الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٧
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٥ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء السابع
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
نام كتاب: جواهر الكلام
تيراژ: 2000 نسخه
نوبت چاپ: سوم
تاريخ انتشار: پائيز 1367
چاپ از: چاپخانه خورشيد
ناشر: دار الكتب الإسلامية تهران، بازار سلطاني، تلفن 520410
1

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين الغر الميامين، الذين بهم أرجو من
ربي الكريم الرحمان الرحيم العليم الحكيم الإعانة على اتمام (كتاب) أحكام (الصلاة)
التي تنهى عن الفحشاء والمنكر (1) وبها تطفأ النيران (2) وقربان كل تقى (3) ومعراج
كل مؤمن نقي، وتغسل الذنوب كما يغسل النهر الجاري درن الجسد، وتكرارها
كل يوم خمسا كتكراره (4) وأوصى الله بها المسيح ما دام حيا (5) وغيره من الرسل (6)
بل هي أصل الاسلام (7) وخير العمل (8) وخير موضوع (9) والميزان والمعيار

(1) سورة العنكبوت الآية 44.
(2) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 من كتاب الصلاة.
(3) الوسائل - الباب 12 - من أبواب أعداد الفرائض الحديث 1.
(4) الوسائل - الباب 2 - من أبواب أعداد الفرائض الحديث 3
(5) سورة مريم الآية 32.
(6) فروع الكافي ج 2 ص 214 المطبوعة بطهران عام 1377 - باب حج الأنبياء
عليهم السلام الحديث 7 من كتاب الحج.
(7) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب مقدمة العبادات - الحديث 3.
(8) تحف العقول ص 198 المطبوعة بطهران عام 1376
(9) الوسائل - الباب 42 - من أبواب أحكام المساجد - الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2

لسائر أعمال الأنام، فمن وفى بها استوفى أجر الجميع وقبلت منه كلها (1) فهي حينئذ
للأعمال بل للدين كالعمود للفسطاط (2) ولذا كانت أول ما يحاسب به العبد وينظر
فيه من عمله، فإذا قبلت منه نظر في سائر عمله وقبل منه، وإذا ردت لم ينظر في باقي
عمله ورد عليه (3) فلا غر ولو سمي تاركها من الكافرين، بل هو كذلك لو كان الداعي
له الاستخفاف بالدين (4) وهي التي لم يعرف الصادق (عليه السلام) شيئا مما يتقرب به
ويحبه الله تعالى بعد المعرفة أفضل منها (5) بل قال (عليه السلام): (هذه الصلوات
الخمس المفروضات من أقامهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد
يدخل به الجنة، ومن لم يصلهن لمواقيتهن ولم يحافظ عليهن فذلك لله، إن شاء غفر له
وإن شاء عذبه) (6) وصلاة فريضة خير من عشرين حجة، كل حجة خير من بيت
مملو ذهبا يتصدق منه حتى يفنى (7) بل صلاة فريضة أفضل من ألف حجة كل حجة
أفضل من الدنيا وما فيها (8) وأن طاعة الله خدمته في الأرض، وليس شئ من خدمته
يعدل الصلاة، فمن ثمة نادت الملائكة زكريا وهو قائم يصلي في المحراب (9) وإذا قام
المصلي إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض، وحفت به
الملائكة، وناداه، ملك لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة ما انفتل (10) إلى غير ذلك مما

(1) الوسائل - الباب 8 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 8 - 6 - 10
(2) الوسائل - الباب 8 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 8 - 6 - 10
(3) الوسائل - الباب 8 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 8 - 6 - 10
(4) الوسائل - الباب 11 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2.
(5) الوسائل - الباب 10 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
مع اختلاف في اللفظ.
(7) الوسائل - الباب 10 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4 - 8 - 5.
(8) الوسائل - الباب 10 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4 - 8 - 5.
(9) الوسائل - الباب 10 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4 - 8 - 5.
(10) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3.
3

ورد فيها مما لا يحصى عدده، كخبر الشامة (1) وغيره.
مع أن في الاعتبار ما يغني عن الآثار، إذ قد جمعت ما لا يجمعه غيرها من
العبادات من عبادة اللسان والجنان بالقراءة والذكر والاستكانة والشكر والدعاء الذي
ما يعبأ الله بالعباد لولاه، وظهور أثر العبودية للمعبود بالركوع والسجود وجعل أعلى
موضع وأشرفه على أدنى موضع وأخفضه، وقد كتب الرضا (عليه السلام) إلى محمد
ابن سنان (2) فيما كتب من جواب مسائله (إن علة الصلاة أنها إقرار بالربوبية لله
عز وجل، وخلع الأنداد، وقيام بين يدي الجبار جل جلاله بالذل والمسكنة والخضوع
والاعتراف والطلب للإقالة من سالف الذنوب، ووضع الوجه على الأرض كل يوم
إعظاما لله عز وجل، وأن يكون ذاكرا غير ناس ولا بطرا على ذكر الله عز وجل بالليل
والنهار لئلا ينسى العبد سيده ومدبره وخالقه فيبطر ويطغى، ويكون في ذكره لربه
عز وجل وقيامه بين يديه زاجرا له عن المعاصي ومانعا له من أنواع الفساد) وغير ذلك
مما لا يخفى على من لاحظ أسرار الصلاة.
ولا يختص هذا الفضل بخصوص الفرائض الخمس من الصلوات وإن اختصت
بعض الأخبار (3) بها، بل قد يقال بانصراف ما كان موضوعه لفظ الصلاة إليها، لأنها
هي المعهودة المستعملة التي لم يسأل العبد بعد أدائها عن غيرها (4) إلا أن التأمل فيما ورد
عنهم (عليهم السلام) بل هو صريح البعض يقضي بعدم الفرق بين الفرض والنفل في
هذا الفضل، وأنهما جميعا خير العمل.
كما أنه لا يشكل فضل الصلاة على الحج المشتمل على الصلاة وغيرها بعد ظهور
هذه العبارة كنظائرها في إرادة باقي أجزاء الحج غيرها، إذ لكل جزء منه فضل مستقل

(1) الوسائل - الباب 2 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 9 - 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 7 مع زيادة في الوسائل
(3) الوسائل - الباب 2 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 9 - 2 - 6
(4) الوسائل - الباب 2 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 9 - 2 - 6
4

وإن كان هو جزء، أو يراد بالصلاة المفضلة عليه إحدى الفرائض الخمس، أو غير ذلك.
وكيف كان فالمشهور في كتب الفقه أن الصلاة لغة الدعاء، ولعل منه قول الأعشى:
تقول بنتي وقد قيضت مرتحلا * يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي * نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
بل في روض الجنان أنها كذلك من الله عز وجل وغيره ردا على من قال:
أنها منه بمعنى الرحمة ومن الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء، معللا له بأن ارتكاب
كونها في ذلك ونحوه مجازا خير من جعلها مشتركة، وبأن ظاهر العطف في قوله تعالى (1):
(عليهم صلوات من ربهم ورحمة) يقتضي المغايرة، وفيه أن الخيرية تجدي مع الشك،
وهو هنا ممنوع، إذ لو سلم عدم القطع من تصريح البعض به - بل قد يظهر من المحكي
عن المحقق الثاني نسبته إلى الجميع أو الأكثر، ومن كثرة استعمال لفظ الصلاة في ذلك
على وجه يبعد أن يكون مجازا، خصوصا في مثل قوله: اللهم صل على محمد وآله ونحوه
وغير ذلك بوضعها لذلك - فلا أقل من الظن، وهو كاف في الموضوعات، نعم الظاهر أن الثاني من الثالث، إذ الاستغفار نوع من الدعاء، وأما الآية فهي مشتركة الالزام،
إذ هو لا ينكر أنها منه تعالى بمعنى الرحمة إنما يمنع أنه حقيقة، ولذا أجاب عن الآية بعد
ذلك بانكار اقتضاء العطف المغايرة ناقلا له عن مغني ابن هشام مستشهدا له بهذه الآية
وغيرها، وفيه أنه لا ريب في ظهور العطف بذلك إلا مع القرينة، ولعل الآية منه،
لا أن أصل العطف لا ظهور له بذلك، فتأمل.
وربما قيل: إنها لغة المتابعة أيضا، وحسن الثناء من الله تعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله)
وفيه أن الثاني مجاز قطعا بناء على أنها في الرحمة حقيقة، ولعل من ذكره أراد ابدال
الرحمة به، وفي النهاية قيل: إن أصلها في اللغة التعظيم، ولعل منه الصلوات لله
في تشهد الناس.

(1) سورة البقرة - الآية 152.
5

وعن بعضهم أنها بمعنى السبحة أي التنزيه، ولذا سميت به في قوله تعالى:
(فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) (1) (وسبح بحمد ربك) (2) إلى آخره.
لكن الغالب إطلاق السبحة على النافلة في النصوص (3).
وقد يقال بملاحظة استعمالها في بيت الأعشى، وقوله تعالى: (عليهم صلوات
من ربهم ورحمة) (4) و (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (5) و (إن الله
وملائكته يصلون على النبي) (6) و (اللهم صل على محمد وآله) ونحو ذلك مع أصالة
عدم الاشتراك وظهور اتحاد المراد منها في قوله تعالى: (إن الله وملائكته) إنها بمعنى
أعم من الدعاء ينطبق عليها جميعها، كمطلق طلب الخير وإرادته مثلا، وإن كان هو
بالنسبة إلى الله عين الفعل، لعدم تخلفه عن الإرادة، فالمراد حينئذ من الآية (إن الله
وملائكته) يريدون الخير من الرحمة والبركة والشفاعة والتعظيم وغيرها لمحمد (صلى الله
عليه وآله)، فيا أيها الذين آمنوا أنتم أيضا أريدوا به كذلك كما يريد الله له، وكذا
المراد من قوله: (اللهم صل على) إلى آخره، بل وقوله تعالى: (عليهم صلوات من
ربهم) لما عرفت أن إرادته لا بد من أن تكون سببا لوقوع المراد من البركة ونحوها،
بل وكذا بيت الأعشى وغيره مما ينطبق عليها جميعها، لكن روى الصدوق في المحكي
عن معاني الأخبار مسندا إلى أبي حمزة (7) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن قول الله عز وجل: (إن الله وملائكته) إلى آخره فقال: الصلاة من الله عز وجل

(1) سورة الروم - الآية 16
(2) سورة طه - الآية 130 وسورة المؤمن - الآية 57 وسورة ق - الآية 38.
وسورة الطور الآية 48
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(4) سور البقرة - الآية 152
(5) سورة الأحزاب - الآية 56
(6) سورة الأحزاب - الآية 56
(7) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الذكر - الحديث 1 من كتاب الصلاة.
6

رحمة، ومن الملائكة تزكية، ومن الناس دعاء - إلى أن قال -: فقلت له: كيف نصلي
على محمد وآله؟ قال (عليه السلام): تقولون صلوات الله وصلوات ملائكته وأنبيائه
ورسله وجميع خلقه على محمد وآل محمد، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته،
قلت: فما ثواب من صلى بهذه الصلوات؟ قال: الخروج من الذنوب والله كهيئة يوم
ولدته أمه) وفي خبر كعب بن عجرة (1) المروي عن المجالس والأمالي (قلت:
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال:
قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد
مجيد) وهما معا كما ترى يمكن عدم منافاتهما لما ذكرنا، ولقد عثرت بعد ذلك على كلام
للفاضل المتبحر ابن هشام في المغني يقرب مما قلناه، بل هو هو، حيث إنه بعد أن حكى
عن بعضهم أن الصلاة المقدرة في قوله تعالى: (إن الله وملائكته) إلى آخره بمعنى
الرحمة، والموجودة بمعنى الاستغفار، قال: (قلت: الصواب عندي أن الصلاة لغة
بمعنى واحد، وهو العطف، ثم العطف بالنسبة إلى الله تعالى الرحمة، وإلى الملائكة
الاستغفار، وإلى الآدميين دعاء بعضهم لبعض).
وأما قول الجماعة فبعيد من جهات، إحداها اقتضاؤه الاشتراك، والأصل
عدمه، لما فيه من الالتباس، حتى أن قوما نفوه، ثم المثبتون له يقولون متى عارضه
غيره مما يخالف الأصل كالمجاز قدم عليه. الثانية إنا لا نعرف في العربية فعلا واحدا
يختلف معناه باختلاف المسند إليه إذا كان الاسناد حقيقيا. الثالثة أن الرحمة فعلها
متعد والصلاة فعلها قاصر، ولا يحسن تفسير القاصر بالمتعدي. الرابعة أنه لو قيل
مكان صلى عليه دعا عليه انعكس المعنى، وحق المترادفين صحة حلول كل منهما محل
الآخر، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الذكر - الحديث 2 من كتاب الصلاة.
7

وأما شرعا فقد ذكروا لها تعريفات متعددة لا فائدة في التعرض لها،
ولقد أجاد في المدارك حيث قال: (هي أشهر من أن يتوقف معناها على التعريف
اللفظي، وهو كذلك، على أنه لا يكاد يسلم شئ منها عن نقض في طرده أو عكسه
أو اشتماله على ما يخرجه عن قياس التعاريف، بل لعل ذلك كالمتعسر باعتبار اختلاف
أحوالها بالنسبة للمختار والمضطر والصحيح والسقيم، فتارة تكون أقوالا محضة،
وأخرى أفعالا كذلك، وأخرى تجمعهما، ولكل من الأحوال الثلاثة أحوال أيضا،
وإن أبيت إلا التعريف فالأولى تعريفها بأنها العبادة التي اعتبر الشارع في افتتاحها التكبير
أو بدله، واختتامها التسليم أو بدله، وإن كنت لا أضمن عدم ورود شئ عليه،
وعلى كل حال فهي بهذا المعنى أمر شرعي لا مدخلية للغة فيه، وأنى وأهل اللغة وهذا
المعنى، إنما البحث في أنها حقيقة شرعية أو مجاز، وقد فرغنا من ذلك في الأصول،
وذكرنا أن الحق الأول، وذكر بعض أهل اللغة لهذا المعنى في سلك ما ذكر من
المعاني لهذا اللفظ لا يقتضي الوضع له لغة بعد أن جرت عادتهم أو الأكثر منهم على
عدم الاقتصار على ذكر الحقائق اللغوية، بل يذكرون كلما يستعمل فيه اللفظ وإن كان
مجازا، على أن من المحتمل كون ذكرهم لهذا المعنى وإن كان هو حقيقة شرعية باعتبار
أن أهل الشرع من أهل اللغة أيضا ومن العرب الفصحاء، وحينئذ تندرج بهذا الاعتبار
في الحقائق اللغوية، إذ جعل خصوص الوضع عندهم حقيقة شرعية إنما هو مجرد اصطلاح
حادث لا يجب جريان كتب اللغة عليه، خصوصا إذا قلنا: إن لفظ الصلاة والحج
ونحوهما موضوعة لمعان شرعية قبل زمن شرعنا، ضرورة وجود الصلاة والحج وغيرهما
عند اليهود والنصارى وغيرهما من كفار العرب على وجه يسمونه بهذه الأسماء في لغة
العرب، كما أنه يسمونه بغيرها بالفارسية ونحوها، فهي حقائق في عباداتهم قبل زمن
8

الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهو إنما غير بعض أجزاء عباداتهم أو أكثرها، وذلك
لا يقتضي تغير الاستعمال بحسب الحقيقة كما هو الشأن في المعاملات) وكأنه مال إلى
ذلك الأستاذ الأكبر فيما حكي من حاشيته على المدارك، وفيه - بعد تسليم قدم
تسمية تلك العبادات بهذه الأسماء منهم وأن لهم عبادات معتبرة لا أنها مكاء وتصدية -
أنه لا يخفى على المطلع عليهما كمال التباين بينهما بحيث يقطع بعدم إرادة المعنى القديم منها
في هذا الاستعمال، وبنقلها من ذلك المعنى إلى معنى جديد وإن اشتركا في أنهما عبادة،
كما هو واضح، كوضوح المناسبة بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي بناء على أنه الدعاء،
أو ما ذكرناه من طلب الخير وإرادته وإن لم يكن بعنوان الدعاء، لاشتماله على كل منهما،
ولو قيل إنه منقول منها بمعنى المتابعة اختصت المناسبة حينئذ ببعض أفرادها إلا أن يلاحظ
أو يراد تتابع الأجزاء، وهو كما ترى.
وأبعد منه ما قيل عن الجمهرة عن بعضهم أن اشتقاقها من رفع الصلاة في السجود،
وهو العظم الذي عليه الأليتان، فهي فعلة من بنات الواو، وإن كان ربما يؤيده تعارف
كتابتها به، إلا أنه قد يقال كما عن البيضاوي كتبت بالواو على لفظ المفخم أي من
يميل الألف إلى مخرج الواو، ومثله في البعد ما عن الجمهرة عن ذلك البعض أن اشتقاقها
من صليت العود بالنار أي لينته، لأن المصلي يلين قلبه وأعضائه مخشوعة من بنات
الياء، بل في الذكرى نسبة ذلك وسابقه إلى أهل اللغة، قال جعلوها فعلة من صلى أي
حرك صلاته، لأن المصلي يفعل ذلك، أو من صليت العود أي لينته، ولا يخفى عليك
ما فيه، وأنا في غنية عنه، وما أبعد ما بين هذين الأخيرين وبين القول بأن المراد منها
في الاستعمال الشرعي الدعاء، وأن ما عداه كله واجبات أخر، فهي كالمعاملة، ولا
ريب في ضعفه بل بطلانه.
نعم يمكن دعوى ذلك في صلاة الأموات، فتكون حينئذ حقيقة لغوية مجازا
9

شرعيا كما هو المشهور على ما في الروض، وربما قيل بأنها مجاز لغوي أيضا نظرا إلى
إرادة خصوص دعاء على خصوص حال منها، بل وغير الدعاء من التكبير ونحوه، كما
أنه ربما قيل بأنها حقيقة شرعية، ولعله ظاهر المصنف وغيره ممن ذكرها في التعداد،
إذ احتمال ذكرهم الأعم من الحقيقة والمجاز كوضوء الحائض ونحوه في الوضوء بعيد،
ويؤيده - مع عدم صحة السلب، وقيل من دلالة بعض النصوص (1) - أنها كذلك
قطعا في عرف المتشرعة، وهو عنوان الحقيقة الشرعية، وتبادر ذات الأركان من
الاطلاق كما في المدارك لا ينافيها، إذ لعله لأنه أظهر الفردين وأكثرهما استعمالا، كما أن كون معظم صلاة الجنازة الدعاء لا يقتضي البقاء على الحقيقة اللغوية بعد أن علم أن
إطلاق لفظ الصلاة عليه ليس للدعاء، بل لا ريب في ملاحظة الخصوصية وباقي الأحوال
أيضا، ولذا لا يطلق في العرف لفظ الصلاة على غيره من الدعاء، كما أنه لا يطلق على
هذا الحال المخصوص غير لفظ الصلاة، ونفي الصلاة بنفي الطهارة والفاتحة اللتين لا يجبان
فيها قطعا يراد منه بالنسبة إلى ما اعتبر فيها ذلك كاليومية، لا نفي مطلق مسمى الصلاة،
كالوصف بالتحليل بالتسليم، بل وكذا الصحيح (2) (عن الجنازة أصلي عليها على غير
وضوء، فقال: نعم إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك
على غير وضوء) يراد منه أنها صلاة لكن ليست تلك الصلاة التي يعتبر فيها ذلك،
بل هي شئ آخر سماه الشارع صلاة، ومن ذلك تعرف ما في استدلال بعضهم على
خروجها عن الصلاة بالنصوص (3) ضرورة إرادة نفي مسمى صلاة خاص منها لا مطلقا،
فتأمل جيدا.

(1) الوسائل - الباب - 1 وغيره - من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.
(2) الوسائل - الباب 21 - من أبواب صلاة الجنازة - الحديث 3 من كتاب الطهارة
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب صلاة الجنازة والباب 9 منها - الحديث 5.
10

(و) كيف كان ف‍ (العلم بها) أي الصلاة (يستدعي بيان أربعة أركان)
(الركن الأول)
(في المقدمات) بفتح الدال وكسرها، وهي ما تتقدم على الماهية، إما لتوقف
تصورها كذكر أقسامها وكمياتها، أو لاشتراطها بها، أو لكونها من المكملات السابقة
عليها، وهي سبع:
(الأولى في أعداد الصلوات)
(والمفروض منها) ولو بسبب من المكلف (تسعة) حصرا استقرائيا من الأدلة
التي تمر عليك في محالها إن شاء الله (صلاة اليوم والليلة والجمعة والعيدين والكسوف)
الشامل للخسوف (والزلزلة والآيات والطواف) الواجب (والأموات وما يلتزمه
الانسان بنذر وشبهه) كالعهد واليمين والإجارة على غير القضاء ونحوها، وربما عدت
سبعة بادراج الزلزلة والكسوف في الآيات كادراج القضاء حتى من الولي بل ربما قيل
والمستأجر عليه والمتبرع به وصلاة الاحتياط في اليوم والليلة، أو الأخير في شبه النذر،
لأن الشك أيضا من الملزمات، بل ربما قيل هو والقضاء، والادراج الأول أجود،
وربما عدت ستة بناء على خروج صلاة الأموات عن حقيقة الصلاة، بل قد يقال ينبغي
عدها حينئذ خمسة بادراج الجمعة في اليومية، بل أربعة اقتصارا على الفرائض الأصلية،
(و) الأمر سهل بعد الاتفاق منا على أن (ما عدا ذلك مسنون) وهو كثير كما
تعرفه فيما يأتي إن شاء الله، بل ومن غيرنا كما حكاه غير واحد عدا ما يحكى عن أبي حنيفة
من وجوب الوتر، ولا ريب في ضعفه، وإن ورد (1) عن الباقر (عليه السلام) (الوتر

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4 هكذا في
النسخة الأصلية لكن في الوسائل " والمغرب وتر النهار " كما في التهذيب وهو الصحيح.
11

في كتاب علي واجب، وهو وتر الليل والمغرب ووتر النهار) لكنه محمول على التقية
أو التأكيد أو بالنسبة للنبي (صلى الله عليه وآله)، كما في خبر الساباطي (1) قال:
(كنا جلوسا عند الصادق (عليه السلام) بمنى فقال له رجل: ما تقول في النوافل؟
فقال: فريضة، قال: ففزعنا وفزع الرجل، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إنما
أعني صلاة الليل على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إن الله يقول: ومن الليل
فتهجد به نافلة لك) أو غير ذلك، وعن حماد بن زيد قلت لأبي حنيفة: (كم الصلوات؟
فقال: خمس، فقلت: فالوتر فقال: فرض، قلت لا أدري، تغلط في الجملة والتفصيل)
لكن الانصاف كما عن المنتهى أن هذه السخرية غير لائقة بأبي حنيفة، نعم قيل بناء
عليه ينبغي أن لا تكون وسطى في الصلوات، لأن اليومية حينئذ تكون ستة، مع أنه يمكن
أن يعتبر الوسط بحيث لا ينافي أنها ستة. ثم من المعلوم أن المراد المفروض بالأصل في
الجملة، وإلا فقد يتفق الندب له عارضا كالعيدين، أو الحرمة كالجمعة على قول، والتخيير
على آخر، أو يكون بعض أفراده مندوبا كإعادة الفريضة، خصوصا الكسوف، والصلاة
على من لم يبلغ الست، ونحو ذلك.
(و) أما تفصيل هذه الفرائض ف‍ (صلاة اليوم والليلة خمس) الظهر والعصر
والمغرب والعشاء والصبح، وقد كانت في الأصل خمسين، إلا أنه (صلى الله عليه وآله)
طلب من ربه التخفيف عن أمته حتى أنهاها إلى الخمس كما دل عليه بعض الأخبار (2)
ولم يخففها إما لحيائه بعد من المراجعة لربه، أو لأنه أراد بلوغ الخمسين أيضا باعتبار أن
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ولا خلاف في وجوبها فيهما، بل هي من ضروريات
الدين المستغنية عن الاستدلال بالكتاب المبين، وإجماع المسلمين، والمتواتر من سنة

(1) الوسائل - الباب 16 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 6.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 5 و 10.
12

سيد المرسلين والأئمة المهديين (صلى الله عليه وآله) (و) كذا من ضرورياته أيضا أن الخمس (هي سبع
عشرة ركعة في الحضر: الصبح ركعتان، والمغرب ثلاث ركعات، وكل واحدة من
البواقي أربع) وكانت في الأصل عشر ركعات، في كل وقت ركعتان، إلا أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أضاف إليها سبعة، فصارت سبع عشرة ركعة كما دلت
عليه بعض النصوص (1) بل (و) من ضروريات مذهبنا أو كضرورياته أنه (يسقط
من كل رباعية في السفر ركعتان)، وهما الأخيرتان اللتان زادهما رسول الله (صلى الله
عليه وآله)، ومثله الخوف على ما ستعرف إن شاء الله تعالى.
وأهم الخمس وآكدها بنص الكتاب (2) فضلا عن غيره الوسطى، وهي الظهر،
للصحيح (3) عن الباقر (عليه السلام) وإن كانت هي أول صلاة صلاها رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لكن لأن وقتها وسط النهار، أو لأنها متوسطة بين صلاتي نهار
الغداة والعصر، أو لأنها وسط بين نافلتين متساويتين، ولما عن الشيخ من الاجماع
عليه، والمروي عن زيد بن ثابت (4) أنه قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يصلي الظهر بالهاجرة، ولم يكن صلاة أشد على الصحابة منها، فنزلت حافظوا على
الصلوات والصلاة الوسطى) خلافا لما عن المرتضى من أنها العصر مدعيا الاجماع أيضا
عليه للمرسل (5) عن النبي (صلى الله عليه وآله) (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة
العصر) والمرسل عن الحسن بن أمير المؤمنين (عليهما السلام) (6) عن النبي (صلى الله

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 14.
(2) سورة البقرة - الآية 239
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1
(4) سنن أبي داود ج 1 ص 167 - الرقم 411.
(5) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 11
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 7.
13

عليه وآله) إلى أن قال: (فهي من أحب الصلوات لله عز وجل، وأوصاني بحفظها
من بين الصلوات) ولأنها وسط بين صلاتي نهار وصلاتي ليل، ولبعض الأخبار
العامية (1) ولا ريب أن الأول أقوى، لصحة روايته، وقوة اعتباره، قيل وهنا
أقوال أخر كأنها للعامة، منها أنها الصبح، لتوسطها بين صلاتي الليل وصلاتي النهار،
وبين الضياء والظلام، ولأنها لا تجمع مع أخرى، فهي منفردة بين مجتمعتين، ولمزيد
فضلها بحضور ملائكة الليل والنهار، كما قال الله تعالى (2): (إن قرآن الفجر كان
مشهودا) ولما فيها من المشقة التي تناسب الأمر بالمحافظة عليها، لأنها مظنة التضييع
بسبب البرد في الشتاء، وطيب النوم في الصيف مع فتور الأعضاء وكثرة النعاس وشدة
الغفلة ومحبة الاستراحة، ومنها أنها المغرب، لتوسطها بين بياض النهار وسواد الليل،
وأزيد من ركعتين وأقل من أربع، فهي متوسطة بين رباعي وثنائي، ولا تنقص في
السفر مع زيادتها على الركعتين، فناسب التأكيد بالأمر بالمحافظة عليها، ولأن الظهر
هي الأولى، إذ قد وجبت أولا فيكون المغرب هي الوسطى، ومنها أنها العشاء، لأنها
متوسطة بين صلاتين لا يقصران: الصبح والمغرب، أو بين ليله ونهاره، ولأنها أثقل
صلاة على المنافقين، وقيل هي مخفية مثل ليلة القدر، وعن بعض أئمة الزيدية أنها الجمعة
في يومها، والظهر في غيرها وأنت خبير أن ذلك كله اعتبارات واستحسانات وتهجسات
لا يجوز أن تكون مدركا لحكم شرعي، إنما الواجب الرجوع في ذلك إلى مهابط الوحي
وخزان العلم ومعادن السر، وقد عرفته والله أعلم.
(و) أما (نوافلها) أي الفرائض (في الحضر) ف‍ (أربع وثلاثون ركعة
على الأشهر) نصا وفتوى، بل المشهور نقلا وتحصيلا، بل في فوائد الشرائع أنه

(1) كنز العمال - ج 4 - ص 83 - الرقم 1702
(2) سورة الإسراء - الآية 80.
14

المعروف في المذهب، بل في المختلف والذكرى والمدارك لا نعلم فيه مخالفا، كالدروس
عليه فتوى الأصحاب، ونحوه كاشف الرموز لكن بتغيير الفتوى بالعمل، بل عن
الخلاف والانتصار والمهذب وغاية المرام ومجمع البرهان الاجماع عليه، وتفصيلها (أمام
الظهر ثمان، وقبل العصر مثلها، وبعد المغرب أربع، وعقيب العشاء ركعتان من
جلوس تعدان بركعة، وإحدى عشرة صلاة الليل مع ركعتي الشفع والوتر، وركعتان
للفجر) فيكون حينئذ مجموع الفريضة والنافلة إحدى وخمسين ركعة، ويدل عليه
- مضافا إلى ما عرفت - الصحيح (1) عن الصادق (عليه السلام) (الفريضة والنافلة
إحدى وخمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدان بركعة وهو قائم، الفريضة
منها سبع عشرة ركعة، والنافلة أربع وثلاثون ركعة) وخبر البزنطي (2) (قلت
لأبي الحسن (عليه السلام): إن أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع بعضهم يصلي أربعا
وأربعين ركعة، وبعضهم يصلي خمسين، فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو؟ حتى
أعمل بمثله، فقال: أصلي واحدة وخمسين ركعة، ثم قال: أمسك وأعقد بيده الزوال
ثمانية، وأربعا بعد الظهر، وأربعا قبل العصر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين قبل
عشاء الآخرة، وركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام، وثمان صلاة الليل
والوتر ثلاثا، وركعتي الفجر، والفرائض سبع عشرة ركعة، فذلك إحدى وخمسون
ركعة) ونحوهما صحيح إسماعيل (3) عن الرضا (عليه السلام)، بل ومرفوع ابن
أبي قرة (4) المشتمل على ذكر الوجه للواحدة والخمسين، والصحيح أيضا (5) عن الفضيل
والبقباق وبكير، قالوا: " سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يصلي من التطوع مثلي الفريضة، ويصوم من التطوع مثلي الفريضة)

(1) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3 - 7 - 11.
(2) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3 - 7 - 11.
(3) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3 - 7 - 11.
(4) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 10 - 4.
(5) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 10 - 4.
15

وعلى هذه استقر عمل الأصحاب كما اعترف به غير واحد، فلا يصغى حينئذ
بعد ذلك إلى ما عارضها وإن صح سنده مما دل (1) على أن النافلة ثلاثة وثلاثون ركعة
باسقاط الوتيرة، وإن كان يشهد له أيضا الأخبار (2) المستفيضة (أن النبي (صلى الله
عليه وآله) كان لا يصلي بعد العشاء شيئا حتى ينتصف الليل) أو ما دل (3) على أنها
تسعة وعشرون باسقاط أربعة من نافلة العصر معها، وإن كان عليه ينطبق خبر يحيى
ابن حبيب (4) (سألت الرضا (عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله
تعالى من الصلاة، قال: ستة وأربعون ركعة فرائضه ونوافله، قلت: هذه رواية زرارة
قال: أو ترى أحدا كان أصدع بالحق منه) أو سبعة وعشرون باسقاط ركعتين من
نافلة المغرب معها (5) أيضا، وإن كان عليه ينطبق أيضا صحيح ابن سنان (6) " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تصل أقل من أربع وأربعين ركعة، قال: ورأيته
يصلي بعد العتمة أربع ركعات) خصوصا.
لكن قد أجاب في المدارك والذخيرة والرياض وغيرها عنها جميعها بأنه ليس
في شئ منها عدم استحباب الزائد كي تحصل المنافاة، بل أقصاه تأكد استحباب ذلك
فلا ينافي استحباب الأكثر حينئذ، قال الأول: وربما كان في قوله (عليه السلام)
في صحيح ابن سنان: (لا تصل أقل) إلى آخره اشعار بذلك، ولا بأس به لو أن الأخبار
كلها كما ذكر، لكنه ليس كذلك، إذ منه خبر يحيى بن حبيب المتقدم، ومنها خبر

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1 - 6
(2) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 4 والباب 53
الحديث 3 من كتاب الصلاة.
(3) الوسائل - الباب 14 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث - 0 - 5
(4) الوسائل - الباب 14 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث - 0 - 5
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1 - 4.
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1 - 4.
16

ابن أبي عمير (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل ما جرت به السنة
فقال: تمام الخمسين) ومنها خبر عمر بن حريث (2) الذي سأل فيه الصادق (عليه السلام)
(عن صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكرها له باسقاط الوتيرة، فقال له:
جعلت فداك فإن كنت أقوى على أكثر من هذا يعذبني الله على كثرة الصلاة، فقال:
لا، ولكن يعذب على ترك السنة) إذ لا ريب في دلالته على نفي الزيادة، خصوصا
وقد روى الصدوق عن الصيقل (3) عن الصادق (عليه السلام) (إني لامقت الرجل
يأتيني فيسألني عن عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول أزيد كأنه يرى أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قصر في شئ) الحديث. ومنها صحيح زرارة (4)
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما جرت به السنة في الصلاة؟ فقال: ثمان
ركعات الزوال، وركعتان بعد الظهر، وركعتان قبل العصر، وركعتان بعد المغرب،
وثلاثة عشر ركعة من آخر الليل، منها الوتر وركعتا الفجر، قلت: فهذا جميع ما جرت
به السنة، قال: نعم، فقال أبو الخطاب: أفرأيت إن قوي فزاد؟ قال: فجلس
وكان متكئا فقال: إن قويت فصلهما كما كانت تصلي، إذ كما ليست في ساعة من
النهار فليست في ساعة من الليل، إن الله عز وجل يقول: ومن آناء الليل فسبح (5))
إلى غير ذلك.
فالأولى حمل بعضها على ما ذكر، وبعضها على إرادة عدم صلاة الوتيرة محتسبا
لها من صلاة الليل، كما يومي إليه حسن الحلبي (6) (سألت الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 5 - 6
(2) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 5 - 6
(3) الفقيه - ج 1 ص 303 من طبعة النجف
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3
(5) سورة طه - الآية 130
(6) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1.
17

هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شئ؟ قال: لا غير أني أصلي بعدها ركعتين، ولست
أحسبهما من صلاة الليل).
بل قيل ومن الرواتب، لأن الظاهر أن فعلها لأجل إتمام كون النافلة ضعف
الفريضة، كما يومي إليه خبر سليمان بن خالد (1) عن الصادق (عليه السلام) (صلاة
النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر، وست ركعات بعد الظهر، وركعتان
قبل العصر، وأربع ركعات بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء الآخرة، تقرأ فيهما
مائة آية قائما أو قاعدا، والقيام أفضل، ولا تعدهما من الخمسين، وثمان ركعات من
آخر الليل تقرأ في صلاة الليل بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون في الركعتين
الأولتين، وتقرأ في سائرها ما أحببت من القرآن ثم الوتر ثلاث ركعات تقرأ فيها
جميعا قل هو الله أحد، وتفصل بينهن بتسليم، ثم الركعتان اللتان قبل الفجر تقرأ في
الأولى منهما قل يا أيها الكافرون، وفي الثانية قل هو الله أحد) ومنه يستفاد استحباب
قراءة مائة آية فيهما، وفي الذكرى (أنه روى ابن أبي عمير (2) عن الصادق (عليه
السلام) أنه كان يقرأ فيهما الواقعة والتوحيد) انتهى.
أو على ما في خبر أبي بصير (3) المروي عن العلل عن الصادق (عليه السلام)
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر، قال: قلت: يعني الركعتين
بعد العشاء الآخرة قال: نعم، أنهما بركعة، فمن صلاهما ثم حدث به حدث مات على
وتر، فإن لم يحدث به حدث الموت يصلي الوتر في آخر الليل، فقلت: هل صلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاتين؟ قال: لا، قلت: ولم؟ قال: لأن رسول الله

(1) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 16
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب 29 من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 8.
18

(صلى الله عليه وآله) كان يأتيه الوحي وكان يعلم أنه هل يموت أم لا؟ وغيره لا يعلم،
فمن أجل ذلك لم يصلهما وأمر بهما).
أو على إرادة الفريضة والنافلة من العشاء والعتمة التي كان رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لم يصل بعدها شيئا حتى ينتصف الليل.
أو على التعريض بما تصنعه العامة من صلاة وتر غير الوتيرة بعد العشاء، فإن
استيقظوا آخر الليل أعادوه، فيكون وتران في ليلة، وإلا اكتفوا بذلك، وطرح
ما لا يقبل شيئا من ذلك، أو غيره، ولا بأس به بعد أن اعترف غير واحد بعدم العمل
بشئ منها، ومعارضتها بما سمعت، وبخصوص ما دل على كل واحد مما نفته من الوتيرة
وغيرها مما سيمر عليك بعضه إن شاء الله، بل ورد (1) في أخبار نوافل شهر رمضان
أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصلي الوتيرة من جلوس فلاحظ هناك، وكذا
يطرح ما دل (2) على الصلاة أربعا بعد العتمة، أو يراد غير الرواتب منه، أو قضائها.
ثم إن ظاهر المصنف كغيره من الأصحاب أن الثمان الأولى نافلة الظهر، والثمانية
الثانية نافلة العصر، بل في المدارك والذخيرة أنه المشهور بين الأصحاب، بل عن
المهذب البارع أن عليه عمل الطائفة، بل عن أمالي الصدوق أن من دين الإمامية الاقرار
بأن نافلة العصر ثمان ركعات قبلها، وقد يشهد له تتبع كلمات الأصحاب في المقام
والمواقيت وغيرهما، حيث أضافوهما إلى الفريضة حتى عند التعرض لسقوطهما قالوا مثلا
تسقط نوافل الظهرين، بل قيل: إن بعض العبارات التي تحتمل أنها نوافل للأوقات
كالمقنعة والخلاف والنهاية والمبسوط وجمل السيد والوسيلة والغنية والسرائر وغيرها
حيث قيل فيها ثمان قبل الظهر، وثمان قبل العصر، ونحو ذلك مما لا ظهور فيه بكونها

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب نافلة شهر رمضان - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة.
19

نوافل للفرائض كالنصوص قد أضيفت فيها إليها في مواضع عديدة غير هذا الموضع،
ولعله لم يلحظها الشهيد في الذكرى، ولذا قال: إن معظم الأخبار والمصنفات خالية عن
التعيين للعصر وغيرها، وتبعه على ذلك بالنسبة للأخبار غيره كسيد المدارك وفاضل
الذخيرة، والظاهر أن الأمر كما ذكروه، إذ لم نقف على خبر صريح في كونها نوافل
للفرائض، بل ولا مضافة إليها إلا ما ستسمعه من بعض النصوص التي تمر عليك في سقوط
النافلة في السفر، بل ربما كان بعض النصوص (1) ظاهرا في أن الثمان الأولى نافلة
للزوال نفسه، كما يومي إليه إضافتها إليه وغيرها، بل قد يظهر من مرفوع ابن أبي قرة (2)
أن جميع النوافل للأوقات كالفرائض، وأصرح خبر ادعي دلالته ما رواه الصدوق
في العلل عن عبد الله بن سنان (3) (سأل الصادق (عليه السلام) لأي علة أوجب
رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الزوال ثمان قبل الظهر، وثمان قبل العصر،
فقال (عليه السلام): لتأكيد الفريضة، لأن الناس لو لم يكن إلا أربع ركعات الظهر
لكانوا مستخفين حتى كان يفوتهم الوقت، فلما كان شئ غير الفريضة أسرعوا إلى
ذلك لكثرته، وكذلك الذي قبل العصر ليسرعوا إلى ذلك لكثرته) وهو كما ترى
لا صراحة فيه بل ولا ظهور، نعم قيل في العيون خبر كعبارة الأمالي ولم نقف على متنه،
لكن لعل فيما سمعت من الاجماع المحكي المتقدم كفاية، خصوصا بعد شهادة التتبع له،
إذ لم يحك عن أحد الخلاف في ذلك سوى ما يحكى عن ظاهر هداية الصدوق من جعل
الست عشر نافلة الظهر، وهو منه عجيب بعد نقله الاجماع المزبور، ولعله هو الذي
أراده الراوندي فيما حكي عنه من نسبة جعل الست عشر للظهر إلى بعض الأصحاب،
وسوى ما يحكى عن ظاهر الإسكافي من جعل ركعتين خاصة من الثمانية الثانية للعصر،

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 6 - 10 - 21.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 6 - 10 - 21.
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 6 - 10 - 21.
20

ولعله لخبر سليمان بن خالد المتقدم (1) إلا أنه كما ترى لا دلالة فيه على ذلك، إذ القبلية
كالبعدية لا يقتضي كون النافلة للفريضة، وإن كان الانصاف أنها لا تخلو من نوع اشعار.
وكأنه لا ثمرة معتد بها في هذا البحث بعد أن لم نعتبر في النية التعرض للفرض
وغيره، بل يكفي مجرد قصد القربة بالامتثال للأمر المعلوم تحققه على كل حال، بل الظاهر
عدم الفساد لو نوى المكلف الفرض جهلا منه، ضرورة تشخصها لديه بغير ذلك. وربما
قيل تظهر الثمرة في اعتبار ايقاع الست مثلا قبل القدمين أو المثل إن جعلناها للظهر،
وفيه أنه لا مدخلية لذلك بعد أن عين الشارع وقتها كما تسمعه إن شاء الله في المواقيت،
نعم قد يقال بظهور الثمرة فيما لو نذر مثلا نافلة العصر مثلا غافلا، أو أناطه بما هو
الواقع، والأمر فيها سهل، فتأمل جيدا.
وكذا الكلام في نافلة المغرب والعشاء والصبح، بل في خبر البزنطي السابق (2)
ما قد يشعر بأن الركعتين من أربعة المغرب نافلة للعشاء، وأن الأربعة من ثمانية العصر
للظهر، بل في بعض النصوص (3) ما يشعر بأن ليس شئ من أربعة المغرب نافلة
لإحدى الصلاتين، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعل ركعتين منهما لما بشر
بالحسن (عليه السلام)، وركعتين لما بشر بالحسين (عليه السلام) شكرا لله تعالى،
وبالجملة الحق أنه لا صراحة في أكثر النصوص بنفسها في شئ من ذلك، نعم قد يجعل
ما سمعته من الاجماع قرينة على إرادته من بعض النصوص، خصوصا ما أضيف فيها إلى
الأوقات على إرادة صلاة الوقت، فركعتا الفجر بمعنى ركعتا صلاة الفجر، وعلى هذا
القياس، كما أنه قد يظهر ذلك أيضا أي كون النوافل للفرائض مما استفاضت به الأخبار
من أن مشروعية النوافل لتكميل ما ينقص من الفرائض بسبب عدم الاقبال ونحوه،

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض الحديث 16 - 7
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض الحديث 16 - 7
(3) الوسائل - الباب 24 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 6.
21

كصحيح ابن مسلم (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) (إن العبد ليرفع له من صلاته
ثلثها أو نصفها أو ربعها أو خمسها، فما يرفع له إلا ما أقبل منها بقلبه، وإنما أمروا
بالنوافل ليتم لهم ما نقصوا من الفريضة) وصحيحه الآخر (2) قلت للصادق (عليه السلام):
(إن عمار الساباطي روى عنك رواية، قال: وما هي؟ قلت: روى أن السنة فريضة،
قال: أين يذهب؟ أين يذهب؟ ليس هكذا حدثته، إنما قلت له: من صلى فأقبل على
صلاته لم يحدث نفسه فيها أو لم يسه فيها أقبل الله عليه ما أقبل عليها، فربما رفع نصفها
أو ربعها أو ثلثها أو خمسها، وإنما أمروا بالسنة ليكمل بها ما ذهب من المكتوبة) وخبر
أبي حمزة الثمالي (3) (رأيت علي بن الحسين (عليهما السلام) يصلي فسقط رداؤه عن
منكبيه، قال: فلم يسوه حتى فرغ من صلاته، قال: فسألته عن ذلك قال: ويحك أتدري
بين يدي من كنت، إن العبد لا يقبل من صلاته إلا ما أقبل منها، فقلت: جعلت
فداك هلكنا، فقال: إن الله ليتم ذلك بالنوافل) وأصرح من ذلك كله وإن لم يكن
وافيا بتمام المطلوب خبر عمار (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (لكل صلاة مكتوبة
ركعتان نافلة إلا العصر، فإنه يقدم نافلتها، وهي الركعتان التي تمت بهما الثمان بعد
الظهر) الحديث. وكذلك يظهر أيضا من النصوص (5) الدالة على سقوطها في السفر
تبعا للقصر في الفريضة، فلاحظ، بل في بعضها (6) إضافة بعضها إلى الفرائض، بل قد
يفهم منها إضافة الجميع كما سيمر عليك بعضها، ومن الغريب ما يظهر من المصنف من
جعل صلاة الليل من نوافل الفرائض أيضا، مع أنه لا ريب في استقلالها وعدم مدخليتها

(1) الوسائل - الباب 17 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3 - 2
(2) الوسائل - الباب 17 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3 - 2
(3) الوسائل - الباب 3 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 6
(4) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أعداد الفرائض
(6) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3.
22

بها، لكن لعل مراده بقوله: (ونوافلها) لما عدا صلاة الليل منها.
ثم لا ريب في تأكد هذه النوافل من بين الصلوات حتى ورد (1) في بعضها
كصلاة الليل والوتر أنها واجبة، وقال سعد بن أبي عمرو الحلاب (2) للصادق (عليه
السلام): ركعتا الفجر تفوتني أفأصليهما؟ قال: نعم، قلت: لم أفريضة؟ قال:
فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنهما، فما سن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فهو فرض) إلى غير ذلك مما يراد منه تأكد الاستحباب.
وأما تفاوت الفضل بينها فعن ابن بابويه (إن ركعتي الفجر أفضلها، ثم ركعة
الوتر، ثم ركعتا الزوال، ثم نافلة المغرب، ثم تمام صلاة الليل، ثم تمام نوافل النهار)
ولم نقف له على دليل في هذا الترتيب، وعن ابن أبي عقيل (إن الصلاة التي تكون
بالليل أوكد النوافل لا رخصة في تركها في سفر ولا حضر) وعن الخلاف (إن ركعتي
الفجر أفضل من الوتر باجماعنا) والأولى ترك البحث عن ذلك، إذ النصوص في فضل
كل منها وافية، ولكل خصوصية لا تدرك بغيرها كما لا يخفى على من لاحظ ما ورد في
كل منها، خصوصا نافلة الزوال التي هي صلاة الأوابين (3) ونافلة المغرب التي لا ينبغي
أن يتركها الانسان ولو طلبته الخيل (4) وصلاة الليل التي ورد فيها ما ورد حتى أوصى
بها النبي (صلى الله عليه وآله) عليا ثلاثا (5) كالزوال (6) بل قيل: إن الأخبار في

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 15
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4 لكن في
الوسائل والتهذيب " الجلاب " وهو الصحيح
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 6
(4) الوسائل - الباب 24 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 8.
(5) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 5.
(6) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1
23

فضل صلاة الليل والتأكيد على فعلها أكثر من غيرها، فالقول بأفضليتها بالنسبة إلى
غيرها غير بعيد، وهو جيد، بل جزم به في المدارك، ثم جعل بعدها نافلة الزوال للوصية
بها ثلاثا أيضا، ثم نافلة المغرب للنهي عن تركها سفرا وحضرا، ثم ركعتي الفجر،
لأنه يشهدها ملائكة الليل والنهار، وقد عرفت التحقيق. نعم قد يقال بمرجوحية
الوتيرة بالنسبة إلى الجميع، وبعدها نافلة العصر، مع أنه لا يخلو من نظر، لتظافر
النصوص (1) بالنهي عن المبيت على غير وتر، وإن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فلا يبيتن إلا على وتر، وأن المراد به الوتيرة كما يدل عليه غير واحد من النصوص،
منها خبر المفضل (2) عن الصادق (عليه السلام) (قلت: أصلي العشاء الآخرة، فإذا
صليت صليت ركعتين من جلوس، فقال: أما إنها واحدة، ولو بت بت على وتر)
وغيره من النصوص.
وعلى كل حال فلا ينبغي الكلام بين أربع وركعات المغرب، لخبر أبي الفوارس (3)
(نهاني أبو عبد الله (عليه السلام) أن أتكلم بين الأربع ركعات التي بعد المغرب)
وفي المدارك أن ذلك يقتضي كراهة الكلام بين المغرب ونافلتها بطريق أولى،
وفيه منع واضح.
نعم يستحب عدم الكلام بينهما لخبر أبي العلاء الخفاف (4) عن جعفر بن محمد
(عليهما السلام) قال: (من صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى صلى ركعتين كتبتا له
في عليين، فإن صلى أربعا كتبت له حجة مبرورة).

(1) الوسائل - الباب 29 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث - 0 - 7 وفي الثاني " ولو مت مت على وتر "
(2) الوسائل - الباب 29 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث - 0 - 7 وفي الثاني " ولو مت مت على وتر "
(3) الوسائل الباب؟ 3 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل الباب؟ 3 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
24

وقد يستفاد منه مع ذلك استحباب التعقيب قبل النافلة، لكن عن مقنعة المفيد
العكس، ولم نقف له على دليل عدا المرسل (1) (عن النبي صلى الله عليه وآله) (أنه
لما بشر بالحسن (عليه السلام) صلى ركعتين بعد المغرب شكرا، فلما بشر بالحسين
(عليه السلام) صلى ركعتين، ولم يعقب حتى فرغ) وفي ترجيحه على غيره - مع
ارساله، وعدم معلومية استمرار ذلك منه (صلى الله عليه وآله) بل لعله في خصوص ذلك الوقت مبادرة
للشكر - نظر وتردد، خصوصا ما ورد (2) في التسبيح مما اشتمل على الأمر به قبل
أن يثني المصلي رجليه، ولذا قال في الذكرى كما عن المقنعة والتهذيب في أحد النقلين:
(الأفضل المبادرة بالنافلة قبل كل شئ سوى التسبيح) مستدلا عليه بأن النبي (صلى الله
عليه وآله) فعلها كذلك، ثم ذكر المرسل السابق، ولا يخفى عدم دلالته على ما استثناه،
نعم يدل عليه خبر رجاء بن أبي الضحاك (3) المروي عن العيون المشتمل على عمل الإمام الرضا (عليه السلام) في طريق خراسان قال فيه: (فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح
الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ثم سجد سجدة الشكر، ثم رفع رأسه ولم يتكلم
حتى يقوم، فيصلي أربع ركعات بتسليمتين، يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل
الركوع وبعد القراءة، وكان يقرأ في الأولى من هذه الأربع الحمد وقل يا أيها الكافرون
وفي الثانية قل هو الله أحد، ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله، ثم يفطر)
فيراد حينئذ من نفي التعقيب في الخبر السابق نفي التمام لا أصل التعقيب، كما يومي إليه
زيادة على ما عرفته المرسل (4) عن ارشاد القلوب (إن أبا جعفر (عليه السلام) لما

(1) المقنعة - ص - 71 - 18
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التعقيب من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 24
(4) الوسائل - الباب 31 - من أبواب التعقيب - الحديث 4 من كتاب الصلاة مع الاختلاف
25

خرج بزوجته أم الفضل من عند المأمون ووصل شارع الكوفة انتهى إلى دار المسيب
عند غروب الشمس دخل المسجد، وكان في صحنه نبقة لم تحمل، فدعا بكوز فتوضأ في
وسطها، وقام فصلى بالناس صلاة المغرب - إلى أن قال -: فلما سلم جلس هنيئة وقام
من غير أن يعقب تعقيبا تاما فصلى النوافل الأربع وعقب بعدها وسجد سجدتي
الشكر، فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس حملت حملا حسنا فأكلوا منها، فوجدوا نبقا
لا عجم له حلوا) الخبر.
ويستحب أن يقول في آخر سجدة من نافلة المغرب كل ليلة خصوصا ليلة
الجمعة ما رواه عبد الله بن سنان (1) عن الصادق (عليه السلام) (اللهم إني أسألك
بوجهك الكريم واسمك العظيم أن تصلي على محمد وآل محمد. وأن تغفر لي ذنبي العظيم
سبع مرات، قال: من قالها: انصرف وقد غفر له) وفي الذكرى أن محل هذا
الدعاء السجدة الواقعة بعد السبع، وهو كما ترى، وكان مراده سجدة الشكر، لأن
الظاهر تأخرها عن السبعة، كما عن المشهور التصريح به، لخبر حفص الجوهري (2)
قال: (صلى بنا أبو الحسن (عليه السلام) صلاة المغرب فسجد سجدتي الشكر بعد
السابعة، فقلت له: كان آباؤك يسجدون بعد الثلاثة، فقال: ما كان أحد من آبائي
يسجد إلا بعد السبعة،) ومرسل رجاء السابق، لكن روى جهم بن أبي جهم (3)
قال: رأيت أبا الحسن موسى (عليه السلام) وقد سجد بعد الثلاث ركعات من المغرب
فقلت له: جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث، فقال: ورأيتني قلت: نعم،
قال: فلا تدعها، فإن الدعاء فيها مستجاب) وله استحسن في الذكرى كلا من التقديم
والتأخير، لكن لا ريب أن الثاني أولى لفتوى المشهور، ودلالة الأول على نفي الثاني،

(1) الوسائل - الباب 46 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب 31 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة.
(3) الوسائل - الباب 31 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة.
26

واحتمال الخبر المزبور سجدة مطلقة لا سجدة الشكر كما اعترف به في الذكرى وإن
استبعده، نعم خبر ابن أبي الضحاك السابق صريح في أن الواقعة بعد الثلاث سجدة
الشكر، إلا أنه ومع ذلك فتأخرها أولى، هذا.
وقد يوهم ظاهر المتن كغيره من العبارات بل وبعض الأخبار (1) تعين الجلوس
في الوتيرة، وقد أشبعنا الكلام في ذلك، وفي جواز الجلوس ونحوه في مطلق النافلة
عند تعرض المصنف له في البحث عن الصلوات المسنونة، من أراده فليلاحظه هناك
وكذا ظاهره خروج ركعتي الفجر عن صلاة الليل، بل قد يظهر منه أن صلاة الليل
الثمان خاصة، بل الغالب في الأخبار وكلام الأصحاب إطلاقها على الثمانية أو الأحد
عشر ركعة غير ركعتي الفجر، بل الأول هو معقد ما حكي من اجماع الخلاف وكشف
اللثام وشرح المفاتيح وظاهر الغنية وغيره، فضلا عن الشهرة في التذكرة، ونفي علم
الخلاف في الذكرى، وإن كان الظاهر أن ذلك منهم في مساق بيان عدم زيادة نافلة
الليل على ذلك، أو نقصانه مع ذكرهم بعد ذلك للشفع والوتر وركعتي الفجر، فتأمل.
لكن على كل حال قيل قد تطلق صلاة الليل كما في الصحيح وغيره (2) على
الثلاثة عشر ركعة بدخول ركعتي الفجر المسماتين بالدساستين، لقولهم (عليهم
السلام) (3): (دس بهما في صلاة الليل دسا) والأمر سهل بعد معلومية استحباب
الجميع، وإن اختصت كثير من الأخبار المرغبة بصلاة الليل مثلا، لكن قد سمعت
فيما سبق الاجماع عن خلاف الشيخ على أن ركعتي الفجر أفضل من الوتر، وهو المحكي

(1) الوسائل - الباب 29 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 6 و 7 و 9
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 6 و 1
(3) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 6 و 8 مع
اختلاف في اللفظ.
27

عن تصريح ابن بابويه وغيره، وهما المعنيان بقوله تعالى (1): (وادبار النجوم) في
الصحيحين (2) والمشهودتان لملائكة الليل والنهار كما في الخبر (3) وعن النبي (صلى الله
عليه وآله) (صلوهما ولو طردتكم الخيل) (4) و (إنهما خير من الدنيا وما فيها) (5)
وروى أنه (صلى الله عليه وآله) لم يكن على شئ من النوافل أشد معاهدة منه
عليهما) (6) والوتر كما قيل أفضل من باقي صلاة الليل للاكتفاء به مع ركعتي الفجر، كما في
خبر معاوية بن وهب (7) عن الصادق (عليه السلام) (أما يرضى أحدكم أن يقوم
قبل الصبح ويوتر ويصلي ركعتي الفجر فيكتب له صلاة الليل) ولقول الصادق (عليه
السلام) (8): (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر) ففضلها حينئذ
على العكس من ترتيب فعلها، فلا يتوهم حينئذ من اطلاق صلاة الليل، على الأحد عشر
أو الثمانية اختصاصها بما ورد فيها مما تواترت به النصوص من فضل صلاة الليل، وشدة
طلبها، والحث عليها، والوصية بها، فضلا عن اجماع المسلمين، وما دل عليه القرآن
المبين، بل في الاعتبار بعد التأمل والتدبر ما يشهد لما في الآثار كما هو واضح لأولي
الأبصار وضوح الشمس في رابعة النهار، نعم ركعتا الفجر مستقلة في الطلب لا يتوقف
استحباب فعلها على فعل باقي صلاة الليل، بل الظاهر كون صلاة الوتر كذلك، كما

(1) سورة الطور - الآية 49.
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2 و 3
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 19
(4) سنن أبي داود ج 2 - ص 28 - الرقم 1258
(5) صحيح مسلم ج 2 ص 160
(6) سنن أبي داود ج 2 - ص 26 - الرقم 1254
(7) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(8) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 8
28

يشهد له بعض النصوص (1) مع الأصل، بل لا يبعد ذلك في الثمانية وأبعاضها وبعض
الوتر، وفاقا للعلامة الطباطبائي للأصل، ولتحقق الفصل المقتضي للتعدد، ولعدم
وجوب إكمال النافلة بالشروع، ولأنها شرعت لتكميل الفرائض، فيكون لكل بعض
قسط منه، فيصح الاتيان به وحده، ولذا أجاز الاتيان بنافلة النهار بدون الليل
وبالعكس، وبنافلة كل من الصلوات الخمس مع ترك الباقي، وإن ذكر الجميع بعدد واحد
في النص والفتوى، إذ المنساق منه إلى الذهن عدم اشتراط الهيئة الاجتماعية في الصحة،
كما يومي إليه الزيادة والنقصان في النصوص السابقة.
ومن هنا تعرف البحث حينئذ في تبعيض صلاة الزوال والعصر والمغرب، إذ
الجميع من واد واحد، والاشكال بأن صلاة الليل مثلا عبادة واحدة فلا تتبعض سار
في الكل، ودفعه بمنع الاتحاد الذي يمتنع معه التبعيض متجه في الجميع، والجمع بالعدد
كالثمان والأربع مثلا هنا لا يقتضيه، فتأمل
وتمام الكلام في صلاة الليل وفي الأدعية والآداب المتقدمة عليها وفي أثنائها
وبعدها وغير ذلك يطلب من الكتب المعدة لمثل ذلك، إلا أنه ينبغي أن لا نخلي كتابنا
هذا من جملة منه، فنقول: قال الباقر (عليه السلام) في الصحيح (2): (إذا قمت بالليل
من منامك فقل: الحمد لله الذي رد علي روحي لأحمده وأعبده، فإذا سمعت صوت
الديوك فقل: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبقت رحمتك غضبك، لا إله إلا
أنت وحدك لا شريك لك، عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني، إنه لا يغفر
الذنوب إلا أنت، فإذا قمت فانظر في آفاق السماء وقل: اللهم إنه لا يواري عنك ليل
ساج، ولا سماء ذات أبراج، ولا أرض ذات مهاد، ولا ظلمات بعضها فوق بعض،

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب عداد الفرائض - الحديث 2
(2) فروع الكافي - ج 1 ص 445 المطبوعة بطهران عام 1377
29

ولا بحر لجي، تدلج بين يدي المدلج من خلقك، تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور،
غارت النجوم ونامت العيون، وأنت الحي القيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، سبحان
رب العالمين، وإله المسلمين، والحمد لله رب العالمين، ثم اقرأ خمس آيات من آخر
آل عمران (إن في خلق السماوات - إلى - قوله إنك لا تخلف الميعاد) ثم استك وتوضأ،
فإذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم الله وبالله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني
من المتطهرين، فإذا فرغت فقل: الحمد لله رب العالمين، فإذا قمت إلى صلاتك فقل:
بسم الله الرحمان الرحيم، بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وما شاء الله ولا حول ولا
قوة إلا بالله، اللهم اجعلني من زوارك، وعمار مساجدك، وافتح لي باب توبتك،
وأغلق عني باب معصيتك وكل معصية، الحمد لله الذي جعلني ممن يناجيه، اللهم اقبل
علي بوجهك، جل ثناؤك، ثم افتتح الصلاة بالتكبير) الحديث.
ويستحب أن يصلي أمام صلاة الليل ركعتين خفيفتين يقرأ في أولهما بقل هو
الله أحد، وفي ثانيهما قل يا أيها الكافرون، ويسميان بصلاة الورد والافتتاح، وعن
أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) أنه كان يدعو بعدهما بالدعاء الذي أوله (اللهم إليك
حنت قلوب المخبتين) إلى آخره. وهو دعاء عجيب، وروى الشيخ (2) في المصباح عن
علي بن الحسين (عليهما السلام) غيره، كما أنه روى عنه (عليه السلام) (3) دعاء آخر أيضا في أثنائهما.
ويستحب أيضا أن يتوجه فيهما بالتكبيرات السبعة، والأدعية الثلاثة، لأنها
إحدى الصلوات الست أو السبعة بزيادة الوتيرة التي ينبغي فعل ذلك فيها، بل ربما قيل
إن المشهور استحباب التوجه في كل فرض ونفل، نعم يتأكد في أول صلاة الليل

(1) المستدرك - الباب - 35 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 2
(2) مصباح المتهجد للشيخ ص 94 - 93
(3) مصباح المتهجد للشيخ ص 94 - 93
30

ومفردة الوتر، ولا بأس به لظاهر النصوص (1) وشذ المرتضى في قصره ذلك على
الفرائض فيما حكي عن محمدياته، كظاهر خلاف الشيخ، مع أن الموجود فيما حضرني
من نسخته استحباب التوجه في الفرائض، وفي سبعة مواضع من النافلة، بل ظاهره
الاجماع فيها عليه، وكيفية التكبيرات والدعاء بينها معلوم في محله، والظاهر أن دعاء
التوجه الذي هو أحد الثلاثة يكون بعد السبعة لا بينها، وإن أوهمته بعض العبارات،
ولا بأس في قراءة (يا محسن قد أتاك المسئ) بعد السادسة والخامسة، بل في مصابيح
الطباطبائي الظاهر أن محله بعد الإقامة قبل التكبيرات، والأمر سهل بعد الاكتفاء بنية
القربة المطلقة، ويجوز الولاء في التكبيرات من غير دعاء، والقطع على الوتر من الواحدة
إلى السبع، بل وعلى الشفع مع الاتيان بالأدعية ولاء، وبالأولين ولو مع التفريق وإن
لم يكمل السبع، بل وغير ذلك لكن مع نية القربة المطلقة، وفي المصابيح أن فيه وجهين،
ولعله يريد مع ملاحظة نية الخصوصية، والله أعلم.
وأما ما يقرأ في صلاة الليل فستعرف الكلام فيه عند تعرض المصنف له في بحث
القراءة، كما أنك تعرف البحث في وقتها إن شاء الله كذلك، بل والبحث في الوتر
أنه الثلاث أو الواحدة، وفي الفصل والوصل
ثم إنه قد يستفاد من بعض النصوص كما عن الإسكافي التصريح به استحباب
التفريق في صلاة الليل، كما كان يفرقها النبي (صلى الله عليه وآله) ففي خبر معاوية بن
وهب (2) (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول وذكر صلاة النبي (صلى الله عليه
وآله) قال: كان يؤتى بطهور فيخمر عند رأسه، ويوضع سواكه تحت فراشه، ثم ينام
ما شاء الله، فإذا استيقظ جلس ثم قلب بصره في السماء، ثم تلا الآيات من آل عمران

(1) الوسائل - الباب 7 - من أبواب تكبيرة الاحرام من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
31

ثم يستن ويتطهر، ثم يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات، على قدر قراءته ركوعه،
وسجوده على قدر ركوعه، يركع حتى يقال متى يرفع رأسه، ويسجد حتى يقال متى
يرفع رأسه، ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله، ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من
آل عمران ويقلب بصره في السماء، ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد ويصلي الأربع
ركعات كما ركع قبل ذلك، ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله، ثم يستيقظ ويجلس
ويتلو الآيات من آل عمران، ويقلب بصره في السماء، ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى
المسجد فيوتر ويصلي الركعتين، ثم يخرج إلى الصلاة) ونحوه غيره (1) وإن لم يكن
بتمام هذا التفريق، واحتمال اختصاص ذلك بالنبي (صلى الله عليه وآله) كما يلوح من
الذكرى يدفعه أصالة الاشتراك، والأمر بالتأسي، بل في صحيح الحلبي (2) عن الصادق
(عليه السلام) بعد ذكره التفريق عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (لقد كان لكم
في رسول الله أسوة حسنة) مشيرا به إلى عدم الاختصاص، مضافا إلى ما في صحيح
زرارة (3) السابق (إن قويت فصلها كما كانت تصلي، إذ كما ليست في ساعة من
ساعات النهار فليست في ساعة من ساعات الليل، إن الله عز وجل يقول: ومن آناء
الليل فسبح) وخبر ابن بكير (4) عن الصادق (عليه السلام) أيضا (ما كان يحمد
الرجل يقوم من آخر الليل فيصلي صلاته ضربة واحدة ثم ينام ويذهب) إلى غير ذلك،
ولا ينافيه ما دل (5) من الأخبار على جواز الصلاة دفعة واحدة في آخر الليل كما هو
الغالب من أكثر الناس، إذ أقصاه الإذن في ذلك، وهو لا ينافي أفضلية التفريق، هذا.

(1) الوسائل - الباب 53 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 2 - 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 53 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 2 - 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 14 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب 53 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 2 - 5 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
32

ولكن ستعرف فيما يأتي اتفاق كلمات الأصحاب على أفضلية فعلها في آخر الوقت على
غيره، وتعرف أيضا تمام الكلام في هذه النصوص، والله أعلم.
ويستحب أيضا الاستغفار في الوتر سبعين مرة، ينصب اليسرى ويعد باليمنى
كما في النص (1) وينبغي أن يكون استغفاره بأن يقول: (استغفر الله وأتوب إليه)
كما فعله الصادق (عليه السلام) وهل يعتبر فيه اللفظ الصريح، مثل استغفره، ورب
اغفر لي وغيرهما، الظاهر ذلك، لأنه المتبادر كالتسبيح والتحميد والتكبير التي معانيها
ألفاظ مأخوذة منها، وفي الحسن (2) عن الصادق (عليه السلام) (كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يستغفر غداة كل يوم سبعين مرة، قلت: كيف كأن يقول؟ قال: كان
يقول: أستغفر الله سبعين مرة، ويقول: أتوب إلى الله أتوب إلى الله سبعين مرة) هذا.
ولكن لا يخفى عليك عدم اعتبار العدد المخصوص ولا الكيفية ولا غيرها في وظيفة
الاستغفار بالأسحار، بل ولا كونه في الوتر، لصدق الاسم وعموم اللفظ في الآية (3)
وغيرها، فما ورد (4) من تفسير ذلك بالاستغفار سبعين مرة في صلاة الوتر محمول على
الفرد الأكمل، وأما اعتبار المواظبة والاستمرار فيه ففيه وجهان، من دلالة ظواهر
الكتاب والسنة عليه، ومن عدم تعقل الاشتراط بشرط لاحق لمشروط سابق، والحق
اعتبارهما في استحقاق مدح المستغفرين بالأسحار لا في استحباب الاستغفار في السحر،
وإن كان الثاني من لوازم الأول، وعن العياشي عن زرارة (5) قال أبو جعفر (عليه
السلام): (من دام على صلاة الليل والوتر واستغفر الله في كل وتر سبعين مرة وواظب

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القنوت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 25 - من أبواب الذكر - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(3) سورة الذاريات - الآية 18
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القنوت - الحديث 7 من كتاب الصلاة
(5) المستدرك - الباب - 8 - من أبواب القنوت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
33

على ذلك سنة كتب من المستغفرين بالأسحار) ونحوه خبر أبي بصير (1) وصحيح
عمر بن يزيد (2) في أن من واظب على ذلك في الوتر سنة كتب من المستغفرين بالأسحار،
بل في المرسل (3) عن جنة الأمان أربعين ليلة، والأولى في كيفية الاستغفار الاتيان
باللفظ المأثور، واتباع النقل الوارد فيه، إما في السحر كالاستغفار المنقول في صلاة الوتر
والوارد في تعقيب ركعتي الفجر، أو مطلقا نحو ما روي في الصحيح (4) عن الصادق
(عليه السلام) (من عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات من النهار، فإن قال: أستغفر الله
الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاث مرات لم تكتب عليه) وفي الخبر (5) عنه (عليه
السلام) (ما من مؤمن يقارف في يومه وليلته أربعين كبيرة فيقول وهو نادم: أستغفر
الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والاكرام،
وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد، وأن يتوب علي إلا غفرها الله عز وجل له، ولا
خير فيمن يقارف في يومه وليلته أكثر من ذلك)
ويستحب أن يقول في الوتر أيضا: ما كأن يقوله النبي: (صلى الله عليه وآله) (6)
(هذا مقام العائذ بك من النار سبع مرات) وعلي بن الحسين (عليهما السلام) (7)
(العفو العفو ثلاثمائة مرة) والدعاء فيه بالمأثور، قيل ولأربعين مؤمنا وأزيد قبل الدعاء
لنفسه، بل قيل: والأولى كونهم من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة
(عليهم السلام)، ويزيد عليهم ما شاء، ولم نقف على خبر بالخصوص في الأخير، كما أن الذي
عثرنا عليه مطلق استحباب الدعاء للأربعين قبل دعائه لنفسه كي يستجاب له

(1) المستدرك - الباب 8 - من أبواب القنوت - الحديث 2 - 6 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القنوت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(3) المستدرك - الباب 8 - من أبواب القنوت - الحديث 2 - 6 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 85 - من أبواب جهاد النفس - الحديث 2 من كتاب الجهاد
(5) الوسائل - الباب 47 - من أبواب جهاد النفس - الحديث 3 من كتاب الجهاد
(6) الوسائل - الباب 10 - من أبواب القنوت - الحديث 4 - 5 من كتاب الصلاة.
(7) الوسائل - الباب 10 - من أبواب القنوت - الحديث 4 - 5 من كتاب الصلاة.
34

لا في خصوص الوتر، إلا أنه لما كان هذا لطلب العفو والرحمة وغيرهما استحق ذكر
كل ما له مدخلية في استجابة الدعاء، بل قد يقال إن اشتهار ذلك بين الأصحاب فتوى
وعملا لا يكون إلا عن نص وإن لم يصل إلينا، ولعله للاستغناء بهذه الشهرة عنه كما
هو الشأن في كل اجماع لا نص فيه، فالأمر سهل وإن لم نقف فيه على نص، نعم ورد (1)
أنه يدعو فيه على من يشاء من أعدائه ويسميهم بأسمائهم، وأن يقول: إذا رفع رأسه
من آخر ركعة الوتر ما عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) (2): (هذا مقام من حسناته
نعمة منك، وشكره ضعيف، وذنبه عظيم، وليس لذلك إلا رفقك ورحمتك، فإنك
قلت في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل صلواتك عليه وآله: (كانوا قليلا من
الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون) (3) طال هجوعي وقل قيامي، وهذا السحر
وأنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يجد لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا
ولا نشورا، ثم يخر ساجدا) وأن يقول إذا انصرف من الوتر أيضا ما عن أبي جعفر
(عليه السلام) (4) (سبحان ربي الملك القدوس العزيز الحكيم ثلاث مرات، ثم يقول:
يا حي يا قيوم يا بر يا رحيم يا غني يا كريم ارزقني من التجارة أعظمها فضلا، وأوسعها
رزقا، وخيرها لي عاقبة، فإنه لا خير فيما لا عاقبة له) وغير ذلك مما هو معلوم بملاحظة
الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام).
وكذا يستحب له الفصل بين صلاة الغداة ونافلتها المدسوسة في صلاة الليل
باضطجاعة على الجانب الأيمن، ويقرأ الخمس آيات من آخر آل عمران، ويدعو بالمأثور،
أو بسجدة كما هو مقتضى الجمع بين النصوص، لكن في الذكرى قال الأصحاب:

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب القنوت من كتاب الصلاة
(2) البحار ج 18 ص 591 من طبعة الكمباني
(3) سورة الذاريات - الآية 17 و 18
(4) الفقيه - ج 1 ص 313 من طبعة النجف
35

ويجوز بدل الضجعة السجدة والمشي والكلام، إلا أن الضجعة أفضل، وهو متجه في
غير السجدة، وقال الصادق (عليه السلام) في خبر عمر بن يزيد (1): (إن خفت
السهرة في التكأة فقد يجزيك أن تضع يدك على الأرض ولا تضطجع، وأومأ بأطراف
أصابعه من كفه اليمنى فوضعها في الأرض قليلا)
ويستحب أيضا بينهما الصلاة على محمد وآله مائة مرة، وأن يقول: (سبحان
ربي العظيم وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه) مائة مرة، وقراءة الاخلاص أحد عشر
مرة، فإن من قرأها كذلك لم يتبعه في ذلك اليوم ذنب وإن رغم أنف الشيطان،
ومن قرأها أحد وعشرين بنى الله له بيتا في الجنة، ومن قرأها أربعين غفر الله له.
ويكره النوم بين صلاة الليل والفجر كما عن الشيخ والفاضلين القطع بها، لخبر
ابن بكير السابق (2) ولقول أبي الحسن الأخير (عليه السلام) في خبر المروزي (3)
(إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر، ولكن ضجعة بلا نوم، فإن صاحبه لا يحمد
على ما قدم من صلاته) لكن الظاهر أن ذلك حيث يكون إتمامه صلاته قريبا من
الفجر، أما إذا قدمها قريبا من نصف الليل فلا، ولعله عليه ينزل خبر زرارة (4)
عن الباقر (عليه السلام) (إنما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلي صلاته جملة
واحدة ثلاث عشرة ركعة، ثم إن شاء جلس وإن شاء نام وإن شاء ذهب حيث شاء)
وفي الوسائل أنه يدل على الجواز وما سبق على الكراهة، فلا منافاة، ومقتضاه ثبوت
الكراهة مطلقا، وفيه صعوبة، بل لعله ينافيه خبر زرارة (5) عن الباقر (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب التعقيب - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 35 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 35 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة.
36

(إني لأصلي صلاة الليل وأفرغ من صلاتي وأصلي الركعتين فأنام ما شاء الله قبل إن
يطلع الفجر، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما) أي الركعتين والله أعلم.
وكيف كان فقد ظهر لك مما مر تأكد هذه النوافل، وأنه لا ينبغي تركها على
حال، لكن في الذكرى قد تترك النافلة لعذر، ومنه الهم والغم: لرواية علي بن
أسباط (1) عن عدة منا (أن الكاظم (عليه السلام) كان إذا اهتم ترك النافلة) وعن
معمر بن خلاد (2) عن الرضا (عليه السلام) مثله، قال في المدارك: وفي الروايتين
قصور من حيث السند، والأولى أن لا تترك النافلة بحال، للحث الأكيد عليها في
النصوص المعتمدة، وقول أبي جعفر (عليه السلام) (3): (إن تارك هذا - يعني
النافلة - ليس بكافر، ولكنها معصية، لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملا من خير
أن يدوم عليه) وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (4) الوارد فيمن
فاته شئ من النوافل: (إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن
فلا شئ عليه، وإن كان شغله لدنيا يتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، وإلا لقي الله
عز وجل وهو مستخف متهاون مضيع لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحوه
في الذخيرة، وفيه أنه قد يجمع بين النصوص بإرادة الترك أداء وقضاء من الأخيرين
كما يشعر به الصحيح الثاني، والأداء خاصة من الأولين، وربما يؤيده الاعتبار، ضرورة
أنه مع حصول الهم والغم لا إقبال له بحيث يكون بين يدي ربه ويخاطبه، فتأمل جيدا.
ثم لا يخفى أن ظاهر ما سمعته من الأخبار السابقة بل والفتاوى أن تمام النوافل
في الليل والنهار إحدى وخمسون ركعة بمعنى هي التي يستحب مؤكدا فعلها في كل

(1) الوسائل - الباب 16 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 5 - 4
(2) الوسائل - الباب 16 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 5 - 4
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أعداد الفرائض الحديث 1
(4) الوسائل - الباب 18 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2.
37

يوم وليلة في الأوقات المخصوصة، لا التي يتفق عروض استحبابها في خصوص بعض
الأيام أو الليالي أو لبعض العوارض أولا وقت مخصوص لها أصلا، ومع ذلك كله
فالظاهر إرادة النوافل المتعارفة المستعملة من ذلك، وإلا فالمستفاد من النصوص أزيد
من ذلك كما لا يخفى على المتصفح لها.
ومنها ما ذكره غير واحد من الأصحاب الركعتان المسماتان بركعتي الغفيلة اللتان
تصليان بين المغرب والعشاء، ففي خبر هشام بن سالم (1) عن الصادق (عليه السلام)
المروي في مصباح الشيخ وفلاح السائل (من صلى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأولى
الحمد، وقوله تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا إلى المؤمنين) (2) وفي الثانية الحمد
(وعنده مفاتيح الغيب) (3) إلى آخر الآية. فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال: (اللهم
إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها غيرك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل
بي كذا وكذا - وتقول -: أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي وتعلم حاجتي أسألك
بمحمد وآله عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي) وسأل الله حاجته أعطاه الله ما سأل)
مع زيادة في الثاني (لا تتركوا ركعتي الغفيلة وهما ما بين العشائين) وفي خبر وهب
والسكوني (4) عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال: (قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين، فإنهما يورثان
دار الكرامة، قيل: يا رسول الله وما ساعة الغفلة؟ قال: ما بين المغرب والعشاء)
وعن ابن طاووس روايته كذلك بزيادة (قيل: يا رسول الله وما معنى خفيفتين؟
قال: يقرأ فيهما الحمد وحدها) مضافا إلى ما ورد في هذه الساعة مما يناسب الصلاة

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 3
(2) سورة الأنبياء - الآية 87 و 88 (3) سورة الأنعام - الآية 59
(4) المستدرك - الباب - 15 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 2.
38

فيها، فعن الباقر (عليه السلام) (1) (إن إبليس لعنه الله إنما يبث جنوده جنود الليل
من حين مغيب الشمس إلى حين مغيب الشفق، ويبث جنود النهار من حين مطلع
الفجر إلى طلوع الشمس، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه كأن يقول: أكثروا
من ذكر الله تعالى في هاتين الساعتين، وتعوذوا بالله عز وجل من شر إبليس لعنه الله
وجنوده، وعوذوا صبيانكم فيهما، فإنهما ساعتا غفلة) وعن ابن عباس في تفسير قوله
تعالى (2): (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) أن دخوله كان فيما بين المغرب
والعشاء (3) إلى غير ذلك.
وظاهر الذكرى أن ركعتي الغفيلة غير الركعتين اللتين يقرأ فيهما الآيتان
السابقتان، قال فيها: (السادس عشر يستحب ركعتان ساعة الغفلة، وقد رواها
الشيخ بسنده عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) - وذكر خبر السكوني السابق ثم
قال -: ويستحب أيضا بين المغرب والعشاء ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد وذا النون
إلى آخر ما سمعت) ولعل الذي دعاه إلى ذلك اعتبار قراءة الآيتين في أحدهما،
واعتبار الخفة المفسرة بقراءة الحمد وحدها في الآخر، وفيه أولا أن ظاهر (لو) الوصلية
في خبر السكوني عدم اعتبار الخفة شرطا كي ينافي اعتبار قراءة الآية، بل أقصاه الأذن
في تركهما، بل ظاهره أنه الفرد الأدنى. وثانيا أنه قد يراد بالوحدة في تفسير الخفة
عدم قراءة سورة أخرى لا مطلق غير الحمد ولو آية. وثالثا أن الزيادة التي سمعتها في
الفلاح كالصريحة في الاتحاد، ضرورة بعد احتمال إرادة النهي عن ترك ركعتي الغفيلة في
حد ذاتهما، لا أن المراد الإشارة إلى الركعتين السابقتين. ورابعا أنه قد يكون من

(1) الوسائل - الباب 36 - من أبواب التعقيب - الحديث 4 مع الاختلاف في اللفظ
(2) سورة القصص - الآية 14
(3) مجمع البيان - سورة القصص - الآية 14.
39

ثمراتهما قضاء الحاجة وإن استحبا للوقت أيضا. وخامسا أنه لا دلالة في النصوص على
التعدد، إذ أقصى الحاصل منها الأمر بركعتين في ساعة الغفلة، والأمر بركعتين
ما بين المغرب والعشاء يقرأ فيهما كذا، والغرض أن ما بينهما ساعة الغفلة، فأصالة
البراءة وعدم التعدد تقضي باتحاد المراد منهما، ولا ظهور في اللفظ كي يقطعها، بل قد
عرفت الظهور بخلافه، إذ الظهور إنما يسلم لو كان الأمران من أمر واحد، أما مع
تعدده واحتمال إرادة الثاني منهما إبلاغ ما أبلغه الأول منهما فلا.
وقد يقال: إن ذلك كله فيما لو كان الأمران مطلقين أو مقيدين بقيدين
متساويين، أما إذا كان أحدهما مطلقا والآخر مقيدا كما في المقام لو تنزلنا عن دعوى
تقييد الآخر منهما أيضا بقيد ينافي القيد الآخر على وجه يستلزم التعدد فهو من المسألة
المعروفة، أي وجوب حمل المطلق في المندوبات على المقيد، ولعل التحقيق عدم الحمل،
لعدم ظهور الوحدة المقتضية للتنافي الموجب للحمل والغاء أحد الدليلين. ودعوى الفهم
العرفي ممنوعة، فالحق حينئذ مع الشهيد في التعدد المذكور، ويؤيده ظهور الخبر المزبور
في كون الركعتين ذات الآيتين للحاجة لا لساعة الغفلة، مضافا إلى التسامح في السنن
ويدفعه بعد الاغضاء عن حمله (1) منه ظهور خبر ذات الآيتين على ما عن فلاح ابن
طاووس في أنهما ركعتا الغفيلة.
ومنه يعرف ما في إنكار ركعتي الغفيلة كما عن الأستاذ الأكبر حكايته عن
بعضهم، وحمل جميع ما جاء فيها من النصوص على إرادة التأكيد والحث على نافلة
المغرب، لا أن المراد ركعتان غيرهما، ضرورة عدم رجحان قراءة الآيتين في نافلة
المغرب، لخلو النصوص والفتاوى عنها، بل الموجود فيهما قراءة غير ذلك من السور

(1) هكذا في النسخة الأصلية وبهامشها " عن جملة "
40

كما لا يخفى على من لاحظهما، فاحتمال إرادة نافلة المغرب من ذلك خصوصا خبر ذات الآيتين
في غاية الضعف، وإن كان ربما يؤيده ما سمعته من الأخبار المشتملة على عدد ما يصليه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وغيره من الأئمة الطاهرين (عليه السلام) مما هو
ظاهر أو صريح في عدد لا يندرج فيه الركعتان المزبورتان، واحتمال عدم فعلهم (عليهم
السلام) لها يدفعه أنهم أولى من غيرهم بما يأمرون به، ويحثون عليه، وينهون عن تركه،
بل قد يريده أيضا حرمة التطوع في وقت الفريضة إلا الرواتب، إذ لا ريب كما قيل
في خروج وقت المغرب بالفراغ منها مع نافلتها لو فعلت بتؤدة (1) ودخول وقت العشاء
بذهاب الشفق حينئذ، بل لو سلم عدم ذهابه إلا أنه لا اشكال عندنا في جواز ايقاع
صلاة العشاء قبل، لتظافر الأخبار (2) بدخول وقت المغرب والعشاء بغروب الشمس
إلا أن هذه قبل هذه، قصارى ما هناك خروج راتبة المغرب دون غيرها، فصلاة الغفيلة
فيه حينئذ تطوع في وقت الفريضة، وفيه أولا أن الظاهر كون المراد بالنصوص السابقة
بيان تمام ما يقع منه من الرواتب المعروفة المشهورة التي لها تعلق بالفرائض لا حصر
جميع ما يقع منهم من الصلاة، وكيف وقد ورد (3) عنهم أنهم (عليهم السلام) يصلون
في اليوم والليلة ألف ركعة. وثانيا ما قيل من أن اسم الوقت إذا أطلق فإنما يراد ما ضرب
لها وحدت به في الاختيار من غيبوبة الشفق لا ما رخص فيه لذوي الأعذار وإن خفت
أو في الأسفار، والذي دل على دخول وقت الثانية بالفراغ من الأولى إنما جاء في الثاني
دون الأول ردا على أهل الخلاف في منعهم من الجمع ردا على الله ورسوله (صلى الله

(1) التؤدة بضم التاء كهمزة من الوئيد وهي السكون والرزانة والتأني والمشي
بثقل " مجمع البحرين "
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أعداد الفرائض
41

عليه وآله) ولذلك تظافرت النصوص به، لأن (1) ذلك هو الوقت الموظف لها بحيث
يحرم فيه التطوع، فتأمل جيدا. وثالثا أنه كما خرجت الرواتب بالدليل فكذا الغفيلة،
لتظافر النصوص باستحبابها.
إنما البحث حينئذ في المراد بقوله (عليه السلام): (ما بين المغرب والعشاء)
فهل هو فعلهما، فتصح حينئذ وإن وقعت بعد أن يذهب الشفق، أو وقت فضيلتهما،
فلا تصح حينئذ إلا قبل ذهابه؟ فيشكل حينئذ بأنه لا يتسع لهما ولنافلة المغرب والفريضة،
خصوصا إذا صلى الأخيران بتؤدة، وقد يقال إن الظاهر الأول لكن لا على أن المراد
الجواز وإن اتفق تأخير العشاء إلى آخر وقت الاجزاء، بل هو مبني على الغالب من
عاداتهم قديما من أنهم كانوا إذا فرغوا من المغرب ونافلتها انفضوا إلى منازلهم حتى
إذا ذهب الشفق ونادى المؤذن بالصلاة أقبل الناس يتسارعون، وكان النبي (صلى الله
عليه وآله) يرغب في تأخيرها في الجملة مراعاة للناس لاشتغالهم بالعشاء وقضاء الحاجة
وتجديد الطهارة والاستراحة ونحو ذلك، ويمكث (صلى الله عليه وآله) كيما يفرغوا
ويجتمعوا حتى نادى جفاتهم نام الناس والصبيان.
فمن المحتمل أنه (صلى الله عليه وآله) ندبهم إلى التطوع في هذا الوقت بهذه الصلاة
وغيرها، كصلاة الوصية التي رواها الشيخ في مصباحه (2) عن الصادق عن آبائه (عليهم
السلام) (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أوصيكم بركعتين بين العشاءين
يقرأ في الأولى الحمد وإذا زلزلت ثلاث عشرة مرة، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد
خمس عشرة، مرة، فإن من فعل ذلك كل شهر كان من المتقين، فإن فعل كل سنة مرة
كتب من المحسنين، فإن فعل في كل جمعة مرة كتب من المصلين، فإن فعل ذلك في كل

(1) هكذا في النسخة الأصلية وبهامشها " لا أن "
(2) مصباح المتهجد للشيخ ص 76
42

ليلة زاحمني في الجنة، ولم يحص ثوابه إلا الله) وكركعتين أخريين رواهما (1) هو فيه
أيضا (يقرأ في الأولى منهما الحمد وعشر آيات من أول البقرة وآية السخرة وإلهكم إله
واحد إلى قوله: يعقلون، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة، وفي الثانية الحمد وآية
الكرسي وآخر سورة البقرة لله ما في السماوات إلى آخرها، وقل هو الله أحد خمس
عشرة مرة، ويدعو بعضها بما أحب، ثم يقول - إلى آخره - ويقول عشر مرات
استجير بالله من النار، وعشر مرات أسأل الله الجنة، وعشر مرات أسأل الله الحور
العين) وكأربع ركعات أخر هو رواها (2) فيه أيضا (يقرأ في كل ركعة الحمد مرة،
وخمسين مرة قل هو الله أحد) قال: (روي أن من فعل ذلك انفتل من صلاته وليس
بينه وبين الله تعالى ذنب إلا وقد غفر له) وكعشر ركعات هو رواها (3) فيه أيضا
(يقرأ في كل ركعة الحمد مرة، وقل هو الله أحد مرة قبل إن يتكلم إذا فرغ من
نوافل المغرب، فإنه يعدل عتق عشر رقاب) إلى غير ذلك مما هو لأجل تأخير العشاء
وعدم الغفلة والنوم قبل صلاتها.
بل قد يستفاد من قوله (صلى الله عليه وآله): (ولو بركعتين خفيفتين)
استحباب ما يتمكن من النوافل كما صرح به في المصباح أيضا، وإلا لو أريد بما بين
العشاءين الوقت لم يسع لذلك كله قطعا، بل ولا أكثره، وقد يناقش بأن فعل ذلك
كله لا يسعه ما تعارف من الفصل بين الفريضتين أيضا ولو بعد ذهاب الشفق في الجملة،
بل هو يقضي بتأخير العشاء إلى غير المتعارف قطعا، خصوصا إذا فعل مع ذلك ما رواه
الشيخ (4) في كيفية أداء الراتبة وما يقال فيها وقبلها وبعدها، ومن الغريب أنه هو

(1) مصباح المتهجد للشيخ ص 76
(2) مصباح المتهجد للشيخ ص 77
(3) مصباح المتهجد للشيخ ص 77
(4) مصباح المتهجد للشيخ ص 20
43

رحمه الله قال بعد أن روى ذلك كله: (فإذا غاب الشفق فأذن للعشاء الآخرة) إلى
آخره. وظاهره ايقاع ذلك كله قبل ذهاب الشفق، وقد عرفت أنه لا يسعه الأول
فضلا عن الثاني، اللهم إلا أن يريد بالأذان بعد غيبوبة الشفق ولو مع فاصل طويل
لا ابتداء غيبوبته، ويدفع بأن ذلك وارد على الغالب في عادة الناس من عدم فعل الجميع،
بل الأوحدي منهم إنما يفعل البعض، فهو نظير ما ورد من المستحبات في الليل والنهار
مما يقطع الواقف عليها بعدم سعتهما له، ولا مخلص منه إلا بما ذكرنا، أو يدفع بالتزام
تأخير العشاء إلى مضي الثلث من الليل كما هو المحكي عن فعل الرضا (عليه السلام)،
والله أعلم، ولقد طال بنا الخطاب حتى خرجنا عما عزمنا عليه من وضع الكتاب،
والانسان ذو شؤون، والحديث ذو شجون.
(و) كيف كان فظاهر تقييد المصنف العدد المذكور بالحضر أنها ليست كذلك
في غيره، وهو كذلك، إذ (تسقط في السفر نوافل الظهر والعصر) بلا خلاف أجده
فيه، كما اعترف به غير واحد، بل في صريح الروضة وظاهر السرائر أو صريحها وعن
الخلاف وغيره الاجماع عليه، كظاهر الذكرى وعن المعتبر والمنتهى، بل والأمالي حيث
نسبه إلى دين الإمامية، وهو الحجة، مضافا إلى النصوص المعتبرة المستفيضة المروية في
الكتب الأربع وغيرها، فمنها خبر أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) (الصلاة
في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب، فإن بعدها أربع ركعات،
لا تدعهن في سفر ولا حضر، وليس عليك قضاء صلاة النهار، وصل صلاة الليل واقضه)
ونحوه غيره (2) بل في خبر أبي يحيى الحناط (3) النص على نافلة النهار، قال: (سألت الصادق
(عليه السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال: يا بني لو صلحت النافلة بالنهار

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 7 - 0.
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 7 - 0.
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4.
44

في السفر تمت الفريضة) كصحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليه السلام) (سألته عن
الصلاة تطوعا في السفر قال: لا تصل قبل الركعتين ولا بعدهما شيئا نهارا) إلى غير
ذلك من النصوص، لكن ظاهر بعضها إن لم يكن صريحه اختصاص ذلك بنوافل النهار،
وإن كان في اندراج مثل الأربعة الزائدة يوم الجمعة فيها نظر وتأمل كما عن الحواشي
المنسوبة إلى الشهيد من الاطلاق، ومن احتمال انصرافه إلى غيرها، ولعل الظاهر من
الأخبار الأول، فتأمل.
وعلى كل حال فظاهر الأدلة نافلة النهار دون نافلة الليل والفجر المدسوسة بها،
وهو كذلك بلا خلاف أجده فيه فيما عدا الوتيرة، بل قد سمعت التصريح في خبر
أبي بصير السابق بعدم سقوط نافلة المغرب، والنهي عن تركها سفرا وحضرا، ونحوه
غيره كخبر الحرث بن المغيرة (2) وخبر سماعة (3) وخبر أبي الحرث (4) وغيرها (5)
بل في خبر رجاء بن أبي الضحاك (6) عن الرضا (عليه السلام) التصريح بعدم سقوط
غيرها أيضا، قال: (كان في السفر يصلي فرائضه ركعتين ركعتين إلا المغرب، فإنه كان
يصليها ثلاثا، وكان لا يدع نافلتها، ولا يدع صلاه الليل والشفع والوتر وركعتي الفجر
في سفر ولا حضر، وكان لا يصلي من نوافل النهار في السفر شيئا) وفي خبر آخر (7) (كان
أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر ولا حضر) إلى غير ذلك من النصوص
التي لا فائدة في ذكرها، إذ قد عرفت أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم سقوط
نافلة المغرب والليل والفجر.

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3 - 0 -
(5) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3 - 0 -
(6) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 8.
(7) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1
45

(و) لكن الكلام في (الوتيرة) خاصة من نوافل الليل، فالمشهور كما حكاه
غير واحد السقوط، بل في الرياض أنها شهرة كادت تكون اجماعا، بل عن المنتهى
نسبته إلى ظاهر علمائنا مشعرا بالاجماع عليه، كظاهر الغنية، بل هو صريح السرائر،
لاطلاق بعض النصوص (1) (إن الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ)
مع اقتصار آخر (2) على استثناء المغرب خاصة، فإن بعدها أربع ركعات، ولاشعار
خبر أبي يحيى الحناط المتقدم باستلزام مشروعية النافلة الاتمام، بل أوضح منه اشعار خبر
الفضل بن شاذان (3) المشتمل على العلل التي سمعها من الرضا (عليه السلام)، قال فيه:
إنما قصرت الصلاة في السفر لأن الصلاة المفروضة أولا إنما هي عشر ركعات،
والسبع إنما زيدت فيها، فخفف الله عز وجل عن العبد تلك الزيادة لموضع سفره وتعبه
ونصبه واشتغاله بأمر نفسه وظعنه وإقامته لئلا يشتغل عما لا بد منه من معيشته، رحمة
من الله عز وجل، وتعطفا عليه إلا صلاة المغرب، فإنها لم تقصر، لأنها صلاة مقصرة
في الأصل، قال: وإنما ترك تطوع النهار ولم يترك تطوع الليل لأن كل صلاة لا يقصر
فيها فلا يقصر فيما بعدها من التطوع، وكذلك الغداة لا تقصير فيها فلا تقصير فيما
قبلها من التطوع) بل وأوضح منهما اشعارا مرسل ابن مهزيار (4) المروي عن المحاسن
عن الصادق (عليه السلام) (ما بال صلاة المغرب لم يقصر فيها رسول الله (صلى الله
عليه وآله) في السفر والحضر ولا في نافلتها؟ فقال: لأن الصلاة كانت ركعتين ركعتين
فأضاف إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى كل ركعتين ركعتين، ووضعهما
عن المسافر، وأقر المغرب على وجهها في السفر والحضر، ولم يقصر في ركعتي الفجر
أن يكون تمام الصلاة سبع عشرة ركعة في السفر والحضر) بل يؤيد ذلك كله تعارف

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 5 - 10
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 5 - 10
46

السؤال عن عدم سقوط نافلة المغرب دونها، ولو أنها غير ساقطة لكانت كذلك،
بل هي أولى لقصر فريضتها.
مع أنه لم يقع السؤال عنها إلا في خبر الفضل بن شاذان (1) عن الرضا (عليه
السلام) (إنما صارت العشاء مقصورة وليس تترك ركعتاها لأنهما زيادة في الخمسين
تطوعا ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوع) ومنه لخصوصيته وتعليله
واعتبار سنده - إذ ليس فيه إلا عبد الواحد وعلي بن محمد، وهما كما قيل شيخا إجازة،
ومن الأصل والاطلاق والرضوي (2) (والنوافل في السفر أربع ركعات بعد المغرب،
وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس) إلى آخره. وخبر ابن الضحاك (3) المروي
عن العيون عن الرضا (عليه السلام) المشتمل على أحكام كثيرة مفتى بها عند الفقهاء كما
قيل، ومنها أنه كان يصلي الوتيرة في السفر، والتسامح في السنن، وتقييد بعض النصوص
الساقط من النافلة بالنهار (4) واشتمال آخر (5) على الأمر بصلاة الليل وقضائها مقابل
صلاة النهار مما يشعر بإرادة مطلق ما يصلى بالليل لا خصوص الثلاثة عشر، وظهور
الأخبار السابقة في أن الساقط إنما هو الراتب، والوتيرة ليست منها، بل زيدت إما
لتدارك الوتر كما دلت عليه بعض النصوص (6) أو لاكمال العدد كما دل عليه آخر (7)
مما عرفته سابقا، فلا دلالة حينئذ في أكثر الأخبار السابقة إن لم يكن جميعها، كما أنه

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3
(2) فقه الرضا عليه السلام ص 6
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 8 لكن رواه
في الوسائل عن ابن أبي الضحاك وهو الصحيح كما تقدم في ص 45
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1 - 5
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1 - 5
(6) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 8
(7) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3
47

قد يقال بعدم دلالة الاطلاق السابق أيضا بعد ظهوره بملاحظة غيره من الأخبار في
إرادة الظهرين من صلاة السفر التي نفي الشئ قبلها وبعدها، بل ربما يجزم به باعتبار
أن صلاة العشاء قبلها نافلة المغرب، اللهم إلا أن يراد ليس قبلها لها، فتأمل. واجماع
السرائر ممنوع عليه كما عن كشف الرموز، ومعارض بمثله كما ستعرف - كان ظاهر
جماعة التردد في الحكم، بل هو صريح آخر، بل عن الشيخ في النهاية وأبي العباس في
المهذب التصريح بعدم سقوطها، بل عن الخلاف لا تسقط عن المسافر نوافل الليل
اجماعا، بل عن الأمالي من دين الإمامية أنه لا يسقط من نوافل الليل شئ وقواه
الشهيدان في الذكرى والروضة، بل مال إليه في الذخيرة، واستجوده في المدارك لولا
ضعف خبر ابن أبي الضحاك (1) السابق بعبد الواحد وعلي بن محمد كما عن شيخه ذلك أيضا
لكن قال: لولا الاجماع.
وفيه أن الخبر الأول قاصر عن معارضة ما سمعته من الأدلة السابقة من وجوه،
منها اعراض الأكثر عنه بل الجميع إلا النادر، بل قيل: إن الشيخ قد رجع عنه في جملة
من كتبه كالحائريات والجمل والعقود والمبسوط، والشهيد وإن قواه في الذكرى لكن
قال: إلا أن ينعقد الاجماع على خلافه مشعرا بنوع تردد فيه، مع أن ظاهر عبارته
في اللمعة والدروس القول بالسقوط، مضافا إلى ما سمعته من دعوى الاجماع صريحا
وظاهرا التي يشهد لها التتبع، فمنع الآبي لها في غير محله، كمعارضتها بدعوى الاجماع
من الخلاف والأمالي الموهونة بذهاب المشهور، وأي شهرة نقلا وتحصيلا إلى السقوط،
فهي أولى بالمنع، مع الاغضاء عن إفادة عبارة الأمالي الاجماع، بل قد يدعى عدم
اندراج الوتيرة في نوافل الليل التي هي المعقد كعبارة الخلاف، بل هي أولى، إذ هي
أضعف منها عموما وخصوصا، مع دعوى الاجماع فيها التي يبعد إرادته لما يشملها،

(1) كذا في نسخة الأصل والصحيح رواية الفضل بن شاذان
48

كيف ومظنة الاجماع العكس.
ومنها القصور في السند بعبد الواحد وعلي الذين لم ينص على توثيقهما، وكونهما
شيخي إجازة لا يستلزمها، كالقول بأن الحكم مستحب يتسامح فيه، فلا بأس بالقصور
المزبور، ضرورة منع التسامح في المقام كما في الرياض، قال: (لأن الظاهر من السقوط
في النصوص والفتاوى الحرمة، بل صريح كتابي الحديث للشيخ عدم الاستحباب،
فيكون تشريعا محرما، والتسامح المزبور عند من يقول به حيث لا يحتمل التحريم،
وإلا فلا تسامح قولا واحدا، وليس في النصوص (1) الدالة على تسويغ قضاء النوافل
النهارية في الليل دلالة على مشروعيتها نهارا حتى تجعل دليلا، على أن المراد بالسقوط
حيث يطلق الرخصة في الترك ورفع تأكد الاستحباب، ولو سلمت فهي معارضة ببعض
الروايات (2) السابقة الدالة على عدم صلاحية النافلة في السفر كعدم صلاحية الفريضة،
وعدم الصلاح يرادف الفساد لغة بل وعرفا مع شهادة المساق بذلك) وهو وإن كان
جيدا إلا أنه قد يناقش بأن الذي يمنع جريان التسامح هو احتمال الحرمة الغير التشريعية
لا هي، وإلا فلا ينفك المستحب المتسامح فيه عن احتمالها الذي لا يلتفت إليه بعد عموم
(من بلغه) (3) وغيره من أدلة التسامح، بل يمكن منع أصل التشريع بعد فرض أن العبد
جاء به لاحتمال أنه مراد للسيد، فتأمل. اللهم إلا أن يدعي ظهور النصوص والفتاوى
في غير الحرمة التشريعية هنا، أو يفرق بين التشريعية التي منشأها عدم الدليل المعتبر
على المشروعية مثلا مع قطع النظر عن دليل التسامح، وبين التشريعية التي منشأها
مخالفة النهي عن الفعل كصلاة الحائض ونحوها، وما نحن فيه من الثاني لا الأول.

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أعداد الفرائض
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب مقدمة العبادات
49

وأما خبر ابن أبي الضحاك فلم أجد ذلك فيه فيما حضرني من نسخة العيون،
بل الموجود خلافه، والرضوي ليس بحجة عندنا.
والتقييد بالنهار في النصوص السابقة - مع أنه في كلام السائل في البعض، وفي
آخر في كلام الإمام (عليه السلام) تبعا للسائل، ومبني على حجية مثله، وعمومه قابل
للتخصيص أو التقييد بما عرفته من الأدلة كالأصل والاطلاق السابقين، وكون الحكمة
في الوتيرة التدارك أو الاكمال - لا ينافي كونها من الرواتب، خصوصا بعد ذكر النصوص
والفتاوى لها في ضمنها وإدراجها إياها فيها حتى صارت بسببها الصلاة إحدى وخمسين،
على أنه لا يعارض الدليل الخاص على سقوطها من الاجماع وغيره مما عرفت، وبذلك
كله ظهر لك ما في أدلة عدم السقوط، وأن الأولى خلافه، ومن هنا قال المصنف: (على
الأظهر) والله أعلم.
ثم إن ظاهر المصنف كغيره سقوط النوافل المزبورة حتى في الأماكن الأربعة،
وفيه نظر إذا اختار المكلف ايقاع فرائضه على وجه التمام الذي هو مستلزم لصلاحية
الاتيان بالنافلة، بل لعل من التمام صحة فعلها، ولذا صرح بعضهم كالشهيد وغيره بعدم
السقوط حينئذ، بل عن الشيخ نجيب الدين بن نما عن شيخه ابن إدريس أنه لا فرق
بين أن يتم الفريضة أولا، ولا بين أن يصلي الفريضة خارجا عنها والنافلة فيها أو يصليهما
معا فيها، ولعله لما أشرنا إليه من تبعيتها لصلاحية الاتمام في الفريضة لا لوقوعه منه،
كما يومي إليه خبر الحناط (1) المتقدم، فما في المدارك وغيره - من أنه مشكل إذا صلى
الفريضة خارجا عنها خصوصا مع تأخر النافلة أو مع تقدمها إذا كان من نيته صلاة
الفريضة خارجا عنها - قد يدفع بما عرفت، فتأمل.
ومن ذلك تعرف أن الظاهر عدم سقوط النافلة عن المسافر الذي هو بحكم الحاضر

(1) الوسائل - الباب 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4
50

ككثير السفر ونحوه، بل في ظاهر الغنية أو صريحها الاجماع عليه، لما سمعت من أن
صلاحية النافلة يتبع صلاحية الاتمام، كما أن سقوطها يتبع تعين القصر حتى إذا لم يكن
مسافرا، كما إذا صلى قصرا للخوف، وبه صرح في الدروس (1).
وكذا تعرف أيضا عدم سقوط النافلة عمن دخل وقتها عليه وهو حاضر وإن
كان من نيته السفر بعدها والصلاة قصرا في الطريق، وربما يومي إليه في الجملة الموثق (2)
عن الصادق (عليه السلام) (سئل عن الرجل إذا زالت الشمس وهو في منزله ثم يخرج
في سفر فقال: يبدأ فيصليها، ثم يصلي الأولى بتقصير ركعتين) الحديث. هذا.
وظاهر الفتاوى وكثير من النصوص السابقة أيضا سقوط ما عرفت من النوافل
أداء، ولا ملازمة بينه وبين القضاء حتى لو كان الأداء محرما، إذ هو بفرض جديد
كصوم الحائض، نعم ظاهر خبر سيف التمار (3) عن الصادق (عليه السلام) سقوطه
أيضا كالأداء، قال: (قال بعض أصحابنا: إنا كنا نقضي صلاة النهار إذا نزلنا بين
المغرب والعشاء الآخرة، فقال: لا، الله أعلم بعباده حين رخص لهم، إنما فرض الله
على المسافر ركعتين لا قبلهما ولا بعدهما شئ إلا صلاة الليل على بعيرك حيث توجه بك)
كخبر العامري (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) (وليس عليك قضاء صلاة النهار،
وصل صلاة الليل واقضه) ونحوه خبر أبي بصير (5) عن الصادق (عليه السلام) وغيره (6)

(1) نظر فيه ولم يصرح بالسقوط (منه رحمه الله)
(2) الوسائل - الباب 23 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1 وفي الوسائل
" يبدأ بالزوال فيصليها "
(3) الوسائل - الباب 22 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب 21 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 7 لكن رواه
عن أبي بصير ولم نعثر على خبر العامري بهذا المضمون
(5) الوسائل - الباب 24 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2
(6) الوسائل - الباب 26 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4
51

والمراد منه نفي الاستحباب لا نفي الوجوب قطعا، وفي خبر ابن حنظلة (1) (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك إني سألتك عن قضاء صلاة النهار بالليل
في السفر فقلت: لا تقضها، وسألك أصحابنا فقلت: اقضوا، فقال: أفأقول لهم:
لا تصلوا؟ وإني أكره أن أقول لهم: لا تصلوا، والله ما ذاك عليهم) وفي خبر حنان
ابن سدير (2) قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): كان أبي يقضي في السفر نوافل
النهار بالليل، ولا يتم صلاة فريضة) ومعاوية بن عمار (3) (قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): أقضي صلاة النهار بالليل في السفر فقال: نعم، قال إسماعيل بن جابر: أقضي
صلاة النهار بالليل في السفر فقال: لا، فقال: إنك قلت: نعم، فقال: إن ذلك يطيق
وأنت لا تطيق).
وربما جمع بين هذه الأخبار بأنه لا إثم في القضاء وإن لم يكن مسنونا، وهو كما
ترى، أو بالحمل على نفي التأكد، أو بأن المراد بعد حمل خبر ابن سدير على الانكار
أنه لو صلوها بنية القضاء كانت نفلا مطلقا إذا لم يكن القضاء مشروعا، فلعل الإمام (عليه
السلام) لم ينههم عن ذلك لذلك، كما أومأ إليه في خبر ابن حنظلة السابق، فتأمل جيدا.
(والنوافل كلها) موقتها وغير موقتها (ركعتان بتشهد وتسليم بعدهما إلا)
ما ستعرف مما قام عليه الدليل، ضرورة أن كيفية العبادة توقيفية كأصلها، والثابت
من فعلهم وقولهم: (عليهم السلام) إنها ركعتان، ففي خبر أبي بصير (4)
المروي في كتاب حريز عن الباقر (عليه السلام) (وافصل بين كل ركعتين من نوافلك

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4 لكن رواه
عن حنان بن سدير عن سدير عن الصادق عليه السلام
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 3
52

بالتسليم) وخبر علي بن جعفر (1) المروي عن قرب الإسناد سأل أخاه (عليه السلام)
عن الرجل يصلي النافلة أيصلح له أن يصلي أربع ركعات لا يسلم بينهن؟ قال: لا
إلا أن يسلم بين كل ركعتين) والمناقشة باحتمال إرادة الرواتب ونحوها خاصة من النافلة
يدفعها ظهور اللفظ أولا، والانجبار بالفتوى ثانيا، بل هو المعروف بين الأصحاب
كما اعترف به في المدارك، بل في السرائر وعن إرشاد الجعفرية أن عليه الاجماع كظاهر
الغنية، وفي المحكى عن الخلاف (ينبغي أن يتشهد بين كل ركعتين، وأن لا يزاد على
الركعتين اجماعا، وإن زاد خالف السنة - ثم قال أيضا -: وأما عندنا في كون الواحدة
صلاة صحيحة فالأولى أن نقول لا يجوز، لأنه لا دليل في الشرع على ذلك، وروى
ابن مسعود (2) (أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن البتراء أي الركعة الواحدة)
بل لا أجد في ذلك خلافا صريحا بيننا) نعم قد يشم من عدم الترجيح في الذكرى
- ومن نسبة عدم جواز الزيادة على اثنتين إلى مبسوط الشيخ أو إليه وابن إدريس في
المحكي عن تحرير الفاضل وتذكرته وعدم جواز الاقتصار على الركعة إلى الشيخ في الذكرى
والمحكي عن التذكرة أيضا والمنتهى ولفظ الأشبه والأقرب ونحوهما في كلام بعضهم ونحو
ذلك - نوع تردد فيه، بل في المحكي عن المنتهى والتذكرة (الأفضل في النوافل أن
تصلي كل ركعتين بتشهد واحد ويسلم بعده) وهو كالصريح في مفضولية غيره، مع أن
في الأول منهما بعد ذلك أن الذي ثبت فعله من النبي (صلى الله عليه وآله) أنه كان
يصلي مثنى مثنى فيجب اتباعه، وعن الغرية (منع أكثر علمائنا من الزيادة على الركعتين
في تطوع الليل) وهو أيضا مشعر بوجود المخالف إلا أنا لم نتحققه.

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2
(2) نقل الشوكاني في نيل الأوطار ج 3 ص 28 عن محمد بن كعب القرظي " إن
النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن البتيراء "
53

نعم قال المقدس الأردبيلي في المحكي عن مجمعه: (إن الدليل على عدم الزيادة
والنقيصة غير ظاهر، وما رأيت دليلا صريحا على ذلك، نعم ذلك مذكور في كلام
الأصحاب، والحكم به مشكل، لعموم مشروعية الصلاة، وصدق التعريف المشهور على
الواحدة والأربع، ولهذا جوزوا نذر الوتر وصلاة الأعرابي مع القيد اتفاقا، وعلى
الظاهر في غيرهما، وترددوا في كونهما فردي المنذورة المطلقة أم لا، ولو كان ذلك
حقا لما كان لقولهم هذا معنى، ويؤيده صلاة الاحتياط فإنها قد تقع ندبا مع الوحدة
فيحتمل أن يكون مرادهم الأفضل والأولى - إلى أن قال -: أو أن مرادهم بقولهم
كل النوافل أنهم لم يجدوا فيها ما هو ركعة أو أزيد من ركعتين سوى الوتر وصلاة
الأعرابي) إلى آخره. وهو عجيب إذ عدم الدليل بعد التسليم كاف في العدم، وعموم
مشروعية الصلاة لا يثبت الكيفية من الكمية ونحوها قطعا، وصدق التعريف مع أن
المقصود منه ضبط المشروع من الصلاة في الجملة لا أن المراد به كل ما صدق عليه ذلك،
فهو مشروع وصلاة قطعا - غير مجد، على أن الاستناد إليه مع التصريح من المعرفين وغيرهم
بخلافه غريب، وأغرب منه الاستناد إلى جواز نذر الوتر وصلاة الأعرابي بعد ثبوتهما
بالدليل، وأطرف شئ دعواه الظهور في غيرهما، وهو عين المتنازع فيه، واستدلاله
بترددهم في كون الوتر وصلاة الأعرابي فردي المنذورة المطلقة أم لا، وهو عند التأمل
عليه لا له، وتأييده ذلك بصلاة الاحتياط، وهو ثابت بالدليل، مع أنها ليست مبنية
على النفل من أول وهلة، وذكره الاحتمالين المزبورين في كلام الأصحاب، وهو مناف
لتصريحهم كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم، بل لعله غير محتاج إلى ملاحظة، لأنه
المعروف من مذهبهم وطريقتهم وعملهم الذي يقطع بأنه مأخوذ من أئمتهم (عليهم السلام)،
إنما يعرف من الشافعي كما حكي عنه أنه جوز الصلاة بأي عدة شاء أربعا وستا وثمانيا
وعشرا شفعا أو وترا، قال: (وإذا زاد على مثنى فالأولى أن يتشهد عقيب كل
54

ركعتين، فإن لم يفعل وتشهد في أخراهن مرة واحدة أجزأه) وعن الاملاء (إن صلى بغير
احصاء جاز) وهو المحكي عن مالك، وأما أبو حنيفة فقيل: إنه وافقنا في بعض أقواله
على المنع عن الواحدة، لكن قال: الأفضل أربعا أربعا ليلا أو نهارا، وإلا فأصحابنا
لم يعرف بينهم إلا ما ذكرنا، حتى أنه لشهرة ذلك بينهم ومعروفيته لم يحتاجوا في تنزيل
اطلاق ما ورد من الأمر بالنافلة بل وإن كان بعدد مخصوص منها كأربع أو ثمان أو
عشر أو غير ذلك على إرادة كل ركعتين بتسليم إلى دليل خاص
بل لعل ترك التعرض له في أكثر النصوص خصوصا المتضمن منها للأمر
بالأعداد المخصوصة أوضح قرينة على معروفية ذلك ومعلوميته واستغنائه عن التصريح،
وأنه لو أريد خلافه لنص عليه ك‍ (الوتر وصلاة الأعرابي) فإن الأول ليس بركعتين
اجماعا عندنا محصلا ومنقولا ونصوصا (1) متواترة، إذ هو إما موصول بالشفع على
أن يكون ثلاث ركعات بتسليمة كما هو مذهب أبي حنيفة وبعض، بل ربما مال إليه
بعض المتأخرين من أصحابنا، لكن على جهة التخيير كما ستعرفه مفصلا، أو مفصول
عنه على أن يكون ركعة واحدة كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا في الذكرى وتحصيلا،
بل فيها أنه أشهر الروايات، بل في المدارك وعن غيره أنه المعروف من مذهب الأصحاب
بل عن المنتهى أنه مذهب علمائنا، قال فيه: (واثنتان للشفع يسلم فيهما ثم يوتر بواحدة
ذهب إليه علماؤنا - إلى أن قال -: وعثمان وسعد وزيد بن ثابت وابن عباس وأبو عمر
وابن زبير وأبو موسى وعائشة وسعيد بن المسيب وعطاء ومالك والأوزاعي والشافعي
وإسحاق وأحمد وأبو ثور) وفي المحكي عن التذكرة (الوتر عندنا واحد لا يزاد عليها،
وما يصلي قبلها ليس من الوتر) وحكى القول بذلك أيضا عن جماعة ممن سمعت، وكشف
اللثام (إن الوتر عندنا واحدة) بل في المحكي عن الخلاف صريح الاجماع عليه، كما عن

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أعداد الفرائض
55

الأمالي (الشفع ركعتان، والوتر ركعة واحدة من دين الإمامية) فيكون حينئذ الشفع
اسما للركعتين، والوتر للواحدة، وهو اطلاق معروف بين الأصحاب قدمائهم
ومتأخريهم، بل الظاهر أنه حقيقة متشرعية إن لم تكن شرعية.
ومن العجيب ما في المدارك وغيرها من أن المستفاد من الروايات الصحيحة أن
الوتر اسم للركعات الثلاثة لا الركعة الواحدة الواقعة بعد الشفع كما يوجد في عبارات
المتأخرين، وكأنه لم يلحظ ما وقفنا عليه أو نقل لنا من عبارات القدماء كالفقيه والهداية
والأمالي والمقنع والمقنعة والنهاية والخلاف والمصباح وجمل العلم والعمل والمراسم والكافي
والوسيلة والغنية والسرائر وغيرها من تصانيفهم.
والأصل في ذلك ورود الشفع والوتر بهذا المعنى في الأخبار المستفيضة، بل
وفي الكتاب العزيز على ما روي في بعض تلك الأخبار، فعن كتاب دعائم الاسلام (1)
عن الصادق (عليه السلام) في قول الله عز وجل (2): (والشفع والوتر: الشفع الركعتان،
والوتر الواحدة التي يقنت فيها) وعن تفسير علي بن إبراهيم (3) (الشفع ركعتان
والوتر ركعة) ولا ينافيه التفسير في بعض الأخبار بالخلق والخالق (4) أو بالحسنين
وأمير المؤمنين (عليه السلام) (5) أو بيومي التروية وعرفة (6) أو غير ذلك، كما يشهد
له قوله تعالى (7): (وليال عشر) فإن المراد بها عشر ذي الحجة كما عن المشهور،
إذ الكتاب يحتمل الوجوه المختلفة والبطون المتعددة، وإن كان الأوفق باللغة إرادة

(1) البحار - ج 18 - ص 574 من طبعة الكمباني
(2) سورة الفجر - الآية 2
(3) تفسير الصافي سورة الفجر - الآية 2
(5) تفسير الصافي سورة الفجر - الآية 2
(6) تفسير الصافي سورة الفجر - الآية 2
(4) مجمع البيان - سورة الفجر - الآية 2 - ص 485 من طبعة صيدا
(7) سورة الفجر - الآية 1.
56

الشفع والوتر من كل شئ، كما يقرب منه ما عن مجمع الطبرسي (1) عن النبي (صلى الله
عليه وآله) (إن الشفع والوتر هما الصلاة، منها شفع ومنها وتر) بل لعل مراده ما ذكرنا
مع حمل ذلك منه على بيان الأفراد دون تعيين المراد، بل يمكن حمل الأخبار السابقة
على ذلك أيضا، فتخرج الآية حينئذ عن الدلالة على المطلوب، لكن الخبرين الأولين
وإن حملا أيضا على بيان الأفراد دالان عليه، كخبر الفضل بن شاذان (2) المروي عن
العيون عن الرضا (عليه السلام) في بيان شرائع الاسلام (والسنة من الصلاة أربع
وثلاثون - إلى أن قال -: والشفع والوتر ثلاث ركعات يسلم بعد ركعتين) وخبر
الأعمش (3) المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) في حديث شرائع
الدين (والسنة أربع وثلاثون - إلى أن قال -: والشفع ركعتان، والوتر ركعة) قيل
ونحوه المرسل عن تحف العقول (4) وعن الرضا (عليه السلام) في المروي (5) عن روضة
الواعظين (عليكم بصلاة الليل، فما من عبد يقوم آخر الليل فيصلي ثمان ركعات وركعتي
الشفع وركعة الوتر واستغفر الله في قنوته سبعين مرة إلا أجير من عذاب القبر ومن
عذاب النار، ومد له في عمره، ووسع له في معيشته) وخبر عبد الرحمان بن كثير (6)
عن الصادق (عليه السلام) المروي عن جنة الأمان عن تتمات المصباح لابن طاووس
(كان أبي يقرأ في الشفع والوتر بالتوحيد) وفي المروي عن فقه الرضا (عليه السلام) (7)
(وتقرأ في ركعتي الشفع في الأولى سبح اسم، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون،

(1) أرسله الطبرسي عن النبي صلى الله عليه وآله في تفسيره ذيل سورة الفجر وأسنده
الفخر الرازي في تفسيره ج 8 ص 558 وكذا ابن كثير ج 4 ص 506
(2) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 23 - 25 - 23
(3) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 23 - 25 - 23
(4) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 23 - 25 - 23
(5) المستدرك - الباب - 33 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 16
(6) المستدرك - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(7) فقه الرضا عليه السلام ص 13
57

وفي الوتر قل هو الله أحد) والمرسل (كان النبي (صلى الله عليه وآله) يفصل
بين الشفع والوتر) وآخر (1) (كان الرضا (عليه السلام) يسلم بين الشفع والوتر
ويقنت فيهما) وثالث (2) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (الوتر بركعة
من آخر الليل) ورابع (3) أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (صلاه الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح
فأوتر بواحدة) وخامس (4) أنه (صلى الله عليه وآله) (كان بالليل يصلي أحد عشر ركعة،
يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة) والحسن كالصحيح (5) عن الصادق (عليه
السلام) المروي في باب التفويض من أصول الكافي في حديث طويل (والنافلة إحدى
وخمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر) وخبر
أبي بصير (6) عنه (عليه السلام) أيضا المروي عن العلل (من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يبيتن إلا بوتر، قال: قلت: تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة قال: نعم،
أنهما بركعة، فمن صلاها ثم حدث به حدث الموت مات على وتر، وإن لم يحدث به
حدث الموت صلى الوتر في آخر الليل).
والعجب مما يحكى عن بعض المتبحرين من المحدثين قدس سره من أنه لم يرد
بذلك خبر أصلا إلا حديث رجاء (7) ورده بالضعف والشذوذ، ولعل عذره تفرق

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 24
(2) صحيح النسائي ج 3 - ص 233 المطبوع بالأزهر عام 1348
(3) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 11
(4) سنن البيهقي ج 2 ص 486
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2 وفيه
" والفريضة والنافلة إحدى وخمسون "
(6) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 8
(7) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 24.
58

الأخبار المذكورة في كتب الأصحاب، وخروج أكثرها عن الكتب الأربعة التي عليها
مدار النظر في الغالب.
نعم الأشهر في الروايات اطلاق الوتر على الركعات الثلاث، وهي المفردة
والركعتان قبلها، بل لعلها تجاوزت حد المتواتر، وفي مفتاح الكرامة (إنها ربما نافت
على أربعين خبرا) إلى آخره. لكن هي أنواع.
منها ما اشتمل على تحديد الوتر بالثلاث، كصحيح أبي بصير (1) عن الصادق
(عليه السلام) (والوتر ثلاث ركعات مفصولة) وصحيحه الآخر (2) عنه (عليه
السلام) أيضا الوتر ثلاث ركعات، اثنتين مفصولة، وواحدة) وموثق سليمان بن
خالد (3) عنه (عليه السلام) أيضا (الوتر ثلاث ركعات، تفصل بينهن وتقرأ فيهن
جميعا بقل هو الله أحد) وموثق أبي بصير (4) في قضاء الوتر (الوتر ثلاث ركعات
إلى زوال الشمس، فإذا زالت فأربع ركعات) وإن كان ذيله محمولا على التقية، فإن
الوتر يقضى عندنا وترا أبدا كما نطقت به الصحاح المستفيضة (5).
ومنها ما استعمل فيه الوتر مع التصريح بإرادة الثلاث من غير تحديد فيه،
كصحيح معاوية بن عمار (6) قال: (قال لي: اقرأ في الوتر في ثلاثهن بقل هو الله أحد
وسلم في الركعتين) وصحيح عبد الله بن سنان (7) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الوتر ما يقرأ فيهن جميعا؟ قال: بقل هو الله أحد، قلت: في ثلاثهن قال: نعم)

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 10 - 9
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 10 - 9
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 12 - 0 -
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 12 - 0 -
(6) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 7
(7) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
59

وصحيح ابن الحجاج (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) - أيضا - عن القراءة
في الوتر فقال: كان بيني وبين أبي باب فكان إذا صلى يقرأ في الوتر قل هو الله أحد
في ثلاثهن) وصحيح يعقوب بن يقطين (2) (سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن
القراءة في الوتر وقلت: إن بعضا روى قل هو الله أحد في الثلاث، وبعضا روى
المعوذتين، وفي الثالثة قل هو الله أحد فقال: أعمل بالمعوذتين وقل هو الله أحد) وصحيح
أبي ولاد الحناط (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (لا بأس أن يصلي الرجل الركعتين
من الوتر ثم ينصرف فيقضي حاجته ثم يرجع فيصلي ركعة) وصحيحه الآخر (4)
(سألته - أيضا - عن التسليم في ركعتي الوتر فقال: نعم، وإن كانت لك حاجة فاخرج
واقضها ثم عد واركع ركعة) وموثق سليمان بن خالد (5) عن الصادق (عليه السلام)
(ثم الوتر ثلاث ركعات تقرأ فيها جميعا قل هو الله أحد، وتفصل بينهن) وموثق حنان (6)
عنه (عليه السلام) أيضا (كان النبي (صلى الله عليه وآله) يصلي ثمان ركعات - إلى أن قال -: وثلاث الوتر) وخبر البزنطي (7) عن أبي الحسن (عليه السلام) (أنه عقد
بيده الزوال - ثمانية إلى أن قال -: والوتر ثلاثا) وفي المحكي (8) عن فقه الرضا
(عليه السلام) (وثلاث ركعات الوتر، وهي صلاة الراغبين).
ومنهما ما يفهم إرادة الثلاث منه بمعونة القرائن، كصحيحتي الحلبي (9)
ومعاوية بن وهب (10) المتضمنتين لتفريق النبي (صلى الله عليه وآله) لصلواته ثلاث
أوقات، وقتين للثمان، ووقت للوتر وركعتي الفجر، والأخبار المستفيضة الدالة على

(1) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 5
(2) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 5
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4 - 1
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4 - 1
(5) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 16 - 6 - 7
(6) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 16 - 6 - 7
(7) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 16 - 6 - 7
(8) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 4
(9) الوسائل - الباب 53 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 1 من كتاب الصلاة
(10) الوسائل - الباب 53 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 1 من كتاب الصلاة
60

جواز تقديم صلاة الليل والوتر وتأخيرهما لذوي الأعذار، كصحيح سليمان بن خالد (1)
وحسنة عبد الله بن سنان (2) ورواية عمر بن يزيد (3) ورواية أبي جرير القمي (4)
ورواية الحلبي (5) وخبر يعقوب بن سالم (6) وغيرها من الأخبار التي قوبل فيها الوتر
بصلاة الليل التي هي الثمان، أو وسطت بينها وبين ركعتي الفجر، فإن المعلوم بقرينة
المقابلة أن المراد بها الثلاث دون الواحد، فهذه الأخبار وما في معناها وجملتها خمسون
حديثا أو أكثر قد تضمنت اطلاق الوتر على الركعات الثلاث وتحديده بها، وقد علم
منها ومن الروايات المتقدمة التي استعمل فيها الوتر في الركعة الواحدة وروده فيها بالمعنيين،
واستفاضة النقل بهما، وإن كان استعماله في الثلاث أكثر وأغلب، وقد اجتمع الأمران
في بعض الأخبار، كما أنه ورد استعمال الوتر في روايات العامة في الواحدة والثلاث
والخمس والسبع (7) واستفادوا منها كون الوتر هي صلاة الليل المقطوعة على وتر في
آخرها، وربما احتمله بعض أخبارنا أيضا، والأمر في ذلك سهل.
إنما الكلام في تعيين المعنى الحقيقي للوتر شرعا بحيث إذا أطلق يحمل عليه،
وقد اختلف فيه أصحابنا وغيرهم بعد الاتفاق من الجميع على نقله عن معناه الأصلي ووضعه
للصلاة، وعدم خروجه من صلاة الليل على أقوال، أحدها وهو ظاهر الأكثر من
علمائنا أنه حقيقة في الركعة الواحدة التي هي آخر صلاة الليل، بل عن جملة من كتبهم
تحديد الوتر بها وتحديدها به، بل قد سمعت فيما تقدم معقد صريح الاجماع وظاهره
من الصدوق والشيخ والفاضل وغيرهم مما هو صريح أو كالصريح في أنه حقيقة عندهم

(1) الوسائل - الباب 48 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 48 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 5 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 8 - 10 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 8 - 10 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 8 - 10 من كتاب الصلاة
(7) صحيح النساء ج 3 ص 238 المطبوع بالأزهر عام 1348
61

في الركعة الواحدة، وقد يشهد له مضافا إلى ذلك وإلى ما عرفته من الاستعمال في كثير
من الأخبار قوله (صلى الله عليه وآله) (1): الوتر ركعة من آخر الليل) بل وقوله
(صلى الله عليه وآله): (إن الوتر صلاة واحدة) لكن بناء على ما عندنا من أن
الثلاث صلاتان إذ لا يكون حينئذ وترا إلا باعتبار انضمام إحدى الصلاتين إلى الأخرى،
وبهذا الاعتبار يمكن صيرورتها وترا مع جميع الصلوات التي قبلها، بل صيرورة جميع
الصلوات وترا، والظاهر من تسمية الوتر بهذا الاسم كونها وترا بنفسها لا باعتبار
أمر آخر كما هو واضح.
نعم لو قلنا بمقالة أبي حنيفة ومن تابعه من أن الوتر ثلاث ركعات موصولة
بتسليمة واحدة أمكن حينئذ المناقشة في الاستدلال بالخبر المزبور، لكنه في غاية
الضعف عندنا، للنصوص السابقة وغيرها مما يمكن دعوى تواترها في ذلك، بل قد
يقطع من لاحظها وما اشتملت عليه من الأمر بايقاظ الراقد ونفي البأس عن الكلام
والشرب وقضاء الحاجة والنكاح ونحو ذلك بين الركعتين والركعة، وكثرة السؤال
عن ذلك بأن المراد منها التعريض بأبي حنيفة وأصحابه القائلين بالوصل، بل يمكن أيضا
تحصيل الاجماع على خلافه، بل قد سمعت دعواه ممن تقدم.
وربما يشهد له التتبع، إذ لم نجد فيه خلافا من أحد إلا من بعض متأخري
المتأخرين، فخير بين الفصل والوصل جمعا بين الأخبار السابقة وبين خبر كردويه
الهمداني (2) (سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن الوتر فقال: صله) بشهادة خبر
منصور (3) عن مولى لأبي جعفر (عليه السلام) قال: (ركعتا الوتر إن شاء تكلم
بينهما وبين الثالثة وإن شاء لم يفعل) وصحيحتي معاوية بن عمار (4) ويعقوب بن

(1) صحيح النسائي - ج 3 ص 233 المطبوع بالأزهر - عام 1348
(2) الوسائل - الباب 15 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 18 - 15
(3) الوسائل - الباب 15 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 18 - 15
(4) الوسائل - الباب 15 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 17
62

شعيب (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التسليم في ركعتي الوتر فقال
(عليه السلام): إن شئت سلمت وإن شئت لم تسلم).
وهو في غاية الضعف، ضرورة قصور الخبر الأول عن المقاومة لما تقدم من
وجوه، خصوصا بعد موافقته لمذهب أبي حنيفة، وعدم صراحة الأمر بالوصل فيه في
عدم التسليم على الركعتين، والجمع فرع المكافأة، على أن خبر التخيير الأول مع ارساله
بل واضماره في وجه لا صراحة فيه أيضا بعدم التسليم، وأما الصحيحتان فقد حملهما
الشيخ تارة على أن المراد بالتسليم فيهما قوله: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين دون السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته، لعدم وجوبهما معا في الخروج من الصلاة، وأخرى على أن
المراد به ما يستباح به من الكلام وغيره تسمية للمسبب باسم السبب، وثالثة على التقية
ولعله أولى من الأولين، ولا ينافيه وجوب الوصل عند أبي حنيفة لا التخيير، لعدم
انحصار مذاهبهم فيه أولا، بل لعل مقتضى الحمل المزبور من الشيخ وجود قول لهم
بالتخيير، وهو أعلم من غيره بهم، وامكان منع اعتبار وجود قول لهم في ورود الأخبار
مورد التقية ثانيا، كما ذهب إليه بعض الأفاضل، ويومي إليه قوله (عليه السلام) (2):
(أنا أوقعت الاختلاف بينكم كي لا تعرفوا فتؤخذوا) أو لأن ذلك أقرب في دفع
التقية من تعيين الفصل، فلعل المقام كان يمكن رفعه بذلك، فذكره (عليه السلام)
واقتصر عليه ولم يأمر بالوصل، أو غير ذلك، وإن أبيت ذلك كله فلا بد من الطرح
قطعا، لوضوح الضعف عن المقاومة لبعض ما ذكرنا فضلا عن جميعه، واحتمال تأييده
بالأخبار المعتبرة المستفيضة جدا المتضمنة لاطلاق الوتر على الثلاث باعتبار اشعارها

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 16
(2) علل الشرائع ج 2 - باب - 131 - " العلة التي من أجلها حرم الله عز وجل
الكبائر " - الحديث 15.
63

بالوصل يدفعه - مع أنها معارضة بالأخبار المتضمنة لاطلاقه على الواحدة باعتبار اشعارها
أيضا بالانفصال - أنه لا تلازم بين الاطلاق على الثلاث والوصل، إذ يمكن كون الوتر
اسما للثلاثة المفصولة كما صرح به في بعض الأخبار السابقة، ويمكن كونه اسما للثالثة
الموصولة، ويقوى في ظني أن كثرة اطلاق الوتر على الثلاث في تلك الأخبار وتحديده
بها لايهام الاتصال تقية.
ومنه يظهر ضعف دعوى أنه حقيقة في الثلاث، وهو القول الثاني كما في المدارك
والذخيرة وعن الفاضل البهائي والمدقق محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني وغير واحد من
شراح الحديث وأبي حنيفة وأصحاب الرأي، بل قيل: إنهم حكوا ذلك عن علي
(عليه السلام) وعمر وأبي وأنس وابن مسعود وأبي أمامة وعمر بن عبد العزيز، لكثرة
الاستعمال، ولما ورد (1) من طريق العامة والخاصة (إن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان يوتر بثلاث ركعات) وللتحديد بالثلاث في النصوص السابقة، وفيه أن الكثرة
ليست من إمارات الحقيقة خصوصا بعد أن كان الداعي في هذا الاستعمال ما ذكرناه
من ايهام الاتصال تقية، ومنه يظهر ضعف الاستدلال بالآخرين.
ويؤيد ما ذكرنا مضافا إلى ما سمعت أنه لا اشكال في أن الوتر في عرف
المتشرعة اسم للركعة الواحدة كما ظهر لك مما تقدم، ويشهد به استعمالهم الشائع المعروف
زيادة على نص الفقهاء منهم، فيكون في عرف الشارع كذلك، وإلا لزم النقل المخالف
للأصل والظاهر أيضا، لاقتضائه هجر الحقيقة الشرعية في عرف المتشرعة، وهو مستبعد
جدا، فإن الحقائق الشرعية حقائق في عرف المتشرعة، ولا يكاد يوجد شئ نقله

(1) صحيح النسائي - ج 3 ص 235 - المطبوع بالأزهر عام 1348 ومستدرك
الوسائل - الباب - 41 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
64

الفقهاء إلى معنى آخر، وقد ذكر علماء الأصول في تحرير محل النزاع في الحقيقة الشرعية
أن موضع الخلاف هي الألفاظ المتداولة على لسان المتشرعة التي هي حقائق عندهم في
معانيها الشرعية، ومقتضى ذلك أن كل حقيقة شرعية حقيقة في عرف المتشرعة،
فلو كان الوتر حقيقة في غير الواحدة في عرف الشارع لزم أن يكون كذلك في عرف
المتشرعة، والمعلوم من حالهم خلاف ذلك.
فالأقوى حينئذ القول الأول، ودونه في القوة - وإن كان هو أقوى من الثاني
إلا أنه لم نجد قائلا به بخلاف الثاني - احتمال اشتراك لفظ الوتر بين الكل والجزء،
للاستعمال فيهما على وجه يمكن دعوى استفادة كونه حقيقة في كل منهما.
وكيف كان فأقوال أصحابنا منحصرة في القولين وإن كانت الاحتمالات ثلاثة،
نعم يحكى عن الزهري من العامة أنه في شهر رمضان ثلاث ركعات وفي غيره ركعة
واحدة، ولا شاهد له من الأخبار، بل قيل ولم يوافقه على ذلك أحد من الفقهاء،
وعن الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنهما أن الوتر كل فرد من صلاة الليل من
الواحدة إلى الإحدى عشر، أقله الأول، وأكثره الثاني، وما بينهم من الافراد
مترتبة في الفضل، وأدنى الكمال هو الثلاث، وأفضل منه الخمس، ثم السبع، ثم التسع،
ثم الإحدى عشر، ولا يجوز الزيادة عليها، استنادا إلى الجمع بين ما روي (1) عنه (صلى الله عليه وآله)
أنه قال: (الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بسبع فليفعل، ومن أحب أن يوتر
بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)
وما روي (2) أيضا (أنه (صلى الله عليه وآله) كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث،

(1) رواه أبو داود في سننه - ج 2 ص 85 - وليس فيه جملة " فمن أحب أن يوتر
بسبع فليفعل "
(2) سنن البيهقي - ج 3 ص 28
65

وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع ولا بأكثر من ثلاث عشر) وحملا
للركعتين في الخبر الثاني على سنة العشاء، فإنها عندهم ركعتان، أو افتتاح الوتر، وهي
ركعتان خفيفتان، لما روي (1) (إنه (صلى الله عليه وآله) كان يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى
الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة) ويحكي أيضا عن
مالك بن أنس وابن عباس في إحدى الروايتين أن الوتر ركعة قبلها شفع منفصل عنها،
أقله ركعتان، ولا حد لأكثره، لقوله (صلى الله عليه وآله) (2): (صلاة الليل مثنى
مثنى، فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة يوتر لك ما صليت) وعن الثوري وإسحاق
إنه ثلاث وخمس وسبع وتسع وأحد عشر لا ينقص عن الثلاث ولا يزيد على الإحدى
عشر، استنادا إلى ما مر في نفي الأكثر، وإلى ما روي (أنه (صلى الله عليه وآله)
كان يوتر بثلاث) في نفي الأقل.
ويسهل الخطب أن هذه الأقوال الأربعة مع وضوح ضعفها لم يذهب إليها أحد
من أصحابنا، بل هي أقوال العامة ورواياتهم، وموضع الخلاف تعيين المعنى الموضوع
له الوتر شرعا، وقد عرفت التحقيق فيه، والحمد لله.
كما أنك عرفت عدم الاشكال عندنا في مفصولية الشفع عن الوتر بالتسليم،
وقضيته استحباب القنوت في الركعة الثانية منهما، لعموم ما دل (3) على استحبابه في
كل صلاة فريضة وتطوع من نصوص واجماعات، وخصوص خبر رجاء بن الضحاك (4)
عن الرضا (عليه السلام) (أنه كان يقنت في الثانية من الشفع قبل الركوع، قال: فإذا

(1) سنن البيهقي ج 2 ص 486
(2) صحيح النسائي ج 3 - ص 233 المطبوع بالأزهر عام 1348
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القنوت
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 24 لكن رواه
عن ابن أبي الضحاك وهو الصحيح
66

سلم قام فصلى ركعة الوتر - إلى أن قال -: وقنت قبل الركوع وبعد القراءة، ويقول
في قنوته) إلى آخره. المنجبر ضعفه بالعمل، بل قيل: إنه نص عليه أكثر الأصحاب،
بل لم يعرف الخلاف فيه إلا من المحكي عن البهائي كما اعترف هو به، قال في حاشية
مفتاح الفلاح: (القنوت في الوتر إنما هو في الثالثة، وأما الأوليان المسماتان بالشفع
فلا قنوت فيهما) واستدل على ذلك بصحيح ابن سنان (1) عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (القنوت في المغرب في الركعة الثانية، وفي العشاء والغداة مثل ذلك، وفي
الوتر في الركعة الثالثة) قال: (وهذه الفائدة لم ينبه عليها علماؤنا) وربما تبعه عليه
بعض متأخري المتأخرين، بل عساه يفهم أيضا من مطاوي كلام سيد المدارك إلا أنه
لا ريب في ضعفه، ضرورة قصور الخبر عن معارضة ما سمعت من وجوه، خصوصا
مع احتماله التقية من أبي حنيفة واتباعه، بل الظاهر أن ذلك منه (عليه السلام) إيهاما
لدفعها، لا أن المراد عدم القنوت في الثانية، إذ لا ريب في اشعاره باتصال الوتر وأن
القنوت في الثالثة، أو يكون المراد أن الوتر فيه قنوت في الثالثة مع الثانية بخلاف
الصلوات الأول، فإن فيها قنوتا واحدا في الركعة الثانية، فيراد من الوتر حينئذ الركعات
الثلاثة وإن كانت مفصولة، كما سمعته سابقا في الاطلاقات السابقة، وخصه بالتنبيه دون
القنوت في الثانية لخفائه باعتبار اشتهار أن القنوت في الركعتين، أو لبيان أن الركعة
الثالثة صلاة مستقلة عن الأولين مفصولة عنهما، قيل أو يكون المراد الأخبار بالمغرب
عن القنوت لا أنه ظرف لغو وكذا الوتر، فيكون التقدير القنوت في المغرب لا في
غيرها حال كونه في الثانية، والقنوت في الوتر لا في غيرها حال كونه في الركعة الثالثة،
على قياس قوله (عليه السلام) في خبر وهب (2): (القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القنوت - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القنوت - الحديث 2
67

والوتر والغداة) وغيره من الأخبار، فيحمل حينئذ حصر القنوت في ذلك على التأكد
أو على التقية، ضرورة ثبوته في جميع الصلوات، وهو كما ترى مع بعده لا يدفع ضيما،
إذ أقصي المراد منه نفي الدلالة على عدم القنوت في ثانية الوتر الذي مبناه حصر القنوت
في الثالثة لو جعل خبرا له، وفيه أنه مع ذلك هو دال بسبب التقييد بالحال المزبورة
خصوصا مع عدم ذكره للثانية المذكورة في الفرائض السابقة، فتأمل جيدا، أو يكون
المراد إذا صلاها موصولة للتقية يقنت في الثالثة لها أيضا، لأنه الكيفية المنقولة عنهم في
فعل الوتر، على أنه ربما نوقش في سند الخبر المزبور أيضا بأنه رواه في الاستبصار عن
فضالة عن ابن مسكان، وهو لا يروي عنه، وإن ابن سنان وإن كان المنساق منه
عبد الله إلا أنه يحتمل كونه محمدا باعتبار إنه لم يصرح به فيه.
وبالجملة لا ينبغي التأمل في ضعف ذلك، بل احتمال زيادة القنوتات - على أن
تكون ثلاثة في الثلاث ركعات كما حكي عن تصريح جماعة كثيرة به منهم المصنف في
المعتبر، أو اثنان منهما في ثانية الشفع، أحدهما قبل الركوع، والآخر بعد الركوع،
والثالث في الركعة الثالثة كما عساه في بالي عن بعض الناس - أقرب من احتمال النقيصة
وجعل القنوت واحدا فقط في الوتر، وإن كنا لم نعثر لهم على دليل واضح، وما في
بعض الأخبار (1) من الأمر بالدعاء قبل الركوع وبعده لا يستلزم القنوت الذي يراد
منه الكيفية الخاصة من رفع اليدين ونحوه لا المعنى اللغوي، لكن على كل حال فالقول
باتحاد القنوت مع فرض أنهما صلاتان مستقلتان في غاية الضعف كما هو واضح، وقد
يأتي لهذا تتمة إن شاء الله في بحث القنوت.
وأما صلاة الأعرابي ففي السرائر (إن فيها رواية أن ثبتت لا تتعدى) إلى آخره.

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القنوت - الحديث 4.
68

وقد أرسلها الشيخ في المصباح (1) عن زيد بن ثابت قال: (أتى رجل من الأعراب
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنا نكون
في هذه البادية بعيدا من المدينة، ولا نقدر أن نأتيك في كل جمعة، فدلني على عمل
فيه فضل صلاة الجمعة، إذا مضيت إلى أهلي خبرتهم به، فقال له رسول الله (صلى الله
عليه وآله): إذا كان ارتفاع النهار فصل ركعتين تقرأ في أول ركعة الحمد مرة وقل
أعوذ برب الفلق سبع مرات، واقرأ في الثانية الحمد مرة واحدة وقل أعوذ برب الناس
سبع مرات، فإذا سلمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرات، ثم قم فصل ثماني ركعات
بتسليمتين، واقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة وإذا جاء نصر الله والفتح مرة وقل هو
الله أحد خمسا وعشرين مرة، فإذا فرغت من صلاتك فقل: سبحان الله رب العرش
الكريم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبعين مرة، فوالذي اصطفاني بالنبوة
ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلي هذه الصلاة يوم الجمعة كما أقول إلا وأنا ضامن له الجنة،
ولا يقوم من مقامه حتى يغفر له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما) وظاهره أنها عشر ركعات
بثلاث تسليمات، وقال غير واحد: إنها كالصبح والظهرين، فإن أراد به ما ذكرنا كان
جيدا، وإن أراد بحيث يشمل التشهد الوسط في الرباعيتين منها ونحوه كما يفهم من
الروضة طولب بدليل ذلك.
وكيف كان فقد أفتى بمضمون الخبر المزبور المشهور كما قيل، وفي مفتاح الكرامة
قد استثناها جمهور الأصحاب، قلت: بل لا أجد أحدا أنكرها على البت، ولعله
بذلك ينجبر المرسل المذكور المعتضد بمرسل السرائر خصوصا مع التسامح في أدلة السنن،
إذ احتمال المناقشة فيه هنا - بأنه إنما يجري فيما كان كليه مشروعا دون خصوصيته كالدعاء
والذكر وصلاة ركعتين في وقت خاص أو مكان خاص أو نحو ذلك، فيكفي حينئذ

(1) مصباح المتهجد للشيخ - ص 222
69

في ثبوتها الضعيف والمرسل ونحوهما، لا إذا كان الأصل أيضا غير ثابت كما في المقام -
يدفعه اطلاق دليل التسامح، كقوله (عليه السلام) (1): (من بلغه) ونحوه، نعم قد
يناقش فيه بأنه خاص فيما لا يكون في الأدلة معارض له يقتضي الحرمة نحو ما نحن فيه،
لما سمعته سابقا من الأدلة على حرمة الزيادة على ركعتين في النوافل، لكن قد يدفعها
- بعد الاغضاء عما فيها نفسها، ضرورة امكان دعوى عدم اعتبار ذلك في التسامح،
لعموم دليله أو اطلاقه، فهو في الحقيقة حينئذ الحاكم على دليل الحرمة، خصوصا مثل
هذه الحرمة التي لا تزيد على حرمة التشريع، لا نفس الخبر الضعيف مثلا، فتأمل - عدم
قصور الخبر المزبور بعد انجباره بما عرفت عن تقييد دليل الحرمة أو تخصيصه لو سلم
وجود دليل هناك كذلك، وإلا لو قلنا أن الدليل في المسألة السابقة عدم ثبوت مشروعية
الزائد وإن قصر عن الركعتين لا ثبوت عدم وأنه هو المنشأ للاجماع السابق ارتفع الاشكال
من أصله، وكان تردد غير واحد من المتأخرين فيها في غير محله، بل لعله الآن هو
كذلك أيضا، إذ هو إنما صدر ممن لا يرى التسامح المزبور، أو لا يرى العمل بالضعيف
المنجبر بفتوى المشهور، أو لا يرى العمل بأصل أخبار الآحاد، اللهم إلا أن يناقش
في تحقق شهرة معتد بها بحيث تجبر الخبر المذكور.
ومنه يعلم أن الأحوط ترك هذه الصلاة، وأولى منها في ذلك غيرها من بعض
الصلوات التي ذكرها الشيخ في مصباحه وابن طاووس فيما حكي عنه في تتمات المصباح
لترك المشهور استثنائها، فما عن الموجز وشرحه من استثناء صلاة إحدى عشرة ركعة
بتسليمة واحدة ليلة الجمعة، وصلاة أربع ركعات بتسليمة واحدة ليلتها أيضا محل للنظر
والتأمل، خصوصا ولم نقف للأولى على مستند أصلا، وعدم صراحة دليل الثانية،

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب مقدمة العبادات
70

إذ هو ما أرسله الشيخ (1) في المصباح أيضا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبي
(صلى الله عليه وآله) (من صلى ليلة الجمعة أربع ركعات لا يفرق بينهن) إلى آخره.
ضرورة احتماله عدم التفريق بالتعقيب ونحوه، وأما ما عن علي بن بابويه من أن صلاة
العيد بغير خطبة أربع بتسليمة فستعرف ما فيه هناك إن شاء الله، على أنه ليست من
النوافل الأصلية، كما أنك عرفت ما في المحكي عن ولده من أن صلاة التسبيح أربع ركعات بتسليمة، لأنه كان مشروحا قبل المقام، والله أعلم (وسنذكر) ويذكر
المصنف (تفصيل باقي الصلوات في مواضعها إن شاء الله) فانتظر وارتقب.
(المقدمة الثانية في المواقيت)
للصلوات الخمس ونوافلها، إذ هي من الواجب والمندوب الموقتين نصا واجماعا،
بل هو في الفرائض من ضروريات الدين، ومما دل (2) عليه الكتاب المبين، وتواترت
فيه سنة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) حتى ورد فيها من الحث على المحافظة
على مواقيتهن ما فيه بلاغ للمؤمنين وشفاء للمتقين الذين هم على صلاتهم يحافظون
وليسوا من الساهين الغافلين (3) وإن من أقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله
يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة، ومن لم يقم حدودهن ولم يحافظ على مواقيتهن
لقي الله ولا عهد له، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له (4) وما من عبد اهتم بمواقيت
الصلاة ومواضع الشمس إلا ضمنت له الروح عند الموت وانقطاع الهموم والأحزان
والنجاة من النار (5) كنا مرة رعاة الإبل فصرنا اليوم رعاة الشمس، وأن الصلاة إذا

(1) مصباح المتهجد للشيخ ص 181
(2) سورة الإسراء - الآية 80
(3) الوسائل - الباب 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 1 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 1 من كتاب الصلاة
(5) البحار - ج 18 - ص 48 من طبعة الكمباني
71

ارتفعت في أول وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول: حفظتني حفظك
الله، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة
تقول: ضيعتني ضيعك الله (1) وما من أهل بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا
ويتصفحهم ملك الموت في كل يوم خمس مرات عند مواقيت الصلاة، فيلقن من يواظب
عليها عند مواقيتها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وينحي عنه جنود إبليس (2) وما من يوم سحاب يخفى فيه على الناس وقت الزوال
إلا كان من الله للشمس زجرة حتى تبدو، فيحتج على أهل كل قرية من اهتم بصلاته
ومن ضيعها (3) وأنه لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم ذعرا منه ما صلى الصلوات الخمس
لوقتهن، فإذا ضيعهن اجترأ عليه فادخله في العظائم (4) وأنه لا ينال شفاعة رسول الله
(صلى الله عليه وآله) غدا من أخر الصلاة المفروضة بعد وقتها (5) وأن الصلاة عند
المواقيت أحد الثلاثة التي يمتحن الشيعة بها (6) وأن أحب الأعمال إلى الله الصلاة
للمواقيت، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله (7) وأن في الديك الأبيض خمس
خصال من خصال الأنبياء: معرفته بأوقات الصلوات والغيرة والسخاوة والشجاعة
وكثرة الطروقة فتعلموها منه (8) وفي خبر زرارة (9) عن أبي جعفر (عليه السلام)
المروي عن العلل (لا تحتقرن بالبول ولا تتهاون به ولا بصلاتك، فإن رسول الله

(1) الوسائل - الباب 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 7 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 و 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 7 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 21 - 16 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 21 - 16 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 21 - 16 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 17 - 18 من كتاب الصلاة
(8) الوسائل - الباب 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 17 - 18 من كتاب الصلاة
(9) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 7
72

(صلى الله عليه وآله) قال عند موته: ليس مني من استخف بصلاته ولا يرد علي الحوض
لا والله) الحديث.
والظاهر أن المراد تمام الوقت لا أوله مع احتماله بل تعينه في بعض النصوص (1)
وحمل ذلك على المبالغة في تأكد استحباب أول الوقت وكراهة التأخير عنه، وربما جاء
أعظم من ذلك في ترك بعض المندوبات كغسل الجمعة الذي ورد فيه (إنه ملعون من
تركه) وغيره، وحينئذ فقول الصادق (عليه السلام) (2): (إذا صليت في السفر شيئا
من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك) لا يراد منه التأخير عن تمام الوقت لعذر فيصير
قضاء كما حمله الشيخ، بل المراد منه أول الوقت الذي هو أفضل الوقتين، وورد (3)
في فضله أيضا من الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليه السلام) ما يغني عن تكلف الاعتبار
وما هو البشرى لأولي الأبصار، وإن الصلوات المفروضات في أول وقتها إذا أقيم
حدودها أطيب ريحا من قضيب الآس حين يؤخذ من شجره في طيبه وريحه وطراوته
فعليكم بالوقت الأول (4) وقال الصادق (عليه السلام): (5) (إنه إذا دخل وقت
صلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال، فما أحب أن يصعد عمل قبل عملي، ولا
يكتب في الصحيفة أحد أول مني) و (إن الله يحب من الخير ما يعجل) (6) و (إن
فضل الوقت الأول على الآخر خير للرجل من ولده وماله) (7) و (إن فضله عليه
كفضل الآخرة على الدنيا) (8) و (إنه رضوان الله كما أن الآخر عفو الله، والعفو

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 - 12 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 - 12 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 - 12 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 14 - 15 من كتاب الصلاة
(8) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 14 - 15 من كتاب الصلاة
73

لا يكون إلا عن ذنب) (1) إلى غير ذلك.
مضافا إلى ما ورد في فضل انتظار الصلاة حتى يؤديها في أول وقتها، فعن
الصادق (عليه السلام) (2) (إنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من
حبس نفسه على صلاة فريضة ينتظر وقتها فصلاها في أول وقتها فأتم ركوعها وسجودها
وخشوعها ثم مجد الله عز وجل وعظمه وحمده حتى يدخل وقت صلاة أخرى لم يلغ بينهما
كتب الله له كأجر الحاج المعتمر، وكان من أهل عليين) و (إن الرجل إذا دخل المسجد
فصلى وعقب انتظارا للصلاة الأخرى فهو ضيف الله، وحق على الله أن يكرم ضيفه) (3)
و (إنه ما دام ينتظر في عبادة ما لم يغتب) (4) و (إن انتظار الصلاة بعد الصلاة كنز
من كنوز الجنة) (5) وقال (صلى الله عليه وآله): (وإن ترهب أمتي القعود في المساجد
انتظار الصلاة بعد الصلاة) (6) وقال (صلى الله عليه وآله) أيضا: (يا أبا ذر إن الله يعطيك ما دمت جالسا
في المسجد بكل نفس تتنفس فيه درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة، ويكتب لك
بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات، ويمحى عنك عشر سيئات، يا أبا ذر أتعلم في
أي شئ نزلت هذه الآية (7) (اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)؟
قلت: لا، قال: في انتظار الصلاة خلف الصلاة) (8) الحديث.
(و) كيف كان فيقع (النظر في مقاديرها وأحكامها، أما الأول فما بين زوال
الشمس) الذي ستعرفه (إلى غروبها وقت للظهر والعصر) وإن كان (يختص الظهر

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت الحديث 6؟ من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 2 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 - 4 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 2 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 - 4 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 2 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 - 4 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 2 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 7 - 8 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 2 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 7 - 8 من كتاب الصلاة
(8) الوسائل - الباب 2 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 7 - 8 من كتاب الصلاة
(7) سورة آل عمران - الآية 200
74

من أوله بمقدار أدائها) بحيث لا يصح العصر فيه بحال من الأحوال (وكذا العصر)
يختص (من آخره) بحيث لا يصح الظهر فيه بحال من الأحوال بمقدار أدائها (و)
أما (ما بينهما من الوقت) ف‍ (مشترك) بين الفرضين يصحان معا فيه، نعم يجب
الترتيب بينهما في بعض الأحوال كما ستعرف، كل ذلك على المشهور بين الأصحاب
بل لا خلاف في كون الزوال مبدأ صلاة الظهر بين المسلمين كما عن المرتضى وغيره
الاعتراف به عدا ما يحكى عن ابن عباس والحسن والشعبي من جواز تقديمها للمسافر
عليه بقليل، وهو بعد انقراضه لا يقدح في اجماع من عداهم من المسلمين إن لم يكن
ضروريا من ضروريات الدين
فما في صحيح الفضلاء عن الباقر والصادق (عليهما السلام) (1) - من أن (وقت
الظهر بعد الزوال قدمان، ووقت العصر بعد ذلك قدمان) وصحيح زرارة (2) عن
الباقر (عليه السلام) (إن وقت الظهر بعد ذراع من زوال الشمس، ووقت العصر
ذراعين من وقت الظهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس) بل عن ابن مسكان (3)
أنه قال: (حدثني بالذراع والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير المرادي وحسين
صاحب القلانس وابن أبي يعفور ومن لا أحصيه منهم) وخبر عبد الله بن سنان (4)
(إنه كان حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل إن يظلل قامة، وكان
إذا كان الفئ ذراعا وهو قدر مربض عنز صلى الظهر، فإذا كان ضعف ذلك صلى العصر)
ونحوه غيره، وخبر إسماعيل الجعفي (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) (كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) إذا كان فئ الجدار ذراعا صلى الظهر، وإذا كان ذراعين صلى

(1) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث؟ 5 - 8 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث؟ 5 - 8 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث؟ 5 - 8 من كتاب الصلاة
75

العصر، قلت: إن الجدار يختلف، بعضها قصير وبعضها طويل، فقال: كان جدار
مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ قامة) وخبر إسماعيل بن عبد الخالق (1)
عن الصادق (عليه السلام) (إن وقت الظهر بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في يوم
الجمعة أو في السفر، فإن وقتها حين تزول الشمس) ومضمر ابن أبي نصر (2) (سألته
عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر وقامة للعصر) وخبر عمر بن سعيد
ابن هلال (3) عن الصادق (عليه السلام) قال له: (قل لزرارة: إذا كان ظلك مثلك
فصل الظهر، وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر) وخبر سعيد الأعرج (4) عن
الصادق (عليه السلام) أيضا (عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال:
بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر أو يوم الجمعة، فإن وقتها إذا زالت) وخبر
ابن شعيب (5) عن الصادق (عليه السلام) (سألته عن صلاة الظهر فقال: إذا كان
الفئ ذراعا، قلت: ذراعا من أي شئ؟ قال: ذراعا من فيئك، قلت: فالعصر
قال: الشطر من ذلك، قلت: هذا شبر قال: أوليس شبرا كثيرا؟) وخبر زرارة (6)
عن الصادق (عليه السلام) أيضا (وقت الظهر على ذراع) وخبر ذريح المحاربي (7)
قال: (سأل أبا عبد الله (عليه السلام) أناس وأنا حاضر - إلى أن قال -: فقال
بعض القوم: إنا نصلي الأولى إذا كانت على قدمين، والعصر على أربعة أقدام، فقال
أبو عبد الله (عليه السلام): النصف من ذلك أحب إلي) وخبر أبي بصير (8) عن
الصادق (عليه السلام) (الصلاة في الحضر ثمان ركعات إذا زالت الشمس ما بينك

(1) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث - 9 - 10 - 11 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث - 9 - 10 - 11 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث - 9 - 10 - 11 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث - 15 - 16 - 17 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث - 15 - 16 - 17 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث - 15 - 16 - 17 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 20 - 21 من كتاب الصلاة
(8) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 20 - 21 من كتاب الصلاة
76

وبين أن يذهب ثلثا القامة، فإذا ذهب ثلثا القامة بدأت بالفريضة) وخبر عبيد بن
زرارة (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل وقت الظهر قال: ذراع بعد
الزوال، قال: قلت: في الشتاء والصيف سواء قال: نعم) وخبر ابن بكير (2) قال:
(دخل زرارة على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: إنكم قلتم لنا في الظهر والعصر
على ذراع وذراعين ثم قلتم: أبردوا بها في الصيف، فكيف الابراد بها؟ وفتح الراحة
ليكتب ما يقول فلم يجبه أبو عبد الله (عليه السلام) بشئ فأطبق الراحة وقال: إنا
علينا أن نسألكم وأنتم أعلم بما عليكم، وخرج ودخل أبو بصير على أبي عبد الله (عليه
السلام) فقال: إن زرارة سألني عن شئ فلم أجبه وقد ضقت من ذلك فاذهب أنت
رسولي إليه فقل له: صل الظهر في الصيف إذا كان ظلك مثلك، والعصر إذا كان مثليك،
وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف، ولم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره
وغير ابن بكير) إلى غير ذلك - محمول على إرادة الرخصة للمتنفل في تأخير الظهر هذا
المقدار، وأنه لا يتوهم حرمته للنهي عن التطوع وقت الفريضة كما يومي إليه الأمر بالظهر
عند الزوال حيث لا تشرع النافلة فيه كالسفر ويوم الجمعة، وفي خبر زرارة (3) قال:
(قال لي: أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قال: قلت: لم؟ قال: لمكان الفريضة،
لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعا، فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة
وتركت النافلة) وفي خبر محمد بن مسلم (4) (وإنما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال
من أجل صلاة الأوابين) لا أن المراد أن ذلك وقت الظهر بحيث لو أعرض المكلف
وأراد فعلها وترك النافلة لم يكن مجزيا، ضرورة مخالفته لاجماع المسلمين وللكتاب المبين

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 23 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 18 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 18 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
77

وللمتواتر من سنة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)
وما يفهم من خبر عبد الله بن محمد (1) - من وقوع الخلاف في ذلك قديما قال:
(كتبت إليه جعلت فداك روى أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)
أنهما قالا: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن بين يديها سبحة، إن
شئت طولت وإن شئت قصرت، وروى بعض مواليك عنهما أن وقت الظهر على
قدمين من الزوال، ووقت العصر على أربعة أقدام من الزوال، فإن صليت قبل ذلك
لم يجزك، وبعضهم يقول يجزئ ولكن الفضل في انتظار القدمين والأربعة، وقد
أحببت جعلت فداك أن أعرف موضع الفضل في الوقت، فكتب (عليه السلام)
القدمان والأربعة أقدام صواب جميعا) - لا بد من حمله على ما لا يخالف ذلك من
إرادة ابهام ما رووه ذلك، أو إرادة نفي الأجزاء في الفضل، وإن كان قد ينافيه قوله
بعده: (وبعضهم) إلى آخره أو غيره كما هو واضح.
بل قد يقال بوقوع الظهر في وقت فضيلته لو صليت عند الزوال وإن استلزم
ترك راجح آخر أي النافلة بخلاف ما إذا جاء بها ثم فعل الظهر على الذراع والذراعين
مثلا، فإنه جمع بين الراجحين حينئذ والفضيلتين، ولا ينافيه الأمر المحمول على الفضل
بايقاع الظهر على الذراع مثلا، ولا إضافة الوقت إلى الظهر مرادا به الذراع، ولا فعل
النبي (صلى الله عليه وآله) لها كذلك، ولا غير ذلك مما هو ظاهر في أن ابتداء وقت
الظهر الذراع المحمول كما عرفت على الفضيلة، ضرورة ابتناء ذلك كله على عدم ترك
الناس النافلة، وأنه لا بد من فعلهم لها، بل في عدم تعرض النصوص لفعل الظهر على
تقدير عدم فعل النافلة اشعار ظاهر بتأكد فعل النافلة تأكيدا بليغا، وجعله كالمفروغ
منه الذي لا ينبغي أن يفرض عدمه حتى يتعرض للحكم على تقديره، بل لعل قول

(1) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 28 من كتاب الصلاة
78

الصادق (عليه السلام) في خبر عبيد بن زرارة ذراع بعد الزوال جواب سؤاله عن
أفضل وقت الظهر كذلك أيضا لا مطلقا، حتى أن من صلاها قبل ذلك بأن ترك
النافلة لم تقع منه في وقت فضيلتها، بل وكذا قوله (عليه السلام) في مكاتبة محمد بن
الفرج (1): (وأحب أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين) إلى آخره
وغيره من الأخبار، فيكون حينئذ ابتداء فضيلة الظهر من حيث الزوال للمتنفل وغيره،
كما هو ظاهر كثير من النصوص أو صريحها والفتاوي، بل لم نقف على من جعل ابتداء
وقت فضيلة الظهر غيره.
بل لعل الجميع اتفقوا على أن أول الوقت الأول للظهر ذلك وإن اختلفوا بعد
ذلك أن الوقت الأول للفضيلة والثاني للأجزاء، أو أن الأول للمختار والثاني للمضطر
كما ستعرف البحث فيه، ويشهد له ما دل (2) من النصوص على أن أول الوقت أفضله،
بل كاد يكون صريح بعضها، بل ونصوص القامة والمثل وغيرهما، ضرورة إرادة تحديد
الوقت الأول منهما بأنه من أول الزوال حتى يبلغ الظل المثل أو القامة، لكن ومع
ذلك كله فقد يناقش بأن ظاهر نصوص الذراع والقدمين ونحوهما على كثرتها أن ابتداء
وقت الظهر الذراع أو قبله بحيث يحصل الفراغ منه على ذراع، إلا أنه لما انعقد الاجماع
على جواز الايقاع بعد الزوال بلا فصل حملنا تلك النصوص على إرادة الفضيلة،
ومقتضاه أن الفضل ايقاع الظهر على ذلك المقدار من الوقت كما عساه صريح بعضها،
بل مكاتبة عبد الله بن محمد كالصريحة، في ذلك، لأن جوابه (عليه السلام) إنما كان بأن
القدمين والأربعة صواب جميعا، والفرض أن الصورة الثانية من السؤال إنما هي في

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 29 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
79

أفضلية الانتظار، بل ما دل (1) من النصوص على اقتطاع هذا المقدار من الوقت لمكان
النافلة دال عليه أيضا، ضرورة أن المراد بذلك صيرورة مثل هذا الوقت وقتا للنافلة
كي لا يقال تطوع في وقت الفريضة كما صرح به في بعض النصوص (2) ولا يتم ذلك
بعد أن انعقد الاجماع على صحة الفريضة فيه إلا بأن يراد اقتطاعه من وقت الفضيلة،
وأن الفضيلة إنما يكون ابتداؤها بعد هذا الزمان، فيصح أن يقال توسعا أن النافلة
ليست في وقت الفريضة، لأن المدار على وقتها الفضيلي دون مطلق الصحة وإن لم تكن
على وجه الفضل والرجحان، نعم ينبغي أن يخص ذلك بمن تشرع منه النافلة وخوطب
بها وإن لم يكن عازما على فعلها لا مطلقا، لتصريح الأخبار (3) في المسافر ونحوه ممن
لا نافلة عليه بعد الزوال بأن وقت الظهر بالنسبة إليه عند الزوال، ولعل فيه ايماء أيضا
إلى محل البحث، فتأمل.
وكيف كان فلا ريب أنه الأحوط في تحصيل الفضيلة وإن كان في تعينه نظر،
خصوصا مع استلزامه فوات فضيلة المبادرة والمسارعة، فتأمل جيدا فإني لم أجد من
تصدى لتحرير المسألة على وجه شافي، نعم قد يظهر من الكاشاني في الوافي والمدقق
الشيخ حسن في المنتقى على ما قيل الثاني كما عن صاحب الذخيرة الأول، وعن الناصريات
الاجماع على قول الناصر: أفضل الأوقات أولها كلها، بل نقل الاجماع غير واحد على
ذلك عند ذكرهم المواضع المرخص فيها بالتأخير عن أول الوقت.
وأما أن آخره في الجملة الغروب أو قبله بمقدار أداء العصر فلا خلاف معتد به

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 6 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 والباب 8 - الحديث 9
و 15 من كتاب الصلاة
80

فيه عندنا، والنصوص (1) متظافرة به بل متواترة، والكتاب ناطق به، وما عساه
يتوهم من بعض الأخبار من خروج وقته بالقامة (2) أو بالذراع (3) أو غير ذلك محمول
على إرادة وقت الفضيلة أو الاختيار قطعا كما ستسمعه، لا أن المراد عدم قابلية الوقت
بعد لأدائه أصلا، ونحوه الكلام في العصر أيضا، فأوله الزوال بناء على الاشتراك،
أو ما بعد أداء الظهر بناء على الاختصاص بلا خلاف صريح أجده فيه، بل هو مجمع
عليه تحصيلا ونقلا، والنصوص (4) متظافرة أو متواترة فيه، والكتاب دال عليه،
وما عساه يظهر من بعض الأخبار أن ابتداء وقته القدمان (5) كالعبارة المحكية عن
الهداية، أو الذراعان (6) أو المثلان (7) أو نحو ذلك محمول على إرادة التأخير للنافلة
كما سمعته في الظهر، أو على إرادة الفضيلة وإن لم يتنفل بناء على استحباب تأخيره إلى
هذا المقدار وإن لم يتنفل كما هو أحد الوجهين في الظهر، ويأتي تحقيق البحث فيه.
وأما آخره في الجملة فهو الغروب بلا خلاف معتد به ولا اشكال لنحو ما سمعته
في الظهر، إنما البحث فيما ذكره المصنف ثانيا رفعا لما أوهمه أولا من اختصاص الظهر
من أول الزوال بحيث لا يصح فيه العصر بحال من الأحوال كما هو المشهور نقلا
وتحصيلا، بل في المختلف نسبته إلى علمائنا عدا الصدوق، بل عن المنتهى ذلك من غير
استثناء، بل في السرائر أنه قول المحصلين من أصحابنا الذين يلزمون الأدلة والمعاني
لا العبارات والألفاظ، بل ربما يتوهم من موضع آخر فيها الاجماع، بل في ظاهر الغنية
أو صريحها دعواه عليه، بل عن الشيخ نجيب الدين أنه نقل الاجماع عليه جماعة، بل

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 3 و 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 2 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 8 - 11 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 8 - 11 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 8 - 11 من كتاب الصلاة
81

لا خلاف أجده فيه سوى ما يحكى عن ظاهر الصدوقين من الاشتراك، مع أنهما كما قيل
لم يذكرا شيئا سوى أن الأول منهما عبر بمضمون خبر عبيد (1) الدال بظاهره على
الاشتراك (إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذه) والثاني
رواه، ولعل من نسب إليه ذلك بناء على ما ذكره في أول كتابه من العمل بما يرويه
فيه، لكن - مع ظهور عدوله عنه فيه كما لا يخفى على الخبير الممارس - يمكن المناقشة في
دلالته على الاشتراك، كما يومي إليه ما حكي من ناصريات المرتضى الذي نذهب إليه أنه
إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر بلا خلاف، ثم يختص أصحابنا بأنهم يقولون
إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معا إلا أن الظهر قبل العصر، قال:
وتحقيق هذا الموضع أنه إذا زالت دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدى أربع ركعات،
فإذا خرج هذا المقدار من الوقت اشترك الوقتان، ومعنى ذلك أنه يصح أن يؤدى في
هذا الوقت المشترك الظهر والعصر بطوله، على أن الظهر مقدمة على العصر، ثم لا يزال
في وقت منهما إلى أن يبقى إلى غروب الشمس مقدار أداء أربع ركعات، فيخرج وقت
الظهر ويخلص هذا المقدار للعصر كما خلص الوقت الأول للظهر، ولقد أجاد في المختلف
حيث قال: إنه بناء على هذا التفسير يزول الخلاف، قلت: بل وعلى غيره مما ستسمعه
في معنى الرواية المزبورة.
ومن العجيب أنه حكى في السرائر عن بعض الأصحاب والكتب عبارة الاشتراك
السابقة ثم أنكرها وجعلها ضد الصواب، وكأنه لم يعثر على النصوص المتضمنة لها، ولذا
بالغ المحقق في الانكار عليه، وقال: كأنه ما درى أن ذلك نص من الأئمة (عليهم
السلام) أو درى وأقدم، وقد رواه زرارة (2) وعبيد (3) والصباح بن سيابة (4)

(1) الوسائل - الباب 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 21 - 1 - 21 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 21 - 1 - 21 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 21 - 1 - 21 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 من كتاب الصلاة
82

ومالك الجهني (1) ويونس (2) عن العبد الصالح وعن أبي عبد الله (عليه السلام) على أن فضلاء الأصحاب رووا ذلك وأفتوا به، فيجب الاعتناء بالتأويل لا الأقدام بالطعن
افترى أنه لم يكن فيهم من يساوي هذا الطاعن في الحذق، ويستفاد منه كثرة من عبر
بهذه العبارة من الأصحاب لا خصوص ابن بابويه، ولعله عثر على ما لم نعثر عليه،
أو يريد المحدثين من أصحابنا، وكيف كان فالمتبع الدليل.
وقد ذكر للأول مضافا إلى ما عرفت الأخبار (3) المستفيضة في أن الحائض
إنما يجب عليها صلاة العصر خاصة إذا طهرت وقت العصر، والصحيح (4) (في الرجل
يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر أنه يبدو بالعصر) والصحيح (5) المتضمن امتداد
الوقت الاضطراري للعشاءين إلى الفجر، وسيأتي مع ضميمة عدم القول بالفصل
والقوي (6) (قلت: فإن نسي الأولى والعصر جميعا ثم ذكر ذلك عند غروب الشمس
فقال: إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل الظهر ثم ليصل العصر، وإن هو
خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فتفوته، فيكون قد فاتتاه جميعا، ولكن
يصلي العصر فيما بقي من وقتها، ثم ليصل الأولى على أثرها) والخبر (7) (إذا صليت
المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة) بضميمة عدم القول بالفصل، ومرسلة داود
ابن فرقد (8) المنجبرة بما سمعت عن الصادق (عليه السلام) (إذا زالت الشمس فقد

(1) الوسائل - الباب 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 - 10 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 - 10 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - الحديث 3 و 5 و 14
(4) الوسائل - الباب 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 17 - 3 - 18 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 17 - 3 - 18 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 17 - 3 - 18 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 19 من كتاب الصلاة
(8) ذكر صدرها في الوسائل في الباب 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 وذيلها
في الباب 17 منها - الحديث 4 من كتاب الصلاة
83

دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا مضى ذلك فقد
دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات، فإذا
بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس، وإذا
غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات،
فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل
مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب
وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل) وظاهر خبر الشامة (1) وقول النبي
(صلى الله عليه وآله) (2): (وأما صلاة العصر فهي الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة
فأخرجه الله عز وجل من الجنة) والرضا (عليه السلام) (3) عن العلل التي رواها الفضل
(ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور، فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها)
وأمور أخر واضحة الضعف كما لا يخفى على من لاحظها في المختلف والذخيرة وغيرهما.
بل بعضها مبني على توهم أن الاختصاص من لوازم الترتيب، وهو كما ترى،
وآخر يقتضي الاختصاص حتى في الوقت المشترك وثالث لا دلالة فيه أصلا، ورابع
غير معمول به كبعض أخبار الحائض (4) الدالة على أنها تصلي العصر ثم الظهر إذا كان
قد اغتسلت في وقت العصر، ضرورة ظهوره في إرادة الفضيلة من وقت العصر فيه
لا مقدار أدائه، كما يومي إليه الأمر بصلاتها الظهر بعد ذلك، إذ لو أريد مقدار أداء
العصر لم يجب عليها الظهر حينئذ على ما تقدم في محله، فلا تكون حينئذ معمولا بها عند
المعظم، لوجوب تقديم الظهر عليها إذا فرض طهرها في وقت فضيلة العصر، نعم تتم

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 9 - 7
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 9 - 7
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 49 - من أبواب الحيض - الحديث 14
84

على ما يحكى من تهذيب الشيخ من استحباب الظهر لها إذا طهرت بعد ما مضى من الزوال
أربعة أقدام، على أن تأخيره عن العصر عنده غير معلوم، لكن لعله لأن فعله قبله
يكون من التطوع قبل الفريضة، مضافا إلى الخبر المذكور، ودعوى أن جميع ما ورد في
الحائض من الأخبار تجري فيه ما سمعته من الكلام حتى ما أشرنا إليه منها في الأدلة
يدفعها ملاحظة النصوص.
نعم قد يناقش بنحو ذلك في الصحيح السابق المذكور ثاني الأدلة، لظهور إرادة
وقت الفضيلة من العصر فيه لا الاختصاصي، لندرته، والتعبير عنه بلفظ الدخول،
فيكون حينئذ غير معمول به إلا على مذهب القائلين بأن للصلاتين وقتين اختياريا
واضطراريا وفرض تأخير الظهر عمدا، فإنه يتجه حينئذ عدم صلاة الظهر أداء بمجرد
دخول وقت العصر، على أنه لا يخلو وجوب تعيين العصر سابقة على الظهر من اشكال،
بل قضية ترتب الأدائية على القضائية خلافه، إذ احتمال اختصاص العصر بمقدار أدائها
من أول وقتها بحيث لا يصح فيه الظهر ولو قضاء ضعيف لا تساعد عليه الأدلة، ولا
أظن قائلا به من الأصحاب.
كما أنه قد يناقش في الثالث بعده بأنه مبني على امتداد وقت الاضطرار للعشاءين
إلى الفجر، وثبوت الاختصاص فيه أيضا عند القائلين به، وهو محل نظر أو منع،
إلا أن هذه المناقشات كلها بعد تسليمها لا تقدح في صحة الدعوى بعد سلامة غيرها مما
عرفت من الأدلة، والمناقشة فيها جميعها أو أكثرها كما وقع من صاحب الذخيرة لا يلتفت
إليها بعد وضوح ضعفها، خصوصا مناقشته في خبر داود بن فرقد بالضعف في سنده الذي
قد عرفت انجباره بما سمعت، وبمتنه باحتمال إرادة الوقت المختص بالظهر عند التذكر من
وقت الظهر فيه، وكذا العصر، إذ هي كما ترى في غاية الضعف أيضا، إذ مثل ذلك
لا ينبغي أن يختص بمقدار الأربع، بل هو كغيره مما عداه من الوقت، ضرورة عدم
85

صحة فعل العصر مطلقا قبل الظهر عند التذكر.
وأطرف من هذا قوله فيها أيضا: وبالجملة ابقاء هذا الخبر على ظاهره وارتكاب
التأويل في معارضة فرع رجحانه عليه، وهو ممنوع، إذ من الواضح رجحانه عليه
باعتضاده بما سمعت، وانجباره بما عرفت، ونصوصيته، بخلاف معارضه، إذ هو ليس
إلا ما دل على دخول وقت الفريضة بمجرد الزوال من الآية (1) والرواية كصحيحة
زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) وولده (3) عن الصادق (عليه السلام) قال في الأولى منهما:
(إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر، وإذا غابت دخل الوقتان المغرب
والعشاء) وقال في الثانية منهما: (صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى
غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه) كخبره الآخر (4) عن الصادق (عليه السلام)
أيضا (سألته عن وقت الظهر والعصر فقال: إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر
جميعا إلا أن هذه قبل هذه، ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس) ونحوهما
غيرهما (5) وإلا اطلاق ما دل على صحة الصلاة الثانية لو وقعت نسيانا قبل الأولى من
غير فرق بين وقوعها في المختص أو المشترك، والثاني واضح المنع، لأن مورد الحكم
هناك مخصوص بالناسي، ونسيان الأولى في أول الوقت بعيد، على أنه مطلق كالأول
يحكم عليه المقيد، بل لعل الاستثناء في الأول يقتضي ثبوت الاختصاص والاشتراك
فيما عداه؟، كما يومي إليه في الجملة قوله (عليه السلام): (ثم أنت في وقت منهما) إلى
آخره على أن يكون المعنى إلا أن وقت هذه قبل وقت هذه على حذف مضاف، ومراد
منه دخول الوقتين على التوزيع، ودفع ما يتوهم من أول التعبير، وهي عبارة مأنوسة

(1) سورة الإسراء - الآية 80
(2) الوسائل - الباب 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 5 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 4 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
86

في إفادة هذا المعنى، والترتيب في سائر الوقت ليس محصورا دليله في هذه الأخبار،
واحتمال أن المراد كون هذه يجب فعلها قبل هذه، وذلك لا يقتضي وقوع الثانية في
غير وقتها لو أتى بها في أول الوقت، كما لو فرض وقوعها في الوسط قبل الأولى خلاف
ظاهر الاستثناء فتأمل، لا أقل من احتمال العبارة كلا منهما، فلا تصلح للاستدلال،
بل يجب حملها على تلك الأدلة الصريحة حتى لو كانت ظاهرة في ذلك أيضا، على أن
التعبير بدخول الوقتين معا بزوال الشمس قد لا ينافي الاختصاص بعد فرض كون
العصر متصلة بها ومترتبة عليها كاتصال الركعة الثانية بالأولى، خصوصا ولا وقت لها
محدود كما نطق به خبر الفضل السابق (1) بل وخبر زرارة (2) قلت لأبي جعفر (عليه
السلام): (بين الظهر والعصر حد معروف، فقال: لا).
كما أنه ليس للظهر مقدار من الوقت معين، بل أي وقت فرض وقوعها فيه
أمكن فرضها فيما هو أقل منه، حتى ربما كانت الظهر تسبيحة واحدة كصلاة شدة
الخوف، فيكون وقت العصر بعدها حينئذ، بل لو ظن الزوال وصلى ثم دخل الوقت
قبل اكمال الظهر بلحظة صح فعل العصر بعدها، فيكون حينئذ في أول الوقت إلا تلك
اللحظة، فلا بأس حينئذ أن يقال إذا زالت الشمس دخل الوقتان، بل قد يدعى تعارف
هذه العبارة في كل فعلين مترتبين على نحو صلاة الظهر والعصر، ولا ينافيه اختصاص
الأولى من أول الوقت والثانية من آخره، بل الظاهر أن هذه العبارة في هذا المعنى
من ألخص العبارات وأحسنها، وبالجملة لا يتوقف صدق ذلك على صلاحية الوقت
الأول لفعلها في بعض الأحوال، بل قد يقال يكفي في الصدق دخول وقت المجموع

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
87

لا الجميع، كما يومي إليه ما في صحيح زرارة (1) وغيره المتضمن لكون الزوال أول
وقت الفرائض الأربعة: أي الظهرين والعشاءين الذي لا وجه له إلا إرادة المجموع،
فتأمل. ودعوى أن ذلك كله لا بد فيه من التجوز الذي لا ينبغي أن يرتكب مع
التمكن من الحقيقة يدفعها - بعد التسليم، وإلا فقد صرح الشهيد الثاني بأنه حقيقة،
ولعله كذلك - أنه لا بأس به بعد قيام القرينة، وهي ما سمعته من الأدلة السابقة،
على أنه لازم أيضا على تقدير الاشتراك في مثل صحيحة زرارة السابقة، ضرورة إرادة
الوقت الواحد المشترك من لفظ الوقتين فيها، لعدم التعدد حقيقة، ورجحانه على المجاز
في إسناد الدخول على تقدير الاختصاص باعتبار شدة القرب بين دخولهما، وعدم الحد
المعروف المنضبط بينهما، فكأنهما بالزوال يدخلان معا ممنوع، بل لعله أرجح منه من
وجوه لا تخفى، لا أقل من التساوي، فلا تدل على الاشتراك كي تنافي ما دل على
الاختصاص، بل لو قطع النظر عن تلك الأدلة كان المتجه الوقوف في اثبات التوقيت
أولا وآخرا على موضع اليقين، وهو ما بعد القدر المختص من الأول بالنسبة إلى
العصر، وما قبله من الآخر بالنسبة إلى الظهر، إذ النصوص بل الضرورة قاضية
بوجوب الصلاة في وقت معين عند الشارع، واشتراط صحتها به، فلا جهة للتمسك
بالأمر المطلق بالصلاة، بل البراءة اليقينية من ذلك الشغل اليقيني موقوفة على ما ذكرنا
وإن أجرينا الأصل في شرائط العبادة، فتأمل جيدا.
وقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا مجال عن القول بالاختصاص، وأنه لا استبعاد
فيه وإن لم يكن له حد معروف بالشرع، بل يختلف بحسب اختلاف المكلفين سفرا
وحضرا، ضرورة ظهور التحديد في مرسلة ابن فرقد والمبسوط والإرشاد وغيرهما

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
88

بالأربع في الحاضر، وإلا فالمراد نصا وفتوى قطعا مقدار أداء الظهر مثلا، كما عبر به
في موضع آخر من السرائر، وذلك مختلف بالسفر والحضر والاختيار والاضطرار
والسرعة والبطء الطبيعيين للمكلفين، بل وباعتبار سبق حصول بعض الأجزاء، كما لو
صلى ظانا دخول الوقت، بل والشرائط كرفع الحدث وإزالة الخبث وتحصيل المكان
والساتر المباحين وعدمه ونحو ذلك، بناء على اعتبار زمانها مع الركعات، فإنه حينئذ
ربما كان وقت الاختصاص لمكلف بسبب ثقل لسانه وبطء حركاته وتحصيل ساتره
ومكانه وإزالة الحدث والخبث أكثر من الوقت المشترك، وربما كان لحظة، كما لو دخل
عليه الوقت وهو في حال الخوف وكان متطهرا مستترا طاهر الثوب والبدن، إذ وقت
الاختصاص له مقدار تسبيحتين بدلا عن الركعتين، ولا يجب عليه الانتظار حتى يمضي
مقدار أداء الأولى لغيره، وكذا لو نسي بعض الأفعال مما ليس بركن ولا يتدارك
كالقراءة والأذكار لا يجب عليه تأخير الثانية بقدر الأجزاء المنسية، وربما قيل بالوجوب
في ذلك كله، لورود التحديد بالأربع، لكنه في غاية الضعف، لانسياق إرادة مقدار
الأداء من ذلك في النص والفتوى، كما أومأت إليه بعض الأخبار (1) وصرح به
بعضهم، بل هو معقد شهرة جامع المقاصد وغيره، ومعقد اجماع الغنية، والمعروف من
مذهب الأصحاب في المدارك، ولا ريب في ظهوره بشمول التامة والمقصورة كما اعترف
به في كشف اللثام، بل صرح المصنف وأول الشهيدين بانتهاء القصر إلى تسبيحة،
ونسيان بعض الأجزاء بعد أن جعل الشارع الصلاة حاله ما عداها لا نصيب له في الوقت
قطعا، بل هو حينئذ كغيره مما لا تعلق له بالصلاة، ومثله كل ما أسقطه الشارع لسفر
أو خوف من الكم أو الكيف، بل هو أولى منه، نعم جزم في المقاصد العلية وحاشية
الإرشاد بوجوب تأخير الثانية عن فعل ما يتلافى من المنسي كالسجدة والتشهد، وقد

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
89

يوهمه عبارة الدروس، لأنه جزء للصلاة حقيقة، مع أنه منعه عليه الطباطبائي في
مصابيحه، لعدم ثبوت التوقيت، إذ القدر الثابت من نصيبه في الوقت إذا كان في محله،
ووجوب المبادرة بالمنسي في أول أوقات الامكان إن اقتضى فساد الشروع في الثانية
فلاقتضاء الأمر بالشئ النهي عن الضد أو لغير ذلك وهو خروج عما نحن فيه، وكذا
الكلام في صلاة الاحتياط، بل لعل المنع فيها أولى، لقوة احتمال عدم جزئيتها، وأما
سجدتا السهو فينبغي القطع بعدم لزوم التأخير عنهما، لأن ليس لهما نصيب من الوقت
وإن جزم به في حاشية الإرشاد، بل إن كان فهو لوجوب المبادرة بهما، مع أن فيه بحثا
يأتي في محله، بل الظاهر المنساق إلى الذهن من الأربع والأداء في النص والفتوى إرادة
مقدار ذلك مع جميع شرائط الصحة للفاقد لها في وقت الاختصاص، كما صرح به المحقق
الثاني والشهيد الثاني والخراساني، بل ظاهر الأخير أنه بعض دعوى القائلين بالاختصاص
بل هو مفروغ منه عندهم، وكأنه أخذه من تصريح البعض مع دعوى ظهور الباقين،
وإلا فالأكثر على الظاهر عبروا بالأربع وبالأداء من غير تعرض لذلك، ولذا نسبه في
كشف اللثام إلى القيل، بل قال: وفيه نظر، قلت: سيما لو احتاجت هي والأداء إلى
أكثر ما بين الزوال والمغرب، لقصور أدلة الاختصاص عن اخراج مثله عن اطلاق
ما يقتضي الاشتراك، لكن مع ذا فالاحتياط لا ينبغي تركه، هذا.
وقد بان لك مما ذكرنا أن ثمرة الاختصاص هي عدم صحة العصر مثلا لو وقعت
فيه وإن كان سهوا، بخلاف الوقت المشترك، ضرورة وقوع الأولى في غير وقتها،
والنسيان غير عذر في مثل ذلك على الأصح كما ستعرفه في محله إن شاء الله، بخلاف
الثانية وإن فات الترتيب، إلا أنه قادح مع العمد لا السهو، فمن صلى العصر حينئذ
ناسيا وقد ذكر بعد الفراغ وكانت في المختص بطلت، والمدار في معرفته حينئذ على
التقدير، والظاهر مراعاة الوسط بالنسبة للسرعة والبطء الغير الطبيعيين، فلا يقدر غاية
90

الطول الحاصل بسبب مراعاة أكثر المستحبات مثلا، وإن كان من عادته ذلك، إذ
هو حال فعله للظهر كذلك لا يحتسب له غير الوسط من الاختصاص، كما أنه لا يقدر
ضده أيضا بمراعاة الاقتصار على أقل الواجب إن لم يكن معتادا عليه، أما إذا كان
فيحتمل مراعاته، نظرا إلى أن وقت الاختصاص بالنسبة إلى ما لو فعل الظهر ذلك
المقدار وإن قل فيقدر، ويحتمل الوسط، للفرق بين التقدير والفعل، إذ الأول يراعى
فيه الوسط، كما في غالب التقديرات التي وردت فيها الروايات بخلاف الثاني، ولا ملازمة
بين الاكتفاء به لو وقع وبين تقديره، ولعله لو وقع منه هذه المرة لكان على خلاف
عادته، ضرورة عدم علم الانسان بما يقع منه، فتأمل جيدا. ويكفي التقريبية في التقدير
المزبور بالنسبة إلى الفساد، لتعذر التحقيقية، ولو شك في التقدير بنى على الفساد، للشغل
مع أصالة عدم دخول الوقت.
ولو ذكر في أثناء الفريضة ففي البيان والمقاصد العلية عدل إلى الظهر، وفيه نظر
ظاهر، لعدم قابلية الوقت لصحة ما سبق من فعله، فلا يقاس على الواقع في الوقت
المشترك، اللهم إلا أن يكونا بنياه على عذرية النسيان في تقديم الفريضة على وقتها كما هو
المحكي عن أولهما فيما يأتي إن شاء الله، نعم قد يكون له العدول لو فرض شروعه في العصر
في الوقت المختص بوجه شرعي كالظن ونحوه في مقام اعتباره ثم دخل عليه المشترك في
الأثناء ثم بان له بعد ذلك قبل الفراغ، لحصول الصحة بدخول المشترك، ولذا لو لم يتبين
له حتى فرغ صحت له عصرا كما صرح به في البيان وفي المقاصد أيضا، إذ لا يزيد
المختص على ما قبل الوقت بالنسبة إلى الظهر، واحتمال أنه لا يصح فيه العصر كلا ولا
بعضا بوجه من الوجوه، وأنه فرق بينه وبين ما قبل الظهر أولا بالدليل، وثانيا بأن
المراد من الاختصاص عند التأمل ذلك، بخلاف ما قبل الوقت، فإن الفساد فيه لعدم
الأذن لا للنهي عن الايقاع فيه بالخصوص ضعيف جدا لا يلتفت إليه.
91

ولو ظن الضيق إلا عن العصر فصلاها ثم بان السعة بمقدار ركعة أو أربع قيل
لا اشكال في صحة العصر، لأن المرء متعبد بظنه، وأما الظهر فيصليها أداء فيما بقي من
الوقت بناء على الاشتراك، وقضاء فيه أو ينتظر خروج الوقت ثم يقضيها بناء على
الاختصاص، على اختلاف الوجهين أو القولين، وفيه أن المتجه فعلها فيه بعد الجزم
بصحة العصر حتى على الاختصاص، ضرورة أن المنساق من النصوص والفتاوى كونه
وقت اختصاص للعصر إذا لم يكن قد أداها، وإلا فهو وقت صالح لأداء الظهر وقضاء
غيره، نعم بناء على عدم صحة العصر - لفوات الترتيب الذي لم يعلم اغتفاره في المقام،
لاختصاصه بالسهو والنسيان كما ستعرفه في محله، أو لاحتمال اختصاص الظهر من آخر
الوقت كأوله أيضا بمقدار أدائها إذا لم يبق إلا مقدار العصر، كما حكاه في كشف
اللثام بلفظ القيل، مؤيدا له بترتبهما في أصل الشرع، وهو ظاهر قواعد الشهيد أو
صريحها - يتجه حينئذ عدم جواز فعل الظهر فيما بقي من الوقت، لأنه ينكشف ببقاء
الأربع ركعات مثلا خاصة من الوقت وقوع العصر في وقت اختصاص الظهر، فتبطل،
فتجب إعادة العصر في وقت اختصاصه، قال في القواعد: ويحتمل الاجزاء لتقارضهما،
كأن العصر قد اقترضت من الظهر وقتها وعوضتها بوقت نفسها، وهو ضعيف، وإلا
لكان ينوي في الظهر الأداء في هذه الأربع، وظاهرهم عدمه، وإنما ينوي القضاء
لو قلنا باجزاء العصر.
قلت: لكن ظاهر النصوص والفتاوى ومعقد اجماع الغنية اختصاص الظهر
من أول الوقت خاصة، والاشتراك بعده إلى أن يبقى مقدار الأربع، فيختص العصر
بها، كما هو صريح مرسلة ابن فرقد وغيرها، وكونهم مترتبين بأصل الشرع لا يقتضي
الاختصاص المزبور، ولعله الأقوى، للأصل والاطلاق وغيرهما، بل في ظاهر
منظومة الطباطبائي أو صريحها الاجماع عليه، قال بعد ذكر الوقت للظهرين والعشاءين:
92

وخص الأولى من كلا الضربين * بقدرها من أول الوقتين
وبالأخير منهما الأخرى تخص * وشرك الباقي باجماع ونص
فلا تبطل العصر حينئذ من هذه الجهة، وأما فوات الترتيب فالظاهر الحاق
نحو ذلك بالسهو والنسيان، وإلا فرض المثال فيهما، وحينئذ صح الاتيان بالظهر أداء
لا للاقتراض المذكور، بل لما قدمناه من أن المنساق إلى الذهن من ظاهر النص والفتوى
اختصاص العصر بذلك المقدار إذا لم يكن المكلف قد أداها، اقتصارا على المتيقن
خروجه من اطلاق الأدلة، ودعوى أن ظاهرهم نيتها فيه قضاء ممنوعة، وكأنه توهمه
من اطلاقهم اختصاص العصر بذلك المقدار، ولا ريب أن المراد منه لمن لم يؤدها،
وإلا لو أريد جريان حكم الاختصاص عليه وإن كان قد أدى لم يصح فعل الظهر مطلقا
لا أداء ولا قضاء، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن معنى الاختصاص عدم صحة
الشريكة فيه قضاء، إذ هي لا تكون فيه إلا كذلك، ضرورة خروج وقتها، فمن ترك
العصر في وقت اختصاصه وأراد صلاة الظهر فيه قضاء لم يصح له، وإلا مضت ثمرة
الاختصاص، والفرض في المقام جريان حكم الاختصاص عليه، كما لو لم يكن قد أدى
العصر، واحتمال أن المراد بالاختصاص عدم وقوع الشريك فيه أداء خاصة لا أداء
وقضاء - فمن صلى الظهر حينئذ في وقت اختصاص العصر والفرائض أنه لم يكن صلى
العصر صحت ظهره قضاء بناء على عدم النهي عن الضد - يدفعه ظهور لفظ الاختصاص
في غير ذلك، وإن الأدائية والقضائية ليست من القيود التي تكون موردا للنفي،
ضرورة عدم كونهما من المكلف، بل هي أوصاف من لوازم الفعل المكلف به من غير
مدخلية للأمر، فلا يتوجه نفيه إليها، فتأمل جيدا فإنه دقيق، وإن كان بعد التأمل
واضحا، كوضوح أن المراد باختصاص العصر بأربع من آخر الوقت عدم جواز ابتداء
فعل الظهر فيه، لا عدم جوازه مطلقا كلا أو بعضا، فلو بقي حينئذ من الوقت مقدار
93

خمس ركعات مثلا صلى الفرضين كما صرح به جماعة، بل في الخلاف نفي الخلاف فيه
وإن وقعت ثلاث منه في وقت اختصاص العصر، لاطلاق قوله (عليه السلام) (1): (من
أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله) وغيره مما مر في باب الحيض مفصلا،
كما أنه قد مر هناك تمام الكلام فيه أيضا، وفي بعض عبارات الأصحاب التي ظاهرها
الخلاف وغير ذلك، فلاحظ، بل قد ذكرنا هناك أيضا أن ما دل على الاختصاص
المزبور قاصر عن معارضة تلك الأدلة من وجوه.
كما أنه لا يعارض ما وقع من العصر في وقت المغرب ما دل على اختصاصه من
أول الوقت بثلاث، على أن الظاهر صيرورة الوقت المختص بالمغرب حينئذ ما بعد ثلاث
العصر، لما سمعت سابقا من أن وقت الاختصاص هو أول آنات إمكان أداء الفرض،
فلا يكون ثلاث العصر حينئذ في وقت اختصاص المغرب، وأيضا المراد بزمان اختصاص
كل فريضة هو عدم جواز أداء شريكتها في الوقت فيه لا مطلق الفرض، ومن هنا لم
يكن للصبح وقت اختصاص، لعدم الشريك لها في بعض وقتها، وإنما هو في خصوص
الظهرين والعشاءين، فإن البحث في الأخيرين كالبحث في الأولين، ولم يفصل أحد
بينهما إلا ما يظهر من المبسوط، فلم يثبته أولا ولا آخرا، وهو مع ضعفه وابتنائه
على انتهاء وقت المغرب الاختياري بسقوط الشفق، وأنه هو ابتداء وقت العشاء
محجوج بما عرفت.
ولذا قال المصنف: (وكذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب، وتختص
من أوله بمقدار ثلاث ركعات) إن كان المكلف جامعا لجميع الشرائط، وإلا اختص
بمقدارها مع الركعات (ثم يشاركها العشاء حتى ينتصف الليل، ويختص العشاء من آخر

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
ونصه " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة "
94

الوقت بمقدار أربع ركعات) إن كان حاضرا، وإلا فركعتين كما عرفته سابقا في الظهرين
مفصلا، ولا أظنك بعد الإحاطة بجميع ما ذكرنا تحتاج إلى إعادة البحث هنا بعد أن
كانت المسألتان من واد واحد، فبجميع ما تقدم حينئذ منا هناك تقدر على اجرائه هنا
بأدنى التفات، إذا أكثر الأدلة مشتركة بين المسألتين حتى الاجماع المحكي، وقال في
المختلف: كل من قال باشتراك الوقت بعد الزوال بمقدار أداء الظهر بينها وبين العصر
قبل الغيبوبة بمقدار أداء العصر قال باشتراك الوقت بين المغرب والعشاء بعد مضي وقت
المغرب إلى قبل انتصاف الليل بمقدار العشاء، والقول بالتفرقة خرق للاجماع.
لكن قد يتناقش فيه بأنه لا خلاف هناك في اشتراك العصر مع الظهر فيما بعد
أدائها من الوقت، وأنه لا وقت لها مخصوص ينتظر غير أداء الظهر، وإن كان ربما
يوهمه بعض أخبار الذراع والذراعين والقامة والقامتين ونحوهما، إلا أنه لم يقل أحد
بذلك كما سمعته سابقا، بخلافه هنا، لما حكي عن المقنعة والهداية والخلاف والمبسوط
والمصباح ومختصره والنهاية والاقتصاد وكتاب عمل يوم وليلة والمراسم أن ابتداء وقته
سقوط الشفق المغربي، بل عن المهذب البارع حكايته عن الحسن أيضا، نعم يحكى عن
بعض هؤلاء جواز تقديمه قبل ذلك للمعذور، وسيجئ تمام البحث فيه عند تعرض
المصنف له، كما أنه سيجئ البحث أيضا في امتداد وقت العشاءين الاختياري
والاضطراري، إنما المقصود هنا بيان أصل الاختصاص والاشتراك على قياس الظهرين،
وإن كان إنما يتم على تقدير عدم كون ابتداء وقت العشاء ذهاب الشفق، خصوصا بناء
على أنه آخر وقت المغرب اختيارا أيضا، نعم قد يتصور فيه بالنسبة إلى اضطرارية
واختياري العشاء، فهل يختص حينئذ من أوله بمقدار أدائه أو لا؟ كما أنه يتصور
أيضا في آخره الاضطراري الذي هو ربع الليل عندهم، بمعنى أنه لو صلى العشاء نسيانا
في آخر وقت المغرب الاضطراري تقع صحيحة أولا، بل قد يتصور أيضا فيما قبل زوال
95

الشفق بناء على جواز فعل العشاء فيه لعذر لا اختيارا حتى بالنسبة إلى أوله، بأن
نسي وصلى العشاء وكان في الواقع قبل الغروب بركعة مثلا ووقعت بثلاث ركعات منه
في أول المغرب، إلا أن يريدوا بتقديمه قبل الشفق لعذر ما لا يشمل أول الوقت،
وكيف كان فلا تنقيح في شئ من كلماتهم لذلك، ويكفينا مؤنة تنقيحه ظهور فساد
هذه الأقوال كلها عندنا كما ستعرفه، نعم قد يقوى امتداد وقت العشاءين للاضطرار
من النصف إلى الفجر، كما دل عليه الصحيح (1) كما سيأتي البحث فيه، والظاهر
ثبوت الاختصاص بالنسبة إلى الآخر كما دل عليه الصحيح المزبور، وأما أوله فمقتضى
الاطلاقات عدمه، إلا أن يثبت التلازم بين الاختصاص آخرا وبينه أولا ولو بعدم
القول بالفصل، والله أعلم.
(وما بين طلوع الفجر الثاني) الصادق الذي كلما زدته نظرا أصدقك بزيادة
حسنة ونحوه (المستطير في الأفق) والمعترض المنتشر فيه الذي هو كالقبطية البيضاء،
وكنهر سوري، لا الأول الكاذب المستطيل في السماء المتصاعد فيها الذي يشبه ذنب
السرحان على سواد يتراءى من خلاله وأسفله، ولا زال يضعف حتى ينمحي أثره
(إلى طلوع الشمس) في أفق ذلك المصلي (وقت) في الجملة لصلاة (الصبح) بلا خلاف
معتد به فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، والنصوص متظافرة أو متواترة فيه، بل
لعله من ضروريات مذهبنا، لكن اختلف في أنه كذلك للمختار والمضطر أو للثاني
خاصة، وستعرف التحقيق فيه، نعم ينبغي التربص فيه حتى يتبين ويظهر، خصوصا
في ليالي البيض والغيم، للاحتياط في أمر الصلاة، وإيماء التشبيه بالقبطية البيضاء ونهر

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
96

سوري إليه، وخبر ابن مهزيار (1) قال: (كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر
الثاني (عليه السلام) معي جعلت فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر، فمنهم من
يصلي إذا طلع الفجر الأول المستطيل في السماء، ومنهم من يصلي إذا اعترض في أسفل
الأفق واستبان، ولست أعرف أفضل الوقتين فأصلي فيه، فإن رأيت أن تعلمني أفضل
الوقتين وتحده لي، وكيف أصنع مع القمر والفجر لا يتبين معه حتى يحمر ويصبح؟
وكيف أصنع مع الغيم؟ وما حد ذلك في السفر والحضر؟ فعلت إن شاء الله، وكتب
بخطه وقرأته الفجر يرحمك الله هو الخيط الأبيض المعترض، وليس هو الأبيض صعدا،
فلا تصل في سفر وحضر حتى تبينه، فإن الله تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من
هذا، فقال (2): (كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر) فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم،
وكذلك هو الذي توجب به الصلاة) وعلى هذا يحمل صحيح زرارة (3) عن أبي جعفر
(عليه السلام) (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي ركعتي الفجر وهو الصبح
إذا اعترض وأضاء حسنا) وما حكاه في المكاتبة المزبورة من صلاة بعض الشيعة الصبح
في الفجر الأول، بل ظاهر السائل أن الجواز مفروغ عنه، وأن سؤاله عن الأفضلية
لا يعد خلافا في المسألة، ولذا لم يحكه أحد من أصحابنا هنا، ولعله (عليه السلام) أمر
بعضهم به للتقية أو غير ذلك أو كان يفعله لها وإن لم يأمره به أحد من أئمة (عليهم
السلام) والله أعلم.
(ويعلم الزوال) الذي قد أنيطت الصلاة به المعبر عنه في الكتاب العزيز
(ب‍) الدلوك بأمور، أشهرها فتوى ورواية (زيادة الظل) الحاصل للشاخص (بعد

(1) الوسائل - الباب 27 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 5 من كتاب الصلاة
(2) سورة البقرة - الآية 183
(3) الوسائل - الباب 27 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 5 من كتاب الصلاة
97

نقصانه) أو حدوثه بعد عدمه كما في مكة وصنعاء والمدينة في بعض الأزمنة، وذلك
لأن الشمس إذا طلعت وقع لكل شاخص قائم على سطح الأرض بحيث يكون عمودا
ظل طويل إلى جهة المغرب، ثم لا يزال ينقص كلما ارتفعت الشمس حتى تبلغ وسط
السماء فينتهي النقصان مع بقائه إن كان عرض المكان المنصوب فيه المقياس مخالفا لميل
الشمس في المقدار، ويعدم الظل أصلا إن كان بقدره، وذلك في كل مكان يكون
عرضه مساويا للميل الأعظم للشمس أو أنقص، فإنه يعدم حينئذ عند ميلها بقدر ذلك
العرض بحيث يكون موافقا لها في الجهة: أي مسامتة لرؤوس أهله، ضرورة أن الظل
الباقي للشخص عند الزوال يختلف باختلاف البلاد والفصول بحسب قرب الشمس من
مسامتة رأس الشخص وبعدها عنه، ولذا كان الباقي من الظل في فصل الشتاء والخريف
أطول منه في فصل الربيع والصيف، لأن الشمس في الأولين في البروج الجنوبية بخلاف
الأخيرين، فإنها في البروج الشمالية، وهي أبعد عن مسامتة الرأس منها، إذ كلما قربت
الشمس من مسامتته كان الظل أقصر إلى أن تحصل المسامتة حقيقة، فينعدم الظل حينئذ
أصلا، إلا أنه لا يكون في العراق ونحوها من النواحي الجنوبية، لنقصان الميل عن
عرضها، فلا ينعدم الظل الشمالي فيها أصلا وإن اختلف قلة وكثرة باختلاف الأمكنة
والأزمنة بالنسبة إلى قرب المسامتة وعدمها، كما يومي إليه خبر عبد الله بن سنان (1)
عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف
قدم، وفي النصف من تموز على قدم ونصف، وفي النصف من آب على قدمين ونصف،
وفي النصف من أيلول على ثلاثة أقدام ونصف، وفي النصف من تشرين الأول على
خمسة ونصف، وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة ونصف، وفي النصف من
كانون الأول على تسعة ونصف، وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف،

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
98

وفي النصف من شباط على خمسة ونصف، وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف،
وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف، وفي النصف من أيار على قدم ونصف،
وفي النصف من حزيران على نصف قدم) إذ الظاهر منه إرادة بيان اختلاف الظل الباقي
عند الزوال بحسب الأزمنة كما اعترف به الكاشاني في الوافي، وقال: الظاهر أنه مختص
بالعراقي كما قاله بعض علمائنا، لكن في المعتبر توقف فيها، قال لتضمنها نقصانا
عما دل عليه الاعتبار.
وكيف كان فمن المعلوم عدم انعدام الظل في هذه النواحي، بل في غالب الربع
المسكون، نعم قيل ينعدم في أطول أيام السنة بيوم تقريبا في مدينة الرسول (صلى الله
عليه وآله) وما قاربها في العرض، لمساواته للميل الأعظم إلا بدقائق لا تكاد تظهر
للحس، فلا ينعدم حينئذ في غيره، إذ اليوم الثاني تأخذ فيه في الهبوط ويعود الظل
الشمالي الأول، وكذا يتفق في مكة شرفها الله تعالى وما قاربها في العرض قبل الانتهاء
بستة وعشرين يوما، وبعده كذلك، لنقصان عرضها عن الميل الأعظم، فينعدم فيها
حينئذ في يومين، الأول حال صعودها، والثاني حال رجوعها، وكذا صنعاء ونحوها
مما كان عرضها أنقص من الميل الأعظم، إلا أن اليومين فيها غيرهما في مكة قطعا، لما
بين البلدين من الاختلاف في العرض على ما حكاه ثاني الشهيدين عن محققي هذه الصنعة،
كالمحقق نصير الدين الطوسي وغيره، قالوا: إنما يكون في صنعاء عند كون الشمس في
الدرجة الثامنة من برج الثور صاعدة، ثم تميل عنه نحو الشمال ويحدث لها ظل جنوبي
إلى أن تنتهي وترجع إلى الدرجة الثالثة والعشرين من برج الأسد، بحيث يساوي
ميلها لعرض البلد، وهو أربع عشر درجة وأربعون دقيقة، وأما في مكة عند الصعود
ففيما إذا كانت الشمس في الدرجة الثامنة من الجوزاء، وعند الهبوط في الدرجة الثالثة
والعشرين من السرطان، لمساواة الميل في الموضعين لعرض مكة، وفيما بين هاتين
99

الدرجتين من الأيام إلى تمام الانتهاء يكون ظل الشمس جنوبيا.
قلت: ومن ذلك كله تعرف ما في الذكرى وغيرها تبعا للمحكي عن العلامة
من التمثيل لانعدام الظل بأطول أيام السنة بمكة وصنعاء، إذ قد عرفت أنه ينعدم قبل
الانتهاء بكثير خصوصا في صنعاء، لنقصان عرضهما عن الميل الأعظم للشمس، فكيف
ينعدم الظل فيهما في ذلك اليوم، نعم هو فيه وفي غيره من أيام الهبوط والصعود قبل
صيرورة الميل مساويا أو ناقصا عن العرض جنوبي، كما أنه معدوم مع المساواة، وشمالي
مع النقصان كما هو واضح محسوس، ومن هنا قال في الروضة بعد أن حكى ذلك عنهما:
(وأنه من أقبح الفساد، وأول من وقع فيه الرافعي من الشافعية، ثم قلده فيه جماعة
منا ومنهم من غير تحقيق المحل) إلى آخره. وأوضح فسادا منه ما حكاه في الذكرى
عن بعضهم، وفي مفتاح الكرامة عن المنتهى والتذكرة من استمرار الانعدام فيهما قبل
الانتهاء بستة وعشرين يوما، وبعده إلى ستة وعشرين يوما آخر، فيكون مدة ذلك
اثنين وخمسين يوما، ضرورة أنه يكون عند المسامتة للرأس، وليس هو إلا يوما
واحدا في الصعود، وآخر في الهبوط، إذ الشمس لا يبطل سيرها في آن من الآنات،
اللهم إلا أن يراد انعدام الظل الشمالي خاصة لا مطلق الظل، أو أن المراد بالانعدام
ما يشمل القليل، خصوصا إذا لم يتضح ظهوره للحس في أغلب الشواخص، مع امكان
المناقشة في الأخير بمنع عدم وضوح الظهور للحس في تمام هذه المدة، نعم قد يكون هو
كذلك بعد يوم المسامتة أو قبلها ببعض الأيام، ولا ينافيه الاقتصار سابقا على
الانعدام في يومين، لأن المراد منه الانعدام الحقيقي الذي لا يكون إلا في المسامتة
الحقيقية، وليس هو إلا يومين، وما عداهما لا بد فيه من زوال في الجملة إذا اعتبره
بمقياس مخروط محدد الرأس، ضرورة لزومه لزيادة الميل المتحقق في غير يوم المسامتة،
كما هو واضح.
100

وكيف كان فمعرفة الزوال معه تكون بحدوث الظل، وتركه المصنف لندرته،
على أن النصوص لم يذكر فها إلا زيادة، ففي مرفوعة سماعة (1) قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): (جعلت فداك متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يمينا وشمالا كأنه
يطلب شيئا، فلما رأيت ذلك تناولت عودا فقلت: هذا تطلب، قال: نعم، فأخذ
العود فنصب بحيال الشمس ثم قال: إن الشمس إذا طلعت كان الفئ طويلا، ثم لا يزال
ينقص حتى تزول، فإذا زالت زاد، فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر) وفي خبر علي
ابن أبي حمزة (2) (ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) - أيضا - زوال الشمس فقال
أبو عبد الله (عليه السلام): تأخذ عودا طوله ثلاثة أشبار، وإن زاد فهو أبين، فيقام
فما دام ترى الظل ينقص فلم تزل، فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت) وفي مرسل
الفقيه (3) عن الصادق (عليه السلام) أيضا (تبيان زوال الشمس أن تأخذ عودا
طوله ذراع وأربع أصابع، فتجعل أربع أصابع في الأرض، فإذا نقص الظل حتى
يبلغ غايته ثم زاد فقد زالت الشمس، وتفتح أبواب السماء وتهب الرياح وتقضي الحوائج
العظام) فلذلك اقتصر المصنف عليها تبعا للنصوص، على أن معرفة الزوال بالزيادة فيما
لا ينعدم الظل فيه تستلزم معرفته بالحدوث بعد العدم ضرورة، إذ ليست الزيادة إلا
من جهة ميل الشمس عن دائرة نصف النهار الموهومة المتوسطة بين نقطتي الجنوب
والشمال، وهو كما أنه سبب للزيادة المزبورة سبب للحدوث، بل الزيادة في الحقيقة
حدوث الظل، والأمر في ذلك سهل.
وهذه العلامة - مع أنها لا خلاف فيها بين الأصحاب، ودلت عليها النصوص
السابقة، ويشهد بها الاعتبار - تامة النفع يتساوى فيها العامي والعالم، إذ ليس هي إلا

(1) الوسائل - الباب 11 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 - 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 11 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 - 4 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 11 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 - 4 من كتاب الصلاة
101

وضع مقياس في الأرض بأي طور كان، والأولى فيه ما سمعته في الخبر، ثم يخط على
آخر ظله وينتظر هل ينقص أو يزيد، فإن نقص لم تزل حتى يأخذ بالزيادة، نعم عن
الروض تقييد الظل بالمبسوط ليخرج الظل المنكوس، قال: (وهو المأخوذ من المقاييس
الموازية للأفق، فإن زيادته تحصل في أول النهار وتنتهي عند انتهاء نقص المبسوط،
فهو ضده، فلا بد من الاحتراز عنه) إلى آخره. وكأنه لمعلوميته ترك التقييد لاخراجه
نصا وفتوى، لكن من المعلوم أن الزوال ليس عبارة عن هذه الزيادة والحدوث، إذ
هو ميل الشمس عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب، وهما في الظل، فاطلاق الزوال
عليهما توسع باعتبار دلالتهما عليه واستلزامهما له التي لا ينبغي الشك فيها، ضرورة العلم
بتحققه بتحققهما. أما أنهما يدلان على ابتدائية الزوال بحيث لم يتحقق قبل ذلك فقد
يناقش فيها، بل في المقاصد العلية أن تحقق الزيادة بعد انتهاء النقصان لا يظهر إلا بعد
مضي نحو ساعة من أول الوقت، ومن هنا قيل: إن الأولى من ذلك في معرفته
استخراج خط نصف النهار على سطح الأرض بنحو الدائرة الهندية (1) التي نص عليها
غير واحد من الأصحاب أو الأسطرلاب، فإذا وصل ظل الشاخص إليه كانت الشمس
على دائرة نصف النهار لم تزل بعد، فإذا خرج الظل عنه إلى جهة المشرق فقد تحقق
زوالها، وهو ميلها عن تلك الدائرة إلى جهة المغرب، وكيفية الأولى أن تساوي موضعا
من الأرض مثلا بحيث يكون خاليا من الارتفاع والانخفاض، وتدير عليه دائرة
بأي بعد شئت، وتنصب على مركزها مقياسا مخروطا محدد الرأس، يكون طوله قدر
ربع الدائرة تقريبا نصبا مستقيما بحيث يحدث عن جوانبه زوايا قوائم، ويعرف ذلك
بأن يقدر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة من ثلاثة مواضع، فإن تساوت الأبعاد
فهو عمود، ثم تنتظر وصول رأس الظل إلى محيط الدائرة بريد الدخول فيها فتعلم عليه

(1) وفي النسخة الأصلية " الهندسية "
102

علامة، ثم تنتظر خروجه بعد الزوال عن محيط الدائرة فتعلم عليه عند إرادته الخروج
من المحيط علامة، ثم تصل ما بين العلامتين بخط مستقيم، وتنصف ذلك الخط، ثم تصل
ما بين مركز الدائرة ومنتصف ذلك الخط بخط، فهو خط نصف النهار، ضرورة اتحاد
زمان سير الشمس عند الدخول والخروج، فإذا أردت معرفة الزوال في غير يوم العمل
تنظر إلى ظل المقياس، فمتى وصل إلى هذا الخط كانت الشمس في وسط السماء لم تزل،
فإذا ابتدأ رأس الظل يخرج عنه فقد زالت.
وقال الكاشاني في الوافي: ربما لا يستقيم هذا الطريق في بعض الأحيان، بل
يحتاج إلى تعديل حتى يستقيم، إلا أن الأمر فيه سهل، والطريق الأسهل في استخراج
هذا الخط الذي لا يحتاج إلى كثير آلة أن يخط على رأس ظل الشاقول أي المقياس
المزبور خطأ عند طلوعها، وعند غروبها آخر، فإن اتصلا خطأ واحدا نصف ذلك الخط
بخط آخر على القوائم، وإن تقاطعا نصف الزاوية التي حصلت من تقاطعهما بخط فالخط
المنصف في الصورتين هو خط نصف النهار، قلت: ويمكن استخراجه بغير ذلك، إنما
الكلام في اعتبار مثل هذا الميل في دخول الوقت بعد أن علقه الشارع على الزوال الذي
يراد منه ظهوره لغالب الأفراد حتى أنه أخذ فيه استبانته كما سمعته في الخبر السابق،
وأناطه بتلك الزيادة التي لا تخفى على أحد على ما هي عادته في إناطة أكثر الأحكام
المترتبة على بعض الأمور الخفية بالأمور الجلية كي لا يوقع عباده في شبهة كما سمعته في
خبر الفجر، بل أمر بالتربص وصلاة ركعتين ونحوهما انتظارا لتحققه، فلعل الأحوط
مراعاة تلك العلامة المنصوصة في معرفة الزوال وإن تأخر تحققها عن ميل الشمس عن
خط نصف النهار بزمان، خصوصا والاستصحاب وشغل الذمة وغيرهما موافقة لها والله أعلم.
وأما معرفة الزوال بالعلامة الثانية التي ذكرها المصنف بقوله: (أو بميل الشمس
إلى الحاجب الأيمن) مما يلي الأنف (لمن يستقبل القبلة) من أهل العراق فقد ذكرها
103

غيره من الأصحاب، بل في جامع المقاصد نسبتها إليهم، لكن مع التقييد بما سمعت،
ولعله مراد المصنف كما صرح به في المعتبر وإن أطلق هنا كالفاضل في الإرشاد، اعتمادا
على الظهور أو على العهدية، لأنها قبلته، بل في المدارك وعن غيرها تقييده أيضا بمن
كان قبلته نقطة الجنوب منهم كأطرافه الغربية دون أوساطه وأطرافه الشرقية، فإن
قبلتهم تميل عن نقطة الجنوب، لكن عن شرح الرسالة أن هذه العلامة لأوساط العراق
كالمشهدين الشريفين على مشرفهما السلام وبغداد والكوفة والحلة، ولعل الأولى جعل
الضابط ما كان منها على نقطة الجنوب كما عن الفاضل الميسي، وإن كان مثل له أيضا
بأطراف العراق كالموصل وما والاها، قال: (أما غيره فإنه وإن كان كذلك إلا أنه
لا يعلم إلا بعد زمان كثير) وفيه أن المدار إذا كان على استقبال نقطة الجنوب فلا
يتفاوت الحال بين من كان قبلته عليها أو منحرفة عنها، والتمثيل بقبلة العراق بناء على
أنها عليها، وإلا فلا خصوصية لها كما أومأ إليه في الذكرى بقوله لمن يستقبل قبلة العراق،
ضرورة ظهوره في أنه وإن لم يكن قبلته كأهل العراق، نعم قال المحقق الثاني:
(الظاهر أنه صحيح فيما يلي هذا الجانب من خط الاستواء) ولعله لعدم تمكن استقبال
هذه النقطة من الجنوب لغيرهم، كما أن الظاهر مساواة غير أهل العراق لهم إذا أمكن
معرفة قدر التفاوت بين القبلتين وانتظر ميل الشمس إلى ذلك المقدار كما أومأ إليه
الفاضل فيما حكي عنه من أن قبلة الشام يمكن تبين الزوال بها إذا صارت الشمس في طرف
الحاجب مما يلي الأذن.
لكن الانصاف كما اعترف هو به أيضا أنها غير منضبطة، لعسر معرفة قدر
التفاوت تحقيقا، بل ربما قيل بعدم انضباط هذه العلامة لو جعل المدار على استقبال
القبلة للعراقي، لا ما ذكرناه من استقبال نقطة الجنوب، لاتساع جهة البعيد عن القبلة،
104

بل في حاشية الإرشاد للمحقق الثاني كما عن الروض أنه لا يظهر له الميل إلا بعد زمن
كثير، ولعله لذا قيد العلامة المزبورة في المنتهى والنهاية بمن كان بمكة مستقبل الركن
العراقي ليضيق المجال ويتحقق الحال، لكن في فوائد الشرائع أنه إن كان المراد أن
ذلك علامة لأول الزوال فليس كذلك، لاحتياجه إلى زمن كثير أيضا، وإن أراد
أنه دليل على حصول الزوال في الجملة فهو حق، إلا أنه لا يختص بمكة، بل زاد في جامع
المقاصد أن الركن العراقي الذي فيه الحجر ليس قبلة أهل العراق كما هو معلوم، بل
قبلتهم الباب والمقام، فمن توجه إليه لم تصر الشمس على حاجبه الأيمن إلا بعد زمن كثير،
ولعله لما حكي عن الروض من أنه أي الركن ليس موضوعا على نقطة الشمال حتى يكون
استقباله موجبا لاستقبال نقطة الجنوب والوقوف على خط نصف النهار، وإنما هو بين
المشرق والشمال، فوصول الشمس إليه يوجب زيادة ميل عن خط نصف النهار كما لا يخفى.
وأنت خبير أن كثيرا من الكلام في المقام مما ذكرناه وما لم نذكره خارج عن
الفائدة، بل يقرب أن يكون مناقشة في عبارة أو مثال مع العلم بالمراد، لما عرفت أن
المدار في هذه العلامة ميل الشمس من نقطة دائرة نصف النهار المستخرج بالدائرة الهندية
أو غيرها، فإن كانت قبلة أهل العراق عليه كما هو مقتضى بعض علاماتها الآتية تحقق
الزوال بمجرد الميل عن القبلة، ويتحقق ذلك في زمن قصير يقرب من زيادة الظل بعد
نقصه كما اعترف به ثاني الشهيدين فيما حكي عن روضه، وإلا كما يقتضيه البعض الآخر
من علاماتها لم يتحقق، ولا يكون هو المدار، بل هو النقطة السابقة، ولا مدخلية لمن
كان في مكة أو بعيدا عنها بعد أن علمت أن المدار ما ذكرناه، وإن ذكر القبلة إنما هو
لأنها على النقطة السابقة، ووجه دلالتها على الزوال حينئذ واضح لتحقق انحراف الشمس
عن دائرة نصف النهار، مضافا إلى ظهور اتفاق الأصحاب عليها كما أومأ إليه ثاني المحققين،
بل في المبسوط أنه قد روي أن من يتوجه إلى الركن العراقي إذا استقبل ووجد الشمس
105

على حاجبه الأيمن علم أنها قد زالت، وهو مشعر بتعرض الأخبار لهذه العلامة وإن
كنا لم نجد ذلك فيما حضرنا من الكتب المعدة لها عدا ما رواه في الوسائل (1) عن مجالسه
مسندا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (إن رجلا سأل النبي (صلى الله عليه وآله)
عن أوقات الصلاة فقال: أتاني جبرئيل فأراني وقت الصلاة حين زالت الشمس فكانت
على حاجبه الأيمن) وليس فيها تقييد ذلك بالركن العراقي، والأمر سهل بعد وضوح
الحال، وكون المراد معرفة الزوال بأي طريق يكون ولو ظنا إن قلنا باعتباره، وإلا فلا بد
من القطع كيف اتفق كما هو مقتضى الأصول وبعض النصوص (2) وأدلة الاحتياط،
خصوصا فيما اشتغلت الذمة فيه، ولا ينافيه الأمر بالصلاة (3) عند صياح الديك ثلاثا
ولاء أو مطلقا بعد أن كان موردها يوم الغيم الذي يكتفي فيه بالظن كما ستسمع البحث
فيه مفصلا إن شاء الله، وربما كان طرق أخر أيضا لاستخراج الزوال، والمدار ما ذكرنا،
ولا بأس بتفاوت علامات الزوال بالنسبة إلى معرفة أوله أو ما بعده في الجملة، كما أنه
لا بأس بتلازمها بعد اختلاف الناس فيما يتيسر له منها وفي إرادة معرفة أوله أو ما بعده
في الجملة، كما هو واضح.
(و) يعلم (الغروب) أي غروب الشمس الذي هو أول وقت صلاة المغرب
اجماعا في الغنية والذكرى وكشف اللثام وعن الخلاف ونهاية الإحكام وكشف الالتباس،
بل في المعتبر وعن التذكرة باجماع العلماء، بل عن المنتهى أنه قول كل من يحفظ عنه العلم،
بل هو من ضروريات الدين (باستتار) نفس (القرص) خاصة عن نظر ذلك المكلف
فيما يراه من الأفق الذي لم يعلم حيلولة جبل ونحوه بينه وبينه، كما هو المحكي عن الكاتب

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
106

والصدوق في العلل وظاهر الفقيه وابن أبي عقيل والمرتضى والشيخ وسلار والقاضي،
ومال إليه جماعة من متأخري المتأخرين كسيد المدارك والخراساني والكاشاني والمدقق
الشيخ حسن وتلميذه فيما حكى عنهما والأستاذ الأكبر، للنصوص المستفيضة غاية
الاستفاضة، وفيها الصحيح وغيره، بل ربما ادعى تواترها المتضمنة تعليق الصلاة
والافطار على غيبوبة الشمس، وأنه بذلك يدخل وقت المغرب، بل في بعضها التصريح
بغيبوبة القرص كصحيح عبد الله بن سنان (1) عن الصادق (عليه السلام) (وقت المغرب
إذا غربت الشمس فغاب قرصها) والصحيح الآخر الذي رواه المشائخ الثلاثة، بل
الصدوق منهم بأسانيد متعددة عن زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) (وقت
المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى
صومك، وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا) وغيرهما، بل في بعضها التصريح
بأن الذي علينا أن نصلي إذا غربت وإن كانت طالعة على قوم آخرين كخبر عبيد بن
زرارة (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سمعته يقول: صحبني رجل كان
يمسي المغرب ويغلس بالفجر، وكنت أنا أصلي المغرب إذا غربت الشمس، وأصلي
الفجر إذا استبان لي الفجر، فقال لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؟ فإن
الشمس تطلع على قوم قبلنا، وتغرب عنا وهي طالعة على آخرين بعد، قال: فقلت:
إنما علينا أن نصلي إذا وجبت الشمس عنا وإذا طلع الفجر عندنا، ليس علينا إلا ذاك،
وعلى أولئك أن يصلوا إذا غربت عنهم) بل في آخر منها التصريح بأن الحد في غيبوبتها
عدم رؤياها لو نظرت كمرسل ابن الحكم (4) عن أحدهما (عليه السلام) (إنه سئل

(1) الوسائل - الباب 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 16 - 17 - 22 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 16 - 17 - 22 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 16 - 17 - 22 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 25 من كتاب الصلاة
107

عن وقت المغرب: إذا غاب كرسيها، قلت: وما كرسيها؟ قال: قرصها، فقلت:
متى يغيب قرصها، قال: إذا نظرت إليه فلم تره) فيكون الضمير في كرسيها راجعا إلى
الشمس بمعنى الوضوء، لاطلاقها عليه وعلى الجرم وعليهما مشبها للقرص بالكرسي للضوء
لتمكنه فيه، بل خبر الربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهما المروي (1) عن المجالس
كالصريح في نفي اعتبار الحمرة، قالوا: (أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بواد الأخضر
إذا نحن برجل يصلي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا فجعل يصلي
ونحن ندعو عليه حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه، ونقول: هذا من شباب
أهل المدينة، فلما أتيناه إذا هو أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) فنزلنا
فصلينا معه وقد فاتتنا ركعة، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا جعلنا فداك هذه الساعة
تصلي، فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت) وخبر يحيى الخثعمي (2) قال:
(سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يصلي المغرب ويصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة، منازلهم على نصف
ميل، فيصلون معه ثم ينصرفون إلى منازلهم وهم يرون مواضع نبلهم) ويقرب منه
ما دل (3) على النهي عن صعود الجبل لتبين سقوط الشمس، خصوصا خبر الشحام (4)
قال: (صعدت مرة على جبل أبي قبيس أو غيره والناس يصلون المغرب فرأيت الشمس
لم تغب، إنما توارت خلف الجبل عن الناس، فلقيت أبا عبد الله (عليه السلام) فأخبرته
بذلك فقال لي: ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت، إنما تصليها إذا لم ترها خلف الجبل

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 23 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
لكن رواه عن محمد بن يحيى الخثعمي
(3) الوسائل - الباب 20 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة وليس في الثاني كلمة " أو غيره "
(4) الوسائل - الباب 20 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة وليس في الثاني كلمة " أو غيره "
108

غابت أو غارت ما لم يتجللها سحاب أو ظلمة، تظلها، وإنما عليك مشرقك ومغربك)
إلى غير ذلك من النصوص.
(وقيل بذهاب الحمرة من المشرق وهو الأشهر) بل في كشف اللثام أنه مذهب
المعظم، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا فتوى وعملا شهرة عظيمة سيما بين المتأخرين،
بل في الرياض أن عليه عامتهم إلا من ندر، بل في المعتبر أن عليه عمل الأصحاب كما
عن التذكرة، بل عن السرائر الاجماع عليه، بل في شرح المقدس البغدادي أن عليه
أكثر المتقدمين وعامة المتأخرين، بل كاد يكون في سواد الإمامية ضرورة يعرفون بها،
بل في المحكي عن السيد الداماد أن عليه العمل عند أصحابنا وعند أساطين الإلهيين
والرياضيين من حكماء يونان كما ستسمع كلامه بتمامه عند الفراغ من البحث في الأقوال
المتعلقة في الظهرين، بل لعله مذهب ابن أبي عقيل أيضا وإن ظن خلافه، لقوله فيما
حكي عنه: (أول وقت المغرب سقوط القرص، وعلامة ذلك أن يسود أفق السماء
من المشرق، وذلك اقبال الليل، وتقوية الظلمة في الجو، واشتباك النجوم) بل لعله
مذهب الإسكافي أيضا، لأنه قال فيما حكي عنه، أول وقت المغرب وقوع اليقين بغيبوبة
قرصها عن النظر، لما ستعرفه من أن اعتبار المشهور ذهابها للدلالة على غيبوبة القرص
نفسه عن تمام أفق الأرض المستوية، وإلا فالجميع اتفقوا على دخول وقت المغرب بغيبوبة
الشمس، ولعله يريد بقوله عن النظر نظر الجميع بحيث يشمل من لم يكن حائلا بينه
وبين الأفق، ومن ذلك يعلم أنه لا صراحة في المحكي عن هداية الصدوق والمرتضى أيضا
وسلار والقاضي في المهذب وشرح الجمل، لأنهم إنما عبروا بذلك خاصة، بل حكى في
التنقيح عن المفيد والمرتضى وسلار والشيخ القول المشهور، ولعله أخذه من غير مقام،
وإلا فالانصاف أنه لا صراحة في العبارة بأحد الأمرين، خصوصا الأول، سيما ولم
يقيدوا ذلك عن النظر كما فعل الإسكافي، بل ولا ظهور عند التأمل، نعم صرح المرتضى
109

منهم فيما حكي من كلامه بعدم اعتبار النجوم الثلاثة في دخول الوقت، ونحن نقول به
وإن كان اعتبارها لازما للقول بذهاب الحمرة أو قريبا منه، ومنه يعلم حينئذ أنه مذهب
الصدوقين في الرسالة والمقنع، لاعتبارهما فيما حكي عنهما ذلك، بل لعل ذلك قرينة على
عبارته في الهداية، ولم يتعرض في فقيهه كما قيل سوى أنه ذكر أخبار دخول المغرب
بغيبوبة الشمس خاصة، وهو لا صراحة فيه، بل ولا دلالة إلا بمعونة ما ذكره في أول
كتابه الذي قيل إنه عدل عنه، على أنه أورد هنا خبر بكر بن محمد (1) الآتي الذي
هو كالصريح في عدم اعتبار غيبوبة القرص، بل لعله صريح في اعتبار الحمرة كما ستعرف،
بل عن بعض الاستدلال به عليها.
وأما الشيخ فعن ظاهر السرائر أنه موافق للمشهور في جميع كتبه، بل في مفتاح
الكرامة أنه صريح الاستبصار وإن نسب إليه جماعة الخلاف فيه، وكأنهم لم يلحظوا
تمام كلامه فيه، ونحوه في الرياض، ولا صراحة في مبسوطه بالخلاف، بل لعله إلى
المشهور أقرب، خصوصا إن قلنا أن الاحتياط في عبارته للوجوب كما هي عادته في
الاستدلال به في العبادات، فيقل الخلاف صريحا حينئذ، بل ينحصر بين القدماء في
المحكي عن علل الصدوق، ولم يحضرنا عبارته فيها، وليس النقل كالعيان، وهو نادر
بينهم كندرة من عرفته من متأخري المتأخرين بينهم، على أنهم أو أكثرهم ممن لا يبالي
بالشهرة كائنة ما كانت في جنب الخبر الصحيح، كما يشهد له ما في هذا المقام الذي قارب
أن يكون ضروريا في زماننا، بل لعله كذلك، بل يمكن دعواها الزمن السابق أيضا
كما يومي إليه خبر الربيع وابن أرقم السابق (2) بل سواد المخالفين يعرفون ذلك منا
فضلا عن الموافقين، كما أن سوادنا بالعكس حتى أنهم إذا أرادوا معرفة الرجل من
أي الفريقين امتحن بصلاته وافطاره، فالعجب من هؤلاء المتأخرين كيف أعرضوا

(1) الوسائل - الباب 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 23 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 23 من كتاب الصلاة
110

عن ذلك ومالوا إلى القول الآخر مستندين إلى كثرة أخباره وصحتها عكس القول
الآخر، ولم يعلموا أن ذلك في الحقيقة والنظر الصحيح شاهد عليهم لا لهم، لأن أمر
التقية في المقام يقضي بورود أكثر من تلك النصوص، ضرورة كونه من الأمور
الظاهرة التي تتكرر في كل يوم، ولا يسع التخفي فيها، فحفظوا أنفسهم وشيعتهم بذلك،
فكثرة النصوص فيه دون الآخر أكبر شاهد على ما قلنا، وخصوصا وقد كان في
الشيعة سابقا من لا يحافظ على التقية، ويفضح نفسه واخوانه وإمامه، ولقد تأذى
الصادق (عليه السلام) منهم حتى ألجأوه إلى التقية في قوله وفعله، قال (عليه السلام)
في خبر جارود (1): (يا جارود ينصحون فلا يقبلون، وإذا سمعوا بشئ نادوا به،
أو حدثوا بشئ أذاعوه، قلت لهم: مسوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت
النجوم، فأنا الآن أصليها إذا سقط القرص) على أنهم (عليه السلام) لم يألوا جهدا
هنا في اظهار الحق وبيان الواقع تصريحا وكناية.
ومن الغريب ما عن بعض الناس من دعوى قلة أخبار المشهور وضعفها حتى أنه
تعجب ممن أمر بالاحتياط أو غيره لكثرة الأخبار الدالة على المشهور، إذ لا يخفى على
من لاحظ الوافي والوسائل في المقام وفي الحج والصوم بلوغها إلى أول العقود أو أزيد،
وفيها الصريح والصحيح أو الموثق وغيرهما، ففي موثق يونس بن يعقوب (2) كما في
شرح المقدس البغدادي أو صحيحه كما في مفتاح الكرامة (قلت للصادق (عليه السلام):
متى الإفاضة من عرفات؟ قال: إذا ذهبت الحمرة من هاهنا، وأشار بيده إلى المشرق)
وفي صحيح زرارة (3) (سئل الباقر (عليه السلام) عن وقت افطار الصائم فقال:

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 15 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة - الحديث 2
من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب 52 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك - الحديث 3
111

حين يبدو ثلاثة أنجم) ضرورة مناسبته لذهاب الحمرة دون القرص، كصحيح بكر بن
محمد (1) عن الصادق (عليه السلام) قال: (سأله سائل عن وقت المغرب قال:
إن الله يقول في كتابه لإبراهيم (عليه السلام) (2): (فلما جن عليه الليل
رأى كوكبا) فهذا أول الوقت، وآخر ذلك غيبوبة الشفق) وصحيح إسماعيل بن
همام (3) قال: (رأيت الرضا (عليه السلام) وكنا عنده لم نصل المغرب حتى ظهرت
النجوم، قال: فصلى بنا على باب دار ابن أبي محمود) وكونه حكاية فعل فلعله (عليه
السلام) فعل ذلك لعذر لا لأنه وقت موظف قد يدفعه - بعد أصالة عدم العذر خصوصا
مع عدم ذكر الراوي - ظهور نقل الراوي عنه ذلك في الثاني، ويؤيده ما ستسمعه من
فقه الرضا (عليه السلام) (4) وخبر محمد بن علي (5) قال: (صحبت الرضا (عليه
السلام) في السفر فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد)
فإن استمراره (عليه السلام) عليه ظاهر فيما قلناه، كما أنه يدفع احتمال تأخيره للاستحباب
ما ستعرفه إن شاء الله عن قريب، ومرسل ابن أبي عمير (6) الذي هو بقوة المسند
عن الصادق (عليه السلام) (وقت سقوط القرص ووقت الافطار من الصيام أن تقوم
بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية
المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص) ومرسل ابن أشيم (7) عنه (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 من كتاب الصلاة
(2) سورة الأنعام - الآية 76
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة
(4) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 - 4 - 3 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 - 4 - 3 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 - 4 - 3 من كتاب الصلاة
112

أيضا قال: (سمعته يقول: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، أو تدري
كيف ذلك؟ قلت: لا، قال: لأن المشرق مطل على المغرب هكذا، ورفع يمينه فوق
يساره، فإذا غابت من هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا) وخبر يزيد بن معاوية (1)
عن الباقر (عليه السلام) الذي رواه الكليني والشيخ بغير واحد من الأسانيد، بل
في بعضها من أصحاب الاجماع الذين لا يلتفت إلى من بعدهم في وجه. بل لعل التأمل
فيه يورث الفقيه الماهر قطعا بصحته بالمعنى القديم، لكثرة القرائن الدالة على ذلك،
قال: (إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من ناحية المشرق فقد غابت الشمس
من شرق الأرض وغربها) وموثق عمار الساباطي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
المروي في التهذيب بل ومستطرفات السرائر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب قال:
(إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس، فجعل
هو الحمرة التي من قبل المغرب، وكان يصلي حين يغيب الشفق) وخبر محمد بن شريح (3)
بل في المعتبر أنه رواه جماعة منهم محمد بن شريح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (سألته
عن وقت المغرب فقال: إذا تغيرت الحمرة في الأفق وذهبت الصفرة) وخبر يعقوب
ابن شعيب (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال لي: مسوا بالمغرب قليلا،
فإن الشمس تغيب من عندكم قبل إن تغيب من عندنا) وخبر أبان بن تغلب (5) قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): (أي ساعة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوتر؟

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 لكن رواه في
الوسائل عن بريد بن معاوية وفي الاستبصار ج 1 ص 165 - الرقم 957 من طبعة النجف
عن يزيد بن معاوية
(2) الوسائل - الباب 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 - 12 - 13 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 - 12 - 13 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 - 12 - 13 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
113

فقال: على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب) والمحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (1)
(أول وقت المغرب سقوط القرص إلى مغيب الشفق - إلى أن قال -: والدليل على
غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق، وفي الغيم سواد المحاجر، وقد كثرت
الروايات في وقت المغرب وسقوط القرص، والعمل من ذلك على سواد المشرق إلى
حد الرأس) قيل: وأراد بسواد المحاجر سواد الأفق أعلاه وأسفله مع سائر جوانبه،
من حيث إن ذلك أنما يكون بزوال الحمرة من جانب المشرق بالكلية وميلها إلى جانب
المغرب، ويدل عليه قوله (عليه السلام) بعد ذلك: (والعمل من ذلك على سواد المشرق إلى حد
الرأس) وخبر عبد الله بن وضاح (2) قال: (كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام)
يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا وتستر عنا الشمس وترتفع فوق
الليل حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون، فأصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائما أو انتظر حتى
تذهب الحمرة التي فوق الليل؟ فكتب إلي أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ
بالحائطة لدينك) ضرورة أن قوله (عليه السلام): (أرى) إلى آخره. إما لعلمه بابتلاء
السائل بها أو لأنه (عليه السلام) اتقى من الأمر به، لا للاحتياط، وإلا فالإمام
لا يأمر عند السؤال عن الحكم الشرعي بالاحتياط، إذ هو طريق الجاهل بالحكم لا الإمام (عليه السلام) كما هو واضح، على أن الاحتياط هنا في فراغ الذمة المشغولة بيقين
مع استصحاب النهار، وهو واجب لا يجوز تركه.
على أنه قد يمنع صراحة لفظ الاحتياط بالاستحباب بل ظهوره، لأن ذلك إنما
هو بالاصطلاح المتأخر بين الأصحاب، وإلا فالاحتياط هو الاستظهار والأخذ بالأوثق،
بل قيل هو كذلك في كلمة متقدمي الأصحاب، فاستفادة استحباب التأخير إلى زوال

(1) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 14 من كتاب الصلاة
114

الحمرة من هذا الخبر - حتى جعل هو، وخبر شهاب بن عبد ربه (1) عن الصادق (عليه
السلام) أنه قال: يا شهاب إني أحب إذا صليت المغرب أن أرى في السماء كوكبا)
شاهدا للجمع بين النصوص بحمل الأولى على دخول الوقت، والثانية على استحباب
التأخير إلى زوال الحمرة - كما ترى، على أن خبر شهاب - مع ضعف سنده، وعدم
صراحته في ذلك، واحتمال أن اظهاره ذلك بعنوان المحبة للتقية وغير ذلك - غير مقبول
الشهادة على إرادة الاستحباب من تلك النصوص المعتضدة بما عرفت من الأصل والشغل
والشهرة العظيمة والموافقة لما سمعت من آي الكتاب، والمخالفة للعامة، والمشتملة على
التعليل بكون المشرق مطلا على المغرب، وبأن الشمس تغيب عندكم قبل إن تغيب
عندنا، بل بعضها كالمشتمل على التعليل المزبور ونحوه غير قابل للحمل عليه، بل لعل
الجميع كذلك، نظرا إلى ما دل على ضيق وقت المغرب، وأنه ليس لها إلا وقت واحد،
ونحو ذلك كما سيمر عليك بعضه إن شاء الله مما هو ظاهر أو صريح في فضل صلاة المغرب
بأول دخول وقتها.
بل في بعض النصوص (2) لعن من أخر صلاة المغرب طلبا لفضلها، وإن كان
قد يقال: إن ذلك تعريض بأبي الخطاب وأصحابه الذين أفسدوا أهل الكوفة، وقد
تظافرت النصوص بلعنهم، ففي خبر القاسم بن سالم (3) عن الصادق (عليه السلام)
قال: (ذكر أبا الخطاب فلعنه، وقال: إنه لم يكن يحفظ شيئا حدثته، إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) غابت له الشمس في مكان كذا وكذا وصلى المغرب بالشجرة
وبينهما ستة أميال فأخبرته بذلك في السفر فوضعه في الحضر) وفي خبر زرارة (4)

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 17 - 23 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 17 - 23 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 17 - 23 من كتاب الصلاة
115

عنه (عليه السلام) قال في حديث: (أما أبو الخطاب فكذاب - وقال -: إني أمرته
أن لا يصلي هو وأصحابه المغرب حتى يروا كوكب كذا يقال له القيداني والله إن
ذلك الكوكب ما أعرفه) وفي مرسل سعيد بن جناح (1) عن الرضا (عليه السلام)
(إن أبا الخطاب قد كان أفسد عامة أهل الكوفة، وكانوا لا يصلون المغرب حتى يغيب
الشفق، وإنما ذلك للمسافر والخائف ولصاحب الحاجة) وفي خبر الشحام (2) قال:
(قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام): أؤخر المغرب حتى تشتبك النجوم فقال:
خطابية، إن جبرئيل نزل بها على محمد (صلى الله عليه وآله) حين سقط القرص) إلى
غير ذلك مما سيمر عليك بعضه إن شاء الله.
وكيف كان فمن الواضح بعد حمل هذه النصوص على الاستحباب إن لم يكن
فساده، وأولى منه بمراتب حمل أكثر تلك النصوص على ما أشارت إليه هذه النصوص
من أن ذهاب الحمرة علامة على غيبوبة القرص من تمام الأفق، وبه تخرج حينئذ عن
أصل المعارضة، بناء على أنها كالمجمل وهذه كالمبين، وإلا كانت من المطلق والمقيد،
وكأن الذي ألجأهم صلوات الله وسلامه عليهم إلى كثرة التعبير به لأصحابهم هو الجمع
بين الواقع وبين ما تتأدى به التقية مع بيان كذب أبي الخطاب وشدة افترائه اعتمادا
على ما ذكروه من تمام التفصيل في النصوص الآخر، مضافا إلى الاعتبار، ضرورة عدم
بقاء الحمرة المشرقية مع فرض سقوط قرص الشمس عن الأفق، لأنه إن كان يبقى
للشمس شعاع بعد سقوطها عن الأفق فهو في مقابلها من جهة الغرب لا الشرق، واحتمال
أن العبرة بسقوطها عن أفق الناظر لاتمام الأفق مقطوع بعدمه، خصوصا بعد قوله
(عليه السلام): (فإنها تغيب عندكم قبل ما تغيب عندنا) وقوله (عليه السلام):
(فإنها تغيب من شرق الأرض وغربها) على أن المنساق من الغروب سقوطها عن تمام

(1) الوسائل - الباب 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 19 - 18 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 19 - 18 من كتاب الصلاة
116

الأفق، وهو إنما يكون متأخرا عن خفائها عن العين بسبب اختلاف الأرض وكروية
الماء كما صرح به في المقاصد العلية، وما في الذخيرة - من أن غيبوبة الشمس عن الأفق
الحقيقي في الأرض المستوية حسا إنما يتحقق بعد غيبوبتها عن الحس بمقدار دقيقة تقريبا،
وهو أقل من ذهاب الحمرة، فكيف يناط به - يدفعه بعد تسليمه أنه لا قائل بالفصل،
وأنه قدر مجهول غير منضبط لا يمكن إحالة عامة المكلفين عليه، وسيما العوام منهم، على أنك ستعرف إن شاء الله أن الحمرة علامة لليقين بالمغرب لا أن زوالها غروب، فتأمل.
وقوله (عليه السلام) في خبر الشحام السابق: (إنما عليك مشرقك ومغربك) لا بد
من تنزيله على أمر آخر من التقية ونحوها عندنا وعند الخصم، ضرورة عدم اكتفائه
في سقوط القرص بمجرد عدم رؤياها وإن علم أن هناك حائلا يحتمل استتارها به أو
يعلم، ولعل تعنيف الشحام على صنعه وتجسسه الذي هو مثار الفتنة، بل قد يومي صدره
إلى ذلك، على أنه يمكن نهيه له عن التجسس بعد زوال الحمرة كما يومي إليه قوله (عليه السلام)
(وإنما عليك مشرقك ومغربك) إذ لو كان المراد ذهاب القرص لم يكن لذكر المشرق
ثمرة، واحتمال أنه ذكره لصلاة الفجر بعيد.
وأما مرسل ابن الحكم السابق فهو - مع أنه لا جابر له، ومحتمل لإرادة أنك
إذا لم ترها ولا أثرها كالحمرة ونحوها أو لم ترها إذا لم تحتمل الحائل بينك وبين الأفق
أو غير ذلك - محمول على التقية كالخبرين اللذين بعده، خصوصا بعد إنكار الجماعة
السابقين على أبي عبد الله (عليه السلام) ذلك، وخصوصا بعد ما قيل من رواية العامة
نحو خبر الخثعمي عن جابر (1) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن قضيتها
كغيرها من بعض النصوص دخول الوقت بزوال القرص عن النظر وإن بقي ضوؤه

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 20 من كتاب الصلاة
لكن رواه في الوسائل عن عمرو بن شمر عن جابر
117

على الجدران والمنارة والجبال ونحوها، وهو وإن كان صريح المبسوط أنه مما يتفرع على
هذا القول، بل في الرياض أنه هو القول المقابل للمشهور وإن ما عداه محدث، إلا أنه
مع كونه خلاف ما يظهر من بعض أهل هذا القول أيضا كالخراساني بالنسبة إلى العمران
في غاية الوضوح من الفساد، وإلا لزم اختلاف الوقت باختلاف أمكنة الناظرين سفلا
وعلوا من البئر إلى المنارة، على أن من المقطوع به عدم صدق غيبتها عن النظر مع رؤية
ضوئها على قلل الجبال كما هو واضح.
ومنه يعلم حينئذ تعين قول المشهور بناء على أن المقابل له هذا القول الذي هو
واضح الفساد، وإن اعتبار بعض المتأخرين ذهاب الشعاع قول محدث، فتأمل جيدا.
كما أن منه يعلم امكان الاستدلال على المختار أيضا بخبر الهاشمي (1) عن الصادق (عليه
السلام) وإن استدل به للأول قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي
المغرب حين تغيب الشمس حيث يغيب حاجبها) لأن المراد بالحاجب الضوء كما قيل،
وفي بعض النسخ (حاجها) من دون الموحدة، قال الكاشاني: (لعل المراد بحاجها ضوؤها
الذي في نواحيها، فإن حجاب الشمس يقال لضوئها، وحاجها لنواحيها) إلى آخره.
فظهر لك من ذلك كله أن تلك النصوص بين ما هو في الحقيقة لنا لا علينا، وهو
المتضمن دخول الوقت بغيبوبة القرص، ولعله الأكثر، لما عرفت من أن المراد به
عن تمام الأفق، ولا يكون إلا بعد ذهاب الحمرة كما صرحت به النصوص السابقة،
وبين ما لا جابر لسنده ومحمول على التقية.
فلا ريب حينئذ في رجحان هذه النصوص عليها من وجوه لا تخفى، بل كان
المسألة من القطعيات وإن كنا قد أطنبنا الكلام فيها، لميل بعض الأعاظم ممن قارب
عصرنا إلى ذلك القول النادر لبعض ما تقدم الذي قد عرفت ما فيه، ولأنه لو

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 27 من كتاب الصلاة
118

اعتبرت الحمرة المشرقية من حيث دلالتها على زوال القرص في الغروب لاعتبرت المغربية
بالنسبة إلى الطلوع المعلوم خلافه، وفيه أولا ما قيل من أنه لا يرد على ما التزم ذلك
كثاني الشهيدين في المقاصد العلية، قال: وإنما كان زوال الحمرة علامة على الغروب لأن
الاعتبار في طلوعها وغروبها لما كان بالأفق الحقيقي لا المحسوس، وكان طلوعها يتحقق
قبل بروزها بزمن طويل غالبا، ومن ثم اعتبر لها أهل الميقات مقدارا في الطلوع يعلم
به وإن لم يشاهدها، فكذلك القول في غروبها، لعدم الفرق، لكنك خبير أنه لا
صراحة في كلامه بأن ظهور الحمرة في المغرب علامة على طلوعها بحيث تقع الصلاة بعد
ذلك قضاء، بل أقصاه الحكم بالطلوع قبل البروز للعين، لا أن علامة ذلك ظهور الحمرة،
نعم في كشف اللثام عند بيان آخر وقت الصبح (ثم إذا كان زوال الحمرة من المشرق
علامة غروب الشمس فالظاهر أن ظهورها في المغرب علامة طلوعها، وقد روي (1)
ذلك عن الرضا (عليه السلام) وكأنه أشار إلى ما في المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)
من أن آخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق المغرب، وقد رخص للعليل والمسافر
والمضطر إلى ما قبل طلوع الشمس، وهو مع عدم حجيته عندنا محمول على إرادة الكراهة
في شدة التأخير، بل رخصته لمن عرفت دليل على بقاء الوقت، ونحوه ما في المحكي
عن دعائم الاسلام (2) عن الصادق (عليه السلام) (أن آخر الوقت أن يحمر أفق
المغرب، وذلك قبل إن يبدو قرن الشمس بشئ) قال في البحار: اعتبار احمرار
المغرب غريب، وقد جرب أنه إذا وصلت الحمرة إلى أفق المغرب يطلع قرن الشمس.
وثانيا امكان الفرق بين الحمرتين، خصوصا بعد قوله (عليه السلام): (إن المشرق
مطل على المغرب) فإنه قد يكون ذلك سببا لدلالة الحمرة على عدم الغروب بخلاف
الطلوع، فلعل الحمرة المغربية حينه كالحمرة المشرقية الحاصلة قبل الطلوع بزمان كثير

(1) المستدرك - الباب 20 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(2) المستدرك - الباب 20 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
119

مرتفعة عن الأفق التي هي أشبه شئ بالشفق المغربي الحاصل بعد غروب الشمس وإن
تفاوتا في طول الزمان وقصره من جهة ظهور المشرق وانخفاض المغرب. وثالثا إنه
اجتهاد في مقابلة النص، فلعل الشارع لم يعتبر ذلك الطلوع في صلاة الفجر، واعتبره
في المغرب، والمنع من عدم اعتباره في الفجر - لخبر الرضا (عليه السلام) ولأن الشارع
علق الحكم على الطلوع المتحقق بظهور الحمرة، ولم يصرح بأن المراد رؤية نفس القرص -
يدفعه - مع أن ذلك المعاصر لا يقول به - عدم اعتبار ما أرسله عن الرضا (عليه
السلام) في قطع الاستصحاب وغيره، والقطع بعدم اكتفاء الشارع في هذا المعنى الذي
ينساق إلى الذهن خلافه بمثل هذه العبارة من غير إشارة في شئ من النصوص الواردة
فيه إليه كالفتاوى، بل تركهم له فيه بعد ذكرهم إياه في المغرب كالصريح في عدم اعتباره،
لا أنه قرينة على إرادته كما هو واضح، ورابعا ما في الرياض من أن ذهاب الحمرة من
المشرق علامة على تيقن الغروب الذي هو المعيار في صحة الصلاة، وانقطاع استصحاب
عدم الغروب، والمفرغ للذمة بيقين لا أنه نفس الغروب، فلا يرد النقض حينئذ بظهور
الحمرة المغربية بالنسبة للطلوع، إذ أقصاه حصول الشك بذلك في طلوع الشمس على
الأفق المشرقي، وهو لا يقطع يقين الوقت، بل لا يقطعه إلا الطلوع الحسي، إذ
الأمر فيه على العكس من الأول، وهو جيد لولا ظهور النصوص والفتاوى بكون
الحمرة علامة للغروب نفسه لا يقينه، نعم هو على كل حال مؤيد بالأصل والاحتياط،
بل مقتضاهما ومرسل ابن أبي عمير السابق (1) والرضوي (2) التأخير حتى تذهب
الحمرة إلى أن تجاوز سمت الرأس كما صرح به ثاني الشهيدين والفاضل الهندي بل والكليني

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(2) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
120

والميسي فيما حكي عنهما، وربما يومي إليه خبر أبان بن تغلب (1) وخبر محمد بن شريح (2)
بل لعله ظاهر كل ما دل على اعتبار ذهاب الحمرة من المشرق، ضرورة إرادة ربع
الفلك منه، فيعتبر حينئذ ذهابها منه تماما من غير فرق بين ما يكون أمام المستقبل أو
على جانبه، ولا ريب في أنه أحوط، بل لعل الاحتياط التأخير أيضا في بعض أيام
الغيم عن ذهاب الحمرة التي تعلو ما كان منه في جانب الشرق إذا احتمل أنها من شعاع
القرص، والله أعلم.
هذا كله فيما يتحقق به زوال الشمس وغروبها وذكر مواقيت الصلوات على
الاجمال، أما التفصيل فالمشهور نقلا كما في المفاتيح وعن غيرها وتحصيلا أن لكل صلاة
وقتين، بل الظاهر أنه مجمع عليه، بل عن ناصريات المرتضى دعواه عليه وإن قيل إنه
حكى القاضي عن بعض أصحابنا قولا بأن للمغرب وقتا واحدا عند الغروب، لصحيح
الشحام (3) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت المغرب فقال: إن جبرئيل
(عليه السلام) أتى النبي (صلى الله عليه وآله) لكل صلاة بوقتين غير صلاة المغرب،
فإن وقتها واحد، وإن وقتها وجوبها) وصحيح أديم بن الحر (4) (سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: إن جبرئيل أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصلوات كلها،
فجعل لكل صلاة وقتين إلا المغرب، فإنه جعل لها وقتا واحدا) وعن الكافي (5) أنه
رواه زرارة والفضيل، قالا: (قال أبو جعفر (عليه السلام): إن لكل صلاة وقتين
غير المغرب، فإن وقتها واحد، ووقتها وجوبها، ووقت فوتها سقوط الشفق)
و غيرها من النصوص.

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 12 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 12 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 11 - 2 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 11 - 2 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 11 - 2 من كتاب الصلاة
121

إلا أنه قول نادر بين الطائفة مجهول القائل يجب على الفقيه طرحه وعدم الالتفات
إليه إن أراد باتحاد وقتها عدم وقت آخر لها في جميع الأحوال الاختيارية والاضطرارية،
إذ هو - مع مخالفته لخصوص ما دل على تثنية الوقت للمغرب كخبر ذريح (1) ولعموم
ما دل عليها لكل صلاة الذي يقصر حكم هذا الخاص عليه بسبب اعتضاده بظاهر
الكتاب والسنة والفتاوى وغيرها - مخالف لخصوص المستفيضة أو المتواترة الدالة على
صحة فعلها في الجملة بعد الوقت المزبور، بل وكذا إن أريد بالاتحاد المذكور عدم اتساع
الوقت الأول الذي هو للفضيلة أو للمختار، وأنه ليس إلا مقدار أدائها من أول الغروب،
إذ ظاهر النصوص والفتاوى أيضا امتداده إلى ذهاب الحمرة المغربية المسماة بالشفق،
ففي خبر إسماعيل بن جابر (2) عن الصادق (عليه السلام) (سألته عن وقت المغرب
قال: ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق) وفي خبر إسماعيل بن مهران (3) عن
الرضا (عليه السلام) (إن وقت المغرب ضيق، وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها
إلى البياض في أفق المغرب) إلى غير ذلك من النصوص التي مر عليك بعضها، ويمر
عليك آخر إن شاء الله.
نعم لا سعة فيه كالظهرين لما عرفته من أن ابتداءه زوال القرص أو ذهاب الحمرة
المشرقية إلى ما يسامت الرأس، وآخره ذهاب الشفق، قال الكليني في الجمع بين روايتي
الاتحاد والتثنية في المغرب: (إنه لأن المغرب يحصل بذهاب الحمرة إلى ما يسامت الرأس،
والشفق هو الحمرة المغربية، وليس بين هذين الذهابين إلا قدر ما يصلي المغرب ونوافلها
بتؤدة، وقد تفقدت ذلك غير مرة) قيل ولذا تجوز في التعبير عنه بالاتحاد، وهو جيد

(1) الوسائل - الباب 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 29 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
122

بناء على أن متعلق التثنية في غيرها الفضيلي كما يومي إليه بعض النصوص المتضمنة لمجئ
جبرئيل (عليه السلام) بالوقتين كي يصح حينئذ استثناؤها بالخصوص من هذا الحكم لا هو وإلا جزائي
كما هو ظاهر الفتاوى، بل هو صريح بعضهم، ومن هنا قال الأستاذ الأكبر بعد نقله
الكلام المزبور عن الكليني: قضية قوله هذا أن المغرب بعد سقوط الشفق لا وقت لها
أصلا كما سننقله عن الخلاف وغيره، وأما على طريقة الأصحاب فلا يتمشى هذا التوجيه،
لأن للمغرب وقتا بعد سقوط الشفق قطعا، سواء قلنا أنه وقت اجزاء أو اضطرار،
إلا أن يقال: إن سائر الصلوات لها ثلاث أوقات: وقت الفضيلة ووقت الاجزاء
ووقت الاضطرار، بخلاف المغرب، فإن لها وقتين: وقت الفضيلة والاجزاء، وكان
وقت الاضطرار ليس بوقت حقيقة، قلت: وهو كما ترى بعيد مخالف لظاهر الأكثر،
ولعله لذا حمل بعضهم هذه النصوص على استحباب المبادرة إلى فعلها، وهو غير الأول،
لكن فيه أنه لا وجه حينئذ لاستثنائها من بين الفرائض، ضرورة اشتراك الكل في
هذا المعنى، اللهم إلا أن يراد أنها أشد من غيرها طلبا بالنسبة إلى ايقاعها في الفضيلي
من الوقتين، وأن إرادة المبادرة إليها بالسرعة إلى أدائها آكد من غيرها باعتبار ضيق
وقتها الفضيلي وعدم سعته.
وكيف كان فالأمر سهل بعد وضوح الحال لديك، إنما الكلام في تحديد أواخر
أوقات الصلوات، إذ قد عرفت مبتدأه فيها جميعها، والتحقيق امتداده للمختار في
الظهرين إلى غروب الشمس، بناء على الاشتراك، وإلا فالظهر خاصة إلى ما قبله بأربع
ركعات، وفي العشاءين إلى انتصاف الليل كذلك، وفي الصبح إلى طلوع الشمس كما
هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا قديما وحديثا فتوى وعملا من السواد
والعلماء، بل استقر المذهب عليه في هذه الأزمنة، بل ستعرف أن الخلاف فيه لفظي
وإن توهم أنه معنوي، بل في الغنية وعن السرائر الاجماع عليه، بل عن الناصريات
123

ذلك أيضا في الجملة، للأصل في وجه، وقوله تعالى (1): (أقم الصلاة) سواء فسر
الدلوك بالزوال كما هو مستفاد من النصوص (2) بل حكي عن تصريح جماعة من أهل
اللغة أيضا، بل في الذخيرة أن أكثر التابعين والمفسرين عليه، ونحوه في التنقيح،
فيكون حينئذ دالا على التوسعة المزبورة في الأربع بناء على أن الغسق النصف لا أول
الظلمة، وإلا كان دالا على الظهرين خاصة، وعلى كل حال فالمراد الدلالة ولو بضميمة
عدم القول بالفصل المحكي عن المنتهى، إذ لا مجال لاحتمال انتهاء الوقت مثلا بالمثلين،
لعدم صدق توسعة الوقت للمجموع حينئذ من الدلوك إلى غسق الليل، ضرورة توقفه
على قابلية تمام الوقت لواحدة من أجزاء المجموع، وهو لا يكون في الظهرين مثلا إلا
بتوسعتهما معا أو العصر خاصة إلى المغرب، ويتم بعدم القول بالفصل، أو فسر بالغروب،
لدلالته حينئذ على التوسعة في المغرب والعشاء أو الأخير خاصة من غير تقييد بالضرورة،
هذا كله مع قطع النظر عن ملاحظة تفسيره بما في صحيحي زرارة (3) وعبيد ابنه (4)
عن الباقر وولده الصادق (عليهما السلام) قال في الثاني منهما: (إن الله افترض أربع
صلوات أول وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل، منها صلاتان أول وقتهما من عند
زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه، ومنها صلاتان أول وقتهما
من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه).
والنصوص المستفيضة بل هي متواترة معنى في الدلالة على ذلك، منها ما ورد في
أفضلية الوقت الأول الظاهر في جواز غيره، وإن كان فيه ترك الأفضل، والدال منها

(1) سورة الإسراء - الآية 80
(2) الوسائل - الباب 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 4 و 10 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 2 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
124

على المطلوب على اختلافها في الدلالة يقرب من اثني عشر خبرا، بل في بعضها التصريح
بذلك، كصحيح زرارة (1) قال: (قال أبو جعفر (عليه السلام): أحب الوقت
إلى الله عز وجل أوله حين يدخل وقت الصلاة، فصل الفريضة، فإن لم تفعل فإنك في
وقت منهما حتى تغيب الشمس) وما في وافي الكاشاني من أنه لا دلالة لأن ما يفعله
المختار أفضل مما يفعله المضطر أبدا، وكما أن العبد بقدر التقصير متعرض للمقت من
مولاه كذلك بقدر حرمانه عن الفضائل مستوجب للبعد عنه، نعم إذا كان الله هو
الذي عرضه للحرمان فلا يعاقبه عليه، لأن ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر بعد
الاغضاء عما في دعوى أفضلية فعل المختار على المضطر مع عدم زيادة له اختيارية، بل
هو محض اتفاق اختص به عن المضطر الذي كان اضطراره من أمر سماوي مثلا، وعما
في تشبيهه الحرمان بالتأخير - يدفعه أنه خلاف ظاهر اطلاق الأفضلية المقتضية اتحاد
حالتي المكلف كما في غيره من المستحبات، على أن الغرض من هذه النصوص الحث
والترغيب في فعل الصلاة في الوقت الأول من حيث إن الصلاة فيه أفضل من الصلاة
في الوقت الآخر، ولا يتصور ذلك في شأن المعذور، لأن عذره يمنعه عن ادراك الوقت
الأول، فلا ريب حينئذ في بعد الاحتمال المزبور.
كما أن احتمال إرادة أول الوقت من الأفضلية المزبورة - ضرورة اتساع الوقت
الأول في الجملة، لاتمام الوقت الأول بالنسبة إلى الآخر الذي هو الاجزاء عند المشهور
كما يومي إليه التعليل في بعضها (2) بمحبة الله تعالى من الخير ما يعجل، ونحوه، بل
يشهد له أيضا إضافة الأول إلى الوقت في بعضها لا وصف الوقت به كي يراد به الأفضلية
بالنسبة إلى الوقت الآخر ليثبت المطلوب، بل قد يشهد له نصوص (3) إشارة جبرئيل

(1) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 12 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 12 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 و 8 و 12 من كتاب الصلاة
125

على النبي (صلى الله عليه وآله) بالأوقات، ضرورة ظهورها خصوصا بمعونة خبر
زرارة (1) منها المشتمل على اختلافه مع حمران في إرادة ما جاء به للنبي (صلى الله عليه
وآله) في اليوم الأول بالوقت الأول، وما جاء به في اليوم الثاني بالوقت الثاني، وهو
إنما جاءه في اليوم الأول حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر، وفي اليوم الثاني حين
زاد الظل قامة، والعصر في اليوم الأول بثاني وقت الظهر، وفي اليوم الثاني حين زاد
الظل قامتين، والمغرب في اليومين بوقت واحد، والعشاء عند سقوط الشفق وعند
ذهاب ثلث الليل، والصبح حين طلوع الفجر وحين تنوره، ثم قال: ما بينهما وقت،
ونحوه غيره، لكن بابدال القامة، بالذراع، وآخر مع ابدال القامة والقامتين بالقدمين
والأربعة - يدفعه ملاحظة النصوص، خصوصا المتضمنة تثنية الوقت للصلاة، وإن
أفضلهما أولهما، والتعليل بمحبة الله التعجيل كما ينطبق على أول الوقت الأول بالنسبة
إلى آخره وغيره من الأوقات ينطبق أيضا على تمامه بالنسبة إلى الوقت الثاني، فيستفاد
منه حينئذ الحث على المواظبة على أوائل الأوقات والأوقات الأوائل كما اعترف به
الكاشاني في الوافي، فلا تنافي الإضافة حينئذ أيضا، لظهورها أيضا في مفضولية غير أول
الوقت الأول وغيره من أوائل الوقت الثاني وغيره، كما يشهد له صحيح زرارة (2) قال:
(قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أصلحك الله وقت كل صلاة أول الوقت أفضل
أو وسطه أو آخره، فقال: أوله، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله
يحب من الخير ما يعجل).
على أن بعض النصوص التي أضيف الأول فيها إلى الوقت يمكن كونها من إضافة
الصفة إلى موصوفها، بل ربما كان فيه ما يشهد لذلك كخبر عبد الله بن سنان (3) عن

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 13 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 13 من كتاب الصلاة
126

أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سمعته يقول: لكل صلاة وقتان، وأول الوقت
أفضله، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في عذر من غير علة) وأخبار
إشارة جبرئيل لا دلالة فيها على تحديد أواخر الأوقات الأواخر، بل أقصاها تحديد
أواخر الأوائل بأوائل الأواخر، على أن الخصم يوافق على سعة الوقت للمضطر،
ومن هنا قال بعض من وافقهم على تثنية الوقت للمختار والمضطر لا للفضل والاجزاء
بعد ذكره هذه النصوص: إنما اقتصر فيها على بيان أوائل الأوقات ولم يتعرض
لأواخرها، لأن أواخر الأوقات الأوائل تعرف من أوائل الأوقات الأواخر،
وأواخر الأواخر كانت معلومة من غيرها، أو نقول لم يؤت للأواخر بتحديد تام،
لأنها ليست بأوقات حقيقية، وإنما هي رخص لذوي الأعذار كخارج الأوقات
لبعضهم، وإنما أتي بأوائلها ليتبين بها أواخر الأوائل التي كان بيانها من المهمات،
وأهمل أواخرها لأنها تضييع للصلاة كما يأتي في الأخبار، وعلى الثاني لا خفاء في قوله (عليه السلام):
(وما بينهما وقت) أو (ما بين هذين الوقتين وقت) وأما على الأول فلا بد من تأويل بأن
يقال يعني بذلك أن ما بينهما وبين نهايتهما وقت، وبالجملة لا تستقيم هذه الأخبار إلا
بتأويل، وهو في غاية الجودة، وإن كان احتماله الثاني فيه ما لا يخفى.
ومنها مرسل داود بن فرقد المتقدم سابقا (1) ومنها خبر معمر بن يحيى (2)
قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول وقت العصر إلى غروب الشمس)
ومنها خبر عبيد بن زرارة (3) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت الظهر

(1) ذكر صدرها في الوسائل في الباب - 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 وذيلها
في الباب 17 منها - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 13 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
127

والعصر فقال: إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر جميعا إلا أن
هذه قبل هذه، ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس) ومنها خبره الآخر (1)
عن الصادق (عليه السلام) (إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف
الليل إلا أن هذه قبل هذه) ومنها خبر داود الصرمي (2) قال: (كنت عند أبي الحسن
الثالث (عليه السلام) يوما فجلس يحدث حتى غابت الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس
يتحدث، فلما خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل إن يصلي المغرب، ثم
دعا بالماء فتوضأ وصلى) ومنها خبرا عمر بن يزيد (3) قال في أحدهما: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): أكون مع هؤلاء وانصرف من عندهم عند المغرب، فأمر بالمساجد
فأقيمت الصلاة فإن أنا نزلت أصلي معهم لم أتمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة،
فقال: ائت منزلك وانزع ثيابك، وإن أردت أن تتوضأ فتوضأ وصل، فإنك في
وقت إلى ربع الليل) ومنها صحيح زرارة (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
(وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) ومنها ما دل (5) على جواز
تأخير الصائم الصلاة في الصورتين المشهورتين، ومنها الموثق أيضا (6) عن الصادق (عليه
السلام) (لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس،

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 24 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 و 11 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب آداب الصائم - من كتاب الصوم
(6) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة
128

ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر) وخبر ربعي (1) عن الصادق (عليه السلام) (إنا
لنقدم ونؤخر، وليس كما يقال من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك، وإنما الرخصة للناسي
والمريض والمدنف والمسافر والنائم) بناء على أنه كله من مقول القول المنفي، ومنها
النصوص (2) المتضمنة تحديد العشاء إلى نصف الليل، إلى غير ذلك من النصوص
المروية في الكتب المعتبرة المنجبرة بالفتوى والعمل التي منها الواردة في الحائض (3)
وغيرها الممنوع إرادة الخصوصية منها للعذر كما لا يخفى على من لاحظها وسياقها، ومنها
خبر أبي بصير (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): لولا أني أخاف أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل، وأنت
في رخصة إلى نصف الليل، وهو غسق الليل، فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد
عن صلاة المكتوبة فلا رقدت عيناه) وخبره الآخر (5) عن أبي جعفر (عليه السلام)
(لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى نصف الليل) والمرسل (6) عن الصادق
(عليه السلام) أيضا (إذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى نصف
الليل) والآخر (7) عن أبي جعفر (عليه السلام) (ملك موكل يقول من نام عن
العشاء الآخرة إلى نصف الليل فلا أنام الله عينيه) وفي خبر عبيد بن زرارة (8) عنه
(عليه السلام) أيضا (وقت الصلاتين إلى نصف الليل) إلى غير ذلك من النصوص

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 4 و 6 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 49 - من أبواب الحيض - الحديث 7 و 10 و 11 و 12
(4) الوسائل - الباب 21 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 5 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 21 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 5 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 من كتاب الصلاة
(8) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 24 من كتاب الصلاة
129

التي هي أكثر من أن تحصى، وفي كثير منها (1) الدلالة على عدم اعتبار ذهاب الشفق
المغربي في وقت العشاء، كما أن في جملة منها التصريح بذلك، كخبر زرارة (2) (سألت
أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما السلام) عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط
الشفق فقال: لا بأس) وغيره مما ستسمعه إن شاء الله.
(و) لكن مع ذلك كله (قال آخرون) وهم الشيخ في المبسوط والمحكي عن
خلافه وجمله وسلار في المراسم وابن حمزة في الوسيلة والقاضي: (ما بين الزوال حتى
يصير ظل كل شئ مثله وقت للظهر) للمختار، (وللعصر من حين يمكن الفراغ من
الظهر حتى يصير الظل مثليه) للمختار أيضا دون المعذور والمضطر، فيمتد الوقت لهما
إلى الغروب، قال في المبسوط: (والأعذار أربعة أقسام: السفر والمطر والمرض وأشغال
يضر به تركها في باب الدين أو الدنيا، والضرورات خمسة، الكافر إذا أسلم والصبي
إذا بلغ والحائض إذا طهرت والمجنون إذا أفاق وكذلك المغمى عليه) والأولى تفسير
الضرورة بما لا يتمكن معه من الصلاة في الوقت الأول، والعذر ما تضمن جلب نفع
أو دفع ضرر، سواء تعلق بأمر الدين أو الدنيا، لأصالة عدم كون غير الوقت المزبور وقتا
للمختار المقطوعة ببعض ما سمعته فضلا عن جميعه، ولصحيح ابن سنان (3) عن الصادق
(عليه السلام) في حديث (لكل صلاة وقتان، وأول الوقتين أفضلهما، ولا ينبغي
تأخير ذلك عمدا، ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام، وليس لأحد
أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر أو علة) ونحوه صحيحه الآخر (4) عنه

(1) الوسائل - الباب 22 - من أبواب المواقيت - الحديث 0 - 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 22 - من أبواب المواقيت - الحديث 0 - 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 13 من كتاب الصلاة
وفيه " إلا في عذر من غير علة " كما تقدم في ص 127
130

(عليه السلام) مع حذف قوله (عليه السلام): (ولا ينبغي) إلى قوله (عليه السلام):
(وليس) منه، والنبوي (1) الذي أرسله الصدوق عن الصادق (عليه السلام) أيضا
(أوله رضوان الله، وآخره عفو الله، والعفو لا يكون إلا عن ذنب) وخبر الساباطي (2)
المروي عن المجالس عنه (عليه السلام) أيضا في حديث (ومن صلاها بعد وقتها من
غير علة فلم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة، وهي تهتف به ضيعتني ضيعك الله
كما ضيعتني، ولا رعاك الله كما لم ترعني) والمروي (3) عن تفسير علي بن إبراهيم
مرسلا عن الصادق (عليه السلام) في قول الله عز وجل (4): (فويل للمصلين
الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال: (تأخير الصلاة عن أول الوقت لغير عذر) إلى
غير ذلك، بناء على أن المراد بأول الوقت الوقت الأول، وأنه للظهر بلوغ الظل المثل،
وللعصر المثلين، لصحيح أحمد (5) (سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة
للظهر، وقامة للعصر) وزرارة (6) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت صلاة
الظهر في القيظ فلم يجبني، فلما إن كان بعد ذلك قال لعمرو بن سعيد بن هلال: إن
زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فخرجت من ذلك، فاقرأه مني
السلام وقل له: إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر، وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر)
وخبر محمد بن حكيم (7) قال: (سمعت العبد الصالح (عليه السلام) وهو يقول: إن

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 16 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 17 - 20 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 17 - 20 من كتاب الصلاة
(4) سورة الماعون - الآية 4 و 5
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 من كتاب الصلاة
وفيه " قال لعمر بن سعيد " وهو سهو والصحيح لعمرو بن سعيد كما في الاستبصار
(7) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 27
131

أول وقت الظهر زوال الشمس، وآخر وقتها قامة من الزوال، وأول وقت العصر
قامة، وآخر وقتها قامتان، قلت: في الشتاء والصيف سواء قال: نعم) وأحمد بن
عمر (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: (سألته عن وقت الظهر والعصر فقال:
وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة، ووقت العصر قامة ونصف
إلى قامتين) وموثق معاوية بن وهب (2) المتضمن إشارة جبرئيل بالأوقات، وأما
الامتداد للعذر فلبعض ما ورد (3) في الحائض إذا طهرت قبل المغرب، وقوله (عليه
السلام) فيما تقدم: (من غير عذر وعلة) وإطلاق باقي النصوص المنزلة على ذلك
بعد معارضتها بما سمعت.
وفيه - مع قصور أدلته عن المقاومة لبعض ما عرفت فضلا عن جميعه سندا
وعددا ودلالة وسماحة وسهولة، وموافقة للكتاب، ومخالفة للعامة العمياء، والشهرة
العظيمة فتوى وعملا التي كادت تكون اجماعا، بل عرفت دعواه من المرتضى والحلبي
والحلي فيما حكي عنهم، وغير ذلك، ومع الاغضاء عن معارضتها بأخبار الأذرع
والأقدام - أنه لا دلالة في صحيحه الأول، بل في الأفضلية المذكورة فيه ولفظ " لا
ينبغي " ظهور في عدمه، واحتمال إرادة عدم الجواز منه لا المرجوحية بقرينة قوله:
" وليس " فيه بأولى من العكس، بل لعله هو قرينة على صحيحه الآخر وإن لم يكن
فيه إلا لفظ (ليس) والمنساق إلى الذهن من مرسل الصدوق لو قلنا بأن تتمته من
الإمام لا من الصدوق إرادة المبالغة في مرجوحية التأخير لا المعصية التي يستحق عليها
العذاب، وأنه بحيث يستحق اطلاق اسم الذنب عليه كما ورد (4) في ترك النافلة أنه

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1.
132

معصية، فالعفو حينئذ لترك الأولى كما في قوله تعالى (1): (عفا الله عنك) والذنب
له أيضا كما في قوله تعالى (2) أيضا: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)
قيل: ويمكن حمل الحديث على إرادة السببية للرضوان والعفو، بناء على قاعدة التكفير
كما ذهب إليه أصحابنا، فلا يكون حجة لهذا القول، بل يكون بالدلالة على خلافه أشبه،
ضرورة كون المراد حينئذ منه أن الصلاة في أول الوقت سبب لرضوان الله من العبد
وتكفير المعاصي، وفي آخره ليست إلا سببا للعفو عن المعاصي التي اقترفها العبد سابقا،
ولا يترتب عليها رضوان، مضافا إلى ما ستسمعه من التهذيب، وإلى أنه لا جابر له،
كخبر المجالس المحتمل لإرادة ما خرج من الوقت من قوله (عليه السلام): (بعد) فيه
ولترتب ما ذكر فيه على عدم إقامة الحدود، على أن بعض ما ورد في المرجوحات أعظم
من ذلك، ومرسل علي بن إبراهيم مع عدم الجابر له وورد مثله في بعض المكروهات قد
يراد به من يعتاد تأخيرها تساهلا بأمرها استخفافا بما وعد لها وتوعد عليها، كل
ذلك بعد الاغضاء عما في إرادة مقدار المثل من أول الوقت، وعن غيره مما هو واضح،
وصحيح أحمد - مع ابتنائه كغيره من أخبار القامة على إرادة المثل والمثلين المخالف لظاهر
ما دل على أنها الذراع والذراعان - لا دلالة فيه على أن ذلك لفضيلته أو لاختياريه،
وخبر زرارة - مع أن سنده ليس بتلك المكانة، لأن الناقل له عمرو بن سعيد، ودال
على الأمر بوقوع الصلاة بعد بلوغ المثل لا أنه الغاية كما هو المدعى، وفيه تأخير البيان
عن وقت الحاجة أو السؤال - خاص بالقيظ، والظاهر أنه صدر منه (عليه السلام)
ذلك تفسيرا للابراد الوارد بها كما يومي إليه خبر زرارة (3) المروي عن كتاب الكشي

(1) سورة التوبة - الآية 43
(2) سورة الفتح - الآية 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 31 من كتاب الصلاة
133

قال: (دخل زرارة علي أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنكم قلتم لنا صلوا الظهر
والعصر على ذراع وذراعين، ثم قلتم أبردوا بها في الصيف. فكيف الابراد بها؟
وفتح الراحة ليكتب ما يقول فلم يجبه أبو عبد الله (عليه السلام) بشئ، فأطبق الراحة
فقال: إنما علينا أن نسألكم وأنتم أعلم بما عليكم، وخرج ودخل أبو بصير على
أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: إن زرارة سألني عن شئ فلم أجبه وقد ضقت من
ذلك فاذهب أنت رسولي إليه، فقل له: صل الظهر في الصيف إذا كان ظلك مثلك،
والعصر إذا كان مثليك. وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف، ولم أسمع أحدا من
أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير) وهو ظاهر في أن زرارة لم يكن مراده
بسؤاله حد الاجزاء لصلاة الظهر، وفي هذا الخبر دلالة على تفسير الأمر بالابراد الوارد
في بعض النصوص (1) عن النبي (صلى الله عليه وآله) بما عرفت، خلافا للمحكي عن
الصدوق من تفسيره بإرادة الاستعجال بها من البرد، وخبرا محمد وأحمد - مع ما فيهما
أيضا من بعض المناقشات السابقة ومخالفتهما لما يقوله الخصم - لا صراحة فيهما، بل
ولا ظهور في الاختياري خاصة، بل إرادة الفضيلي منهما أولى من وجوه، وكذا خبر
إشارة جبرئيل (عليه السلام) مع دلالته على الفعل بعد القامة، وأما قوله (عليه السلام)
فيه: (وما بينهما وقت) مشعرا بعدم الوقت في غيره لا بد من تأويله عندنا وعند
الخصم، وحمله على الفضيلة أولى من الاضطرار كما هو واضح.
كل ذلك مع ما في تعداده العذر والضرورة من الاجمال الذي لا ينبغي توقيت
مثل الصلاة به، بل لو أنصف المتأمل فيما ورد من النصوص الدالة على جواز التأخير
لأحد أفراد العذر والضرورة لعلم منه نفسه فضلا عن غيره أن ذلك وقت للصلاة أيضا،
إلا أنه لشدة أمرها وأنها عمود الأعمال لا ينبغي تأخيرها عن وقتها الفضيلي إلا لعذر

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 و 4 من كتاب الصلاة
134

أو ضرورة. لا أن الوقت قد انقضى، وهذا توقيت آخر لهذا الصنف من المكلفين،
وإلا لوجب على الشارع تفسير العذر والضرورة التي يسوغ تأخير الصلاة لأجلها،
وتحديد الوقت وضبطه، ولشاع ذلك وذاع، لتكرر الصلاة وعظم أمرها ووجود
الداعي لمعرفة مواقيتها، لا أنه يكتفي في ذلك بمثل هذه العبارات المجملة التي لا يكتفي
فيها بالنسبة إلى الأقل من الصلاة فضلا عنها، بل المستفاد من الأخبار الاكتفاء بأدنى
عذر في التأخير، فعند التأمل الصادق ذلك هو الدليل على المطلوب، لأن مطلق الواجب
فضلا عن الصلاة لا يسوغ تفويته إلا لضرورة، بل ظني أن المخالف مراده ذلك
أيضا، وإن عبر بما يقرب من مضامين النصوص لقدمه ومعروفية التعبير في تلك
الأوقات بمثل ذلك.
ويؤيده ما في التهذيب قال: (إذا كان أول الوقت أفضل ولم يكن هناك منع
ولا عذر فإنه يجب فعلها فيه، ومن لم يفعلها فيه استحق اللوم والتعنيف، وهو مرادنا
بالوجوب، ولم نرد به هاهنا ما يستحق بتركه العقاب، لأن الوجوب على ضروب عندنا
منها ما يستحق تاركه العقاب، ومنها ما يكون الأولى فعله ولا يستحق بالاخلال به
العقاب وإن كان يستحق به ضرب من اللوم والعتب) وقال في المبسوط في آخر الفصل:
(إن الوقت الأول أفضل من الوسط والآخر غير أنه لا يستحق عقابا ولا ذما وإن
كان تاركا فضلا إذا كان لغير عذر) ومن العجيب بعد ذلك نسبة هذا القول إلى الشيخ
في جميع كتبه، وقال فيما حكي من نهايته: (لا يجوز لمن ليس له عذر أن يؤخر الصلاة
من أول وقتها إلى آخره مع الاختيار، فإن أخرها كان مهملا لفضيلة عظيمة وإن لم
يستحق العقاب، لأن الله تعالى قد عفا له عن ذلك) قيل: ونحوه عن القاضي في شرح
الجمل، وقال فيما حكي عن عمل يوم وليلة أيضا: (لا ينبغي أن يصلي آخر الوقت إلا
عند الضرورة، لأن الوقت الأول أفضل) وهي كما ترى صريحة فيما ذكرنا، ولعل
135

المراد من غيرها ذلك أيضا وإن عبر بلفظ لا يجوز ويجب ونحوهما، ولقد أجاد
الطباطبائي في قوله:
والكل منها فله وقتان * للأول الفضل ويجزي الثاني
حال اختيار والخلاف قد وقع * في ظاهر اللفظ وفي المعنى ارتفع
على أنا لم نقف في النصوص على التصريح بتمام التفصيل المزبور من أنه إلى المثل
وقت للمختار وبعده وقت للمضطر والمعذور، وأن العذر والضرورة عبارة عما عرفت،
ولعله لذا كان المحكي عن الخلاف والجمل والقاضي اطلاق تحديد الوقت بالمثل من غير
تقييد بالمختار، وظاهرهما خروجه بذلك مطلقا، وهو وإن كان أضعف من سابقه إلا
أنه ربما يوافقه ظاهر بعض النصوص.
ومن العجيب بعد ذلك كله ترجيح بعض متأخري المتأخرين القول المذكور
بصراحة أخباره، وأنه لا معارض لها إلا الاطلاقات التي يمكن إرادة تحديد مطلق
الوقت للمضطر والمختار منها، ضرورة صدق اسم المجموع وقتا للفريضة بهذا الاعتبار،
كما يشهد له خبر إبراهيم الكرخي (1) (سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) - إلى أن قال -: فقلت متى يخرج وقت العصر؟ فقال: وقت العصر إلى أن تغرب الشمس،
وذلك من علة، وهو تضييع) الحديث. إذ أنت خبير أن ذلك متجه لو حصلت
المكافأة، وقد عرفت عدمها من وجوه، بل يمكن دعوى خروج المسألة من حيز الظنيات
ودخولها في قسم القطعيات، ولقد كان الحري بنا ترك التعرض لسائر الخلافات الواقعة
في تحديد الأوقات، خصوصا بعد ما عرفت من تلك العبارات، على أنه قليل الفائدة
جدا، إذ هي إما نية الأداء والقضاء، والحق عندنا عدم لزوم التعرض لهما، بل لو قلنا

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 30 من كتاب الصلاة
136

به فالظاهر عدمه هنا، لما في المصابيح من أنه لا خلاف في أنه لو صلى المختار في الوقت
الثاني كان مؤديا للصلاة إلا من العماني، وأما العقاب في التأخير فقد قيل أيضا: أنه
لا خلاف في سقوطه عنه بالفعل في الوقت الثاني إلا من العماني أيضا، نعم إن كانت
فهي في مجرد استحقاق العقاب بالتأخير وإن عفي عنه وعدمه، وفيما لو اخترم في الوقت
الثاني قبل أدائها، فيعصي حينئذ عليه دون المختار، ونحو ذلك، إلا أنه لما ذكرها المصنف
وجب التعرض لها ولو على الاجمال.
(و) كيف كان ف‍ (المماثلة) المتقدمة المعتبرة غاية للاختيار أو الفضيلة إنما هي (بين
الفئ الزائد و) بين ما بقي من (الظل الأول) عند الشيخ في التهذيب وفخر المحققين
فيما حكي عن ايضاحه، بل نسبه إلى كثير من الأصحاب وإن كنا لم نتحققه (وقيل
بل) بلوغ الفئ الزائد (مثل الشخص) المنصوب مقياسا للوقت، والقائل الأكثر
كما في المعتبر وجامع المقاصد وعن غيرهما، بل المشهور كما في الذكرى وكشف اللثام
والمصابيح للنبوي المرسل (1) الذي رواه العلامة على ما قيل قال (صلى الله عليه وآله):
جاءني جبرئيل (عليه السلام) عند الباب مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس،
وصلى بي العصر حين كان كل شئ بقدر ظله، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان
كل شئ بقدر ظله، وصلى بي العصر حين كان ظل كل شئ مثليه، ثم التفت إلي
فقال: يا محمد (صلى الله عليه وآله) هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين) ولقوله
(عليه السلام) في الموثق (2) والخبر (3) السابقين (إذا كان ظلك مثلك) إذ احتمال
إرادة ظلك الذي حصل بعد الزيادة مثل ظلك عند انتهاء النقصان كما ترى، على أنه

(1) المستدرك - الباب - 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 14 من كتاب الصلاة
مع اختلاف يسير
(2) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 - 31 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 - 31 من كتاب الصلاة
137

في بعض النصوص (1) (ظل مثلك) بالإضافة، والاحتمال المزبور فيه ممتنع، بل هو
كذلك في الأول أيضا، خصوصا بناء على ما قيل من موافقة هذه النصوص للمعتبرة
المستفيضة الدالة على تحديد الوقت الأول للظهر بالقامة وللعصر بالقامتين، كخبر أحمد
ابن عمر منها (2) عن أبي الحسن (عليه السلام) الذي فيه (وقت الظهر إذا زالت الشمس
إلى أن يذهب الظل قامة) الحديث. وخبر يزيد بن خليفة (3) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال (عليه السلام):
إذن لا يكذب علينا قلت: ذكر أنك قلت: إن أول صلاة افترضها الله عز وجل على نبيه (صلى الله عليه وآله)
الظهر، وهو قول الله تعالى: (أقم الصلاة) الآية. فإذا زالت لم يمنعك إلا سبحتك،
ثم لا تزال في وقت الظهر إلى أن يصير الظل قامة، وهو آخر الوقت، فإذا صار الظل
قامة دخل وقت العصر، فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين، وذلك
المساء) وخبر معاوية بن وهب (4) المتضمن مجئ جبرئيل للنبي (صلى الله عليه وآله)
بالمواقيت، قال فيه: (ثم أتاه حين زاد الظل قامة، فأمره فصلى الظهر، ثم أتاه حين
زاد الظل قامتين، فأمره فصلى العصر) وغيرها، والمراد بالقامة فيها قامة الانسان كما
هو المنساق من لفظ القامة دون قدر الذراع والذراعين وإن ورد تفسيرها به في بعض
الأخبار، كخبر ابن حنظلة (5) قال: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): القامة
والقامتان الذراع والذراعان في كتاب علي (عليه السلام)) وخبر علي بن أبي حمزة (6)
عنه (عليه السلام) أيضا قال له أبو بصير: (كم القامة فقال ذراع، إن قامة رحل

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب المواقيت - الحديث 13 - 6 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب المواقيت - الحديث 13 - 6 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 14 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 14 من كتاب الصلاة
138

رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت ذراعا) إلا أنه لا تصلح لدفع ذلك الانسباق
الحاصل منها في تلك النصوص، خصوصا مع تضمن الخبر المتقدم أن آخر القامتين هو
وقت المساء، ومع ما في بعض النصوص (1) (إن حائط مسجد رسول الله (صلى الله
عليه وآله) كان قدر قامة، وإذا كان الفئ ذراعا صلى الظهر، وإذا كان ذراعين صلى
العصر) والمراد قامة الانسان قطعا.
فيعلم منه أنه ليس عرفا مشهورا في ذلك الوقت وإن كان ذلك كله لا يخلو
من نظر تعرفه، على أن الشائع في الشاخص الذي يجعل مقياسا لمعرفة الوقت أن يكون
قدر ذراع تقريبا، وقد أشير إليه في بعض النصوص (2) السابقة في معرفة الزوال،
فلو أريد بالقامة والقامتين الذراع والذراعان كما ورد به التحديد كان مرجع التحديد
بهما إلى المثل والمثلين للشخص كما ذكرنا.
ولاستلزام (3) الأول عدم الوقت مع انعدام الظل وقصره على وجه يقطع
بعدمه، كما لو كان الباقي منه يسيرا جدا لا يسع الفرض فضلا عنه وعن نافلته، وشدة
التفاوت بينه وبين باقي النصوص المستفاد منها تحديد آخر الوقت، والاختلاف الفاحش
في الوقت بحسب اختلاف الباقي في الأزمنة والأمكنة، وهو - مع أنه لا معنى للتوقيت
بغير المنضبط، ولعله لذلك أو غيره قال في فوائد القواعد فيما حكي عنه: أنه قول
شنيع - مناف لظاهر الأدلة، ولصريح خبر محمد بن حكيم (4) المساوي بين الشتاء
والصيف، بل في المصابيح أنه لم يقل أحد بالفرق بين الأزمنة في تحديد الأوقات،

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(3) لا يخفى أن كلمة " ولاستلزام " عطف على قوله: " للنبوي المرسل " المتقدم
في الصحيفة 137
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 27 من كتاب الصلاة
139

ودعوى رفع الاختلاف المزبور بأن القليل الباقي مثلا في الصيف يساوي الكثير الباقي
في الشتاء من جهة البطء والسرعة يشهد الوجدان بخلافها، مع أنها لا ترفع الاختلاف
في الأمكنة كما هو واضح.
ولاستبعاد (1) إرادة الشارع مثل ذلك مع عدم ضبط الباقي الذي قد عرفت
اختلافه وعدم التعبير عنه بعبارة صريحة أو ظاهرة كالصريحة فضلا عن التعبير عنه بما
عرفت، ودعوى استفادته مما في بعض النصوص (2) - وكثير من الفتاوى من التقدير
بصيرورة ظل كل شئ مثله، لعود الضمير فيه إلى الظل لا الشئ، ومن مرسلة يونس (3)
(سألت الصادق (عليه السلام) عما جاء في الحديث أن صل الظهر إذا كانت الشمس
قامة وقامتين وذراعا وذراعين وقدما وقدمين من هذا ومن هذا؟ فمتى هذا؟ وكيف
هذا؟ وقد يكون الظل في بعض الأوقات نصف قدم، قال: إنما قال: ظل القامة ولم
يقل قامة الظل، وذلك أن ظل القامة يختلف، مرة يكثر، ومرة يقل، والقامة قامة
أبدا لا تختلف، ثم قال: ذراع وذراعان وقدم وقدمان، فصار ذراع وذراعان تفسير
القامة والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظل القامة ذراعا وظل القامتين ذراعين،
فيكون ظل القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان معروفين مفسرا
أحدهما بالآخر مسددا به، فإذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا
من ظل القامة وكانت القامة ذراعا من الظل، فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان
الوقت محصورا بالذراع والذراعين فهذا تفسير القامة والقامتين) وذلك لأن السائل

(1) لا يخفى أن كلمة " ولاستبعاد " عطف على قوله: " للنبوي المرسل " المتقدم
في الصحيفة 137
(2) الوسائل - الباب - 8 من أبواب المواقيت - الحديث 11 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 32 من كتاب الصلاة
140

لما سأل عن اختلاف الرواية في تحديد الظهر والعصر وأنه جاء من هذا القبيل مرة،
ومن هذا القبيل مرة أخرى ففي أي وقت يكون هذا؟ وكيف يمكن أن يكون هذا في
وقت يتفق فيه كون الظل الباقي نصف قدم؟ وامتداده إلى القامة والقامتين يفضي إلى
توسعة كثيرة في الوقت، أو أن المراد (من هذا) بالفتح على معنى (ما) كما اعترف
المجلسي بكثرة استعمالها في ذلك، أو على معنى من صاحب الحكم الأول ومن صاحب
الحكم الثاني؟ وكيف كان فأجابه (عليه السلام) بأن المراد ظل القامة لإقامة الظل؟
أي أطلق القامة في الخبر المسؤول عنه وأريد منها الباقي من ظلها عند الزوال مجازا،
سواء كان ذراعا أو أقل أو أكثر، والتحديد حينئذ إنما هو بصيرورة الفئ الزائد
مثل الظل الباقي المعبر عنه بالقامة، وحاصل المعنى أنه إذا كانت الشمس مقدار القامة
فصل الظهر، ومقدار القامتين فصل العصر، واختلاف الأخبار حينئذ بالذراع والذراعين
والقدم والقدمين إنما هو لاختلاف ذلك الباقي من الظل المعبر عنه بالقامة، فتارة يكون
قدما، وتارة يكون ذراعا، وتارة يكون أزيد، وتارة يكون أقل، ولذا اختلفت
الأخبار في هذا التقدير، فهي في الحقيقة تفصيل لذلك المجمل - يدفعها - مع أنه خلاف
المنساق من مرجع الضمير، خصوصا مع قرب لفظ الشئ إليه، ووضوح المعنى على تقديره
من غير حاجة إلى تقدير بخلافه على الأول - ضرورة توقف صحة المعنى على إرادة
صيرورة ظل كل شئ الحادث مثل الظل الباقي عند الزوال، مع أنه قد لا يبقى ظل
أصلا، ومرسلة يونس - مع ارسالها واجمالها بل اشكالها من حيث إنه ليس في الخبر
ذكر الظل أصلا لا بإضافته إلى القامة ولا بالعكس، فقوله: (إنما قال ظل القامة)
إلى آخره. غير منطبق، ومن أنه لم يتضح وجه تعجب السائل من كون الظل في بعض
الأوقات نصف قدم هو ما سمعته، أو لأن التقدير بصيرورة الفئ مثل الظل يقتضي
قصرا فاحشا في الوقت، أو لما قيل من أن ذلك يقتضي الاختلاف في وقت الفضيلة،
141

خصوصا إذا قلنا: إن السائل فهم من القامة ونحوها بلوغ مجموع الظل الحادث والباقي
قامة، ولذا جاء الاشكال في الجمع بينه وبين أخبار الذراع والقدم، وفي اختلاف وقت
الفضيلة حينئذ اختلافا فاحشا، ومن أن ما ذكره إن تم في بعضها فلا يتم في قوله أخيرا:
(فإذا كان) إلى آخره. بل هو ظاهر أو صريح في خلافه، وغير ذلك، ومن عدم
تعارف اطلاق لفظ القامة على ذلك الظل، بل هي إما قامة الانسان كما قلناه سابقا،
أو مقدار الذراع كما هو مضمون الأخبار السابقة، ومن غير ذلك - لا تدل على مطلوبه،
ضرورة كونها في بيان أول الوقت الأول، والمطلوب آخره.
ومن ذلك وغيره قد يسلك في تفسيرها طريق آخر، وحاصله أنه قد تقرر كون
قامة كل انسان سبعة أقدام بأقدامه، وثلاث أذرع ونصف بذراعه، فلذلك يعبر عن
السبع بالقدم، وعنه طول الشاخص الذي يقاس به الوقت بالقامة وإن كان في غير
الانسان، وقد جرت العادة بأن تكون قامة الشاخص الذي يجعل مقياسا لمعرفة الوقت
ذراعا كما أشارت إليه بعض النصوص (1) فلأجل ذلك كثيرا ما يعبر عن القامة
بالذراع، وعن الذراع بالقامة، وربما يعبر عن الظل الباقي عند الزوال من الشاخص
بالقامة أيضا، وكأنه كان اصطلاحا معهودا، وبناء هذا الحديث على إرادة هذا المعنى
أي الشاخص الذي هو ذراع كما ستطلع عليه.
ثم إن كلا من هذه الألفاظ قد يستعمل لتعريف آخر وقتي فضيلتهما كما في
بعض النصوص (2) وكلما يستعمل لتعريف الأول فالمراد به مقدار سبعي الشاخص،
وكلما يستعمل لتعريف الآخر فالمراد به مقدار تمام الشاخص، ففي الأول يراد بالقامة
الذراع، وفي الثاني بالعكس، وربما يستعمل لتعريف الأخير لفظة ظل مثلك وظل

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
142

مثليك، ويراد بالمثل القامة، والظل قد يطلق على ما يبقى عند الزوال خاصة، وقد يطلق
على ما يزيد بعد ذلك فحسب الذي يقال له الفئ، من (فاء يفئ) إذا رجع، وقد يطلق
على مجموع الأمرين، وإن كان ربما قيل نقلا عن إرشاد الجعفرية أن الظل ما يكون
من أول النهار إلى زوال الشمس، والفئ من حين الزوال إلى الغروب، وإليه يرجع
ما في حواشي الشهيد من أن الظل ما تنسخه الشمس، والفئ ما ينسخ الشمس، إلا أن
الانصاف عدم التزام ذلك في الاطلاقات كما لا يخفى، بل لا يبعد أنه في العرف للأعم منهما.
ثم إن اشتراك هذه الألفاظ بين هذه المعاني صار سببا لاشتباه الأمر في المقام،
وحينئذ فيكون مراد السائل أنه ما معنى ما جاء في الحديث من تحديد أول وقت الظهر والعصر
تارة بصيرورة الظل قامة وقامتين، وأخرى بصيرورته ذراعا وذراعين، وأخرى قدما
وقدمين، وجاء من هذا القبيل مرة، ومن هذا أخرى؟ فمتى هذا الوقت الذي يعبر
عنه بألفاظ متباينة المعاني؟ وكيف يصح التعبير عن شئ واحد بمعاني متعددة، مع أن
الظل الباقي عند الزوال قد لا يزيد على نصف القدم؟ فلا بد من مضي مدة مديدة حتى
يصير مثل قامة الشخص، فكيف يصح تحديد أول الوقت بمضي مثل هذه المدة الطويلة
من الزوال، فأجاب (عليه السلام) بأن المراد بالقامة التي يحد بها أول الوقت التي هي
بإزاء الذراع ليس قامة الشخص الذي هو شئ ثابت غير مختلف، بل المراد مقدار ظلها
الذي يبقى على الأرض عند الزوال الذي يعبر عنه بظل القامة، وهو يختلف بحسب
الأزمنة والبلاد، مرة يكثر، ومرة يقل، وإنما يطلق عليه القامة في زمان يكون
مقداره ذراعا، فإذا زاد الفئ أعني الذي يزيد من الظل بعد الزوال بمقدار ذراع حتى
صار مساويا للظل فهو أول الوقت للظهر، وإذا زاد ذراعين فهو أول الوقت للعصر،
وأما قوله (عليه السلام): (فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر) إلى آخره. فمعناه
أن الوقت إنما يضبط حينئذ بالذراع والذراعين خاصة دون القامة والقامتين، وأما
143

التحديد بالقدم فأكثر ما جاء في الحديث فإنما جاء بالقدمين والأربعة، وهو مساو
للتحديد بالذراع والذراعين، وما جاء نادرا بالقدم والقدمين فإنما أريد بذلك تخفيف
النافلة وتعجيل الفريضة طلبا لفضل أول الوقت فالأول، ولعله (عليه السلام) لم يتعرض
للقدم عند تفصيل الجواب لما استشعر من السائل عدم اهتمامه بذلك، وأنه إنما كان
أكثر اهتمامه بتفسير القامة وطلب العلة في تأخير أول الوقت إلى ذلك المقدار، وحينئذ
لا يكون في الخبر غبار ولا اجمال ولا شئ مما يرد على تفسير الشيخ له وإن رده غير
واحد من الأصحاب لذلك، نعم يصير جزئيا مختصا بزمان خاص ومخاطب مخصوص،
ولا بأس بذلك.
فإن قيل: اختلاف وقتي النافلة في الطول والقصر بحسب الأزمنة والبلاد
وتفاوت حد أول وقتي الفريضتين التابع لذلك لازم على أي التقادير، لما هو معلوم
من سرعة تزايد الفئ تارة، وبطئه أخرى، فالذراع حيث يكون الباقي من الظل قليلا
غيره إذا كان كثيرا، قلنا: نعم ذلك كذلك ولا بأس به، لأنه تابع لطول اليوم
وقصره كسائر الأوقات في الأيام والليالي، كما أنه لا يكون هذا الخبر حينئذ منافيا
للمختار بوجه من الوجوه، ضرورة كونه حينئذ كأخبار الذراع ونحوه مما هو وارد
في تحديد أول الوقت الأول لا آخره كي ينافي المثل والمثلين كما ستعرفه مفصلا.
وكيف كان فابتداء التقدير إنما هو من أول الفئ الحادث لا منه ومن الظل
الباقي، بل لم يقل أحد بذلك، بل عن الخلاف نفي الخلاف في ذلك، نعم ربما ذكره
بعضهم احتمالا معترفا بعدم القائل به في قولهم: (يصير ظل كل شئ مثله) وفيه أنه
يلزم عليه الاضطراب والاختلاف المترتبان على قول الشيخ أيضا كما هو واضح، بل
قد يدفع بعض الاختلاف المترتب على كلام الشيخ بأن قصر الظل في بعض الأماكن
144

وطوله في آخر لا يتفاوت بالنسبة إلى صيرورة الفئ مثله، ففي مقام يكون مثل الظل
القصير يكون كذلك في المقام الآخر، ضرورة كون المتجدد كالباقي، بخلاف هذا
القول، وعلى كل حال فهو واضح الضعف بالنسبة إلى المختار، فينبغي ارصاد رأس
الظل الباقي عند الزوال حتى لا يختلط السابق والحادث.
وأما بقيه الأقوال في أصل المسألة التي وعدنا بذكرها على الاجمال فمنها ما أشار
إليه المصنف أيضا بقوله (وقيل: أربعة أقدام للظهر، وثمان للعصر، هذا للمختار،
وما زاد على ذلك حتى تغرب الشمس وقت لذوي الأعذار) وإن كنا لم نقف على قائله
مصرحا بجميع ذلك، بل ولا من نسب إليه في الكتب المعدة لمثله، نعم حكي عن
مصباح السيد والنهاية وعمل يوم وليلة وموضع من التهذيب تحديد وقت الظهر خاصة
للمختار بذلك من غير تصريح بالعصر أصلا، بل ولا من السيد منهم بامتداد وقت
العذر في الظهر إلى المغرب، وردد فيما حكي من مصباح الشيخ ومختصره والاقتصاد بين
ذلك وبين المثل للمختار، وهو عند التحقيق راجع إلى القول بالمثل، فيجري فيه ما
عرفته، لكن على كل حال لا يخفى عليك ضعفه بعد ما سمعته سابقا من النصوص وغيرها،
بل يمكن دعوى تحصيل القطع بخلافه من ملاحظة الفتاوى والنصوص على اختلافها،
ومن الغريب أنه على كثرتها وشدة اختلافها لم نعثر على ما يدل منها على تمام هذا القول،
نعم خبر الكرخي (1) منها وغيره يدل على خصوص الظهر قال: (سألت أبا الحسن
(عليه السلام): متى يدخل وقت الظهر؟ قال: إذا زالت الشمس، فقلت: متى يخرج
وقتها؟ فقال: من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام، وإن وقت الظهر ضيق ليس
كغيره، قلت: فمتى يدخل وقت العصر؟ فقال: إن آخر وقت الظهر هو أول وقت
العصر، فقلت: متى يخرج وقت العصر، فقال: وقت العصر إلى أن تغرب الشمس،

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 30 من كتاب الصلاة
145

وذلك من علة، وهو تضييع، فقلت له: لو أن رجلا صلى الظهر بعد ما يمضي من
زوال الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد لها؟ فقال: إن كان تعمد ذلك ليخالف
السنة والوقت لم تقبل منه، كما لو أن رجلا أخر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس
متعمدا من غير علة لم يقبل منه، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وقت للصلوات
المفروضات أوقاتا وحدودا في سنته، فمن رغب عن سنة من سننه الموجبات كان كمن
رغب عن فرائض الله تعالى) وخبر الفضل بن يونس (1) سألت أبا الحسن الأول
(عليه السلام) المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال: إذا
رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلي إلا العصر، لأن وقت
الظهر دخل عليها وهي في الدم، وخرج الوقت وهي في الدم).
والأول - مع الطعن في سنده بجهالة إبراهيم، واشتماله على ما اتفق الأصحاب على
خلافه من أن أول وقت العصر آخر وقت الظهر، وعدم تضمنه تمام الدعوى، بل فيه
ما يخالفها، وظهوره في عدم صحة صلاة الظهر للمعذور أيضا بعد الوقت المزبور،
لتخصيصه ذلك بالعصر، وقصوره عن معارضة غيره من وجوه - غير صريح في ذلك
خصوصا بعد اعتباره في عدم القبول تعمد التأخير بقصد مخالفة السنة في الوقت لا بقصد
الرخصة في التأخير، وبعد التعبير عنه في ذيله بكونه سنة من سنن الله (صلى الله
عليه وآله) فلا يبعد حينئذ حمل الخبر المزبور على إرادة الوقت الفضيلي من أوقات
الفضيلة، ضرورة تفاوتها في الدرجات. وأما الثاني - فمع أن سنده ليس بتلك المكانة،
ومخالفته للمعروف من مذهب الخصم، بل المجمع عليه ظاهرا من امتداد الوقت للعذر
الذي أحد أفراده الحيض كما عرفت، وما يحكى عن التهذيبين من التصريح بمضمون الخبر
المذكور لا يقدح في الاتفاق ظاهرا، خصوصا في مثل الكتابين، واحتمال كون المراد

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - الحديث 2
146

منه وإن بعد خروج وقت الظهر وبقاء وقت اختصاص العصر، وعدم اشتماله على تمام
الدعوى، بل لا يدل على خصوص الظهر، إذ لعل للحائض خصوصية، ومعارضته بخصوص
موثقة عبد الله بن سنان (1) وغيرها مما دل على وجوب الفرضين عليها إذا طهرت وكان
الوقت يسعهما الذي هو أرجح منها من وجوه، أحدها الاعتضاد بالمشهور شهرة عظيمة،
ولذا لم يصح الجمع بينهما بالحمل على الاستحباب وإن مال إليه بعض متأخري المتأخرين
بعد أن قدم رجلا وأخر أخرى واضطرب أشد اضطراب، وما ذاك إلا للخلل في
الطريقة - قاصر عن معارضة ما عرفته من الأدلة من وجوه لا تخفى بعد الإحاطة بما تقدم.
ومنها ما في المقنعة من أن وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يرجع الفئ سبعي
الشاخص، والعصر إلى أن يتغير لون الشمس باصفرارها للغروب، وللمضطر والناسي
إلى الغروب، ولم أعرف له دليلا من الأخبار على كثرتها وشدة اختلافها، بل في كثير
منها - كثرة تقرب إلى حد التواتر معنى، بل لعلها كذلك - ما يقتضي خلافه، وأخبار
الذراع والقدمين - مع أن ظاهرها وقوع الفريضة بعد مضيهما لا أنهما الآخر كما هو
ظاهر أول عبارته فيها، نعم كلامه بعد ذلك ظاهر أو صريح في إرادة الأول - كادت
تكون صريحة في إرادة بيان أول الوقت للمتنفل، بل في جملة منها التصريح بذلك، كما أن في بعضها التصريح بالأفضلية، نعم يحكى عن الفقه الرضوي (2) الذي لم تثبت حجيته
عندنا فضلا عن صلاحيته لمعارضة مثل المقام ما يوافقه بالنسبة إلى الظهر، كما أنه في
كشف اللثام عن الهداية روايته مرسلا عن الصادق (عليه السلام) (3) ولعله توهمه
من أخبار الذراع والقدمين، وأما ما دل (4) على موتورية من أخر العصر حتى تصفر

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - الحديث 10.
(2) المستدرك - الباب - 7 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 من كتاب الصلاة
(3) الهداية ص 29 المطبوعة بطهران عام 1377
(4) الوسائل - الباب 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 7 و 10 من كتاب الصلاة
147

الشمس من النصوص فمع أنه لا دلالة فيه على تمام المدعى فهي في الدلالة على خلاف
المطلوب أظهر، إذ الموتور كما فسر في هذه النصوص من ضيع ماله وأهله في الجنة، فيبقى
يتضيف فيها ولا أهل ولا مال عنده، وهو إنما يناسب ترتبه على فوات الفضيلة لا على
المعصية، كما هو واضح.
واحتج له في المختلف بالصحيح (1) عن الفقيه (عليه السلام) (آخر وقت العصر
ستة أقدام ونصف) قال: وهو إشارة إلى الاصفرار، لأن الظل إلى آخر النهار ينقسم
سبعة أقسام، وهو كما ترى، ومن ذلك كله يظهر ما في القول المنسوب إلى الحسن بن
عيسى الذي هو أحد الأقوال في المسألة أيضا من أن أول وقت الظهر زوال الشمس
إلى أن ينتهي الظل ذراعا واحدا أو قدمين من ظل قامته بعد الزوال، فإن تجاوز
ذلك فقد دخل الوقت الآخر، وأن العصر يمتد وقتها إلى أن ينتهي الظل ذراعين بعد
زوال الشمس، فإذا جاوز ذلك فقد دخل الوقت الآخر، ضرورة اتحاده مع قول
المفيد بالنسبة إلى الظهر، وترديده بين الذراع والقدمين لا يصلح فارقا بعد معلومية
اتحادهما، ويتأتى عليه بالنسبة إلى العصر نحو ما ذكرناه في الظهر.
وكذا يظهر لك مما قدمناه سابقا ما في المنسوب إلى النهاية والتهذيب من أن
آخر وقت الظهر للمعذور اصفرار الشمس، على أنه لا دليل عليه، بل لعل مراده منه
الغروب كما يومي إليه استدلاله عليه في التهذيب بأخباره، وأما ما يحكى عن أبي الصلاح
- من أن آخر وقت المختار الأفضل للظهر أن يبلغ الظل سبعي القائم، وآخر وقت
الاجزاء أن يبلغ الظل أربعة أسباعه، وآخر وقت المضطر أن يصير الظل مثله - فهو
مع مخالفته لنصوص التثنية بمكانة من الضعف ومنافاة للنصوص، بل يمكن تحصيل الاجماع
على خلافه بالنسبة للشق الثالث من دعواه، كما أنه يمكن دعوى تواتر النصوص بخلاف

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 من كتاب الصلاة
148

الشق الأول منها، لما عرفت من دلالة كثير منها على أن ابتداء فضيلته للمتنفل ذلك لا
انتهاءه، وأما الشق الثاني فهو وإن دل عليه خبر الكرخي (1) وغيره مما عرفته دليلا
للقول المذكور في المتن، إلا أنه يجري فيه ما سمعته سابقا، ومثله في الضعف ما يحكى
عن السيد من امتداد العصر للمختار حتى يصير الظل ستة أقدام، وإن كان قد يشهد له
قول الصادق (عليه السلام) في خبر سليمان بن خالد (2): (العصر على ذراعين، فمن
تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك المضيع) وفي خبر أبي بصير (3) (صل العصر
يوم الجمعة على ستة أقدام) لكنه لا يقاس في جنب ما يدل على خلافه، بل خبره الثاني
مع اختصاصه في يوم الجمعة الذي لا نافلة فيه يقضي بوقوع الصلاة فيه على الستة، لا
أنها الغاية، بل خبره الأول الدال على أن المؤخر مضيع ظاهر في عدم إرادة الحتم
والالزام، خصوصا مع ملاحظة ما دل من باقي النصوص على أن جزاء المضيع صيرورته
موتور الأهل والمال في الجنة.
وكيف كان فالظاهر امتداد وقت الاجزاء اختيارا أو اضطرارا إلى دخول
وقت صلاة المغرب، وهو عندنا كما عرفت سقوط الحمرة المشرقية لا القرص، للأصل
في وجه، وظاهر الآية والنصوص التي تقدم بعضها الدالة على الامتداد إلى الغروب،
بناء على ما سمعته هناك من أنه إنما يتحقق بزوال الحمرة، لا أنه مقدمة لليقين كما عرفت
البحث فيه، بل وعلى تقديره أيضا، ضرورة جريان الاستصحاب مع الشك في حصول
مصداق الغاية، بل الظاهر أنا في غنية عن ذلك، لظهور بعض النصوص المزبورة في أن المراد من الغروب الذي الذي هو غاية العصر أول وقت صلاة المغرب، فلا مجال حينئذ
لاحتمال إرادة سقوط القرص فيه دون الحمرة، كي يبقى ما بين السقوطين واسطة بين

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 30 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 4 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 4 من كتاب الصلاة
149

الصلاتين، ولقد أجاد السيد الداماد فيما حكاه عنه في بحار الأنوار، حيث قال: (إن
ما في أكثر رواياتنا عن أئمتنا المعصومين (عليه السلام) وما عليه العمل عند أصحابنا
رضي الله تعالى عنهم اجماعا هو أن زمان ما بين الفجر إلى طلوع الشمس من النهار
ومعدود من ساعاته، وكذلك زمان غروب الشمس إلى ذهاب الحمرة من جانب
المشرق، فإن ذلك أمارة غروبها في أفق المغرب، فالنهار الشرعي في باب الصلاة والصوم
وسائر الأبواب من طلوع الفجر إلى ذهاب الحمرة المشرقية، وهذا هو المعتبر والمعول
عليه عند أساطين الإلهيين والرياضيين من حكماء يونان) انتهى.
وأما المغرب فقد عرفت البحث في أوله، كما أنك عرفت ما يدل على أن آخره
الانتصاف من غير تقييد بالاضطرار من الآية والنصوص (1) والاجماع المحكي المؤيدة
بالشهرة العظيمة التي كادت تكون اجماعا، بل لعلها كذلك، وبمخالفة العامة وموافقة
السهولة والسماحة، والمناقشة في بعضها بإرادة امتداد مجموع الصلاتين إلى الانتصاف الذي
يكفي في صدقه امتداد العشاء - مع أنها خلاف الظاهر سيما في المشتمل منها على قوله
(عليه السلام): (إلا أن هذه قبل هذه) بل كادت تكون خلاف صريح البعض
كمعتبرة داود بن فرقد (2) - يمكن دفعها بعدم القول بالفصل، إذ لم يقل أحد بامتداد
وقت العشاء اختيارا إلى ذلك دون المغرب، ومنه حينئذ ينقدح الاستدلال بما دل عليه
في العشاء متمما بما عرفت، كما أنه يمكن الاستدلال عليه أيضا بما عرفته في الظهرين من
امتداد وقتهما اختيارا إلى الغروب، بناء على عدم القول بالفصل بينهما وبين العشاءين
كما عن المصنف والفاضل دعواه، بل وبما عرفته سابقا أيضا من النصوص (3) الظاهرة

(1) الوسائل - الباب 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 والباب 16 - الحديث 24
والباب 19 - الحديث 3 والمستدرك - الباب 14 منها الحديث 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
150

في جواز تأخير المغرب عن الشفق اختيارا. ولبعض الأعذار التي لا يصلح تأخير الواجب
عن وقته لأجلها متمما بأنه متى ثبت ذلك ثبت إلى النصف، إذ لا قائل بجواز تأخيره عنه
اختيارا وعدم امتداده إليه، خلافا للمحكي عن الهداية والناصريات والخلاف والمصباح
للشيخ والجمل وعمل يوم وليلة والمراسم، فآخره غيبوبة الشفق المغربي، والظاهر إرادتهم
بالنسبة إلى المختار لا مطلقا، كما قيده به في المحكي عن المقنعة أو المبسوط والتهذيب والوسيلة
والكاتب والكافيين والاستبصار ومصباح السيد والاصباح والاقتصاد والنهاية، أما
المضطر فإلى ربع الليل كما فيما عدا الأول والأخير، أما فيهما فالاقتصار على ذكر المسافر،
ولعلهما أرادا المثال، فيتحد حينئذ مع سابقهما، للجمع بين ما دل صريحا أو ظاهرا
على أن آخره سقوط الشفق من النصوص المستفيضة (1) التي فيها الصحيح وغيره
المؤيدة بما دل (2) على أنه غايته اشتباك النجوم، وبين ما دل على أن آخره الربع
كخبر عمر بن يزيد (3) وغيره بشهادة جملة من النصوص، كقول الصادق (عليه السلام)
في خبر عمر بن يزيد (4) أيضا (إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت
في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل، قال: قال لي وهو شاهد في بلده) وفي
خبره الآخر (5) (وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل) والرضا (عليه السلام) في
جواب مكاتبة إسماعيل بن مهران (6) (ذكر أصحابنا أنه إذا زالت الشمس دخل

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 3 و 4 و 14
وغيرها من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 - 8 - 2 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 - 8 - 2 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 - 8 - 2 من كتاب الصلاة
(6) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 14
وذيله في الباب 18 منها - الحديث 4 من كتاب الصلاة
151

وقت الظهر والعصر، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء إلا أن هذه قبل هذه
في السفر والحضر، وأن وقت المغرب إلى ربع الليل، فكتب كذلك الوقت غير أن
وقت المغرب ضيق، وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في أفق المغرب)
بناء على أن المراد من قوله (عليه السلام): (كذلك) جميع ما في سؤال الكاتب،
وأن المراد بقوله: (غير) التنبيه على وقت اختيارية، فتأمل. وبشهادة النصوص (1)
الكثيرة جدا المتضمنة تخصيص الرخصة في تأخيره عن الشفق في العذر والعلة والسفر
والحاجة ونحو ذلك وإن لم يذكر فيها الغاية أنها الربع أو الأكثر، لأن الظاهر تنزيلها
على الربع الذي تضمنته النصوص السابقة (2).
وفيه مع استلزامه طرح النصوص (3) المتضمنة للنصف والثلث، ضرورة عدم
العمل بشئ منها في شئ من الأقوال السابقة التي ذكرناها، نعم في البحار عن المنتهى
أنه حكى عن الشيخ ومصباح السيد امتداد وقت المضطر إلى ما قبل النصف بأربع
ركعات - أنه لا يخفى رجحان ما تقدم من الأخبار (4) بالموافقة لظاهر الكتاب وللشهرة
العظيمة والاجماع المحكي المؤيد بما عرفته فيما تقدم، وبالمخالفة للعامة وبسهولة الملة وسماحتها
وغير ذلك عليها، خصوصا مع ملاحظة اختلافها بالربع والثلث واشتباك النجوم وعدم

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 19 والباب 19
- الحديث 13 و 15 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 5 و 8 و 11
من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 24 والباب 19
الحديث 1 و 3 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
152

تقدير الضرورة فيها، بل تارة يذكر فيها العلة، وأخرى العذر، وأخرى الحاجة،
وأخرى السفر، بل في تضمنها نفسها بعض الأعذار التي لا تصلح أن تكون سببا
لتأخير مطلق الواجب عن وقته - فضلا عن مثل الصلاة، وفضلا عن مثل صلاة
المغرب - أقوى دلالة على المطلوب، إلى غير ذلك من القرائن والأمارات التي يمكن
أن تشرف الفقيه على القطع، بل قد عرفت في الظهرين ما يدل على المطلوب بوجوه،
بل عرفت ما يمكن بسببه جعل النزاع لفظيا، وأن مرادهم من الوجوب شدة
الاستحباب، ومن عدم الجواز شدة الكراهة، إذ لا ينبغي أن ينكر أن الأولى لصاحب
الدين السالك مسلك المتقين عدم التأخير لغير عذر أصلا، إذ ليس هو حينئذ إلا من
المتساهلين في سنة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) خصوصا في صلاة المغرب التي
بتأخيرها لغير عذر يشبه أبا الخطاب وأصحابه لعنهم الله الذين أفسدوا أهل الكوفة،
واستفاضت النصوص (1) بلعنهم والبراءة منهم، إذ كانوا لا يصلون المغرب حتى تشتبك
النجوم ويغيب الشفق.
وأما العشاء فقد مر فيما سبق ما يدل (2) على دخول وقته قبل ذهاب الشفق
المغربي، وعدم اعتباره فيه، سواء قلنا بالاشتراك أو بالاختصاص، بل أدلة الطرفين
من تلك حجة على من اعتبره فيه، مضافا إلى ما سمعته سابقا من المختلف وإلى اجماعي
الغنية والسرائر كما حكي عن ثانيهما المؤيدين بالشهرة العظيمة، بل هي اجماع من
المتأخرين، بل لعله كذلك عند المتقدمين أيضا، بناء على ما سمعته في الظهرين من
تعبيرهم عن الاستحباب المؤكد بالوجوب، وإن حكوه هنا عن الشيخين وسلار بل

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 و 17 و 19
من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.
153

والحسن في أحد النقلين، بل في خلاف ثاني الشيخين الاجماع عليه لكن في غير المعذور
فيقدم، كما حكي عن الشيخين منهم التصريح به، ولعله للنصوص المستفيضة (1) التي هي
حجة على من عداهما ممن أطلق، كسلار والحسن كما حكى وإن جعله أولهما في المراسم
رواية، بل على الثاني منهما في الكتاب الذي أطلق فيه المتضمنة نفي البأس عن تقديمه
في السفر والليلة المظلمة والريح والمطر، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وغيره من
الأئمة (عليه السلام) فعل ذلك، إذ طرحها رأسا كما يوهمه اطلاق من أطلق لا وجه
له، فيحمل حينئذ ما يستفاد من النصوص المستفيضة الأخر (2) من أن ابتداء وقتها
ذهاب الشفق، كخبر مجئ جبرئيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
وغيره من الأخبار على غير المعذور.
لكنه كما ترى يرد عليه أيضا ذلك بنفسه، ضرورة أنه وإن قلنا بالتفصيل
المزبور يستلزم الاعراض عن الأدلة الكثيرة جدا، بل لعل النصوص منها متواترة،
مع تأيدها بالشهرة العظيمة وظاهر الكتاب ومخالفة العامة وغير ذلك، بل مستلزم أيضا
طرح بعض الأخبار التي هي ظاهرة، بل بعضها صريح في جواز التقديم من غير عذر،
كخبر زرارة (3) وغيره (4) بل لعل ما ورد (5) في الرخصة بالجمع يدل عليه أيضا،
إذ حمله على وقوع المغرب قبل الذهاب والعشاء بعده لا دليل عليه، بل لعل شدة الحث
على أول وقت المغرب يدل على خلافه، وقال الحلبيان في الموثق (6) (كنا نختصم
في الطريق في الصلاة صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق، وكان منا من يضيق

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 22 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 0 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 22 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 0 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 من كتاب الصلاة
154

بذلك صدره، فدخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة
قبل سقوط الشفق فقال: لا بأس بذلك، قلنا: وأي شئ الشفق؟ قال: الحمرة)
وقوله فيه: (في الطريق) بعد أن كان ظرفا للتخاصم، واطلاق السؤال لا يفيد التقييد
بالسفر، وسأل إسحاق بن عمار (1) الصادق (عليه السلام) أيضا في الموثق (عن الجمع
بين المغرب والعشاء في الحضر قبل إن يغيب الشفق من غير علة فقال: لا بأس) بل
حكى زرارة (2) في الموثق عن الصادق (عليه السلام) أيضا (أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) صلى بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة،
قال: وإنما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته) وحملها على ما يحكى عن تهذيب الشيخ
من جواز الدخول فيه إذا علم غيبوبة الشفق في الأثناء كما ترى، وليس بأولى من حمل
تلك النصوص على الفضل خاصة في التأخير، أو مع كراهة التقديم كما عن المصنف
وجماعة، بل هو أولى من وجوه لا تخفى، أو التقية من المحكي عن الجمهور كافة.
فلا ريب حينئذ في وضوح ضعف القول المزبور وضوحا لا يحتاج إلى اكثار
من الأدلة، كوضوح ضعف القول بأن آخره الثلث مطلقا كما هو مقتضى اطلاق المحكي
عن الهداية والمقنعة والخلاف والمصباح ومختصره والجمل والاقتصاد وعمل يوم وليلة
والقاضي، وإن جعل الأخير النصف قولا، والشيخ فيما عدا الأخير رواية، أو للمختار
خاصة، وللمضطر النصف كما عن ثقة الاسلام والشيخ في كتابي الحديث والمبسوط
والطوسي في الوسيلة أو آخره للمضطر الثلث كما عن النهاية من غير تحديد للمختار، أو
الربع للمختار خاصة من غير تحديد للمضطر كما عن الحسن بن عيسى، أو مع التحديد
له بالنصف كما عن التقي، وفي مضمر معاوية بن عمار (3) (إن وقت العشاء الآخرة إلى

(1) الوسائل - الباب 22 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 - 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 22 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 - 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
155

ثلث الليل) والحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام) (العتمة إلى ثلث الليل أو إلى
نصف الليل، وذلك التضييع) و (جاء جبرئيل (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله)
في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل وقال: ما بينهما وقت) (2).
لكن لا يخفى عليك أنه لا يسوغ للفقيه الالتفات إلى هذه في مقابلة ما دل على
النصف من النصوص التي يمكن دعوى تواترها، بل هي كذلك، والكتاب والاجماع
المحكي المؤيد بالشهرة العظيمة التي يمكن دعوى بلوغها حد الاجماع، بل لعلها كذلك،
خصوصا بعد ما عرفت سابقا من ظهور عبارات القدماء في غير الوجوب المصطلح، بل
كثيرا ما يوافق تعبيرهم ما في النصوص، فيتعين مرادهم بالمراد من الخبر، فأفضل
أحوال هذه الأخبار الحمل على الندب ونحوه، كما يومي إليه ما في جملة من النصوص (3)
من أنه (لولا أني أخاف أن أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل) وما أبعد
ما بين هذه الأقوال وبين ما حكاه في ظاهر الرياض عن بعضهم تبعا للمفاتيح من امتداد
وقت العشاءين اختيارا إلى طلوع الفجر وإن كنا لم نعرف قائله إلا ما ستسمعه من بعض
عبارات الشيخ، نعم ظاهر المحكي عن الفقيه الامتداد للمضطر في الفرضين كما اعتمده
في موضع من المدارك، وجعله في خصوص النائم والناسي وجها قويا في آخر، واستحسنه
الكاشاني، بل جزم به بعض علمائنا المعاصرين، بل هو ظاهر المحكي من بعض عبارات
الخلاف أيضا، فإنه بعد أن ذكر سابقا أن الأظهر من مذهب أصحابنا أن آخر وقت
العشاء الآخرة إذا ذهب ثلث الليل وقد روي نصف الليل، وقد روي إلى طلوع الفجر
قال: (إذا أدرك بمقدار ما يصلي فيه خمس ركعات قبل الغروب لزمه الصلاتان بلا خلاف

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 و 10 و 12 من كتاب الصلاة
156

وإن لحق أقل من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا، وكذلك القول في المغرب والعشاء الآخر
قبل طلوع الفجر) بل ظاهره كما ترى نفي الخلاف فيه، ولعل الشهيد في الذكرى أراد
هذا فيما حكاه عن موضع من الخلاف من أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن أصحاب
الأعذار إذا أدرك أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة لزمه العشاء الآخرة،
وقال فيما حكى عن المبسوط بعد أن ذكر أن وقت الضرورة يمتد في المغرب إلى ربع
الليل، وفي العشاء الآخرة إلى نصف الليل، وفي أصحابنا من قال إلى طلوع الفجر قال:
(إذا لحق قبل الفجر مقدار ما يصلي ركعة أو أربع ركعات صلى العشاء الآخرة، وإذا
لحق مقدار ما يصلي خمس ركعات صلى المغرب معها استحبابا، وإنما يلزمه وجوبا إذا
لحق قبل نصف الليل بمقدار ما يصلى فيه أربع ركعات أو قبل إن يمضي ربعه مقدار
ما يصلي معه ثلاث ركعات) والموجود فيما حضرني من نسخته (فأما من يجب عليه القضاء
من أصحاب الأعذار والضرورات فإنا نقول هاهنا عليه القضاء إذا لحق قبل الفجر)
إلى آخر ما سمعت، وهي كما ترى، وقال المصنف في المعتبر: (وقت الضرورة في
العشاء من النصف إلى طلوع الفجر).
وكيف كان فالقول به لا يخلو من قوة، لقول الصادق (عليه السلام) في الصحيح:
(إن نام الرجل ولم يصل صلاة العشاء والمغرب أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر
ما يصلي كلتيهما فليصلهما، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة) وخبر
عبد الله بن سنان (2) (إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر،
وإن طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء) ونحوه خبر الدجاجي (3) وعمر

(1) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - الحديث 10.
(3) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - الحديث 11 وفي الوسائل
(الزجاجي) كما في الاستبصار ولكن في النسخة الأصلية من الاستبصار المقروة على
شيخنا الحجة المجلسي عليه الرحمة (الدجاجي) كما أشير إليه في الاستبصار ج 1 ص 143
في التعليقة (1) من طبعة النجف
157

لابن حنظلة (1) مؤيدا بخبر عبيد بن زرارة المتقدم (2) (لا تفوت صلاة النهار حتى
تغيب الشمس، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر، ولا صلاة الفجر حتى يطلع الشمس)
وحمل هذه النصوص على الاستحباب كما سمعته من المبسوط لا شاهد عليه، نعم ربما،
قيل بالاقتصار على مضامينها من غير تجاوز إلى مطلق المضطر والمعذور فضلا عمن أخر
ذلك عمدا، اللهم إلا أن يقال بمعونة ما سمعته من نفي الخلاف من الشيخ وخبر عبيد،
وملاحظة ما ورد في غيره من المضطرين بناء على القول به، واستبعاد التوقيت لخصوص
بعض الأحوال، ولما سمعته من مذهب أهل الاضطرار في غير المقام، ونحو ذلك يقوى
الظن بعدم الفرق بين المضطرين، بل يقوى أنه لو أخر عمدا أيضا يصلي أداء كما سمعته
سابقا من القائلين بالاضطرار.
بل ربما يستفاد من جمله من نصوص الانتصاف المشتملة على دعاء الملك على النائم
بعدم رقود عينيه (3) وعلى أنه يصبح صائما عقوبة له (4) ونحو ذلك كراهية التأخير
إلى ما بعد الانتصاف كراهية شديدة، لغلبة التعبير بنحو ذلك عن المكروهات، ومن
هذا وغيره يظهر لك وجه ما عرفته من القول السابق الذي قلنا إنا لم نتحقق قائله.
لكن ومع ذلك كله فالحكم من أصله لا يخلو من اشكال، لمعارضة هذه
النصوص - بعد ضعف سند الأخير منها، واحتمال إرادة دخول وقت صلاة الليل

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض - الحديث 12
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 و 7 والباب 29 - الحديث 5
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
158

وفواتها منه، كاحتمال إرادة القضاء من أخبار الحائض (1) خصوصا بناء على المضايقة،
واحتمال الصحيح الأول ما قبل النصف وإن كان بعيدا جدا - بما دل (2) على أن لكل
صلاة وقتين، الظاهر في نفي الثالث، ودعوى أن هذا ليس من التوقيت بل هو رخصة
لخصوص هؤلاء - ولذا لا يجوز تعمد التأخير إليه اجماعا، ولو كان وقتا مضروبا
كالوقتين لجاز التأخير إليه مثلهما - يدفعها أنه لا معنى للتوقيت إلا صحة الفعل فيه أداء
ولو في بعض الأحوال، فكونه لا يجوز التأخير إليه عمدا لا ينافي وقتيته، كما هو ظاهر
القائلين بأن الوقت الثاني في غيره للمضطرين، فإنهم لا يجوزون التأخير إليه عمدا وإن
كان هو وقتا عندهم، نعم هو كذلك عند خصوص القائلين بأن الثاني اجزائي. وبالآية
والنصوص (3) المتكثرة التي جعلت الغاية النصف، بل في المرفوعة، منها التصريح
بالقضاء لمن نام عن صلاة العشاء إلى النصف، وفي خبر سهل بن المغيرة (5) (إنه يصبح
صائما عقوبة له) ودعوى إرادة ما يتناول الأداء من القضاء فيها لا شاهد لها، مضافا
إلى موافقة تلك النصوص للفقهاء الأربعة كما حكاه في الروض عنهم، وإن اختلفوا في
أنه وقت اختيار أو اضطرار، فظهر حينئذ ضعفها عن مقاومة تلك الأدلة من وجوه.
ومن هنا جزم في الرياض تبعا لغيره من المحققين بعدم العمل بها، بل لعله
ظاهر كل من اقتصر على النصف وما دونه في الغاية من الأصحاب، وهم الأكثر،
ومنه ينقدح حينئذ مضعف آخر لهذه النصوص، وهو الاعراض، إذ الذي عمل بها

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الحيض
(2) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 و 11 و 13 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 4 و 6 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 من كتاب الصلاة
لكن رواه عن عبد الله بن المغيرة وهو الصحيح
159

آحاد من بعض الأعصار على وجل وريبة، فلا ريب أن الأحوط عدم التعرض لنية
الأداء والقضاء، كما أن الأحوط عدم التأخير عما بعد النصف إلى الصبح وإن قلنا
بالمواسعة في القضاء.
وأما الصبح فقد عرفت أوله سابقا، كما أنك عرفت في أول البحث ما يدل
على امتداده للمختار إلى طلوع الشمس، كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا
شهرة عظيمة، بل قد عرفت دعوى أبي المكارم وتلميذه الاجماع التي يشهد لها التتبع،
وهو الحجة، مضافا إلى ما تقدم من تلك النصوص عموما وخصوصا، بل قد تضمن
جملة منها كخبر الأصبغ (1) وموثق الساباطي (2) (إنه متى أدرك ركعة وجبت الصلاة
تامة) وإن كان في دلالته على المطلوب نظر، إذ للخصم تسليمه مع تخصيصه بصورة
الاضطرار، واحتمال التمسك باطلاقها يدفعه أنه لا بد من حمل هذه النصوص على إرادة
الاضطرار، ضرورة عدم جواز التأخير إلى مقدار الركعة اختيارا عند القائلين بامتداد
وقت الاجزاء، لظهور الأدلة في فعل تمام الصلاة في الوقت لا بعضها، مع اشعار لفظ
(أدرك) في الاضطرار، نعم الظاهر تناولها للمؤخر عمدا، فيصلي حينئذ أداء وإن
أثم بالتأخير، فلا تدل حينئذ على التوسعة اختيارا إلى طلوع الشمس، اللهم إلا أن
يدعي ظهورها في أن المشروع للاضطرار تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت بسبب
ادراك الركعة، فيعلم منه أن ادراك الركعتين قبل طلوع الشمس ادراك لها في وقتها،
بل ذلك كاد يكون صريح قوله: (من الوقت) فيه، فتأمل جيدا.
على أنا في غنية عن ذلك كله بما عرفت من الأدلة السالمة عن معارض معتد به،
إذ ليس هو إلا قول الصادق (عليه السلام) في صحيحي ابن سنان (3) والحلبي (4)

(1) الوسائل - الباب 30 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 30 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 26 - من أبواب المواقيت الحديث 5 - 1 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 26 - من أبواب المواقيت الحديث 5 - 1 من كتاب الصلاة
160

واللفظ للأول (لكل صلاة وقتان، وأول الوقتين أفضلهما، ووقت صلاة الفجر حين
ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا، ولكنه وقت
من شغل أو نسي أو سهى أو نام) وفي الموثق (1) (في الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه
أمر أن يصلي المكتوبة من الفجر إلى أن تطلع الشمس) وخبر يزيد بن خليفة (2)
(وقت الفجر حين يبدو حتى يضئ) وخبر أبي بصير (3) (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الصائم متى يحرم عليه الطعام؟ فقال: إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء،
قلت: فمتى تحل الصلاة؟ فقال: إذا كان كذلك. فقلت: ألست في وقت من تلك
الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال: لا، إنما نعدها صلاة الصبيان، ثم قال: إنه لم يكن
يحمد الرجل أن يصلي في المسجد ثم يرجع فينبه أهله وصبيانه) وهي كما ترى طاهرة في
رجحان المبادرة ومرجوحية التأخير، لتصريحه في الصحيحين بالأفضلية، والتعبير بلفظ
(لا ينبغي) و (لم يكن يحمد) واطلاق الشغل ونحوها، فهي نفسها أدلة على المطلوب عند
الانصاف مع قطع النظر عما يعارضها، فلا ريب حينئذ في ضعف ما عن المبسوط والتهذيب
والنهاية والخلاف والاستبصار والوسيلة من أنه إلى ظهور الحمرة المشرقية، ومنها إلى
طلوع الشمس للمضطر إن أرادا الوجوب حقيقة، كالمنقول عن الشافعي وجميع أصحابه
إلا الاصطخرلي، فقال: بفوات الوقت رأسا إذا أسفر.
وقد ظهر لك مما ذكرنا كله شرح قول المصنف: (وكذا من غروب الشمس
إلى ذهاب الحمرة للمغرب، وللعشاء من ذهاب الحمرة إلى ثلث الليل للمختار، وما زاد
عليه حتى ينتصف الليل للمضطر، وقيل إلى طلوع الفجر، وما بين طلوع الفجر إلى طلوع
الحمرة للمختار في الصبح، وما زاد على ذلك حتى تطلع الشمس للمعذور) فلا حاجة

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 3 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
161

إلى الإعادة، ثم قال: (وعندي أن ذلك) التحديد (كله) الذي خصوا به المختار
في الظهرين والعشاءين والصبح (للفضيلة) لا أنه ينتهي أصل الوقت بانتهائه، وهو ظاهر
في تعدد وقت الفضيلة بالنسبة إلى الظهرين، لأنه قد ذكر اختلاف التحديد فيهما.
وتحقيق البحث في جميع ذلك عندنا أن منتهى فضيلة الظهر المثل، والعصر
المثلان، للصحاح المستفيضة (1) الدالة على تحديد الوقت الأول للظهر بالقامة، وللعصر
بالقامتين التي بينا وجه دلالتها فيما تقدم من قول المصنف: (والمماثلة بين الفئ الزائد)
إلى آخره. بل وذكرنا هناك أيضا غير ذلك مما يدل على المطلوب من أخبار المثل (2)
وغيرها المحمولة على الفضل كما عرفت، وما في خبر أحمد بن عمر (3) عن أبي الحسن
(عليه السلام) (سأله عن وقت الظهر والعصر فقال: وقت الظهر إذا زاغت الشمس
إلى أن يذهب الظل قامة ونصف إلى قامتين) محمول على إرادة بيان وقت الفرضين،
وإن لم يذكر العصر في الجواب اعتمادا على السؤال، أو أن المراد بالقامة فيه الذراع،
أو غير ذلك، وإلا كان مطرحا.
ثم لا فرق في الوقت المزبور بين القيظ والشتاء وإن اختص السؤال في موثق
زرارة (4) بالأول، إلا أن اطلاق الجواب وعدم القائل بالفرق وبعض أخبار القامة (5)
المصرحة بالتسوية بين الشتاء والصيف تدل على عدم الفرق بينهما، نعم يستفاد من جملة

(1) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 و 10 و 27 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 و 31 من كتاب الصلاة
والمستدرك - الباب 9 منها - الحديث 14
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 ونصه (وقت الظهر
إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة، ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين)
(4) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 - 27 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 - 27 من كتاب الصلاة
162

من النصوص (1) المروية في طرقنا وطرقهم استحباب الابراد بها في الصيف، واحتمال
حمل جميع أخبار المثل والقامة على التقية ممكن، بل قوي، بل مال إليه في البحار،
ولعله لاشتهار ذلك بينهم، واشعار تأخيره (عليه السلام) الجواب لزرارة، واسناد القامة
والقامتين إلى فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر جبرئيل (عليه السلام)، بل
كان تعبيرهم (عليهم السلام) بها مع تفسيرهم لها بالذراع والذراعين وإن ذلك في كتاب
علي (عليه السلام) كالصريح في إرادة الايهام عليهم بالتعبير بها، وإلا فالمراد منها
الذراع، واشعار قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي خديجة لما سأله انسان
عن صلاة بعض الأصحاب الظهر، والآخر العصر في وقت واحد، (إنا أمرتهم
بهذا، لو صلوا على وقت واحد عرفوا فأخذوا برقابهم) وظهور أمره (عليه السلام)
لزرارة (3) بالصلاة للمثل والمثلين في ذلك، إذ لم يقل أحد أن الفضل فيهما، بل أقصاه
أنهما نهاية الفضل، بل لعل ما قبلهما أفضل منهما كما ستسمع، وقول الراوي (4) لخبر
زرارة: (إني لم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير) وظهور
خبر ابن أبي عمير (5) المروي عن رجال الكشي عن الصادق (عليه السلام) في أن
أمره لزرارة بذلك كان لبعض المصالح التي هو يعلمها، قال: (دخلت على أبي عبد الله
(عليه السلام) فقال: كيف تركت زرارة؟ فقلت: تركته لا يصلي العصر حتى تغيب
الشمس، قال: فأنت رسولي إليه فقل له: فليصل في مواقيت أصحابه، فإني قد حرقت،

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 و 4 والمستدرك
الباب 7 منها - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 31 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 31 من كتاب الصلاة
(5) رجال الكشي ص 95 وقطعه في الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت
الحديث 14 من كتاب الصلاة
163

قال: فأبلغته ذلك فقال: أنا والله أعلم أنك لم تكذب عليه، ولكن أمرني بشئ
فأكره أن أدعه) قال في البحار: النسخ هنا مختلفة، ففي بعضها بالحاء المهملة والفاء على
البناء على المجهول من التفعيل، أي غيرت عن هذا الرأي، فإني أمرته بالتأخير لمصلحة،
والآن قد تغيرت المصلحة، ويؤيده أن في بعض النسخ صرفت بالصاد المهملة بهذا المعنى،
وفي بعضها بالحاء والقاف كناية عن شدة التأثر والحزن، أي حزنت لفعله ذلك، وفي
خبر آخر (1) من أخبار زرارة (فحرجت) من الحرج وهو الضيق، وعلى التقادير
الظاهر أن قول الراوي حتى تغيب الشمس مبني على المبالغة والمجاز أي شارفت
الغروب، إذ كان يصليها للمثلين اللذين هما المساء، وكان المصلحة في أمر زرارة وابن
بكير بذلك هي رفع تهمته (عليه السلام) بخلاف ما هم عليه من الوقت، لاشتهارهما في
صحبة الصادق (عليه السلام) ومعروفيتهما من بين أصحابه بمعرفة أقواله.
لكن الشهرة العظيمة بين الأصحاب - سيما مع ما قيل من أن الحمل على التقية
إذا تعذر غيرها من الاحتمالات، لاستبعاد خفائها على الخاصة والبطانة التي كانوا
يعرفونها بمجرد نقل بعض الرواة لهم خبرا حتى قالوا له: أعطاك من جراب النورة
وكون الحكم استحبابيا وغير ذلك - يقتضي المصير إلى الأول، وعلى كل حال فالظاهر
رجحان ما قبله عليه خصوصا في غير أيام الصيف، بل وفيها، لعدم اقتضاء الابراد المثل،
ولكن ومع ذلك فالانصاف أن الثاني قوي جدا كما ستعرف، بل قبله بكثير يتحقق.
ومن هنا كان ظاهر المصنف وغيره تعدد وقت الفضيلة، بل هو صريح المجلسي
وإن كان ذكره بصورة الاحتمال، قال: والمثل والمثلان وقت للفضيلة بعد الذراع
والذراعين: أي إذا أخرت الظهر عن الأربعة أقدام فينبغي أن لا يؤخر عن السبعة
التي هي المثل، وإذا أخرت العصر عن الثمانية فينبغي أن لا تؤخر عن الأربعة عشر

(1) الاستبصار ج 1 ص 248 الرقم 891 من طبع الحديث
164

أعني المثلين، فالأصل من الأوقات الأقدام، لكن لا بمعنى أن الظهر لا يقدم على
القدمين، بل بمعنى أن النافلة لا توقع بعد القدمين، وكذا نافلة العصر لا يأتي بها
بعد الأربعة أقدام، فأما العصر فيجوز تقديمها قبل مضي الأربعة إذا فرغ من النافلة
قبلها، بل التقديم فيهما أفضل، وأما آخر وقت فضيلة العصر فله مراتب: الأولى ستة
أقدام، والثانية قدمان، ونصف، والثالثة ثمانية أقدام، والرابعة المثلان على احتمال،
فإذا رجعت إلى الأخبار الواردة في هذا الباب لا يبقى لك ريب في تعين هذا الوجه
في الجمع بينها، ومما يؤيده مرسلة يونس (1) المتقدمة سابقا في المماثلة، وهو جيد وإن
كان فيما ذكره من الترتيب مناقشة في الجملة، لكن لا ريب في تفاوت وقت الفضيلة،
وبه يجمع حينئذ بين النصوص، ضرورة ظهور التنافي بينها في ذلك، واحتمال عدمه
- بدعوى حمل أخبار التحديد بالذراع والذراعين والقدمين والأربعة وبأداء النوافل
طالت أو قصرت على إرادة بيان أول الوقت الأول للمتنفل لا آخره كما يومي إليه
ما دل من النصوص (2) على اقتطاع ذلك للنافلة، وأنه يتنفل إلى أن يبلغ الفئ ذلك
فيتركها ويصلي الفريضة المؤيد باستبعاد كون الوقت الأول للظهر مقدار أربع ركعات
من آخر القدمين أو بعدهما، والعصر كذلك من آخر الأقدام الأربعة أو بعدها -
يدفعه ظهور بعضها أو صراحته في خروج الوقت أيضا بذلك، كقوله (عليه السلام)
في خبر الكرخي (3): (آخر وقت الظهر الأربعة) وبعض أخبار مجئ جبرئيل (عليه
السلام) (4) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بحدود الأوقات (فأتاه حين زالت
الشمس فأمره فصلى الظهر، ثم أتاه حين زاد في الظل قدمان فأمره فصلى العصر، ثم

(1) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 32 - 30 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 18 و 25 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 32 - 30 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 من كتاب الصلاة
165

أتاه في الغد حين زاد في الظل قدمان فأمره فصلى الظهر، ثم أتاه حين زاد في الظل
أربعة أقدام فأمره فصلى العصر، ثم قال: ما بينهما وقت) وغيرهما المحمولة على الفضل
والاستحباب في الوقت الأول وغيرهما، بل هو إن تم ففي البعض خاصة لا الجميع كما لا يخفى
على من لاحظ النصوص.
فالأولى حينئذ الجمع بين النصوص بما ذكرنا، إذ المستفاد من بعضها الاستحباب
في أول الوقت، كقول الباقر (عليه السلام): (أحب الوقت إلى الله عز وجل
أوله حين يدخل وقت الصلاة) والرضا (عليه السلام) (إذا دخل الوقت عليك
فصلهما فإنك ما تدري ما يكون) وغيرهما مما اشتمل على محبة الله التعجيل (3) ونحوه،
بل في خبر أبي بصير (4) منها ذكر أبو عبد الله (عليه السلام) (فقلت: كيف أصنع
بالثماني ركعات؟ قال: خفف ما استطعت) وإليه أشار العلامة الطباطبائي بقوله:
والفضل في الأول للمعجل * وفي الأخير لمداني الأول
إذ المراد بالأول والأخير في كلامه الوقت الأول والوقت الأخير ومن
آخر (5) بعد الفراغ من النافلة طالت أو قصرت، لكن في خبر زرارة منها
(أكره لك أن تتخذه وقتا دائما) ولعله لخصوص زرارة، ويقرب من هذه الأخبار
ما ورد (7) من التحديد بالقدم للظهر وقدم للعصر، بل في بعضها (إن ذلك أحب
إلي) ومن ثالث (9) الذراع والذراعان والقدمان والأربعة من زوال الشمس على
وجه لا على أنه البداية فقط، بل في بعضها (10) (إني أحب أن يكون فراغك من

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 3 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 9 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 9 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 5 - من أبواب المواقيت الحديث 0 - 10 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 5 - من أبواب المواقيت الحديث 0 - 10 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 32 - 20 - 2
(8) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 32 - 20 - 2
(9) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 32 - 20 - 2
(10) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 29 من كتاب الصلاة
166

الظهر والشمس على قدمين والعصر على أربعة) ومن رابع (1) الذراع للظهر، وشطره
للعصر، ومن خامس (2) أربعة أقدام للظهر، ومن بعدها للعصر، ومن سادس
إن نهاية الفضل في الظهر المثل، ومنه إلى المثلين فصل العصر، وبه صرح العلامة الطباطبائي
في منظومته، فقال:
والحد في الظهر لوقت الفضل * إلى بلوغ الظل قدر المثل
ومنه للمثلين وقت العصر * على الأحق عندنا بالنصر
بل صرح فيما بعد كالروضة وغيرها بأنه لا فضل في تقديمه على المثل، وستسمع
تمام البحث فيه إن شاء الله، ومن سابع (3) إن آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف،
ومن ثامن أن من تركها إلى الستة فذلك المضيع، لكن في أكثر النصوص (5)
(إنه من تركها حتى تصفر أو تغيب) وفي بعضها (6) (ما خدعوك فيه من شئ فلا
يخدعونك في العصر، صلها والشمس بيضاء نقية) وفي آخر (7) المروي عن المجالس
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (صلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو من
النهار حين يسار فيها فرسخان) هذا.
وقد يحتمل أن منتهى الفضل الذراع والذراعان بسبب تظافر أخبارهما أو
تواترها، وظهور قصدهم (عليهم السلام) التعريض بما عليه العامة العمياء من تأخير
العصر كثيرا، وأنهم أخطأوا في فهم القامة والقامتين، لأنهما الذراع والذراعان في

(1) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 16 - 30 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 16 - 30 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 2 - 7
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 2 - 7
(5) الوسائل - الباب 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 7 و 10 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 2 - 7
(7) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 13 لكن رواه
عن نهج البلاغة
167

كتاب علي (عليه السلام)، فيطابق ما كان يفعله النبي (صلى الله عليه وآله) بالقياس
في جدار المسجد، وبسبب ما سمعته عندما حكيناه عن المجلسي، وأن الأخبار (1)
الواردة في أن المدار على الفراغ من السبحة مقصود منها ما هو الغالب المتعارف من
الفراغ منها قبل الذراع والذراعين، وأنه لا ينبغي تأخير الصلاة انتظار الذراع والذراعين
كما يفهم من سياق بعضها، لا أن المقصود منها كون المدار على الفراغ من النافلة وإن
تجاوز هذا المقدار حتى بلغ المثل والمثلين، وكيف وقد سمعت الحث على فعل العصر
قبل الستة أقدام، وأن من أخرها إليه هو المضيع، ومن ذلك كله وغيره يظهر لك قوة
ما سمعته من المجلسي، والله أعلم.
وللمغرب إلى غيبوبة الشفق، ودونه إلى الربع، ودونه إلى الثلث، ودونه إلى
النصف، وللعشاء من سقوط الشفق إلى الربع، ودونه الثلث، ودونه النصف، والمراد
بالشفق الحمرة المغربية، وليس الضوء والبياض منه، وإلا لكان إلى ثلث الليل تقريبا،
وللصبح عند طلوع الفجر الذي تشهده ملائكة الليل والنهار، ويمتد من أول طلوعه إلى
أن يتجلل الصبح السماء ويتحقق الأسفار ويتأكد الغلس بها كما صرحت به النصوص
وهو أول طلوع الفجر، قال الصادق (عليه السلام) بعد أن سئل عن أفضل المواقيت (3):
(وفي الفجر مع طلوع الفجر، إن الله تبارك وتعالى يقول (4): (إن قرآن الفجر كان
مشهودا) صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، فإذا صلى العبد صلاة الصبح

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 والباب 28
الحديث 3 والمستدرك - الباب 9 منها - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(4) سورة الإسراء - الآية 80
168

مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين، أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار) وفي خبر
الخلقاني (1) عن الصادق (عليه السلام) أيضا (كان يصلي الغداة بغلس عند طلوع
الفجر الصادق أول ما يبدو قبل إن يستعرض، وكأن يقول: وقرآن الفجر) إلى آخره.
وما في المحكي عن دعائم الاسلام (2) عن الصادق (عليه السلام) (إن أول وقت
صلاه الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق، وآخر وقتها أن يحمر أفق المغرب، وذلك
قبل إن يبدو قرن الشمس من أفق المشرق بشئ، ولا ينبغي تأخيرها إلى هذا الوقت
لغير عذر، وأول الوقت أفضل) محمول على إرادة بيان وقت الاجزائي لا الفضيلي كما
يومي إليه ما في آخره، وقال في البحار: اعتبار احمرار المغرب غريب، وقد جرب أنه
إذا وصلت الحمرة إلى أفق المغرب يطلع قرن الشمس، ومنه يظهر ما في المحكي عن فقه
الرضا (عليه السلام) (3) من أن (أول وقت الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق،
وهو بياض كبياض النهار، وآخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق المغرب، وقد
رخص للعليل والمسافر والمضطر إلى قبل طلوع الشمس) وكيف كان فقد عرفت التحقيق
وكان الأصحاب استفادوا من الأسفار والتجلل ونحوهما ظهور الحمرة المشرقية، فجعلوها
هي الغاية في وقت الفضيلة وإن لم نجدها في النصوص، والأمر سهل.
وأما الجمع بين أخبار الظهرين بإرادة الذراع من القامة لما عرفته سابقا من
النصوص المتضمنة لذلك، أو بأن المراد مثل الباقي من الظل، وهو مختلف، ولذا اختلفت
النصوص في التقدير المزبور ففيهما ما عرفته سابقا مفصلا، بل الثاني منهما مقطوع
بفساده كما لا يخفى على من لاحظ ما تقدم عند قوله: (والمماثلة) إلى آخره. مع أن
الأول منهما لا يجمع سائر ما سمعته من الاختلاف، ولا يتم في بعض النصوص المعلوم

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(2) المستدرك - الباب 20 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 1 من كتاب الصلاة
(3) المستدرك - الباب 20 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 1 من كتاب الصلاة
169

إرادة قامة الانسان منها، نعم ربما جمع بينها بحمل هذا الاختلاف على الاختلاف في أداء
النافلة بحسب البطء والسرعة الطبيعيين والتخفيف والتطويل بشهادة ما دل على اقتطاع
هذا الوقت من الفريضة لها، وأنه إذا زالت الشمس لم يمنعك من صلاة الظهر إلا سبحتها
طالت أو قصرت، وكذلك العصر، وستعرف تمام الكلام فيه، ويقرب منه حمل
ما جاء بالمثل على من أراد التطويل بكثرة الدعاء ونحو ذلك، وبالقدمين على من يريد
التخفيف، ونحوه ما عساه يقال من أن هذا الاختلاف لاختلاف الاعتبارات والجهات
والمصالح والضمائم الراجحة، فتأمل جيدا.
هذا كله في وقت الفرائض (و) أما (وقت النوافل اليومية) ف‍ (للظهر من حين)
تحقق (الزوال) وتبينه، وعليه يحمل خبر الأصبغ (1) (إلى أن يبلغ زيادة الفئ
قدمين) أي سبعي الشاخص (وللعصر أربعة أقدام) أي أربعة أسباعه، وهما الذراع
والذراعان كما هو معلوم، ويومي إليه صحيح زرارة (2) عن الباقر (عليه السلام)
(سألته عن وقت الظهر فقال: ذراع من زوال الشمس، ووقت العصر ذراعان من
وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس) وربما كان بينهما تفاوت ما، ولعله لذا
جمع بينهما أبو علي فيما حكي عنه، فقال: يستحب للحاضر أن يقدم بعد الزوال وقبل
فريضة الظهر شيئا من التطوع إلى أن تزول الشمس قدما أو ذراعا من وقت زوالها
(وقيل) والقائل السيد أبو المكارم والحلي فيما حكي عنه والفاضلان والعليان على ما حكي
عن الميسي منهما، ومال إليه الشهيدان، بل هو صريح الثاني منهما، بل هو ظاهر المبسوط
والتهذيب والمحكي عن الاصباح، إذ في الأول والثالث الامتداد إلى أن يبقى إلى آخر
الوقت قدر أداء الفريضة، والظاهر إرادتهما وقت المختار، فيكون حينئذ عين المحكي

(1) المستدرك - الباب - 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث من كتاب الصلاة
170

عن الجمل والعقود والمهذب والجامع، بل في ظاهر الغنية الاجماع عليه (ما دام وقت
الاختيار) أو الفضل على القولين (باقيا) وهو المثل والمثلان (وقيل) والقائل غير
معروف باسمه ونسبه كما اعترف به جماعة (يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة) للاجزاء،
ولعله الحلبي في الكافي كما قيل، لكن المحكي عنه كما عرفته أن آخر وقت الظهر عنده
للمضطر المثل، ولغيره أربعة أقدام.
(و) على كل حال ف‍ (الأول أشهر) بل هو المشهور فتوى ورواية نقلا
وتحصيلا، بل قد يشعر بعض ما حكي من عبارات الخلاف الاجماع عليه، للنصوص (1)
المستفيضة غاية الاستفاضة، بل لعلها متواترة، بل في صحيح ابن مسكان عن زرارة (2)
عن الباقر (عليه السلام) بعد أن ذكر الذراع والذراعين (أتدري لم جعل الذراع
والذراعان؟ قلت: لم جعل ذلك؟ قال: لمكان النافلة، فإن لك أن تتنفل من زوال
الشمس إلى أن يمضي الفئ ذراعا، فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة
وتركت النافلة، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة) ونحوه غيره،
وفي التهذيب قال ابن مسكان: (وحدثني بالذراع والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير
المرادي وحسين صاحب القلانس وابن أبي يعفور ومن لا أحصيه منهم) وكان المراد أنه
أمر بفعل الفريضة دون النافلة، أو من غير تأخير إذا بلغ الفئ ذراعا أو ذراعين،
لئلا يفعل النافلة في وقت الفريضة، أو أنه أمر بتأخير الفريضة ذراعا مثلا لئلا يكون
وقت النافلة وقتا للفريضة، فيلزم فعلها في وقتها، أو الأمران معا، أو أن المراد أنه
جعل ذلك وقتا للنافلة كي لا يكون فعلها فيه من التطوع وقت الفريضة، كما يومي إليه

(1) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 18 و 25 و 26 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
171

خبر إسحاق بن عمار (1) (وإنما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون تطوع في وقت
الفريضة) وإن احتمل أيضا أحد الوجوه السابقة، بل يمكن تنزيل ما في موثق إسماعيل
الجعفي (2) عن الباقر (عليه السلام) أيضا (أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟
قلت: لم؟ قال: لمكان الفريضة لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه) على
ما ذكرنا أيضا إذا جعل الإشارة فيه للفريضة ونافلتها، فيكون المعنى حينئذ أنه لا يجوز
تأخير نوافلهما إليهما لئلا يؤخذ من وقت الفريضة للنافلة، أو أنه آخر وقتهما إلى
المقدارين لتقع النوافل قبل وقتهما، وإن أمكن أن يراد منه أن التحديد بين الفريضتين
للتمايز لئلا يؤخذ من وقت إحداهما ويدخل في وقت الأخرى، أو أنه لا ينبغي تقديم
الفريضتين لئلا يقعا في وقت النافلة، لكنهما كما ترى غير صالحين أن يكونا حكمة
وعلة لذلك.
وكيف كان فالنصوص ظاهرة وصريحة في التحديد المزبور، بل في بعضها تصريح
بالمنع عن النافلة بعد ذلك كما سمعت وتسمع فيما لو زاحمت النافلة الفريضة، فالأقوى
حينئذ الاقتصار في توقيتهما على ذلك، وبناء صحة فعلهما ولو قضاء على ما ستعرفه
من حكم التطوع في وقت الفريضة.
وأما القول بالامتداد للمثل والمثلين فلم نجد له شاهدا سوى الاجماع المحكي في
الغنية الذي هو مع شهادة التتبع بخلافه لا يحصل منه الظن، لمعارضته بما هو أقوى منه،
وسوى اطلاق الأمر بالنوافل الذي لا يدل عليه بالخصوص، ويجب الخروج عنه بما
عرفت، وسوى النصوص (3) المستفيضة الدالة على أن المدار على فعل النافلة طالت

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 26 من كتاب الصلاة
لكن رواه عن إسحاق عن إسماعيل الجعفي
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 19 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
172

أو قصرت، بل قال الحارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور بن حازم في خبر ابن
مسكان (1) عنهم جميعا: (كنا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع، فقال لنا أبو عبد الله
(عليه السلام): ألا أنبئكم بأبين من هذا؟ قال: قلنا: بلى جعلنا فداك، فقال: إذا
زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلا أن بين يديها سبحة، وذلك إليك إن شئت
طولت وإن شئت قصرت) ونحوه غيره، بل في خبر أحمد بن محمد بن يحيى (2)
التصريح بعدم اعتبار الأقدام، قال: (كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه
السلام) روي عن آبائك القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتين وظل مثلك والذراع
والذراعين، فكتب (عليه السلام) لا القدم ولا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل
وقت الصلاتين وبين يديها سبحة، وهي ثمان ركعات إن شئت طولت وإن شئت قصرت
ثم صل الظهر) وهي كالأول أيضا لا تدل على خصوص المثل والمثلين، بل قضيتها وإن
زاد، فالأولى حملها على إرادة بيان المتعارف في وقوع النافلة، وإن ما ورد من التحديد
بالقدمين والأربعة لأطول ما تقع فيه، فيكون المقصود منه رفع ما يوهمه التحديد
المزبور من لزوم الانتظار حتى لو فرغ منها قبل ذلك، لا أن المراد الإذن في تطويلها
زائدا على ذلك.
ولقد أجاد الشيخ بعد نقله هذه المكاتبة في قوله: (إنما نفي القدم والقدمين لئلا
يظن أن ذلك وقت لا يجوز غيره) على أنها معارضة بمكاتبة عبد الله بن محمد (3) (جعلت
فداك روي أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنهما قالا: إذا زالت

(1) الوسائل - الباب 5 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة، وجملة
(قال: قلنا: جعلنا فداك) ليس في الوسائل والكافي وإنما ذكرت في الاستبصار
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب المواقيت - الحديث 13 لكن رواه عن
محمد بن أحمد بن يحيى
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 28 من كتاب الصلاة
173

الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن بين يديها سبحة، إن شئت طولت وإن شئت
قصرت، وروى بعض مواليك عنهما أن وقت الظهر على قدمين من الزوال، ووقت
العصر على أربعة أقدام من الزوال، فإن صليت قبل ذلك لم يجزك، وبعضهم يقول:
يجزئ ولكن الفضل في انتظار القدمين والأربعة أقدام، وقد أحببت جعلت فداك
أن أعرف موضع الفضل في الوقت، فكتب القدمان والأربعة صواب جميعا) وهو
كالصريح فيما ذكرنا من أن المقصود بتلك الأخبار رفع توهم لزوم مراعاة الحد المزبور،
كما يومي إليه ما في الخبر الأول (كنا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع) وما في هذا الخبر
أيضا حيث نقل عن بعض مواليه أنه لا يجزئ التقديم على القدمين.
وسوى (1) ما في المعتبر من الاستدلال عليه بما في خبر زرارة (2) وعبد الله
ابن سنان (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (كان حائط مسجد رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قامة، فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر، وإذا مضى من فيئه ذراعان
صلى العصر) بناء على أن الحائط كان ذراعا، قال: فحينئذ ما روي من القامة والقامتين
جار هذا المجرى، للنصوص (4) الدالة على إرادة الذراع من القامة، وبهذا الاعتبار
يعود كلام الشيخ لفظيا، وفيه منع أن الحائط كان مقدار ذراع، بل في ذيل هذا الخبر
لفظ (من) ولفظ (من) في صدره ما يدل (5) بظاهره على خلاف ذلك وأنه كان
قامة انسان كما صرح به في المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (6) ويومي إليه زيادة
على ذلك ذكر استحباب ذلك في أحكام المساجد تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله)،

(1) قوله قدس سره، (وسوى ما في المعتبر) الخ عطف على قوله: (سوى الاجماع)
(2) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 25 - 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 25 - 5 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 و 13 و 14 و 24
(5) هكذا في النسخة الأصلية والأولى أن يكتب لفظ (مما يدل) بدل (ما يدل)
(6) فقه الرضا عليه السلام ص 3
174

واطلاق لفظ القامة مرادا بها الذراع في بعض الأحوال لا يقتضي حملها عليه ومخالفة
ما هو المنساق منها أينما وقعت.
ولقد أجاد في الذكرى حيث قال: ومن أين يعلم أن هذه القامة مفسرة لتلك
القامة؟ والظاهر تغايرهما بدليل قوله: (فإذا مضي من فيئه ذراع) ولو كان الذراع
نفسه القامة لم يكن للفظ (من) هنا معنى) قلت: بل يأباه خبر إسماعيل الجعفي (1)
أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام)
المسؤول فيه عن اختلاف الجدار قصرا وطولا بعد
التحديد بالذراع من فيئه والذراعين، فقال: (كان جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يومئذ قامة) وهو كما ترى بعيد عن حمل القامة على الذراع كما أشرنا إليه سابقا،
على أن ذلك بعد التسليم يقتضي أفضلية وقوع الظهر للمثل والعصر للمثلين من غيرهما
من الأوقات، لاستمرار مواظبة النبي (صلى الله عليه وآله) عليه، وكأنه مقطوع
بعدمه بملاحظة نصوص الأقدام (2) وغيرها التي لا تنطبق على ما ذكره، مع أنها واضحة
الانطباق على الذراع والذراعين كما عرفته سابقا، بل هو كذلك بالنسبة إلى الظهر.
وسوى ما في الروضة من أن المنقول من فعل النبي والأئمة (عليه السلام)
وغيرهم من السلف فعل نافلة صلاة العصر قبل الفريضة متصلة بها، وعلى تقدير الأقدام
لا يجتمع فعل صلاة العصر في وقت فضيلتها الذي هو بعد المثل، وفعل النافلة متصلة
بها، بل لا بد من الانفصال، ثم قال: والمروي (3) إن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان يتبع الظهر من سنة العصر ويؤخر الباقي إلى أن يريد صلاة العصر، وربما أتبعها
بأربع وست وأخر الباقي، وهو السر في اختلاف المسلمين في أعداد نافلتيهما، ولكن

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 20 و 28 و 29 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت الحديث 3 من كتاب الصلاة
175

أهل البيت (عليهم السلام) أدري بما فيه، وفيه مع اختصاصه ببعض نافلة العصر منع
اعتبار التأخير عن المثل في فضيلة العصر، بل ظاهر نصوص الأذرع والأقدام وغيرهما
خلافة، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) كانت عادته فعلها بالأربعة أقدام من قامة
الانسان، ونصوص القامة مع موافقتها للمحكي عن الشافعي وأصحابه يمكن أن يراد منها
الذراع كما كشفت عنه النصوص الأخر، وأنه كان متعارفا اطلاقها على الذراع من ظل
قامة الانسان، بل هو كاد يكون صريح مرسلة يونس الطويلة (1) ودعوى ضعف
النصوص المتضمنة لذلك، فلا يخرج بسببها عن المنساق إلى الذهن عند الاطلاق يدفعها
شهادة القرائن بصحتها كذكرها في الكتب المعتمدة وتعددها، ورواية أمثال هؤلاء
الأعيان لها، وفيهم بعض من روى القامة والقامتين كعمر بن حنظلة، ومعروفية قصد
التعريض بها على العامة حيث فهموا من القامة خلاف ذلك، على أنها إنما تضمنت بيان
الموضوع الذي يكتفي فيه بالظن أو ما هو حكمه حكم الموضوع، وقوله (عليه السلام) في بعض أخبار
القامة والقامتين (2): (وذلك المساء) مشيرا إلى القامتين لا يستلزم إرادة قامة
الانسان، لمنع عدم صدقه مع مضي الذراعين، وكون الشاخص الذي يقاس به الوقت
في ذلك معروفا بالذراع - فإذا أريد من القامة ذلك رجع إلى المثل والمثلين أيضا - يدفعه
عدم ظهور في أخبار القامة، بل ولا اشعار بإرادة التقدير بها بالنسبة إلى مثل هذا
الشاخص إذ يمكن إرادة التقدير بها بالنسبة إلى ظل الانسان، وقوله (عليه السلام)
في خبر أبي بصير (3): (كم القامة؟ فقال: ذراع، إن قامة رحل رسول الله (صلى الله
عليه وآله) كانت ذراعا) لا دلالة فيه على التقدير بها من ظل الرحل، بل أقصاه

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 32 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 14 من كتاب الصلاة
176

الدلالة على إرادة ذراع من لفظ القامة، وتأخير النبي (صلى الله عليه وآله) بعض نافلة
العصر إلى أن يريد صلاتها لا يقتضي أنه (صلى الله عليه وآله) كان يصليها بعد المثل
حتى يستلزم وقوعها بعد المثل، بل لعله كان يؤخر العصر إلى بلوغ الظل أربعة أقدام،
ضرورة زيادة هذا الوقت على فعل النافلة، إذ الظاهر أنه كان يبلغ ساعة نجومية تقريبا،
كما أن القدمين الأولين كذلك، وستسمع أن شاء الله تمام البحث في ذلك.
وسوى ما يقال: من أن الحكمة في توسعة الفضل إلى المثل والمثلين بسبب النافلة
كي يمتد وقتها، وفيه منع واضح، بل هو قول بغير علم، وتقول على الشارع بغير إذن.
ومن ذلك كله يظهر لك ضعف القول الثالث: أي امتداد وقت النافلة بامتداد
وقت اجزاء الفريضة وأن مال إليه في الذخيرة، إذ هو - مع أنه مجهول القائل كما قيل،
ولعله كذلك، لأنه لم ينسب إلا إلى الحلبي، وقد عرفت أنه إنما قال بالامتداد إلى
آخر الوقت، وإن آخر الوقت عنده الأربعة للمختار، والمثل للمضطر، ولعله لذا نفي
الخلاف في المحكي عن السرائر عن خروج وقت النافلة إذا صار المثل والمثلان - لا شاهد
له، بل الشواهد على خلافه، والأخبار (1) الدالة على كون النافلة بمنزلة الهدية، فكل
وقت صالح لها - مع قصورها عن المقاومة لغيرها من وجوه، ومقطوعية عدم العمل
على ظاهرها مطلقا - يمكن تنزيلها على إرادة عدم سقوط النافلة بخروج وقتها، بل غيره
صالح لفعلها كالفرائض ولو قضاء، لأنها بمنزلة الهدية، وليست هي كباقي النوافل الموقتة
التي تذهب بذهاب وقتها، لا أن المراد منها صلاحية سائر الأوقات لأدائها، وكيف
والنصوص يمكن دعوى تواترها في كونها موقتة، وأن وقتها غير ذلك، ومن العجيب
استفادة جواز تقديم النوافل على أوقاتها من هذه الأخبار التي وصفها في المعتبر بالندرة،

(1) الوسائل - الباب 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 و 7 و 8 من كتاب الصلاة
177

وفي الذكرى بعدم الشهرة كما ستسمعه إن شاء الله. وأما ما في موثق سماعة (1) عن الصادق
(عليه السلام) - الذي ذكره بعض الأصحاب في مسألة التطوع وقت الفريضة (والفضل
إذا صلى الانسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها، فيكون فضل أول الوقت
للفريضة، وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخر
الوقت) قيل: وكذا رواه في الكافي (2) بتفاوت ما، وفيه (موسع أن يصلي الانسان
في أول دخول وقت الفريضة بالنوافل إلا أن يخاف فوت الفريضة) - فمع احتمال إرادة
وقت الفضل لا الاجزاء كما يومي إليه صدره ظاهر أو صريح في خروج ذلك عن التوظيف
الذي هو محل النزاع، بل أقصاه الدلالة على جواز التطوع في وقت الفريضة ولو على
جهة القضاء للنوافل، أو صلاة غير الرواتب، وهي مسألة أخرى تسمع الكلام فيها
إن شاء الله وفيما يعارض هذا الخبر والترجيح بينهما.
ثم إن ظاهر أكثر النصوص إن لم يكن جميعها اختصاص النافلة بالقدمين والأربعة
بمعنى فعل الفريضة بعد القدمين والأربعة، لا أنه يستثني منها مقدار فعلهما أيضا حتى
يكون القدمان وقتا للظهر ونافلتها، والأربعة كذلك، نعم يستفاد من النصوص (3)
استحباب تعجيل النافلة وتخفيفها ما استطاع محافظة على أول الوقت، ومكاتبة عبد الله
ابن محمد (4) سؤالها يدل على استحباب انتظار القدمين والأربعة لا جوابها، كما أن
قوله في مكاتبة محمد بن الفرج (5) المضمرة (إذا زالت الشمس فصل سبحتك، وأحب
أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين، ثم صل سبحتك، وأحب أن يكون
فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام) محمول على إرادة عدم الزيادة لا النقيصة،

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 15 و 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 28 - 29 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 28 - 29 من كتاب الصلاة
178

وإلا فهي أشد حبا كما يظهر من النصوص الأخر (1) ومواظبة رسول الله (صلى الله
عليه وآله) على ذلك كما يظهر من أخبار الجدار (2) وغيرها لعلها كانت لحكمة أخرى
من اجتماع الناس أو قصد اظهار التوسعة أو غير ذلك مما هو (صلى الله عليه وآله)
والله أعلم به، هذا على المختار من التقدير بالأقدام.
أما على المثل فعن المبسوط استثناء قدر الفريضتين كما في معقد اجماع الغنية وما
حكي عن المهذب وغيره، وكأنه متعين بناء على أنهما غاية المختار، ضرورة عدم جواز
تأخيرهما عنهما اختيارا، اللهم إلا أن يجعلا لابتداء تضيقه، وهو خلاف ظاهرهم هناك،
لكن في المسالك أن ظاهر الأصحاب أن الوقت بأجمعه للنافلة، ويحتمل استثناء قدر
الفريضة، وفي الذكرى وغيرها ردا على ما سمعته عن المبسوط أن الأخبار لا تساعده،
لكنهما معا محل للنظر، نعم في مفتاح الكرامة أن الشيخ في المبسوط والجمل والاصباح
لم يستثن قدر فريضة العصر من المثل، قال في المبسوط: (ونوافل العصر ما بين الفراغ
من فريضة الظهر إلى خروج وقت المختار) قلت: يمكن منع ظهور العبارة فيما ذكر،
ولو سلم حكم عليها غيرها من عباراته، وكذلك النصوص أيضا إن كانت مثلها،
خصوصا بعد ما كان في قوية سماعة (3) منها (وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل
من أول الوقت إلى قريب من آخره) والأمر عندنا سهل بعد أن عرفت ضعف تحديد
النوافل بذلك، والله أعلم.
وعلى كل حال (فإن خرج وقت النافلة وقد تلبس منها) أي النافلة (ولو بركعة
زاحم بها الفريضة) و (أتمها) في وقتها أداء كما في الدروس والذكرى والبيان تنزيلا
لها منزلة صلاة واحدة أدرك ركعة واحدة منها (مخففة) جمعا بين الحقين ومحافظة على

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
179

أول الوقت للفريضة الذي من أجله أمر بالتخفيف ما استطاع حال عدم المزاحمة فضلا
عنها، والمراد بتخفيفها هنا الاقتصار فيها على أقل المجزئ كالحمد وتسبيحة واحدة في
الركوع والسجود كما عن جماعة التصريح به، بل مر سابقا في بعض النصوص (1)
الآمرة بركعتين خفيفتين بين المغرب أنه قيل: يا رسول الله (ما معنى خفيفتين؟ قال:
يقرأ فيهما الحمد وحدها) كما أنه ورد ذلك في صلاة الليل (2) أيضا، بل ربما حكي عن
بعض المتأخرين ايتار الصلاة جالسا لو تأدى التخفيف به، وكأنه مال إليه في المدارك
وإن كان فيه نظر، ولذا تأمل فيه في المسالك، بل ربما تأمل بعض الناس في أصل
اعتبار التخفيف، لاطلاق النص وبعض الفتاوى، وفيه أنه يمكن اشعار القدم ونصفه
في الموثق (3) بالتخفيف، على أن فيه مسارعة إلى فعل الواجب، هذا كله بناء على
عدم حرمة التطوع وقت الفريضة وعلى عدم حرمة تأخير الفريضة عن الوقت الأول،
وإلا فعليهما يتعين القول بالتخفيف، خصوصا على الأول اقتصارا على المتيقن،؟
قصور الموثق عن المقاومة لو كان فيه دلالة.
(وإن لم يكن صلى شيئا بدأ بالفريضة) وترك النافلة بلا خلاف أجده فيه سيما بين
المتأخرين، بل عن مجمع البرهان الاجماع عليه، لقوله (عليه السلام) (4): (من أدرك
من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله) والنهي عن التطوع وقت الفريضة (5) ولما
يأتي في مزاحمة صلاة الليل الصبح، ولما في موثق الساباطي (6) عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) المستدرك - الباب - 15 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 2
من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 30 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 مع اختلاف في اللفظ
(5) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
180

(للرجل أن يصلي الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي قدمان وإن كان قد بقي
من الزوال ركعة واحدة، أو قبل إن يمضي قدمان أتم الصلاة حتى يصلي تمام الركعات،
وإن مضى قدمان قبل إن يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم يصل الزوال إلا بعد ذلك،
وللرجل أن يصلي من نوافل الأولى ما بين الأولى إلى أن يمضي أربعة أقدام، فإن
مضت الأربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئا فلا يصلي النوافل، وإن كان قد صلى
ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر، وقال: للرجل أن يصلي إن بقي
عليه شئ من صلاة الزوال إلى أن يمضي بعد حضور الأولى نصف قدم، وللرجل إذا
كان قد صلى من نوافل الأولى شيئا قبل إن يحضر العصر فله أن يتم نوافل الأولى إلى
أن يمضي بعد حضور العصر قدم، وقال: القدم بعد حضور العصر مثل نصف قدم
بعد حضور الأولى في الوقت سواء) الحديث.
والمناقشة في سنده بعد انجباره واعتضاده لا يلتف إليها، خصوصا بعد كونه
من قسم الموثق الذي هو حجة عندنا، وسهولة الأمر فيما تضمنه، إذ هو إما محافظة
على سنة لم يتضيق وقت فريضتها، أو نهي عن التطوع وقت الفريضة مما هو مستفاد
من غيره، كما أن اشتماله على تسمية ما قبل الظهر من النوافل بالزوال وما بعدها بنوافل
الأولى - والظاهر إرادتها منها، وعلى ما لم نعثر على من أفتى به كما اعترف به في
الذكرى وإن استحسنه هو فيها من اشتراط المزاحمة بأن لا يمضي بعد القدمين أو الأربعة
أقدام نصف (1) قدم أو قدم، بناء على أن حضور الأولى عبارة عن القدمين،
وحضور العصر عبارة عن الأربعة بقرينة ما تقدم في البعض، وربما احتمل المثل والمثلان
معهما أيضا، وعلى تعليق المزاحمة على صلاة شئ من النوافل مما يشمل الأقل من ركعة
المصرح به في جامع المقاصد كظاهر غيره بعدم اعتبار غيرها حتى الركوع الذي ربما

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح (إلا نصف قدم أو قدم)
181

قيل بتحقق مسماها به، وإن كان التحقيق خلافه كما أشبعنا الكلام فيه في بحث الخلل،
فلاحظ. وعلى قوله (عليه السلام): (أو قبل إن يمضي قدمان) مما لم يتضح معناه - غير قادح أيضا بعد
ظهور المقصود منه وإن ساء التعبير كما هو الغالب فيما يرويه عمار، وبعد صراحته في
العصر، ولا قائل بالفرق، وامكان استفادة المطلوب من قوله (عليه السلام) فيه بعد: (وإن مضى
قدمان) إلى آخره. كما يومي إليه ما في المدارك من دعوى صراحة الخبر المزبور بسبب
اقتصاره في نقله له على هذه الشرطية دون قوله: (فإن بقي) والاجمال منها مع أنه إن لم
يكن ترديدا منه أو سهوا من الأقلام وإن العبارة (صلى) مكان (بقي) ويكون (أو)
سهوا يمكن أن يكون المراد أنه إن بقي من الزوال: أي ما قبل فرض الظهر من
النوافل قدر ركعة، أو الزوال هنا الوقت من الزوال إلى قدمين، وعلى التقديرين
قوله (عليه السلام): (أو قبل إن يمضي) تعبير عنه بعبارة أخرى للتوضيح.
والظاهر كما في الذكرى والدروس وغيرهما اختصاص المزاحمة بغير الجمعة،
لكثرة الأخبار (1) بضيقها، ولظهور خبر عمار الذي هو الأصل في المقام في غيرها،
لكن هل يختص بذلك الجمعة أو الصلاة يوم الجمعة؟ احتمالان ذكرهما في الروض، قال:
ويدل على الأول خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام) وظاهر خبر إسماعيل بن
عبد الخالق (3) الثاني، وهو في محله، كما أن ما فيه وجامع المقاصد من أنه لو ظن ضيق
وقت الفضيلة فصلى الفرض ثم تبين بقاؤه فالظاهر أن وقت النافلة باق كذلك أيضا،
لاطلاق الأدلة وظهور عدم اعتبار السبق في كونها أداء وإن كان هو معتبرا في نفسها،
ومثله الناسي وغيره ممن كان معذورا في تقديم الفرض مع فرض بقاء وقت النافلة،
إلا أن الأولى نية القربة المطلقة، بل قيل بأولوية عدم فعلها أصلا، حيث يكون فعل

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 0 - 3 - 7 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 0 - 3 - 7 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 0 - 3 - 7 من كتاب الصلاة
182

فريضة، كنافلة الظهر لأنه من التطوع وقتها حينئذ، والاستثناء مختص بحكم التبادر
من النص والفتوى بفعلها في وقتها قبل فريضتها وإن كان لا يخلو من نظر.
(ولا يجوز تقديمها) أي النوافل (على الزوال) لظهور النصوص والفتاوي
في توقيتها بذلك كما عن كشف اللثام الاعتراف به، فيقتصر عليه، ضرورة أن الصلاة
وظيفة شرعية فيقف اثباتها على مورد النقل، والمنقول فعلها بعده، ولصحيح ابن
أذينة (1) عن عدة أنهم سمعوا أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (كان أمير المؤمنين
(عليه السلام) لا يصلي من النهار حتى تزول الشمس، ولا من الليل بعد ما يصلي العشاء
حتى ينتصف الليل) وصحيح زرارة (2) عنه (عليه السلام) أيضا (كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لا يصلي من الليل شيئا إذا صلى العتمة حتى ينتصف الليل، ولا
يصلي من النهار حتى تزول الشمس) لكن في خبر ابن مسلم (3) المروي في الكافي
والتهذيب عن الباقر (عليه السلام) جواز تعجيل نافلة الزوال صدر النهار إذا علم أنه
يشتغل عنها فيه، وخبر عمر بن يزيد (4) عن الصادق (عليه السلام) (إعلم أن النافلة
بمنزلة الهدية، متى أتى بها قبلت) ونحوه خبر ابن عذافر (5) عنه (عليه السلام) أيضا
مع زيادة (فقدم منها ما شئت وأخر منها ما شئت) ويقرب منهما خبر علي بن جعفر (6)
عن أخيه المروي عن قرب الإسناد (نوافلكم صدقاتكم، فقدموها أنى شئتم) وقال
إسماعيل بن جابر (7) لأبي عبد الله (عليه السلام): (إني اشتغل قال: فاصنع كما
نصنع، صل ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر، يعني
(كان أمير المؤمنين عليه السلام... إلى آخره)

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 لكن الموجود فيه
(3) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 3 - 8 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 3 - 8 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 3 - 8 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 - 4 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 - 4 من كتاب الصلاة
183

ارتفاع الضحى الأكبر، واعتد بها من الزوال) والقاسم بن الوليد الغساني (1) قال له (عليه السلام)
أيضا: (جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال: ست عشرة في أي
ساعات النهار شئت أن تصليها صليتها إلا أنك إذا صليتها في مواقيتها أفضل) وفي مرسل
ابن الحكم (2) عنه (عليه السلام) أيضا قال لي: (صلاة النهار ست عشرة ركعة أي
النهار شئت، إن شئت في أوله وإن شئت في وسطه وإن شئت في آخره) وخبر
عبد الأعلى (3) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن نافلة النهار قال: ست عشرة
ركعة متى ما نشطت، إن علي بن الحسين (عليهما السلام) كانت له ساعات من النهار
يصلي فيها، فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها، إنما النافلة مثل الهدية متى أتي بها قبلت)
وفي صحيح زرارة (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) (ما صلى رسول الله (صلى الله
عليه وآله) الضحى قط، قال: فقلت له: ألم تخبرني أنه كان يصلي في صدر النهار أربع
ركعات؟ قال: بلى أنه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر) والمراد بالظهر هنا الزوال،
وفي خبر أبي البختري (5) المروي عن كتاب التوحيد عن الصادق عن أبيه (عليهما
السلام) في حديث (إن أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين نزل فصلى أربع ركعات
قبل الزوال) الحديث. وفي خبر معاوية بن وهب (6) قال: (لما كان يوم فتح
مكة ضربت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيمة سوداء من شعر بالأبطح،
ثم أفاض عليه الماء من جفنة يرى فيها أثر العجين ثم تحرى القبلة ضحى، فركع ثمان
ركعات لم يركعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل ذلك ولا بعد).

(1) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 7 - 10 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 7 - 10 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 7 - 10 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 - 2 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 - 2 من كتاب الصلاة
184

لكن الأخير وسابقه كما ترى لا دلالة فيهما على الراتبة، بل ما في صحيح زرارة
يدل على أن ذلك من التي ليست صلاة الضحى أيضا، كما أن كون أمير المؤمنين (عليه السلام)
في صفين مسافرا ولم يعلم نية الإقامة منه شاهد آخر على أن الأربعة ليست من
نوافل الزوال أيضا، بل لعل ما في صحيح زرارة من اعتداد النبي (صلى الله عليه وآله)
بالأربعة من نافلة الزوال محمول على يوم الجمعة أو الاستغناء بها عنها لبعض العوارض،
لا أنها هي مقدمة بقرينة ظهور لفظ (كان) فيه في الاستمرار الذي يشهد باقي النصوص
المتضمنة لفعله (صلى الله عليه وآله) بخلافه، على أنه لا ريب في مرجوحيته على تقدير
جوازه، ولا يستمر عليه، وخبر عبد الأعلى يحمل إن لم يكن ظاهره على إرادة القضاء
كما يشهد له ما حكاه من فعل علي بن الحسين (عليهما السلام)، إذ احتمال إرادة مطلق
الفعل من القضاء بعيد ولا داعي إليه، ومنه حينئذ يعلم أن مرادهم (عليهم السلام) في
التشبيه لها بالهدية بيان الحكمة في قضائها، أو بيان صلاحية مطلق الوقت لماهية النافلة،
لا أن صاحبة الوقت منها تقدم على وقتها لذلك، وأخبار ابني يزيد وعذافر وعلي بن
جعفر (عليهما السلام) لا تأبى الحمل على ذلك، ضرورة عدم صراحتها بل ولا ظهورها
في الرواتب، خصوصا الأول والثالث، وإلا لجاز فعل الراتبة في كل وقت حتى الليل،
وهو معلوم البطلان، وخبر ابن مسلم محمول على ما عرفت أيضا من إرادة صلاة مقدار
الراتبة إذا علم اشتغاله عنها في وقتها عوضا عنها، كما يشعر به لفظ (من) في خبر ابن
جابر، بناء على إرادة البدلية منها، بل الظاهر إرادة فعل هذا المقدار من النافلة المطلقة
التي يستحب للانسان في كل وقت فعلها من البدلية، لا أنه بدل مشروع بالخصوص
بحيث لا يصح معه الاتيان بالمبدل عنه إذا اتفق ارتفاع المانع مثلا، ضرورة كون المراد
ما في أيدي الناس من الاشتغال بطاعة عند فوات طاعة أخرى، فالبدلية فيها عرفية
لا شرعية، ولهذه المناسبة مع التماثل في الصورة سميت نافلة زوال مقدمة.
185

كل ذلك لقوة تلك الأدلة على أن النوافل من الموقت المعتضدة بالفتاوى بحيث
لا يصلح ما سمعت لمعارضته بوجه من الوجوه، خصوصا بعد عدم الفتوى به من أحد،
نعم ظاهر التهذيب العمل بخبر ابن مسلم السابق، وجعل في الذكرى والدروس جوازه
مطلقا وجها، وعن المقدس الأردبيلي استظهاره، وكأنه مال إليه تلميذه والأستاذ الأكبر
في حاشيته على المدارك، بل في الذكرى، ولا ينافي ذلك حديث الاشتغال، لامكان
ادراك ثواب فعلها في الوقت مع العذر لا مع عدمه، والتحقيق ما عرفت، وبه ينكشف
المراد من تلك الأخبار التي بسببها مالوا إلى ذلك، سيما خبر الغشاني ومرسل ابن الحكم
منها، للتصريح بالأفضلية في أولهما والتخيير في ثانيهما، ولولا أن الحكم من الضروريات
عندنا أو قريب منها وتطويل البحث فيه صرف للعمر في غير ما أعد له لأكثرنا من
الشواهد على فساد ذلك، والله أعلم.
ولا فرق فيما ذكرنا بين الأيام كلها (إلا يوم الجمعة) فيجوز التقديم، أو يرجح
لما ستعرفه في محله إن شاء الله (و) تعرف أيضا أنه (يزاد في نافلتها أربع ركعات،
اثنتان منها للزوال) فيكون المجموع عشرين ركعة، والله الموفق.
(ونافلة المغرب) أربع ركعات (بعدها) كما عرفته مفصلا، ويمتد وقتها من
بعد المغرب في المشهور بين المتأخرين كما في الدروس (إلى ذهاب الحمرة المغربية بمقدار
أداء الفريضة) المسماة بالشفق، بل في البيان والذخيرة دعوى الشهرة عليه من غير
تقييد، بل في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا، بل في المعتبر نسبته
إلى علمائنا، بل في ظاهر الغنية وصريح بعض شروح الجعفرية، كما عن المنتهى الاجماع
عليه، لأنه المعهود من فعلها من النبي (صلى الله عليه وآله) وغيره، والمنساق مما ورد
فيه من النصوص (1) بل قد عرفت فيما مضى التصريح في غير واحد من الأخبار بضيق

(1) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 6 و 15 و 16 وغيرها
186

وقت المغرب، وأنه يخرج بذهاب الحمرة فضلا عن نافلتها، ولعله إلى ذلك كله أو بعضه
أشار في المعتبر في استدلاله على المطلوب بأن ما بين صلاة المغرب وذهاب الحمرة وقت
يستحب فيه تأخير العشاء، فكان الاقبال فيه على النافلة حسنا، وعند ذهاب الحمرة
يقع الاشتغال بالفرض، فلا يصلح للنافلة، إلى آخره. قيل ويدل عليه أيضا أو يشهد له
الأخبار (1) الناطقة بأن، المفيض من عرفات إذا صلى المغرب في المزدلفة يؤخر النافلة
إلى ما بعد العشاء، كما أنه استدل عليه أيضا بالنهي عن التطوع في وقت الفريضة.
ونوقش في الأخير بأن المراد ضيق وقت الفريضة، وبأن الرواتب مستثناة من
ذلك، وإلا لامتنع فعلها هنا قبل ذهاب الحمرة، بناء على دخول وقت العشاء بعد
مضي ثلاث ركعات من الغروب، كما أنه قد يناقش في الأول أيضا بأن ذلك لعله
لاستحباب الجمع فيها المفسر بعدم توسط التطوع، وبمعارضته بصحيح أبان بن تغلب (2)
قال: (صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) المغرب بالمزدلفة، فلما انصرف أقام
الصلاة فصلى العشاء الآخرة لم يركع بينهما، ثم صليت معه بعد ذلك بسنة فصلى المغرب
ثم قام فتنفل بأربع ركعات، ثم أقام فصلى العشاء الآخرة) بل قيل وخبر رجاء بن
أبي الضحاك (3) (إن الرضا (عليه السلام) إذا صلى المغرب وسلم جلس في مصلاه
يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله ثم يسجد سجدتي الشكر ثم يرفع رأسه فلم
يتكلم حتى يقوم ويصلي أربع ركعات بتسليمتين) وكأنه لذلك كله أو بعضه مال في
المدارك تبعا للشهيد في الذكرى والدروس إلى امتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة، لأنها
تابعة لها كالوتيرة، وإن كان الأفضل المبادرة بها، واستجوده في كشف اللثام، لكنه

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الوقوف بالمشعر - الحديث 0 - 5 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الوقوف بالمشعر - الحديث 0 - 5 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 24 من كتاب الصلاة
187

كما ترى، بل قد عرفت نفي الخلاف عن عدمه في الظهرين، ولا قائل بالفصل كما اعترف
به في الرياض، واستثناء الرواتب مطلقا من اطلاق النهي عن التطوع وقت الفريضة
مخالف لظاهر النصوص (1) والفتاوى، كدعوى إرادة وقت ضيق الفريضة، والقول
بأنه لولا ذلك لما جازت الراتبة في مثل الظهرين والمغرب بناء على دخول وقت العشاء
قبل ذهابها بمكانة من الفساد، ضرورة عدم استلزام استثناء خصوص هذا الوقت من
ذلك الجواز مطلقا خصوصا في مثل العشاء الذي قد عرفت مرجوحية وقوعه جدا قبل
الذهاب، فكان وقته الذي ينسب إليه وينساق إلى الذهن من اطلاق الإضافة ما عدا
ذلك، على أنك قد عرفت فيما مضى النصوص المعللة لضرب أوقات نوافل الظهرين
بأنه لئلا يكون تطوع في وقت الفريضة، وحاصله أنه بضرب الشارع هذا الوقت للنافلة
صار كأنه لا يقال له تطوع في وقت الفريضة، فتأمل جيدا. وصحيح أبان لا صراحة
فيه، بل ولا ظهور بأن فعله (عليه السلام) النافلة كان بعد ذهاب وقتها، ولا بأنه فعلها أداء، بل
لعله فعلها قضاء بناء على عدم الحرمة، على أنه معارض بغيره، ويأتي إن شاء الله عند
ذكر الأمكنة التي يستحب فيها الجمع والأزمنة ما يفيد في المقام، كما أنه ستعرف إن
شاء الله تمام البحث في الحرمة والكراهة، إنما البحث هنا ونظائره من حيث التوظيف
المجرد عن الحرمة أو الكراهة الذي لا ريب في عدم ثبوته هنا زائدا على ذهاب الحمرة،
فلا يتوهم بناء ما هنا على ذلك على كل حال، والله أعلم.
وحينئذ (فإن بلغ ذلك ولم يصل النافلة أجمع) ولا ركعة منها بل ولا ابتدأ
بها تركها (وبدأ بالفريضة) وإلا كان من التطوع وقت الفريضة، ضرورة صيرورتها

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 18 و 19 و 25 و 26
والباب 35 منها من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 19 و 25 و 26 من كتاب الصلاة
188

قضاء على المختار، فيجري فيها ما تسمعه في المسألة الآتية، أما لو كان قد شرع في ركعة
من الأربع قبل خروج الوقت فخرج فعن ابن إدريس اتمام الأربع، ولعله للقياس على
نوافل الظهرين، وهو مع أنه حرام عندنا مع الفارق، لمزاحمة كل منهما فريضتها لا
فريضة أخرى، وفيه زيادة على الأصل بناء على تعليق المزاحمة هناك على الركعة، وهنا
على مجرد الشروع، ومن هنا قيل إنه لا وجه له إلا أن يكون اجماعا، وهو ضعيف
جدا، لاشتهار خلافه بين الأصحاب كما في الذخيرة وإن اختلفوا في اطلاق الحكم كما
هنا والقواعد والإرشاد والتحرير والمنتهى، أو تقييده بما إذا لم يكن شرع في ركعتين
منها، وإلا فيكملهما خاصة، أولتين كانتا أم أخيرتين كما ذكرهما الشهيدان وغيرهما،
ولعل وجهه النهي عن ابطال العمل، وفي الرياض هو حسن إن قلنا بتحريمه مطلقا،
وإن خصصناه وقلنا بكراهته في النافلة كما عليه الشهيد الثاني رحمه الله أو مطلقا كما عليه
هؤلاء الجماعة أشكل الاستثناء، لعموم أدلة تحريم النافلة في وقت الفريضة، والابطال
لا يستلزم غير الكراهة، وهي بالإضافة إلى التحريم مرجوحة بل منفية لاختصاصها بما
إذا لم يعارضها حرمة، وقد عارضها في المسألة لعموم الأدلة على الحرمة، إلا أن يمنع
ويدعي اختصاصها بحكم التبادر بابتداء النوافل في وقت الفريضة لا عدم وقوعها فيه مطلقا
وهو غير بعيد، فما قالوه حسن سيما على المختار من عموم تحريم الابطال للنوافل أيضا،
ثم قال: وربما يشكل لو علم قبل الشروع فيها بمزاحمتها الفريضة في الأثناء، لقوة شمول
أدلة حرمة النافلة في وقت الفريضة لمثل هذا، وفيه أنه لا وجه للجزم بحسنه بناء على
التحريم، ضرورة حصول التعارض بين ما دل على حرمة الابطال وبين ما دل على حرمة
التطوع في وقت الفريضة، ولا ريب في رجحان الثاني إن لم نقل بعدم صلاحية الأول
لمعارضته، ضرورة اقتضائه البطلان، فلا ابطال، فتأمل. وأما ترجيح الأول بظهور
الثاني في ابتداء النوافل فيه لا في نحو المقام فبعد تسليمه يقتضي عدم الفرق بين حرمة
189

الابطال وكراهته، بل ويقتضي عدم الاشكال أيضا فيما ذكره أخيرا من أنه لو علم
قبل الشروع إلى آخره، إذ علمه بعد عدم شمول الأدلة له غير مؤثر قطعا، فالتحقيق
بناء المسألة على شمول أدلة حرمة التطوع أو كراهته له وعدمه، فعلى الأول يتجه
البطلان، وعلى الثاني فإن قلنا بحرمة الابطال اتجه الاتمام، وإلا فمخير بين الأمرين،
ولعل الاتمام أولى له، لأن الكراهة فيه بمعنى أقلية الثواب، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فذلك يقتضي الاقتصار على خصوص ما تلبس فيه من الركعتين،
وليس هو من المزاحمة وتحصيل وظيفة النافلة بشئ، فما في المدارك - بعد أن استضعف
دليل عدم المزاحمة وذكر ذلك عن الشهيد واستحسنه ثم قال: وأحسن منه اتمام الأربع
بالتلبس بشئ منها كما عن ابن إدريس، وأولى من الجميع الاتيان بالنافلة بعد المغرب
متى أوقعها المكلف، وعدم اعتبار شئ من ذلك - كما ترى مبني على مختاره السابق
الذي عرفت ما فيه، لكن الانصاف بعد ذلك كله أن القول بالمزاحمة وتحصيل الوظيفة
بادراك الركعة لا يخلو من قوة، لعموم قوله (عليه السلام): (من أدرك من الوقت
ركعة فقد أدرك الوقت كله) ولامتداد وقت فضيلة العشاء، بل لعل تأخيرها أرجح
وأولى، ولشدة التأكيد في الأربع، وأنه لا تتركها ولو طلبتك الخيل، ولمشروعية
المزاحمة في غيرها من النوافل، ولاشعار بعض النصوص التي يقف عليها المتتبع به زيادة
على ما ذكره الخصم، ولغير ذلك، هذا كله مع مراعاة الوقت، أما لو اعتمد على
استصحاب بقاء الشفق وصلى فلا اشكال في الجواز، ضرورة عدم اشتراط المشروعية
بالعلم ببقاء الوقت الذي لا يقوم الاستصحاب مقامه كما هو واضح، والله أعلم.
(والركعتان) المسماتان بالوتيرة اللتان ذكرنا أنهما يصليان (من جلوس) حتما
أو استحبابا يفعلان (بعد) صلاة (العشاء) حتى لو فعلت في آخر وقتها (و) من هنا
قال المصنف كغيره، بل لعله لا خلاف فيه بل في ظاهر المعتبر وصريح بعض شروح
190

الجعفرية كما عن المنتهى الاجماع عليه: (يمتد وقتهما بامتداد وقت الفريضة) لاطلاق الأدلة
من غير معارض، لكن قد يقال باعتبار البعدية العرفية، لأنه المنساق، بل والمعهود،
فلا يجوز صلاة العشاء مثلا في أول الوقت وتأخير الوتيرة من غير اشتغال بنافلة إلى
النصف مثلا أو إلى الطلوع، بناء على امتداد الوقت إليه، أو اعتبارا لاضطراري له،
وقلنا به فيه تمسكا بالاطلاق الذي مقتضاه أوسع من ذلك، نعم لا بأس بتأخيرهما عن
العشاء بما لا يخرج عن مسمى البعدية عرفا، وخصوصا إذا أراد الاشتغال بعد العشاء
ببعض النوافل الموظفة مثلا في بعض الليالي الخاصة، لتظافر النصوص (1) باستحباب
البيتوتة على وتر حتى أن في بعضها (2) اشتراط الايمان بذلك، وليس المراد الوتر
من صلاة الليل قطعا كما لا يخفى على من لاحظها، على أن الوتر المزبور لا بيتوتة معه
غالبا، لاستحباب وقوعه في آخر الليل، اللهم إلا أن يقال بعدم استلزام البيتوتة النوم،
بل المراد الفعل في الليل، كما أن ظل للفعل بالنهار، بل عن المصباح المنير عن الليث
أن من قال: بات بمعنى نام فقد أخطأ، ألا ترى أنك تقول بات يرعى النجوم،
ومعناه ينظر إليها، وكيف ينام من يراقب النجوم، وقال ابن القطاع وغيره: بات
يفعل كذا إذا فعله ليلا، ولا يقال بمعنى نام، وقال الأزهري: قال الفراء: بات الليل
إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية، قلت: ولعل منه قوله تعالى (3): (والذين
يبيتون لربهم سجدا وقياما).
لكن الانصاف أن ذلك كله مخالف للعرف، كما أن ما ذكروه لها أيضا من أنها بمعنى صار حتى جعلوا منه قوله (عليه السلام) (4): (لا يدري أين باتت يده)

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أعداد الفرائض من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أعداد الفرائض من كتاب الصلاة
(3) سورة الفرقان - الآية 65
(4) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الوضوء - الحديث 3
191

وقول الفقهاء: بات عند امرأته ليلة أي صار سواء نام فيها أم لا كذلك مخالف
للعرف، ولقد أجاد المجلسي (ره) حيث قال: والحق أن بات في غالب الاستعمال
يعتبر فيه النوم لا السهر، كما يظهر من الشيخ الرضي وغيره، وقال الرضي: وأما مجئ
بات بمعنى صار ففيه نظر، فتأمل جيدا. فيكون المراد حينئذ من البيت على وتر النوم
بعد وقوعه، وهو ليس إلا الوتيرة، ويومي إليه أيضا زيادة على ما عرفت ما في بعض
الأخبار (1) من تعليل ترك النبي (صلى الله عليه وآله) الوتيرة أنه كان يعلم عدم
انقضاء أجله، وأنه يجلس ويصلي وترا، بخلاف غيره ممن لا يعلم ذلك فقد يموت في
نومته، فتأمل جيدا.
(و) ظهر من ذلك كله أنه كما قال المصنف تبعا للمحكي عن الشيخين وأتباعهما
(ينبغي) له (أن يجعلهما خاتمة نوافله) لكن في المدارك أني لم أقف على مستند
لاستحباب جعلها خاتمة النوافل التي يريد صلاتها تلك الليلة، نعم روى زرارة (2)
عن أبي جعفر (عليه السلام) (وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك) وهو لا يدل على
المدعى، وفيه ما عرفت، وأن الدليل غير منحصر بهذا الخبر الذي يمكن دعوى ظهوره
في الوتر من نافلة الليل، والله أعلم.
(و) وقت (صلاة الليل بعد انتصافه) بلا خلاف محقق أجده، إذ ما حكي
عن الهداية من أن وقتها الثلث الأخير محتمل لإرادة الأفضل، كالنصوص الموقتة لها
بالآخر (3) أو السحر (4) أو الثلث الباقي (5) أو نحو ذلك جمعا بينها وبين ما دل

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب 54 - من أبواب المواقيت - الحديث - 3 - 1 - 4 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 54 - من أبواب المواقيت - الحديث - 3 - 1 - 4 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 54 - من أبواب المواقيت - الحديث - 3 - 1 - 4 من كتاب الصلاة
192

على النصف (1) بشهادة ما في بعضها (2) من أن أحب صلاة الليل إليهم (عليهم السلام)
آخر الليل، ونحو ذلك، فلا بأس حينئذ بدعوى الاجماع في المقام كما في المعتبر والمدارك
وعن المرتضى والخلاف والمنتهى وغيرها، لشهادة التتبع له، وهو الحجة بعد النصوص
المعتبرة المستفيضة، منها المتضمن (3) لفعل النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين
(عليه السلام) الذين يجب التأسي بهما، وأنهما ما كانا يصليان بعد العتمة شيئا حتى
ينتصف الليل، ومنها الصريحة والظاهرة (4) بأن وقتها انتصاف الليل أو بعد انتصافه
أو ما بين نصف الليل إلى آخره، بل في خبر محمد (5) (إنه كان زرارة يقول: كيف
تصلي صلاة لم يدخل وقتها، إنما وقتها بعد نصف الليل) ومنها النصوص (6) المستفيضة
جدا المتضمنة وقت الوتر مع تتميمها بالاجماع على عدم الفصل بينه وبين غيره من صلاة
الليل، وعلى أن ليس وقته خاصة الأخير فقط، ويؤيد ذلك كله ما استفاض من
النصوص في مدح النصف الثاني من الليل، وأنه فيه الساعة التي يستجيب الله من عباده
ما سألوه فيها، وأنها كما في خبر النيشابوري (7) ما بين النصف إلى الثلث الباقي، وفي
بعضها (8) أنها في السدس الأول من النصف الباقي، وفي آخر (9) إذا مضى نصف
الليل، لكن في كشف اللثام بعد خبر النيشابوري أنه لعل هذه الساعة الساعة التي

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 4 والباب 36
الحديث 5 و 6
(4) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 54 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 2 و 4 و 5 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الدعاء - الحديث 3 - 2 - 1 من كتاب الصلاة
(8) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الدعاء - الحديث 3 - 2 - 1 من كتاب الصلاة
(9) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الدعاء - الحديث 3 - 2 - 1 من كتاب الصلاة
193

يصل فيها كف الخضيب إلى سمت الرأس من السماء، وكان في ليلة السؤال وما بعدها
إلى آخر ليالي حياة السائل وقوعه بين النصف الأول والثلث الباقي، فلا يخالف ما مر
من الأخبار، ومراده أخبار الثلث، وأنه هو الذي يستجاب فيه الدعاء، فيكون وجه
الجمع حينئذ أن خبر النيشابوري منزل على تلك الحال، إذ هي كما ستعرف من الأحوال
التي يستجاب فيها الدعاء، كهبوب الرياح ونحوه من الأحوال، وأخبار الثلث أو الربع
أو الساعة الأخيرة منهما على وقت استجابة الدعاء، كشهر رمضان وغيره، فتأمل جيدا.
ومنها الأخبار الآتية (1) المجوزة لفعلها قبله لعلة ونحوها، إذ هي كالصريحة
في أن ذلك رخصة في تقديمها على وقتها، لا أنه وقت لها كما يتوهم من الموثقين (لا بأس
بصلاة الليل من أوله إلى آخره إلا أن أفضل ذلك إذا انتصف الليل) كما في أحدهما (2)
وفي الثاني (3) (عن وقت صلاة الليل في السفر، فقال من حين تصلي العتمة إلى أن
ينفجر الصبح) وخبر محمد بن عيسى (4) (كتبت إليه أسأله يا سيدي روي عن جدك
أنه قال: لا بأس بأن يصلي الرجل صلاة الليل في أول الليل، فكتب في أي وقت
صلى فهو جائز) وغيره من الأخبار، بل وما تقدم في أخبار الهدية (5) وحيث كانت
قاصرة عن المقاومة من وجوه اتجه حملها على ما عرفت من الرخصة في التقديم للضرورة
كما أشار إليه جماعة، منهم الصدوق فيما حكي عنه، قال: وكلما روي من الاطلاق في
صلاة الليل من أول الليل فإنما هو في السفر، لأن المفسر من الأخبار يحكم على المجمل،
وزاد في التهذيب (ما لو غلب على طن الانسان أنه إن لم يصلها فاتته أو يشق عليه
القيام في آخر الليل ولا يتمكن من القضاء فحينئذ يجوز تقديمها ولا بأس به) وربما يرشد

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 0 - 9 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 0 - 9 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 14 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 14 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 و 7 و 8 من كتاب الصلاة
194

إليه الخبر (1) (كتبت إليه في وقت صلاة الليل فكتب عند الزوال وهو نصفه أفضل،
فإن فات فأوله وآخره جائز) إذ هو مع تضمنه التوقيت بالزوال في جواب السؤال
والتعبير بلفظ الفوات صرح بالأفضلية الظاهرة في الاشتراك، فلا يبعد إرادة ما لا
ينافي الأول منها.
إذ احتمال العكس وهو تنزيل أخبار التنصيف (2) على الفضيلة، والموثقين
وغيرهما على التوقيت بتمام الليل ضعيف جدا مخالف لقواعد الفقه، بل ولما هو كالمقطوع
به، خصوصا بعد ما سمعت من الاجماعات، بل في خبر أبي الجارود (3) عن أبي جعفر
(عليه السلام) المروي عن تفسير علي بن إبراهيم (اعلموا أنه لم يأت نبي قط إلا خلا
بصلاة الليل، ولا جاء نبي قط بصلاة الليل في أول الليل) والمراد بقوله: (إلا خلا)
أي مضى من الدنيا مواظبا عليها، ويحتمل أن يكون من الخلوة: أي أوقعها في الخلوة،
وما عن بعض النسخ (إلا أول الليل) زيادة من النساخ، أو يكون المراد أنه كان
وقت صلاتهم مخالفا لوقتها في هذه الشريعة، بل يمكن الاستدلال بآية المزمل (4) على
المطلوب بناء على بعض الوجوه فيها، بل لعله أوجه ما قيل فيها، ويشهد له بعض
الأخبار (5) الواردة في تفسيرها وغيره، وذكر تمام الكلام فيها يقضي باطناب تام
وخروج عن مقتضى المقام، لأنها من الآيات المتشابهة التي لا يعلم تفسيرها إلا الله
والراسخون في العلم كما اعترف به المجلسي في البحار، بل لا يخفى على من لاحظ الكشاف
والبيضاوي وتفسير الرازي وآيات الأحكام للأردبيلي وغيرها صعوبة الحال فيها،

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 13 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(3) تفسير علي بن إبراهيم سورة المزمل - الآية 20
(4) سورة المزمل - الآية 3
(5) تفسير الصافي سورة المزمل - الآية 4
195

فلا مناص حينئذ عن حمل تلك الأخبار على ما عرفت، بل قد يقال فيها بنحو ما سمعته
في نافلة الزوال وأن بعد من أن هذه النافلة المقدمة عوض عن صلاة الليل التي يغلب
على ظنه عدم فعلها في وقتها وعدم قضائها على حسب العوضية التي قررناها هناك،
والمراد بالأفضلية حينئذ في الصنفين لا الشخص في الوقتين، والله أعلم.
(وكلما قرب من الفجر كان أفضل) بلا خلاف معتد به، بل في المعتبر وعن
الناصرية والخلاف والمنتهى وظاهر التذكرة الاجماع عليه، للأمر بها في آخر الليل (1)
المحمول على الفضيلة كما عرفته، ولقوله (عليه السلام) في بعضها (2) (إن أحب صلاة
الليل إليهم (عليه السلام) آخر الليل) والأمر بها في الثلث الأخير (3) فضلا عما ورد (4) فيه من
فضله واستجابة الدعاء فيه بالمغفرة وغيرها، والأمر بها في السحر أيضا (5) كالمحكي من
فعلهم (عليه السلام) لها فيه، مضافا إلى ما ورد في تفسير قوله تعالى (6): (والمستغفرين بالأسحار)
بالمصلين وقت السحر كما رواه الرضا عن أبيه (7) عن أبي عبد الله (عليهم السلام) كما
عن مجمع البيان، وقوله تعالى أيضا (8)، (وبالأسحار هم يستغفرون) كما عن تفسير
العياشي عن المفضل بن عمر (9) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت
فداك تفوتني صلاة الليل فأصلي الفجر فلي أن أصلي بعد صلاة الفجر ما فاتني من صلاة

(1) الوسائل - الباب 54 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 54 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 4 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 23 من كتاب الصلاة
(6) سورة آل عمران - الآية 15
(7) مجمع البيان - سورة آل عمران - الآية 15 - ص 419 من طبعة صيدا
(8) سورة الذاريات - الآية 18
(9) المستدرك - الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
196

- إلى أن قال -: فقال: نعم، ولكن لا تعلم به أهلك فيتخذونه سنة، فيبطل قول
الله تعالى: والمستغفرين بالأسحار) وإن كان لا صراحة فيهما بكون الاستغفار الصلاة،
لأن حمل المشتق على المشتق لا يقتضي حمل المبدأ على المبدأ، لكن الظاهر أن وجه
تفسير المستغفرين بالمصلين مصاحبة الاستغفار للصلاة، لوقوعه فيها أو عقيبها، لعدم
وقوع الاستغفار بالسحر ممن لا يصلي فيه غالبا، فإن الناس يقومون بالأسحار للصلاة،
ويقع الاستغفار منهم تبعا للصلاة، وهذا المقدار كاف في المطلوب.
فلا بأس حينئذ بإرادة المعنى الحقيقي من لفظ الاستغفار في الآيتين كما هو مختار
أكثر المتأخرين من أئمة التفسير كالزمخشري والرازي والنيشابوري وغيرهم على ما قيل،
للأصل والأخبار المستفيضة، كصحيح معاوية بن عمار (1) وموثق أبي بصير (2)
والمرسلين عن هداية الصدوق (3) ومجمع البيان (4) وغيرها، وقد ذكرنا في أول البحث
عن صلاة الليل استحبابه في نفسه بالسحر من دون الوتر، وإن كان هو فيه له فضل
آخر، بل الظاهر استحبابه في جميع الأوقات، فإن من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة،
وما علم الله العباد الاستغفار إلا هو يريد أن يغفر لهم كذا في الحديث (5) وفيه
(إن للقلوب صداء كصداء النحاس فاجلوها بالاستغفار) (6) (وإذا كثر العبد
الاستغفار رفعت صحيفته وهي تتلألأ) (7) ويتأكد في الأسحار كما عرفت، وفي ليالي
الجمع طول الليل (8) وفي كل يوم مائة مرة أو سبعين فهو غفران سبعمائة (9)، وفي

(1) الوسائل - الباب 10 - من أبواب القنوت - الحديث 7 - 9 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 10 - من أبواب القنوت - الحديث 7 - 9 من كتاب الصلاة
(3) الهداية ص 35 المطبوعة بطهران عام 1377
(4) الوسائل - الباب 23 - من أبواب الذكر - الحديث 10 - 12 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 23 - من أبواب الذكر - الحديث 10 - 12 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 23 - من أبواب الذكر - الحديث 5 - 3 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب 23 - من أبواب الذكر - الحديث 5 - 3 من كتاب الصلاة
(8) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب صلاة الجمعة من كتاب الصلاة
(9) الوسائل - الباب - 92 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد
197

الغداة والعصر سبعين (1) وفي المجلس خمسا وعشرين (2) وعند استيلاء الهموم (3)
وتعسر الرزق وجدوبة الأرض وحرمان الولد (4) كل ذلك للنص كما قيل، والأصل
في الاستغفار الندم والتوبة واصلاح الباطن، فالمستغفر من الذنب المصر عليه كالمستهزئ
بربه كما في الخبر (5) وفيه (أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لمن قال بحضرته:
أستغفر الله: ثكلتك أمك، أتدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العليين، وهو
اسم واقع على ستة معان: أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود عليه
أبدا، والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله ليس عليك تبعة،
والرابع أن تعمد إلى كل فريضة ضيعتها تؤدي حقها، والخامس أن تعمد إلى اللحم
الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم، وينشأ بينهما لحم
جديد، والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول:
أستغفر الله) (6) والله أعلم.
ومضافا إلى ما ورد (7) في مدح السحر في نفسه مما يناسب وضع الصلاة فيه،
لأنه لا اشكال في أنه من الأوقات المضروبة لجملة من الطاعات، وأن فيه فضيلة الايثار
والاستغفار طول العام، ووقت السحور والدعاء المأثور في شهر الصيام، وهو أفضل
الأوقات وأشرفها وأحسن الساعات وألطفها، وكم لله فيه من نفحة عطرة يمن بها على

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب التعقيب - الحديث 15 والباب 27 منها
من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الذكر - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 23 - من أبواب الذكر - الحديث 4 - 10 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 23 - من أبواب الذكر - الحديث 4 - 10 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 86 - من أبواب جهاد النفس - الحديث 8 من كتاب الجهاد
(6) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب جهاد النفس - الحديث 4 من كتاب الجهاد
(7) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة
198

من يشاء، وجائزة موفرة يخص بها من أخلص في الدعاء، وكم من عبادة فيه هبت عليها
نسمات القبول، ودعوة من ذي طلبة مشفوعة ببلوغ المأمول، ومشكل من مسائل اتضح
بمصابيح الهداية، وعويص من المطالب افتتح بمفاتيح العناية، فهو وقت للعلماء
والعاملين والعرفاء والمتعبدين، والسعيد من سعد باحياء هذا الوقت الشريف، واستدر
به أخلاف الكرم من الجواد اللطيف، وجاء في جنبه للقيام بين يدي الجبار، وواظب
فيه على الإنابة والاستغفار مما اجترح في آناء الليل والنهار، وقد وقع الالتباس لكثير
من الناس في هذا الوقت، فمنهم من توسع فيه حتى أتى بأعماله بعد العشاء متى شاء،
أو تربص بها حتى مضى نصف الليل أو ثلثاه بلا مستند من الشرع ولا شاهد من اللغة
أو العرف، ومن حق العمل الموقت واجبا كان أو مندوبا مراعاة وقته المقدر له شرعا،
فإن ترك العمل من أصله أهون من الاتيان به في غير وقته، لمشاركته الترك في ترك
المأمور به وزيادته عليه بالتشريع في تقديمه أو تأخيره.
وتحديد السحر من أحد طرفيه وهو الآخر معلوم، لاتصاله بالفجر باجماع العلماء
وأما طرفه الآخر وهو الأول المخالط لدجى الليل فربما اكتسى ثوب الاجمال، لعدم
وقوع التصريح به من أكثر اللغويين والأدباء كما قيل، غير أن المعلوم من كلماتهم ومن
محاورات أهل العرف وتتبع الاستعمالات الواردة بطلان ما ظن من التوسعة، ولعل
أوسع ما قيل في معناه ما عن جامع الشيخ الثقة أبي علي الطبرسي وكشاف رئيس علماء
اللغة والبلاغة جار الله الزمخشري وأبي حامد الغزالي واحياء الفاضل القاساني السدس
الأخير من الليل، بل قال بعض المتبحرين: (إني لم أجد لأحد من المعتبرين تحديده
بالأكثر من ذلك، بل ظاهر الأكثر أنه أقل منه، كما أنه ربما يقاربه أو ينطبق عليه
قول البعض: أما الزيادة فلا) وكأنه أراد بقول البعض تفسيره بآخر الليل كما في مجمع
البحار، أو بقبيل الصبح كما في المجمل والصحاح، أو قبله من دون تصغير كما في
199

القاموس، ثم قال: ويقال لطرف كل شئ، هذا، ولكن العرف يشهد بسعة وقت
السحر كما ذكرناه، بل قيل: إن النصوص تشهد أيضا بذلك، بل بأنه الثلث الأخير،
ويؤيده ما ورد من الأدعية وغيرها فيه على وجه يستلزم سعته عن ذلك أيضا، فتأمل.
خصوصا في شهر رمضان.
وكيف كان فما يعمل فيه طول العام الدعاء، إذ هو خير وقت يدعى فيه، ولذا
أخر يعقوب (عليه السلام) بنيه في الاستغفار إلى السحر، لأن دعاء السحر مستجاب،
ومنه إلى طلوع الشمس ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وتقسم فيها الأرزاق، وتقضى
فيها الحوائج العظام، ومن قام آخر الليل فذكر الله تناثرت عنه الخطايا، فإن تطهر وصلى
ركعتين لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه، ومن كانت له إلى الله حاجة فليطلبها في ثلاث
ساعات: ساعة في يوم الجمعة، وساعة تزول الشمس، وحين تهب الرياح، وتفتح
أبواب السماء، وتنزل الرحمة، وساعة في آخر الليل عند طلوع الفجر، فإن ملكين
يناديان هل من تائب يتاب عليه، هل من مستغفر فيغفر له، هل من طالب حاجة
فتقضى له، فأجيبوا داعي الله.
والدعاء في الأصل مطلق الطلب، ثم خص في العرف الشرعي بسؤال العبد
ربه على وجه الابتهال، وقد يطلق على التقديس والتمجيد ونحوهما، لكونه سؤالا
بلطف وتعرضا للطلب بطريق خفي، ومنه (1) (خير الدعاء دعائي ودعاء الأنبياء من
قبلي، وهو لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو
حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شئ قدير) قال بعض الأفاضل: قيل: سئل

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة - الحديث 3
من كتاب الحج
200

عطاء عن ذلك كيف سماه دعاء؟ وإنما هو تمجيد وتقديس، فقال: هذا أمية بن الصلت
يقول في عبد الله بن جذعان:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني * حباءك؟ إن شيمتك الحباء
إذا أثنى عليك المرء يوما * كفاه عن تعرضه الثناء
أفيعلم ابن جذعان ما يراد منه بالثناء، ولا يعلم رب العالمين ذلك؟ والدعاء من
أفضل العبادات، وأدلها على العبودية المطلوبة من العباد، قال الله تعالى (1): (قل
ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم) وقال عز وجل (2): (ادعوني استجب لكم، إن الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) وعن الباقر (عليه السلام) (3)
(ما من شئ أفضل عند الله من أن يسأل ويطلب ما عنده، وما أحد أبغض إلى الله
ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده) وعنه (عليه السلام) (4) (أفضل العبادة
الدعاء) وفي الصحيح (5) عن الصادق (عليه السلام) (في رجلين افتتحا الصلاة في
ساعة واحدة، فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه، ودعا هذا فكان
دعاؤه أكثر من تلاوته، ثم انصرفا في ساعة واحدة، أيهما أفضل؟ قال: كل فيه فضل،
كل حسن، قلت: إني قد علمت أن كلا حسن وأن كلا فيه فضل، فقال: الدعاء
أفضل، أما سمعت قول الله عز وجل: (ادعوني استجب لكم، إن الذين يستكبرون
عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) هي والله العبادة، هي والله العبادة، هي والله
أفضل، أليست هي العبادة؟ هي والله العبادة، هي والله العبادة، أليست هي أشدهن؟

(1) سورة الفرقان - الآية 77 (2) سورة المؤمن - الآية 62
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 3 - من أبواب الدعاء الحديث 2 وذيله في
الباب 1 - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب 3 - من أبواب الدعاء - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 من كتاب الصلاة
201

هي والله أشدهن، هي والله أشدهن) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) (أحب
الأعمال إلى الله تعالى في الأرض الدعاء) وعنه (عليه السلام) (2) (الدعاء مفاتيح
النجاح، ومقاليد الفلاح، وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي وقلب شجي، وفي المناجاة
سبب النجاة، وبالاخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع).
والأفضل من الدعاء ما صادف أفضل الأزمنة كالسحر من الليل (3) والزوال
منه (4) ومن النهار (5) وأوقات الصلوات الخمس في اليوم والليلة (6) والجمعة في
الأسبوع (7) وشهر رمضان في الشهور (8) ويوم عرفة (9) وليلتي العيدين في السنة (10)
والأمكنة كالحطيم (11) والمستجار (12) والروضة (13) وجميع المساجد (14) والمشاهد (15)

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الدعاء - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الدعاء - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الدعاء - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 23 - من أبواب الدعاء - الحديث 0 - 7 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 23 - من أبواب الدعاء - الحديث 0 - 7 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 40 و 41 - من أبواب صلاة الجمعة من كتاب الصلاة
(8) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب أحكام شهر رمضان من كتاب الصوم
(9) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة - الحديث 1
من كتاب الحج
(10) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة والباب 10 من
أبواب الوقوف بالمشعر من كتاب الحج، والاقبال للسيد ص 271 و 421
(11) الوسائل - الباب 53 - من أبواب أحكام المساجد - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(12) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الطواف - الحديث 9 من كتاب الحج
(13) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب المزار - الحديث 1
(14) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة
(15) الوسائل - الباب - 30 - من كتاب المزار - الحديث 2
202

والأحوال كحال الصوم (1) والصلاة (2) والتعقيب (3) والقراءة (4) والسجود (5)
وما بين الأذانين (6) وما بين نزول الإمام من المنبر يوم الجمعة إلى أن تقام الصلاة (7)
وعند الرقة (8) والدمعة (9) والغربة، والاضطرار (10) وهبوب الرياح (11)
والتقاء الصفين (12) وأول قطرة من دم شهيد (13) ووصول كف الخضيب إلى وسط
السماء، كل ذلك للنص كما قيل، وأحسن الأدعية الأدعية القرآنية، ثم الأدعية
المأثورة عن النبي والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين)، فهي شفاء لصدور
العالمين، ونجاح لمطالب العابدين، وهذا حديث عرض في البين ما أحببنا خلو الكتاب
عنه، فلنعد لما نحن فيه.
ويدل على استحباب خصوص الوتر من صلاة الليل فيما يقرب من الفجر ما رواه
الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (14) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن

(1) أمالي الصدوق عليه الرحمة ص 159 - المجلس 45 - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التعقيب - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 4 و 5 - من أبواب التعقيب من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب السجود - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الأذان والإقامة من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(8) الوسائل - الباب 28 - من أبواب الدعاء - الحديث 1 - 3 من كتاب الصلاة
(9) الوسائل - الباب 28 - من أبواب الدعاء - الحديث 1 - 3 من كتاب الصلاة
(10) الصحيفة السجادية ص 298 - الدعاء 51 ونصه " أنت الذي أحببت عند
الاضطرار دعوتي "
(11) الوسائل - الباب 23 - من أبواب الدعاء - الحديث 1 - 2 - 1 من كتاب الصلاة
(12) الوسائل - الباب 23 - من أبواب الدعاء - الحديث 1 - 2 - 1 من كتاب الصلاة
(13) الوسائل - الباب 23 - من أبواب الدعاء - الحديث 1 - 2 - 1 من كتاب الصلاة
(14) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
مع اختلاف فيه
203

أفضل الساعات للوتر فقال: الفجر الأول) وسأل إسماعيل بن سعد الأشعري في
الصحيح (1) أبا الحسن الرضا (عليه السلام) (عن ساعات الوتر فقال: أحبها إلي
الفجر الأول) وفي الذكرى عن ابن أبي قرة عن زرارة (2) (إن رجلا سأل
أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الوتر أول الليل فلم يجبه، فلما كان بين الصبحين خرج
أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المسجد فنادى أين السائل عن الوتر؟ نعم ساعات
الوتر هذه، ثم قام فأوتر " إلى غير ذلك، بل في المدارك أنه لو قيل باستحباب تأخير
الوتر خاصة إلى أن يقرب الفجر دون الثمان ركعات كما يدل عليه صحيحة إسماعيل بن
سعد المتقدمة كان وجها قويا، ثم قال: ويؤيده أن عمر بن يزيد (3) سمع في الصحيح
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي ويدعو
فيها إلا استجاب له، قلت: أصلحك الله فأي ساعة من الليل؟ قال: إذا مضى نصف
الليل إلى الثلث الثاني) وهو كما ترى لا صراحة فيه باستحباب صلاة الليل في هذا
الوقت، ضرورة أن ما فيه أعم من ذلك، فالأولى تأييده بخبر الحسين بن علي بن
بلال (4) قال: (كتبت إليه في وقت صلاة الليل فكتب عند زوال الليل وهو نصفه
أفضل، فإن فات فأوله وآخره جائز) وخبر سماعة (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(لا بأس بصلاة الليل من أول الليل إلى آخره إلا أن أفضل ذلك إذا انتصف الليل)،
لكن بعد اعراض الأصحاب عنهما والطعن في سنديهما واشتمالهما على ما قد

(1) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الدعاء الحديث 1 من كتاب الصلاة
وفيه " الباقي " بدل " الثاني "
(4) الوسائل - الباب 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 13 - 9 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 13 - 9 من كتاب الصلاة
204

عرفت خلافه يجب طرحهما أو تأويلهما بما لا ينافي ذلك من جعل الأفضلية للمجموع
الذي يكفي في صدقه رجحانه على الأول خاصة، أو على إرادة ابتداء الفضل، أو نحو
ذلك، كما أن ما دل (1) من الأخبار على استحباب التفريق أربعا وأربعا وثلاثا، وأنه كان
النبي (صلى الله عليه وآله) هكذا يفعل، وعن ابن الجنيد الفتوى به، وأنه كان (صلى الله
عليه وآله) يقوم بعد ثلث الليل (2) وفي الكافي في حديث آخر (3) أنه كان يقوم
بعد نصف الليل يجب حمله على كونه من خواص النبي (صلى الله عليه وآله) كما قيل،
وإن كان يدفعه بعضها كما تقدم سابقا، أو على أنه إن أريد فعلها دفعة كان أفضل
الأوقات لها الآخر، وإن أريد فعلها مفرقة كان الأولى مراعاة فعله (صلى الله عليه وآله)
للتأسي، أو على أن لكل من التفريق والوقت فضلا مختلفا، ويختلف باختلاف الترجيح
والاعتبار، أو غير ذلك، كل ذلك مراعاة لما سمعته من الأصحاب من دعوى الاجماع،
وإن كان الانصاف أن اثبات الكلية من النصوص لا يخلو من عسر كما اعترف به المجلسي
وغيره، بل أقصى ما يستفاد استحباب السحر والثلث الأخير، وهو المعبر عنه في
الأخبار بالثلث الباقي بالقاف، وربما توهم فقرأ بالنون، والله أعلم بحقيقة الحال.
(و) على كل حال فقد ظهر لك فيما تقدم من الأصل والنص والاجماع أنه
(لا يجوز تقديمها) أي صلاة الليل (على الانتصاف) نعم يستثنى منه ما أشار إليه
بقوله: (إلا المسافر يصده جده، أو شاب يمنعه رطوبة رأسه) عن فعلها فيما بعده،
وفاقا للأكثر، بل عن الخلاف الاجماع عليه، للنصوص المستفيضة (4) في الأول،
وفيها الصحيح والمنجبر، ويتم في الثاني بعدم القول بالفصل، مضافا إلى صراحة ذيل

(1) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 53 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 53 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
205

خبر ابن وهب (1) المروي في الكافي والتهذيب فيه، واعتبار تضيع القضاء فيه في ذلك
كالمحكي عن المختلف والمنتهى لا يقدح في المطلوب، خصوصا بعد انسياقه إلى إرادة
المحافظة على الأفضل، وهو القضاء، لا اشتراط أصل الجواز، بل قد يدعى عدم إرادة
معنى الشرطية منه، بل ذكر تقريرا لما في السؤال، فتأمل. ومضافا إلى خبر يعقوب
الأحمر (2) (سألته عن صلاة الليل في الصيف في الليالي القصار في أول الليل، فقال:
نعم ما رأيت ونعم ما صنعت، ثم قال: إن الشاب يكثر النوم فأنا آمرك به) وهو
صريح في أن كثرة النوم للشاب دون الشيخ ككلام الأصحاب وغيره من النصوص،
وهو المتعارف، فما في خبر أبان بن تغلب (3) من العكس يجب إرادة غير ذلك منه
من النشاط وعدمه أو نحو ذلك، قال: (خرجت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فيما بين
مكة والمدينة وكأن يقول أما أنتم فشباب تؤخرون، وأما أنا فشيخ أعجل، وكان يصلي
صلاة الليل أول الليل) ولعله لذا نص في مصابيح الطباطبائي على أن الشيخوخة من
الأعذار المسوغة للتقديم كالشباب وخائف البرد والاحتلام والنوم والمسافر والمريض
مستدلا عليه بالنص والاجماع، ومنه بل ومن خبري يعقوب المزبور (4) وليث
المرادي (5) يستفاد الاكتفاء بمطلق خوف الفوات في الوقت، لقصر الليل أو شدة
البرد أو خوف الجنابة، ولعله هو الذي أراده المحقق الثاني في حاشيته على الإرشاد
حيث عد إرادة الجماع من الأعذار المسوغة للتقديم، بمعنى إرادتها آخر الليل، ويحتمل
أن يريد إرادة الجماع في أول الليل وكان يصعب عليه الغسل فيقدم حينئذ صلاة الليل

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 17 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 18 - 17 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 18 - 17 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 16 من كتاب الصلاة
206

ثم يجنب كي لا تفوته، والأولى عدهما من الأعذار، إذ الفرض الاكتفاء بأي عذر كان
من الأعذار، بل خبر أبي بصير (1) ظاهر في ذلك أو صريح فيه، قال: (قال
الصادق (عليه السلام): إذا خشيت أن لا تقوم آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك
برد فصل صلاتك وأوتر من أول الليل) بل لعل في نصوص السفر (2) اشعارا
بذلك، ضرورة عدم الخصوصية له، بل في بعضها (3) تعليق الحكم على خوف الجنابة
فيه أو في البرد، وهو صريح في عطفه على السفر، وقرينة على المراد مما لم يعد فيه حرف
الجر من غيره، لا أن المراد يخاف الجنابة في السفر أو البرد فيه، ولعله لذا عمم الحكم
بعض الأصحاب إلى مطلق العذر، بل هو معقد ما حكي من اجماع الخلاف، ويؤيده
ما يستفاد من نصوص الهدية (4) وغيرها مما يستفاد منه سهولة الأمر في وقت النافلة،
نعم يكره أن يتخذ ذلك خلقا كي لا يتوهم بدعيته.
(و) من هنا كان (قضاؤها) في النهار (أفضل) من التقديم المزبور اتفاقا
في كشف اللثام والرياض كما صرح بهما معا في خبر محمد (5) بل وخبر عمر بن حنظلة (6)
وإن كان قد وقع فيه الأمر بالقضاء المحمول على الأفضلية بقرينة غيره من النصوص (7)
التي هي شاهد آخر على المطلوب، ضرورة اقتضاء الأفضلية جواز الغير مرجوحا،
فمن العجيب استدلال القائل بالمنع مطلقا كزرارة وابن إدريس في المحكي عن سرائره
والفاضل في المحكي عن تذكرته بمثل هذه النصوص أو المشتمل منها على النهي الذي قد
عرفت حمله على الكراهة المصرح بها فيما سمعت، أو بالقاعدة في الموقت التي يجب

(1) الوسائل - الباب 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 2 و 3 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 و 7 و 8 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 3 - 0 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 3 - 0 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 3 - 0 من كتاب الصلاة
207

الخروج عنها ببعض ذلك، بل نصوص الأفضلية المزبورة ظاهرة في عدم اعتبار تضييع
القضاء في جواز التقديم أيضا كما عن المنتهى والمختلف، والقاعدة المزبورة المستثنى منها
صورة تعذر القضاء محافظة على فعل السنن، وكأنه مال إليه في كشف اللثام حيث قال
بعد أن نقل عن المنتهى ذلك: ويمكن اختصاص أخباره بهذا الموضع، ولا نصوصية
في كون القضاء أفضل على جواز التقديم.
ويؤيد المنع خبر مرازم (1) قال له (عليه السلام): (متى أصلي صلاة الليل؟
فقال: آخر الليل، قال: فإني لا استنبه، فقال: تستنبه مرة فتصليها، وتنام فتقضيها،
فإذا اهتممت بقضائها بالنهار استنبهت) وخبر معاوية بن وهب (2) قال: (إن رجلا
من مواليك من صلحائهم شكى إلي ما يلقى من النوم وقال: إني أريد القيام بالليل فيغلبني
النوم حتى أصبح، فربما قضيت الشهر المتتابع والشهرين أصبر على ثقله، فقال: قرة عين
والله قرة عين والله، ولم يرخص في الصلاة أول الليل وقال: القضاء أفضل) وهو كما ترى،
والخبران لا دلالة فيهما على المنع خصوصا الأول بل والثاني، بل قوله: (فيه أفضل
ظاهر في الجواز الذي لا ينافيه قول الراوي: (ولم يرخص) الصادق مع سكوته
(عليه السلام) عن الرخصة، نعم في ذيله الذي زيد في الكافي والتهذيب (3) دلالة على
الاشتراط المزبور كما أشرنا إليه سابقا، قال: (قلت: فإن من نسائنا أبكارا، الجارية
تحب الخير وأهله، وتحرص على الصلاة فيغلبها النوم حتى ربما قضت وربما ضعفت عن
قضائه، وهي تقوى عليه أول الليل فرخص لهن في الصلاة أول الليل إذا ضعفن وضيعن
القضاء) وقد عرفت الوجه فيه فيما تقدم.

(1) الوسائل الباب - 45 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 1 - 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل الباب - 45 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 1 - 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل الباب - 45 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 1 - 2 من كتاب الصلاة
208

ثم إن اطلاق التقديم في النص والفتوى يقضي بالجواز في أول دخول المغرب
قبل العشاءين فضلا عما بعدهما، وهو ظاهر الروض أو صريحه، لكن المنساق إلى
الذهن حتى من قوله أول الليل في بعضها (1) ما بعد وقت العشاء، بل في موثق سماعة (2)
الآتي التصريح بذلك، بل لا يبعد رجحان التأخير الممكن في الجملة خصوصا إلى الثلث
على التعجيل، ولعله إلى ذلك يشير خبر علي بن جعفر (عليه السلام) (3) المروي عن
قرب الإسناد للحميري (سأل أخاه (عليه السلام) عن الرجل يتخوف أن لا يقوم من
الليل أيصلي صلاة الليل إذا انصرف من العشاء الآخرة؟ وهل يجزيه ذلك أم عليه قضاء؟
قال: لا صلاة حتى يذهب الثلث الأول من الليل، والقضاء بالنهار أفضل من تلك
الساعة) إذ لم يقل أحد باعتبار ذهاب الثلث في رخصة التقديم، وهل ينوي الأداء
إذا قدم للعذر كما يومي إليه ما في موثق سماعة (4) من أن (وقت صلاة الليل في السفر)
من حين تصلى العتمة إلى أن ينفجر الصبح) أو التعجيل لأنه هو المستفاد من التدبير في
النصوص والفتاوى، ولأنه لا قضاء أفضل من الأداء؟ وجهان، أقواهما وأحوطهما
الثاني تبعا للرياض، ولعله الظاهر من كشف اللثام، بل لولا اتفاق الأصحاب ظاهرا
على أن هذه المقدمة صلاة ليل معجلة لأمكن دعوى ما قلناه سابقا في نافلة الزوال من أنها صلاة كصلاة الليل شرعت عند خوف عدم ادراكها، بل هي ليست بدلا حقيقة
عنها بحيث لو أنتبه في الوقت لم يشرع له الفعل حينئذ، بل لعل ذكر الوجهين من بعض
علمائنا المعاصرين (5) فيما لو أنتبه في الوقت بعد أن قدمها أول الليل مشعر بذلك في الجملة
بل استظهر في الروض الإعادة، وجعل عدمها احتمالا، ثم حكاه عن بعض فتاوى

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 2 و 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(5) سيد الرياض وشيخنا في شرح الرسالة (منه رحمه الله)
209

فخر المحققين، والظاهر تناول صلاة الليل لركعتي الفجر، لما عرفته هناك من تعارف
دخولهما فيها لفظا ومعنى كما يومي إليه تسميتهما بالدساستين، فما في الروض من استثنائهما
من رخصة التقديم لا يخلو من نظر، أما الوتر فلا ينبغي الشك فيه، وفي جملة من نصوص
المقام (1) التصريح به، بل في بعضها (2) الاقتصار عليه اعتمادا على أولوية غيره منه
بذلك، أو على أن تقديمه مستلزم لتقديم غيره منها للترتيب.
(و) كيف كان فقد ظهر لك من جميع ما أسلفنا أن (آخر وقتها) أي صلاة
الليل الأحد عشر ركعة (طلوع الفجر الثاني) الذي هو المنساق إلى الذهن من اطلاقه،
بل هو الحقيقة وغيره المجاز، فما عن المرتضى - من جعله الغاية طلوع الفجر الأول الذي
هو أول وقت ركعتي الفجر، وفي الغالب لا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت أخرى -
في غاية الضعف، بل يمكن دعوى القطع بفساده بملاحظة الأصل والنصوص (3) والفتاوى
ومعاقد الاجماعات وغيرها، مضافا إلى ما ستعرف من عدم تخصيص كل من ركعتي
الفجر والوقت المزبور بالآخر، كيف والنصوص (4) مستفيضة أو متواترة باستحباب
وقوع الوتر خاصة فيه أو مع باقي صلاة الليل، على أنك قد سمعت فيما تقدم أن ركعتي
الفجر من صلاة الليل، كل ذا مع خلو سائر النصوص عن الشهادة له إلا بالتأويل الذي
يأباه الظاهر، مع أنه ليس حجة عندنا، وأما ما في الغنية وعن المهذب من جعل الغاية
ما قبل الفجر فمع احتمال إرادتهما الفجر، ضرورة عدم العبرة بالآن الحكمي والتدقيق
العقلي قال في كشف اللثام: إنهما اعتبرا الشروع فيها، وغيرهما الفراغ منها، على أن

(1) الوسائل - الباب 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 2 و 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
210

الاجماع المحكي على لسان جماعة إن لم يكن محصلا وظاهر مجموع النصوص كاف في ردهما
إن لم ينزل كلامهما على ما ذكرنا.
(ف‍) حينئذ (إن طلع) الفجر (ولم يكن) قد (تلبس منها) بشئ أصلا
صلى ركعتي الفجر ثم الفريضة، ولا يصلي في المشهور كما في الذكرى شيئا من صلاة الليل
قبلها، بناء على حرمة التطوع وقت الفريضة، وإلا جاز له ذلك قضاء لا أداء، لخروج
الوقت نصا (1) وفتوى، بل في الرياض نفي الخلاف فيه إلا ممن ستعرف، فما في جملة
من النصوص (2) - من الأمر بفعلها أجمع أو الوتر منها خاصة بعد الفجر قبل الفريضة
وإن عمل بمضمونها الصدوق في الجملة فيما حكي من كلامه والشيخ والمصنف وغيرهما من
متأخري المتأخرين بعد أن حملوا الأمر فيها على الرخصة التي هي مجردة عن الفضل أبعد
مجازاته بعد الاغضاء عن سند بعضها ودلالة آخر عليه، ومعارضتها بما في خبر إسماعيل (3)
من النهي عن الايتار بعد ما يطلع الفجر الدال على أولوية ما قبله بذلك، وإن منعها في
الذخيرة، لكن منعه ممنوع، وغيره من الأخبار (4) التي تسمع بعضها إن شاء الله،
بل في الرياض أنها في غاية الاستفاضة، بل لعلها متواترة - إما هو من الأدلة على عدم
حرمة التطوع وقت الفريضة، فيكون المراد حينئذ حتى من كلام الشيخ فعلها قضاء،
أو يراد الفجر الأول فيها، أو قبل الفجر الثاني بقليل جدا بحيث صلى فيه أربع ركعات،
ولا ينافيه ما في بعضها (5) من النهي عن اتخاذه عادة، إذ لعله لاقتضاء ضيق الوقت

(1) الوسائل الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 3 و 8 والباب 47
الحديث 2 والباب 48 الحديث 4
(5) الوسائل - الباب 48 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 3 و 5 من كتاب الصلاة
211

عدم التوجه فيها ونحوه، أو يراد بما بعد الفجر بعد صلاته، أو التقييد بما إذا كان قد
صلى أربعا، أو غير ذلك، على أنها قاصرة عن معارضة غيرها من وجوه لا تخفى، منها
الشهرة العظيمة التي كادت تكون اجماعا كما في الرياض، ومنها كثرة النصوص (1)
المعارضة حتى ربما ادعي تواترها، وإن اختلفت في الدلالة على المطلوب صراحة وظهورا
بمفهوم الشرط والغاية والأولوية ونحوها، ومنها المخالفة للعامة كما قيل بخلاف تلك،
ومنها الموافقة للاحتياط، وللنصوص المشهورة (2) الناهية عن التطوع وقت الفريضة،
وللنصوص (3) المبالغة في المحافظة على صلاة الفجر في وقتها، ومنها عدم صراحتها في
الرخصة المزبورة كما ذكره الشيخ ومن تبعه، أو مع عدم الاعتياد كما عليه الصدوق والحسن
في المنتقى فيما حكي عنهما، حتى خبر عمر بن يزيد (4) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
(أقوم وقد طلع الفجر فإن أنا بدأت بالفجر صليتها في أول وقتها، وإن بدأت في صلاة
الليل والوتر صليت الفجر في وقت هؤلاء، فقال: ابدأ بصلاة الليل والوتر) ضرورة
احتماله أيضا بعض ما ذكرنا.
وإما غيره فكذا إذا تلبس منها (ب‍) دون (الأربع) ركعات وقد طلع الفجر
(بدأ بركعتي الفجر قبل الفريضة حتى تطلع الحمرة المشرقية فيشتغل بالفريضة) لأن حكم
ما دونها حكم ما لم يتلبس بشئ منها كما هو صريح الذكرى والدروس وجامع المقاصد
وظاهر غيرها ممن علق المزاحمة وعدمها على الأربع وعدمها، بل مقتضاه القطع

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 3 و 8 والباب 47
الحديث 2 والباب 48 الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 5 والباب 28 منها
من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
212

والاشتغال بالفريضة وإن كان قبل رفع الرأس من السجدة الأخيرة فضلا عما قبل
ذلك، بناء على توقف صدق تمام الركعة عليه، ولعله لخروج الوقت الموظف لها،
وقول الصادق (عليه السلام) في خبر المفضل بن عمر (1): (فإذا أنت قمت وقد طلع الفجر
فابدأ بالفريضة، ولا تصل غيرها) الحديث. ومفهوم الشرط في خبر مؤمن الطاق (2)
وفحوى النصوص (3) المسؤول فيها عن صلاة الليل مع تخوف طلوع الفجر، وغير ذلك،
مضافا إلى النهي (4) عن التطوع في وقت الفريضة، لكن ومع ذلك كله ستسمع
ما ينافي الجزم بالحكم المزبور، وأن فيه وجوها أخر.
ثم إن ظاهر المصنف جعل الغاية طلوع الحمرة، وهو لا يخلو من اشكال، بناء
على أنه غاية وقت فضيلة الفريضة كما سمعته فيما تقدم، فالأولى حينئذ جعل الغاية ما قبل
الطلوع بقدر أداء الفريضة، ولعل المراد ذلك نحو ما سمعته في نافلتي الزوال والعصر
من تحديد غايتهما عند من عرفت بالمثل والمثلين، فالكلام هنا كما هناك، وعساك تسمع
تمام الكلام إن شاء الله في البحث عن وقت ركعتي الفجر.
(و) أما (إن كان قد تلبس بأربع) ركعات منها ثم طلع الفجر (تممها مخففة)
بالحمد أداء كما في الدروس (ولو طلع الفجر) كما هو: (أي الاتمام المشهور نقلا وتحصيلا
بل في مصابيح الطباطبائي الاجماع عليه، بل في الرياض نفي الخلاف فيه حاكيا له عن
بعض الأجلة، لكن قيده بما إذا لم يخش فوات فضيلة الفرض، وقد خلى عنه النص
وكثير من الفتاوى، وكيف كان فالأصل في الحكم المزبور خبر مؤمن الطاق المنجبر

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كناب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
213

بما سمعت وبما عن المنتهى، وفي الذخيرة من أن عليه عمل الأصحاب (إذا كنت
صليت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع الفجر أو لم يطلع) (1)
وخبر يعقوب البزاز (2) (قلت له: أقوم قبل الفجر بقليل فأصلي أربع ركعات ثم
أتخوف أن ينفجر الفجر أبدأ بالوتر أو أتم الركعات، قال: لا بل أوتر وأخر الركعات
حتى تقضيها في صدر النهار) - مع اضماره وضعف سنده، واحتمال تنزيله على ما إذا
خاف الفجر خاصة لا ما إذا طلع الفجر عليه كما نحن فيه، وربما يشهد له في الجملة صحيح
محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) (سألته عن الرجل يقوم آخر الليل وهو
يخشى أن يفجأه الصبح أيبتدئ بالوتر أو يصلي الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر
آخر ذلك؟ قال: بل يبدأ بالوتر، وقال: أنا كنت فاعلا ذلك) - قاصر عن معارضة
الأول المعتضد بما سمعت من الاجماع وعمل الأصحاب وغيره من النصوص (4) مما
اشتمل على النهي عن الايتار بعد الطلوع ونحوه والمحافظة على السنن، بل في كشف
اللثام وتبعه غيره أنه إنما أمر فيه بتقديم الوتر ليدركه بالليل، لتظافر الأخبار بالايتار
فيه، كما نطقت بأن من قام آخر الليل ولم يصل صلاته وخاف أن يفجأه الفجر أوتر،
والقضاء في صدر النهار أعم من فعلها قبل فريضة الصبح وبعدها، وإن كان فيما ذكره
أخيرا نظر واضح.
لكن على كل حال فالجمع بينه وبين الأول بالتخيير كما في الذخيرة والمعتبر،
واستحسنه في البحار، أو أفضلية التأخير كما صرح به الشيخ والمحقق الثاني، وكأنه
مال إليه في الذكرى لا يخلو من نظر، ولعل الجمع بحمل تقديم الوتر على ما إذا خشي
انفجار الفجر ولم ينفجر بعد ليقع الوتر في وقته، والاتمام على ما إذا انفجر الفجر أولى منه

(1) الوسائل - الباب 47 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 47 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 0 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 0 من كتاب الصلاة
214

كما اعترف به المجلسي في البحار، ويمكن أن يريده كشف اللثام.
وأما الأمر بالتخفيف المفسر بقراءة الحمد وحدها فهو وإن كان قد صرح به
المصنف وغيره وخلى عنه خبر مؤمن الطاق الذي هو الأصل في المسألة إلا أنه مناسب
للجمع بين حقي الفريضة والنافلة، ويدل عليه خبر إسماعيل بن جابر (1) أو عبد الله
ابن سنان (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أقوم آخر الليل وأخاف الصبح
قال: اقرأ الحمد واعجل واعجل) لأولوية ما بعد الصبح مما قبله، فتأمل. فلا يقدح
حينئذ تضمن سؤاله لخوف الصبح الذي هو غير ما نحن فيه من طلوعه عليه متلبسا.
وتفصيل البحث في هذا أن المتنفل إن قام في آخر الليل فإما أن يظن في الوقت
سعة تسع تمام الصلاة، أو يظن ضيقه على الاتيان بها أجمع، أو يشك في ذلك، فإن
ظن السعة صلى، فإن انكشف فساد ظنه أتم صلاته إن كان صلى أربعا لما عرفت، وكذا
إن لم يكمل الأربع، ولكن قلنا بجواز ابتدائه بالصلاة بعد طلوع الفجر كما سمعته من
الشيخ والمحقق، فإنه متى جاز الابتداء جازت الاستدامة بطريق أولى، أما على المختار
فقد قيل إن في المسألة احتمالات، أحدها الاستمرار، لأن الأخبار إنما دلت على المنع
من الشروع بعد الطلوع، وهو لا يقتضي المنع عن الاتمام، وفيه منع اختصاص الأخبار
بذلك، على أن جعل الغاية الطلوع في النص والفتوى كاف في المنع، فظهور هذه
النصوص في ذلك حينئذ غير قادح، وثانيها أن يصلي الوتر وركعتي الفجر ويؤخر الباقي،
ولعله لخبر يعقوب البزاز المتقدم آنفا، وفيه مع ما عرفت سابقا أنه خارج عن موضوع
المسألة من وجوه، ضرورة كون المفروض طلوع الفجر ولما يكمل الأربع ركعات،
والأولى الاستدلال له بصحيح عبد الله بن سنان (2) (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: إذا قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالوتر ثم صل الركعتين ثم صل الركعات إذا

(1) الوسائل - الباب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 9 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 9 من كتاب الصلاة
215

أصبحت) وإن كان خارجا عن موضوع المسألة، بل ومعارضا أيضا بغيره خصوصا
بالنسبة إلى الوتر المؤكد فعله في الليل، وخصوصا مع عدم الفتوى به فيما أعلم من أحد،
واحتماله الفجر الكاذب، فيكون حينئذ كغيره مما أمر فيه بالوتر بالليل مع ضيق الوقت
عن غيره، وأنه به يدرك صلاة الليل، قال الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن
وهب (1): (أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح فيوتر ويصلي ركعتي الفجر
ويكتب له صلاة الليل) وثالثها أن يضيف إلى ما فعل ما يكمله وترا ويقضي صلاة الليل
كلها بعد الفريضة، لخبر علي بن عبد الله بن عمران (2) عن الرضا (عليه السلام) (إذا
كنت في صلاة الفجر فخرجت ورأيت الصبح فزد ركعة إلى ركعتين اللتين صليتهما قبل
واجعله وترا) بناء على أن لفظ الفجر فيه من النساخ، وإلا فالصواب الليل بدله،
لكنه - مع جهالة سنده ومعارضته بغيره وعدم مشهورية العمل به - قاصر عن إفادة
هذا الحكم المخالف لأصالة عدم النقل، خصوصا بعد الفراغ من الركعتين كما هو المفروض
اللهم إلا أن يدعي التسامح في أمر النافلة وأنها صلاة واحدة، فلا عدول حقيقة فيها
من صلاة إلى أخرى، قال في الذكرى بعد الخبر المزبور: فيه تصريح بجواز العدول
من النفل إلى النفل، لكن ظاهره بعد الفراغ كما ذكر مثله في الفريضة، ويمكن حمل
الخروج على رؤية الفجر في أثناء الصلاة، كما حمل الشيخ الفراغ في الفريضة على مقاربة
الفراغ، واستبعده في البحار، قال: ويحتمل أن يكون المراد نافلة الفجر: أي إذا
أوقعت نافلة الفجر وتركت صلاة الليل ثم خرجت فرأيت الصبح قد طلع فلا تترك
الوتر وأضف إليهما ركعة، ليصير المجموع وترا، ثم صل بعد ركعتي الفجر، ثم صل
الفجر، وعدول النية في النافلة بعد الفعل لا دليل على نفيه كما أشار إليه، ويحتمل أن

(1) الوسائل - الباب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 5 من كتاب الصلاة
216

يكون المراد بها فريضة الفجر: أي صلى الفريضة ظانا دخول الوقت، فلما خرج رأى أنه أول طلوع الفجر، فعلم وقوع صلاته قبل الوقت، فأجاب (عليه السلام) بأن
ما فعل ذلك يحسبها نافلة، ويضيف إليها ركعة لتصير وترا، ثم يصلي نافلة الفجر وفريضته
والجميع كما ترى، سيما الأخير. رابعها قطع الصلاة والاتيان بها بعد الفريضة، لأن الوجه
في المنع عن ابتداء النافلة مزاحمة الفريضة، وهي حاصلة من الاتمام، ولفحوى صحيحتي
محمد بن مسلم (1) وابن وهب (2) وخبر إسماعيل أو عبد الله (3) المتقدمة آنفا، وهو
أقواها إلا أنه يمكن الرخصة له في اتمام ما تلبس بهما من الركعتين إذا علم في الأثناء،
سيما إذا كان بعد أن فعل منهما ركعة فصاعدا كما سمعت نظيره في المغرب، وقد أشار إليه
هنا في الرياض، والله أعلم.
وإن ظن الضيق فإن قلنا بجواز الابتداء بعد الفجر فالأمر ظاهر، وإلا ففيه
وجوه أيضا: الأول جواز الابتداء بالصلاة على وجهها، لثبوت التوقيت، وانتفاء
المزاحمة حال الشروع فيستمر، لاختصاص المنع بالشروع، وفيه ما عرفت، الثاني
لا يصلي بل يؤخر الجميع حذرا من لزوم المزاحمة أو الفصل، وهو ضعيف جدا بل مقطوع
بفساده. الثالث يصلي ما اتسع له الوقت، لانتفاء المانع، ويؤخر الباقي لمزاحمة الفريضة،
ولاشعار الروايات بذلك، وفيه ما لا يخفى إذا فرض احراز الأربع. الرابع يوتر
بالركعات الثلاثة كما في الدروس ويصلى ركعتي الفجر ويؤخر صلاة الليل، لصحيحتي
ابني مسلم ووهب، وهو جيد وأفتى به في الدروس. الخامس التعجيل، لرواية إسماعيل
ابن جابر أو عبد الله بن سنان المتقدمة، ولا بأس به أيضا مع فرض امكانه، أو يكون
المراد أعجل وإن طلع الفجر، ولعله الظاهر كما صرح به العلامة الطباطبائي، بل عن

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 - 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 - 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 - 1 من كتاب الصلاة
217

المنتهى جعل التخفيف بعد طلوع الفجر. السادس أن يصلي ما اتسع له الوقت، فإذا
طلع الفجر عدل به إلى الوتر، لثبوت التوقيت بالأصل والعدول برواية علي بن عبد الله
ابن عمران (1) وفيه ما عرفت. السابع أن يصلي ما اتسع له الوقت، فإذا طلع الفجر
أوتر وأخر الباقي، لقوية المفضل بن عمر (2) (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
أقوم وأنا أشك في الفجر، فقال، صل على شكك، فإذا طلع الفجر فأوتر وصل
الركعتين، فإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ولا تصل غيرها، فإذا فرغت
فاقض مكانك، ولا يكون هذا عادة، وإياك أن تطلع على هذا أهلك فيصلون على
ذلك ولا يصلون بالليل) بناء على شمول الشك فيها للظن، كما أن الظاهر إرادة الايتار
فيما يقرب من طلوع الفجر على ما يومي إليه قوله (عليه السلام): (فإذا أنت) إلى آخره. الثامن
يستمر على صلاته إن كان قد صلى أربعا قبل الفجر، وإن لم يكن صلى أربعا أخر
الباقي، لخبر مؤمن الطاق (3) وهو جيد. التاسع التخيير له بين ما تضمنته هذه النصوص
المعتبرة وإن كان الأولى له اختيار ما في الصحيحين المزبورين (4) ولعله أقوى الوجوه.
ولو انكشف فساد ظنه صلى بقية صلاة الليل، وفي إعادة الوتر حينئذ وجهان،
من اقتضاء الأمر الاجزاء، ومن أنه خاتمة النوافل، وأنه تخيل الأمر، قال علي بن
عبد العزيز (5) للصادق (عليه السلام) في خبر علي بن الحكم: (أقوم وأنا أتخوف
الفجر قال: فأوتر، قلت: فأنظر فإذا علي ليل، قال: فصل صلاة الليل) وقال أيضا
في مرسل إبراهيم بن عبد الحميد (6) أو مسنده: (إذا قام الرجل من الليل فظن أن

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 3 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 - 4 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 - 4 من كتاب الصلاة
218

الصبح قد أضاء فأوتر ثم نظر فرأى أن عليه ليلا قال: يضيف إلى الوتر ركعة ثم يستقبل
صلاة الليل ثم يوتر بعد ذلك) لكنه قاصر عن اثبات هذا النقل والعدول المخالف
للأصل، سيما بعد الفراغ ومع اختلاف الهيئة، وقال في الدروس والذكرى: (لو ظن
ضيق الليل اقتصر على الشفع والوتر وركعتي الفجر، فلو تبين بقاء الليل أضاف إلى ما
صلى ستا وأعاد ركعة الوتر وركعتي الفجر، قال المفيد وقال علي بن بابويه: يعيد ركعتي
الفجر لا غير) وفي المبسوط: (لو نسي ركعتين من صلاة الليل ثم ذكر بعد أن أوتر
قضاهما وأوتر) انتهى معروف الوجه مما سمعت.
وأما إذا شك في الضيق والسعة ولم يظن أحدهما جاءت الوجوه المذكورة بأسرها
مختلفة بالقوة والضعف، لكن قد سمعت قوي المفضل بن عمر (1) السابق، ولعل
العمل به هنا لا يخلو من قوة.
ثم من المعلوم أن جميع ما ذكرناه في هذه المباحث مبني على انتهاء الليل بطلوع
الفجر، وأن النصف إنما يلاحظ بالنسبة إليه، سواء قلنا بأن ساعة الفجر من النهار واليوم
كما هو المعروف، أو واسطة بينه وبين الليل كما دلت عليه بعض النصوص (2) التي
تسمعها إن شاء الله، وإن أمكن على بعد بناؤه أيضا على أنها من الليل حتى بملاحظة
الانتصاف بدعوى دلالة الأدلة على ذلك، وعلى امتداد وقت صلاة الليل إلى ذلك،
إذ لا تلازم بين كونه منه والامتداد إلى طلوع الشمس مثلا، لكن لما كان في غاية
البعد خصوصا الانتصاف بل المحكي عن بعضهم خلافه كما ستعرف اتجه بناء المسألة على
الأول، على أنه هو الحق الموافق لأكثر اللغويين والمفسرين والفقهاء والمحدثين والحكماء
الإلهيين والرياضيين كما سمعته من السيد الداماد في البحث عن آخر وقت الظهرين،

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(2) المستدرك - الباب - 49 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
219

بل الظاهر أن الخلاف فيه قد اضمحل وانعقد الاجماع بعده، نعم بعض أهل الحرف
والصناعات لما كان ابتداء عملهم من طلوع الشمس قد يطلقون اليوم عليه، وذكره بعض
أهل اللغة لذلك، ولعله كان قديما كذلك بحيث صار فيه حقيقة أيضا، كما أن المنجمين
قد يطلقون اليوم على ما بين الطلوع إلى الغروب، وعلى ما بين الطلوع إلى الطلوع،
وعلى ما بين الغروب إلى الغروب، وعلى ما بين الزوال إلى الزوال، وكذا النهار على
المعنى الأول، والليل على ما بين غروب الشمس إلى طلوعها.
لكن لا ينبغي أن يستريب عارف بلسان الشرع والعرف واللغة أن المنساق
من اطلاق اليوم والنهار والليل في الصوم والصلاة ومواقف الحج والقسم بين الزوجات
وأيام الاعتكاف وجميع الأبواب أن المراد بالأولين من طلوع الفجر الثاني إلى الغروب،
ومنه إلى طلوعه بالثالث كما قد نص عليه غير واحد من الفقهاء والمفسرين واللغويين
فيما حكي عن بعضهم، منهم الطبرسي في مجمعه في تفسير قوله تعالى (1): (وواعدنا
موسى ثلاثين ليلة) وقوله تعالى (2): (وسخر لكم الليل والنهار) وقوله تعالى (3):
(والنهار مبصرا) وعند نقل الأقوال في الصلاة الوسطى، ومنهم الشيخ في الخلاف،
بل حكى فيه ذلك عن عامة أهل العلم، ثم قال بعد أن نقل القول بالواسطة عن طائفة،
والقول بأنها من الليل بحيث لا يحرم الأكل والشرب على الصائم إلى طلوع الشمس
عن الأعمش وغيره، وأنه روي عن حذيفة أن هذا الخلاف قد انقرض وأجمع المسلمون،
فلو كان صحيحا لما انقرض، ومنهم العلامة في المنتهى في باب الصلاة والاعتكاف،
بل قال في الأول ردا على الأعمش ومن تبعه: إنه اتفق المفسرون على أن المراد بطرفي
النهار المأمور بقيام الصلاة عندهما صلاتي الصبح والعصر، ومنهم المفيد والمرتضى وابنا

(1) سورة الأعراف - الآية 138 (2) سورة النحل - الآية 12
(3) سورة يونس عليه السلام - الآية 68
220

الجنيد وإدريس وأبو الصلاح، وإن تفاوتت بعض عباراتهم صراحة وظهورا، ومنهم
الشهيد في الذكرى، بل نسبه فيها إلى الكل إلا الأعمش، ثم رده باستقرار الاجماع على
خلافه، وبأن الشيخ قال: لم يختلفوا في أن المراد بالطرفين صلاتا الصبح والعصر،
ومنهم العلامة في التذكرة، بل نسبه فيها إلى عامة أهل العلم وإن حكى بعد ذلك خلاف
الأعمش، ومنهم الشهيد الثاني وسبطه، ومنهم المصنف في ظاهر الكتاب في قسم
الزوجات كغيره من الأصحاب والمعتبر، ومنهم النيشابوري في تفسيره ناسبا له إلى
الشرع كالراغب الاصفهاني في تفسيره، ومنهم المقري كمصباح المنير وإن ذكر فيه أنه
في عرف الناس من طلوع الشمس إلى غروبها، لكن ظاهر كلامه بعد ذلك أنه أخذه
من تعارف الإجارة، مع أنه حكم فيه بحمله على الأول فيها أيضا، قيل وقال في شمس
العلوم: آخر الليل قبل الفجر، ومنهم الرازي في تفسيره وإن كان قد ذكره في أثناء
احتجاج القائل بأن الظهر الصلاة الوسطى أو العصر: لكن كلامه في تفسير قوله
تعالى (1): (فإذا أفضتم من عرفات) وقوله تعالى (2): (فسبحان الله حين تمسون
وحين تصبحون) كالصريح في انتهاء الليلة بطلوع الفجر، وقريب منه كلامه كالبيضاوي
في تفسير قوله تعالى (3): (بالعشي والابكار) ومنهم الزمخشري في ظاهر الأساس،
ومنهم الخليل بن أحمد في كتاب العين الذي هو الأصل في اللغة، وعليه المعول والمرجع،
ومنهم الطيبي في شرح المشكاة، إلى غير ذلك من كلمات المفسرين والفقهاء المتفرقة في
الآيات والمقامات المختلفة، كغسل يوم الجمعة وتراوح البئر وموقف الحج ونحوها.
ويؤيده مضافا إلى ذلك قوله تعالى (4): (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من

(1) سورة البقرة - الآية 194 (2) سورة الروم - الآية 16
(3) سورة آل عمران - الآية 36 وسورة المؤمن - الآية 57
(4) سورة هود عليه السلام - الآية 116
221

الليل) فإنه وإن اختلف في إرادة العصر أو المغرب من أحد الطرفين إلا أن إرادة
الصبح من الطرف الآخر لا خلاف فيها بين المفسرين ولا اشكال، كما أنه لا اشكال
في دخول طرف الشئ فيه، فيتحقق حينئذ أن الفجر طرف النهار الأول، إذ احتمال
إرادة طلوع الشمس منه واطلاقه على زمان صلاة الصبح مجازا للقرب والمجاورة - كما
أطنب فيه الإمام الرازي، بل لعله يكون شاهدا لمذهب أبي حنيفة من اعتبار التنوير
في صلاة الفجر الذي هو أقرب من غيره في التجوز باطلاق الطرف عليه، بل أولى منه،
لأنه أقرب من احتمال إرادة المضيق من زمن صلاة الفجر مجازا أيضا للمجاورة بقرينة
الأمر الذي لا يتم إرادة الوجوب منه على التعيين إلا بذلك واثبات الصحة حينئذ في
غيره لدليل آخر - كما ترى، ومما سمعت تظهر الدلالة في قوله تعالى (1): (ومن آناء الليل
فسبح وأطراف النهار) خصوصا مع ملاحظة المقابلة، وأن المراد من التسبيح الصلاة،
وقوله تعالى (2): (سلام هي حتى مطلع الفجر) كما اعترف به غير واحد من المفسرين،
وهو المنساق، إذ احتمال جعل الغاية تقييدا لاخراج بعض الليلة لا ينبغي أن يصغى إليه،
وقوله تعالى (3): (والليل إذا أدبر * والصبح إذا أسفر) ضرورة اقتضاء المقابلة خروج
الصبح عن مسمى الليل، مع أن الظاهر إرادة القسم بوقت واحد الذي هو ادبار الليل
واقبال الصبح، لتلازمهما أو ترادفهما، كما يومي إليه ما عن الرازي في قوله تعالى (4):
(والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس) فلاحظ وتأمل ليظهر لك أن الآية الأخرى
دليل آخر على المطلوب سواء أريد من (عسعس) الاقبال أو الادبار، وقوله تعالى (5):
(قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون) لما ستعرف

(1) سورة طه - الآية 130 (2) سورة - القدر الآية 5
(3) سورة المدثر - الآية 37 و 38 (4) سورة التكوير - الآية 17 و 18
(5) سورة يونس عليه السلام - الآية 51.
222

من أن البيتوتة الزمان الذي نهايته طلوع الفجر، ولعله أراد ذلك الراغب الاصفهاني
فيما حكي عنه من استدلاله بهذه الآية على أن النهار في الشرع اسم لما بين طلوع الفجر
إلى غروب الشمس، قال: لأن بات فلان يفعل كذا موضوعة لما يفعل بالليل، وظل
لما يفعل بالنهار، إذ ذلك مجردا لا يدل على مطلوبه كما هو واضح، وقوله تعالى (1):
(أياما معدودات) و (فعدة من أيام أخر) (2) و (ليلة الصيام) (3) (فصيام
ثلاثة أيام) (4) منضما إلى قوله تعالى (5): (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر) ولأصالة عدم النقل والتجوز من التقييد وغيره، ولا ينافيه قوله تعالى (6):
(ثم أتموا الصيام) عند التأمل، فما ظنه بعضهم من أن (ثم والاتمام) قرينة على أن
ساعة الفجر ليست من النهار، وقد قرر ذلك بتكلف شديد وتعسف بعيد في غير
محله، فتأمل جيدا.
وقوله تعالى (7): (قم الليل إلا قليلا نصفه) إلى قوله تعالى: (إن ناشئة
الليل) إلى آخره. إذ من المعلوم أن الواجب على النبي (صلى الله عليه وآله) القيام
إلى الفجر وأنه هو الذي يلاحظ نصفه وثلثه وثلثاه كما دلت عليه الأخبار واعترف به
المفسرون كما قيل، وقوله تعالى (8): (فأسر بأهلك بقطع من الليل - إلى قوله تعالى -
موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب؟) فإن من لاحظ ما ورد في القطع، وقوله
تعالى (9): (نجيناهم بسحر) وقوله تعالى (10): (ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر)
وما ورد (11) في مخاطبة لوط مع الملائكة جزم بخروج ما بعد الفجر عن الليل، كالجزم

(1) سورة البقرة - الآية 180
(2) سورة البقرة - الآية 180
(3) سورة البقرة - الآية 183 - 192
(4) سورة البقرة - الآية 183 - 192
(5) سورة البقرة - الآية 183
(6) سورة البقرة - الآية 183
(7) سورة المزمل - الآية 2
(8) سورة هود عليه السلام - الآية 83
(9) سورة القمر - الآية 34 - 38
(11) سورة هود عليه السلام - الآية 83
(10) سورة القمر - الآية 34 - 38
223

بالخروج أيضا للمقابلة في قوله تعالى أيضا (1) (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل
أفلا تعقلون) وفي قوله تعالى (2): (فالق الأصباح وجعل الليل سكنا) ضرورة
ظهور المقابلة في الخروج عن المقابل الآخر، فتأمل. وقوله تعالى أيضا (3): (وقالت
طائفة من أهل الكتاب: آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار، واكفروا آخره،
لعلهم يرجعون) إذ المراد بالايمان وجه النهار الصلاة في أوله التي ليست إلا الفجر،
كما هو مستفاد مما ورد (4) في سبب نزول هذه الآية من موافقة بعض اليهود النبي
(صلى الله عليه وآله) صباحا لما رأوه يصلي إلى قبلتهم، فلما حوله الله إلى الكعبة وكان
في أثناء صلاة الظهر أو العصر كفروا به، فلاحظ وتأمل.
قوله تعالى (5): (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) بمعونة ما ورد (6)
من الأخبار في تفسيرها من أنه تشهدها ملائكة الليل صاعدة والنهار نازلة، وغير ذلك
مما يفيد الجزم بأن أول النهار الفجر، وقوله تعالى (7): (ولقد صبحهم بكرة عذاب
مستقر) فإنه أطلق على وقت عذابهم الصبح والبكرة، وقد صرح بأن الأخيرة عبارة
عن أول النهار، والفرض وقوع عذابهم الفجر، وقوله تعالى (8): (يسبح له فيها
بالغدو والآصال رجال) لأن الظاهر كما عن أكثر المفسرين الاعتراف به إرادة صلاة
الفجر من التسبيح في الغداة، وقد صرح اللغويون كما قيل بأن الغداة من النهار، وقوله

(1) سورة الصافات - الآية 137 و 138
(2) سورة الأنعام - الآية 96 (3) سورة آل عمران - الآية 65
(4) تفسير الصافي سورة آل عمران - الآية 65
(5) سورة الإسراء - الآية 80
(6) الوسائل - الباب 28 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 3 من كتاب الصلاة
(7) سورة القمر - الآية 38 (8) سورة النور - الآية 36
224

تعالى (1): (وسبحوه بكرة وأصيلا) والكلام في البكرة كالكلام في الغداة،
وكذا التسبيح فيها.
ومنه حينئذ يظهر وجه الدلالة في قوله تعالى أيضا (2): (وسبح بحمد ربك
بالعشي والابكار) وقوله تعالى (3): (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا * ومن الليل
فاسجد له وسبحه ليلا طويلا) بل يزيد هذا بالمقابلة المشعرة بما ذكرنا، كقوله تعالى
أيضا (4): (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب * ومن الليل فسبحه
وإدبار السجود) إذ لا ريب في ظهوره في أن التسبيح قبل طلوع الشمس الذي يراد به
صلاة الفجر في غير الليل، بل وكذا قوله تعالى (5): (والفجر وليال عشر * والشفع
والوتر) إلى غير ذلك من الآيات المشعرة بالمطلوب بقرينة المقابلة وغيرها، وتفصيل
الكلام فيها بل وفيما ذكرناه من الآيات يفضي إلى اطناب تام لا يناسب وضع الكتاب،
كما أنه لا يناسبه أيضا ذكر جميع ما يدل على ذلك أو يشعر به من النصوص، سيما وهي
أكثر من أن تحصى وأوسع من أن تستقصى، وقد جمع المجلسي في البحار شطرا منها
يقرب من المائة من كتب متفرقة كالكافي والتهذيب والفقيه وفقه الرضا (عليه السلام)
وقرب الإسناد ودعائم الاسلام والاحتجاج والعلل والخصال وتفسير علي بن إبراهيم
والعياشي ومعاني الأخبار وتحف العقول وإرشاد القلوب وثواب الأعمال وعدة الداعي
ومجالس الصدوق والتوحيد والعيون والمصباح للشيخ ومسار الشيعة للمفيد والاقبال
والمقنعة ومجالس الشيخ والخلاف له والمعتبر والذكرى وغياث سلطان الورى ومصباح
الكفعمي ودعوات الراوندي والسرائر في مقامات متشعبة، كالصلاة الوسطى والصوم

(1) سورة الأحزاب - الآية 41 (2) سورة المؤمن - الآية 57
(3) سورة الدهر - الآية 25 و 26 (4) سورة ق - الآية 38 و 39
(5) سورة الفجر - الآية 1 و 2
225

وصلاة الليل والحج وتفسير بعض الآيات والأذان والقسم بين الزوجات والأغسال
للجمعة والعيدين وغير ذلك، وإن كان في جملة مما تخيل دلالته على المطلوب مناقشة،
لكن في الجملة الأخرى ووضوح الأمر مغناة.
خصوصا مع عدم دليل معتد به يشهد بخلاف ذلك، إذ ليس سوى ذكر بعض
أهل اللغة له، وقد عرفت منشأه، سيما والذاكر صاحب القاموس ونحوه ممن عادته الخلط
والخبط، وسوى قوله تعالى (1): (يقلب الله الليل والنهار) إذ المراد من القلب
جعل الفجر أولا وبالعكس، وهو لا يكون إلا بدعوى دخول الحمرة ثم الصفرة ثم البياض
المتصل بطلوع الشمس في الليل، كي يكون ما وقع في أوله من الحمرة المسماة بالشفق ثم
الصفرة ثم البياض ثم السواد داخلا في آخره، وكذا النهار، وفيه - مع أنه واضح
التكلف والتعسف، بل ومناف لايلاج الليل في النهار وتكويره عليه كما قيل، وليس
هو تقليبا لتمام الليل والنهار بل لنصفهما - أنه ليس بأولى من أن ايراد المعاقبة بينهما
بتقليبهما، أو نقصان أحدهما وزيادة الآخر، أو تغير أحوالهما بالحر والبرد والظلمة والنور،
أو ما يعم ذلك، أو يقال إن كلا منهما مقلوب الآخر باعتبار أن ابتداء اليوم ظهور
البياض، ثم يزداد إلى الزوال، ثم ينقص إلى الليل، والليل ظهور الظلمة، ثم تزداد إلى
الغسق، ثم تنقص إلى طلوع الفجر، بل ذلك أولى من وجوه، خصوصا الأخير، فتأمل.
وسوى قوله تعالى (2): (وجعلنا آية النهار مبصرة) إذ ليست هي إلا
الشمس، وسوى قول النبي (صلى الله عليه وآله) (3): (صلاة النهار عجماء) وأنه
(صلى الله عليه وآله) كان يغلس بصلاة الفجر (4) وقال: (صلها بغبش) والغلس

(1) سورة النور - الآية 44
(2) سورة الإسراء - الآية 13
(3) المستدرك - الباب - 18 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب 25 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 من كتاب الصلاة
226

والغبش ظلمة آخر الليل كما عن بعض اللغويين النص عليه، وخبر أبان الثقفي (1) المروي
عن تفسير علي بن إبراهيم المسؤول فيه الباقر (عليه السلام) عن الساعة التي هي ليست من الليل
ولا من النهار، فقال: ساعة الفجر، وسوى المروي في نهج البلاغة (2) عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) لما سئل عن مسافة ما بين المشرق والمغرب فقال: (مسيرة يوم للشمس)
وسوى اطلاق نصف النهار على الزوال في عدة أخبار (3) في باب الصوم وغيره، بل
وفي كلام اللغويين والفقهاء وغيرهم، وسوى ما ورد (4) أيضا في عدة عنهم (عليهم السلام)
(إنه كان لا يصلي من النهار حتى تزول الشمس) وسوى خبر عمر بن حنظلة (5)
(إنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له: زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا
بالليل؟ فقال: لليل زوال كزوال الشمس، قال: فبأي شئ نعرفه؟ قال: بالنجوم
إذا انحدرت) إلى غير ذلك.
وفيه أنه لا توقف لصدق إضافة الآية إلى النهار على استغراقها لجميع أجزائه،
على أن الظاهر حصول الابصار والضوء بسببها من أول طلوع الفجر وإن لم يظهر جرمها
من الأفق للحس، ولهذا اختلفت أوقات المطالع بحسب الأقاليم، بل في الذكرى منع
أن الآية الشمس بل نفس الليل والنهار، وهو من إضافة التبيين كإضافة العدد إلى
المعدود، والخبر - مع عاميته، بل عن الدارقطني نسبته إلى الفقهاء مشعرا بتردد ما في

(1) المستدرك - الباب 49 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة لكن
رواه عن عمر بن أبان الثقفي
(2) نهج البلاغة ص 1218 الخطبة 286 من ج 6 المطبوع بطهران
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 من كتاب الصلاة
والباب 5 من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1 و 2 من كتاب الصوم
(4) الوسائل - الباب 36 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 و 6 و 7 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
227

سنده - محتمل لإرادة أغلب صلاة النهار، بل ينبغي القطع بإرادة ذلك بملاحظة الجمع
بينه وبين غيره من الأخبار (1) خصوصا المسؤول فيها عن الجهر بالفجر مع أنها من
صلاة النهار التي يخفت فيها، فأجاب (عليه السلام) بأنها لقربها من صلاة الليل أعطي
حكمها، والغلس والغبش وإن فسرا بما سمعت يجب إرادة أول الفجر منهما مجازا
وتوسعا، وإلا فليس جميع ما بين الطلوعين يسمى غلسا وغبشا، وهو المدعى دخوله في
الليل، وخبر أبان وغيره محمول على إرادة بيان ذلك على مذاق السائل الذي هو من
أهل الكتاب المصطلح عندهم اليوم من طلوع الشمس، وخروج ساعة الفجر عن الليل
والنهار كما يحكى عن براهمة الهند خروج ما بين الغروب إلى غروب الشفق عنهما أيضا،
ومنه يظهر الجواب أيضا عن خبر النهج، لأن الغالب كون السائلين بهذه المسائل من
أهل الكتاب، أو يحمل على إرادة سيرها من حين الخروج من الأفق وإن لم تظهر
إلى الحس إلا بعد حين كالغروب، أو على إرادة التقريب، وإلا ففي التحقيق مسيرة
أقل من يوم، كما كشف عنه الخبر الآخر المروي (2) عن الاحتجاج قال: " سأل
أبو حنيفة أبا عبد الله (عليه السلام) كم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم بل
أقل من ذلك، فاستعظمه فقال له: يا عاجز لم تنكر هذا؟ إن الشمس تطلع من المشرق
وتغرب في المغرب في أقل من يوم " وإطلاق النصف مجاز شائع كما يومي إليه صدوره
ممن يقول بابتداء النهار من طلوع الفجر، فلاحظ. والمراد أنه لا يصلى من نوافل النهار
شيئا حتى تزول الشمس، لأنه كان يدس نافلة الفجر في صلاة الليل، ويؤيده سوق
هذه الأخبار لبيان بدعية صلاة الضحى، أو المراد من النهار جزؤه مجازا أو غير ذلك،

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب القراءة في الصلاة
(2) الإحتجاج للطبرسي ص 198 - المطبوع عام 1269
228

بل يمكن دعوى شهادة ذيل بعض هذه النصوص المتضمنة ذلك كمرسل الصدوق (1)
وخبر زرارة (2) للمطلوب فلاحظ وتأمل. وخبر ابن حنظلة مع الطعن في سنده يمكن
تنزيله على كواكب تنحدر في منتصف ما بين الغروب وطلوع الفجر، على أنه أمر
تقريبي، إذ تعيين كواكب مخصوصة كل ليلة لا يتيسر لأكثر الخلق، مع أن الانحدار
لا يتبين لهم إلا بعد مضي زمان من التجاوز عن دائرة نصف النهار، وفي مثل ذلك
لا يؤثر التقدم والتأخر بقدر ساعة أو أقل، بل الظاهر أن عمدة المقصود من هذه العلامة
معرفة وقت أول صلاة الليل الذي لا ينبغي (3) الاحتياط فيه لأصالة عدم دخوله
، ويمكن أن يقال: إن أكثر الكواكب لا تظهر للأبصار إلا بعد مضي زمان من غروب
الشمس، فإذا حملت على الكواكب التي كانت عند ظهورها على الأفق فهي تصل إلى
دائرة نصف النهار بعد مضي كثير من انتصاف الليل، ولو حملت على تقدير أنها كانت
عند الغروب على الأفق فهذا مما لا يهتدي إليه أكثر العوام بل الخواص أيضا، فلا بد
من حملها على ما كانت ترى في البلدان في بدو ظهورها فوق الأبنية والجدران، والظاهر
في أمثالها أنها تصل إلى دائرة نصف النهار قبل انتصاف الليل المعهود، فلذا اعتبر
انحدارها بحيث يحصل منه الاطمئنان بصيرورة النصف لا أنه يقدر لها انحدار يساوي
بعدها عن الأفق في أول طلوعها، لعسره على أغلب الناس بل جميعهم، ولا ينافيه
التشبيه المزبور، إذ لا يجب أن يكون على التحقيق من جميع الوجوه حتى يلزم اعتبار
الوسط فيه بين الغروب والطلوع.
ومنه يعلم الحال في خبر ابن محبوب (4) عن الباقر (عليه السلام) (دلوك الشمس

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2 - 1
(3) ليس في النسخة الأصلية لفظة " ترك " وإنما كتبت في هامشها وهو الصحيح
لأن مقتضى أصالة عدم دخوله عدم ترك الاحتياط بالتأخير حتى يتيقن بالدخول
(4) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
229

زوالها، وغسق الليل بمنزلة الزوال) ولعل هذا الوجه يرجع إلى ما ينساق إلى الذهن
من هذا الخبر من أن المراد انحدار غالب النجوم لا كواكب مخصوصة، لأن الظاهر أن كثرة النجوم تكون في النصف الأخير في جهة الغرب، هذا. ولكن في الرياض
بعد أن نقل القول باعتبار طلوع الشمس في النصف عند البحث في صلاة الليل عن بعض
الأصحاب، واستدل عليه بالخبرين وطعن في سنديهما قال: إلا أنهما مناسبان لتوزيع
الصلاة على أوقاتهما، ومع ذلك هو أحوط جدا، سيما مع وقوع التعبير عن الانتصاف
بالزوال في غيرهما من الأخبار، وإن كان فيه أيضا قصور في السند، لاحتمال حصول
الجبر بكثرة العدد، وكأنه يريد ذلك في خصوص صلاة الليل، وإلا فليس هو أحوط
مطلقا في جميع الأحكام المعلقة على ذلك، كانتهاء صلاة العشاء ونحوه، على أن في كلامه
نظرا من جهات أخر لا تخفى، فتأمل.
وكيف كان فمما ذكرنا يظهر لك ما في الذكرى وتبعه عليه غيره من أن المراد
انحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس، ثم قال: (والجعفي اعتمد على منازل القمر
الثمانية والعشرين المشهورة، فإنه قال: إنها مقسومة على ثلاثمائة وستين يوما، لكل منزل
ثلاثة عشر يوما، فيكون الفجر مثلا بسعد الأخبية ثلاثة عشر يوما، ثم ينتقل إلى
ما بعده وهكذا، فإذا جعل القطب الشمالي بين الكتفين نظر ما على الرأس وبين العينين
من المنازل، فيعد منها إلى منزلة، ثم يؤخذ لكل منزلة نصف سبع، وعلى هذا) إلى آخره.
قال: (والقمر يغرب في ليلة الهلال على نصف سبع من الليل، ثم يتزايد كذلك إلى ليلة أربعة
عشر، ثم يتأخر ليلة خمسة عشر نصف سبع، وهكذا) وهذا تقريب، وهما معا ظاهران
في اعتبار طلوع الشمس في التنصيف، لكن قيل إنه ينبغي للشهيد مع ذلك اعتبار موافقة
قوس نهار الكوكب لقوس ليل درجة الشمس من منطقة البروج أو قريبا منه، كالسماك
الأعزل بالنسبة إلى بعض درجات أواخر الحمل، وإلا فهو لا يستقيم في الآفاق المائلة
230

عن خط الاستواء باعتبار قلة ميل معدل النهار عن سمت الرأس وكثرته، وقرب
مدارات الكواكب بالنسبة إلى المعدل وبعده عنه، ضرورة اختلافه اختلافا فاحشا،
إذ لو اتفق طلوع كوكب في أواسط المعمورة غروب الشمس فربما وصل إلى انتصاف
النهار قبل انتصاف الليل بساعة كفرد الشجاع، وبساعتين تقريبا كالشعراء اليمانية،
وربما تأخر بساعة ونصف تقريبا كالسماك الرامح ورأس الجوزاء وفم الفرس، أو بساعتين
تقريبا كالنسر الطائر والعيوق ونير الفكة، أو بثلاث ساعات تقريبا كالنسر الواقع،
أو أربع ساعات كالردف، بل ربما اتفق وصول بعض الكواكب القريبة من القطب
الشمالي إلى نصف النهار بعد طلوع الشمس، فلا بد حينئذ من التخصيص المزبور الذي
يرجع إلى تخصيص هذا الاعتبار بأفق خط الاستواء، إذ هو المنصف لمدارات الكواكب،
على أن الكاشاني مع أنه موافق الشهيد بإرادة الطوالع عند غروب القرص من النجوم
المنحدرة لكن قال: فإن قيل إنه قد تحقق أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس
ليس من الليل، فلا يقع انحدار تلك النجوم إلا بعد مضي نصف ذلك الزمان من زوال
الليل، قلنا: كما أن ما بين الطلوعين ليس من الليل كذلك ليس ما بين غروب القرص
وذهاب الشفق الشرقي منه، ولهذا تؤخر صلاة المغرب إلى ذهاب الشفق، فينتقص
هذا من أول الليل كما ينتقص ذلك من آخره، وهو جواب آخر عن الخبر المزبور،
وإن كان فيه نظر واضح.
وأما الجعفي فحاصل كلامه يرجع إلى بناء استعلام زوال الليل تارة بمنازل القمر
المعلومة بين العرب، وأخرى على غروب القمر وطلوعه، أما الأول فلأن العرب قسموا
مدار القمر على ثمانية وعشرين قسما، وضبطوا حدود تلك الأقسام بكواكب وسموها منازل
القمر، وهي شرطين وبطين وغيرها من الأسماء المعروفة في محلها، ومدة قطع الشمس
تلك المنازل ثلثمائة وخمسة وستون يوما وشئ، فإذا قسمت على المنازل يقع بإزاء كل
231

منزل ثلاثة عشر يوما وشئ، فإذا حصل الاطلاع على منزل الشمس من تلك المنازل
يمكن استخراج ما مضى من الليل وما بقي منه بملاحظة الطالع والمنحدر والغارب
من تلك المنازل تقريبا بأدنى تأمل، إذ عند غروب الشمس يكون المنزل السابع من
المنزل الذي فيه الشمس على نصف النهار، والسابع عشر على المشرق، وفي كل نصف
سبع من الليل يتفاوت بقدر منزل، فيكون التفاوت في ربع الليل بقدر ثلاثة منازل
ونصف، وفي نصف الليل بقدر سبعة منازل، وهكذا القياس، وهذا أيضا تقريبي،
لاختلاف مدار الشمس والقمر وجهات أخر، ولو حملنا الخبر عليه حملنا النجوم على
نجوم المنزل الذي يكون مقابلا للمنزل الذي فيه الشمس.
وأما الثاني فضابطه أن يضرب عدد ما مضى من أول الشهر إلى الرابع عشر
أو من الخامس عشر إلى الثامن والعشرين في الستة، وقسمة الحاصل على السبعة،
فالخارج في الأول قدر الساعات المعوجة الماضية من الليل إلى غروب القمر، وفي الثاني
قدر الساعات المذكورة إلى طلوعه، مثاله إذا ضربنا الأربعة في الستة حصل أربعة
وعشرون، فإذا قسمناها على السبعة خرج ثلاثة وثلاث أسباع، فيكون غروب القمر
في الليلة الرابعة وطلوعه في الثامنة عشر بعد ثلاث ساعات وثلاثة أسباع ساعة، وكذا
إذا قسمنا الحاصل من ضرب الخمسة في الستة وهو الثلاثون على السبعة خرج أربعة
وسبعان، فغروب القمر في الليلة الخامسة وطلوعه في التاسعة عشر بعد أربع ساعات
وسبعي ساعة، وهكذا، وهذا أيضا تقريبي، للاختلاف بحسب كثرة الزمان بين
خروج القمر من الشعاع وأول ليلة الغرة وقلته وغيرهما، هذا.
وعن بعض الأذكياء ذكر علامات لزوال الليل، فقال: علامته في أول الحمل
طلوع الردف، وفي أواسطه انحدار السماك الأعزل، وفي آخره طلوع النسر الطائر
232

وغروب الشعراء الشامية والعيوق، وفي أوائل الثور انحدار السماك الرامح، وفي أواسطه
غروب فرد الشجاع، وفي أواخره طلوع فم الفرس وانحدار نير الفكة وعنق الحية
وغروب قلب الأسد، وفي أوائل الجوزاء انحدار رأس الجوزاء، وفي أواسطه انحدار
قلب العقرب، وفي أواخره اشراف النسر الواقع على الانحدار، وفي أوائل السرطان
انحدار النسر الواقع، وفي أواسطه غروب السماك الأعزل، وفي أواخره انحدار النسر
الطائر، وفي أوائل الأسد طلوع العيوق وانحدار الردف، وفي أواسطه طلوع الثريا
وغروب الرامح، وفي أواخره طلوع عين الثور وانحدار فم الفرس وغروب عنق الحية،
وفي أوائل السنبلة اشراف نير الفكة على الغروب، وفي أواسطه غروب نير الفكة،
وفي أواخره طلوع يد الجوزاء اليمنى ورجلها اليسرى، وفي أوائل الميزان غروب رأس
الجوزاء، وفي أواسطه طلوع الشعراء اليمانية، وفي أواخره اشراف النسر الطائر على
الغروب، وفي أوائل العقرب غروب النسر الطائر، وفي أواسطه طلوع قلب الأسد
وغروب النسر الواقع، وفي أواخره طلوع فرد الشجاع، وفي أوائل القوس انحدار
عين الثور وغروب فم الفرس، وفي أواسطه انحدار العيوق ورجل الجوزاء اليسرى
وغروب الردف، وفي أواخره انحدار يد الجوزاء اليمنى، وفي أوائل الجدي انحدار
اليمانية، وفي أواسطه انحدار الشامية وطلوع الرامح، وفي أواخره طلوع الأعزل ونير
الفكة، وفي أوائل الدلو إشراف قلب الأسد على الانحدار، وفي أواسطه انحدار قلب
الأسد والفرد وطلوع العنق، وفي أواخره إشراف رجل الجوزاء اليسرى على الغروب،
وفي أوائل الحوت طلوع الواقع وغروب رجل الجوزاء اليسرى، وفي أواسطه غروب
عين الثور، وفي أواخره غروب اليمانية ويد الجوزاء اليمنى، وهذا كله وإن كان مبنيا
على طلوع الشمس إلا أنه يسهل الخطب كونه تقريبا، فلا تفاوت تفاوتا فاحشا، والله أعلم.
(و) أما (وقت ركعتي الفجر) ف‍ (بعد طلوع الفجر الأول) لأنه المتيقن
233

نصا (1) وإجماعا في البراءة عن التكليف الاستحبابي، ولخبر محمد بن مسلم (2) (سألت
أبا جعفر (عليه السلام) عن أول وقت ركعتي الفجر فقال: سدس الليل الباقي) بناء
على مساواته لطلوع الفجر الأول، خصوصا إن أريد النصف الثاني من لفظ الباقي فيه،
وقول الصادق (عليه السلام) في صحيحي ابن الحجاج (3) والبزاز (4): (صلهما
بعد الفجر) والمناقشة باحتمال عود الضمير إلى غير النافلة يدفعها معروفية السؤال عنها
في النصوص، مع استبعاد بيان حكم غيرهما، سيما لمثل ابن الحجاج، كالمناقشة باحتمال
إرادة الفجر الثاني كما هو المنساق عند الاطلاق، فيكونان محمولين على الرخصة أو التقييد،
كما يومي إليه خبر أبي بصير (5) (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): متى أصلي ركعتي
الفجر؟ قال: فقال لي: بعد طلوع الفجر، قلت له: إن أبا جعفر (عليه السلام) أمرني
أن أصليهما قبل طلوع الفجر، فقال: يا أبا محمد إن الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم
بمر الحق، وأتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية) ولعل من الشيعة ابني الحجاج والبزاز،
إذ يدفعها أيضا أن المجاز الأول في غاية البعد، خصوصا بعد النهي عنهما بعده كما ستعرفه،
بل هو غير جائز بناء على عدم جوازها بعد الفجر على ما يحكى عن بعضهم، وأصالة
عدم التقية، وأنه مهما أمكن تنزيل الخبر على غيرها قدم عليها، على أنه لو سلم كان
خبر أبي بصير شاهدا للمطلوب، ضرورة كون المراد بقبل الفجر فيه ما لا يشمل قبل
الفجر الأول، لعدم انصراف اطلاقها لما يتناول مثل ذلك وإن كان هو وغيره من
مصاديق القبلية.
بل يؤيده التعبير في بعض النصوص (6) المستفيضة المتضمنة للأمر بهما قبل

(1) الوسائل - الباب - 50 و 51 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 50 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 6 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 6 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 50 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 2 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
234

الفجر وبعده ومعه بتصغير القبل والبعد، إذ هو باعتبار القلة قطعا، والظاهر إرادة
الفجر الثاني فيها لا الأول، لأنه المنساق منه عند الاطلاق، ولذا فهمه أبو بصير من
اطلاق الصادق (عليه السلام) دون الكاذب المحتاج إلى التقييد به، أو القرينة كما في
الخبر السابق، فتكون حينئذ جميعها بل كل ما ذكر فيه أنهما قبل الفجر من النصوص
شاهدا للمطلوب، خصوصا المشتمل منها على التصغير، مضافا إلى مرسل إسحاق بن
عمار (1) عنه (عليه السلام) قال: (صل الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء
حذا رأسك، فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر) بناء على إرادة الفجر الكاذب من
الضوء المزبور كما فهمه الشيخ، لأنه هو الذي يحاذي الرأس وإن استصوب بعضهم
إرادة الاسفار الذي يكون بعد الفجر الثاني منه، ويجعل آخر وقتي الركعتين، أو يكون
محمولا على التقية، كخبر ابن أبي العلاء (2) المشتمل على صلاتهما عند التنوير، إلا أن
الأول أولى منه، فتأمل. ومضافا إلى موثق زرارة (3) وصحيح ابن عثمان (4) المتضمنين
لإعادتهما قبل الفجر لمن فعلهما بعد صلاة الليل ثم نام، كما تسمعهما فيما يأتي، إذ لا ريب
في أن الإعادة لخصوصهما لحرمة وقتهما كما ذكرنا نظيره في مثل صلاة الليل التي تقدم
على وقتها للسفر ونحوه إذا اتفق أنه استيقظ وقتها، وإلا لم يكن وجه للإعادة إذا
فرض صدور الفعل في وقته بعد كون الأمر للطبيعة، والنوم لو قدح لأمر بإعادة
الجميع لا خصوصهما.
ولعله لهما قال المصنف وغيره: (ويجوز أن يصليهما قبل ذلك، والأفضل)
لمن صلاهما قبل الفجر الأول (إعادتهما بعده) إلا أنه كان عليه تقييده كالمحكي عن ابن
فهد في المحرر بما إذا نام بعد دسهما في صلاة الليل ونحوه مما اشتملا عليه لا الاطلاق،

(1) الوسائل - الباب 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 4 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 - 8 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 - 8 من كتاب الصلاة
235

اللهم إلا أن يدعى فهمه منهما وإن كان موردهما خاصا، لكنه لا يخلو من تأمل، بل
كان عليه أيضا عدم تقييد ذلك بما إذا فعلهما قبل الفجر، لاطلاق الخبرين المزبورين (1)
وعلى كل حال هذا منه لا ينافي توقيتهما بالفجر الأول أولا، لأنه رخصة في التقديم
لا توقيت، وفرق واضح بينهما، فالاستدلال حينئذ بهذين الخبرين وغيرهما من
الأخبار (2) المستفيضة الآمرة بدسهما وحشوهما في صلاة الليل حتى لو فعلها في أول
النصف الذي هو أول وقتها كما يشعر به جملة (3) منها، بل في صريح صحيح زرارة (4)
وظاهر غيره أنهما من صلاة الليل على عدم توقيتهما بذلك وأنهما كصلاة الليل لا يخلو
من تأمل، ضرورة عدم الدلالة عليه بوجه، بل في الأمر بحشوهما ودسهما فيها اشعار
بخلافه، بل لو أريد مشاركتهما لصلاة الليل في الوقت المذكور لم يكن لاعتبار بعدية
صلاة الليل في فعلهما كما يشعر به هذه النصوص وجه، بل لم يوجد خبر أمر فيه بفعلهما
بعد النصف مثلا إن لم يختر المكلف لفعل صلاة الليل، بل لعل ذلك مناف لإضافتهما
للفجر، وكونهما نافلة له أو لفريضته، بل لا نافلة لوقت أو فريضة تقدم عليه كذلك
غيرهما، والحكم بأنهما من صلاة الليل - إن لم نقل بأن المراد فعلها في الليل لا بعد الطلوع
تعريضا بالعامة كما يشعر به ذيل الخبر المزبور فلاحظ، ولم نقل بأن الأمر بهما مع صلاة
الليل إذا صادفت طلوع الفجر الأول، لأنه الغالب والأفضل فعل صلاة الليل خصوصا
الوتر في مثل هذا الوقت - محمول على إرادة الدس والحشو المزبورين، بل النظر الدقيق
يعطي من هذه النسبة تطفلهما عليها، وأنها من التوابع واللواحق لا أنه توقيت لهما

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 و 9 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 50 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 6 و 8 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 9 والباب 14
الحديث 1 والباب 43 من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
236

بذلك، فضلا عن الأمارات الأخر من الحشو والدس والأمر بإعادتهما واعتبار بعدية
صلاة الليل فيهما ونحو ذلك.
فظهر لك حينئذ أن ما يحكى عن كافة المتأخرين إلا النادر - بل قيل إنه المشهور
بين الأصحاب من عدم توقيتهما بذلك، وأنهما بعد صلاة الليل، بل عن ظاهر السرائر
في موضعين والمعتبر والمنتهى وظاهر الغنية أو صريحها الاجماع عليه، وإن كان في النقل
عن المعتبر خلل، بل لعل غيره مثله لهذه النصوص وشبهها ردا على المحكي عن المرتضى
وسلار والشيخ في المبسوط من توقيتهما بذلك - في غير محله، إلا أن يكون هؤلاء الثلاثة
وأتباعهم منعوا من التقديم ولو رخصة، أو يكون المتأخرون أثبتوا ذلك توقيتا، وليس
شئ منهما ثابتا، بل لعل الثابت خلافه في البعض، إذ المحكي في المدارك وغيرها عن
الشيخ منهم وجماعة استحباب إعادتهما لو صلاهما قبل الفجر الأول، وهو صريح في
جواز فعلهما قبله، ومنه تعرف أن في تحرير جماعة هنا للنزاع بين الأصحاب خللا
واضحا، بل ربما يمكن دعوى لفظية النزاع بناء على ما ذكرنا، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (يمتد وقتهما حتى تطلع الحمرة ثم تصير الفريضة أولى) خلافا
للإسكافي والشيخ في كتابي الأخبار كما قيل، فمنعا من وقوعهما بعد الفجر، ولعله لخبر
أبي بصير السابق (1) والأمر بهما قبل الفجر في النصوص (2) المستفيضة على وجه
ظاهر في المنع منهما بعده، خصوصا صحيح زرارة منها (3) عن أبي جعفر (عليه السلام)
الذي أفتى الشيعة فيما نحن فيه بمر الحق دون التقية، قال: (سألته عن ركعتي الفجر
قبل الفجر أو بعد الفجر فقال: قبل الفجر، إنهما من صلاة الليل، ثلاث عشرة ركعة
صلاة الليل، أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع إذا دخل

(1) الوسائل - الباب 50 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 0 - 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 50 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 0 - 3 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 50 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 0 - 3 من كتاب الصلاة
237

عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة) بل في بعضها (1) النهي عنهما بعد الفجر، بل
يستفاد من خبر أبي بصير السابق تنزيل كلما جاء من الأمر بهما بعد الفجر خصوصا
إذا كان من الصادق (عليه السلام) على التقية، مع احتمال تنزيله على الفجر الكاذب،
كما يشهد له الصحيحان السابقان (2) كي توافق غيرها من الأخبار.
لكن المشهور شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا، بل في الرياض لعلها كذلك
خلافهما، وفي مصابيح العلامة الطباطبائي إن المخالف شاذ بل لم نعلم الخلاف،
للنصوص (3) المستفيضة المرخصة في فعلهما قبل الفجر وبعده ومعه المستبعد حملها جميعها
على الفجر الكاذب الذي ينساق إلى الذهن من اطلاقه غيره لو سلم كون اللفظ حقيقة فيه،
أو التقية التي هي خلاف الأصل في أخبارهم، خصوصا وبعضها عن أبي جعفر (عليه
السلام) الذي أفتى الشيعة هنا بمر الحق دون التقية كما سمعته في خبر أبي بصير، على أن المعروف من مذهب المخالفين أنهما لا يصليان إلا بعد طلوع الفجر لا جواز الثلاثة
كما هو مضمون تلك النصوص، ودعوى إرادة التقية على الفاعلين بالفعل دون اللفظ
كما ترى لا ينبغي أن يصغى إليها هنا بعد أن ذكر فيها ما بعد الفجر منضما إلى الأمرين
الآخرين لا منفردا، وخبر أبي بصير يراد به الأمر بهما بعد الفجر كما يقوله العامة،
لا مطلق الإذن ولو على جهة المرجوحية المستفادة من النهي في أخبار الخصم كما صرح
بها الطباطبائي في مصابيحه، وخبر زرارة وإن كان ظاهره الحرمة إلا أنه ينبغي حمله
على تعليم زرارة من جهة غلبة بحثه مع المخالفين لطريق المقايسة معهم والالزام لهم على
مذاقهم لو ادعوا لزوم الاتيان بهما بعد الفجر قياسا على نوافل الظهرين مثلا، أو غير ذلك.

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 و 6 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
238

نعم قد يتوقف في الامتداد المزبور وإن كان مشهورا نقلا وتحصيلا، بل في
ظاهر الغنية أو صريحها كما عن السرائر الاجماع عليه، لكن لا دليل عليه إلا إطلاق
البعدية الممنوع انصرافه إلى مثل ذلك، خصوصا مع التصغير في بعضها، ومرسل
إسحاق بن عمار (1) السابق الذي قد عرفت احتمال حمل الضوء فيه على الفجر الكاذب،
وخبر ابن أبي العلاء (2) الذي هو في غاية الظهور في التقية قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): الرجل يقوم وقد نور بالغداة، قال: فليصل السجدتين اللتين قبل الغداة،
ثم ليصل الغداة) وخبر سليمان بن خالد (3) الذي هو مع اضطراب متنه ادعى الشهيد
ظهوره في الامتداد إلى آخر وقت الاجزاء، قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الركعتين اللتين قبل الفجر قال: يتركهما) وفي الذكرى بخط الشيخ (يركعهما حين
يترك الغداة أنهما قبل الغداة) ثم قال: وهذا يظهر منه امتدادهما بامتدادها، وهو ليس
ببعيد، وكأنه فهم أن المراد الإذن في فعلهما إلى حين تضيق الفريضة بحيث يؤدي فعلهما
إلى تركها، ولعله هو المراد أيضا بناء على غير خط الشيخ وإن كان عليه أوضح، مع
احتمال إرادة التقديم على الفجر على خط الشيخ، كاحتمال إرادة النهي عن تأخيرهما عن
الفجر الثاني، والأمر بتركهما إذا أدى فعلهما إلى ترك الغداة في أول وقتها أو وقت
فضلها، على أن الموجود فيما حضرني من نسخة الوافي ما حكاه عن خط الشيخ لكن
(حين تنزل) بالزاي المعجمة واللام، قال: يعني ابتداء نزولها، لأنها قبل صلاة
الغداة، وعليه حينئذ لا دلالة فيه على الامتداد المشهور فضلا عما ذكره، إذ هو حينئذ
كباقي الأخبار الدالة على فعلهما حين الفجر، كخبر الحضرمي (4) الآمر بفعلهما حين

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 4 - 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 4 - 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 4 - 2 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 من كتاب الصلاة
239

يعترض الفجر، وهو الذي تسميه العرب الصديع، وغيره (1) من النصوص، كما أنه
لا دلالة فيه أيضا على هذا التقدير مع تبديل (يركعهما) بيتركهما، بل هو حينئذ دال
على ما ذهب إليه الشيخ والإسكافي من عدم فعلهما بعد الفجر، نعم هو صريح في امتداد
المشهور بناء على ما في الذخيرة (يركعهما حتى تنور الغداة) بالنون والراء المهملة.
فمن الغريب ميل الذكرى إلى هذا الامتداد لهذا الخبر المعارض بغيره مما عرفت
هنا وفي بحث وقت نوافل الظهرين، وبخصوص صحيحة ابن يقطين (2) (سألت
أبا الحسن (عليه السلام) الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع
ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما؟ فقال: يؤخرهما) وبخبر إسحاق بن عمار (3)
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الركعتين اللتين قبل الفجر قال: قبيل الفجر
ومعه وبعده، قلت: ومتى أدعهما حتى أقضيهما؟ قال: إذا قال المؤذن قد قامت
الصلاة) وما في الذكرى من أن الأمر بتأخيرهما عن الاسفار والإقامة جاز كونه لمجرد
الفضيلة لا توقيتا تهجس من غير مقتض، كاستدلاله على ما ادعاه أيضا بالخبر (4)
المشتمل على فعل النبي (صلى الله عليه وآله) لهما قبل الغداة في قضاء الغداة، فالأداء
أولى، إذ هو كما ترى - بعد تسليم صحة مثل ذلك الخبر المشتمل على ما عساه مناف
لمرتبة النبوة - واضح المنع، ضرورة عدم الأولوية، ولقد أجاد في كشف اللثام
بانكاره وجها لهذه الأولوية، كل ذلك مضافا إلى مزاحمة الفريضة في وقت فضيلتها
المؤكد كمال التأكيد على المحافظة عليه، وأنه تشهده ملائكة الليل والنهار، بل قد عرفت
سابقا استحباب الغلس فيها، ومن ذلك كله تعرف ما في الامتداد المشهور أيضا، ولذا

(1) الوسائل - الباب 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 0 - 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 51 - من أبواب المواقيت - الحديث 0 - 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 من كتاب الصلاة
240

كان الأحوط فعلهما بعيد الفجر، وأحوط منه قبل الفجر، والله أعلم.
(ويجوز أن يقضى الفرائض الخمس في كل وقت ما لم يتضيق وقت الفريضة
الحاضرة) نصا واجماعا (وكذا يصلي بقية الصلوات المفروضات) لوجود المقتضي
وارتفاع المانع (وتصلى النوافل ما لم يدخل وقت الفريضة وكذا قضاؤها) بلا خلاف
ولا اشكال، لاطلاق الأدلة وعمومها، أما إذا دخل فالأقوى في النظر جوازه أيضا
وفاقا للشهيد والمحقق الثاني والكاشاني والخراساني وظاهر القاضي فيما حكي عنه والمدارك
وربما مال إليه في كشف اللثام، بل لعله مذهب الكليني وغيره ممن روى أخبار الجواز،
بل في الدروس أنه الأشهر، بل عن التذكرة نفي العلم بالخلاف عن عدم كراهية التنفل
قبل العصر والصبح لمن لم يصلهما، ولعله من التطوع وقت الفريضة، بل قيل إنه قد
يفهم ذلك من اجماع الخلاف هناك وشهرة المنتهى القريبة من الاجماع، وستسمعه إن
شاء الله، للأصل واطلاق الأمر بها (1) وعمومات (2) قضاء الرواتب منها متى شاء التي
اعترف في الرياض بتكثرها كثرة قريبة من التواتر، وأن فيها الصحاح وغيرها، ولاشعار
التعريض (3) بين النفل والاتمام في صلاة الاحتياط، بل قد تتمحض للأول كما إذا
ظهر التمام في أثنائها، ولكثير من النصوص المتفرقة في الأبواب وكتب الأدعية في
خصوص بعض نوافل في أوقات الفرائض، مثل الصلوات الواردة (4) بين الظهرين
خصوصا يوم الجمعة، وبين المغرب والعشاء مطلقا كالغفيلة (5) وغيرها مما عرفت،

(1) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب أعداد الفرائض من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 3 و 2
من كتاب الصلاة
(4) مصباح المتهجد - ص 264
(5) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة من كتاب الصلاة
241

أو في بعض الأزمنة كشهر رمضان (1) وليالي الجمع (2) وغيرها كثرة يعسر
استقصاؤها، ويبعد معها دعوى اختصاصها ككثير من النصوص المتقدمة سابقا في
الرواتب، ومزاحمتها للفرائض، خصوصا مع اختلافها في تحديد أوقاتها والأمر بها في
أوقات الفرائض من دون تحديد بأمر منضبط صالح لإناطة الحرمة، وغير ذلك مما يظهر
منه التسامح والتساهل فيه ظهورا تاما، ضرورة عدم اعتيادهم (عليهم السلام) أمثاله
في الحرمة، ولا الاكتفاء في بيانها بنحو ما ستعرفه مما هو في نفسه غير صالح لإفادتها،
فضلا عنه بملاحظة معارضه، خصوصا مثل الحرمة في المقام التي ربما يستغربها أذهان
العوام من جهة جواز تأخير الفريضة للاشتغال ببعض المباحات بل المكروهات وعدمه
للاشتغال بالنوافل التي ورد (3) الحث الشديد والترغيب البالغ والتأكيد على فعلها أداء
وقضاء، وأنها من الصلاة التي هي خير موضوع، وقرة عين النبي (صلى الله عليه وآله)
وخير العمل، وأفضل ما يتقرب به العبد، وغير ذلك مما إذا سمعه المكلف لم يخطر في
باله المنع عنها بوجه من الوجوه، بل أذهان الخواص أيضا.
ولذا استدل في كشف اللثام على الجواز هنا بالأولوية، قال: ولجواز التأخير
من غير اشتغال بصلاة، فمعها أولى، وإن كان في دعوى القطع بالأولوية المزبورة كي
تكون مثمرة نظر واضح، اللهم إلا أن يدعى حصوله بملاحظة ما ذكرنا وغيره من
القرائن الكثيرة التي منها أنه لو كان الحكم كذلك لاشتهر بين جميع المتشرعة الرواة
والمتفقهة والمقلدة وأتباعهم غاية الاشتهار، بل كانت الخطباء خطبت به على رؤوس
المنابر، وحذرت منه، لأنه مظنة وقوع الناس فيه، بل من المقطوع به بسبب ما اشتهر

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب نافلة شهر رمضان من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب صلاة الجمعة من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 17 و 18 و 19 - من أبواب أعداد الفرائض
242

من أمر الصلاة والحث عليها كما هو واضح، ولأن سماعة (1) سأل الصادق (عليه السلام)
في موثقة المروي في الكتب الثلاثة (عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله أيبتدئ
بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال: إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة،
وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة، وهو حق الله،
ثم ليتطوع بما شاء، الأمر موسع أن يصلي الانسان في أول دخول وقت الفريضة
النوافل إلا أن يخاف فوت الفريضة، والفضل إذا صلى الانسان وحده أن يبدأ بالفريضة
إذا دخل وقتها، ليكون فضل أول الوقت للفريضة، وليس بمحظور عليه أن يصلي
النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت) وهو دال على المطلوب من وجوه
حتى صدره مع التأمل، فلا يقدح فيه حينئذ احتمال كون قوله (عليه السلام): (والفضل)
إلى آخره من الكليني، مع أنه خلاف الظاهر.
وابن مسلم في الحسن كالصحيح (2) قال للصادق (عليه السلام) أيضا: (إذا
دخل وقت الفريضة أتنفل أو ابدأ بالفريضة قال: إن الفضل أن تبدأ بالفريضة) الحديث.
والمناقشة فيه بأن الفضل يجامع الوجوب إذ هو غير الأفضل كما ترى، وقال (عليه السلام)
أيضا في خبر عمار (3): (إذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها
فلا تصل شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة، ثم اقض
ما شئت) ولخبر منهال (4) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوقت الذي
لا ينبغي لي إذا جاء الزوال - أي نافلته كما أطلق كذلك في غيره - قال: ذراع أو

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
وفيه " الذراع إلى مثله "
243

مثله) فإن في قوله فيه (لا ينبغي) اشعارا بالجواز مع تقرير الإمام (عليه السلام)
إياه، بل وفي ترديده (عليه السلام) بين الذراع والمثل، وإن قال في الوافي: أراد به
ما يقرب منه، فإنه يتفاوت بتطويل النافلة وتقصيرها، ومثله صحيح عمر بن يزيد (1)
سأل الصادق (عليه السلام) (عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت
فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال: إذا أخذ المقيم في الإقامة، فقال له: إن الناس
يختلفون في الإقامة، قال: المقيم الذي تصلي معه) بل مقتضاه أن أصل الرواية بلفظ
(لا ينبغي) أو بمعناه المشعر بعدم الحرمة، وليس المراد من قوله: (يروون) العامة،
إذ الظاهر كما يستفاد من غيره من الأخبار عدم وجود رواية لهم بهذا المعنى، على أن
في تحديد ذلك كخبر إسحاق بن عمار (2) المتقدم في ركعتي الفجر بما إذا أخذ المقيم
المختلف غاية الاختلاف كما اعترف به السائل ايماء ظاهرا إلى عدم الحرمة، بل وفي
جوابه (عليه السلام) أخيرا بأنه المقيم الذي تصلي معه، وهو غير مضبوط أيضا في
نفسه باعتبار الأحوال والأوقات، مع اقتضائه اختلاف التحديد بحسب اختلاف
المكلفين فيمن يصلون معه.
ولموثق إسحاق بن عمار (3) (قلت: أصلي في وقت فريضة نافلة، قال: نعم
في أول الوقت إذا كنت مع إمام يقتدى به، فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة) بناء
على إرادته وقت فضيلة الفريضة بعد مضي وقت النافلة كما هو المعهود من هذا الاطلاق
في غيره من النصوص، بل ينبغي الجزم بها هنا بملاحظة تفصيله في الجواب، أو يريد

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
244

نافلة غير الراتبة كما يومي إليه تنكيرها، ولموثق أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام)
(إن فاتك شئ من تطوع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس، وبعد الظهر عند
العصر، وبعد المغرب، وبعد العتمة، ومن آخر السحر) بل لعله قرينة على إرادة
التطوع من صلاة النهار أيضا في صحيح ابن مسلم (2) (سألته عن الرجل تفوته صلاة
النهار قال: يقضيها إن شاء بعد المغرب، وإن شاء بعد العشاء) والحسن كالصحيح (3)
(سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: متى
شاء، إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء) بل ينبغي الجزم به بناء على المضايقة
في قضاء الفرائض وترتب الحواضر عليها، للقطع حينئذ بعدم إرادته منهما، على أن في
ترك الاستفصال فيه كفاية، ولخبر علي بن جعفر (4) المروي عن قرب الإسناد عن أخيه
موسى (عليهما السلام) (سألته عن رجل نسي صلاة الليل والوتر ويذكر إذا قام في
صلاة الزوال قال: ابتدأ بالظهر، فإذا صلى صلاة الظهر صلى صلاة الليل، وأوتر
ما بينه وبين صلاة العصر أو متى أحب) ولصحيح سليمان بن خالد (5) (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل دخل المسجد وافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي
إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة قال: فليصل ركعتين، ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام،
ولتكن الركعتان تطوعا) وللصحيح (6) عن الصادق (عليه السلام) (إذا دخل المسافر
مع أقوام حاضرين في صلاتهم فإن كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين،
وإن كانت العصر فليجعل الأولين نافلة والأخيرتين فريضة).

(1) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 7 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 7 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 56 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 4 من كتاب الصلاة
245

قال في كشف اللثام: فإن هذه النافلة إما قضاء أو ابتداء، فإذا جاز ابتداء
النافلة وقت الفريضة فقضاؤها أولى، ثم قال: وفيه أنه لادراك فضيلة الجماعة مع التجنب
عن التنفل بعد العصر لكراهته، ثم النافلة ليست إلا الفريضة المعادة، لكن قد يناقش
باطلاق الخصم المنع، وكراهة العبادة لا تقدم على الحرمة، وكون النافلة ليست إلا
الفريضة المعادة - لأن الفرض بقاء العصر على المسافر وقد جعلها في الركعتين الأخيرتين،
فما صلاه من الركعتين الأولين نفلا ليس إلا الفريضة المعادة، لعدم صلاحية الجماعة في
غيرها، وإلا كان من الشواذ التي يجب طرحها - لا يقتضي تخصيصا لأدلة حرمة التطوع
في وقت الفريضة بعد أن أطلقت الفتوى بمضمونها، وما في الرياض - من أنه لا ربط
لهذا الصحيح في المقام بناء على إرادة الفريضة المعادة، كما لا ربط للصحيح الذي قبله به
أيضا، لكون هذه النافلة مستثناة اجماعا كما سيأتي في محله إن شاء الله - يدفعه أنه لا
اجماع قطعا على خصوص مضمون الصحيح المزبور، وضرورة أن ما ذكروه في بحث
الجماعة من استحباب الإعادة لمن صلى وحده أعم من ذلك ومما لا يستلزم تطوعا في وقت
فريضة، كما إذا كان قد صلى الفرضين، أو أنه جعل ما فعله منفردا نافلة على أحد
الوجهين المذكورين هناك، أو غير ذلك، على أنك قد عرفت اطلاق المانع، وعدم
إشعار في كلامه باستثناء مثل ذلك، كما أنه لا اشعار في الأدلة الدالة على الجواز كهذين
الصحيحين (1) وغيرهما به أيضا، فجعلهما مخصصين ليس بأولى مما ستسمعه من حمل
النهي عن التطوع على بيان المرجوحية ونحوها مما لا ينافيهما، بل هذا أولى قطعا، كما أن تلك النصوص الدالة على مشروعية جملة من النوافل في أوقات الفرائض التي أشرنا
إليها في أول البحث كذلك أيضا، فما في الرياض - من أنها لا ربط لها بالمقام أيضا، لأنه

(1) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1 والباب 18
الحديث 4 من كتاب الصلاة
246

ارتضاها الأصحاب واستثنوها بالخصوص - كما ترى، على أن أكثرها لم يتعرض لها
الأصحاب في كتب الفقه، وما تعرضوا له كالغفيلة ربما شكك فيها بعضهم، على أن
خلو هذه الأدلة وغيرها مع تعددها وكثرتها عن الإشارة بوجه من الوجوه إلى
التخصيص، وأنه مستثنى من تلك الكلية - أكبر شاهد عند الفقيه الماهر على عدمه
وعدم إرادة المنع من هذا النهي والنفي، خصوصا مع عدم صراحة شئ مما ذكر في أدلة
المنع فيه كي يرتكب لأجله أمثال ذلك، إذ هو ليس إلا أخبار (1) الذراع والذراعين
المتقدمة في نوافل الزوال التي لا صراحة فيها في الحرمة، لاحتمال كون التقدير لرفع
الكراهة، وللجمع بين فضيلتي الفريضة والنافلة، ومفهوم قوله في بعضها " (2):
(فإن لك) إلى آخره. مع أنه ضعيف جدا يمكن إرادة الرخصة المجردة عن تفويت
فضيلة أول وقت الفريضة وعن المرجوحية منه، وإلا بعض النصوص المتقدمة في ركعتي
الفجر التي قد عرفت معارضته فيها بما هو أقوى منه، وأنه لم يفت به هناك إلا النادر،
بل هي عند التأمل الجيد شاهدة للمختار هنا، ضرورة موافقة مضمونها للنصوص
المذكورة هنا حتى في معظم الألفاظ كقوله (عليه السلام) (3): (لا صلاة نافلة حتى
تبدأ بالمكتوبة) وغيره من أمر المقايسة ونحوها، والفرض إرادة الكراهة منها هناك
حتى من الخصم، إذ لم يحك الفتوى بها إلا من الإسكافي والشيخ، بل قد عرفت أن
الطباطبائي نفى الخلاف هناك أصلا، فليكن المراد الكراهة هنا كذلك.
ومنه يعلم حال استدلالهم هنا بالمروي (4) عن حبل المتين وغيره الموصوف

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 18 و 19
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
وليس فيه لفظة " فإن "
(3) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 من كتاب الصلاة
(4) المستدرك - الأبواب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
247

بالصحة وإن لم نتحققها عن زرارة قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أصلي نافلة
وعلي فريضة أو في وقت فريضة قال: لا، إنه لا يصلي نافلة في وقت فريضة، أرأيت
لو كان عليك صوم من شهر رمضان كان لك أن تتطوع حتى تقضيه؟ قال: قلت: لا،
قال: فكذلك الصلاة، قال: فقايسني وما كان يقايسني) إذ هو مثل صحيحه المتقدم
في ركعتي الفجر الذي قد عرفت تنزيله على غير الحرمة عند أكثر الأصحاب وأن
المقايسة تعليما لزرارة كيفية البحث معهم لو أرادوا انكار المرجوحية، أو أرادوا لزوم
الاتيان ببعض النوافل في أوقات الفرائض كنافلة الفجر، أو نحو ذلك، بل لعله هو
ذلك الخبر، ورواه هؤلاء بالمعنى كما يومي إليه عدم وجوده في الكتب الأربع، فدعوى
صراحة هذين الصحيحين في الحرمة من جهة المقايسة والتنظير بما هي معلومة فيه - بل
في الرياض الاجماع عليها فيه على وجه لا يمكن حملها على الكراهة - في غاية الغرابة
بعد أن وافق في ركعتي الفجر اللتين ورد فيهما أحد هذين الصحيحين على جواز وقوعهما
بعد الفجر، خصوصا والمعلوم أن المراد بهذا القياس الذي بطلانه من ضروريات مذهبهم
مجرد الالزام به، وأن مقتضاه الحرمة على مذاقهم، بل لعل المراد التبكيت به في بادئ
النظر، وإلا فالمقيس النافلة في وقت الفريضة الظاهرة في الحاضرة سيما مع قرينة السؤال،
والمقاس عليه التطوع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان، وكان الذي ينبغي قياس
الشق الأول من السؤال عليه، اللهم إلا أن يريد به من دخل عليه نفس شهر رمضان
كما فهمه في الذخيرة مع حمل القضاء فيه على مطلق الفعل والتأدية على ما هو المعروف في
النصوص لا المقابل للأداء المشهور في لسان المتشرعة، لكن فيه حينئذ أنه أيضا غير
تام باعتبار عدم التمكن من الجمع بين النفل والفرض في أيام شهر رمضان بخلاف ما نحن فيه
من الصلاة، ومن هنا يعلم كون المراد منه الالزام في بادئ النظر، والله أعلم.
248

وسوى موثق ابن مسلم (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قال لي رجل
من أهل المدينة: يا أبا جعفر مالي لا أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟
فقلت: إنا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فريضة، فإذا دخلت الفريضة
فلا تطوع) وهو - مع قراءة ما بعد (لا) فعلا لا اسما منصوبا كما يشهد له السياق - لا
صراحة فيه بالحرمة، بل ولا ظهور، بل لو قرئ اسما كان المراد منه بمعونة السياق أيضا
ذلك، مضافا إلى تعارف هذا التركيب في نفي الكمال، وإلى إرادته من دخول الوقت
شروع المؤذن في الأذان، وهو لا يقول به الخصم، كما أنه لا يقول في شمول النهي
لمثل الرواتب التي هي المراد على الظاهر بهذا الخبر قبل مضي أوقاتها، وليس هو المانع
هنا، بل شروع المؤذن في الأذان، مع أنه جعل الحد لركعتي الفجر في خبر إسحاق
ابن عمار المتقدم (2) قول المؤذن: (قد قامت الصلاة) فتأمل جيدا. وسوى بعض
النصوص (3) التي ستعرف حالها في التطوع لمن عليه فائتة.
ومن ذلك كله يعلم الحال في خبر أبي بكر (4) عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)
(إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوع) بل وخبر أديم بن الحر (5) عن الصادق
(عليه السلام) (لا يتنفل الرجل إذا دخل وقت فريضة - إلى أن قال -: إذا دخل
وقت فريضة فابدأ بها) إذ هما مع قصور سنديهما غير صريحين أيضا، فلا بأس بحمل
النهي والأمر فيهما وفي غيرهما كصحيحي زرارة (6) أيضا المروية أحدهما في مستطرفات

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 6 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 6 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 والباب 61 الحديث 3
من كتاب الصلاة
249

السرائر خصوصا بقرينة ما ذكرناه من الأدلة على الكراهة والندب الذين هما من أشهر
المجازات فيهما، بل ادعي مساواتهما للحقيقة، ويكون الحاصل ترجيح مراعاة فضل أول
الوقت للفريضة الذي هو كفضل الآخرة على الدنيا، بل خير للمؤمن من ماله وولده،
بل لا يقابله شئ أبدا، مع أنه لا بدل له، إذ غيره أما أدنى منه فضلا، أو لا فضل
فيه أصلا على النافلة التي لها بدل، وهو القضاء، بل لعله أرجح منها ببعض الاعتبارات
التي لا تنافي قاعدة رجحان الأداء على القضاء، ولهذا أمر أبو جعفر (عليه السلام)
نجبة بهما (1) قال: (قلت له: تدركني الصلاة فابدأ بالنافلة فقال: لا، ولكن أبدأ
بالمكتوبة واقض النافلة) ولعل هذا وشبهه هو السر في النهي عن التطوع في أوقات
الفرائض كما صرح به في الجملة موثق سماعة المتقدم (2) بل يومي إليه ظهور نصوص المنع
أو أكثرها في إرادة الوقت الفضيلي من وقت الفريضة لا ما يشمل الاجزائي، وهو
مضعف آخر لدلالتها على ما يقول الخصم.
بل قد يومي إليه زيادة على ذلك وعلى خبر نجبة المتقدم آنفا خبر زياد بن
أبي عتاب (3) قال: (سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: إذا حضرت المكتوبة
فابدأ بها، فلا يضرك أن تترك ما قبلها من النوافل) إذ الظاهر منه إرادة إمكان جبر
ضرر الترك بالقضاء، بخلاف عدم البدأة بالمكتوبة في أول الوقت، فإنه ضرر لا جابر
له، بل لعل في هذا التعليل في الخبر المزبور اشعارا أيضا بالمختار، بل ما عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) (4) في النهج (لا قربة بالنوافل إذا أضرت بالفرائض) وقوله (عليه
السلام) (5) أيضا: (إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها) مبني على ذلك أو نحوه.

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 1 - 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 1 - 4 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 1 - 4 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 8 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 8 من كتاب الصلاة
250

فمن العجيب بعد ذلك كله المبالغة في الانكار من فاضل الرياض لهذا القول،
فتارة بدعوى الاجماع الممنوع أشد المنع عليه على خلافه، مع أنه لم يدعه أحد قبله،
نعم ظاهر المعتبر نسبته إلى علمائنا مشعرا به، مع أن الظاهر عدم إرادته منه ذلك،
بل مقصوده ذكر الشيخين وابني حمزة وإدريس إياه، كما حكى عنهم غيره ذلك أيضا،
وزاد نسبته له وللفاضل في أكثر كتبه، ومن المعلوم عدم بلوغ ذلك حد الشهرة فضلا
عن الاجماع كما هو واضح، وأخرى بحمل نصوصه على التقية مستنبطا لها من صحيحي
المقايسة (1) وموثق ابن مسلم (2) المتقدمة التي هي في غاية البعد بالنسبة إلى أخبارهم كما
اعترف هو بذلك في ركعتي الفجر، وأنها لا ترتكب إلا عند الضرورات، مع امكان
دعوى قرائن هنا تنفيها أيضا، وأنهم) (عليهم السلام) لم يستعملوا التقية كما أومأ إليه
موثق ابن مسلم المزبور، إما لظهور القياس الذي يمكن أن يفحم به الخصم أو لغيره،
على أنه يمكن كون مذهبهم في ذلك الجواز من غير كراهة، وأنه لا فرق بينهما في وقت
الفريضة وعدمها، فتأبى حينئذ الحمل عليها، ضرورة صراحة بعضها وظهور آخر بخلافه،
وثالثة بدعوى القصور في أسانيد البعض الذي هو غير قادح مع التعاضد المزبور وكفاية
البعض الآخر، ورابعة بدعوى عدم مقاومتها لأدلة المنع من وجوه كالشهرة ونحوها،
وقد عرفت أنها أولى منها بعدم المقاومة من وجوه لا تخفى عليك بعد الإحاطة بجميع
ما ذكرنا أو بعضه، لا أقل من اقتضاء العمل بتلك طرح هذه أو كالطرح بخلاف
العكس، فإن الكراهة مجاز شائع.
كما أنه لا يخفى عليك أولوية جواز التطوع لمن عليه فائتة بناء على المواسعة من

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
والمستدرك - الباب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
251

الحاضرة، بل لعل الجواز ظاهر المتن والقواعد، بل صرح به الصدوق في ركعتي الصبح
الفائتة مع الفريضة، بل حكاه في الذخيرة عن ابن الجنيد والشهيدين، بل لعله ظاهر
الكليني أيضا وغيره ممن روى أخبار نوم النبي (صلى الله عليه وآله)، خصوصا مع
قوله كالصدوق فيما حكي عنهما أن الله أنام النبي (صلى الله عليه وآله) عن صلاة الصبح
رحمة للأمة، بل لعله ظاهر الأكثر أيضا كما اعترف به في كشف اللثام، حيث اعتبروا
في الرخصة عدم دخول وقت الفريضة الذي هو ظاهر في الحاضرة، بل لعل أكثر
النصوص كذلك، فيستفاد منها حينئذ ولو بالمفهوم جوازه في غيرها، مضافا إلى بعض
الأدلة التي مرت عليك سابقا، كعمومات القضاء في أي ساعة وغيرها، وإلى خصوص
خبر أبي بصير (1) سأل الصادق (عليه السلام) (عن رجل نام عن الصلاة حتى طلعت
الشمس فقال: يصلي الركعتين ثم يصلي الغداة) والأخبار (2) المشتملة على رقود النبي
(صلى الله عليه وآله) عن صلاة الصبح ونافلتها، وأنه قضاهما مقدما للنافلة على الفريضة،
سيما صحيح زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) منها المشتمل على قصته مع الحكم
ابن عتيبة وأصحابه، وأنه لما ذكر له قضاء النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك قال له:
نقضت حديثك الأول مشيرا به إلى ما رواه زرارة لهم أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام)
(إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة) فحكى ذلك
لأبي جعفر (عليه السلام) فقال له: (ألا أخبرتهم أنه قد فاته الوقتان جميعا، وأن
ذلك كان قضاء من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
والمناقشة في هذه الأخبار باحتمال كون الركعتين اللتين صلاهما النبي (صلى الله عليه وآله)

(1) الوسائل - الباب 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 6 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 6 من كتاب الصلاة
والمستدرك - الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 6 من كتاب الصلاة
252

فريضة فائتة لا نافلة، وبمنافاتها لمرتبة النبوة يدفعها ظهور بعضها أو جميعها بل صراحة
آخر في التطوع، وعدم إحاطة العقل بحكم ذلك ومصالحه، وقد ذكرنا بعض الكلام
فيه في باب القضاء، ولعله لذا لم أقف على راد لها من هذه الجهة كما اعترف به في الذكرى،
ونحوها المناقشة فيه وفي سابقه أيضا باحتمال حملها على منتظر الجماعة المغتفر له ذلك بالنسبة
إلى الحاضرة فضلا عن الفائتة، ضرورة عدم اشعار في خبر أبي بصير بذلك، بل لعل
ظاهره خلافه، لعدم تعارف انعقاد الجماعة للقضاء، خصوصا عند طلوع الشمس،
والتأخير في هذه النصوص من النبي (صلى الله عليه وآله) لا من المأمومين، وفي
استحبابه لانتظار الجماعة كالمأمومين نوع تأمل وإن نص عليه بعضهم فيما يأتي، إلا أنه
على كل حال فالتأخير في نفسه مستحب، وهو غير التنفل، كما هو مضمون هذه
النصوص، بل في بعضها أنه هو (صلى الله عليه وآله) أمرهم بصلاة الركعتين، لكن
في الرياض بعد أن اعترف أن ظاهر النافع وغيره من الجماعة الجواز قال: (إن الأشهر
الأظهر عدم الفرق وأنه يحرم عليه أيضا ذلك - إلى أن قال -: وبالجملة لم يعرف قائل بالفرق
بين المسألتين فيما أجده) وفيه أنه وإن كان المتجه على مذهبه من المضائقة عدم الجواز، بل
وأولى من الحاضرة، إلا أن ظاهر دعواه عدم الفرق، والفارق بين المسألتين حتى على
المواسعة تبعا للشهيد الثاني في الروض محل منع، وإن كان القول بعدم الجواز أيضا من
القائلين بعدمه في الحاضرة ممكنا أيضا، بل حكى عن النهاية والمنتهى والتذكرة التصريح
به، بل عن حواشي الشهيد في بحث القضاء سأله أي فخر المحققين على الظاهر هل هنا
خلاف أي في عدم جواز النافلة لمن عليه فريضة؟ فقال: لا، لعموم لا صلاة لمن عليه
صلاة، بل عن جماعة كثيرين التصريح أيضا في بحث القضاء بأن من تلبس في نافلة ثم
ذكر أن عليه فريضة أبطلها واستأنف، بل قيل: إنه يظهر من القواعد الاجماع على ذلك.
253

ولعله يومي إلى المنع أيضا صحيح زرارة (1) المشتمل على المقايسة، بل قد يدعى
ايماء الجواب فيه إلى تناول لفظ وقت الفريضة للفائتة أيضا، وخبر آخر (2) له أيضا
(لا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها) والمرسل (3) (لا صلاة لمن عليه صلاة)
وخبر يعقوب بن شعيب (4) سأل الصادق (عليه السلام) (عن الرجل ينام عن الغداة
حتى تبزغ الشمس، أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال: يصلي
حين يستيقظ، قال: يوتر أو يصلي الركعتين؟ قال: يبدأ بالفريضة) لكن قد عرفت
الكلام في صحيح زرارة، بل قد عرفت امكان اختصاص الثاني منهما فضلا عن الأول
بالحاضرة كما مال إليه في الذخيرة، قال: وقوله فيه: (علي فريضة) وإن كان ظاهره
عموم القضاء والأداء لكن وقوع الرواية على هذا الوجه غير معلوم لمكان الترديد،
وعلى هذا يكون المراد من شهر رمضان الأداء وإن كان فيه نظر واضح، لظهوره في أن
(أو) فيه لتقسيم المسؤول عنه لا للترديد في السؤال، فالأولى حينئذ دعوى اختصاص
الجواب بالحاضرة كما سمعته منا سابقا، وأما خبره الآخر فمع معارضته بغيره، خصوصا
ما دل على افتتاح القضاء بركعتين تطوعا كموثق سماعة (5) المتقدم سابقا، وجريان
بعض ما ذكرنا في الحاضرة فيه يمكن إرادة الفعل من لفظ القضاء فيه، كما أنه يمكن حمل
النفي فيه على إرادة الكمال من جهة شدة استحباب المبادرة إلى الفائتة.
ومنه يعلم الحال في المرسل الذي بعده، سيما مع عدم القائل بعمومه، وطعن فيه
في الروض بأنه لم يثبته الأصحاب من طريقهم، وإنما أورده الشيخ في المبسوط والخلاف

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 4 من كتاب الصلاة
(3) المستدرك - الباب - 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 4 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
254

ولم يذكره في كتابي الأخبار، بل ويعلم الحال أيضا في خبر يعقوب بن شعيب، ولا
ينافيهما وقوع ذلك من النبي (صلى الله عليه وآله)، ضرورة اختلاف ذلك باختلاف
المرجحات، فتارة يرجح مثلا المبادرة، وأخرى التطوع لمكان انتظار الجماعة مثلا،
أو غيرها من المرجحات الأخر، وعلى هذا يمكن التوقف في الكراهة هنا فضلا عن
أصل الجواز، وإن ذكرها غير واحد من الأصحاب حملا لهذا النهي والنفي عليها،
إلا أنه يمكن استفادة عدمها من صحيح زرارة المشتمل على قصة الحكم بن عتيبة، ضرورة
ظهور كلام الإمام (عليه السلام) بل صراحته في عدم اندراج حكم الفائتة في الحاضرة،
والفرض أن حكمها الكراهة على المختار، فليس إلا نفيها هنا، كي يتجه الفرق بينهما،
إذ احتمال الشدة والضعف في غاية البعد، والأمر سهل، خصوصا في مثل هذه الكراهة
المتعلقة بالعبادة، هذا.
وينبغي القطع بانتفائها فضلا عن الحرمة في التطوع لمن كان عليه قضاء للغير بإجارة،
لانصراف الأدلة عدا المرسل الذي لم يجسر على الفتوى بمجرده إلى غيره، خصوصا
بعد ما عرفت من شدة المبالغة في أمر التطوع والحث عليه، على أن مقتضاه ذلك أيضا
في كل من اشتغلت ذمته بصلاة بنذر أو أمر سيد أو والد أو إجارة على عمل اشترطت
صحته بها، أو تعارف دخولها فيه، أو غير ذلك، وهو في غاية الاشكال، خصوصا
إذا أريد من الصلاة المنفية ما يشمل الرواتب في مواقيتها، اقتصارا فيها على مزاحمتها
لخصوص فرائضها دون غيرها، والاعتماد في جميع ذلك على عموم مثل هذا المرسل كما
ترى، بل هو أشبه شئ بدعوى جريان جميع ما ذكرناه من البحث في غير الصلاة من
التطوعات مما هو معلوم خلافه، اعتمادا على نفيه الشامل لجميع الأفراد في وقت الفريضة.
نعم لا ينبغي الفرق في الحكم المزبور كراهة أو تحريما بين ذوات الأسباب
وغيرها كما صرح به في الروضة، ولا بين الرواتب وغيرها كما صرح به في غيرها إلا
255

في الوقت الذي اقتطعه الشارع لها من وقت الفريضة، لتواتر الأخبار (1) به بل كاد
يكون من الضروريات، ولعله هو الذي يريده البعض في استثناء الرواتب من هذا
الحكم لا مطلقا، ضرورة صيرورتها في غيره قضاء، فيندرج في تلك الأدلة المزبورة
السالمة عن المعارض المذكور فيه، بل في كثير منها أو بعضها إرادة الرواتب، وإلا
كان من الأقوال الغريبة، وما أبعد ما بينه حينئذ وبين ما يحكى عن البعض هنا من
ترجيح فعل الفريضة في أول الوقت على فعل النافلة، تمسكا ببعض النصوص (2)
السابقة الآمرة بفعل الفريضة فيه وقضاء النافلة بعد ذلك وإن اشتركا معا في الغرابة،
أما الأول فلما عرفت، وأما الثاني فلتواتر النصوص (3) عنهم (عليهم السلام) فعلا وقولا بخلافه،
كالسيرة القطعية وفتاوى علماء الملة الحنيفية، فيكون المراد حينئذ من أول الوقت المزبور
بالنسبة إلى المتنفل ما بعد وقت النافلة كالذراع والذراعين ونحوهما، والله أعلم.
ولو نذر التطوع أو وجب عليه بسبب من الأسباب خرج عن موضوع المسألة،
لتغير الوصف الذي هو المدار، إذ احتمال الاكتفاء بما كان عليه قبل الوصف من التطوع
في غاية البعد، نعم ينبغي تقييد النذر مثلا بما إذا لم يقيده في وقت ما هو متلبس به
من الحاضرة أو الفائتة، بل نذره مطلقا وإن كان قد صدر النذر منه في وقت خطابه بهما
إلا أنه أوقعه مطلقا، واحتمال الاجتزاء به حتى مع التقييد المزبور لتغير الوصف أيضا
يدفعه منع تأثير النذر لزومه كي يتبدل الوصف، لاشتراطه بالمشروعية قبل النذر، وهي
مفقودة في المقيد ضرورة بناء على الحرمة، فتأمل جيدا.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 18 و 19 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 18 و 19 من كتاب الصلاة
256

(وأما) النظر في (أحكامها)
أي المواقيت الذي هو أحد شقي المقدمة الثانية (ففيها مسائل) قد تقدم الكلام
مفصلا في باب الحيض في معظم ما يتعلق ب‍ (الأولى) وهي (إذا حصل) للمكلف
(أحد الأعذار المانعة من) التكليف ب‍ (الصلاة كالجنون والحيض) والاغماء ونحوها
(وقد مضى من الوقت مقدار) أقل الواجب من (الطهارة) المكلف بها في مثل ذلك
الوقت خاصة أو هي مع سائر الشرائط (و) مقدار (أداء الفريضة) كذلك ولم يكن
قد فعل (وجب عليه قضاؤها) بلا خلاف ولا اشكال (ويسقط القضاء إذا كان دون
ذلك على الأظهر) الأشهر، بل المشهور بل المجمع عليه نقلا إن لم يكن تحصيلا، خلافا
للمحكي عن ظاهر ابني الجنيد وبابويه والمرتضى، ولا فرق في ذلك بين أول الوقت
وأثنائه بمعنى أنه لو أفاق المجنون مثلا في الأثناء ثم جن أو أغمي عليه في الوقت اعتبر
في وجوب القضاء عليه اتساع زمن الإقامة لادراك الصلاة والطهارة أو سائر الشرائط
(ولو زال المانع فإن أدرك) من آخر الوقت ما يسع (الطهارة) خاصة أو مع سائر
الشرائط على القولين (و) مسمى ال‍ (ركعة من الفريضة) الذي يحصل برفع الرأس
من السجدة الأخيرة على الأصح كما تسمع الكلام فيه في مبحث الخلل من الكتاب
(لزمه أداؤها) وفعلها لعموم (من أدرك) وغيره مما هو مذكور في باب الحيض،
فلاحظ (ويكون) بذلك (مؤديا) لا قاضيا ولا ملفقا (على الأظهر) الأشهر بل
المشهور، بل عن الخلاف الاجماع عليه، وهو الحجة بعد كون الصلاة على ما افتتحت
عليه، وبعد وجود خاصية الأداء فيه، ضرورة ظهور نص ادراك الركعة وغيره مما دل
على الحكم المزبور في ذلك، أقصاه صيرورة الخارج وقتا اضطراريا، وفي أنه بمنزلة
الاختياري المقتضية باطلاقها المشاركة في الأحكام التي منها نية الأداء، وإنكار ظهور
النص المزبور فيما ذكرنا مكابرة، بل يكفي فيه أن ادراك القضاء لا يشترط فيه ادراك
257

الركعة، وأن أخبار القضاء (1) لا تشمله، بل ولا صالحة لتناوله بالخصوص، كما يشهد
له القطع حتى من الخصم بعدم جريان جميع أحكام القضاء عدا النية عليه أو أكثرها،
بخلاف ما لو أدرك أقل من ركعة فإنه جميعها من الترتيب على الفائتة السابقة وغيره
جارية عليها، إذ لا خلاف عندنا كما في كشف اللثام في كونها حينئذ قضاء.
خلافا للمحكي عن المرتضى فقضاء، لأن خروج الجزء يوجب خروج المجموع،
ولأن الركعة المدركة وقعت في وقت الركعة الثانية عند التحليل، ولصدق عدم فعلها
في الوقت مع ملاحظة التمام، بل بها يصدق الفوات أيضا، وللمحكي عن غيره فركبها
منهما، نظرا إلى كونها كذلك في الواقع، فهو مقتضى العدل فيها فيجدد النية حينئذ
في الركعة الثانية، أو يكتفي بالتوزيع في ابتداء النية، وهما معا ضعيفان، لما عرفت من
ظهور الأدلة في أن دخول هذا الجزء موجب لدخول الجميع لا العكس، والأولى والثانية
وقعتا في الوقت وما هو بمنزلته شرعا، فلا يقدح الصدق المزبور بعد كون المراد منه
الوقت حقيقة لا ما يشمل ما كان بمنزلته، وإلا كان كاذبا، ومن ذلك ظهر فساد التلفيق
المزبور، بل يمكن دعوى عدم مشروعية مثله، ضرورة كون المستفاد من الأدلة إما
قضائية وإما أدائية، لكن يسهل الخطب في ذلك عدم فائدة معتد بها عدا الالتزام
بيمين ونحوه معلقا على الأداء والقضاء، إذ التعرض في النية لأحد الأمرين غير واجب
عندنا، وترتب الفائتة السابقة عليها كما في كشف اللثام والذكرى وحواشي الشهيد الثاني
على القواعد مقطوع بعدمه وإن قلنا أنها قضاء، للاجماع كما في المدارك على تقديم
المدرك من وقتها ركعة عليها على كل حال.
(و) حينئذ ف‍ (لو أهمل) ولم يفعل مع الادراك المذكور ولم يطرأ في الوقت
المسقط من الجنون أو الحيض (قضى) واجبا على الأقوال الثلاثة، ووجهه واضح،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قضاء الصلوات من كتاب الصلاة
258

(ولو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف الليل إحدى الفريضتين لزمته تلك لا غير)
لاستحالة التكليف بهما معا في وقت لا يسعهما، ولأن المختار عندنا اختصاص الوقت
من الأخير في الأخيرة، فلو أدرك قبل الغروب مقدار أربع ركعات خاصة في الحضر
أو ركعتين في السفر وجبت العصر خاصة عندنا، وهو مع وضوحه منصوص (1)
وللشافعي فيما حكي عنه قول بوجوبهما إذا أدرك ركعة من العصر، وآخر إذا أدرك
ركعة وتكبيرة، وآخر إذا أدرك الطهارة وركعة، والكل باطل عندنا وإن كان ربما
توهم بعض النصوص (2) وجوبهما بادراك شئ من اليوم، وحملت على ادراك وقتهما،
وكان اطلاق المصنف إحداهما ظاهر في القول بالاشتراك، بناء على مشروعية التخيير
له بين الفرضين على هذا التقدير، إلا أن يريد إحداهما المعينة، لكن هي الأولى على
الاشتراك كما جزم به في المدارك لسبقها، وتوقف صحة الثانية عليها عند التذكر، والثانية
على الاختصاص، فالاطلاق حينئذ يتأتى على المذهبين.
(وإن أدرك الطهارة وخمس ركعات قبل المغرب لزمته الفريضتان) لعموم (3)
(من أدرك) وغيره مما مر في باب الحيض، لكن مقدار الأربع من الخمس في الأصل
للظهر، أو مقدار ما عدا الأولى للعصر وإن زاحمها الظهر فيها وجهان كما في القواعد
وغيرها من الخلاف السابق، إذ على القول بأداء الجميع يكون مقدار ثلاث وقتا اضطراريا
للظهر، وعلى الآخرين للعصر، قيل: وتظهر الفائدة في المغرب والعشاء، فعلى الأول
يجبان معا لو أدرك أربع ركعات من الانتصاف كما عن بعض العامة التصريح به، مخرجا
له على أنه إذا أدرك خمسا من الظهرين مثلا تكون الأربع للظهر لسبقها، ووجوب
تقديمها عند الجمع، ولأنه لو لم يدرك سوى ركعة لم يجب الظهر، ولو أدرك أربعة معها

(1) الوسائل - الباب 49 - من أبواب الحيض - الحديث 6 - 7 من كتاب الطهارة
(2) الوسائل - الباب 49 - من أبواب الحيض - الحديث 6 - 7 من كتاب الطهارة
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
259

وجبت، فدل على أن الأربع لها، وعارضوه بأن الظهر هنا تابعة للعصر في الوقت
واللزوم، فإذا اقتضى الحال ادراك الصلاتين وجب أن يكون الأكثر في مقابلة المتبوع
والأقل في مقابلة التابع، فيكون الأربع للعصر.
ولا يخفى عليك أن هذه الخرافات لا تناسب مذهب الإمامية المهتدين بأنوار
الأئمة الهداة (عليه السلام)، وكان الحري بأصحابنا عدم ذكرها منسوبة إليهم في كتبهم فضلا
عن ذكرها فيما لهم من الاحتمالات، أما أولا فلأن ما دل على اختصاص العصر بأربع
للحاضر مثلا يجب أن لا يخرج ذلك الوقت عن الوقتية باعتبار ما، ووقوع شئ من
الظهر فيه لا يصيره وقتا له، كما في ثلاث العصر وواحدة الصبح بعد طلوع الشمس،
ففي الفرض أدرك ركعة من آخر وقت الظهر فاستتبعت ثلاثا من وقت العصر، لقوله
(عليه السلام): (من أدرك) كما أن العصر استتبعت ثلاثا من وقت المغرب لذلك
ولعله هو الذي يريده في المدارك بقوله: (إن الحكم بتقديم الأولى يستدعي كون ذلك
القدر من الزمان الواقعة فيه وقتا لها قطعا، وإن كان بعضه وقتا للعصر لولا ادراك
الركعة، لا أنه يريد كون مقدار الأربع للظهر مثلا محافظة على الوقت المضروب لها
شرعا، إذ التحقيق كما عرفت أن الأربع الأخيرة للعصر وإن زاحمها الظهر بثلاث
منها، فصار في حكم وقتها، مضافا إلى نصهم (عليه السلام) (1) على ذلك فيه في
العشاء، ومنه يستفاد اختصاص العصر بها أيضا، مع أنه منصوص (2) أيضا.
وأما ثانيا فلأنه لو سلمنا أن الأربع للظهر مثلا فلا ريب أيضا في اشتراطه ببقاء
ركعة، أما في مثل أربعة العشاء فلم يبق للمغرب شئ كي يحتمل كون الثلاث لها، نعم
بناء على اشتراك الوقت يمكن دعوى وجوبهما معا حينئذ، لتمكنه منهما معا أداء على

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 من كتاب الصلاة
260

المختار وعدمه (1) وإن بقي الاشتراك، لأنهما إن صليتا صار العشاء قضاء أو مركبة
أو مؤخرة إلى الوقت الاضطراري اختيارا، ولا ريب في حرمته، واحتمال أن التأخير
اضطراري، لمكان المغرب الذي يجب على المكلف أداؤها مع امكانه يدفعه أنه لا دليل
على وجوبها في هذا الحال كي يكون عذرا في التأخير، لعدم اندراجه في عموم (من
أدرك ركعة) قطعا وفيه أنه يكفي دليل أصل وجوبها سابقة على العشاء مع صلاحية الوقت
بل يمكن دعوى وجوبها دون العشاء بناء على الاشتراك فيما لو بقي ركعة فضلا عن الأربع،
فالمتجه حينئذ عليه وجوب الفرضين دون الاختصاص، فبناء المسألة على ذلك أولى من
بنائها على ما عرفت.
وأما ثالثا فلعدم التلازم بين القول بالأدائية وبين القول بكون الأربع للظهر
أصالة، إذ هي تأتي على ذلك وعلى كونه بمنزلة الوقت شرعا، كما أنه لا تلازم بين القول
بالقضائية أو التركيب وبين القول بكونها للعصر أصالة، إذ لعله يخص ذلك في المدرك
خمسا بالأخيرة التي صار ادراك وقتها بسبب الركعة، لا الأولى التي أوجبها أصل
الأمر بها دون ادراك ركعة من وقتها، فيكون اختصاص العصر عنده بالأربع إذا بقي
من الوقت مقدارها خاصة، فتأمل جيدا والله أعلم.
المسألة (الثانية الصبي المتطوع بوظيفة الوقت) بناء على شرعية أفعاله (إذا
بلغ) في أثناء صلاته أو بعد الفراغ منها (بما لا يبطل الطهارة) كالسن (والوقت)
الذي يتمكن من أداء الفعل فيه ولو اضطرارا (باق استأنف) صلاته (على الأشبه)
الأشهر، بل في المدارك نسبته إلى خلاف الشيخ وأكثر الأصحاب، للعمومات التي
لم يخرج عن مقتضاها بفعله الأول الذي هو مقتضى أمر آخر غيرها، ضرورة عدم
كون المراد بشرعية أفعاله أن الأمر في قوله تعالى (2): (أقيموا الصلاة) ونحوه

(1) أي عدم وجوبهما (2) سورة المزمل - الآية 20
261

مما هو ظاهر في المكلفين مراد منه الندب بالنسبة إليه، وإلا كان مستعملا في الحقيقة
والمجاز، بل المراد استحباب متعلقه بأمر آخر غيره، فيكون اللذان تواردا على الصبي
في الفرض أمرين ندبيا وايجابيا، ومن المعلوم عدم اجزاء الأول عن الثاني، بل لو كان
حتميا كان كذلك أيضا، لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب، خصوصا في مثل المقام
الذي منشأ التعدد فيه اختلاف موضوعين، كل منهما تعلق به أمر، وهما الصبي والبالغ،
فما يحكى عن ظاهر المبسوط من الاجتزاء بالاتمام عن الاستيناف ضعيف جدا.
واضعف منه احتجاجه له في المختلف بأنها صلاة شرعية يجب اتمامها للآية،
وإذا وجب سقط الفرض بها، لاقتضاء الأمر الاجزاء، وفيه أولا امكان منع شرعيتها
باعتبار كون المصحح لها سابقا أنها نافلة وقد انقطع ذلك هنا، ضرورة دوران نفليتها
على الصبا، فشرعيتها حينئذ بالنسبة إلى ذلك كتمرينيتها تنقطع بالبلوغ، وإن احتمل
المحقق الثاني وتبعه غيره اتمامها على التمرينية أيضا عند عدم معارضة الصلاة لها، نظرا
إلى أن صورة الصلاة كاف في صيانتها عن الابطال، وإلى أنها افتتحت على حالة لم يتحقق
الناقل عنها كما هو الفرض، فيستصحب ما كان، وافتتاحها غير مندوبة لا ينافي اتمامها
مندوبة بعد أن كان المانع من ندبيتها قبل عدم التكليف، وقد زال ببلوغه، وصار
التمرين ممتنعا، فاتمامها لا يكون إلا مستحبا، وهو كما ترى، وثانيا إمكان منع عموم
الآية للنافلة لما ستعرفه من النزاع فيه في محله، وثالثا إمكان منع أنه ابطال، بل أقصاه
كونه بطلانا، ورابعا أن امتثال الأمر يقتضي الاجزاء عن خصوص الأمر بالاتمام
لا أمر الصلاة، وهما متغايران قطعا.
فالأولى الاستدلال له بما أومأنا إليه سابقا من امكان دعوى اتحاد المكلف به
وإن اختلفت صفته في الوجوب والندب في الحالين، وإن كان هو ممنوعا عليه كما عرفت،
وبالحمل على من بلغ في الحج قبل الموقف وإن كان هو قياسا على المنصوص، مع الفارق
262

من الاجماع والحرج وانفراد كل من الأفعال بالحج، ولذا يجب انفراده بنية، وعليه
لا فرق حينئذ بين الأثناء وما بعد الفراغ، بخلاف ما ذكره العلامة دليلا وما ذكرناه
نحن ثانيا، فإنه خاص بالأول، لكن يسهل الخطب في ذلك ضعف هذا الخلاف، بل
لعل الشيخ غير مخالف، إذ لم يحك عنه سوى ايجاب الاتمام على البالغ في الأثناء، وهو
كما ترى أعم من ذلك، اللهم إلا أن يكون أوجب الاتمام عليه وإن اقتضى عدم التمكن
بعد من الاستيناف لضيق الوقت، إذ لا يتم حينئذ إلا على الاجتزاء به عن الاستيناف،
مع امكان دعوى أن الاتمام للنهي عن الابطال لا للاجتزاء، أقصاه دوران الأمر
عند البلوغ بين قطع ما هو متلبس به من النافلة، والفرض حرمته، وبين ترك الصلاة،
ولا ريب في تعين الثاني عليه، لاشتراط وجوبها بالتمكن المفقود، إذ الممنوع شرعا
كالممنوع عقلا، اللهم إلا أن يقال أن امتناع الصلاة عليه موقوف على النهي عن
الابطال سابقا على فعل الصلاة، وليس، ضرورة اتحاد زمان توجه الأمر والنهي إليه
بالبلوغ الذي هو سبب تعلق هذه الخطابات ونحوها به، فمقتضى القاعدة التخيير إن لم
يحصل إمارة معتد بها شرعا تعين أحدهما، ولعلها هنا بالنسبة إلى الصلاة، نظرا إلى
الأهمية وغيرها، وإلا فالتخيير، لكنه عند التأمل مما يقتضي وجوده عدمه، إذ متى
فرض جواز قطع النافلة له وجبت الصلاة، لعدم المانع حينئذ، إلا أن يكون المراد
بالتخيير ما هو في التكليف لا المكلف به، بناء على عدم حصر ذلك في تعارض الأخبار
خاصة، بل هو كتخيير الحائض في تحيضها بالسبعة والثلاثة مثلا من الشهرين، أو يقال
إن التخيير ما أثبتناه إلا بعد رفع مقتضى كل من الأمر والنهي مما تضادا فيه، فالإذن
بالقطع ثبت مع الإذن بترك الصلاة دفعة، فإن اقتضى ذاك وجوب الصلاة فليقض الإذن
بتركها تعين وجوب الاتمام، لعدم المقتضي حينئذ للقطع، ولتمام البحث في المسألة
ونظائرها مقام آخر، لكن على كل حال ليس في المحكي عن الشيخ تصريح بالاجتزاء،
263

بل ولا ظهور، كما أنه لا ظهور في الأمر بالاستيناف بمجرده من المصنف والفاضل
وغيرهما بالقطع مع السعة، بل ولا مع الضيق، بل أقصاه بيان عدم الاجتزاء بفعله عن
الإعادة مع التمكن ولو بادراك ركعة مع الطهارة مثلا.
نعم قد يستفاد ذلك من قول المصنف: (وإن بقي من الوقت دون الركعة بنى
على نافلته) وجوبا على المحكي عن المبسوط، لأنها الصلاة عنده، أو على القول بحرمة
قطع النافلة بناء على أنها نافلة وإن بلغ في أثنائها، وندبا بناء على عدم الحرمة، أو على
التمرينية في وجه سمعته من جامع المقاصد وغيره فيما تقدم (و) على كل حال إلا على
المحكي عن المبسوط (لا يجدد نية الفرض) حيث حصر البناء على النافلة الذي هو بمعنى
عدم القطع فيما لو بقي دون الركعة، ومقتضاه عدم البناء عليها إذا كان الباقي ركعة مثلا،
وهو عين ما ذكرناه من مسألة التعارض، ويكون اختياره القطع حينئذ ترجيحا للأمر
بالصلاة على النهي عن الابطال، أو لعدم حرمة قطع النافلة، أو لأن ضيق الوقت
يكشف عن وقوع النافلة في غير وقتها، فيكون عدم انعقاد أصلا لا بطلانا فضلا عن
الابطال، كمن ظن سعة الوقت من المكلفين فشرع في نافلة ثم تبين له في أثنائها ضيق
الوقت، فإنه لا ريب في وجوب الشروع في الصلاة عليه، كما أنه لا ريب في عدم
كونها من موضوع التعارض، لكن قد يناقش في الأخير بوضوح الفرق بين المكلف
المشتبه وبين من حدث تكليفه الذي لا اشتباه فيه ولا تبين خطأه.
ثم لا يعتبر في الاستيناف أزيد من ادراك الركعة إذا فرض احرازه الطهارة
كما عن التذكرة التصريح به هنا، أو هي مع باقي الشرائط على القول الآخر، ولا يجب
عليه استيناف الطهارة بناء على المعنى المعروف من شرعية عباداته، لارتفاع الحدث
بالطهارة المندوبة عندنا كالواجبة، نعم هو متجه بناء على التمرين، لعدم تأثيرها حينئذ،
264

ولعله لذا اعتبر في كشف اللثام سعة الوقت لادراك الركعة والطهارة وإن كان متطهرا
سابقا، وفاقا لما حكاه عن البيان والذكرى والتحرير والمنتهى وجامع المقاصد وغيرها،
كما أن القول بالاستيناف متجه عليه أيضا، سواء في ذلك الأثناء أو ما بعد الفراغ،
بل وعلى الشرعية أيضا لو كان البلوغ في الأثناء بما هو مبطل كالانزال، والوجه في الجميع
واضح، كوضوح مساواة الصبية للصبي في ذلك كله، والله أعلم.
المسألة (الثالثة إذا كان له طريق إلى العلم بالوقت) مشاهدة كان أو غيرها
(لم يجز التعويل على الظن) لأصالة حرمة العمل به حينئذ المشهورة في ألسنة العلماء
المستفادة من النهي عن اتباعه كتابا (1) وسنة (2) وغيره، وإليها أشار الطباطبائي
بقوله في منظومته:
وكل من أمكنه العلم فلا * يبن على الظن لأصل أصلا
ولتوقف نية القربة والبراءة عن الشغل والحكم باندراجه في المطيعين الممتثلين
لأوامر رب العالمين وأوليائه الغر الميامين (عليه السلام) عليه، وللاجماع المحكي على لسان غير واحد
إن لم يكن المحصل المعتضد بالشهرة العظيمة، بل بعدم الخلاف فيه فيما أجد كما اعترف به
غير واحد أيضا سوى ما يحكى عن ظاهر الشيخين من اطلاق الاجتزاء به، مع أن
المنساق منه حال عدم التمكن، بل اطلاق المفيد منهما غير مساق لذلك، كما أن اطلاق
الطوسي في نهايته التي هي غالبا متون أخبار وغير معدة للفتوى ظاهر في إرادة بيان
انحصار صحة الصلاة في العلم والظن، وأنها بدونهما لا تصح وإن كان اعتبار الثاني إذا لم
يتمكن من الأول، لا أنه يكفي الحاصل منهما على كل حال، ولتظافر النصوص (3)

(1) سورة الحجرات - الآية 12
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 40 و 42
من كتاب القضاء
(3) الوسائل - الباب 1 و 41 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
265

أو تواترها بالمحافظة على معرفة المواقيت وملاحظتها وكيفية معرفتها وطرق العلم بصيرورتها
على وجه ظاهر في إرادة العلم بصيرورتها، بل هو صريح بعضها، خصوصا الوارد في
الفجر والزوال الناهي عن الصلاة قبل التبين (1)، كالآية (2) الذي هو بمعنى العلم، بل
لعل الآية شاهدة بضميمة عدم القول بالفصل بين الصوم والصلاة في ذلك، ولاشعار
موثق سماعة (3) الآتي به أيضا، ولخصوص خبر علي بن جعفر (4) عن أخيه (عليهما
السلام) (في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر ولا يدري أطلع الفجر أم لا غير أنه يظن
لمكان الأذان أنه طلع قال: لا يجزيه حتى يعلم أنه طلع) إلى غير ذلك مما يعسر حصره.
فما عساه يستفاد من اطلاق بعض نصوص (5) الديكة والمؤذنين، وخبر
إسماعيل بن رياح (6) من الاجتزاء به مطلقا يجب تقييده بعدم التمكن، لما سمعت
وتسمع، وإن تردد في الذخيرة في المسألة لخبر ابن رياح (7) عن الصادق (عليه السلام)
الذي لم يسق اطلاقه لذلك، قال: (إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل
الوقت فدخل وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك) بل مع التأمل لا ظهور فيه أصلا،
ضرورة صدقه في صورة كفاية الظن، فلعل المراد بيان حكمه، نعم ربما كان فيه اشعار
ضعيف لا يعبأ به هنا قطعا، بل ربما يسلم إذا لم يكن صورة للظن معلومة الجواز، وإلا
كانت هي المنساقة من مثل هذا الاطلاق، فدعوى إرادة الظن حينئذ من لفظة (ترى)

(1) الوسائل - الباب 58 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 3 من كتاب الصلاة
(2) سورة البقرة - الآية 183
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت والباب 3 من أبواب الأذان والإقامة من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 25 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب 25 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
266

لكونه معناه أو لعدم انطباق الحكم المزبور في الخبر إلا عليه غير مجدية، وكذا تردده
فيها في أول كلامه في التعويل على أذان الثقة الذي يعرف منه الاستظهار، بل لم يستبعده
بعد ذلك، كما أنه جزم به في المعتبر، لأن الغرض من شرعيته الاعلام، ولقول الصادق
(عليه السلام) في الصحيح (1): (صل الجمعة بأذان هؤلاء، فإنهم أشد شئ مواظبة
على الوقت) وخبر محمد بن خالد القسري (2) قال له أيضا: (أخاف أن أصلي الجمعة
قبل إن تزول الشمس، فقال: إنما ذلك على المؤذنين) وقول علي (عليه السلام) في
خبر الهاشمي (3): (المؤذن مؤتمن) كالنبوي (4) (المؤذنون أمناء) وإيماء النهي (5)
عن الاعتماد على أذان ابن أم مكتوم، والأمر به على أذان بلال، وغير ذلك.
لكن الاعتماد عليها - مع ما في سند بعضها، وعدم اشتمال شئ منها على تمام
ما ذكراه، بل في بعضها ما يخالفه، ومعارضتها بخبر علي بن جعفر المتقدم وغيره من تلك
الأدلة المعتضدة بما سمعت من اتفاق الأصحاب نقلا إن لم يكن تحصيلا، واحتمالها العذر
وحصول العلم به، خصوصا إذا كان المراد منه الاطمينان التام المسمى عند أهل العرف
بالعلم، ومن الصلاة بسماعه التهيؤ لها بفعل الوضوء ونحوه مما يقطع الانسان بدخول
الوقت بعد فعله، ضرورة كون السبق إن كان فهو قليل جدا، ولعل هذا هو المراد
بالأعلام المقصود من شرعية الأذان، أو المراد التنبيه لذوي الأعذار أو لمراعاة الوقت
لغيرهم - مما لا يليق بالفقيه الماهر.

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 3 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 7 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 7 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 و 3 و 4
من كتاب الصلاة
267

ثم لا يخفى ظهور بعض هذا النصوص في الاكتفاء به في الزوال، أو هو مع
العصر، ولعله لغلبة كون المؤذنين في تلك الأزمان من المخالفين المتفقين معنا فيه دون
الصبح مثلا وإن وافقنا بعضهم فيه، ولعل المصنف كالخراساني يريد أن ذلك أيضا وإن
أطلقا، كما أنهما يريدان من الثقة الموثوق به لا العدل الشرعي، لعدم نصبه للأذان
في تلك الأزمان غالبا، فتأمل.
وأما شهادة العدلين ففي الذخيرة أن ظاهر أكثر الأصحاب الاكتفاء بها، ولعله
لعموم ما دل (1) على قبولها وإن كان لم يحضرني شئ من ذلك بحيث يكون شاملا لما
نحن فيه من حيث إنها شهادة، وإلا فالاستناد إلى أدلة خبر الواحد يقضي بعدم
اختصاصها بذلك، اللهم إلا أن يحتج بها لها، ثم استفادة التعدد مما دل على اعتباره في
كل شهادة، مع دعوى أن المقام منها، فحينئذ لا يكتفى بالعدل الواحد كما استظهره في
الذخيرة أيضا، قال: لفقد الدليل، ومفهوم آية التثبت (2) غير ناهض وفيه - بعد
امكان منع عدم نهوضه، وإلا لم يكن دليل للشهادة أيضا - أن المقام باعتبار عمومية
المخبر به، وعدم تعلقه بخاص أقرب إلى اندراجه في قسم الأخبار من الشهادة، نعم
قد يومي إلى عدم اعتباره اشتهار عدم التعويل على أذان العدل العارف للمتمكن، كما
أنه قد يومي إلى عدم اعتباره صحيح زرارة (3) الآتي المتضمن للأخبار لمن غره القمر فصلى
بليل، بناء على عدم الفرق في قبوله بين الوقت وخارجه، بل في الوسائل استدل بخبر
القزويني (4) المروي عن العيون الذي ستسمعه فيما يأتي، لكن فيه أنه مع التعذر عن

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 4 من كتاب التجارة
والباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة - الحديث 2 من كتاب الأطعمة والأشربة
(2) سورة الحجرات - الآية 6
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
268

العلم بالحبس، وعلى كل حال لا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى اعتبار العلم
وعدم الاكتفاء بالشهادة فضلا عن الخبر، والله أعلم.
وكيف كان (فإن فقد) طرق (العلم) بالوقت لغيم ونحوه (اجتهد، فإن)
لم يحصل له ظن بل كان شاكا أخر حتى يعلم أو يظن كما صرح به في البيان، بل هو
ظاهر الجميع أيضا، ووجهه واضح وإن (غلب على ظنه دخول الوقت صلى) ولا يجب
عليه التأخير حتى يعلم، للأصل والحرج وتعذر اليقين والاجماع المحكي في التنقيح وغيره
على قيام الظن مقام العلم عند التعذر، ولقبح التكليف بما لا يطاق مع فرض عدم سقوط
الخطاب بالصلاة في أول الوقت، ولنصوص (1) الأذان السابقة، وللمرسل المشهور
على ألسنة الفقهاء (المرء متعبد بظنه) ونصوص الديكة التي يظهر من رواية الفقيه
وغيره لها الاعتماد عليها، ففي حسن الفراء (2) منها الذي هو كالصحيح، قال: (قال
رجل من أصحابنا للصادق (عليه السلام): إنه ربما اشتبه علينا الوقت في يوم غيم،
فقال: تعرف هذه الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديوك فقال: نعم، قال:
إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس، أو قال: فصله) ومرسل ابن
المختار (3) عنه (عليه السلام) أيضا المروي في الفقيه والكافي بلا إرسال (قلت له:
إني رجل مؤذن، فإذا كان يوم الغيم لم أعرف الوقت فقال: إذا صاح الديك ثلاثة
أصوات ولاء فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة) وينبغي القطع به إذا علم من
عادة الديك ذلك، بل في كشف اللثام امكان استفادة العلم منه، كما أنه ينبغي القطع
بعدم اعتباره إذا علم من عادته الكذب بحيث لا يفيد ذلك منه ظنا، أما إذا لم يعلم شئ
من الحالين فلا يبعد اعتباره لهذه النصوص.

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأذان والإقامة من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 14 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 14 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 2 من كتاب الصلاة
269

ولقد أجاد في الذكرى في قوله: (ونفي ذلك في التذكرة بالكلية محجوج بالخبرين)
فما في المدارك من أن ضعف سندها يمنع من التمسك بها في غير محله، ولموثق سماعة (1)
(سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا النجوم فقال: تجتهد
رأيك وتعمد القبلة جهدك) ولما يشعر به لفظ التوسعة في خبر إسماعيل بن جابر (2)
المروي عن تفسير النعماني عن الصادق عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (إن الله تعالى
إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها دليلا على أوقات الصلاة فموسع عليهم
تأخير الصلوات ليتبين لهم الوقت بظهورها، ويستيقنوا أنها قد زالت) والاكتفاء به
في القبلة، ولخبر إسماعيل بن رياح (3) المتقدم سابقا، وموثق ابن بكير (4) المروي
في التهذيب ومستطرفات السرائر عن الصادق (عليه السلام) أيضا قال: (قلت: إني
ربما صليت الظهر في يوم غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زوال النهار فقال: لا تعد
ولا تعد) ضرورة عدم وقوع الصلاة منه بيقين بل ولا بقطع، لبعده في الفرض في
الغاية، ومنه يظهر وجه دلالة صحيح زرارة (5) أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام)
(وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة
ومضى صومك) الحديث. وخبر أبي الصباح الكناني (6) (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفي السماء علة فأفطر ثم إن السحاب

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب المواقيت الحديث 1 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 16 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 16 - من - أبواب المواقيت - الحديث 17 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك
الحديث 3 من كتاب الصوم
270

انجلى فإذا الشمس لم تغب، قال: قد تم صومه ولا يقضيه بناء على عدم الفرق والفارق
بين الصلاة والصوم كما في ظاهر الذخيرة، وخبر أحمد بن عبد الله القزويني (1) عن
أبيه المروي عن العيون قال: " دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح،
فقال لي: ادن مني فدنوت منه حتى حاذيته، ثم قال لي: أشرف إلى البيت في الدار
فأشرفت، فقال لي: ما ترى في البيت؟ قلت: ثوبا مطروحا، فقال: انظر حسنا
فتأملته ونظرت فتيقنت فقلت: رجل ساجد - إلى أن قال -: فقال لي: هذا أبو الحسن
موسى بن جعفر (عليهما السلام)، إني أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات
إلا على الحالة التي أخبرك بها، إنه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع
الشمس، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس، وقد وكل من يترصد
له الزوال فلست أدري متى يقول له الغلام قد زالت الشمس إذ وثب فيبتدئ الصلاة
من غير أن يحدث وضوء، فاعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفا، ولا يزال إلى أن
يفرغ من صلاة العصر، فإذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب
الشمس - إلى أن قال -: فلست أدري متى يقول الغلام: قد طلع الفجر إذ وثب هو
لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حول إلي " إلى غير ذلك مما هو معتضد بالشهرة العظيمة
التي كادت تكون إجماعا، إذ لم نقف على مخالف فيه إلا من الإسكافي، وربما مال إليه
في المدارك، فاعتبرا العلم ولو بالتأخير حتى يحصل، وإن كان يفهم من بعض متأخري
المتأخرين نسبته إلى المرتضى أيضا، لكنه في غير محله إذ نزاعه على الظاهر في صحة
الصلاة وعدمها إذ انكشف فساد الظن وكان قد دخل عليه الوقت وهو في أثناء الصلاة،
كما لا يخفى على من لاحظ كلامه المحكي عنه في المختلف وهو أعم مما نحن فيه، بل لعله
يستلزم الموافقة فيه، ومن هنا حكى بعض الأفاضل خلافه، ومن تبعه كالفاضل في

(1) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
271

المختلف فيها لا هنا، فلاحظ وتأمل، ولذا قال الطباطبائي:
والظن كاف لذوي الأعذار * ويوم غيم غيمه يواري
نعم يمكن التأمل في استفادة هذه الكلية المزبورة في المتن وغيره مما سمعته من
الأدلة إن لم يكن إجماعا، إذ ليس في المعتمد منها ظهور أو صراحة في عدم الفرق في
ذلك بين الغيم والعمى والحبس في ظلمة وغيرها، ولا بين الفرائض والنوافل، ولا بين
الزوال وغيره، ولا بين الأذان وصياح الديك وغيرهما من إمارات الظن كالورد من
الدرس والصنعة وشبههما، والاجماع المحكي في التنقيح الذي ذكرناه سابقا يظهر من حاكيه
عدم إرادة المحصل المثمر منه لكلام ذكره بعد ذلك، فلاحظ.
وبالجملة ليس في شئ منها عموم على وجه يكون قاعدة يرجع إليها في سائر
ما يندرج تحتها، خصوصا بناء على ما يظهر من بعضهم من أن من أفرادها الأعمى،
وأنه لا يكلف بتحصيل الخبر المحفوف بالقرائن أو المتواتر، وفيه أن الظاهر كون
المراد بذل الجهد كما يومى إليه موثق سماعة (1) المتقدم سابقا، فإن لم يحصل إلا الظن
اكتفى به لا أنه يجتزئ به مطلقا وإن أمكن له تحصيل العلم بالتواتر ونحوه كما يقضي
به إطلاق الكركي في الجعفرية وغيره جواز تقليد الأعمى وشبهه غيره ضرورة منافاة
ذلك لقولهم: لا يجوز التعويل على الظن مع التمكن من العلم، واشتراطهم اعتباره بتعذر
العلم بغير التأخير، بل ومناف أيضا لايجاب الاجتهاد، ولذا قال في البيان: " ويجب
أي على المعذور الاجتهاد مع إمكانه " بل هو ظاهر غيره من الأصحاب ممن أطلق
اعتبار الاجتهاد عند تعذر العلم من غير تفصيل في أسباب العذر بين العمى والحبس والغيم
وغيرها بل ربما كاد يكون صريح بعضهم لكن ظاهر الدروس وصريح الذكرى

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 2 من كتاب الصلاة
272

الفرق بين الأعمى وغيره، فيقلد الأول ويجتهد الثاني، وأن في حكم الأعمى العامي الذي
لا يعرف الوقت والمحبوس وغيره بل ظاهره كل ممنوع بمانع غير عام لسائر الخلق
كالغيم ونحوه، بل كان خاصا به من العمى والحبس وعدم المعرفة ونحوها، فإنه يقلد
حينئذ، بخلاف ما إذا كان المانع عاما فيجتهد حينئذ، وفيه - مع أنه مناف لاطلاقهم
اعتبار الاجتهاد أو الظن مع تعذر العلم من غير فرق بين أسباب التعذر - أنه لا دليل
على هذا التفصيل بل ظاهر الأدلة السابقة خلافه، والاعتماد على قول الغير مع انحصار
طرق الظن فيه نوع من الاجتهاد لا تقليد، وبالجملة لا أجد فرقا بين سائر المكلفين في
ذلك فمن تمكن من العلم منهم وجب، وإلا اجتزى بما يحصل له من الاجتهاد، فقد
يجتزي بأخبار العدل عن علم بأذان أو غيره، بل ربما يجتزي باجتهاد مجتهد آخر أعرف
منه، وليس ذا من التقليد في شئ، بل انحصار إمارة الظن بذلك ونحوه كما هو الفرض.
لكن في الذكرى (أنه لو تعذر العلم فأخبره عدل عن علم بأذان أو غيره فالظاهر
أنه كالممنوع من عرفانه، فيكتفي بقوله: ويمكن المنع، لأن الاجتهاد في حقه ممكن،
وهو أقوى من التقليد، أما لو أخبره عدل عن اجتهاد لم يعتد بقوله قطعا، لتساويهما
في الاجتهاد، وزيادة اجتهاد الانسان على غيره بالنسبة إلى ما يجده من نفسه، ولو قدر
رجحان اجتهاد غيره في نفسه أمكن العدول إلى الغير، لامتناع العمل بالمرجوح مع
وجود الراجح، ويمكن التربص ليصير ظنه أقوى من قول الغير، وهو قوي، بخلاف
القبلة، لأن التربص فيها غير موثوق فيه باستفادة الظن، فيرجح هناك ظن رجحان
اجتهاد غيره، بل يمكن وجوب التأخير للمشتبه عليه الوقت مطلقا حتى يتيقن الدخول،
ولا يكفيه الاجتهاد ولا التقليد، لأن اليقين أقوى، وهو ممكن، أما لو كان الصبر
لا يحصل منه اليقين فلا اشكال في جواز الاجتهاد والتقليد، لأنه معرض بالتربص
لخروج الوقت، والوجه عدم وجوب التربص مطلقا لأن مبنى شروط العبادات وأفعالها
273

على الظن في الأكثر، والبقاء غير موثوق به، وهذا الفراغ جزئي من جزئيات صلاة
أصحاب الأعذار مع التوسعة أو مع الضيق، وسيأتي) انتهى كلامه بلفظه.
والظاهر إرادته من كان فرضه الاجتهاد ممن تعذر عليه العلم لغيم ونحوه، وحينئذ
احتمال التقليد فيه مقطوع بعدمه، لما عرفته من الأدلة السابقة خصوصا الموثق الأمر
فيه بالاجتهاد، اللهم إلا أن ينحصر إمارات اجتهاده في قول الغير، لكن على ذلك
ينبغي عدم الفرق بين المخبر عن اجتهاد أو علم، وأما احتماله وجوب الصبر عليه كي يكون
ظنه أقوى فهو كما ترى، وبالجملة هذا الكلام منه بعد أن ذكر سابقا مسألة الاعتماد على
الظن عند تعذر العلم لا يخلو من تشويش ما، وقد عرفت أن التحقيق عدم الفرق في
أسباب التعذر بين العمى وغيره، لاطلاق النص والفتوى، وأن مبنى قبول خبر العدل
بالوقت على الاكتفاء بخبر العدل، أو لا بد من الشهادة، أو لا يجزي شئ منهما بل لا بد
من العلم، وقد ذكرنا البحث في هذه المسألة سابقا، وكذا عرفت أن المدار على مطلق
حصول الظن عند التعذر من غير فرق بين أسبابه.
نعم قد يقال بوجوب الترجيح على المجتهد هنا بين الأمارات وتمييز القوي من
الضعيف ونحو ذلك مما هو معلوم في الاجتهاد في الأحكام الشرعية المكلف فيها أولا
بالعلم، لتوقف أصل حصول الظن على ذلك عند التأمل، لكن السيرة والطريقة وإطلاق
الفتاوى وبعض النصوص وخبر القزويني والعسر والحرج تأبى ذلك، فلا يجب عليه
انتظار إمارة قوية إن حصل له بعض الأمارات ولو كانت ضعيفة، وهو المناسب لأصل
مشروعية هذا الحكم من التخفيف، ولأنه لو وجب عليه انتظار القوي لانتظر حصول
العلم، والاحتياط لا يترك، كما أنه لا ينبغي أن يترك أيضا لو فقد العلم بغير التأخير
أصلا، خروجا من شبهة الخلاف، واستظهارا في البراءة عن الشغل اليقيني، وموافقة
274

لمحبة الصادق (عليه السلام) قال في خبر الحسن العطار (1): (لأن أصلي الظهر في
وقت العصر أحب إلي من أن أصلي قبل إن تزول الشمس) ومخافة من قوله (عليه
السلام) في خبر أبي بصير (2): (من صلى في غير وقت فلا صلاة له) ولذا قال
الطباطبائي بعد البيت السابق:
والأفضل التأخير حتى يعلما * وبالوجوب قال بعض العلماء
والله أعلم.
(فإن انكشف له فساد الظن) حتى بان أن صلاته تماما وقعت (قبل دخول
الوقت استأنف) الصلاة اجماعا محصلا ومنقولا ونصوصا، منها مضافا إلى ما سبق
صحيح زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) (في رجل صلى الغداة بليل غره من
ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر أنه صلى بليل قال: يعيد صلاته) بناء على
عدم الفرق بين انكشاف فساد الظن وبين الجهل المركب، وعلى أنه تبين له ذلك بحيث
علم أن صلاته وقعت بليل، وإلا فلا عبرة بالشك في مثل الوقت بعد الفراغ بل ولا
الظن، اللهم إلا أن يدعى أن خبر العدل فضلا عن شهادة العدلين كاف في ذلك مع
فرض كون المخبر في الفرض عدلا، وكيف كان فما نحن فيه لا اشكال فيه بوجه من
الوجوه، لما عرفت مما يخص به قاعدة الاجزاء إن قلنا أن المقام من مواردها، والظاهر
وقوعها حينئذ باطلة حتى لو كان الانكشاف في أثنائها قبل الدخول في ركوع الثالثة لعدم
نيتها نافلة، بل افتتحت على أنها فريضة، وعن الفاضل التصريح به، فما في الذكرى - من
احتمال صيرورتها نافلة لو كان الانكشاف قبل الدخول في ركوع الثالثة، بل ولو بعده
أيضا بناء على صيرورتها أيضا كإعادة اليومية نفلا، لعموم النهي عن الابطال، ولايماء

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 - 7 - 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 - 7 - 5 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 - 7 - 5 من كتاب الصلاة
275

ركعات الاحتياط - ضعيف جدا كدليله، وليس له حينئذ العدول إلى فائتة بالأولى
كما صرح به في الدروس ضرورة فسادها، نعم في الذكرى لو عدل بها قبل انكشاف
الخطأ صح قطعا، مع أنه لا يخلو من تأمل أيضا، ومن الغريب احتماله فيها جواز
العدول بها إلى فائتة في الصورة الأولى حتى على تقدير القول بوقوعها باطلة لا نافلة كما
هو الظاهر من عبارته، فلاحظ وتأمل.
(وإن كان) قد انكشف فساده و (الوقت) الذي تصح فيه لا كوقت
اختصاص الظهر للعصر قد (دخل) عليه (وهو متلبس) بها (ولو قبل التسليم)
أو فيه بناء على أنه من الصلاة (لم يعد على الأظهر) الأشهر، بل المشهور بل لا أعرف
فيه خلافا إلا من المرتضى، وتبعه بعض متأخري المتأخرين والفاضل في المختلف في أول
كلامه، وتردد فيه في آخره، للتردد في حال إسماعيل بن رياح، كظاهر المصنف في
المعتبر، وأما الإسكافي فهو وإن كان قد حكي موافقته له هنا أيضا، لكن قد عرفت
أنه لا يجوز الدخول بغير اليقين أصلا، اللهم إلا أن يتكلف ويفرض له صورة القطع.
عوض الظن التي تجامع التخلف، نعم ربما يستشعر من المحكي عن ابن أبي عقيل موافقته
أيضا، وفيه تأمل، فمن العجيب نسبة المرتضى ما ذهب إليه إلى محققي أصحابنا ومحصليهم.
وعلى كل حال فلا ريب في أن الأول أقوى، لقاعدة الأجزاء المستفادة من
الأمر بالعمل بالظن هنا نصا وفتوى، خرج منها الصورة الأولى بالاجماع، وبقي الباقي،
واحتمال عذرية هذا الأمر فيحكم بالصحة ما لم ينكشف الخلاف خلاف الظاهر وأضعف
منه احتمال تعدد الأمر ظاهرا وواقعا، وأن الأول لا يجزئ عن الثاني بعد انكشاف
الحال، بل هو معلوم الفساد بأدنى تأمل، مضافا إلى أصالة البراءة لو فرض ظهور الحال
له بعد الفراغ، ولخبر إسماعيل بن رياح (1) المنجبر بالشهرة، وبهما معا يخرج عما يفهم

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب المواقيت الحديث 1 من كتاب الصلاة
276

من تلك الأدلة السابقة من اعتبار وقوع تمام الصلاة في الوقت، وأن من صلى قبله
فلا صلاة له إن قلنا بظهور مثل الأخير فيما يشمل المقام، وإلا لو حمل على إرادة ايقاع
تمام الصلاة، أو أنه قصد الوقوع قبل الوقت لم نحتج إلى التخصيص كما هو واضح، وإن
أطنب فيه الفاضل في مختلفه، وفي كثرة الأدلة للمرتضى (رحمه الله) التي لا ترجع إلى
محصل، إذ هي بين ممنوع ومسلم يجب تخصيصه أو تقييده بما عرفت، فلاحظ وتأمل
ودعوى المرتضى (رحمه الله) ورود روايات في مختاره لم نتحققها، اللهم إلا أن يريد
إطلاقات الأمر بالصلاة للوقت والنهي عنها قبله ونحوها مما يجب الخروج عنها بما سمعت.
نعم الظاهر الاقتصار على صورة الظن، أما القطع حال عدم تعذر اليقين كما لو
اعتمد على خبر محفوف بقرائن، أو زعم التواتر فيه، أو نحو ذلك ففي جريان الحكم
المزبور عليه بحيث يحكم بالصحة لو فرض دخول الوقت عليه وهو متلبس بها إشكال،
ولعل مقتضى القاعدة العدم، إذ لا اجزاء، ضرورة كونه من تخيل الأمر لا أمر
حقيقة، وخبر ابن رياح وإن كان الذي فيه (ترى) لكن الذي صرح به غير واحد
إرادة الظن منه، اللهم إلا أن يراد منه خلاف اليقين كما يومي إليه تعليلهم ذلك بالتخلف
الممتنع في اليقين، فيجري عليه حكم الظن، بل هو منه، ولعل لفظ (ترى) أقرب
إليه من الظن، بل يمكن دعوى القطع بعدم الفرق بينهما في ذلك إذا كان المقام مما يحصل
فيه الظن لأغلب الناس لعلة في السماء ونحوها إلا أنه اتفق القطع له بالنظر من جهة
تعدد الأمارات ثم إنه انكشف الخطأ بعد دخول الوقت عليه وهو متلبس في الصلاة،
إذ احتمال مدخلية الظن في الحكم المزبور مقطوع بعدمه، بل لعله هو أولى منه به.
نعم لو كان المقام مما يمكن تحصيل اليقين فيه بالمشاهدة ونحوها مما تمنع تجويز
الخطأ من المعتقد وغيره، واعتمد هو على ما يحصل منه القطع الذي لم يجوز المعتقد نفسه
احتمال الخلاف فيه وإن جوزه غيره فاتفق خطأه ودخول الوقت عليه في الأثناء أمكن
277

المناقشة في جريان الحكم المزبور عليه، مع احتماله أيضا قويا للخبر المذكور، اللهم إلا
أن يدعى عدم جواز الاعتماد على القطع مع التمكن من اليقين بالمشاهدة مثلا، وهو كما
ترى، ضرورة مساواته لليقين في اعتقاد المعتقد وإن افترقا بتجويز الخطأ من الغير وعدمه.
وما يقال - من أن الفرض المزبور من الجهل الذي نص المصنف وغيره بل نسب
إلى الأكثر على بطلان الصلاة معه حيث قال: (ولو صلى قبل) دخول (الوقت
عامدا أو جاهلا أو ناسيا كانت صلاته باطلة) دخل الوقت في أثناء الفعل أو لا، بل
هو المعروف بالجهل المركب - يدفعه - مع أن المحكي عن كافي أبي الصلاح التصريح بالصحة
في الجهل إن صادف شيئا من الوقت، واحتمال إرادة الفراغ منها جميعا قبل الوقت -
امكان إرادة الجاهل بالحكم منه من شرطية الوقت، أو وجوب مراعاته، أو غيرهما
كما صرح به العلامة الطباطبائي حيث قال:
ولا كذاك عامد وناس * وجاهل بالحكم ذو التباس
وغير القاطع بالدخول وعدمه ولو كان ظانا في حال عدم اعتبار الظن فإن وجه
البطلان في الجميع واضح، ضرورة وجوب التعلم، وعدم الدليل على اخراج الجهل
الشرط عن كونه شرطا، وإلى ذلك كله أو بعضه أشار في الذكرى قال: يمكن تفسير
الجاهل بجاهل دخول الوقت، فيصلي لأمارة على دخوله أو لا لأمارة بل بتجويز
الدخول، وبجاهل اعتبار الوقت في الصلاة، وبجاهل حكم الصلاة قبل الوقت، فإن
أريد الأول فهو معنى الظان، وقد مر، وإن أريد باقي التفسيرات فالأجود البطلان،
لعدم الدخول الشرعي في الصلاة، وتوجه الخطاب على المكلف بالعلم بالتكليف، فلا
يكون جهله عذرا، وإلا لارتفع المؤاخذة على الجاهل، بل الظاهر البطلان في الثاني حتى
لو صادف الوقت بتمام الصلاة أيضا، لعدم امكان نية التقرب منه، ولعل هذا هو الذي
يريده الطباطبائي بقوله:
278

ولا صلاة قبل وقت مطلقا * ولا لمن لم يرعه واتفقا
أما لو فرض تصورها منه فإن الظاهر حينئذ الصحة، لاندراجه حينئذ في
مقتضاها كتابا وسنة، إذ احتمال اعتبار سبق العلم بدخول الوقت فيها لا دليل عليه،
بل ظاهر إطلاق الأدلة خلافه، وأنه مطلوب مقدمة للحصول في الوقت، أما الجاهل
بالحكم ففي الصحة وعدمها مع المصادفة للواقع خلاف معروف، ويقوى في النظر الصحة،
للسيرة القطعية، والحرج الشديد، وما يظهر من استقراء أسئلة النصوص وغير ذلك
مما ليس هنا محل ذكره، على أنه يمكن في المقام وشبهه من الساتر والمكان ونحوهما دعوى
ظهور خصوص أدلته في أن المراد الصلاة للوقت ولو مصادفة مع فرض نية القربة
كالساتر والمكان ونحوهما، بل يمكن تنزيل عبارة من أفتى بفساد صلاة الجاهل بالوقت
أو بالحكم هنا وإن صادفت على الصورة التي تتعذر معها نية القربة، كما لو كان متفطنا
لوجوب العلم والبحث وقصر، وربما يشهد له بعض تعليلاتهم له.
ومنه ينقدح لفظية النزاع بحمل كل من العبارتين على صورة، قال في الذكرى،
تنبيه لو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول الوقت أو الحكم ففي الاجزاء
نظر، من عدم الدخول الشرعي، ومن مطابقة العبادة ما في نفس الأمر، والأول
أقوى، وأولى بالبطلان تارك الاجتهاد مع القدرة عليه، أو تارك التقليد مع العجز
عن الاجتهاد، لعصيانهما، ولو لم يتذكر الاجتهاد والتقليد فكالأول، فإن الدخول
الذي ليس بمشروع ظاهر في الصورة المزبورة كما يومي إليه ما في كشف اللثام، قال:
ولو صادف الوقت جميع صلاته فالوجه الاجزاء إذا لم يكن دخل فيها لمجرد التجويز مع
علمه بوجوب تحصيل العلم به أو الظن، فإنه دخول غير مشروع، وإن أمكن تعميمه
بقرينة ذكر الناسي معه للصورتين على معنى إرادة غير المأمور به بالخصوص من غير
المشروع، وكيف كان فالأقوى ما ذكرنا.
279

ومنه يعلم وجه الصحة في الناسي مع المصادفة بتمام صلاته وفاقا للدروس وكشف
اللثام، سواء كان نسيانه للمراعاة أو للشرطية أو لغيرهما، وخلافا لما سمعته من الذكرى،
لعدم الدخول الشرعي، لانحصاره في العلم والظن مع تعذره دون الغفلة، وفيه أنهما
يعتبران حال عدم الغفلة لا معها، نعم لو تنبه في أثناء صلاته لعدم مراعاة الوقت ولم
يمكنه معرفته حينئذ توجه القطع والاستيناف بعد المراعاة، ضرورة شرطية الوقت
لكل جزء من الصلاة مع احتمال الاتمام، ثم إن بان أنها وقعت تماما في الوقت صحت،
وإلا فلا، للنهي عن الابطال ومشروعية دخوله، وعدم احتياجه إلى ما عدا الاستدامة
على حكم النية الأولى، بل وعدم تناول ما دل على اعتبار العلم بالوقت لمثل هذا البعض
من الصلاة، وأصالة البراءة من وجوب القطع والاستيناف، لكن ومع ذلك فالاحتياط
بالاتمام ثم الاستيناف لا ينبغي تركه.
أما لو صلى قبل دخول الوقت نسيانا فدخل عليه في أثنائها فالمتجه البطلان،
وفاقا للمشهور، بل عن التذكرة الاجماع عليه، لعدم ثبوت عذرية النسيان في رفع
شرطية الوقت المستفادة من نحو خبر أبي بصير (1) السابق وغيره، كقوله (عليه
السلام) (2): (لا تعاد الصلاة) وشبهه، فتبقى أصالة الشغل حينئذ بحالها، إذ رفع
النسيان معناه رفع الإثم، وتنزيل ادراك البعض منزلة ادراك الكل مطلقا ممنوع،
كمنع دخول الفرض في خبر ابن رياح، ومصادفة بعض الأجزاء للوقت لا تثمر في
المركبات التي يكفي في فسادها فساد بعضها لا صحتها صحته، فما في البيان وعن الكافي
وظاهر النهاية والمهذب من الحكم بالصحة لذلك ضعيف جدا، نعم يمكن القول بها لو فرض

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الوضوء - الحديث 8 من كتاب الصلاة
280

صورة النسيان تندرج في خبر ابن رياح على إشكال أيضا من الاجماع المحكي وغيره
ومن ذلك كله ظهر لك أنه لا اشكال في بطلان صلاة العامد وإن دخل عليه
الوقت وهو فيها، بل هو من الضروريات، وإلا خرج الوقت عن كونه شرطا، فليس
ما نواه حينئذ من الصلاة المختصة بذلك الوقت، ولا مما يمكن التقرب به إلى الله تعالى،
لكن في كشف اللثام وقد يوهم الصحة النهاية والمهذب وإن كانت ليست مرادة قطعا،
كما هو واضح، وإلا كان من المقطوع بفساده.
ولو صلى المقلد بالتقليد في الوقت فانكشف الفساد ففي الذكرى (إن الأقرب كونه
كالظان، فيلحقه أحكامه، لتعبده بذلك، ولو عارضه إخبار آخر بعدم الدخول فإن
تساويا أو كان الأول أرجح فلا التفات، وإن كان الثاني أرجح فحكمه حكم التعارض
في القبلة) وهذا منه بناء على الفرق بين المعذورين بالتقليد والاجتهاد، وأما على ما ذكرنا
فهو من أفراد الظن فحكمه شامل له، وإلا أشكل مساواته له في ذلك، كما أنه يمكن
عدم الالتفات إلى المخبرين بعد البناء على التقليد، إذ لا ينافيه إخبار غير من قلده بعدم
حصول الوقت، وليس مداره على الترجيح، فتأمل.
ثم إن الظاهر من إطلاق الفتاوى اعتبار الظن عند التعذر عدم الفرق في ذلك
بين وقتي الفريضة والنافلة، بل يمكن جريان حكم الظن من الصحة لو دخل الوقت وهو
فيها وعدمها عليها أيضا، وإن كان المنساق من النص والفتوى الفريضة، وكذا الظاهر
أيضا أنه كما يعتمد عليه في الدخول يعتمد في الخروج أيضا، فليس حينئذ له استصحاب
ما حصل بالظن من الوقت لو فرض أنه ظن خروجه، تنزيلا للظن هنا في قطع
الاستصحاب منزلة العلم، ولو دخل بالظن فصادف خروج الوقت صحت صلاته كالعكس،
لعدم وجوب نية الأداء والقضاء عندنا، وعدم قدح نية كل منهما في الآخر، بل وعلى
القول باعتبار نيتهما أيضا، كما هو ظاهر الذكرى والدروس، لأنه إنما نوى فرضه من
281

غير فرق في ذلك بين الفراغ والأثناء، نعم ذكر الإعادة في الجميع احتمالا، ولا ريب
في ضعفه، والله أعلم.
المسألة (الرابعة) التي قد أشبعنا الكلام فيها في مبحث القضاء من الكتاب،
وهي أن (الفرائض اليومية مرتبة في القضاء) السابقة فواتا فالسابقة (فلو دخل في
فريضة فذكر أن عليه سابقة عدل بنيته ما دام العدول ممكنا، وإلا استأنف المرتبة)
فلاحظ وتأمل جيدا.
المسألة (الخامسة يكره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس وعند غروبها) كما هو
المشهور بين الأساطين من المتقدمين والمتأخرين شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا، بل
هي كذلك في الغنية والمحكي عن الخلاف وظاهر التذكرة، بل في جامع المقاصد والمحكي
عن المنتهى أنه مذهب أهل العلم، لصحيح ابن مسلم (1) عن الباقر (عليه السلام)
(يصلى على الجنازة في كل ساعة، إنها ليست بصلاة ذات ركوع وسجود، وإنما يكره
الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود، لأنها
تغرب بين قرني شيطان، وتطلع بين قرني شيطان) والمرسل (2) المنجبر بما عرفت
الشاهد مع ذلك لصدق الصحيح السابق أيضا، قال: (قال رجل لأبي عبد الله (عليه
السلام): الحديث الذي روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أن الشمس تطلع بين قرني
شيطان قال: نعم إن إبليس لعنه الله اتخذ عرشا بين السماء والأرض، فإذا طلعت
الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال إبليس لشياطينه: إن بني آدم يصلون لي)
وحديث المناهي (3) المروي عن المجالس وغيرها مسندا عن جعفر بن محمد عن آبائه

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب صلاة الجنازة - الحديث 2 من كتاب الطهارة
(2) فروع الكافي ج 1 - ص 290 المطبوعة بطهران عام 1377
(3) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 من كتاب الصلاة
282

(عليهم السلام) قال: (نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الصلاة عند طلوع
الشمس وعند غروبها وعند قيامها) وفي خبر طويل (1) رواه الصدوق بإسناده عن
الحسن (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) مشتمل على أسرار الفرائض
(وأما صلاة الفجر فإن الشمس إذا طلعت تطلع على قرن شيطان، فأمرني ربي عز وجل
أن أصلي قبل طلوع الشمس صلاة الغداة، وقبل إن يسجد لها كافر، لتسجد أمتي لله
عز وجل) وخبر سليمان بن جعفر الجعفري (2) المروي في الوسائل والبحار عن العلل
(سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: لا ينبغي لأحد أن يصلي إذا طلعت الشمس،
لأنها تطلع على قرني شيطان، فإذا ارتفعت وصفت فارقها، فتستحب الصلاة ذلك الوقت
والقضاء وغير ذلك، فإذا انتصف النهار قارنها، فلا ينبغي لأحد أن يصلي في ذلك
الوقت، لأن أبواب السماء قد غلقت، فإذا زالت الشمس وهبت الريح فارقها)
والنبوي (3) المروي عن المجازات النبوية مرسلا (إذا طلع حاجب الشمس فلا تصلوا
حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فلا تصلوا حتى تغيب) سواء أريد بالحاجب
أول ما يبدو أو يغيب منها، أو الشعاع الذي يكون بين يديها في الحالتين.
بل لعل بعض النصوص الدالة على الكراهة في الثالث والرابع والخامس (و) هو
(عند قيامها وبعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر) دالة عليهما أيضا، كخبر الحسين
ابن مسلم (4) (قلت لأبي الحسن الثاني (عليه السلام): أكون في السوق فأعرف
الوقت ويضيق علي أن أدخل فأصلي، قال: إن الشيطان يقارن الشمس في ثلاثة أحوال:

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 7 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة
(3) المستدرك - الباب - 30 - من أبواب المواقيت - الحديث؟ من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 من كتاب الصلاة
283

إذا ذرت وإذا كبدت وإذا غربت، فصل بعد الزوال، فإن الشيطان يريد أن يوقعك
على حد يقطع بك دونه) ضرورة ظهوره في نفسه بقرينة الأمر بها بعد الزوال فضلا
عن ملاحظة ما تقدم في إرادة عدم ايقاع الصلاة في أحوال مقارنة الشيطان لها الثلاثة،
عند كونها في الكبد أي الوسط، وهو معنى قيامها، وإذا ذرت أي طلعت، وإذا
غربت، أي صل بعد الزوال والطلوع والغروب، وإن اقتصر فيه على الأول كما هو
واضح، ولا يقدح في ذلك ظهور سؤاله في الفريضة بعد ظهور الجواب فيما يشمل ما نحن
فيه، وكخبر الحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام) (لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع
الشمس، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الشمس تطلع بين قرني شيطان،
وتغرب بين قرني شيطان، وقال: لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب) إذ لا ريب
في ظهوره بقرينة التعليل بل وبدونه في دخول الغاية في حكم المغيا، وهو المراد بقولنا
عند طلوع الشمس، وأما الغروب فمن الواضح استفادته من الأخير بعد جعل الغاية
صلاة المغرب، ومثله خبر ابن عمار (2) عن الصادق (عليه السلام) (لا صلاة بعد
العصر حتى تصلى المغرب، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس) والمرسل
عن الجعفي (كان الصادق (عليه السلام) يكره أن يصلي من طلوع الشمس إلى أن
ترتفع، وبعد العصر حتى تغرب) إلى غير ذلك.
اللهم إلا أن يقال إن النهي عن الصلاة في هذه الأخبار عن النافلة من حيث
تعقيبها لصلاة الفجر والعصر حتى أنه لو فرض عدم فعلهما لم ينه عنها لا من حيث الطلوع
والغروب، كما يومي إليه أيضا جعلهما كما قبلهما مما هو بعد الصلاتين من الزمان في هذا
الحكم، بل هو يومي إلى ذلك وإن لم نقل بكون النهي من حيث الفعل، بل كان المراد

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
284

النهي عنها بعد زمان صلاتي الصبح والعصر، ضرورة عدم إرادة خصوص وقتي الطلوع
والغروب من ذلك، وإلا لم يشرك معهما غيرهما بلفظ (حتى) و (إلى) وفيه أن الأول
خلاف ظاهر بعضها كالمشتمل على التعليل بطلوع الشمس بين قرني الشيطان ونحوه،
بل وغيره وإن كان هو خلاف المشهور، بل في كشف اللثام أن الأصحاب قاطعون به،
ولعله ظاهر الشهيد حيث حكى ظاهر خبر الحلبي وغيره عن بعض العامة خاصة، بل
عن الخلاف الاجماع صريحا على تعلقها بالفعل دون الوقت، بل عن التذكرة أنه لا يعلم
خلافا فيه بينهم فيطول حينئذ وقت الكراهة ويقصر بتعجيل الفريضتين وعدمه،
والثاني لا ينافي استفادة النهي عنهما أيضا، إذ لا مانع من تعدد الجهة في ذلك.
نعم يمكن انكار دلالتها على المطلوب بأن المراد بالطلوع الذي نيطت الكراهة
به ذهاب الحمرة كما عن المقنعة، أو أنه يمتد الكراهة منه إلى أن ترتفع الشمس ويقوى
سلطانها كما في الروضة والروض والمحكي عن كشف الالتباس مع زيادة ذهاب الحمرة
في أول الثلاثة وفي الذكرى في الخبر المروي (1) عن النبي (صلى الله عليه وآله) (حتى
ترتفع) وعن الحسن بن عيسى جعل الغاية الزوال، وبالغروب ذهاب الصفرة كما عن
المقنعة، وغياه في الذكرى بذهاب الشفق المشرقي، قال: ويراد به ميلها إلى الغروب
وهو الاصفرار حتى يكمل الغروب، ولعله هو مراد من عبر بكمال الغروب، كما أنه
قد يشهد له أيضا ما رووه عن عامر بن عقبة (2) نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عن الصلاة في ثلاث إلى أن قال: وإذا تضيفت أي الشمس للغروب، أي مالت،
ومنه الضيف، والذي جعل غاية في النصوص السابقة لكراهة الصلاة بعد العصر

(1) سنن النسائي ج 1 ص 280 المطبوعة بالأزهر
(2) تيسير الوصول ج 2 ص 201 المطبوع بمصر عام 1346 لكن رواه عن عقبة
ابن عامر وهو الصحيح لعدم وجود عامر بن عقبة في كتب التراجم
285

والصبح بشهادة التبادر نفس طلوع القرص وغروبه، إذ هو المعنى الحقيقي لهذا اللفظ،
فلا تدل حينئذ هذه النصوص على حكم الوقتين المزبورين، بل ربما كان في جعلهما غاية
شهادة على نفيها قبل ذهاب الحمرة والارتفاع وقوة السلطان، فتكون منافية لا شاهدة.
وفيه منع الفرق بينهما، ضرورة اتحاد اللفظ بالنسبة إلى معناه في المقامين، بل
في المروي (1) عن المجازات النبوية المتقدم آنفا ظهور في ذلك، وأن اعتبار تلك الأمور
الزائدة لا بد وأن يكون مستفادا من دليل آخر كمرسل الذكرى (2) وخبر العلل (3)
السابق وغيرهما، لا من تلك العبارة، وحينئذ لا ينافي استفادة الكراهة حال الطلوع
من هذه النصوص، والزيادة مما عرفت، وبه يخرج عن مفهوم الغاية إن قلنا برجحانه
عليه، وإلا كانت الكراهة مخصوصة بحال الطلوع والغروب، بل عن المهذب التصريح
بإرادة غروب نفس القرص احترازا عن الغروب الشرعي الذي هو ذهاب الحمرة،
وإن كان قد يناقش فيه بأن نصوص الغروب الشرعي كشفت عن عدم تحقق الغروب
قبل ذهاب الحمرة لا أنه أمر زائد اعتبره الشارع.
وكيف كان فقد ظهر لك دليل الحكم في المقامات الخمسة، مضافا إلى النصوص
الأخر، خصوصا بالنسبة إلى الثلاثة الأخيرة المشهور فيها الحكم أيضا كالسابقين شهرة
عظيمة أيضا نقلا وتحصيلا فتوى ورواية، بل في الغنية وعن الخلاف وظاهر التذكرة
الاجماع عليه، وبه وبالاجماعات السابقة في الأولين وبالتصريح بها في الصحيح الأول (4)
والمرسل (5) وإشعار لفظ (لا ينبغي) بها في خبر العلل، بل هو المنساق من النصوص

(1) المستدرك - الباب - 30 - من أبواب المواقيت - الحديث من كتاب الصلاة
(2) سنن النسائي ج 1 ص 280 المطبوعة بالأزهر
(3) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 20 - من أبواب صلاة الجنازة - الحديث 2 من كتاب الطهارة
(5) فروع الكافي ج 1 ص 290 المطبوعة بطهران عام 1377
286

كلها بملاحظة التعليل ونحوه مما يصلح غالبا للكراهة، وعموم استحباب السجود والركوع
لله والذكر، وأن الصلاة خير موضوع يخرج عن مقتضى ظاهر النهي من الحرمة، مضافا
إلى النصوص (1) الكثيرة المتضمنة لفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الركعتين
بعد صلاة العصر، وأن ذلك كانت عادته، بل في خبر أبي بكر بن عبد الله بن قيس (2)
عن أبيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (من صلى البردين دخل الجنة يعني بعد
الغداة وبعد العصر) وقال الصدوق بعد ايراد هذه النصوص: مرادي بايراد هذه
الأخبار الرد على المخالفين، لأنهم لا يرون بعد الغداة وبعد العصر صلاة، فأحببت
أن أبين أنهم قد خالفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله وفعله، وهو ظاهر
أو صريح في اختصاص المخالفين بالحرمة، وأن القول بها في غاية الضعف، لكن
الظاهر أن هذه النصوص عامية كما هو مقتضى توسط عائشة في كثير منها، وبه صرح
في كشف اللثام.
لكن على كل حال القول بالحرمة في غاية الضعف، وإن حكي الفتوى بها عن
المرتضى في الثلاثة الأول مدعيا عليها الاجماع وعن ظاهر الناصر والحسن والكاتب،
بل والصدوق في العلل فيها وفي الرابع، وعن الأولين خاصة فيها وفي الخامس، بل قيل
إنه قد يظهر من تعبير الأول منهما بلفظ عندنا الاجماع عليها أيضا، لكن الجميع كما
ترى، ضرورة كون خلافه مظنة الاجماع، بل في المختلف رد المرتضى بمخالفة الاجماع،
كما عن كشف الرموز نفي التحريم بالاتفاق، ومن هنا احتمل بعضهم إرادته صلاة الضحى
كي يكون دعواه الاجماع في محلها، وربما يؤيده أن المحكي عنه ما نصه، ومما انفردت
الإمامية به كراهية صلاة الضحى، فإن التنفل بالصلاة بعد طلوع الشمس إلى الزوال

(1) الوسائل - الباب 38 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 و 11 و 12 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب المواقيت - الحديث 13 من كتاب الصلاة
287

محرمة إلا يوم الجمعة خاصة، وهو ظاهر في ذلك، كما أنه يمكن إرادة الكراهة فيه
أيضا من نفي الجواز ومن النهي، ونحوه في عبارات بعض أولئك.
وعلى كل حال فما أبعد ما بينه على تقدير الحرمة وبين الصدوق في نفي الكراهة
أصلا عنها عند الطلوع والغروب، وربما تبعه عليه بعض متأخري المتأخرين، بل هو
ظاهر المحكي عن المفيد في كتابه المسمى بكتاب افعل ولا تفعل، ولعله للتوقيع (1)
الذي رواه الصدوق وغيره، بل قال الأول: إنه رواه لي جماعة من مشائخنا، وهو
مشعر باستفاضته (وأما ما سألت عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان
كما يقول الناس: إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم
أنف الشيطان بشئ أفضل من الصلاة فصلها وأرغم أنف الشيطان) بل يستفاد منه
أيضا حمل نصوص النهي على التقية التي ربما ترجح على الحمل على الكراهة، ولذا جزم
بقربه في الوسائل وغيره، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت خصوصا بعد
التسامح في الكراهة، مع احتمال إرادة التعريض بهم في التعليل لا المرجوحية، ومن
هنا بالغ المفيد فيما حكي عنه في الانكار عليهم بذلك، قال: لأنهم كثيرا ما يخبرون
عن النبي (صلى الله عليه وآله) بتحريم شئ وبعلة تحريمه، وتلك العلة خطأ لا يجوز
أن يتكلم بها النبي (صلى الله عليه وآله) ولا يحرم الله شيئا، فمن ذلك ما أجمعوا عليه
من النهي عن الصلاة في وقتي طلوع الشمس وغروبها، فلولا أن علة النهي أنها تطلع
بين قرني شيطان لكان ذلك جائزا، فإذا كان آخر الحديث موصولا بأوله، وآخره
فاسد فسد الجميع، وهذا جهل من قائله، والأنبياء (عليهم السلام) لا تجهل، فلما بطلت هذه الرواية
بفساد آخر الحديث ثبت أن التطوع جائز فيهما، ولعله يريد بذلك نفي الحرمة

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 من كتاب الصلاة
288

لا الكراهة، ومع احتمال كونه كلام العمري لا القائم (عليه السلام)، إذ المروي في
الفقيه بإسناده عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي أنه ورد عليه فيما ورد من جواب
مسائله من محمد بن عثمان العمري، وكأنه هو الذي فهمه في المعتبر حيث أسند مضمون
التوقيع السابق إلى بعض فضلائنا، لكن فيه أن المحكي عن إكمال الدين وإتمام النعمة
والاحتجاج التصريح بكون الجواب من صاحب الدار (عليه السلام)، هذا. والمراد
بطلوع الشمس وغروبها بين قرني شيطان الكناية عن شدة تسلط الشيطان على بني آدم
في هذين الوقتين حتى أغواهم فجعلهم يسجدون لها، نحو ما ورد في بعض الأراضي أنها
مطلع قرن الشيطان، وقال الطيبي فيما حكي عنه من شرح المشكاة أن فيه وجوها:
أحدها أنه ينتصف قائما في وجه الشمس عند طلوعها ليكون طلوعها بين قرنيه أي فوديه،
فيكون مستقبلا لمن يسجد للشمس، فتصير عبادتهم له، فنهوا عن الصلاة ذلك الوقت
مخالفة لعبدة الشيطان، وثانيها أن يراد بقرنيه حزباه اللذان يبعثهما لاغواء الناس،
وزاد في كشف اللثام أو حزباه المتبعون له من عبدة الشمس من الأولين والآخرين،
أو أهل المشرق والمغرب، أو أهل الشمال والجنوب، وعبر عن طلوعها وغروبها بين
قرون عبدتها بهما بين قرني الشيطان، وثالثها أنه من باب التمثيل شبه الشيطان فيما يسول
لعبدة الشمس، ويدعوهم إلى معاندة الحق بذوات القرون التي تعالج الأشياء وتدافعها
بقرونها، ورابعها أن يراد بالقرن القوة من قولهم أنا مقرن له أي مطيق، ومعنى
التثنية تضعيف القوة، كما يقال مالي بهذا الأمر يد ولا يدان: أي لا قدرة ولا طاقة،
وزاد في الكشف أيضا التعليل بأن قوة ذي القرن بقرنه وذي اليد في يديه، ومنه (1)
(وما كنا له مقرنين) انتهى. ولعل التأمل في بعض النصوص يشعر ببعض ما ذكرنا،
فتأمل. وعن بعض العامة أن الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه الأوقات ليكون

(1) سورة الزخرف - الآية 12
289

الساجد للشمس ساجدا له، وربما يومي إليه ما رووه (1) عن النبي (صلى الله عليه وآله)
(إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان) الحديث. وعلى كل حال فالأمر سهل.
نعم كان على المصنف استثناء يوم الجمعة من الثالث كما فعل غيره، بل هو المشهور،
بل في جامع المقاصد نسبته إلى أكثر أهل العلم، بل في الغنية وعن الانتصار والناصرية
والخلاف وظاهر المنتهى الاجماع عليه، بل في كشف اللثام وعن مجمع البرهان كأنه
لا خلاف فيه، ولعله لصحيح علي بن جعفر (2) عن أخيه موسى (عليهما السلام)
(سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده قال: قبل الأذان) وفي
صحيح ابن سنان (3) (لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة) وعن بعض الشافعية
استثناؤه من الأولين أيضا، لما في بعض الأخبار (إن جهنم تسعر في الأوقات
الثلاثة إلا يوم الجمعة) وعن احتجاج الطبرسي (4) (إن صاحب الزمان (عليه السلام)
لما سأله محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أفضل أوقات صلاة جعفر قال: أفضل
أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة، وفي أي الأيام شئت وفي أي وقت صليتها من ليل
أو نهار فهو جائز) بل قد يفهم منه استثناء صلاة جعفر مطلقا، كما يشهد له أيضا خبر
أبي بصير (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) (صل صلاة جعفر في أي وقت شئت
من ليل أو نهار) لكن قد يقال بأن صلاة جعفر من ذوات الأسباب على ما ستعرفه

(1) تيسير الوصول ج 2 ص 201 المطبوع بمصر عام 1346
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب صلاة جعفر عليه السلام - الحديث 1
من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب صلاة جعفر عليه السلام - الحديث 5
من كتاب الصلاة
290

من بعضهم من أنه ما اختص بوضع من الشارع لا ما يفعله المكلف من النافلة، أو يقال
إن ذلك لا ينافي الكراهة المراد بها هنا أقلية الثواب في أحد الوجوه لا عدم الانعقاد،
وإن احتمله في المحكي عن التذكرة ونهاية الإحكام إلا أنه في غاية الضعف، بل هو قول
بالحرمة في المعنى، ضرورة إرادة التشريعية أو كالتشريعية منها.
قال في الذكرى: وعليه يبنى نذر الصلاة في هذه الأوقات، فعلى قولنا ينعقد،
وعلى المنع جزم الفاضل بعدم انعقاده، لأنه مرجوح، ولقائل أن يقول بالصحة أيضا،
لأنه لا يقصر عن نافلة لها سبب، وهو عنده جائز، ولأنه جوز ايقاع الصلاة المنذورة
في مطلق هذه الأوقات، قلت: ويمكنه الفرق، هذا.
وقد يعتذر للمصنف من عدم استثنائه بأن تفصيل الكلام في الجمعة مؤخر في
محله، أو بأن المستفاد من الصحيح الأول صلاة ركعتي الزوال خاصة، وهي من ذوات
الأسباب، أقصاه أنها تقدمت على سببها، والبحث في غيرها كما ستعرف، ولعل الصحيح
الثاني منزل على ذلك أيضا، نعم لو استثنى مطلق الصلاة في هذا الوقت منها كان على
المصنف استثناؤه، وفيه أن إطلاق الاستثناء نصا وفتوى وأصالة الاتصال فيه يقتضي
ذلك، إلا أن يدعى انسياقه إلى المعروف المعهود، وهو الركعتان، قال في المحكي عن
التذكرة: إن عللنا ذلك بغلبة النعاس ومشقة المراقبة وعدم العلم بدخول الوقت جاز أن
يتنفل بأكثر من ركعتين، وإلا اقتصرنا على المنقول، ولا يخفى عليك ما في التعليل
المزبور كما اعترف به في جامع المقاصد، ثم قال: الذي يقتضيه النظر أن النص إن
اقتضى حصر الجواز في ركعتين اقتصر عليهما، وإلا فلا، وقد عرفت أن الأولى
الثاني، هذا. ولكن ظاهر الرياض أن المراد من الاستثناء في عبارة من استثنى نوافل
يوم الجمعة مطلقا لا خصوص الركعتين منها، قال بعد أن ذكر الاستدلال على ذلك:
(لا خلاف أجده فيه إلا من إطلاق نحو العبارة، وليس نصا بل ولا ظاهرا في المخالفة،
291

سيما مع إمكان إدراجها في النوافل الراتبة المستثناة، فإنها منها، لكونها النوافل النهارية
قدمت على الجمعة، وزيادة الأربع ركعات فيها لا يخرجها عن كونها راتبة) انتهى.
وهو جيد لو أن نوافل الجمعة كلها وظيفتها الوقوع في وقت قيام الشمس في الوسط كي
يحتاج إلى هذا الاعتذار، أما إذا كان ما عدا الركعتين منها تقع في محل تكون الشمس
فيه في محل العصر كما ستعرفه في محله فهو في غنية عن ذلك، والأمر سهل.
(و) كيف كان ف‍ (لا بأس بماله سبب كصلاة الزيارة والحاجة و) قضاء
(النوافل المرتبة) وفاقا للمشهور نقلا وتحصيلا، بل في الرياض أن عليه عامة المتأخرين،
بل ظاهر (عندنا) في المحكي عن الناصرية الاجماع عليه، بل في المحكي عن الخلاف
الاجماع صريحا عليه، لكن فيما كره للفعل أي بعد الفجر والعصر، وعن المنتهى تارة
الاجماع على أنه يصلى صلاة الطواف المندوب في أوقات النهي، وأخرى الاجماع على
عدم كراهة قضاء الرواتب بعد العصر، بل فيه أيضا، وفي المحكي عن التحرير والسرائر
وظاهرية الناصرية والتذكرة الاجماع على قضاء الفرائض، بل لعله ظاهر كل من حكاه
على ما يقتضي التضييق، كما أن فيه نفي الخلاف بين علماء الإسلام في عدم كراهة صلاة
الكسوف في الأوقات الخمسة، وفيه وفي المحكي عن التذكرة اجماع علماء الإسلام على
عدم كراهة صلاة الجنازة بعد العصر وبعد الصبح، وإجماعنا على عدم كراهتها في الأوقات
الثلاثة الأخر، إلى غير ذلك، بل لعله مفروغ منه بالنسبة إلى ما عدا التطوع من
الفرائض كما لا يخفى على من لاحظ نصوص المقام، وخبر عبد الرحمان (1) وغيره مما
يدل على الكراهة في صلاة الجنازة وغيرها محمول على التقية أو غيرها لا الكراهة، كأخبار
المنع في البعض وإن حملناه في غيره عليها، لوضوح الفرق بين المقامين بالشهرة وعدمها،
فلا بأس حينئذ في سائر الفرائض حتى المنذورة مثلا قبل حصول سبب الكراهة مع

(1) الوسائل - الباب 20 - من أبواب صلاة الجنازة - الحديث 5 من كتاب الطهارة.
292

عدم تقييد النذر به، ولعله ينزل عليه ما يحكى عن المنتهى أيضا من أنه قد يظهر منه
الاجماع على عدم كراهة المنذورة مطلقا، أما المنذور حاله فلا يخلو من إشكال، أفرغنا
البحث فيه في مقام آخر، إنما الكلام فيما له سبب من التطوع.
ويدل عليه مضافا إلى ما عرفت وإلى الأصل خصوص ما ورد (1) مستفيضا
في قضاء النوافل منها وفي ركعتي الطواف الذي يمكن دعوى مساواته للزيارة، فيستفاد
حينئذ من ركعتيه ركعتاها والاحرام وصلاة الغدير والتحية مما هو ظاهر أو صريح في عدمها
سيما بالنسبة إلى ما يتعلق بالفعل مع ضميمة عدم القول بالفصل، ومن الغريب ما في الذخيرة
من إنكار ظهور هذه النصوص في نفي الكراهة، بل قال: إن بينها وبينها تعارض
العموم من وجه، والترجيح محتاج إلى دليل، إذ لا يخفى على من لاحظها خصوصا
المشتمل على التعليل بأنه من سر آل محمد (صلى الله عليه وآله) المخزون ونحوه مما هو
صريح في التعريض بالمخالفين ظهورها إن لم يكن صراحتها في إرادة نفي ذلك، وإن كانت
مشتملة على الأمر بالفعل ونحوه فقط، فلاحظ وتأمل، وإطلاق ما دل على شرعية
ذوات الأسباب عند حصول أسبابها الشامل لهذه الأوقات وغيرها، فإن التعارض
بينه وبين دليل الكراهة السابق وإن كان من وجه لكن لا ريب في رجحانه عليه
بالأصل، وما دل على رجحان أصل الصلاة، والشهرة العظيمة والاجماع المحكي والكثرة،
وخصوص نصوص بعض أفراده من قضاء النوافل ونحوها مما يوهن به عموم الكراهة
أيضا، لتخصيصها بتلك قطعا، لكون التعارض بينها بالخصوص مطلقا لا من وجه
بل يمكن استفادة استثناء مطلق ذات السبب من خصوص مكاتبة ابن بلال (2) (في
قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس،

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
293

فكتب إلي لا يجوز ذلك إلا للمقتضي، فأما لغيره فلا) بناء على أن المراد من قضاء
النافلة مطلق تأديتها وفعلها، وأن المراد من المقتضي مطلق السبب مقابل غير ذات المقتضي
وهي المبتدأة، فيكون حينئذ صريحا في المطلوب، وأما احتمال إرادة القضاء من المقتضي
فيه فيبعده عدم تعارف هذه اللفظة في هذا المعنى أولا، وعدم حسن الجواب على هذا
التقدير ثانيا، ضرورة إرادة المقابل للأداء من القضاء في السؤال حينئذ لا مطلق الفعل،
إذ هو أولى من لفظ المقتضي في ذلك، فتأمل. أو احتمال إرادة مطلق الداعي والمرجح
لفعل المكروه، لمخالفته حينئذ لفتوى الأصحاب كما اعترف به في كشف اللثام، ومن
قول الرضا (عليه السلام) في الجملة في العلل التي رواها الفضل (1) عنه (عليه السلام):
(إنما جوزنا الصلاة على الميت قبل المغرب وبعد الفجر لأن هذه الصلاة إنما تجب في
وقت الحضور والعلة، وليست هي موقتة كسائر الصلوات، وإنما هي صلاة تجب في وقت
حدث، والحدث ليس للانسان فيه اختيار، وإنما هو حق يؤدي، وجائز أن يؤدي
في أي وقت كان إذا لم يكن الحق موقتا) ومن النهي عن التحري في النبوي
(لا يتحرى أحدكم بذات السبب هذه الأوقات) إذ لا ريب في إشعاره بعدم البأس
إذا لم يتحر، ومن هنا حكي عن التذكرة وجامع المقاصد التصريح بكراهة التحري المزبور
للمرسل المذكور، ثم قال في الأخير كما عن نهاية الإحكام: ولو تعرض بسبب النافلة
في هذه الأوقات كما لو زار مشهدا أو دخل مسجدا لم يكره لصيرورتها ذات سبب،
قلت: وليس هو من التحري بها قطعا، مضافا إلى ما عرفت من البحث في الجملة في
أصل دليل الكراهة، وأن ظاهر النهي فيه كالتعليل موافق للعامة، وأن الشهرة هي
التي أقامت تلك الأخبار ونزلتها على الكراهة، فينبغي أن يدور الأمر مدارها،
هذا أقصى ما يقال في وجه الاستثناء المزبور وإن كان فيه ما فيه، خصوصا مع ملاحظة

(1) الوسائل - الباب 20 - من أبواب صلاة الجنازة - الحديث 4 من كتاب الطهارة
294

ما دل على الكراهة، وإطلاقه اطلاقا ظاهرا في عدم الفرق بين النوافل، سيما المشتمل
على التعليل بالطلوع والغروب بين قرني شيطان، وبأن صلاة الجنازة ليست ذات ركوع
وسجود، بل في المحكي عن كتاب الاستخارات لابن طاووس أنه روى أحمد بن محمد
ابن يحيى (1) عن الصادق (عليه السلام) في الاستخارة بالرقاع (فتوقف إلى أن تحضر
صلاة مفروضة فقم فصل ركعتين كما وصفت لك، ثم صل الصلاة المفروضة، أو صلهما
بعد الفرض ما لم يكن الفجر أو العصر، فأما الفجر فعليك بالدعاء بعدها إلى أن تنبسط
الشمس ثم صلهما، وأما العصر فصلهما قبلها ثم ادع الله بالخيرة) وهو ظاهر في عدم
الفرق كظهور غيره أو صراحته من النصوص الواردة في الطواف، فلاحظ.
ومن ذلك كله وغيره قال في كشف اللثام تارة: إن الاقتصار على ما نص على
جواز فعله في هذه الأوقات أو نص فيه على التعميم حسن إلا أن يثبت الاجماع الذي
في الناصريات، وأخرى أنه إن قيل إن ذوات الأسباب إن كانت المبادرة إليها مطلوبة
للشارع كالقضاء والتحية لم تكره وإلا كرهت كان متجها، وقال في الحدائق: إن
الاشكال باق فيما عدا القضاء من ذوات الأسباب وركعتي الطواف وصلاة الاحرام،
وكأنه لم يلتفت إلى ما ورد في صلاتي الغدير (2) والتحية (3) لعدم نصه على شئ
من الأوقات بالخصوص، كالمحكي عن مجمع البرهان، قال: الظاهر إما عدم الكراهة
مطلقا، لعدم صحة الدليل الخاص، أو الكراهة مطلقا سوى الخمس المذكورة في الخبر
أي خبر أبي بصير (4) ونحوه (خمس صلوات يصليهن في كل وقت: صلاة الكسوف

(1) الوسائل - الباب 2 - من أبواب صلاة الاستخارة - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة
(3) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
295

والصلاة على الميت وصلاة الاحرام والصلاة التي تفوت وصلاة الطواف من الفجر إلى
طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل) أو صحيح ابن عمار (1) (سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول: خمس صلوات لا تترك على كل حال: إذا طفت بالبيت وإذا
أردت أن تحرم وصلاة الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة) وهما
بمعنى، وعليهما اقتصر في المحكي عن الهداية والمصباح والوسيلة والجمل والعقود والجامع
عدا الأخير، فزاد تحية المسجد، وفي الفقيه على ما في صحيح زرارة (2) (أربع
صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أديتها، وصلاة ركعتي
طواف الفريضة، وصلاة الكسوف، والصلاة على الميت، هذه يصليهن الرجل في
الساعات كلها).
ويمكن إرادة ما يعم الفرض والنفل من الفائتة في هذه الأخبار، خصوصا
الأول، وخصوصا مع ملاحظة باقي النصوص، كمكاتبة محمد بن يحيى بن حبيب (3)
للرضا (عليه السلام) (تكون علي الصلاة النافلة متى أقضيها؟ فكتب في أي ساعة
شئت من ليل أو نهار) وخبر سليمان بن هارون (4) عن الصادق (عليه السلام)
سأله (عن قضاء الصلاة بعد العصر فقال: إنما هي النوافل فاقضها متى ما شئت)
وغيرهما حتى صحيح ابن أبي يعفور (5) وحسن الحسين بن أبي العلاء (6) المشتملين
على الأمر بقضاء صلاة النهار في أي وقت شاء من ليل أو نهار، مع إمكان دعوى تناول
لفظ صلاة النهار لهما، بل يمكن دعوى ظهوره في النفل خاصة، فتأمل. فيتجه حينئذ

(1) الوسائل - الباب 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب المواقيت - الحديث - 3 - 11 - 12 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب المواقيت - الحديث - 3 - 11 - 12 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب المواقيت - الحديث - 3 - 11 - 12 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 13 من كتاب الصلاة
296

استثناؤها من الكراهة في هذه الأوقات لذلك ولغيره مما تقدم.
فما عن النهاية من الحكم بكراهته أيضا عند الطلوع والغروب مع تصريحه سابقا
باستثناء الخمس التي في خبري أبي بصير (1) ومعاوية بن عمار (2) لا يخلو من نظر،
كالمحكي عن المفيد مما هو نحو ذلك، قال: (لا بأس أن يقضي الانسان نوافله بعد صلاة
الغداة إلى أن تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى أن يتغير لونها بالاصفرار، ولا
يجوز ابتداء النوافل ولا قضاء شئ منها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها - قال -:
ويقضي فوائت النوافل في كل وقت ما لم يكن وقت فريضة أو عند طلوع الشمس أو
عند غروبها، ويكره قضاء النوافل عند اصفرار الشمس حتى تغيب - قال: ومن حضر
بعض المشاهد عند طلوع الشمس وغروبها فليزر ويؤخر صلاة الزيارة حتى تذهب حمرة
الشمس عند طلوعها، وصفرتها عند غروبها) ومثله في ذلك أيضا الشيخ فيما حكي من
خلافه، فإنه فرق أيضا بين الكراهة للفعل وبينها للوقت، فخص الأولى بالمبتدأة بخلاف
الثانية، فإن الأيام والبلدان والصلوات فيها سواء، قال: إلا يوم الجمعة، فله أن يصلي
عند قيامها النوافل، ووافقنا الشافعي في جميع ذلك، واستثنى من البلدان مكة، فأجاز
الصلاة فيها في أي وقت شاء، ومن الصلوات ما لها سبب، وفي أصحابنا من قال
الصلوات التي لها سبب مثل ذلك، ولا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما تقدم،
وأنه لا ينبغي التأمل في البعض كالقضاء ونحوه.
وأغرب منه ما عن الجعفي (وكان يكره يعني الصادق (عليه السلام) أن يصلى
من طلوع الشمس حتى ترتفع، ونصف النهار حتى تزول، وبعد العصر حتى تغرب،
وحين يقوم الإمام يوم الجمعة إلا لمن عليه قضاء فريضة أو نافلة من يوم الجمعة) كما أن
ما عن الحسن - من أنه لا نافلة بعد طلوع الشمس إلى الزوال، وبعد العصر إلى أن

(1) الوسائل - الباب 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 4 من كتاب الصلاة
297

تغيب الشمس إلا قضاء السنة، فإنه جائز فيهما، وإلا يوم الجمعة - لا يخلو إطلاقه النهي
عن النافلة بعد الطلوع إلى الزوال من غرابة في الجملة أيضا، نعم قد عرفت أن استفادة
استثناء جميع ذوات الأسباب من النصوص محل للنظر بل المنع، وكيف ولم يعرف
التعبير بلفظ ذات السبب والمبتدأة كالحكم إلا في لسان الفقهاء، لكن الأمر بعد أن
كان في الكراهة وعدمها سهل.
والمنساق من ذات السبب الصلاة التي شرعت بسبب آخر غير رجحانها نفسها
كصلاة الحاجة والاستسقاء والاستخارة والاحرام وغيرها حتى لو كان بفعل المكلف
كدخول مسجد أو مشهد، بل قال الشهيد وغيره فيما حكي عنهم: لو تطهر في هذه الأوقات
جاز أن يصلي ركعتين ولا يكون هذا ابتداء، للحث على الصلاة عقيب الطهارة، ولأن
النبي (صلى الله عليه وآله) كما روي (1) أنه قال لبلال: (حدثني بأرجى عمل عملته
في الاسلام فإني سمعت دق نعليك بين يدي في الجنة قال: ما عملت عملا أرجى عندي
من أنني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور، ما كتب لي
أن أصلي، وأقره النبي (صلى الله عليه وآله) على ذلك) وفي كشف اللثام ليسا من
النص في ذلك على شئ لاحتمالهما الانتظار إلى زوال الكراهة، وفيه أنه يكفي النص
على التعميم كما اعترف به هو سابقا، على أنه يمكن أن يكون مراد الشهيد اثبات أنها
من ذوات الأسباب بذلك، فيثبت الحكم حينئذ ولو من غير هذين، لا أن المراد اثبات
الحكم بهما، بل لعل ذلك هو الظاهر من عبارته، فلاحظ وتأمل.
نعم قد يناقش بأنه لا دلالة في الحث على نفي الكراهة، وإلا لنفاها بالنظر إلى
أصل النافلة التي ورد فيها أنها خير موضوع، وأن صلاة ركعتين تدخل الرجل الجنة،
إلى غير ذلك، وبما في الحدائق من أن الخبر المزبور عامي وكذب صريح، لتضمنه

(1) كنز العمال ج 2 ص 167
298

دخول بلال الجنة قبل النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد بينا ما فيه من المفاسد في مقدمة
كتاب السلاسل، فعدها حينئذ من ذوات الأسباب لذلك لا يخلو من نظر.
وعلى كل حال فما عن جامع المقاصد وفوائد القواعد من أن حاصل المراد
بالسبب هو ما خصه الشارع بوضع وشرعية خلاف ما يحدثه المكلف من مطلق النافلة
- ولعل الذي حمله عليه المقابلة بالمبتدأة التي يصعب إن لم يمنع اندراج مثل ذلك فيها
أيضا - فهو محل للتأمل، ضرورة عدم معروفية السبب بهذا المعنى، وإن كان عليه
يندرج في الاستثناء كثير من النوافل، كصلاة جعفر وغيرها، بل يمكن دعوى دخول
إعادة المنفرد الصبح والعصر جماعة فيها، والركعتين اللتين حصلا من المسافر إذا ائتم
بالحاضر في مثل العصر، إذ هو مخير بين جعل الأولتين الفريضة والأخيرتين نافلة
والعكس كما عن الذكرى التصريح بهما معا، وإن ناقشه فيهما في الحدائق، وزاد الأخير
إشكالا بعدم الجماعة في النافلة، وهذا ليس من المواضع المستثناة، لكن الذي يهون
الخطب خلو النصوص عدا ما سمعت من النبوي العامي على الظاهر عن هذين اللفظتين
كي يحتاج إلى البحث عن المراد بهما، إنما العمدة النظر إلى دليل الاستثناء، فإن شمل
مثل ذلك أخرج عن الكراهة وإن قلنا بظهور ذات السبب في غيرها، وإلا دخلت
وإن كانت من ذات السبب، وقد عرفته، فلاحظ وتأمل، اللهم إلا أن يقال أنه وإن
خلت النصوص عنهما، لكنهما في معقد الاجماع وفي فتاوى الأصحاب التي هي العمدة
في المقام من جهة جبر الأخبار بالشهرة وعدمها.
ثم إن المنساق من الأدلة كراهة الشروع في النافلة في هذه الأوقات، أما لو دخل
عليه أحد الأوقات وهو في الأثناء لم يكره اتمامها كما صرح به بعضهم فيما حكي عنه،
حتى لو علم من أول الأمر دخوله عليه كذلك، بل الظاهر أنه المراد من مثل ما في
القواعد، ويكره ابتداء النوافل عند كذا وكذا إلا ما له سبب، لظهور الاتصال في
299

الاستثناء، إذ لو لم يكن المراد من لفظ الابتداء الشروع كان منقطعا، أو كان لفظ
ابتداء مستدركا كما هو واضح.
ولا يندرج مطلق السجود في الصلاة المنهي عنها قطعا، ولذا صرح الفاضل فيما
حكي من تذكرته بعدم كراهة سجدة الشكر وسجدة التلاوة معللا ذلك بأنهما ليستا
بصلاة، وبأن لهما أسبابا، وقد يشكل بالنظر إلى الكراهة في الوقت بشمول التعليل
المزبور، وبأنه لا دليل على خروج كل ذي سبب، إذ قد عرفت ما فيه في النافلة فضلا
عن غيرها، على أن مقتضاه الكراهة في الابتدائي من السجود، وبأن الموجود في رواية
عمار (1) النهي عن فعل سجود السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها، وإن كان
العمل به لا يخلو من اشكال بناء على الفورية في السجود، ولأنه موافق للعامة.
المسألة (السادسة ما يفوت من النوافل ليلا يستحب تعجيله ولو في النهار، وما
يفوت نهارا يستحب تعجيله ولو ليلا ولا ينتظر بها النهار) هنا كما لا ينتظر الليل هناك
على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، للأمر بالمسارعة (2) وثبوت ذلك في
الفرائض على الوجوب أو الندب إن لم نقل بشمول بعض النصوص لهما، وخبر محمد
ابن مسلم (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (إن علي بن الحسين (عليهما السلام) كان
إذا فاته شئ من الليل قضاه بالنهار، وإذا فاته شئ من اليوم قضاه من الغد أو في
الجمعة أو في الشهر، وكان إذا اجتمعت الأشياء عليه قضاها في شعبان حتى يكمل له عمل
السنة كلها كاملة) وخبر أبي بصير (4) قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إن قويت

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 2
من كتاب الصلاة
(2) سورة آل عمران - الآية 127
(3) الوسائل - الباب 57 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 - 9 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 57 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 - 9 من كتاب الصلاة
300

فاقض صلاة النهار بالليل) وخبر إسحاق بن عمار (1) المروي في الذكرى (لقيت
أبا عبد الله (عليه السلام) بالقادسية عند قدومه على أبي العباس فأقبل حتى انتهينا إلى
طراناباد (2) فإذا نحن برجل على ناقته يصلي وذلك عند ارتفاع النهار، فوقف عليه
أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: يا عبد الله أي شئ تصلي؟ فقال: صلاة الليل فاتتني
أقضيها بالنهار، فقال: يا معتب حط رحلك حتى نتغدى مع الذي يقضي صلاة الليل
بالنهار، فقلت: جعلت فداك تروي فيه شيئا قال: حدثني أبي عن آبائه (عليهم السلام)
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل
بالنهار، يقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي كيف يقضي ما لم أفترضه عليه، أشهدكم
أني قد غفرت له) وخبر جميل (3) المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق
(عليه السلام) أيضا قال: (قال رجل: ربما فاتتني صلاة الليل الشهر والشهرين والثلاثة
فأقضيها بالنهار أيجوز ذلك؟ قال: قرة عين لك والله ثلاثا، إن الله يقول: (4) (وهو
الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) فهو قضاء صلاة
الليل بالنهار، وهو من سر آل محمد (عليهم السلام) المكنون) إلى غير ذلك من
النصوص المشتملة على تفسير الآية المزبورة بذلك، بل في المرسل (5) عن الصادق
(عليه السلام) الاحتجاج بها، قال: (كل ما فاتك من صلاة الليل فاقضه بالنهار، قال
الله تعالى: (وهو الذي جعل) الآية. يعني أن يقضي الرجل ما فاته بالليل بالنهار،

(1) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب المواقيت - الحديث 15 - 16 من كتاب الصلاة
(2) كذا في النسخة الأصلية، وفي الوسائل والذكرى " طرناباد " وفي معجم البلدان
ج 6 ص 79 " طيزناباد "
(3) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب المواقيت - الحديث 15 - 16 من كتاب الصلاة
(4) سورة الفرقان - الآية 63
(5) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 و 5 من كتاب الصلاة
301

وما فاته بالنهار بالليل، فاقض ما فاتك من صلاة الليل أي ساعة شئت من ليل أو نهار
ما لم يكن وقت فريضة، قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله ليباهي
ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار، فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي
ما لم أفترضه عليه، أشهدكم أني قد غفرت له) والمرسل (1) الآخر الذي أرسله الحسن
عنهم (عليهم السلام) (والذين هم على صلاتهم يحافظون (2) أي يديمون على أداء
السنة، فإن فاتتهم بالليل قضوها بالنهار، وإن فاتتهم بالنهار قضوها بالليل).
ولولا الشهرة الجابرة لهذه النصوص سندا ودلالة لأمكن أن يناقش في الأول
بأنه حكاية فعل لا عموم فيه، مع أن قوله فيه: (قضاه من الغد) قد ينافي ذلك، بل
لعل ذيله أيضا عند التأمل كذلك، وبإرادة الإباحة من الأمر الواقع في مقام توهم الحظر
كما لا يخفى على من لاحظ النصوص، ضرورة ظهور أسئلتها بل وأجوبتها في ذلك،
كالاحتجاج بالآية، وما في بعضها أنه (من سر آل محمد (عليهم السلام) المكنون)
وقول السائل: (أيجوز) ولا أقل من استبعاد وقوع صلاة الليل في النهار وبالعكس
ونحو ذلك، على أن الأمر به لا يقضي بعدم رجحان غيره، فلعلهما متساويان في الفضيلة،
كما يشهد له خبر ابن أبي العلاء (3) عن الصادق (عليه السلام) قال: (اقض صلاة
النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار، كل ذلك سواء) فيكون الأمر حينئذ بأحدهما
على أنه أحد أنه أحد الفردين، وباحتمال كون المباهاة بأصل القضاء كما يومي إليه عدم ذكر لفظ
النهار في قول الله للملائكة، لا أنها بالكون في النهار، اللهم إلا أن يدعى أن هذا
القول من الله حال وقوع القضاء بالنهار كما هو ظاهر الخبر المزبور، وبأن مقتضى الأخير

(1) المستدرك - الباب - 17 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 1 ولكنه
عن فقه الرضا عليه السلام
(2) سورة المؤمنون - الآية 9
(3) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 من كتاب الصلاة
302

الاستحباب من حيث النهار وإن لم يستلزم التعجيل، بل لعل ذلك هو مقتضى غيره
من النصوص عند التأمل، وهو خلاف ظاهر فتوى الأصحاب، خصوصا مثل عبارة
المتن، وباضطراب المرسل الأول، وبإرادة مطلق القضاء من المرسل الثاني، وبغير ذلك،
لكن الانصاف بقاء شك في النفس مع الشهرة أيضا سيما بعد صراحة أدلة اعتبار المماثلة
التي اعتبرها المفيد والكاتب فيما حكي عنهما، ونسبه في الروضة إلى جماعة إلا أني لم أجد
غيرهما كما اعترف به شيخنا في مفتاح الكرامة، نعم قال فيه تبعهما صاحب المفاتيح.
وكيف كان فيدل عليه صحيح معاوية بن عمار (1) قال: (قال أبو عبد الله
(عليه السلام): اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار، وما فاتك من صلاة الليل بالليل،
قلت: أقضي وترين في ليلة قال: نعم اقض وترا أبدا) وخبر إسماعيل الجعفي (2)
قال أبو جعفر (عليه السلام): (وأفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل،
وصلاة النهار بالنهار، قلت: ويكون وتران في ليلة واحدة قال: لا، قلت: ولم
تأمرني أن أوتر وترين في ليلة فقال: أحدهما قضاء) وصحيح زرارة (3) (سألت
أبا جعفر (عليه السلام) عن قضاء صلاة الليل قال: اقضها في وقتها الذي صليت فيه،
فقال: قلت: يكون وتران في ليلة قال: ليس هو وتران في ليلة، أحدهما لما فاتك)
وخبر إسماعيل بن عيسى (4) سأل الرضا (عليه السلام) (عن الرجل يصلي الأولى
ثم يتنفل فيدركه وقت من قبل إن يفرغ من نافلته فيبطئ بالعصر يقضي نافلته بعد
العصر أو يؤخرها حتى يصليها في وقت آخر قال: يصلي العصر ويقضي نافلته في
يوم آخر).

(1) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب المواقيت - الحديث - 6 - 7 - 11 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب المواقيت - الحديث - 6 - 7 - 11 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب المواقيت - الحديث - 6 - 7 - 11 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 18 من كتاب الصلاة
مع اختلاف كثير
303

لكن قد يقال ليس شئ ما سوى خبر الجعفي نصا في الفضل، فيجوز إرادة
الإباحة فيها لتوهم المخاطب أن لا وترين في ليلة، أو لزوم قضاء نافلة اليوم في يومه،
كما أنه يمكن أن يراد بخبر إسماعيل وإن بعد أن الأفضل قضاء صلاة الليل في ليلها،
وصلاة اليوم في يومها، ولا يكون قول السائل: (فيكون وتران في ليلة) سؤالا
متفرعا على قضاء صلاة الليل بالليل، بل مبتدء، مضافا إلى ما في الحدائق عن بعض
متأخري المتأخرين من حمل هذه الأخبار على التقية، قال: ولا يحضرني الآن مذهب
العامة، فإن كان كذلك اتجه الحمل المزبور، وإلا كانت المسألة محل اشكال، قلت:
قد حكى في التذكرة عن الشافعي المماثلة في القضاء، لكن في بالي أن بعض العامة منع
أيضا من تعدد الوتر في ليلة واحدة ولو قضاء، ومقتضاه مخالفة هذه النصوص للعامة
لا الموافقة، فتترجح حينئذ على الأولى من هذه الجهة، كما أنه ترجح عليها أيضا بأنها
أصرح دلالة منها، بل يمكن دعوى عدم معارضتها لها كما هو ظاهر الذكرى، إذ ليس
في الأولى إلا الفضل من جهة المسارعة أو غيرها، وهو لا ينافي أفضلية غيره.
ولعل الأوجه بملاحظة مجموع الأدلة والمرجحات من الشهرة وغيرها أن يقال
باستحباب كل منهما من جهتي المماثلة والمسارعة وإن كانت الجهة الأولى أولى من حيث
اقتضائها رجحانا ذاتيا بخلاف الثانية، فإن المسارعة جهة خارجية لا مدخلية لها هنا
بالخصوص استأهلت اطلاق الأفضلية عليها في الخبر المزبور، نعم لو قلنا بأن المخالفة
من حيث كونها مخالفة جهة مرجحة كما يمكن دعواه من النصوص أمكن حينئذ مساواة
الجهتين، وكان مقتضاهما التسوية في الفضل كما هو مضمون الخبر السابق، وإن كان
لكل جهة، والأمر في ذلك كله سهل بعد ثبوت الجواز بل الاستحباب، وأما موثق
304

عمار (1) عن الصادق (عليه السلام) (سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع
الشمس وهو في سفر كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال: لا يقضي صلاة
نافلة ولا فريضة بالنهار، ولا يجوز له، ولا يثبت له، ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل)
فهو من شواذ الأخبار وغرائبها المخالفة للكتاب المستفيض من السنة، ولا غرو بعد أن
كان راويه مثل عمار المعروف بنقل أمثال ذلك، وربما حمل على خصوص المسافر،
لاحتمال أن يكون الأفضل له التأخير إلى الليل، لعدم تيسر القضاء له غالبا في النهار
إلا على الراحلة أو الدابة أو ماشيا، مضافا إلى كثرة شواغل البال عن التوجه والاقبال،
والله أعلم بحقيقة الحال.
والظاهر اتحاد كيفية القضاء في الفرائض والنوافل، فيجهر فيما يجهر فيه منها،
ويخفت فيما يخفت فيه منها، بل لعل ذلك هو الموافق لمعنى القضاء عند التأمل، ومن هنا
حكي عن الخلاف التصريح بالجهر بالليلية في النهار، وبالاخفات بالنهارية في الليل ناقلا
للخلاف فيه عن بعض العامة، مشعرا بعدم الخلاف فيه منا، ولعله كذلك، والله العالم.
المسألة (السابعة الأفضل في كل صلاة أن يؤتي بها في أول وقتها) إجماعا محصلا
ومنقولا مستفيضا أو متواترا كالنصوص (2) التي تقدم الإشارة إليها، وإلى أنه ربما
ظن منها الوجوب، مضافا إلى ما دل على المسارعة للخير وتعجيله من الكتاب (3)
والسنة (4) أيضا، بل والعقل في الجملة (إلا المغرب والعشاء) الآخرة (ل‍) خصوص
(من أفاض من عرفات، فإن تأخيرهما إلى المزدلفة) بكسر اللام، وهي المشعر الحرام

(1) الوسائل - الباب - 75 - من أبواب المواقيت - الحديث 14 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(3) سورة آل عمران - الآية 127 وسورة المائدة - الآية 53
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 و 12 من كتاب الصلاة
305

(أولى ولو صار إلى ربع الليل) اتفاقا كما في كشف اللثام، بل باجماع أهل العلم كما عن
المنتهى، وللنصوص (1) بل في صحيح ابن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما السلام) النهي
عن الصلاة قبل ذلك ولو إلى ثلث الليل قال: (لا تصلي المغرب حتى تأتي جمعا وإن
ذهب ثلث الليل) (و) إلا (العشاء) الآخرة أيضا مطلقا، فإن (الأفضل تأخيرها
حتى يسقط الشفق الأحمر) للنصوص (3) السابقة أيضا التي قد ظن منها أنه أول
وقتها، وأنه لا يجوز فعلها قبله، وفي بعضها (4) (لولا أن أشق على أمتي لأخرت
العشاء إلى ثلث الليل) وفي آخر (5) (لولا نوم الصبي وعيلة الضعيف لأخرت العتمة
إلى ثلث الليل) وربما يستفاد منهما استحباب التأخير إلى الثلث إلا أنه لم أجد أحدا
أفتى به كما اعترف به العلامة الطباطبائي في مصابيحه، ولعله لأن التعليق على ما ليس
بمطلوب يدل على عدم الطلب، قيل: ويؤيده ورود هذا المضمون إلى النصف مع ما في
الصحيح (6) أن ذلك هو التضييع، لكن قد يشكل بفهم أهل العرف من مثله هذه
العبارة الندب بعد أن يكون المعلق الوجوب، لكن قد يمنع هنا، كما أنه يمنع احتمال
فهم الندب على تقدير أن يكون هو المعلق أيضا، فتأمل جيدا، وكيف كان فما في خبر
العمري (7) عن صاحب الزمان (عليه السلام) (ملعون ملعون من أخر العشاء إلى أن تشتبك
النجوم) يراد منه المغرب قطعا تعريضا بأبي الخطاب وأصحابه كما يكشف عنه باقي

(1) الوسائل - الباب - 5 و 6 - من أبواب الوقوف بالمشعر من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الوقوف بالمشعر - الحديث 1 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب المواقيت - الحديث - 0 - 2 - 6 من كتاب الصلاة، وفي الثالث " وغلبة " بدل " وعيلة "
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب المواقيت - الحديث - 0 - 2 - 6 من كتاب الصلاة، وفي الثالث " وغلبة " بدل " وعيلة "
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب المواقيت - الحديث - 0 - 2 - 6 من كتاب الصلاة، وفي الثالث " وغلبة " بدل " وعيلة "
(6) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 من كتاب الصلاة
306

النصوص (1) بل في بعضها (2) هذا اللفظ بعينه مع تبديل العشاء بالمغرب، أو غير ذلك.
(و) إلا (المتنفل) فإن الأفضل له أن (يؤخر الظهر والعصر حتى يأتي
بنافلتيهما) بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى، بل هو المعلوم من سيرة السلف والخلف،
نعم ظاهر المتن اختصاص ذلك بالمتنفل دون غيره، فلا يستحب له التأخير عن أول
الوقت أصلا، وهو أحد الوجهين أو القولين اللذين مر البحث فيهما سابقا في أول
المواقيت، كما أن ظاهره أيضا أن غاية التأخير الاتيان بالنافلتين سواء زاد ذلك عن
التقدير بالأقدام والأذرع أو نقص، وإن كان بقرينة ما تقدم منه سابقا ينبغي تنزيله
على مراعاة الأقدام، أو يكون التحديد بها فيما مضى لبيان أقصى الإذن في فعل النافلة،
وإلا فالمدار على الفراغ منها وإن لم يبلغ الظل القدمين أو الأربعة، أو لبيان أن النافلة
غالبا لا يطول فعلها أزيد من القدمين، أو غير ذلك.
وبالجملة لا إشكال في استحباب تأخير الظهر للمتنفل بمقدار النافلة أو إلى القدمين،
وأما العصر فالذي يظهر من ملاحظة النصوص وما تضمنته من انتظار الصلاة بعد
الصلاة (3) ومن إضافة الوقت فيها إلى العصر (4) وإن لكل صلاة وقتين (5) وإن
المواقيت خمس (6) وتأخير المستحاضة (7) والمسافر الظهر إلى وقت العصر (8) وإن

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 و 12 و 17 و 19
و 22 و 23 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 و 20 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 3 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 و 11 و 13 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 14 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - الحديث 1
(8) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
307

الجمع رخصة للسفر أو العلة أو الجمعة (1) أو نحو ذلك مما لا يخفى على من استقرأ جميع
نصوص الباب الواردة في الكتب الأربعة وغيرها أنها تؤخر عن أول الوقت، وإن
لها وقتين اجزائيين سابق ولاحق كالعشاء، بل ظاهر خبر عمر بن حنظلة (2) وخبر
أحمد بن أبي نصر (3) وخبر أحمد بن عمر (4) وخبر زرارة (5) وخبر ابن وهب (6)
وخبر ابن ميسرة (7) وخبر الفضل بن شاذان (8) المروي عن العلل والعيون المشتمل
على علل المواقيت، وخبر المجالس (9) المشتمل على تعليم محمد بن أبي بكر لما ولي مصر،
وما في نهج البلاغة (10) وغير ذلك مما لا يسع الفقيه تعداده واحصاؤه، لكن بناء
على إرادة قامة الانسان من القامة في بعضها لا الذراع كون التأخير إلى المثل الذي هو
منتهى فضيلة الظهر، ويؤيده محافظة العامة على هذا الوقت، إذ الظاهر أنهم أخذوها
يدا عن يد إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، وأنهم لم يغيروا سنته في ذلك، لعدم تعلق
غرض لهم به، ولأن أمر الصلاة مشهور بين كافة الناس، ولأن ترويج أمرهم كان
بملازمتهم للصور التي كانت من النبي (صلى الله عليه وآله) حتى إذا وجدوا فرصة
انتهزوها، وإلا فهم في أول أمرهم في غاية الاظهار لاتباع النبي (صلى الله عليه وآله)
والاقتداء بسنته المشهورة المعروفة، ومن هنا ورد الأمر بالصلاة بأذانهم وأنهم أشد

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب المواقيت والباب 8 من أبواب صلاة الجمعة
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 - 7 - 2 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 - 7 - 2 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 - 7 - 2 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 6 - 11 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 6 - 11 من كتاب الصلاة
(8) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 6 - 11 من كتاب الصلاة
(9) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 13 من كتاب الصلاة
(10) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 12 - 13 من كتاب الصلاة
308

الناس مواظبة على الوقت، إلا أن أئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم لما رأوا إلزام العامة
العمياء بالوقت المخصوص، وأنه لا يجوز ما عداه على الاختيار، وكان في ملازمة النبي
(صلى الله عليه وآله) والسلف لهذا الوقت تشبث تام لهم لم يألوا جهدا في الاكثار من
القول الدال على عدم وجوبه وعدم إلزامه، وإن اختلفت طرق التأدية لذلك باعتبار
اختلاف إرادتهم بيان النافلة مع ذلك وعدمه، مضافا إلى ملاحظتهم (عليهم السلام)
أن لا يعرفوا الشيعة بوقت خاص لهم كي لا يعرفوا فيؤخذوا، فتارة ذكروا أنه إذا
زالت الشمس دخل الوقتان، وأخرى جعلوا المدار على الأقدام، وثالثة على الأذرع،
ورابعة على الفراغ من النافلة طالت أو قصرت، إلى غير ذلك مما ذكروه مما يفيد جواز
الجمع صريحا أو ظاهرا.
والغرض من الجميع عدم الالزام الذي عند القوم، وربما توهم من غلبة مداومة
النبي (صلى الله عليه وآله) عليه لا بيان أفضل أوقات العصر، ولذلك لم يصرح به
في أكثرها، بل ولا يظهر منه، وإن أمر به بعد الذراعين أو الفراغ من نافلته مثلا،
لكنه ظاهر في الإذن والإباحة بعد أن عرفت أنه في مقام توهم الحظر كما يومي إليه
الانكار والعجب في بعض النصوص من الجمع وعدم التفريق بالزمان، فصل بالنافلة
أولا، وما في بعضها (1) - أنه (كان جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قامة، فإذا بلغ ذراعا صلى الظهر، وإذا بلغ ذراعين صلى العصر) بعد تسليم إرادة قامة
الانسان من القامة فيه - محمول على إرادة اتفاق وقوع ذلك من النبي (صلى الله عليه وآله)
لا الدوام أو الاستمرار وإن كان ظاهر (كان) ذلك، أو يراد منه أنه لا يصلي العصر

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من كتاب الصلاة
مع اختلاف في اللفظ
309

إلا بعد الذراعين، فيصدق وإن أخرها إلى المثل، أو يقال إنها لا تنافي ما هو الأرجح
في النظر من أنه (صلى الله عليه وآله) كان يفرق زمانا بين الظهرين إلا أن مقدار
التفرقة لم يعلم.
فالنصوص (1) السابقة تقضي بالمثل، وأخرى (2) بالذراعين والأربعة أقدام،
بل في بعضها (3) أن تأخيرها إلى الستة أقدام التضييع، وفي آخر تعريض بما عليه العامة
وأنه لا ينبغي صلاة العصر في وقتهم، قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر أبي بصير (4):
(ما خدعوك فيه من شئ فلا يخدعونك في العصر، صلها والشمس بيضاء نقية، فإن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر، قيل:
وما الموتور أهله وماله؟ قال: لا يكون له أهل ولا مال في الجنة، قال: وما تضييعها؟
قال: يدعها والله حتى تصفر أو تغيب الشمس) ونحوه غيره في تفسير التضييع بذلك،
لكن المعروف الآن بين العامة عدم تأخيرها إلى ذلك، فلعل المراد سوادهم، وكفى
بهذه النصوص على كثرتها واستفاضتها دلالة على معروفية التفريق زمانا قديما، ضرورة
أنه هو المناسب حينئذ للحث عليها وعدم تضييعها ونحوهما، ومع ذلك لم يأمروا بجمعها
مع الظهر كما هو المتعارف الآن.
فلا يبعد استحباب التفريق زمانا بينهما وإن اختلف، فتارة يكون إلى المثل،
وتارة يكون إلى الذراعين، وربما كان أزيد أو أنقص، وأما الفصل بالنافلة فقط فلا
يحصل به ثواب التفريق المفهوم من النصوص، ونصوص (5) الفصل بالنافلة لا دلالة فيها

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 و 31 من كتاب الصلاة
والمستدرك - الباب - 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 7 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 7 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 6 و 7 و 8 و 9 وغيرها
310

على الفضل والاستحباب، بل أقصاها الدلالة على الجواز، بل في بعضها ظهور في أن
هذه الكيفية من أداء الظهرين لم تكن معروفة في الزمن السابق لا من النبي (صلى الله
عليه وآله) ولا من الصحابة والتابعين، وما يحكي عن المصنف - في جواب تلميذه يوسف
ابن حاتم الشامي لما سأله أن النبي (صلى الله عليه وآله) إن كان يجمع بين الصلاتين فلا
حاجة إلى الأذان للثانية، إذ هو للاعلام، وللخبر (1) المتضمن أنه عند الجمع بين
الصلاتين يسقط الأذان، وإن كان يفرق فلم ندبتم إلى الجمع وجعلتموه أفضل، من
أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يجمع تارة، ويفرق أخرى، وأن الجمع يستحب
عندنا مع الاتيان بالنوافل، لأنه مبادرة إلى تفريغ من الفرض - لم نتحققه، بل المعروف
من غالب أحوال النبي (صلى الله عليه وآله) التفريق.
ولقد أجاد الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك حيث قال: وإذا كانت المبادرة
مستحبة فلا وجه لاختيار النبي (صلى الله عليه وآله) في بعض الأوقات التفريق مع أنه
مشقة ظاهرة منضمة إلى ترك فضيلة، وجواز التفريق المرجوح حينئذ يأتي بالقول،
كيف وغالب الأوقات كان (صلى الله عليه وآله) يفرق، وما كان يجمع إلا نادرا كما
يظهر من الأخبار ويعضدها الاعتبار الحاصل من الآثار، قلت: ومنه يعلم حال ما في
المدارك لما حكى عن الذكرى الجزم باستحباب التفريق بين الفرضين، لأنه معلوم من
حاله (صلى الله عليه وآله)، ولأنه كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين
مطلقا علم منه استحباب التفريق بشهادة النصوص والمصنفات، ثم استحسنه إلا أنه قال:
يتحقق التفريق بتعقيب الظهر وفعل نافلة العصر، إذ هو كما ترى بعيد عن النصوص
والمصنفات، بل بعض منها لا يقبل ذلك كما اعترف به الأستاذ الأكبر في الحاشية
المزبورة أيضا، بل هو غير خفي على كل من له أدنى درية ومعرفة بحال السلف

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 و 11 من كتاب الصلاة
311

وبكيفيات الخطابات.
نعم لا يعتبر في التفريق المثل كما سمعته وإن اعتبره الشهيدان والمحقق الثاني
والفاضل المقداد والعلامة الطباطبائي في منظومته، بل ربما نسب للمصنف والعلامة حيث إنهما حملا على الفضل والاستحباب بعض النصوص (1) المتضمنة إشارة جبرئيل (عليه
السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) بالأوقات مما هو دال على المطلوب، بل نسب
أيضا للمفيد وأبي علي، بل حكي شهرة المتأخرين عليه، لكن الانصاف أنه غير لازم
وإن شهدت له بعض النصوص (2) إلا أنه ينبغي حملها على إرادة بيان بعض صور
التفريق لا أنه هو لا غير.
وكيف كأن يكون للعصر حينئذ وقتان اجزائيان سابق ولاحق كالعشاء، ولكن
قد يدعى أفضلية أولهما على الآخر، لما فيه من المسارعة، ولما تقدم في الأبحاث السابقة،
بل لعل ذلك تختلف اجزاء الأول أيضا كغيره من أوقات الفضيلة والاجزاء، خلافا
لما عساه يظهر من منظومة الطباطبائي فأطلق الفضل في الاجزائي المداني وقت الفضيلة،
وهو وإن كان لا يخلو من وجه إلا أنه يمكن أن لا يريد ما يشمل ذلك، والأمر سهل.
(و) إلا (المستحاضة) الكبرى، فإنها (تؤخر الظهر والمغرب) إلى آخر
وقت فضلهما، ثم تغتسل لتجمع به العصر والعشاء كما تقدم البحث فيه في باب الحيض،
بل ذكرنا هناك أنه ربما قيل بوجوب ذلك، لظاهر الأمر به في النصوص (3) المحمول
على إرادة الرخصة، وإلا فلا ريب في جواز غسلها في أول الوقت للظهر، ثم غسل آخر

(1) الوسائل - الباب 10 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 و 8 و 12 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 و 31 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاستحاضة - الحديث 1 و 4 و 5
312

للعصر إذا أرادت فعلها في وقتها الفضيلي كما ذكرنا البحث فيه مفصلا، بل منه ومما
ذكرناه هناك أيضا من عدم جواز ايقاعهما بغسل واحد مع التفريق يشكل الاستحباب
المزبور حينئذ وإن ذكره غير واحد من الأصحاب، فلاحظ وتأمل.
ثم من المعلوم أن المنصف كالفاضل في القواعد لم يريدا حصر الاستثناء فيما ذكراه،
ضرورة ثبوته أيضا في غيره كتأخير ذوي الأعذار مع رجاء الزوال، بل قيل بوجوبه،
كتأخير من عليه القضاء على ما سيأتي في محله إن شاء الله، والصائم الذي تتوق نفسه
إلى الافطار، أو كان له من ينتظره، والطالب للاقبال في العبادة، إلا أنه لا ينبغي
أن يتخذه عادة كما أومأنا إليه سابقا، بل قد ذكرنا نوع تأمل فيه، ومنتظر الجماعة لكن
بشرط أن لا يصل بذلك حد الإضاعة، وفي التنقيح والمتمكن من استيفاء الأفعال
والمندوبات، وبالجملة كل من تعذر عليه كمال الصلاة ويرجو حصوله يستحب له التأخير،
والمربية للصبي التي قد ذكرنا البحث فيها سابقا، وأنها تؤخر الظهرين كي يحصل لها
بغسل واحد الفرائض الأربع، ومدافع الأخبثين، بل كل مانع إلى أن يرفعه،
والمرخص له بالدخول في الوقت بالظن للغيم إلى أن يحصل له العلم، وربما أوجبه بعضهم
كما سمعته سابقا، والمسافر المستوفز، وتأخير الظهر للأمر بالابراد بها في صحيحي معاوية
ابن وهب (1) وزرارة (2) ودعوى الصدوق إرادة الاسراع والتعجيل منه من البريد
غير ثابتة يشهد بخلافها اللغة والعرف، وقرائن الأحوال والأقوال في الخبرين (3).
نعم في كشف اللثام أن الفاضل احتمل في نهاية الإحكام ما يعطيه الوسيلة والجامع
من كون التأخير لذلك رخصة، فإن احتملها وصلى في أول الوقت كان أفضل، وفيه
أن حمل الأمر على الندب أولى وإن استلزم التخصيص، خصوصا بعد فتوى غير واحد

(1) الوسائل - الباب - 8 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 8 من أبواب المواقيت الحديث 3 - 4 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 و 4 من كتاب الصلاة
313

من الأصحاب به، والظاهر تحديد غاية الابراد بها إلى المثل كما في صحيح زرارة لا أن
ذلك هو الحد، بمعنى أن فاعلها قبله لم يأت بوظيفة الابراد كما فهمه زرارة وابن بكير
وتفردا به من بين الشيعة، وكان اختصاص الظهر بذلك في الفتاوى دون العصر مع
أن في صحيح زرارة الابراد بهما معا لتعارف التفريق في ذلك الزمان المقتضي لحصول
الابراد بها، بل لعل الابراد بالظهر مقتض لحصوله فيها أيضا، ومن هنا اقتصر عليه،
كما أنه ينبغي قصر الحكم فيها على شدة الحر للبلاد أو لغيره، فلا يندب تأخيرها في البلاد
الباردة، ولذلك قيده به بعضهم، وكأنه فهمه من نفس الأمر بالابراد، ولأن النبي
(صلى الله عليه وآله) الآمر بذلك كانت بلاده شديدة الحر، ولغير ذلك، مضافا
إلى الاقتصار على المتيقن في الخروج عن فضل أول الوقت الذي هو كالضروري،
بل قيد أيضا بما إذا صليت في المسجد جماعة لذلك أيضا، لكنه لا يخلو من إشكال،
هذا. وفيه بعد ذكر استثناء الابراد وذوي الأعذار ومن عليه القضاء والغيم قال:
وزيدت مواضع يمكن ارجاعها إلى المذكورات، وكأنه أومأ إلى ما في الروضة من أن
أول الوقت أفضل من غيره إلا في مواضع ترتقي إلى خمسة وعشرين ذكر أكثرها
المصنف في النفلية، وحررناها مع الباقي في شرحها، ولعل قوله فيها من غيره دون
خصوص التأخير ليدخل فيه استثناء تعجيل عصري الجمعة وعرفة كما تعرفه إن شاء الله
فيما يأتي، ولقد تبعه المحدث البحراني في حدائقه في تعدادها، وذكر الأدلة لكل واحد
منها، إلا أنه أنهاها إلى أربعة وعشرين ونظر في ثبوت الاستحباب في بعضها، كما أنه جعل موضوع البحث أعم من الفرض والندب، فلعل من التأمل فيما ذكرناه هنا
وفي الأبحاث السابقة كتأخير صلاة الليل وغيرها تعرف الوجه في كثير مما ذكرا استثناءه،
بل لعل بانضمام بعض الاعتبارات تزداد على المذكور هنا، ولذلك وغيره تركنا الاطناب
في تحرير الأدلة على ذلك، وإن كان المقام محتاجا إليه، لعدم جريان قاعدة التسامح فيه،
314

لأن المستثنى منه على الظاهر مع كونه مستحبا أيضا أدلته في غاية الوضوح والمعلومية،
فتخصيصها حينئذ محتاج إلى دليل معتبر، مع احتمال الاجتزاء بما يندرج في دليل التسامح
الذي يستغني باعتباره عن اعتبار خصوص المعارض، والله أعلم.
المسألة (الثامنة) قد علم من النصوص (1) المستفيضة أو المتواترة والاجماع
بقسميه ترتب الفرائض الحاضرة في الأداء، بمعنى عدم جواز تقديم العصر على الظهر
والعشاء على المغرب لكن مع التذكر لا الغفلة والنسيان، ف‍ (لو ظن) أو قطع (أنه
صلى الظهر فاشتغل بالعصر فإن ذكر وهو فيها) ولو قبل التسليم بناء على أنه منها ولو
مستحبا كما صرح به غير واحد، لكن قد يشكل باحتمال النص والفتوى إرادة قبل
الفراغ من الواجب لا الأعم منه ومن الندب، ضرورة صدق أنه صلى على الأول،
ويدفع بالظهور، وصدق (في الصلاة) في صحيح زرارة (2) (وهو يصلي) في حسن
الحلبي (3) مضافا إلى الاستصحاب، وعلى كل حال (عدل بنيته) إلى الظهر وجوبا
اجماعا محكيا في حاشية الإرشاد وعن غيرها إن لم يكن محصلا، لحسن الحلبي (4)
سأل أبا عبد الله (عليه السلام) (عن الرجل أم قوما في العصر فذكر وهو يصلي أنه
لم يكن صلى الأولى قال: فليجعلها الأولى التي فاتته، ويستأنف بعد صلاة العصر،
وقد قضى القوم صلاتهم) وصحيح زرارة (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) (فإن
نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك منها فانوها
الأولى ثم صل العصر، فإنما هي أربع مكان أربع) وغيرهما، وما عن المنتهى من أنه
لا نعلم خلافا بين أصحابنا في جواز العدول يمكن إرادة الوجوب من الجواز فيه، لأنه

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 63 - من أبواب المواقيت - الحديث؟ من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 63 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 63 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 63 - من أبواب المواقيت - الحديث؟ من كتاب الصلاة
315

يمكن أن يقال بعد وجوب الترتيب أنه متى جاز وجب.
والعشاءان كالظهرين في هذا الحكم بلا خلاف أجده فيه، بل هو من معقد محكي الاجماع
لكن بشرط أن يكون ذكره قبل تجاوز محل العدول، وهو الدخول في ركن كما هو
المشهور أو واجب على ما تعرفه إن شاء الله في مبحث القضاء، وخبر الصيقل (1) مع
جهل الراوي والاعراض عنه يمكن تأويله - وإن بعد، قال فيه: (سألت الصادق
(عليه السلام) عن رجل نسي الأولى حتى صلى ركعتين من العصر، قال: فليجعلها
الأولى ويستأنف العصر، قال: قلت: فإنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء
ثم ذكر قال: فليتم صلاته ثم ليقض بعد المغرب، قال: قلت له: جعلت فداك قلت
حين نسي الظهر ثم ذكر وهو في العصر يجعلها الأولى ثم يستأنف، وقلت لهذا يتم صلاته
بعد المغرب ثم يستأنف، فقال: ليس هذا مثل هذا، إن العصر ليس بعدها صلاة،
والعشاء بعدها صلاة) - بما في كشف اللثام من نصب بعد المغرب،: أي فليتم صلاته
التي هي المغرب بعد العدول إليها، ثم ليقض العشاء بعد المغرب، ولذا قال السائل:
قلت لهذا يتم صلاته بعد المغرب، والسائل إنما سأل الوجه في التعبير بالقضاء هنا
والاستيناف في العصر، فأجاب (عليه السلام) بأن العصر صلاة منفردة لا تتبعها صلاة،
ثم قال: ويجوز ابتناء الخبر على خروج وقت المغرب إذا غاب الشفق وعدم دخول وقت
العشاء قبله، فإذا شرع في العشاء لم يعدل إلى المغرب بناء على عدم وجوب العدول من
الحاضرة إلى الفائتة، فيكون بعد مضموما، والمغرب منصوبا مفعول ليقض، وكلام
السائل قلت لهذا يتم صلاته وقلت بعد المغرب، والجواب بيان العلة في استمرار الظهر
إلى قريب انقضاء وقت العصر دون المغرب إلى قريب انقضاء وقت العشاء، والحمل
على ضيق وقت العشاء بعيد جدا، قلت: ما ذكره أيضا أبعد منه أو مساو له،

(1) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
316

فالأولى رد الخبر إلى أهله كما أمرنا به.
ثم إن اطلاق المتن وغيره كصريح المدارك وكشف اللثام وغيرهما عدم الفرق بين
وقت الاختصاص والاشتراك، ولعله لاطلاق الأدلة، ولأنها بالنية انكشف كونها
ظهرا في وقت اختصاصه لا أنها عصر صارت من حين العدول ظهرا حتى يشكل بأن
الركعات الأولى وقعت باطلة في الواقع بوقوعها في غير وقتها، فالعدول بها إلى الظهر
غير مجد، مع احتماله استنادا في ذلك إلى اطلاق الأدلة المزبورة الذي يكون الاستبعاد
معه اجتهادا في مقابلة الدليل، اللهم إلا أن يجعل ذلك سببا للشك في شمول الدليل له،
ومثله يجري فيمن صلى العصر قبل الوقت فدخل عليه وقت اختصاص الظهر قبل الفراغ،
ثم ذكر أنه لم يكن قد صلى الظهر فعدل به إلى الظهر، بل هو أقوى اشكالا من الصورة
الأولى، خصوصا مع تصريح بعضهم في تلك المسألة باشتراط الصحة بدخول الوقت وهو
في الأثناء بما إذا لم يكن وقت اختصاص الظهر، لكن لعل المراد هناك عدم صحتها
بذلك عصرا، وأنه ليس من محل العدول، لعدم فرض ما ذكرناه من المثال الذي
يمكن دعوى اختصاص العدول في نحوه لا فيما يشمل من شروع في العصر فظهر له فساد
ما فعله من صلاة الظهر، ضرورة كونه على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على المتيقن،
اللهم إلا أن ينقح مناطا للمسألتين بالاجماع، أو بدعوى ظهور النصوص في إرادة
الأعم من الغافل عن الفعل أصلا أو فساده، فإنهما معا لم يصليا صلاة صحيحة،
بل يصدق سلب اسم الصلاة عن الثاني بناء على وضع اسم العبادة للصحيح، وبالجملة
المدار على من دخل في العصر مثلا دخولا مشروعا ثم ظهر له بقاء شغل ذمته بالظهر،
فتأمل جيدا.
(و) كيف كان ف‍ (إن لم يذكر حتى فرغ) من صلاته، (فإن كان صلى في
أول وقت الظهر) أي المختص به (أعاد بعد أن يصلي الظهر على الأشبه) الأشهر
317

من ثبوت وقت اختصاص له، إذ ثمرته عدم صحة العصر فيه نسيانا، وبه يقيد حينئذ
اطلاق ما دل على الصحة من النصوص الآتية، خصوصا مع ندرة الفرض كي يشمله
إطلاقها، وليس له أن ينوي بها الظهر، لأن الصلاة على ما نويت لا تنقلب إلى غيرها
بالنية بعد اكمالها، ولو لم تكن النصوص والاجماع على انقلابها في الأثناء لم نقل به،
ولم نعرف في ذلك خلافا إلا من نادر لا يقدح خلافه، ولذا حمل الشيخ وغيره ما في
صحيح زرارة (1) السابق على القرب من الفراغ وإن كان ضعيفا كما في كشف اللثام،
قال: ويمكن حمله على كونه في نية الصلاة أو بعد فراغه من النية، ويقر به قوله متصلا
به: (وإن ذكرت أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين
فانوها الأولى ثم صل الركعتين الباقيتين، وقم فصل العصر) وكذا خبر ابن مسكان
عن الحلبي (2) (سأله عن رجل نسي أن يصلي الأولى حتى صلى العصر قال: فليجعل
صلاته التي صلى الأولى، ثم ليستأنف العصر) بمعنى دخوله في صلاة العصر، ويجوز
فيهما أن يكون المصلي ابتدأ بالظهر ثم نسي في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها أنه نوى
الظهر ثم ذكر أنه كان ابتدأ بالظهر فليجعلها الظهر، فإنها على ما ابتدأ به، وكل من
الظهر والعصر أربع، بخلاف ما إذا نسي أنه نوى المغرب فذكر بعد الفراغ من العشاء،
فإنها لا تكون إلا العشاء، واحتمل بعض الأصحاب العمل على ظاهر الخبرين، ووقوع
العصر عن الظهر إذا لم يتذكر إلا بعد الفراغ، وهو نادر، قلت: إلا أنه لا يخلو من
قوة، لظاهر الخبرين اللذين من الواضح ضعف التأويلات المزبورات فيهما، مضافا إلى
ما في ذيل عبارة كشف اللثام، ولعل الأولى منها حملهما على إرادة أنه صلى ناويا ما في
ذمته معجلا، لكن كان يزعم أنه العصر، أو على غير ذلك، أما على القول بعدمه
وأنهما معا على الاشتراك من دلوك الشمس إلى غسق الليل فالمتجه الصحة، لاختصاص

(1) الوسائل - الباب 63 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 63 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 4 من كتاب الصلاة
318

اشتراط الترتيب عندنا في العمد، بل في كشف اللثام اغتفرت مخالفة الترتيب نسيانا
بالنصوص (1) والاجماع وللأصل والحرج ورفع النسيان وإن كان بعضه كما ترى،
(وإن كان) قد ذكر وهو (في الوقت المشترك أو دخل وهو فيها أجزأته وأتى بالظهر)
لما عرفته من عدم اشتراط الترتيب في هذا الحال، ولما تقدم سابقا من صحة ما وقع
قبل الوقت بإذن شرعية ثم دخل الوقت عليه قبل الفراغ وقبل التنبه، وفي صحيح
زرارة (2) (إن كنت صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم وصل المغرب) وفي
صحيح صفوان (3) وقد سأله عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلى
العصر (إن أمكنه أن يصليها قبل إن يفوته المغرب بدأ بها، وإلا صلى المغرب ثم
صلاها) إلى غير ذلك مما لا حاجة إلى ذكره بعد وضوح المسألة، والظاهر عدم اعتبار
ما يعتبر في أصل النية من القربة ونحوها في نية العدول هنا، بل يكفي قصد ما فعله
وبقي للظهر مثلا، نعم لا يجوز له أن يوقع شيئا من الأفعال قبل هذه النية، كما هو
واضح بحمد الله.
(المقدمة الثالثة في) البحث عن (القبلة)
(و) يقع (النظر في) أربعة: ماهية (القبلة والمستقبل) بالفتح (وما يجب له
وأحكام الخلل).
أما (الأول)
فعن القاموس أن (القبلة) بالكسر التي يصلى نحوها، والجهة، والكعبة،

(1) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 من كتاب الصلاة
والباب - 63 - الحديث 1 و 5 والمستدرك - الباب - 4 - من أبواب المواقيت - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 من كتاب الصلاة
319

وكل ما يستقبل، وما له في هذا قبلة ولا دبرة بكسرهما أي وجهة، وهو كما ترى على
عادته من الخلط والخبط، والأولى أنها الاستقبال على هيئة، أو الحالة التي عليها
الانسان حال استقبال الشئ، وعرفا المستقبل وهو عند التحقيق المكان الواقع فيه
البيت شرفه الله الممتد من تخوم الأرض إلى عنان السماء لا نفس البناء، كما يومي إليه
خبر عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سأله رجل قال:
صليت فوق جبل أبي قبيس العصر فهل يجزئ ذلك والقبلة تحتي؟ قال: نعم إنها قبلة
من موضعها إلى السماء) ولذا لو أزيلت البنية أو نقلت إلى مكان آخر وجب استقبال
ذلك الفضاء ولم تصح الصلاة إلى نفس البناء كما هو واضح، والظاهر اتحاد المعنى المنقول
إليه بشهادة عرف المتشرعة الذين لا يعرفون غير الكعبة قبلة، حتى أنهم يلقنون بذلك
موتاهم، بل هو من الضروريات عندهم، فيكون عند الشرع كذلك، إذ هو العنوان
لمثله كما حرر في الأصول، فاحتمال تعدده - فيكون مشتركا لفظيا بينها وبين المسجد
والحرم - في غاية الضعف، كاحتمال الاشتراك معنى بين الثلاثة المزبورة مخالف للاستعمال
عرفا وسنة، وإطلاق القبلة على الجهة عرفا على ضرب من التجوز باعتبار احتمال وجود
القبلة فيها كما لا يخفى على من دقق النظر في استعمالات العرف.
(و) من ذلك تعرف ما في القول بأن القبلة (هي الكعبة لمن كان في المسجد
والمسجد لمن كان في الحرم، والحرم لمن خرج عنه) وإن قال المصنف أنه كذلك (على
الأظهر) وفاقا للمبسوط والخلاف والمصباح والجمل والعقود والمحكي عن الاصباح
والمهذب والمراسم، بل في المسالك نسبته إلى كثير، بل في الذكرى والروضة إلى
الأكثر، بل في المحكي عن مجمع البيان نسبته إلى أصحابنا، بل في الخلاف الاجماع

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب القبلة - الحديث 1 من كتاب الصلاة
320

عليه، وربما حكي عن المفيد وأبي المكارم أيضا، لكن ما وصل إلينا - من مقنعة الأول
(القبلة هي الكعبة ثم المسجد قبلة من نأى عنها، لأن التوجه إليه توجه إليها - ثم قال بعد
أسطر -: ومن كان نائيا عنها خارجا من المسجد الحرام توجه إليها بالتوجه إليه) ومن
غنية الثاني (القبلة هي الكعبة الحرام، فمن كان مشاهدا لها وجب عليه التوجه إليها، ومن
شاهد المسجد الحرام ولم يشاهد الكعبة وجب عليه التوجه إليه، ومن لم يشاهده توجه
نحوه بلا خلاف) - لا يطابق الحكاية، إذ لم يذكر في شئ منهما الحرم، بل هما إلى
القول بأن الكعبة القبلة عينا أو جهة أقرب من ذلك قطعا، كما أن المحكي عن ابن
شهرآشوب من نفي الخلاف عن استقبال المسجد على من بعد عنه لا ينافيه أيضا، ضرورة
اتحاد جهة الكعبة والمسجد للبعيد، ومنه يعلم أن الآية لا تنافي القول بأن الكعبة القبلة،
لأن موردها البعيد، وجهة المسجد وناحيته هي ناحية الكعبة وجهتها.
وكيف كان فلم نعرف حجة لهذا القول بعد الاجماع المعتضد بما عرفت إلا مرسل
الحجال (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (إن الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل
المسجد، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا) ونحوه خبر
بشر بن جعفر الجعفي (2) ومرسل الصدوق (3) بل لعل الأخير هو أحدهما للمعلوم
من عادته، وأصالة عدم التعدد، فينحصر الاستدلال حينئذ بالخبرين، نعم يؤيدهما
بعض النصوص (4) المشتملة على تعليل استحباب اليسار بما يقتضي كون الحرم قبلة،
وأما خبر أبي غرة (5) عن الصادق (عليه السلام) (البيت قبلة المسجد، والمسجد قبلة
مكة، ومكة قبلة الحرم، والحرم قبلة الدنيا) فلم أجد من عمل به، مع أنه كان المتجه

(1) الوسائل - الباب 3 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 3 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القبلة - الحديث 3 - 4 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب القبلة - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القبلة - الحديث 3 - 4 من كتاب الصلاة
321

لأهل القول المزبور تقييد الاطلاق الأول به، لكنه قد يخرج مؤيدا أيضا في الجملة،
وزاد في الخلاف بأنه لو كلف التوجه إلى عين الكعبة لوجب إذا كان في صف طويل
خلف الإمام أن يكون صلاتهم أو صلاة أكثرهم إلى غير القبلة، أو يلزمهم أن يصلوا
حول الإمام دورا كما يصلي في جوف الكعبة، وكل ذلك باطل بالاجماع، وليس لهم
أن يقولوا إنما كلف الجهة هربا من ذلك، لأن جهات القبلة غير منحصرة، بل جهة
كل واحد من المصلين غير جهة صاحبه، ولا يمكن أن يكون الكعبة في الجهات كلها،
فالسؤال لازم لهم، ولا يلزمنا مثل ذلك، لأن الفرض التوجه إلى الحرم، والحرم طويل
يمكن أن يكون كل واحد من الجماعة متوجها إلى جزء منه.
إلا أن الأقوى مع ذلك كله كون القبلة الكعبة خاصة عينا للمتمكن من ذلك
ولو بواسطة ما لا يشق تحمله من المقدمات كالصعود إلى مرتفع ونحوه، وجهة لغيره،
وفاقا لأكثر المتأخرين أو عامتهم، إذ المصنف وإن خالف هنا لكنه وافق في النافع،
وللمحكي عن الكاتب والسيد في المصباح والجمل والحلي من غيرهم، بل ربما نسب إلى
الأكثر أو المشهور من غير تقييد للنصوص المستفيضة (1) ومنها الصحيح وغيره الدالة
على أن القبلة الكعبة بأنواع الدلالة حتى أن في المروي (2) عن قرب الإسناد منها عن
الصادق (عليه السلام) كمال التصريح بذلك، قال: (إن لله عز وجل حرمات ثلاث
ليس مثلهن شئ: كتابه، وهو حكمة ونور، وبيته الذي جعله قياما للناس وأمنا
لا يقبل من أحد توجها إلى غيره وعترة نبيكم (عليه السلام) والذي حضرني الآن منها خمسة عشر
خبرا فلا بأس بدعوى تواترها، بل قد عرفت أن ذلك من الضروريات الذي تلقن بها
الأموات وتكرره الاحياء في كل يوم، بل يعرفه الخارج عن الاسلام كاليهود والنصارى
من أهله فضلا عنهم، ولا ينافي ذلك عدم التصريح في كثير من النصوص المزبورة

(1) الوسائل - الباب 2 - من أبواب القبلة - الحديث 0 - 10 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 2 - من أبواب القبلة - الحديث 0 - 10 من كتاب الصلاة
322

بالتفصيل المذكور، مع أن بعضها صريح أو كالصريح فيه، كالنبوي المروي عن احتجاج
الطبرسي (1) باسناده إلى العسكري (عليه السلام) قال فيه: (فلما أمرنا أن نعبده
بالتوجه إلى الكعبة، أطعنا، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها
فأطعناه، فلم نخرج في شئ من ذلك عن أمره) وكأن عدم التعرض في أكثرها لذلك
استغناء عنه بالأمر باستقبال الكعبة، وكونها قبلة، ضرورة ظهوره في إرادة الجهة من غير
المتمكن والعين من المتمكن تحصيلا للصدق فيهما، فلا وجه للتوقف في ذلك من هذه الجهة.
فمن الغريب بعد ذلك كله وقوع النزاع فيه، ولعله لفظي، إذ أقصى ما يتصور
من الثمرة بين القولين هو جواز استقبال غير الكعبة من المسجد أو الحرم لمن كان متمكنا
منها على الأول وعدمه على الثاني، ووجوب استقبال المسجد والحرم لغير المشاهد على
الأول وجهة الكعبة على الثاني، ويدفع الأولى ما عن جماعة ممن عرفت الخلاف منهم
كالشيخ في مبسوطه وجمله ومصباحه والقاضي في مهذبه والكيدري في إصباحه
وأبي الصلاح في الكافي من التصريح بوجوب استقبال العين لمن كان متمكنا منها، قال
في الأول: (المكلفون على ثلاثة أقسام، منهم من يلزمه التوجه إلى نفس الكعبة،
وهو كل من كان مشاهدا لها بأن يكون في المسجد الحرام، أو في حكم المشاهد بأن يكون
ضريرا أو يكون بينه وبين الكعبة حائل، أو يكون خارج المسجد بحيث لا تخفى عليه
جهة الكعبة) وقال في الثاني: (القبلة على ثلاثة أقسام، فالكعبة قبلة من كان مشاهدا
لها أو في حكم المشاهد، والمسجد قبلة من لم يشاهد الكعبة وشاهده أو غلب في ظنه
جهته ممن كان في الحرم، والحرم قبلة من نأى عنه عن الحرم (2) إلى غير ذلك،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القبلة - الحديث 14 من كتاب الصلاة
(2) هكذا في المبيضة ولكن ليس في المسودة لفظ " عنه " وهو الصحيح أو لا بد
من واو العطف بأن يكون هكذا " عنه وعن الحرم ".
323

ولعله لذا استدل في المعتبر عليه باجماع العلماء، وفي التذكرة (الكعبة القبلة مع المشاهدة
اجماعا) وعن النهاية (اجماعنا على ذلك) وفي المحكي من شرح الشيخ نجيب الدين
(القبلة عين الكعبة المشرفة لمن أمكنه علمها بالاجماع كأهل مكة) وفي كنز العرفان
(الاجماع عليه أيضا) وقد سمعت نفي الخلاف عنه في الغنية، بل في الرياض أنه قد
يفهم أيضا من الذكرى وجملة ممن تبعه حيث اكتفوا في احتمال لفظية النزاع باحتمال أن
ذكر المسجد والحرم إشارة إلى الجهة مشعرين بانحصار ثمرة النزاع في الثانية، وإلا لم
يكتف في لفظيته بالاحتمال المزبور، لما عرفت من اقتضاء ظاهر عبارة الخصم كالنصوص
الثمرة الأولى أيضا، فلا يرتفع الخلاف بذلك إلا بعد فرض وفاقهم على عدم جواز
استقبال غير الكعبة للمشاهد ومن بحكمه.
ومن ذلك يعرف اندفاع الثانية أيضا، ضرورة احتمال إرادة الجهة من المسجد
والحرم، وأنهم إنما ذكروا ذلك على سبيل التقريب إلى الأفهام، اظهارا لسعة الجهة
حتى المصنف منهم، لما تسمعه منه فيما يأتي (وأهل كل إقليم) إلى آخره. ضرورة
عدم انطباقه إلا على الجهة، نعم قد يأبى ذلك خصوص عبارة الخلاف السابقة وما شابهها
التي يرد عليها مثل ما أورده على جهة الكعبة حرفا بحرف فيما لو استطال الصف لمتحدي
العلامة من إقليم بحيث يقطع بزيادته عن الحرم، فإنه لا استقبال حينئذ لجزء منه، إذ
من المعلوم سعة سمتهم على مساحة الحرم، وكذا لو استطال في الحرم بحيث خرج عن
مساحة المسجد، ودعوى منع ذلك لكروية الأرض أو غير ذلك مما يعارض الوجدان
غير مسموعة، على أنها قد تقابل أيضا بما في الذكرى من أن الجرم الصغير كلما ازداد
القوم عنه بعدا ازدادوا له محاذاة، وإن كان الظاهر أن ذلك لا يقتضي استقبال العين،
إذ لو أخرجت خطوط متوازية من مواقف البعيد المتباعدة المتفقة الجهة على وجه يزيد
على جرم الكعبة لم تتصل الخطوط أجمع بالكعبة، وإلا لخرجت عن كونها متوازية،
324

لكن وإن صدق استقبال العين للبعيد بذلك الاستقبال الصوري إلا أنه لا يتوقف
على الموازاة المزبورة، بل الظاهر تحققه وإن لم يعلم، بل وإن علم العدم، وبه يظهر الفرق
بين العين والجهة كما تسمعه محررا إن شاء الله، هذا وإن أبيت عن قبول كرمهم
لشئ مما ذكرنا فلا ريب في قبول النصوص الاحتمال المزبور، خصوصا مع معارضتها
بما عرفت من النصوص، بل الضرورة، على أنها بنفس هذا اللفظ مروية من طرق
العامة، وإلى بعض ذلك أشار العلامة الطباطبائي بقوله:
وقيل بل يستقبل النائي الحرم * ومن به فالمسجد الحرام أم
ومن به فالبيت للرواية * وأولت للنص والدراية
ومن ذلك كله تعرف ما في اجماع الشيخ، إذ هو في مفروض الثمرتين مقطوع
بعدمه أو مظنون، والآية (1) إن لم تدل على المختار فلا تدل على عدمه، ضرورة
صراحتها أو ظهورها في جهة المسجد وناحيته مما هو مخالف لوجوب استقبال عين الحرم
الذي هو مذهب الخصم في مثل مورد الآية، نعم قد يقضي عموم الآية باستقبال جهة
المسجد وإن تمكن من مشاهدة الكعبة، ومن هنا قال في المدارك بعد أن حكى عن المعتبر
اجماع العلماء كافة على استقبال العين للقريب: إنه إن تم كان هو الحجة، وإلا أمكن
المناقشة فيه، إذ الآية الشريفة إنما تدل على وجوب استقبال شطر المسجد، والروايات
خالية من هذا التفصيل.
لكن قد يقال: إن المراد من الآية تعميم أماكن البعيد، لمعلومية الحال في
القريب، ولو قيل بإرادة الكعبة من المسجد الحرام ولو بمعونة ما عرفت لم يرد عليه شئ
من ذلك، أما لو أريد من الشطر الجانب فمعلوم أيضا إرادة جهته في نحو مفروض
الآية من البعيد، وقد عرفت اتحاد جهته مع جهة الكعبة، وبالنسبة إلى القريب يمكن

(1) سورة البقرة - الآية 139
325

إرادة الجانب الذي ينطبق على عين الكعبة، وبالجملة لا يكاد يخفى على من له أدنى تأمل
أنه ليس المراد من الآية كون المسجد نفسه قبلة، وإلا لجرى الكلام والبحث في الصلاة
في وسطه كالصلاة في جوف الكعبة، ومن المعلوم ضرورة خلافه، كل ذلك مع قطع
النظر عن المراد بالآية الثانية (1) وإلا لو قلنا بإرادة ما يشمل القبلة من القيام فيها كانت
حينئذ مفسرة لهذه الآية ونصا في المطلوب، وعن اختلاف المسجد زيادة ونقصا بحيث
لا يعلم مقداره وقت نزول الآية، وعن الاحتياط المطلوب في مثل الصلاة، وهو منحصر
باستقبال الكعبة، بل لعله متعين هنا وإن قلنا بالتمسك بالأصل في نفي ما شك في شرطيته
لكن المقام بعد التنزل من إجمال الشرط لا من الشك فيه فالواجب الاقتصار فيه حينئذ
على المتيقن، كما هو واضح.
ومنه يعلم عدم جواز استقبال شئ من الحجر وإن قال في الدروس: (المشهور
أنه من البيت) وفي المحكي عن التذكرة (عندنا أنه من الكعبة) وعن نهاية الإحكام
(يجوز أن يستقبله، لأنه كالكعبة عندنا، وقيل إنه من الكعبة) وفي الذكرى (ظاهر
كلام الأصحاب أن الحجر من الكعبة بأسره وقد دل عليه النقل، وأنه كان منها في زمن
إبراهيم وإسماعيل على نبينا وآله وعليهما السلام إلى أن بنت قريش الكعبة فأعوزتهم الآلات
فاختصروها بحذفه، وكان ذلك في عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، ونقل عنه (صلى الله
عليه وآله) الاهتمام بادخاله في بناء الكعبة، وبذلك احتج ابن الزبير حيث أدخله فيها،
ثم أخرجه الحجاج بعده ورده إلى مكانه، ولأن الطواف يجب خارجه، وللعامة
خلاف في كونه من الكعبة بأجمعه أو بعضه أوليس منها، وفي الطواف خارجه، وبعض
الأصحاب له فيه كلام أيضا مع اجماعنا على وجوب ادخاله في الطواف، وإنما الفائدة
في جواز استقباله في الصلاة بمجرده، فعلى القطع بأنه من الكعبة يصح، وإلا امتنع،

(1) سورة البقرة - الآية 144
326

لأنه عدول عن اليقين إلى الظن) قلت: وأين حصول القطع مع ما في الصحيح (1)
أن معاوية بن عمار سأل الصادق (عليه السلام) (عن الحجر أمن البيت هو؟ فقال:
لا ولا قلامة ظفر، لكن إسماعيل (عليه السلام) دفن أمه فيه فكره أن يوطأ، فجعل
عليه حجرا، وفيه قبور أنبياء (عليهم السلام)) وقال (عليه السلام) في خبر آخر له (2): (دفن في
الحجر عذارى بنات إسماعيل) وفي خبر أبي بكر الحضرمي (3) (إن إسماعيل دفن
أمه في الحجر، وحجر عليها لئلا يوطأ قبر أم إسماعيل) وسأله يونس بن يعقوب (4)
فقال: (إني كنت أصلي في الحجر، فقال رجل: لا تصل المكتوبة في هذا الموضع
فإن الحجر من البيت فقال: كذب، صل فيه حيث شئت) وفي المحكي عن السرائر
عن نوادر البزنطي (5) (إن الحلبي سأله (عليه السلام) عن الحجر فقال: إنكم
تسمونه الحطيم، وإنما كان لغنم إسماعيل مراحا دفن فيه أمه وكره أن يوطأ قبرها فحجر
عليه، وفيه قبور أنبياء (عليهم السلام)) وفي كشف اللثام بعد أن حكى عن الذكرى
ما سمعته قال: (وما حكاه إنما رأيناه في كتب العامة، ويخالفه أخبارنا) قلت: وهو
كذلك، نعم أرسل في الكافي والفقيه (6) (إنه كان طول بناء إبراهيم (عليه السلام)
ثلاثين ذراعا) وهو قد يعطي دخول شئ من الحجر فيها، لأن الطول الآن خمس
وعشرون ذراعا، كالمحكي عن التذكرة من أن البيت كان لاصقا بالأرض وله بابان
شرقي وغربي، فهدمه السيل قبل مبعث النبي (صلى الله عليه وآله) بعشر سنين،
وأعادت قريش عمارته على الهيئة التي هو عليها اليوم، وقصرت الأموال الطيبة

(1) الوسائل - الباب 30 - من أبواب الطواف - الحديث 1 - 4 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب 30 - من أبواب الطواف - الحديث 1 - 4 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب 30 - من أبواب الطواف - الحديث 2 - 10 من كتاب الحج
(4) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب المساجد - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 30 - من أبواب الطواف - الحديث 2 - 10 من كتاب الحج
(6) فروع الكافي ج 2 - ص 217 المطبوعة بطهران عام 1377
327

والهدايا والنذور عن عمارته، فتركوا من جانب الحجر بعضا، وقطعوا الركنين الشاميين
من قواعد إبراهيم (عليه السلام)، وضيقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي
الذي يليه، فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا، وهو الذي سمى الشاذروان، لكن
في الحدائق الظاهر أن هذه الرواية من طرق المخالفين، فإنهم رووا عن عائشة (1)
أنها قالت: (إني نذرت أصلي ركعتين في البيت فقال النبي (صلى الله عليه وآله):
صل في الحجر، فإن فيه ستة أذرع من البيت).
وعلى كل حال فلا ريب في اقتضاء الاحتياط المزبور عدم استقبال شئ منه،
وإدخاله في الطواف لعله لما أرسله في الفقيه (2) عن النبي والأئمة (عليهم السلام)
قال: (صار الناس يطوفون به لأن أم إسماعيل دفنت في الحجر، ففيه قبرها،
فطيف كذلك لئلا يوطأ قبرها) أو لغير ذلك، وكأن ما سمعته من النهاية من تعليل
جواز استقباله بأنه كالكعبة أخذه من الطواف به، وفيه ما عرفت، لكن المحكي في
كشف اللثام عنها نحو عبارة التذكرة، والله أعلم، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله
مشيرا إلى بعض ما ذكرناه:
وما من البيت مكان الحجر * كلا ولا قلامة من ظفر
فلا تصل نحوه وإن دخل * كالبيت في الطواف في بعض العلل
وصل فيه الفرض مطلقا بلا * حجر وفي الكعبة منع قد جلا
فظهر حينئذ أن الأقوى والأحوط عدم استقبال شئ من الحجر، كما أنه
ظهر لك سابقا أن الأقوى والأحوط أيضا كون الكعبة خاصة القبلة للقريب والبعيد،

(1) رواه في المغني - ج 3 - ص 382
(2) الوسائل - الباب 30 - من أبواب الطواف - الحديث 5 من كتاب الصلاة
328

وكيفية استقبالها أمر عرفي لا مدخلية للشرع فيه، والظاهر تحقق الصدق وإن خرج
بعض أجزاء البدن التي لا مدخلية لها في صدق كون الشخص مستقبلا وحالته استقبالا
من غير فرق في ذلك بين القريب والبعيد، لكن في القواعد أنه (لو خرج بعض بدنه
عن جهة الكعبة بطلت صلاته) بل قيل إنه كذلك في نهاية الإحكام والتحرير والتذكرة
والذكرى والبيان والموجز وكشف الالتباس وجامع المقاصد وفوائد القواعد، وفي
كشف اللثام في شرح العبارة المزبورة (ولو خرج بعض بدنه عن جهة الكعبة كإحدى
يديه أو رجليه أو بعض منهما بطلت صلاته لوجوب الاستقبال بجميع البدن، قطع به
هنا وفي التحرير والنهاية والتذكرة وكذا الشهيد، وهو أحد وجهي الشافعي، لأن
المراد في الآية كما في المجمع وروض الجنان بالوجه الذات، وبتولية الوجه تولية جميع
البدن، وتخصيص الوجه لمزيد خصوصية له في الاستقبال واستتباعه سائر البدن، ويؤيده
قوله تعالى (1): (فلنولينك قبلة ترضيها) وقول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله
ابن سنان (2): (وبيته الذي جعله قياما للناس، لا يقبل من أحد توجها إلى غيره)
وقول حماد (3) (إنه (عليه السلام) في بيان الصلاة: استقبل بأصابع رجليه جميعا
لم يحرفهما عن القبلة) وثاني وجهي الشافعي الاجتزاء بالاستقبال بالوجه) وهو كما ترى
صريح في عدم الفرق في ذلك بين القريب والبعيد، ضرورة كونه مورد خبر حماد بل
وغيره من الأدلة المسطورة في البعيد، وسمعت لفظ الجهة في عبارة القواعد، لكن في
المحكي عن فوائد القواعد المراد بالجهة عين الكعبة، لأن الجهة إنما تعتبر في البعيد، ولا
يتصور فيها خروج بعض البدن عنها دون بعض، قيل: ويؤيده أنه صرح في التذكرة

(1) سورة البقرة - الآية 139
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القبلة - الحديث 10 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1 من كتاب الصلاة
329

ونهاية الإحكام والتحرير والذكرى والموجز وشرحه في المسألة بالمشاهد لها، وفي جامع
المقاصد في شرح العبارة المزبورة ينبغي عود هذا إلى جميع ما سبق من عند قوله:
(والمشاهد لها) أي لو خرج بعض بدن كل واحد من هؤلاء أعني المشاهد لها والمصلي
في وسطها ولو بعد انهدامها إلى آخره بطلت صلاته، لفوات الاستقبال حينئذ، إلا أن
قوله: (عن جهة الكعبة) قد يشعر باختصاص الحكم بالمصلي على جبل أبي قبيس.
قلت: لا ريب في تصور خروج بعض أجزاء البدن عن الجهة التي ستعرف أن
ضابطها الأمارات المزبورة، فلو صلى منحرف الوجه أو القدم مثلا إلى المشرق أو المغرب
لم يصدق عليه استقبال الجهة بالجزء المزبور قطعا، إنما البحث في اعتبار ذلك شرطا
بعد فرض صدق الاستقبال بالمجموع الذي لا ينافيه شئ مما سمعته من كشف اللثام،
وقول حماد كان في بيان الصلاة الكاملة بالاشتمال على أكثر المندوبات كما لا يخفى على
من لاحظه، وربما يومي إلى ما ذكرنا في الجملة ما حكي عن جماعة في مسألة تحريم الاستقبال
بالبول والغائط من أنه لو انحرف عنها ببعض بدنه أو بفرجه لا يكفي في رفع الحرمة،
وكذا ما تسمعه فيما يأتي إن شاء الله مما ظاهرهم الاتفاق عليه إلا النادر في القواطع من
كراهية الالتفات بالوجه يمينا وشمالا، اللهم إلا أن يدعي في الأول أن المراد بالاستقبال
فيه ما لا ينافيه الانحراف بالبعض، بخلاف استقبال الصلاة، وفي الثاني أن كراهية
الالتفات المزبور لا تنافي الاشتراط في ابتداء الصلاة، وهما معا كما ترى.
والتحقيق عدم اشتراط ما يزيد على صدق الاستقبال، للأصل وإطلاق الأدلة
والسيرة القطعية في استقبال الجهة، ودعوى توقف الصدق المزبور على الاستقبال بجميع
أجزاء البدن يكذبها الوجدان فيما لم يذكر فيه متعلق الأمر بالاستقبال جميع البدن بل
اقتصر على قوله استقبل ونحوه كما هو واضح بأدنى تأمل، بل قد يشكل المراد بالاستقبال
باليد ونحوها من الأجزاء، إلا أنه ومع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، لتسالم من
330

عرفته من أجلاء الأصحاب على الحكم المذكور من غير تردد أو توقف من أحد منهم.
وكيف كان فلا ريب في توقف صدق الاستقبال للشئ عرفا على حصول المقابلة
له من المستقبل، وإلا لم يكن مستقبلا له قطعا، والظاهر اعتبار ذلك فيما نحن فيه أيضا
من غير فرق بين القريب والبعيد في ذلك، نعم لا يعتبر في الصدق المزبور وقوع خط
المستقبل حال استقباله على المستقبل بالفتح مطلقا، ضرورة تحققه عرفا في المشاهد من
الأجرام من بعد وإن قطعنا بعدم اتصال جميع الخطوط بها، ومن أراد معرفة ذلك
فليعتبر بالأنجم والنقط الموهومة لقطب الجنوب والشمال وبغيرها من الأجرام التي
تشاهد من بعد، ويصدق استقبالها على الأشخاص الكثيرة القائمة على خط مستو زائد
على عرضها أضعافا مضاعفة، فإن اتصال جميع الخطوط به حينئذ محال كما هو واضح،
ولقد أومأ إلى ذلك ما سمعته من الذكرى تبعا للمحكي عن نهاية الإحكام من أن الجرم
الصغير كلما ازداد بعدا ازداد محاذاة، ضرورة عدم إرادة ذات اتصال الخطوط
من المحاذاة.
ومن ذلك ينقدح أن من بعد عن الكعبة بعدا لا تغيب عن مشاهدته لا يعتبر
في استقباله العلم باتصال خط موقفه بها، ولا ينافيه تسالم الأصحاب على وجوب استقبال
العين للمشاهد أو القريب، إذ الظاهر أن مدارهم في ذلك على الصدق المزبور من غير
مدخلية للمشاهدة والقرب النسبي وعدمهما، فمن كان قريبا منها بحيث ينتفي عنه اسم
الاستقبال بمجرد عدم اتصال خط موقفه بها وجب عليه مراعاة الاتصال المزبور، ومن
لم يكن كذلك بل كان يصدق عليه أنه مستقبل لها وإن لم يعلم اتصال خط موقفه بل
وإن علم العدم لم يعتبر فيه ذلك، ضرورة أنه ليس في الأدلة إلا الأمر بالاستقبال الذي
قد فرض صدقه، فالمشاهدة وعدمها لا مدخلية لها قطعا، ودعوى أنه ليس صدقا حقيقيا
بل هو مسامحة عرفية يكذبها الوجدان والعمل، كدعوى أن ذلك مسلم مع المشاهدة
331

للجرم من بعد، أما مع غيبوبته عن البصر بسبب زيادة البعد فلا مقابلة صورية يتحقق
بها صدق الاستقبال عرفا، إذ من الواضح أن المقابلة المزبورة ليست وهمية محضة تحصل
بسبب الابصار واتصال شعاع البصر، بل هي شئ متحقق في نفس الأمر يحصل تصوره
مع فرض قطع النظر عن الابصار أصلا، فيكفي في الصدق عرفا تقدير الابصار، بمعنى
أنها تصدق المقابلة بمجرد فرض فضاء الكعبة المتصل إلى عنان السماء مما يرى ويشاهد،
كما هو واضح بأدنى تأمل، بل ربما ادعي امكان مشاهدته من جهة علوه وارتفاعه واتصاله
بعنان السماء، إلا أنه لا يشخص لاشتباهه في غيره، فوضعت هذه العلامات لتمييزه من
بينها ولو على جهة الظن، فهو حينئذ كالمشاهد المستقبل من بعد وإن كان فيها ما فيها.
وعلى كل حال فليس المدار حينئذ في القريب والبعيد إلا استقبال الكعبة التي
لم يقبل الله من أحد توجها إلى غيرها، نعم لما كان البعيد بسبب زيادة البعد وغيبوبة
المستقبل عن المشاهدة لم يكن له طريق إلى احراز هذه المقابلة أي مقابلة البعيد من
حيث كونها مقابلة بعيد التي قد عرفت عدم اعتبار اتصال الخطوط فيها إلا باستعمال
الأمارات الهيئية، لانحصار حصول الظن الواجب مراعاته بعد انتفاء العلم بسبب الأمر
بتحري القبلة على حسب الجهد والطاقة غالبا بها، فهي حينئذ بالنسبة إلينا لا تفيد إلا
الظن في حصول الجهة بمعنى المقابلة المزبورة، ولعلها كذلك لأهلها أيضا، ضرورة
توقفها على إرصاد وإعمال لا يأمن الخطأ فيها مستعملها، نعم ربما يحصل العلم للمتوغل
في معرفتها الآمن على نفسه الخطأ في كيفية الاستعلام بها، كما أنه ربما يحصل العلم بالجهة
المزبورة بفعل المعصوم المعلوم تنزيهه عن الخطأ في تحصيل الجهة المذكورة، لما فيه من
النقص المنفر للطباع عنه، كالتحير في تحصيل القبلة، ويكفي في النقص عليه معرفة خطأه
في ذلك ولو عند علماء الهيئة العارفين في تحصيل الجهة، وكيف يجوز عاقل قصور سلطان
الخلق عن معرفة بعض ما عند رعيته، وربما أدى ذلك إلى السخرية عليه والاستخفاف
332

به عند أهل الفن المزبور، خصوصا إذا أخطأ بالاستدبار ونحوه.
فمن الغريب تخيل بعض الناس جواز الخطأ عليه في ذلك وأنه ممن هو مكلف
باستعمال الأمارات الظنية، كتكليفه بالحكم بالبينة واليمين والشاهد وغيرهما من الأحكام
الظاهرية، ضرورة وضوح الفرق بين ما كان خطأه فيه لقصور في معرفة العلم المؤدي
لذلك وبين ما لا يكون كذلك، فإن النقص الواجب تنزيهه عنه متحقق في الأول
بخلاف الثاني، فإنه لا نقص عليه بذلك حتى لو علم بالعلم الإلهي الخارج عن طريق البشر
خلاف ما حكم به، فإن الظاهر عدم تكليفهم (عليهم السلام) بالعلم المزبور، كما يشهد
له تصفح أفعالهم الواقعة منهم (عليهم السلام)، كخروج الحسين (عليه السلام) إلى
كربلاء وغيره مما يجب عليهم التحرز منه لو أنهم مكلفون بالعلم المزبور، لما ثبت (1)
متواترا أنهم كانوا عالمين بجميع ما وقع عليهم قبل وقوعه لكنه بالطريق الإلهي الخارج
عن مقتضى الطاقة البشرية التي هي مدار التكاليف، وبالجملة لا ريب في حصول النقص
بالخطأ المذكور، ولعله من هنا ذكر غير واحد من الأصحاب أن محراب المعصوم (عليه
السلام) الثابت نصبه منه أو صلاته فيه من غير انحراف مثلا بالتواتر ونحوه مما يفيد
العلم، بل أرسله ارسال المسلمات، وهو كذلك لما عرفت، لكن المراد العلم بحصول
الجهة بالمعنى المذكور أي مقابلة البعيد للكعبة من غير اعتبار اتصال الخطوط، ضرورة
عدم التكليف بذلك بنص الآية والرواية، وليس هو من الأحكام العذرية، بل بناء
التكليف من أول الأمر على ذلك، فلا بأس بصلاة المعصوم (عليه السلام) في أمكنة
متعددة متساوية في الحظ أوسع من عرض الكعبة بحيث يقطع بعدم اتصال الخطوط بها
بعد حصول المقابلة المزبورة، وما ورد (2) في محراب المدينة من أنه زويت له (صلى الله عليه وآله)

(1) أصول الكافي ج 1 ص 261 المطبوعة بطهران عام 1374
(2) تاريخ المدينة للسمهوي ج 1 ص 261 - والدرة الثمينة ص 357
333

الأرض حتى نصبه بإزاء الميزاب - مع امكان حمله كما في جامع المقاصد على إرادة المقابلة
المزبورة لا المحاذاة المعتبر فيها اتصال الخطوط - غايته علمه (صلى الله عليه وآله) بالعين، ولا
يدل على وجوب توجهه (صلى الله عليه وآله) إليها فضلا عن غيره، فما في القواعد من أن
المصلي بالمدينة ينزل محراب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجدها منزلة الكعبة
لا يريد به وجوب استقباله حيث يشاهد، وبطلان صلاة من لم يحاذه، لفساده ضرورة،
بل بمعنى أنه دليل قطعي على حصول مقابلة الكعبة بالمعنى المذكور، بحيث لا يجوز فيه
الاجتهاد يمينا وشمالا كباقي المحاريب المنصوبة بالأمارات الهيئية المحتمل تطرق الخطأ إليها،
ومثله باقي ما ثبت بالتواتر مثلا من محاريبهم (عليهم السلام)، أو القبور التي وضعها
أحدهم، وقد تسمع أن شاء الله التعرض لبعضها
فظهر من ذلك كله حينئذ أن المكلف به من غير فرق بين القريب والبعيد المقابلة
المزبورة التي مع تعذر العلم بها ينتقل إلى الظن، فإن أراد الأصحاب بالجهة المذكورة في
كلامهم للبعيد في مقابلة العين المذكورة للقريب ذلك فمرحبا بالوفاق، وإلا كان للنظر
فيها تفسيرا ودليلا مجال، وقد ذكروا في تعريفها عبارات مختلفة، ففي المعتبر أنها السمت
الذي فيه الكعبة، ثم قال: وهذا متسع يوازي جهة كل مصل، وبه عرفها في كشف
اللثام، ثم قال: ومحصله السمت الذي يحتمل كل جزء منه اشتماله عليها، ويقطع بعدم
خروجها عن جميع أجزائه، وقد يناقش بأنه لا مدخلية للاحتمال والقطع المزبورين في
الجهة بالمعنى الذي ذكرناه، ضرورة حصوله مع القطع بخروج نفس الكعبة عن بعض
الخطوط كما في الصف المستطيل المتصل بمحراب النبي (صلى الله عليه وآله)، بناء على أنه منصوب على الميزاب، فإنه لا ريب في حصول القطع بعدم كون الكعبة في خطوط
مواقف المصلين فيما يزيد على مقدار الميزاب إلى الآخر، ومن المعلوم ضروة صحة
صلاة الجميع، وليس هو إلا لحصول الاستقبال والمحاذاة للبعيد من حيث كونه بعيدا
334

التي قد عرفت عدم توقف الصدق فيها على اتصال الخطوط، ولو أريد بالاحتمال المنشئية
ونحوها ارتفعت المناقشة، وأنطبق على ما ذكرنا، لكن يكون الاقتصار حينئذ على
ما في المعتبر أجود منه، لخلوه من الابهام المزبور، ومراده بكون الكعبة في السمت
بقرينة قوله وهذا متسع إلى آخره أنها في خط من خطوطه وإن خلا منها الباقي، إلا
أن الاستقبال يتحقق قطعا أو ظنا، وهو عين ما ذكرناه.
ومن ذلك تعرف دفع ما حكي عن الروض من الاعتراض عليه بأنه إن أراد
بالسمت المعنى اللغوي ورد عليه صلاة الصف المستطيل وصلاة أهل إقليم واحد بعلامة
واحدة، وإن أراد المعنى الاصطلاحي وهو النقطة من دائرة الأفق إذا واجهها الانسان
كان مواجها للكعبة فالطريق الموصل إليها تقريبية لا يتحقق معها نفس الكعبة، لأنها
مأخوذة من طول البلد وعرضها، ومعلوم أن مقدار الفرسخ والفرسخين يؤثر في اختلاف
ذلك تأثيرا بينا بحيث يترتب عليه سمت آخر، وحينئذ يلزم من استخراج السمت بذلك
الطريق على طرف فرسخ كون الصلاة على ذلك السمت في الطرف الآخر غير صحيحة،
لعدم كون الكعبة فيه، ولا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما سمعت من تنزيل كلام المحقق
على ما ذكرنا الذي عنه هذا الكلام بمعزل، بل منه يعلم ما في المحكي من نهاية الإحكام
من تعريف الجهة بأنها ما يظن به الكعبة حتى لو ظن خروجه عنها لم يصح، وما في
التذكرة من أنها ما يظن أنه الكعبة حتى لو ظن خروجه عنها لم يصح، وإن فرق بينهما
في المحكي عن الروض، وقال: إن أولهما قريب مما في المعتبر، وقد حكى في جامع
المقاصد عن التذكرة ما سمعته، ونظر فيه بوجهين: أحدهما ما عرفته من صلاة الصف
المستطيل المتصل بمحراب النبي (صلى الله عليه وآله)، والثاني أن البعيد لا يشترط في
صحة صلاته ظنه محاذاة الكعبة، لأن ذلك لا يتفق غالبا، فإن البعد الكثير يخل بظن
محاذاة الجرم اللطيف، فيمتنع اشتراطه في الصلاة، قلت: يمكن على بعد ارجاعه إلى
335

ما ذكرنا من إرادة أنه بسبب صورة استقباله لها يتراءى له حتى يظن أي يحتمل أن
الكعبة في كل خط من خطوطه في نفسه وحد ذاته، وإلا فقد يقطع بالعدم من جهة أمر
خارجي وإن بقي صورة الاستقبال المورث للاحتمال لولا سبب العلم من خارج، فتأمل
وكذا الكلام في تعريفها في الذكرى، والمحكي عن الجعفرية من أنها السمت الذي يظن
كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة.
وأغرب ما وقع في تفسير الجهة ما يحكى عن المقداد والمحقق الثاني في شرح
الألفية، قال أولهما: (جهة الكعبة التي هي القبلة للنائي خط مستقيم يخرج من المشرق
إلى المغرب الاعتداليين، ويمر بسطح الكعبة، فالمصلي حينئذ يفرض نظره خطا يخرج
إلى ذلك الخط، فإن وقع عليه على زاوية قائمة فذاك هو الاستقبال، وإن كان على
حادة ومنفرجة فهو إلى ما بين المشرق والمغرب) وفيه أنه لا يصدق عليه استقبال
الكعبة عرفا ولا شرعا، إذ هذا الخط ليس كعبة كي يكون استقباله استقبالها، وقال
ثانيهما: (إنها ما يسامت الكعبة عن جانبيها بحيث لو خرج خط مستقيم من موقف
المستقبل تلقاء وجهه وقع على خط جهة الكعبة بالاستقامة بحيث يحدث عن جنبيه زاويتان
قائمتان، فلو كان الخط الخارج من موقف المصلي واقعا على خط الجهة لا باستقامة بحيث
يكون إحدى الزاويتين حادة والأخرى منفرجة فليس مستقبلا لجهة الكعبة) وظني
أن الذي أوقع هؤلاء الفضلاء في مثل هذا الوهم التعبير بلفظ الجهة، ولو أنهم عبروا بما
في النصوص من أنه يجب على كل أحد استقبال الكعبة، وأنه لا يقبل الله من أحد
توجها إلى غيرها، وأنها هي قبلة المسلمين لم يقع أحد منهم في هذا الوهم، ضرورة كون
المدار على صدق الاستقبال وإن اختلفت أفراده ومصاديقه بحسب القرب والبعد،
وليس استقبال الجهة بالمعنى المزبور منها قطعا، ضرورة اجتماعها مع فرض كون الكعبة
336

على اليمين والشمال للبعيد من حيث كونه بعيدا، كما هو واضح بأدنى تأمل.
وأما ما في الروضة وعن غيرها من تعريفها بأنها القدر الذي يجوز على كل جزء
منه أن الكعبة فيه، ويقطع بعدم خروجها عنه لأمارة شرعية فقريب الانطباق على ما
ذكرنا بعد إرادة المنشئية بسبب الاستقبال الصوري من التجويز والقطع، وبه يندفع
ما يورد على طرده بفاقد العلامات أصلا، لتجويزه على كل جزء من جميع الجهات أنه
الكعبة، فينبغي اكتفاؤه بصلاة واحدة إلى أي جهة شاء، وكذا من قطع بنفي جهة
أو جهتين وشك في الباقي، فإنه يصدق عليه التعريف المزبور وليس بجهة القبلة، ضرورة
أنه بناء على إرادته ما ذكرنا لا يرد عليه شئ من ذلك، بل ولا يرد عليه أيضا أنه
يجتمع فيه العلم والاحتمال في محل واحد، ضرورة اختلاف المتعلق، فإن محل العلم حيث
لا يكون مشخصا بدلالة معصوم ونحوه الفرد المنتشر على البدل، والاحتمال الجميع.
وأقرب انطباقا منه على ما ذكرنا ما في جامع المقاصد، حيث إنه بعد أن ذكر
ما في التذكرة والذكرى وأورد عليهما ما سمعته قال: (والذي ما زال يختلج بخاطري
أن جهة القبلة هي المقدار الذي شأن البعيد أن يجوز على كل بعض منه أن يكون هو
الكعبة بحيث يقطع بعدم خروجها عن مجموعه، وهذا يختلف سعة وضيقا باختلاف حال
البعيد) وهو ظاهر فيما قلناه، لكنه قال: (فإن قلت: يرد عليه المصلي بعيدا عن
محراب المعصوم بأزيد من سعة الكعبة، فإنه لا يجوز على ذلك السمت أن يكون فيه،
لأن المحراب يجب أن يكون إلى الكعبة، لاستحالة الغلط على المعصوم (عليه السلام).
قلت: لما كانت قبلة البعيد هي الجهة تعين أن يكون محراب المعصوم إليها بحيث لا يحتمل
الانحراف أصلا ولو قليلا، أما كونه محاذيا لعين الكعبة فليس هناك قاطع يدل عليه،
فيبقى التجويز المعتبر في تعريف الجهة بحاله) ولا يخفى عليك أنه لو أراد ما ذكرنا كان
في غنية عن تكلف الجواب المزبور، فإن القطع بخروج العين عن الخط لا ينافي المنشئية
337

الحاصلة من الاستقبال الصوري بسبب البعد، خصوصا وقد اعترض بمثل هذا سابقا
على ما في التذكرة، بناء منه على أن محراب المدينة إلى الميزاب عينا لا جهة، وجوابه
لا يدفع ذلك عنه، وكون قبلة البعيد الجهة لا ينافي نصب المحراب إلى عين الميزاب وإن
لم يكن ذلك واجبا، كما أنه لا حاجة أيضا إلى الجواب بأنه خبر واحد لا يفيد القطع،
فالتجويز قائم، أو أن المراد جهة الميزاب لا عينه، إذ قد عرفت أنه لا ينافي الجهة بالمعنى
المزبور على الفرض المذكور فضلا عن هذه الاحتمالات.
ولقد عثرت على رسالة في القبلة لولد المحقق المزبور، قال فيها بعد أن حكى
تعريف الذكرى الموافق لما في التذكرة وما اعترض به والده من الوجهين: ومختار والدي
وذكر التعريف المزبور، ثم قال: (وعندي أنها السمت الذي يظن محاذاة الكعبة فيه
حسا، وإليه يرشد كلام العلامة في النهاية حيث قال: فإن الجرم الصغير كلما ازداد بعدا
ازداد محاذاة، لامتناع ذلك في المحاذاة الحقيقية، فلا يرد اخلال البعد بظن المحاذاة،
إذ هو مؤكد له حينئذ، ولا خروج بعض الزائد طوله على مقدار الكعبة، لأن ذلك
إنما هو في المحاذاة الحقيقية، ومن أراد التنبه لذلك فليعتبر بالأنجم بل بالنقط الموهومة
كما في القطب الجنوبي والشمالي) وهو إلى هنا كالنص فيما قلناه، لكن قال بعد ذلك:
(وأما الاستقبال فيكفي في تحققه من القريب كون العمود الخارج من قدام مارا بالكعبة
سواء كان عمودا عليها أو مائلا يحدث عن جنبيه زاويتان، إحداهما أكبر من الأخرى،
وأما البعيد فإن قلنا: أن قبلته الجهة كما هو المختار وجب في تحققه منه كون العمود
الخارج من قدامه عمودا على الخط المار بالكعبة أيضا، وذلك لما قررناه من اعتبار ظن
المحاذاة الحسية في الجهة، فعند تحصيل السمت بالعلامات التي تفيد ظنا به يمتنع جواز
الانحراف عليه ولو يسيرا، إذ مع البعد الكثير وعدم المشاهدة لا يؤمن الانحراف
الفاحش في الحس أيضا بالقليل منه، فيفوت الظن المعتبر تحققه شرعا، وإن قلنا:
338

إن قبلته العين كان تحقق الاستقبال منه على نحو ما مر في القريب وقد يظن مما ذكره
في كيفية استقبال البعيد مخالفة ما قدمنا، إلا أنه يمكن أن يقال مع عدم سلامة النسخة
المزبورة من الغلط: إن مراده المرور الحسي لا الحقيقي بمعنى أنه بسبب البعد يظهر
للحس مرور العمود بالكعبة، لما هو عليه من الاستقبال الصوري، كما يكشف عنه أول
كلامه وآخره، ولقد أجاد فيما ذكره أخيرا من الضرر بالانحراف اليسير لما فيه من
تفويت الظن بالاستقبال الصوري، إذ لعله كما نجده الآن من الانحراف عن النجوم
وبعض النقط، وحينئذ فالأولى جعل المدار فيما لا يجوز من الانحراف على المفوت للظن
المزبور القائم مقام العلم بعد تعذره، ولعله غير المستفاد من الأدلة مما ستعرفه من تفاوت
العلامات المزبورة، ومما يؤكد إرادته ما ذكرنا في كيفية استقبال البعيد ما عثرنا عليه
من كلامه أيضا في شرح الإرشاد، فإنه بعد أن حكى عن والده الاعتراض الأول
المزبور على تعريف التذكرة قال: (قلت: قد يحمل المحاذاة على الحسية، بل ذلك هو
المتعارف على لسان أهل الشرع على نحو ما اشتهر بينهم من أهل العراق مثلا وإن طالت
صفوفهم واستوت مواقفهم يجعلون الجدي بحذاء المنكب الأيمن على نحو واحد، ومن
المعلوم امتناع ذلك بحسب نفس الأمر، لاختلاف أشخاصهم فيه، وإنما يمكن تحققه
بحسب الحس، فعلى هذا ليس البعد مخلا بظن المحاذاة، بل كلما ازداد اتسع السمت
الذي تظن هي فيه) وهو صريح فيما ذكرنا أولا وآخرا، على أن ذلك كله منا مماشاة
لبعض الأذهان التي تستوحش من التفرد بالقول، ولم تتفطن إلى أن الوحشة من الباطل
وإن كثر القائل به، والأنس بالحق وإن قل.
وربما كان أيضا بعض ما يحكى عن روض الشهيد الثاني إشارة إلى ما قلناه،
فإنه بعد أن اعترض على التذكرة بما سمعته من المحقق الثاني من الصف المستطيل قال:
فإن قيل: القطع بخروج بعض الصف متعلق بأفراد المجموع على الإشاعة لا على التعيين،
339

فلا ينافيه ظن كل واحد على التعيين أنه مستقبل، وأجاب بأن الظن لا بد من استناده
إلى أمارة شرعية، وهذا القطع ينافيه، ثم قال: ولو قيل بأن هذا لا يتحقق مع البعد،
لأن الجرم الصغير كلما ازداد الانسان عنه بعدا اتسعت جهة المحاذاة، فيمكن محاذاة
العشرة للشخص الواحد، فليكن الصف المستطيل كذلك، وأجاب بأن هذا تحقيق
أمر الجهة دون المعنى الذي ذكره، إذ التحقيق أن محاذاة القوم للجرم الصغير عن
موقفهم ليست إلى عينه وإن أوهم ذلك، لأنا نفرض خطوطا خارجة من موقفهم نحوه
بحيث تخرج متوازية فإنها لا تلتقي أبدا، وإن خرجت إلى غير النهاية، والعلامات المنصوبة
من الشارع تقضي بعدم ذلك، إذ هو خصوصا قوله: أن هذا تحقيق أمر الجهة كالصريح
فيما قلناه الذي منه يعرف ما في المحكي عن البهائي في رسالته التي أفردها في ذلك من أن
الجهة أعظم سمت يشتمل على الكعبة قطعا أو ظنا بحيث تتساوى نسبة أجزائه إلى هذا
الاشتمال من دون ترجيح، قال: (وإنما اعتبرنا أعظم سمت لئلا ينتقض طرده بأجزاء
الجهة، ولم نقتصر على الظن لئلا ينتقض عكسه بالسمت الذي يقطع بعدم خروج الكعبة
عنه، ولا على القطع لئلا ينتقض بالجهة المظنون كون الكعبة فيها عند العجز عن تحصيل
القطع بذلك، وأما قيد الحيثية فلاخراج سمت يكون اشتمال بعض أجزائه على الكعبة
أرجح، إذ الحق أن الجهة ليست مجموع ذلك السمت، بل بعضه أعني الأجزاء التي
يترجح اشتمالها على الكعبة بشرط تساوي نسبة الرجحان إلى جميعها، فلا يجوز للمصلي
استقبال الأجزاء المرجوحة الاشتمال عليها، خلافا للمستفاد من جماعة).
وأنت خبير بأن المهم بيان حقيقة الجهة المذكورة في كلامهم بحيث ينطبق على
الأدلة الشرعية لا هذه الاحترازات، وقد عرفت أنه لا مدخلية للقطع والظن والاحتمال
فيها، بل هي أمور تتعلق بها، بل ليس المراد منها إلا المقابلة والمحاذاة الحسية للبعيد
من حيث كونه بعيدا، نعم يختلف كيفية معرفة ذلك، فتارة بالعلم، وأخرى بالظن
340

كمراعاة هذه العلامات، ولقد استراح من عرفها بذلك كالأردبيلي والعلامة الطباطبائي،
قال الثاني منهما:
وللبعيد الجهة المعينة * بما لها من آية مبينة
فمحراب المعصوم (عليه السلام) وهذه الأمارات وغيرها إنما هي أدلة على الجهة
كما نص عليه المحقق الثاني في فوائد الشرائع لا العين، ضرورة عدم معقولية دلالتها عليها
بالخطوط المستوية مع اشتراك الإقليم الواحد بها فيما يقطع بعدم مقابلته العين حقيقة،
لسعة عرضه عليه أضعافا متعددة، وكروية الأرض لا مدخلية لها في ذلك قطعا، كما أن
كون أهل الأرض مستديرين حول الكعبة كذلك، إذ ليس استدارتهم كمحيط الدائرة
كما اعترف به المحقق الثاني في فوائد الشرائع وإلا ما صلى المتوسطون في الجهة إلى سمت
واحد، ثم إن دلالتها على الجهة مختلفة، فالمحراب ونحوه مما يفيد القطع بها، لما عرفت
وتعرف من منافاة الخطأ في ذلك العصمة، وغيره يفيد الظن بها، لاحتمال الخطأ في تحصيل
القبلة (1) المقابلة بها كما أوضحناه سابقا، ونص عليهما معا المحقق الثاني هنا في فوائده،
فمن الغريب ما وقع لبعض الأعلام كالشهيد في الذكرى والمحقق البهائي من أن
هذه الأمارات تفيد الظن الغالب بالعين والقطع بالجهة، كما أنه من الغريب ما وقع لبعض
علماء العصر من الانكار على ما وقع من غير واحد من الأصحاب، بل ظاهرهم الاتفاق
عليه من أن محراب المعصوم (عليه السلام) مما يفيد العلم بالقبلة قائلا ليس تكليف
المعصوم (عليه السلام) مع البعد إلا تكليف غيره من الاستقبال إلى الجهة، ولذا كان
يصلي قطعا في أمكنة متعددة يقطع بسعة عرضها على الكعبة من دون انحراف منه،
فكيف يكون محرابه مما يفيد العلم بالقبلة، إذ لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا

(1) ليس لفظ " القبلة " في النسخة الأصلية المسودة لكنه موجود في المبيضة ولا
يخفى أن وجوده مخل بالعبارة
341

من أن المراد إفادته العلم بالجهة بالمعنى الذي ذكرناه: أي المقابلة الحسية لو كانت الكعبة
مرئية لا العين، وتجويز الخطأ عليه في ذلك نفي لعصمته، لما فيه من النقص، إذ هو
أجل من أن يقصر عن علماء الهيئة كما أوضحناه سابقا.
ولقد طال بنا الكلام حتى خرجنا عن وضع الكتاب إلا أنه كان المقام حقيقا
به فإنه قد خفي في هذا العصر المراد بالجهة حتى أنه التجأ متفقهته للجهل بها إلى ما أحدثه
الأردبيلي، وتبعه عليه بعض الناس مما هو مخالف لاجماع الأصحاب بقسميه من عدم
اعتبار هذا التدقيق في أمر القبلة، وأنه أوسع من ذلك، وما حاله إلا كأمر السيد
عبده باستقبال بلد من البلدان النائية التي لا ريب في تحقق امتثال العبد له بمجرد التوجه
إلى جهة تلك البلد من غير حاجة إلى رصد وعلامات وغيرها مما يختص بمعرفته أهل
الهيئة المستبعد أو الممتنع تكليف عامة الناس من النساء والرجال خصوصا السواد منهم بما
عند أهل الهيئة الذي لا يعرفه إلا الأوحدي منهم، واختلاف هذه العلامات التي
نصبوها - وخلو النصوص عن التصريح بشئ من ذلك سؤالا وجوابا عدا ما ستعرفه
مما ورد (1) في الجدي من الأمر تارة بجعله بين الكتفين، وأخرى بجعله على اليمين
مما هو مع اختلافه وضعف سنده وإرساله خاص بالعراقي مع شدة الحاجة لمعرفة القبلة في
أمور كثيرة، خصوصا في مثل الصلاة التي هي عمود الأعمال، وتركها كفر، ولعل
فسادها ولو بترك الاستقبال كذلك أيضا، وتوجه أهل مسجد قبا في أثناء الصلاة
لما بلغهم انحراف النبي (صلى الله عليه وآله)، وغير ذلك مما لا يخفى على العارف بأحكام
هذه الملة السهلة السمحة - أكبر شاهد على شدة التوسعة في أمر القبلة، وعدم وجوب
شئ مما ذكره هؤلاء المدققون، قال في المدارك: (واعلم أن للأصحاب اختلافا كثيرا
في تعريف الجهة، ولا يكاد يسلم تعريف منها من الخلل، وليس لهم في هذا الاختلاف

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القبلة
342

دليل نقلي يصلح للاستناد إليه، ولا اعتبار عقلي يعول عليه، والمستفاد من الأدلة
الشرعية الاكتفاء بالتوجه إلى ما يصدق عليه عرفا أنه جهة المسجد وناحيته، كما يدل
عليه قوله تعالى (1): (فولوا وجوهكم شطره) وقوله (عليه السلام) (2): (ما بين المشرق
والمغرب قبلة) و (ضع الجدي في قفاك وصل) (3) وخلو الأخبار مما زاد على ذلك
مع شدة الحاجة إلى معرفة هذه العلامات لو كانت واجبة، وإحالتها على علم الهيئة مستبعد
جدا، لأنه علم دقيق كثير المقدمات، والتكليف به لعامة الناس بعيد من قوانين
الشرع، وتقليد أهله غير جائز، لأنه لا يعلم اسلامهم فضلا عن عدالتهم، وبالجملة
التكليف بذلك مما علم انتفاؤه ضرورة) وزاد في الحدائق بأنه مما يؤيد ذلك أوضح
تأييد ما عليه قبور الأئمة (عليهم السلام) في العراق من الاختلاف مع قرب المسافة بينها
على وجه يقطع بانحراف القبلة مع استمرار الأعصار والأدوار من العلماء الأبرار على
الصلاة عندها ودفن الأموات ونحو ذلك، وهو أظهر ظاهر في التوسعة، كما أنه في
غيرها زيادة الاشكال في التعويل على قواعد علم الهيئة بأنها مبنية على كروية الأرض،
وما ذكروه في اثبات ذلك لا يثمر ظنا فضلا عن القطع، خصوصا بعد عدم موافقة
الفقهاء لهم على ذلك، بل ظاهر الكتاب العزيز بخلافهم، قال تعالى (4): (الذي
جعل لكم الأرض فراشا) وقال تعالى (5): ألم نجعل الأرض مهادا) وقال تعالى: (6)
(وإلى الأرض كيف سطحت) إلى غير ذلك مما لفقه اتباع المقدس المزبور مما هو
معلوم المخالفة لما أجمع عليه الأصحاب قديما وحديثا قولا وعملا منهم ومن مقلدتهم

(1) سورة البقرة - الآية 139 - 20
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القبلة - الحديث 1 و 2
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القبلة - الحديث 1
(4) سورة البقرة - الآية 139 - 20
(5) سورة النبأ - الآية 6
(6) سورة الغاشية - الآية 20
343

في سائر الأعصار والأمصار، ولما هو المستفاد من الكتاب والسنة، بل الضرورة من
الدين من استقبال الكعبة للقريب والبعيد الذي لا يتحقق عرفا إلا باستقبالها حقيقة
الذي منه استقبال الجهة بالمعنى الذي ذكرناه سابقا، لا الجهة العرفية المبنية على التسامح
وعدم الاستقبال حقيقة، وأمر السيد عبده بسبب قرائن الأحوال محمول عليها، بل
هو عند التحقيق مراد منه جهة الجهة، وإلا فلو فرض عدم القرينة على ذلك وجب بذل
الجهد في تحصيل الاستقبال حقيقة.
واحتمال أن الشارع مراده هذا التسامح يدفعه عدم القرينة على ذلك كي يحمل
عليه الخطاب المزبور، ضرورة عدم كون المسامحات العرفية حقائق تحمل الألفاظ عليها
بدونها، وثانيا أن ملاحظة الفتاوي وما تسمعه من النصوص - (1) التي فيها التفرقة
بين طريق الحج وغيره بوضع الجدي على اليمين والقفا مع سهولة التفاوت بينهما،
وفيها (2) أنه المراد من قوله تعالى (3): (وبالنجم هم يهتدون) وفيها (4) جعل ما بين
المشرق والمغرب قبلة لخصوص المخطئ والمتحير، وفيها (5) الأمر بالتحري لغير
المتمكن من العلم، وبالصلاة لأربع لفاقدهما، وفيها غير ذلك - تشرف الفقيه على القطع
بعدم إرادة هذا التسامح الذي يقتضي عدم الاستعداد له بعلامة أصلا، وعدم اشكال
الحال على السائل المسافر، بل ستسمع ما في المروي (6) عن رسالة المحكم والمتشابه منها
ما يزيد ذلك كله تأكيدا.
نعم لما كان استعداد الناس وفطانتهم مختلفة أشد اختلاف حتى أن منهم من

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القبلة - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القبلة - الحديث 2 - 3
(3) سورة النحل - الآية 16
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القبلة من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 4
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 4
344

يصل إلى كثير من نتائج العلوم المدونة من غير حاجة إلى أهلها ومقدماتها، ومنهم من
ليس له إلا قابلية التقليد ناط الشارع هنا التكليف بالعلم مع التمكن منه بلا عسر وحرج،
كما يتيسر لكثير من أفراد الناس الممارسين المتنبهين من أهل البادية والقرى، بل لعل
اتفاق ذلك في الأولين أكثر، ومع عدم التمكن فالتحري، ومع عدمهما فالأربع جهات،
فلا عسر ولا حرج في ذلك على عامة المكلفين، إذ لم يكلفهم بمعرفة قواعد علم الهيئة
الذي هو دقيق المقدمات، ولا يعرفه إلا أوحدي الناس، بل إنما أمر بالعلم بحصول
الاستقبال للمتمكن كما هو القاعدة في كل موضوع، وبالظن لغيره، وبالعلم الاجمالي
لفاقدهما، فمن كان حسن الفطنة يتمكن من حصول العلم بسبب معرفته في علم الهيئة أو
بغير ذلك وجب عليه، وإلا أخذ بالأحرى فالأحرى على حسب استعداده أيضا،
وما يتيسر له من أسباب الظن إلى أن يصل إلى التقليد وأدون.
ولعل هذا موافق للقاعدة المعلومة، وهي قيام الظن مقام العلم عند التعذر في
موضوعات الأحكام، خصوصا في المقام الذي يقطع فيه بعدم سقوط الصلاة، وبعدم
سقوط الاستقبال فيها، وبعدم حرمة السكنى في المواضع التي يتعذر فيها حصول العلم،
وبعدم التكليف بفعل سائر الأفراد المحتملة، تحصيلا لليقين، وبقبح التكليف بما لا يطاق
عندنا فإن الرجوع هنا حينئذ إلى الظن متعين كما هو واضح واختلاف العلامات المنصوبة
للقبلة اختلاف يسير لا يقدح في تحصيل القطع باستقبال الجهة فضلا عن الظن، أو يقتصر
في العفو على مثله، لا أنه يتعدى إلى غيره، على أن هذا الاختلاف يمكن أن يكون
لاختلاف الأنظار في بعضها، فلا يقدح، أو لغير ذلك مما ستعرفه، وبيان الموضوعات
التي لا تتوقف على النية ليست وظيفة الشرع قطعا وإن مست الحاجة إليها، ولذا يرجع
إلى قول اللغوي والنحوي والصرفي وأصالة العدم وأصالة البقاء والقرائن الظنية وقول
أهل الخبرة في الأرش وأمثاله وقول الطبيب وغير ذلك من الظنون، إنما على الشارع
345

بيان الحكم، ويرجع في موضوعه إلى الطرق المعروفة في تحصيله، مع أن النصوص هنا
غير خالية عن ذلك كما ستعرف، بل لعل جل العلامات المنصوبة مستفادة منها ولو بالمقايسة
للمنصوص فيها، كما يعرف عموم التعرف بالجدي لسائر الأصقاع بالمقايسة للثابت فيها
من كونه علامة للعراقي، والضعف والارسال هنا غير قادح بعد الانجبار بالفتاوى،
وبالموافقة للقواعد البرهانية، وتوجه أهل مسجد قبا - مع امكان وجود العارف الخبير
الممارس فيهم، بل الغالب فيهم فطنة ذلك، لكثرة أسفارهم، وقرب الكعبة منهم،
وكثرة ترددهم إليها - إنما كان لأن تكليفهم في ذلك الوقت ليس إلا ذلك، إذ الفرض
أنهم في أثناء الصلاة، فيلزمهم حينئذ الرجوع إلى الجهة العرفية مع فرض تعذر الأمارة
الشرعية كما صرح به العلامة الطباطبائي في منظومته بقوله:
ويكتفي بالجهة العرفية * من فقد الأمارة الشرعية
وسهولة الملة وسماحتها لا تقتضي التساهل في أحكامها المستفادة من خطاباتها التي
مدار التكليف عليها، فإن ذلك في الحقيقة تسامح وتساهل فيها والعياذ بالله لا أنها هي
سمحة سهلة، وقد عرفت أن العقل والنقل يقتضي استقبال الجهة بالمعنى الذي ذكرناه،
وهو المصداق العرفي الحقيقي لا التسامحي للآية التي مرجعها إلى صدق استقبال الكعبة
كما أوضحناه سابقا، ونصوص ما بين المشرق والمغرب ما كان منها قابلا لإرادة الموافق
لوضع الجدي علامة كما ستعرفه ممن جعل ذلك من جملة العلامات لا دلالة فيه على التوسعة،
وما كان منها ظاهرا أو صريحا في إرادة التوسعة بجعل أي جزء منه قبلة مراد منه تحديد
القبلة في جميع الأحوال، أو يراد منه خصوص المخطئ والمتحير كما هو صريح أو ظاهر
بعضها، بل قوله فيها: (قبلة) الظاهر في إرادة التنزيل كالصريح في كون القبلة غيره،
وإلا كانت مخالفة للضرورة من المذهب، فضلا عن باقي الأدلة القطعية والظنية نصا
وظاهرا بحيث لا يحتاج من له أدنى دراية إلى جمعها وتنقيحها، وكان إطناب الأستاذ
346

الأكبر في ذلك في شرحه على المفاتيح لزيادة التشنيع على من استدل بها على التوسعة
المزبورة ونحوها، كما أن الأخذ باطلاق وضع الجدي في القفا ثم الصلاة معلوم البطلان
بالضرورة، ومن هنا نزل على العراق وما سامتها.
وحيث عرفت وتعرف إن شاء الله قيام الظن هنا مقام العلم عقلا ونقلا لم يكن
بأس في الرجوع إلى قواعد الهيئة، ولا بتقليد أهلها في ذلك، بل ربما استفاد الماهر
فيها العلم بالاستقبال، كما أنه لا ريب في حصول الظن به منها، بل الظاهر أنه أقوى
من غيره، ولذا عول أصحابنا عليها، ووضعوا كثيرا من العلامات بمراعاتها كما اعترف
به بعضهم، فمن الغريب دعوى عدم استفادة شئ من العلم أو الظن من كلامهم، مع أن أكثره كما قيل ثابت بالبراهين القطعية والدلائل الهندسية التي لا يتطرق إليها شبهة،
ولا يحوم حولها وصمة ريب، وعدم الوثوق باسلامهم فضلا عن عدالتهم لا يمنع حصول
الظن، كما لا يمنع من حصوله في غيره من اللغة والصرف والنحو والطب وغير ذلك
الذي من المعلوم ضرورة الرجوع إليه، وليس المراد التقليد في الحكم الشرعي المشترط
فيه ذلك، بل المراد حصول الظن الذي لا ينبغي انكاره ولا التعويل عليه، وإن أطنب
في بيان ذلك المحقق البهائي في حبله، وتبعه الأستاذ الأكبر في شرحه، لكنا بحمد الله
في غنية عنه، إذ هو من الواضحات المسلمات عندنا، خصوصا بعد ما تعرفه إن شاء الله
منا ومن غيرنا من العمل بالظن من قول الكافر ونحوه إذا لم يكن ظن أقوى منه،
فالتكليف به حينئذ مع فرض كونه الأحرى وعدم العسر في تحصيله ثابت بالضرورة
لا منفي، ودعوى عدم استفادة الظن من الأدلة على كروية الأرض التي هي مبنى العلم
المزبور واضحة المنع عند أهل الفن، كدعوى انكار أهل الشرع كرويتها، إذ ليس
لهم في ذلك كلام محرر، بل المحكي عن العلامة منهم في كتاب الصوم من التذكرة
التصريح بكروية الأرض مفرعا عليها جواز رؤية الهلال في بلد دون آخر، لأن حدبية
347

الأرض مانعة عن ذلك، بل قال: قد رصد ذلك أهل المعرفة، وشوهد بالعيان خفاء
بعض الكواكب الغربية لمن جد في السير نحو المشرق وبالعكس، وكذا حكي عن ولده
فخر المحققين، وكونها فراشا ومهادا ومسطحة لا ينفي كونها كروية باعتبار عظم حجمها
بحيث يحصل ذلك فيها وترى مسطحة كما عن الزمخشري التصريح ببعض ذلك في آية
الفراش، بل هو المحكي عن المرتضى (رحمه الله) أيضا، ودعوى اختلاف قبور الأئمة
(عليهم السلام) مع قربها اختلافا لا يتسامح فيه في استقبال البعيد ولو ظنا مع استمرار
السيرة القطعية على ايقاع ما يشترط فيه الاستقبال على ذلك ممنوعية أشد المنع على مدعيها،
وكان المسألة بحمد الله من الواضحات التي لا تحتاج إلى إقامة الأدلة والبينات، ولولا
سريان هذه الشبهة إلى جماعة من أهل هذا العصر لكان ما صدر منا من الكلام فضلا
عن الزيادة عليه من تضييع العمر في الفضولات، والله أعلم بحقيقة الحال.
وكيف كان فهذا كله في تحقيق الجهة التي أمر أصحاب البعيد باستقبالها، وقد
تطلق الجهة في كلامهم على غير ذلك كقول المصنف: (وجهة الكعبة هي القبلة لا البنية
فلو زالت البنية صلى إلى جهتها كما يصلي من هو أعلى موقفا منها) أو أسفل، ضرورة
كون مراده بالجهة هنا الفضاء الذي حوت بعضه البنية، وشغل الأرض بعضا آخر منه،
وبقي الثالث متصلا إلى عنان السماء، لا الجهة بالمعنى المزبور، ومن هنا لم يعرف خلاف
بين العلماء كما اعترف به في المدارك في كون المدار في القبلة على ذلك، وخلاف شاذان
في غير ذلك كما ستعرف الحال فيه، مع أنه على تقديره لا يعبأ به، إذ الآجر والجص
والتراب مما ينقل ويضمحل، وقد سئل الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن
سنان (1) (عن رجل صلى فوق أبي قبيس العصر، والكعبة تحته فهل تجزئ؟ فقال:
نعم إنها قبلة من موضعها إلى السماء) كقوله (عليه السلام) أيضا (2): (لا بأس)

(1) الوسائل - الباب 18 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 18 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
348

لما سأله خالد أبو إسماعيل عن الرجل على أبي قبيس يستقبل القبلة، وكذلك الحال
في المصلي في سرداب مثلا نازل عن بناء الكعبة، وقد تقدم، ويأتي الإشارة إلى ذلك
كله، مع أنه بوضوحه مستغن عن كثرة الكلام، كما أنه تقدم سابقا وجوب العلم
بتحقق صدق الاستقبال للمتمكن وإن توقف على صعود إلى سطح أو جبل أو نحوهما
من المقدمات التي لا حرج على المكلف في تحصيلها على ما هو مقتضى القواعد المقررة
التي شهد لها العقل والنقل، فما في المدارك - من أنه لا يكلف الصعود إلى الجبال ليرى
الكعبة للحرج بخلاف الصعود إلى السطح، وأوجب الشيخ والعلامة في بعض كتبهما
صعود الجبل مع القدرة، وهو بعيد - فيه ما لا يخفى، اللهم إلا أن يريد بقرينة تعليله
ما فيه الحرج، لكن من المستبعد ايجاب الشيخ والفاضل عليه ذلك معه، لعدم الدليل،
بل المعلوم من أصول هذه الملة سقوط ما فيه الحرج من سائر أحكامها، وظني أن
الخلاف لفظي، ثم قال في المدارك بعد الكلام المزبور: (وإن قلنا بالاكتفاء باستقبال
الجهة مطلقا سقط هذا البحث من أصله) وفيه أنك قد عرفت مما تقدم سابقا عدم
قائل بذلك، بل لا مجال لاحتماله، إذ وجوب استقبال العين لمن كان مشاهدا لها من
الضروريات، ولا يكفيه استقبال جهة العين بمعنى الفضاء المتصل بها يمينا وشمالا، إذ
هو ليس استقبالا للكعبة قطعا، بل هو غير مجز للبعيد فضلا عن القريب على ما عرفته
مفصلا. وإن أراد بالجهة غير ذلك لم يكن وجه لسقوط هذا البحث من أصله، ومن
ذلك يعرف ما في مناقشته للمعتبر في شرح المتن السابق كما تقدم لنا ما يزيده وضوحا
وتفصيلا، فلاحظ وتأمل إن شئت.
(وإن صلى في جوفها) مختارا ومضطرا فريضة أو نافلة جاز و (استقبل أي
جدرانها شاء) لكن (على كراهية في الفريضة) بلا خلاف أجده فيما عدا الأول،
بل الاجماع بقسميه عليه، بل لعله من المسلمين، وهو الحجة بعد المحكي من فعل النبي
349

(صلى الله عليه وآله) في صحيح معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(لا تصل المكتوبة في جوف الكعبة، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يدخل الكعبة
في حج ولا عمرة ولكنه دخلها في الفتح فتح مكة، وصلى ركعتين بين العمودين،
ومعه أسامة بن زيد) وغيره من النصوص، بل صرح الشيخ والفاضل كما عن غيرهما
باستحباب النافلة فيها، بل في المنتهى لا نعرف خلافا فيه بين العلماء إلا ما نقل عن محمد
ابن جرير الطبري، بل عن المعتبر والروض وظاهر التذكرة الاجماع عليه، نعم في
كشف اللثام أني لم أظفر بنص على استحباب كل نافلة، وإنما الأخبار باستحباب التنفل
لمن دخلها في الأركان وبين الأسطوانتين، ولكنه يتأتي بفعل الرواتب اليومية ونحوها
فيها، وربما تسمع تمام البحث في ذلك أن شاء الله في مكان المصلي، مضافا إلى ما علم
من نصوص الفرقة المحقة واجماعاتهم من عدم سقوط الصلاة بحال.
ومنه الاضطرار الري الفريضة في الكعبة لو قلنا بعدم جوازها اختيارا فيها، مع
أن الأقوى الجواز وفاقا للأكثر، بل المشهور نقلا وتحصيلا، بل عن السرائر
الاجماع عليه، بل لم أجد فيه خلافا إلا من المحكي عن الشيخ في الخلاف والتهذيب
وحج النهاية والقاضي في المهذب لموثق يونس بن يعقوب (2) قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): (حضرت الصلاة المكتوبة وأنا في الكعبة أفأصلي فيها، قال: صل) المؤيد
بظاهر قوله تعالى (3): (طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) لضعف
المناقشة في دلالتها، وبما يشعر به صحيح ابن مسلم (4) عن أحدهما (عليهما السلام)
(لا تصلح صلاة المكتوبة في جوف الكعبة) بل رواه في الوسائل بطريق آخر باسقاط
(لا) بل قال: لفظة (لا) غير موجودة في النسخة التي قوبلت بخط الشيخ، وبأن

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب القبلة - الحديث 3 - 6 - 4
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب القبلة - الحديث 3 - 6 - 4
(3) سورة البقرة - الآية 119
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب القبلة - الحديث 3 - 6 - 4
350

المستفاد من قولهم (عليهم السلام): (الكعبة قبلة) بعد تعذر إرادة المجموع بعدم
إمكان استقباله، ضرورة كون المصلي خارجها إنما يستقبل ما يحاذيه منها لا كل جزء
منها من غير فرق بين المقاطر له حال كونه خارجا وغيره،، ودعوى صدق استقبال
الكعبة بالأول خاصة دون الثاني قد تمنع، إذ لا ريب في عدم إرادة المجموع بشرط
الاجتماع من الكعبة في قوله: (الكعبة قبلة) ضرورة كونها اسما للفضاء من تخوم الأرض
إلى عنان السماء، فمن استقبل الجزء المقاطر منها ليس مستقبلا للكعبة: أي تمامها قطعا،
وليس ذلك كضرب زيد المتحقق بضرب البعض، على أن البحث في قوله: (الكعبة
قبلة) لا استقبل الكعبة، بل خبر عبد الله بن سنان المتقدم المتضمن نفي البأس عن
الصلاة على أبي قبيس والكعبة تحته معللا ذلك بأنها قبلة من موضعها إلى السماء كالصريح
في تحقق القبلة باستقبال البعض دون البعض، فيعلم حينئذ منه أن المراد كل جزء من
أجزاء الكعبة قبلة من نحو التركيب المزبور، وتخصيصه بالمقاطر دون غيره لا دليل عليه)
بل الدليل على خلافه، بل لو سلم عدم ظهوره أمكن دعواه ولو بملاحظة الشهرة العظيمة
التي لم يعرف خلافها إلا ممن عرفت، بل المحكي عن الشيخ في باقي كتبه موافقة الأصحاب
ومنه يعلم ترجيح ما عن السرائر من الاجماع على اجماعه الموهون بما عرفت، كالصحيح
المستدل به له عن أحدهما (عليهما السلام) (لا تصل المكتوبة في الكعبة) المتعين لما
سمعته للحمل على الكراهة، خصوصا مع اتحاد الراوي فيه وراوي الصحيح المزبور،
ونحوه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) المتقدم سابقا، بل هو
أولى منه بذلك، ضرورة عدم صلاحية التعليل للحرمة، إذ ترك النبي (صلى الله عليه وآله)
أعم من ذلك، بل ربما يستدل بما في ذيله من صلاة الركعتين المعلوم جوازها في الكعبة
كما عرفت على المطلوب، بناء على عدم جواز فعل النافلة لغير قبلة مع الاستقرار
والاختيار كما تسمع البحث في ذلك أن شاء الله محررا، ولعله إليه أشار العلامة في
351

التذكرة في استدلاله على الجواز بأن كل بقعة جاز أن يتنفل فيها جاز أن يفترض كالمسجد،
ومن الغريب وسوسة بعض المتأخرين في الحكم المزبور لصحة سند المعارض
وتعدده وتأييده بأصالة الشغل واجماع الخلاف وما تسمعه من النص (1) على منع الصلاة
على السطح قائما، وما أرسله الكليني من أنه (روى أنه يصلى في أربع جوانبها
إذا اضطر إلى ذلك) إذ هو مع اشتماله على الشرط المزبور مشعر بكون القبلة المجموع
لا كل جزء كما اعترف به في الذكرى، وخبر عبد الله بن مروان (2) (إذا حضرته
صلاة الفريضة وهو في الكعبة ولم يمكنه الخروج منها استلقى على قفاه، ويصلي ايماء)
واحتمال الموثق الضرورة أو التقية، وبأن المأمور به تولية الجهة التي لا تتحقق مع الصلاة
في الجوف، وبحصول الاستدبار لو صلى فيها، وبغير ذلك، وفيه أن الشهرة أولى
بالترجيح كأولوية اجماع السرائر الذي يشهد له التتبع من إجماع الشيخ، والكراهة
في النهي المشهور فيه ذلك من الضرورة أو التقية، خصوصا والمحكي عن مالك وأحمد
وإسحاق جواز النافلة دون الفريضة على حسب مضمون الصحيح السابق، وشغل الذمة
ينقطع بظاهر الدليل، ومرسل الكليني والخبر لا عامل بهما، بل الاجماع بقسميه على
استقبال أي جدرانها شاء حيث يصلي فيها كما عرفت سابقا، بل وعلى استقبال الباب
أيضا إلا من شاذان بن جبريل من أصحابنا فيما حكي عنه من رسالته المسماة بإزاحة العلة
في معرفة القبلة، فلم يجوز الصلاة إلى الباب المفتوح، وهو معلوم الضعف بمعلومية كون
القبلة موضع البيت لا البنية، ولذا لو نقلت آلاتها إلى غير موضع لم يجز الصلاة إليها،

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب القبلة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب القبلة - الحديث 7 لكن رواه عن محمد
ابن عبد الله بن مروان
352

ولا يسقط وجوب الاستقبال، بل يستقبل الفضاء المزبور وصحت صلاته كالمرتفع
والمنخفض عنهما كما تقدم الإشارة إليه، واستدبار البعض بعد استقبال الآخر غير قادح،
إذ الشرط استقبال القبلة، وقد حصل، والمانع الاستدبار المفوت للاستقبال، فلا ريب
أن الأقوى الجواز لكن على كراهة، والله أعلم.
(و) مما ذكرنا يعلم أنه لا اشكال في جواز الصلاة على سطحها، ف‍ (لو صلى)
حينئذ (على سطحها) جاز لكن (أبرز بين يديه) شيئا (منها أي ما يصلى إليه)
ليستقبله في جميع أحوال الصلاة المشترط في كل جزء منها الاستقبال، فلو سجد على
نقطة الانتهاء بطلت، لعدم الاستقبال حينئذ، نعم يقوى عدم اشتراط اتحاد المستقبل
في جميع الأحوال، فلو استقبل شيئا من الفضاء حال القيام بحيث لو ركع وسجد من
غير تأخر عنه خرج عن القبلة إلا أنه عند الركوع والسجود تنحى حتى حصل له ما يستقبله
حالهما صح، للأصل من غير معارض.
(وقيل) والقائل الصدوق في الفقيه والشيخ في الخلاف والنهاية والقاضي في
المهذب والجواهر على ما حكي عنهم (يستلقي) المصلي على السطح (على ظهره ويصلي
إلى البيت المعمور) في السماء الثالثة أو الرابعة على الخلاف فيه كما في المبسوط، وفيه
أيضا أنه يعرف بالضراح بالضاد المعجمة، بل عن ظاهر الأولين جواز ذلك اختيارا،
بخلاف الباقي فقيدوه بحال الضرورة (و) لا ريب أن (الأول أصح) وفاقا للمشهور
بين الأصحاب شهرة كادت تكون اجماعا، بل عن روض الجنان الاجماع عليه، لبعض
ما سمعته سابقا، ضرورة عدم مدخلية البناء في القبلة، بل هما عند التحقيق من واد
واحد، إذ لو اتفق ارتفاع أرض الكعبة حتى صار السطح الآن جوفها كان من المسألة
قطعا، فحينئذ كل ما استدل به هناك يمكن جريانه في المقام ولو باتحاد طريق المسألتين،
353

أو غيره من الفحوى ونحوه، فما في خبر الحسين بن زيد (1) عن الصادق عن آبائه
(عليهم السلام) في حديث المناهي قال: (نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن
الصلاة على ظهر الكعبة،) محمول على الكراهة، بل لا يخلو ما قبله وما بعده من الاشعار
بذلك، لكن الشيخ منعه من الصلاة في جوفها اختيارا، وجوزها هنا، كما أنه
والقاضي وافقا الأصحاب على الظاهر هناك في الصلاة ولو اضطرارا من غير استلقاء
بخلاف ما هنا.
ولعل ذلك بعد الاجماع المدعى في الخلاف لخبر عبد السلام بن صالح (2) عن
الرضا (عليه السلام) في الذي تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة قال: (إن قام لم يكن له
قبلة، ولكن يستلقي على قفاه ويفتح عينيه إلى السماء، ويعقد بقلبه القبلة التي في السماء
البيت المعمور ويقرأ، فإذا أراد أن يركع غمض عينيه، فإذا أراد أن يرفع رأسه فتح
عينيه، والسجود على ذلك) ونسبه في المبسوط إلى رواية أصحابنا، وهو مع احتمال
اختصاصه بمن كان فوق حائط الكعبة بحيث لا يمكنه التأخر عنه ولا ابراز شئ أمامه
ضعيف عن مقاومة ما سمعته من الأدلة السابقة، وما دل على لزوم الأفعال الواجبة من
القيام والركوع وغيرهما، ولا جابر، إذ اجماع الشيخ موهون بمصير الأكثر إلى خلافه،
بل هو نفسه في المبسوط جوز الصلاة على السطح قائما، بل لعل مراده الوجوب كما عن
المحقق الجزم به، لأن القيام شرط مع الامكان، فمتى جاز وجب، وإن كان يمكن أن
يقال إنه بناء على أن القبلة مجموع الكعبة كما هو خيرة الشيخ في تلك المسألة فعند القيام
يفوته الاستقبال، وعند الاستلقاء القيام والركوع والسجود والرفع منهما، فيجوز عند
الضرورة التخيير بينهما وأن لا يتعين شئ منهما، لتضمن كل منهما فوات ركن، لكن
فيه كما في الرياض أن الاستقبال المأمور به كتابا وسنة فائت على التقديرين، فيتعين

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2
354

القيام والركوع والسجود حينئذ للتمكن منها، وفيه أن مبنى المسألة على كون القبلة بالنسبة
إليه البيت المعمور الذي لا يحصل استقباله إلا بالاستلقاء، فلا ريب حينئذ في حصول
التعارض المزبور، نعم قد يقال إنه بناء عليه يمكن أولوية المحافظة على ذلك من
الاستقبال، ويقال أيضا إن الشيخ في المبسوط ممن جوز الصلاة في الجوف على كراهة،
ومقتضاه كون القبلة عنده البعض مطلقا، فلا يتجه له هذا التعارض، وإن كان نظره
إلى الخبر المزبور وجب العمل بظاهره من الوجوب لا الجواز.
وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى الجواز اختيارا، وأنه كالصلاة في
جوف الكعبة، كما أن المتجه بناء على فوات الاستقبال أو الأفعال الاقتصار في الجواز
على الضرورة، كما عن الجامع والمهذب النص عليه، اللهم إلا أن يدعي ظهور الخبر
المزبور ولو بترك الاستفصال فيه في صحة الكيفية المزبورة اختيارا بل وجوبها، لكنك
خبير بقصور الخبر المزبور عن اثبات مثل هذا الصنف من التكليف المقتضي هدم كثير
من الأدلة القطعية في غير الفرض.
(و) قد ظهر لك من ذلك أنه (لا يحتاج) عندنا إلى (أن ينصب بين يديه
شيئا) حال الصلاة، للأصل وإطلاق الأدلة ولأن القبلة عندنا الفضاء، والفرض أنه
أبرز بين يديه شيئا منه، خلافا للشافعي فأوجبه، ولا ريب في ضعفه (وكذا) لا
إشكال (لو صلى) في وسطها أو خارجها (إلى بابها وهو مفتوح) مع العتبة ودونها
اجماعا بقسميه، وخلاف شاذان من أصحابنا والشافعي من غيرهم غير قادح فيه، على أن الأدلة مع قطع النظر عن الاجماع وافية بالمقصود كما عرفت الإشارة إليها سابقا،
بل لا يخفى على المتأمل في كلام شاذان في رسالته المحكية بتمامها في البحار أنه ليس خلافا
فيما نحن فيه، بل الظاهر إرادته الكراهة من عدم الجواز كما في غير الكعبة من الأبواب
المفتوحة، لأنه قد صرح بجواز الصلاة في العرصة مع فرض زوال البنيان، وصرح
355

بجوازها على السطح سواء كان بين يديه سترة من نفس البناء أو لا، وغير ذلك مما هو
كالصريح فيما ذكرنا، فلاحظ وتأمل.
(ولو استطال صف المأمومين في المسجد) الحرام مثلا (حتى خرج بعضهم
عن سمت الكعبة بطلت صلاة ذلك البعض) عندنا، قربوا من الكعبة أم بعدوا، خلافا
للحنفية مطلقا والشافعية في الأخير، ويأتي في بحث الجماعة إن شاء الله كيفية الصلاة
جماعة بالاستدارة، فلاحظ وتأمل (و) كيف كان ف‍ (أهل أكل إقليم) أي صقع
من الأرض، ولعله ليس عربيا كما عن ابن الجواليقي، لكن عن الأزهري أحسبه
عربيا، قال: وكأنه سمي إقليما لأنه مقلوم من الإقليم الذي يتاخمه أي مقطوع عنه
(يتوجهون إلى سمت) أي ما يسامت (الركن الذي على جهتهم) لكن على حسب
ما قررناه من مسامتة البعيد التي لا يعتبر فيها اتصال الخطوط، نعم قد يناقش بأنه
لا يوافق مختاره سابقا من كون قبلة البعيد الحرم، ويدفع بأن ذلك منه شاهد على إرادة
سعة الجهة منه كما ذكرناه سابقا، أو يقال لا فرق بين جهة الركن والحرم من بعد،
واحتمال إرادة عين الحرم لا جهته كما سمعته من خلاف الشيخ بعيد، إلا أن يحمل على
إرادة مقابلة البعيد للحرم نحو ما ذكرناه سابقا في الكعبة، وحينئذ يظهر فرق بين
الجهتين، ضرورة اختلافهما بذلك ضيقا وسعة، والأمر سهل بعد الإحاطة بما عرفت،
ومن المعلوم إرادة ما بين الركنين من الركن في كلامه لا الركن بنفسه، ضرورة عدم
وجوب ذلك وعدم مسامتة جميع البلدان له، كما هو واضح، فما في المدارك - من
أنه قد تقدم أن المعتبر عند المصنف في البعيد استقبال الحرم، وعند آخرين الجهة، وهما
أوسع من ذلك، فلا يتم الحكم بوجوب التوجه إلى سمت الركن نفسه - لا يخلو من
نظر إن أراد بذلك المناقشة في الركن نفسه، بل وكذا إن أراد المناقشة فبما يوهمه
لفظ السمت، لما عرفت، فقوله متصلا بما سمعت منه - أنه قال في المعتبر: وكل إقليم
356

يتوجهون إلى سمت الركن الذي يليهم، لما بيناه من وجوب استقبال الكعبة ما أمكن
والذي يمكن أن يستقبل أهل كل إقليم الركن الذي يليهم، وهو غير جيد أيضا، إذ
الذي سبق منه وجوب استقبال جهة الكعبة للبعيد لا نفس الكعبة - في غير محله أيضا،
للقطع بعدم إرادته اتصال الخطوط بالعين من ذلك، بل المراد جهة الركن الذي يليهم
دون غيره من الأركان، لعدم تمكنهم منه، فهو في الحقيقة بيان ما هم عليه في الواقع.
وكيف كان (فأهل العراق) ومن شاركهم (إلى العراقي وهو الذي فيه الحجر)
وكذا (أهل الشام إلى الشامي، والمغرب إلى المغربي، واليمن إلى اليماني) بلا خلاف
أجده في شئ من ذلك، لكن في كشف اللثام عن بعض من عاصره أنه وضع آلة
يستعلم بها نسبة البلاد إلى جهات الكعبة، فاستعلم منها أن الحجر الأسود إلى الباب في
جهة بعض بلاد الهند، كبهلوازه، والباب في جهة بعضها الآخر كدهلا وأكره وبافرس
والصين وتهامة ومنصورة سند، ومن الباب إلى منتصف هذا الضلع في جهة الأحساء
والقطيف والبحرين وقندهار وكشمير وملتان وبست وسجستان وكرمان وبدخشان
وتيبت وخانبالق وشيراز وبلخ وفارياب، ومنه إلى السدس الرابع جهة هراة وختن
وبيش بالق ويزدومر وقراقوم وترشين ونون وسمرقند وكاشغر وشرخس وكش
وخجند وبخارا ورام مهرمز وطوس وبناكت والمالق وسبزوار، ومنه إلى السدس
الخامس جهة أصفهان والبصرة وكاشان والاسترآباد وكركابخ وقم وري وساري وقزوين
وساوه ولاهيجان وهمدان، والسدس الأخير المنتهي إلى الشامي جهة كوما مدينة روس
وشماخي وبلغار وباب الأبواب وبردعة وتفليس وأردبيل وتبريز وبغداد والكوفة
وسر من رأى، فخطأ الأصحاب قاطبة في قولهم: إن ركن الحجر قبلة أهل العراق،
وزعم أن قبلتهم الشامي وأنه العراقي أيضا، وهو خلاف المعروف بين الأصحاب
قديما وحديثا.
357

وعن إزاحة العلة في معرفة القبلة للشيخ أبي الفضل شاذان بن جبريل القمي،
وهو من أجلاء فقهائنا كما في الذكرى أن أهل العراق وخراسان إلى جيلان وجبال
الديلم وما كان في حدوده مثل الكوفة وبغداد وحلوان إلى الري وطبرستان إلى جبل
سابور وإلى ما وراء النهر إلى خوارزم إلى الشاش وإلى منتهى حدوده ومن يصلي إلى
قبلتهم من أهل المشرق يتوجهون إلى المقام والباب، وأن أهل البصرة والبحرين
واليمامة والأهواز وخوزستان وفارس وسجستان إلى تبت إلى الصين يتوجهون إلى ما
بين الباب والحجر الأسود، قال في كشف اللثام: (ولا ينافي اتفاق هذه البلاد في
جهة القبلة اختلافها في العروض والأقاليم، فإن الكل في سمت واحد) وفيه منع اتحاد
السمت بعد الاختلاف في الطول المصرح به من أهل الخبرة، ثم قال: نعم أورد عليه
بعض المعاصرين أنها لو كانت كذلك لم يكن سمت قبلة العراق أقرب إلى نقطة الجنوب
منه إلى مغرب الاعتدال، بل كان الأمر بالعكس، وهو إنما يرد لو كانت هذه البلاد
أقل عرضا من مكة أو مساوية لها، وفيه أن المؤثر في ذلك اختلاف الطول الثابت
في أكثر العراق.
ثم أجاب عما خطأ به جميع الفقهاء بأن العراق وما والاه لما ازدادت على مكة
طولا وعرضا فلهم أن يتوجهوا إلى ما يقابل الركن الشامي إلى ركن الحجر، وبالجملة
إلى أي جزء من هذا الجدار من الكعبة فبأدنى تياسر يتوجهون إلى ركن الحجر، وهو
أولى بهم من أن يشرفوا على الخروج عن سمت الكعبة خصوصا وسيأتي أن الحرم في
اليسار أكثر، ثم إن تقليل الانتشار مهم، فإذا وجدت علامة تعم جميع ما في هذا
السمت من الكعبة من البلاد كانت أولى بالاعتبار عن تمييز بعضها من بعض تيامنا
وتياسرا، فلذا اعتبروا علامة توجه الجميع إلى ركن الحجر، وإن كان يمكن اعتبار
علامة في بعضها تؤديه إلى الشامي أو ما يقرب منه، قلت: هو جيد لو أن اعتراض
358

المعترض مجرد الامكان، أما إذا كان المراد أن أهل العراق بعلامتهم المشهورة لهم
لا يحصل لهم إلا استقبال الركن الشامي، بل لو أرادوا أن يستقبلوا غيره لم يكن لهم
علامة يطمئن بتحصيلها لذلك، بخلاف ما يقوله الفقهاء من أن استقبالهم ركن الحجر
فلا يجدي هذا الجواب كما هو واضح، فتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (أهل العراق ومن والاهم) وسامتهم إذا أرادوا معرفة
القبلة (يجعلون الفجر على المنكب الأيسر، والمغرب على الأيمن، والجدي) باسكان
الدال المهملة، وهو نجم معروف، قيل ويصغره أهل الهيئة فرقا بينه وبين البرج، وعن
ابن إدريس إنكار تصغيره، وأنه سأل إمام اللغة في بغداد عن ذلك فقال: لا يصغر،
وعلى كل حال فالمراد جعله (محاذي خلف المنكب الأيمن، وعين الشمس عند زوالها
على الحاجب الأيمن)، والقمر ليلة السابع عند الغروب، وإحدى وعشرين عند الفجر
وسهيل عند طلوعه مقابل المنكب الأيسر، وتفصيل ذلك أن يعلم أولا أن أكثر
العلامات المذكورة في كتب الأصحاب أو جميعها مستخرجة من علم الهيئة، إذ لم نعرف
نصا في شئ منها سوى خبر محمد بن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) (سألته عن
عن القبلة قال: ضع الجدي في قفاك وصل) ومرسل الصدوق (2) قال رجل للصادق
(عليه السلام): (إني أكون في السفر ولا أهتدي إلى القبلة بالليل فقال: أتعرف
الكوكب الذي يقال له جدي؟ قلت: نعم قال: اجعله على يمينك، وإذا كنت في
طريق الحج فاجعله بين كتفيك) وصحيح زرارة (3) عن الباقر (عليه السلام) (لا
صلاة إلا إلى القبلة، قال: قلت: أين حد القبلة؟ قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القبلة - الحديث 2
359

كله) وخبر إسماعيل بن زياد (1) المروي عن تفسير العياشي عن جعفر بن محمد عن
آبائه (عليهم السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وبالنجم هم يهتدون
قال: هو الجدي، لأنه لا يزول، وعليه بناء القبلة، وبه يهتدي أهل البر والبحر)
وآخر (2) مروي عنه أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى (3):
(وعلامات وبالنجم هم يهتدون) قال: (ظاهر وباطن الجدي عليه تبنى القبلة،
وبه يهتدي أهل البر والبحر، لأنه نجم لا يزول) والمروي (4) عن رسالة المحكم
والمتشابه عن تفسير النعماني بسنده إلى الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى (5):
فول وجهك شطر المسجد الحرام، قال: (معنى شطره نحوه إن كان قريبا، وبالدلائل
والأعلام إن كان محجوبا، فلو علمت القبلة لوجب استقبالها والتولي والتوجه إليها،
ولو لم يكن الدليل عليها موجودا حتى تستوي الجهات كلها فله حينئذ أن يصلي باجتهاده
حيث أحب واختار حتى يكون على يقين من الدلالات المنصوبة والعلامات المثبوتة
فإن مال عن هذا التوجه مع ما ذكرناه حتى يجعل الشرق غربا والغرب شرقا زال معنى
اجتهاده وفسد حال اعتقاده، قال: وقد جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) خبر
منصوص مجمع عليه أن الأدلة المنصوبة إلى بيت الله الحرام لا تذهب بكليتها حادثة من
الحوادث منا من الله تعالى على عباده في إقامة ما افترض عليهم) وما عساه يظهر من
سؤال موثق سماعة (5) عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس ولا القمر ولا النجوم

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القبلة - الحديث 3 - 4 لكن رواه في الوسائل عن إسماعيل ابن أبي زياد وهو الصحيح
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القبلة - الحديث 3 - 4 لكن رواه في الوسائل عن إسماعيل ابن أبي زياد وهو الصحيح
(3) سورة النحل - الآية 16
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 4 - 2
(5) سورة البقرة - الآية 139
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 4 - 2
360

الذي قد أمر في جوابه باجتهاد الرأي وتعمد القبلة منتهى الجهد، وغير ذلك
لكن لا يخفى اجمال الجميع وقصوره عن إفادة الواقع تفصيلا، نعم يمكن تنزيل
الخبر الأول بقرينة بلد السائل فيه وموافقته لمقتضى قانون الهيئة على العراقي بعد إرادة
المنكب من القفا فيه بقرينة المرسل الآخر، أو خصوص ما يكون فيه على القفا من
العراق كالموصل ونحوه، أو يبنى على التسامح في ذلك، أو على أن كلا منهما محصل
للمحاذاة من بعد، أو غير ذلك، كما أن المرسل أيضا ينبغي تنزيله كذلك، للقطع
بعدم إرادة إطلاقه، خصوصا والمخاطب فيه خاص، والاشتراك في التكليف فرع
المشاركة في الموضوع. فتأمل جيدا. وصحيح زرارة يجب حمله على إرادة بيان أن ذلك
منتهى القبلة ولو في بعض الأحوال، لا أنه يجزئ استقبال أي نقطة من ذلك اختيارا
كما هو مقتضى لفظ (كل) فيه، لبطلانه سنة وكتابا وإجماعا بل وضرورة من المذهب
إن لم تكن من الدين، ولولا لفظ (كل) المزبور أمكن حمله على إرادة بيان العلامة
الأولى بعد حمل لفظ الحد في السؤال على إرادة معرف القبلة للعراقي بقرينة السائل
أيضا، ولعل لفظ (كل) فيه لتعميم أجزاء ما بين المشرق والمغرب، لاستطالة السمت
فيه، أو لتعميم المشارق والمغارب كما تسمعه إن شاء الله، أو غير ذلك مما لا ينافي
ما ذكرنا. ومن الغريب ما في الذكرى من أن هذا الصحيح نص في الجهة، ضرورة
أنه لا ينطبق ظاهره على كل حال، إذ من قال بالجهة لا يتوسع فيها إلى هذا الحد،
ولئن كان فالضرورة حجة عليه كما هو واضح، فلا ريب في أولوية ما ذكرناه من ذلك،
بل لعله هو مراد الشهيد أيضا لا التوسعة المزبورة، فيوافق حينئذ اطلاق المصنف وغيره
من الأصحاب كونهما علامة.
خلافا لجماعة فقيدوهما بالاعتداليين، ولعله لشدة التفاوت فيهما باختلاف الفصول
المقتضي لعدم كون العلامة مطلق المشرق والمغرب، ولو كان كل منهما من فصل تفاوت
361

ذلك أشد تفاوت، وربما أدى إلى الانحراف إلى المشرق أو أزيد من ذلك،
وتخصيصهما بما يوافق وضع الجدي للعراقي يوجب سقوط فائدة العلامة، ولعل هذا
هو مراد الشهيد الثاني في الروضة بقوله: (إنه إن أريد منهما الجهتان العرفيتان انتشر
الفساد كثيرا بسبب الزيادة فيهما والنقصان الملحق لهما تارة بعلامة الشام، وأخرى
بالعراق، وثالثة بالزيادة عليهما، أو يريد المتسامح فيهما من العرفيتين) لكن قد يدفع
ذلك كله بدعوى كون المتبادر مشرق كل يوم ومغربه، فلا يقدح حينئذ فيهما اختلاف
الفصول، لاتفاق الجميع حينئذ على استقبال نقطة الجنوب، لكن فيه أنها قبلة بعض
العراق، بل النادر، بل قيل لم يوجد، ومن هنا جزم والد البهائي فيما حكاه ولده عنه
بأن اطلاق الأصحاب أولى من التقييد المزبور، لما فيه من تعميم الفائدة بخلافه، إذ
لا يعرف الاعتدالي منهما في سائر الأوقات إلا الأوحدي من الناس القادر على استخراج
خط الاعتدال، ومع ذلك فليس هو أضبط مما سمعت إلا مع تدقيق تام، لأن
استخراجه بالدائرة الهندية ونحوها تقريبي لابتنائه على موازاة مدارات الشمس للمعدل،
وهذا التقريب قريب من ذلك فلا داعي إلى التقييد، ولا ريب في جودته إن كان
لا يختلف ذلك باختلاف الفصول.
نعم قد يشكل ذلك كما لو أريد منه الاعتدالي أو الجهتان المصطلح عليهما، وهما
المتقاطعان لجهتي الجنوب والشمال بخطين بحيث يحدث عنهما زوايا قوائم بأنه مخالف لمفاد
العلامة الثانية، ضرورة اقتضائها الانحراف عن نقطة الجنوب إلى المغرب، بخلاف
ما نحن فيه المقتضي لاستقبال نقطة الجنوب، ومقتضاه كون الجدي حينئذ بين الكتفين،
لأنه حال استقامته يكون على دائرة نصف النهار المارة بنقطتي الجنوب والشمال،
فجعل المشرق والمغرب على اليمين واليسار يوجب جعل الجدي بين الكتفين
قضية للتقاطع، ودعوى اغتفار التفاوت المزبور لا شاهد عليها، وفي كشف اللثام أن
362

العلامة جعل الفجر فجر الاعتدال كما في السرائر أو غيره على المنكب الأيسر: أي
بإزائه خلفه، والمغرب مغرب الاعتدال أو غيره على المنكب الأيمن قدامه، والعبرة
بكون الجدي عند غاية ارتفاعه أو انحطاطه بحذاء المنكب الأيمن: أي خلفه، فبذلك
يتقدر تأخر الفجر وتقدم المغرب ولا يتفاوت في الصحة أن يراد الاعتداليان منهما
والأعم، ومآله إلى ما ذكره في الروض من أن المراد جانب المشرق المائل عن نقطة
الاعتدال نحو الجنوب والمغرب المائل عن نقطة اعتداله نحو الشمال، فتساوى العلامتان.
إلا أن الجميع كما ترى غير حاسم للاشكال الوارد على ظاهر عبارات الأصحاب،
لكنه أولى من القول بأنه علامة في الجملة ولو لبعض أهل العراق كالموصل وما سامتها
المساوية لمكة طولا كما جزم به بعضهم، لأن أكثر بلاد العراق منحرفة عن نقطة
الجنوب نحو المغرب وإن اختلفت في الزيادة والنقصان، أما ما سامت منه نقطة الجنوب
فهو نادر قليل لا يكاد يدخل في مسمى العراق كموصل وسنجار، فلا تحمل عليه،
على أن النص إنما ورد بالعلامة الثانية، فحملها حينئذ عليها مع الامكان أولى، بل لعل
ذلك وجه جمع بين الخبرين المزبورين بناء على إرادة العلامة الأولى من الصحيح منهما،
ويمكن الجمع بين العلامات الثلاث باغتفار هذا التفاوت، أو أنه لا يقدح فيما ذكرناه من
الجهة بالمعنى المزبور، أو غير ذلك، لكن الاحتياط الموافق لما ذكرناه سابقا في الجهة
الاقتصار على المعلوم إفادته الظن بها مع الامكان لا المظنون أو المحتمل منه.
وأما العلامة الثانية التي ذكرتها النصوص كما عرفت فلا خلاف أجده فيها بين
الأصحاب، نعم قيده جماعة منهم بما إذا كان الجدي في غاية الارتفاع والانخفاض،
بمعنى صيرورته إلى الأرض والفرقدين إلى السماء أو بالعكس، لا إذا كان أحدهما في
المشرق أو فيما بين المشرق والمغرب، ولعله لأنه حينئذ يكون في دائرة نصف النهار
المارة بالقطبين محاذيا للنجم الصغير المسمى بالقطب، لشدة قربه منه، بخلافه في غير
363

الحالين، فإنه منحرف مشرقا أو مغربا، فجعله في الحال الأول على المنكب الأيمن ينطبق
على القبلة، لاقتضائه الانحراف عن نقطة الجنوب إلى الشمال (1) بما هو مقتضى التفاوت
بين طولي البلدين الذي هو المدار في القبلة.
ومن هنا كان المعروف بينهم أن الأوثق منه في الحالين المزبورين والمتعين
للعلامة في غيرهما نجم خفي في وسط الأنجم - التي في صورة الحوت لا يدركه إلا حديد
البصر، حوله أنجم دائرة في أحد طرفيها الفرقدان، وفي الآخر الجدي، وبين ذلك
أنجم صغار ثلاثة من فوق، وثلاثة من أسفل - يسمى بالقطب، لأنه أقرب الكواكب
إليه، يدور حوله كل يوم وليلة دورة لطيفة لا تكاد تدرك، فهو العلامة للقبلة حينئذ،
ضرورة كون المدار على الانحراف عن نفس القطب، فالقريب إليه أولى بالعلامة،
فلو علم كان أوثق من الجدي في الدلالة، إلا أنه صرح غير واحد منهم أنه يجعل حينئذ
خلف الأذن اليمنى لا المنكب، لكن لخفائه على أكثر الناس وسهولة التفاوت بين دائرته
ودائرة الجدي في الحالين المزبورين أقيم الجدي مقامه في تعرف القبلة، ولعله للتفاوت
المزبور بينهما تفاوتت كيفية وضعهما للدلالة بناء على إرادة مجمع العضد والكتف من
المنكب، وإلا فلا تفاوت معتد به كما ستعرف، فما في المدارك من التخالف بين
الكلامين في غير محله.
نعم قد يناقش في ذلك بما حكاه الأردبيلي عن خاله الذي لم يسمح الزمان بمثله
بعد نصير الملة والدين من أن الجدي أقرب إلى القطب من تلك النجمة كما برهن عليه
في كتب الهيئة، بل قال المقدس المزبور: إنا وضعنا قصبة ورأينا منها الجدي في أول
الليل مثلا وعلمنا على تلك النجمة علامة تحاذيها ثم نظرنا بعد نصف الليل بكثير رأيناه
من تلك القصبة ورأينا تلك النجمة خرجت عن محاذاة تلك العلامة بكثير تقريبا أكثر

(1) هكذا في النسخة الأصلية لكن الصحيح أن يكون " المغرب " بدل " " الشمال "
364

من ثلث دائرة، ثم نظرنا قريب الصباح ما رأيناه منها وقد وصلت تلك إلى نصف
دائرة كبيرة تقريبا، وهو واضح لمن جرب وتأمل، وبما حكاه هو أيضا عن خاله من أنه ليس الجدي حال الاستقامة على القطب الشمالي، بل له أوضاع متعددة، وهو إنما
يكون على القطب وخط نصف النهار حال كونه مائلا إلى الغرب كثيرا وهو أيضا معلوم
بالبرهان والأسطرلاب وغيره، قال: ويؤيده أنهم يجعلونه حال الاستقامة وعكسها
محاذيا للمنكب، فيلزم كون قبلة العراق خط نصف النهار، مع أنه معلوم العدم، وهم
صرحوا بأنها مائلة عنه إلى الغرب، واستخرجه سلمه الله تعالى في الكوفة والنجف
الأشرف، قال: إنها مائلة عنه باثني عشر درجة تخمينا.
لكنك خبير بضعف الظن من كلام هذين المقدسين في مقابلة كلام أولئك
الأساطين، خصوصا دعوى أن الجدي حال الاستقامة ليس على القطب، ومن الغريب
تأييده بما سمعت المقتضي للانحراف في القبلة لا ما ذكره، نعم يمكن دعوى العبرة
بالجدي من غير تقييد بما عرفت، لاطلاق النصوص السابقة والمحكي من فتاوى كثير
من الأصحاب كالشيخين وشاذان وبني حمزة وإدريس وسعيد والفاضل والشهيد وغيرهم،
إما للتسامح في هذا التفاوت، أو لغير ذلك، إلا أن الأحوط مراعاته، والله أعلم.
قيل: والمراد بالمنكب مجمع العضد والكتف كما في الصحاح والقاموس وحاشية
النافع والروض والمقاصد العلية وآيات الأردبيلي ومجمعه والمدارك وشرح رسالة صاحب
المعالم، بل في الآيات المذكورة أن كون الكتف منه لا دليل عليه من اللغة والشرع،
قلت فيما حضرني من مختصر النهاية الأثيرية أنه ما بين الكتف والعنق، بل هو كصريح
جامع المقاصد، بل قيل إنه الظاهر من نهاية الإحكام والتنقيح وإرشاد الجعفرية أيضا،
وربما يؤيده أيضا ما عرفت من تصريح غير واحد منهم بوضع القطب بحذاء الأذن
اليمنى، والفرض أنهم صرحوا بمحاذاة الجدي له في الحالين اللتين يكون عندهما علامة،
365

والجمع بإرادة الجزء المحاذي للإذن من المنكب بناء على تفسيره بما عرفت أولى مما ذكرناه
سابقا، فحينئذ ليس العلامة وضعه على أي جزء من المنكب، بل الجزء الخاص منه
كما صر ح به في جامع المقاصد، والاطلاق محمول على ذلك أو على المسامحة في مثله
أو على غيرهما.
كما أنه يجب حمل اطلاق هذه العلامة على أواسط العراق كالكوفة وبغداد
ونحوهما مما يناسبه هذا الانحراف عن نقطة الجنوب، أما ما لا انحراف فيه لمساواته لمكة
في الطول كالموصل أو ما احتاج إلى انحراف أكثر من ذلك كالبصرة فلا معنى للعلامة
المزبورة فيه، بل يضعه في الأول بين المنكبين، لأن قبلته نقطة الجنوب، وفي الثاني
مقابل الأذن اليمنى، ولقد أشار إلى ذلك كله العلامة الطباطبائي بقوله:
فاجعله خلف المنكب الأيمن في * أواسط العراق مثل النجف
وكربلاء وسائر المشاهد * وما يدانيها ولم يباعد
واجعله في شرقيه كالبصرة * في الأذن اليمنى ففيه النصرة
وبين كتفيك برأي أعدل * في الجانب الغربي نحو الموصل
قلت: ومن ذلك يعلم أن ما ذكره غير واحد من الأصحاب بل ربما نسب إليهم
مشعرا بدعوى الاجماع عليه من مساواة خراسان للعراق في القبلة في غير محله، لما قيل
من كونه أطول من العراق، وعليه المدار في شدة الانحراف وعدمه كما ستعرف إن شاء
الله، اللهم إلا أن يراد بعض العراق كالبصرة فإن الظاهر تقاربهما، وإن كان التحرير
التام كما قيل يقتضي لهم زيادة انحراف يسير نحو المغرب كانحراف البصرة بالنسبة إلى
بغداد، لكن لا يصل إلى حد منتصف القوس التي بين نقطة الجنوب والشمال، وأما
احتمال بناء الاطلاق على اغتفار التفاوت المزبور وإن لم يحصل به الجهة بالمعنى الذي ذكرناه
فإنه وإن كان ممكنا وقد ذكرناه سابقا لكنه لا دليل يقطع العذر عليه، كما أنه قد يبعد
366

احتمال بنائه على أن هذا التفاوت لا يقدح في حصول الجهة بالمعنى المزبور أن البعيد
كلما بعد بأدنى انحراف يخرج عن المسامتة والمقابلة الحسيين كما هو المشاهد في نحو الجدي
وغيره من الأجسام البعيدة المشاهدة، فلا ريب في أن الأحوط مراعاة الانحراف
المزبور قدر الامكان، للقطع بحصول الظن بالمقابلة معه بخلاف غيره، وقد عرفت سابقا
أن المدار على ذلك.
ومنه يعرف الكلام في العلامة الثالثة التي مبناها استخراج الزوال بغير مراعاة
القبلة حتى تكون علامة لها، وهي كالعلامة الأولى لا تنطبق إلا على من كان قبلته من
العراق نقطة الجنوب كالموصل ونحوه لا أواسطه، ضرورة أن الشمس إنما تزول عن
محاذاة القطب الجنوبي، وحينئذ إنما تكون على الحاجب الأيمن لمن تكون قبلته نقطة
الجنوب، وليس هؤلاء كذلك، لما عرفت من انحرافهم عنها إلى المغرب، وإلا لجعلوا
الجدي بين الكتفين، وإنما تصير الشمس على حاجبهم بعد الزوال بمدة، واحتمال إرادة
ذلك من نحوه العبارة لا أول الزوال كما ترى، خصوصا بعد تصريح جماعة بالأول،
وبعد عدم تقدير المدة المزبورة المتوقف معرفة العلامة عليها، وكذا احتمال إرادة الطرف
الأيمن من الحاجب الأيسر في العبارة وما ضاهاها، للقطع بإرادة الجميع وإن اختلفوا
في التعبير في الجملة وضع الشمس أول الزوال على الطرف الذي يلي الأنف من الحاجب
الأيمن، فلا بد من حمله على ما عرفت من اغتفار هذا التفاوت، أو عدم القدح بالجهة
بالمعنى الذي ذكرنا، أو أن المراد كونها علامات للعراق في الجملة، لاختلاف طول
بلدانه المقتضي لاختلاف قبلته، أو غير ذلك مما عرفته مفصلا، والله أعلم.
ومن ذلك يعلم أن كل من شارك العراقي في استقبال هذا الركن وكان أطول
منه بلادا احتاج إلى زيادة انحراف نحو المغرب، لكن عن إزاحة العلة لشاذان أن
أهل البصرة والبحرين واليمامة والأهواز وخوزستان وفارس وسجستان إلى الصين
367

يتوجهون إلى ما بين المغرب والجنوب، ولكنهم إلى الغروب أميل منهم إلى الجنوب،
وعلامتهم جعل النسر الطائر إذا طلع بين الكتفين، والجدي إذا طلع: أي ارتفع على
الخد الأيمن، والشولة إذا نزلت للمغيب بين عينيه، والمشرق على أصل المنكب الأيمن،
والصبا على الأذن اليمنى، والشمال على العين اليمنى، والدبور على الخد الأيسر، والجنوب
بين العينين، ثم قال: (وممن يتوجه إليه أيضا من قبلته أقرب إلى المغرب من أولئك،
وهم أهل السند والهند وملتان وكابل وقندهار وجزيرة سيلان وما وراء ذلك، وعلامتهم
جعل بنات نعش إذا طلعت على الخد الأيمن، وكذا الجدي إذا ارتفع، والثريا إذا
غابت على العين اليسرى، وسهيل إذا طلع خلف الأذن اليسرى، والمشرق على اليد
اليمنى، والصبا على صفحة الخد الأيمن، والشمال مستقبل الوجه، والدبور على المنكب
الأيسر، والجنوب بين الكتفين، ومنهم من قبلته ما بين المغرب والشمال، وهم أهل
سومنان وسر أنديب وما في جهتهما، وهم يتوجهون إلى جنبة هذا الركن إلى اليماني،
وعلامتهم كون الجدي وبنات نعش على الخد الأيمن) وظاهره اتفاق البلدان المزبورة
في الطول أو تقاربها، كما أن ظاهره عدم بلاد قبلته المغرب كما اعترف به في كشف
اللثام، وهم أدري بذلك كله.
لكن الذي وصل إلينا من المحكي عن أرباب هذا الفن أن الأقاليم السبعة
المسكونة وما فيها كلها في النصف الشمالي من الأرض بعد خط الاستواء القاسم للأفق
نصفين شمالي وجنوبي، والنصف الجنوبي غير مسكون لاستيلاء الحرارة والماء عليه،
والنصف الشمالي المعمور فيه أيضا إنما هو نصفه المتصل بخط الاستواء، وهو الذي فيه
الأقاليم السبعة، والنصف الآخر خراب لشدة البرد، وقد أثبتوا لهذه الأقاليم طولا
وعرضا، فالطول عبارة عن طرف العمارة من جانب الغرب، وهو ساحل البحر من
368

جزائر الخالدات إلى منتهاها من جانب الشرق، وجملة ذلك مائة وثمانون جزءا نصف
دائرة من دوائر الفلك، لأن كل دائرة منها مقسومة بثلاثمائة وستين جزءا وتسمى
هذه الأجزاء درجات، والعرض من خط الاستواء في جهة الجنوب إلى منتهى الربع
المعمور في جهة الشمال، وذلك تسعون جزءا ربع دائرة عظمي، وحينئذ فطول البلد
عبارة عن بعدها عن منتهى العمارة من جانب الغربي، وعرض البلد عبارة عن بعدها
عن خط الاستواء، وعلى هذا فإذا ساوى طول البلد طول مكة فإن كان عرضها أكثر
كموصل وسنجار فقبلة تلك البلد نقطة الجنوب، وإن كان أقل فنقطة الشمال، فهما
غنيان بذلك عن العلامات كالمساويين لها بالعرض دون الطول، فإن قبلتهما نفس المشرق
أو المغرب، وربما فرق بين المساوي طولا فقط والمساوي عرضا فقط، فيحتاج الثاني
إلى العلامات دون الأول بما لا محصل له عند التأمل، فالمحتاج حينئذ إلى العلامات في
تحصيل سمت القبلة أقسام أربعة لما فيها من الميل عن النقط المعلومة، وهي ما إذا زادت
مكة طولا وعرضا، فإن سمت القبلة حينئذ بين نقطتي المشرق والشمال، وإن نقصت
فيهما فهو بين نقطتي الجنوب والمغرب، وإن زادت طولا ونقصت عرضا فهو بين نقطتي
الجنوب والمشرق، وإن انعكس فبين نقطتي المغرب والشمال.
وأكثر البلدان على الانحراف، ومن المنحرف عن نقطة الجنوب إلى المغرب
بلاد البحرين بسبع وخمسين درجة وثلاث وعشرين دقيقة، والحساء بتسع درجات
وثلاثين دقيقة، والبصرة بثمان وثلاثين درجة، وواسط بعشرين درجة وأربع وخمسين
دقيقة، والأهواز بأربعين درجة وثلاثين دقيقة، والحلة باثني عشر درجة، والمدائن
بثمان درجات وثلاثين دقيقة، وبغداد باثني عشر درجة وخمس وأربعين دقيقة،
والكوفة باثني عشر درجة وإحدى وثلاثين دقيقة، وسر من رأى بسبع درجات وست
وخمسين دقيقة، وكاشان بأربع وثلاثين درجة وإحدى وثلاثين دقيقة، وقم بإحدى
369

وثلاثين درجة وأربع وخمسين دقيقة، وساوة بتسع وعشرين درجة وست عشرة دقيقة،
وإصبهان بأربعين درجة وتسع وعشرين دقيقة، وقزوين بتسع وعشرين درجة وأربع
وثلاثين دقيقة، وتبريز بخمس عشرة درجة وأربعين دقيقة، ومراغة بست عشرة
درجة وسبع عشرة دقيقة، واسترآباد بثمان وثلاثين درجة وثمان وأربعين دقيقة،
وطوس والمشهد الرضوي (عليه السلام) بخمس وأربعين درجة وست دقائق، ونيسابور
بست وأربعين درجة وخمس وعشرين دقيقة، وسبزوار بأربع وأربعين درجة واثنين
وخمسين دقيقة، وشيراز بثلاث وخمسين درجة وثمان وعشرين دقيقة، وهمدان باثنين
وعشرين درجة وست وعشرين دقيقة، وتون بخمسين درجة وعشرين دقيقة، وطبس
باثنين وخمسين درجة وخمسة وخمسين دقيقة، وأردبيل بسبع عشرة درجة وثلاث عشرة
دقيقة، وهراة بأربع وخمسين درجة وثمان دقائق، وقائن بأربع وخمسين درجة،
وسمنان بست وثلاثين درجة وسبع عشرة دقيقة، ودامغان بثمان وثلاثين درجة، وبسطام
بتسع وثلاثين درجة وثلاث عشرة دقيقة، ولاهجان بثلاث وعشرين درجة، وآمل
بثلاثين درجة وست وثلاثين دقيقة، وقندهار بخمس وسبعين درجة، والري بسبع
وثلاثين درجة وست وعشرين دقيقة، وكرمان باثنين وستين درجة وإحدى وخمسين
دقيقة، وتفليس بأربع عشرة درجة وإحدى وأربعين دقيقة، وشيروان بعشرين درجة
وتسع دقائق، وكذا الشماخي، وسجستان بثلاث وستين درجة وثمان عشرة دقيقة،
وطالقان بتسع وعشرين درجة وثلاث وثلاثين دقيقة، وبلخ بستين درجة وست
وثلاثين دقيقة، وبخارى بتسع وأربعين درجة وثمان وثلاثين دقيقة، وبدخشان بأربع
وستين درجة وتسع دقائق، وسمرقند باثنين وخمسين درجة وأربع وخمسين دقيقة،
وكاشغر بثمان وخمسين درجة وست وثلاثين دقيقة، وتبت بست وثلاثين درجة وست
وعشرين دقيقة، وهرموز بأربعة وسبعين درجة، وأبهر بأربع وعشرين درجة،
370

وكازران بإحدى وخمسين درجة وست وخمسين دقيقة، وجزباذقان بثمان وثلاثين
درجة، وخوارزم بأربعين درجة.
وأما الانحراف من الجنوب إلى المشرق فالمدينة المشرفة منحرفة قبلتها عن نقطة
الجنوب إلى المشرق بسبع وثلاثين درجة وعشرين دقيقة، ومصر بثمان وخمسين درجة،
وقسطنطينية بثمان وثلاثين درجة وسبع عشرة دقيقة، وموصل بأربع درجات واثنين
وخمسين دقيقة، وبيت المقدس بخمس وأربعين درجة وست وخمسين دقيقة.
وأما الانحراف من الشمال إلى المغرب فأكره بتسع وثمانين درجة، وسرأنديب
بسبعين درجة واثني عشر دقيقة، وچين بخمس وسبعين درجة، وسومنات بخمس
وسبعين درجة وأربع وثلاثين دقيقة.
وأما ما كان من الشمال إلى المشرق فصنعاء بدرجة وخمس عشرة دقيقة، وعدن
بخمس درجات وخمس وخمسين دقيقة، وجرمي دار ملك الحبشة بسبع وأربعين درجة
وخمس وعشرين دقيقة، وسائر البلاد القريبة تعرف من تلك البلاد المتوسطة بالمقايسة،
وقد ذكر جميع ذلك أو أكثره المجلسي في البحار ناقلا له عن المحققين من علماء الهيئة،
ومن ذلك يعرف ما في المحكي عن إزاحة العلة.
لكن قال في الحدائق: (لا يخفى على من عرف ما عليه هذه البلدان من القبلة
في جميع الأزمان فإنه لا يوافق شيئا مما ذكر في هذا المكان مع استمرار السلف والخلف
عليها من العلماء الأعيان، ومن ذلك قبلة البحرين والقطيف والأحساء، فإنها نقطة
المغرب، وهكذا جميع البلدان، ولقد اتفق في هذه السنين التي مضت لنا مجئ رجل
من الفضلاء يسمى الشيخ حسين ممن يصلي الجمعة والجماعة في بلدة بهبهان فانحرف عن قبلة
مساجد بها، بناء على الضابطة التي ذكرها علماء الهيئة، وصلى إلى تلك الجهة التي هي
موافقة لكلام علماء الهيئة، وحمل الناس على الصلاة إليها، فتناولته الألسن من كل
371

مكان، وكثر الطعن عليه في جميع البلدان حتى كأنه ممن أبدع بالدين وافترى على
الملك الديان) قلت لعل الانكار عليه لبعد إصابته وخطأ جميع من تقدم مع معرفتهم
بالأمارات الهيئية، ولو جوزنا له نفسه الاجتهاد يمينا وشمالا لشدة معرفته ما كنا لنجوز
لغيره تقليده ورفع اليد عما عليه الناس في تلك الأزمنة، كما ستعرف تمام البحث فيه
عند تعرض المصنف له، وليس انكارهم عليه لأنه أخذ بمقتضى علم الهيئة من حيث إنه
كذلك، وإلا كان الانكار منكرا عليهم، ضرورة جواز الأخذ به، بل بناء القبلة
في سائر البلدان عليه، لكن على وجه التقريب والمسامحة لا المداقة كما عرفته من النصوص
والفتاوى، والله أعلم.
وعليهما مبنى العلامة الرابعة والخامسة، فإن الظاهر عدم كون القمر كذلك
على وجه التحقيق والتدقيق في جميع الفصول، فذكر العلامة له في التذكرة والتحرير مبني
على ذلك قطعا، ولذا حكي عنه في بعض كتبه التعبير بقرب القبلة، ويؤيده اشعار سؤال
موثق سماعة (1) بامكان تعرف القبلة بالقمر، بل يمكن للعارف بمنازل القمر وتفاوت
ما بينها تعرف القبلة بغير ذلك، وأما الرياح فمن الواضح بناء التعرف بها على التقريب،
وأنها أضعف الأمارات، لاضطراب هبوبها، والمعول عليه منها أربع: أولها الجنوب،
ومحلها ما بين مطلع سهيل إلى مطلع الشمس في الاعتداليين، وثانيها الصبا، ومحلها ما بين
مطلع الشمس إلى الجدي، وثالثها الشمال، ومحلها ما بين الجدي إلى مغرب الشمس
في الاعتدال، وتمر إلى مهب الجنوب، كما أن الجنوب تمر إلى مهب الشمال، ورابعها
الدبور، وهي من مغرب الشمس إلى سهيل، وهي مقابلة الصبا، ولا يخفى معرفة كيفية
ملاقاة مهبها للعراقي والشامي وغيرهما بعد معرفة سمت كل منهم، ولعل معرفتها نفسها
مع فرض عدم معرفة القبلة وعدم العلم بمطلع الشمس ومغربها مثلا تحصل برطوبة بعضها

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 2
372

وعدمه في آخر، وإثارته التراب وعدمه، وحصول الغيم به وعدمه، وغير ذلك، فحينئذ
يجعل مهب كل منها على ما علم من حال العراقي إن كان عراقيا، والشامي إن كان شاميا،
لكن الحق أنه لا يعرف ذلك إلا آحاد في الناس كما اعترف به في المسالك وغيرها،
ولقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله:
وفي الرياح بالجهات الأربع * شواهد لعارف مطلع
وأما سهيل فالظاهر تعرف القبلة به عند غاية ارتفاعه، فإنه حينئذ يكون مسامتا
لنقطة الجنوب كما في غاية ارتفاع كل كوكب، وحينئذ كيفية العلم به عكس الجدي،
ضرورة كونه حينئذ في أواسط العراق مقابلا للمنكب الأيسر، وفي شرقيه للخد
الأيسر، وفي غربيه بين العينين كما هو واضح، وإليه أشار في المنظومة بقوله:
وفي سهيل ما يزيح العلة * عكس الجدي في بيان القبلة
إلى غير ذلك من الأمارات التي يمكن استنباطها ولو بالمقايسة للمنصوص منها،
قال في كشف اللثام: (الجدي وضعه الشارع إمارة لسمت من السماوات، ولكنها
تفيد إمارات لسائر السماوات بمعاونة الحس والقواعد الرياضية المستندة إلى الحس)
قلت: (ولعله لذا اشتهر في ألسنة الأصحاب اطلاق الأمارات الشرعية على العلامات
المذكورة في كتبهم للعراقي وغيره، وإلا فقد عرفت أن الموجود في النصوص منها الجدي
والمشرق والمغرب في وجه، نعم ربما كان فيها إشعار بأن النجوم والشمس والقمر
ونحوها علامات للقبلة في الجملة، ولعله اعتمادا على معرفة الناس في ذلك الوقت لم يذكر
كيفية الاستدلال بها، أو لأن ذلك ليس وظيفته (عليه السلام)، بل هو موضوع يرجع
إلينا في كيفية الاستدلال به على القبلة، أو لاغتفار التسامح بما يخشى الخطأ منه، أو لغير
ذلك، وربما كان الأخير لا يخلو من قوة، لما عرفت من اختلاف مؤدى الأمارات
السابقة مع اطلاق النصوص والفتاوى، وما ذاك إلا للتسامح.
373

(و) ربما يشهد له أيضا ما ذكره المصنف وغيره، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا
من أنه (يستحب لهم) أي العراقيين (التياسر إلى يسار المصلي منهم قليلا) ضرورة
أنه لولا التسامح المزبور أمكن الاشكال على هذا الحكم بما عن أفضل المحققين نصير الملة
والدين لما حضر مجلس درس المصنف يوما واتفق الكلام في هذه المسألة من أن التياسر
أمر إضافي لا يتحقق إلا بالإضافة إلى صاحب يسار متوجه إلى جهة، فإن كانت تلك
الجهة محصلة لزم التياسر عما وجب التوجه إليه، وهو حرام، لأنه خلاف مدلول الآية،
وإن لم تكن محصلة لزم عدم إمكان التياسر، إذ تحققه موقوف على تحقق الجهة التي
يتياسر عنها، فكيف يتصور الاستحباب، بل المتجه حينئذ وجوب التياسر المحصل لها،
إذ التحقيق في جوابه بناء على كون القبلة الكعبة للبعيد لا الحرم، وعلى أن الحكم
استحباب لا وجوب أن المراد استحباب التياسر عن الجهة المدلول عليها بالعلامات
التقريبية حينئذ، ولعله لأنه أكمل في المحاذاة المعتبرة التي قد سمعت تفسير الجهة بها،
ضرورة عدم دوران الأمر بين حصول المعتبر من المحاذاة وعدمه كي يتجه الاشكال
المزبور، ودعوى معلومية انعدام حصول المحاذاة في البعيد بأدنى انحراف يدفعها بعد
إمكان منعها أنه كذلك في المحاذاة التحقيقية لا التقريبية.
نعم قد يشكل ذلك بأنه مخالف للنصوص الواردة في المقام التي هي مستندهم لهذا
الحكم بحسب الظاهر، كخبر المفضل بن عمر (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة، وعن السبب فيه، فقال: إن الحجر
الأسود لما أنزل به من الجنة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه
النور نور الحجر، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال، وعن يسارها ثمانية أميال، كله
اثني عشر ميلا، فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة، لقلة أنصاب

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب القبلة - الحديث 2
374

الحرم، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة) ومرفوع علي بن محمد (1)
(قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟
فقال: لأن الكعبة ستة حدود، أربعة منها على يسارك، واثنان منها على يمينك، فمن
أجل ذلك وقع التحريف على اليسار) ولا منافاة بينه وبين سابقه بعد إرادة الأميال
الثمانية والأربعة من الحدود الأربعة والاثنين فيه، والمحكي (2) عن فقه الرضا (عليه
السلام) (إن أردت توجه القبلة فتياسر مثل ما تتيامن، فإن الحرم عن يمين الكعبة
أربعة أميال، وعن يسارها ثمانية أميال) ضرورة ظهور الجميع في أن التياسر للوقوع
في الحرم، ومن هنا بنى المصنف هذا الحكم في رسالته المعمولة في هذه المسألة التي أعرضها
على المحقق المزبور فاستحسنها وتبعه غيره على القول بأن القبلة للبعيد الحرم لا الكعبة،
فيتجه حينئذ رده أو التوقف فيه ممن لا يقول بذلك، بل وممن قال به، لضعف المستند،
ولما عرفته من الاشكال السابق، ولاقتضاء التعليل استحباب التيامن للمقابل العراقي،
جهة للاستظهار المزبور، ولم نعرف أحدا صرح به، بل ظاهرهم اختصاص العراقي
بذلك، مع أنه يقتضي رجحان التياسر على التيامن لا الاعتدال، ومنه وسابقه يقوى
حينئذ احتمال كون الأمر بالتياسر فيها لما قيل من غلبة التيامن في قبلة العراق في ذلك
الزمان من المخالفين حتى في مسجد الكوفة كما هو مشاهد، فأمروا بالتياسر تحصيلا
للاعتدال، لكن ذكروا التعليل المزبور تخلصا من شرهم، ولغير ذلك، وللأول أو
الثاني توقف فيه في ظاهر النافع والمعتبر وكشف الرموز والتذكرة والمنتهى والتنقيح
على ما حكي عن البعض، بل رده في ظاهر أو صريح السرائر وجامع المقاصد وفوائد
الشرائع وحاشية الميسي والروض والمسالك وفوائد القواعد وإرشاد الجعفرية والمدارك

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب القبلة - الحديث 1
(2) المستدرك - الباب - 3 - من أبواب القبلة - الحديث 1
375

والمفاتيح على ما نقل عن جملة منها، بل هو صريح بعضها كالمحكي عن فخر المحققين،
بل قيل: إنه لم يتعرض له أصلا الصدوق وأبو الصلاح وأبو المكارم وغيرهم،
فقد ضعفت دعوى الشهرة على الاستحباب، بل هو يضعف أيضا لعدم الجابر حينئذ
لنصوصه السابقة.
وقد يدفع بعد كون الحكم استحبابا بأن دليل التياسر غير منحصر في التعليل
المزبور، بل ظاهر هذه النصوص معلومية الحكم في ذلك الزمان، مع أنه يمكن توجيهها
بناء على أن القبلة الكعبة لا الحرم بما عرفته سابقا من أن الخارج لا يجوز له التوجه إلى
غير الحرم، للعلم بخروجه حينئذ عن سمت الكعبة لا لكون قبلته الحرم، كما أنه قد
يناقش في حملها على التقية بأن مراعاة التقية على تقدير ثبوت بناء محاريب المساجد على
التيامن تقتضي أمر الشيعة متابعة قبله هؤلاء الفجرة كي لا يعرفوا فيقتلوا لا أن يؤمروا
بالمخالفة لهم فيؤخذ برقابهم، خصوصا في المخالفة لهم في الصلاة إلى غير قبلتهم، اللهم
إلا أن يكون التياسر قليلا ممن لا يتفطن له، خصوصا في البعيد عن المحراب، لكن
على كل حال احتمال ذلك فيها لا ينافي الاستدلال بها على الحكم الاستحبابي المعلوم
التسامح فيه، سيما بعد قبول كثير من الأصحاب لها، حتى ادعى الشيخ في الخلاف
الاجماع عليه، وإن كان ظاهر عبارته فيه الوجوب حيث قال: (على أهل العراق)
كالمحكي عن النهاية والجمل والوسيلة، بل في المبسوط (ويلزم أهل العراق) لكن
المراد الندب على الظاهر، وإلا كان ضعيفا، للأصل وإطلاق ما دل على الأمارات
المزبورة من نص وإجماع، وموهونية اجماعه بمصير الأكثر إلى خلافه، وضعف
النصوص السابقة سندا ودلالة عن اثبات الوجوب حتى الرضوي المشتمل على الأمر
منها، إلا أنه ليس حجة عندنا، ولا يخلو من إجمال بالنسبة إلى تشبيهه.
376

فظهر لك حينئذ من ذلك كله أن الحكم بالاستحباب لا يخلو من قوة، وأن
التحقيق في الجواب عن الاشكال عليه ما عرفت لا ما قيل من منع الحصر، لأن حاصل
السؤال أن التياسر إما إلى القبلة فيكون واجبا لا مستحبا، وإما عنها فيكون حراما،
والجواب منع الحصر، بل التياسر عنها إليها، وجاز اختصاص بعض جهات القبلة بمزيد
الفضيلة على بعض، أو حصول الاستظهار بالتوسط بسبب الانحراف، خصوصا على
ما سمعته من بعض معاصري الفاضل الهندي من أن قبلة الكوفة وبغداد الركن الشامي
والعراقي، فيتياسر استظهارا، اللهم إلا أن يريد هذا المجيب ما ذكرناه، بل يمكن
المناقشة عند التأمل فيما أجاب به المصنف أيضا، إذ كون القبلة الحرم لا يقتضي ذلك،
خصوصا بناء على إرادة جهة الحرم لا عينه، ضرورة الخروج عن المحاذاة للبعيد بأدنى
انحراف، كما هو مشاهد في استقبال الأجرام البعيد، أما لو أريد المحاذاة الحقيقية
للحرم كما هو ظاهر أو صريح بعض القائلين بذلك على ما عرفت سابقا أمكن الاشكال
بأنه لا يعلم اتصال الخطوط إلا بالتياسر دون غيره، مع أن مقتضاه حرمة الغير ووجوب
التياسر لا استحبابه المقتضي لجواز غيره حتى التيامن القليل، فلا بد في الجواب من
ملاحظة تقريبية العلامات المزبورة، وأن التياسر عنها لعله أدخل في حصول المحاذاة
كما ذكرناه سابقا، وهو لا يخص القول بالمزبور، بل يتجه على المختار أيضا، ومن هنا أفتى
به العلامة وغيره ممن مذهبه استقبال الكعبة لا الحرم، فتأمل جيدا.
ثم إن صريح أكثر الفتاوى اختصاص ذلك بالعراقي كظاهر خبر المفضل (1)
وهو كوفي، بل غالب الرواة عنهم (عليهم السلام) عراقيون، لكن في الذكرى التعبير
بأهل المشرق، ولعله يريد العراقيين منهم، خصوصا مع قوله بعد ذلك: (فرع: إذا
قلنا بهذا التياسر فليس بمقدر، بل مرجعه إلى اجتهاد المصلي، ومن ثم جعلنا المسألة من

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب القبلة - الحديث 2
377

مسائل الاجتهاد، ولا ريب في اختلاف ذلك بحسب اختلاف بلدان المشرق، ولعل
البالغ في المشرق إلى تخومه يسقط عنه هذا التياسر، بل لا يجوز له للقطع بأنه يخرج عن
العلامات المنصوبة لهم، والخبران لا يدلان على غير أهل العراق، لأن المفضل كوفي، وغالب
الرواة عراقيون) وهو كما ترى ظاهر في الاختصاص.
هذا كله في الركن العراقي، وأما الركن الثاني من ركني الباب فهو لأهل الشام
وغيرهم، وقد ذكروا لأهل الشام وما سامته منهم علامات متعددة: أحدها جعل بنات
نعش حال غيبوبتها خلف الأذن اليمنى بلا خلاف أجده فيه والمراد بغيبوبتها غاية انحطاطها
إلى جهة المغرب كما عن جماعة التصريح به، ولعل إليه يرجع ما عن حواشي الشهيد من أنه
حال مجاورتها البحر، لكن عن فوائد القواعد والمقاصد العلية أن المراد بغيبوبتها ميلها
عن دائرة نصف النهار لا الغيبوبة المتعارفة، وهو نهاية انحطاطها وخفاؤها على تقديره،
لأنها حينئذ تميل عن قبلة الشامي وعن مسامتة الأذن كما لا يخفى، والذي يراد جعله خلف
الأذن اليمنى إما الموضع الذي تدنو فيه من الغروب أو وسطها تقريبا، لكن في
كشف اللثام وعن غيره جعل كل من بنات نعش الكبرى، ولعله لاختلاف وقت
مغيبها، والأمر سهل.
ثانيا وضع الجدي على حسب ما مر في العراقي خلف الكتف اليسرى، وربما
عبر بالمنكب، والأول أولى، لأن انحراف الشامي كما في الروضة أقل من العراقي المتوسط،
وبالتحرير التام ينقص الشامي عنه جزءين من تسعين جزء مما بين الجنوب والمشرق
أو المغرب، وذلك لأن بين نقطة الجنوب والمشرق تسعين جزء، وبينها وبين
نقطة المغرب تسعين جزء أيضا، وانحراف الشامي نحو المشرق أحد وثلاثون جزءا
من التسعين، وانحراف العراقي نحو المغرب ثلاثة وثلاثون جزءا فينقص الشامي عن
العراقي جزءين، لأن الكتف أقرب إلى ما بين الكتفين من المنكب، فيتفاوت بهما
378

الانحراف، ويمكن إرادة الكتف من المنكب هنا، فيتجه الجميع حينئذ، أو هو
مبني على التسامح في ذلك كالتسامح في ذكر هذه العلامات لأهل الشام،
ولا ريب في تفاوتهم، إذ الشرقيون منهم المجاورون للعراق لا يحتاجون إلى انحراف
غيرهم، وربما يعلم ذلك مما سمعته في العراق، وبنات نعش معروفة سبعة كواكب،
أربعة نعش وثلاثة بنات، ولعل التقييد بالكبرى من بعضهم لإرادة الأولى أو الثانية.
ثالثها وضع سهيل عند طلوعه بين العينين، وعليه يحمل اطلاق اللمعة كونه علامة
بين العينين، والمتبادر من الطلوع أول ما يبدو ويرى في الأرض المستوية من الشام،
لكن عن الحواشي المنسوبة إلى الشهيد أن المراد به الانتهاء في الصعود، وفيه مع أنه
لا قرينة على إرادة ذلك من الطلوع أنه لا يوافق ما قيل من أنه إذا طلع يكون منحرفا عن
نقطة الجنوب إلى جانب المشرق، وكلما أخذ في الارتفاع مال إلى المغرب، فيكون
مغربا عن قبلة الشامي.
رابعها جعل مغيبه على العين اليمنى، وربما أشكل ذلك بأنه إن أريد به المعنى
المعتبر في غيبوبة بنات نعش خالف غيره من العلامات، لأن جعله حينئذ على العين اليمنى
يوجب استقبال نقطة الجنوب، وهو لا يطابق قبلة الشامي، لأنها مائلة نحو المشرق،
وإن اعتبرت غيبوبته المقابلة لطلوعه، وهو نهاية انحطاطه نحو المغرب وخفاؤه أو قربه
خرج عن مسامتة العين، خصوصا مع مراعاة طلوعه بين العينين، فإن المراد به أول
بروزه عن الأفق في الأرض المعتدلة في بلاد الشام ليطابق سمت قبلتها، قلت: لعل
المراد بغيبوبته وصوله إلى دائرة نصف النهار، لأن وقت غيبوبته إذا بلغ نصف النهار،
وحينئذ يكون بين كتف اليمنى وعلى العين اليمنى للشامي.
خامسها وسادسها كون مهب الصبا على الخد الأيسر والشمال على الكتف، وهما
379

كغيرهما من الرياح السابقة لا ينبغي التعويل عليها إلا عند فقد غيرها من الأمارات التي
هي أقوى منها في الدلالة، وفي كشف اللثام أنه زاد شاذان جعل المشرق على العين
اليسرى، والدبور على صفحة الخد الأيمن، والجنوب مستقبل الوجه، وذكر أنها
علامات لعسفان وينبع والمدينة ودمشق وحلب وحمص وحماة وآمد وإربد وميافارقين
وافلاد إلى الروم، وسماوة والحوران إلى مدين شعيب وإلى الطور، وتبوك والدار
وبيت المقدس وبلاد الساحل كلها، وأن قبلتهم من الميزاب إلى الركن الشامي، وأن
التوجه من مالطة وسمساط والجزيرة إلى الموصل وما وراء ذلك من بلاد آذربايجان
والأبواب إلى حيث يقابل الركن الشامي إلى نحو المقام، وعلامتهم جعل بنات نعش
خلف الأذن اليسرى، وسهيل إذا نزل للمغيب بين العينين، والجدي إذا طلع بين
الكتفين، والمشرق على اليد اليسرى والمغرب على اليمنى، والعيوق إذا طلع خلف
الأذن اليسرى، والشمال على صفحة الخد الأيمن، والدبور على العين اليمنى والجنوب
على العين اليسرى.
الركن الثالث الذي هو ثاني ركني جدار الشام لأهل المغرب، وعلامتهم جعل
الثريا حال طلوعها على اليمين، والعيوق كذلك على اليسار، والجدي حال استقامته
أو مطلقا كما جزم به في كشف اللثام على صفحة الخد الأيسر، قيل والمراد بالمغرب
بعضهم كالحبشة والنوبة لا المغرب المشهور كقرطبة ورذيلة وتونس وقيروان وطرابلس،
فإن قبلته تقرب من نقطة المشرق، وبعضها تميل عنه نحو الجنوب يسيرا، وعن شاذان
أن أهل المغرب أيضا يجعلون الشولة إذا غابت بين الكتفين، والمشرق بين العينين،
والصبا على العين اليسرى، والجنوب على اليمنى، والدبور على المنكب الأيمن، وذكر
أنها علامات للصعيد الأعلى من بلاد مصر وبلاد الحبشة والنوبة والبجة والزعارة
والدمانس والتكرور والزيلع وما وراءها من بلاد السودان، وأنهم يتوجهون إلى حيث يقابل
380

ما بين الركن الغربي واليماني، وأن بلاد مصر والإسكندرية والقيروان إلى تاهرت
إلى البربر إلى السوسي الأقصى وإلى امروم وإلى البحر الأسود يتوجهون إلى ما بين
الغربي والميزاب، وعلامتهم جعل الصليب إذا طلع بين العينين، وبنات نعش إذا غابت
بين الكتفين، والجدي إذا طلع على الأذن اليسرى، والصبا على المنكب الأيسر،
والشمال بين العينين، والدبور على اليد اليمنى، والجنوب على العين اليسرى.
والركن الرابع اليماني الذي أحد طرفيه ركن المغرب، وثانيه أحد ركني الباب،
وعلامتهم جعل الجدي وقت ارتفاعه: أي وصوله إلى دائرة نصف النهار بين العينين،
وسهيل وقت غيبوبته التي تحصل عند بلوغه نصف النهار في الارتفاع بين الكتفين،
ومهب الجنوب على أسفل الكتف اليمنى، وعن شاذان زيادة جعل المشرق على الأذن
اليمنى، والصبا على صفحة الخد الأيمن، والشمال على العين اليسرى، والدبور على
المنكب الأيسر، وذكر أنها علامات نصيبين واليمن والتهايم وصعدة إلى صنعاء وعدن
إلى حضرموت، وكذلك إلى البحر الأسود، وأنهم يتوجهون إلى المستجار والركن
اليماني، هذا. وفي اللمعة أن اليمن مقابل الشام، ولازم هذا المقابلة أن أهل اليمن
يجعلون سهيلا بين الكتفين مقابل جعل الشامي له بين العينين، وأنهم يجعلون الجدي
محاذيا لأذنهم اليمنى بحيث يكون مقابلا للمنكب الأيسر، فإن مقابلة يكون إلى مقدم
الأيمن، وهو مخالف لما عرفت مما صرح به غير واحد من الأصحاب، وهو يقتضي
مقابلته العراقي في الجملة لا الشامي، لكن في الروضة أن التحقيق أن المقابل للشام من
اليمن هو صنعاء وما ناسبها، وهي لا تناسب شيئا من هذه العلامات، وإنما المناسب لها
عدن وما والاها، ولعله لذا قال العلامة الطباطبائي في بيان تعرف القبلة بالجدي لأهل
هذا الركن:
وبين عينيك بأطراف عدن * والأذن اليمنى لصنعاء اليمن
381

هذا. ويمكن معرفة القبلة أيضا بطرق أخر مستفادة من المهارة في علم الهيئة،
ولعل أولاها ما ذكره بعض علمائنا مختارا له من بين الطرق، وهو طريقان: الأول
ما أورده سلطان المحققين نصير الملة والدين في التذكرة قال: (ما نصه أن الشمس تكون
تارة بسمت رأس مكة شرفها الله تعالى حين كونها في الدرجة الثامنة من الجوزاء،
والدرجة الثالثة والعشرين من السرطان وقت انتصاف النهار، والفضل بين نصف
نهارها ونصف نهار سائر البلدان أن يكون بقدر التفاوت بين الطولين، فليؤخذ
التفاوت ويؤخذ لكل خمسة عشر جزء منه ساعة، ولكل جزء أربع دقائق، فيكون
ما اجتمع ساعات البعد عن نصف النهار، وليرصد في ذلك اليوم ذلك الوقت قبل نصف
النهار إن كانت مكة شرفها الله تعالى شرقية، أو بعده إن كانت غربية فسمت
الظل حينئذ سمت القبلة) انتهى. قيل ووجه مرور الشمس حال كونها في كل من
الدرجتين المذكورتين في سمت رأس مكة ما ثبت من أن ميل كل منهما عن المعدل بقدر
عرضها، ووجه مساواة الفضل المذكور لما بين الطولين إلى آخر ما قاله أن ما بين الطولين
قوس من المعدل واقع بين دائرتي نصف نهار البلدين، ولما كانت أجزاء المعدل ثلاثماءة
وستين، وكل منها ستون دقيقة، وكان زمان الدورة أعني اليوم بليلته أربعا وعشرين
ساعة مستوية، كل منها دقيقة كان حصة كل خمسة عشر جزءا ساعة واحدة، وحصة
كل جزء أربع دقائق، فإذا أخذنا لما بين الطولين حصته من الساعات والدقائق كان
المجتمع زمان ما بين انتصاف النهار بمكة وانتصافه بغيرها، فإذا بقي أو مضى من انتصافه
فيه بقدر ذلك الزمان يكون الشمس على سمت رأس مكة وظل المقياس حينئذ مسامتا
للقبلة، لمرور دائرة ارتفاع الشمس بسمت رأس مكة، فإذا جعل المصلي خطا بين قدميه
وسجد عليه متوجها إلى المقياس يكون متوجها إلى القبلة، لأنه يكون قد سجد على
قوس من عظيمة أرضية مارة بما بين قدميه وموضع سجوده ومكة شرفها الله تعالى،
382

ثم لا يخفى عليك اختصاص هذه الطريق في البلدان المخالفة لمكة في الطول.
الطريق الثاني وهو المشتهر بالدائرة الهندية والعمل فيه بعد تسوية الأرض ورسم
الدائرة واستخراج خطي الاعتدال والزوال القاسمين لها أرباعا على ما مر في بحث المواقيت
أن يقسم كل ربع منها تسعين قسما متساوية، ثم تعد من نقطة الجنوب أو الشمال بقدر
ما بين الطولين إلى المغرب إن زاد طول البلد على طول مكة شرفها الله تعالى، وإلى المشرق
إن نقص، ومن نقطة المشرق أو المغرب بقدر ما بين العرضين إلى الشمال إن نقص
عرضه، وإلى الجنوب إن زاد عليه، ويخرج من منتهى الأجزاء الطولية خطا موازيا
لخط الزوال، ومن منتهى الأجزاء العرضية خطا موازيا لخط الاعتدال، فيتقاطع ذلك
الخطان داخل الدائرة غالبا فصل بين مركزهما، ونقطة التقاطع بخط منته إلى محيطها،
فهو على صوب القبلة، ولا يخفى أيضا أن هذا الطريق في المخالفة لمكة طولا وعرضا
خاصة، فهو أقل من سابقه ثمرة، بل ربما نوقش في اقتضائه التوجه إلى العين تحقيقا،
نعم إنما هو تقريبي، لكن قيل إنه كذلك بالنسبة إلى العين كما هو مشرب علماء
الهيئة، وأما بالنظر إلى إفادتها الجهة كما هو مذهب الفقهاء قدس الله أرواحهم فتحقيقية،
ولذا لم يلتفتوا إلى تعديلها بما يقربها إلى التحقيق في زعم أولئك، وفيه نظر يعرف مما
قدمناه سابقا، ولعله إلى هذين الطريقين أشار العلامة الطباطبائي بقوله:
وتعلم القبلة في بحر وبر * في غير مسطور بشئ مستطر
والله أعلم.
(الثاني في) أحكام (المستقبل)
بالكسر (و) هي كثيرة، منها أنه (يجب) عليه (الاستقبال في الصلاة) الواجبة
والذبح كذلك وجوبا شرعيا على الأصح من وجوب المقدمة، ولخصوص الأدلة
لا شرطا خاصة (مع العلم بجهة القبلة) لما دل على وجوب الطاعة والانقياد من العقل
383

والنقل (1) ويحصل العلم بأخبار المعصوم (عليه السلام) وبصلاته التي يعلم خلوها عن
التقية بناء على ما ذكرنا سابقا من منافاة الإمامة الخطأ في جهة القبلة، وبنصبه محرابا،
ولذلك ذكر غير واحد من الأصحاب بل ظاهرهم الاتفاق عليه أن المحراب الذي نصبه
المعصوم (عليه السلام) أو صلى فيه مما يفيد العلم بذلك، ووجهه ما ذكرنا لكن بشرط
القطع بصلاته فيه من غير تيامن ولا تياسر وأنه لا تقية، نعم يصعب ثبوت محراب عندنا
الآن كذلك، إذ أقربها إلى ذلك محراب النبي (صلى الله عليه وآله)، لكونه
مأخوذا يدا بيد، مع أن المحكي عن الشيخ نجيب الدين أنه قال: وقع في محرابه
(صلى الله عليه وآله) بالمدينة بعض تغيير، وأما مسجد الكوفة فإن وإن ذكر جماعة
معلومية نصب أمير المؤمنين (عليه السلام) له، وصلاة الحسن والحسين (عليهما السلام)
فيه، وأنه لذلك لا يجوز الاجتهاد فيه يمينا ويسارا. بل في المحكي عن آيات الأردبيلي
أن الأصحاب يقولون: إن قبلة الكوفة يقينية، كما أن المحكي عن مجمعه نقل حكاية
التواتر أيضا، لكن في خبر الأصبغ بن نباتة (2) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
(ويل لبانيك بالمطبوخ المغير قبلة نوح (عليه السلام) وخبر محمد بن إبراهيم النعماني (3)
في حديث عنه (عليه السلام) (أما أن قائمنا (عليه السلام) إذا قام كسره وسوى قبلته)
ومرسل الصدوق (4) (إن حد مسجد الكوفة آخر السراجين، قيل له من غيره؟
قال: أول ذلك الطوفان، ثم غيره أصحاب كسرى، ثم غيره زياد بن أبي سفيان)
وقد سمعت سابقا أن المجلسي (رحمه الله) قال: الوجه في استحباب التياسر أو وجوبه لأهل

(1) سورة النساء - الآية 62
(2) البحار - ج 13 ص 186 - 194
(3) البحار - ج 13 ص 186 - 194
(4) الفقيه ج 1 - ص 149 الرقم 692 - طبعة النجف
384

العراق أن قبلة مسجد الكوفة متيامنة، وبقية المساجد تابعة له، والتقية منعت عن
التصريح بذلك، فورد الأمر بالتياسر لأهل العراق على ذلك بأحسن وجه، وقد ذكر
بعض الأصحاب أيضا أنه لا يوافق المشاهد الآن من قبلته العلامات المعلوم نصبها من
الشارع، كوضع الجدي على الكتف، اللهم إلا أن يدفع ذلك بأنه بعد فرض معلوميته
يكون هو الشاهد على وضع الجدي لا العكس، ومن هنا أيد بعضهم القول بأن العلامة
وضع الجدي على المنكب الأيمن بمعنى مجمع عظم العضد والكتف بموافقته للمشاهد الآن
لقبلة مسجد الكوفة، إلا أن الانصاف عدم وصول تواتره إلينا بطريق قطعي، بل
أقصاه الطريق الظني باعتبار نقل جماعة من أجلاء الأصحاب، وفي جريان أحكام
المقطوع به عليه باعتبار ثبوته بطريق شرعي إشكال بل منع، ضرورة صلاحية معارضته
بظن آخر أقوى من ذلك، وأولى منهما في عدم ثبوت التواتر غيرهما في المساجد،
كمسجد سر من رأى وطوس والبصرة والمدائن وغيرها من المساجد المدعى فيها القطع
بنصب معصوم لمحاريبها أو صلاته فيها على وجه لا تيامن وتياسر فيه، بل وكذا قبور
الأئمة (عليهم السلام)، فإنه وإن كان الثابت عندنا أن المعصوم (عليه السلام) لا يقبره
غير المعصوم إلا أن قبورهم (عليهم السلام) قد تغيرت بسبب وضع الشبابيك
والصناديق والحضرات ونحوها، وبها حصل التغيير.
ومن هنا قال بعض مشائخنا: أن الحضرة الشريفة في سر من رأى وشباكها
والسرداب الشريف على خلاف الجهة قطعا، وما ذاك إلا للتصرف المزبور، وهذا
كلام عرض بالبين، وإلا فوظيفة الفقيه إناطة الحكم بعلم الجهة من غير تعرض لأسباب
العلم، ضرورة اختلافه باختلاف الناس، فقد يستفاد أيضا من تواتر الجهة وشياعها
وأخذها يدا بيد، واتفاق أهل النظر، وغير ذلك، قيل ومن ذلك استعمال العلامات
المفيدة لذلك كالجدي ونحوه على بعض الوجوه، وقد عرفت فيما مضى أنه ذكر غير واحد
385

من الأصحاب حصول العلم بالجهة من سائر الأمارات الرياضية التي هي عندهم تدل على
العين، وأنه لا يخلو من نظر، لا لأن الوضع المراد غير متيسر باعتبار البعد، ضرورة
إرادة الظاهر للحس منه لا النصب الحقيقي المتعذر، وإلا لم يكن علامة، بل لأن دلالتها
على الجهة عندنا منحصرة فيما لا يفيد إلا الظن، والاجماع على العمل بوضع الجدي مثلا
المستفاد بمقايسته باقي العلامات لا يفيد القطع بالجهة، ضرورة عدم التلازم بينهما، ومن
هنا قال في القواعد: (يجب الاستقبال مع العلم بجهة القبلة، فإن جهلها عول على ما وضعه
الشرع أمارة والقادر على العلم لا يكفيه الاجتهاد المفيد للظن) وهو كالصريح في استفادة
الظن بذلك، وكذا كشف اللثام وغيره، نعم هي كالعلم شرعا في وجوب العمل،
بل لا يبعد في النظر عدم وجوب تقديم العلم حسا عليها، لاطلاق دليل العمل بها،
وظهور اتفاق الأصحاب على إرادتها من العلم المأمور به للقبلة والعلم القطعي بعدم الحرج
على من كان في زمن التمكن من استعلام المعصوم (عليه السلام) في العمل بهذه العلامات، ولغير
ذلك مما يظهر بأدنى تأمل.
ومن هنا يقوى الظن بإرادة المصنف من قوله: (فإن جهلها عول على الأمارات
المفيدة للظن) غير الأمارات الشرعية التي قد عرفت عدم تقييد العمل بها على الظاهر
بعدم العلم القطعي بالجهة، بدليل عدم ذكره الاجتهاد بعد ذلك، فيعلم منه حينئذ إرادته
من هذه العبارة، ولا ريب في توقف اعتباره على انتفاء العلامات الشرعية، وأن
استعمالها ليس من الاجتهاد في شئ، إذ هو في الغالب لتحصيل الجهة التي كانت تستفاد
منها، وإطلاق الاجتهاد على الحاصل منها في بعض العبارات لضرب من التجوز، ومن
هنا عمم العلم للحسي والشرعي في كشف اللثام في شرح قول الفاضل السابق: (والقادر
على العلم لا يكفيه الاجتهاد المفيد للظن) لكن ظاهره أو صريحه في شرح ما قبل ذلك
اشتراط جواز العمل بها بعدم التمكن من العلم الحسي الحاصل من إخبار معصوم
386

أو محرابه، وهو وإن كان لا يخلو من وجه إلا أن خلافه أيضا لا يخلو من وجه، لما عرفت.
نعم هي لا عبرة بها لو خالفت ما اتفق علم المكلف به من الجهة بقول معصوم
مثلا أو فعله، لا أنه يشترط جواز العمل بها بعدم التمكن من سؤاله مثلا، ولعل عبارة
المتن والقواعد المذكورة سابقا وما ضاهاها لا تنافي ذلك، ضرورة خلوها عن الاشتراط
المزبور، بل يمكن إرادة ما يشملها من العلم في نحو قولهم: لا يجوز التعويل على الظن
في القبلة مع التمكن من العلم، وأن المراد الاجتهادي من الظن فيها لا مثل الظن الحاصل
منها الذي قد عرفت الدليل من النص والاجماع على العمل به، فتأمل. ومن ذلك
يعرف ما في المحكي عن فوائد القواعد في تفسير عبارتها المذكورة سابقا من أن المراد
بالعلم بها للبعيد استفادتها من محراب المعصوم أو قوله، ومع تعذره يرجع إلى ما نصبه
الشارع علامة وإن كان بعضه مفيدا للعلم، إلا أنه لا يرجع إليه حينئذ مطلقا، لما تحقق
من عدم جواز الاجتهاد بتلك العلامات بما يخالف محراب المعصوم، فإن فيه نظرا من
وجوه، وكذا ما في جامع المقاصد في شرح العبارة المزبورة أيضا من أن أكثر ما سبق
من العلامات يفيد القطع بالجهة في الجملة، فكان حق العبارة أن يقول فإن جهلها عول على
ما يفيد القطع من العلامات، ثم على ما يفيد الظن، ثم قال: ويمكن أن يقال العلامات
المذكورة وإن أفاد بعضها القطع بالجهة في الجملة إلا أنها بالإضافة إلى نفس الجهة إنما تفيد
الظن، لأن محاذاة الكواكب المخصوصة على الوجه المعين مع شدة البعد إنما يحصل به
الظن، فيندرج الجميع فيما وضعه الشارع إمارة، بل وما في فوائد الكتاب في شرح
المتن من أن المراد من جهلها على وجه لا يستطيع معرفتها بالعلامات المثمرة لليقين،
كمحاذاة الجدي والمشرق والمغرب مثلا، فإن هذه محصلة لليقين في الجملة وإن لم يحصل
بها نفس السمت يقينا، ثم قال: والمراد بالأمارات المفيدة للظن نحو الضوء الكثير آخر
النهار في يوم الغيم المفيد للظن أن ذلك الجانب هو المغرب، ولقد أصاب فيما ذكر أنه
387

المراد بالأمارات، وإن كان في تعليله السابق نظر، كالذي في المسالك، قال في شرح
المتن: ليس المراد بالأمارات هنا ما هو مذكور في كتب الفقه لتحصيل الجهة كالجدي
ونحوه، فإن تلك مفيدة للعلم بالجهة إذا أحرزت على وجهها، بل المراد بالأمارات المفيدة
للظن الرياح الأربع ومنازل القمر ونحوهما مما لا ينضبط غالبا، فإنهم جوزوا التعويل
عليها عند تعذر غيرها من الأمارات المفيدة للعلم بالجهة كالكواكب، أما الرياح فإنما
تكون علامة عند تحققها، ولا يكاد يتفق لغير الماهر في معرفة طبائعها ومنازلها ومثار أفعالها
إلا مع العلم بالجهات الأربع، ومعه يستغنى عن الاستدلال بها، وأما القمر فإنه يكون
ليلة سبع من الشهر في قبلة العراقي أو قريبا منها عند المغرب، وليلة الرابع عشر منه
نصف الليل، وليلة الحادي والعشرين عند الفجر، إلا أن ذلك كله تقريبي لا يستمر
على وجه واحد، لاختلاف حركات القمر، فلذلك اشترط التعويل عليها بفقد العلامات
الثابتة كالجدي، وقد تبع فيما ذكره أخيرا ما في جامع المقاصد، حيث قال بعد ما ذكر
جملة من الكلام: فيستفاد من قول العلامة: (والقادر على العلم) إلى آخره. أن القادر
على القبلة حال استقامته مثلا لا يكفيه التعويل على كون القمر ليلة السابع من الشهر في
وقت المغرب محاذيا لقبلة المصلي، وليلة الرابع عشر منه نصف الليل، وليلة الحادي
والعشرين منه عند الفجر، فإنه ينتقل في المنازل، فيغرب في ليلة كونه هلالا على نصف
سبع الليل، لأن ذلك تقريبي يزيد وينقص، إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا يخفى
عليك ما فيها بعد الإحاطة بما قدمنا.
وكيف كان فلا ريب في تقدم هذه الأمارات على الاجتهاد، وأما جواز العمل
بها بناء على أنها إنما تفيد الظن مع التمكن من العلم الحسي ففيه وجه إذا لم يعلم مخالفتها
له، حتى القمر عند من جعله علامة بسبب مراعاته له في سائر الفصول مقايسا له بالجدي
الثابت كونه علامة، لكن يظهر من جماعة اشتراط جواز العمل بها بانتفاء العلم، وللنظر
388

فيه مجال، لكن على كل حال لا خلاف أجده بين المسلمين فضلا عن الخاصة في العمل
بها، وأنه لا يصلي إلى أربع جهات بمجرد فقد العلم وإن تمكن من أعمالها، وبه اعترف
في كشف اللثام.
نعم قد يظهر من قول الشيخين في المقنعة والنهاية والمبسوط والجمل والاقتصاد
والمصباح - على ما حكي عن بعضها بعد ذكرهما الأمارات السماوية أن من فقدها صلى
أربعا مع الاختيار، ومع الضرورة يصلي إلى جهة - عدم جواز العمل بالاجتهاد بمعنى
الظن الناشئ من غير الأمارات الشرعية، بل هو في الحقيقة ظن بالجهة التي كانت تستفاد
من تلك الأمارات كما هو ظاهر المحكي عن ابن حمزة أو صريحة من أن فاقد الأمارات
يصلي أربعا مع الاختيار، ومع الضرورة يصلي إلى جهة تغلب على ظنه، وعلى ذلك
ينزل ما حكاه في الذكرى عن ظاهر الشيخ في التهذيب والخلاف من أن الاجتهاد لا يكون
إلا عند الضرورة: أي تعذر الصلاة إلى أربع جهات، لا أن المراد بالاجتهاد ما يشمل
الحاصل من تلك الأمارات بناء على إفادتها الظن.
وإن كان الأقوى خلافه أيضا وفاقا للمعظم، بل الاجماع ممن عداهما، بل لعله
ظاهر معقد اجماع المنتهى أو صريحه بعد التدبر في آخر كلامه، ومحتمل أو ظاهر اجماع
التحرير أيضا، بل يمكن دعوى تحصيل الاجماع عليه فضلا عن محكيه، ويدل عليه مع
ذلك صحيح زرارة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) (يجزئ التحري أبدا إذا لم يعلم
أين وجه القبلة،) وموثق سماعة (2) (سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس
والقمر ولا النجوم، فقال: اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك) وغيرهما من النصوص
التي تسمعها إن شاء الله في الأعمى وفيمن بان له الخطأ بعد خروج الوقت أو قبله، فإن
فيها التصريح بالاجتهاد والتحري، وبذلك كله يخرج عن مقتضى قاعدة وجوب تحصيل

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2
389

العلم الاجمالي بعد تعذر العلم التفصيلي لو سلم اقتضاؤها الأربع حينئذ.
كما أنه بذلك يجب حمل خبر خداش (1) على إرادة التحري لا الأمارة، قال
للصادق (عليه السلام): (جعلت فداك إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت
السماء علينا أو اظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد، فقال: ليس كما
يقولون، إذا كان ذلك فلتصل لأربع وجوه) بقرينة قوله: (أطبقت السماء) و (اظلمت)
ضرورة ظهورهما في أنه لا أمارة ظن منها القبلة، أو على إرادة بيان أن ذلك حكمنا
لولا الدليل، بخلاف المخالفين فإن عندهم التكليف بالاجتهاد أولا ولا احتياط، أو على
غير ذلك مما لا بأس به بعد قوة المعارض، بل لا بأس بالتزام الطرح بالنسبة إلى ذلك
لأجله، خصوصا وحجية الخبر المزبور محتاجة إلى جابر، وليس، بل ضده موجود
كما عرفت، ومن ذلك يعلم ما في حمل النصوص المزبورة على إرادة الاجتهاد بعد تعذر
الأربع، أو على إرادة الاجتهاد بالأمارات الشرعية، أو نحو ذلك مما يقطع بفساده
بعد الإحاطة بما عرفت الذي بالتأمل فيه يعلم الخلل في النقل وغيره فيما وقع في الرياض
في تحرير هذه المسألة وأعجب ما فيه نقله الخلاف في ذلك عن المبسوط خاصة في وجه،
وأنه على تقديره شاذ محكي على خلافه الاجماع من المسلمين كافة في كثير من العبارات
كالمعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة والذكرى، وأن به صرح بعض الأجلة حيث
قال: وهل له الاجتهاد إذا أمكنه الصلاة إلى أربع جهات؟ الظاهر اجماع المسلمين على
تقديمه وجوبا على الأربع قولا وفعلا، وإن فعل الأربع حينئذ بدعة، فإن غير المشاهد
للكعبة ومن بحكمه ليس إلا مجتهدا أو مقلدا، فلو تقدمت الأربع على الاجتهاد لوجبت على
عامة الناس، وهم غيرهما أبدا، ولا قائل به، إلى آخر ما قال، ونعم ما قال معرضا بذلك
لما في كشف اللثام، فإن ذلك نص عبارته، ومن تأملها إلى آخرها علم أن مراده القول

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القبلة - الحديث 5
390

بتقديم الأربع على الاجتهاد حتى الأمارات الشرعية، وهو كما قال لم يقل به أحد من
المسلمين، إنما الكلام في الظن الحاصل من غيرها، وهو الذي فيه خلاف الشيخ، وهو
نفسه قد احتمله في آخر عبارته مستظهرا له من الكتب السابقة، وكذلك الكلام في
بعض معاقد اجماعات المسلمين التي حكاها عن الكتب المزبورة، فإنها ظاهرة في الأمارات
الشرعية أو في الأعم منها، ولا ريب في أنه لم يقل أحد من المسلمين بتقديم الأربع
عليها مطلقا، فلاحظ وتأمل جيدا.
وكيف كان فقد ظهر لك أن الأصح تقديم الاجتهاد على الأربع، نعم يقدم
عليه بحسب الظاهر شهادة العدلين، وفي جامع المقاصد يلوح من عبارة شيخنا الشهيد
في قواعده عدم الخلاف في الرجوع إليها، وفيه قوة، لأنها حجة شرعية، قلت: لكن
بين ما دل على اعتبارها وبين ما دل على وجوب الاجتهاد مع انتفاء العلم تعارض العموم
من وجه، اللهم إلا أن ترجح بالاكتفاء بها في كثير مما اعتبر فيه العلم، وأما خبر العدل
فإنه وإن كان التعارض فيهما كذلك، إلا أنه يمكن انكار رجحانه في المقام الظاهر
من الأصحاب عدم الالتفات إليه إلا من حيث كونه أمارة اجتهادية في وجه، لكن
في كشف اللثام لم أر من اشتراط التعدد، فهو خبر: أي يكتفي فيه بما يكتفي به في
الأحكام الشرعية، وإلا فكل خبر شهادة، لكن خص ما فيه زيادة تحقيق وتدقيق
للنظر باسم الشهادة، فلما كان الله لطيفا بعبادة حكم في حقوقهم بشاهدين فصاعدا،
واكتفى في حقوقه وأحكامه بالرواية، وهذا منها، وظاهره الاكتفاء به، وقد تقدم
سابقا في أخبار العدل والعدلين بالنجاسة والوقت ما له نفع في أصل المسألة، فلاحظ وتأمل.
(و) مما يشهد لما ذكرنا من عدم التفات الأصحاب إلى خبر العدل قول المصنف:
ف‍ (إذا اجتهد فأخبره غيره بخلاف اجتهاده قيل يعمل على اجتهاده، ويقوى عندي أنه
إذا كان ذلك المخبر أوثق في نفسه عول عليه) وإلا فلا، ضرورة شموله لأخبار العدل
391

عن يقين وحس، بل لعل ظاهر الأخبار ما لا يشمل الخبر عن الاجتهاد، وما قوي
عند المصنف ليس عملا بالخبر من حيث كونه خبرا بل لأنه اجتهاد رافع للاجتهاد
الأول، ولذا لم يفرق بين العدل وغيره، بل لم أجد بعد التتبع قولا لأحد من معتمدي
الأصحاب بالعمل بخبر العدل من حيث إنه حجة شرعية، نعم أرسله في جامع المقاصد
عن بعضهم ولم أعرفه، فقال: قيل بالاكتفاء بشهادة العدل المخبر عن يقين في ذلك
وفي الوقت، وهو ضعيف لأنه مخاطب بالاجتهاد فيهما، ولم يثبت الاكتفاء بذلك،
بل قد يظهر من القيل في عبارة المصنف وغيرها عدم اعتبار الخبر هنا مطلقا وإن كان
الظن به أقوى، إما لأن الرجوع إلى الغير نوع من التقليد، وهو غير جائز للقادر
على الاجتهاد، وإما لأن ظاهر التحري واجتهاد الرأي ما لا يشمل الظن الناشئ من
إخبار الغير، سواء كان عن اجتهاد أو حس، بل لعله هو مقتضى اطلاق قول الفاضل:
(ولو تعارض الاجتهاد وإخبار العارف رجع إلى الاجتهاد) بل عن كشف الالتباس
أن ظاهر المصنفات ذلك في المخبر عن حس فضلا عن غيره، بل كاد يكون صريح
المسالك أيضا، حيث إنه بعد أن ذكر أن وجه القوة التي أشار إليها المصنف رجحان
خبر الغير في نفسه، فيكون المصير إليه أولى من الطرف المرجوح، قال: ويضعف بأن
الرجوع إلى الغير تقليد لا يجوز المصير إليه مع إمكان الاجتهاد، نعم لو كان المخبر
عدلين عن علم اتجه تقديمهما على اجتهاده، وفي الذكرى ولو اجتهد وأخبر بخلافه أمكن
العمل بأقوى الظنين، لأنه راجح، وهو قريب، ووجه المنع أنه ليس من أهل
التقليد، وبه علل في جامع المقاصد عبارة الفاضل المزبورة، ثم قال: وفي الذكرى أن
رجوعه إلى أقوى الظنين قريب، لأنه راجح، والأصح المنع إلا أن ينضم إلى الأخبار
مرجحات أخر، فيكون التعويل على الاجتهاد لا على الأخبار، ولا فرق في ذلك بين
392

كون المخبر قاطعا بالقبلة أو مجتهدا، سواء العدل وغيره، والوقت كالقبلة في ذلك،
وظاهره عدم العمل به إن كان الرجحان منه لا غير، وهو غريب لم أعرف به قائلا قبله.
والتحقيق ما قواه المصنف، وفاقا لجماعة، لاطلاق الأمر بالاجتهاد والتحري
الشاملين ضرورة للظن الناشئ منه، ودعوى عدم صدقهما على مثل ذلك ممنوعة،
كدعوى عدم العبرة بهذا الظن كالمجتهد بالفروع، ضرورة كون التحقيق فيه حجية
ظن مخصوص له، بخلاف المقام الذي لا دليل على خصوصية ظن له، ولو قيل هناك
بفتح باب الظنون له أيضا اتجه له العمل بناء على فرض حصول الظن له بخلاف اجتهاده.
ومن هنا يظهر لك أنه لا فرق بين إخبار العدل وغيره، وبين كونه عن حس
أو لا بعد فرض حصول الظن له به، بل ومنه يظهر أنه لا فائدة معتد بها في قول المصنف
بعد ذاك: (ولو لم يكن له طريق إلى الاجتهاد فأخبره كافر قيل لا يعمل بخبره، ويقوى
عندي أنه إن أفاده الظن عمل به) وأنه لا معنى لفرضها في عدم الطريق له، إذ المتجه
بناء على ما عرفت اتباع الظن وإن كان له طريق أيضا من غير فرق بين الكافر
والفاسق والصبي والامرأة والعبد وغيرهم سواء أخبروا عن حس أو عن اجتهاد،
لاشتراك الجميع في جهة العمل المزبورة، وهي فرض قوة الظن له من باقي الأمارات،
نعم قد تترتب غالبا في حصول الظن وعدمه، وليس العمل بها من حيث الخبرية وعدمها
كي يشترط العدالة وعدمها وكونه عن حس وعدمه، وما في كشف اللثام من الفرق بين
الاخبارين إن أراد بالنسبة إلى الظن وعدمه غالبا فحق، وإلا كما هو ظاهره فممنوع،
كما هو واضح، فتأمل جيدا، فإن كلمات الأصحاب في المقام لا يخلو من تشويش، نعم
يجب عليه بذل تمام الجهد في تتبع أمارات الظن لقوله (عليه السلام): (اجتهد رأيك
وتعمد القبلة جهدك) فلا يجتزي حينئذ بأول ما اتفق له من الأمارات، ومنه حينئذ
قد يقال بوجوب التأخير عليه إلى ضيق الوقت وإن لم نقل به في سائر ذوي الأعذار،
393

لعدم حصول اليقين له ببذل تمام الجهد حتى يضيق الوقت، اللهم إلا أن يدعى تحقق
مصداق عرفي لاطلاق العبارة المزبورة بدون ذلك، فالمتجه حينئذ دوران الأمر عليه،
وهو الأقوى في النظر، فتأمل، والله أعلم.
(ويعول على قبلة البلد) بلاد المسلمين (إذا لم يعلم أنها بنيت على الغلط) اجماعا
في التذكرة والمحكي عن كشف الالتباس معتضدا بالتتبع لكلمات الأصحاب، وبالسيرة
القطعية في جميع الأعصار والأمصار، وبان استمرار عملهم من أقوى العلامات المفيدة
للقبلة، ومنها المحاريب المنصوبة في جوارهم التي يغلب مرورهم عليها، أو في قرية صغيرة
نشأت قرون منهم فيها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون متمكنا من مراعاة الأمارات
الشرعية أو لا، بل وسواء كان متمكنا من العلم بالجهة كما إذا كان فيها محراب معصوم
أو لا، فما في المنتهى من أن البصير في الحضر يتبع قبلة أهل البلد إذا لم يكن متمكنا
من العلم لا يخلو من نظر إن لم يرد ما ذكرنا، نعم قد يتأمل في المظنون بناؤها على ذلك
وإن كان الاجماع المحكي مطلقا، إلا أن المتيقن منه كالسيرة المزبورة غير الصورة
المذكورة، ولعله لذا قال في المبسوط: (إذا دخل غريب إلى بلد جاز أن يصلي إلى قبلة
البلد إذا غلب في ظنه صحتها، فإذا غلب على ظنه أنها غير صحيحة وجب أن يجتهد
ويرجع إلى الأمارات الدالة على القبلة) ونحوه عن المهذب، اللهم إلا أن يريد بغلبة
الظن العلم، أو يريد الأصحاب العكس، فيتفق الجميع حينئذ، ولعل الأول أولى،
لتصريح غير واحد من الأصحاب، بل لا يعرف فيه خلاف بينهم أنه لا يجوز العمل
على الاجتهاد فيها جهة، بل في الذكرى وجامع المقاصد القطع بذلك، وهو منهما كالاجماع،
وليس ذاك إلا لعدم العبرة بهذا الظن الحاصل من الاجتهاد في مقابلة فعل المسلمين على
مرور الأعصار، ولو كان ظن الغلط معتبرا لوجب التعويل على اجتهاده المزبور لا عدمه،
لكن في كشف اللثام بعد أن حكى عن الذكرى أنه لا يجوز الاجتهاد في الجهة قطعا
394

قال: أي العمل على وفقه لأنه عمل بالظن في مقابلة العلم، وهو غير ظن الغلط الذي
حكيناه عن المبسوط والمهذب، ولا مستلزم له، فإن استلزمه انقلب العلم وهما، وفيه أنه
لا ريب في الانقلاب المزبور مع فرض حصول الاجتهاد بما ينافيه، ولعله حمل كلام
الشيخ على ظن غلطها الحاصل من غير الاجتهاد، لا منه الذي حصول الغلط فيه أولى
من الغلط فيها، ومع ذلك لا يخلو من نظر أيضا، فالأولى ترك الاجتهاد، لعدم وجوبه
قطعا، فلو اجتهد فظن الغلط ملاحظا لاستمرار فعل المسلمين كان الأحوط له الصلاة
إلى الجهتين.
وأما الاجتهاد فيها يمينا وشمالا فقد صرح جماعة من الأصحاب بجوازه، بل
لا أجد فيه خلافا بينهم إلا من المحكي عن نهاية الإحكام، حيث قال: (ولو اجتهد
فأداه اجتهاده إلى خلافها فإن كانت بنيت على القطع لم يجز العدول إلى الاجتهاد، وإلا
جاز) والظاهر اكتفاؤه في البناء على القطع باستمرار صلاة المسلمين إليها من غير معارض،
كما أن دليله على الظاهر أقربية احتمال إصابة الخلق الكثير من احتمال إصابة الواحد فيه،
لكن يرده ما في الذكرى من جواز ترك الخلق الكثير الاجتهاد في ذلك، لأنه غير
واجب عليهم، فلا يدل مجرد صلاتهم على تحريم اجتهاد غيرهم، وإنما يعارض اجتهاد
العارف لو ثبت وجوب اجتهاد الكثير أو ثبت وقوعه، وكلاهما في حيز المنع،
بل لا يجب الاجتهاد قطعا، قال: وقد وقع في زماننا اجتهاد بعض علماء الهيئة في قبلة
مسجد دمشق، فإن فيها تياسرا عن القبلة مع انطواء الأعصار الماضية على عدم ذلك،
وقال أيضا عن عبد الله بن المبارك أنه أمر أهل مرو بالتياسر بعد رجوعه من الحج،
قلت: إن أريد باليمين والشمال ما لا يقدح عدمه في الصلاة فلا ثمرة معتد بها لهذه المسألة،
ضرورة أنه يجوز ترك العمل به ولو بعد الاجتهاد، وإن أريد ما يقدح منهما فهو كالخطأ
في الجهة مستبعد على الخلق الكثير في الأزمنة المتطاولة، خصوصا وقد عرفت أن
395

استمرار الخلق مما يفيد بناءها على القطع واليقين لا الظن والتخمين.
وقد ادعى الوجدان في الحدائق على مخالفة قبلة جميع ما شاهده من البلدان
للقواعد الرياضية، ومنها الداخل في الاسلام في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وعين
فيها ولاة من جهته، إلى أن قال: (واللازم من ذلك أحد أمرين، إما بطلان صلاة
أهل تلك البلدان في جميع الأزمان، أو عدم اعتبار هذه العلامات وإن أفادت اليقين
كما ذكروه دون الظن والتخمين، والأول أظهر في البطلان من أن يحتاج إلى البيان،
سيما وجملة منها صلى فيها الأئمة (عليهم السلام) كالمدينة وخراسان ومسجد الكوفة،
ودعوى التغيير في هذه البلدان عما كانت عليه في سابق الأزمان دعوى بغير دليل،
بل مخالفة لما جرت عليه كافة العلماء جيلا بعد جيل، فتعين الثاني) قلت: لا يفهم
المراد من هذا الكلام، إذ هذه الأمارات أكثرها شرعية، ضرورة كونها مأخوذة
من نص الشارع أو بالمقايسة لما نص عليه ولو تقريبا، فإن أراد مخالفة قبلة البلدان
المزبورة لهذه الأمارات مخالفة تؤدي إلى فساد الصلاة ففيه منع، وإن أراد مخالفتها
للقواعد الرياضية من الدوائر والأسطرلابات ونحوها فقد عرفت أنه لا عبرة بهذا
الاختلاف الذي منشأه مراعاة التحقيق في القواعد المزبورة، وبناء القبلة على التقريب
كما أومأ إليه اختلاف ما جعله الشارع علامة لذلك على ما قدمناه سابقا، وإن أراد أن قبلة
البلد لا يعارضها الاجتهاد في اليمين والشمال القادحين فضلا عن غيرهما فمرحبا بالوفاق،
لما أشرنا إليه سابقا، فتأمل جيدا، والله أعلم.
والظاهر أن المدار على ما ثبت أنها قبلة البلد، فلا يكفي ظنها ولو من إخبار
صاحب الدار إلا أن تنضم معه قرائن يعلم منها صدقه، وليس التعويل عليها بصحة فعل
المسلم، وإلا لجاز التعويل على قبلة الشخص الواحد من غير حاجة إلى التقييد بالبلد، بل العمل
عليها للاطمئنان الحاصل من اتفاق الخلق الكثير في الأزمنة المتطاولة، فينبغي أن يجعل
396

على ذلك المدار، فلا يفرق بين محاريب البلدان وقبورها والطرق التي يكثر عليها مرور
المسلمين والقرى وغيرها مما يفيد ما ذكرنا، بخلاف محاريب الطرق التي يندر مرور
المسلمين عليها والقرى الخربة والبلد التي لا يعلم كونها بلاد إسلام وغيرها مما لا يفيد
ذلك، كما هو واضح، والله أعلم، ومن ذلك وما تقدم سابقا يظهر لك ما في المدارك
وتبعه عليه غيره من أن إطلاق كلامهم يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين ما يفيد العلم
بالجهة أو الظن، ولا بين أن يكون المصلي متمكنا من معرفة القبلة بالعلامات المفيدة للعلم
أو الاجتهاد المفيد للظن أو ينتفي الأمران، وربما ظهر من قولهم: (فإن جهلها عول
على الأمارات) عدم جواز التعويل عليها للمتمكن من العلم إلا إذا أفادت اليقين،
وهو كذلك، لأن الاستقبال على اليقين ممكن، فيسقط اعتبار الظن، فلاحظ وتأمل
فيما قدمنا كي تعرف محال النظر من كلامه، والله أعلم.
(ومن ليس متمكنا من الاجتهاد) فضلا عن العلم أو ما يقوم مقامه (كالأعمى
يعول على غيره) مخبرا أو مجتهدا على المشهور بين الأصحاب في الأعمى نقلا وتحصيلا،
بل لا أجد فيه خلافا صريحا إلا أن من الشيخ في الخلاف، فيصلي إلى الأربع، قال فيه:
أنه ومن لا يعرف إمارات القبلة تجب عليهما الصلاة أربعا مع الاختيار، وعند الضرورة
يصليان إلى أي جهة شاءا، ونسب الرجوع إلى الغير إلى الشافعي، ثم قال: وأما إذا
كان الحال حال الضرورة جاز لهما أن يرجعا إلى غيرهما، لأنهما مخيران في ذلك وفي
غيرها من الجهات، وإن خالفاه كان لهما ذلك، لأنه لم يدل دليل على وجوب القبول
من الغير، نعم قيل إنه يظهر من الألفية ويلوح من المقنعة والنهاية والمراسم والوسيلة
والسرائر موافقته لقولهم من لم يتمكن من ذلك لغيم أو غيره وفقد سائر الأمارات
والعلامات صلى إلى أربع جهات، ولم يتعرضوا لخصوص الأعمى، إلا أنه على كل حال
لا ريب في ضعفه، قيل، للأصل والعسر وعموم خبر العدل أو اطلاقه وأخبار الائتمام
397

به إذا وجه، قال الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1) منها: (لا بأس أن
يؤم الأعمى القوم وإن كانوا هم الذين يوجهونه) وقال (عليه السلام) أيضا في خبر
السكوني (2): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث: (لا يؤم الأعمى في
الصحراء إلا أن يوجه إلى القبلة) وفي حسن زرارة أو صحيحه (3) عن أبي جعفر
(عليه السلام) في حديث (قلت له: أصلي خلف الأعمى قال: نعم إذا كان له من
يسدده وكان أفضلهم) إلى غير ذلك.
لكن قد يناقش فيها بانقطاع الأصل بباب المقدمة، ومنع العسر، وإطلاق
خبر العدل لا يخص الأعمى ولا يشمل رجوعه للمخبر عن اجتهاد الذي هو بعض الدعوى،
بل لعل التعبير بالتقليد من بعضهم يختص بالثاني، وبظهور كون المراد منها توجيهه إلى
القبلة المعلومة بأماراتها، ولعله يحصل له القطع ولو بخبر الواحد المحفوف بالقرائن، وبأنها
مساقة لبيان أن ذلك لا ينقصه عن مرتبة الإمامة، لا لبيان أن حكمه في القبلة التقليد،
كما هو واضح بأدنى تأمل.
فالأولى الاستدلال عليه حينئذ بصحيح زرارة (4) وموثق سماعة (5) السابقين،
وكأنه يومي إليه الاستدلال من بعضهم بأن خبر العدل من الأمارات المفيدة للظن،
ضرورة ابتنائه على الاجتزاء بمطلق الظن له، وحينئذ يكون فرضه الاجتهاد وإن قلت
إمارات الاجتهاد بالنسبة إليه، بل هي منحصرة غالبا في الرجوع للغير، ولعل المراد
بالتقليد في بعض العبارات خصوص هذا القسم من الاجتهاد، لا أنه مرتبة ثالثة،
وربما كان ترك ذكر الأعمى في العبارات المزبورة لادراجه فيمن يعمل بالظن بعد فقد
العلم من غير فرق بين الأعمى وغيره، وإن اختلفوا بالنسبة إلى تعدد الأمارات وعدمها

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 3 - 2
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 3 - 2
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2
398

لا للموافقة للشيخ في عدم العبرة بالظن للأعمى، كما يشهد له حصر الخلاف فيه من غير
واحد ممن يتصدى لنقل الوفاق والخلاف من الأصحاب، بل يشهد لأصل الدعوى
أيضا ما تسمعه فيما يأتي من إناطة الصلاة إلى الأربع بفقد العلم والظن الظاهر في عدم
مرتبة ثالثة هي التقليد، وفي أن الأعمى وغيره سواء في اعتبار الظن بعد فقد العلم
وحينئذ يسقط البحث عن كثير من الأمور المذكورة عند الأصحاب كاعتبار
العدالة في الغير وعدمه، حتى حكي عن رسالة صاحب المعالم وشرحها أن الأكثر على
اعتبار كون المخبر عدلا، بل قيل إنه خيرة الأحمدي والمبسوط والمهذب والاصباح
والتذكرة ونهاية الإحكام والمختلف والذكرى والدروس والبيان والموجز الحاوي وجامع
المقاصد والجعفرية وشرحها وفوائد الشرائع وحاشية الفاضل الميسي والروض والروضة
والمسالك وغيرها، بل في كشف اللثام رجلا كان أو امرأة حرا أو عبدا كما في المبسوط
وكتب الشهيد ونهاية الإحكام، ولعله لما في الذكرى من أن المعتبر بالمعرفة والعدالة،
وليس من الشهادة في شئ، ثم قال فيها: (فإن تعذر العدل فالمستور، فإن تعذر ففي
جواز الركون إلى الفاسق مع ظن صدقه تردد، من قوله تعالى (1): (فتبينوا) ومن
أصالة صحة اخبار المسلم، أما لو لم يجد سوى الكافر ففيه وجهان مرتبان أي على الوجهين
في الفاسق - ثم قال -: وأولى بالمنع، لأن قبول قوله ركون إليه، وهو منهي عنه،
ويقوى فيهما الجواز، إذ رجحان الظن يقوم مقام العلم في العبادات) وفي كشف اللثام
(قلت: نعم في ظن اعتبر طريقه شرعا أو انحصر الطريق فيه ولم يكن أقوى منه
فالاحتياط تقليدهما إذا لم تمكن الصلاة أربعا، وإلا فالجمع بينهما) وعن المبسوط والمهذب
والجامع والتذكرة ونهاية الإحكام وجامع المقاصد وشرحي الجعفرية وحاشية الميسي
والروض إطلاق المنع من تقليد الكافر والفاسق، لكن عن المبسوط جواز تقليد الصبي

(1) سورة الحجرات - الآية 6
399

مع اشتراطه العدالة كما عرفت، قيل وهو خيرة المعتبر، خلافا لنهاية الإحكام والمختلف
وغيرهما فالمنع، بل في كشف اللثام أن ظاهر المختلف المنع في الامرأة أيضا، قال:
قال فيه: لنا أن الضابط في قبول خبر الواحد العدالة، فلا يثبت القبول مع عدمها،
لأن مطلق الظن لا يجوز الرجوع إليه، أما أولا فلعدم انضباطه، وأما ثانيا فلحصوله
بالكافر، فلا بد له من ضابط، وليس إلا خبر العدل، لأنه أصل ثبت في الشرع
اعتباره في خبر الواحد والتقليد كما عرفت، وأطلق في القواعد كالكتاب، وعن جملة
من كتب الأصحاب الرجوع إلى الغير، وفي الذكرى ثم التقليد هو قبول قول الغير
المستند إلى الاجتهاد، فلو أخبر العدل عن يقين القبلة كما في المواقف المفيدة لليقين في
التيامن والتياسر فهو من باب الاخبار، ويجوز التعويل عليه بطريق أولى، ثم قال:
(ولو أخبر المكفوف بصير بمحل القطب وهو عالم بدلالته فهو إخبار أيضا).
وفي كشف اللثام ولو تعدد المخبر رجع إلى الأعلم الأعدل كما في المنتهى
والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى، وفي الدروس إلى الأعلم، وفي البيان إلى الأعلم
فالأعدل، فلو رجع إلى المفضول بطلت صلاته كما في المنتهى خلافا للشافعي، وفيه أيضا
أنه لا عبرة بظن المقلد هنا، فإن ظن إصابة المفضول لم تمنعه من تقليد الأفضل، فإن
تساويا قلد من شاء منهما كما في المنتهى ونهاية الإحكام، وفي الأخير احتمال وجوب
الأربع واثنتين إلى غير ذلك من الأحكام المذكورة التي علمت سقوطها بناء على ما ذكرنا،
ضرورة كون المدار فيه على الظن المندرج به تحت التحري وتعمد القبلة بحسب جهده
من غير تقييد بظن مخصوص، كما سمعته سابقا فيمن فرضه الاجتهاد، بل هذا قسم منه،
فلا فرق حينئذ بين العدل والفاسق والذكر والأنثى والصبي والبالغ والفاضل والمفضول
والعدل والأعدل وغيرها، بل يدور مدار الظن، واحتمال إرادة الأصحاب بيان
400

أسباب الظن وإماراته لا التخصيص والاشتراط - مع أنه لا يلائم جملة من كلماتهم وأدلتهم -
يدفعه أنه لا يناسب الفقيه التعرض له، لاختلافه بحسب المقامات أشد اختلاف، اللهم
إلا أن يريدوا الغالب، لكن لا يلائم اشتراط العدالة ممن عرفت.
وكذا احتمال إرادة التعبد بهذه الأمارات بمعنى كون العبرة خصوص ظن خبر
العدل مثلا لا مطلق الظن، إذ قد عرفت أنها تهجسات بلا مستند، ولو سلمنا لهم كون
الدليل للأعمى نصوص توجيه الغير لا خبري التحري والاجتهاد، وقلنا بشمولها
للمجتهد والمخبر كان المتجه العمل حينئذ بمطلق الغير من غير اشتراط لعدالة وأفضلية،
اللهم إلا أن يكون ذلك ترجيحا لما دل على اشتراط العدالة في المخبر، لكون التعارض
بينهما من وجه، ولا يرد أنه يتم في المخبر عن علم لا عن اجتهاد، للاحتياج إلى العدالة
أيضا في ثبوت اجتهاده، فإنه لا طريق غالبا إليه إلا إخباره، نعم يرد عليه أن مقتضى
ذلك عدم قبول خبر غير العدل أصلا وإن لم يوجد العدل كما هو خيرة من سمعت،
اللهم إلا أن يستند حينئذ إلى اطلاق الغير، أو إلى قاعدة فتح الظن هنا بعد تعذر العلم
أو ما يقوم مقامه، لكنهما هنا معا محل للنظر، ضرورة عدم بقاء الاطلاق بعد ترجيح
ما دل على اشتراط العدالة وتقييده به، وإن القاعدة الرجوع إلى العلم الاجمالي بعد انتفاء
التفصيلي لا الظن، نعم إن سلم ذلك فهو بعد تعذر الاجمالي أيضا لعسر ونحوه، وعلم
بقاء التكليف أو ظنه ولو باستصحابه في وجه، بناء على عدم شرطية التكليف بالعلم،
وإنما هو طريق للعلم بالامتثال، فبعد فرض انتفائه يخلفه الظن، لقبح التكليف بما لا
يطاق، والاجماع المحكي على هذه القاعدة.
على أن ذلك كله لا يصحح لهم ما سمعته في فرض تعدد المجتهد الذي هو ظاهر
في معاملته لهم معاملة المقلد في الأحكام الشرعية، وفي أن البناء على الظن مع التعارض،
أو على التعبد بما من شأنه حصول الظن، فلا يقدح حينئذ ظن إصابة المفضول في الرجوع
401

إلى الأفضل كما سمعته من المنتهى، وعلى المعاملة المزبورة بنى التخيير له في صورة المساواة،
وإلا فهو غير ظان بقول كل واحد منهما، نعم يظن عدم خروج القبلة عنهما، والمرجع
له بعد تعذر العلم الظن الخصوصي لا الاجمالي، ولعله من هنا احتمل في النهاية وجوب
الأربع عليه، وسقوط اعتبار هذا الظن الاجمالي، كما أن احتمال الاثنتين مبني على
انحصار تكليفه الظاهري بإحدى هاتين الجهتين، ولا ترجيح كما هو الفرض، فهو كمن
علم كون القبلة في إحدى الجهتين، وأما احتمال التخيير فلاطلاق الغير، ولا يتوهم
اختصاص هذه الوجوه الثلاثة بناء على التقليد بل لو قلنا بأن ذلك له لأنه أمارة اجتهاد
تجري أيضا، بل تجري في المجتهد غير الأعمى أيضا.
لكنك خبير في أن التحقيق سقوط كثير من هذه الكلمات، وأنها جميعا
لا تجتمع على أمر صحيح، وأن الأصح كون الأعمى من أفراد المجتهد الذي قلت بعض
أماراته، فميزانه حينئذ بذل جده وجهده في تحصيل القبلة من اخبار أو غيره، فيدور
مع الظن الحاصل له بعد بذل الجهد الذي لم يصل إلى حد العسر من غير فرق بين العدل
والفاسق كما عرفته سابقا، وهذا وإن قل المصرح به إلا أن جملة من أدلتهم لا تنطبق
إلا عليه، كما أن جملة من العبارات كمنظومة العلامة الطباطبائي وشرح المفاتيح للأستاذ
الأكبر وغيرهما كالصريحة فيه، فلاحظ وتأمل كي يظهر لك أنه ليس عندنا إلا مرتبتان
في تحصيل القبلة العلم وما يقوم مقامه، والاجتهاد لا غير، وإذا فقدهما صلى إلى أربع جهات.
ومنه حينئذ يظهر أنه لا وجه لاحتمال التخيير للأعمى بين ما ذكرنا وبين الصلاة
إلى أربع جهات، ضرورة كونه حينئذ ممن فرضه الاجتهاد، فهو كغيره من أفراد المجتهدين
الذي قد عرفت سابقا أنه لا مجال لاحتمال التخيير فيهم، نعم قد يقال بإضافة الصلاة
إلى الجهات الثلاث إلى الجهة التي حصلها من الغير احتياطا من خلاف الشيخ، والظاهر
كون الحكم كذلك بناء على أنه تقليد له أيضا لا اجتهاد، إذ قول المصنف وغيره:
402

- عول على غيره ورجع وقلد ونحوها - ظاهر في ذلك، بل هو المحكي عن صريح نهاية
الإحكام، بل في كشف اللثام التصريح به أيضا، قال بعد الاستدلال على التقليد:
وهل يتعين عليه ذلك، أو يتخير بينه وبين الصلاة أربعا؟ وجهان، وكلام ابني الجنيد
وسعيد يعطي التعين، وكذا الدروس، وهو ظاهر الكتاب والشرائع والإرشاد
والتحرير والتلخيص، وهو الأظهر، لكثرة أخبار التسديد وضعف مستند الأربع،
قلت: لكن قيل إنه قد يظهر من المبسوط والمسالك وبعض من عبر بالجواز الثاني،
إلا أنه لا ريب في ضعفه، خصوصا بناء على ما سمعته منا من أنه من الاجتهاد، ولا
يتوهم أن الصلاة إلى أربع جهات يحصل بها اليقين من البراءة، لاندراج جهة التقليد
أو الاجتهاد فيها، لأنه يمكن مخالفة جهة الاجتهاد أو التقليد للأربعة قطعا، فطريق
الاحتياط منحصر فيما ذكرنا من جعل التربيع على حسب جهة الاجتهاد أو التقليد
لا الاعراض عنهما والصلاة إلى الأربع كما هو واضح.
وإذ قد ظهر أنه ليس عندنا في تحصيل القبلة إلا مرتبتان العلم وما يقوم مقامه،
والاجتهاد المسمى في لسان الجماعة بالتقليد وجب القول بأن العامي الذي لا بصيرة له
بحيث إذا عرف لا يعرف حكمه حكم الأعمى بلا خلاف أجده فيه، وإن أطلق جماعة
لفظ التقليد عليه كالأعمى، ففرضه حينئذ عندنا الاجتهاد فيما يحصل له من الغير على
حسب ما سمعته فيه مفصلا، لأن هذا هو المقدور من التحري والاجتهاد بالنسبة إليه،
فيندرج في قوله (عليه السلام) (1): (يجزي التحري) وفي قوله (عليه السلام) (2):
(اجتهد رأيك) وغيرهما كالأعمى، نعم قد يشكل الحاقه بالأعمى - بعد حرمة القياس
عندنا، خصوصا مع الفارق بوجود حاسة البصر وعدمه، بناء على أن الرجوع إلى
الغير فيه من التقليد الذي قد شرعته النصوص فيه، وإلا فليس من الاجتهاد والتحري -

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2
403

بأن النصوص (1) خاصة في الأعمى، فالحاق غيره به قياس، وإن علل بأن فقد
البصيرة أعظم من فقد البصر ونحوه مما لا يصيره مقطوعا به كي يكون من مفهوم الموافقة
ونحوه من القياس القطعي، مع أنا لا نجد في الحاقه هنا خلافا ممن لم يخالف في الأعمى،
نعم ذكر بعضهم فيه الأربع احتمالا، سواء قلنا بها في الأعمى أو لا، وقيل: إن ظاهر
الإرشاد اختصاص التقليد بالأعمى، وإلا فالمعروف بين الأصحاب مساواته للأعمى
في الرجوع حتى حكي عن الشيخ في المبسوط ذلك، قال: (إن من لا يحسن أمارات
القبلة إذا أخبره عدل مسلم يكون القبلة في جهة بعينها جاز له الرجوع إليه) ونحوه المهذب،
ومن هنا حكم باختلاف قولي الشيخ في الكتابين، لكن لعله يريد في المبسوط الاخبار
كما يومي إليه الاستدلال من بعضهم بآية النبأ، وفي الخلاف التقليد الذي قد عرفت
تفسيره بما في الذكرى.
وكيف كان فهذا كله مما يشهد لما ذكرنا من أن الرجوع للغير في الأعمى من
حيث كونه تحريا واجتهادا، فيشتركان حينئذ في الحكم المزبور، لاشتراكهما في شمول
دليل الاجتهاد وإن انحصر طريق الاجتهاد لهما في إخبار الغير، ولعله إليه أومأ من استدل
عليه بأن قول العدل إحدى الأمارات المفيدة للظن، فيجب العمل به مع فقد معارض
أقوى، بل في المحكي عن المنتهى لا يقال إن له عن التقليد مندوحة، فلا يجوز له فعله،
لأن الوقت إن كان واسعا صلى إلى أربع، وإن كان ضيقا تخير، لأنا نقول القول
بالتخيير مع حصول الظن باطل، لأنه ترك للراجح وعمل بالمرجوح.
وهو كالصريح فيما قلنا مما عرفته سابقا الذي منه يظهر بأدنى تأمل جواز الرجوع
للجاهل الذي يتمكن من التعلم أيضا إذا ضاق الوقت عليه ولم يتعلم ولو بتقصير منه،
فإن ذلك تمام جهده في تلك الحال، بل لو قلنا بعدم وجوب معرفة القبلة عينا، بل هو

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القبلة
404

من فروض الكفاية كما احتمله في الذكرى لم يكن تقصير منه بترك التعلم مع وجود القائم
بقدر الكفاية، قال في الذكرى: ويحتمل كون ذلك من فروض الكفاية كالعلم بالأحكام الشرعية، يعني كما أن معرفتها واجبة ويكفي التقليد، وإنما يجب الاجتهاد فيها كفاية
اجماعا، لانتفاء الحرج والعسر في الدين، قال: ولندور الاحتياج إلى مراعاة العلامات،
فلا يكلف آحاد الناس بها، ولأنه لم ينقل عن النبي والأئمة بعده (عليهم الصلاة والسلام)
إلزام آحاد الناس بذلك، ثم قال: فإن قلنا بأنه من فروض الكفاية فللعامي أن يقلد
كالمكفوف ولا قضاء عليه.
لكن قد يناقش أولا بأن التكليف بالصلاة المشترط فيها الاستقبال يقتضي
وجوب تحصيل الشرط عينا، ولا يخرج عنه إلا بدليل. وثانيا بأنه لا تلازم بين كون
ذلك من فروض الكفاية وبين الرجوع إلى الغير في جهة القبلة إذ لعله يجب عليه
السؤال عن أمارات القبلة ثم العمل عليها وإن لم يكن يعرف أنها أمارات، ولعل ذلك
هو الأقوى في النظر بمعنى الوجوب العيني لكن لا على الاجتهاد المستلزم للعسر والحرج،
فإن الظاهر مشروعية التقليد للعامي في الحكم الشرعي وفي الموضوعات ومصاديقها
النظرية المحتاجة إلى بحث وترجيح لا يصلح له إلا الأوحدي من الناس، نعم الظاهر
عدم وجوب ذلك قبل تحقق الخطاب بالصلاة، إذ هو من المقدمات التي لا تجب قبل
وجوب ذيها، ولعله إليه أومأ في الذكرى بقوله: ويحتمل قويا وجوب تعلم الأمارات
عند عروض حاجته إليها عينا بخلاف ما قبله، لأن توقع ذلك وإن كان حاصلا لكنه
نادر، إلا أنه قال بعد ذلك: يكفي في الحاجة إرادة السفر عن بلده، وفيه ما لا يخفى،
كما أن قوله - قبل هذا الاحتمال واحتمال الكفاية: الأقرب أنه أي وجوب تعلم القبلة
من فروض الأعيان، لتوقف صحة فرض العين عليه، فهو كباقي شرائط الصلاة، سواء
كان يريد السفر أو لا، لأن الحاجة إليه قد تعرض بمجرد مفارقة الوطن - لا يخلو من
405

نظر أيضا، فالتحقيق حينئذ أنه من فروض الأعيان لكن لا على جهة الاجتهاد، بل
يكفي للعامي قول المجتهد: ضع الجدي على منكبك الأيمن في العراق مثلا، ولا يجب
عليه معرفة الدليل على كفاية ذلك من الاجماع أو الخبر أو البرهان الرياضي أو غيرها،
وأنه لا يجب تطلب ذلك إلا عند الخطاب بالواجب المتوقف وجوده عليه كغيرها من
الشرائط والواجبات.
ومن هذا وغيره مما تقدم يظهر لك ما في كشف اللثام حيث إنه بعد أن ذكر
وجوب التعلم على القابل له فارقا بينه وبين الأحكام الشرعية بما في تعلمها من المشقة
وطول الزمان بخلاف أدلة القبلة قال: (لا يقال إنما يسهل تعرف الجدي مثلا وإن من
وقف بحيث حاذى منكبه الأيمن كان مستقبلا، ومعرفة مجرد ذلك تقليد، وأما دليل
كونه مستقبلا إذا حاذى منكبه الأيمن فهو إما الاجماع أو الخبر أو البرهان الرياضي
فهو كسائر أدلة سائر الأحكام، مع أن النص إنما ورد بالجدي على وجهين، وما بين
المشرق والمغرب كما مر، وهو مع ضعف الطرق مخصوص ببعض الآفاق، ولا اجماع
على سائر العلامات، وإنما استنبطت بالبراهين الرياضية. لأنا نقول يكفي في الدليل
مشاهدة المسلمين في بلدة متفقين على الصلاة إلى جهة، إذ يكفي العامي حينئذ أن يريه
معلمه الجدي أو سائر العلامات بحيث يحصل له العلم، نعم لا تكفيه إذا سافر إلى ما يقابل
جهة قبلة تلك الجهة أو ينحرف عنها، فإن تيسر له معرفة الانحراف أو المقابلة بجهة مسير
وما يشاهده من الأمور السماوية سهل عليه التعلم، وإلا كان من القبيل الأول أي ممن
لا يعرف إذا عرف) وفيه أنك قد عرفت وجوب التقليد عليه في ذلك كالأحكام،
وإلا فلا يجديه صلاه المسلمين المعلوم أنهم مقلدة أيضا، على أنه قد لا يعرف صلاة المسلمين
إلى جهة تلك العلامة التي أخذها من مجتهده، لعدم استعماله إياها إلا وقت الحاجة مثلا،
نعم الظاهر أنه ليس له الرجوع إلى الأمارات الهيئية بظنه قبل تقليد مجتهده في جواز
406

الرجوع إليها، أو في أن المدار على الظن حال عدم التمكن من العلم من غير تخصيص
بأسبابه فتأمل جيدا، والله أعلم.
وكيف كان فلا ريب في صحة صلاة غير المتعلم إلى القبلة المعلومة له بصلاة المسلمين
ونحوها حتى على القول بوجوبه المضيق، بناء على التحقيق من عدم اقتضاء الأمر
بالشئ النهي عن ضده الخاص، وكذا لو قصر عن التعلم حتى ضاق الوقت فقلد أو
صلى إلى أربع جهات، لعدم سقوط الصلاة بحال، ولاقتضاء دليل التحري والاجتهاد
والصلاة إلى أربع جهات شموله، إذ تحريه واجتهاد رأيه إنما هو منحصر في الرجوع للغير،
وكأنه لا خلاف فيه بين أصحابنا فيما أجد إلا من خالف في الأعمى والعامي الذي إذا
عرف لا يعرف، بل ولا حكاه أحد ممن عادته التعرض لذلك، واحتمال أنه كفاقد
الأمارات أو متعارضها ليس بأولى من احتمال كونه كالأعمى والعامي الذي إذا عرف
لا يعرف، بل هو أولى، إذ قابلية التعلم مع عدم تأثيرها كالعدم، فهو في هذا الحال
كالأعمى، على أنك قد عرفت اقتضاء الدليل ذلك من غير مدخلية لهذه الاعتبارات،
بل التحقيق ذلك فيهما أيضا، إذ قد عرفت أن الرجوع إلى الغير إحدى أمارات الاجتهاد
فمع فرض عدم غيره أو تعارضه يتعين الرجوع إليه، لأنه من التحري ومن اجتهاد
الرأي وتعمد القبلة بحسب الجهد، كما أوضحناه سابقا من غير فرق بين الأخبار أو الظن
مع فرض حصول الظن منه للمكلف.
خلافا لجماعة منهم الشهيد والمحقق الثاني والفاضل الإصبهاني بل الأكثر كما قيل،
فأوجبوا عليهما الصلاة إلى أربع، بل في جامع المقاصد أنه ظاهر الأصحاب، بل عنه
في شرح الألفية أنه لم يقل بالتقليد أحد، قلت: - مع أن المتبع الدليل وقد عرفته - قد
قيل إنه خيرة المختلف والمنتهى والبيان والألفية وظاهر الكتاب واللمعة والدروس
وبعض عبارات القواعد، بل وموضع من المبسوط، قال فيه: (متى فقد أمارات
407

القبلة أو يكون ممن لا يحسن ذلك وأخبره عدل مسلم بكون القبلة في جهة بعينها جاز له
الرجوع إليه) لكن قال فيه أيضا: (متى كان الانسان عالما بدليل القبلة غير أنه اشتبه
عليه الأمر لم يجز له أن يقلد غيره في الرجوع إلى إحدى الجهات، لأنه لا دليل عليه،
بل يصلي إلى أربع جهات مع الاختيار ومع الضرورة إلى أي جهة شاء، وإن قلده في
حال الضرورة جازت صلاته، لأن الجهة التي قلده فيها هو مخير في الصلاة إليها وإلى
غيرها) قيل ونحو هذه العبارة في المهذب والجامع، ولعل الشيخ فرق بين الأخبار
والتقليد، فيكون حينئذ من أهل القول الأول، أو يفرق بين من اشتبه عليه الأمر
للتعارض وبين من فقد الأمارات أصلا.
وكيف كان فلا ريب أن الأقوى ما قلناه، والعجب ممن جعل أخبار الغير
أو رأيه من بعض أمارات الاجتهاد، وربما قدما على غيرهما إذا فرض قوة الظن فيهما،
ورجح هنا عدم الرجوع إليهما مع فرض انحصار الطريق فيهما، مع أنهما ليسا في هذا
الحال إلا كتحصيل بعض الأمارات غيرهما وفقد الباقي أو تعارضه، فإنه لا ريب في
الرجوع إلى تلك الأمارة، لأن الظن الناشئ منها حينئذ هو التحري وغاية الجهد في
تعمد القبلة، نعم يحسن ذلك ممن منع من كونهما من التحري وبذل الجهد مطلقا، ولعله
إلى هذا أو ما يقرب منه أومأ في المحكي عن المختلف بالاستدلال على رجوعهما للغير بأنه
مع الاشتباه كالعامي، إذ لا طريق إلى الاجتهاد، فيتعين إما التقليد وإما الصلاة أربعا،
والرجوع إلى العدل أولى، لأنه يفيد الظن، والعمل بالظن واجب في الشرعيات،
وبأنه إن وجب الرجوع إلى قول العدل مع ضيق الوقت وجب مع سعته، لأنه إذا كان
حجة مع الضيق كان حجة مع السعة، وإن كان فيه ما فيه، خصوصا الثاني، لكن ومع
ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، وهو إنما يحصل بإضافة الثلاثة إلى الجهة التي أخبر بها
408

الغير، بل ربما أوجب ذلك بعضهم تحصيلا ليقين البراءة، كما أنه أوجب الصلاة إلى
الجهة المزبورة عند ضيق الوقت لذلك وللتخلص من ترجيح المرجوح، وهو جيد لو قلنا
بوجوب هذا الاحتياط، خصوصا بعد أن كان الظاهر من النصوص عندنا ما عرفت.
ولا يعارضه ما في الذكرى من أن القدرة على أصل الاجتهاد حاصلة، والعارض سريع
الزوال، إذ هو - مع أنه اعتبار، وإنما يفيد التأخير إلى زوال العارض - لا يصلح معارضا،
لأن هذا الرجوع عندنا من الاجتهاد، وإطلاق اسم التقليد عليه لضرب من المجاز كما
قدمناه سابقا، فتأمل جيدا، فإن هذه المسائل لا تخلو من تشويش واضطراب في كلام
الأصحاب كما أومأنا إليه سابقا، بل هو لا يخفى على كل ناظر متأمل، خصوصا في أدلتهم
بآية النبأ ونحوها المقتضية للاقتصار على خصوص إخبار العدل، مع أنك قد عرفت
البحث فيه سابقا، وأنه ربما قيل بحجيته في نفسه، وأنه لا اجتهاد حينئذ مع حصوله،
نعم يدخل في البحث بناء على عدم حجيته هنا، فهو كظن العدل بل وظن غيره، إذ
المدار على حصول الظن للمكلف، والظاهر الاقتصار في خبر العدل، بناء على حجيته
في نفسه على ما إذا أخبر عن حسن كرؤيا جدي أو غيره من أمارات القبلة، أما قطعه
الاستنباطي فقد يتوقف فيه، وربما ظهر من كشف اللثام دخوله تحت التقليد، إلا أنه
قد يشكل بما هو مقرر في محله من عدم اشتراط صدق الخبر بكونه عن حس، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (مع فقد العلم والظن فإن كان الوقت واسعا صلى الصلاة
الواحدة إلى أربع جهات لكل جهة مرة) على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا
بين القدماء والمتأخرين شهرة عظيمة، بل في صريح الغنية وظاهر جامع المقاصد والتذكرة
وموضع من الذكرى والمحكي عن المعتبر والمنتهى والغرية الاجماع عليه، وإن حكاه
الأولان والأخير في خصوص العارف إذا غمت عليه الأمارات، إلا أن المسألة من
واد واحد، وهي حيث يتعذر عليه العلم والظن، وهو الحجة، مضافا إلى مرسل
409

خداش (1) قال: (جعلت فداك إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت السماء
علينا أو اظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد، فقال: ليس كما يقولون،
إذا كان ذلك فليصل إلى أربع وجوه) وفي الكافي (2) (روي أن المتحير يصلي إلى
أربع جوانب) وفي الفقيه (3) (قد روي فيمن لا يهتدي إلى القبلة في مفازة أن يصلي
إلى أربعة جوانب) ولعلهما غير مرسل خداش، بل الظاهر كونهما صحيحين عندهما
خصوصا الثاني منهما الذي لا يذكر في كتابه إلا ما هو حجة بينه وبين ربه، ومن هنا
استظهر بعض الأساطين منهما التخيير لروايتهما الروايتين.
وعلى كل حال فلا ريب في حجية الجميع في المقام، وأنه لا يقدح الارسال بعد
الانجبار بما سمعت وبقاعدة المقدمة التي كان ينبغي تقديمها على مرتبة الظن، لكن للأدلة
السابقة عكسنا، والمناقشة - بأن الأربع غير محصلة لليقين بالجهة، ضرورة تعدد المحتملات
فيها وعدم انحصارها فتسقط، كما في كل مقدمة غير محصورة يستلزم الاتيان بها العسر
والحرج المنفيين بالآية (4) والرواية (5) وبأنه متى سقط بعض أفراد مقدمة اليقين سقط
الجميع، لأنها إنما وجبت تحصيلا لليقين بالمكلف، به فوجوب الأربع حينئذ إن كان
فهو ليس إلا من الدليل لا القاعدة المزبورة - يدفعها أن ظاهر الخبر المزبور أو صريحه
كالفتاوى كون الأربع تحصيلا لليقين، وإلا كان الأمر أسوأ حالا من العامة المكتفين
بالصلاة إلى جهة من الجهات بلا مقتض لتخصيصها، وهذا هو الاجتهاد المنكر عليهم
فلا بد حينئذ من إرادة تحصيل اليقين بما بين المشرق والمغرب بذلك الذي هو قبلة في

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القبلة - الحديث 5 - 4 - 1
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القبلة - الحديث 5 - 4 - 1
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القبلة - الحديث 5 - 4 - 1
(4) سورة البقرة - الآية 181 وسورة المائدة - الآية 9 وسورة الحج الآية - 77
(5) الوسائل - الباب 10 من أبواب المواقيت - الحديث 11 من كتاب الصلاة
والباب 39 من أبواب الوضوء - الحديث 5 من كتاب الطهارة
410

الخطأ، والمقام منه، إذ لو صلى كذلك فاتفق ظهور خطئه فهو إلى ما بين المشرق والمغرب
ولا ضرر فيه إذا كان بغير تقصير، فقاعدة المقدمة إلى حصول اليقين بالمكلف به في
هذا الحال بحالها جابرة للمراسيل المزبورة التي تلقتها الفرقة بالعمل.
ومن ذلك يعلم سقوط المناقشة المزبورة بعد الاغضاء عن الثانية منها، لما ستعرفه
إن شاء الله، كالمناقشة بأنه لو كان ذلك مقدمة لليقين المذكور لاجتزئ بالثلاث، ضرورة
حصول جهة ما بين المشرق والمغرب بالصلاة إلى ثلاث جهات على وجه يقسم فيه الفضاء
مثلثا، فإنه يقطع بعدم خروجها عن الخطوط الثلاثة، كما هو واضح، إذ يدفعها أيضا
احتمال أن ذلك جار مجرى ما في أذهان غالب الناس من الجهات الأربع، مضافا إلى
ما فيه من زيادة الاستظهار، بل قيل إن اغتفار ما دون التسعين يختص بمن صلى بالاجتهاد
أو التقليد حيث يسوغ، أو ناسيا للمراعاة مع الخطأ كما يشعر به مستند الحكم، وهذا
بالنسبة إلى فاقد الأمارات أمارة واجتهاد، فالصلاة إلى الأربع تستلزم الانحراف بثمن
المحيط، وإلى الثلاث بسدسه، وهو أقرب إلى الصواب، فتأمل جيدا، وقد أطنب
الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح في الانكار على ما فيها من أن الاحتياط يحصل بالثلاث
على حسب ما سمعت، فلاحظ وتأمل.
ومن الغريب بعد ذلك كله وسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور
حتى مال إلى ما عن العماني والصدوق، وجنح إليه الفاضل في المختلف والشهيد في الذكرى
من الاكتفاء بالصلاة إلى جهة من الجهات نحو ما يقوله العامة، لمرسل ابن أبي عمير (1)
عن زرارة (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قبلة المتحير فقال: يصلي حيث يشاء)
وصحيح زرارة ومحمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) (يجزئ المتحير أبدا
أينما يتوجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة) وما في الصحيح المروي في الفقيه عن معاوية

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القبلة - الحديث 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القبلة - الحديث 3 - 2
411

ابن عمار (1) (عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف
عن القبلة يمينا أو شمالا فقال: قد مضت صلاته، فما بين المشرق والمغرب قبلة،) ونزلت
هذه الآية (2) في المتحير (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) مع الطعن
في الاجماع بعدم المسموعية في محل النزاع، وفي الأصل بمنع وجوب المقدمة أولا،
وبوجوب تقييدها بهذه النصوص ثانيا، إذ هي كسائر الأدلة اللفظية بل أضعفها، والخبر
في السند بالارسال والضعف، والمتن باقتضائه سقوط الاجتهاد من أصله الذي قد عرفت
الاجماع على بطلانه عندنا، وفيه أن النزاع غير قادح في حجية المحكي من الاجماع
خصوصا مثل هذا الاجماع وهذا النزاع، وأما النصوص فلا ريب في عدم مقاومتها لما
عرفت، على أن العمدة منها صحيح الفاضلين، وهو ليس إلا في الفقيه دون الكافي
والتهذيب والاستبصار التي علم من عادتها التعرض لما في الفقيه، سيما الأخير الذي دأبه
ذكر النصوص المتعارضة، فعدم ذكره ذلك معارضا لمرسل خداش مما يؤيد عدم كونه
كذلك فيما عندهم من نسخ الفقيه، وأنه محرف بقلم النساخ عن الصحيح الآخر (يجزئ
التحري) المعروف في كتب الأصحاب، بل لم يذكر كثير منهم هذه الصحيحة،
خصوصا مثل الفاضل في المختلف الذي قد عرفت منه الميل إلى مذهب العماني لما ذكر له
من الأدلة التي هي أوهن من بيت العنكبوت بالنسبة إلى هذه الصحيحة.
فكان الأولى الاستدلال له بها لا بصحيح التحري وموثق الاجتهاد الذين هما
كما ترى لا دلالة فيهما على ما ذكره من الصلاة إلى جهة عند فقد العلم والظن، وإنما هما
دالان على الاجتزاء بالتحري وبذل الجهد في تحصيل القبلة عند عدم العلم بها الذي
لا خلاف معتد به فيه عندنا، واحتمال إرادة مطلق اختيار الجهة من التحري والاجتهاد

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القبلة - الحديث 1
(2) سورة البقرة - الآية 109
412

فيهما مقطوع بعدمه، خصوصا الثاني الذي فيه (اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك)
بل والأول، إذ التحري لغة وتعمد الشئ وطلب الأحرى بالاستعمال في غالب الظن،
ومن هذا وغيره حكي عن المجلسي في شرح الفقيه الجزم بأن هذه الصحيحة هي صحيحة
زرارة السابقة مؤيدا له بتأييدات كثيرة، وزادها الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح،
من أرادها فليراجعها، على أنه قد يناقش في سند هذه الصحيحة أيضا بأنه رواها في
الفقيه مرسلة إلى زرارة ومحمد، ولم يذكر طريقه إليهما مجتمعين، وإنما ذكر طريقه إلى
زرارة خاصة، وإلى محمد بن مسلم كذلك، والأول صحيح، والثاني فيه مجهول ومن
فيه دغدغة، ويحتمل أن يكون طريقه إليهما مجتمعين غير ذلك، كما أنه قد يناقش في
متنها باحتمال إرادة الاجتهاد منها على معنى أينما توجه مما قوي في ظنه، فتتحد مع
الصحيحة السابقة لا أنها معارضة لها من حيث دلالتها على نفي الاجتهاد الذي قد عرفت
كونه اجماعيا أو بمنزلته، بل لعل نحوه يجري في مرسل ابن أبي عمير عن زرارة أيضا
على إرادة ما رجح وقوي في نفسه مما شاء، لمعلومية أن العاقل لا يشاء إلا لمرجح فيما
يشاؤه، وعلى تقديره يكفي ذلك موهنا لها، واحتمال اختصاص المتحير بفاقد الظن أيضا
مع العلم خلاف ظاهر الصحيح المزبور وغيره من ثبوت التحير بمجرد فقد العلم، بل هو
موجب لاخراج (إذا) عن معنى الشرط وإرادة الوقت خاصة منها، بل قد يقال
أيضا يمكن تنزيلها على حال الضيق، ضرورة إمكان العلم بالصلاة إلى جهة القبلة في غيره،
بأن يأتي بالأربع، وتنزيله على إرادة نفي العلم التفصيلي يمكن منعه سيما بملاحظة حال باقي
الشرائط من الصلاة بالثوب الطاهر وغيره.
وأما صحيح معاوية فمع معارضته بما في كثير من النصوص (1) من أن هذه

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب القبلة - الحديث 17 والباب 15
الحديث 18 و 19 و 23
413

الآية نزلت في النوافل، واحتمال نزولها فيهما معا ينفيه ظاهر كل منهما لا يخفى على
المتأمل فيه وفي عدم ارتباط بعضه ببعض الذي لا يليق بغير الإمام، فضلا عنه
(عليه السلام) بناء على كون ذلك من تتمته، وفي خلو هذا الصحيح عن ذلك في رواية
الشيخ له أن ذلك من كلام الصدوق لا من الصحيح، بل لعله أخذه من بعض المفسرين،
وإلا فلم نعثر على رواية في ذلك كما اعترف به بعض المتبحرين، نعم يحكى عن هذا
المفسر أنه قال: لم يهتد أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) في بعض الأسفار إلى
القبلة فصلى كل منهم إلى جهة وخط، فلما أصبحوا ظهر أن صلاة الجميع وقعت على غير
القبلة، فنزلت هذه الآية، مع أنه يمكن أن تكون صلاتهم هذه كانت باجتهاد، ونزول
الآية تصويب لهم في العمل باجتهادهم لا أنها فيما نحن فيه، إلى غير ذلك مما لا يخفى،
فلا ريب في ضعف القول المزبور.
واضعف منه ما يحكى عن ابن طاوس في الأمان من الخطأ (1) (من الاجتزاء
بالقرعة، لكونها لكل أمر مشكل، إذ هو - مع اقتضائه طرح الأدلة السابقة الرافعة
للاشكال بهذا الخبر الذي هو من المشكلات - مخالف للاجماع بسيطه ومركبه محصله
ومنقوله، بل لم يعهد استعمال القرعة في معرفة الأحكام الشرعية التكليفية والوضعية
حتى من السيد المزبور في غير المقام كما اعترف به الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح،
لكن ومع ذلك فالجمع بينها وبين الأربع نهاية الاحتياط.
وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه في أدلة المختار اعتبار كون الأربعة محصلة
لليقين كأن تكون متقاطعة على زوايا قوائم، مع أنه المتبادر من النص الموافق للاحتياط
الذي هو مناط الأربع المزبورة كما أومأ إليه الخبر السابق، فما في البيان من احتمال
الاجتزاء بها كيف اتفق ضعيف جدا، قال فيه: وهل يشترط في الأربع انقسامها

(1) هكذا في النسخة الأصلية وبهامشها " الاخطار " بدل " من الخطأ " وهو الصحيح
414

الجهات على خط مستقيم؟ يحتمل ذلك، لأنه المفهوم منه، ويحتمل إجزاء أربع كيف
اتفق، لأن الغرض إصابة جهة القبلة لا عينها وهو حاصل، نعم يشترط التباعد في
الجهات بحيث لا يكون بين الجهة الثانية والأولى ما يعد قبلة واحدة لقلته، وكأنه مال
إليه في كشف اللثام، قال: وهل يشترط تقابل الجهات؟ وجهان، من اطلاق النص
والفتاوى وأصل البراءة، ومن الاحتياط والتبادر، وهو خيرة المقنعة والسرائر وجمل
العلم والعمل، نعم يشترط كما في البيان أن لا يعد ما إليه جهتان أو أزيد قبلة واحدة لقلة
الانحراف، وإلا لم يفد التعدد، قلت: يمكن إرادة معتبر التقابل الكيفية المحصلة لليقين
بحصول الجهة المجزية في هذا الحال، فيكون النزاع حينئذ لفظيا، إذ احتمال وجوب
المقابلة المزبورة وإن لم يتوقف عليها حصول اليقين المزبور بعيد، وإن أمكن أن يكون
وجهه انسياقه إلى الذهن من النص والفتوى والاقتصار على المتيقن اغتفاره من الانحراف،
كاحتمال الاكتفاء بالأربع كيفما اتفق، مع أنك قد عرفت التصريح من البيان بخلافه،
فلا يتوجه حينئذ عليه ما عن المقاصد العلية وروض الجنان من منع إصابة الجهة بالصلاة
إلى أربع كيف اتفق، وعدم امكان رفع احتمال كون القبلة المطلوبة بين جهتين، لأن
القبلة لا تنحصر في الأربع عندنا ولا في عشر، وإنما اكتفى الشارع بالأربع لا لاستلزامه
إصابة العين أو الجهة، بل لما ذكرناه من أنها إذا وقعت على الاستقامة استلزمت إما
الإصابة أو الانحراف إلى ما لا يبلغ حد اليمين أو اليسار، وإنما يتوجه ما ذكر في البيان
على مذهب بعض العامة حيث جعل المشرق قبلة أهل المغرب وإن صلوا إلى منتهى خطه،
وبالعكس كذلك، وكذلك القول في الجنوب والشمال، فالجهة عندهم منحصرة في
الأربع جهات، قلت: مراد الشهيد بالجهة هنا ما يدخل فيها الانحراف دون اليمين واليسار
لا الجهة الاختيارية قطعا، كما هو صريح كلامه عند التأمل، نعم لم يعتبر التقابل في
تحصيل اليقين بالجهة المزبورة، لحصوله بغيره كما هو واضح، فتأمل جيدا.
415

وعلى كل حال لو كان عليه صلاتان فالظاهر جواز صلاته الثانية إلى أربع جهات
تخالف جهات الأولى كما عن الشيخ نجيب الدين التصريح به، ولعله للاطلاق والأصل،
وإصابة جزء مما بين المشرق والمغرب في كل منهما، وغير ذلك، وهل يجب عليه مع
ترتب الفرضين ايقاع الثانية إلى أربع بعد تمام أربعة الأولى كما عن صريح ابن فهد
وثاني الشهيدين والصيمري، بل قيل إنه ظاهر بعض الاجماعات، أو يجوز أن يصليهما
معا إلى أولى جهة، وكذلك الثانية والثالثة والرابعة كما عن نهاية الإحكام والعلامة
الطباطبائي وشيخنا المعتبر، بل قيل إنه ظاهر اطلاق جماعة وبعض الاجماعات ولم
يستبعد في المدارك جوازه في الصلاة في الثوبين المشتبه طاهرهما بنجسهما مما هو نظير
المقام؟ قولان، أحوطهما أولهما إن لم يكن أقواهما، لترتب العصر على الظهر مثلا، ومع
الشك في المرتب عليه لا يتصور الجزم الذي هو من مقومات النية بأن ما يفعله عصرا (1)
وعدم الجزم به من حيث عدم الجزم بأن خصوص تلك الجهة قبلة لا يقتضي جوازه
من غير هذه الحيثية بعد حرمة القياس، وكونه مع الفارق بالمقدمة التي يغني الجزم
بالتقرب بامتثال أمرها عن الجزم بأنه عصر وعدمها، ضرورة تمكنه من اتيان العصر
بعد ظهر متيقنة.
وما يقال إن المرتب العصر اليقينية على الظهر اليقينية، والمحتملة على المحتملة،
وما نحن فيه من الثاني، وبعد الفراغ من سائر الاحتمالات يحصل اليقين بحصول
الترتيب الواقعي لا محصل له عند التأمل، بل لعله مغالطة، إذ ليس الثابت من الترتيب
سوى العصر الواقعي على الظهر الواقعي، والفرض امكانه بتأخير محتملات العصر عن
محتملات الظهر.

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الظاهر أنه مرفوع لأنه خبر " أن "
416

ولا يرد عليه أنه يتجه على ذلك تعين الأربع للعصر لو فرض عدم إدراك الزائد
عليها من آخر الوقت حتى أنه التزم به في الروض على ما قيل، لكن عن الموجز الحاوي
وكشف الالتباس أنه يصلي الظهر إلى ثلاث ويخص العصر بالباقي، وكذا المغرب
والعشاء، لأنه يمكن أولا دعوى خروج ذلك عما نحن فيه بأدلة الاختصاص، فيتجه
حينئذ ما في الروض تنزيلا للأربع صلوات منزلة الركعات الأربع، ولأن فعل المجموع
مقدار أدائها الذي اختصت به في خبر داود بن فرقد (1). وثانيا أنه قد يمنع الاختصاص
المزبور لمعلومية ترجيح امتثال خطاب الأصل على خطاب المقدمة، وامكان تنزيل أدلة
الاختصاص على إرادة ذلك بالنسبة إلى الفعل ومقدمات الصحة لا مقدمات اليقين،
فيتجه حينئذ ما في الموجز من فعل الظهر إلى ثلاث، واختصاصه حينئذ بالمقدمة لسبقه،
ولذا وسابقه احتمل الوجهين في كشف اللثام، قال: وكذا إن بقي مقدار سبع أو أقل
فهل يصلي الظهر أربعا أو ثلاثا مثلا، ولا بأس به، فتأمل جيدا.
وكذا لا يرد عليه أن مقتضاه لو لزمه الاحتياط بالقصر والاتمام وجوب صلاة
الظهر أولا مقصورة وتامة ثم يصلي العصر كذلك، إذ لا بأس بالالتزام به، مع أنه
قيل يمكن الفرق بين المسألتين بأنها هنا يجوز له أن يصليهما تامتين، نعم ليس له أن
يصلي العصر مقصورة قبل إن يصلي الظهر مقصورة وإن كان قد صلى الظهر تامة، وإن
كان هو كما ترى، فالتزامه في الجميع حينئذ هو الوجه، ونحوه لو لزمه الاحتياط بالجمع
بين الجمعة والظهر في يوم الجمعة، فإنه لا يصلي العصر قبل إن يصلي الظهر والجمعة،
وكذا غيره من موارد الاحتياط.
لكن مع ذلك كله قد يقال إن الظهر والعصر مترتبان فعلا لا أمرا، وإلا

(1) ذكر قطعة منه في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت - الحديث 7 وقطعة
منه في الباب 17 - الحديث 4 من كتاب الصلاة
417

لكان وجوب العصر مشروطا بأداء الظهر لا مطلقا، فحينئذ يتجه مراعاتهما معا بالنسبة
إلى الجهة، إذ هما حينئذ بعد التأمل كالفعل الواحد المترتب بعضه على بعض، فإن قوله
(عليه السلام) (1): (إذا زالت الشمس صل الظهر والعصر إلا أن هذه قبل هذه)
ظاهر في إرادتهما معا بأمر واحد إلا أن هذه قبل هذه، ففي الفرض يصليهما معا إلى
جهتين، ولا يختص العصر بالأربع ولا الظهر بالثلاث، نعم لو كان الباقي ثلاثا مثلا أمكن
القول بصلاتهما معا إلى جهة، واختصاص العصر بالثلاثة، لأنه مع فرض عدم إصابة
الجهة في فعلها يختص العصر بالأربعة المزبورة، ولا جهة صحة للظهر فيها، ولذا اختصت
العصر بذلك، وفيه أنه لا داعي إلى هذه التكلفات، ضرورة كونهما فعلين مستقلين
معتبرا (2) في كل منهما نية مستقلة، واشتراط صحة الثاني منهما في بعض الأحوال
بأداء الأول لا وجوبه لا ينافي ذلك قطعا، والله أعلم.
(وإن ضاق) الوقت مثلا (عن ذلك) أي الصلاة إلى الأربع (صلى من
الجهات ما يحتمله الوقت، وإن ضاق إلا عن صلاة واحدة صلاها إلى أي جهة شاء)
واكتفى بها بلا خلاف صريح أجده في شئ من ذلك مع عدم تقصيره في التأخير،
للأصل وعدم سقوط الميسور بالمعسور، ولأن دليل المقدمة من الأدلة اللفظية قابل
للتخصيص ونحوه، فالمتعذر منه بلا تقصير كالمفعول لا يقدح في وجوب فعل الباقي،
فدعوى - أن الأصل في مقدمة اليقين سقوطها بمجرد سقوط شئ منها، لعدم حصول
اليقين بعد بالباقي، فلا يجب، لأنه هو السبب في الوجوب، ولأن الأصل البراءة،
نعم لما كانت الصلاة لا تسقط بحال وجب فعلها مرة إلى أي جهة، كما لو ضاق إلا عن

(1) الوسائل - الباب 4 من أبواب المواقيت - الحديث 21 من كتاب الصلاة مع
اختلاف في اللفظ
(2) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة ولكن في النسخة الأصلية المسودة " يعتبر "
418

جهة - في غير محلها، وإن كان ربما تخيل أن ذلك ظاهر المقنعة وجمل الشيد والمبسوط
والوسيلة والسرائر، لقولهم: فإن لم يقدر على الأربع فليصل إلى أي جهة شاء أو ما
يقرب منه، لكن لعل مرادهم عدم القدرة إلا على واحدة من الأربع، فلا خلاف
حينئذ، وإن أبيت فهم محجوجون بما عرفت، خصوصا مع استصحاب الوجوب، بل
قد تقرر المقدمة فيه أيضا بأنه لما كلف بالصلاة إلى القبلة نهى عن تركه، ولا يتم له اليقين
بامتثال النهي إلا بفعل الباقي، كما أنه لا يحصل له اليقين ببراءته من التكليف إلا بفعل
الباقي، وإن لم يتيقن حصول نفس المأمور به فيما أتى به، مضافا إلى اطلاق نصوص
الجهة الواحدة التي خرجنا عنها لمكان المعارض في صورة الاختيار والتمكن.
ومن ذلك كله يظهر لك أنه لا فرق بين التأخير بتقصير وعدمه، لاشتراكهما
في جميع ما ذكرنا، لكن عند المقاصد العلية النظر في اجزاء ذلك في التأخير بتقصير،
قال: من أن المجموع قائم مقام صلاة واحدة فلا يتحقق وقوع ركعة منها في الوقت
الموجب لصحة الصلاة إلا بادراك ما أقله ثلاث صلوات وركعة من الرابعة، فالتقصير
إلى ما دون ذلك كالتقصير في ادراك ركعة من الصلاة حالة العلم بالقبلة، ومن عدم
المساواة لها في كل وجه، وإلا لما وجبت الصلاة بادراك قدرها إلى جهة بل ثلاث جهات،
وهو خلاف المفروض، لكن لا يخفى عليك ما في الوجه الأول من أنه دعوى بلا دليل،
فلا ريب حينئذ في ضعفه كالمحكي عن نهاية الإحكام من احتمال وجوب الأربع في التأخير
اختيارا مطلقا أو مع ظهور الخطأ بناء على وجوب الأربع عليه، فعليه قضاء الفائتة
منها، إذ ظهور الخطأ كاشف عن وجوب غيرها أصالة، إذ فيه أن دليل القضاء لا يشمل
مثل ذلك قطعا، كما أن قاعدة الاجزاء تقتضي الاكتفاء بما فعله وإن ظهر بعد ذلك الخطأ
إلا في الاستدبار على قول، والأصح خلافه كما ستعرفه في محله، والإثم في التأخير لو قلنا
به لا ينافي شيئا من ذلك، مع أنه احتمل في النهاية أيضا جواز التأخير له اختيارا،
419

رجاء لحصول العلم له أو الظن، وإن كان هو قد قرب المنع بعد ذلك، وهو الوجه في
الرجاء فضلا عن عدم الرجاء، لما فيه من ترك اليقين إلى المحتمل، مضافا إلى اطلاق
أدلة الوجوب من النص وغيره، لكن قد يظهر من التذكرة الاجماع على جواز التأخير
للرجاء، قال: فإن كان يرجو حصول الظن بانكشاف الغيم مثلا احتمل وجوب التأخير
إلى آخر الوقت ثم يتخير، وجواز التقديم فيصلي إلى أربع جهات كل فريضة، ذهب
إليه علماؤنا، اللهم إلا أن يريد جواز التقديم على مقدار الأربع مثلا، فيكون
الاحتمال الأول التحير بالحاء المهملة، أو يريد الوجوب من الجواز، أو غير ذلك.
وكيف كان فالتحقيق ما عرفت، لكن ينبغي أن يعلم أنه يمكن خروج الثلاث
عن هذا البحث أصلا بناء على ما عرفت من امكان حصول اليقين بها بالصلاة على
هيئة الشكل المثلث، وعلى كل حال هو مخير في الجهات مع فرض تساويها في احتمال
القبلة، أما لو فرض حصول الظن له مرددا بين جهتين مثلا فالمتجه اختيارهما وإسقاط
المحتملة، خصوصا لو قلنا أن مثله من الاجتهاد، فإنه لا يلتفت إلى المحتملة حينئذ مع
السعة فضلا عن الضيق، وإن كان هو لا يخلو من نظر، لظهور أدلة الاجتهاد في المظنون
بالخصوص، والله أعلم بحقيقة الحال.
(و) كيف كان ف‍ (المسافر) شرعا أو عرفا (يجب عليه استقبال القبلة)
في كل ما وجب فيه ذلك اجماعا بقسميه إن لم يكن ضرورة، لعموم الأدلة وإطلاقها،
وخصوص بعضها، إذ السفر من حيث كونه سفرا لا يسقط ذلك كما لا يسقط سائر
ما وجب في الصلاة شرطا أو جزء إلا ما دل عليه الدليل من القصر ونحوه (و) حينئذ
ف‍ (لا يجوز له أن يصلي شيئا من الفرائض على الراحلة إلا عند الضرورة) إذا كان
ذلك مفوتا لبعض ما يعتبر فيها من الاستقبال والطمأنينة والقيام والركوع والسجود
إجماعا بقسميه، بل من المسلمين فضلا عن المؤمنين، وقال الصادق (عليه السلام) في
420

صحيح عبد الرحمان (1): (لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل القبلة،
وتجزيه فاتحة الكتاب ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شئ، ويومي في النافلة
ايماء) وفي موثق عبد الله بن سنان (2) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (أيصلي
الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال: لا إلا من ضرورة) ونحوهما غيرهما.
بل لعل اطلاق الفريضة في النص والفتوى يشمل المنذورة ونحوها مما وجب
بالعارض كما صرح به بعضهم، بل لا خلاف أجده فيه، بل في الذكرى لا تصح الفريضة
على الراحلة اختيارا اجماعا، لاختلال الاستقبال وإن كانت منذورة، سواء نذرها
راكبا أو مستقرا على الأرض، لأنها بالنذر أعطيت حكم الواجب، وقد يستظهر منه
الاجماع كالتذكرة، قال: لا تصلي المنذورة على الراحلة، لأنها فرض عندنا، ثم نقل
عن أبي حنيفة أنه لو نذرها وهو راكب يؤديها على الراحلة، ثم قال: وليس بشئ،
لكن قد يناقش فيه إن لم يتم الاجماع عليه بأنه مخالف للأصل وعموم ما دل (3) على
وجوب الوفاء بالنذر، وخصوص خبر علي بن جعفر (4) (سألته عن رجل جعل لله
عليه أن يصلي كذا وكذا هل يجزيه أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال: نعم)
وما في المدارك من أن في الطريق محمد بن أحمد العلوي ولم يثبت توثيقه قد يدفعه ما قيل
من تصحيح الفاضل في غير موضع من المنتهى والمختلف روايته، وأنه ممن يروي عنه
محمد بن أحمد بن يحيى، ولم يستثن من كتاب نوادر الحكمة بل في شرح المفاتيح أنه
ربما يظهر من ترجمة العمر كي كونه من شيوخ أصحابنا، ويروي عنه الأجلاء، مضافا

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 4 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الكفارات - الحديث 6 من كتاب
الايلاء والكفارات
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 6
421

إلى موافقة الخبر المزبور لمقتضى الأصل والقاعدة، وإلى أنه مروي بطريقين: أحدهما
ما عرفته، والثاني رواه الشيخ عن علي بن جعفر، وطريقه إليه صحيح، وقد تدفع
بعموم دليل المنع الذي هو أخص منهما، وبأن الخبر غير معلوم الحجية، لعدم ثبوت
صحته، مع أنه غير صريح الدلالة، بل ولا ظاهرها إلا من حيث العموم لحالتي الاختيار
والضرورة، ويمكن تخصيصه بالأخيرة جمعا، اللهم إلا أن يمنع عموم دليل المنع،
لاختصاصه بحكم التبادر، وعدم عموم اللغوي فيه، بناء على التحقيق من كون نفي الطبيعة
من باب المطلق المنصرف إلى الفرد الشائع، خصوصا مع غلبة التعبير بلفظ الفريضة
المستعمل كثيرا في النصوص فيما استفيد وجوبه من الكتاب لا السنة بالصلوات الخمس
اليومية، أو بالفرض الأصلي، بل في شرح المفاتيح أنه هو الفرد المتبادر الشائع الغالب،
لا ما يشمل العارضي الذي مقتضى استصحاب حاله ثبوت حكمه لحال الوجوب العارضي،
وهو أخص من دليل المنع لو سلم عمومه لذلك.
ومن هنا كان القول بخروج النافلة المنذورة عن الحكم المذكور لا يخلو من قوة
وإن كان الأحوط المنع، تحصيلا للبراءة اليقينية، سيما مع مقابلة الفريضة بالنافلة في خبر
منصور بن حازم (1) قال: (سأله أحمد بن النعمان فقال: أصلي في محملي وأنا مريض
فقال: أما النافلة فنعم، وأما الفريضة فلا) وهو مشعر بالعموم، لكن الاشعار لا
يصلح الاستناد إليه في المنع، مضافا إلى ضعف السند بالاضمار والجهالة، بل في الرياض
وتضمن ذيله عدم جواز الفريضة على الراحلة ولو حال الضرورة، ولم يقل به أحد من
الطائفة، وفيه أن ذيله قال: (وذكر أحمد شدة وجعه، فقال: أنا كنت مريضا شديد
المرض فكنت آمرهم إذا حضرت الصلاة فينحوني، فأحتمل بفراشي فأوضع وأصلي

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 10
422

ثم احتمل بفراشي فأوضع في محملي) وهو مع أن (1) فعل أحمد بن النعمان قد يكون
لا مشقة عليه في ذلك، ولا ضرورة تدعو إلى خلافه، فيتجه حينئذ وجوبه تحصيلا
لبعض ما يفوت بالركوب من الاستقرار ونحوه، وعن الشيخ أنه حمله على الاستحباب،
ولعله لعدم المشقة المقتضية للوجوب، أو أن الصلاة في المحمل للمريض من الرخص
لا العزيمة التي تكون الصلاة مع خلافها فاسدة.
ومنه ينقدح الفرق بين أفراد الضرورة، فمنها ما تقتضي الثاني كالخوف ونحوه،
ومنها ما تقتضي الأول كالمرض المستلزم للمشقة في الصلاة بغير المحمل، فتأمل جيدا،
فإن التمييز بينهما محتاج إلى لطف قريحة، ضرورة مآله إلى الفرق بين الضرورة في مقدمات
الفعل وبين الضرورة فيه، وعلى كل حال فالقول المزبور على قوته - خصوصا إذا نذرها
راكبا مثلا، فإن الجرأة على بطلان هذا النذر الجامع للشرائط الفاقد للموانع، أو الحكم
بصحته ووجوبها جامعة لشرائط المختار مع أنه لم ينوه ولم يقصده، بل كان المقصود
غيره، وليس هو بمنزلة النذرين في الفرض المزبور بمجرد ظهور لفظ الفريضة ونحوها
مما عرفته - في غاية الصعوبة لا يرتكبه فقيه، ودعوى ظهور النصوص (2) في أن التسامح
المزبور في النافلة لمكان وصف النفل الذي ينافيه الوجوب العارضي يمكن منعها على
مدعيها، خصوصا في المقام، فتأمل جيدا، وقد يأتي إن شاء الله بعض البحث في
ذلك، والله الموفق.
نعم لا فرق على الظاهر بين الفرائض بالذات حتى صلاة الجنازة إجماعا كما عن
إرشاد الجعفرية إذا ظهر الأركان فيها القيام والاستقبال المفروض فواتهما، أو فوات
أحدهما، ولو سلم ظهور تلك النصوص (3) في اليومية خاصة أو فيما لا يشملها أمكن

(1) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة ولكن في النسخة الأصلية المسودة " أنه "
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب القبلة
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب القبلة
423

الاستناد إلى إطلاق ما دل على اشتراط ذلك فيها السالم عن معارضة ما يقتضي جوازها
على الراحلة المفوتة لذلك اختيارا.
أما الفرائض التي عرض لها وصف الاستحباب ففي إجراء حكم النافلة عليها وبقاء
حكم الفرض وجهان، أقواهما الثاني، خصوصا مثل الفريضة المعادة احتياطا استحبابا،
ضرورة توقف الاحتياط على مراعاة أحكام المحتاط فيه، وتسمع إن شاء الله بعض
الكلام في ذلك في أحكام الخلل من الكتاب عند تعرض المصنف لحكم الشك في النافلة.
كل ذلك مع الاختيار، أما الضرورة فلا خلاف في جوازها حينئذ، بل الاجماع
بقسميه عليه، والنصوص (1) متظافرة أو متواترة، فيه، بل قوله تعالى (2): (فإن
خفتم فرجالا أو ركبانا) دال عليه في الجملة، نعم يحكى عن العامة التي جعل الله الرشد
في خلافها منعها عند الضرورة أيضا إلا أن يخاف على نفسه أو ماله أو انقطاعه عن
الرفقة، فيصلي ثم يعيد إذا نزل عنها، وهو مخالف لما عندنا من وجهين، أحدهما التفصيل
بين أفراد الضرورة، والثاني وجوب الإعادة المخالف لقاعدة الاجزاء، وللمراد من
نفي البأس على الظاهر في توقيع صاحب الزمان (عليه السلام) جعلت فداه لما كاتبه محمد بن عبد الله
ابن جعفر الحميري (3) (عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل، فيتخوف
إن نزل الغوص فيه، وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال، ولا يستوي له أن يلبد
شيئا منه لكثرته وتهافته، هل يجوز أن يصلي في المحمل الفريضة؟ فقد فعلنا ذلك
أياما، فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟ فأجاب لا بأس به عند الضرورة والشدة)

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 4 و 5 و 11
(2) سورة البقرة - الآية 240
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 11
424

والتقييد بالشديدة في مكاتبة عبد الله بن جعفر (1) أبا الحسن (عليه السلام) (روى
جعلني الله فداك مواليك عن آبائك (عليهم السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
صلى الفريضة على راحلته في يوم مطر، ويصيبنا المطر ونحن في محاملنا والأرض مبتلة
والمطر يؤدي فهل يجوز لنا يا سيدي أن نصلي في هذا الحال في محاملنا أو على دوابنا
الفريضة إن شاء الله؟ فوقع (عليه السلام) يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة) لا يشهد
لأول الوجهين قطعا، بل الظاهر إرادة الضرورة المسوغة لذلك، وهي التي لا تتحمل
عادة، لكن من المعلوم أن الضرورة تقدر بقدرها.
ولذا قال المصنف: (ويستقبل القبلة) مع التمكن منها، لا طلاق ما دل على
اعتبارها السالم عن معارضة مقتضى الضرورة بالفرض (فإن لم يتمكن) من الاستقبال
بالجميع (استقبل القبلة بما أمكنه من صلاته، وينحرف إلى القبلة كلما انحرفت الدابة،
وإن لم يتمكن استقبل) القبلة (بتكبيرة الاحرام، ولو لم يتمكن من ذلك أجزأته الصلاة
وإن لم يكن مستقبلا) بلا خلاف معتد به أجده في شئ من ذلك، لما عرفت، ولبعض
المعتبرة (2) في السفينة التي جعل الصادق (عليه السلام) المحمل بمنزلتها في خبر ابن
عذافر (3) والمحكي عن المنتهى (لو اضطر إلى صلاه الفريضة على الراحلة صلى عليها
واستقبل القبلة بما يمكنه، ذهب إليه علماؤنا أجمع) فاطلاق النصوص (4) الذي لم يسق
لبيان ذلك يجب تنزيله على ما عرفت، لكن قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح
زرارة: (الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته - ثم قال -:

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 5 - 2
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبوا ب القبلة
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 5 - 2
(4) الوسائل - الباب 14 - من أبواب القبلة
(5) الوسائل - الباب 3 - من أبواب صلاة الخوف والمطاردة - الحديث 8
425

ويجعل السجود أخفض من الركوع، ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته
غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة) ويستفاد منه كما في المدارك عدم وجوب الاستقبال
إلا بتكبيرة الاحرام خاصة، كالمحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (1) ولعله يحمل على إرادة
المثال أو على عدم تمكنه من الاستقبال في غيرها، كما يومي إليه عدم الركوع والسجود
والاكتفاء بالايماء عنهما، على أن الغالب في خائف اللص والسبع الذي صلاته صلاة
المواقفة عدم التمكن من أن يدور إلى القبلة كلما انحرفت دابته، مع أنها ما تنحرف إلى
جهة إلا وهو محتاج إليها غالبا، نعم ربما يتيسر له ذلك في أول الصلاة، فيستقبل حينئذ
ويبقى مستمرا إلى حال عدم التمكن، أو على بيان ندرة عدم التمكن من الاستقبال فيها
لقصر زمانها، مع أنها من أركان الصلاة وافتتاحها، وبها يحصل إحرام الصلاة، وكذا
يحمل على ذلك بعض العبارات المقتصرة عليها كعبارة القواعد (ويستقبل بتكبيرة
الافتتاح وجوبا مع المكنة) خصوصا مع قوله قبل ذلك: (ولو اضطر في الفريضة
صلاها كذلك، فإن صلى والدابة إلى القبلة فحرفها عمدا لا لحاجة بطلت صلاته، وإن
كان لجماح الدابة لم تبطل وإن طال الانحراف إذا لم يتمكن من الاستقبال) واحتمال
إرادة الفرق بين التكبيرة وغيرها باشتراط الاستقبال في الأولى وعدم الانحراف عن
القبلة لو اتفق أنه كان عليها في غيرها كما ترى، فلا ريب في وجوب مراعاة القبلة بما
أمكنه من غير فرق بينها وبين غيرها، وكذا باقي ما يعتبر في الصلاة من القيام
والاستقرار وغيرهما، نعم لا إشكال في السقوط مع التعذر.
وهل يجب عليه تحري الأقرب فالأقرب، لأن للقرب أثرا عند الشارع، ولهذا
افترقت الجهات في الاستدراك لو ظهر خطأ الاجتهاد، أولا للأصل وللخروج عن القبلة،
فتتساوى الجهات؟ قولان كما في المدارك، بل فيها تبعا للذكرى (لو قيل يجب تحري

(1) المستدرك - الباب 10 - من أبواب القبلة - الحديث 2
426

ما بين المشرق والمغرب دون باقي الجهات لتساويها في الاستدراك لو ظهر خطأ الاجتهاد،
ولقولهم (عليه السلام): ما بين المشرق والمغرب قبلة كان قويا) وزاد في الذكرى " (وحينئذ يترجح
المشرق والمغرب على الاستدبار على القول بالقضاء فيه مع خروج الوقت) إلى آخره
لكن الأول والأخير كما ترى لا يجتري الفقيه على الجزم بشئ منهما بهذه الأمور التي
لا تصلح للعذر بعد حرمة القياس والاستحسان ونحوهما عندنا، فلا يقاس ما نحن فيه
على الغافل والناسي بجامع الاضطرار، فالقول حينئذ بالسقوط أصلا هو الأقوى،
إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه.
ومنه يعلم أيضا ما في المحكي عن العلامة في النهاية من أنه إن لم يتمكن من
الاستقبال جعل صوب الطريق بدلا عن القبلة، لأن المصلي لا بد أن يستمر على جهة
واحدة لئلا يتوزع فكره، ولما كان الطريق في الغالب لا ينفك من معاطف يلقاها
السالك يمنة ويسرة فيتبعه كيف كان للحاجة، وإن قال في المدارك وهو حسن، إلا
أن وجهه لا يبلغ حد الوجوب، وكيف كان فيومي للركوع والسجود إذا لم يتمكن منهما
ولو بالنزول حالهما، أما إذا تمكن من النزول مثلا وجب قطعا وليس من الفعل الكثير
في الصلاة، ضرورة كونه لأجزائها، وكذا لو تمكن من الانحناء وجب لما سمعته سابقا
في محله مما لا حاجة إلى إعادته هنا كبعض الأحكام المذكورة هناك حتى وضع الوجه
على شئ أو وضعه عليه، وإن دل صحيح عبد الرحمان (1) السابق على وجوب الأول
هنا، ولعله يريد به السجود على القربوس ونحوه مع عدم المشقة والتخوف من نفور
الدابة، حتى وأخفضية السجود من الركوع في الايماء وغيرهما مما لا يخفى جريانه هنا،
إذ الظاهر عدم خصوصية للمقام.
(وكذا) الحكم في (المضطر إلى الصلاة ماشيا) ضرورة عدم الفرق عندنا

(1) الوسائل - الباب 14 - من أبواب القبلة - الحديث 1
427

بين المشي والركوب وغيرهما في جميع ما سبق من الأحكام حال الاختيار والاضطرار
والكيفية، فلا يجوز للماشي فعل الفريضة مع الاختيار والأمن عند أهل العلم كافة كما في
المحكي عن المنتهى، بل فيه أيضا وإذا اضطر يصلي على حسب حاله ماشيا يستقبل القبلة
ما أمكنه، ويومي بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع، ذهب إليه
علماؤنا أجمع، وقال الله تعالى (1): (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) بل قد يدعى
ظهورها في التخيير بين الأمرين عند الاضطرار، ويؤيده أن احتمال ترجيح المشي حينئذ
لحصول ركن القيام معارض باحتمال ترجيح الركوب، لأن الراكب مستقر بالذات وإن
تحرك بالعرض، بخلاف الماشي، خصوصا مع الركوب في المحمل الذي هو بمنزلة السفينة
في الخبر، نعم لو فرض امكان استيفاء بعض الأفعال الأخر كالركوع والسجود في
أحدهما أمكن حينئذ تقديمه، ودعوى عدم ظهور الآية في التخيير، لجواز كونها لبيان
شرعية الأمرين وإن كان بينهما ترتيب كآية كفارة الصيد (2) يدفعها أن الاحتمال
لا ينافي الظهور المزبور إذا لم يكن شاهد له، على أنه يكتفي في ثبوت التخيير عدم الدليل
المعتبر على الترتيب، كما أنه لا دليل كذلك على وجوب كيفية خاصة لمشي المكلف
حال الصلاة أو راحلته، فللراكب حينئذ الركض على دابته، وللماشي العدو من غير
ضرورة، لأنهما فردان منهما كما عن نهاية الإحكام التصريح به، ومجرد انقداح الترتيب
بين أفراد المشي في النفس من غير دليل شرعي لا يصلح عذرا وإن كان هو كذلك
واقعا، كما هو واضح من أصول الإمامية.
نعم ينبغي اعتبار التوقي عن النجاسة كغير الماشي، لاطلاق الأدلة، وكذا غير
ذلك من الشرائط، بل يقتصر على ما قضت الضرورة بعدمه كالاستقرار ونحوه من

(1) سورة البقرة - الآية 240
(2) سورة المائدة - الآية 96
428

غير تعد لغيره، لما عرفته سابقا من تقدر الضرورة بقدرها، سواء في ذلك الراكب
والماشي وغيرهما من المضطرين، إذ الجميع من واد واحد، لكن تقييد المصنف خاصة
من بين الأصحاب هنا بقوله: (مع ضيق الوقت) وإطلاقه في الراكب يشعر بالفرق
بينهما، اللهم إلا أن يريد رجوعه إليهما، وفيه حينئذ أن وجوب الانتظار في ذوي
الأعذار وعدم جواز البدار مع رجاء الزوال متجه فيما لم يعلق الحكم فيه على موضوع
يتحقق عرفا قبل الضيق كالمقام المعلق فيه الحكم على الخائف ونحوه، ضرورة اقتضاء
الاطلاق حينئذ مشروعية البدار بمجرد تحقق موضوع الحكم فضلا عن ظهور فحاوي
النصوص (1) بذلك، ومناسبة سهولة الملة، والاهتمام بالمبادرة للصلاة، وكون الحكمة
في مشروعية هذه الأحكام التخفيف ونحو ذلك، بخلاف غيره الذي جاء عدم السقوط
فيه من قوله: لا تسقط الصلاة بحال ونحوه، لتوقف تحقق معنى الاضطرار فيه على ضيق
الوقت، إذ هو مكلف بالصلاة الجامعة للشرائط في مجموع الوقت، ولم يعلم عدم التمكن
حتى يضيق، وليس الخطاب بالصلاة منحلا إلى خطابات متعددة باعتبار تعدد الأحوال
وإلا لاقتضى جاز فعل الصلاة الاضطرارية في أول الأوقات وإن علم بالتمكن في ثانيها،
وهو مقطوع بعدمه في الشريعة، وتمام الكلام في حكم ذوي الأعذار في غير المقام،
لكن على كل حال لا وجه للفرق بين الاضطرار للصلاة ماشيا وراكبا، والله أعلم.
(ولو كان الراكب بحيث يتمكن من الركوع والسجود وفرائض الصلاة هل
يجوز له الفريضة على الراحلة اختيارا؟ قيل: نعم) واختاره في المدارك وغيرها من
كتب متأخري المتأخرين، بل هو المحكي عن صريح نهاية الفاضل، وإشعار نهاية الشيخ
والسرائر، وربما يشهد له ظهور المتن في وجود القائل قبله بذلك (وقيل: لا، وهو
الأشبه) عند المصنف والفاضل والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم، بل قيل: إنه المشهور:

(1) الوسائل - الباب 13 و 14 و 15 و 16 - من أبواب القبلة
429

بل في مجمع البرهان يكاد أن لا يكون فيه خلاف، لكن الأقوى في النظر الأول،
للأصل وإطلاق الأدلة السالم عن المعارض، ضرورة ظهور النهي عن الصلاة على الرحلة
في غير الجامعة، كما يومي إليه زيادة على الانسياق ذكر جملة من الأحكام كالايماء
والاستقبال بالتكبير أو بما أمكن وغيرهما للصلاة على الراحلة، وليس إلا لغلبة احتياج
الصلاة عليها إلى ذلك، ودعوى العموم اللغوي فيها بالنسبة إلى الأحوال عموما لا يتفاوت
فيه النادر وغيره ممنوعة على مدعيها، واستثناء المريض في صحيح عبد الرحمان (1)
السابق مع أنه لا يقتضي العموم قد ذكر غير واحد من الأصحاب أنه إنما يفيده بالنسبة
إلى الفاعل لا الدابة، فهي حينئذ على اطلاقها وكونها في سياق النهي لا يجدي في زيادة
معنى الاثبات، إذ النفي إنما هو له، خصوصا والتحقيق في استفادة العموم من مثل
ذلك اقتضاء نفي الطبيعة نفي الأفراد، فهي كالحكم المقتضي ثبوته للطبيعة ثبوته للفرد
كالحل والحرمة ونحوهما، فكما لا يخرج ذلك عن الاطلاق المنصرف إلى الأفراد الشائعة
كذلك لا يخرج هذا، ومثل ذلك النكرة في سياق النفي المستفاد منها العموم أيضا
بواسطة اقتضاء نفي الواحد لا بعينه الذي هو مفادها ذلك، إذ دعوى ثبوت الوضع
الجديد مساويا لعموم (كل) و (جميع) لا شاهد لها كما هو محرر في محله، فليس مفاد النكرة
في الاثبات والنفي إلا معنى واحد وإن اختلفا في العموم البدلي والشمولي، فدعوى
ظهور قول الصادق (عليه السلام) في موثق ابن سنان (2): (لا تصل شيئا من
المفروض راكبا) في شمول ما نحن فيه، لكونه من العموم اللغوي لا الاطلاق ليس
في محلها كما هو واضح بأدنى تأمل، فالتحقيق حينئذ خلو نصوص المقام عن الدلالة على
الفرض، بل يبقى على مقتضى الأصول والاطلاقات، ولا ريب في اقتضائها الصحة عندنا،
بل الظاهر أن إطلاق الفتاوى أيضا كذلك.

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 7
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 7
430

وأظرف شئ ما يحكى عن فخر المحققين من الاستدلال على الفساد بقوله تعالى (1):
(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) بتقريب أن المراد بالمحافظة المداومة وحفظها
من المفسدات والمبطلات، وإنما يتحقق ذلك في مكان اتخذ للقرار عادة، فإن غيره كظهر
الدابة في معرض الزوال، وبقوله (صلى الله عليه وآله) (2): (جعلت لي الأرض مسجدا)
أي مصلى، فلا يصح إلا فيما في معناها، وإنما عديناه إليه بالاجماع ولم يثبت هنا،
ضرورة كون المراد من الآية عدم التضييع بالترك ونحوه، وبالخبر كون الأرض محلا
للسجود، وعلى أنه قد يفرض محل البحث فيما إذا اطمأن بعدم عروض المفسد للصلاة
على الظهر، والاجماع قائم على كل مكان يمكن استيفاء ما دل على اعتباره في الصلاة فيه
من غير تخصيص، ولو سلم كون البحث في غير المطمئن به في استيفاء الأفعال خاصة
أمكن منع اشتراط هذا الاطمئنان في صحة الصلاة، للأصل وإطلاق الأدلة، ودعوى
عدم إمكان النية يدفعها أنها ممكنة عرفا ولو بأصالة عدم عروض المانع، كما في ذات
العادة التي تظن عروض الحيض لها في اليوم الذي نوت صومه، وكل محتمل أو ظان
عروض المانع في الأثناء وغير ذلك من الأحوال المعلوم عدم اشتراط صحة الصلاة
بالطمأنينة في احراز عدمها أو إحراز التمكن منها، كما هو واضح.
وكذا دعوى أن إطلاق أدلة الصلاة ينصرف إلى القرار المعهود، وظهر الدابة
ليس منه، لمنع الاطلاق المراد منه المعهود، بل عدم اعتناء الأصحاب بتحرير ذلك في
المكان أقوى شاهد على عدم الفرق بين سائر الأمكنة الصالحة لاستيفاء الأفعال، بل
من الأمكنة المخترعة ما يقطع بندوره وعدم دخوله في الاطلاق الذي يفرض إرادة

(1) سورة البقرة - الآية 239
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التيمم - الحديث 3
431

المعهود منه، خصوصا بعد صحيح علي بن جعفر (1) سأل أخاه (عن الرجل هل يصلح
له أن يصلي على الرف المعلق بين نخلتين فقال (عليه السلام): إن كان مستويا يقدر
على الصلاة عليه فلا بأس) ومضمر أحمد بن محمد (2) (في الرجل يصلي على السرير
وهو يقدر على الأرض فكتب صل فيه، وخبر إبراهيم بن أبي محمود (3) عن الرضا
(عليه السلام) (في الرجل يصلي على سرير من ساج ويسجد على الساج قال: نعم)
وغيرها مما هو مسطور في مكان المصلي، مع أن الجميع ليس من القرار المعهود، إلا أنها
يمكن فرض استيفاء أفعال الصلاة عليها، لعدم قدح الحركة اليسيرة التي يتعقبها
الاستقرار، بل يمكن إرادة الأرجوحة من الرف المعلق بين النخلتين لا المسمر بالمسامير
الذي قد ادعى في كشف اللثام أنه المعروف منه، قال في البحار بعد ذكره الصحيح
المزبور: وهو يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المراد شد الرف بالنخلتين، فالسؤال
باعتبار احتمال حركتهما، والجواب مبني على أنه يكفي الاستقرار في الحال، فلا يضر
الاحتمال، أو على عدم ضرر تلك الحركة، وثانيهما أن يكون المراد تعليق الرف بحبلين
مشدودين بنخلتين، وفيه إشكال، لعدم تحقق الاستقرار في الحال، والحمل على الأول
أولى وأظهر، ويؤيده ما ذكره الفيروزآبادي في تفسير الرف أنه شبه الطاق، قلت:
وعلى كل حال فشهادته للمطلوب لا تنكر.
ومن ذلك كله يظهر لك أنه لا وجه للاشكال في الصلاة على الدابة المتمكن من
استيفاء الأفعال معها كما في قواعد الفاضل، فضلا عن المنع ممن عرفت كالمصنف وغيره،

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 لكن رواه
في الوسائل عن محمد بن إبراهيم الحصيني
(3) الوسائل - الباب 36 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
432

اللهم إلا أن يريدوا السائرة التي تستلزم حركتها حركة المصلي وعدم استقراره كما هو
الغالب في الركوب على الدابة، ويومي إليه فرض المسألة في ذلك في الذكرى على الظاهر،
قال: (لو تمكن الراكب من الاستقبال واستيفاء الأفعال كالراكب في السفينة أو على بعير
معقول ففي صحة صلاته وجهان، أصحهما المنع، أما الأول فلعدم الاستقرار، ولهذا
لا يصح صلاة الماشي مستقبلا مستوفيا للأفعال، لأن المشي أفعال كثيرة خارجة عن
الصلاة، فيبطلها) وهو كالصريح فيما قلناه، خصوصا بعد قوله في آخر البحث: (ولو
كانت الدابة واقفة وأمكن استيفاء الأفعال فهي مرتبة على المعقولة، وأولى بالبطلان
هنا، لأن الحركة إليها أقرب) إذ هو كالصريح في إرادة السائرة من الأول، ولعله
مراد المصنف وغيره، وحينئذ فالبطلان متجه، واحتمال كونها حينئذ كالسفينة في أن
الراكب بنفسه مستقر بالذات وإنما يتحرك بالعرض بالراحلة كما في كشف اللثام يدفعه
وضوح الفرق باعتبار غلبة حصول وصف الاستقرار لراكب السفينة بخلاف الدابة،
فيختص الحكم بالبطلان في عبارة المتن وما شابهه بذلك لا الواقفة والمعقولة وغيرهما مما
يمكن معه استيفاء الأفعال من الاستقرار وغيره، كالسرير المحمول ونحوه، خصوصا
المطمأن ببقائه على هذا الحال إلى آخر الصلاة، لكن في قواعد العلامة (وفي صحة
الفريضة على بعير معقول أو أرجوحة معلقة بالحبال نظر) بل عن المنتهى والايضاح
والموجز والجعفرية وشرحيها وحاشية الميسي الجزم بالعدم فيهما، والشهيدين في المعقول،
بل الأول منهما في الأرجوحة أيضا وإن احتمل الجواز فيها، لصحيح علي بن جعفر (1)
المزبور، مع أن المحكي عن تذكرته ونهايته وغيرهما الصحة، لما عرفت من ضعف مقتضى
البطلان من كون الأول في معرض الزوال كالدابة الواقفة وإن كان أبعد، والشك في تحقق
الاستقرار في الثاني، وخروجهما عن القرار المعهود فضلا عن أن يعارض ما سمعته من

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
433

مقتضى الصحة، وخصوصا الأخير الذي قد عرفت دفعه بأنه لا دليل على إرادة المعهود
من القرار، بل ظاهر الأدلة والفتاوى خلافه.
بل قد يشهد لذلك في الجملة مضافا إلى ما عرفت وتعرف في المكان ما دل على
جواز الصلاة في السفينة اختيارا من النصوص المعتضدة بفتاوي الأصحاب، كصحيح
جميل (1) قال لأبي عبد الله (عليه السلام): (تكون السفينة قريبة من الجدد فأخرج
وأصلي قال: صل فيها، أما ترضى بصلاة نوح (عليه السلام)؟) وخبري يونس بن
يعقوب (2) والمفضل بن صالح (3) سالا أبا عبد الله (عليه السلام) (عن الصلاة في
الفرات وما هو أصغر منه من الأنهار في السفينة فقال: إن صليت فحسن، وإن خرجت
فحسن) وخبر صالح بن الحكم (4) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في
السفينة، فقال: إن رجلا سأل أبي (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة فقال له: أترغب عن صلاة
نوح (عليه السلام)؟) إلى غير ذلك من النصوص الدالة باطلاقها على المطلوب وليس منها النصوص (5)
المسؤول فيها عن جواز الجماعة في السفينة فأجيب بنفي البأس، ضرورة كون المراد منها
جواز ذلك حيث تصح الصلاة في السفينة من غير تعرض لحال الصحة هل هو الاختيار
أوليس إلا الاضطرار، كما هو واضح، ولا النصوص المسؤول فيها عن الكيفية،
وإن ظنه في المدارك فاستدل بصحيح معاوية (6) وحسن حماد (7) منها، بل قد استدل
قبلهما بصحيح عبد الله بن سنان (8) المتضمن سؤاله للخوف من السبع واللصوص مع
الخروج، ولعدم طاعة رفقائه له على الخروج، وهو غير ما نحن فيه قطعا، اللهم إلا أن

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب القبلة - الحديث 3 - 5
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب القبلة - الحديث 3 - 5
(3) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القبلة - الحديث 11 - 10
(4) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القبلة - الحديث 11 - 10
(5) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القبلة - الحديث 4 و 9 و 12
(6) الوسائل - الباب 14 - من أبواب القيام - الحديث 8 - 4 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القبلة - الحديث 13
(8) الوسائل - الباب 14 - من أبواب القيام - الحديث 8 - 4 من كتاب الصلاة
434

يريد الاستدلال بقوله (عليه السلام) في الجواب: (لا عليه أن لا يخرج، فإن
أبي سأله (عليه السلام) عن مثل هذه المسألة رجل فقال له: أترغب عن صلاة نوح (عليه السلام)؟)
وفيه أنه باعتبار الضمير لا اطلاق فيه.
بل قد يستفاد من التعليل فيه ومما تسمعه في خبر الخزاز (1) ضعف الاستدلال
بما في صحيح جميل السابق وغيره مما اشتمل على ذكر صلاة نوح (عليه السلام)، ضرورة ظهوره في
اضطرار نوح (عليه السلام) لتلك الصلاة، فمن ساواه في ذلك لم يكن له ليرغب عن
صلاته، فلا يشمل المتمكن من الصلاة على الجدد بلا مشقة ولا ضرورة تلجأه إلى الصلاة
في السفينة المقتضية في بعض الأحوال فوات كثير من الواجبات كالركوع والاستقبال
والسجود والقيام والاستقرار، فيمكن حمل الصحيح المزبور وغيره على إرادة غير هذا
الفرد من الصلاة في السفينة، على أنه بعد الاغضاء عن ذلك ليس هو إلا مطلقا كالأخبار
التي بعده، والاستدلال به على جواز الصلاة في السفينة المفوتة لما عرفت - فضلا عن
غيرها وإن كان متمكنا من الجدد ونحوه مما لا يفوت به شئ من ذلك - معارض بجميع
ما دل على وجوب كل منها من النصوص المتواترة والاجماعات والآيات وغيرها مما هو
مسطور في محله، والتعارض بينهما بالعموم من وجه، ولا ريب في رجحانه على هذه
الأخبار من وجوه، خصوصا ولم يعرف في غير المقام سقوط الركوع والسجود والقيام
ونحو ذلك اختيارا، بل المعروف منهم اختصاص سقوطها في حال الاضطرار، مضافا
إلى ترجيحها بما في مضمر علي بن إبراهيم (2) (ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على
الشط) وما في الحسن كالصحيح (3) (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يسأل عن
الصلاة في السفينة فيقول: إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا، فإن لم تقدروا

(1) الوسائل - الباب 14 - من أبواب القيام - الحديث 9 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القبلة - الحديث 8 - 14
(3) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القبلة - الحديث 8 - 14
435

فصلوا قياما، فإن لم تستطيعوا فصلوا قعودا وتحروا القبلة) وما عساه يشعر به سؤال
صحيح عبد الله بن سنان من معلومية اعتبار الاضطرار في الصلاة في السفينة، كسؤال
علي بن جعفر (1) أخاه فيما روي من كتابه، قال: (سألته عن قوم لا يقدرون أن
يخرجوا إلى الطين والماء هل يصلح لهم أن يصلوا الفريضة في السفينة؟ قال: نعم) وإلا
لحسن من الإمام (عليه السلام) بيان جواز ذلك اختيارا ردا للاشعار المزبور، بل
صحيح ابن أبي عمير (2) عن الخزاز كالصريح في ذلك، قال: (قلت لأبي عبد الله)
(عليه السلام): إنا ابتلينا وكنا في سفينة فأمسينا ولم يقدر على مكان نخرج فيه فقال
أصحاب السفينة: ليس نصلي يومنا ما دمنا نطمع في الخروج، فقال: إن أبي كان
يقول: تلك صلاة نوح (عليه السلام)، أو ما ترضى أن تصلي صلاه نوح؟ فقلت: بلى جعلت فداك
فقال: لا يضيقن صدرك، فإن نوحا قد صلى في السفينة، قال: قلت: قائما أو قاعدا،
قال: بل قائما، قال: قلت فإني ربما استقبلت القبلة فدارت السفينة قال:
تحر القبلة جهدك).
وما عساه يشعر به خبر ابن عذافر (3) قال لأبي عبد الله (عليه السلام): (رجل
يكون في وقت الفريضة ولا يمكنه الأرض من القيام عليها من كثرة الثلج والماء والمطر
والوحل أيجوز له أن يصلي الفريضة في المحمل؟ فقال له: نعم هو بمنزلة السفينة إن
أمكنه قائما، وإلا قاعدا، وكل ما كان من ذلك فالله أولى بالعذر) واحتمال معارضة
ذلك كله بترجيح هذه الأخبار بفهم الأصحاب يدفعه عدم ثبوت ذلك منهم، قال في
الذكرى: إن كثيرا من الأصحاب جوزوا الصلاة في السفينة ولم يذكروا الاختيار،

(1) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القبلة - الحديث 16
(2) الوسائل - الباب 14 - من أبواب القيام - الحديث 9 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 14 - من أبواب القبلة - الحديث 2
436

قلت: بل قيل: إنه يلوح من الجمل والمراسم والكافي والغنية والسرائر الاختصاص
بحال الضرورة، بل قال في الدروس: (ظاهر الأصحاب أن الصلاة في السفينة مقيدة
بالضرورة إلا أن تكون مشدودة).
قلت: بل قد يشعر استدلال المانعين عن الصلاة فيها اختيارا كالذكرى والمسالك
والموجز وحاشية الميسي وروض الجنان ومجمع البرهان على ما حكى عن بعضها، بل
والتقي والعجلي إلا أنه لم يثبت ذلك عن الأخيرين بعدم قرار المصلي وكثرة الحركات
منه مما يندرج به في الفعل الكثير في الصلاة بعدم إرادة القائل بالجواز ثبوته اختيارا
وإن فات الركوع والسجود والاستقبال والقيام والاستقرار الذاتي للمصلي، وإلا لاتجه
إلزامه به، ضرورة أولويته من ذلك قطعا، بل هو مشعر بكون النزاع في الصلاة في
السفينة من حيث الحركة لها إذا كانت سائرة، أو واقفة مضطربة، أو عدم استقرارها
على الأرض لو كانت واقفة لا حركة فيها وإن كان المصلي فيها مستقرا ساكنا غير
مضطرب، فناس قالوا بالجواز، لعدم ثبوت مانعية اضطراب المكان وعدم استقراره
من صحة الصلاة إذا لم يؤد إلى اضطراب في المصلى عرفا، بل كان يصدق عليه أنه
مستقر مطمئن، وناس قالوا بالعدم، اقتصارا على المتيقن في الصحة من مكان المستقر
على الأرض، ولعل التأمل في كلام كثير منهم يشهد بأولوية تحرير النزاع في ذلك من
الأول، بل قد يظهر من المحقق الثاني في جامع المقاصد والأستاذ الأكبر في شرح
المفاتيح والمحكي عن الجعفرية وشرحيها معلومية كون النزاع بينهم فيه، وأنه لا مجال
لاحتمال غيره، ويؤيده زيادة على ذلك أنه لم يحك في الكتب المعدة لنقل كلام الأصحاب
عن أحد منهم التصريح بالجواز اختيارا وإن فاتت تلك الأفعال، نعم حكي ذلك عن
ظاهر المبسوط والنهاية والوسيلة والمهذب ونهاية الإحكام، قال في الأول: (أما من
كان في السفينة فإن تمكن من الخروج منها والصلاة على الأرض خرج، فإنه أفضل،
437

فإن لم يفعل أو لا يتمكن منه جاز أن يصلي فيها الفرائض والنوافل سواء كانت صغيرة
أو كبيرة، وإذا صلى فيها صلى قائما مستقبلا للقبلة، فإذا دارت السفينة دار معها واستقبل
القبلة، فإن لم يمكنه استقبل بأول تكبيرة القبلة، ثم صلى كيفما دارت، وقد روي أنه
يصلي إلى صدر السفينة، وذلك يخص النوافل، وإذا لم يجد فيها ما يسجد عليه سجد على
خشبها، فإن كان مقيرا غطاه بثوب ويسجد عليه، فإن لم يقدر سجد على القير عند
الضرورة وأجزأه) قال في كشف اللثام ونحوه الباقي مع إهمال الضرورة في السجود
على القير عدا الأخير، فليس فيه حديث السجود، ولعله غير مراد لهم.
قلت: وهو مع اختصاصه بفوات الاستقبال والقيام خاصة يمكن أن يكون ذلك
منه بيانا لحال عدم التمكن من الخروج، لا لعدم الفعل اختيارا، على أنه لو سلم كون
المراد من هذه العبارات ذلك فهو ومع اختصاصه بالاستقبال والقيام دون الشهرة بمراتب
فضلا عن دعوى فهم الأصحاب فلا وجه للترجيح به، فضلا عن أن يعارض ما عرفت
من المرجحات السابقة، وكذا لا وجه للقول بأن المراد بالصلاة في السفينة التي لا يعلم
فوات الأفعال المزبورة منها ابتداء، أما المعلومة فلا إشكال في عدم الجواز فيها اختيارا
لما ذكرت، وحينئذ فالشارع في الصلاة في السفينة برجاء التمكن منها تامة الأفعال إذا
عرض له في الأثناء له ما لا يتمكن معه من ذلك أنقلب تكليفه، لاضطراره بالتلبس بالصلاة
المحرم قطعها، ولمعلومية مراعاة حالي الاختيار والاضطرار في كل جزء من الصلاة،
فالصحيح لو عرض له ما يقتضي الجلوس في الأثناء جلس، كما أن المريض يقوم لو اتفق
له الصحة لذلك، وليس هذا معارضة لوجوب هذه الأفعال في الصلاة كي يتجه الكلام
السابق، إذ فيه أولا أنه خلاف اطلاق عبارة المجيز ودليله، ضرورة اقتضائهما جواز
ذلك في السفينة وإن علم به من أول الأمر، خصوصا بالنسبة للقيام الذي جعل في بعض
438

النصوص (1) مدار فعله وعدمه على كون السفينة ثقيلة لا يخشى عليها الانكفاء به،
وخفيفة يخشى عليها ذلك به، إذ هو كالصريح في أن له فعل ذلك ابتداء، وكذا غيره
من النصوص (2) المتضمنة لسقوط الاستقبال الظاهرة أو الصريحة أيضا في أنه يجوز
وإن علم بذلك من أول الأمر، وثانيا إنا نمنع انقلاب التكليف هنا، لابتنائه على بقاء
الخطاب بالصلاة التي قد تلبس بها في هذا الحال حتى يشرع له حينئذ الانتقال إلى تلك
الأبدال الاضطرارية، وهو ممنوع، لاقتضاء جميع ما دل على وجوب تلك الأفعال
بطلان خصوص ذلك الفرد، واستئناف فرد جديد جامع للأفعال، وليس هو إبطالا
للعمل، بل هو بطلان.
ومن ذلك يظهر الفرق بينه وبين عروض غيره من أحوال الاضطرار المعلقة،
على موضوع قد فرض تحققه من غير ملاحظة وجوب اتمام ذلك الفرد من الصلاة،
ولم يفرق فيه بين الابتداء والأثناء، فالمرض الذي يؤمر له بالجلوس لو عرض في أثناء
الصلاة جلس له كما لو كان في الابتداء، نعم لو عرض له وقد علمنا زواله في ثاني الأوقات
ولم نقل بجواز البدار لمثله من ذوي الأعذار مع العلم بالزوال قبل فوات وقت الصلاة
اتجه القول بعدم الاجتزاء باتمام ذلك الفرد أيضا، بل يجب عليه استئناف فرد جديد
له كما هو واضح، وأولى منه ما نحن فيه قطعا، ودعوى أنه وإن كان ذلك مقتضى
الضوابط لكن يمكن القول به في خصوص السفينة، لاطلاق أدلة الجواز السابقة،
فيكون ذلك حينئذ خصوصية في السفينة المستفادة من النص والفتوى يدفعها أنه بناء
عليها يعود البحث السابق بعينه، إذ التعارض حينئذ بالعموم من وجه، والترجيح بما
عرفت، واحتمال أن الترجيح على هذا التقرير لأدلة الجواز في السفينة كما ترى، لعدم

(1) الوسائل - الباب 14 - من أبواب القيام - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القبلة
439

الفرق بين التقريرين بما يقتضي ذلك، إذ التعارض عليهما معا بين ما دل على وجوب
تلك الأفعال في الصلاة وبين اطلاق وجوب الصلاة في السفينة، فالكلام الكلام، والبحث
البحث، فلاحظ وتأمل.
فظهر من ذلك كله أن تحرير النزاع على هذا الوجه مما لا ينبغي، أو أن الحق
عدم الجواز اختيارا على تقديره، كما أنه ظهر لك مما قدمناه سابقا أن التحقيق الجواز
اختيارا، بناء على تحريره بما سمعته سابقا، وفاقا لجماعة بل الأكثر إن لم يكن المشهور،
بل في جامع المقاصد الاتفاق على الجواز في السفينة الواقفة مع عدم الحركات الفاحشة،
وهو الحجة، مضافا إلى ما سمعته سابقا في الصلاة على الدابة الواقفة والمعقولة والرف
المعلق بين نخلتين والسرير المحمول ونحو ذلك، بل ما هنا أولى، للأمن من حصول
الحركة المنافية للصلاة غالبا، وعدم كون قرارها الأرض بل الماء، لا يصلح مانعا بعد
اطلاق النص والفتوى وعدم ذكر ذلك في شرائط المكان أو موانع الصلاة، على أن
أدلة الجواز في السفينة لا معارض لها هنا إلا المضمر (1) والحسن (2) السابقان من وجه،
ولا ريب في رجحان أدلة الجواز المعتضدة بما سمعت عليهما، خصوصا مع عدم حجية
الأول منهما وخصوصا بعد اشعارهما أو ظهورهما في فوات بعض الأفعال كالقيام
والاستقبال لا من حيث السفينة.
بل هو كذلك أيضا بالنسبة إلى السائرة أيضا إذا لم يحصل بسيرها اضطراب
للمصلي وعدم طمأنينة، بل كان يصدق عليه الاستقرار والطمأنينة، إذ لا معارض لها
فيه أيضا إلا الخبران السابقان من وجه، وترجح عليهما بقوة الدلالة أولا، ضرورة
انسياق هذا الفرد من أدلة الجواز إلى الذهن من بين الأفراد، وبالتعدد ثانيا، وبصحة

(1) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القبلة الحديث 8 - 14
(2) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القبلة الحديث 8 - 14
440

السند ثالثا، وبالاعتضاد بما عرفت من أن الجواز مقتضى الأصول والاطلاقات، لعدم
ثبوت اشتراط عدم حركة مكان المصلي الذي لا يقتضي حركته وانتقاله حركة المصلي
وانتقاله، بل لعل الثابت عدمه رابعا، ودعوى الشك ممنوعة، مع أن الأصل عندنا
عدم شرطية المشكوك فيه، فما في الذكرى - من أن الأصح المنع إلا لضرورة، لأن
القرار ركن في القيام، وحركة السفينة تمنع من ذلك، ولأن الصلاة فيها مستلزمة
للحركات الكثيرة الخارجة عن الصلاة - في غير محله، ضرورة عدم منع السفينة من
ذلك، والعرف أعدل شاهد فيه وفي عدم صدق الحركة عليه أصلا، فضلا عن كونها
كثيرة تندرج تحت الفعل الكثير، كما في كل ساكن بالذات متحرك بالعارض، وفرض
البحث في ذلك خروج عن تحرير محل النزاع بما عرفته سابقا من كون المصلي مستوفيا
لجميع ما يعتبر في الصلاة، وأنه ليس إلا سير السفينة، وإلا فالأقوى عدم الجواز حينئذ
اختيارا كما ذكرنا الكلام فيه مفصلا على تقدير كون النزاع في ذلك، فتأمل. ثم قال:
وبما قلناه قال أبو الصلاح وابن إدريس في باب صلاة المسافر، حيث قال: ومن اضطر
إلى الصلاة في سفينة فأمكنه أن يصلي قائما لم يجزه غير ذلك، وإن خاف الغرق
وانقلاب السفينة جاز أن يصلي جالسا، وفيه أنه لا صراحة في ذلك في اشتراط
الاضطرار، وإن كان مستوفيا لجميع الأفعال، ومن هنا قال في كشف اللثام بعد أن حكى
عن الشهيد ما سمعت، قلت: لم يصرحا بذلك، نعم إنما تعرضا للمضطر إلى الصلاة فيها،
وكذا السيد في الجمل، فانحصر التصريح بالمنع حينئذ فيه وفي بعض من تأخر عنه،
لكن قد عرفت أنه قال في الدروس: وظاهر الأصحاب أن الصلاة مقيدة بالضرورة،
إلا أن تكون مشدودة، وفيه - مع اعترافه في الذكرى بأن كثيرا من الأصحاب جوزوه
ولم يذكروا الاختيار - أنه لا ظهور في كلمات الأصحاب بذلك كما اعترف به في كشف
اللثام، واحتمال أنه أخذه من اشتراطهم الاستقرار ومنعهم من الفعل الكثير بناء على
441

فقدهما فيما نحن فيه ليس بأولى من نسبة الجواز حينئذ إليهم بناء على ما عرفت من كون
التحقيق حصولهما، وأن ليس للمصلي إلا حركة عرضية، نعم ربما كان نوع اشعار في
العبارتين المزبورتين كالمحكي عن الغنية والمراسم والجمل أيضا، لكن ذلك لا يجوز النسبة
إلى ظاهرهم فضلا عن ظاهر الأصحاب، خصوصا بعد أن عرفت ظهور عبارة المبسوط
والنهاية والوسيلة والمهذب ونهاية الإحكام في الجواز اختيارا وإن فاتت تلك الأفعال،
بل هي في محل البحث كما هو واضح.
وكيف كان فحيث يصلي في السفينة يجب عليه مراعاة ما يعتبر في الصلاة ما أمكن
ولو في البعض، واطلاق بعض النصوص (1) الدوران مع السفينة تدور يراد
به إلى القبلة، أو مقيد بما في النصوص الأخر (2) من عدم التمكن من الاستقبال،
وأما التوجه إلى الصدر فهو مختص بالنوافل كما يكشف عنه بعض النصوص (3) وسمعت
التصريح به من المبسوط، أو يحمل على ما إذا لم يدر أين القبلة لا من علمها ولكن
لا يتمكن من استقبالها مخافة انكفاء السفينة مثلا، وأما السجود على القير والقفر الذين
قد تضمنهما موثق ابن عمار (4) وخبر ابن ميمون (5) قال الصادق (عليه السلام)
في أولهما: (وتصلي على القير والقفر، وتسجد عليه وتسجد عليه) وقيل له في ثانيهما:
(ويسجد على ما فيها وعلى القير فقال: لا بأس) فلم أجد من عمل بهما على اطلاقهما،
وقد سمعت ما في المبسوط من التقييد بالضرورة، ويمكن إرادة مباشرتهما حال السجود
ولو على ما يصح السجود عليه، بمعنى أنه لا يجب عليه تغطيته بثوب ونحوه، لا السجود
عليهما بمعنى وضع الجبهة عليه، لما ستعرفه إن شاء الله فيما يسجد عليه، والله أعلم.

(1) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القبلة - الحديث 6 و 8
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2 - 4
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب القبلة - الحديث 1 - 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القيام - الحديث 8
442