما إذا لم تكن النجاسة سارية إلى المسجد والا فلا يجوز بلا شبهة فإنه هو القدر المتيقن من معاقد اجماعاتهم المحكية وقد ادعى
غير واحد الاجماع عليه ولم ينقل الخلاف فيه من أحد عدا انه يستشعر من صاحب المدارك الميل إليه ويظهر من صاحب الحدائق اختياره مستشهدا
مضافا إلى اصالة الجواز باطلاق ما روى عمار في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الدماميل تكون بالرجل فتفتح وهو في
الصلاة قال يمسحه ويمسح يده بالحائط والأرض ولا يقطع الصلاة * (وفيه) * ان الأصل مقطوع بما عرفت ستعرف واما الرواية فهي مسوقة
لبيان حكم اخر فلا يجوز التمسك باطلاقها لجواز تنجيس المسجد كما أنه لا يجوز الاستشهاد بها لجواز تنجيس حائط الغير كما هو واضح وربما أجيب عنه
بان انفجار الدماميل لا يستلزم وجود الدم بل الغالب العدم وفيه مالا يخفى * (فالوجه) * ما عرفت ومما يؤيد المنع بل يدل عليه خبر علي بن جعفر (ع)
عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السلام قال سئلته عن الدابة تبول فتصيب بولها المسجد أو حائطه أيصلي فيه قبل ان يغسل قال إذا جف فلا بأس و
البأس المفهوم من الجواب وان كان مطلق المرجوحية بشهادة الأدلة الخارجية المتقدمة في محلها الدالة على عدم نجاسة بول الدواب على
وجه يجب ازالتها عما يشترط فيه الطهارة لكن يستفاد من السؤال والجواب كون وجوب إزالة النجاسة عن المسجد لديهم مفروغا منه بحيث تحير
علي بن جعفر (ع) حيث زعم نجاسة بول الدواب في مزاحمته للصلاة فسئل عن جواز الصلاة في المسجد قبل الإزالة بل ربما يستشعر من تعليق نفى البأس
على الجفاف بطلان الصلاة على تقدير الاخلال بالإزالة المأمور بها لكنه استشعار ضعيف لجواز ان يكون البأس المقصود بالتعليق بلحاظ
تأخير الإزالة عن الصلاة لا تقديم الصلاة عليها وكيف كان فما ذكرناه في تقريب الاستدلال بالرواية وان أمكن الخدشة فيه بعد عدم الالتزام
بوجوب الإزالة في خصوص موردها بان يقال ولعل المعروف عندهم رجحان الإزالة المجامع للاستحباب وكراهة تركها أو تأخيرها لا الحرمة كما
هو الشان في المورد فلا تدل على المطلوب لكن معروفية الحكم لدى الأصحاب وانعقاد اجماعهم عليه رافعة لمثل هذه الخدشات كما أن دلالة
الرواية على معروفية الحكم في عصر الأئمة (ع) وكون نجاسة المساجد ولو لم تكن بفعل المكلف لديهم من المحظورات التي اهتم الشارع بإزالتها توجب
شدة الوثوق بكون ما انعقد عليه اجماع الأصحاب هو الحكم الواقعي الذي وصل إليهم من صدر الشريعة ويؤيده أيضا بل ربما يستشهد له بموثقة
الحلبي قال نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر فدخلت على أبي عبد الله (ع) فقال أين نزلتم فقلت في دار فلان فقال إن بينكم وبين المسجد
زقاقا قذرا أو قلنا له ان بيننا وبين المسجد زقاقا قذرا فقال لا بأس ان الأرض يطهر بعضها بعضا وعنه أيضا بطريق اخر عن أبي عبد الله (ع)
قال قلت له ان طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه فربما مررت فيه وليس على حذاء فليلصق برجلي من نداوته فقال أليس تمشى بعد ذلك في ارض
يابسة قلت بلى قال فلا بأس ان الأرض يطهر بعضها وبعضا قلت فاطاء على الروث الرطب فقال لا بأس انا والله ربما وطئت عليه ثم اصلى ولا
اغسله لكن يتوجه على الاستشهاد بالرواية انه يحتمل ان يكون محط النظر فيها كون النداوة الواصلة إلى رجله مانعة من الصلاة التي أراد فعلها
في المسجد لا حرمة تنجيس المسجد أو ادخال النجاسة فيه ويمكن الاستشهاد له أيضا بالأخبار المستفيضة الدالة على جواز اتخاذ الكنيف مسجدا بعد
تنظيفه أو طمه؟ مثل خبر الحلبي في حديث أنه قال لأبي عبد الله (ع) فيصلح المكان الذي كان حشا زمانا ان ينظف ويتخذ مسجدا فقال نعم إذا القى
عليه التراب ما يواريه فان ذلك ينظفه ويطهره وخبر أبي الجارود في حديث قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن المكان يكون خبيثا ثم ينظف
ويجعل مسجدا قال يطرح عليه من التراب حتى يواريه فهو أطهر وصحيحة عبد الله بن سنان قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن المكان يكون حشا
زمانا فينظف ويتخذ مسجدا فقال الق عليه من التراب حتى يتوارى فان ذلك يطهره [انش] * (ورواية) * مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عليه السلام
585

انه سئل أيصلح مكان حش ان يتخذ مسجدا فقال إذا القى عليه من التراب ما يوارى ذلك ويقطع ريحه فلا بأس وذلك لأن التراب يطهره وبه
مضت السنة وخبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن بيت كان حشا زمانا هل يصلح ان يجعل مسجدا قال إذا نظف وأصلح فلا بأس
لكن مقتضى هذه الروايات اختصاص الحكم بظاهر المسجد دون باطنه فلا يجب إزالة النجاسة عن باطنه والا لم يكن طم الكنيف وطرح التراب
الموجب لقطع ريحه كافيا في تجويز اتخاذه مسجدا وقد حكى عن المحقق الأردبيلي التصريح بدلالة هذه الأخبار على عدم الاشتراط والميل إليه واختاره
في الجواهر لكن في خصوص مورد الاخبار وما يشبهه مما يتعذر إزالة النجاسة عنه أو يتعسر فأجاز جعله مسجدا بعد طمه بخلاف ما تيسر تطهيره و
الأوجه عدم الاشتراط مطلقا لظهور الاخبار في كون طرح وطم التراب المكان الخبيث محققا لطهارة المعتبرة في المسجدية بل كون أطهر من تنظيف
المكان وعدم كونه حكما تعبديا مخصوصا بمورده هذا مع أنه لا دليل على وجوب إزالة النجاسة عن باطن المسجد فان عمدة مستند الحكم
الاجماع ولم يعلم اندراج الفرض في موضوع كلمات المجمعين بل ربما يستشعر عدمه من اطلاق حكمهم بجواز اتخاذ الكنيف مسجدا بعد طمه بل عن بعضهم
التصريح بكفاية طرح التراب عليه على وجه يقطع ريحه من غير اشعار في كلامهم بكونه حكما خاصا تعبديا مستثنى مما بنوا عليه من وجوب تجنب المساجد
النجاسات كما هو واضح نعم لافرق بحسب الظاهر بين ارض المسجد وحايطه من داخل المسجد وما يتعلق به من الفرش والبواري ونحوها من توابع المسجد
واجزائه فان المتبادر من وجوب تجنب المساجد النجاسة كما في النبوي وفى فتاوى الأصحاب ومعاقد اجماعاتهم ما يعمها وفى وجوب تطهير الحايط
من الخارج تردد لامكان دعوى انصراف الأدلة عنه والله العالم * (ثم) * ان وجوب إزالة النجاسة عن المسجد على الفور بلا خلاف فيه على الظاهر بل
عن المدار أو الذخيرة نسبته إلى الأصحاب فان المستفاد من الفتاوى ومعاقد الاجماعات المحكية على وجوب تجنيب المساجد النجاسة انما
هو وجوب حفظ المسجد عن النجاسة وحرمة احداث النجاسة أو ابقائها فيه كما أن المنساق إلى الذهن من الامر بالتجنب في النبوي ليس الا هذا
المعنى لا مجرد تبعيدها عن المجسد في زمان من الأزمنة المستقبلة وقد عرفت انفا ان خبر علي بن جعفر (ع) أيضا يدل على مطلوبيتها على الفور فلا
اشكال فيه كما أنه لا اشكال في كون وجوبها كفائيا بالنسبة إلى من استجمع شرائط هذا التكليف إذ الخطاب به غير مخصوص ببعض دون بعض
وعن ظاهر الذكرى وجوبها على من ادخله * (وفيه) * انه قد لا يكون ادخاله من فعل مكلف أو يكون من فعل مكلف يخل بإزالته تقصيرا أو قصورا مع أنه
لا تأمل بل لا خلاف في وجوب ازالته على سائر الناس في شئ من الفروض ولعله أراد بوجوبه بها عينا على من ادخله مالا ينافي ذلك فزعم كونه
كانفاق الولد الفقير واجبا عينيا على والده وكفائيا على عامة الناس * (وقد) * يشكل ذلك بان وجوبها على من ادخله انما استفيد من أدلة وجوب
التجنيب الشامل لجميع المكلفين فكيف يمكن استفادة الوجوب العيني على بعض والكفائي على آخرين من دليل واحد ويمكن توجيهه فيما لو كان من ادخله
متعمدا في فعله اثما به بدعوى انه يستفاد عرفا مما دل على وجوب التجنيب حرمة التنجيس اعني جعل المسجد متنجسا أعم من احداثه وابقائه فيجب عليه
عينا رفعه تخلصا عن التنجيس المحرم كما أنه يجب عليه وعلى غيره من المكلفين ازالته كفاية للامر بالتجنب الشامل للجميع فليتأمل * (تنبيه) * الحق جملة
من الأصحاب كالشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم على ما حكى عنهم بالمساجد في وجوب إزالة النجاسة عنها المصاحف والضرايح المقدسة و
الحق بعض أيضا المشاهد وغيرها مما هو أعظم حرمة في الشريعة من المساجد كالتربة الحسينية خصوصا المتخذة منها للتبرك والاستشفاء وهو حسن
ان تحقق ان مناط الحكم مجرد الاحترام وتعظيم المسجد والا فلا يخلو عن تأمل وكون فعل الإزالة تعظيما واحتراما لا يكفي في الحكم بالوجوب ما لم يدل عليه
دليل تعبدي إذ رب احترام لا يجب ككنس المشاهد وتنظيفها عن القذارات الصورية ما لم يكن تركه مؤديا إلى المهانة والاستخفاف ودعوى ان ترك
الإزالة عن مثل هذه الأمور كتنجيسها في انظار المتشرعة يعد استخفافا وهتكا لحرمتها على اطلاقها قابلة للمنع هذا في غير خط المصحف واما فيه
ففي طهارة شيخنا المرتضى لا اشكال في وجوب الإزالة عنه بفحوى حرمة مس المحدث له * (أقول) * انما تتم الفحوى لو قلنا بوجوب حفظ المصحف
عن أن يمسه غير المتطهر وان لم يكن مكلفا لصغر أو جنون أو غفلة بان وجب منع غير المتطهر وامساكه من أن يمس الخط وان لم يكن ملتفتا أو مكلفا
كما تقدم الكلام فيه في محله والا فلا تتم الا بالنسبة إلى حرمة التنجيس لا وجوب الإزالة كما لا يخفى ويجب إزالة النجاسة أيضا عن الأواني مقدمة
لاستعمالها فيما على اشتراطه بالطهارة من المأكول والمشروب وماء الغسل والوضوء ونحوها اما إذا كانت النجاسة عينية أو قلنا بكون المتنجس
منجسا كما هو المشهور فوجهه واضح واما ان لم تكن عينية ولم نقل بما هو المشهور فلتعلق الامر بغسل الأواني في عدة من الاخبار ومن المعلوم عدم
كون وجوبه نفسيا تعبديا وانما وجب غسلها مقدمة لاستعمالها في مثل هذه الموارد بشهادة العرف وغيره من القرائن المستفادة من الاخبار
وغيرها ولذا استدل المشهور بتلك الأخبار كون المتنجس منجسا ونحن وان أنكرنا عليهم دلالتها على ذلك ولكن اعترفنا بأنه يستفاد منها اجمالا
حرمة استعمال الأواني في مثل هذه الموارد التي تكون نظافة الإناء مرغوبا لدى العرف والعقلاء وفراجع و * (كيف) * كان فلا تأمل في دلالة تلك الأخبار
على وجوب غسل الأواني في الجملة مقدمة لاستعمالها في مثل هذه الموارد وان كان قد يتأمل بناء على القول بعدم السراية في اطلاق الوجوب
أو عمومه بالنسبة إلى بعض تلك الموارد والله العالم وعفى في الثوب والبدن عما يشق التحرز منه من دم القروح والجروح التي لا ترقى أي لا ينقطع
586

دمها ولا يسكن بل يكون سائلا وان كثر بلا خلاف ولا اشكال فيه في الفرض لعموم أدلة نفى الحرج مضافا إلى الأخبار المستفيضة الآتية الدالة
عليه وانما الاشكال والخلاف في اعتبار القيدين الذين اعتبرهما المصنف وغيره في موضوع الحكم أعني المشقة والسيلان فقد اختلفت كلمات
الأصحاب في اعتبارهما فعن ظاهر الصدوق كصريح جملة من المتأخرين بل أكثرهم عدم اعتبار شئ من القيدين والعفو عنه مطلقا حتى يتحقق البرء
لكن في المدارك بعد أن اختار هذا القول قال وينبغي ان يراد بالبرء الا من من خروج الدم منهما وان لم يندمل اثرهما * (وعن) * جملة من الأصحاب بل
عن أكثر هم اعتبار أحد القيدين أو كليهما بل عن كاشف الغطاء في شرح القواعد نسبة اعتبار كلا القيدين تارة إلى الأكثر وأخرى إلى المشهور قال
فيما حكى عنه ان التقييد في أكثر كتب الفقهاء الا ان عباراتهم متفاوتة وبعد ذكر جملة من التقييدات المذكورة في عبائرهم المختلفة في التعبير
ادعى ان مرجع الجميع إلى اعتبار مشقة الإزالة قال بل الكل استندوا إلى المشقة فيعطى كلام الجميع لزوم الاستمرار على وجه لا يتيسر الصلاة مع الخلو
من الدم فيكون حالهما حال صاحب السلس والبطن والمستحاضة وقال في اخر كلامه على ما حكى عنه الشهرة بل الاجماعات المنقولة معلنة باعتبار
دوام السيلان على وجه يحصل به المشقة وكلامهم بعد امعان النظر لا اختلاف فيه وكلمتهم في ذلك واحدة ولا يضر خلاف من شذ ممن تأخر
وعن مفتاح الكرامة أيضا ما يقرب من ذلك قال فيما حكى عنه ان الظاهر من كلام الأكثر ان المدار على المشقة والحرج وكلامهم يعطى لزوم الاستمرار
على وجه لا يتيسر الصلاة بدون الدم فيكون حالهما حال صاحب السلس والمبطون والمستحاضة ودائم النجاسة انتهى * (أقول) * [فح] لا مقتضى
لافراد هذا الدم بالذكر عدا متابعة النصوص مع أن الذي يظهر بالتأمل في كلماتهم ان الامر في هذا الدم لديهم أوسع من سائر النجاسات
ومن هنا قد يغلب على الظن ان مرادهم بالمشقة هي المشقة العرفية الحاصلة باحتياجه في أغلب أوقات صلاته إلى التطهير دون الحرج والرافع
للتكليف بمقتضى أدلة نفى الحرج ومرادهم بعدم رقى الدم أو كون الجروح والقروح دامية أو غير ذلك مما وقع في عبائرهم ليس الا ما ينطبق على
المصاديق الخارجية الغالبية دون الافراد النادرة أو الفرضية وهى ما كان لها استعداد الجريان على وجه يكثر في الخارج ويتكرر تلبسه
بالجريان الفعلي لا ما كان جاريا بالفعل * (نعم) * قد يأبى عن هذا الحمل عبائر جملة منهم ممن صرح باستمرار الجريان في جميع الوقت أو تعاقب
الجريان على وجه لاتسع فتراتها للإزالة وأداء الفريضة * (وكيف) * كان فالمتبع هو ما يفهم من اخبار الباب * (فمنها) * صحيحة ليث المرادي قال قلت
لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوة دما وقيحا وثيابه بمنزلة جلده فقال يصلى في ثيابه ولا يغسلها وفى الحسن
عن ليث المرادي نحوه الا انه لم يذكر في متنه وثيابه بمنزلة جلده ومقتضى اطلاق الجواب من غير استفصال عدم وجوب الغسل ما دام الصدق العرفي وهو
ما لم يتحقق البرء فتدل على عدم اعتبار السيلان بل ولا كون الا دالة تكليفا حرجيا ونحوها صحيحة عبد الرحمن قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه يغسل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي فقال دعه فلا يضرك ان لا تغسله وموثقة سماعة عن أبي عبد الله (ع)
قال إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرء وينقطع الدم وقد يتوهم امكان الاستشهاد بهذه الموثقة لمذهب
القائلين باعتبار السيلان بحمل البرء الذي جعل غاية لعدم الغسل على إرادة امساك الدم ووقوفه عن السيلان كما يشهد له عطف انقطاع
الدم عليه الذي هو بحسب الظاهر من قبيل عطف الخاص على العام و * (فيه) * ان المتبادر من عطف الانقطاع على البرء إرادة الانقطاع من أصله
المساوق للبرء لا مجرد امساك الدم ووقوفه عن الجريان الصادق على الفترات الحاصلة في الأثناء وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سئلته
عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمى كيف يصلى فقال يصلى وان كانت الدماء تسيل وقضية كلمة ان الوصلية كونه على تقدير عدم
السيلان أولى بالعفو ولا ينافيه كون المفروض في كلام السائل انها لا تزال تدمى لأن التبادر منه إرادة تكرر الخروج وشيوعه لا استمراره
وخبر أبي بصير قال دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو يصلى فقال لي قائدي ان في ثوبه دما فلما انصرف قلت له ان قائدي أخبرني ان بثوبك
دما فقال لي ان بي دماميل ولست اغسل ثوبي حتى تبرء وموثقة عماد عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر
وهو في الصلاة قال يمسحه ويمسح يده بالحايط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة ورواية الجعفي قال رأيت أبا جعفر (ع) يصلى والدم يسيل
من ساقة * (وهذه) * الروايات بأسرها ما عدا الأخيرة منها تدل على العفو مطلقا ما لم يتحقق البرء من غير اعتبار استمرار الجريان بل
ولا المشقة الرافعة للتكليف لقضا العادة بعدم كون إزالة الدم وتطهير الثوب أو تبديله قبل تحقق البرء على اطلاقه تكليفا حرجيا
إذ ربما تيسر ذلك خصوصا عند اشراف الجرح على الاندمال فلم يحسن جعل البرء غاية لعدم المسيل؟ كما في هذه الروايات لو كان الاستمرار
أو المشقة شرطا في العفو كما لا يخفى واما الرواية الأخيرة فهي حكاية فعل لا دلالة فيه على اطلاق العفو كما هو واضح واستدل القول
باعتبار المشقة والاستمرار بلزوم الاقتصار على القدر المتيقن من مورد العفو وهو مع ثبوت القيدين * (وفيه) * مالا يخفى بعدما سمعت من
النصوص الدالة على الاطلاق وبموثقة سماعة المضمرة قال سئلته عن الرجل به الجرح والقرح فلا يستطيع ان يربطه ولا يغسل دمه قال
يصلى ولا يغسل ثوبه كل يوم الا مرة فإنه لا يستطيع ان يغسل ثوبه كل ساعة والمضمر المروى في مستطرفات السرائر عن البزنطي عن
587

العلا عن محمد بن مسلم قال قال إن صاحب القرحة التي لا يستطيع ربطها ولا حبس دمها يصلى ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة دلت
المضمرة الأولى بمقتضى تعليلها على أن الوجه في عدم وجوب غسل الثوب أزيد من المرة هو المشقة الناشئة من استمرار الجريان المحوج إلى
الغسل كل ساعة والثانية بمفهوم قيدها على اعتبار الامرين * (وفيه) * مع قصور الروايتين بالاضمار ضعف دلالتهما على المفهوم خصوصا
الثانية منهما التي لو أريد بها المفهوم لدلت على اشتراط عدم القدرة على ربط الجرح وحبس دمه مع أنه غير معتبر جزما لعدم امكان تنزيل الأخبار المتقدمة
على خصوص هذه الصورة وقد حكى عن الشيخ ودعوى الاجماع على عدم وجوب عصب الجرح وتقليل الدم فلا يصح استناد القائلين
باعتبار السيلان بهذه الرواية مع عدم التزامهم بوجوب ربط الجرح وحبس دمه واما الرواية الأولى فسوقها يشهد بان ما فيها من التعليل
لبيان حكمة الحكم تقريبا إلى الذهن لا لبيان ما هو مناط الحكم وجودا وعدما مع أنه لو كان تعليلا حقيقيا لدل على وجوب تطهير الثوب
مع التمكن منه سواء كان الدم سائلا متعذرا ازالته عن البدن أم لا وهذا بحسب الظاهر خلاف المشهور فإنهم لا يوجبون ذلك بل ولا
غسله في كل يوم مرة مع كونه ميسورا له ومصرحا به في الرواية وقد حملوه على الاستحباب ومن هنا قد يقال إن قضية التعليل كون مطلوبية
غسله أزيد من المرة على تقدير كونه ميسورا على نحو مطلوبيته في اليوم مرة فلا يدل على الوجوب وعلى تقدير تسليم كونه تعليلا حقيقيا
دالا على وجوب الغسل مع الاستطاعة فمقتضاه إناطة العفو عن الدم الواصل إلى الثوب بالمشقة الحاصلة من الالتزام بغسله أو تبديله
الذي هو بمنزلة الغسل في أوقات الصلاة التي هي الساعات التي يحتاج فيها إلى تطهير ثوبه سواء كان الجرح دائم السيلان أم لا فيكفي في
تحقق هذا المناط كونه بحيث يخرج منه الدم دفعات على وجه يحوجه إلى تطهير ثوبه عند كل صلاة فلا يدل على اشتراط دوام السيلان
بل يدل على عدمه * (هذا) * كله مع أن المراد بعدم استطاعته من الغسل في كل ساعة على الظاهر كونه شاقا عليه في العرف والعادة لا
كونه غير مقدور له أو كونه تكليفا حرجيا على وجه ينافيه أدلة ففي الحرج إذ الغالب عدم كون الالتزام بتطهير مكان من الثوب أو تبديله
في أوقات الصلاة بهذا المرتبة من المشقة ولذا لو اصابته نجاسة خارجية كذلك لا نقول بالعفو عنها ولا ضير في الالتزام باعتبار
المشقة العرفية إذ لا ينافيه شئ من اخبار الباب فالقول به لا يخلو من وجه وكيف كان فالأقوى عدم اعتبار شئ من القيدين لكن
هذا على تقدير ان يكون المراد بهما السيلان الفعلي والمشقة الرافعة للتكليف والا فالأظهر اشتراط كون القروح والجروح
رامية بالمعنى الذي تقدمت الإشارة إليه بان يكون لها استعداد السيلان على وجه يتكرر منها خروج الدم لأن هذا هو المفروض
في مورد الروايات كما أن المشقة العرفية أيضا مما لا تتخلف غالبا عن مواردها فلا يفهم منها العفو عن دم قروح أو جروح يكون
خروج الدم منها اتفاقيا لا عن مادة مقتضية له * (نعم) * ربما نلتزم بالعفو في مثل هذه الموارد أيضا خصوصا في الجروح اللازمة التي يطول
برئها مما يكون في تطهيرها مشقة لا تتحمل في العادة أو مظنة الضرر بل خوفه لا لأجل هذه الأخبار بل لغيرها من القواعد الشرعية وكيف كان
فمتى تحقق مناط العفو فيها نحن فيه دون سائر الموارد التي نقول به لأدلة نفى الحرج ونحوها ثبت العفو عنه مطلقا في الثوب والبدن ما لم يكن
على وجه عد أجنبيا كما لو أصاب دم القرحة التي في رجله رأسه أو عمامته ولا يجب عليه تخفيف الدم وازالته عن البعض أو تبديل الثوب وغسله وان
تيسر له ذلك لاطلاقات الأخبار المتقدمة التي جعل فيها البرء غاية لغسل الثوب التي كادت تكون صريحة في المدعى حيث إن الغالب حصول
التمكن من غسل الثوب أو تبديله قبل البرء ولو مرة واحدة وقد سمعت تصريح الإمام (ع) في خبر أبي بصير باني لست اغسل ثوبي حتى تبرء مع أنه
(ع) بحسب الظاهر كان متمكنا من تبديل ثوبه أو غسله ولو في الجملة نعم يستحب غسل الثوب في كل يوم مرة كما عن جماعة التصريح به
لمضمرتين المتقدمتين وظاهرهما وان كان الوجوب لكن مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار المتقدمة الابية عن هذا النحو من التقييد حملهما
على الاستحباب هذا مع ما فيهما من الضعف والمخالفة للمشهود بل لم ينقل القول به صريحا عن أحد * (نعم) * يظهر من الحدايق الميل إليه وفيه مالا
يخفى ولو أصاب هذا الدم نجاسة أخرى فلا عفو على الظاهر كما عن بعض التصريح به ووجهه ظاهر ولو اصابه جسم طاهر من ماء ونحوه فتنجس به
فالظاهر تبعيته له في العفو ما لم ينفصل عنه خصوصا إذا كان من قبيل الفضلات التي لا تنفك عن الجرح غالبا كالقيح والعرق أو الأجسام
التي يتداوى بها والله العالم وعفى أيضا عما دون الدرهم وقيده بعضهم بالوافي واخر بالبغلي ولعلهما بمعنى كما ستعرف سعة لا وزنا من
الدم المسفوح الذي ليس أحد الدماء الثلاثة الحيض والاستحاضة والنفاس في الثوب والبدن بلا خلاف فيه على الظاهر بل اجماعا كما عن
جمع من الأصحاب دعواه بالنسبة إلى الثوب وعن جملة منهم ادعائه صريحا وظاهرا في البدن أيضا وعن غير واحد دعوى الاجماع على العفو
عن هذا المقدار من الدم على الاطلاق من غير تعرض لذكر المتعلق وظاهره إرادة العفو عن الثوب والبدن وكيف كان فالظاهر عدم
الخلاف في مشاركة البدن مع الثوب في العفو وان كان ربما يشعر بذلك تخصيص بعضهم الثوب بالذكر في فتواه ومعقد اجماعه المحكى
ولكنه على الظاهر لم يقصد الاختصاص كما يشهد بذلك عدم نقل خلاف في المسألة * (نعم) * ربما استظهر من العماني الخلاف في أصل المسألة
588

حيث قال على حكى عنه إذا أصاب ثوبه دم فلم يره حتى صلى فيه ثم رآه بعد الصلاة وكان الدم على قدر الدينار غسل ثوبه ولم يعد الصلاة
وان كان أكثر من ذلك أعاد الصلاة ولو رآه قبل صلاته أو علم أن في ثوبه دما ولم يغسله حتى صلى غسل ثوبه قليلا كان الدم أو كثيرا وقد
روى أنه لا إعادة عليه الا ان يكون أكثر من مقدار الدينار انتهى وفى الاستظهار مالا يخفى فان قوله غسل ثوبه قليلا كان الدم أو كثيرا لبيان
عدم الفرق بين الدم القليل والكثير من حيث النجاسة ربما يوهمه بعض الأخبار فقوله وقد روى إلى اخره على الظاهر مسوق لاعطاء حكم من رأى
دما في ثوبه قبل الصلاة من حيث الإعادة وعدمها فان هذا النحو من التعبير إذا وقع في كلمات أرباب الحديث يظهر منه كون المروى مختارا
له بخلاف ما لو وقع في عبارة مثل المصنف وغيره من أرباب الفتاوى ممن ليس من عادته اعطاء الحكم بنقل الرواية فإنه يشعر بضعف الرواية
لديه وتردده في المسألة * (ثم) * على تقدير كونه مخالفا فلا يخفى ما فيه بعد مخالفته لاجماع الأصحاب واخبارهم الآتية * (وكيف) * كان فلا ينبغي الاشكال
في مشاركة الثوب والبدن في هذا الحكم وان كانت الأخبار الدالة عليه مختصة بالثوب لورودها فيه عدا رواية مثنى بن عبد السلام عن أبي
عبد الله عليه السلام قال قلت له حككت جلدي فخرج منه دم فقال إذا اجتمع منه قدر حمصة فاغسله والا فلا وهذه الرواية وان كانت صريحة في العفو
عن البدن في الجملة الا ان ما فيها من التحديد بالحمصة مخالف للفتاوى والنصوص الآتية ولذا قد يناقش فيها بأنها من الشواذ التي لا يصح
الاعتماد عليها ويمكن التفصي عن ذلك بان مخالفة الرواية للفتاوى والنصوص من جهة لا توجب اطراحها بالمرة حتى بالنسبة إلى الحكم الذي
لا معارض له أعني أصل العفو فان هذا النحو من المخالفة في الاخبار الصادرة عن الأئمة (ع) فوق حد الاحصاء ومقتضاها ليس الا ارتكاب
التأويل في مورد التنافي بما لا ينافي سائر الأخبار ان أمكن والا يرد علمه من هذه الجهة إلى أهله ويحتمل ان يكون الامر بغسل مقدار
الحمصة منزلا على الرجحان المجامع للاستحباب وقد حكى عن الشيخ تنزيله على الاستحباب أو يكون مقدار الحمصة حدا في الواقع للدم المجتمع
المتراكم بعضه على بعض بناء على خروج هذا الفرض من منصرف الفتاوى والأخبار الآتية المحدودة بالدرهم كما ليس بالبعيد أو يكون التحديد
بالحمصة جاريا مجرى الغالب من انتشار هذا المقدار من الدم وتلوث مقدار الدرهم من الثوب والبدن به دون ما لم يبلغ هذا المقدار
إلى غير ذلك من المحامل المتحملة الغير المنافية للنصوص والفتاوى واحتمل بعض أن تكون الحمصة بالخاء المعجمة من أخمص الراحة ولم يتحقق
صحته ومما يؤكد الوثوق بصدور هذه الرواية وقوع التعبير بهذه الكلمة في مقام التحديد في عبارة الفقه الرضوي بعد أن حدده أولا بالدرهم
الوافي قال إن أصابك دم فلا بأس بالصلاة فيه وما لم يكن مقدار درهم واف والوافي ما يكون وزنه درهما وثلثا وما كان دون الدرهم
الوافي فلا يجب عليك غسله ولا بأس بالصلاة فيه وان كان الدم حمصة فلا باس بان لا تغسله الا ان يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه ومن
البول والمني قل أم كثر واعد منه صلاتك علمت به أو لم تعلم انتهى وكيف كان فلا ينبغي الارتياب بعدما سمعت من الاجماعات المنقولة المعتضدة
بالشهرة وعدم نقل الخلاف في المسألة في عدم الفرق بين الثوب والبدن وعدم مدخلية خصوصية الثوب الذي ورد فيه النصوص في الحكم كما
يؤيده بل يشهد له اطلاق عبارة الفقه الرضوي المتقدمة فان كتاب الفقه وان لم يحصل لنا الوثوق بكونه من مصنفات الإمام (ع) لكن مضامينه
متون روايات موثوق بها فهي لا تقصر عن المراسيل القابلة للانجبار بالفتاوى فليتأمل واما ما يدل على العفو عما دون الدرهم من الثوب
فمنها صحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله (ع) ما تقول في دم البراغيث قال ليس به بأس قال قلت إنه يكثر ويتفاحش قال وان
كثر قلت فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى ان يغسله فيصلى ثم يذكر بعد ما صلى أيعيد صلاته قال يغسله ولا يعيد صلاته
الا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة ورواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال في الدم يكون في الثوب ان
كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة وان كان أكثره من قذر الدرهم وكان رآه ولم يغسله حتى صلى فليعد صلاته ومرسلة جميل بن
دراج عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) انهما قالا لا بأس بان يصلى الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقا شبه النصح وان كان
قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم وحسنة محمد بن مسلم مضمرة في الكافي ومسندة في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام
قال قلت له الدم يكون في الثوب على وانا في الصلاة قال إن رايته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل وان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في
صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم وما كان أقل من ذلك فليس بشئ رأيته قبل أولم تره وإذا كنت قد رايته وهو أكثر من
مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه وعن التهذيب روايتها نحوها الا أنه قال وما لم يزد على مقدار الدرهم
ومن ذلك فليس بشئ بزيادة الواو وحذف وما كان أقل وعن الاستبصار أيضا نحو ما في التهذيب ولكن بلا زيادة الواو والظاهر أن
ما في الكافي والفقيه هو الصواب وكيف كان فالرواية صريحة في العفو عما كان أقل من الدرهم رايته أو لم تره وما زاد عن ذلك بان كان
مقدار درهم فما زاد تجب ازالته ان كان مجتمعا اما ما زاد عن الدرهم فمما لا شبهة ولا خلاف فيه لدلالة الأخبار المتقدمة عليه مضافا
إلى جميع ما دل على نجاسة الدم ووجوب التطهير منه واما ما كان مقدار الدرهم من غير زيادة ونقص فقد اختلفت كلمات الأصحاب فيه
589

حكى عن الأكثر بل المشهور القول بوجوب ازالته ونسب إلى بعض القول بالعفو عنه واستشهد للأول بصحيحة ابن أبي يعفور ومرسلة جميل
المتقدمتين الدالتين على وجوب غسل مقدار الدرهم مجتمعا ومفهوم الفقرة الأولى من خبر الجعفي مع اعتضادها بالشهرة وربما سمعت
من الفقه الرضوي من تحديده بما دون الدرهم الوافي والمروى عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال وان صاحب ثوبك قدر دينار
من الدم فاغسله ولا تصل فيه حتى تغسله [الخ] والدينار على ما عن الوسائل بسعة الدرهم تقريبا واستدل للعفو عنه بالأصل وبمفهوم
الفقرة الثانية من خبر الجعفي وظاهر حسنة ابن مسلم خصوصا ما رواه الشيخ من حذف قوله وما كان أقل وفيه اما الأصل فلا مجرى له
بعد ورود الأخبار الخاصة وعلى تقدير معارضة بعضها ببعض وعدم امكان الجمع بينها بارتكاب في بعضها المعين لمزية في صاحبه موجبة لترجيحه
فالمرجع هو الأدلة الدالة على وجوب الاجتناب عن الدم وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن المقتصر في تخصيصها على القدر المتيقن أو المرجحات السندية
ثم التخيير على أضعف الاحتمالين وكيف كان فلا مسرح للأصل في مثل المقام واما خبر الجعفي فهو اما ساكت عن حكم مقدار الدرهم أو ظاهر في اندراجه
في موضوع الفقرة الثانية لأن الشرطيتين اما مسوقتان لبيان الحكمين على تقدير تحقق موضوعيهما من غير إرادة التعليق الحقيقي المستلزم للانتفاء
عند الانتفاء بان يكون المقصود بهما مجرد العقد الاثباتي بمنزلة ما لو قيل الدم الذي هو أقل من الدرهم معفو عنه والدم الذي أكثر من الدرهم
غير معفو عنه فلا يفهم منهما حكم الدرهم أو ان المراد بالشرطية الأولى التعليق الحقيقي الدال على الانتفاء عند الانتفاء فلا يعقل [ح] ان يراد
بالثانية أيضا هذا المعنى وبعبارة أخرى لا يعقل ان يراد بالشرطيتين المفهوم والا لتناقض مفهوما هما في مورد الاجتماع فالقضية الثانية بحسب
الظاهر معراة عن المفهوم سبقت لتأكيد ما يفهم من الشرطية الأولى فموضوعها في الواقع أعم مما هو مذكور في القضية وانما خص بعض افراده
بالذكر لنكتة الغلبة أو المقابلة بين الأقل والأكثر والالتزام بعكس ما ذكر بالغاء الشرطية الأولى عن المفهوم وان أمكن لكنه خلاف الظاهر
فتلخص لك ان هذه الرواية اما ساكتة عن حكم مقدار الدرهم أو دالة على عدم العفو عنه واما خبر محمد بن مسلم فهو وان كان ظاهرا في إناطة
عدم العفو بالزيادة عن الدرهم لكن ارتكاب التأويل فيه بحمله على إرادة الدرهم فما زاد أقرب إلى الذهن من ارتكاب التأويل في الخبرين المتقدمين
الظاهرين في عدم العفو عن مقدار الدرهم مجتمعا بحملهما على إرادة ما تجاوز عن هذا المقدار فان هذا أيضا وان كان تأويلا قريبا لكن الأول
أقرب كما يشهد بذلك من له انس بالمحاورات العرفية وعلى تقدير تكافوا الاحتمالين الموجب لاجمال الروايات بالنسبة إلى حكم مقدار الدرهم
يتعين الرجوع في حكمه إلى ما دل باطلاقه أو عمومه على وجوب إزالة الدم أو مطلق النجاسات عن الثوب والبدن كما تقدمت الإشارة إليه ولو نوقش
في عمومات الأدلة الصالحة للرجوع إليها فلا أقل من كون ما ذكر قاعدة كلية متلقاة من الشرع ثابتة بالاجماع وغيره من الاخبار الجزئية الواردة
في باب النجاسات كما لا يخفى على المتأمل فظهر بما ذكرنا ان الأظهر عدم العفو عن مقدار الدرهم * (ثم) * لو قلنا بالعفو عن مقدار الدرهم وكانت
الدراهم المتعارفة مختلفة المقدار فالعبرة في عدم العفو بالزيادة عن جنسها على الاطلاق فلا يضر زيادته عن بعض المصاديق دون بعض و
هذا بخلاف ما لو قلنا بالعفو عما دون الدرهم لا مقداره فإنه يعتبر على هذا التقدير نقصانه عن مطلقه فلا يجدي نقصانه عن بعض مصاديقه
كما هو واضح تم ان المراد بالدرهم على الظاهر غير الدرهم الاسلامي الذي حدد وزنه بستة دوانيق فان الأصحاب بين من قيده بالوافي الذي
وزنه درهم وثلث كما في السرائر والمحكى عن الفقيه والهداية والمقنعة والانتصار والخلاف والغنية بل قيل إنه معقد الاجماع في الثلاثة الأخيرة وقد
سمعت من الفقه الرضوي التصريح به وبحده وبين من قيده بالبغلي كالفاضلين ومن تأخر عنهما وعن كشف الحق انه مذهب الإمامية و
الظاهر اتحاد المراد بالعبارتين كما هو قضية الجمع بين الاجماع المتقدم المحكى عن الانتصار والخلاف والغنية وبين نسبة البغلي في كشف الحق
إلى مذهب الإمامية ويشهد له أيضا تصريح غير واحد بذلك فعن المصنف في المعتبر والدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم وثلث ويسمى
البغلي نسبة إلى قرية بالجامعين وعن الشهيد في الذكرى أنه قال إن الدرهم هو البغلي باسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني
في خلافته بسكة كسروية وزنه ثمانية دوانيق والبغلية تسمى قبل الاسلام بالكسروية فحدث لها هذا الاسم في الاسلام والوزن بحاله وجرت
في المعاملة مع الطبرية وهى أربعة دوانيق فلما كان زمان عبد الملك جمع بينهما واتخذ درهما منهما واستقر امر الاسلام على ستة دوانيق
وهذه التسمية ذكرها ابن دريد وقيل منسوب إلى بغل قرية بالجامعين كان يوجد فيها دراهم يضرب وسعتها من أخمص الراحة لتقدم الدراهم
على الاسلام قلنا لا ريب في تقدمها وانما التسمية حادثة فالرجوع إلى المنقول أولى * (انتهى) * ولعل مراده بالقول الذي أشار إليه في ذيل كلام
ما ذكره الحلي في السرائر حيث قال بعد أن أفتى بالعفو عما دون الدرهم الوافي الذي هو المضروب من درهم وثلث وبعضهم يقولون دون
الدرهم البغلي وهو منسوب إلى مدينة قديمة يقال لها بغل قريبة من بابل بينها وبينها قريب من فرسخ متصلة ببلدة الجامعين تجد فيها الجفرة
والغسالون دراهم واسعة شاهدت درهما من تلك الدراهم وهذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة السلام المعتاد يقرب سعته
من سعة أخمص الراحة وقال لي بعض من عاصرته ممن له علم باخبار الناس والأنساب ان المدينة والدراهم منسوبة إلى ابن أبي البغل رجل
590

من كبار أهل الكوفة اتخذ هذا الموضوع قديما وضرب هذا الدرهم والواسع فنسب إليه الدرهم البغلي وهذا غير صحيح لأن الدراهم البغلية كانت
في زمن الرسول صلى الله عليه وآله قبل الكوفة انتهى وقوله بعضهم يقولون إلى اخره على الظاهر لبيان مجرد اختلاف التعبير لا المخالفة في الرأي والا لبين
ما فيه من الضعف الموجب لاختياره القول الآخر وكيف كان فان اتحد الدرهم الوافي والبغلي معنى كما هو الظاهر فلا بحث والا فالأظهر هو
العفو عما دون الدرهم الوافي كما وقع التصريح به في الفقه الرضوي ومعاقد الاجماعات المتقدمة المعتضدة بشهرته بين القدماء خصوصا
مثل الصدوق ونظرائه الذين من عادتهم التعبير بمتون الروايات وكفى كذلك دليلا لتعين المراد بالدرهم من اخبار الباب ولا ينبغي
الالتفات إلى ما في المدارك من الاستشكال في أصل التقييد حيث قال إن البغلي ترك في زمن عبد الملك وهو متقدم عليه زمن الصادق (ع)
قطعا فيشكل حمل النصوص الواردة منه عليه والمسألة قوية الاشكال * (انتهى) * لا لمجرد ما قد يقال من صدور رجل اخبار الباب من أبي جعفر (ع)
وهو في زمن عبد الملك مع أن ترك استعماله في المعاملات في عصر الصادق عليه السلام لا ينافي بقائه فيما بأيديهم في الجملة ومعروفية التحديد
به بل لأن اشتهار تفسير الدرهم بالوافي أو البغلي من الصدر الأول ووقوعه في الفقه الرضوي كاشف قطعي عن المراد إذ كيف يعقل ان
يصدر منهم هذا التفسير من غير أن يرشدهم إليه قرينة معينة فهل يظن بأحد من العلماء ان يستنده في مثل المقام إلى الحدس والاجتهاد
القابل للخطأ فضلا عن أن ينعقد اجماعهم عليه مع أن من المعلوم عند كل أحد وجوب حمل المطلق على معناه المتعارف فلو لم يكن هذا
الدرهم متعارفا في زمان صدور الاخبار لم يكن عدول العلماء عن حمل الدرهم على المتعارف في ذلك الزمان الا لدليل * (ثم) * ان المراد
بمقدار الدرهم على الظاهر سعته لا وزنه ولا حجمه لأن هذا هو المتبادر من تقدير الدم بالدرهم في مثل مورد الروايات كتحديده بمقدار
إصبع أو إصبعين كما يشهد بذلك ويؤيده فهم الأصحاب فالمهم في المقام انما هو معرفة سعة هذا الدرهم الموصوف بالوافي الذي شهدت
القرائن وصرح غير واحد بأنه هو المسمى بالبغلي والا فمجرد العلم بوزنه ومغايرته للدرهم المتعارف غير مجد وقد اختلفت الكلمات في تحديده
فعن بعض تحديده بأخمص الراحة وهو ما انخفض من باطن الكف وربما نسب ذلك إلى أكثر عبائر الأصحاب ولا يبعد ان يكون مستندهم في
ذلك شهادة ابن إدريس في عبارته المتقدمة بأنه شاهده قريبا عن أخمص الراحة فتحديدهم بالأخمص تقريبي كما هو واضح وقد سمعت انفا
من ابن أبي عقيل تحديد مقدار الدم المعفو عنه بالدينار ويشهد له خبر علي بن جعفر المتقدم والدينار على ما قيل هو الذهب اللعيبى الذي
ربما يوجد في زماننا وهو على ما نقل بقدر الدنانير المتعارفة في هذه الاعصار التي وزن كل منها مثقال شرعي والظاهر أن من حدد
الدرهم بالأخمص لم يرد الا ما يقرب من ذلك وحكى عن الإسكافي تقدير الدرهم بعقد الابهام الاعلى من غير تعرض لكونه البغلي أو غيره
وعن بعض اخر تقديره بعقد الوسطى وعن روض الجنان بعد نقل هذه التقديرات الثلاثة قال إنه لا تناقض بين التقديرات لجواز
اختلاف افراد الدراهم من الضارب الواحد كما هو الواقع واخبار كل واحد عن فرد رآه انتهى وعن المصنف في المعتبر بعد ذكر التحديدات المتقدمة
وتقدير العماني له بالدينار قال والكل متقارب والتفسير الأول اشهر انتهى وربما يناقش في الاعتماد على هذه التحديدات بأنه لم يتحقق ان مرادهم
تحديد الدرهم البغلي حتى يكون رفع المناقضة التي تتراءى من عبائرهم بحملها على التحديد التقريبي أو كون اخبار كل عن فرد رآه مجديا ولو
بالنسبة إلى القدر المشترك اما تحديد العماني بالدينار فلعل نفس مقدار الدينار لديه موضوع الحكم وليس في كلام الإسكافي وغيره دلالة
على إرادة الدرهم البغلي * (نعم) * وقع تقييد الدرهم بالبغلي في عبارة الحلي ولكنه أيضا لم يصرح بان ماراه من الدرهم وقدره بالأخمص كان هو
الدرهم البغلي وانما حكاه عن رجل له علم بالأخبار والأنساب وضعفه ومن الواضح ان طريق ذلك الرجل أيضا لاحراز مثل هذه الموضوعات
ليس الا الحدس فكيف يعتمد على قوله واعترض بعض على من حدد الدرهم بالأخمص اعتمادا على اخبار الحلي بذلك بأنه انما يقبل قوله في مثل
المقام من باب الشهادة التي يعتبر فيها العدد فلاوجه للاعتماد على قوله منفردا وقد أجيب عن ذلك بان قوله يفيد الوثوق بل القطع إذ لا يحتمل في
حقه التعمد في الكذب أو الخطاء في الحس وفيه ما عرفت من أن قول الحلي وان كان موجبا للقطع بمشاهدته درهما كما وصف لكن من أين يحصل
القطع بان ذلك الدرهم كان من افراد الدرهم البغلي هذا ولكن الانصاف انه يحصل من مجموع هذه التحديدات الوثوق بان الدرهم البغلي كانت
سعته قريبة من هذه التحديدات واما احتمال ان يكون مراد الإسكافي وغيره ممن حدد مقدار الدرهم درهما غير الدرهم الوافي الذي هو بحسب الظاهر
متحد مع البغلي فمما يبعده ما عرفت من أن الظاهر كما صرح به غير واحد عدم الخلاف في أن هذا هو المراد بالدرهم الوارد في النصوص والفتاوى
وكيف كان فان حصل الوثوق من هذه الكلمات وغيرها بمقدار معين فهو والا فالمتعين هو الاقتصار على القدر المتيقن والاجتناب عما زاد
عليه في الصلاة لوجوب الاقتصار في رفع اليد عن ظاهر ما دل على الاجتناب عن الدم أو مطلق النجاسات على المتيقن وما يقال من أن تخصص
العمومات بأقل من مقدار الدرهم معلوم فالشك انما يتعلق بكون الفرد الخارجي من افراد المخصص أو العام ولا يجوز في مثله التمسك بالعموم
بل يرجع إلى الأصول العملية * (مدفوع) * بان هذا فيها إذا لم يكن الشك ناشئا من اجمال المخصص وتردده من الأقل والأكثر كما فيما نحن فيه
591

فان مرجع الشك في هذه الصورة بالنسبة إلى ما زاد عن المتيقن إلى الشك في أصل التخصيص لا في مصداق المخصص فالمرجع فيه اصالة العموم
لا الأصول العملية كما تقرر في محله ولافرق في العفو عما دون الدرهم بين ان يكون دم نفسه أو غيره لاطلاق النصوص وفتاوى الأصحاب
بل صريح فتاويهم خلافا لصاحب الحدائق فالحق دم الغير بدم الحيض الذي ستعرف عدم العفو عن قليله ونقله عن المحدث الأسترآبادي
استنادا إلى مرفوعة البرقي عن أبي عبد الله (ع) قال دمك أنظف من دم غيرك إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس وان كان دم
غيرك قليلا كان أو كثيرا فاغسله وعن الفقه الرضوي واروى ان دمك ليس مثل دم غيرك وفيه عدم صلاحية الروايتين مع ضعفهما
واعراض الأصحاب عنهما التقييد الأخبار المطلقة خصوصا لو أريد بدم الغير ما يعم دم المأكول فإنه يستبعد اخراجه من الأخبار المطلقة
فالأولى حمل الروايتين على الاستحباب ثم إن هذا الحكم أي العفو عما دون الدرهم انما هو في غير دم الحيض والاستحاضة والنفاس
اما دم الحيض فالظاهر عدم الخلاف في عدم العفو عنه بل عن جملة من الأصحاب دعوى الاجماع عليه ويشهد له مضافا إلى ذلك رواية
أبي سعيد عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام قالا لا تعاد الصلاة من دم لم تبصره الا دم الحيض فان قليله وكثيره في الثوب
ان رآه وان لم يره سواء وضعفها مجبور بالعمل وعن الفقه الرضوي وان كان الدم حمصة فلا بأس بان لا تغسله الا ان يكون دم الحيض
فاغسل ثوبك منه ومن البول والمني قل أم كثر واعد منه صلاتك علمت به أو لم تعلم واستدل له أيضا باطلاق بعض الأخبار الخاصة الدالة
على وجوب غسل دم الحيض مثل قول الصادق عليه السلام في خبر سورة بن كليب في الحائض تغسل ما أصاب ثوبها من الدم بدعوى ان النسبة بينها
وبين ما دل على العفو عما دون الدرهم العموم من وجه ففي مورد الاجتماع يتعارضان فيترجح ما دل على وجوب الإزالة بفتوى الأصحاب
وفيه ان الأخبار الواردة في دم الحيض ليست الا كغيرها من الأخبار الخاصة الواردة في بعض أنواع الدم كدم الرعاف ونحوه والأخبار الدالة
على العفو عما دون الدرهم حاكمة على مثل هذه الأخبار لا يلاحظ بينها النسبة كما لا يخفى على المتأمل ونظير ذلك في الضعف الاستدلال
بعموم ما دل على الاجتناب عن الدم أو مطلق النجس بعد دعوى قصور الأخبار الدالة على العفو عن شمول دم الحيض واخويه نظرا إلى أن المفروض
في موضوع تلك الأخبار هو الرجل الذي رأى بثوبه الدم وفرض إصابة الدماء الثلاثة إلى ثوب الرجل من الفروض النادرة التي ينصرف
عنها اطلاقات الأدلة وقاعدة مشاركة النساء مع الرجال في الأحكام الشرعية غير مجدية في المقام فإنها لا تقتضي الا تعميم الحكم المستفاد
من الدليل المتوجه إلى الرجال بالنسبة إلى النساء لافرض كون النساء مخاطبة بهذا الكلام حتى يكون فرضه كذلك مانعا من الانصراف
عن مثل دم الحيض وقد يقال في توجيه دعوى الانصراف ان نجاسة دم الحيض على ما هو المغروس في الأذهان أغلظ من سائر الدماء فينصرف
عنه اطلاق أدلة العفو عن الدم وتوضيح الضعف اما دعوى الانصراف من حيث ندرة الفرض فيتوجه عليها بعد الغض عن أن ذكر الرجل
في أسئلة السائلين وأجوبتهم في مثل هذه الأخبار المسوقة لبيان الأحكام الشرعية الكلية انما هو من باب المثال جريا مجرى العادة في
مقام التعبير والمقصود به مطلق المكلف ان فرض إصابة دم الحيض ونحوه إلى ثوب الرجل ليس بأبعد من فرض إصابة مثل دم جملة من الوحوش
والطيور ودم العلقة ونحو ذلك مع أنه لم يتوهم أحد انصراف الاخبار عن مثل هذه الدماء فلو فرض انصراف الاخبار عن دم الحيض
فليس منشأه ندرة الابتلاء بلا شبهة بل الخصوصية أخرى وان لم نعلم بها تفصيلا واما ما قيل من أغلظية نجاسة دم الحيض ففيه بعد تسليم
ان الأغلظية توجب الانصراف انه لولا عدم العفو عنه في الصلاة من أين علم أغلظيته من سائر الدماء من حيث النجاسة وكون حدوثه
موجبا للغسل لا يقضى بأغلظية من حيث النجاسة ولعمري ان مثل هذه الدعاوى انما تنشأ بعد مسلمية المدعى وإرادة توجيهه والا فلو
فرض كون العفو عن دم الحيض أيضا معروفا لدى الأصحاب لم يكن يصغى أحد إلى مثل هذه الدعاوى فظهر لك ان عمدة مستند الحكم هي نسخة
الاجماع ورواية أبي بصير المتقدمة المعتضدة بالفقه الرضوي وفتاوى الأصحاب واما دم الاستحاضة والنفاس فقد حكى عن جماعة دعوى
الاجماع على عدم العفو عنهما أيضا لكن ربما يستشعر من نسبة المصنف في محكى المعتبر والنافع الحاقهما بدم الحيض إلى الشيخ عدم كون المسألة
من المسلمات ووجهه في المعتبر على ما حكى عنه بعد أن نقله عن الشيخ بقوله ولعله نظر إلى تغليظ نجاسته لأنه يوجب الغسل واختصاصه
بهذه المزية يدل على قوة نجاسته على باقي الدماء فغلظ حكمه في الإزالة انتهى ولا يخفى ما في هذا الدليل من أنه مجرد اعتبار لا يصلح
دليلا لاثبات حكم شرعي اللهم الا ان يكون المقصود ان اختصاصه بهذه المزية أوجب انصراف اخبار العفو عنه ولكنك عرقت انفا انه
لا يخلو عن نظر بل منع ولذا قوى في الحدائق دخولهما في عموم اخبار العفو وما قيل في تضعيفه من أن ما ذكر لو لم يكن منشأ لانصراف اخبار
العفو فلا أقل من كونه موجبا للشك في الشمول فيبقى ما دل على الإزالة لا معارض له * (ففيه) * ان الشك في الشمول لا يمنع من التمسك
بأصالة الاطلاق بل يحقق موضوعها فلا يعارضها عموم ما دل على الإزالة لأن اصالة الاطلاق في المخصص حاكمة على اصالة العموم
في العام كما هو واضح والذي يقتضيه التحقيق عدم العفو عن دم النفاس لما عرفت في محله من كونه كدم الحيض حكما بل موضوعا واما دم
592

الاستحاضة فإن لم يتحقق فيه اجماع فلا يخلو الحاقه بها عن تردد والله العالم وحكى عن بعض القدماء وغير واحد من المتأخرين الحاق دم
الكلب والخنزير بل مطلق نجس العين أعم منهما ومن الكافر كما هو صريح عبارة المتأخرين بدم الحيض قال المصنف في محكى المعتبر بعد عبارته المتقدمة
في توجيه ما نسبه إلى الشيخ والحق بعض فقهاء قم دم الكلب والخنزير ولم يعطنا العلة ولعله نظر إلى ملاقاته جسدهما ونجاسة جسدهما غير
معفو عنها انتهى واشتهر حكاية هذا القول عن القطب الراوندي قال الحلي في السرائر وقد ذكر بعض أصحابنا المتأخرين من الأعاجم و
هو الراوندي المكنى بالقطب ان دم الكلب والخنزير لا يجوز الصلاة في قليله وكثيره مثل دم الحيض قال لأنه دم نجس العين وهذا خطاء عظيم
وزلل فاحش لأن هذا هدم وخرق لاجماع أصحابنا انتهى وعمدة مستند القول بالالحاق ماسة؟ عليه المصنف وفى عبارته المتقدمة من اكتسابه
بالملاقاة نجاسته عرضية غير معفو عنها * (وفيه) * ان اكتساب دم الكلب أو أحد أخويه بنجاسة عرضية بملاقاة؟ اجزائه مع مشاركته
لها في الجهة المقتضية لنجاستها وهى كونه جزء من الكلب ونحوه غير معقول لأن الاجزاء نجاستها من هذه الجهة متماثلة فلا يعقل ان ينفعل
أحد المتماثلين بملاقاة الاخر * (نعم) * لو كان للجزء الذي لاقاه جهة أخرى مخصوصة به مقتضية لنجاسته أيضا من تلك الجهة كما لو لاقى بوله أو منيه
وكانت الجهة المخصوصة بالبول أو المني مؤثرة في اشتداد نجاسته أو تضاعفها أمكن انفعال الدم واكتسابه الصفة المخصوصة به بملاقاته
له وهذا بخلاف ما لو لاقى لحمه الذي ليس له جهة مقتضية لنجاسته الا وكان الدم واجدا لها بالذات وثبوت العفو عن الدم في الجملة بدليل
تعبدي لا يصحح قبوله للانفعال بملاقاة ما هو مثله في النجاسة فملاقاة دم الكلب لسائر اجزائه التي ليس لها جهة مقتضية لنجاستها عدا
جزئيتها للكلب ليست الا كملاقاة الدم القليل الذي أصاب الثوب للدم الكثير الذي انفصل عنه وهكذا الكلام في دم الميتة فان الحمار
الميت مثلا ان كان دمه قابلا لأن يعرضه نجاسة أخرى غير نجاسته الذاتية انفعل بنفس الموت الذي هو سبب لانفعال اجزاء الميت التي منها
دمه والا فلا يعقل ان يكتسب النجاسة من ساير الاجزاء إذ لا مزية لها عليه حتى تكون واسطة في العروض والحاصل ان اكتساب دم نجس العين
نجاسة عرضية مما لاقاه مع مشاركتهما في الجهة الموجبة للنجاسة غير معقول * (ان قلت) * سلمنا ان دم نجس العين لا يكتسب نجاسة عرضية بملاقاة
سائر جسده لكن تصادق عليه عنوانان من النجاسة أحدهما كونه جزء من نجس العين كسائر اجزائه والاخر كونه دما واختار العفو انما دلت على
العفو عنه من حيث كونه دما لا من حيث كونه جزء من كلب أو كافر فوجوب ازالته من هذه الجهة لا ينافي ثبوت العفو عنه من حيث كونه دما كما أنه لا
منافاة بين ثبوت العفو عن دم من حيث كونه دما ووجوب ازالته من حيث ملاقاته للبول وكون العنوانين متلازمين في الوجود بالنسبة إلى الفرد
الذي تصادقا على لا يصلح مانعا من كون حيثية كونه دما مرعية في موضوع الحكم المستلزم لعدم العفو عنه من الحيثية الأخرى الا ان يتعلق
نص خاص بهذا الفرد بان يرد مثلا ان دم الكلب لا بأس بالصلاة فيه فلا يمكن في مثل الفرض تنزيل مثل هذا النص على إرادة بيان الحكم من حيث
كونه دما لاستلزامه لغوية الحكم وهذا بخلاف الأخبار العامة المتعلقة بطبيعة الدم التي تحقق غالبا في ضمن غير هذا الفرد كما هو واضح * (قلت) *
لا يخفى على المتأمل في اخبار العفو انها ليست مسوقة لبيان قضية طبيعية نظير قولنا الغنم حلال والخنزير حرام حتى يكون موضوعها صرف الطبيعة
من حيث هي مع قطع النظر عن عوارضها المشخصة بحيث لا ينافيها خروج بعض الافراد بواسطة تلك العوارض بل هي مسوقة لبيان الحكم الفعلي
الثابت لمصاديق الدم وجزئياته المتحققة في الخارج و * (كيف) * لا مع أن رواية أبي بصير التي استثنى فيها دم الحيض ظاهرها إرادة العموم وكذا
أغلب الأخبار المتقدمة الدالة على العفو صدرت جوابا عن السؤال عن حكم من رأى بثوبه دما فكيف يجوز في مثل الفرض تنزيل اطلاق
الجواب من غير استفصال على إرادة بيان حكم الطبيعة من حيث هي دون افرادها مع أن السائل انما سئل عن حكم الدم الخارجي الذي أصاب
الثوب لا عن الحكم المتعلق بطبيعة الدم من حيث هي والحاصل انه لا مجال للارتياب في أن الاخبار مسوقة لبيان حكم افراد الدم وجزئياته
المتحققة في الخارج وكونه دم كلب أو كافر ككونه دم رجل أو امرأة أو فرس أو غير ذلك انما هو من مشخصات الفرد غير خارج من حقيقته فاخبار
الباب بظاهرها تعم دم الكلب والكافر أيضا كغيرهما من أنواع الدم فلو دل دليل على عدم العفو عن دم الكافر مثلا لكان ذلك الدليل
مخصصا لهذه الاخبار لا انه غير مناف لها من أصله كما توهم فتلخص ان اخبار بظاهرها تعم دم نجس العين و [ح] نقول لا مقتضى لصرفها عن هذا
الظاهر إذ لا دليل على عدم جواز الصلاة في دم الكافر وشبهه بل ولا في سائر اجزائه عدا العمومات الدالة على إزالة الدم وغيره من النجاسات
المخصصة باخبار العفو كما لا يخفى على المتأمل فالأظهر عدم الفرق بين دم نجس العين وغيره نعم ربما يشكل الامر في دم الكلب والخنزير لا من
حيث نجاسته بل من حيث كونه من فضلات والا يحل اكله وسيأتي الكلام فيه من هذه الجهة واستدل في الحدائق لا لحاق دم نجس العين
بدم الحيض بعمومات الإزالة بعد منع شمول اخبار العفو له بدعوى ندرة ابتلاء المصلى بدم نجس العين فيصرف عنه اطلاقات الاخبار
حيث إن المتبادر منها إرادة الافراد الشايعة وهى دم المسلم وغيره من الحيوانات التي يتعارف ذبحها وفيه مالا يخفى فان مقتضاه عدم
العفو عن دم أغلب الحيوانات التي يحل اكلها فضلا عن غيره بل عدم العفو عن دم ما يتعارف ذبحه أيضا الا عن خصوص القسم الذي يتعارف
593

وصوله إلى الثوب كدم ذبحه لا مطلق دمه وهو كما ترى * (وكيف) * كان فقد ظهر لك في الفرع السابق بطلان دعوى الانصراف في مثل هذه
الموارد بواسطة الندرة وان الشك في حكم الدم في هذه الموارد ليس الا لخصوصيات اخر لولا تلك الخصوصيات لم يكن يرتاب أحد في استفادة
حكمه من هذه الأدلة كما أنه لو لم يكن الحكم الذي تضمنته هذه الروايات العفو الغير المناسب لدم نجس العين بل كان حكما اخر كوجوب إعادة
الصلاة ولو مع الجهل به أو وجوب غسل الثوب الذي رأى فيه الدم خمس مرات مثلا لم يكن يتوهم أحد انصرافها عن دم الكافر وشبهه
فمنشأ توهم الانصراف ليس الا سائر الخصوصيات التي لا ينبغي الالتفات إليها ما لم تتحقق صارفيتها للاطلاق لا ندرة الابتلاء والا فرب
دم يكون فرض الابتلاء به ابعد من دم نجس العين بمراتب ومع ذلك لا يرتاب أحد في استفادة حكمه من هذه الروايات كدم الضأن
والمعز الجبليين وغيرهما من الحيوانات الوحشية والطيور التي يحل اكلها مع أنه ربما يكون فرض الابتلاء به مجرد الفرض فضلا عن ندرته
كما هو واضح * (ثم) * ان مقتضى ظاهر النصوص والفتاوى بل صريح كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية عدم الفرق في دم
ما يؤكل لحمه ومالا يؤكل وربما يشكل ذلك بمعارضة اخبار العفو بالنسبة إلى دم غير المأكول لموثقة ابن بكير الواردة في باب الصلاة
قال سئل زرارة أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه املاء رسول الله صلى الله عليه وآله ان
الصلاة في وبر كل شئ حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شئ منه فاسد لاتقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره
مما أحل الله اكله الحديث والمراد بعموم كل شئ بحسب الظاهر بقرينة ما قبله هو الاجزاء والفضلات التي لها نحو استقلال وعنوان في العرف
كاللحم والعظم والشحم والدم ونحوها فمثل هذه الأشياء بعناوينها الاجمالية افراد للعام فاستفادة عدم جواز الصلاة في اللحم القليل أو
الدم القليل مثلا من هذه الرواية انما هي بالاطلاق لا بالعموم كما أن دلالتها على عدم جواز الصلاة في البول القليل أيضا ليست الا باطلاق
لكنها كادت تكون صريحة في الاطلاق فيشكل التصرف فيها بالاخبار المتقدمة خصوصا مع ما هو المغروس في النفس من استبعاد العفو عن قليل
من الدم مع نجاسته وعدم العفو عن قليل من سائر فضلاته الظاهرة ولذا قد يقوى في النظر عدم العفو عن دم غير المأكول مطلقا كما هو خيرة
كاشف الغطاء على ما حكى عنه ولكن مع ذلك الأقوى خلافه لا لمجرد دعوى اعتضاد عموم اخبار العفو بالنسبة إلى مورد المعارضة بفهم الأصحاب
وعملهم ونقل اجماعهم المعتضد بالشهرة وعدم نقل خلاف يعتد به بل لضعف ظهور الموثقة في إرادة الدم من عموم كل شئ بل عدم ظهوره
فيه فان سياق الرواية يشهد بان المراد بعموم كل شئ هو الأشياء التي يكون المنع من الصلاة فيها ناشئا من حرمة الاكل بحيث لو كان حلال
الاكل لكانت الصلاة فيها جائزة فمثل الدم والمني خارج مما أريد بهذا العام كما يؤيد ذلك بل يشهد له قوله (ع) بعد ذكر هذه الرواية
ونقلها من رسول الله صلى الله عليه وآله والامر بحفظها يا زرارة فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شئ منه جائز
إذا علمت أنه ذكى وقد ذكاه الذبح وان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله وحرم عليك اكله فالصلاة في كل شئ منه فاسد ذكاه الذبح أو لم
يذكه إذا الظاهر على ما يشهد به سوق الرواية ان المراد بكل شئ في الفقرة الأولى والثالثة ليس الا الأشياء التي أريد منه في الفقرة الثانية
بل قوله (ع) فإن كان [الخ] بحسب الظاهر تفريع على كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وبيان لما يفهم من الوصف الواقع فيه فيجب ان يتحد موضوعهما والله العالم
* (تنبيه) * لافرق في الدم الذي هو أقل من الدرهم مما عرفت العفو عنه في الثوب والبدن بين ان يكون مجتمعا أو متفرقا بلا خلاف فيه على الظاهر
ولا اشكال لدلالة الأخبار المتقدمة عليه بل صراحة بعضها فيه واما ما زاد عن ذلك فإن كان مجتمعا فقد عرفت انه تجب ازالته بلا خلاف فيه
في الجملة نصا وفتوى واما ان كان متفرقا فقد اختلفوا فيه على أقوال قيل هو عفو فيلاحظ كل جزء جزء في حد ذاته موضوعا مستقلا للحكم و
قد حكى هذا القول عن كثير من القدماء والمتأخرين بل عن الذكرى نسبته إلى المشهور وقيل تجب ازالته كالمجتمع وحكى هذا القول أيضا عن جملة
من القدماء والمتأخرين بل عن بعض نسبة إلى الشهرة وعن آخرين إلى أكثر المتأخرين وقيل لا تجب ازالته الا يتفاحش كما عن نهاية الشيخ و
معتبر المصنف واستدل للقول الأول بمرسلة جميل عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) انهما قالا لا بأس بان يصلى الرجل في الثوب وفيه الدم
متفرقا شبه النضح وان كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم وصحيحة عبد الله (ع) أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله (ع)
ما تقول في دم البراغيث قال ليس به باس قال قلت له انه يكثر ويتفاحش قال وان كثر قلت فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم
فينسى ان يغسله فيصلى ثم يذكر بعدما صلى أيعيد صلاته قال يغسله ويعيد صلاته الا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة
وعن العلامة في المختلف الجواب عن الاستدلال بالصحيحة بان مجتمعا كما يحتمل ان يكون خبرا ليكون يحتمل ان يكون حالا مقدرة واسمها
ضمير يعود إلى نقط الدم ومقدار خبرها والمعنى الا ان يكون نقط الدم مقدار الدرهم إذا قدر اجتماعها انتهى وأورد عليه بوجوه أوجهها انه
على تقدير كونه حالا أيضا ظاهرها إرادة الاجماع الفعلي لا الفرضي توضيح المقام انه يحتمل ان يكون مقدار الدرهم بالرفع اسما ليكون ومجتمعا
خبره ومقتضاه كون العفو عن مقدار الدرهم في الجملة معروفا لديهم ويحتمل ان يكون بالنصب خبرا ليكون ومجتمعا خبرا بعد خبر نظير قولنا هذا
594

حلو حامض فعلى هذين التقديرين دلالته على المدعى واضح ويحتمل ان يكون حالا اما من مقدار الدرهم فمعناه الا ان يكون الدم المتحقق في
ضمن النقط المفروضة في الثوب مقدار الدرهم حال كون هذا المقدار مجتمعا بان يكون بعض النقط أو جميعها بسعة الدرهم فما زاد فعلى هذا التقدير
أيضا شاهد على المدعى واما من ضمير يكون الراجع إلى الدم و [ح] فان أريد بالمرجع الطبيعة بلحاظ تحققها في ضمن جميع افراد المفروضة في
الثوب وجب التصرف في ظاهر مجتمعا بحمله على إرادة فرض الاجتماع والا لتحقق التنافي بينه وبين ما فرضه السائل من كونه نقطا الا ان يجعل
الاستثناء منقطعا وهو خلاف الظاهر وان أريد به الطبيعة بلحاظ تحققها في ضمن كل فرد فرد كان أيضا شاهدا على المطلوب لكن الأنسب
على تقدير اراده هذا المعنى جعله خبرا بعد إذ ليس لافراده للفروضة أحوالا مختلفة حتى يراد اثبات الحكم لها في بعض أحوالها كما لا يخفى على
المتأمل إذا عرفت ذلك فنقول كون مجتمعا خبرا بعد خبرا وحالا من الخبر أقرب المحتملات وأنسب بحفظ ظاهره لكن الانصاف عدم الوثوق
بهذا الاستظهار بحيث يرفع اليد به عن العمومات الدالة على وجوب الإزالة واما مرسلة جميل فقد نوقش فيها بضعف السند واحتمال
إرادة فرض الاجتماع من قوله ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم وفيه انه لا ينبغي الالتفات إلى ضعف السند بعد كون الرواية معمولا بها
لدى الأصحاب خصوصا مع كون المرسل ممن ادعى الاجماع على تصحيح ما يصح عنه واما حمل الرواية على إرادة فرض الاجتماع فهو تأويل بلا
مقتض هذا مع أن الظاهر أن كلمة ان في قوله (ع) وان كان قد رآه صاحبه قبل ذلك وصلية فيكون قوله فلا باس ما لم يكن الدم مجتمعا
تفريعا على الكلام السابق فعلى هذا يتعين إرادة الاجتماع الفعلي لا الفرضي كما هو واضح ويمكن الاستدلال أيضا بخبر الجعفي بل وحسنة
محمد بن مسلم كما ستعرف تقريبه عند التكلم في أدلة الخصم * (احتج) * القائلون بوجوب الإزالة بعمومات الإزالة وخصوص صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة
بدعوى ظهورها في إرادة فرض الاجتماع وباطلاق الامر بإعادة الصلاة على تقدير كون الدم أكثر من قدر الدرهم في رواية الجعفي عن أبي
جعفر عليه السلام قال في الدم يكون في الثوب ان كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة وان كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه ولم يغسله
حتى صلى فليعد صلاته وحسنة ابن مسلم قال قلت له في الدم يكون في الثوب على وانا في الصلاة إلى أن قال ولا إعادة عليك ما لم يزد على
مقدار الدرهم وما كان أقل من ذلك فليس بشئ رأيته قبل أو لم تره وإذا كنت قد رايته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت
فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه فان اطلاقهما شامل لصورتي الاجتماع والتفرق و * (فيه) * ان العمومات مخصصه بما عرفت وستعرف
واما صحيحة ابن أبي يعفور فقد عرفت انها على خلاف المطلوب أدل ولا أقل من اجمالها واما الخبر ان فيتوجه على الاستدلال بهما ان
المتبادر من تعليق الحكم على الطبيعة انما هو بملاحظة كل فرد فرد لا مجموع الافراد ففيما نحن فيه يصدق على كل فرد فرد انه أقل من
مقدار الدرهم ثم لو سلم ظهورها في ملاحظة التقدير بالنسبة إلى مطلق الدم الواصل إلى الثوب أعم من أن يكون واحدا أو متعددا
تعين صرفهما إلى إرادة الدم المجتمع جمعا بينهما وبين مرسلة جميل الحاكمة عنى مثل هذه الظواهر لو لم نقل بانصرافهما في حد ذاتهما إلى إرادة
الدم الواحد المجتمع ثم لو اغمض عن جميع ذلك * (فنقول) * ان المتبادر من مرسلة جميل وخبر الجعفي كونهما مسوقتين لبيان عدم كون هذا المقدار
من الدم في الثوب مانعا من الصلاة فيه فكل ثوب يكون فيه دم أقل من الدرهم يجوز الصلاة فيه فلو كان على المصلى أثواب متعدد ويصدق
على كل منها ان الدم الكائن فيه أقل من الدرهم فلا بأس بالصلاة فيها بمقتضى اطلاق الروايتين فضم بعض الأثواب إلى بعض وملاحظة
التقدير بالنسبة إلى الجميع كما صرح به بعض القائلين بهذا القول مما لاوجه له ودعوى إرادة جنس الثوب الشامل المطلق الثياب الذي
لبسه المصلى عارية عن الشاهد كما أن مقتضى ظاهر رواية أبي بصير المتقدمة في صدر المبحث الواردة في دم حكة الجلد كون البدن في حد
ذاته موضوعا مستقلا للحكم فيستفاد العفو عنه من تلك الرواية ويستفاد العفو عما في ثوبه إذا كان أقل من الدرهم من هذه الروايات
فلا وجه لانضمام أحدهما إلى الاخر كما هو صريح بعضهم اللهم الا ان يناقش في تلك الرواية ببعض ما عرفت في محله ويقال ان العفو
عن البدن انما استفيد من اخبار الثوب بمعونة الاجماع و * (كيف) * كان فقد ظهر ان القول الأول أظهر ويشهد له أيضا كما يؤيد إرادة
الاجتماع الفعلي من الخبرين المتقدمين خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة
قال لا وان كثر ولا بأس أيضا بشبهه من الرعاف ينضحه ولا يغسله قوله (ع) ينضحه ولا يغسله راجع إلى دم البراغيث الذي سبق الكلام لبيان
حكمه فقوله (ع) ولا بأس أيضا بشبهه من الرعاف جملة معترضة سبقت للتنبيه على مساواة دم الرعاف لدم البراغيث في عدم مانعيته من الصلاة إذا
كان شبيها به في كونه شبه النضح متفرقا غير مجتمع فما يظهر من صاحب الحدائق من الميل إلى طهارة دم الرعاف في مثل الفرض حيث إنه لو لم
يكن طاهرا لكان الامر بنضحه موجبا لتكثير نجاسته ضعيف فإنه وان كان قد يترائى من الرواية ذلك لكن يتعين صرفها إلى ما ذكرنا جمعا
بينها وبين صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة وغيرها من الأخبار الدالة على نجاسته وكيف كان فالرواية صريحة في العفو عن دم الرعاف الذي
يشبه البراغيث ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين ما لو كان مجموعه أقل من الدرهم أو أكثر نعم لا يبعد دعوى انصراف الاطلاق عما
595

لو تفاحش الدم نظرا إلى ندرة فرض بلوغ ما يصيب الثوب من دم الرعاف شبه النضح الموجب لشباهته بدم البراغيث مرتبة التفاحش وكون
العفو عنه دون مقدار الدرهم إذا كان مجتمعا مستبعدا فيكون الاستبعاد المغروس في الذهن بضميمة ندرة الفرض منشأ لصرف الاطلاق
وليس تنظيره بدم البراغيث لدى ورد التصريح بنفي البأس عن كثيره منافيا لذلك لأن التشبيه انما وقع بين حكميهما لابين الموضوعين حتى يقتضى
اطلاق التشبيه عموم المنزلة كما لا يخفى على المتأمل والحاصل ان دعوى خروج فرض التفاحش من منصرف هذه الرواية فضلا عن غيرها من
الأخبار المتقدمة غير بعيدة فيشكل بالنسبة إليه رفع اليد عن عمومات الإزالة فيتجه بذلك اختيار القول الثالث والا فلا دليل عليه بالخصوص
عدا المرسل المحكى عن دعائم الاسلام عن الباقر والصادق عليهما السلام انهما قالا في الدم يصيب الثوب يغسل كما تغسل النجاسات ورخصا
في النضح اليسر منه ومن سائر النجاسات مثل دم البراغيث وأشباهه قال لا فإذا تفاحش غسل وهو مع ضعف سنده لا يصلح الا للتأييد وكيف
كان فالقول باعتبار عدم التفاحش لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط بل لا ينبغي ترك الاحتياط بإزالة ما زاد عن المقدار المعفو عنه في الدم المتفرق
أيضا خصوصا إذا كان في ثوب واحد فان القول بوجوبها في الفرض لا يخلو من وجه وان كان الأوجه ما عرفت والله العالم * (فروع الأول) *
لو أزيل عين الدم المعفو عنه من الثوب بفرك ونحوه فالظاهر بقاء حكمه أي العفو عنه فان الأصل بقاء الثوب على ما كان عليه من جواز الصلاة فيه و
يدل عليه أيضا الأخبار المتقدمة بالفحوى * (الثاني) * لا يلحق بالدم المايع المتنجس به لعدم الدليل عليه دعوى عدم زيادة حكم الفرع عن أصله غير مسموعة
في الاحكام التعبدية * (نعم) * لو وقع مايع طاهر في الدم واستهلك فيه بحيث لم يخرج الدم من مسماه لم يتغير حكمه وكذا لو أصاب الثوب المتنجس بالدم المعفو
عنه مايع طاهر فتنجس ولم يكن مؤثرا في زيادة نجاسة الثوب على وجه يستند إليه عرفا انفعاله بالمتنجس كما لو وقع قطرة ماء على المكان النجس
ولم يتعد إلى ما حوله بمقدار يعتد به عرفا أو القى الثوب المتنجس بالدم في ماء كر واخرج مع بقاء عين الدم فيه أو اصابه المطر كذلك فالظاهر بقائه
على ما كان إذ لم يتغير الموضوع عرفا فليستصحب حكمه والله العالم * (الثالث) * لو تردد الدم الذي رأى في الثوب بين كونه مما عفى عنه أو من دم
الحيض ونحوه استصحب جواز الصلاة في الثوب ولا يصح في مثل المقام من الشبهات الموضوعية التي لم يكن الشك فيها ناشيا من اجمال المخصص
التمسك بعمومات الإزالة كما تقرر في محله وكذا لو تردد بين كونه أقل من الدرهم أو أكثر لا لأجل الجهل بمقدار الدرهم الذي عرفت فيما سبق حكمه بل
لعوارض خارجية كما لو كان كخط مستطيل أو كان متفرقا وقلنا باعتبار التقدير في الدم المتفرق أيضا فتردد بواسطة استطالته أو تفرقه بين
الأقل والأكثر فلا يمكن احراز أحد الوضعين بالأصل لأن الأصل لا يجدي في تشخيص مقدار الحوادث فالمرجع استصحاب جواز الصلاة في
الثوب ان كان مسبوقا بالعلم واستصحاب المنع ان كان مسبوقا بالمنع كما لو كان في السابق مشتملا على دم كثير فأزيل عنه وبقى مقدار يسير منه
مردد بين كونه أقل من الدرهم أو أكثر ولو لم يكن له حالة سابقة معلومة أو منع من استصحابها مانع كما لو كان من أطراف الشبهة المحصورة
وجبت ازالته لقاعدة الاشتغال وكذا الكلام في الفرض السابق لو فرض تعذر استصحاب جواز الصلاة في الثوب بواسطة العلم الاجمالي
أو غيره من الموانع وقد يقال في مثل المقام بابتنائه على أن طهارة الثوب هل هي شرط في الصلاة أو ان نجاسته مانعة منها فعلى الأول يجب
احرازها وعلى الثاني لم يجب لأصالة عدم المانع وفيه ما تقرر في محله من أنه لم يتحقق لهذا الأصل مستند عدا الاستصحاب والمفروض عدم جريانه
في المقام لعدم العلم بالحالة السابقة أو لكونه من أطراف العلم الاجمالي واستصحاب عدم حدوث ما يمنع المكلف من الدخول في الصلاة لا يجدي
في اثبات عدم مانعية النجاسة الموجودة إذ لا اعتداد بالأصول المثبتة كما تقدم تحقيقه في باب الوضوء في مسألة ما لو شك في وجود الحاجب
أو حاجبية الموجود عن وصول الماء إلى البشرة فراجع ولكنك ستعرف في كتاب الصلاة في مسألة الصلاة فيما يشك في كونه مما يؤكل لحمه انه على
القول بالمانعية لا حاجة إلى احراز عدم مانعية الموجود كي يكون من الأصول المثبتة فبناء المسألة على ذلك لا يخلو من قوة * (الرابع) * لو اجتمع
الدم وتراكم بعضه على بعض أشكل استفادة العفو عما دون الدرهم منه من النصوص والفتاوى لامكان انصرافها دعوى عن ذلك فالأحوط التجنب
عنه إذا اجتمع بقدر الحمصة وما زاد كما نبهنا عليه في توجيه رواية مثنى بن عبد السلام الواردة في دم حكة الجلد * (الخامس) * لو تفشى الدم من
أحد جانبي الثوب إلى الاخر فدم واحد على الظاهر بنظر العرف * (نعم) * لا يبعد صدق الدم المتعدد في بعض فروضه [فح] يراعى التقدير بالنسبة إلى
مجموع الجانبين بناء على فرض الانضمام والا فكل منهما دم مستقل يراعى حكمه والله العالم ويجوز الصلاة فيما لا يتم الصلاة فيه منفردا وان كان
فيه نجاسة لم يعف عنها في غيره مما يتم الصلاة فيه منفردا بلا خلاف فيه في الجملة بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويشهد له جملة من الاخبار منها
موثقة زرارة عن أحدهما قال كلما كان لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس ان يكون عليه الشئ مثل القلنسوة والتكة والجورب وعن عبد الله
ابن سنان عمن اخبره عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال كل ما كان على الانسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس ان يصلى فيه وان كان فيه
قذر مثل القلنسوة والتكة الكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك ومرسلة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يصلى في الخف الذي
قد اصابه قذر قال إذا كان مما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس ومرسلة ابن أبي البلاد عن أبي عبد الله قال لا بأس بالصلاة في الشئ الذي لا تجوز
596

الصلاة فيه وحده يصيبه القذر مثل القلنسوة والتكة والجورب وخبر زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان قلنسوتي وقعت في بول فاخذتها
ووضعتها على رأسي ثم صليت فقال لا بأس وعن الفقه الرضوي ان أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخف منى أو بول أو دم أو غائط
فلا بأس بالصلاة فيه وذلك أن الصلاة لا تتم في شئ من هذه وربما استشعر من عبائر بعض القدماء كالراوندي وأبى الصلاح وسلار حيث
اقتصروا على القلنسوة والتكة والجورب والخف والنعل الخلاف في الكلية المزبورة ولعل مرادهم التمثيل والا فلفظة كلما ومثل وما أشبه ذلك الواردة
في النصوص حجة عليهم ثم إنه قد حكى عن الصدوق انه عد العمامة من جملة مالا يتم فيه الصلاة وحده كما في الفقه الرضوي وحمله بعض على إرادة
العمامة الصغيرة التي لا يمكن التستر بها وفيه مالا يخفى إذ كيف يمكن تنزيل الاطلاق على إرادة مثل هذا الفرد الذي لم يعلم كونه مصداقا حقيقيا
للمطلق وربما قيل في توجيهه بان العمامة ما دامت باقية على هيئتها لا يمكن التستر بها ولا عبرة بامكانه على تقدير تغيير الهيئة وخروجها من مصداق
العمامة والا فيمكن فرضه بالنسبة إلى القلنسوة ونحوها أيضا و * (فيه) * مالا يخفى من الفرق بين الامكانين فان تغيير هيئة العمامة والاتزار بها
ليس امرا خلاف المتعارف بخلاف القلنسوة بل لنا ان نقول إن المتبادر من النصوص والفتاوى انما هو جواز الصلاة في كل ثوب لا تتم الصلاة فيه
وحده والعمامة في حد ذاتها ثوب قابل لأن يلف على الرأس فيصدق عليه اسم العمامة أو يشد على الوسط ويتستر به فيطلق عليه اسم المئزر فهو في
حد ذاته ثوب يجوز الصلاة فيه وحده ويحتمل قويا ان الصدوق استظهر من الروايات دوران الجواز والمنع مدار ساترية الثوب بالفعل وعدمها
فكل ثوب لبسه المصلى ان كان ساترا لعورته بحيث جاز له الصلاة فيه وحده وجبت إزالة النجاسة عنه والا لم يجب فلا يجب ازالتها عن العمامة بل
وكذا القميص القصير الغير الساتر للعورة وان أمكن التستر به بشدة على الوسط فالمدار على جواز الصلاة فيه وحده بالفعل لا بالفرض كما أنه يحتمل
ان يكون عد العمامة في الرضوي مما لا يتم الصلاة فيه وحده بهذه الملاحظة وهذا المعنى وان لم يكن ارادته من مثل قوله (ع) كل ما لا يجوز الصلاة
فيه وحده فلا باس ان يكون عليه الشئ بعيدا لكن المتبادر منه خصوصا بملاحظة ما في الروايات من التمثيل بالتكة والقلنسوة ونحوهما المشعر
بكون وجه عدم الجواز صغر الثوب لا عدم التسترية بالفعل انما هو إرادة التوصيف بالنظر إلى نفس الثوب من حيث هو لا بملاحظة كونه بالفعل ساترا
أو غير ساتر ولا سيما بعد اعتضاده بفهم الأصحاب وفتواهم * (فنوهم) * إرادة المعنى الأول من اخبار الباب ضعيف فعد العمامة ونحوها مما لا تتم الصلاة
فيه منفردا في غير محله والرضوي بنفسه لا يصلح دليلا لاثبات ذلك خصوصا مع مخالفته لفتوى الأصحاب مع أن في العدول من التمثيل بالعمامة إلى
التمثيل بالقلنسوة في الأخبار السابقة تنبيها على عدم العفو عن العمامة كما لا يخفى * (تنبيهات الأول) * مقتضى اطلاق المتن وغيره عدم الفرق
فيما لا يتم الصلاة فيه وحده بين كونه ملبوسا أو محمولا بل قضية تخصيصهم الحكم بوجوب الإزالة في صدر المبحث بالثوب والبدن خروج المحمول
من موضوع هذا الحكم وعدم وجوب الإزالة عنه مطلقا سواء كان مما تتم الصلاة فيه وقد عرفت فيما سبق انه لا يخلو عن قوة * (ثم) * ان قلنا بعدم
جواز حمل المتنجس يمكن التفصيل فيه أيضا كالثوب بين مالا يتم فيه الصلاة وبين غيره لقوله (ع) في مرسلة ابن سنان المتقدمة كلما كان على الانسان
أو معه [الخ] فان ظاهره إرادة المحمول بما معه وربما يستدل له أيضا بالأولوية وفيها تأمل وحكى عن غير واحد من الأصحاب المنع من حمل المتنجس [مط]
وتخصيص التفصيل بين ما يتم فيه الصلاة وما لا يتم بالملابس وربما تكلفوا في توجيه المرسلة بما لا ينافي مذهبهم أو أجابوا عنها بضعف السند
وعن بعضهم تقييد الملابس أيضا بما إذا كانت في محالها فلو لبس القلنسوة في رجله والجورب في يده لم يعف عنه بدعوى ان هذا هو المتبادر من
أدلته وفيه ان هذه الدعوى انما تتجه لو كان الوارد في الاخبار نفى البأس عن القلنسوة ونحوها من حيث هي لكنه ليس كذلك فان ذكر القلنسوة
وغيرها في الروايات من باب المثال فالمدار على كون ما لبسه المصلى شيئا لا يتم فيه الصلاة سواء كان لبسه لذلك الشئ على النحو المتعارف فيه أم لا غاية الأمر
انه متى لبس الجورب مثلا في يده يكون كثوب جديد مخترع لليد بهذه الكيفية ولا ضير فيه كما هو واضح الثاني مقتضى اطلاق النصوص والفتاوى
كما هو صريح بعضهم عدم الفرق في النجاسة الكائنة في الثوب الذي لا تتم الصلاة فيه وحده بين أن تكون من فضلات غير المأكول كبوله وروثه مع
بقاء عينها فيه وبين غيرها من النجاسات والمتنجسات وهو لا يخلو من اشكال لمعاوضة اطلاق اخبار الباب لاطلاق موثقة ان بكير المتقدمة في
المسألة السابقة التي وقع فيها التصريح بعدم جواز الصلاة في بول غير المأكول وروثه وألبانه وكل شئ منه وليس تقييد تلك الموثقة بما إذا كانت
الفضلات في الثوب الذي يتم فيه الصلاة بأهون من حمل هذه الروايات على إرادة بيان عدم مانعية النجاسة من حيث هي في الثوب الذي لا تتم
الصلاة فيه اللهم الا ان يقال باعتضاد اطلاق هذه الروايات بفهم الأصحاب وفتواهم هذا مع امكان ان يدعى ان المتبادر من قوله (ع) في موثقة
زرارة المتقدمة فلا بأس ان يكون عليه الشئ مطلق الشئ الذي لا يجوز مصاحبة في الصلاة أعم من النجاسة ومن فضلات غير المأكول كما
يؤيد ذلك بل يشهد له رواية الحلبي الآتية الدالة على جواز الصلاة فيما لا يتم فيه الصلاة وحده فيكون هذه الموثقة بل وكذا الرواية الآتية
باطلاقها حاكمة على الروايات الدالة على اشتراط طهارة الثوب وخلوه من فضلات غير المأكول لكونها ناظرة إليها وكيف كان فالاحتياط
مما لا ينبغي تركه والله العالم الثالث يظهر من بعض بل ربما يستظهر من المشهور اطلاق العفو عما لا تتم الصلاة فيه وان كان متخذا من أعيان
597

النجاسات كالخف المتخذ من جلد الميتة والقلنسوة المنسوجة من شعر الكلب والخنزير ويشكل ذلك بما دل على عدم جواز الصلاة في الميتة مطلقا
حتى في شسع النعل مثل ما رواه ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام في الميتة قال لا تصل في شئ منه ولا في شسع وما رواه الحلبي قال سألت
أبا عبد الله (ع) عن الخفاف التي تباع في السوق فقال اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميت بعينه وخبر علي بن حمزة ان رجلا سئل أبا عبد الله (ع)
وانا عنده عن الرجل يتقلد السيف ويصلى فيه قال نعم فقال الرجل ان فيه الكيمخت قال وما الكيمخت فقال جلود دواب منه ما يكون ذكيا ومنه
ما يكون ميتة فقال ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه وموثقة سماعة بن مهران انه سئل أبا عبد الله (ع) في تقليد السيف في الصلاة وفيه الفراء
والكيمخت فقال لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة ومكاتبة عبد الله بن جعفر إلى أبي محمد عليه السلام يجوز للرجل ان يصلى ومعه فارة المسك فكتب لا بأس
به إذا كان ذكيا ولا تعارض هذه الروايات الأخبار المتقدمة النافية للباس عن الصلاة فيما لا يتم فيه الصلاة إذا كان عليه شئ من القذر
لا لمجرد كون هذه الأخبار أخص من تلك الروايات بل لظهور تلك الأخبار في إرادة المتنجس وانصرافها عما إذا كان الثوب بنفسه متخذا من نجس
العين فمن هنا قد يقوى في النظر عدم العفو عن اجزاء الميتة من غير فرق بين حملها ولبسها أو جعلها جزء من الملبوس بل ولا العفو عن الثوب المتخذ
من نجس العين كالكلب والخنزير فإنه مع ما عرفت مما فيه من الاشكال من حيث كونه من فضلات غير المأكول خارج من منصرف الأخبار الدالة
على الجواز لكن الأخبار المانعة من استصحاب اجزاء الميت ربما يعارضها موثقة إسماعيل بن الفضل قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن لباس
الجلود والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا لم تكن من ارض المصلين (المسلمين) فقال النعل والخفاف فلا بأس بهما ولا يخفى عليك ان النعل والخفاف المصنوعة
في غير ارض المصلين محكومة بكونها ميتة لأصالة عدم التذكية فالرواية بضميمة هذا الأصل كادت تكون صريحة في الجواز من غير فرق بين
ان يكون مقصود السائل هو السؤال عن حكمها بلحاظ كونها ميتة أو احتمال كونها من غير المأكول وقيام احتمال كون ما يؤتى به من ارض الكفار
من جلد غير المأكول يصحح الاستدلال بالرواية للعفو عن اجزاء غير المأكول فيما لا يتم فيه الصلاة بواسطة ترك الاستفصال مع اطلاق نفى البأس
عن النعل والخفاف اللهم الا ان يكون اتخاذهما من جلد غير المأكول خلاف المتعارف وكيف كان فالقدر المتيقن انما هو دلالة الرواية على
جواز الصلاة في النعل المتخذ ممن لا يعتد بتذكيته ولا يحل اكل ما في يده من اللحوم وان احتمل كونه مذكى لأصالة عدم التذكية نعم لو منعنا
جريان اصالة عدم التذكية وقلنا بان محتمل التذكية بحكم المذكى أشكل الاستدلال بالرواية للمدعى لامكان تنزل اطلاق نفى البأس على
صورة الشك في التذكية وكون التفصيل بين النعل والخفاف وغيرهما من لباس الجلود بواسطة احتمال كونها من غير المأكول فليتأمل ويدل
على نفى البأس عنه أيضا رواية الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال كل ما لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف
والزنار يكون في السراويل ويصلى فيه فان الجمع بين التمثيل للقاعدة المذكورة في الرواية بالخف وغيره مع أن احتمال مانعية الخف من الصلاة
بحسب الظاهر انما هو بلحاظ كونه جلد الميتة أو متنجسا أو من غير المأكول فذكره في عداد الأمثلة يكشف عن أن المقصود بالكلية ليس بيان ضابطة
في خصوص الحرير بل هي قاعدة مسوقة لبيان اختصاص الشرايط التي اعتبرها الشارع في لباس المصلي بما يتم فيه الصلاة دون غيره وان شئت قلت إن
مقتضى عموم قوله كل مالا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه انما هو جواز الصلاة في كل شئ من شأنه عدم جوازها فيه لو كان
مما يتم فيه الصلاة وذكر الأمثلة مع اختلاف جهات المنع فيها يؤكد هذا العموم ولا يعارضه شئ من الأخبار الدالة على اشتراط الطهارة أو
كونه غير ميتة أو غير مأكول لحكومة مثل هذا العموم على مثل هذه الأدلة لكونه بمدلوله اللفظي ناظرا إليها كما لا يخفى نعم انما يعارضه كالموثقة المتقدمة
الأخبار الخاصة المتقدمة الدالة على عدم جواز الصلاة في اجزاء الميتة ولو في شسع نعل أو قلادة سيف أو نحوهما مما لا يتم فيه الصلاة وربما
يجمع بين هاتين الروايتين وبين اخبار المنع بحمل تلك الأخبار على الكراهة وهو لا يخلو من اشكال فان رفع اليد عن ظواهر تلك الأخبار بهاتين
الروايتين مشكل اما رواية الحلبي فواضح فان التصرف فيها بحملها على مالا ينافي تلك الأخبار أهون من عكسه فان تلك الأخبار أخص من
هذه الرواية فيخصص بها عمومها ولا ينافيه التمثيل بالخف حيث إن الغالب اخذه من سوق المسلمين ويدهم التي هي امارة التذكية فالشك في
مانعية من الصلاة غالبا لا يكون الا لاشتماله على النجاسة العرضية أو كونه من غير المأكول فليتأمل واما الموثقة فهي وان كانت قوية الدلالة على الجواز
لكنها مع معارضتها باخبار المنع قد يعارضها ما دل على عدم جواز الانتفاع بجلد الميتة فمن هنا قد يغلب على الظن إرادة نفى البأس عن النعل والخفاف
لدى عدم العلم بكونهما من الميتة فكان الشارع الغى في المورد اعتبار اصالة عدم التذكية لا انه أباح الصلاة فيما علم كونه ميتا حتى يعارض الأخبار المتقدمة
ولا ينافيه التفصيل بين النعل والخف وبين لباس الجلود لامكان ان يكون المنع عن لباس الجلود بلحاظ احتمال كونها من غير المأكول
وهذا الاحتمال بالنسبة إلى النعل والخف اما غير معتنى به لضعفه أو غير مضر لكونه مما لا يتم فيه الصلاة كما هو أحد القولين في المسألة وكيف
كان فرفع اليد عن ظواهر تلك الأخبار بهذين الخبرين في غاية الاشكال اللهم الا يعضدهما فهم الأصحاب وفتواهم لكن الشان انما هو في
استكشاف فتواهم من كلماتهم بالنسبة إلى هذه الفروع فإنها لا تخلو عن اضطراب فلابد فيه من مزيد تتبع وتأمل فالمسألة موقع تردد والله
598

العالم بحقايق احكامه وتعصر الثياب ونحوها مما يرسب فيه الماء ويقبل العصر من النجاسات كلها على المشهور شهرة قوية كما عن بعض دعواها
بل عن ظاهر المنتهى دعوى اجماعنا عليه حيث نسب الخلاف فيه إلى ابن سيرين وعن جماعة من المتأخرين التردد فيه وعن بعضهم الجزم بالعدم واحتج
عليه في محكى المعتبر بان النجاسة ترسخ في الثوب فلا تزول الا بالعصر وبان الغسل انما يتحقق في الثوب ونحوه بعصره وبدونه يكون صبا لا غسلا
واستدل عليه أيضا في محكى المنتهى بان الماء ينجس بملاقاة الثوب فيجب ازالته بقدر الامكان وبرواية أبي العباس الصحيحة عن أبي
عبد الله عليه السلام قال إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وان مسه جافا فاصبب عليه الماء ورواية الحسين بن أبي العلا
عن أبي عبد الله (ع) قال وسئلته عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين وسئلته عن الصبي يبول على الثوب قال تصبب عليه الماء قليلا
ثم تعصره قال صاحب المدارك بعد نقل ما سمعته من المعتبر والمنتهى هذا نهاية ما استدلوا به على هذا الحكم وفى الجميع نظر اما الأول فلانه انما
يقتضى وجوب العصر إذا توقف عليه اخراج عين النجاسة ولا ريب فيه لكن المدعى أعم من ذلك فلا يصلح مستندا لايجاب العصر على وجه العموم
واما الثاني فلانا لا نسلم دخول العصر في مفهوم الغسل لغة أو عرفا بل الظاهر تحققه بالصب المشتمل على الاستيلاء والجريان والانفصال
سواء عصر أم لا واما الثالث فلانا نمنع نجاسة الماء مع وروده على النجاسة لانتفاء الدليل عليها كما بيناه فيما سبق سلمنا النجاسة لكن اللازم
من ذلك الاكتفاء بما يحصل به الإزالة وان كان بمجرد الجفاف فلا يتعين العصر وما قيل من انا نظن انفصال اجزاء النجاسة مع الماء بالعصر
بخلاف الجفاف المجرد فدعوى مجردة عن الدليل على أنه يمكن ان يقال بطهارة المتخلف من الماء على المحل المغسول مع العصر وبدونه لعموم الأدلة
على طهارته بالغسل المتحقق بصب الماء على المحل مع استيلائه عليه وانفصاله عنه وقد اعترف الأصحاب بطهارة المتخلف في المحل المغسول بعد العصر
وان أمكن اخراجه بعصر ثان أقوى من الأول والحكم واحد عند التأمل واما الروايتان فلا دلالة لهما على المدعى بوجه اما الأولى فلأنها انما تدل
على مغايرة الغسل للصب ولا كلام فيها خصوصا مع تصريحهم بان المراد بالصب الرش واثبات المغايرة بينهما لا يتوقف على اعتبار العصر في
الغسل كما بيناه واما الثانية فلأنها انما تضمنت الامر بالعصر في بول الصبي والظاهر أن المراد به الرضيع كما يدل عليه الاكتفاء في طهارته بصب
الماء القليل عليه مع اعتبار المرتين في غيره وهى متروكة عند الأصحاب ويمكن حملها على الاستحباب أو على أن المراد بالعصر ما يتوقف عليه اخراج
عين النجاسة من الثوب فان ذلك واجب قطعا وكيف كان فلا يتم الاستدلال بها على المطلوب ولو قيل بعدم اعتبار العصر الا إذا توقف
عليه زوال عين النجاسة كان قويا ومال إليه شيخنا المحقق سلمه الله [تع] انتهى * (أقول) * لا يبعد ان يكون مراد المستدل بالروايتين اثبات
اعتبار الغسل المقابل للصب في إزالة الخبث دفعا لتوهم الاجتزاء بالأهم منهما كما في الغسل المعتبر في رفع الاحداث فتمامية الاستدلال بهما موقوفة
على مقدمة مسلمة عند المستدل وقد اعترف بها المعترض في طي كلماته وهى توقف صدق الغسل المقابل للصب على استيلاء الماء على المحل
وانفصاله عنه فزعم المستدل انه لا يتحقق الانفصال المعتبر في مفهوم الغسل المقابل للصب في الثوب ونحوه مما يرسب فيه الماء الا بالعصر
فلو صب الماء على ثوب محشو بالقطن إلى أن ارتوى وسال عنه الماء لا يخرج بذلك من كونه مصداقا للصب المقابل للغسل إذ المعتبر في
تحقق الغسل انما هو انفصال الغسالة لا انفصال الفضالة وغسالة ما في جوفه من القطن انما تنفصل بالعصر ونحوه لا باكثار الماء
فمرجع الاستدلال بالروايتين بهذا التقريب إلى الدليل الثاني الذي ذكره في المعتبر لكنه متضمن لاثبات صغراه من غير تعرض لكبراه
لفرض التسالم عليه عكس ما في المعتبر وكيف كان فان أراد المستدل هذا المعنى فسيأتي التكلم فيه وان أراد اثبات اشتراط العصر بمجرد
جعل الغسل قسيما للصب أو الامر به في ذيل الرواية الثانية ففيه ما سمعته من صاحب المدارك وأوجه من ذلك اعتراضه على الدليل الأول ضرورة
انه ان تم وانما هو في النجاسات العينية الراسخة في الثوب دون الحكمية التي ليس لها قذارة محسوسة نعم لو أريد بالنجاسة الراسخة الماء
المتنجس بملاقاة الثوب عند استعماله في تطهيره اتجه كلامه بارجاعه إلى الدليل الثالث المحكى عن المنتهى وهو عمدة ما ركن إليه أغلب المتأخرين
الذين وافقوا المشهور ومقتضاه التفصيل بين الغسل بالماء القليل وغيره كما اشتهر بينهم وكيف كان فالمهم في المقام أولا انما هو تحقيق مفهوم
الغسل وتمييز ما يتوقف عليه هذا المفهوم إذ لا شبهة نصا وفتوى في اعتبار عنوان الغسل في حصول الإزالة وعدم كفاية مطلق الصب
فيما عدا ما استثنى كما شهدت به الروايتان المتقدمتان * (فنقول) * اما غسل الثوب الوسخ بالماء كغسل اليد القذرة فهو عرفا ولغة ليس الا
تنظيفه وإزالة وسخه باستعمال الماء بوضعه مثلا في إناء وصب الماء عليه واستعمال بعض المعالجات المؤثرة في انتقال وسخه إلى الماء من
الفرك والدلك والعصر واستعمال الصابون والأسنان ونحوهما فمتى أزيل وسخ الثوب بانتقاله بنفسه أو بعلاج إلى الماء المستولي عليه فقد غسل
الثوب وتطهر سواء اخرج بعد ذلك من الماء المغسول به أم بقي فيه فاخراج الثوب من الماء فضلا عن استخراج الماء الباقي فيه بعد اخراجه
بالعصر ونحوه امر أجنبي عن مهية الغسل بل هو من مقدمات تجفيفه لا ربط له بغسله أصلا والذي يمكن ان يتوهم كونه معتبرا في مفهوم الغسل
هو الفرك والدلك ونحوهما من المعالجات الحاصلة في خلال الغسل عند استيلاء الماء على المحل المؤثرة في ثقل الوسخ إلى الماء لا العصر
599

الحاصل بعده الذي لا يقصد به غالبا الا تجفيف الثوب وان كان الأظهر فيها أيضا خروجها من حقيقة الغسل وكونها من مقدمات حصول
مفهومه لا من مقومات مهيته والحاصل ان ما يتوقف عليه الغسل شطرا أو شرطا انما هو هذه المعالجات التي لها دخل في انتقال الوسخ
إلى الماء ما دام التشاغل بالغسل ولا شبهة بل لا نزاع في اعتبارها في طهارة الثوب على تقدير كون نجاسته عينية متوقفة ازالتها
على استعمال مثل هذه المعالجات كما أنه لا نزاع في عدم الحاجة إليها على تقدير كون النجاسة حكمية أو بمنزلتها في عدم احتياج خلوص
المحل منها إلى اعمال مثل هذه المعالجات وانما الكلام في اعتبار العصر بعد انتقال القذارة إلى الماء وهذا امر أجنبي عن مهية الغسل لابد
في اثبات وجوبه من التماس دليل اخر غير أوامر الغسل لكن القائل ان يقول إن حصول غسل الثوب واتصافه بالنظافة بمجرد انتقال وسخه
إلى الماء وخلوصه بنفسه من القذارة الراسخة فيه انما هو فيما إذا لم يستقذر الماء المستولي عليه بما انتقل إليه بان استهلك القذر
في الماء وبقى الماء على نظافته واما إذا تغير الماء به وصار قذرا فلا يحصل غسل الثوب وتنظيفه الابعد تخليصه من غسالته بالعصر
وشبهه بحيث لم يبق فيه من غسالته الوسخة بشئ يعتد به في العرف وحيث انا علمنا بما دل على انفعال الماء القليل بملاقاة النجس ان
الماء الذي يغسل به الثوب ينجس بملاقاته عرفنا انه كالماء الوسخ الذي اكتسب القذارة من الثوب في المانعية من اتصاف الثوب
بالطهارة ما دام مشغولا بذلك الماء فلا يتحقق غسله ولا يوصف بالنظافة الا بعد انفصال غسالته عنه باستخراجه بالعصر أو
ما هو بمنزلته من تثقيل ونحوه لا بتجفيفه بالشمس أو الريح ونحوهما فان هذا لدى العرف تثبيت للقذارة ولا يعد إزالة لكن هذا
إذا كان الغسل بالماء القليل الذي ينفعل بالملاقاة دون الكثير ونحوه ومن هنا يتجه التفصيل بين الغسل بالماء القليل وغيره كما اشتهر
بين المتأخرين والانصاف ان هذه الدعوى وجيهة الا انها مبنية على القول بنجاسة الغسالة فلا تتم على القول بطهارتها أو طهارة
الماء الوارد كما انها لا تطرد على ما نفينا عنه البعد فيما سبق من عدم كون المتنجسات الجامدة الخالية من أعيان النجاسات مؤثرة في تنجيس
ما يلاقيها فالمتجه [ح] اشتراط العصر في كل مورد حكمنا فيه بنجاسة غسالته لا مطلقا كما أن مقتضى الدليل الثالث المحكى عن المنتهى ليس
الا ذلك فالقول بعدم وجوبه بناء على طهارة الغسالة لا يخلو من قوة ولكن الأقوى اعتباره مطلقا الا ان يدل دليل على خلافه
فانا وان أنكرنا كون العصر بل وكذا انفصال الغسالة معتبرا في مفهوم الغسل لكن ليس لنا انكار كون الغسل عرفا ولغة أخص من
مطلق استيلاء الماء على المحل ضرورة ان غسل الثوب عبارة عن تنظيفه وإزالة وسخه فلا يتحقق غسل الثوب الوسخ بمجرد القائه في
الماء أو اجراء الماء عليه وكون القذارة الشرعية الحكمية امرا معنويا غير محسوس لدينا لا يستلزم ان يتحقق غسلها بمجرد استيلاء الماء
على المتنجس لجواز ان يتوقف ازالتها على ما يتوقف عليه إزالة القذارات الحسية من الفرك والدلك ونحوهما فلولا معروفية عدم
اعتبار مثل هذه الأمور في غسل النجاسات الحكمية بالاجماع وغيره لاشكال علينا نفى اعتبارها فان المتبادر من الامر بغسل الثوب
المتنجس الذي لا نعقل نجاسته ليس الا إرادة الطبيعة التي من شأنها إزالة الوسخ لا مطلق اجراء الماء عليه فحالنا بالنسبة إلى
القذارات الحكمية حال الأعمى المأمور بغسل الثوب الملطخ بالدم في أنه يجب عليه الاحتياط حتى يقطع بنظافته نعم لو لم يكن مفهوم الإزالة
مأخوذا في مهية الغسل وكان الغسل اسما المطلق ايصال الماء إلى الشئ أو اجرائه عليه لم يجب عليه الا ايجاد مسماه لكنه ليس كذلك
فلو امر المولى عبده بغسل ثوب نظيف يتنفر طبعه عن لبسه بواسطة بعض الأشياء المقتضية له ككونه ثوب ميت ونحوه ليس للعبد الاجتزاء
في امتثاله بمجرد طرحه في الماء واخراجه لانصراف الامر بالغسل عن مثل هذا الفعل قطعا بل عدم كونه مصداقا للغسل عرفا * (نعم) * لو عصره
بعد اخراجه أو فركه في ماء كثير ليس من شأنه التغير بالقذارات لا يبعد صدق اسم الغسل عليه لدى العرف فان لاستخراج ما جذبه الثوب
من الماء بالعصر ونحوه تأثير في النفس في رفع التفرة الحاصلة للطبع من هذا النحو من القذارات الحكمية التي ليس لها حقيقة متأصلة و
القذارات الحكمية الشرعية أيضا لا يبعد أن تكون من هذا القبيل فيحتمل ان يكون للعصر وشبهه دخل في ازالتها فيجب والحاصل ان مفهوم
النظافة والنزاهة حقيقية كانت أو حكمية اجمالا مأخوذ في مهية الغسل فلابد من القطع بحصوله في رفع اليد عن استصحاب النجاسة ولا يحصل
القطع بذلك الا بالعصر فيما يتعارف عصره لدى غسله من الثياب ونحوها فيجب ولعله إلى هذا نظر من قال في العبارة المتقدمة من
المدارك انا نظن انفصال اجراء النجاسة مع الماء بالعصر بخلاف الجفاف المجرد يعنى تخيل انفصالها بالعصر وقد عرفت ان هذه الدعوى
في محلها فما أورده عليه صاحب المدارك من أنه دعوى بلا دليل في غير محله مع أن قوله موافق للأصل فعلى خصمه القائل بكفاية مطلق
الانفصال اثباته ومما يؤيده اشتراط العصر ما عن الفقه الرضوي قال وان أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة ومن ماء
راكد مرتين ثم اعصره وان كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبا وان كان قد اكل الطعام فاغسله لكن ظاهره اعتبار
عصره بعد الغسلتين في البول الذي يعتبر في غسله العدد لا العصر في كل غسلة كما هو ظاهر المتن وغيره وقد اسند صاحب الحدائق
600

إليه في اثبات العصر والتزم بظاهره وفاقا لظاهر الصدوقين حيث عبرا بمضمون الرضوي وحكى عن بعض القول بكفاية عصرة عقيب الغسلة
الأولى ولعله ممن يقول بطهارة الغسالة في الغسلة المطهرة فيتجه [ح] قوله ببعض ما عرفت مع ضعفه والعجب من صاحب المستند حيث
استند في اثبات وجوب العصر إلى الرضوي ولكنه اجتزى بعصرة واحدة مخيرا بين توسيطها بين الغسلتين وتأخيرها عنها بدعوى
انجبار ضعف الرضوي بالنسبة إلى اثبات أصل العصر بالشهرة وعدم انجباره بالنسبة إلى خصوصية التي تضمنها وفيه مالا يخفى من عدم
امكان هذا النحو من التفكيك في مثل الرضوي الذي لا يحتاج إلى الجبر الا من حيث السند فهو في الحقيقة لم يستند في فتواه الا إلى نفس الشهرة
وكيف كان فهل يختص اعتبار العصر بما إذا غسل الثوب بماء غير معتصم فلو غسل في الكر أو الجاري أو بماء المطر لم يجب كما اشتهر بين المتأخرين
أم لا كما يقتضيه اطلاق غيرهم وجهان من الشك في تحقق مفهوم الغسل عرفا بدونه ومن اطلاق قول الصادق عليه السلام في مرسلة الكاهلي
كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر فان الرؤية تتحقق بدون العصر بلا شبهة ويثبت الحكم في الجاري بضميمة عدم القول بالفرق والظاهر عدم
القول بالفرق بينه وبين الكثير أيضا مضافا إلى قول أبي جعفر (ع) في المرسل المحكى عن المنتهى مشيرا إلى غدير ماء ان هذا لا يصيب شيئا الا
وطهره ويؤيده ما في بعض اخبار ماء الحمام انه بمنزلة الجاري فهذا الوجه لا يخلو من قوة * (ثم) * انا ان اعتبرنا العصر في الماء المعتصم فلا نلتزم
باعتباره بالخصوص بل نقول بكفاية كل فعل مؤثر في انتقال ما جذبه الثوب من الماء من غير حاجة إلى اخراجه من الماء وعصره فيكفي فركه
في الماء أو دلكه امرار اليد عليه وغير ذلك من المعالجات التي تستعمل الإزالة القذارات الحسية فإنه لا يبقى مع هذه المعالجات شك في
صدق اسم الغسل عليه عرفا بل تحقق مفهوم الغسل عند اعمال هذه المعالجات بنظر العرف أوضح من تحققه بمجرد ايصال الماء إلى الثوب
وعصره فلا ينبغي الاستشكال فيه بل وكذا لا ينبغي الاستشكال في كفاية مثل هذه الأمور في الغسل بالماء القليل لو لم نقل بنجاسة الغسالة
واما على القول بنجاستها فلابد من استخراج مائه بالعصر ونحوه لما عرفت انفا من أن قذارة الماء الراسخ في الثوب مانعة من تحقق مسمى الغسل
لدى العرف بعد علمهم بقذارة الماء لكن القدر الذي يمكن الالتزام باعتباره انما هو المقدار الذي يتعارف فعله في غسل الثوب من القذارات
الحسية أي العصر المتعارف لدى التطهير فلا يجب المبالغة في العصر للعفو عما يبقى في الثوب بعد عصره على النحو المتعارف لتبعيته للمغسول بنظر
العرف وعدم ممانعته من تحقق مفهوم الغسل فيدل على العفو عنه اطلاق ما دل على طهارة الثوب بغسله مرة أو مرتين إذ المفروض عدم
كون ما يبقى فيه لدى العرف مانعا من تحقق مفهوم الغسل ويدل عليه أيضا الاجماع واستقرار السيرة على عدم التجنب عما يتخلف في الثوب بعد
غسله * (ثم) * ان هذا كله في الثوب ونحوه مما يرسب فيه الماء ويتعارف عصره عند غسله واما ما لم يتعارف فيه ذلك لتعسره أو تعذره لكره
أو غلظته وصلابته كبعض الفرش الذي عند إصابة الماء إليه يشبه الخشبة في عدم قبوله للعصر أو لثخنه كالوسائد واللحف وغيرهما مما
فيه الحشو فلا اشكال في تطهيره بالماء العاصم فإنه يطهر بمجرد نفوذ الماء العاصم فيه واحاطته به لما عرفت ان الأقوى عدم اعتبار العصر
في التطهير بالماء العاصم ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بفعل ما يتحقق معه مسمى الغسل العرفي من فرك ودلك وتحريك في الماء وغير ذلك
مما يتعارف فعله عند تنظيفه من القذارة الصورية التي تنفصل عنه بسرعة واما لو غسل بالماء القليل فلابد من التحري في استخراج غسالته
بتثقيل أو تقليب أو دق أو غير ذلك من المعالجات بحيث لم يبق فيه من غسالته الا المقدار الذي لا يعتد به عرفا مما ثبت العفو عنه بالاجماع
وضرورة شرع التطهير بالماء القليل * (نعم) * لو لم نقل بنجاسة الغسالة اتجه الاكتفاء ببعض المعالجات التي يتحقق معها مسمى الغسل العرفي
وان لم ينفصل غسالته كما هو واضح * (هذا) * كله فيما لو أريد تطهير ما في جوف الفرش ونحوها واما لو أريد تطهير سطحها الظاهر فالظاهر
كفاية اجراء الماء على ظاهره وامرار اليد عليه بحيث تنفصل غسالة ظاهره وربما يستشعر بل يستظهر من بعض الأخبار الواردة في كيفية تطهير
الفرش ونحوها أوسعية الامر فيها مما عرفت وعدم وجوب استخراج ما رسخ فيها من الماء بالدق ونحوه كخبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع)
قال سئلته عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل قال (ع) يغسل الظاهر ثم يصب عليه الماء في المكان الذي اصابه البول
حتى يخرج من جانب الفراش الاخر وموثقة إبراهيم بن عبد الحميد قال سئلت أبا الحسن (ع) عن الثوب يصيبه البول فينفذ إلى الجانب الآخر
وعن الفرو وما فيه من الحشو قال اغسل ما أصاب منه ومس الجانب الآخر فان أصبت مس شئ منه فاغسله والا فانضحه بالماء وصحيحة إبراهيم بن أبي
محمود قال قلت للرضا (ع) الطنفسة والفراش يصيبهما البول كيف يصنع بهما وهو ثخين كثير الحشو قال يغسل ما ظهر منه في وجهه ولكن الانصاف
قصور هذه الأخبار عن إفادة الاجتزاء بما دون ما عرفت اما ما عدا رواية علي بن جعفر فواضح لعدم التنافي بينها وبين كون العصر أو انفصال
الغسالة النجسة المتوقف على العصر أوما يفيد فائدته مأخوذا في مفهوم الغسل واما رواية علي بن جعفر فلا مانع من الالتزام بمضمونها
في مثل موردها مما كان الفراش محشوا بالصوف لا يستقر غسالته فيه بل يخرج من طرفه الاخر من غير احتياجه إلى العصر وقد عرفت ان
اعتبار العصر ليس شرطا تعبديا حتى نلتزم بلزومه حتى فيما لا يتوقف انفصال غسالته عليه بقي الكلام في بعض الأشياء التي لا تنفصل عنها
601

الغسالة بنفسها ولا بالعصر أو الدق أو التغميز أو غير ذلك كالصابون والفواكه والخبز والسمسم والحنطة وغيرها من الجنوب وما جرى هذا المجرى
وقد وقع الخلاف والاشكال في تطهيرها إذا انتقعت في الماء المتنجس بحيث نفذت النجاسة في بواطنها واما لو لم ينجس الا سطحها الظاهر فلا
يمنع الاستشكال في طهارتها بغسلها على حد سائر الأجسام الصلبة الغير القابلة للعصر الا ان يكون مثل الخزف والتراب وغيرهما مما يرسب
فيه غسالته ولا ينفصل عنه فيتطرق فيه الاشكال [ح] من هذه الجهة وكيف كان فعن جملة من الأصحاب ان ما جرى هذا المجرى لا يطهر بالماء
القليل بل يتوقف طهارته على الغسل في الكثير واستشكله في المدارك أولا باستلزامه للحرج والضرر وثانيا بان ما يتخلف في هذه الأشياء
من الماء ربما كان أقل من المتخلف في الحشايا بعد الدق والتغميز وقد حكموا بطهارتها بذلك وثالثا بعدم تأثير مثل ذلك في المنع مع؟
اطلاق الامر بالغسل المتحقق بالقليل والكثير وعن الذخيرة بعد نقل ما في المدارك الاعتراض على ما ذكره ثالثا بقوله وفى الأخير نظر لأنه
ليس في الأدلة فيما اعلم ما دل على الامر بالغسل في كل مادة بحيث يشمل مورد النزاع لاختصاصها بالبدن والثوب وبعض الموارد الخاصة فتعدية
الحكم إلى غيرها تحتاج إلى دليل انتهى وأجيب عن ذلك بأنه يستفاد من تتبع الاخبار وكلمات الأصحاب ان كل جسم متنجس حاله حال الثوب
والبدن في قبوله للتطهير والتشكيك في ذلك سفسطة وكيف كان فالذي يقتضيه التحقيق ان ما كان من هذا القبيل فإن كان مما لا ينفذ
فيه الماء الا وهو خارج من حقيقته كالقند والسكر وما جرى هذا المجرى فهو كالمايعات المضافة غير قابل للتطهير لا بالقليل ولا بالكثير
وان لم يكن كذلك كالأمثلة المتقدمة فيطهر بغسله في الكثير النافذ في أعماقه بلا تأمل في ذلك بل عن بعض نفى الخلاف فيه نعم يظهر
من طهارة شيخنا المرتضى ره نوع تردد في قبول مثل الصابون والحنطة والسمسم وغيرها من الأمثلة المذكورة للتطهير بالكثير أيضا
نظرا إلى قوة احتمال كون ما ينفذ في أعماق مثل هذه الأشياء اجزاء لطيفة مائية يشك في صدق اسم الماء عليها أو انصرافه إليها فضلا
عن تحقق غلبتها على الاجزاء الباطنية التي هي مناط تحقق الغسل عرفا وذكر أيضا في ذيل كلامه في تقريب ما استشكله من طهارة مثل هذه
الأشياء بالغسل في الكثير ان الماء النافذ في أعماق الجسم لا يتصل بالكثير على وجه يصدق اتحاده معه عرفا حتى يصدق على المجموع
عنوان الكر أو الجاري الا ان يقال إن الاجماع منعقد على عدم انفعال المتصل بالكثير والجاري مطلقا الا ان يدعى ضعف الاتصال
بحيث يلحق عرفا بالانقطاع ولهذا فرضنا ان نجاسته عينية وقعت في الكثير وكان بعض جوانبه خارجا من الماء فنفذ الماء من الكثير إلى
ذلك الجانب فتقاطر على جسم فلا يلزم بقاء ذلك الجسم على الطهارة الا ان يقال إن غاية الأمر الشك في الاتحاد فيرجع إلى اصالة عدم
انفعال تلك الأجزاء فيطهر الباطن نعم يحصل الاشكال فيما لو انتقع الشئ بالماء ووقع في الكثير وفرضنا عدم نفوذ الكثير إلى أعماقه من جهة
وجود اجزاء المتنجس فيه [فح] لا يكفي مجرد اتصال تلك الأجزاء باجزاء الكثير اما على اعتبار الامتزاج فظاهر واما على مطلق الاتصال فلعدم تحقق
الاتحاد عرفا فالأحوط بل الأقوى لزوم تجفيف الجسم النجس أولا ثم وضعه في الكثير وأحوط من ذلك تجفيفه بالشمس ثانيا وأحوط من ذلك
وضعه في الكثير ثانيا وأحوط من الكل تجفيفه ثانيا انتهى كلامه رفع مقامه * (أقول) * لو كان المناط في تطهير هذه الأشياء صدق الماء المطلق على
ما نفذ في أعماقها مع اتصاله بالكر واتحاده معه عرفا بحيث يتقوى به فلا يكاد يتحقق هذا المناط في شئ من هذه الموارد ولا مجال للتشكيك في ذلك
حتى يتشبث في اثبات اتصاله واعتصامه بمادته بالأصول العملية بل هو مقطوع العدم الا ترى ان نفوذ الماء في الاجر أو الخزف
الجديدين اسرع واتصال ما نفذ فيه بأصله أقوى مما ينفذ في الصابون والحنطة مع أنه لا يشك أحد في عدم انفعال الماء الكائن في الأواني
الخزفية ونحوها مما يترشح منه الماء بوصول النجاسة إلى ظاهرها أو نجاسة سطحها الظاهر * (نعم) * ربما يتوهم العكس أعني انفعال ما رسب فيها
أو ظهر عليها بملاقاة ما فيها للنجس نظرا إلى ما عرفت في مبحث تفوق الماء السافل بالعالي من مساعدة العرف على عد الماء السافل متحدا
مع العالي من غير عكس بالتقريب الذي عرفته في محله لكن هذا التوهم أيضا ضعيف لضعف الاتصال بل استهلاك الاجزاء المائية
النافذة في الباطن وخروجها لدى العرف من كونها مصداقا عرفيا للماء فإنها لا تسمى عند ملاحظتها بالاستقلال لدى العرف الا
النداوة والرطوبة فكأنه قدس سره اغمض عما أورده نقضا إذ لا يظن بأحد ان يلتزم بطهارة ما يترشح من الجانب الآخر من النجس المستنقع
في الماء وكون ما يظهر عليه من النداوة والرشحات العالقة به بمنزلة اجزاء الكر وكيف كان فليس المدار في باب التطهير على ذلك بل المدار
على صدق نفوذ الكر فيه ووصول الماء المطلق إلى باطنة ولا ملازمة بينه وبين اطلاق اسم الماء عليه فضلا عن اتصافه بكونه جزء من الكر متحدا
معه الا ترى انه لو أريق الماء في إبريق أو حب أو غير ذلك من أوعية الماء وسرت نداوته فيه بحيث ظهر عليه وترشح منه يطلق عرفا ان مائه نفذ فيه
وخرج منه اطلاقا حقيقيا لكن لو لوحظت الاجزاء المائية السارية فيه بخيالها لا يطلق عليها اسم الماء لاضمحلالها واستهلاكها في الظرف بل يطلق
عليها اسم المرطوبة والنداوة ولا يعد الرشحات المجتمعة على ظهر الإناء أو المتقاطرة منه متصلا بما فيه لذا لو أصابها نجس لا ينجس ما فيه وكذا
الحنطة المستنقعة في الماء لو لاقت نجسا من بعض جوانبها لا ينجس الجانب الآخر والحاصل ان ملاك التطهير فيما نحن فيه على ما تقتضيه أدلته انما
602

هو صدق إصابة الماء إلى الاجزاء وهذا حاصل في الفرض بشهادة العقل والعرف ولا ينافيه عدم صدق اسم الماء على ما وصل إلى الاجزاء عند
ملاحظته على سبيل الاستقلال ويدل على قبول الأمثلة المذكورة للطهارة بنفوذ الماء العاصم في بواطنها من غير اعتبار اطلاق اسم الماء عليه
بعد النفوذ عند ملاحظته مستقلا الأخبار الدالة على طهارة طين المطر وطهارة السطح الذي يبال عليه بالمطر ضرورة ان رسوب ماء المطر في
الطين والسطح ليس الا بطريق السراية ولا يطلق على ما ينفذ في باطنهما من الاجزاء المائية عند ملاحظتها من حيث هي اسم الماء والا للزم انفعال كل
جزء منه بملاقاة الجزء الآخر للنجس لاتصال الاجزاء بعضها ببعض وهو باطل جزما فتلخص مما ذكر ان كل ما يرسب فيه الماء من الأمثلة المذكورة
ونحوها فإن كان كالقند والسكر والملح ونحوها مما لا ينفذ فيه الماء الا وهو خارج من حقيقته بحيث لو تقاطر من جانبه الاخر لا يتقاطر الا وهو مضاف
لا يقبل التطهير وان لم يكن كذلك يطهر بنفوذ الماء العاصم فيه بلا تأمل وهل يطهر بغسله بالماء القليل النافذ في أعماقه كما حكى عن صريح المنتهى والنهاية
ومجمع الفائدة والمدارك فجوز واغسل هذه الأشياء بالقليل أم لا يطهر كما حكى عن الشهيد والمحقق الثاني بل عن المعامل نسبته إلى المعروف بين المتأخرين
وجهان أقواهما الأول والذي يصلح ان يكون مستندا للمنع أمور * (الأول) * تعذر تحقق مفهوم الغسل بالنسبة إلى الاجزاء الباطنية لاشتراطه بغلبة
الماء وجريانه بل انفصاله ولا يتحقق شئ من هذه الشرايط في الفرض * (الثاني) * بقاء غسالته النجسة فيه فلا يطهر * (الثالث) * عدم الدليل على طهارة مثل
هذه الأشياء بالغسل بالماء القليل ويرد على الوجه الأول ان الحاكم باعتبار مثل هذه الشرائط في تحقق المفهوم انما هو العرف وهو لا يحكم باعتبارها
بالنسبة إلى كل جزء جزء من اجزاء المغسول الا ان يتعلق الغسل بنفس الجزء على سبيل الاستقلال نظير اشتراط العصر في غسل الثوب فإنه لا يعتبر
ملاحظته في كل جزء جزء ضرورة ان كثيرا من اجزاء الثوب الكبير الذي يعصر لا يتأثر بالعصر وكثير من اجزائه تتنقل غسالته إلى سائر اجزائه ولا تنفصل عنه
* (وكيف) * كان فغسل الإناء القذر والحنطة المستنقعة في ماء قذر لدى العرف ليس الا استيلاء الماء القاهر النافذ في أعماقه عليه بحيث تستهلك
قذارته أو تنتقل بواسطة الاجزاء المائية الواصلة إليها إلى الماء المستولي عليه الذي ينفصل عنه الا ترى انه لو رسخت شئ من القذارات كالدم
مثلا في خشبة أو إناء وأريد تنظيفها من ذلك توضع مدة في الماء مرة أو مرتين أو أزيد إلى أن تنتقل إلى ما في جوفها من القذارة بواسطة الرطوبات
الواصلة إليها إلى الماء فيتحقق بذلك غسله لدى العرف ولذا لم يستند أحد من القائلين بالمنع فيما وجدت من كلماتهم إلى انكار حصول مسمى
الغسل بل ظاهرهم التسالم عليه كما يشهد بذلك اعترافهم به في الماء الكثير إذ لا فرق بين الغسل بالماء القليل والكثير من هذه الجهة لولا نجاسة الغسالة
في الأول * (وكيف) * كان فالاستناد للمنع إلى هذا الوجه ضعيف واضعف منه الاستناد إلى الوجه الثالث كما حكى عن الذخيرة في رد استدلال صاحب
المدارك للجواز باطلاق الامر بالغسل حيث قال في عبارته المتقدمة ليس في الأدلة فيما اعلم ما دل على الامر بالغسل في كل مادة بحيث يشمل مورد النزاع
لاختصاصها بالبدن والثوب وبعض الموارد الخاصة فتعدية الحكم إلى غيرها تحتاج إلى دليل انتهى ولذا طعن عليه جل من تأخر عنه بان تطهير
كل متنجس إذا غسل على الوجه المعتبر قاعدة كلية استفيدت من استقراء الموارد الخاصة والا لاحتجنا إلى الدليل في كل جزئي * (أقول) * ولو كان الامر
كما زعم لا نحتاج في الحكم بطهارة سطحه الظاهر عند تنجسه أيضا أو سطحه الظاهر من باطنه عند شقه وغسله إلى دليل خاص وهو كما ترى فالشك في المقام
انما نشأ من عدم قبول هذه الأشياء للعصر وبقاء ماء الغسالة فيها لا من قصور ما دل على مطهرية الغسل ولذا لو فرض عروض وصف النعومة للخشبة
أو الحنطة المستنقعة في الماء بحيث أمكن عصرها أو استخراج غسالتها لا يستشكل أحد في كون حالها حال الثوب كما أنه لو فرض عروض وصف الخشونة
للثوب بحيث تعذر استخراج ما نفذ فيه من الماء يتطرق فيه الاشكال كما هو الشان بالنسبة إلى عقب بعض أصناف النعال مما لا يقبل العصر اما لثخنه
أو لوضع الخشبة فيه هذا مع أن من تلك الموارد الخاصة التي ورد الامر بغسلها الأواني وهى ربما تكون من الخشب أو الخزف وهما من قبيل ما نحن فيه
فإذا ثبت جواز تطهيرهما بالقليل عند رسوب النجاسة فيهما ثبت في غيرهما بعدم القول بالفرق * (هذا) * كله مع أن لنا ان نقول إن مقتضى القاعدة طهارة
كل متنجس بغسله بالماء الا ان يدل دليل تعبدي على خلافه فان تنظيف الأشياء المستقذرة بالعرض بغسلها بالماء كان معروفا لدى العرف والعقلاء
مع قطع النظر عن الشرع والشارع انما تصرف في موضوع القذر بان حكم بقذارة بعض مالا يراه العرف قذرا فأوجب التنزه عنه بغسله بالماء ونفى
قذارة بعض ما يزعمونه قذرا فلم يوجب التنزه عنه فما صدر من الشارع من الامر بغسل الثوب أو البدن أو غيرهما من البول
أو الدم أو نحوهما ليس لبيان كون الغسل مطهرا بل لبيان قذارة ما امر بغسله واما كون الغسل في الجملة رافعا للقذارة فلم يكن
محتاجا إلى البيان بل كان معروفا لدى أصحاب الأئمة عليهم السلام وغيرهم كما لا يخفى على من تدبر في الاخبار * (نعم) * ربما اعتبر الشارع في كيفية
التطهير أمورا لم تكن معروفا لديهم كالتعفير والتعدد واعتبار كون الماء مطلقا أو غير ذلك لا انه جعل نفس الغسل بالماء مطهرا حتى نحتاج في كل
مورد إلى مطالبة دليل خاص والحاصل ان كون الغسل مطهرا ليس امرا تعبديا وانما الامر التعبدي هو الخصوصيات التي ثبت اعتبارها في الشريعة وقد
أشرنا انفا إلى أن غسل الحنطة والشعير ونحوهما لدى العرف ليس الا على النحو المزبور وغسالتها التي يجب التنزه عنها على تقدير استقذارها هي
الماء المستولي عليها الذي تنتقل قذارة الاجزاء الظاهرة والباطنة إليه واما الاجزاء المائية الراسخة في باطنها التي هي واسطة في النقل
603

فهي تابعة للمغسول في الطهارة والنجاسة كالمتخلف في الثوب بعد عصره بل تبعية هذه الاجزاء للمغسول واستهلاكها بنظر العرف أشد من تبعية
المتخلف وقد عرفت في مبحث الغسالة ان الحكم بطهارة المتخلف ليس تعبديا محضا بل هو امر يشهد به العرف ويقتضيه شرعية مطهرية الغسل ومن هنا
ظهر ضعف الاستناد للمنع ببقاء الغسالة لما عرفت من أن ما يتخلف في الباطن لا يعتد به في العرف ولا يعد من الغسالة القذرة بل يتبع المغسول
في النظافة فالقول بالمنع ضعيف كما يدل عليه أيضا الخبر ان الاتيان الدالان على جواز غسل اللحم المطبوخ ومرسلة الصدوق الآتية
ويؤيده أيضا أدلة نفى الحرج والضرر وما دل على التوسعة في الدين عموما وخصوصا في التطهير الذي من الله تبارك و [تع] على عبادة بان
وسع عليهم امره بأوسع ما بين السماء والأرض بان جعل الماء طهورا إلى غير ذلك من المؤيدات * (بل) * ربما يغلب على الظن عدم الحاجة إلى
تجفيف ما رسب في الباطن من الرطوبة المتنجسة مقدمة لايصال الماء المستعمل في التطهير إليه بدعوى مساعدة العرف على الاجتزاء عنه بتلك
الرطوبة وتبعيتها للماء المستولي على الشئ في المطهرية لكن لا يعتنى بمثل هذا الظن في مقابلة استصحاب النجاسة الا ان يدل دليل عليه ويمكن
الاستدلال له برواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فارة قال يهراق مرقها ويغسل
اللحم ويؤكل * (ورواية) * زكريا بن آدم قال سئلت أبا الحسن (ع) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير ومرق قال يهراق المرق أو يطعمه
أهل الذمة أو الكلاب واللحم اغسله وكله فان مقتضى ترك الاستفصال عدم الفرق بين وقوع النجاسة في القدر حال غليانها أو شدة الحرارة
الموجبة لرسوخ النجاسة في الباطن ووقوعها بعد أن بردت بحيث لم يتعد النجاسة عن ظاهر اللحم بل ظاهر السؤال في الرواية الأولى كون
الفارة في القدر من حين الطبخ فيستفاد من اطلاق الامر بغسل اللحم في الجواب أمور * (منها) * عدم الفرق بين غسله بالماء القليل والكثير
ومنها قبول مثل اللحم ممالا يقبل العصر للتطهير وتوهم قبول اللحم المطبوخ للعصر واستخراج غسالته به * (مدفوع) * بان بعض قطعات
اللحم التي لها نوع خشونة وان عرض له بعد الطبخ حالة يمكن استخراج بعض ما فيه بالعصر لكن كثير منها ليس كذلك بل ربما تشتمل على رطوبات
لزجة يتعذر بواسطتها العصر وتخصيص الروايتين بخصوص ما يقبل العصر مع بعده في حد ذاته يحتاج إلى دليل و * (منها) * الاجتزاء بما فيه
من النداوة عن ايصال الماء المستعمل في تطهيره إلى ما في أعماقه لأن الماء لا يرسب فيها مع اشتمالها على الرطوبة الشاغلة لها ولا أقل من
تعذر تحصيل العلم بالوصول مع أن الرواية دلت على طهارته بالغسل والمتبادر منه ليس الا إرادة الغسل المتعارف الذي لا يتحقق معه القطع
بنفوذ الماء في جميع الأجزاء الباطنية التي سرت النجاسة إليها وقد نفينا البعد عن تبعية الباطن للظاهر في الطهارة بغسله بالماء في مثل الفرض
كما يتبع باطن الأرض لظاهرها عند اشراق الشمس عليه ويتبع ما رسب في باطن النعل للسطح الملاصق للأرض ولا يبعد دعوى دلالتها على طهارة
المخ ونحوه مما يرسب فيه النجاسة عند فوران القدر ويتعذر تطهيره مستقلا لما فيه من الاجزاء الدهنية أيضا بالتبع فان الغالب ان اللحم الكثير
لا ينفك عن مثل ذلك فليتأمل * (وكيف) * كان فقد حكى عن الأصحاب العمل بمضمون الروايتين ولكن استشكل في العمل باطلاقهما بعض المتأخرين
لما فيهما من ضعف السند والمخالفة للقواعد ولكن الانصاف ان رفع اليد عنهما بعد كونهما مقبولتين لدى الأصحاب لولا رعاية الاحتياط
في مقام العمل أشكل والعجب من صاحب الحدائق حيث يرى مثل هذه الأخبار قطعية الصدور واعترف بعمل الأصحاب بهما ومع ذلك اعرض
عنهما لمحض الاستبعاد قال في الحدائق بعد نقل الروايتين وظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف القول بمضمونهما وعندي في ذلك على اطلاقه
اشكال وذلك فإنه ان كانت النجاسة قد وقعت بعد وقوعها بحيث لم تسر النجاسة الا إلى المرق وظاهر اللحم فلا اشكال وان كانت قد بقيت
في القدر مدة بحيث غلا بها في القدر وسرت نجاسة المرق إلى باطن اللحم كما هو ظاهر عبارة العلامة المتقدمة فكيف يطهر بمجرد غسل ظاهره والنجاسة
قد سرت إلى باطنه كما هو المفروض نعم لو علم وصول الماء المطهر إلى الباطن وكان في ماء كثير فالقول بالطهارة متجه * (انتهى) * وهو كما ترى يشبه ان
يكون اجتهادا في مقابلة النص واستبعاد الامر غير بعيد له نظائر في الشرعيات والعرفيات فالقول به خصوصا في مورد النص لا يخلو من قوة
ويؤيده أيضا مرسلة الصدوق قال دخل أبو جعفر (ع) الخلا فوجد لقمة خبز في القذر فاخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك معه فقال تكون
معك لاكلها إذا خرجت فلما خرج قال للمملوك أين اللقمة فقال اكلتها يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله فقال إنها ما استقرت في جوف أحد الا وجبت له الجنة
فاذهب فأنت حر فانى اكره ان استخدم رجلا من أهل الجنة لكن لا يبعد دعوى قبول الخبز للعصر و * (وكيف) * كان فالاحتياط مما لا ينبغي تركه خصوصا
بملاحظة ما في الروايات من الضعف بل الأحوط ترك غسل ما يرسب فيه الماء من الأمثلة المتقدمة بالقليل مطلقا بل ترك غسل مثل الصابون
والطين ولو بالكثير فإنهما كالعجين يشكل الجزم بنفوذ الماء فيهما باقيا على صفته والله العالم وحكى عن القاضي في مسألة غسل اللحم الفرق
بين وقوع قليل الخمر في القدر وكثيره فيطهر اللحم بالغسل في الأول دون الثاني ولعله اقتصر في الحكم على مورد النص أو انه رأى استتباع الرطوبة
المتنجسة الماء المستعمل في غسله في الأول دون الثاني نظرا إلى أن الكثرة توجب رسوب نفس الخمر فيه ولو بواسطة الماء المتغير به فلا يطهر [ح]
الا بعد تخليصه من عين النجس وهو اما متعذر أو غير ممكن احرازه حتى يرفع اليد به عن استصحاب النجاسة وملخص الكلام من أوله إلى اخره
604

ان كل متنجس أمكن غسله بان لم يكن من المايعات الغير القابلة للغسل يطهر بغسله بالماء القليل كالكثير إذا روعى فيه ما اعتبره الشارع تعبدا
من التعدد والتعفير وغير ذلك مما ستعرف وقد ادعينا ان غسل مثل الحنطة والشعير والصابون ونحوها عند رسوب النجاسة فيها يتحقق عرفا
باسلاء؟ الماء الراسخ في أعماقها على تأمل في الصابون وشبهه وقد نفينا البعد عن قيام الرطوبة المتنجسة الراسخة في مثل هذه الأشياء المانعة
من رسوخ ما يستعمل في تطهيرها مقامه في المطهرية واستشهدنا لذلك باخبار أمكن الخدشة في سندها لو لم نقل بانجباره بالعمل فالحكم في الفرض
لا يخلو من تردد واما الغسالة التي يجب التجنب عنها فهي ليست الا ما يتعارف انفصاله عن؟ المغسول في كل شئ بحسبه فلا يكفي في غسل مثل الأشياء
المزبورة مجرد ايصال الماء إلى بواطنها ما لم يستول عليها الماء ويتعدها بحيث ينفصل عنها غسالتها على النحو المتعارف في غسل مثل هذه الأشياء
ومن هنا يتطرق الاشكال في تطهير الأرض الرخوة ونحوها بالماء القليل الذي يرسب فيها ولا يجرى عليها فان الأظهر عدم قبولها للتطهير بالقليل
الا ان يدل عليه دليل تعبدي وسيأتي التكلم فيه عند تعرض المصنف لتطهير الأرض بصب ذنوب انشاء الله وربما يظهر من رواية الحسن بن
المحبوب طهارة الجص بايصال الماء إليه وان لم ينفصل عنه أصلا قال سئلت أبا الحسن (ع) عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يخصص به
المسجد أيسجد عليه فكتب إلى بخطه ان الماء والنار قد طهراه لكن ايقاد العذرة والعظام على الجص وان كان كثيرا ما موجبا لانفصال اجزاء
مائية أو دهنية حال الايقاد ووصولها إلى الجص الا انه ليس ملزوما عاديا لذلك فلا يحصل العلم بنجاسة الجص غالبا خصوصا بالنسبة إلى
ما هو مورد ابتلاء المكلف فلا يبعد ان يكون المراد بالتطهير التطهير من مرتبة من القذارة التي فهم من كثير من الاخبار حصولها لملاقيات
بعض الأعيان النجسة مع النجسة مع الجفاف التي يزيلها الرش والصب وكيف كان فالرواية بظاهرها مما لم يعرف العامل بها فيشكل الاعتماد عليها في
الالتزام بحصول غسل الجص في مثل الفرض تعبدا مع عدم تحقق مسماه لدى العرف خصوصا مع قوة احتمال إرادة ما عرفت فإن كان ولابد
من العمل بظاهر الرواية فليقتصر على مثل موردها والله العالم وهل يعتبر في التطهير بالماء القليل ورود الماء على المتنجس فلو عكس لم يطهر
أم لا قولان ربما نسب كل منهما إلى المشهور ويظهر من بعض دعوى عدم تعرض الأكثر لبيان هذا الشرط واما المتعرضون له فبين جازم بالاشتراط
أو متردد فيه فنسبة القول بعدم الاشتراط إلى المشهور لا يبعد ان يكون منشأها استظهاره من عدم تعرضهم له كما أن نسبة القول بالاشتراط
لا يبعد أن تكون ناشئة من اشتهاره بين المتعرضين له وكيف كان فاستدل للقول بالاشتراط بالأصل بعد دعوى انصراف الامر بالغسل
في الاخبار الامرة به إلى هذا النحو إذا كان بالماء القليل الذي ينفعل بالملاقاة وبعموم ما دل على انفعال الماء القليل وان كان نجس منجس
وعدم جواز التطهير بالنجس خرج من القاعدتين الأخيرتين الماء الوارد على النجاسة بالاجماع وغيره وبقى المورود وبظهور المستفيضة الامرة
بصب الماء على البول في تعيين الورود وحملها على إرادة مطلق الملاقاة وذكر الصب من باب الغلبة يحتاج إلى قرينة وبذلك يقيد اطلاقات
أوامر الغسل لو فرض عدم انصرافها إلى صورة الورود وفى الجميع نظر فان الأصل مقطوع باطلاقات أوامر الغسل التي ورد جملة منها في مقام
بيان المطهر ودعوى انصراف الامر بالغسل في الاخبار الامرة به إلى هذا النحو إذا كان بالماء القليل قابلة للمنع واما قاعدة الانفعال فقد عرفت في مبحث الغسالة
انها غير متخصصة بالنسبة إلى الغسالة لأنا التزمنا بنجاستها سواء كان الماء واردا أم مورودا واما القاعدتان الأخيرتان فهما قاصرتان
عن أن تعما محل الكلام كما عرفته في ذلك المبحث واما المستفيضة التي ورد فيها الامر بصب الماء على البول فأريد بها التوسعة والتسهيل في إزالة
البول الذي هو ماء عند اصابته للجسد الذي لا يرسب فيه البول أو كون البول بول الصبي الذي لم يأكل الطعام المبنى امره على التخفيف فلم
يقصد بتلك الأخبار التقييد والتحرز عن الغسل الذي لم يتحقق به موضوع الصبت كما لا يخفى على من تأمل فيها واستدل له أيضا باليسرة
وفيه انه يمكن ان يكون منشاها حفظ الفضالة عن الانفعال أو عدم تسرية النجاسة إلى ما يغسل فيه أو غير ذلك من الأمور المقتضية له
فلا تكون اليسرة في مثل المقام كاشفة عن اعتباره شرعا واستدل لعدم الاشتراط مضافا إلى اطلاقات الأدلة بخبر ابن محبوب عن أبي
الحسن (ع) في الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ان الماء والنار قد طهراه فان الغالب ورود الجص على الماء وفيه انه لم يثبت كون الامر
كذلك عند هم مع أن الاستدلال بالرواية انما يتم ان قلنا بطهارة الجص المتنجس الذي يبل بماء طاهر وقد عرفت انفا انه لا يخلو عن اشكال
وبصحيحة ابن مسلم سئل الصادق عليه السلام عن الثوب يصيبه البول فقال اغسله في المركن مرتين ودعوى ان غسل الثوب في المركن لا يستلزم
مورودية الماء فإنه ربما يطرح الثوب أولا في المركن ثم يصب عليه الماء غير مجدية مع اطلاق الامر وكون عكسه فردا متعارفا لو لم نقل بأنه
هو الشايع المتعارف وربما تكلف بعض في توجيه هذه الصحيحة بما لا ينافي اشتراط الورود بجعل في بمعنى الباء أو حملها على إرادة التنظيف قبل
التطهير وفيهما مالا يخفى فالقول بعدم الاشتراط لا يخلو عن قوة ولكن الانصاف انه بعد معهودية انفعال الماء القليل بالملاقاة و
مغروسيته في النفس لا يبعد دعوى انصراف اطلاقات الغسل حتى في مثل الصحيحة المتقدمة إلى صورة الورود بواسطة بعض المناسبات
المركوزة في الذهن خصوصا مع تعارفه عند استعمال الماء ولو بلحاظ حفظ الفضالة عن الانفعال فالقول بالاشتراط لو لم يكن أقوى فلا
605

ريب في أنه أحوط ثم إنه يظهر مما حكى عن الشهيد في الذكرى ان المراد باشتراط الورود بقاء الماء بصفة الواردية والجريان إلى تمام زمان
الغسل ولذا خص اعتباره بغير غسل الأواني ونحوها مما أمكن فيه رعاية هذا الشرط واحتمل في ذيل كلامه الاكتفاء بوروده في أول زمان الملاقاة
فلا يكون غسل الأواني ونحوها مستثنى مما اعتبر فيه هذا الشرط قال في محكى الذكرى الظاهر اشتراط ورود الماء على النجاسة لقوته بالعمل إذ الوارد
عامل والنهى عن ادخال اليد في الإناء فلو عكس نجس الماء ولم يطهر وهذا ممكن في غير الأواني وشبهها مما لا يمكن فيه الورود الا ان يكتفى بأول
وروده ثم قال مع أن عدم اعتباره مطلقا متوجه انتهى وعن بعض انه بعد أن حكى عبارة الذكرى وقوله فيها بالاكتفاء في الأواني وشبهها
بأول وروده قال الحق انه لايراد بالورود أكثر من هذا والا لم يتحقق الورود في شئ مما يحتاج فصل الغسالة عنه إلى معونة شئ اخر
انتهى أقول بناء على اشتراط الورود لافرق بين الأواني وشبهها وبين ما ينفصل عنه الغسالة بسرعة فيعتبر في غسل الأواني أيضا ايصال
الماء المستعمل في تطهير ها إلى كل جزء جزء من اجزائها بطريق الورود فلو عكس لم يظهر فيعتبر في غسل الانية مثلا صب الماء فيها وادارته
إلى أن يستوعبها الماء بحيث يكون الماء الواصل إلى كل جزء جزء من اجزائها واردا عليه فلو وقف الماء في الانية ووصل إليه أطرافها على
وجه صار الماء بالنسبة إليها مورودا لم يجز فالفرق بين الأواني وشبهها وبين غيرها انما هو في سرعة انفصال الغسالة عنه وعدم استقرارها
معه وبطؤه وهذا لا ينافي اشتراط كون ما يستعمل في التطهير واردا على الاطلاق فليتأمل ثم اعلم أن ما ذكرناه انفا من وجوب عصر
الثياب أو ما يفيد فائدته انما هو فيما عدا بول الصبي الذي لم يأكل واما فيه فلا يجب ذلك كما نبه عليه المصنف بقوله الا من بول الرضيع فإنه
يكفي صب الماء عليه بلا خلاف فيه على الظاهر كما يشهد له حسنة الحلبي أو صحيحته قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الصبي قال يصب عليه الماء
وان كان قد اكل فاغسله غسلا والغلام والجارية في ذلك شرع سواء وعن الفقه الرضوي وان كان بول الغلام الرضيع فصب عليه الماء
صبا وان كان قد اكل فاغسله والغلام والجارية سواء ولا يعارضهما موثقة سماعة المضمرة قال سئلته عن بول الصبي يصيب الثوب فقال اغسله
قلت فإن لم أجد مكانه قال اغسل الثوب كله فان هذه الرواية بحسب الظاهر مسوقة لبيان نجاسته فالمراد بغسل الثوب تطهيره بالماء وقد دل
الخبران المتقدمان على أن تطهيره يحصل بصب الماء عليه فيكون المراد بالغسل ما يعم الصب أو ان المراد به خصوص الغسل المقابل للصب وقد
تعلق الامر به بالخصوص بلحاظ كونه مجزيا مطلقا سواء كان الصبي رضيعا أو غير رضيع فيكون تعلق الامر به بالنسبة إلى الرضيع باعتبار كونه
مجزيا لا متعينا وعلى تقدير كون المراد بالصبي خصوص الرضيع أيضا لا تنافي بين الروايات فان الغسل أكمل افراد الواجب فالامر به للوجوب
التخييري لا العيني ولا ضير فيه والحاصل ان الخبرين الأولين نصان في كفاية الصب المقابل للغسل فلا يعارضهما ظهور المضمرة في لعين الغسل
واحتمل الشيخ ان يكون المراد بالصبي في هذه الرواية من اكل الطعام ولا يخفى ما في حملها على ارادته بالخصوص من البعد وكذا لا يعارضهما
خبر الحسين بن أبي العلا قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصبي يبول على الثوب قال تصب عليه الماء قليلا ثم تعصره لقصوره عن المكافئة
من حيث السند واعراض الأصحاب عن ظاهره مع ما فيه من الاشعار بعدم إرادة الغسل المعتبر في سائر النجاسات فالامر بعصره منزل
على الاستحباب أو انه جار مجرى العادة واحتمل في المدارك تنزيله على ما إذا توقف عليه اخراج عين النجاسة من الثوب وفيه نظر لأن
مقتضى الاطلاق وجوبه مطلقا مع أن استخراج العين بالعصر ان كان لدى استهلاكها في الماء الوارد عليه لم يجب والا فلا يجدى لأن
غلبة المطهر وقاهريته شرط في التطهير جزما وكيف كان فلا اشكال في الحكم لكن ظاهر الصحيحة وكذا الرضوي جريان الحكم في الصبية أيضا
كما حكى عن ظاهر الصدوقين واختاره في الحدائق وهو خلاف ما ذهب إليه الأكثر بل المشهور حيث خصوه بالصبي فلا يبعد ان يستكشف من
اعراض المشهور عن هذا الظاهر كون قوله (ع) والغلام والجارية في ذلك شرع سواء راجعا إلى خصوص الجملة الأخيرة أعني قوله وان كان قد
اكل ويحتمل أيضا إرادة مساواتهما في أصل النجاسة لافى كيفية التطهير وربما يشهد لما عليه المشهور ما في بعض الأخبار من التفصيل بينهما مثل العاميين
المروتين عن النبي صلى الله عليه وآله في محكى الناصريات وغيره أحدهما يغتسل من بول الجارية وينضح على بول الصبي ما لم يأكل وثانيهما ان النبي صلى الله عليه وآله اخذ الحسن بن علي
فأجلسه في حجره فبال عليه قال فقلت له لو اخذت ثوبا فأعطيتني ازارك فاغسله فقال انما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر والمروى
عن زينب بنت جحش عن النبي صلى الله عليه وآله انه دعا بماء فصب على بول الحسين (ع) ثم قال يجزى الصب على بول الغلام ويغسل بول الجارية الحديث ورواية السكوني
عن جعفر عن أبيه ان عليا (ع) قال لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل ان يطعم لأن لبنها يخرج من مثانة أمها ولبن الغلام لا يغسل منه الثبوت
ولا بوله قبل ان يطعم لأن لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين لكن ظاهر هذه الرواية طهارة بول الغلام كما أن ظاهرها نجاسة لبن الجارية
فيحتمل جريها مجرى التقية كما أنه يؤيد ذلك كون راويه عاميا كما أن ما في العاميين من الامر بالنضح على بول الصبي يشعر بطهارته فيشكل الاعتماد
على مثل هذه الروايات مع ما فيها من ضعف السند لكن مع ذلك كله لا يبعد دعوى انجبارها بالنسبة إلى ما فيها من غسل بول الأنثى بشهرته بين
الأصحاب فالقول به كما هو المشهور لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط والله العالم تنبيهات الأول المراد بالرضيع هو الغلام المتغذى
606

باللبن الذي لم يصر اكلا للطعام اكلا يعتد به مستندا إلى شهوته كما صرح به غير واحد لأن هذا هو المتبادر من اطلاق الرضيع في الفتاوى وفى
عبارة الفقه الرضوي ومن قوله (ع) في النبوي ينضح على بول الصبي ما لم يأكل كما أن المتبادر من قوله (ع) في الحسنة وفى الرضوي وان كان قد اكل من
لم يكن كذلك فما عن الحلي من تحديد الصبي الرضيع بمن لم يبلغ سنتين ضعيف نعم لو أراد بذلك تقييد كون رضاعه في الحولين احترازا عما لو بقي
على صفته بعد مضى الحولين بدعوى انه هو المتبادر من اطلاقه لكان وجيها وان كان الأوجه ما عرفت فان دعوى الانصراف قابلة للمنع ولو ارتضع
الصبي بلبن المعز ونحوه انصرف عنه اطلاق الرضيع لكن هذه الكلية ليست موضوعة للحكم في الأخبار المعتبرة وانصراف ما في تلك الأخبار عن مثل
الفرض لا يخلو عن تأمل فليتأمل الثاني لا يكفي الرش وان عم الموضع النجس ونفذ الماء إلى المحال التي رسب فيها البول وعن التذكرة حكاية قول
لنا بالاكتفاء بالرش وهو ضعيف فان المتبادر من الصب الوارد في النصوص والفتاوى غيره ودعوى القطع بالمناط غير مسموعة مع وضوح
الفرق بينهما من حيث الغلبة والقاهرية دفعة المحتمل دخلها في التطهير نعم لو اعتمدنا على العاميين الدالين على كفاية النضح كما في غيرهما من
الاخبار العامية الدالة عليه اتجه الاكتفاء بمطلق الرش وان لم يستوعب اللهم الا ان يقال إن مغروسية نجاسة البول في الذهن واستبعاد
حصول الطهارة بدون وصول المطهر إلى كل جزء جزء توجب انصراف اطلاق النضح إلى إرادة النضح المستوعب كما انها توجب انصراف اطلاق
الصب في الاخبار الامرة به إلى الصب المستوعب بحيث نفذ الماء إلى المحال التي رسب فيها البول لكن هذا إذا أريد تطهير جميع الأجزاء التي
أصابها البول والا فمقتضى الاطلاق طهارة كل جزء اصابه النضح وان لم يستوعب فالاستبعاد المذكور يقتضى قصر الطهارة على الجزء الذي اصابه
المطهر وعدم كفاية مطلق النضح أو الصب في طهارة الشئ على الاطلاق لا اشتراط طهارة كل جزء باستيعاب المطهر لسائر الاجزاء وكيف كان
فقد عرفت ان الاعتماد على الاخبار العامية الدالة على كفاية النضح مشكل فالأقوى اعتبار الصب واشتراط غلبته وقاهريته على الموضع النجس ورسوبه
فيما سرى إليه النجاسة من البواطن في تطهيرها الثالث لا يعتبر في بول الرضيع انفصال الغسالة بل ولا جريان الماء على الموضع النجس لأن الصب
الذي يجزى في تطهيره قد يتخلف عن الامرين فيما إذا كان الشئ النجس كالأرض الرخوة أو الثوب المحشو بقطن ونحوه نعم يلزمهما عادة فيما إذا كان
الشئ مما لا يرسب ولا يستقر فيه الماء كالجسد ونحوه فلا فرق في مثل هذه الأشياء بين غسلها من بول الصبي أو من بول غيره فان صب الماء
على مثل هذه الأشياء ملزوم لغسلها من مثل البول الذي هو ماء ولذا ورد في الأخبار المستفيضة الامر بصب الماء على الجسد عند إصابة البول
له الا انه يعتبر في بول غير الصبي ان يكون مرتين كما نطق بذلك تلك الأخبار كما ستسمعه انشاء ويجزى في بول الصبي مرة واحدة كما هو المتسالم عليه
بين الأصحاب على ما استظهره بعض خلافا لما حكى عن كاشف الغطاء من اعتبار المرتين فيه أيضا نظرا إلى اطلاق البول في الاخبار الامرة بصب
الماء عليه مرتين فيقيد بها اطلاق الصب في حسنة الحلبي والرضوي المتقدمتين كما أنه يقيد بها ما في ذيلها من اطلاق الغسل من بوله ان كان
قد اكل الطعام وفيه مع مخالفته لظاهر الفتاوى وبعض الأخبار الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله انه محجوج بخبر الحسين بن أبي العلا قال سئلت أبا عبد الله (ع)
عن البول يصيب الجسد قال صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء وسألته عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين وسئلته عن بول الصبي قال تصب
عليه الماء قليلا ثم تعصره فإنه يدل على أن المراد بالبول الذي يعتبر فيه التعدد هو ما عدا بول الصبي واما بول الصبي فيكتفى فيه بصب الماء عليه
مرة فله نوع حكومة على سائر الأخبار الامرة بغسل البول مرتين كما لا يخفى الرابع حكم غسالة بول الصبي ما عرفته في مبحث الغسالة من أن الأقوى
نجاسته لأنه ماء قليل لاقى نجسا فينجس ولا ينافيه طهارته على تقدير رسوبه فيما انصب عليه وعدم انفصاله عنه لأنه ح كالمتخلف من الغسالة يتبع
المحل في طهارته ولا استبعاد فيه بعد مساعدة الدليل عليه ولا ملازمة بين طهارته في مثل الفرض وبين طهارته على تقدير الانفصال الموجب
لاستقلاله بالموضوعية ويتفرع على ذلك اشتراط طهارة ما انصب عليه الماء بانفصال غسالته عنه على تقدير عدم رسوبه فيه كما هو واضح وإذا
علم موضع النجاسة الواصلة إلى الثوب أو البدن أو نحوهما من الأشياء التي تجب إزالة النجاسة عنها غسل ذلك الموضع فقط وان جهل موضعها و
تردد بين موضوعين فما زاد كالثوب والبدن أو الثوبين ونحوهما من الأشياء التي يبتلى بها المكلف ولم تكن أطراف الشبهة غير محصورة غسل جميع
أطراف الشبهة والا لم يجز استعمال شئ منها فيما هو مشروط بالطهور كما تقدم الكلام فيه وفى جملة من الاحكام المتفرعة عليه بما لا مزيد عليه
في مبحث المائين الذين اشتبه طاهرهما بنجسهما فراجع وقد ظهر لك مما تقدم انه لو كان تردده بين اجزاء موضوع واحد من ثوبه أو بدنه أو نحوهما
غسل كل موضع يحصل فيه الاشتباه حتى يقطع بارتفاع تلك النجاسة ويكون على يقين من طهارة ثوبه وقد ورد تعليله بذلك في الصحيح عن
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال قلت فاني قد علمت أنه قد اصابه ولم أدر أين هو فاغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه
قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك الحديث ويدل عليه أيضا صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما في المني يصيب الثوب فان عرفت مكانه فاغسله
وان خفى عليك فاغسل الثوب كله وصحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن المني يصيب الثوب قال إن عرفت مكانه فاغسله وان
خفى عليك مكانه فاغسل الثوب وحسنة ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال وسئلته عن أبوال الدواب والبغال والحمير فقال اغسله فإن لم تعلم
607

مكانه فاغسل الثوب كله ومضمرة سماعة قال سئلته عن المني يصيب الثوب قال اغسل الثوب كله إذا خفى عليك مكانه قليلا كان أو كثيرا وحسنة الحلبي أو
صحيحته إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه منى فليغسل الذي اصابه وان ظن أنه اصابه منى ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء وان استيقن
انه قد اصابه ولم ير مكانه فليغسل الثوب كله فإنه أحسن وما في التعليل الوارد في هذه الرواية من الاشعار باستحبابه مما لا يلتفت إليه في مقابلة ما عرفت
ولعل النكتة فيه عدم كون جميع اجزاء الثوب غالبا من أطراف الشبهة أو كون الاحتمال في بعض الأطراف غير معتنى به لدى العقلاء فالامر بغسل الثوب
كله غالبا ليس الا لكونه أشد تأثيرا في قلع ما يجده الانسان في نفسه من الريبة والوسوسة أو غيره من الأمور الغير اللازمة المراعاة والا فقلما يتفق
كون جميع اجزاء الثوب من أطراف الشبهة والله العالم تنبيه لا تثبت النجاسة بل وكذا الطهارة وغيرها من الموضوعات الخارجية الا
بالعلم أو ما قام مقامه من الأصول والامارات التي ثبت اعتبارها شرعا كالاستصحاب والبينة ونحوهما مما سنشير إليه وحكى عن أبي الصلاح
الحلبي القول بثبوت النجاسة بمطلق الظن سواء حصل من امارة شرعية أم لا محتجا عليه بان الشرعيات كلها ظنية وان العمل بالمرجوح مع قيام
الراجح قبيح وحكى عن ابن البراج انه اقتصر في طريق اثباتها على العلم وانكر ثبوتها بالبينة التي هي أقوى الامارات محتجا عليه بان الطهارة
معلومة بالأصل وشهادة الشاهدين لا تفيد الا الظن فلا يترك لأجله المعلوم أقول الطهارة المعلومة بالأصل التي جعلها معارضة للظن
الحاصل من البينة عبارة أخرى من استصحابها وأنت خبير بأنه ان ثبتت حجية البينة لا يعارضها الاستصحاب وان لم تفد الظن والا فلا
تقابل بشئ من الأصول والأدلة لا لأنها لا تفيد الا الظن بل لأجل انها ليست بحجة وقد يستدل لهذا القول بمثل قوله (ع) كل شئ نظيف
حتى تعلم أنه قذر وقوله (ع) الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر ورواية حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال ما أبالي أبول أصابني
أو ماء إذا لم أعلم إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي سيأتي بعضها الدالة على عدم تنجز التكليف بالنجس ما لم يعلم وفيه ان ما دل على حجية
البينة أو غيرها من الامارات المعتبرة شرعا بل وكذا ما دل على حجية الاستصحاب حاكمة على مثل هذه الأخبار يعرف بها ان المراد بالعلم في مثل
هذه الروايات أعم من العلم الحقيقي ومما قام مقامه شرعا كما تقرر ذلك في الأصول وفى بعض الأخبار الآتية أيضا تنبيه على ذلك وبهذا
ظهر لك انه لا يصح التشبث في ابطال مذهب الحلبي القائل بالاكتفاء بمطلق الظن في اثبات النجاسة بمثل هذه الأخبار فإنه ان صدق في دعواه
من أن الشرعيات كلها ظنية لكان ما دل على اعتبار الظن في الشرعيات حاكما على مثل هذه الأدلة لكن الشأن في اثبات هذه الدعوى
فإنه لم يدل دليل على جواز العمل بمطلق الظن في الشرعيات لافى الاحكام ولا في موضوعاتها عدا دليل الانسداد الذي ركن إليه بعض متأخري المتأخرين
وهو على تقدير تماميته لا يقتضى الا جواز العمل بالظن في الأحكام الشرعية الكلية التي انسد فيها باب العلم لافى موضوعاتها كما تقرر في محله فقياس
الموضوعات على الاحكام في غير محله واما الاحتجاج عليه بقبح العمل بالمرجوح مع قيام الراجح فقد تبين ضعفه في الأصول فالقول بالاكتفاء
بالظن ضعيف ويضعفه أيضا الأخبار الكثيرة التي يستفاد منها عدم ثبوت النجاسة بالظن مثل حسنة الحلبي المتقدمة وصحيحة عبد الله بن سنان
قال سئل أبا عبد الله عليه السلام وانا حاضر انى أعير الذي ثوبي وانا اعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده على فاغسله قبل ان اصلى فيه فقال
أبو عبد الله (ع) صل فيه ولا تغسله من اجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو ظاهر ولم تستيقن انه نجسه فلا بأس ان تصلى فيه حتى تستيقن انه نجسه وقول
أبي جعفر عليه السلام في خبر أبي الجارود الوارد في الجبن ما علمت فيه ميتة فلا تأكله وما لم تعلم فاشتر وبع وكل والله انى لاعترض السوق فاشترى
اللحم والسمن والجبن والله ما أظن كلهم يسمون هذه البرية [البربر] وهذه السودان وموثقة عمار في الرجل يجد في انائه فارة وقد توضأ من ذلك الإناء
مرارا واغتسل وغسل ثيابه وقد كانت الفارة متسلخة فقال إن كان رآها قبل ان يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في
الإناء فعليه ان يغسل ثيابه ويغسل كل ما اصابه ذلك الماء ويقيد الوضوء والصلاة وان كان انما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا يمس من
الماء شيئا وليس عليه شئ لأنه لا يعلم متى سقطت فيه ثم قال لعله انما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يقف
عليها المتتبع الواردة في الموارد التي لو كان الظن حجة لكان الحكم في جميع تلك الموارد النجاسة وما يتراءى من بعض الأخبار من وجوب الاجتناب
عن بعض الأشياء التي يظن بنجاستها كالاخبار الناهية عن الاغتسال بغسالة الحمام أو الاخبار الامرة بغسل الثوب المشترى من النصراني والنهى
عن الصلاة فيه حتى يغسل اما جار مجرى الغالب من حصول العلم بالنجاسة أو انها محمولة على الاستحباب وكراهة الاستعمال لمعارضتها في خصوص
مواردها بالروايات المعتبرة المعمول بها لدى الأصحاب التي هي صريحة في نفس البأس عن الثوب الذي يعمله النصراني والمجوسي وغيرهم ممن يشرب الخمر
ويأكل لحم الخنزير كما في صحيحة ابن سنان المتقدمة المصرحة بنفي البأس عن الثوب الذي اعاده الذمي وجواز الصلاة فيه ما لم يستيقن انه نجسه
كما أن بعض ما ورد في غسالة الحمام صريح في نفى صريح البأس عنها بل في بعض التعليلات الواردة في اخبار الغسالة اشعار بالكراهة وبعض ما ورد في
ثوب أهل الكتاب نص في الاستحباب فهو بنفسه شاهد للجمع بين الروايات مثل رواية أبي على البزاز عن أبيه قال سئلت جعفر بن محمد عليه السلام
عن الثوب يعمله أهل الكتاب اصلى فيه قبل ان اغسله قال لا بأس وان يغسل أحب إلى وكيف كان فلا شبهة في عدم الاكتفاء بمطلق الظن في
608

اثبات النجاسة كما أنه لا ينبغي الارتياب في عدم انحصار طريقه بالعلم بل تثبت بالاستصحاب لعموم أدلته وحكومتها على الأدلة المتقدمة الدالة
على طهارة كل مالا يعلم نجاسته كما تقدمت الإشارة إليه وحكى عن بعض الأخباريين المنكرين لحجية الاستصحاب في الأحكام الشرعية الاعتراف
بحجيته في مثل هذه الموارد وادعا كونه من ضروريات الدين وكذا تثبت بالبينة كما هو المشهور خلافا للمحكى عن ابن البراج في عبارته المتقدمة
وحكى عن بعض المتأخرين أيضا موافقته ولا ريب في ضعفه فان المتتبع فيما دل على اعتبار البينة إذا أمعن النظر لا يكاد يرتاب في عدم مدخلية
خصوصيات الموارد التي ثبت اعتبار البينة فيها في ذلك بل هي طريق شرعي تعبدي لم يلغها الشارع في شئ من مواردها نعم اعتبر في بعض
المقامات شهادة الأربعة أو كون الشاهدين رجلين واما نفى اعتبارها رأسا فلم يعهد في الشرعيات وما يقال من أنه ليس فيما دل على حجية
البينة عموم يقتضى حجيتها في غير مورد الخصومات بحيث يعم مورد الكلام مدفوع بان اعتبارها في مورد الخصومات مع مقابلتها بقول
ذي اليد ويده على حجيتها في الموارد السالمة من المعارض بالأولوية القطعية مضافا إلى ما أشرنا إليه من أن سوق الأدلة يشهد بكون
طريقية البينة لاثبات الموضوعات الخارجية من الأمور المسلمة في الشريعة كما يرشدك إلى ذلك ما رواه الكليني والشيخ عطر الله مرقديهما
في الكافي والتهذيب بسنديهما عن الصادق عليه السلام في الجبن قال كل شئ لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان فيه ميتة أقول قوله (ع)
حتى يجيئك شاهدان الخ كناية عن احراز حرمة الشئ بطريق معتبر وتخصيص الشاهدين بالذكر مع أن حرمة الأشياء ربما تستكشف
بالعلم وقد تثبت بالاستصحاب أو باخبار ذي اليد أو غير ذلك انما هو بلحاظ المورد الذي ينحصر طريق احراز حرمته غالبا في البينة لكونها منافية
لفعل صاحب اليد الذي يشترى منه الجبن وسنشير إلى أن حرمة مثل ذلك لا تثبت بغير البينة وفرض استكشاف حرمة الجبن الذي يباع في السوق
كما هو ملحوظ السائل على الظاهر بطريق علمي فرض نادر ولذا خص البينة بالذكر كما أن تخصيص المشهور به بان فيه ميتة مع كون الكلام مسوقا
لاعطاء ضابطة كلية انما هو بهذه الملاحظة فليتأمل وكيف كان فالرواية تدل على أن حرمة الجبن المسببة عن نجاستها المكتسبة بطرح
الميتة فيه تثبت بشهادة الشاهدين ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني والشيخ قه في الكتابين أيضا بسنديهما عن الصادق (ع) قال كل شئ لك
حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والعبد يكون عبدك ولعله حر قد باع
نفسه أو قهر فبيع أو خدع فبيع أو امرأة تحتك وهى أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة
وهذه الرواية بنفسها تشهد بصدق ما ادعيناه انفا من حكومة أدلة الامارات على الأدلة الدالة على أن العلم بنجاسة كل شئ غاية للحكم
بطهارته كما لا يخفى وهل تثبت النجاسة باخبار عدل واحد أم لا قولان حكى عن المشهور العدم وحكى عن بعض القول بالثبوت وهذا هو الأقوى
بل الأظهر عدم اشتراط العدالة المصطلحة وكفاية كون المخبر ثقة مأمونا محترزا عن الكذب لاستقرار سيرة العقلا على الاعتماد على اخبار الثقات
في الحسيات التي لا يتطرق فيها احتمال الخطاء احتمالا يعتد به لديهم مما يتعلق بمعاشهم ومعادهم وليست حجية خبر الثقة لدى العقلاء الا
كحجية ظواهر الألفاظ ومن هنا استقرت سيرة المتشرعة على اخذ معالم دينهم من الثقات ولم يثبت من الشارع ردعهم عن ذلك بل ثبت
تقريرهم على ذلك كما تقرر ذلك في الأصول عند البحث عن حجية خبر الواحد ويشهد لذلك أيضا كثير من الأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة
يقف عليها المتتبع مثل ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله في حديث قال فيه ان الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض ابدا والوكالة
ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافهه العزل عن الوكالة وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) الدال على ثبوت الوصية بخبر الثقة
قال سئلته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضا فقال لي ان حدث بي حدث فاعط فلانا عشرين دينار أو اعط أخي بقية الدنانير فمات
ولم اشهد موته فأتاني رجل مسلم صادق فقال إنه امرني ان أقول لك انظر الدنانير التي أمرتك ان تدفعها إلى أخي فتصدق منها بعشرة دنانير
اقسمها في المسلمين ولم يعلم اخوه ان عندي شيئا فقال أرى لك ان تصدق منها بعشرة دنانير والأخبار الدالة على جواز الاعتماد في دخول
الوقت على إذا ان الثقة العارف بالوقت إلى غير ذلك من الاخبار التي يستفاد منها كون العمل بقول الثقات امرا معروفا في الأذهان ممضا
في الشريعة وهل يشترط حجية قول الثقة بافادته الوثوق بالفعل فيه وجهان لا يخلو ثانيهما عن وجه ثم إن اعتبار قول الثقة انما هو في غير
مورد الخصومات ونظائرها مما كان معارضا بقول صاحب اليد أو منافيا لظاهر فعله فإنه لا يعتبر في مثل هذه الموارد الا البينة ولذا
لا يصح الاستشهاد بمفهوم الغاية في الروايتين المتقدمتين اللتين جعل فيهما قيام البينة على الحرمة غاية للحكم بحلية الأشياء لما أشرنا إليه
انفا من أن تخصيص البينة بالذكر انما هو بلحاظ الأمثلة المذكورة فيهما فلم يقصد به الاحتراز عن سائر الامارات المثبتة للحكم كاخبار
ذي اليد أو الاستصحاب ونحوه هذا مع أن المراد بالاستبانة في الرواية الثانية بحسب الظاهر أعم من الاستكشاف العلمي أو بحجة معتبرة
وجعل البينة قسيما لها بلحاظ كونها طريقا تعبديا شرعيا كما يشهد لذلك الأمثلة المذكورة في الرواية فإنه لو لم تكن الاستبانة أعم
مما يقم الاستصحاب ونحوه للزم بمقتضى الكلية المذكورة في الرواية جوار تملك العبد الذي يشك في رقيته وجواز التصرف في الثوب المشكوك
609

ملكيته مع أن الأصل في الانسان الحرية وفى الاملاك حرمة التصرف فالحلية فيما هو مفروض الرواية نشأت من ادعاء ذي اليد الذي انتقل
منه العبد والثوب بعقد محكوم بصحته بمقتضى الأصل لكن لما لم تكن يد المسلم ولا اصالة الصحة موجبة للقطع بالحلية الواقعية طرد الإمام (ع) وأطلق
كلامه بان كل شئ من الموضوعات الخارجية التي يبتلى به المكلف ويتناوله من أيادي المسلمين وأسواقهم بحسب الغالب إذا تدبر فيه الانسان وجده
مشتبه الحال بالنظر إلى حكمه الواقعي فبهذه الملاحظة يندرج في موضوع الكلية المذكورة في صدر الرواية التي معناها ان كل شئ محتمل الحرمة
في الواقع محكوم بالحلية في مرحلة الظاهر ما لم تثبت حرمته بحجة معتبرة لدى الشارع فما كان من الأشياء مقتضى الأصل الأولى فيه الحرمة
كالأموال ونحوها فما لم يقم على حليته امارة معتبرة كالبينة ويد المسلم أو اخبار ذي اليد ونحوها فهو مما ثبتت حرمته في مرحلة الظاهر
بحكم الأصل وبعد قيام الامارة المعتبرة على حليته ان لم تكن الامارة موجبة للقطع بالحلية الواقعية كما هو الغالب اندرج في موضوع
هذه الكلية وكون الحلية في هذه الموارد مستندة إلى الامارة غير مناف لصدق الكلية عليها بعد فرض تحقق موضوعها وهو كونها
محتملة الحرمة في الواقع فان المقصود بالكلية بيان ان الله تعالى من على عباده بان وسع عليهم الامر ولم يوجب الاحتياط بل جعل كل شئ حلالا
حتى يثبت حرمته بدليل معتبر وهذه قاعدة كلية غير منتقضة في شئ من مواردها غاية الأمر ان مستند الحكم بالحلية في بعض مصاديقها
نفس الشك وفى بعضها الاخر قيام الامارة المقتضية للحلية فليتأمل وتثبت النجاسة أيضا باخبار صاحب اليد على المشهور كما ادعاه بعض
بل يظهر من غير واحد على ما حكى عنهم عدم الخلاف فيه وعمدة المستندة في اعتبار قول ذي اليد هي السيرة القطعية واستقرار طريقة العقلاء
على استكشاف حال الأشياء وتمييز موضوعاتها بالرجوع إلى من كان مستوليا عليها متصرفا فيها وفى جملة من الاخبار ايماء إليه ولا يبعد
ان يكون هذا مدرك القاعدة المعروفة التي ادعى عليها الاجماع من أن من ملك شيئا ملك الاقرار به إذ الظاهر أن المراد بهذه القاعدة
ان من كان مستوليا على شئ ومتصرفا فيه قوله نافذ بالنسبة إليه وكيف كان فربما يظهر من بعض الأخبار الواردة في العصير المتقدمة في
محلها عدم الاعتماد على قول صاحب اليد الذي يستحل العصير بذهاب نصفه عند اخباره بذهاب ثلثيه ولعله محمول على الاستحباب ولا يبعد الالتزام
به في خصوص مورده بل في كل مورد يكون ظاهر حال المخبر مكذبا لقوله والله العالم ويغسل الثوب والبدن عدا محل الاستنجاء الذي تقدم
الكلام فيه في محله بالماء القليل من البول مرتين الا من بول الرضيع الذي عرفت حاله وفاقا للمشهور كما في المدارك والحدائق بل عن المعتبر نسبته
إلى علمائنا وحكى عن الشهيد في البيان الاكتفاء بمرة فقال ولا يجب التعدد الا في إناء الولوغ وعنه في الذكرى انه بعد أن اختار التثنية نسب
إلى الشيخ في المبسوط عدم مراعاة العدد في غير الولوغ وحكى عن العلامة انه اكتفى في غسل البول بالمرة ان كان جافا وربما استظهر من فحوى
كلامه في جملة من كتبه الاكتفاء بها مطلقا حجة المشهور اخبار مستفيضة منها رواية الحسين بن أبي العلا قال قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن البول يصيب
الجسد قال صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء وسئلته عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين وسئلته عن الصبي يبول على الثوب قال تصب
عليه الماء قليلا ثم تعصره وصحيحة ابن أبي يعفور قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن البول يصيب الثوب قال اغسله مرتين وصحيحة محمد بن مسلم
قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الثوب يصيبه البول قال اغسله في المركن مرتين فان غسله في ماء جار فمرة واحدة وصحيحة محمد بن مسلم أيضا
عن أحدهما قال سئلته عن البول يصيب الثوب قال اغسله مرتين ورواية أبي إسحاق النحوي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن البول يصيب الجسد
قال صب عليه الماء مرتين والمروى في مستطرفات السرائر من جامع البزنطي قال سئلته عن البول يصيب الجسد قال صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء
وسئلته عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين وعن الفقه الرضوي وان أصابك بول في ثوبك فاغسله في ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين ثم
اعصره ولا يعارضها ما في بعض الأخبار من اطلاق الامر بغسل البول لوجوب تقييد الاطلاق بهذه الاخبار المقيدة فالقول بكفاية الواحدة
ضعيف وما يظهر من بعض الأخبار الواردة في باب الاستنجاء من كفاية الواحدة لا ينهض حجة لاثبات هذا القول فإنه على تقدير الالتزام بهذا
الظاهر كما هو الأظهر وجب الاقتصار على مورده وتخصيص هذه الأخبار به لكونه أخص منها هذا مع امكان دعوى انصراف هذه الروايات
بنفسها عن غسل موضع النجو من النجاسة الخارجة منه فان المتبادر منها إرادة النجاسة الخارجية الواصلة إلى الثوب والبدن وكيف كان فلم
يعرف مستند يعتد به لهذا القول صالح المعارضة ما سمعت ومن هنا قد يغلب على الظن ان مراد القائل بكفاية المرة كفايتها بعد إزالة العين فيتحد
ح مع القول الآخر المحكى عن العلامة من التفصيل بين الجاف وغيره بناء على أن يكون اعتبار التعدد في غير الجاف بلحاظ كون الغسلة الأولى لمجرد
الانقاء وإزالة العين من دون ان يكون لها دخل في التطهير الشرعي فلا يعتبر فيها شرائط التطهير بل ولا كونها بالماء المطلق وكيف كان
فالذي يصلح ان يكون مستندا لذلك دعوى ان المنساق إلى الذهن من الامر بصب الماء على البول وغسله مرتين كون أوليهما للإزالة من دون
ان يكون لها دخل في التطهير فالغسلة المطهرة انما هي الغسلة الأخيرة كما يشهد لذلك رواية الحسين بن أبي العلا المتقدمة على ما رواه في محكى
المعتبر والذكرى بزيادة قوله مرة للإزالة والثانية للانقاء بعد قوله (ع) اغسله مرتين فعلى هذا تكون هذه الرواية مفسرة للاخبار الامرة بالغسلتين
610

ويتجه ح اختيار القول الثالث لكن صرح غير واحد بخلو كتب الاخبار من هذه الزيادة كصاحب الحدائق وغيره ففي الحدائق قال وهذه الزيادة
لا وجود لها في شئ من كتب الاخبار وقد صرح أيضا بذلك الشيخ حسن في المعالم فقال بعد نقل ذلك من الذكرى والمعتبر ولم أر لهذه الزيادة اثرا
في كتب الحديث الموجودة الان بعد التصفح بقدر الوسع انتهى فيحتمل قويا كونها من كلام صاحب المعتبر ذكرها تفسيرا للرواية بحسب اجتهاده لا يقال إن
ظاهر ما حكى عن الكتابين كونها من تتمة الرواية فلا يرفع اليد عن هذا الظاهر بمجرد عدم وجدانها فيما بأيدينا من الكتب لأنا نقول لا نلتزم بهذه
المرتبة من الاعتبار للظواهر القابلة للخلاف بل ولا لقول الثقة بعد شهادة الامارات بخطائه والحاصل انه لا وثوق بهذه الفقرة بل المظنون
عدم كونها من الرواية فيشكل الاعتماد عليها واما دعوى ان المنساق إلى الذهن كون الغسلة الأولى لمجرد الإزالة ففيها انها ناشئة من الحدس
والتخمين إذ لا شاهد عليها من ألفاظ الرواية فهي غير مسموعة خصوصا مع أن غسل الثوب والبدن كثيرا ما يقع بعد الجفاف وزوال العين فكيف
تقبل دعوى من يدعى انصراف اطلاقات الاخبار الامرة بالغسل؟ عنه من غير شاهد فالأظهر ما هو المشهور من اعتبار المرتين مطلقا وهل
يختص ذلك بخصوص الثوب والبدن الذين ورد فيهما النص أم يعم مطلق ما اصابه البول وجهان بل قولان اختار أولهما في الحدائق ومحكى الذخيرة
اقتصارا على مورد النص واخذا باطلاق الامر بالغسل فيما عداه وحكى عن ظاهر جمع وصريح بعض التعميم ولا يبعد ان يكون هذا هو المشهور بين
الأصحاب وتخصيص بعض الثوب والبدن بالذكر كما في المتن أو خصوص الثوب كما عن المنتهى لا يدل على إرادة الاختصاص بل الظاهر جريه مجرى التمثيل
وكيف كان فهذا هو الأظهر فان الأحكام الشرعية لا تتقيد بمواردها المنصوصة فكما يفهم من قوله (ع) اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه نجاسة
البول وانفعال كل شئ من فكذلك يفهم من قوله (ع) اغسله مرتين ان نجاسته لا تزول الا بالغسل مرتين نعم لو كان النص مخصوصا بالثوب لم يكن
احتمال مدخلية كونه مما يرسب فيه البول في اشتراط التعدد بعيدا لكن لا يبقى مجال لهذا الاحتمال بعد ورود الامر بغسل الجسد أيضا مرتين فيستفاد
من ذلك ان الأجسام الصلبة التي لا يرسب فيها البول أيضا يتوقف تطهيرها منه على غسلها مرتين واحتمال مدخلية صدق اسم البدن أو الثوب
في اشتراط العدد مما لا ينبغي الالتفات إليه إذ ليس كون الشئ مصداقا للثوب أو البدن على ما هو المغروس في أذهان المتشرعة من الخصوصيات التي
لها دخل في قبوله للانفعال أو التطهير ولذا استقرت سيرتهم على استفادة الاحكام الكلية من القضايا الشخصية الواردة فيهما ولا يتوهم أحد فرقا
في كيفية التطهير أو الانفعال بين الثوب أو قطعة كرباس لا يندرج في مسماه عرفا فالقول بالاختصاص ضعيف واضعف منه ما في المدارك ومحكى
المعالم من الاختصاص بخصوص الثوب وكفاية المرة في غيره ولو في البدن بدعوى ضعف سند الروايات الامرة بغسل البدن مرتين وعدم اتصافها
الصحة ويدفعها بعد تسليم ضعف السند والغض عن استفاضتها واعتضاد بعضها ببعض وتوصيف بعض لبعضها بالصحة ان ضعفها مجبور بعمل الأصحاب
فلا ينبغي الارتياب في الحكم مع أنه أحوط تنبيهات الأول ان الغسل مرتين انما هو فيما إذا كان بالماء القليل دون الكر والجاري فإنه يكفي
فيهما الغسل مرة كما عن المشهور بل بلا خلاف فيه في الأخير كما يظهر من بعض ويدل على كفاية المرة في الجاري قوله (ع) في صحيحة ابن مسلم المتقدمة فان
غسلته في ماء جار فمرة واحدة وربما يستظهر من ذلك كفاية المرة في الكر أيضا بدعوى ان المنساق إلى الذهن كون هذه القضية بمنزلة التصريح
بما أريد الاحتراز منه بالتقييد الواقع في القضية الأولى أعني قوله (ع) اغسله في المركن مرتين والمتبادر من هذه القضية بقرينة المقابلة ليس الا إرادة
المرتين عند غسله بالماء القليل كما هو لازم كونه في المركن عادة فمفهومه كفاية المرة عند غسله بغير الماء القليل سواء كان جاريا أو كرا وتخصيص
الجاري بالذكر لنكتة الغلبة أو نحوها وفيه نظر بل الظاهر كون الشرطية بمنزلة الاستدراك لا التصريح بمفهوم القيد فالرواية ساكتة عن حكم
الغسل بالكر ولعل النكتة فيه ندرة الابتلاء به في محل صدور الاخبار نعم المناسبة بين الكر والجاري توجب استشعار كفاية الواحدة في
الكر من مثل هذه العبارة لا ظهورها فيها ويشهد للمدعى أيضا عبارة الرضوي المتقدمة ويدل على كفاية المرة في الكر المرسل المروى عن أبي
جعفر عليه السلام مشيرا إلى غدير ماء ان هذا لا يصيب شيئا الا وطهره المجبور ضعفه بالعمل والنسبة بينه وبين ما دل على اعتبار المرتين في البول ان كان
عموما من وجه لكن ظهور المرسل بالنسبة إلى مورد الاجتماع أقوى لدلالته عليه بالعموم واما اخبار المرتين فاغلبها بنفسها منصرفة إلى إرادة
الغسل بالماء القليل وبعضها كصحيحة ابن أبي يعفور وان كان ظاهرا في الاطلاق لكن لا تكافئ ظهورها في الاطلاق لأصالة العموم خصوصا
مع تطرق الوهن إليها بالنسبة إلى الجاري الذي علم عدم اعتبار العدد فيه كما لا يخفى واستدل له أيضا بقوله (ع) في بعض الأخبار الواردة
في ماء الحمام انه بمنزلة الجاري وفى بعضها الاخر انه كماء النهر يطهر بعضه بعضا بدعوى ان اطلاق التشبيه يقتضى عمومه وما نحن فيه من وجوه
الشبه وفيه نظر يظهر وجهه مما مر في محله نعم الرواية التي نزل فيها منزلة الجاري لا بأس بايرادها في مقام التأييد وقد يقال إن ماء الحمام حال
جريانه بل كل ماء جار وان لم يكن عن مادة مندرج في موضوع قوله (ع) فان غسلته في ماء جار فمرة وفيه ان المتبادر منه إرادة الماء الجاري بمعناه
المعروف دون مطلق الماء الذي يجرى كما هو واضح وماء المطر أيضا بمنزلة الجاري لا يعتبر في الغسل به التعدد لقوله (ع) كل شئ يراه ماء المطر
فقد طهر والله العالم الثاني لا يعتبر وقوع الغسلتين بعد إزالة العين بل لو زالت العين بالأولى كفى ضم الثانية إليها كما يشهد له اطلاق
611

الأخبار المتقدمة الدالة على الغسل مرتين بل القدر المتيقن من تلك الأخبار انما هو إرادة الغسل مرتين لدى وجود عين البول في الثوب والجسد
وانما حكمنا باعتبارهما مع الجفاف وزوال العين بواسطة اصالة الاطلاق ويشهد لذلك مضافا إلى أن فرض وجود العين هو القدر
المتيقن ارادته من موارد النصوص ما في بعضها من تعليل كفاية صب الماء على الجسد مرتين بأنه ماء فإنه صريح في المدعى وربما يستشهد
باطلاق الاخبار لكفاية المرتين وان تحققت الإزالة بالأخيرة وفيه أولا ان البول الذي هو ماء لا يبقى عادة عينه في الثوب
والجسد بعد غسله مرة حتى يتحقق ازالته بالغسلة الثانية ففرض كونه كذلك فرض نادر بل غير واقع ينصرف عنه الاطلاقات وثانيا
ان وجود البول في الثوب بنفسه علة لوجوب غسله مرتين فما دام العين باقية في الثوب أو الجسد صدق عليه انه شئ اصابه البول
فيندرج في موضوع الاخبار الامرة بغسله مرتين ومجرد ايصال الماء إليه ما لم يؤثر في إزالة عينه لا يخرجه من موضوع تلك الأخبار
بل لا يصدق عليه اسم الغسل فالقول بكفاية حصول الإزالة بمجموع الغسلتين ضعيف واضعف منه القول بعدم احتساب الغسلة
المزيلة للعين من العدد مستندا إلى انها لو احتسبت من العدد فلا معنى ح لتعيين العدد في المرتين لأن إزالة عين النجاسة قد لا تحصل
بهما ولا يعقل الحكم بالكفاية مع بقاء العين فلابد من الإزالة بغيرهما فلا يمكن جعل المرتين ضابطا للتطهير وفيه أولا ما أشرنا إليه
من أن غسل الثوب أو البدن من البول لا يتحقق عرفا الا باذهاب عينه بالماء وليس مطلق اجراء الماء على الشئ القذر مع بقاء القذارة
فيه مصداقا للغسل وثانيا ان يعين العدد في المرتين انما هو بلحاظ الغالب دون الفرض الذي فرضه القائل وهو مالا يحصل الإزالة
بهما فإنه في مثل البول الذي هو مورد النصوص مجرد فرض لا وقوع له الثالث لا يكفي التقدير في الغسلتين بل يعتبر تحققهما بالفعل وانفصال
كل منهما عن الاخر بحيث ينفرد كل منهما بالفردية لدى العرف فان هذا هو المتبادر من النصوص والفتاوى فما عن الذكرى من كفاية صب الماء
عليه بقدر الغسلتين ضعيف وربما استحسه بعض فيما لو امتد زمان الصب بقدر انقضاء زمان الغسلتين والفصل بينهما نظرا إلى أن وصل
الماء لو لم يكن أقوى في التأثير فليس بأقل من القطع والفصل وفيه نظر لأن سماع مثل هذه الدعاوى في الاحكام التعبدية التوقيفية مشكل
خصوصا مع ما نرى من أن للتكرير تأثيرا في النفس في رفع القذارة المتوهمة لا يحصل مثله مع اتحاد الغسلة وان استمرت بقدر انقضاء زمان
الغسلتين وما بينهما من الفصل وقد يقال بناء على اعتبار العدد في الجاري والكثير ان تعاقب جريان الجاري والتحريك في الماء الكثير بمنزلة
التكرير وفيه أيضا على اطلاقه تأمل نعم لو كانت الجريات والتحريكات ممتازا بعضها عن بعض بحيث تكرر بواسطتها صدق الغسل لدى العرف أو
استعمل في الماء بعض المعالجات من الفرك والدلك ونحوهما بحيث اثر في صدق التكرير اتجه الاكتفاء به والا فلا ولا يكفي في الصدق مجرد مغائرة
الماء الذي يلاقيه في الزمان الثاني للماء الذي اصابه أولا كما هو واضح الرابع هل يختص وجوب العدد بغسل البول فيكفي في غيره غسله مرة
واحدة أم يجرى في سائر النجاسات قولان نسب أولهما إلى الأكثر بل المشهور لكن قيده بعضهم بوقوع الغسلة بعد إزالة العين وحكى عن الشهيد
[اعتبره] اعتبار المرتين في سائر النجاسات وعن العلامة في التحرير المرتين فيما له قوام وثخن كالمني دون غيره وعن المنتهى أنه قال النجاسات التي
لها قوام وثخن أولى بالتعدد في الغسلات انتهى حجة المشهور اطلاق الامر بالغسل في كثير من الأخبار الواردة في أبواب النجاسات مثل قوله (ع)
ان أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وقوله (ع) في جسد الرجل الذي يصيبه الكلب يغسل المكان الذي اصابه وفى الثوب الذي اصابه
خمر أو نبيذ اغسله وفى الثوب الذي أصاب جسد الميت يغسل ما أصاب الثوب أو فاغسل ما أصاب ثوبك منه وفى المني يصيب الثوب ان عرفت
مكانه فاغسله وان خفى عليك مكانه فاغسل الثوب كله وفى الثوب الذي يعرق فيه الجنب فليغسل ما أصاب من ذلك وفى الدم ان اجتمع قدر حمصة
فاغسله إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يقف عليها المتتبع مما ورد فيها الامر بغسل ما لاقى شيئا من النجاسات على الاطلاق وقد تقدم
جلها في طي المباحث المتقدمة فراجع ودعوى ان مثل هذه الأخبار المطلقة انما سيقت لبيان أصل النجاسة بذكر بعض اثارها وهو وجوب
غسل الملاقى واما كيفية الغسل فلم يقصد بيانها بهذه الروايات مدفوعة بان حمل الاخبار المتكاثرة المتظافرة على كونها بأسرها من قبيل
ذكر اللازم وإرادة الملزوم تأويل بلا مقتض بل الظاهر كونها مسوقة لبيان نفس اللازم فيستفاد منه الملزوم أعني النجاسة بالالتزام بل
كيف تسمع دعوى الاهمال في جميع هذه الأخبار مع أن الأسئلة الواقعة في أغلبها ليست الا كالأسئلة الواقعة في الأخبار المتقدمة التي
وردت في البول فالأجوبة الواردة فيها على الظاهر ليست الا كالأجوبة الواردة في البول مسوقة لبيان ما هو حكمه الفعلي في مقام العمل
نعم قد يتطرق الخدشة في كثير من الاطلاقات الواردة في الباب بورودها لبيان احكام اخر كحكم المتنجس لدى الاشتباه ونحو ذلك لكن
فيما عداها مما لا يتطرق فيه هذه الخدشة غنى وكفاية ولا يخفى على المتتبع انه قد ورد في جل النجاسات العينية بل كلها الامر بغسل ما تنجس
بها على الاطلاق فلا يبقى معه مجال للرجوع إلى الأصول العملية ولو فرض عدم وجوده في بعضها أمكن تتميم القول فيه بعدم القول بالفصل
كما أنه يمكن ذلك بالنسبة إلى المتنجسات الخالية من أعيان النجاسات على تقدير قصور الاخبار عن شمولها وكذلك بالنسبة إلى ما تنجس
612

بالمتنجس بغير البول هذا مع امكان الاستدلال لكفاية مطلق الغسل في المتنجسات الخالية من العين بالفحوى وفى ما تنجس بالمتنجس بالأولوية
فان الفرع لا يزيد على أصله مع أنه قد ورد في بعضه الامر بغسله على الاطلاق كما في موثقة عمار الواردة في من وجد في انائه فارة ميتة فعليه ان
يغسل ثيابه ويغسل كل ما اصابه ذلك الماء ولو نوقش في الفحوى والأولوية وعدم القول بالفصل بانكار الفحوى ومنع كون الأولوية قطعية وعدم
ثبوت الأخير وان كانت منافية للانصاف وجب الرجوع فيما لم يرد فيه دليل لفظي دال على كفاية مطلق الغسل إلى استصحاب النجاسة حتى يعلم
المزيل ومن هنا اتجه القول بوجوب غسل ما تنجس بالمتنجس بالبول مرتين إذ لا دليل على كفاية الواحدة فيه اللهم الا ان يمنع جريان الاستصحاب
في النجاسة الحكمية بدعوى كونها منتزعة من احكام تكليفية تعبدية لا نعرف جهتها فمرجع الشك في زوالها بالغسل مرة إلى الشك في أنه هل
يجب غسله مقدمة للصلاة الواجبة ونحوها مرة أو أزيد فينفي الزايد بأصل البراءة كما تقرر في محله ودعوى ان النجاسة الحكمية قذارة
معنوية بينها الشارع بحكمه بوجوب غسلها ومانعيتها من الصلاة وغير ذلك من اثارها فهي كالقذارة الحسية من الأمور القارة التي
لا ترتفع الا برافع فما لم يثبت الرافع يجب الحكم ببقائها قابلة للمنع لامكان ان يكون منشأ حكم الشارع بوجوب الغسل وغير ذلك من احكامها
أمورا أخر كشدة الاهتمام بالتجنب عن النجاسات العينية وتنفر الطبع عنها بالتنزه عما يلاقيها أو نحو ذلك من الحكم الخفية التي لا إحاطة
لنا بها خصوصا مع أنه لم يرد في شئ من الأدلة الشرعية التصريح بنجاستها حتى يقال إن مقتضى ظاهر اللفظ كونها قذرا في الواقع فليتأمل
واستدل للمشهور أيضا بأصل البراءة وقد عرفت انه لا يخلو عن وجه صالح لأن يتأمل فيه واستدل القائل باعتبار المرتين باستصحاب
النجاسة الحاكم على أصل البراءة وبما يفهم من بعض الأخبار المتقدمة الواردة في البول الذي أصاب الجسد الذي ورد فيه تعليل الاكتفاء
بصب الماء عليه مرتين بأنه ماء حيث يفهم منه ان غسل البول أهون من سائر النجاسات فيكون غيره أولى بالتعدد وبصحيحة محمد بن مسلم
عن الصادق عليه السلام انه ذكر المني فشدده وجعله أشد من البول الحديث فيقيد بهاتين الروايتين اطلاق الامر بالغسل الوارد في سائر الأخبار
والجواب اما عن الاستصحاب فيما عرفت من أنه لا يرجع إليه مع وجود الاطلاقات مع امكان الخدشة فيه بما عرفت واما عن الخبرين فيمنع
دلالتهما على المدعى لأن كون المني أشد من البول من حيث القذارة كما هو مفاد الرواية الثانية لا يستلزم كونه أحوج من البول أو مثله في العدد
في مقام التطهير إذ لا استحالة في أن يزول ما كان في غاية القذارة بغسله ومرة لا يزول شئ اخر في أول مرتبة القذارة الا بغسله مرارا عديدة
واما تعليل الاكتفاء بالصب بأنه ماء فإنه لا يدل الا على عدم كفاية الصب في سائر النجاسات التي لها ثخن وقوام وهذا مسلم فإنها لا
تزول بذلك بل لابد فيها من استعمال بعض المعالجات الموجبة لإزالة العين فلا اشعار في هذا التعليل أصلا بأنه يعتبر العدد في سائر
النجاسات فظهر لك ان الأقوى ما هو المشهور من كفاية غسله واحدة في سائر النجاسات في غير ما ستعرفه من الأواني وان تحققت الإزالة بها
للاطلاقات السالمة مما يصلح لتقييدها والله العالم ثم إن مقتضى اطلاق الفتاوى والنصوص عدم الفرق بين بول الانسان وبول غيره
مما لا يؤكل لحمه في وجوب غسله مرتين لكن لا يبعد دعوى انصراف الاخبار إلى الأول كما يؤيده ترك الاستفصال عن كونه من المأكول أو غيره
وليس ذلك على الظاهر الا بواسطة انسباق بول الانسان إلى الذهن من السؤالات الواردة في الاخبار فيشكل ارتكاب التقييد في قوله
اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه بالنسبة إلى غير الانسان خصوصا مع امكان دعوى انصراف هذه الرواية إلى غير الانسان فلو
أمكن التفصيل لا يبعد الالتزام بعدم اعتبار العدد في بول غير الانسان وان كان الأحوط ان لم يكن أقوى خلافه والله العالم
تنبيه لا عبرة باثر النجس بعد إزالة عينه بالغسل كلون الدم ورائحة الجيفة إذا لم يكن الأثر كاشفا عن بقاء عين النجس لدى العرف
وما يقال من أن بقاء الأثر كاشف عن وجود العين لاستحالة انتقال العرض فلا يتحقق إزالة العين مع بقاء لونها أو ريحها مدفوع بعد
الغض عن أن الشئ قد يتأثر بالمجاورة بأنه لا عبرة بالاجزاء اللطيفة العقلية المستكشفة بالدقة الحكمية فان الأحكام الشرعية تدور
مدار عناوين موضوعاتها العرفية فما يصدق عليه عرفا اسم العذرة أو الدم أو غيرهما من عناوين النجاسات يتبعه حكمه دون مالا يصدق
عليه الاسم وهذا مما لا اشكال فيه بل ولا خلاف وقد حكى عن المعتبر دعوى الاجماع على عدم وجوب إزالة اللون والرائحة وما حكى عن بعض من
ايجاب إزالة اللون مع الامكان فلا يبعد ان يكون نزاعا في الصغرى بدعوى ان إزالة العين لا تتحقق عرفا مع بقاء اللون القابل للإزالة
وفيها منع ظاهر وكيف كان فالمدار على إزالة العين دون ما يعد اثرا مجردا في العرف ولا شبهة في أن الرائحة المجردة وبعض مراتب اللون
خصوصا اللون المخالف للون النجس الذي ربما يكتسبه المتنجس بالخاصية كالصفرة الحاصلة في الجسم الملاقى للميتة بل وكذا بعض مراتب
الخشونة الحاصلة في الثوب بعد إزالة العين تعد لدى العرف اثرا محضا فلا تجب ازالته ويشهد له مضافا إلى ما عرفت حسنة ابن
المغيرة عن أبي الحسن (ع) قال قلت له هل للاستنجاء حد قال لا حتى ينقى ماثمة قلت ينقى ماثمة ويبقى الريح قال لا ينظر إليها وخبر علي بن
حمزة عن البعد الصالح قال سئلته أم ولد لأبيه إلى أن قال قالت أصاب ثوبي دم الحيض فغسلته فلم يذهب اثره فقال اصبغيه بمشق
613

حق يختلط ويذهب وخبر عيسى بن أبي منصور قال قلت لأبي عبد الله (ع) امرأة أصاب ثوبها من دم الحيض فغسلته فبقي اثر الدم في ثوبها
قال قل لها تصبغه بمشق حتى يختلط تقريب الاستدلال بهما انه لو كان بقاء اللون كاشفا عن وجود العين المانع من تحقق الإزالة
المعتبرة في التطهير لم يكن صبغه بمشق مجديا فالامر به ليس الا للاستحباب رفعا للنفرة الحاصلة من بقاء اللون الغير المنافى لطهارة
الثوب فليتأمل ومرسلة الصدوق قال سئل الرضا عن الرجل يطأ في الحمام وفى رجله الشقاق فيطأ البول والنورة فيدخل الشقاق
اثر اسود مما وطئ من القذر وقد غسله كيف يصنع به وبرجله التي وطئ بها أيجزيه الغسل أم يخلل أظفاره بأظفاره ويستنجى فيجد الريح
من أظفاره ولا يرى شيئا فقال لا شئ عليه من الريح والشقاق بعد غسله ثم انا قد أشرنا إلى أنه لا اثر للاجزاء اللطيفة المتخلفة من
أعيان النجاسات التي تعد لدى العرف من الاعراض لكن لو استخرج تلك الأجزاء ببعض المعالجات بحيث صدق عليه الاسم لحقها حكمها فلو
أغلى الثوب المغسول الذي أزيل عنه الدم عرفا وتنجس به الثوب على الأظهر فإنه يصدق عليه انه ماء متغير بعين الدم ولا منافاة بينه وبين
استهلاك الدم وانتفاء موضوعه عرفا قبل ظهور وصفه في الماء نظير الدم المستهلك في ماء كر فإنه لا اثر له ما دام استهلاكه فلو نقص الماء
عن الكرية يبقى على طهارته لكن لو اجتمع حينئذ اجزائه المستهلكة أو ظهر وصفه في الماء بواسطة جذب الهواء للاجزاء المائية الموجب لقلة
الماء وظهور وصف الدم فيه تنجس والحاصل انه ربما ترتفع النجاسة عن موضوعها بواسطة استهلاك الموضوع واضمحلاله فمتى عاد على ما
كان عليه بان صار موضوعا عرفيا لذلك النجس عاد حكمه ومن هذا القبيل حكم البخار المتصاعد من النجس إذا تقاطر فإنه ان صدق على
القطرات المجتمعة منه اسم ذلك النجس تنجس لامثل المتفاطر من بخار البول أو العذرة الذي لا يصدق عليه اسمهما ولا المتقاطر من المتنجس الذي
لا يصدق عليه عرفا كونه ذلك المتنجس بعينه وكذلك الدخان المتصاعد من الدهن النجس الذي يستصبح به المشتمل على اجزاء دهنية إذا تكاثف
الدخان وظهر عليه ما اشتمله من الاجزاء الدسمة إلى غير ذلك من الأمثلة ولا مجال لاستصحاب الطهارة في مثل الفرض إذ لم يكن الاجزاء
حين الحكم بطهارتها بعناوينها الخاصة وجود محقق لدى العرف والا لكانت محكومة بالنجاسة لأن المفروض كونها نجس العين فلا تطهر
ما دامت معنونة بتلك العناوين وقد تقدم في مبحث التيمم ماله ربط بالمقام وإذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوب الانسان وكان الثوب أو
ما لاقاه رطبا رطوبة مسرية غسل موضع الملاقاة من الثوب واجبا مقدمة للواجبات المشروطة بطهارة الثوب كما عرفته فيما سبق وان كان
الثوب كالملاقي له يابسا أي لامع رطوبة مسرية رشه بالماء استحبابا بلا خلاف يعتد به بل عن المعتبر انه أي استحباب الرش مع اليبوسة
مذهب علمائنا أجمع ويشهد له في الأولين منها جملة من الاخبار منها مرسلة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا مس ثوبك كلب فإن كان
جافا فانضحه وان كان رطبا فاغسله وخبر على عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الكلب يصيب الثوب قال انضحه وان كان رطبا فاغسله وصحيحة
أبي العباس قال قال أبو عبد الله (ع) إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وان مسه جافا فاصبب عليه الماء وعن الخصال عن علي عليه السلام
في حديث الأربعمأة قال تنزهوا عن قرب الكلاب فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله وان كان جافا فلينضح ثوبه بالماء وخبر علي بن محمد المضمر
قال سئلته عن خنزير أصاب ثوبا وهو جاف هل تصلح الصلاة فيه قبل ان يغسله قال نعم ينضحه بالماء ثم يصلى فيه وصحيحة علي بن جعفر عن
أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به قال إن كان دخل في صلاته فليمض
وان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما اصابه من ثوبه الا ان يكون فيه اثر فيغسله واستدل لاستحباب الرش في الأخير بصحيحة الحلبي قال سألت أبا
عبد الله (ع) عن الصلاة في ثوب المجوسي فقال يرش بالماء الحديث وفيه نظر إذ لم يعلم أن الامر بالرش فيما هو مغروض السائل مسبب عن
ملاقاة المجوسي لثوبه مع الجفاف حتى يتعدى عن مورده إلى ثوب الغير الذي لاقاه المجوسي أو غيره من الكفار مع الجفاف فلعل حكمة الحكم كون
ثوبه مظنة للنجاسة وقد ورد الامر بالنضح في موارد كثيرة مما ظن أو شك فيه النجاسة من الثوب والبدن مثل قوله (ع) في صحيحة ابن الحجاج الواردة
في رجل يبول بالليل ويحسب ان البول اصابه يغسل ما استبان انه اصابه وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه وفى حسنة الحلبي الواردة في المني
فان ظن أنه اصابه منى ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء وفى خبر عبد الله بن سنان الوارد في رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم وان كان
يرى أنه اصابه شئ فنظر ولم ير شيئا أجزاه ان ينضحه بالماء وقد حكى عن العلامة الجزم باستحباب النضح مع الشك في النجاسة مطلقا وكيف
كان فلا يمكن استفادة المدعى من الامر بالرش في الصحيحة المتقدمة فعمدة مستند الحكم في الكافر هو الاجماع المحكى عن المعتبر وكفى به دليلا
لاثبات الحكم بعد البناء على المسامحة ثم إن مقتضى ظاهر لامر بالنضح في الأخبار المتقدمة هو الوجوب لكن لما ثبت ان كل يابس زكى كما في الموثق
وانعقد الاجماع عليه فيما عدا ميت الانسان أو مطلق الميتة كما عرفته فيما سبق تعين حمله على الاستحباب كما في سائر الموارد التي ورد فيها الامر
بالنضح من مظان النجاسة وغيرها وحمله على الوجوب النفسي التعبدي مناف لظاهر الاخبار بل صريحها فإنها تدل على أن الامر بالنضح انما هو
لأجل الصلاة ونحوها وحمله على كونه شرطا تعبديا محضا لا من حيث النجاسة مع بعده في حد ذاته حيث لا ينسبق إلى الذهن من الامر برش الثوب
614

أو غسله للصلاة إرادة كونه شرطا تعبديا من غير جهة النظافة ينافيه سياق الاخبار فإنها تشهد بان الامر بالنضح مع الجفاف كالأمر بالغسل
مع الرطوبة انما هو لإزالة الأثر الشرعي الحاصل بالملاقاة فحيث علم أن الأثر الحاصل بالملاقاة مع الجفاف لم يبلغ مرتبة يجب التنزه عنه في
الأشياء المشروطة بالطهور فهم من ذلك ان الامر بإزالته بالنضح ليس الا للاستحباب ولذا لم يفهم المشهور من هذه الأخبار ونظائرها مما
ورد فيه الامر بالنضح الا ذلك وان شئت قلت إن اعراض المشهور عن هذا الظاهر وحملهم للامر على الاستحباب يكشف عن عثورهم على قرينة داخلية
أو خارجية أرشدتهم إلى ذلك فما في الحدائق من الالتزام بوجوبه تعبدا ضعيف وقد ظهر بما أشرنا إليه من أن النضح ليس شرطا تعبديا محضا بل
لإزالة نحو من القذارة التي لم تجب ازالتها ان الامر بنضح الثوب انما هو لكونه أقل المجزى والا فالغسل أو صب الماء عليه أبلغ في تنظيفه فيغنيه
ذلك عن النضح بلا تأمل وقد ورد الامر بصب الماء على الثوب الذي اصابه الكلب في صحيحة أبي العباس فهو بحسب الظاهر لبيان الاجتزاء
بالصب وعدم الحاجة إلى الغسل فلم يقصد بها ارادته بالخصوص بحيث ينافيه الأخبار الدالة على كفاية النضح ويحتمل ارادته بالخصوص لكونه
أولى وأفضل ويحتمل أيضا ان يكون المراد بالصب ما يعم النضح توسعا وكيف كان فالظاهر أنه يكفي مطلق النضح ولا يعتبر فيه الاستيعاب
لاطلاق النصوص والفتاوى وما يظهر من بعض من اعتبار الاستيعاب ليكون بمنزلة الصب حتى لا يتحقق التنافي بين الاخبار الامرة به و
بين ما ورد فيه الامر بالصب ضعيف لاستلزامه ارتكاب خلاف الظاهر في جميع الأخبار نعم لو قيل بأنه يتحقق بالنضح المستوعب مفهوم الصب
أمكن ان يقال بان تقييد اطلاق النضح بالرواية التي ورد فيها الامر بالصب أولى من ارتكاب مخالفة الظاهر في هذه الرواية بحمل الصب على
المعنى الأعم أو غيره من المحامل فان التقييد أهون من سائر التصرفات ولا ينافيه كون الصب أعم من النضح من وجه حيث لا يصدق على الماء
المتصل اجزائه الملقى على الثوب دفعة اسم النضح ويصدق عليه اسم الصب لما عرفت من أن الامر بالنضح لكونه أقل المجزى لا لكونه متعينا لكن
يتوجه على ذلك مضافا إلى منع الصغرى ما مر مرارا من أنه لا مقتضى لحمل المطلق على المقيد في المستحبات بل مقتضى الأصل ابقاء كل من المطلق
والمقيد على ظاهره ولا منافاة فان المانع من ابقاء المطلق على اطلاقه انما هو الالزام بخصوص المقيد دون مجرد محبوبيته التي ينبعث منها الامر
الاستحبابي فإذا ورد مثلا ان أفطرت فاعتق رقبة وورد أيضا ان أفطرت فاعتق رقبة مؤمنة وكان التكليف الزاميا نقول إذا تعين الاتيان
بالمقيد في مقام الخروج من عهده هذا التكليف الوجوبي أعني كفارة الافطار كما هو مقتضى ظاهر الامر بالمقيد امتنع الاجتزاء باي فرد يكون
من افراد المطلق كما يقتضيه اصالة الاطلاق في المطلق فيكشف ذلك عن أن مراد الامر بقوله أعتق رقبة لم يكن الا بيان أصل الحكم في الجملة على
سبيل الاهمال وقد بين تمام مراده بذكر المقيد فيكون المقيد قرينة كاشفة عما أريد بالمطلق هذا إذا أريد من المقيد ظاهره وهو الوجوب التعييني
واما ان لم تكن الخصوصية المتقيد بها المطلوب مقصودة بالالزام بان كان الامر المتعلق به بالخصوص ندبيا بلحاظ كونه أفضل الافراد أو وجوبيا
تخييريا فلا يتحقق التنافي بينه وبين إرادة الاطلاق من المطلق فيدور الامر في الفرض بين رفع اليد عن اصالة الاطلاق وبين التصرف في ظاهر
المقيد والأول أولى الا لمجرد كونه أشبع بل لأن ظهور المطلق في الاطلاق موقوف على عدم بيان إرادة المقيد حتى يتمشى فيه دليل الحكمة المقتضى
لحمل المطلق على الاطلاق والمقيد بظاهره بيان لما أريد من المطلق فيكون ظهور المقيد في الوجوب التعييني حاكما على ظهور المطلق في الاطلاق
هذا إذا كان التكليف من أصله الزاميا واما إذا كان ندبيا فالطلب المتعلق بالمقيد على تقدير كون الخصوصية مقصودة بالطلب لا يقتضى
الا كون هذا الفرد بالخصوص مستحبا ولا منافاة بينه وبين إرادة الاطلاق من المطلق لجواز ان يكون للطبيعة بلحاظ تحققها في ضمن أي فرد تكون
مرتبة من المحبوبية مقتضية للامر بها امرا ندبيا أو الزاميا وأن يكون لبعض افرادها مزية مقتضية للامر بايجاده في مقام الامتثال امرا ندبيا فيكون
هذا الفرد أفضل الافراد فلا يستكشف من الامر الندبي المتعلق بالمقيد ان مراد الامر بأمره المطلق هو هذا المقيد بالخصوص فلا يصلح ان يكون هذا
الامر الندبي لأن يكون بيانا للمطلق حتى يكون ظهوره حاكما على اصالة الاطلاق كما لا يخفى على المتأمل واما البحث في البدن إذا كان ملاقيا للكافر
وأخويه فيغسل من ملاقاتها إذا كان أحد المتلاقيين رطبا رطوبة مسرية كما هو واضح وقيل يمسح بالتراب ان كان كل من المتلاقيين يابسا وجوبا
كما عن ظاهر بعض القدماء واستحبابا كما يظهر من بعضهم على ما حكى ولا يبعد ان يكون هذا هو مراد الجميع وان عبروا بما يشعر بالوجوب وربما الحق بعضهم بها
الفارة والوزغة والأرنب وعن المبسوط استحباب ذلك من كل نجاسة ولم يثبت ذلك في شئ منها لا وجوبا ولا استحبابا حيث لم نقف على ما يدل
عليه في شئ منها عدا ما ستسمعه في الكافر ولكن مع ذلك لا يبعد الالتزام باستحبابه مسامحة اعتمادا على فتوى هؤلاء الأعاظم الذين لا يظن
بهم صدور مثل هذا الحكم منهم لاعن مستند وربما يستدل عليه في خصوص الكافر بخبر القلانسي قلت لأبي عبد الله (ع) القى الذمي فيصافحني
قال امسحها بالتراب وبالحائط قلت فالناصب قال اغسلها بعد الغاء خصوصية الذمي كخصوصية المصافحة لكن مقتضاه استحباب الغسل
في الناصب دون المسح ولا يبعد ان يكون الامر به لكونه أفضل لا متعينا والله العالم وإذا أخل المصلى بإزالة النجاسة التي يجب ازالتها عن
ثوبه وبدنه فاما ان يكون عالما بها أي بوجود تلك النجاسة في ثوبه وبدنه ملتفتا إليه حال الصلاة واما ان يكون ناسيا لها حال الصلاة
615

فإن كان عالما بتحقق موضوع ذاكرا له حال الصلاة أعادها في الوقت وخارجه سواء علم بحكمه الوضعي أعني نجاسة ذلك الشئ والتكليفي
أي وجوب ازالته في الصلاة أم لم يعلم شيئا منهما فان هذا هو الذي يقتضيه ما دل على اشتراط الصلاة بطهارة الثوب والبدن لأن المشروط
ينعدم بعدم شرطه فالصلاة الفاقدة للشرط باطلة يجب اتيانها ثانيا في الوقت أوفى خارجه اما في الوقت فواضح واما في خارجه فلما ثبت نصا
واجماعا انه يجب على من فاتته فريضة ان يأتيها في خارج الوقت فما في المدارك من الاستشكال في وجوب القضاء عليه بعد خروج الوقت لو
أخل بها جهلا نظرا إلى أن القضاء بأمر جديد ولم يثبت مما لا ينبغي الالتفات إليه واما ما استشكله تبعا لشيخه الأردبيلي قدس سرهما في جواز
تكليف الحاصل ومؤاخذته على ما جهله فهو أجنبي عما نحن فيه لأن عدم التكليف بالشرط لا ينفى الشرطية كما سنوضحه انشاء الله في بعض المقامات
المناسبة هذا مع ما عرفت في مبحث غسل الجنابة من فساد الاستشكال من أصله واضعف من ذلك ما قد يتوهم من اختصاص شرطيتها بالعالمين
بالحكم فإنه غير معقول لأنه دور صريح وما ثبت في بعض الموارد من اختصاص الحكم بالعالمين به كما في الجهر والاخفات فلا بد من توجيهه هذا
مع أن أغلب الاخبار الامرة بإعادة الصلاة الواقعة مع شئ من النجاسات انما وردت في الجاهل ببطلان صلاته مع ذلك الشئ اما
لجهله بحكمه الوضعي أو التكليفي فهو على كل تقدير جاهل باشتراط صحة الصلاة بالتجنب عن ذلك الشئ وكيف كان فالمتبادر من الامر بإعادة
الصلاة الوارد في الاخبار انما هو إرادة فعلها ثانيا بحسب ما يقتضيه تكليف المكلف على تقدير بطلان صلاته الأولى من غير تقييد بكونها
في الوقت وكون الإعادة ظاهرة في هذا المعنى في مقابل القضاء انما هو في عرف الفقهاء والمتشرعة لا في الاخبار فاطلاق الامر بالإعادة في
تلك الأخبار حجة مؤكدة على من انكر ثبوت القضاء في الفرض وكيف كان فلا اشكال في وجوب الإعادة والقضاء على تقدير ترك الإزالة
عمدا أو جهلا بحكمه التكليفي أو الوضعي بل لا خلاف فيه على الظاهر وما صدر من صاحب المدارك مجرد استشكال في غير محله وان كان جاهلا
بالموضوع بان لم يعلم بوجود النجاسة ثم علم بعد الصلاة لم يجب عليه الإعادة مطلقا لافى الوقت ولا في خارجه على الأشهر بل المشهور وحكى عن
بعض القول بالإعادة مطلقا لكن لم يتحقق قائله وعلى تقدير وجوده فهو محجوج مما ستعرف وقيل يعيد في الوقت لافى خارجه كما عن جملة
من القدماء والمتأخرين وحكى عن بعض التفصيل بين من شك ولم يتفحص وبين غيره فيعيد الأول دون غيره والأول أظهر لا لما قد
يتوهم من قصور أدلة اشتراط إزالة النجاسة عن شمول صورة الجهل بالموضوع نظرا إلى أن جلها وردت بلفظ الامر بالغسل أو النهى عن
الصلاة مع النجس ولا يتنجز التكليف بالفعل أو الترك على الجاهل بالموضوع فالشرطية المنتزعة عنهما تختص بمن تنجز في حقه التكليف وهو
العالم بالموضوع نظير شرطية إباحة المكان المنتزعة من النهى عن الغصب فان هذا التوهم ضعيف إذ لافرق في استفادة اطلاق الشرطية بين
ان يعبر في مقام بيان الاشتراط بجملة خبرية وقع التصريح فيها بالاشتراط بان يقول مثلا الطهارة من الحدث أو الخبث شرط في الصلاة وبين
ان يبينه بصيغة الامر بان يقول اغسل ثوبك للصلاة أو إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ووجهه ان الأوامر الغيرية
المتعلقة بالشرائط أو الاجزاء المعتبرة في طبيعة الصلاة ونحوها مسوقة لبيان الشرطية والجزئية ومسببة عن اعتبار تلك الشرائط والاجزاء
في الطبيعة فقوله اغسل ثوبك للصلاة عبارة أخرى من أن غسل الثوب شرط في الصلاة وقياس الشرايط المستفادة من الأوامر الغيرية
التي يكون الامر بها مسببا عن شرطيتها على الشرائط المسببة عن التكاليف النفسية كحرمة الغصب قياس مع الفارق وسيأتي لذلك مزيد توضيح
في بعض المقامات المناسبة من كتاب الصلاة انشاء بل للأخبار المستفيضة الدالة عليه منها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سئلت أبا عبد
الله عليه السلام عن الرجل يصلى وفى ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته فقال إن كان لم يعلم فلا يعيد وخبر أبي بصير عن أبي
عبد الله (ع) قال وسئلته عن رجل يصلى وفى ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم قال مضت صلاته ولا شئ عليه وخبر ابن سنان قال سئلت
أبا عبد الله (ع) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم قال إن كان قد علم أنه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل ان يصلى ثم صلى فيه ولم يغسله فعليه ان يعيد
ما صلى وان كان لم يعلم فليس عليه إعادة وصحيحة الجعفي عن أبي جعفر (ع) قال في الدم يكون في الثوب ان كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة
ان كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته وان لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد صلاته وصحيحة محمد بن مسلم عن
أبي عبد الله (ع) قال إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك الإعادة إعادة الصلاة وان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم
صليت فيه ثم رايته بعد فلا إعادة عليك وكذلك البول وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف إلى أن قال قلت و
ان لم أكن رأيت موضعه وعلمت انه اصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما ان صليت وجدته قال تغسله وتعيد الصلاة قلت فان ظننت انه قد اصابه
ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر فيه شيئا ثم صليت فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال لأنك كنت على يقين من طهارتك
ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا الحديث ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن أصاب ثوب الرجل الدم
فصلى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه وفى صحيحة علي بن جعفر الآتية في الناسي المروية عن قرب الإسناد وان كان رآه وقد صلى فليعتد بتلك الصلاة
616

ثم ليغسله ويؤيده بل يدل عليه أيضا صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلى قال لا يؤذنه
حتى ينصرف وصحيحة العيص بن القاسم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى في ثوب رجل أياما ثم إن صاحب الثوب اخبره انه لا يصلى
فيه قال لا يعيد شيئا من صلاته ولا يعارض هذه الروايات صحيحة وهب بن عبد ربه عن الصادق (ع) في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم به صاحبه
فيصلى فيه ثم يعلم بعد قال يعيد إذا لم يكن علم وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن رجل صلى وفى ثوبه بول أو جنابة فقال علم به أو
لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم لقصورهما عن المكافئة خصوصا مع اعراض المشهور عن ظاهرهما وقبولهما للتأويل بالحمل على الاستحباب
دون ما يقارضهما من الأخبار المتقدمة فإنها صريحة في عدم وجوب الإعادة وقد يتوهم امكان الجمع بين الاخبار بحمل الروايتين الآمرتين
بالإعادة على الإعادة في الوقت والأخبار النافية للإعادة على إرادة ما بعد الوقت فيستدل بذلك للقول بالتفصيل بين الوقت وخارجه
وفيه أولا ان هذا النحو من الجمع المستلزم للتصرف في ظاهر كل من الدليلين يحتاج إلى شاهد خارجي وهو مفقود في المقام ومجرد كون الإعادة
في الوقت متيقن الإرادة مما ورد فيه الامر بالإعادة لا يصلح ان يكون شاهدا للجمع بين الاخبار المتنافية بظاهرها والا لأمكن الجمع في جل
الاخبار المتناقضة بل كلها بهذا الوجه وتمام التحقيق موكول إلى محله وثانيا انه لا يمكن حمل الاخبار الباقية للإعادة مع كثرتها واستفاضتها
على إرادة خصوص ما بعد الوقت لا لمجرد إبائها عن التقييد وكون الخبرين الأخيرين محمولين على الاستحباب أقرب من التصرف في تلك الأخبار
بل لأن بعضها نص في إرادة الاطلاق كخبر أبي بصير الذي وقع فيه السؤال عمن علم بوجود جنابة أو دم بعد أن فرغ من صلاته فان
مقصود السائل في هذه الرواية هو السؤال عن حكم ما لو علم بوجود النجاسة بعد الفراغ من صلاته في مقابل ما لو علم بها في أثناء الصلاة
كما يشهد بذلك ما سئله أولا عن أبي عبد الله (ع) في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به قال عليه ان يبتدء الصلاة قال وسئلته
عن رجل يصلى وفى ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم قال مضت صلاته ولا شئ عليه فيكف يمكن حمل مثل هذه الرواية على
إرادة ما لو علم بها بعد خروج الوقت وأصرح من ذلك في إرادة الاطلاق صحيحة زرارة المتقدمة المصرحة بنفي الإعادة عند وجدان النجاسة
بعد أن صلى مع كونه ظانا بإصابتها حال الصلاة فان ما فيها من تعليل نفى الإعادة بأنه كان حال الصلاة مكلفا باستصحاب الطهارة
يجعلها نصا في المدعى ويستفاد من هذا التعليل ان الطهارة الخبيثة المعتبرة في الصلاة انما هي كون المكلف متطهرا في مرحلة
الظاهر بحسب ما يقتضيه تكليفه لا الطهارة الواقعية والا لم يكن الاستصحاب علة الا لشرعية الصلاة مع الشك لا لعدم الإعادة
بعد انكشاف الخلاف الا على القول بان الامر الظاهري يقتضى الاجزاء ومن هنا زعم بعض صحة الاستدلال بهذه الصحيحة لهذا القول غفلة
عن استقامة التعليل على تقدير كون الطهارة الظاهرية شرطا واقعيا للصلاة كما يقتضيه ظاهر التعليل من غير ابتنائه على تلك القاعدة
وان شئت قلت إن الاجزاء في خصوص المورد مسلم ولا ملازمة بينه وبين ساير الموارد وكيف كان فالصحيحة صريحة في المدعى ولا أقل من كون
ارتكاب التقييد فيها بل وكذا في غيرها من الأخبار المتقدمة بحملها على نفى الإعادة بعد خروج الوقت ابعد من حمل تلك الروايتين الآمرتين
بالإعادة على الاستحباب فالأولى حملها عليه وان لا يخلو هذا أيضا عن اشكال لولا البناء على المسامحة فان الاخبار التي ورد في بعضها
الامر بالإعادة وفى بعضها الاخر النهى عنها يعدان عرفا من المتعارضين الذين ورد فيهما الاخبار العلاجية بل المفروض في مورد بعض
تلك الأخبار انما هو مثل الفرض وقد أمرنا في تلك الأخبار بطرح المرجوح منهما ورد علمه إلى أهله ففيما نحن فيه يجب طرح الخبرين الذين ورد
فيهما الامر بالإعادة لأرجحية ما يعارضهما من جهات فيتأمل هذا مع ما في متن الروايتين من التشويش الموجب للريبة المانعة من الاعتماد
على ما يترائى منهما من رجحان الإعادة فان ذكر الشرطية في صحيحة وهب مع أنه لم يقصد بها المفهوم حيث إن الإعادة مع العلم أولى غير
مناسب بل كان المناسب التعبير بان الوصلية ولذا احتمل بعض سقوط كلمة لا من العبارة أو كونه استفهاما انكاريا كما لا يبعد ارادته من هذا
النحو من التعبير ويحتمل قويا كون الصحيحة مسوقة لبيان حكم الفرع المعنون في كلمات الفقهاء وهو ما لو رأى الجنابة بثوبه المختص فقوله (ع) يعيد
إذا لم يكن علم يعنى ان الشخص الذي فرضه السائل وهو من أصاب ثوبه جنابة ولم يعلم بها فصلى فيه ثم علم بذلك بعد الصلاة يعيد صلاته
إذا لم يكن علم بذلك من أصله يعنى لم يكن عالما بأصل الجنابة احترازا عما لو كان عالما بها مغتسلا منها فلا يعيد ح واما خبر أبي بصير فيحتمل
قويا بل ظاهره كون قوله (ع) علم أو لم يعلم استفصالا عن مورد السؤال وتشقيقا لموضوع الحكم فقوله (ع) فعليه إعادة الصلاة إذا علم بيان لاحد
الشقين بالمنطوق وللشق الاخر بالمفهوم فلا يكون منافيا لساير الاخبار ولا ينافي هذا التوجيه ما في بعض النسخ من نقل متن الرواية هكذا
فعليه الإعادة إعادة الصلاة إذا علم فإنه على تقدير صحتها وان كان ظاهرها كون الفقرة الثانية تأكيدا للفقرة الأولى وكون الشرطية
جارية مجرى العادة من وقوع الإعادة بعد العلم بالخلل الذي هو شرط عقلي في تنجز التكليف فتكون الشرطية مسوقة لبيان تحقق موضوع
التكليف بالإعادة لكن مع ذلك حمل الفقرة الثانية على كونها بيانا لفقرة الأولى وجعل الشرطية شرطية حقيقية أولى جمعا بينها وبين
617

الأخبار المتقدمة خصوصا مع ما في ذكر الشرطية بعد فرض كون ما به يتحقق موضوع الحكم بالإعادة أعم من صورة العلم والجهل من الحزازة
فليتأمل وكيف كان فاستفادة رجحان الإعادة فيما هو محل الكلام فضلا عن وجوبها من هاتين الروايتين لا يخلو عن تأمل فالقول
بالتفصيل بين الوقت وخارجه ضعيف جدا حجة القول بالتفصيل بين المتردد التارك للفحص وبين غيره جملة من الاخبار منها رواية
الصيقل عن أبي عبد الله قال سئلته عن رجل اصابته جنابة بالليل فاغتسل وصلى فلما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة فقال الحمد لله الذي
لم يدع شيئا الا وقد جعل له حدا ان كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه وان كان حين قام لم بنظر فعليه الإعادة وعن الفقيه
مرسلا قال وروى في المني انه ان كان الرجل حين قام نظر وطلب فلم يجد شيئا فلا شئ عليه وان كان لم ينظر ولم يطلب فعليه ان يغسله ويعيد
صلاته أقول يحتمل قويا كونه إشارة إلى الرواية المتقدمة فنقلها بالمعنى وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) انه ذكر المني وشدده و
جعله أشد من البول ثم قال إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك الإعادة إعادة الصلاة وان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه
ثم صليت فيه ثم رايته بعد فلا إعادة عليك وكذلك البول فان قضية اشتراط نفى الإعادة بالنظر ثبوتها على تقدير ترك النظر ورواية
ميسر قال قلت لأبي عبد الله (ع) آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فاصلي فيه فإذا هو يابس قال أعد صلاتك اما
انك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شئ فيقيد بهذه الروايات اطلاقات الأخبار المتقدمة النافية للإعادة فيختص مورد تلك الأخبار
بغير المتردد التارك للفحص الذي استفيد وجوب الإعادة عليه من هذه الروايات وحيث لا يستفاد منها أزيد من حكم المتردد التارك
للفحص يكون تقييد المطلقات بها من أهون التصرفات كما لا يخفى ولا يشكل ذلك أي وجوب الإعادة عليه بعد الانكشاف بعدم
وجوب الفحص عليه عند إرادة الدخول في الصلاة كما يشهد له الاجماع والنصوص الدالة على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية
مضافا إلى ما في ذيل صحيحة زرارة الطويلة من التصريح بعدم وجوبه حيث قال بعد ما قدمنا نقله انفا قلت فهل على أن شككت في أنه
اصابه شئ ان انظر فيه قال لا ولكنك انما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك الحديث إذ لا منافاة بين جواز الاعتماد على
الأصل ووجوب الإعادة عند انكشاف الخلاف لكن قد ينافيه ما يظهر من هذه الفقرة من الصحيحة من انحصار ثمرة الفحص بذهاب الشك
العارض للانسان الموجب للوسوسة وتشويش البال فلو كان عدم الإعادة عند انكشاف الحال ثمرة له كما هو المدعى لم تكن الثمرة منحصرة
في ذهاب الشك وكان التنبيه على هذه الفائدة أولى بل كان المناسب الامر بالنظر من باب الارشاد لئلا يقع في كلفة الإعادة كما
امر بالاستبراء لئلا يقع في كلفة إعادة الطهارة وغسل الثوب من البلل المشتبه الخارج بعد البول وكذا ينافيه التعليل المذكور
في هذه الصحيحة فإنه يدل على أن عدم الإعادة مسبب عن كونه متطهرا في مرحلة الظاهر حال الصلاة وظاهره كون استصحاب الطهارة
بنفسه هو العلة في عدم الإعادة من غير أن يكون لفحصه الذي فرضه السائل في المورد دخل في ذلك وقد عرفت ان استصحاب الطهارة لا يتوقف
على الفحص بنص هذه الصحيحة فضلا عن غيرها فتتحقق المعارضة بين هذه الصحيحة وبين تلك الأخبار وهى قاصرة عن مكافئة الصحيحة خصوصا
مع مخالفتها للمشهور واعتضاد الصحيحة بالشهرة واطلاقات الأخبار المتقدمة وليس ارتكاب التأويل في الصحيحة بأهون من التصرف
في تلك الأخبار بالحمل على الاستحباب هذا كله بعد تسليم دلالة تلك الأخبار على المدعى والا فلا يخلو دلالة بعضها عن نظر بل منع كما أنه
لا يخلو سند بعضها الاخر الدال عليه عن قصور اما رواية ميسر فهي أجنبية عما نحن فيه لأن الكلام في الجاهل الغير المسبوق بالعلم بالنجاسة
الذي ورد فيه الأخبار المتقدمة النافية للإعادة لا مثل مورد هذه الرواية الذي كان تكليفه استصحاب النجاسة لولا حمل فعل الجارية
على الصحيح فالعمل بهذه الرواية يستلزم اما رفع اليد عن قاعدة حمل فعل المسلم على الصحيح أو الالتزام بكون اصالة الصحة في هذا
المورد أيضا كسائر الموارد اعتبارها مراعى بعدم انكشاف الخلاف ولا ينافيه ما استظهرناه من صحيحة زرارة وغيرها من أن الطهارة
الظاهرية شرط واقعي للصلاة حيث لا يفهم منها أزيد من كون الطهارة الظاهرية الغير المسبوقة بالعلم مجزية لا مطلقا وكيف كان
فلا معارضة بين هذه الرواية وبين الأخبار المتقدمة أصلا واما صحيحة محمد بن مسلم فلا ظهور لها في إرادة المفهوم من الشرطية الثانية
بل الظاهر أن ذكر الشرط في هذه الفقرة جار مجرى العادة [الغالب] حيث إن المتردد في إصابة الجنابة إلى ثوبه غالبا ينظر إليه لدفع الوسوسة عن
نفسه وتحقيق حال ثوبه فالمقصود بهذه الفقرة على ما يشهد به سوق العبارة بيان المفهوم الذي أريد بالقيود المذكورة في الفقرة الأولى
فكأنه قال إن رأيت المني قبل الصلاة أو بعد ما تدخل فيها أي في أثنائها فأعد وان رأيت بعد الصلاة فلا تعد واما مرسلة الصدوق
فقد أشرنا انفا إلى أنه لم يثبت كونها غير رواية الصيقل فالعمدة في المقام هي هذه الرواية وظهورها في المدعى غير قابل للانكار لكنها
لا تنهض للحجية في مقابلة ما عرفت ولا يبعد تنزيلها على ما لو كان الثوب من أطراف الشبهة المحصورة كما يؤيد ذلك ظهور السؤال
والجواب في إرادة الجنابة الغير العمدية من احتلام ونحوه فيكون الثوب في مثل الفرض كثيرا ما من أطراف الشبهة فلا يجوز الصلاة
618

فيه الا بعد الفحص الموجب لخروجه من أطراف العلم الاجمالي وكيف كان فقد ظهر ان الأقوى ما هو المشهور من عدم وجوب الإعادة مطلقا
ولو رأى النجاسة وهو في الصلاة وعلم بسبقها عليها أو عروضها في الأثناء قبل زمان الرؤية أو عنده بان كان ملتفتا حين عروضها
أو شك فيه بان احتمل حدوثها حين حصول العلم أو قبله في أثناء الصلاة أو قبلها ففي جميع الصور ان أمكنه الإزالة ولو بالقاء
الثوب ان كان عليه ثوب اخر أو الاستبدال وستر العورة بغيره على وجه لم يحصل اختلال في شرائط الصلاة من الستر والاستقبال
ونحوهما ولم يصدر ما ينافيها من الفعل الكثير والتكلم ونحوهما وجب عليه ذلك وأتم الصلاة وان تعذر التجنب عن النجاسات
الا بما يبطلها استأنف اما مع عروضها في الأثناء وتذكره لها حين حصولها فيدل على عدم انتقاض الصلاة بها ووجوب اتمامها
بعد الإزالة ما لم يتوقف على فعل المنافى الأخبار المستفيضة الواردة في دم الرعاف منها صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع)
قال سئلته عن الرعاف أينقض الوضوء قال لو أن رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فتناوله فقال فقال برأسه
فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة فقال إن
قدر على ماء عنده يمينا وشمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصل ما بقي من صلاته وان لم يقدر على ماء حتى
ينصرف لوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته وصحيحة ابن اذنية عن أبي عبد الله عليه السلام سئله عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلى
بعض صلاته فقال إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت ويبن على صلاته فإن لم يجد الماء حتى
يلتفت فليعد الصلاة قال والقئ مثل ذلك وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن رجل رعف وهو في صلاته وخلفه ماء
هل يجوز له ان ينكص على عقبه حتى يتناوله فيغسل الدم قال إذا لم يلتفت فلا باس وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال سئلته عن الرجل يأخذه الرعاف والقئ في الصلاة كيف يصنع قال ينفتل فيغسل أنفه ويعود في صلاته
وان تكلم فليعد صلاته وليس عليه وضوء وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال سئلته عن رجل يكون في جماعة من القوم يصلى المكتوبة
فيعرض له رعاف كيف يصنع قال يخرج فان وجد ماء قبل ان يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد فليبن على صلاته ومقتضى اطلاق هذه
الصحيحة بل وكذا سابقتها وجوب الغسل والبناء وان استلزم مبطلا غير الكلام من الاستدبار ونحوه لكن لابد من تقييده بما لا ينافي
الأخبار المتقدمة وكيف كان فلا اشكال في الحكم في هذه الصورة بل لا خلاف فيه ويستفاد من هذه الروايات بضميمة الأخبار المتقدمة
الدالة على صحة الصلاة الواقعة مع النجاسة المجهولة وكون الطهارة الظاهرية مجزية في احراز شرط الصلاة حكم سائر
الصور حيث يستفاد من تلك الأخبار كون الأجزاء السابقة الواقعة قبل حصول زمان العلم بالنجاسة واجدة لشرطها ولذا
لا يشك أحد ممن علم بكون الطهارة الظاهرية مجزية في الصلاة في صحة صلاة من اتى ببعض صلاته في ثوب نجس وخلعه قبل ان يعلم
بنجاسته ثم علم بها بعد الخلع في أثناء الصلاة أو بعدها حيث يستفاد صحة الصلاة في الفرض من تلك الأخبار بالفحوى والأولوية
القطعية ويستفاد من الأخبار المتقدمة الواردة في الرعاف عدم بطلان الصلاة بواسطة تلبسها بالنجاسة عند حصول العلم بها و
الاشتغال بإزالتها فإنه بعد فرض صحة الأجزاء السابقة الواقعة حال الجهل ليس حاله الا كمن علم بوقوع النجاسة عليه في أثناء الصلاة
ملتفتا إليها حين الوقوع إذ المانع من صحة الصلاة انما هو تلبس المصلى بالنجس لا وصف حدوثه من حيث هو والمفروض عدم كون
التلبس في هذا الحين مانعا من صحتها بشهادة تلك الأخبار لكن لا يخفى عليك انه انما يصح الاعتماد على مثل هذا الدليل لو لم يدل دليل
خاص على خلافه إذ غاية ما ادعيناه صيرورة اخبار الرعاف بعد القطع بعدم مدخلية خصوصية المورد وكون الدم حين حدوثه معلوما
في الحكم وجوب الغسل والبناء على ما مضى بمنزلة عمومات قابلة للتخصيص كما هو واضح وربما يستدل له أيضا بان جعل الحكم الظاهري
شرطا لشئ يستلزم المعذورية حال تبدل التكليف فلو جعل الشارع مثلا الظن بالقبلة حجة مجزية عن الواقع عند انكشاف الخلاف
لو تبدل الظن في أثناء الصلاة أو حصل العلم بمخالفة ظنه للواقع وجب عليه ان ينحرف إليه الجهة التي أحرز ثانيا كونها قبلة ويلغو اعتبار
شرطية القبلة بالنسبة إلى زمان الانحراف لأنه تكليف بغير المقدور وفيه نظر لامكان احراز الشرط بالنسبة إلى هذا الجزء أيضا باستيناف
الصلاة فالاجزاء السابقة وان كانت في حد ذاتها موصوفة بالصحة لكن عرضها وصف البطلان بواسطة عدم القدرة على ضم الاجزاء
اللاحقة إليها واجدة لشرطها نعم لو تعين عليه المضي في صلاته وحرم عليه رفع اليد عن تلك الأجزاء المأتى بها واستينافها للزم ان لا تكون
القبلة بالنسبة إلى الجزء الذي يأتي به في زمان الانحراف شرطا لكن ما دل على اعتبار الشرط في سائر الأجزاء باطلاقه حاكم على الأدلة الدالة
على وجوب المضي حرمة قطع الصلاة فإنها مشروطة بالقذرة وهى لا تكون الاعلى تقدير ان لا تكون المواجهة إلى القبلة مثلا شرطا في سائر الأجزاء
وقد دل الدليل باطلاقه على أنه شرط حتى في مثل الفرض فلا يجب المضي وقد يقال إن الكون الذي يشتغل فيه بالإزالة أو بالانحراف
إلى القبلة في المثال ولا يصدر منه شئ من افعال الصلاة خارج من الصلاة فلا يضره فقد الشرط ويدفعه الاجماع وغيره من الأدلة الدالة
619

على عدم جوار الاحلال بشرائط الصلاة ما دام في الصلاة بالاستدبار أو تلويث الثوب بالنجاسة أو كشف العورة ونحوها فالشرائط
المعتبرة في الصلاة لابد من تحققها من أول الدخول في الصلاة إلى أن يتحقق الانصراف عنها فالالتزام بان ذلك الكون ليس من الصلاة
غير مجد في الاحلال بشرائطها فليتأمل ويدل على المدعى مضافا إلى ما عرفت حسنة محمد بن مسلم المروية عن الكافي قال قلت له الدم يكون
في الثوب وانا في الصلاة قال إن رايته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل وان لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا إعادة
عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم وما كان أقل من ذلك فليس بشئ رايته أولم نره وإذا كنت قد رايته وهو أكثر من مقدار الدرهم
فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه فان صدرها بحسب الظاهر كما يشهد به ذيلها مسوق لبيان حكم الجاهل
الذي لم يعلم بالنجاسة قبل الصلاة ورآها في الأثناء وقد امر (ع) في الفرض بطرح الثوب واتمام الصلاة ان كان عليه ثوب اخر
ومعلوم ان الامر بالطرح انما هو لتحقق الإزالة به وانه أيسر الأسباب غالبا لا لخصوصية فيه كما أن تقييده بما إذا كان عليه ثوب
اخر انما هو لمراعاة شرط اخر في الصلاة وهو ستر العورة وتخصيصه بالذكر أيضا للغلبة فيستفاد منه انه ان أمكنه إزالة النجاسة
مع بقائه مستور العورة وجب عليه ذلك وان لم يمكنه الإزالة يمضى في صلاته ان كان الدم أقل من الدرهم الذي عفى عنه في
الصلاة والا فلا يمضى بل يعيدها فاطلاق الامر بالطرح في الصدر مع كون المفروض في الموضوع أعم من الدم القليل والكثير
اما لرجحانه مطلقا أو لكونه أسهل من تحقيق حال الثوب في أثناء الصلاة بحيث تزول عنه الوسوسة أوان المقصود به انما هو الامر
بالطرح فيما إذا كان الدم أكثر من ذلك لكن ذكره في صدر العنوان على سبيل الاجمال ثم بينه بقوله (ع) وما كان أقل من ذلك فليس
بشئ الحديث وكيف كان فالحسنة وافية باثبات التفصيل المتقدم في المتن كما هو المدعى لكن قد ينافي الجزء الأخير من التفصيل
أعني بطلان الصلاة مع عدم التمكن من الإزالة ما عن التهذيب من زيادة لفظة واو قبل قوله (ع) ما لم يزد واسقاط قوله (ع) وما كان
أقل من ذلك لكنك عرفت في مبحث العفو عما دون الدرهم عدم الوثوق بذلك وان ما في الكافي بحسب الظاهر هو الصحيح ولو صح
ما في التهذيب لوجب طرح هذه الفقرة من الرواية لشذوذها واعراض الأصحاب عن ظاهر ها حيث لم يقل أحد بوجوب المضي في الصلاة
مع النجس كما صرح به بعض نعم ربما يظهر ذلك من بعض الأخبار الذي يستدل به أيضا للجزء الأول من المدعى أعني عدم بطلان الصلاة
برؤية النجاسة المجهولة في الأثناء كموثقة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلى فابصر في ثوبه دما قال يتم وما رواه
ابن إدريس في اخر السرائر من كتاب الشيخة للحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال إن رأيت في ثوبك دما وأنت تصلى
ولم تكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك فإذا انصرفت فاغسله وان كنت رأيته قبل ان تصلى فلم تغسله ثم رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف
واغسله واعد صلاتك وقد حكى عن الشيخ حمل الموثقة على ما إذا كان الدم مما يعفى عنه كالأقل من الدرهم وهو غير بعيد في مقام
التأويل جمعا بين الأدلة هذا مع امكان تقييد الاتمام بكونه بعد الإزالة وان كان بعيدا واما رواية ابن سنان فلا تقبل لهذا
الحمل لمنافاته لما في ذيلها من وجوب الانصراف والإعادة لو رآه قبل ان يصلي ولا للتقييد لما فيها من التصريح بكون الغسل بعد الانصراف
لكن لم يعرف قال بمضمونها فهي من الاخبار الشادة التي يجب رد علمها إلى أهله خصوصا مع معارضتها بالمستفيضة المتقدمة الواردة
في الرعاف الدالة على عدم جواز المضي في الصلاة مع النجس ووجوب ازالته مع الامكان وقطع الصلاة لدى تعذر الإزالة من غير
فعل المنافى مع اعتضادها بالأدلة العامة الدالة على بطلان الصلاة في النجس وكيف كان فقد ظهر لك ان الأقوى بالنظر إلى الأدلة
المتقدمة انما هو وجوب إزالة النجاسة التي رآها في الأثناء والمضي في الصلاة مع الامكان في جميع الفروض المتصورة في صدر العنوان كما
حكى القول به على اطلاقه عن الأكثر لكن ربما يطهر من بعض الأخبار بطلان الصلاة ووجوب استينافها فيما لو علم بسبق النجاسة على الصلاة
ولذا قوى البطلان في هذه الصورة جماعة من المتأخرين على ما حكى عنهم منها صحيحة زرارة الطويلة حيث قال فيها قلت له ان رايته
في ثوبي وانا في الصلاة قال تنقض وتعيد إذا شككت في موضع منه نم رأيته وان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت
على الصلاة لأنك لا تدري لعله شئ أوقع عليك فليس ينبغي ان تنقض اليقين ابدا بالشك فان ظاهر هذه الصحيحة التفصيل بين ما لو
وقعت الصلاة من أولها في الثوب النجس وبين ما لو عرضت النجاسة في الأثناء وانه انما يجب عليه البناء بعد الغسل فيما لو رآه رطبا لقيام
احتمال طروه في الأثناء فقوله (ع) وان لم تشك ثم رايته رطبا بحسب الظاهر مسوق لتحقيق مورد الاحتمال كما أن قوله (ع) إذا شككت في
موضع منه ثم رأيته لتحقيق الموضوع الذي لا يتطرق فيه احتمال طروه في الأثناء وحكى عن بعض توجيه الامر بالإعادة بحملها على إرادة
ما لو كان الثوب من أطراف الشبهة المحصورة كما ربما يستأنس هذا الحمل بقوله إذا شككت في موضع منه الخ حيث تستشعر منه كون المراد
بهذه الفقرة ما إذا كان وجود النجس واصابته للثوب أو البدن معلوما على سبيل الاجمال وانما تعلق الشك بخصوص موضع منه لا بأصل
620

الإصابة وفيه مالا يخفى من البعد وقد أشرنا إلى أن الظاهر أن فرض الشك في هذه الفقرة وفرض عدمه في الفقرة الثانية كفرض كونه
رطبا انما هو لتحقيق الموضوع الذي لا يتطرق إليه احتمال الطرو في الأثناء أو يتطرق إليه هذا الاحتمال فالانصاف ان الرواية كادت تكون
صريحة في التفصيل بين صورة العلم بسبق النجاسة وعدمه ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن رأيت المني قبل أو بعد ما
تدخل في الصلاة فعليك الإعادة إعادة الصلاة وان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه وصليت فيه ثم رأيته بعد ذلك فلا إعادة عليك
فكذلك البول وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به قال عليه ان يبتدء الصلاة وحيث لا
يحتمل عادة إصابة المني للثوب وهو في الصلاة لا يستفاد من هاتين الروايتين أيضا الا وجوب الإعادة فيما لو علم بنجاسة سابقة
عليها لكن يمكن الخدشة في دلالتها على وجوب الإعادة فيما هو محل الكلام اما صحيحة ابن مسلم فالظاهر أنها مسوقة لبيان حكم
من صلى مع النجاسة والمراد بها بحسب الظاهر أنه ان رأى النجاسة قبل الصلاة وصلى معها أو رآها في الأثناء وأتمها فعليه الإعادة
وان رآها بعد الفراغ فلا شئ عليه واما رواية أبي بصير فيحتمل قويا ان يكون المقصود بالسؤال حكم من علم قبل الصلاة بان
الثوب فيه جنابة لكنه غفل عن ذلك حين الدخول في الصلاة أو نسيه أو اشتبه عليه فلم يعلم أن ما يصلى فيه هو ذلك الثوب النجس
فلما صلى ركعتين علم بذلك لا انه كان جاهلا بالجنابة رأسا وحصل له ابتداء العلم بوجودها في الثوب في أثناء الصلاة كما هو
محل الكلام فإنه فرض بعيد ربما ينصرف عنه وجه السؤال كما يؤيده تذكير الضمير الظاهر في رجوعه إلى الثوب وهذا الاحتمال
لو لم نقل بأرجحيته من احتمال كون الرواية مسوقة لبيان حكم الجاهل الذي حصل له العلم ابتداء في أثناء صلاته بان في ثوبه
جنابة أو مكافئة الموجبة لسقوطها عن حد الاستدلال فلا أقل من كونه توجيها قريبا تخرج به الرواية من صلاحية المعارضة
لحسنة ابن مسلم وغيرها من الأدلة المتقدمة الدالة على وجوب المضي مع الامكان وكذا ما ذكرناه في توجيه الصحيحة المتقدمة عليها
هذا مع امكان تقييد الامر بالإعادة في هاتين الروايتين بما إذا تعذرت الإزالة من غير ايجاد المنافى كما هو الأغلب جمعا بينهما و
بين الأدلة المتقدمة فليتأمل وكيف كان فعمدة ما يصح الاستناد إليه للقول بالبطلان ووجوب الاستيناف فيما لو علم في الأثناء بسبق
النجاسة على الصلاة انما هو [هي] صحيحة زرارة المتقدمة ويؤيده بل يشهد له أيضا رواية سماعة الآتية في الناسي ولا يعارضهما شئ
من الأدلة المتقدمة اما ما ذكرناه في تقريب الاستدلال باخبار الرعاف والأخبار الدالة على معذورية الجاهل وان الطهارة
الظاهرية شرط واقعي للصلاة من أنه يستفاد من مجموعها حكم هذا الفرع فهو مما لا ينبغي الالتفات إليه في مقابلة الصحيحة المصرحة بحكمه
فإنه اجتهاد في مقابلة النص واما حسنة ابن مسلم الدالة على وجوب الإزالة والمضي مع الامكان فيمكن تقييدها بما إذا احتمل طرو الدم
في أثناء الصلاة جمعا بينها وبين هذه الصحيحة وكذا موثقة داود بن سرحان ورواية عبد الله بن سنان الدالتان على وجوب المضي
فإنهما كالحسنة قابلتان للتقييد هذا ولكن الانصاف ان ارتكاب التقييد في مثل هذه الروايات مع أن الغالب ان من رأى الدم في ثوبه في
الأثناء يعلم بسبقه على الصلاة بالصحيحة مع اعراض المشهور عن ظاهرها لا يخلو عن اشكال فالحكم في هذه الصورة موقع تردد فلا ينبغي ترك
الاحتياط بالغسل والبناء مع الامكان ثم الإعادة والله العالم واما إذا كان ناسيا بان علم بالنجاسة قبل الصلاة فنسيها وصلى
فعليه الإعادة في الوقت وفى خارجه على الأشهر بل المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه وقيل إنه يعيدها في الوقت لافى خارجه
وربما نسب هذا القول إلى المشهور بين المتأخرين وعن غير واحد انه لا يجب الإعادة لافى الوقت ولا في خارجه حجة المشهور اخبار كثيرة
منها حسنة محمد بن مسلم المتقدمة انفا الواردة في الدم قال فيها وان كنت قد رايته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و
صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه ورواية أبي بصير في الدم أيضا عن أبي عبد الله قال إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه وهو
لا يعلم فلا إعادة عليه وان هو علم قبل ان يصلي فنسي وصلى فيه فعليه الإعادة ورواية سماعة عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى ان
يغسله حتى يصلى قال يعيد صلاته كي يهتم بالشئ إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه قلت فكيف يصنع من لم يعلم أيعيد حين يرى فيه
قال لا ولكن يستأنف وصحيحة الجعفي في الدم أيضا قال فيها وان كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه ولم يغسله حتى صلى فليعد صلاته
ورواية جميل بن دراج في الدم أيضا قال وان كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه ولم يغسله حتى صلى فليعد صلاته وروايته الأخرى
الواردة في الدم أيضا الدالة عليه بالمفهوم قال وان كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر درهم وصحيحة ابن أبي يعفور
في نقط الدم يعلم به ثم ينسى ان يغسله فيصلى فيه ثم يذكر بعد ما صلى أيعيد صلاته قال يغسله ولا يعيد صلاته الا ان يكون مقدار الدرهم
يغسله ويعيد صلاته وصحيحة زرارة المتقدمة وفيها قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من منى فعلمت اثره إلى أن أصيب
الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت ان بثوبي شيئا وصليت ثم انى ذكرت بعد ذلك قال تعيد الصلاة وتغسله قلت فانى لم أكن رأيت
621

موضعه وعلمت انه قد اصابه فطلبت فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال تغسله وتعيد الحديث ورواية ابن مسكان قال بعثت بمسألة إلى
أبي عبد الله عليه السلام مع إبراهيم بن ميمون قلت سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلى فيه ثم يذكر انه لم يكن غسلها
قال يغسلها ويعيد صلاته وصحيحة علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان
من الغد كيف يصنع قال إن كان رآه ولم يغسله فليقض جميع ما فاته على قذر ما كان يصلى ولا ينقص منه شئ وان كان رآه وقد صلى
فليعتد بتلك الصلاة ثم ليغسله والأخبار المستفيضة الآتية الواردة في ناسي الاستنجاء الامرة بالإعادة حجة النافين
للإعادة مطلقا صحيحة العلا عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الرجل يصيب ثوبه الشئ ينجسه فينسى ان يغسله فيصلى فيه ثم يذكر انه
لم يكن غسله أيعيد الصلاة قال لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له والمستفيضة النافية للإعادة عمن نسي الاستنجاء كخبر
هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يتوضأ وينسى ان يغسل ذكره وقد بال فقال يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة وموثقة
عمار بن موسى قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول لوان رجلا نسي ان يستنجى من الغائط حتى يصلى لم يعد الصلاة وخبر علي بن جعفر
عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن رجل ذكر وهو في الصلاة انه لم يستنج من الخلاء قال ينصرف ويستنجى من الخلاء ويعيد الصلاة وان
ذكر وقد فرغ من صلاته فقد أجزاه ذلك ولا إعادة وخبر عمرو بن أبي نصر قال قلت لأبي عبد الله (ع) انى صليت فذكرت انى
لم اغسل ذكرى بعد ما صليت أفأعيد قال لا وقد حكى عن الشيخ حمل هذه الرواية على عدم إعادة الوضوء دون الصلاة ولا يخفى ما فيه
من البعد لكن قد يقربه ما روى عن هذا الراوي بعينه أنه قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يبول وينسى ان يغسل ذكره و
يتوضأ قال يغسل ذكره ولا يعيد وضوئه ويشهد له أيضا صحيحته الآتية ويتوجه على الاستدلال باخبار ناسي الاستنجاء مضافا
إلى امكان القول بالتفصيل بينه وبين غيره حيث يظهر من الحدائق وغيره مغايرة المسئلتين انها معارضة في خصوص موردها
باخبار مستفيضة معتضدة بغيرها من العمومات المعمول بها لدى الأصحاب منها صحيحة عمرو بن أبي نصر قال قلت لأبي عبد الله (ع)
أبول وأتوضأ وأنسى استنجائي ثم اذكر بعد ما صليت قال اغسل ذكرك واعد صلاتك ولا تعد وضوئك ومرسلة ابن بكير
عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يبول وينسى ان يغسل ذكره حتى يتوضأ ويصلى قال يغسل ذكره ويعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء
وصحيحة زرارة قال توضأت يوما ولم اغسل ذكرى ثم صليت فسئلت أبا عبد اله عليه السلام فقال اغسل ذكرك واعد صلاتك وما
قبل في توجيه هذه الأخبار وكذا الأخبار المتقدمة الامرة بالإعادة من حملها على الاستحباب جمعا بينها وبين الاخبار المنافية لها
التي هي صريحة في جواز الترك مدفوع بما تقدمت الإشارة إليه مرارا من أن هذا النحو من الجمع في الاخبار المتناقضة بحسب الظاهر
ما لم يشهد له قرنية داخلية أو خارجية مشكل بل الأظهر في مثل المقام هو الرجوع إلى المرجحات الخارجية ورد علم المرجوح إلى أهله و
بهذا ظهر لك الجواب عن الاستدلال بصحيحة العلا من أنها لا تنهض حجة في مقابلة الأخبار المتقدمة خصوصا مع شذوذها وندرة
العامل بها واعتضاد ما يعارضها بالشهرة ونقل الاجماع هذا مع ما في بعضها من قوة الدلالة على الوجوب وبعد ارتكاب التأويل
فيها بالحمل على الاستحباب واستدل للقول بعدم الإعادة أيضا بأنه صلى صلاة مأمورا بها والامر يقتضى الاجزاء وبعموم ما دل
على رفع الخطاء والنسيان وفيه ان استفادة ارتفاع الجزئية والشرطية الثابتة باطلاقات الأدلة من حديث الرفع مشكل كما تقرر
في محله واما الدليل الأول ففي كلتا مقدميته نظر بل منع فان ما يأتي به الناسي يتوهم كونه مأمورا به وليس كذلك وعلى تقدير كونه مكلفا
في الظاهر بما يراه مأمورا به فهو لا يقتضى الاجتزاء به عما هو تكليفه في الواقع بحيث لا يجب عليه تداركه عند انكشاف خطائه كما تقرر في
محله ومن هنا صح للقائل بوجوب الإعادة ان يتمسك أيضا بان مقتضى اطلاق الأدلة عموم شرطية طهارة الثوب لحال النسيان
والمشروط ينعدم بانعدام شرطه فيجب عليه الإعادة في الوقت امتثالا للامر المتعلق بالصلاة وفى خارجه بعموم ما دل على قضاء الفوائت
ودعوى قصور الأدلة عن اثبات شرطيتها في حال النسيان المقتضية لبطلان الصلاة بدونها لكون أغلبها بلفظ الامر الذي لا يتنجز
على الناسي قد عرفت ضعفها في صدر المبحث لكن يتوجه عليه ان المرجع في باب الصلاة انما هو قوله (ع) لا تعاد الصلاة الامن خمسة الطهور
والوقت والقبلة والركوع والسجود الوارد على قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه لحكومته على اطلاقات الأدلة المثبتة للشرطية و
مقتضاه عدم الإعادة في المقام لو اغمض عن الأخبار الخاصة الدالة عليها أو فرض تعارضها وتكافؤها اللهم الا ان يقال باجمال
لفظ الطهور واحتمال ان يكون المراد منه الأعم من الطهارة الحديثة والخبيثة فليتأمل وكيف كان فلا مسرح للرجوع إلى القواعد
العامة في مثل هذا الفرع الذي ورد فيه الأخبار الخاصة وقد عرفت ان الأخبار الدالة على الإعادة أرجح فالقول بعدمها ولو في
خصوص ناسي الاستنجاء فضلا عن غيره ضعيف واضعف منه القول بالتفصيل بين الوقت وخارجه كما حكى عن بعض جمعا بين الاخبار
622

بحمل الاخبار الامرة بالإعادة على الوقت والنافية لها على خارجه وفيه مالا يخفى خصوصا مع ما في حمل الاخبار النافية للإعادة
على خصوص ما بعد الوقت من البعد بل مما يقطع بعدم ارادته بالخصوص من رواية علي بن جعفر (ع) وموثقة عمار المتقدمتين كما أن بعض الأخبار
الامرة بالإعادة صريح في إرادة ما بعد الوقت كصحيحة علي بن جعفر الدالة على وجوب إعادة جميع الصلوات التي صلاها مع
النجاسة بل وكذا حسنة ابن مسلم الواردة في الدم فإنها كادت تكون صريحة في الأعم نعم ليست الصحيحة بل ولا الحسنة نصا في الناسي
فيمكن تخصيصهما بالعامد المفرط في غسل النجاسة ومن بحكمه أي الجاهل بالحكم على تقدير مساعدة الدليل وقد يستشهد لهذا الجمع
بصحيحة علي بن مهزيار قال كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره انه بال في ظلمة الليل وانه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك انه اصابه
ولم يره وانه مسحه بخرقة ثم نسي ان يغسله وتمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى فاجابه بجواب قراءة
بخطه اما ما توهمت من ما أصاب يدك فليس بشئ الا ما تحققت فان حققت ذلك كنت حقيقا ان تعيد الصلوات اللواتي صليتهن
بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل ان الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة
الا ما كان في وقت وان كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لأن الثوب خلاف الجسد فاعمل
على ذلك انشاء ونوقش فيه بجهالة السائل والمسؤول عنه واضطراب متن الرواية واجمالها وأجيب بان جهالة السائل غير مضرة بعدان
علي بن مهزيار الثقة قرء المكتوب ونقله واما المسؤول عنه فالظاهر أنه الإمام (ع) لأن مثل علي بن مهزيار مع جلالة شانه لا ينسب مثل هذه
العبارة إلى غير الامام واما اضطراب المتن فهو غير مخل بالاستدلال إذ لا تشويش في مورد الاستشهاد وهو قوله (ع) من قبل ان الرجل
الحديث أقول ليت شعري ما لم يعلم حال السائل وانه ممن لا يسئل الاعن الإمام (ع) من أين يستظهر ان المسؤول عنه هو الامام لا غيره من
فقهاء العامة أو الخاصة ممن يستفتى عنه وكون علي بن مهزيار جليل الشان لا ينافي نقله حكاية صادرة عن شخص في قضية خاصة نعم لو
علم اعتماد علي بن مهزيار على هذه الرواية وعمله بها كشف ذلك عن أن مقصوده الإمام (ع) لكن من أين نعلم ذلك غير انا نجد الرواية مدونة في
الكتب المعتبرة في سلك الاخبار المأثورة عن الأئمة (ع) وهذه امارة ظنية لا دليل على اعتبارها واما متن الرواية فيشكل توجيهه على وجه
تنطبق على القواعد الشرعية ويسلم من التنافي بين التعليل والمعلل له ولقد أجاد المحدث الكاشاني في الوافي على ما حكى عنه حيث قال بعد
نقل الرواية المذكورة معنى هذه الرواية غير واضح وربما توجه بتكلفات لا فائدة في ايرادها ويشبه ان يكون قد وقع فيه غلط من النساخ
انتهى فالانصاف ان الرواية ضعيفة السند ومجملة المتن لا تنهض حجة لاثبات حكم شرعي فضلا عن صلاحيتها لصرف الأخبار الكثيرة التي قد
عرفت اباء جملة منها عن التأويل فتلخص لك ان القول بالإعادة مطلقا هو الأقوى مع أنه أحوط تكملة لو نسي النجاسة وذكرها في أثناء
الصلاة استأنف فإنه يستفاد من الأخبار المتقدمة ان نسيان النجاسة لا يوجب ارتفاع الحكم الوضعي أعني شرطية الطهارة للصلاة مضافا
إلى أن هذا هو الذي يقتضيه اطلاقات الأدلة الدالة على مانعية النجاسة السالمة من دليل حاكم عليها بل مقتضى اطلاق بعض الأخبار المتقدمة
الدالة على وجوب الإعادة على الناسي وما في بعضها من تعليل الإعادة بكونها عقوبة لنسيانه اطراد الحكم بحيث يعم الفرض
بل المتجه ذلك ولو على القول بعدم وجوب الإعادة لو تذكر بعد الفراغ لما في رواية علي بن جعفر الواردة في ناسي الاستنجاء النافية
للإعادة لو ذكر بعد الصلاة من التصريح بالإعادة لو ذكر وهو في الأثناء مضافا إلى أنه لا دليل على المعذورية بالنسبة إلى الجزء الواقع
في أول انات التذكر والله العالم والمربية للصبي إذا لم يكن لها الا ثوب واحد غسلته من بوله كل يوم مرة على المشهور لرواية أبي حفص
عن أبي عبد الله (ع) قال سئل عن امرأة ليس لها الا قميص واحد ولها مولود فيبول عليه كيف تصنع قال تغسل القميص في اليوم مرة وعن
صاحبي المدارك والمعالم والذخيرة الاستشكال فيه نظرا إلى ضعف الرواية وعدم اتصافها بالصحة وفيه مالا يخفى بعد انجبارها
بعمل الأصحاب بحيث لم يعرف الخلاف فيه كما صرح به في الحدائق وغيره نعم يجب الاقتصار في الحكم المخالف للقواعد على مورد النص وقيل بالحاق
المربى بالمربية للاشتراك في العلة وهى المشقة المقتضية للعفو وعن بعض الحاق البدن بالثوب لغلبة وصول البول إليه وعدم الامر بغسله
في الرواية وعن اخر الحاق الغائط بالبول فإنه يكنى بالبول عنهما غالبا ولم يستفصل في الجواب بل ربما يستشعر من المتن ونحوه الحاق مطلق
نجاسة الصبي ولو دمه بالبول وفى ما عدا الأول مالا يخفى بعد وضوح الفرق بين الثوب والبدن في تعسر التطهير وتيسره وعدم مدخلية وحدة
الثوب في العفو عن البدن وعدم دلالة ترك الامر بغسل البدن في الرواية على عدم وجوبه والا لاقتضى نفى وجوبه رأسا وكذا وضوح
الفرق بين البول وغيره في عموم الابتلاء به الموجب لعسر الاجتناب عنه وعدم القرينة على إرادة الكناية من البول في السؤال واما الأول فلا
يخلو عن وجه بل ربما يعضده قاعدة الاشتراك وان كان الوقوف على مورد النص أحوط وحكى عن بعض الأصحاب الحاق المولود المتعدد بالواحد
للاشتراك في العلة وهى المشقة المقتضية للعفو بل زيادتها ونوقش فيه باحتمال ان يكون لأقلية النجاسة دخل فيه وفيه نظر بل لا يبعد دعوى
623

استفادة حكم الفرض من نفس الرواية لصدق المولود على كل منهما فالقول بالالحاق قوى وان كان عدمه أحوط ثم إن المولود على الظاهر يشمل
الذكر والأنثى كما صرح به غير واحد فما يظهر من بعض بل ربما يستظهر من المتن من اختصاص الحكم بالأول ضعيف ودعوى ان المتبادر من المولود
هو الصبي ممنوعة تنبيه لو كان لها أكثر من ثوب واحد واحتاجت إلى لبس الجميع لبرد ونحوه فالظاهر كما عن الشهيد الثاني التصريح
به ان الجميع في حكم الثوب الواحد إذ ليس الحكم تعبديا محضا بحيث لم نعرف حكم المفروض من المورد المنصوص عليه ولو لم يكن لها الا
ثوب واحد ولكن تمكنت من تحصيل غيره بشراء أو استيجار أو إعادة أو نحوها من غير مشقة بان تيسر لها تحصيل ثوب طاهر لصلاتها
فهل يجب عليها ح اما غسل ثوبها أو تحصيل ثوب اخر ميسور لها أم يجوز لها الاقتصار على ثوبها الواحد وغسله في كل يوم مرة وجهان من
اطلاق النص فان ظاهره ان الحكم فيها مع وحدة الثوب ما ذكر ومن أن مناط الرخصة في الصلاة مع النجس بحسب الظاهر انما هو المشقة
الناشئة من تكوير الغسل وهى منتفية في الفرض إذ المفروض تمكنها من تحصيل ثوب طاهر بلا مشقة وهذا هو الأظهر ولو قال قائل ان
المشقة علة مستنبطة غير منصوصة لا يرفع اليد بها عن مقتضيات الأدلة الاعلى تقدير القطع بدوران الحكم مدارها وجودا وعدما ولا
يحصل القطع بذلك حيث يجوز عقلا أن تكون المشقة لدى الشارع حكمة لحكمه لم يعتبر فيها الاطراد قلنا لا حاجة لنا إلى دعوى القطع بالمناط
حتى تقبل المنع بل نقول غلية تحقق المشقة فيما هو مفروض السائل ومناسبتها للعفو وكونها على الظاهر هي التي أوقعت السائل في الحيرة في
امر المربية حتى سئل عن حكمها كما يشعر بذلك سوق السؤال مانعة من أن يتبادر من السؤال الا ارادتها في هذا الفرض فينزل اطلاق الجواب على
ما هو منصرف السؤال كما هو واضح ثم إن المراد بغسل الثوب على الظاهر هو الغسل المؤثر في تطهيره فيعتبر فيه العدد ان لم يكن البول من
رضيع لم يطعم الطعام وان كان بول الرضيع يكفي فيه الصب وان لم يصدق عليه اسم الغسل عرفا وكذا يكفي في بول غيره أيضا إصابة ماء
المطر والجاري ونحوهما بناء على كفايتها في التطهير وعدم تحقق مفهوم الغسل عرفا بمجرد الإصابة فما عن بعض من عدم كفاية الصب على بول
الرضيع في ثبوت الرخصة وان اثر في تطهير الثوب لكونها معلقة في النص على الغسل دون التطهير ضعيف خصوصا مع امكان ان يقال إنه
يستكشف من بيان الشارع طهارته بالصب ان غسله يتحقق بذلك لأن الغسل عرفا ليس الا تنظيفه بالماء وقد حصل وكيف كان فالمربية
التي يشق عليها التحرز عن بول المولود وايقاع صلاتها في ثوب طاهر لانحصار ثوبها في الواحد لم يوجب الشارع عليها في مقام تحصيل
الطهارة المعتبرة في الصلاة أزيد من غسل ثوبها في كل يوم مرة فان أفادها ذلك بالنسبة إلى جميع صلواتها الخمس بان لم يتفق مثلا بعد
الغسل إصابة البول لثوبها إلى الغد فهو والا فهي معذورة قد عفاها الشارع عن ذلك فيكون البول الذي يصيب ثوبها بعد الغسل
إلى الغد كبول المسلوس الذي يخرج بعد الوضوء ودم المستحاضة الذي يخرج بعد وضوئها وغسلها معفوا عنه شرعا غير مناف للصلاة وهل
يبقى اثر الغسلة الصادرة منها في اليوم أي العفو عن النجاسة المتجددة إلى ذلك الوقت من غده مثلا لو وقعت في اليوم قبل طلوع الشمس لصلاة
الصبح فلها تقديم صلاة الصبح في الغد على ذلك الوقت في ثوب نجس أم يجب عليها في كل يوم ملاحظة تكليفها في ذلك اليوم من حيث هو فان
وجدت في الصبح ثوبها نجسا وجب عليها تطهيره قبل صلاة الصبح من غير فرق بين كون الغسل الواقع في اليوم السابق قبل هذا الوقت
أو بعده أو انه لا يجب عليها في كل يوم الا ايجاد الغسلة الواجبة عليها لشئ من صلواتها فلها تأخيرها إلى اخر اليوم الثاني لاخر فرائضها
وجوه من اطلاق الدليل المقتضى لجواز ايجادها في أي جزء من اجزاء اليوم لكن لما ثبت كون وجوبها مقدميا وجب تقديمها على شئ من
صلواتها حتى تتصف بالمقدمية لاعلى جميعها ومن أن الامر انما تعلق بالغسل بلحاظ كون الطهارة الحاصلة منه شرطا في الصلاة فلا يتبادر من
الامر به في كل يوم الا إرادة ايجاده قبل الاخذ في الصلاة مطلقا فكما ان شرطية الطهارة للصلاة اقتضت صرف الاطلاق إلى إرادة ايجاد
الغسل قبل شئ من صلاتها كذلك شرطيتها لمطلق الصلاة مقتضية لصرفه إلى إرادة ايجاده في كل يوم مقدمة لمطلق الصلوات الواقعة في ذلك
اليوم فيجب تقديمها على الجميع وهذا الوجه هو الأظهر خصوصا مع أنه ليس لقوله (ع) تغسل القميص في اليوم مرة قوة ظهور في الاطلاق بل الظاهر وروده
لبيان حكم اخر وهو عدم وجوب غسل ثوبها في كل يوم أزيد من مرة ولكن الأوفق بظواهر الفتاوى جواز التأخير فليتأمل واما لاحتمال الأول
فمنشأه دعوى ان المتبادر من قوله (ع) يغسل القميص في اليوم مرة ان اثر الغسل الواقع في كل يوم باق إلى ذلك الوقت من غده وفيها منع ظاهر
ويتفرع على القول بجواز التأخير انها لو أخلت بالغسل لا تبطل من صلواتها الخمس الا الأخيرة ان قلنا بان المراد باليوم أعم منه ومن الليل
كما سيأتي الكلام فيه وهو فرض العشاء أو الصبح على احتمال أو صلاة العصر وما بعدها بناء على أن المراد به خصوص اليوم أو صلاة المغرب
وما بعدها على احتمال واما على ما هو الأظهر من وجوب ايقاع الغسلة قبل الاخذ في الصلاة فتبطل جميع الفرائض الخمس كما هو واضح وربما
ذهب بعض إلى جواز التأخير حتى في اليوم الأول الذي اتصفت المربية فيه بكونها مربية ولكنه مع ذلك التزم ببطلان جميع فرائضها الخمس
نظرا إلى أن الغسل ليس واجبا نفسيا وانما وجب لكونه شرطا لصلاتها لكن يجوز لها التأخير بمقتضى اطلاق الدليل فيكون بالنسبة
624

إلى الصلوات المتقدمة عليه من قبيل الشرط المتأخر ومقتضاه جواز التأخير عن جميع الفرائض لكنه لم يصرح بذلك وكيف كان فيتوجه
عليه ان الشرط المتأخر لو تعقلناه فهو محتاج إلى دليل واطلاق الرواية بعد الغض عما سمعته من وروده لبيان حكم اخر لا يصلح دليلا لذلك
إذ ليس في الرواية تصريح بكون الغسل شرطا في صلاتها وانما جزمنا بذلك حيث علمنا أن الغسل ليس واجبا نفسيا بل هو واجب مقدمي
للصلاة وانما أوجبه الشارع على المربية التي لم تجد ثوبا اخر في كل يوم مرة لكونه ميسور المتعسر لا لكونه شرطا اخر تعبديا مخصوصا
بالمربية ومن المعلوم ان الغسل المعروف مقدميته للصلاة هو الغسل المتقدم عليها المؤثر في طهارة الثوب المعتبرة حال الصلاة
فالذي يفهم من الرواية ان الشارع وسع الامر على المربية ولم يوجب عليها الا ايجاد هذه المقدمة في الجملة لا انه جعل لصلاتها شرطا
اخر مغايرا لهذا الشرط هذا مع أن الشرط المتأخر على تقدير امكانه خلاف المتعارف لا ينسبق إلى الذهن ارادته من الاطلاق الا ترى هل
يحتمل أحد ممن سمع بهذه الرواية انه يجب على المربية لو حاضت في الظهر ان تغسل ثوبها لتحصيل شرط صلاة صبحها نعم قد يقال إن مقتضى اطلاق
الامر بغسل ثوبها كل يوم مرة جواز الاتيان به لأي فرض من فرائضها الخمس فلها تخصيصه بالفرض الأخير ولو في اليوم الأول الذي اتصفت
فيه كونها مربية ومقتضاه اهمال شرطية الطهارة بالنسبة إلى الفرائض المتقدمة لاجعل تعقبها بتطهير الثوب شرطا كما توهم وكيف كان
فهل يجتزى بغسل ثوبها في الليل عن الغسل في يومه كما يجتزى بعكسه فيه تردد وينشأ من أن المراد باليوم أعم منه ومن ليلته ولذا لا يجب غسل الثوب
في الليل لصلاتها مع أن الحكم ليس تعبديا محضا حتى يكون لخصوصية وقوع الغسل في اليوم دخل فيه ومن أن الظاهر أن اليوم في الرواية
استعمل في حقيقته وانما استفيد منها الاجتزاء بالغسل في اليوم عن الغسل في الليل من عدم وجوب الغسل عليها الا مرة في كل يوم لا ان اليوم
في الرواية مستعمل في الملفق منه ومن ليلته حتى يكون مقتضاه كفاية الغسل الواقع في أي جزء منهما وليس الحكم اعتباريا محضا حتى نعلم بعدم
مدخلية الخصوصية رأسا هذا مع أن الاعتبار ربما يساعد الاجتزاء عن غسل الليل بغسل اليوم في مقام التسهيل من غير عكس فالوقوف على
مورد النص أشبه بالقواعد وعلى هذا فان اتصفت بكونها مربية في الليل وبال المولود على ثوبها قبل صلاة المغرب غسلت ثوبها لصلاة المغرب
ولو بال أيضا قبل فرض العشاء غسلت أيضا لفرض العشاء الا إذا استلزم الغسل مشقة رافعة للتكليف بمقتضى أدلة نفى الحرج وكذلك
يجب عليها الغسل لصلاة الغداة لو فرض تنجس ثوبها أيضا في الصبح ومتى غسلته لفرض الصبح أغناها عن الغسل لساير صلواتها إلى الغد
ان قلنا بان المتبادر من اليوم في الرواية هو يوم الصوم كما هو الأظهر لا يوم الأجير والا فالغسل الواقع قبل طلوع الشمس بمنزلة الغسل
الواقع في الليل في عدم الاجتزاء به عن غسل اليوم نعم لا يبعد ان يقال إنه يفهم من الرواية ان غسلها لصلاة المغرب يغنيها عن الغسل
لسائر صلواتها الواقعة في تلك الليلة بالفحوى والأولوية القطعية وكيف كان فلو بال الصبي على ثوبها قبل الظهر أو قبل الصبح أيضا
وقلنا بجواز تأخير الغسل عن صلاة الصبح ان جعلت تلك الغسلة الواجبة عليها في كل يوم في اخر النهار امام صلاة الظهر برجاء ان تقع
الصلوات الأربع مع الطهارة كان حسنا وعن العلامة في التذكرة احتمال وجوبه فإنه بعد أن ذكر أفضلية التأخير قال وفى وجوبه اشكال
ينشأ من الاطلاق ومن أولوية طهارة اربع على طهارة واحدة انتهى ولكنك خبير بان الأولوية الاعتبارية لا تصلح دليلا لاثبات الوجوب
خصوصا مع الاعتراف بالاطلاق نعم لا ريب في أولوية التأخير وكونه أحوط لكن لو لم تكن النجاسة من أول الصبح والا فالأحوط ان
لم يكن أقوى غسلها لصلوته خصوصا مع احتمال بقاء الثوب على طهارته إلى العصر كما لعله الغالب وحكى عن بعض القول بوجوب كون الغسل
بعد دخول وقت الصلاة لأن الامر للوجوب ولا وجوب قبل الوقت وفيه ان الامر بغسل الثوب في هذا المورد كغيره من الموارد التي لا تحصى
مما ورد فيها الامر بغسل الثوب والبدن انما هو امر غيرى مسوق لبيان الاشتراط هذا مع أن في ما قيل من أنه لا وجوب قبل الوقت كلاما
قد تقدم تحقيقه في صدر الكتاب فالأقوى جواز ايجاده قبل الوقت أيضا نعم لو علمت من عادتها بأنها لو غسلته في سعة الوقت فضلا
عما قبله طرء عليه النجاسة قبل فعل الصلاة لا يبعد الالتزام بوجوب التأخير ح لأن معروفية مناط الغسل لدى النفس مانعة من فهم إرادة
مثل الفرض من الاطلاق خصوصا مع ما عرفت انفا من امكان المناقشة في الاطلاق والله العالم تذنيب ذهب جمع من الأصحاب
على ما حكى عنهم إلى العفو عن نجاسة ثوب الخصي الذي تتواتر ببوله إذا غسله في النهار مرة واحتجوا لذلك بالحرج والمشقة ورواية عبد الرحيم
القصير قال كتبت إلى أبي الحسن الأول (ع) أسئله عن خصى يبول فيلقى من ذلك شدة ويرى البلل بعد البلل فقال يتوضأ وينضح ثوبه في النهار
مرة واحدة وفيه ان الرواية ضعيفة السند متروكة الظاهر منافية للقواعد الشرعية المقررة في باب النجاسات فيجب رد علمها إلى أهله
نعم لو أريد من نضح الثوب غسله على وجه الاجمال بحيث لا ينافي اعتبار العدد في غسل البول اتجه الاستدلال بها للمدعى على تقدير
الاغماض عن سندها لكنه لا شاهد على ذلك فالاستدلال بها ضعيف واضعف منه التمسك بأدلة نفى الحرج فان مقتضاها دوران
العفو مدار الحرج والمشقة الرافعة للتكليف لا الغسل في كل يوم مرة وقد ظهر بما تقدم في مبحث المسلوس والمبطون ما يقتضيه أدلة نفى
625

الحرج في مثل المقام فراجع وإذا كان مع المصلى ثوبان وأحدهما نجس ولا يعلمه بعينه وتعذر غسل أحدهما ليقطع بطهارته أو تحصيل
ثوب اخر طاهر يستر به عورته صلى الصلاة الواحدة في كل واحد منهما منفردا على الأظهر تحصيلا للقطع بفراغ الذمة مما اشتغلت به وهو
الصلاة في ثوب طاهر ويدل عليه أيضا حسنة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (ع) انه كتب إليه يسئله عن الرجل كان معه ثوبان فأصاب
أحدهما بول ولم يدر أيهما هو وقد حضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع قال يصلى فيهما جميعا خلافا للحلي أو ابن سعيد
على ما حكى عنه فأوجبا عليه طرحهما والصلاة عاريا وعن الشيخ في الخلاف نسبة هذا القول إلى بعض علمائنا وفى محكى المبسوط جعله
رواية قال الحلي في السرائر وإذا حصل معه ثوبان أحدهما نجس والاخر طاهر ولم يتميز له الطاهر ولا يتمكن من غسل أحدهما قال بعض أصحابنا
يصلى في كل واحد منهما على الانفراد وجوبا وقال بعض منهم ينزعهما ويصلى عريانا وهذا الذي يقوى في نفسي وبه أفتى لأن المسألة بين
أصحابنا فيها خلاف ودليل الاجماع فيه مفقود فإذا كان كذلك فالاحتياط يوجب ما قلناه فان قال قائل بل الاحتياط يوجب الصلاة
فيهما على الانفراد لأنه إذا صلى فيهما جميعا تبين وتيقن بعد فراغه من الصلاتين معا انه قد صلى في ثوب طاهر قلنا المؤثرات في وجوه الافعال
تجب أن تكون مقارنة لها لا متأخرة عنها والواجب عليه عند افتتاح كل فريضة ان يقطع على ثوبه بالطهارة وهذا يجوز عند افتتاح
كل صلاة من الصلاتين انه نجس ولا يعلم أنه طاهر عند افتتاح كل صلاة فلا يجوز ان يدخل في الصلاة الا بعد العلم بطهارة ثوبه
وبدنه لأنه لا يجوز ان يستفتح الصلاة وهو شاك في طهارة ثوبه ولا يجوز أن تكون صلاته موقوفة على امر يظهر فيما بعد وأيضا
كون الصلاة واجبة وجه تقع عليه الصلاة فكيف يؤثر في هذا الوجه ما يأتي بعدها ومن شأن المؤثر في وجوه الافعال ان يكون مقارنا
لها لا يتأخر عنها على ما بيناه إلى أن قال وليس لاحد ان يقول إنه بعد الفراغ من الصلاتين يقطع على براءة ذمته وان العبادة مجزية قلنا
لا يصح ذلك لأن بعد الفراغ قد سقط عنه التكليف وينبغي ان يحصل له اليقين في حال ما وجب عليه وينبغي ان يتميز له في حال ما وجب
عليه حتى يصح منه الاقدام عليه ويميزه له وذلك يكون قبل فراغه من الصلاة انتهى أقول قد تقدم الكلام في تحقيق النية المعتبرة
في صحة العبادة في نية الوضوء وعرفت فيما تقدم انه لا دليل على اعتبار المعرفة التفصيلية والجزم في النية وتعيين وجه الفعل من الوجوب
والاستحباب في صحة العبادة بل الأدلة على خلافه خصوصا في حال عدم التمكن كما هو المفروض في المقام فقوله المؤثرات في وجوه الافعال
تجب أن تكون مقارنة لها لا متأخرة عنها فيه ان هذا مسلم لكن كون العلم بان الثوب طاهر منها غير مسلم بل هو طريق للقطع بحصول الفعل
واجدا لشرطه الذي هو طهارة الثوب لا العلم بها وقوله لا يجوز أن تكون صلاته موقوفة على امر يظهر فيما بعد ففيه ان الممتنع كونها
موقوفة على امر يوجد فيما بعد واما كونها موقوفة على طهارة الثوب التي تقارنها وتظهر فيما بعد فلا مانع منه وقوله كون الصلاة واجبة
وجه تقع عليه الصلاة الخ ففيه انه متى احتمل طهارة ثوبه وصلى فيه ناويا بفعله الصلاة الواجبة على تقدير طهارة الثوب فقد صدر
منه الفعل بعنوان كونه صلاة واجبة عن قصد وإرادة فالصلاة وقعت على وجهها لكن الآتي بها لم يكن عارفا بوجهها على سبيل الجزم
وهو غير ضائر خصوصا مع عدم التمكن من تحصيل الجزم فما فرعه على وجوب ايقاع الصلاة على وجهها من امتناع تأخر ما يؤثر فيه عنها
بظاهره غير مستقيم اللهم الا ان يريد ايقاعها على وجهها على سبيل الجزم وكيف كان فقد اتضح فيما تقدم في محله ضعف المبنى وعدم
استقامة البناء حيث تبين عدم اشتراط الجزم في النية وغيره من التفاصيل التي التزم بها القدماء على ما اشتهر بينهم في صحة العبادة
وعلى تقدير الاشتراط لو دار الامر بين سقوط هذا الشرط وغيره من الأمور المعتبرة في المهية لتعين سقوط هذا الشرط المتأخر عن غيره
في الرتبة فراجع فالقول بوجوب الصلاة عاريا رعاية لحصول هذا الشرط فاسد نعم لو قلنا بحرمة الصلاة في النجس ذاتا لا تشريعا
تعذر الاحتياط حيث يدور امر الصلاة الواقعة في كل من الثوبين بين الحرمة والوجوب ومقتضى الأصل فيه التخيير وقيل بتغليب جانب
الحرمة فيتعين في الفرض وجوب الصلاة عاريا لكنه ليس بشئ كما تقرر في محله هذا إذا لم يكن أحد التكليفين أي وجوب ايقاع الصلاة
في الثوب الطاهر الساتر للعورة وحرمة ايقاعها في الثوب النجس أهم لدى الشارع والا فهو أحق بالرعاية فلو كان التكليف الوجوبي أهم
وجب الصلاة في كل من الثوبين حتى يحصل القطع بفراغ الذمة منه وقد اندفع بما أشرنا إليه من أن الصلاة في كل من الثوبين في حد
ذاتها موضوع مستقل لدى العقل مردد امره بين الوجوب والحرمة ما قد يتوهم من أن الصلاة في الثوبين لتحصيل القطع بفراغ الذمة
من الواجب تستلزم ارتكاب الحرام اليقيني لأجل الاحتياط في الواجب وهذا لا يستقل به العقل وان كان الواجب في حد ذاته أهم توضيح
الاندفاع ان القطع بارتكاب المحرم في الفرض انما نشأ من الاتيان بالصلاة في كل من المحتملين لا من أحدهما المعين المعلوم نجاسته تفصيلا
حتى يقال إن ارتكاب هذا الحرام اليقيني لأجل الاحتياط في الواجب لا يجوز فالمكلف قبل شروعه في الصلاة يعلم اجمالا بأنه يجب عليه
ان يصلى في الثوب الطاهر ويجتنب عن الصلاة في الثوب النجس لكن التكليف الوجوبي أولى بالرعاية عند الدوران فلا يجوز ترك الصلاة
626

في كل من الثوبين لأجل الاحتياط في الحرام فمتى صلى في أحد الثوبين لاحتمال وجوبه احتمل كونه في الواقع هو الفرد المحرم وان الواجب
عليه ان يصلى في الثوب الاخر فيجب عليه الاتيان به ترجيحا لاحتمال الوجوب كما أنه وجب عليه الاتيان بالفرد الأول لذلك لا يقال إن
مقتضى القاعدة في مثل المقام هو الاقتصار على الصلاة في ثوب واحد لأن الموافقة الاحتمالية في كلا التكليفين أولى بنظر العقل
في مقام الإطاعة من الموافقة القطعية في أحدهما والمخالفة القطعية في الاخر لأنا نقول الموافقة الاحتمالية في كلا التكليفين
يعارضها احتمال المخالفة في كليهما المستلزمة لفوت الأهم وحصول نقيضه فلا يستقل العقل بالأولوية بل يحكم بترجيح جانب الأهم و
الحاصل ان كل فرد فرد في مسألة دوران الامر بين المحذورين بنظر العقل موضوع مستقل للحكم بالتخيير أو وجوب ترجيح الأهم وكون
الاتيان بالفرد الثاني موجبا للقطع بحصول مخالفة في أحد الفردين لا يوجب توقف العقل عن حكمه بالنسبة إليه مع كونه لديه كالفرد
الأول في كون احتمال حرمته معارضا باحتمال الوجوب الذي هو أحق بالرعاية على ما هو المفروض إذا عرفت ما ذكرنا فنقول اما الحرمة
الذاتية فلم تثبت للصلاة مع النجس ومقتضى الأصل عدمها فلا يجوز رفع اليد عما تقتضيه قاعدة الاشتغال من تكرير الصلاة في
الثوبين لاحتمال الحرمة الذاتية والأخبار الناهية عن الصلاة في النجس قاصرة عن اثباتها فان المتبادر منها إرادة المانعية من
الصلاة لا الحرمة الذاتية على تقدير القول بها فمقتضى الأصل وان كان التخيير كما تقدمت الإشارة إليه لكن الحسنة المتقدمة
واردة عليه ولو لم نقل بحجية الحسنة أيضا أمكن الالتزام بمفادها بدعوى ان وجودها مانع من استقلال العقل بالتخيير حيث يدور
الامر بواسطتها بين التخيير أو تغليب جانب الوجوب فليتأمل ولتمام الكلام في ذلك وفى ان مقتضى الأصل الأولى في اشتباه الواجب
بالحرام الناشئ من اشتباه الشرط بالمانع المحرم كما هو المفروض في المقام هو التخيير المقتضى لارتفاع الشرطية أو المانعية بالنسبة إلى
الصلاة التي لا تسقط بحال مع أن الصلاة عاريا التي هي أحد طرفي التخيير معلوم بالتفصيل كونها فاقدة للشرط دون الصلاة في أحد
الثوبين الذي يتحقق به الستر يقينا ويحتمل طهارته ولم يتنجز التكليف بالاجتناب عنه على تقدير النجاسة مقام اخر ولكن فيما أشرنا إليه
في المقام غنى وكفاية لمن تدبر وفى الثياب الكثيرة التي بعضها طاهر وبعضها نجس ولم يعرف الطاهر منها بعينه ولم تكن الشبهة غير محصورة
أو بعض أطرافها خارجا من مورد ابتلاء المكلف بحيث لم يكن للعلم الاجمالي بوجود النجس اثر في تنجيز الخطاب بالاجتناب عنه على التفصيل
الذي عرفته في مسألة الإنائين الذين اشتبه طاهرهما بنجسهما أيضا كذلك يصلى في كل منها منفردا إلى أن يحصل له القطع بوقوع
الصلاة في ثوب محكوم بطهارته ولو بحسب الظاهر بمقتضى أصالة الطهارة فلو علم اجمالا بنجاسة ثلاثة منها لا أزيد صلى اربع
صلوات في أربعة منها منفردة فيعلم اجمالا بصحة احدى صلواته من غير فرق بين ما لو علم بانحصار النجس في الثلاثة التي علمها بالاجمال
أو احتمل نجاسة ما عداها فان الزائد عن القدر المتيقن نجاسته محكوم شرعا بطهارته واما إذا كانت الشبهة غير محصورة أو كانت
محصورة ولكن لم يكن بعض أطرافها على وجه يتنجز التكليف بالاجتناب عنه على تقدير حصول العلم بنجاسته تفصيلا بان كان خارجا
من مورد ابتلاء المكلف أو كان واجب الاجتناب بسبب سابق على العلم بنجاسته أو غير ذلك من الأمور التي تقدمت الإشارة إليها في مبحث
الإنائين أجزأته صلاة واحدة في بعض أطراف الشبهة لما عرفت في محله من سلامة أصالة الطهارة الجارية فيها في هذه الفروض عن المعارض
وإذا كانت الشبهة محصورة جامعة لشرائط وجوب الاجتناب الا انه تعذر أو تعسر في حقه الاحتياط بتكرير الصلاة الموجب للقطع ببراءة
الذمة بان يتضيق الوقت أو يخاف التخلف عن الرفقة في سفره أو غير ذلك من الاعذار المبيحة للمحظورات فقيل ينزع الثوبين ويصلى
عريانا وهذا انما هو بعد البناء على عدم جواز الصلاة في الثوب النجس لدى الضرورة مع التمكن من الصلاة عاريا كما هو أحد القولين في
المسألة وستعرف تحقيقهما انشاء والا فمشكوك النجاسة أولى بالجواز كما هو واضح واما على القول بالمنع فوجه الحاق المشتبه بالمتيقن
انه لا يتمكن في الفرض من ايقاع صلاته في ثوب طاهر على وجه يقطع ببراءة ذمته فلا يتنجز عليه التكليف به ولكنه متمكن من ايقاع صلاته
خالية عن المانع على وجه يقطع به فيجب عليه ذلك ويتوجه عليه ان تعذر تحصيل القطع بحصول الشرط لا يقتضى الغائه رأسا وانما
يقتضى عدم وجوب الموافقة القطعية لا جواز المخالفة القطعية حتى تجوز الصلاة عريانا فمقتضى القاعدة وجوب الصلاة في الثوب
المشتبه فرارا عن المخالفة القطعية لكن لما كان احتمال طهارته المقتضية للوجوب معارضا باحتمال نجاسته المقتضية للمنع يدور الامر
بين المحذورين وقد أشرنا في الفرع السابق ان مقتضى الأصل في دوران الامر بين المحذورين هو التخيير ولكنه ان قلنا بوجوب رعاية
الجزم في النية مهما أمكن كما هو المشهور تعين عليه الصلاة عريانا لأنه على تقدير اختياره هذا الطرف من التخيير جزم بخلوها عن المانع
فيجب عليه ذلك تحصيلا لهذا الشرط فالقول بوجوب الصلاة عاريا لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط لكن بناء على المنع من الصلاة
في النجس واما على القول بجواز الصلاة فيه وكون المكلف مخيرا في مقام الضرورة بين الصلاة في الثوب النجس والصلاة عريانا
627

فالأحوط بل الأقوى هو الصلاة في الثوب المشتبه فرارا من المخالفة القطعية وعدم صلاحية احتمال النجاسة في الفرض للمزاحمة وهل
يجزيه صلاة واحدة في ثوب واحد من أطراف الشبهة وان تمكن من غيرها أيضا أم يجب عليه الاتيان بما تيسر وجهان بل قولان من أنه
لما تعذر تحصيل القطع بالموافقة يحكم العقل بوجوب الاتيان ببعض المحتملات فرارا من المخالفة القطعية وهو يحصل بايجاد
فرد منها فلا مقتضى لوجوب الأزيد لأن وجوب الاتيان بكل فرد لم يكن الا لكونه مقدمة علمية والمفروض تعذر تحصيل العلم
فلا يجب مقدمته ومن أن مقتضى كون الشئ واجبا وجوب ايجاده في ضمن محتملاته بحيث يحصل القطع بفراغ الذمة وتعذر
تحصيل القطع بالفراغ لعدم القدرة على الاحتياط باتيان جميع المحتملات انما يقتضي معذورية المكلف في المخالفة إذا تحققت
في ضمن ما تعذر عليه أو تعسر لاغير وهذا هو الأقوى فيجب عليه تكرير الصلاة في الثياب المشتبهة إلى أن يقطع بسقوط التكليف
اما للحرج والضرورة الرافعة له أو لحصول الامتثال وليس المقتضى لوجوب الاتيان بكل فرد فرد من المحتملات مجرد كونه مقدمة
علمية حتى يسقط وجوبه بتعذر العلم بل المقتضى له احتمال حصول الواجب به وعدم كون جهله التفصيلي مانعا من حسن عقابه على
المخالفة ما لم يكن له عذر مقبول فيجب على القول بالمنع من الصلاة في النجس أيضا تكريرها في الثياب التي يحتمل طهارتها مع الامكان
لكن الأحوط على هذا القول إن لم يكن أقوى هو الصلاة عاريا ثم الاتيان بما تيسر من الصلاة في الثياب المشتبهة هذا إذا لم
نقل بحرمتها ذاتا والا فلا يخلو الاتيان بما تيسر عن اشكال ويجب على المكلف ان يلقى الثوب النجس ويصلى عريانا إذا لم يتمكن من غيره
ولم يكن مضطرا إلى لبس النجس ضرورة شرعية أو عرفية ولو بان يكون معه هناك شخص غيره ممن يشق عليه الصلاة بمحضره عاريا أو يجب عليه
التستر منه لكونه غير مماثل أو ممن يطلع على عورته أو غير ذلك من الضرورات المانعة منه على المشهور كما ادعاه غير واحد بل عن الخلاف دعوى
الاجماع عليه لاطلاق النهى عن الصلاة في النجس ومضمرة سماعة قال سئلته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه الا ثوب واحد و
أجنب فيه وليس عنده ماء كيف يصنع قال يتيمم ويصلى عريانا قاعدا يومى ايماء هكذا رواها في محكى التهذيب وعن الاستبصار روايتها نحوها
الا ان فيه ويصلى قائما عريانا يومى ايماء وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اصابته جنابة وهو بالفلاة وليس عليه الا ثوب واحد وأصاب
ثوبه منى قال يتيمم ويطرح ثوبه فيجلس مجتمعا فيصلي فيومي ايماء ونوقش في التمسك باطلاق النهى عن الصلاة في النجس بانصرافه عن مثل
الفرض ومعارضته باطلاق أدلة اعتبار الستر والمنع من الصلاة عاريا المعتضد بالاعتبار حيث إن فوات الساتر أسوء من فوات صفته
وباطلاقات أدلة الركوع والسجود وأجيب عن المعارضة بان أدلة الستر قد قيدت بالساتر الطاهر والمفروض انه غير متمكن منه فيسقط
ولا معنى لمراعاة المطلق بعد العجز عن المقيد الا إذا اختصت الشرطية والتقييد بحال الاختيار وهو ممنوع في المقام لاطلاق أدلة طهارة
الساتر وغيره من لباس المصلي مع أن وجود اطلاق في أدلة الستر بحيث ينفع في المقام ممنوع والاجماع على اعتباره كبعض الاخبار مختص
بما إذا تمكن من الطاهر واما أدلة الركوع والسجود فهي مختصة بالمستور دون العاري فالركوع الحقيقي مشروط بعدم العراء وفيه انه يفهم
من النص والاجماع اعتبار الستر في الصلاة الا ان يمنع منه مانع عقلي أو شرعي والطهارة ليست شرطا في الساتر من حيث كونه ساترا حتى
يتقيد به اطلاق دليله بل هو شرط في مطلق لباس المصلي إذا كان مما يتم فيه الصلاة منفردا فيتحقق المعارضة في مثل المقام الذي يدور الامر
بين اعتبار أحد الامرين كما لا يخفى وان شئت قلت إن معروفية اعتبار الستر في الصلاة ولو في الجملة بل وكذا الركوع والسجود ووضوح ان
الشارع لم يلغ اعتبارها الا في مقام الضرورة مانعة من انصراف اطلاق النهى عن الصلاة في النجس إلى إرادة مثل الفرض كما لا يخفى على
من راجع عوام المتشرعة الذين القى إليهم مثل هذه المطلقات والحاصل ان التمسك بالاطلاقات لاثبات جواز الصلاة عاريا ضعيف
واما الاخبار فهي مع ضعف اسنادها وما في الأولين منها من الاضمار معارضة بما هو أقوى منها سندا وأكثر عددا منها صحيحة علي بن
جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم يصلى فيه أو يصلى عريانا قال إن وجد ماء
غسله وان لم يجد ماء صلى فيه ولم يصل عريانا وصحيحة محمد بن علي الحلبي انه سئل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول
لا يقدر على غسله قال ويصلى فيه وصحيحته الأخرى قالت سئلت عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره قال يصلى فيه فإذا وجد الماء غسله
وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل بجنب في ثوب ليس معه غيره ولا بقدر على غسله قال يصلى فيه و
قد حمل الشيخ هذه الأخبار على ما حكى عنه على الضرورة من برد ونحوه أو على صلاة الجنازة وخبر علي بن جعفر على الدم المعفو عنه كدم السمك
ونحوه ولا يخفى ما في الأخيرين من البعد واما حملها على الضرورة وان أمكن ارتكابه في بعض لكن بعضها كصحيحة علي بن جعفر أبية عن ذلك
وربما يستشهد للجمع بين الاخبار بحمل هذه الروايات على الضرورة برواية الحلبي قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يجنب في الثوب
أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره قال يصلى فيه إذا اضطر إليه بدعوى ظهورها في إرادة الاضطرار إلى لبس الثوب وفيه منع ظهورها
628

في ذلك بل المتبادر من الشرطية كونها مسوقة لتحقيق مورد السؤال وحاصل الجواب انه يجوز الصلاة في الصورة المفروضة لمكان الضرورة
هذا مع ما عرفت من اباء صحيحة علي بن جعفر عن ذلك وعن جملة من الأصحاب الجمع بين الاخبار بالتخيير وعن غير واحد منهم التصريح
بأفضلية الصلاة في الثوب النجس وربما يظهر من المدارك القول بتعينه حيث قال ويمكن الجمع بينهما أي بين الطائفتين من الاخبار بالتخيير
بين الامرين وأفضلية الصلاة في الثوب كما اختاره ابن الجنيد الا ان ذلك موقوف على تكافؤ السند وهو خلاف الواقع وكيف
كان فلا ريب ان الصلاة في الثوب أولى انتهى أقول الجمع بين الاخبار بهذا النحو وان أمكن بحمل الامر الوارد فيها على الوجوب التخييري
أو كونها مسوقة لإرادة الجواز في مقام توهم الخطر وحمل بعضها مما يأبى عن ذلك على الأفضلية لكن لا شاهد له والاخبار بظاهرها
متناقضة وقد أشرنا غير مرة إلى أن المتعين في مثل المقام انما هو الترجيح أو التخيير على ما تقتضيه قاعدة التعارض لا الجمع المستلزم
لتأويل كل من المتعارضين من غير شاهد اللهم الا ان يجعل صحة الاخبار الامرة بالصلاة في الثوب النجس واستفاضتها شاهدة
له حيث لا يتطرق في مثل هذه الأخبار المستفيضة احتمال عدم الصدور احتمالا يعتد به فهي في قوة المتواتر ومع ذلك لا يمكن
ترجيحها على ما يعارضها أي الاخبار الامرة بالصلاة عاريا لاشتهار العمل بهذه الاخبار قديما وحديثا بحيث لم نجد من الأصحاب
من طرحها رأسا فإنهم على الظاهر بين من أوجب العمل بمضمون هذه الروايات عينا وبين من حملها على التخيير جمعا بينها وبين
ما يعارضها حتى أن بعض المتأخرين الذين استقرت سيرهم على عدم العمل الا بالروايات الصحيحة لم يتجرأوا في المقام على طرح هذه
الروايات مع تصريحهم بضعفها فيكون حال الطائفتين من الاخبار حال المتواترين المتعارضين وقد تقرر في محله ان الجمع بين المتواترين
ونحوهما مما كان قطعيا مهما أمكن ولو بتأويل ظاهريهما أولى من الطرح وان أبيت عن ذلك فالمرجح الداخلي مع اخبار الصلاة في الثوب
والخارجي مع يعارضها فيتكافئان بحيث يشكل الترجيح فالأقوى في المسألة هو التخيير اما لكونه أقرب المحتملات في مقام الجمع أو لكونه
حكما ظاهريا ناشئا من التعارض والتكافؤ هذا إذا أمكنه القاء الثوب فإن لم يمكنه ذلك ولو لمشقة البرد أو نحوه صلى فيه قولا
واحد العدم سقوط الصلاة بحال ودلالة الصحاح المتقدمة عليه ولكن حكى عن الشيخ في جملة من كتبه انه أعاد الصلاة بعد ارتفاع
الضرورة وحكى هذا القول عن ابن الجنيد أيضا لكنه لم يقيد جواز الصلاة في الثوب باضطراره إلى لبسه قال في محكى مختصره لو كان
مع الرجل ثوب فيه نجاسته لا يقدر على غسلها كانت صلاته فيها (فيه) أحب إلى من صلاته عريانا وقال في موضع اخر من الكتاب والذي
ليس معه الا ثوب واحد نجس يصلى فيه ويعيد في الوقت إذا وجد غيره ولو أعاد إذا خرج الوقت كان أحب إلي انتهى ومستنده موثقة عمار
الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن رجل ليس معه الا ثوب ولا تحل الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع قال يتيمم
ويصلى فإذا أصاب ما غسله وأعاد الصلاة وقيل لا يعيد كما هو المشهور وهو الأشبه لعدم صلاحية الموثقة لاثبات هذا الحكم
المخالف لقاعدة الاجزاء المعتضدة بظواهر الصحاح المتقدمة مع تضمن بعضها الامر بغسل الثوب خاصة خصوصا مع اعراض
المشهور عن ظاهر الموثقة وعدم كونها نصا في الوجوب بل ليس التصرف فيها بالحمل على الاستحباب ابعد من رفع اليد عن ظواهر الأخبار المتقدمة
فإنها وان كانت دلالتها على الاجتزاء بالصلاة في الثوب النجس من حيث السكوت في مقام البيان وهى من أضعف الدلالات
لكنها لموافقتها للقاعدة المغروسة في النفوس واعتضاد دلالة بعض الروايات ببعض لا تقصر عن دلالة الموثقة على الوجوب بل
تترجح عليها خصوصا مع قوة احتمال ان يكون الامر بالإعادة بلحاظ وقوع الصلاة مع التيمم أو اجتماع الامرين وقد استشهد
بها بعض لإعادة الصلاة الواقعة مع التيمم بعد صيرورته واجد للماء كما عرفته في محله فالانصاف عدم صلاحية الموثقة لاثبات
استحباب الإعادة على اطلاقه فيما هو محل الكلام فضلا عن وجوبها فالأولى حملها على الاستحباب في خصوص موردها والله العالم
والشمس إذا جففت البول وغيره من النجاسات المتنجسات التي لا يبقى جرمها بعد الخفاف عن الأرض والبواري والحصر طهر موضعه
على الأشهر بل المشهور والحق بالأرض كل مالا يمكن نقله كالنباتات القائمة على أصولها والأشجار بل وأثمارها ما دامت موصولة بأصولها
والأبنية وما يتعلق بها من الأبواب والأخشاب والمسامير المركوزة فيها بل لا يبعد اندراج المذكورات عرفا في موضوع الأرض بالتبع
وحكى عن بعض قصر الحكم على البول خاصة دون سائر النجاسات التي تشابهه وعن بعض اخر تخصيص الموضوع الذي تطهره الشمس بالأرض
وحكى عن المفيد وجماعة من القدماء والمتأخرين القول بالعفو عن التيمم والسجود على الموضع الذي جففته الشمس من الأرض والحصر و
البواري لا الطهارة فلا يترتب عليه سائر احكام الظاهر واستجوده المصنف ره في محكى المعتبر وحكى عن الشيخ في موضع من الخلاف الحاق
الريح بالشمس في المطهرية حيث قال الأرض إذا اصابتها نجاسة مثل البول وما أشبهه وطلعت عليه الشمس أو هبت عليه الريح حتى
زال عين النجاسة طهره انتهى لكن لأجل مخالفته للاجماع حمل على إرادة ما كان لهبوب الريح دخل في التجفيف بحيث لا ينافي نسبته
629

إلى الشمس أو غير ذلك من المحامل وكيف كان فالخلاف في المسألة يقع في موارد ثلاثة * (الأول ان الشمس هل هي كالماء من المطهرات أو) *
انها لا تؤثر الا في العفو عن النجاسة في بعض اثارها (الثاني) في أنه هل يختص الحكم بالبول أم يعم كل ما يشبهه من النجاسات والمتنجسات
التي لا تبقى عينها بعد الجفاف (الثالث) في أن موضوعه هل هو خصوص الأرض أو أعم منها ومن غيرها من المذكورات واما كون التجفيف
بالشمس في الجملة موجبا لارتفاع حكم المتنجس في الجملة على سبيل الاجمال فمما لا خلاف فيه على الظاهر لكن بناه بعضهم على دوران النجاسة
في الأرض ونحوها مما لم يرد فيه دليل تعبدي مدار عينها فالتزم بطهارة الأرض كبدن الحيوانات بزوال العين بدعوى انه لا دليل
على بقاء اثر النجاسة بعد زوال عينها في غير الموارد الحاجة التي ورد فيها دليل تعبدي وكيف كان فمدرك المسألة اخبار مستفيضة منها
صحيحة زرارة قال سئلت أبا جعفر (ع) عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه فقال إذا جففته الشمس فصل عليه وهو طاهر
والمناقشة فيها بعدم ثبوت كون الطهارة حقيقة في عرفهم في المعنى المصطلح ممالا ينبغي الالتفات إليها وهذه الصحيحة كما تريها نص
في السطح الذي هو من جملة الابنية وظاهر في مطلق المكان الذي يصلى فيه أرضا كان أو بناء لكن موردها البول فلا يستفاد
منها حكم سائر النجاسات المشابهة له ويمكن الاستدلال بهذه الصحيحة لطهارة الحصر والبواري أيضا بدعوى ان المكان الذي
يصلى فيه يطلق على المكان المفروض والخالي عن (من) الفراش اطلاقا حقيقيا ودعوى انصرافه إلى الأرض المجردة من الفراش ممنوعة
لكن ثبت بالاجماع وغيره ان الفراش إذا كان ثوبا أو شيئا متخذا من الصوف أو القطن أو الكتان أو أشباهها لا يطهر الا بالماء
فيتقيد بذلك اطلاق الرواية بما إذا كان المكان الذي يصلى فيه خاليا عن الفراش أو مفروشا بالحصر والبواري ونحوها مما
لم يعلم عدم طهارته بالشمس كما هو الغالب في فرش المصلى كما أنه يجب صرفها عن السريز ونحوه مما من شأنه ان يصلى فيه بغيرها من
الأدلة لو لم نقل بانصرافها بنفسها عن المنقول ومنها صحيحة أخرى عن زرارة وحديد بن حكم الأزدي جميعا قالا قلنا لأبي
عبد الله (ع) السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلى في ذلك المكان فقال إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافا فلا بأس به الا
ان يكون يتخذ مبالا وهذه الصحيحة لا يستفاد منها أزيد من اشتراط نفى البأس بإصابة الشمس والجفاف وعدم كفاية مجرد الجفاف
فيه واما الطهارة فلا لجواز كونه نجسا معفوا عنه كما هو أحد القولين في المسألة وما في الرواية من اعتبار إصابة الريح أيضا مع
عدم مدخليتها في الحكم نصا واجماعا وعدم كونها بنفسها سببا مستقلا حتى تكون من قبيل عطف أحد السببين على الاخر فلعله لكونها
مؤثرة في النقاء بجذب الهواء للبول مع ما فيه من الاجرام التي ربما تبقى عند جفافه بنفسه أو بالشمس * (ومنها) * رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي
جعفر عليه السلام قال يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر وقد يناقش فيها بأنها ضعيفة السند ومتروكة الظاهر ويمكن دفعها بأنها
بحسب الظاهر من الروايات المشهورة المأخوذة عن الأصول الموثوق بها واما ظاهرها فيتعين صرفه بشهادة الاجماع وغيره لو لم نقل
بانصرافه بنفسه بواسطة معروفية الحكم في الثياب ونحوها من المنقولات إلى ما من شأنه ان تشرق عليه الشمس من الأرض وما جرى مجريها
من الحصر والبواري وغيرها من الأشياء المطروحة في الأرض أو المبسوطة عليها مما من شأنه ذلك خرج منها ما دل الدليل على عدم طهارته
بالشمس كالأواني والأشياء المتخذة من الصوف ونحوها وبقى الباقي ويعضدها الفقه الرضوي قال وما وقعت عليه الشمس من الأماكن
التي أصابها شئ من النجاسات مثل البول وغيره طهر بها واما الثياب فإنها لا تطهر الا بالغسل لكن المتبادر من الأماكن في عبارة الفقه
هي الأراضي وما عليها من الابنية لا الحصر والبواري فلا يبعد ان يكون المراد بعموم ما أشرقت عليه الشمس في الرواية المتقدمة أيضا ذلك
وحيث إن عمومها باطلاقه غير مراد يشكل استفادة حكم الحصر والبواري منه بعد قيام هذا الاحتمال اللهم ان يجعل فتوى الأصحاب وعملهم
جابرة لوهنه * (ومنها) * موثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع
القذر قال لا يصلى (تصل) عليه واعلم موضعه حتى تغسله وعن الشمس هل تطهر الأرض قال إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فاصابته الشمس
ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة وان اصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا فلا يجوز الصلاة حتى ييبس وان كانت
رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى ييبس وان كان غير الشمس
اصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك وهذه الموثقة لا يستفاد منها أزيد من سببيته تجفيف الشمس لجواز الصلاة فلا تدل على الطهارة
بل ربما يستشعر من عدول الإمام (ع) إلى الجواب بجواز الصلاة عدمها فتكون حينئذ شاهدة للقائلين بالعفو كما أن قوله (ع) وان كانت
رجلك رطبة إلى اخره ظاهر في ذلك بناء على رجوع ضمير حتى ييبس إلى ما كان منك رطبا لا إلى الموضع ويؤكده ما عن بعض نسخ التهذيب
من قوله (ع) وان كان عين الشمس بالعين المهملة والنون بدل غير الشمس لكنها لا تصلح لمعارضة صحيحة زرارة وغيرها مما دل على أن
الأرض تطهر بجفافها بالشمس لقصورها عن المكافئة خصوصا ما في هذه الموثقة من اضطراب المتن واستدل لهذا القول أيضا
630

بصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سئلته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه هل تطهره الشمس من غير ماء قال كيف يطهر من
غير ماء وفيه انه يستشعر من السؤال معروفية مطهرية الشمس اجمالا لدى السائل ولكنه احتمل كون اشراق الشمس عليه ولو بعد الجفاف موجبا لطهارته
كما هو المغروض في أذهان كثير من العوام فسئل عن انه هل يطهره الشمس من غير ماء أي مع جفافه فتعجب منه الإمام (ع) ولو سلم ظهورها في المدعى
فحالها حال الموثقة المتقدمة في عدم صلاحيتها لمعارضة ما عرفت فإنها مع ما فيها من الاضمار وموافقتها لمذهب جماعة من العامة
على ما قيل وقبولها للتوجيهات القريبة التي منها ما تقدمت الإشارة إليه قاصرة عن مكافئة صحيحة زرارة ورواية أبي بكر المتقدمتين
المصرحتين بسببية اشراق الشمس للطهارة المعتضدتين بالشهرة والفقه الرضوي والله العالم واستدل لطهارة الحصر والبواري أيضا
بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن البواري يصيبها البول هل يصح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل قال نعم
لا بأس وصحيحته الأخرى عنه أيضا قال سئلته عن البواري يبل قصبها بماء قذرا يصلى عليه قال إذا يبست فلا بأس نظرا إلى اشتراط طهارة
موضع السجود في جواز الصلاة عليها فلابد من تنزيل اطلاق الرواية على ما لو حصلت الجفاف بالشمس وفيه مالا يخفى فان كون الرواية
بظاهرها مخالفة للاجماع أو غيره من الأدلة لا يعين إرادة الجفاف بالشمس حتى تنهض دليلا لاثبات مطهرية الشمس وقد ورد نفى البأس
عن الصلاة في الموضع النجس في صحيحة أخرى له أيضا عن أخيه موسى (ع) سئله عن البيت والدار لا تصيبها الشمس ويصيبهما البول و
يغتسل فيهما من الجنابة أيصلي فيهما إذا جفا قال نعم فكلما يقال في توجيه هذه الصحيحة يقال في توجيه الأوليين * (نعم) * ربما يستشعر من كلام
السائل في هذه الصحيحة ككلمات السائلين في بعض الأخبار المتقدمة معروفية كون اشراق الشمس مؤثرا في التطهير أو في إزالة المنع
عن الصلاة اجمالا لديهم فهذا مما يؤكد الوثوق باستكشاف رأى المعصوم من فتاوى الأصحاب وكيف كان فعمدة مستند الحكم بطهارة
الحصر والبواري عموم رواية أبي بكر المنجبر وهنه بفتوى الأصحاب وصحيحة زرارة المتقدمة بالتقريب المتقدم ولا يخفى عليك انه لولا اشتهار
الحكم فيما بين الأصحاب لاشكل استفادته بالنسبة اليهما من الروايتين بعد عدم مشاركة شئ من المنقولات لهما في الحكم فإنه ربما يغلب على
الظن ان المراد بعموم ما أشرقت عليه الشمس في رواية أبي بكر هو الأرض وتوابعها من الابنية والأشجار ونحوها مما جرى مجريها واما الصحيحة
فربما تدعى انصرافها إلى الأمكنة الخالية عن (من) الفراش خصوصا بعد التفات الذهن إلى عدم طهارة الفرش ما عدا الحصر والبواري بغير
الشمس كما تقدمت الإشارة إليه والى منعه فالقول بطهارتهما بالشمس وان لا يخلو عن (من) قوة الا ان الاحتياط مما لا ينبغي تركه * (تنبيهات
الأول) * صرح غير واحد بكون السفن ونحوها مما يجرى في الماء ولا يتحول من مكان إلى مكان في خارجه بحكم الأرض وهو لا يخلو عن (من)
تأمل والله العالم * (الثاني) * يكفي في مطهرية الشمس استناد الجفاف إليها عرفا فلا يقدح مدخلية الريح أو حرارة الهواء فيه على وجه لا ينافي الصدق
العرفي وفى صحيحة زرارة المتقدمة شهادة عليه بل ظاهرها كفاية حصول الجفاف بها وبالريح على وجه يستند التأثير اليهما على سبيل المشاركة
وهو غير بعيد فان مشاركة الريح غير مانعة عرفا من استناد الأثر إلى الشمس الا ان يكون الريح شديدة في الغاية بحيث لا يطلق عليه عرفا انه
جف بالشمس ولعلها منصرفة عن مثل الفرض والله العالم * (الثالث) * إذا سرت النجاسة إلى الباطن كما هو الغالب عند إصابة البول للسطح أو
الأرض كما هو مورد الاخبار فأشرقت عليها الشمس وجففتها طهر الظاهر والباطن الا ان يكون الباطن بنظر العرف موضوعا مغايرا للموضوع
الذي جففته الشمس كما لو وصلت النجاسة إلى الجانب الآخر من السطح فان جفاف هذا الطرف غير مستند عرفا إلى اشراق الشمس فتختص
الطهارة حينئذ بالسطح الظاهر وما يتبعه في النسبة دون الطرف الآخر وما يلحقه ولو أشرقت الشمس على حصر متعددة ملقى بعضها على بعض
فجففتها اختصت الطهارة بالأعلى فان كلا منها بحسب الظاهر لدى العرف موضوع مستقل يراعى فيه حكمه فما عدا الا على جفافه مستند إلى
الحرارة الحادثة باشراق الشمس لا إلى نفسها * (الرابع) * اجزاء الأرض وتوابعها من الرمل والحصى والحجارة والتراب والمعادن وما جرى
مجريها كلها بحكم الأرض وان كانت بنفسها لو لوحظت مستقلة قابلة للنقل لكنها ما دامت تابعة للأرض محكومة بحكمها ومتى استقلت
بان اخذت الحجارة أو التراب مثلا لغرض كالسجود عليه أو التيمم به خرجت من حد التبعية فحينئذ يراعى فيها حكمها من حيث هي وإذا عادت على
حالتها الأولى لحقها حكمها * (الخامس) * لو كانت النجاسة ذات جرم اعتبر زوال جرمها في التطهير بالشمس كالتطهير بالماء بلا خلاف فيه على الظاهر
كما صرح به في الحدائق لكن قد يتوهم ان مقتضى عموم قوله (ع) كلما أشرقت عليه الشمس فقد طهر عدم اعتبار هذا الشرط فيكون اتفاق كلمة
الأصحاب على اعتباره من موهنات هذه الرواية ويدفعه ان المتبادر من مثل هذه العمومات بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن
ليس الا إرادة الطهارة على تقدير زوال العين فليس عموم هذه الرواية الا كعموم قوله (ع) كل ما يراه ماء المطر فقد طهر فكما لا يفهم من تلك
الرواية طهارة ما يراه ماء المطر الا على تقدير استهلاك النجاسة وزوال عينها فكذلك هذه الرواية وكيف كان فلا شبهة في اعتبار هذا
الشرط ولعله لذا فصل بعض على ما حكى عنه بين الخمر وسائر النجاسات التي لا تبقى عينها بعد الجفاف فقال بطهارة الأرض من سائر النجاسات
631

بتجفيفها بالشمس دون الخمر فكأنه رأى أن الخمر لا تزول عينها بالجفاف والله العالم (السادس) مقتضى اطلاق رواية الحضرمي وموثقة عمار المعتضدتين
بالفقه الرضوي اطراد الحكم في سائر النجاسات والمتنجسات من غير فرق بين البول وغيره كما لعله المشهورة لكن يعتبر في سائر النجاسات والمتنجسات
التي لها جرم عدم بقاء جرمها بعد الجفاف كما تقدمت الإشارة إليه وهل يكفي إزالة جرمها قبل الجفاف مطلقا أم يعتبر بعد زوال الجرم بقاء
الأرض رطبة رطوبة يعتد بها بحيث يتحقق جفافها عرفا بعد زوال الجرم فيه تردد وكيف كان فمتى حصل الجفاف لاعلى الوجه المعتبر اما
لكونه بغير الشمس أو لبقاء الجرم فأزيل الجرم ثم صب عليه الماء وجففته الشمس طهر لاطلاق الدليل * (نعم) * لو قلنا باختصاص الحكم بالبول
اتجه الحاق المتنجس بالبول بسائر النجاسات والحاق الأرض الجافة المتنجسة بالبول عند صب الماء عليها بالأرض المتنجسة بالمتنجس بالبول لخروجها
من منصرف الدليل الا ان يدعى الأولوية القطعية وعهدتها على مدعيها وتطهر النار كل ما احالته دخانا أو رمادا من النجاسات والمتنجسات
على المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع على طهارة دخان الأعيان النجسة ورمادها وما عن الشيخ في المبسوط من الحكم بنجاسته دخان
الدهن النجس ليس خلافا في المسئلة فإنه علله بأنه يتصاعد بواسطة السخونة من اجزائه شئ قبل الاستحالة وقد حكى عنه في الخلاف دعوى
الاجماع على طهارة الأعيان النجسة بصيرورتها رمادا وعن ظاهر بعض دعوى الاجماع على طهارة كل ما احالته النار من غير فرق بين
النجاسات والمتنجسات وعن المحقق البهبهاني دعوى الاجماع على الحاق المتنجس بالنجس في هذا الحكم لكن يظهر من بعض المتأخرين التردد
في طهارة ما استحيل إليه المتنجس أو الجزم بعدم الالحاق لشبهة حصلت له كما سيأتي التنبيه عليها وعلى دفعها وكيف كان فعمدة مستند
الحكم عدم تعدى الأحكام الثابتة للموضوعات النجسة عن موضوعاتها فمتى صارت العذرة رمادا لحقها حكم الرماد وارتفع حكم العذرة
إذ لا يعقل بقاء الحكم بعد ارتفاع موضوعه وقد دل الدليل على نجاسة العذرة والرماد ليس بعذرة فلا يعمه الدليل ولو شك في نجاسته
ولم يكن لنا دليل يدل على طهارة الرماد مطلقا بحيث يعم الفرض حكم بطهارته للأصل ولا يجرى استصحاب النجاسة بعد فرض الاستحالة
لأن بقاء الموضوع شرط في الاستصحاب ومما ذكرنا ظهر ان الاستحالة موجبة للطهارة ولو بغير النار وهذا اجمالا مما لا ريب فيه بل في
أغلب الموارد من الضروريات وانما الاشكال في مقامات (الأول) انه ربما يستشعر من كلمات الأصحاب حيث افردوا النار بالذكر وعدوها من
المطهرات كالشمس ولم يستغنوا عنها بعدهم الاستحالة من المطهرات ان لخصوصيتها دخلا في ذلك وربما يظهر من جملة من الاخبار كونها
في حد ذاتها من المطهرات ولا يبعد ان يكون تخصيصها بالذكر في كلمات الأصحاب لوقوع التعرض لها في الاخبار فلا عبرة بما يستشعر
من كلماتهم بعدان علقوا مطهريتها بالإحالة واستدلالهم لها بخروج ما أحيل إليه من مسمى العين النجسة فلا تشمله أدلة نجاستها
واما الاخبار فمنها صحيحة الحسن بن محبوب قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص
به المسجد أيسجد عليه فكتب إلي بخطه ان الماء والنار قد طهراه ومرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عمن رواه عن أبي عبد الله (ع)
في عجين عجن وخبز ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة قال لا بأس اكلت النار ما فيه ورواية عبد الله بن زبير عن جده قال سئلت أبا عبد
الله عليه السلام عن البئر يقع فيها الفارة وغيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها أيؤكل ذلك الخبز قال إذا اصابته النار فلا بأس
بأكله وخبر زكريا بن ادم قال سئلت أبا الحسن (ع) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير قال يهراق المرق أو
يطعمه أهل الذمة أو الكلب واللحم اغسله وكله قلت فإنه قطر فيه الدم قال الدم تأكله النار انشاء الله قلت فخمر أو نبيذ قطرت في عجين
أو دم قال فقال فسد قلت أبيعه من اليهودي والنصراني وأبين لهم قال نعم فإنهم يستحلون شربه الحديث ولا يخفى عليك ان هذه الأخبار
بعد اعراض الأصحاب عنها ومعارضتها بغيرها من الأدلة مما يجب رد علمه إلى أهله خصوصا الرواية الأخيرة التي يستشعر
منها دوران نجاسة الدم مدار عينه وعدم كون الدم الواقع في المرق مؤثرا في تنجيس المرق والتفصيل بين الدم وبين غيره من النجاسات
والفرق بين وقوع الدم في المرق أو في العجين وشئ منها لا ينطبق على القواعد الشرعية واما رواية ابن زبير فلا مانع من الالتزام
بمفادها إذ لم نقل بنجاسة ماء البئر بموت الفارة وغيرها من الدواب وانما التزمنا بحدوث مرتبة من القذارة لا يجب التنزه عنها
ويزيلها نزح المقدر فمن الجائز أن تكون إصابة النار أيضا كالنزح رافعة لتلك القذارة ويحتمل ان يكون المراد بالماء الذي كانت
فيه ميتة في مرسلة ابن أبي عمير أيضا ماء البئر والا يعارضها مرسلة الأخرى عن أبي عبد الله (ع) في العجين من الماء النجس كيف يصنع به قال
يباع ممن يستحل اكل الميتة وفى مرسلة الأخرى أيضا عن أبي عبد الله (ع) قال يدفن ولا يباع إذ لو كانت إصابة النار إليه عند صيرورته
خبزا مطهرة له لم يكن يأمره بالبيع من مستحل الميتة أو الدفن واما صحيحة الحسن فلا تدل الا على أن للنار دخلا في طهارة الجص فلعله
لكونها موثرة في احتراق الاجزاء الدهنية والاجرام الواصلة إليه حال ايقاد العذرة المانعة من تأثير الماء في تطهيره وقد تقدم
بعض الكلام في توجيه هذه الصحيحة في مبحث التطهير بالماء القليل فراجع وربما يستدل بهذه الصحيحة لاثبات طهارة ما احالته النار
632

رمادا أو دخانا نظرا إلى أن مثل هذا الجص لا ينفك من أن يتخلف فيه شئ من رمادها أوقد عليه فلو لم يطهر بالاستحالة لزمه نجاسة الجص عند
ايصال الماء إليه وكذا لا ينفك من أن يصيبه الدخان حال الايقاد والماء الذي يصل إليه لا يصلح لتطهيره على تقدير نجاسته إذ لا يتحقق
به الغسل المعتبر شرعا فجواز السجود عليه دليل على عدم انفعاله بالدخان ولازمه ان لا يكون الدخان نجسا فعلى هذا يكون نسبة الطهارة
إلى الماء لكونه مؤثرا في رفع القذارة الحكمية الناشية من ملاقاة نجس العين مع الجفاف المقتضية لاستحباب الرش في بعض المقامات
كما عرفته فيما سبق * (الثاني) * قال شيخنا المرتضى ره في مبحث الاستصحاب من أصوله ان بعض المتأخرين فرق بين استحالة نجس العين والمتنجس
فحكم بطهارة الأول لزوال الموضوع دون الثاني لأن موضوع النجاسة فيه ليس عنوان الخشب ومثلا وانما هو الجسم ولم يزل بالاستحالة
وهو حسن في بادي الرأي الا ان دقيق النظر يقتضى خلافه إذ لم يعلم أن النجاسة في المتنجسات محمولة على الصورة الجنسية وهى الجسم وان اشتهر
في الفتاوى ومعاقد الاجماعات ان كل جسم لاقى نجسا مع رطوبة أحدهما فهو نجس الا انه لا يخفى على المتأمل ان التعبير بالجسم لأداء عموم
الحكم لجميع الأجسام من حيث سببية الملاقاة وبتقرير اخر الحكم ثابت لاشخاص الجسم فلا ينافي ثبوته لكل واحد منها من حيث نوعه أو صنفه
المتقوم به عند الملاقاة فقولهم كل جسم لاقى نجسا فهو نجس لبيان حدوث النجاسة في الجسم بسبب الملاقاة من غير تعرض للمحل الذي يتقوم
به كما إذا قال القائل ان كل جسم له خاصية وتأثير مع كون الخواص والتأثيرات من عوارض الأنواع وان أبيت الا عن ظهور معقد
الاجماع في تقوم النجاسة بالجسم فنقول لاشك ان مستند هذا العموم هي الأدلة الخاصة الواردة في الاشخاص الخاصة مثل الثوب و
البدن والماء وغير ذلك فاستنباط القضية الكلية المذكورة منها ليس الا من حيث عنوان حدوث النجاسة لا ما يتقوم به والا
فاللازم إناطة النجاسة في كل مورد بالعنوان المذكور في دليله ودعوى ان ثبوت الحكم لكل عنوان خاص من حيث كونه جسما ليس بأولى
من دعوى كون التعبير بالجسم في القضية العامة من حيث عموم ما يحدث فيه النجاسة بالملاقاة لا من حيث تقوم النجاسة بالجسم * (نعم) * الفرق بين
المتنجس والنجس ان الموضوع في النجس معلوم الانتفاء في ظاهر الدليل وفى المتنجس محتمل البقاء لكن هذا المقدار لا يوجب الفرق بعدما تبين
ان العرف هو المحكم في موضوع الاستصحاب أرأيت انه لو حكم على الحنطة أو العنب بالحلية أو الحرمة أو النجاسة أو الطهارة هل يتأمل العرف
في اجزاء تلك الأحكام على الدقيق والزبيب كما لا يتأملون في عدم جريان الاستصحاب في استحالة الخشب دخانا أو الماء المتنجس بولا لمأكول
اللحم خصوصا إذا طلعوا على زوال النجاسة بالاستحالة كما أن العلماء لم يفرقوا أيضا في الاستحالة بين النجس والمتنجس كما لا يخفى على المتتبع
بل جعل بعضهم الاستحالة مطهرة للمتنجس بالأولوية الجلية حتى تمسك بها في المقام من لا يقول بحجية مطلق الظن انتهى كلامه رفع مقامه
* (أقول) * ما ذكر قده في غاية الجودة الا انه يظهر منه تسليم مدعى الخصم لو كانت الكلية التي ادعى عليها الاجماع مضمون دليل معتبر ولم
تكن عنوانا انتزاعيا من الأدلة الخاصة مع أن التحقيق يقتضى خلافه ضرورة ان النجاسة والطهارة وكذا الحلية والحرمة كخواص
الأدوية انما هي من عوارض الجسم الخارجي لا الطبيعة من حيث هي فمعروض الاحكام انما هو مصاديق الجسم أعني افراده لا مفهومه فحكم
كل فرد فرد مخصوص به لا يتعداه فلو قال الشارع مثلا عذرة غير المأكول نجسة فتغذى حيوان بعذرة انسان وصارت العذرة
عذرة له نحكم بنجاستها لكونها بنفسها موضوعا للحكم لا لبقاء نجاستها السابقة إذ لا يعقل بقاء نجاسة فرد مبتدل بفرد اخر لاستحالة
انتقال العرض فإذا قال الشارع مثلا كل ثوب لاقى نجسا ينجس وقلنا بان المرجع في تشخيص موضوع الاستصحاب هو الأدلة الشرعية
لولا في ثوب نجاسته كالقميص مثلا ثم تغيرت صورته وصار ثوبا آخر وشك في مدخلية عوارضه المشخصة في بقاء نجاسته لم يجر
الاستصحاب ولو قال كل كرباس لاقى نجسا ينجس جرى الاستصحاب في مثل الفرض لأنه يصح ان يقال إن هذا الكرباس الذي صار ثوبا اخر
حال كونه قميصا لاقى نجسا وشك في بقاء نجاسته بعد أن تغيرت هيئته الخاصة فليستصحب نجاسته لكن لو تبدل الكرباس بكرباس اخر بان
تفلل ونسج من خيوطه كرباس اخر لم يجر الاستصحاب إذ لا يصدق عليه حينئذ ان هذا الكرباس لاقى نجسا ولو قال كل جسم لاقى نجسا ينجس جرى
لاستصحاب في هذه الصورة أيضا لأنه يصح ان يقال هذا الجسم بعينه لاقى نجسا قبل صيرورته بهذه الكيفية الخاصة فلم يتغير الموضوع
ولكن لو تغيرت ذات الجسم بان صار الكرباس ترابا أو رمادا لم يجر الاستصحاب أصلا سواء قال كل جسم أو كل ثوب أو كل شئ إذ بعد
الاستحالة لا يصدق عليه ان هذا الشئ بعينه لاقى نجسا حتى يستصحب حكمه لأن الكرباس الذي لاقى النجاسة عقلا وعرفا شئ اخر مغاير
للتراب والرماد ومجرد مشاركتهما في الجسمية لا يصحح جريان الاستصحاب ما لم يطلق عليه عرفا ان هذا الشئ بعينه لاقى النجس كما هو
واضح نعم لو لم تكن المغايرة على وجه عد الفرد الآخر في انظار العرف امرا مغايرا للفرد الأول وان كان الامر كذلك بالتدقيق الحكمي بل
كان بنظر العرف من انحاء وجود الفرد الأول جرى الاستصحاب كما لو تبدل سواد شديد بسواء ضعيف وشك في بقاء حكمه فان أهل العرف
يزعمون أن هذا السواد بعينه هو اللون الأول وقد ذهبت شدته فيستصحبون حكمه بعد أن علموا بحجية الاستصحاب كما أنهم يستصحبون
633

بها؟؟ الحنطة المتنجسة عند صيرورتها طحينا والطحين عجينا والعجين خبزا إلى غير ذلك من الأمثلة التي يشهد العرف ببقاء الشئ الأول
وعدم يفره الا من حيث الأوصاف التي لا مدخلية لها في قوام ذاته التي هي لدى العرف معروض النجاسة ولعل من هذا القبيل ما لو
صارت الحشية المتنجسة فحما ان لا يبعد ان يدعى ان الفحم لدى العرف هو بعينه ذلك الجسم الملاقى للنجس وقد تغيرت صفته فيتجه حينئذ استصحاب نجاسته على تقدير الشك في بقائها وان أنكرنا ذلك لم يجر الاستصحاب وكذا لو شككنا فيه فان احراز الموضوع شرط
في جريان الاستصحاب واستصحاب بقاء الموضوع لا يجدي في اثبات نجاسة الفحم كما تقرر في محله وبهذا ظهر لك وجه اختلاف
الأصحاب في حكم الفحم ولكن مقتضى ما ذكره شيخنا المرتضى ره من أن معروض النجاسة هو الجسم من حيث كونه جسما وما ذكره الفقهاء رضوان
الله عليهم ان كل جسم لاقى نجسا ينجس كلى انتزاعي من العناوين الخاصة عدم جريان الاستصحاب في الفرض وان صدق عرفا كونه
بعينه هو ذلك الجسم فان وصف الخشبية التي هي من العناوين الخاصة زال قطعا فلا مجال للاستصحاب لكن هذا إذا بنينا على مراجعة
الأدلة الشرعية في تشخيص الموضوع والا فلا يترتب على دعوى كون العموم كليا انتزاعيا فائدة بناء على ما هو التحقيق ومرضى الشيخ (ره)
من الرجوع إلى العرف فان الموضوع لدى العرف ليس الا جسم الملاقى فالثوب الملاقى للنجس ما دام بقاء جسمه الذي هو القطن
الخاص لو شك في بقاء نجاسته تستصحب نجاسته وكذا السرير وغيره من الأشياء المتخذة من الخشب ما دام بقاء جسمها وهو الخشب
بل لا يشك أحد من المتشرعة في بقاء النجاسة في مثل هذه الأشياء بزوال العناوين الخاصة المعلق عليها الحكم في الأدلة السمعية ما دام
جسم الملاقى بعينه باقيا فالشك في بقاء النجاسة عند احتراق الثوب والسرير ونحوهما وصيرورتهما رمادا أو دخانا انما هو لحصول
الاستحالة وتبدل ذلك الجسم الملاقى بجسم اخر والا فلو بقي ذلك الجسم بعينه بعد ارتفاع عنوانه الخاص لا يشك أحد في بقاء حكمه
فضلا عن أن يشك في استصحابه وملخص الكلام انه مهما اثرت الاستحالة في تبدل الجسم بجسم اخر بحيث عد بنظر العرف شيئا مغايرا
للأول لا يجوز استصحاب شئ من احكامه السابقة من غير فرق بين النجس والمتنجس ولابين موضوعات سائر الأحكام الشرعية من
الحلية والحرمة وإباحة التصرف ونحوها ولا يكفي في بقاء الموضوع شهادة العرف ببقاء جسمية الشئ المستحيل في ضمن الفرد المستحال
إليه فان العرف ربما يحكم ببقاء الجسمية المطلقة التي كانت بصورة العذرة أو الخشبة بعد صيرورتهما رمادا لكن لا يساعد على اطلاق
ان هذا الجسم بعينه كان كذا وهذا هو المناط في جريان الاستصحاب لا الأول كما لا يخفى على المتأمل في دليله * (نعم) * ربما يتخيل الفرق في بعض
الموارد بين النجاسات العينية والمتنجسات نظرا إلى مساعدة العرف على اخذ الوصف العنواني المأخوذ موضوعا في الأدلة الشرعية من
مقومات الموضوع في النجاسات العينية دون المتنجسات كما إذا حكم الشارع بنجاسة الخمر فإنه يرى أهل العرف ان لطبيعتها الخمرية
دخلا لنجاستها العينية فعند انقلابها خلا يتبدل موضوعها وهذا بخلاف ما لو عرضها نجاسة خارجية بان لاقت نجسا قبل صيرورتها خمرا
أو بعد فان موضوع هذه النجاسة العارضة بنظر العرف هو حسبها الباقي بعد الانقلاب هذا ولكن للنظر في هذه التفرقة مجال نظرا
إلى أن طهارة الخل المستحال إليه الخمر انما ثبت بالأدلة الاجتهادية والا فلو لم يكن الحكم الشرعي الواصل الينا الا نجاسة الخمر أو مطلق
العصير عند غليانه واشتداده لاشكل الحكم بطهارتهما عند انقلابهما خلا أو دبسا إذ الظاهر أن معروض النجاسة في النجاسات العينية
أيضا كالمتنجسات على ما هو المغروس في الأذهان ليس الا الجسم الخارجي الصادق عليه عنوان النجس فما دام ذلك الجسم باقيا بعينه
يحكم بنجاسته وان تغير بعض أوصافه الموجبة لصدق العنوان ولذا لا يتوهم أحد طهارة اجزاء الكلب أو الخنزير كشعره وعظمه بعد
الانفصال مع أنه لا يصدق عليها بعد الانفصال اسم الكلب أو الخنزير * (وكيف كان) * فمتى * (استحيل الجسم إلى جسم بحيث) * صار لدى العرف
شيئا آخر مغايرا للأول لا يجوز استصحاب شئ من احكامه السابقة وهذا مما لا ينبغي الارتياب فيه واما ان معروض الحكم في النجاسات
العينية أيضا كالمتنجسات هو جسمها من حيث هو أو ان لوصفها العنواني دخلا في قوام موضوعية الموضوع فهو مما لا يهمنا تحقيقه
والمرجع فيه العرف ومع الشك يمتنع جريان الاستصحاب فيه كما تقدمت الإشارة إليه * (الثالث) * الطين النجس إذا طبخ بالنار حتى صار
خزفا أو اجرا فقد حكى عن الشيخ في الخلاف والعلامة في النهاية والمحقق الشيخ حسن في المعالم القول بطهارته وجزم جمع من المتأخرين
على ما حكى عنهم بالعدم وعن المصنف في المعتبر والعلامة في موضع اخر من المنتهى وصاحب المدارك التوقف فيه واستدل الشيخ للطهارة
في محكى خلافه بالاجماع وصحيحة الحسن بن محبوب المتقدمة وعن صاحب المعالم الاستدلال عليه (عليها) بأصالة الطهارة بعد منعه قيام الدليل
على بقاء حكم النجاسة بعد زوال عينها نظرا إلى أن عمدة المستند فيه الاجماع وهو مفقود في المقام والاستصحاب لا يجرى في مثل المقام
مما كان مدركه الاجماع واما توقف صاحب المدارك وغيره فمنشأه الشك في تحقق الاستحالة الموجبة لارتفاع الحكم ولا يخفى عليك
مساعدة العرف على بقاء الموضوع في مثل هذه الموارد فالأقوى هو القول ببقاء النجاسة للاستصحاب وما عن صاحب المعالم من منع
634

الاستصحاب في ما إذا ثبت الحكم بالاجماع * (ففيه) * ما تقرر في محله من عدم مدخلية دليل المستصحب في قوام الاستصحاب وما عن الشيخ من دعوى
الاجماع على الطهارة فلا ينهض حجة بعد تحقق الخلاف واما الصحيحة فقد تقدم الكلام فيها انفا وعرفت عدم تمامية الاستدلال بها
للمدعى هذا ولكن ربما يتوهم في مثل هذه الموارد ان الشك في بقاء النجاسة ليس من قبيل الشك في الرافع بل من قبيل الشك في المقتضى الذي
لا نقول بحجية الاستصحاب فيه ويدفعه انه قد ثبت في الشريعة ان الطهارة والنجاسة من الأمور القارة التي لا ترتفع الا برافع و
حيث إن أهل العرف يزعمون بقاء الموضوع لو ثبت عندهم طهارته بالطبخ بالنار يرون الطبخ بالنار كالغسل بالماء من المطهرات فمتى
أوجب عليهم الشارع العمل بالاستصحاب في موارد الشك في الرافع يجرونه في مثل هذه الموارد وكون الشك في الحقيقة ناشئا من الشك
في مدخلية الوصف الزائل في قوام الموضوع الذي بقائه من اجزاء المقتضى غير قادح بعد أن كان امر الاستصحاب موكولا إلى أهل العرف
قد القى إليهم دليله وهم يعاملون في هذه الموارد معاملة الشك في الرافع فليتأمل * (الرابع) * العجين المعجون بماء نجس لو خبز لا يطهر على
المشهور وحكى عن الشيخ في النهاية في باب المياه أنه قال فان استعمل بشئ من هذه المياه النجسة في عجين يعجن ويخبز لم يكن بأس بأكل ذلك
الخبز فان النار قد طهرته وعنه في باب الأطعمة من الكتاب المذكور قال وإذا نجس الماء بحصول شئ من النجاسات فيه ثم عجن به وخبز
لم يجز اكل ذلك الخبز وقد رويت رخصة في جواز اكله وذلك أن النار قد طهرته والأحوط ما قدمناه واختلف كلامه أيضا في كتابي الاستبصار
والتهذيب على ما حكى عنهما فأفتى في الأول بالطهارة وفى الثاني بعدمها وليس مستنده على الظاهر دعوى الاستحالة حتى يتوجه عليه
قضاء العرف ببقاء الموضوع وعدم تحقق الاستحالة الموجبة لارتفاع الحكم بل الخبران المتقدمان في صدر المبحث الدالان عليه
وقد عرفت فيما سبق عدم صلاحيتهما لاثبات الحكم بعد اعراض المشهور عنهما مع ما فيهما من ضعف السند وورود ثانيهما في ماء البئر الذي
لا نقول بنجاسته واحتمال كون الأول أيضا فيه مع معارضتهما بغيرهما من الاخبار المعتضدة بالشهرة فالقول بالطهارة ضعيف مع أنه
من الأقوال الشاذة التي لا يبعد دعوى الاجماع على خلافها والله العالم * (الخامس) * قد أشرنا انفا إلى أن عمدة المستند في الحكم بطهارة
الخل المستحيل إليه الخمر وكذا العصير الذي ذهب ثلثاه هي الأدلة الخاصة والا لاشكل الحكم بطهارتهما لأجل الاستحالة كما تمسك بها
غير واحد خصوصا على ما هو المشهور من كون المتنجسات الخالية من أعيان النجاسة منجسة فان استحالة الخمر أو العصير إلى مايع اخر
لا تقتضى طهارة إنائهما المتنجس بهما ونجاسة الإناء مانعة من طهارتهما ولعله لذا جعل الأصحاب رضوان الله عليهم انقلاب الخمر خلا
وكذا ذهاب ثلثي العصير قسيما للاستحالة عند تعداد المطهرات و * (كيف) * كان فيدل على طهارة العصير بذهاب ثلثيه الأخبار الكثيرة الدالة
على حليته بعد ذهاب الثلثين فإنها أخص من الطهارة وقد تقدم جملة منها عند التكلم في الحاق العصير بعد الغليان بالخمر في الحرمة و
النجاسة فراجع وقد أشرنا في ذلك البحث إلى عدم التنافي بين القول بعدم سببية الغليان بنفسه للنجاسة ما لم يسكر وبين الالتزام بكون
ذهاب الثلثين مطهرا له وان كان الأوجه على هذا التقدير هو الالتزام بكون ذهاب الثلثين الذي هو سبب للحلية كاشفا عن طهارته
واما كونه مؤثرا فيها فلا دليل عليه وكيف كان فطهارة العصير بعد ذهاب ثلثيه سواء قلنا بنجاسته بعد الغليان مطلقا أو بشرط ان يحدث فيه
شدة مطرية مما لا شبهة فيه واما الخل المستحيل من الخمر فمما يدل على طهارته مضافا إلى الاجماع جملة من الاخبار * (منها) * صحيحة زرارة عن أبي
عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الخمر العتيقة تجعل خلا قال لا بأس وموثقة عبيد بن زرارة قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يأخذ
الخمر فيجعلها خلا قال لا بأس وموثقة أخرى له أيضا عن أبي عبد الله (ع) في الرجل باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه
خلا فقال إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس وصحيحة ابن المهتدى قال كتبت إلى الرضا (ع) جعلت فداك العصير يصير خمرا فيصب عليه الخل وشئ
يغيره حتى يصير خلا قال لا بأس به وخبر أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الخمر يصنع فيها الشئ حتى تحمض قال إذا كان الذي صنع
فيها هو الغالب على ما صنع فيه فلا بأس عن الشيخ ان هذا الخبر شاذ متروك لأن الخمر نجس ينجس ما حصل فيها انتهى ولعله محمول على الانقلاب
لا الاستهلاك والامتزاج والمروى عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه قال سئلته عن الخمر يكون أوله خمرا ثم يصير خلا قال إذا
ذهب سكره فلا بأس وعن جامع البزنطي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) انه سئل عن الخمر تعالج بالملح ونحوه لتحول خلا قال لا بأس
بمعالجتها قلت فانى عالجتها وطينت رأسها ثم كشفت عنها فنظرت إليها قبل الوقت فوجدتها خمرا أيحل لي امساكها قال لا بأس بذلك
انما ارادتك ان يتحول الخمر خلا وليس ارادتك الفساد وعن محمد بن أبي عمير وعلي بن حديد جميعا عن جميل قال قلت لأبي عبد الله (ع)
يكون لي على الرجل الدراهم فيعطني بها خمرا فقال خذها ثم أفسدها قال على واجعلها خلا وهذه الأخبار ما بين مطلق وظاهر وصريح
في حلية الخل المستحيل من الخمر بالمعالجة ولا يعارضها المروى عن العيون عن علي عليه السلام كلوا الخمر ما انفسد ولا تأكلوا ما أفسدتموه
أنتم وخبر أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الخمر يجعل خلا قال لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يقلبها وخبره الأخير أيضا عن أبي عبد الله (ع)
635

قال سئل عن الخمر يجعل فيها الخل فقال لا الا ما جاء من قبل نفسه فإنها مع ضعف سندها واعراض الأصحاب عن ظاهرها لا تصلح لمعارضة
الأخبار المتقدمة خصوصا مع امكان ارتكاب التوجيه في هذه الأخبار بالحمل على الاستحباب وقد حكى عن الشيخ حمل خبري أبي بصير عليه
جمعا بينهما وبين غيرهما من الروايات ولا بأس به بعد البناء على المسامحة في السنن ومقتضى اطلاق بعض الأخبار المتقدمة وترك
الاستفصال في غيرها عدم الفرق بين ما لو بقي فيها عين ما عولجت به بعد صيرورتها خلا واستهلك فيما قبل التخلل خصوصا مع أنه
كثيرا ما يتخلف من الملح ونحوه كما في خبر البزنطي بعض الاجزاء الأرضية بعد الانقلاب فتطهر بالتبع فما عن بعض من التفصيل
بينهما واختصاص الطهارة بما إذا لم تبق العين بعد الانقلاب نظرا إلى أن نجاسة العين الباقية مانعة من الطهارة ولا دليل
على طهارتها بالتبع ممالا ينبغي الالتفات إليه بل لو فرض كون المعالجة بما تبقى عينه بعد الانقلاب خلاف المتعارف الذي ينصرف
عنه الاطلاق لا ينبغي الاستشكال فيه أيضا فان خروجه من المتعارف لا يخرجه من الالية كي لا يفهم طهارته بالتبع مما دل على حلية الخل المستحيل
من الخمر بل لا ينبغي التشكيك في طهارة جسم خارجي طاهر من حجارة ونحوها لو وقع في الخمر وبقى فيها إلى أن تتخلل أو القى فيها بعض الأجسام
الطاهرة الطيبة الريح ليطيب ريحها فان ما دل على حلية الخمر بعد أن ذهب سكرها وصارت خلا لا يقصر عن شمول مثل الفرض ولذا
لا يظن بأحد ممن سمع باخبار الباب ولم يكن ذهنه مشوبا ببعض الشبهات ان يتردد في حكم المسألة في مثل هذه الموارد خصوصا بعد
الالتفات إلى أن الاخبار بأسرها مسوقة لبيان الحلية ودلالتها على الطهارة انما هي بالتبع فربما لم يكن السائل ملتفتا إلى نجاستها
حتى يمكن ان يدعى ان مغروسية نجاستها في الذهن توجب صرفها عن مثل هذه الفروض بل قد عرفت عند البحث عن نجاسة الخمر ان الذي يساعد
عليه القرائن عدم كون نجاسة الخمر من الأمور المسلمة عند السائلين حتى يجعل معروفية نجاستها قرينة صارفة عن مثل هذه الموارد لكن
الجزم بذلك في غير ما جرت العادة بعدم التحرز عن مثله في مثل هذه الموارد كقليل من التراب أو الحجارة أو الحصى أو الاجرام العنبية الباقية
فيها وغيرها مما جرى هذا المجرى في غاية الجرأة وكيف كان فهذا إذا كان ذلك الجسم الباقي بعد الانقلاب من الجوامد واما ان كان من المايعات
فلا يخلو الحكم بتبعيته للمستحيل وان كان مستعملا في العلاج فضلا عن غيره عن (من) اشكال لعدم مساعدة العرف عليه في المايعات حيث يرونها
بمجرد الاتصال بالنجس لصيرورتها بذاتها نجسة كعين النجس مستقلة بالأثر بخلاف الجامدات الملاقية للنجس التي لا تتخطى النجاسة
عن سطحها الملاصق للجسم فلا يرون نجاستها تابعة لنجاسة (الجسم) النجس الملاصق لها لا يتعقلون بقائها بعد انقلاب ذلك النجس
وصيرورته طاهرا والحاصل ان مساعدة العرف على التبعية في المايعات محل نظر فمقتضى الأصل بقاء نجاستها ومانعيتها من طهارة
المستحيل فما عن الشيخ من القول بطهارة الخمر القليلة (القليل) الملقاة في خل كثير إذا مضى عليها زمان يحكم عادة باستحالتها مشكل لخروج مثل
الفرض من منصرف الأدلة وعدم كونه فرضا متعارفا حتى يدعى استفادة حكمه من اطلاق الامر بالتخليل وعدم كون الخصوصية المفروضة من
الخصوصيات الغير الملحوظة لدى العرف حتى لا يكون ندرتها موجبة للانصراف فليتأمل ولافرق بين الخمر وسائر المسكرات المايعة في
حليتها وطهارتها عند انقلابها خلا لما عرفت في محله من أن الحكم بنجاسة ساير المسكرات انما هو لاندراجها في موضوع الخمر حقيقة أو حكما
على ابعد الاحتمالين بل قد عرفت في ذلك المبحث ان خمر أهل المدينة التي هي بحسب الظاهر مورد الاخبار غالبا لم تكن متخذة الا من غير العصير
الذي قد يقال باختصاص اسم الخمر به فلا ينبغي الارتياب فيه كما أنه لا ينبغي الارتياب في طهارة العصير الذي غلا بانقلابه خلا كطهارته
بذهاب ثلثيه إذا قلنا بان نجاسته تدور مدار صيرورته مسكرا كما قويناه في محله والا أشكل الحاقه بالخمر في هذا الحكم المخالف للأصل بعد خروجه من
موضوعها وقصور الأخبار الدالة على حلية الخمر بالتخليل عن شموله لكن يظهر من بعض عدم الخلاف فيه بل في الجواهر دعوى الاجماع عليه بقسميه
وكيف كان فمتى طهر العصير بانقلابه خلا أو بذهاب ثلثيه يتبعه انائه والآلات المصاحبة له المتصلة به حال الانقلاب وذهاب الثلثين دون
المنفصلة عنه في هذا الحين فضلا عن ثياب المباشر وبدنه لعدم الدليل عليه لكن لو قلنا بنجاسة العصير بمجرد الغليان وان لم يسكر أشكك الالتزام
بذلك العسر التحرز عنه وقضاء العادة باستعمال الآلات قبل ذهاب الثلثين وبعده لدى الحاجة إليه ومن هنا اشتهر القول بتبعية الآلات [مط]
ما دام بقائها على صفة الالية عرفا بين القائلين بالنجاسة وقد صرح غير واحد منهم بتبعية يد المباشر وثيابه أيضا ولعل هذا هو المشهور فيها
بينهم بل عن بعض دعوى الاجماع عليه وفى طهارة شيخنا المرتضى بعد أن صرح بطهارة الإناء وان كانت اجزاء العصير عالقة بأطرافه الفوقانية قال
ويطهر أيضا الآلات التي يزاولها العامل وان كان العصير الغير المثلث عالقا بها وكذا ثياب العامل إذا لاقت شيئا من العصير قبل التثليث
كل ذلك لفهمه من الاطلاقات وترك الإمام (ع) لاستدراكها عند الحكم بطهارة نفس العصير مع عموم البلوى وعدم تعرض السائلين للسؤال
الكاشف عن فهم ذلك من الاطلاقات ومن ذلك يعلم أن الضابط في التبعية الأمور التي تلاقى العصير غالبا عند التثليث انتهى وقد عرفت في محله
ان ما ذكره انما هو من الامارات التي يستكشف منها طهارة العصير وانه لا ينجس ما يلاقيه حتى يجب غسله لا انه يطهر بالتبع وعدم تعرض السائلين
636

للسؤال كاشف عن عدم خطور النجاسة في أذهانهم لا انهم فهموا من الاطلاقات المسوقة لبيان حكم اخر أي حلية العصير بعد ذهاب ثلثيه التي
يلزمها الطهارة على تقدير كونه نجسا مثل هذا الحكم التعبدي الذي لا يدخل في الأذهان الا بنص صريح على وجه استغنوا بها عن المسألة عنه وعما
يترتب عليه من الفروع الخفية كما لا يخفى وجعل بعضهم المدار في طهارة الثياب ونحوها على بقاء ما عليها من العصير حتى يذهب ثلثاه بالهواء
ونحوه فتطهر تبعا لما عليها من العصير لا للعصير المغلى في القدر فلو مسح ما عليها وأزال عينه قبل ان يذهب ثلثاه بقي محله متنجسا فلو لاقى العصير
بعد ذهاب ثلثيه نجسه فعلى هذا لا خصوصية للثوب والآلات بل حالهما حال ساتر الأشياء الملاقية للعصير والقول بطهارتها تبعا لما
عليها انما يتجه على القول بعدم اعتبار كون ذهاب الثلثين بالنار وهو لا يخلو عن (من) تأمل وكيف كان فهيهنا فروع كثيرة متفرعة على
القول بالنجاسة لا يهمنا التعرض لها بعد البناء على ضعف المبنى * (تذنيب) * قال في الجواهر في تحديد ذهاب الثلثين والمعتبر صدق
ذهاب الثلثين من غير فرق بين الوزن والكيل والمساحة وان كان الأحوط الأولين بل قيل الأول انتهى * (أقول) * وهو كما قيل فان
الوزن بمقتضى الاعتبار أخص مطلقا من غيره فلا شبهة في كفايته وفرض التخلف مجرد فرض لا تحقق له بحسب العادة هذا مضافا إلى
استفادته من رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (ع) في رجل اخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصب عليه عشرين رطلا ماء ثم طبخهما
حتى ذهب منه عشرون رطلا وبقى عشرة أرطال أيصلح شرب تلك العشرة أم لا فقال ما طبخ على الثلث أوقية فهو حلال وخبر ابن أبي يعفور
عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا زاد الطلا على الثلاث أوقية فهو حرام فان في تحديد الزائد بالأوقية شهادة على أن العبرة في
المزيد عليه بالوزن واما الكيل فليس لخصوصيته دخل في الحكم بلا شبهة بل هو طريق لاحراز ذهاب الثلثين من حيث المساحة فلا
وجه لجعله قسيما لها عدا انه اضبط من سائر الطرق التي يعتمد عليها العرف في احراز ذهاب الثلثين بحسب المساحة المبنية على
المسامحة والتقريب فهذه الملاحظة جعل الكيل أحوط وكيف كان فالظاهر كفاية التقدير بالمساحة أيضا كالوزن من غير فرق
بين احرازها بالكيل أو بغيره من الطرق كالاختبار بعود ونحوه لما أشير إليه من الصدق العرفي خصوصا مع غلبة اعتبار العصير عند
الطبخ بالمساحة وتعسر اختباره بالوزن ولا ينافيه الخبران المتقدمان كما هو واضح هذا مع وقوع التصريح بالكيل في روايتي عمار
الواردتين في كيفية طبخ نقيع الزبيب المتقدمتين في مبحث العصير لكنك عرفت في ذلك المبحث قصورهما عن إفادة كون التثليث
لزوال التحريم فلا يخلو الاستدلال بهما للمدعى عن (من) مناقشة فليتأمل واعلم أنهم قد عدوا من المطهرات الانتقال والاسلام وقد
اهملهما المصنف كما أنه أهمل الاستحالة أيضا عدا قسم منها وهو ما احالته النار ولعل وجهه عدم كون هذه الأمور مطهرات حقيقة
بل هي مؤثرات في رفع موضوع النجاسة فيتبعه حكمه فما صنعه غيره من عد مثل هذه الأمور من المطهرات مبنى على المسامحة واما وجه التعرض لخصوص
ما احالته النار فهو ما نبهنا عليه انفا من استشعار مطهرية النار بنفسها كالشمس أو استظهارها من بعض الأخبار القاصر عن اثباتها
وكيف كان فالمراد بالانتقال هو حلول النجس في محل اخر حكم الشارع بطهارته عند اضافته إلى ذلك المحل كانتقال دم ذي النفس إلى
غير ذي النفس من القمل والبق ونحوهما وقد مثل له أيضا بانتقال الماء المتنجس إلى باطن النبات والشجر وتنقيح المقام ان الانتقال قد
يكون موجبا لانقلاب الموضوع واستحالته عرفا كما في المثال الأخير إذ المراد به صيرورة الماء النجس جزء من النبات والشجر لا مجرد
رسوبه فيهما بحيث أمكن اخراجه بعصر ونحوه باقيا على حقيقته الأولى ومن هذا القبيل ما إذ صار دم ذي النفس أو غيره من النجاسات جزء
من غير ذي النفس من لحمه أو عظمه أو دمه الطبيعي وهذا النحو من الانتقال من اقسام الاستحالة فلا وجه لجعله قسيما لها وقد عرفت حكمها من أنها
توجب الحكم بطهارة المستحيل مطلقا من غير فرق بين مواردها ولا بين كون ما أحيل نجسا أو متنجسا وقد لا يكون الانتقال موجبا للاستحالة
بل الموضوع بنظر العرف باق على حقيقته الأصلية ولكنه موجب لانقلاب النسبة وإضافة الشئ المنتقل إلى المحل المنتقل إليه مسلوبا اضافته
عما كان مضافا إليه قبل الانتقال كدم الانسان المنتقل إلى جوف البق والبرغوث ونحوهما قبل ان يستحيل فإنه بمجرد الانتقال يسمى عرفا
دم البق ولا يسمى دم الانسان الا جلافة ما كان ويحتمل أن تكون اضافته إلى الانسان أيضا كإضافة ما في المحجمة إليه على سبيل
الحقيقة إذ لا تنافي بين الإضافتين فما في جوف البق بمنزلة ما لو جعل عظم انسان جزء من حائط فإنه يصدق عليه انه عظم انسان
ويصدق عليه انه جزء من الحائط فهذا الدم أيضا يصدق عليه انه دم انسان بلحاظ أصله ويصدق عليه دم البق بلحاظ صيرورته جزء منه
بنظر العرف لكن الأظهر كون اضافته إلى الأول مجازا والى الثاني حقيقة لصحة السلب في الأول وعدمها في الثاني بشهادة العرف وكيف
كان فنقول في توضيح المقام انه إذا تغذى حيوان مما لا نفس له بدم انسان أو غيره من النجاسات واستقر في جوفه قبل ان تتصرف فيه معدته و
تحليه إلى اجزائه وفضلاته على وجه عد عرفا شئ (شيئا) اخر غير ذلك الدم الذي دخل في جوفه فإن لم يوجب الانتقال اضافته إلى ذلك الحيوان إضافة
حقيقية بان يعد عرفا من دمه كما لو شرب سمكة أو نحوها من دم انسان وبقى ذلك الدم بعينه في جوفه فإنه لا يطلق عليه دم السمك بل يصح
637

السلب عنه واضافته إلى الانسان ففي مثل الفرض لا اثر للانتقال بل الدم باق على ما كان عليه من النجاسة لا لأجل الاستصحاب بل لعموم ما
دل على نجاسة دم الانسان الشامل باطلاقه لمثل الفرض وكذلك الكلام فيما لو شك في تحقق الإضافة إلى المنتقل إليه مع القطع بصحة اضافته
إلى الانسان ومع الشك فيها أيضا حكم بنجاسته لأجل الاطلاق لكن بعد احراز موضوعه بالاستصحاب فالمرجع على تقدير الشك في بقاء اضافته
إلى الانسان هو استصحاب اضافته فيتفرع عليه حكمه وان أوجب الانتقال صحة اضافته إلى المنتقل إليه فاما ان يصح اضافته إلى
الانسان أيضا أو يشك في ذلك أو يعلم بعدمه فان علم عدمه وكان لنا دليل مطلق دال على طهارة دم ذلك الحيوان أو مطلق اجزائه
بحيث عم مثل هذا الدم الغير الطبيعي الموجود في جوفه يرجع إلى ذلك الدليل وان علم بصحة الإضافة وبقاء صفة السابقة أيضا
وقعت المعارضة بين هذا الدليل وبين ما دل على نجاسة دم الانسان فحينئذ يعمل على ما يقتضيه قاعدة المعارضة من تقديم ما هو الأظهر
دلالة بالنسبة إلى مورد الاجتماع وعلى تقدير المكافئة من حيث الدلالة فالمرجع على ما هو التحقيق في مثل المقام الذي تكون المعارضة
بالعموم من وجه هو الأصول العملية التي ستعرفها وكذلك الكلام مع الشك في بقاء الصفة لما عرفت من جريان الأصل الموضوعي
فيكون مشكوك البقاء بمنزلة معلومة ولا يستلزم ذلك جعل الاستصحاب معارضا للدليل كما قد يتوهم فان المعارضة لم تتحقق
الا بين الدليلين ولكن موضوع أحدهما أحرز بالأصل ولا ضير فيه وان لم يكن لنا دليل اجتهادي مطلق وقلنا بان ما دل على طهارة
دم غير ذي النفس واجزائه ينصرف عن ذلك فمع العلم ببقاء اضافته السابقة حكم بنجاسته لاطلاق ما دل على نجاسة دم الانسان
لو نوقش في الاطلاق جرى استصحابها ومع الشك في بقاء الإضافة استصحبت وحكم أيضا بنجاسته للاطلاق بعد احراز موضوعه
بالاستصحاب وعلى تقدير الخدشة في الاطلاق أو فرض الكلام في مورد لم يكن لنا دليل لفظي مطلق أشكل الحكم بنجاسته لو احتملنا
اختصاصها بما إذا لم ينتقل الدم إلى جوف حيوان فان استصحاب بقاء الإضافة لا يكفي في الحكم بالنجاسة في الفرض إذا المفروض ان
النجاسة لم تثبت لدم الانسان على الاطلاق بل ثبتت له في الجملة واستصحاب نجاسته السابقة فرع احراز كونه دم الانسان واستصحاب
الموضوع أعني كونه دم الانسان لا ينفع في جريان استصحاب الحكم كما تقرر في محله لكن الاشكال مبنى على القول بعدم الرجوع إلى العرف
في تشخيص موضوع الاستصحاب والا فلا شبهة في مساعدة العرف على بقاء الموضوع في الفرض فلا مانع من جريان استصحاب الحكم
كما في الفرض الآتي وهو ما لو أضيف إلى ما انتقل إليه حقيقة وصح سلب اضافته عن الانسان لكن لم يكن دليل اجتهادي دال على
طهارة دم الحيوان الذي أضيف إليه اما لانصراف ما دل على طهارة دم ما لا نفس له أو مطلق اجزائه عن مثل هذا الدم الغير الطبيعي
المستقر في جوفه أو لكونه من الشبهات المصداقية التي لا يتمسك فيها بالعمومات كالحية التي وقع الكلام في أن لها نفسا سائلة أم لا فان
قلنا بالرجوع إلى العرف في تشخيص موضوع الاستصحاب كما هو التحقيق جرى الاستصحاب وحكم بنجاسته إذ المفروض كونه بعد الانتقال لدى
العرف بعينه ذلك الدم الذي حكم بنجاسته عند اضافته إلى الانسان فيقال عرفا ان هذا الدم حين اضافته إلى الانسان كان نجسا وبعد
سلب الإضافة عنه شك في بقاء حكمه فليستصحب وان قلنا بان المرجع في تشخيص الموضوع هو العقل أو عناوين الأدلة المتلقاة من الشرع
لم يجر لتبدل الموضوع فيحكم حينئذ بطهارته لقاعدتها فظهر لك بما ذكرنا حكم جميع صور الانتقال واتضح ان مقتضى القاعدة بقاء المنتقل على
ما كان من الطهارة والنجاسة والحلية والحرمة ما لم تتحقق الاستحالة الا ان يدل دليل اجتهادي سالم من المعارض على خلاف وقد نفى
البأس عن دم البراغيث والبق وأشباههما في جملة من الاخبار * (منها) * مكاتبة محمد بن الريان قال كتبت إلى الرجل هل يجرى دم البق مجرى
دم البراغيث وهل يجوز لاحد ان يقيس دم البق على البراغيث فيصلى فيه وان يقيس على نحو هذا فيعمل به فوقع (ع) يجوز الصلاة والطهر أفضل
وخبر غياث عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) قال لا بأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف وصحيحة ابن أبي يعفور قلت لأبي عبد الله (ما تقول
في دم البراغيث قال ليس به بأس قلت إنه يكثر ويتفاحش قال وان كثر ورواية الحلبي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن دم البراغيث في الثوب
هل يمنعه ذلك من الصلاة قال لا ولا ريب في شمول دم البق والبراغيث وأشباههما للدم المجتمع في جوفها الذي كثيرا ما يصيب الثوب أو البدن
عند قتلها أو قذفها له بل هذا هو القدر المتيقن الذي ينسبق إلى الذهن ارادته من الروايات دون دمها الأصلي ويدل على طهارة ما انتقل
إلى جوف البق والبرغوث ونحوهما من دم الانسان ونحوه استقرار اليسرة على عدم التجنب عنه فلا ريب فيه والله العالم واما الاسلام فلا شبهة
في كونه موجبا لارتفاع نجاسة الكفر وهل يقبل الاسلام من المرتد الفطري أم لا يقبل فيه خلاف نسب إلى ظاهر المشهور وصريح جملة منهم العدم
وعن جماعة من المتأخرين القبول مطلقا وقيل يقبل باطنا لا ظاهرا وعن ظاهر بعض التفصيل بين انكار الشهادتين أو إحديهما وبين انكار
شئ من الضروريات فلا يقبل في الأول ويقبل في الثاني وعن اخر التفصيل بين ما يتعلق بعمل نفسه وبالنسبة إلى ما يتعلق بالغير فبالنسبة
إلى نفسه يعامل معاملة المسلم فيبنى على طهارة بدنه وصحة وضوئه وغسله فيصلى ويصوم وبالنسبة إلى الغير فهو نجس العين بل لا يظن بأحد
638

من القائلين بعدم القبول الالتزام بجواز تركه للصلاة والصوم وغيرهما من الأشياء المشروطة بالطهور التي تعذرت في حقه بناء على كفره
ونجاسته ولذا جعل القائلين (القائلون) بالقبول كونه مكلفا بالعبادات المشروطة بالطهور من أقوى أدلتهم عليه والحق قبول اسلامه ظاهرا
وباطنا بلا شائبة ارتياب فيه والدليل عليه أمران الأول صدق المؤمن عليه بعد أن امن بالله وبرسوله وصدق رسوله صلى الله عليه وآله
في جميع ما أنزله الله تعالى عليه واعترف بذلك وتدين به لغة وعرفا وشرعا اما الأولان فواضح واما شرعا فلما عرفت عند
التكلم في كفر منكر الضروري من تحديد الايمان في الأخبار المعتبرة بذلك ولا ينافيه ما في جملة من الاخبار من المرتد الفطري يقتل
ولا يستتاب كصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (ع) عن المرتد فقال من رغب عن الاسلام وكفر بما انزل على محمد صلى الله عليه وآله بعد اسلامه
فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت منه امرأته ويقسم ما ترك على ولده ورواية عمار قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول كل مسلم بين المسلمين
ارتد عن الاسلام وجحد محمدا بنبوته وكذبه فان دمه مباح لمن سمع ذلك منه وامرأته بائنة منه يوم ارتد ويقسم ماله على ورثته وتعتد
امرأته عدة المتوفى عنها زوجها وعلى الإمام (ع) ان يقتله ولا يستيبه وخبر الحسين بن سعيد قال قرأت بخط رجل إلى أبي الحسن الرضا (ع) رجل
ولد على الاسلام ثم كفر وأشرك وخرج من الاسلام هل يستتاب أو يقتل (فكتب (ع) يقتل ولا يستتاب فان المراد بهذه الروايات على الظاهر) عدم قبول توبته بالنسبة إلى الآثار الشرعية الدنيوية المسببة
عن كفر لا عدم قبولها في الواقع بينه وبين الله تعالى بالنسبة إلى ما يتعلق بأمر الآخرة هذا مع أن عدم قبول توبته معناه ان ندامته على
كفره الصادر منه غير موجبة لمحوه وصيرورته كالعدم وهذا لا يقتضى عدم قبول اسلامه الذي سيصدر منه فيما بعد غاية الأمر ان اسلامه اللاحق
لا يوجب الجب عما سبقه كما يوجبه في غير المرتد نعم مقتضاه ان لا يكون مجرد اظهاره للندامة والاستغفار الذي يتحقق به التوبة كافيا في
صيرورته مسلما بل عليه ان يجدد اسلامه باظهار الشهادتين بعد التوبة على تأمل والحاصل ان عدم قبول التوبة لا ينافي الاسلام ودعوى
استلزام عدم القبول للخلود في النار وهو ينافي الاسلام * (مدفوعة) * بان المسلم انما هو خلود من مات كافرا لا مطلق من كفر بحيث عم مثل
الفرض وبما ذكرنا ظهر ان نسبة القول بعدم قبول اسلام المرتد الفطري إلى المشهور لا تخلو عن (من) نظر فإنهم على ما حكى عنهم لم يصرحوا الا بعدم
قبول توبته وهو لا يدل على المدعى بل لا يبعد ان يكون مقصودهم عدم قبولها بالنسبة إلى بعض اثار التي (الذي) تقدم التنبيه عليها (عليه) في النصوص المتقدمة
في مقابل العامة وابن الجنيد من الخاصة حيث حكى عنهم القول بقبول توبته مطلقا وعدم الفرق بينه وبين المرتد الملي والله العالم (الثاني)
ما تقدمت الإشارة إليه من أنه لا ينبغي الارتياب في كونه مكلفا بالاسلام وبشرايعه وهذا يدل على كونه ممكنا في حقه ومجزيا عنه و
دعوى ان التكليف لا ينافيه الامتناع بالاختيار * (مدفوعة) * بما تقرر في محله من منافاة الامتناع التكليف مطلقا وان كان عن اختيار * (نعم) *
الامتناع الاختياري لا ينافي اتصاف الفعل الذي صيره ممتنعا بكونه مقدورا ومتعلقا للتكليف قبل ان يجعله ممتنعا وكون تركه تركا
اختياريا موجبا لاستحقاق العقاب عليه ودعوى سقوط التكليف عنه بصيرورته ممتنعا في حقه فحاله بعد الارتداد كحاله بعد الموت * (مدفوعة) *
بعد الغض عن امكان دعوى القطع بان الله تعالى لم يرفع القلم عنه بان مقتضى عموم أدلة التكاليف المشروطة بالاسلام أو بالطهور ووجوب
الاسلام على كل مكلف شمولها للمرتد فيجب ان يكون الاسلام في حقه ممكنا والرواية الدالة على أنه لا توبة للمرتد بعد تسليم ظهورها في المدعى
لا تصلح قرينة لصرف هذه الأدلة وتخصيصها بغير المرتد فان التصرف فيها بحملها على المعنى الذي تقدمت الإشارة إليه أهون من تخصيص
هذه الأدلة وقد يقال بشمول هذه الأدلة للمرتد مع الالتزام بتعذر اسلامه بدعوى ان توجيه الخطاب إليه من قبيل التكليف الصوري الذي
أريد به التسجيل واثبات العقاب عليه وفيه مع أنه من ابعد التصرفات يرد عليه انه لا يعقل التسجيل واثبات العقاب بايجاب الممتنع لكونه
معذورا في الامتثال وانما يعقل ذلك فيما إذا كان المأمور به في حد ذاته مقدورا للمكلف ولم يكن المكلف ممتثلا فحينئذ قد يقصد الامر
بطلبه مع علمه بان المأمور لا يمثل اتمام الحجة للتسجيل واثبات العقاب فلا يقصد بطلبه في الفرض الا التكليف الحقيقي المقصود به الالزام
بالفعل ووجوب ايجاده ولا ينافيه علمه بان العبد لا يمثل فلو ندم العبد وعزم على الامتثال أو فرض كون المولى مخطأ في اعتقاده يأتي العبد
بالفعل المأمور به بقصد امتثال امره فليس التكليف في الفرض صوريا كما لا يخفى على المتأمل وقد يقال إن مقتضى تكليفه بالعبادات تحقق
الاسلام منه بالنسبة إلى صحة الصلاة وكذا طهارته بالنسبة إلى نفسه دون الاسلام المطلق الموجب للطهارة المطلقة وفيه ان ما دل
على اشتراط الصلاة والصوم بالاسلام والطهارة انما دل على اعتبار مطلقهما لا بالإضافة فإن كان ولابد من الالتزام بصحة عباداته
مع بقائه كافرا فيلتزم بسقوط الاشتراط لا حصول الشرط بالإضافة وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في ضعف هذه الأقوال وعدم
صلاحية الأخبار الدالة على عدم قبول توبته لاثباتها ويدل عليه أيضا بل وعلى قبول توبته وصحة عباداته رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع)
فيمن كان مؤمنا فحج وعمل في ايمانه ثم اصابته في ايمانه فتنة فكفر ثم تاب وامن قال يحسب له كل عمل صالح في ايمانه ولا يبطل منه شئ فان
المفروض في السؤال بحسب الظاهر أعم من المرتد الفطري وظاهر الجواب تقريره في قبول توبته هذا كله مضافا إلى الأدلة الدالة على
639

محبوبية الاسلام والتوبة من كل أحد الابية عن التخصيص المعتضدة ببعض المؤيدات العقلية والنقلية كيف مع أن من الأمور الواضحة ان
من أكبر مقاصد الأمير والحسنين عليهم السلام في حروبهم وغيرها استتابة المرتدين من الخوارج والنواصب والغلاة الذين اعترفوا بإلهية أمير المؤمنين
وانهم عليهم السلام كانوا يقبلون توبة من رجع منهم ويعاملون معه معاملة المسلم وتوهم كون ذلك من باب المماشاة لبعض المصالح في
غاية الضعف واستدل للتفصيل بين من انكر الشهادتين وبين من انكر ضروريات بعدم القبول في الأول دون الثاني بالشك في شمول
الأدلة النافية للتوبة لمنكري الضروري فيبقى عمومات التوبة بحالها وفيه نظر مع أنك عرفت قصور الأدلة النافية عن اثبات الجزء
الأول من مدعاه * (تنبيه) * عد بعض الأصحاب من جملة المطهرات غيبة الانسان وزوال العين من باطنه ومن بدن الحيوان أقول
اما طهارة بدن الحيوان بعد زوال العين فقد عرفت في مبحث الأسئار انه مما لا ينبغي الاستشكال فيه لكن لو منعنا سراية النجاسة
من المتنجسات الجامدة الخالية من العين كما نفينا عنه البعد عند التكلم في مسألة السراية أشكل استفادة طهارة الحيوان من
الأدلة المتقدمة في ذلك المبحث فإنها لا تدل الا على طهارة السؤر التي لا ينافيها بقاء الحيوان على نجاسته على هذا التقدير فليس حكم
الحيوان حينئذ مخالفا لحكم سائر المتنجسات ومقتضى الأصل انفعاله بالملاقاة وبقاء نجاسته إلى أن يغسل فلا يجوز اتخاذ جلده أو
صوفه ثوبا للمصلى ما لم يغسل واما بواطن الانسان فلا ينبغي الارتياب في طهارتها بعد زوال العين وان صحبتها رطوبات ملاقية
للعين كما هو الغالب فيها لقضاء الضرورة به (بها) في الجملة فضلا عن انعقاد الاجماع عليه (عليها) كما صرح به غير واحد ويدل عليه مضافا إلى
ذلك ما رواه عبد الحميد بن أبي الديلهم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل يشرب الخمر فيبصق فأصاب ثوبي من بصاقه قال ليس بشئ
ويؤيده الأخبار المستفيضة الواردة في الاستنجاء وفى دم الرعاف المتقدمة في محلها التي وقع فيها التصريح بأنه انما يغسل الظاهر
لا الباطن فلا شبهة في أصل الحكم اجمالا وانما الاشكال في أنه هل ينجس البواطن وكذا بدن الحيوانات بوصول النجاسة إليها فيكون
زوالها مطهرا لها أم لا تنجس من أصلها فيكون على هذا التقدير عده من جملة المطهرات مبنيا على المسامحة لكن لا يترتب على حل الاشكال
فائدة مهمه عدا استصحاب نجاسة المحل عند الشك في بقاء الحال للحكم بنجاسة ما يلاقيه كما تقدم التنبيه عليه في مبحث الأسئار وعرفت في
ذلك المبحث ان استصحاب نفس العين غير مجد في الحكم بنجاسة الملاقى فراجع * (نعم) * لو قلنا بان طهارة الباطن أيضا كطهارة الظاهر شرط
في صحة الصلاة ونحوها ولم نقل بمانعية حمل النجس من حيث هو لترتبت عليه ثمرة مهمة لكن المبنى فاسد لعدم الدليل عليه * (وكيف كان) *
فالاشكال انما هو فيما لو أصابت البواطن نجاسة خارجية واما النجاسة الواصلة إليها من الجوف فضلا عن النجاسة المتكونة فيها
فلا ينبغي الاستشكال في عدم كونها مؤثرة في تنجيسها لعدم الدليل على ثبوت الآثار للنجاسات قبل بروزها في الخارج لانصراف
ما دل عليها من النص والاجماع عما لم تخرج بل ربما يدعى الاجماع على أنه لا اثر لها ما دامت في الباطن ولذا حكم بطهارة ماء الحقنة
أو الإبرة النافذة في الجوف ونحوها إذا خرجت نقية بل قد يقال بقصور ما دل على نجاسة ملاقيات النجس عن شمول البواطن الملاقية
له وان كانت النجاسة خارجية لأن مستند الحكم بالنجاسة اما النص أو الاجماع ولا يخفى ان النصوص الدالة عليه موردها الثوب وظاهر
البدن والأواني وأشباهها فلا يتخطى عن موردها الا بالاجماع ولا اجماع في الفرض ولو لم ندع الاجماع على خلافه وفيه ما عرفته عند
التكلم في قبول بعض الأشياء الغير القابلة (بل) للعصر للتطهير من أن مقتضى الأصل الأولى المستفاد من تتبع النصوص والفتاوى المعتضدة
بمغروسية في أذهان المتشرعة انما هو نجاسة الأجسام الملاقية للنجس مطلقا ولذا لا يتوهم أحد فرقا في ساير الأشياء بين ظواهرها و
بواطنها وانما نشاء الشك في خصوص المقام من العلم بأنه لا اثر للنجاسات الملاقية للبواطن بعد زوال عينها فحيث لم يعهد كون زوال
العين من المطهرات (في الشريعة يشك في كون الكلية المستفادة عن النصوص والفتاوي مخصصه بالنسبة إليها فالأوفق بالقواعد ابقاء القاعدة على عمومها والالتزام بكون زوال
العين من الطهرات) هذا ولكن الانصاف ان القاعدة وان كانت في حد ذاتها مسلمة لكن عمومها غير مجد في نظائر المقام لأن مسند العموم
اما القطع بمناط الحكم المنافى للترديد في خصوص المورد أو الاستقراء ونحوه من الأدلة اللبية الغير الراجعة إلى عموم لفظي حتى يتمسك في
موارد الشك بأصالة عدم التخصيص أو وقوع التعبير به في فتوى الأصحاب ومعاقد اجماعاتهم المحكية حيث عبروا فيها بان كل جسم لاقى نجسا
ينجس فيستكشف من ذلك كون القاعدة بعمومها متلقاة من الشرع على سبيل الكلية وهذا بعد التسليم انما يجدى بالنسبة إلى الموارد
التي عمتها كلماتهم واما البواطن فلم يعلم ارادتها منها بل الظاهر انصرافها عنها إذا المتبادر من حكمهم بنجاسة كل جسم لاقى نجسا إرادة
النجاسة التي لا تدور مدار بقاء العين والحاصل ان العلم بان الأصحاب مجمعون على أنه لا اثر للملاقاة بالنسبة إلى البواطن بعد زوال العين
مانع من ظهور كلماتهم في ارادتها من العموم ولذا لا يستكشف رأيهم فيها على وجه يجوز استناده إليهم من عموم حكمهم بنجاسة ما يلاقى النجس
هذا مع أن استكشاف صدور عموم لفظي من المعصوم من فتاوى الأصحاب بحيث يعامل معه بما يقتضيه قواعد الألفاظ ممنوع فالأشبه
هو الحكم بعدم انفعال البواطن وبقائها على ما كان من الطهارة وكذلك الكلام في بدن الحيوان على المشهور من القول بطهارته بعد زوال
640

العين والله العالم ولو لاقى النجاسة الخارجية الواصلة إلى الجوف في الجوف جسما طاهرا خارجيا كما لو شرب خمرا أو دما ثم ابتلع درهما فتلاقيا
في الجوف نجس الدرهم ولا يطهر الا بغسله كما لو تلاقيا في الخارج لاطلاقات الأدلة الدالة على نجاسة ما يلاقى الخمر أو الدم أو غيرهما من النجاسات
وعدم انصرافها إلى وقوع الملاقاة في مكان دون مكان بل لو لاقى الجسم الخارجي نجاسة باطنية في بعض البواطن التي تظهر للحس كالفم
ومقدم الانف وباطن الاذن ونحوها لا يبعد الالتزام بنجاسته فان ما ادعيناه انفا من انصراف ما دل على اثار النجاسات عن النجاسات
الباطنية الكامنة في الجوف قبل بروزها بالنسبة إلى الدم الواصل إلى مقدم الانف أو المجتمع في الفم ونحوه قابل للمنع فالقول بكون
ملاقاة الدم ونحوه في الفم وأشباهه كالملاقاة في خارجه قوى مع أنه أحوط والله العالم واما غيبة الانسان فهي بنفسها ليست من
المطهرات جزما ولكنها يوجب الحكم بطهارته وطهارة ما يتعلق به من الثياب ونحوها مع احتمال طرو الطهارة لامع القطع بعدمها
بلا خلاف فيه في الجملة على الظاهر بل عن بعض دعوى الاجماع عليه ويشهد له استقرار اليسرة عليه وكون اشتراط تحصيل العلم بطهارة
من علم نجاسته أو نجاسة شئ مما يتعلق به من الثياب ونحوها في جواز مساورته أو الصلاة خلفه أو نحوهما من الأشياء المشروطة
بالطهارة موجبا للحرج ويؤيده بل يشهد له الأخبار الدالة على كراهة سؤر الحائض والجنب المتهمتين ونفى البأس عن سؤرهما
إذا كانتا مأمونتين إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيدات وهل يكفي مجرد احتمال الطهارة الناشئ من الغيبة أم يعتبر الظن بها أم
لا يكفي مطلق أيضا بل الظن الخاص الحاصل من شهادة حاله أو مقاله فيعتبر على هذا التقدير علمه بالنجاسة واخباره بزوالها
أو معاملة معاملة الطاهر بحيث يظهر منه ذلك وجوه بل أقول ذهب شيخنا المرتضى ره إلى الأخير نظرا إلى أنه هو القدر المتيقن الذي
يمكن اثباته بالاجماع واليسرة ودليل نفى الحرج وغيرها ولا يكاد يستفاد منها أزيد من ذلك وانه بحسب الظاهر من باب تقديم الظاهر
على الأصل ولذا استشهد غير واحد بظهور حال المسلم في تنزهه عن النجاسة وبالاخبار الدالة على وجوب تصديق المسلم وعدم اتهامه
ولا يتم الظهور الا في الصورة المفروضة فالظاهر أن كل من تمسك له بظاهر الحال لا يقول الا بهذا القول بل هذا هو ظاهر كل من
اشترط عمله بالنجاسة كما حكى عن صريح الشهيدين وظاهر غيرهما فان من المستبعد اشتراطهم لعلمه بالنجاسة وعدم اعتبار تلبسه بما يشترط
بالطهارة والمراد بالظن الخاص بحسب الظاهر هو الظن الثاني الحاصل من الامارة الخاصة لا الظن الفعلي فان من المستبعد
التزام أحد بذلك وكيف كان فهذا الوجه وان كان قويا لكن الأقوى هو الوجه الأول اعني كفاية مجرد الاحتمال الناشئ من الغيبة
وعدم اشتراط علمه بالنجاسة ولا تلبسه بما يشترط بالطهارة فان عمدة مستند الحكم هو (هي) استقرار السيرة من صدر الشريعة على
المعاملة مع المسلمين وما يتعلق بهم معاملة الطاهر بمجرد الاحتمال من غير فرق بين سبق علمهم بالنجاسة وعدمه ولابين كون من
يعامل معه معاملة الطاهر ممن يظهر من حاله التجنب عن النجاسة أو يظهر عدمه أو يشتبه حاله فان الظاهر من حال العامة وكثير
من الخاصة انهم لا يجتنبون عن كثير من النجاسات وربما يعتقدون طهارتها ويزعمون طهارة الميتة بالدباغة مع أنه لم
يعهد التجنب عنهم ولا عما عليهم من اللبأس كما أنه لم يعهد التجنب عما في أيديهم واسوائهم من الجلود ونحوها من الأشياء التي
مقتضى الأصل فيها النجاسة وبنائهم على عدم التجنب عنها مع حصول العلم غالبا اما تفصيلا أو اجمالا بمباشرتهم للنجاسات
ومخالطتهم مع الكفار وعدم التطهر منها الا من باب الاتفاق * (فالقول) * باشتراط الظن بالطهارة فضلا عن أن يكون من سبب
خاص كأنه نشأ عن الغفلة عما عليه بناء عامة الناس في معاملاتهم ومساوراتهم مع العامة والخاصة مع أن من المعلوم انه
لو لم يكن الامر في صدر الشريعة بأسوأ من ذلك لم يكن بأحسن منه بل لولا البناء على الاكتفاء بالاحتمال لاختل نظم عيشهم
* (فدعوى) * اندفاع الحرج لدى العمل بظاهر الحال غير مسموعة لكن لا يخفى عليك انه انما يتم الاستشهاد بالسيرة ونفى الحرج لاثبات
المدعى بناء على ما هو المشهور من كون المتنجس على الاطلاق والا فلا يخلو الاستدلال بهما عن (من) نظر فالمتجه بناء على ما نفينا عنه البعد من عدم
السراية هو القول الأخير والله العالم وهل يعتبر في الاعتماد على ظاهر الحال أو مطلق الاحتمال كون من يحكم بطهارته مكلفا أي عاقلا بالغا كما
يظهر من بعض أم لا وجهان أظهرهما العدم لعدم كون البلوغ ملحوظا فيما جرت عليه اليسرة بل يكفي على الظاهر كونه ممن من شأنه مراقبة أحواله
في التطهر ونحوه واما غير المميز فليس موردا لهذا الأصل فلو لم يجر عليه يد الغير لا يحكم بطهارته الا بعد العلم بارتفاع النجاسة السابقة
وعند جريان يد الغير عليه هو بمنزلة سائر ما يتعلق بذلك الغير مما ستعرف حكمه وهل يختص مورد الحكم بشخصه وثيابه وما هو بمنزلتها
أو يعم مطلق ما يتعلق به من أثاث بيته ونحوها فيه ترد ولكن لو اخبر بطهارتها يقبل قوله على الأظهر لما عرفت عند التكلم في اخبار ذي اليد
بالنجاسة من أن الأقوى قبول قول صاحب اليد في مثل هذه الأمور والله العالم ويطهر التراب اي الأرض كما وقع التعبير بها في النافع
فان المطهر هي (هو) الأرض التي وقع التعبير بها في أكثر الفتاوى ومعقد الاجماع المحكى عن غير واحد كما في الجواهر ويشهد به النصوص المعتبرة
641

الآتية فما في المتن ومحكى القنعة والتحرير من التعبير بالتراب بل وكذا في النبويين الآيتين اما لشيوع التعبير عنها به أو لكون
المقصود بيان مطهريته على سبيل الاجمال لباطن الخف وأسفل القدم والنعل بلا خلاف على الظاهر في أصل الحكم اجمالا عدا
ما حكى عن الخلاف مما يظهر منه المخالفة حيث قال إذا أصاب أسفل الخف نجاسة فدلكه في الأرض حتى زالت تجوز الصلاة فيه عندنا
ثم قال دليلنا انا بينا فيما تقدم ان مالا تتم الصلاة فيه بانفراده جازت الصلاة فيه وان كانت فيه نجاسة والخف لا تتم الصلاة
فيه بانفراده وعليه اجماع الفرقة انتهى فإنه يظهر منه القول ببقاء النجاسة والعفو عنها ولاجل مخالفة هذا الظاهر لظاهر أغلب النصوص
وصريح الفتاوى لم يرض جملة من المتأخرين الذين تعرضوا النقل قوله بنسبته إليه فأولوا كلامه إلى مالا ينافي المشهور حتى أن المحقق
البهبهاني في حاشية المدارك تأمل في ظهور كلامه فيما ذكر وقال بل الظاهر أن استدلاله فيه غفلة منه وكيف كان فالظاهر عدم
خلاف يعتد به في المسألة كما أن الظاهر عدم خلاف يعتد به بالنسبة إلى المذكورات في المتن فما عن بعض من تخصيص الأول بالذكر أو الأخير
أو الأول والثاني أو الثاني والثالث أو الأول والثالث بحسب الظاهر جار مجرى التمثيل كما يشهد بذلك ما عن جامع المقاصد من دعوى
الاجماع على المذكورات مع إضافة كل ما ينتقل به عادة كالقبقاب ونحوه وعلى تقدير تحقق الخلاف في أصل المسألة أو في شئ منها فضعيف
محجوج بما ستسمعه ومستند الحكم اخبار كثيرة منها النبويان العاميان أحدهما إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب والاخر
إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى فان التراب له طهور و * (منها) * صحيحة الأحول عن أبي عبد الله (ع) قال في الرجل يطأ على الموضع الذي
ليس بنظيف ثم يطأ بعده ما كانا نظيفا قال لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك ورواية المعلى بن خنيس قال سئلت أبا عبد
الله عليه السلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء امر عليه حافيا فقال أليس ورائه شئ جاف قلت بلى
قال فلا بأس ان الأرض يطهر بعضها بعضا وصحيحة محمد الحلبي أو موثقته قال نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر فدخلت
على أبي عبد الله (ع) فقال أين نزلتم فقلت نزلنا في دار فلان فقال إن بينكم وبين المسجد زقاقا قذرا أو قلنا له ان بيننا وبين المسجد
زقاقا قذرا فقال لا بأس ان الأرض يطهر بعضها بعضا قلت فالسرقين الرطب اطأ عليه فقال لا يضرك مثله وعن مستطرفات
السرائر عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له ان طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه فربما مررت فيه وليس على حذاء فيلصق
برجلي من نداوته فقال أليس تمشى بعد ذلك في ارض يابسة قلت بلى قال فلا بأس ان الأرض يطهر بعضها بعضا قلت فاطأ على الروث
الرطب فقال لا بأس انا والله ربما وطئت عليه ثم اصلى ولا اغسله ورواية حفص بن أبي عيسى قال قلت لأبي عبد الله (ع) انى وطئت على
عذرة بخفى ومسحته حتى لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة فيه قال لا بأس وصحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) رجل وطئ على عذرة
فساحت رجله فيها أينقض ذلك وضوئه وهل يجب عليه غسلها فقال لا يغسلها الا ان يقذرها ولكنه يمسحها حتى يذهب اثرها ويصلى
ولا يخفى عليك ان وضوح دلالة أغلب الاخبار على الطهارة المعتضدة بفهم الأصحاب وفتواهم يغنينا عن التكلم في دلالة كل واحدة
منها على المدعى وان كان الانصاف عدم قصور شئ منها عن اثباته ولو في الجملة حتى رواية حفص الدالة على نفى البأس عن الصلاة في الخف الذي
لا يشترط فيه الطهارة حيث إن محط نظر السائل بحسب الظاهر هو السؤال عنه من حيث حصول الطهارة بالمسح فالمقصود بنفي البأس عنه
بحسب الظاهر بيان صيرورته ظاهرا وعدم الحاجة إلى غسله ولو بلحاظ كراهة الصلاة في الخف النجس وربما يستدل له أيضا بصحيحة زرارة
عن أبي جعفر (ع) قال جرت السنة في اثر الغائط بثلاثة أحجار ان يمسح العجان ولا يغسله ويجوز ان يمسح رجليه ولا يغسلهما وفيه نظر لقوة
احتمال ان يكون المراد بمسح رجليه في الوضوء وكون هذا النحو من التعبير جاريا مجرى التقية وكيف كان ففي ما عداها غنى وكفاية ثم إن
مقتضى اطلاق صحيحة الأحول وترك الاستفصال في صحيحة الحلبي الأولى اطراد الحكم في كل ما يتعارف المشي به من أسفل القدم والنعل
وما جرى مجريهما ويؤيده فتوى الأصحاب وما سمعته من جامع المقاصد من دعوى الاجماع عليه ويؤيده أيضا اطلاق العلة المنصوصة
في غير واحد من الروايات من أن الأرض يطهر بعضها بعضا والظاهر أن المراد بالبعض الثاني هو النجاسة الواصلة إلى الرجل أو النعل
ونحوه وتسميتها بعض الأرض لتبعيتها لها في الاسم فيما هو المفروض في الروايات والمراد بتطهيرها اما إزالة نفسها بحيث لا يبقى لها اثر
أو إزالة اثرها أي النجاسة الحاصلة من ملاقاتها كما في قولنا الماء يطهر البول فإنه يستعمل في كلا المعنيين واحتمل بعض أيضا ان يكون
المراد بالبعض الاجزاء الأرضية المتنجسة التي تستصحبها الرجل أو الخف بمصاحبة النجاسة فيستفاد من ذلك طهارة الرجل والخف
بالتبع وفيه ان يكون المراد به بعض الأرض حقيقة والمقصود به بيان ان بعض الأرض يطهر بعضها الاخر باذهاب النجاسة عنه أو باشره
في استحالتها أو استهلاكها الموجب لارتفاع الموضوع فيكون الاستدلال بهذه القضية لطهارة الرجل والخف مبنيا على تنزيلهما
منزلة الأرض بعلاقة المجاورة والمناسبة المقتضية للمشاركة في الحكم وقيل أيضا باحتمال ان يكون المراد بالبعض الأول هو البعض
642

الطاهر من الأرض وبالبعض الثاني شيئا مبهما فمعناها ان الأرض الطاهرة تطهر بعض الأشياء الذي من جملته مورد السؤال فعلى هذا
تخرج الرواية من صلاحيتها للتأييد فضلا عن أن يمكن الاستدلال بها للمدعى لكن لا ينبغي الاعتناء بمثل هذا الاحتمال فالانصاف ان
التعليل الوارد في الروايات وان لا يخلو عن (من) اجمال واهمال لكن لا يبعد ان يدعى ان مورد الفتاوى الذي ادعى عليه الاجماع هو القدر المتيقن
الذي يفهم حكمه منه فلا أقل من كونه مؤيدا للمدعى فلا ينبغي الاستشكال في الحكم وربما يستشعر من قوله (ع) ان الأرض يطهر بعضها بعضا
بناء على إرادة النجس من البعض الثاني اختصاص الحكم بالنجاسة الكائنة في الأرض كما هو مورد جل اخبار الباب بل كلها وهو خلاف
ظاهر الفتاوى أو صريحها فلا يبعد ان يكون التعبير جاريا مجرى الغالب من كون النجاسة ناشئة من المشي على الأرض مع ما عرفت من
قوة احتمال ان يكون المراد به بعض الأرض حقيقة فلا يتأتى حينئذ الاستشعار المذكور وكيف كان فاستبعاد مدخلية مثل هذه الخصوصية
في موضوع الحكم مانع عن أن يفف الذهن دونها وان كان اللفظ مشعرا باعتبارها ولذا لم يفهم الأصحاب من هذه الروايات الاختصاص
بل لا يتبادر من صحيحة زرارة بل وكذا من غيرها حتى هذه الأخبار المعللة والاخبار التي وقع فيها التعبير بلفظ الاشتراط كقوله صلى الله عليه وآله إذا وطئ
أحدكم الأذى [الخ] الا ان كون المسح أو المشي على الأرض طهورا للرجل أو الخف من العذرة من غير أن يكون لكيفية وصولها إلى الرجل لكونها
بوطائها أو كون محلها الأرض دخل في الحكم ولذا لا يتوهم أحد فرقا بين كيفيات الوصول ولابين أن تكون العذرة التي يطأها برجله مطروحة
على الأرض أو على الفراش ونحوه فان مثل هذه الخصوصيات ليست من الخصوصيات الموجبة لتخصيص الحكم بنظر العرف كما في سائر الموارد
التي وقع فيها السؤال عن احكام النجاسات مع كون المفروض في موضوعها وصول النجاسة إلى الثوب أو البدن مثلا بكيفيات خاصة
فيكون هذه الروايات بعد عدم التفات العرف إلى خصوصيات مواردها بمنزلة اخبار مطلقة لا يرفع اليد عنها الا بدلالة معتبرة
إذ لو كان لمثل هذه الخصوصيات دخل في الموضوع وجب التنبيه عليه في مقام الجواب في مثل هذا الحكم العام الابتلاء وليس في المقام
دليل على اعتبار الخصوصية عدا الاستشعار المتقدم المبنى على فرض غير ثابت فالأظهر عدم الفرق بين كون النجاسة من الأرض أو من
غيرها والله العالم وهل يلحق بالقدم أو النعل الخرقة الملفوفة بالرجل أو الجورب ونحوهما مما لم يتعارف استعماله لوقاية الرجل عن
الأرض * (فيه) * تردد خصوصا إذا لم يجر العادة في خصوص الشخص أيضا على استعماله فان عدم الالحاق في هذه الصورة هو الأظهر وفى
اطراد الحكم بالنسبة إلى خشبة الأقطع وركبتيه وفخذي المقعد ويدي من يمشى على يديه وما جرى مجريها وكذا بالنسبة إلى ما يوقى به هذه
المواضع وجهان من خروج مثل هذه الفروض من منصرف الاخبار ومن امكان دعوى استفادته من الأدلة بنحو من الاعتبار وتنقيح
المناط الذي يساعد عليه العرف وفيه تأمل فالأول ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط وحكى عن بعض الحاق كل ما يستعان به
على المشي كأسفل العكاز وعصى الأعمى وأسفل العربات والتخوت ونعل الدابة وهو في غاية الاشكال والله العالم ويلحق بباطن النعل
والقدم وما جرى مجريهما حواشيها التي يتعارف إصابة النجس إليها حال المشئ لاطلاق الأدلة بل المتبادر من السؤال في صحيحة زرارة إرادة
ما يعمها فهذه الصحيحة كادت تكون صريحة في المدعى * (تنبيهات الأول) * الظاهر أنه لافرق في حصول التطهير بين كونه بالمشي أو المسح
كما صرح به في الحدائق وغيره ويدل عليه صحيحة زرارة ورواية حفص بن عيسى المتقدمتين (متان) ولا يعتبر في المشي أو المسح مقدار معين بل الحد
النقاء كما يدل عليه الخبران المتقدمان وما في صحيحة الأحول من تحديد المشي بخمسة عشر ذراعا بحسب الظاهر جار مجرى الغالب من كون
هذا المقدار من المشي يوجب إزالة النجاسة لا لاعتباره بالخصوص كما يؤمى إليه قوله (ع) أو نحو ذلك وعلى تقدير ظهورها في اعتبار هذا
المقدار من حيث هو من باب التعبد يتعين صرفها عن ذلك بقرينة ما عرفت فما عن ابن الجنيد من اشتراط المشي خمسة عشر ذراعا ونحوها
ضعيف مع أن عبارته المحكية عنه قابلة للحمل على ما وجهنا به صحيحة الأحول كما يشعر بذلك ما فيها من عطف ونحوها على خمسة عشر ذراعا
ويؤيده أيضا ما في ذيل عبارته على ما ذكره في الحدائق من التصريح بالاكتفاء بالمسح وقد اشتهر نسبة القول بكفاية مطلق المسح ولو
بغير الأرض إليه مستظهرا من هذه العبارة ولعله أراد المسح بالأرض لا مطلقا بقرينة سابقه كما ذكره في الحدائق ولا يحضرني عبارته كي أتحقق
حال النسبة وكيف كان فهذا يبعد التزامه باشتراط الخصوصية في المشي من باب التعبد والله العالم ولو لم يكن للنجاسة جرم كالبول والماء
بعد الجفاف كفى مجرد المسح وحكى عن غير واحد التصريح بكفاية مطلق المماسة فان أريد به بما يتحقق به اسم المسح أو المشي فهو حسن والا فلا
يخلو عن (من) تأمل بل منع ثم إن النقاء الذي اعتبرناه حدا للتطهير انما هو إزالة العين واما الأثر الذي هو عبارة عن الرائحة واللون
ونحوهما فقد عرفت في محله عدم اعتباره في التطهير بالماء فكيف في التراب المبني امره على التسهيل مع أنه يظهر من صحيحة الأحول التي ورد
فيها التحديد بخمسة عشر ذراعا عدم اعتبار الاكثار في المشي مع أن من الواضح عدم كون هذا المقدار من المشي غالبا موجبا لإزالة
الأثر بل ربما يستظهر من هذه الصحيحة وغيرها عدم البأس بالاجزاء الصغار المتخلفة بدعوى ان الغالب بقائها في خلال شقاق
643

الرجل والخف ونحوه وعدم زوالها الا بالمشي الكثير وهو حسن ان أريد بالاجزاء الصغار مالا يصدق عليها اسم القذر عرفا والا فلا نسلم
بقائها غالبا نعم قد يتخلف مثل هذه الاجزاء في خلال الشقاق في بعض الفروض ما لم يبالغ في المسح لكن لا يصلح مثل هذه الاطلاقات
لتخصيص ما دل على نجاسة الأعيان النجسة خصوصا مع ما في صحيحة زرارة من جعل اذهاب الأثر غاية للمسح الموجب لطهارة الرجل نعم مقتضى
الجمع بين الصحيحة وبين غيرها من الأدلة حمل الأثر في الصحيحة على مثل هذه الاجزاء التي تسمى في العرف اثرا ولا يصح سلب الاسم عنها حقيقة
لامثل الرائحة واللون ونحوهما مما لا يعتبر ازالته لدى التطهير بالماء فالأظهر إناطة الحكم بالنقاء وعدم الاعتناء بالأثر المتخلف كما
هو الشأن في التطهير بالماء والاستنجاء بالأحجار ولكنك عرفت في مبحث الاستنجاء ان دائرة الأثر المعفو عنه لدى العرف عند
التنظيف بالأحجار أوسع منها لدى التطهير بالماء فحال ما نحن فيه حال المسح بالأحجار وما يظهر من بعض من الفرق بينهما والالتزام
بوجوب إزالة الأثر فيما نحن فيه وعدم وجوبها في الاستجمار ليس على ما ينبغي * (الثاني) * يعتبر في المطهر كونه أرضا بلا نقل خلاف فيه عدا
ما حكى عن ابن الجنيد من كفاية المسح بكل جسم قالع وعن نهاية الفاضل احتماله لكنك عرفت انفا قبول عبارة ابن الجنيد التي هي
بحسب الظاهر منشأ النسبة للحمل على مالا يخالف غيره وكيف كان فمستند الاشتراط اختصاص مورد أغلب الاخبار بالأرض مع ما في أكثرها
من التعليل بان الأرض يطهر بعضها بعضا فان ظاهره ان لخصوصية الأرض دخلا في المطهرية واظهر من ذلك ما في النبويين العاميين من
قصر طهور الخفين والنعلين على التراب وقد عرفت ان مقتضى الجمع بينها وبين غيرهما من الروايات حمل التراب على إرادة مطلق الأرض
فيستفاد من ذلك كله ان المطهر هو خصوص الأرض فيتقيد بذلك كله اطلاق صحيحة زرارة ورواية حفص المتقدمتين الدالتين باطلاقهما
على كفاية مطلق المسح هذا ولكن الانصاف عدم صلاحية ما عدا النبويين لصرف اطلاق الخبرين فان خصوصية مورد الاخبار لا تقتضى
الاختصاص واستفادة اعتبار الخصوصية من التعليل ليس الا من باب فحوى الخطاب القاصرة عن حد الدلالة واما النبويان فلهما
ظهور يعتد به في اعتبار الخصوصية صالح لصرف اطلاق الخبرين خصوصا بعد اعتضاده بفتوى الأصحاب وضعف سندهما مجبور بعملهم
فما هو المشهور مع موافقته للأصل والاحتياط هو الأشبه وهل يكفي المسح باجزاء الأرض مطلقا وان كانت منفصلة عنها كما لو اخذ
حجرا أو مدرا أو ترابا فمسح به رجله أو يعتبر اتصالها بها بالفعل مقتضى ظاهر أكثر الفتاوى والنصوص التي وقع فيها التعبير بالأرض هو
الثاني فان الأجزاء المنفصلة عن الأرض لا يطلق عليها اسم الأرض وعن ظاهر كاشف الغطاء وغيره الأول ويمكن توجيهه بعد البناء
على عدم صلاحية الاخبار التي وقع فيها التعبير بالأرض وانها يطهر بعضها بعضا لتقييد اطلاق الخبرين الدالين على كفاية مطلق المسح
وانحصار ما يقيدهما بالنبويين بدعوى ان مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار الدالة على كفاية مطلق الأرض انما هو تعميم التراب بحيث
يشمل سائر اجزاء الأرض لا تخصيصه بخصوص ما يسمى أرضا بالفعل و * (فيه) * تأمل خصوصا مع أن الغالب في تطهير الخفين بالتراب مسحهما به
حال اتصاله بالأرض فاعتبار الاتصال ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط * (الثالث) * هل يعتبر في الأرض المطهرة أن تكون
يابسة أم لا وعلى الثاني هل يشترط ان لا تكون ذات رطوبة سارية أم لا وعلى الثاني هل يعتبر عدم بلوغها مرتبة الوحل أم لا وجوه بل أقوال
على ما حكاها بعض نسب أولها أي اشتراط اليبوسة إلى ابن الجنيد لكن عن ظاهر الروض دعوى عدم الخلاف في عدم قادحية الرطوبة
الغير سارية فكأن ابن الجنيد أيضا لم يقصد باليبوسة الا خلوصها عن الرطوبة السارية وكيف كان فمستند الاشتراط رواية المعلى
وصحيحة الحلبي المحكية عن مستطرفات السرائر المتقدمتان الظاهرتان في اشتراط الجفاف واليبوسة ففي أوليهما قال أليس ورائه شئ
جاف قلت بلى قال فلا بأس وفى ثانيتهما أليس تمشى بعد ذلك في ارض يابسة قلت بلى قال فلا بأس وانكار دلالة الخبرين على الاشتراط
بدعوى عدم كون ذكر الجفاف واليبوسة فيهما على وجه يفيد التقييد لعدم كونه بصيغة أحد المفاهيم المعتبرة ينشأ من الغفلة عن جهات
الدلالة فان الخبرين اظهر في التعليق من القضية الشرطية بل كادا ان يكونا نصين في ذلك وقد يقال إنه يحتمل ان يكون المراد بالجاف
في الرواية الأولى ما لم يصل إليه البلل الذي يسيل من الخنزير الذي مر في الطريق لا الجفاف المقابل للرطب * (أقول) * وكذلك يحتمل ان يكون
المراد باليابسة في الرواية الثانية الأرض الخالية من نداوة البول لكن لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الاحتمالات في رفع اليد عن ظواهر
الأدلة فمقتضى القاعدة تقييد ما في سائر الأخبار من الاطلاق بهاتين الروايتين لكن المتبادر من الجفاف واليبوسة في مثل هذه الموارد
خصوصا بعد الالتفات إلى ما في سائر الأخبار من الاطلاق ومخالفة اعتبار اليبوسة الحقيقية بفتوى الأصحاب كما يظهر من بعضهم ليس
الا ما لم يكن فيه رطوبة يعتد بها أي الرطوبة السارية فالقول باعتباره هو الأظهر ومستند القول بعدم الاشتراط اطلاق سائر الأخبار
مع دعوى عدم نهوض الخبرين لتقييدها وقد تبين ضعفه * (الرابع) * هل يعتبر في مطهرية الأرض كونها طاهرة * (قولان) * أظهرهما الأول
فان المتبادر من قوله (ع) الأرض يطهر بعضها وبعضا وكذا من سائر الروايات بواسطة المناسبة المغروسة في الذهن من اشتراط كون
644

المطهر طاهرا انما هو إرادة الأرض الطاهرة وربما يستدل له أيضا بقوله في صحيحة الأحول الرجل يطأ في الموضع الذي ليس بنظيف ثم
يطأ بعده مكانا نظيفا قال لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا فان ضمير كان يعود إلى ما فرضه السائل فيستفاد منه اشتراط الخصوصية
وفيه ان عود الضمير إلى ما كان مفروضا في السؤال لا يقتضى كون الخصوصية المفروضة من مقومات موضوع الحكم فهذه الرواية
لا تصلح أن تكون مقيدة لغيرها من الروايات واضعف من ذلك ما في الحدائق من الاستدلال له بقوله صلى الله عليه وآله في الأخبار الكثيرة جعلت
لي الأرض مسجدا وطهورا نظرا إلى أن الطهور لغة هو الطاهر المطهر وهو أعم من أن يكون مطهرا من الحدث والخبث وفيه بعد
تسليم العموم انه لا يستفاد من هذه الروايات الا ان الله [تع] جعل الأرض في حد ذاتها كالماء طهورا وهذا لا يدل على ارتفاع
وصف مطهريتها عند عروض صفة النجاسة لها بأسباب خارجية ولو قيل إن الجعل انما تعلق بالأرض الطاهرة لا بذات الأرض لأن
طهارتها من حيث الذات كانت متحققة قبل الشريعة فجعلت للنبي صلى الله عليه وآله طهورا بان أعطيت مرتبة الكمال من الطهارة التي يعبر عنها
بصيغة المبالغة وهى الطهارة المسرية إلى الغير وتفسير الطهور بالظاهر المطهر بحسب الظاهر انما هو بهذه الملاحظة لا ان اللفظ مستعمل
في المعنى المركب كما تقدمت الإشارة إليه في صدر الكتاب فيختص مورد الجعل بالأرض الطاهرة إذ لا معنى لتشديد طهارة ما ليس بطاهر قلنا
على هذا التقدير أيضا متعلق الجعل بحسب الظاهر هو ذات الأرض التي هي طاهرة بالذات لا الأرض المقيدة بكونها طاهرة بالفعل في
قضية طبيعية نظير أحل الله الغنم لا تدل على أنها (السارية) بعد عروض وصف النجاسة الموجب لارتفاع وصف طهوريتها لا تطهر شيئا حتى يخصص
بها غيرها من الأدلة المطلقة ولو سلم ظهورها في تعلق الجعل بالأرض الطاهرة بالفعل فهو أيضا غير مجد لاثبات المدعى لأنه لا ينفى
مطهرية غيرها إذ لا اعتداد بمفهوم اللقب الا ان يقال إن ورودها في مقام الامتنان يجعلها ظاهرة في الانحصار وفيه تأمل كما أن
في جميع مقدماته نظرا أو منعا * (تنبيه) * لما أهمل المصنف ره حكم ماء المطر عند البحث عن احكام المياه مع أن له حكما خاصا وهو ان
قطراته النازلة من السماء مع كونها مياه قليلة منفصلة بعضها عن بعض متقوم بعضها ببعض ومعتصمة بوصفها العنواني كالماء
الجاري المعتصم بمادته بلا خلاف فيه فالجملة كما يشهد له النصوص الآتية نبه عليه في المقام لأدنى مناسبة وقال ماء الغيث لا ينجس في
حال وقوعه * (أقول) * بل يطهر كل ما يصيبه على تقدير قابلية المحل كما تقدمت الإشارة إليه عند التعرض لكيفية تطهير الثوب ونحوه
ويشهد له مرسلة الكاهلي عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت امر في الطريق فيسيل على الميزاب في أوقات اعلم أن الناس يتوضأون
قال قال لا بأس لا تسئل عنه قلت ويسيل على من ماء المطر أرى فيه التغير وارى فيه آثار القذر فتقطر القطرات على وينتضح على
والبيت يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا قال مابذا بأس لا تغسله كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر والمراد من التغير بحسب الظاهر هو
التغير الناشئ من جريان الماء على الأرض المشتملة على القذر لا تغيره بخصوص لون القذر أو طعمه أو ريحه المانع من قبوله للتطهير نصا
واجماعا إذ ليس القذر مسبوقا بالذكر في السؤال فقوله وارى فيه اثار القذر من قبيل عطف الخاص على العام أريد بها العلائم الكاشفة عن
ملاقاة النجس فالمقصود بالفقرتين على الظاهر هو السؤال عن الماء الذي استكشف بالامارات كونه بعينه هو الماء الملاقى للنجس ولو فرض ظهورهما
في إرادة ما يعم التغيير بأوصاف عين النجس لوجب صرفهما عن ذلك بقرينة ما عرفت وكيف كان فما في ذيل الرواية شاهد على المدعى بعمومه
ويدل عليه أيضا في الجملة رواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السماء فتقطر على القطرة قال ليس به
بأس وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) في السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب فقال لا بأس به ما اصابه من الماء
أكثر منه وما يظهر من هذه الصحيحة من إناطة طهارة السطح بأكثرية الماء ليس منافيا لاطلاق المرسلة لأن قابلية المحل للطهارة شرط
عقلي في طهارة ما يراه ماء المطر ولذا لا يفهم أحد من المرسلة طهارة عين النجس بإصابة المطر فكذلك المتنجس ما دامت العين باقية فاستهلاك
القذر أو ازالته مما لا بد منه ولا يتحقق الاستهلاك في شئ من المتنجسات المشتملة على العين حتى البول الذي هو ماء الا على تقدير أكثرية
الماء وقاهريته ومقتضى إناطة الحكم بالأكثرية كفاية مطلق الإصابة في تطهير المتنجسات الخالية من العين كما يدل عليه المرسلة ويدل عليه
أيضا مرسلة محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن (ع) في طين المطر انه لا بأس به ان يصيب الثوب ثلاثة أيام الا ان يعلم أنه قد نجسه
شئ بعد المطر فان اصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله وان كان الطريق نظيفا لم تغسله وكذا لا ينجس بعد وقوعه واستقراره في المكان ما دام
معتصما ولو من بعض نواحيه بالقطرات النازلة من السماء بل ولا حال جريانه من ميزاب وشبهه ودخوله في الأماكن المختلفة السطوح
التي لا ينزل عليه فيها ماء المطر لكن بشرط اتصاله بأصله المعتصم بالقطرات النازلة من السماء فإنه [ح] بمنزلة الماء الجاري المعتصم بمادته
لا ينجسه شئ الا ان تغيره النجاسة بلا خلاف فيه على الظاهر بل اجماعا كما ادعاه بعض ويدل عليه مضافا إلى ذلك صحيحة هشام بن الحكم
عن الصادق عليه السلام في ميزابين سالا أحدهما بول والاخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضره والظاهر أن اطلاق الجواب
645

جار مجرى الغالب من أكثرية الماء الموجبة لاستهلاك البول وكون جريان الماء حال نزول المطر لابعد انقطاعه ورواية علي بن جعفر المروية
عن كتابه عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن المطر يجرى في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أيصلي فيه قبل ان يغسل قال إذا جرى فيه المطر
فلا بأس والظاهر أن الغرض من الاشتراط الاحتراز عما لو أصاب الثوب بعد انقطاع المطر فان حاله بعد وقوف المطر حال ساير المياه
القليلة الملاقية للعذرة بلا خلاف فيه بل عن بعض دعوى الاجماع عليه فالمراد بجريان المطر المعلق عليه نفى البأس اما تقاطره السماء
في مقابل وقوفه أو جريانه الفعلي الذي هو ملزوم غالبي لكونه في حال التقاطر وكيف كان فهذه الرواية أيضا كادت تكون صريحة في
المدعى أي في كون ماء المطر الجاري على الأرض بمنزلة الماء الجاري في الاعتصام وكون بعضه مطهرا للبعض ويدل عليه أيضا صحيحة علي بن
جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر أيؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة
فقال إذا جرى فلا بأس به قال وسئلته عن الرجل يمر في ماء المطر وقد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلى فيه قبل ان يغسله فقال لا تغسل
ثوبه ولا رجله ويصلى فيه ولا بأس به فان ما اجابه ثانيا صريح في اعتصام ماء المطر المجتمع في الأرض وعدم انفعاله بالخمر المنصب عليه
وترك التقييد بكون الصب قبل انقطاع التقاطر مع كونه شرطا لعله لاستفادته من تعليق نفى البأس على الجريان في الجواب عن
سؤاله الأول بالتقريب الذي عرفته انفا من أن المراد بجريان المطر اما تقاطره من السماء في مقابل وقوفه أو جريانه الفعلي الذي هو
ملزوم عادى لكونه في حال التقاطر فأريد بالاشتراط التنبيه على شرطية التقاطر لكن قد يشكل ذلك فيما هو مفروض السائل بان السطح
الذي يبال عليه ويغتسل فيه من الجنابة يطهر بإصابة المطر له كما نطق به المستفيضة المتقدمة التي منها صحيحة هشام بن سالم الدالة على إناطة
طهارة السطح الذي يبال عليه بأكثرية الماء من البول فان من المعلوم حصول هذا المناط قبل وصول المطر حدا يمكن الاخذ من مائه فيبقى
مائه المجتمع على ظهره أو الجاري منه من ميزاب ونحوه على طهارته فلا مقتضى لاشتراط فعلية الجريان في جواز الاخذ منه الا ان يكون
قول السائل البيت يبال على ظهره [الخ] كناية عن كون ظهره معدا لقضاء الحاجة فلم يقصد بالبول خصوصه حتى لا يبقى عينه بعد إصابة
المطر الغزير الذي يمكن الاخذ من مائه للوضوء بل أعم منه ومن العذرة التي تبقى عينها بعد انقطاع المطر فيتجه [ح] اعتبار بقاء التقاطر
في جواز الاخذ من مائه ويحتمل بعيدا ان يكون المقصود بالفقرة الأولى هو الاخذ من ماء المطر بعد الانقطاع فيكون المقصود
بالشرطية الاحتراز عن الماء المجتمع على السطح حيث لا ينفك غالبا في مفروض السائل عن ملاقاة النجس فالمراد بقوله (ع) إذا جرى
انه إذا تحقق له الجريان من ميزاب ونحوه بحيث انفصل الماء عن ذلك المكان القذر فلا بأس في مقابل ما لو بقي في ذلك المكان ويحتمل
أيضا ان يكون المراد بالاشتراط بيان ما هو مناط الحكم بان يكون المقصود انه إذا تحقق الجريان لماء المطر فلا بأس به وما لم يتحقق له
هذه الصفة فهو ماء قليل لاقي نجسا فينجس فعلى هذا تنهض الرواية دليلا للقول المحكى عن الشيخ الذي ستسمعه وهذا الاحتمال وان
كان قريبا في حد ذاته بل هو أقرب الاحتمالات المتطرقة في الرواية بالنظر إلى نفسها مع قطع النظر عن سائر الأخبار واما بملاحظتها وفلابد
من حملها على سائر المحامل أورد علمها إلى أهله فان ظاهر قوله إذا جرى إرادة الجريان الفعلي واختصاص الطهارة بالماء الذي حصل
له صفة الجريان بالفعل وهذا مما ينافيه سائر الأخبار حتى ما رواه علي بن جعفر (ع) عنه في ذيل هذه الرواية من نفى البأس عن ماء المطر الذي
صب فيه الخمر ولذا حملها بعض المتأخرين على الجريان التقديري أي بلوغ المطر حدا يكون من شأنه الجريان في الأماكن المعتدلة جمعا بينها وبين
سائر الروايات وفيه مع أنه ليس بأولى من حملها على بعض المحامل الاخر التي منها حملها على اعتبار الجريان في خصوص المورد لخصوصيته فيه
ككونه مما لو استقر المطر فيه أو لم يبلغ من الكثرة حدا يجرى لتغير بمجاورته كما يشعر بذلك ظهور السؤال في كون السطح معدا لتوارد النجاسات
عليه فمثل هذا السطح لا يطهر عادة الا بالمطر الغريز الذي يجرى أو لا يعتصم مائه عن التغير والانفعال الا على هذا التقدير أو غير ذلك
من المحامل التي تقدمت الإشارة إليها ان هذا الحمل لا يجدي في رفع التنافي بين هذه الصحيحة وبين صحيحة هشام بن سالم الدالة على
إناطة طهارة الماء بأكثريته من البول ضرورة ان البول الكائن على السطح اما مجرد الأثر أو ما هو بمنزلته بحيث لا يكون إصابة اضعافه
من المطر موجبا لجريانه خصوصا إذا كان المطر ناعما فما عن ظاهر ابن حمزة من اشتراط اعتصام ماء المطر وكونه كالماء الجاري بجريانه
بالفعل ضعيف واضعف منه ما عن ظاهر الشيخ وابن سعيد من اشتراط جريانه من الميزاب لكن الذي يغلب على الظن ان غرضهم التنبيه
على الفرع الذي نبهنا عليه من أن الماء الجاري من الميزاب ونحوه ما دام معتصما بالقطرات النازلة من السماء بحكم الماء الجاري لا انه يعتبر
في مطهرية ماء المطر الجريان مطلقا أو من خصوص الميزاب كما نسب إلى ظاهر الأخيرين فلابد في تحقيق حال النسبة من مراجعة كتبهم
إذا الظاهر أنه قد حصل الخلط بين المبحثين ولم يحضرني كتبهم حتى أراجعها والعبارة المحكية عن ابن حمزة ليس فيها اشعار بالاشتراط
فإنه قال على ما حكى عنه وحكم الماء الجاري من المشعب من ماء المطر كذلك أي كالجاري والمشعب كما في المجمع الطريق وهذه العبارة
646

كما تريها عين ما نبهنا عليه ولا منافاة بينها وبين مطهرية ماء المطر حال نزوله على الاطلاق * (نعم) * ربما يستشعر ذلك من العبارة المحكية
عن الشيخ لكن لا على وجه يصح الاستناد إليه قال في التهذيب والاستبصار على ما حكاه في المدارك ماء المطر إذا جرى من الميزاب فحكمه
حكم الجاري مستشهدا عليه بخبر هشام بن الحكم المتقدم الوارد في ميزابين سالا أحدهما بول اه واما عبارة ابن سعيد فلم اظفر
بنقلها تفصيلا فيما حضرني من الكتب وكيف كان فان أرادوا بقولهم ما بيناه فنعم الوفاق والا فقد تبين ضعفه بما لا مزيد عليه
ويتلوه في الضعف ما عن المحقق الأردبيلي من اشتراط الجريان التقديري كما تقدمت الإشارة إلى وجهه مع ما فيه من النظر انفا وربما يستدل
للقول باشتراط الجريان مضافا إلى الاخبار التي تقدمت الإشارة إليها والى توجيهها بخبر علي بن جعفر المروى عن كتابه عن أخيه موسى عليه السلام
قال سئلته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فكيف فيصيب الثياب أيصلي فيه قبل ان يغسل قال إذا جرى من ماء المطر فلا بأس
وفيه مالا يخفى فان الشرطية بحسب الظاهر مسوقة لبيان اشتراط كون ما يكف على الثياب من ماء المطر لامن ماء الكنيف فتلخص من جميع
ما ذكرناه ان الأقوى ما هو المشهور من أن ماء المطر لا ينجس حال نزوله مطلقا بل يطهر كل ما يلاقيه بشرط قابلية المحل كالماء الجاري لكن
نسب إلى المشهور انهم اعتبروا فيه الكثرة والقوة في الجملة احترازا عما لو تقاطرت قطرات يسيرة خلافا لما حكاه في الروض على ما نقل منه عن
بعض من القول بمطهرية القطرات اليسيرة ومستنده اطلاق مرسلة الكاهلي وغيرها من الأدلة المتقدمة الدالة على سببية إصابة المطر
للطهارة ومستند ما نسب إلى المشهور من اشتراط الغزارة والكثرة في الجملة منع صدق اسم المطر عرفا على القطرات اليسيرة وفيه تأمل وكيف
كان فمرجع الخلاف في اعتبار هذا الشرط وعدمه بحسب الظاهر هو النزاع في الصغرى والمتبع فيه حكم العرف فمتى صدق عليه اسم المطر عرفا
لحقه حكمه والله العالم والماء القليل الذي يغسل به النجاسة نجس سواء كان في الغسلة الأولى أو الثانية فيما يحتاج إلى التعدد وسواء كان
متلونا بالنجاسة أو لم يكن وسواء بقي على المغسول عين النجاسة أو نقى وكذلك القول في الإناء على الأظهر كما تقدم الكلام فيه مفصلا في مبحث
الغسالة وتبين فيما تقدم ضعف القول بطهارتها مطلقا أوفى خصوص الغسلة المطهرة أو التفصيل بين الإناء وغيره فلا نطيل بالإعادة لكن
مقتضى ما نفينا عنه البعد عند التكلم في كون المتنجس منجسا من منعه بالنسبة إلى المتنجسات الجامدة الخالية من عين النجاسة هو التفصيل بين
غسالة النجاسات الحكمية المحضة وبين غيرها فلو غسل ثوب متنجس بالبول بعد جفافه وزوال العين لا تنجس غسالته [مط] ولو كان قبله نجست
من غير فرق بين الغسلتين اما في الأولى فلأنها ماء قليل لاقى نجسا فينجس وفى الثانية فلملاقاتها للرطوبة المتخلفة من الغسلة الأولى التي هي
كعين النجس في كونها منجسة لما يلاقيها نعم لو حصلت الغسلة الثانية بعد جفاف المحل وخلوصه من عين النجاسة وما بحكمها من الرطوبة المتنجسة
اتجه [ح] طهارتها بناء على انكار السراية والله العالم وقيل في الذنوب بفتح الذال وهو كما في مجمع البحرين في الأصل الدلو العظيم ولا يقال
لها ذنوب الا وفيها ماء إذا القى على نجاسة على الأرض تطهر الأرض مع بقائه على الطهارة بل في مطلق الماء القليل الملقى على الأرض النجسة و
القائل بذلك الشيخ في محكى الخلاف قال في المدارك ناقلا عبارة الخلاف إذا بال على موضع من الأرض فتطهيرها ان يصب الماء عليه حتى يكاثره و
يغمره فيزيل لونه وطعمه وريحه فإذا زال حكمنا بطهارة المحل وطهارة الماء الوارد عليه ولا يحتاج إلى نقل التراب ولاقطع المكان ثم قال دليلنا
قوله [تع] ما جعل عليكم في الدين من حرج ونقل التراب إلى موضع اخر يشق وروى أبو هريرة قال دخل اعرابي المسجد فقال اللهم ارحمني ومحمدا صلى الله عليه وآله
ولا ترحم معنا أحدا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله عجزت واسعا قال فما لبث ان بال في ناحية المسجد وكأنهم عجلوا إليه فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله ثم امر بذنوب من
ماء فاهريق ثم قال اعلموا ويسروا ولا تعسروا قال الشيخ ره والنبي صلى الله عليه وآله لا يأمر بطهارة المسجد بما يزيده تنجسا فلزم ان يكون الماء أيضا على طهارته
واستشكل المصنف في المعتبر بضعف الخبر ومنافاته الأصل لأن الماء المنفصل عن محل النجاسة نجس تغير أو لم يتغير * (انتهى) * ولا يخفى عليك
ان أدلة نفى الحرج على تقدير تحقق موضوعها لا تقتضي الا العفو عن نجاسة المسجد لا طهارته بصب الماء عليه واما الرواية فهي مع ضعف سندها
لا تنهض حجة لاثبات حكم مخالف للقواعد لكونها اخبارا عن قضية في واقعة مجملة الوجه فلعل المكان الذي امر النبي صلى الله عليه وآله بصب الماء عليه مما ينحدر
عنه غسالته إلى خارج المسجد أو في بالوعة ونحوها أو كان رملا يطهر ظاهره باجراء الماء عليه ولم يكن الواجب الا تطهير ظاهر المسجد أو كان الامر
بالصب لتوفير البلة واستهلاك العين لأن تجففها الشمس إلى غير ذلك من المحتملات فالأظهر انه لافرق بين الأرض وبين غيرها مما شابهها
من الأشياء الغير القابلة للعصر في كيفية التطهير ولابين غسالتها وغسالة ساير الأشياء فان كانت الأرض رخوة يرسب الماء فيها ولا تنفصل
غسالتها عنها أشكل تطهيرها بالماء القليل كما عرفته عند البحث عن احكام النجاسات وكيفية تطهير المتنجسات الغير القابلة للعصر والله العالم
القول في كيفية تطهير الأواني وقد جرت عادة الفقهاء رضوان الله عليهم على التعرض لما يتعلق بالانية من حيث الحرمة والكراهة في هذا المبحث
استطرادا فنقتفي تبعا للمصنف أثرهم ونقول لا يجوز الأكل والشرب في انية من ذهب أو فضة بلا خلاف فيه على الظاهر عندنا بل في الجواهر
اجماعا منا وعن كل من يحفظ عنه العلم عدا داود فحرم الشرب خاصة محصلا ومنقولا مستفيضا ان لم يكن متواترا انتهى وعن جماعة
647

من الأصحاب التصريح باتفاق على حرمة الأكل والشرب فيها لكن في الوسائل حكى عن الأصحاب انهم نقلوا القول بعدم الحرمة من جمع من العامة
ولذا احتمل جرى بعض الأخبار الآتية التي وقع فيها التعبير بالكراهة مجرى التقية وكيف كان فالظاهر كما صرح به غير واحد عدم الخلاف فيه
بيننا بل عن ظاهر جماعة من الأصحاب أو صريحهم دعوى الاجماع على أنه لا يجوز استعمالها مطلقا ولو في غير ذلك مما لا يندرج في الأكل والشرب
الا انه حكى عن الشيخ في الخلاف أنه قال يكره استعمال أواني الذهب والفضة وكذا المفضض منها وظاهره إرادة الكراهة المصطلحة
لكن عن جماعة من المتأخرين التصريح بان مراده الحرمة ويؤيده ما حكى عنه في زكاة الخلاف من التصريح بالحرمة وكيف كان فمستند الحكم
اخبار مستفيضة من طرق الخاصة والعامة فعن الجمهور انهم رووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا تشربوا في انية الذهب والفضة ولا تأكلوا
في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة وربما يستشعر من التعليل الواقع في هذا الخبر ان المراد بالنهي المنع من مطلق استعمالها
وكون تخصيص الأكل والشرب بالذكر لعموم الابتلاء بهما كما يؤيد ذلك تخصيص الشرب بالأواني والاكل بالصحاف مع أن الخصوصية بالنسبة
إليها غير مقصودة بلا شبهة والتخصيص جار مجرى التعارف فليتأمل وعن علي (ع) أنه قال الذي يشرب في انية الذهب والفضة انما يجرجر
في بطنه نارا ومن طريق الخاصة صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سئلت أبا الحسن الرضا (ع) عن انية الذهب والفضة فكرههما فقلت قد روى
بعض أصحابنا انه كان لأبي الحسن (ع) مرأة ملبسة فضة لا والله انما كانت لها حلقة من فضة وهى عندي ثم قال إن العباس حين عذر
عمل له قضيب ملبس من فضة من نحو ما يعمل الصبيان تكون فضته نحوا من عشرة دراهم فامر به أبو الحسن (ع) فكسر في الحدائق العذر بالعين المهملة
ثم الذال المعجمة بمعنى الاختتان وحسنة الحلبي أو صحيحته عن أبي عبد الله (ع) قال لا تأكل في انية من فضة ولا في انية مفضضة وعن داود بن
سرحان عن أبي عبد الله (ع) قال لا تأكل في انية الذهب والفضة وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) انه نهى عن انية الذهب والفضة وعن موسى بن
بكير عن أبي الحسن (ع) قال انية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون وعن الفقيه روايته مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله ورواية محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (ع) قال لا تأكل من انية الذهب والفضة وموثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا ينبغي الشرب عن انية الذهب والفضة
ورواية يونس بن يعقوب عن أخيه يوسف قال كنت مع أبي عبد الله (ع) في الحجر فاستسقى ماء فاتى بقدح من صفر فقال رجل ان عباد بن كثير يكره
الشرب في الصفر فقال لا بأس وقال (ع) للرجل الا سألته اذهب هو أم فضة وخبر حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن ابائه عليهم السلام في حديث المناهى
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الشرب في انية الذهب والفضة ورواية قرب الإسناد عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله
نهاهم عن سبع منها الشرب في انية الذهب والفضة والمروى عن الكافي في الموثق عن ثعلبة بن ميمون عن يزيد عن أبي عبد الله (ع) انه كره
الشرب في الفضة وفى القدح المفضض وكذلك ان يدهن في مدهن مفضض والمشطة كذلك وعن الصدوق باسناده عن ثعلبة مثله و
زاد فإن لم يجد بدا من الشرب في القدح المفضض عدل بفمه عن مواضع الفضة في الحدائق وهذه الزيادة محتملة لأن تكون من كلامه أو من
أصل الخبر هذه جملة ما وصل الينا من الأخبار الواردة في الباب وهى بأسرها تدل على مرجوحية استعمال انية الذهب والفضة في الجملة اما
بالنسبة إلى الأكل والشرب فهي نص فيهما وبالنسبة إلى ما عداهما من الاستعمالات فبعضها تدل عليه بالاطلاق وقد يدل عليه أيضا بعضها
بالنصوصية كما سنشير إليه وهذه الأخبار ما بين ما وقع فيه التعبير بصيغة النهى أو لفظ النهى أو التعبير بلفظ الكراهة وفى بعضها التعبير بلفظ
لا ينبغي اما الطائفة الأولى فظاهرها الحرمة واما الطائفة الثانية وهى ما ورد فيها التعبير بلفظ الكراهة فلا ظهور لها الا في المرجوحية المطلقة
الغير المنافية للحرمة أو الكراهة فان الكراهة المستعملة في كلمات الأئمة عليهم السلام بحسب الظاهر ليست مستعملة الا في معناها اللغوي والعرفي
لا الكراهة المصطلحة عند المتشرعة وهى بمقتضى معناها العرفي تجامع الحرمة أو الكراهة فلا منافاة بين هذه الأخبار وبين الأخبار الدالة
بظاهرها على الحرمة كما قد يتوهم واما ما وقع فيه التعبير بلفظ لا ينبغي وهو موثقة سماعة فظاهرة الكراهة فان لفظة لا ينبغي وان جاز استعمالها
على سبيل الحقيقة في المحرمات لكن الشايع المتعارف استعمالها في الأمور الغير المناسبة لا المحرمة فلها ظهور عرفى في الكراهة كما أن رواية
موسى بن بكير مشعرة بها أو ظاهرة فيها لكن لاعلى وجه يصلح لصرف الأخبار الدالة على الحرمة عن ظاهرها خصوصا مع استفاضة تلك الأخبار
واعتضاد بعضها ببعض وقوة ظهور بعضها في الحرمة كالعامي المروى عن علي عليه السلام وهو وان كان عاميا لكنه لمعروفيته عند
الأصحاب واشتهار مضمونه بين الخاصة والعامة ليس موقع ريبة فلا بأس بالعمل بمثلها هذا مع أن عداها فيما غنى وكفاية ولو سلم صلاحية
الخبر الظاهر في الكراهة في حد ذاته لصرف الأخبار الدالة على الحرمة عن ظاهرها فلا ينبغي الالتفات إلى ظاهره بعد مخالفته لفتوى الأصحاب
واجماعهم فلا اشكال في أصل الحكم لكن مورد جل الاخبار الظاهرة في الحرمة خصوص الأكل والشرب بل ربما يظهر من بعض الأخبار اختصاصه
باناء الشرب كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن المرأة هل يصلح امساكها إذا كان لها حلقة فضة قال نعم انما يكره استعمال
ما يشرب به وعن قرب الإسناد روايتها مثلها الا أنه قال وسئلته عن المرأة هل يصلح العمل بها إذا كان لها حلقة فضة قال نعم انما كره
648

ما يشرب فيه استعماله لكنه لابد من تأويلها بعد مخالفته ظاهرها لفتوى الأصحاب وللاخبار الناهية عن الاكل يجعل الحصر إضافيا أريد به الاحتراز
عما ليس بانية كالمرأة ونحوها ويحتمل ان يكون قوله (ع) ما يشرب به كناية عن مطلق الانية حيث إن من شأنها غالبا ان تستعمل في الشرب كما أنه يحتمل
أيضا بل لعله الظاهر من الرواية إرادة الإناء المفضض لا الفضة وكيف كان فما يصلح الاستناد إليه التعميم الحكم بالنسبة إلى ساير الاستعمالات
بعد الاجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة وعدم نقل الخلاف في المسألة ليس الا خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه فهي عن انية الذهب
والفضة الدال باطلاقه على النهى عنها مطلقا في ساير استعمالاتها واما ما عداه من الروايات وان كان بعضها نصا في إرادة سائر
الاستعمالات كصحيحة محمد بن إسماعيل التي ورد فيها قضية المرأة لكنها لا تدل على الحرمة لما أشرنا إليه من أن الاخبار المتضمنة للفظ
الكراهة لا تدل الاعلى مطلق المرجوحية الصادقة على الحرمة والكراهة وما يقال من أن مبالغة الإمام (ع) في تنزيه فعل أبي أحسن (ع)
عن امساك المرأة الملبسة بالفضة قرنية على إرادة الحرمة من الكراهة ففيه مالا يخفى خصوصا مع أن المرأة بحسب الظاهر غير مندرجة
في موضوع الانية وان أوهمه كلام السائل وجواب الإمام (ع) كما يشهد بذلك العرف واللغة بل صحيحة علي بن جعفر المتقدمة على بعض
محتملاتها فالظاهر أن منشأ ما ذكره السائل من نقل رواية المرأة مجرد المناسبة بينها وبين الانية أو انه فهم لبعض المناسبات
ان المراد بالانية التي كرها الإمام (ع) ما يعم مثلها لا خصوص مسماها عرفا كما يشهد لذلك نقل الإمام (ع) لقضية العباس وامر أبي
الحسن عليه السلام بكسر القضيب مع أن القضيب ليس من الانية بلا شبهة فالمراد بالكراهة الشاملة لمثل هذه الأمور ليس الا مطلق المرجوحية
والحاصل انه لا يستفاد من الروايات التي ورد فيها التعبير بالكراهة أزيد من المرجوحية وثبوت حرمة بعض الاستعمالات كالأكل
والشرب بدليل خارجي لا يصلح دليلا الحمل الكراهة في هذه الروايات على خصوص الحرمة بل الانصاف انه لولا اعتضاد اطلاق خبر
محمد بن مسلم بالفتاوى لاشكل استفادة الاطلاق منه أيضا لكونه اخبار اجماليا عن نهى صادر عن الإمام (ع) متعلق بالانية لم يعرف
صورته حتى يؤخذ بظاهره وليس لعبارة ابن مسلم ظهور يعتد به في كون متعلق النهى الصادر عنه (ع) مطلق استعمالها وان اقتضاه
حذف المتعلق وإضافة النهى إلى نفس الانية لكن الاعتماد عليه لا يخلو عن من اشكال فعمدة المستند في التعميم هو الاجماع ومن هنا
قد يقوى في النظر جواز اقتنائها إذ لا اجماع على المنع منه فان فيه قولان كما ستعرف بل ربما يستشعر من الأخبار الناهية عن الأكل والشرب
عدم حرمة الاقتناء بل وكذا التزيين بها فإنه لا يعد استعمالا لها عرفا ولو قيل بان التزيين أيضا نحو من استعمالها قلنا
كلمات المجمعين منصرفة عن هذا النحو من الاستعمال * (نعم) * لا ينبغي التأمل في كراهته بل وكراهة الاقتناء أيضا لقوله (ع) في خبر موسى بن
بكير انية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون وفى امر الإمام (ع) بكسر القضيب في صحيحة محمد بن إسماعيل أيضا شهادة عليها والله العالم
* (تنبيه) * مقتضى ظاهر النصوص المستفيضة الناهية عن الأكل والشرب في انية الذهب والفضة كظاهر المتن وغيره وصريح بعض
متأخري المتأخرين حرمة نفس الفعلين من حيث ذاتهما فايصال ما في الانية إلى الجوف على وجه صدق عليه عرفا الأكل والشرب في الانية بان
يكون بمباشرة الفم للآنية كما هو الغالب في الشرب أو بالية اليد وما جرى مجريها من الوسائط الغير المنافية للصدق العرفي محرم وان لم يكن
نفس الايصال الذي به يتحقق مفهوم الأكل والشرب إذ لوحظ من حيث هو استعمالا للآنية إذ المدار بمقتضى هذه الأخبار على صدق
الأكل والشرب في الانية سواء صدق عليهما استعمال الانية أم لا غاية الأمر ان حصول العنوان المحرم الذي هو عبارة عن الاكل أو
الشرب في الانية كما في معظم الاخبار أو من الانية كما في بعضها ملزوم لتحقق الاستعمال اما لكونه من مقدمات وجوده أو من مقومات
مهيته فلو لم يكن لنا دليل دال على حرمة استعمال انية الذهب والفضة عد الأخبار الناهية عن الأكل والشرب فيها لكنا نلتزم بإباحة
سائر الاستعمالات حتى المضمضة والاستنشاق بل كنا يقول لو تناول الشئ من الانية ووضعه في فمه بقصد الاكل فمنعه مانع من
الازدراد لم يصدر منه عنه الا التجري وانما التزمنا بحرمتها للاجماع وغيره مما دل على حرمة استعمالها مطلقا والحاصل ان مقتضى
ظواهر النصوص حرمة نفس الأكل والشرب لا مجرد التناول من الإناء كما ذهب إليه جماعة من الأصحاب على ما فهمه منهم صاحب الحدائق
بل ربما نسبه غير واحد إلى ظاهر المشهور ولكنك ستعرف ما في هذه النسبة من النظر وقد حكى عن المفيد القول بحرمة ذات المأكول والمشروب
ما داما في انية الذهب والفضة ومالي ما قويناه لأن إضافة الحرمة إلى الذوات انما هي بلحاظ الفعل المتعلق بها فالمراد بخرقه المأكول
ما دام في الانية ليس الا حرمة اكله فيها فالاعتراض عليه بان النهى عن الاكل لا يتعدى إلى المأكول ليس على ما ينبغي واضعف من
ذلك المناقشة في الاستدلال لمذهبه بحديث يجرجر في بطنه نارا بان الحقيقة غير مرادة والمتبادر من المعنى المجازى كون ذلك سببا في دخول
النار في بطنه وهو لا يستلزم تحريم نفس المأكول والمشروب ضرورة ان المتبادر منه كون الاكل بنفسه سببا لجريرة النار في البطن لا
مقدمته التي هي أجنبية عن البطن فالمتبادر إلى الذهن من التشبيه ليس الا حرمة المأكول التي مالها إلى حرمة الاكل كما أن هذا هو المتبادر
649

من الأخبار الناهية فهذا هو الأقوى بل لا يبعد الالتزام بذلك مع قطع النظر عن النواهي المتعلقة بهما بالخصوص وتسليم ان المحرم ليس الا
استعمال انية النقدين بدعوى صدق استعمال الانية على الأكل والشرب فيها عند ملاحظة الفعلين على سبيل الاجمال إذ ليس حكم العرف
بكون الاكل في الانية استعمالا لها مبنيا على التدقيقات العقلية فعلى هذا يتجه حرمة سائر الانتقاعات التي هي من قبيل الأكل والشرب
في الانية مما يعد بنظر العرف استعمالا لها وان كان بالتدقيق العقلي خارجا من موضوعه وقد بنى على ذلك غير واحد من متأخري المتأخرين
فحكم ببطلان الوضوء فيها ولو بالاغتراف منها شيئا فشيئا بدعوى كونه استعمالا للآنية فيتحد مع المحرم فلا يصح خلافا لما حكى عن المشهور
من حكمهم بصحة الوضوء في الفرض مستدلين عليه بان المحرم انما هو اخذ الماء من الانية وهو خارج من مهية الوضوء وما تقدمت الإشارة
إليه من نسبة القول بعدم حرمة نفس الأكل والشرب إلى المشهور نشأ من ذلك حيث استظهر من حكمهم بصحة الوضوء واستدلالهم عليه
بان المحرم ليس الا اخذ الماء من الإناء الذي هومن مقدمات وجوده التزامهم بمثله في الأكل والشرب لعدم الفرق بين الأمثلة
لدى التحقيق ولكن ظهر بما تقدم ان الاستظهار في غير محله لامكان التفصيل بين الأكل والشرب وبين الوضوء ونحوه بالالتزام بحرمة
الأولين دون غيرهما الا مع اتحاده مع الاستعمال للآنية حقيقة لا مسامحة واتصاف مثل هذه الأفعال التي لا تتحقق مهيتها الا
بعد تناول الشئ من الانية بكونها استعمالا للآنية ليس الا من باب التوسعة والمسامحة العرفية والا نفس هذه الأفعال لو لوحظت بنفسها
لا تتصف عرفا بكونها استعمالا لها لكن الأخبار المستفيضة دلت على حرمة الأكل والشرب فنلتزم بها واما الوضوء ونحوه فلم يتعلق به
بعنوانه الخاص نهى شرعي وانما دل الدليل على حرمة استعمال الانية فما لم يتحقق الاستعمال بنفس الوضوء من حيث هو لا يحرم فما عن المشهور من الحكم
بصحة الوضوء لا يخلو عن من قوة ما لم يكن الانية من المقدمات المنحصرة المانعة من تنجز التكليف وكان الوضوء بالاعتراف منها لا بالارتماس
فيها وعن كاشف اللثام التصريح بصحته في صورة الارتماس أيضا وهو ضعيف لاتحاده [ح] في الوجود مع الاستعمال المحرم فلا يصح والمرجع
في تشخيص الإناء والآنية والأواني هو العرف كما عن جماعة التصريح بذلك وعن جل اللغويين ايكال معرفة الإناء إلى العرف فلم يذكروا في
تفسيره الا انه معروف عدا انه حكى عن مصباح المنير أنه قال الإناء والآنية كالوعاء والأوعية لفظا ومعنى وهو مما لا يساعد عليه العرف إذ الظاهر
عدم ترادف الوعاء والإناء عرفا وقد ذكر بعض ان الظاهر أن ما في المصباح تفسير بالأعم لأن الإناء وعاء خاص لا مطلقه * (أقول) * ولعله
تفسير بالمبائن فان تسمية الإناء من حيث هو وعاء لا يخلو من عن تأمل إذا الغالب انه انما يطلق على الإناء الوعاء بالإضافة إلى ما يوضع
فيه فيقال مثلا وعاء السمن وأدعية الماء وغير ذلك كما يقال موضع السمن ومقره ومكانه ولا يسمى باسم الوعاء إذا لوحظ الظرف في حد ذاته
شيئا مستقلا كما يسمى باسم الإناء وكيف كان فلا وثوق بهذا التفسير ولا نقول بحجية قول اللغوي من باب التعبد هذا مع انا لم نعثر على
ما يكون اطلاق اسم الوعاء عليه أوضح من اطلاق اسم الإناء لما أشرنا إليه من أنه لا يكفي في تسمية الشئ وعاء على الاطلاق اطلاق اسم الوعاء
عليه بالإضافة إلى شئ فما جزم به بعض من صدق اسم الوعاء على بعض الأشياء الذي وقع الكلام والاشتباه في اندراجه في موضوع الانية كالمكحلة
ونحوها كأنه جزم في غير محله فالمرجع في تشخيص ما يطلق عليه اسم الانية ليس الا العرف وفى الموارد المشتبهة يرجع إلى اصالة الإباحة والقدر
المتيقن مما يصح اطلاق الاسم عليه هي الأدوات المعدة شأنا لأن تستعمل ظرفا لدى الحاجة إليه وان لم يكن بالفعل معدة له بل مصنوعة لغرض اخر
وما عداها لي ما مشتبه الحال أو معلوم العدم نعم لافرق فيما كان من شأنه الاستعمال في الوعائية بين صغيره وكبيره فمكان النشوق ونظائره
بحسب الظاهر مندرجة في موضوعها بخلاف وعاء الحروز والتعويذات والرقى ونحوها فإنها لا تعد انية في العرف كما يؤيده صحيحة منصور بن حازم
عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن التعويذ يعلق على الحائض فقال نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد وخبر حريز الجواد ويظهر من بعض انها
داخلة في موضوع الانية ولكنها خارجة من حكمها للصحيحة المتقدمة وفيه ان جعل الصحيحة شاهدة لخروجها من الموضوع كما يشعر به سوق الرواية
ويشهد به العرف أولى وربما يتشهد بصحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة المشتملة على قضية المرأة على أن الانية أعم مما يطلق عليه اسمها
بالتقريب الذي تقدمت الإشارة إليه والى ضعفه وحكى عن كاشف الغطاء وفى تشخيص موضوع الإناء أنه قال يعتبر فيه اجتماع قيود أربعة
الأول الظرفية الثاني ان يكون المظروف معرضا للرفع والوضع فموضع فص الخاتم وعكوز الرمح وضية السيف والمجوف من حلى المرأة المعد
لوضع شئ فيه للتلذذ بصوته ومحل العوذة وقاب الساعة وانية جعلت لظاهر أخرى بمنزلة الثوب مع الوضع على عدم الانفصال ليس منها
الثالث أن تكون موضوعة على صورة متاع البيت الذي يعتاد استعماله عند أهله من اكل أو شرب أو طبخ أو غسل أو نحوها فليس الغليان
ولا رأسها ورأس الشطب ولاما يجعل موضعا له أو للغليان ولا قراب السيف والخنجر والسكين وبيت السهام وبيت المكحلة والمرأة والصندوق
والسقط وقوطي النشوق والعطر ومحل القبلة والمباخر ونحوها منها * (الرابع) * ان يكون له أسفل يمسك ما يوضع فيه وحواشي كك فلو خلا
عن ذلك كالقناديل والمشتبكات والمحرمات والطبق لم يكن منها والمدار على الهيئة لا الفعلية انتهى * (أقول) * في اعتبار بعض ما ذكره من؟
650

تأمل وفى كثير من أمثلته التي جعلها خارجة من الموضوع نظر أو منع والله العالم ويكره الأكل والشرب في الإناء المفضض بل مطلق استعماله على
المشهور بل في الجواهر لا أجد فيه خلافا الا ما يحكى عن الخلاف حيث سوى بينه وبين أواني الذهب والفضة في الكراهة التي صرح غير واحد من
الأصحاب بإرادته الحرمة منها هناك انتهى بل لا يبعد كراهة استعمال مطلق الآلات المفضضة حتى مثل القضيب ولجام الفرس والمرأة
الملبسة بالفضة ومستند الحكم اخبار مستفيضة * (منها) * قوله في رواية الحلبي المتقدمة لا تأكل في انية من فضة ولا في انية مفضضة
وخبر يزيد المتقدم انه كره الشرب في الفضة وفى القدح المفضض وكذلك ان يذهن في مدهن مفضض والمشطة كذلك وصحيحة محمد بن إسماعيل
المشتملة على قضية المرأة والقضيب الملبسين بالفضة وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن المرأة هل يصلح امساكها
إذا كان لها حلقة فضة قال نعم انما يكره استعمال ما يشرب به قال وسئلته عن البرح واللجام فيه الفضة أيركب به قال إن كان مموها لا يقدر
على نزعه منه فلا بأس والا فلا يركب به وعن مستطرفات السرائر نقلا من جامع البزنطي قال سئلته عن السرج واللجام وذكر مثله
والظاهر أن الأواني والآلات التي لها حلقة فضة غير مندرجة في موضوع المفضض أو ان اطلاقه منصرف عنها وعلى تقدير الاندراج
وعدم الانصراف فهي خارجة من الحكم كما يدل عليه صحيحتها ابن بزيع وعلي بن جعفر الدالتان على نفى البأس عن المرأة التي لها حلقة فضة
وانه كان لموسى بن جعفر عليهما السلام مرأة كذلك وما روى من أنه كان للنبي صلى الله عليه وآله قصعة فيها حلقة من فضة ولدروعه حلق من فضة ويحتمل
قويا اختصاص الكراهة بما إذا كانت الأواني والآلات ملبسة بها أو مشتملة على مقدار معتد به منها كما حكى عن المعتبر التصريح
بنفي البأس عن اليسير من الفضة كالحلقة للسيف والقصعة أو كالضبة والسلسلة التي يشعب بها الإناء ويشهد له صحيحة معاوية بن وهب
قال سئل أبو عبد الله (ع) عن الشرب في القدح فيه ضية من فضة قال لا بأس الا ان يكره الفضة فينزعها وقد روى أنه كان حلقة
قصعة النبي صلى الله عليه وآله وضبتها من الفضة ولا ينافيه رواية عمرو بن أبي المقدام قال رأيت أبا عبد الله (ع) قد اتى بقدح من ماء فيه ضبته من فضة
فرأيته نيزعها بأسنانه لأنه حكاية فعل لم يعرف وجهه كما أن ما حكى من اشتمال قصعة النبي صلى الله عليه وآله ودرعه على حلق من فضة أيضا لا يخلو
عن اجمال من حيث الوجه بل قد أشرنا انفا إلى عدم اندراج مثل هذه الأمور عرفا في موضوع المفضض والصحيحة المتقدمة النافية للباس
عن القدح الذي فيه ضبة من فضة قابلة لحمل على إرادة نفى الحرمة وان كان مخالفا للظاهر فتعميم الكراهة بالنسبة إلى مطلق ما يسمى
مفضضا خصوصا بالنسبة إلى الانية كما يقتضيه اطلاق النصوص والفتاوى أحوط وأنسب بالمسامحة في دليلها نعم ينبغي استثناء السيف
من الآلات كما يدل عليه خبر ابن سنان ليس بتحلية السيف بالذهب والفضة بأس فان لهذه الرواية نوع حكومة على الأخبار الناهية
وما عن الفريقين من أن قبضة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وقبيعته وحليته ذات الفقار كانت من فضة وروى أيضا انه كان نعل
سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وقوائمه فضة وبين ذلك حلق من فضة والله العالم * (ثم) * ان مقتضى ظاهر رواية الحلبي حرمة الاكل في انية المفضض كالفضة
ولكن مقتضى الجمع بينها وبين ما هو صريح في الجواز كصحيحة ابن وهب المتقدمة بناء على اطراد حكم المفضض بالنسبة إلى موردها وحسنة
ابن سنان أو صحيحته عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس ان يشرب الرجل في القدح المفضض واعزل فمك عن موضع الفضة هو حمل
النهى على الكراهة كما يؤيده بل يشهد له رواية يزيد المتقدمة المصرحة بكراهة الشرب في القدح المفضض على ما رواها الصدوق من زيادة
قوله فإن لم يجد بدا من الشرب في القدح المفضض عدل بفمه عن موضع الفضة فان المتبادر منها إرادة الضرورة العرفية لا الضرورة
المبيحة للمحظورات كما لا يخفى وما تقدم نقله من صاحب الحدائق من احتمال كون الزيادة من كلام الصدوق لا ينافي الاستشهاد فإنه
وان كان احتمالا قويا لكنه مخالف للظاهر ولا يستلزم من حمل النهى على الكراهة بالنسبة إلى المفضض دون انية الفضة استعمال المشترك
في معينيه كما زعمه صاحب الحدائق واستشهد بهذه الرواية ونظائرها على جوازه لامكان إرادة القدر المشترك من باب عموم المجاز الذي
هومن أقرب المجازات مع أن التحقيق ان جواز الترك الذي هو فصل الكراهة امر خارج من مهيته النهى قد ثبت بدليل خارجي فلو خلى النهى
ونفسه لكان مقتضاه لزوم ترك الفعل وحيث دل الدليل على الرخصة في الفعل رفع اليد عما يقتضيه صرف النهى من حيث هو بمقدار دلالة
الدليل فليتأمل ولتمام التحقيق مقام اخر وكيف كان فلا اشكال في عدم الحرمة بعد عدم الخلاف فيه ودلالة الخبرين عليه ولكن مقتضى
ظاهر الخبرين هو ما قيل بل نسب إلى المشهور من أنه يجب اجتناب موضع الفضة بان يعدل بفمه عنه بل في الجواهر لم أجد فيه خلافا بين القدماء
والمتأخرين الا من معتبر المصنف فاستحبه وتبعه الطباطبائي في منظومته واستحسنه في المدارك والذخيرة لظاهر الامر في الصحيح السابق وزيادة
الصدوق في خبر يزيد المتقدم معتضدا بما عرفت من عدم الخلاف وسالما مما يصلح للمعارضة انتهى وهو حسن وهل يلحق بالمفضض
المذهب في الكراهة ووجوب عزل الفم عن موضع الذهب * (فيه) * تردد من غلبة الظن بمساواتهما في الحكم ان لم يكن أولى بالاجتناب ومن
خروجه من مورد النصوص والفتاوى وقد حكى عن المصنف في المعتبر أنه قال لم أعثر لأصحابنا فيه على قول ثم الحقه بالمفضض في الكراهة
651

معللا له بأنه لا ينزل عن درجة الفضة واستظهره في المدارك تبعا لما حكى عن شيخه الأردبيلي قده فقال والا ظهر ان الانية المذهبة كالمفضضة
في الحكم بل هي أولى بالمنع وفى الحدائق بعد أن صرح باختصاص مورد الاخبار بالمفضض قال وهل يكون الإناء المذهب أيضا كذلك الظاهر نعم
ان لم يكن أولى بالمنع لاشتراكهما في أصل الحكم انتهى ولا يخفى عليك ان الجزم بذلك في غير محله إذ لم يعلم أن مناط المنع لدى الشارع مجرد علو
درجة النقدين في أعين الناس حتى يتجه دعوى ان الذهب لا ينزل عن درة الفضة ولذا لا نقول بحرمة الأواني المتخذة من الجواهرات
التي هي أعلى درجة منهما فلعل المفسدة المقتضية للمنع من الفضة لدى الشارع أقوى منها في الذهب فقياس المذهب على المفضض
لاشتراك انية الذهب والفضة في الحكم قياس مستنبط العلة لا يعول عليه في الشرعيات ولا على الأولوية الظنية التي هي
أيضا من مصاديق القياس المنهى عنه فالتسوية بينهما وان كان أحوط وأقرب إلى الاعتبار لكن الاقتصار على مورد النص و
الفتوى في الاحكام التعبدية أشبه بالقواعد وليس المقام مقام المسامحة في دليل الكراهة بعد وضوح المستند خصوصا مع
الالتزام بوجوب عزل الفم الذي لا يتسامح في دليله كما لا يخفى نعم لا يبعد دعوى استفادة كراهة مطلق الآلات المذهبة من
الإناء وغيره من رواية فضيل بن يسار قال سئلت أبا عبد الله (ع) عليه السلام عن السرير فيه الذهب أيصلح امساكه في البيت فقال إن
كان ذهبا فلا وان كان ماء الذهب فلا بأس فإنه يستشعر منه منها كون امساك الأواني المذهبة وما جرى مجريها مخالفا للصالح
امرا مفروغا منه لديهم و * (كيف) * كان فسبيل الاحتياط غير خفى وبما ذكرنا ظهر ضعف ما حكى عن الموجز من القول بحرمة المذهب
مطلقا ولو في غير الأواني لما عرفت من أنه لم يقم دليل يعتد به على الكراهة فضلا عن الحرمة واحتمل في محكى الذكرى حرمة الضبة
من الذهب في الإناء استنادا إلى عموم النبوي هذان محرمان على ذكور أمتي مشيرا إلى الذهب والحرير وفيه بعد الغض ان عن المراد
منه بحسب الظاهر هو التلبس بهما لا مطلق استعمالهما ان مقتضاه اختصاص المنع بالرجال لا مطلقا واضعف منه الاستدلال له
بكونه اسرافا وإضاعة للمال كمالا يخفى * (تذنيب) * قال المحدث المجلسي في محكى البحار ان المفضض اقسام * (الأول) * الظروف التي يكون
بعضها فضة وبعضها نحاسا أو غيره متميز اكل منهما عن الاخر كما يستعمل ظروف أصلها الخزف أو غيره وفيها من الفضة * (الثاني) * ما كان
جميعه مموها بالفضة وهو قسمان أحدهما ما طلى بماء الفضة وإذا عرض على النار لا ينفصل عنه شئ وثانيهما ما تلبس بالسبايك و
شبهها بحيث إذا عرض على النار انفصلت الفضة عن غيرها * (الثالث) * ما علق عليه حلقة أو قطعة من سلسلة من الفضة الرابع ان
يختلط الفضة بغيرهما ويصنع منهما الانية الخامس ما نقش بالفضة ثم قال وظاهر اخبار المفضض شمولها للأول والثالث واما الثاني
فالظاهر في القسم الأول منه الجواز وفى الثاني المنع لصدق الانية على للباس بل يمكن ادعاء صدق انية الفضة والا فلا وكأنه
لا اعتبار للغلبة مع عدم صدق الاسم واما الخامس فلا يبعد التفصيل فيه كالثاني بان يقال إن حصل لها بالعرض على النار شئ
كان في حكم المفضض والا فلا انتهى * (أقول) * اطلاق اسم الإناء المفضض على ما فيه حلقة من فضة أو قطعة من سلسلة لا يخلو من
تأمل كما تقدمت الإشارة إليه انفا وكذا على الممتزج فإنه مع استهلاك أحد الخليطين يسمى باسم الاخر والا فيطلق عليه اسم
المغشوش لا المفضض ولذا لا يطلق عرفا على الأثمان المغشوشة اسم المفضض والله العالم ولا يحرم استعمال غير الذهب والفضة من
أنواع المعادن والجواهر ولو تضاعف أثمانها بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن كشف اللثام الاتفاق عليه لأصالة الإباحة السالمة من دليل
حاكم عليها وأواني المشركين وغيرهم من أصناف الكفار كأواني غيرهم طاهرة في مرحلة الظاهر ما لم يعلم نجاستها ولو بطريق شرعي أو أصل معتبر
كاصالة عدم التذكية فيما كان متخذا من الجلود ولم يجر عليه يد مسلم أو ما جرى مجريها من الامارات الحاكمة على الأصل ولا يجوز استعمال
شئ من الجلود إذا كانت من ذوى الأنفس في الأكل والشرب وغيرهما من الأشياء المشروطة بالطهارة بل مطلقا حتى في ايقاد الحمام واطعام
الكلب ونحوه على ما صرح به بعض ونسب إلى ظاهر المشهور وان ناقشا فيه في محله الا ما كان طاهرا في حال الحياة ذكيا تذكية شرعية
إذ هو بدون ذلك ميتة نجسة لا يجوز استعمال جلده سواء دبغ أم لم يدبغ لأن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ خلافا لما حكى عن العامة و
ابن الجنيد من الخاصة فزعموا أن ذكاة الجلد دباغه وقد حكى عن ابن الجنيد أنه قال إن جلد الميتة يطهر بالدبغ إذا كان من حيوان
طاهر في حال حياته فيجوز الانتفاع به بعد ذلك في كل شئ عدا الصلاة انتهى وقد عرفت ضعفه في محله ويعتبر في جواز استعمال
الجلود وكذا في إباحة اكل اللحوم احراز التذكية بالعلم أو بامارة معتبرة شرعا كالبينة واخبار ذي اليد ويد المسلم وسوقه والا فيحكم
بنجاستها وحرمة الانتفاع بها لأصالة عدم التذكية ولا يعارضها اصالة عدم الموت حتف الانف كما توهم إذ لا يثبت بأصالة عدم
الموت حذف الانف كونه مذكى حتى تتحقق المعارضة فان نفى أحد الضدين بالأصل لا يثبت الضد الاخر كما تقرر في محله هذا مع أنه
لا مضادة بين الامرين لأن حرمة لحم الحيوان ونجاسته من اثار زهاق روحه بغير الوجه الذي اعتبره الشارع سببا للحلية والطهارة
652

سواء مات حتف انفه أو قتل بغير ذلك الوجه وان أريد بأصالة عدم الموت اصالة عدم زهاق روحه بغير ذلك الوجه فلا يتحقق موضوع
النجاسة والحرمة * (ففيه) * ان عدم الموت بهذا المعنى ليس موافقا للأصل لأن وقوع زهاق الروح بذلك الوجه يحتاج إلى أسباب وجودية مثل
ذكر اسم الله عليه واستقبال القبلة وفرى الأوداج فمتى شك في تحقق شئ من تلك الأسباب ينفى ذلك الشئ بالأصل فيحرر بذلك موضوع
الحرمة والنجاسة لأن الميتة التي هي موضوع الحكمين في عرف الشارع والمتشرعة عبارة عما زهق روحه لا بشرائط التذكية لا خصوص ما مات
حتف انفه كما يشهد لذلك مضافا إلى وضوحه تعليق حلية الاكل في ظواهر الكتاب والسنة على كونه مذكى وتعليق طهارة الجلود في مكاتبة
الصيقل على كونها ذكية قال كتبت إلى الرضا (ع) انى اعمل اغمار السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فاصلي فيها إلى اتخذ ثوبا لصلاتك
فكتبت إلى أبي جعفر الثاني (ع) انى كتبت إلى أبيك (ع) بكذا وكذا فصعب ذلك على فصرت اعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية فكتب
إلى كل اعمال البر بالصبر يرحمك الله فإن كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا باس فان مقتضى التعليق كون موضوع الحرمة والنجاسة هو
غير المذكى ويؤيده أيضا مفهوم التذكية إذ الظاهر أنها كانت في الأصل بمعنى التطهير والتنزيه ثم غلب استعمالها في الذبح المعهود الذي
جعله الشارع سبا لطهارة الميتة وزوال النفرة الحاصلة لها بالموت كما يرشدك إلى ذلك التتبع في موارد استعمالات ماذتها بصورها
المختلفة مثل كل يابس ذكى وذكاة الأرض يبسها وذكاة الجلد دباغه وفى الموثقة الآتية إذا علمت أنه ذكى وقد ذكاه الذبح إلى أن قال
وان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله وحرم عليك اكله فالصلاة في كل شئ منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة
التي تشهد على أن الذكاة في أصلها هي النظافة والنزاهة فالمراد بالميتة في عرف الشارع ليس الا ما لم يذكه الذبح من القذارة المسببة
عن الموت ولا ينافي هذا ما تقدم في مبحث الميتة من عدم تسليم كون مطلق غير المذكى ميتة لأن الغرض في ذلك المبحث منع اطراده بحيث
يحكم على الأجزاء الصغار المنفصلة عن الحي بأنها ميتة بواسطة صحة اطلاق غير المذكى عليها نظرا إلى صحة اطلاق غير المذكى على ما ليس
من شأنه الموت أو الانفعال بالموت وكيف كان فالميتة من اللحم ليست الا عبارة عن اللحم الذي زهق روحه لا بشرائط التذكية فمتى
أحرز زهاق روح لحم وشك في أنه هل وجد شرائط التذكية حال زهاق روحه مقتضى الأصل عدمها فيرتب عليه اثار عدم كونه مذكى
لكن لقائل ان يقول إنه لا يثبت بهذا الأصل كون اللحم غير مذكى حتى يحكم بحرمته ونجاسته كما أنه لا يثبت بأصالة عدم صيرورة المرأة
حايضا أو اصالة عدم رؤية المرأة دم الحيض كون الدم المرئى دم غير الحيض حتى يحكم بكونه استحاضة الا على القول بالأصل المثبت و
هو خلاف التحقيق فمقتضى القاعدة هو التفكيك بين الآثار فما كان منها مرتبا على عدم كون اللحم مذكى كعدم حليته وعدم جواز الصلاة
فيه وعدم طهارته وغير ذلك من الاحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات التي تكون التذكية شرطا في ثبوتها ترتب عليه فيقال الأصل عدم
تعلق التذكية بهذا اللحم الذي زهق روحه فلا يحل اكله ولا الصلاة فيه ولا استعماله فيما يشترط بالطهارة واما الآثار المترتبة على كونه
غير مذكى كالأحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميات كحرمة اكله ونجاسته وتنجيس ملاقيه وحرمة الانتفاع به ببيعه أو استعماله في ساير
الأشياء الغير المشروطة بالطهارة كسقي البساتين واحراقه على القول بها وغير ذلك من الاحكام المعلقة على عنوان الميتة أو غير
المذكى فلا نعم لو قلنا بالرجوع إلى الأدلة الشرعية في تشخيص موضوع المستصحب اتجه الحاق بعض الوجوديات المعلقة في الأدلة الشرعية
على فقد شرط من شرائط التذكية بالعدميات إذا كان الشك ناشئا من الشك في حصول ذلك الشرط مثل ذكر اسم الله عليه حيث
قال الله [تع] ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه فكما يرتب على استصحاب عدم ذكر اسم الله عليه عدم الحلية كذلك يرتب عليه حرمة الاكل
التي علقها الشارع في لسان الدليل على ذلك العدم وهذا بخلاف سائر الشرائط كفري الأوداج ونحوه مما لم يرد فيه مثل هذا الدليل
بل ثبت بالنص والاجماع اشتراطه في الحلية وكون الموت المقترن بفقده موجبا للحرمة فإنه لا يثبت بأصالة عدم حصول ذلك السبب حين
موته كون موته فاقدا لذلك الشرط الا ان نقول بالأصل المثبت فتيجه [ح] ترتيب جميع الآثار كما تقدمت الإشارة إليه كما أن المتجه ذلك
أيضا لو قلنا بقاعدة المقتضى لا للاعتماد على اصالة عدم التذكية بل لكفاية الشك فيها بناء على هذا القول لما أشرنا إليه من أن مقتضى
جعل الشارع التذكية شرطا للحلية والطهارة وتسميته الذبح الخاص تذكية كون موت ذي النفس بنفسه مقتضيا لحرمته ونجاسته
والتذكية مانعة منهما فمتى أحرز المقتضى وشك في المانع حكم بثبوت المقتضى لكن لا نقول بشئ من المباني فالمتجه [ح] هو التفصيل بين الأحكام المترتبة
على عدم كونه مذكى كالأحكام السلبية التي تقدمت الإشارة إليها وبين الأحكام المترتبة على كونه غير مذكى كالأحكام الثبوتية
الملازمة لهذه العدميات مثل الحرمة والنجاسة ان قلت لا يمكن التفكيك بين عدم الحلية والطهارة وبين ما يلازمهما من الحرمة
والنجاسة لا لمجرد الملازمة العقلية حتى يتوجه عليه ان التفكيك بين اللوازم والملزومات في مقتضيات الأصول غير غريز بل لقوله (ع)
كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام وكل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر والمفروض انه لم يحرز قذارته وحرمته بأصالة عدم التذكية حتى
653

يقال بحكومتها على أصالتي الحل والطهارة فالقول بان هذا شئ لم يعلم حرمته ونجاسته ولكنه ليس بحلال ولا ظاهر مناقض للخبرين قلت
الشئ المأخوذ موضوعا للحكمين هو الشئ المشكوك الحلية والطهارة لا المقطوع بعدهما كما هو الشان في جميع الأحكام الظاهرية المجعولة للشان
وحيث الغى الشارع احتمال الحلية والطهارة ونزله منزلة العدم بواسطة اصالة عدم التذكية خرج المفروض من موضوع الأصلين حكما
فكما استصحاب نجاسته شئ حاكم على قاعدة الطهارة كذلك استصحاب عدم طهارته أيضا حاكم عليها وكذلك الأصل الموضوعي
الذي يترتب عليه هذا الامر العدى كما هو واضح لا يقال إن مقتضى عدم القول بالأصل المثبت عدم ترتيب الاحكام السلبية أيضا لأن
ترتيب تلك الأحكام على اللحم الخاص موقوف على احراز عدم كون هذا اللحم مذكى ولا يحرز هذا بأصالة عدم التذكية لأنه ان أريد
بأصالة عدم التذكية العدم الأزلي المجامع لحياة الحيوان وموته فليس من اثارها عدم طهارة هذا اللحم ولا عدم حليته فان هذا العدم
كان حاصلا حال حيوة اللحم ولم يكن له شئ من الاثرين اما الأول فواضح لأن اللحم لم يكن حال حياته غير طاهر واما عدم اتصافه بالحلية
الفعلية في حال حيوة حيوانه فلعدم صلاحية الحيوان الحي غالبا للاكل حتى يصح اتصافه بها لا لكونه فاقدا للتذكية واما ما كان
صالحا لأن يبتلع حيا فالحكم بحرمة ابتلاعه كذلك لكونه فاقدا للتذكية يحتاج إلى مزيد تتبع وتأمل والحاصل ان الحكمين
العدميين ليسا من اثار مطلق عدم التذكية بل من اثار قسم خاص وهو العدم المقارن لزهاق الروح وهذه الخصوصية لا تثبت
باستصحاب العدم الأزلي وان أريد بها اصالة عدم اقتران زهاق روحه بشرائط التذكية فهذا من قبيل تعيين الحادث بالأصل ليس
له حالة سابقة لأنا نقول انتفاء المسبب من اثار عدم حدوث سببه لا من اثار عدم سببية الشئ الخاص فعدم حلية اللحم الذي زهق
روحه من اثار عدم حدوث ما يؤثر في حليته بعد الموت أي الموت المقرون بالشرائط وهذا المعنى المركب شئ حادث مسبوق بالعدم
لا من اثار كون الموت فاقدا للشرط حتى لا يمكن احرازه بالأصل فلو بيع شئ بعقد يشك في صحته يحكم بعدم انتقال المبيع إلى المشترى
لأصالة عدم صدور عقد صحيح مؤثر في النقل لا لأصالة عدم كون العقد الصادر صحيحا لأن هذا غير موافق للأصل كما هو
واضح فيترتب على اصالة عدم حدوث سبب النقل عدم دخول المبيع في ملك المشتري وعدم جواز تصرفه فيه واما كونه غير داخل في ملكه
الذي هو من لوازم هذا الامر العدى ويتفرع عليه حرمة الاستعمال فلا يثبت بهذا الأصل وانما يحكم به بواسطة الأصل الجاري فيه
بنفسه لأنه في السابق لم يكن ملكا له وكان حراما عليه فيحكم ببقائه على ما كان ولو فرض عدم جريان الأصل فيه بنفسه لاشكل تفريع
حرمته على اصالة عدم سبب النقل كما فيما نحن فيه وان شئت مثالا مطابقا للمقام مما لم يكن هو بنفسه مجرى الأصل وكان الأصل
الجاري فيه اصالة عدم حدوث ما يوجب حليته * (فنقول) * لو حلل أمته لحر وشرط عليه رقية ولدها فولدت بنتا وشك في كون الشرط مخالفا
للكتاب والسنة نقول مقتضى الأصل عدم جواز وطئها لأصالة عدم حدوث سببه وهو رقية البنت لكن لا يثبت بهذا كونها غير مملوكة
فلو وطئها يشكل الحكم باستحقاقه للحد إذ لم يثبت بهذا الأصل كونها أجنبية حتى يثبت الاستحقاق للحد والحاصل ان ترتيب الآثار الثابتة
لعنوان الميتة أو غير المذكى كالحكم بنجاسته الموجبة لتنجيس ملاقيه أو بحرمة الانتفاع به واستعماله في سائر الأشياء الغير المشروطة بالطهور
على اصالة عدم التذكية في غاية الاشكال اللهم الا يدعى خفاء الواسطة وان العرف بمجرد عدم الاعتناء باحتمال حدوث سبب
الحل والطهارة الذي هو عبارة أخرى عن اصالة عدم التذكية يرتبون على الشئ الذي يشك في تذكية اثار كونه غير مذكى من غير
التفات إلى كون الآثار آثارا لهذا العنوان المشكوك التحقق الذي لا يحرز بالأصل هذا مع امكان ان يدعى ان عدم جواز الانتفاع
بالميتة مطلقا من الاحكام السلبية المترتبة على اصالة عدم التذكية من غير واسطة لما يظهر من بعض الأخبار من اشتراط حلية الانتفاع
بها مطلقا بالتذكية كمضمرة سماعة قال سئلته عن جلود السباع ينتفع بها قال إذا رميت وسميت فانتفع بجلده واما الميتة فلا فعلى هذا
تنحصر ثمرة التفكيك بين الآثار ان قلنا به في تنجيس الملاقى وفى الآثار الخاصة التي هي من خواص ذات الحرمة من حيث هي كاستحقاق الجد
لو كان لاكل الميتة أو استعمالها حد والا فلا فرق في مقام العمل بين ان يحكم بحرمة الانتفاع به أو يحكم بعدم جوازه وكيف كان فلا تأمل
في جريان اصالة عدم التذكية ولزوم ترتيب الآثار المترتبة على هذا العنوان المحرز بالأصل واما كون الحكم بنجاسة الشئ الذي شك في
تذكيته وحرمة الانتفاع به من تلك الآثار فهو لا يخلو عن تأمل ويشهد لاعتبار هذا الأصل مضافا إلى عموم أدلة الاستصحاب خصوص
ما في ذيل موثقة ابن بكير الواردة في باب الصلاة وان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكل شئ منه جايز إذا علمت أنه
ذكى وقد ذكاه الذبح وبعض الأخبار الدالة على عدم حلية الصيد الذي ارسل إليه كلاب ولم يعلم أنه مات باخذ المعلم معللا
بالشك في استنار موته إلى العلم والأخبار المستفيضة الدالة على اشتراط العلم باستناد القتل إلى الرمي والنهى عن الاكل مع الشك
فيه خلافا فالصاحب المدارك فلم يعتمد على هذا الأصل اعتمادا على ما بنى عليه من عدم حجية الاستصحاب رأسا فإنه بعد أن ذكر ان
654

مرجع اصالة عدم التذكية إلى الاستصحاب وانه ليس بحجة وانه لو سلم العمل به فهو دليل ظني والنجاسة لا تثبت الا باليقين أو الظن الحاصل
من البينة لو سلم عموم دليلها قال والحاصل ان الجلد المطروح لما حاز كونه منتزعا من الميتة والمذكى لم يكن اليقين بنجاسته حاصلا لانتفاء
العلم بكونه منتزعا من للميتة فيمكن القول بطهارته كما في الدم المشتبه بالطاهر والنجس ويشهد له قول الصادق (ع) في صحيحة الحلبي صل
فيه حتى تعلم أنه ميت بعينه وفى رواية أخرى ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه انتهى وفيه ما عرفت من انا لو لم نقل بحجية الاستصحاب أيضا
لتعين الالتزام بما تقتضيه اصالة عدم التذكية بالنسبة إلى الاكل والصلاة بمقتضى الأخبار الخاصة الدالة على عدم جواز الصلاة
فيه واكله الا بعد احرازها بالعلم واما الخبران اللذان استشهد بهما فهما أجنبيان عن ما ادعاه لورودهما فيما كان مقرونا بامارة
شرعية فان الأول منهما ما رواه الحلبي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال اشتر وصل حتى تعلم أنه
ميتة بعينه إذ الظاهر أن المراد بالسوق هو سوق المسلمين وهو من الامارات المعتبرة شرعا كما يشهد له مضافا إلى هذه الصحيحة الاخبار
الآتية وثانيهما رواية علي بن أبي حمزة ان رجلا سئل أبا عبد الله عليه السلام وانا عنده عن الرجل يتقلد السيف ويصلى فيه قال نعم فقال
الرجل ان فيه الكميخت قال وما الكميخت قلت جلود دواب منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة فقال ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه ونحوها
رواية سماعة انه سئل أبا عبد الله (ع) في تقليد السيف في الصلاة وفيه الفراء والكيمخت فقال لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة ومقتضى ترك
الاستفصال وان كان عدم الفرق بين ما لو كان السيف واصلا إليه من يد المشركين ولم يعلم بجريان يد مسلم عليه أو على ما عليه من
الكيمخت لكن اطلاق السؤال منزل على الغالب من كون السيف متلقى من مسلم أو مشترى من سوق المسلمين فاطلاق الجواب منصرف من
مثل الفرض وعلى تقدير عدم الانصراف لابد من صرفه عنه كما يشهد له بعض الأخبار الآتية الدالة على وجوب الفحص والسؤال عن كونه
مذكى في مثل الفرض وكيف كان فلا يستفاد من مثل هذه الأخبار أزيد من جواز المعاملة مع ما يوجد في سوق المسلمين وفى أيديهم معاملة
المذكى ما لم يعلم بكونه ميتة وهذا اجمالا مما لا شبهة فيه كما يشهد له فيما صنعه مسلم احتمل في حقه التذكية أو جرى عليه يد مسلم احتمل صحة
يده مضافا إلى الاخبار الآتية الدالة على عموم المدعى خصوص قاعدتي اصالة الصحة واليد الحاكمتين على الاستصحابات المنافية لهما
كما قررناه مرارا وبينا في محله انهما من القواعد العقلائية المقررة لدى الشارع ارفاقا بالعباد وتوسعة عليهم ولولا ذلك لضاق
عليهم العيش وان اعتبارهما ليس من باب الظهور والظن النوعي كما زعمه غير واحد فاستشكل في الحكم بطهارة الجلد المأخوذ ممن يرى
طهارته بالدبغ كما يشهد له مضافا إلى اليسرة القطعية وغيرها من الأدلة الدالة عليه التي تقدمت الإشارة عند البحث عن ثبوت الطهارة
بمعاملة المسلم مع ما يتعلق به مما في يده معاملة الطاهر خصوص الاخبار الآتية الدالة على جواز الصلاة فيما يشترى منهم فان المراد بالمسلمين
في اخبار الباب أعم من العامة الذين يرون طهارة الميتة بالدبغ بلا شبهة ويشهد لاعتبار سوق المسلمين مضافا إلى استقرار اليسرة
عليه وعدم الخلاف فيه بحسب الظاهر جملة من الاخبار * (منها) * الصحيحة المتقدمة ومنها ما عن الكليني باسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر
قال سئلته عن الرجل يأتي السوق فيشترى جبة فراء لا يدرى أذكية هي أم غير ذكية أيصلي فيها قال نعم ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر (ع)
كان يقول إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك وعن الصدوق باسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري
عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السلام مثله وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال سئلته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى
الخف لا يدرى أذكى هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلي فيه قال نعم انا اشترى الخف من السوق ويصنع لي واصلي فيه وليس عليكم
المسألة ورواية الحسن بن الجهم قال قلت لأبي الحسن (ع) اعترض السوق فاشترى خفا لا ادرى أذكى هو أم لا قال صل فيه قلت فالنعل قال
مثل ذلك قلت انى أضيق من هذا قال أترغب عما كان أبو الحسن (ع) يفعله إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الجبن ونحوه والظاهر أن اعتبار
ليس لكونه بنفسه كاليد حجة معتبرة بل لكونه امارة يستكشف بها كون البايع مسلما فالعبرة أولا وبالذات انما هي بيد المسلم والسوق انما
اعتبر لكونه طريقا للحجة لا لكونه بنفسه حجة فلا عبرة به لو علم كون البايع مشركا وان احتمل تلقية المبيع من مسلم فيجب في مثل الفرض الفحص
عن حال البيع واحراز كونه مذكى ولو باستكشاف كونه متلقيا من مسلم كما يشهد لذلك خبر إسماعيل بن عيسى قال سئلت أبا الحسن (ع)
عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أيسئل عن ذكوته إذا كان البايع مسلما غير عارف قال عليكم ان تسئلوا عنه
إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسئلوا عنه ورواية إسحاق بن عمار عن العبد الصالح (ع) انه لا بأس بالصلاة
في الفراء اليماني وفيما صنع في ارض الاسلام قلت فإن كان فيها غير أهل الاسلام قال إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس ويظهر
من هذه الرواية عدم اختصاص الحكم بما يشترى من السوق بل يطرد فيما صنع في ارض الاسلام بل في ارض يكون غالب أهلها المسلمين
ويشهد لذلك خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) ان أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة لكثير لحمها وخبرها و
655

وجبنها وبيضها وفيها سكين فقال أمير المؤمنين عليه السلام يقوم ما فيها ثم يؤكل لأنه يفسد وليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن
قيل يا أمير المؤمنين (ع) لا يدرى سفرة مسلم أم سفرة مجوسي فقال هم في سعة حتى يعلموا بل ربما يظهر من هذه الرواية انه متى وجد
شئ مطروح في ارض الاسلام أو ما كان غالب أهلها المسلمين كما هو منصرف اطلاق السؤال أو يصرف إليه بشهادة الرواية المتقدمة
يعامل معه معاملة المذكى وان كان محفوفا بامارة غير معتبرة تورث الظن بكون من جرى عليه يده غير مسلم كوضع السكين في السفرة
الذي هو امارة كون صاحبها من المشركين * (وكيف) * كان فالذي يقوى في النظر ان كلما يشك في ذكوته إذا علم بجريان يد مسلم عليه
وتصرفه فيه تصرفا مشروطا بالتذكية كما إذا وجدنا جلدا مطروحا على الأرض وعلمنا بأنه كان يصلى فيه مسلم عومل معه معاملة
المذكى وان علم بكونه مسوقا بيد كافرا وملحوقا بها فضلا عما لم يعلم شئ منها من غير فرق بين كونه في ارض المسلمين أو غيرها
فان يد المسلم حجة قاطعة لأصالة عدم التذكية وان لم يعلم ذلك ولكن كان ذلك الشئ في سوق يكون غالب أهله المسلمين
أو ارض كذلك ولو في الصحارى والبراري فكذلك يعامل معه معاملة المذكى ان لم يعلم بكون من كان متصرفا فيه كافرا بان
كان في يد مجهول الحال أو مطروحا على الأرض وكان عليه اثر الاستعمال بان كان جلدا مدبوغا أو لحما مطبوخا أو مقطوعا
بسكين ونحوه بحيث تميز عن فعل السباع ونحوها بنى على كون من تصرف فيه مسلما وكون عمله محمولا على الصحيح واما ان تلقاه من
كافر أو من مجهول الحال في ارض يكون غالب أهلها الكفار أو كان مطروحا على ارض كذلك أو على ارض المسلمين ولم يكن عليه
اثر الاستعمال احتمل كونه من فعل السباع ونحوها عومل معه معاملة غير المذكى لأصالة عدم التذكية والله العالم ويستحب اجتناب
جلد ما لا يؤكل لحمه من ذي النفس الذي يشترط التذكية في طهارة جلده حتى يدبغ بعد ذكوته تفصيا عن شبهة الخلاف الذي
ستسمعه عن الشيخ وغيره كما نبه عليه في محكى المعتبر ومرجعه إلى الاحتياط في الشبهة التحريمية الذي دل على رجحانه العقل والنقل
فالاعتراض عليه بان الاستحباب حكم شرعي يتوقف اثباته على الدليل والخروج من شبهة الخلاف لا يصلح ان يكون دليلا عليه ولو على
القول بالمسامحة في دليله في غير محله واستدل له أيضا بالمرسل المروى في كشف اللثام عن بعض الكتب عن الرضا عليه السلام ان دباغة الجلد
طهارته وفيه انه لا يختص بغير المأكول بل ظاهره ان جلد الميتة يطهر بالدبغ فهي رواية مرسلة مهجورة معاوضة بالمعتبرة الدالة على أن
جلد الميتة لا يطهر وان دبغ سبعين مرة وحكى عن الشيخ في المبسوط والخلاف والمرتضى في المصباح المنع من استعمال جلد ما لا يؤكل
حتى يدبغ بعد ذكوته وفى كشف اللثام نسبة القول بحرمة استعماله قبل الدبغ إلى الأكثر وعن الذكرى نسبته إلى المشهور وربما استظهر من
بعضهم القول بتوقف طهارته على الدبغ بعد التذكية وعن آخرين القول بحرمته من باب التعبد واستدل في محكى الخلاف بان الاجماع
واقع على جواز استعماله بعد الدبغ ولا دليل قبله وفيه انه كفى دليلا لطهارته وجواز الانتفاع به بعد احراز قبوله للتذكية وصيرورته
مذكى اصالة الإباحة والطهارة فان ما دل على نجاسة الميتة وحرمته الانتفاع بها لا يعم الذي هو مقابل الميتة فمتى اندرج شئ في
موضوع المذكى اقتضى الأصل اباحته وطهارته * (نعم) * لو شك في قبول حيوان للتذكية ولم نقل بان مقتضى الأصل أو القاعدة المتلقاة
من الشرع المستفادة من استقراء الموارد مع ما فيها من الاشعارات هو قبول كل حيوان للتذكية عدا ما استثنى اتجه الحكم بعدم طهارته
ولو بعد الدبغ لأصالة عدم التذكية لكنه خارج من موضوع المسألة لأن الكلام انما هو بعد فرض قبوله للتذكية ويشهد للمدعى
أيضا موثقة سماعة المضمرة قال سئلته عن جلود السباع ينتفع بها قال إذا رميت وسميت فانتفع بجلده ويؤيده الأخبار المستفيضة الدالة
على جواز الانتفاع بجلود السياع وغيرها مما لا يؤكل لحمه وربما يستشهد بها وفيه نظر لأنها مسوقة لبيان أصل الجواز على سبيل الاجمال
ولذا ليس في جلها التعرض لاشتراط التذكية فلا يصح التمسك باطلاقها لنفى اشتراط الدبغ كمالا يخفى وكيف كان فالقول بكون الدبغ
شرطا للطهارة لجواز الاستعمال ضعيف لعدم الدليل عليه بل الموثقة المتقدمة شاهدة على خلافه ولتتميم الكلام في تشخيص الحيوانات
القابلة للتذكية وتحقيق ان مقتضى الأصل هل هو قبول كل حيوان للتذكية الا ما استثنى كما يظهر من بعض أو عكسه كما يظهر من غيره وان
تذكية غير المأكول هل هي كتذكية المأكول مقام اخر والله الموفق والمعين ويجوز ان يستعمل من أواني الخمر ما كان صلبا لا يرسب فيه الخمر
كما إذا كان من نحاس أو رصاص أو زجاج ونحوها أو كان مقيرا أو مدهونا بالزجاج المسمى في العرف بالكاشي ونحوهما بعد غسله ويكره ان
يستعمل ما كان خشبا أو قرعا أو خزفا غير مدهون أو نحوها مما ينفذ فيه الخمر وحكى عن الشيخ في النهاية وابن الجنيد وابن البراج المنع من استعمال
ما ينفذ فيه الخمر غسل أم لم يغسل واستدل له بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سئلته عن نبيذ قد سكن غليانه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل
مسكر حرام قال وسئلته عن الظروف فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الدبا والمزفت وزدتم أنتم يعنى الغضار والمزفت
يعنى الزفت يكون في الزق ويصب في الخوابى ليكون أجود الخمر وسئلته عن الجرار الخضر والرصاص فقال لا بأس بها ورواية أبي الربع الشامي عن
656

أبي عبد الله عليه السلام قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن كل مسكر فكل مسكر حرام قلت فالظروف التي يصنع فيها منه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله
عن الدبا والمزفت والختم والنقير قلت وما ذاك قال الدبا القرع والمزفت الدنان والختم جرار خصر والنقير خشب كان أهل الجاهلية ينقرونها
حتى يصير لها أجواف ينبذون فيها واستدل له أيضا بان للخمر حدة ونفوذا في الأجسام الملاقية له فإذا لم تكن الانية صلبة دخلت اجزاء
الخمر باطنها ولا ينالها الماء وفى الأخير مالا يخفى فإنه بعد الغض عن انه كثيرا ما نقطع بوصول الماء إلى جميع المنافذ التي وصل إليها
الخمر خصوصا لو وضعت الانية في كر أو جار إلى أن ارتوت من الماء * (يتوجه) * عليه ان غاية ما ذكر عدم قبول الاجزاء الباطنية التي
لا يصل إليها الماء للتطهير وهذا لا يمنع من طهارة ظاهرها بالغسل ولا يوجب نجاسته ما يصب فيها وان وصلت إليها نداوته كما عرفته
في محله وانما يقتضى نجاسته ما يترشح منها وهذا لا يقتضى المنع منى استعمالها كما هو واضح واما الروايتان فيتوجه على الاستدلال بهما
أولا انه ليس فيهما تصريح بمناط النهى حتى يجعل ضابطا للحكم فلعل النهى عن الأواني المذكورة فيهما لكونها مما يتخلف فيه غالبا اجزاء
الخمر فتمتزج مع ما يصب فيه أوانها تأثر بالخمر على وجه تؤثر في فساد ما يصب فيها بالنشيش والغليان وانقلابه خمرا ان كان نبيذا
ونحوه مما يتأثر بإنائه أو غير ذلك من المحتملات لا عدم قبولها للطهارة كما زعمه المستدل وثانيا ان الجامع بين الأمثلة المذكورة
في الروايتين ليس كونها رخوة يرسب فيها الخمر فان المزفت على ما فسره غير واحد هو الإناء المطلى بالزفت الذي هو من اقسام القير الذي
لا خلاف على الظاهر في قبوله للتطهير وجواز استعماله بعد الغسل ولا ينافيه ما في الروايتين من تفسيره فان أوليهما لا تخلو عن تشابه
واما ثانيتهما فلا يبعد ان يكون المراد بالدنان المذكورة فيها قسما خاصا معهودا لديهم لا مطلقها والا لعارضها الأخبار المستفيضة
الآتية الصريحة في نفى البأس عنها وكذلك الختم بالحاء المهملة والنون الساكنة والتاء المثناة الفوقانية عليه ما فسره بعض هو من
الأواني التي لا ينفذ فيه الماء وظاهر الصحيحة ان رسول الله صلى الله عليه وآله لم ينه عن الختم فيتحقق التنافي بينها وبين الرواية الثانية في هذه
الفقرة وعن النهاية أنه قال الختم جرار خضر مدهونة كانت يحمل فيها الخمر إلى المدينة ثم اتسع فقيل للخزف كله ختم واحده ختمة
وانما نهى عن الانتباذ فيها لأجل دهنها وقيل إنها تعمل من طين يعجن بالدم والشعر فنهى عنها ليمتنع من عملها انتهى فالنهي المتعلق
به على الظاهر لخصوصية أخرى غير عدم قبوله للتطهير فلابد من حمله على الكراهة إذ لا قائل بحرمة استعمال انية الخمر من غير هذه
الجهة وثالثا انه يعارضهما الأخبار المستفيضة التي كادت تكون نصا في بعض ما تضمنه الخبران كموثقة عمار عن أبي عبد الله (ع)
قال سئلته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه خل أو ماء أو كامخ أو زيتون قال إذا غسل فلا بأس وقال في قدح أو إناء
يشرب فيه الخمر قال يغسله ثلاث مرات وموثقة أخرى له عن أبي عبد الله عليه السلام في الإناء يشرب فيه النبيذ قال تغسله سبع مرات وكذا الكلب
وخبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن الشرب في الإناء يشرب فيه الخمر قدحا غيدان أو باطية قال إذا غسله فلا بأس قال وسئلته
عن دن الخمر يجعل فيه الخ والزيتون أو شبهه قال إذا غسل فلا بأس ورواية حفص الأعور قال قلت لأبي عبد الله (ع) انى اخذ الركوة
فيقال انه إذا جعل فيها الخمر وغسلت ثم جعل فيها النجتج كان أطيب له فنأخذ الركوة فنجعل فيها الخمر فنخضخضه ثم نصبه فنجعل فيها النجتج
قال لا بأس به وخبره الاخر قال قلت لأبي عبد الله (ع) الدن يكون فيه الخمر ثم يجفف يجعل فيه الخل قال نعم بناء على أن يكون المراد انه
يجعل فيه الخل بعد غسله والا فهذه الرواية مما يدل بظاهره على طهارة الخمر وقد تقدم في محله انه لابد من رد علم مثل هذه الروايات
إلى أهله و * (كيف) * كان فلا شبهة في قبول أواني الخمر مطلقا للتطهير وجواز استعمالها بعد الغسل كسائر النجاسات * (نعم) * ربما يتعذر تطهير
بعض الأواني بالماء القليل لخصوصية فيه من غير فرق بين ان يتنجس بالخمر أو بغيره كما لو كان داخله من قبيل الثياب قابلا لأن يستخرج
غسالته بالدلك ونحوه وتعذر ذلك لضيق فمه كما أنه كثيرا ما يتفق ذلك في القرع حيث إن باطنه ربما يكون كالقطن قابلا للعصر
فيشكل تطهيره بالماء القليل ولكن هذا أجنبي عن محل البحث لأن الكلام انما هو في جواز استعمال انية الخمر بعد غسلها على الوجه
المعتبر في التطهير فالأشبه حمل النهى في الخبرين على الكراهة في خصوص مواردها من باب التعبد من غير إناطتها يكون الانية رخوة أو صلبة
ولا يبعد الالتزام بكراهة مطلق الأواني التي يرسب فيه الخمر للخروج من شبهة الخلاف الذي عرفت انفا ان مرجعة إلى الاحتياط مع
قوة احتمال ان يكون هذا هو المناط في تعلق النهى ببعض الأمثلة المذكورة في الروايتين والله العالم ويغسل الإناء من ولوغ
الكلب وهو كما عن الصحاح شربه مما في الإناء بطرف لسانه ثلاثا أولاهن بالتراب على الأصح وقد اختلفت كلمات الأصحاب في كيفية تطهير
الإناء من ذلك فذهب الأكثر كما في المدارك بل المشهور كما في الجواهر إلى ما عرفت وعن المفيد في المقنعة أنه قال يغسل ثلاثا وسيطهن
بالتراب ثم يجفف وأطلق السيد في محكى الانتصار والشيخ في محكى الخلاف انه يغسل ثلاث مرات إحديهن بالتراب ولا يبعد انصرافه
إلى المشهور وأولى بذلك ما عن الصدوق في الفقيه أنه قال يغسل مرة بالتراب ومرتين بالماء بل لا يبعد دعوى ظهور مثل هذه العبارة
657

المسوقة لاعطاء الحكم في إرادة الترتيب وعن ابن الجنيد أنه قال يغسل سبعا إحديهن بالتراب وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف في اشتراط
التعفير بالتراب وعدم الاجتزاء بما دون الغسلات الثلث التي إحديهن بالتراب * (نعم) * تردد في المدارك بل قوى الاكتفاء بغسلة واحدة
بعد التعفير تبعا للمحكى عن شيخه الأردبيلي لو لم ينعقد الاجماع على تعدد الغسل بالماء فقال بعد نقل الأقوال بالترتيب المتقدم والمعتمد
الأول لنا ما رواه أبو العباس الفضل عن أبي عبد الله (ع) أنه قال في الكلب رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب
أول مرة بالماء ثم بالماء كذا وجدته فيما وقفت عليه من كتب الأحاديث ونقله كذلك الشيخ في مواضع من الخلاف والعلامة في المختلف
الا ان المصنف ره نقله بزيادة لفظ مرتين بعد قوله اغسله بالماء وقلده في ذلك من تأخر عنه ولا يبعد ان يكون الزيادة وقعت سهوا
من قلم الناسخ ومقتضى اطلاق الامر بالغسل الاكتفاء بالمرة الواحدة بعد التعفير الا ان ظاهر المنتهى وصريح الذكرى انعقاد الاجماع
على تعدد الغسل بالماء فان تم فهو الحجة والا أمكن الاجتزاء بالمرة لحصول الامتثال بها انتهى واعترضه جل من تأخر عنه باحتمال
اطلاعه على كون الرواية كذلك في أصل معتبر لم يصل الينا فإنه بحسب الظاهر كان عنده بعض الأصول التي ليس في هذه الأزمنة الا
أسمائها ويؤيده معروفية الفتوى بذلك في الاعصار المتقدمة ووقوع التصريح به في الفقه الرضوي * (أقول) * ولولا احتمال اطلاعه على
أصل غير واصل الينا لجزمنا بكون الزيادة سهوا أو بحكمه ككونها نقلا بالمعنى باعتقاد الناقل حيث اعتقد بواسطة الاجماع وغيره جرى
الاطلاق مجرى العادة فارتد به الغسل مرتين كما هو الغالب المتعارف في غسل الإناء المتلطخ بالتراب حيث يتخلف بعد الغسلة الأولى بعض
الاجزاء الأرضية أو اثرها فتزال بغسله ثانيا و * (كيف) * كان فاحتمال وقوع الزيادة سهوا أو نقلا بالمعنى قوى ولا ينافيه معروفية الفتوى
باعتبار المرتين فيما سبق بل تؤكده لكونها موجبة لانس الذهن بالزيادة فتجرى على القلم من غير التفات فالاعتراض على صاحب المدارك
باحتمال اطلاعه على كون الرواية كذلك بظاهره غير وجيه الا ان يوجه بأنه متى جاز ذلك وجب البناء على عدم وقوع الزيادة سهوا لأن الامر
دائر بين كون الزيادة سهوا أو بحكمه وبين كون النقص كذلك وقد تقرر في محله ان مقتضى القاعدة في مثل الفرض هو البناء على كون الاختلال
في طرف النقيصة فاستدلال صاحب المدارك باطلاق الامر بالغسل بمجرد نفى البعد عن وقوع الزيادة سهوا في غير محله اللهم الا ان يقال إن
الاعتماد على القاعدة وترجيح اصالة عدم وقوع الزيادة سهوا على اصالة عدم كون النقص كذلك في مثل المقام مما كان النقص في مواضع
متعددة من الخلاف وفى سائر كتب الحديث على ما ذكره في المدارك والزيادة في بعض الكتب المصنفة في الأعصار المتأخرة في غير محله فالانصاف
ان اثبات اعتبار المرتين بهذه الصحيحة اعتمادا على هذا النقل في غاية الاشكال فعمدة مستنده انما هو نقل الاجماع المعتضد بالشهرة
وعدم نقل الخلاف فيه ووقوع التصريح به في الرضوي المجبور ضعفه بما عرفت قال في الفقه الرضوي على ما حكى عنه ان وقع الكلب في الماء أو
شرب منه أهريق الماء وغسل الإناء ثلاث مرات مرة بالتراب ومرتين بالماء ثم يجفف انتهى وربما يظهر من بعض الأخبار كفاية مطلق الغسل
في تطهير الإناء من غير حاجة إلى التعفير كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الكلب يشرب من الإناء قال اغسل الإناء فيجمع بينها
وبين الصحيحة المتقدمة بتقييدها بكون الغسل بعد التعفير أو يحمل الغسل على إرادة ما يعم التعفير هذا ولكن الانصاف انه لولا اعتضاد
الصحيحة الامرة بالتعفير بفتوى الأصحاب واجماعهم لأمكن ان يقال إن ارتكاب هذا النحو من التقييد في صحيحة ابن مسلم المستلزم لحملها على
الاهمال مع كونها بظاهرها مسوقة لبيان الحكم الفعلي أو ارتكاب التجوز فيها بإرادة المعنى الأعم ليس بأهون من حمل الامر بالتعفير في تلك
الصحيحة على الاستحباب بل لا يبعد ان يكون هذا هو الأولى كما أن مقتضى الجمع بين الصحيحتين وبين موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
في الإناء يشرب فيه النبيذ قال تغسله سبع مرات وكذا الكلب والنبوي العامي إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب
حمل الامر بالسبع على الاستحباب فإنه أهون من تقييد الغسل في الصحيحتين بسبع مرات فإنه تصرف بعيد بل لا يبعد ان يدعى القطع
بعدم إرادة المعنى المقيد من الروايتين خصوصا الصحيحة الأولى على ما رواها في المعتبر من زيادة لفظ مرتين فإنها على هذا التقدير
في قوة التصريح بعدم اعتبار ما زاد عن المرتين فتكون المعارضة بينها وبين الموثقة من باب معارضة النص والظاهر فيرفع اليد عن
الظاهر بواسطة النص ومما يؤيد كون الامر بالسبع ندبيا مضافا إلى ما عرفت النبويان المرويان عن طرق العامة ان ولغ الكلب في إناء أحدكم
فليغسله ثلاث مرات مع زيادة أحدهما أو خمسا أو سبعا فان مقتضى التحديد بالثلث كما في أحدهما والتخيير بين الأقل والأكثر في الاخر
كون الزايد مستحبا فما عن ابن الجنيد من ايجاب سبع غسلات أولاهن بالتراب ضعيف واضعف منه ما عن المفيد من ايجاب ثلاث غسلات
وسطهن بالتراب إذ لم نعرف مستنده كما اعترف به غير واحد عدا ما حكى عن الخلاف من نسبته إلى الرواية * (تنبيهات الأول) * صرح المفيد
في ذيل عبارته المتقدمة بتجفيف الإناء بعد الغسلات وعن الصدوقين أيضا التصريح بذلك وعن جملة من المتأخرين ومتأخريهم
اختياره ويشهد له ما تقدمت حكايته عن الفقه الرضوي لكن لا اعتماد على الرضوي خصوصا مع مخالفته للمشهور فالأقوى عدم اشتراط
658

التجفيف كما يشهد له الأخبار المتقدمة الدالة بظاهرها على طهارة الإناء بعد غسله من غير اعتبار هذا الشرط والله العالم الثاني ظاهر
المتن وغيره بل المشهور شهرة كادت تبلغ الاجماع كما ادعاه في الجواهر قصر الحكم على الولوغ فلا يتعدى منه إلى مباشرة باقي أعضائه
عدا اللطع باللسان المساوي للولوغ بل أولويته منه فيما يحتمل مدخليته في التنجيس أو الحاجة إلى التعفير قال في محكى المعالم والمشهور
بين الأصحاب قصر الحكم على الولوغ وما في معناه وهو اللطع والوجه فيه ظاهر إذ النص انما ورد في الولوغ وادعاء الأولوية في غيره
مطلقا في حيز المنع وبدونها يكون الالحاق قياسا انتهى وعن الأردبيلي قدم منع التعدية إلى مباشرة لسانه أيضا بما لا تسمى ولوغا
حتى اللطع وهو بالنسبة إلى مجرد مباشرة اللسان وجيه دون اللطع الذي لا يفقد شيئا مما يتضمنه الولوغ من الأمور المناسبة للتنجيس
أو التعفير ودون ما لو شرب من الإناء على وجه لم يصدق عليه اسم الولوغ كما لو كان مقطوع اللسان أو ممنوعا من تحريك لسانه
فان مستند الحكم انما هو الصحيحة المتقدمة التي وقع فيها التعبير عن موضوع الحكم بفضل الحكم الكلب الصادق على ما شرب منه في جميع الصور
وانصرافها إلى كون شربه على وجه صدق عليه اسم الولوغ لكونه هو المتعارف في شرب الكلب انصراف بدوي منشأه غلبة الوجود وعن
العلامة في النهاية الحاق اللعاب لو حصل بغير الولوغ بالولوغ مستدلا عليه بان المقصود قلع اللعاب من غير اعتبار السبب ثم قال وهل
يجرى عرقه وساير رطوباته واجزائه وفضلاته مجرى لعابه اشكال الأقرب ذلك لأن فمه أنظف من غيره ولهذا كانت نكهته أطيب من غيره
من الحيوانات لكثرة لهثه انتهى ويتوجه عليه ما حكى عنه في المنتهى أنه قال لا يغسل بالتراب الا من الولوغ خاصة فلو ادخل الكلب يده
أو رجله أو غيرهما كان كغيره من النجاسات ثم نقل من الصدوقين التسوية بين الوقوع والولوغ ونقل أقوال بعض العامة ثم أجاب بأنه
تكليف غير معقول فيقف على النص وهو انما دل على الولوغ ثم نقل حجة المخالف بان كل جزء من الحيوانات يساوى بقية الأجزاء في الحكم
ثم أجاب بان التساوي ممنوع والفرق واقع إذ في الولوغ يحصل ملاقاة الرطوبة اللزجة للاناء المفتقر إلى زيادة في التطهير انتهى
* (أقول) * ما أشار إليه من أن الحكم توقيفي لم نتعقل مناطه حق ومقتضاه عدم التخطي إلى اللعاب أيضا فان كون مناط الحكم ملاقاة الرطوبة
اللزجة للاناء غير معلوم كيف وربما نقطع بعدم صيرورة الماء الذي شرب منه الكلب لزجا وعدم اكتساب الإناء منه لزوجة مفتقرة إلى التعفير
فلا يجوز التعدي إليه والحاصل ان التخطي عن مورد النص لا يجوز الا مع القطع بالمناط وعدم مدخلية خصوصيات المورد في الحكم
وانى لنا القطع بذلك في مثل هذا الحكم التعبدي الذي لم نعرف وجهه بعد ذهاب المشهور إلى قصر الحكم على الولوغ أو اللطع الذي
هو بمعناه كما صرح به غير واحد حيث إنه مشتمل على جميع الخصوصيات التي يتضمنها الولوغ بحيث لو كان الإناء مشتملا على الماء
لتحقق به اسم الولوغ وعن بعض متأخري المتأخرين موافقة الصدوقين في الحاق الوقوع بالولوغ واختاره في الحدائق مستدلا
عليه بعبارة الفقه الرضوي المتقدمة و * (فيه) * انه لا اعتماد على الرضوي خصوصا مع مخالفته للمشهور فما حكى عن المشهور هو الأشبه
ولكن الاحتياط مما لا ينبغي تركه والله العالم * (الثالث) * هل يعتبر مزج التراب بالماء أم لا قولان حكى أولهما عن الحلي والراوندي وعن
العلامة في المنتهى خاصة تقويته وتبعه في ذلك كاشف اللثام حيث قال ودليل ابن إدريس ان الغسل حقيقة في اجراء المانع فظاهر
قوله اغسله بالتراب اغسله بالماء مع التراب نحو اغسل الرأس بالسدر والخطمى وحمله على الدلك مجاز بعيد وهو قوى كما في المنتهى انتهى
واختاره بعض متأخر المتأخرين من المعاصرين ونسب إلى المشهور القول بعدم اعتباره لكنهم على في الحدائق بين ساكت عن حكم المزج
وبين مصرح بجوازه واجزائه في التطهير وممن صرح بالاجزاء الشهيد في الدروس والبيان وهو ظاهر الشهيد الثاني في المسالك أيضا الا
انه اشتراط ان لا يخرج التراب بالمزج من اسمه أقول فهو بحسب الظاهر ينكر الاجتزاء بالممتزج لكنه لا يشترط اليبوسة في التراب واستدل
القائل بالاشتراط بان الوارد في النص هو الغسل بالتراب وحقيقة الغسل جريان المايع على المحل ولا يتحقق هذا المعنى حقيقة ما لم يمتزج قال
ابن إدريس على ما حكى عنه الغسل بالتراب غسل بمجموع الامرين منه ومن الماء لا يفرد أحدهما عن الاخر إذ الغسل بالتراب لا يسمى غسلا
لأن حقيقته جريان المايع على الجسم المغسول والتراب وحده غير جار انتهى وفيه ان اعتبار المزج لا يوجب العمل بحقيقة الغسل فان الغسل
عرفا عبارة عن اذهاب الوسخ باستعمال الماء وما جرى مجريه في الميعان دون مطلق المايع الذي يكون كالوحل والدبس ونحوهما ولا يظن
بأحد ان يلتزم باعتبار هذا الحد من الميعان الموجب لصيرورته ماء أو شبهه وان اشعر كلام العلامة في محكى التذكرة بكونه مفروغا منه
لدى القائلين باشتراط المزج حيث قال إن قلنا بمزج الماء هل يجرى لو صار مضافا اشكال وعلى تقديره هل يجزى عوض الماء
ماء الورد وشبهه اشكال وكيف كان فان أراد القائل باعتبار المزج هذه المرتبة من الامتزاج فهو واضح الفساد إذ لم يقصد بقوله
اغسله بالتراب الغسل بالماء الغير الصافي المشتمل على بعض اجزاء ترابية بلا شبهة وان اراده ما دون هذه المرتبة فلا يتحقق معه حقيقة
الغسل فيكون اطلاق الغسل عليه بلحاظ كونه مؤثرا في التنظيف فقوله اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء يعنى نظفه به أولا قبل استعمال
659

الماء فلا مقتضى في تصرف لفظ التراب عن ظاهره وارتكاب التجوز فيه واما ما في الكشف من تنظيره بالامر بغسل الرأس بالسدر والحظى
* (ففيه) * انه ان أراد غسله بهما بعد امتزاجهما بالماء مزجا مصححا لحصول الغسل بالممتزج كما في تغسيل الأموات بالسدر والكافور فقد
أشرنا إلى أنه غير مراد بالرواية قطعا وان أراد غسله بهما كغسله بالطين والصابون من استعمال ما يستعان به في الإزالة من
الصابون والطين السدر ونحوها أولا ثم تنظيفه بالماء على حسب ما يتعارف في استعمال مثل هذه الأشياء * (ففيه) * ان الغسل بالطين
مثلا في الفرض اسم لمجموع العمل الذي هو عبارة عن اعمال الطين وازالته مع ما انتقل إليه من الوسخ باستعمال الماء فمتى اطلق
الغسل بالطين وأريد به مجموع العمل الذي يتحقق به نظافة المغسول يكون الاطلاق حقيقيا والباء فيه للاستعانة واما لو أريد به خصوص
الجزء الأول من المركب الذي هو عبارة عن اعمال الطين فقط كما لعله المتبادر من قول القائل اغسل رأسك بالطين أولا ثم بالماء يكون
الاستعمال مجازيا والعلاقة المصحة للاستعمال اما كونه الجزء المقوم للمجموع المركب المسمى بالغسل بالطين أو بلحاظ إرادة التنظيف
من الغسل وتجريده عن الخصوصية المعتبرة فيه فمعناه نظفه بالطين أولا ثم بالماء وكلاهما من أقرب المجازات واعتبار مزج الطين
أو السدر ونحوه بمقدار قليل من الماء الموجب لتلطخ الرأس به حين الاستعمال وان كان بحسب الظاهر من مقومات جزئيته للمركب
الذي يصدق عليه الغسل بالطين أو السدر لكنه ليس من مقومات إرادة المعنى المجازى بناء على تجريد الغسل من الخصوصية بل هو
من شرائط استعماله بحسب المتعارف ولا يتبادر من قوله (ع) في الصحيحة اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء الا إرادة غسلة واحدة
بالماء بعد تعفيره لا غسلتين أحدهما بالماء القراح والاخر بالماء الذي يتحقق في ضمنه التعفير فتسمية التعفير غسلا مبنية على تجريده
عن الخصوصية وإرادة التنظيف منه * (فح) * لا مقتضى لصرف لفظ التراب عن ظاهره وحمله على إرادة الممتزج الذي يخرج بالمزج من مسماه
بل مقتضى اصالة الحقيقة في لفظ التراب اعتبار عدم خروجه بالمزج من مسماه كما اعتبره الشهيد الثاني وغيره وما قد يتوهم من أن إرادة
التنظيف بالتراب الممتزج بالماء لا مطلقة أقرب من حيث الاعتبار بالنظر إلى تسميته غسلا ففيه بعد التسليم ان هذا لا يصلح قرنية
لحمل لفظ التراب على إرادة الممتزج الذي لا يصدق عليه اسم التراب فما نسب إلى المشهور من عدم اعتبار المزج لا يخلو من قوة
وان كان الأحوط ان لم يكن أقوى الجمع بين استعمال مسمى التراب واستعمال الممتزج وازالته بالماء على نحو غسل الرأس بطين
البصرة ونحوه فان إرادة هذا المعنى من الامر بغسله بالتراب غير بعبدة وان كان الأسبق إلى الذهن المعنى الأول أعني خصوص
التعفير والله العالم * (الرابع) * هل يعتبر في الغسلة الأولى استعمال خصوص التراب أم يجتزى بغيره مما يشبهه في قالعية النجاسة
والاجزاء اللعابية كالأشنان والسدر ونحوهما وجهان بل قولان نسب أولهما إلى المشهور وهو الأشبه وقوفا في الحكم التعبدي
التوقيفي على مورد النص وحكى عن ابن الجنيد الاجتزاء وعن بعض الأصحاب موافقته عند الضرورة وربما حكى عنه أيضا القول بذلك
في حال الضرورة واستدل له بمساواة غير التراب للتراب في قالعية النجاسة بل أولوية بعضه منه وفيه مع اقتضائه الاجتزاء به في
غير حال الضرورة أيضا ما أشرنا إليه مرارا من عدم وضوح مناط الحكم بل غلبة الظن بعدم كون المناط إزالة اجزاء حسية تتوقف
ازالتها على التعفير فهو حكم تعبدي توقيفي لا يجوز التخطي عن مورده فلعل لخصوصية التراب الذي جعله الله أحد الطهورين دخلا
في ذلك والله العالم * (الخامس) * لو تعذر التراب وما قام مقامه على القول به قيل يجتزى بغسله بالماء وضعفه ظاهر فان مقتضى الدليل
الدال على اعتباره كون الغسل بالتراب كالغسل بالماء شرطا في طهارة الإناء مطلقا فتعذره ليس الا كتعذر الماء * (نعم) * قد يتجه ذلك
بناء على ما زعمه غير واحد من المتأخرين من التفصيل بين الشرائط الثابتة للتكاليف بصيغة الامر أو بجملة خبرية ونحوها بتخصيص الأولى
بحال القدرة نظرا إلى عدم تنجز التكليف بالشرط الا معها فان مقتضاه الاخذ باطلاقات الغسل وعدم الالتزام بتقييدها بالتعفير
الا مع القدرة فان عمدة مستنده صحيحة الفضل التي وقع فيها التعبير بصيغة الامر أو الاجماع القاصر عن شمول مورد الخلاف لكنك عرفت
مرارا ضعف المبنى فالمتجه ما عرفت * (السادس) * لو تعذر التعفير لعدم قابلية الإناء اما لضيق فمه أو لرقته وكونه مما يفسده التعفير أو غير
ذلك قيل يجتزى في تطهيره بالغسل بالماء والا للزم تعطيل الإناء وهو ضرر ومشقة فيفيه أدلة نفى الحرج والضرر وفيه النقض بما
لو تعذر غسله بالماء فإنه لا يقول أحد بصيرورته طاهرا بدونه وربما يوجه هذا القول بقصور ما دل على اعتبار التعفير عن شمول
مثل الفرض فان المتبادر من مثل قوله (ع) اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء ليس الا ارادته بالنسبة إلى ما أمكن فيه ذلك كما هو الغالب
فيما يتحقق فيه الولوغ فالأواني التي ليس من شأنها ذلك خارجة من مورد الرواية ودعوى ان مثل هذه الأوامر مسوقة لبيان الاشتراط
فلا تختص موردها بصورة التمكن من تحصيل الشرط فهي بمنزلة الاخبار عن أن طهارة الإناء المتنجس بالولوغ مشروطة بالتعفير سواء
أمكن فيها تحصيل الشرط أم لا غير مجدية بالنسبة إلى المصاديق الخارجة من منصرف الرواية فحال مثل هذه الأواني حال سائر الأشياء
660

المتنجسة بالولوغ مما لم نقل فيها بوجوب التعفير فليتأمل * (السابع) * لا يسقط التعفير في الغسل بالماء الكثير والجاري وما بحكمه من ماء الحمام
والمطر على الأظهر كما حكى عن المشهور لاطلاق النص ولا يعارضه عموم مرسلة الكاهلي كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر وقوله عليه السلام ميسرا إلى غدير
ماء ان هذا لا يصيب شيئا الا وطهره فان النسبة بينهما وان كانت عموما من وجه لكن اندراج المورد في موضوع الخبر الامر بالتعفير اظهر من
اندراجه في موضوع الخبرين بل المتبادر من الخبرين انما هو كفاية إصابة ماء المطر والكر في طهارة مامن شأنه التطهير بالغسل فكما
انهما لا يعمان النجاسات العينية والمتنجسات التي لا تزول عنها عين النجاسة بالإصابة فكذلك لا يعمان لما يحتاج إلى التعفير
الذي هو بمنزلة إزالة العين * (نعم) * يعد التعفير وصيرورته قابلا لأن يطهره بالغسل بالماء يندرج في موضوع الخبرين فيسقط اعتبار
التعدد في غسله في الفرض لسلامة الخبرين من المعارض فان عمدة مستند اعتبار موضوع التعدد هو الاجماع المقصود على ما لو غسل
بالماء القليل واما لو غسل في الكثير والجاري وما بحكمه فالمشهور بين الأصحاب على ما ذكره في الحدائق انما هو سقوط التعدد واما الرضوي
الامر بغسله بالماء مرتين وكذا صحيحة أبي العباس الفضل على ما رواها في المعتبر من زيادة لفظة مرتين بعد الامر بغسله بالماء فعلى
تقدير صحة الاستدلال بهما وان كان مقتضى اطلاقهما اعتبار العدد مطلقا لكن تقييدها بما إذا كان الغسل بالماء القليل
أولى في مقام الجمع من تخصيص الخبرين بهما فان ظهور المطلقين في الاطلاق أضعف من ظهور العامين في العموم بالنسبة إلى مورد
الاجتماع بل قد يدعى انصراف المطلقين في حد ذاتهما إلى إرادة الغسل بالماء القليل لكونه هو الغالب في مكان صدور الاطلاق
والحاصل ان قوله (ع) اغسله بالتراب أول مرة له قوة ظهور في إرادة الاطراد بحيث لا يعارضه عموم كل شئ يراه ماء المطر فقد
طهر بل له نوع حكومة على هذا العموم بنظر العرف حيث يرونه بمنزلة الامر بإزالة العين واما قوله (ع) ثم بالماء مرتين فليس له ظهور
يعتد به في الاطلاق بالنسبة إلى مصاديق الياه بحيث يكافي ظهور المرسلة في سببيته الشئ للمطر لطهارته على الاطلاق فمقتضى
الجمع بين الروايتين تخصيص عموم المرسلة بالفقرة الأولى من الصحيحة وتقييد الفقرة الثانية منها بعموم المرسلة وخروج
إناء الولوغ في بعض أحواله من العموم لا يستلزم خروجه مطلقا حتى يمتنع تقييد الفقرة الثانية به لأن مفاد المرسلة انما هو سببيته
مطلق رؤية الشئ للمطر لطهارته فخروج فرد في بعض أحواله لا يقتضى الا تقييد اطلاق سببيتها بغير تلك الحال كما لا يخفى ثم إنه
حكى عن غير واحد انه أوجب الغسلتين بعد التعفير مطلقا ولكنه جعل تعاقب جريات الماء الجاري ونزول المطر بمنزلة غسلات
متعددة وفيه ان الغسل لا يتعدد بذلك عرفا حتى يجتزى به بعد البناء على اعتبار التعدد كما لا يخفى * (الثامن) * حكى عن الشيخ في
الخلاف الحاق الخنزير بالكلب مستدلا عليه بتسميته كلبا لغة وفيه منع صدق الاسم حقيقة وعلى تقدير التسليم فلا ينصرف إليه الاطلاق
عرفا والأظهر وجوب غسل الإناء الذي شرب منه الخنزير سبع مرات كما صرح به غير واحد من المتأخرين بل لعله المشهور بينهم كما عن
بعض ادعائه لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سئلته عن خنزير شرب من الإناء كيف يصنع به قال يغسل سبع مرات وعن المصنف
في المعتبر حملها على الاستحباب معتذرا سها العامل بظاهرها ولعل اعراض أكثر القدماء عن ظاهرها كما يظهر من اعتذار المصنف
نشأ مما فيه من الاستبعاد فان ايجاب الغسل سبع مرات لنجاسة حكمية مع وضوح عدم كون الغسل واجبا تعبديا وكفاية مطلق الغسل
لإزالة الفضلات العينية المنتقلة من الخنزير إلى الثوب الذي أحوج إلى تكرير الغسل في تنظيفه من الإناء كما يشهد له صدر هذه
الصحيحة فضلا عن غيرها من الأدلة حيث قال سئلته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به قال إن
كان دخل في صلاته فليمض وان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما اصابه من ثوبه الا ان يكون فيه اثر فيغسله في غاية البعد فلا يبعد
ان يقال إن هذا الاستبعاد العقلي مانع من مساعدة العرف على تقييد ما يمكن الاستدلال به لكفاية مطلق الغسل في إزالة النجاسة
وما ورد في خصوص الإناء كالموثقة الآتية بهذه الصحيحة والانصاف ان اعراض أكثر القدماء عن ظاهر الصحيحة السالمة من
معارض مكافي مع ما أشرنا إليه من الاستبعاد يورث غلبة الظن بعدم إرادة الوجوب منها لكن الظن لا يعنى عن الحق شيئا ما لم
يثبت اعتباره فالجمود على ظاهر الصحيحة هو الأشبه بالقواعد خصوصا بعد أن ثبت الفرق بين الإناء وغيره في الولوغ وغيره مما
ستعرف ويجب غسل الإناء من الخمر ثلثا كما يدل عليه مضافا إلى الموثقة الآتية الدالة عليه في غسل الإناء من مطلق النجاسات
خصوص موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه خل أو ماء كامخ قال
إذا غسل فلا بأس وعن الإبريق وغيره يكون فيه الخمر أيصلح ان يكون فيه ماء قال إذا غسل فلا بأس وقال في قدح أو إناء
يشرب فيه الخمر قال تغسله ثلاث مرات وسئل أيجزيه ان يصب فيه الماء قال لا يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات
فيتقيد بهذه الموثقة اطلاق الأخبار الكثيرة الدالة على جواز استعمال أواني الخمر بعد غسلها مع أن المتأمل فيها يرى ورودها
661

لبيان حكم اخر كما في صدر هذه الموثقة فلا تعارض ما في ذيلها من وجوب الغسل ثلثا كما أنه لا يعارضه موثقته الأخرى عن أبي
عبد الله عليه السلام في الإناء يشرب فيه النبيذ قال يغسل سبع مرات وكذا الكلب لقبول هذه الموثقة للتوجيه بالحمل على الاستحباب
كما يؤيده ما في الرواية من تشبيه الكلب به مع أن الغسل سبعا من الكلب ليس الا على سبيل الاستحباب وربما ناقش بعض القائلين
بوجوب السبع في هذا الجمع بعدم كون الموثقة الأولى نصا في كفاية الثلث حتى يجمع بينهما بتأويل الظاهر بالنص فان دلالتها
اما بالمفهوم أو بالسياق فلا تكون نصا في المدعى فمقتضى القاعدة بعد تكافؤ الخبرين الرجوع إلى استصحاب النجاسة و * (فيه) * مالا يخفى
فإنه قد يكون الكلام نصا في إرادة المفهوم كما في المقام فان من سمع بهذه الرواية لا يحتمل الا ان المتكلم أراد بها طهارة الإناء
بغسله ثلثا وهذا بخلاف رواية السبع فان من سمع بها يحتمل بها إرادة الاستحباب بل ربما يظن بها بواسطة القرائن الداخلية
والخارجية فالقول بوجوب السبع ضعيف واضعف منه القول بكناية الواحدة اما للبناء على عدم حجية الموثق أو عدم صلاحيته لتقييد
المطلقات الكثيرة وفى كلا البنائين مالا يخفى ويجب غسل الإناء من موت الجرذ بالجيم والراء المهملة والذال المعجمة على ما في المجمع كعمر
الذكر من الفيران يكون في الفلوات وهو أعظم من اليربوع اكدر وذنبه سواد وعن الجاحظ الفرق بين الجرد والفارة كالفرق ما
بين الجواميس والبقر والنجاتي والعراب والجمع جرذان بالكسر كغلمان سبعا على المشهور على ما نسب إليهم وقيل ثلثا كما في المتن والنافع
وكشف الرموز على ما حكى عنه وعن آخرين الحاقة بسائر النجاسات حجة القول بوجوب السبع موثقة عمار بن عن أبي عبد الله عليه السلام
قال اغسل الإناء الذي يصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات ومستند القول بكونه كسائر النجاسات تضعيف هذه الرواية ومنع صلاحيتها
لاثبات مثل هذا الحكم التعبدي وتقييد ما دل على كفاية الغسل في سائر النجاسات وخصوص موثقة عمار الآتية في كيفية غسل الإناء
مع ما في هذه الرواية من الاستبعاد الذي تقدمت الإشارة إليه عند البحث عن غسل الإناء من شرب الخنزير من عدم كون الحكم
تعبديا محضا وعدم خصوصية للاناء مقتضية لهذه المرتبة من التكرير مع أنه لم يجب مثله لما هو أعظم منه نجاسته كموت الكلب والخنزير
ونحوهما فهذا النحو من الاستبعاد مانع من ظهور الرواية في الوجوب وصلاحيتها لتقييد غيرها من الأدلة واما القول بوجوب الثلث
فيه بالخصوص كالخمر فلم يعرف له مستند يعتد به كما اعترف به غير واحد نعم ارسل بعض على ما حكى عنه ان عليه رواية لكن لم يثبت ورودها
فيه بالخصوص بل قد يغلب على الظن ان يكون المراد بها الموثقة الآتية الواردة في غسل الإناء من مطلق النجاسات فالقول باعتبار
الثلث فيه وكفاية الواحدة في غيره كما في المتن ضعيف ويتلوه في الضعف القول بكونه كسائر النجاسات لما تقدمت الإشارة إليه
انفا من أن الأشبه بالقواعد هو الجمود على ظاهر النص في الاحكام التوقيفية وعدم الالتفات إلى مثل الاستبعادات المذكورة
وان كانت مورثة للظن بعدم إرادة الوجوب من الرواية إذ لا اعتماد على مثل هذا الظن الغير المستند إلى دليل معتبر واما الخدشة في
مثل هذه الرواية الموثقة المعمول بها بضعف السند فليست من دابنا فالأقوى وجوب السبع من موت الجرذ * (نعم) * لو قيل بحجية نقل الاجماع
اتجه الالتزام بكفاية الثلث وتنزيل الامر بالسبع في الرواية على أنه أفضل كما هو الشأن في إناء الخمر على ما عرفته انفا لما حكى عن
الشيخ في الخلاف من دعوى الاجماع على طهارة الإناء بغسله ثلثا من جميع النجاسات عدا الولوغ لكنك عرفت مرارا ضعف المبنى
فالأقوى ما عرفت والله العالم و * (قيل) * يغسل الإناء من غير ذلك أي ما ذكره من النجاسات الخاصة مرة واحدة بل عن كشف اللثام
نسبته إلى الأكثر وعن الحلي دعوى الاجماع عليه وعن جماعة القول بوجوب الثلث وهذا أحوط بل أقوى الموثقة عمار بن أبي عبد الله (ع)
قال سئل عن الكوز أو الإناء يكون قذرا كيف يغسل وكم مرة يغسل قال ثلاث مرات يصيب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ثم يصب فيه
ماء اخر فيحرك ثم يفرغ منه ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر حجة القائلين بكفاية الواحدة تضعيف الرواية ومنع
صلاحيتها لاثبات الخصوصية للاناء والرجوع في حكمه إلى الأدلة الدالة على كفاية مطلق الغسل في إزالة تلك النجاسات وقد
عرفت ضعفه فيما تقدم فالأقوى وجوب الثلث عملا بظاهر الموثقة والله العالم قد فرغ من كتاب الطهارة
من الكتاب المسمى بمصباح الفقيه مصنفه أقل الطلبة محمد رضا الهمداني في ليله الحادي عشرة
من شوال سنة احدى وثلاثمأة بعد الألف من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف
التحية وفقنا الله [تع] لاتمام الكتاب بمحمد واله الأطياب
وبيد الأحقر العاصي ميرزا حسن ناسخيان
قلمي شد في عاش جمادى الأولى
* 1353 *
662